فَلَا فَسْخَ لها إذْ يَلْزَمُهَا الْقَبُولُ لِأَنَّ الْمُتَبَرَّعَ بِهِ يَدْخُلُ في مِلْكِ الْمُؤَدَّى عنه وَيَكُونُ الْوَلِيُّ كَأَنَّهُ وَهَبَ وَقِيلَ له وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ نَقْلًا عن الْأَصْحَابِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَشْهَدُ له نَصُّ الْأُمِّ على أَنَّ سَيِّدَ الْأَمَةِ لو تَطَوَّعَ عن الزَّوْجِ بِالنَّفَقَةِ لَا خِيَارَ لها لِأَنَّهَا وَاجِدَةٌ لِلنَّفَقَةِ وَلَا تَفْسَخُ بِضَمَانٍ من غَيْرِهِ له بِإِذْنِهِ نَفَقَةَ يَوْمٍ فَيَوْمٍ بِأَنْ يُجَدِّدَ ضَمَانَ كل يَوْمٍ وَإِلَّا فَضَمَانُهَا جُمْلَةً لَا يَصِحُّ فَتَفْسَخُ بِهِ فَإِنْ أَنْفَقَ الْمُوسِرُ أو الْمُتَوَسِّطُ مُدًّا لم تَفْسَخْ لِأَنَّهُ يَكْفِي قِوَامًا وَبَقِيَ الْبَاقِي دَيْنًا عليه
فَصْلٌ لَا تَفْسَخُ امْرَأَةُ رَجُلٍ مُكْتَسِبٍ ما يُنْفِقُ عليها لِأَنَّ الْقُدْرَةَ بِالْكَسْبِ كَهِيَ بِالْمَالِ فَلَوْ كان يَكْتَسِبُ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرَ النَّفَقَةِ لم تَفْسَخْ لِأَنَّهَا هَكَذَا تَجِبُ وَلَيْسَ عليه أَنْ يَدَّخِرَ لِلْمُسْتَقْبَلِ وَلَوْ جُمِعَتْ له أُجْرَةُ أُسْبُوعٍ في يَوْمٍ منه وَكَانَتْ تَفِي بِنَفَقَةِ جَمِيعِهِ فَإِنَّهَا لَا تَفْسَخُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْسِرٍ بَلْ تَسْتَدِينُ لِمَا يَقَعُ من التَّأْخِيرِ الْيَسِيرِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّا نُصَبِّرُهَا أُسْبُوعًا بِلَا نَفَقَةٍ بَلْ الْمُرَادُ كما قال الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ هذا في حُكْمِ الْوَاجِدِ لِنَفَقَتِهَا وَيُنْفِقُ مِمَّا اسْتَدَانَهُ لِإِمْكَانِ الْقَضَاءِ فَلَوْ بَطَلَ من كان يَكْتَسِبُ في بَعْضِ الْأُسْبُوعِ نَفَقَةَ جَمِيعِهِ الْكَسْبَ أُسْبُوعًا لِعَارِضٍ فَسَخَتْ لِتَضَرُّرِهَا وَتَكُونُ قُدْرَتُهُ على الْكَسْبِ بِمَنْزِلَةِ دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ له على غَيْرِهِ بِقَدْرِ ما مَرَّ فيه لَا لِامْتِنَاعِ له من الْكَسْبِ فَلَا تَفْسَخُ كَالْمُوسِرِ الْمُمْتَنِعِ
وَلَا تَفْسَخُ بِالْعَجْزِ عن الْأُدْمِ وَإِنْ لم يَنْسَغْ الْقُوتُ بِدُونِهِ لِبَعْضِ الناس لِأَنَّهُ تَابِعٌ وَالنَّفْسُ تَقُومُ بِدُونِهِ ولا عن نَفَقَةِ الْخَادِمِ لِأَنَّهُ ليس ضَرُورِيًّا
وَلَوْ مَرِضَ مَرَضًا يَعْجِزُ بِهِ عن الْكَسْبِ وكان يَبْرَأُ لِثَلَاثٍ من الْأَيَّامِ فَأَقَلَّ لم تَفْسَخْ إذْ لَا تَشُقُّ الِاسْتِدَانَةُ لِمِثْلِ ذلك أو كان يَطُولُ زَمَنُهُ بِأَنْ لَا يَبْرَأَ لِثَلَاثٍ فَسَخَتْ لِمَا صَرَّحَ بِهِ من زِيَادَتِهِ بِقَوْلِهِ لِانْقِطَاعِ كَسْبِهِ
وَلَوْ عَجَزَ عن السُّكْنَى أو الْكِسْوَةِ فَسَخَتْ أَيْضًا لِتَضَرُّرِهَا بِعَدَمِهِمَا بَلْ لَا تَبْقَى النَّفْسُ بِدُونِ الْكِسْوَةِ غَالِبًا قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ عَجَزَ عن بَعْضِ الْكِسْوَةِ فَقَدْ أَطْلَقَ الْفَارِقِيُّ أَنَّ لها الْفَسْخَ وَالْمُخْتَارُ ما أَفْتَى بِهِ ابن الصَّبَّاغِ أَنَّهُ إنْ كان الْمَعْجُوزُ عنه مِمَّا لَا بُدَّ منه كَالْقَمِيصِ وَالْخِمَارِ وَجُبَّةِ الشِّتَاءِ فَلَهَا الْفَسْخُ أو مِمَّا منه بُدٌّ كَالسَّرَاوِيلِ وَالنَّعْلِ فَلَا قال وَلَوْ عَجَزَ عن الْأَوَانِي وَالْفُرُشِ وَنَحْوِهَا فَالْمُتَّجَهُ ما جَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ لَا فَسْخَ لِأَنَّ ما يُسْتَحَقُّ لِلْإِصْلَاحِ وَالزِّينَةِ لَا يَصِيرُ دَيْنًا في الذِّمَّةِ وَسَبَقَهُ إلَى نَحْوِ ذلك الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا بِنَاءً على أَنَّ ذلك إمْتَاعٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يُعَلِّلَ عَدَمَ الْفَسْخِ بِذَلِكَ بِأَنَّهُ ليس ضَرُورِيًّا كَالسُّكْنَى وَإِنْ كانت تَحْصُلُ الْبَطَالَةُ على الْعَلَاءِ أَيْ الْعُمْلَةُ بِأَنْ لم يَجِدُوا من يَسْتَعْمِلُهُمْ وَتَعَذَّرَتْ النَّفَقَةُ لِذَلِكَ وكان ذلك يَقَعُ غَالِبًا لَا نَادِرًا أَجَازَ لها الْفَسْخَ لِتَضَرُّرِهَا
وَلَوْ قَدَرَ على تَسْلِيمِ نِصْفِ الْمُدِّ غَدَاءً ونصفه عَشَاءً كَذَلِكَ أَيْ وَقْتُهُ لم تَفْسَخْ لِوُصُولِهَا إلَى حَقِّهَا أو كان يُحَصِّلُ يَوْمًا مُدًّا وَيَوْمًا نِصْفًا فَسَخَتْ لِتَضَرُّرِهَا وَكَذَا لو كان يُحَصِّلُ كُلَّ يَوْمٍ نِصْفَ مُدٍّ وَدُونَهُ أو يَوْمًا مَدًّا وَيَوْمًا لَا يُحَصِّلُ شيئا كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَوْ كان يُحَصِّلُ كُلَّ يَوْمٍ أَكْثَرَ من نِصْفِ مُدٍّ فَالظَّاهِرُ أَنَّ لها الْفَسْخَ وَإِنْ زَعَمَ الزَّرْكَشِيُّ من أَنَّ قَضِيَّةَ حِنْثِهِ فِيمَا لو حَلَفَ لَا يَتَغَذَّى وَلَا يَتَعَشَّى فَأَكَلَ زِيَادَةً على نِصْفِ عَادَتِهِ أنها لَا تَفْسَخُ
قال في الْأَصْلِ وَلَا يَثْبُتُ الْفَسْخُ إلَّا بِالْمُعْجِزِ عن نَفَقَةِ الْمُعْسِرِ فَلَوْ عَجَزَ عن نَفَقَةِ الْمُوسِرِ أو الْمُتَوَسِّطِ فَلَا فَسْخَ لِأَنَّ وَاجِبَهُ الْآنَ وَاجِبُ الْمُعْسِرِ
وَلَا فَسْخَ بِالْمَهْرِ أَيْ بِالْعَجْزِ عنه لِلْمُفَوِّضَةِ قبل الْفَرْضِ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ لها قبل فَرْضِهِ بِخِلَافِ ما بَعْدَهُ وَلَا بِمَهْرٍ وَجَبَ بِالتَّسْمِيَةِ أو بِدُونِهَا أَيْ بِالْعَجْزِ عنه بَعْدَ الدُّخُولِ لِتَلَفِ الْمُعَوَّضِ بِخِلَافِ ما قَبْلَهُ كما في عَجْزِ الْمُشْتَرِي عن الثَّمَنِ وَلِأَنَّ تَمْكِينَهَا قبل أَخْذِ الْمَهْرِ يَدُلُّ على رِضَاهَا بِذِمَّتِهِ وإذا لم يَكُنْ لها الِامْتِنَاعُ بَعْدَ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا فَلَأَنْ لَا يَكُونُ لها الْفَسْخُ بَعْدَ ذلك أَوْلَى وَفَارَقَ الْمَهْرُ الْمَذْكُورَاتِ قَبْلَهُ حَيْثُ تَفْسَخُ بِالْعَجْزِ عنها وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ بِأَنَّهُ في مُقَابَلَةِ الْوَطْءِ فإذا اسْتَوْفَاهُ الزَّوْجُ كان الْمُعَوَّضُ تَالِفًا فَيَتَعَذَّرُ عَوْدُهُ بِخِلَافِهَا فَإِنَّهَا في مُقَابَلَةِ التَّمْكِينِ فَلَوْ قَبَضَتْ بَعْضَ الْمَهْرِ كما هو مُعْتَادٌ فَلَا فَسْخَ بِعَجْزِهِ عن بَقِيَّتِهِ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ له من الْبُضْعِ بِقِسْطِهِ فَلَوْ فَسَخَتْ لَعَادَ لها الْبُضْعُ بِكَمَالِهِ لِتَعَذُّرِ الشَّرِكَةِ فيه فَيُؤَدِّي إلَى الْفَسْخِ فِيمَا اسْتَقَرَّ لِلزَّوْجِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ من الْفَسْخِ
____________________
(3/439)
بِالْفَلَسِ لِإِمْكَانِ الشَّرِكَةِ في الْمَبِيعِ قَالَهُ ابن الصَّلَاحِ في فَتَاوِيهِ وَنَقَلَهُ عنه الْإِسْنَوِيُّ قال وَتَوَقَّفَ فيه ابن الرِّفْعَةِ وَجَزَمَ الْبَارِزِيُّ بِخِلَافِهِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ يُوَافِقُهُ لِصِدْقِ الْعَجْزِ عن بَعْضِهِ وَاعْتَمَدَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ قالوا لِأَنَّ الْبُضْعَ لَا يَقْبَلُ التَّبْعِيضَ بَلْ هو كَالطَّلَاقِ فِيمَا لو سَأَلَتْهُ طَلْقَةً بِأَلْفٍ لَا نَقُولُ نِصْفُ الْأَلْفِ مُقَابِلٌ لِنِصْفِ الطَّلْقَةِ فَكَذَا لَا يُقَالُ إنَّ بَعْضَ الْمَهْرِ مُقَابِلٌ لِبَعْضِ الْبُضْعِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَتَقَسَّطُ عليه في الْعَقْدِ فَيَتَقَسَّطُ عليه في الرُّجُوعِ عِنْدَ الْفَسْخِ بِخِلَافِ الْمَهْرِ لَا يَتَقَسَّطُ على الْبُضْعِ في النِّكَاحِ فَلَا يَتَقَسَّطُ عليه في الْفَسْخِ قال الزَّرْكَشِيُّ وقد يُقَالُ هذا هو مَأْخَذُ ابْنِ الصَّلَاحِ لِأَنَّهُ إذَا لم يَقْبَلْ التَّبْعِيضَ وقد أَدَّى بَعْضَ الْمَهْرِ فَقَدْ دَارَ الْأَمْرُ بين أَنْ يَغْلِبَ عليه حُكْمُ الْمَقْبُوضِ أو حُكْمُ غَيْرِهِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى بَقَاءِ النِّكَاحِ وَلِذَلِكَ لو ادَّعَى الْمَوْلَى وَالْعِنِّينُ الْوَطْءَ قُبِلَ قَوْلُهُمَا وَإِنْ كان الْأَصْلُ عَدَمَ ما ادَّعَيَاهُ
وَلَا فَسْخَ لِلزَّوْجَةِ بِنَفَقَةٍ عن مُدَّةٍ مَاضِيَةٍ أَيْ بِالْعَجْزِ عنها لِتَنْزِيلِهَا مَنْزِلَةَ دَيْنٍ آخَرَ حتى لو لم تَفْسَخْ في يَوْمِ جَوَازِ الْفَسْخِ فَوَجَدَ نَفَقَةً بَعْدَهُ فَلَا فَسْخَ لها بِنَفَقَةِ الْأَمْسِ وما قَبْلَهُ بَلْ تَثْبُتُ نَفَقَةُ الْمُعْسِرِ عن الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ وَالْأُدْمِ وَالْكِسْوَةِ وَالْأَنِيَّةِ
وَنَفَقَةُ الْخَادِمِ دَيْنًا في ذِمَّةِ الزَّوْجِ وَإِنْ تَرَكَهَا بِعُذْرٍ أو لم يَفْرِضْهَا الْقَاضِي لِأَنَّهَا في مُقَابَلَةِ التَّمْكِينِ وقد حَصَلَ وَلَيْسَتْ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ لِأَنَّهَا تَجِبُ مُوَاسَاةً صِيَانَةً له عن الْهَلَاكِ وَنَفَقَةُ الزَّوْجَةِ تَجِبُ عِوَضًا كما مَرَّ وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُعْسِرِ من زِيَادَتِهِ وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ قال الْبُلْقِينِيُّ وَمَحَلُّ ما ذُكِرَ في نَفَقَةِ الْخَادِمِ إذَا كان الْخَادِمُ مَوْجُودًا فَإِنْ لم يَكُنْ ثَمَّ خَادِمٌ فَلَا تَصِيرُ نَفَقَتُهُ دَيْنًا في ذِمَّةِ الزَّوْجِ لَا السُّكْنَى فَلَا تَثْبُتُ دَيْنًا لِأَنَّهَا إمْتَاعٌ لَا تَمْلِيكٌ
الطَّرَفُ الثَّانِي في حَقِيقَةِ هذه الْفُرْقَةِ وَهِيَ فَسْخٌ لَا طَلَاقَ فَلَا تُنْقِصُ عَدَدَ الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَمَّا ذُكِرَ عَيْبٌ كَالْعُنَّةِ وَالْجَبِّ بِخِلَافِ الْإِيلَاءِ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا عَيْبَ بِهِ وَإِنَّمَا قَصَدَ الْإِضْرَارَ بها فَمَنَعَ وَأَمَرَ بِأَنْ يَفِيءَ أو يُطَلَّقَ وَيُشْتَرَطُ لِلْفَسْخِ الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي كما في الْعُنَّةِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ اجْتِهَادٍ فَلَا تَسْتَقِلُّ بِهِ الزَّوْجَةُ بَلْ يَفْسَخُهُ بِنَفْسِهِ أو بِغَيْرِهِ بَعْدَ الثُّبُوتِ أو يَأْذَنُ لها فيه وَلَيْسَ لها مع عِلْمِهَا بِالْعَجْزِ الْفَسْخُ قبل الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي وَلَا بَعْدَهُ قبل الْإِذْنِ فيه قال الْإِمَامُ وَلَا حَاجَةَ إلَى إيقَاعِهِ في مَجْلِسِ الْحُكْمِ لِأَنَّ الذي يَتَعَلَّقُ بِهِ إثْبَاتُ حَقِّ الْفَسْخِ فَإِنْ اسْتَقَلَّتْ بِالْفَسْخِ لِعَدَمِ حَاكِمٍ وَمُحَكِّمٍ ثَمَّ أو لِعَجْزٍ عن الرَّفْعِ نَفَذَ ظَاهِرًا أو بَاطِنًا لِلضَّرُورَةِ وَإِلَّا بِأَنْ قَدَرَتْ على حَاكِمٍ أو مُحَكِّمٍ فَلَا يَنْفُذُ فَسْخُهَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا وَقِيلَ يَنْفُذُ بَاطِنًا وَالتَّرْجِيحُ فيه من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ أَخْذًا من نَقْلِ الْإِمَامُ له عن مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَئِمَّةِ
الطَّرَفُ الثَّالِثُ في وَقْتِ الْفَسْخِ يُمْهَلُ الزَّوْجُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْإِعْسَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَإِنْ لم يَسْتَمْهِلْ الْقَاضِي لِيَتَحَقَّقَ إعْسَارُهُ فإنه قد يَعْسُرُ لِعَارِضٍ ثُمَّ يَزُولُ
____________________
(3/440)
وَهِيَ مُدَّةٌ قَرِيبَةٌ يَتَوَقَّعُ فيها الْقُدْرَةَ بِقَرْضٍ أو غَيْرِهِ فَلَوْ تَخَلَّلَهَا قُدْرَةٌ على النَّفَقَةِ كَأَنْ عَجَزَ عن نَفَقَةِ يَوْمٍ وَوَجَدَ نَفَقَةَ الثَّانِي وَعَجَزَ في الثَّالِثِ وَقَدَرَ في الرَّابِعِ وَعَجَزَ في الْخَامِسِ لُفِّقَتْ الثَّلَاثُ وَلَا يَسْتَأْنِفُهَا لِئَلَّا تَتَضَرَّرَ بِطُولِ الْمُدَّةِ لِلِاسْتِئْنَافِ
وَلَيْسَ لها أَنْ تَأْخُذَ نَفَقَةَ يَوْمٍ قَدَرَ فيه على نَفَقَتِهِ عن يَوْمٍ قَبْلَهُ عَجَزَ فيه عن نَفَقَتِهِ لِتَنْفَسِخَ عِنْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ في الْأَدَاءِ بِقَصْدِ الْمُؤَدَّى وَإِنْ تَرَاضَيَا على ذلك فَفِيهِ تَرَدُّدٌ أَيْ احْتِمَالَانِ أَحَدُهُمَا لها الْفَسْخُ عِنْدَ تَمَامِ الثَّلَاثِ بِالتَّلْفِيقِ وَثَانِيهِمَا لَا وَيَجْعَلُ الْقُدْرَةَ عليها مُبْطِلَةً لِلْمُهْلَةِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْمُتَبَادَرُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ قال وَرَجَّحَ ابن الرِّفْعَةِ الثَّانِيَ بِنَاءً على أنها لَا تَفْسَخُ بِنَفَقَةِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ وَيُجَابُ عنه بِأَنَّ عَدَمَ فَسْخِهَا بِنَفَقَةِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ مَحَلَّهُ في الْمَاضِيَةِ قبل أَيَّامِ الْمُهْلَةِ لَا في أَيَّامِهَا ثُمَّ إذَا تَخَلَّلَتْ الْمُدَّةُ قُدْرَةٌ تَفْسَخُ لِتَمَامِ الثَّلَاثِ بِالتَّلْفِيقِ لَا إنْ سَلَّمَ لها نَفَقَةَ الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَلَا تَفْسَخُ لِتَبَيُّنِ زَوَالِ الْعَارِضِ الذي كان الْفَسْخُ لِأَجْلِهِ فَلَوْ سَلَّمَهَا لها وَعَجَزَ عن نَفَقَةِ الْخَامِسِ أو السَّادِسِ فَسَخَتْ ولم يَسْتَأْنِفْ الْمُهْلَةَ أَيْ مُدَّتَهَا لِمَا مَرَّ
فَرْعٌ لو نَكَحَتْهُ عَالِمَةً بِإِعْسَارِهِ أو رَضِيَتْ بِالْمُقَامِ معه ثُمَّ نَدِمَتْ فَلَهَا الْفَسْخُ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ يَوْمًا فَيَوْمًا وَالضَّرَرُ يَتَجَدَّدُ وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِهَا رَضِيت بِإِعْسَارِهِ أَبَدًا لِأَنَّهُ وَعْدٌ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ كما في نَظِيرِهِ في الْإِيلَاءِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيُسْتَثْنَى يَوْمُ الرِّضَا فَلَا خِيَارَ لها فيه كما أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ وَحَكَاهُ ابن الرِّفْعَةِ عن الْبَنْدَنِيجِيِّ وَيُجَدِّدُ الْإِمْهَالَ إذَا طَلَبَتْ الْفَسْخَ بَعْدَ الرِّضَا وَلَا يُعْتَدُّ بِالْمَاضِي لِتَعَلُّقِ الْإِمْهَالِ بِطَلَبِهَا فَيَسْقُطُ أَثَرُهُ بِرِضَاهَا وَفَارَقَ نَظِيرَهُ في الْإِيلَاءِ حَيْثُ لَا يُجَدِّدُ الْإِمْهَالَ بِطُولِ مُدَّتِهِ ثُمَّ وَبِعَدَمِ تَوَقُّفِهَا على طَلَبِهَا لِلنَّصِّ عليها ثُمَّ بِخِلَافِهَا هُنَا وَلَهَا في مُدَّةِ الْإِمْهَالِ مُدَّةُ الرِّضَا بِإِعْسَارِهِ الْخُرُوجُ من الْمَنْزِلِ لِلِاكْتِسَابِ لِلنَّفَقَةِ نَهَارًا بِتِجَارَةٍ أو غَيْرِهَا فَلَيْسَ له مَنْعُهَا من ذلك وَإِنْ قَدَرَتْ على الْإِنْفَاقِ بِمَالِهَا أو الْكَسْبِ في بَيْتِهَا لِأَنَّهُ إذَا لم يُوَفِّ ما عليه لَا يَمْلِكُ الْحَجْرَ عليها وَعَلَيْهَا الْعَوْدُ إلَى الْمَنْزِلِ لَيْلًا لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِيوَاءِ دُونَ الِاكْتِسَابِ وَلَوْ مَنَعَته الِاسْتِمْتَاعُ نَهَارًا جَازَ لَكِنْ تَسْقُطُ نَفَقَةُ مُدَّةِ مَنْعِهَا إنْ مَنَعَتْهُ لَيْلًا عن ذِمَّةِ الزَّوْجِ بِخِلَافِ ما إذَا لم تَمْنَعْهُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ من نَفَقَتِهَا
فَصْلٌ وفي نُسْخَةٍ فَرْعٌ لو أَعْسَرَ بِالْمَهْرِ فَلَهَا الْفَسْخُ بِالْقَاضِي أَيْ بِالرَّفْعِ إلَيْهِ كما في النَّفَقَةِ قبل الدُّخُولِ لَا بَعْدَهُ كما مَرَّ وَلَا فَسْخَ لها إنْ تَزَوَّجَتْهُ عَالِمَةً بِإِعْسَارِهِ بِالْمَهْرِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لَا يَتَجَدَّدُ وَكَمَا لو رَضِيَتْ بِهِ في النِّكَاحِ ثُمَّ بَدَا لها بِخِلَافِ النَّفَقَةِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ فَقَدْ حَكَاهُ الْعِمْرَانِيُّ عن الْجَدِيدِ وَذَاكَ عن الْقَدِيمِ وقد اغْتَرَّ في الرَّوْضَةِ بِمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ من عِنْدِهِ لِمَا لم يَقِفْ على غَيْرِهِ وزاد فَعَبَّرَ بِالْأَصَحِّ قال الزَّرْكَشِيُّ قال ابن الرِّفْعَةِ وَعَلَى الْفَسْخِ اقْتَصَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُمْهُورُ
انْتَهَى وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَالْخِيَارُ في الْمَهْرِ بَعْدَ الطَّلَبِ أَيْ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي على الْفَوْرِ فَلَوْ أَخَّرَتْ الْفَسْخَ سَقَطَ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يَتَجَدَّدُ وقد رَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ وَقَبْلَهُ على التَّرَاخِي لِأَنَّهُ قد يُؤَخِّرُ الطَّلَبَ لِتَوَقُّعِ الْيَسَارِ وَعُلِمَ من كَوْنِهِ على الْفَوْرِ بَعْدَ الطَّلَبِ أَنَّهُ لَا يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا دُونَهَا وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ بَلْ قد يُقَالُ إنَّ الْإِمْهَالَ هُنَا أَوْلَى لِأَنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِتَأْخِيرِ النَّفَقَةِ بِخِلَافِ الْمَهْرِ الطَّرَفُ
____________________
(3/441)
@ 442 الرَّابِعُ فِيمَنْ له حَقُّ الْفَسْخِ وَهِيَ الْمَرْأَةُ فَلَا فَسْخَ لِوَلِيِّ صَغِيرَةٍ وَمَجْنُونَةٍ بِإِعْسَارِ الزَّوْجِ بِنَفَقَةٍ أو مَهْرٍ وَإِنْ كان فيه مَصْلَحَتُهُمَا كما لَا يُطْلَقُ على الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَإِنْ كانت فيه مَصْلَحَتُهُمَا لِأَنَّ الْفَسْخَ بِذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِالطَّبْعِ وَالشَّهْوَةِ فَلَا يُفَوَّضُ إلَى غَيْرِ ذِي الْحَقِّ بَلْ تَبْقَى النَّفَقَةُ وَالْمَهْرُ لَهُمَا دَيْنًا عليه يُطَالَبُ بِهِ إذَا أَيْسَرَ وَيُنْفِقُهَا من يُنْفِقُهَا أَيْ وَيُنْفِقُ على كُلٍّ مِنْهُمَا من يُنْفِقُ عليها خَلِيَّةً فَيُنْفِقُ عَلَيْهِمَا من مَالِهِمَا فَإِنْ لم يَكُنْ لَهُمَا مَالٌ فَنَفَقَتُهُمَا على من عليه نَفَقَتُهُمَا قبل النِّكَاحِ
وَتَسْتَقِلُّ الْأَمَةُ بِالْفَسْخِ لِلنَّفَقَةِ كما تَفْسَخُ بِجَبِّهِ وَعُنَّتِهِ وَلِأَنَّهَا صَاحِبَةُ حَقٍّ في تَنَاوُلِ النَّفَقَةِ فَإِنْ أَرَادَتْ الْفَسْخَ لم يَكُنْ لِلسَّيِّدِ مَنْعُهَا فَإِنْ ضَمِنَ السَّيِّدُ النَّفَقَةَ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ يَضْمَنُهَا فَإِنْ ضَمِنَهَا لها بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِهَا صَحَّ وَلَوْ كانت الْأَمَةُ صَغِيرَةً أو مَجْنُونَةً أو اخْتَارَتْ الْمُقَامَ مع الزَّوْجِ لم يَفْسَخْ السَّيِّدُ لِمَا مَرَّ وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ في الْأَصْلِ لها ثُمَّ يَتَلَقَّاهَا السَّيِّدُ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ فَيَكُونُ الْفَسْخُ لها لَا لِسَيِّدِهَا كما أَنَّهُ إذَا أَوْصَى لِلْعَبْدِ أو وَهَبَ منه يَكُونُ الْقَبُولُ إلَيْهِ وَإِنْ كان الْمِلْكُ يَحْصُلُ لِلسَّيِّدِ لَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْكَبِيرَةِ الْعَاقِلَةِ ما لم تَفْسَخْ بَلْ يقول لها افْسَخِي أو اصْبِرِي على الْجُوعِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عنه وَبِهَذَا الطَّرِيقِ يُلْجِئُهَا إلَى الْفَسْخِ فإذا فَسَخَتْ أَنْفَقَ عليها وَاسْتَمْتَعَ بها أو زَوْجِهَا من غَيْرِهِ وَكَفَى نَفْسَهُ مُؤْنَتَهَا وَلِلسَّيِّدِ الْفَسْخُ لِلْإِعْسَارِ بِالْمَهْرِ حَيْثُ يَثْبُتُ بِهِ الْفَسْخُ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّهِ لَا تَعَلُّقَ لِلْأَمَةِ وَلَا ضَرَرَ عليها في فَوَاتِهِ وَلِأَنَّهُ في مُقَابَلَةِ الْبُضْعِ فَكَانَ الْمِلْكُ فيه لِسَيِّدِهَا وَشَبَّهَ ذلك بِمَا إذَا بَاعَ عَبْدًا وَأَفْلَسَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ يَكُونُ حَقُّ الْفَسْخِ لِلْبَائِعِ لَا لِلْعَبْدِ وَتُطَالِبُ الْأَمَةُ زَوْجَهَا بِالنَّفَقَةِ كما كانت تُطَالِبُ السَّيِّدَ فَلَوْ أَعْطَاهَا لها بَرِئَ منها وَمَلَكَهَا السَّيِّدُ دُونَهَا لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ كما مَرَّ لَكِنْ لها قَبْضُهَا وَتَنَاوُلُهَا لِأَنَّهَا كَالْمَأْذُونَةِ في الْقَبْضِ بِحُكْمِ النِّكَاحِ وفي تَنَاوُلِهَا بِحُكْمِ الْعُرْفِ وَتَعَلَّقَتْ أَيْ الْأَمَةُ بها أَيْ بِالنَّفَقَةِ الْمَقْبُوضَةِ فَلَيْسَ له بَيْعُهَا قبل إبْدَالِهَا لها بِغَيْرِهَا لِأَنَّ نَفَقَتَهَا وَإِنْ كانت له بِحَقِّ الْمِلْكِ لَكِنْ لها فيها حَقُّ التَّوَثُّقِ كما أَنَّ كَسْبَ الْعَبْدُ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ وَتَتَعَلَّقُ بِهِ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ أَمَّا إذَا أَبْدَلَهَا فَيَجُوزُ له التَّصَرُّفُ فيها بِبَيْعٍ وَغَيْرِهِ وَلَهَا إبْرَاؤُهُ من نَفَقَةِ الْيَوْمِ لِأَنَّهَا لِلْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ فَكَانَ الْمِلْكُ لَا يَثْبُتُ لِلسَّيِّدِ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ أَمَّا قَبْلَهُ فَيَتَمَحَّضُ الْحَقُّ لها وَرَدَّهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ في الْأُمِّ على أَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَصِحُّ إلَّا من سَيِّدِهَا لَا الْأَمْسِ أَيْ ليس لها إبْرَاؤُهُ من نَفَقَةِ الْأَمْسِ كما في الْمَهْرِ وَالسَّيِّدُ بِالْعَكْسِ أَيْ له إبْرَاؤُهُ من نَفَقَةِ الْأَمْسِ لَا من نَفَقَةِ الْيَوْمِ
وَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ التَّسْلِيمَ لِلنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ أو الْحَاضِرَةِ أو الْمُسْتَقْبَلَةِ فَأَنْكَرَتْ الْأَمَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّسْلِيمِ وَإِنْ صَدَّقَهُ السَّيِّدُ بَرِئَ من النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ فَقَطْ أَيْ دُونَ الْحَاضِرَةِ وَالْمُسْتَقْبِلَةِ إذْ الْخُصُومَةُ لِلسَّيِّدِ في الْمَاضِيَةِ كَالْمَهْرِ لَا في الْحَاضِرَةِ وَالْمُسْتَقْبِلَةِ وَلَوْ أَقَرَّتْ بِالْقَبْضِ وَأَنْكَرَ السَّيِّدُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا لِأَنَّ الْقَبْضَ إلَيْهَا بِحُكْمِ النِّكَاحِ أو بِصَرِيحِ الْإِذْنِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ
تَنْبِيهٌ لو كانت أَمَةُ الْمُوسِرِ زَوْجَةَ أَحَدِ أُصُولِهِ الَّذِينَ يَلْزَمُهُ إعْفَافُهُمْ فَمُؤْنَتُهَا عليه كما سَيَأْتِي وَحِينَئِذٍ فَلَا فَسْخَ له وَلَا لها وَأَلْحَقَ بها نَظَائِرَهَا كما لو زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِهِ وَاسْتَخْدَمَهُ
وَمَنْ طُولِبَ بِالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ وَادَّعَى الْإِعْسَارَ يوم الْوُجُوبِ لها حتى يَلْزَمَهُ نَفَقَةُ الْمُعْسِرِ وَادَّعَتْ هِيَ الْيَسَارَ فيه كَذَبَ إنْ عُرِفَ بِمَالٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ وَإِلَّا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ
فَصْلٌ لو عَجَزَ الْعَبْدُ عن الْكَسْبِ الذي يُنْفِقُ منه ولم تَرْضَ زَوْجَتُهُ ذِمَّتَهُ فَسَخَتْ فَإِنْ رَضِيَتْهَا صَارَتْ نَفَقَتُهَا دَيْنًا عليه
فَصْلٌ لو عَجَزَ السَّيِّدُ عن نَفَقَةِ أَمْ وَلَدِهِ أُجْبِرَ على تَخْلِيَتِهَا لِلْكَسْبِ أَيْ لِتَكْتَسِبَ وَتُنْفِقَ على نَفْسِهَا أو على إيجَارِهَا وَلَا يُجْبَرُ على عِتْقِهَا أو تَزْوِيجِهَا كما لَا يَرْفَعُ مِلْكَ الْيَمِينِ بِالْعَجْزِ عن الِاسْتِمْتَاعِ فَإِنْ عَجَزَتْ عن الْكَسْبِ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ نَفَقَتُهَا
الْبَابُ الرَّابِعُ في نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ في شَرَائِطِ الْوُجُوبِ وفي الْكَيْفِيَّةِ لِلنَّفَقَةِ وَإِنَّمَا تَجِبُ على ذِي قَرَابَةٍ بَعْضِيَّةٍ وتجب له وَهُمْ الْفُرُوعُ وَإِنْ نَزَلُوا وَالْأُصُولُ وَإِنْ عَلَوْا فَقَطْ أَيْ دُونَ سَائِرِ الْأَقَارِبِ كَالْأَخِ وَالْأُخْتِ
____________________
(3/442)
وَالْعَمُّ وَالْعَمَّةُ ذُكُورًا وَإِنَاثًا وَارِثِينَ وَغَيْرَ وَارِثِينَ وَالْأَصْلُ في وُجُوبِ نَفَقَةِ الْفُرُوعِ قَوْله تَعَالَى فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ إذْ إيجَابُ الْأُجْرَةِ لِإِرْضَاعِ الْأَوْلَادِ يَقْتَضِي إيجَابَ مُؤْنَتِهِمْ وَقَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِهِنْدَ خُذِي ما يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وفي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْأُصُولِ قَوْله تَعَالَى وَصَاحِبْهُمَا في الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَخَبَرُ أَطْيَبُ ما يَأْكُلُ الرَّجُلُ من كَسْبِهِ وَوَلَدُهُ من كَسْبِهِ فَكُلُوا من أَمْوَالِهِمْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالْقِيَاسُ على الْفُرُوعِ بِجَامِعِ الْبَعْضِيَّةِ وَالْعِتْقِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ بَلْ هُمْ أَوْلَى لِأَنَّ حُرْمَتَهُمْ أَعْظَمُ وَالْفُرُوعُ بِالتَّعَهُّدِ وَالْخِدْمَةِ أَلْيَقُ وَبِالْجُمْلَةِ تَجِبُ على الْجَمِيعِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الدَّيْنُ فَتَجِبُ لِمُسْلِمٍ على كَافِرٍ وَعَكْسُهُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَلِوُجُودِ الْمُوجِبِ وهو الْبَعْضِيَّةُ كَالْعِتْقِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ وَفَارَقَ الْمِيرَاثَ بِأَنَّهُ مُوَالَاةٌ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ بِاخْتِلَافِ الدَّيْنِ وَيُسْتَثْنَى الْمُرْتَدُّ وَالْحَرْبِيُّ إذْ لَا حُرْمَةَ لها وَإِنَّمَا تَجِبُ النَّفَقَةُ على من ذُكِرَ فِيمَا فَضَلَ عن قُوتِ نَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ التي تَلِيهِ سَوَاءٌ أَفَضَلَ بِالْكَسْبِ أَمْ بِغَيْرِهِ فَإِنْ لم يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا وُجُوبَ لها لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِلْمُوَاسَاةِ وَهَذَا ليس من أَهْلِهَا وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ ابْدَأْ بِنَفْسِك فَتَصَدَّقَ عليها فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِك فَإِنْ فَضَلَ عن أَهْلِك شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِك وفي مَعْنَى الْقُوتِ سَائِرُ الْوَاجِبَاتِ فَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَهُ بِالْحَاجَةِ كان أَوْلَى وفي مَعْنَى زَوْجَتِهِ خَادِمُهَا وَأُمُّ وَلَدِهِ وَيُبَاعُ فيها مِلْكُهُ من عَقَارٍ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهَا حَقٌّ مَالِيٌّ لَا بَدَلَ له كَالدَّيْنِ وَلِأَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ على وَفَاءِ الدَّيْنِ وَمِلْكُهُ يُبَاعُ فيه فَفِيمَا هو مُقَدَّمٌ عليه أَوْلَى فَإِنْ كان مِلْكُهُ عَقَارًا اُقْتُرِضَ عليه قَدْرٌ يَسْهُلُ بَيْعُ شَيْءٍ من الْعَقَارِ له ثُمَّ يُبَاعُ له لِمَا في بَيْعِ كل يَوْمٍ جُزْءًا بِقَدَرِ الْحَاجَةِ من الْمَشَقَّةِ وَقِيلَ يُبَاعُ منه كُلَّ يَوْمٍ ذلك وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ من زِيَادَتِهِ قال الْبُلْقِينِيُّ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ في نَظِيرِهِ من النَّفَقَةِ على الْعَبْدِ فَلْيُرَجَّحْ هُنَا وقال الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الصَّحِيحُ قال أو الصَّوَابُ قال وَلَا يَنْبَغِي قَصْرُ ذلك على الْعَقَارِ قال الزَّرْكَشِيُّ فَلَوْ لم يُوجَدْ من يَشْتَرِي إلَّا الْجَمِيعَ وَتَعَذَّرَ الِاقْتِرَاضُ بِيعَ الْجَمِيعُ كما أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ في الصَّدَاقِ في الْكَلَامِ على التَّشْطِيرِ
وَيَلْزَمُهُ إذَا لم يَكُنْ له مَالٌ لَكِنَّهُ ذُو كَسْبٍ يُمَكِّنُهُ أَنْ يَكْتَسِبَ ما يَفْضُلُ عنه ذلك الِاكْتِسَابُ لِقَرِيبِهِ وَزَوْجَتِهِ كَنَفْسِهِ لِخَبَرِ كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ من يَعُولُ رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ بِالْكَسْبِ كَهِيَ بِالْمَالِ وَيُفَارِقُ الدَّيْنَ حَيْثُ لَا يَلْزَمُ الِاكْتِسَابُ له بِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ وَالنَّفَقَةُ يَسِيرَةٌ
وَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَوْ صَغِيرًا أو مَجْنُونًا وَزَمِنًا وَلَا فَقِيرَ يَكْتَسِبُ كِفَايَتَهُ لِاغْتِنَائِهِ بِكَسْبِهِ فَإِنْ كان يَكْتَسِبُ دُونَ كِفَايَتِهِ اسْتَحَقَّ الْقَدْرَ الْمَعْجُوزَ عنه خَاصَّةً وَقُدْرَةُ الْأُمِّ أو الْبِنْتِ على النِّكَاحِ لَا تُسْقِطُ نَفَقَتَهَا جَزَمَ بِهِ ابن الرِّفْعَةِ قال الزَّرْكَشِيُّ وكان الْفَرْقُ أَنَّ حَبْسَ النِّكَاحِ لَا نِهَايَةَ له بِخِلَافِ سَائِرِ أَنْوَاعِ الِاكْتِسَابِ فَلَوْ تَزَوَّجَتْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا بِالْعَقْدِ وَلَوْ كان الزَّوْجُ مُعْسِرًا إلَى أَنْ تَفْسَخَ لِئَلَّا تَجْمَعَ بين نَفَقَتَيْنِ فَإِنْ عَجَزَ عن الْكَسْبِ لِصِغَرٍ أو جُنُونٍ أو مَرَضٍ أو زَمَانَةٍ أو نَحْوِهَا أو كان قَادِرًا عليه لَكِنْ لَا يَلِيقُ بِهِ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَاجِزٌ عن كِفَايَةِ نَفْسِهِ وَالثَّانِي في مَعْنَاهُ وَأَلْحَقَ ابن الرِّفْعَةِ بِذَلِكَ الصَّحِيحَ الْمُشْتَغِلَ عن الْكَسْبِ بِالصَّرْفِ في مَالِ الْوَلَدِ وَمَصْلَحَتِهِ وهو ظَاهِرٌ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ في بَابِ الْحَجْرِ فَلَوْ قَدَرَ عليه وَامْتَنَعَ منه وَجَبَتْ أَيْ النَّفَقَةُ لِلْأَصْلِ لَا الْفَرْعِ لِعَظْمِ حُرْمَةِ الْأَصْلِ وَلِأَنَّ فَرْعَهُ مَأْمُورٌ بِمُصَاحَبَتِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَلَيْسَ منها تَكْلِيفُهُ الْكَسْبَ مع كِبَرِ السِّنِّ وَكَمَا يَجِبُ الْإِعْفَافُ وَيَمْتَنِعُ الْقِصَاصُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَتَرْجِيحُ وُجُوبِهَا لِلْأَصْلِ فِيمَا ذُكِرَ مَمْنُوعٌ فَنَصُّ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي خِلَافَهُ وَبِهِ أَجَابَ جَمَاعَةٌ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عن الْجَدِيدِ ثُمَّ قال فَبَانَ لَك أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ الْجَدِيدَ أنها لَا تَجِبُ لِمُكْتَسِبٍ أَصْلًا كان أو فَرْعًا لِقُدْرَتِهِ على الْكَسْبِ وَيُجَابُ بِمَنْعِ أَنَّ النَّصَّ يَقْتَضِي ما ذُكِرَ فَقَدْ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ في ذلك قَوْلَيْنِ فَعُلِمَ أَنَّ له فيه نَصَّيْنِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُمَا جَدِيدَانِ
وَلَهُ أَيْ لِلْوَلِيِّ حَمْلُ الصَّغِيرِ على الِاكْتِسَابِ إذَا قَدَرَ عليه وَيُنْفِقُ عليه من كَسْبِهِ فَإِنْ تَرَكَ الصَّغِيرُ الِاكْتِسَابَ في بَعْضِ الْأَيَّامِ أو هَرَبَ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ على وَلِيِّهِ
فَصْلٌ لَا تَقْدِيرَ لها أَيْ لِنَفَقَةِ الْقَرِيبِ بِغَيْرِ الْكِفَايَةِ فَلَا يَتَقَدَّرُ إلَّا بها لِأَنَّهَا تَجِبُ على سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ فَتُعْتَبَرُ الْحَاجَةُ وَقَدْرُهَا فَلِطِفْلٍ إرْضَاعُ حَوْلَيْنِ أَيْ مُؤْنَةُ إرْضَاعِهِ فِيهِمَا وَفَطِيمٍ أَيْ وَلِفَطِيمٍ وَنَحْوِهِ كَشَيْخٍ أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا لَائِقٌ بِهِ فَإِنْ ضَيَّفَ مَثَلًا الْقَرِيبَ
____________________
(3/443)
سَقَطَتْ نَفَقَتُهُ لِحُصُولِ كِفَايَتِهِ بِذَلِكَ وَتَخْتَلِفُ نَفَقَتُهُ بِسِنِّهِ وَحَالِهِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيُعْتَبَرُ حَالُهُ في سِنِّهِ وَزَهَادَتِهِ وَرَغْبَتِهِ وَلَا يَكْفِي سَدُّ الرَّمَقِ له وَلَا يُشْتَرَطُ انْتِهَاؤُهُ إلَى حَدِّ الضَّرُورَةِ بَلْ يُعْطِي ما يُقِيمُهُ لِلتَّرَدُّدِ وَالتَّصَرُّفِ قال الْغَزَالِيُّ في وَجِيزِهِ وَلَا يَجِبُ إشْبَاعُهُ أَيْ الْمُبَالَغَةُ فيه أَمَّا الشِّبَعُ فَوَاجِبٌ كما صَرَّحَ بِهِ ابن يُونُسَ مع أُدْمٍ لِئَلَّا تَنْحَلَّ الْقُوَى بِالْخُبْزِ الْبَحْتِ ومع مُؤْنَةِ خَادِمٍ إنْ احْتَاجَهُ لِمَرَضٍ أو زَمَانَةٍ أو نَحْوِهِمَا ومع كِسْوَةٍ وَسُكْنَى لَائِقَيْنِ بِهِ وَمَعَ أُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَثَمَنِ الْأَدْوِيَةِ كما ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ في قَسْمِ الصَّدَقَاتِ لِأَنَّ ذلك من الْمُصَاحَبَةِ بِالْمَعْرُوفِ وَهِيَ أَيْ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ مع ما ذُكِرَ أَمَتَاعٌ لَا يَجِبُ تَمَلُّكُهَا لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ وَتَقَدَّمَ في الْكَلَامِ على الْإِعْفَافِ ما له بهذا تَعَلُّقٌ وَلَا تَصِيرُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ دَيْنًا وَإِنْ تَعَدَّى بِالِامْتِنَاعِ من الْإِنْفَاقِ أو فَرَضَهَا الْقَاضِي أو أَذِنَ في افْتِرَاضِهَا الْغَيْبَةَ أو امْتِنَاعٍ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ وَإِمْتَاعٌ فَلَا تَصِيرُ دَيْنًا بِذَلِكَ وما وَقَعَ في الْأَصْلِ من أنها تَصِيرُ دَيْنًا بِفَرْضِ الْقَاضِي أو بِإِذْنِهِ في الِاقْتِرَاضِ تَبِعَ فيه الْغَزَالِيُّ وَالْمَنْقُولُ ما تَقَرَّرَ كما قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ لَا جَرَمَ وَافَقَهُمْ الْمُصَنِّفُ عليه وقد بَسَطَتْ الْكَلَامَ عليه بَعْضُ الْبَسْطِ في شَرْحِ الْبَهْجَةِ
فَإِنْ أَتْلَفَهَا أو تَلِفَتْ في يَدِهِ بَعْدَ قَبْضِهَا أَبْدَلَ هَا له الْمُنْفِقُ بِغَيْرِهَا لَكِنْ بِإِتْلَافِهِ لها يَضْمَنُهَا فَتَصِيرُ دَيْنًا في ذِمَّتِهِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَجِبُ أَنْ يُفَرَّقَ بين الرَّشِيدِ وَغَيْرِهِ فَيَضْمَنُ الرَّشِيدُ بِالْإِتْلَافِ دُونَ غَيْرِهِ لِتَقْصِيرِ الْمُنْفِقِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ فَهُوَ الْمُضَيِّعُ وَسَبِيلُهُ أَنْ يُطْعِمَهُ أو يُوَكِّلَ بِإِطْعَامِهِ وَلَا يُسَلِّمَهُ شيئا قال وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الرَّشِيدَ لو آثَرَ بها غَيْرَهُ أو تَصَدَّقَ بها لَا يَلْزَمُ الْمُنْفِقَ أَبْدَالُهَا لها وهو ظَاهِرٌ إنْ كانت بَاقِيَةً
فَصْلٌ تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ لِزَوْجَةِ أَصْلٍ تَجِبُ نَفَقَتُهُ لِأَنَّهُمَا من تَمَامِ الْإِعْفَافِ لَا لِزَوْجَةِ فَرْعٍ إذْ لَا يَلْزَمُ الْأَصْلَ إعْفَافُهُ أو لِأُمِّ وَلَدِهِ أَيْ وَيَجِبُ ذلك لِأُمِّ وَلَدِ أَصْلِهِ لَا لِأُمِّ وَلَدِ وَلَدِهِ لِذَلِكَ وَالتَّصْرِيحُ بِالْأَخِيرَةِ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ كُنَّ الْأَوْلَى كانت تَحْتَهُ زَوْجَاتٌ أو مُسْتَوْلَدَاتٌ ثِنْتَانِ فَأَكْثَرُ أَنْفَقَ فَرْعُهُ على وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَطْ كما لَا نَفَقَةَ في الِابْتِدَاءِ إلَّا لِوَاحِدَةٍ وَذَلِكَ بِأَنْ يَدْفَعَهَا لِلْأَبِ وَيُوَزِّعَهَا الْأَبُ عَلَيْهِنَّ وَلَهُنَّ أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُنَّ الْفَسْخُ لِفَوَاتِ بَعْضِ حَقِّهَا إلَّا الْأَخِيرَةَ إذَا تَرَتَّبْنَ في الْفَسْخِ فَلَا تَفْسَخُ لِتَمَامِ حَقِّهَا وَلَا أُدْمَ وَلَا نَفَقَةَ خَادِمٍ لِأَنَّ فَقْدَهُمَا لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ عَدَمُ وُجُوبِ السُّكْنَى أَيْضًا وَالْأَوْجَهُ وُجُوبُ الثَّلَاثَةِ جَرَى عليه الْأَصْلُ في الْأُولَيَيْنِ حَيْثُ نَقَلَ عَدَمَ وُجُوبِهِمَا عن الْبَغَوِيّ ثُمَّ قال لَكِنْ قِيَاسُ ما ذَكَرْنَا من أَنَّ الِابْنَ يَتَحَمَّلُ ما يَلْزَمُ الْأَبَ وُجُوبُهُمَا لِأَنَّهُمَا وَاجِبَانِ على الْأَبِ مع إعْسَارِهِ
فَصْلٌ لو امْتَنَعَ الْقَرِيبُ من نَفَقَةِ الْقَرِيبِ له أو غَابَ وَلَهُ ثُمَّ مَالٌ فَلَهُ أَخْذُهَا من مَالِهِ وَكَذَا الْأُمُّ لها أَخْذُهَا لِلطِّفْلِ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي من مَالِ أبيه إذَا امْتَنَعَ من نَفَقَتِهِ أو غَابَ وَلَهُ ثَمَّ مَالٌ لِقِصَّةِ هِنْدَ وَلَوْ كان مَالُهُ من غَيْرِ جِنْسِهِ أَيْ الْوَاجِبِ أَنَّ عَدَمَ الْجِنْسِ وَإِلَّا فَلَا يُؤْخَذُ إلَّا منه وَالتَّصْرِيحُ بهذا الْقَيْدِ في مَسْأَلَةِ الْغَيْبَةِ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ لم يَكُنْ له ثَمَّ مَالٌ أَذِنَ الْقَاضِي لِلْقَرِيبِ في الِاقْتِرَاضِ على قَرِيبِهِ الْغَائِبِ أو لِلْأُمِّ في الِاقْتِرَاضِ على الْأَبِ الْغَائِبِ والإنفاق على الصَّغِيرِ بِشَرْطِ أَهْلِيَّتِهَا لِذَلِكَ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ لم يَأْذَنْ لَهُمَا في الِاقْتِرَاضِ عليه لم يَقْتَرِضَا عليه وَقِيلَ لِلْأُمِّ أَنْ تَقْتَرِضَ عليه وَالتَّرْجِيحُ فيها من زِيَادَتِهِ أَخْذًا من اقْتِرَاضِ الْقَرِيبِ عليه وَبِهِ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ قالوا وَتَقَدَّمَ في زَكَاةِ الْفِطْرِ ما يَدُلُّ له أَيْضًا كما يَدُلُّ له ما يَأْتِي في الْجَدِّ فَإِنْ لم يَكُنْ ثُمَّ قَاضٍ فَاقْتَرَضَا على الْغَائِبِ وَأَشْهَدَا بِذَلِكَ رَجَعَا
____________________
(3/444)
عليه بِمَا اقْتَرَضَاهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَشْهَدْ بِهِ فَوَجْهَانِ قال الْأَذْرَعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُفْصَلَ بين أَنْ يَتَمَكَّنَا من الْإِشْهَادِ أو لَا كما قِيلَ بمثله في مَسْأَلَةِ هَرَبِ الْجَمَّالِ
وَلَوْ أَنْفَقَتْ الْأُمُّ على طِفْلِهَا الْمُوسِرِ من مَالِهِ بِلَا إذْنٍ من الْأَبِ وَالْقَاضِي جَازَ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَدَّى مَصْلَحَتُهُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لها ذلك إلَّا إذَا امْتَنَعَ الْأَبُ أو غَابَ وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ أو أَنْفَقَتْ عليه من مَالِهَا لِتَرْجِعَ عليه أو على أبيه إنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ رَجَعَتْ إنْ أَشْهَدَتْ بِذَلِكَ عِنْدَ عَجْزِهَا عن الْقَاضِي وَإِلَّا فَوَجْهَانِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ قَضِيَّةُ ما رَجَّحُوهُ في الْمُسَاقَاةِ الْمَنْعُ وقال الْأَذْرَعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُفْصَلَ بين أَنْ تَتَمَكَّنَ من الْإِشْهَادِ أو لَا وَلَوْ غَابَ الْأَبُ لم يَسْتَقِلَّ الْجَدُّ بِالِاقْتِرَاضِ عليه بَلْ لَا بُدَّ من إذْنِ الْقَاضِي له إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَالْإِشْهَادُ
فَصْلٌ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ أَخْذُ النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ لَهُمَا على فَرْعِهِمَا من مَالٍ فَرْعِهِمَا الصَّغِيرِ أو الْمَجْنُونِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ ولهما تَأْجِيرُهُ أَيْ إيجَارُهُ لها لِمَا يُطِيقُهُ من الْأَعْمَالِ وَلَا تَأْخُذُهَا الْأُمُّ من مَالِهِ إذَا وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا عليه ولا الِابْنُ من مَالِ أبيه الْمَجْنُونِ إذَا وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ عليه إلَّا بِالْحَاكِمِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِمَا فَيُوَلِّي الْقَاضِي الِابْنَ الزَّمِنَ إجَارَةَ أبيه الْمَجْنُونِ إذَا صَلُحَ لِصَنْعَةٍ لِنَفَقَتِهِ
فَصْلٌ على الْأُمِّ إرْضَاعُ وَلَدِهَا اللِّبَأَ وَإِنْ وَجَدَتْ مُرْضِعَةً أُخْرَى لِأَنَّهُ لَا يَعِيشُ أو لَا يَقْوَى غَالِبًا إلَّا بِهِ وهو اللَّبَنُ النَّازِلُ أَوَّلَ الْوِلَادَةِ وَمُدَّتُهُ يَسِيرَةٌ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَرْجِعَ فيها إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَإِنْ قالوا يَكْفِيهِ مَرَّةً بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ كَفَتْ وَإِلَّا عُمِلَ بِقَوْلِهِمْ وَكَذَا اللَّبَنُ يَجِبُ عليها إرْضَاعُهُ له إنْ عَدِمَتْ الْمُرْضِعَاتِ فَلَوْ لم يُوجَدْ إلَّا أَجْنَبِيَّةٌ وَجَبَ عليها أَيْضًا إبْقَاءً على الْوَلَدِ
وَلَهَا الِامْتِنَاعُ من الْإِرْضَاعِ إنْ وُجِدْنَ أَيْ الْمُرْضِعَاتُ وَلَوْ وَاحِدَةً سَوَاءٌ أَكَانَتْ في نِكَاحِ أبيه أَمْ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ له أُخْرَى فَإِنْ طَالَبَتْ بِالْأُجْرَةِ وَلَوْ لِلِّبَأِ إنْ كان لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ أُجِيبَتْ وَلَوْ كانت مُزَوَّجَةً بِأَبِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلِأَنَّهَا أَشْفَقُ على وَلَدِهَا من غَيْرِهَا وَلَبَنُهَا له أَصْلَحُ وَأَوْفَقُ وَتَعَيُّنُ الْإِرْضَاعِ عليها لَا يُوجِبُ التَّبَرُّعَ بِهِ كما يَلْزَمُ مَالِكَ الطَّعَامِ بَذْلُهُ لِلْمُضْطَرِّ بِبَدَلِهِ فَلَوْ وَجَدَ مُتَبَرِّعَةً بِإِرْضَاعِهِ نَزَعَهُ من أُمِّهِ وَدَفَعَهُ إلَى الْمُتَبَرِّعَةِ لِتُرْضِعَهُ إنْ لم تَتَبَرَّعْ أُمُّهُ بِإِرْضَاعِهِ لِأَنَّ في تَكْلِيفِهِ الْأُجْرَةَ مع الْمُتَبَرِّعَةِ إضْرَارًا بِهِ وقد قال تَعَالَى وَلَا مَوْلُودٌ له بِوَلَدِهِ وَكَالْمُتَبَرِّعَةِ الرَّاضِيَةُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ إذَا لم تَرْضَ الْأُمُّ إلَّا بها وَالرَّاضِيَةُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ إذَا لم تَرْضَ الْأُمُّ إلَّا بِأَكْثَرَ منها ذَكَرَهُمَا الْأَصْلُ وَيُمْكِنُ إدْرَاجُهُمَا في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ ادَّعَى وُجُودَهَا أَيْ الْمُتَبَرِّعَةِ أو الرَّاضِيَةِ بِمَا ذَكَرَ وَأَنْكَرَتْ هِيَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهَا تَدَّعِي عليه أُجْرَةً وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا وَلِأَنَّهُ يَشُقُّ عليه إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَالْأُجْرَةُ تَجِبُ في مَالِ الطِّفْلِ ثُمَّ إنْ لم يَكُنْ له مَالٌ فَتَجِبُ على الْأَبِ كَالنَّفَقَةِ وَلَا يُزَادُ في نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ لِلْإِرْضَاعِ وَإِنْ احْتَاجَتْ فيه إلَى زِيَادَةِ الْغِذَاءِ لِأَنَّ قَدْرَ النَّفَقَةِ لَا يَخْتَلِفُ بِحَالِ الْمَرْأَةِ وَحَاجَتِهَا وَلَيْسَ له مَنْعُهُمَا منه أَيْ من إرْضَاعِهِ حَيْثُ اخْتَارَتْهُ وَلَوْ أَخَذَتْ الْأُجْرَةَ لِأَنَّهَا أَشْفَقُ عليه من غَيْرِهَا وَلَبَنُهَا له أَصْلَحُ وَأَوْفَقُ وَلِمَا في مَنْعِهَا من التَّفْرِيقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا هذا إذَا كان الْوَلَدُ منه وَإِلَّا فَلَهُ مَنْعُهَا قَالَهُ الْإِمَامُ قال ابن الرِّفْعَةِ وهو إنَّمَا يَتِمُّ إذَا لم تَكُنْ مُسْتَأْجَرَةً لِلْإِرْضَاعِ قبل نِكَاحِهَا وَإِلَّا فَلَيْسَ له مَنْعُهَا وَلَا نَفَقَةَ لها فَإِنْ جَهِلَ ذلك تَخَيَّرَ في فَسْخِ النِّكَاحِ وَإِنْ رضي الْمُسْتَأْجِرُ بِالتَّمَتُّعِ وَتَبِعَ في تَخْيِيرِهِ في فَسْخِ النِّكَاحِ الْمَاوَرْدِيُّ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ بِمَا فيه قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ما تَقَرَّرَ مَحَلُّهُ في الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الْحُرَّيْنِ أَمَّا لو كان رَقِيقًا وَالْأُمُّ حُرَّةٌ فَلَهُ مَنْعُهَا كما لو كان الْوَلَدُ من غَيْرِهِ وَلَوْ كانت رَقِيقَةً الْوَلَدُ حُرٌّ أو رَقِيقٌ فَقَدْ يُقَالُ من وَافَقَهُ السَّيِّدُ مِنْهُمَا فَهُوَ الْمُجَابُ وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ لَكِنْ إنْ أَخَذَتْهَا أَيْ الْأُجْرَةَ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا إنْ نَقَصَ الِاسْتِمْتَاعُ بِإِرْضَاعِهَا وَإِلَّا فَلَا
الطَّرَفُ الثَّانِي في اجْتِمَاعِ الْأَقَارِبِ من جَانِبِ الْمُنْفِقِ وَمِنْ جَانِبِ الْمُحْتَاجِ فَإِنْ اجْتَمَعَ لِلْمُحْتَاجِ فَرْعَانِ وَاسْتَوَيَا في الْقُرْبِ وَالْإِرْثِ أو عَدَمِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا في الذُّكُورَةِ وَعَدَمِهَا كَابْنَيْنِ أو بِنْتَيْنِ أو ابْنٍ وَبِنْتٍ أَنْفَقَا عليه بِالسَّوَاءِ وَإِنْ تَفَاوَتَا يَسَارًا وَإِرْثًا أو يُسْرُ أَحَدِهِمَا بِالْمَالِ وَالْآخَرِ بِالْكَسْبِ لِأَنَّ عِلَّةَ إيجَابِ النَّفَقَةِ تَشْمَلُهُمَا وَلَا تُوَزَّعُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا على قَدْرِ الْإِرْثِ هذا النَّفْيُ مُقَابِلٌ لِإِنْفَاقِهِمَا بِالسَّوَاءِ وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ من زِيَادَتِهِ وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ الثَّانِي لِإِشْعَارِ زِيَادَةِ الْإِرْثِ
____________________
(3/445)
بِزِيَادَةِ قُوَّةِ الْقَرَابَةِ وهو قِيَاسُ ما رَجَحَ فِيمَنْ له أَبَوَانِ وَقُلْنَا نَفَقَتُهُ عَلَيْهِمَا لَكِنْ مَنَعَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ وَنَقَلَ تَصْحِيحَهُ عن الْفُورَانِيِّ وَالْخُوَارِزْمِيّ وَغَيْرِهِمَا وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَعَدَمِهَا وَأُخِذَ قِسْطُ الْغَائِبِ مِنْهُمَا من مَالِهِ ثُمَّ إنْ لم يَكُنْ له ثَمَّ مَالٌ اقْتَرَضَ عليه إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا أَمَرَ الْحَاكِمُ الْحَاضِرَ بِالْإِنْفَاقِ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ على الْغَائِبِ أو مَالِهِ إذَا وَجَدَهُ قَالَهُ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي قال الْأَذْرَعِيُّ وهو وَاضِحٌ إذَا كان الْمَأْمُورُ أَهْلًا لِذَلِكَ مُؤْتَمَنًا وَإِلَّا اقْتَرَضَ منه الْحَاكِمُ وَأَمَرَ عَدْلًا بِالصَّرْفِ على الْمُحْتَاجِ يَوْمًا فَيَوْمًا فَإِنْ اسْتَوَيَا في الْقُرَبِ قُدِّمَ الْوَارِثُ لِقُوَّةِ قَرَابَتِهِ وَقِيلَ لَا لِأَنَّ الْقَرَابَةَ الْمُجَرَّدَةَ عن الْإِرْثِ مُوجِبَةٌ لِلنَّفَقَةِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ فَإِنْ كان أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ قُدِّمَ وَإِنْ كان أُنْثَى أو غير وَارِثٍ لِأَنَّ الْقُرْبَ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ من الْإِرْثِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ الْأَمْثِلَةُ ابْنٌ وَبِنْتٌ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا سَوَاءٌ لِاسْتِوَائِهِمَا في الْقُرْبِ وَأَصْلُ الْإِرْثِ بِنْتٌ وابن ابْنٍ أو وبنت ابْنٍ هِيَ على الْبِنْتِ لِقُرْبِهَا ابن ابْنٍ وابن بِنْتٍ هِيَ على ابْنِ الِابْنِ لِأَنَّهُ الْوَارِثُ مع مُسَاوَاتِهِ لِلْآخَرِ قُرْبًا بِنْتُ بِنْتٍ وَبِنْتُ ابْنٍ هِيَ على بِنْتِ الِابْنِ لِأَنَّهَا الْوَارِثَةُ مع مُسَاوَاتِهَا لِلْأُخْرَى قُرْبًا ابْنٌ وولد خُنْثَى أو بِنْتٌ وولد خُنْثَى هِيَ عَلَيْهِمَا سَوَاءٌ لِاسْتِوَائِهِمَا في الْقُرْبِ وَالْإِرْثِ أو أَصْلِهِ وَإِنْ اجْتَمَعَ لِلْمُحْتَاجِ الْأُصُولُ فَقَطْ لَزِمَتْ نَفَقَتُهُ الْأَبَ لِأَنَّهُ إنْ كان صَغِيرًا فَلِلْآيَةِ وَلِقِصَّةِ هِنْدَ السَّابِقَتَيْنِ أو بَالِغًا فَلِلِاسْتِصْحَابِ ثُمَّ الْجَدُّ وَإِنْ عَلَا ثُمَّ الْأُمُّ وَقُدِّمَ عليها الْأَبُ وَالْجَدُّ لِأَنَّهُمَا أَقْدَرُ على الْقِيَامِ بِذَلِكَ فَإِنْ اجْتَمَعَ أَجْدَادٌ وَجَدَّاتٌ لَزِمَتْ الْأَقْرَبَ وَلَوْ لم يُدْلِ بِهِ الْآخَرُ لِقُرْبِهِ وَإِنْ اجْتَمَعَ له فَرْعٌ وَأَصْلٌ لَزِمَتْ الْوَلَدَ أو وَلَدَ الْوَلَدِ وَإِنْ نَزَلَ أو كان أُنْثَى دُونَ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْقِيَامِ بِشَأْنِ أَصْلِهِ لِعِظَمِ حُرْمَتِهِ
فَإِنْ ازْدَحَمَ الْآخِذُونَ على الْمُنْفِقِ الْوَاحِدِ وَوَفَّى مَالُهُ بِهِمْ أَنْفَقَهُمْ كُلَّهُمْ أَيْ أَنْفَقَ على جَمِيعِهِمْ قَرِيبِهِمْ وَبَعِيدِهِمْ وَإِنْ ضَاقَ عَنْهُمْ بَدَأَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ زَوْجَتِهِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ أَوَّلَ هذا الْبَابِ وَقُدِّمَتْ الزَّوْجَةُ على ما يَأْتِي لِأَنَّ نَفَقَتَهَا آكَدُ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِغِنَاهَا وَلَا بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ عِوَضًا وَالنَّفَقَةُ على الْقَرِيبِ مُوَاسَاةٌ ثُمَّ بِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ لِشِدَّةِ عَجْزِهِ وَمِثْلُهُ الْبَالِغُ الْمَجْنُونُ ثُمَّ الْأُمُّ لِذَلِكَ وَلِتَأَكُّدِ حَقِّهَا بِالْحَمْلِ وَالْوَضْعِ وَالرَّضَاعِ وَالتَّرْبِيَةِ ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ الْوَلَدُ الْكَبِيرُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ أَبُوهُ الْأَوْلَى أبيه وَإِنْ عَلَا
وَتَقَدَّمَ ما له تَعَلُّقٌ بِذَلِكَ في زَكَاةِ الْفِطْرِ وَتَرْجِيحُ تَقْدِيمِ الْأَبِ على الْوَلَدِ الْكَبِيرِ من زِيَادَتِهِ هُنَا قال الْبُلْقِينِيُّ وَلَوْ كان الْوَلَدُ صَغِيرًا وَالْأَبُ مَجْنُونًا أو زَمِنًا فَيَنْبَغِي اسْتِوَاؤُهُمَا فَإِنْ كان الْأَبْعَدُ زَمِنًا قُدِّمَ على الْأَقْرَبِ لِشِدَّةِ احْتِيَاجِهِ وَإِنْ اسْتَوَيَا أَيْ الْآخِذَانِ في الدَّرَجَةِ كَابْنَيْنِ أو بِنْتَيْنِ أو بِنْتٍ وَابْنٍ صُرِفَ إلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ وَتُقَدَّمُ بِنْتُ ابْنٍ على ابْنِ بِنْتٍ لِضَعْفِهَا وَعُصُوبَةِ أَبِيهَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الرُّويَانِيِّ ثُمَّ قال وَيُشْبِهُ أَنْ يُجْعَلَا كَالِابْنِ وَالْبِنْتِ أَيْ فَيُسَوَّى بَيْنَهُمَا وَضَعُفَ هذا الِاحْتِمَالُ بِأَنَّهُ اجْتَمَعَ في بِنْتِ الِابْنِ رُجْحَانُ الْأُنُوثَةِ وَالْوِرَاثَةِ بِخِلَافِ الْبِنْتِ ليس فيها إلَّا رُجْحَانٌ وَاحِدٌ وهو الْأُنُوثَةُ وَعَارَضَهَا زِيَادَةُ الْإِرْثِ في الِابْنِ وما قَالَهُ الرُّويَانِيُّ هو الذي أَجَابَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كان أَحَدُهُمَا في الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ رَضِيعًا أو مَرِيضًا وَنَحْوَهُ قُدِّمَ لِشِدَّةِ احْتِيَاجِهِ وَذَكَرَ هذا في الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ كان أَحَدُ الْجَدَّيْنِ الْمُجْتَمِعَيْنِ في دَرَجَةٍ عُصْبَةً كَأَبِ الْأَبِ مع أبي الْأُمِّ قُدِّمَ فَإِنْ بَعُدَ الْعَصَبَةُ مِنْهُمَا اسْتَوَيَا لِتَعَارُضِ الْقُرْبِ وَالْعُصُوبَةِ قال الْإِسْنَوِيُّ هذا خِلَافُ الصَّحِيحِ فَقَدْ ذَكَرَ في إعْفَافِ الْجَدِّ أَنَّهُ دَائِرٌ مع النَّفَقَةِ وَأَنَّ الْعَصَبَةَ الْبَعِيدَ مُقَدَّمٌ وَلَوْ اخْتَلَفَتْ الدَّرَجَةُ وَاسْتَوَيَا في الْعُصُوبَةِ أو عَدَمِهَا فَالْأَقْرَبُ مُقَدَّمٌ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَتُقَدَّمُ إحْدَى جَدَّتَيْنِ في دَرَجَةٍ زَادَتْ على الْأُخْرَى بِوِلَادَةٍ أُخْرَى فَإِنْ قَرُبَتْ الْأُخْرَى دُونَهَا قُدِّمَتْ لِقُرْبِهَا وَكَذَا الْحُكْمُ في الْفُرُوعِ فَلَوْ اجْتَمَعَتْ بِنْتُ بِنْتِ بِنْتٍ أَبُوهَا ابن ابْنِ بِنْتِهِ مع بِنْتِ بِنْتِ بِنْتٍ ليس أَبُوهَا من أَوْلَادِهِ فَإِنْ كَانَتَا في دَرَجَةٍ فَصَاحِبَةُ الْقَرَابَتَيْنِ أَوْلَى وَإِنْ كانت هِيَ أَبْعَدَ فَالْأُخْرَى أَوْلَى وَمَتَى اسْتَوَى الْآخِذُونَ وُزِّعَ الْمَوْجُودُ عليهم فَإِنْ كَثُرُوا في الدَّرَجَةِ بِحَيْثُ لَا يَسُدُّ قِسْطَ كُلٍّ منهم إنْ وُزِّعَ الْمَوْجُودُ عليهم مَسَدًا أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ قال الرَّافِعِيُّ وكان يَجُوزُ أَنْ يُصَارَ إلَى التَّوْزِيعِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ منهم لَا يَكْفِيهِ ما يَخُصُّهُ وَلِذَلِكَ قُلْنَا لو قَدَرَ الزَّوْجُ على نِصْفِ الْمُدِّ كان لها حَقُّ الْفَسْخِ
وَإِنْ أَعْسَرَ الْأَقْرَبُ بِالنَّفَقَةِ لَزِمَتْ الْأَبْعَدَ وَلَا رُجُوعَ له عليه بِمَا أَنْفَقَ إذَا أَيْسَرَ بِهِ
فَرْعٌ لو عَجَزَ عن نَفَقَةِ أَحَدِ وَلَدَاهُ وَلَهُ أَبٌ مُوسِرٌ لَزِمَتْ أَبَاهُ نَفَقَتُهُ فَإِنْ
____________________
(3/446)
أَخَذَ كُلٌّ منه وَمِنْ أبيه وَاحِدًا من الْوَلَدَيْنِ لِيُنْفِقَ عليه بِالتَّرَاضِي أو اتَّفَقَا على الْإِنْفَاقِ بِالشَّرِكَةِ فَذَاكَ وَاضِحٌ وَإِنْ تَنَازَعَا أُجِيبَ طَالِبُ الِاشْتِرَاكِ قال الْبُلْقِينِيُّ بَلْ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يُعَيِّنُ الْقَاضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدًا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ
وَلَوْ عَجَزَ عن نَفَقَةِ أَحَدِ وَالِدِيهِ وَلَهُ ابْنٌ مُوسِرٌ فَعَلَيْهِ أَيْ ابْنِهِ نَفَقَةُ أبي أبيه لِاخْتِصَاصِ الْأُمِّ بِالِابْنِ تَفْرِيعًا على الْأَصَحِّ من تَقْدِيمِ الْأُمِّ على الْأَبِ وَهَذَا ما بَحَثَهُ الْأَصْلُ بَعْدَ نَقْلِهِ عن الرُّويَانِيِّ كَلَامًا رَدَّهُ عليه وَرَدَّ الْإِسْنَوِيُّ بَحْثَ الْأَصْلِ بِكَلَامٍ رَدَّهُ عليه الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ
فَصْلٌ لَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ وَلَوْ حُرًّا على رَقِيقٍ وَلَوْ مُكَاتَبًا لِأَنَّهُ ليس أَهْلًا لِلْمُوَاسَاةِ بَلْ نَفَقَةُ الْحُرِّ في بَيْتِ الْمَالِ إلَّا أَنْ يَكُونَ في أُصُولِهِ أو فُرُوعِهِ من تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَلَا تَجِبُ لِرَقِيقٍ وَلَوْ مُكَاتَبًا على قَرِيبِهِ وَلَوْ حُرًّا بَلْ نَفَقَةُ غَيْرِ الْمُكَاتَبِ على سَيِّدِهِ وَنَفَقَةُ الْمُكَاتَبِ من كَسْبِهِ فَإِنْ عَجَزَ نَفْسُهُ فَعَلَى سَيِّدِهِ نعم لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُنْفِقَ من كَسْبِهِ على وَلَدِهِ من أَمَتِهِ وَإِنْ لم يَجُزْ له وَطْؤُهَا لِأَنَّهُ إنْ عَتَقَ فَقَدْ أَنْفَقَ مَالَهُ على وَلَدِهِ وَإِنْ رَقَّ رَقَّ الْوَلَدُ فَيَكُونُ قد أَنْفَقَ مَالَ السَّيِّدِ على عَبْدِهِ أو على وَلَدِهِ من زَوْجَتِهِ التي هِيَ أَمَةُ سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ مِلْكُ السَّيِّدِ فَإِنْ عَتَقَ فَقَدْ أَنْفَقَ مَالَهُ على مِلْكِ سَيِّدِهِ وَإِنْ رَقَّ فَقَدْ أَنْفَقَ عليه مَالَ سَيِّدِهِ لَا وَلَدَهُ من مُكَاتَبَةِ سَيِّدِهِ لِأَنَّهَا قد تَعْتِقُ فَيَتْبَعُهَا الْوَلَدُ لِتُكَاتِبَهُ عليها وَيَعْجِزُ الْمُكَاتَبُ فَيَكُونُ قد فَوَّتَ مَالَ سَيِّدِهِ
فَرْعٌ لو احْتَاجَ من نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ رَقِيقٌ لَزِمَ قَرِيبَهُ نِصْفُ نَفَقَتِهِ بِقَدْرِ ما فيه من الْحُرِّيَّةِ أو عَكْسِهِ بِأَنْ احْتَاجَ قَرِيبُ الْمُبَعَّضِ لَزِمَهُ لِلْقَرِيبِ الْكُلُّ أَيْ كُلُّ النَّفَقَةِ لِأَنَّهُ كَالْحُرِّ كما في الْكَفَّارَةِ كَذَا رَجَّحَهُ في الرَّوْضَةِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو غَرِيبٌ قال بِهِ الْمُزَنِيّ وهو خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَقَدْ نَصَّ في مَوَاضِعَ على أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْأَقَارِبِ لِأَنَّهُ في حُكْمِ الْمُعْسِرِ وَنَقَلَهُ عن جَمْعٍ
الْبَابُ الْخَامِسُ في الْحَضَانَةِ بِفَتْحِ الْحَاءِ من الْحِضْنِ بِكَسْرِهَا وهو الْجَنْبُ فإن الْحَاضِنَةَ تَرُدُّ إلَيْهِ الْمَحْضُونَ وَتَنْتَهِي في الصَّغِيرِ بِالتَّمْيِيزِ وَأَمَّا بَعْدَهُ إلَى الْبُلُوغِ فَتُسَمَّى كَفَالَةً كَذَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وقال غَيْرُهُ تُسَمَّى حَضَانَةً أَيْضًا وَهِيَ حِفْظُ من لَا يَسْتَقِلُّ بِأُمُورِهِ وَتَرْبِيَتُهُ بِمَا يُصْلِحُهُ وَهِيَ نَوْعُ وِلَايَةٍ وَسَلْطَنَةٍ
ولكن ( ( ( الباب ) ) ) النِّسَاءَ بها أَلْيَقُ لِأَنَّهُنَّ أَشْفَقُ وَأَهْدَى إلَى التَّرْبِيَةِ وَأَصْبَرُ على الْقِيَامِ بها وَأَشَدُّ مُلَازَمَةً لِلْأَطْفَالِ وفي الْخَبَرِ أَنَّ امْرَأَةً قالت يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنِي هذا كانت بَطْنِي له وِعَاءً وَحِجْرِي له حِوَاءً وَثَدْيِي له سِقَاءً وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي وَزَعَمَ أَنَّهُ يَنْزِعُهُ مِنِّي فقال أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ ما لم تَنْكِحِي رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ
وَمُؤْنَةُ الْحَضَانَةِ في مَالِهِ ثَمَّ على الْأَبِ لِأَنَّهَا من أَسْبَابِ الْكَفَالَةِ كَالنَّفَقَةِ فَتَجِبُ على من تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ
وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ في مَعْرِفَةِ الْحَاضِنِ وَالْمَحْضُونُ الطِّفْلُ أو نَحْوُهُ مع أَبَوَيْهِ ما دَامَا في النِّكَاحِ يَقُومَانِ بِكِفَايَتِهِ الْأَبُ بِالْإِنْفَاقِ وَالْأُمُّ بِالْحَضَانَةِ إنْ كان على دِينِهَا فَإِنْ افْتَرَقَا بِفَسْخٍ أو طَلَاقٍ وَأَرَادَتْهُ الْأُمُّ فَهِيَ أَوْلَى لِوُفُورِ شَفَقَتِهَا
وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الْحَضَانَةُ لِلْأُنْثَى من أُمٍّ أو غَيْرِهَا بِشُرُوطٍ أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ مُسْلِمَةً إنْ كان الطِّفْلُ مُسْلِمًا فَلَا حَضَانَةَ لِكَافِرٍ على مُسْلِمٍ إذْ لَا وِلَايَةَ لها عليه وَلِأَنَّهَا رُبَّمَا تَفْتِنُهُ في دِينِهِ وَأَمَّا خَبَرُ أبي دَاوُد وَغَيْرُهُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَيَّرَ غُلَامًا بين أبيه الْمُسْلِمِ وَأُمِّهِ الْمُشْرِكَةِ فَمَالَ إلَى الْأُمِّ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم اللَّهُمَّ اهْدِهِ فَعَدَلَ إلَى أبيه فَأُجِيبَ عنه بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ أو مَحْمُولٌ على أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَرَفَ أَنَّهُ يُسْتَجَابُ دُعَاؤُهُ وَأَنَّهُ يَخْتَارُ الْأَبَ الْمُسْلِمَ وَقَصْدُهُ بِتَخْيِيرِهِ اسْتِمَالَةُ قَلْبِ أُمِّهِ وَبِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فيه إذْ لو كان لِأُمِّهِ حَقٌّ لَأَقَرَّهَا عليه وَلَمَا دَعَا وَإِسْلَامُ الطِّفْلِ يَحْصُلُ بِمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ كان أَسْلَمَ أَبُوهُ أو جَدَّتُهُ وإذا لم تَحْضُنْهُ الْكَافِرَةُ فَيَحْضُنُهُ أَقَارِبُهُ الْمُسْلِمُونَ على التَّرْتِيبِ الْآتِي ثُمَّ إنْ لم يُوجَدْ أَحَدٌ منهم حَضَنَهُ الْمُسْلِمُونَ وَمُؤْنَتُهُ في مَالِهِ كما مَرَّ فَإِنْ لم يَكُنْ له مَالٌ
____________________
(3/447)
فَعَلَى أُمِّهِ إنْ كانت مُوسِرَةً وَإِلَّا فَهُوَ من مَحَاوِيجِ الْمُسْلِمِينَ وَيَحْضُنُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ كما يَجُوزُ له الْتِقَاطُهُ وَلِأَنَّ فيه مَصْلَحَةً له وَيُنْزَعُ من الْأَقَارِبِ الذِّمِّيِّينَ وَلَدٌ ذِمِّيٌّ وَصَفَ الْإِسْلَامَ وَلَا يُمَكَّنُونَ من كَفَالَتِهِ وَإِنْ لم يَصِحَّ إسْلَامُهُ احْتِيَاطًا لِحُرْمَةِ الْكَلِمَةِ كَذَا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ هُنَا وفي بَابِ الْهُدْنَةِ وَقَضِيَّتُهُ وُجُوبُ النَّزْعِ لَكِنْ مَرَّ في بَابِ اللَّقِيطِ نَدْبُهُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْمُخْتَارُ وَظَاهِرُ النَّصِّ وُجُوبُهُ
وثانيها أَنْ تَكُونَ عَاقِلَةً فَتَسْقُطُ حَضَانَتُهَا بِالْجُنُونِ وَلَوْ مُتَقَطِّعًا لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ وَلَيْسَتْ الْمَجْنُونَةُ من أَهْلِهَا وَلِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى منها الْحِفْظُ وَالتَّعَهُّدُ بَلْ هِيَ في نَفْسِهَا مُحْتَاجَةٌ إلَى من يَحْضُنُهَا لَا بِجُنُونٍ يَقَعُ نَادِرًا قَصِيرًا زَمَنُهُ كَيَوْمٍ في سَنَتَيْنِ فَلَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا بِهِ كَمَرَضٍ يَطْرَأُ وَيَزُولُ وَكَذَا تَسْقُطُ بِالْمَرَضِ الدَّائِمِ كَالسُّلِّ وَالْفَالِجِ إنْ عَاقَ أَلَمُهُ عن نَظَرِ الْمَخْدُومِ بِالْحَضَانَةِ وهو الْمَحْضُونُ بِأَنْ كانت بِحَيْثُ يَشْغَلُهَا أَلَمُهُ عن كَفَالَتِهِ وَتَدْبِيرِ أَمْرِهِ أو عن حَرَكَةِ من يُبَاشِرُهَا أَيْ الْحَضَانَةُ فَتَسْقُطُ في حَقِّهِ دُونَ من يُدَبِّرُ الْأُمُورَ بِنَظَرِهِ وَيُبَاشِرُهَا غَيْرُهُ
وثالثها أَنْ تَكُونَ حُرَّةً فَلَا حَقَّ في الْحَضَانَةِ لِمَنْ فيه رِقٌّ وَلَوْ مُبَعَّضًا وَإِنْ أَذِنَ له السَّيِّدُ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ وَلَيْسَ من أَهْلِهَا وَلِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ وَإِنَّمَا لم يُؤَثِّرْ إذْنُهُ لِأَنَّهُ قد يَرْجِعُ فَيُشَوِّشُ أَمْرَ الْوَلَدِ وَيُسْتَثْنَى ما لو أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ لِكَافِرٍ فإن وَلَدَهَا يَتْبَعُهَا وَحَضَانَتُهُ لها ما لم تَنْكِحْ كما حَكَاهُ الْأَصْلُ في أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عن أبي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَقَرَّهُ قال في الْمُهِمَّاتِ وَالْمَعْنَى فيه فَرَاغُهَا لِمَنْعِ السَّيِّدِ من قُرْبَانِهَا مع وُفُورِ شَفَقَتِهَا وَلِلرَّجُلِ حَضَانَةُ رَقِيقِهِ وَوَلَدِهِ من أَمَتِهِ وَلَهُ نَزْعُهُ من أبيه أو أُمِّهِ الْحُرَّيْنِ بَعْدَ التَّمْيِيزِ وَتَسْلِيمُهُ إلَى غَيْرِهِمَا بِنَاءً على جَوَازِ التَّفْرِيقِ حِينَئِذٍ وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ يَشْتَرِكُ سَيِّدُهُ وَقَرِيبُهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْحَضَانَةِ في حَضَانَتِهِ بِحَسَبِ ما فيه من الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ فَإِنْ اتَّفَقَا على الْمُهَايَأَةِ أو على اسْتِئْجَارِ حَاضِنَةٍ أو رضي أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ فَذَاكَ وَإِنْ تَمَانَعَا اسْتَأْجَرَ الْحَاكِمُ من يَحْضُنُهُ وَأَلْزَمَهُمَا الْأُجْرَةَ
ورابعها أَنْ تَكُونَ أَمِينَةً لَا فَاسِقَةً لِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَلِي وَلَا يُؤْتَمَنُ وَلِأَنَّ الْمَحْضُونَ لَا حَظَّ له في حَضَانَتِهَا لِأَنَّهُ يَنْشَأُ على طَرِيقَتِهَا وَكَالْفَاسِقَةِ السَّفِيهَةُ وَالصَّغِيرَةُ وَالْمُغَفَّلَةُ وَتَكْفِي الْعَدَالَةُ الظَّاهِرَةُ كَشُهُودِ النِّكَاحِ نعم إنْ وَقَعَ نِزَاعٌ في الْأَهْلِيَّةِ فَلَا بُدَّ من ثُبُوتِهَا عِنْدَ الْقَاضِي كما أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ قال في التَّوْشِيحِ وَبِهِ أَفْتَيْت فِيمَا إذَا تَنَازَعَا قبل تَسْلِيمِ الْوَلَدِ فَإِنْ تَنَازَعَا بَعْدَهُ فَلَا يُنْزَعُ مِمَّنْ تَسَلَّمَهُ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ في الْأَهْلِيَّةِ
ا ه
وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ ما أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ
وخامسها أَنْ تَخْلُوَ من زَوْجٍ أَجْنَبِيٍّ فَلَوْ تَزَوَّجَتْ بِهِ سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا وَإِنْ لم يَخْلُ بها أو رضي بِدُخُولِ الْوَلَدِ دَارِهِ لِخَبَرِ أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ ما لم تَنْكِحِي وَلِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ عنه بِحَقِّ الزَّوْجِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَلِأَنَّ على الْوَلَدِ وَعَصَبَتِهِ عَارًا في مَقَامِهِ مع زَوْجِ أُمِّهِ نعم إنْ رضي الْأَبُ معه بِذَلِكَ بَقِيَ حَقُّهَا وَسَقَطَ حَقُّ الْجَدَّةِ وَكَذَا لو اخْتَلَعَتْ بِالْحَضَانَةِ وَحْدَهَا أو مع غَيْرِهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً فَنَكَحَتْ في أَثْنَائِهَا لِأَنَّهَا إجَارَةٌ لَازِمَةٌ لَكِنْ ليس الِاسْتِحْقَاقُ في هذه بِالْقَرَابَةِ بَلْ بِالْإِجَارَةِ لَا من زَوْجٍ قَرِيبٍ له حَقٌّ في الْحَضَانَةِ فَلَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا بِتَزْوِيجِهَا منه وَلَوْ بَعُدَ كَابْنِ عَمِّ الطِّفْلِ وَعَمِّ أبيه لِأَنَّ له حَقًّا فيها وَشَفَقَتُهُ تَحْمِلُهُ على رِعَايَتِهِ فَيَتَعَاوَنَانِ على كَفَالَتِهِ كما لو كانت في نِكَاحِ الْأَبِ وَلِقَضَائِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِبِنْتِ حَمْزَةَ لِخَالَتِهَا لَمَّا قال له جَعْفَرٌ إنَّهَا بِنْتُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي وَهَذَا إنْ رضي الزَّوْجُ الذي نَكَحَهَا بِحَضَانَتِهَا وَإِلَّا فَتَسْقُطُ لِأَنَّ له الِامْتِنَاعَ منها وَخَرَجَ بِمَنْ له حَقُّ الْحَضَانَةِ من لَا حَقَّ له فيها كَالْجَدِّ أبي الْأُمِّ وَالْخَالِ فَتَسْقُطُ
____________________
(3/448)
حَضَانَةُ الْمَرْأَةِ بِتَزَوُّجِهَا منه
وسادسها أَنْ تَكُونَ مُرْضِعَةً لِلطِّفْلِ إنْ اُحْتِيجَ إلَى إرْضَاعِهِ فَإِنْ لم يَكُنْ لها لَبَنٌ أو امْتَنَعَتْ من الْإِرْضَاعِ فَلَا حَضَانَةَ لها لِعُسْرِ اسْتِئْجَارِ مُرْضِعَةٍ تَتْرُكُ مَنْزِلَهَا وَتَنْتَقِلُ إلَى مَسْكَنِ الْمَرْأَةِ كما أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ وَبِهِ صَرَّحَ ابن الرِّفْعَةِ وَفِيهِ فِيمَا إذَا لم يَكُنْ لها لَبَنٌ نَظَرٌ لِأَنَّ غَايَتَهَا أَنْ تَكُونَ كَالْأَبِ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ لَا لَبَنَ له وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْحَضَانَةَ وَكَلَامُ الْأَئِمَّةِ كما قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا ذَاتَ لَبَنٍ وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِاسْتِحْقَاقِهَا الْحَضَانَةَ أَنْ تُرْضِعَهُ إذَا كان رَضِيعًا وَلَهَا لَبَنٌ
فيه وَجْهَانِ أَجَابَ أَكْثَرُهُمْ بِالِاشْتِرَاطِ وَمِنْ هُنَا قال الْبُلْقِينِيُّ الْمُرَادُ على الْأَصَحِّ أَنْ تَكُونَ ذَاتَ لَبَنٍ كما صَرَّحَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ لم يَكُنْ لها لَبَنٌ فَلَا خِلَافَ في اسْتِحْقَاقِهَا وَإِنْ كان لها لَبَنٌ وَامْتَنَعَتْ فَالْأَصَحُّ لَا حَضَانَةَ لها
ا ه
وَلَا حَضَانَةَ لِذِي الْوَلَاءِ لِفَقْدِ الْمِلْكِ وَالْقَرَابَةِ اللَّذَيْنِ هُمَا مَظِنَّتَا الشَّفَقَةِ وَلَا لِأَبْرَصَ وَأَجْذَمَ كما في قَوَاعِدِ الْعَلَائِيِّ وَلَا لِأَعْمَى كما أَفْتَى بِهِ عبد الْمَلِكِ بن إبْرَاهِيمَ الْمَقْدِسِيَّ من أَئِمَّتِنَا وَمِنْ أَقْرَانِ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَاسْتَنْبَطَهُ ابن الرِّفْعَةِ من كَلَامِ الْإِمَامِ ثُمَّ قال وقد يُقَالُ إنْ بَاشَرَ غَيْرَهُ وهو مُدَبِّرٌ أُمُورَهُ فَلَا مَنْعَ كما في الْفَالِجِ وَذَهَبَ في الْمُهِمَّاتِ إلَى حَضَانَتِهِ إذْ لَا يَلْزَمُ الْحَاضِنَ تَعَاطِيهَا بِنَفْسِهِ بَلْ له الِاسْتِنَابَةُ فيها وقد صَرَّحُوا بِجَوَازِ اسْتِئْجَارِ أَعْمَى لِلْحِفْظِ أَجَارَةَ ذِمَّةٍ لَا إجَارَةَ عَيْنٍ وما قَالَهُ هو مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ وَمِثْلُهُ يَأْتِي في الْأَبْرَصِ وَالْأَجْذَمِ
فَرْعٌ لو أَسْلَمَتْ الْكَافِرَةُ أو أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ أو طَلُقَتْ من سَقَطَ حَقُّهَا بِالنِّكَاحِ أو أَفَاقَتْ الْمَجْنُونَةُ أو رَشَدَتْ الْفَاسِقَةُ وَلَوْ رَجْعِيًّا أو أَفَاقَتْ الْمَجْنُونَةُ أو رَشَدَتْ الْفَاسِقَةُ اسْتَحَقَّتْ الْحَضَانَةَ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَلِصَاحِبِ الْعِدَّةِ الْمَنْعُ من إدْخَالِهِ أَيْ الْوَلَدِ بَيْتَهُ الذي تَعْتَدُّ فيه لَكِنْ إذَا رضي بِهِ اسْتَحَقَّتْ بِخِلَافِ رِضَا الزَّوْجِ الْأَجْنَبِيِّ بِذَلِكَ في أَصْلِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْمَنْعَ ثَمَّ لِاسْتِحْقَاقِهِ التَّمَتُّعَ وَاسْتِهْلَاكَ مَنَافِعِهَا فيه وَهُنَا لِلْمَسْكَنِ فإذا أَذِنَ صَارَ مُعِيرًا وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ من زِيَادَتِهِ الْأَجْنَبِيُّ أَيْ الذي لَا حَقَّ له في الْحَضَانَةِ غَيْرُهُ وهو ظَاهِرٌ
وَلَوْ غَابَتْ الْحَاضِنَةُ أو امْتَنَعَتْ من الْحَضَانَةِ تَوَلَّاهَا من يَسْتَحِقُّهَا بَعْدَهَا كما لو مَاتَتْ أو جُنَّتْ لَا السُّلْطَانُ لِأَنَّهَا لِلْحِفْظِ وَالْقَرِيبُ الْأَبْعَدُ أَشْفَقُ منه بِخِلَافِ لو غَابَ الْوَلِيُّ في النِّكَاحِ أو عَضَلَ حَيْثُ يُزَوِّجُ السُّلْطَانُ لَا الْأَبْعَدُ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يُمْكِنُهُ التَّزْوِيجُ في الْغَيْبَةِ وَالتَّزْوِيجُ بِالْعَضْلِ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ في ثُبُوتِهِ وَثُبُوتِ الْكُفْءِ فإذا لم يَفْعَلْ نَابَ عنه السُّلْطَانُ اللَّائِقُ بِذَلِكَ وَالْحَاضِنَةُ لَا يُمْكِنُهَا الْحَضَانَةُ في الْغَيْبَةِ وَالْمَقْصُودُ بها الْحِفْظُ وهو حَاصِلٌ مِمَّنْ بَعْدَهَا فَانْتَقَلَتْ إلَيْهِ
فَصْلٌ الْمَحْضُونُ كُلُّ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَمُخْتَلٍّ وَقَلِيلِ التَّمْيِيزِ وَتُسْتَدَامُ الْحَضَانَةُ على من بَلَغَ سِنِي التَّدْبِيرِ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ إذَا لم يَزُلْ الْحَجْرُ عنه بِالشَّرْعِ كان مُلْحَقًا بِالْأَطْفَالِ في الْحُكْمِ لَا على من بَلَغَ فَاسِقًا مُصْلِحًا لِدُنْيَاهُ فَلَا تُدَامُ عليه الْحَضَانَةُ بَلْ يَسْكُنُ حَيْثُ شَاءَ لِأَنَّهُ وَلِيُّ أَمْرِ نَفْسِهِ نعم إنْ خَشِيَ عليه الْوَلِيُّ فَسَادًا لَاحَظَهُ وما ذَكَرَهُ من التَّفْصِيلِ هو ما ذَكَرَهُ ابن كَجٍّ وَاسْتَحْسَنَهُ الْأَصْلُ بَعْدَ نَقْلِهِ عن إطْلَاقِ جَمَاعَةٍ إدَامَةَ الْحَضَانَةِ عليه لَكِنْ اسْتَشْكَلَهُ ابن الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الْعَارَ اللَّاحِقَ بِسَبَبِ سَفَهِ الدِّينِ أَشَدُّ وَاعْتِنَاءُ الشَّارِعِ بِدَفْعِهِ أَتَمُّ فَالْمَنْعُ لَأَجْلِهِ من الِانْفِرَادِ عن أَبَوَيْهِ أَوْلَى من الْمَنْعِ بِسَفَهِ الْمَالِ
انْتَهَى
فَإِنْ قُلْت سَفَهُ الْمَالِ أَقْوَى لِإِعَادَةِ الْحَجْرِ بِهِ دُونَ سَفَهِ الدِّينِ قُلْت ذَاكَ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ وَكَلَامُنَا هُنَا فِيمَا قَبْلَهُ إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ بَلَغَ غير رَشِيدٍ أَمَّا من بَلَغَ رَشِيدًا فَيَلِي أَمْرَ نَفْسِهِ وَلَا يُجْبَرُ على كَوْنِهِ عِنْدَ الْأَبَوَيْنِ أو أَحَدِهِمَا وَلَكِنْ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُفَارِقَهُمَا لِيَخْدُمَهُمَا وَيَبَرَّهُمَا
وَتَسْكُنُ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ غير الْمُزَوَّجَةِ حَيْثُ شَاءَتْ وَلَوْ بِكْرًا وَالْأَوْلَى لها بَيْتُ أَحَدِ أَبَوَيْهِمَا إنْ كَانَا مُفْتَرِقَيْنِ وَبَيْتُهُمَا إنْ كَانَا مُجْتَمِعَيْنِ أَيْ سُكْنَاهَا بِهِ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عن التُّهْمَةِ وَهَذَا إنَّمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في الثَّيِّبِ وَذَكَرَ في الْبِكْرِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لها مُفَارَقَةُ أَبَوَيْهَا هذا إذَا لم تَكُنْ رِيبَةً فَإِنْ كانت رِيبَةً فَلِلْأُمِّ إسْكَانُهَا مَعَهَا وَكَذَا لِلْوَلِيِّ من الْعَصَبَةِ إسْكَانُهَا معه إنْ كان مَحْرَمًا لها وَإِلَّا فَفِي مَوْضِعٍ لَائِقٍ بها يُسْكِنُهَا وَلَا يُلَاحِظُهَا دَفْعًا لِعَارِ النَّسَبِ كما يَمْنَعُهَا نِكَاحَ غَيْرِ الْكُفْءِ وَتُجْبَرُ على ذلك وَالْأَمْرُ عِنْدَ الرِّيبَةِ مِثْلُهَا فِيمَا ذُكِرَ وَيَصْدُقُ
____________________
(3/449)
الْوَلِيُّ بِيَمِينِهِ في دَعْوَى الرِّيبَةِ وَلَا يُكَلَّفُ بَيِّنَةً لِأَنَّ إسْكَانَهُمَا في مَوْضِعِ الْبَرَاءَةِ أَهْوَنُ من الْفَضِيحَةِ لو أَقَامَ بَيِّنَةً
فَصْلٌ الطِّفْلُ بَعْدَ التَّمْيِيزِ يُخَيَّرُ بين أَبَوَيْهِ إنْ افْتَرَقَا وَصَلَحَا لِلْحَضَانَةِ وَيَكُونُ عِنْدَ من اخْتَارَ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَيَّرَ غُلَامًا بين أبيه وَأُمِّهِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْغُلَامَةُ كَالْغُلَامِ كما في الِانْتِسَابِ وَلَوْ تَفَاضَلَا أَيْ فَضَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرُ دِينًا أو مَالًا أو مَحَبَّةً لِلْوَلَدِ فإن الطِّفْلَ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ الْفَاضِلُ أَمَّا إذَا صَلُحَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَلَا يُخَيَّرُ وَالْحَضَانَةُ له فَإِنْ عَادَ صَلَاحُ الْآخَرِ أُنْشِئَ التَّخْيِيرُ وَالْجَدُّ وَإِنْ عَلَا كَالْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ أو عَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ فَيُخَيَّرُ الطِّفْلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُمِّ وَكَذَا الْأَخُ وَالْعَمُّ أَيْ يُخَيَّرُ بين كُلٍّ مِنْهُمَا وَالْأُمُّ لِأَنَّ الْعِلَّةَ في ذلك الْعُصُوبَةُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ في الْحَوَاشِي كَالْأُصُولِ وَمِثْلُهُمَا ابن الْعَمِّ في حَقِّ الذَّكَرِ وَالْأُمُّ أَوْلَى منه بِالْأُنْثَى كَذَا في الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن الْبَغَوِيّ لَكِنْ أَطْلَقَ كَثِيرٌ في ذلك وَجْهَيْنِ بِلَا تَفْصِيلٍ بين الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَاقْتَضَى كَلَامُهُمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا في التَّخْيِيرِ وَصَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وقال في التَّنْبِيهِ بَعْدَ إطْلَاقِ التَّخْيِيرِ بين الْأُمِّ وَالْعَصَبَةِ فَإِنْ كان الْعَصَبَةُ ابْنَ عَمٍّ لم تُسَلَّمْ إلَيْهِ الْبِنْتُ وَأَقَرَّهُ النَّوَوِيُّ في تَصْحِيحِهِ بَلْ زَادَ ما يُؤَكِّدُهُ فقال الصَّوَابُ أَنَّ ابْنَ الْعَمِّ تُسَلَّمُ إلَيْهِ الْبِنْتُ الصَّغِيرَةُ التي لَا تُشْتَهَى وَالْمُشْتَهَاةُ أَيْضًا إذَا كانت له بِنْتٌ مُمَيِّزَةٌ نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ وَسَيَأْتِي ما يَقْتَضِي ذلك وَالْجَدَّةُ كَالْأُمِّ فِيمَا ذُكِرَ عِنْدَ عَدَمِهَا أو عَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا
وَيُخَيَّرُ بين أَبٍ وَأُخْتٍ أو وخالة كما يُخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُمِّ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَاقْتَضَاهُ قَوْلُ الْعَزِيزِ إذَا قُدِّمَ عَلَيْهِمَا قبل التَّمْيِيزِ وفي نُسْخَةٍ وَلَا يُخَيَّرُ بين أَبٍ وَأُخْتٍ أو خَالَةٍ بَلْ هو أَوْلَى وهو ما اقْتَضَاهُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ إذَا قُدِّمَا عليه قبل التَّمْيِيزِ لَكِنَّ قَوْلَهَا الْمَذْكُورَ سَهْوٌ وَعَلَى الْأَوَّلِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ في الْأُخْتِ بين التي لِلْأَبِ وَغَيْرِهَا لَكِنَّ الْمَاوَرْدِيَّ قَيَّدَهَا بِاَلَّتِي لِغَيْرِ الْأَبِ لِإِدْلَائِهَا بِالْأُمِّ وإذا خُيِّرَ بين الْأُمِّ وَبَيْنَهُمْ أَيْ الْعَصَبَةِ فَهُوَ أَيْ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهَا مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ من الْإِنَاثِ أَوْلَى التَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ فَإِنْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا مُدَّةً ثُمَّ اخْتَارَ الْآخَرُ اُتُّبِعَ وَإِنْ تَكَرَّرَ ذلك منه لِأَنَّهُ قد يَظْهَرُ له الْأَمْرُ بِخِلَافِ ما ظَنَّهُ أو يَتَغَيَّرُ حَالُ من اخْتَارَهُ أَوَّلًا لِأَنَّ الْمُتَّبِعَ شَهْوَتُهُ كما قد يَشْتَهِي طَعَامًا في وَقْتٍ وَغَيْرَهُ في آخَرَ وَلِأَنَّهُ قد يَقْصِدُ مُرَاعَاةَ الْجَانِبَيْنِ إلَّا إنْ ظَنَّ بِتَكَرُّرِ ذلك عَدَمَ تَمْيِيزِهِ فَيَبْقَى لِلْأُمِّ كما قبل التَّمْيِيزِ قال ابن الرِّفْعَةِ وَيُعْتَبَرُ في تَمْيِيزِهِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِأَسْبَابِ الِاخْتِيَارِ وَذَلِكَ مَوْكُولٌ إلَى نَظَرِ الْحَاكِمِ
انْتَهَى
وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ التَّخْيِيرَ لَا يَجْرِي بين ذَكَرَيْنِ وَلَا أُنْثَيَيْنِ كَأَخَوَيْنِ وَأُخْتَيْنِ ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ نَقَلَهُ في الْأُنْثَيَيْنِ عن فَتَاوَى الْبَغَوِيّ وَنَقَلَ عن ابْنِ الْقَطَّانِ وَعَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ غَيْرِهِ جَرَيَانَ ذلك بَيْنَهُمَا وهو أَوْجَهُ لِأَنَّهُ إذَا خُيِّرَ بين غَيْرِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ فَبَيْنَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ أَوْلَى
فَرْعٌ لِلْأَبِ إنْ اُخْتِيرَ مَنْعُ الْأُنْثَى لَا مَنْعُ الذَّكَرِ من زِيَارَةِ الْأُمِّ لِتَأَلُّفِ الصِّيَانَةِ وَعَدَمِ الْبُرُوزِ وَالْأُمُّ أَوْلَى منها بِالْخُرُوجِ لِزِيَارَتِهَا لِسِنِّهَا وَخِبْرَتِهَا لَا من عِيَادَتِهَا لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ أَمَّا الذَّكَرُ فَلَا يَمْنَعُهُ من شَيْءٍ من ذلك لِئَلَّا يَأْلَفَ الْعُقُوقَ وَلِأَنَّهُ ليس بِعَوْرَةٍ فَهُوَ أَوْلَى منها بِالْخُرُوجِ وَلِلْأُمِّ زِيَارَتُهُمَا في بَيْتِهِ في يَوْمٍ من الْأَيَّامِ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ على الْعَادَةِ لَا في كل يَوْمٍ فَلَيْسَ له مَنْعُهَا من الدُّخُولِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَغَيْرُهُ وَعِبَارَةُ الْمَاوَرْدِيِّ يَلْزَمُ الْأَبَ أَنْ يُمَكِّنَهَا من الدُّخُولِ وَلَا يُوَلِّهُهَا على وَلَدِهَا لِلنَّهْيِ عنه وفي كَلَامِ بَعْضِهِمْ ما يُفْهِمُ عَدَمَ اللُّزُومِ وَبِهِ أَفْتَى ابن الصَّلَاحِ فقال فَإِنْ بَخِلَ الْأَبُ بِدُخُولِهَا إلَى مَنْزِلِهِ أَخْرَجَهَا إلَيْهَا وَلَا تُطِيلُ الْمُكْثَ إذَا دَخَلَتْ بَيْتَهُ لِلزِّيَارَةِ وَتَسْتَحِقُّ تَمْرِيضَهُمَا في بَيْتِهِ لِأَنَّهَا أَشْفَقُ وَأَهْدَى إلَيْهِ هذا إنْ رضي بِذَلِكَ وَإِلَّا فَفِي بَيْتِهَا وَيَعُودُهُمَا وَيَخْرُجُ عنها من بَيْتِهِ عِنْدَ الزِّيَارَةِ وَالتَّمْرِيضِ فيه إنْ لم يَكُنْ ثَمَّ ثَالِثٌ مَحْرَمٌ أو نَحْوُهُ ولم يَكُنْ الْوَلَدُ مِمَّنْ يُسْتَحَى منه وَضَاقَ الْبَيْتُ احْتِرَازًا عن الْخَلْوَةِ بها وَإِلَّا فَلَا يُكَلَّفُ الْخُرُوجَ وَلَا تُمْنَعُ من حُضُورِ تَجْهِيزِهِمَا في بَيْتِهِ إنْ مَاتَا وَإِنْ مَرِضَتْ هِيَ مَرَّضَتْهَا الْأُنْثَى إنْ أَحْسَنَتْ تَمْرِيضَهَا بِخِلَافِ الذَّكَرِ لَا يَلْزَمُ الْأَبَ تَمْكِينُهُ من أَنْ يُمَرِّضَهَا وَإِنْ أَحْسَنَ
وَإِنْ اُخْتِيرَتْ الْأُمُّ وَالْوَلَدُ أُنْثَى كانت عِنْدَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا لِاسْتِوَاءِ الزَّمَانِ في حَقِّهَا وَيَزُورُهَا الْأَبُ على الْعَادَةِ وَلَا يَطْلُبُ إحْضَارَهَا عِنْدَهُ وَظَاهِرٌ أنها لو كانت بِمَسْكَنِ زَوْجٍ لها لم يَجُزْ له دُخُولُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ لم يَأْذَنْ أَخْرَجَتْهَا إلَيْهِ لِيَرَاهَا وَيَتَفَقَّدَ حَالَهَا وَيُلَاحِظَهَا بِقِيَامِهِ بِتَأْدِيبِهَا وَتَعْلِيمِهَا وَتَحَمُّلِ
____________________
(3/450)
مُؤْنَتِهَا
وَكَذَلِكَ حُكْمُ الصَّغِيرِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَالْمَجْنُونِ الذي لَا تَسْتَقِلُّ الْأُمُّ بِضَبْطِهِ فَيَكُونَانِ عِنْدَ الْإِمَامِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَيَزُورُهُمَا الْأَبُ وَيُلَاحِظُهُمَا بِمَا مَرَّ وَيَزِيدُ الْمَجْنُونُ بِقَوْلِهِ وَعَلَيْهِ ضَبْطُهُ وَأَمَّا الذَّكَرُ إذَا اخْتَارَهَا فَيَكُونُ عِنْدَهَا لَيْلًا وَعِنْدَ الْأَبِ نَهَارًا لِيُعَلِّمَهُ الْأُمُورَ الدِّينِيَّةَ وَالدُّنْيَوِيَّةَ على ما يَلِيقُ بِهِ وَيُؤَدِّبَهُ بها وَلَا يُهْمِلُهُ بِاخْتِيَارِهِ الْأُمَّ لِأَنَّ ذلك من مَصَالِحِهِ وَالْخُنْثَى كَالْأُنْثَى فِيمَا يَظْهَرُ وَقَوْلُهُمْ عِنْدَهَا لَيْلًا وَعِنْدَهُ نَهَارًا قال الْأَذْرَعِيُّ جَرَى على الْغَالِبِ فَلَوْ كانت حِرْفَةً الْأَبِ لَيْلًا كَالْأَتُونَيِّ فَالْأَقْرَبُ أَنَّ اللَّيْلَ في حَقِّهِ كَالنَّهَارِ في حَقِّ غَيْرِهِ حتى يَكُونَ عِنْدَ الْأَبِ لَيْلًا لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ وَعِنْدَ الْأُمِّ نَهَارًا كما قَالُوهُ في الْقَسْمِ بين الزَّوْجَاتِ وَالْجَدُّ وَالْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ كَالْأَبِ في وُجُوبِ التَّأْدِيبِ وَالتَّعْلِيمِ
وَلَوْ خُيِّرَ الْوَلَدُ بين أَبَوَيْهِ مَثَلًا فَسَكَتَ فَالْأُمُّ أَوْلَى لِأَنَّهُ لم يَخْتَرْ غَيْرَهَا وَكَانَتْ الْحَضَانَةُ لها فَيُسْتَصْحَبُ ما كان وَكَذَا لو اخْتَارَ غَيْرَهُمَا فَإِنْ اخْتَارَهُمَا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ عِنْدَ من خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ مِنْهُمَا فَرْعٌ لو اخْتَارَ أَحَدَهُمَا فَامْتَنَعَ من كَفَالَتِهِ كَفَلَهُ الْآخَرُ وَلَا اعْتِرَاضَ لِلْوَلَدِ فَإِنْ رَجَعَ الْمُمْتَنِعُ وَطَلَبَ كَفَالَتَهُ أُعِيدَ التَّخْيِيرُ وَإِنْ امْتَنَعَا منها وكان بَعْدَهُمَا مُسْتَحَقَّاتٌ لها كَالْجَدِّ وَالْجَدَّةِ خُيِّرَ بَيْنَهُمَا وَإِلَّا بِأَنْ لم يَكُنْ بَعْدَهُمَا مُسْتَحِقٌّ أُجْبِرَ عليها من تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ له لِأَنَّهَا من جُمْلَةِ الْكِفَايَةِ فَصْلٌ لو سَافَرَ أَحَدُهُمَا لِحَاجَةٍ أو نَحْوِهَا كَحَجٍّ وَتِجَارَةٍ وَنُزْهَةٍ فَالْمُقِيمُ أَوْلَى بِالْوَلَدِ مُمَيِّزًا أو غير مُمَيِّزٍ إلَى أَنْ يَعُودَ الْمُسَافِرُ وَإِنْ طَالَتْ مُدَّةُ السَّفَرِ لِخَطَرِهِ مع تَوَقُّعِ الْعَوْدِ نعم إنْ كان الْمُقِيمُ الْأُمَّ وكان في بَقَائِهِ مَعَهَا مَفْسَدَةٌ أو ضَيَاعُ مَصْلَحَةٍ كما لو كان يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ أو الْحِرْفَةَ وَهُمَا بِبَلَدٍ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ في ذلك فَالْمُتَّجَهُ تَمْكِينُ الْأَبِ من السَّفَرِ بِهِ لَا سِيَّمَا إنْ اخْتَارَهُ الْوَلَدُ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ أو سَافَرَ لِنَقْلَةٍ وَلَوْ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَالْأَبُ أَوْلَى بِهِ وَإِنْ كان هو الْمُسَافِرُ حِفْظًا لِلنَّسَبِ وَرِعَايَةً لِمَصْلَحَةِ التَّأْدِيبِ وَالتَّعْلِيمِ وَسُهُولَةِ الْإِنْفَاقِ عليه هذا إنْ لم يَكُنْ خَوْفٌ في مَقْصِدِهِ أو طَرِيقِهِ فَإِنْ كان فِيهِمَا أو في أَحَدِهِمَا خَوْفٌ كَغَارَةٍ وَنَحْوِهَا فَالْمُقِيمُ أَوْلَى وَأَلْحَقَ ابن الرِّفْعَةِ بِالْخَوْفِ السَّفَرَ في حَرٍّ وَبَرْدٍ شَدِيدَيْنِ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو ظَاهِرٌ إذَا كان يَتَضَرَّرُ بِهِ الْوَلَدُ أَمَّا لو حَمَلَهُ فِيمَا يَقِيهِ ذلك فَلَا فَإِنْ رَافَقَتْهُ الْأُمُّ في طَرِيقِهِ أو رَجَعَ من سَفَرِهِ فَهِيَ أَيْ الْأُمُّ على حَقِّهَا وَإِنْ اخْتَلَفَا مَقْصِدًا في الْأُولَى كما يُفِيدُهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَكَذَا إنْ لم تُرَافِقْهُ وَاتَّحَدَا مَقْصِدًا كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَمَعْنَى كَوْنِهَا على حَقِّهَا عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا مَقْصِدًا ما دَامَا مُتَرَافِقَيْنِ فَلَا يُنَافِي قَوْلَ الرَّافِعِيِّ وَلَوْ رَافَقَتْهُ في الطَّرِيقِ وَالْمَقْصِدِ دَامَ حَقُّهَا وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَيْ الْأَبِ في دَعْوَى النَّقْلَةِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِقَصْدِهِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَأَمْسَكَتْ الْوَلَدَ وَالْعَصَبَةَ من الْمَحَارِمِ كَالْجَدِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ كَالْأَبِ فِيمَا ذُكِرَ وَسَيَأْتِي حُكْمُ غَيْرِ الْمَحْرَمِ وَأَمَّا الْمَحْرَمُ الذي لَا عُصُوبَةَ له كَالْخَالِ وَالْعَمِّ لِلْأُمِّ فَلَيْسَ له نَقْلُ الْوَلَدِ وَإِنْ سَافَرَ لِلنَّقْلَةِ إذْ لَا حَقَّ له في النَّسَبِ
فَرْعٌ لِلْأَبِ نَقْلُهُ عن الْأُمِّ وَإِنْ أَقَامَ الْجَدُّ بِبَلَدِهَا وَلِلْجَدِّ ذلك عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ وَإِنْ أَقَامَ الْأَخُ بِبَلَدِهَا لَا لِلْأَخِ مع إقَامَةِ الْعَمِّ وَابْنٍ أَيْ أو ابْنِ الْأَخِ أَيْ ليس له ذلك بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْجَدِّ لِأَنَّهُمَا أَصْلٌ في النَّسَبِ فَلَا يَعْتَنِي بِهِ غَيْرُهُمَا كَعِنَايَتِهِمَا وَالْحَوَاشِي مُتَقَارِبُونَ فَالْمُقِيمُ منهم يَعْتَنِي بِحِفْظِهِ نَقَلَ ذلك الْأَصْلُ عن الْمُتَوَلِّي وَيُخَالِفُهُ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ إذَا انْتَقَلَ أَقَارِبُ عَصَبَتِهِ بَعْدَ الْأَبِ وَأَقَامَ أَبَاعِدُهُمْ فَالْمُنْتَقِلُونَ أَوْلَى بِهِ قال الْبُلْقِينِيُّ وهو الْأَصَحُّ وَيَشْهَدُ له ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وهو مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ وما قَالَهُ الْمُتَوَلِّي من مُفْرَدَاتِهِ التي هِيَ غَيْرُ مَعْمُولٍ بها وَإِنْ سَافَرَ الْأَبَوَانِ لِحَاجَةٍ اُسْتُدِيمَ حَقُّ الْأُمِّ وَلَوْ افْتَرَقَا طَرِيقًا وَمَقْصِدًا
الطَّرَفُ الثَّانِي في تَرْتِيبِ مُسْتَحِقِّهَا وَفِيمَنْ يَسْتَحِقُّهَا وَمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا فَمَتَى اجْتَمَعَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ من مُسْتَحَقِّيهَا فَإِنْ تَرَاضَوْا بِوَاحِدٍ فَذَاكَ أو تَدَافَعُوا فَعَلَى من تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كما مَرَّ أو طَلَبَهَا كُلٌّ منهم وهو بِالصِّفَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فَإِنْ تَمَحَّضْنَ أَيْ الْإِنَاثُ فَأَوْلَاهُنَّ الْأُمُّ لِقُرْبِهَا وَوُفُورِ شَفَقَتِهَا ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا الْمُدْلِيَاتُ بِالْإِنَاثِ الْوَارِثَاتِ لِمُشَارَكَتِهِنَّ إيَّاهَا في الْإِرْثِ وَالْوِلَادَةِ ثُمَّ أُمَّهَاتُ الْأَبِ الْمُدْلِيَاتُ بِالْإِنَاثِ الْوَارِثَاتُ لِأَنَّ لَهُنَّ وِلَادَةً وَوِرَاثَةٌ كَالْأُمِّ وَأُمَّهَاتِهَا تُقَدَّمُ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى مِمَّنْ ذُكِرَ وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ أُمَّهَاتُ الْأُمِّ على أُمَّهَاتِ الْأَبِ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ
____________________
(3/451)
فِيهِنَّ مُحَقَّقَةٌ وفي أُمَّهَاتِ الْأَبِ مَظْنُونَةٌ وَلِأَنَّهُنَّ أَقْوَى في الْإِرْثِ بِدَلِيلِ أَنَّهُنَّ لَا يَسْقُطْنَ بِالْأَبِ بِخِلَافِ أُمَّهَاتِهِ ثُمَّ أُمَّهَاتِ أبيه كَذَلِكَ أَيْ الْمُدْلِيَاتِ بِالْإِنَاثِ الْوَارِثَاتِ تُقَدَّمُ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى ثُمَّ أُمَّهَاتُ جَدِّهِ كَذَلِكَ وَعَلَى هذا الْقِيَاسُ ثُمَّ الْأُخْتُ من أَيِّ جِهَةٍ كانت لِقُرْبِهَا وَإِرْثهَا ثُمَّ الْخَالَةُ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِالْأُمِّ بِخِلَافِ من يَأْتِي ثُمَّ بِنْتُ الْأُخْتِ ثُمَّ بِنْتُ الْأَخِ لِأَنَّ جِهَةَ الْأُخُوَّةِ مُقَدَّمَةٌ على الْعُمُومَةِ وَقُدِّمَتْ بِنْتُ الْأُخْتِ على بِنْتِ الْأَخِ كما تُقَدَّمُ الْأُخْتُ على الْأَخِ ثُمَّ الْعَمَّةُ وَتُقَدَّمُ الْأُخْتُ وَالْخَالَةُ وَالْعَمَّةُ من الْأَبَوَيْنِ عَلَيْهِنَّ من الْأَبِ لِزِيَادَةِ قَرَابَتِهِنَّ وَمِنْ الْأَبِ عَلَيْهِنَّ من الْأُمِّ لِقُوَّةِ الْجِهَةِ وَمِنْهُ عُلِمَ أَنَّهُنَّ إذَا كُنَّ لِأَبَوَيْنِ يُقَدَّمْنَ عَلَيْهِنَّ لِأُمٍّ وَذِكْرُ الْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ من الْأَبَوَيْنِ من زِيَادَتِهِ
فَرْعٌ لَا حَضَانَةَ لِجَدَّةٍ لَا تَرِثُ وَهِيَ من تُدْلِي بِذَكَرٍ بين أُنْثَيَيْنِ كَأُمِّ أبي الْأُمِّ لِإِدْلَائِهَا بِمَنْ لَا حَقَّ له في الْحَضَانَةِ بِحَالٍ فَكَانَتْ كَالْأَجْنَبِيَّةِ بِخِلَافِ أُمِّ الْأُمِّ إذَا كانت الْأُمُّ فَاسِقَةً أو مُزَوَّجَةً لِاسْتِحْقَاقِهَا الْحَضَانَةَ في الْجُمْلَةِ وَلَا لِمَنْ تُدْلِي بِذَكَرٍ لَا يَرِثُ كَبِنْتِ عَمٍّ لِأُمٍّ وَبِنْتِ ابْنِ بِنْتٍ وَهَذَا يُغْنِي عَمَّا قَبْلَهُ
فَرْعٌ لِبِنْتِ الْخَالَةِ ثُمَّ لِبِنْتِ الْعَمَّةِ ثُمَّ لِبِنْتِ الْعَمِّ لِغَيْرِ أُمٍّ حَضَانَةٌ فَكُلُّ أُنْثَى قَرِيبَةٌ لم تُدْلِ بِذَكَرٍ غَيْرِ وَارِثٍ لها الْحَضَانَةُ وَإِنْ لم تَكُنْ مَحْرَمًا لِشَفَقَتِهَا بِالْقَرَابَةِ وَهِدَايَتِهَا بِالْأُنُوثَةِ وَذَكَرَ الْأَصْلُ مع ذلك بِنْتَ الْخَالِ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ إنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِذَكَرٍ غَيْرِ وَارِثٍ وَهِيَ بِذَلِكَ أَوْلَى من أُمِّ أبي الْأُمِّ فَإِنْ كان الْوَلَدُ ذَكَرًا فَحَتَّى أَيْ فَتَسْتَمِرُّ حَضَانَتُهُ حتى يَبْلُغَ حَدًّا يُشْتَهَى
فَرْعٌ لِبِنْتِ الْمَجْنُونِ عِنْدَ عَدَمِ أَبَوَيْهِ حَضَانَتُهُ فَهِيَ مُقَدَّمَةٌ على الْجَدَّاتِ لَكِنْ قال الزَّرْكَشِيُّ لَا يَنْبَغِي التَّخْصِيصُ بِالْأَبَوَيْنِ بَلْ سَائِرُ الْأُصُولِ كَذَلِكَ
وَزَوْجُ الْمَحْضُونِ ذَكَرًا كان أو أُنْثَى وَلَوْ كان الْمَحْضُونُ مَجْنُونًا إنْ كان له بها أو لها بِهِ اسْتِمْتَاعٌ أَوْلَى بِحَضَانَتِهِ من جَمِيعِ الْأَقَارِبِ وَالْمُرَادُ بِاسْتِمْتَاعِهِ بها جِمَاعُهُ لها فَلَا بُدَّ أَنْ تُطِيقَهُ وَإِلَّا فَلَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ كما مَرَّ في الصَّدَاقِ وَصَرَّحَ بِهِ ابن الصَّلَاحِ هُنَا في فَتَاوِيهِ وَإِلَّا فَالْأَقْرَبُ أَوْلَى بها الْأَنْسَبُ بِعِبَارَةِ الْأَصْلِ فَالْقَرِيبُ وكان عَدَلَ عنها إلَى ذلك لِيُفِيدَ الْأَوْلَوِيَّةَ وَإِنْ كان لِلزَّوْجِ قَرَابَةٌ بِنَاءً على أَنَّهُ لَا تَرْجِيحَ بِالزَّوْجِيَّةِ كما هو أَحَدُ وَجْهَيْنِ في الْأَصْلِ وَيَكُونُ التَّرْجِيحُ فيها من زِيَادَتِهِ أَخْذًا من الْعِتْقِ فِيمَا يَأْتِي وَعَلَيْهِ فَأَوْلَوِيَّةُ الْقَرِيبِ مَفْهُومَةٌ بِالْأَوْلَى
وَإِنْ تَمَحَّضَ الذُّكُورُ ثَبَتَتْ أَيْ الْحَضَانَةُ لِكُلِّ قَرِيبٍ وَارِثٍ وَلَوْ غير مَحْرَمٍ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْأَخِ وَابْنِ الْأَخِ وَالْعَمِّ وَكَابْنِ الْعَمِّ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِمْ وَقُوَّةِ قَرَابَتِهِمْ بِالْإِرْثِ وَالْوِلَايَةِ وَيَزِيدُ الْمَحْرَمُ بِالْمَحْرَمِيَّةِ لَا الْمُعْتِقُ لِعَدَمِ الْقَرَابَةِ التي هِيَ مَظِنَّةُ الشَّفَقَةِ وَلَا يُرَجَّحُ الْمُعْتِقُ بِالْعِتْقِ على الْأَقْرَبِ منه فَلَوْ كان له عَمٌّ وَعَمُّ أَبٍ مُعْتِقٍ لم يُرَجَّحْ الْمُعْتِقُ وَإِنْ انْضَمَّ إلَى عُصُوبَةِ قَرَابَتِهِ عُصُوبَةُ وِلَايَةٍ بَلْ يُقَدَّمُ عليه الْأَقْرَبُ وَيُشَارِكُهُ الْمُسَاوِي وَلَا مَحْرَمَ أَيْ وَلَا يَثْبُتُ لِمَحْرَمٍ غَيْرِ وَارِثٍ كَأَبِي الْأُمِّ وَالْخَالِ وَالْعَمِّ لِلْأُمِّ لِضَعْفِ قَرَابَتِهِمْ لِتَقَاعُدِهَا عن إفَادَةِ الْوِلَايَةِ وَالْإِرْثِ وَتَحَمُّلِ الْعَقْلِ وَإِنَّمَا ثَبَتَتْ الْحَضَانَةُ لِلْخَالَةُ لِانْضِمَامِ الْأُنُوثَةِ إلَى الْقَرَابَةِ وَلَهَا أَثَرٌ في الْحَضَانَةِ وإذا ثَبَتَتْ الْحَضَانَةُ لِلذَّكَرِ الْقَرِيبِ الْوَارِثِ ثَبَتَتْ على تَرْتِيبِ الْإِرْثِ إلَّا الْأَخَ وَالْجَدَّ فَيُقَدَّمُ الْأَبُ ثُمَّ أَقْرَبُ جَدٍّ له وَإِنْ عَلَا ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبَوَيْنِ ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبِ ثُمَّ الْأَخُ لِلْأُمِّ ثُمَّ بَنُو الْإِخْوَةِ لِلْأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِلْأَبِ ثُمَّ الْأَعْمَامُ لِلْأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِلْأَبِ ثُمَّ بَنُوهُمْ ثُمَّ أَعْمَامُ الْأَبِ ثُمَّ بَنُوهُمْ ثُمَّ أَعْمَامُ الْجَدِّ ثُمَّ بَنُوهُمْ وابن الْعَمِّ وَنَحْوُهُ مِمَّنْ هو وَارِثٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ يَتَسَلَّمُ الصَّغِيرَةَ التي ثَبَتَ له حَضَانَتُهَا كَالصَّغِيرِ لَا من تُشْتَهَى فَلَا يَتَسَلَّمُهَا بَلْ يُعَيِّنُ لها امْرَأَةً ثِقَةً بِأُجْرَةٍ وَبِدُونِهَا وَإِنَّمَا كان التَّعْيِينُ له لِأَنَّ الْحَضَانَةَ له وَيُفَارِقُ ثُبُوتُ الْحَضَانَةِ له عليها عَدَمَ ثُبُوتِهَا لِبِنْتِ الْعَمِّ على الذَّكَرِ الْمُشْتَهِي بِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يُسْتَغْنَى عن الِاسْتِنَابَةِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ وَلِاخْتِصَاصِ ابْنِ الْعَمِّ بِالْعُصُوبَةِ وَالْوِلَايَةِ وَالْإِرْثِ فَإِنْ كانت له بِنْتٌ مَثَلًا يُسْتَحْيَا منها على ما مَرَّ في الْعَدَدِ سُلِّمَتْ إلَيْهَا بِإِذْنِهِ قَوْلُهُ إلَيْهَا بِإِذْنِهِ أَخَذَهُ من الْإِسْنَوِيِّ
وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ سُلِّمَتْ إلَيْهِ أَيْ جُعِلَتْ عِنْدَهُ مع بِنْتِهِ وهو حَسَنٌ لَا يَعْدِلُ عنه نعم إنْ كان مُسَافِرًا أو بِنْتَهُ معه لَا في رَحْلِهِ سُلِّمَتْ إلَيْهَا لَا له كما لو كان في الْحَضَرِ ولم تَكُنْ بِنْتُهُ في بَيْتِهِ وَبِهَذَا جَمَعَ بين كَلَامَيْ الْأَصْلِ وَالْمِنْهَاجِ وَأَصْلُهُ حَيْثُ قالوا في مَوْضِعٍ تُسَلَّمُ إلَيْهِ وفي آخَرَ تُسَلَّمُ إلَيْهَا قال الْإِسْنَوِيُّ وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهَا ثِقَةً وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ قال وما يُتَوَهَّمُ من أَنَّ غَيْرَتَهَا على قَرِيبَتِهَا وَأَبِيهَا يُغْنِي عن ذلك مَرْدُودٌ لِتَفَاوُتِ الناس في ذلك فَاعْتُبِرَتْ الثِّقَةُ
____________________
(3/452)
مُطْلَقًا حَسْمًا لِلْبَابِ
وَإِنْ اجْتَمَعُوا أَيْ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ فَالْأُمُّ أَوْلَى بِالْحَضَانَةِ ثُمَّ أُمُّهَا كما سَبَقَ في أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُنَّ مُدْلِيَاتٍ بِالْإِنَاثِ وَقُدِّمْنَ على الْأَبِ لِاخْتِصَاصِهِنَّ بِالْوِلَادَةِ الْمُحَقَّقَةِ وَلِأَنَّهُنَّ أَلْيَقُ بِالْحَضَانَةِ منه كما مَرَّ وَلِأَنَّهُ لَا يُسْتَغْنَى في الْحَضَانَةِ عن النِّسَاءِ غَالِبًا فَلَوْ نَكَحَتْ الْأُمُّ من لَا حَضَانَةَ له وَرَضِيَ بها الْأَبُ وَالزَّوْجُ فَلَا حَقَّ لِلْجَدَّةِ لِوُفُورِ شَفَقَةِ الْأُمِّ مع رِضَا من ذُكِرَ ثُمَّ بَعْدَهُنَّ الْأَبُ بِزِيَادَةٍ بَعْدَهُنَّ لِطُولِ الْفَصْلِ ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ الْمُدْلِيَاتُ بِالْإِنَاثِ وَقُدِّمَ عَلَيْهِنَّ لِإِدْلَائِهِنَّ بِهِ ثُمَّ الْجَدُّ أبو الْأَبِ وَإِنْ عَلَا ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ الْمُدْلِيَاتُ بِالْإِنَاثِ ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ من الْحَوَاشِي ذَكَرًا كان أو أُنْثَى كما سَبَقَ في أَنَّهُ يُقَدَّمُ ذُو الْأَبَوَيْنِ على ذِي الْأَبِ وَذُو الْأَبِ على ذِي الْأُمِّ
فَإِنْ اسْتَوَيَا أَيْ اثْنَانِ في الْقُرْبِ وَاخْتَلَفَا ذُكُورَةً وَأُنُوثَةً كَأَخٍ وَأُخْتٍ قُدِّمَ بِالْأُنُوثَةِ لِأَنَّ الْإِنَاثَ أَصْبَرُ وَأَبْصَرُ فَتُقَدَّمُ أُخْتٌ ثُمَّ أَخٍ ثُمَّ بِنْتُ أُخْتٍ ثُمَّ بِنْتُ أَخٍ ثُمَّ ابن أَخٍ اعْتِبَارًا بِمَنْ يَحْضُنُ لَا بِمَنْ يُدْلِي بِهِ وَعَدَلَ إلَى تَعْبِيرِهِ بِابْنِ أَخٍ عن تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِابْنِ أُخْتٍ لِمَا مَرَّ من أَنَّ الذَّكَرَ غَيْرُ الْوَارِثِ لَا يَحْضُنُ ثُمَّ خَالَةٌ تَأْخِيرُهَا عن بِنْتَيْ الْأُخْتِ وَالْأَخِ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ من تَقْدِيمِهَا عَلَيْهِمَا وهو الْمَذْكُورُ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَغَيْرِهِ فَاعْتَمِدْهُ نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ
ثُمَّ عَمُّهُ ثُمَّ عَمٌّ وَارِثٌ بِخِلَافِ غَيْرِ الْوَارِثِ وهو الْعَمُّ لِلْأُمِّ وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الْوَارِثِ من زِيَادَتِهِ ثُمَّ بِنْتُ خَالَةٍ ثُمَّ بِنْتُ عَمَّةٍ عَمٌّ وَارِثٌ ثُمَّ أَوْلَادُهُمْ على ما سَبَقَ ثُمَّ خَالَةُ الْأَبَوَيْنِ ثُمَّ عَمَّتُهُمَا ثُمَّ عَمُّهُمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ثُمَّ قال وإذا اسْتَوَى اثْنَانِ من كل وَجْهٍ كَأَخَوَيْنِ أو خَالَتَانِ وَتَنَازَعَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ
فَرْعٌ الْخُنْثَى هُنَا كَالذَّكَرِ فَلَا يَتَقَدَّمُ على الذَّكَرِ في مَحَلٍّ لو كان أُنْثَى لَقُدِّمَ لِعَدَمِ الْحُكْمِ بِالْأُنُوثَةِ فَلَوْ ادَّعَى الْأُنُوثَةَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهَا لَا تُعْلَمُ إلَّا منه غَالِبًا فَيَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ وَإِنْ اُتُّهِمَ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ ضِمْنًا لَا مَقْصُودًا وَلِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَتَبَعَّضُ
الْبَابُ السَّادِسُ في نَفَقَةِ الْمَمْلُوكِ وَعَلَى السَّيِّدِ نَفَقَةُ رَقِيقِهِ غَيْرِ الْمُكَاتَبِ وَلَوْ آبِقًا وَزَمِنًا وَصَغِيرًا وَأَعْمَى وَمَرْهُونًا وَمُسْتَأْجَرًا وَمُعَارًا وَكِسْوَتُهُ وَكَذَا مَاءُ طَهَارَتِهِ وَمُؤْنَتُهُ أَيْ وَسَائِرُ مُؤْنَاتِهِ لِخَبَرِ لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ وَلَا يُكَلَّفُ من الْعَمَلِ ما لَا يُطِيقُ وَخَبَرِ كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عن مَمْلُوكِهِ قُوتَهُ رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَقِيسَ بِمَا فِيهِمَا ما في مَعْنَاهُمَا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ وَلَوْ فَاسِدًا الْكِتَابَةُ لَا يَجِبُ له شَيْءٌ من ذلك على سَيِّدِهِ لِاسْتِقْلَالِهِ بِالْكَسْبِ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ أَقَارِبِهِ وَكَذَا الْأَمَةُ الْمُزَوَّجَةُ حَيْثُ أَوْجَبْنَا نَفَقَتَهَا على الزَّوْجِ وَيَجِبُ ذلك من غَالِبِ قُوتِ رَقِيقٍ أَيْ أَرِقَّاءِ الْبَلَدِ وَأُدْمِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ من حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَزَيْتٍ وَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ وَصُوفٍ وَغَيْرِهَا لِخَبَرِ الشَّافِعِيِّ لِلْمَمْلُوكِ نَفَقَتُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ قال الْمَعْرُوفُ عِنْدَنَا الْمَعْرُوفُ لِمِثْلِهِ بِبَلَدِهِ فَتَجِبُ كِفَايَتُهُ وَلَوْ كان رَغِيبًا في الْأَكْلِ بِحَيْثُ تَزِيدُ كِفَايَتُهُ على كِفَايَةِ مِثْلِهِ غَالِبًا وَتَسْقُطُ عنه بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَلَا تَصِيرُ دَيْنًا عليه كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ بِجَامِعِ وُجُوبِهَا بِالْكِفَايَةِ وَيَكْسُوهُ ما يَلِيقُ بِحَالِ السَّيِّدِ من الرَّفِيعِ وَالْوَسَطِ وَالْخَشِنِ وَيُنْفِقُهُ أَيْ وَيُنْفِقُ عليه الشَّرِيكَانِ بِقَدْرِ الْمِلْكِ أَيْ مِلْكَيْهِمَا وَلَوْ تَقَشَّفَ السَّيِّدُ بِأَنْ كان يَأْكُلُ وَيَلْبَسُ دُونَ الْمُعْتَادِ غَالِبًا بُخْلًا أو رِيَاضَةً لم يَتْبَعْهُ الْعَبْدُ بَلْ يَلْزَمُ السَّيِّدَ رِعَايَةُ الْغَالِبِ له وَلَوْ تَنَعَّمَ بِمَا هو فَوْقَ اللَّائِقِ بِهِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مثله وَلَا يَلْزَمُهُ بَلْ له الِاقْتِصَارُ على الْغَالِبِ وَقَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا هُمْ إخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كان أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ من طَعَامِهِ وَلْيُلْبِسْهُ من لِبَاسِهِ قال الرَّافِعِيُّ حَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ على النَّدْبِ أو على
____________________
(3/453)
الْخِطَابِ لِقَوْمٍ مَطَاعِمُهُمْ وَمَلَابِسُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ أو على أَنَّهُ جَوَابُ سَائِلٍ عَلِمَ فَأَجَابَ بِمَا اقْتَضَاهُ الْحَالُ وَكَسْبُهُ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ يُنْفِقُهُ أَيْ يُنْفِقُ عليه منه إنْ شَاءَ فَإِنْ لم يَفِ بِنَفَقَتِهِ فَالْبَاقِي على السَّيِّدِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَأَنْفَقَ عليه من سَائِرِ أَمْوَالِهِ وَلَا يَقْتَصِرُ في كِسْوَتِهِ على سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَإِنْ لم يَتَأَذَّ بِحَرٍّ وَلَا بَرْدٍ لِأَنَّ ذلك يُعَدُّ تَحْقِيرًا قال الْغَزَالِيُّ وَهَذَا بِبِلَادِنَا إخْرَاجًا لِبِلَادِ السُّودَانِ وَنَحْوِهَا كما في الْمَطْلَبِ وَهَذَا يُفْهِمُهُ قَوْلُهُمْ من الْغَالِبِ فَلَوْ كَانُوا لَا يَسْتَتِرُونَ أَصْلًا وَجَبَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى
فَصْلٌ لو فَضَّلَ نَفِيسَ رَقِيقِهِ على خَسِيسِهِ كُرِهَ في الْعَبِيدِ وَاسْتُحِبَّ في الْإِمَاءِ لِلْعَادَةِ سَوَاءٌ فيه السِّرِّيَّةُ وَغَيْرُهَا قال في الْأَصْلِ في الْعَبِيدِ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ تَفْضِيلُ النَّفِيسِ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو قَضِيَّةُ الْعُرْفِ وَبِهِ أَجَابَ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا فَقَالُوا وَيَخْتَلِفُ حَالُهُمْ بِاخْتِلَافِ مَنَازِلِهِمْ فَلَيْسَ كِسْوَةُ الرَّاعِي وَالسَّائِسِ كَكِسْوَةِ من قام بِالتِّجَارَةِ قال وَحِينَئِذٍ فَالْأَشْبَهُ تَرْجِيحُ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ
فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ لِسَيِّدِهِ أَنْ يُؤَاكِلَهُ بِأَنْ يُجْلِسَهُ لِلْأَكْلِ معه وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُؤَاكِلْهُ بِأَنْ لم يُجْلِسْهُ معه أو امْتَنَعَ هو من جُلُوسِهِ معه تَوْقِيرًا له فَلْيَرُغْ أَيْ فَلْيُرَوِّ له في وفي نُسْخَةٍ من الدَّسَمِ لُقْمَةً كَبِيرَةً تَسُدُّ مَسَدَ الصَّغِيرَةِ تُهَيِّجُ الشَّهْوَةَ وَلَا تَقْضِي النُّهْمَةَ أو لُقْمَتَيْنِ ثُمَّ يُنَاوِلُهُ ذلك فَعُلِمَ أَنَّ الْإِجْلَاسَ معه أَفْضَلُ من التَّرْوِيغِ وَالْمُنَاوَلَةِ لِيَتَنَاوَلَ الْقَدْرَ الذي يَشْتَهِيهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ ثُمَّ هذا أَيْ أَحَدُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ لِمَنْ عَالَجَ الطَّعَامَ آكَدُ وَلَا سِيَّمَا إنْ حَضَرَ الْمُعَالِجُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إذَا أتى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ فَإِنْ لم يُجْلِسْهُ معه فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أو لُقْمَتَيْنِ فإنه وَلِيَ حَرَّهُ وَعِلَاجَهُ وَالْمَعْنَى فيه تَشَوُّفُ النَّفْسِ لِمَا تُشَاهِدُهُ وَهَذَا يَقْطَعُ شَهْوَتَهَا وَالْأَمْرُ في الْخَبَرِ مَحْمُولٌ على النَّدْبِ نَدْبًا لِلتَّوَاضُعِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَنَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ عن الشَّافِعِيِّ نَصًّا حَاصِلُهُ الْوُجُوبُ ثُمَّ قال فَظَهَرَ أَنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْوُجُوبُ على خِلَافِ ما رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَرَدَّهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ النَّصَّ لَا يَدُلُّ على ذلك بَلْ على ما رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ أَعْطَى السَّيِّدُ الْعَبْدَ طَعَامَهُ لم يَكُنْ لِلسَّيِّدِ تَبْدِيلُهُ بِمَا يَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْأَكْلِ بِخِلَافِ تَبْدِيلِهِ بِمَا لَا يَقْتَضِي ذلك هذا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْمَاوَرْدِيِّ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عن الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ له إبْدَالُهُ وَقْتَ الْأَكْلِ وَيَجُوزُ قَبْلَهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وما نَقَلَهُ عن الرُّويَانِيِّ أَوْرَدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مَوْرِدَ الْمَذْهَبِ ثُمَّ ذَكَرَ ما نَقَلَهُ عنه احْتِمَالًا
فَصْلٌ له إجْبَارُ أَمَتِهِ وَلَوْ أُمَّ وَلَدِهِ على إرْضَاعِ وَلَدِهَا وَلَوْ من زِنًا لِأَنَّ لَبَنَهَا وَمَنَافِعَهَا له بِخِلَافِ الْحُرَّةِ وَلَوْ طَلَبَتْهُ أَيْ إرْضَاعَهُ لم يَجُزْ له مَنْعُهَا منه لِأَنَّ فيه تَفْرِيقًا بين الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا إلَّا عِنْدَ الِاسْتِمْتَاعِ بها فَلَهُ مَنْعُهَا منه وَوَضْعُ الْوَلَدِ عِنْدَ غَيْرِهَا إلَى فَرَاغِ الِاسْتِمْتَاعِ وَإِلَّا إذَا كان الْوَلَدُ حُرًّا من غَيْرِهِ أو مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ فَلَهُ مَنْعُهَا من إرْضَاعِهِ وَيَسْتَرْضِعُهَا غَيْرُهُ لِأَنَّ إرْضَاعَهُ على وَالِدِهِ أو مَالِكِهِ نَقَلَهُ ابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ عن الْمَاوَرْدِيِّ وَأَقَرُّوهُ
وَلَهُ طَلَبُ الْأُجْرَةِ على الْإِرْضَاعِ من أَبِ وَلَدِهَا الْحُرِّ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّبَرُّعُ بِهِ كما لَا يَلْزَمُ الْحُرَّةَ التَّبَرُّعُ بِهِ وَلَا يُكَلِّفُهَا رَضَاعَ غَيْرِ وَلَدِهَا وَلَوْ بِأُجْرَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلِأَنَّ طَعَامَهُ اللَّبَنُ فَلَا يَنْقُصُ منه كَالْقُوتِ إلَّا بِفَاضِلٍ من لَبَنِهَا عنه أَيْ عن رِيِّهِ أَمَّا لِغَزَارَةِ لَبَنِهَا أو لِقِلَّةِ شِرَائِهِ أو لِاغْتِنَائِهِ بِغَيْرِ اللَّبَنِ في أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ أو لِمَوْتِهِ فَلَهُ تَكْلِيفُهَا ذلك كما له تَكْلِيفُهَا غَيْرَهُ من سَائِرِ الْأَعْمَالِ التي تُطِيقُهَا وَلَهُ إجْبَارُهَا على الْفِطَامِ لِوَلَدِهَا قبل مُضِيِّ الْحَوْلَيْنِ إنْ اجْتَزَأَ بِغَيْرِ اللَّبَنِ لِأَنَّهُ قد يُرِيدُ التَّمَتُّعَ بها وَهِيَ مِلْكُهُ وَلَا ضَرَرَ على الْوَلَدِ في ذلك وعلى الرَّضَاعِ له بَعْدَهُمَا إنْ لم يَتَضَرَّرْ هو أو هِيَ بِالْإِرْضَاعِ سَوَاءٌ أَكَفَاهُ غَيْرُ اللَّبَنِ أَمْ لَا لِأَنَّ لَبَنَهَا وَمَنَافِعَهَا له كما مَرَّ وَلَيْسَ لها الِاسْتِقْلَالُ بِإِرْضَاعٍ وَلَا فِطَامٍ إذْ لَا حَقَّ لها في التَّرْبِيَةِ بِخِلَافِهِ مع الْحُرَّةِ فإنه لَا يُجْبَرُ أَحَدُهُمَا أَيْ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ الْحُرَّيْنِ على الْفِطَامِ قبل مُضِيِّ الْحَوْلَيْنِ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقًّا في التَّرْبِيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عن تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ أَيْ لِأَهْلِ الْخِبْرَةِ إنْ كان ذلك يَضُرُّ الْوَلَدَ أو لَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا اسْتِقْلَالٌ بِالْفِطَامِ قبل مُضِيِّ الْحَوْلَيْنِ لِأَنَّهَا مُدَّةُ الرَّضَاعِ فَإِنْ اتَّفَقَا على فِطَامِهِ حِينَئِذٍ جَازَ إنْ لم يَتَضَرَّرْ بِهِ كما صَرَّحَ الْأَصْلُ وَعَلَيْهِ أَيْ الْأَبِ الْأُجْرَةُ لها أو لِغَيْرِهَا حَالَ الِامْتِنَاعِ أَيْ امْتِنَاعِهَا من الْفِطَامِ قبل الْحَوْلَيْنِ وَإِنْ لم يَتَضَرَّرْ بِهِ الْوَلَدُ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الِانْفِرَادُ بِهِ أَيْ بِالْفِطَامِ بَعْدَهُمَا أَيْ الْحَوْلَيْنِ إنْ لم يَتَضَرَّرْ الْوَلَدُ بِهِ لِمُضِيِّ مُدَّةِ الرَّضَاعِ وَلَهُمَا الزِّيَادَةُ في الْإِرْضَاعِ على الْحَوْلَيْنِ إذْ لم يَتَضَرَّرْ بِهِ
____________________
(3/454)
فَصْلٌ مُخَارَجَةُ الرَّقِيقِ الْمُكَلَّفِ على ما يَحْتَمِلُهُ كَسْبُهُ وَهِيَ ضَرْبُ خَرَاجٍ مَعْلُومٍ عليه يُؤَدِّيهِ كُلَّ يَوْمٍ أو أُسْبُوعٍ مَثَلًا مِمَّا يَكْسِبُهُ جَائِزَةٌ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْطَى أَبَا طَيْبَةَ صَاعَيْنِ أو صَاعًا من تَمْرٍ وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عنه من خَرَاجِهِ بِالْمُرَاضَاةِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا إجْبَارُ الْآخَرِ عليها لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَاعْتُبِرَ فيها التَّرَاضِي كَالْكِتَابَةِ أَمَّا إذَا خَارَجَهُ على ما لَا يَحْتَمِلُهُ كَسْبُهُ فَلَا يَجُوزُ وَهِيَ غَيْرُ لَازِمَةٍ وَكَأَنَّهُ فِيمَا إذَا وَفَّى وزاد كَسْبُهُ أَبَاحَهُ الزَّائِدُ تَوْسِيعًا في النَّفَقَةِ عليه وَمُؤْنَتُهُ تَجِبُ حَيْثُ شُرِطَتْ من كَسْبِهِ أو من مَالِ سَيِّدِهِ فَإِنْ كَلَّفَهُ ما لَا يَلِيقُ وفي نُسْخَةٍ يُطِيقُ بِأَنْ ضَرَبَ عليه خَرَاجًا أَكْثَرَ مِمَّا يَلِيقُ بِحَالِهِ وَأَلْزَمَهُ أَدَاءَهُ مُنِعَ منه وَيُجْبَرُ نَقْصُ يَوْمٍ مَثَلًا بِزِيَادَةِ يَوْمٍ آخَرَ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيُجْبَرُ نَقْصُ بَعْضِ الْأَيَّامِ بِالزِّيَادَةِ في بَعْضِهَا فَصْلٌ لَا يُكَلِّفُ السَّيِّدُ عَبْدَهُ وَأَمَتَهُ أَيْ كُلًّا مِنْهُمَا عَمَلًا على الدَّوَامِ لَا يُطِيقُهُ على الدَّوَامِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَلِّفَهُ عَمَلًا على الدَّوَامِ يَقْدِرُ عليه يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ ثُمَّ يَعْجِزُ عنه فَعُلِمَ أَنَّهُ يَجُوزُ له أَنْ يُكَلِّفَهُ الْأَعْمَالَ الشَّاقَّةَ في بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بين كَلَامَيْ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَإِنْ زَعَمَهُ جَمَاعَةٌ وَيَتْبَعُ السَّيِّدُ في تَكْلِيفِهِ رَقِيقَهُ ما يُطِيقُهُ الْعَادَةَ في إرَاحَتِهِ في وَقْتِ الْقَيْلُولَةِ وَالِاسْتِمْتَاعِ وفي الْعَمَلِ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَيُرِيحُهُ من الْعَمَلِ إمَّا اللَّيْلُ إنْ اسْتَعْمَلَهُ نَهَارًا أو النَّهَارُ إنْ اسْتَعْمَلَهُ لَيْلًا وَإِنْ اعْتَادُوا أَيْ السَّادَةُ الْخِدْمَةَ من الْإِرْقَاءِ نَهَارًا مع طَرَفَيْ اللَّيْلِ لِطُولِهِ اُتُّبِعَتْ عَادَتُهُمْ وَعَلَى الْعَبْدِ بَذْلُ الْجَهْدِ وَتَرْكُ الْكَسَلِ في الْخِدْمَةِ
وَيُبَاعُ مَالُ سَيِّدِهِ في نَفَقَتِهِ أَيْ يَبِيعُهُ عليه الْحَاكِمُ إذَا امْتَنَعَ من الْإِنْفَاقِ عليه أو غَابَ أو يُؤَجِّرُهُ عليه بَعْدَ اسْتِدَانَتِهِ شيئا عليه صَالِحًا لِمَا في بَيْعِهِ أو إيجَارِهِ شيئا فَشَيْئًا من الْمَشَقَّةِ فَإِنْ لم يُمْكِنْ بَيْعُ بَعْضِهِ وَلَا إيجَارُهُ بَاعَ جَمِيعَهُ أو آجَرَهُ كما في نَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَذِكْرُ الْإِيجَارِ من زِيَادَتِهِ وما ذَكَرَ في الْبَيْعِ قال الْأَذْرَعِيُّ مَحَلُّهُ إذَا لم يَتَيَسَّرْ بَيْعُهُ شيئا فَشَيْئًا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ كَالْعَقَارِ فَإِنْ تَيَسَّرَ ذلك كما في الْحُبُوبِ وَالْمَائِعَاتِ تَعَيَّنَ أَيْ بِلَا اسْتِدَانَةٍ وَهَذَا مَأْخُوذٌ من كَلَامِهِمْ فَإِنْ عُدِمَ مَالُهُ أُمِرَ بِبَيْعِهِ أَيْ الرَّقِيقِ أو إيجَارِهِ على الْوَجْهِ السَّابِقِ أو عِتْقِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ فَإِنْ امْتَنَعَ من ذلك بَاعَهُ الْحَاكِمُ أو آجَرَهُ عليه على الْوَجْهِ السَّابِقِ وَيُقَدَّمُ إيجَارُهُ فِيمَا ذُكِرَ على بَيْعِهِ فإن تَعَذَّرَ تَعَيَّنَ الْبَيْعُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَغَيْرُهُ فَإِنْ كَسَدَ بِأَنْ لم يُوجَدْ من يَشْتَرِيهِ أو يَسْتَأْجِرُهُ فَنَفَقَتُهُ على بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ فُقِدَ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ من مَحَاوِيجِهِمْ قال ابن الرِّفْعَةِ وَتُدْفَعُ كِفَايَةُ الرَّقِيقِ لِمَالِكِهِ لِأَنَّ الْكِفَايَةَ عليه وهو الْمَعْنِيُّ بِأَنَّهُ من مَحَاوِيجِ الْمُسْلِمِينَ لَا لِلرَّقِيقِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُنْفِقُ عليه من بَيْتِ الْمَالِ أو الْمُسْلِمِينَ مَجَّانًا وهو ظَاهِرٌ إنْ كان السَّيِّدُ فَقِيرًا أو مُحْتَاجًا إلَى خِدْمَتِهِ الضَّرُورِيَّةِ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذلك فَرْضًا عليه
انْتَهَى
وَحُكْمُ الْعَجْزِ عن نَفَقَةِ أُمِّ الْوَلَدِ تَقَدَّمَ قُبَيْلَ بَابِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَنَفَقَةُ الْمُبَعَّضِ أَيْ الْمَعْجُوزِ عن نَفَقَتِهِ في بَيْتِ الْمَالِ إنْ لم يَكُنْ مُهَايَأَةً وَإِلَّا فَهِيَ على من هِيَ في نَوْبَتِهِ وَفِيمَا قَالَهُ في الشِّقِّ الثَّانِي نَظَرٌ
فَصْلٌ وَعَلَيْهِ أَيْ صَاحِبِ دَابَّةٍ كِفَايَةُ دَابَّتِهِ الْمُحْتَرَمَةِ أو تَخْلِيَتُهَا لِلْمَرْعَى وَوُرُودِ الْمَاءِ إنْ اكْتَفَتْ بِهِ فَإِنْ لم تَكْتَفِ بِهِ لِجَدْبِ الْأَرْضِ وَنَحْوِهِ أَضَافَ إلَيْهِ من الْعَلَفِ ما يَكْفِيهَا وَذَلِكَ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ في هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ من خَشَاشِ الْأَرْضِ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا أَيْ هَوَامِّهَا وَالْمُرَادُ بِكِفَايَةِ الدَّابَّةِ وُصُولُهَا لِأَوَّلِ الشِّبَعِ وَالرِّيِّ دُونَ غَايَتِهِمَا وَخَرَجَ بِالْمُحْتَرَمَةِ غَيْرُهَا كَالْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ فَإِنْ امْتَنَعَ من ذلك وَلَهُ مَالٌ أَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ الْكِفَايَةَ أو الْبَيْعَ لِلدَّابَّةِ أو الذَّبْحَ لها إنْ كانت مَأْكُولَةً أو الْإِكْرَاءَ لها فَإِنْ امْتَنَعَ من ذلك فَعَلَ الْحَاكِمُ ما يَرَاهُ منه وَظَاهِرٌ أَنَّ ما مَرَّ في الرَّقِيقِ يَأْتِي هُنَا وَإِنْ لم يَكُنْ له مَالٌ بَاعَ الدَّابَّةَ أو جُزْءًا منها أو أَكْرَاهَا عليه فَإِنْ تَعَذَّرَ ذلك فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ كِفَايَتُهَا فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ كَنَظِيرِهِ في الرَّقِيقِ وَيَأْتِي فيه ما مَرَّ
ثُمَّ وَلَوْ كانت دَابَّتُهُ لَا تُمْلَكُ كَكَلْبٍ لَزِمَهُ أَنْ يَكْفِيَهَا أو يَدْفَعَهَا لِمَنْ يَحِلُّ له الِانْتِفَاعُ بها قال الْأَذْرَعِيُّ أو يُرْسِلَهَا
فَرْعٌ لو كان عِنْدَهُ حَيَوَانٌ يُؤْكَلُ وَآخَرُ لَا يُؤْكَلُ ولم يَجِدْ إلَّا نَفَقَةَ أَحَدِهِمَا وَتَعَذَّرَ بَيْعُهُمَا فَهَلْ تُقَدَّمُ نَفَقَةُ ما لَا يُؤْكَلُ وَيُذْبَحُ
____________________
(3/455)
الْمَأْكُولُ أو يُسَوَّى بَيْنَهُمَا فيه احْتِمَالَانِ لِابْنِ عبد السَّلَامِ قال فَإِنْ كان الْمَأْكُولُ يُسَاوِي أَلْفًا وَغَيْرُهُ يُسَاوِي دِرْهَمًا فَفِيهِ نَظَرٌ وَاحْتِمَالٌ وَيَجُوزُ غَصْبُ الْعَلَفِ لِهَاوٍ غَصَبَ الْخَيْطَ لِجِرَاحَتِهَا بِالْبَدَلِ إنْ تَعَيَّنَا ولم يُبَاعَا كما يَجُوزُ سَقْيُهَا الْمَاءَ وَالْعُدُولَ إلَى التَّيَمُّمِ وَيَحْرُمُ تَكْلِيفُهَا على الدَّوَامِ ما لَا تُطِيقُ الدَّوَامَ عليه ويحرم حَلْبُ لَبَنٍ منها يَضُرُّ بِوَلَدِهَا لِأَنَّهُ غِذَاؤُهُ كَوَلَدِ الْأَمَةِ أو يَضُرُّ بها لِنَحْوِ قِلَّةِ الْعَلَفِ فَلَا يَحْلُبُ إلَّا ما لَا يَضُرُّهُمَا وَالْوَاجِبُ في الْوَلَدِ رِيُّهُ قال الرُّويَانِيُّ وَنَعْنِي بِهِ ما يُقِيمُهُ حتى لَا يَمُوتَ قال في الْأَصْلِ وقد يَتَوَقَّفُ في الِاكْتِفَاءِ بهذا قال الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا التَّوَقُّفُ هو الصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَيَحْرُمُ تَرْكُ حَلْبٍ إنْ كان يَضُرُّ بها وَإِلَّا فَيُكْرَهُ لِلْإِضَاعَةِ لِلْمَالِ قال الرَّافِعِيُّ نَقْلًا عن الْمُتَوَلِّي وَلِلْأَضْرَارِ بِالدَّابَّةِ وَلَا يَخْفَى ما فيه لِأَنَّ الْغَرَضَ أنها لم تَتَضَرَّرْ
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتَقْصِيَ الْحَالِبُ في الْحَلْبِ بَلْ يَدْعُ في الضَّرْعِ شيئا وَأَنْ يَقُصَّ أَظْفَارَهُ لِئَلَّا يُؤْذِيَهَا وَلِلْأَمْرِ بِهِ في خَبَرٍ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا تَفَاحَشَ طُولُ الْأَظْفَارِ وكان يُؤْذِيهَا لَا يَجُوزُ حَلْبُهَا ما لم يَقُصَّ ما يُؤْذِيهَا وَيَحْرُمُ جَزُّ الصُّوفِ من أَصْلِ الظَّهْرِ وَنَحْوِهِ وَكَذَا حَلْقُهُ لِمَا فِيهِمَا من تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ في حَمْلِهِ على الْكَرَاهَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بها كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ فَرْعٌ عليه أَيْ مَالِكِ نَحْلٍ أَنْ يُبْقِيَ لِلنَّحْلِ من الْعَسَلِ في الْكِوَارَةِ قَدْرَ حَاجَتِهَا إنْ لم يَكْفِهَا غَيْرُهُ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ ذلك قال الرَّافِعِيُّ وقد قِيلَ يَشْوِي دَجَاجَةً وَيُعَلِّقُهَا بِبَابِ الْكِوَارَةِ فَتَأْكُلُ منها
وَعَلَيْهِ أَيْ مَالِكِ دُودِ قَزٍّ إمَّا تَحْصِيلُ وَرَقِ التُّوتِ لِدُودِ الْقَزِّ وإما تَخْلِيَتُهُ أَيْ الدُّودِ لَا كُلِّهِ أَيْ الْوَرَقِ إنْ وُجِدَ لِئَلَّا يَهْلِكَ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ وَيَجُوزُ تَشْمِيسُهُ أَيْ الدُّودِ عِنْدَ الانتوال أَيْ حُصُولِ نَوْلِهِ وَإِنْ هَلَكَ بِهِ لِتَحْصُلَ فَائِدَةٌ كما يَجُوزُ ذَبْحُ الْحَيَوَانِ
فَرْعٌ وَلَا يُكْرَهُ لِمَالِكِ أَرْضٍ تَرْكُ زِرَاعَةِ أَرْضِهِ وَغَرْسِهَا وَيُكْرَهُ لِإِضَاعَةِ الْمَالِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ تَرْكُ سَقْيِ الزَّرْعِ وَالْأَشْجَارِ وَتَرْكُ عِمَارَةِ الدَّارِ وَالْقَنَاةِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ من الْعَقَارِ إذَا أَدَّى إلَى الْخَرَابِ كَذَا عَلَّلَ الشَّيْخَانِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ تَحْرِيمِ إضَاعَةِ الْمَالِ لَكِنَّهُمَا صَرَّحَا في مَوَاضِعَ بِتَحْرِيمِهَا كَإِلْقَاءِ الْمَتَاعِ في الْبَحْرِ بِلَا خَوْفٍ فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ بِتَحْرِيمِهَا إنْ كان سَبَبُهَا أَعْمَالًا كَإِلْقَاءِ الْمَتَاعِ في الْبَحْرِ وَبِعَدَمِ تَحْرِيمِهَا إنْ كان سَبَبُهَا تَرْكُ أَعْمَالٍ لِأَنَّهَا قد تَشُقُّ عليه وَمِنْهُ تَرْكُ سَقْيِ الْأَشْجَارِ الْمَرْهُونَةِ بِتَوَافُقِ الْعَاقِدَيْنِ فإنه جَائِزٌ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ قال ابن الْعِمَادِ في مَسْأَلَةِ تَرْكِ سَقْيِ الْأَشْجَارِ وَصُورَتُهَا أَنْ لَا يَكُونَ لها ثَمَرَةٌ تَفِي بِمُؤْنَةِ سَقْيِهَا وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ قَطْعًا قال وَلَوْ أَرَادَ بِتَرْكِ السَّقْيِ تَجْفِيفَ الْأَشْجَارِ لِأَجْلِ قَطْعِهَا لِلْبِنَاءِ أو الْوَقُودِ فَلَا كَرَاهَةَ أَيْضًا
وَالزِّيَادَةُ في الْعِمَارَةِ على الْحَاجَةِ خِلَافُ الْأَوْلَى قال في الْأَصْلِ وَرُبَّمَا قِيلَ بِكَرَاهَتِهَا وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عليه سَقْيُ الزَّرْعِ وَالْأَشْجَارِ وَلَا عِمَارَةُ الْعَقَارِ لِانْتِفَاءِ حُرْمَةِ الرُّوحِ وَلِأَنَّهُمَا من جُمْلَةِ تَنْمِيَةِ الْمَالِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُنَافِي وُجُوبَ ذلك في حَقِّ غَيْرِهِ كَالْأَوْقَافِ وَمَالِ الْمَحْجُورِ عليه
____________________
(3/456)
كِتَابُ الْجِنَايَاتِ وَهِيَ الْقَتْلُ وَالْقَطْعُ وَالْجُرْحُ الذي لَا يُزْهِقُ وَلَا يُبَيِّنُ الْقَتْلُ ظُلْمًا وهو مُرَادُ الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ قَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الْكُفْرِ فَقَدْ سُئِلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى قال أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وهو خَلَقَك قِيلَ ثُمَّ أَيٌّ قال أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَك رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وقال صلى اللَّهُ عليه وسلم لَقَتْلُ مُؤْمِنٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ من زَوَالِ الدُّنْيَا وما فيها رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلِصَاحِبِهِ أَيْ الْقَتْلِ ظُلْمًا تَوْبَةٌ كَالْكَافِرِ بَلْ أَوْلَى وَلَا يَتَحَتَّمُ عَذَابُهُ بَلْ هو تَحْتَ خَطَرِ الْمَشِيئَةِ وَلَا يُخَلَّدُ عَذَابُهُ إنْ عُذِّبَ وإن أَصَرَّ على تَرْكِ التَّوْبَةِ فيها كَسَائِرِ ذَوِي الْكَبَائِرِ غير الْكُفَّارِ وَتَعْبِيرُهُ بِالْعَذَابِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِدُخُولِ النَّارِ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ يَعْنِي بِالْقَتْلِ غَيْرُ الْمُبَاحِ كما عَبَّرَ بِهِ في الرَّوْضَةِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِكَوْنِهِ ظُلْمًا الْكَفَّارَةُ وَالْقِصَاصُ أو الدِّيَةُ أو التَّعْزِيرُ لِمَا سَيَأْتِي وَيُتَصَوَّرُ التَّعْزِيرُ في صُوَرٍ كَقَتْلِ نَفْسٍ من نِسَاءِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَصِبْيَانِهِمْ وَكَقَتْلِ عَبْدِهِ أو أَمَتِهِ وَالنَّظَرُ إمَّا في مُوجِبِ الْقِصَاصِ بِكَسْرِ الْجِيمِ وإما في وَاجِبِهِ فَلِلْمُوجِبِ له في النَّفْسِ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ الْأَوَّلُ الْقَتْلُ ظُلْمًا يَعْنِي عَمْدًا بِقَرِينَةٍ قَوْلُهُ وهو كُلُّ فِعْلٍ عَمْدٍ مَحْضٍ مُزْهِقٍ لِلرُّوحِ عُدْوَانٍ من حَيْثُ كَوْنُهُ مُزْهِقًا لِلرُّوحِ فَبِقَوْلِهِ كُلُّ فِعْلٍ دخل الْجُرْحُ وَغَيْرُهُ وَبِقَوْلِهِ عَمْدٍ خَرَجَ الْخَطَأُ وَبِمَحْضٍ خَرَجَ شِبْهُ الْعَمْدِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الثَّلَاثَةِ
وَبِعِدْوَانٍ خَرَجَ الْقَتْلُ الْجَائِزُ كَالْقَتْلِ قَوَدًا أو دَفْعًا لِصَائِلٍ أو بَاغٍ وَبِمُزْهِقٍ خَرَجَ الْجُرْحُ كَأَنْ غَرَزَ إبْرَةً بِغَيْرِ مَقْتَلٍ فَمَاتَ من غَيْرِ أَنْ يَعْقُبَهُ أَلَمٌ وَالتَّصْرِيحُ بهذا وَبِإِخْرَاجِ الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَبِكَوْنِهِ الْأَوْلَى وَبِحَيْثُ كَوْنُهُ مُزْهِقًا خَرَجَ ما خَالَفَ فيه بِأَنْ عَدَلَ عن الطَّرِيقِ الْمُسْتَحَقِّ في الْقَتْلِ كَأَنْ اسْتَحَقَّ حَزَّ رَقَبَتِهِ قَوَدًا فَقَدَّهُ
____________________
(4/2)
نِصْفَيْنِ فإنه عُدْوَانٌ لَا من جِهَةِ الْإِزْهَاقِ بَلْ من جِهَةِ أَنَّهُ عَدَلَ عن الطَّرِيقِ الْمُسْتَحَقِّ
وَالنَّظَرُ بَعْدَ ذلك في أَطْرَافٍ أَرْبَعَةٍ الْأَوَّلُ في بَيَانِ الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ وَشِبْهِهِ وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا فإذا قَتَلَ غَيْرَهُ فَإِنْ لم يَقْصِدْ الْفِعْلَ كَأَنْ زَلِقَ فَوَقَعَ على غَيْرِهِ فَمَاتَ بِهِ أو تَوَلَّدَ الْمَوْتُ من اضْطِرَابِ يَدِ الْمُرْتَعِشِ أو قَصَدَ الْفِعْلَ لَكِنْ قَصَدَ بِهِ شَخْصًا من آدَمِيٍّ أو غَيْرِهِ فَأَصَابَ غَيْرَهُ من الْآدَمِيِّينَ فَهُوَ الْخَطَأُ وَإِنْ قَصَدَهُمَا أَيْ الْفِعْلَ وَالشَّخْصَ فَإِنْ كان أَيْ قَصَدَهُمَا بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَعَمْدٌ وَإِلَّا بِأَنْ قَصَدَهُمَا بِمَا يَقْتُلُ نَادِرًا كَغَرْزِ إبْرَةٍ بِغَيْرِ مَقْتَلٍ كَعَقِبٍ أو بِمَا يَقْتُلُ لَا غَالِبًا وَلَا نَادِرًا فَشِبْهُ عَمْدٍ
فَرْعٌ لو جَرَحَهُ بِمُحَدَّدٍ مُؤَثِّرٍ من حَدِيدٍ أو خَشَبٍ أو حَجَرٍ أو قَصَبٍ أو نَحْوِهَا فَمَاتَ بِذَلِكَ الْجُرْحِ وَلَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ وَجَبَ الْقَوَدُ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا لو جَرَحَهُ بِإِبْرَةٍ بِأَنْ غَرَزَهَا في مَقْتَلٍ بِفَتْحِ التَّاءِ كَدِمَاغٍ وَعَيْنٍ وَأَصْلِ أُذُنٍ وَحَلْقٍ وَثُغْرَةٍ لِنَحْرٍ وَأَخْدَعَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وهو عِرْقُ الْعُنُقِ وَخَاصِرَةٍ وَإِحْلِيلٍ وَأُنْثَيَيْنِ وَمَثَانَةٍ بِالْمُثَلَّثَةِ بَعْدَ الْمِيمِ مُسْتَقَرُّ الْبَوْلِ من الْآدَمِيِّ وَعِجَانٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ما بين الْخُصْيَةِ وَالدُّبُرِ وَيُسَمَّى الْعَضَّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ فَيَجِبُ الْقَوَدُ في ذلك وَإِنْ لم يَظْهَرْ فيه أَثَرٌ لِعِظَمِ الْخَطَرِ فيه
أَمَّا لو غَرَزَهَا في غَيْرِهِ أَيْ غَيْرِ مَقْتَلٍ كَفَخِذٍ فَإِنْ مَاتَ في الْحَالِ ولم يَظْهَرْ أَثَرٌ فَشِبْهُ عَمْدٍ لِأَنَّ مثله لَا يَقْتُلُ غَالِبًا بِغَيْرِ سِرَايَةٍ وَتَأَلُّمٍ فَأَشْبَهَ السَّوْطَ الْخَفِيفَ نعم الْغَرْزُ في بَدَنِ الصَّغِيرِ وَالشَّيْخِ الْهَرِمِ وَنَضْوِ الْخَلْقِ عَمْدٌ مُطْلَقًا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْعَبَّادِيِّ وَأَقَرَّهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالْمُرَادُ من قَوْلِهِمْ ولم يَظْهَرْ أَثَرٌ لم يَشِنْهُ لَا أَنَّهُ لم يَظْهَرْ أَصْلًا إذْ لَا بُدَّ من أَلَمٍ ما غَالِبًا
وَإِنْ أَوْغَلَ من الْإِيغَالِ وهو السَّيْرُ السَّرِيعُ وَالْإِمْعَانُ أَيْ أَمْعَنَ في الْغَرْزِ وَبَقِيَ مُتَوَرِّمًا مُتَأَلِّمًا منه مُدَّةً ثُمَّ مَاتَ فَعَمْدٌ لِظُهُورِ أَثَرِ الْجِنَايَةِ وَسِرَايَتِهَا إلَى الْهَلَاكِ وَلَوْ اقْتَصَرَ على التَّأَلُّمِ كان أَوْلَى فإنه الْمُقْتَضِي لِلْقَوَدِ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ الْوَسِيطِ وَنَقَلَهُ عن جَمَاعَةٍ وقال الرَّافِعِيُّ لو لم يَتَعَرَّضْ الْغَزَالِيُّ لِلْأَلَمِ لم يَضُرَّ لِأَنَّ الْوَرَمَ لَا يَخْلُو عن الْأَلَمِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ فَعُلِمَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْأَلَمِ لَكِنَّ قَوْلَ الرَّافِعِيِّ لم يَضُرَّ أَيْ في مُرَادِ الْغَزَالِيِّ وَإِلَّا فَيَضُرُّ في الْحُكْمِ إذْ الْحُكْمُ مَنُوطٌ بِالْأَلَمِ وَإِنْ عُدِمَ الْوَرَمُ وَلَا أَثَرَ لِغَرْزِهَا في جِلْدَةِ الْعَقِبِ وَنَحْوِهَا إذَا لم يَتَأَلَّمْ بِهِ لِعِلْمِنَا بِأَنَّهُ لم يَمُتْ بِهِ وَالْمَوْتُ عَقِبَهُ مُوَافَقَةُ قَدْرٍ فَهُوَ كَمَنْ ضُرِبَ بِقَلَمٍ أو أُلْقِيَ عليه خِرْقَةٌ فَمَاتَ وَإِبَانَةُ الْفِلْقَةِ الْخَفِيفَةِ من اللَّحْمِ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا مع إسْكَانِ اللَّامِ فِيهِمَا وَهِيَ الْقِطْعَةُ كَغَرْزِ الْإِبْرَةِ في غَيْرِ مَقْتَلٍ
فَرْعٌ لو ضَرَبَهُ بِمُثْقَلٍ يَقْتُلُ غَالِبًا كَحَجَرٍ وَدَبُّوسٍ كَبِيرَيْنِ أو أَوَطْأَهُ دَابَّةً أو عَصَرَ خُصْيَتَيْهِ عَصْرًا شَدِيدًا أو دَفَنَهُ حَيًّا فَمَاتَ فَعَمْدٌ فَيَجِبُ الْقَوَدُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بين حَجَرَيْنِ فَقَتَلَهَا فَأَمَرَ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يُرَضَّ رَأْسُهُ بين حَجَرَيْنِ وَلِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَأَشْبَهَ الْقَتْلَ بِالْمُحَدَّدِ وَلِأَنَّا لو لم نُوجِبْ الْقَوَدَ لَاُتُّخِذَ ذلك ذَرِيعَةً إلَى إهْلَاكِ الناس وَإِنْ ضَرَبَهُ بِجُمْعِ كَفِّهِ بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وهو قَبْضُ الْكَفِّ أَيْ الْكَفُّ الْمَقْبُوضَةُ الْأَصَابِعِ أو بِعَصًا خَفِيفَةٍ أو حَجَرٍ صَغِيرٍ في مَقْتَلٍ أو وَالَى ضَرْبَهُ مَرَّاتٍ بِحَيْثُ يَضْرِبُهُ الضَّرْبَةَ الثَّانِيَةَ وَأَلَمُ الْأُولَى وَأَثَرُهَا بَاقٍ كُلٌّ مِنْهُمَا أو لم يُوَالِهِ لَكِنْ كان الْمَضْرُوبُ صَغِيرًا أو نَضْوًا أَيْ نَحِيفَ الْخِلْقَةِ أو ضَعِيفًا لِمَرَضٍ أو ضَرَبَهُ في شِدَّةِ حَرٍّ أو بَرْدٍ أو في غَيْرِهَا لَكِنْ اشْتَدَّ أَلَمُهُ منها أَيْ من الضَّرْبَةِ مُدَّةً حتى مَاتَ فَعَمْدٌ لِأَنَّ ذلك مُهْلِكٌ غَالِبًا سَوَاءٌ قَصَدَ الضَّارِبُ في الرَّابِعَةِ الْمُوَالَاةَ أَمْ لَا كَأَنْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً وَقَصَدَ أَنْ لَا يَزِيدَ عليها فَشَتَمَهُ فَضَرَبَهُ ثَانِيَةً وَهَكَذَا وَلَا حَاجَةَ فيها لِلْجَمْعِ بين الْأَلَمِ وَالْأَثَرِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ شَيْءٌ من ذلك فَشِبْهُ عَمْدٍ وَإِنْ خَنَقَهُ أو وَضَعَ على فَمِهِ يَدَهُ أو مِخَدَّةً أو نَحْوَهَا فَأَطَالَ حتى مَاتَ أو لم يَمُتْ لَكِنْ
____________________
(4/3)
انْتَهَى إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ أو ضَعُفَ وَتَأَلَّمَ حتى مَاتَ فَعَمْدٌ وَإِنْ زَالَ الْأَلَمُ ثُمَّ مَاتَ فَلَا شَيْءَ على الْفَاعِلِ لِانْقِطَاعِ أَثَرِ فِعْلِهِ وَإِنْ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ أَيْ مُدَّةُ الْخَنْقِ أو نَحْوِهِ بِحَيْثُ لَا يَمُوتُ مِثْلُهُ منها غَالِبًا فَمَاتَ فَشِبْهُ عَمْدٍ وَلَوْ سَقَاهُ سُمًّا يَقْتُلُ كَثِيرًا لَا غَالِبًا فَكَغَرْزِ الْإِبْرَةِ في غَيْرِ مَقْتَلٍ أَيْ فَإِنْ مَاتَ في الْحَالِ فَشِبْهُ عَمْدٍ وَإِنْ بَقِيَ مُتَأَلِّمًا منه مُدَّةً ثُمَّ مَاتَ فَعَمْدٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ في الْبَاطِنِ أَغْشِيَةً رَقِيقَةً تَنْقَطِعُ بِهِ فَأَشْبَهَ تَأْثِيرُهُ تَأْثِيرَ الْجَارِحِ في ظَاهِرِ الْبَدَنِ أَمَّا إذَا كان يَقْتُلُ غَالِبًا فَهُوَ كَغَرْزِ الْإِبْرَةِ بِمَقْتَلٍ
فَرْعٌ لو حَبَسَهُ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ أو الشَّرَابَ وَالطَّلَبُ له مُدَّةً يَمُوتُ مِثْلُهُ فيها غَالِبًا جُوعًا أو عَطَشًا وَمَاتَ لَزِمَهُ الْقَوَدُ لِكَوْنِهِ عَمْدًا لِظُهُورِ قَصْدِ الْإِهْلَاكِ بِهِ وَتَخْتَلِفُ الْمُدَّةُ بِاخْتِلَافِ الْمَحْبُوسِ قُوَّةً وَضَعْفًا وَالزَّمَانُ حَرًّا وَبَرْدًا فَفَقْدُ الْمَاءِ في الْحَرِّ ليس كَهُوَ في الْبَرْدِ وَكَذَا يَلْزَمُهُ الْقَوَدُ إنْ سَبَقَ له جُوعٌ أو عَطَشٌ وَكَانَتْ الْمُدَّتَانِ تَبْلُغَانِ الْمُدَّةَ الْقَاتِلَةَ وَعَلِمَهُ الْحَابِسُ لِمَا ذُكِرَ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَعْلَمْهُ لَزِمَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ أَيْ دِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ لِأَنَّ ذلك شِبْهُ عَمْدٍ إذْ لم يَقْصِدْ إهْلَاكَهُ وَلَا أتى بِمَا هو مُهْلِكٌ فَأَشْبَهَ ما لو دَفَعَ إنْسَانًا دَفْعًا خَفِيفًا فَسَقَطَ على سِكِّينٍ وَرَاءَهٌ وهو جَاهِلٌ لَا يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ وَإِنَّمَا وَجَبَ النِّصْفُ لِأَنَّ الْهَلَاكَ بِالْجَوْعَيْنِ أو بِالْعَطِشَيْنِ وَاَلَّذِي منه أَحَدُهُمَا أو فَعَلَ بِهِ ذلك مُدَّةً لَا يَمُوتُ مِثْلُهُ فيها غَالِبًا وَلَا جُوعَ بِهِ وَلَا عَطَشَ سَابِقَ وَمَاتَ فَشِبْهُ عَمْدٍ لِأَنَّهُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَيْ الْمَحْبُوسُ سُؤَالَ الطَّعَامِ وَتَرَكَهُ أو كان عِنْدَهُ طَعَامٌ أو شَرَابٌ فَتَرَاكَهُ خَوْفًا أو حُزْنًا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو مَنَعَهُ الشَّرَابَ فَتَرَكَ الْأَكْلَ خَوْفَ الْعَطَشِ أو مَاتَ بِانْهِدَامِ السَّقْفِ عليه قد ذَكَرَ الْمَوْتَ بَعْدُ فَالْأَوْلَى أو انْهَدَمَ السَّقْفُ عليه وهو حُرٌّ أو وَجَدَهُ في مَفَازَةٍ فَأَخَذَ طَعَامَهُ فَمَاتَ بِذَلِكَ فَهَدَرٌ لِأَنَّهُ لم يُحْدِثْ فيه صُنْعًا
قال الْأَذْرَعِيُّ وَقَضِيَّةُ هذا التَّوْجِيهِ أَنَّهُ لو أَغْلَقَ عليه بَيْتًا هو جَالِسٌ فيه حتى مَاتَ جُوعًا لم يَضْمَنْهُ وَفِيهِ نَظَرٌ نعم إنْ كان التَّصْوِيرُ في مَفَازَةٍ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ منها فَهَذَا مُحْتَمَلٌ وَإِنْ لم يُمْكِنْهُ ذلك لِطُولِهَا أو لِزَمَانَةٍ وَلَا طَارِقَ في ذلك الْوَقْتِ فَالْمُتَّجَهُ وُجُوبُ الْقَوَدِ كَالْمَحْبُوسِ
انْتَهَى
وَخَرَجَ بِالْحُرِّ الرَّقِيقُ فإنه مَضْمُونٌ بِالْيَدِ وَمَنْعُ الدِّفَاءِ في الْبَرْدِ كَمَنْعِ الطَّعَامِ فِيمَا ذُكِرَ وَلَوْ قَتَلَهُ بِالدُّخَانِ بِأَنْ حَبَسَهُ في بَيْتٍ وَسَدَّ مَنَافِذَهُ فَاجْتَمَعَ فيه الدُّخَانُ وَضَاقَ نَفَسُهُ فَمَاتَ وَجَبَ الْقَوَدُ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي
الطَّرَفُ الثَّانِي فِيمَا له مَدْخَلٌ من الْأَفْعَالِ في الزُّهُوقِ وهو إمَّا شَرْطٌ وهو ما لَا يُؤَثِّرُ في الْهَلَاكِ وَلَا يُحَصِّلُهُ بَلْ يَحْصُلُ التَّلَفُ عِنْدَهُ بِغَيْرِهِ ويتوقف التَّأْثِيرُ أَيْ تَأْثِيرُ ذلك الْغَيْرِ عليه كَالْحَفْرِ مع التَّرَدِّي فإنه لَا يُؤَثِّرُ في التَّلَفِ وَلَا يُحَصِّلُهُ وَإِنَّمَا الْمُؤَثِّرُ التَّخَطِّي في صَوْبِ الْحُفْرَةِ وَالْمُحَصِّلُ لِلتَّلَفِ التَّرَدِّي فيها وَمُصَادَمَتُهَا لَكِنْ لَوْلَا الْحَفْرُ لَمَا حَصَلَ التَّلَفُ وَلِهَذَا سُمِّيَ شَرْطًا
ومثل الْإِمْسَاكِ لِلْقَاتِلِ فَلَا قِصَاصَ فيه أَيْ في الشَّرْطِ وَإِمَّا عِلَّةٌ وَتُسَمَّى مُبَاشَرَةً وَهِيَ ما تُؤَثِّرُ في الْهَلَاكِ وَتُحَصِّلُهُ كَالْجِرَاحِ السَّارِيَةِ وفي أَكْثَرِ النُّسَخِ السَّابِقُ وَفِيهِ الْقِصَاصُ وَإِمَّا سَبَبٌ وهو ما يُؤَثِّرُ فيه أَيْ في الْهَلَاكِ وَلَا يُحَصِّلُهُ وهو ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ الْأَوَّلُ حِسِّيٌّ كَالْإِكْرَاهِ على الْقَتْلِ فَفِيهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الْإِهْلَاكُ غَالِبًا لِأَنَّهُ يُوَلِّدُ دَاعِيَةَ الْقَتْلِ في الْمُكْرَهِ غَالِبًا لِيَدْفَعَ الْهَلَاكَ عن نَفْسِهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ والثاني شَرْعِيٌّ كَالشَّهَادَةِ لِأَنَّ الشُّهُودَ تَسَبَّبُوا إلَى قَتْلِهِ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا كَالْمُكْرَهِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تُوَلِّدُ في الْقَاضِي دَاعِيَةَ الْقَتْلِ شَرْعًا كما أَنَّ الْإِكْرَاهَ يُوَلِّدُهَا حِسًّا فَلَا يُقْتَصُّ من شُهُودِ الزُّورِ إذَا شَهِدُوا على إنْسَانٍ بِمَا يُوجِبُ قَتْلَهُ مَثَلًا وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِشَهَادَتِهِمْ وَقَتَلَهُ بِمُقْتَضَاهَا إلَّا إنْ اعْتَرَفُوا بِالتَّعَمُّدِ وَالْعِلْمِ بِأَنْ قالوا تَعَمَّدْنَا وَعَلِمْنَا أَنَّهُ يُقْتَلُ بِشَهَادَتِنَا وَجَهِلَهُ الْوَلِيُّ فَإِنْ عَلِمَ بِهِ فَالْقَوَدُ عليه دُونَهُمْ لِأَنَّهُمْ لم يُلْجِئُوهُ
____________________
(4/4)
حِسًّا وَلَا شَرْعًا فَصَارَ قَوْلُهُمْ شَرْطًا مَحْضًا كَالْإِمْسَاكِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذلك مع زِيَادَةٍ في الشَّهَادَاتِ وَالثَّالِثُ عُرْفِيٌّ كَتَقْدِيمِ طَعَامٍ مَسْمُومٍ لِمَنْ يَأْكُلُهُ فَإِنْ أَوْجَرَهُ سُمًّا صِرْفًا أو مَخْلُوطًا يَقْتُلُ مِثْلَ الْمُوجَرِ بِفَتْحِ الْجِيمِ غَالِبًا فَمَاتَ فَالْقِصَاصُ وَاجِبٌ سَوَاءٌ كان السُّمُّ مُوحِيًا أو غير مُوحٍ وَإِنْ كان لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ فَلَا قِصَاصَ وَكَذَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ إكْرَاهُ جَاهِلٍ بِأَنَّهُ سُمٌّ عليه أَيْ على شُرْبِهِ له فَشَرِبَهُ وَمَاتَ لَا إكْرَاهُ عَالِمٍ بِذَلِكَ وَكَلَامُ الْأَصْلِ هُنَا مَحْمُولٌ على هذا التَّفْصِيلِ بِقَرِينَةِ ذِكْرِهِ له في الْكَلَامِ على إكْرَاهِهِ على قَتْلِ نَفْسِهِ حَيْثُ قال وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِيمَا لو أَكْرَهَهُ على شُرْبِ سُمٍّ فَشَرِبَهُ وهو عَالِمٌ بِهِ وَإِنْ كان جَاهِلًا فَعَلَى الْمُكْرِهِ الْقِصَاصُ قَطْعًا فَإِنْ ادَّعَى الْقَاتِلُ الْجَهْلَ بِكَوْنِهِ سُمًّا وَنَازَعَهُ الْوَلِيُّ فَقَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا يُصَدَّقُ فَيَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ كما لو جَرَحَهُ وقال لم أَعْلَمْ أَنَّهُ يَمُوتُ بِهَذِهِ الْجِرَاحَةِ وَالثَّانِي يُصَدَّقُ لِأَنَّ ذلك مِمَّا يَخْفَى بِخِلَافِ الْجِرَاحَةِ الْأَوْجَهُ ما قَالَهُ الْمُتَوَلِّي إنْ كان مِمَّنْ يَخْفَى عليه ذلك صُدِّقَ وَإِلَّا فَلَا أو بِكَوْنِهِ قَاتِلًا وَنَازَعَهُ الْوَلِيُّ فَالْقِصَاصُ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ سُمٌّ كان من حَقِّهِ أَنْ لَا يُوجِرَهُ وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ السُّمَّ الذي أَوْجَرَهُ يَقْتُلُ غَالِبًا وقد ادَّعَى أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا وَجَبَ الْقِصَاصُ فَإِنْ لم تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فَإِنْ سَاعَدَتْهُ بَيِّنَةٌ فَلَا يَمِينَ عليه كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَمِنْهُ أَيْ من السَّبَبِ الْعُرْفِيِّ السِّحْرُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ في الْبَابِ الرَّابِعِ في مُوجِبِ الدِّيَةِ وَحُكْمِ السِّحْرِ
فَرْعٌ لو أَضَافَ رَجُلًا عَاقِلًا الْأَوْلَى أَضَافَ عَاقِلًا بِمَسْمُومٍ أو دَسَّ سُمًّا في طَعَامِ الرَّجُلِ الْمَذْكُورُ أو في مَاءٍ في طَرِيقِهِ وكان يَتَنَاوَلُهُ أَيْ كُلًّا من الطَّعَامِ وَالْمَاءِ غَالِبًا فَتَنَاوَلَهُ وَمَاتَ بِهِ فَلَا قِصَاصَ لِأَنَّهُ فَعَلَ ما هَلَكَ بِهِ بِاخْتِيَارِهِ من غَيْرِ إلْجَاءٍ حِسِّيٍّ وَلَا شَرْعِيٍّ مع أَنَّ الْقِصَاصَ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ بَلْ تَجِبُ له الدِّيَةُ أَيْ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ إنْ جَهِلَ السُّمَّ لِأَنَّ الدَّاسَّ غَرَّهُ ولم يَقْصِدْ هو إهْلَاكَ نَفْسِهِ فَأُحِيلَ على السَّبَبِ الظَّاهِرِ بِخِلَافِ ما إذَا عَلِمَهُ لِأَنَّهُ الْمُهْلِكُ نَفْسَهُ وَكَذَا إذَا كان يَتَنَاوَلُهُ نَادِرًا وتجب له قِيمَةُ الطَّعَامِ أو الْمَاءِ لِأَنَّ الدَّاسَّ أَتْلَفَهُ عليه وَكَذَا إنْ غَطَّى بِئْرًا في دِهْلِيزِهِ وَدَعَاهُ إلَيْهِ أو إلَى بَيْتِهِ وكان الْغَالِبُ أَنَّهُ يَمُرُّ عليها إذَا أَتَاهُ فَأَتَاهُ وَوَقَعَ فيها وَمَاتَ بِذَلِكَ فَلَا قِصَاصَ بَلْ له دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ إنْ جَهِلَ الْبِئْرَ فَإِنْ كانت غير مُغَطَّاةٍ أو لم يَدْعُهُ فَمُهْدَرٌ نعم إنْ كان الْمَدْعُوُّ لَا يُبْصِرُهَا لِعَمًى أو نَحْوِهِ فَشِبْهُ عَمْدٍ وَيُهْدَرُ آكِلُ مَسْمُومٍ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ لِأَنَّهُ الْمُهْلِكُ نَفْسَهُ وَإِنْ أَضَافَهُ أو أَوْجَرَهُ مَسْمُومًا بِسُمٍّ يَقْتُلُ غَالِبًا وهو لَا يُمَيِّزُ لِصِغَرٍ أو جُنُونٍ أو نَحْوِهِ فَتَنَاوَلَهُ وَمَاتَ بِهِ فَالْقِصَاصُ وَاجِبٌ وَإِنْ قال هو مَسْمُومٌ لِأَنَّ غير الْمُمَيِّزِ لَا اخْتِيَارَ له وَالتَّقْيِيدُ بِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وابن الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ وَوَقَعَ في الْأَنْوَارِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ أو أَوْجَرَهُ صَوَابُهُ أو نَاوَلَهُ كما عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ إذْ الْإِيجَارُ لَا فَرْقَ فيه بين الْمُمَيِّزِ وَغَيْرِهِ وقد تَقَدَّمَ أَوَّلَ الضَّرْبِ الثَّالِثِ وَلَوْ قال لِعَاقِلٍ كُلْهُ فَفِيهِ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ وَفِيهِ سُمٌّ لَا يَقْتُلُ فَأَكَلَهُ وَمَاتَ بِهِ فَلَا قِصَاصَ بَلْ وَلَا دِيَةَ كما نَصَّ عليه في الْأُمِّ وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ
فَصْلٌ لو أَلْقَى رَجُلًا لَا صَبِيًّا غير مُمَيِّزٍ في مَاءٍ مُغْرِقٍ أو نَارٍ وَأَمْكَنَهُ التَّخَلُّصُ مِنْهُمَا بِسِبَاحَةٍ أو غَيْرِهَا فَقَصَّرَ كَأَنْ تَرَكَ السِّبَاحَةَ بِلَا عُذْرٍ فَهَدَرٌ لِأَنَّهُ الْمُهْلِكُ نَفْسَهُ بِإِعْرَاضِهِ عَمَّا يُنْجِيهِ وَإِنْ شَكَّ في إمْكَانِ
____________________
(4/5)
تَخَلُّصِهِ بِأَنْ قال الْمُلْقِي كان يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِمَّا أَلْقَيْته فيه فَقَصَّرَ وقال الْوَلِيُّ لم يُمْكِنْهُ صُدِّقَ الْوَلِيُّ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لو أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ لَخَرَجَ وَيَضْمَنُ ما تَلِفَ منه قبل التَّقْصِيرِ في خُرُوجِهِ من الْمَاءِ وَالنَّارِ وَهَذَا أَوْلَى من اقْتِصَارِ الْأَصْلِ على ذلك في النَّارِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُمْكِنْهُ التَّخَلُّصُ لِصِغَرِهِ كما صَرَّحَ بِهِ أَوَّلًا أو لِضَعْفِهِ أو لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ السِّبَاحَةَ أو لِعِظَمِ الْمَاءِ وَالنَّارِ أو لِنَحْوِهَا أو أَمْكَنَهُ التَّخَلُّصُ لَكِنَّهُ لم يُقَصِّرْ وَمَاتَ بِذَلِكَ فَالْقِصَاصُ وَاجِبٌ لِأَنَّ ذلك مُهْلِكٌ لِمِثْلِهِ وَإِنْ مَنَعَهُ السِّبَاحَةَ عَارِضُ رِيحٍ وَنَحْوُهُ كَمَوْجٍ فَشِبْهُ عَمْدٍ فَفِيهِ دِيَتُهُ وَيُهْدَرُ مَقْصُودُ تَرْكِ الْعَصَبِ على مَحَلِّ الْفَصْدِ مع قُدْرَتِهِ عليه حتى مَاتَ لِأَنَّ الْعَصَبَ مَوْثُوقٌ بِهِ وَالْفَصْدَ ليس مُهْلِكًا بِخِلَافِ مَجْرُوحٍ جِرَاحَةً مُهْلِكَةً تَرَكَ الْعِلَاجَ لها حتى مَاتَ فإنه لَا يُهْدَرُ بَلْ على جَارِحِهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْجِرَاحَةِ مُهْلِكٌ وَلِأَنَّ الْبُرْءَ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهِ لو عَالَجَ
فَرْعٌ لو رَبَطَهُ وَطَرَحَهُ عِنْدَ مَاءٍ يَزِيدُ إلَيْهِ غَالِبًا فَزَادَ وَمَاتَ بِهِ فَعَمْدٌ أو لَا يَزِيدُ فَزَادَ وَمَاتَ بِهِ فَخَطَأٌ أو قد يَزِيدُ وقد لَا يَزِيدُ فَزَادَ وَمَاتَ بِهِ فَشِبْهُ عَمْدٍ وفي مَعْنَى الرَّبْطِ عَدَمُ إمْكَانِ الِانْتِقَالِ لِنَحْوِ زَمَانَةٍ أو طُفُولِيَّةٍ
الطَّرَفُ الثَّالِثُ في اجْتِمَاعِ الْمُبَاشَرَةِ وَالسَّبَبِ أو الشَّرْطِ فَالشَّرْطُ يَسْقُطُ أَثَرُهُ مع الْمُبَاشَرَةِ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِيمَا لو حَفَرَ بِئْرًا وَلَوْ عُدْوَانًا فَرَدَى غَيْرُهُ فيها آخَرَ على الْمُرْدِي لَا الْحَافِرِ وفيما لو أَمْسَكَهُ فَقَتَلَهُ آخَرُ على الْقَاتِلِ لَا الْمُمْسِكِ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ أَقْوَى من الشَّرْطِ نعم إنْ مَنَعَ مَانِعٌ من تَعَلُّقِ الْقِصَاصِ بها كَأَنْ كان الْقَاتِلُ مَجْنُونًا أو سَبُعًا ضَارِيًا تَعَلَّقَ بِالْمُمْسِكِ بَلْ يَأْثَمُ كُلٌّ من الْحَافِرِ عُدْوَانًا وَالْمُمْسِكِ وَيُعَزَّرُ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَعْصِيَةً لَا حَدَّ فيها وَلَا كَفَّارَةَ وَيَضْمَنُ الْعَبْدُ وَالْمُمْسِكُ لِلْقَتْلِ بِالْإِمْسَاكِ أَيْ يَضْمَنُهُ الْمُمْسِكُ إذَا مَاتَ وَالْقَرَارُ على الْقَاتِلِ وَيُقْتَصُّ من وَاضِعِ الصَّبِيِّ على الْهَدَفِ بَعْدَ الرَّمْيِ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ فَهُوَ كَالْمُرْدِي وَالرَّامِي كَالْحَافِرِ لَا قَبْلَهُ فَلَا يُقْتَصُّ منه بَلْ من الرَّامِي لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ
وَالسَّبَبُ قد يَغْلِبُ الْمُبَاشَرَةَ وَيَسْقُطُ الْإِثْمُ عن الْمُبَاشَرَةِ بِأَنْ أَخْرَجَهَا عن كَوْنِهَا عُدْوَانًا مع تَوْلِيدِهِ لها كَالشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا على شَخْصٍ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَقَتَلَهُ الْقَاضِي أو الْجَلَّادُ أو بِمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فَقَتَلَهُ الْوَلِيُّ أو وَكِيلُهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ زُورٌ وَاعْتَرَفُوا بِاَلَّتِي عَمَدِ وَالْعِلْمِ فَالْقِصَاصُ عليهم دُونَ الْقَاضِي وَالْوَلِيِّ وَنَائِبِهِمَا وَقَوْلُهُ وَيَسْقُطُ الْإِثْمُ أَيْ يَمْنَعُهُ من زِيَادَتِهِ وقد تَغْلِبُهُ الْمُبَاشَرَةُ كَمَنْ أَلْقَى رَجُلًا في مَاءٍ مُغْرِقٍ لَا يُمْكِنُهُ الْخَلَاصُ منه فَقَدَّهُ آخَرُ بِالسَّيْفِ فَالْقِصَاصُ على الْقَادِّ الْمُلْتَزِمِ لِلْأَحْكَامِ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ وَلَا شَيْءَ على الْمُلْقِي وَإِنْ عَرَفَ الْحَالَ أو كان الْقَادُّ مِمَّنْ لَا يَضْمَنُ كَحَرْبِيٍّ فَإِنْ الْتَقَمَهُ حُوتٌ وَلَوْ قبل وُصُولِهِ إلَى الْمَاءِ فَعَلَى الْمُلْقِي الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ أَلْقَاهُ في مَهْلَكٍ وقد هَلَكَ بِسَبَبِ إلْقَائِهِ وَلَا نَظَرَ إلَى الْجِهَةِ التي هَلَكَ بها وَلِأَنَّ لُجَّةَ الْبَحْرِ مَعْدِنُ الْحُوتِ فَأَشْبَهَ ما لو كَتَّفَهُ وَحَذَفَهُ لِلسَّبُعِ وَفَارَقَ صُورَةَ الْقَدِّ السَّابِقَةِ بِأَنَّ الْقَدَّ صَدَرَ من فَاعِلٍ مُخْتَارٍ يَفْعَلُ بِرَأْيِهِ فَقَطَعَ أَثَرَ السَّبَبِ الْأَوَّلِ وَالْحُوتُ يَلْتَقِمُ بِطَبْعِهِ كَالسَّبُعِ الضَّارِي فَهُوَ كَالْآلَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُغْرِقِ قَيْدٌ في الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي كَمَنْ أَلْقَاهُ في بِئْرٍ فيها سِكِّينٌ مَنْصُوبٌ أو حَيَّةٌ أو مَجْنُونٌ وَكَانَا ضَارِيَيْنِ فَمَاتَ بِذَلِكَ فإنه يَجِبُ الْقِصَاصُ على الْمُلْقِي لِأَنَّهُ الْقَاتِلُ وَالسِّكِّينُ وَالضَّارِي كَالْآلَةِ بِخِلَافِ ما إذَا كان الطَّارِئُ فِعْلَ من له رَوِيَّةٌ وَغَيْرُ الضَّارِي كَالْعَاقِلِ في إسْقَاطِ الضَّمَانِ عن الْمُرْدِي فَإِنْ الْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَالْمَاءُ قَلِيلٌ أَيْ غَيْرُ مُغْرِقٍ أو دَفَعَهُ دَفْعًا خَفِيفًا فَوَقَعَ على سِكِّينٍ فَجَرَحَتْهُ ولم يَعْلَمْهُ أَيْ كُلًّا من الْحُوتِ وَالسِّكِّينِ الدَّافِعُ وَمَاتَ بِذَلِكَ فَشِبْهُ عَمْدٍ فَفِيهِ دِيَتُهُ وَإِنَّمَا لم يَجِبْ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ لم يَقْصِدْ إهْلَاكَهُ ولم يَعْلَمْ سَبَبَ الْهَلَاكِ فَإِنْ عَلِمَهُ فَعَمْدٌ وقد يَعْتَدِلَانِ أَيْ السَّبَبُ وَالْمُبَاشَرَةُ كَالْإِكْرَاهِ على الْقَتْلِ وَلَوْ من السُّلْطَانِ فَيُقْتَصُّ من الْآمِرِ
____________________
(4/6)
وَكَذَا من الْمَأْمُورِ كَمُضْطَرٍّ قَتَلَ إنْسَانًا لِيَأْكُلَهُ فإنه يُقْتَصُّ منه وَلِأَنَّ الْإِكْرَاهَ يُوَلِّدُ في الْمُكْرَهِ دَاعِيَةَ الْقَتْلِ غَالِبًا له لِيَدْفَعَ الْهَلَاكَ عن نَفْسِهِ وقد آثَرَهَا بِالْبَقَاءِ فَصَارَا شَرِيكَيْنِ وَلَا يُشْبِهُ قَتْلَ الصَّائِلِ فإنه بِالصِّيَالِ مُتَعَدٍّ فَمُكِّنَ من دَفْعِهِ وَلِهَذَا لَا يَأْثَمُ بِقَتْلِهِ
وَالْمُكْرَهُ يَأْثَمُ كما يَأْثَمُ الْمُخْتَارُ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّنْظِيرِ بِمَسْأَلَةِ الْمُضْطَرِّ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ
فَلَوْ آلَ الْأَمْرُ في مَسْأَلَةِ الْإِكْرَاهِ إلَى الدِّيَةِ فَهِيَ على الْآمِرِ وَالْمَأْمُورِ كَالشَّرِيكَيْنِ وَلِلْوَلِيِّ فِيمَا إذَا لَزِمَهُمَا الْقِصَاصُ أَنْ يَقْتَصَّ من أَحَدِهِمَا وَيَأْخُذَ نِصْفَ الدِّيَةِ من الْآخَرِ فَإِنْ كان أَحَدُهُمَا غير مُكَافِئٍ لِلْمَقْتُولِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ في مَالِهِ لَا على عَاقِلَتِهِ لِأَنَّهُ قَاصِدٌ لِلْقَتْلِ آثِمٌ وَعَلَى الْآخَرِ وهو الْمُكَافِئُ الْقِصَاصُ كَشَرِيكِ الْأَبِ كَأَنْ أَكْرَهَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا على قَتْلِ ذِمِّيٍّ أو حُرٌّ عَبْدًا على قَتْلِ عَبْدٍ فَالْقِصَاصُ على الْعَبْدِ في الثَّانِيَةِ وَالذِّمِّيِّ في الْأُولَى وَعَلَى الْآخَرِ وهو الْحُرُّ في الثَّانِيَةِ وَالْمُسْلِمِ في الْأُولَى نِصْفُ الضَّمَانِ وَكَأَنْ أَكْرَهَ ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا على قَتْلِ ذِمِّيٍّ أو عَبْدٌ حُرًّا على قَتْلِ عَبْدٍ فَالْقِصَاصُ على الْآمِرِ وَعَلَى الْمَأْمُورِ نِصْفُ الضَّمَانِ وَإِنْ كان أَحَدُهُمَا صَبِيًّا مُمَيِّزًا أو الْمَأْمُورُ بِالرَّمْيِ إلَى شَاخِصٍ جَاهِلًا كَوْنَهُ آدَمِيًّا فَالْقِصَاصُ على الْبَالِغِ في الْأُولَى بِنَاءً على الْأَصَحِّ من أَنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ عَمْدٌ
وعلى الْآمِرِ في الثَّانِيَةِ وَإِنْ كان شَرِيكٌ مُخْطِئٌ لِأَنَّ هذا الْخَطَأَ نَتِيجَةُ إكْرَاهِهِ فَجُعِلَ عَمْدًا في حَقِّهِ وَالْمَأْمُورُ كَالْآلَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ لِظَنِّهِ الْحِلَّ لَكِنْ لَا دِيَةَ على الْجَاهِلِ وَلَا على عَاقِلَتِهِ إذْ هو كَالْآلَةِ وَأَمَّا الصَّبِيُّ في الْأُولَى فَفِي مَالِهِ نِصْفُ الدِّيَةِ مُغَلَّظَةً كما سَيَأْتِي وما ذَكَرَهُ من أَنَّهُ لَا دِيَةَ أَيْ لَا يَجِبُ نِصْفُهَا على عَاقِلَةِ الْجَاهِلِ هو أَحَدُ وَجْهَيْنِ يُؤْخَذَانِ من كَلَامِ الْأَصْلِ فَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ لَكِنَّ الْأَوْجَهَ وُجُوبُ نِصْفِهَا على عَاقِلَتِهِ مُخَفَّفَةً وهو ما يُؤْخَذُ من كَلَامِ الْأَنْوَارِ وَلَوْ تَرَكَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ الْمَأْمُورُ وَأَبْدَلَ قَوْلَهُ وَالْآمِرِ بِقَوْلِهِ وَالْعَالِمَ كان أَعَمَّ لَكِنَّهُ تَبِعَ في ذلك أَصْلَهُ فَإِنْ كَانَا مُخْطِئَيْنِ فِيمَا ذُكِرَ بِأَنْ جَهِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَوْنَ الْمَرْمِيِّ آدَمِيًّا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهَا مُخَفَّفَةً فَلَا قِصَاصَ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا لم يَتَعَمَّدَا قَتْلَهُ وَإِنْ أَكْرَهَهُ على صُعُودِ شَجَرَةٍ أو نُزُولِ بِئْرٍ فَفَعَلَ فَزَلَقَ فَمَاتَ فَشِبْهُ عَمْدٍ فَلَا قِصَاصَ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ الْقَتْلَ غَالِبًا وَمَحِلُّ كَوْنِهِ شِبْهَ عَمْدٍ في صُعُودِ الشَّجَرَةِ إذَا كانت مِمَّا يُزْلَقُ على مِثْلِهَا غَالِبًا وَإِلَّا فَخَطَأٌ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عن نُكَتِ الْوَسِيطِ لِلنَّوَوِيِّ
فَرْعٌ لو قال لِمُمَيِّزٍ اُقْتُلْ نَفْسَك أو قال له اشْرَبْ هذا السُّمَّ وَإِلَّا قَتَلْتُك فَقَتَلَ نَفْسَهُ أو شَرِبَ السُّمَّ فَمَاتَ فَلَا قِصَاصَ على الْآمِرِ لِأَنَّ ما جَرَى ليس بِإِكْرَاهٍ حَقِيقَةً إذْ الْمُكْرَهُ من يَتَخَلَّصُ بِمَا أُمِرَ بِهِ عَمَّا هو أَشَدُّ عليه وَهُنَا اتَّحَدَ الْمَأْمُورُ بِهِ وَالْمُخَوَّفُ بِهِ فَكَأَنَّهُ اخْتَارَهُ قال في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ لو هَدَّدَهُ بِقَتْلٍ يَتَضَمَّنُ تَعْذِيبًا شَدِيدًا لو لم يَقْتُلْ نَفْسَهُ كان إكْرَاهًا وَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ كَذَا قَالَهُ تَبَعًا لِأَصْلِهِ قال في الْكِفَايَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا سَقَطَ لِانْتِفَاءِ الْإِكْرَاهِ فَيَنْتَفِي مُوجِبُهُ فَلَا يَجِبُ على فَاعِلِهِ شَيْءٌ قال جَمَاعَةٌ منهم الزَّرْكَشِيُّ وَبِهِ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وهو مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ السَّابِقِ وقد ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ في مُوجِبَاتِ الدِّيَةِ على الصَّوَابِ وَلَوْ قال اقْطَعْ يَدَك وَإِلَّا قَتَلْتُك فَقَطَعَهَا اُقْتُصَّ منه لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ وَإِنْ قال اُقْتُلْنِي أو اقْطَعْ يَدِي أو اقْذِفْنِي مع قَوْلِهِ وَإِلَّا
____________________
(4/7)
قَتَلْتُك أو بِدُونِهِ فَفَعَلَ فَهَدَرٌ لِإِذْنِهِ له فيه فَصَارَ كَإِتْلَافِ مَالِهِ بِإِذْنِهِ وَإِنْ حَرُمَ عليه فِعْلُ ذلك وَإِذْنُ الْعَبْدِ في قَتْلِهِ أو قَطْعِ يَدِهِ مَثَلًا لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ لِأَنَّهُ حَقُّ السَّيِّدِ وَهَلْ يَسْقُطُ الْأَوْلَى يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيمَا إذَا كان الْمَأْذُونُ له عَبْدًا أَيْضًا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا كما قال الزَّرْكَشِيُّ لَا يَجِبُ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَلِلْمَأْمُورِ بِالْقَتْلِ دَفْعُ الْمُكْرِهِ وَلِلثَّالِثِ وهو الْمَأْمُورُ بِقَتْلِهِ دَفْعُهُمَا أَيْ الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ وَإِنْ أَفْضَى الدَّفْعُ في الثَّلَاثِ إلَى الْقَتْلِ فَهَدَرٌ لِأَنَّهُ صَائِلٌ فيها
فَرْعٌ لو قال اُقْتُلْ زَيْدًا أو عَمْرًا وَإِلَّا قَتَلْتُك فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ بَلْ تَخْيِيرٌ فَمَنْ قَتَلَهُ مِنْهُمَا كان مُخْتَارًا لِقَتْلِهِ وَإِنَّمَا الْمُكْرَهُ من حَمَلَ على قَتْلِ مُعَيَّنٍ لَا يَجِدُ عنه مَحِيصًا فَيَلْزَمُ الْقَاتِلَ الْقِصَاصُ أو الدِّيَةُ وَلَا شَيْءَ على الْآمِرِ غير الْإِثْمِ وَإِنْ أَكْرَهَهُ على إكْرَاهِ غَيْرِهِ على أَنْ يَقْتُلَ رَابِعًا فَفَعَلَا اقْتَصَّ منهم أَيْ من الثَّلَاثَةِ وَلَوْ أَمَرَهُ الْإِمَامُ بِقَتْلِهِ فَقَتَلَهُ غير ظَانٍّ أَنَّ الْإِمَامَ ظَالِمٌ فَبَانَ ظَالِمًا اُقْتُصَّ من الْإِمَامِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ أو الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ دُونَهُ أَيْ الْمَأْمُورِ فَلَا شَيْءَ عليه لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَأْمُرُ إلَّا بِحَقٍّ وَلِأَنَّ طَاعَتَهُ وَاجِبَةٌ فِيمَا لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ وَيُسَنُّ لِلْمَأْمُورِ أَنْ يُكَفِّرَ لِمُبَاشَرَتِهِ الْقَتْلَ وَكَذَا زَعِيمُ الْبُغَاةِ أَيْ سَيِّدُهُمْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْإِمَامِ فِيمَا ذُكِرَ لِأَنَّ أَحْكَامَهُ نَافِذَةٌ فَلَوْ عَلِمَ مَأْمُورُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِظُلْمِهِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ أَيْ اُقْتُصَّ من الْمَأْمُورِ دُونَ الْآمِرِ إنْ لم يَخَفْ سَطْوَتَهُ عليه أَيْ قَهْرَهُ بِالْبَطْشِ وَالْمُرَادُ سَطْوَتُهُ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِكْرَاهُ وَإِنْ خَافَهَا فَكَالْمُكْرَهِ وَإِنْ أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ مُتَغَلِّبٌ لم يَجُزْ امْتِثَالُ أَمْرِهِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِمَعْصِيَةٍ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ لَكِنَّهُ إذَا اعْتَقَدَ حَقِيقَتَهُ جَازَ له ذلك وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ أو الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَلَيْسَ على الْآمِرِ إلَّا الْإِثْمُ وَلَا فَرْقَ بين أَنْ يَعْتَقِدَهُ حَقًّا أو يَعْرِفَ أَنَّهُ ظُلْمٌ لِأَنَّهُ ليس بِوَاجِبِ الطَّاعَةِ
انْتَهَى
هذا إنْ لم يَخَفْ سَطْوَتَهُ فَإِنْ خَافَ سَطْوَتَهُ فَكَالْمُكْرَهِ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمَا تَنْزِيلًا لِأَمْرِهِ بِالْقَتْلِ حِينَئِذٍ مَنْزِلَةَ الْإِكْرَاهِ عليه إذْ الْمَعْلُومُ كَالْمَلْفُوظِ الْمُصَرَّح بِهِ وَإِنْ أَمَرَهُ الْإِمَامُ بِصُعُودِ شَجَرَةٍ أو بِنُزُولِ بِئْرٍ فَفَعَلَ فَهَلَكَ بِذَلِكَ فَإِنْ لم يَخَفْ سَطْوَتَهُ فَلَا ضَمَانَ عليه كما لو أَمَرَهُ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ بِذَلِكَ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ خَافَهَا فَالضَّمَانُ على عَاقِلَتِهِ وَإِنْ كان ذلك لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ كما إذَا أَكْرَهَهُ على صُعُودِهَا أَيْ الشَّجَرَةِ أو على نُزُولِ الْبِئْرِ غَيْرُ الْإِمَامِ فَفَعَلَ فَهَلَكَ فإنه يَجِبُ الضَّمَانُ على عَاقِلَتِهِ لِأَنَّهُ شِبْهُ عَمْدٍ أو خَطَأٌ كما مَرَّ بَيَانُهُ قُبَيْلَ الْفَرْعِ السَّابِقِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ هُنَا تَنْظِيرًا مع أَنَّ الْأَصْلَ لم يَذْكُرْهُ هُنَا
فَرْعٌ لو أَمَرَ إنْسَانٌ عَبْدَهُ أو عَبْدَ غَيْرِهِ الْمُمَيِّزَ الذي لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَتِهِ في كل ما يَأْمُرُهُ بِقَتْلٍ أو إتْلَافٍ لِغَيْرِهِ ظُلْمًا فَفَعَلَ أَثِمَ الْآمِرُ لِإِتْيَانِهِ بِمَعْصِيَةٍ وَاقْتُصَّ من الْعَبْدِ وَتَعَلَّقَ الضَّمَانُ أَيْ ضَمَانُ الْمَالِ بِرَقَبَتِهِ وَإِنْ أَمَرَ صَبِيًّا غير مُمَيِّزٍ أو مَجْنُونًا ضَارِيًا أو أَعْجَمِيًّا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَتِهِ فِيمَا ذُكِرَ بِقَتْلٍ أو إتْلَافٍ فَفَعَلَ فَالْقِصَاصُ أو الْمَالُ على الْآمِرِ وَلِيًّا كان أو أَجْنَبِيًّا عَبْدًا أو حُرًّا ضَاقَ الْمَكَانُ أو اتَّسَعَ عَبْدًا كان الْمَأْمُورُ أو حُرًّا وَلَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَذِمَّتِهِ مَالٌ لِأَنَّهُ كَالْآلَةِ فَأَشْبَهَ ما لو أَغْرَى بَهِيمَةً على إنْسَانٍ فَقَتَلَتْهُ لَا يَتَعَلَّقُ بها ضَمَانٌ وَذِكْرُ الْأَعْجَمِيِّ الْحُرِّ من زِيَادَتِهِ
وَإِنْ أَمَرَ إنْسَانٌ أَحَدَ هَؤُلَاءِ بِقَتْلِ نَفْسِهِ فَقَتَلَهَا اُقْتُصَّ منه أَيْ من الْآمِرِ لَا في صُورَةِ الْأَعْجَمِيِّ فَلَا يُقْتَصُّ من آمِرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ الطَّاعَةِ في قَتْلِ نَفْسِهِ بِحَالٍ نعم إنْ أَمَرَهُ بِبَطِّ جُرْحِهِ أو بِفَتْحِ عِرْقِهِ الْقَاتِلِ بِأَنْ كان بِمَقْتَلٍ فَفَعَلَ وَجَهِلَهُ أَيْ وَجَهِلَ كَوْنَهُ قَاتِلًا ضَمِنَ الْآمِرُ لِأَنَّ الْأَعْجَمِيَّ حِينَئِذٍ لَا يَظُنُّهُ قَاتِلًا فَيَجُوزُ أَنْ يَعْتَقِدَ وُجُوبَ الطَّاعَةِ أَمَّا إذَا عَلِمَهُ قَاتِلًا فَلَا ضَمَانَ على آمِرِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَجَهْلِهِ من زِيَادَتِهِ
وَإِنْ كان لِلصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ تَمْيِيزٌ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا دُونَهُ أَيْ الْآمِرِ وما أَتْلَفَهُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ بِلَا أَمْرٍ فَخَطَأٌ لَا هَدَرٌ فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ إنْ كان عَبْدًا وَبِذِمَّتِهِ إنْ كان حُرًّا وَكَلَامُ الْأَصْلِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ أَنَّهُ هَدَرٌ فَعَدَلَ عنه الْمُصَنِّفُ إلَى ما قَالَهُ لِقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ في الرَّضَاعِ من أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا دَبَّ وَارْتَضَعَ وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ لَزِمَهُ الْغُرْمُ وَلِمَا سَيَأْتِي في الْكَلَامِ على شَرِيكِ السَّبْعِ
فَرْعٌ إذَا أَكْرَهَ عَبْدًا مُرَاهِقًا الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ مُمَيِّزًا على قَتْلٍ مَثَلًا فَفَعَلَ تَعَلَّقَتْ الدِّيَةُ أَيْ نِصْفُهَا بِرَقَبَتِهِ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من أَنَّ الْمُكْرَهَ الْحُرَّ تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ
____________________
(4/8)
فَصْلٌ فِيمَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ وما لَا يُبَاحُ بِهِ لَا يُبَاحُ الْقَتْلُ الْمُحَرَّمُ لِذَاتِهِ ولا الزِّنَا بِالْإِكْرَاهِ لِتَعَلُّقِهِمَا بِالْغَيْرِ
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ بِهِ الْقَذْفُ أَيْضًا وَالْأَصَحُّ تَصَوُّرُ الْإِكْرَاهِ على الزِّنَا إذْ الِانْتِشَارُ الْمُتَعَلِّقُ بِالشَّهْوَةِ ليس شَرْطًا لِلزِّنَا بَلْ يَكْفِي مُجَرَّدُ الْإِيلَاجِ وَالْإِكْرَاهُ لَا يُنَافِيهِ أَمَّا الْقَتْلُ الْمُحَرَّمُ لِغَيْرِهِ كَقَتْلِ صِبْيَانِ الْكُفَّارِ وَنِسَائِهِمْ فَيُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ كما قَالَهُ ابن الرِّفْعَةِ وَيُبَاحُ بِهِ الْخَمْرُ أَيْ شُرْبُهُ اسْتِبْقَاءً لِلْمُهْجَةِ كما يُبَاحُ لِمَنْ غَصَّ بِلُقْمَةٍ أَنْ يُسِيغَهَا بِخَمْرٍ إذَا لم يَجِدْ غَيْرَهَا ويباح بِهِ تَرْكُ الْفَرِيضَةِ كَالْإِفْطَارِ في رَمَضَانَ على الْقَوْلِ بِإِبْطَالِ الصَّوْمِ بِهِ ويباح بِهِ كَلِمَةُ الْكُفْرِ أَيْ التَّكَلُّمُ بها وَالْقَلْبُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إلَّا من أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَالِامْتِنَاعُ من التَّكَلُّمِ بها أَفْضَلُ وَإِنْ قُتِلَ مُصَابَرَةً وَثَبَاتًا على الدِّينِ كما يُعَرِّضُ النَّفْسَ لِلْقَتْلِ جِهَادًا وَيُبَاحُ بِهِ بَلْ يَجِبُ كما قَالَهُ الْغَزَالِيُّ في وَسِيطِهِ وَنَقَلَ ابن الرِّفْعَةِ الِاتِّفَاقَ عليه إتْلَافُ مَالِ الْغَيْرِ وَصَيْدُ الْحَرَمِ لِأَنَّ لَهُمَا بَدَلًا كما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَيَضْمَنُهُمَا أَيْ كُلٌّ من الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ الْمَالَ وَالصَّيْدَ وَالْقَرَارُ على الْمُكْرِهِ لِتَعَدِّيهِ وَلَيْسَ لِلْغَيْرِ وهو الْمَالِكُ دَفْعُهُ أَيْ الْمُكْرَهِ عن مَالِهِ بَلْ يَجِبُ عليه أَنْ يَقِيَ رُوحَهُ بِمَالِهِ كما يُنَاوِلُ الْمُضْطَرَّ طَعَامَهُ وَلَهُمَا أَيْ الْمُكْرَهِ وَالْمَالِكُ دَفْعُ الْمُكْرِهِ بِمَا أَمْكَنَهُمَا لِأَنَّهُ صَائِلٌ وَظَاهِرٌ أَنَّ غير الْمَالِكِ من وَكِيلٍ وَغَيْرِهِ كَالْمَالِكِ فِيمَا ذُكِرَ
فَصْلٌ لو أَنْهَشَهُ أَيْ أَلْسَعَهُ حَيَّةً مَثَلًا فَقَتَلَتْهُ فَإِنْ قَتَلَتْ أَيْ كانت مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا كَأَفَاعِي مَكَّةَ وَثَعَابِينِ مِصْرَ فَعَمْدٌ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ وَإِلَّا فَشِبْهُهُ فَتَجِبُ دِيَتُهُ وَإِنْ أَلْقَاهَا عليه أو أَلْقَاهُ عليها أو قَيَّدَهُ وَطَرَحَهُ في مَكَان فيه حَيَّاتٌ وَلَوْ ضَيِّقًا أو طَرَحَهُ في مَسْبَعَةٍ أو أَلْقَاهُ وَلَوْ مَكْتُوفًا بين يَدَيْ سَبُعٍ في مَكَان مُتَّسِعٍ كَصَحْرَاءَ أو أَغْرَاهُ بِهِ فيه أَيْ في الْمُتَّسَعِ فَقَتَلَهُ فَلَا ضَمَانَ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَقْتُولُ صَغِيرًا أَمْ كَبِيرًا لِأَنَّهُ لم يُلْجِئْهُ إلَى قَتْلِهِ وَإِنَّمَا قَتَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَصَارَ فِعْلُهُ مع قَتْلِهِ كَالْإِمْسَاكِ مع الْمُبَاشَرَةِ وَلِأَنَّ السَّبُعَ يَنْفِرُ بِطَبْعِهِ من الْآدَمِيِّ في الْمُتَّسَعِ فَجُعِلَ إغْرَاؤُهُ له كَالْعَدَمِ وَبِهَذَا فَارَقَ ما مَرَّ من إيجَابِ الْقِصَاصِ على من أَمَرَ مَجْنُونًا ضَارِيًا أو أَعْجَمِيًّا يَعْتَقِدُ طَاعَةَ آمِرِهِ بِقَتْلٍ فَقَتَلَ وَلَوْ بِمُتَّسَعٍ نعم إنْ كان السَّبُعُ الْمُغْرَى ضَارِيًا شَدِيدَ الْعَدْوِ وَلَا يَتَأَتَّى الْهُرُوبُ منه وَجَبَ الْقِصَاصُ على ما نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن الْقَاضِي وَغَيْرِهِ وَكَذَا نَقَلَهُ في الرَّوْضَةِ لَكِنْ عن الْقَاضِي فَقَطْ ثُمَّ قَالَا مَعًا وَجَعَلَ الْإِمَامُ هذا بَيَانًا وَاسْتِدْرَاكًا لِمَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ
وَأَمَّا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ فَجَعَلُوا الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلَفًا فيها وَجَرَى الْمُصَنِّفُ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ على ما قَالَهُ الْإِمَامُ وَجَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ في وَسِيطِهِ وقال في الْمَطْلَبِ إنَّهُ الذي يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ وَمَحَلُّ ما ذُكِرَ في الْحُرِّ أَمَّا الرَّقِيقُ فإنه يُضْمَنُ بِالْيَدِ وَإِنْ كان طَرْحُهُ وَلَوْ غير مَكْتُوفٍ أو إغْرَاؤُهُ في مَضِيقٍ أو حَبْسُهُ معه أَيْ مع السَّبُعِ في بَيْتٍ أو بِئْرٍ أو حَذْفُهُ له حتى اُضْطُرَّ
____________________
(4/9)
إلَيْهِ أَيْ إلَى قَتْلِهِ وَالسَّبُعُ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا كَأَسَدٍ وَنَمِرٍ وَذِئْبٍ فَقَتَلَهُ في الْحَالِ أو جَرَحَهُ جُرْحًا يَقْتُلُ غَالِبًا لَزِمَهُ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ أَلْجَأَ السَّبُعَ إلَى قَتْلِهِ وَلِأَنَّ الْحَيَوَانَ الضَّارِيَ حِينَئِذٍ يَصِيرُ كَالْآلَةِ أو جَرَحَهُ جُرْحًا يَقْتُلُ نَادِرًا يَعْنِي لَا يَقْتُلُ غَالِبًا كما عَبَّرَ بِهِ أَصْلُهُ فَشِبْهُ عَمْدٍ كَنَظَائِرِهِ ولم يَشْتَرِطُوا في إلْقَاءِ الْحَيَّةِ الْمَضِيقَ الْأَوْفَقُ بِكَلَامِهِ وَبِكَلَامِ أَصْلِهِ ولم يُفَرِّقُوا في إلْقَاءِ الْحَيَّةِ بين الْمَضِيقِ وَالْمُتَّسَعِ كما في السَّبُعِ لِأَنَّهَا تَنْفِرُ بِطَبْعِهَا من الْآدَمِيِّ بِخِلَافِ السَّبُعِ فإنه يَثِبُ عليه في الْمَضِيقِ دُونَ الْمُتَّسَعِ وَلِهَذَا لو أَلْقَاهُ مَكْتُوفًا بِمَسْبَعَةٍ لم يَضْمَنْهُ كما مَرَّ وَالْمَجْنُونُ الضَّارِي كَالسَّبُعِ الْمُغْرَى في الْمَضِيقِ وَفَارَقَهُ في الْمُتَّسَعِ لِأَنَّ السَّبُعَ يَنْفِرُ فيه من الْآدَمِيِّ كما مَرَّ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَتَرْكُ الْفِرَارِ النَّافِعِ من الْمُغْرَى عليه في تَخَلُّصِهِ من السَّبُعِ كَتَرْكِ السِّبَاحَةِ فِيمَا مَرَّ
وَإِنْ رَبَطَ بِبَابِهِ كَلْبًا عَقُورًا وَدَعَا إلَيْهِ رَجُلًا فَعَقَرَهُ فَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِعَصًا وَنَحْوِهَا ولأنه يَفْتَرِسُ بِاخْتِيَارِهِ
الطَّرَفُ الرَّابِعُ في اجْتِمَاعِ مُبَاشَرَتَيْنِ فَإِنْ ذَفَّفَ عليه اثْنَانِ مَعًا فَأَكْثَرُ أَيْ أَسْرَعَا قَتْلَهُ بِأَنْ يَعْنِي كَأَنْ حَزَّ أَحَدُهُمَا رَقَبَتَهُ وَقَدَّهُ الْآخَرُ نِصْفَيْنِ أَيْ قِطْعَتَيْنِ وَهُمَا عَامِدَانِ اُقْتُصَّ مِنْهُمَا وَكَذَا إنْ جَرَحَاهُ مَعًا أو كُلٌّ مِنْهُمَا جُرْحًا يَقْتُلُ غَالِبًا كَأَنْ أَجَافَاهُ جَائِفَةً أو قَطَعَ أَحَدُهُمَا السَّاعِدَ وَالْآخَرُ الْعَضُدَ مَعًا أو تَعَاقَبَا وَمَاتَ بِسِرَايَتِهِمَا لِاشْتِرَاكِهِمَا في الْقَتْلِ وَوَجْهُهُ في الْأَخِيرَةِ أَنَّ الْقَطْعَ الْأَوَّلَ قد انْتَشَرَتْ سِرَايَتُهُ وَآلَمَهُ وَتَأَثَّرَتْ بِهِ الْأَعْضَاءُ الرَّئِيسَةُ وَانْضَمَّ إلَيْهَا آلَامُ الثَّانِي فَأَشْبَهَ ما لو أَجَافَ وَاحِدٌ جَائِفَةً وَجَاءَ آخَرُ وَوَسَّعَهَا فَمَاتَ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمَا وَلَيْسَ اخْتِلَافُهُمَا في كَثْرَةِ الْأَلَمِ وَقِلَّتِهِ مَانِعًا من تَسَاوِيهِمَا في الْقَتْلِ كما لو جَرَحَهُ وَاحِدٌ جِرَاحَاتٍ وَآخَرُ جِرَاحَةً وَاحِدَةً فَمَاتَ بِذَلِكَ فَهُمَا قَاتِلَانِ فَرُبَّ جِرَاحَةٍ لها غَوْرٌ وَنِكَايَةٌ لم تَحْصُلْ بِجِرَاحَاتٍ وَقَوْلُهُ يَقْتُلُ غَالِبًا من زِيَادَتِهِ هُنَا فَلَوْ جَرَحَ أَحَدُهُمَا وَذَفَّفَ الْآخَرُ فَهُوَ الْقَاتِلُ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ أو كَمَالُ الدِّيَةِ على ما يَقْتَضِيهِ الْحَالُ وَيُقْتَصُّ من الْجَارِحِ أو يُؤْخَذُ منه الْمَالُ بِالْجُرْحِ إنْ تَقَدَّمَ على التَّذْفِيفِ سَوَاءٌ أَتَوَقَّعَ الْبُرْءَ من الْجُرْحِ لو لم يَطْرَأْ التَّذْفِيفُ أَمْ تَيَقَّنَ الْمَوْتُ منه بَعْدَ يَوْمَيْنِ أو نَحْوِهِمَا لِأَنَّ حَيَاتَهُ في الْحَالِ مُسْتَقِرَّةٌ وَتَصَرُّفَاتِهِ نَافِذَةٌ فَإِنْ تَأَخَّرَ جَارِحُهُ عن مُذَفِّفِهِ عُزِّرَ كَالْجَانِي على الْمَيِّتِ لِهَتْكِهِ حُرْمَتَهُ وَالْقَاتِلُ هو الْمُذَفِّفُ وَالتَّذْفِيفُ أَنْ يَذْبَحَهُ أو يَقُدَّهُ أو يُنَحِّيَ كُرْسِيًّا تَحْتَ رِجْلَيْ مَشْنُوقٍ أو يُبَيِّنَ الْحَشْوَةَ أو يُنْهِيَهُ بِغَيْرِ ذلك إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ وَهِيَ حَالَةُ الشَّخْصِ الْعَادِمِ سَمْعًا وَبَصَرًا وَاخْتِيَارًا بِأَنْ لَا يَبْقَى مَعَهَا إبْصَارٌ وَإِدْرَاكٌ وَنُطْقٌ وَحَرَكَةٌ اخْتِيَارِيَّانِ فَلَا يُؤَثِّرُ بَقَاءُ الضَّرَرَيْنِ فَقَدْ يُقَدُّ الشَّخْصُ وَتُتْرَكُ أَحْشَاؤُهُ في النِّصْفِ الْأَعْلَى وَيَتَحَرَّكُ وَيَتَكَلَّمُ بِكَلِمَاتٍ لَكِنَّهَا لَا تَنْتَظِمُ وَإِنْ انْتَظَمَتْ فَلَيْسَتْ صَادِرَةً عن رَوِيَّةٍ وَاخْتِيَارٍ وَلَهُ في الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ حُكْمُ الْمَيِّتِ فَلَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ وَلَا رِدَّتُهُ وَلَا غَيْرُهُمَا من سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ وَيَصِيرُ فيها الْمَالُ لِلْوَرَثَةِ وَلَا يَرِثُ قَرِيبَهُ وَلَا يَرِثُهُ من أَسْلَمَ أو عَتَقَ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَرِيضٍ انْتَهَى في النَّزْعِ إلَيْهَا أَيْ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ فَلَيْسَ له حُكْمُ الْمَيِّتِ فَيَجِبُ بِقَتْلِهِ الْقِصَاصُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَقْدُودِ أَنَّ الْمَرِيضَ حِينَئِذٍ لم يُقْطَعْ بِمَوْتِهِ وقد يُظَنُّ بِهِ ذلك ثُمَّ يُشْفَى بِخِلَافِ الْمَقْدُودِ وَمَنْ في مَعْنَاهُ فإنه يُقْطَعُ بِأَنَّهُ لَا يَعِيشُ إحَالَةً على السَّبَبِ الظَّاهِرِ وَجَعَلَ في الْأَصْلِ هذا فَرْقًا ثَانِيًا فقال
____________________
(4/10)
بَعْدُ بِخِلَافِ الْمَقْدُودِ وَلِأَنَّ الْمَرِيضَ لم يَسْبِقْ فيه فِعْلٌ بِحَالِ الْقَتْلِ وَأَحْكَامِهِ عليه حتى يُهْدَرَ الْفِعْلُ الثَّانِي وَالْقَدُّ وَنَحْوُهُ بِخِلَافِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَرِيضَ الْمَذْكُورَ يَصِحُّ إسْلَامُهُ وَرِدَّتُهُ وَلَيْسَ مُرَادًا وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ سَالِمَةٌ من ذلك ثُمَّ ما ذَكَرْنَاهُ هُنَا من أَنَّهُ ليس كَالْمَيِّتِ مَحْمُولٌ على أَنَّهُ ليس كَهُوَ في الْجِنَايَةِ أَمَّا في غَيْرِهَا فَهُوَ فيه كَهُوَ بِقَرِينَةِ ما ذُكِرَ في الْوَصِيَّةِ من عَدَمِ صِحَّةِ وَصِيَّتِهِ وَإِسْلَامِهِ وَتَوْبَتِهِ وَنَحْوِهَا وَإِنْ شُكَّ في الِانْتِهَاءِ إلَيْهَا أَيْ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ رُوجِعَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ فيه وَعُمِلَ بِقَوْلِهِمْ وَالْمُرَادُ قَوْلُ عَدْلَيْنِ منهم
فَصْلٌ فِيمَا إذَا قَتَلَ إنْسَانًا يَظُنُّهُ على حَالِ فَكَانَ بِخِلَافِهِ إذَا قَتَلَ مُسْلِمًا ظَنَّهُ كَافِرًا لِزِيِّهِ أَيْ لِكَوْنِهِ بِزِيِّ الْكَافِرِ في دَارِنَا لَزِمَهُ الْقِصَاصُ أو الدِّيَةُ مع الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ من حَالِ من بِدَارِنَا الْعِصْمَةُ أو بِزِيِّهِ في دَارِ الْحَرْبِ أو لم يَظُنَّ كُفْرَهُ وهو بِصَفِّ الْكُفَّارِ ولم يَعْرِفْ مَكَانَهُ فَلَا قِصَاصَ عليه وَكَذَا لَا دِيَةَ لِلْعُذْرِ الظَّاهِرِ ثَمَّ سَوَاءٌ أَعَلِمَ في دَارِهِمْ مُسْلِمًا أَمْ لَا وَسَوَاءٌ أَعَيَّنَ شَخْصًا أو لَا وَإِنْ عَرَفَ مَكَانَهُ فَكَقَتْلِهِ بِدَارِنَا حتى إذَا قَصَدَ قَتْلَهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ أو الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ مع الْكَفَّارَةِ أو قَتَلَ غَيْرَهُ فَأَصَابَهُ تَجِبُ الدِّيَةُ الْمُخَفَّفَةُ مع الْكَفَّارَةِ وَهَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في بَابِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ ثَمَّ وَتَجِبُ عليه الْكَفَّارَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ كان من قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وهو مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فإن من بِمَعْنَى في كما نَقَلَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنْ ادَّعَى عليه عِلْمَهُ بِإِسْلَامِهِ فقال لم أَعْلَمْ بِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاتِلِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِحَالِهِ أو قَتَلَ مُسْلِمًا عَهِدَهُ ذِمِّيًّا أو مُرْتَدًّا أو حُرًّا عَهِدَهُ عَبْدًا أو غير قَاتِلِ أبيه ظَنَّهُ قَاتِلَ أبيه أو ضَرَبَ مَرِيضًا ظَنَّهُ غير مَرِيضٍ ضَرْبًا يَقْتُلُ مِثْلُهُ الْمَرِيضَ دُونَ غَيْرِهِ فَمَاتَ منه وَجَبَ الْقَوَدُ أَيْ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا وَعُدْوَانًا وَالظَّنُّ لَا يُبِيحُ الْقَتْلَ وَالضَّرْبَ أَمَّا في الذِّمِّيِّ وَالْعَبْدِ وَغَيْرِ الْمَرِيضِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا في الْمُرْتَدِّ فَلِأَنَّ قَتْلَهُ إلَى الْإِمَامِ لَا إلَى الْآحَادِ فَأَشْبَهَ ما لو عَلِمَ تَحْرِيمَ الْقَتْلِ وَجَهِلَ وُجُوبَ الْقِصَاصِ
وما لو زَنَى عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ جَاهِلًا بِوُجُوبِ الْحَدِّ بِخِلَافِ من أُبِيحَ له الضَّرْبُ كَالْمُؤَدِّبِ وَقُيِّدَ ذلك بِالظَّنِّ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ فَمَعَ الْعِلْمِ يَجِبُ الْقَوَدُ قَطْعًا وَالْفَرْقُ كما قال الرَّافِعِيُّ بين وُجُوبِ الْقَوَدِ هُنَا وَعَدَمِ وُجُوبِهِ فِيمَا إذَا أَجَاعَ إنْسَانًا وَبِهِ جَوْعٌ سَابِقٌ لَا يَعْلَمُهُ أَنَّ الضَّرْبَ ليس من جِنْسِ الْمَرَضِ فَيُمْكِنُ إحَالَةُ الْهَلَاكِ عليه حتى لو ضَعُفَ من الْجُوعِ فَضَرَبَهُ ضَرْبًا يَقْتُلُ مِثْلُهُ وَجَبَ الْقَوَدُ لَا إنْ قَتَلَ مُسْلِمًا عَهِدَهُ حَرْبِيًّا وكان على زِيِّ الْكُفَّارِ بِدَارِنَا فَلَا قَوَدَ عليه لِعُذْرِهِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَفَارَقَ الْمُرْتَدَّ فِيمَا مَرَّ بِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُخَلَّى وَالْحَرْبِيَّ يُخَلَّى بِالْمُهَادَنَةِ وَفَارَقَ الذِّمِّيَّ وَالْعَبْدَ بِأَنَّ الظَّنَّ ثَمَّ لَا يُفِيدُ الْحِلَّ بِخِلَافِهِ هُنَا وَسُمِّيَ الْقِصَاصُ قَوَدًا لِأَنَّهُمْ يَقُودُونَ الْجَانِيَ إلَى الْقَتْلِ بِحَبْلٍ أو غَيْرِهِ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ
الرُّكْنُ الثَّانِي الْقَتِيلُ وَشَرْطُهُ الْعِصْمَةُ بِإِيمَانٍ أو أَمَانٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فإذا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى وَإِنْ أَحَدٌ من الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَك الْآيَةَ فَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ مَعْصُومٌ بِغَيْرِ مَعْصُومٍ كَالْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ وَلَوْ صَبِيًّا وَامْرَأَةً وَعَبْدًا وَإِنَّمَا حَرُمَ قَتْلُهُمْ رِعَايَةً لِحَقِّ الْغَانِمِينَ لَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْأَصْلُ فِيمَا قَالَهُ قَوْله تَعَالَى اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخَبَرِ من بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ وَكَذَا الزَّانِي الْمُحْصَنُ لَا يُقْتَلُ بِهِ مُسْلِمٌ
____________________
(4/11)
مَعْصُومٌ لِاسْتِيفَائِهِ حَدَّ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ أَقَتَلَهُ قبل أَمْرِ الْإِمَامِ بِقَتْلِهِ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ أَثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ أَمْ بِالْإِقْرَارِ وَوَقَعَ في تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ لِلنَّوَوِيِّ أَنَّ ذلك فِيمَا إذَا ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ قُتِلَ بِهِ وكذا تَارِكُ الصَّلَاةِ عَمْدًا بَعْدَ الْأَمْرِ بها وقد خَرَجَ وَقْتُهَا لَا يُقْتَلُ بِهِ مُسْلِمٌ مَعْصُومٌ وَيُقْتَلُ بِقَتْلِ من عليه قِصَاصٌ لِغَيْرِهِ أَيْ لِغَيْرِ الْقَاتِلِ لَا له لِأَنَّهُ ليس بِمُبَاحِ الدَّمِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ عليه حَقٌّ قد يُتْرَكُ وقد يُسْتَوْفَى نعم إنْ تَحَتَّمَ عليه كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ لم يُقْتَلْ قَاتِلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مثله وَيُعْصَمُ تَارِكُ الصَّلَاةِ بِالْجُنُونِ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ وَالسُّكْرِ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ حِينَئِذٍ منها لَا الْمُرْتَدُّ فَلَا يُعْصَمُ بِشَيْءٍ من ذلك لِقِيَامِ الْكُفْرِ
الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْقَاتِلُ وَشَرْطُهُ الْتِزَامُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَوْ كَافِرًا أَصْلِيًّا أو مُرْتَدًّا فَلَا قِصَاصَ على صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَإِنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ وَنَائِمٍ إذْ ليس لهم أَهْلِيَّةُ الِالْتِزَامِ وَلِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُمْ وَلِأَنَّهُمْ لَا يُكَلَّفُونَ بِالْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُؤَاخَذُوا بِالْعُقُوبَاتِ الْبَدَنِيَّةِ فَيُقْتَصُّ مِمَّنْ زَالَ عَقْلُهُ بِمُحَرَّمٍ من مُسْكِرٍ أو دَوَاءٍ وَتَعْبِيرُهُ بِالْفَاءِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مُكَلَّفٌ وهو جَارٍ على طَرِيقَتِهِ وَالْمَشْهُورُ خِلَافُهُ كما مَرَّ بَيَانُهُ وَإِنَّمَا اُقْتُصَّ منه لِتَعَدِّيهِ وهو من قَبِيلِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ
وَإِنْ قَتَلَ غَيْرَهُ ثُمَّ جُنَّ اُقْتُصَّ منه وَلَوْ في جُنُونِهِ وَإِنْ ثَبَتَ قَتْلُهُ بِإِقْرَارِهِ بِخِلَافِهِ أَيْ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ في مُوجِبِ حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُسْتَوْفَى في جُنُونِهِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يُقْبَلُ الرُّجُوعُ فيه لَا في مُوجِبِ الْقِصَاصِ
فَرْعٌ لو قال الْقَاتِلُ كُنْت عِنْدَ الْقَتْلِ صَبِيًّا وَأَمْكَنَ صِبَاهُ عِنْدَهُ أو مَجْنُونًا وَعُهِدَ جُنُونُهُ قَبْلَهُ وقال الْوَلِيُّ بَلْ كُنْت بَالِغًا أو غير مَجْنُونٍ صُدِّقَ الْقَاتِلُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الصِّبَا وَالْجُنُونِ سَوَاءٌ أَتَقَطَّعَ أو لَا بِخِلَافِ ما إذَا لم يُمْكِنْ صِبَاهُ ولم يُعْهَدْ جُنُونُهُ وَإِنْ قال أنا الْآنَ صَبِيٌّ لم يَحْلِفْ أَنَّهُ صَبِيٌّ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ لِإِثْبَاتِ صِبَاهُ وَلَوْ ثَبَتَ لَبَطَلَتْ يَمِينُهُ فَفِي تَحْلِيفِهِ إبْطَالٌ لِحَلِفِهِ وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَتَانِ بِجُنُونِهِ وَعَقْلِهِ أَيْ قَامَتْ إحْدَاهُمَا بِجُنُونِ الْقَاتِلِ عِنْدَ قَتْلِهِ وَالْأُخْرَى بِعَقْلِهِ عِنْدَهُ تَعَارَضَتَا وَلَا قِصَاصَ على حَرْبِيٍّ وَإِنْ عُصِمَ بَعْدَ قَتْلِهِ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ عِنْدَ الْقَتْلِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ لِالْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ
بَابُ ما يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ من الْمُسَاوَاةِ بين الْقَاتِلِ وَالْقَتِيلِ وما لَا يُشْتَرَطُ له منها فَلَا يُؤَثِّرُ من الْفَضَائِلِ في مَنْعِ الْقِصَاصِ مُطْلَقًا إلَّا ثَلَاثٌ الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْوِلَادَةُ فَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ وَمُعَاهَدٍ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَإِنْ ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ الْقَاتِلُ لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ عِنْدَ الْقَتْلِ وَيُقْتَلَانِ أَيْ الذِّمِّيُّ وَالْمُعَاهَدُ بِالْمُسْلِمِ لِأَنَّهُمَا إذَا قُتِلَا بِمِثْلِهِمَا فَبِمَنْ فَوْقَهُمَا أَوْلَى لَا بِحَرْبِيٍّ لِعَدَمِ عِصْمَتِهِ وَهَذَا عُلِمَ من الرُّكْنِ الثَّانِي وَيُقْتَلُ أَحَدُهُمَا أَيْ الذِّمِّيُّ وَالْمُعَاهَدُ بِالْآخَرِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمِلَّةُ كَيَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ من حَيْثُ إنَّ النَّسْخَ شَمِلَ الْجَمِيعَ وَلَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ بِإِسْلَامِهِ أَيْ الْقَاتِلِ لِتَسَاوِيهِمَا حَالَةَ الْجِنَايَةِ إذْ الْعِبْرَةُ في الْعُقُوبَاتِ بِحَالِهَا بِدَلِيلِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا زَنَى أو قَذَفَ ثُمَّ عَتَقَ يُقَامُ عليه حَدُّ الْعَبِيدِ وَكَمَا لَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ لَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ كَالدُّيُونِ اللَّازِمَةِ في الْكُفْرِ وَلَوْ كان إسْلَامُهُ بين جِرَاحَةٍ وَسِرَايَةٍ كَأَنْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا أو مُعَاهَدًا وَأَسْلَمَ الْجَارِحُ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ بِالسِّرَايَةِ فإنه لَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ لِمَا ذُكِرَ بِخِلَافِ ما لو أَسْلَمَ
____________________
(4/12)
عَقِبَ إرْسَالِ الْمُسْلِمِ السَّهْمَ عليه وَقَبْلَ الْإِصَابَةِ لِأَنَّهُ لم يُسَاوِهِ من أَوَّلِ الْفِعْلِ وَيُقْتَلُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ بمثله وَلَوْ كان مثله لِكَافِرٍ لِمَا ذُكِرَ وَيَسْتَوْفِي لَهُمَا أَيْ لِلْوَارِثِ في الْأُولَى وَالسَّيِّدِ في الثَّانِيَةِ الْإِمَامُ بِالْإِذْنِ مِنْهُمَا وَلَا يُفَوِّضُهُ إلَيْهِمَا إنْ لم يُسْلِمْ الْوَارِثُ وَالسَّيِّدُ حَذَرًا من تَسْلِيطِ الْكَافِرِ على الْمُسْلِمِ فَإِنْ أَسْلَمَا فَوَّضَهُ إلَيْهِمَا وَلَوْ قال وَيَسْتَوْفِي لِلْوَارِثِ وَالسَّيِّدِ الْإِمَامُ بِالْإِذْنِ إنْ لم يُسْلِمَا كان أَوْضَحَ وَيَقْتَصُّ الْكَافِرُ بِعَبْدِهِ الْكَافِرِ أَيْ بِسَبَبِ قَتْلِهِ من عَبْدٍ كَافِرٍ وَلَوْ كان لِمُسْلِمٍ لِتَسَاوِي الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ
فَصْلٌ يُقْتَلُ مُرْتَدٌّ بِذِمِّيٍّ وَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ لِتَسَاوِيهِمَا في الْكُفْرِ عِنْدَ الْقَتْلِ فَكَانَا كَالذِّمِّيَّيْنِ وَلِأَنَّ الْمُرْتَدَّ أَسْوَأُ حَالًا من الذِّمِّيِّ لِأَنَّهُ مُهْدَرُ الدَّمِ وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَلَا يُقِرُّ بِالْجِزْيَةِ فَأَوْلَى أَنْ يُقْتَلَ بِالذِّمِّيِّ الثَّابِتِ له ذلك وَعُلِمَ منه قَتْلُهُ بِالْمُعَاهَدِ وَالْمُسْتَأْمَنِ لَا عَكْسُهُ أَيْ لَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِالْمُرْتَدِّ لِأَنَّهُ مُهْدَرٌ كَالْحَرْبِيِّ بِجَامِعِ اشْتِرَاكِهِمَا في الْكُفْرِ وَيُقْتَلُ مُرْتَدٌّ وَزَانٍ مُحْصَنٌ بِمِثْلِهِمَا لِتَسَاوِيهِمَا ويقتل مُرْتَدٌّ بِزَانٍ مُحْصَنٍ كما يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ لَا عَكْسُهُ أَيْ لَا يُقْتَلُ زَانٍ مُحْصَنٌ بِمُرْتَدٍّ لِاخْتِصَاصِهِ بِفَضِيلَةِ الْإِسْلَامِ وَلِخَبَرِ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَيُقَدَّمُ قَتْلُهُ أَيْ الْمُرْتَدِّ بِالْقِصَاصِ الْوَاجِبِ عليه على قَتْلِهِ بِالرِّدَّةِ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ فَإِنْ عَفَا عنه على مَالٍ أُخِذَ من تَرِكَتِهِ وَقُتِلَ بِالرِّدَّةِ وَلَا دِيَةَ لِمُرْتَدٍّ وَلَوْ قَتَلَهُ مِثْلُهُ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِدَمِهِ
وَيُقْتَلُ رَقِيقٌ بِحُرٍّ كما يُقْتَلُ بِرَقِيقٍ بَلْ أَوْلَى لَا عَكْسُهُ أَيْ لَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِرَقِيقٍ وَلَوْ لِغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ لَا يُقَادُ حُرٌّ بِعَبْدٍ وَأَمَّا خَبَرُ من قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ وَمَنْ جَدَعَ جَدَعْنَاهُ فَمُنْقَطِعٌ وقال الْبَيْهَقِيُّ إنَّهُ مَنْسُوخٌ وابن الْمُنْذِرِ ليس بِثَابِتٍ وَإِنْ صَحَّ فَمَحْمُولٌ على ما إذَا أَعْتَقَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ فَيُفِيدَانِ تَقَدَّمَ الْمِلْكُ لَا يَمْنَعُ ذلك وَلَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِمُبَعَّضٍ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَا يُقْتَلُ مُبَعَّضٌ بِالْمُبَعَّضِ وَلَوْ تَسَاوَيَا حُرِّيَّةً وَرِقًّا أو كانت حُرِّيَّةُ الْمَقْتُولِ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِجُزْءِ الْحُرِّيَّةِ جُزْءُ الْحُرِّيَّةِ وَبِجُزْءِ الرِّقِّ جُزْءُ الرِّقِّ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ شَائِعَةٌ فِيهِمَا بَلْ يُقْتَلُ جَمِيعُهُ بِجَمِيعِهِ أَيْ وَلَيْسَ ذلك حَقِيقَةَ الْقِصَاصِ فَعَدَلَ عنه عِنْدَ تَعَذُّرِهِ لِبَدَلِهِ وَدَلِيلُ ذلك الْمَالُ فإنه يَجِبُ عِنْدَ التَّسَاوِي رُبُعُ الدِّيَةِ وَرُبُعُ الْقِيمَةِ في مَالِهِ وَيَتَعَلَّقُ الرُّبْعَانِ الْبَاقِيَانِ بِرَقَبَتِهِ وَلَا نَقُولُ نِصْفُ الدِّيَةِ في مَالِهِ وَنِصْفُ الْقِيمَةِ في رَقَبَتِهِ وَيُقْتَلُ رَقِيقٌ بِرَقِيقٍ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ اسْتَوَيَا كَقِنَّيْنِ وَمُكَاتَبَيْنِ أَمْ لَا كَأَنْ كان أَحَدُهُمَا قِنًّا وَالْآخَرُ مُدَبَّرًا أَمْ مُكَاتَبًا أَمْ أُمَّ وَلَدٍ لِلتَّسَاوِي في الْمِلْكِ وَلَا نَظَرَ إلَى ما انْعَقَدَ لِهَؤُلَاءِ من سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ لَا مُكَاتَبٌ بِعَبْدِهِ أَيْ لَا يُقْتَلُ بِهِ كما لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِعَبْدِهِ وَلَوْ كان الْمَقْتُولُ أَبَاهُ لِأَنَّهُ مَمْلُوكُهُ وَالسَّيِّدُ لَا يُقْتَلُ بِعَبْدِهِ وَعِتْقُ الْقَاتِلِ كَإِسْلَامِهِ فَلَوْ قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدًا ثُمَّ عَتَقَ أو جَرَحَهُ وَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ لم يَسْقُطْ الْقِصَاصُ وَلَوْ عَتَقَ الْمَجْرُوحُ بَعْدَ إرْسَالِ الْحُرِّ السَّهْمَ عليه وَقَبْلَ الْإِصَابَةِ فَلَا قِصَاصَ
وَلَا قِصَاصَ فِيمَنْ أَيْ في قَتْلِ من جُهِلَ إسْلَامُهُ أو حُرِّيَّتُهُ وَالْقَاتِلُ حُرٌّ في الثَّانِيَةِ وَمُسْلِمٌ في الْأُولَى لِلشُّبْهَةِ وَيُفَارِقُ وُجُوبَ الْقِصَاصِ فِيمَا لو قَتَلَ الْمُسْلِمُ الْحُرُّ لَقِيطًا في صِغَرِهِ بِأَنَّ مَحَلَّ ما هُنَا في قَتْلِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ وما هُنَاكَ في قَتْلِهِ بِدَارِنَا بِقَرِينَةِ تَعْلِيلِهِمْ وُجُوبَ الْقِصَاصِ
____________________
(4/13)
فيه بِأَنَّ الدَّارَ دَارُ حُرِّيَّةٍ وَإِسْلَامٍ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ ما هُنَا مَحَلُّهُ إذَا لم يَكُنْ له وَلِيٌّ يَدَّعِي الْكَفَاءَةَ وَإِلَّا فَهِيَ مَسْأَلَةُ اللَّقِيطِ وَيُقْتَلُ فَرْعٌ بِأَصْلِهِ كَغَيْرِهِ بَلْ أَوْلَى وَيُقْتَلُ الْمَحَارِمُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ لِذَلِكَ
وَلَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ هذا تَقَدَّمَ قَرِيبًا لَكِنَّهُ أَعَادَهُ لِيُشْرِكَهُ مع ما بَعْدَهُ في الْحُكْمِ الْآتِي ولا أَصْلٌ بِفَرْعٍ وَإِنْ نَزَلَ لِخَبَرِ الْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ وَصَحَّحَاهُ لَا يُقَادُ لِلِابْنِ من أبيه وَلِرِعَايَةِ حُرْمَتِهِ وَلِأَنَّهُ كان سَبَبًا في وُجُودِهِ فَلَا يَكُونُ هو سَبَبًا في عَدَمِهِ فَإِنْ وفي نُسْخَةٍ فَلَوْ حَكَمَ بِهِ أَيْ بِالْقَتْلِ في الصُّورَتَيْنِ حَاكِمٌ نُقِضَ حُكْمُهُ في قَتْلِ الْأَصْلِ بِفَرْعِهِ دُونَ الْعَبْدِ الْأَنْسَبُ بِمَا قَبْلَهُ دُونَ الْحُرِّ أَيْ دُونَ قَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ إلَّا إنْ أَضْجَعَ الْأَصْلُ الْفَرْعَ وَذَبَحَهُ وَحَكَمَ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ حَاكِمٌ فَلَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ رِعَايَةً لِقَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ وَلَا يُقْتَلُ عَبْدٌ وَابْنٌ مُسْلِمَانِ بِحُرٍّ وَأَبٍ كَافِرَيْنِ وَلَا عَكْسُهُمَا أَيْ لَا يُقْتَلُ حُرٌّ وَأَبٌ كَافِرَانِ بِعَبْدٍ وَابْنٍ مُسْلِمَيْنِ وَلَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ وَذَلِكَ لِاخْتِصَاصِ الْقَاتِلِ بِمَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ وما ذَكَرَهُ من أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ في ذلك عِنْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِقَتْلِهِ مَبْنِيٌّ على أَنَّ حُكْمَهُ بِهِ يُنْقَضُ وهو ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن ابْنِ كَجٍّ في قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ لَكِنَّهُ حُكِيَ عنه أَيْضًا احْتِمَالُ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ وقال إنَّهُ الْوَجْهُ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا في أَدَبِ الْقَضَاءِ وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِعَبْدٍ لِوَلَدِهِ كما يُقْتَلُ بِوَالِدِهِ لَا بِعَبْدٍ لِوَالِدِهِ كما لَا يُقْتَلُ بِوَلَدِهِ
فَرْعٌ لَا قِصَاصَ على الْقَاتِلِ فِيمَنْ أَيْ في قَتْلِ من يَرِثُهُ وَلَدُهُ وَحْدَهُ أو مع غَيْرِهِ كَزَوْجَةِ وَلَدِهِ أو زَوْجَتِهِ أو أَبِيهَا ثُمَّ مَاتَتْ وَلَهُ منها وَلَدٌ لِأَنَّهُ إذَا لم يُقْتَصَّ من الْوَالِدِ بِجِنَايَتِهِ على وَلَدِهِ فَلَأَنْ لَا يُقْتَصَّ منه بِجِنَايَتِهِ على من يَرِثُهُ أَوْلَى وَلَا قِصَاصَ على وَارِثِ الْقِصَاصِ أو بَعْضِهِ كَمَنْ قَتَلَ أَبَاهُ وَلَهُ أَخٌ مَاتَ وَوَرِثَهُ هو وَحْدَهُ أو مع غَيْرِهِ لِأَنَّ الشَّخْصَ لَا يَقْتَصُّ من نَفْسِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْوَلَدَ يَرِثُ الْقِصَاصَ ثُمَّ يَسْقُطُ وقال الْإِمَامُ إنَّهُ الْوَجْهُ لِأَنَّهُ لو لم يَرِثْهُ لَوَرِثَهُ غَيْرُهُ وَلَمَا سَقَطَ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْقِيَاسُ كما قال ابن الرِّفْعَةِ يَقْتَضِي عَدَمَ إرْثِهِ له لِأَنَّ الْمُسْقِطَ قَارَنَ سَبَبَ الْمِلْكِ وَجَزَمَ بِذَلِكَ قبل صَدَقَةِ الْوَاشِي فقال إنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ أَصْلًا
انْتَهَى
فَرْعٌ لو قَتَلَا وَلَدًا مَجْهُولًا يَتَنَازَعَانِهِ أَيْ يَتَدَاعَيَانِهِ فَلَا قِصَاصَ في الْحَالِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا أَبُوهُ وقد اشْتَبَهَ الْأَمْرُ كما لو اشْتَبَهَ طَاهِرٌ بِنَجِسٍ لَا يُسْتَعْمَلُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ فَإِنْ أُلْحِقَ الْوَلَدُ بِثَالِثٍ اُقْتُصَّ مِنْهُمَا لِانْتِفَاءِ نَسَبِهِ عنهما أو أُلْحِقَ بِأَحَدِهِمَا اُقْتُصَّ من الْآخَرِ لِانْتِفَاءِ نَسَبِهِ عنه وَلِأَنَّهُ شَرِيكُ الْأَبِ فَإِنْ رَجَعَا عن تَنَازُعِهِمَا لم يُقْبَلْ رُجُوعُهُمَا لِأَنَّهُ صَارَ ابْنًا لِأَحَدِهِمَا وفي قَبُولِ الرُّجُوعِ إبْطَالُ حَقِّهِ من النَّسَبِ أو رَجَعَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَهُوَ ابن الْآخَرِ فَيُقْتَصُّ من غَيْرِهِ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ من الرَّاجِعِ إنْ قَتَلَهُ من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمَا قَتَلَاهُ فَإِنْ قَتَلَهُ أَحَدُهُمَا فَأُلْحِقَ بِالْآخَرِ أو بِغَيْرِهِمَا اُقْتُصَّ منه كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هذا إذَا لم يَكُنْ لُحُوقُ الْوَلَدِ بِأَحَدِهِمَا فِرَاشًا أَيْ بِالْفِرَاشِ بَلْ بِالدَّعْوَى كما هو الْفَرْضُ أَمَّا إذَا كان بِالْفِرَاشِ كَأَنْ وُطِئَتْ امْرَأَةٌ بِنِكَاحٍ أو شُبْهَةٍ في عِدَّةٍ من نِكَاحٍ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ وَأَمْكَنَ كَوْنُهُ من كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا يُجْزِئُ أَيْ يَكْفِي رُجُوعُ أَحَدِهِمَا في لُحُوقِ الْوَلَدِ بِالْآخَرِ وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّسَبَ ثَمَّ ثَبَتَ من أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ بِدَعْوَاهُمَا فإذا رَجَعَ أَحَدُهُمَا لَحِقَ الْوَلَدُ بِالْآخَرِ وَهُنَا ثَبَتَ بِالْفِرَاشِ فَلَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ فَلَا يَلْحَقُ الْوَلَدُ بِالْآخَرِ وَإِنَّمَا يَلْحَقُ بِهِ بِالْقَائِفِ ثُمَّ بِانْتِسَابِهِ إلَيْهِ إذَا بَلَغَ وَتَعْبِيرُهُ ثُمَّ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِأَوْ فَإِنْ أَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِأَحَدِهِمَا قال في الْأَصْلِ أو انْتَسَبَ بَعْدَ بُلُوغِهِ إلَيْهِ اُقْتُصَّ من غَيْرِهِ أَيْ غَيْرِ من أُلْحِقَ بِهِ لَا منه لِأَنَّهُ أَبُوهُ وَقَوْلُهُ فَإِنْ أَلْحَقَهُ إلَى آخِرِهِ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وفي مَسْأَلَةِ التَّدَاعِي السَّابِقَةِ لو أَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ أَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً بِنَسَبِهِ سُمِعَتْ وَلَحِقَهُ بها وَاقْتُصَّ من الْأَوَّلِ فَإِنْ تَعَذَّرَ الْإِلْحَاقُ لِعَدَمِ الْقَائِفِ أو تَحَيُّرِهِ وَقُتِلَ الْوَلَدُ قبل الِانْتِسَابِ فَلَا قِصَاصَ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ أَحَدُهُمَا عن نَفْسِهِ وَيَبْقَى الْآخَرُ على اسْتِلْحَاقِهِ فَيُقْتَصُّ من الْأَوَّلِ
فَرْعٌ لو قَتَلَ أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ الشَّقِيقَيْنِ أَبَاهُمَا وَالْآخَرُ أُمَّهُمَا مَعًا وَالْعِبْرَةُ في الْمَعِيَّةِ وَالتَّعَاقُبِ بِالزُّهُوقِ لِلرُّوحِ لَا بِالْجُرْحِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْقِصَاصُ على الْآخَرِ لِأَنَّهُ قَتَلَ مُوَرِّثَهُ فَإِنْ عَفَا أَحَدُهُمَا فَلِلْمَعْفُوِّ عنه أَنْ يَقْتَصَّ من الْعَافِي فَإِنْ لم يَعْفُ قُدِّمَ أَحَدُهُمَا لِلْقِصَاصِ
____________________
(4/14)
وَالتَّقْدِيمُ له بِالْقُرْعَةِ عِنْدَ التَّنَازُعِ لِاسْتِوَائِهِمَا في وَقْتِ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَوْ اقْتَصَّ أَحَدُهُمَا من أَخِيهِ بِقُرْعَةٍ أو مُبَادِرًا بِدُونِهَا لم يَرِثْ أَخَاهُ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من أَنَّ الْقَاتِلَ بِحَقٍّ لَا يَرِثُ فَيَقْتَصُّ منه أَيْ من الْمُقْتَصِّ وَرَثَةُ أَخِيهِ وَلَا فَرْقَ هُنَا بين بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ بين الْأَبَوَيْنِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّهُمَا إذَا مَاتَا مَعًا لم يَرِثْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَإِنْ تَعَاقَبَا في قَتْلِ أَبَوَيْهِمَا وَالزَّوْجِيَّةُ بَاقِيَةٌ فَالْقِصَاصُ على الْقَاتِلِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ إذَا سَبَقَ قَتْلُ الْأَبِ لم يَرِثْ منه قَاتِلُهُ وَيَرِثُهُ أَخُوهُ وَالْأُمُّ فإذا قَتَلَ الْآخَرُ الْأُمَّ وَرِثَهَا الْأَوَّلُ فَتَنْتَقِلُ إلَيْهِ حِصَّتُهَا من الْقِصَاصِ وَيَسْقُطُ بَاقِيهِ وَيُسْتَحَقُّ الْقِصَاصُ على أَخِيهِ وَلَوْ سَبَقَ قَتْلُ الْأُمِّ سَقَطَ الْقِصَاصُ عن قَاتِلِهَا وَاسْتَحَقَّ قَتْلَ أَخِيهِ فَثَبَتَ أَنَّ الْقِصَاصَ على الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ
لَكِنْ يُطَالِبُهُ أَيْ الْأَوَّلَ وَرَثَةُ الثَّانِي بِنَصِيبِ أَبِيهِمْ إنْ كان مُوَرِّثُهُمْ أَبًا وَالْأَوْلَى حَذْفُ أَبِيهِمْ وَالتَّعْبِيرُ بِنَصِيبِ مُوَرِّثِهِمْ كما في نُسْخَةٍ أو بِنَصِيبِهِ من الدِّيَةِ لِلْقَتِيلِ الْأَوَّلِ وإن ( ( ( وإن ) ) ) لم يَبْقَ بَيْنَهُمَا زَوْجِيَّةٌ فَلِكُلٍّ من الْأَخَوَيْنِ الْقِصَاصُ على الْآخَرِ وَيَبْدَأُ بِقَتْلِ الْقَاتِلِ مِنْهُمَا أَوَّلًا لِتَقَدُّمِ سَبَبِهِ مع تَعَلُّقِ الْحَقِّ بِالْعَيْنِ فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ أَيْ الْقَاتِلِ الْأَوَّلِ في قَتْلِ أَخِيهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقْتَلُ بَعْدَ قَتْلِهِ وَبِقَتْلِهِ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ قال الرُّويَانِيُّ بَعْدَ نَقْلِ هذا عن الْأَصْحَابِ وَعِنْدِي أَنَّ تَوْكِيلَهُ صَحِيحٌ وَلِهَذَا لو بَادَرَ وَكِيلُهُ فَقَتَلَ لم يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لَكِنْ إذَا قَتَلَ مُوَكِّلُهُ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ وَإِنْ كان الْقَتْلُ وَقَعَ مِنْهُمَا مَعًا اُقْتُصَّ بِالْقُرْعَةِ كما مَرَّ فَيَجُوزُ قبل الِاقْتِصَاصِ بها التَّوْكِيلُ فيه لِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ لِأَنَّهُ يُقْتَصُّ له في حَيَاتِهِ فَقَطْ أَيْ دُونَ من لم تَخْرُجْ قُرْعَتُهُ لِمَا مَرَّ من أَنَّ وَكَالَتَهُ تَبْطُلُ بِقَتْلِهِ وَفِيهِ ما مَرَّ عن الرُّويَانِيِّ
فَلَوْ وَكَّلَا من يَقْتَصُّ لَهُمَا بِأَنْ وَكَّلَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَكِيلًا قبل الْقُرْعَةِ لِيَقْتَصَّ له صَحَّ ثُمَّ يُقْرَعُ بين الْوَكِيلَيْنِ وَحِينَ يَقْتَصُّ من أَحَدِهِمَا يَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ مُوَكِّلِهِ قال الْبُلْقِينِيُّ فَلَوْ اقْتَصَّ الْوَكِيلَانِ مَعًا هل يَقَعُ الْمَوْقِعَ لم أَقِفْ فيه على نَقْلٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَتْلَهُمَا وَقَعَ وَهُمَا مَعْزُولَانِ من الْوَكَالَةِ لِأَنَّ شَرْطَ دَوَامِ اسْتِحْقَاقِ الْمُوَكِّلِ قَتْلُ من وُكِّلَ في قَتْلِهِ أَنْ يَبْقَى عِنْدَ قَتْلِهِ حَيًّا وهو مَفْقُودٌ في ذلك وَيُكْرَهُ لِلْوَكِيلِ قَتْلُ وَالِدِهِ حَدًّا أو قِصَاصًا رِعَايَةً لِحُرْمَتِهِ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدٌ على أبيه بِمُوجِبِ قَتْلٍ بِكَسْرِ الْجِيمِ قُتِلَ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ بَلْ ذلك أَبْلَغُ في الْحُجَّةِ وَقِيلَ لَا يُقْتَلُ بِشَهَادَتِهِ كما لَا يُقْتَلُ بِقَتْلِهِ وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِاسْتِعْجَالِ مِيرَاثِهِ وَيَجُوزُ قِرَاءَةُ قَتْلِ بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَبِالْوَحْدَةِ وَالثَّانِي أَنْسَبُ بِعِبَارَةِ الْأَصْلِ
فَرْعٌ إخْوَةٌ أَرْبَعَةٌ قَتَلَ الثَّانِي أَكْبَرَهُمْ وَالثَّالِثُ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ ثُمَّ الثَّالِثُ أَصْغَرَهُمْ ولم يَخْلُفَا أَيْ الْقَتِيلَانِ غير الْقَاتِلَيْنِ فَلِلثَّانِي أَنْ يَقْتَصَّ من الثَّالِثِ وَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ عنه لِمَا وَرِثَهُ من قِصَاصِ نَفْسِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا قَتَلَ الْأَكْبَرَ كان الْقِصَاصُ لِلثَّالِثِ وَالْأَصْغَرِ فإذا قَتَلَ الثَّالِثُ الصَّغِيرَ وَرِثَ الثَّانِي ما كان الْأَصْغَرُ يَسْتَحِقُّهُ عليه وَمَنْ اسْتَحَقَّ قَتْلَ من
____________________
(4/15)
يَسْتَحِقُّ قَتْلَهُ كَأَنْ قَتَلَ زَيْدٌ ابْنًا لِعَمْرٍو وَعَمْرٌو ابْنًا لِزَيْدٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدٌ بِالْإِرْثِ لم يَسْقُطْ الْقِصَاصُ بَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْقِصَاصُ على الْآخَرِ لِأَنَّ التَّقَاصَّ لَا يَجْرِي في الْقِصَاصِ فَصْلٌ فِيمَا لَا يُؤَثِّرُ فيه عَدَمُ الْمُسَاوَاةِ بين الْقَاتِلِ وَالْقَتِيلِ يُقْتَلُ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَخُنْثَى كَعَكْسِهِ أَيْ عَكْسِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَعَالِمٌ بِجَاهِلٍ كَعَكْسِهِ وَشَرِيفٌ بِخَسِيسٍ وَشَيْخٌ بِشَابٍّ كَعَكْسِهِمَا لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كَتَبَ في كِتَابِهِ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ أَنَّ الذَّكَرَ يُقْتَلُ بِالْأُنْثَى رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَصَحَّحَهُ ابن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقِيسَ بِمَا فيه الْبَقِيَّةُ وَلَا قِصَاصَ على ذِمِّيٍّ بِقَتْلِ حَرْبِيٍّ بَالِغٍ عَاقِلٍ أُسِرَ قبل أَنْ يَرَى فيه الْإِمَامُ رَأْيَهُ من إرْقَاقٍ أو غَيْرِهِ لِأَنَّهُ بَاقٍ على حُكْمِهِ السَّابِقِ وَإِنْ قَطَعَ رَجُلٌ ذَكَرَ مُشْكِلٍ وَأُنْثَيَيْهِ وَشَفْرَيْهِ فَلَا قِصَاصَ في الْحَالِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ ثُمَّ إنْ صَبَرَ إلَى التَّبَيُّنِ فَإِنْ بَانَ رَجُلًا اقْتَصَّ منه لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وأخذ منه لِلشَّفْرَيْنِ حُكُومَةً أو بَانَ أُنْثَى فَدِيَةٌ تُؤْخَذُ منه لِلشَّفْرَيْنِ وَحُكُومَةٌ لِلْمَذَاكِيرِ أَيْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ جَمَعَهَا على ذلك تَغْلِيبًا وَإِنْ لم يَصْبِرْ فَإِنْ عَفَا عن الْقِصَاصِ الْمُحْتَمَلِ على مَالٍ قبل التَّبَيُّنِ وَطَلَبَ حَقَّهُ أَعْطَى دِيَةَ الشُّفْرَيْنِ وَحُكُومَةَ الْمَذَاكِيرِ لِأَنَّ ذلك هو الْمُتَيَقَّنُ فَإِنْ بَانَ أُنْثَى فَمَعَهُ حَقُّهُ أو رَجُلًا كَمَّلَ له على ما أُعْطِيهِ دِيَتَا الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَحُكُومَةُ الشُّفْرَيْنِ وَلَوْ طَلَبَ حَقَّهُ ولم يَعْفُ عن الْقِصَاصِ أُعْطِيَ الْأَقَلَّ من حُكُومَةِ الشُّفْرَيْنِ مع تَقْدِيرِ الذُّكُورَةِ وَمِنْ حُكُومَةِ الْمَذَاكِيرِ وَدِيَةِ الشُّفْرَيْنِ بِتَقْدِيرِ الْأُنُوثَةِ لِأَنَّ ذلك هو الْمُتَيَقَّنُ إذْ يُحْتَمَلُ ظُهُورُهُ ذَكَرًا فَيَقْتَصُّ في الْمَذَاكِيرِ فَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا حُكُومَةَ الشُّفْرَيْنِ وَيُحْتَمَلُ ظُهُورُهُ أُنْثَى فَيَسْتَحِقُّ دِيَةَ الشُّفْرَيْنِ وَحُكُومَةَ الْمَذَاكِيرِ فَالْمُتَيَقَّنُ هو الْأَقَلُّ من وَاجِبَيْ الِاحْتِمَالَيْنِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَزِيدَ حُكُومَةُ الشُّفْرَيْنِ على دِيَتِهِمَا مع حُكُومَةِ الْمَذَاكِيرِ وَإِنْ قَطَعَ الْجَمِيعَ من الْمُشْكِلِ امْرَأَةٌ وَصَبَرَ إلَى التَّبَيُّنِ فَإِنْ بَانَ أُنْثَى اقْتَصَّ في الشُّفْرَيْنِ وَلَهَا حُكُومَةُ الْمَذَاكِيرِ أو ذَكَرًا فَلَهُ دِيَتَا الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَحُكُومَةُ الشُّفْرَيْنِ وَلَا يَخْفَى التَّفْصِيلُ لِلْحُكْمِ وَقْتَ الْإِشْكَالِ أَيْ فِيمَا إذَا لم يَصْبِرْ وَطَلَبَ حَقَّهُ فَإِنْ عَفَا على مَالٍ أُعْطِيَ دِيَةَ الشُّفْرَيْنِ وَحُكُومَةَ الْمَذَاكِيرِ لِأَنَّ ذلك هو الْمُتَيَقَّنُ وَإِنْ لم يَعْفُ أُعْطِيَ حُكُومَةَ الْمَذَاكِيرِ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنُ لِاحْتِمَالِ ظُهُورِهِ أُنْثَى فَيَقْتَصُّ في الشُّفْرَيْنِ فَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا الْحُكُومَةَ الْمَذْكُورَةَ
وَلَا رَيْبَ أنها أَقَلُّ من دِيَتَيْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَحُكُومَةِ الشُّفْرَيْنِ وَإِنْ بَانَ ذَكَرًا كَمُلَ له الدِّيَتَانِ وَحُكُومَةُ الشُّفْرَيْنِ وَإِنْ قَطَعَ رَجُلٌ أو مُشْكِلٌ مَذَاكِيرَهُ أَيْ الْمُشْكِلِ وقطعت أُنْثَى أو مُشْكِلٌ شَفْرَيْهِ فَلَا طَلَبَ له على وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَالٍ إنْ لم يَعْفُ عن الْقِصَاصِ الْمُحْتَمَلِ لِتَوَقُّعِ الْقِصَاصِ في حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِنْ عَكَسَا بِأَنْ قَطَعَ رَجُلٌ شَفْرَيْهِ وَأُنْثَى مَذَاكِيرَهُ طُولِبَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِحُكُومَةٍ لِمَا قَطَعَهُ وَإِنْ زَادَتْ فِيمَا لو بَانَتْ ذُكُورَتُهُ حُكُومَةَ الشُّفْرَيْنِ على دِيَتِهِمَا من الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُمَا في الْحَقِيقَةِ لَيْسَا بِشَفْرَيْنِ بَلْ على صُورَتِهِمَا لِأَنَّهُمَا لِلْمَرْأَةِ وَهَذَا ليس بِامْرَأَةٍ وَلَا مَجَالَ في ذلك لِلْقِصَاصِ لِأَنَّ الزَّائِدَ لَا يُؤْخَذُ بِالْأَصْلِيِّ وَلَا عَكْسِهِ وَإِنْ قَطَعَ الْجَمِيعَ مُشْكِلٌ من مُشْكِلٍ فَلَا قِصَاصَ في الْحَالِ ثُمَّ إنْ صَبَرَ إلَى التَّبَيُّنِ وَبَانَا رَجُلَيْنِ أو امْرَأَتَيْنِ قُطِعَ الْأَصْلِيُّ بِالْأَصْلِيِّ وَكَذَا الزَّائِدُ بِالزَّائِدِ إنْ تَسَاوَيَا مَحَلًّا وَإِلَّا فَالْحُكُومَةُ تَجِبُ فيه وَإِنْ بَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى فَكَمَا سَبَقَ في قَطْعِ الرَّجُلِ أو الْمَرْأَةِ الْجَمِيعَ وَإِنْ لم يَصْبِرْ فَإِنْ عَفَا قبل التَّبَيُّنِ أُعْطِيَ كما سَبَقَ أَيْ دِيَةَ الشُّفْرَيْنِ وَحُكُومَةَ الْمَذَاكِيرِ لِأَنَّ ذلك هو الْمُتَيَقَّنُ وَلَوْ لم يَعْفُ لم يُعْطَ شيئا في الْحَالِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مُتَوَقَّعٌ في الْجَمِيعِ وَيَرْجِعُ فِيمَا إذَا جَنَى عليه رَجُلٌ بِقَطْعِ ما ذُكِرَ إلَى قَوْلِهِ إنَّهُ رَجُلٌ أَيْ إلَى قَوْلِهِ قبل الْجِنَايَةِ أنا رَجُلٌ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ أو دِيَتُهُمَا لَا إلَى قَوْلِهِ ذلك بَعْدَهَا لِلتُّهْمَةِ وَشَبَّهُوهُ بِمَنْ قال إنْ كُنْت غَصَبْت فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَإِنْ ثَبَتَ غَصْبُهُ قبل الْيَمِينِ لَا بَعْدَهَا بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ طَلُقَتْ لِأَنَّ الْغَصْبَ ثَبَتَ عليه بِخِلَافِ ما إذَا ثَبَتَ غَصْبُهُ بَعْدَهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ من هذه الشَّهَادَةِ الطَّلَاقُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وهو لَا يَقَعُ بِهِمْ وَشَبَّهُوهُ أَيْضًا بِمَا إذَا شَهِدَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ أَكَلَ لَا يُعَزَّرُ وَلَوْ أَكَلَ ثُمَّ شَهِدَ عُزِّرَ لِلتُّهْمَةِ قَالَهُ في الْأَصْلِ وَيُصَدَّقُ الرَّجُلُ الْجَانِي بِيَمِينِهِ في أَنَّهُ أَيْ الْمَقْطُوعَ أَقَرَّ بِالْأُنُوثَةِ كَأَنْ
____________________
(4/16)
قال له أَقْرَرْت بِالْأُنُوثَةِ فَلَا قِصَاصَ لَك فَأَنْكَرَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقِصَاصِ وَالْمَقْطُوعُ مُتَّهَمٌ
فَرْعٌ لو قَطَعَ الْمُشْكِلُ ذَكَرَ رَجُلٍ وَأُنْثَيَيْهِ وَبَانَ رَجُلًا اقْتَصَّ منه أو أُنْثَى فَدِيَتَانِ وَلَا قِصَاصَ عليه وَقَبْلَ الْيَمِينِ لِحَالِ الْمُشْكِلِ لَا يُعْطَى مَالًا إلَّا إنْ عَفَا على مَالٍ فَيُعْطَاهُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ قبل الْعَفْوِ مُتَوَقَّعٌ بِخِلَافِهِ بَعْدَهُ وَإِنْ قَطَعَ شَخْصٌ يَدَ مُشْكِلٍ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ في الْحَالِ وَيَجِبُ في الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ نِصْفُ دِيَةِ امْرَأَةٍ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ فَلَوْ آلَ الْأَمْرُ إلَى الْمَالِ لم يُؤْخَذْ إلَّا الْيَقِينُ وهو نِصْفُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَكَذَا لو قَتَلَ لَا يُؤْخَذُ منه إلَّا دِيَةُ امْرَأَةٍ
انْتَهَى
وَظَاهِرٌ مِمَّا مَرَّ أَنَّ ذلك مَحِلُّ إذَا لم يَقُلْ قبل الْقَطْعِ أنا رَجُلٌ وَيَدُلُّ له تَعْبِيرُهُمْ بِالْمُشْكِلِ
فَصْلٌ لو قَتَلَ الْجَمَاعَةُ وَاحِدًا قُتِلُوا بِهِ وَإِنْ تَفَاضَلَتْ الْجِرَاحَاتُ في الْعَدَدِ وَالْفُحْشِ وَالْأَرْشِ سَوَاءٌ أَقَتَلُوهُ بِمُحَدَّدٍ أَمْ بِمُثْقَلٍ كَأَنْ أَلْقَوْهُ من شَاهِقٍ أو في بَحْرٍ لِأَنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ تَجِبُ لِلْوَاحِدِ على الْوَاحِدِ فَتَجِبُ له على الْجَمَاعَةِ كَحَدِّ الْقَذْفِ وَلِأَنَّهُ شُرِعَ لِحَقْنِ الدِّمَاءِ فَلَوْ لم يَجِبْ عِنْدَ الِاشْتِرَاكِ لَاُتُّخِذَ ذَرِيعَةً إلَى سَفْكِهَا وَرَوَى مَالِكٌ أَنَّ عُمَرَ قَتَلَ نَفَرًا خَمْسَةً أو سَبْعَةً بِرَجُلٍ قَتَلُوهُ غِيلَةً وقال لو تَمَالَأَ عليه أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ جميعا وَإِنَّمَا يُعْتَدُّ في ذلك بِجِرَاحَةِ كل وَاحِدٍ منهم إذَا كانت مُؤَثِّرَةً في الزُّهُوقِ لِلرُّوحِ لَا خَدْشَةً خَفِيفَةً فَلَا عِبْرَةَ بها وَكَأَنَّهُ لم يُوجَدْ سِوَى الْجِنَايَاتِ الْبَاقِيَاتِ فَيَسْتَحِقُّ وَلِيُّ قَتِيلِ الْجَمَاعَةِ دَمُ كُلٍّ منهم فَلَهُ قَتْلُ جَمِيعِهِمْ وللولي قَتْلُ بَعْضِهِمْ وَأَخْذُ بَاقِي الدِّيَةِ من الْبَاقِينَ وَلَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ على أَخْذِ الدِّيَةِ مُوَزَّعَةً بِعَدَدِهِمْ لَا بِالْجِرَاحَاتِ أَيْ بِعَدَدِهَا لِأَنَّ تَأْثِيرَهَا لَا يَنْضَبِطُ وقد تَزِيدُ نِكَايَةُ الْجِرَاحَةِ الْوَاحِدَةِ على نِكَايَةِ جِرَاحَاتٍ كَثِيرَةٍ وَخَرَجَ بِالْجِرَاحَاتِ الضَّرَبَاتُ فَتُوَزَّعُ الدِّيَةُ عَلَيْهِمَا كما سَيَأْتِي وَمَنْ انْدَمَلَتْ جِرَاحَتُهُ قبل الْمَوْتِ لَزِمَهُ أَرْشُهَا الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ لَزِمَهُ مُقْتَضَاهَا فَقَطْ أَيْ دُونَ قِصَاصِ النَّفْسِ لِأَنَّ الْقَتْلَ هو الْجِرَاحَةُ السَّارِيَةُ وَإِنْ جَرَحَهُ اثْنَانِ مُتَعَاقِبَانِ وَادَّعَى الْأَوَّلُ انْدِمَالَ جُرْحِهِ وأنكره الْوَلِيُّ وَنَكَلَ فَحَلَفَ مُدَّعِي الِانْدِمَالِ سَقَطَ عنه الْقِصَاصُ في النَّفْسِ فَإِنْ عَفَا الْوَلِيُّ عن الْآخَرِ لم يَلْزَمْهُ إلَّا نِصْفُ الدِّيَةِ إذْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْأَوَّلِ عليه إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِالِانْدِمَالِ فَيَلْزَمُهُ كَمَالُ الدِّيَةِ
فَرْعٌ لو قَتَلَ وَاحِدٌ من الْأَحْرَارِ في غَيْرِ الْمُحَارَبَةِ جَمَاعَةً أو قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ اُقْتُصَّ منه لِوَاحِدٍ منهم وعليه لِلْبَاقِينَ أَيْ لِكُلٍّ منهم الدِّيَةُ وَسَيَأْتِي ذلك مع الْكَلَامِ فِيمَنْ يُقْتَصُّ له منهم في بَابِهِ أَمَّا لو كان الْقَاتِلُ عَبْدًا أو حُرًّا لَكِنَّهُ قُتِلَ في الْمُحَارَبَةِ فَسَيَأْتِي
فَصْلٌ وفي نُسْخَةٍ فَرْعٌ وَإِنْ مَاتَ الْجَرِيحُ من جِرَاحَتَيْ عَمْدٍ وَخَطَأٍ أو شِبْهِ عَمْدٍ لم يُقْتَصَّ منه أَيْ من الْجَارِحِ لِأَنَّ الزُّهُوقَ لم يَحْصُلْ بِعَمْدٍ مَحْضٍ بَلْ على عَاقِلَةِ الْمُخْطِئِ يَعْنِي عَاقِلَةَ غَيْرِ الْمُتَعَمِّدِ نِصْفُ الدِّيَةِ مُخَفَّفَةً أو مُثَلَّثَةً وَعَلَى الْمُتَعَمِّدِ النِّصْفُ مُغَلَّظَةً سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْجَارِحُ أو تَعَدَّدَ إلَّا إنْ قَطَعَ الْمُتَعَمِّدُ طَرَفَهُ فَيُقْتَصُّ منه فَلَوْ قَطَعَ الْيَدَ فَعَلَيْهِ قِصَاصُهَا أو الْأُصْبُعَ فَكَذَلِكَ مع أَرْبَعَةِ أَعْشَارِ الدِّيَةِ وَإِنْ امْتَنَعَ الْقِصَاصُ في أَحَدِهِمَا لِمَعْنًى فيه اقْتَصَّ من شَرِيكِهِ إذَا تَعَمَّدَا جميعا لِأَنَّهُ لو انْفَرَدَ بِقَتْلِهِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ فإذا شَارَكَ من لَا يُقْتَصُّ منه لَا لِمَعْنًى في فِعْلِهِ لَزِمَهُ أَيْضًا كما لو تَعَمَّدَا فَعَفَا الْوَلِيُّ عن أَحَدِهِمَا فَيُقْتَصُّ من شَرِيكٍ لِأَبٍ في قَتْلِ الْوَلَدِ وَعَلَى الْأَبِ نِصْفُ الدِّيَةِ مُغَلَّظَةً وَفَارَقَ شَرِيكُ الْأَبِ شَرِيكَ الْمُخْطِئِ بِأَنَّ الْخَطَأَ شُبْهَةٌ في فِعْلِ الْمُخْطِئِ وَالْفِعْلَانِ مُضَافَانِ إلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً في الْقِصَاصِ كما لو صَدَرَا من وَاحِدٍ وَالْأُبُوَّةُ صِفَةٌ في ذَاتِ الْأَبِ وَذَاتُهُ مُتَمَيِّزَةٌ عن ذَاتِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا تُورِثُ شُبْهَةً في حَقِّهِ ويقتص من شَرِيكِ الْحُرِّ في قَتْلِ الْعَبْدِ ومن شَرِيكِ الْمُسْلِمِ في قَتْلِ الذِّمِّيِّ وَكَذَا من شَرِيكِ سَيِّدٍ في قَتْلِ عَبْدِهِ إنْ كان شَرِيكُهُ عَبْدًا أو حُرًّا وَجَرَحَهُ بَعْدَ أَنْ جَرَحَهُ سَيِّدُهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ ومن شَرِيكِ حَرْبِيٍّ في مِثْلِ من يُكَافِئُهُ ومن شَرِيكِ جَارِحٍ جُرِحَ بِحَقٍّ كَقَطْعِ سَرِقَةٍ أو قِصَاصٍ ومن شَرِيكِ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ وَمَجْنُونٍ له نَوْعُ تَمْيِيزٍ في قَتْلِ من يُكَافِئُهُ لِأَنَّ عَمْدَهَا عَمْدٌ بِخِلَافِ شَرِيكِ من لَا تَمْيِيزَ له وَمِنْ شَرِيكِ السَّبُعِ أو الْحَيَّةِ الْقَاتِلَيْنِ غَالِبًا في قَتْلِ من يُكَافِئُهُ بِخِلَافِ شَرِيكِ الْقَاتِلَيْنِ لَا غَالِبًا لَا يُقْتَصُّ منه كَشَرِيكِ الْجَارِحِ شِبْهُ عَمْدٍ وَوَقَعَ لِلنَّوَوِيِّ في تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ تَصْحِيحُ
____________________
(4/17)
أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ منه مُطْلَقًا كَشَرِيكِ الْمُخْطِئِ وَجَرَى عليه صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَالْأَوَّلُ ما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ ومن شَرِيكِ قَاتِلِ نَفْسِهِ في قَتْلِ من يُكَافِئُهُ وفي نُسْخَةٍ جَارِحِ نَفْسِهِ وَلَوْ رَمَيَا أَيْ اثْنَانِ مُسْلِمًا بِسَهْمٍ أو سَهْمَيْنِ في صَفِّ كُفَّارٍ وَأَحَدُهُمَا جَاهِلٌ بِهِ وَالْآخَرُ عَالِمٌ بِهِ اُقْتُصَّ من الْعَالِمِ بِهِ كَشَرِيكِ السَّيِّدِ فَقَطْ أَيْ دُونَ الْجَاهِلِ وَلَيْسَ هو مُخْطِئًا حتى يُقَالَ إنَّ شَرِيكَهُ شَرِيكٌ مُخْطِئٌ بَلْ هو مُتَعَمِّدٌ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْفِعْلَ وَالشَّخْصَ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا وَإِنَّمَا لم يَلْزَمْهُ الْقِصَاصُ لِعُذْرِهِ
فَرْعٌ لو جَرَحَ شَخْصٌ آخَرَ غَيْرُ مَعْصُومٍ كَحَرْبِيٍّ وَمُرْتَدٍّ وَصَائِلٍ ثُمَّ جَرَحَهُ ثَانِيًا بَعْدَ الْعِصْمَةِ أو جَرَحَ رَجُلًا بِحَقٍّ كَقِصَاصٍ وَسَرِقَةٍ ثُمَّ جَرَحَهُ عُدْوَانًا أو جَرَحَ عَبْدَهُ قبل الْعِتْقِ وَبَعْدَهُ أو جَرَحَ حَرْبِيٌّ مُسْلِمًا ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ جَرَحَهُ ثَانِيًا وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَكَشَرِيكِ الْمُخْطِئِ فَلَا قِصَاصَ في النَّفْسِ تَغْلِيبًا لِمُسْقِطِ الْقِصَاصِ وَيَثْبُتُ مُوجِبُ الْجُرْحِ الثَّانِي من قِصَاصٍ وَغَيْرِهِ وَإِنْ قَطَعَ حُرٌّ إحْدَى يَدَيْ عَبْدٍ أو مُسْلِمٌ إحْدَى يَدَيْ ذِمِّيٍّ قبل الْعِتْقِ لِلْعَبْدِ أو الْإِسْلَامِ لِلذِّمِّيِّ وقطع الْأُخْرَى بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الْعِتْقِ أو الْإِسْلَامِ فَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ اُقْتُصَّ منه بِالْيَدِ الْأُخْرَى أَيْ بِقَطْعِهَا لِمُكَافَأَتِهِ الْمَقْطُوعَ حين قَطْعِهَا وَلَا قِصَاصَ في النَّفْسِ وَلَزِمَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى منه ما يُقَابِلُ النِّصْفَ الْآخَرَ فَإِنْ عَفَا عن قِصَاصِ الْيَدِ لَزِمَهُ دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ وَإِنْ قَطَعَ ذِمِّيٌّ يَدَ ذِمِّيٍّ فَأَسْلَمَ الْقَاطِعُ ثُمَّ قَطَعَ منه الْآخَرُ فَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَالْقِصَاصُ وَاجِبٌ في قَطْعِ الْيَدِ الْأُولَى فَقَطْ أَيْ دُونَ الثَّانِيَةِ وَلَا قِصَاصَ في النَّفْسِ فَإِنْ عَفَا عن قِصَاصِ الْيَدِ فَدِيَةُ ذِمِّيٍّ على الْقَاطِعِ
فَرْعٌ لو دَاوَى الْمَجْرُوحُ جُرْحَهُ بِمُذَفِّفٍ أَيْ قَاتِلٍ سَرِيعًا كَأَنْ شَرِبَ سُمًّا قَاتِلًا أو وَضَعَهُ على الْجُرْحِ فَهُوَ قَاتِلٌ نَفْسَهُ لِأَنَّ التَّذْفِيفَ يَقْطَعُ حُكْمَ السِّرَايَةِ فَهُوَ كما لو جَرَحَهُ غَيْرُهُ فَذَبَحَ نَفْسَهُ وَعَلَى الْجَارِحِ أَرْشُ جُرْحِهِ أو قِصَاصُهُ لَا قِصَاصُ النَّفْسِ سَوَاءٌ عَلِمَ الْمَجْرُوحُ حَالَ السُّمِّ أَمْ لَا كما صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ أو دَاوَاهُ أَيْ جُرْحَهُ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا أو بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا وَلَيْسَ بِمُذَفِّفٍ وَجَهِلَهُ أَيْ جَهِلَ كَوْنَهُ يَقْتُلُ غَالِبًا فَالْجَارِحُ شَرِيكُ صَاحِبٍ شِبْهُ عَمْدٍ فَلَا قِصَاصَ عليه في النَّفْسِ وَإِنَّمَا عليه مُوجِبُ جُرْحِهِ من قِصَاصٍ وَغَيْرِهِ فَإِنْ عَلِمَهُ الْمَجْرُوحُ فَكَشَرِيكِ قَاتِلِ نَفْسِهِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَكَذَا يَكُونُ كَشَرِيكِ قَاتِلِ نَفْسِهِ لو خَاطَ الْمَجْرُوحُ جُرْحَهُ في لَحْمٍ حَيٍّ لَا لَحْمٍ مَيِّتٍ وَلَوْ تَدَاوَيَا خِيَاطَةً تَقْتُلُ غَالِبًا بِخِلَافِ ما لو خَاطَ في لَحْمٍ مَيِّتٍ بَلْ لَا أَثَرَ لِلْخِيَاطَةِ كما سَيَأْتِي فَإِنْ خَاطَهُ غَيْرُهُ بِلَا أَمْرٍ منه اُقْتُصَّ منه وَمِنْ الْجَارِحِ وَإِنْ كان الْغَيْرُ إمَامًا لِتَعَدِّيهِ مع الْجَارِحِ لَا إنْ خَاطَهُ الْإِمَامُ لِصَبِيٍّ أو مَجْنُونٍ لِمَصْلَحَتِهِ فَلَا قِصَاصَ عليه كما لو قَطَعَ سِلْعَةً منه فَمَاتَ لِأَنَّ له عليه وِلَايَةً وَقَصَدَ بِذَلِكَ مَصْلَحَتَهُ بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً على عَاقِلَتِهِ نِصْفُهَا وَنِصْفُهَا الْآخَرُ في مَالِ الْجَارِحِ وَلَا قِصَاصَ عليه وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَنِصْفُهَا في مَالِ الْجَارِحِ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ قَصَدَ الْمَجْرُوحُ أو غَيْرُهُ الْخِيَاطَةَ في لَحْمٍ مَيِّتٍ فَوَقَعَ في لَحْمٍ حَيٍّ فَالْجَارِحُ شَرِيكٌ مُخْطِئٌ قال في الْأَصْلِ قال الْقَفَّالُ وَكَذَا لو قَصَدَ الْخِيَاطَةَ في الْجِلْدِ فَوَقَعَ في اللَّحْمِ وَالْكَيُّ فِيمَا ذَكَرَ كَالْخِيَاطَةِ فيه وَلَا أَثَرَ لَهُمَا في اللَّحْمِ الْمَيِّتِ وَلَا في الْجِلْدِ كما فُهِمَ من التَّعْبِيرِ بِاللَّحْمِ لِعَدَمِ الْإِيلَامِ الْمُهْلِكِ فَعَلَى الْجَارِحِ الْقِصَاصُ أو كَمَالُ الدِّيَةِ وما هُنَا تَبْيِينٌ لِمُرَادِهِ بِقَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ لَا مَيِّتٍ وَلَا أَثَرَ لِدَوَاءٍ لَا يَضُرُّ وَلَا لِمَرَضٍ بِالْمَجْرُوحِ حَادِثٍ أو قَدِيمٍ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا على الْمَجْرُوحِ من قُرُوحٍ وَلَا بِمَا بِهِ من مَرَضٍ وَضَنًى قال الرَّافِعِيُّ لِأَنَّ ذلك لَا يُضَافُ إلَى أَحَدٍ وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الِاخْتِيَارِ
فَرْعٌ لو قَطَعَ أُصْبُعَ يَدِ رَجُلٍ مَثَلًا فَتَآكَلَ مَوْضِعُ الْقَطْعِ فَقَطْ فَقَطَعَهَا يَعْنِي الْيَدَ الْمَجْرُوحُ من الْكَفِّ عِبَارَةُ الْأَصْلِ فَقَطَعَ الْمَقْطُوعُ كَفَّهُ خَوْفَ السِّرَايَةِ طُولِبَ الْقَاطِعُ بِالْأُصْبُعِ قِصَاصًا أو أَرْشًا إنْ لم يَسْرِ الْقَطْعُ إلَى النَّفْسِ وَلَا يُطَالَبُ بِالْقِصَاصِ في مَوْضِعِ الْقَطْعِ لِأَنَّ فَوَاتَ الْجِسْمِ لَا يُقْصَدُ بِالسِّرَايَةِ فَإِنْ سَرَى إلَى النَّفْسِ فَكَشَرِيكِ خَائِطِ جُرْحِهِ فِيمَا مَرَّ وَإِنْ تَآكَلَ الْكَفُّ لَا من الدَّوَاءِ الْحَاصِلِ من الْمَجْرُوحِ لِجُرْحِهِ ضَمِنَهَا الْقَاطِعُ فَإِنْ تَآكَلَتْ من الدَّوَاءِ فَلَيْسَ عليه إلَّا أَرْشُ الْقَطْعِ وَإِنْ تَآكَلَتْ مِنْهُمَا فَعَلَيْهِ مع أَرْشِ الْقَطْعِ ما يَخُصُّهُ من ضَمَانِ بَقِيَّةِ الْكَفِّ بِالتَّوْزِيعِ عَلَيْهِمَا
____________________
(4/18)
وَإِنْ تَآكَلَتْ ثُمَّ قَطَعَهَا من لَحْمٍ حَيٍّ أو مَيِّتٍ فَكَالْخِيَاطَةِ فِيمَا مَرَّ وَلَوْ اخْتَلَفَا أَيْ الْخَصْمَانِ في التَّآكُلِ بِالدَّوَاءِ فقال الْجَانِي دَاوَيْت بِمَا يُورِثُ التَّآكُلَ وَأَنْكَرَ الْمَجْنِيُّ عليه أو اخْتَلَفَا هل مَاتَ بِالسِّرَايَةِ فقال الْوَارِثُ مَاتَ بها وقال الْجَانِي بَلْ قَتَلَ نَفْسَهُ صُدِّقَ الْمَجْنِيُّ عليه بِيَمِينِهِ في الْأُولَى أو الْوَارِثُ في الثَّانِيَةِ عَمَلًا بِالْجِنَايَةِ الْمَعْلُومَةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ غَيْرِهَا من الْأَسْبَابِ
فَرْعٌ لو ضَرَبُوهُ سِيَاطًا أَيْ بِسِيَاطٍ خَفِيفَةٍ مَثَلًا حتى قَتَلُوهُ وَكُلٌّ منهم ضَرْبُهُ يَقْتُلُ لو انْفَرَدَ قُتِلُوا وَكَذَا لو لم يُقْتَلْ إنْ تَوَاطَئُوا على ضَرْبِهِ وكان ضَرْبُ كُلٍّ منهم مُؤَثِّرًا في الزُّهُوقِ حَسْمًا لِلذَّرِيعَةِ وَكَمَا لو تَوَالَتْ ضَرَبَاتُ الْوَاحِدِ وَتَخَالَفَ الْجِرَاحَاتُ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ فيها التَّوَاطُؤُ لِأَنَّ نَفْسَ الْجُرْحِ يُقْصَدُ بِهِ الْإِهْلَاكُ بِخِلَافِ الضَّرْبِ بِالسَّوْطِ وَإِلَّا بِأَنْ وَقَعَتْ الضَّرَبَاتُ كُلُّهَا أو بَعْضُهَا اتِّفَاقًا فَالدِّيَةُ أَيْ فَالْوَاجِبُ الدِّيَةُ لَا الْقِصَاصُ مُوَزَّعَةً على الضَّرَبَاتِ لِأَنَّهَا تُلَافِي ظَاهِرَ الْبَدَنِ فَلَا يَعْظُمُ فيها التَّفَاوُتُ بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ نعم إنْ ضَرَبَهُ أَحَدُهُمَا ضَرْبًا يَقْتُلُ كَأَنْ ضَرَبَهُ خَمْسِينَ سَوْطًا ثُمَّ ضَرَبَهُ الْآخَرُ سَوْطَيْنِ أو ثَلَاثَةً حَالَ الْأَلَمِ من ضَرْبِ الْأَوَّلِ عَالِمًا بِضَرْبِهِ اقْتَصَّ مِنْهُمَا لِظُهُورِ قَصْدِ الْإِهْلَاكِ مِنْهُمَا أو جَاهِلًا بِهِ فَلَا قِصَاصَ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لم يَظْهَرْ قَصْدُ الْإِهْلَاكِ من الثَّانِي وَالْأَوَّلُ شَرِيكُهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ حِصَّةُ ضَرْبِهِ من دِيَةِ الْعَمْدِ وَعَلَى الثَّانِي كَذَلِكَ أَيْ حِصَّةُ ضَرْبِهِ من دِيَةِ شِبْهِهِ قال في الْأَصْلِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ما إذَا ضَرَبَ مَرِيضًا سَوْطَيْنِ جَاهِلًا مَرَضَهُ حَيْثُ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِأَنَّا لم نَجِدْ ثَمَّ من نُحِيلُ عليه الْقَتْلَ سِوَى الضَّارِبِ وَإِنْ ضَرَبَاهُ بِالْعَكْسِ بِأَنْ ضَرَبَهُ أَحَدُهُمَا سَوْطَيْنِ أو ثَلَاثَةً ثُمَّ ضَرَبَهُ الْآخَرُ ضَرْبًا يَقْتُلُ كَأَنْ ضَرَبَهُ خَمْسِينَ سَوْطًا حَالَ الْأَلَمِ وَلَا تَوَاطُؤَ فَلَا قِصَاصَ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ ضَرْبَ الْأَوَّلِ شِبْهُ عَمْدٍ وَالثَّانِي شَرِيكُهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الدِّيَةُ كَذَلِكَ يَعْنِي على الْأَوَّلِ حِصَّةُ ضَرْبِهِ من دِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ وَعَلَى الثَّانِي حِصَّةُ ضَرْبِهِ من دِيَةِ الْعَمْدِ
فَرْعٌ لو جَرَحَهُ شَخْصٌ خَطَأً وَنَهَشَتْهُ حَيَّةٌ وَسَبُعٌ وَمَاتَ من ذلك لَزِمَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ كما لو جَرَحَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ وَخَرَجَ بِالْخَطَأِ الْعَمْدُ فَيُقْتَصُّ من صَاحِبِهِ كما مَرَّ
بَابُ تَغَيُّرِ الْحَالِ أَيْ حَالَ الْجَارِحِ أو الْمَجْرُوحِ بين الْجُرْحِ وَالْمَوْتِ بِالْعِصْمَةِ وَالْإِهْدَارِ أو بِالْقَدْرِ الْمَضْمُونِ بِهِ لو جَرَحَ مُسْلِمٌ مَثَلًا حَرْبِيًّا فَأَسْلَمَ أو أَمِنَ ثُمَّ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَلَا ضَمَانَ كَعَكْسِهِ بِأَنْ جَرَحَ حَرْبِيٌّ مُسْلِمًا فَأَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ أو أَمِنَ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ لِأَنَّهُ جُرْحٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَسِرَايَتُهُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ كَقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ وَكَذَا لَا ضَمَانَ لو جَرَحَ عَبْدَهُ فَأَعْتَقَهُ فَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ لِذَلِكَ نعم يَضْمَنُهُ بِالْكَفَّارَةِ كما سَيَأْتِي وَإِنْ رَمَى مُرْتَدًّا أو حَرْبِيًّا فَأَسْلَمَ قبل الْإِصَابَةِ أو رَمَى عَبْدَهُ أو قَاتَلَ أبيه فَأَعْتَقَهُ أَيْ الْعَبْدَ أو عَفَا عن قَاتِلِ أبيه قَبْلَهَا أَيْ الْإِصَابَةِ وَجَبَتْ الدِّيَةُ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْإِصَابَةِ لِأَنَّهَا حَالَةُ اتِّصَالِ الْجِنَايَةِ وَالرَّمْيُ كَالْمُقَدِّمَةِ التي يُتَوَصَّلُ بها إلَى الْجِنَايَةِ وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ في أَوَّلِ أَجْزَاءِ الْجِنَايَةِ وَهَذَا كَمَنْ كان عَبْدًا أو مُرْتَدًّا حَالَ الْحَفْرِ لِبِئْرٍ بِمَحَلِّ عُدْوَانٍ فَعَتَقَ الْعَبْدُ أو أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ ثُمَّ تَرَدَّى فيها فَتَجِبُ الدِّيَةُ وَلَا قِصَاصَ
وَإِنْ رَمَى حَرْبِيٌّ مُسْلِمًا ثُمَّ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ قبل الْإِصَابَةِ فَهَلْ يَضْمَنُ أو لَا وَجْهَانِ الظَّاهِرُ مِنْهُمَا أَنَّهُ يَضْمَنُ بِخِلَافِ ما مَرَّ في قَوْلِهِ كَعَكْسِهِ لِأَنَّ الْإِصَابَةَ هُنَا حَصَلَتْ حَالَةَ كَوْنِ الرَّامِي مُلْتَزِمًا لِلضَّمَانِ بِخِلَافِهَا ثَمَّ وَإِنْ ارْتَدَّ الْمَجْرُوحُ وَمَاتَ مُرْتَدًّا بِالسِّرَايَةِ فَلِوَلِيِّهِ الْقِصَاصُ بِالْجُرْحِ لَا بِالنَّفْسِ إنْ أَوْجَبَهُ كَالْمُوضِحَةِ وَقَطْعِ الْيَدِ عَمْدًا لِأَنَّ الْقِصَاصَ في الطَّرَفِ يَنْفَرِدُ عنه في النَّفْسِ وَيَسْتَقِرُّ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِمَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو قَطَعَ طَرَفَ غَيْرِهِ ثُمَّ حَزَّ آخِرُ رَقَبَتِهِ وَلَوْ خَطَأً لَزِمَ الْأَوَّلَ قِصَاصُ الطَّرَفِ وَالْمُرَادُ بِوَلِيِّهِ من يَرِثُهُ لَوْلَا الرِّدَّةُ لَا الْإِمَامُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لِلتَّشَفِّي وهو له لَا لِلْإِمَامِ فَلَوْ كان صَغِيرًا أو مَجْنُونًا اُنْتُظِرَ كَمَالُهُ لِيَسْتَوْفِيَ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُوجِبْ الْجُرْحُ الْقِصَاصَ كَالْجَائِفَةِ وَالْهَاشِمَةِ وَكَقَطْعِ الْيَدِ خَطَأً فَا لْوَاجِبُ الْأَقَلُّ من الدِّيَةِ لِلنَّفْسِ وَالْأَرْشِ لِلْجُرْحِ فَإِنْ كان الْأَرْشُ أَقَلَّ كَقَطْعِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ لم يَزِدْ بِالسِّرَايَةِ في الرِّدَّةِ شَيْءٌ وَإِنْ كانت الدِّيَةُ أَقَلَّ كَقَطْعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَلَا زِيَادَةَ عليها لِأَنَّهُ لو مَاتَ بِالسِّرَايَةِ مُسْلِمًا لم يَجِبْ أَكْثَرُ منها فَبِالْأَوْلَى إذَا مَاتَ مُرْتَدًّا وَيَكُونُ الْوَاجِبُ
____________________
(4/19)
فَيْئًا فَلَا شَيْءَ منه لِوَلِيِّهِ وإن انْدَمَلَ جُرْحُهُ الْمُوجِبُ لِلْقِصَاصِ قبل الْمَوْتِ كان الْقِصَاصُ له فَإِنْ مَاتَ قبل أَنْ يَقْتَصَّ اقْتَصَّ وَلِيُّهُ وَلِلْمَالِ الْوَاجِبِ له بِالْجُرْحِ حُكْمُ مَالِهِ الثَّابِتِ له بِغَيْرِ ذلك فَهُوَ مَوْقُوفٌ فَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ أَخَذَهُ وَإِلَّا أَخَذَهُ الْإِمَامُ فَإِنْ أَسْلَمَ قبل انْدِمَالِ جُرْحِهِ ثُمَّ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَلَا قِصَاصَ في النَّفْسِ وَإِنْ قَلَّ زَمَنُ الرِّدَّةِ لِأَنَّهُ انْتَهَى إلَى حَالَةٍ لو مَاتَ فيها لم يَجِبْ الْقِصَاصُ فَصَارَ ذلك شُبْهَةً دَارِئَةً له وَتَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَإِنْ كَثُرَ زَمَنُ الرِّدَّةِ لِوُقُوعِ الْجُرْحِ وَالْمَوْتِ في حَالَةِ الْعِصْمَةِ وَلِأَنَّ الْعِبْرَةَ في الدِّيَةِ بِآخِرِ الْأَمْرِ
وَكَذَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ في النَّفْسِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً إنْ ارْتَدَّ الْمَرْمِيُّ إلَيْهِ قبل الْإِصَابَةِ ثُمَّ أَسْلَمَ بين الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ فَلَوْ لم يُسْلِمْ حِينَئِذٍ أُهْدِرَ وَالْمُعْتَبَرُ في الْمُغِيرِ قَدْرَ الدِّيَةِ وَقْتَ الْمَوْتِ لِأَنَّ الضَّمَانَ بَدَلُ التَّالِفِ فَيُعْتَبَرُ فيه وَقْتُ التَّلَفِ وَقَدْرُ الدِّيَةِ مَنْصُوبٌ بِالْمُغِيرِ فَإِنْ جَرَحَ ذِمِّيًّا حُرًّا مثله فَنَقَضَ الْمَجْرُوحُ عَهْدَهُ وَالْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَ وَاسْتُرِقَّ ثُمَّ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ وَلِلْجُرْحِ قِصَاصٌ كَقَطْعِ يَدٍ اقْتَصَّ بِهِ إذْ لَا مَانِعَ لَا بِالنَّفْسِ لِتَخَلُّلِ حَالَةِ إهْدَارِهَا وَلِأَنَّ الْحُرَّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ بَلْ تَجِبُ قِيمَتُهُ في ذلك وَفِيمَا لو لم يَقْتَصَّ وَإِنْ كانت أَكْثَرَ من الْأَرْشِ اعْتِبَارًا بِالْمَالِ بَعْدَ اعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَضْمُونًا وَقْتَ الْجِنَايَةِ وَلِلْوَارِثِ منها قَدْرُ الْأَرْشِ وَلَوْ كان الْوَارِثُ ذِمِّيًّا في دَارِ الْحَرْبِ وما فَضَلَ منها لِلسَّيِّدِ فَإِنْ لم يَفْضُلْ منها شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ له فَإِنْ كان سَيِّدُهُ قد أَعْتَقَهُ فَدِيَةُ ذِمِّيٍّ تَجِبُ إنْ لم يُسْلِمْ الْمَجْرُوحُ أو دِيَةُ مُسْلِمٍ إنْ أَسْلَمَ وَقِيلَ الْوَاجِبُ في الْأُولَى أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ من الْأَرْشِ وَدِيَةُ ذِمِّيٍّ وفي الثَّانِيَةِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ من الْأَرْشِ وَدِيَةُ مُسْلِمٍ وفي الْقِصَاصِ في الثَّانِيَةِ قَوْلَانِ وقد حَكَى الْأَصْلُ ذلك مع ما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِلَا تَرْجِيحٍ فَتَرْجِيحُ إيجَابِ الدِّيَةِ وَعَدَمُ إيجَابِ الْقِصَاصِ الْمَفْهُومِ من ذلك من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ
وَالدِّيَةُ في الصُّورَتَيْنِ لِلْوَارِثِ وهو في الْأُولَى ذِمِّيٌّ وفي الثَّانِيَةِ مُسْلِمٌ
وَإِنْ جَرَحَ شَخْصٌ ذِمِّيًّا فَأَسْلَمَ أو عَبْدًا لِغَيْرِهِ فَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ الِانْدِمَالِ وَجَبَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ وَيَكُونُ أَرْشُهَا في الثَّانِيَةِ لِمَالِكِ الْعَبْدِ وَإِنْ الْأَوْلَى فَإِنْ فَقَأَ عَيْنَهُ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ وَإِنْ كان الِانْدِمَالُ بَعْدَ عِتْقِهِ لِأَنَّ الْجِرَاحَةَ إذَا انْدَمَلَتْ اسْتَقَرَّتْ وَخَرَجَتْ عن أَنْ تَكُونَ جِنَايَةً على النَّفْسِ فَيَنْظُرُ إلَى حَالِ الْجِنَايَةِ على الطَّرَفِ وَالْمَجْنِيُّ عليه كان حِينَئِذٍ مَمْلُوكًا فَيَجِبُ أَرْشُهَا لِلْمَالِكِ كما قُلْنَا لَا دِيَةُ حُرٍّ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى ذلك بِقَوْلِهِ من زِيَادَتِهِ فَقَطْ بِنَاءً على أَنَّ الدِّيَةَ أَكْثَرُ من الْقِيمَةِ غَالِبًا وَإِنْ مَاتَ الْمَجْرُوحُ من الذِّمِّيِّ وَالْعَبْدِ بِالسِّرَايَةِ فَلَا قِصَاصَ إنْ كان جَارِحُ الذِّمِّيِّ مُسْلِمًا وَجَارِحُ الْعَبْدِ حُرًّا لِأَنَّهُ لم يَقْصِدْ بِالْجِنَايَةِ من يُكَافِئُهُ بَلْ تَجِبُ دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ وَإِنْ كانت أَقَلَّ من قِيمَةِ الْعَبْدِ في مَسْأَلَتِهِ لِأَنَّهُ في الِابْتِدَاءِ مَضْمُونٌ وفي الِانْتِهَاءِ حُرٌّ مُسْلِمٌ فَتَجِبُ دِيَتُهُ لِلْوَرَثَةِ في الْمَسْأَلَتَيْنِ ولكن لِسَيِّدِ الْعَبْدِ منها في الثَّانِيَةِ قِيمَتُهُ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهَا بِالْجِنَايَةِ الْوَاقِعَةِ في مِلْكِهِ وَإِنْ فَضَلَ منها شَيْءٌ فَلِوَارِثِ الْعَتِيقِ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِسَبَبِ الْحُرِّيَّةِ رُبَّمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ وَإِنْ فَضَلَ إلَى آخِرِهِ مع أَنَّهُ لو قال لِلْوَرَثَةِ وَلِسَيِّدِ الْعَبْدِ فَإِنْ فَضَلَ من قِيمَتِهِ شَيْءٌ فَلِوَارِثِ الْعَتِيقِ كان أَحْسَنَ وَأَوْضَحَ وَأَخْصَرَ مِمَّا قَالَهُ وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ عَتَقَ ثُمَّ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَدِيَةٌ تَجِبُ لِمَا مَرَّ وَلِلسَّيِّدِ نِصْفُ قِيمَتِهِ منها وَإِنْ أَتَتْ قِيمَتُهُ أَيْ نِصْفُهَا على الدِّيَة بِأَنْ سَاوَتْهَا
فَرْعٌ لو قَطَعَ شَخْصٌ يَدَ عَبْدٍ لِغَيْرِهِ فَعَتَقَ ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ يَدَهُ الْأُخْرَى وَانْدَمَلَ الْجُرْحَانِ قُطِعَ الْقَاطِعُ الثَّانِي حُرًّا كان أو عَبْدًا لِوُجُودِ الْكَفَاءَةِ لَا الْأَوَّلُ فَلَا يُقْطَعُ إنْ كان حُرًّا لِعَدَمِهَا بَلْ عليه لِلسَّيِّدِ نِصْفُ قِيمَتِهِ فَإِنْ مَاتَ مِنْهُمَا أَيْ من الْقِطْعَيْنِ قُتِلَ الثَّانِي لِوُجُودِ الْكَفَاءَةِ لَا الْأَوَّلُ إنْ كان حُرًّا لِعَدَمِهَا وَلَزِمَ الْأَوَّلَ نِصْفُ الدِّيَةِ لِلسَّيِّدِ منها يَعْنِي من نِصْفِهَا نِصْفُ قِيمَتِهِ وَالْبَاقِي لِلْوَارِثِ وَإِنْ عَفَا عن الثَّانِي فَعَلَيْهِمَا أَيْ الْقَاطِعَيْنِ الدِّيَةُ وَلِلسَّيِّدِ في حِصَّةِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا الْأَقَلُّ من نِصْفِهَا وَمِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَلَا شَيْءَ له في حِصَّةِ الثَّانِي لِأَنَّ جِنَايَتَهُ لم تَكُنْ في مِلْكِهِ وَكَذَا الْحُكْمُ إنْ اتَّحَدَ الْقَاطِعُ لَكِنْ لَا يُقْتَلُ بِهِ أَيْ بِالْمَقْطُوعِ إنْ مَاتَ تَغْلِيبًا لِلْمُسْقِطِ فَلَوْ قَطَعَ حُرٌّ يَدَ عَبْدٍ فَعَتَقَ ثُمَّ قَطَعَ يَدَهُ الْأُخْرَى وَانْدَمَلَ الْجُرْحَانِ اقْتَصَّ منه لِلْأُخْرَى لَا لِلْأُولَى وَعَلَيْهِ لِلسَّيِّدِ نِصْفُ قِيمَتِهِ فَإِنْ مَاتَ مِنْهُمَا اقْتَصَّ منه لِلْأُخْرَى لَا لِلنَّفْسِ وَلَزِمَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ لِلسَّيِّدِ منه نِصْفُ الْقِيمَةِ فَإِنْ عَفَا عنه فَعَلَيْهِ دِيَةٌ لِلسَّيِّدِ
____________________
(4/20)
منها الْأَقَلُّ من نِصْفِهَا وَنِصْفُ الْقِيمَةِ وَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعَ يَدِ عَبْدٍ لِغَيْرِهِ فَعَتَقَ ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ رِجْلَهُ فَمَاتَ مِنْهُمَا فَعَلَيْهِمَا الدِّيَةُ وَلِلسَّيِّدِ على الْأَوَّلِ مِنْهُمَا الْأَقَلُّ من نِصْفِهَا وَعُشْرُ الْقِيمَةِ وَإِنْ قَطَعَ من الْعَبْدِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ مَثَلًا ثُمَّ عَتَقَ وَجَرَحَهُ آخَرَانِ وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَعَلَيْهِمْ الدِّيَةُ أَثْلَاثًا فَلِلسَّيِّدِ الْأَقَلُّ من ثُلُثِ الدِّيَةِ وَكُلُّ الْقِيمَةِ الْوَاجِبَةِ بِالْقَطْعِ في الرِّقِّ
فَرْعٌ لو قَطَعَ حُرٌّ يَدَ عَبْدٍ فَعَتَقَ ثُمَّ جَرَحَهُ اثْنَانِ كَأَنْ قَطَعَ أَحَدُهُمَا يَدَهُ الْأُخْرَى وَالْآخَرُ رِجْلَهُ وَمَاتَ بِجِرَاحَاتِهِمْ فَعَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ في الطَّرَفِ وَالنَّفْسِ لِوُجُودِ الْكَفَاءَةِ وَلَا قِصَاصَ على الْأَوَّلِ لِعَدَمِهَا وَإِنْ عَفَا عن الْقِصَاصِ على الدِّيَةِ فَعَلَى الْأَوَّلِ الثُّلُثُ منها لِلسَّيِّدِ منه الْأَقَلُّ منه وَمِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ الْوَاجِبِ بِالْقَطْعِ في الرِّقِّ وَعَلَى كُلٍّ من الْآخَرَيْنِ الثُّلُثُ وَلَا حَقَّ لِلسَّيِّدِ فيه لِأَنَّهُمَا لم يَجْنِيَا على مِلْكِهِ فإن جُرْحَهُ الْأَوَّلَ ثَانِيًا بَعْدَ الْعِتْقِ وَمَاتَ بِجِرَاحَاتِهِمْ فَعَلَيْهِ كَكُلٍّ من الْآخَرَيْنِ الثُّلُثُ من الدِّيَةِ لِمَا مَرَّ أنها تَجِبُ مُوَزَّعَةً على عَدَدِهِمْ لَا على عَدَدِ جِرَاحَاتِهِمْ وَلِلسَّيِّدِ منه الْأَقَلُّ من نِصْفِ الْقِيمَةِ الْوَاجِبِ بِالْقَطْعِ في الرِّقِّ ومن سُدُسِ الدِّيَةِ الْوَاجِبِ آخِرًا بِجِنَايَةِ الرِّقِّ لِأَنَّ الثُّلُثَ الْوَاجِبَ على الْأَوَّلِ مُوَزَّعٌ على جِرَاحَتَيْهِ في الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وإذا قَطَعَ يَدَهُ فَعَتَقَ ثُمَّ جَرَحَهُ ثَانِيًا مع آخَرَ فَعَلَيْهِمَا الدِّيَةُ نِصْفَيْنِ وَلِلسَّيِّدِ على الْأَوَّلِ الْأَقَلُّ من نِصْفِ الْقِيمَةِ وَرُبُعِ الدِّيَةِ لِأَنَّ النِّصْفَ الْوَاجِبَ على الْأَوَّلِ مُوَزَّعٌ على جِرَاحَتَيْهِ في الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وإذا جَرَحَهُ اثْنَانِ قبل الْعِتْقِ وَثَالِثٌ بَعْدَهُ فَمَاتَ بِجِرَاحَاتِهِمْ فَالدِّيَةُ عليهم أَثْلَاثًا فَلِلسَّيِّدِ على الْأَوَّلَيْنِ الْأَقَلُّ من ثُلُثَيْ الدِّيَةِ الْوَاجِبَيْنِ عَلَيْهِمَا وَأَرْشُ جِنَايَتِهِمَا في الرِّقِّ وإذا جَرَحَهُ قبل الْعِتْقِ ثَلَاثَةٌ وَرَابِعٌ بَعْدَهُ فَمَاتَ بِجِرَاحَاتِهِمْ فَالدِّيَةُ عليهم أَرْبَاعًا وَلِلسَّيِّدِ على الثَّلَاثَةِ الْأَقَلُّ من ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ وَأَرْشُ جِنَايَاتِ الرِّقِّ أو جَرَحَهُ اثْنَانِ قبل الْعِتْقِ وَثَلَاثَةٌ بَعْدَهُ فَالدِّيَةُ عليهم أَخْمَاسًا وَلِلسَّيِّدِ على الِاثْنَيْنِ الْأَقَلُّ من خُمُسِ الدِّيَةِ وَأَرْشُ جِنَايَتَيْ الرِّقِّ وإذا أَوْضَحَهُ فَعَتَقَ ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ يَدَهُ فَمَاتَ مِنْهُمَا فَعَلَيْهِمَا الدِّيَةُ نِصْفَيْنِ وَلِلسَّيِّدِ على الْأَوَّلِ الْأَقَلُّ من نِصْفِ الدِّيَةِ وَنِصْفُ عُشْرِ الْقِيمَةِ الْوَاجِبُ بِالْإِيضَاحِ في الرِّقِّ وَلَوْ أَوْضَحَهُ فَعَتَقَ ثُمَّ جَرَحَهُ تِسْعَةٌ فَمَاتَ منهم فَالدِّيَةُ عليهم أَعْشَارًا وَلِلسَّيِّدِ على الْأَوَّلِ الْأَقَلُّ من عُشْرِ الدِّيَةِ وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ الْوَاجِبُ بِالْإِيضَاحِ في الرِّقِّ وهو نِصْفُ عُشْرِ الْقِيمَةِ فَإِنْ جَرَحَهُ الْأَوَّلُ ثَانِيًا بَعْدَ الْعِتْقِ مَعَهُمْ فَالدِّيَةُ عليهم أَعْشَارًا وَلِلسَّيِّدِ عليه الْأَقَلُّ من نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ وَنِصْفِ عُشْرِ الْقِيمَةِ إذْ الْعُشْرُ اللَّازِمُ له مُوَزَّعٌ على جِرَاحَتَيْهِ
فَرْعٌ لو قَطَعَ حُرٌّ يَدَ عَبْدٍ فَعَتَقَ فَحَزَّ آخَرُ رَقَبَتَهُ فَحَزُّ الرَّقَبَةِ مُبْطِلٌ لِلسِّرَايَةِ فَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِلسَّيِّدِ وَعَلَى الثَّانِي الْقِصَاصُ أو الدِّيَةُ كَامِلَةً لِلْوَارِثِ وَإِنْ قَطَعَ الثَّانِي يَدَهُ الْأُخْرَى بَعْدَ الْعِتْقِ ثُمَّ حُزَّتْ رَقَبَتُهُ فَإِنْ حَزَّهَا ثَالِثٌ بَطَلَتْ سِرَايَةُ الْقِطْعَيْنِ وَكَأَنَّهُمَا انْدَمَلَا فَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِلسَّيِّدِ وَعَلَى الثَّانِي الْقِصَاصُ في الْيَدِ أو نِصْفُ الدِّيَةِ لِلْوَارِثِ وَعَلَى الثَّالِثِ الْقِصَاصُ في النَّفْسِ أو الدِّيَةُ كَامِلَةً لِلْوَارِثِ فَإِنْ حَزَّهُ الْقَاطِعُ أَوَّلًا فَإِنْ حَزَّهُ قبل الِانْدِمَالِ لِقَطْعِهِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ في النَّفْسِ فَإِنْ قَتَلَ بِهِ سَقَطَ حَقُّ السَّيِّدِ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من أَنَّ بَدَلَ الطَّرَفِ يَدْخُلُ في النَّفْسِ وَإِنْ عَفَا عنه الْوَارِثُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَلِلسَّيِّدِ منها الْأَقَلُّ من نِصْفِهَا وَنِصْفِ الْقِيمَةِ أو حَزَّهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِلسَّيِّدِ وَقِصَاصُ النَّفْسِ أو الدِّيَةُ كَامِلَةً لِلْوَارِثِ وَعَلَى الثَّانِي نِصْفُ الدِّيَةِ وَإِنْ حَزَّهُ الثَّانِي قبل الِانْدِمَالِ أو بَعْدَهُ فَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ وهو أَنَّهُ إنْ حَزَّهُ قبل الِانْدِمَالِ فَلِلْوَارِثِ الْقِصَاصُ في النَّفْسِ أو الدِّيَةُ كَامِلَةً أو بَعْدَ الِانْدِمَالِ فَلِلْوَارِثِ أَنْ يَقْتَصَّ منه في الْيَدِ وَالنَّفْسِ أو يَأْخُذَ بَدَلَهُمَا أو بَدَلَ أَحَدِهِمَا وَقِصَاصُ الْآخَرِ وَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِلسَّيِّدِ بِكُلِّ حَالٍ
وَحِصَّةُ السَّيِّدِ فِيمَا إذَا جَنَى على عَبْدٍ فَعَتَقَ وَسَرَتْ الْجِنَايَةُ إلَى نَفْسِهِ أو حَزَّ الْجَانِي رَقَبَتَهُ وَعَفَا عنه الْوَارِثُ تَكُونُ من إبِلِ الدِّيَةِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فيه الدِّيَةُ وَهِيَ الْإِبِلُ فَتُؤْخَذُ وَيُصْرَفُ لِلسَّيِّدِ حِصَّتُهُ منها لِأَنَّ حَقَّهُ في عَيْنِهَا وَلَيْسَتْ مَرْهُونَةً بِهِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ مع التَّرِكَةِ فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ تَعْوِيضُهُ عنها بِأَنْ يَقُولَ أنا آخُذُ الْإِبِلَ وَأَدْفَعُ إلَيْهِ الْقِيمَةَ نَقْدًا وَلَا له مُطَالَبَةُ الْجَانِي بِمَا يَسْتَحِقُّهُ السَّيِّدُ من الدِّيَةِ إنْ أَبْرَأَهُ منه السَّيِّدُ وَلَا لِلسَّيِّدِ تَكْلِيفُ
____________________
(4/21)
الْجَانِي بِإِعْطَاءِ النَّقْدِ وَلِلْجَانِي تَسْلِيمُهَا أَيْ حِصَّةِ السَّيِّدِ دَرَاهِمَ أو دَنَانِيرَ لِلسَّيِّدِ فَيُجْبَرُ على قَبُولِهَا لِأَنَّ ما يَجِبُ له يَجِبُ بِحَقِّ الْمِلْكِ وَالْوَاجِبُ بِحَقِّ الْمِلْكِ النَّقْدُ فإذا أتى بِهِ فَقَدْ أتى بِأَصْلِ حَقِّهِ وَحَاصِلُهُ تَخَيُّرُ الْجَانِي بين تَسْلِيمِ حِصَّةِ السَّيِّدِ من الدِّيَةِ وَحِصَّتِهِ من الْقِيمَةِ وهو مُرَادُ الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ بين تَسْلِيمِ الدِّيَةِ وَالدَّرَاهِمِ وما ذُكِرَ من أَنَّ السَّيِّدَ يُجْبَرُ على قَبُولِ حِصَّتِهِ من الْقِيمَةِ قال في الْأَصْلِ إنَّهُ أَرْجَحُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ قال الْإِسْنَوِيُّ وَالْوَجْهَانِ بَحْثٌ لِلْإِمَامِ لَا نَقْلٌ عن الْأَصْحَابِ وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَنَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَحَكَاهُ عنه في الْمَطْلَبِ عَدَمُ الْإِجْبَارِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ في بَسِيطِهِ يُفْهِمُ أَنَّ ذلك نَقْلٌ عن الْأَصْحَابِ
فَرْعٌ كُلُّ جُرْحٍ أَوَّلُهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ لَا يَنْقَلِبُ مَضْمُونًا في الِانْتِهَاءِ بِتَغَيُّرِ الْحَالِ كَأَنْ جَرَحَ مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ قال الرَّافِعِيُّ وَكُلُّ جُرْحٍ أَوَّلُهُ مَضْمُونٌ ثُمَّ هُدِرَ الْمَجْرُوحُ لم يَتَعَلَّقْ بِهِ إلَّا ضَمَانُ الْجُرْحِ كَأَنْ جَرَحَ مُسْلِمًا فَارْتَدَّ وَإِنْ كان مَضْمُونًا في الْحَالَيْنِ اُعْتُبِرَ في قَدْرِ الضَّمَانِ الِانْتِهَاءُ كَأَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ لِغَيْرِهِ فَعَتَقَ وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ لَا نِصْفُ الْقِيمَةِ وفي الْقِصَاصِ تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ من الْفِعْلِ كَالرَّمْيِ إلَى الْفَوْتِ وهو انْتِهَاءُ الْجِنَايَةِ بَابُ الْقِصَاصِ في الْأَطْرَافِ
الْأَوْلَى في غَيْرِ النَّفْسِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ فُصُولٍ الْأَوَّلُ في أَرْكَانِهِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ الْقَطْعُ فَيُعْتَبَرُ في ثُبُوتِ الْقِصَاصِ فيه أَنْ يَكُونَ عَمْدًا مَحْضًا عُدْوَانًا كما في النَّفْسِ فَلَا قِصَاصَ في خَطَئِهِ كَإِصَابَةِ إنْسَانٍ بِحَجَرٍ قَصَدَ بِهِ الرَّامِي جِدَارًا فَأَوْضَحَهُ وَلَا في شِبْهِ عَمْدِهِ كَاللَّطْمَةِ تَتَوَرَّمُ بِأَنْ يَتَوَرَّمَ مَحَلُّهَا وَتُوضِحُ هِيَ عَظْمَهُ وَالضَّرْبُ بِالْعَصَا الْخَفِيفِ وَالْحَجَرِ الْمُحَدَّدِ أَيْ الضَّرْبُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا عَمْدٌ في الشِّجَاجِ لَا في النَّفْسِ لِأَنَّهُ يُوضِحُ غَالِبًا وَلَا يَقْتُلُ غَالِبًا وقد يَكُونُ الْفِعْلُ من ضَرْبٍ وَغَيْرِهِ عَمْدًا في النَّفْسِ أَيْضًا فَالْأَوَّلُ كَإِيضَاحِهِ شَخْصًا بِمَا يُوضِحُ غَالِبًا وَلَا يَقْتُلُ غَالِبًا كَالضَّرْبِ بِعَصًا خَفِيفٍ فَمَاتَ بِهِ فَيُوجِبُ الْقِصَاصَ في الْمُوضِحَةِ دُونَ النَّفْسِ وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِمَا إذَا مَاتَ في الْحَالِ بِلَا سِرَايَةٍ وَإِلَّا فَيُوجِبُهُ فيها أَيْضًا والثاني كَفَقْءِ الْعَيْنِ أَيْ بَخْصِهَا بِالْأُصْبُعِ فإنه عَمْدٌ يُوجِبُ الْقِصَاصَ في الْعَيْنِ وَالنَّفْسِ لِأَنَّ الْأُصْبُعَ في الْعَيْنِ تَعْمَلُ عَمَلَ السِّلَاحِ ثُمَّ بَيَّنَ الرُّكْنَ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ بِقَوْلِهِ وَيُشْتَرَطُ في الْقَاطِعِ التَّكْلِيفُ وَالْتِزَامُ الْأَحْكَامِ وفي الْمَقْطُوعِ الْعِصْمَةُ وَالْمُكَافَأَةُ لَا التَّسَاوِي في الْبَدَلِ فَيُقْطَعُ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ كما في النَّفْسِ وَتُقْطَعُ جَمَاعَةٌ أَيْ أَيْدِيهِمْ بِيَدٍ لِوَاحِدٍ تَحَامَلُوا عليها دَفْعَةً وَاحِدَةً بِسِكِّينٍ أو نَحْوِهَا حتى أَبَانُوهَا أو أَبَانُوهَا بِضَرْبَةٍ اجْتَمَعُوا عليها كما في النَّفْسِ بِخِلَافِ ما لو اشْتَرَكُوا في سَرِقَةِ نِصَابٍ لَا قَطْعَ على أَحَدٍ لِأَنَّ الْحَدَّ مَحَلُّ الْمُسَاهَلَةِ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْقَوَدِ
وَلِهَذَا لو سَرَقَ نِصَابًا دَفْعَتَيْنِ لم يُقْطَعْ وَلَوْ أَبَانَ الْيَدَ بِدَفْعَتَيْنِ قُطِعَ لَا إنْ تَمَيَّزَتْ أَفْعَالُهُمْ كَأَنْ حَزَّ كُلٌّ منهم من جَانِبٍ وَالْتَقَى الْحَدِيدَتَانِ وَكَذَا لو قَطَعَا أَيْ اثْنَانِ قَطْعَ الْمِنْشَارِ بِالنُّونِ وَبِالْيَاءِ وَبِالْهَمْزِ فَلَا قَطْعَ على أَحَدٍ في الْأُولَى خِلَافًا لِصَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَلَا في الثَّانِيَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِتَعَذُّرِ الْمُمَاثَلَةِ لِاشْتِمَالِ الْمَحَلِّ على أَعْصَابٍ مُلْتَفَّةٍ وَعُرُوقٍ ضَارِبَةٍ وَسَاكِنَةٍ مع اخْتِلَافِ وَضْعِهَا في الْأَعْضَاءِ بَلْ على كُلٍّ منهم حُكُومَةٌ تَلِيقُ بِجِنَايَتِهِ مَجْمُوعُهَا دِيَةُ يَدٍ أَيْ بِحَيْثُ يَبْلُغُ مَجْمُوعُ الْحُكُومَاتِ دِيَةَ الْيَدِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ في صُورَةِ الْجُمْهُورِ وَصَرَّحَ بِهِ في الْأَنْوَارِ
تَنْبِيهٌ ما نَقَلَهُ كَأَصْلِهِ عن الْجُمْهُورِ في صُورَةِ الْمِنْشَارِ من أَنَّهُ من صُوَرِ التَّمْيِيزِ مَثَّلَ بِهِ ابن كَجٍّ لِصُورَةِ الِاشْتِرَاكِ الْمُوجِبِ لِلْقِصَاصِ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ قال وَيَحِلُّ الْإِشْكَالُ ما ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَنَّ الْإِمْرَارَ يُصَوَّرُ بِصُورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَتَعَاوَنَا في كل جَذْبَةٍ وَرَسْلَةٍ فَيَكُونُ من صُوَرِ الِاشْتِرَاكِ وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَجْذِبَ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى جِهَةِ نَفْسِهِ وَيَفْتُرُ عن الْإِرْسَالِ في جِهَةِ صَاحِبِهِ فَيَكُونُ الْبَعْضُ مَقْطُوعَ هذا وَالْبَعْضُ مَقْطُوعَ ذَاكَ وَيَكُونُ الْحُكْمُ ما قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَتَبِعَهُ في الرَّوْضَةِ على ذلك قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وما صَوَّرَ بِهِ الْإِمَامُ كَلَامَ الْجُمْهُورِ قد صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا وهو ظَاهِرٌ
الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ في غَيْرِ النَّفْسِ من الْجِنَايَاتِ وَهِيَ وفي نُسْخَةٍ وهو ثَلَاثَةُ
____________________
(4/22)
أَنْوَاعٍ شَقٌّ وَقَطْعٌ وَإِزَالَةُ مَنْفَعَةٍ الْأَوَّلُ الْجُرْحُ قال تَعَالَى وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ وَيَقَعُ على الشِّجَاجِ وَهِيَ بِكَسْرِ الشِّينِ جَمْعُ شَجَّةٍ بِفَتْحِهَا عَشْرٌ بِالِاسْتِقْرَاءِ الْحَارِصَةُ بِمُهْمَلَاتٍ وَهِيَ التي تَشُقُّ الْجِلْدَ قَلِيلًا نحو الْخَدْشِ وَتُسَمَّى الْحَرْصَةَ كما في الْأَصْلِ وَالْحَرِيصَةَ كما في الْمُحْكَمِ وَالدَّامِيَةُ وَهِيَ التي تُدْمِيهِ بِضَمِّ التَّاءِ أَيْ الشَّقَّ من غَيْرِ سَيْلَانِ دَمٍ وَقِيلَ معه وَالْبَاضِعَةُ بِمُوَحَّدَةٍ وَمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ وَهِيَ التي تَقْطَعُ لَحْمًا بَعْدَ الْجِلْدِ وَالْمُتَلَاحِمَةُ بِالْمُهْمَلَةِ وَهِيَ التي تَغُوصُ فيه أَيْ في اللَّحْمِ وَلَا تَبْلُغُ الْجِلْدَةَ التي بَيْنَهُ وَبِين الْعَظْمِ قال في الْأَصْلِ وَتُسَمَّى اللَّاحِمَةَ
وَالسِّمْحَاقُ بِكَسْرِ السِّينِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهِيَ التي تَبْلُغُ جِلْدَةَ الْعَظْمِ أَيْ التي بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّحْمِ وَتُسَمَّى الْجِلْدَةُ بِهِ أَيْضًا وَكَذَا كُلُّ جِلْدَةٍ رَقِيقَةٍ قال في الْأَصْلِ وقد تُسَمَّى هذه الشَّجَّةُ الْمَلْطَاءَ وَالْمِلْطَاةَ والمِلَاطِيَّةَ وَالْمُوضِحَةُ وَهِيَ التي تُوضِحُ الْعَظْمَ بَعْدَ خَرْقِ الْجِلْدَةِ أَيْ تُظْهِرُهُ من اللَّحْمِ بِحَيْثُ يُقْرَعُ بِالْمِرْوَدِ وَإِنْ لم يَظْهَرْ كما سَيَأْتِي
وَالْهَاشِمَةُ وَهِيَ التي تُكَسِّرُهُ أَيْ الْعَظْمَ وَإِنْ لم تُوضِحْهُ وَالْمُنَقِّلَةُ بِكَسْرِ الْقَافِ أَفْصَحُ من فَتْحِهَا وَتُسَمَّى الْمَنْقُولَةَ وَهِيَ التي تَنْقُلُهُ من مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ وَإِنْ لم تُوضِحْهُ وَتُهَشِّمْهُ قال في الْأَصْلِ وَيُقَالُ هِيَ التي تَكْسِرُ وَتَنْقُلُ وَيُقَالُ هِيَ التي تَكْسِرُ الْعَظْمَ حتى يَخْرُجَ منها فِرَاشُ الْعِظَامِ وَالْفَرَاشَةُ كُلُّ عَظْمٍ رَقِيقٍ وَالْمَأْمُومَةُ جَمْعُهَا مَآمِيمُ كَمَكَاسِيرَ قال في الْأَصْلِ وَتُسَمَّى الْآمَّةُ وَهِيَ التي تَبْلُغُ خَرِيطَةَ الدِّمَاغِ الْمُحِيطَةِ بِهِ وَهِيَ أُمُّ الرَّأْسِ
وَالدَّامِغَةُ بِالْمُعْجَمَةِ وَهِيَ التي تَخْرِقُ الْخَرِيطَةَ وَتَصِلُ الدِّمَاغَ قال في الْأَصْلِ وَهِيَ مُذَفَّفَةٌ وزاد بَعْضُهُمْ فيها أَلْفَاظٌ أُخَرُ تَؤُولُ إلَيْهَا في الْحُكْمِ كَالدَّامِعَةِ بِالْمُهْمَلَةِ وقد زَادَهَا الْمَاوَرْدِيُّ بَعْدَ الدَّامِيَةِ وقال هِيَ التي يَجْرِي دَمُهَا جَرَيَانَ الدَّمْعِ وَكُلُّهَا تُتَصَوَّرُ في الرَّأْسِ وفي الْجَبْهَةِ وَكَذَا تُتَصَوَّرُ في الْخَدِّ وَقَصَبَةِ الْأَنْفِ وَاللَّحْيِ الْأَسْفَلِ وَسَائِرِ الْبَدَنِ سِوَى الدَّامِغَةِ وَالْمَأْمُومَةِ وَإِنْ كان اسْمُ الشِّجَاجِ لَا يَقَعُ على جُرُوحِ سَائِرِ الْبَدَنِ عِنْدَ جَمَاعَةٍ وَلَا قِصَاصَ في شَيْءٍ منها إلَّا في الْمُوضِحَةِ وَلَوْ مع هَشْمٍ وَتَنْقِيلٍ لِتَيَسُّرِ ضَبْطِهَا وَاسْتِيفَاءِ مِثْلِهَا بِخِلَافِ الْبَقِيَّةِ وإلا في جُرْحٍ يَنْتَهِي إلَى الْعَظْمِ ولم يَكْسِرْهُ في سَائِرِ الْبَدَنِ كَذَلِكَ وَلَوْ قال إلَّا في الْمُوضِحَةِ وَلَوْ في الْبَدَنِ لَكَانَ أَوْضَحَ وَأَخْصَرَ وَقَوْلُهُ كَأَصْلِهِ ولم يَكْسِرْهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ إذْ ليس الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا كَسَرَهُ مع الْإِيضَاحِ لَا قِصَاصَ في الْإِيضَاحِ بَلْ الْمُرَادُ لَا قِصَاصَ في الْكَسْرِ فَقَطْ وَهَذَا مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ
النَّوْعُ الثَّانِي الْقَطْعُ لِلطَّرَفِ فَيُقْتَصُّ في كل طَرَفٍ يَنْضَبِطُ إمَّا بِمَفْصِلٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الصَّادِ وهو مَوْضِعُ اتِّصَالِ عُضْوٍ بِعُضْوٍ على مُنْقَطِعِ عَظْمَيْنِ بِرِبَاطَاتٍ وَاصِلَةٍ بَيْنَهُمَا أَمَّا مع دُخُولِ أَحَدِهِمَا في الْآخَرِ أو لَا فَالثَّانِي كَأُنْمُلَةٍ وَكُوعٍ وَالْأَوَّلُ كَرُكْبَةٍ وَمَرْفِقٍ وَكَذَا أَصْلُ فَخْذٍ وَمَنْكِبٍ إنْ أُمِنَتْ الْجَافَّةُ وإما بِتَحَيُّزِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ له مَفْصِلٌ كَعَيْنٍ وَأُذُنٍ وَجِفْنٍ وَمَارِنٍ وَذَكَرٍ وَأُنْثَيَيْنِ وَشَفَةٍ وَلِسَانٍ وَكَذَا شُفْرَانِ بِضَمِّ الشِّينِ وَأَلْيَانِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقِصَاصَ خَطَرٌ فَاخْتَصَّ بِمَا يُؤْمَنُ فيه الْحَيْفُ وَالتَّعَدِّي إلَى ما لَا يَسْتَحِقُّ وَذَلِكَ في الْأَعْضَاءِ الْمُنْضَبِطَةِ بِمَا ذُكِرَ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى وَكَتَبْنَا عليهم فيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ الْآيَةَ وَقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في خَبَرِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ النَّضْرِ في الصَّحِيحَيْنِ وقد كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ من الْأَنْصَارِ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ أَمَّا إذَا لم تُؤْمَنْ الْإِجَافَةُ في أَصْلِ الْفَخْذِ وَالْمَنْكِبِ فَلَا قِصَاصَ وَإِنْ أَجَافَ الْجَانِي وقال أَهْلُ الْبَصَرِ يُمْكِنُ أَنْ يُقْطَعَ وَيُجَافَ مِثْلَ تِلْكَ الْجَائِفَةِ لِأَنَّ الْجَوَائِفَ لَا تَنْضَبِطُ ضِيقًا وَسَعَةً وَتَأْثِيرًا وَنِكَايَةً وَلِذَلِكَ لم يَجُزْ الْقِصَاصُ فيها نعم إنْ مَاتَ بِالْقَطْعِ قُطِعَ الْجَانِي وَإِنْ لم يُمْكِنْ بِلَا إجَافَةٍ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ لَا إطَارُ شَفَةٍ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُهْمَلَةِ وهو الْمُحِيطُ بها إذْ ليس له حَدٌّ مُقَدَّرٌ كَذَا في الرَّوْضَةِ وهو كما في الْمُهِمَّاتِ وَغَيْرِهَا غَلَطٌ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ في آخِرِهَا كما يَجِبُ في جَمِيعِهَا وَأَوَّلِهَا وَصَوَابُهُ هُنَا السَّهِ بِمُهْمَلَةٍ بَعْدَهَا هَاءٌ بِلَا فَاءٍ وهو حَلْقَةُ الدُّبُرِ لِأَنَّ الْمُحِيطَ بها لَا حَدَّ له وَهِيَ كَذَلِكَ في نُسَخِ الرَّافِعِيِّ الصَّحِيحَةِ
فَرْعٌ لو قَطَعَ فِلْقَةً بِفَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ قَافٍ بَعْدَ اللَّامِ وَبِقَافٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ فَاءٍ بَعْدَ اللَّامِ أَيْ قِطْعَةٌ من أُذُنٍ أو مَارِنٍ أو لِسَانٍ أو حَشَفَةٍ أو شَفَةٍ وَجَبَ الْقِصَاصُ إنْ أَبَانَهَا وَكَذَا إنْ لم يُبِنْهَا لِتَيَسُّرِ الْمُمَاثَلَةِ فيها وَيُضْبَطُ الْمَقْطُوعُ بِالْجُزْئِيَّةِ كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَيُسْتَوْفَى من الْجَانِي مِثْلُهُ لَا الْمِسَاحَةِ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ الْمَذْكُورَةَ تَخْتَلِفُ كِبَرًا وَصِغَرًا بِخِلَافِ
____________________
(4/23)
الْمُوضِحَةِ وَسَيَأْتِي
فَلَوْ قَطَعَ من مَفْصِلٍ أَيْ بَعْضَهُ كَالْكُوعِ ولم يَبِنْ فَلَا قِصَاصَ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ في قَطْعِهِ لِأَنَّ الْكُوعَ وَنَحْوَهُ مَجْمَعُ الْعُرُوقِ وَالْأَعْصَابِ الْمُخْتَلِفِ وَضْعُهَا تَسَفُّلًا وَتَصَعُّدًا وَتَخْتَلِفُ بِالسِّمَنِ وَالْهُزَالِ فَلَا يَوْثُقُ بِالْمُمَاثَلَةِ بِخِلَافِ الْمَارِنِ وَالْأُذُنِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّهُمَا من جِنْسٍ وَاحِدٍ وَكَذَا لو بَانَ فِلْقَةً من فَخْذٍ أو نَحْوِهِ لَا قِصَاصَ لِأَنَّ سُمْكَهُ لَا يَنْضَبِطُ
فَرْعٌ لِلْمُعَلَّقِ أَيْ لِلْمَقْطُوعِ من الْأَعْضَاءِ الْمُعَلَّقِ بِجِلْدَةٍ حُكْمُ الْمَقْطُوعِ الْمُبَانِ فَيَجِبُ فيها الْقِصَاصُ أو كَمَالُ الدِّيَةِ لِبُطْلَانِ فَائِدَةِ الْعُضْوِ وَإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ بِمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَيُقْتَصُّ إلَى الْجِلْدَةِ ثُمَّ لَا تُقْطَعُ الْجِلْدَةُ بَعْدَ مُرَاجَعَةِ الْجَانِي أَهْلَ الْبَصَرِ فيها إلَّا لِمَصْلَحَةٍ
فَرْعٌ لَا قِصَاصَ في كَسْرِ الْعَظْمِ لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِالْمُمَاثَلَةِ فيه وَيُسْتَثْنَى منه السِّنُّ فإنه إذَا أَمْكَنَ فيها الْقِصَاصُ بِأَنْ تُنْشَرَ بِمِنْشَارٍ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَجَبَ نَصَّ عليه في الْأُمِّ وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ لِخَبَرِ الرَّبِيعِ السَّابِقِ نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَهُ أَيْ لِلْمَجْنِيِّ عليه بِكَسْرِ عَظْمِهِ الْقَطْعُ من أَقْرَبِ مَفْصِلٍ دُونَهُ أَيْ دُونَ مَحَلِّ الْكَسْرِ فَلَوْ كَسَرَ عَظْمَ سَاعِدِهِ أو سَاقِهِ وَأَبَانَهُ فَلَهُ قَطْعُ يَدِهِ من كُوعِهِ وَرِجْلِهِ من كَعْبِهِ لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ اسْتِيفَاءُ بَعْضِ الْحَقِّ وَالْمَيْسُورُ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ
وَلَيْسَ له الْقَطْعُ من الْمَرْفِقِ وَالرُّكْبَةِ وله عليه حُكُومَةٌ لِلْبَاقِي لِأَنَّهُ لم يَأْخُذْ عِوَضًا عنه وَلَهُ أَنَّهُ يَعْفُو عن الْجِنَايَةِ وَيَعْدِلُ إلَى الْمَالِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ أَوْضَحَ وَنَقَلَ أو هَشَّمَ وَأَوْضَحَ فَلَهُ أَيْ لِلْمَجْنِيِّ عليه أَنْ يُوضِحَ وَيَأْخُذَ أَرْشَ الْهَشْمِ في الثَّانِيَةِ وهو خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ وأرش النَّقْلِ في الْأُولَى وهو عَشَرَةٌ لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ فِيهِمَا فَعَدَلَ إلَى بَدَلِهِمَا وَلَوْ أَوْضَحَ وَأَمَّ فَلَهُ أَنْ يُوضِحَ وَيَأْخُذَ تَمَامَ ثُلُثِ الدِّيَةِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ وَأَوْضَحَ كان أَخْصَرَ وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ من كُوعِهِ فَالْتَقَطَ الْمُقْتَصُّ أَصَابِعَهُ بَلْ أُصْبُعًا وَاحِدًا عُزِّرَ وَإِنْ قال لَا أَطْلُبُ في الْبَاقِي قَطْعًا وَلَا أَرْشًا لِعُدُولِهِ عن مَحَلِّ الْجِنَايَةِ مع الْقُدْرَةِ عليه وَبِهَذَا فَارَقَ جَوَازَ الْقِصَاصِ في الْمُوضِحَةِ في الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ وَلَا غُرْمَ عليه لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ إتْلَافَ الْجُمْلَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِإِتْلَافِ الْبَعْضِ غُرْمٌ كما أَنَّ مُسْتَحِقَّ النَّفْسِ لو قَطَعَ طَرَفَ الْجَانِي لَا غُرْمَ عليه وَلَوْ قَطَعَ الْبَاقِي أَيْ الْكَفَّ كما أَنَّ مُسْتَحِقَّ النَّفْسِ لو قَطَعَ يَدَ الْجَانِي له أَنْ يَعُودَ وَيَحُزَّ رَقَبَتَهُ وَيُفَارِقُ ما يَأْتِي من أَنَّهُ لو لَقَطَ أَصَابِعَ من قَطَعَهُ من سَاعِدِهِ ليس له أَنْ يَقْطَعَ الْكَفَّ بِأَنَّ الْكَفَّ هُنَا مَحَلُّ الْجِنَايَةِ بِخِلَافِهَا ثُمَّ لَا طَلَبَ حُكُومَةٍ لِلْبَاقِي لِأَنَّهَا تَدْخُلُ في دِيَةِ الْأَصَابِعِ وقد اسْتَوْفَاهَا فَأَشْبَهَ ما لو قَطَعَ مُسْتَحِقُّ النَّفْسِ يَدَيْ الْجَانِي ثُمَّ عَفَا عن حَزِّ الرَّقَبَةِ وَطَلَبَ الدِّيَةَ لم يُجَبْ إلَيْهَا لِأَنَّهُ قد اسْتَوْفَى ما يُقَابِلُهَا أو قَطَعَ يَدَهُ من مَرْفِقِهِ فَرَضِيَ عنها بِأُصْبُعٍ أو بِكَفٍّ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لم يَجُزْ لِعُدُولِهِ عن مَحَلِّ الْجِنَايَةِ مع الْقُدْرَةِ عليه فَإِنْ قَطَعَهَا من الْكُوعِ عُزِّرَ وَلَا غُرْمَ عليه لِمَا مَرَّ وَأُهْدِرَ الْبَاقِي فَلَيْسَ له قَطْعُهُ وَلَا طَلَبُ حُكُومَتِهِ لِأَنَّهُ بِقَطْعِهِ من الْكُوعِ تَرَكَ بَعْضَ حَقِّهِ وَقَنَعَ بِبَعْضِهِ وَيُفَارِقُ ما مَرَّ في الصُّورَةِ السَّابِقَةِ من أَنَّ له قَطْعَ الْبَاقِي بِأَنَّ الْقَاطِعَ من الْكُوعِ مُسْتَوْفٍ لِمُسَمَّى الْيَدِ بِخِلَافِ مُلْتَقِطِ الْأَصَابِعِ
وَإِنْ قَطَعَ إنْسَانًا من نِصْفِ الْأَوْلَى من بَعْضِ الْعَضُدِ فَلَهُ قَطْعُهُ من الْمَرْفِقِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَفْصِلٍ إلَى مَحَلِّ الْجِنَايَةِ وَكَذَا له قَطْعُهُ من الْكُوعِ لِعَجْزِهِ عن مَحَلِّ الْجِنَايَةِ وَمُسَامَحَتِهِ بِبَعْضِ حَقِّهِ وَلَيْسَ له الْعَوْدُ إلَى قَطْعِ الْمَرْفِقِ وَالتَّرْجِيحُ في أَنَّ له الْقَطْعَ من الْكُوعِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ في الْمِنْهَاجِ تَبَعًا لِمُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِهِ وَلِمَا رَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ لَكِنَّ الرَّافِعِيَّ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ رَجَّحَ ما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ في الْكَبِيرِ وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ ليس له ذلك لِأَنَّهُ عُدُولٌ عَمَّا هو أَقْرَبُ إلَى مَحَلِّ الْجِنَايَةِ وله قَطْعُ أُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ دُونَ حَقِّهِ وله أَخْذُ الْحُكُومَةِ لِلْبَاقِي من الْعَضُدِ في الْأُولَى وَمِنْهُ وَمِنْ السَّاعِدِ في الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ لَكِنْ له في الثَّالِثَةِ أَخْذُ دِيَةِ أَرْبَعِ أَصَابِعَ أَيْضًا وَكَلَامُ الْأَصْلِ سَاكِتٌ عن حُكْمِ الثَّالِثَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَيْسَ له لَقْطُ الْأَصَابِعِ لِتَعَدُّدِ الْجِرَاحَاتِ وهو عَظِيمُ الْمَوْقِعِ وَيُؤْخَذُ من الْعِلَّةِ أَنَّهُ ليس له قَطْعُ أُصْبُعَيْنِ فَأَكْثَرَ وَأَنَّ له قَطْعَ أُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ وقد مَرَّ أَمَّا لو عَفَا عن قَطْعِ الْعَضُدِ فَلَهُ دِيَةُ الْكَفِّ وَحُكُومَتَا السَّاعِدِ وَالْمَقْطُوعُ من الْعَضُدِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو قَطَعَ يَدَهُ من بَعْضِ السَّاعِدِ فَلَهُ قَطْعُهَا من الْكُوعِ أو دِيَتُهَا بِعَفْوٍ أو غَيْرِهِ فَتَعْبِيرُهُ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْعَفْوِ وله حُكُومَةٌ لِلْبَاقِي حَالَتَيْ الْقَطْعِ وَأَخْذُ الدِّيَةِ فَإِنْ لَقَطَ أَصَابِعَهُ أو اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ منها عُزِّرَ وَلَا غُرْمَ لِمَا مَرَّ وَالتَّصْرِيحُ
____________________
(4/24)
بِالتَّعْزِيرِ من زِيَادَتِهِ وَأُهْدِرَ بَاقِي الْكَفِّ فَلَيْسَ له قَطْعُهُ وَلَا طَلَبُ حُكُومَتِهِ لِمَا مَرَّ وَلَهُ حُكُومَةُ بَعْضِ السَّاعِدِ لِمَا مَرَّ وَتَعْبِيرُهُ بِالْبَعْضِ في الْمَوْضِعَيْنِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالنِّصْفِ أو قَطَعَهَا من نِصْفِ الْأَوْلَى من بَعْضِ الْكَفِّ الْتَقَطَ الْأَصَابِعَ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ الْجِرَاحَةُ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى إهْمَالِ الْتِقَاطِهَا وَلَيْسَ بَعْدَ مَوْضِعِ الْجِرَاحَةِ إلَّا مَفَاصِلَ مُتَعَدِّدَةً وَلَهُ مع الِالْتِقَاطِ حُكُومَةُ الْبَاقِي من الْكَفِّ لِمَا مَرَّ
فَرْعٌ لو شَقَّ الْكَفَّ من إنْسَانٍ حتى انْتَهَى إلَى مَفْصِلٍ يُمْكِنُ الْمُمَاثَلَةُ في الِاسْتِيفَاءِ بِشَقِّهِ حتى يَنْتَهِيَ إلَيْهِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ اقْتَصَّ منه
النَّوْعُ الثَّالِثُ إبْطَالُ الْمَنَافِعِ وَهِيَ لَا تَفُوتُ بِالْمُبَاشَرَةِ لها بَلْ تَبَعًا لِمَحَلِّهَا أو لِمُجَاوِرِهَا فَإِنْ أَذْهَبَ ضَوْءَ عَيْنَيْهِ بِفَتْحِ الضَّادِ وَضَمِّهَا بِهَاشِمَةٍ أو نَحْوِهَا مِمَّا لَا قِصَاصَ فيه أَذْهَبَهُ من الْجَانِي بِكَافُورٍ أو بِتَقْرِيبِ حَدِيدَةٍ حَامِيَةٍ من حَدَقَتِهِ أو بِنَحْوِهِمَا وفي الْهَاشِمَةِ أَرْشُهَا لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ فيها وَإِنْ أَذْهَبَهُ بِمُوضِحَةٍ وَكَذَا بِلَطْمَةٍ تُذْهِبُ الضَّوْءَ غَالِبًا اقْتَصَّ بِمِثْلِ فِعْلِهِ فَإِنْ لم يَذْهَبْ أَذْهَبَهُ بِكَافُورٍ أو نَحْوِهِ فَإِنْ لم يُمْكِنْ إذْهَابُهُ إلَّا بِإِذْهَابِ الْحَدَقَةِ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ أَكْثَرَ من حَقِّهِ وَتَقْيِيدُ ما ذُكِرَ بِضَوْءِ الْعَيْنَيْنِ ليس بِقَيْدٍ بَلْ ضَوْءُ إحْدَاهُمَا كَذَلِكَ إلَّا في مَسْأَلَةِ اللَّطْمَةِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَطَمَهُ فَأَذْهَبَ ضَوْءَ عَيْنَيْهِ مَعًا بَلْ يُذْهِبُهُ بِالْمُعَالَجَةِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَالدِّيَةُ وَالسَّمْعُ وَالشَّمُّ وَالذَّوْقُ وَالْكَلَامُ وَالْبَطْشُ لَا الْعَقْلُ كَالْبَصَرِ في أَنَّ إبْطَالَهَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ بِالسِّرَايَةِ لِأَنَّ لها مَحَالًّا مَضْبُوطَةً وَلِأَهْلِ الْخِبْرَةِ طُرُقٌ في إبْطَالِهَا بِخِلَافِ الْعَقْلِ لِتَعَذُّرِ إزَالَتِهِ بِالسِّرَايَةِ إذْ لَا يَوْثُقُ بِالْمُعَالَجَةِ مِمَّا يُزِيلُهُ وَلِاخْتِلَافِ الناس في مَحَلِّهِ وَإِنْ كان الصَّحِيحُ أَنَّ مَحَلَّهُ الْقَلْبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَتَكُونَ لهم قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بها وَلِأَنَّهُ نَوْعٌ من الْعُلُومِ ثُمَّ ما تَقَرَّرَ من وُجُوبِ الْقِصَاصِ في السَّمْعِ هو ما جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَنَقَلَاهُ عن تَصْحِيحِ الْإِمَامِ قال ابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَالْمَذْهَبُ فيه الْمَنْعُ إذْ هو قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَنَصَّ عليه في الْأُمِّ
انْتَهَى وفي اللَّمْسِ كَلَامٌ ذَكَرْته في شَرْحِ الْبَهْجَةِ
فَرْعٌ مَتَى قَطَعَ أُصْبُعَهُ فَتَآكَلَ الْكَفُّ أو أَوْضَحَهُ فَتَصَلَّعَ بِأَنْ ذَهَبَ شَعْرُ مُقَدِّمِ رَأْسِهِ اُقْتُصَّ منه كَفِعْلِهِ وَلَزِمَهُ دِيَةٌ لِلْمُتَآكِلِ مُغَلَّظَةٌ في مَالِهِ وَحُكُومَةٌ لِلشَّعْرِ وَإِنْ ذَهَبَا بِالْقِصَاصِ فَلَا يَقَعُ ذَهَابُهُمَا قِصَاصًا إذْ لَا قِصَاصَ فِيهِمَا لِمَا مَرَّ أَنَّ فَوَاتَ الْجِسْمِ لَا يُقْصَدُ بِالسِّرَايَةِ وَكَالتَّآكُلِ الشَّلَلُ وَلَوْ عَفَا الْمَجْنِيُّ عليه عن دِيَةِ الْأُصْبُعِ بَعْدَ عَفْوِهِ عن الْقِصَاصِ عليها لَزِمَهُ أَيْ الْجَانِيَ من دِيَةِ الْكَفِّ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ أَيْ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ دِيَتِهَا لِلْأَصَابِعِ الْأَرْبَعِ وَلَا حُكُومَةَ لِلْمَنَابِتِ أَيْ مَنَابِتِ الْأَصَابِعِ بَلْ تَدْخُلُ في دِيَتِهَا وَقَوْلُهُ وَلَوْ عَفَا إلَى آخَرَ من زِيَادَتِهِ وهو مَعْلُومٌ وَتَرَكَ قَوْلَ الْأَصْلِ وَلَوْ عَفَا عن قِصَاصِ الْأُصْبُعِ له دِيَةُ الْيَدِ وَإِنْ اقْتَصَّ فلم يَسْرِ الْقَطْعُ إلَى غَيْرِ الْأُصْبُعِ أو سَرَى وَقُلْنَا لَا يَقَعُ قِصَاصًا فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ دِيَةِ الْكَفِّ وَلَا حُكُومَةَ لِلْمَنَابِتِ وَهِيَ أَيْ دِيَةُ الْمُتَآكَلِ مُغَلَّظَةٌ في مَالِ الْجَانِي لِأَنَّهَا سِرَايَةُ جِنَايَةِ عَمْدٍ وَهَذَا مُكَرَّرٌ لِتَقَدُّمِهِ آنِفًا وَكَلَامُ الْأَصْلِ سَالِمٌ منه يُطَالِبُ بها أَيْ بِدِيَةِ الْمُتَآكَلِ عَقِيبَ قَطْعِ الْأُصْبُعِ أَيْ أُصْبُعِ الْجَانِي لِأَنَّهُ وَإِنْ سَرَى الْقَطْعُ إلَى الْكَفِّ لم يَسْقُطْ بَاقِي الدِّيَةِ فَلَا مَعْنَى لِانْتِظَارِ السِّرَايَةِ بِخِلَافِ ما لو سَرَتْ أَيْ الْجِنَايَةُ إلَى النَّفْسِ فَاقْتَصَّ بها أَيْ بِالْجِنَايَةِ لم يُطَالَبْ في الْحَالِ فَلَعَلَّهَا أَيْ جِرَاحَةَ الْقِصَاصِ تَسْرِي فَيَحْصُلُ الْقِصَاصُ وَكَذَا في ابْيِضَاضِ حَدَقَةِ الْعَيْنِ وَشُخُوصِهَا بِالْجِنَايَةِ يَقْتَصُّ بها بِمَا يُفْضِي إلَى ذلك إنْ أَمْكَنَ وَلَا يُطَالَبُ بِدِيَةِ الضَّوْءِ في الْحَالِ فَلَعَلَّ الْجُرْحَ يَسْرِي وَإِنْ اقْتَصَّ بِمَا ذُكِرَ فلم يَذْهَبْ الضَّوْءُ في الْحَالِ صَبَرَ فَلَا يُطَالِبُ بِالدِّيَةِ فَرُبَّمَا يَسْرِي لِلضَّوْءِ
فَرْعٌ لو اقْتَصَّ من الْجَانِي عليه خَطَأً أو شِبْهَ عَمْدٍ فَفِي كَوْنِهِ مُسْتَوْفِيًا خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُسْتَوْفٍ كما جَزَمْت بِهِ بَعْدُ تَبَعًا لِجَزْمِ الْأَصْلِ بِهِ ثُمَّ وَإِنْ جَرَى صَاحِبُ الْحَاوِي وَمَنْ تَبِعَهُ على عَكْسِهِ أو اقْتَصَّ من قَاتِلِ مُوَرِّثِهِ
____________________
(4/25)
وهو صَبِيٌّ أو مَجْنُونٌ فَلَا يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلِاسْتِيفَاءِ بِخِلَافِ ما لو أَتْلَفَ وَدِيعَتَهُ فإنه يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ لِأَنَّهَا لو تَلِفَتْ بَرِئَ الْمُودِعُ وَلَوْ مَاتَ الْجَانِي لم يَبْرَأْ أو إذَا لم يَكُنْ مُسْتَوْفِيًا فَتَتَعَلَّقُ الدِّيَةُ بِتَرِكَةِ الْجَانِي وَيَلْزَمُهُ دِيَةُ عَمْدٍ بِقَتْلِهِ الْجَانِي لِأَنَّ عَمْدَهُ عَمْدٌ وَالطَّرَفُ كَالنَّفْسِ فَلَوْ ثَبَتَ لِصَبِيٍّ أو مَجْنُونٍ قِصَاصُ طَرَفٍ فَقُطِعَ طَرَفُ الْجَانِي لم يَكُنْ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ فَإِنْ قَطَعَهُ بِإِذْنِهِ أو تَمْكِينِهِ بِأَنْ أَخْرَجَ إلَيْهِ طَرَفَهُ فَقَطَعَهُ فَهَدَرٌ وَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ وَالطَّرَفُ كَالنَّفْسِ أَغْنَى عنه ما قَبْلَهُ وَلَوْ أَبْدَلَ قَطَعَهُ بِقَصَّ منه كان أَعَمَّ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ في الْمُمَاثَلَةِ وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ في قِصَاصِ غَيْرِ النَّفْسِ كَالْكَفَاءَةِ في النَّفْسِ وعليه لَا تُقْطَعُ يَدٌ بِرِجْلٍ ولا يَمِينٌ بِيَسَارٍ وَلَا جَفْنٌ أَعْلَى بِأَسْفَلَ ولا نَحْوُهُ كَأُذُنٍ بِشَفَةٍ كَالْعَكْسِ وَلَا أُصْبُعٌ وَأُنْمُلَةٌ وَسِنٌّ بِغَيْرِهَا وَلَا زَائِدٌ بِزَائِدٍ في مَحَلٍّ آخَرَ كَزَائِدٍ بِجَنْبِ الْخِنْصَرِ بِزَائِدٍ بِجَنْبِ الْإِبْهَامِ لِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ بَلْ وَالِاسْمُ وَالْمَنْفَعَةُ في بَعْضِهَا بِخِلَافِ زَائِدٍ بِزَائِدٍ مُتَّفِقَيْ الْمَحَلِّ وَلَا يَضُرُّ في وُجُوبِ الْقِصَاصِ حَيْثُ اتَّحَدَ الْجِنْسُ تَفَاوُتُ كِبَرٍ أو طُولٍ أو قُوَّةٍ أو سِمَنٍ أو لَوْنٍ في عُضْوٍ أَصْلِيٍّ وَكَذَا زَائِدٌ كما في النَّفْسِ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ في ذلك لَا تَكَادُ تَتَّفِقُ وَلِأَنَّهَا لو اُعْتُبِرَتْ لَبَطَلَ مَقْصُودُ الْقِصَاصِ وَلِذَلِكَ تُقْطَعُ يَدُ الصَّانِعِ بِيَدِ الْأَخْرَقِ كما يُقْتَلُ الْعَالِمُ بِالْجَاهِلِ إلَّا إنْ تَفَاوَتَا أَيْ الزَّائِدَانِ بِمَفْصِلٍ بِأَنْ زَادَتْ مَفَاصِلُ زَائِدَةِ الْجَانِي على مَفَاصِلِ زَائِدَةِ الْمَجْنِيِّ عليه فَيَضُرُّ حتى لَا تُقْطَعَ بها لِأَنَّ هذا أَعْظَمُ من تَفَاوُتِ الْمَحَلِّ وَكَذَا إنْ تَفَاوَتَا بِالْحُكُومَةِ وَإِنْ تَمَاثَلَا في الْمَفْصِلِ كما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ
وَيُقْطَعُ زَائِدٌ بِأَصْلِيٍّ اتَّفَقَ مَحَلُّهُمَا لِأَنَّهُ دُونَ حَقِّهِ وَلَا شَيْءَ له لِنُقْصَانِ الزَّائِدِ كما لو رضي بِالشَّلَّاءِ عن الصَّحِيحَةِ بِخِلَافِ ما إذَا اخْتَلَفَ مَحَلُّهُمَا لَا عَكْسُهُ أَيْ لَا يُقْطَعُ أَصْلِيٌّ بِزَائِدٍ وَإِنْ اتَّفَقَ مَحَلُّهُمَا لِأَنَّهُ فَوْقَ حَقِّهِ
فَرْعٌ وَيُقْتَصُّ في الْمُوضِحَةِ بِالْمِسَاحَةِ طُولًا وَعَرْضًا لَا بِالْجُزْئِيَّةِ لِأَنَّ الرَّأْسَيْنِ مَثَلًا قد يَخْتَلِفَانِ صِغَرًا وَكِبَرًا فَيَكُونُ جُزْءُ أَحَدِهِمَا قَدْرَ جَمِيعِ الْآخَرِ فَيَقَعُ الْحَيْفُ بِخِلَافِ الْأَطْرَافِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ وَجَبَ فيها بِالْمُمَاثَلَةِ بِالْجُمْلَةِ فَلَوْ اعْتَبَرْنَاهَا بِالْمُسَامَحَةِ أَدَّى إلَى أَخْذِ الْأَنْفِ بِبَعْضِ الْأَنْفِ وهو مُمْتَنِعٌ وَلَا كَذَلِكَ في الْمُوضِحَةِ فَاعْتُبِرَتْ بِالْمُسَامَحَةِ وَإِنْ عَمَّ بِالْبَعْضِ أَيْ بِسَبَبِ إيضَاحِ الْبَعْضِ الْكُلُّ بِأَنْ كان رَأْسُ الشَّاجِّ أَصْغَرَ من رَأْسِ الْمَشْجُوجِ وَإِنْ كان أَكْبَرَ منه أَخَذَ قَدْرَ حَقِّهِ منه بِالْمِسَاحَةِ وَبَدَأَ الْمُقْتَصُّ بِالْإِيضَاحِ من حَيْثُ شَاءَ الْجَانِي إذْ كُلُّ رَأْسِهِ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ وَقِيلَ من حَيْثُ شَاءَ الْمَجْنِيُّ عليه لِأَنَّهُ أَوْضَحَ جَمِيعَ رَأْسِهِ فَيَسْتَوْفِي قَدْرَهُ من أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ وَصَوَّبَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ قالوا وهو الذي أَوْرَدَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ خَلَا الْإِمَامَ وَمَنْ تَبِعَهُ وَنَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ وما رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ تَبِعَا فيه الْإِمَامَ وَتَعْلِيلُهُ السَّابِقُ لَا يُنَاسِبُهُ وَإِنَّمَا يُنَاسِبُ الثَّانِي وَإِنْ كان الْمُنَاسِبُ لِإِعْطَاءِ من عليه حُقُوقٌ مَالِيَّةٌ هو الْأَوَّلَ
قالوا وَنَقْلُ الرَّافِعِيِّ الْأَوَّلَ عن الْأَكْثَرِينَ سَهْوٌ وَلَا يُتَمِّمُ مُوضِحَةً لِرَأْسٍ إذَا كان أَصْغَرَ بِالْجِهَةِ كَعَكْسِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ وَلَوْ قال وَلَا يُتَمِّمُ بِغَيْرِهِ كان أَعَمَّ بَلْ يُتَمِّمُ بِالْقِسْطِ أَيْ بِقِسْطِ الْبَاقِي من الْأَرْشِ إذَا وُزِّعَ على جَمِيعِ الْمُوضِحَةِ لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ فيه فَإِنْ كان الْبَاقِي قَدْرَ الثُّلُثِ فَالْقِسْطُ ثُلُثُ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ وَهَذَا كما لو قَطَعَ نَاقِصُ الْأَصَابِعِ يَدَ كَامِلِهَا فإنه تُقْطَعُ يَدُهُ وَيُؤْخَذُ أَرْشُ الْأُصْبُعِ النَّاقِصَةِ وَإِنَّمَا لم يَكْتَفِ بِرَأْسِهِ كَالْيَدِ الصَّغِيرَةِ عن الْكَبِيرَةِ لِأَنَّ ما بِهِ التَّفَاوُتُ بين الْيَدَيْنِ ليس بِيَدٍ وما بِهِ التَّفَاوُتُ بين الْمُوضِحَتَيْنِ مُوضِحَةٌ فَلَا يُجْعَلُ تَابِعًا وَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ ثَمَّ اسْمُ الْيَدِ وَهُنَا الْمِسَاحَةُ نعم إنْ كان بَعْضُهُ أَيْ رَأْسُ الْجَانِي مَشْجُوجًا وَالْبَاقِي بِقَدْرِ مُوضِحَتِهِ تَعَيَّنَ لِتَعَذُّرِ مَشِيئَةِ الْجَانِي وَصَارَ كَأَنَّهُ كُلُّ الرَّأْسِ وَلَا تَفْرُقُ الْمُوضِحَةُ في مَحَلَّيْنِ كَمُقَدِّمِ رَأْسِهِ وَمُؤَخِّرِهِ فَتَصِيرُ مُوضِحَتَيْنِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مُقَابَلَةِ مُوضِحَةٍ بِمُوضِحَتَيْنِ
وَلَا تُبَعَّضُ الْمُوضِحَةُ مع إمْكَانِهَا أَيْ إمْكَانِ اسْتِيفَائِهَا وَذَلِكَ بِأَنْ يَسْتَوْفِيَ بَعْضَهَا قِصَاصًا وبعضها أَرْشًا أَيْ بِقِسْطِهِ منه لِأَنَّ الْبَعْضَ الْمُسْتَوْفَى يُقَابَلُ بِالْأَرْشِ التَّامِّ مع تَمَكُّنِهِ من تَمَامِ الِاسْتِيفَاءِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَتَمَكَّنْ منه وهو ما مَرَّ في قَوْلِهِ بَلْ بِالْقِسْطِ من
____________________
(4/26)
الْأَرْشِ بِخِلَافِ الْمُوضِحَتَيْنِ فإنه له أَنْ يَقْتَصَّ في إحْدَاهُمَا وَيَأْخُذَ أَرْشَ الْأُخْرَى لِأَنَّهُمَا جِنَايَتَانِ وَإِنْ أَوْضَحَ الْجَانِي بَعْضَهُ أَيْ بَعْضَ الرَّأْسِ كَالنَّاصِيَةِ وَالْقَذَالِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَبِالْمُعْجَمَةِ وهو جِمَاعُ مُؤَخِّرِ الرَّأْسِ تَعَيَّنَ الْمَوْضِعُ لِلْإِيضَاحِ وَيُتَمِّمُ ما نَقَصَ من مُوضِحَتِهِ من الرَّأْسِ لِأَنَّهُ كُلَّهُ عُضْوٌ وَاحِدٌ لَا من الْجَبْهَةِ وَالْقَفَا وَنَحْوِهِمَا لِأَنَّهُمَا أَعْضَاءٌ مُخْتَلِفَةٌ وَلَا يُتَمِّمُ السَّاعِدَ أَيْ مُوضِحَتَهُ من الْعَضُدِ وَالْكَفِّ وَلَا عَكْسُهُ لِذَلِكَ وَلْيَحْلِقْ إذَا أَرَادَ الِاقْتِصَاصَ في الْمُوضِحَةِ مَوْضِعَهَا من رَأْسِ الشَّاجِّ إنْ كان عليه شَعْرٌ وَيُعَلِّمُ بِخَطٍّ من سَوَادٍ أو حُمْرَةٍ أو نَحْوِهِمَا وَيُوضِحُ بِحَدِيدَةٍ حَادَّةٍ كَالْمُوسَى لَا بِسَيْفٍ وَحَجَرٍ وَنَحْوِهِمَا وَإِنْ كان أَوْضَحَ بِهِ إذْ لَا تُؤْمَنُ الزِّيَادَةُ قال في الْأَصْلِ كَذَا ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ وَتَرَدَّدَ فيه الرُّويَانِيُّ
انْتَهَى
وَعِبَارَةُ الرُّويَانِيِّ بَعْدَ نَقْلِهِ ذلك عن الْقَفَّالِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَقْتَصُّ بِمِثْلِ ما فَعَلَهُ إنْ أَمْكَنَ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ إذَا لم يُمْكِنْ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو ما نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ عن الْقَاضِي ولم يذكر غَيْرَهُ وهو الظَّاهِرُ وَلَا عِبْرَةَ بِغِلَظِ الْجِلْدِ أو اللَّحْمِ وَرِقَّتِهِ كما لَا عِبْرَةَ بِتَفَاوُتِ كِبَرِ الْأَطْرَافِ وَيَفْعَلُ الْمُقْتَصُّ الْأَسْهَلَ على الْجَانِي من الشَّقِّ دَفْعَةً وَاحِدَةً أو شيئا فَشَيْئًا وَخَالَفَ ابن الرِّفْعَةِ فقال الْأَشْبَهُ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِ جِنَايَتِهِ إنْ أَوْضَحَ دَفْعَةً فَدَفْعَةً أو بِالتَّدْرِيجِ فَبِالتَّدْرِيجِ وَيَضْبِطُ الْجَانِي وُجُوبًا لِئَلَّا يَضْطَرِبَ فَإِنْ زَادَ الْمُقْتَصُّ في الْمُوضِحَةِ على قَدْرِ حَقِّهِ فَإِنْ كان بِاضْطِرَابِ الْجَانِي فَهَدَرٌ أو عَمْدًا اقْتَصَّ منه في الزَّائِدِ لَكِنْ بَعْدَ انْدِمَالِ جُرْحِهِ أو خَطَأً كَأَنْ اضْطَرَبَتْ يَدَاهُ أو عَفَا على مَالٍ فَأَرْشٌ كَامِلٌ يَلْزَمُهُ لِأَنَّ حُكْمَ الزَّائِدِ يُخَالِفُ حُكْمَ الْأَصْلِ وَتَخَالُفُ الْحُكْمِ كَتَعَدُّدِ الْجَانِي وَيُصَدَّقُ الْمُقْتَصُّ بِيَمِينِهِ إنْ قال أَخْطَأْت بِالزِّيَادَةِ وقال الْمُقْتَصُّ منه بَلْ تَعَمَّدْت لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَمْدِ وَإِنْ قال تَوَلَّدَتْ الزِّيَادَةُ بِاضْطِرَابِهِ وَأَنْكَرَ الْمُقْتَصُّ منه فَوَجْهَانِ في الْمُصَدَّقِ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَعَدَمُ الِاضْطِرَابِ وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْهُمَا تَصْدِيقَ الْمُقْتَصِّ منه تَنْبِيهٌ سَيَأْتِي أَنَّ الْمَجْنِيَّ عليه لَا يُمَكَّنُ من الِاسْتِيفَاءِ في الطَّرَفِ وَصُورَةُ ما ذَكَرَ هُنَا أَنْ يَرْضَى الْجَانِي بِذَلِكَ أو يُوَكِّلَ فيه الْمَجْنِيُّ عليه غَيْرَهُ
فَرْعٌ إيضَاحُ الْجَمَاعَةِ كَقَطْعِهِمْ الطَّرَفَ في كَيْفِيَّةِ الِاشْتِرَاكِ وَوُجُوبِ الْقِصَاصِ فإذا تَحَامَلُوا على الْآلَةِ وَجَرُّوهَا مَعًا وَجَبَ أَنْ يُوضَحَ من كُلٍّ منهم مِثْلَ تِلْكَ الْمُوضِحَةِ وَقِيلَ تُوَزَّعُ عليهم وَيُوضَحُ من كُلٍّ منهم بِقَدْرِ حِصَّتِهِ لِإِمْكَانِ التَّجْزِئَةِ وَإِنْ وَجَبَ مَالٌ وُزِّعَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ عليهم وهو ما قَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن الْبَغَوِيّ وَقِيلَ يَجِبُ عليه كُلُّ أَرْشٍ كَامِلٍ وَالتَّرْجِيحُ في الصُّورَتَيْنِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ في الْأُولَى
فَرْعٌ يُقْتَصُّ في الْمُوضِحَةِ التي لِذِي شَعْرٍ من شَاجٍّ ذِي شَعْرٍ وَإِنْ تَفَاوَتَا في الشَّعْرِ خِفَّةً وَكَثَافَةً وَكَذَا من شَاجٍّ أَقْرَعَ لَا عَكْسِهِ بِأَنْ كان الْمَشْجُوجُ أَقْرَعَ وَالشَّاجُّ ليس بِأَقْرَعَ فَلَا يُقْتَصُّ منه لِمَا فيه من إتْلَافِ شَعْرٍ لم يُتْلِفْهُ وَعَبَّرَ بِالْأَقْرَعِ إشَارَةً إلَى ما جَمَعَ بِهِ ابن الرِّفْعَةِ بين نَصِّ الْأُمِّ على أَنَّهُ لَا قِصَاصَ على من اخْتَصَّ الشَّعْرُ بِرَأْسِهِ وهو ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ وَنَصِّ الْمُخْتَصَرِ على أَنَّ عليه الْقِصَاصَ فَيَحْلِقُ مَحَلَّ الشَّجَّةِ ثُمَّ يَقْتَصُّ منه كما يَفْعَلُ بِهِ ذلك إذَا كان بِرَأْسِهِمَا شَعْرٌ فَحَمَلَ ابن الرِّفْعَةِ الْأَوَّلَ على ما إذَا كان عَدَمُ الشَّعْرِ بِرَأْسِ الْمَشْجُوجِ لِفَسَادِ مَنْبَتِهِ وَالثَّانِي على ما إذَا كان لِحَلْقٍ وَنَحْوِهِ
فَرْعٌ لو خَفِيَ الْإِيضَاحُ بِأَنْ شَكَّ هل أَوْضَحَ بِالشَّجَّةِ أو لَا لم يَقْتَصَّ مع الشَّكِّ بَلْ يَسْبُرُ بِالْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ يَبْحَثُ عنه بِمِسْمَارٍ أو نَحْوِهِ حتى يَعْرِفَ وَيَشْهَدُ بِهِ شَاهِدَانِ أو يَثْبُتُ بِاعْتِرَافِ الْجَانِي وهو أَيْ الْإِيضَاحُ يَحْصُلُ بِالِانْتِهَاءِ إلَى الْعَظْمِ حتى لو غَرَزَ إبْرَةً وَانْتَهَتْ إلَيْهِ فَمُوضِحَةٌ وَإِنْ لم يَظْهَرْ الْعَظْمُ لِلنَّاظِرِ
فَصْلٌ في الصِّفَاتِ التي يُؤَثِّرُ التَّفَاوُتُ فيها أو لَا يُؤَثِّرُ تُقْطَعُ يَدٌ مَثَلًا سَلِيمَةٌ بِبَرْصَاءَ وَعَسْمَاءَ وَعَرْجَاءَ وَعَلِيلَةَ ظُفُرٍ لِأَنَّهُ لَا خَلَلَ في الْعُضْوِ وَلِأَنَّ هذه الْأَشْيَاءَ عِلَّةٌ وَمَرَضٌ في الْعُضْوِ وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ في وُجُوبِ الْقِصَاصِ
____________________
(4/27)
قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَحَلُّهُ في عِلَّةِ الظُّفُرِ من سَوَادٍ وَاخْضِرَارٍ وَنَحْوِهِمَا إذَا لم يَكُنْ لِآفَةٍ ولم يَكُنْ جَافًّا وَإِلَّا فَلَا قِصَاصَ كما جَزَمَ بِهِ في الْأَوَّلِ الْمُتَوَلِّي وَنَصَّ عليه في الثَّانِي الشَّافِعِيُّ وَجَرَى عليه الْإِمَامُ وَالْعَسَمُ بِمُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ تَشَنُّجٌ في الْمَرْفِقِ أو قِصَرٌ في السَّاعِدِ أو الْعَضُدِ قَالَهُ في الْأَصْلِ وقال ابن الصَّبَّاغِ هو مَيْلٌ وَاعْوِجَاجٌ في الرُّسْغِ وقال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ الْأَعْسَمُ الْأَعْسَرُ وهو من بَطْشُهُ بِيَسَارِهِ أَكْثَرُ لَا سَاقِطَةٌ أَيْ لَا سَلِيمَةُ ظُفُرٍ بِسَاقِطَةٍ لِأَنَّهَا أَعْلَى منها ولكن تَكْمُلُ دِيَتُهَا وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْقِصَاصَ تُعْتَبَرُ فيه الْمُمَاثَلَةُ بِخِلَافِ الدِّيَةِ وَعُلِمَ بِمَا قَالَهُ أَنَّ سَاقِطَةَ الظُّفُرِ تُقْطَعُ بِسَلِيمَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ لِأَنَّهَا دُونَ حَقِّهِ
فَرْعٌ لَا تُقْطَعُ يَدٌ أو رِجْلٌ صَحِيحَةٌ بِشَلَّاءَ لم يَمُتْ صَاحِبُهَا بِقَطْعِهَا وَإِنْ رضي بِهِ الْجَانِي لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ كما لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَلِأَنَّ نِسْبَةَ بَدَلِ الصَّحِيحَةِ إلَى بَدَلِ النَّفْسِ النِّصْفُ وَنِسْبَةَ بَدَلِ الشَّلَّاءِ إلَى بَدَلِ النَّفْسِ دُونَ ذلك لِأَنَّ وَاجِبَهَا الْحُكُومَةُ فَإِنْ قَطَعَهَا الْمَجْنِيُّ عليه بِلَا إذْنٍ من الْجَانِي لَزِمَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ فَلَا تَقَعُ قِصَاصًا لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ له بَلْ لو سَرَى لَزِمَهُ الْقِصَاصُ في النَّفْسِ وَإِنْ أُذِنَ له في قَطْعِهَا قِصَاصًا فَهَلْ يُجْزِئُ وكان الْجَانِي أَدَّى الْجَيِّدَ عن الرَّدِيءِ وَقَبَضَهُ الْمُسْتَحِقُّ أو يَضْمَنُ كُلٌّ مِنْهُمَا جِنَايَتَهُ بِأَنْ يَضْمَنَ الْمَجْنِيُّ عليه نِصْفَ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ لم يَسْتَحِقَّ ما قَطَعَهُ وَالْجَانِي الْحُكُومَةَ لِأَنَّهُ لم يَبْذُلْ عُضْوَهُ مَجَّانًا أَيْ بَلْ أَخَذَ بَدَلَهُ وَجْهَانِ وَبِالثَّانِي قَطَعَ الْبَغَوِيّ وهو قَضِيَّةُ ما يَأْتِي في بَذْلِ الْيَسَارِ عن الْيَمِينِ
أو قَطَعَهَا بِإِذْنٍ مُطْلَقٍ عن التَّقْيِيدِ بِقَطْعِهَا قِصَاصًا فَقَدْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَإِنْ مَاتَ الْجَانِي بِالسِّرَايَةِ لِأَنَّهُ إذْنٌ في الْقَطْعِ وَتُقْطَعُ شَلَّاءُ بِشَلَّاءَ إنْ تَسَاوَى الشَّلَلُ من الْجَانِبَيْنِ أو زَادَ شَلَلُ الْجَانِي ولم يَخَفْ نَزْفَ الدَّمِ أَيْ خُرُوجَهُ كُلَّهُ وَإِلَّا فَلَا تُقْطَعُ بها لِأَنَّهَا فَوْقَ حَقِّهِ وَحَذَرًا من اسْتِيفَاءِ النَّفْسِ بِالطَّرَفِ فِيمَا إذَا خِيفَ نَزْفُ الدَّمِ وتقطع شَلَّاءُ بِصَحِيحَةٍ إنْ لم يَخَفْ نَزْفَ الدَّمِ بِخِلَافِ ما إذَا خِيفَ نَزْفُهُ بِأَنْ قال أَهْلُ الْخِبْرَةِ لو قُطِعَتْ لم يَنْسَدَّ فَمُ الْعُرُوقِ بِالْحَسْمِ ولم يَنْقَطِعْ الدَّمُ لَا شَلَّاءُ خِنْصَرٍ بِشَلَّاءَ بِنَصْرٍ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ وَبُطْلَانُ الْعَمَلِ وَإِنْ لم يَزُلْ الْحِسُّ وَالْحَرَكَةُ شَلَلٌ وَقِيلَ لَا بُدَّ من زَوَالِهِمَا وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُمَا
وَتُقْطَعُ قَوِيَّةٌ بِضَعِيفَةٍ لَا بِضَعِيفَةٍ من جِنَايَةٍ ذَاتِ أَرْشٍ وَلَوْ حُكُومَةً بَلْ لو قُطِعَتْ لَا تَكْمُلُ دِيَتُهَا وَهَذَا كما أَنَّ من قَتَلَ من صَارَ إلَى حَالَةِ الْمُحْتَضَرِ يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ إنْ صَارَ إلَيْهَا لَا بِجِنَايَةٍ وَإِلَّا فَلَا وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ ذَاتِ أَرْشٍ لِأَنَّ ضَعْفَ الْعُضْوِ بِجِنَايَةٍ لَا بُدَّ له من أَرْشٍ
وَإِنْ قَطَعَ الْحُرُّ الذِّمِّيُّ يَدَ عَبْدٍ فَنَقَضَ عَهْدَهُ وَاسْتُرِقَّ أو قَطَعَ الْأَشَلُّ مثله فَصَحَّ الْقَاطِعُ لم يُقْطَعْ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ عِنْدَ الْجِنَايَةِ في الْأُولَى وَوُجُوبِ الزِّيَادَةِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ في الثَّانِيَةِ وَكَذَا لَا يَقْطَعُ سَلِيمٌ يَدًا أو رِجْلًا قَطْعُ أَشَلَّ أو نَاقِصَةِ أُصْبُعٍ ثُمَّ شَلَّتْ بِفَتْحِ الشِّينِ يَدُهُ في الْأُولَى وَنَقَصَتْ في الثَّانِيَةِ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ عِنْدَ الْجِنَايَةِ وَالتَّرْجِيحُ في الْأُولَى من زِيَادَتِهِ وما ذَكَرَهُ في الثَّانِيَةِ خِلَافُ ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ هُنَا عن التَّهْذِيبِ وَجَزَمَ بِهِ أَوَاخِرَ هذا الْبَابِ وَاَلَّذِي فيه أَوْجَهُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ قد تَعَلَّقَ فيها بِمَا عَدَا الْأُصْبُعَ الْمَذْكُورَةَ عِنْدَ الْجِنَايَةِ بِخِلَافِهِ في الْأُولَى فإنه لم يَتَعَلَّقْ بِشَيْءٍ أَصْلًا
وفي قَطْعِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَإِشْلَالِهِمَا الْقِصَاصُ وَكَذَا في قَطْعِ وَإِشْلَالِ إحْدَى أُنْثَيَيْنِ إنْ عُلِمَ سَلَامَةُ الْأُخْرَى بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَكَذَا دَقُّهُمَا فَيُقْتَصُّ فيه بمثله إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا وَجَبَتْ الدِّيَةُ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن التَّهْذِيبِ ثُمَّ قال وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الدَّقُّ كَكَسْرِ الْعِظَامِ وَيُقْطَعُ ذَكَرُ فَحْلٍ وَشَابٍّ وَمَخْتُونٍ بِذَكَرِ خَصِيٍّ وَعِنِّينٍ وَشَيْخٍ وَطِفْلٍ وَأَقْلَفَ إذْ لَا خَلَلَ في نَفْسِ الْعُضْوِ بَلْ في أَثَرِهِ لِأَمْرٍ خَارِجٍ وَلِلذَّكَرِ الْأَشَلِّ حُكْمُ الْيَدِ الشَّلَّاءِ فِيمَا مَرَّ وهو أَيْ الْأَشَلُّ ما أَيْ مُنْبَسِطٌ لَا يَنْقَبِضُ أو مُنْقَبِضٌ لَا يَنْبَسِطُ وَهَذَا لَازِمٌ لِقَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَبُطْلَانُ الْعَمَلِ شَلَلٌ
وَتُقْطَعُ أُذُنٌ سَمِيعَةٌ بِصَمَّاءَ لِأَنَّ السَّمْعَ لَا يَحِلُّ جِرْمَ الْأُذُنِ وَكَذَا صَحِيحَةٌ بِمُسْتَحْشِفَةٍ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِمَثْقُوبَةٍ ثُقْبًا غير شَائِنٍ لِبَقَاءِ الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ من جَمْعِ الصَّوْتِ وَرَدِّ الْهَوَامِّ بِخِلَافِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ الشَّلَّاوَيْنِ وَمَحَلُّهُ في الْمُسْتَحْشِفَةِ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ لَا صَحِيحَةٌ بِمَخْرُومَةٍ وَمَشْقُوقَةٍ لِفَوَاتِ الْجَمَالِ فِيهِمَا وَالْمَخْرُومَةُ ما قُطِعَ بَعْضُهَا بَلْ يُقْتَصُّ فيها بِقَدْرِ ما بَقِيَ منها كما مَرَّ
وَتُقْطَعُ مَخْرُومَةٌ بِصَحِيحَةٍ وَيُؤْخَذُ أَرْشُ ما نَقَصَ منها وَالثَّقْبُ الشَّائِنُ لِلْأُذُنِ كَالْخَرْمِ فِيمَا ذُكِرَ
وَيُقْطَعُ أَنْفٌ صَحِيحٌ بِأَخْشَمَ
____________________
(4/28)
أَيْ غَيْرِ شَامٍّ لِأَنَّ الشَّمَّ لَا يَحِلُّ جِرْمَ الْأَنْفِ وَأَجْذَمَ وَإِنْ اسْوَدَّ لِبَقَاءِ الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ ويقطع أَنْفٌ سَقَطَ بَعْضُهُ وَلَوْ صَحِيحًا بمثله وَلَوْ أَجْذَمَ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَسْقُطْ بَعْضُهُ وكان صَحِيحًا فَيُقْطَعُ من الصَّحِيحِ مِثْلُ الْبَاقِي أَيْ مِثْلُ ما كان بَقِيَ من أَنْفِ الْمَجْنِيِّ عليه وَلَوْ أَجْذَمَ إنْ أَمْكَنَ لَا عَيْنٌ مُبْصِرَةٌ بِقَائِمَةٍ أَيْ بِحَدَقَةٍ عَمْيَاءَ مع قِيَامِ صُورَتِهَا لِأَنَّ الْبَصَرَ في جِرْمِ الْعَيْنِ ولا لِسَانٌ نَاطِقٌ بِأَخْرَسَ لِأَنَّ النُّطْقَ في جِرْمِ اللِّسَانِ وَيَجُوزُ بِعَكْسِهِ أَيْ قَطْعُ عَيْنٍ قَائِمَةٍ بِمُبْصِرَةٍ وَلِسَانِ أَخْرَسَ بِنَاطِقٍ إذَا رضي الْمَجْنِيُّ عليه وَلَا شَيْءَ معه
وَيُؤْخَذُ جَفْنٌ بَصِيرٌ بِجَفْنٍ أَعْمَى لِتَسَاوِي الْجِرْمَيْنِ وَالْبَصَرُ ليس في الْجَفْنِ نعم لَا يُؤْخَذُ جَفْنٌ له أَهْدَابٌ بِمَا لَا أَهْدَابَ له كما قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَالْفَارِقِيُّ وَالْعَيْنُ الْقَائِمَةُ كَا لْيَدِ الشَّلَّاءِ فَلَا تُؤْخَذُ بها الْمُبْصِرَةُ وَهَذَا مَعْلُومٌ من قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ لَا عَيْنٌ مُبْصِرَةٌ بِقَائِمَةٍ وَلَوْ ذَكَرَهُ كَالْأَصْلِ عَقِبَهُ لِيَكُونَ كَالتَّعْلِيلِ له كان أَوْلَى
ويقطع لِسَانٌ نَاطِقٌ بِلِسَانٍ رَضِيعٍ إنْ ظَهَرَ فيه أَثَرُ النُّطْقِ بِحَيْثُ يُحَرِّكُهُ عِنْدَ الْبُكَاءِ وَغَيْرِهِ لَا من بَلَغَ أَوَانَ الْكَلَامِ ولم يَتَكَلَّمْ وَكَلَامُهُ كَأَصْلِهِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا لم يَنْتَهِ إلَى حَدٍّ يُحَرِّكُ فيه لِسَانَهُ لم يُقْطَعْ لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّهُ تَجِبُ فيه الدِّيَةُ كَقَطْعِ رِجْلِهِ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ السَّلَامَةُ وَمُقْتَضَى ذلك وُجُوبُ الْقِصَاصِ فيه ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ إذْ لَا يَلْزَمُ من وُجُوبِ الدِّيَةِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ قُلْت وَالْأَوْجَهُ وُجُوبُهُ كما لو قَطَعَ يَدَهُ عَقِبَ الْوِلَادَةِ
فَرْعُ الْتِصَاقِ الْأُذُنِ بِحَرَارَةِ الدَّمِ بَعْدَ الْإِبَانَةِ لَا تُسْقِطُ الْقِصَاصَ وَالدِّيَةَ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْإِبَانَةِ وقد وُجِدَتْ وَلَا تُوجِبُهُ أَيْ ما ذُكِرَ من الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ بِقَطْعِهَا مَرَّةً ثَانِيَةً لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِإِزَالَةٍ وَلَا مُطَالَبَةَ لِلْجَانِي بِقَطْعِهَا بِأَنْ يَقُولَ اقْطَعُوهَا ثُمَّ اقْطَعُوا أُذُنِي لِأَنَّ قَطْعَهَا من بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ لَا اخْتِصَاصَ له بِهِ وَالنَّظَرُ في مِثْلِهِ إلَى الْإِمَامِ وَأَمَّا الْتِصَاقُهَا وَقَطْعُهَا مَرَّةً ثَانِيَةً قبل الْإِبَانَةِ فَبِالْعَكْسِ أَيْ فَتُسْقِطُ الْقِصَاصَ وَالدِّيَةَ عن الْأَوَّلِ وَتَوْجِيهًا على الثَّانِي وَلِلْمَجْنِيِّ عليه حُكُومَةٌ على الْجَانِي أَوَّلًا كَالْإِفْضَاءِ إذَا انْدَمَلَ تَسْقُطُ الدِّيَةُ وَتَجِبُ الْحُكُومَةُ لَكِنَّهُمْ أَوْجَبُوا قَطْعَ أُذُنٍ مُبَانَةٍ الْتَصَقَتْ إنْ لم يُخَفْ منه مَحْذُورُ التَّيَمُّمِ كَأَنْ لم يَنْبُتْ اللَّحْمُ على مَحَلِّ النَّجَاسَةِ لِئَلَّا يُفْسِدَ الصَّلَاةَ لِنَجَاسَةِ الْبَاطِنِ من الْأُذُنِ بِالدَّمِ الذي ظَهَرَ في مَحَلِّ الْقَطْعِ فَقَدْ ثَبَتَ له حُكْمُ النَّجَاسَةِ فَلَا يَزُولُ بِالِاسْتِبْطَانِ لَا قَطْعُ أُذُنٍ مُعَلَّقَةٍ بِجِلْدَةٍ وقد الْتَصَقَتْ الْأُذُنُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا مَرَّ من نَجَاسَةِ الْبَاطِنِ وَيُجَابُ بِأَنَّا إنَّمَا أَوْجَبْنَا الْقَطْعَ ثُمَّ لِلدَّمِ لِأَنَّ الْمُتَّصِلَ منه بِالْمُبَانِ قد خَرَجَ عن الْبَدَنِ بِالْكُلِّيَّةِ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَعَادَ إلَيْهِ بِلَا حَاجَةٍ وَلِهَذَا لم يَعْفُ عنه وَإِنْ قَلَّ بِخِلَافِ الْمُتَّصِلِ منه هُنَا وَإِنْ اسْتَوْفَى الْمَجْنِيُّ عليه الْبَعْضَ من الْأُذُنِ فَالْتَصَقَ فَلَهُ قَطْعُهُ مع الْبَاقِي منها لِاسْتِحْقَاقِهِ الْإِبَانَةَ وَلَوْ قُطِعَتْ أُذُنٌ مُبَانَةٌ الْتَصَقَتْ بِمَكَانِهَا ولم نُوجِبْ إزَالَتَهَا لِخَوْفِ التَّلَفِ مَثَلًا فَمَاتَ الْمَقْطُوعُ سِرَايَةً فَالْقَوَدُ على الْقَاطِعِ وَالْتِصَاقُ السِّنِّ الْمَقْلُوعَةِ بِمَكَانِهَا كَالْأُذُنِ فِيمَا ذُكِرَ
فَصْلٌ الْقِصَاصُ وَاجِبٌ في قَلْعِ السِّنِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ لَا في كَسْرِهَا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ في كَسْرِ الْعَظْمِ نعم إنْ أَمْكَنَ فيها الْقِصَاصُ فَتَقَدَّمَ عن النَّصِّ أَنَّهُ يَجِبُ وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ هُنَا عن حِكَايَةِ ابْنِ كَجٍّ وَعَنْ قَطْعِ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ بَعْدَ نَقْلِهِ عن الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ إطْلَاقَ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ في السِّنِّ وَبِالْإِطْلَاقِ جَزَمَ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ قال الرَّافِعِيُّ وقد يُوَجَّهُ ما نَقَلَهُ عن النَّصِّ بِأَنَّ السِّنَّ عَظْمٌ مُشَاهَدٌ من أَكْثَرِ الْجَوَانِبِ وَلِأَهْلِ الصَّنْعَةِ آلَاتٌ قَطَّاعَةٌ يُعْتَمَدُ عليها في الضَّبْطِ فلم تَكُنْ كَسَائِرِ الْعِظَامِ فَلَا تُؤْخَذُ صَحِيحَةً بِمَكْسُورَةٍ وَيَجُوزُ عَكْسُهُ مع أَرْشِ الذَّاهِبِ من الْمَكْسُورَةِ وَعَادِمُ تِلْكَ الْمَقْلُوعَةِ عِنْدَ جِنَايَتِهِ لَا قِصَاصَ عليه فيها وَإِنْ نَبَتَتْ بَعْدُ لِأَنَّهَا لم تَكُنْ مَوْجُودَةً عِنْدَ الْجِنَايَةِ وَمِثْلُهُ من بِهِ مُوضِحَةٌ غَيْرُ مُنْدَمِلَةٍ لو أَوْضَحَ آخَرُ أَيْ غَيْرَهُ في مَوْضِعِ مُوضِحَتِهِ لَا يُقْتَصُّ منه وَإِنْ انْدَمَلَتْ مُوضِحَتُهُ لِأَنَّ مَحَلَّ الْقِصَاصِ لم يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْجِنَايَةِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ
وَإِنْ قَلْع مَثْغُورٌ وهو الذي سَقَطَتْ رَوَاضِعُهُ وَهِيَ أَرْبَعٌ تَثْبُتُ وَقْتَ الرَّضَاعِ يُعْتَادُ سُقُوطُهَا لَا سُقُوطَ الْكُلِّ قَالَهُ في الْأَنْوَارِ فَتَسْمِيَةُ غَيْرِهَا بِالرَّوَاضِعِ مَجَازٌ عَلَاقَتُهُ الْمُجَاوَرَةُ
____________________
(4/29)
سِنَّ غَيْرِ مَثْغُورٍ وَلَوْ بَالِغًا انْتَظَرَ فَلَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ في الْحَالِ لِأَنَّهَا تَعُودُ غَالِبًا فَإِنْ نَبَتَتْ سَلِيمَةً فَلَا شَيْءَ له أو بها شَيْنٌ كَسَوَادٍ وَاعْوِجَاجٍ وَلَوْ كان الشَّيْنُ طُولًا أو شَغًا بِالْمُعْجَمَتَيْنِ وَالْفَتْحِ وَالْقَصْرِ أَيْ زِيَادَةً بِأَنْ زَادَتْ السِّنُّ أو نَبَتَ مَعَهَا سِنٌّ شَاغِيَةٌ أَيْ زَائِدَةٌ وَهِيَ التي يُخَالِفُ نَبْتُهَا نَبْتَ غَيْرِهَا من الْأَسْنَانِ فَحُكُومَةٌ تَجِبُ فيها وَإِنْ نَبَتَتْ أَقْصَرَ مِمَّا كانت فَقِسْطُهَا من الْأَرْشِ يَجِبُ وَإِنْ يَئِسَ من نَبَاتِهَا وَقْتَهُ بِأَنْ سَقَطَتْ سَائِرُ الْأَسْنَانِ وَعَادَتْ ولم تَعُدْ الْمَقْلُوعَةُ وقال أَهْلُ الْخِبْرَةِ فَسَدَ مَنْبَتُهَا فَالْقِصَاصُ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ بَانَ بِالْآخِرَةِ أَنَّهُ أَفْسَدَ الْمَنْبَتَ فَيُقَابَلُ بمثله لَكِنْ لَا يُقْتَصُّ في الْحَالِ في الصَّغِيرِ بَلْ يُؤَخَّرُ حتى يَبْلُغَ فَإِنْ مَاتَ قبل الْبُلُوغِ فَإِنْ كان قبل الْيَأْسِ فَلَا قِصَاصَ لِوَارِثِهِ لِعَدَمِ الْيَأْسِ من نَبَاتِهَا وفي وُجُوبِ الْأَرْشِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا كما سَيَأْتِي في الدِّيَاتِ الْمَنْعُ وَإِنْ كان بَعْدَ الْيَأْسِ اقْتَصَّ وَارِثُهُ في الْحَالِ أو أَخَذَ الْأَرْشَ
فَرْعٌ لو قَلَعَ مَثْغُورٌ مثله أَيْ سِنَّ مِثْلِهِ كما هو مَوْجُودٌ في بَعْضِ النُّسَخِ اُقْتُصَّ منه وَإِنْ نَبَتَتْ لِأَنَّ نَبَاتَهَا نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ إذْ لم تَجْرِ الْعَادَةُ بِنَبَاتِ سِنِّ الْمَثْغُورِ كَانْدِمَالِ مُوضِحَةٍ وَجَائِفَةٍ بِأَنْ الْتَأَمَتَا وَالْتَحَمَتَا فَيُقْتَصُّ فِيهِمَا لِأَنَّ الْعَادَةَ فِيهِمَا الِالْتِحَامُ هذا تَقْرِيرُ كَلَامِهِ وهو مُسَلَّمٌ في الْمُوضِحَةِ لَا في الْجَائِفَةِ إذْ لَا قِصَاصَ فيها وَالْمُرَادُ لَا تَسْقُطُ بِذَلِكَ دِيَتُهَا ومثل نَبَاتِ لِسَانٍ لِأَنَّ عَوْدَهُ بَعِيدٌ جِدًّا فَهُوَ مَحْضُ نِعْمَةٍ وَقَوْلُهُ قُطِعَتْ وَصْفٌ لِلثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ وَاللِّسَانُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وفي قَلْعِ سِنِّ الْمَثْغُورِ النَّابِتَةِ بَعْدَ قَلْعِهَا الْقِصَاصُ فَإِنْ قَلَعَهَا منه الْجَانِي وقد اقْتَصَّ منه وَجَبَ عليه الْأَرْشُ لِلْقَلْعِ الثَّانِي لِأَنَّ ما فيه الْقِصَاصُ وهو سِنُّ الْجَانِي قد فَاتَ وَالتَّعْلِيلُ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ كان أَيْ الشَّأْنُ قد أُخِذَ أَرْشُهَا لِلْقَلْعِ الْأَوَّلِ ولم يُقْتَصَّ منه اقْتَصَّ منه الْآنَ لِلْقَلْعِ الثَّانِي أَمْ لم يُؤْخَذْ منه شَيْءٌ ولم يُقْتَصَّ منه لَزِمَتْهُ قِصَاصٌ وَأَرْشٌ أو أَرْشَانِ بِلَا قِصَاصٍ أو قَلَعَ بَالِغٌ غَيْرُ مَثْغُورٍ سِنَّ مَثْغُورٍ انْتَظَرَهُ حَالَ الْقَالِعِ أو أَخَذَ الْأَرْشَ أو اقْتَصَّ منه وَلَا أَرْشَ له مع الِاقْتِصَاصِ كَالشَّلَّاءِ أَيْ كما في أَخْذِهَا بِالصَّحِيحَةِ وَانْقَطَعَ طَلَبُهُ بِذَلِكَ فَلَوْ عَادَتْ السِّنُّ لم تُقْلَعْ ثَانِيًا وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ حَقُّهُ بِالِاسْتِيفَاءِ وَإِنْ لم يُشْرَطْ عليه أَنْ لَا حَقَّ له فِيمَا يَعُودُ وهو ظَاهِرُ ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن ابْنِ كَجٍّ وَخَرَجَ بِالْبَالِغِ الصَّغِيرُ فَلَا قِصَاصَ عليه وَيَتَعَيَّنُ الْأَرْشُ أو قَلَعَ غَيْرُ مَثْغُورٍ مثله أَيْ سِنَّ مِثْلِهِ انْتَظَرَ حَالُهُ فَلَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ في الْحَالِ لِمَا مَرَّ فَإِنْ نَبَتَتْ سِنُّ الْمَجْنِيِّ عليه فَلَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ وَإِنْ لم تَنْبُتْ وقد دخل وَقْتُ نَبَاتِهَا اُقْتُصَّ من الْقَالِعِ أو أُخِذَ منه الْأَرْشُ فَإِنْ اقْتَصَّ ولم يَعُدْ سِنُّ الْجَانِي فَذَاكَ فَلَوْ عَادَتْ قُلِعَتْ ثَانِيًا لِيَفْسُدَ مَنْبَتُهَا كما فَسَدَ مَنْبَتُ الْمَجْنِيِّ عليها لَا يُقَالُ قِيَاسُ ما مَرَّ في قَلْعِ غَيْرِ الْمَثْغُورِ سِنَّ الْمَثْغُورِ أنها لَا تُقْلَعُ هُنَا ثَانِيًا لِأَنَّا نَقُولُ الْقِصَاصُ ثَمَّ إنَّمَا تَوَجَّهَ لِسِنٍّ مُمَاثِلَةٍ لِسِنِّ الْمَجْنِيِّ عليه وَهِيَ لم تُوجَدْ بَعْدُ فلما لم يَصْبِرْ إلَى وُجُودِهَا وَقَلَعَ الْمَوْجُودَةَ غير الْمُمَاثِلَةِ سَقَطَ حَقُّهُ كما في الشَّلَّاءِ وَهُنَا تَوَجَّهَ إلَى الْمَوْجُودَةِ لِمُمَاثَلَتِهَا الْمَقْلُوعَةَ فإذا قَلَعَهَا ولم يَفْسُدْ مَنْبَتُهَا قَطَعَ الْمُعَادَةَ لَيُفْسِدَ مَنْبَتَهَا كَمَنْبَتِ الْمَجْنِيِّ عليها
فَرْعٌ قال في الْأَنْوَارِ وَلَوْ ضَرَبَ سَنَةً فَزَلْزَلَهَا ثُمَّ سَقَطَتْ وَجَبَ الْقِصَاصُ
فَصْلٌ له قَطْعُ يَدٍ نَاقِصَةِ أُصْبُعٍ أو أُصْبُعَيْنِ مَثَلًا بِكَامِلَتِهَا لِأَنَّهَا بَعْضُ حَقِّهِ وَلَهُ دِيَةُ الْأُصْبُعِ في الْأُولَى أو الْأُصْبُعَيْنِ في الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا قد قُطِعَتْ منه ولم يَسْتَوْفِ قِصَاصَهَا وَيُخَالِفُ ما لو قَطَعَ من له يَدٌ شَلَّاءُ يَدًا سَلِيمَةً حَيْثُ لَا يَأْخُذُ الْمَجْنِيُّ عليه أَرْشًا مع قَطْعِهَا بَلْ يَقْنَعُ بها أو يَأْخُذُ دِيَةَ الْيَدِ بِلَا قَطْعٍ لِأَنَّ نَقْصَ الصِّفَةِ لَا يُقَابَلُ بِمَالٍ بِخِلَافِ نَقْصِ الْجِرْمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو أَتْلَفَ عليه الْغَاصِبُ صَاعًا جَيِّدًا فَأَخَذَ عنه صَاعًا رَدِيئًا لَا يَأْخُذُ معه الْأَرْشَ بَلْ يَقْنَعُ بِهِ أو يَأْخُذُ بَدَلَ الْمَغْصُوبِ جَيِّدًا وَلَوْ أَتْلَفَ عليه صَاعَيْنِ وَوَجَدَ له صَاعًا كان له أَخْذُهُ وَطَلَبُ الْبَدَلِ لِلْآخَرِ وَلَهُ في مَسْأَلَتِنَا أَنْ يَأْخُذَ دِيَةَ الْيَدِ وَلَا يُقْطَعُ
وَلَوْ قَطَعَ شَخْصٌ وَلَهُ أُصْبُعٌ أُصْبُعَيْنِ من آخَرَ قُطِعَ الْأُصْبُعُ الْمَوْجُودُ وَأُخِذَ أَرْشُ الْمَفْقُودِ فَإِنْ قَطَعَ كَامِلُ أَصَابِعِهِ نَاقِصَةَ أُصْبُعٍ من آخَرَ فَلَهُ قَطْعُ مِثْلِ أَصَابِعِهِ الْمَقْطُوعَةِ مع أَخْذِ حُكُومَةِ كل الْكَفِّ أو دِيَةِ الْمَوْجُودِ من الْأَصَابِعِ وَحُكُومَةِ خُمُسِ الْكَفِّ دُونَ حُكُومَةِ مَنَابِتِ الْأَرْبَعِ لِأَنَّهَا من جِنْسِ الدِّيَةِ دُونَ الْقِصَاصِ
____________________
(4/30)
فَدَخَلَتْ فيها دُونَهُ وَلِأَنَّ الدِّيَةَ بَدَلٌ حُكْمِيٌّ فَجَازَ أَنْ يُجْعَلَ بَدَلًا عن الْكُلِّ وَالْقِصَاصُ اسْتِيفَاءُ الْمِثْلِ حِسًّا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْأَصَابِعَ وَحْدَهَا في مُقَابَلَةِ الْأَصَابِعِ وَمَنَابِتِهَا مع التَّفَاوُتِ الْمَحْسُوسِ بين الْجُمْلَتَيْنِ وما ذَكَرَهُ يَجْرِي فِيمَا لو كانت يَدُ الْجَانِي زَائِدَةً أُصْبُعَ وَيَدُ الْمَجْنِيِّ عليه مُعْتَدِلَةً ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَتُقْطَعُ فَاقِدَةُ الْأَصَابِعِ بِمِثْلِهَا لِلْمُسَاوَاةِ وَبِكَامِلَةٍ مع دِيَةِ الْأَصَابِعِ هذا مَعْلُومٌ من أَوَّلِ الْفَصْلِ وَإِنْ قَطَعَ أَشَلُّ أُصْبُعَيْنِ مَثَلًا يَدًا سَلِيمَةً وَقَنَعَ صَاحِبُهَا بِقَطْعِ الشَّلَّاءِ اقْتَصَرَ بِخِلَافِ ما لو طَلَبَ مع قَطْعِهَا دِيَةَ الشَّلَّاوَيْنِ كما لو عَمَّ الشَّلَلُ الْيَدَ بَلْ أَوْلَى وَإِلَّا بِأَنْ لم يَقْنَعْ بها لَقَطَ الثَّلَاثَ السَّلِيمَةَ لِلْمُسَاوَاةِ مع حُكُومَةِ مَنَابِتِهِنَّ وَأَخَذَ دِيَةَ أُصْبُعَيْنِ لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَى تَمَامِ حَقِّهِ وَدَخَلَ في دِيَةِ الْأُصْبُعَيْنِ حُكُومَةُ مَنْبَتِهَا أو بِالْعَكْسِ بِأَنْ قَطَعَ سَلِيمٌ أَشَلَّ أُصْبُعَيْنِ فَلَهُ لَقْطُ مِثْلِ الثَّلَاثِ السَّلِيمَةِ وَحُكُومَةُ الشَّلَّاوَيْنِ مع حُكُومَةِ كل الْكَفِّ وَإِنَّمَا لم يَسْتَتْبِعْ حُكُومَةُ الشَّلَّاوَيْنِ حُكُومَةَ مَنْبَتِهَا لِأَنَّ الْحُكُومَةَ ضَعِيفَةٌ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ فَلَا يَلِيقُ بها الِاسْتِتْبَاعُ بِخِلَافِ الدِّيَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِتَرْجِيحِ عَدَمِ الِاسْتِتْبَاعِ لها من زِيَادَتِهِ فَإِنْ قَطَعَ شَخْصٌ كَفًّا من آخَرَ ذَاتَ أُصْبُعٍ فَقَطْ خَطَأً فَعَلَيْهِ دِيَةُ الْأُصْبُعِ وَحُكُومَةُ مَنَابِتِ الْأَرْبَعِ لِلْبَاقِيَةِ وَإِنَّمَا لم يَجِبْ حُكُومَةُ مَنْبَتِ الْأُصْبُعِ لِانْدِرَاجِهَا في دِيَتِهَا
فَرْعٌ لو قَصُرَتْ أَصَابِعُ إحْدَى يَدَيْهِ وَكَفُّهَا عن يَدِهِ الْأُخْرَى فَلَا يُقْتَصُّ فيها من تَامَّةٍ جَنَى عليه صَاحِبُهَا لِأَنَّهَا نَاقِصَةٌ بَلْ فيها دِيَةٌ تُنْقِصُ حُكُومَةً وَعَدَمُ إيجَابِ الْقِصَاصِ فيها هو ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْبَغَوِيّ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو فِيمَا إذَا كانت تَامَّةَ الْخِلْقَةِ مُشْكِلٌ وَإِنْ كانت أُخْتُهَا أَتَمَّ منها وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ نَحْوَهُ فقال سَكَتَ الشَّيْخَانِ عليه وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ الْمُرَجَّحُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أنها إذَا كانت تَامَّةَ الْأَنَامِلِ وَالْبَطْشِ يَجِبُ فيها الْقِصَاصُ
انْتَهَى
فَكَلَامُ الْبَغَوِيّ مَحْمُولٌ على غَيْرِ ذلك
فَصْلٌ سَبَقَ أَنَّهُ تُقْطَعُ زَائِدَةٌ بِمِثْلِهَا إذَا اتَّحَدَ الْمَحَلُّ فإذا قَطَعَ من له أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ زَائِدَةٌ مِثْلَهَا من آخَرَ اقْتَصَّ بها إذَا اتَّحَدَ الْمَحَلُّ وَكَذَا يُقْتَصُّ بِالْكَفِّ الزَّائِدَةِ إنْ قَطَعَهَا صَاحِبُهَا من آخَرَ وَاتَّحَدَ الْمَحَلُّ فَإِنْ قَطَعَ مُعْتَدِلٌ يَدُهُ يَدَ ذِي أُصْبُعٍ زَائِدَةٍ قُطِعَ بها ويؤخذ لِلزَّائِدَةِ حُكُومَةٌ سَوَاءٌ كانت مَعْلُومَةً بِعَيْنِهَا أو لَا وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ دِيَةَ الْيَدِ وَحُكُومَةَ الزَّائِدَةِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لَا عَكْسُهُ بِأَنْ قَطَعَ من له يَدٌ بها أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ يَدَ مُعْتَدِلٍ فَلَا تُقْطَعُ بها لِأَنَّهَا فَوْقَ حَقِّهِ بَلْ يَلْتَقِطُ الْخَمْسَ الْأَصْلِيَّاتِ وَلَهُ حُكُومَةُ الْكَفِّ وَإِنْ كانت الزَّائِدَةُ بِجَنْبِ أَصْلِيَّةٍ بِحَيْثُ لو قُطِعَتْ سَقَطَتْ الزَّائِدَةُ لم تُقْطَعْ الْأَصْلِيَّةُ بَلْ يَأْخُذُ مع قَطْعِ الْأَرْبَعِ دِيَةَ الْخَامِسَةِ أو كانت نَابِتَةً على أُصْبُعٍ أَخَذَ من أَنَامِلِهَا مع الْأَرْبَعِ الْمُمْكِنَ من الْأُصْبُعِ بِدُونِ أَخْذِ النَّابِتِ وَأَرْشَ الْبَاقِي فَلَوْ كانت نَابِتَةً على أُنْمُلَةٍ وُسْطَى قُطِعَتْ الْأُنْمُلَةُ الْعُلْيَا مع الْأَرْبَعِ وَأَخَذَ ثُلُثَا دِيَةِ الْأُصْبُعِ وَإِنْ كانت السَّادِسَةُ أَصْلِيَّةً بِأَنْ انْقَسَمَتْ الْقُوَّةُ في السِّتِّ على سِتَّةِ أَجْزَاءٍ مُتَسَاوِيَةٍ في الْقُوَّةِ وَالْعَمَلِ بَدَلًا عن الْقِسْمَةِ على خَمْسَةِ أَجْزَاءٍ وَأَخْبَرَ أَهْلُ الْبَصَرِ بِأَنَّهَا أَصْلِيَّةٌ فَلَهُ أَيْ لِلْمَجْنِيِّ عليه لَقْطُ خَمْسٍ منها مُتَوَالِيَةٍ من أَيْ جِهَةٍ شَاءَ قال في الْأَصْلِ وهو قَرِيبٌ إنْ لم تَكُنْ السِّتُّ على تَقْطِيعِ الْخَمْسِ الْمَعْهُودَةِ وَهَيْئَتِهَا وَإِلَّا فَصُورَةُ الْإِبْهَامِ منها تُبَايِنُ صُورَةَ بَاقِيهَا فَإِنْ كانت الْمُشْبِهَةُ لِلْإِبْهَامِ على طَرَفٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْقُطَ من جَانِبِهِ وَإِنْ وَقَعَتْ ثَانِيَةً وَاَلَّتِي تَلِيهَا على الطَّرَفِ كَالْمُلْحَقَةِ بها فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْقُطَ من الْجَانِبِ الْآخَرِ مع أَخْذِ سُدُسِ دِيَةِ يَدٍ لِأَنَّهُ قَطَعَ يَدًا كَامِلَةً ولم يُقْطَعْ منه إلَّا خَمْسَةُ أَسْدَاسِ يَدٍ فَيَبْقَى سُدُسُ دِيَةِ الْيَدِ ولكن يُحَطُّ منه شَيْءٌ بِالِاجْتِهَادِ من الْحَاكِمِ لِأَنَّ الْخَمْسَ الْمَلْقُوطَةَ وَإِنْ كانت خَمْسَةَ أَسْدَاسِ يَدِ الْجَانِي فَهِيَ في الصُّورَةِ كَالْخَمْسِ الْمُعْتَدِلَةِ وَلَهُ أَيْضًا حُكُومَةُ خَمْسَةِ أَسْدَاسِ الْكَفِّ التي تُقَابِلُ الْخَمْسَ الْمَلْقُوطَةَ
وَلَوْ قَطَعَ الْمَقْطُوعُ السِّتَّ عُزِّرَ لِتَعَدِّيهِ بِالْقَطْعِ وَلَا شَيْءَ عليه نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْبَغَوِيّ ثُمَّ قال وَلَا يَبْعُدُ لُزُومُ شَيْءٍ لِزِيَادَةِ الصُّورَةِ قال الرَّافِعِيُّ وهو قَدْرُ ما حَطَّ من سُدُسِ الدِّيَةِ فِيمَا مَرَّ وما بَحَثَهُ جَزَمَ بِهِ الصَّيْدَلَانِيُّ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا قال الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وهو الْقِيَاسُ الْوَاضِحُ فَتَعَيَّنَ الْعَمَلُ بِهِ وَإِنْ كانت إحْدَاهُنَّ أَيْ السِّتِّ زَائِدَةً وَالْتَبَسَتْ بِالْأَصْلِيَّةِ فَلَا
____________________
(4/31)
قِصَاصَ في شَيْءٍ منها لِئَلَّا يُقْطَعَ زَائِدٌ بِأَصْلٍ مع اخْتِلَافِ الْمَحَلِّ فَإِنْ بَادَرَ وَقَطَعَ خَمْسًا عُزِّرَ وَلَا شَيْءَ عليه لِاحْتِمَالِ أَصَالَةِ الْمَقْطُوعَاتِ وَلَا له وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ الزَّائِدَةُ فِيمَا اسْتَوْفَى لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِمَا فَعَلَ وَالِاحْتِمَالَانِ قَائِمَانِ فَلَا شَيْءَ له كما لَا شَيْءَ عليه أو قَطَعَ الْكُلَّ فَعَلَيْهِ لِلزَّائِدَةِ حُكُومَةٌ فَإِنْ شَكَّ في زِيَادَتِهَا أَيْ إحْدَى السِّتِّ بِأَنْ قال أَهْلُ الْبَصَرِ لَا نَدْرِي أَكُلُّهَا أَصْلِيَّاتٌ أو خَمْسٌ فَلَا حُكُومَةَ كما لَا قِصَاصَ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ فَلَا قِصَاصَ أَيْضًا وَلَوْ قَطَعَ جَمِيعَهَا أو خَمْسًا منها عُزِّرَ وَلَا شَيْءَ له وَلَا عليه لِأَنَّهُ إنْ قَطَعَ الْكُلَّ احْتَمَلَ أَنَّهُنَّ أَصْلِيَّاتٌ وَإِنْ قَطَعَ خَمْسًا احْتَمَلَ أَنَّ الْبَاقِيَةَ زَائِدَةٌ
انْتَهَى وَيَأْتِي فيه الْبَحْثُ السَّابِقُ
وَلَوْ قَطَعَ ذُو السِّتِّ أُصْبُعَ مُعْتَدِلٍ قُطِعَتْ أُصْبُعُهُ الْمُمَاثِلَةُ لِلْمَقْطُوعَةِ وَأُخِذَ منه ما بين خُمُسِ دِيَةِ الْيَدِ وَسُدُسِهَا وهو بَعِيرٌ وَثُلُثَانِ لِأَنَّ خُمُسَهَا عَشَرَةٌ وَسُدُسَهَا ثَمَانِيَةٌ وَثُلُثٌ وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا ما قُلْنَا قال في الْأَصْلِ وَقِيَاسُ ما مَرَّ حَطُّ شَيْءٍ من قَدْرِ التَّفَاوُتِ قال الرَّافِعِيُّ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى سُدُسٌ في صُورَةِ خُمُسٍ وما بَحَثَهُ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَغَيْرُهُمَا وَلَوْ قَطَعَ مُعْتَدِلٌ يَدُهُ ذَاتَ السِّتِّ الْأَصْلِيَّةِ قَطَعَ يَدَهُ وَأُخِذَ منه شَيْءٌ لِلزِّيَادَةِ الْمُشَاهَدَةِ أو قَطَعَ أُصْبُعَهَا منها فَلَا قِصَاصَ عليه لِمَا فيه من اسْتِيفَاءِ خُمُسٍ بِسُدُسٍ بَلْ يَجِبُ عليه سُدُسُ دِيَةِ يَدٍ أو قَطْعُ أُصْبُعَيْنِ منها قَطَعَ صَاحِبُهَا منه أُصْبُعًا وَأَخَذَ ما بين خُمُسِ دِيَةٍ وَثُلُثِهَا وهو سِتَّةُ أَبْعِرَةٍ وَثُلُثَانِ وَلَوْ قَطَعَ ثَلَاثًا منها قُطِعَ منه أُصْبُعَانِ وَأَخَذَ ما بين نِصْفِ دِيَةِ الْيَدِ وَخُمُسَيْهَا وهو خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ وَلَوْ بَادَرَ ذُو السِّتِّ وَقَطَعَ بِأُصْبُعِهِ الْمَقْطُوعَةِ أُصْبُعًا من أَصَابِعِ الْمُعْتَدِلِ قال الْإِمَامُ فَهُوَ كَقَطْعِ صَحِيحَةٍ بِشَلَّاءَ ذَكَرَ ذلك الْأَصْلُ
فَصْلٌ تُقْطَعُ أُصْبُعُ ذَاتِ أَرْبَعِ أَنَامِلَ أَصْلِيَّةٍ بِمُعْتَدِلَةٍ إذْ لَا تَفَاوُتَ بين الْجُمْلَتَيْنِ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ في وَسِيطِهِ وَالْبَغَوِيِّ في تَعْلِيقِهِ وقال فيه بِخِلَافِ من له سِتُّ أَصَابِعَ لَا تُقْطَعُ بِمِنْ له خَمْسٌ لِوُجُودِ الزِّيَادَةِ في مُنْفَصِلَاتِ الْعَدَدِ وَصَحَّحَ في تَهْذِيبِهِ أنها لَا تُقْطَعُ بها بَلْ تُقْطَعُ ثَلَاثُ أَنَامِلَ وَيَأْخُذُ التَّفَاوُتَ وَبِهِ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ في وَجِيزِهِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ
وَكَذَا تُقْطَعُ أُنْمُلَتُهَا بِأُنْمُلَةِ الْمُعْتَدِلِ مع أَخْذِ زِيَادَةِ ما بين الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ من دِيَةِ أُصْبُعٍ وهو خَمْسَةُ أَسْدَاسِ بَعِيرٍ لِأَنَّ أُنْمُلَةَ الْمُعْتَدِلِ ثُلُثُ أُصْبُعٍ وَأُنْمُلَةَ الْقَاطِعِ رُبُعُ أُصْبُعٍ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ من زِيَادَتِهِ زِيَادَةَ
وَلَوْ قَطَعَ أُنْمُلَتَيْنِ قُطِعَ منه أُنْمُلَتَانِ مع أَخْذِ ما بين نِصْفِ دِيَةِ الْأُصْبُعِ وَثُلُثِهَا وهو بَعِيرٌ وَثُلُثَانِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَقِيَاسُ ما مَرَّ كما أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ حَطُّ شَيْءٍ من التَّفَاوُتِ فِيمَا ذُكِرَ وقد يُفَرَّقُ بِمَا مَرَّ آنِفًا عن تَعْلِيقِ الْبَغَوِيّ
وَإِنْ قَطَعَهَا الْمُعْتَدِلُ فَلَا قِصَاصَ وَلَزِمَهُ رُبُعُ دِيَةِ أُصْبُعٍ أو قَطَعَ منه الْمُعْتَدِلُ أُنْمُلَتَيْنِ قُطِعَ منه أُنْمُلَةٌ وَأُخِذَ منه ما بين ثُلُثِ دِيَتِهَا وَنِصْفِهِ أَيْ أَرْشُهَا وكان الْأَوْلَى وَنِصْفُهَا وما بَيْنَهُمَا بَعِيرٌ وَثُلُثَانِ وَلَوْ قَطَعَ منه ثَلَاثَ أَنَامِلَ قُطِعَ منه أُنْمُلَتَانِ مع أَخْذِ خَمْسَةِ أَسْدَاسِ بَعِيرٍ وَلَوْ قَطَعَ الْأُصْبُعَ بِتَمَامِهَا قُطِعَتْ أُصْبُعُهُ ولم يَلْزَمْهُ شَيْءٌ آخَرُ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَالرُّويَانِيُّ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ
وَإِنْ كانت الْأُنْمُلَةُ الْعُلْيَا زَائِدَةً لم تُقْطَعْ هِيَ وَلَا أُصْبُعُهَا بِمُعْتَدِلَةٍ لِلزِّيَادَةِ بَلْ تَجِبُ دِيَتُهَا وَذِكْرُ حُكْمِ هذه الْأُنْمُلَةِ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ قَطَعَ الْمُعْتَدِلُ أُصْبُعَهَا أَيْ أُصْبُعَ الْأُنْمُلَةِ الزَّائِدَةِ قُطِعَتْ أُصْبُعُهُ وَلَزِمَهُ حُكُومَةٌ لِلزِّيَادَةِ وَلَوْ قالوا لَا نَدْرِي أَكُلُّهَا أَصْلِيَّاتٌ أو ثَلَاثٌ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا حُكُومَةَ أو قَطَعَ أُنْمُلَةً منها فَحُكُومَةٌ تَلْزَمُهُ فَلَا قِصَاصَ عليه لِأَنَّ الْأَصْلِيَّةَ لَا تُؤْخَذُ بِالزَّائِدَةِ أو قَطَعَ منه ثِنْتَيْنِ أو ثَلَاثًا اُقْتُصَّ منه فَيُقْطَعُ منه في الْأُولَى أُنْمُلَةٌ وفي الثَّانِيَةِ أُنْمُلَتَانِ وَلِلْعُلْيَا حُكُومَةٌ وَيُقْطَعُ الطَّرَفُ الْأَصْلِيُّ من أُنْمُلَةٍ لها طَرَفَانِ أَصْلِيٍّ وَزَائِدٍ إنْ أَمْكَنَ إفْرَادُهُ بِالْقَطْعِ عن الزَّائِدِ بِأُنْمُلَةِ مُعْتَدِلٍ وَعَكْسُهُ أَيْ وَيَقْطَعُ أُنْمُلَةَ مُعْتَدِلٍ بِالطَّرَفِ الْأَصْلِيِّ من الْأُنْمُلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ
فَإِنْ كَانَتَا أَصْلِيَّتَيْنِ أَنَّثَهُمَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمَا أُنْمُلَتَانِ وَإِنْ كان الْأَنْسَبُ بِتَعْبِيرِهِ بِالطَّرَفَيْنِ تَذْكِيرَهُمَا كما فَعَلَ بَعْدُ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَا عَامِلَيْنِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَفْصِلٌ قُطِعَ إحْدَاهُمَا فَقَطْ بِأُنْمُلَةِ الْمُعْتَدِلِ مع أَخْذِ نِصْفِ الْأَرْشِ ويحط منه شَيْءٌ لِأَنَّ الْمَقْطُوعَ نِصْفٌ في صُورَةِ الْكُلِّ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّقْيِيدِ بِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَفْصِلًا من زِيَادَتِهِ وَلَا يُعْطَى شيئا مع قَطْعِهِ إحْدَاهُمَا إنْ كانت الْأُخْرَى زَائِدَةً لِأَنَّ ما قَطَعَهَا
____________________
(4/32)
تَامَّةٌ في نَفْسِهَا فَإِنْ قَطَعَهُمَا مَعًا عُزِّرَ لِلتَّعَدِّي وَلَزِمَهُ حُكُومَةٌ وَقَوْلُهُ وَلَا يُعْطَى إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ قَطَعَ مُعْتَدِلٌ أَحَدَهُمَا أَيْ أَحَدَ الطَّرَفَيْنِ لم تُقْطَعْ أُنْمُلَتُهُ أو قَطَعَ كِلَيْهِمَا قُطِعَتْ أُنْمُلَتُهُ مع أَخْذِ زِيَادَةِ شَيْءٍ لِزِيَادَةِ الْخِلْقَةِ وَقَوْلُهُ زِيَادَةِ زَائِدٌ هذا كُلُّهُ إنْ نَبَتَا على رَأْسِ الْأُنْمُلَةِ الْوُسْطَى فَلَوْ تَشَعَّبَا من عَظْمٍ عليها وَلَا مَفْصِلَ بين الْعَظْمِ وَبَيْنَهُمَا فَلَا قِصَاصَ وَإِنْ كان لِكُلِّ طَرَفٍ مَفْصِلٌ فَالْعَظْمُ الْحَائِلُ أُنْمُلَةٌ من أَرْبَعِ أَنَامِلَ وَالْعُلْيَا مِنْهُمَا ذَاتُ طَرَفَيْنِ وَالْكَفَّانِ في السَّاعِدِ وَالْقَدَمَانِ في السَّاقِ كَالْأُنْمُلَتَيْنِ على رَأْسِ الْأُصْبُعِ فِيمَا ذُكِرَ وَلَوْ خُلِقَتْ أُصْبُعٌ تَامَّةً أَيْ تُنَاسِبُ سَائِرَ الْأَصَابِعِ في الطُّولِ بِأُنْمُلَتَيْنِ فَتَامَّةٌ هِيَ لَكِنَّهَا ذَاتُ قِسْمَيْنِ كما لو كان لها أَرْبَعُ أَنَامِلَ كانت أُصْبُعًا ذَاتَ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ وَقِيلَ لَيْسَتْ أُصْبُعًا تَامَّةً وَإِنَّمَا هِيَ أُنْمُلَتَانِ لِأَنَّ طُولَ الْأَنَامِلِ لَا يَقْتَضِي مَزِيدًا بِدَلِيلِ أَنَّ ذَاتَ الْأَنَامِلِ لو طَالَتْ أَنَامِلُهَا لم تَزِدْ لها حُكُومَةٌ بِالطُّولِ ولم يَكُنْ الطُّولُ كَأُنْمُلَةٍ زَائِدَةٍ أو خُلِقَتْ بِلَا مَفْصِلٍ فَنَاقِصَةٌ فيها دِيَةٌ تُنْقِصُ شيئا لِأَنَّ الِانْثِنَاءَ إذَا زَالَ سَقَطَ مُعْظَمُ مَنَافِعِ الْأُصْبُعِ وقد يَنْجَرُّ هذا إلَى أَنْ لَا تُقْطَعَ أُصْبُعُ السَّلِيمِ بها
وَإِنْ قَطَعَ السَّلِيمُ أَيْ سَلِيمُ الْيَدِ وُسْطَى فَاقِدِ الْأُنْمُلَةِ الْعُلْيَا فَلَا قِصَاصَ ما لم يَفْقِدْ الْعُلْيَا فإذا فَقَدَهَا بِآفَةٍ أو جِنَايَةٍ اُقْتُصَّ منه لِأَنَّ الْمَنْعَ كان لِاتِّصَالِ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ بِغَيْرِهِ فإذا زَالَ اقْتَصَّ كَالْحَامِلِ إذَا وَضَعَتْ الْحَمْلَ وَمِثْلُهُ لو قَطَعَ السَّلِيمُ كَفًّا لَا أُصْبُعَ لها كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَا أَرْشَ أَيْ وَلَيْسَ له طَلَبُ الْأَرْشِ لِلْحَيْلُولَةِ ما لم يَعْفُ عن الْقِصَاصِ وَلَوْ كانت الْعُلْيَا مُسْتَحَقَّةَ الْقَطْعِ قِصَاصًا أَمَّا طَلَبُهُ لِلْفَيْصُولَةِ فَجَائِزٌ وَلَهُ أَخْذُهُ حِينَئِذٍ بَعْدَ الْعَفْوِ كما سَيَأْتِي قال الرَّافِعِيُّ قال الْأَئِمَّةُ إنَّ أَخْذَ الدِّيَةِ عَفْوٌ فَإِنْ قَطَعَ السَّلِيمُ مع قَطْعِهِ وُسْطَى من ذُكِرَ عُلْيَا آخَرَ اقْتَصَّ منه أَوَّلًا صَاحِبُ الْعُلْيَا وَإِنْ كان قَطْعُهُ مُتَأَخِّرًا ثُمَّ صَاحِبُ الْوُسْطَى وَلَهُمَا أَنْ يَقْتَصَّا مَعًا التَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَلَهُمَا أَنْ يَكْتَفِيَا بِقَطْعِ الْوُسْطَى مَعًا بِأَنْ يَضَعَا الْحَدِيدَةَ على مَفْصِلِهَا وَيَسْتَوْفِيَا الْأُنْمُلَتَيْنِ بِقِطْعَةٍ وَاحِدَةٍ وقد هَوَّنَّا الْأَمْرَ عليه
فَإِنْ بَادَرَ الْأَوَّلُ في الذِّكْرِ وهو مَقْطُوعُ الْوُسْطَى وَقَطَعَهُمَا أَثِمَ لِتَعَدِّيهِ وَعَلَيْهِ أَرْشُ الْعُلْيَا وَإِنْ قَطَعَ أُنْمُلَتَيْ رَجُلٍ من أُصْبُعٍ ثُمَّ أُنْمُلَةَ آخَرَ من مِثْلِهَا سَلِيمَيْنِ أَيْ الرَّجُلُ وَالْآخَرُ اقْتَصَّ منه ذُو الْأُنْمُلَتَيْنِ لِسَبْقِ حَقِّهِ وَلِلْآخَرِ الْأَرْشُ أو عَكْسُهُ بِأَنْ قَطَعَ أُنْمُلَةَ رَجُلٍ ثُمَّ أُنْمُلَةَ آخَرَ سَلِيمَيْنِ فَبِالْعَكْسِ أَيْ يَقْتَصُّ منه ذُو الْأُنْمُلَةِ وَلِلْآخَرِ الْأَرْشُ أَيْ أَرْشُ أُنْمُلَتَيْهِ بَعْدَ الْعَفْوِ أو يَأْخُذُ الْآخَرُ الْوُسْطَى وَأَرْشَ الْعُلْيَا فَإِنْ بَادَرَ الْآخَرُ وهو ذُو الْأُنْمُلَتَيْنِ وَقَطَعَهُمَا فَقَدْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَلِلْآخَرِ وهو ذُو الْأُنْمُلَةِ الْأَرْشُ لها على الْجَانِي
الْفَصْلُ الرَّابِعُ في وَقْتِ الْقِصَاصِ بِالْجُرُوحِ أَيْ فيها وَيُسْتَحَبُّ الْقِصَاصُ فيها بَعْدَ الِانْدِمَالِ لِاحْتِمَالِ الْعَفْوِ وَيَجُوزُ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ فيها ثَابِتٌ وَإِنْ سَرَى إلَى النَّفْسِ أو شَارَكَهُ غَيْرُهُ في الْجُرْحِ لَا الْمُطَالَبَةُ بِالْأَرْشِ فَلَا تَجُوزُ قبل ذلك لِأَنَّ الْأَرْشَ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ فَقَدْ تَعُودُ الدِّيَاتُ في ذلك إلَى وَاحِدٍ بِالسِّرَايَةِ إلَى النَّفْسِ وقد يُشَارِكُهُ جَمَاعَةٌ فَيَقِلُّ وَاجِبُهُ
بَابُ اخْتِلَافِ الْجَانِي وَمُسْتَحِقِّ الدَّمِ
إذَا قَدَّ مَلْفُوفًا في ثَوْبٍ أو هَدَمَ عليه بَيْتًا وَادَّعَى أَنَّهُ كان حين الْقَدِّ أو الْهَدْمِ مَيِّتًا وَادَّعَى الْوَلِيُّ أَنَّهُ كان حَيًّا حَلَفَ الْوَلِيُّ وَإِنْ كان مَلْفُوفًا على هَيْئَةِ التَّكْفِينِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ فَأَشْبَهَ ما لو قَتَلَ من عَهِدَهُ مُسْلِمًا وَادَّعَى رِدَّتَهُ نعم إنْ لم يَتَحَقَّقْ حَيَاتَهُ كَسِقْطٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِتَصْدِيقِ الْجَانِي لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ ولم يُعَارِضْهُ أَصْلٌ آخَرُ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وإذا حَلَفَ الْوَلِيُّ فَيَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في الْقَسَامَةِ يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا لِأَنَّ الْحَلِفَ ثَمَّ على الْقَتْلِ وَهُنَا على حَيَاةِ الْمَجْنِيِّ عليه
وَخَالَفَ الْبُلْقِينِيُّ فَرَجَّحَ أَنَّهُ يَحْلِفُ هُنَا خَمْسِينَ أَيْضًا بِنَاءً على تَرْجِيحِ تَصْدِيقِ الْوَلِيِّ لَكِنَّهُ نَازَعَ فيه وقال إنَّهُ مُخَالِفٌ لِنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَجَمْعٍ
وَرَجَّحَ تَصْدِيقَ الْجَانِي وَمَالَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَاسْتَحَقَّ الدِّيَةَ لَا الْقِصَاصَ كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ لِأَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِحَيَاتِهِ أَيْضًا وَلِمَنْ رَآهُ يَلْتَفُّ في الثَّوْبِ أو يَدْخُلُ الْبَيْتَ الشَّهَادَةُ بِحَيَاتِهِ وَإِنْ لم يَتَيَقَّنْهَا حَالَةَ
____________________
(4/33)
الْقَدِّ وَالِانْهِدَامِ اسْتِصْحَابًا لِمَا كان وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِالِالْتِفَافِ أَيْ بِأَنَّهُ رَآهُ يَلْتَفُّ في الثَّوْبِ أو يَدْخُلُ الْبَيْتَ وإذا ادَّعَى الْجَانِي رِقَّهُ أَيْ رِقَّ مَقْتُولِهِ وَأَنْكَرَ الْوَلِيُّ أو ادَّعَى قَاطِعُ الطَّرَفِ نَقْصَهُ بِشَلَلٍ أو فَقْدِ أُصْبُعٍ أو خَرَسٍ أو عَمًى أو نَحْوِهِمَا وهو غَيْرُ ظَاهِرٍ أَيْ وَالطَّرَفُ بَاطِنٌ كَالذَّكَرِ وَأَنْكَرَ الْمَجْنِيُّ عليه صُدِّقَ بِيَمِينِهِ الْوَلِيُّ في الْأُولَى لِأَنَّ الْغَالِبَ وَالظَّاهِرَ الْحُرِّيَّةُ وَلِهَذَا حَكَمْنَا بِحُرِّيَّةِ اللَّقِيطِ الْمَجْهُولِ وَالْمَجْنِيُّ عليه في الثَّانِيَةِ وَإِنْ كان ظَاهِرًا كَالْيَدِ فَلَا يُصَدَّقُ الْمَجْنِيُّ عليه إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَيُصَدَّقُ الْجَانِي بِيَمِينِهِ إنْ أَنْكَرَ أَصْلَ السَّلَامَةِ وَذَلِكَ لِعُسْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ في الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ وَالْأَصْلُ اسْتِمْرَارُهُ على سَلَامَةٍ وَإِنْ اعْتَرَفَ بِأَصْلِهَا صُدِّقَ الْمَجْنِيُّ عليه
قال في الْأَصْلِ وَالْمُرَادُ بِالْبَاطِنِ ما يُعْتَادُ سِتْرُهُ مُرُوءَةً وَقِيلَ ما يَجِبُ وهو الْعَوْرَةُ وَبِالظَّاهِرِ ما سِوَاهُ وإذا صُدِّقَ الْمَجْنِيُّ عليه وَجَبَ الْقِصَاصُ كما صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَنَقَلَهُ ابن الرِّفْعَةِ عن قَضِيَّةِ كَلَامِ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَالْأَصْحَابِ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ بِمَا مَرَّ في الْمَلْفُوفِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْجَانِيَ ثَمَّ لم يَعْتَرِفْ بِبَدَلٍ أَصْلًا بِخِلَافِهِ هُنَا
وَتَكْفِي الشَّهَادَةُ فِيمَا ذُكِرَ إنْ كان سَلِيمًا وَإِنْ لم يَتَعَرَّضْ لِوَقْتِ الْجِنَايَةِ وَلَهُ الشَّهَادَةُ بِسَلَامَةِ الْيَدِ وَالذَّكَرِ بِرُؤْيَةِ الِانْقِبَاضِ وَالِانْبِسَاطِ وَبِسَلَامَةِ الْبَصَرِ بِالتَّوَقِّي وَطُولِ التَّأَمُّلِ أَيْ بِرُؤْيَةِ تَوَقِّيهِ الْمَهَالِكَ وَإِطَالَةِ تَأَمُّلِهِ لِمَا يَرَاهُ بِخِلَافِ تَأَمُّلِهِ الْيَسِيرِ لِأَنَّهُ قد يُوجَدُ من الْأَعْمَى
وَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ثُمَّ مَاتَ وَادَّعَى السِّرَايَةَ أَيْ مَوْتَهُ بها وَالْوَلِيُّ الِانْدِمَالَ أَيْ مَوْتَهُ بَعْدَهُ بها وَأَمْكَنَ الِانْدِمَالُ قبل الْمَوْتِ بِأَنْ طَالَ الزَّمَنُ حَلَفَ الْوَلِيُّ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ السِّرَايَةِ وَلِمُوَافَقَتِهِ الظَّاهِرَ فَتَجِبُ دِيَتَانِ فَإِنْ لم يُمْكِنْ بِأَنْ قَصُرَ الزَّمَنُ كَيَوْمٍ أو يَوْمَيْنِ صُدِّقَ الْجَانِي بِلَا يَمِينٍ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَكَذَا يَحْلِفُ الْوَلِيُّ إنْ قال مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ وقال الْجَانِي بَلْ بِالسِّرَايَةِ أو قَتَلْته أنا قبل الِانْدِمَالِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الدِّيَتَيْنِ بِالْجِنَايَتَيْنِ هذا إنْ عَيَّنَهُ الْوَلِيُّ كَأَنْ قال قَتَلَ نَفْسَهُ أو قَتَلَهُ آخَرُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُعَيِّنْهُ حَلَفَ الْجَانِي أَنَّهُ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ أو بِقَتْلِهِ إنْ لم يُمْكِنْ الِانْدِمَالُ في دَعْوَى السِّرَايَةِ فَإِنْ أَمْكَنَ حَلَفَ الْوَلِيُّ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ وَذِكْرُ حَلِفِ الْجَانِي من زِيَادَتِهِ وهو ظَاهِرٌ في دَعْوَى قَتْلِهِ أَمَّا في دَعْوَى السِّرَايَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ كَنَظِيرِهِ في الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَإِنْ قال الْوَلِيُّ قَتَلْته أَنْت بَعْدَ الِانْدِمَالِ فَعَلَيْك ثَلَاثُ دِيَاتٍ وقال الْجَانِي بَلْ قبل الِانْدِمَالِ فَعَلَيَّ دِيَةٌ وَأَمْكَنَ الِانْدِمَالُ حَلَفَا أَيْ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا على ما ادَّعَاهُ وَسَقَطَتْ الثَّالِثَةُ بِحَلِفِ الْجَانِي فَحَلِفُهُ أَفَادَ سُقُوطَهَا وَحَلِفُ الْوَلِيِّ أَفَادَ دَفْعَ النَّقْصِ عن دِيَتَيْنِ فَلَا يُوجِبُ زِيَادَةً فَإِنْ لم يُمْكِنْ الِانْدِمَالُ حَلَفَ الْجَانِي عَمَلًا بِالظَّاهِرِ
وَكَذَا الْحُكْمُ في رَافِعِ حَاجِزِ مُوضِحَتَيْهِ بِأَنْ قال رَفَعْته قبل الِانْدِمَالِ فَعَلَيَّ أَرْشٌ وَاحِدٍ وقال الْمَجْنِيُّ عليه بَلْ بَعْدَهُ فَعَلَيْك أَرْشُ ثَلَاثِ مُوضِحَاتٍ وَأَمْكَنَ الِانْدِمَالُ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا على ما ادَّعَاهُ وَسَقَطَ الثَّالِثُ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَإِنْ لم يُمْكِنْ الِانْدِمَالُ حَلَفَ الْجَانِي لِذَلِكَ فَإِنْ قال الْمَجْرُوحُ أنا رَفَعْته أو رَفَعَهُ آخَرُ وقال الْجَارِحُ بَلْ رَفَعْته أنا أو ارْتَفَعَ بِالسِّرَايَةِ صُدِّقَ الْمَجْرُوحُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْمُوضِحَتَيْنِ يُوجِبَانِ أَرْشَيْنِ فَالظَّاهِرُ ثُبُوتُهُمَا وَاسْتِمْرَارُهُمَا
فَإِنْ قال الْجَانِي لم أُوضِحْ إلَّا وَاحِدَةً وقال الْمَجْرُوحُ بَلْ أَوْضَحْت مُوضِحَتَيْنِ وأنا رَفَعْت الْحَاجِزَ بَيْنَهُمَا صُدِّقَ الْجَانِي بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ ولم يُوجَدْ ما يَقْتَضِي وُجُودَ الزِّيَادَةِ وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ مَاتَ فقال الْوَلِيُّ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَعَلَيْك الْقَتْلُ أو الدِّيَةُ وقال الْجَانِي بَلْ بَعْدَ الِانْدِمَالِ فَعَلَيَّ قَطْعُ الْيَدِ أو نِصْفُ الدِّيَةِ وَأَمْكَنَ الِانْدِمَالُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ ولم يَثْبُتْ ما يُوجِبُ تَمَامَ الدِّيَةِ بِخِلَافِ قَطْعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ الْمُوجِبِ لِدِيَتَيْنِ وَبِخِلَافِ ما لو قال الْجَانِي بَلْ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ السَّبَبِ أَمَّا إذَا لم يُمْكِنْ الِانْدِمَالُ فَيُصَدَّقُ الْوَلِيُّ وَقِيَاسُ ما مَرَّ من تَصْدِيقِ الْجَانِي بِلَا يَمِينٍ في صُورَةِ قَطْعِ الْيَدَيْنِ أَنَّ تَصْدِيقَ الْوَلِيِّ هُنَا كَذَلِكَ فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لِلْوَلِيِّ أَنَّهُ أَيْ الْمَجْرُوحَ لم يَزَلْ مُتَأَلِّمًا من الْجِرَاحَةِ حتى مَاتَ صُدِّقَ الْوَلِيُّ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ جَانِبَهُ قد قَوِيَ بِالْبَيِّنَةِ أو قال الْجَانِي مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ فَعَلَيَّ نِصْفُ دِيَةٍ وقال
____________________
(4/34)
الْوَلِيُّ بَلْ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَعَلَيْك دِيَةٌ حَلَفَ الْوَلِيُّ سَوَاءٌ عَيَّنَ الْجَانِي السَّبَبَ أَمْ أَبْهَمَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ سَبَبٍ آخَرَ وَقَدَّمَ هذا الْأَصْلَ على أَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ لِتَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ وَاسْتَشْكَلَ ذلك بِتَصْدِيقِ الْوَلِيِّ في عَكْسِهِ وهو ما لو قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَمَاتَ وَادَّعَى أَنَّهُ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ وَادَّعَى الْوَلِيُّ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ مع أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُودِ سَبَبٍ آخَرَ
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا صُدِّقَ الْوَلِيُّ ثَمَّ مع ما ذُكِرَ لِأَنَّ الْجَانِيَ قد اشْتَغَلَتْ ذِمَّتُهُ ظَاهِرًا بِدِيَتَيْنِ ولم يَتَحَقَّقْ وُجُودُ الْمُسْقِطِ لِإِحْدَاهُمَا وهو السِّرَايَةُ بِإِمْكَانِ الْإِحَالَةِ على السَّبَبِ الذي ادَّعَاهُ الْوَلِيُّ فَدَعْوَاهُ قد اعْتَضَدَتْ بِالْأَصْلِ وهو شَغْلُ ذِمَّةِ الْجَانِي وَإِنْ عَادَ الْجَانِي بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ فَقَتَلَهُ وَادَّعَى عَدَمَ الِانْدِمَالِ أَيْ أَنَّهُ قَتَلَهُ قبل انْدِمَالِهِ حتى يُلْزِمَهُ دِيَتَهُ وَادَّعَى الْوَلِيُّ أَنَّهُ قَتَلَهُ بَعْدَهُ حتى يَلْزَمَهُ دِيَةٌ وَنِصْفٌ حَلَفَ الْجَانِي لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِانْدِمَالِ
وَيُصَدَّقُ مُنْكِرُ إمْكَانِ الِانْدِمَالِ فَلَوْ قال الْوَلِيُّ في قَطْعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ الِانْدِمَالُ فيها وقال الْجَانِي لم تَمْضِ صُدِّقَ الْجَانِي بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمُدَّةِ وَلَوْ قال الْجَانِي في قَطْعِ الْيَدِ مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ الِانْدِمَالُ فيها وقال الْوَلِيُّ لم تَمْضِ صُدِّقَ الْوَلِيُّ بِيَمِينِهِ لِذَلِكَ ويصدق مُنْكِرُ وُجُودِ الْعُضْوِ بِيَمِينِهِ كَأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ قَطَعَ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيْهِ وقال لم أَقْطَعْ إلَّا أَحَدَهُمَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ بِخِلَافِ ما لو قَطَعَ كَفَّهُ وَاخْتَلَفَا في نَقْصِ أُصْبُعٍ منها لِأَنَّهَا بَعْضُ ما جَنَى عليه وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْرُوحِ أَنَّ التَّآكُلَ من الْجُرْحِ لَا من الدَّوَاءِ فَلَوْ قَطَعَ أُصْبُعَهُ فَدَاوَى جُرْحَهُ وَسَقَطَتْ الْكَفُّ فقال الْجَارِحُ تَآكَلَ بِالدَّوَاءِ وقال الْمَجْرُوحُ بَلْ بِسَبَبِ الْجُرْحِ صُدِّقَ الْمَجْرُوحُ بِيَمِينِهِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ إلَّا إنْ قال أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَنَّهُ يَتَآكَلُ بِهِ أَيْ بِالدَّوَاءِ بِأَنْ قالوا إنَّهُ يَأْكُلُ اللَّحْمَ الْحَيَّ أو الْمَيِّتَ وَالْحَيَّ فَيُصَدَّقُ الْجَارِحُ بِيَمِينِهِ فَشَمِلَ الْمُسْتَثْنَى منه ما لو قالوا لَا يَأْكُلُ الْحَيَّ ما إذَا اشْتَبَهَ الْحَالُ
بَابُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وهو مَوْرُوثٌ كَالْمَالِ فَيَرِثُهُ وَرَثَةُ الْقَتِيلِ وَإِنْ وَرِثُوا بِسَبَبٍ كَالزَّوْجَيْنِ لِأَنَّهُ حَقٌّ مَوْرُوثٌ فَكَانَ كَالْمَالِ الْمَوْرُوثِ وإذا عُدِمَ الْوَارِثُ الْخَاصُّ اقْتَصَّ الْإِمَامُ من الْقَاتِلِ وَيُحْبَسُ الْجَانِي وُجُوبًا لِصَبِيٍّ فِيهِمْ أَيْ في الْوَرَثَةِ حتى يَبْلُغَ وَمَجْنُونٍ حتى يُفِيقَ وَكَذَا الْغَائِبُ حتى يَحْضُرَ أو يَأْذَنَ وَلَا يَحْتَاجُ الْحَاكِمُ في حَبْسِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْقَتْلِ عِنْدَهُ إلَى إذْنِ الْوَلِيِّ وَالْغَائِبِ كما قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ كان الْقِصَاصُ في طَرَفٍ ضَبْطًا لِحَقِّ الْمَجْنِيِّ عليه فَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ وَلَا لِلْحَاكِمِ اسْتِيفَاؤُهُ عَنْهُمْ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِلتَّشَفِّي فَلَا يَفُوتُ عليهم نعم قَاطِعُ الطَّرِيقِ أَمْرُهُ إلَى الْإِمَامِ وَالتَّصْرِيحُ بِتَرْجِيحِ أَنَّهُ يُحْبَسُ في قَطْعِ الطَّرَفِ من زِيَادَتِهِ وَعُلِمَ بِقَوْلِهِ يُحْبَسُ أَنَّهُ لَا يُخَلَّى بِكَفِيلٍ فَقَدْ يَهْرُبُ فَيَفُوتُ الْحَقُّ وَلَا يَسْتَوْفِي الْقَتْلَ إنْ كان لِجَمَاعَةٍ إلَّا وَاحِدٌ منهم أو من غَيْرِهِمْ بِتَرَاضٍ أو قُرْعَةٍ أَيْ أو وَاحِدٌ منهم بِقُرْعَةٍ بَعْدَهَا إذْنٌ فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ لَا يَتَوَلَّاهُ إلَّا بِإِذْنِ الْبَاقِينَ وَفَارَقَ
____________________
(4/35)
نَظِيرَهُ في التَّزْوِيجِ بِأَنَّ مَبْنَى الْقِصَاصِ على الدَّرْءِ وَيَجُوزُ لِجَمِيعِ الْمُسْتَحِقِّينَ وَلِبَعْضِهِمْ تَأْخِيرُهُ كَإِسْقَاطِهِ وَالنِّكَاحُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ وَلَيْسَ لهم أَنْ يَجْتَمِعُوا على مُبَاشَرَةِ اسْتِيفَائِهِ لِأَنَّ فيه زِيَادَةَ تَعْذِيبٍ لِلْجَانِي وَيُؤْخَذُ من الْعِلَّةِ أَنَّ لهم ذلك إنْ كان الْقِصَاصُ نحو إغْرَاقٍ أو تَحْرِيقٍ وَبِهِ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ وَلَا يَدْخُلُ في الْقُرْعَةِ عَاجِزٌ عن الِاسْتِيفَاءِ كَشَيْخٍ أو امْرَأَةٍ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ لِلِاسْتِيفَاءِ فَتَخْتَصُّ بِأَهْلِهِ وَوَقَعَ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ تَصْحِيحُ دُخُولِهِ فيها وَأَنَّهُ يُنِيبُ إذَا خَرَجَتْ له لِأَنَّهُ صَاحِبُ حَقٍّ كَالْقَادِرِ وعلى الْأَوَّلِ لو خَرَجَتْ لِقَوِيٍّ فَعَجَزَ قبل الِاسْتِيفَاءِ أُعِيدَتْ لِلْبَاقِينَ فَإِنْ خَلَفَ الْقَتِيلَ امْرَأَةٌ لَا تَسْتَغْرِقُ كَبِنْتٍ أو جَدَّةٍ اسْتَوْفَاهُ السُّلْطَانُ مَعَهَا كَالْمَالِ وَقِيَاسُ تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ في غَيْرِ الْقِصَاصِ أَنْ يُقَالَ بِهِ فيه أَيْضًا
فَصْلٌ لو قَتَلَ الْجَانِي أَجْنَبِيًّا فَقِصَاصُهُ لِوَرَثَتِهِ لَا لِمُسْتَحِقِّ الْقِصَاصِ عليه لِأَنَّ الْقِصَاصَ لِلتَّشَفِّي وَوَرَثَتُهُ هُمْ الْمُحْتَاجُونَ إلَيْهِ وَكَذَا لهم دِيَتُهُ الْوَاجِبَةُ بِعَفْوِهِمْ عليها أو بِغَيْرِهِ وَإِنْ قَتَلَهُ أَحَدُ وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ مُبَادَرَةً بِلَا إذْنٍ وَلَا عَفْوٍ من الْبَقِيَّةِ أو بَعْضِهِمْ وَلَوْ مع عِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ سَقَطَ عنه يَعْنِي لم يَلْزَمْهُ الْقِصَاصُ إنْ لم يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِمَنْعِهِ من الْقَتْلِ لِلشُّبْهَةِ من حَيْثُ إنَّ له حَقًّا في قَتْلِهِ كما لَا حَدَّ عليه في وَطْءِ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَقِيلَ لِشُبْهَةِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ في أَنَّ لِكُلٍّ من الْوَرَثَةِ الِانْفِرَادَ بِقَتْلِهِ وَلَزِمَهُ لِوَرَثَةِ الْجَانِي ما زَادَ من دِيَتِهِ عن نَصِيبِهِ من الدِّيَةِ أَيْ دِيَةِ مُوَرِّثِهِ بِخِلَافِ غَيْرِ الزَّائِدِ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَاهُ بِقَتْلِهِ الْجَانِي كما قَالَهُ جَمَاعَاتٌ وقال ابن الرِّفْعَةِ إنَّهُ الْحَقُّ أو يَسْقُطُ عنه تَقَاصًّا بِمَا له على تَرِكَةِ الْجَانِي على ما جَزَمَ بِهِ الْأَصْلُ فإذا جَهِلَ الْقَاتِلُ تَحْرِيمَ الْمُبَادَرَةِ فَهَلْ تَحْمِلُهُ أَيْ بَدَلَ الْقَتْلِ وهو الدِّيَةُ عَاقِلَتُهُ لِأَنَّ الْجَهْلَ كَالْخَطَأِ أو في مَالِهِ لِقَصْدِهِ الْقَتْلَ قَوْلَانِ أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ وأما حَقُّ وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ فَهُوَ في تَرِكَةِ قَاتِلِ أَبِيهِمْ الْأَنْسَبُ قَاتِلِ مُوَرِّثِهِمْ أو قَاتِلِهِ أَيْ الْأَوَّلِ أَيْ في تَرِكَةِ الْجَانِي لَا في ذِمَّةِ الْمُبَادِرِ لِأَنَّ الْمُبَادِرَ فِيمَا وَرَاءَ حَقِّهِ كَالْأَجْنَبِيِّ
وَفَارَقَ ما لو أَوْدَعَ غَيْرَهُ وَدِيعَةً وَمَاتَ عن ابْنَيْنِ فَإِتْلَافُهَا أَحَدَهُمَا حَيْثُ يَرْجِعُ الْآخَرُ بِضَمَانِ نَصِيبِهِ عليه لَا على الْمُودَعِ بِأَنَّ الْوَدِيعَةَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ على الْمُودَعِ حتى لو تَلِفَتْ بِآفَةٍ لم يَضْمَنْهَا وَلَوْ أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ غَرَّمَهُ الْمَالِكُ وَنَفْسُ الْجَانِي مَضْمُونَةٌ حتى لو مَاتَ أو قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ أُخِذَتْ الدِّيَةُ من تَرِكَتِهِ وَإِنْ قَتَلَهُ بَعْدَ عَفْوِ أَحَدِهِمْ وَعَلِمَ بِعَفْوِهِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ وَإِنْ لم يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِسُقُوطِهِ عن الْجَانِي إذْ لَا حَقَّ له في الْقَتْلِ بَعْدَ الْعَفْوِ فَكَانَ كَقَتْلِ من ظَنَّهُ مُرْتَدًّا وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَعْلَمْ بِعَفْوِهِ فَوَجْهَانِ صَوَّبَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيُّ وَجْهَانِ أو قَوْلَانِ بِنَاءً على الْخِلَافِ في قَتْلِ من ظَنَّهُ مُرْتَدًّا فَبَانَ خِلَافُهُ وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ اللُّزُومِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ فَإِنْ اقْتَصَّ منه لِلْجَانِي فَنَصِيبُهُ من دِيَةِ مُوَرِّثِهِ لِوَرَثَتِهِ في تَرِكَةِ الْجَانِي فَإِنْ عَفَا عنه وَارِثُ الْجَانِي كما عَفَا عن الْجَانِي بَعْضُ وَرَثَةِ قَتِيلِهِ عُمِلَ بِمُقْتَضَى الْعَفْوَيْنِ من وُجُوبِ الْمَالِ وَعَدَمِهِ
فَصْلٌ لو قَتَلَ رَجُلٌ جَمَاعَةً أو قَطَعَ أَطْرَافَهُمْ مُرَتَّبًا فَالْقِصَاصُ عليه بِالْأَوَّلِ منهم وَلِلْبَاقِينَ الدِّيَاتُ وَإِنْ طَلَبُوا الِاشْتِرَاكَ في الْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ لم يُجَابُوا إلَيْهِ وَيُحْبَسُ الْقَاتِلُ فِيمَا لو كان وَلِيُّ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ صَبِيًّا أو مَجْنُونًا أو غَائِبًا لِبُلُوغِ وَلِيِّهِ وَإِفَاقَتِهِ وَقُدُومِهِ فَإِنْ عَفَا الْأَوَّلُ أَيْ وَلِيُّهُ فَلِمَنْ أَيْ فَالْقِصَاصُ لِوَلِيِّ من بَعْدَهُ لَا إنْ أَمْهَلَ وَلِيُّ الْأَوَّلِ بِأَنْ لم يَعْفُ ولم يَقْتَصَّ فَلَيْسَ لِوَلِيِّ الْمُتَأَخِّرِ قَتْلُ الْقَاتِلِ فَإِنْ قَتَلَهُ الْمُتَأَخِّرُ عُزِّرَ لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً لَا حَدَّ فيها وَلَا كَفَّارَةَ وقد اسْتَوْفَى بِذَلِكَ قِصَاصَهُ الْمُسْتَحَقَّ له ثُمَّ لِكُلٍّ من الْبَاقِينَ دِيَةٌ فَإِنْ طَالَبَ وَلِيُّ الثَّانِي دُونَ وَلِيِّ الْأَوَّلِ بِالْقِصَاصِ من الْقَاتِلِ فَقَتَلَهُ بِهِ أَيْ بِالثَّانِي الْإِمَامُ ولم يَبْعَثْ لِلْأَوَّلِ لِيَعْرِفَ أَهُوَ طَالِبٌ أَمْ عَافٍ كُرِهَ تَحْرِيمًا وَلَا شَيْءَ عليه لِأَنَّ لِكُلِّهِمْ عليه حَقَّ الْقَوَدِ وَلَوْ قَتَلَهُمْ مَعًا أو أَشْكَلَ السَّابِقُ بِأَنْ لم يُعْلَمْ أَقَتَلَهُمْ دَفْعَةً أَمْ مُرَتَّبًا أو عُلِمَ سَبْقٌ ولم يُعْلَمْ عَيْنُ السَّابِقِ فَالتَّقَدُّمُ بِالْقُرْعَةِ بَيْنَهُمْ وَاجِبٌ الْمُرَادُ ما في الْأَصْلِ أَنَّ الْإِقْرَاعَ بَيْنَهُمَا وَاجِبٌ لِيُقَدَّمَ بِهِ فَيَنْتَظِرُ لِصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ أَيْ لِكَمَالِهِمَا وَغَائِبٍ أَيْ حُضُورَهُ فِيمَا إذَا كان بَعْضُ
____________________
(4/36)
أَوْلِيَاءِ الْقَتْلَى صَبِيًّا أو مَجْنُونًا أو غَائِبًا والتقدم بِالتَّرَاضِي بِلَا قُرْعَةٍ جَائِزٌ فَإِنْ بَدَا لهم الْإِقْرَاعُ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ وَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ أَيْ الْقَاتِلِ لِأَحَدِهِمْ بِالسَّبْقِ لِقَتْلِ بَعْضِهِمْ لِأَنَّهُ أَقَرَّ على نَفْسِهِ بِحَقٍّ وَلِلْبَاقِينَ تَحْلِيفُهُ إنْ كَذَّبُوهُ وَاسْتَشْكَلَهُ في الْمَطْلَبِ بِأَنَّهُ لو نَكَلَ فَالنُّكُولُ مع يَمِينِ الْخَصْمِ إنْ قُلْنَا كَالْإِقْرَارِ لم يُسْمَعْ كما لو أَقَرَّ صَرِيحًا بِمَا يُخَالِفُ ما أَقَرَّ بِهِ أَوَّلًا وَإِنْ قُلْنَا كَالْبَيِّنَةِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّا لَا نُعَدِّيهَا لِثَالِثٍ على الصَّحِيحِ وَلَوْ قَتَلَهُمْ كلهم أَسَاءُوا وَوَقَعَ الْقَتْلُ مُوَزَّعًا عليهم وَرَجَعَ كُلٌّ منهم بِالْبَاقِي له من الدِّيَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِالْإِسَاءَةِ من زِيَادَتِهِ
وَإِنْ قَتَلَ جَمَاعَةٌ جَمَاعَةً قُتِلُوا بِالْأَوَّلِ من الْقَتْلَى إنْ قَتَلُوهُمْ مُرَتَّبًا وَإِلَّا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ قُتِلُوا بِهِ وَلِلْبَاقِينَ الدِّيَاتُ في تَرِكَاتِ الْقَاتِلِينَ كَالْوَاحِدِ أَيْ كما لو كان الْقَاتِلُ وَاحِدًا وَالْعَبْدُ فِيمَا ذُكِرَ كَالْحُرِّ الْمُعْسِرِ فَإِنْ قُتِلَ بِالْأَوَّلِ من الْقَتْلَى فَدِيَاتُ الْبَاقِينَ في ذِمَّتِهِ يَلْقَى اللَّهَ بها وَإِنْ عَفَا وَلِيُّ الْأَوَّلِ بِمَالٍ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ وَلِلثَّانِي قَتْلُهُ وَإِنْ بَطَلَ حَقُّ الْأَوَّلِ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْمَالِ لَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ كَجِنَايَةِ الْمَرْهُونِ فَإِنْ عَفَا الثَّانِي أَيْضًا بِمَالٍ شَارَكَهُ فَيَتَعَلَّقُ الْمَالَانِ بِرَقَبَتِهِ وَلَا يُرَجَّحُ بِالتَّقْدِيمِ كما لو أَتْلَفَ أَمْوَالًا لِجَمَاعَةٍ في أَزْمِنَةٍ وَهَكَذَا إنْ عَفَا الثَّالِثُ وَمَنْ بَعْدَهُ كان الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ
وَمَنْ لَزِمَهُ قَتْلٌ وَقَطْعٌ قُطِعَ ثُمَّ قُتِلَ سَوَاءٌ أَتَقَدَّم قَتْلُهُ أَمْ قَطْعُهُ لِيَجْمَعَ بين الْحَقَّيْنِ وَمَنْ قَطَعَ يَمِينًا من شَخْصٍ ثُمَّ أُصْبُعَهَا من آخَرَ قُطِعَ منه يَمِينُهُ وَوَدَى الْأُصْبُعَ أَيْ أَعْطَى دِيَتَهُ أو عَكْسُهُ بِأَنْ قَطَعَ أُصْبُعَ الْيَمِينِ من شَخْصٍ ثُمَّ الْيَمِينَ من آخَرَ قُطِعَتْ أُصْبُعُهُ لِلْأَوَّلِ ويجوز لِلْآخَرِ الْقَطْعُ لِبَاقِي الْيَمِينِ مع أَخْذِ الْأَرْشِ لِلْأُصْبُعِ أو الدِّيَةِ لِلْيَمِينِ وَإِنْ قَطَعَهُمَا مَعًا أو أَشْكَلَ الْحَالُ أَقْرَعَ فَمَنْ خَرَجَتْ له الْقُرْعَةُ فَكَأَنَّهُ السَّابِقُ بِالْقَطْعِ
فَصْلٌ من اقْتَصَّ في نَفْسٍ أو طَرَفٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ عُزِّرَ لِافْتِيَاتِهِ عليه وَتَعَدِّيهِ إذْ أَمْرُ الدِّمَاءِ خَطَرٌ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ فَلَا يَسْتَوْفِيهَا إلَّا بِإِذْنِهِ إلَّا السَّيِّدَ فَيُقِيمُهُ على رَقِيقِهِ وَالْمُسْتَحِقُّ الْمُضْطَرُّ فَيُقِيمُهُ على الْجَانِي لِيَأْكُلَهُ وَالْقَاتِلُ في الْحِرَابَةِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُنْفَرِدُ بِحَيْثُ لَا يُرَى فقال ابن عبد السَّلَامِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ منه لَا سِيَّمَا إذَا عَجَزَ عن إثْبَاتِهِ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ من وَجَبَ له على شَخْصٍ حَدُّ قَذْفٍ أو تَعْزِيرٌ وكان بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عن السُّلْطَانِ له اسْتِيفَاؤُهُ إذَا قَدَرَ عليه بِنَفْسِهِ وَأَجْزَأَهُ في وُقُوعِهِ قِصَاصًا لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَيُؤْمَرُ الْعَاجِزُ عن الِاسْتِيفَاءِ كَشَيْخٍ وَزَمِنٍ وَامْرَأَةٍ بِالتَّوْكِيلِ في الْقَتْلِ لِمَا في اسْتِيفَائِهِ له من التَّعْذِيبِ وَكَذَا يُؤْمَرُ الْقَوِيُّ على الِاسْتِيفَاءِ كَالْعَاجِزِ بِالتَّوْكِيلِ في قَطْعِ الطَّرَفِ فَلَا يَسْتَوْفِي بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَزِيدَ في الْإِيلَامِ بِتَرْدِيدِ الْآلَةِ فَيَسْرِي بِخِلَافِهِ في النَّفْسِ لِأَنَّهَا مَضْبُوطَةٌ وَلَوْ حُدَّ الْمَقْذُوفُ أو عُزِّرَ من لَزِمَهُ له الْحَدُّ أو التَّعْزِيرُ لِنَفْسِهِ بِإِذْنِهِ أو بِغَيْرِ إذْنِهِ أَسَاءَ لِتَعَدِّيهِ وَالتَّصْرِيحُ بِالْإِسَاءَةِ من زِيَادَتِهِ
ولم يُجِزْهُ لِعَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِمَحَلٍّ مُعَيَّنٍ فَلَا يَنْضَبِطُ وَلِإِمْكَانِ تَدَارُكِهِ بِخِلَافِ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ فَيُتْرَكُ حتى يَبْرَأَ ثُمَّ يُحَدُّ وَقِيلَ بِجُزْئِهِ كَالْقِصَاصِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ فَلَوْ مَاتَ معه فَالْقَوَدُ أو بَدَلُهُ وَاجِبٌ على الْمُسْتَوْفِي لَا إنْ أَذِنَ له في ذلك وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَفَقَّدَ الْآلَةَ لِئَلَّا تَكُونَ كَالَّةً
____________________
(4/37)
إذْ لَا يَجُوزُ الْقَتْلُ بها إلَّا أَنْ يَكُونَ قَتَلَ بها كما يَأْتِي لِمَا فيه من التَّعْذِيبِ الْمُحَرَّمِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَالتَّصْرِيحُ بِوُجُوبِ التَّفَقُّدِ من زِيَادَتِهِ وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ وَيُسْتَحَبُّ له أَنْ يُشْهِدَ على الِاسْتِيفَاءِ عَدْلَيْنِ لِيَشْهَدَا على الْمُقْتَصِّ إنْ أَنْكَرَ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ إنْ كان التَّرَافُعُ إلَيْهِ قال الْمُتَوَلِّي وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَوْفِيَ بِحَضْرَةِ الناس لِيَنْتَشِرَ الْخَبَرُ فَيَحْصُلُ الزَّجْرُ وَأَقَلُّ من يَحْضُرُهُ عَدْلَانِ
فَإِنْ قَتَلَهُ بِكَالٍّ ولم تَكُنْ الْجِنَايَةُ بمثله أو قَتَلَهُ بِشَيْءٍ مَسْمُومٍ كَذَلِكَ عُزِّرَ لِتَعَدِّيهِ وَالْوَلِيُّ إنْ تَعَمَّدَ غير الرَّقَبَةِ في اقْتِصَاصِهِ بِضَرْبِهَا عُزِّرَ لِذَلِكَ ولم يُعْزَلْ لِأَهْلِيَّتِهِ وَإِنْ تَعَدَّى بِفِعْلِهِ كما لو جَرَحَهُ ثُمَّ رَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي لَا يُمْنَعُ الِاسْتِيفَاءُ وَإِنْ أَخْطَأَ وَأَمْكَنَ خَطَؤُهُ عَادَةً بِأَنْ أَمَرَهُ الْإِمَامُ بِضَرْبِ الرَّقَبَةِ فَضَرَبَ كَتِفَهُ أو رَأْسَهُ مِمَّا يَلِيهَا فَعَكْسُهُ أَيْ فَلَا يُعَزَّرُ إذَا حَلَفَ وَيُعْزَلُ لِأَنَّ يُشْعِرُ بِعَجْزِهِ فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يُخْطِئَ ثَانِيًا وَلَا يُعْزَلُ مَاهِرٌ في ضَرْبِ الرِّقَابِ اتَّفَقَ خَطَؤُهُ فَإِنْ ادَّعَى الْخَطَأَ فِيمَا لَا يُمَكَّنُ فيه كَأَنْ ضَرَبَ رِجْلَهُ أو وَسَطَهُ فَهُوَ كَتَعَمُّدِهِ لِظُهُورِ كَذِبِهِ وَإِنْ اسْتَوْفَى طَرَفًا بِمَسْمُومٍ فَمَاتَ لَزِمَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ مَاتَ من مُسْتَحِقٍّ وَغَيْرِهِ في مَالِهِ لِتَعَمُّدِهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ عليه وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ فَإِنْ كان السُّمُّ مُوحِيًا فَالْقِصَاصُ وَاجِبٌ عليه
فَرْعٌ وَلْيُنَصِّبْ الْإِمَامُ من يَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ وَالْحُدُودَ وَرِزْقُهُ من الْمَصَالِحِ أَيْ من خُمُسِ خُمُسِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ الْمُرْصَدِ لِلْمَصَالِحِ وَإِلَّا بِأَنْ لم يَكُنْ عِنْدَهُ من سَهْمِ الْمَصَالِحِ شَيْءٌ أو كان وَاحْتَاجَ إلَيْهِ لِأَهَمَّ منه فَالْأُجْرَةُ لِلْمَنْصُوبِ على الْجَانِي وَالْمَحْدُودِ لِأَنَّهَا مُؤْنَةُ حَقٍّ لَزِمَهُ أَدَاؤُهُ فَلَزِمَتْهُمَا كَأُجْرَةِ كَيَّالِ الْمَبِيعِ على الْبَائِعِ وَوَزَّانِ الثَّمَنِ على الْمُشْتَرِي فَلَوْ قال الْجَانِي أنا أَقْتَصُّ من نَفْسِي وَلَا أُؤَدِّي الْأُجْرَةَ مُنِعَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّشَفِّي وهو لَا يَتِمُّ بِفِعْلِ الْجَانِي وَلِأَنَّهُ إذَا مَسَّتْهُ الْحَدِيدَةُ فَتَرَتْ يَدُهُ وَلَا يَحْصُلُ الزَّهُوقُ إلَّا بِأَنْ يُعَذِّبَ نَفْسَهُ تَعْذِيبًا شَدِيدًا وهو مَمْنُوعٌ منه فَإِنْ أُجِيبَ لِمَا قَالَهُ وَاقْتَصَّ من نَفْسِهِ فَهَلْ يُجْزِئُ عن الْقِصَاصِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا كما لو جَلَدَ نَفْسَهُ في الزِّنَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وفي الْقَذْفِ بِإِذْنِ الْمَقْذُوفِ كما يَأْتِي وَكَمَا لو قَبَضَ الْمَبِيعَ من نَفْسِهِ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي
وَالثَّانِي نعم وَصَحَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَخْذًا من كَلَامِ الْإِمَامِ لِحُصُولِ الزَّهُوقِ وَإِزَالَةُ الطَّرَفِ بِخِلَافِ الْجَلْدِ فإنه قد لَا يُؤْلِمُ نَفْسَهُ وَيُوهِمُ الْإِيلَامُ فَلَا يَتَحَقَّقُ حُصُولُ الْمَقْصُودِ وَبِخِلَافِ قَبْضِ الْمَبِيعِ فإن الْمَقْصُودَ إزَالَةُ يَدِ الْبَائِعِ ولم تَزُلْ وَلَوْ أَذِنَ الْإِمَامُ لِلسَّارِقِ في قَطْعِ يَدِهِ فَقَطَعَ يَدَهُ جَازَ وَيُجْزِئُ عن الْحَدِّ لِأَنَّ الْغَرَضَ منه التَّنْكِيلُ وهو يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَمِنْ الْقِصَاصِ التَّشَفِّي وهو لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ فَمَنَعَ الْإِجْزَاءَ على وَجْهٍ كما مَرَّ
وما ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ من الْجَوَازِ نَاقِضُهُ في أَوَّلِ الْبَابِ الثَّانِي من أَبْوَابِ الْوَكَالَةِ بِخِلَافِ الزَّانِي وَالْقَاذِفِ لَا يَجُوزُ فيه ذلك وَلَا يُجْزِئُ لِمَا مَرَّ
الطَّرَفُ الثَّانِي في وَقْتِ الْقِصَاصِ وَيَجِبُ الْقِصَاصُ على من لَزِمَهُ على الْفَوْرِ إنْ أَمْكَنَ لِأَنَّهُ مُوجِبُ الْإِتْلَافِ فَيَتَعَجَّلُ كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ فَيَقْتَصُّ في الْحَرَمِ وَلَوْ في النَّفْسِ أو مع الِالْتِجَاءِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قَتْلٌ لو وَقَعَ في الْحَرَمِ لم يُوجِبْ ضَمَانًا فَلَا يُمْنَعُ منه كَقَتْلِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وقَوْله تَعَالَى وَمَنْ دَخَلَهُ كان آمِنًا مَحْمُولٌ على غَيْرِ الْجَانِي لَا في مَسْجِدٍ وَمِنْهُ الْكَعْبَةُ ولا في مِلْكِ إنْسَانٍ بَلْ يَخْرُجُ مِنْهُمَا من عليه الْحَقُّ وَيُسْتَوْفَى خَارِجَهُمَا لِلنَّهْيِ عن إقَامَةِ الْحُدُودِ في الْمَسَاجِدِ صِيَانَةً لها عن ذلك وَلِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ اسْتِعْمَالُ مِلْكِ الْإِنْسَانِ بِغَيْرِ إذْنِهِ مع أَنَّ التَّأْخِيرَ الْمَذْكُورَ يَسِيرٌ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ في الْمَسْجِدِ حَرَامٌ وهو كَذَلِكَ إنْ خِيفَ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ وَإِلَّا فَمَكْرُوهٌ كما صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَعَلَى هذا يُحْمَلُ إطْلَاقُهُ كَأَصْلِهِ في بَابِ أَدَبِ الْقَضَاءِ كَرَاهَةُ إقَامَةِ الْحَدِّ في الْمَسْجِدِ
وَلَا يُؤَخَّرُ الْقِصَاصُ لِحَرٍّ وَبَرْدٍ وَمَرَضٍ وَلَوْ كان الْقِصَاصُ في الْأَطْرَافِ قال في الْأَصْلِ وَكَذَا لَا يُؤَخَّرُ لِذَلِكَ الْجَلْدُ في الْقَذْفِ بِخِلَافِ قَطْعِ السَّرِقَةِ وَالْجَلْدِ في حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ حُقُوقَهُ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ على التَّخْفِيفِ وَحُقُوقَ الْعِبَادِ على الْمُضَايَقَةِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا
وفي جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِلرُّويَانِيِّ أَنَّهُ نَصَّ في الْأُمِّ على أَنَّهُ يُؤَخَّرُ قِصَاصُ الطَّرَفِ لِذَلِكَ أَيْضًا
انْتَهَى
وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ على النَّدْبِ
وَيَقْطَعُهَا أَيْ وَلِلْمَجْنِيِّ عليه إنْ قَطَعَ الْأَطْرَافَ مُتَوَالِيَةً وَلَوْ فُرِّقَتْ من الْجَانِي لِأَنَّهَا حُقُوقٌ اجْتَمَعَتْ عليه
وَيُؤَخَّرُ الِاسْتِيفَاءُ
____________________
(4/38)
في الْقِصَاصِ وَلَوْ في الطَّرَفِ من الْحَامِلِ وَلَوْ من زِنًا لِلْحَمْلِ أَيْ لِوَضْعِهِ وَإِنْ كانت مُرْتَدَّةً وَيُؤَخَّرُ الِاسْتِيفَاءُ منها أَيْضًا في سَائِرِ الْحُدُودِ كَحَدِّ الْقَذْفِ لِمَا في ذلك من هَلَاكِ الْجَنِينِ أو الْخَوْفِ عليه من بَرَاءَتِهِ وَتُحْبَسُ من بها حَمْلٌ وَعَلَيْهَا قِصَاصٌ إلَى وَضْعِهِ وَإِرْضَاعِهِ اللِّبَأَ وَوُجُودِ مُرْضِعَةٍ من امْرَأَةٍ أو بَهِيمَةٍ يَحِلُّ شُرْبُ لَبَنِهَا احْتِيَاطًا لِلْوَلَدِ وَإِنَّمَا وَجَبَ التَّأْخِيرُ إلَى ما ذُكِرَ خَوْفًا على الْجَنِينِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَهْلِكُ بِالِاسْتِيفَاءِ قبل وَضْعِهِ كما مَرَّ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ بِدُونِ اللِّبَأِ مع أَنَّهُ تَأْخِيرٌ يَسِيرٌ وَلِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ التَّأْخِيرُ لِوَضْعِهِ فَوُجُوبُهُ بَعْدَ وُجُودِهِ وَتَيَقُّنِ حَيَاتِهِ أَوْلَى وَيُسْتَحَبُّ صَبْرُ الْوَلِيِّ بِالِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ وُجُودِ مُرْضِعَاتٍ يَتَنَاوَبْنَهُ أو لَبَنِ شَاةٍ أو نَحْوِهِ حتى تُوجَدَ امْرَأَةٌ رَاتِبَةٌ مُرْضِعَةٌ لِئَلَّا يَفْسُدَ خُلُقُهُ وَنَشْؤُهُ بِالْأَلْبَانِ الْمُخْتَلِفَةِ وَلَبَنِ الْبَهِيمَةِ وَتُجْبَرُ الْمُرْضِعَةُ بِالْأُجْرَةِ فَلَوْ وُجِدَ مَرَاضِعُ وَامْتَنَعْنَ أَجْبَرَ الْحَاكِمُ من يَرَى مِنْهُنَّ بِالْأُجْرَةِ وَعَطَفَ على وُجُودِ مُرْضِعَةٍ قَوْلَهُ أو وُجُودُ شَاةٍ تُغْنِيهِ مع أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَلَوْ قَدَّمَهُ على قَوْلِهِ وَيُسْتَحَبُّ كان أَوْلَى
وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ يَجِبُ التَّأْخِيرُ إلَى أَنْ تُوجَدَ مُرْضِعَةٌ أو ما يَعِيشُ بِهِ أو تُرْضِعُهُ هِيَ حَوْلَيْنِ وَتَفْطِمُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ الْأَخِيرِ إذَا تَضَرَّرَ بِفَطْمِهِ قبل الْحَوْلَيْنِ ولم يَتَضَرَّرْ بِهِ عِنْدَهُمَا
فَلَوْ بَادَرَ الْمُسْتَحِقُّ وَقَتَلَهَا بَعْدَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ قبل وُجُودِ ما يُغْنِيهِ فَمَاتَ لَزِمَهُ الْقَوَدُ فيه كما لو حَبَسَ رَجُلًا بِبَيْتٍ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ حتى مَاتَ وَلَا تُحْبَسُ هِيَ في حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَرَجْمٍ بَلْ تُمْهَلُ حتى يَتِمَّ لِلْوَلَدِ حَوْلَانِ وَنَجِدُ بَعْدَهُمَا من يَكْفُلُهُ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيٌّ على التَّخْفِيفِ وَلَوْ ادَّعَتْ جَانِيَةٌ حَمْلًا صُدِّقَتْ وَإِنْ لم تَظْهَرْ مَخَايِلُهُ ولم تَشْهَدْ بِهِ الْقَوَابِلُ لِأَنَّ من أَمَارَاتِهِ ما يَخْتَصُّ بِالْحَامِلِ وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ الْمَاوَرْدِيِّ أنها تُصَدَّقُ بِلَا يَمِينٍ قال في الْمُهِمَّاتِ وهو الْمُتَّجَهُ لِأَنَّ الْحَقَّ لِغَيْرِهَا وهو الْجَنِينُ وَيَصِيرُ الْمُسْتَحِقُّ إلَى وَقْتِ الظُّهُورِ لِلْحَمْلِ لَا إلَى انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ فإن التَّأْخِيرَ أَرْبَعَ سِنِينَ من غَيْرِ ثَبْتٍ بَعِيدٌ وَمَحَلُّ تَصْدِيقِهَا إذَا أَمْكَنَ حَمْلُهَا عَادَةً فَلَوْ كانت آيِسَةً لم تُصَدَّقْ فَإِنْ بَادَرَ وَقَتَلَهَا حَامِلًا ولم يَنْفَصِلْ حَمْلُهَا أو انْفَصَلَ سَالِمًا ثُمَّ مَاتَ فَلَا ضَمَانَ عليه لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مَاتَ بِالْجِنَايَةِ أو مَيِّتًا فَغُرَّةٌ وَكَفَّارَةٌ فيه أو مُتَأَلِّمًا فَمَاتَ فَدِيَةٌ وَكَفَّارَةٌ فيه لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَأَلُّمَهُ وَمَوْتَهُ من مَوْتِهَا وَالدِّيَةُ وَالْغُرَّةُ على عَاقِلَتِهِ لِأَنَّ الْجَنِينَ لَا يُبَاشَرُ بِالْجِنَايَةِ وَلَا تُتَيَقَّنُ حَيَاتُهُ فَيَكُونُ هَلَاكُهُ خَطَأً أو شَبَهَ عَمْدٍ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهَا في مَالِهِ وَإِنْ كان قَتَلَهَا بِأَمْرِ الْإِمَامِ فَالضَّمَانُ عليه عَلِمَا بِالْحَمْلِ أو جَهِلَا لِأَنَّ الْبَحْثَ عليه وهو الْآمِرُ بِهِ وَالْمُبَاشِرُ كَآلَةٍ له لِصُدُورِ فِعْلِهِ عن رَأْيِهِ وَبَحْثِهِ لَا إنْ عَلِمَ الْوَلِيُّ دُونَهُ فَالضَّمَانُ على الْوَلِيِّ لِاجْتِمَاعِ الْعِلْمِ وَالْمُبَاشَرَةِ وَلَوْ عَلِمَ الْإِمَامُ دُونَ الْوَلِيِّ فَالضَّمَانُ على الْإِمَامِ كما فُهِمَ من كَلَامِهِ بِالْأَوْلَى وَلَوْ قَتَلَهَا جَلَّادُ الْإِمَامِ فَكَالْوَلِيِّ في أَنَّهُ يَضْمَنُ إنْ عَلِمَ دُونَ الْإِمَامِ
____________________
(4/39)
وَقِيلَ لَا وَيَضْمَنُ الْإِمَامُ إنْ عَلِمَ دُونَهُ أو عَلِمَا مَعًا أو جَهِلَا وَالتَّرْجِيحُ فِيمَا قَالَهُ من زِيَادَتِهِ قَوْلَهُ لَكِنْ من مَالِهِ من تَصَرُّفِهِ وَالْوَجْهُ أَنَّهُ على عَاقِلَتِهِ كَالْوَلِيِّ لِأَنَّ الْمَأْخَذَ السَّابِقَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَلَوْ عَلِمَ الْوَلِيُّ وَالْجَلَّادُ وَالْإِمَامُ بِالْحَمْلِ ضَمِنُوا أَثْلَاثًا وَالْقِيَاسُ على ما مَرَّ من أَنَّ الضَّمَانَ على الْإِمَامِ فِيمَا إذَا عَلِمَ هو وَالْوَلِيُّ أَنَّهُ على الْإِمَامِ هُنَا أَيْضًا كما ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَحَيْثُ ضَمِنَ الْإِمَامُ الْغُرَّةَ فَفِي مَالِهِ إنْ عَلِمَ بِالْحَمْلِ وَإِلَّا فَعَلَى عَاقِلَتِهِ وَقَوْلُهُ كَالرَّوْضَةِ أنها في مَالِهِ إنْ عَلِمَ سَهْوٌ على عَكْسِ ما في الرَّافِعِيِّ فإنه جَزَمَ بِأَنَّهَا على عَاقِلَتِهِ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَيَشْهَدُ له الْمَأْخَذُ السَّابِقُ وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هُنَا ظَنٌّ مُؤَكَّدٌ بِمَخَايِلِهِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
فَإِنْ مَاتَتْ في الْحَدِّ أو نَحْوِهِ من الْعُقُوبَةِ بِأَلَمِ الضَّرْبِ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِحَدٍّ أو عُقُوبَةٍ عليها أو مَاتَتْ بِأَلَمِ الْوِلَادَةِ فَالدِّيَةُ مَضْمُونَةٌ أو بِهِمَا فَنِصْفُهَا وَاقْتِصَاصُ الْوَلِيِّ منها جَاهِلًا بِرُجُوعِ الْإِمَامِ عن إذْنِهِ له في قَتْلِهَا كَوَكِيلٍ جَهِلَ الْعَزْلَ أَيْ عَزْلَ مُوَكِّلِهِ له أو عَفْوَهُ عن الْقِصَاصِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ
الطَّرَفُ الثَّالِثُ في الْمُمَاثَلَةِ فَلِلْوَلِيِّ قَتْلُهُ بِالسَّيْفِ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ وَأَسْرَعُ قال الْبَغَوِيّ وهو الْأَوْلَى وَبِمَا قَتَلَ بِهِ رِعَايَةً لِلْمُمَاثَلَةِ وَلِآيَةِ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَلِآيَةِ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ لَا بِالسِّحْرِ لِأَنَّ عَمَلَهُ حَرَامٌ وَلَا يَنْضَبِطُ وَكَذَا اللِّوَاطُ وَالْوَطْءُ لِطِفْلَةٍ في قُبُلِهَا وَالْخَمْرُ وَالْبَوْلُ لِأَنَّهُ قُتِلَ بِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ في نَفْسِهِ فَكَانَ كَالْقَتْلِ بِالسِّحْرِ وَلَوْ أَوْجَرَ مَاءً نَجِسًا أَوْجَرَ مَاءً طَاهِرًا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لو قَتَلَهُ بِمَسْمُومٍ اُقْتُصَّ منه بمثله وهو كَذَلِكَ إذَا لم يَكُنْ مُهْرِيًّا يَمْنَعُ الْغُسْلَ فَإِنْ قَتَلَهُ بِجُوعٍ أو خَنْقٍ أو أَلْقَاهُ في مَاءٍ أو نَارٍ أو من شَاهِقٍ أَيْ مُرْتَفِعٍ أو بِمُثْقَلٍ كَخَشَبَةٍ جُوِّعَ مِثْلَ مُدَّتِهِ وَخُنِقَ وَأُلْقِيَ فِيمَا ذُكِرَ مِثْلَ فِعْلِهِ فَيُعْتَبَرُ صَلَابَةُ الْمَوْضِعِ وَيَقْتُلُ بِمِثْلِ الْمُثْقَلِ وبمثل عَدَدِ ضَرَبَاتِهِ فَلَوْ أَشْكَلَ مَعْرِفَةُ قَدْرِ ما تَحْصُلُ بِهِ الْمُمَاثَلَةُ أُخِذَ بِالْيَقِينِ وإذا لم يَمُتْ في مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَالْعَدَدِ فَالْأَهْوَنُ من السَّيْفِ وَالزِّيَادَةِ من جِنْسِ فِعْلِهِ يُفْعَلُ بِهِ
فَرْعٌ لو عَلِمَ عَدَمَ تَأْثِيرِ الْمِثْلِ فيه لِقُوَّتِهِ فَالسَّيْفُ فَلَوْ قَتَلَ نَحِيفًا بِضَرَبَاتٍ تَقْتُلُ مثله غَالِبًا وَعَلِمْنَا أو ظَنَنَّا أَنَّ الْجَانِيَ لَا يَمُوتُ بها لِقُوَّةِ جُثَّتِهِ تَعَيَّنَ السَّيْفُ فَإِنْ قَتَلَهُ بِجُرْحٍ ذِي قِصَاصٍ كَقَطْعِ يَدِهِ وَكَذَا غَيْرُهُ كَالْجَائِفَةِ جَرَحَهُ مثله رِعَايَةً لِلْمُمَاثَلَةِ ثُمَّ حَزَّهُ حَالًا لِلسِّرَايَةِ أو انْتَظَرَ بَعْدَ الْجُرْحِ السِّرَايَةَ لِتَكْمُلَ الْمُمَاثَلَةُ وَلَا يُكَلَّفُ ذلك بَلْ له حَزُّهُ تَسْهِيلًا عليه وَلَا يَلْزَمُهُ إجَابَةُ الْجَانِي لو قال في الشَّقِّ الْأَوَّلِ أَمْهِلُونِي مُدَّةَ بَقَاءِ الْمَجْنِيِّ عليه بَعْدَ جِنَايَتِي أو قال في الثَّانِي أَرِيحُونِي بِالْقَتْلِ أو الْعَفْوِ وَيُمْنَعُ من إجَافَةٍ ومن كل ما لَا يُقْتَصُّ بِهِ أَيْ بِسَبَبِهِ كَكَسْرِ عَضُدٍ وَقَصْدُهُ أَيْ وَالْحَالَةُ أَنَّ قَصْدَهُ الْعَفْوَ لَا الْحَزَّ بَعْدَهَا أَيْ بَعْدَ الْإِجَافَةِ أو نَحْوِهَا بَلْ يَعْدِلُ إلَى الْحَزِّ أَمَّا إذَا قَصَدَ الْحَزَّ بَعْدَ ذلك أو أَطْلَقَ فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ كَفِعْلِ الْجَانِي وَإِنْ لم يَكُنْ فيه لو لم يَسْرِ قِصَاصٌ وَوَقَعَ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ تَصْحِيحُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعُدُولُ إلَى الْحَزِّ فَإِنْ فَعَلَ ذلك مع قَصْدِ الْعَفْوِ ثُمَّ عَفَا عنه بَلْ أو لم يَعْفُ عنه عُزِّرَ لِتَعَدِّيهِ وَيُقْتَصُّ في إبَانَةِ الْعَيْنِ بِالْأُصْبُعِ بمثله لِأَنَّ إبَانَتَهَا بِهِ مَضْبُوطَةٌ لَا في إبَانَةِ طَرَفٍ بِمُثْقَلٍ أُبِينَ بِهِ إذْ لَا يُمْكِنُ رِعَايَةُ الْمُمَاثَلَةِ بِهِ بَلْ يَعْدِلُ إلَى السَّيْفِ وإذا قَطَعَ السَّلِيمُ مَرْفِقَ مَقْطُوعِ كَفٍّ انْدَمَلَ قَطْعُهَا ولم يَنْدَمِلْ
____________________
(4/40)
قَطْعُ الْمَرْفِقِ فَمَاتَ سِرَايَةً قُطِعَ مَرْفِقُهُ وَقُتِلَ بَعْدَهُ لِيَرُدَّ الْحَدِيدَةَ على مُورِدِهَا في الْجِنَايَةِ وَلَا عِبْرَةَ بِزِيَادَةِ الْكَفِّ الْهَالِكَةِ بِهَلَاكِ النَّفْسِ فَإِنْ قَطَعَهُ أَيْ مَرْفِقَهُ وَعَفَا عنه وَلِيُّ الْمَقْطُوعِ بِمَالٍ فَنِصْفُ دِيَةٍ تَجِبُ لِلْعَافِي إلَّا أَرْشَ سَاعِدٍ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى كَفًّا وَسَاعِدًا وَصَوَّرَ الْأَصْلُ الْمَسْأَلَةَ بِغَيْرِ ما ذُكِرَ وَحَكَمَ عليها بِمَا يَلِيقُ بِالتَّصْوِيرِ وَالْكُلُّ صَحِيحٌ
وَإِنْ مَاتَ مَقْطُوعُ يَدٍ سِرَايَةً وقد اقْتَصَّ هو من الْجَانِي فَلِوَلِيِّهِ حَزُّ الْجَانِي أو نِصْفُ دِيَةٍ إنْ عَفَا عن النَّفْسِ بِالْبَدَلِ وَالْيَدُ الْمُسْتَوْفَاةُ مُقَابَلَةٌ بِالنِّصْفِ فَإِنْ عَفَا وَالْمَقْطُوعُ منه يَدَانِ فَلَا شَيْءَ له لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى ما يُقَابِلُ الدِّيَةَ بِقِصَاصِ الْيَدَيْنِ وَمَحِلُّ ذلك عِنْدَ التَّسَاوِي دِيَةً كما يَأْتِي في بَابِ الْعَفْوِ عن الْقِصَاصِ
فَلَوْ قَطَعَ ذِمِّيٌّ يَدَ مُسْلِمٍ أو يَدَيْهِ فَاقْتَصَّ منه وَمَاتَ الْمُسْلِمُ سِرَايَةً وَعَفَا وَلِيُّهُ عن النَّفْسِ بِالْبَدَلِ فَلَهُ في الْأُولَى خَمْسَةُ أَسْدَاسِ دِيَةِ مُسْلِمٍ وفي الثَّانِيَةِ ثُلُثَاهَا وَلَوْ مَاتَا بَعْدَ الِاقْتِصَاصِ سِرَايَةً مَعًا أو سَبَقَ الْمُقْتَصُّ الْجَانِي فَقَدْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ من الْجَانِي بِالْقَطْعِ وَالسِّرَايَةِ وَلَوْ سَبَقَهُ الْجَانِي وَالْمَقْطُوعَةُ يَدٌ النِّصْفَ الدِّيَةَ يَجِبُ له في تَرِكَةِ الْجَانِي لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَسْبِقُ الْجِنَايَةَ لِأَنَّهُ يَكُونُ في مَعْنَى السَّلَمِ في الْقِصَاصِ وهو مُمْتَنِعٌ
قال في الْأَصْلِ وَلَوْ كان ذلك في الْمُوضِحَةِ وَجَبَ تِسْعَةُ أَعْشَارِ الدِّيَةِ وَنِصْفُ عُشْرِهَا وقد أُخِذَ بِقِصَاصِ الْمُوضِحَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ
فَرْعٌ لو قَتَلَ شَخْصٌ قَاطِعَ يَدِهِ وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ حَصَلَ التَّقَاصُّ هذا بِخِلَافِ ما ذَكَرُوهُ في الْكِتَابَةِ من أَنَّ التَّقَاصَّ إنَّمَا يَجْرِي في النُّقُودِ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ أَوَائِلَ الْبَابِ مع أَنَّ التَّعْبِيرَ بِذَلِكَ من تَصَرُّفِهِ وَلَيْتَهُ بَعْدَ أَنْ عَبَّرَ بِهِ عَبَّرَ بِالتَّقَاصِّ بِالْإِدْغَامِ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْقِصَاصِ فَسَلِمَ من ذلك وَوَافَقَ قَوْلَ الْأَصْلِ صَارَ قِصَاصًا وَإِنْ انْدَمَلَ الْقَطْعُ قُتِلَ قِصَاصًا وَلَهُ دِيَةُ يَدِهِ في تَرِكَةِ الْجَانِي
فَرْعٌ لو قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ وَقَتَلَ آخَرَ ثُمَّ مَاتَ الْمَقْطُوعُ بِالسِّرَايَةِ قُطِعَ الْجَانِي بِالْمَقْطُوعِ ثُمَّ قُتِلَ بِالْآخَرِ وَبَقِيَ لِلْمَقْطُوعِ نِصْفُ الدِّيَةِ في تَرِكَةِ الْجَانِي وَإِنَّمَا قُتِلَ بِالْآخَرِ دُونَ الْمَقْطُوعِ مع أَنَّهُ مَاتَ أَيْضًا بِالسِّرَايَةِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لِلْمَقْطُوعِ وَجَبَ بِالسِّرَايَةِ وَهِيَ مُتَأَخِّرَةٌ عن وُجُوبِهِ لِلْمَقْتُولِ فَإِنْ مَاتَ الْجَانِي بِسِرَايَةٍ الْقَطْعِ فَقَدْ اسْتَوْفَى قَاطِعُهُ حَقَّهُ وَلِلْمَقْتُولِ في تَرِكَتِهِ الدِّيَةُ
فَصْلٌ التَّرَاضِي من الْقَاطِعِ وَالْمَقْطُوعِ بِقَطْعِ عُضْوٍ عن آخَرَ كَقَطْعِ الْيَسَارِ عن الْيَمِينِ فَاسِدٌ فَيَأْثَمَانِ بِذَلِكَ عِنْدَ الْعِلْمِ بِفَسَادِهِ لَكِنْ لَا قِصَاصَ في الْيَسَارِ لِشُبْهَةِ الْبَدَلِ وَيَضْمَنُ الْقَاطِعُ لها دِيَتَهَا وَيَسْقُطُ قِصَاصُ الْيَمِينِ إلَى الدِّيَةِ بِذَلِكَ لِأَنَّ الرِّضَا بِهِ عَفْوٌ عن قَطْعِهَا بِخِلَافِ الصُّلْحِ الْفَاسِدِ عن الْمَالِ الْمُدَّعَى بِهِ لَا يَسْقُطُ بِهِ الْحَقُّ لِأَنَّ ما جَعَلَهُ عِوَضًا هُنَا وهو قَطْعُ الْيَسَارِ قد حَصَلَ وَإِنْ لم يَقَعْ بَدَلًا في الْحُكْمِ بِخِلَافِ عِوَضِ الصُّلْحِ وَيُعَزَّرُ كُلٌّ من قَاطِعِ الْيَسَارِ وَمُخْرَجِهَا عِنْدَ عِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ وَإِنْ طَلَبَ الْمُقْتَصُّ يَمِينَهُ فَأَخْرَجَ له يَسَارَهُ عَالِمًا أو غير عَالِمٍ فِيمَا يَظْهَرُ أنها لَا تُجْزِئُ عن الْيَمِينِ بِنِيَّةِ الْإِبَاحَةِ لها أُهْدِرَتْ وَأُهْدِرَ إنْ مَاتَ سِرَايَةً لِأَنَّهُ بَذَلَهَا مَجَّانًا وَإِنْ لم يَتَلَفَّظْ بِالْإِبَاحَةِ لِأَنَّهُ وُجِدَ منه فِعْلُ الْإِخْرَاجِ مَقْرُونًا بِالنِّيَّةِ فَكَانَ كَالنُّطْقِ وَهَذَا كَمَنْ قال أَعْطِنِي مَالِك لِأُلْقِيَهُ في الْبَحْرِ أو طَعَامَك لِآكُلَهُ فَنَاوَلَهُ له وَأَلْقَاهُ في الْبَحْرِ أو أَكَلَهُ لَا ضَمَانَ عليه وَلَيْسَ عَدَمُ الدَّفْعِ وَلَوْ من الْقَادِرِ إبَاحَةً فَلَوْ قَطَعَ يَدَ غَيْرِهِ ظُلْمًا فلم يَدْفَعْهُ وَسَكَتَ حتى قَطَعَهَا وَجَبَ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ لم يُوجَدْ منه لَفْظٌ وَلَا فِعْلٌ فَصَارَ كَسُكُوتِهِ عن إتْلَافِ مَالِهِ وَلَا يَسْقُطُ بِقَطْعِ الْيَسَارِ مع نِيَّةِ الْإِبَاحَةِ قِصَاصُ الْيَمِينِ إلَّا إنْ مَاتَ الْمُبِيحُ أو قال الْقَاطِعُ لِلْيَسَارِ ظَنَنْتهَا تُجْزِئُ عن الْيَمِينِ أو عَلِمْت أنها لَا تُجْزِئُ عنها لَكِنْ جَعَلْتهَا عِوَضًا عنها كما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ فَتَجِبُ دِيَتُهَا فِيهِمَا لَا دِيَةُ الْيَسَارِ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ هَدَرًا وَإِنَّمَا سَقَطَ قِصَاصُ الْيُمْنَى في الْأُولَى لِتَعَذُّرِهِ بِالْمَوْتِ وفي الثَّانِيَةِ لِرِضَا الْمُقْتَصِّ بِسُقُوطِهِ اكْتِفَاءً بِالْيَسَارِ وَعَلَى الْمُبِيحِ الْكَفَّارَةُ إنْ مَاتَ سِرَايَةً كَقَاتِلِ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا لم تَجِبْ على الْمُبَاشِرِ لِأَنَّ السِّرَايَةَ حَصَلَتْ بِقَطْعٍ يُسْتَحَقُّ مِثْلُهُ وَبِهَذَا فَارَقَ ما سَيَأْتِي في الطَّرَفِ الثَّانِي من الْبَابِ الْآتِي
____________________
(4/41)
فَإِنْ أَخْرَجَ الْيَسَارَ وقال ظَنَنْتهَا تُجْزِئُ عن الْيَمِينِ فَجَعَلْتهَا بَدَلًا عنها فَلَا قِصَاصَ في الْيَسَارِ على الْقَاطِعِ لها مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ قال ظَنَنْت أَنَّهُ أَبَاحَهَا أو أنها الْيَمِينُ أو عَلِمْت أنها الْيَسَارُ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ أَمْ قَطَعْتهَا عن الْيُمْنَى وَظَنَنْت أنها تُجْزِئُ عنها لِشُبْهَةِ بَذْلِهَا فَإِنْ قال قَطَعْتهَا عِوَضًا عن الْيَمِينِ وَعَلِمْت أَيْ أو عَلِمْت أنها لَا تُجْزِئُ عنها أو ظَنَنْته أَبَاحَهَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ في الْيَسَارِ لِأَنَّ صَاحِبَهَا لم يَبْذُلْهَا مَجَّانًا وَهَذَا دَاخِلٌ في قَوْلِهِ بَعْدُ وَحَيْثُ سَقَطَ في الْيَسَارِ وَجَبَتْ دِيَتُهَا
فَإِنْ قال الْمُخْرِجُ دَهَشْت فَظَنَنْتهَا الْيَمِينَ أو ظَنَنْته قال أَخْرِجْ يَسَارَك فَكَذَلِكَ أَيْ فَتَجِبُ الدِّيَةُ في الْيَسَارِ وَهَذَا دَاخِلٌ فِيمَا ذُكِرَ أَيْضًا فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَلَا قِصَاصَ إنْ قال الْقَاطِعُ ظَنَنْتهَا تُجْزِئُ عنها أو أنها الْيَمِينُ وَإِنَّمَا لم يَجِبْ الْقِصَاصُ لِأَنَّ هذا الِاشْتِبَاهَ قَرِيبٌ فَإِنْ قال ظَنَنْته أَبَاحَهَا أو دَهَشْت أَيْضًا أو عَلِمْت أنها لَا تُجْزِئُ عنها لَزِمَهُ الْقِصَاصُ في الْيَسَارِ أَمَّا في الْأُولَى فَكَمَنْ قَتَلَ رَجُلًا وقال ظَنَنْت أَنَّهُ أَذِنَ في قَتْلِهِ وَيُفَارِقُ عَدَمَ لُزُومِهِ فِيمَا لو ظَنَّ إبَاحَتَهَا مع قَصْدِ الْمُخْرِجِ جَعْلَهَا عن الْيَمِينِ بِأَنَّ جَعْلَهَا عن الْيَمِينِ تَسْلِيطٌ بِخِلَافِ إخْرَاجِهَا دَهْشَةً أو ظَنًّا منه أَنَّهُ قال أَخْرِجْ يَسَارَك وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الدَّهْشَةَ لَا تَلِيقُ بِحَالِ الْقَاطِعِ وَأَمَّا في الثَّالِثَةِ فَلِأَنَّهُ لم يُوجَدْ من الْمُخْرِجِ تَسْلِيطٌ ثُمَّ في جَمِيعِ هذه الصُّوَرِ لَا يَسْقُطُ قِصَاصُ الْيَمِينِ إلَّا إنْ قال الْقَاطِعُ ظَنَنْتهَا تُجْزِئُ عن الْيَمِينِ أو جَعَلْتهَا عِوَضًا عنها كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى
وَحَيْثُ سَقَطَ الْقِصَاصُ في الْيَسَارِ بِغَيْرِ الْإِبَاحَةِ وَجَبَتْ دِيَتُهَا وَإِنْ قال له الْجَانِي خُذْ الدِّيَةَ عِوَضًا عن الْيَمِينِ فَأَخَذَهَا وَلَوْ سَاكِنًا سَقَطَ الْقِصَاصُ وَجُعِلَ الْأَخْذُ عَفْوًا فَإِنْ كان الْمُقْتَصُّ منه مَجْنُونًا فَكَمَنْ قال بَعْدَ إخْرَاجِهِ الْيَسَارَ دَهَشْت أو كان الْمُسْتَحِقُّ لِلْقِصَاصِ مَجْنُونًا وقال لِلْجَانِي أَخْرِجْ يَسَارَك أو يَمِينَك فَأَخْرَجَهَا له وَقَطَعَهَا أُهْدِرَتْ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا بِتَسْلِيطِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِيفَاؤُهُ كما صَرَّحَ بِهِ في قَوْلِهِ وَإِنْ لم يُخْرِجْهَا له وَقَطَعَ يَمِينَهُ لم يَصِحَّ اسْتِيفَاؤُهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ له
وَوَجَبَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا على الْآخَرِ دِيَةٌ وَتَقَاصَّا وَفِيهِ ما قَدَّمْته أَوَّلَ الْفَصْلِ وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا قِصَاصَ الْيَمِينِ فَوَقْتُهُ بَعْدَ انْدِمَالِ الْيَسَارِ لِمَا في تَوَالِي الْقَطْعَيْنِ من خَطَرِ الْهَلَاكِ وَيُؤْخَذُ من التَّعْلِيلِ أَنَّ له التَّوَالِيَ فِيمَا إذَا كان الْجَانِي مُسْتَحِقَّ الْقَتْلِ كَالْقَتْلِ في الْحِرَابَةِ وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا دِيَةَ الْيَسَارِ في الصُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهِيَ في مَالِهِ لَا على عَاقِلَتِهِ لِأَنَّهُ قَطَعَ مُتَعَمِّدًا وَكَذَا من قَطَعَ أُنْمُلَتَيْنِ بِأُنْمُلَةٍ وَادَّعَى الْخَطَأَ كَأَنْ قال أَخْطَأْت وَتَوَهَّمْت أَنِّي أَقْطَعُ أُنْمُلَةً وَاحِدَةً تَجِبُ دِيَةٌ لِأُنْمُلَةِ الزَّائِدَةِ في مَالِهِ لَا على عَاقِلَتِهِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَسْرِي عليها وَإِنْ اعْتَرَفَ بِتَعَمُّدِهِ قُطِعَتْ منه الْأُنْمُلَةُ الزَّائِدَةُ وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ في أَنَّهُ أَخْطَأَ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِفِعْلِهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُخْرِجِ يَدَهُ فِيمَا نَوَى فَلَوْ قال قَصَدْت بِالْإِخْرَاجِ إيقَاعَهَا عن الْيَمِينِ وقال الْقَاطِعُ بَلْ قَصَدْت الْإِبَاحَةَ صُدِّقَ الْمُخْرِجُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِقَصْدِهِ
بَابُ الْعَفْوِ عن الْقِصَاصِ وهو مُسْتَحَبٌّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ على اللَّهِ وَلِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عن أَنَسِ بن مَالِكٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ما رُفِعَ إلَيْهِ قِصَاصٌ قَطُّ إلَّا أَمَرَ فيه بِالْعَفْوِ وَيَسْرِي الْعَفْوُ إنْ تَبَعَّضَ
____________________
(4/42)
فَلَوْ عَفَا بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَإِنْ كَرِهَ الْبَاقُونَ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ أو تَغْلِيبًا لِجَانِبِ السُّقُوطِ لِحَقْنِ الدِّمَاءِ وَلَوْ عَفَا عن عُضْوٍ من الْجَانِي سَقَطَ الْقِصَاصُ كُلُّهُ كما أَنَّ تَطْلِيقَ بَعْضِ الْمَرْأَةِ تَطْلِيقٌ لِكُلِّهَا فَإِنْ وَقَتَّ الْعَفْوَ تَأَبَّدَ كَالطَّلَاقِ وَفِيهِ طَرَفَانِ أَحَدُهُمَا في حُكْمِ الْعَفْوِ وهو مَبْنِيٌّ على أَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ مَاذَا وقد بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ وَمُوجَبُ الْعَمْدِ بِفَتْحِ الْجِيمِ الْقِصَاصُ فَقَطْ وَلِذَا يَتَبَدَّلُ عنه لَا أَحَدُهُمَا مُبْهَمًا وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ في الْقَتْلَى وَقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في خَبَرِ الرُّبَيِّعِ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ وَقَوْلِهِ من قَتَلَ عَمْدًا فَهُوَ قَوَدٌ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وأبو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَلِأَنَّهُ بَدَلٌ مُتْلِفٌ فَتَعَيَّنَ جِنْسُهُ كَالْمُتْلَفَاتِ الْمِثْلِيَّةِ وما ذَكَرْته تَبَعًا لِلْأَصْلِ من أَنَّ الدِّيَةَ بَدَلٌ عن الْقِصَاصِ لَا يُنَافِي قَوْلَ الْمَاوَرْدِيِّ إنَّمَا هِيَ بَدَلٌ عن نَفْسِ الْمَجْنِيِّ عليه بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لو قَتَلَتْ رَجُلًا لَزِمَهَا دِيَةُ رَجُلٍ وَلَوْ كانت بَدَلًا عن الْقِصَاصِ لَزِمَهَا دِيَةُ الْمَرْأَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا مع أنها عن الْقِصَاصِ بَدَلٌ عن نَفْسِ الْمَجْنِيِّ عليه لِأَنَّ الْقِصَاصَ بَدَلٌ عن نَفْسِ الْمَجْنِيِّ عليه وَبَدَلُ الْبَدَلِ بَدَلٌ وَإِنْ عَفَا عنه على غَيْرِ مَالٍ بِأَنْ قال عَفَوْت عنه أو عَفَوْت عنه بِلَا مَالٍ سَقَطَتْ الدِّيَةُ يَعْنِي لم تَجِبْ إذْ الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا كما مَرَّ وَالْعَفْوُ إسْقَاطٌ ثَابِتٌ لَا إثْبَاتُ مَعْدُومٍ
فَإِنْ لم يَكُنْ الْعَافِي حَائِزًا لِلْمِيرَاثِ فَلِلْبَاقِينَ حِصَّتُهُمْ من الدِّيَةِ على الْجَانِي وَإِنْ عَفَا عنه مُطْلَقًا بِأَنْ قال عَفَوْت عنه وَاخْتَارَهَا أَيْ الدِّيَةَ عَقِيبَ الْعَفْوِ وَجَبَتْ وَإِنْ كَرِهَ الْجَانِي الْعَفْوَ تَنْزِيلًا لِاخْتِيَارِهَا حِينَئِذٍ مَنْزِلَةَ الْعَفْوِ عليها بِخِلَافِ ما إذَا تَرَاخَى اخْتِيَارُهُ لها عن الْعَفْوِ فَلَا تَجِبُ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَرِهَ الْجَانِي من زِيَادَتِهِ وَكَذَا بِقَوْلِهِ وَإِنْ عَفَا عنه على بَعْضِهَا جَازَ كَالْعَفْوِ على كُلِّهَا وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي وَلَوْ صَالَحَ هو أو غَيْرُهُ على غَيْرِهَا أَيْ الدِّيَةِ أَيْ غَيْرِ جِنْسِهَا أو على دِيَتَيْنِ أو أَكْثَرَ جَازَ إنْ قَبِلَ الْجَانِي وَإِلَّا فَلَا كَالْخُلْعِ وإذا لم يَجُزْ فَلَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ لِأَنَّ الْعِوَضَ لم يَحْصُلْ وَلَيْسَ كَالصُّلْحِ بِعِوَضٍ فَاسِدٍ حَيْثُ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ فيه لِأَنَّ الْجَانِيَ ثَمَّ قد رضي وَالْتَزَمَ فَرَجَعْنَا إلَى بَدَلِ الدَّمِ وَقَوْلُهُ أو غَيْرِهِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ صَالَحَ الْجَانِيَ وَلَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ صَالَحَ الْمُسْتَحِقَّ فَيَحْتَاجُ إلَى تَقْيِيدِ جَوَازِهِ بِقَبُولِ الْمُسْتَحِقِّ فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ إنْ قَبِلَ الْجَانِي قَيْدٌ في الْأُولَى خَاصَّةً
وَلِلْمُفْلِسِ وَالْمَرِيضِ وَوَارِثِ الْمَدْيُونِ وَكَذَا السَّفِيهُ الْقِصَاصُ ولهم الْعَفْوُ عنه بِلَا مَالٍ بِنَاءً على أَنَّ الْوَاجِبَ الْقِصَاصُ عَيْنًا وَلَيْسَ في الْعَفْوِ عنه تَضْيِيعُ مَالٍ لَا الْعَفْوُ عن مَالٍ ثَبَتَ لِأَنَّهُمْ مَمْنُوعُونَ من التَّبَرُّعِ بِهِ
الطَّرَفُ الثَّانِي في صَحِيحِ الْعَفْوِ وَفَاسِدِهِ وَأَلْفَاظِهِ
إذَا قَطَعَهُ بِإِذْنِهِ وهو رَشِيدٌ فَمَاتَ سِرَايَةً فَلَا ضَمَانَ لِلْإِذْنِ وَتَبِعَ في تَعْبِيرِهِ بِالرَّشِيدِ الْمِنْهَاجَ قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَضِيَّةُ التَّعْبِيرِ بِهِ إخْرَاجُ السَّفِيهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فإن الْحَجْرَ عليه في مَالِهِ لَا في نَفْسِهِ وَلِهَذَا له أَنْ يَعْفُوَ عن الْقِصَاصِ قَطْعًا ولم يُعَبِّرْ الْأَصْلُ وَالْمُحَرَّرُ بِالرَّشِيدِ بَلْ بِمَالِكِ أَمْرِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ وَإِنْ كان مَحْجُورًا عليه وَتَجِبُ عليه الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالْجِنَايَةِ على حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِبَاحَةُ لَا تُؤَثِّرُ فيها وَلَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ مَثَلًا فَعَفَا عن مُوجِبِ قَطْعِهَا فَإِنْ لم يَسْرِ الْقَطْعُ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ أَسْقَطَ حَقَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَإِنْ سَرَى إلَى النَّفْسِ لم يَبْرَأْ من السِّرَايَةِ وَلَوْ قال مع عَفْوِهِ عن ذلك وعفوت عَمَّا يَحْدُثُ من الْقَطْعِ لِأَنَّهُ عَفْوٌ عن الشَّيْءِ قبل ثُبُوتِهِ لَكِنْ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ لِأَنَّ السِّرَايَةَ تَوَلَّدَتْ من مَعْفُوٍّ عنه فَانْتَهَضَتْ شُبْهَةٌ لِدَرْءِ الْقِصَاصِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ النَّفْسِ إلَّا بِاسْتِيفَاءِ الطَّرَفِ وقد عَفَا عنه فَمَعْنَى قَوْلِهِ لم يَبْرَأْ من السِّرَايَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الدِّيَةِ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ إنْ مَاتَ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَإِنْ أَوْصَى له بَعْدَ عَفْوِهِ عن الْقِصَاصِ بِدِيَةِ الْيَدِ فَوَصِيَّةٌ لِلْقَاتِلِ وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ فِيمَا يَحْدُثُ من الْقَطْعِ أَيْضًا كَأَنْ قال أَوْصَيْت له بِأَرْشِ الْقَطْعِ وَأَرْشِ ما يَحْدُثُ منه فَتَسْقُطُ دِيَةُ كُلٍّ من الْقَطْعِ وَالسِّرَايَةِ إنْ خَرَجَتْ من الثُّلُثِ وَإِلَّا سَقَطَ منها قَدْرُ الثُّلُثِ
وَإِنْ عَفَا عن عَبْدٍ لَزِمَهُ أَيْ تَعَلَّقَ بِهِ قِصَاصٌ له ثُمَّ مَاتَ سِرَايَةً صَحَّ الْعَفْوُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ عليه أو تَعَلَّقَ بِهِ مَالٌ له بِجِنَايَةٍ وَأَطْلَقَ الْعَفْوَ أو أَضَافَهُ إلَى السَّيِّدِ فَكَذَلِكَ أَيْ يَصِحُّ الْعَفْوُ لِأَنَّهُ عَفْوٌ عن حَقٍّ لَزِمَ السَّيِّدَ في عَيْنِ مَالِهِ أو إلَى الْعَبْدِ لَغَا الْعَفْوُ لِأَنَّ الْحَقَّ ليس عليه فَإِنْ عَفَا الْمَقْطُوعُ ثُمَّ مَاتَ سِرَايَةً أو عَفَا الْوَارِثُ في جِنَايَةِ الْخَطَأِ
____________________
(4/43)
عن الدِّيَةِ أو عن الْعَاقِلَةِ أو مُطْلَقًا صَحَّ الْعَفْوُ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ صَدَرَ من أَهْلِهِ وَذِكْرُ عَفْوِ الْوَارِثِ عن الدِّيَةِ من زِيَادَتِهِ أو عن الْجَانِي فَلَا يَصِحُّ الْعَفْوُ لَا إنْ لَزِمَتْهُ دُونَهُمْ بِأَنْ الْأَوْلَى كَأَنْ كان ذِمِّيًّا وَعَاقِلَتُهُ مُسْلِمِينَ أو حَرْبِيِّينَ فَيَصِحُّ الْعَفْوُ لِمُصَادَفَتِهِ الْجَانِيَ وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ بِخِلَافٍ في الْمُسْتَثْنَى منه لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ وُجُوبِهَا عليه تَنْتَقِلُ عنه فَيُصَادِفُهُ الْعَفْوُ وَلَا شَيْءَ عليه هذا إذَا ثَبَتَتْ الْجِنَايَةُ بِالْبَيِّنَةِ أو بِاعْتِرَافِ الْعَاقِلَةِ فَإِنْ أَنْكَرَتْ الْعَاقِلَةُ الْجِنَايَةَ وَلَا بَيِّنَةَ فَهِيَ أَيْ الدِّيَةُ على الْقَاتِلِ لِأَنَّهَا إنَّمَا ثَبَتَتْ بِاعْتِرَافِهِ وَيَكُونُ الْعَفْوُ تَبَرُّعًا عليه
وَإِنْ جَرَحَهُ جُرْحًا لَا قِصَاصَ فيه كَالْجَائِفَةُ وَكَسْرِ الذِّرَاعِ فَعَفَا عن الْقِصَاصِ لَغَا الْعَفْوُ لِعَدَمِ الْقِصَاصِ فَإِنْ مَاتَ الْمَجْرُوحُ منه أَيْ من الْجُرْحِ اُقْتُصَّ من الْجَارِحِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لم تَتَوَلَّدْ من الْمَعْفُوِّ عنه فَإِنْ عَفَا الْوَلِيُّ أَخَذَ الدِّيَةَ وَكَذَا يُقْتَصُّ منه إنْ أَخَذَ الْمَجْرُوحُ أَرْشَهُ قبل مَوْتِهِ لِذَلِكَ وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ مَثَلًا فَعَفَا عنه بِمَالٍ ثُمَّ عَادَ الْقَاطِعُ فَحَزَّهُ قبل الِانْدِمَالِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ في النَّفْسِ لِأَنَّ الزُّهُوقَ لم يَتَوَلَّدْ من الْمَعْفُوِّ عنه ثُمَّ لو عَفَا الْوَلِيُّ عن الْقِصَاصِ على بَاقِي الدِّيَةِ اسْتَحَقَّ بَاقِي الدِّيَةِ لَا الْكُلَّ وَالْأَطْرَافُ تَدْخُلُ في الدِّيَةِ وَإِنْ لم تَدْخُلْ في الْقِصَاصِ أو حَزَّهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ في النَّفْسِ وَدِيَةُ يَدٍ فَإِنْ عَفَا الْوَلِيُّ عن الْقِصَاصِ على دِيَةِ النَّفْسِ اسْتَحَقَّهَا وَدِيَةَ الْيَدِ
وَلِوَارِثِ الْقِصَاصِ الْعَفْوُ عنه لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ مُوَرِّثِهِ فَلَوْ اسْتَحَقَّ وَاحِدٌ طَرَفَ إنْسَانٍ وَنَفْسَهُ أَيْ قِصَاصَهَا بِأَنْ قَطَعَ طَرَفَهُ ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ وَلَوْ قبل الْبُرْءِ فَعَفَا وَلِيُّهُ عن الطَّرَفِ طَالَبَ بِالنَّفْسِ أو عن النَّفْسِ طَالَبَ بِالطَّرَفِ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ ثَبَتَا له فَالْعَفْوُ عن أَحَدِهِمَا لَا يُسْقِطُ الْآخَرَ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ لَا إنْ ذَهَبَتْ أَيْ النَّفْسُ بِسِرَايَتِهِ أَيْ قَطْعِ الطَّرَفِ فَلَا يُطَالِبُ الْعَافِي عنها بِالطَّرَفِ لِأَنَّ مُسْتَحَقَّهُ الْقَتْلُ وَالْقَطْعُ طَرِيقُهُ وقد عَفَا عن الْمُسْتَحَقِّ فَلَيْسَ له التَّوَصُّلُ إلَيْهِ بِخِلَافِ ما لو عَفَا عن الطَّرَفِ لَا يَسْقُطُ قِصَاصُ النَّفْسِ كما شَمِلَهُ أَوَّلُ كَلَامِهِ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ من الْعُدُولِ إلَى حَزِّ الرَّقَبَةِ فَرُبَّمَا قَصَدَهُ بِالْعَفْوِ وَلِأَنَّ له الْقَطْعَ ثُمَّ الْحَزَّ فَفِي الْعَفْوِ عن الْقَطْعِ تَسْهِيلُ الْأَمْرِ عليه وَإِنْ اسْتَحَقَّهُمَا اثْنَانِ لم يُسْقِطْ عَفْوُ أَحَدِهِمَا حَقَّ الْآخَرِ كَأَنْ قُطِعَتْ يَدُ عَبْدٍ فَأُعْتِقَ ثُمَّ مَاتَ بِسِرَايَةٍ فَقِصَاصُ النَّفْسِ لِلْوَرَثَةِ وَقِصَاصُ الْيَدِ لِلسَّيِّدِ وَإِنْ اسْتَحَقَّ قَتْلَهُ شَخْصٌ فَقَطَعَهُ بِأَنْ قَطَعَ طَرَفَهُ عُدْوَانًا أو بِحَقٍّ بِأَنْ كان الْقَتْلُ بِالْقَطْعِ السَّارِي مَثَلًا وَعَفَا بَعْدَ ذلك عن النَّفْسِ لم يَلْزَمْهُ غُرْمٌ لِقَطْعِ الطَّرَفِ لِأَنَّهُ قَطَعَ طَرَفَ من يُبَاحُ له دَمُهُ فَلَا يَضْمَنُهُ كما لو قَطَعَ يَدَ مُرْتَدٍّ وَالْعَفْوُ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِيمَا بَقِيَ لَا فِيمَا اسْتَوْفَى هذا إذَا لم يَمُتْ بِالسِّرَايَةِ فَإِنْ مَاتَ بها بَانَ بُطْلَانُ الْعَفْوِ لِأَنَّ السَّبَبَ وُجِدَ قَبْلَهُ وَتَرَتَّبَ عليه مُقْتَضَاهُ فلم يُؤَثِّرْ فيه الْعَفْوُ وَفَائِدَةُ بُطْلَانِهِ تَظْهَرُ فِيمَا لو عَفَا بِمَالٍ فإنه لَا يَلْزَمُ
فَإِنْ رَمَى الْمُسْتَحِقُّ إلَى الْجَانِي فَعَفَا عنه فَأَصَابَ صَحَّ الْعَفْوُ وَوَجَبَ على الْعَافِي الدِّيَةُ لِأَنَّهُ مَحْقُونُ الدَّمِ عِنْدَ الْإِصَابَةِ وما ذَكَرَهُ من تَرَتُّبِ صِحَّةِ الْعَفْوِ على الْإِصَابَةِ عَكْسُ ما في الْأَصْلِ من تَرَتُّبِهَا على عَدَمِهَا لَكِنَّهُ تَبِعَ في ذلك الْإِسْنَوِيَّ حَيْثُ قال تَصْحِيحُ إيجَابِ الدِّيَةِ بَعْدَ الْجَزْمِ بِبُطْلَانِ الْعَفْوِ غَلَطٌ وَاضِحٌ فإنه إذَا بَطَلَ الْعَفْوُ اسْتَحَقَّ الْعَافِي الدَّمَ فَلَا يَضْمَنُ دِيَةَ الْجَانِي نعم حَكَى الْغَزَالِيُّ في بَسِيطِهِ وَجْهًا أَنَّ عَفْوَهُ صَحِيحٌ مع الْإِصَابَةِ وَيَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ بِنَاءً على أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالَةِ الْإِصَابَةِ وَحِينَئِذٍ يَسْتَقِيمُ بِنَاءُ ذلك عليه وَكَلَامُ الْإِمَامِ يُشِيرُ إلَيْهِ وَكَلَامُ الْقَاضِي صَرِيحٌ فيه
انْتَهَى
وَيُجَابُ عن الْإِشْكَالِ بِأَنَّ بُطْلَانَ الْعَفْوِ إنَّمَا هو بِالنَّظَرِ إلَى الْبَدَلِ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ الْعَافِي
فَإِنْ قَطَعَ ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا فَاقْتَصَّ منه أو ذِمِّيًّا فَأَسْلَمَ بَعْدَمَا اقْتَصَّ من قَاطِعِهِ ثُمَّ مَاتَ الْمَقْطُوعُ بِالسِّرَايَةِ وَجَبَ الْقِصَاصُ في النَّفْسِ وَلَوْ عَفَا عنه على مَالٍ فَعَلَى الذِّمِّيِّ الْقَاطِعِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الدِّيَةِ أَيْ دِيَةِ مُسْلِمٍ وَيَسْقُطُ سُدُسُهَا بِالْيَدِ التي اُسْتُوْفِيَتْ لِأَنَّهَا نِصْفُ جُمْلَةِ الذِّمِّيِّ التي هِيَ ثُلُثُ جُمْلَةِ الْمُسْلِمِ بِالنَّظَرِ إلَى الدِّيَةِ وَعَلَى الْمَرْأَةِ فِيمَا لو قَطَعَتْ يَدَ رَجُلٍ فَاقْتَصَّ منها ثُمَّ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَعَفَا الْوَلِيُّ على مَالٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا أَيْ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى ما يُقَابِلُ رُبُعَهَا فَإِنْ كان الْقِصَاصُ في قَطْعِ الْيَدَيْنِ لِكَوْنِ الذِّمِّيِّ أو الْمَرْأَةِ قَطَعَ يَدَيْ من ذُكِرَ لَزِمَهُ أَيْ الذِّمِّيُّ ثُلُثَا دِيَةٍ أَيْ دِيَةِ مُسْلِمٍ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ اسْتَوْفَى ما يُقَابِلُ ثُلُثَهَا وَلَزِمَهَا أَيْ الْمَرْأَةَ نِصْفُهَا أَيْ نِصْفُ دِيَةِ مُسْلِمٍ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ اسْتَوْفَى ما يُقَابِلُ
____________________
(4/44)
نِصْفَهَا
وَلَوْ قَطَعَ عَبْدٌ يَدَ حُرٍّ فَاقْتَصَّ منه ثُمَّ عَتَقَ فَمَاتَ الْحُرُّ بِالسِّرَايَةِ سَقَطَ من دِيَتِهِ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَلَزِمَ السَّيِّدَ الْأَقَلُّ من الْقِيمَةِ وَبَاقِي الدِّيَةِ إذْ عِتْقُهُ اخْتِيَارٌ لِلْفِدَاءِ وَقِيلَ يَسْقُطُ نِصْفُ الدِّيَةِ وَيَلْزَمُ السَّيِّدَ الْأَقَلُّ من الْقِيمَةِ وَنِصْفِ الدِّيَةِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ اقْتَصَّ الْوَكِيلُ بَعْدَ عَفْوِ الْمُوَكِّلِ أو عَزْلِهِ إيَّاهُ عَالِمًا بِذَلِكَ اقْتَصَّ منه كما لو قَتَلَهُ غَيْرُهُ أو جَاهِلًا بِهِ فَلَا يُقْتَصُّ منه لِعُذْرِهِ وَلَا من مُوَكِّلِهِ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِالْعَفْوِ وَفَارَقَ ذلك ما لو قَتَلَ من عَهِدَهُ مُرْتَدًّا أو حَرْبِيًّا وَقُلْنَا بِوُجُوبِ الْقَوَدِ فيه فَبَانَ خِلَافُهُ بِأَنَّ الْقَتْلَ ثَمَّ يَقْصُرُ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُخَلَّى بَلْ يُحْبَسُ وَالْحَرْبِيُّ لَا يَجْتَرِئُ على دُخُولِ دَارِنَا بِلَا أَمَانٍ وَلَا يَخْلُو من عَلَامَةٍ فَكَانَ حَقُّهُ التَّثَبُّتَ وَالْوَكِيلُ مَعْذُورٌ هُنَا
وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ في أَنَّهُ لم يَعْلَمْ ذلك لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعِلْمِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُسْتَحِقُّ وَاسْتَحَقَّ الْقِصَاصَ وَذِكْرُ مَسْأَلَةِ الْعَزْلِ من زِيَادَتِهِ وَتَلْزَمُهُ الدِّيَةُ إنْ عَلِمَ أَنَّ قِصَاصَهُ وَقَعَ بَعْدَ الْعَفْوِ أو الْعَزْلِ لِأَنَّهُ بَانَ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلِأَنَّهُ لو عَلِمَ ذلك وَقَتَلَهُ اقْتَصَّ منه فإذا جَهِلَهُ لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ كما لو قَتَلَ من عَهِدَهُ مُرْتَدًّا فَبَانَ خِلَافُهُ مُغَلَّظَةً وَحَالَّةً في مَالِهِ لِأَنَّهُ مُتَعَمِّدٌ وَإِنَّمَا سَقَطَ عنه الْقِصَاصُ لِشُبْهَةِ الْإِذْنِ وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنْ يَكُونَ على مَسَافَةٍ يُمْكِنُ إعْلَامُ الْوَكِيلِ بِالْعَفْوِ فيها فَلَوْ كان على مَسَافَةِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَعَفَا الْوَكِيلُ قبل الْقِصَاصِ بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ كان عَفْوُهُ بَاطِلًا وَذَكَرَ ابن أبي عَصْرُونٍ نَحْوَهُ قال الْبُلْقِينِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ على الْوَكِيلِ الدِّيَةُ قَطْعًا وَتَعْلِيلُهُمْ قد يُرْشِدُ إلَيْهِ
انْتَهَى
وَحَيْثُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ على الْوَكِيلِ فَهِيَ لِوَرَثَةِ الْجَانِي لَا لِلْمُوَكِّلِ كما لو قَتَلَهُ غَيْرُهُ وَلِسُقُوطِ حَقِّ الْمُوَكِّلِ قبل الْقَتْلِ وَلَا رُجُوعَ لِلْوَكِيلِ بِالدِّيَةِ على الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِالْعَفْوِ ما على الْمُحْسِنِينَ من سَبِيلٍ قال الْبُلْقِينِيُّ إلَّا أَنْ يُنْسَبَ الْمُوَكِّلُ إلَى تَقْصِيرٍ في الْإِعْلَامِ فَالْأَرْجَحُ أَنَّ الْوَكِيلَ يَرْجِعُ عليه لِأَنَّهُ لم يَنْتَفِعْ بِشَيْءٍ بِخِلَافِ الزَّوْجِ الْمَغْرُورِ لَا يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ على من غَرَّهُ في الْأَظْهَرِ لِانْتِفَاعِهِ بِالْوَطْءِ
بَابٌ في مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ
لو قَطَعَ عَبْدٌ حُرًّا فَاشْتَرَاهُ بِغَيْرِ الْأَرْشِ لم يَسْقُطْ الْقِصَاصُ كما لو قَطَعَهُ وهو في مِلْكِهِ فَإِنْ اشْتَرَاهُ بِالْأَرْشِ وهو الْوَاجِبُ لم يَصِحَّ الشِّرَاءُ لِلْجَهْلِ بِوَصْفِ الْإِبِلِ وَإِنْ اشْتَرَاهُ وَالْوَاجِبُ الْقِصَاصُ فَهُوَ اخْتِيَارٌ لِلْمَالِ فَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ وَإِنْ لم يَصِحَّ الشِّرَاءُ وَإِنْ صَالَحَ عن الْقِصَاصِ على عَيْنٍ فَاسْتُحِقَّتْ أو رَدَّهَا بِعَيْبٍ أو تَلِفَتْ قبل قَبْضِهَا وَجَبَ على السَّيِّدِ لِاخْتِيَارِهِ لِلْفِدَاءِ بِالصُّلْحِ الْأَقَلَّ من قِيمَتِهِ أَيْ الْعَبْدِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ كما سَيَأْتِي في مَحَلِّهِ
فَرْعٌ لو جَنَى حُرٌّ على حُرٍّ بِمُوجِبِ قِصَاصٍ بِكَسْرِ الْجِيمِ فَصَالَحَهُ منه أَيْ من الْقِصَاصِ على مَالٍ صَحَّ وَإِنْ كانت الدِّيَةُ مَجْهُولَةً فَإِنْ خَرَجَ الْمَالُ مُسْتَحَقًّا أو مَعِيبًا أو تَلِفَ قبل قَبْضِهِ رَجَعَ إلَى الْأَرْشِ لَا إلَى قِيمَةِ الْمَالِ بِنَاءً على أَنَّ بَدَلَ الصُّلْحِ عن الدَّمِ مَضْمُونٌ ضَمَانَ عَقْدٍ لَا ضَمَانَ يَدٍ وَإِنْ أَوْجَبَتْ الْجِنَايَةُ الْمَالَ فَصَالَحَ منه على عَيْنٍ لم يَصِحَّ الصُّلْحُ عنها أَيْ عن الْجِنَايَةِ أَيْ أَرْشِهَا لِمَا مَرَّ فَلَوْ قال عنه كان أَوْلَى وَمِثْلُهُ ما لو اشْتَرَى بِهِ عَيْنًا من الْعَاقِلَةِ في الْخَطَأِ أَيْ أو شِبْهِ الْعَمْدِ أو من الْجَانِي في الْعَمْدِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
فَرْعٌ لو وَجَبَ على امْرَأَةٍ قِصَاصٌ فَتَزَوَّجَهَا بِهِ مُسْتَحِقُّهُ جَازَ لِأَنَّهُ عِوَضٌ مَقْصُودٌ وَسَقَطَ الْقِصَاصُ لِتَضَمُّنِ ذلك الْعَفْوَ عنه وَإِطْلَاقُهُ الْمَرْأَةَ أَوْلَى من تَقْيِيدِ أَصْلِهِ لها بِالْحُرَّةِ إذْ لَا فَرْقَ فإذا طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ رَجَعَ بِنِصْفِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ بَدَلُ ما وَقَعَ عليه الْعَقْدُ كما لو أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ سُورَةٍ فَعَلَّمَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ فإنه يَرْجِعُ عليها بِنِصْفِ أُجْرَةِ التَّعْلِيمِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بِالدِّيَةِ الْوَاجِبَةِ له بِالْجِنَايَةِ عليه فَالصَّدَاقُ فَاسِدٌ لِلْجَهْلِ بِالدِّيَةِ وَإِنْ قَتَلَ حُرٌّ عَبْدًا فَصَالَحَ عن قِيمَتِهِ الْمَعْلُومَةِ على عَيْنٍ وَاسْتُحِقَّتْ أو رُدَّتْ بِعَيْبٍ أو تَلِفَتْ قبل الْقَبْضِ رَجَعَ السَّيِّدُ بِالْأَرْشِ قَطْعًا وَذِكْرُ الِاسْتِحْقَاقِ من زِيَادَتِهِ وَالْأَصْلُ إنَّمَا ذَكَرَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَالتَّلَفِ فَإِنْ كان الْجَانِي فِيمَا ذُكِرَ عَبْدًا فَالسَّيِّدُ مُخْتَارٌ لِلْفِدَاءِ بِالصُّلْحِ وَلَيْسَ بِمُخْتَارٍ له إنْ صَالَحَ على رَقَبَتِهِ وَاسْتُحِقَّتْ أو رُدَّتْ بِعَيْبٍ أو تَلِفَتْ قبل الْقَبْضِ وَيَتَعَلَّقُ الْأَرْشُ حِينَئِذٍ بها كما كان حتى لو مَاتَ سَقَطَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عليه
فَصْلٌ لو قَطَعَ يَدَيْ رَجُلٍ وَرِجْلَيْهِ فَمَاتَ فَقَطَعَ الْوَلِيُّ يَدَيْهِ وَعَفَا عن الْبَاقِي على الدِّيَةِ
____________________
(4/45)
ولم يَقْبَلْ الْجَانِي لم تَجِبْ أَيْ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى ما يُقَابِلُهَا أو على غَيْرِهَا أَيْ غَيْرِ جِنْسِهَا وَقَبِلَ الْجَانِي فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا تَجِبُ كَالدِّيَةِ وَالثَّانِي وهو أَوْجَهُ يَجِبُ وَيَكُونُ عِوَضًا عن الْقِصَاصِ الذي تَرَكَهُ وَإِنْ اقْتَصَّ ذِمِّيٌّ من مُسْلِمٍ قَتَلَ مُوَرِّثَهُ بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ اُقْتُصَّ منه بِخِلَافِ ما إذَا اقْتَصَّ منه بِحُكْمِ حَاكِمٍ بِنَاءً على أَنَّ حُكْمَهُ بِذَلِكَ لَا يُنْقَضُ
وَإِنْ أُكْرِهَ على رَمْيِ صَيْدٍ فَرَمَاهُ فَقَتَلَ إنْسَانًا فَهُمَا قَاتِلَانِ خَطَأً فَالدِّيَةُ على عَاقِلَتَيْهِمَا نِصْفَيْنِ وَيُكَفِّرَانِ أَيْ وَيَلْزَمُ كُلًّا من الْقَاتِلَيْنِ كَفَّارَةٌ وَهَلْ لِعَاقِلَةِ الْمَأْمُورِ بِالرَّمْيِ الرُّجُوعُ بِمَا يَغْرَمُونَهُ على الْمُكْرَهِ وَعَاقِلَتِهِ
فيه تَرَدُّدٌ أَيْ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَرْجِعُوا وَإِنْ كان الْمُكْرَهُ مُتَعَدِّيًا كما لَا يَرْجِعُونَ في شِبْهِ الْعَمْدِ على الْقَاتِلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعُوا عَلَيْهِمَا وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ على الْمُكْرَهِ إنْ لم يَكُنْ له عَاقِلَةٌ تَحْمِلُ عنه الدِّيَةَ وَإِلَّا فَعَلَى الْعَاقِلَةِ وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي أَوْجَهُ
وَإِنْ اقْتَصَّ مَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ بِإِحْدَاهُمَا أَيْ بِقَطْعِ إحْدَى يَدَيْ قَاطِعِهِ بَعْدَ الِانْدِمَالِ لِقَطْعِ يَدَيْهِ فَأَهْلَكَتْ يَدُ الْجَانِي أَيْ قَطْعُهَا الْجَانِيَ أُخِذَتْ دِيَةُ الْيَدِ لِأُخْرَى من تَرِكَتِهِ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ قِصَاصَهَا وقد فَاتَ بِمَا لَا ضَمَانَ عليه فيه فَأَشْبَهَ سُقُوطَهَا بِآفَةٍ
وَإِنْ اقْتَصَّ بِإِحْدَاهُمَا وَأُخِذَتْ دِيَةُ الْأُخْرَى بِالْعَفْوِ عن قِصَاصِهَا وَمَاتَ بِنَقْضِ الْجِرَاحَةِ بَرِئَ الْجَانِي فَلَا قِصَاصَ لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّهُ مَاتَ بِجِرَاحَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مَعْفُوٌّ عنها وَلَا شَيْءَ لهم من الدِّيَةِ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى نِصْفَهَا وَالْيَدُ الْمُقَابَلَةُ بِالنِّصْفِ
وَإِنْ مَاتَ مَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ بِالسِّرَايَةِ بِقَطْعِ وَارِثِهِ يَدَ الْجَانِي فَمَاتَ منها أَيْ من قَطْعِهَا قبل قَطْعِ الْأُخْرَى لم يَسْتَحِقَّ الْوَارِثُ شيئا في تَرِكَتِهِ أَيْ الْجَانِي لِأَنَّهُ إذَا سَرَتْ الْجِرَاحَةُ إلَى النَّفْسِ سَقَطَ حُكْمُ الْأَطْرَافِ وَصَارَتْ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وقد قَتَلَهُ بِالْقَطْعِ فَصَارَ كَحَزِّ الرَّقَبَةِ وَيَقْتَصُّ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ من عَبْدِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَيْ الْجَانِيَ مِنْهُمَا على الْآخَرِ الْمَالُ إذْ لَا يَثْبُتُ لِلسَّيِّدِ على عَبْدِهِ مَالٌ إلَّا إنْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ عَفَا على مَالٍ فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ بِخِلَافِ ما إذَا عَفَا مُطْلَقًا لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَقْتَضِيهِ
وَإِنْ قَتَلَهُ أَيْ قَتَلَ إنْسَانٌ آخَرَ بِقَطْعِ يَدٍ له عَمْدًا وَرِجْلٍ خَطَأً فَمَاتَ مِنْهُمَا فَلَا قِصَاصَ في النَّفْسِ لِاخْتِلَاطِ الْعَمْدِ بِالْخَطَأِ وَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ على الْجَانِي لِتَعَمُّدِهِ قَطْعَ الْيَدِ وَنِصْفٌ آخَرُ على عَاقِلَتِهِ لِخَطَأِ الْجَانِي في قَطْعِهِ الرِّجْلَ فَإِنْ قَطَعَ الْوَلِيُّ يَدَهُ أَيْ يَدَ الْجَانِي عن الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ فَمَاتَ منه فَقَدْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَلَا يَبْقَى له شَيْءٌ على الْعَاقِلَةِ كما لو قَتَلَ من له عليه قِصَاصٌ خَطَأً فإنه يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ
وَإِنْ ارْتَدَّ الْقَاتِلُ أو الْعَبْدُ الْمَبِيعُ فَقَتَلَهُ الْوَلِيُّ في الْأُولَى أو الْمُشْتَرِي في الثَّانِيَة بِالرِّدَّةِ وَقَعَ قِصَاصًا في الْأُولَى وَقَبْضًا في الثَّانِيَةِ إلَّا إنْ كان الْقَاتِلُ بِالرِّدَّةِ فِيهِمَا إمَامًا فَلَا يَقَعُ قَتْلُهُ قِصَاصًا وَلَا قَبْضًا بَلْ له الدِّيَةُ في الْأُولَى في تَرِكَةِ الْمُرْتَدِّ وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ في الثَّانِيَةِ لِأَنَّ له قَتْلَهُ بِالرِّدَّةِ وَغَيْرُهُ لَا يَمْلِك قَتْلَهُ بها بِخِلَافِ ما إذَا قَتَلَهُ لَا بِرِدَّتِهِ
وَالْمُصَنِّفُ صَوَّرَ ذلك بِحُدُوثِ الرِّدَّةِ بَعْدَ الْقَتْلِ وَالْبَيْعِ وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ تَصْوِيرُهُ بِحُدُوثِهَا قَبْلَهُمَا وَالْكُلُّ صَحِيحٌ
وَإِنْ ضَرَبَ زَوْجَتَهُ ضَرْبًا قَاتِلًا فَمَاتَتْ منه لَزِمَهُ الْقَوَدُ إلَّا إنْ أَدَّبَهَا بِسَوْطَيْنِ أو ثَلَاثَةٍ كما في الْأَصْلِ أو نَحْوِهِمَا ثُمَّ بَدَا له فَضَرَبَهَا الضَّرْبَ الْقَاتِلَ فَمَاتَتْ فَلَا يَلْزَمُهُ قَوَدٌ لِاخْتِلَاطِ الْعَمْدِ بِشِبْهِهِ
وَإِنْ قال الْوَكِيلُ في اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ قَتَلْته بِشَهْوَتِي لَا عن الْمُوَكِّلِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ وَلِلْمُوَكِّلِ الدِّيَةُ في تَرِكَةِ الْجَانِي
وَإِنْ ضَرَبَ سِنًّا فَتَزَلْزَلَتْ أو يَدًا فَتَوَرَّمَتْ أو اضْطَرَبَتْ كما في الْأَصْلِ ثُمَّ سَقَطَتْ بَعْدَ أَيَّامٍ وَجَبَ عليه الْقِصَاصُ لِأَنَّهَا سَقَطَتْ بِجِنَايَتِهِ
وَلَوْ تَوَقَّفَ الْقَاضِي في الْحُكْمِ في حَادِثَةٍ لِإِشْكَالِهِ أَيْ الْحُكْمِ فيها فَجَرَّأَهُ رَجُلٌ بِحَدِيثٍ نَبَوِيٍّ رَوَاهُ له فيها حتى قَتَلَ بِهِ رَجُلًا ثُمَّ رَجَعَ الْمُجَرِّئُ عنه وقال كَذَبْت وَتَعَمَّدْت فَلَيْسَ كَرُجُوعِ الشَّاهِدِ عن شَهَادَتِهِ حتى يَلْزَمَهُ الْقِصَاصُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَخْتَصُّ بِالْحَادِثَةِ بِخِلَافِ الحديث وَإِنْ حَبَسَهُ في مَحَلِّ دُخَانٍ أو مَنَعَهُ عَصْبَ فَصَادَتِهِ
____________________
(4/46)
على مَحَلِّ الْفَصْدِ فَمَاتَ من ذلك فَالْقَوَدُ عليه لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا سَوَاءٌ مَنَعَهُ في الثَّانِيَةِ من الْعَصَبِ ابْتِدَاءً أَمْ إعَادَةً كَأَنْ عَصَبَهُ الْمُفْتَصِدُ فَحَلَّهُ رَجُلٌ وَمَنَعَهُ آخَرُ من إعَادَةِ الْعَصْبِ حتى مَاتَ
وَلَوْ رَمَى شَخْصٌ أَحَدَ الْجَمَاعَةِ مُبْهِمًا فَجَرَحَ وَاحِدًا منهم جِرَاحَةً تُوجِبُ الْقِصَاصَ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ هذا ما صَحَّحَهُ في الرَّوْضَةِ هُنَا وَالصَّحِيحُ كما قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ عَدَمُ لُزُومِهِ لِأَنَّهُ لم يَقْصِدْ عَيْنَهُ وَبِهِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي في الْكَلَامِ على الْمَنْجَنِيقِ
وَيُقْطَعُ الثَّدْيُ بِالثَّدْيِ وَإِنْ لم يَتَدَلَّ وَالْحَلَمَةُ بِالْحَلَمَةِ كما في سَائِرِ الْأَطْرَافِ لَا حَلَمَةُ امْرَأَةٍ بِحَلَمَةِ رَجُلٍ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من أَنَّ حَلَمَةَ الرَّجُلِ لَا تَجِبُ فيها الدِّيَةُ
كِتَابُ الدِّيَاتِ جَمْعُ دِيَةٍ وَهِيَ الْمَالُ الْوَاجِبُ بِالْجِنَايَةِ على الْحُرِّ في النَّفْسِ أو فِيمَا دُونَهَا وَأَصْلُهَا وَدِيَةٌ مُشْتَقَّةٌ من الْوَدْيِ وهو دَفْعُ الدِّيَةِ كَالْعِدَّةِ من الْوَعْدِ وَالزِّنَةِ من الْوَزْنِ تَقُولُ وَدَيْت الْقَتِيلَ أَدِيهِ وَدْيًا وَدِيَةً إذَا أَدَّيْت دِيَتَهُ وَالْأَصْلُ فيها قبل الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ وَخَبَرُ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرُهُ كما سَيَأْتِي وَفِيهِ سِتَّةُ أَبْوَابٍ
الْأَوَّلُ في دِيَةِ النَّفْسِ دِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ الذَّكَرِ غَيْرِ الْجَنِينِ مِائَةٌ من الْإِبِلِ مُخَمَّسَةٌ في الْخَطَأِ عِشْرُونَ من بَنَاتِ الْمَخَاضِ وعشرون من بَنَاتِ لَبُونٍ وعشرون من بَنِي لَبُونٍ وعشرون من حِقَاقٍ وَعِشْرُونَ من جِذَاعٍ لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ بِذَلِكَ من رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالوا وَأَخَذَ بِهِ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ أَقَلُّ ما قِيلَ وَالْمُرَادُ من الْحِقَاقِ وَالْجِذَاعِ الْإِنَاثُ كما أَفَادَهُ قَوْلُ الْأَصْلِ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَالْمُغَلَّظَةُ في الْعَمْدِ وَشِبْهِهِ مُثَلَّثَةٌ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً أَيْ حَامِلًا لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ في الْعَمْدِ وَخَبَرِ أبي دَاوُد في شِبْهِهِ بِذَلِكَ وَالْخَلِفَةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَبِالْفَاءِ وَلَا جَمْعَ لها من لَفْظِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ بَلْ جَمْعُهَا مَخَاضٌ كَامْرَأَةٍ وَنِسَاءٍ وقال الْجَوْهَرِيُّ جَمْعُهَا خَلِفٌ بِكَسْرِ اللَّامِ وابن سِيدَهْ خِلْفَاتٌ
وَتُغَلَّظُ بِالْخَطَأِ في ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ في الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ ذِي الْقَعْدَةِ وَذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ وَرَجَبٍ لِعِظَمِ حُرْمَتِهَا وَلَا يُلْتَحَقُ بها شَهْرُ رَمَضَانَ وَإِنْ كان سَيِّدَ الشُّهُورِ لِأَنَّ الْمُتَّبَعَ في ذلك التَّوْقِيفُ قال اللَّهُ تَعَالَى فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَالظُّلْمُ في غَيْرِهِنَّ مُحَرَّمٌ أَيْضًا وقال تَعَالَى يَسْأَلُونَك عن الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فيه قُلْ قِتَالٌ فيه كَبِيرٌ وَلَا يُشْكَلُ ذلك بِنَسْخِ حُرْمَةِ الْقِتَالِ فيها لِأَنَّ أَثَرَ الْحُرْمَةِ بَاقٍ كما أَنَّ دِينَ الْيَهُودِ نُسِخَ وَبَقِيَتْ حُرْمَتُهُ وفي حَرَمِ مَكَّةَ لِأَنَّ له تَأْثِيرًا في الْأَمْنِ بِدَلِيلِ إيجَابِ جَزَاءِ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ فيه سَوَاءٌ أَكَانَ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فيه أَمْ أَحَدُهُمَا وَخَرَجَ بِالْحَرَمِ الْإِحْرَامُ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ عَارِضَةٌ غَيْرُ دَائِمَةٍ وَبِمَكَّةَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ بِنَاءً على مَنْعِ الْجَزَاءِ بِقَتْلِ صَيْدِهِ أو في قَتْلِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ لِعِظَمِ حُرْمَةِ الرَّحِمِ لِمَا وَرَدَ فيه وَخَرَجَ بِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمُ بِمُصَاهَرَةٍ أو رَضَاعٍ وَبِالْمَحْرَمِ ذُو الرَّحِمِ غَيْرُ الْمَحْرَمِ كَبِنْتِ الْعَمِّ وَابْنِ الْعَمِّ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ
____________________
(4/47)
إنَّمَا يُغَلَّظُ بِالْخَطَأِ في الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فَقَطْ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَحْرَمِيَّةُ من الرَّحِمِ لِيَخْرُجَ ابن عَمٍّ هو أَخٌ من الرَّضَاعِ وَبِنْتُ عَمٍّ هِيَ أُمُّ زَوْجَتِهِ فإنه مع أَنَّهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَا تُغَلَّظُ فيه الدِّيَةُ لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ لَيْسَتْ من الرَّحِمِ
وَلَوْ رَمَى حَرْبِيًّا أو مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ قبل الْإِصَابَةِ ثُمَّ أَصَابَهُ وَمَاتَ فَدِيَةُ خَطَأٍ فيه لِأَنَّهُ لم يَكُنْ مَعْصُومًا عِنْدَ الرَّمْيِ
فَصْلٌ دِيَةُ الْعَمْدِ مُغَلَّظَةٌ حَالَةَ تَخُصُّ الْجَانِيَ فَلَا يَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ على قِيَاسِ إبْدَالِ الْمُتْلَفَاتِ وَلِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ بِذَلِكَ سَوَاءٌ أَوْجَبَتْ الْجِنَايَةُ الْقِصَاصَ فَعُفِيَ على الدِّيَةِ أَمْ لَا كَقَتْلِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ وَدِيَةُ الْخَطَأِ وَإِنْ تَغَلَّظَتْ ودية شِبْهِ الْعَمْدِ على الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلَةً فَدِيَةُ الْعَمْدِ مُغَلَّظَةٌ من ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ كَوْنُهَا مُعَجَّلَةً لَا مُؤَجَّلَةً وَكَوْنُهَا مُثَلَّثَةً لَا مُخَمَّسَةً وَكَوْنُهَا على الْجَانِي لَا على عَاقِلَتِهِ وَدِيَةُ الْخَطَأِ في غَيْرِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ مُخَفَّفَةٌ من الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ وَدِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ مع دِيَةِ الْخَطَأِ في الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ مُغَلَّظَةٌ من الْوَجْهِ الثَّانِي مُخَفَّفَةٌ من الْآخَرَيْنِ وَيَدْخُلُ التَّغْلِيظُ وَالتَّخْفِيفُ في دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَالذِّمِّيِّ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ له عِصْمَةٌ
وفي دِيَةِ الْجُرُوحِ بِالنِّسْبَةِ لِدِيَةِ النَّفْسِ فَفِي قَتْلِ الْمَرْأَةِ خَطَأً عَشْرُ بَنَاتِ مَخَاضٍ وَعَشْرُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَهَكَذَا وفي قَتْلِهَا عَمْدًا أو شِبْهِهِ خَمْسَ عَشْرَةَ حِقَّةً وَخَمْسَ عَشْرَةَ جَذَعَةً وَعِشْرُونَ خَلِفَةً وفي قَتْلِ الذِّمِّيِّ خَطَأً سِتُّ بَنَاتِ مَخَاضٍ وَثُلُثَانِ وَسِتُّ بَنَاتِ لَبُونٍ وَثُلُثَانِ وَهَكَذَا وفي قَتْلِهِ عَمْدًا أو شِبْهِهِ عَشْرُ حِقَاقٍ وَعَشْرُ جِذَاعٍ وَثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلِفَةً وَثُلُثٌ لَا قِيمَةَ الْعَبْدِ فَلَا يَدْخُلُ فيها تَغْلِيظٌ وَلَا تَخْفِيفٌ بَلْ فيه قِيمَتُهُ يوم التَّلَفِ على قِيَاسِ قِيَمِ سَائِرِ الْمُتَقَوِّمَاتِ
ويجب في قَتْلِ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى وَجُرُوحِهِمَا نِصْفُ ما يَجِبُ في الرَّجُلِ كما رُوِيَ ذلك في الْمَرْأَةِ عن عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمْ ولم يُخَالِفْهُمْ غَيْرُهُمْ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ خَبَرَ دِيَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ وَأَلْحَقَ بها الْخُنْثَى لِلشَّكِّ في الزَّائِدِ نعم يُخَالِفُهَا في الْحَلَمَتَيْنِ وَالشُّفْرَيْنِ كما سَيَأْتِي بَيَانُهُ
وفي الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ اللَّذَيْنِ يُعْقَدُ لَهُمَا الذِّمَّةُ ثُلُثُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ أَخْذًا من خَبَرِ عَمْرِو بن شُعَيْبٍ عن أبيه عن جَدِّهِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَرَضَ على كل مُسْلِمٍ قَتَلَ رَجُلًا من أَهْلِ الْكِتَابِ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ رَوَاهُ عبد الرَّزَّاقِ في مُصَنَّفِهِ وقال بِهِ عُمَرَ وَعُثْمَانُ رضي اللَّهُ عنهما وَقِيسَ في الْخَبَرِ بِالدَّرَاهِمِ الْإِبِلُ وَبِالْمُسْلِمِ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَضْمَنُ بِإِتْلَافِهِ وَالسَّامِرَةُ كَالْيَهُودِ في حُكْمِهِمْ وَالصَّابِئُونَ كَالنَّصَارَى كَذَلِكَ إنْ لم يُكَفِّرُوهُمْ وَإِلَّا بِأَنْ كَفَّرُوهُمْ فَكَمَنْ لَا كِتَابَ له من الْكُفَّارِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ وفي الْمَجُوسِيِّ ثُلُثَا عُشْرِ دِيَةِ مُسْلِمٍ الْأَوْلَى الْمُوَافِقُ لِطَرِيقَةِ الْحِسَابِ ثُلُثُ خُمُسِ هذا كُلِّهِ إنْ كَانُوا أَيْ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ وَالْمَجُوسِيُّ ذِمِّيَّيْنِ أو مُعَاهَدَيْنِ أو مُسْتَأْمَنَيْنِ كما قال بِهِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وابن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وَيُعَبَّرُ عن ذلك بِخُمُسِ دِيَةِ الذِّمِّيِّ وهو له كِتَابٌ وَدِينٌ كان حَقًّا وَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَمُنَاكَحَتُهُ وَيُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ وَلَيْسَ لِلْمَجُوسِيِّ من هذه الْخَمْسَةِ إلَّا الْخَامِسُ فَكَانَتْ دِيَتُهُ خُمُسَ دِيَتِهِ وَهِيَ أَخَسُّ الدِّيَاتِ وَخَرَجَ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ من لَا ذِمَّةَ له وَلَا عَهْدَ وَلَا أَمَانَ فَلَا شَيْءَ فيه لِعَدَمِ عِصْمَتِهِ
فَإِنْ دخل دَارَنَا وَثَنِيٌّ وَمَنْ أَيْ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ لَا كِتَابَ له وَلَا شُبْهَةَ كِتَابٍ كَعَابِدِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَكَذَا زِنْدِيقٌ وهو من لَا يَنْتَحِلُ دِينًا لَا مُرْتَدٌّ بِأَمَانٍ فَكَالْمَجُوسِيِّ فِيمَا ذُكِرَ فَتَجِبُ فيه دِيَتُهُ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ وَمَنْ لَا أَمَانَ له فَإِنَّهُمَا مَقْتُولَانِ بِكُلِّ حَالٍ وَدِيَةُ الْمُتَوَلِّدِ بين كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ كَدِيَةِ الْكِتَابِيِّ اعْتِبَارًا بِالْأَكْثَرِ سَوَاءٌ أَكَانَ أَبًا أَمْ أُمًّا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ في الْجِزْيَةِ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عن نَصِّ الْأُمِّ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أَشْرَفَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا وَالضَّمَانُ يُغَلَّبُ فيه جَانِبُ التَّغْلِيظِ وَيَحْرُمُ قَتْلُهُ أَيْ قَتْلُ من له أَمَانٌ لِأَمَانِهِ وَقَتْلُ من لم تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ أَيْ دَعْوَةُ نَبِيٍّ لِعُذْرِهِ وهو أَيْ من لم تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ نَبِيٍّ كَالْمُسْتَأْمَنِ في أَنَّهُ لَا قِصَاصَ على قَاتِلِهِ الْمُسْلِمِ وَلَهُ دِيَةُ الْمَجُوسِيِّ وَكَذَا مُتَمَسِّكٌ بِدِينٍ لم يُبَدَّلْ ولم يَبْلُغْهُ ما يُخَالِفُهُ فإنه كَالْمُسْتَأْمَنِ فِيمَا ذُكِرَ وَدِيَتُهُ دِيَةُ أَهْلِ دِينِهِ فَإِنْ كان كِتَابِيًّا فَدِيَةُ كِتَابِيٍّ أو مَجُوسِيًّا فَدِيَةُ مَجُوسِيٍّ لِأَنَّهُ بِمَا ذُكِرَ ثَبَتَ له نَوْعُ عِصْمَةٍ فَأُلْحِقَ بِالْمُؤْمِنِ من أَهْلِ دِينِهِ فَإِنْ جَهِلَ قَدْرَ دِيَةِ أَهْلِ دِينِهِ قال ابن الرِّفْعَةِ يَجِبُ أَخَسُّ الدِّيَاتِ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ قال وَمَنْ لم يَعْلَمْ هل بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ بَنَاهُ على أَنَّ الناس قبل وُرُودِ الشَّرْعِ على أَصْلِ الْإِيمَانِ أو الْكُفْرِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ أَنْ لَا ضَمَانَ
____________________
(4/48)
إذْ لَا وُجُوبَ بِالِاحْتِمَالِ قُلْت بَلْ الْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ الضَّمَانُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُولَدُ على الْفِطْرَةِ وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ أَخَسُّ الدِّيَاتِ وَإِنْ تَمَسَّكَ بِمُبَدَّلٍ ولم يَبْلُغْهُ ما يُخَالِفُهُ فَدِيَةُ مَجُوسِيٍّ وَلَا يَحِلُّ قَتْلُهُ أَيْ قَتْلُ من لم تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ نَبِيِّنَا قبل الدُّعَاءِ إلَى الْإِسْلَامِ وَهَذَا شَامِلٌ لِقَوْلِهِ قَبْلُ وَقَتْلُ من لم تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ وَفِيهِ أَيْ في قَتْلِهِ الْكَفَّارَةُ وَيُقْتَصُّ بِمُسْلِمٍ لم يُهَاجِرْ من دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَإِنْ تَمَكَّنَ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ بِالْإِسْلَامِ
فَصْلٌ لَا يُجْبَرُ مُسْتَحِقُّ الدِّيَةِ على أَخْذِ مَعِيبٍ من الْإِبِلِ يُرَدُّ في بَيْعٍ ولا أَخْذِ مَرِيضٍ كَالْمُسْلَمِ فيه وَإِنْ كانت إبِلُ من لَزِمَتْهُ كُلُّهَا مَعِيبَةً بِخِلَافِ الزَّكَاةِ لِتَعَلُّقِهَا بِعَيْنِ الْمَالِ وَالْكَفَّارَةِ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا تَخْلِيصُ الرَّقَبَةِ من الرِّقِّ لِتَسْتَقِلَّ فَاعْتُبِرَ فيها السَّلَامَةُ مِمَّا يُؤَثِّرُ في الْعَمَلِ وَالِاسْتِقْلَالِ وَذِكْرُ الْمَرِيضِ بَعْدَ الْمَعِيبِ من بَابِ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ لِأَنَّ الْمَرَضَ عَيْبٌ وَيَجُوزُ أَخْذُ ذلك بِالتَّرَاضِي لِأَنَّ له إسْقَاطَ الْأَصْلِ فَكَذَا الْوَصْفُ
وإذا حَمَلَتْ جَذَعَةٌ فما دُونَهَا عُدَّتْ خَلِفَةً وَإِنْ كان الْغَالِبُ أَنَّ النَّاقَةَ لَا تَحْمِلُ حتى تَكُونَ ثَنِيَّةً لِصِدْقِ الِاسْمِ عليها وَيُعْرَفُ الْحَمْلُ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ خَبِيرَيْنِ إلْحَاقًا له بِالتَّقْوِيمِ فَإِنْ مَاتَتْ مَقْبُوضَةً لِلْمُسْتَحِقِّ بِقَوْلِ الْعَدْلَيْنِ أو بِتَصْدِيقِهِ وَشُقَّ بَطْنُهَا فَبَانَتْ حَامِلًا غَرِمَهَا وَأَخَذَ بَدَلَهَا حَامِلًا كما لو خَرَجَ الْمُسْلَمُ فيه على غَيْرِ الصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ فَإِنْ تَنَازَعَا في الْحَمْلِ قبل الشَّقِّ شُقَّ جَوْفُهَا لِيَعْرِفَ فَيُرَتَّبُ عليه ذلك فَإِنْ ادَّعَى الدَّافِعُ الْإِسْقَاطَ لِلْحَمْلِ بِأَنْ صَادَفْنَا النَّاقَةَ الْمَأْخُوذَةَ حَائِلًا فقال الْمُسْتَحِقُّ لم يَكُنْ بها حَمْلٌ وقال الدَّافِع أَسْقَطَتْ عِنْدَك وَأَمْكَنَ الْإِسْقَاطُ صُدِّقَ الدَّافِعُ إنْ أَخَذَهَا الْمُسْتَحِقُّ بِقَوْلِ خَبِيرَيْنِ لَتَأَيَّدَ قَوْلُهُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَإِنْ لم يُمْكِنْ ذلك أو أَمْكَنَ وَأَخَذَهَا الْمُسْتَحِقُّ بِقَوْلِ الدَّافِعِ مع تَصْدِيقِهِ له صُدِّقَ الْمُسْتَحِقُّ بِلَا يَمِينٍ في الْأُولَى وَبِيَمِينٍ في الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ معه
فَرْعٌ تَجِبُ الدِّيَةُ من غَالِبِ إبِلِ الدَّافِعِ من جَانٍ وَعَاقِلَةٍ فَيَدْفَعُ منها إنْ شَاءَ وَإِنْ خَالَفَتْ إبِلَ الْبَلَدِ في نَوْعِهَا وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهَا من غَالِبِ إبِلِ الْبَلَدِ لِذِي الْحَاضِرَةِ أو الْقَبِيلَةِ الذي الْبَادِيَةُ وَإِنْ تَفَرَّقُوا أَيْ من لَزِمَتْهُمْ الدِّيَةُ فَتُؤْخَذُ حِصَّةُ كل وَاحِدٍ من غَالِبِ إبِلِ بَلَدِهِ أو قَبِيلَتِهِ ثُمَّ إنْ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُ إبِلِهِ أُخِذَ من الْأَكْثَرِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فَمِمَّا شَاءَ الدَّافِعُ وَقِيلَ يُؤْخَذُ من كُلٍّ بِقِسْطِهِ إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ بِالْأَشْرَفِ فَيُجْبَرُ الْمُسْتَحِقُّ على أَخْذِهِ وَالتَّصْحِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي وَصَحَّحَ صَاحِبُ الِانْتِصَارِ الثَّانِيَ وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ حَيْثُ بَنَى ذلك على نَظِيرِهِ في الزَّكَاةِ وَالْأَوَّلُ هو الْمُوَافِقُ لِنَظِيرِهِ في اخْتِلَافِ أَنْوَاعِ إبِلِ الْبَلَدِ
أو اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُ إبِلِ الْبَلَدِ أو الْقَبِيلَةِ وَلَا غَالِبَ فيها فَمِمَّا شَاءَ الدَّافِعُ أَخَذَ فَإِنْ عُدِمَتْ هِيَ أو بَعْضُهَا في بَلَدِهِ أو قَبِيلَتِهِ أو وُجِدَتْ فيها لَا بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ أو بِصِفَتِهِ لَكِنْ بِأَكْثَرَ من ثَمَنِ الْمِثْلِ نُقِلَ الْوَاجِبُ منها من أَقْرَبِ الْبِلَادِ أو الْقَبَائِلِ فَالْأَقْرَبِ إلَى مَحَلِّ الدَّافِعِ كما في زَكَاةِ الْفِطْرِ ما لم تَبْلُغْ الْمُؤْنَةُ أَيْ مُؤْنَةُ نَقْلِهَا مع قِيمَتِهَا أَكْثَرَ من ثَمَنِ الْمِثْلِ بِبَلَدٍ أو قَبِيلَةِ الْعِزَّةِ أَيْ الْعَدَمِ وَهَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْإِمَامِ بَعْدَ نَقْلِهِ عن إشَارَةِ بَعْضِهِمْ الضَّبْطَ بِدُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ لَكِنْ قال الزَّرْكَشِيُّ الرَّاجِحُ الضَّبْطُ بِدُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كما في نَظِيرِهِ من السَّلَمِ وقد اعْتَرَضَ الْإِمَامُ ثُمَّ أَيْضًا على مَسَافَةِ الْقَصْرِ كما نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عنه ثُمَّ إنْ عُدِمَتْ من أَقْرَبَ ما ذُكِرَ على الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَجَبَتْ الْقِيمَةُ من غَالِبِ نَقْدِ بَلَدِ الْإِعْوَازِ يوم وُجُوبِ التَّسْلِيمِ فيه لو كانت مَوْجُودَةً فيه لِأَنَّهَا بَدَلُ مُتْلَفِ هذا إنْ لم يُمْهَلْ أَيْ الدَّافِعُ فَإِنْ أُمْهِلَ بِأَنْ قال له الْمُسْتَحِقُّ أنا أَصْبِرُ حتى تُوجَدَ الْإِبِلُ لَزِمَهُ امْتِثَالُهُ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ
فَإِنْ أُخِذَتْ الْقِيمَةَ فَوُجِدَتْ الْإِبِلُ لم تُرَدَّ لِتُسْتَرَدَّ الْإِبِلُ لِانْفِصَالِ الْأَمْرِ بِالْأَخْذِ وَمَعَ وُجُودِهَا أَيْ الْإِبِلِ لَا يُؤْخَذُ غَيْرُهَا من نَوْعٍ أو قِيمَةٍ إلَّا بِالتَّرَاضِي فَيُؤْخَذُ كما لو أَتْلَفَ
____________________
(4/49)
مِثْلِيًّا وَتَرَاضَيَا على أَخْذِ الْقِيمَةِ مع وُجُودِ الْمِثْلِ وَتَقَدَّمَ في الصُّلْحِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عنها بِالتَّرَاضِي لِجَهَالَتِهَا وَحَمَلَ ابن الرِّفْعَةِ ما هُنَاكَ على ما إذَا كانت مَجْهُولَةَ الصِّفَةِ وما هُنَا على ما إذَا كانت مَعْلُومَتَهَا
الْبَابُ الثَّانِي في دِيَةِ ما دُونَ النَّفْسِ وَهِيَ أَيْ الْجِنَايَةُ على ما دُونَ النَّفْسِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ جُرْحٌ وَإِبَانَةُ طَرَفٍ وَإِزَالَةُ مَنْفَعَةٍ الْأَوَّلُ الْجُرُوحُ وفي الْمُوضِحَةِ لِلرَّأْسِ وَلَوْ لِلْعَظْمِ النَّاتِئِ خَلْفَ الْأُذُنِ وَالْوَجْهِ وَلَوْ تَحْتَ اللَّحْيَيْنِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ صَاحِبِهَا فَلِلْكَامِلِ وهو الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الذَّكَرُ غَيْرُ الْجَنِينِ خَمْسٌ من الْإِبِلِ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ في الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ من الْإِبِلِ وفي الْهَاشِمَةِ إنْ لم تُوضِحْ ولم تَحَوُّجُ إلَيْهِ ولم تَسْرِ مِثْلُهَا أَيْ خَمْسٌ من الْإِبِلِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ مع ما يَأْتِي فَإِنْ أَوْضَحَتْ أو أَحْوَجَتْ إلَيْهِ أَيْ إلَى الْإِيضَاحِ بِشَقٍّ لِإِخْرَاجِ الْعَظْمِ أو تَقْوِيمِهِ أو سَرَتْ إلَيْهِ فَعَشْرٌ من الْإِبِلِ لِمَا رُوِيَ عن زَيْدِ بن ثَابِتٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَوْجَبَ في الْهَاشِمَةِ عَشْرًا من الْإِبِلِ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مَوْقُوفًا على زَيْدٍ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ أو سَرَتْ من زِيَادَتِهِ وفي الْمُنَقِّلَةِ الْهَاشِمَةُ إنْ لم تُوضِحْ ولم تَحَوُّج إلَيْهِ بِشَقٍّ ولم تَسْرِ عَشْرٌ من الْإِبِلِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ مع ما يَأْتِي فَإِنْ أَوْضَحَتْ أو أَحْوَجَتْ إلَيْهِ بِشَقٍّ أو سَرَتْ إلَيْهِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فَخَمْسَةَ عَشْرَ لِمَا رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ في خَبَرِ عَمْرِو بن حَزْمٍ وفي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَةَ عَشْرَ من الْإِبِلِ وفي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ لِخَبَرِ عَمْرٍو بِذَلِكَ أَيْضًا وَكَذَا الدَّامِغَةُ يَجِبُ فيها ثُلُثُ الدِّيَةِ قِيَاسًا على الْمَأْمُومَةِ قال في الْأَصْلِ بَعْدَ أَنْ صَحَّحَ هذا وقال الْمَاوَرْدِيُّ فيها ثُلُثُ الدِّيَةِ وَحُكُومَةٌ
انْتَهَى
وما قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قِيَاسُ ما يَأْتِي في خَرْقِ الْأَمْعَاءِ في الْجَائِفَةِ
فَرْعٌ لو أَوْضَحَ وَاحِدٌ وَهَشَّمَ في مَحَلِّ الْإِيضَاحِ آخَرَ وَنَقَّلَ فيه ثَالِثٌ وَأَمَّ فيه رَابِعٌ فَعَلَى كُلٍّ من الثَّلَاثَةِ خَمْسٌ من الْإِبِلِ وَعَلَى الْآمِّ تَكْمِلَةُ الثُّلُثِ أَيْ ثُلُثِ الدِّيَةِ وَذَلِكَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَعِيرًا وَثُلُثُ بَعِيرٍ وَيَجِبُ فِيمَا قبل الْمُوضِحَةِ من الشِّجَاجِ كَالدَّامِيَةِ وَالْبَاضِعَةِ وَالْمُتَلَاحِمَةِ الْأَكْثَرُ من الْحُكُومَةِ وَالْقِسْطُ من الْمُوضِحَةِ إنْ عُلِمَ الْقِسْطُ بِأَنْ عُرِفَتْ نِسْبَةُ الْجِرَاحَةِ من الْمُوضِحَةِ في عُمْقِ اللَّحْمِ من نِصْفٍ أو ثُلُثٍ أو غَيْرِهِمَا وَذَلِكَ لِوُجُودِ سَبَبِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَإِنْ اسْتَوَيَا وَجَبَ أَحَدُهُمَا وَاعْتِبَارُ الْأَوَّلِ أَوْلَى لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فَإِنْ شَكَكْنَا في قَدْرِهَا من الْمُوضِحَةِ أَوْجَبْنَا الْيَقِينَ فَإِنْ جُهِلَ الْقِسْطُ فَحُكُومَةٌ أَيْ فَالْوَاجِبُ حُكُومَةٌ لَا تَبْلُغُ أَرْشَ مُوضِحَةٍ
وَلَا تَقْدِيرَ لِأَرْشِ شِجَاجِ الْبَدَنِ وهو ما عَدَا الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ لِأَنَّ أَدِلَّةَ ما مَرَّ في الْإِيضَاحِ وَالْهَشْمِ وَالتَّنْقِيلِ لم تَشْمَلْهُ لِاخْتِصَاصِ أَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ بِجِرَاحَةِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَلَيْسَ غَيْرُهُمَا في مَعْنَاهُمَا لِزِيَادَةِ الْخَطَرِ وَالْقُبْحِ فِيهِمَا وَلِأَنَّهُ لو وَجَبَ مُقَدَّرٌ في شَيْءٍ من ذلك في الْبَدَنِ لَأَدَّى إلَى أَنْ يُؤْخَذَ في الْجِنَايَةِ على الْعُضْوِ أَكْثَرُ مِمَّا يُؤْخَذُ في الْعُضْوِ نَفْسِهِ كَالْأُنْمُلَةِ مَثَلًا وَلَا تَقْدِيرَ لِمُوضِحَتِهِ أَيْ الْبَدَنِ كَالْقَفَا هذا من زِيَادَتِهِ وهو مَحْضُ تَكْرَارٍ مع إيهَامِ أَنَّ الْهَاشِمَةَ وَالْمُنَقِّلَةَ تُخَالِفَانِ الْمُوضِحَةَ في ذلك فَلَوْ اقْتَصَرَ على قَوْلِهِ
____________________
(4/50)
كَالْقَفَا كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ
وَيُقْتَصُّ فيها أَيْ في الْمُوضِحَةِ في الْبَدَنِ لِتَيَسُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمِثْلِ لِأَنَّ الْجُرْحَ يَنْتَهِي فيها إلَى عَظْمٍ يُؤْمَنُ معه الْحَيْفُ كَالرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَالتَّصْرِيحِ بهذا هُنَا من زِيَادَتِهِ ثُمَّ يَجِبُ في الْجَائِفَةِ وَلَوْ بِإِبْرَةِ ثُلُثِ الدِّيَةِ كما جاء في خَبَرِ عَمْرِو بن حَزْمٍ فَإِنْ خَرَقَتْ الْأَمْعَاءَ وَجَبَ مع ذلك حُكُومَةٌ نَصَّ عليه في الْأُمِّ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَهِيَ أَيْ الْجَائِفَةُ الْجِرَاحَةُ النَّافِذَةُ إلَى جَوْفٍ من الصَّدْرِ وَالْبَطْنِ وَالْجَبِينِ وَالْوَرِكِ وَالْعِجَانِ وَالْحَلْقِ وَثُغْرَةِ النَّحْرِ وَالْخَاصِرَةِ وَنَحْوِهَا لَا إلَى بَاطِنِ فَمٍ وَذَكَرٍ وَأَنْفٍ وَجَفْنٍ وَإِنْ ثُقِبَ النَّافِذُ في الْعَيْنِ إذْ لَا يَعْظُمُ فيها الْخَطَرُ كَالْأُمُورِ السَّابِقَةِ وَلِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ من الْأَجْوَافِ وَلَيْسَ فيها قُوَّةٌ تُحِيلُ الْغِذَاءَ وَالدَّوَاءَ فَلَا تَكُونُ جَائِفَةً فَلَا يَجِبُ فيها ثُلُثُ دِيَةٍ بَلْ حُكُومَةٌ
وَإِنْ وَصَلَتْ أَيْ الْجِرَاحَةُ إلَى الْفَمِ أو دَاخِلَ الْأَنْفِ بِإِيضَاحٍ من الْوَجْهِ أو بِكَسْرِ ال قَصَبَةِ من الْأَنْفِ فَأَرْشُ مُوضِحَةٍ في الْأُولَى أو أَرْشُ هَاشِمَةٍ في الثَّانِيَةِ مع حُكُومَةٍ فِيهِمَا لِلنُّفُوذِ إلَى الْفَمِ وَالْأَنْفِ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ أُخْرَى وَالتَّصْرِيحُ بِحُكْمِ الْإِيضَاحِ من زِيَادَتِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ إنْ كانت أَيْ الْجِرَاحَةُ وَصَلَتْ إلَى ما ذُكِرَ لَكِنَّ هذا الثَّانِي لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ تَرْكُهُ أَوْلَى وَأَخْصَرُ وَإِنْ حَزَّ بِالسِّكِّينِ من كَتِفٍ أو فَخِذٍ إلَى الْبَطْنِ وَأَجَافَهُ الْأَوْلَى قَوْلُ الْأَصْلِ فَجَافَهُ فَأَرْشٌ أَيْ فَوَاجِبُهُ أَرْشُ جَائِفَةٍ وَحُكُومَةٌ لِجِرَاحَةِ الْكَتِفِ أو الْفَخِذِ لِأَنَّهَا في غَيْرِ مَحَلِّ الْجَائِفَةِ أو حَزَّ بها من الصَّدْرِ إلَى الْبَطْنِ أو النَّحْرِ فَأَرْشُ جَائِفَةٍ فَقَطْ أَيْ بِلَا حُكُومَةٍ لِأَنَّ جَمِيعَهُ مَحَلُّ الْجَائِفَةِ
فَصْلٌ تَتَعَدَّدُ مُوضِحَاتُ الضَّرْبَةِ وَإِنْ صَغُرَتْ أَيْ الْمُوضِحَاتُ إنْ حَالَ بين كل ثِنْتَيْنِ جِلْدٌ وَلَحْمٌ لَا أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَلَا تَعَدُّدَ بَلْ يَكُونُ الْمَجْمُوعُ مُوضِحَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ الْجِنَايَةَ أَتَتْ على الْمَوْضِعِ كُلِّهِ بِاسْتِيعَابِهِ بِالْإِيضَاحِ وَلَوْ أَوْضَحَ بِمَوْضِعَيْنِ أَوْغَلَ الْحَدِيدَةَ وَنَفَذَهَا من إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى في الدَّاخِلِ ثُمَّ سَلَّهَا فَفِي تَعَدُّدِ الْمُوضِحَةِ وَجْهَانِ في الْأَصْلِ بِلَا تَرْجِيحٍ أَقَرَّ بِهِمَا عَدَمَ التَّعَدُّدِ وَلَوْ تَآكَلَ الْحَاجِزُ بَيْنَهُمَا أو رَفَعَهُ قبل الِانْدِمَالِ أو وَسَّعَ الْمُوضِحَةَ هو فَمُوضِحَةٌ أَمَّا في الْأُولَى فَلِأَنَّ الْحَاصِلَ بِسِرَايَةِ فِعْلِهِ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَأَمَّا في الْأَخِيرَتَيْنِ فَكَمَا لو أَوْضَحَ ابْتِدَاءً وَهَذَا كَتَدَاخُلِ الدِّيَاتِ إذَا قَطَعَ الْأَطْرَافَ ثُمَّ حَزَّ لِرَقَبَةٍ قبل الِانْدِمَالِ بِخِلَافِ ما لو رَفَعَ الْحَاجِزَ بَعْدَ الِانْدِمَالِ أو رَفَعَهُ أو وَسَّعَ الْمُوضِحَةَ غَيْرُهُ تَعَدَّدَتْ وَعَلَيْهِ أَرْشُ مُوضِحَتِهِ لِأَنَّ فِعْلَ الْإِنْسَانِ لَا يُبْنَى على فِعْلِ غَيْرِهِ وَإِنْ رَفَعَ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ الْحَاجِزَ بين الْمُوضِحَتَيْنِ اتَّحَدَتْ أَيْ الْمُوضِحَةُ في حَقِّهِ وَلَزِمَهُ نِصْفُ أَرْشٍ ولزم صَاحِبَهُ أَرْشٌ كَامِلٌ وَرَفْعُ الْمَجْنِيِّ عليه الْحَاجِزَ هَدَرٌ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ شَيْءٌ مِمَّا وَجَبَ على الْجَانِي وَلَوْ أَوْضَحَ مُتَلَاحِمَةً غَيْرُهُ فَعَلَى كُلٍّ حُكُومَةٌ فَلَا يَلْزَمُهُمَا أَرْشُ مُوضِحَةٍ لِأَنَّ فِعْلَ الْإِنْسَانِ لَا يُبْنَى على فِعْلِ غَيْرِهِ كما مَرَّ
وَتَسْقُطُ حُكُومَةُ جُرْحٍ أُوضِحَ بَعْضُهُ تَبَعًا لِلْأَرْشِ لِأَنَّهُ لو كان كُلُّهُ مُوضِحَةً لم يَجِبْ إلَّا أَرْشٌ فَهُنَا أَوْلَى وَإِنْ اقْتَصَّ فِيمَا فيه من الْمُوضِحَةِ فَوَجْهَانِ في سُقُوطِ الْحُكُومَةِ وَعَدَمِهِ كما لو قَطَعَ يَدَهُ من نِصْفِ الْكَفِّ فَاقْتُصَّ من الْأَصَابِعِ هل له حُكُومَةُ نِصْفِ الْكَفِّ وَجْهَانِ كَذَا في الْأَصْلِ وَالْمُرَجَّحُ من هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لُزُومُ الْحُكُومَةِ فَيُؤْخَذُ من ذلك عَدَمُ سُقُوطِهَا هُنَا وَلَوْ اتَّصَلَتْ مُوضِحَةُ الْجَبْهَةِ بِالْوَجْنَةِ فَأَرْشٌ
____________________
(4/51)
وَاحِدٌ تَنْزِيلًا لِأَجْزَاءِ الْوَجْهِ مَنْزِلَةَ أَجْزَاءِ الرَّأْسِ أو اتَّصَلَتْ مُوضِحَةُ الرَّأْسِ بِالْجَبْهَةِ فَأَرَشَانِ وَلَوْ كان بَيْنَهُمَا جِرَاحَةٌ دُونَ الْمُوضِحَةِ لِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ فَإِنْ لم يُوضِحْ الْمُوضِحُ لِلرَّأْسِ الْجَبْهَةَ بَلْ جَرَحَهَا فَأَرْشٌ لِمُوضِحَةِ الرَّأْسِ وَحُكُومَةٌ لِجُرْحِ الْجَبْهَةِ
وَلَوْ هَشَّمَ بَعْضَ ما أَوْضَحَ فَهَاشِمَةٌ بِمُوضِحَةٍ أَيْ مَعَهَا وَلَوْ أَوْضَحَ وَهَشَّمَ في مَوْضِعَيْنِ وَاتَّصَلَ الْهَشْمُ بَيْنَهُمَا بَاطِنًا فَهَاشِمَتَانِ لِأَنَّ الْهَاشِمَةَ تَتْبَعُ الْمُوضِحَةَ وقد وُجِدَتْ الْمُوضِحَتَانِ فَيَتَعَدَّدُ الْهَشْمُ بِتَعَدُّدِهِمَا وَلَوْ تَبَعَّضَتْ الْمُوضِحَةُ قِصَاصًا وَعُدْوَانًا أو عَمْدًا وَخَطَأً فَمُوضِحَتَانِ لِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ لَكِنْ لو رَفَعَ حَاجِزَ مُوضِحَتَيْ الْعَمْدِ خَطَأً فِيمَا لو أَوْضَحَ مُوضِحَتَيْنِ عَمْدًا اتَّحَدَتَا كَذَا رَجَّحَهُ في الرَّوْضَةِ وهو كما قال الزَّرْكَشِيُّ عَجِيبٌ فإن كَلَامَ الرَّافِعِيِّ مُصَرِّحٌ بِتَرْجِيحِ التَّعَدُّدِ فإنه قال فيه وَجْهَانِ لِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ فَإِنْ جَعَلْنَاهُ مُؤَثِّرًا فَعَلَيْهِ أَرْشٌ ثَالِثٌ وَإِلَّا لم يَلْزَمْ إلَّا أَرْشٌ وَاحِدٌ
فَصْلٌ الْجَائِفَةُ كَالْمُوضِحَةِ في الِاتِّحَادِ وَالتَّعَدُّدِ وقد مَرَّ بَيَانُ ذلك فَلَوْ طَعَنَ في جَائِفَةٍ غَيْرِهِ ولم يَقْطَعْ شيئا عُزِّرَ لِتَعَدِّيهِ وَلَا ضَمَانَ عليه وَإِنْ زَادَ غَوْرًا فيها أو قَطَعَ ظَاهِرًا فَقَطْ أو عَكْسُهُ أَيْ بَاطِنًا فَقَطْ فَحُكُومَةٌ تَلْزَمُهُ أو قَطَعَ ظَاهِرًا في جَانِبٍ وَبَاطِنًا في جَانِبٍ آخَرَ فَأَرْشٌ آخَرُ يَلْزَمُ الْقَاطِعَ إنْ أَكْمَلَا أَيْ الْقَطْعَانِ جَائِفَةً كَأَنْ قَطَعَ الثَّانِي نِصْفَ الظَّاهِرِ من جَانِبٍ وَنِصْفَ الْبَاطِنِ من جَانِبٍ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُكْمِلَاهَا فَبِالْقِسْطِ يُعْتَبَرُ الْأَرْشُ بِأَنْ يُنْظَرَ في ثَخَانَةِ اللَّحْمِ وَالْجِلْدِ وَيُقَسَّطَ أَرْشُ الْجَائِفَةِ على الْمَقْطُوعِ من الْجَانِبَيْنِ وَلَوْ نَفَذَتْ الْجَائِفَةُ من أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ أو طَعَنَهُ بِحَدِيدَةٍ لها رَأْسَانِ وَالْحَاجِزُ بَيْنَهُمَا سَلِيمٌ فَجَائِفَتَانِ لِأَنَّهُ جَرَحَهُ جُرْحَيْنِ نَافِذَيْنِ إلَى الْجَوْفِ فَإِنْ لم يَكُنْ بَيْنَهُمَا سَلِيمٌ فَجَائِفَةٌ وَاحِدَةٌ وَهَذَا مَعْلُومٌ من صَدْرِ الْفَصْلِ فَإِنْ جَرَحَتْ أَيْ الْحَدِيدَةُ عُضْوًا بَاطِنًا كَالْكَبِدِ زَادَ مع الْأَرْشِ اللَّازِمِ حُكُومَةً وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا جَائِفَةُ غَيْرِهِ ما لو عَادَ الْجَانِي فَوَسَّعَ جَائِفَتَهُ أو زَادَ في غَوْرِهَا وَلَا يَزِيدُ الْوَاجِبَ وَيَكُونُ كما لو أَجَافَ ابْتِدَاءً كَذَلِكَ وَلَوْ أَدْخَلَ في دُبُرِهِ ما خَرَقَ بِهِ جَائِفَةٌ في الْبَاطِنِ فَهَلْ هو حَاجِزٌ أو لَا وَجْهَانِ قال الرَّافِعِيُّ بِنَاءً على الْوَجْهَيْنِ في أَنَّ خَرْقَ الْحَاجِزِ بين الْمُوضِحَتَيْنِ في الْبَاطِنِ هل يَكُونُ كَخَرْقِ الظَّاهِرِ حتى لَا يَلْزَمَ إلَّا أَرْشُ مُوضِحَةٍ وَاحِدَةٍ قال في الْمُهِمَّاتِ وَيُؤْخَذُ من الْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ تَصْحِيحُ وُجُوبِ أَرْشِ الْجَائِفَةِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ في مَسْأَلَةِ الْمُوضِحَتَيْنِ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِبَقَاءِ الظَّاهِرِ حتى تَرْجِعَ الْمُوضِحَتَانِ إلَى مُوضِحَةٍ
فَرْعٌ لو خِيطَتْ جَائِفَةٌ فَنَزَعَ رَجُلٌ الْخَيْطَ الذي خِيطَتْ بِهِ قبل الِالْتِحَامِ عُزِّرَ وَضَمِنَ الْخَيْطَ إنْ تَلِفَ وَالْخِيَاطَةُ أَيْ أُجْرَةُ مِثْلِهَا وَلَا أَرْشَ وَلَا حُكُومَةَ أو نَزَعَهُ بَعْدَ الِالْتِحَامِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَانْفَتَحَتْ وَلَوْ من جَانِبٍ منها فَجَائِفَةٌ جَدِيدَةٌ أو بَعْدَ الْتِحَامِ أَحَدِهِمَا أَيْ الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ أو عَكْسُهُ فَحُكُومَةٌ تَلْزَمُهُ دُونَ الْأَرْشِ إنْ لم يُمْكِنْ التَّقْسِيطُ وَيَضْمَنُ مَعَهَا الْخَيْطَ إنْ تَلِفَ لَا الْخِيَاطَةَ لِدُخُولِهَا في الْحُكُومَةِ
الْقِسْمُ الثَّانِي إبَانَةُ الْأَطْرَافِ وَمُقَدَّرُ الْبَدَلِ من الْأَعْضَاءِ سِتَّةَ عَشَرَ عُضْوًا فما وَجَبَ فيه الدِّيَةُ منها وهو ثُنَائِيٌّ كَالْيَدَيْنِ فَفِي الْوَاحِدَةِ منه الْأَوْلَى الْوَاحِدُ نِصْفُهَا أو ثُلَاثِيٌّ كَالْأَنْفِ فَثُلُثُهَا أو رُبَاعِيٌّ كَالْأَجْفَانِ فَرُبُعُهَا وفي الْبَعْضِ من كُلٍّ منها الْقِسْطُ لِأَنَّ ما وَجَبَ فيه الدِّيَةُ وَجَبَ في بَعْضِهِ بِقِسْطِهِ الْأَوَّلُ من السِّتَّةَ عَشَرَ الْأُذُنَانِ فَفِيهِمَا قَطْعًا أو قَلْعًا الدِّيَةُ لِلسَّمِيعِ وَالْأَصَمِّ بِنَاءً على أَنَّ السَّمْعَ لَا يَحِلُّهُمَا وَذَلِكَ لِمَا في خَبَرِ عَمْرِو بن حَزْمٍ وفي الْأُذُنِ خَمْسُونَ من الْإِبِلِ وَعَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ في الْأُذُنَيْنِ الدِّيَةُ وَلِأَنَّ فِيهِمَا مع الْجَمَالِ مَنْفَعَتَيْنِ جَمْعُ الصَّوْتِ لِيَتَأَدَّى إلَى مَحَلِّ السَّمَاعِ وَدَفْعُ الْهَوَامِّ لِأَنَّ صَاحِبَهُمَا يَحُسُّ بِسَبَبِ مَعَاطِفِهِمَا بِدَبِيبِ الْهَوَامِّ فَيَطْرُدَهَا وَهَذِهِ هِيَ الْمَنْفَعَةُ الْمُعْتَبَرَةُ في إيجَابِ الدِّيَةِ وَكَذَا تَجِبُ الدِّيَةُ إذَا أَحْشَفَهُمَا أَيْ أَيْبَسَهُمَا كما لو أَشَلَّ يَدَهُ وَلِأَنَّهُ أَذْهَبَ الْإِحْسَاسَ الذي يَدْفَعُ بِهِ الْهَوَامَّ
وإذا قَطَعَ أُذُنًا مُسْتَحْشِفَةً فَحُكُومَةٌ تَلْزَمُهُ كَمَنْ قَطَعَ يَدًا شَلَّاءَ قال الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنْ لَا قِصَاصَ بِقَطْعِهَا لَكِنْ مَرَّ أَنَّ الْأُذُنَ الصَّحِيحَةَ تُقْطَعُ بِالْمُسْتَحْشِفَةِ وَالْجَمْعُ بين جَرَيَانِ الْقِصَاصِ فيها وَعَدَمِ تَكْمِيلِ الدِّيَةِ مِمَّا لَا يُعْقَلُ فَالرَّاجِحُ وُجُوبُ الدِّيَةِ وهو ما عَزَاهُ الْمَرْوَزِيِّ إلَى الْجَدِيدِ
انْتَهَى
وقد يُجَابُ بِأَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بين وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَوُجُوبِ الدِّيَةِ وَإِنْ
____________________
(4/52)
قَطَعَهُمَا بِإِيضَاحِ الْعَظْمِ فَدِيَةٌ وَمُوضِحَتَانِ أَيْ أَرْشُهُمَا وَلَا يَتْبَعَانِ الدِّيَةَ إذْ لَا يَتْبَعُ مُقَدَّرٌ مُقَدَّرًا
الْعُضْوُ الثَّانِي الْعَيْنَانِ فَفِيهِمَا أَيْ في فَقْئِهِمَا الدِّيَةُ وَإِنْ كان أَعْمَشَ أو أَخْفَشَ أو أَعْشَى كَالْقِصَاصِ وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ بَاقِيَةٌ في أَعْيُنِ هَؤُلَاءِ وَمِقْدَارُ الْمَنْفَعَةِ لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ وفي خَبَرِ عَمْرِو بن حَزْمٍ في الْعَيْنِ خَمْسُونَ من الْإِبِلِ رَوَاهُ مَالِكٌ وَرَوَى النَّسَائِيّ وابن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ في الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَلِأَنَّهُمَا أَعْظَمُ الْجَوَارِحِ نَفْعًا وَأَجَلُّ الْحَوَاسِّ قَدْرًا وَالْأَعْمَشُ ضَعِيفُ الرُّؤْيَةِ مع سَيَلَانِ الدَّمْعِ غَالِبًا وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْأَخْفَشِ وَالْأَعْشَى في بَابِ خِيَارِ النَّقْصِ وَكَذَا بَيَاضٌ لَا يُنْقِصُ الضَّوْءَ فَتَجِبُ معه الدِّيَةُ كما تَجِبُ في الْيَدِ وَالرِّجْلِ مع الثَّآلِيلِ فَإِنْ نَقَصَ الضَّوْءُ وَانْضَبَطَ النَّقْصُ بِالِاعْتِبَارِ بِالصَّحِيحَةِ التي لَا بَيَاضَ فيها فَقِسْطٌ من الدِّيَةِ يَلْزَمُ وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَيْنِ الْأَعْمَشِ بِأَنَّ الْبَيَاضَ نَقْصُ الضَّوْءِ الذي كان في أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَعَيْنُ الْأَعْمَشِ لم يَنْقُصْ ضَوْءُهَا عَمَّا كان في الْأَصْلِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَيُؤْخَذُ منه كما قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْعُمْشَ لو تَوَلَّدَ من آفَةٍ أو جِنَايَةٍ لَا تَكْمُلُ فيه الدِّيَةُ
الْعُضْوُ الثَّالِثُ الْأَجْفَانُ فَفِي قَطْعِهِمَا أو إحْشَافِهِمَا الْأَوْلَى فَفِي قَطْعِهَا وَإِحْشَافِهَا الدِّيَةُ وَلَوْ كانت لِأَعْمَى لِأَنَّ فيها جَمَالًا وَمَنْفَعَةً وفي قَطْعِهَا أو إحْشَافِهَا مع فَقْءِ الْعَيْنَيْنِ دِيَتَانِ وفي قَطْعِ الْجَفْنِ الْمُسْتَحْشِفِ حُكُومَةٌ وَكَذَا الْأَهْدَابُ وسائر الشُّعُورِ كَشَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ تَجِبُ في قَطْعِهَا حُكُومَةٌ إنْ فَسَدَ الْمَنْبَتُ لَا دِيَةٌ لِأَنَّ الْفَائِتَ بِقَطْعِهَا الزِّينَةُ وَالْجَمَالُ دُونَ الْمَقَاصِدِ الْأَصْلِيَّةِ وَإِلَّا فَالتَّعْزِيرُ وَتَدْخُلُ حُكُومَةُ الْأَهْدَابِ في دِيَةِ الْأَجْفَانِ كما تَدْخُلُ حُكُومَةُ الْكَفِّ في دِيَةِ الْأَصَابِعِ وَكَمَا أَنَّ شَعْرَ السَّاعِدِ وَالسَّاقِ وَمَحَلُّ الْمُوضِحَةِ لَا يُفْرَدُ بِحُكُومَةِ الْعُضْوِ
الرَّابِعُ الْأَنْفُ فَفِي قَطْعِ الْمَارِنِ وهو ما لَانَ من الْأَنْفِ الدِّيَةُ كما جاء في خَبَرِ عَمْرِو بن حَزْمٍ وَلِأَنَّ فيه جَمَالًا وَمَنْفَعَةً وهو أَيْ الْمَارِنُ الْمَنْخِرَانِ وَالْحَاجِزُ بَيْنَهُمَا وَالْأَخْشَمُ في ذلك كَغَيْرِهِ لِأَنَّ الشَّمَّ ليس في الْأَنْفِ وفي قَطْعِ بَاقِي الْمَقْطُوعِ من الْمَارِنِ بِجِنَايَةٍ أو غَيْرِهَا وَلَوْ بِجُذَامٍ قِسْطُهُ من الدِّيَةِ بِالْمِسَاحَةِ وَهَذَا عُلِمَ من صَدْرِ هذا الْقِسْمِ وَإِحْشَافُهَا أَيْ الْمَنْخِرَيْنِ وَالْحَاجِزُ بَيْنَهُمَا كَالْأُذُنِ أَيْ كَإِحْشَافِهَا فَفِيهَا الدِّيَةُ لِإِبْطَالِ مَنْفَعَتِهَا وفي الشَّقِّ لِلْمَارِنِ إذَا لم يَذْهَبْ منه شَيْءٌ حُكُومَةٌ وَإِنْ لم يَلْتَئِمْ فَإِنْ تَآكَلَ بِالشَّقِّ بِأَنْ ذَهَبَ بَعْضُهُ فَقِسْطُهُ من الدِّيَةِ وَاجِبٌ وَقَاطِعُ الْقَصَبَةِ مُنَقِّلٌ فَفِي قَطْعِهَا وَحْدَهَا دِيَةُ مُنَقِّلَةٍ فَلَوْ قَطَعَهَا مع الْمَارِنِ تَبِعَتْهُ في الدِّيَةِ كَذَا رَجَّحَهُ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَرْجِيحَهُ عن الْإِمَامِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وهو خِلَافُ نَصِّ الْأُمِّ من وُجُوبِ الْحُكُومَةِ مع الدِّيَةِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى
وفي قَصَبَةٍ كُسِرَتْ وَانْجَبَرَتْ بَعْدَ كَسْرِهَا بِلَا تَعَوُّجٍ حُكُومَةٌ وَمَعَ التَّعَوُّجِ تَكْثُرُ الْحُكُومَةُ
الْعُضْوُ الْخَامِسُ الشَّفَتَانِ فَفِي قَطْعِهِمَا وَإِشْلَالِهِمَا الدِّيَةُ كما جاء في خَبَرِ عَمْرِو بن حَزْمٍ وَلِأَنَّ فِيهِمَا جَمَالًا وَمَنْفَعَةً سَوَاءٌ أَكَانَتَا غَلِيظَتَيْنِ أَمْ رَقِيقَتَيْنِ كَبِيرَتَيْنِ أَمْ صَغِيرَتَيْنِ وَهُمَا السَّاتِرَانِ لِلِّثَةِ وَلِلْأَسْنَانِ في جَانِبَيْ الْفَمِ وَتَحْرِيرُهُ أَنَّهُمَا في عَرْضِ الْوَجْهِ إلَى الشِّدْقَيْنِ وفي طُولِهِ إلَى ما يَسْتُرُ اللِّثَةَ وَهِيَ اللَّحْمُ حَوْلَ الْأَسْنَانِ وَهَلْ يَسْقُطُ مَعَهُمَا أَيْ مع قَطْعِهِمَا حُكُومَةُ الشَّارِبِ أو لَا وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ كما في الْأَهْدَابِ مع الْأَجْفَانِ وفي شَقِّهِمَا بِلَا إبَانَةٍ حُكُومَةُ وَكَذَا في الشَّفَةِ الشَّلَّاءِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَوْ قَطَعَ شَفَةً مَشْقُوقَةً فَدِيَتُهَا وَاجِبَةٌ لَا حُكُومَةُ الشَّقِّ وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَهُمَا فَتَقَلَّصَا أَيْ الْبَعْضَانِ الْبَاقِيَانِ وَبَقِيَا كَمَقْطُوعِ الْجَمِيعِ فَهَلْ تَكْمُلُ الدِّيَةُ أو يَتَوَزَّعُ على الْمَقْطُوعِ وَالْبَاقِي وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي وَنَصُّ الْأُمِّ يَقْتَضِيهِ وَكَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ على قَطْعِ الْأَجْفَانِ وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ في الْأَنْوَارِ
الْعُضْوُ السَّادِسُ اللِّسَانُ وَفِيهِ الدِّيَةُ لِمَا مَرَّ والألكن وَالْأَرَتُّ وَالْأَلْثَغُ وَالْمَوْلُودُ أَيْ كُلٌّ منهم كَغَيْرِهِ كَضَعِيفِ الْبَطْشِ فَإِنْ بَلَغَ الْمَوْلُودُ النُّطْقَ وَالتَّحْرِيكَ أَيْ أَوَانَهُمَا ولم يُوجَدَا منه فَحُكُومَةٌ لَا دِيَةٌ لِإِشْعَارِ الْحَالِ بِعَجْزِهِ وَإِنْ لم يَبْلُغْهُ يَعْنِي أَوَانَ النُّطْقِ فَدِيَةٌ أَخْذًا بِظَاهِرِ السَّلَامَةِ كما تَجِبُ الدِّيَةُ في رِجْلِهِ وَيَدِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ في الْحَالِ مَشْيٌ وَلَا بَطْشٌ وَهَذَا عُلِمَ من قَوْلِهِ وَالْمَوْلُودُ كَغَيْرِهِ فَإِنْ أُخِذَتْ الْحُكُومَةُ لِقَطْعِ بَعْضِهِ أَيْ بَعْضِ لِسَانِهِ لِأَمْرٍ اقْتَضَى إيجَابَهَا ثُمَّ نَطَقَ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ وَعَرَفْنَا سَلَامَةَ لِسَانِهِ وَجَبَ تَمَامُ قِسْطِ
____________________
(4/53)
دِيَتِهِ وفي قَطْعِ لِسَانٍ الْأَخْرَسِ وَلَوْ كان خَرَسُهُ عَارِضًا حُكُومَةٌ وَإِنْ فَقَدَ الْأَخْرَسُ الذَّوْقَ بِقَطْعِ لِسَانِهِ فَدِيَةٌ تَجِبُ لَا حُكُومَةٌ واللسان ذُو الطَّرَفَيْنِ إنْ اسْتَوَيَا خِلْقَةً فَلِسَانٌ مَشْقُوقٌ فَيَجِبُ بِقَطْعِهِمَا الدِّيَةُ وَبِقَطْعِ أَحَدِهِمَا قِسْطُهُ منها وَإِلَّا بِأَنْ كان أَحَدُهُمَا أَصْلِيًّا وَالْآخَرُ زَائِدًا فَلِلزَّائِدِ أَيْ لِقَطْعِهِ حُكُومَةٌ دُونَ قِسْطِ قَدْرِهِ من لِسَانٍ أَصْلِيٍّ من ثُلُثٍ وَرُبُعٍ وَنَحْوِهِمَا وَلِقَطْعِ الْأَصْلِيِّ دِيَةٌ وفي قَطْعِ اللِّهَاتِ قال الْجَوْهَرِيُّ وَهِيَ الْهَنَةُ الْمُطْبَقَةُ في أَقْصَى سَقْفِ الْفَمِ حُكُومَةٌ
الْعُضْوُ السَّابِعُ الْأَسْنَانُ وفي كل سِنٍّ أَصْلِيَّةٍ تَامَّةٍ مَثْغُورَةٍ غَيْرِ مُتَقَلْقِلَةٍ صَغِيرَةٍ أو كَبِيرَةٍ لِذَكَرٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ كما جاء في خَبَرِ عَمْرِو بن حَزْمٍ وَلَا فَرْقَ بين الضِّرْسِ وَالثَّنِيَّةِ لِدُخُولِهِمَا في لَفْظِ السِّنِّ وَإِنْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِاسْمٍ كَالْخِنْصَرِ وَالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى في الْأَصَابِعِ فَفِي الشَّاغِيَةِ أَيْ الزَّائِدَةِ التي يُخَالِفُ نَبْتَتُهَا نَبْتَةَ غَيْرِهَا من الْأَسْنَانِ حُكُومَةٌ لَا دِيَةٌ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَيُعَزَّرُ قَالِعُ سِنٍّ مُتَّخَذَةٍ من ذَهَبٍ وَعَظْمٍ وَغَيْرِهِمَا من غَيْرِ دِيَةٍ وَلَا حُكُومَةٍ وَإِنْ تَشَبَّثَتْ بِاللَّحْمِ وَاسْتَعَدَّتْ لِلْمَضْغِ وَالْقَطْعِ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ وَلَيْسَتْ جُزْءًا من الشَّخْصِ وَتَكْمُلُ الدِّيَةُ لِلسِّنِّ بِكَسْرِ الظَّاهِرِ منها خِلْقَةً وَإِنْ بَقِيَ السِّنْخُ بِحَالِهِ لِأَنَّ السِّنَّ اسْمٌ لِلظَّاهِرِ وَالْمُسْتَتِرِ بِاللَّحْمِ يُسَمَّى سِنْخًا وَلِأَنَّ الْجَمَالَ وَالْمَنْفَعَةَ من الْعَضِّ وَالْمَضْغِ وَجَمْعِ الرِّيقِ يَتَعَلَّقَانِ بِالظَّاهِرِ وَمَنْفَعَةُ الْمُسْتَتِرِ حَمْلُ الظَّاهِرِ وَحِفْظُهُ وهو مع الظَّاهِرِ كَالْكَفِّ مع الْأَصَابِعِ وَعَلَيْهِ أَيْ الظَّاهِرِ التَّوْزِيعُ لِأَنَّا نُوجِبُ فيه تَمَامَ الْأَرْشِ فَلَوْ قُطِعَ بَعْضُهُ فَعَلَيْهِ قِسْطُهُ من الْأَرْشِ وَيُنْسَبُ الْمَقْطُوعُ إلَى الظَّاهِرِ دُونَ السِّنْخِ وَكَذَا يُوَزَّعُ على الْحَشَفَةِ وَالْحَلَمَةِ وَالْمَارِنِ فِيمَا إذَا قُطِعَ بَعْضُهَا لَا على جَمِيعِ الذَّكَرِ وَالثَّدْيِ وَالْأَنْفِ
وَأَمَّا السِّنْخُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَإِعْجَامِ الْخَاءِ وَيُقَالُ بِالْجِيمِ وهو أَصْلُ السِّنِّ الْمُسْتَتِرُ بِاللَّحْمِ كما مَرَّ فَتَابِعٌ لها إنْ قُلِعَتْ فَتَنْدَرِجُ حُكُومَةٌ في دِيَتِهَا كما تَنْدَرِجُ حُكُومَةُ الْكَفِّ في دِيَةِ الْأَصَابِعِ وَإِنْ بَرَزَ بَعْضُهُ أَيْ السِّنْخِ لِحَفْرٍ أَصَابَ اللِّثَةَ لِأَنَّ بُرُوزَهُ عَارِضٌ فَإِنْ كَسَرَهَا أَيْ السِّنَّ ثُمَّ قَلَعَهُ أَيْ السِّنْخَ هو أو غَيْرُهُ وَلَوْ قبل الِانْدِمَالِ فَدِيَةٌ وَحُكُومَةٌ لِتَعَدُّدِ الْجِنَايَةِ وَإِنْ كَسَرَ نِصْفَهَا الظَّاهِرَ عَرْضًا ثُمَّ قَلَعَ شَخْصٌ آخَرُ الْبَاقِيَ مع السِّنْخِ دَخَلَتْ الْحُكُومَةُ لِلسِّنْخِ في الْأَرْشِ لِلْبَاقِي من السِّنِّ أو كَسَرَهُ طُولًا ثُمَّ قَلَعَ آخَرُ الْبَاقِيَ مع السِّنْخِ لَزِمَهُ حُكُومَةُ سِنْخِ الْمَكْسُورِ كما مَرَّ فِيمَا إذَا قَطَعَ كَفًّا عليها بَعْضُ الْأَصَابِعِ دُونَ بَعْضٍ وَسِنْخُ الْبَاقِي يَدْخُلُ في أَرْشِهِ وَإِنْ قَلَعَهَا فَتَعَلَّقَتْ بِعِرْقٍ فَأَعَادَهَا عِبَارَةُ الْأَصْلِ ثُمَّ عَادَتْ وَثَبَتَتْ فَحُكُومَةٌ تَلْزَمُهُ لَا دِيَةٌ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بِالْإِبَانَةِ ولم تُوجَدْ
وَإِنْ كَسَرَ سِنًّا مَكْسُورَةً وَاخْتَلَفَ هو وَصَاحِبُهَا في قَدْرِ الْفَائِتِ صُدِّقَ صَاحِبُهَا في قَدْرِ الْفَائِتِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فَوَاتِ الزَّائِدِ لو كَسَرَ سِنًّا صَحِيحَةً وَاخْتَلَفَ هو وَصَاحِبُهَا في قَدْرِ ما كُسِرَ منها صُدِّقَ الْجَانِي في قَدْرِ ما كُسِرَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ وَتَنْقُصُ الدِّيَةُ لِصِغَرٍ شَائِنٍ في بَعْضِ الْأَسْنَانِ بِحَسَبِ نُقْصَانِ السِّنِّ كَمُسَاوَاةِ الثَّنِيَّتَيْنِ لِلرُّبَاعِيَّتَيْنِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ أو نَقْصِهِمَا عنهما لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الثَّنَايَا أَطْوَلُ من الرَّبَاعِيَاتِ وَقِيلَ تَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً في الثَّنِيَّتَيْنِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّقْيِيدِ بِالشَّاهِدَيْنِ وَبِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ
وَلَا دِيَةَ في سِنٍّ غَيْرِ مَثْغُورَةٍ قبل الْعِلْمِ بِفَسَادِ الْمَنْبَتِ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَوْدُهَا فَهِيَ كَالشَّعْرِ يُحْلَقُ وَلَوْ مَاتَ قَبْلَهُ أَيْ قبل الْعِلْمِ بِذَلِكَ أو قبل تَمَامِ نَبَاتِهَا فَحُكُومَةٌ تَجِبُ وَإِنْ لم يَبْقَ شَيْنٌ لِمَا حَصَلَ من الْأَلَمِ وَكَمَا يَجِبُ بِتَقْدِيرِ الْعَوْدِ وَإِنْ لم يَبْقَ شَيْنٌ بِأَنْ تُقَدَّرَ الْجِنَايَةُ في حَالِ كَوْنِهَا دَامِيَةً كما سَيَأْتِي أَمَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْفَسَادِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ كما يَجِبُ الْقِصَاصُ وَإِنْ قَلَعَهَا قبل التَّمَامِ لِنَبَاتِهَا آخَرُ اُنْتُظِرَتْ فَإِنْ لم تَنْبُتْ فَالدِّيَةُ على الْآخَرِ وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ أَكْثَرُ من الْحُكُومَةِ الْأُولَى وَإِنْ أَفْسَدَ مَنْبَتَ غَيْرِ الْمَثْغُورَةِ آخَرُ بَعْدَ قَلْعِ غَيْرِهِ لها فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ وفي إلْزَامِ الْأَوَّلِ الْأَرْشَ تَرَدُّدٌ أَيْ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا كما في الْبَسِيطِ الْمَنْعُ وَالِاقْتِصَارُ على حُكُومَةٍ
____________________
(4/54)
فَإِنْ سَقَطَتْ بِلَا جِنَايَةٍ ثُمَّ أَفْسَدَ شَخْصٌ مَنْبَتَهَا فَفِي إلْزَامِ الْمُفْسِدِ الْأَرْشَ تَرَدُّدٌ وَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ لِمَا مَرَّ آنِفًا وإذا نَبَتَتْ سِنُّ الْمَثْغُورِ بَعْدَ قَلْعِهَا بِجِنَايَةٍ وَأَخْذِ أَرْشِهَا لم يَسْتَرِدَّ الْأَرْشَ لِأَنَّهُ نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ كَمُوضِحَةٍ أو جَائِفَةٍ الْتَحَمَتْ بَعْدَ أَخْذِ أَرْشِهَا فإنه لَا يَسْتَرِدُّ كما لَا يَسْقُطُ بِالْتِحَامِهَا الْقِصَاصُ وَيَسْتَتِرُ الْأَرْشُ في سَائِرِ أَيْ جَمِيعِ الْمَعَانِي كَبَطْشِ الْيَدِ أَيْ عَوْدِهِ وَعَوْدِ النَّظَرِ وَنَحْوِهِ لِظُهُورِ عَدَمِ زَوَالِهَا بِخِلَافِ الْأَجْسَامِ غَيْرِ الْإِفْضَاءِ وَسِنِّ غَيْرِ الْمَثْغُورِ فإنه تَحَقَّقَ فيها الْإِبَانَةَ وَلَا يُعْتَادُ فيها الْعَوْدُ وَتَجِبُ حُكُومَةٌ لَا أَرْشٌ في سِنٍّ مُتَزَلْزِلَةٍ أو صَغِيرَةٍ بَطَلَ نَفْعُهُمَا وَلَا يَضُرُّ نَقْصُهُ أَيْ نَقْصُ نَفْعِهَا في إيجَابِ الْأَرْشِ فَيَجِبُ الْأَرْشُ مع نَقْصِ نَفْعِهِمَا لِتَعَلُّقِ الْجَمَالِ وَأَصْلِ الْمَنْفَعَةِ بِهِمَا في الْمَضْغِ وَحِفْظِ الطَّعَامِ وَرَدِّ الرِّيقِ وَلَا أَثَرَ لِضَعْفِهَا كَضَعْفِ الْبَطْشِ وَالْمَشْيِ
وَإِنْ تَزَلْزَلَتْ سِنٌّ صَحِيحَةٌ بِجِنَايَةٍ ثُمَّ سَقَطَتْ بَعْدُ لَزِمَهُ الْأَرْشُ وَإِنْ بَقِيَتْ وَعَادَتْ كما كانت فَحُكُومَةٌ تَلْزَمُهُ كما لم يَبْقَ في الْجِرَاحَةِ نَقْصٌ وَلَا شَيْنٌ أو عَادَتْ نَاقِصَةَ الْمَنْفَعَةِ فَالْأَرْشُ وَاجِبٌ كَذَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ الْأَصْلُ وَاَلَّذِي في الْأَنْوَارِ لَزِمَتْهُ الْحُكُومَةُ لَا الْأَرْشُ لِأَنَّ الْأَرْشَ يَجِبُ بِقَلْعِهَا كما مَرَّ قال وَهَذَا الْمَوْضِعُ مَزِلَّةُ الْقَدَمِ في الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ فإذا قَلَعَهَا آخَرُ لَزِمَتْهُ حُكُومَةٌ دُونَ حُكُومَةِ سِنٍّ تَحَرَّكَتْ بِهَرَمٍ أو مَرَضٍ لِأَنَّ النَّقْصَ الذي فيها قد غَرِمَهُ الْجَانِي الْأَوَّلُ بِخِلَافِهِ في الْهَرَمِ وَالْمَرَضِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ وَأَقَرَّهُ وَلَا أَثَرَ في وُجُوبِ الْأَرْشِ لِلسَّوَادِ الْأَصْلِيِّ فَلَوْ قَلَعَ سِنًّا سَوْدَاءَ قبل أَنْ تُثْغِرَ وَبَعْدَهُ لَزِمَهُ الْأَرْشُ لِأَنَّ سَوَادَهَا من أَصْلِ الْخِلْقَةِ فَهُوَ كَعُمْشِ الْعَيْنِ خِلْقَةً فَإِنْ ثُغِرَ الشَّخْصُ بِضَمِّ الثَّاءِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ أَيْ قُلِعَتْ سِنُّهُ فَنَبَتَتْ سَوْدَاءَ أو بَيْضَاءَ ثُمَّ اسْوَدَّتْ وَقَالُوا أَيْ أَهْلُ الْخِبْرَةِ إنَّمَا يَكُونُ ذلك لِعِلَّةٍ فيها فَفِيهَا حُكُومَةٌ وَإِلَّا بِأَنْ قالوا لم يَكُنْ لِعِلَّةٍ أو أَنَّهُ قد يَكُونُ لِعِلَّةٍ وقد يَكُونُ لِغَيْرِهَا فَالْأَرْشُ وَاجِبٌ لِأَنَّ الرَّدَّ إلَى الْحُكُومَةِ مع كَمَالِ الْمَنْفَعَةِ وَعَدَمِ تَحَقُّقِ الْعِلَّةِ خِلَافُ الْقِيَاسِ وَمَتَى ضَرَبَهَا فَاسْوَدَّتْ أو اخْضَرَّتْ مَثَلًا وَمَنْفَعَتُهَا بَاقِيَةٌ فَحُكُومَةٌ تَلْزَمُهُ وَحُكُومَةُ الِاخْضِرَارِ أَقَلُّ من حُكُومَةِ الِاسْوِدَادِ وَحُكُومَةُ الِاصْفِرَارِ أَقَلُّ من الِاخْضِرَارِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فَإِنْ فَاتَتْ مَنْفَعَتُهَا فَالْأَرْشُ
فَصْلٌ الْأَسْنَانُ في غَالِبِ الْفِطْرَةِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ أَرْبَعٌ ثَنَايَا وَهِيَ الْوَاقِعَةُ في مُقَدَّمِ الْفَمِ ثِنْتَانِ من أَعْلَى وَثِنْتَانِ من أَسْفَلَ ثُمَّ أَرْبَعٌ رَبَاعِيَاتٌ ثِنْتَانِ من أَعْلَى وَثِنْتَانِ من أَسْفَلَ ثُمَّ أَرْبَعٌ ضَوَاحِكُ ثُمَّ أَرْبَعَةُ أَنْيَابٍ وَأَرْبَعَةُ نَوَاجِذَ وَاثْنَا عَشَرَ ضِرْسًا وَتُسَمَّى الطَّوَاحِينَ قَالَهُ في الْأَصْلِ لَا يُقَالُ قَضِيَّتُهُ أَنَّ النَّوَاجِذَ في الْإِثْنَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ آخِرُ الْأَضْرَاسِ لِأَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ قَضِيَّتَهُ ذلك لِأَنَّهُ عَبَّرَ في الْأَوَّلِ بِثُمَّ ثُمَّ عَطَفَ النَّوَاجِذَ وَالْأَضْرَاسَ بِالْوَاوِ وَهِيَ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا وَأَمَّا خَبَرُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم ضَحِكَ حتى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ فَالْمُرَادُ ضَوَاحِكُهُ لِأَنَّ ضَحِكَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان تَبَسُّمًا فإذا قَلَعَهَا مَعًا أو مُرَتَّبًا لَزِمَهُ مِائَةٌ وَسِتُّونَ بَعِيرًا لِمَا مَرَّ أَنَّ في كل سِنٍّ خَمْسَةَ أَبْعِرَةٍ وَلِكَوْنِهَا يَخْتَلِفُ نَبَاتُهَا تَقَدُّمًا وَتَأَخُّرًا اُعْتُبِرَتْ في نَفْسِهَا فَزَادَ أَرْشُهَا على أَرْشِ النَّفْسِ بِخِلَافِ الْأَصَابِعِ وَنَحْوِهَا فَإِنْ زَادَتْ على اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وكان الزَّائِدُ على سُنَنِهَا فَهَلْ لِلزَّائِدِ أَرْشٌ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ أو حُكُومَةٌ لِزِيَادَتِهِ على الْغَالِبِ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَجْهَانِ صَحَّحَ مِنْهُمَا الْقَمُولِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ الْأَوَّلَ وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ الثَّانِيَ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ
الْعُضْوُ الثَّامِنُ اللَّحْيَانِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَهُمَا مَنْبَتُ الْأَسْنَانِ السُّفْلَى وَمُلْتَقَاهُمَا الذَّقَنُ وَفِيهِمَا الدِّيَةُ لِأَنَّ فِيهِمَا جَمَالًا وَمَنْفَعَةً ظَاهِرَةً وَلَا يَتْبَعُهُمَا الْأَسْنَانُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُسْتَقِلٌّ بِرَأْسِهِ وَلَهُ بَدَلٌ مُقَدَّرٌ وَاسْمٌ يَخُصُّهُ فَلَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا في الْآخَرِ بِخِلَافِ الْيَدِ مع الْأَصَابِعِ وَلَوْ فَكَّهُمَا أو ضَرَبَهُمَا فَيَبِسَا لَزِمَهُ دِيَتُهُمَا فَإِنْ تَعَطَّلَ بِذَلِكَ مَنْفَعَةُ الْأَسْنَانِ لم يَجِبْ لها شَيْءٌ لِأَنَّهُ لم يَجْنِ عليها بَلْ على اللَّحْيَيْنِ نَصَّ عليه في الْأُمِّ كما نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ
الْعُضْوُ التَّاسِعُ الْيَدَانِ وَفِيهِمَا الدِّيَةُ
____________________
(4/55)
كما جاء في خَبَرِ عَمْرِو بن حَزْمٍ وَتَكْمُلُ الدِّيَةُ بِلَقْطِ الْأَصَابِعِ لِمَا ثَبَتَ أَنَّ في كل أُصْبُعٍ عَشَرًا من الْإِبِلِ وَتَدْخُلُ حُكُومَةُ الْكَفِّ في دِيَتِهَا أَيْ الْأَصَابِعِ كما في الْمَارِنِ مع قَصَبَتِهِ بِخِلَافِ ما قُطِعَ من السَّاعِدِ ومن الْمَرْفِقِ ومن الْعَضُدِ فَلَا تَدْخُلُ حُكُومَتُهَا في دِيَةِ الْيَدِ بَلْ تَجِبُ حُكُومَتُهَا مع الْيَدِ لِأَنَّ كُلًّا منها مع الْيَدِ عُضْوَانِ بِخِلَافِ الْكَفِّ مع الْأَصَابِعِ فَإِنَّهُمَا كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ بِدَلِيلِ قَطْعِهِمَا في السَّرِقَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ثُمَّ بَعْدَ لَقْطِهِ الْأَصَابِعَ إنْ قَطَعَ الْكَفَّيْنِ أو أَحَدَهُمَا بَعْدَ ذلك هو أو غَيْرُهُ فَحُكُومَةٌ تَجِبُ كما في السِّنْخِ مع السِّنِّ لِاخْتِلَافِ الْجِنَايَةِ وفي الْأُصْبُعِ أَيْ في قَطْعِ كل أُصْبُعٍ عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ كما جاء في خَبَرِ عَمْرِو بن حَزْمٍ وفي قَطْعِ أُنْمُلَةِ الْإِبْهَامِ نِصْفُهَا أَيْ الْعَشَرَةِ وأنملة غَيْرِهَا ثُلُثُهَا لِأَنَّ لِكُلِّ أُصْبُعٍ ثَلَاثَ أَنَامِلَ إلَّا الْإِبْهَامَ فَلَهَا أُنْمُلَتَانِ فَلَوْ انْقَسَمَتْ أُصْبُعٌ بِأَرْبَعِ أَنَامِلَ مُتَسَاوِيَةٍ فَفِي كل وَاحِدَةٍ رُبُعُ الْعُشْرِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَيُقَاسُ بِهَذِهِ النِّسْبَةِ الزَّائِدَةِ على الْأَرْبَعِ وَالنَّاقِصَةِ عن الثَّلَاثِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ ثُمَّ قال فَإِنْ قِيلَ لِمَ لم يَقْسِمُوا دِيَةَ الْأَصَابِعِ عليها إنْ زَادَتْ أو نَقَصَتْ كما في الْأَنَامِلِ بَلْ أَوْجَبُوا في الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ حُكُومَةً قُلْنَا الْفَرْقُ أَنَّ الزَّائِدَةَ من الْأَصَابِعِ مُتَمَيِّزَةٌ وَمِنْ الْأَنَامِلِ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ وَمَنْ له يَمِينَانِ أو شِمَالَانِ أو كَفَّانِ مع الْأَصَابِعِ على مَنْكِبٍ في الْأُولَيَيْنِ أو مِعْصَمٌ في الثَّالِثَةِ وَإِحْدَاهُمَا أَكْمَلُ من الْأُخْرَى فَهِيَ الْيَدُ الْأَصْلِيَّةُ فَفِيهَا أَيْ في قَطْعِهَا الْقِصَاصُ وفي الْأُخْرَى الْحُكُومَةُ وَيُعْرَفُ الْكَمَالُ بِالْبَطْشِ أو قُوَّتِهِ وَإِنْ كانت الْبَاطِشَةُ أو الْقَوِيَّةُ مُنْحَرِفَةً عن الذِّرَاعِ أو نَاقِصَةَ أُصْبُعٍ كما أَفَادَهُ كَلَامُ الْقَاضِي لِأَنَّ الْيَدَ خُلِقَتْ لِلْبَطْشِ فَهُوَ أَقْوَى دَلِيلًا على كَمَالِهَا أَيْ أَصَالَتِهَا فَإِنْ كانت إحْدَاهُمَا مُعْتَدِلَةً وَالْأُخْرَى مُنْحَرِفَةً فَالْيَدُ الْأَصْلِيَّةُ هِيَ الْمُعْتَدِلَةُ لَا إنْ كانت الْمُنْحَرِفَةُ أَقْوَى بَطْشًا فَإِنَّهَا الْأَصْلِيَّةُ لِمَا مَرَّ وَلَوْ كانت إحْدَاهُمَا مُعْتَدِلَةً وَالْأُخْرَى زَائِدَةَ أُصْبُعٍ فَلَا تَمْيِيزَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لِأَنَّ الْيَدَ الْأَصْلِيَّةَ كَثِيرًا ما تَشْتَمِلُ على الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ اسْتَوَيَا بَطْشًا وَإِحْدَاهُمَا مُسْتَوِيَةٌ لَكِنَّهَا نَاقِصَةُ أُصْبُعٍ وَالْأُخْرَى مُنْحَرِفَةٌ كَامِلَةٌ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ لِلْإِمَامِ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْمُنْحَرِفَةَ هِيَ الْأَصْلِيَّةُ كما في زِيَادَةِ الْبَطْشِ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُمَا إذَا اسْتَوَيَا بَطْشًا وَكَانَتْ إحْدَاهُمَا أَكْبَرَ من الْأُخْرَى فَالْكَبِيرَةُ هِيَ الْأَصْلِيَّةُ فَإِنْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ اسْتَوَيَا بَطْشًا وَغَيْرُهُ فَهُمَا كَيَدٍ وَاحِدَةٍ فَعَلَى قَاطِعِهِمَا الْقِصَاصُ أو الدِّيَةُ وَيَجِبُ مع ذلك حُكُومَةٌ لِزِيَادَةِ الصُّورَةِ وفي قَطْعِ إحْدَاهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْيَدِ وَحُكُومَةٌ لِأَنَّهَا نِصْفٌ في صُورَةِ الْكُلِّ وَلَا قِصَاصَ فيها إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْقَاطِعِ مِثْلُهَا وفي قَطْعِ الْأُصْبُعِ وَالْأُنْمُلَةِ منها نِصْفُ دِيَتِهِمَا وَحُكُومَةٌ لِمَا مَرَّ آنِفًا فَلَوْ عَادَ الْقَاطِعُ إحْدَاهُمَا بَعْدَ أَخْذِ الْأَرْشِ وَالْحُكُومَةِ منه وَقَطَعَ الْيَدَ الثَّانِيَةَ فَهَلْ له أَيْ لِلْمَقْطُوعِ رَدُّ الْأَرْشِ الذي أَخَذَهُ غير قَدْرِ الْحُكُومَةِ وَيُقْتَصُّ منه لِأَنَّ الْأَرْشَ إنَّمَا أُخِذَ لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ لَا لِإِسْقَاطِهِ فإذا قَطَعَ الثَّانِيَةَ حَصَلَ الْإِمْكَانُ أَوَّلًا لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَتَعَلَّقُ بِقَطْعِ الْيَدَيْنِ جميعا وقد سَبَقَ منه أَخْذُ الْأَرْشِ عن إحْدَاهُمَا وهو يَتَضَمَّنُ إسْقَاطَهُ فَلَا عَوْدَ إلَيْهِ بَعْدَ إسْقَاطِهِ وَجْهَانِ كَنَظِيرِهِمَا
____________________
(4/56)
في الْقِصَاصِ في الْأُنْمُلَةِ الْوُسْطَى وَالْعُلْيَا وَيُؤْخَذُ منه كما قال الزَّرْكَشِيُّ تَرْجِيحُ الثَّانِي
فَرْعٌ لو قَطَعَ ذُو الْيَدَيْنِ الْبَاطِشَتَيْنِ مُعْتَدِلًا أَيْ يَدَيْ مُعْتَدِلٍ لم تُقْطَعْ يَدَاهُ لِلزِّيَادَةِ بَلْ له أَيْ لِلْمَقْطُوعِ قَطْعُ يَدٍ مِنْهُمَا وَيَأْخُذُ نِصْفَ دِيَةِ يَدٍ نَاقِصَةٍ شيئا فَلَوْ بَادَرَ وَقَطَعَهُمَا عُزِّرَ لِتَعَدِّيهِ وَأُخِذَتْ منه حُكُومَةٌ لِلزِّيَادَةِ وَلَا يُقْتَصُّ صَوَابُهُ وَيُقْتَصُّ من أَصْلِيَّةٍ مع وُجُودِ زَائِدَةٍ حَيْثُ يُمْكِنُ تَخْصِيصُهَا أَيْ الْأَصْلِيَّةِ بِالْقَطْعِ وَإِلَّا فَلَا يُقْتَصُّ منها فَإِنْ لم يَعْلَمْ عَيْنَ الْأَصْلِيَّةِ من الزَّائِدَةِ لم يُقْطَعْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا
فَرْعٌ لو كانت إحْدَى يَدَيْهِ بَاطِشَةً دُونَ الْأُخْرَى أو أَقْوَى بَطْشًا منها فَقُطِعَتْ وَأُخِذَتْ دِيَتُهَا فَصَارَتْ الْأُخْرَى بَاطِشَةً أو أَقْوَى بَطْشًا صَارَتْ هِيَ الْأَصْلِيَّةَ حتى لو قَطَعَهَا قَاطِعٌ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ أو الدِّيَةُ ولكن لم يَسْتَرِدَّ ما زَادَ على قَدْرِ الْحُكُومَةِ مِمَّا أَخَذَهُ الْمَقْطُوعُ من الدِّيَةِ لِأَنَّ بَطْشَ الْأُخْرَى نِعْمَةٌ من اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُغَيِّرُ بها ما مَضَى وَكَذَا لو كَانَتَا بَاطِشَتَيْنِ على السَّوَاءِ فَغَرَّمْنَا قَاطِعَ أَحَدَهُمَا الْأَوْلَى إحْدَاهُمَا نِصْفَ الدِّيَةِ لِلْيَدِ وَالْحُكُومَةَ وزاد بَطْشُ الثَّانِيَةِ لم يَسْتَرِدَّ من الْمَقْطُوعِ الدِّيَةَ أَيْ نِصْفَهَا الْمَذْكُورَ لِتُسَلَّمَ له حُكُومَةٌ يَعْنِي لَا يَسْتَرِدُّ من الْمَغْرُومِ عن الْأُولَى ما يَرُدُّهُ إلَى قَدْرِ الْحُكُومَةِ وَإِنْ ضَعُفَتْ الثَّانِيَةُ بِقَطْعِهَا أَيْ الْأُولَى اُقْتُصَّ منه أَيْ من قَاطِعِ الْأُولَى أو أُخِذَتْ دِيَتُهَا لِأَنَّا عَرَفْنَا أنها الْأَصْلِيَّةُ
الْعُضْوُ الْعَاشِرُ الرِّجْلَانِ وَفِيهِمَا الدِّيَةُ كما جاء في خَبَرِ عَمْرِو بن حَزْمٍ وَالْأَعْرَجُ كَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا خَلَلَ في الْعُضْوِ وَكَذَا تَجِبُ الدِّيَةُ لو تَعَطَّلَ مَشْيُهُ بِكَسْرِ ظَهْرِهِ فَقَطَعَ شَخْصٌ رِجْلَهُ الْمُعَطَّلَةَ لِأَنَّ الرِّجْلَ صَحِيحَةٌ وَالْخَلَلُ في غَيْرِهَا وَلِلْقَدَمِ وَالْأَصَابِعِ أَيْ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ حُكْمُ الْكَفِّ وَأَصَابِعِهَا فِيمَا مَرَّ فِيهِمَا وَالسَّاقُ وَالْفَخِذُ كَالسَّاعِدِ وَالْعَضُدِ فِيمَا مَرَّ فِيهِمَا وَحُكْمُ الْعَضُدِ وَإِنْ لم يَتَقَدَّمْ ثُمَّ صَرِيحًا فَقَدْ تَقَدَّمَ ما يَقْتَضِيهِ وَالْأَصَابِعُ وَالْأَنَامِلُ وَالشَّلَلُ في الرِّجْلِ كما في الْيَدِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهَا لَكِنَّ ذِكْرَ الْأَصَابِعِ مُكَرَّرٌ
الْعُضْوُ الْحَادِيَ عَشَرَ حَلَمَتَا الْمَرْأَةِ وَهُمَا الْمُجْتَمِعَانِ نَاتِئَيْنِ على رَأْسِ الثَّدْيَيْنِ وَفِيهِمَا أَيْ في قَطْعِهِمَا الدِّيَةُ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْإِرْضَاعِ وَجَمَالَ الثَّدْيِ بِهِمَا كَمَنْفَعَةِ الْيَدَيْنِ وَجَمَالِهِمَا بِالْأَصَابِعِ سَوَاءٌ أَذَهَبَتْ مَنْفَعَةُ الْإِرْضَاعِ أَمْ لَا قال الْإِمَامُ وَلَوْنُ الْحَلَمَةِ يُخَالِفُ لَوْنَ الثَّدْيِ غَالِبًا وَحَوَالَيْهَا دَائِرَةٌ على لَوْنِهَا وَهِيَ من الثَّدْيِ لَا منها وَلِبَاقِي الثَّدْيَيْنِ بَعْدَ قَطْعِ الْحَلَمَتَيْنِ حُكُومَةٌ فَلَوْ قَطَعَهُمَا مع الْحَلَمَتَيْنِ سَقَطَتْ أَيْ الْحُكُومَةُ أَيْ لم تَجِبْ لِدُخُولِهَا في دِيَةِ الْحَلَمَتَيْنِ كَالْكَفِّ مع الْأَصَابِعِ ولو قَطَعَهُمَا مع جِلْدَةِ الصَّدْرِ فَحُكُومَةُ الْجِلْدَةِ تَجِبُ مع الدِّيَةِ فَإِنْ وَصَلَتْ أَيْ الْجِرَاحَةُ الْبَاطِنَ فَجَائِفَةٌ أَيْ فَالْوَاجِبُ أَرْشُ جَائِفَةٍ مع دِيَةِ الْحَلَمَةِ وإذا قَطَعَ حَلَمَتَيْ رَجُلٍ أو خُنْثَى فَحُكُومَةٌ تَجِبُ لَا دِيَةَ إذْ ليس فِيهِمَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ بَلْ مُجَرَّدُ جَمَالٍ وَكَذَا ثُنْدُوَتُهُ وَهِيَ لَحْمَةٌ تَحْتَ حَلَمَتِهِ إذَا لم يَكُنْ مَهْزُولًا فَيَجِبُ في قَطْعِهَا مع حَلَمَتِهِ حُكُومَةٌ أُخْرَى وَلَا يَتَدَاخَلَانِ لِأَنَّ الْمَقْطُوعَ منه عُضْوَانِ وَمِنْ الْمَرْأَةِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ
فَرْعٌ لو ضَرَبَ ثَدْيَ امْرَأَةٍ فَشَلَّ بِفَتْحِ الشِّينِ فَدِيَةٌ تَجِبُ كما في الْيَدِ وَإِنْ اسْتَرْسَلَ فَحُكُومَةٌ لَا دِيَةٌ لِأَنَّ الْفَائِتَ مُجَرَّدُ جَمَالٍ لَا إنْ اسْتَرْسَلَ بِذَلِكَ ثَدْيُ خُنْثَى فَلَا تَجِبُ حُكُومَةٌ حتى يَتَبَيَّنَ كَوْنُهُ امْرَأَةً لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ رَجُلًا فَلَا يَلْحَقُهُ نَقْصٌ بِالِاسْتِرْسَالِ وَلَا يَفُوتُ جَمَالُهُ فإذا تَبَيَّنَ امْرَأَةً وَجَبَتْ الْحُكُومَةُ
الْعُضْوُ الثَّانِيَ عَشَرَ الذَّكَرُ وَفِيهِ أَيْ في قَطْعِهِ لِعِنِّينٍ وَغَيْرِهِ من خَصِيٍّ وَشَيْخٍ وَمَخْتُونٍ وَغَيْرِهِمْ الدِّيَة كما جاء في خَبَرِ عَمْرِو بن حَزْمٍ وَتَكْمُلُ الدِّيَةُ بِالْحَشَفَةِ أَيْ بِقَطْعِهَا لِأَنَّ مُعْظَمَ مَنَافِعِ الذَّكَرِ وهو لَذَّةُ الْجِمَاعِ يَتَعَلَّقُ بها وَأَحْكَامُ الْوَطْءِ تَدُورُ عليها فَهِيَ مع الذَّكَرِ كَالْأَصَابِعِ مع الْكَفِّ وفي قَطْعِ بَعْضِهَا بَعْضُ دِيَتِهَا بِقِسْطِهِ منها لِأَنَّ الدِّيَةَ تَكْمُلُ بِقَطْعِهَا فَقُسِّطَتْ على أَبْعَاضِهَا فَإِنْ اخْتَلَّ بِالْقَطْعِ مَجْرَى الْبَوْلِ فَالْأَكْثَرُ من حُكُومَةٍ فَسَادُ الْمَجْرَى وَقِسْطُهُ أَيْ الْمَقْطُوعِ من الدِّيَةِ عليه وفي قَطْعِ بَاقِي الذَّكَرِ أو فَلَقَةٍ منه حُكُومَةٌ وَكَذَا في قَطْعِ الْأَشَلِّ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ أَشَلَّهُ أو شَقَّهُ طُولًا فَأَبْطَلَ مَنْفَعَتَهُ فَدِيَةٌ تَجِبُ أو تَعَذَّرَ يَضُرُّ بِهِ الْجِمَاعُ بِهِ لَا الِانْقِبَاضُ وَالِانْبِسَاطُ فَحُكُومَةٌ تَجِبُ لِأَنَّهُ وَمَنْفَعَتُهُ بَاقِيَانِ وَالْخَلَلُ في غَيْرِهِمَا قال في أَصْلِ الرَّوْضَةِ فَلَوْ قَطَعَهُ قَاطِعٌ بَعْدَ
____________________
(4/57)
ذلك فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ أو الدِّيَةُ كَذَا ذَكَرَهُ ابن الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَفِيهِ نَظَرٌ
انْتَهَى
وَتَعَقَّبَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ هذا لم يَذْكُرْهُ ابن الصَّبَّاغِ وَلَا غَيْرُهُ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الزَّرْكَشِيُّ قال وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ سَالِمَةٌ منه فإنه قال فَفِي الشَّامِلِ وَالتَّهْذِيبِ عليه الْحُكُومَةُ ثُمَّ قال وَعَلَى هذا فَلَوْ قَطَعَهُ قَاطِعٌ بَعْدَ ذلك فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ أو كَمَالُ الدِّيَةِ وَالْمَسْأَلَةُ غَيْرُ صَافِيَةٍ عن الْإِشْكَالِ فَهَذَا إنَّمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ بَحْثًا تَفْرِيعًا على مُقْتَضَى ما نَقَلَهُ لَا نَقْلًا عَمَّنْ ذَكَرَهُ
انْتَهَى
وَالْبَحْثُ ظَاهِرٌ أَخَذَهُ من تَعْلِيلِ وُجُوبِ الْحُكُومَةِ السَّابِقِ
الْعُضْوُ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ الْأُنْثَيَانِ وَالْأَلْيَتَانِ وَهُمَا النَّائِتَانِ عن الْبَدَنِ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الظَّهْرِ وَالْفَخِذِ فَفِي قَطْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا الدِّيَةُ كما جاء في خَبَرِ عَمْرِو بن حَزْمٍ في الْأَوَّلِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِمَا فيه من الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ الظَّاهِرَةِ في الرُّكُوبِ وَالْقُعُودِ وَغَيْرِهِمَا وَإِنْ نَبَتَتَا أَيْ الْأَلْيَتَانِ بَعْدَ قَطْعِهِمَا فَلَا تَسْقُطُ الدِّيَةُ كَالْمُوضِحَةِ إذَا الْتَحَمَتْ فَإِنْ قُطِعَ بَعْضُ الْأَلْيَةِ فَالْقِسْطُ له من دِيَتِهَا إنْ انْضَبَطَ وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ في وُجُوبِ دِيَتِهَا بُلُوغُ الْحَدِيدَةِ فيها إلَى الْعَظْمِ وَسَوَاءٌ في هذا الْعُضْوِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَلَا نَظَرَ إلَى اخْتِلَافِ الْقَدْرِ النَّاتِئِ وَاخْتِلَافِ الناس فيه كَاخْتِلَافِهِمْ في سَائِرِ الْأَعْضَاءِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
الْعُضْوُ الْخَامِسَ عَشَرَ الشُّفْرَانِ بِضَمِّ الشِّينِ لِلْمَرْأَةِ فَفِي قَطْعِهِمَا وَإِشْلَالِهِمَا الدِّيَةُ لِأَنَّ فِيهِمَا جَمَالًا وَمَنْفَعَةً إذْ بِهِمَا يَقَعُ الِالْتِذَاذُ بِالْجِمَاعِ سَوَاءٌ شَفْرُ الرَّتْقَاءِ وَالْقَرْنَاءِ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّ النُّقْصَانَ فِيهِمَا ليس في الشُّفْرَيْنِ بَلْ في دَاخِلِ الْفَرْجِ وَهُمَا اللَّحْمَانِ الْمُشْرِفَانِ على الْمَنْفَذِ أَيْ الْفَرْجِ فَإِنْ قُطِعَ الْعَانَةُ مَعَهُمَا أو مع الذَّكَرِ فَدِيَةٌ وَحُكُومَةٌ تَجِبَانِ وَإِنْ زَالَتْ بِهِ أَيْ بِقَطْعِهِمَا الْبَكَارَةُ فَأَرْشُهَا وَاجِبٌ مع الدِّيَةِ وَلَوْ قَطَعَهُمَا فَجَرَحَ مَوْضِعَهُمَا آخَرُ بِقَطْعِ لَحْمٍ أو غَيْرِهِ لَزِمَ الثَّانِي حُكُومَةٌ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
الْعُضْوُ السَّادِسَ عَشَرَ سَلْخُ الْجِلْدِ وَفِيهِ الدِّيَةُ لِأَنَّ في الْجِلْدِ جَمَالًا وَمَنْفَعَةً ظَاهِرَةً فَإِنْ سُلِخَ مَقْطُوعًا عُضْوُهُ كَيَدِهِ أو قُطِعَ مَسْلُوخًا جِلْدُهُ سَقَطَ الْقِسْطُ من الدِّيَةِ فَتَجِبُ في الْأُولَى دِيَةُ الْجِلْدِ إلَّا قِسْطُ الْعُضْوِ وَتُوَزَّعُ في الثَّانِيَةِ مِسَاحَةُ الْجِلْدِ على جَمِيعِ الْبَدَنِ فما يَخُصُّ الْعُضْوَ يَحُطُّ من دِيَتِهِ وَيَجِبُ الْبَاقِي
فَصْلٌ في كَسْرِ التَّرْقُوَتَيْنِ حُكُومَةٌ كَالضِّلْعِ وَسَائِرِ الْعِظَامِ لَا جَمَلٌ نَفْيٌ لِمَا قِيلَ إنَّ فِيهِمَا جَمَالًا لِمَا رُوِيَ عن عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ وَحَمَلَهُ الْأَوَّلُ على أَنَّ الْحُكُومَةَ كانت في الْوَاقِعَةِ قَدْرَ جَمَلٍ وَالتَّرْقُوَةُ بِفَتْحِ التَّاءِ الْعَظْمُ الْمُتَّصِلُ بين الْمَنْكِبِ وَثُغْرَةِ النَّحْرِ
الْقِسْمُ الثَّالِثُ الْمَنَافِعُ أَيْ إزَالَتُهَا وَهِيَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شيئا الْأَوَّلُ الْعَقْلُ وَفِيهِ إنْ لم يُرْجَ عَوْدُهُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ في مُدَّةٍ يَظُنُّ أَنَّهُ يَعِيشُ إلَيْهَا أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي في السَّمْعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ مِثْلُهُ في الْبَصَرِ وَنَحْوِهِ الدِّيَةُ كما جاء في خَبَرِ عَمْرِو بن حَزْمٍ وَلِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْمَعَانِي وَبِهِ يَتَمَيَّزُ
____________________
(4/58)
الْإِنْسَانُ عن الْبَهِيمَةِ وَنَقَلَ ابن الْمُنْذِرِ فيه الْإِجْمَاعَ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْمُرَادُ الْعَقْلُ الْغَرِيزِيُّ الذي بِهِ التَّكْلِيفُ دُونَ الْمُكْتَسَبِ الذي بِهِ حُسْنُ التَّصَرُّفِ فَفِيهِ الْحُكُومَةُ فَإِنْ رُجِيَ عَوْدُهُ في الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ اُنْتُظِرَ فَإِنْ عَادَ فَلَا ضَمَانَ كَمَنْ أَيْ كما في سِنِّ من لم يُثْغِرْ وفي إزَالَةِ بَعْضِهِ بَعْضُ الدِّيَةِ بِالْقِسْطِ إنْ انْضَبَطَ بِزَمَانٍ كما لو كان يُجَنُّ يَوْمًا وَيُفِيقُ يَوْمًا أو غَيْرَهُ بِأَنْ يُقَابَلَ صَوَابُ قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ بِالْمُخْتَلِّ مِنْهُمَا وَتُعْرَفُ النِّسْبَةُ بَيْنَهُمَا
وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَنْضَبِطْ بِأَنْ كان يَفْزَعُ أَحْيَانًا مِمَّا لَا يَفْزَعُ أو يَسْتَوْحِشُ إذَا خَلَا فَحُكُومَةٌ تَجِبُ يُقَدِّرُهَا الْحَاكِمُ بِاجْتِهَادِهِ وَكَذَا حَيْثُ تَجِبُ في سَائِرِ الْمَنَافِعِ الْآتِيَةِ وَلَا قِصَاصَ فيه لِلْخِلَافِ في مَحَلِّهِ وَلِعَدَمِ الْإِمْكَانِ وإذا زَالَ الْعَقْلُ بِجِنَايَةٍ لها أَرْشٌ مُقَدَّرٌ أو حُكُومَةٌ وَجَبَا أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا مع دِيَتِهِ أَيْ الْعَقْلِ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ أَبْطَلَتْ مَنْفَعَةً لَيْسَتْ في مَحَلِّ الْجِنَايَةِ فَكَانَتْ كما لو أَوْضَحَهُ فَذَهَبَ سَمْعُهُ أو بَصَرُهُ فَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَزَالَ عَقْلُهُ وَجَبَ ثَلَاثُ دِيَاتٍ وَإِنْ مَاتَ في أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ الْمُقَدَّرِ عَوْدُهُ فيها وَجَبَتْ الدِّيَةُ كما جَزَمَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَاعْتِبَارُ الْمُدَّةِ وَالتَّصْرِيحِ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ من زِيَادَتِهِ وَكَذَا تَنْظِيرُ الِانْتِظَارِ فِيمَا مَرَّ بِسِنِّ من لم يُثْغِرْ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ نَقْلًا عن الْمُتَوَلِّي فَإِنْ تَوَقَّعَ عَوْدَهُ فَيَتَوَقَّفُ في الدِّيَةِ فَإِنْ مَاتَ قبل الِاسْتِقَامَةِ فَفِي الدِّيَةِ وَجْهَانِ كما لو قَلَعَ سِنَّ مَثْغُورٍ فَمَاتَ قبل عَوْدِهَا وَقَوْلُهُ سِنَّ مَثْغُورٍ وَصَوَابُهُ كما قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ سِنَّ غَيْرِ مَثْغُورٍ فإنه الذي ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَإِنْ كان الْمُوَافِقُ لِلْمَنْقُولِ أَيْ من حَيْثُ الْحُكْمُ ما عَبَّرَ بِهِ فَإِنْ كَذَّبَهُ الْجَانِي في زَوَالِ عَقْلِهِ وَنَسَبِهِ إلَى التَّجَانُنِ اُخْتُبِرَ في غَفَلَاتِهِ فَإِنْ لم يَنْتَظِمْ قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ أُعْطِيَ الدِّيَةَ بِلَا يَمِينٍ لِأَنَّهُ يَتَجَانَنُ في الْجَوَابِ وَيَعْدِلُ إلَى كَلَامٍ آخَرَ وَلِأَنَّ يَمِينَهُ تُثْبِتُ جُنُونَهُ
وَالْمَجْنُونُ لَا يَحْلِفُ لَا يُقَالُ يُسْتَدَلُّ بِحَلِفِهِ على عَقْلِهِ لِأَنَّهُ قد يَجْرِي انْتِظَامُ ذلك منه اتِّفَاقًا نعم إنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ حَلَفَ زَمَنَ إفَاقَتِهِ وَإِنْ انْتَظَمَا حَلَفَ الْجَانِي لِاحْتِمَالِ صُدُورِ الْمُنْتَظِمِ اتِّفَاقًا أو جَرْيًا على الْعَادَةِ وَالِاخْتِبَارِ بِأَنْ يُكَرِّرَ ذلك إلَى أَنْ يَغْلِبَ على الظَّنِّ صِدْقُهُ أو كَذِبُهُ
الثَّانِي السَّمْعُ أَيْ إزَالَتُهُ وَفِيهِ الدِّيَةُ لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ وفي السَّمْعِ الدِّيَةُ وَنَقَلَ ابن الْمُنْذِرِ فيه الْإِجْمَاعَ وَلِأَنَّهُ من أَشْرَفِ الْحَوَاسِّ فَكَانَ كَالْبَصَرِ وفي إزَالَتِهِ مع قَطْعِ الْأُذُنَيْنِ دِيَتَانِ لِأَنَّهُ ليس في الْأُذُنَيْنِ وفي إزَالَةِ سَمْعِ إحْدَاهُمَا نِصْفُهَا أَيْ الدِّيَةِ لَا لِتَعَدُّدِ السَّمْعِ فإنه وَاحِدٌ وَإِنَّمَا التَّعَدُّدُ في مَنْفَذِهِ بِخِلَافِ ضَوْءِ الْبَصَرِ إذْ تِلْكَ اللَّطِيفَةُ مُتَعَدِّدَةٌ وَمَحَلُّهَا الْحَدَقَةُ بَلْ لِأَنَّ ضَبْطَ نُقْصَانِهِ بِالْمَنْفَذِ أَقْرَبُ منه بِغَيْرِهِ فَإِنْ قالوا أَيْ أَهْلُ الْخِبْرَةِ يَعُودُ وَقَدَّرُوا لِعَوْدِهِ مُدَّةً لَا يُسْتَبْعَدُ عَيْشُهُ أَيْ أَنْ يَعِيشَ إلَيْهَا اُنْتُظِرَتْ فَإِنْ اُسْتُبْعِدَ ذلك أُخِذَتْ الدِّيَةُ وَلَا تُنْتَظَرُ الْمُدَّةُ وَإِنْ لم يُقَدِّرُوا مُدَّةً أُخِذَتْ الدِّيَةُ في الْحَالِ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لَا إلَى غَايَةٍ كَالتَّفْوِيتِ وَإِنْ قالوا لَطِيفَةُ السَّمْعِ بَاقِيَةٌ في مَقَرِّهَا وَلَكِنْ ارْتَتَقَ الْمَنْفَذُ يَعْنِي مَنْفَذَ السَّمْعِ أو الشَّمِّ وَالسَّمْعُ أو الشَّمُّ بَاقٍ فَحُكُومَةٌ تَجِبُ لَا دِيَةٌ لِبَقَاءِ السَّمْعِ إنْ لم يُرْجَ فَتْقُهُ فَإِنْ رُجِيَ لم يَجِبْ شَيْءٌ وَلَوْ أَذْهَبَ سَمْعَ طِفْلٍ فلم يَنْطِقْ بِأَنْ تَعَطَّلَ مع بَقَاءِ قُوَّتِهِ لم يَلْزَمْهُ دِيَةُ تَعْطِيلِ النُّطْقِ بَلْ حُكُومَةٌ لِأَنَّ الطِّفْلَ يَتَدَرَّجُ إلَى النُّطْقِ تَلَقِّيًا مِمَّا يَسْمَعُ نعم تَجِبُ الدِّيَةُ لِإِزَالَةِ سَمْعِهِ وَيُمْتَحَنُ الْمَجْنِيُّ عليه إنْ ادَّعَى زَوَالَهُ وَأَنْكَرَهُ الْجَانِي في غَفَلَاتِهِ وَنَوْمِهِ بِالْأَصْوَاتِ الْمُنْكَرَةِ فَإِنْ انْزَعَجَ عَلِمَا كَذِبَهُ وحلف الْجَانِي
____________________
(4/59)
إنَّ سَمْعَهُ بَاقٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ انْزِعَاجُهُ اتِّفَاقًا وَإِلَّا عَلِمْنَا صِدْقَهُ وحلف هو لِاحْتِمَالِ تَجَلُّدِهِ وَلَا بُدَّ في امْتِحَانِهِ من تَكَرُّرِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَى أَنْ يَغْلِبَ على الظَّنِّ صِدْقُهُ أو كَذِبُهُ وَإِنْ ادَّعَاهُ أَيْ زَوَالَهُ من إحْدَاهُمَا حُشِيَتْ الْأُخْرَى وَامْتُحِنَ كما مَرَّ وَإِنْ ادَّعَى زَوَالَ بَعْضِهِ من الْأُذُنَيْنِ أو إحْدَاهُمَا وَكَذَّبَهُ الْجَانِي صُدِّقَ الْمَجْنِيُّ عليه بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا منه وَقُسِّطَ وَاجِبُ السَّمْعِ على الزَّائِلِ وَالْبَاقِي إنْ أَمْكَنَ التَّقْسِيطُ بِأَنْ عَرَفَ في الْأُولَى أَنَّهُ كان يَسْمَعُ من مَوْضِعِ كَذَا فَصَارَ يَسْمَعُ من دُونِهِ وَبِأَنْ يَخْشَى في الثَّانِيَةِ الْعَلِيلَةَ وَيَضْبِطَ مُنْتَهَى سَمَاعِ الْأُخْرَى ثُمَّ يَعْكِسَ وَيَجِبَ قِسْطُ التَّفَاوُتِ كما سَيَأْتِي ذلك فَإِنْ كان نِصْفًا وَجَبَ في الْأُولَى نِصْفُ الدِّيَةِ وفي الثَّانِيَةِ رُبُعُهَا وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُمْكِنْ التَّقْسِيطُ فَحُكُومَةٌ تَجِبُ
الثَّالِثُ الْبَصَرُ وَفِيهِ أَيْ في إزَالَتِهِ الدِّيَةُ قالوا لِخَبَرِ مُعَاذٍ في الْبَصَرِ الدِّيَةُ وهو غَرِيبٌ وَلِأَنَّهُ من الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ سَوَاءٌ الْأَحْوَلُ وَالْأَعْمَشُ وَالْأَعْشَى وَغَيْرُهُمْ وَلَا فَرْقَ بين إزَالَتِهِ وَحْدَهُ وإزالته مع الْعَيْنَيْنِ كما في الْبَطْشِ مع الْيَدَيْنِ بِخِلَافِ السَّمْعِ مع الْأُذُنَيْنِ لِمَا مَرَّ وفي إزَالَةِ بَعْضِهِ بَعْضُ دِيَتِهِ بِالْقِسْطِ إنْ تَقَدَّرَ أَيْ أَمْكَنَ تَقْدِيرُهُ بِأَنْ كان يَرَى الشَّخْصَ من مَسَافَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَصَارَ لَا يَرَاهُ إلَّا من بَعْضِهَا وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ كما في السَّمْعِ وَلَوْ اخْتَلَفَا في زَوَالِهِ من الْعَيْنَيْنِ أو إحْدَاهُمَا حُكِمَ فيه بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ خَبِيرَيْنِ مُطْلَقًا أو رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ إنْ كان خَطَأً أو شِبْهَ عَمْدٍ وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الْعَدَالَةِ من زِيَادَتِهِ وَيُمْتَحَنُ بِمِثْلِ تَقْرِيبِ حَيَّةٍ مُغَافِصَةٍ أَيْ بَغْتَةٍ فَإِنْ انْزَعَجَ صُدِّقَ الْجَانِي بِيَمِينِهِ وَإِلَّا فَالْمَجْنِيُّ عليه بِيَمِينِهِ وَخَيْرٌ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ بين الِامْتِحَانِ بِذَلِكَ وَسُؤَالِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَإِنَّهُمْ إذَا أَوْقَفُوا الشَّخْصَ في مُقَابَلَةِ عَيْنِ الشَّمْسِ وَنَظَرُوا في عَيْنِهِ عَرَفُوا أَنَّ الضَّوْءَ ذَاهِبٌ أو قَائِمٌ بِخِلَافِ السَّمْعِ إذْ لَا طَرِيقَ لهم إلَى مَعْرِفَتِهِ لَكِنْ ما يَأْتِي من أَنَّهُمْ إذَا تَوَقَّعُوا عَوْدَهُ وَقَدَّرُوا له مُدَّةً انْتَظَرَ قد يَقْتَضِي أَنَّ لهم طَرِيقًا إلَى مَعْرِفَتِهِ وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ نَقْلُ سُؤَالِهِمْ عن نَصِّ الْأُمِّ وَجَمَاعَةٍ وَالِامْتِحَانُ عن جَمَاعَةٍ وَرَدَ الْأَمْرَ إلَى خِيَرَةِ الْحَاكِمِ بَيْنَهُمَا عن الْمُتَوَلِّي وَرَتَّبَ في الْكِفَايَةِ فقال يُسْأَلُونَ فَإِنْ تَعَذَّرَ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِمْ اُمْتُحِنَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ وقال الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ مُتَعَيَّنٌ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَا يُوَافِقُ شيئا من ذلك لِجَمْعِهِ بين
____________________
(4/60)
السُّؤَالِ وَالِامْتِحَانِ إلَّا أَنْ تَجْعَلَ الْوَاوَ لِلتَّقْسِيمِ فَيُوَافِقَ ما في الْمِنْهَاجِ
وإذا رُوجِعَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ فَشَهِدُوا بِذَهَابِ الْبَصَرِ فَلَا حَاجَة إلَى التَّحْلِيفِ وَتُؤْخَذُ الدِّيَةُ بِخِلَافِ الِامْتِحَانِ وَلَا بُدَّ من التَّحْلِيفِ بَعْدَهُ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ثُمَّ إنْ قالوا يَعُودُ وَقَدَّرُوا مُدَّةً اُنْتُظِرَ كَالسَّمْعِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ أَيْ قبل عَوْدِهِ في الْمُدَّةِ فَالدِّيَةُ تَجِبُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ عَوْدِهِ لو عَاشَ لَا الْقِصَاصُ فَلَا يَجِبُ لِلشُّبْهَةِ وقال الزَّرْكَشِيُّ تَبِعَ فيه الرَّافِعِيُّ الْبَغَوِيّ وَصَاحِبَ الْمُهَذَّبِ وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وُجُوبَهُ وهو الصَّوَابُ فَقَدْ نَصَّ عليه في الْأُمِّ وَسَبَقَهُ إلَى نَحْوِ ذلك الْبُلْقِينِيُّ وَإِنْ ادَّعَى الْجَانِي عَوْدَهُ قبل الْمَوْتِ وَأَنْكَرَ الْوَارِثُ صُدِّقَ الْوَارِثُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عَوْدِهِ
فَرْعٌ لو ادَّعَى النَّقْصَ في عَيْنٍ أو أُذُنٍ عُصِبَتْ أَيْ الْعَيْنُ أو حُشِيَتْ أَيْ الْأُذُنُ وَأُطْلِقَتْ الْأُخْرَى وَعَرَفَ مِقْدَارَ رُؤْيَتِهَا لِلْمَاشِي مَثَلًا في الْأُولَى بِأَنْ يُوقَفَ شَخْصٌ بِمَوْضِعٍ يَرَاهُ وَيُؤْمَرُ أَنْ يَتَبَاعَدَ عنه حتى يَقُولَ لَا أَرَاهُ فَيَعْلَمُ على الْمَسَافَةِ أو مِقْدَارَ سَمَاعِ صَوْتِهِ في الثَّانِيَةِ بِأَنْ يَجْلِسَ بِمَحَلٍّ وَيُؤْمَرُ من يَرْفَعُ صَوْتَهُ من مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ عنه بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ ثُمَّ يَقْرُبُ منه شيئا فَشَيْئًا إلَى أَنْ يَقُولَ سَمِعْت فَيَعْلَمُ الْمَوْضِعَ ثُمَّ عُصِبَتْ الْعَيْنُ أو حُشِيَتْ الْأُذُنُ الثَّانِيَةُ وَأُطْلِقَتْ الْأُولَى وَيُغَيِّرُ في الْأُولَى لِبَاسَ الْمُتَرَاءَى بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَيُؤْمَرُ بِأَنْ يَقْرُبَ رَاجِعًا إلَى أَنْ يَرَاهُ فَيَضْبِطُ ما بين الْمَسَافَتَيْنِ وَيَجِبُ قِسْطُهُ من الدِّيَةِ ويغير في الثَّانِيَةِ صَوْتَهُ أَيْ الْمُصَوِّتُ عِنْدَ الِامْتِحَانِ لِلصَّحِيحَةِ وَيَنْتَقِلُ في الْجِهَةِ أَيْ في سَائِرِ الْجِهَاتِ عِنْدَ الِامْتِحَانِ لِلْعَلِيلَةِ فَإِنْ اسْتَوَتْ الْمِسَاحَةُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَإِلَّا حَلَفَ الْجَانِي لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْجِهَاتِ لَا يُؤَثِّرُ في ذلك وَالتَّصْرِيحُ بِالْحَلِفِ في ذلك من زِيَادَتِهِ وإذا عُرِفَ تَفَاوُتُ الْمِسَاحَتَيْنِ فَالْوَاجِبُ الْقِسْطُ فَإِنْ أَبْصَرَ بِالصَّحِيحَةِ أو سمع من مِائَتَيْ ذِرَاعٍ وَبِالْأُخْرَى من مِائَةٍ فَالنِّصْفُ من الدِّيَةِ يَجِبُ وَذِكْرُ مَسْأَلَةِ السَّمْعِ في الْمِثَالِ من زِيَادَتِهِ
فَإِنْ قالوا أَيْ أَهْلُ الْخِبْرَةِ الْمِائَةُ الثَّانِيَةُ عن مِائَتَيْنِ وَجَبَ الثُّلُثَانِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ لَكِنْ لو قال أَهْلُ الْخِبْرَةِ إنَّ الْمِائَةَ الثَّانِيَةَ تَحْتَاجُ إلَى مِثْلَيْ ما تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمِائَةُ الْأُولَى لِقُرْبِ الْأُولَى وَبُعْدِ الثَّانِيَةِ وَجَبَ ثُلُثَا دِيَةِ الْعَلِيلَةِ فَإِنْ أَعْشَاهُ لَزِمَهُ نِصْفُ دِيَةٍ وفي إزَالَةِ عَيْنِ الْأَعْشَى الذي عَشِيَتْ عَيْنَاهُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ الدِّيَةُ وَمُقْتَضَى كَلَامِ التَّهْذِيبِ نِصْفُهَا أَيْ وُجُوبُ نِصْفِهَا مُوَزَّعًا على إبْصَارِهِ بِالنَّهَارِ وَعَدَمِ إبْصَارِهِ بِاللَّيْلِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّقْيِيدِ بِالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ أَعْمَشَهُ أو أَخْفَشَهُ أو أَحْوَلَهُ أو أَشْخَصَ بَصَرَهُ فَحُكُومَةٌ تَجِبُ وَقَوْلُهُ أو أَخْفَشَهُ من زِيَادَتِهِ لَكِنَّهُ تَرَكَ من الْأَصْلِ إشْخَاصَ الْبَصَرِ
وَإِنْ أَذْهَبَ أَحَدُهُمَا أَيْ أَحَدُ شَخْصَيْنِ الضَّوْءَ وَالْآخَرُ الْحَدَقَةَ وَاخْتَلَفَا في عَوْدِ الضَّوْءِ وَعَدَمِ عَوْدِهِ فقال الثَّانِي قَلَعْت الْحَدَقَةَ قبل عَوْدِهِ وقال الْأَوَّلُ بَلْ بَعْدَهُ صُدِّقَ الثَّانِي بِيَمِينِهِ وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمَجْنِيُّ عليه لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عَوْدِهِ
الرَّابِعُ الشَّمُّ وَفِيهِ أَيْ في إزَالَتِهِ بِالْجِنَايَةِ على الرَّأْسِ وَغَيْرِهِ الدِّيَةُ كما جاء في خَبَرِ عَمْرِو بن حَزْمٍ لَكِنَّهُ غَرِيبٌ وَلِأَنَّهُ من الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ وَيُمْتَحَنُ بِالرَّوَائِحِ إذَا أَنْكَرَ الْجَانِي زَوَالَ الشَّمِّ فَإِنْ هَشَّ لِلطَّيِّبِ منها وَعَبَسَ لِغَيْرِهِ أَيْ لِلْخَبِيثِ منها حَلَفَ الْجَانِي لِظُهُورِ كَذِبِ الْمَجْنِيِّ عليه وَإِلَّا حَلَفَ هو لِظُهُورِ صِدْقِهِ مع أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا منه وَإِنْ لَزِمَ أَنْفُهُ أَيْ وَضْعُ يَدِهِ عليه فقال الْجَانِي فَعَلْته لِعَوْدِ شَمِّك وقال هو فَعَلْته اتِّفَاقًا أو لِغَرَضٍ آخَرَ كَامْتِخَاطٍ وَتَفَكُّرٍ وَرُعَافٍ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِاحْتِمَالِ ذلك وَإِنْ ادَّعَى نُقْصَانَهُ وَأَنْكَرَ الْجَانِي فَكَالسَّمْعِ في أَنَّ الْمُدَّعِيَ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا منه وَلْيُبَيِّنْ في الدَّعْوَى وَالْحَلِفِ الْقَدْرَ الذي يُطَالَبُ بِهِ وَإِلَّا فَهُوَ مُدَّعٍ مَجْهُولًا وَطَرِيقُهُ أَنْ يَطْلُبَ الْمُتَيَقَّنَ وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالشَّمِّ وَلَوْ نَقَصَ شَمُّ أَحَدِ الْمَنْخِرَيْنِ اُعْتُبِرَ بِالْجَانِبِ الْآخَرِ كما في السَّمْعِ وَالْبَصَرِ صَرَّحَ بِهِ سُلَيْمٌ في الْمُجَرَّدِ وَبَحَثَهُ الْأَصْلُ فَإِنْ قُطِعَ أَنْفَهُ فَذَهَبَ شَمُّهُ فَدِيَتَانِ كما في السَّمْعِ لِأَنَّ الشَّمَّ ليس في الْأَنْفِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ
الْخَامِسُ النُّطْقُ وَفِيهِ أَيْ في إزَالَتِهِ الدِّيَةُ لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ في اللِّسَانِ الدِّيَةِ إنْ مَنَعَ الْكَلَامَ وقال زَيْدُ بن أَسْلَمَ مَضَتْ السُّنَّةُ بِذَلِكَ وَلِأَنَّ اللِّسَانَ عُضْوٌ مَضْمُونٌ بِالدِّيَةِ فَكَذَا مَنْفَعَتُهُ الْعُظْمَى كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ الدِّيَةُ إذَا قال أَهْلُ الْخِبْرَةِ لَا يَعُودُ نُطْقُهُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ كان الْمُزَالُ نُطْقُهُ أَلْثَغَ فإنه تَجِبُ فيه الدِّيَةُ كما لو كان الْبَطْشُ الْمُزَالُ ضَعِيفًا
____________________
(4/61)
إلَّا إنْ كانت أَيْ اللُّثْغَةُ حَصَلَتْ بِجِنَايَةٍ فَلَا تَكْمُلُ الدِّيَةُ إذْ نُقْصَانُهَا أَيْ اللُّثْغَةِ أَيْ النُّقْصَانُ الْحَاصِلُ بها على جَانِبِهَا أَيْ مُحَصَّلُهَا بِجِنَايَتِهِ وَيُمْتَحَنُ بِالتَّفْزِيعِ في أَوْقَاتِ غَفْلَتِهِ إذَا أَنْكَرَ الْجَانِي زَوَالَ النُّطْقِ فَإِنْ لم يَنْطِقْ بِالتَّفْزِيعِ حَلَفَ كَأَخْرَسَ أَيْ كما يَحْلِفُ الْأَخْرَسُ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ وَلَوْ أَبْطَلَ بِجِنَايَتِهِ حُرُوفًا فَذَهَبَ إفْهَامُ كَلَامِهِ فَالدِّيَةُ وَاجِبَةٌ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْكَلَامِ قد فَاتَتْ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُ إلَّا قِسْطُ الْحُرُوفِ الْفَائِتَةِ لِأَنَّهُ لم يُفَوِّتْ غَيْرَهَا من الْحُرُوفِ وَإِنَّمَا تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهَا فَصَارَ كما لو كَسَرَ صُلْبَهُ فَتَعَطَّلَ مَشْيُهُ وَالرِّجْلُ سَلِيمَةٌ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَجَزَمَ بِمَا رَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وقال الرُّويَانِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَكَلَامُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَلَوْ أَفْهَمَ كَلَامُهُ مع إبْطَالِ بَعْضِ الْحُرُوفِ وُزِّعَتْ أَيْ الدِّيَةُ على ما كان يَحْسُنُ من الْحُرُوفِ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَتَرَكَّبُ منها وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا في لُغَةِ الْعَرَبِ وَلَامُ أَلِفٍ حَرْفَانِ مُكَرَّرَانِ فَلَا اعْتِدَادَ بِهِ فَفِي إبْطَالِ نِصْفِ الْحُرُوفِ نِصْفُ الدِّيَةِ وفي إبْطَالِ حَرْفٍ منها رُبُعُ سُبُعِهَا وَتُوَزَّعُ في لُغَةِ غَيْرِ الْعَرَبِ على عَدَدِ حُرُوفِهَا وَلَوْ كان أَلْثَغَ لَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِعِشْرِينَ حَرْفًا مَثَلًا وَلَا يُحْسِنُ غَيْرَهَا وُزِّعَتْ الدِّيَةُ على ما يُحْسِنُهُ لَا على الْجَمِيعِ وَإِلَى ذلك أَشَارَ بِقَوْلِهِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَتْ من لُغَةِ الْعَرَبِ أَمْ من غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ ما خَفَّ منها على اللِّسَانِ وما ثَقُلَ
وَإِنْ تَكَلَّمَ بِلُغَتَيْنِ وَحُرُوفُ إحْدَاهُمَا أَكْثَرُ وَبَطَلَ بِالْجِنَايَةِ بَعْضُ حُرُوفِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَبِمَ الْأَوْلَى فَعَلَامَ يُوَزَّعُ أَيْ على أَكْثَرِهِمَا حُرُوفًا أو أَقَلِّهِمَا وَجْهَانِ رَجَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ الْأَوَّلَ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْجَانِي فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْيَقِينُ وَإِنْ قَطَعَ شَفَتَيْهِ فَذَهَبَتْ الْمِيمُ فَهَلْ يَجِبُ أَرْشُهَا مع دِيَةِ الشَّفَتَيْنِ أو لَا يَجِبُ غَيْرُ دِيَةِ الشَّفَتَيْنِ كما لو قُطِعَ لِسَانُهُ فَذَهَبَ كَلَامُهُ فيه وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ فَذَهَبَتْ الْمِيمُ وَالْبَاءُ وَهِيَ أَوْلَى لِتَلَازُمِ الْحَرْفَيْنِ في الذَّهَابِ وَعَدَمِهِ فَإِنْ أَبْدَلَ بِالْجِنَايَةِ على لِسَانِهِ حَرْفًا بِحَرْفٍ فَعَلَيْهِ أَرْشُ الْفَائِتِ وَلَا يَصِيرُ الْآخَرُ بَدَلًا فإنه أَيْضًا أَحَدُ الْحُرُوفِ الْمَقْصُودَةِ وفي حُدُوثِ الْفَأْفَأَةِ وَالتَّمْتَمَةِ وَنَحْوِهَا كَالْوَأْرَةِ بِالْجِنَايَةِ حُكُومَةٌ فَقَطْ لِبَقَاءِ الْمَنْفَعَةِ
وَأَمَّا الْأَطْرَافُ النَّاقِصَةُ الْجِرْمِ التي الْأَوْلَى الذي له أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فَيُحَطُّ الْأَرْشُ لِلْجِرْمِ فيها أَيْ في الْأَطْرَافِ الْمَذْكُورَةِ أَيْ إزَالَتِهَا وَالْأَوْلَى منها أَيْ من دِيَتِهَا وَإِنْ كان الذَّهَابُ لِلْجِرْمِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَوْ سَقَطَتْ أُصْبُعُهُ أو أُنْمُلَتُهُ بِجِنَايَةٍ أو بِغَيْرِهَا ثُمَّ قُطِعَتْ يَدُهُ حُطَّ من دِيَتِهَا أَرْشُ الْأُصْبُعِ أو الْأُنْمُلَةِ وَكَذَا يُحَطُّ وَاجِبُ الْجِنَايَةِ على شَيْءٍ من الْمَعَانِي الْمُؤَثِّرَةِ تِلْكَ الْجِنَايَةُ في نَقْصِهِ من دِيَةِ ذلك الْمَعْنَى لِئَلَّا يَتَضَاعَفَ الْغُرْمُ فِيمَا نَقَصَ بِالْجِنَايَةِ الْأُولَى سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ مُبْطِلَةً لِلْمَعْنَى وَحْدَهُ أَمْ مع الْعُضْوِ ويحط وَاجِبُ الْجِنَايَةِ على جِرْمٍ لَا أَرْشَ له مُقَدَّرًا وَلَهُ مَنْفَعَةٌ زَالَتْ بِتِلْكَ الْجِنَايَةِ من دِيَةِ الْجِنَايَةِ على عُضْوِ الْجِرْمِ لِذَلِكَ لَا إنْ ذَهَبَا أَيْ الْمَعْنَى أَيْ بَعْضُهُ في تِلْكَ وَالْجِرْمُ الْمَذْكُورُ في هذه بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا يُؤَثِّرُ ذَهَابُهُمَا بَلْ يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ على عُضْوِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَالُ الدِّيَةِ إذْ لَا يَنْضَبِطُ ضَعْفُ الْمَنْفَعَةِ وَقُوَّتُهَا وَالْجِرْمُ الْمَذْكُورُ تَابِعٌ وَكَذَا الْحُكْمُ في ذَهَابِ الْجِرْمِ الْمَذْكُورِ إذَا لم تَكُنْ له مَنْفَعَةٌ كَفَلَقَةٍ انْفَصَلَتْ من لَحْمِ أُنْمُلَةٍ بِجِنَايَةٍ وَإِنْ وَجَبَ بها حُكُومَةٌ لِلشَّيْنِ أو بِآفَةٍ كما فُهِمَ بِالْمُخَالَفَةِ في الْأُولَى وَبِالْأَوْلَى في الثَّانِيَةِ
فَصْلٌ الْكَلَامُ من اللِّسَانِ كَالْبَطْشِ من الْيَدِ في أَنَّهُ إذَا ذَهَبَتْ الْمَنْفَعَةُ وَلَوْ مع الْعُضْوِ تَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وفي بَعْضِ ما يَأْتِي وَذَهَابُهُ بِقَطْعِ بَعْضِهَا أَيْ اللِّسَانِ مُوجِبٌ لِلدِّيَةِ كَشَلَلِ الْيَدِ بِقَطْعِ أُصْبُعٍ منها وَلِأَنَّهُ إذَا كَمُلَتْ الدِّيَةُ بِإِذْهَابِ الْكَلَامِ بِالْجِنَايَةِ بِدُونِ قَطْعِ جِرْمٍ فَلَأَنْ تَكْمُلَ مع قَطْعِهِ أَوْلَى قال الرَّافِعِيُّ وقد يُشْكَلُ ما ذَكَرُوهُ بِأَنَّا نَرَى مَقْطُوعَ اللِّسَانِ يَتَكَلَّمُ وَيَأْتِي بِالْحُرُوفِ كُلِّهَا أو بِمُعْظَمِهَا وَذَلِكَ يُشْعِرُ بِأَنَّ النُّطْقَ
____________________
(4/62)
في اللِّسَانِ ليس كَالْبَطْشِ في الْيَدِ فَلَوْ قَطَعَ رُبُعَهَا فَذَهَبَ نِصْفُ كَلَامِهِ أَيْ نِصْفُ أَحْرُفِهِ أو عَكْسُهُ أَيْ قُطِعَ نِصْفُ لِسَانِهِ فَذَهَبَ رُبُعُ كَلَامِهِ فَنِصْفُ دِيَةٍ تَجِبُ اعْتِبَارًا بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ الْمَضْمُونِ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالدِّيَةِ وَلَوْ قُطِعَ في الصُّورَتَيْنِ آخِرُ الْبَاقِي فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا أَيْ الدِّيَةِ تَجِبُ لِأَنَّهُ قُطِعَ في الْأُولَى ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ اللِّسَانِ وَفِيهَا قُوَّةُ الْكَلَامِ وَأُبْطِلَ في الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْكَلَامِ وَلَوْ تَسَاوَتْ نِسْبَةُ الْجِرْمِ وَالْكَلَامِ بِأَنْ قُطِعَ نِصْفُ لِسَانِهِ فَذَهَبَ نِصْفُ كَلَامِهِ وَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَلَا يَقْتَصُّ مَقْطُوعُ نِصْفٍ ذَهَبَ نِصْفُ كَلَامِهِ من مَقْطُوعِ نِصْفٍ ذَهَبَ رُبُعُ كَلَامِهِ إذَا قَطَعَ الثَّانِي الْبَاقِيَ من لِسَانِ الْأَوَّلِ وَإِنْ أَجْرَيْنَا الْقِصَاصَ في بَعْضِ اللِّسَانِ لَنَقَصَ الْأَوَّلُ عن الثَّانِي وَتَجِبُ الدِّيَةُ على من أَذْهَبَ النُّطْقَ بِقَطْعٍ لِلِسَانِ غَيْرِهِ أو لِبَعْضِهِ ولم يُذْهِبْهُ الْقِصَاصُ من الْجَانِي فَلَوْ قُطِعَ نِصْفُ لِسَانِهِ فَذَهَبَ نِصْفُ كَلَامِهِ فَاقْتُصَّ من الْجَانِي فلم يَذْهَبْ إلَّا رُبُعُ كَلَامِهِ فَلِلْمَجْنِيِّ عليه رُبُعُ الدِّيَةِ لِيَتِمَّ حَقُّهُ وَذِكْرُ حُكْمِ قَطْعِ جَمِيعِ اللِّسَانِ في ذلك من زِيَادَتِهِ لَا عَكْسُهُ بِأَنْ لم يُذْهِبْ الْجَانِي النُّطْقَ وَأَذْهَبَهُ الْقِصَاصُ فَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ فَلَوْ اُقْتُصَّ في الصُّورَةِ السَّابِقَةِ من الْجَانِي فَذَهَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ كَلَامِهِ فَلَا شَيْءَ على الْمَجْنِيِّ عليه لِأَنَّ سِرَايَةَ الْقِصَاصِ مُهْدَرَةٌ وَيَضْمَنُ أَرْشَ حَرْفٍ فَوَّتَتْهُ ضَرْبَةٌ أَفَادَتْهُ حُرُوفًا لم يَكُنْ يَتَمَكَّنُ من النُّطْقِ بها وَلَا يَنْجَبِرُ الْفَائِتُ بِمَا حَدَثَ لِأَنَّهُ نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ وَهَلْ يُوَزَّعُ على الْحُرُوفِ وَفِيهَا الْحُرُوفُ الْمُفَادَةُ أو عليها قبل الْجِنَايَةِ قال الْإِمَامُ هذا مَوْضِعُ نَظَرٍ
وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحُ الثَّانِي وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِحُرُوفٍ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِحَرْفٍ
وَلَا تَضْمَنُ ضَرْبَةٌ قَوَّمَتْ لِسَانًا اعْوَجَّ بِوَاسِطَةِ عَجَلَةٍ أو اضْطِرَابٍ لِأَنَّهَا لم تُنْقِصْ منه حَرْفًا وَلَا مَنْفَعَةً وَلَوْ قُطِعَ بَعْضُ لِسَانٍ وَبَقِيَ نُطْقُهُ فَحُكُومَةٌ تَجِبُ لَا قِسْطٌ إذْ لو وَجَبَ لَلَزِمَ إيجَابُ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ في لِسَانِ الْأَخْرَسِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فإنه نَصَّ في الْأُمِّ على لُزُومِ الْقِسْطِ وَبِهِ أَجَابَ الْمَاوَرْدِيُّ وابن الصَّبَّاغِ وَالْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَوْ قَطَعَ لِسَانًا ذَهَبَ نِصْفُ كَلَامِهِ بِجِنَايَةٍ على اللِّسَانِ من غَيْرِ قَطْعٍ لِشَيْءٍ منه فَالدِّيَةُ تَجِبُ لِقَطْعِهِ جَمِيعَ اللِّسَانِ مع بَقَاءِ الْمَنْفَعَةِ فيه وَاللِّسَانُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وقد اسْتَعْمَلَهَا الْمُصَنِّفُ في هذا الْفَصْلِ
السَّادِسُ الصَّوْتُ وَفِيهِ أَيْ في إبْطَالِهِ وَلَوْ مع بَقَاءِ اللِّسَانِ على اعْتِدَالِهِ وَتَمَكُّنِهِ من التَّقْطِيعِ وَالتَّرْدِيدِ الدِّيَةُ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ مَضَتْ السُّنَّةُ في الصَّوْتِ إذَا انْقَطَعَ بِالدِّيَةِ وَلِأَنَّهُ من الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ فَإِنْ أَشَلَّ بِإِذْهَابِهِ أَيْ الصَّوْتِ اللِّسَانَ بِأَنْ عَجَزَ عن التَّقْطِيعِ وَالتَّرْدِيدِ فَدِيَتَانِ تَجِبَانِ لِأَنَّهُمَا مَنْفَعَتَانِ في كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إذَا انْفَرَدَتْ بِالتَّفْوِيتِ كَمَالُ الدِّيَةِ وَلَوْ أَذْهَبَ بِهِ أَيْ بِإِبْطَالِ الصَّوْتِ النُّطْقَ وَهِيَ أَيْ اللِّسَانُ سَلِيمَةً فَقَدْ تَعَطَّلَ النُّطْقُ بِفَوَاتِ الصَّوْتِ فَدِيَةٌ وَاحِدَةٌ تَجِبُ بِنَاءً على أَنَّ تَعْطِيلَ الْمَنْفَعَةِ ليس كَإِبْطَالِهَا وَيَنْبَغِي إيجَابُ حُكُومَةٍ لِتَعْطِيلِ النُّطْقِ
السَّابِعُ وَالثَّامِنُ الْمَضْغُ وَالذَّوْقُ وفي إبْطَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا الدِّيَةُ كَغَيْرِهِمَا من الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ وَإِبْطَالُ الْمَضْغِ يَحْصُلُ بِاسْتِرْخَاءِ اللَّحْيَيْنِ بِأَنْ يَتَصَلَّبَ مَغْرِسُهُمَا حتى تَمْتَنِعَ حَرَكَتُهُمَا مَجِيئًا وَذَهَابًا وَتَخْدِيرُهُمَا بِأَنْ يَجْنِيَ على الْأَسْنَانِ فَيُصِيبَهُمَا خَدْرٌ وَتَبْطُلُ صَلَاحِيَّتُهُمَا لِمَضْغٍ وَدِيَةُ الذَّوْقِ مُوَزَّعَةٌ على خَمْسَةٍ حَلَاوَةٍ وَحُمُوضَةٍ وَمَرَارَةٍ وَمُلُوحَةٍ وَعُذُوبَةٍ
____________________
(4/63)
لِكُلٍّ منها خُمُسُهَا أَيْ الدِّيَةِ وفي نُقْصَانِهِ أَيْ الذَّوْقِ بِأَنْ نَقَصَ الْإِحْسَاسُ نُقْصَانًا لَا يَتَقَدَّرُ بِأَرْشٍ وَبَقِيَ لَا يُدْرِكُ الطُّعُومَ بِكَمَالِهَا حُكُومَةٌ وَإِنْ أَزَالَ النُّطْقَ وَالذَّوْقَ فَدِيَتَانِ لِاخْتِلَافِ الْمَنْفَعَةِ وَلِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ فَالذَّوْقُ في طَرَفِ الْحُلْقُومِ وَالنُّطْقُ في اللِّسَانِ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ لَكِنْ جَزَمَ في مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنَّ الذَّوْقَ في اللِّسَانِ وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ منهم ابن جَمَاعَةَ شَارِحُ الْمِفْتَاحِ وَجَمِيعُ الْحُكَمَاءِ وقال الزَّنْجَانِيُّ وَالنَّشَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالنُّطْقِ مع اللِّسَانِ فَتَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِلِّسَانِ
وَيُمْتَحَنُ إذَا اخْتَلَفَ هو وَالْجَانِي في ذَهَابِ الذَّوْقِ بِالْأَشْيَاءِ الْمُرَّةِ وَنَحْوِهَا كَالْحَامِضَةِ الْحَادَّةِ بِأَنْ يُلْقِمَهَا له غَيْرُهُ مُغَافَصَةً فَإِنْ لم يَعْبِسْ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَإِلَّا فَالْجَانِي بِيَمِينِهِ
التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ وَالْحَادِيَ عَشَرَ الْإِمْنَاءُ وَالْإِحْبَالُ وَالْجِمَاعُ فَفِي كُلٍّ من إبْطَالِ قُوَّةِ الْإِمْنَاءِ وَقُوَّةِ الْإِحْبَالِ وَلَذَّةِ الْجِمَاعِ وَلَوْ مع بَقَاءِ الْمَنِيِّ وَسَلَامَةِ الذَّكَرِ الدِّيَةُ لِأَنَّهَا من الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ وَلِفَوَاتِ النَّسْلِ بِإِذْهَابِ الْإِمْنَاءِ وَالْإِحْبَالِ وقال الْبُلْقِينِيُّ الصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ عَدَمُ وُجُوبِ الدِّيَةِ في إبْطَالِ قُوَّةِ الْإِمْنَاءِ لِأَنَّ الْإِمْنَاءَ الْإِنْزَالُ فإذا أَبْطَلَ قُوَّتَهُ ولم يَذْهَبْ الْمَنِيُّ وَجَبَتْ الْحُكُومَةُ لَا الدِّيَةُ لِأَنَّهُ قد يَمْتَنِعُ الْإِنْزَالُ بِمَا يَسُدُّ طَرِيقَهُ فَيُشْبِهُ ارْتِتَاقَ الْأُذُنِ ولم يذكر هذه الْعِبَارَةَ إلَّا الْغَزَالِيُّ في وَسِيطِهِ وَوَجِيزِهِ وَعِبَارَتُهُ في الْبَسِيطِ كَعِبَارَةِ الْفُورَانِيِّ وَغَيْرِهِ فَأَبْطَلَ مَنِيَّهُ وما قَالَهُ ظَاهِرٌ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ إيجَابِ الدِّيَةِ بِإِذْهَابِ الْإِحْبَالِ في غَيْرِ من ظَهَرَ لِلْأَطِبَّاءِ أَنَّهُ عَقِيمٌ وَإِلَّا فَلَا تَجِبُ وَأَنَّ الْأَوْلَى فَإِنْ أَذْهَبَ إمْنَاءَهُ أو لَذَّةَ جِمَاعِهِ بِكَسْرِ الصُّلْبِ فَدِيَةٌ تَجِبُ وَأَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِإِذْهَابِ الْجِمَاعِ إذْهَابُ لَذَّتِهِ وَيُصَدَّقُ الْمَجْنِيُّ عليه في إذْهَابِ ذلك بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا منه كَالْحَيْضِ
قال الرَّافِعِيُّ إلَّا أَنْ يَقُولَ أَهْلُ الْبَصَرِ لَا يُمْكِنُ ذَهَابُهُ بِهَذِهِ الْجِنَايَةِ وَمَسْأَلَةُ تَصْدِيقِهِ بِيَمِينِهِ ذَكَرَهَا الْأَصْلُ في ذَهَابِ الْجِمَاعِ خَاصَّةً وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فيها شَامِلٌ لها وَلِلْبَقِيَّةِ وهو أَحْسَنُ أو أَذْهَبَ إمْنَاءَهُ أو لَذَّةَ جِمَاعِهِ بِقَطْعِ الْأُنْثَيَيْنِ فَدِيَتَانِ تَجِبَانِ كما في إذْهَابِ الصَّوْتِ مع اللِّسَانِ
وَإِنْ أَبْطَلَ إحْبَالَهَا فَدِيَةٌ تَجِبُ بَيَّنَ بهذا أَنَّ الْمُرَادَ بِإِذْهَابِ الْإِحْبَالِ إذْهَابُهُ من الْمَرْأَةِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ قال في الْمَطْلَبِ وَيُحْتَمَلُ تَصْوِيرُهُ بِإِذْهَابِهِ من الرَّجُلِ أَيْضًا قُلْت وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَحْتَمِلُهُ بَلْ هو ظَاهِرٌ فيه لِتَعْبِيرِهِ بِإِحْبَالِهَا لَا بِحَبَلِهَا أو أَبْطَلَ لَبَنَهَا حَالَ الْإِرْضَاعِ أَيْ حَالَ وُجُودِ لَبَنِهَا أو قَبْلَهُ بِأَنْ جَنَى على ثَدْيِهَا ولم يَكُنْ لها لَبَنٌ ثُمَّ وَلَدَتْ ولم يُدَرَّ لها لَبَنٌ وَجَوَّزُوا كَوْنَهُ بِجِنَايَتِهِ فَحُكُومَةٌ تَجِبُ وَفَارَقَ ذلك إبْطَالَ الْإِمْنَاءِ حَيْثُ أَوْجَبَ الدِّيَةَ بِأَنَّ اسْتِعْدَادَ الطَّبِيعَةِ لِلْمَنِيِّ صِفَةٌ لَازِمَةٌ وَالْإِرْضَاعُ شَيْءٌ يَطْرَأُ وَيَزُولُ وَإِنْ كَسَرَ صُلْبَهُ فَشَلَّ ذَكَرُهُ فَدِيَةٌ لِإِشْلَالِ الذَّكَرِ وَحُكُومَةٌ لِكَسْرِ الصُّلْبِ
فَرْعٌ لو ضَرَبَهُ على عُنُقِهِ فَضَاقَ مُبْلِعُهُ فلم يُمْكِنْهُ ابْتِلَاعُ الطَّعَامِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ لِالْتِوَاءِ الْعُنُقِ أو غَيْرِهِ فَحُكُومَةٌ تَجِبُ وَإِنْ سَدَّهُ أَيْ الْمُبْلِعُ فَمَاتَ فَدِيَةٌ تَجِبُ لِأَنَّهُ مَاتَ بِجِنَايَةٍ وقال الْغَزَالِيُّ وَإِمَامُهُ في الِانْسِدَادِ الدِّيَةُ حتى لو حَزَّهُ آخَرُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا دِيَةٌ كما في سَالِخِ الْجِلْدِ مع حَازِّ الرَّقَبَةِ
الثَّانِيَ عَشَرَ الْإِفْضَاءُ لِلْمَرْأَةِ وَإِنْ زَالَتْ بِهِ الْبَكَارَةُ وَفِيهِ الدِّيَةُ كما رُوِيَ عن زَيْدِ بن ثَابِتٍ وَلِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْجِمَاعِ أو اخْتِلَالِهَا وَلَوْ قَدَّمَ قَوْلَهُ وَفِيهِ الدِّيَةُ على قَوْلِهِ وَإِنْ زَالَتْ بِهِ الْبَكَارَةُ كان أَوْلَى مع أَنَّ حُكْمَ إزَالَةِ الْبَكَارَةِ سَيَأْتِي وَذِكْرُهُ هُنَا من زِيَادَتِهِ فَإِنْ الْتَأَمَ مَحَلُّ الْإِفْضَاءِ سَقَطَتْ دِيَتُهُ وَتَجِبُ حُكُومَةٌ إنْ بَقِيَ أَثَرٌ كما في عَوْدِ الْبَصَرِ بِخِلَافِ الْجَائِفَةِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ الدِّيَةَ لَزِمَتْ ثُمَّ بِالِاسْمِ وَهُنَا بِفَقْدِ الْحَائِلِ وقد سَلِمَ وهو أَيْ الْإِفْضَاءُ رَفْعُ ما بين الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ بِالذَّكَرِ أو غَيْرِهِ فَإِنْ كان بِجِمَاعِ نَحِيفَةٍ وَالْغَالِبُ إفْضَاءُ وَطْئِهَا إلَى
____________________
(4/64)
الْإِفْضَاءِ فَهُوَ عَمْدٌ وبجماع غَيْرِهَا فَشِبْهُ عَمْدٍ أو بِجِمَاعِ من ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ فَخَطَأٌ وَيَجِبُ مَعَهَا أَيْ الدِّيَةِ الْمَهْرُ إذَا كان الْإِفْضَاءُ بِالذَّكَرِ لِأَنَّهُمَا بَدَلَا مَنْفَعَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ وَإِنْ رَفَعَ حَاجِزَيْ الدُّبُرِ وَالْبَوْلِ أَيْ الْحَاجِزَ بين الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَالْحَاجِزَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ فَدِيَةٌ لِلْأَوَّلِ وَحُكُومَةٌ لِلثَّانِي لِأَنَّهُ يُنْقِصُ الْمَنْفَعَةَ وَلَا يُفَوِّتُهَا وَقِيلَ بِالْعَكْسِ لِأَنَّ الْحَائِلَ في الْأَوَّلِ قَوِيٌّ من أَعْصَابٍ غَلِيظَةٍ لَا يَكَادُ يَزُولُ بِالْوَطْءِ وَصَحَّحَ الْمُتَوَلِّي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إفْضَاءٌ مُوجِبٌ لِلدِّيَةِ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ يَخْتَلُّ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَمْنَعُ إمْسَاكَ الْخَارِجِ من أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ فَلَوْ أَزَالَ الْحَاجِزَيْنِ لَزِمَهُ دِيَتَانِ
وَكَذَا إنْ أَفْضَاهَا ولم يَسْتَمْسِكْ الْبَوْلُ تَجِبُ دِيَةٌ وَحُكُومَةٌ لَا دِيَتَانِ وَيَحْرُمُ عليه وَطْءُ من يُفْضِيهَا وَطْؤُهُ وَلَا يَلْزَمُ هَا التَّمْكِينُ بَلْ يَحْرُمُ عليها وَلَا فَسْخَ لِأَحَدٍ من الزَّوْجَيْنِ لَا لِلزَّوْجِ بِضِيقِ الْمَنْفَذِ وَلَا لِلزَّوْجَةِ بِكِبَرِ آلَتِهِ وَإِنْ خَالَفَتْ الْعَادَةَ بِخِلَافِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ الْوَطْءَ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يَقْضِيَهَا بِالْوَطْءِ كُلُّ أَحَدٍ من نَحِيفٍ وَغَيْرِهِ فَيَثْبُتُ له الْخِيَارُ لِأَنَّ ضِيقَ مَنْفَذِهَا حِينَئِذٍ كَالرَّتْقِ وَهَذَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ إطْلَاقَ عَدَمِ الْفَسْخِ عن الْأَصْحَابِ وَمُقَابِلَهُ عن الْغَزَالِيِّ
ثُمَّ قال وَيُنَزَّلُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ على ما إذَا كان الزَّوْجُ هو الذي يُفْضِيهَا دُونَ نَحِيفٍ آخَرَ وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ على ما إذَا كان يُفْضِيهَا كُلُّ أَحَدٍ ولم يَتَعَرَّضْ لِنَظِيرِهِ في آلَةِ الزَّوْجِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَمُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَنْ يُقَالَ إنْ كان كِبَرُهَا لَا تَحْتَمِلُهُ امْرَأَةٌ أَصْلًا كان كَالْجَبِّ أو تَحْتَمِلُهُ امْرَأَةٌ مُتَّسَعَةُ الْمَنْفَذِ فَلَا فَسْخَ وَلَوْ أَفْضَى شَخْصٌ الْخُنْثَى فَحُكُومَةٌ تَجِبُ لَا دِيَةٌ لِأَنَّا لم نَتَحَقَّقْ أَنَّ الْمَنْفَذَ فَرْجٌ وفي إزَالَةِ بَكَارَتِهِ حُكُومَةٌ لِجِرَاحَتِهِ لَا لِبَكَارَتِهِ لِذَلِكَ
فَرْعٌ في إزَالَةِ بَكَارَةِ أَجْنَبِيَّةٍ بِأُصْبُعٍ مَثَلًا لَا بِذَكَرٍ حُكُومَةٌ لِأَنَّهَا جِرَاحَةٌ وَيَقْتَصُّ بِالْبَكَارَةِ من بِكْرٍ مِثْلُهَا بِرَفْعِهِ فَاعِلُ يَقْتَصُّ فَإِنْ زَالَتْ بِذَكَرٍ بِزِنًا وَهِيَ مُطَاوِعَةٌ أَهْدَرَتْ بَكَارَتُهَا حُكُومَةً كما أَهْدَرَتْ مَهْرًا إذْ لَا يُمْكِنُ الْوَطْءُ بِدُونِ إزَالَتِهَا فَكَأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِزَالَتِهَا بِخِلَافِ دِيَةِ الْإِفْضَاءِ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِالْوَطْءِ لَا بِالْإِفْضَاءِ أو وَهِيَ مُكْرَهَةٌ أو زَالَتْ بِشُبْهَةٍ من نِكَاحٍ فَاسِدٍ أو غَيْرِهِ فَحُكُومَةٌ وَمَهْرُهَا ثَيِّبًا يَجِبَانِ وَإِنْ أَزَالَهَا الزَّوْجُ وَلَوْ بِخَشَبَةٍ فَلَا شَيْءَ عليه لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِإِزَالَتِهَا وَإِنْ أَخْطَأَ في طَرِيقِ الِاسْتِيفَاءِ بِخَشَبَةٍ أو نَحْوِهَا فَإِنْ أَفْضَاهَا غَيْرُ الزَّوْجِ مع إزَالَةِ بَكَارَتِهَا دخل أَرْشُ الْبَكَارَةِ في الدِّيَةِ لِأَنَّهُمَا وَجَبَا لِلْإِتْلَافِ فَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ في الْأَكْثَرِ بِخِلَافِ الْمَهْرِ لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ فإن الْمَهْرَ لِلتَّمَتُّعِ وَالْأَرْشَ لِإِزَالَةِ الْجِلْدَةِ
الثَّالِثَ عَشَرَ الْبَطْشُ وَفِيهِ أَيْ في إبْطَالِهِ الدِّيَةُ وَكَذَا الْمَشْيُ لِأَنَّهُمَا من الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ وَإِنْ أَبْطَلَ بَطْشَ يَدٍ أو أُصْبُعٍ فَدِيَتُهَا وَاجِبَةٌ لَكِنَّهَا إنَّمَا تُؤْخَذُ إنْ انْدَمَلَ جُرْحُهَا ولم يُعَدَّ أَيْ الْبَطْشُ وَتُسْتَرَدُّ الدِّيَةُ إنْ عَادَ بَعْدَ أَخْذِهَا وَهَذَا عُلِمَ من الْكَلَامِ على الْأَسْنَانِ فَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ عَوْدِهِ نَقْصٌ منه أو أَثَرٌ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَحُكُومَةٌ تَجِبُ كان احْدَوْدَبَ بِسَبَبِ ذلك فَإِنْ انْكَسَرَ صُلْبُهُ فَذَهَبَ مَشْيُهُ وَرِجْلُهُ سَلِيمَةٌ فَدِيَةٌ تَجِبُ كما جاء في خَبَرِ
____________________
(4/65)
عَمْرِو بن حَزْمٍ فَإِنْ أَشَلَّ الرِّجْلَيْنِ منه بِذَلِكَ أَيْ بِكَسْرِ صُلْبِهِ أو أَشَلَّ ذَكَرَهُ فَدِيَةٌ في الْإِشْلَالِ وَحُكُومَةٌ في كَسْرِ الصُّلْبِ وَفَارَقَتْ ما قَبْلَهَا بِأَنَّ ذَهَابَ الْمَشْيِ في الْأُولَى لِخَلَلِ الصُّلْبِ فَلَا يُفْرَدُ بِحُكُومَةٍ وفي الثَّانِيَةِ لِشَلَلِ الرِّجْلِ فَأَفْرَدَ كَسْرَ الصُّلْبِ بِحُكُومَةٍ وَلَوْ ذَهَبَ بِكَسْرِ صُلْبِهِ مَشْيُهُ وَإِمْنَاؤُهُ أو وَجِمَاعُهُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَعَبَّرَ بَدَلَ الْإِمْنَاءِ بِالْمَنِيِّ فَدِيَتَانِ تَجِبَانِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَضْمُونٌ بِالدِّيَةِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَلِأَنَّ الْمَشْيَ في الرِّجْلِ لَا في الصُّلْبِ وَالْمَنِيُّ ليس مُسْتَقَرًّا في الصُّلْبِ وَلَا له مَحَلٌّ مَخْصُوصٌ من الْبَدَنِ وَإِنَّمَا يَتَوَلَّدُ من الْأَغْذِيَةِ الصَّحِيحَةِ وَيُمْتَحَنُ من ادَّعَى ذَهَابَ مَشْيِهِ بِأَنْ يُفَاجَأَ بِمُهْلِكٍ كَسَيْفٍ فَإِنْ مَشَى عَلِمْنَا كَذِبَهُ وَإِلَّا حَلَفَ وَأَخَذَ الدِّيَةَ
فَصْلٌ لو فُعِلَ بِهِ مُوجِبُ دِيَاتٍ من إزَالَةِ أَطْرَافٍ وَنَحْوِهَا وَانْدَمَلَتْ جِرَاحَتُهُ فَحَزَّهُ من رَقَبَتِهِ أو غَيْرِهَا لَزِمَتْهُ الدِّيَاتُ مع دِيَةِ النَّفْسِ لِاسْتِقْرَارِ دِيَاتِ الْأَطْرَافِ بِالِانْدِمَالِ وَكَذَا لو لم تَنْدَمِلْ وَمَاتَ بِسُقُوطِهِ من سَطْحٍ وَنَحْوِهِ كما أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اعْتِبَارِ التَّبَرُّعِ في الْمَرَضِ الْمَخُوفِ من الثُّلُثِ لو مَاتَ بِذَلِكَ بِأَنَّ التَّبَرُّعَ صَدَرَ عِنْدَ الْخَوْفِ من الْمَوْتِ فَاسْتَمَرَّ حُكْمُهُ وَإِنْ مَاتَ منها أو من بَعْضِهَا كما اقْتَضَاهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنْ سَرَتْ إلَى النَّفْسِ فَالدِّيَةُ لِلنَّفْسِ وَاجِبَةٌ وَسَقَطَ بَدَلُ الْأَطْرَافِ لِأَنَّهَا صَارَتْ نَفْسًا أو حَزَّهُ قبل الِانْدِمَالِ وَاتَّفَقَتْ أَيْ الْجِنَايَاتُ عَمْدًا أو خَطَأً أو شِبْهَ عَمْدٍ فَالدِّيَةُ تَجِبُ لِلنَّفْسِ فَقَطْ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ قبل الِاسْتِقْرَارِ بَدَلَ الْأَطْرَافِ فَيَدْخُلُ فيها بَدَلُهَا كَالسِّرَايَةِ وَلِأَنَّ السِّرَايَةَ إذَا لم تَنْقَطِعْ بِالِانْدِمَالِ كانت الْجِنَايَاتُ كُلُّهَا قَتْلًا وَاحِدًا وَهَذَا يُخَالِفُ ما لو قَطَعَ أَطْرَافَ حَيَوَانٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ وَسَرَتْ الْجِنَايَةُ إلَى النَّفْسِ أو عَادَ فَقَتَلَهُ قبل الِانْدِمَالِ حَيْثُ تَجِبُ قِيمَتُهُ يوم مَوْتِهِ وَلَا يَنْدَرِجُ فيها قِيمَةُ أَطْرَافِهِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِمَا نَقَصَ وهو يَخْتَلِفُ بِالْكَمَالِ وَالنُّقْصَانِ وَالْآدَمِيُّ مَضْمُونٌ بِمُقَدَّرٍ وهو لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ في ضَمَانِهِ التَّعَبُّدُ فَلَوْ كانت أَيْ الْجِنَايَاتُ خَطَأً أو عَمْدًا أو شِبْهَ عَمْدٍ دَخَلَتْ الْأَطْرَافُ أَيْ دِيَتُهَا في دِيَةِ النَّفْسِ وَلَا يَتَدَاخَلُ الْخَطَأُ وَالْعَمْدُ لِاخْتِلَافِهِمَا وَاخْتِلَافِ من يَجِبَانِ عليه فَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ خَطَأً ثُمَّ حَزَّهُ قبل الِانْدِمَالِ عَمْدًا وَعَفَا الْوَلِيُّ عن الْقِصَاصِ فَلَهُ نِصْفُ دِيَةِ الْخَطَأِ على عَاقِلَتِهِ مُخَفَّفَةٌ وَدِيَةُ الْعَمْدِ مُغَلَّظَةٌ في مَالِهِ
وَإِنْ قَتَلَهُ قِصَاصًا فَلَهُ نِصْفُ دِيَةِ الْيَدِ على عَاقِلَتِهِ مُخَفَّفَةٌ وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ خَطَأً قبل الِانْدِمَالِ فَلِلْوَلِيِّ قَطْعُ يَدِهِ وَدِيَةُ النَّفْسِ على عَاقِلَتِهِ مُخَفَّفَةٌ وَإِنْ عُفِيَ عن الْقَطْعِ فَلَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ مُغَلَّظَةٌ في مَالِهِ لِلْيَدِ وَدِيَةٌ مُخَفَّفَةٌ على عَاقِلَتِهِ لِلنَّفْسِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
الْبَابُ الثَّالِثُ في بَيَانِ الْحُكُومَاتِ وَالْجِنَايَةِ على الرَّقِيقِ وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ الْحُكُومَةُ هِيَ فُعُولَةٌ من الْحُكْمِ لِاسْتِقْرَارِهَا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَهِيَ جُزْءٌ من الدِّيَةِ نِسْبَتُهُ من دِيَةِ النَّفْسِ أَيْ نَفْسِ الْمَجْنِيِّ عليه إلَيْهَا نِسْبَةُ ما نَقَصَ بِالْجِنَايَةِ عليه من قِيمَتِهِ إلَيْهَا بِفَرْضِ الرِّقِّ أَيْ بِفَرْضِهِ رَقِيقًا إذْ الْحُرُّ لَا قِيمَةَ له وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَوَّمَ بَعْدَ بُرْئِهِ سَلِيمًا من أَثَرِ الْجِنَايَةِ ثُمَّ يُقَوَّمَ وَبِهِ أَثَرُهَا وَيُنْظَرَ إلَى التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فَلَوْ كانت قِيمَتُهُ قَبْلَهَا مِائَةً وَبَعْدَهَا تِسْعِينَ فَالتَّفَاوُتُ عُشْرٌ فَيَجِبُ عُشْرُ الدِّيَةِ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ مَضْمُونَةٌ بِجَمِيعِ الدِّيَةِ فَتُضْمَنُ الْأَجْزَاءُ بِالْأَجْزَاءِ كما في نَظِيرِهِ من عَيْبِ الْمَبِيعِ وَلِلْحَاجَةِ في مَعْرِفَةِ الْحُكُومَةِ إلَى تَقْدِيرِ الرِّقِّ قال الْأَئِمَّةُ الْعَبْدُ أَصْلُ الْحُرِّ في الْجِنَايَاتِ التي لَا يَتَقَدَّرُ أَرْشُهَا كما أَنَّ الْحُرَّ أَصْلُ الْعَبْدِ في الْجِنَايَاتِ التي يَتَقَدَّرُ أَرْشُهَا وَتَجِبُ الْحُكُومَةُ إبِلًا لَا نَقْدًا كَالدِّيَةِ وَأَمَّا التَّقْوِيمُ فَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهُ بِالنَّقْدِ لَكِنْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ على أَنَّهُ بِالْإِبِلِ فقال في إذْهَابِ الْعُذْرَةِ فَيُقَالُ لو كانت أَمَةً تُسَاوِي خَمْسِينَ من الْإِبِلِ كَمْ يُنْقِصُهَا ذَهَابُ الْعُذْرَةِ من الْقِيمَةِ فَإِنْ قِيلَ الْعُشْرُ وَجَبَ خَمْسٌ من الْإِبِلِ وَإِنْ قِيلَ أَقَلُّ أو أَكْثَرُ وَجَبَ حَكَاهُ الْبُلْقِينِيُّ ثُمَّ قال وهو جَارٍ على أَصْلِهِ في الدِّيَاتِ أَنَّ الْإِبِلَ هِيَ الْأَصْلُ
انْتَهَى
وَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلًّا من الْأَمْرَيْنِ جَائِزٌ لِأَنَّهُ يُوصِلُ إلَى الْغَرَضِ
وَلَا
____________________
(4/66)
يَبْلُغُ الْحَاكِمُ بِحُكُومَةِ طَرَفٍ أَرْشَهُ الْمُقَدَّرَ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ لِئَلَّا تَكُونَ الْجِنَايَةُ على الْعُضْوِ مع بَقَائِهِ مَضْمُونَةً بِمَا يُضْمَنُ بِهِ الْعُضْوُ نَفْسُهُ فَتُنْتَقَصُ حُكُومَةُ الْأُنْمُلَةِ بِجُرْحِهَا أو قَطْعِ ظُفُرِهَا عن دِيَتِهَا وَحُكُومَةُ جِرَاحَةِ الْأُصْبُعِ بِطُولِهِ عن دِيَتِهِ وَلَا يَبْلُغُ بِمَا أَيْ بِحُكُومَةِ ما دُونَ الْجَائِفَةِ من الْجِرَاحَاتِ على الْبَطْنِ أو نَحْوِهِ الْجَائِفَةُ أَيْ أَرْشَهَا وَلَا بِنَحْوِ أَيْ بِحُكُومَةِ نَحْوِ الصُّلْبِ وَالسَّاعِدِ وسائر ما ليس له أَرْشٌ مُقَدَّرٌ من الْأَعْضَاءِ كَالظَّهْرِ وَالْكَتِفِ دِيَةَ النَّفْسِ وَإِنْ بَلَغَتْ أَرْشَ عُضْوٍ مُقَدَّرٍ أو زَادَتْ عليه وَإِنَّمَا لم يُجْعَلْ السَّاعِدُ كَالْكَفِّ حتى لَا يَبْلُغَ بِحُكُومَةِ جُرْحِهِ دِيَةَ الْأَصَابِعِ لِأَنَّ الْكَفَّ هِيَ التي تَتْبَعُ الْأَصَابِعَ دُونَ السَّاعِدِ وَلِهَذَا لو قَطَعَ من الْكُوعِ لَزِمَهُ ما يَلْزَمُ في لَقْطِ الْأَصَابِعِ وَلَوْ قَطَعَ من الْمَرْفِقِ لَزِمَهُ مع الدِّيَةِ حُكُومَةُ السَّاعِدِ وَلَوْ بَلَغَ بِحُكُومَةِ كَفٍّ دِيَةَ أُصْبُعٍ جَازَ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا دَفْعًا وَاحْتِوَاءً يَزِيدُ على مَنْفَعَةِ أُصْبُعٍ وَكَمَا أَنَّ حُكُومَةَ الْيَدِ الشَّلَّاءِ لَا تَبْلُغُ دِيَةَ الْيَدِ وَيَجُوزُ أَنْ تَبْلُغَ دِيَةُ أُصْبُعٍ وَأَنْ تَزِيدَ عليها فَإِنْ بَلَغَتْ حُكُومَةُ الْعُضْوِ أَرْشَهُ الْمُقَدَّرَ نَقَصَ الْحَاكِمُ شيئا منها بِاجْتِهَادِهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْمَحْذُورُ السَّابِقُ وَلَا يَكْفِي أَقَلُّ مُتَمَوَّلٍ قال الْإِمَامُ وقال ابن الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ أَقَلُّهُ ما يَصْلُحُ ثَمَنًا أو صَدَاقًا أَيْ فَيَكْفِي أَقَلُّ مُتَمَوَّلٍ
فَصْلٌ وَيُقَوَّمُ الْمَجْرُوحُ لِمَعْرِفَةِ الْحُكُومَةِ مُنْدَمِلًا لِأَنَّ الْجُرْحَ قد يَسْرِي إلَى النَّفْسِ أو إلَى ما يَكُونُ وَاجِبُهُ مُقَدَّرًا فَيَكُونُ ذلك هو الْوَاجِبَ لَا الْحُكُومَةَ وَإِنْ لم يَنْقُصْ بِالْجُرْحِ بَعْدَ انْدِمَالِهِ شَيْءٌ من مَنْفَعَةٍ أو جَمَالٍ أو قِيمَةٍ كَقَلْعِ سِنٍّ أو أُصْبُعٍ زَائِدَةٍ فَأَقْرَبُ نَقْصٍ إلَى الِانْدِمَالِ يُعْتَبَرُ وَهَكَذَا إلَى حَالِ سَيَلَانِ الدَّمِ حتى تَنْقُصَ الْقِيمَةُ بِتَأَثُّرِهَا بِالْخَوْفِ وَالْخَطَرِ فَإِنْ لم يَنْقُصْ بِهِ شَيْءٌ فَيُعَزَّرُ فَقَطْ إلْحَاقًا لِلْجُرْحِ حِينَئِذٍ بِاللَّطْمِ وَالضَّرْبِ لِلضَّرُورَةِ أَمْ يَفْرِضُ الْقَاضِي شيئا بِاجْتِهَادِهِ وَجْهَانِ رُجِّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ الثَّانِي
وَلَوْ أَفْسَدَ مَنْبَتَ لِحْيَةِ امْرَأَةٍ أو قَلَعَ سِنًّا أو أُصْبُعًا زَائِدَةً ولم يَنْقُصْ بِذَلِكَ شَيْءٌ قُدِّرَتْ أَيْ الْمَرْأَةُ بِلِحْيَةِ عَبْدٍ تُزَيِّنُهُ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى وَقُدِّرَتْ السِّنُّ أو الْأُصْبُعُ زَائِدَةً وَلَا أَصْلِيَّةً أَخْلَفَهَا أَيْ يُقَوَّمُ الْمَجْنِيُّ عليه مُتَّصِفًا بِذَلِكَ ثُمَّ يُقَوَّمُ مَقْلُوعُ تِلْكَ الزَّائِدَةِ فَيَظْهَرُ التَّفَاوُتُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الزَّائِدَةَ تَسُدُّ الْفُرْجَةَ وَيَحْصُلُ بها نَوْعُ جَمَالٍ وَلَوْ قَطَعَ أُنْمُلَةً لها طَرَفٌ زَائِدٌ قَدَّرَ الْقَاضِي لِلزَّائِدِ شيئا بِاجْتِهَادِهِ وَلَا تُعْتَبَرُ النِّسْبَةُ لِعَدَمِ إمْكَانِهَا قال الرَّافِعِيُّ وَكَأَنْ يَجُوزَ أَنْ يُقَوَّمَ وَلَهُ الزَّائِدَةُ بِلَا أَصْلِيَّةٍ ثُمَّ يُقَوَّمُ دُونَهَا كما فَعَلَ في السِّنِّ الزَّائِدَةِ أو تُعْتَبَرُ بِأَصْلِيَّةٍ كما اُعْتُبِرَتْ لِحْيَةُ الْمَرْأَةِ بِلِحْيَةِ الرَّجُلِ وَلِحْيَتُهَا كَالْأَعْضَاءِ الزَّائِدَةِ وَلِحْيَتُهُ كَالْأَعْضَاءِ الْأَصْلِيَّةِ
انْتَهَى
وَيُقَاسُ بِالْأُنْمُلَةِ فِيمَا ذُكِرَ نَحْوُهَا كَالْأُصْبُعِ
وَإِنْ ضَرَبَهُ بِسَوْطٍ أو غَيْرِهِ أو لَطَمَهُ ولم يَظْهَرْ بِذَلِكَ شَيْنٌ فَالتَّعْزِيرُ وَاجِبٌ فَإِنْ ظَهَرَ شَيْنٌ كَأَنْ اسْوَدَّ مَحَلُّ ذلك أو اخْضَرَّ وَبَقِيَ الْأَثَرُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ وَجَبَتْ الْحُكُومَةُ وَالْعَظْمُ الْمَكْسُورُ في غَيْرِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ إنْ انْجَبَرَ ولم يَبْقَ فيه أَثَرٌ كَالْجِرَاحِ فِيمَا مَرَّ فَيُعْتَبَرُ أَقْرَبُ نَقْصٍ إلَى الِانْدِمَالِ وَهَكَذَا إلَى آخِرِ ما مَرَّ وَإِنْ بَقِيَ أَثَرٌ وهو الْغَالِبُ وَجَبَتْ الْحُكُومَةُ وَإِنْ انْجَبَرَ مُعْوَجًّا فَكَسَرَهُ الْجَانِي لِيَسْتَقِيمَ وَلَيْسَ له كَسْرُهُ لِذَلِكَ فَحُكُومَةٌ أُخْرَى لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ جَدِيدَةٌ وفي إفْسَادِ مَنْبَتِ الشُّعُورِ حُكُومَةٌ وَمَحَلُّهُ فِيمَا فيه جَمَالٌ كَاللِّحْيَةِ وَشَعْرِ الرَّأْسِ أَمَّا ما الْجَمَالُ في إزَالَتِهِ كَشَعْرِ الْإِبِطِ فَلَا حُكُومَةَ فيه في الْأَصَحِّ
____________________
(4/67)
وَإِنْ كان التَّعْزِيرُ وَاجِبًا فيه لِلتَّعَدِّي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ لَكِنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ هُنَا وفي الضَّابِطِ الْآتِي يَقْتَضِي وُجُوبَهَا لَا فيها أَيْ الشُّعُورِ أَيْ لَا حُكُومَةَ في إزَالَتِهَا بِغَيْرِ إفْسَادِ مَنْبَتِهَا لِأَنَّهَا تَعُودُ غَالِبًا وَضَابِطُهُ أَيْ ما يُوجِبُ الْحُكُومَةَ وما لَا يُوجِبُهَا أَنَّ أَثَرَ الْجِنَايَةِ من ضَعْفٍ أو شَيْنٍ إنْ بَقِيَ أَوْجَبَ حُكُومَةً وَإِنْ لم يَبْقَ وَالْجِنَايَةُ جُرْحٌ أو كَسْرٌ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا وُجُوبُهَا بِأَنْ يُعْتَبَرَ أَقْرَبُ نَقْصٍ إلَى الِانْدِمَالِ وَهَكَذَا إلَى آخِرِ ما مَرَّ أو غَيْرُهُ أَيْ غَيْرُ جُرْحٍ أو كَسْرٌ كَإِزَالَةِ الشُّعُورِ وَاللَّطْمَةِ فَلَا شَيْءَ فيه من حُكُومَةٍ
فَصْلٌ الْجُرْحُ الْمُقَدَّرُ يَتْبَعُ أَرْشَهُ بِالنَّصْبِ حُكُومَةُ جَوَانِبِهِ بِالرَّفْعِ كَالْمُوضِحَةِ فَلَوْ أَوْضَحَ رَأْسَهُ وَبَقِيَ حَوْلَ الْمُوضِحَةِ شَيْنٌ كَتَغَيُّرِ لَوْنٍ وَنُحُولٍ وَاسْتِحْشَافٍ وَارْتِفَاعٍ وَانْخِفَاضٍ تَبِعَهَا لِأَنَّهُ لو اسْتَوْعَبَ جَمِيعَ مَوْضِعِهِ بِالْإِيضَاحِ لم يَلْزَمْهُ إلَّا أَرْشُ مُوضِحَةٍ وَكَذَا ما دُونَهَا كَالْمُتَلَاحِمَةِ إنْ عَرَفَ نِسْبَتَهُ منها بِأَنْ كان بِجَنْبِهِ مُوضِحَةٌ وَأَوْجَبْنَاهُ أَيْ ما اقْتَضَتْهُ النِّسْبَةُ لِكَوْنِهِ أَكْثَرَ من الْحُكُومَةِ فإن شَيْنَهُ يَتْبَعُهُ وَلَا يَنْفَرِدُ بِحُكُومَةٍ فَإِنْ لم تُعْرَفْ نِسْبَتُهُ منها بِأَنْ عَسُرَ تَقْدِيرُ أَرْشِهِ أو لم يَكُنْ بِجَنْبِهِ جُرْحٌ له أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فَلَا يَتْبَعُهُ شَيْنُهُ في الْحُكُومَةِ لِأَنَّهَا ضَعِيفَةٌ لَا تَقْوَى على الِاسْتِتْبَاعِ بِخِلَافِ الْمُقَدَّرِ وما أُلْحِقَ بِهِ وَعَلَى هذا يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَالْأَنْوَارِ إنَّ شَيْنَ الْجُرْحِ الذي لَا مُقَدَّرَ له يُفْرَدُ بِحُكُومَةٍ لَكِنْ قال ابن النَّقِيبِ في تَصْوِيرِهِ عُسْرٌ فَإِنَّا نَحْتَاجُ إلَى تَقْوِيمِهِ سَلِيمًا ثُمَّ جَرِيحًا بِلَا شَيْنٍ فَتَحْصُلُ حُكُومَةٌ ثُمَّ يُقَوَّمُ جَرِيحًا بِشَيْنٍ وَجَرِيحًا بِلَا شَيْنٍ فَتَحْصُلُ حُكُومَةٌ ثَانِيَةٌ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَوَّمَ سَلِيمًا ثُمَّ جَرِيحًا بِشَيْنٍ وَيَجِبُ ما بَيْنَهُمَا وَلَعَلَّهُ لَا يَخْتَلِفُ مع ما تَقَدَّمَ أَيْ في الْمِقْدَارِ فَلَا فَائِدَةَ في قَوْلِنَا يُفْرَدُ بِحُكُومَةٍ نعم تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ لو عُفِيَ عن إحْدَى الْحُكُومَتَيْنِ فَتَجِبُ الْأُخْرَى وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْبُلْقِينِيُّ فقال الْأَقْيَسُ عِنْدَنَا إيجَابُ حُكُومَةٍ وَاحِدَةٍ جَامِعَةٍ لَهُمَا وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ ذلك فِيمَا لو زَادَ على الْمُقَدَّرِ فَعَلَى إيجَابِ حُكُومَتَيْنِ لَا يَحْتَاجُ إلَى نَقْصٍ إذَا نَقَصَ كُلٌّ مِنْهُمَا عن الْمُقَدَّرِ وَعَلَى إيجَابِ حُكُومَةٍ لَا بُدَّ من النَّقْصِ فَإِنْ تَعَدَّى شَيْنُ مُوضِحَةِ الرَّأْسِ عن مَحَلِّهِ إلَى الْقَفَا أو الْوَجْهِ فَوَجْهَانِ صَحَّحَ مِنْهُمَا الْبَارِزِيُّ عَدَمَ التَّبَعِيَّةِ لِتَعَدِّيهِ مَحَلَّ الْإِيضَاحِ وَكَلَامُ الْأَصْلِ يُشِيرُ إلَيْهِ وَلَوْ أَوْضَحَ جَبِينَهُ فَأَزَالَ حَاجِبَهُ فَالْأَكْثَرُ من الْحُكُومَةِ لِلشَّيْنِ وَإِزَالَةِ الْحَاجِبِ وسن أَرْشُ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ هذا مُسْتَثْنًى مِمَّا ذُكِرَ
وَلَوْ جَرَحَهُ على بَدَنِهِ جِرَاحَةً وَبِقُرْبِهَا جَائِفَةٌ قُدِّرَتْ بها وَلَزِمَهُ الْأَكْثَرُ من أَرْشِ الْقِسْطِ وَالْحُكُومَةِ كما لو كان بِقُرْبِهَا مُوضِحَةٌ
الطَّرَفُ الثَّانِي في الْجِنَايَةِ على الرَّقِيقِ فَفِي الْجِنَايَةِ على نَفْسِهِ قِيمَةٌ بَالِغَةٌ ما بَلَغَتْ كما مَرَّ وَفِيهَا أَيْ الْجِنَايَةِ على ما دُونَ نَفْسِهِ مِمَّا لَا مُقَدَّرَ له ما نَقَصَ من قِيمَتِهِ سَلِيمًا لِأَنَّا نُشَبِّهُ الْحُرَّ في الْحُكُومَةِ بِالْعَبْدِ لِيُعْرَفَ قَدْرُ التَّفَاوُتِ لِيُرْجَعَ بِهِ فَفِي الْمُشَبَّهِ بِهِ أَوْلَى فإذا قُطِعَ منه ما له أَرْشٌ مُقَدَّرٌ من الْحُرِّ فإنه يَجِبُ نِسْبَتُهُ من قِيمَتِهِ أَيْ يَجِبُ فيه جُزْءٌ من قِيمَتِهِ بِنِسْبَتِهِ إلَيْهَا كَنِسْبَةِ الْوَاجِبِ في الْحُرِّ إلَى الدِّيَةِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِصَاصِ فَيَتَقَدَّرُ بَدَلُ أَطْرَافِهِ كَالْحُرِّ فَفِي قَطْعِ يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ وفي يَدَيْهِ قِيمَتُهُ وفي ذَكَرِهِ وَأُنْثَيَيْهِ قِيمَتَاهُ وإذا قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ لَزِمَهُ خَمْسُمِائَةٍ فَإِنْ قَطَعَ الْأُخْرَى آخَرُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ وقد نَقَصَ مِائَتَيْنِ لَزِمَهُ أَرْبَعُمِائَةٍ أو قبل الِانْدِمَالِ فَنِصْفُ ما وَجَبَ على الْأَوَّلِ يَلْزَمُهُ وهو مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الْأُولَى لم تَسْتَقِرَّ بَعْدُ حتى يَنْضَبِطَ النُّقْصَانُ وقد أَوْجَبْنَا بها نِصْفَ الْقِيمَةِ فَكَأَنَّهُ انْتَقَصَ نِصْفُهَا فَإِنْ مَاتَ بِسِرَايَتِهِمَا أَيْ الْجِنَايَتَيْنِ وَالْجَانِي وَاحِدٌ فَكَقَطْعِهِ إيَّاهُمَا مَعًا التَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَإِنْ لم تَسْرِ جِنَايَتَاهُ فَكَمَا لو قَطَعَهُ اثْنَانِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو مَاتَ بِسِرَايَتِهِمَا وَالْجَانِي هو وَآخَرُ بِأَنْ جَنَى هو على يَدٍ وَالْآخَرُ على الْأُخْرَى فَكَمَا مَرَّ في الذَّبَائِحِ
وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ حَزَّهُ آخَرُ لَزِمَهُ أَيْ الثَّانِيَ قِيمَتُهُ بِلَا يَدٍ وَلَزِمَ الْأَوَّلَ نِصْفُ قِيمَتِهِ وَيُفَارِقُ الْحُرَّ حَيْثُ لَا يُؤَثِّرُ فُقْدَانُ الْأَطْرَافِ في بَدَلِهِ لِأَنَّ الرُّجُوعَ في بَدَلِ الْعَبْدِ إلَى قَوْلِ الْمُقَوِّمِينَ وَبَدَلُ الْحُرِّ مُقَدَّرٌ في الشَّرْعِ لَا يَخْتَلِفُ وَلِأَنَّ فَقْدَ بَعْضِ أَطْرَافِ الْعَبْدِ يُؤَثِّرُ في بَدَلِ أَطْرَافِهِ لِتَأْثِيرِهِ في نُقْصَانِ بَدَلِ النَّفْسِ بِخِلَافِ الْحُرِّ
____________________
(4/68)
الْبَابُ الرَّابِعُ في مُوجِبِ الدِّيَةِ وَحُكْمِ السِّحْرِ وَفِيهِ خَمْسَةُ أَطْرَافٍ
الْأَوَّلُ في السَّبَبِ الْمُؤَثِّرِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ عِلَّةً أو شَرْطًا وَلَا يُنَافِيهِ ما مَرَّ من أَنَّ مَرَاتِبَ الشَّيْءِ الذي له أَثَرٌ في الْهَلَاكِ ثَلَاثَةٌ الْعِلَّةُ وَالسَّبَبُ وَالشَّرْطُ وَالضَّابِطُ فِيمَا يُؤَثِّرُ فيه وما لَا يُؤَثِّرُ أَنْ يَحْصُلَ الْهَلَاكُ عِنْدَهُ أو صَوَابُهُ إنْ كان مُؤَثِّرًا في الْهَلَاكِ فَهُوَ كَالْهَلَاكِ بِحَذْفِ مُضَافٍ وَزِيَادَةِ الْكَافِ أَيْ فَهُوَ عِلَّةُ الْهَلَاكِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ فَهُوَ عِلَّةٌ لِلْهَلَاكِ وَفِيهِ الدِّيَةُ وَلَوْ لم يُؤَثِّرْ في الْهَلَاكِ بَلْ يُوجِبُ الْهَلَاكَ بِأَنْ يَتَوَقَّفَ تَأْثِيرُ الْمُؤَثِّرِ في الْهَلَاكِ عليه كَالْحَفْرِ مع التَّرَدِّي تَعَلَّقَتْ بِهِ الدِّيَةُ أَيْضًا وَإِنْ لم يَتَوَقَّفْ ذلك عليه فَالْمَوْتُ عِنْدَهُ اتِّفَاقِيٌّ لَا شَيْءَ فيه وَلَا أَثَرَ لِصَفْعَةٍ خَفِيفَةٍ مَاتَ مَعَهَا لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لها في الْهَلَاكِ وَلَوْ قَصَدَ صَغِيرًا غير مُمَيِّزٍ أو ضَعِيفِ التَّمْيِيزِ أو مَجْنُونًا أو نَائِمًا أو امْرَأَةً ضَعِيفَةً بِتَهَدُّدٍ عِبَارَةُ الْأَصْلِ بِتَهْدِيدٍ شَدِيدٍ أو سِلَاحٍ أو صِيَاحٍ أَيْ شَدِيدٍ كما في الرَّافِعِيِّ فَجُنَّ أو ارْتَعَدَ فَسَقَطَ من طَرَفِ سَطْحٍ أو بِئْرٍ أو نَهْرٍ أو نَحْوِهَا وَمَاتَ منه فَشِبْهُ عَمْدٍ تَجِبُ فيه دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ على الْعَانَةِ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ كَثِيرًا ما يَتَأَثَّرُونَ بِذَلِكَ لَا عَمْدٌ وفي نُسْخَةٍ وَلَا عَمْدٌ لِأَنَّ التَّأْثِيرَ بِذَلِكَ ليس غَالِبًا سَوَاءٌ أَغَافَصَهُ من وَرَائِهِ أَمْ وَاجَهَهُ أَمَّا لو مَاتَ بَعْدَمَا ذُكِرَ بِمُدَّةٍ بِلَا تَأَلُّمٍ أو عَقِبَهُ بِلَا سُقُوطٍ أو بِسُقُوطٍ بِلَا ارْتِعَادٍ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّ الْمَوْتَ بِهِ في غَايَةِ الْبُعْدِ قال ابن الرِّفْعَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِالِارْتِعَادِ كَأَنَّهُ لُوحِظَ فيه أَنْ يَغْلِبَ على الظَّنِّ كَوْنُ السُّقُوطِ بِالصِّيَاحِ أَيْ أو نَحْوِهِ وَإِنْ لم يَقْصِدْهُ بِذَلِكَ كَأَنْ قَصَدَ بِهِ صَيْدًا فَارْتَعَدَ بِهِ صَبِيٌّ أو نَحْوُهُ وَمَاتَ منه فَخَطَأٌ تَجِبُ فيه دِيَةٌ مُخَفَّفَةٌ على الْعَاقِلَةِ وَلَوْ كان الصَّغِيرُ أو نَحْوُهُ على الْأَرْضِ فَمَاتَ بِالصَّيْحَةِ أو نَحْوِهَا أو كان بَالِغًا أو مُرَاهِقًا مُتَيَقِّظًا وَسَقَطَ وفي نُسْخَةٍ فَسَقَطَ من السَّطْحِ أو نَحْوِهِ فَهَدَرٌ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ تَأْثِيرِهِمْ بِذَلِكَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الصَّغِيرَ الْمُمَيِّزَ غَيْرُ الْمُرَاهِقِ كَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَكَلَامُ الْأَصْلِ فيه مُتَدَافِعٌ لِأَنَّهُ قَيَّدَ في الْأَوَّلِ بِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ وفي الثَّانِي بِالْمُرَاهِقِ الْمُتَيَقِّظِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْمُرَاهِقِ
فَرْعٌ لو طَلَبَهَا السُّلْطَانُ أو كَاذِبٌ عليه لِعُقُوبَةٍ أو لِغَيْرِهَا كَإِحْضَارِ وَلَدِهَا وَإِنْ لم تُذْكَرْ عِنْدَهُ بِسُوءٍ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ أَصْلِهِ من أَنَّ ذِكْرَهَا عِنْدَهُ بِسُوءٍ شَرْطٌ أو تَهَدَّدَهَا غَيْرُهُ فَأَجْهَضَتْ أَيْ أَلْقَتْ جَنِينًا فَزَعًا منه وَجَبَ ضَمَانُهُ بِغُرَّةٍ مُغَلَّظَةٍ على عَاقِلَةِ الطَّالِبِ لَا ضَمَانُ ثِيَابٍ أَفْسَدَهَا حَدَثٌ خَرَجَ منه فَزَعًا مِمَّنْ ذُكِرَ لِأَنَّهُ لم يُنْقِصْهُ جَمَالًا وَلَا مَنْفَعَةً وَلَا إنْ مَاتَتْ أَيْ الْحَامِلُ أو غَيْرُهَا بِتَهْدِيدِ الْإِمَامِ أو غَيْرِهِ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الْمَوْتِ بِخِلَافِ ما لو مَاتَتْ بِالْإِجْهَاضِ
الطَّرَفُ الثَّانِي فِيمَا يَغْلِبُ من الْعِلَّةِ وَالشَّرْطِ إذَا اجْتَمَعَا مع أَنَّهُ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مع زِيَادَةٍ في أَوَائِلِ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ فَالْعِلَّةُ وَهِيَ الْمُبَاشَرَةُ إذَا اجْتَمَعَتْ مع الشَّرْطِ تَغْلِبُ الشَّرْطَ إنْ كانت عُدْوَانًا كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا وَلَوْ عُدْوَانًا فَرَدَّى غَيْرُهُ فيها إنْسَانًا عُدْوَانًا وَإِنْ لم تَكُنْ أَيْ الْعِلَّةُ عُدْوَانًا كَجَاهِلٍ تَرَدَّى فيها فَمَاتَ فَإِنْ كان الْحَفْرُ عُدْوَانًا فَدِيَةُ خَطَأٍ تَجِبُ على عَاقِلَةِ الْحَافِرِ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ
فَرْعٌ لو أَلْقَى صَبِيًّا في مَسْبَعَةٍ أَيْ مَوْضِعِ السِّبَاعِ فَأَكَلَهُ سَبُعٌ لم يَضْمَنْ ه وَلَوْ عَجَزَ عن الِانْتِقَالِ كما عُلِمَ
____________________
(4/69)
بِزِيَادَةٍ مِمَّا مَرَّ في أَوَائِلِ الْجِنَايَاتِ في فَصْلِ أَنْهَشَهُ حَيَّةً وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ بِالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ في الْبَالِغِ وَإِنَّمَا خَصَّ الصَّبِيَّ بِالذِّكْرِ لِلْخِلَافِ فيه
وَلَوْ تَبِعَ رَجُلًا بِالسَّيْفِ وَكَذَا صَبِيًّا مُمَيِّزًا فَوَلَّى هَارِبًا فَأَلْقَى نَفْسَهُ في مُهْلَكٍ كَنَارٍ أو مَاءٍ عَالِمًا بِهِ لَا جَاهِلًا فَهَلَكَ أو لَقِيَهُ سَبُعٌ في طَرِيقِهِ فَقَتَلَهُ ولم يُلْجِئْهُ إلَيْهِ بِمَضِيقٍ لم يَضْمَنْ ه لِأَنَّهُ في الْأُولَى بَاشَرَ إهْلَاكَ نَفْسِهِ قَصْدًا وَالْمُبَاشَرَةُ مُقَدَّمَةٌ على السَّبَبِ وَلِأَنَّهُ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيمَا كان يَحْذَرُ من تَابِعِهِ فَأَشْبَهَ ما لو أَكْرَهَ إنْسَانًا على أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ فَقَتَلَهَا لَا ضَمَانَ على الْمُكْرِهِ وفي الثَّانِيَةِ لم يُوجَدْ من التَّابِعِ إهْلَاكٌ وَمُبَاشَرَةُ السَّبُعِ الْعَارِضَةُ كَعُرُوضِ الْقَتْلِ على إمْسَاكِ الْمُمْسِكِ وَإِلَّا بِأَنْ كان الْمُلْقِي نَفْسَهُ غير مُمَيِّزٍ أو جَاهِلًا بِالْمُهْلِكِ لِعَمًى أو ظُلْمَةٍ أو تَغْطِيَةِ بِئْرٍ أو غَيْرِهَا أو أَلْجَأَهُ إلَى السَّبُعِ بِمَضِيقٍ ضَمِنَ ه لِأَنَّهُ لم يَقْصِدْ إهْلَاكَ نَفْسِهِ وقد أَلْجَأَهُ التَّابِعُ إلَى الْهَرَبِ الْمُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ مُمَيِّزًا من زِيَادَتِهِ
وَإِنْ انْخَسَفَ السَّقْفُ بِالْهَارِبِ لَا الْمُلْقِي أَيْ لَا بِالْمُلْقِي نَفْسَهُ عليه من عُلُوٍّ ضَمِنَهُ لِأَنَّهُ حَمَلَهُ على الْهَرَبِ وَأَلْجَأَهُ إلَيْهِ مُفْضِيًا إلَى الْهَلَاكِ مع جَهْلِهِ بِهِ فَأَشْبَهَ ما لو وَقَعَ بِبِئْرٍ مُغَطَّاةٍ بِخِلَافِ الْمُلْقِي نَفْسَهُ عليه إذَا انْخَسَفَ بِثِقَلِهِ لَا بِضَعْفِ السَّقْفِ ولم يَشْعُرْ بِهِ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ لِأَنَّهُ بَاشَرَ ما يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ
وَلَوْ عَلَّمَ وَلِيُّ أو غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ أَيْ الْوَلِيِّ صَبِيًّا وَلَوْ مُرَاهِقًا السِّبَاحَةَ أَيْ الْعَوْمَ أو الْفِرَاسَةَ بِفَتْحِ الْفَاءِ لُغَةً في الْفُرُوسَةِ وَالْفُرُوسِيَّةِ كما مَرَّ فَهَلَكَ فَشِبْهُ عَمْدٍ فَتَلْزَمُهُ دِيَتُهُ كَضَرْبِ الْمُعَلِّمِ الصَّبِيَّ تَأْدِيبًا إذَا هَلَكَ بِهِ وَلِأَنَّهُ هَلَكَ بِإِهْمَالِهِ قال في الْوَسِيطِ وَلَوْ قال له اُدْخُلْ الْمَاءَ فَدَخَلَ مُخْتَارًا فَيُحْتَمَلُ عَدَمُ الضَّمَانِ إذْ لَا يَضْمَنُ الْحُرُّ بِالْيَدِ وَالصَّبِيُّ مُخْتَارٌ وقال الْعِرَاقِيُّونَ يَجِبُ لِأَنَّهُ مُلْتَزِمٌ لِلْحِفْظِ
انْتَهَى
وَإِنْ أَدْخَلَهُ الْمَاءَ لِيَعْبُرَ بِهِ فَكَمَا لو خَتَنَهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ في ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ
وَإِنْ سَلَّمَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ نَفْسَهُ لِلسَّبَّاحِ لِيُعَلِّمَهُ السِّبَاحَةَ فَغَرِقَ هَدَرٌ لِاسْتِقْلَالِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحْتَاطَ لِنَفْسِهِ وَلَا يَغْتَرَّ بِقَوْلِ السَّبَّاحِ
فَصْلٌ في بَيَانِ الْحَفْرِ عُدْوَانًا وَغَيْرِهِ
حَفْرُ الْبِئْرِ في مِلْكِ الْغَيْرِ أو في مُشْتَرَكٍ فيه بين الْحَافِرِ وَغَيْرِهِ بِلَا إذْنٍ عُدْوَانٌ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ لِتَعَدِّي الْحَافِرِ بِخِلَافِ حَفْرِهَا بِالْإِذْنِ وَحَفْرُهَا في مِلْكِ نَفْسِهِ أو في مَوَاتٍ كما سَيُصَرِّحُ بِهِ وَرِضَاهُ بِاسْتِبْقَائِهَا أَيْ الْبِئْرِ الْمَحْفُورَةِ عُدْوَانًا كَالْإِذْنِ في حَفْرِهَا فَلَا يَتَعَلَّقُ بها ضَمَانٌ وَلَا يُفِيدُهُ تَصْدِيقُ الْمَالِكِ بِالْإِذْنِ أَيْ فيه بَعْدَ التَّرَدِّي فَلَوْ قال بَعْدَهُ حَفَرَ بِإِذْنِي لم يُصَدَّقْ وَاحْتَاجَ الْحَافِرُ إلَى بَيِّنَةٍ بِإِذْنِهِ
وَلَوْ تَعَدَّى بِدُخُولِهِ مِلْكَ غَيْرِهِ فَوَقَعَ في بِئْرٍ حُفِرَتْ عُدْوَانًا فَهَلَكَ يَضْمَنُهُ الْحَافِرُ لِتَعَدِّيهِ أَوَّلًا لِتَعَدِّي الْوَاقِعِ فيها بِالدُّخُولِ وَجْهَانِ صَحَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ الثَّانِيَ فَإِنْ أَذِنَ له الْمَالِكُ في دُخُولِهَا فَإِنْ عَرَّفَهُ بِالْبِئْرِ فَلَا ضَمَانَ وَإِلَّا فَهَلْ يَضْمَنُ الْحَافِرُ أو الْمَالِكُ وَجْهَانِ في تَعْلِيقِ الْقَاضِي قال الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَرْجَحُ أَنَّهُ على الْمَالِكِ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِعَدَمِ إعْلَامِهِ فَإِنْ كان نَاسِيًا فَعَلَى الْحَافِرِ
فَرْعٌ
____________________
(4/70)
لو حَفَرَ بِئْرًا في شَارِعٍ ضَيِّقٍ يَتَضَرَّرُ الناس بِالْبِئْرِ فيه ضَمِنَ ما هَلَكَ بها وَإِنْ أَذِنَ له السُّلْطَانُ فيه وَلَيْسَ له الْإِذْنُ فِيمَا يَضُرُّ قال الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين أَنْ يَكُونَ فيه مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَنْ لَا يَكُونَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَهُ حَفْرُهَا في الشَّارِعِ الْوَاسِعِ سَوَاءٌ الْمُنْعَطِفُ منه وَغَيْرُهُ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ كَالْحَفْرِ لِلِاسْتِقَاءِ أو لِاجْتِمَاعِ مَاءِ الْمَطَرِ فَلَا ضَمَانَ لِمَا يَهْلِكُ بها وَإِنْ لم يَأْذَنْ فيه الْإِمَامُ لِمَا فيه من الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ وقد تَعْسُرُ مُرَاجَعَةُ الْإِمَامِ فيه نعم إنْ نَهَاهُ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ كما نُقِلَ عن أبي الْفَرَجِ الزَّازِ وَخَصَّ الْمَاوَرْدِيُّ ذلك بِمَا إذَا أَحْكَمَ رَأْسَهَا فَإِنْ لم يُحْكِمْهَا وَتَرَكَهَا مَفْتُوحَةً ضَمِنَ مُطْلَقًا قال الزَّرْكَشِيُّ وهو ظَاهِرٌ وَكَذَا له حَفْرُهَا في ذلك لِنَفْسِهِ وَإِنْ لم يَأْذَنْ فيه الْإِمَامُ ولكنه يَضْمَنُ ما هَلَكَ بها لِافْتِيَاتِهِ على الْإِمَامِ إلَّا إنْ أَذِنَ له أَيْ حَفَرَهَا أو رضي بِاسْتِبْقَائِهَا فَلَا ضَمَانَ إذْ له أَنْ يَخُصَّ بَعْضَ الناس بِقِطْعَةٍ من الشَّارِعِ حَيْثُ لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ وَالتَّصْرِيحُ بِأَنَّ له الْحَفْرَ فِيمَا ذَكَرَ من زِيَادَتِهِ
وحفرها في الْمَوَاتِ لِلِاسْتِقَاءِ منها أو لِلتَّمَلُّكِ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ جَائِزٌ كَالْحَفْرِ في مِلْكِهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُ مُسْلِمٍ الْبِئْرُ جُبَارٌ أَيْ لَا ضَمَانَ فيه
وَإِنْ حَفَرَ في مِلْكِهِ لو مُتَعَدِّيًا كَأَنْ حَفَرَ فيه وهو مُؤَجَّرٌ أو مَرْهُونٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُكْتَرِي أو الْمُرْتَهِنِ وَدَخَلَ رَجُلٌ دَارِهِ بِالْإِذْنِ وَأَعْلَمَهُ أَنَّ هُنَا بِئْرًا أو كانت مَكْشُوفَةً وَالتَّحَرُّزُ منها مُمْكِنٌ فَهَلَكَ بها لم يَضْمَنْ وَذِكْرُ الْمِلْكِ مِثَالٌ وَالْمُرَادُ ما يُسْتَحَقُّ مَنْفَعَتُهُ وَلَوْ بِإِجَارَةٍ أو وَصِيَّةٍ أَمَّا إذَا لم يُعَرِّفْهُ بها وَالدَّاخِلُ أَعْمَى أو الْمَوْضِعُ مُظْلِمٌ أَيْ أو الْبِئْرُ مُغَطَّاةٌ فَفِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ كما لو دَعَاهُ إلَى طَعَامٍ مَسْمُومٍ فَأَكَلَهُ فَيَضْمَنُ فَلَوْ حَفَرَ بِئْرًا في دِهْلِيزِ دَارِهِ وَدَعَا إلَيْهِ إنْسَانًا فَهَلَكَ بها فَقَدْ سَبَقَتْ في أَوَّلِ الْجِنَايَاتِ وَتَقَدَّمَ تَقْرِيرُهَا ثُمَّ
فَرْعٌ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ في الشَّارِعِ وَحَفْرُ بِئْرٍ في الْمَسْجِدِ وَوَضْعُ سِقَايَةٍ على بَابِ دَارِهِ لِيَشْرَبَ الناس منها كَالْحَفْرِ في الشَّارِعِ فَلَا يَضْمَنُ الْهَالِكَ بِشَيْءٍ منها وَإِنْ لم يَأْذَنْ الْإِمَامُ إنْ لم يَضُرَّ بِالنَّاسِ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّقْيِيدِ بِعَدَمِ الضَّرَرِ في الْأَخِيرَتَيْنِ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ بَنَى أو حَفَرَ ما ذُكِرَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ فَعُدْوَانٌ إنْ أَضَرَّ بِالنَّاسِ أو لم يَأْذَنْ فيه الْإِمَامُ وَظَاهِرٌ أَنَّ بِنَاءَ الْمَسْجِدِ وَلَا تَصِيرُ بِهِ الْبُقْعَةُ بَلْ وَلَا الْبِنَاءُ مَسْجِدًا بَلْ لَا بُدَّ من لَفْظٍ يَحْصُلُ بِهِ ذلك قال الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ بَنَى مَسْجِدًا في مَوَاتٍ فَهَلَكَ بِهِ إنْسَانٌ لم يَضْمَنْهُ وَإِنْ لم يَأْذَنْ الْإِمَامُ وَلَا يَضْمَنُ بِتَعْلِيقِ قِنْدِيلٍ وَفَرْشِ حَصِيرٍ أو حَشِيشٍ وَنَصْبِ عُمُدٍ وَبِنَاءِ سَقْفٍ وَتَطْيِينِ جِدَارٍ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ في الْمَسْجِدِ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ من الْإِمَامِ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَيَضْمَنُ الْهَلَاكَ الْمُتَوَلِّدَ من جَنَاحٍ خَارِجٍ إلَى شَارِعٍ وَإِنْ كان إخْرَاجُهُ جَائِزًا بِأَنْ لم يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ سَوَاءٌ أَذِنَ فيه الْإِمَامُ أَمْ لَا لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ بِالشَّارِعِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ وَكَذَا يَضْمَنُ الْمُتَوَلِّدَ من جَنَاحٍ خَارِجٍ إلَى دَرْبٍ مُنْسَدٍّ ليس فيه مَسْجِدٌ أو نَحْوُهُ أو إلَى مِلْكِ غَيْرٍ
____________________
(4/71)
بِلَا إذْنٍ من أَهْلِ الدَّرْبِ في الْأُولَى وَالْمَالِكِ في الثَّانِيَةِ
وَإِنْ كان الْجَنَاحُ عَالِيًا لِتَعَدِّيهِ بِخِلَافِهِ بِالْإِذْنِ وَالدِّيَةُ في الْحُرِّ وَالْقِيمَةُ في الرَّقِيقِ على الْعَاقِلَةِ إنْ تَلِفَا بِذَلِكَ وَإِنْ تَلِفَ بِهِ مَالٌ ليس بِرَقِيقٍ فَفِي مَالِهِ يَجِبُ الضَّمَانُ أَمَّا إذَا كان فيه مَسْجِدٌ أو نَحْوُهُ فَهُوَ كَالشَّارِعِ كما نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ في الصُّلْحِ
فَصْلٌ لَا يَضْمَنُ الْمَالِكُ التَّصَرُّفَ الْمُعْتَادَ في مِلْكِهِ أَيْ ما يَتَوَلَّدُ منه إذْ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَتَصَرَّفَ في مِلْكِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى حَرَجٍ عَظِيمٍ وَيَنْجَرَّ إلَى بُطْلَانِ فَائِدَةِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَلَا يَرْغَبُ فيه كُلُّ أَحَدٍ كَمَنْ نَصَبَ فيه أَيْ في مِلْكِهِ سِكِّينًا أو شَبَكَةً فَأَهْلَكَتْ شيئا أو وَضَعَ جَرَّةً على طَرَفِ سَطْحٍ له فَسَقَطَتْ بِرِيحٍ أو هَدْمٍ لِمَحَلِّهَا بِبَلِّهَا فَأَهْلَكَتْ شيئا أو أَوْقَفَ دَابَّةً في مِلْكِهِ فَرَفَسَتْ رَجُلًا فَأَهْلَكَتْهُ وَلَوْ كان خَارِجَ مِلْكِهِ أو نَجَّسَتْ ثَوْبَهُ مَثَلًا أو كَسَرَ حَطَبًا فيه أَيْ في مِلْكِهِ فَتَطَايَرَ منه شَيْءٌ فَأَهْلَكَ شيئا أو حَفَرَ فيه بِئْرًا أو بَالُوعَةً فَتَنَدَّى جِدَارُ جَارِهِ فَانْهَدَمَ أو غَارَتْ بِذَلِكَ بِئْرُهُ أَيْ مَاؤُهَا أو تَغَيَّرَتْ فإنه لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ الْمُلَّاكَ لَا يَسْتَغْنُونَ عن مِثْلِ ذلك بِخِلَافِ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ كما مَرَّ فَقَوْلُهُ لم يَضْمَنْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَكَأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّهُ جَوَابُ شَرْطٍ تَقَدَّمَ فَإِنْ وَسَّعَ حَفَرَهَا أو قَرَّبَهَا من الْجِدَارِ أَيْ جِدَارِ جَارِهِ خِلَافَ الْعَادَةِ أو وَضَعَ في أَصْلِ جِدَارِ غَيْرِهِ سِرْجِينًا أو لم يَطْوِ بِئْرَهُ وَمِثْلُهَا أَيْ مِثْلُ أَرْضِهَا يَنْهَارُ إذَا لم تُطْوَ ضَمِنَ ما هَلَكَ بِذَلِكَ لِتَقْصِيرِهِ
وَلَا يَضْمَنُ الْمُتَوَلِّدَ من نَارٍ أَوْقَدَهَا في مِلْكِهِ وَطَرَفِ سَطْحِهِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ أو على سَطْحِهِ إلَّا إنْ أَوْقَدَ هَا وَأَكْثَرَ في الْإِيقَادِ خِلَافَ الْعَادَةِ أو أَوْقَدَهَا في يَوْمِ رِيحٍ عَاصِفٍ أَيْ شَدِيدٍ فَيَضْمَنُ كَطَرْحِهَا في مِلْكِ غَيْرِهِ إلَّا الْأَوْلَى لَا إنْ عَصَفَ الرِّيحُ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الْإِيقَادِ فَلَا يَضْمَنُ لِعُذْرِهِ نعم إنْ أَمْكَنَهُ إطْفَاؤُهُ فَتَرَكَهُ قال الْأَذْرَعِيُّ فَفِي عَدَمِ تَضْمِينِهِ نَظَرٌ
وَإِنْ سَقَى أَرْضَهُ كَالْعَادَةِ فَخَرَجَ الْمَاءُ من جُحْرٍ فَأَهْلَكَ شيئا لم يَضْمَنْهُ إلَّا إنْ سَقَى فَوْقَ الْعَادَةِ أو عَلِمَ بِالْجُحْرِ ولم يَحْتَطْ فَيَضْمَنُ لِتَقْصِيرِهِ
فَصْلٌ إذَا كان الْمِيزَابُ كُلُّهُ خَارِجًا عن الْجِدَارِ بِأَنْ سَمَّرَ عليه أو بَعْضُهُ دَاخِلًا فيه وَبَعْضُهُ خَارِجًا عنه فَهَلَكَ بِالْخَارِجِ فِيهِمَا إنْسَانٌ حُرٌّ لَزِمَهُ الدِّيَةُ أو غَيْرُهُ لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ كما في الْجَنَاحِ وَكَمَا لو طَرَحَ تُرَابًا في الطَّرِيقِ لِيُطَيِّنَ بِهِ سَطْحَهُ فَزَلَقَ بِهِ إنْسَانٌ وَهَلَكَ وَدَعْوَى ضَرُورَةِ الْبِنَاءِ إلَيْهِ مَمْنُوعَةٌ إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَّخِذَ لِمَاءِ السَّطْحِ بِئْرًا في دَارِهِ أو يُجْرِيَ الْمَاءَ في أُخْدُودٍ في الْجِدَارِ وَإِنْ سَقَطَ كُلُّهُ وَهَلَكَ بِالْخَارِجِ وَالدَّاخِلِ أو بَعْضِهِ أَيْ بَعْضِ كُلٍّ مِنْهُمَا أو بِطَرَفِ الْكُلِّ لَزِمَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ لِحُصُولِ التَّلَفِ من مَضْمُونٍ وَغَيْرِ مَضْمُونٍ وَإِنْ زَادَتْ مِسَاحَةُ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِثِقَلِ الْجَمِيعِ وَقَوْلُهُ أو بَعْضُهُ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ فَسَدَ بِمَائِهِ أَيْ الْمِيزَابِ ثَوْبُ مَارٍّ ضَمِنَ ما نَقَصَ بِهِ وَالضَّمَانُ بِالْجَنَاحِ كَهُوَ بِالْمِيزَابِ فِيمَا فَصَّلَهُ آنِفًا
وَالْجِدَارُ إنْ بُنِيَ أَيْ إنْ بَنَاهُ شَخْصٌ مُسْتَوِيًا أو مَائِلًا إلَى مِلْكِهِ أو مَوَاتٍ فَسَقَطَ وَأَتْلَفَ شيئا فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ في مِلْكِهِ ولم يُقَصِّرْ وَلِأَنَّ له أَنْ يَبْنِيَ في مِلْكِهِ كَيْفَ شَاءَ نعم إنْ كان مِلْكُهُ الْمَائِلِ إلَيْهِ الْجِدَارُ مُسْتَحَقًّا لِغَيْرِهِ بِإِجَارَةٍ أو وَصِيَّةٍ كان كما لو بَنَاهُ مَائِلًا إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْهَوَاءِ تَابِعَةٌ لِمَنْفَعَةِ الْقَرَارِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ
وَإِنْ بَنَاهُ مَائِلًا إلَى شَارِعٍ أو إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنٍ منه ضَمِنَ ما تَلِفَ بِهِ وَإِنْ أَذِنَ الْإِمَامُ فيه كَالسَّابَاطِ وَالْجَنَاحِ فَإِنْ مَالَ الْمُسْتَوِي إلَى ذلك أو غَيْرِهِ وَسَقَطَ وَتَلِفَ بِهِ شَيْءٌ لم يَضْمَنْهُ وَإِنْ أَمْكَنَ هَدْمُهُ وَإِصْلَاحُهُ وَأُمِرَ بِهِ بِأَنْ أَمَرَهُ بِهَدْمِهِ الْوَالِي أو غَيْرُهُ إذْ لَا صُنْعَ له في الْبَلِّ بِخِلَافِ الْمِيزَابِ وَنَحْوِهِ وَكَمِلْكِ الْغَيْرِ الدَّرْبَ الْمُنْسَدَّ أو نَحْوَهُ
____________________
(4/72)
وَلَوْ سَقَطَ ما بَنَاهُ مُسْتَوِيًا وَلَوْ بَعْدَ مَيْلِهِ إلَى شَارِعٍ أو غَيْرِهِ ولم يَرْفَعْهُ لم يَضْمَنْ ما تَلِفَ بِهِ لِأَنَّ السُّقُوطَ لم يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ نعم إنْ قَصَّرَ في رَفْعِهِ ضَمِنَ قَالَهُ جَمَاعَةٌ منهم الْمَاوَرْدِيُّ وقال الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْمُخْتَارُ وَلَوْ بَنَاهُ مَائِلًا بَعْضُهُ فَالضَّمَانُ بِالسَّاقِطِ منه كَهُوَ بِالْمِيزَابِ فِيمَا مَرَّ فيه من التَّفْصِيلِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَوْ اسْتَهْدَمَ الْجِدَارَ ولم يَمِلْ لم يَلْزَمْهُ نَقْضُهُ وَلَا ضَمَانَ ما تَوَلَّدَ منه لِأَنَّهُ لم يُجَاوِزْ مِلْكَهُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا مَالَ لَزِمَهُ ذلك وَلَيْسَ مُرَادًا
فَرْعٌ لو بَاعَ نَاصِبُ الْمِيزَابِ أو الْجَنَاحِ أو بَانِي الْجِدَارِ مَائِلًا الدَّارَ لم يَبْرَأْ من الضَّمَانِ أَيْ ضَمَانِ ما تَلِفَ بِذَلِكَ نعم لو بُنِيَ الْجِدَارُ مَائِلًا إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ عُدْوَانًا ثُمَّ بَاعَهُ منه وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ فَيُشْبِهُ أَنْ يَبْرَأَ بِذَلِكَ فَقَدَّرَ في حَفْرِ الْبِئْرِ في مِلْكِ الْغَيْرِ إنَّ رِضَاهُ بِبَقَائِهَا يُبَرِّئُ الْحَافِرَ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَنْ هَلَكَ بِهِ من الْآدَمِيِّينَ فَضَمَانُهُ على عَاقِلَةِ الْبَائِعِ نعم إنْ كانت عَاقِلَتُهُ يوم السُّقُوطِ غَيْرَهَا يوم النَّصْبِ أو الْبِنَاءِ فَالضَّمَانُ عليه صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ في تَعْلِيقِهِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَائِلًا أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ الْمَائِلِ لِسَلَامَتِهِ من إيهَامِ أَنَّ الْجِدَارَ الْحَادِثَ مَيْلُهُ كَالْجِدَارِ الذي بَنَاهُ مَائِلًا وَلِصَاحِبِ الْمِلْكِ مُطَالَبَةُ من مَالَ جِدَارُهُ إلَى مِلْكِهِ بِالنَّقْضِ كَأَغْصَانِ الشَّجَرَةِ تَنْتَشِرُ إلَى هَوَاءِ مِلْكِهِ فإن له الْمُطَالَبَةَ بِإِزَالَتِهَا لَكِنْ لو تَلِفَ بها شَيْءٌ لم يَضْمَنْ مَالِكُهَا لِأَنَّ ذلك لم يَكُنْ بِصُنْعِهِ بِخِلَافِ الْمِيزَابِ وَنَحْوِهِ نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ في تَعْلِيقِهِ عن الْأَصْحَابِ
فَرْعٌ لو طَرَحَ قُمَامَةً أَيْ كُنَاسَةً أو قِشْرَ بِطِّيخٍ أو نَحْوَهُ أو مَتَاعًا في مِلْكِهِ أو في مَوَاتٍ أو أَلْقَى الْقُمَامَةَ في سُبَاطَةٍ مُبَاحَةٍ لم يَضْمَنْ ما تَلِفَ بِشَيْءٍ منها لِاطِّرَادِ الْعُرْفِ بِالْمُسَامَحَةِ بِذَلِكَ مع الْحَاجَةِ إلَيْهِ أو طَرَحَ شيئا منها في طَرِيقٍ ضَمِنَ ما تَلِفَ بِهِ سَوَاءٌ أَطَرَحَهُ في مَتْنِ الطَّرِيقِ أَمْ طَرَفِهِ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ بِالطَّرِيقِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ وَلِأَنَّ في ذلك مَضَرَّةً على الْمُسْلِمِينَ كَوَضْعِ الْحَجَرِ وَالسِّكِّينِ لَا من مَشَى عليه قَصْدًا فَهَلَكَ أَيْ لَا يَضْمَنُهُ الطَّارِحُ كما لو نَزَلَ الْبِئْرَ فَسَقَطَ وَخَرَجَ بِطَرْحِهَا ما لو وَقَعَتْ بِنَفْسِهَا بِرِيحٍ أو نَحْوِهِ فَلَا ضَمَانَ إلَّا إذَا قَصَّرَ في رَفْعِهَا بَعْدَ ذلك وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْحَمَّامِ في بَابِ إتْلَافِ الْبَهَائِمِ
وَيَضْمَنُ بِرَشِّ الْمَاءِ في الطَّرِيقِ لِمَصْلَحَتِهِ ما تَلِفَ بِهِ لِمَا مَرَّ لَا بِرَشِّهِ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ كَدَفْعِ الْغُبَارِ عن الْمَارَّةِ وَذَلِكَ كَحَفْرِ الْبِئْرِ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ هذا إنْ لم يُجَاوِزْ الْعَادَةَ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ كَبَلِّ الطِّينِ في الطَّرِيقِ وَلِتَقْصِيرِهِ نعم إنْ مَشَى على مَوْضِعِ الرَّشِّ قَصْدًا فَلَا ضَمَانَ كما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ وما ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ فِيمَا إذَا لم يُجَاوِزْ الْعَادَةَ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ وَإِنْ لم يَأْذَنْ الْإِمَامُ قال الزَّرْكَشِيُّ لَكِنَّ الذي صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وُجُوبُ الضَّمَانِ إذَا لم يَأْذَنْ له الْإِمَامُ وقال الْمُتَوَلِّي إنَّهُ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ ليس إلَيْهِ مُرَاعَاةُ الْمَصَالِحِ وَلِأَنَّ مُعْظَمَ غَرَضِهِ مَصْلَحَةُ نَفْسِهِ وهو أَنْ لَا يَتَأَذَّى بِالْغُبَارِ
انْتَهَى
وَإِنْ بَنَى دَكَّةً على بَابِ دَارِهِ في الطَّرِيقِ أو وَضَعَ مَتَاعَهُ في الطَّرِيقِ لَا في طَرَفِ حَانُوتِهِ ضَمِنَ ما تَعَثَّرَ وَتَلِفَ بِهِ لِمَا مَرَّ وَلِأَنَّهُ بَنَى الدَّكَّةَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا لم يَضْمَنْ ما تَلِفَ بِمَا
____________________
(4/73)
وَضَعَهُ بِطَرَفِ حَانُوتِهِ لِكَوْنِهِ مَوْضُوعًا فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو ظَاهِرٌ إذَا لم يُخْرِجْ من الْمَوْضُوعِ شيئا عن طَرَفِ الْحَانُوتِ وَإِلَّا فَهُوَ كَمَتَاعِ الطَّوَافِ وَالْجَنَاحِ وَنَحْوِهِمَا وَأَوْلَى بِالتَّضْمِينِ
وَإِنْ تَعَدَّى شَخْصٌ بِإِسْنَادِ خَشَبَةٍ إلَى جِدَارٍ لِغَيْرِهِ فَسَقَطَ على شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ أَيْ الْجِدَارَ وما تَلِفَ بِهِ وَإِنْ تَأَخَّرَ السُّقُوطُ عن الْإِسْنَادِ كما مَرَّ في آخِرِ الْغَصْبِ بِخِلَافِ ما لو فَتَحَ قَفَصًا عن طَائِرٍ وَطَارَ حَيْثُ يُفَرَّقَ فيه بين طَيَرَانِهِ في الْحَالِ وَطَيَرَانِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ لِأَنَّ الطَّائِرَ مُخْتَارٌ وَالْجَمَادَ لَا اخْتِيَارَ له أو أَسْنَدَهَا إلَى جِدَارِهِ أو جِدَارِ غَيْرِهِ بِلَا تَعَدٍّ فَسَقَطَ أو مَالَ في الْحَالِ لَا بَعْدَ حِينٍ ضَمِنَ ما أَتْلَفَهُ كما لو أَسْقَطَ جِدَارًا على مَالِ غَيْرِهِ أو بَنَاهُ مَائِلًا ثُمَّ سَقَطَ على ذلك بِخِلَافِ ما لو وَقَعَ ذلك بَعْدَ حِينٍ كما لو حَفَرَ بِئْرًا في مِلْكِهِ وَقَوْلُهُ أو مَالَ في الْحَالِ أَيْ ثُمَّ سَقَطَ وَإِنْ سَقَطَ بَعْدَ حِينٍ وَلَوْ حَذَفَ في الْحَالِ كان أَخْصَرَ
وَمَنْ نَخَسَ دَابَّةَ رَجُلٍ أو ضَرَبَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَوْ مُغَافَصَةً ضَمِنَ ما أَتْلَفَتْهُ بِسَبَبِ ذلك أو بِإِذْنِهِ وَلَوْ مُغَافَصَةً ضَمِنَ الْمَالِكُ ما أَتْلَفَتْهُ وَذِكْرُ الْمَالِكِ مِثَالٌ وَأَوْلَى منه التَّعْبِيرُ بِالرَّاكِبِ كما عَبَّرَ بِهِ في بَابِ إتْلَافِ الْبَهَائِمِ فإنه أَعَادَ الْمَسْأَلَةَ ثُمَّ وَأَوْلَى مِنْهُمَا مَعًا التَّعْبِيرُ بِمَنْ هِيَ معه وَقَوْلُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَعَمُّ من قَوْلِ أَصْلِهِ مُغَافَصَةً وَإِنْ اسْتَقْبَلَ دَابَّةً فَرَّتْ مِمَّنْ هِيَ معه فَرَدَّهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ ضَمِنَ ما أَتْلَفَتْهُ في انْصِرَافِهَا
فَرْعٌ لو قَرَصَ أو ضَرَبَ رَجُلًا حَامِلًا لِشَيْءٍ فَتَحَرَّكَ وَسَقَطَ ما يَحْمِلُهُ فَكَإِكْرَاهِهِ على إلْقَائِهِ فَيَضْمَنُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَصَوَّرَ الْأَصْلُ الْمَحْمُولَ بِالرَّجُلِ وهو مِثَالٌ وَلِهَذَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ
الطَّرَفُ الثَّالِثُ في اجْتِمَاعِ سَبَبَيْنِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ أَوَّلُهُمَا في التَّلَفِ لَا في الْوُجُودِ بِأَنْ وَضَعَ شَخْصٌ حَجَرًا مَثَلًا فَعَثَرَ بها رَجُلٌ كَأَنَّهُ يَرَى تَأْنِيثَ الْحَجَرِ وَتَذْكِيرَهُ فإنه أَنَّثَهُ هُنَا وَذَكَّرَهُ في الْفَصْلِ الْآتِي وَالْمَعْرُوفُ تَذْكِيرُهُ فَوَقَعَ في بِئْرٍ حَفَرَهَا آخَرُ حَالَةَ كَوْنِهِمَا مُتَعَدِّيَيْنِ فَهَلَكَ ضَمِنَ الْوَاضِعُ إذْ التَّلَفُ يُضَافُ إلَى الْحَجَرِ لِكَوْنِهِ الْمُلْجِئَ إلَى الْوُقُوعِ في الْبِئْرِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لو تَعَدَّى الْوَاضِعُ فَقَطْ كان الضَّمَانُ عليه وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ
فَإِنْ تَعَدَّى الْحَافِرُ فَقَطْ وَوَضَعَ الْآخَرُ الْحَجَرَ في مِلْكِهِ أو نَحْوِهِ فَالضَّمَانُ على الْمُتَعَدِّي لِتَعَدِّيهِ فَإِنْ وَضَعَهَا أَيْ الْحَجَرَ سَيْلٌ أو نَحْوُهُ كَسَبُعٍ وَحَرْبِيٍّ فَعَثَرَ بِهِ رَجُلٌ فَوَقَعَ في الْبِئْرِ فَهَلَكَ لم يَضْمَنْ الْمُتَعَدِّي بِالْحَفْرِ كما لو أَلْقَاهُ السَّبْعُ أو الْحَرْبِيُّ في الْبِئْرِ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ هذا في وَاضِعِ الْحَجَرِ في مِلْكِهِ وَاسْتَدَلَّ له الْأَصْلُ بِمَا يَأْتِي من أَنَّ الْحَافِرَ لو كان مَالِكًا لِلْبِئْرِ وَنَصَبَ غَيْرُهُ فيها سِكِّينًا فَوَقَعَ فيها إنْسَانٌ فَجَرَحَتْهُ فَلَا ضَمَانَ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَفَرَّقَ الْبُلْقِينِيُّ بين مَسْأَلَةِ وَاضِعِ الْحَجَرِ في مِلْكِهِ وَمَسْأَلَةِ السَّيْلِ وَنَحْوِهِ بِأَنَّ الْوَضْعَ في الْأُولَى فِعْلُ من يَقْبَلُ الضَّمَانَ فإذا سَقَطَ عنه لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ فَلَا يَسْقُطُ عن الْمُتَعَدِّي بِخِلَافِهِ في مَسْأَلَةِ السَّيْلِ وَنَحْوِهِ فإن فَاعِلَهُ ليس مُتَهَيِّئًا لِلضَّمَانِ أَصْلًا فَسَقَطَ الضَّمَانُ بِالْكُلِّيَّةِ
انْتَهَى
وَأَمَّا الْمُسْتَدَلُّ بِهِ فَيُحْمَلُ على ما إذَا كان الْوَقْعُ في الْبِئْرِ مُتَعَدِّيًا بِمُرُورِهِ أو كان النَّاصِبُ غير مُتَعَدٍّ وَلَا يَضْمَنُ نَاصِبُ سِكِّينٍ في بِئْرٍ حُفِرَتْ عُدْوَانًا جِرَاحَةً من سَقَطَ فيها فَجَرَحَتْهُ السِّكِّينُ بَلْ يَضْمَنُهَا الْحَافِرُ لِأَنَّ الْحَفْرَ هو الْمُلْجِئُ له إلَى السُّقُوطِ على السِّكِّينِ فَإِنْ كان الْحَافِرُ مَالِكًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا أَمَّا الْمَالِكُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْآخَرُ فَلِأَنَّ السُّقُوطَ في الْبِئْرِ هو الذي أَفْضَى إلَى السُّقُوطِ على السِّكِّينِ فَكَانَ الْحَافِرُ كَالْمُبَاشِرِ وَالْآخَرُ كَالْمُتَسَبِّبِ بَلْ هو غَيْرُ مُتَعَدٍّ على ما قَدَّمْته وَلَوْ كان بيده سِكِّينٌ فَأَلْقَى رَجُلٌ رَجُلًا عليها فَهَلَكَ ضَمِنَ ه الْمُلْقِي لَا صَاحِبُ السِّكِّينِ لِأَنَّهُ تَلَقَّاهُ بها فَيَضْمَنُ
فَرْعٌ قال الصَّيْمَرِيُّ لو وَقَعَا على بِئْرٍ دَفَعَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فلما هَوَى جَذَبَ معه الدَّافِعَ فَسَقَطَ فَمَاتَا فَإِنْ جَذَبَهُ طَمَعًا في التَّخَلُّصِ وَكَانَتْ الْحَالُ تُوجِبُ ذلك فَهُوَ مَضْمُونٌ وَلَا ضَمَانَ عليه وَإِنْ جَذَبَهُ لَا لِذَلِكَ بَلْ لِإِتْلَافِ الْمَجْذُوبِ وَلَا طَرِيقَ إلَى خَلَاصِ نَفْسِهِ بِمِثْلِ ذلك فَكُلٌّ مِنْهُمَا ضَامِنٌ لِلْآخَرِ كما لو تَجَرَّحَا وَمَاتَا
فَرْعٌ يَتَنَاصَفُ الضَّمَانَ حَافِرٌ وَمُعَمِّقٌ لِبِئْرٍ بِأَنْ حَفَرَهَا وَاحِدٌ ثُمَّ عَمَّقَهَا آخَرُ وَلَوْ تَفَاضَلَا في الْحَفْرِ كَأَنْ حَفَرَ أَحَدُهُمَا ذِرَاعًا وَالْآخَرُ ذِرَاعَيْنِ كَالْجِرَاحَاتِ وَلَوْ طَمَّتْ بِئْرٌ حُفِرَتْ عُدْوَانًا فَنَبَشَهَا آخَرُ فَالضَّمَانُ عليه لِانْقِطَاعِ أَثَرِ الْحَفْرِ الْأَوَّلِ بِالطَّمِّ سَوَاءٌ أَكَانَ الطَّامُّ الْحَافِرَ أَمْ غَيْرَهُ فَعِبَارَتُهُ أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ وَلَوْ حَفَرَ بِئْرًا وَطَمَّهَا
فَصْلٌ لو عَثَرَ بِحَجَرٍ وُضِعَ عُدْوَانًا فَدَحْرَجَهُ فَأَتْلَفَ شيئا انْتَقَلَ الضَّمَانُ من الْوَاضِعِ إلَى
____________________
(4/74)
الْمُدَحْرِجِ لِأَنَّ الْحَجَرَ إنَّمَا حَصَلَ هُنَاكَ بِفِعْلِهِ وَقَوْلُهُ عُدْوَانًا من زِيَادَتِهِ وَلَوْ تَرَكَهُ كان أَوْلَى وَإِنْ كان حُكْمُ الْوَاضِعِ بِلَا عُدْوَانٍ مَفْهُومًا بِالْأَوْلَى وَالتَّعْبِيرُ بِالِانْتِقَالِ من تَصَرُّفِهِ وهو إنَّمَا يُنَاسِبُ زِيَادَتَهُ الْمَذْكُورَةَ
وَلَوْ وَضَعَ إنْسَانٌ حَجَرًا في طَرِيقٍ عُدْوَانًا وَآخَرَانِ حَجَرًا بِجُبِّهِ كَذَلِكَ فَعَثَرَ بِهِمَا إنْسَانٌ وَهَلَكَ فَالضَّمَانُ أَثْلَاثٌ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ أَفْعَالُهُمْ كَالْجِرَاحَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ
وَإِنْ عَثَرَ الْمَاشِي بِوَاقِفٍ أو قَاعِدٍ أو نَائِمٍ في مِلْكِهِ أو نَحْوِهِ فَهَلَكَا أو أَحَدُهُمَا فَالْمَاشِي ضَامِنٌ وَمُهْدَرٌ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ وَغَيْرَهُ دُونَهُمْ فَلَيْسُوا بِضَامِنِينَ وَلَا مُهْدِرِينَ وَإِنَّمَا يُهْدَرُ الْمَاشِي إنْ دخل بِلَا إذْنٍ من الْمَالِكِ فَإِنْ دخل بِإِذْنِهِ لم يُهْدَرْ وَذِكْرُ النَّائِمِ من زِيَادَتِهِ وَيُهْدَرُ الْعَاثِرُ فَقَطْ بِقَاعِدٍ في طَرِيقٍ وَاسِعٍ أو نَحْوِهِ بِحَيْثُ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَارَّةُ لِمَا مَرَّ وَكَالْقَاعِدِ الْوَاقِفُ وَالنَّائِمُ كما صَرَّحَ بِالْأَوَّلِ الْأَصْلُ وَبِالثَّانِي الْمِنْهَاجُ وَأَصْلُهُ
وَمَتَى ضَاقَ الطَّرِيقُ أُهْدِرَ النَّائِمُ وَالْقَاعِدُ لَا الْعَاثِرُ بِهِمَا وَالْقَائِمُ فيه مَضْمُونٌ على الْعَاثِرِ وَالْعَاثِرُ بِهِ أَيْ بِالْقَائِمِ مُهْدَرٌ لِأَنَّ الْقِيَامَ من مَرَافِقِ الشَّارِعِ كَالْمَشْيِ لَكِنَّ الْهَلَاكَ حَصَلَ بِحَرَكَةِ الْمَاشِي فَخُصَّ بِالضَّمَانِ وَالْقُعُودُ وَالنَّوْمُ لَيْسَا من مَرَافِقِ الطَّرِيقِ فَمَنْ فَعَلَهُمَا فَقَدْ تَعَدَّى وَعَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْهَلَاكِ فَإِنْ تَنَحَّى الْقَائِمُ أَيْ انْحَرَفَ إلَيْهِ أَيْ إلَى الْمَاشِي لَمَّا قَرُبَ منه لَا عنه فَأَصَابَهُ في انْحِرَافِهِ فَكَمَا شَيْئَيْنِ اصْطَدَمَا وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ بِخِلَافِ ما إذَا انْحَرَفَ عنه فَأَصَابَهُ في انْحِرَافِهِ أو انْحَرَفَ إلَيْهِ فَأَصَابَهُ بَعْدَ تَمَامِ انْحِرَافِهِ فَحُكْمُهُ كما لو كان وَاقِفًا لَا يَتَحَرَّكُ وَالْقَائِمُ في طَرِيقٍ وَاسِعٍ أو ضَيِّقٍ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ كَسَرِقَةٍ أو أَذًى كَالْقَاعِدِ في ضَيِّقٍ نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ وَالْمَسْجِدُ بِالنِّسْبَةِ لِقَاعِدٍ أو قَائِمٍ فيه وَكَذَا نَائِمٌ مُعْتَكِفٌ فيه كَالْمِلْكِ لهم فَعَلَى عَاقِلَةِ الْعَاثِرِ دِيَتُهُمْ وهو مُهْدَرٌ وفي تَشْبِيهِ ذلك بِالْمِلْكِ رَمْزٌ إلَى أَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَنْ له الْمُكْثُ بِالْمَسْجِدِ بِخِلَافِ ما لو امْتَنَعَ عليه كَجُنُبٍ وَحَائِضٍ وَكَافِرٍ دخل بِلَا إذْنٍ والمسجد لِنَائِمٍ فيه غَيْرِ مُعْتَكِفٍ وَقَاعِدٍ أو قَائِمٍ فيه لِمَا يُنَزَّهُ عنه الْمَسْجِدُ كَالطَّرِيقِ فَيُفَصَّلُ فيه بين الْوَاسِعِ وَالضَّيِّقِ كما مَرَّ وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ الْقَائِمُ فيه لِذَلِكَ فَكَالْقَاعِدِ في ضَيِّقٍ وما تَقَدَّمَ من تَضْمِينِ وَاضِعِ الْقُمَامَةِ وَالْحَجَرِ وَالْحَافِزِ وَالْمُدَحْرِجِ وَالْعَاثِرِ وَغَيْرِهِمْ الْمُرَادُ بِهِ وُجُوبُ الضَّمَانِ على عَاقِلَتِهِمْ بِالدِّيَةِ أو بَعْضِهَا
فَصْلٌ لو وَقَعَ إنْسَانٌ في بِئْرٍ فَوَقَعَ عليه آخَرُ عَمْدًا بِغَيْرِ جَذْبٍ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ فَقَتَلَهُ فَالْقِصَاصُ عليه إنْ قَتَلَ مِثْلُهُ مثله غَالِبًا لِضَخَامَتِهِ وَعُمْقِ الْبِئْرِ وَضِيقِهَا فَهُوَ كما لو رَمَاهُ بِحَجَرٍ فَقَتَلَهُ فَإِنْ مَاتَ الْآخَرُ فَالضَّمَانُ في مَالِهِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُقْتَلْ مِثْلُهُ غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ وَإِنْ سَقَطَ عليه خَطَأً بِأَنْ لم يَخْتَرْ الْوُقُوعَ أو لم يَعْلَمْ وُقُوعَ الْأَوَّلِ وَمَاتَ بِثِقَلِهِ عليه وَبِانْصِدَامِهِ بِالْبِئْرِ فَنِصْفُ الدِّيَةِ عليه أَيْ على عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَةِ الْأَوَّلِ وَنِصْفٌ أَيْ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ على عَاقِلَةِ الْحَافِرِ لِأَنَّهُ مَاتَ بِوُقُوعِهِ في الْبِئْرِ وَبِوُقُوعِ الثَّانِي عليه هذا إنْ كان الْحَفْرُ عُدْوَانًا وَإِلَّا فَهَدَرٌ أَيْ النِّصْفُ الْآخَرُ وإذا غَرِمَ عَاقِلَةُ الثَّانِي في صُورَةِ الْحَفْرِ عُدْوَانًا رَجَعُوا بِمَا غَرِمُوهُ على عَاقِلَةِ الْحَافِرِ لِأَنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ مُخْتَارٍ في وُقُوعِهِ عليه بَلْ أَلْجَأَهُ الْحَفْرُ إلَيْهِ فَهُوَ كَالْمُكْرَهِ مع الْمُكْرِهِ له على إتْلَافِ مَالٍ بَلْ أَوْلَى لِانْتِفَاءِ قَصْدِهِ هُنَا بِالْكُلِّيَّةِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ لِوَرَثَةِ الْأَوَّلِ مُطَالَبَةَ عَاقِلَةِ الْحَافِرِ بِجَمِيعِ الدِّيَةِ وَلَا رُجُوعَ لهم على أَحَدٍ لِأَنَّ الْقَرَارَ عليهم ذَكَرَ ذلك الرَّافِعِيُّ
فَإِنْ نَزَلَ الْأَوَّلُ في الْبِئْرِ ولم يَنْصَدِمْ فَوَقَعَ عليه آخَرُ فَقَتَلَهُ فَالْكُلُّ أَيْ كُلُّ دِيَةِ الْأَوَّلِ على عَاقِلَةِ الثَّانِي لِأَنَّهُ الْقَاتِلُ فَإِنْ مَاتَ الثَّانِي فَضَمَانُهُ على عَاقِلَةِ الْحَافِرِ الْمُتَعَدِّي بِحَفْرِهِ لَا إنْ أَلْقَى نَفْسَهُ في الْبِئْرِ عَمْدًا فَلَا ضَمَانَ فيه لِأَنَّهُ الْقَاتِلُ لِنَفْسِهِ وَإِنْ مَاتَا مَعًا فَالْحُكْمُ في حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا كما سَبَقَ فِيمَا إذَا مَاتَ وَحْدَهُ
وَلَوْ حُفِرَتْ بِئْرٌ عُدْوَانًا وَسَقَطَ فيها ثَلَاثَةٌ وَتَرَتَّبُوا في السُّقُوطِ وَمَاتُوا فَثُلُثَا دِيَةِ الْأَوَّلِ على عَاقِلَةِ الْأَخِيرَيْنِ وَثُلُثٌ أَيْ وَالثُّلُثُ الْبَاقِي على عَاقِلَةِ الْحَافِرِ وَقِيلَ يَجِبُ دِيَةُ الْأَوَّلِ على عَاقِلَةِ الْأَخِيرَيْنِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَدِيَةُ الثَّانِي على عَاقِلَتَيْ الثَّالِثِ وَالْحَافِرِ نِصْفَيْنِ وَدِيَةُ الثَّالِثِ على عَاقِلَةِ الْحَافِرِ وَإِنْ جَذَبَ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ إلَى الْبِئْرِ فَوَقَعَ فَوْقَهُ وَمَاتَا ضَمِنَتْهُ عَاقِلَتُهُ لِأَنَّهُ مَاتَ بِجَذْبِهِ فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ وَأَلْقَاهُ في الْبِئْرِ إلَّا أَنَّهُ قَصَدَ الِاسْتِمْسَاكَ وَالتَّحَرُّزَ عن الْوُقُوعِ فَكَانَ
____________________
(4/75)
مُخْطِئًا وَيَتَعَلَّقُ بِعَاقِلَةِ الْحَافِرِ نِصْفُ دِيَةِ الْأَوَّلِ وَيُهْدَرُ النِّصْفُ الْآخَرُ لِأَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبَيْنِ صَدْمَةِ الْبِئْرِ وَثِقَلِ الثَّانِي وهو مَنْسُوبٌ إلَيْهِ فَإِنْ جَذَبَ الثَّانِي ثَالِثًا وَمَاتُوا فَعَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي ثُلُثُ دِيَةِ الْأَوَّلِ وَثُلُثٌ منها هَدَرٌ وَثُلُثٌ آخَرُ يَتَعَلَّقُ بِعَاقِلَةِ الْحَافِرِ لِأَنَّهُ مَاتَ بِثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ صَدْمَةِ الْبِئْرِ وَثِقَلِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ لَكِنَّ ثِقَلَ الثَّانِي مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَعَلَى عَاقِلَةِ الْأَوَّلِ نِصْفُ دِيَةِ الثَّانِي وَيُهْدَرُ النِّصْفُ الْآخَرُ لِأَنَّهُ مَاتَ بِجَذْبِ الْأَوَّلِ وَجَذْبِهِ لِلثَّالِثِ وهو مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَلَا أَثَرَ لِلْحَفْرِ في حَقِّهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَقَعَ في الْبِئْرِ بِالْجَذْبِ وهو مُبَاشَرَةٌ أو سَبَبٌ فَيُقَدَّمُ على الشَّرْطِ وَعَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي دِيَةُ الثَّالِثِ لِأَنَّهُ الذي أَهْلَكَهُ بِجَذْبِهِ فَلَوْ جَذَبَ الثَّالِثُ رَابِعًا وَمَاتُوا فَعَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ نِصْفُ دِيَةِ الْأَوَّلِ وَرُبُعٌ منها يَتَعَلَّقُ بِعَاقِلَةِ الْحَافِرِ وَرُبُعٌ آخَرُ هَدَرٌ لِأَنَّهُ مَاتَ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَابٍ صَدْمَةِ الْبِئْرِ وَثِقَلِ الثَّلَاثَةِ لَكِنَّ ثِقَلَ الثَّانِي مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَعَلَى عَاقِلَةِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ ثُلُثَا دِيَةِ الثَّانِي وَثُلُثٌ منها هَدَرٌ لِأَنَّهُ مَاتَ بِثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ جَذْبِ الْأَوَّلِ له وَثِقَلُ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَثِقَلُ الثَّالِثِ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَعَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي نِصْفُ دِيَةِ الثَّالِثِ وَنِصْفٌ منها هَدَرٌ لِأَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبَيْنِ جَذْبِ الثَّانِي له وَثِقَلِ الرَّابِعِ وهو مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَعَلَى عَاقِلَةِ الثَّالِثِ دِيَةُ الرَّابِعِ لِأَنَّهُ الذي أَهْلَكَهُ بِجَذْبِهِ
وَإِنْ لم يَقَعْ كُلُّ مَجْذُوبٍ على جَاذِبِهِ بَلْ وَقَعَ كُلٌّ منهم في نَاحِيَةٍ فَدِيَةُ كل مَجْذُوبٍ على عَاقِلَةِ جَاذِبِهِ وَالْأَوَّلُ دِيَتُهُ تَتَعَلَّقُ بِعَاقِلَةِ الْحَافِرِ أَمَّا إذَا حُفِرَتْ الْبِئْرُ بِغَيْرِ عُدْوَانٍ فَلَا شَيْءَ على حَافِرِهَا وَمَنْ وَجَبَتْ في هذه الْمَسَائِلِ على عَاقِلَتِهِ دِيَةٌ أو بَعْضُهَا فَالْكَفَّارَةُ تَجِبُ في مَالِهِ كما تَكُونُ في مَالِهِ في غَيْرِ هذه الْمَسَائِلِ
الطَّرَفُ الرَّابِعُ في اجْتِمَاعِ سَبَبَيْنِ مُتَقَاوِمَيْنِ فَإِنْ اصْطَدَمَا أَيْ حُرَّانِ كَامِلَانِ فَمَاتَا سَوَاءٌ كَانَا رَاكِبَيْنِ أو مَاشِيَيْنِ أو مَاشٍ طَوِيلٍ وَرَاكِبٍ الْأَوْلَى أو مَاشِيًا طَوِيلًا وَرَاكِبًا غَلَبَتْهُمَا الدَّابَّتَانِ أو لَا وَسَوَاءٌ اتَّفَقَا أَيْ الْمَرْكُوبَانِ جِنْسًا وَقُوَّةً كَفَرَسَيْنِ أَمْ لَا كَفَرَسٍ وَبَعِيرٍ أو بَغْلٍ وَسَوَاءٌ اتَّفَقَ سَيْرُهُمَا أو اخْتَلَفَ كَأَنْ كان أَحَدُهُمَا يَمْشِي وَالْآخَرُ يَعْدُو وَسَوَاءٌ أَكَانَا مُقْبِلَيْنِ أَمْ مُدْبِرَيْنِ أَمْ أَحَدُهُمَا مُقْبِلًا وَالْآخَرُ مُدْبِرًا وَسَوَاءٌ أَوَقَعَا مُنْكَبَّيْنِ أَمْ مُسْتَلْقِيَيْنِ أَمْ أَحَدُهُمَا مُنْكَبًّا وَالْآخَرُ مُسْتَلْقِيًا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةٍ مُخَفَّفَةٍ لِوَارِثِ الْآخِرِ لِأَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ الْآخَرِ فَفِعْلُهُ هَدَرٌ في حَقِّ نَفْسِهِ مَضْمُونٌ في حَقِّ الْآخَرِ وَالتَّصْرِيحُ بِمُخَفَّفَةٍ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ هذا إذَا لم يَتَعَمَّدَا الِاصْطِدَامَ كَأَنْ كَانَا أَعْمَيَيْنِ أو غَافِلَيْنِ أو في ظُلْمَةٍ فَلَوْ تَعَمَّدَا
ه فَشِبْهُ عَمْدٍ لَا عَمْدٌ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الِاصْطِدَامَ لَا يُفْضِي إلَى الْمَوْتِ فَلَا يَتَحَقَّقُ فيه الْعَمْدُ الْمَحْضُ وَكَذَلِكَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قِصَاصٌ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةٍ مُغَلَّظَةٍ لِوَارِثِ الْآخَرِ وَإِنْ تَعَمَّدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ من التَّخْفِيفِ وَالتَّغْلِيظِ ثُمَّ مَحَلُّ ذلك كُلِّهِ إذَا لم تَكُنْ إحْدَى الدَّابَّتَيْنِ ضَعِيفَةً بِحَيْثُ يُقْطَعُ بِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِحَرَكَتِهَا مع قُوَّةِ الْأُخْرَى فَإِنْ كانت كَذَلِكَ لم يَتَعَلَّقْ بِحَرَكَتِهَا حُكْمٌ كَغَرْزِ الْإِبْرَةِ في جِلْدَةِ الْعَقِبِ مع الْجِرَاحَاتِ الْعَظِيمَةِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ وَجَزَمَ بِهِ ابن عبد السَّلَامِ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ سَوَاءٌ أَكَانَ أَحَدُ الرَّاكِبَيْنِ على فِيلٍ وَالْآخَرُ على كَبْشٍ لِأَنَّا لَا نَقْطَعُ بِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِحَرَكَةِ الْكَبْشِ مع حَرَكَةِ الْفِيلِ وَمِثْلُ ذلك يَأْتِي في الْمَاشِيَيْنِ كما قَالَهُ ابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَعَلَى كُلٍّ من الْمُصْطَدِمَيْنِ في تَرِكَتِهِ كَفَّارَتَانِ إحْدَاهُمَا لِقَتْلِ نَفْسِهِ وَالْأُخْرَى لِقَتْلِ صَاحِبِهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا في إهْلَاكِ نَفْسَيْنِ
وعلى كُلٍّ مِنْهُمَا في تَرِكَتِهِ نِصْفُ قِيمَةِ دَابَّةِ الْآخَرِ أَيْ مَرْكُوبِهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا في الْإِتْلَافِ مع هَدَرِ فِعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا في حَقِّ نَفْسِهِ وقد يَجِيءُ التَّقَاصُّ في ذلك وَلَا يَجِيءُ في الدِّيَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ عَاقِلَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَرَثَتَهُ وَعُدِمَتْ الْإِبِلُ هذا إذَا كانت الدَّابَّتَانِ لَهُمَا فَإِنْ كَانَتَا لِغَيْرِهِمَا كَالْمُعَارَيْنِ وَالْمُسْتَأْجِرِينَ لم يُهْدَرْ مِنْهُمَا شَيْءٌ لِأَنَّ الْمُعَارَ وَنَحْوَهُ مَضْمُونَانِ
____________________
(4/76)
وَكَذَا الْمُسْتَأْجَرُ وَنَحْوُهُ إذَا أَتْلَفَهُ ذُو الْيَدِ أَمَّا غَيْرُ الْحُرَّيْنِ الْكَامِلَيْنِ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُمَا
فَرْعٌ لو تَجَاذَبَا حَبْلًا لَهُمَا أو لِغَيْرِهِمَا فَانْقَطَعَ وَسَقَطَا وَمَاتَا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ وَهُدِرَ الْبَاقِي لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَاتَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ الْآخَرِ سَوَاءٌ أَسَقَطَا مُنْكَبَّيْنِ أَمْ مُسْتَقِلَّيْنِ أَمْ أَحَدُهُمَا كَذَا وَالْآخَرُ كَذَاك فَإِنْ قَطَعَهُ غَيْرُهُمَا فَمَاتَا فَدِيَتُهُمَا على عَاقِلَتِهِ لِأَنَّهُ الْقَاتِلُ لَهُمَا وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بِإِرْخَاءِ الْآخَرِ الْحَبْلَ فَنِصْفُ دِيَتِهِ على عَاقِلَتِهِ وَهُدِرَ الْبَاقِي لِأَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِهِمَا وَإِنْ كان الْحَبْلُ لِأَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ ظَالِمٌ فَالظَّالِمُ هَدَرٌ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ نِصْفُ دِيَةِ الْمَالِكِ وَالْمَجْنُونَانِ وَالصَّبِيَّانِ وَالْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ في اصْطِدَامِهِمَا كَالْكَامِلَيْنِ فيه إنْ رَكِبَا بِأَنْفُسِهِمَا وَكَذَا لو أَرْكَبَهُمَا الْوَلِيُّ لِمَصْلَحَتِهِمَا وَكَانَا مِمَّنْ يَضْبِطَانِ الْمَرْكُوبَ فَلَا ضَمَانَ على الْوَلِيِّ إذْ لَا تَقْصِيرَ قال الزَّرْكَشِيُّ في شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَيُشْبِهُ أَنَّ الْوَلِيَّ من له وِلَايَةُ التَّأْدِيبِ من أَبٍ وَغَيْرِهِ خَاصٍّ وَغَيْرِهِ وقال في الْخَادِمِ ظَاهِرٌ وَكَلَامُهُمْ أَنَّهُ وَلِيُّ الْمَالِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ وَلِيُّ الْحَضَانَةِ الذَّكَرُ وَبِهِ جَزَمَ الْبُلْقِينِيُّ فَلَوْ أَرْكَبَهُمَا أَجْنَبِيٌّ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ وَلَوْ لِمَصْلَحَتِهِمَا فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتَاهُمَا وَعَلَيْهِ قِيمَةُ دَابَّتَيْهِمَا لِتَعَدِّيهِ بِذَلِكَ أو أَرْكَبَهُمَا أَجْنَبِيَّانِ كُلٌّ وَاحِدًا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَتِهِمَا وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ قِيمَةِ الدَّابَّتَيْنِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ النِّصْفَيْنِ مُتَعَدِّيًا وعلى كُلٍّ مِنْهُمَا ضَمَانُ ما أَتْلَفَتْهُ دَابَّةُ من أَرْكَبَهُ قال في الْأَصْلِ قال في الْوَسِيطِ فَلَوْ تَعَمَّدَ الصَّبِيُّ وَالْحَالَةُ هذه وَقُلْنَا عَمْدُهُ عَمْدٌ احْتَمَلَ أَنْ يُحَالَ الْهَلَاكُ عليه لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ مُقَدَّمَةٌ على السَّبَبِ وَهَذَا احْتِمَالٌ حَسَنٌ وَالِاعْتِذَارُ عنه تَكَلُّفٌ
انْتَهَى
وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ أَنَّ ضَمَانَ الْمُرْكِبُ بِذَلِكَ ثَابِتٌ وَإِنْ كان الصَّبِيَّانِ مِمَّنْ يَضْبِطَانِ الْمَرْكُوبَ وَقَضِيَّةُ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهُمَا إنْ كَانَا كَذَلِكَ فَهُمَا كما لو رَكِبَا بِأَنْفُسِهِمَا وَبِهِ جَزَمَ الْبُلْقِينِيُّ أَخْذًا من النَّصِّ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَإِنْ وَقَعَ الصَّبِيُّ فَمَاتَ ضَمِنَهُ الْمُرْكِبُ إنْ لم يَكُنْ أَرْكَبَهُ لِغَرَضٍ من فَرُوسِيَّةٍ وَنَحْوِهَا وَإِنْ أَرْكَبَهُ لِذَلِكَ وهو مِمَّنْ يَسْتَمْسِكُ على الدَّابَّةِ لم يَضْمَنْهُ وَقَوْلُ الْمُتَوَلِّي لَا فَرْقَ فيه بين الْوَلِيِّ وَالْأَجْنَبِيِّ حَمَلَهُ ابن الرِّفْعَةِ في الْأَجْنَبِيِّ على ما إذَا أَرْكَبَهُ بِإِذْنٍ مُعْتَبَرٍ وَإِنْ أَرْكَبَهُ الْوَلِيُّ جَمُوحًا ضَمِنَ لِتَعَدِّيهِ
وَلَوْ اصْطَدَمَ حَامِلَانِ فَمَاتَتَا مع الْجَنِينَيْنِ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدَةٍ في تَرِكَتِهَا أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ لِاشْتِرَاكِهِمَا في إهْلَاكِ أَرْبَعَةِ أَنْفُسٍ وَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْأُخْرَى كَغَيْرِهِمَا وَنِصْفُ الْغُرَّتَيْنِ لِأَنَّ الْحَامِلَ إذَا جَنَتْ على نَفْسِهَا فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا لَزِمَ عَاقِلَتَهَا الْغُرَّةُ فَلَا يُهْدَرُ منها شَيْءٌ بِخِلَافِ الدِّيَةِ لِأَنَّ الْجَنِينَ أَجْنَبِيٌّ عنهما بِخِلَافِ أَنْفُسِهِمَا
وَإِنْ اصْطَدَمَ عَبْدَانِ فَمَاتَا فَهَدَرٌ وَإِنْ تَفَاوَتَا قِيمَةً لِفَوَاتِ مَحَلِّ تَعَلُّقِ الْجِنَايَةِ نعم لو امْتَنَعَ بَيْعُهُمَا كَأَنْ كَانَا ابْنَيْ مُسْتَوْلَدَتَيْنِ لم يُهْدَرَا لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ كَالْمُسْتَوْلَدَتَيْنِ أو مَاتَ أَحَدُهُمَا فَنِصْفُ قِيمَتِهِ في رَقَبَةِ الْحَيِّ وَإِنْ أَثَّرَ فِعْلُ الْمَيِّتِ في الْحَيِّ نَقَصَا تَعَلَّقَ غُرْمُهُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمُتَعَلِّقِ بِرَقَبَةِ الْحَيِّ وَجَاءَ التَّقَاصُّ في ذلك الْمِقْدَارِ أو اصْطَدَمَ عَبْدٌ وَحُرٌّ فَمَاتَ الْعَبْدُ فَنِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ على عَاقِلَةِ الْحُرِّ وَهُدِرَ الْبَاقِي أو مَاتَ الْحُرُّ فَنِصْفُ دِيَتِهِ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ وَإِنْ مَاتَا مَعًا فَنِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ على عَاقِلَةِ الْحُرِّ ويتعلق بها الْأَوْلَى بِهِ نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ فَاتَتْ فَتَتَعَلَّقُ الدِّيَةُ بِبَدَلِهَا فَيَأْخُذُ السَّيِّدُ من
____________________
(4/77)
الْعَاقِلَةِ نِصْفَ الْقِيمَةِ وَيَدْفَعُ منه أو من غَيْرِهِ لِلْوَرَثَةِ نِصْفَ الدِّيَةِ
وَلِوَرَثَتِهِ أَيْ الْحُرِّ مُطَالَبَةُ الْعَاقِلَةِ أَيْ عَاقِلَتِهِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَإِنْ كان مِلْكًا لِلسَّيِّدِ لِيَتَوَثَّقُوا بِهِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْإِمَامِ وَنَقَلَ عنه أَيْضًا أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْمَجْنِيِّ عليه مُطَالَبَةُ قَاتِلِ الْجَانِي بِالْقِيمَةِ فِيمَا إذَا تَعَلَّقَ أَرْشٌ بِرَقَبَةِ عَبْدٍ فَقَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ وَأَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْمُرْتَهِنِ مُطَالَبَةُ قَاتِلِ الْمَرْهُونِ بِالْقِيمَةِ لِيَتَوَثَّقَ بها ثُمَّ قال وَلْيَكُنْ هذا مَبْنِيًّا على أَنَّ الْمُرْتَهِنَ هل له أَنْ يُخَاصِمَ الْجَانِيَ وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ
انْتَهَى
فما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَبْنِيٌّ على قَوْلِ الْإِمَامِ الْقَائِلِ بِأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُخَاصِمَ وهو ضَعِيفٌ أو اصْطَدَمَ مُسْتَوْلَدَتَانِ لِاثْنَيْنِ فَمَاتَتَا فَنِصْفُ قِيمَة كُلٍّ مِنْهُمَا على سَيِّدِ الْأُخْرَى لِأَنَّ ضَمَانَ جِنَايَةِ الْمُسْتَوْلَدَةِ على سَيِّدِهَا كما سَيَأْتِي في مَحَلِّهِ
وَيُهْدَرُ النِّصْفُ الْآخَرُ من كُلٍّ مِنْهُمَا لِشَرِكَتِهَا الْأُخْرَى في قَتْلِ نَفْسِهَا وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ أَيْ كُلًّا من السَّيِّدَيْنِ الْأَقَلُّ من أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَقِيمَةِ مُسْتَوْلَدَتِهِ على الْقَاعِدَةِ في إتْلَافِهَا وَيَتَقَاصَّانِ وَيَرْجِعُ أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ بِمَا زَادَ له إنْ كانت زِيَادَةً فَلَوْ كانت قِيمَةُ إحْدَاهُمَا مِائَةً وَالْأُخْرَى مِائَتَيْنِ رَجَعَ سَيِّدُهَا على سَيِّدِ الْأُولَى بِخَمْسِينَ لِأَنَّ نِصْفَ قِيمَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا هَدَرٌ كما مَرَّ وَنِصْفُهَا الْآخَرُ يَتَعَلَّقُ بِبَدَلِ الْأُخْرَى فَتَسْقُطُ خَمْسُونَ بِمِثْلِهَا فَيَفْضُلُ لِمَالِكِ النَّفِيسَةِ خَمْسُونَ فَإِنْ كَانَتَا حَامِلَيْنِ وقد مَاتَ جَنِينَاهُمَا مَعَهُمَا وَهُمَا رَقِيقَانِ فَعَلَى كُلٍّ من السَّيِّدَيْنِ مع نِصْفِ الْقِيمَةِ أَيْ قِيمَةِ مُسْتَوْلَدَةِ الْآخَرِ نِصْفُ عُشْرِهَا أَيْ عُشْرِ قِيمَتِهَا لِنِصْفِ جَنِينِهَا لِأَنَّ الْجَنِينَ الرَّقِيقَ يُضْمَنُ بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ أو وَهُمَا حُرَّانِ فَإِنْ كَانَا من شُبْهَةٍ فَعَلَى سَيِّدِ كُلٍّ مِنْهُمَا مع نِصْفِ قِيمَةِ الْأُخْرَى نِصْفُ غُرَّتَيْ جَنِينِهِمَا أو من السَّيِّدَيْنِ فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مع نِصْفِ قِيمَةِ الْأُخْرَى نِصْفُ غُرَّةِ جَنِينِ الْأُخْرَى وَيُهْدَرُ الْبَاقِي لِأَنَّ الْمُسْتَوْلَدَةَ إذَا جَنَتْ على نَفْسِهَا وَأَلْقَتْ جَنِينَهَا كان هَدَرًا وَيَتَقَاصَّانِ بِمِثْلِ ما مَرَّ
لَكِنَّ مَحَلَّهُ في الْغُرَّةِ عِنْدَ إعْوَازِ الرَّقِيقِ نعم إنْ كان لِأَحَدِ الْجَنِينَيْنِ مع سَيِّدِ أُمِّهِ جَدَّةٌ أُمُّ أُمٍّ وَارِثَةٌ وَإِنْ عَلَتْ وَلَا يَرِثُ معه غَيْرُهَا فَإِرْثُهَا في الْغُرَّةِ السُّدُسُ وقد أُهْدِرَ نِصْفُهُ أَيْ السُّدُسِ لِأَجْلِ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ سَيِّدِ بِنْتِهَا أَرْشَ جِنَايَتِهَا فَيُتَمِّمُ لها السُّدُسَ من نَصِيبِهِ بِنِصْفِ سُدُسٍ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذِهِ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَمِثْلُهَا ما لو كانت إحْدَاهُمَا حَامِلًا فَقَطْ وكان لِجَنِينِهَا جَدَّةٌ وَهِيَ التي في الرَّوْضَةِ وَلَوْ كان لِكُلٍّ من الْجَنِينَيْنِ جَدَّةٌ فَلَهَا على كل سَيِّدٍ نِصْفُ سُدُسِ الْغُرَّةِ وَيَقَعُ ما بَقِيَ لِلسَّيِّدَيْنِ في التَّقَاصِّ على ما مَرَّ وَقَوْلُهُ من نَصِيبِهِ من تَصَرُّفِهِ وَلَيْسَ قَيْدًا لِأَنَّ كُلَّ جَدَّةٍ لها على كل سَيِّدٍ نِصْفُ سُدُسِ غُرَّةٍ في ذِمَّتِهِ يُخْرِجُهُ من أَيِّ مَالٍ من أَمْوَالِهِ شَاءَ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْجَدَّةَ إنَّمَا تَسْتَحِقُّ ما ذُكِرَ إذَا كانت قِيمَةُ كل أَمَةٍ تَحْتَمِلُ نِصْفَ غُرَّةٍ فَأَكْثَرَ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَلْزَمُهُ الْفِدَاءُ إلَّا بِأَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ كما مَرَّ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ حُكْمُ ما لو كان أَحَدُ الْجَنِينَيْنِ من سَيِّدٍ وَالْآخَرُ من أَجْنَبِيٍّ أو كان أَحَدُهُمَا رَقِيقًا وَالْآخَرُ حُرًّا
وَإِنْ اصْطَدَمَ سَفِينَتَانِ بِفِعْلِ صَاحِبَيْهِمَا أَيْ مُجْرِيهمَا وَغَرِقَتَا بِمَا فِيهِمَا وَهُمَا وما فِيهِمَا مِلْكٌ لَهُمَا فَكَاصْطِدَامِ الرَّاكِبَيْنِ فِيمَا مَرَّ فَيُهْدَرُ نِصْفُ بَدَلِ كل سَفِينَةٍ وَنِصْفُ ما فيها وَيَلْزَمُ كُلًّا مِنْهُمَا لِلْآخَرِ نِصْفُ بَدَلِ سَفِينَتِهِ وَنِصْفُ ما فيها فَإِنْ مَاتَا بِذَلِكَ لَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا كَفَّارَتَانِ وَلَزِمَ عَاقِلَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ وَاسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيُّ من التَّشْبِيهِ الْمَذْكُورِ ما إذَا كان الْمَلَّاحَانِ صَبِيَّيْنِ وَأَقَامَهُمَا الْوَلِيُّ أو أَجْنَبِيٌّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ لِأَنَّ الْوَضْعَ في السَّفِينَةِ ليس بِشَرْطٍ وَلِأَنَّ الْعَمْدَ من الصَّبِيَّيْنِ هُنَا هو الْمُهْلِكُ وَاسْتُثْنِيَ منه أَيْضًا كَغَيْرِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقِصَاصِ وَلِلدِّيَاتِ من حَيْثُ عَدَمُ تَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ لها ما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ حَمَلَا أَنْفُسًا وَأَمْوَالًا في سَفِينَتَيْهِمَا وَتَعَمَّدَا كَسْرَهُمَا الْأَوْلَى قَوْلُ الْأَصْلِ وَتَعَمَّدَ الِاصْطِدَامَ بِمُهْلِكٍ غَالِبًا اُقْتُصَّ مِنْهُمَا لِوَاحِدٍ بِالْقُرْعَةِ وَدِيَاتُ الْبَاقِينَ وَضَمَانُ الْأَمْوَالِ وَالْكَفَّارَاتُ حَالَةَ كَوْنِهَا بِعَدَدٍ من أَهْلَكَا من الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ في مَالِهِمَا فَلَوْ كان في كل سَفِينَةٍ عَشَرَةُ أَنْفُسٍ وَمَاتُوا مَعًا أو جُهِلَ
____________________
(4/78)
الْحَالُ وَجَبَ في مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا بَعْدَ قَتْلِهِمَا لِوَاحِدٍ من عِشْرِينَ بِالْقُرْعَةِ تِسْعُ دِيَاتٍ وَنِصْفٌ
وَعَلَى كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ قِيمَةِ ما في السَّفِينَتَيْنِ لَا يُهْدَرُ منه شَيْءٌ لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِغَيْرِهِمَا وَأَمَّا سَفِينَتَاهُمَا فَيُهْدَرُ نِصْفُهُمَا وَيَلْزَمُ كُلًّا مِنْهُمَا نِصْفُ بَدَلِ ما لِلْآخَرِ كما مَرَّ في الدَّابَّتَيْنِ وَيَقَعُ التَّقَاصُّ فِيمَا يَشْتَرِكَانِ فيه وَإِنْ تَعَمَّدَ الِاصْطِدَامَ بِمَا لَا يُهْلِكُ غَالِبًا وقد يُهْلِكُ فَشِبْهُ عَمْدٍ وَحُكْمُهُ كما مَرَّ إلَّا أَنَّهُ لَا يُوجَدُ قِصَاصًا وَتَكُونُ الدِّيَةُ على الْعَاقِلَةِ مُغَلَّظَةً وَإِنْ لم يَتَعَمَّدْ الِاصْطِدَامَ بَلْ ظَنَّا أَنَّهُمَا يَجْرِيَانِ على الرِّيحِ فَأَخْطَأَ أو لم يَعْلَمْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَنْ يُقَرِّبَ سَفِينَتَهُ سَفِينَةَ الْآخَرِ فَالدِّيَةُ على الْعَاقِلَةِ مُخَفَّفَةٌ وَإِنْ كان السَّفِينَتَانِ لِغَيْرِهِمَا وَهُمَا أَمِينَانِ فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ قِيمَتِهِمَا لِلْمَالِكَيْنِ وَلِكُلٍّ من الْمَالِكَيْنِ مُطَالَبَةُ أَمِينِهِ بِالْكُلِّ كما له مُطَالَبَتُهُ بِالنِّصْفِ وَمُطَالَبَةُ أَمِينِ الْآخَرِ بِالْبَاقِي وَهُمَا يَتَرَاجَعَانِ يَعْنِي إذَا طَالَبَ أَمِينُهُ بِالْكُلِّ فَلِأَمِينِهِ أَنْ يَرْجِعَ على أَمِينِ الْآخَرِ بِالنِّصْفِ وَإِنْ كان الْمَلَّاحَانِ عَبْدَيْنِ فَالضَّمَانُ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ اصْطَدَمَا لَا بِاخْتِيَارِهِمَا فَإِنْ قَصَّرَا بِأَنْ سَيَّرَا هُمَا في رِيحٍ شَدِيدَةٍ لَا تَسِيرُ في مِثْلِهَا السُّفُنُ أو لم يَعْدِلَاهُمَا عن صَوْبِ الِاصْطِدَامِ مع إمْكَانِهِ أو لم يُكْمِلَا عِدَّتَهُمَا من الرِّجَالِ وَالْآلَاتِ فَالضَّمَانُ لِمَا هَلَكَ عَلَيْهِمَا كَذَلِكَ أَيْ مِثْلُ ما مَرَّ لَكِنْ لَا قِصَاصَ وَإِنْ لم يُقَصِّرْ أو غَلَبَ الرِّيحُ فَحَصَلَ بِهِ الْهَلَاكُ فَلَا ضَمَانَ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِمَا كما لو حَصَلَ الْهَلَاكُ بِصَاعِقَةٍ بِخِلَافِ غَلَبَةِ الدَّابَّةِ كما مَرَّ لِأَنَّهَا تَنْضَبِطُ بِاللِّجَامِ سَوَاءٌ أُوجِدَ مِنْهُمَا فِعْلٌ بِأَنْ سَيَّرَاهُمَا ثُمَّ هَاجَتْ رِيحٌ أو مَوْجٌ وَعَجَزَا عن الْحِفْظِ أَمْ لَا كما لو شَدَّاهُمَا على الشَّطِّ فَهَاجَتْ رِيحٌ وَسَيَّرَتْهُمَا وَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا بِيَمِينِهِمَا عِنْدَ التَّنَازُعِ في أَنَّهُمَا غَلَبَا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِمَا وَإِنْ تَعَمَّدَ أَحَدُهُمَا أو فَرَّطَ دُونَ الْآخَرِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمُهُ وَإِنْ كانت إحْدَاهُمَا مَرْبُوطَةً وَالْأُخْرَى سَائِرَةً فَصَدَمَتْهَا السَّائِرَةُ فَكَسَرَتْهَا فَالضَّمَانُ على مُجْرِي الصَّادِمَةِ
فَرْعٌ لو خَرَقَ سَفِينَةً عَامِدًا خَرْقًا يُهْلِكُ غَالِبًا كَالْحَرْقِ الْوَاسِعِ الذي لَا مَدْفَع له فَغَرِقَ بِهِ إنْسَانٌ فَالْقِصَاصُ أو الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ على الْخَارِقِ وَخَرَقَهَا لِلْإِصْلَاحِ لها أو لِغَيْرِ إصْلَاحِهَا لَكِنْ بِمَا لَا يُهْلِكُ غَالِبًا كما فُهِمَ من التَّقْيِيدِ السَّابِقِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ شِبْهُ عَمْدٍ فَإِنْ أَصَابَ بِالْآلَةِ غير مَوْضِعِ الْإِصْلَاحِ أو سَقَطَ من يَدِهِ حَجَرٌ أو غَيْرُهُ فَخَرَقَهُ فَخَطَأٌ مَحْضٌ
فَرْعٌ لو ثَقُلَتْ سَفِينَةٌ بِتِسْعَةِ أَعْدَالٍ فَأَلْقَى فيها إنْسَانٌ عَاشِرًا عُدْوَانًا أَغْرَقَهَا لم يَضْمَنْ الْكُلَّ لِأَنَّ الْغَرَقَ حَصَلَ بِثِقَلِ الْجَمِيعِ لَا بِفِعْلِهِ فَقَطْ وَيُفَارِقُ ما لو رَمَى صَيْدًا فلم يُزْمِنْهُ ثُمَّ عَمْرًا آخَرُ وَلَوْلَا الْأَوَّلُ ما أَزْمَنَهُ حَيْثُ حُكِمَ بِأَنَّهُ مِلْكٌ لِلثَّانِي بِأَنَّ الضَّمَانَ يُعْتَبَرُ فيه الْعِلْمُ بِالسَّبَبِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الْمِلْكِ وَهَلْ يَضْمَنُ النِّصْفَ أو الْعُشْرَ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ في الْجَلَّادِ إذَا زَادَ على الْحَدِّ الْمَشْرُوعِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ الْعُشْرِ
فَصْلٌ يَجُوزُ إذَا أَشْرَفَتْ سَفِينَةٌ فيها مَتَاعٌ وَرِكَابٌ على غَرَقٍ وَخِيفَ هَلَاكُ الْمَتَاعِ إلْقَاءُ بَعْضِ الْمَتَاعِ في الْبَحْرِ لِسَلَامَةِ الْبَعْضِ الْآخَرِ أَيْ لِرَجَائِهَا قال الْبُلْقِينِيُّ يُشْتَرَطُ إذْنُ الْمَالِكِ فَلَوْ كان لِمَحْجُورٍ لم يَجُزْ إلْقَاؤُهُ وَلَوْ كان مَرْهُونًا أو لِمَحْجُورٍ عليه بِفَلَسٍ أو لِمُكَاتَبٍ أو لِعَبْدٍ مَأْذُونٍ عليه دُيُونٌ لم يَجُزْ إلْقَاؤُهُ إلَّا بِاجْتِمَاعِ الْغُرَمَاءِ أو الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ أو السَّيِّدِ وَالْمُكَاتَبِ أو السَّيِّدِ وَالْمَأْذُونِ قال فَلَوْ رَأَى الْوَلِيُّ أَنَّ إلْقَاءَ بَعْضِ أَمْتِعَةِ مَحْجُورِهِ يَسْلَمُ بِهِ بَاقِيهَا فَقِيَاسُ قَوْلِ أبي عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ فِيمَا لو خَافَ الْوَلِيُّ اسْتِيلَاءَ غَاصِبٍ على الْمَالِ أَنَّ له أَنْ يُؤَدِّيَ شيئا لِتَخْلِيصِهِ جَوَازُهُ هُنَا
انْتَهَى
وَيَجِبُ إلْقَاؤُهُ وَإِنْ لم يَأْذَنْ مَالِكُهُ إذَا خِيفَ الْهَلَاكُ لِسَلَامَةِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمِ كَحَرْبِيٍّ وَمُرْتَدٍّ وَزَانٍ مُحْصَنٍ ويجب إلْقَاءُ حَيَوَانٍ وَلَوْ مُحْتَرَمًا لِسَلَامَةِ آدَمِيٍّ مُحْتَرَمٍ إنْ لم يُمْكِنْ في دَفْعِ الْغَرَقِ غَيْرُهُ أَيْ غَيْرُ إلْقَاءِ الْحَيَوَانِ فَإِنْ أَمْكَنَ لم يَجِبْ إلْقَاؤُهُ بَلْ لَا يَجُوزُ قال الْأَذْرَعِيُّ نعم لو كان هُنَاكَ أَسْرَى من الْكُفَّارِ وَظَهَرَ لِلْأَمِيرِ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ في قَتْلِهِمْ فَيُشْبِهُ
____________________
(4/79)
أَنْ يَبْدَأَ بِإِلْقَائِهِمْ قبل الْأَمْتِعَةِ وَقَبْلَ الْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ قال وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاعَى في الْإِلْقَاءِ تَقْدِيمُ الْأَخَسِّ فَالْأَخَسِّ قِيمَةً من الْمَتَاعِ وَالْحَيَوَانِ إنْ أَمْكَنَ حِفْظًا لِلْمَالِ ما أَمْكَنَ لَا عَبِيدٌ لِأَحْرَارٍ أَيْ لَا يَجُوزُ إلْقَاؤُهُمْ لِسَلَامَةِ الْأَحْرَارِ بَلْ حُكْمُهُمَا وَاحِدٌ فِيمَا ذُكِرَ وَإِنْ لم يُلْقِ من لَزِمَهُ الْإِلْقَاءُ حتى غَرِقَتْ السَّفِينَةُ فَهَلَكَ بِهِ شَيْءٌ أَثِمَ وَلَا ضَمَانَ عليه كما لو لم يُطْعِمْ مَالِكُ الطَّعَامِ الْمُضْطَرَّ حتى مَاتَ
وَيَحْرُمُ على الشَّخْصِ إلْقَاءُ الْمَالِ وَلَوْ مَالَهُ بِلَا خَوْفٍ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ وَيَضْمَنُ بِإِلْقَائِهِ مَالَ غَيْرِهِ وَلَوْ في حَالِ الْخَوْفِ بِلَا إذْنٍ من مَالِكِهِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ من غَيْرِ أَنْ يُلْجِئَهُ إلَى إتْلَافِهِ فَصَارَ كما لو أَكَلَ الْمُضْطَرُّ طَعَامَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِخِلَافِ ما لو أَلْقَاهُ بِإِذْنِهِ أو أَلْقَى مَالَ نَفْسِهِ وَلَوْ اخْتَصَّ الْخَوْفُ بِغَيْرِهِ بِأَنْ كان بِالشَّطِّ أو بِزَوْرَقٍ وَفَارَقَتْ هذه حِينَئِذٍ مَسْأَلَةَ الْمُضْطَرِّ إذَا أَطْعَمَهُ مَالِكُ الطَّعَامِ قَهْرًا بِأَنَّ الْمُطْعِمَ ثَمَّ دَافِعٌ لِلتَّلَفِ لَا مَحَالَةَ بِخِلَافِ الْمُلْقِي
فَلَوْ قال شَخْصٌ لِأَحَدِ الرُّكْبَانِ في السَّفِينَةِ أَلْقِ مَتَاعَك في الْبَحْرِ وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ أو عَلَيَّ أَنْ أَضْمَنَهُ أو على إنِّي ضَامِنُهُ فَأَلْقَاهُ فيه لَزِمَهُ ضَمَانُهُ وَإِنْ لم يَكُنْ لِلْمُلْتَمِسِ فيها شَيْءٌ ولم تَحْصُلْ النَّجَاةُ لِأَنَّهُ الْتَمَسَ إتْلَافًا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ بِعِوَضٍ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك على كَذَا فَأَعْتَقَ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ لِمَنْ معه أَسِيرٌ أَطْلِقْ الْأَسِيرَ ولمن له قِصَاصٌ اُعْفُ عن الْقِصَاصِ ولمن له طَعَامٌ أَطْعِمْ هذا الْجَائِعَ وَلَك عَلَيَّ كَذَا أو عَلَيَّ أَنْ أُعْطِيَك كَذَا فَأَجَابَ سُؤَالَهُ فَيَلْزَمُهُ ما الْتَزَمَهُ بِخِلَافِ ما لو اقْتَصَرَ على قَوْلِهِ أَلْقِ مَتَاعَك في الْبَحْرِ وَنَحْوِهِ فَفَعَلَ لَا ضَمَانَ لِعَدَمِ الِالْتِزَامِ
وَفَارَقَ ما لو قال أَدِّ دَيْنِي بِأَنَّ نَفْعَ الْأَدَاءِ مُحَقَّقٌ بِخِلَافِ نَفْعِ الْإِلْقَاءِ وَيُخَالِفُ ما ذُكِرَ هُنَا ما لو قال بِعْ من زَيْدٍ بِمِائَةٍ وَعَلَى أُخْرَى حَيْثُ لَا ضَمَانَ على الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ فيه غَرَضٌ ذَكَرُوهُ في الضَّمَانِ وفي الْخُلْعِ وَهَذَا ضَمَانٌ حَقِيقَتُهُ الِافْتِدَاءُ من الْهَلَاكِ لَا الضَّمَانُ الْمَعْرُوفُ وَإِنْ سُمِّيَ بِهِ إذْ لَا يَضْمَنُ ما لم يَجِبْ وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيِّ لَا بُدَّ من أَنْ يُشِيرَ إلَى ما يُلْقِيهِ أو يَكُونَ مَعْلُومًا له وَإِلَّا فَلَا يَضْمَنُ إلَّا ما يُلْقِيهِ بِحَضْرَتِهِ فيه نَظَرٌ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي بِالرُّكَّابِ حَسَنٌ بِخِلَافِ تَعْبِيرِهِ هُنَا بِالرُّكْبَانِ فَقَدْ قال النَّوَوِيُّ في تَهْذِيبِهِ أَنَّهُ مُنْكَرٌ وَالْمَعْرُوفُ في اللُّغَةِ الرِّكَابُ لِأَنَّ الرُّكْبَانَ رَاكِبُو الْإِبِلِ خَاصَّةً وَقِيلَ رَاكِبُو الدَّابَّةِ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْمُلْتَمِسُ بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَخَافَ الْغَرَقَ فَإِنْ لم يَخَفْهُ لم يَضْمَنْ كما لو الْتَمَسَ هَدْمَ دَارِ غَيْرِهِ فَفَعَلَ وَأَنْ لَا يَخْتَصَّ مَالِكُهُ بِالْفَائِدَةِ أَيْ بِفَائِدَةِ الْإِلْقَاءِ بِأَنْ يَخْتَصَّ بها الْمُلْتَمِسُ أو أَجْنَبِيٌّ أو هُمَا أو أَحَدُهُمَا وَالْمَالِكُ أو يَعُمَّ الْجَمِيعَ بِخِلَافِ ما إذَا اخْتَصَّ بها الْمَالِكُ
فَلَوْ كان كُلُّ ما فيها له فقال له من بِالشَّطِّ أو بِزَوْرَقٍ بِقُرْبِهَا أَلْقِ كَذَا أَيْ مَتَاعَك أو بَعْضَهُ في الْبَحْرِ وأنا ضَامِنٌ له فَأَلْقَاهُ لم يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ولم يَحِلَّ لِلْمُعْيِنِ الْأَخْذُ لِأَنَّهُ فَعَلَ ما هو وَاجِبٌ عليه لِغَرَضِ نَفْسِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ عِوَضًا كما لو قال لِمُضْطَرٍّ كُلْ طَعَامَك وأنا ضَامِنُهُ لَك فَأَكَلَهُ لَا شَيْءَ على الْمُلْتَمِسِ وَلَا يَحِلُّ لِلْآكِلِ الْأَخْذُ
فَلَوْ قال أَلْقِ مَتَاعَك في الْبَحْرِ وأنا ضَامِنٌ له وَرُكَّابُ السَّفِينَةِ أو على أَنْ أَضْمَنَهُ أنا وَرُكَّابُهَا أو أنا ضَامِنٌ له وَهُمْ ضَامِنُونَ أو أنا وَرُكَّابُ السَّفِينَةِ ضَامِنُونَ له كُلٌّ مِنَّا على الْكَمَالِ أو على أَنِّي ضَامِنٌ وَكُلٌّ منهم ضَامِنٌ لَزِمَهُ الْجَمِيعُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ أو قال أنا وَرُكَّابُ السَّفِينَةِ ضَامِنُونَ له لَزِمَهُ قِسْطُهُ وَإِنْ لم يَقُلْ معه كُلٌّ مِنَّا بِالْحِصَّةِ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْإِخْبَارَ عَنْهُمْ أَيْ عن ضَمَانٍ سَبَقَ منهم فَصَدَّقُوهُ فيه لَزِمَهُمْ وَإِنْ أَنْكَرُوا صُدِّقُوا وَإِنْ صَدَّقَهُ بَعْضُهُمْ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ وَإِنْ قال أَنْشَأْت عَنْهُمْ الضَّمَانَ ثِقَةً بِرِضَاهُمْ لم يَلْزَمْهُمْ وَإِنْ رَضَوْا لِأَنَّ الْعُقُودَ لَا تُوقَفُ وَإِنْ قال أنا وَهُمْ ضُمَنَاءُ وَضَمِنْت عَنْهُمْ بِإِذْنِهِمْ طُولِبَ بِالْجَمِيعِ فَإِنْ أَنْكَرُوا الْإِذْنَ فَهُمْ الْمُصَدَّقُونَ حتى لَا يَرْجِعَ عليهم صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
فَإِنْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ قال أنا وَهُمْ ضَامِنُونَ له وَأُصَحِّحُهُ أو أُخَلِّصُهُ من مَالِهِمْ أو من مَالِي لَزِمَهُ الْجَمِيعُ لو قال اخْلَعْهَا على أَلْفٍ أُصَحِّحُهَا لَك أو أَضْمَنُهَا لَك من مَالِهَا يَلْزَمُهُ الْأَلْفُ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ أو من مَالِي في الثَّانِيَةِ وَبِقَوْلِهِ من مَالِهِمْ في الْأُولَى من زِيَادَتِهِ وَإِنْ قال أنا وَهُمْ ضَامِنُونَ له ثُمَّ بَاشَرَ الْإِلْقَاءَ بِإِذْنِهِ أَيْ الْمَالِكِ فَهَلْ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ لِأَنَّهُ بَاشَرَ الْإِتْلَافَ أو قِسْطَهُ عَمَلًا بِقَضِيَّةِ اللَّفْظِ وَجْهَانِ حَكَى الرَّافِعِيُّ الْأَوَّلَ عن الْقَاضِي أبي حَامِدٍ وقال الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ نَصُّ الْأُمِّ
وَلَوْ قال أَلْقِ مَتَاعَك وَعَلَيَّ نِصْفُ الضَّمَانِ وَعَلَى فُلَانٍ ثُلُثُهُ وَعَلَى فُلَانٍ سُدُسُهُ لَزِمَهُ النِّصْفُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وهو مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ وَتُعْتَبَرُ
____________________
(4/80)
قِيمَةُ الْمُلْقَى قُبَيْلَ هَيَجَانِ الْبَحْرِ إذْ لَا قِيمَةَ له حِينَئِذٍ وَلَا تُجْعَلُ قِيمَتُهُ في الْبَحْرِ مع الْخَطَرِ كَقِيمَتِهِ في الْبَرِّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ وَإِنْ كان الْمُلْقَى مِثْلِيًّا وهو ما رَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ لِمَا في إيجَابِ الْمِثْلِ من الْإِجْحَافِ بِالْمُلْتَمِسِ وَعَلَّلَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لِمُشْرِفٍ على هَلَاكٍ إلَّا مُشْرِفٌ على هَلَاكٍ وَذَلِكَ بَعِيدٌ وَهَذَا أَوْجَهُ من قَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ يَجِبُ في الْمِثْلِيِّ الْمِثْلُ
فَرْعٌ لو قال لِعَمْرٍو أَلْقِ مَتَاعَ زَيْدٍ وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ فَفَعَلَ ضَمِنَ عَمْرٌو دُونَ الْآمِرِ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِلْإِتْلَافِ نعم إنْ كان الْمَأْمُورُ أَعْجَمِيًّا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ آمِرِهِ ضَمِنَ الْآمِرُ
فَرْعٌ لو لَفَظَ الْبَحْرُ الْمَتَاعَ الْمُلْقَى فيه على السَّاحِلِ وَظَفِرْنَا بِهِ أَخَذَهُ الْمَالِكُ وَاسْتَرَدَّ الضَّامِنُ منه عَيْنَ ما أَعْطَى إنْ كان بَاقِيًا وَبَدَلَهُ إنْ كان تَالِفًا ما سِوَى الْأَرْشِ الْحَاصِلُ بِالْغَرَقِ فَلَا يَسْتَرِدُّهُ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ وقال الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ وَاضِحٌ
فَصْلٌ لو قَتَلَ الْمَنْجَنِيقُ بِفَتْحِ الْمِيمِ أَفْصَحُ من كَسْرِهَا أَيْ لو قَتَلَ حَجَرُهُ رُمَاتَهُ أو بَعْضَهُمْ بِأَنْ عَادَ عليهم سَقَطَ قِسْطُ فِعْلِ كُلٍّ منهم من دِيَتِهِ وَلَزِمَ عَاقِلَةَ الْبَاقِينَ بَاقِي دِيَتِهِ لِأَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِهِمْ فَإِنْ كَانُوا عَشَرَةً أُهْدِرَ الْعُشْرُ من دِيَةِ كُلٍّ منهم وَلَزِمَ عَاقِلَةَ كل وَاحِدٍ من التِّسْعَةِ عُشْرُهَا وَكَذَا حُكْمُ دِيَةِ الْوَاحِدِ من الْعَشَرَةِ إذَا مَاتَ أُهْدِرَ عُشْرُهَا وَيَلْزَمُ كُلًّا من عَاقِلَةِ التِّسْعَةِ عُشْرُهَا قال الْبُلْقِينِيُّ وَيُسْتَثْنَى منه ما لو حَصَلَ عَوْدُهُ على بَعْضِهِمْ بِأَمْرٍ صَنَعَهُ الْبَاقُونَ وَقَصَدُوهُ بِسُقُوطِهِ عليه وَغَلَبَتْ إصَابَتُهُ فَهُوَ عَمْدٌ لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ بَلْ في أَمْوَالِهِمْ وَلَا قِصَاصَ عليهم لِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ مُخْطِئٍ وَكَأَنَّهُمْ تَرَكُوهُ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَهُمْ وَنَحْنُ صَوَّرْنَاهُ فَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ قال الزَّرْكَشِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ مَدَّ مَعَهُمْ الْحِبَالَ وَرَمَى بِالْحَجَرِ أَمَّا من أَمْسَكَ خَشَبَةَ الْمَنْجَنِيقِ إنْ اُحْتِيجَ إلَى ذلك أو وَضَعَ الْحَجَرَ في الْكِفَّةِ ولم يَمُدَّ الْحِبَالَ فَلَا شَيْءَ عليه لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ وَالْمُبَاشِرُ غَيْرُهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا قال لَكِنْ نَازَعَ صَاحِبُ الْوَافِي في التَّعْلِيلِ وقال جَوْدَةُ الرَّمْيِ بِذَلِكَ تَتَعَلَّقُ بِوَاضِعِ الْحَجَرِ وَلَا تُزَالُ يَدُهُ على الْمِقْلَاعِ وَالسَّهْمِ إلَى أَنْ يَرْتَفِعَ إلَى حَدٍّ يَرَاهُ الْجَاذِبُونَ لِلْحِبَالِ وَيَنْتَهِي جَذْبُهُمْ بِقُعُودِهِمْ على الْأَرْضِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْخِلَافَ في التَّصْوِيرِ فَحَيْثُ تُصُوِّرَ ما ذُكِرَ فَالْحَقُّ الْأَوَّلُ وَإِلَّا فَالثَّانِي فَإِنْ رَمَوْا بِهِ شَخْصًا مُعَيَّنًا أو أَشْخَاصًا مُعَيَّنِينَ وَغَلَبَتْ الْإِصَابَةُ بِهِ وَهُمْ حُذَّاقٌ فَأَصَابُوا من قَصَدُوهُ فَعَمْدٌ لِصِدْقِ حَدِّ الْعَمْدِ بِهِ فَيُوجِبُ الْقِصَاصَ أو الدِّيَةَ الْمُغَلَّظَةَ في أَمْوَالِهِمْ أو لم تَغْلِبْ الْإِصَابَةُ بِهِ أو قُصِدَ بِهِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ كَأَحَدِ الْجَمَاعَةِ فَشِبْهُ عَمْدٍ يُوجِبُ دِيَةً مُغَلَّظَةً على الْعَاقِلَةِ وَإِنَّمَا لم يَكُنْ عَمْدًا في الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْعَمْدَ يَعْتَمِدُ قَصْدَ الْعَيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ على الْآمِرِ في قَوْلِهِ اُقْتُلْ أَحَدَ هَؤُلَاءِ وَإِلَّا قَتَلْتُك فَقَتَلَ أَحَدَهُمْ لِأَنَّهُ لم يَقْصِدْ عَيْنَهُ وَإِنْ لم يَقْصِدُوا وَاحِدًا أو أَصَابَ الْحَجَرُ غير من قَصَدُوهُ بِأَنْ عَادَ فَقَتَلَ بَعْضَهُمْ فَخَطَأٌ يُوجِبُ دِيَةً مُخَفَّفَةً على الْعَاقِلَةِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَالسَّهْمُ إذَا رَمَى بِهِ شَخْصٌ آخَرُ غير مُعَيَّنٍ من جَمَاعَةٍ كَذَلِكَ أَيْ شِبْهُ عَمْدٍ
وَلَوْ جَرَحَ شَخْصٌ مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ ثُمَّ جَرَحَهُ هو ثَانِيًا وَثَلَاثَةٌ آخَرُونَ وَمَاتَ بِالْجَمِيعِ فَالدِّيَةُ تَلْزَمُهُمْ أَرْبَاعًا بِعَدَدِ الْجَارِحِينَ لَا أَخْمَاسًا بِعَدَدِ الْجِرَاحَاتِ وَسُقُوطُ الْخُمُسِ الْآخَرِ بِالرِّدَّةِ وَهَذَا الْمَنْفِيُّ وِجْهَةُ نَظَرِ قَائِلِهِ بِمَا لو جَرَحَهُ وَاحِدٌ في الرِّدَّةِ وَأَرْبَعَةٌ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَيُحَطُّ لِجَارِحِ الْمَرَّتَيْنِ من الرُّبْعِ ثُمُنٌ من الدِّيَةِ لِأَنَّ جُرْحَ الرِّدَّةِ هَدَرٌ وَحِصَّتُهُ من الرُّبْعِ الْمُوَزَّعِ عليه وَعَلَى جُرْحِ الْإِسْلَامِ ثُمُنٌ فَيُحَطُّ من رُبْعِ جَارِحِيهِمَا وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ وَمَاتَ بِالْجَمِيعِ عَمَّا لو مَاتَ بَعْدَ انْدِمَالِ الْجِرَاحَةِ الْأُولَى فَتَجِبُ الدِّيَةُ أَرْبَاعًا بِلَا حَطٍّ أو بِالْعَكْسِ بِأَنْ جَرَحَ ثَلَاثَةٌ مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ ثُمَّ جَرَحُوهُ مع رَابِعٍ وَمَاتَ بِالْجَمِيعِ فَيُحَطُّ لِكُلٍّ من الثَّلَاثَةِ ثُمُنٌ لِذَلِكَ وَيَبْقَى على الرَّابِعِ الرُّبْعُ وَلَوْ جَرَحَهُ أَرْبَعَةٌ في الرِّدَّةِ ثُمَّ جَرَحَهُ أَحَدُهُمْ مع ثَلَاثَةٍ آخَرِينَ في الْإِسْلَامِ وَمَاتَ بِالْجَمِيعِ فَعَلَى الثَّلَاثَةِ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ الدِّيَةِ وَعَلَى جَارِحِ الْمَرَّتَيْنِ نِصْفُ سُبُعٍ وَيُهْدَرُ الْبَاقِي وهو ثَلَاثَةُ أَسْبَاعٍ وَنِصْفُ سُبْعٍ لِأَنَّ جِرَاحَاتِ الرِّدَّةِ هَدَرٌ وَإِنْ جَرَحَهُ أَرْبَعَةٌ في الرِّدَّةِ ثُمَّ جَرَحَهُ أَحَدٌ في الْإِسْلَامِ فَمَاتَ بِالْجَمِيعِ لَزِمَهُ ثُمُنٌ من الدِّيَةِ
____________________
(4/81)
وَيُهْدَرُ الْبَاقِي لِمَا مَرَّ وَعَلَى هذا الْقِيَاسُ فَلَوْ جَرَحَهُ ثَلَاثَةٌ في الرِّدَّةِ ثُمَّ أَحَدُهُمْ في الْإِسْلَامِ لَزِمَهُ سُدُسُ الدِّيَةِ وَهُدِرَ الْبَاقِي وَلَوْ جَرَحَهُ اثْنَانِ في الرِّدَّةِ ثُمَّ أَحَدُهُمَا مع ثَالِثٍ في الْإِسْلَامِ لَزِمَهُ سُدُسُ الدِّيَةِ وَلَزِمَ الثَّالِثَ ثُلُثُهَا وَهُدِرَ الْبَاقِي
وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِرَاحُ من وَاحِدٍ خَطَأً وَعَمْدًا وَشَارَكَهُ غَيْرُهُ بِأَنْ جَرَحَهُ خَطَأً ثُمَّ جَرَحَهُ مع آخَرَ عَمْدًا تَنَاصَفَا الدِّيَةَ وَيُخَفَّفُ على وفي نُسْخَةٍ عن الْعَاقِلَةِ نِصْفُ ما على جَارِحِ الْمَرَّتَيْنِ وَقِسْ عليه كما في مَسْأَلَةِ الرِّدَّةِ السَّابِقَةِ فَلَوْ جَرَحَ شَخْصٌ آخَرُ خَطَأً ثُمَّ جَرَحَهُ مع ثَلَاثَةٍ عَمْدًا فَمَاتَ بِالْجَمِيعِ تَرَبَّعُوا الدِّيَةَ وَيُخَفَّفُ على عَاقِلَةِ جَارِحِ الْمَرَّتَيْنِ نِصْفُ ما عليه وَإِنْ جَرَحَ عَبْدٌ زَيْدًا وهو حُرٌّ ثُمَّ قُطِعَتْ يَدُ الْعَبْدِ بِأَنْ قَطَعَهَا بَكْرٌ ثُمَّ جَرَحَ الْعَبْدُ عَمْرًا وَمَاتَ الْعَبْدُ بِالسِّرَايَةِ سَوَاءٌ أَمَاتَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو بها أَمْ لم يَمُوتَا فَعَلَى الْقَاطِعِ لِيَدِ الْعَبْدِ قِيمَتُهُ وَيَخْتَصُّ زَيْدٌ منها بِأَرْشِ نَقْصِ الْيَدِ لِوُرُودِ الْقَطْعِ على مُتَعَلِّقِ حَقِّهِ قبل أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ عَمْرٍو وهو أَيْ الْأَرْشُ ما نَقَصَ من قِيمَتِهِ بِقَطْعِ يَدِهِ لَا نِصْفُ قِيمَتِهِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عليه أَنَّهُ لو قَطَعَ يَدَيْ زَيْدٍ اخْتَصَّ بِجَمِيعِ الْقِيمَةِ وَلَيْسَ بِجَائِزٍ وَلِأَنَّ الْجِرَاحَةَ إذَا صَارَتْ نَفْسًا سَقَطَ اعْتِبَارُ بَدَلِ الطَّرَفِ
وَيُضَارِبُ زَيْدٌ عَمْرًا في الْبَاقِي من الْقِيمَةِ بِمَا بَقِيَ له فَلَوْ قَطَعَ الْعَبْدُ يَدَ مُسْلِمٍ حُرٍّ وَأُخْرَى من آخَرَ وقد قُطِعَتْ يَدُهُ بَيْنَهُمَا وَجَبَ لِكُلٍّ خَمْسُونَ بَعِيرًا فإذا فَرَضْنَا أَنَّ نُقْصَانَ يَدِهِ بِقَدْرِ عَشَرَةِ أَبْعِرَةٍ دَفَعْنَا لِلْأَوَّلِ وَبَقِيَ له أَرْبَعُونَ وَلِلثَّانِي خَمْسُونَ فَتُقْسَمُ بَيْنَهُمَا بَقِيَّةُ قِيمَةِ الْعَبْدِ أَتْسَاعًا
وَإِنْ حَفَرَ شَخْصٌ بِئْرًا عُدْوَانًا ثُمَّ أَحْكَمَ هو أو غَيْرُهُ سَدَّ رَأْسِهَا فَفَتَحَهُ آخَرُ ضَمِنَ الْآخَرُ ما هَلَكَ بها كما مَرَّ في فَرْعِ يَتَنَاصَفُ الضَّمَانَ حَافِرٌ وَمُعَمِّقٌ
وَإِنْ وَقَعَتْ بَهِيمَةٌ في بِئْرٍ وَلَوْ حُفِرَتْ عُدْوَانًا ولم تَنْصَدِمْ عِبَارَةِ الْأَصْلِ ولم تَتَأَثَّرْ وَبَقِيَتْ مُدَّةً وَمَاتَتْ جُوعًا أو عَطَشًا عِبَارَةُ الْأَصْلِ ولم تَتَأَثَّرْ بِالصَّدْمَةِ وَبَقِيَتْ مُدَّةً وَمَاتَتْ جُوعًا أو عَطَشًا أُهْدِرَتْ فَلَا ضَمَانَ على الْحَافِرِ لِحُدُوثِ سَبَبٍ آخَرَ كما لو افْتَرَسَهَا سَبُعٌ في الْبِئْرِ
وَإِنْ تَضَارَبَا أَيْ اثْنَانِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا بِصَوْلَةٍ وَضَرْبَةِ صَاحِبِهِ له فَنِصْفُ دِيَتِهِ وَاجِبٌ على صَاحِبِهِ وَأُهْدِرَ قِسْطُ صَوْلَتِهِ وَلِهَذَا لو سَقَطَ بِصَوْلَتِهِ وَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ دخل بَعِيرٌ لم يُعْرَفْ بِفَسَادٍ بين بَعِيرَيْنِ مَقْرُونَيْنِ بِحَبْلٍ فَخَنَقَهُمَا بِجَذْبِهِ الْحَبْلَ أُهْدِرَا بِخِلَافِ ما إذَا عُرِفَ بِالْفَسَادِ فَيَضْمَنُ مَالِكُهُ لِتَقْصِيرِهِ بِإِطْلَاقِهِ وَالْأَصْلُ صَوَّرَ ذلك بِخَنْقِ أَحَدِهِمَا وَالْأَمْرُ قَرِيبٌ
الطَّرَفُ الْخَامِسُ في حُكْمِ السِّحْرِ وَلَهُ حَقِيقَةٌ لَا كما قِيلَ إنَّهُ تَخْيِيلٌ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ وَالسَّاحِرُ قد يَأْتِي بِفِعْلٍ أو قَوْلٍ يَتَغَيَّرُ بِهِ حَالُ الْمَسْحُورِ فَيَمْرَضُ وَيَمُوتُ منه وقد يَكُونُ ذلك بِوُصُولِ شَيْءٍ إلَى بَدَنِهِ من دُخَانٍ وَغَيْرِهِ وقد يَكُونُ دُونَهُ وَيَحْرُمُ فِعْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَيَكْفُرُ مُعْتَقِدُ إبَاحَتِهِ فَإِنْ تَعَمَّدَهُ تَعْلِيمًا أو تَعَلُّمًا أو فِعْلًا وفي نُسْخَةٍ فَإِنْ تَعَلَّمَهُ أَثِمَ فَكُلٌّ مِنْهُمَا حَرَامٌ لِخَوْفِ الِافْتِتَانِ وَالْإِضْرَارِ بِالنَّاسِ بَلْ إنْ اُحْتِيجَ فيها إلَى تَقْدِيمِ اعْتِقَادٍ مُكَفِّرٍ كَفَرَ قال في الْأَصْلِ نَقْلًا عن الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَظْهَرُ السِّحْرُ إلَّا على فَاسِقٍ وَلَا تَظْهَرُ الْكَرَامَةُ على فَاسِقٍ وَلَيْسَ ذلك بِمُقْتَضَى الْعَقْلِ بَلْ مُسْتَفَادٌ من إجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَتَحْرُمُ الْكِهَانَةُ أَيْ تَعْلِيمُهَا وَفِعْلُهَا وَالتَّنْجِيمُ وَالضَّرْبُ بِالرَّمْلِ وَالْحَصَى وَالشَّعِيرِ وَالشَّعْبَذَةُ كَذَلِكَ وَحُلْوَانُهَا أَيْ الْمَذْكُورَاتِ أَيْ إعْطَاءً أو أَخْذًا لِعِوَضٍ عنها بِالنَّصِّ الصَّحِيحِ في حُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَالْبَاقِي بِمَعْنَاهُ وَالْكَاهِنُ من يُخْبِرُ بِوَاسِطَةِ النَّجْمِ عن الْمُغَيَّبَاتِ في الْمُسْتَقْبَلِ بِخِلَافِ الْعَرَّافِ فإنه الذي يُخْبِرُ عن الْمُغَيَّبَاتِ الْوَاقِعَةِ كَعَيْنِ السَّارِقِ وَمَكَانِ الْمَسْرُوقِ وَالضَّالَّةِ قال في الرَّوْضَةِ وَلَا يَغْتَرُّ بِجَهَالَةِ من يَتَعَاطَى الرَّمْلَ وَإِنْ نُسِبَ إلَى عِلْمٍ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ كان نَبِيٌّ من الْأَنْبِيَاءِ بِخَطٍّ فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ فَمَعْنَاهُ من عَلِمْتُمْ مُوَافَقَتَهُ له فَلَا بَأْسَ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ الْمُوَافَقَةَ فَلَا يَجُوزُ
فَصْلٌ إنَّمَا يُعْتَمَدُ في تَأْثِيرِ السِّحْرِ من السَّاحِرِ إقْرَارُهُ بِهِ لَا بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهَا لَا تُشَاهِدُ تَأْثِيرَهُ وَلَا يُعْلَمُ قَصْدُ السَّاحِرِ نعم يَثْبُتُ بها تَأْثِيرُهُ فِيمَا إذَا شَهِدَ سَاحِرٌ أَنَّ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَنَّ ما اعْتَرَفَ بِهِ فُلَانٌ يَقْتُلُ غَالِبًا قَالَهُ في الْكِفَايَةِ فَإِنْ قال قَتَلْته بِسِحْرٍ يَقْتُلُ غَالِبًا فَالْقِصَاصُ عليه أو يَقْتُلُ نَادِرًا فَشِبْهُ عَمْدٍ أو قال قَصَدْت بِهِ غَيْرَهُ فَأَصَبْته فَخَطَأٌ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ في الثَّلَاثَةِ وَالدِّيَةُ الْوَاجِبَةُ في شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ في مَالِهِ لَا على عَاقِلَتِهِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَلْزَمُهُمْ إلَّا إنْ صَدَّقَتْهُ الْعَاقِلَةُ فَتَجِبُ عليها عَمَلًا بِتَصْدِيقِهَا
____________________
(4/82)
فَرْعٌ لو قال آذَيْته بِسِحْرِي ولم أُمْرِضْهُ نُهِيَ عنه فَإِنْ عَادَ عُزِّرَ وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ يُعَزَّرُ على قَوْلِهِ الْأَوَّلِ لم يَبْعُدْ أو قال أَمْرَضْته بِهِ عُزِّرَ لِأَنَّ السِّحْرَ كُلَّهُ حَرَامٌ فَإِنْ مَرِضَ بِهِ وَتَأَلَّمَ حتى مَاتَ كان لَوْثًا إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ أَيْ بِأَنَّهُ تَأَلَّمَ بِهِ حتى مَاتَ أو أَقَرَّ بِهِ السَّاحِرُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ثُمَّ يَحْلِفُ الْوَلِيُّ أَنَّهُ مَاتَ بِسِحْرِهِ وَيَأْخُذُ الدِّيَةَ فإذا ادَّعَى السَّاحِرُ بُرْأَهُ من ذلك الْمَرَضِ وَاحْتُمِلَ بُرْؤُهُ بِأَنْ مَضَتْ مُدَّةٌ يُحْتَمَلُ بُرْؤُهُ فيها صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَإِنْ قال قَتَلْت بِسِحْرِي ولم يُعَيِّنْ أَحَدًا عُزِّرَ لِارْتِكَابِهِ مُحَرَّمًا وَلَا قِصَاصَ لِأَحَدٍ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَالتَّصْرِيحُ بِلُزُومِ التَّعْزِيرِ من زِيَادَتِهِ
فَرْعٌ لو اعْتَرَفَ شَخْصٌ بِقَتْلِهِ إنْسَانًا بِالْعَيْنِ فَلَا ضَمَانَ وَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ كانت الْعَيْنُ حَقًّا لِأَنَّهَا لَا تُفْضِي إلَى الْقَتْلِ غَالِبًا وَلَا تُعَدُّ مُهْلِكَةً وَدَلِيلُ أنها حَقٌّ خَبَرُ مُسْلِمٍ الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كان شَيْءٌ سَابِقَ الْقَدَرِ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْعَائِنِ أَنْ يَدْعُوَ لِلْمَعِينِ بِفَتْحِ الْمِيمِ بِالْمَأْثُورِ أَيْ الْمَنْقُولِ وهو اللَّهُمَّ بَارِكْ فيه وَلَا تَضُرَّهُ وَأَنْ يَقُولَ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ما شَاءَ اللَّهُ وفي نُسْخَةٍ كَبَعْضِ نُسَخِ الرَّوْضَةِ ما شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَالْأَمْرُ قَرِيبٌ وأن يَغْسِلَ جِلْدَهُ مِمَّا يَلِي إزَارَهُ بِمَاءٍ وَيَصُبَّ على الْمَعِينِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ الْعَيْنُ حَقٌّ وإذا اسْتُغْسِلْتُمْ أَيْ طُلِبَ مِنْكُمْ الْغُسْلُ فَاغْسِلُوا قال في الرَّوْضَةِ قال الْعُلَمَاءُ الِاسْتِغْسَالُ أَنْ يُقَالَ لِلْعَائِنِ اغْسِلْ دَاخِلَةَ إزَارِك مِمَّا يَلِي الْجِلْدَ بِمَاءٍ ثُمَّ يُصَبُّ على الْمَعِينِ وَبِمَا قَالَهُ عُلِمَ أَنَّ تَعْبِيرَ الْمُصَنِّفِ بِغَسْلِ جِلْدِهِ لَا يُطَابِقُ أَصْلَهُ وأن يَغْتَسِلَ الْمَعِينُ بِوُضُوئِهِ أَيْ الْعَائِنِ فَعَنْ عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها أنها قالت كان يُؤْمَرُ الْعَائِنُ أَنْ يَتَوَضَّأَ ثُمَّ يَغْسِلَ منه الْمَعِينُ ذَكَرَهُ في الرَّوْضَةِ وفي نُسْخَةٍ أو يَغْتَسِلَ بِأَوْ وَالْأُولَى هِيَ الْمُطَابِقَةُ لِلْأَصْلِ
الْبَابُ الْخَامِسُ في الْعَاقِلَةِ وَمَنْ عليه الدِّيَةُ وفي جِنَايَةِ الرَّقِيقِ
وَفِيهِ أَطْرَافٌ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ في بَيَانِهَا أَيْ الْعَاقِلَةِ وَالْأَصْلُ في تَحَمُّلِهَا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِالدِّيَةِ على عَاقِلَةِ الْجَانِي وَفِيهِمَا أَنَّ امْرَأَتَيْنِ اقْتَتَلَتَا فَحَذَفَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وما في بَطْنِهَا فَقَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أو أَمَةٌ وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ على عَاقِلَتِهَا أَيْ الْقَاتِلَةِ وَقَتْلُهَا شِبْهُ عَمْدٍ فَثُبُوتُ ذلك في الْخَطَأِ أَوْلَى وَالْمَعْنَى في ذلك أَنَّ الْقَبَائِلَ في الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَقُومُونَ بِنُصْرَةِ الْجَانِي منهم وَيَمْنَعُونَ أَوْلِيَاءَ الدَّمِ أَخْذَ حَقِّهِمْ فَأَبْدَلَ الشَّرْعُ تِلْكَ النُّصْرَةَ بِبَذْلِ الْمَالِ وَخَصَّ تَحَمُّلَهُمْ بِالْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يَكْثُرُ لَا سِيَّمَا في مُتَعَاطِي الْأَسْلِحَةِ فَحَسُنَتْ إعَانَتُهُ لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ بِمَا هو مَعْذُورٌ فيه وَأُجِّلَتْ الدِّيَةُ عليهم رِفْقًا بِهِمْ وَسُمُّوا عَاقِلَةً لِعَقْلِهِمْ الْإِبِلَ بِفِنَاءِ الْمُسْتَحِقِّ وَيُقَالُ لِتَحَمُّلِهِمْ عنه الْعَقْلَ أَيْ الدِّيَةَ وَيُقَالُ لِمَنْعِهِمْ عن الْقَاتِلِ وَالْعَقْلُ الْمَنْعُ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْعَقْلُ عَقْلًا لِمَنْعِهِ من الْفَوَاحِشِ
وَجِهَاتُ التَّحَمُّلِ ثَلَاثٌ الْعَصَبَةُ من النَّسَبِ وَالْوَلَاءُ وَبَيْتُ الْمَالِ لَا غَيْرُهَا كَزَوْجِيَّةٍ وَمُحَالَفَةٍ وَقَرَابَةٍ لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ فَلَا يَتَحَمَّلُ الْقَاتِلُ مع وُجُودِ الْعَاقِلَةِ فِيمَا تَحَمَّلَ فيه لِمَا مَرَّ وَلَا أُصُولُهُ ولا فُرُوعُهُ كَالْقَاتِلِ إذْ مَالُهُمْ كَمَالِهِ بِدَلِيلِ لُزُومِ النَّفَقَةِ وفي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد في خَبَرِ الْمَرْأَتَيْنِ السَّابِقِ وَبَرَأَ الْوَالِدُ أَيْ من الْعَقْلِ وفي النَّسَائِيّ لَا يُؤْخَذُ الرَّجُلُ بِجَرِيرَةِ ابْنِهِ كَابْنِ الْجَانِيَةِ وَلَوْ كان ابْنَ ابْنِ عَمِّهَا أو مُعْتِقَهَا فَلَا يَتَحَمَّلُ عنها وَإِنْ كان يَلِي نِكَاحَهَا لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ هُنَا مَانِعَةٌ وَثَمَّ غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لَا مَانِعَةٌ فإذا وُجِدَ مُقْتَضٍ زُوِّجَ بِهِ
وَيُقَدَّمُ منهم الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَالْمُدْلِي بِالْأَبَوَيْنِ على الْمُدْلِي بِالْأَبِ لِأَنَّ الْعَقْلَ حُكْمٌ من أَحْكَامِ الْعُصُوبَةِ فَيُقَدَّمُ من ذُكِرَ كَالْمِيرَاثِ وَوِلَايَةِ النِّكَاحِ فَإِنْ عُدِمُوا أَيْ الْعَاقِلَةُ من النَّسَبِ أو لم يَفُوا بِالْوَاجِبِ إذَا وُزِّعَ عليهم فَالْمُعْتِقُ يَتَحَمَّلُ لِخَبَرِ الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ فَإِنْ فُقِدَ وَكَذَا لو فَضَلَ عن الْوَاجِبِ شَيْءٌ فَعَصَبَتُهُ من النَّسَبِ ثُمَّ مُعْتِقُ الْمُعْتَقِ ثُمَّ عَصَبَتُهُ وَهَكَذَا ثُمَّ مُعْتِقُ أبي الْمُعْتَقِ ثُمَّ عَصَبَتُهُ ثُمَّ مُعْتِقُ مُعْتِقِهِ ثُمَّ عَصَبَتُهُ وَهَكَذَا ثُمَّ مُعْتِقُ جَدِّ الْمُعْتَقِ ثُمَّ عَصَبَتُهُ وَهَكَذَا إلَى حَيْثُ يَنْتَهِي كَالْإِرْثِ
____________________
(4/83)
وَيُفَارِقُ الْأَخْذَ من الْبَعِيدِ إذَا لم يَفِ الْأَقْرَبُ بِالْوَاجِبِ الْإِرْثِ حَيْثُ يَحُوزُهُ الْأَقْرَبُ بِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ لِمِيرَاثِ الْعَصَبَةِ بِخِلَافِ الْوَاجِبِ هُنَا فإنه مُقَدَّرٌ بِنِصْفِ دِينَارٍ أو رُبْعِهِ كما سَيَأْتِي قال في الْأَصْلِ وَذَوُو الْأَرْحَامِ لَا يَتَحَمَّلُونَ قال الْمُتَوَلِّي إلَّا إذَا قُلْنَا بِتَوْرِيثِهِمْ فَيَتَحَمَّلُونَ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَاتِ كما يَرِثُونَ عِنْدَ عَدَمِهِمْ
انْتَهَى
وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا كان ذَكَرًا غير أَصْلٍ وَلَا فَرْعٍ
وَلَا يَدْخُلُ في الْعَاقِلَةِ فَرْعُ الْمُعْتِقِ ولا أَصْلُهُ لِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ أَنَّ عُمَرَ قَضَى على عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنهما بِأَنْ يَعْقِلَ عن مولى صَفِيَّةَ بِنْتِ عبد الْمُطَّلِبِ لِأَنَّهُ ابن أَخِيهَا دُونَ ابْنِهَا الزُّبَيْرِ وَاشْتَهَرَ ذلك بَيْنَهُمْ وَقِيسَ بِالِابْنِ غَيْرُهُ من الْأَبْعَاضِ وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُمَا يَدْخُلَانِ قال لِأَنَّ الْمُعْتِقَ يَتَحَمَّلُ فَهُمَا كَالْمُعْتِقِ لَا كَالْجَانِي وَلَا نَسَبَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْجَانِي بِأَصْلِيَّةٍ وَلَا فَرْعِيَّةٍ وَيَعْقِلُ عَتِيقُ الْمَرْأَةِ الْجَانِي عَاقِلَتَهَا الَّذِينَ يَتَحَمَّلُونَ الدِّيَةَ عنها لو وَجَبَتْ كما أنها لَمَّا لم تَكُنْ أَهْلًا لِلتَّزْوِيجِ يُزَوِّجُ عَتِيقَتُهَا من يُزَوِّجُهَا
وَمَنْ اعْتَرَفَ بِنَسَبِ لَقِيطٍ لَزِمَ عَصَبَتَهُ دِيَةُ جِنَايَتِهِ إنْ لم تُكَذِّبْهُ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ لها وإذا لَزِمَتْ الدِّيَةُ عَصَبَتَهُ لَزِمَتْهُ هو بِالْأَوْلَى إنْ لم يَكُنْ اللَّقِيطُ أَصْلَهُ أو فَرْعَهُ
فَإِنْ أَعْتَقَهُ جَمَاعَةٌ ضَرَبَ عليهم حِصَّةً وَاحِدَةً رُبْعَ دِينَارٍ أو نِصْفَهُ بِحَسَبِ الْحَالِ فَالْمُعْتِقُونَ كَمُعْتِقٍ فِيمَا عليه كُلَّ سَنَةٍ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِجَمِيعِهِمْ لَا لِكُلٍّ منهم فَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ فَعَلَى الْكُلِّ نِصْفُ دِينَارٍ أو مُتَوَسِّطِينَ فَرُبْعُ دِينَارٍ أو بَعْضًا وَبَعْضًا فَعَلَى كل غَنِيٍّ حِصَّتُهُ من النِّصْفِ لو كان الْكُلُّ أَغْنِيَاءَ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ حِصَّتُهُ من الرُّبْعِ لو كان الْكُلُّ مُتَوَسِّطِينَ فَإِنْ مَاتَ وَاحِدٌ منهم أو جَمِيعُهُمْ فَعَلَى كل رَجُلٍ من عَصَبَتِهِ مِثْلُ ما كان عليه من نِصْفٍ أو رُبْعٍ بِحَسَبِ حَالِهِ بِنَاءً على أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُورَثُ بَلْ يُورَثُ بِهِ فَإِنْ مَاتَ مُعْتِقٌ له وكان وَاحِدًا عن عَصَبَتِهِ حَمَلَ كُلٌّ منهم حِصَّةً تَامَّةً من نِصْفِ دِينَارٍ أو رُبْعِهِ فَلَا يُوَزَّعُ عليهم ما كان يَتَحَمَّلُهُ الْمُعْتِقُ بِتَقْدِيرِ حَيَاتِهِ بِخِلَافِ ما مَرَّ آنِفًا لِأَنَّ الْوَلَاءَ يَتَوَزَّعُ على الْمُعْتِقِينَ فَيُوَزَّعُ عليهم الْقَدْرُ الْمُتَحَمَّلُ بِخِلَافِ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ لَا يُوَزَّعُ الْوَلَاءُ عليهم إذْ لَا يَرِثُونَهُ بَلْ يَرِثُونَ بِهِ كما مَرَّ فَالْوَلَاءُ في حَقِّهِمْ كَالنَّسَبِ وَلَا يَعْقِلُ عَتِيقٌ وَلَا عَصَبَتُهُ عن مُعْتِقِهِ إذْ لَا إرْثَ
فَصْلٌ لو جَرَحَ ابن عَتِيقَةٍ أَبَاهُ رَقِيقٌ رَجُلًا خَطَأً ثُمَّ انْجَرَّ الْوَلَاءُ بِعِتْقِ أبيه إلَى مَوَالِي أبيه فَمَاتَ الْجَرِيحُ بِالسِّرَايَةِ فَعَلَى مَوَالِي الْأُمِّ بَدَلُ أَرْشِ الْجُرْحِ لِأَنَّ الْوَلَاءَ حين الْجُرْحِ لهم وزاد لَفْظَ بَدَلَ بِلَا فَائِدَةٍ وَالْبَاقِي من الدِّيَةِ إنْ كان على الْجَانِي لِحُصُولِ السِّرَايَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ بِجِنَايَةٍ قَبْلَهُ لَا على مَوَالِي أُمِّهِ لِانْتِقَالِ الْوَلَاءِ عنه قبل وُجُوبِهِ وَلَا على مَوَالِي أبيه لِتَقَدُّمِ سَبَبِهِ على الِانْجِرَارِ وَلَا في بَيْتِ الْمَالِ لِوُجُودِ جِهَةِ الْوَلَاءِ بِكُلِّ حَالٍ وَلِأَنَّ تَحَمُّلَ الْعَاقِلَةِ على خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ كَالْقِصَاصِ نعم يَتَحَمَّلُ منه مَوَالِي الْأُمِّ ما زَادَ بِالْجُرْحِ قبل الِانْجِرَارِ فَلَوْ كان الْجُرْحُ قَطْعَ أُصْبُعٍ فَسَرَى إلَى الْكَفِّ ثُمَّ انْجَرَّ الْوَلَاءُ ثُمَّ مَاتَ الْجَرِيحُ بِالسِّرَايَةِ لَزِمَ مَوَالِيَ الْأُمِّ مع أَرْشِ الْأُصْبُعِ وهو عُشْرُ الدِّيَةِ ما زَادَ قبل الِانْجِرَارِ وهو أَرْبَعَةُ أَعْشَارِهَا لِأَنَّ السِّرَايَةَ إلَى الْكَفِّ حَصَلَتْ حين كان الْوَلَاءُ لهم فَكَانَتْ كَأَصْلِ الْجِرَاحَةِ صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ
أَمَّا إذَا لم يَكُنْ بَاقٍ بِأَنْ سَاوَى أَرْشُ الْجُرْحِ الدِّيَةَ أو زَادَ عليها كَأَنْ قَطَعَ يَدَيْهِ أو يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ثُمَّ عَتَقَ الْأَبُ ثُمَّ مَاتَ الْجَرِيحُ فَعَلَى مَوَالِي الْأُمِّ دِيَةٌ كَامِلَةٌ لِأَنَّ الْجُرْحَ حين كان الْوَلَاءُ لهم يُوجِبُ هذا الْقَدْرَ وَالْمُعْتَبَرُ أَنْ لَا يَزِيدَ قَدْرُ الْوَاجِبِ على مَوَالِي الْأُمِّ بِالسِّرَايَةِ الْحَاصِلَةِ بَعْدَ الِانْجِرَارِ فَإِنْ مَاتَ الْجَرِيحُ بِالسِّرَايَةِ وقد جَرَحَهُ جَارِحُهُ ثَانِيًا خَطَأً بَعْدَ عِتْقِ الْأَبِ فَعَلَى مَوَالِي الْأَبِ نِصْفُهَا الْأَوْلَى بَاقِيهَا أَيْضًا أَيْ كما يَجِبُ على مَوَالِي الْأُمِّ أَرْشُ الْجُرْحِ وَكَذَا لو جَرَحَ ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا خَطَأً وَمَاتَ الْجَرِيحُ بِالسِّرَايَةِ بَعْدَ إسْلَامِهِ أَيْ الذِّمِّيِّ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الذِّمِّيِّينَ ما يَخُصُّ الْجُرْحَ لِأَنَّهُمْ عَاقِلَتُهُ حين الْجُرْحِ وَبَاقِي الدِّيَةِ إنْ كان عليه لِمَا مَرَّ في نَظِيرِهِ وَقَوْلُهُ مُسْلِمًا مِثَالٌ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ رَجُلًا فَإِنْ مَاتَ الْجَرِيحُ بِالسِّرَايَةِ وقد جَرَحَهُ جَارِحُهُ ثَانِيًا خَطَأً وَبَعْدَ الْإِسْلَامِ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الْمُسْلِمِينَ نِصْفُ الدِّيَةِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الذِّمِّيِّينَ النِّصْفُ الْآخَرُ إنْ لم يَكُنْ الْأَرْشُ أَقَلَّ منه
فَإِنْ كان أَقَلَّ منه كَأَرْشِ مُوضِحَةٍ فَعَلَيْهِمْ الْأَرْشُ فَقَطْ وَالْبَاقِي من النِّصْفِ على الْجَانِي فَإِنْ كان جُرْحُهُ الثَّانِي مُذَفِّفًا فَكُلُّ الدِّيَةِ على عَاقِلَتِهِ الْمُسْلِمِينَ بِنَاءً على
____________________
(4/84)
أَنَّ من جُرِحَ ثُمَّ قُتِلَ يَدْخُلُ أَرْشُ جُرْحِهِ في الدِّيَةِ وَلَوْ عَادَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَجَرَحَهُ مع آخَرَ خَطَأً فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ بِجُرْحَيْهِ حِصَّةُ جُرْحِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ الرُّبْعُ على عَاقِلَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الذِّمِّيِّينَ رُبْعٌ إنْ لم تَكُنْ حِصَّةُ جُرْحِ الْكُفْرِ دُونَ الرُّبْعِ وَإِلَّا فَعَلَيْهِمْ قَدْرُ الْأَرْشِ وَالْبَاقِي عليه صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَإِنْ تَخَلَّلَتْ مِمَّنْ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ شَخْصًا فَمَاتَ رِدَّةٌ أو إسْلَامٌ بين الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ وَإِنْ لم تَتَّصِلْ الرِّدَّةُ أو الْإِسْلَامُ بِالْإِصَابَةِ فَالدِّيَةُ في مَالِهِ لَا على عَاقِلَتِهِ لِأَنَّ شَرْطَ تَحَمُّلِهَا أَنْ تَكُونَ صَالِحَةً لِوِلَايَةِ النِّكَاحِ من الْفِعْلِ إلَى الْفَوَاتِ
وَمَنْ حَفَرَ وكان عَبْدًا أو ذِمِّيًّا بِئْرًا عُدْوَانًا أو رَمَى صَيْدًا فَعَتَقَ الْعَبْدُ أو عَتَقَ أَبَاهُ وَانْجَرَّ وَلَاؤُهُ إلَى مولى أبيه أو أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ ثُمَّ بَعْدَ الْعِتْقِ أو الْإِسْلَامِ تَرَدَّى رَجُلٌ في الْبِئْرِ أو أَصَابَهُ السَّهْمُ فَمَاتَ أو عَتَقَ أَبُوهُ وَانْجَرَّ وَلَاؤُهُ إلَى مَوَالِي أبيه أو أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ ثُمَّ بَعْدَ الْعِتْقِ أو الْإِسْلَامِ تَرَدَّى رَجُلٌ في الْبِئْرِ أو أَصَابَهُ السَّهْمُ فَمَاتَ ضَمِنَ الْحَافِرُ أو الرَّامِي الدِّيَةَ في مَالِهِ فَلَا تَجِبُ على السَّيِّدِ لِانْتِقَالِ الْعَبْدِ عن مِلْكِهِ قبل الْوُجُوبِ وَلَا على الْعَاقِلَةِ لِمَا مَرَّ في التي قَبْلَهَا وَالتَّصْرِيحُ بِمَسْأَلَةِ حَفْرِ الذِّمِّيِّ من زِيَادَتِهِ
وَإِنْ جَرَحَ عَبْدٌ رَجُلًا خَطَأً فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ فَذَلِكَ منه اخْتِيَارٌ لِلْفِدَاءِ فَيَلْزَمُهُ إنْ مَاتَ بِهِ أَيْ بِالْجِرَاحِ الْأَقَلُّ من أَرْشِهَا أَيْ الْجِرَاحَةِ وَقِيمَتُهُ أَيْ الْعَبْدِ وَعَلَى الْعَتِيقِ بَاقِي الدِّيَةِ إنْ كان لَا على سَيِّدِهِ وَلَا على عَاقِلَتِهِ لِمَا مَرَّ
وَإِنْ مَاتَ جَرِيحٌ بِجِرَاحَةٍ خَطَأً وقد ارْتَدَّ جَارِحُهُ بَعْدَ جُرْحِهِ فَالْأَقَلُّ من أَرْشِ الْجُرْحِ وَالدِّيَةُ على عَاقِلَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَالْبَاقِي من الدِّيَةِ إنْ كان في مَالِهِ فَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَالْبَاقِي في مَالِهِ وَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَعَلَيْهِمْ الدِّيَةُ وَلَا شَيْءَ عليه وَلَوْ جُرِحَ وهو مُرْتَدٌّ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ فَالدِّيَةُ في مَالِهِ إذْ لَا عَاقِلَةَ لِلْمُرْتَدِّ
وَإِنْ تَخَلَّلَتْ الرِّدَّةُ من الْجَارِحِ بين إسْلَامِيُّهُ وَقَبْلَ مَوْتِ الْجَرِيحِ فَهَلْ على عَاقِلَتِهِ جَمِيعُ الدِّيَةِ اعْتِبَارًا بِالطَّرَفَيْنِ أَمْ عليهم أَرْشُ الْجُرْحِ وَالزَّائِدُ عليه في مَالِهِ لِحُصُولِ بَعْضِ السِّرَايَةِ في حَالَةِ الرِّدَّةِ فَتَصِيرُ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلتَّحَمُّلِ قَوْلَانِ قال الرَّبِيعُ أَصَحُّهُمَا عِنْدِي الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ إنْ عَادَ قَرِيبًا وَعَلَيْهِ يُسْتَثْنَى ذلك من اعْتِبَارِ كَوْنِ الْعَاقِلَةِ أَوْلِيَاءً لِلنِّكَاحِ من الْفِعْلِ إلَى الْفَوَاتِ وَعَلَى الثَّانِي جَرَى الْقُونَوِيُّ وَغَيْرُهُ وهو الْمُعْتَمَدُ
فَإِنْ فُقِدَتْ الْعَاقِلَةُ أو أَعْسَرُوا وَكَذَا لو لم يَفُوا بِوَاجِبِ الْحَوْلِ عَقَلَ بَيْتُ الْمَالِ عن الْجَانِي الْمُسْلِمِ كما يَرِثُهُ وَلِخَبَرِ أنا وَارِثُ من لَا وَارِثَ له أَعْقِلُ عنه وَأَرِثُهُ لَا عن ذِمِّيٍّ وَمُرْتَدٍّ كما لَا يَرِثُهُمَا وَإِنَّمَا يُوضَعُ فيه ما لَهُمَا فَيْءٌ بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ في مَالِهِمَا مُؤَجَّلَةً فَإِنْ مَاتَا حَلَّتْ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَالْمُسْتَأْمَنُ في ذلك كَالذِّمِّيِّ
الطَّرَفُ الثَّانِي في صِفَةِ الْعَاقِلَةِ وَهِيَ خَمْسٌ التَّكْلِيفُ وَعَدَمُ الْفَقْرِ وَالْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ وَاتِّفَاقُ الدِّينِ فَلَا يَعْقِلُ صَبِيٌّ وَمَعْتُوهٌ وَفَقِيرٌ وَإِنْ اعْتَمَلَ أَيْ اكْتَسَبَ وَرَقِيقٌ وَمُبَعَّضٌ كما قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَامْرَأَةٌ وَخُنْثَى لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمْ لِلنُّصْرَةِ وَلِعَدَمِ الْوِلَايَةِ وَلِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَمْلِكُ وَالْمُكَاتَبُ وَإِنْ مَلَكَ ليس أَهْلًا لِلْمُوَاسَاةِ فَلَوْ بَانَ الْخُنْثَى ذَكَرًا غَرِمَ حِصَّتَهُ التي أَدَّاهَا غَيْرُهُ اعْتِبَارًا بِمَا في نَفْسِ الْأَمْرِ كما في شَاهِدِ النِّكَاحِ وَوَلِيِّهِ وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ خِلَافَهُ قال لِبِنَاءِ التَّحَمُّلِ على الْمُوَالَاةِ وَالْمُنَاصَرَةِ الظَّاهِرَةِ وقد كان هذا في سَتْرِ الثَّوْبِ كَالْأُنْثَى فَلَا نُصْرَةَ بِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَغْرِسُهَا لِلْمُسْتَحِقِّ لَا لِلْمُؤَدِّي وَيَرْجِعُ الْمُؤَدِّي على الْمُسْتَحِقِّ وَلَا يَعْقِلُ مُسْلِمٌ عن ذِمِّيٍّ ولا عَكْسُهُ لِمَا مَرَّ وَيَتَعَاقَلُ يَهُودِيٌّ وَنَصْرَانِيٌّ أَيْ عَقَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا عن الْآخَرِ كما يَتَوَارَثَانِ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ ويتعاقل ذِمِّيٌّ وَمُعَاهَدٌ بَقِيَ عَهْدُهُ مُدَّةَ الْأَجَلِ وَاعْتَبَرَ الْأَصْلُ زِيَادَةَ مُدَّةِ الْعَهْدِ على الْأَجَلِ فَخَرَجَ بِهِ ما إذَا نَقَصَتْ عنه وهو ظَاهِرٌ
وما إذَا سَاوَتْهُ تَقْدِيمًا لِلْمَانِعِ على الْمُقْتَضِي وَيَكْفِي في تَحَمُّلِ كل حَوْلٍ على انْفِرَادِهِ زِيَادَةُ مُدَّةِ الْعَهْدِ عليه قال الْأَذْرَعِيُّ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ أَنَّ ما ذُكِرَ من تَحَمُّلِ الذِّمِّيِّ وَنَحْوِهِ مَحَلُّهُ إذَا كَانُوا في دَارِنَا لِأَنَّهُمْ تَحْتَ حُكْمِنَا لَا حَرْبِيٍّ فَلَا يَعْقِلُ عن ذِمِّيٍّ وَلَا مُعَاهَدٍ وَلَا يَعْقِلَانِ عنه وَإِنْ اتَّفَقَتْ مِلَّتُهُمَا لِانْقِطَاعِ الْمُنَاصَرَةِ بَيْنَهُمَا بِاخْتِلَافِ الدَّارِ وإذا فُقِدَ بَيْتُ الْمَالِ بِأَنْ تَعَذَّرَ أَخْذُ الْكُلِّ أو الْبَاقِي منه فَعَلَى الْجَانِي الضَّمَانُ
____________________
(4/85)
لِأَنَّ الْوُجُوبَ يُلَاقِيهِ ابْتِدَاءً كما في سَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ فَإِنْ كان تَعَذَّرَ ذلك لِعَدَمِ انْتِظَامِ بَيْتِ الْمَالِ أُخِذَ من ذَوِي الْأَرْحَامِ قبل الْجَانِي على ما مَرَّ لَا على فَرْعِهِ وَأَصْلِهِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ في الْإِيجَابِ بِخِلَافِهِمَا
فَصْلٌ قِسْطُ الْغَنِيِّ كُلَّ سَنَةٍ وهو من يَمْلِكُ عِشْرِينَ دِينَارًا أو قَدْرَهَا اعْتِبَارًا بِالزَّكَاةِ نِصْفُ دِينَارٍ أو قَدْرُهُ دَرَاهِمَ وهو سِتَّةٌ منها لِأَنَّ ذلك أَوَّلُ دَرَجَةِ الْمُوَاسَاةِ في زَكَاةِ النَّقْدِ وَالْمُتَوَسِّطُ من مَلَكَ دُونَهَا أَيْ دُونَ الْعِشْرِينَ وَفَوْقَ الرُّبْعِ أَيْ رُبْعِ الدِّينَارِ الذي يُؤْخَذُ منه وَإِنَّمَا شُرِطَ هذا لِئَلَّا يَبْقَى فَقِيرًا وقد يُقَالُ يُقَاسُ بِهِ الْغَنِيُّ لِئَلَّا يَبْقَى مُتَوَسِّطًا وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمُتَوَسِّطَ من أَهْلِ التَّحَمُّلِ بِخِلَافِ الْفَقِيرِ وَشَرْطُهُمَا أَنْ يَكُونَ ما يَمْلِكَانِهِ فَاضِلًا عَمَّا يَبْقَى لَهُمَا في الْكَفَّارَةِ من مَسْكَنٍ وَثِيَابٍ وَسَائِرِ ما لَا يُكَلَّفُ بَيْعَهُ فيها وَقِسْطُهُ أَيْ الْمُتَوَسِّطُ رُبْعُ دِينَارٍ أو قَدْرُهُ لِأَنَّ ما دُونَهُ تَافِهٌ بِدَلِيلِ عَدَمِ الْقَطْعِ بِهِ في السَّرِقَةِ وَإِلْحَاقُهُ بِالْغَنِيِّ أو بِالْفَقِيرِ إفْرَاطٌ أو تَفْرِيطٌ وَضَبْطُ الْغَنِيِّ وَالْمُتَوَسِّطِ بِمَا ذُكِرَ قَالَهُ الْإِمَامُ وَتَبِعَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَضَبَطَهُ الْبَغَوِيّ تَبَعًا لِلْقَاضِي بِالْعُرْفِ وَلَا تَرْجِيحَ في الْأَصْلِ فَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ فَلَوْ كَثُرُوا أَيْ الْعَاقِلَةُ أو قَلَّ الْوَاجِبُ نَقَصَ الْقِسْطُ فَيُؤْخَذُ من كُلٍّ منهم حِصَّتُهُ من غَيْرِ تَخْصِيصِ أَحَدٍ منهم لِشُمُولِ جِهَةِ التَّحَمُّلِ لهم وَلَا عَكْسَ أَيْ لو قَلُّوا وَكَثُرَ الْوَاجِبُ لم يَزِدْ الْقِسْطُ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ
فَرْعٌ الْوَاجِبُ النَّقْدُ فَيَجْمَعُ الْعَاقِلُ الْمَالَ الذي عليه من نِصْفٍ أو رُبْعٍ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ وَيَشْتَرِي بِهِ الْإِبِلَ لِأَنَّهَا الْوَاجِبَةُ لَا النَّقْدُ بِعَيْنِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَفِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْوَاجِبُ النَّقْدُ تَسَمُّحٌ فَإِنْ فُقِدَتْ ثُمَّ وُجِدَتْ قبل الْأَدَاءِ لِلْمَالِ تَعَيَّنَتْ كَوُجُودِ الْمَاءِ قبل صَلَاتِهِ بِالتَّيَمُّمِ وَإِلَّا يَعْنِي وَإِنْ لم تُوجَدْ قبل الْأَدَاءِ وَلَا عِنْدَهُ فَالْقِيمَةُ أَيْ فَالْمُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا بِنَقْدِ الْبَلَدِ وَإِنْ وُجِدَتْ بَعْدَهُ لم يُؤَثِّرْ فَإِنْ حَلَّ نَجْمٌ وَالْإِبِلُ بِالْبَلَدِ قُوِّمَتْ يَوْمَئِذٍ وَأُخِذَتْ قِيمَتُهَا وَلَا يُعْتَبَرُ بَعْضُ النُّجُومِ بِبَعْضٍ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ
وَيُعْتَبَرُ الْغِنَى وَالتَّوَسُّطُ آخِرَ الْحَوْلِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْأَدَاءِ فَلَا يُؤَثِّرُ الْغِنَى وَضِدُّهُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ كَالزَّكَاةِ فَلَوْ أَيْسَرَ آخِرَهُ ولم يُؤَدِّ ثُمَّ أَعْسَرَ ثَبَتَ دَيْنًا في ذِمَّتِهِ وَلَوْ افْتَقَرَ آخِرَهُ فَلَا شَيْءَ عليه لِأَنَّهُ ليس أَهْلًا لِلْمُوَاسَاةِ بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ لِأَنَّهَا كَالْأُجْرَةِ لِسُكْنَى دَارِ الْإِسْلَامِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ ادَّعَى الْفَقْرَ بَعْدَ الْغِنَى حَلَفَ وَلَا يُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَحَمَّلُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِغِنَاهُ وَأَمَّا الْكَمَالُ بِالتَّكْلِيفِ وَالْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ فَمِنْ أَيْ فَيُعْتَبَرُ من الْفِعْلِ إلَى الزُّهُوقِ بَلْ إلَى مُضِيِّ الْأَجَلِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ وَلَوْ كان بَعْضُهُمْ في أَوَّلِ الْحَوْلِ كَافِرًا أو رَقِيقًا أو صَبِيًّا أو مَجْنُونًا وَكَمَّلَ في آخِرِهِ لم تُؤْخَذْ منه حِصَّةُ تِلْكَ السَّنَةِ وما بَعْدَهَا قال الرَّافِعِيُّ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلنُّصْرَةِ بِالْبَدَنِ في الِابْتِدَاءِ فَلَا يُكَلَّفُونَ النُّصْرَةَ بِالْمَالِ في الِانْتِهَاءِ وَالْمُعْسِرُ كَامِلٌ أَهْلٌ لِلنُّصْرَةِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْمَالُ لِيَتَمَكَّنَ من الْأَدَاءِ فَيُعْتَبَرُ وَقْتُهُ
الطَّرَفُ الثَّالِثُ في كَيْفِيَّةِ الضَّرْبِ على الْعَاقِلَةِ لو فُقِدَ بَيْتُ الْمَالِ لَزِمَتْ الدِّيَةُ الْجَانِيَ لَا أَصْلَهُ وَفَرْعَهُ هذا مُكَرَّرٌ وَالِاقْتِصَارُ عليه هُنَا هو الْمُوَافِقُ لِلْأَصْلِ وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالْجِنَايَةِ على الْعَاقِلَةِ كَسَائِرِ الْأَقَارِيرِ وَلَا يُقْضَى عليهم بِالتَّحَمُّلِ بِحَلِفٍ من الْمُدَّعِي بَعْدَ نُكُولِهِ أَيْ الْمُدَّعَى عليه بِنَاءً على أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالْجِنَايَةِ على بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يُقْضَى عليه بِالتَّحَمُّلِ بِمَا ذُكِرَ وَعَلَى الْعَاقِلَةِ يَمِينٌ نَفْيُ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ فإذا حَلَفُوا كانت الدِّيَةُ على الْمُقِرِّ إذْ لَا سَبِيلَ إلَى التَّعْطِيلِ وقد تَعَذَّرَ التَّحَمُّلُ
وَتَلْزَمُهُ أَيْ الدِّيَةُ الْجَانِيَ مُؤَجَّلَةً كَالْعَاقِلَةِ فَلَوْ مَاتَ غَنِيًّا حَلَّتْ عليه كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ بِخِلَافِ ما لو مَاتَ أَحَدُ الْعَاقِلَةِ في أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لَا يُؤْخَذُ من تَرِكَتِهِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عليهم سَبِيلُهُ الْمُوَاسَاةُ وَعَلَى الْجَانِي سَبِيلُهُ صِيَانَةُ الْحَقِّ عن الضَّيَاعِ فَلَا يَسْقُطُ أو مَاتَ مُعْسِرًا سَقَطَتْ عنه الْمُطَالَبَةُ بها كما لو كان حَيًّا مُعْسِرًا وَلَوْ غَرِمَ وَاعْتَرَفُوا بَعْدَ ذلك بِالْقَتْلِ لم يَسْتَرِدَّ ما غَرِمَهُ بِنَاءً على أَنَّ الْوُجُوبَ يُلَاقِيهِ ابْتِدَاءً بَلْ يَرْجِعُ بِهِ عليهم
فَصْلٌ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الْأُرُوشَ وَالْغُرَّةَ وَالْحُكُومَاتِ وَكَذَا قِيمَةُ الْعَبْدِ كَالدِّيَةِ وَأَلْحَقَ بَدَلَ الْعَبْدِ بِبَدَلِ
____________________
(4/86)
الْحُرِّ لِأَنَّهُ بَدَلُ آدَمِيٍّ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ الْقِصَاصُ وَالْكَفَّارَةُ فَإِنْ اخْتَلَفُوا أَيْ الْعَاقِلَةُ وَالسَّيِّدُ في قَدْرِ قِيمَةُ الْعَبْدِ صُدِّقَتْ الْعَاقِلَةُ بِيَمِينِهَا لِأَنَّهَا الْغَارِمَةُ وَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ قَدْرَ دِيَتَيْنِ أُخِذَتْ في سِتِّ سِنِينَ في كل سَنَةٍ قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةٍ نَظَرًا إلَى الْقَدْرِ
وتحمل الْعَاقِلَةُ بَعْضَ جِنَايَةِ الْمُبَعَّضِ أَيْ تَحْمِلُ من دِيَةِ قَتِيلِهِ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ وتحمل طَرَفَهُ أَيْ طَرَفَ الْمُبَعَّضِ أَيْ الْجِنَايَةَ عليه وَمِثْلُهُ طَرَفُ الْعَبْدِ وَيُوَزَّعُ كُلُّ الْوَاجِبِ وَلَوْ نِصْفَ دِينَارٍ على الْعَاقِلَةِ هذا تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ فَلَوْ كَثُرَ وَأَنْقَصَ وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بِنَاءً على أَنَّ عَمْدَهُمَا عَمْدٌ كَغَيْرِهِمَا وَأَمَّا الْجَانِي على نَفْسِهِ كُلًّا أو بَعْضًا فَهَدَرٌ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجِبُ له على نَفْسِهِ شَيْءٌ بِجِنَايَتِهِ عليها كما لو أَتْلَفَ مَالَهُ
فَصْلٌ تُؤَجَّلُ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ على الْعَاقِلَةِ وَبَيْتِ الْمَالِ وَالْجَانِي لِأَنَّهَا وَجَبَتْ على غَيْرِ الْجَانِي مُوَاسَاةً كَالزَّكَاةِ وَأُلْحِقَ بِهِ الْجَانِي ثَلَاثَ سِنِينَ كما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ من قَضَاءِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنهما وَعَزَاهُ الشَّافِعِيُّ في الْمُخْتَصَرِ إلَى قَضَاءِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وما نَقَصَ عن الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ كَدِيَةِ الْمَرْأَةِ وَالذِّمِّيِّ أو زَادَ عليها كَأَرْشِ الْأَطْرَافِ كَأَنْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَفِي كل سَنَةٍ يَجِبُ قَدْرُ ثُلُثِ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ تَوْزِيعًا لها على السِّنِينَ الثَّلَاثِ وَعَبَّرَ بِقَدْرٍ لِيُفِيدَ أَنَّ النَّظَرَ في الْأَجَلِ إلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ لَا إلَى بَدَلِ النَّفْسِ وَتَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ أَيْضًا وَلَا نَقْصَ عن السَّنَةِ قال الرَّافِعِيُّ وكان سَبَبُهُ أَنَّ الْفَوَائِدَ كَالزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ تَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ فَاعْتُبِرَ مُضِيُّهَا لِيَجْتَمِعَ عِنْدَهُمْ ما يَتَوَقَّعُونَهُ فَيُوَاسُونَ عن تَمَكُّنٍ
فَإِنْ زَادَ الْوَاجِبُ على قَدْرِ ثُلُثِ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ شيئا ولم يَزِدْ على ثُلُثَيْهَا أُجِّلَ لِلزَّائِدِ سَنَةً ثَانِيَةً وَإِنْ زَادَ على قَدْرِ ثُلُثَيْهَا شيئا ولم يُجَاوِزْ الدِّيَةَ أُجِّلَ لِلزَّائِدِ سَنَةً ثَالِثَةً وَهَكَذَا
وَلَوْ قَتَلَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً فَثُلُثٌ من كل دِيَةٍ قِسْطُ كل سَنَةٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مُخْتَلِفٌ وَمُسْتَحِقُّوهُ مُخْتَلِفُونَ فَلَا يُؤَخَّرُ حَقُّ بَعْضِهِمْ بِاسْتِحْقَاقِ غَيْرِهِ أو قَتَلَهُ جَمَاعَةٌ فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ منهم كُلَّ سَنَةٍ ثُلُثُ ما يَخُصُّهُمْ كَجَمِيعِ الدِّيَةِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَمَنْ مَاتَ من الْعَاقِلَةِ بَعْدَ الْحَوْلِ لَا قَبْلَهُ لَزِمَ وَاجِبُهُ تَرِكَتَهُ بِخِلَافِ من مَاتَ قَبْلَهُ كَالزَّكَاةِ
فَصْلٌ لَا يُخَصُّ الْحَاضِرُ من الْعَاقِلَةِ في بَلَدِ الْجِنَايَةِ بِالْأَخْذِ من مَالِهِ بَلْ يُؤْخَذُ من مَالِ الْغَائِبِ أَيْضًا وَلَا يُنْتَظَرُ حُضُورُهُ كَالدَّيْنِ وَالتَّنْظِيرُ بِالدَّيْنِ من زِيَادَتِهِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُؤْخَذْ من مَالِهِ كَتَبَ الْقَاضِي أَيْ قَاضِي بَلَدِ الْجِنَايَةِ بَعْدَ حُكْمِهِ عليهم بِالْوَاجِبِ لِلْقَاضِي أَيْ قَاضِي بَلَدِ الْعَاقِلَةِ بِمَا وَجَبَ بِالْجِنَايَةِ لِيَأْخُذَهُ منه أو كَتَبَ إلَيْهِ بِحُكْمِ الْقَتْلِ أَيْ بِحُكْمِهِ بِهِ لِيُوجِبَ أَيْ لِيَحْكُمَ عليه بِالْوَاجِبِ وَيَأْخُذَهُ منه
فَصْلٌ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ في وَاجِبِ النَّفْسِ من وَقْتِ الزُّهُوقِ لها بِمُزْهِقٍ أو بِسِرَايَةِ جُرْحٍ لِأَنَّهُ مَالٌ يَحِلُّ بِانْقِضَاءِ الْأَجَلِ فَكَانَ ابْتِدَاءُ أَجَلِهِ من وَقْتِ وُجُوبِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ وفي وَاجِبِ الْجُرُوحِ الْمُنْدَمِلَةِ من وَقْتِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ تَعَلَّقَ بها وَيُطَالَبُ بِالْوَاجِبِ بَعْدَ الِانْدِمَالِ لها ولم يَعْتَبِرُوا في الضَّرْبِ انْدِمَالَهَا وَإِنْ لم يُطَالَبْ قَبْلَهُ بِالْوَاجِبِ لِأَنَّ التَّوَقُّفَ في الْمُطَالَبَةِ لِتَبَيُّنِ مُنْتَهَى الْجِرَاحَةِ وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ ليس وَقْتَ طَلَبٍ فَلَا يُقَاسُ ضَرْبُ الْمُدَّةِ بِالْمُطَالَبَةِ فَلَوْ مَضَتْ سَنَةٌ ولم تَنْدَمِلْ لم يُطَالَبْ بِوَاجِبِهَا
وابتداء الْمُدَّةِ فِيمَا سَرَتْ إلَيْهِ الْجُرُوحُ من عُضْوٍ إلَى آخَرَ من وَقْتِ السِّرَايَةِ لها فَلَوْ قَطَعَ أُصْبُعَهُ ثُمَّ سَرَى إلَى كَفِّهِ مَثَلًا فَابْتِدَاءُ مُدَّةِ وَاجِبِ الْأُصْبُعِ من الْقَطْعِ كما لو لم يَسْرِ وَوَاجِبُ الْكَفِّ من سُقُوطِهَا وَقِيلَ ابْتِدَاءُ مُدَّةِ الْوَاجِبَيْنِ من سُقُوطِ الْكَفِّ وَقِيلَ من الِانْدِمَالِ وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ من زِيَادَتِهِ وَجَرَى عليه الْحَاوِي الصَّغِيرُ وَغَيْرُهُ
الطَّرَفُ الرَّابِعُ جِنَايَةُ الرَّقِيقِ وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ أَيْ وَاجِبُهَا
____________________
(4/87)
الْمَالِيُّ وَلَوْ بَعْدَ الْعَفْوِ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَتِهِ إذْ لَا يُمْكِنُ إلْزَامُهُ لِسَيِّدِهِ لِأَنَّهُ إضْرَارٌ بِهِ مع بَرَاءَتِهِ وَلَا أَنْ يُقَالَ في ذِمَّتِهِ إلَى عِتْقِهِ لِأَنَّهُ تَفْوِيتٌ لِلضَّمَانِ أو تَأْخِيرٌ إلَى مَجْهُولٍ وَفِيهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ مُعَامَلَةِ غَيْرِهِ له لِرِضَاهُ بِذِمَّتِهِ فَالتَّعَلُّقُ بِرَقَبَتِهِ طَرِيقٌ وَسَطٌ في رِعَايَةِ الْجَانِبَيْنِ فَإِنْ حَصَلَتْ الْبَرَاءَةُ عن بَعْضِ الْوَاجِبِ انْفَكَّ منه بِقِسْطِهِ كما صَحَّحَهُ الْأَصْلُ في دَوْرِيَّاتِ الْوَصَايَا وَيُخَالِفُ ما ذُكِرَ هُنَا الْوَاجِبَ بِجِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ مُضَافَةٌ إلَيْهِ فإنه يَتَصَرَّفُ بِاخْتِيَارِهِ وَلِذَلِكَ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ إذَا أَوْجَبَتْهُ الْجِنَايَةُ بِخِلَافِ الْبَهِيمَةِ لَا مع ذِمَّتِهِ
وَإِنْ أَذِنَ له سَيِّدُهُ بِالْجِنَايَةِ وَإِلَّا لَمَا تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ كَدُيُونِ الْمُعَامَلَاتِ حتى لو بَقِيَ شَيْءٌ لَا يَتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ نعم إنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِالْجِنَايَةِ ولم يُصَدِّقْهُ سَيِّدُهُ تَعَلَّقَ وَاجِبُهَا بِذِمَّتِهِ كما مَرَّ في الْإِقْرَارِ وَمَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ أَنَّ جِنَايَةَ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ بِأَمْرِ سَيِّدِهِ أو غَيْرِهِ على الْآمِرِ وَالْمُبَعَّضِ يَجِبُ عليه من وَاجِبِ جِنَايَتِهِ بِنِسْبَةِ حُرِّيَّتِهِ وما فيه من الرِّقِّ يَتَعَلَّقُ بِهِ بَاقِي وَاجِبِ الْجِنَايَةِ فَيَفْدِيهِ السَّيِّدُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ من حِصَّتَيْ وَاجِبِهَا وَالْقِيمَةِ كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَلَا يُبَاعُ في وَاجِبِ الْجِنَايَةِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَالْمَجْنِيِّ عليه وَلَا يُبَاعُ منه بِأَكْثَرَ من الْأَرْشِ الْمُتَعَلِّقِ بِرَقَبَتِهِ إلَّا بِإِذْنٍ من سَيِّدِهِ أو ضَرُورَةٍ كَأَنْ لم يَجِدْ من يَشْتَرِي بَعْضَهُ وَلِلسَّيِّدِ فِدَاؤُهُ بِالْأَقَلِّ من الْأَرْشِ وَقِيمَةُ يَوْمِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ الْأَقَلَّ إنْ كان الْقِيمَةَ فَلَيْسَ عليه غَيْرُ تَسْلِيمِ الرَّقَبَةِ وَهِيَ بَدَلُهَا أو الْأَرْشُ فَهُوَ الْوَاجِبُ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ يوم الْجِنَايَةِ كما حَكَى عن النَّصِّ لِتَوَجُّهِ طَلَبِ الْفِدَاءِ فيه وَلِأَنَّهُ يَوْمُ تَعَلُّقِهَا وَاعْتَبَرَ الْقَفَّالُ يوم الْفِدَاءِ لِأَنَّ النَّقْصَ قَبْلَهُ لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ بِدَلِيلِ ما لو مَاتَ الْعَبْدُ قبل اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ وَحُمِلَ النَّصُّ على ما لو مَنَعَ بَيْعَهُ حَالَ الْجِنَايَةِ ثُمَّ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وما قَالَهُ الْقَفَّالُ هو الْأَوْجَهُ وقال الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ مُتَّجَهٌ وَجَرَى عليه الْمُصَنِّفُ في إرْشَادِهِ وَشَرْحِهِ أَيْضًا
وَإِنْ جَنَى الْعَبْدُ ثَانِيًا قبل الْبَيْعِ وَالْفِدَاءِ تَعَلَّقَ بِهِ الْأَرْشُ فَيَفْدِيهِ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُمَا أو الْقِيمَةِ وَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ وَوَزَّعَ الثَّمَنَ عَلَيْهِمَا فَإِنْ جَنَى ثَانِيًا بَعْدَ الْفِدَاءِ وَقَبْلَ الْبَيْعِ سَلَّمَهُ لِلْبَيْعِ أو فَدَاهُ لِأَنَّهُ الْآنَ لم يَتَعَلَّقْ بِهِ غَيْرُ هذه الْجِنَايَةِ وَكَذَا إنْ قَتَلَهُ سَيِّدُهُ أو أَعْتَقَهُ وَنَفَّذْنَا عِتْقَهُ بَعْدَ جِنَايَاتٍ فَدَاهُ لِمَنْعِهِ من بَيْعِهِ بِالْأَقَلِّ من الْأَرْشِ وَالْقِيمَةِ وَإِنْ مَاتَ الْجَانِي أو هَرَبَ فَلَا شَيْءَ على السَّيِّدِ إلَّا إنْ كان قد مَنَعَ منه فَهُوَ اخْتِيَارٌ لِلْفِدَاءِ فَيَفْدِيهِ أو يُحْضِرُهُ لِأَنَّ له الرُّجُوعَ عن اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ فَيَفْدِيهِ إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ
وَلَيْسَ الْوَطْءُ لِأَمَتِهِ الْجَانِيَةِ اخْتِيَارًا له أَيْ لِلْفِدَاءِ إذْ لَا دَلَالَةَ على الِالْتِزَامِ مع أَنَّهُ لو الْتَزَمَ لم يَلْزَمْهُ بِخِلَافِهِ في زَمَنِ خِيَارِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْخِيَارَ ثَمَّ يَثْبُتُ بِفِعْلِ من هو له فَجَازَ أَنْ يَسْقُطَ بِفِعْلِهِ وَهُنَا ثَبَتَ بِالشَّرْعِ فَلَا يَسْقُطُ بِفِعْلِهِ فَإِنْ قُتِلَ الْجَانِي خَطَأً أو شِبْهَ عَمْدٍ تَعَلَّقَتْ جِنَايَتُهُ بِقِيمَتِهِ لِأَنَّهَا بَدَلُهُ فإذا أُخِذَتْ سَلَّمَهَا السَّيِّدُ أو بَدَلَهَا من سَائِرِ أَمْوَالِهِ أو عَمْدًا وَاقْتَصَّ السَّيِّدُ هو جَائِزٌ له لَزِمَهُ الْفِدَاءُ لِلْمَجْنِيِّ عليه
فَصْلٌ يَفْدِي السَّيِّدُ وُجُوبًا أُمَّ الْوَلَدِ وَإِنْ مَاتَتْ عَقِبَ الْجِنَايَةِ لِمَنْعِهِ بَيْعَهَا بِالْإِيلَادِ كما لو قَتَلَهَا بِخِلَافِ
____________________
(4/88)
مَوْتِ الْعَبْدِ لِتَعَلُّقِ الْأَرْشِ بِرَقَبَتِهِ فإذا مَاتَ بِلَا تَقْصِيرٍ فَلَا أَرْشَ وَلَا فِدَاءَ بِالْأَقَلِّ من الْأَرْشِ ومن قِيمَتِهَا يوم جِنَايَتِهَا لَا يوم إحْبَالِهَا اعْتِبَارًا بِوَقْتِ لُزُومِ فِدَائِهَا وَوَقْتِ الْحَاجَةِ إلَى بَيْعِهَا الْمَمْنُوعِ بِالْإِحْبَالِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ الْأَمَةَ التي اسْتَوْلَدَهَا سَيِّدُهَا بَعْدَ الْجِنَايَةِ وهو ظَاهِرٌ لَكِنَّ الظَّاهِرَ هُنَا أَنَّ الْعِبْرَةَ بِقِيمَةِ يَوْمِ الْإِحْبَالِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ بَيْعَهَا حَالَ الْجِنَايَةِ فَيُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا حِينَئِذٍ وَكَالْمُسْتَوْلَدَةِ الْمَوْقُوفُ لِمَنْعِ الْوَاقِفِ بَيْعَهُ بِوَقْفِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَنْذُورَ عِتْقُهُ كَذَلِكَ قال الزَّرْكَشِيُّ وَسَكَتُوا هُنَا عن التَّعَلُّقِ بِذِمَّتِهَا وَيُشْبِهُ الْقَطْعَ بِهِ لِتَعَذُّرِ التَّعَلُّقِ بِرَقَبَتِهَا قُلْت إنَّمَا يُشْبِهُ الْقَطْعَ بِالتَّعَلُّقِ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ لِأَنَّهُ مَنَعَ بَيْعَهَا فإذا تَكَرَّرَتْ جِنَايَتُهَا فَلَيْسَ عليه إلَّا فِدَاءٌ وَاحِدٌ وَإِنْ فَدَى الْأُولَى قبل جِنَايَاتِهَا الْآخَرُ لِأَنَّ إحْبَالَهُ إتْلَافٌ ولم يُوجَدْ منه إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً كما لو جَنَى عَبْدُهُ جِنَايَاتٍ ثُمَّ قَتَلَهُ أو أَعْتَقَهُ فَإِنْ اسْتَغْرَقَ الْأَرْشُ الْحَاصِلُ بِجِنَايَاتِهَا الْقِيمَةَ شَارَكَ كُلُّ ذِي جِنَايَةٍ تَحْدُثُ منها من جَنَتْ عليه قَبْلَهُ فيها أَيْ شَارَكَهُ في قِيمَتِهَا
فَلَوْ كانت قِيمَتُهَا أَلْفًا وَجَنَتْ جِنَايَتَيْنِ وَأَرْشُ كُلٍّ مِنْهُمَا أَلْفٌ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةٍ فَإِنْ كان الْأَوَّلُ قَبَضَ الْأَلْفَ اسْتَرَدَّ منه الثَّانِي نِصْفَهُ أو أَرْشُ الثَّانِيَةِ خَمْسُمِائَةٍ اسْتَرَدَّ منه ثُلُثَهُ أو أَرْشُ الثَّانِيَةِ أَلْفٌ وَالْأُولَى خَمْسُمِائَةٍ اسْتَرَدَّ منه ثُلُثَهَا وَمِنْ السَّيِّدِ خَمْسَمِائَةٍ تَمَامَ الْقِيمَةِ لِيَصِيرَ معه ثُلُثَا الْأَلْفِ وَمَعَ الْأَوَّلِ ثُلُثُهُ كَدُيُونِ الْمَيِّتِ إذَا قُسِمَتْ تَرِكَتُهُ عليها ثُمَّ حَدَثَ عليه دَيْنٌ آخَرُ كَأَنْ حَفَرَ بِئْرًا عُدْوَانًا فَهَلَكَ بها شَيْءٌ فَيُزَاحِمُ الْمُسْتَحِقُّ الْغُرَمَاءَ وَيَسْتَرِدُّ منهم حِصَّتَهُ
وَحَمْلُ الْجَانِيَةِ غَيْرِ الْمُسْتَوْلَدَةِ لِلسَّيِّدِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَرْشُ سَوَاءٌ أَكَانَ مَوْجُودًا يوم الْجِنَايَةِ أَمْ حَدَثَ بَعْدَهَا فَلَا تُبَاعُ حتى تَضَعَ إذْ لَا يُمْكِنُ إجْبَارُ السَّيِّدِ على بَيْعِ الْحَمْلِ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ فَإِنْ لم يَفْدِهَا بَعْدَ وَضْعِهَا بِيعَا مَعًا وَأَخَذَ السَّيِّدُ ثَمَنَ الْوَلَدِ أَيْ حِصَّتَهُ وَأَخَذَ الْمَجْنِيُّ عليه حِصَّتَهُ وَإِنَّمَا يُبَاعُ الْجَانِي بِالْأَرْشِ النَّقْدِ لَا الْإِبِلِ وَلَوْ من الْمَجْنِيِّ عليه عِبَارَةُ الْأَصْلِ لو لم يَفْدِ السَّيِّدُ الْجَانِيَ وَلَا سَلَّمَهُ لِلْبَيْعِ بَاعَهُ الْقَاضِي وَصَرَفَ الثَّمَنَ لِلْمَجْنِيِّ عليه وَلَوْ بَاعَهُ بِالْأَرْشِ جَازَ إنْ كان نَقْدًا وَكَذَا بِلَا وَقُلْنَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عنها
الْبَابُ السَّادِسُ في دِيَةِ الْجَنِينِ
وَالْأَصْلُ فيها خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى في الْجَنِينِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أو أَمَةٍ بِتَرْكِ تَنْوِينِ غُرَّةٍ على الْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ وَتَنْوِينُهَا على أَنَّ ما بَعْدَهَا بَدَلٌ منها وَفِيهِ أَطْرَافٌ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ الْمُوجِبُ وهو كُلُّ جِنَايَةٍ تُوجِبُ انْفِصَالَهُ مَيِّتًا وَهِيَ ما تُؤَثِّرُ فيه فَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ بها ولم يَنْفَصِلْ منها جَنِينٌ فَلَا دِيَةَ له وَإِنْ كان بها انْتِفَاخٌ أو حَرَكَةٌ في بَطْنِهَا فَزَالَ بِالْجِنَايَةِ عليها لِلشَّكِّ في وُجُودِ الْجَنِينِ وَلِجَوَازِ أَنَّ ذلك كان رِيحًا فَانْفَشَّتْ وَلَا أَثَرَ لِنَحْوِ لَطْمَةٍ خَفِيفَةٍ كما لَا تُؤَثِّرُ في الدِّيَةِ وَلَوْ عُلِمَ مَوْتُهُ بِخُرُوجِ رَأْسٍ وَنَحْوِهِ كَرُؤْيَتِهِ في بَطْنِهَا بَعْدَ قَدِّهَا وَإِنْ لم يَنْفَصِلْ منه شَيْءٌ فَكَالْمُنْفَصِلِ سَوَاءٌ أَجَنَى عليها بَعْدَ خُرُوجِ رَأْسِهِ أَمْ قَبْلَهُ وَسَوَاءٌ أَمَاتَتْ الْأُمُّ أَيْضًا أَمْ لَا لِتَحَقُّقِ وُجُودِهِ وَذِكْرُ الْأَصْلِ مَوْتَ الْأُمِّ تَصْوِيرٌ لَا تَقْيِيدٌ وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا فَإِنْ بَقِيَ زَمَانًا لَا يَتَأَلَّمُ فيه ثُمَّ مَاتَ فَلَا شَيْءَ على الْجَانِي سَوَاءٌ أَزَالَ أَلَمُ الْجِنَايَةِ عن أُمِّهِ قبل إلْقَائِهِ أَمْ لَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ أو بَقِيَ زَمَانًا يَتَأَلَّمُ فيه حتى مَاتَ أو مَاتَ في الْحَالِ أو تَحَرَّكَ تَحَرُّكًا شَدِيدًا كَقَبْضِ يَدٍ وَبَسْطِهَا وَلَوْ حَرَكَةَ مَذْبُوحٍ لَا اخْتِلَاجًا فَمَاتَ فَدِيَةٌ كَامِلَةٌ على الْجَانِي وَلَوْ انْفَصَلَ الْجَنِينُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا حَيَاتَهُ وَالظَّاهِرُ مَوْتُهُ بِالْجِنَايَةِ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ اخْتِلَاجِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ انْتِشَارًا بِسَبَبِ الْخُرُوجِ من الْمَضِيقِ
وَإِنْ حَزَّهُ شَخْصٌ وقد انْفَصَلَ بِلَا جِنَايَةٍ وَإِنْ لم تَكُنْ حَيَاتُهُ مُسْتَقِرَّةً أو بِجِنَايَةٍ وَحَيَاتُهُ مُسْتَقِرَّةٌ فَالْقِصَاصُ عليه كما لو قَتَلَ مَرِيضًا مُشْرِفًا على الْمَوْتِ وَإِلَّا بِأَنْ كانت حَيَاتُهُ غير مُسْتَقِرَّةٍ فَالْقَاتِلُ له هو الْأَوَّلُ أَيْ
____________________
(4/89)
الْجَانِي على أُمِّهِ وَلَا شَيْءَ على الْجَازِّ
وَلَوْ خَرَجَ رَأْسُهُ وَصَاحَ فَحَزَّهُ آخَرُ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِالصِّيَاحِ حَيَاتَهُ فَإِنْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ مَيِّتَيْنِ فَغُرَّتَانِ فيها كما لو كَانَا مُنْفَرِدَيْنِ أو جَنِينَيْنِ أَحَدُهُمَا حَيٌّ وَمَاتَ وَالْآخَرُ مَيِّتٌ فَدِيَةٌ لِلْأَوَّلِ وَغُرَّةٌ لِلثَّانِي أو اشْتَرَكَ اثْنَانِ في الضَّرْبِ فَالْغُرَّةُ عَلَيْهِمَا كما في الدِّيَةِ وَإِنْ ضَرَبَهَا فَمَاتَتْ ثُمَّ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا وَجَبَتْ الْغُرَّةُ كما لو انْفَصَلَ في حَيَاتِهَا لِأَنَّهُ شَخْصٌ مُسْتَقِلٌّ فَلَا يَدْخُلُ ضَمَانُهُ في ضَمَانِهَا وَإِنْ ضَرَبَ بَطْنَ مَيِّتَةٍ وَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَهَدَرٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَوْتُهُ بِمَوْتِهَا وَقِيلَ تَجِبُ غُرَّةٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ الْإِيجَابَ لَا يَكُونُ بِالشَّكِّ قال وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ مَمْنُوعٌ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ حَيَاتَهُ حتى نَقُولَ الْأَصْلُ بَقَاؤُهَا
فَرْعٌ لو أَلْقَتْ الْمَضْرُوبَةُ يَدًا وَمَاتَتْ فَغُرَّةٌ تَجِبُ لِأَنَّ الْعِلْمَ قد حَصَلَ بِوُجُودِ الْجَنِينِ وَالْغَالِبُ على الظَّنِّ أَنَّ الْيَدَ بَانَتْ بِالْجِنَايَةِ وَخَرَجَ بِمَاتَتْ ما لو عَاشَتْ ولم تُلْقِ جَنِينًا فَلَا يَجِبُ إلَّا نِصْفُ غُرَّتِهِ كما أَنَّ يَدَ الْحَيِّ لَا يَجِبُ فيها إلَّا نِصْفُ دِيَتِهِ وَلَا يَضْمَنُ بَاقِيهِ لِأَنَّا لم نَتَحَقَّقْ تَلَفَهُ كَيَدَيْنِ أَلْقَتْهُمَا وَمَاتَتْ أو عَاشَتْ فَيَجِبُ فِيهِمَا غُرَّةٌ وَكَذَا لو أَلْقَتْ ثَلَاثًا وَأَرْبَعًا من الْأَيْدِي أو وَالْأَرْجُلِ وَرَأْسَيْنِ لِإِمْكَانِ كَوْنِهِمَا لِجَنِينٍ وَاحِدٍ بَعْضُهَا أَصْلِيٌّ وَبَعْضُهَا زَائِدٌ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ أُخْبِرَ بِامْرَأَةٍ لها رَأْسَانِ فَنَكَحَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَنَظَرَ إلَيْهَا وَطَلَّقَهَا وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَجِبُ لِلْعُضْوِ الثَّالِثِ فَأَكْثَرَ حُكُومَةٌ
وَإِنْ أَلْقَتْ بَدَنَيْنِ وَلَوْ مُلْتَصِقَيْنِ فَغُرَّتَانِ إذْ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ له بَدَنَانِ فَالْبَدَنَانِ حَقِيقَةً يَسْتَلْزِمَانِ رَأْسَيْنِ فَلَوْ لم يَكُنْ إلَّا رَأْسٌ فَالْمَجْمُوعُ بَدَنٌ وَاحِدٌ حَقِيقَةً فَلَا تَجِبُ إلَّا غُرَّةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ أَلْقَتْ يَدًا ثُمَّ جَنِينًا بِلَا يَدٍ قبل الِانْدِمَالِ وَزَوَالِ الْأَلَمِ من الْأُمِّ فَغُرَّةٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْيَدَ مُبَانَةٌ منه بِالْجِنَايَةِ أو حَيًّا فَمَاتَ من الْجِنَايَةِ فَدِيَةٌ وَدَخَلَ فيها أَرْشُ الْيَدِ فَإِنْ عَاشَ وَشَهِدَ الْقَوَابِلُ أو عَلِمَ أنها يَدُ من خُلِقَتْ فيه الْحَيَاةُ فَنِصْفُ دِيَةٍ لِلْيَدِ وَإِلَّا بِأَنْ لم تَشْهَدْ الْقَوَابِلُ بِذَلِكَ ولم يَعْلَمْ فَنِصْفُ غُرَّةٍ لِلْيَدِ عَمَلًا بِالْيَقِينِ وَفَارَقَ هذا ما لو انْفَصَلَ الْجَنِينُ مَيِّتًا حَيْثُ لَا تُرَاجَعُ الْقَوَابِلُ لِأَنَّهُ ثَمَّ لم تَثْبُتْ له الْحَيَاةُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ وَهُنَا انْفَصَلَ حَيًّا فَيُنْظَرُ في أَنَّ الْيَدَ انْفَصَلَتْ وهو حَيٌّ أَوَّلًا أو أَلْقَتْهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ وَزَوَالِ الْأَلَمِ أُهْدِرَ الْجَنِينُ حَيًّا كان أو مَيِّتًا لِزَوَالِ الْأَلَمِ الْحَاصِلِ بِالْجِنَايَةِ وَوَجَبَ لِلْيَدِ الْمُلْقَاةِ قَبْلَهُ إنْ خَرَجَ مَيِّتًا نِصْفُ غُرَّةٍ كما أَنَّ يَدَ الْحَيِّ تُضْمَنُ بِنِصْفِ دِيَتِهِ أو حَيًّا وَمَاتَ أو عَاشَ نِصْفُ دِيَةٍ إنْ شَهِدَ الْقَوَابِلُ أو عُلِمَ كما سَبَقَ أَيْ أنها يَدُ من خُلِقَتْ فيه الْحَيَاةُ وَقِيلَ يَجِبُ نِصْفُ غُرَّةٍ كما لو قُطِعَتْ يَدُ حَيٍّ فَانْدَمَلَ ثُمَّ مَاتَ يَجِبُ نِصْفُ دِيَتِهِ وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ من زِيَادَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ ابن الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ
وَإِنْ انْفَصَلَ بَعْدَ إلْقَاءِ الْيَدِ مَيِّتًا كَامِلَ الْأَطْرَافِ بَعْدَ الِانْدِمَالِ فَلَا شَيْءَ فيه وَأَمَّا الْيَدُ فَالْأَوْجَهُ أَنَّ فيها حُكُومَةً لَا غُرَّةً لِلِاحْتِمَالِ الْآتِي أو قبل الِانْدِمَالِ مَيِّتًا فَغُرَّةٌ فَقَطْ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْيَدَ التي أَلْقَتْهَا كانت زَائِدَةً لِهَذَا الْجَنِينِ وَانْمَحَقَ أَثَرُهَا أو حَيًّا وَمَاتَ فَدِيَةٌ
____________________
(4/90)
لَا غُرَّةٌ كما وَقَعَ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَإِنْ عَاشَ فَحُكُومَةٌ كما عُلِمَ ذلك مِمَّا مَرَّ وَتَأَخُّرُ الْيَدِ عن الْجَنِينِ إلْقَاءً كَتَقَدُّمِهَا كَذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ
وَإِنْ ضَرَبَ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ يَدًا ثُمَّ ضَرَبَهَا آخَرُ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا قبل الِانْدِمَالِ بِلَا يَدٍ فَالْغُرَّةُ عَلَيْهِمَا وَقَوْلُهُ قَبْلُ صِلَةُ ضَرَبَهَا أو حَيًّا وَمَاتَ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمَا أو عَاشَ وَشَهِدَ الْقَوَابِلُ أو عُلِمَ أَنَّ الْيَدَ يَدُ من خُلِقَتْ فيه الْحَيَاةُ فَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَعَلَى الثَّانِي التَّعْزِيرُ فَقَطْ أو ضَرَبَهَا الْآخَرُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ وَانْفَصَلَ مَيِّتًا فَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ غُرَّةٍ وَعَلَى الثَّانِي غُرَّةٌ كما لو قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فَانْدَمَلَتْ ثُمَّ قَتَلَهُ آخَرَ فَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ دِيَةٍ وَعَلَى الثَّانِي دِيَةٌ أو حَيًّا فَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الدِّيَةِ سَوَاءٌ عَاشَ أَمْ لَا التَّصْرِيحُ بِالتَّسْوِيَةِ من زِيَادَتِهِ وَلَيْسَ على الثَّانِي إنْ عَاشَ الْجَنِينُ إلَّا التَّعْزِيرُ وَإِنْ مَاتَ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَإِنْ انْفَصَلَ كَامِلَ الْأَطْرَافِ وكان ضَرْبُ الثَّانِي قبل الِانْدِمَالِ فَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا فَعَلَيْهِمَا الْغُرَّةُ أو حَيًّا وَعَاشَ فَعَلَى الْأَوَّلِ حُكُومَةٌ لِلْيَدِ لِلِاحْتِمَالِ السَّابِقِ فِيمَا إذَا اتَّحَدَ الضَّارِبُ وَلَيْسَ على الثَّانِي إلَّا التَّعْزِيرُ فَإِنْ مَاتَ فَعَلَيْهِمَا الدِّيَةُ فَلَوْ كان ضَرْبُ الثَّانِي بَعْدَ الِانْدِمَالِ فَعَلَيْهِ إنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا غُرَّةٌ أو حَيًّا وَمَاتَ فَدِيَةٌ أو عَاشَ فَالتَّعْزِيرُ وَعَلَى الْأَوَّلِ حُكُومَةٌ
الطَّرَفُ الثَّانِي في الْجَنِينِ الذي تَجِبُ فيه الْغُرَّةُ وَوَصْفُهُ كما ذَكَرَهُ في الْمُسْتَوْلَدَةِ وفي نُسْخَةٍ في الْعُدَّةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مِمَّا ظَهَرَ فيه صُورَةُ آدَمِيٍّ وَلَوْ في طَرَفٍ من أَطْرَافِهِ أو لم تَظْهَرْ لَكِنْ قال الْقَوَابِلُ فيه صُورَةٌ خَفِيَّةٌ لَا إنْ قُلْنَ لو بَقِيَ لَتُصُوِّرَ وَلَا إنْ شَكَكْنَ في أَنَّهُ أَصْلُ آدَمِيٍّ وَيُشْتَرَطُ في إيجَابِ الْغُرَّةِ الْكَامِلَةِ فيه الْحُكْمُ بِإِسْلَامِهِ وَحُرِّيَّتِهِ فَلَوْ كان من كِتَابِيَّيْنِ أو من أَحَدِهِمَا وَوَثَنِيٍّ أو نَحْوِهِ فَثُلُثُ غُرَّةِ مُسْلِمٍ تَجِبُ فيه كما في دِيَتِهِ أو من مَجُوسِيَّيْنِ أو نَحْوِهِمَا فَثُلُثَا عُشْرِهَا أَيْ ثُلُثُ خُمُسِهَا يَجِبُ فيه لِذَلِكَ وَيَشْتَرِي بها الْأَوْلَى بِهِ أَيْ بِقَدْرِ الثُّلُثِ أو الثُّلُثَيْنِ غُرَّةٌ تَعْدِلُ بَعِيرًا وَثُلُثَيْنِ في الْأَوَّلِ وَثُلُثَ بَعِيرٍ في الثَّانِي وَإِنْ تَعَذَّرَتْ أَيْ الْغُرَّةُ بِأَنْ لم تُوجَدْ بِذَلِكَ فَالْإِبِلُ إنْ وُجِدَتْ أو الدَّرَاهِمُ إنْ لم تُوجَدْ تَجِبُ
وَإِنْ وَطِئَ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً بِشُبْهَةٍ فَحَبِلَتْ وَأَلْقَتْ جَنِينًا بِجِنَايَةٍ وَأَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِأَحَدِهِمَا فَلَهُ حُكْمُهُ وَإِنْ أُشْكِلَ الْأَمْرُ أَخَذَ الْأَقَلَّ وهو الثُّلُثُ وَوَقَفَ حتى يَصْطَلِحُوا أو يَنْكَشِفَ الْحَالُ وَلَوْ أَرَادَ الذِّمِّيُّ وَالذِّمِّيَّةُ أَنْ يَصْطَلِحَا على ثُلُثِ الْمَوْقُوفِ مُنِعَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ لِلْمُسْلِمِ لَا حَقَّ لَهُمَا فيه أو أَرَادَ الذِّمِّيَّةُ وَالْمُسْلِمُ أَنْ يَصْطَلِحَا عليه جَازَ لِأَنَّهُ إنْ كان الْجَنِينُ كَافِرًا فَالثُّلُثُ أَيْ ثُلُثُ الْمَوْقُوفِ لِأُمِّهِ فَلَهَا أَنْ تُصَالِحَ الْمُسْلِمَ عليه وَإِنْ كان مُسْلِمًا فَالْكُلُّ له أَيْ لِلْوَاطِئِ الْمُسْلِمِ فَالْحَقُّ فيه لَا يَعْدُوهُمَا فَلَا حَقَّ فيه لِلذِّمِّيِّ وَجَنِينُ الْمُرْتَدَّةِ التي حَبِلَتْ بِهِ قبل الرِّدَّةِ مُسْلِمٌ فَتَجِبُ فيه غُرَّةٌ كَامِلَةٌ فَلَوْ أَحْبَلَهَا مُرْتَدٌّ أو غَيْرُهُ لَكِنْ بِزِنًا في حَالٍ رِدَّتِهَا وَأَلْقَتْ جَنِينًا بِجِنَايَةٍ فَهَدَرٌ كَجَنِينِ الْحَرْبِيِّينَ بِنَاءً على أَنَّ الْمُتَوَلِّدَ من مُرْتَدَّيْنِ كَافِرٌ
فَرْعٌ لو عَتَقَتْ أَمَةٌ حُبْلَى أُجْهِضَتْ جَنِينًا بِجِنَايَةٍ بين الْجِنَايَةِ وَالْإِجْهَاضِ لَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَوْتِ الْعَتِيقَةِ كما وَقَعَ في الْأَصْلِ أو أَسْلَمَ أَحَدُ أَبَوَيْ الْجَنِينِ الذِّمِّيِّ وَإِنْ كان الْآخَرُ وَثَنِيًّا أو نَحْوَهُ فَغُرَّةٌ كَامِلَةٌ تَجِبُ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ في قَدْرِ الضَّمَانِ بِالْمَآلِ وَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ في الثَّانِيَةِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالذِّمِّيِّينَ مع أَنَّهُ لو حَذَفَ الْوَصْفَ بِالذِّمِّيِّ كان أَوْلَى وَلِسَيِّدِهَا أَيْ الْأَمَةِ من ذلك أَيْ من الْغُرَّةِ الْأَقَلُّ من الْغُرَّةِ ومن عُشْرُ الْقِيمَةِ أَيْ قِيمَةِ الْأَمَةِ لِأَنَّ الْغُرَّةَ إنْ كانت أَقَلَّ فَلَا وَاجِبَ غَيْرُهَا أو الْعُشْرُ أَقَلُّ فَهُوَ الذي اسْتَحَقَّهُ السَّيِّدُ وما زَادَ بِالْحُرِّيَّةِ فَلَوْ كانت أَيْ الْمَجْنِيُّ عليها حَرْبِيَّةً أو الْجَانِي على الْأَمَةِ قبل عِتْقِهَا السَّيِّدُ وَجَنِينُهَا من غَيْرِهِ وهو مَالِكٌ له فَهَدَرٌ وَلَوْ كان الْجَنِينُ من زَوْجٍ لِأَنَّهُ لم يَكُنْ مَضْمُونًا على الْجَانِي ابْتِدَاءً
فَصْلٌ في الْجَنِينِ الرَّقِيقِ ذَكَرًا كان أو أُنْثَى أو خُنْثَى عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ على وِزَانِ اعْتِبَارِ الْغُرَّةِ في الْحُرِّ بِعُشْرِ دِيَةِ أُمِّهِ وَإِنَّمَا لم تُعْتَبَرْ قِيمَتُهُ في نَفْسِهِ بِتَقْدِيرِ الْحَيَاةِ فيه بَلْ قِيمَةُ أُمِّهِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ اسْتِقْلَالِهِ بِانْفِصَالِهِ مَيِّتًا وَيَجِبُ ذلك على الْعَاقِلَةِ كما في الْجَنِينِ الْحُرِّ فَلَوْ أَلْقَتْ أَيْ الْأَمَةُ بِجِنَايَةٍ جَنِينًا مَيِّتًا فَعَتَقَتْ ثُمَّ أَلْقَتْ آخَرَ فَفِي الْأَوَّلِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ وفي الثَّانِي غُرَّةٌ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِجْهَاضِ وَيُعْتَبَرُ في عُشْرِ قِيمَتِهَا أَكْثَرُ قِيمَتِهَا وفي نُسْخَةٍ قِيَمُهَا من الْجِنَايَةِ إلَى الْإِجْهَاضِ مع تَقْدِيرِ إسْلَامِ الْكَافِرَةِ
____________________
(4/91)
وَرِقِّ الْحُرَّةِ وَسَلَامَةِ الْمَعِيبَةِ إذَا كان الْجَنِينُ بِخِلَافِهَا في الْأُولَيَيْنِ وَصُورَةُ الثَّانِيَةِ أَنْ تَكُونَ الْأَمَةُ لِرَجُلٍ وَالْجَنِينُ لِآخَرَ بِوَصِيَّةٍ فَيُعْتِقُهَا مَالِكُهَا فَإِنْ كان لِلْجَانِي نِصْفُ الْأُمِّ الْمَجْنِيِّ عليها وَجَنِينُهَا من زَوْجٍ أو زِنًا فَعَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ نِصْفُ عُشْرِ الْقِيمَةِ وَيَهْدُرُ نَصِيبَهُ
وَإِنْ ضَرَبَهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ثُمَّ أَعْتَقَهَا وهو مُعْسِرٌ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا عَتَقَ نَصِيبَهُ من الْأُمِّ وَالْجَنِينِ وَعَلَيْهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ الْأُمِّ لِشَرِيكِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ لِمَا عَتَقَ من الْجَنِينِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ وَقْتَ الْجِنَايَةِ كان مِلْكَهُ فَإِنْ كان الْمُعْتِقُ مُوسِرًا وَحَكَمْنَا بِعِتْقِهَا عليه فَلِشَرِيكِهِ عليه نِصْفُ قِيمَتِهَا حَامِلًا وَلَا يُفْرِدُ الْجَنِينَ بِقِيمَةٍ بَلْ يَتْبَعُ الْأُمَّ في التَّقْوِيمِ كما يَتْبَعُهَا في الْبَيْعِ وَيَلْزَمُهُ بِالْجِنَايَةِ عليه غُرَّةٌ أَيْ نِصْفُهَا لِأَنَّهُ حُرٌّ لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ دُونَهُ أَيْ الْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ وَإِنْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ منها ثُمَّ جَنَى عليها مُعْسِرًا فَعَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ الْأُمِّ وعليه لِمَا عَتَقَ من الْجَنِينِ نِصْفُ غُرَّةٍ لِوَرَثَتِهِ وَإِنْ كان مُوسِرًا فَعَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ نِصْفُ قِيمَتِهَا حَامِلًا وَلِلْجَنِينِ غُرَّةٌ لِوَرَثَتِهِ أو جَنَى عليها بَعْدَ إعْتَاقِ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ الشَّرِيكُ الْآخَرُ وَالْمُعْتِقُ مُعْسِرٌ فَعَلَى الْجَانِي نِصْفُ غُرَّةٍ لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ أو مُوسِرٌ فَعَلَيْهِ لِلْجَانِي نِصْفُ قِيمَتِهَا حَامِلًا وَعَلَى الْجَانِي غُرَّةٌ لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ أو أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ وَالْجَانِي أَجْنَبِيٌّ وَالْمُعْتِقُ مُعْسِرٌ فَعَلَى الْجَانِي نِصْفُ غُرَّةٍ لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ وَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ الْأُمِّ لَلشَّرِيك الْآخَرِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ جَنِينًا نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ رَقِيقٌ أو مُوسِرٌ فَغُرَّةٌ تَلْزَمُ الْجَانِيَ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ جَنِينًا حُرًّا
وَإِنْ أُجْهِضَتْ بِجِنَايَةِ الشَّرِيكَيْنِ عليها فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا على الْآخَرِ رُبْعُ عُشْرِ قِيمَتِهَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جَنَى على مِلْكِهِ وَمِلْكِ صَاحِبِهِ وَنَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمَا تَلِفَ بِفِعْلِهِمَا فَتُهْدَرُ جِنَايَتُهُ على مِلْكِهِ وَيَتَقَاصَّانِ لِأَنَّ الْحَقَّيْنِ من جِنْسٍ وَاحِدٍ فَلَوْ أَعْتَقَاهَا مَعًا أو أَعْتَقَهَا وَكِيلُهُمَا بِكَلِمَةٍ بين الْجِنَايَةِ وَالْإِجْهَاضِ فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا رُبْعُ غُرَّةٍ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْجِنَايَةِ وَقِيلَ نِصْفُهَا اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِجْهَاضِ
وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أبو عَلِيٍّ لِلْأُمِّ منها الْأَوْلَى منه أَيْ من رُبْعِ الْغُرَّةِ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْعَصَبَةِ وَلَا شَيْءَ لِلسَّيِّدَيْنِ لِأَنَّهُمَا قَاتِلَانِ فَلَوْ أَعْتَقَاهَا قبل الْإِجْهَاضِ وَبَعْدَ الْجِنَايَةِ وَالْجَانِي أَحَدُهُمَا فَعَلَيْهِ لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ نِصْفُ غُرَّةٍ وَلِشَرِيكِهِ الْأَقَلُّ من نِصْفِ الْغُرَّةِ وَنِصْفِ عُشْرِ قِيمَةِ الْأُمِّ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْجِنَايَةِ وَقِيلَ عليه غُرَّةٌ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِجْهَاضِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ
فَرْعٌ لو وَطِئَ شَرِيكَانِ أَمَتَهُمَا فَحَبِلَتْ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا بِجِنَايَةِ أَجْنَبِيٍّ عليها فَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ فَالْجَنِينُ حُرٌّ وَعَلَى الْجَانِي غُرَّةٌ وَهِيَ لِمَنْ يَلْحَقُهُ الْجَنِينُ وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ فَنِصْفُ الْجَنِينِ حُرٌّ وَوَجَبَ على الْجَانِي نِصْفُ غُرَّةٍ لِمَنْ يَلْحَقُهُ الْجَنِينُ وَعَلَيْهِ لِلْآخَرِ نِصْفُ عُشْرِ الْقِيمَةِ أَيْ قِيمَةِ الْأُمِّ وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا يَظْهَرُ لو كان أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا وَلَحِقَهُ الْجَنِينُ فَإِنْ لَحِقَ الْمُوسِرُ فَلَهُ غُرَّةٌ وَإِنْ قَتَلَتْ مُسْتَوْلَدَةٌ جَنِينَهَا الْحَاصِلَ من السَّيِّدِ بِأَنْ جَنَتْ على نَفْسِهَا فَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا أُهْدِرَ لِمَا زَادَهُ على الرَّوْضَةِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْأُمَّ قَاتِلَةٌ لَا تَرِثُ وَالْأَبُ لَا يَثْبُتُ له على الْمُسْتَوْلَدَةِ شَيْءٌ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ نعم إنْ كان لها أُمٌّ حُرَّةٌ وَإِنْ عَلَتْ طَالَبَتْ السَّيِّدَ بِالْأَقَلِّ من قِيمَةِ الْمُسْتَوْلَدَةِ وَسُدُسِ الْغُرَّةِ
فَرْعٌ لو مَاتَ الزَّوْجُ وَخَلَّفَ امْرَأَةً حَامِلًا وَأَخًا لِأَبٍ أو لِأَبَوَيْنِ وَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا بِجِنَايَةِ عَبْدٍ عليها من التَّرِكَةِ فَلَهَا منه رُبْعُهُ وَمِنْ الْغُرَّةِ ثُلُثُهَا وَلِلْأَخِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ وَثُلُثَا الْغُرَّةِ فَالْغُرَّةُ مِلْكُهُمَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعَبْدِ وهو مِلْكُهُمَا أَرْبَاعًا وَالْجَنِينُ بِانْفِصَالِهِ مَيِّتًا خَرَجَ عن كَوْنِهِ وَارِثًا وَالسَّيِّدُ لَا يَجِبُ له على عَبْدِهِ شَيْءٌ فَيَسْقُطُ من نَصِيبِ كُلٍّ من الْأُمِّ وَالْأَخِ من الْغُرَّةِ ما يُقَابِلُ مِلْكَهُ من الْعَبْدِ وَيُطَالَبُ الْآخَرُ بِمَا بَقِيَ له إنْ كان فَلِلْأَخِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ فَيَسْقُطُ من نَصِيبِهِ من الْغُرَّةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ يَبْقَى له رُبْعُهُ منها وهو سُدُسٌ يَتَعَلَّقُ بِنَصِيبِ الْأُمِّ من الْعَبْدِ وَلِلْأُمِّ رُبْعُهُ فَيَسْقُطُ من نَصِيبِهَا
____________________
(4/92)
من الْغُرَّةِ رُبْعُهُ يَبْقَى لها ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ منها وهو سُدُسٌ وَنِصْفُ سُدُسٍ يَتَعَلَّقُ بِنَصِيبِ الْأَخِ من الْعَبْدِ فَيَتَقَاصَّانِ في سُدُسٍ وَيَبْقَى لها نِصْفُ سُدُسٍ وَيَسْقُطُ نَصِيبُ الْأَخِ منها وقد أَوْضَحَ ذلك من زِيَادَتِهِ
فقال فَإِنْ صَلُحَ الْعَبْدُ غُرَّةً بِأَنْ سَاوَاهَا قِيمَةً كَأَنْ كانت قِيمَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا سِتِّينَ دِينَارًا سَقَطَ نَصِيبُ الْأَخِ من الْغُرَّةِ كُلُّهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ في مُقَابَلَةِ ما يَمْلِكُهُ من الْعَبْدِ وَرُبْعُهُ بِالتَّقَاصِّ وَبَقِيَ لها بَعْدَ سُقُوطِ رُبْعِ نَصِيبِهَا من الْغُرَّةِ وَالتَّقَاصِّ نِصْفُ سُدُسٍ من الْغُرَّةِ تَأْخُذُهُ من نَصِيبِهِ أَيْ الْأَخِ فَإِنْ سَلَّمَ لها مِقْدَارَهُ من الْعَبْدِ صَارَ لها ثُلُثُهُ وَلَهُ ثُلُثَاهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَصْلُحْ الْعَبْدُ غُرَّةً فإن الْأَوْلَى كَأَنْ كان قِيمَةُ الْعَبْدِ عِشْرِينَ دِينَارًا وَالْغُرَّةُ سِتِّينَ بَقِيَ لها من نَصِيبِهَا منها خَمْسَةَ عَشَرَ تَأْخُذُ فيها نَصِيبَهُ من الْعَبْدِ وقد اسْتَوْفَتْ حَقَّهَا وَبَقِيَ له من نَصِيبِهِ منها عَشَرَةٌ يَأْخُذُ فيها نَصِيبَهَا منه وَسَقَطَ الْبَاقِي لَهُمَا من الْغُرَّةِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قد سَقَطَ من نَصِيبِ الْأَخِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ نَصِيبِهِ منها وَتَعَلَّقَتْ الْعَشَرَةُ الْبَاقِيَةُ بِمَا بَقِيَ لِلْأُمِّ من الْعَبْدِ وهو يُسَاوِي خَمْسَةً فَسَقَطَ له خَمْسَةٌ أَيْضًا إذْ لَا يَلْزَمُهَا الْفِدَاءُ إلَّا بِالْأَقَلِّ من الْأَرْشِ وَقِيمَةِ نَصِيبِهَا وَسَقَطَ مِمَّا لها من الْغُرَّةِ رُبْعُهُ وهو خَمْسَةٌ فَقَدْ بَقِيَ لها خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَهُ عَشْرَةٌ كما تَقَرَّرَ فَإِنْ سَلَّمَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ من الْعَبْدِ لِلْآخَرِ انْعَكَسَ قَدْرُ مِلْكَيْهِمَا فَيَصِيرُ له رُبْعُهُ وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ قال الرَّافِعِيُّ عن الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ وَلَوْ كان بَدَلُ الْأَخِ ابْنًا فَالْغُرَّةُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا أَيْضًا وَالْعَبْدُ بَيْنَهُمَا أَثْمَانًا وَقَرَّرَ ذلك
فَرْعٌ لو جَنَى حُرُّ ابن عَتِيقَةٍ أَبَاهُ رَقِيقٌ على امْرَأَةٍ حَامِلٍ ثُمَّ عَتَقَ أَبَاهُ وانجر وَلَاؤُهُ من مَوَالِي أُمِّهِ إلَى مَوَالِي أبيه ثُمَّ أُجْهِضَتْ جَنِينًا مَيِّتًا بِالْجِنَايَةِ فَهَلْ الْغُرَّةُ على مَوَالِي الْأُمِّ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْجِنَايَةِ أو على مَوَالِي الْأَبِ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِجْهَاضِ وَجْهَانِ قِيَاسُ ما رَجَّحَهُ قُبَيْلَ فَرْعِ وَطِئَ شَرِيكَانِ أَمَتَهُمَا تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ وقد نَبَّهَ عليه الْأَصْلُ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا وَقَعَ لِلْإِسْنَوِيِّ هُنَا
وَعَلَى الْمُكَاتَبِ غُرْمُ وفي نُسْخَةٍ غُرَّةُ جَنِينِ أَمَتِهِ الْحَاصِلِ منه إذَا أَجْهَضَهَا بِجِنَايَتِهِ عليها وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَلْزَمُهُ بَدَلُ وَلَدِهِ من أَمَتِهِ فما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ سَهْوٌ نَشَأَ من قِرَاءَتِهِ جَنَى في كَلَامِ أَصْلِهِ بِبِنَائِهِ لِلْفَاعِلِ
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ أَحْبَلَ مُكَاتَبٌ أَمَتَهُ فَجَنَى عليها فَأُجْهِضَتْ وَجَبَ في الْجَنِينِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ لِأَنَّهَا رَقِيقَةٌ بَعْدُ فَقَوْلُهُ فَجُنِيَ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ وَالْمُرَادُ جَنَى عليها أَجْنَبِيٌّ
الطَّرَفُ الثَّالِثُ في صِفَةِ الْغُرَّةِ وَهِيَ عَبْدٌ مُمَيِّزٌ أو أَمَةٌ مُمَيِّزَةٌ وَلَوْ كَبِيرًا وَإِنْ امْتَنَعَ دُخُولُهُ على النِّسَاءِ لِوُجُودِ الْمَنْفَعَةِ لَا مَعِيبَ بِعَيْبٍ يُوجِبُ الرَّدَّ لِلْمَبِيعِ فَلَا يُجْزِئُ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ لَا يَضُرُّ فيها عَيْبٌ لَا يُخِلُّ بِالْعَمَلِ لِأَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ وَلِوُرُودِ الْخَبَرِ هُنَا بِلَفْظِ الْغُرَّةِ وَهِيَ الْخِيَارُ وَالْمَعِيبُ بِخِلَافِهِ ولا هَرَمَ وَلَا غير مُمَيِّزٍ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِمَا بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الْوَارِدَ فيها لَفْظُ الرَّقَبَةِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ تُسَاوِيَ الْغُرَّةُ الْكَامِلَةُ نِصْفَ عُشْرِ دِيَةِ الْأَبِ الْمُسْلِمِ وهو عُشْرُ دِيَةِ الْأُمِّ الْمُسْلِمَةِ كما رُوِيَ ذلك عن عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بن ثَابِتٍ وَلَا مُخَالِفَ لهم وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَكْمِيلُ الدِّيَةِ لِعَدَمِ كَمَالِ حَيَاتِهِ وَلَا الْإِهْدَارِ فَقُدِّرَتْ بِأَقَلِّ دِيَةٍ وَرَدَتْ وَهِيَ الْخُمُسُ في الْمُوضِحَةِ وَالسِّنُّ وَإِيجَابُ ثَلَاثَةِ أَبْعِرَةٍ وَثُلُثٍ لِأُنْمُلَةِ غَيْرِ الْإِبْهَامِ لم يَرِدْ بِخُصُوصِهِ بَلْ لَزِمَ من تَوْزِيعِ ما لِلْإِصْبَعِ على أَجْزَائِهَا وَمَتَى عُدِمَتْ أَيْ الْغُرَّةُ بِأَنْ لم تُوجَدْ سَلِيمَةً بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَأَقَلَّ فَخَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ كما رُوِيَ عن زَيْدِ بن ثَابِتٍ وَغَيْرِهِ وَلِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بها فإذا عُدِمَتْ أُخِذَ ما هِيَ مُقَدَّرَةٌ بِهِ لَا قِيمَتُهَا وَلِأَنَّ الْإِبِلَ هِيَ الْأَصْلُ في الدِّيَاتِ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهَا عِنْدَ فَقْدِ الْمَنْصُوصِ عليه وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ قد تَبْلُغُ دِيَةً كَامِلَةً أو تَزِيدُ عليها وَلَا سَبِيلَ إلَى إيجَابِهَا فَإِنْ عُدِمَتْ الْإِبِلُ قُوِّمَتْ الْخَمْسُ وَأَخَذَتْ قِيمَتَهَا كما في فَقْدِ إبِلِ الدِّيَةِ فَإِنْ عُدِمَ بَعْضُهَا أُخِذَتْ قِيمَتُهُ مع الْمَوْجُودِ وقد نَبَّهَ على ذلك في الْأَصْلِ وَلَا يُجْبَرُ على قَبُولِ خَصِيٍّ وَمَعِيبٍ وَلَوْ خُنْثَى وَاضِحًا قال في الْأَصْلِ وَلَا كَافِرٍ وهو مَحْمُولٌ بِقَرِينَةِ ما مَرَّ في الْبَيْعِ على كَافِرٍ بِبَلَدٍ تَقِلُّ فيه الرَّغْبَةُ أو على مُرْتَدٍّ أو كَافِرَةٍ يُمْتَنَعُ وَطْؤُهَا لِتَمَجُّسٍ أو نَحْوِهِ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ حَذَفَهُ لِذَلِكَ وَالِاعْتِيَاضُ عنها أَيْ عن الْغُرَّةِ كَالِاعْتِيَاضِ عن إبِلِ الدِّيَةِ فَلَا يَصِحُّ
الطَّرَفُ الرَّابِعُ في مُسْتَحِقِّهَا أَيْ الْغُرَّةِ وفي من تَلْزَمُهُ الْمُسْتَحِقُّ لها هو الْوَارِثُ لِلْجَنِينِ لِأَنَّهَا دِيَةُ نَفْسٍ فَعَلَى عَاقِلَةِ من شَرِبَتْ دَوَاءً أو غَيْرَهُ وَأَجْهَضَتْ جَنِينًا مَيِّتًا بِشُرْبِهَا غُرَّةٌ لِلْوَرَثَةِ أَيْ وَرَثَتِهِ دُونَهَا لِأَنَّهَا قَاتِلَةٌ وَالْغُرَّةُ على الْعَاقِلَةِ إذْ لَا عَمْدَ فيها أَيْ في مُقْتَضِيهَا من الْجِنَايَةِ على الْجَنِينِ
____________________
(4/93)
إذْ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُهُ وَلَا حَيَاتُهُ حتى يَقْصِدَ بَلْ فيه خَطَأٌ وَشِبْهُ عَمْدٍ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْجِنَايَةُ على أُمِّهِ خَطَأً أَمْ عَمْدًا أَمْ شُبْهَةً بِأَنْ قَصَدَ غَيْرَهَا فَأَصَابَهَا أو قَصَدَهَا بِمَا يُجْهِضُ غَالِبًا أو بِمَا لَا يُجْهِضُ غَالِبًا وَقِيلَ لَا يُتَصَوَّرُ فيه شِبْهُ الْعَمْدِ أَيْضًا وهو قَوِيٌّ لِتَعَذُّرِ قَصْدِ الشَّخْصِ الْمُعْتَبَرِ فيه كَالْعَمْدِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُغَلَّظُ فيه فَيُؤْخَذُ عِنْدَ فَقْدِ الْغُرَّةِ حِقَّةٌ وَنِصْفٌ وَجَذَعَةٌ وَنِصْفٌ وَخَلَفَتَانِ قال الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُغَلَّظَ في الْغُرَّةِ أَيْضًا بِأَنْ يَبْلُغَ قِيمَتُهَا نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ قال في الْأَصْلِ وهو حَسَنٌ وَإِنْ جَرَحَهَا أَيْ الْحَامِلَ فَأَجْهَضَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَأَرْشٌ يَجِبُ لِلْجُرْحِ مُقَدَّرًا وَغَيْرَ مُقَدَّرٍ وَغُرَّةٌ تَجِبُ لِلْجَنِينِ وَلَوْ ضَرَبَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَبَقِيَ فيها شَيْنٌ فَغُرَّةٌ وَحُكُومَةٌ تَجِبَانِ
فَصْلٌ لو أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ على حَامِلٍ ثُمَّ أَنْكَرَ الْإِجْهَاضَ لِلْجَنِينِ بِأَنْ قال إنَّهَا لم تُجْهَضْ أو لم تُجْهِضِيهِ بَلْ هو مُلْتَقَطٌ أو أَنْكَرَ خُرُوجَهُ حَيًّا بِأَنْ قال خَرَجَ مَيِّتًا فَالْوَاجِبُ الْغُرَّةُ وقال الْوَارِثُ بَلْ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَالْوَاجِبُ الدِّيَةُ صُدِّقَ الْمُنْكِرُ بِيَمِينِهِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فَعَلَى الْوَارِثِ الْبَيِّنَةُ بِمَا يَدَّعِيهِ وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْوَارِثِ إنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ وَتُقْبَلُ هُنَا النِّسَاءُ لِأَنَّ الْإِجْهَاضَ وَالِاسْتِهْلَالَ أو نَحْوَهُ لَا يَطَّلِعُ عليه غَالِبًا إلَّا النِّسَاءُ كَالْوِلَادَةِ فَيُقْبَلْنَ على ذلك لَا على أَصْلِ الْجِنَايَةِ وَإِنَّمَا يُقْبَلُ فيه الرِّجَالُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَعَلَّلَهُ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّ الضَّرْبَ مِمَّا يَطَّلِعُونَ عليه غَالِبًا لَكِنْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالِاكْتِفَاءِ فيه بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ حَكَاهُ عنه الْأَذْرَعِيُّ ثُمَّ قال وما قَالَهُ هو قَضِيَّةُ ما يَأْتِي في الشَّهَادَاتِ من أَنَّ الْجِنَايَةَ التي لَا تُثْبِتُ إلَّا الْمَالَ كَقَتْلِ الْخَطَأِ تَثْبُتُ بِذَلِكَ وَإِنْ ادَّعَى أَنَّ الْإِجْهَاضَ أو مَوْتَ من خَرَجَ حَيًّا كان بِسَبَبٍ آخَرَ أَيْ غَيْرِ الْجِنَايَةِ فَإِنْ كان الْإِجْهَاضُ أو الْمَوْتُ عَقِبَ الْجِنَايَةِ أو بَعْدَ مُدَّةٍ وكان الْغَالِبُ بَقَاءَ الْأَلَمِ في الْأُمِّ أو الْجَنِينِ إلَيْهِ أَيْ إلَى الْإِجْهَاضِ وَالْمَوْتِ صُدِّقَتْ هِيَ بِيَمِينِهَا لِأَنَّ الْجِنَايَةَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُودِ سَبَبٍ آخَرَ
وَإِلَّا بِأَنْ لم يَكُنْ الْغَالِبُ بَقَاءَ الْأَلَمِ إلَى ذلك فَلَا تُصَدَّقُ هِيَ بَلْ الْمُصَدَّقُ هو بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ معه إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ الْأَلَمَ لم يَزُلْ حتى أُجْهِضَتْ أو مَاتَ الْجَنِينُ وَلَا يُقْبَلُ هُنَا إلَّا رَجُلَانِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ في الْأُولَى وَقَاسَ بها الْمُصَنِّفُ الثَّانِيَةَ قال الْأَذْرَعِيُّ وَسِيَاقُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ نَظِيرُ ما مَرَّ عنه وَلَوْ قال الْمُصَنِّفُ بَدَلَ صُدِّقَتْ هِيَ صُدِّقَ الْوَارِثُ كان أَنْسَبَ بِكَلَامِهِ وَبِكَلَامِ أَصْلِهِ
وَإِنْ أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ عُرِفَ اسْتِهْلَالُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِبَيِّنَةٍ أو غَيْرِهَا وَجَهِلَ وَجَبَ الْيَقِينُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ عن الزَّائِدِ فَإِنْ كَانَا ذَكَرًا وَأُنْثَى فَغُرَّةٌ وَدِيَةُ أُنْثَى وَكَذَا إنْ كَانَا أُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كَانَا ذَكَرَيْنِ فَغُرَّةٌ وَدِيَةُ رَجُلٍ وَإِنْ أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ ذَكَرًا وَأُنْثَى وَأَحَدُهُمَا حَيٌّ وَمَاتَ فَادَّعَى الْوَارِثُ حَيَاةَ الذَّكَرِ وَمَوْتَ الْأُنْثَى وَالْجَانِي الْعَكْسُ صُدِّقَ الْجَانِي بِيَمِينِهِ عَمَلًا بِالْيَقِينِ وَيَحْلِفُ على نَفْيِ الْعِلْمِ بِحَيَاةِ الذَّكَرِ وَتَجِبُ غُرَّةٌ وَدِيَةُ أُنْثَى ولو صَدَّقَهُ الْجَانِي في حَيَاةِ الذَّكَرِ وَكَذَّبَتْهُ الْعَاقِلَةُ لم يُقْبَلْ على الْعَاقِلَةِ وَيَلْزَمُهَا دِيَةُ أُنْثَى وَغُرَّةُ الْآخَرِ وَالْبَاقِي في مَالِ الْجَانِي وَتَعْبِيرُ الْأَصْلِ بِالْحُكُومَةِ بَدَلَ الْغُرَّةِ سَبْقُ قَلَمٍ وَإِنْ أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ حَيًّا وَمَيِّتًا وَمَاتَ الْحَيُّ أو جَنِينَيْنِ وَمَاتَا كما صَوَّرَ بِهِ أَصْلَهُ وَمَاتَتْ فَادَّعَى وَرَثَةُ الْجَنِينَيْنِ سَبْقَ مَوْتِهَا مَوْتَهُ لِيَرِثَهَا ثُمَّ يَرِثُونَهُ وادعى وَارِثُهَا عَكْسَهُ لِتَرِثَ هِيَ الْجَنِينَ ثُمَّ يَرِثَهَا هو فَإِنْ كان لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ حُكِمَ بها وَإِلَّا فَإِنْ حَلَفَا أو نَكَلَا فَلَا تَوَارُثَ بين الْجَنِينِ وَالْأُمِّ لِلْجَهْلِ بِمَوْتِ السَّابِقِ وما تَرَكَهُ كُلُّ وَاحِدٍ لِوَرَثَتِهِ الْأَحْيَاءِ وَإِلَّا بِأَنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَنَكَلَ الْآخَرُ قُضِيَ لِلْحَالِفِ كَنَظَائِرِهِ وَذِكْرُ الْجَنِينَيْنِ مِثَالٌ فما نَقَصَ عنهما أو زَادَ عَلَيْهِمَا كَذَلِكَ بَابُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ الْأَصْلُ فيها قَوْله تَعَالَى وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَقَوْلُهُ عز وجل فَإِنْ كان من قَوْمٍ أَيْ في قَوْمٍ عَدُوٍّ
____________________
(4/94)
لَكُمْ وهو مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَقَوْلُهُ وَإِنْ كان من قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَخَبَرُ وَاثِلَةَ بن الْأَسْقَعِ قال أَتَيْنَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في صَاحِبٍ لنا قد اسْتَوْجَبَ النَّارَ بِالْقَتْلِ فقال أَعْتِقُوا عنه رَقَبَةً يُعْتِقْ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ منها عُضْوًا منها من النَّارِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ الْكَفَّارَةُ تَلْزَمُ من سِوَى الْحَرْبِيِّ مُمَيِّزًا كان أَمْ لَا بِقَتْلِ كل آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ من مُسْلِمٍ وَلَوْ في دَارِ الْحَرْبِ وَذِمِّيٍّ وَمُسْتَأْمَنٍ وَجَنِينٍ وَعَبْدٍ وَنَفْسِهِ عَمْدًا أو خَطَأً أو شِبْهَ عَمْدٍ مُبَاشَرَةً أو تَسَبُّبًا وَلَا يُؤَثِّرُ عَدَمُ الضَّمَانِ بِالْمَالِ أو الْقِصَاصِ كما في قَتْلِ عَبْدِهِ وَنَفْسِهِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَجِبُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا لِحَقِّ الْآدَمِيِّ وَخَرَجَ بِسِوَى الْحَرْبِيِّ الْحَرْبِيُّ فَلَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ وَمِثْلُهُ الْجَلَّادُ الْقَاتِلُ بِأَمْرِ الْإِمَامِ ظُلْمًا وهو جَاهِلٌ بِالْحَالِ لِأَنَّهُ سَيْفُ الْإِمَامِ وَآلَةُ سِيَاسَتِهِ وَبِالْقَتْلِ الْجِرَاحَاتُ فَلَا كَفَّارَةَ فيها لِوُرُودِ النَّصِّ بها في الْقَتْلِ دُونَ غَيْرِهِ كما تَقَرَّرَ وَلَيْسَ غَيْرُهُ في مَعْنَاهُ وَتَقَدَّمَ أَنَّ غير الْمُمَيَّزِ لو قَتَلَ بِأَمْرِ غَيْرِهِ ضَمِنَ آمِرُهُ دُونَهُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ كَذَلِكَ نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ لَا بِقَتْلِ مُبَاحِ الدَّمِ بِأَنْ أَذِنَ فيه كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ كَقَتْلِ مُرْتَدٍّ وَقَاطِعِ طَرِيقٍ وَزَانٍ مُحْصَنٍ وَحَرْبِيٍّ وَبَاغٍ وَصَائِلٍ وَسَيَأْتِي في بَابِ الْبُغَاةِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ أَصْلًا بِقَتْلِ الْبَاغِي الْعَادِلِ إذَا كان له تَأْوِيلٌ وَلَعَلَّهُ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا له بِحَسَبِ ما ظَهَرَ له من دَلِيلِهِ وما ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ في قَاطِعِ الطَّرِيقِ مَحَلُّهُ إذَا أَذِنَ الْإِمَامُ في قَتْلِهِ وَإِلَّا فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ كما تَجِبُ الدِّيَةُ بِنَاءً على ما يَأْتِي من أَنَّ الْمُغَلَّبَ في قَتْلِهِ بِلَا إذْنٍ مَعْنَى الْقِصَاصِ فَلَا إشْكَالَ بين الْبَابَيْنِ
وَلَا تَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ بِذَرَارِيِّ أَيْ بِقَتْلِ ذَرَارِيِّ أَهْلِ الْحَرْبِ وَنِسَائِهِمْ وَإِنْ حَرُمَ قَتْلُهُمْ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ ليس لِحُرْمَتِهِمْ بَلْ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ لِئَلَّا يَفُوتَهُمْ الِارْتِفَاقُ بِهِمْ وَهِيَ الْكَفَّارَةُ غَيْرُ مُتَجَزِّئَةٍ بِدَلِيلِ أنها لَا تَنْقَسِمُ على الْأَطْرَافِ وَلِأَنَّ فيها مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَهِيَ لَا تَتَوَزَّعُ على الْجَمَاعَةِ بَلْ على كل شَرِيكٍ في الْقَتْلِ كَفَّارَةٌ كَالْقِصَاصِ وَفَارَقَتْ جَزَاءَ الصَّيْدِ بِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِهَتْكِ الْحُرْمَةِ لَا بَدَلًا وَهِيَ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ في التَّرْتِيبِ وَالصِّفَاتِ لَكِنْ لَا إطْعَامَ فيها اقْتِصَارًا على الْوَارِدِ فيها من إعْتَاقِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَإِنْ لم يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَلَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ على الْمُقَيَّدِ في الظِّهَارِ كما فَعَلُوا في قَيْدِ الْأَيْمَانِ حَيْثُ اعْتَبَرُوهُ ثُمَّ حُمِلَا على الْمُقَيَّدِ هُنَا لِأَنَّ ذلك إلْحَاقٌ في وَصْفٍ وَهَذَا إلْحَاقٌ في أَصْلٍ وَأَحَدُ الْأَصْلَيْنِ لَا يُلْحَقُ بِالْآخَرِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْيَدَ الْمُطْلَقَةَ في التَّيَمُّمِ حُمِلَتْ على الْمُقَيَّدَةِ بِالْمَرَافِقِ في الْوُضُوءِ ولم يُحْمَلْ إهْمَالُ الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ في التَّيَمُّمِ على ذِكْرِهِمَا في الْوُضُوءِ بَلْ بِمَعْنًى لَكِنْ إنْ مَاتَ قبل الصَّوْمِ أَطْعَمَ من تَرِكَتِهِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ أَيْ كَفَائِتِهِ فَيُخْرِجُ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدُّ طَعَامٍ
وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ في مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إذَا قَتَلَا كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَيُعْتِقُ الْوَلِيُّ عنهما من مَالِهِمَا كما يُخْرِجُ الزَّكَاةَ عنهما منه فَلَوْ عُدِمَ مَالُهُمَا فَصَامَ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ عن كَفَّارَتِهِ أَجْزَأَهُ بِنَاءً على إجْزَاءِ قَضَائِهِ الْحَجَّ الذي أَفْسَدَهُ وَقِيلَ لَا يُجْزِئُهُ بِنَاءً على مُقَابِلِ ذلك وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَخَرَجَ بِالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ الْمَجْنُونُ فَلَا يَصِحُّ صَوْمُهُ وَلَا يَصُومُ عنهما الْوَلِيُّ بِحَالٍ وَالْقِيَاسُ أَنَّ السَّفِيهَ يُعْتِقُ عنه وَلِيُّهُ وَتَرَدَّدَ فيه الْأَذْرَعِيُّ فقال هل يَتَوَلَّاهُ عنه الْوَلِيُّ أو يُعَيِّنُ له رَقَبَةً وَيَأْذَنُ له في عِتْقِهَا فيه نَظَرٌ وَلِلْأَبِ وَالْجَدِّ أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْإِعْتَاقُ وَالْإِطْعَامُ عنهما من مَالِهِ وَكَأَنَّهُمَا مَلَكَاهُمَا ثُمَّ نَابَا عنهما
____________________
(4/95)
في ذلك لَا غَيْرُهُمَا كَوَصِيٍّ وَقَيِّمٍ أَيْ ليس له ذلك لِأَنَّهُ ليس في مَعْنَاهُمَا بَلْ يَتَمَلَّكُ لَهُمَا الْحَاكِمُ ما يُعْتِقُ وَيُطْعِمُ عنهما ثُمَّ يُعْتِقُ وَيُطْعِمُ عنهما الْوَصِيُّ أو الْقَيِّمُ
بَابُ دَعْوَى الدَّمِ وما يَتْبَعُهَا وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ في الدَّعْوَى وَلَهَا خَمْسَةُ شُرُوطٍ الْأَوَّلُ التَّعْيِينَ لِلْمُدَّعَى عليه فَلَوْ قال قَتَلَ أبي أَحَدُ هَذَيْنِ أو أَحَدُ هَؤُلَاءِ الْعَشَرَةِ لم تُسْمَعْ دَعْوَاهُ لِلْإِبْهَامِ كَمَنْ ادَّعَى دَيْنًا على أَحَدِ رَجُلَيْنِ أو رِجَالٍ فَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى الْمَجْهُولَةُ فيه أَيْ في الْقَتْلِ وَلَا في غَيْرِهِ كَغَصْبٍ وَإِتْلَافٍ وَسَرِقَةٍ ولم يَحْضُرْهُ يَعْنِي الْقَاضِي الْمُدَّعَى عليه الْمَجْهُولُ الْغَائِبُ فَلَوْ قال قَتَلَ أبي زَيْدٌ أو عَمْرٌو لم تُسْمَعْ الدَّعْوَى ولم يُحْضِرْ الْقَاضِي أَحَدًا مِنْهُمَا وَكَذَا لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِقَتْلٍ أو غَيْرِهِ على جَمْعٍ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ منهم لِأَنَّهُ دَعْوَى مُحَالٍ فَإِنْ أَمْكَنَ أَيْ تَصَوَّرَ وُقُوعُهُ منهم سُمِعَتْ
الشَّرْطُ الثَّانِي التَّفْصِيلُ لِلدَّعْوَى فيقول قَتَلَهُ خَطَأً أو عَمْدًا أو شِبْهَ عَمْدٍ أو مُنْفَرِدًا أو شَرِيكًا لِغَيْرِهِ وَيَصِفُ كُلًّا من الثَّلَاثَةِ الْأُوَلَ بِمَا يُنَاسِبُهُ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ تَخْتَلِفُ بِهَذِهِ الْأَحْوَالِ وَلَوْ قال كَأَصْلِهِ مُنْفَرِدًا بِدُونِ أو كان أَوْلَى فَلَوْ أَطْلَقَ دَعْوَاهُ اُسْتُحِبَّ لِلْقَاضِي اسْتِفْصَالُهُ وما قِيلَ من أَنَّ الِاسْتِفْصَالَ تَلْقِينٌ مَمْنُوعٌ بَلْ التَّلْقِينُ أَنْ يَقُولَ له قُلْ قَتَلَهُ عَمْدًا أو خَطَأً وَالِاسْتِفْصَالُ أَنْ يَقُولَ كَيْفَ قُتِلَ وَالتَّصْرِيحُ بِالِاسْتِحْبَابِ من زِيَادَتِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِفْصَالُهُ بَلْ له أَنْ يُعْرِضَ عنه وَلَا يَسْأَلَهُ الْجَوَابَ حتى يُحَرِّرَ الدَّعْوَى فَلَوْ قال قَتَلَهُ بِشَرِكَةٍ سُئِلَ عَمَّنْ شَارَكَهُ في الْقَتْلِ فَإِنْ ذَكَرَ مع الْخَصْمِ شُرَكَاءَ فيه لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمْ عليه لَغَتْ دَعْوَاهُ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فَإِنْ أَمْكَنَ ولم يُعَيِّنْهُمْ لِعَدَمِ حَصْرِهِ لهم أو لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ لهم وَالْوَاجِبُ الْقَوَدُ بِأَنْ قال قُتِلَ عَمْدًا مع شُرَكَاءَ عَامِدِينَ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ إذَا أَثْبَتَهَا أَمْكَنَ الِاقْتِصَاصُ منه وَلَا يَخْتَلِفُ ذلك بِعَدَدِ الشُّرَكَاءِ أو وَالْوَاجِبُ الدِّيَةُ بِأَنْ قال قَتْلُ خَطَأٍ أو شِبْهِ عَمْدٍ أو تَعَمُّدٍ وفي شُرَكَائِهِ مُخْطِئٌ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِأَنَّ حِصَّةَ الْمُدَّعَى عليه من الدِّيَةِ لَا تُعْلَمُ إلَّا بِحَصْرِ الشُّرَكَاءِ نعم إنْ قال مَثَلًا لَا أَعْلَمُ عَدَدَهُمْ تَحْقِيقًا وَلَكِنْ أَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يَزِيدُونَ على عَشَرَةٍ وَنَحْوِ ذلك سُمِعَتْ دَعْوَاهُ وَطُولِبَ الْمُدَّعَى عليه في الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ بِالْعُشْرِ من الدِّيَةِ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَقَوْلُهُ مَثَلًا وَنَحْوُ ذلك من زِيَادَتِهِ وَأَحَدُهُمَا يُغْنِي عن الْآخَرِ
الشَّرْطُ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عليه وَشَرْطُهُمَا التَّكْلِيفُ وَشَرَطَ الْأَصْلُ كَوْنَ الْمُدَّعِي مُلْتَزِمًا فَخَرَجَ بِهِ الْحَرْبِيُّ وهو مَحْمُولٌ على حَرْبِيٍّ لَا أَمَانَ له فَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ
____________________
(4/96)
إنْ ذَكَرَهُ ذُهُولٌ مَمْنُوعٌ وقد اغْتَرَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ فَحَذَفَهُ مع أَنَّهُ شَرْطٌ في الْمُدَّعَى عليه أَيْضًا وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ وَإِنَّمَا تُسْمَعُ من مُكَلَّفٍ مُلْتَزِمٍ على مِثْلِهِ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى وَإِنْ كان كُلٌّ من الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عليه جَنِينًا حَالَ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ قد يُعْلَمُ الْحَالُ بِالتَّسَامُعِ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَحْلِفَ في مَظِنَّةِ الْحَلِفِ إذَا عَرَفَ ما يَحْلِفُ عليه بِإِقْرَارِ الْجَانِي أو سَمَاعِ من يَثِقُ بِهِ كما لو اشْتَرَى عَيْنًا وَقَبَضَهَا فَادَّعَى رَجُلٌ مِلْكَهَا فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ اعْتِمَادًا على قَوْلِ الْبَائِعِ وَذِكْرُ حُكْمِ الْجَنِينِ في الْمُدَّعَى عليه من زِيَادَتِهِ
وَتُسْمَعُ دَعْوَى السَّفِيهِ أَيْ الْمَحْجُورِ عليه بِالسَّفَهِ وَيَحْلِفُ وَيَحْلِفُ وَيَقْتَصُّ وَالْمَالُ إذَا آلَ الْأَمْرُ إلَيْهِ يَأْخُذُهُ الْوَلِيُّ كما في دَعْوَى الْمَالِ يَدَّعِي السَّفِيهُ وَيَحْلِفُ وَالْوَلِيُّ يَأْخُذُ الْمَالَ وَتُسْمَعُ الدَّعْوَى على السَّفِيهِ فَإِنْ لم يَكُنْ لَوْثٌ فَإِنْ أَقَرَّ بِمُوجِبِ قِصَاصٍ أو نَكَلَ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي اقْتَصَّ منه عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ الْحَقِيقِيِّ في الْأُولَى وَالْحُكْمِيُّ في الثَّانِيَةِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ مَقْبُولٌ أو أَقَرَّ بِمُوجِبِ مَالٍ فَلَا يَقْتَصُّ منه لَكِنْ تُسْمَعُ الدَّعْوَى عليه لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عليه وَلَا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي إنْ أَنْكَرَ السَّفِيهُ بِنَاءً على أَنَّ نُكُولَ الْمُدَّعَى عليه مع يَمِينِ الْمُدَّعِي كَالْإِقْرَارِ وَإِنْ كان لَوْثٌ أَقْسَمَ الْمُدَّعِي وَقُضِيَ له كما في غَيْرِ السَّفِيهِ وَإِنْ أَقَرَّ مُفْلِسٌ إقْرَارًا حَقِيقِيًّا أو حُكْمِيًّا لِرَجُلٍ بِجِنَايَةِ خَطَأٍ أو شِبْهِ عَمْدٍ وَكَذَّبَتْهُ الْعَاقِلَةُ أو بِجِنَايَةِ عَمْدٍ وَعَفَا على مَالٍ زَاحَمَ الرَّجُلُ الْغُرَمَاءَ عَمَلًا بِإِقْرَارِ الْمُفْلِسِ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ الْعَاقِلَةُ تَحَمَّلَتْ مُوجِبَ ما صَدَّقَتْ فيه وَإِنْ أَنْكَرَ الْمُفْلِسُ فَإِنْ كان بَيِّنَةٌ أو لَوْثٌ وَأَقْسَمَ الْمُدَّعِي زَاحَمَ الْغُرَمَاءَ وَإِنْ لم يَكُنْ بَيِّنَةٌ وَلَا لَوْثٌ حَلَفَ الْمُفْلِسُ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَقَضَى له وَالدَّعْوَى في جِنَايَةِ الْعَبْدِ تَكُونُ عليه إنْ أَوْجَبَتْ قِصَاصًا أو كان ثَمَّ لَوْثٌ لِصِحَّةِ إقْرَارِهِ في الْأُولَى وَالْقَسَامَةِ في الثَّانِيَةِ فَيُرَتَّبُ على ذلك حُكْمُهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم تُوجِبْ قِصَاصًا وَلَا ثَمَّ لَوْثٌ فَعَلَى السَّيِّدِ الدَّعْوَى وَتَعَلَّقَ الْمَالُ حَيْثُ وَجَبَ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ كَسَائِرِ جِنَايَاتِهِ
الشَّرْطِ الْخَامِسُ عَدَمُ التَّنَاقُضِ في دَعْوَاهُ فَإِنْ ادَّعَى انْفِرَادَهُ بِالْقَتْلِ ثُمَّ ادَّعَاهُ على آخَرَ شَرِكَةً أو انْفِرَادًا لَغَتْ دَعْوَاهُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّ الْأُولَى تُكَذِّبُهَا وَكَذَا تَلْغُو الْأُولَى قبل الْحُكْمِ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تُكَذِّبُهَا بِخِلَافِهَا بَعْدَهُ فَيُمْكِنُ من الْعَوْدِ إلَى الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِأَنَّهُ ليس بِقَاتِلٍ فَلَوْ أَقَرَّ له الثَّانِي بِمَا ادَّعَاهُ لَزِمَهُ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا وَيُحْتَمَلُ كَذِبُ الْمُدَّعِي في الْأُولَى وَصِدْقُهُ في الثَّانِيَةِ وإذا ادَّعَى قَتْلًا عَمْدًا وَوَصَفَهُ بِخَطَأٍ أو شِبْهَ عَمْدٍ أو عَكْسَهُ بِأَنْ ادَّعَى خَطَأً وَوَصَفَهُ بِعَمْدٍ أو شُبْهَةٍ أو ادَّعَى شِبْهَ عَمْدٍ وَوَصَفَهُ بِغَيْرِهِ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ قد يُظَنُّ ما ليس بِعَمْدٍ أو عَكْسِهِ فَيَتَبَيَّنُ بِتَفْسِيرِهِ أَنَّهُ مُخْطِئٌ في اعْتِقَادِهِ وَلِأَنَّهُ قد يَكْذِبُ في الْوَصْفِ وَيَصْدُقُ في الْأَصْلِ فَاعْتُمِدَ تَفْسِيرُهُ فَيَمْضِي حُكْمُهُ
وَإِنْ قال بَعْدَ دَعْوَاهُ الْقَتْلَ وَأَخْذِهِ الْمَالَ أَخَذْت الْمَالَ بَاطِلًا أو ما أَخَذْته حَرَامٌ عَلَيَّ أو نَحْوِهِ سُئِلَ فَإِنْ قال ليس بِقَاتِلٍ وَكَذَبْت في الدَّعْوَى اُسْتُرِدَّ الْمَالُ منه أو قال قُضِيَ لي عليه بِيَمِينٍ وأنا حَنَفِيٌّ لَا أَعْتَقِدُ أَخْذَ الْمَالِ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي لم يَسْتَرِدَّ منه لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ لَا إلَى اعْتِقَادِ الْخَصْمَيْنِ فَلَوْ تَعَذَّرَ سُؤَالُهُ بِمَوْتِهِ سُئِلَ وَارِثُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ من الْجَوَابِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُلْزَمُ بِالرَّدِّ ونظير ما ذُكِرَ من قال لَا أَمْلِكُ هذا لِأَنَّهُ إرْثٌ أَيْ لِأَنِّي وَرِثْته من كَافِرٍ وَفُسِّرَ كُفْرُهُ بِالِاعْتِزَالِ أو لَا أَمْلِكُهُ لِأَنَّهُ قُضِيَ لي من حَنَفِيٍّ بِأَخْذِهِ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ وأنا شَافِعِيٌّ لَا أَرَى الْأَخْذَ بها أو لَا أَمْلِكُ هذه الْأَمَةَ لِأَنَّهَا مُسْتَوْلَدَةُ أبي وقد عُلِمَ أَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا بِنِكَاحٍ وَاسْتَنَدَ هو فِيمَا قَالَهُ إلَى ذلك فَلَا أَثَرَ لِإِقْرَارِهِ في الصُّوَرِ الثَّلَاثِ فَيَمْلِكُ فيها ما أَقَرَّ بِهِ لِفَسَادِ ما اسْتَنَدَ إلَيْهِ
____________________
(4/97)
أو قال لَا أَمْلِكُ هذا لِأَنَّهُ مَغْصُوبٌ ولم يُعَيِّنْ مَالِكَهُ فَمَالٌ ضَائِعٌ وَإِنْ عَيَّنَهُ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ وَلَا رُجُوعَ له على الْمَأْخُوذِ منه لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُقْبَلُ عليه وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِهِ أَيْ من أَقْسَمَ نَدِمْت على الْقَسَامَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ فَإِنْ ادَّعَى قَتْلًا على رَجُلٍ وأخذ الدِّيَةَ بِيَمِينِهِ وَاعْتَرَفَ آخَرُ بِالْقَتْلِ ولم يُصَدِّقْهُ الْآخِذُ فَلَا أَثَرَ لِقَوْلِهِ فِيمَا جَرَى وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ صَدَّقَهُ رَدَّ الدِّيَةَ على الذي أَخَذَهَا منه وَلَهُ مُطَالَبَةُ الْمُقِرِّ بها لِأَنَّهُ رُبَّمَا بَنَى الدَّعْوَى الْأُولَى على ظَنٍّ حَصَلَ له وَإِقْرَارُ الثَّانِي يُفِيدُ الْيَقِينَ أو ظَنًّا أَقْوَى من الظَّنِّ الْأَوَّلِ وهو نَظِيرُ ما مَرَّ في أَوَّلِ هذا الشَّرْطِ
الْبَابُ الثَّانِي في الْقَسَامَةِ الْبَابُ الثَّانِي في الْقَسَامَةِ هِيَ لُغَةً اسْمٌ لِأَوْلِيَاءِ الدَّمِ وَلِأَيْمَانِهِمْ وَاصْطِلَاحًا اسْمٌ لِأَيْمَانِهِمْ وَيُطْلِقُهَا أَئِمَّتُنَا على الْأَيْمَانِ مُطْلَقًا أَيْضًا وَالْأَصْلُ في الْبَابِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرحمن بن سَهْلٍ لَمَّا أَخْبَرُوهُ بِقَتْلِ الْيَهُودِ لِعَبْدِ اللَّهِ بن سَهْلٍ بِخَيْبَرَ وَأَنْكَرَهُ الْيَهُودُ أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ وفي رِوَايَةٍ تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ قَاتِلِكُمْ أو صَاحِبِكُمْ قالوا كَيْفَ نَحْلِفُ ولم نُشَاهِدْ ولم نَرَ قال فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا قالوا كَيْفَ نَأْخُذُ بِأَيْمَانِ كُفَّارٍ فَعَقَلَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من عِنْدِهِ وَهَذَا مُخَصِّصٌ لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ الْبَيِّنَةُ على الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه
وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَطْرَافٍ الْأَوَّلُ في مَحِلِّهَا أَيْ الْقَسَامَةِ وهو قَتْلُ الْحُرِّ في مَحَلِّ اللَّوْثِ الْآتِي بَيَانُهُ وَكَذَا الْعَبْدُ وَلَوْ مُكَاتَبًا بِنَاءً على أَنَّ بَدَلَهُ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ وفي مَعْنَاهُ الْأَمَةُ وَلَوْ أُمَّ وَلَدٍ فَلَا قَسَامَةَ في غَيْرِ الْقَتْلِ من جُرْحٍ وَإِتْلَافِ مَالٍ بَلْ يُصَدَّقُ الْمُدَّعَى عليه بِيَمِينِهِ على الْأَصْلِ وَإِنْ كان هُنَاكَ لَوْثٌ لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى على خِلَافِ الْقِيَاسِ وَالنَّصُّ وَرَدَ في النَّفْسِ وَحُرْمَتُهَا أَعْظَمُ من حُرْمَةِ غَيْرِهَا وَلِهَذَا اخْتَصَّتْ بِالْكَفَّارَةِ وَكَذَا لَا قَسَامَةَ في قَتْلِ النَّفْسِ في غَيْرِ مَحَلِّ اللَّوْثِ كما أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ السَّابِقُ لِانْتِفَاءِ ما يُفِيدُ الظَّنَّ وَلَوْ ارْتَدَّ الْمَجْرُوحُ أو نَقَضَ الْعَهْدَ فِيمَا لو كان كَافِرًا وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ قبل الْإِسْلَامِ في الْأُولَى أو تَجْدِيدِ الْعَهْدِ في الثَّانِيَةِ فَلَا قَسَامَةَ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ ضَمَانُ الْجُرْحِ دُونَ النَّفْسِ فَإِنْ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أو تَجْدِيدِ الْعَهْدِ جَرَتْ الْقَسَامَةُ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ حِينَئِذٍ ضَمَانُ النَّفْسِ
وَاللَّوْثُ لُغَةً الْقُوَّةُ وَيُقَالُ الضَّعْفُ يُقَالُ لَاثَ في كَلَامِهِ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ ضَعِيفٍ وَاصْطِلَاحًا قَرِينَةٌ تُوقِعُ في الْقَلْبِ صِدْقَ الْمُدَّعِي كَأَنْ يُوجَدَ قَتِيلٌ في مَسَاكِنِ أَعْدَائِهِ كَالْحِصْنِ وَالْقَرْيَةِ الصَّغِيرَةِ وَالْمَحَلَّةِ الْمُنْفَرِدَةِ عن الْبَلَدِ الْكَبِيرِ ولم يُخَالِطْهُمْ غَيْرُهُمْ حتى لو كانت الْقَرْيَةُ مَثَلًا بِقَارِعَةِ طَرِيقٍ يَطْرُقُهَا غَيْرُهُمْ فَلَا لَوْثَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ غَيْرَهُمْ قَتَلَهُ وَاعْتِبَارُ عَدَمِ الْمُخَالَطَةِ جَرَى عليه تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ فقال إنَّهُ الصَّوَابُ فَقَدْ نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَذَهَبَ إلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ بَلْ جَمِيعُهُمْ إلَّا الشَّاذَّ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ عن الشَّافِعِيِّ وقال الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ تَصْحِيحُ اعْتِبَارِ أَنْ لَا يُسَاكِنَهُمْ غَيْرُهُمْ وَالْمُرَادُ بِغَيْرِهِمْ على كِلَا الْقَوْلَيْنِ من لم تُعْلَمْ صَدَاقَتُهُ لِلْقَتِيلِ وَلَا كَوْنُهُ من أَهْلِهِ وَإِلَّا فَاللَّوْثُ مَوْجُودٌ فَلَا تُمْنَعُ الْقَسَامَةُ قَالَهُ ابن أبي عَصْرُونٍ وَغَيْرُهُ قال الْإِسْنَوِيُّ تَبَعًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ وَيَدُلُّ له قَضِيَّةُ خَيْبَرَ فإن إخْوَةَ الْقَتِيلِ كَانُوا معه وَمَعَ ذلك شُرِعَتْ الْقَسَامَةُ قال الْعِمْرَانِيُّ وَلَوْ لم يَدْخُلْ ذلك الْمَكَانَ غَيْرُ أَهْلِهِ لم تُعْتَبَرْ الْعَدَاوَةُ أو يُوجَدُ قَرِيبًا من قَرْيَتِهِمْ مَثَلًا وَلَا سَاكِنَ في الصَّحْرَاءِ وَلَا عِمَارَةَ ثَمَّ أو يُوجَدُ وقد تَفَرَّقَ عنه جَمْعٌ وَإِنْ لم يَكُونُوا أَعْدَاءَهُ وَبِهِ أَثَرُ جُرْحٍ أو خَنْقٍ أو عَضٍّ وفي نُسْخَةٍ أو عَصْرٍ وَلَوْ كان وُجُودُهُ في الْمَسْجِدِ أو في بَابِ الْكَعْبَةِ أو في الطَّوَافِ وَنَحْوِهِ كَبُسْتَانٍ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ أَثَرُ جُرْحٍ أو خَنْقٍ أو عَضٍّ يُغْنِي عنه ما يَأْتِي قُبَيْلَ الطَّرَفِ الثَّانِي بَلْ ذِكْرُهُ هُنَا يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيمَا قَبْلَهُ وَلَا فِيمَا بَعْدَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ أو يُوجَدُ وقد ازْدَحَمُوا في مَضِيقٍ إذْ يَغْلِبُ على الظَّنِّ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ أو بَعْضُهُمْ وَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ ازْدَحَمُوا كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ أو وُجِدَ الْأَنْسَبُ بِكَلَامِهِ يُوجَدُ قَتِيلٌ في صَحْرَاءَ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مُلَطَّخٌ سِلَاحُهُ أو ثَوْبُهُ أو بَدَنُهُ بِالدَّمِ وَلَا قَرِينَةَ تُعَارِضُهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ ثُمَّ ما تُمْكِنُ إحَالَةُ الْقَتْلِ عليه فَلَوْ وُجِدَ بِقُرْبِهِ سَبُعٌ أو رَجُلٌ آخَرُ مُوَلٍّ ظَهْرَهُ قال في الْأَنْوَارِ أو غَيْرُ مُوَلٍّ أو وُجِدَ أَثَرُ قَدَمٍ أو تَرْشِيشِ دَمٍ في غَيْرِ جِهَةِ صَاحِبِ السِّلَاحِ فَلَيْسَ بِلَوْثٍ في حَقِّهِ إنْ لم تَدُلَّ قَرِينَةٌ على أَنَّهُ لَوْثٌ في حَقِّهِ كَأَنْ وُجِدَ بِهِ جِرَاحَاتٌ لَا يَكُونُ مِثْلُهَا من غَيْرِهِ مِمَّنْ وُجِدَ
ثُمَّ وَلَوْ
____________________
(4/98)
اسْتَفَاضَ بين الناس أَنَّهُ أَيْ أَنَّ فُلَانًا هو الْقَاتِلُ أو رُئِيَ من بَعِيدٍ يُحَرِّكُ يَدَهُ كما يَفْعَلُ من يَضْرِبُ فَوُجِدَ مَكَانَهُ قَتِيلٌ أو شَهِدَ عَدْلٌ وَلَوْ قبل الدَّعْوَى وَكَذَا امْرَأَتَانِ أو عَبْدَانِ أو صَبِيَّانِ أو فُسَّاقٌ أو ذِمِّيُّونَ وَلَوْ دَفْعَةً بِأَنَّهُ الْقَاتِلُ فَلَوْثٌ في حَقِّهِ لِأَنَّهُ يُثِيرُ الظَّنَّ وَاحْتِمَالُ التَّوَاطُؤِ كَاحْتِمَالِ الْكَذِبِ في شَهَادَةِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ وقد حَكَى الرَّافِعِيُّ في شَهَادَةِ من تُقْبَلُ رِوَايَتُهُمْ كَعَبِيدٍ وَنِسْوَةٍ جَاءُوا دَفْعَةً وَجْهَيْنِ أَشْهَرُهُمَا الْمَنْعُ وَأَقْوَاهُمَا أَنَّهُ لَوْثٌ وَاقْتَصَرَ في الرَّوْضَةِ على الْأَصَحِّ بَدَلَ الْأَقْوَى قال الْإِسْنَوِيِّ وهو عَجِيبٌ لِأَنَّهُ لم يذكر ما ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ من أَنَّهُ بَحَثَ وَأَنَّ الْجُمْهُورَ على خِلَافِهِ لَا سِيَّمَا وقد نَقَلَ في الْمَطْلَبِ عن الشَّافِعِيِّ الْمَنْعَ فَيَتَعَيَّنُ الْفَتْوَى بِهِ
انْتَهَى
وَالْأَوْجَهُ مُقَابِلُهُ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ولم يَنْسُبْ تَرْجِيحَ الْمَنْعِ إلَى أَحَدٍ وما قَالَهُ من أَنَّ الرَّافِعِيَّ ذَكَرَ أَنَّهُ بَحْثٌ وَأَنَّ الْجُمْهُورَ على خِلَافِهِ مَمْنُوعٌ على أَنَّ الْقَوْلَ بِالْمَنْعِ يَقْتَضِي الْقَوْلَ بِهِ في نَظِيرِهِ مِمَّنْ لم تُقْبَلْ رِوَايَتُهُ كَفَسَقَةٍ وهو خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ بِالشَّهَادَةِ يُوهِمُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ لَفْظُهَا وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْبَيَانُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَكْفِي الْإِخْبَارُ وهو ظَاهِرٌ وَيُشْتَرَطُ الْبَيَانُ فَقَدْ يَظُنُّ ما ليس بِلَوْثٍ لَوْثًا ذَكَرَهُ في الْمَطْلَبِ
لَا قَوْلَ الْمَقْتُولِ أَيْ الْمَجْرُوحِ جَرَحَنِي فُلَانٌ أو قَتَلَنِي أو دَمِي عِنْدَهُ أو نَحْوُهُ فَلَيْسَ بِلَوْثٍ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ فَلَا يُعْتَمَدُ قَوْلُهُ وقد يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ فَيَقْصِدُ إهْلَاكَهُ فَإِنْ تَفَرَّقَ عنه جَمْعٌ لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمْ على قَتْلِهِ كما في الِازْدِحَامِ بِمَضِيقٍ لم تُسْمَعْ دَعْوَاهُ عليهم كما مَرَّ وَتُسْمَعُ على بَعْضِهِمْ في الِازْدِحَامِ كما لو ثَبَتَ اللَّوْثُ في جَمَاعَةٍ مَحْصُورِينَ فَادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ على بَعْضِهِمْ وَيَعْتَمِدُ الْقَاضِي لَوْثًا عَايَنَهُ وَلَا يُخَرَّجُ على الْخِلَافِ في قَضَائِهِ بِعِلْمِهِ لِأَنَّهُ يَقْضِي بِالْأَيْمَانِ
وَقَتِيلُ الصَّفَّيْنِ الْمُتَقَاتِلَيْنِ أَيْ قَتِيلُ أَحَدِهِمَا الْمَوْجُودِ عِنْدَ انْكِشَافِهِمَا إنْ الْتَحَمَ قِتَالٌ بَيْنَهُمَا وَلَوْ بِأَنْ وَصَلَ سِلَاحُ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ فَلَوْثٌ في حَقِّ صَفِّ الْعَدُوِّ لِلْقَتِيلِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ أَهْلَ صَفِّهِ لَا يَقْتُلُونَهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَتَحَتَّمْ الْقِتَالُ فَفِي أَيْ فَهُوَ لَوْثٌ في حَقِّ أَهْلِ صَفِّهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ فَلَوْ وُجِدَ بَعْضُهُ أَيْ الْقَتِيلِ في مَحَلَّةِ أَعْدَائِهِ وَبَعْضُهُ في أُخْرَى لِأَعْدَاءٍ له آخَرِينَ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُعَيِّنَ أَحَدَهُمَا وَيَدَّعِيَ عليه وَيُقْسِمَ قال الرُّويَانِيُّ وَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَ عليها وَيُقْسِمَ قال في الْأَصْلِ قال الْمُتَوَلِّي وَلَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ بين قَرْيَتَيْنِ أو قَبِيلَتَيْنِ ولم يُعْرَفْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدِهِمَا عَدَاوَةٌ لم يُجْعَلْ قُرْبَهُ من إحْدَاهُمَا لَوْثًا لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنْ يُبْعِدَ الْقَاتِلُ الْقَتِيلَ عن فِنَائِهِ وَيَنْقُلَهُ إلَى بُقْعَةٍ أُخْرَى دَفْعًا لِلتُّهْمَةِ عن نَفْسِهِ وما وَرَدَ مِمَّا يُخَالِفُ ذلك لم يُثْبِتْ الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ عنه إسْنَادَهُ
فَصْلٌ قد يُعَارِضُ اللَّوْثَ ما يُبْطِلُهُ فإذا ظَهَرَ لَوْثٌ على جَمَاعَةٍ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُعَيِّنَ وَاحِدًا أو أَكْثَرَ وفي نُسْخَةٍ الْأَكْثَرَ منهم وَيَدَّعِيَ عليه وَيُقْسِمَ لِأَنَّ اللَّوْثَ كَذَلِكَ يَظْهَرُ وَقَلَّمَا يَخْتَصُّ بِالْوَاحِدِ فَإِنْ قال الْقَاتِلُ أَحَدُهُمْ وَلَا أَعْرِفُهُ فَلَا قَسَامَةَ وَلَهُ تَحْلِيفُهُمْ قال الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرُهُ هذا خِلَافُ الصَّحِيحِ فَقَدْ مَرَّ أَوَّلُ الْبَابِ أَنَّهُ لو قال قَتَلَهُ أَحَدُ هَؤُلَاءِ وَطَلَبَ من الْقَاضِي تَحْلِيفَ كل وَاحِدٍ منهم لم يُجِبْهُ لِلْإِبْهَامِ وَسَبَبُ ما وَقَعَ فيه الرَّافِعِيُّ هُنَا أَنَّ الْغَزَالِيَّ في الْوَجِيزِ ذَكَرَهُ هُنَا كَذَلِكَ وهو مِمَّنْ يُصَحِّحُ سَمَاعَ الدَّعْوَى على غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَقَلَّدَهُ ذَاهِلًا عَمَّا مَرَّ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْلِيفِ فَإِنْ نَكَلَ وَاحِدٌ منهم عن الْيَمِينِ فَذَلِكَ لَوْثٌ في حَقِّهِ لِأَنَّ نُكُولَهُ يُشْعِرُ
____________________
(4/99)
بِأَنَّهُ الْقَاتِلُ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُقْسِمَ عليه وَلَوْ وفي نُسْخَةٍ فَلَوْ نَكَلُوا كلهم عن الْيَمِينِ وقال وفي نُسْخَةٍ أو قال عَرَفْته فَلَهُ تَعْيِينُهُ وَيُقْسِمُ عليه لِأَنَّ اللَّوْثَ حَاصِلٌ في حَقِّهِمْ جميعا وقد يَظْهَرُ له بَعْدَ الِاشْتِبَاهِ أَنَّ الْقَاتِلَ هو الذي عَيَّنَهُ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِقَتْلِهِ مُطْلَقًا عن التَّقْيِيدِ بِعَمْدٍ أو غَيْرِهِ بَعْدَ دَعْوَى مُفَصَّلَةٍ أو مُطْلَقَةٍ على الْقَوْلِ بِصِحَّتِهَا لم يَكُنْ ذلك لَوْثًا حتى يُبَيِّنَ إذْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْلِفَ مع شَاهِدِهِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ صِفَةَ الْقَتْلِ حتى يَسْتَوْفِيَ مُوجِبَهُ فَظُهُورُ اللَّوْثِ في أَصْلِ الْقَتْلِ دُونَ وَصْفِهِ لَا قَسَامَةَ فيه لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ مُوجِبِهِ قال في الْأَصْلِ بَعْدَ هذا كُلِّهِ وَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّ الْقَسَامَةَ على قَتْلٍ مَوْصُوفٍ تَسْتَدْعِي ظُهُورَ اللَّوْثِ في قَتْلٍ مَوْصُوفٍ لَكِنْ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ يُفْهِمُ تَمَكُّنَ الْوَلِيِّ من الْقَسَامَةِ على الْقَتْلِ الْمَوْصُوفِ بِظُهُورِ اللَّوْثِ في أَصْلِ الْقَتْلِ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو ثَبَتَ اللَّوْثُ في حَقِّ جَمَاعَةٍ تَمَكَّنَ الْوَلِيُّ من الْقَسَامَةِ في حَقِّ بَعْضِهِمْ فَكَمَا لَا يُعْتَبَرُ ظُهُورُ اللَّوْثِ في الِانْفِرَادِ وَالِاشْتِرَاكِ لَا يُعْتَبَرُ في صِفَتَيْ الْعَمْدِ وَغَيْرِهِ
وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ مُدَّعِي الْغَيْبَةِ عن مَكَانِ الْقَتْلِ أو مُدَّعِي أَنَّهُ غَيْرُ من نُسِبَ إلَيْهِ اللَّوْثُ كَأَنْ قال لم أَكُنْ في الْقَوْمِ الْمُتَّهَمِينَ أو لَسْت أنا الذي رُئِيَ معه السِّكِّينُ الْمُتَلَطِّخُ على رَأْسِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ فَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِحُضُورِهِ وَبَيِّنَةٌ بِكَوْنِهِ كان غَائِبًا في مَكَان آخَرَ تَسَاقَطَتَا وَقِيلَ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْغَيْبَةِ إنْ اتَّفَقْنَا على سَبْقِ حُضُورِهِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ
قال الْإِسْنَوِيُّ وَالصَّحِيحُ الثَّانِي فَقَدْ نَقَلَهُ الْإِمَامُ عن أَصْحَابِنَا وَإِنْ اخْتَارَ هو الْأَوَّلَ وَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ الْقَاتِلَ غَيْرُهُ أو أَنَّهُ كان في مَكَان آخَرَ أو أَقَرَّ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ بَعْدَ الْقَسَامَةِ وَالْحُكْمِ بِمُوجِبِهَا نَقَضَ وَاسْتَرَدَّ الْمَالَ وَلَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ لم يَكُنْ هُنَاكَ وفي نُسْخَةٍ هُنَا وَبِهِ عَبَّرَ الْأَصْلُ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ أو أَنَّهُ لم يَقْتُلْهُ لِأَنَّهُ نَفْيٌ مَحْضٌ قال الْإِسْنَوِيِّ في الْأُولَى أَخْذًا من كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ هو وَإِنْ كان نَفْيًا إلَّا أَنَّهُ نَفْيٌ مَحْصُورٌ فَتُسْمَعُ قال وَلَوْ اقْتَصَرَتْ الْبَيِّنَةُ على أَنَّهُ كان غَائِبًا فَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي أَيْضًا وَالْمُتَّجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِهِ نَظَرًا إلَى اللَّفْظِ وَبِهِ جَزَمَ الطَّبَرِيُّ وَالْحَبْسُ وَالْمَرَضُ الْمُبْعِدُ لِلْقَتْلِ أَيْ دَعْوَى وُجُودِ كُلٍّ مِنْهُمَا يوم الْقَتْلِ كَالْغَيْبَةِ أَيْ كَدَعْوَاهَا فِيمَا مَرَّ وَالشَّهَادَةُ من عَدْلٍ أو عَدْلَيْنِ أَنَّ أَحَدَهُمَا قَتَلَهُ لَوْثٌ في حَقِّهِمَا فَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِمَا وَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ أَحَدَهُمَا وَيَدَّعِيَ عليه لَا الشَّهَادَةُ أَنَّهُ قَتَلَ أَحَدَهُمَا فَلَيْسَتْ لَوْثًا لِأَنَّهَا لَا تُوقِعُ في الْقَلْبِ صِدْقَ وَلِيِّ أَحَدِهِمَا وَهَذِهِ الْعِلَّةُ يُؤْخَذُ منها أَنَّهُ لو كان وَلِيُّهُمَا وَاحِدًا كان لَوْثًا وَبِهِ صَرَّحَ ابن يُونُسَ قال ابن الرِّفْعَةِ وَيُقَوِّي ما قَالَهُ ما لو كانت دِيَتُهُمَا مُتَسَاوِيَةً قال الْإِسْنَوِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ ما لو عَجَزَ الشُّهُودُ عن تَعْيِينِ الْمُوضِحَةِ فإنه يَجِبُ الْأَرْشُ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَحَلِّهَا وَقَدْرِهَا بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِتَعَذُّرِ الْمُمَاثَلَةِ وما لو شَهِدَا على أَنَّهُ قَطَعَ يَدَ زَيْدٍ ولم يُعَيِّنَا وكان زَيْدٌ مَقْطُوعَ يَدٍ وَاحِدَةٍ فإنه يَنْزِلُ على الْمَقْطُوعَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَنْصِيصُهُمَا
وَإِنْ وفي نُسْخَةٍ وإذا تَكَاذَبَ الْوَارِثَانِ في مُتَّهَمَيْنِ وَعَيَّنَ كُلٌّ مِنْهُمَا غير من يَرَاهُ الْآخَرُ أَنَّهُ الْقَاتِلُ أو كَذَّبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فِيمَنْ عَيَّنَهُ كَأَنْ قال أَحَدُ ابْنَيْ الْقَتِيلِ قَتَلَهُ زَيْدٌ وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ وَلَوْ فَاسِقًا بَطَلَ اللَّوْثُ فَلَا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي لِانْخِرَامِ ظَنِّ الْقَتْلِ بِالتَّكْذِيبِ الدَّالِّ على أَنَّهُ لم يَقْتُلْهُ لِأَنَّ النُّفُوسَ مَجْبُولَةٌ على الِانْتِقَامِ من قَاتِلِ الْمُوَرِّثِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ما لو ادَّعَى أَحَدُ وَارِثَيْنِ دَيْنًا لِلْمُوَرِّثِ وَأَقَامَ بِهِ شَاهِدًا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ حَيْثُ لَا يَمْنَعُ تَكْذِيبُهُ حَلَفَ الْمُدَّعِي مع
____________________
(4/100)
الشَّاهِدِ بِأَنَّ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ حُجَّةٌ في نَفْسِهَا وَهِيَ مُحَقَّقَةٌ وَإِنْ كَذَّبَ الْآخَرُ وَاللَّوْثُ ليس بِحُجَّةٍ وَإِنَّمَا هو مُثِيرٌ لِلظَّنِّ فَيَبْطُلُ بِالتَّكْذِيبِ قال الْبُلْقِينِيُّ وَمَحَلُّهُ إذَا لم يَثْبُتْ اللَّوْثُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ في خَطَأٍ أو شِبْهِ عَمْدٍ وَالْأَلَمُ يَبْطُلُ بِتَكْذِيبِ أَحَدِهِمَا قَطْعًا وَلَهُمَا التَّحْلِيفُ أَيْ وَلِكُلٍّ من الْوَارِثَيْنِ تَحْلِيفُ من عَيَّنَهُ على الْأَصْلِ من أَنَّ الْيَمِينَ في جَانِبِ الْمُدَّعَى عليه وَخَرَجَ بِالتَّكَاذُبِ ما لو قال أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ زَيْدٌ وَسَكَتَ الْآخَرُ أو قال لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ قَتَلَهُ فَلَا يَبْطُلُ اللَّوْثُ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنْ قال أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ زَيْدٌ وَمَجْهُولٌ وقال الْآخَرُ قَتَلَهُ عَمْرٌو وَمَجْهُولٌ أَقْسَمَ كُلٌّ مِنْهُمَا على من عَيَّنَهُ إذْ لَا تَكَاذُبَ مِنْهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّ الذي أَبْهَمَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا من عَيَّنَهُ الْآخَرُ وَأَخَذَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِمَّنْ عَيَّنَهُ رُبْعَ الدِّيَةِ لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ عليه نِصْفُهَا وَحِصَّتُهُ منه نِصْفُهُ وَإِنْ قال كُلٌّ مِنْهُمَا بَعْدَ أَنْ أَقْسَمَ على من عَيَّنَهُ الْمَجْهُولُ من عَيَّنَهُ أَخِي أَقْسَمَا ثَانِيًا وَأَخَذَ الْبَاقِيَ أَيْ أَقْسَمَ كُلٌّ مِنْهُمَا على من عَيَّنَهُ الْآخَرُ وَأَخَذَ رُبْعَ الدِّيَةِ وَهَلْ يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا في الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ خَمْسِينَ يَمِينًا أو نِصْفَهَا فيه خِلَافٌ يَأْتِي في نَظَائِرِهِ أو قال كُلٌّ مِنْهُمَا بَعْدَمَا ذَكَرَ الْمَجْهُولَ غير من عَيَّنَهُ صَاحِبِي رَدَّ كُلٌّ مِنْهُمَا ما أَخَذَهُ لِتَكَاذُبِهِمَا وَإِنْ قال ذلك أَحَدُهُمَا رَدَّ صَاحِبُهُ وَحْدَهُ ما أَخَذَهُ لِأَنَّ قَائِلَ ذلك كَذَّبَهُ بِخِلَافِ قَائِلِهِ وَلِصَاحِبِهِ أَنْ يُحَلِّفَ من عَيَّنَهُ وَقَوْلُهُ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تَحْلِيفُ من عَيَّنَهُ مُتَعَلِّقٌ بِاَلَّتِي قبل هذه وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي خِلَافَهُ
وَلَوْ قال أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ زَيْدٌ وَعَمْرٌو وقال الْآخَرُ بَلْ زَيْدٌ وَحْدَهُ أَقْسَمَا على زَيْدٍ لِاتِّفَاقِهِمَا عليه وَطَالَبَاهُ بِالنِّصْفِ وَلَا يُقْسِمُ الْأَوَّلُ على عَمْرٍو لِأَنَّ أَخَاهُ كَذَّبَهُ في الشَّرِكَةِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تَحْلِيفُ خَصْمِهِ في الْبَاقِي فَلِلْأَوَّلِ تَحْلِيفُ عَمْرٍو فِيمَا بَطَلَتْ فيه الْقَسَامَةُ وَلِلثَّانِي تَحْلِيفُ زَيْدٍ فيه وَلَا بُدَّ من ظُهُورِ أَثَرٍ في اللَّوْثِ وَالْقَسَامَةِ كَالْخَنْقِ وَالْعَضِّ وفي نُسْخَةٍ وَالْعَصْرِ وَالْجُرْحِ فَإِنْ لم يُوجَدْ أَثَرٌ فَلَا لَوْثَ فَلَا قَسَامَةَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مَاتَ فَجْأَةً وَالْأَصْلُ عَدَمُ تَعَرُّضِ غَيْرِهِ له فَلَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ قَتِيلٌ لِيَبْحَثَ عن الْقَاتِلِ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ الْأَصْلُ وَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ ثُبُوتُ اللَّوْثِ وَالْقَسَامَةِ ذَكَرَهُ في الْمُهِمَّاتِ وَبَسَطَهُ وَلَا يَتَعَيَّنُ في ذلك الْجُرْحُ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَحْصُلُ بِمَا ذُكِرَ
الطَّرَفُ الثَّانِي في كَيْفِيَّةِ الْقَسَامَةِ يَحْلِفُ الْوَلِيُّ أَيْ الْوَارِثُ مع وُجُودِ اللَّوْثِ خَمْسِينَ يَمِينًا لِلْخَبَرِ السَّابِقِ أَوَّلَ هذا الْبَابِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَلِيُّ حَائِزًا أَمْ لَا لِتَكْمُلَ الْحُجَّةُ وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ النَّفْسُ كَامِلَةً أَمْ لَا لقد قَتَلَ هذا أبي مَثَلًا وَإِنْ شَاءَ مَيَّزَهُ أَيْ كُلًّا من الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ وَغَيْرُهُمَا كَقَبِيلَةٍ وَضُبَعَةٍ عَمْدًا أَيْ قَتَلَهُ عَمْدًا أو خَطَأً أو شِبْهَ عَمْدٍ وَشَمَلَ قَوْلُهُ يَحْلِفُ الْوَلِيُّ ما لو كان الْمُدَّعِي غَيْرَهُ كَمُسْتَوْلَدَةٍ أَوْصَى له سَيِّدُهَا بِقِيمَةِ عَبْدٍ قَتَلَ وَهُنَاكَ لَوْثٌ وَمَاتَ السَّيِّدُ فَلَهَا الدَّعْوَى وَلَيْسَ لها أَنْ تُقْسِمَ وَإِنَّمَا يُقْسِمُ الْوَارِثُ كما سَيَأْتِي ذلك وَيَقُولُ قَتَلَهُ وَحْدَهُ أو مع زَيْدٍ وَهَلْ ذلك أَيْ قَوْلُهُ وَحْدَهُ أو مع زَيْدٍ شَرْطٌ لِاحْتِمَالِ الِانْفِرَادِ صُورَةً مع الِاشْتِرَاكِ حُكْمًا كَالْمُكْرَهِ مع الْمُكْرِهِ أو تَأْكِيدٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ قَتَلَهُ يَقْتَضِي الِانْفِرَادَ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ وهو ظَاهِرُ النَّصِّ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ الْجَانِيَ لو ادَّعَى أَنَّهُ بَرِيءَ من الْجُرْحِ زَادَ الْوَلِيُّ في الْيَمِينِ وما بَرِيءَ من جُرْحِهِ حتى مَاتَ منه نَقَلَهُ الْأَصْلُ وَيُسَنُّ لِلْقَاضِي تَخْوِيفُهُ وَوَعْظُهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ كَأَنْ يَقُولَ له اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَحْلِفْ إلَّا عن تَحَقُّقٍ وَيَقْرَأُ عليه إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا وَيُغْلِظُ عليه في الْيَمِينِ كما في اللِّعَانِ فَيُسْتَحَبُّ التَّغْلِيظُ فيها زَمَانًا وَمَكَانًا وَلَفْظًا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَلَا يُشْتَرَطُ مُوَالَاتُهَا لِأَنَّهَا حُجَّةٌ كَالشَّهَادَةِ فَيَجُوزُ تَفْرِيقُهَا في خَمْسِينَ يَوْمًا وَيُفَارِقُ اشْتِرَاطَهَا في اللِّعَانِ بِأَنَّ اللِّعَانَ أَوْلَى بِالِاحْتِيَاطِ من حَيْثُ إنَّهُ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْعُقُوبَةُ الْبَدَنِيَّةُ وَأَنَّهُ يَخْتَلُّ بِهِ النَّسَبُ وَتَشِيعُ بِهِ الْفَاحِشَةُ فَإِنْ تَخَلَّلَهَا جُنُونٌ وَنَحْوُهُ كَإِغْمَاءٍ ثُمَّ زَالَ عَمَّنْ قام بِهِ بَنَى عليها فَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ لِعُذْرِهِ مع لُزُومِ ما وَقَعَ أو تَخَلَّلَهَا مَوْتٌ لِلْمُدَّعِي اسْتَأْنَفَ وَارِثُ الْمُدَّعِي فَلَا يَبْنِي لِأَنَّ الْأَيْمَانَ كَالْحُجَّةِ الْوَاحِدَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ أَحَدٌ شيئا بِيَمِينِ غَيْرِهِ وَلَيْسَ كما لو أَقَامَ شَطْرَ الْبَيِّنَةِ ثُمَّ مَاتَ حَيْثُ يَضُمُّ وَارِثُهُ إلَيْهِ الشَّطْرَ الثَّانِيَ وَلَا يَسْتَأْنِفُ لِأَنَّ شَهَادَةَ كل شَاهِدٍ مُسْتَقِلَّةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا انْضَمَّتْ الْيَمِينُ إلَيْهَا قد يَحْكُمُ بِهِمَا بِخِلَافِ يَمِينِ الْقَسَامَةِ
____________________
(4/101)
لَا اسْتِقْلَالَ لِبَعْضِهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو انْضَمَّ إلَيْهِ شَهَادَةُ شَاهِدٍ لَا يَحْكُمُ بها لَا إنْ تَمَّتْ أَيْمَانُهُ قبل مَوْتِهِ فَلَا يَسْتَأْنِفُ وَارِثُهُ بَلْ يَحْكُمُ له كما لو أَقَامَ بَيِّنَةً ثُمَّ مَاتَ وَيَبْنِي وَارِثُ الْمُدَّعَى عليه على أَيْمَانِهِ إذَا تَخَلَّلَ مَوْتَهُ الْأَيْمَانُ وَإِنْ عُزِلَ الْقَاضِي أو مَاتَ في خِلَالِهَا وَوَلِيَ غَيْرُهُ لَا الْمُدَّعِي إنْ عُزِلَ الْقَاضِي أو مَاتَ في خِلَالِهَا أَيْ لَا يَبْنِي عليها بَلْ يَسْتَأْنِفُ إلَّا إنْ عَادَ الْمَعْزُولُ فَيَبْنِي الْمُدَّعِي بِنَاءً على أَنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ وَإِنَّمَا اسْتَأْنَفَ فِيمَا إذَا وَلِيَ غَيْرُهُ تَشْبِيهًا بِمَا لو عُزِلَ الْقَاضِي أو مَاتَ بَعْدَ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ وَبِمَا لو أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ معه فَعُزِلَ الْقَاضِي وَوَلِيَ آخَرُ لَا بُدَّ من اسْتِئْنَافِ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ وَخَرَجَ بِالْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عليه كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى أَيْضًا من في حُكْمِ وَارِثِهِ فَلَهُ الْبِنَاءُ فِيمَا لو تَخَلَّلَ أَيْمَانَهُ عَزْلُ الْقَاضِي أو مَوْتُهُ ثُمَّ وَلِيَ غَيْرُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ يَمِينَهُ لِلنَّفْيِ فَتَنْفُذُ بِنَفْسِهَا وَيَمِينُ الْمُدَّعِي لِلْإِثْبَاتِ فَتَتَوَقَّفُ على حُكْمِ الْقَاضِي وَالْقَاضِي الثَّانِي لَا يَحْكُمُ بِحُجَّةٍ أُقِيمَتْ عِنْدَ الْأَوَّلِ وَعَزْلُ الْقَاضِي وَمَوْتُهُ بَعْدَ تَمَامِهَا كَهُوَ الْأَوْلَى كَهُمَا في أَثْنَائِهَا في الطَّرَفَيْنِ أَيْ طَرَفِ الْمُدَّعِي وَطَرَفِ الْمُدَّعَى عليه فَيَأْتِي فيه ما تَقَرَّرَ
وَلَهُ أَيْ الْمُدَّعِي أَنْ يُقْسِمَ وَلَوْ غَابَ حَالَ قَتْلِهِ عن مَحَلِّ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ قد يَعْرِفُ الْحَالَ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عليه أو سَمَاعِ من يَنُوبُهُ وَلَا تَمْنَعُ الْقَسَامَةَ غَيْبَةُ الْمُدَّعَى عليه كَالْبَيِّنَةِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَتُوَزَّعُ الْأَيْمَانُ على الْوَرَثَةِ بِحَسَبِ الْمِيرَاثِ لِأَنَّ ما يَثْبُتُ بِأَيْمَانِهِمْ يُقَسَّمُ عليهم على فَرَائِضِ اللَّهِ فَكَذَا الْيَمِينُ وَلِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ وَاحِدٌ وَهُمْ خُلَفَاؤُهُ فَيَحْلِفُ كُلٌّ منهم بِقَدْرِ خِلَافَتِهِ وفي صُوَرِ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ تُقَسَّمُ الْأَيْمَانُ كَقَسْمِ الْمَالِ وفي الْمُعَادَةِ لَا يَحْلِفُ وَلَدُ الْأَبِ إنْ لم يَأْخُذْ شيئا فَإِنْ أَخَذَ حَلَفَ بِقَدْرِ حَقِّهِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَيُتَمَّمُ الْمُنْكَسِرُ من الْأَيْمَانِ إنْ وَقَعَ كَسْرٌ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تَتَبَعَّضُ وَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ لِئَلَّا يَنْقُصَ نِصَابُ الْقَسَامَةِ فَمَنْ خَلَّفَ تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ ابْنًا حَلَفُوا يَمِينَيْنِ يَمِينَيْنِ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ الْبَاقِيَةَ تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ وَيُتَمِّمُ وَلَوْ خَلَّفَ أُمًّا وَابْنًا حَلَفَتْ تِسْعًا وَحَلَفَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَلَوْ خَلَّفَ أَكْثَرَ من خَمْسِينَ ابْنًا حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ يَمِينًا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ خَلَّفَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ حَلَفَ كُلٌّ منهم سَبْعَ عَشَرَةَ يَمِينًا فَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ منهم حَلَفَ خَمْسِينَ لِحَقِّهِ فَقَطْ إنْ لم يَصْبِرْ أَيْ إلَى حُضُورِ الْآخَرِينَ لِتَعَذُّرِ أَخْذِ شَيْءٍ قبل تَمَامِ الْحُجَّةِ فَيَفْرِضُ حَائِزًا لِذَلِكَ فَإِنْ صَبَرَ حتى حَضَرَا حَلَفَ كُلٌّ بِقَدْرِ حَقِّهِ وَإِنْ حَضَرَ آخَرُ أو بَلَغَ الصَّبِيُّ أو أَفَاقَ الْمَجْنُونُ حَلَفَ نِصْفَهَا كما لو حَضَرَ ابْتِدَاءً وحلف الثَّالِثُ إذَا حَضَرَ أو بَلَغَ أو أَفَاقَ سَبْعَ عَشَرَةَ بِتَكْمِيلِ الْمُنْكَسِرِ فَإِنْ قُلْت إذَا كانت الْأَيْمَانُ كَالْبَيِّنَةِ فَلِمَ لم يَكْتَفِ بِوُجُودِهَا من بَعْضِهِمْ كَالْبَيِّنَةِ قُلْنَا لِصِحَّةِ النِّيَابَةِ في إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ دُونَ الْيَمِينِ وَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ عَامَّةٌ وَالْيَمِينُ حُجَّةٌ خَاصَّةٌ وَذَكَرَ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ من حَلَفَ فَلَهُ أَخْذُ حِصَّتِهِ في الْحَالِ وكان لِلْمُصَنِّفِ حَذْفُهُ لِقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ هذا إنَّمَا يُتَّجَهُ إذَا قُلْنَا إنَّ تَكْذِيبَ بَعْضِ الْوَرَثَةِ لَا يَمْنَعُ الْقَسَامَةَ وهو رَأْيُ الْبَغَوِيّ فَإِنْ قُلْنَا يَمْنَعُ وهو الصَّحِيحُ فَيَتَعَيَّنُ الِانْتِظَارُ لِأَنَّ تَوَافُقَ الْوَرَثَةِ شَرْطٌ وما قَالَهُ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الشَّرْطَ عَدَمُ التَّكَاذُبِ لَا التَّوَافُقُ وَقَوْلُ الْأَصْلِ وَلَوْ امْتَنَعَ الْحَاضِرُ من الزَّائِدِ على قَدْرِ حَقِّهِ لم يَبْطُلْ حَقُّهُ من الْقَسَامَةِ حتى إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ كَمَّلَ معه بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في الشُّفْعَةِ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ فيها تَقْصِيرٌ مُبْطِلٌ وَالْقَسَامَةُ لَا تَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ صَدْرَهُ لِفَهْمِهِ من قَوْلِهِ إنْ لم يَصْبِرْ وَعَجُزَهُ لِأَنَّهُ مُفَرَّعٌ على ضَعِيفٍ إذْ الصَّحِيحُ في بَابِ الشُّفْعَةِ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّ الْحَاضِرِ منها بِالتَّأْخِيرِ
وَإِنْ مَاتَا أَيْ الثَّانِي وَالثَّالِثُ بَعْدَ حَلِفِ الْحَاضِرِ فَوَرِثَهُمَا الْحَاضِرُ حَلَفَ حِصَّتَهُمَا وَلَا يَكْفِيهِ حَلِفُهُ السَّابِقُ لِأَنَّهُ لم يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لِحِصَّتِهِمْ يَوْمَئِذٍ وَلَوْ خَلَّفَ زَوْجَةً وَبِنْتًا حَلَفَتْ الزَّوْجَةُ عَشَرًا وَالْبِنْتُ أَرْبَعِينَ بِجَعْلِ الْأَيْمَانِ بَيْنَهُمَا أَخْمَاسًا لِأَنَّ نَصِيبَ الْبِنْتِ كَنَصِيبِ الزَّوْجَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أو خَلَّفَتْ زَوْجًا وَبِنْتًا حَلَفَتْ الْبِنْتُ الثُّلُثَيْنِ وهو أَيْ الزَّوْجُ الثُّلُثَ بِجَعْلِ الْأَيْمَانِ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا لِأَنَّ نَصِيبَهَا كَنَصِيبِهِ مَرَّتَيْنِ
وَيَحْلِفُ الْخُنْثَى خَمْسِينَ
____________________
(4/102)
يَمِينًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَكَرٌ وَلِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ قبل تَمَامِ الْأَيْمَانِ شيئا وَيَأْخُذُ النِّصْفَ فَقَطْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى هذا إنْ انْفَرَدَ فَإِنْ كان هُنَاكَ أَيْ معه عَصَبَةٌ لَيْسُوا في دَرَجَتِهِ كَإِخْوَةٍ فَلَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا نِصْفَهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى وَيُؤْخَذُ الْمَالُ الْبَاقِي وَيُوقَفُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ إلَى الْبَيَانِ أو الصُّلْحِ وَلَهُمْ أَنْ يَصْبِرُوا إلَى الْبَيَانِ وَلَا تُعَادُ الْقَسَامَةُ عِنْدَ الْبَيَانِ وَإِنْ لم يَكُنْ معه عَصَبَةٌ لم يُؤْخَذْ أَيْ الْبَاقِي من الْمُدَّعَى عليه بَلْ يُوقَفُ حتى يُبَيِّنَ الْخُنْثَى فَإِنْ بَانَ أُنْثَى وَلَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عليه أَنَّهُ لم يَقْتُلْهُ أَخَذَهُ أَيْ الْقَاضِي الْبَاقِي لِبَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ بَانَ ذَكَرًا أَخَذَهُ فَإِنْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عليه لم يَأْخُذْ منه الْقَاضِي ذلك وفي نُسْخَةٍ فَإِنْ بَانَ أُنْثَى وَلَا عَصَبَةَ حَلَفَ الْمُدَّعَى أَيْ عليه لِبَيْتِ الْمَالِ أَيْ لِأَجْلِهِ وَالْخُنْثَيَانِ يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا الثُّلُثَيْنِ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ مع الْجَبْرِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَكَرٌ وَالْآخَرُ أُنْثَى وَيُعْطَى الثُّلُثَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى وَالِابْنُ مع الْخُنْثَى يَحْلِفُ ثُلُثَيْهَا لِاحْتِمَالِ أُنُوثَةِ الْخُنْثَى وَيُعْطَى النِّصْفَ لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ وَالْخُنْثَى يَحْلِفُ نِصْفَهَا لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ وَيُعْطَى الثُّلُثَ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ وَيُوقَفُ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا إلَى الْبَيَانِ أو الصُّلْحِ وَلَوْ خَلَّفَ بِنْتًا وَخُنْثَى حَلَفَتْ نِصْفَ الْأَيْمَانِ وَالْخُنْثَى ثُلُثَهَا وَأَخَذَا ثُلُثَيْ الدِّيَةِ وَلَا يُؤْخَذُ الْبَاقِي من الْمُدَّعَى عليه حتى يَتَبَيَّنَ الْخُنْثَى صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
فَرْعٌ من مَاتَ من الْوَرَثَةِ قبل حَلِفِهِ وُزِّعَتْ أَيْمَانُهُ على وَرَثَتِهِ كما مَرَّ فَإِنْ مَاتَ من لَزِمَهُ النِّصْفُ مَثَلًا فَحَلَفَ اثْنَيْنِ فَحَلَفَ الْأَوَّلُ حِصَّتَهُ ثَلَاثَ عَشَرَةَ ثُمَّ مَاتَ أَخُوهُ قبل حَلِفِهِ وَوَرِثَهُ حَلَفَ حِصَّتَهُ ثَلَاثَ عَشَرَةَ لِأَنَّهَا الْقَدْرُ الذي كان يَحْلِفُهُ مُوَرِّثُهُ لَا تَكْمِلَةَ النِّصْفِ فَقَطْ وَمَنْ نَكَلَ من الْوَرَثَةِ عن الْيَمِينِ وَمَاتَ فَلِوَرَثَتِهِ تَحْلِيفُ الْخَصْمِ لَا الْقَسَامَةُ لِبُطْلَانِ حَقِّهِمْ بِنُكُولِ مُوَرِّثِهِمْ
فَرْعٌ لو كان لِلْقَتِيلِ ابْنَانِ وحلف أَحَدُهُمَا وَمَاتَ الْآخَرُ قبل أَنْ يَحْلِفَ عن ابْنَيْنِ فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ وَهِيَ ثَلَاثَ عَشَرَةَ وَنَكَلَ الْآخَرُ وُزِّعَتْ أَيْمَانُهُ التي نَكَلَ عنها وَهِيَ الرُّبْعُ على عَمِّهِ وَأَخِيهِ على قَدْرِ حِصَّتَيْهِمَا من الدِّيَةِ تَكْمِلَةً لِلْحُجَّةِ فَيَحْلِفُ الْعَمُّ تِسْعًا إذْ يَخُصُّهُ ثَمَانٍ وَثُلُثٌ وَالْأَخُ أَرْبَعًا إذْ يَخُصُّهُ أَرْبَعٌ وَسُدُسٌ يُضَمُّ ذلك إلَى حِصَّتَيْهِمَا في الْأَصْلِ فَيَكْمُلُ لِلْعَمِّ أَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ لِأَنَّهُ حَلَفَ أَوَّلًا خَمْسًا وَعِشْرِينَ وَلِلْأَخِ سَبْعَ عَشَرَةَ لِأَنَّهُ حَلَفَ أَوَّلًا ثَلَاثَ عَشَرَةَ وَإِنَّمَا حَلَفَ الْأَخُ هُنَا بِالْحِصَّةِ الْأَصْلِيَّةِ وَفِيمَا قبل الْفَرْعِ بِحِصَّةٍ لِتَكْمِلَةٍ لِأَنَّهُ فَرْعٌ عن أَخِيهِ ثُمَّ بِخِلَافِهِ هُنَا لِبُطْلَانِ حَقِّ النَّاكِلِ بِنُكُولِهِ وَلَا يَخْتَصُّ الْعَدَدُ بِاللَّوْثِ بَلْ يَمِينُ مُدَّعِي الْقَتْلِ مع الشَّاهِدِ وَيَمِينُ الْمُدَّعَى عليه وَالْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ من الْمُدَّعِي أو الْمُدَّعَى عليه فيها أَيْ في الْقَسَامَةِ خَمْسُونَ لِأَنَّهَا يَمِينُ دَمٍ وَلِخَبَرِ فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا في جَانِبِ الْمُدَّعَى عليه وَمَحَلُّهُ في الْمُدَّعَى عليه إنْ انْفَرَدَ وَإِلَّا بِأَنْ تَعَدَّدَ حَلَفَ كُلٌّ منهم خَمْسِينَ كما يَحْلِفُهَا الْوَاحِدُ اعْتِبَارًا بِالْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ أَمَّا إذَا تَعَدَّدَ الْمُدَّعِي فَيَحْلِفُ كُلٌّ منهم بِنِسْبَةِ حَقِّهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ كُلًّا من الْمُدَّعَى عليهم يَنْفِي ما يَنْفِيهِ الْوَاحِدُ لو انْفَرَدَ وَكُلٌّ من الْمُدَّعِيَيْنِ لَا يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ ما يُثْبِتُهُ الْوَاحِدُ لو انْفَرَدَ بَلْ يُثْبِتُ بَعْضَ الْأَرْشِ فَيَحْلِفُ بِقَدْرِ الْحِصَّةِ وَبِهَذَا فَرَّقَ الرَّافِعِيُّ بين يَمِينِ الْمُدَّعِينَ ابْتِدَاءً وَيَمِينِ الْمُدَّعَى عليهم وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ على الْمُدَّعِينَ كَيَمِينِهِمْ ابْتِدَاءً وَجَرَى عليه الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ مَحْمُولٌ على ما يُوَافِقُ ذلك كما أَشَرْت إلَيْهِ في تَقْرِيرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
وَالْأَشْبَهُ أَنَّ يَمِينَ الْجِرَاحَاتِ كَالنَّفْسِ فَتَكُونُ خَمْسِينَ سَوَاءٌ نَقَصَتْ أَيْ الْجِرَاحَاتُ أَيْ إبْدَالُهَا عن الدِّيَةِ كَالْحُكُومَةِ وَبَدَلُ الْيَدِ أو زَادَتْ كَبَدَلِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ إذْ لَا تَخْلُفُ الْيَمِينُ في سَائِرِ الدَّعَاوَى بِقِلَّةِ الْمُدَّعَى وَكَثْرَتِهِ
الطَّرَفُ الثَّالِثُ في حُكْمِ الْقَسَامَةِ وَالْوَاجِبُ بها الدِّيَةُ في الْحُرِّ وَالْقِيمَةُ في الرَّقِيقِ لَا الْقِصَاصُ لِمَا رُوِيَ في الْخَبَرِ السَّابِقِ من قَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إمَّا أَنْ تَدُوا صَاحِبَكُمْ أو يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ ولم يَتَعَرَّضْ لِلْقِصَاصِ وَلِأَنَّ الْقَسَامَةَ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ فَلَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الدِّمَاءِ كَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَلَيْسَتْ كَاللِّعَانِ في رَجْمِ الْمَرْأَةِ لِتَمَكُّنِهَا فيه من الدَّفْعِ بِلِعَانِهَا أَوَّلًا كَالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ لِتُقَوِّيهَا بِالنُّكُولِ وَلِهَذَا جُعِلَتْ كَالْإِقْرَارِ أو كَالْبَيِّنَةِ وَأَجَابُوا عن قَوْلِهِ في الْخَبَرِ أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ بِأَنَّ التَّقْدِيرَ بَدَلُ دَمِ صَاحِبِكُمْ جَمْعًا بين الْخَبَرَيْنِ وَيَعْقِلُ عنه أَيْ الْقَاتِلُ في غَيْرِ الْعَمْدِ من شِبْهِهِ وَالْخَطَأُ أَمَّا في الْعَمْدِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ في مَالِ الْقَاتِلِ حَالَّةً
فَإِنْ ادَّعَى الْقَتْلَ على اثْنَيْنِ وَاللَّوْثَ على أَحَدِهِمَا
____________________
(4/103)
أَقْسَمَ عليه خَمْسِينَ وَحَلَفَ الْآخَرُ خَمْسِينَ يَمِينًا أو ادَّعَى على ثَلَاثَةٍ بِلَوْثٍ أَيْ معه أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ عَمْدًا وَهُمْ حُضُورٌ حَلَفَ لهم خَمْسِينَ يَمِينًا وَأَخَذَ الدِّيَةَ وَإِنْ غَابُوا حَلَفَ لِكُلِّ من حَضَرَ منهم خَمْسِينَ وَإِنَّمَا لم يَكْتَفِ بِأَيْمَانِهِ الْأُوَلَ لِأَنَّهَا لم تَتَنَاوَلْ غَيْرَهُ قال في الْأَصْلِ هذا إنْ لم يَكُنْ ذَكَرَ غَيْرَهُ في الْأَيْمَانِ السَّابِقَةِ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بها بِنَاءً على صِحَّةِ الْقَسَامَةِ في غَيْبَةِ الْمُدَّعَى عليه وهو الْأَصَحُّ كَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ
انْتَهَى
وفي تَعْلِيلِهِمْ السَّابِقِ إشَارَةٌ إلَيْهِ وَإِنْ أَقَرَّ من حَضَرَ بِعَمْدٍ اُقْتُصَّ منه أو بِخَطَأٍ وَصَدَّقَتْهُ الْعَاقِلَةُ كان الْوَاجِبُ عليها وَإِلَّا بِأَنْ لم تُصَدِّقْهُ فَفِي مَالِ الْمُقِرِّ وَكُلُّ من حَلَفَ له أَخَذَ منه ثُلُثَ الدِّيَةِ
فَرْعٌ لو نَكَلَ الْمُدَّعِي في دَعْوَى عَمْدٍ أو خَطَأٍ أو شِبْهِ عَمْدٍ عن الْقَسَامَةِ أو عن الْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ ثُمَّ نَكَلَ خَصْمُهُ عن الْيَمِينِ فَرُدَّتْ عليه فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ وَإِنْ كان قد نَكَلَ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَكَلَ عن يَمِينِ الْقَسَامَةِ أو الْمُكَمِّلَةِ لِلْحُجَّةِ وَهَذِهِ يَمِينُ الرَّدِّ وَالسَّبَبُ الْمُمْكِنُ من تِلْكَ هو اللَّوْثُ وَمِنْ هذه نُكُولُ الْمُدَّعَى عليه فَالنُّكُولُ عن شَيْءٍ في مَقَامٍ لَا يُبْطِلُ حَقًّا في مَقَامٍ آخَرَ وَلِأَنَّهُ في دَعْوَى الْقَتْلِ الْمُوجِبِ لِلْقِصَاصِ يَسْتَفِيدُ بها ما لَا يَسْتَفِيدُ بِالْقَسَامَةِ وهو الْقِصَاصُ الْمَذْكُورُ في قَوْلِهِ وَيَقْتَصُّ أو يَطْلُبُ الدِّيَةَ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ أو كَالْبَيِّنَةِ وَكِلَاهُمَا يَثْبُتُ بِهِ الْقِصَاصُ أو الدِّيَةُ وإذا نَكَلَ الْمُدَّعِي عن الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ وَلَا لَوْثَ ثُمَّ ظَهَرَ لَوْثٌ أَقْسَمَ لِمَا مَرَّ
الطَّرَفُ الرَّابِعُ فِيمَنْ يَحْلِفُ في الْقَسَامَةِ من اسْتَحَقَّ بَدَلَ الدَّمِ من دِيَةٍ أو قِيمَةٍ أَقْسَمَ مُسْلِمًا كان أو كَافِرًا فَيُقْسِمُ السَّيِّدُ وَلَوْ مُكَاتَبًا بِقَتْلِ عَبْدِهِ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحَقُّ لَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ له فَلَا يُقْسِمُ بِقَتْلِ عَبْدِهِ وهو عبد التِّجَارَةِ إذْ لَا حَقَّ له بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ وَإِنَّمَا يُقْسِمُ سَيِّدُهُ فَقَوْلُهُ بِقَتْلِ عَبْدِهِ مُتَعَلِّقٌ بِيُقْسِمُ فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عن أَدَاءِ النُّجُومِ قبل نُكُولِهِ عن الْيَمِينِ وَلَوْ بَعْدَ عَرْضِهَا عليه حَلَفَ السَّيِّدُ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ حِينَئِذٍ أو بَعْدَ نُكُولِهِ فَلَا يَحْلِفُ لِبُطْلَانِ الْحَقِّ بِالنُّكُولِ كما لَا يُقْسِمُ الْوَارِثُ إذَا نَكَلَ مُوَرِّثُهُ لَكِنْ لِلسَّيِّدِ تَحْلِيفُ الْمُدَّعَى عليه أو عَجْزٌ بَعْدَ الْقَسَامَةِ أَخَذَ السَّيِّدُ الْمَالَ أَيْ قِيمَةَ الْعَبْدِ كما لو مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَكَمَا لو مَاتَ الْوَلِيُّ بَعْدَمَا أَقْسَمَ
وَإِنْ أَوْصَى لِمُسْتَوْلَدَتِهِ بِعَبْدٍ فَقُتِلَ وَهُنَاكَ لَوْثٌ حَلَفَ السَّيِّدُ وَأَخَذَ الْقِيمَةَ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ أو أَوْصَى لها بِقِيمَةِ عَبْدِهِ إنْ قُتِلَ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الْقِيمَةَ له فَلَهُ أَنْ يُوصِيَ بها وَلَا يَقْدَحُ فيها الْخَطَرُ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْأَخْطَارَ وَالْقَسَامَةُ لِلسَّيِّدِ أو وَرَثَتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِلَا نُكُولٍ فَلَا تَلْزَمُهُمْ الْقَسَامَةُ وَإِنْ تَيَقَّنُوا الْحَالَ قال في الذَّخَائِرِ لِأَنَّهُ سَعَى في تَحْصِيلِ غَرَضِ الْغَيْرِ وَإِنَّمَا أَقْسَمُوا مع أَنَّ الْقِيمَةَ لِلْمُسْتَوْلَدَةِ لِأَنَّ الْمَالَ لِلسَّيِّدِ وَلِأَنَّ الْقَسَامَةَ من الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِقَتْلِ مَمْلُوكِهِ فَتُورَثُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ وَيَثْبُتُ بها الْمَالُ له ثُمَّ يُصْرَفُ أَيْ يَصْرِفُونَهُ لها بِمُوجِبِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ لهم غَرَضًا ظَاهِرًا في تَنْفِيذِهَا كما يَقْضُونَ دُيُونَهُ عِنْدَ عَدَمِ التَّرِكَةِ من خَالِصِ مَالِهِمْ وَيَجِبُ قَبُولُهُ بِخِلَافِ ما لو تَبَرَّعَ بِهِ أَجْنَبِيٌّ فَإِنْ نَكَلُوا عن الْقَسَامَةِ لم تُقْسِمْ الْمُسْتَوْلَدَةُ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ لِإِثْبَاتِ الْقِيمَةِ وَهِيَ لِلسَّيِّدِ فَيَخْتَصُّ بِتَحْلِيفِهِ بَلْ لها الدَّعْوَى على الْخَصْمِ بِالْقِيمَةِ وَالتَّحْلِيفُ له لِأَنَّ الْمِلْكَ لها فيها ظَاهِرًا وَلَا يَحْتَاجُ في دَعْوَاهَا وَالتَّحْلِيفُ إلَى إثْبَاتِ جِهَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَلَا إلَى إعْرَاضِ الْوَرَثَةِ عن الدَّعْوَى صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلَوْ نَكَلَ الْخَصْمُ عن الْيَمِينِ حَلَفَتْ يَمِينَ الرَّدِّ
وَإِنْ أَوْصَى لِغَيْرِهِ بِعَيْنٍ فَادَّعَاهَا شَخْصٌ فَفِي حَلِفِ الْوَارِثِ لِتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ تَرَدُّدٌ أَيْ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ أَحَدُهُمَا وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ يَحْلِفُ كما في مَسْأَلَةِ الْمُسْتَوْلَدَةِ وَالثَّانِي لَا وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْقَسَامَةَ تَثْبُتُ على خِلَافِ الْقِيَاسِ احْتِيَاطًا لِلدِّمَاءِ قال في الْمَطْلَبِ وَمَحَلُّ التَّرَدُّدِ إذَا كانت الْعَيْنُ في يَدِ الْوَارِثِ فَإِنْ كانت في يَدِ الْمُوصَى له فَهُوَ الْحَالِفُ جَزْمًا وَإِنْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ له لِأَنَّهُ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِهَا حُرٌّ يَمْلِكُ وَكَذَا لو بَاعَهُ بَعْدَهَا صَحَّتْ وَتَصِيرُ لِلْمُشْتَرِي
____________________
(4/104)
وَتَقَدَّمَ ذلك في الْوَصِيَّةِ
فَرْعٌ لو قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ فَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَلِلسَّيِّدِ الْأَقَلُّ من الدِّيَةِ وَنِصْفُ الْقِيمَةِ كما مَرَّ فَإِنْ كان ثَمَّ لَوْثٌ وَفَضَلَ عن الْأَقَلِّ شَيْءٌ لِلْوَرَثَةِ أَقْسَمَ السَّيِّدُ مع الْوَرَثَةِ بِالتَّوْزِيعِ لِلْأَيْمَانِ عَلَيْهِمَا بِحَسْبِ ما يَأْخُذَانِ وَكَذَا يُقْسِمُ وَحْدَهُ إنْ لم يَفْضُلْ عنه شَيْءٌ لِلْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ دُونَهُمْ
فَرْعٌ لو ارْتَدَّ السَّيِّدُ وَلَوْ قبل قَتْلِ الْعَبْدِ وَكَذَا لو ارْتَدَّ الْوَارِثُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ لَا قَبْلَهُ فَلَهُ أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَلَوْ في الرِّدَّةِ الْقَسَامَةُ لِإِثْبَاتِ حَقِّهِ بِخِلَافِ ما لو ارْتَدَّ الْوَارِثُ قبل مَوْتِ الْجَرِيحِ وَاسْتَمَرَّ مُرْتَدًّا حتى مَاتَ الْجَرِيحُ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ وَإِنَّمَا لم يُفَصِّلْ هذا التَّفْصِيلَ في السَّيِّدِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بِالْمِلْكِ لَا بِالْإِرْثِ وَالْأَوْلَى تَأْخِيرُهَا أَيْ الْقَسَامَةُ إلَى أَنْ يُسْلِمَ السَّيِّدُ أو الْوَارِثُ لِأَنَّهُ قبل إسْلَامِهِ لَا يَتَوَرَّعُ عن الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ فَإِنْ أَقْسَمَ في الرِّدَّةِ ثَبَتَ الْمَالُ كما لو أَقْسَمَ في الْإِسْلَامِ وكان الْمَالُ الْحَاصِلُ بِهِ لِلْمُقْسِمِ في الرِّدَّةِ كَاكْتِسَابٍ أَيْ كَالْحَاصِلِ بِالِاكْتِسَابِ بِاحْتِشَاشٍ وَاحْتِطَابٍ وَنَحْوِهِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا في بَابِ الرِّدَّةِ وَإِنَّمَا صَحَّ إقْسَامُهُ فيها كَسَائِرِ الْكُفَّارِ وَلِأَنَّهُ نَوْعُ اكْتِسَابٍ لِلْمَالِ فَلَا تَمْنَعُ منه الرِّدَّةُ كَالِاحْتِطَابِ وَذِكْرُهُ أَوْلَوِيَّةَ تَأْخِيرِ الْقَسَامَةِ وما بَعْدَهَا في حَقِّ السَّيِّدِ من زِيَادَتِهِ
مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْلِفَ سَكْرَانُ مُدَّعِيًا كان أو مُدَّعًى عليه حتى يَعْلَمَ ما يقول وما يُقَالُ له وَيَنْزَجِرَ عن الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ فَلَوْ حَلَفَ صَحَّ كَغَيْرِهِ وَإِنْ قُتِلَ رَجُلٌ فَبَانَ اللَّوْثُ على عَبْدِهِ فَلَا قَسَامَةَ لِوَارِثِهِ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ له على عَبْدِهِ شَيْءٌ لَا إنْ كان مَرْهُونًا فَلَهُ الْقَسَامَةُ لِيَسْتَفِيدَ بها فَكُّهُ وَبَيْعُهُ وَقِسْمَةُ ثَمَنِهِ على الْغُرَمَاءِ
وَلَوْ ادَّعَى على غَيْرِهِ قَتْلًا عَمْدًا فَأَقَرَّ خَصْمُهُ بِالْخَطَأِ أو شِبْهِ الْعَمْدِ وَلَا لَوْثَ صُدِّقَ الْخَصْمُ وَحَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَإِنْ كان هُنَاكَ لَوْثٌ أَقْسَمَ الْمُدَّعِي وَدَعْوَى الْخَصْمِ كَوْنَ الْقَتْلِ غير عَمْدٍ لَا يَمْنَعُ الْمُدَّعِي من الْقَسَامَةِ وَلَا تُبْطِلُ اللَّوْثَ بَلْ تُؤَكِّدُهُ وإذا حَلَفَ الْمُدَّعَى عليه على الْخَطَأِ أو شِبْهِ الْعَمْدِ فَلِلْمُدَّعِي طَلَبُ الدِّيَةِ منه إلَّا أَنْ تُصَدِّقَهُ الْعَاقِلَةُ فَيَطْلُبُهَا منهم وَعَلَى كل حَالٍ فَهِيَ مُخَفَّفَةٌ صِفَةً وَتَأْجِيلًا فَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عليه وَحَلَفَ الْمُدَّعِي اقْتَصَّ منه فَإِنْ عُفِيَ على الدِّيَةِ فَهِيَ مُغَلَّظَةٌ في مَالِهِ
وَإِنْ ادَّعَى عليه قَتْلًا خَطَأً أو شِبْهَ عَمْدٍ وَأَقَرَّ خَصْمُهُ بِعَمْدٍ فَلَا قِصَاصَ عليه لِتَكْذِيبِ الْمُدَّعَى له وَطُولِبَ بِدِيَةٍ مُخَفَّفَةٍ لِأَنَّهَا الْمُدَّعَاةُ وَالْخَصْمُ وَإِنْ لم يُقِرَّ بِالدِّيَةِ بَلْ بِالْقِصَاصِ لَكِنْ طَلَبُ الْمُدَّعِي لها يَسْتَلْزِمُ الْعَفْوَ عنها
الْبَابُ الثَّالِثُ في الشَّهَادَةِ على الدَّمِ إنَّمَا يَثْبُتُ مُوجِبُ الْقِصَاصِ من قَتْلٍ أو جُرْحٍ بِعَدْلَيْنِ يَشْهَدَانِ بِالْمُوجِبِ أو بِإِقْرَارِ الْجَانِي وَإِنْ عُفِيَ على مَالٍ فَلَوْ قال الْمُدَّعِي في الْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ عَفَوْت عنه فَاقْبَلُوا مِنِّي رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ أو شَاهِدًا وَيَمِينًا لِآخُذَ الْمَالَ لم يُقْبَلْ منه لِأَنَّهَا في نَفْسِهَا مُوجِبَةٌ لِلْقِصَاصِ لو ثَبَتَتْ وَلِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الْقِصَاصُ حتى يُعْتَبَرَ الْعَفْوُ وَإِقْرَارُ الْجَانِي عُطِفَ على عَدْلَيْنِ وَالتَّصْرِيحُ بِهِ من زِيَادَتِهِ وَيَثْبُتُ مُوجِبُ الْمَالِ مِمَّا ذُكِرَ مع عَدْلَيْنِ بِرَجُلٍ مع امْرَأَتَيْنِ أو بِرَجُلٍ وَيَمِينٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ منه الْمَالُ وَذَلِكَ كَعَمْدِ الْأَبِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَكَالْهَاشِمَةِ لَا الْهَاشِمَةِ الْمَسْبُوقَةِ بِإِيضَاحٍ فَلَا يَثْبُتُ أَرْشُهَا بِذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ من شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ لِأَنَّ الْإِيضَاحَ قَبْلَهَا الْمُوجِبَ لِلْقِصَاصِ لَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ
وَمَتَى شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أو رَجُلٌ مع يَمِينٍ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَنَّهُ تَعَمَّدَ زَيْدًا بِسَهْمٍ رَمَاهُ بِهِ فَقَتَلَهُ وَمَرَقَ منه فَقَتَلَ عَمْرًا قُبِلَ منه ذلك لِعَمْرٍو سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْجِنَايَةُ الْأُولَى مُتَعَلِّقَ حَقِّ الْمُدَّعِي أَمْ لَا وَالْفَرْقُ بين هذه وما قَبْلَهَا أَنَّ الْإِيضَاحَ وَالْهَشْمَ هُنَاكَ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ في مَحَلٍّ وَاحِدٍ وإذا اشْتَمَلَتْ الْجِنَايَةُ على ما يُوجِبُ الْقِصَاصَ اُحْتِيطَ لها ولم تَثْبُتْ إلَّا بِحُجَّةٍ كَامِلَةٍ وَهُنَا جِنَايَتَانِ في مَجْلِسٍ لَا تَتَعَلَّقُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى وَيُؤْخَذُ من ذلك ما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ نَقْلًا عن الْإِمَامِ أَنَّهُ لو ادَّعَى أَنَّهُ أَوْضَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ عَادَ وَهَشَّمَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ أَرْشُ الْهَاشِمَةِ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ لِتَعَدُّدِ الْجِنَايَةِ وَمِثْلُهُ رَجُلٌ وَيَمِينٌ
فَصْلٌ وَلْيُصَرِّحْ الشَّاهِدُ على الْجَانِي بِالْإِضَافَةِ لِلْهَلَاكِ إلَى فِعْلِهِ فَلَوْ قال ضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ أو ضَرَبَهُ فَأَنْهَرَ الدَّمَ لم يَكْفِ في ثُبُوتِ قَتْلِهِ بِذَلِكَ وَيَكْفِي فيه قَوْلُهُ جَرَحَهُ فَقَتَلَهُ أو فَمَاتَ من جُرْحِهِ
____________________
(4/105)
أو أَنْهَرَ دَمَهُ فَمَاتَ بِذَلِكَ لَا جَرَحَهُ فَمَاتَ فَلَا يَكْفِي حتى يَقُولَ منه أو مَكَانَهُ أو نَحْوُهُ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ وَلَا يَشْهَدُ بِالْقَتْلِ بِرُؤْيَةِ الْجُرْحِ حتى يَقْطَعَ بِمَوْتِهِ منه بِقَرَائِنَ يُشَاهِدُهَا وَتَثْبُتُ الدَّامِيَةُ وَالْمُوضِحَةُ فَالدَّامِيَةُ بِقَوْلِهِ ضَرَبَهُ فَأَسَالَ دَمَهُ أو فَأَدْمَاهُ أو فَجَرَحَهُ لَا بِقَوْلِهِ ضَرَبَهُ فَسَالَ دَمُهُ لِاحْتِمَالِ سَيَلَانِهِ بِغَيْرِ الضَّرْبِ والموضحة بِقَوْلِهِ أَوْضَحَ أَيْ ضَرَبَهُ فَأَوْضَحَ عَظْمَهُ أو فَاتَّضَحَ عَظْمُهُ بِضَرْبِهِ لَا بِقَوْلِهِ أَوْضَحَهُ أَيْ ضَرَبَهُ فَأَوْضَحَهُ أو أَوْضَحَ رَأْسَهُ أو ضَرَبَهُ فَاتَّضَحَ أو فَوَجَدْنَا رَأْسَهُ مُوضِحًا لِعَدَمِ اسْتِلْزَامِهَا إيضَاحَ الْعَظْمِ وَلِاحْتِمَالِ الْإِيضَاحِ في الْأَخِيرَتَيْنِ بِسَبَبٍ آخَرَ وما ذَكَرَهُ من اعْتِبَارِ ذِكْرِ الْعَظْمِ حتى لَا يَكْفِي فَأَوْضَحَهُ أو فَأَوْضَحَ رَأْسَهُ هو ما صَحَّحَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ حَيْثُ قال وَيُشْتَرَطُ لِمُوضِحَةٍ ضَرَبَهُ فَأَوْضَحَ عَظْمَ رَأْسِهِ وَقِيلَ يَكْفِي فَأَوْضَحَ رَأْسَهُ أَيْ لِفَهْمِ الْمَقْصُودِ منه وَبِالثَّانِي جَزَمَ الْأَصْلُ ثُمَّ ذَكَرَ الْأَوَّلَ عن حِكَايَةِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَحَكَى الْبُلْقِينِيُّ الثَّانِيَ عن نَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَرَجَّحَهُ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ وقال إنَّهُ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَلْيُبَيِّنْ مَحَلَّ الْمُوضِحَةِ وَمِسَاحَتَهَا فِيمَا إذَا كان على رَأْسِهِ مَوَاضِحُ لِلْقِصَاصِ أَيْ لِوُجُوبِهِ أو يُعَيِّنْهَا بِالْإِشَارَةِ إلَيْهَا فِيمَا إذَا لم يَكُنْ على رَأْسِهِ إلَّا مُوضِحَةٌ لِأَنَّهَا قد تُوَسَّعُ أَيْ لِجَوَازِ أنها كانت صَغِيرَةً فَوَسَّعَهَا غَيْرُ الْجَانِي
فَلَوْ شَهِدَا في صُورَةِ الْوَضَحِ بِإِيضَاحٍ بِلَا تَعْيِينٍ وَجَبَ الْمَالُ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَحَلِّ الْمُوضِحَةِ وَقَدْرِهَا بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِتَعَذُّرِ الْمُمَاثَلَةِ لَا إنْ وُجِدَ الْمَشْهُودُ له بِإِيضَاحِهِ سَلِيمًا لَا أَثَرَ عليه وَالْعَهْدُ قَرِيبٌ فَلَا يَجِبُ الْمَالُ لِبُطْلَانِ الشَّهَادَةِ وَيَكْفِي في شَهَادَةِ مَقْطُوعٍ أَيْ في الشَّهَادَةِ بِقَطْعِ يَدٍ فَقَطْ قَوْلُ الشَّاهِدِ قَطَعَ يَدَهُ وَيَكْفِي في قَبُولِ شَهَادَتِهِ بِقَطْعِهَا رُؤْيَتُهَا مَقْطُوعَةً عن التَّعْيِينِ لها وَكَذَا يَكْفِي فيه قَوْلُهُ قَطْعَ يَدِهِ وَهُمَا أَيْ يَدَاهُ مَقْطُوعَتَانِ لَكِنْ لَا قِصَاصَ فيها لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا بِخِلَافِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ لِتَعَيُّنِهَا
فَصْلٌ تُرَدُّ شَهَادَةُ الْوَارِثِ لِمُوَرِّثِهِ غير بَعْضِهِ بِالْجُرْحِ الذي يُمْكِنُ أَنْ يُفْضِيَ إلَى الْهَلَاكِ قبل الِانْدِمَالِ وَلَوْ عَاشَ الْجَرِيحُ لِلتُّهْمَةِ لِأَنَّهُ لو مَاتَ مُوَرِّثُهُ أَخَذَ الْأَرْشَ فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ ما لو شَهِدَ له بَعْدَ الِانْدِمَالِ أو قَبْلَهُ لَكِنَّ مُسْتَحِقَّ الْأَرْشِ غَيْرُهُ كَأَنْ جُرِحَ عَبْدٌ فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ وَادَّعَى بِالْجُرْحِ على الْجَارِحِ لِكَوْنِ الْأَرْشِ له فَشَهِدَ له وَارِثُ الْجَرِيحِ فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَبِخِلَافِ ما لو شَهِدَ له بِمَالٍ وَلَوْ في مَرَضِ مَوْتِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجُرْحَ سَبَبٌ لِلْمَوْتِ النَّاقِلِ لِلْحَقِّ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَالِ
وَلَا يَحْكُمُ بِالْجُرْحِ بِشَهَادَةِ مَحْجُوبٍ كَأَخٍ مع وُجُودِ ابْنٍ صَارَ وَارِثًا بِأَنْ مَاتَ الِابْنُ فَإِنْ وَرِثَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهِ لم يُنْقَضْ كما لو حَدَثَ الْفِسْقُ وَلَوْ شَهِدَ وَارِثَانِ ظَاهِرًا بِهِ ثُمَّ حُجِبَا قبل الْحُكْمِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا لِلتُّهْمَةِ عِنْدَ أَدَائِهَا وَلِلْعَاقِلَةِ الشَّهَادَةُ بِجُرْحِ شُهُودِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ وبجرح شُهُودِ الْإِقْرَارِ بِالْخَطَأِ أو شِبْهِ الْعَمْدِ إذْ لَا تُهْمَةَ لِانْتِفَاءِ تَحَمُّلِهِمْ الدِّيَةَ وَلِبَعِيدِهِمْ الْغَنِيِّ وفي عَدَدِ الْأَقْرَبِ وَفَاءٌ بِالْوَاجِبِ الشَّهَادَةُ بِالْجُرْحِ مُطْلَقًا عن التَّقْيِيدِ بِالْعَمْدِ وَالْإِقْرَارِ بِغَيْرِهِ لَا فَقِيرُهُمْ أَيْ ليس له الشَّهَادَةُ بِذَلِكَ وَالْفَرْقُ أَنَّ تَوَقُّعَ الْغَنِيِّ أَقْرَبُ من تَوَقُّعِ مَوْتِ الْقَرِيبِ الْمُحْوِجِ إلَى التَّحَمُّلِ فَالتُّهْمَةُ لَا تَتَحَقَّقُ فيه وَالتَّصْرِيحُ بِمُطْلَقًا من زِيَادَتِهِ
فَرْعٌ
____________________
(4/106)
لو بَادَرَ الشُّهُودُ عَلَيْهِمَا بِالْقَتْلِ أو بَادَرَ غَيْرُهُمْ وَشَهِدَا بِهِ على الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهِمَا بِهِ أو على غَيْرِهِمَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ سُئِلَ الْمُطَالِبُ أَيْ الْمُدَّعِي احْتِيَاطًا لِحُصُولِ الرِّيبَةِ بِشَهَادَةِ الْآخَرَيْنِ فَإِنْ كَذَّبَهُمَا حَكَمَ عَلَيْهِمَا بِالْقَتْلِ بِشَهَادَةِ الْأَوَّلَيْنِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِتَكْذِيبِ الْوَلِيِّ لَهُمَا وَلِلتُّهْمَةِ بِالْمُبَادَرَةِ وَبِدَفْعِ ضَرَرِ مُوجِبِ شَهَادَةِ الشُّهُودِ عَلَيْهِمَا على الشَّاهِدَيْنِ وَلِصَيْرُورَتِهِمْ ا عَدُوَّيْنِ لَهُمَا بِشَهَادَتِهِمَا عَلَيْهِمَا وَإِنْ صَدَّقَهُمَا دُونَ الْأَوَّلَيْنِ أو صَدَّقَ الْجَمِيعَ أو كَذَّبَ الْجَمِيعَ وهو أَيْ وَالْمُدَّعِي الْوَلِيُّ بَطَلَ الْجَمِيعُ أَيْ الشَّهَادَتَانِ وهو ظَاهِرٌ في الثَّالِثِ وَوَجْهُهُ في الْأَوَّلِ أَنَّ فيه تَكْذِيبَ الْأَوَّلَيْنِ وَعَدَاوَةَ الْآخَرَيْنِ لَهُمَا وَالتُّهْمَةُ وفي الثَّانِي أَنَّ في تَصْدِيقِ كل فَرِيقٍ تَكْذِيبَ الْآخَرِ أو وَالْمُدَّعِي وَكِيلُهُ أَيْ الْوَلِيُّ وَعَيَّنَ له الْوَلِيُّ الْآخَرَيْنِ انْعَزَلَ عن الْوَكَالَةِ وَذِكْرُ الِانْعِزَالِ عِنْدَ تَكْذِيبِ الْجَمِيعِ من زِيَادَتِهِ وَلَا تَبْطُلُ دَعْوَى مُوَكِّلِهِ عَلَيْهِمَا فَلَوْ وَكَّلَهُ بِإِثْبَاتِ الْحَقِّ على اثْنَيْنِ من هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ ولم يُعَيِّنْهُمَا صَحَّ التَّوْكِيلُ فَإِنْ شَهِدَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا على الْآخَرَيْنِ أَيْ الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهِمَا فَصَدَّقَهُمَا أَيْ الْوَكِيلُ الْآخَرَيْنِ وَحْدَهُمَا أو مع الْأَوَّلَيْنِ انْعَزَلَ عن الْوَكَالَةِ وَلِلْوَلِيِّ الدَّعْوَى على الْأَوَّلَيْنِ إنْ لم يَسْبِقْ منه مُنَاقِضٌ لَهُمَا لَكِنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْآخَرَيْنِ لِمَا مَرَّ فَإِنْ صَدَّقَ الْوَلِيُّ الْمُبَادِرَيْنِ لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا على الْأَوَّلَيْنِ وَلَوْ كَانَا أَجْنَبِيَّيْنِ أَيْ غير الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا لِمَا مَرَّ وَلَوْ شَهِدَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا أو أَجْنَبِيَّانِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ بِمَالٍ على الشَّاهِدَيْنِ لِلْمُدَّعِي بِمَالٍ وَصَدَّقَهُمَا الْمُدَّعِي لم يَضُرَّ في صِحَّةِ دَعْوَاهُ وَشَهَادَةِ الْأَوَّلَيْنِ وَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِمَا أَيْضًا لِإِمْكَانِ اجْتِمَاعِ الْمَالَيْنِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْآخَرَيْنِ عَلَيْهِمَا وَإِنْ شَهِدَا في مَجْلِسٍ وَاحِدٍ
فَصْلٌ لو أَقَرَّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ بِعَفْوِ بَعْضِهِمْ عن الْقِصَاصِ وَعَيَّنَهُ أو لم يُعَيِّنْهُ سَقَطَ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ وَبِالْإِقْرَارِ سَقَطَ حَقُّهُ منه فَسَقَطَ حَقُّ الْبَاقِي فَلِلْجَمِيعِ الدِّيَةُ إنْ لم يُعَيِّنْ الْعَافِي وَكَذَا إنْ عَيَّنَهُ فَأَنْكَرَ فَإِنْ أَقَرَّ سَقَطَتْ حِصَّتُهُ من الدِّيَةِ فَإِنْ عَيَّنَهُ الْمُقِرُّ وَشَهِدَ عليه بِالْعَفْوِ عن الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ جميعا بَعْدَ دَعْوَى الْجَانِي قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ في الدِّيَةِ وَيَحْلِفُ الْجَانِي معه أَيْ مع الشَّاهِدَانِ الْعَافِي عَفَا عن الدِّيَةِ لَا عنها وَعَنْ الْقِصَاصِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ بِالْإِقْرَارِ فَتَسْقُطُ من الدِّيَةِ حِصَّةُ الْعَافِي وَيَكْفِي مُنْكِرُ الْعَفْوِ الْمُدَّعِي بِهِ عليه الْيَمِينُ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَثَبَتَ الْعَفْوُ بِيَمِينِ الرَّدِّ وَيُشْتَرَطُ لِإِثْبَاتِ الْعَفْوِ من بَعْضِ الْوَرَثَةِ عن الْقِصَاصِ لَا عن حِصَّتِهِ من الدِّيَةِ شَاهِدَانِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ ليس بِمَالٍ وما لَا يَثْبُتُ بِحُجَّةٍ نَاقِصَةٍ لَا يُحْكَمُ بِسُقُوطِهِ بها أَمَّا إثْبَاتُ الْعَفْوِ عن حِصَّتِهِ من الدِّيَةِ فَيَثْبُتُ بِالْحُجَّةِ النَّاقِصَةِ أَيْضًا من رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أو رَجُلٍ وَيَمِينٍ لِأَنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ بِذَلِكَ فَكَذَا إسْقَاطُهُ
فَصْلٌ لو اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ في هَيْئَةِ الْقَتْلِ كَأَنْ قال أَحَدُهُمَا قَدَّهُ نِصْفَيْنِ وَالْآخَرُ حَزَّ رَقَبَتَهُ أو في مَكَانِهِ كَأَنْ قال أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ في الْبَيْتِ وَالْآخَرُ في السُّوقِ أو في زَمَانِهِ كَأَنْ قال أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ يوم السَّبْتِ أو غَدْوَةً وَالْآخَرُ يوم الْأَحَدِ أو عَشِيَّتَهُ أو في آلَتِهِ كَأَنْ قال أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بِالسَّيْفِ وَالْآخَرُ بِالرُّمْحِ لَغَتْ شَهَادَتُهُمَا وَلَا لَوْثَ بها لِلتَّنَاقُضِ فيها وقد يُقَالُ لِمَ لم يَحْلِفْ مع من وَافَقَهُ مِنْهُمَا وَيَأْخُذُ الْبَدَلَ كَنَظِيرِهِ من السَّرِقَةِ وَيُجَابُ بِأَنَّ بَابَ الْقَسَامَةِ أَمْرُهُ أَعْظَمُ وَلِهَذَا غَلَّظَ فيه بِتَكَرُّرِ الْأَيْمَانِ لَا إنْ اخْتَلَفَا في زَمَانِ الْإِقْرَارِ وَمَكَانِهِ الْمَزِيدِ على الْأَصْلِ أَيْ فِيهِمَا مَعًا أو في أَحَدِهِمَا كَأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْقَتْلِ يوم السَّبْتِ وَالْآخَرُ بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ يوم الْأَحَدِ فَلَا تَلْغُو الشَّهَادَةُ لِأَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ في الْقَتْلِ وَصِفَتِهِ بَلْ في الْإِقْرَارِ إلَّا إنْ عَيَّنَا يَوْمًا أو نَحْوَهُ في مَكَانَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ الْمُسَافِرُ من أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ في الزَّمَنِ الذي عَيَّنَاهُ كَأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْقَتْلِ بِمَكَّةَ يوم كَذَا وَالْآخَرُ بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ بِمِصْرَ ذلك الْيَوْمِ فَتَلْغُو الشَّهَادَةُ
وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا على الْمُدَّعَى عليه بِالْقَتْلِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ فَلَوْثٌ تَثْبُتُ بِهِ الْقَسَامَةُ دُونَ الْقَتْلِ لِأَنَّهُمَا لم يَتَّفِقَا على شَيْءٍ وَاحِدٍ فَإِنْ ادَّعَى عليه
____________________
(4/107)
الْوَارِثُ قَتْلًا عَمْدًا أَقْسَمَ وَرُتِّبَ حُكْمُ الْقَسَامَةِ وَإِلَّا بِأَنْ ادَّعَى خَطَأً أو شِبْهَ عَمْدٍ فَيَحْلِفُ مع أَحَدِهِمَا أَيْ أَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ فَإِنْ حَلَفَ مع شَاهِدِ الْإِقْرَارِ فَالدِّيَةُ على الْجَانِي أو مع الْآخَرِ أَيْ شَاهِدِ الْقَتْلِ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ وَإِنْ ادَّعَى عليه عَمْدًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِإِقْرَارِهِ بِقَتْلٍ عَمْدٍ وَالْآخَرُ بِإِقْرَارِهِ بِمُطْلَقٍ أَيْ بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ عن التَّقْيِيدِ بِعَمْدٍ أو غَيْرِهِ أو شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِقَتْلٍ عَمْدٍ وَالْآخَرُ بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ ثَبَتَ أَصْلُ الْقَتْلِ لِاتِّفَاقِهِمَا عليه حتى لَا يُقْبَلُ من الْمُدَّعَى عليه إنْكَارُهُ وَطُولِبَ بِالْبَيَانِ لِصِفَةِ الْقَتْلِ فَإِنْ امْتَنَعَ منه وَأَصَرَّ على إنْكَارِ أَصْلِ الْقَتْلِ جُعِلَ نَاكِلًا وَحَلَفَ الْمُدَّعِي يَمِينَ الرَّدِّ أَنَّهُ قَتَلَ عَمْدًا وَاقْتُصَّ منه فَإِنْ بَيَّنَ فقال قَتَلْته عَمْدًا اقْتَصَّ منه أو عَفَى على مَالٍ أو قَتَلَهُ خَطَأً وَلِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُهُ على نَفْيِ الْعَمْدِيَّةِ إنْ كَذَّبَهُ فإذا حَلَفَ لَزِمَهُ دِيَةُ خَطَأٍ بِإِقْرَارِهِ فَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَاقْتَصَّ منه
وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِقَتْلٍ عَمْدٍ ادَّعَى بِهِ وَالْآخَرُ بِخَطَأٍ أو شِبْهِ عَمْدٍ ثَبَتَ الْقَتْلُ لِاتِّفَاقِهِمَا على أَصْلِهِ وَالِاخْتِلَافُ في الْعَمْدِيَّةِ وَضِدِّهَا ليس كَالِاخْتِلَافِ فِيمَا مَرَّ أَوَّلَ الْفَصْلِ لِأَنَّ التَّكَاذُبَ ثَمَّ في أَمْرٍ مَحْسُوسٍ وَالْعَمْدِيَّةَ وَضِدَّهَا في مَحَلِّ الِاشْتِبَاهِ فَالْفِعْلُ الْوَاحِدُ قد يَعْتَقِدُهُ أَحَدُهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرُ غَيْرَهُ على أَنَّهُ صَحَّحَ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَدَمَ ثُبُوتِ الْقَتْلِ هُنَا أَيْضًا وَعَلَى الْأَوَّلِ يُطَالِبُ الْمُدَّعَى عليه بِالْبَيَانِ فَإِنْ بَيَّنَ أَنَّهُ عَمْدٌ ثَبَتَ أو أَنَّهُ خَطَأٌ أو شِبْهُ عَمْدٍ فَكَذَّبَهُ الْوَلِيُّ أَقْسَمَ لِأَنَّ معه شَاهِدًا وَذَلِكَ لَوْثٌ هُنَا وَيُخَالِفُ ما لو شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِإِقْرَارِ الْعَمْدِ وَالْآخَرُ بِإِقْرَارِ الْقَتْلِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّ اللَّوْثَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ في الْفِعْلِ لَا في الْإِقْرَارِ فَإِنْ امْتَنَعَ من الْإِقْسَامِ حَلَفَ الْجَانِي وَالدِّيَةُ في مَالِهِ مُخَفَّفَةٌ فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ الْيَمِينُ على الْمُدَّعِي فَإِنْ حَلَفَ ثَبَتَ مُوجِبُ الْعَمْدِ أو نَكَلَ فَدِيَةُ الْخَطَأِ في مَالِهِ
فَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ قُدَّ مَلْفُوفًا في ثَوْبٍ ولم يَتَعَرَّضَا لِحَيَاتِهِ حين الْقَدِّ لم يَثْبُتْ الْقَتْلُ بِشَهَادَتِهِمَا وَالْقَوْلُ في حَيَاتِهِ حِينَئِذٍ قَوْلُ الْوَلِيِّ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ كما مَرَّ في بَابِ اخْتِلَافِ الْجَانِي وَمُسْتَحِقِّ الدَّمِ وإذا حَلَفَ اقْتَصَّ من الْقَادِّ عَمَلًا بِمُقْتَضَى تَصْدِيقِهِ كَالدِّيَةِ وَهَذَا ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ هُنَا عن جَمَاعَةٍ وَنُقِلَ مُقَابِلُهُ عن الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ ولم يُرَجِّحْ شيئا لَكِنَّهُ رَجَّحَ الثَّانِيَ في الرَّوْضَةِ في الْبَابِ الْمَذْكُورِ آنِفًا كما قَدَّمْته ثَمَّ وَنَقَلَهُ فيه عن الْمَحَامِلِيِّ وَالْبَغَوِيِّ أَيْضًا قال الْأَذْرَعِيُّ وهو الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ كَالْحُدُودِ
فَرْعٌ لو شَهِدَ رَجُلٌ على آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَ زَيْدًا وَآخَرَ أَنَّهُ قَتَلَ عَمْرًا أَقْسَمَ وَلِيَّاهُمَا لِحُصُولِ اللَّوْثِ في حَقِّهِمَا جميعا
بَابُ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَالْقَضَاءِ إذْ لَا بُدَّ لِلْأُمَّةِ من إمَامٍ يُقِيمُ الدِّينَ وَيَنْصُرُ السُّنَّةَ وَيُنْصِفُ الْمَظْلُومِينَ وَيَسْتَوْفِي الْحُقُوقَ وَيَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا فَإِنْ لم يَصْلُحْ لها إلَّا وَاحِدٌ ولم يَطْلُبُوهُ لَزِمَهُ طَلَبُهَا لِتَعَيُّنِهَا عليه وَأُجْبِرَ عليها إنْ امْتَنَعَ من قَبُولِهَا فَإِنْ صَلُحَ لها جَمَاعَةٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ ما لو صَلُحَ جَمَاعَةٌ لِلْقَضَاءِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ في بَابِهِ مع أَنَّهُ تَعَرَّضَ لِبَعْضِ ذلك في الْفَصْلِ الْآتِي
وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ حَالَ الْعَقْدِ لها أو الْعَهْدِ بها أَهْلًا لِلْقَضَاءِ فَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا مُكَلَّفًا عَدْلًا حُرًّا ذَكَرًا مُجْتَهِدًا ذَا كِفَايَةٍ سَمِيعًا بَصِيرًا نَاطِقًا لِنَقْصِ غَيْرِهِ شُجَاعًا لِيَغْزُوَ بِنَفْسِهِ وَيُدِيرَ الْجُيُوشَ وَيَقْوَى على فَتْحِ الْبِلَادِ قُرَشِيًّا
____________________
(4/108)
لِخَبَرِ النَّسَائِيّ الْأَئِمَّةُ من قُرَيْشٍ وَأَمَّا خَبَرُ أَطِيعُوا وَلَوْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَمَحْمُولٌ على غَيْرِ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى فَلَوْ اخْتَلَتْ الشُّرُوطُ عِنْدَ الْعَهْدِ وَكَمُلَتْ عِنْدَ مَوْتِ الْعَاهِدِ لم يَصِحَّ الْعَهْدُ وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ هَاشِمِيًّا فإن أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ لم يَكُونُوا من بَنِي هَاشِمٍ وَلَا مَعْصُومًا بِاتِّفَاقِ من يَعْتَدُّ بِهِ فَإِنْ فُقِدَ قُرَشِيٌّ جَامِعٌ لِلشُّرُوطِ فَمُنْتَسِبٌ إلَى كِنَانَةَ ثُمَّ إلَى إسْمَاعِيلَ وَقَوْلُهُ وَهُمْ يَعْنِي أَوْلَادَهُ الشَّامِلِينَ لِكِنَانَةَ الْعَرَبِ من زِيَادَتِهِ ثُمَّ إلَى جُرْهُمَ قال في الْأَصْلِ وَهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ قال الرَّافِعِيُّ وَمِنْهُمْ تَزَوَّجَ إسْمَاعِيلُ حين أَنْزَلَهُ أَبُوهُ أَرْضَ مَكَّةَ ثُمَّ إلَى إِسْحَاقَ ثُمَّ إلَى غَيْرِهِمْ وَقِيلَ إذَا فُقِدَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَلِيَ رَجُلٌ من الْعَجَمِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ قال الرَّافِعِيُّ وَلَك أَنْ تَقُولَ قُرَيْشٌ من وَلَدِ النَّضْرِ بن كِنَانَةَ بن خُزَيْمَةَ بن مُدْرِكَةَ فَكَمَا قالوا إذَا فُقِدَ قُرَشِيٌّ وَلِيَ كِنَانِيٌّ هَلَّا قالوا إذَا فُقِدَ كِنَانِيٌّ وَلِيَ خُزَيْمِيٌّ وَهَكَذَا يَرْتَقِي إلَى أَبٍ بَعْدَ أَبٍ حتى يُنْتَهَى إلَى إسْمَاعِيلَ قال ابن الرِّفْعَةِ وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ الْقَاضِي فما ذَكَرُوهُ مِثَالٌ يُقَاسُ عليه قال الْأَذْرَعِيُّ وفي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ الْأَخِيرِ وَقْفَةٌ ظَاهِرَةٌ إذْ من الْمَعْلُومِ أَنَّ من فَوْقَ عَدْنَانَ لَا يَصِحُّ فيه شَيْءٌ وَلَا يُمْكِنُ حِفْظُ النَّسَبِ فيه منه إلَى إسْمَاعِيلَ
ويشترط أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ نَقْصٌ يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الْحَرَكَةِ وَسُرْعَةَ النُّهُوضِ كَالنَّقْصِ في الْيَدِ وَالرِّجْلِ وأن لَا يَكُونَ بِهِ نَظَرٌ لَا يُمَيِّزُ بِهِ الْأَشْخَاصَ وَلَا يَضُرُّ فَقْدُ ذَوْقٍ وَشَمٍّ وَلَا قَطْعِ ذَكَرٍ وَنَحْوِهِ كَالْأُنْثَيَيْنِ وَلَا يَضُرُّ عَشَا الْعَيْنِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالْقَصْرِ لِأَنَّ عَجْزَهُ عن النَّظَرِ إنَّمَا هو حَالُ الِاسْتِرَاحَةِ وَيُرْجَى زَوَالُهُ
وَتَنْعَقِدُ الْإِمَامَةُ بِثَلَاثَةِ طُرُقٍ الْأَوَّلُ الْبَيْعَةُ كما بَايَعَ الصَّحَابَةُ أَبَا بَكْرٍ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَا تَنْعَقِدُ الْبَيْعَةُ إلَّا بِعَقْدِ ذَوِي عَدَالَةٍ وَعِلْمٍ وَرَأْيٍ من أَهْلِ الْعَقْدِ وَالْحَلِّ من الْعُلَمَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ وَسَائِرِ وُجُوهِ الناس الَّذِينَ يَتَيَسَّرُ حُضُورُهُمْ لِأَنَّ الْأَمْرَ يَنْتَظِمُ بِهِمْ وَيَتْبَعُهُمْ سَائِرُ الناس وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ في سَائِرِ الْبِلَادِ وَالْأَصْقَاعِ بَلْ إذَا وَصَلَ الْخَبَرُ إلَى أَهْلِ الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ لَزِمَهُمْ الْمُوَافَقَةُ وَالْمُتَابَعَةُ وَلَوْ كان أَهْلُهُ الْأَوْلَى أَهْلُهَا وَاحِدًا يُطَاعُ كَفَى في الْبَيْعَةِ
وَيُشْتَرَطُ لِانْعِقَادِهَا الْإِشْهَادُ بِشَاهِدَيْنِ إنْ عَقَدَهَا وَاحِدٌ لَا إنْ عَقَدَهَا جَمَاعَةٌ كَذَا صَحَّحَ هذا التَّفْصِيلَ في الرَّوْضَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَأَصْلِهِ عن الْعِمْرَانِيِّ إطْلَاقَ وَجْهَيْنِ في اشْتِرَاطِ حُضُورِ شَاهِدَيْنِ وَحَكَى بَعْدَ تَصْحِيحِهِ الْمَذْكُورِ عن الْإِمَامِ عن أَصْحَابِنَا اشْتِرَاطَ حُضُورِ الشُّهُودِ لِئَلَّا يَدَّعِيَ عَقْدَ سَابِقٍ وَلِأَنَّ الْإِمَامَةَ لَيْسَتْ دُونَ النِّكَاحِ
انْتَهَى
وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ التَّفْصِيلِ فَإِمَّا أَنْ يُشْتَرَطَ الْإِشْهَادُ في الشِّقَّيْنِ أو لَا يُشْتَرَطَ في شَيْءٍ مِنْهُمَا
الطَّرِيقُ الثَّانِي اسْتِخْلَافُ الْإِمَامِ لِغَيْرِهِ وَلَوْ لِوَلَدِهِ أَيْ جَعْلُهُ خَلِيفَةً بَعْدَهُ وَيُعَبَّرُ عنه بِعَهْدِهِ إلَيْهِ كما عَهِدَ أبو بَكْرٍ إلَى عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما بِقَوْلِهِ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ هذا ما عَهِدَ أبو بَكْرٍ خَلِيفَةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عِنْدَ آخِرِ عَهْدِهِ من الدُّنْيَا وَأَوَّلِ عَهْدِهِ بِالْآخِرَةِ في الْحَالِ التي يُؤْمِنُ فيها الْكَافِرُ وَيَتَّقِي فيها الْفَاجِرُ أَنِّي اسْتَعْمَلْت عَلَيْكُمْ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ فَإِنْ بَرَّ وَعَدَلَ فَذَلِكَ عِلْمِي بِهِ وَرَأْيِي فيه وَإِنْ جَارَ وَبَدَّلَ فَلَا عِلْمَ لي بِالْغَيْبِ وَالْخَيْرَ أَرَدْت وَلِكُلِّ امْرِئٍ ما اكْتَسَبَ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ الْإِمَامُ الْجَامِعُ لِلشُّرُوطِ فَلَا عِبْرَةَ بِاسْتِخْلَافِ الْجَاهِلِ وَالْفَاسِقِ نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الِاسْتِخْلَافُ بِشَرْطِ الْقَبُولِ من الْخَلِيفَةِ في حَيَاتِهِ أَيْ الْإِمَامِ وَإِنْ تَرَاخَى عن الِاسْتِخْلَافِ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ وقال الْبُلْقِينِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ اعْتِبَارَ كَوْنِهِ على الْفَوْرِ
انْتَهَى
فَإِنْ أَخَّرَهُ عن حَيَاتِهِ رَجَعَ ذلك فِيمَا يَظْهَرُ إلَى الْإِيصَاءِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَحَرَّى الْأَصْلَحَ لِلْإِمَامَةِ أَيْ يَجْتَهِدَ فيه فإذا ظَهَرَ له وَاحِدٌ وَلَّاهُ
وَلَهُ جَعْلُهَا أَيْ الْخِلَافَةَ لِزَيْدٍ ثُمَّ بَعْدَهُ لِعَمْرٍو ثُمَّ بَعْدَهُ لِبَكْرٍ وَتَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ على ما رَتَّبَ كما رَتَّبَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أُمَرَاءَ جَيْشِ مُؤْتَةَ فَيَصِحُّ اسْتِخْلَافُهُ وَاحِدًا أو جَمَاعَةً مُتَرَتِّبِينَ وَإِنْ لم يَحْضُرْهُ أَحَدٌ ولم يُشَاوِرْ أَحَدًا فَإِنْ جَعَلَهَا شُورَى بين اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ بَعْدَهُ تَعَيَّنَ من عَيَّنُوهُ منهم بَعْدَ مَوْتِهِ كما جَعَلَ عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه الْأَمْرَ شُورَى بين سِتَّةٍ عَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ وَعُثْمَانَ وَعَبْدِ الرحمن بن عَوْفٍ وَسَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ وَطَلْحَةَ فَاتَّفَقُوا على عُثْمَانَ رضي اللَّهُ عنه لَا قَبْلَهُ فَلَا يَتَعَيَّنُ من عَيَّنُوهُ بَلْ ليس لهم أَنْ يُعَيِّنُوا أَحَدًا حِينَئِذٍ إلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنْ خَافُوا الْفُرْقَةَ أَيْ تَفَرُّقَ الْأَمْرِ وَانْتِشَارَهُ بَعْدَهُ اسْتَأْذَنُوهُ فَإِنْ أَذِنَ فَعَلُوهُ وَلَا يَلْزَمُهُمْ التَّعْيِينُ فِيمَا إذَا جَعَلَهَا شُورَى بين جَمَاعَةٍ بَلْ يَكُونُ الْأَمْرُ كما لو لم يَجْعَلْهَا شُورَى
وَلَوْ أَوْصَى
____________________
(4/109)
بها جَازَ كما لو اسْتَخْلَفَ لَكِنْ قَبُولُ الْمُوصَى له إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقِيلَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ يَخْرُجُ عن الْوِلَايَةِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَيَتَعَيَّنُ من اخْتَارَهُ لِلْخِلَافَةِ بِالِاسْتِخْلَافِ أو الْوَصِيَّةِ مع الْقَبُولِ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُعَيِّنَ غَيْرَهُ
فَلَوْ جَعَلَ الْأَمْرَ شُورَى بين ثَلَاثَةٍ مُتَرَتِّبِينَ فَمَاتَ الْأَوَّلُ منهم في حَيَاتِهِ فَالْخِلَافَةُ لِلثَّانِي أو الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فَلِلثَّالِثِ فَإِنْ اسْتَعْفَى الْخَلِيفَةُ أو الْمُوصَى له بَعْدَ الْقَبُولِ لم يَنْعَزِلْ حتى يُعْفَى وَيُوجَدَ غَيْرُهُ فَإِنْ عُفِيَ بَعْدَ وُجُودِ غَيْرِهِ انْعَزَلَ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ فَإِنْ وُجِدَ غَيْرُهُ جَازَ اسْتِعْفَاؤُهُ وَإِعْفَاؤُهُ وَخَرَجَ من الْعَهْدِ بِاجْتِمَاعِهِمَا وَإِلَّا امْتَنَعَا وَبَقِيَ الْعَهْدُ لَازِمًا وَشُمُولُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمَ الْمُوصَى له من زِيَادَتِهِ
وَيَصِحُّ اسْتِخْلَافُ غَائِبٍ عُلِمَتْ حَيَاتُهُ بِخِلَافِ ما إذَا جُهِلَتْ وَيَسْتَقْدِمُ أَيْ يَطْلُبُ قُدُومَهُ بِأَنْ يَطْلُبَهُ أَهْلُ الْعَقْدِ وَالْحَلِّ بَعْدَ الْمَوْتِ أَيْ بَعْدَ مَوْتِ الْإِمَامِ فَإِنْ بَعُدَ قُدُومُهُ بِأَنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ وَتَضَرَّرُوا أَيْ الْمُسْلِمُونَ بِتَأَخُّرِ النَّظَرِ في أُمُورِهِمْ عُقِدَتْ أَيْ الْخِلَافَةُ أَيْ عَقَدَهَا أَهْلُ الْعَقْدِ وَالْحَلِّ لِنَائِبٍ عنه بِأَنْ يُبَايِعُوهُ بِالنِّيَابَةِ دُونَ الْخِلَافَةِ وَيَنْعَزِلُ بِقُدُومِهِ وَلَهُ أَيْ لِلْإِمَامِ تَبْدِيلُ وَلِيِّ عَهْدِ غَيْرِهِ فَلَوْ جُعِلَ الْأَمْرُ شُورَى بين ثَلَاثَةٍ مُتَرَتِّبِينَ وَمَاتَ وَهُمْ أَحْيَاءٌ فَانْتَصَبَ الْأَوَّلُ لِلْخِلَافَةِ فَلَهُ تَبْدِيلُ الْأَخِيرَيْنِ بِغَيْرِهِمَا لِأَنَّهَا لَمَّا انْتَهَتْ إلَيْهِ صَارَ أَمْلَكَ بها لَا تَبْدِيلَ وَلِيِّ عَهْدِهِ إذْ ليس له عَزْلُهُ بِلَا سَبَبٍ لِأَنَّهُ ليس نَائِبًا له بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ
وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الْعَهْدِ نَقْلُهَا أَيْ الْخِلَافَةَ منه إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَثْبُتُ له الْوِلَايَةُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَلِّي وَلَا عَزْلُ نَفْسِهِ اسْتِقْلَالًا وإنما يَنْعَزِلُ بِالتَّرَاضِي منه وَمِنْ الْإِمَامِ بِقَيْدٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ إنْ لم يَتَعَيَّنْ فَإِنْ تَعَيَّنَ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ الْإِمَامِ لم يَنْعَزِلْ وَإِنْ خُلِعَ الْإِمَامُ بِأَنْ خَلَعَهُ غَيْرُهُ وَلَيْسَ بِجَائِزٍ بِغَيْرِ سَبَبٍ لم يَنْخَلِعْ إذْ لو انْخَلَعَ لم يُؤْمَنْ تَكَرُّرُ التَّوْلِيَةِ وَالِانْخِلَاعِ وفي ذلك سُقُوطُ الْهَيْبَةِ وَكَذَا لو خَلَعَ نَفْسَهُ لم يَنْخَلِعْ إلَّا لِعَجْزٍ منه عن الْقِيَامِ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ لِهَرَمٍ أو مَرَضٍ أو نَحْوِهِ فَيَنْخَلِعُ فَقَوْلُهُ وَنَحْوُهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَلَهُ أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُ ما دَامَ الْأَمْرُ له أَيْ قبل خَلْعِهِ نَفْسَهُ فَإِنْ وَلَّاهُ حِينَئِذٍ انْعَقَدَتْ وِلَايَتُهُ وَإِلَّا فَيُبَايِعُ الناس غَيْرَهُ
فَصْلٌ لو صَلُحَ لها اثْنَانِ اُسْتُحِبَّ لِأَهْلِ الْعَقْدِ وَالْحَلِّ تَقْدِيمُ أَسَنِّهِمَا أَيْ في الْإِسْلَامِ فِيمَا يَظْهَرُ كما في إمَامَةِ الصَّلَاةِ ثُمَّ إنْ كَثُرَتْ الْحُرُوبُ بِظُهُورِ الْبُغَاةِ وَأَهْلِ الْفَسَادِ فَالْأَشْجَعُ أَحَقُّ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَعَتْ إلَى زِيَادَةِ الشَّجَاعَةِ أو كَثُرَتْ الْبِدَعُ فَالْأَعْلَمُ أَحَقُّ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَعَتْ إلَى زِيَادَةِ الْعِلْمِ لِسُكُونِ الْفِتَنِ وَظُهُورِ الْبِدَعِ ثُمَّ إنْ تَسَاوَيَا فِيمَا ذُكِرَ اُعْتُبِرَتْ الْقُرْعَةُ لِعَدَمِ التَّرْجِيحِ وَقِيلَ يُقَدِّمُ أَهْلُ الْعَقْدِ وَالْحَلِّ من شَاءُوا بِلَا قُرْعَةٍ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ تَنَازَعَاهَا لم يَقْدَحْ فِيهِمَا تَنَازُعُهُمَا لِأَنَّ طَلَبَهَا ليس مَكْرُوهًا وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُقْرَعُ وَإِنْ لم يَتَنَازَعَاهَا وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يُقْرَعُ عِنْدَ تَنَازُعِهِمَا وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّ الْحَقَّ فيها لِلْمُسْلِمِينَ لَا لَهُمَا كما سَيَأْتِي
الطَّرِيقُ الثَّالِثُ أَنْ يَغْلِبَ عليها ذُو شَوْكَةٍ وَلَوْ كان غير أَهْلٍ لها كَأَنْ كان فَاسِقًا أو جَاهِلًا فَتَنْعَقِدُ لِلْمَصْلَحَةِ وَإِنْ كان عَاصِيًا بِفِعْلِهِ وَكَذَا تَنْعَقِدُ لِمَنْ قَهَرَهُ عليها فَيَنْعَزِلُ هو بِخِلَافِ ما لو قُهِرَ عليها من انْعَقَدَتْ إمَامَتُهُ بِبَيْعَةٍ أو عَهْدٍ فَلَا تَنْعَقِدُ له وَلَا يَنْعَزِلُ الْمَقْهُورُ وَلَا يَصِيرُ أَحَدٌ إمَامًا بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الْأَهْلِيَّةِ أَيْ أَهْلِيَّتِهِ لِلْإِمَامَةِ بَلْ لَا بُدَّ من إحْدَى الطُّرُقِ السَّابِقَةِ
فَصْلٌ تَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ وَإِنْ كان جَائِرًا فِيمَا يَجُوزُ فَقَطْ من أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ لِخَبَرِ اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعُ الْأَطْرَافِ وَخَبَرِ من نَزَعَ يَدَهُ من طَاعَةِ إمَامِهِ فإنه يَأْتِي يوم الْقِيَامَةِ وَلَا حُجَّةَ له وَخَبَرِ من وَلِيَ عليه وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شيئا من مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلْيَكْرَهْ ما يَأْتِي من مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدَهُ من طَاعَتِهِ رَوَاهَا مُسْلِمٌ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ من نَصْبِهِ اتِّحَادُ الْكَلِمَةِ وَدَفْعُ الْفِتَنِ وَلَا يَحْصُلُ ذلك إلَّا بِوُجُوبِ الطَّاعَةِ وتجب نَصِيحَتُهُ فِيمَا يَقْدِرُ أَيْ بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ
وَلَا يَجُوزُ عَقْدُهَا لِإِمَامَيْنِ فَأَكْثَرَ وَلَوْ بِأَقَالِيمَ وَلَوْ تَبَاعَدَتْ الْأَقَالِيمُ لِمَا في ذلك من اخْتِلَافِ الرَّأْيِ وَتَفَرُّقِ الشَّمْلِ فَإِنْ عُقِدَتَا أَيْ الْإِمَامَتَانِ لِاثْنَيْنِ مَعًا بَطَلَتَا أو مُرَتَّبًا انْعَقَدَتْ لِلسَّابِقِ كما في النِّكَاحِ على امْرَأَةٍ وَيُعَزَّرُ الْآخَرُونَ أَيْ الثَّانِي وَمُبَايِعُوهُ إنْ عَلِمُوا بَيْعَةَ
____________________
(4/110)
السَّابِقِ لِارْتِكَابِهِمْ مُحَرَّمًا
وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ إذَا بُويِعَ لِلْخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا فَمَعْنَاهُ لَا تُطِيعُوهُ فَيَكُونُ كَمَنْ قُتِلَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إنْ أَصَرَّ فَهُوَ بَاغٍ يُقَاتَلُ فَإِنْ جُهِلَ سَبْقٌ أو عُلِمَ لَكِنْ جُهِلَ سَابِقٌ فَكَمَا مَرَّ في نَظِيرِهِ من الْجُمُعَةِ وَالنِّكَاحِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدَانِ وَإِنْ عُلِمَ السَّابِقُ ثُمَّ نَسِيَ وُقِفَ الْأَمْرُ رَجَاءَ الِانْكِشَافِ فَإِنْ أَضَرَّ الْوَقْفُ بِالْمُسْلِمِينَ عُقِدَ لِأَحَدِهِمَا لَا غَيْرِهِمَا لِأَنَّ عَقْدَهَا لَهُمَا أَوْجَبَ صَرْفَهَا عن غَيْرِهِمَا وَإِنْ بَطَلَ عَقْدَاهُمَا بِالْإِضْرَارِ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ في الرَّوْضَةِ وقال الْبُلْقِينِيُّ بَلْ الْأَصَحُّ جَوَازُ عَقْدِهَا لِغَيْرِهِمَا إذْ هو مُقْتَضَى بُطْلَانِ عَقْدِهِمَا وما قَالَهُ حَسَنٌ وَالْحَقُّ في الْإِمَامَةِ لِلْمُسْلِمِينَ لَا لَهُمَا فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُمَا أَيْ دَعْوَى أَحَدِهِمَا السَّبْقَ وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ بَطَلَ حَقُّهُ وَلَا يَثْبُتُ الْحَقُّ لِلْآخَرِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ له بِسَبْقِهِ وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيِّ إنَّ الصَّوَابَ ثُبُوتُهُ له بِالْإِقْرَارِ لِانْحِصَارِ الْحَقِّ فيه حِينَئِذٍ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا هو لِلْمُسْلِمِينَ لَا لَهُمَا كما عُرِفَ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُقِرِّ بِالسَّبْقِ له أَيْ لِلْآخَرِ مع آخَرَ إنْ لم يَسْبِقْ مُنَاقِضٌ لها بِأَنْ كان يَدَّعِيَ اشْتِبَاهَ الْأَمْرِ قبل إقْرَارِهِ فَإِنْ سَبَقَ مُنَاقِضٌ بِأَنْ كان يَدَّعِي السَّبْقَ لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ
فَصْلٌ وَيَنْعَزِلُ الْإِمَامُ بِعَمًى وَصَمَمٍ وَخَرَسٍ وَمَرَضٍ يُنْسِيه الْعُلُومَ وَجُنُونٍ لِخُرُوجِهِ عن أَهْلِيَّةِ الْإِمَامَةِ قال الْبَغَوِيّ فَإِنْ أَفَاقَ بَعْدَ تَوْلِيَةِ غَيْرِهِ فَالْوِلَايَةُ لِلثَّانِي إلَّا أَنْ يَخَافَ فِتْنَةً فَهِيَ لِلْأَوَّلِ وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي أنها لِلثَّانِي مُطْلَقًا لَا إنْ كَثُرَ زَمَنُ الْإِفَاقَةِ من جُنُونِهِ وَتَمَكَّنَ فيه من أُمُورِهِ أَيْ من قِيَامِهِ بها فَلَا يَنْعَزِلُ وَلَا يَنْعَزِلُ إنْ فَسَقَ أو أُغْمِيَ عليه كما أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ قال الْأَذْرَعِيُّ في الْإِغْمَاءِ كَذَا أَطْلَقُوهُ وهو ظَاهِرٌ إذَا قَلَّ زَمَنُهُ ولم يَتَكَرَّرْ وَأَمَّا لو طَالَ زَمَنُهُ وَتَكَرَّرَ بِحَيْثُ يَقْطَعُهُ عن النَّظَرِ في الْمَصَالِحِ فَلَا وَلَا يَنْعَزِلُ بِثِقَلِ سَمْعٍ وَتَمْتَمَةِ لِسَانٍ وفي مَنْعِهِمَا الْإِمَامَةُ ابْتِدَاءً خِلَافٌ وَالْأَقْرَبُ لَا كما في إمَامَةِ الصَّلَاةِ وَلَوْ قُطِعَتْ إحْدَى يَدَيْهِ أو رِجْلَيْهِ لم يُؤَثِّرْ في الدَّوَامِ بِخِلَافِ الِابْتِدَاءِ إذْ يُغْتَفَرُ فيه ما لَا يُغْتَفَرُ في الِابْتِدَاءِ وَبِخِلَافِ قَطْعِ الْيَدَيْنِ أو الرِّجْلَيْنِ
فَصْلٌ لَا يَنْعَزِلُ إمَامٌ أَسَرَهُ كُفَّارٌ أو بُغَاةٌ لهم إمَامٌ إلَّا إنْ وَقَعَ الْيَأْسُ من خَلَاصِهِ فَيَنْعَزِلُ فَحِينَئِذٍ لَا يُؤَثِّرُ عَهْدُهُ لِغَيْرِهِ بِالْإِمَامَةِ وَتُعْقَدُ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ ما لو عَهِدَ لِغَيْرِهِ قبل الْيَأْسِ لِبَقَائِهِ على إمَامَتِهِ وَإِنْ خُلَّصُ من الْأَسْرِ بَعْدَ الْيَأْسِ لم يَعُدْ إلَى إمَامَتِهِ بَلْ يَسْتَقِرُّ فيها وَلِيُّ عَهْدِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ لِلْبُغَاةِ إمَامٌ لم يَنْعَزِلْ الْإِمَامُ الْمَأْسُورُ وَإِنْ وَقَعَ الْيَأْسُ من خَلَاصِهِ وَيَسْتَنِيبُ عن نَفْسِهِ إنْ قَدَرَ على الِاسْتِنَابَةِ ثُمَّ يُسْتَنَابُ عنه إنْ عَجَزَ عنها فَلَوْ خَلَعَ الْأَسِيرُ نَفْسَهُ أو مَاتَ لم يَصِرْ الْمُسْتَنَابُ إمَامًا
فَرْعٌ يَجُوزُ تَسْمِيَةُ الْإِمَامِ خَلِيفَةً وَأَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَوَّلُ من سُمِّيَ بِهِ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه وَخَلِيفَةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنْ كان فَاسِقًا لِأَنَّهُ خَلَفَ الْمَاضِي وَخَلَفَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في أُمَّتِهِ وَقَامَ بِأَمْرِ الْمُؤْمِنِينَ لَا خَلِيفَةُ اللَّهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَخْلِفُ من يَغِيبُ وَيَمُوتُ وَاَللَّهُ مُنَزَّهٌ عن ذلك وَقِيلَ يَجُوزُ ذلك لِقِيَامِهِ بِحُقُوقِهِ في خَلْقِهِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى هو الذي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ في الْأَرْضِ قال النَّوَوِيُّ في أَذْكَارِهِ مع ذِكْرِهِ ذلك قال الْبَغَوِيّ وَلَا يُسَمَّى أَحَدٌ خَلِيفَةَ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ آدَمَ وَدَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَامُ قال تَعَالَى إنِّي جَاعِلٌ في الْأَرْضِ خَلِيفَةً وقال يا دَاوُد إنَّا جَعَلْنَاك خَلِيفَةً في الْأَرْضِ وَعَنْ ابْنِ أبي مُلَيْكَةَ أَنَّ رَجُلًا قال لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي اللَّهُ عنه يا خَلِيفَةَ اللَّهِ فقال أنا خَلِيفَةُ مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم وأنا رَاضٍ بِذَلِكَ
بَابُ قِتَالِ الْبُغَاةِ جَمْعُ بَاغٍ سُمُّوا بِذَلِكَ لِمُجَاوَزَتِهِمْ الْحَدَّ وَقِيلَ لِطَلَبِ الِاسْتِعْلَاءِ وَالْأَصْلُ فيه قَوْله تَعَالَى وَإِنْ طَائِفَتَانِ من الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا الْآيَةَ وَلَيْسَ فيها ذِكْرُ الْخُرُوجِ على الْإِمَامِ لَكِنَّهَا تَشْمَلُهُ لِعُمُومِهَا أو تَقْتَضِيهِ لِأَنَّهُ إذَا طَلَبَ الْقِتَالَ لِبَغْيِ طَائِفَةٍ على طَائِفَةٍ فَلِلْبَغْيِ على الْإِمَامِ أَوْلَى وَفِيهِ أَطْرَافٌ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ في صِفَتِهِمْ وَهُمْ الْخَارِجُونَ عن الطَّاعَةِ لِإِمَامِ أَهْلِ الْعَدْلِ وَلَوْ جَائِرًا بِامْتِنَاعِهِمْ من أَدَاءِ حَقٍّ تَوَجَّهَ عليهم بِتَأْوِيلٍ فَاسِدٍ لَا يُقْطَعُ بِفَسَادِهِ بَلْ يَعْتَقِدُونَ بِهِ جَوَازَ الْخُرُوجِ كَتَأْوِيلِ الْخَارِجِينَ على عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه بِأَنَّهُ يَعْرِفُ قَتَلَةَ
____________________
(4/111)
عُثْمَانَ رضي اللَّهُ عنه وَيَقْدِرُ عليهم وَلَا يَقْتَصُّ منهم لِمُوَاطَأَتِهِ إيَّاهُمْ وَتَأْوِيلُ بَعْضِ مَانِعِي الزَّكَاةِ من أبي بَكْرٍ رضي اللَّهُ عنه بِأَنَّهُمْ لَا يَدْفَعُونَ الزَّكَاةَ إلَّا لِمَنْ صَلَاتُهُ سَكَنٌ لهم وهو النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنْ كان لهم شَوْكَةٌ بِكَثْرَةٍ أو قُوَّةٍ وَلَوْ بِحِصْنٍ بِحَيْثُ يُمْكِنُ مَعَهَا مُقَاوَمَةُ الْإِمَامِ وَيَحْتَاجُ إلَى احْتِمَالِ كُلْفَةٍ من بَذْلِ مَالٍ وَإِعْدَادِ رِجَالٍ وَنَصْبِ قِتَالٍ وَنَحْوِهَا لِيَرُدَّهُمْ إلَى الطَّاعَةِ
وكان فِيهِمْ مُطَاعٌ لِيَحْصُلَ بِهِ قُوَّةُ الشَّوْكَةِ وَإِنْ لم يَكُنْ إمَامًا لهم وما ذَكَرَهُ من أَنَّ الشَّوْكَةَ تَحْصُلُ بِالتَّقَوِّي بِالْحِصْنِ أَخَذَهُ من عُمُومِ كَلَامِ أَصْلِهِ أَوَّلًا فإنه ذَكَرَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لهم شَوْكَةٌ وَعَدَدٌ بِالْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ قال وَلَوْ تَقَوَّى قَوْمٌ قَلِيلٌ بِحِصْنٍ فَوَجْهَانِ عن الْإِمَامِ وَرَأَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُفَصَّلَ فَيُقَالَ إنْ كان الْحِصْنُ بِحَافَةِ الطَّرِيقِ وَكَانُوا يَسْتَوْلُونَ بِسَبَبِهِ على نَاحِيَةٍ وَرَاءَ الْحِصْنِ ثَبَتَ لهم الشَّوْكَةُ وَحُكْمُ الْبُغَاةِ لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ أَقَضِيَّةُ أَهْلِ النَّاحِيَةِ وَإِلَّا فَلَيْسُوا بُغَاةً وَلَا يُبَالِي بِتَعْطِيلِ عَدَدٍ قَلِيلٍ وَيَجِبُ قِتَالُهُمْ فَقَدْ أَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عليه وَلَيْسُوا فَسَقَةً كما أَنَّهُمْ لَيْسُوا كَفَرَةً لِأَنَّهُمْ إنَّمَا خَالَفُوا بِتَأْوِيلٍ جَائِزٍ بِاعْتِقَادِهِمْ لَكِنَّهُمْ مُخْطِئُونَ فيه وَلَا اسْمَ الْبَغْيِ ذَمًّا وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ في ذلك أَيْ فِيمَا يَقْتَضِي ذَمَّهُمْ كَحَدِيثِ من حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا وَحَدِيثِ من فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ من عُنُقِهِ وَحَدِيثِ من خَرَجَ من الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ مَحْمُولٌ على من خَرَجَ عن الطَّاعَةِ بِلَا تَأْوِيلٍ أو بِتَأْوِيلٍ فَاسِدٍ قَطْعًا
وَمَنْ فُقِدَتْ فِيهِمْ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ بِأَنْ خَرَجُوا بِلَا تَأْوِيلٍ كَمَانِعِي حَقِّ الشَّرْعِ كَالزَّكَاةِ عِنَادًا أو بِتَأْوِيلٍ يُقْطَعُ بِفَسَادِهِ كَتَأْوِيلِ الْمُرْتَدِّينَ وَمَانِعِي حَقِّ الشَّرْعِ كَالزَّكَاةِ الْآنَ وَالْخَوَارِجُ أو لم يَكُنْ لهم شَوْكَةٌ بِأَنْ كَانُوا أَفْرَادًا يَسْهُلُ الظَّفَرُ بِهِمْ أو ليس فِيهِمْ مُطَاعٌ فَلَيْسَ لهم حُكْمُهُمْ أَيْ الْبُغَاةِ لِانْتِفَاءِ حُرْمَتِهِمْ وَلِأَنَّ ابْنَ مُلْجِمٍ قَتَلَ عَلِيًّا مُتَأَوِّلًا بِأَنَّهُ وَكِيلُ امْرَأَةٍ قَتَلَ عَلِيٌّ أَبَاهَا فَاقْتَصَّ منه ولم يُعْطَ حُكْمُهُمْ في سُقُوطِ الْقِصَاصِ لِانْتِفَاءِ شَوْكَتِهِ
فَرْعٌ الْخَوَارِجِ قَوْمٌ من الْمُبْتَدَعَةِ يُكَفِّرُونَ من ارْتَكَبَ كَبِيرَةً وَيَطْعَنُونَ بِذَلِكَ في الْأَئِمَّةِ وَلَا يَحْضُرُونَ مَعَهُمْ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَاتِ فَلَا يُقَاتَلُونَ وَلَا يُفَسَّقُونَ ما لم يُقَاتِلُوا وَكَانُوا في قَبْضَةِ الْإِمَامِ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ لِأَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه سمع رَجُلًا من الْخَوَارِجِ يقول لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَيُعَرِّضُ بِتَخْطِئَةِ تَحْكِيمِهِ فقال كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بها بَاطِلٌ لَكُمْ عَلَيْنَا ثَلَاثٌ لَا نَمْنَعُكُمْ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرُوهُ فيها وَلَا الْفَيْءَ ما دَامَتْ أَيْدِيكُمْ مَعَنَا وَلَا نَبْدَأُ بِقِتَالِكُمْ نعم إنْ تَضَرَّرْنَا بِهِمْ تَعَرَّضْنَا لهم حتى يَزُولَ الضَّرَرُ نَقَلَهُ الْقَاضِي عن الْأَصْحَابِ
أَمَّا إذَا قَاتَلُوا ولم يَكُونُوا في قَبْضَةِ الْإِمَامِ فَيُقَاتَلُونَ وَلَا يَتَحَتَّمُ قَتْلُ الْقَاتِلِ منهم كما سَيَأْتِي قال في الْأَصْلِ مع هذا وَأَطْلَقَ الْبَغَوِيّ أَنَّهُمْ إنْ قَاتَلُوا فَهُمْ فَسَقَةٌ وَأَصْحَابُ نَهْبٍ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَبِهِ جُزْءٌ في الْمِنْهَاجِ وَأَصْلُهُ وَمَحَلُّهُ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي قَرِيبًا إذَا قَصَدُوا إخَافَةَ الطَّرِيقِ وَإِنْ سَبُّوا الْأَئِمَّةَ وَغَيْرَهُمْ من أَهْلِ الْعَدْلِ عُزِّرُوا إلَّا إنْ عَرَّضُوا بِالسَّبِّ فَلَا يُعَزَّرُونَ لِأَنَّ عَلِيًّا لم يُعَزِّرْ الذي عَرَّضَ بِهِ وَلِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَا تَكَادُ تَخْلُو من أَنْ يَكُونَ فيها من يُعَرِّضُ بِالسُّلْطَانِ أو غَيْرِهِ فَإِنْ قَتَلُوا أَحَدًا مِمَّنْ يُكَافِئُهُمْ هذا أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ وَلَوْ بَعَثَ إلَيْهِمْ وَالِيًا فَقَتَلُوهُ اقْتَصَّ منهم كَغَيْرِهِمْ وَلَا يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُمْ وَإِنْ كَانُوا كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ في شَهْرِ السِّلَاحِ لِأَنَّهُمْ لم يَقْصِدُوا إخَافَةَ الطَّرِيقِ
الطَّرَفُ الثَّانِي في حُكْمِهِمْ أَيْ الْبُغَاةِ فَنُجِيزُ نَحْنُ شَهَادَةَ الْبُغَاةِ وَنُنَفِّذُ قَضَاءَهُمْ فِيمَا يَنْفُذُ فيه قَضَاؤُنَا لِانْتِفَاءِ فِسْقِهِمْ إنْ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا ولم يَكُونُوا خِطَابِيَّةً وَهُمْ صِنْفٌ من الرَّافِضَةِ يَشْهَدُونَ بِالزُّورِ وَيَقْضُونَ بِهِ لِمُوَافِقِيهِمْ بِتَصْدِيقِهِمْ فَإِنْ لم نَعْلَمْ عَدَمَ اسْتِحْلَالِهِمْ لِمَا ذُكِرَ بِأَنْ عَلِمْنَا اسْتِحْلَالَهُمْ له أو لم نَعْلَمْهُ امْتَنَعَ ذلك لِانْتِفَاءِ الْعَدَالَةِ لَكِنَّ مَحَلَّهُ في الْأُولَى إذَا اسْتَحَلُّوا ذلك بِالْبَاطِلِ عُدْوَانًا لِيَتَوَصَّلُوا بِهِ إلَى إرَاقَةِ دِمَائِنَا وَإِتْلَافِ أَمْوَالِنَا وما ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ في الشَّهَادَاتِ من التَّسْوِيَةِ في تَنْفِيذِ ما ذُكِرَ بين من يَسْتَحِلُّ
____________________
(4/112)
الدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ وَغَيْرُهُ مَحَلُّهُ في غَيْرِ ذلك فَلَا تَنَاقُضَ وَأَمَّا إذَا كَانُوا خِطَابِيَّةً فَيُمْتَنَعُ مِنَّا ذلك أَيْضًا وَإِنْ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِلُّونَ ما ذُكِرَ لَكِنَّ مَحَلَّهُ إذَا فَعَلُوا ذلك مع مُوَافِقِيهِمْ كما سَيَأْتِي في الشَّهَادَاتِ نعم لو بَيَّنُوا في شَهَادَتِهِمْ السَّبَبَ قُبِلَتْ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ حِينَئِذٍ كما سَيَأْتِي
ثَمَّ وَخَرَجَ بِمَا يَنْفُذُ فيه قَضَاؤُنَا غَيْرُهُ كَأَنْ حَكَمُوا بِمَا يُخَالِفُ النَّصَّ أو الْإِجْمَاعَ أو الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ فَلَا نَنْفُذُهُ وَلَوْ كَتَبُوا بِحُكْمٍ منهم إلَى حَاكِمِنَا جَازَ تَنْفِيذُهُ لِأَنَّهُ حُكْمٌ أُمْضِيَ وَالْحَاكِمُ بِهِ من أَهْلِهِ بَلْ لو كان الْحُكْمُ لِوَاحِدٍ مِنَّا على وَاحِدٍ منهم فَالْمُتَّجَهُ وُجُوبُ تَنْفِيذِهِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَكَذَا لو كَتَبُوا بِسَمَاعِ بَيِّنَةٍ يَجُوزُ لنا الْحُكْمُ بها لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِرَعَايَانَا وَيُسْتَحَبُّ لنا أَنْ لَا نُنَفِّذَ حُكْمَهُمْ اسْتِخْفَافًا بِهِمْ وَلْيُعْتَدَّ بِمَا اسْتَوْفَوْهُ بِالْبَلَدِ الذي اسْتَوْلَوْا عليه من حُدُودٍ وَتَعَازِيرَ وَخَرَاجٍ وَزَكَاةٍ وَجِزْيَةٍ لِاعْتِمَادِهِمْ التَّأْوِيلَ الْمُحْتَمِلَ فَأَشْبَهَ الْحُكْمَ بِالِاجْتِهَادِ وَلِمَا في عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهِ من الْإِضْرَارِ بِالرَّعِيَّةِ
وَكَذَا لو فَرَّقُوا سَهْمَ الْمُرْتَزِقَةِ في جُنْدِهِمْ يُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّهُمْ من جُنْدِ الْإِسْلَامِ وَرُعْبُ الْكُفَّارِ قَائِمٌ بِهِمْ وَلَوْ ادَّعَى الْمَطْلُوبُ بِالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ اسْتِيفَاءَهُمْ منه لَهُمَا وَلَا بَيِّنَةَ له لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أُجْرَةٌ فَكَانَ الْمَطْلُوبُ بِهِمَا كَالْمُسْتَأْجِرِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَمُوَاسَاةٌ وَمَبْنَاهَا على الرِّفْقِ وبخلاف الْحَدِّ الثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ لِأَنَّ الْمُقِرَّ بِهِ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عنه وقد أَنْكَرَ بِمَا يَدَّعِيهِ بَقَاءَ الْحَدِّ عليه فَيُجْعَلُ كَالرُّجُوعِ لَا الْبَيِّنَةَ أَيْ لَا الْحَدُّ الثَّابِتُ بها فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ بِهِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى منه لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ اسْتِيفَائِهِ وَلَا قَرِينَةَ تَدْفَعُهُ إلَّا إنْ بَقِيَ أَثَرُهُ على بَدَنِهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ لِلْقَرِينَةِ
الطَّرَفُ الثَّالِثُ في حُكْمِ الضَّمَانِ وما أَتْلَفُوهُ أو أَتْلَفْنَاهُ في غَيْرِ الْحَرْبِ بِلَا ضَرُورَتِهَا من نَفْسٍ وَمَالٍ مَضْمُونٍ على الْأَصْلِ في الْإِتْلَافَاتِ وما أَتْلَفْنَاهُ أو أَتْلَفُوهُ بِضَرُورَةِ الْحَرْبِ فَهَدَرٌ اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ وَتَرْغِيبًا في الطَّاعَةِ وَلِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِالْقِتَالِ فَلَا يُضْمَنُ ما يُتَوَلَّدُ منه وَهُمْ إنَّمَا أَتْلَفُوا بِتَأْوِيلٍ وما أُتْلِفَ فيها بِلَا حَاجَةٍ تَتَعَلَّقُ بها ضُمِنَ كَالْمُتْلَفِ في غَيْرِهَا وَيَجِبُ رَدُّ الْأَمْوَالِ الْمَأْخُوذَةِ في الْقِتَالِ على الْفَرِيقَيْنِ إلَى أَرْبَابِهَا
فَرْعٌ لو وَطِئَ بَاغٍ أَمَةَ عَادِلٍ بِلَا شُبْهَةٍ حُدَّ وَرُقَّ الْوَلَدُ وَلَا نَسَبَ لِأَنَّ الْوَطْءَ حِينَئِذٍ زِنًا وَمَتَى كانت مُكْرَهَةً على الْوَطْءِ لَزِمَهُ الْمَهْرُ كَغَيْرِهِ وَإِنْ وَطِئَهَا يَعْنِي أَمَةَ غَيْرِهِ حَرْبِيٌّ وَلَا شُبْهَةَ وَأَوْلَدَهَا رُقَّ الْوَلَدُ وَلَا نَسَبَ ولكن لَا حَدَّ عليه وَلَا مَهْرَ لِأَنَّهُ لم يَلْتَزِمْ الْأَحْكَامَ
فَصْلٌ الْمُتَأَوِّلُونَ بِلَا شَوْكَةٍ وَذَوُو الشَّوْكَةِ بِلَا تَأْوِيلٍ لَا تَنْفُذُ أَحْكَامُهُمْ وَلَا يُعْتَدُّ بِحُقُوقٍ قَبَضُوهَا لِانْتِفَاءِ شُرُوطِهِمْ وَيَضْمَنُ الْمُتْلَفَاتِ وَلَوْ في الْحَرْبِ من لَا شَوْكَةَ له كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَإِلَّا لَأَبْدَتْ كُلُّ شِرْذِمَةٍ مَفْسَدَةً تَأْوِيلًا وَفَعَلَتْ ما شَاءَتْ وَبَطَلَتْ السِّيَاسَاتُ وَذَوُو الشَّوْكَةِ بِلَا تَأْوِيلٍ كَبَاغِينَ في الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ فَلَا يَضْمَنُونَ الْمُتْلَفَاتِ لِحَاجَةِ الْحَرْبِ لِأَنَّ سُقُوطَ الضَّمَانِ عن الْبَاغِينَ لِقَطْعِ الْفِتْنَةِ وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ وَهَذَا مَوْجُودٌ هُنَا بِخِلَافِ ما لو ارْتَدَّتْ طَائِفَةٌ لهم شَوْكَةٌ فَأَتْلَفُوا مَالًا أو نَفْسًا في الْقِتَالِ ثُمَّ تَابُوا وَأَسْلَمُوا فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ لِجِنَايَتِهِمْ على الْإِسْلَامِ كما نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عن النَّصِّ في أَكْثَرِ كُتُبِهِ وابن الرِّفْعَةِ عن الْجُمْهُورِ وقال الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الصَّحِيحُ وَنَقَلَهُ عن تَصْحِيحِ جَمَاعَاتٍ وَقَطْعٍ آخَرِينَ وقال الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْوَجْهُ وَحَكَى الْأَصْلُ في ذلك
____________________
(4/113)
وَجْهَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ
الطَّرَفُ الرَّابِعُ في كَيْفِيَّةِ قِتَالِهِمْ وَالْمَقْصُودُ بِهِ رَدُّهُمْ إلَى الطَّاعَةِ لَا نَفْيُهُمْ وَقَتْلُهُمْ فَيُقَاتَلُونَ كَالصَّائِلِ فَلَا يُقَاتِلُهُمْ الْإِمَامُ حتى يَبْعَثَ إلَيْهِمْ أَمِينًا فَطِنًا نَاصِحًا يَسْأَلُهُمْ ما يَنْقِمُونَ أَيْ يَكْرَهُونَ فَإِنْ ذَكَرُوا مَظْلَمَةٌ بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا أو شُبْهَةً أَزَالَهَا عَنْهُمْ لِأَنَّ عَلِيًّا بَعَثَ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ إلَى أَهْلِ النَّهْرَوَانِ فَرَجَعَ بَعْضُهُمْ إلَى الطَّاعَةِ فَإِنْ أَبَوْا عن الرُّجُوعِ بَعْدَ الْإِزَالَةِ وَعَظَهُمْ وَأَمَرَهُمْ بِالْعَوْدِ إلَى الطَّاعَةِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ أَهْلِ الدِّينِ وَاحِدَةً ثُمَّ إذَا لم يَتَّعِظُوا يَعْرِضُ عليهم الْمُنَاظَرَةَ فَإِنْ أَصَرُّوا على إبَائِهِمْ آذَنَهُمْ بِالْمَدِّ أَيْ أَعْلَمَهُمْ بِالْقِتَالِ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالْإِصْلَاحِ ثُمَّ بِالْقِتَالِ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ ما أَخَّرَهُ اللَّهُ فَإِنْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ اسْتَنْظَرُوهُ أَيْ طَلَبُوا منه الْإِنْظَارَ وَلَهُ فيه مَصْلَحَةٌ بِأَنْ ظَهَرَ له أَنَّ اسْتِنْظَارَهُمْ لِلتَّأَمُّلِ في إزَالَةِ الشُّبْهَةِ أَنْظَرَهُمْ بِحَسَبِ ما يَرَاهُ لَا إنْ خَشِيَ مَضَرَّةً بِأَنْ ظَهَرَ له أَنَّ اسْتِنْظَارَهُمْ لِتَقَوِّيهِمْ كَاسْتِلْحَاقِ مَدَدٍ فَلَا يُنْظِرُهُمْ وَإِنْ بَذَلُوا مَالًا وَرَهَنُوا أَوْلَادًا وَنِسَاءً لِاحْتِمَالِ تَقَوِّيهِمْ وَاسْتِرْدَادِهِمْ ذلك وإذا كان بِأَهْلِ الْعَدْلِ ضَعْفٌ أَخَّرَ الْقِتَالَ لِلْخَطَرِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ سَأَلُوا الْكَفَّ عَنْهُمْ حَالَ الْحَرْبِ لِيُطْلِقُوا أَسْرَانَا وَبَذَلُوا بِذَلِكَ رَهَائِنَ قَبِلْنَاهَا اسْتِيثَاقًا وَاسْتِمَالَةً لِأَسْرَانَا فَإِنْ قَتَلُوا الْأُسَارَى لم تُقْتَلْ الرَّهَائِنُ لِأَنَّ الْقَاتِلَ غَيْرُهُمْ بَلْ يُطْلِقُهُمْ كَأُسَارَاهُمْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ فَإِنْ أَطْلَقُوهُمْ أَطْلَقْنَاهُمْ
فَإِنْ انْهَزَمُوا مُتَبَدِّدِينَ أَيْ مُتَفَرِّقِينَ بِحَيْثُ بَطَلَتْ شَوْكَتُهُمْ وَاتِّفَاقُهُمْ لم نُتْبِعْهُمْ وَلَوْ خِفْنَا أَنْ يَجْتَمِعُوا في الْمَآلِ لِلنَّهْيِ عنه كما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَلِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِمَا يُتَوَقَّعُ أو انْهَزَمُوا مُجْتَمَعِينَ تَحْتَ رَايَةِ زَعِيمِهِمْ اتَّبَعْنَاهُمْ حتى يَرْجِعُوا إلَى الطَّاعَةِ أو يَتَبَدَّدُوا وَمَنْ تَخَلَّفَ منهم عَجْزًا وَلَوْ غير مُخْتَارٍ أو أَلْقَى سِلَاحَهُ تَارِكًا الْقِتَالَ لم يُقْتَلْ عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ لم يُقَاتَلْ وَهِيَ أَوْلَى وَقَوْلُهُ كَأَصْلِهِ أَلْقَى سِلَاحَهُ ليس بِقَيْدٍ بَلْ لو تَرَكَ الْقِتَالَ وهو معه كان الْحُكْمُ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِقِتَالِهِ الْكَفُّ وهو حَاصِلٌ بِالتَّرْكِ وَيُقَاتَلُ مُوَلٍّ ظَهْرَهُ تَحَرَّفَ لِلْقِتَالِ أو تَحَيَّزَ إلَى فِئَةٍ قَرِيبَةٍ لَا بَعِيدَةٍ لِأَمْنِ غَائِلَتِهِ في الْبَعِيدَةِ دُونَ ما قَبْلَهَا وَلَا عِبْرَةَ بِمَا يُتَوَقَّعُ
وَلَا يُقْتَلُ مُثْخِنُهُمْ من أَثْخَنَهُ الْجُرْحُ أَيْ أَضْعَفَهُ وَلَا أَسْرَاهُمْ لِلنَّهْيِ عنهما في الْخَبَرِ السَّابِقِ وَيَنْبَغِي أَنْ تُعْرَضَ عليهم أَيْ على أَسْرَاهُمْ الرِّجَالِ التَّوْبَةُ وَبَيْعَةُ الْإِمَامِ وَيُطْلَقُونَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَتَفَرُّقِ الْجَمْعِ إلَّا إنْ خِيفَ عَوْدُهُمْ إلَى الْقِتَالِ فَلَا يُطْلَقُونَ وَقَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إلَخْ من زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ من كَلَامِ الْقَاضِي وَبَعْضُهُ بِعَلَمِ مِمَّا يَأْتِي آخِرَ الْفَصْلِ بَلْ إنْ جُعِلَ ضَمِيرُ عَوْدِهِمْ لِلْبُغَاةِ لَا لِلْأُسَارَى فَذَلِكَ كُلُّهُ تَكْرَارٌ فَلَوْ كَانُوا مُرَاهِقِينَ وَعَبِيدًا وَنِسَاءً غير مُقَاتِلِينَ أو أَطْفَالًا أُطْلِقُوا بَعْدَهَا أَيْ بَعْدَ الْحَرْبِ من غَيْرِ أَنْ يُعْرَضَ عليهم الْبَيْعَةُ وَإِنْ خِفْنَا عَوْدَهُمْ إلَى الْقِتَالِ إذْ لَا بَيْعَةَ لهم فَإِنْ كَانُوا مُقَاتِلِينَ فَهُمْ كَالرِّجَالِ وقال الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى نَصِّ الْأُمِّ من أَنَّهُمْ كَغَيْرِ الْمُقَاتِلِينَ وَالْأَمْوَالُ التي لَيْسَتْ من آلَاتِ الْحَرْبِ كَالْأَطْفَالِ فَتُرَدُّ عليهم بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَإِنْ خِفْنَا عَوْدَهُمْ إلَى الْقِتَالِ وَالْخَيْلُ وَالسِّلَاحُ كَالْأُسَارَى فَيُرَدَّانِ إلَيْهِمْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ إلَّا إنْ خِفْنَا عَوْدَهُمْ إلَى الْقِتَالِ وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا أَيْ الْأَمْوَالِ وَالْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ في قِتَالٍ أو غَيْرِهِ لِخَبَرِ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ منه إلَّا لِضَرُورَةٍ كَأَنْ تَعَيَّنَ السِّلَاحُ لِلدَّفْعِ وَالْخَيْلُ لِلْهَزِيمَةِ كَمَالِ
____________________
(4/114)
أَيْ كما لَا يَجُوزُ أَكْلُ مَالِ الْغَيْرِ إلَّا لِضَرُورَةٍ بِأَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ وَقَضِيَّتُهُ وُجُوبُ أُجْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا في الْقِتَالِ لِلضَّرُورَةِ لَكِنَّ الْأَوْجَهَ خِلَافُهُ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَنْوَارِ لِمَا مَرَّ من أَنَّهُ لَا ضَمَانَ لِمَا يَتْلَفُ في الْقِتَالِ وَيُفَارِقُ مَسْأَلَةَ الْمُضْطَرِّ بِأَنَّ الضَّرُورَةَ فيه نَشَأَتْ من الْمُضْطَرِّ بِخِلَافِهَا في مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهَا إنَّمَا نَشَأَتْ من جِهَةِ الْمَالِكِ
وَلَا نُقَاتِلُهُمْ بِمَا يَعُمُّ وَيَعْظُمُ أَثَرُهُ كَالْمَنْجَنِيقِ وَالنَّارِ وَإِرْسَالِ السُّيُولِ الْجَارِفَةِ وَلَوْ تَعَذَّرَ الِاسْتِيلَاءُ عليهم بِغَيْرِ ذلك كَأَنْ تَحَصَّنُوا بِبَلْدَةٍ ولم يَتَأَتَّ الِاسْتِيلَاءُ عليهم إلَّا بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِقِتَالِهِمْ رَدُّهُمْ إلَى الطَّاعَةِ وقد يَرْجِعُونَ فَلَا يَجِدُونَ لِلنَّجَاةِ سَبِيلًا وَلِأَنَّ تَرْكَ بَلْدَةٍ بِأَيْدِي طَائِفَةٍ من الْمُسْلِمِينَ يَتَوَقَّعُ الِاحْتِيَالُ في فَتْحِهَا أَقْرَبَ إلَى الصَّلَاحِ من اسْتِئْصَالِهِمْ إلَّا لِضَرُورَةِ دَفْعٍ بِأَنْ خِيفَ اسْتِئْصَالُنَا بِهِمْ بِأَنْ أَحَاطُوا بِنَا وَاضْطُرِرْنَا إلَى دَفْعِهِمْ بِذَلِكَ أو قَاتَلُونَا بِهِ وَاحْتَجْنَا إلَى دَفْعِهِمْ إلَى مِثْلِهِ فَيَجُوزُ أَنْ نُقَاتِلَهُمْ بِهِ وَيَتَجَنَّبُ الْعَادِلُ نَدْبًا قَرِيبَهُ الْبَاغِي أَيْ قِتَالَهُ ما أَمْكَنَ بَلْ يُكْرَهُ له ذلك كما قَالَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ
وَتَحْرُمُ الِاسْتِعَانَةُ عليهم بِكَافِرٍ وَلَوْ ذِمِّيًّا إذْ لَا يَجُوزُ تَسْلِيطُهُ عَلَيْنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ على الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ رَدُّهُمْ إلَى الطَّاعَةِ وَالْكُفَّارِ يَدِينُونَ بِقَتْلِهِمْ نعم يَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كما نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ عن الْمُتَوَلِّي وَقَالُوا إنَّهُ مُتَّجَهٌ وَكَذَا يَحْرُمُ على من لَا يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ الِاسْتِعَانَةُ عليهم بِمَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ لِعَدَاوَةٍ أو لِاعْتِقَادٍ كَالْحَنَفِيِّ إبْقَاءً عليهم وَفَرَّقَ الْمَاوَرْدِيُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَوَازِ اسْتِخْلَافِ الشَّافِعِيِّ الْحَنَفِيَّ وَنَحْوِهِ بِأَنَّ الْخَلِيفَةَ يَنْفَرِدُ بِرَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَالْمَذْكُورُونَ هُنَا تَحْتَ رَأْيِ الْإِمَامِ فَفِعْلُهُمْ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلُوا بِخِلَافِ اجْتِهَادِهِ إلَّا إنْ احْتَجْنَاهُمْ أَيْ احْتَجْنَا إلَى من يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ وَلَهُمْ إقْدَامٌ أَيْ حُسْنُ إقْدَامٍ وَجَرَاءَةٍ وَأَمْكَنَ دَفْعُهُمْ عَنْهُمْ لو اتَّبَعُوهُمْ بَعْدَ انْهِزَامِهِمْ زَادَ الْمَاوَرْدِيُّ وَشَرَطْنَا عليهم أَنْ لَا يُتْبِعُوا مُدْبِرًا وَلَا يَقْتُلُوا جَرِيحًا وَنَثِقُ بِوَفَائِهِمْ بِذَلِكَ
وَإِنْ قُتِلَ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ أَسِيرُهُمْ أو مُثْخِنُهُمْ أو مُدْبِرُهُمْ أو ذُفِّفَ جَرِيحُهُمْ فَلَا قِصَاصَ لِشُبْهَةِ تَجْوِيزِ أبي حَنِيفَةَ قَتْلَهُ وَلَا يُطْلَقُ أَسِيرُهُمْ وَجُمُوعُهُمْ بَاقِيَةٌ وَلَوْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ إلَّا إنْ تَابَ وَبَايَعَ الْإِمَامَ وَلَفْظُ تَابَ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ تَفَرَّقُوا أُطْلِقَ الْأَسِيرُ وَلَوْ تَوَقَّعَ عَوْدَهُمْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْرِضَ على الْأَسِيرِ منهم الْبَيْعَةَ لِلْإِمَامِ
فَصْلٌ لو عَقَدَ الْبُغَاةُ ذِمَّةً أَيْ أَمَانًا الْحَرْبِيِّينَ لِيُعِينُوهُمْ عَلَيْنَا نَفَذَتْ في حَقِّهِمْ لِأَنَّهُمْ أَمَّنُوهُمْ لَا في حَقِّنَا لِأَنَّ الْأَمَانَ لِتَرْكِ قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَنْعَقِدُ بِشَرْطِ الْقِتَالِ قال في الْكِفَايَةِ وإذا حَارَبُونَا مَعَهُمْ لم يَبْطُلْ أَمَانُهُمْ في حَقِّهِمْ بِخِلَافِ ما لو أَمِنَ شَخْصٌ مُشْرِكًا فَقَصَدَ مُسْلِمًا أو مَالَهُ فَلِمُؤَمِّنِهِ مُجَاهَدَتُهُ لِأَنَّ تَأْمِينَهُ لِيَكُفَّ عن الْكُلِّ فَانْتَقَضَ بِقِتَالِ أَحَدِهِمْ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ مع الْبُغَاةِ أَمَّا إذَا عَقَدُوهَا لهم بِغَيْرِ شَرْطِ إعَانَتِهِمْ عَلَيْنَا فَيَنْفُذُ في حَقِّنَا أَيْضًا فإذا اعْتَانُوا بِهِمْ عَلَيْنَا انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ في حَقِّنَا نَصَّ عليه وَالْقِيَاسُ انْتِقَاضُهُ في حَقِّهِمْ أَيْضًا فما أَتْلَفُوهُ على الْبُغَاةِ لَا عَلَيْنَا ضَمِنُوهُ لِصِحَّةِ الْأَمَانِ في حَقِّهِمْ لَا في حَقِّنَا وَنَسْتَبِيحُهُمْ نَحْنُ بِأَنْ نَغْنَمَ أَمْوَالَهُمْ وَنَسْتَرِقَّهُمْ وَنَسَبِي نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَنَقْتُلَ مُدْبِرَهُمْ وَنُذَفِّفَ على جَرِيحِهِمْ وَنَقْتُلُ أَسِيرَهُمْ بِخِلَافِ الْبُغَاةِ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ وَنَقْتُلُ أَسِيرَهُمْ لِدُخُولِهِ فِيمَا قَبْلَهُ فَلَوْ قالوا أَيْ الْحَرْبِيُّونَ ظَنَنَّاهُمْ أَيْ الْبُغَاةَ الْمُحِقِّينَ قال الرَّافِعِيُّ وَإِنَّ لنا إعَانَةَ الْمُحِقِّينَ أو ظَنَنَّا جَوَازَ الْإِعَانَةِ لهم في قِتَالِكُمْ أو أَنَّهُمْ اسْتَعَانُوا بِنَا
____________________
(4/115)
في قِتَالِ كُفَّارٍ وَأَمْكَنَ صِدْقُهُمْ فِيمَا قَالُوهُ بُلِّغُوا الْمَأْمَنَ وَأُجْرِيَ عليهم حُكْمُ الْبُغَاةِ في الْقِتَالِ فَلَا نَسْتَبِيحُهُمْ لِلْأَمَانِ مع عُذْرِهِمْ فَإِنْ أَعَانَهُمْ عَلَيْنَا ذِمِّيُّونَ أو مُسْتَأْمَنُونَ مُخْتَارِينَ عَالِمِينَ بِالتَّحْرِيمِ لِقِتَالِهِمْ لنا انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ في حَقِّنَا وَحَقِّ الْبُغَاةِ وَلَوْ قالوا ظَنَنَّاهُمْ الْمُحِقِّينَ كما لو انْفَرَدُوا بِالْقِتَالِ وَالتَّصْرِيحُ بِالْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ في الْمُسْتَأْمَنِينَ من زِيَادَتِهِ وَلَهُمْ الْأَوْلَى فَلَهُمْ حُكْمُ أَهْلِ الْحَرْبِ فَنَسْتَبِيحُهُمْ نَحْنُ وَالْبُغَاةُ وَنَقْتُلُ أَسِيرَهُمْ وَلَوْ أَتْلَفُوا بَعْدَ الشُّرُوعِ في الْقِتَالِ شيئا لم يَضْمَنُوهُ
وَإِنْ ذَكَرُوا عُذْرًا في إعَانَتِهِمْ إيَّاهُمْ بِأَنْ قالوا ظَنَنَّا أَنَّهُمْ الْمُحِقُّونَ وَأَنَّ لنا إعَانَةَ الْمُحِقِّينَ أو أَنَّهُ يَجُوزُ لنا إعَانَتُهُمْ أو أَنَّهُمْ اسْتَعَانُوا بِنَا في قِتَالِ كُفَّارٍ وَأَمْكَنَ صِدْقُهُمْ أو أَنَّهُمْ كَانُوا مُكْرَهِينَ لم يُنْتَقَضْ عَهْدُهُمْ لِمُوَافَقَتِهِمْ طَائِفَةً مُسْلِمَةً مع عُذْرِهِمْ لَا الْمُسْتَأْمَنَ الشَّامِلُ لِلْمُعَاهَدِ في دَعْوَاهُ الْإِكْرَاهَ فإنه يُشْتَرَطُ في عَدَمِ انْتِقَاضِ أَمَانِهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِإِكْرَاهِهِ فَإِنْ لم يُقِمْهَا انْتَقَضَ لِأَنَّ أَمَانَهُ يُنْتَقَضُ بِخَوْفِ الْقِتَالِ فَبِحَقِيقَتِهِ أَوْلَى بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ وَيُقَاتَلُونَ أَيْ الَّذِينَ لم يُنْتَقَضْ عَهْدُهُمْ كَالْبُغَاةِ لَكِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ ما أَتْلَفُوهُ عَلَيْنَا مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَتْلَفُوهُ في الْحَرْبِ أَمْ لَا بِخِلَافِ الْبُغَاةِ كما مَرَّ اسْتِمَالَةً لِقُلُوبِهِمْ لِئَلَّا يُنَفِّرَهُمْ الضَّمَانُ وَلِأَنَّ لهم تَأْوِيلًا وَأَهْلُ الذِّمَّةِ وَالْأَمَانِ في قَبْضَتِنَا وَلَا تَأْوِيلَ لهم وَهَلْ يُقْتَصُّ منهم إذَا قَتَلُوا نَفْسًا في الْحَرْبِ وَجْهَانِ قال ابن الرِّفْعَةِ الْمَشْهُورُ الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وقال إنَّهُ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ
وَلَوْ حَارَبَ ذِمِّيُّونَ بُغَاةً لم يُنْتَقَضْ عَهْدُهُمْ لِأَنَّهُمْ حَارَبُوا من على الْإِمَامِ مُحَارَبَتُهُ وَيُقَاسُ بِهِمْ الْمُسْتَأْمَنُونَ
فَصْلٌ لو اقْتَتَلَ طَائِفَتَانِ بَاغِيَتَانِ مَنَعَهُمَا الْإِمَامُ من الِاقْتِتَالِ فَلَا يُعِينُ إحْدَاهُمَا على الْأُخْرَى فَإِنْ عَجَزَ عن مَنْعِهِمَا قَاتَلَ أَشَرَّهُمَا بِالْأُخْرَى التي هِيَ أَقْرَبُ إلَى الْحَقِّ فَإِنْ رَجَعَتْ من قَاتَلَهَا إلَى الطَّاعَةِ لم يُفَاجِئْ الْأُخْرَى بِالْقِتَالِ حتى يُنْذَرَهَا أَيْ يَدْعُوهَا إلَى الطَّاعَةِ لِأَنَّهَا بِاسْتِعَانَتِهِ بها صَارَتْ في أَمَانِهِ فَإِنْ اسْتَوَتَا اجْتَهَدَ فِيهِمَا وَقَاتَلَ الْمَضْمُومَةَ مِنْهُمَا إلَيْهِ الْأُخْرَى غير قَاصِدٍ إعَانَتَهَا بَلْ قَاصِدًا دَفَعَ الْأُخْرَى وقال الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ اسْتَوَيَا ضَمَّ إلَيْهِ أَقَلُّهُمَا جَمْعًا ثُمَّ أَقَرَّ بِهِمَا دَارًا ثُمَّ يَجْتَهِدُ وَعَلَى الْعَادِلِ مِنَّا مُصَابَرَةُ بَاغِيَيْنِ في الْجَمَاعَةِ كما في قِتَالِ الْكُفَّارِ فَلَا يُوَلِّي عنهما إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أو مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ
وَإِنْ غَزَا الْبُغَاةُ مع الْإِمَامِ مُشْرِكِينَ فَكَأَهْلِ الْعَدْلِ في حُكْمِ الْغَنَائِمِ وَإِنْ وَادَعُوا أَيْ الْبُغَاةُ أَيْ عَاهَدُوا مُشْرِكًا اجْتَنَبْنَاهُ بِأَنْ لَا نَقْصِدَهُ بِمَا يُقْصَدُ بِهِ الْحَرْبِيُّ غَيْرُ الْمُعَاهَدِ وَيُسْتَنْقَذُ وُجُوبًا منهم سَبَايَا مُشْرِكِينَ أَمَنَّاهُمْ وَمَنْ تَعَمَّدَ قَتْلَ بَاغٍ أَمَّنَهُ عَادِلٌ وَلَوْ كان الْمُؤَمِّنُ له عَبْدًا أو امْرَأَةً اقْتَصَّ منه أو قَتَلَهُ جَاهِلًا بِأَمَانِهِ فَالدِّيَةُ تَلْزَمُهُ وَيُسْتَنْقَذُ وُجُوبًا أَسِيرُ الْبُغَاةِ من الْكُفَّارِ إنْ قَدَرْنَا على اسْتِنْقَاذِهِ
وَإِنْ قَتَلَ عَادِلٌ عَادِلًا في الْقِتَالِ وقال ظَنَنْته بَاغِيًا حَلَفَ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ لَا الْقِصَاصُ لِلْعُذْرِ
كِتَابُ الرِّدَّةِ
هِيَ لُغَةً الرُّجُوعُ عن الشَّيْءِ إلَى غَيْرِهِ وَشَرْعًا ما سَيَأْتِي وَهِيَ أَفْحَشُ الْكُفْرِ وَأَغْلَظُهُ حُكْمًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عن دِينِهِ فَيَمُتْ وهو كَافِرٌ الْآيَةَ وَلِقَوْلِهِ وَمَنْ يَبْتَغِ غير الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ منه وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ من بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ في حَقِيقَتِهَا وَمَنْ تَصِحُّ منه وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ في حَقِيقَتِهَا وَهَذَا سَقَطَ من نُسْخَةٍ وَلَا بُدَّ منه لِقَوْلِهِ بَعْدَ الطَّرَفِ الثَّانِي فِيمَنْ تَصِحُّ رِدَّتُهُ وَهِيَ قَطْعُ الْإِسْلَامِ إمَّا بِتَعَمُّدِ فِعْلٍ وَلَوْ بِقَلْبِهِ اسْتِهْزَاءً أو جُحُودًا كَسُجُودٍ لِصَنَمٍ وَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ أو نَحْوِهِ كَكُتُبِ الحديث في قَذِرٍ
____________________
(4/116)
اسْتِخْفَافًا أَيْ على وَجْهٍ يَدُلُّ على الِاسْتِخْفَافِ بِهِمَا وَكَأَنَّهُ احْتَرَزَ بِهِ في الْأُولَى عَمَّا لو سَجَدَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَا يَكْفُرُ كما نَقَلَهُ الْقَاضِي عن النَّصِّ وَإِنْ زَعَمَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ الْمَشْهُورَ خِلَافُهُ وفي الثَّانِيَةِ عَمَّا لو أَلْقَاهُ في قَذِرٍ خِيفَةَ أَخْذِ الْكُفَّارِ له إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِهِ وَإِنْ حَرُمَ عليه وَسِحْرٍ فيه عِبَادَةُ الشَّمْسِ وَنَحْوِهَا كَالْمَشْيِ إلَى الْكَنَائِسِ مع أَهْلِهَا بِزِيِّهِمْ من الزَّنَانِيرِ وَغَيْرِهَا كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَأَمَّا بِقَوْلِ كُفْرٍ صَدَرَ عن اعْتِقَادٍ أو عِنَادٍ أو اسْتِهْزَاءٍ بِخِلَافِ ما لو اقْتَرَنَ بِهِ ما يُخْرِجُهُ عن الرِّدَّةِ كَاجْتِهَادٍ أو سَبْقِ لِسَانٍ أو حِكَايَةٍ أو خَوْفٍ
فَمَنْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ بَعْدَ كُفْرٍ أَيْ فَمَنْ اعْتَقَدَ قِدَمَ الْعَالَمِ بِفَتْحِ اللَّامِ وهو ما سِوَى اللَّهِ تَعَالَى وَحُدُوثَ وفي نُسْخَةٍ أو حُدُوثَ الصَّانِعِ الْمَأْخُوذِ من قَوْله تَعَالَى صُنْعَ اللَّهِ أو جَحَدَ جَوَازَ بَعْثَةِ الرُّسُلِ أو نَفَى ما هو ثَابِتٌ لِلْقَدِيمِ بِالْإِجْمَاعِ كَكَوْنِهِ عَالِمًا قَادِرًا أو أَثْبَتَ ما هو مَنْفِيٌّ عنه بِالْإِجْمَاعِ كَالْأَلْوَانِ كما صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ وَأَوْرَدَ في الْمُهِمَّاتِ على الْأَخِيرِ أَنَّ الْمُجَسِّمَةَ مُلْتَزِمُونَ بِالْأَلْوَانِ مع أَنَّا لَا نُكَفِّرُهُمْ على الْمَشْهُورِ كما سَيَأْتِي في الشَّهَادَاتِ قال لَكِنْ في شَرْحِ الْمُهَذَّبِ في صِفَةِ الْأَئِمَّةِ الْجَزْمُ بِتَكْفِيرِهِمْ
أو كَذَّبَ نَبِيًّا في نُبُوَّتِهِ أو غَيْرِهَا أو جَحَدَ آيَةً من الْمُصْحَفِ مُجْمَعًا عليها أَيْ على ثُبُوتِهَا أو زَادَ فيه كَلِمَةً مُعْتَقِدًا أنها منه أو اسْتَخَفَّ بِنَبِيٍّ بِسَبٍّ أو غَيْرِهِ أو سُنَّةٍ كَأَنْ قِيلَ له قَلِّمْ أَظْفَارَك فإنه سُنَّةٌ فقال لَا أَفْعَلُ وَإِنْ كان سُنَّةً
أو أَنْكَرَ الْوُجُوبَ أو التَّحْلِيلَ الصَّادِقَ بِالْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ أو تَحْرِيمَ الْمُجْمَعِ عليه الْمَعْلُومِ من الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَإِنْ لم يَكُنْ فيه نَصٌّ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَتَحْلِيلِ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَتَحْرِيمِ شُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا بِخِلَافِ ما لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ وَإِنْ كان فيه نَصٌّ كَاسْتِحْقَاقِ بِنْتِ الِابْنِ السُّدُسَ مع بِنْتِ الصُّلْبِ وَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ فَلَا يَكْفُرُ مُنْكِرُهُ لِلْعُذْرِ بَلْ يَعْرِفُ الصَّوَابَ لِيَعْتَقِدَهُ وفي هذا كَلَامٌ لِلْمُصَنِّفِ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ ذَكَرْته مع الْجَوَابِ عنه في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَلَوْ حَذَفَ أَلْ من الْوُجُوبِ وَالتَّحْلِيلِ لِيَكُونَا مُضَافِينَ لِمِثْلِ ما أُضِيفَ له تَحْرِيمٌ كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ وَأَنْسَبَ بِكَلَامِ أَصْلِهِ أو أَنْكَرَ رَكْعَةً من الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ هذا دَاخِلٌ في إنْكَارِ الْوُجُوبِ
أو اعْتَقَدَ وُجُوبَ ما ليس بِوَاجِبٍ بِالْإِجْمَاعِ كَأَنْ زَعَمَ زِيَادَةَ صَلَاةٍ سَادِسَةٍ أو وُجُوبَ صَوْمِ شَوَّالٍ أو قَذَفَ عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِبَرَاءَتِهَا بِخِلَافِ سَائِرِ زَوْجَاتِهِ
____________________
(4/117)
أو ادَّعَى نُبُوَّةً بَعْدَ نَبِيِّنَا عليه السَّلَامُ أو صَدَّقَ مُدَّعِيهَا أو كَفَّرَ مُسْلِمًا وَلَوْ لِذَنْبِهِ وَقَوْلُهُ لِذَنْبِهِ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ تَرَكَهُ كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ وَإِنَّمَا كَفَرَ مُكَفِّرَهُ لِأَنَّهُ سَمَّى الْإِسْلَامَ كُفْرًا وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ من دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ أو قال عَدُوَّ اللَّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَّا حَارَ عليه أَيْ رَجَعَ عليه هذا إنْ كَفَّرَهُ بِلَا تَأْوِيلٍ لِلْكُفْرِ بِكُفْرِ النِّعْمَةِ أو نَحْوِهِ وَإِلَّا فَلَا يَكْفُرُ وَهَذَا ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ وَالْأَوْجَهُ ما قَالَهُ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ الْخَبَرَ مَحْمُولٌ على الْمُسْتَحِلِّ فَلَا يَكْفُرُ غَيْرُهُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ في أَذْكَارِهِ إنَّ ذلك يَحْرُمُ تَحْرِيمًا مُغَلَّظًا
أو عَزَمَ على الْكُفْرِ أو عَلَّقَهُ بِشَيْءٍ كَقَوْلِهِ إنْ هَلَكَ مَالِي أو وَلَدِي تَهَوَّدْت أو تَنَصَّرْت أو تَرَدَّدَ هل يَكْفُرُ أو لَا لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْإِيمَانِ وَاجِبَةٌ فإذا تَرَكَهَا كَفَرَ وَبِهَذَا فَارَقَ عَدَمَ تَفْسِيقِ الْعَدْلِ بِعَزْمِهِ على فِعْلِ كَبِيرَةٍ أو تَرَدُّدِهِ فيه أو رضي بِالْكُفْرِ كَأَنْ أَمَرَ مُسْلِمًا بِهِ أو الْأَوْلَى وَالْأَنْسَبُ بِالْأَصْلِ كَأَنْ أَشَارَ بِهِ على مُسْلِمٍ أو على كَافِرٍ أَرَادَ الْإِسْلَامَ بِأَنْ أَشَارَ عليه بِاسْتِمْرَارِهِ على كُفْرِهِ أو لم يُلَقِّنْ الْإِسْلَامَ طَالِبَهُ منه أو امْتَهَلَ أَيْ اسْتَمْهَلَ منه تَلْقِينَهُ كَأَنْ قال له اصْبِرْ سَاعَةً لِأَنَّهُ اخْتَارَ الْكُفْرَ على الْإِسْلَامِ وَهَذَا كُلُّهُ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ وَنَقَلَهُ عنه النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ ما عَدَا إشَارَتَهُ بِهِ على مُسْلِمٍ لَكِنَّهُ قال وما قَالَهُ إفْرَاطٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً عَظِيمَةً قال الْأَذْرَعِيُّ وَالتَّصْوِيبُ ظَاهِرٌ فِيمَا عَدَا إشَارَتَهُ عليه بِأَنْ لَا يُسْلِمَ وقال الزَّرْكَشِيُّ بَلْ الصَّوَابُ ما قَالَهُ الْمُتَوَلِّي
أو سَخِرَ بِاسْمِ اللَّهِ أو بِأَمْرِهِ أو وَعْدِهِ أو وَعِيدِهِ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ أو بِاسْمِ رَسُولِهِ أو قال لو أَمَرَنِي اللَّهُ أو رَسُولُهُ بِكَذَا لم أَفْعَلْ وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ حُكْمِ اسْمِ رَسُولِهِ من زِيَادَتِهِ أو لو جَعَلَ الْقِبْلَةَ هُنَا لم أُصَلِّ إلَيْهَا قال الْأَذْرَعِيُّ وَمَحَلُّهُ إذَا قَالَهُ اسْتِحْفَافًا أو اسْتِغْنَاءً لَا إنْ أَطْلَقَ أو لو اتَّخَذَ اللَّهُ فُلَانًا نَبِيًّا لم أُصَدِّقْهُ وَلَوْ أَيْ أو لو أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيَّ الصَّلَاةَ مع حَالِي هذا أَيْ من مَرَضٍ وَشِدَّةٍ لَظَلَمَنِي أو قال الْمَظْلُومُ هذا بِتَقْدِيرِ اللَّهِ فقال الظَّالِمُ أنا أَفْعَلُ بِغَيْرِ تَقْدِيرِهِ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ أو لو شَهِدَ عِنْدِي نَبِيٌّ بِكَذَا أو مَلَكٌ لم أَقْبَلْهُ أو قال إنَّ اللَّهَ جَلَسَ لِلْإِنْصَافِ أو قام لِلْإِنْصَافِ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وكان الْمُصَنِّفُ تَرَكَهُ لِأَنَّ قَائِلَهُ مُجَسِّمٌ وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ تَكْفِيرِهِ
أو إنْ كان ما قَالَهُ الْأَنْبِيَاءُ صِدْقًا نَجَوْنَا أو لَا أَدْرِي النبي إنْسِيٌّ أو جِنِّيٌّ أو قال إنَّهُ جِنٌّ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ أو لَا أَدْرِي ما الْإِيمَانُ احْتِقَارًا أو صَغَّرَ عُضْوًا منه أَيْ من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم احْتِقَارًا أو صَغَّرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى هذا أَخَذَهُ من قَوْلِ الْأَصْلِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ نَادَى رَجُلًا اسْمَهُ عَبْدَ اللَّهِ وَأَدْخَلَ في آخِرِهِ حَرْفَ الْكَافِ الذي تَدْخُلُ التَّصْغِيرَ بِالْعَجَمِيَّةِ فَقِيلَ يَكْفُرُ وَقِيلَ إنْ تَعَمَّدَ التَّصْغِيرَ كَفَرَ وَإِنْ لم يَقْصِدْ أو جَهِلَ ما يقول فَلَا فَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَعَلَيْهِ جَرَى صَاحِبُ الْأَنْوَارِ
أو قال لِمَنْ حَوْقَلَ لَا حَوْلَ لَا يُغْنِي من جُوعٍ أو كَذَّبَ الْمُؤَذِّنَ في أَذَانِهِ كَأَنْ قال له تَكْذِبُ أو سَمَّى اللَّهَ على شُرْبِ خَمْرٍ أو على زِنًا اسْتِخْفَافًا بِاسْمِهِ تَعَالَى أو قال لَا أَخَافُ الْقِيَامَةَ قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ هذا إذَا قَصَدَ الِاسْتِخْفَافَ وَإِلَّا فَلَا يَكْفُرُ وَيُحْمَلُ الْإِطْلَاقُ على قُوَّةِ رَجَائِهِ وَسَعَةِ غُفْرَانِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ أو قال قَصْعَةٌ من ثَرِيدٍ خَيْرٌ من الْعِلْمِ أو قال لِمَنْ قال أَوْدَعْت اللَّهَ مَالِي أَوْدَعْته من لَا يَتْبَعُ السَّارِقَ إذَا سَرَقَ وَقَيَّدَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِمَا قَيَّدَ بِهِ ما تَقَدَّمَ آنِفًا وَيُحْمَلُ الْإِطْلَاقُ على سِتْرِ اللَّهِ إيَّاهُ وَنَحْوِهِ
أو قال تَوَفَّنِي إنْ شِئْت مُسْلِمًا أو كَافِرًا أو قال أَخَذْت مَالِي وَوَلَدِي فما تَصْنَعُ أَيْضًا أو مَاذَا بَقِيَ لم تَفْعَلْهُ أو قال الْمُعَلِّمُ لِلصِّبْيَانِ مَثَلًا الْيَهُودُ خَيْرٌ من الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ يُنْصِفُونَ مُعَلِّمِي صِبْيَانِهِمْ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْحَنَفِيَّةِ وَارْتَضَاهُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ مُوَافَقَةِ أَئِمَّتِنَا لهم فيه لِأَنَّ الْمُعَلِّمَ لم يَقْصِدْ الْخَيْرَ الْمُطْلَقَ بَلْ في الْإِحْسَانِ لِلْمُعَلِّمِ وَمُرَاعَاتِهِ أو أَعْطَى من أَسْلَمَ مَالًا فقال مُسْلِمٌ لَيْتَنِي كُنْت كَافِرًا فَأُسْلِمُ فَأُعْطَى مَالًا أو أَنْكَرَ شَخْصٌ صُحْبَةَ أبي بَكْرٍ رضي اللَّهُ عنه لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَصَّ عليها بِقَوْلِهِ إذْ يقول لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنَا بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أو قِيلَ أَلَسْت مُسْلِمًا فقال لَا عَمْدًا أو نُودِيَ
____________________
(4/118)
يا يَهُودِيُّ أو نَحْوُهُ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ لَبَّيْكَ أو نَحْوِهِ قال في الرَّوْضَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ إذَا لم يَنْوِ شيئا وقال الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ إذَا لم يَنْوِ غير إجَابَةِ الدَّاعِي
أو قال كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَسْوَدَ أو أَمْرَدَ أو غير قُرَشِيٍّ لِأَنَّ وَصْفَهُ بِغَيْرِ صِفَتِهِ نَفْيٌ له وَتَكْذِيبٌ بِهِ أو قال النُّبُوَّةُ مُكْتَسَبَةٌ أو تُنَالُ رُتْبَتُهَا بِصَفَاءِ الْقُلُوبِ أو أُوحِيَ إلَيَّ وَإِنْ لم يَدَّعِ النُّبُوَّةَ أو قال إنِّي دَخَلْت الْجَنَّةَ فَأَكَلْت من ثِمَارِهَا وَعَانَقْت حَوَرَهَا عَبَّرَ في الرَّوْضَةِ بَدَلَ الْمَاضِي في الْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ بِالْمُضَارِعِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ أو شَكَّ في تَكْفِيرِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ أو لم يُكَفِّرْ من دَانَ بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ كَالنَّصَارَى أو شَكَّ في كُفْرِهِمْ أو صَحَّحَ مَذْهَبَهُمْ فَعِبَارَتُهُ أَعَمُّ من عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ مع زِيَادَةِ حُكْمٍ وفي تَكْفِيرِ طَائِفَةِ ابْنِ عَرَبِيٍّ الَّذِينَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عِنْدَ غَيْرِهِمْ الِاتِّحَادُ وَغَيْرُهُ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وهو بِحَسَبِ ما فَهِمَهُ كَبَعْضِهِمْ من ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ وَالْحَقُّ أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ أَخْيَارٌ وَكَلَامُهُمْ جَارٍ على اصْطِلَاحِهِمْ كَسَائِرِ الصُّوفِيَّةِ وهو حَقِيقَةٌ عِنْدَهُمْ في مُرَادِهِمْ وَإِنْ افْتَقَرَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لو اعْتَقَدَ ظَاهِرَهُ عِنْدَهُ كَفَرَ إلَى تَأْوِيلٍ إذْ اللَّفْظُ الْمُصْطَلَحُ عليه حَقِيقَةٌ في مَعْنَاهُ الِاصْطِلَاحِيِّ مَجَازٌ في غَيْرِهِ فَالْمُعْتَقِدُ منهم لِمَعْنَاهُ مُعْتَقِدٌ لِمَعْنًى صَحِيحٍ وقد نَصَّ على وِلَايَةِ ابْنِ عَرَبِي جَمَاعَةٌ عُلَمَاءُ عَارِفُونَ بِاَللَّهِ منهم الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ بن عَطَاءِ اللَّهِ وَالشَّيْخُ عبد اللَّهِ الْيَافِعِيُّ وَلَا يَقْدَحُ فيه وفي طَائِفَتِهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْمَذْكُورِ عِنْدَ غَيْرِ الصُّوفِيَّةِ لِمَا قُلْنَاهُ وَلِأَنَّهُ قد يَصْدُرُ عن الْعَارِفِ بِاَللَّهِ إذَا اسْتَغْرَقَ في بَحْرِ التَّوْحِيدِ وَالْعِرْفَانِ بِحَيْثُ تَضْمَحِلُّ ذَاتُهُ في ذَاتِهِ وَصِفَاتُهُ في صِفَاتِهِ وَيَغِيبُ عن كل ما سِوَاهُ عِبَارَاتٌ تُشْعِرُ بِالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ لِقُصُورِ الْعِبَارَةِ عن بَيَانِ حَالِهِ الذي تَرَقَّى إلَيْهِ وَلَيْسَتْ في شَيْءٍ مِنْهُمَا كما قَالَهُ الْعَلَّامَةُ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ وَغَيْرُهُ أو ضَلَّلَ الْأُمَّةَ أَيْ نَسَبَهُمْ إلَى الضَّلَالِ أو كَفَّرَ الصَّحَابَةَ بِأَنْ نَسَبَهُمْ إلَى الْكُفْرِ أو أَنْكَرَ إعْجَازَ الْقُرْآنِ أو غَيَّرَ شيئا منه كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو أَنْكَرَ مَكَّةَ أو الْبَيْتَ أو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كما صَرَّحَ بِهِمَا في الرَّوْضَةِ أو شَكَّ فيها بِأَنْ قال لَا أَدْرِي أَنَّ هذه الْمُسَمَّاةَ بِمَكَّةَ هِيَ مَكَّةُ أو غَيْرُهَا أو أَنْكَرَ الدَّلَالَةَ على اللَّهِ في خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِأَنْ قال ليس في خَلْقِهِمَا دَلَالَةٌ عليه تَعَالَى أو أَنْكَرَ الْبَعْثَ لِلْمَوْتَى من قُبُورِهِمْ بِأَنْ يَجْمَعَ أَجْزَاءَهُمْ الْأَصْلِيَّةَ وَيُعِيدَ الْأَرْوَاحَ إلَيْهَا أو الْجَنَّةَ أو النَّارَ أو الْحِسَابَ أو الثَّوَابَ أو الْعِقَابَ كما صَرَّحَ بها في الرَّوْضَةِ
أو أَقَرَّ بها لَكِنْ قال الْمُرَادُ بها غَيْرُ مَعَانِيهَا أو قال الْأَئِمَّةُ أَفْضَلُ من الْأَنْبِيَاءِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ كَفَرَ بِجَمِيعِ ما ذُكِرَ كما تَقَرَّرَ لِمُخَالَفَةِ ما نَصَّ عليه الشَّارِعُ صَرِيحًا في بَعْضِهَا وما أَجْمَعَ عليه في الْبَاقِي هذا إنْ عَلِمَ مَعْنَى ما قَالَهُ لَا إنْ جَهِلَ ذلك لِقُرْبِ إسْلَامِهِ أو بُعْدِهِ عن الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَكْفُرُ لِعُذْرِهِ وَلَا إنْ قال مُسْلِمٌ لِمُسْلِمٍ سَلَبَهُ اللَّهُ الْإِيمَانَ أو لِكَافِرٍ لَا رَزَقَهُ اللَّهُ الْإِيمَانَ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ دُعَاءٍ عليه بِتَشْدِيدِ الْأَمْرِ وَالْعُقُوبَةِ عليه وَلَا إنْ دخل دَارَ الْحَرْبِ وَشَرِبَ مَعَهُمْ الْخَمْرَ وَأَكَلَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَلَا إنْ قال الطَّالِبُ لِيَمِينِ خَصْمِهِ وقد أَرَادَ الْخَصْمُ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا أُرِيدُ الْحَلِفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى بَلْ بِالطَّلَاقِ أو الْعَتَاقِ وَلَا إنْ قال رُؤْيَتِي إيَّاكَ كَرُؤْيَةِ مَلَكِ الْمَوْتِ وَلَا إنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ على ضَرْبِ الدُّفِّ أو الْقَصَبِ أو قِيلَ له تَعْلَمُ الْغَيْبَ فقال نعم أو خَرَجَ لِسَفَرٍ فَصَاحَ الْعَقْعَقُ فَرَجَعَ
وَلَا إنْ صلى بِغَيْرِ وُضُوءٍ مُتَعَمِّدًا أو بِنَجَسٍ أو إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ ولم يَسْتَحِلَّ ذلك وَلَا إنْ تَمَنَّى حِلَّ ما كان حَلَالًا في زَمَنٍ قبل تَحْرِيمِهِ كَأَنْ تَمَنَّى أَنْ لَا يُحَرِّمَ اللَّهُ الْخَمْرَ أو الْمُنَاكَحَةَ بين الْأَخِ وَالْأُخْتِ أو الظُّلْمَ أو الزِّنَا أو قَتْلَ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا إنْ شَدَّ الزُّنَّارَ على وَسَطِهِ أو وَضَعَ قَلَنْسُوَةِ الْمَجُوسِ على رَأْسِهِ أو شَدَّ على وَسَطِهِ زُنَّارًا وَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ لِلتِّجَارَةِ أو لِيُخَلِّصَ الْأُسَارَى وَلَا إنْ قال النَّصْرَانِيَّةُ خَيْرٌ من الْمَجُوسِيَّةِ أو الْمَجُوسِيَّةُ شَرٌّ من النَّصْرَانِيَّةِ وَلَا إنْ قال لو أَعْطَانِي اللَّهُ الْجَنَّةَ ما دَخَلْتهَا صَرَّحَ بِذَلِكَ كُلِّهِ في الرَّوْضَةِ مع الْأَصْلِ في بَعْضِهِ لَكِنْ رَجَّحَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ في الْأَخِيرَةِ أَنَّهُ يَكْفُرُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَمَحَلُّهُ إذَا قَالَهُ اسْتِخْفَافًا أو اسْتِغْنَاءً لَا إنْ أَطْلَقَ
وقال الْإِسْنَوِيُّ في مَسْأَلَةِ من صلى بِنَجَسٍ ما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ من كُفْرِ من اسْتَحَلَّ الصَّلَاةَ بِالنَّجَسِ مَمْنُوعٌ فإنه ليس مُجْمَعًا على تَحْرِيمِهَا بَلْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ من الْعُلَمَاءِ إلَى الْجَوَازِ كما ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ وفي الرَّوْضَةِ أَيْضًا عن الْقَاضِي عِيَاضٍ أَنَّهُ لو شُفِيَ مَرِيضٌ ثُمَّ قال لَقِيت في مَرَضِي هذا ما لو قَتَلْت أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما لم أَسْتَوْجِبْهُ فقال بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَكْفُرُ وَيُقْتَلُ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ النِّسْبَةَ إلَى الْجَوْرِ وقال
____________________
(4/119)
آخَرُونَ لَا يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ وَيُسْتَتَابُ وَيُعَزَّرُ
انْتَهَى
وقال الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ وَفِيهَا أَيْضًا لو قال فُلَانٌ في عَيْنَيْ كَالْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ في عَيْنِ اللَّهِ أو بين يَدَيْ اللَّهِ فَمِنْهُمْ من قال كَفَرَ وَمِنْهُمْ من قال إنْ أَرَادَ الْجَارِحَةَ كَفَرَ وَإِلَّا فَلَا قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ ظَهَرَ منه ما يَدُلُّ على التَّجْسِيمِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّا لَا نُكَفِّرُ الْمُجَسِّمَةَ
الطَّرَفُ الثَّانِي فِيمَنْ تَصِحُّ رِدَّتُهُ وَمَنْ لَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ وَلَا تَصِحُّ الرِّدَّةُ إلَّا من مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ فَلَا تَصِحُّ من مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ وَمُكْرَهٍ كَسَائِرِ الْعُقُودِ فَإِنْ ارْتَدَّ ثُمَّ جُنَّ أُمْهِلَ بِالْقَتْلِ لِأَنَّهُ قد يَعْقِلُ وَيَعُودُ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ قَتَلَ مَجْنُونًا فَهَدْرٌ وَإِنْ فَوَّتَ قَاتِلُهُ الِاسْتِتَابَةَ الْوَاجِبَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَزَّرَ لِذَلِكَ
وَإِنْ ثَبَتَ زِنَاهُ بِبَيِّنَةٍ لَا بِإِقْرَارٍ أو أَقَرَّ بِقَذْفٍ أو قِصَاصٍ ثُمَّ جُنَّ اسْتَوْفَى منه في حَالِ جُنُونِهِ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِرُجُوعِهِ بِخِلَافِ ما لو ثَبَتَ زِنَاهُ بِإِقْرَارِهِ ثُمَّ جُنَّ لَا يُسْتَوْفَى منه حِينَئِذٍ احْتِيَاطًا فَلَوْ اسْتَوْفَى منه حِينَئِذٍ لم يَجِبْ فيه شَيْءٌ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَبِخِلَافِ صُورَةِ الرِّدَّةِ كما مَرَّ لِأَنَّ الِاسْتِتَابَةَ فيها وَاجِبَةٌ
وَتَصِحُّ رِدَّةُ السَّكْرَانِ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ وفي صِحَّةِ اسْتِتَابَتِهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نعم كما تَصِحُّ رِدَّتُهُ لَكِنْ يُنْدَبُ تَأْخِيرُهَا إلَى الْإِفَاقَةِ خُرُوجًا من خِلَافِ من قال بِعَدَمِ صِحَّةِ تَوْبَتِهِ وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ لَا تَزُولُ في تِلْكَ الْحَالَةِ وَالْجُمْهُورُ على الْأَوَّلِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن النَّصِّ وقال الْعِمْرَانِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ وَالْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ وَيُمْهَلُ بِالْقَتْلِ احْتِيَاطًا لَا وُجُوبًا كما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَالْبَغَوِيُّ في تَلْعِيقِهِ حتى يُفِيقَ فَيُعْرَضَ عليه الْإِسْلَامُ
وَيَصِحُّ إسْلَامُهُ في السُّكْرِ وَلَوْ ارْتَدَّ صَاحِيًا أو لم يُسْتَتَبْ وَيَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ بَعْدَ إسْلَامِهِ بِنَاءً على صِحَّةِ إسْلَامِهِ وإذا قَامَتْ بَيِّنَةُ الرِّدَّةِ قُبِلَتْ وَإِنْ لم تُفَصَّلْ شَهَادَتُهَا لِأَنَّ الرِّدَّةَ لِخَطَرِهَا لَا يُقَدَّمُ الشَّاهِدُ بها إلَّا على بَصِيرَةٍ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ كَالْمُحَرَّرِ وقال الرَّافِعِيُّ عن الْإِمَامِ إنَّهُ الظَّاهِرُ وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْقَفَّالُ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَكَثِيرٌ وُجُوبُ التَّفْصِيلِ وهو الْأَوْجَهُ لِاخْتِلَافِ الناس فِيمَا يُوجِبُهَا وَكَمَا في الشَّهَادَةِ بِالْجُرْحِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَبِنَحْوِهِ أَجَابَ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ في بَابِ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ منهم السُّبْكِيُّ وقال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّهُ الْمَذْهَبُ الذي يَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ وقال الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الْمَعْرُوفُ عَقْلًا وَنَقْلًا وَأَطَالَ في بَيَانِهِ قال وما نُقِلَ عن الْإِمَامِ بَحْثٌ له
وَإِنْ ادَّعَى الْإِكْرَاهَ على الرِّدَّةِ وقد
____________________
(4/120)
شَهِدَ عليه شَاهِدَانِ وكانت شَهَادَتُهُمَا بِالرِّدَّةِ لم يُصَدَّقْ وَلَوْ بِيَمِينِهِ لِتَكْذِيبِهِ الشُّهُودَ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ لَا يَكُونُ مُرْتَدًّا قال الرَّافِعِيُّ وَلَيْسَ ذلك كما لو شَهِدَ شُهُودٌ بِإِقْرَارِهِ بِالزِّنَا وَأَنْكَرَ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالزِّنَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ فَيُجْعَلُ إنْكَارُهُ رُجُوعًا وَلَا يَسْقُطُ الْقَتْلُ عن الْمُرْتَدِّ بِقَوْلِهِ رَجَعْت فَلَا يُقْبَلُ إنْكَارُهُ وَتَكْذِيبُهُ قال في الْمُهِمَّاتِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ إذَا قال كَذَبَا عَلَيَّ أو لم أَزْنِ لَكِنَّهُ صَحَّحَ في بَابِ الزِّنَا أَنَّهُ يُحَدُّ في الْأُولَى قال الْأَذْرَعِيُّ في اقْتِضَاءِ كَلَامِهِ لِذَلِكَ في الْأُولَى نَظَرٌ لِأَنَّ الْإِنْكَارَ دُونَ التَّكْذِيبِ الصَّرِيحِ إلَّا إنْ كان ثَمَّ قَرِينَةٌ تُصَدِّقُهُ في دَعْوَاهُ كَأَسْرِ كُفَّارٍ له وَنَحْوِهِ فَيُصَدَّقُ في دَعْوَاهُ بِيَمِينِهِ وَحَلَفَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مُخْتَارًا وَلَا حَاجَةَ مع ذِكْرِهِ الْكَافَ إلَى قَوْلِهِ وَنَحْوِهِ أو كانت شَهَادَتُهُمَا بِأَنَّهُ سَجَدَ لِصَنَمٍ أو تَكَلَّمَ بِكُفْرٍ وَادَّعَى هو الْإِكْرَاهَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ قَرِينَةٌ لِأَنَّهُ لم يُكَذِّبْ الشُّهُودَ وَيُجَدِّدُ نَدْبًا كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ فَإِنْ قُتِلَ قبل الْيَمِينِ فَهَلْ يَضْمَنُ لِأَنَّ الرِّدَّةَ لم تَثْبُتْ أَوَّلًا لِأَنَّ لَفْظَ الرِّدَّةِ وُجِدَ وَالْأَصْلُ الِاخْتِيَارُ قَوْلَانِ أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ وَادَّعَى الْإِكْرَاهَ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا قَبْلَهُ وَاسْتَشْكَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْوِيرَ هذه الشَّهَادَةِ بِأَنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَ تَفْصِيلُهَا فَمِنْ الشَّرَائِطِ الِاخْتِيَارُ فَدَعْوَى الْإِكْرَاهِ تَكْذِيبٌ لِلشَّاهِدِ أَوَّلًا فَالِاكْتِفَاءُ بِالْإِطْلَاقِ إنَّمَا هو فِيمَا إذَا شَهِدَ بِالرِّدَّةِ لِتَضَمُّنِهِ حُصُولَ الشَّرَائِطِ أَمَّا إذَا قال إنَّهُ تَكَلَّمَ بِكَذَا فَيَبْعُدُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ وَيَقْنَعَ بِأَنَّ الْأَصْلَ الِاخْتِيَارُ لِاعْتِضَادِهِ بِسُكُوتِ الْمَشْهُودِ عليه مع قُدْرَتِهِ على الدَّفْعِ قال في الْأَصْلِ وَفِيمَا ذَكَرْنَا دَلَالَةٌ على أَنَّهُمَا لو شَهِدَا بِرِدَّةِ أَسِيرٍ ولم يَدَّعِ إكْرَاهًا حُكِمَ بِرِدَّتِهِ وَيُؤَيِّدُهُ ما حُكِيَ عن الْقَفَّالِ أَنَّهُ لو ارْتَدَّ أَسِيرٌ مع الْكُفَّارِ ثُمَّ أَحَاطَ بِهِمْ الْمُسْلِمُونَ فَاطَّلَعَ من الْحِصْنِ وقال أنا مُسْلِمٌ وَإِنَّمَا تَشَبَّهْت بِهِمْ خَوْفًا قُبِلَ قَوْلُهُ وَإِنْ لم يَدَّعِ ذلك وَمَاتَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ارْتَدَّ طَائِعًا
وَعَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمَا لو شَهِدَا بِتَلَفُّظِ رَجُلٍ بِالْكُفْرِ وهو مَحْبُوسٌ أو مُقَيَّدٌ لم يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ وَإِنْ لم يَتَعَرَّضَا لِإِكْرَاهٍ وفي التَّهْذِيبِ أَنَّ من دخل دَارَ الْحَرْبِ فَسَجَدَ لِصَنَمٍ أو تَلَفَّظَ بِكُفْرٍ ثُمَّ ادَّعَى إكْرَاهًا فَإِنْ فَعَلَهُ في خَلْوَةٍ لم يُقْبَلْ أو بين أَيْدِيهِمْ وهو أَسِيرٌ قُبِلَ قَوْلُهُ أو تَاجِرٌ فَلَا
انْتَهَى
وإذا قال مُسْلِمٌ مَاتَ أبي مُرْتَدًّا اسْتُفْصِلَ فَإِنْ ذَكَرَ كُفْرًا كَسُجُودٍ لِصَنَمٍ لم يَرِثْهُ وكان وفي نُسْخَةٍ وَصَارَ نَصِيبُهُ فَيْئًا لِبَيْتِ الْمَالِ وَإِلَّا بِأَنْ ذَكَرَ غير كُفْرٍ كَأَكْلِ لَحْمِ خِنْزِيرٍ أو شُرْبِ خَمْرٍ وَرِثَهُ لِتَبَيُّنِ خَطَئِهِ بِتَفْسِيرِهِ وَإِنْ لم يذكر شيئا وُقِفَ الْأَمْرُ كما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عن الْعِرَاقِيِّينَ وَرَجَّحَهُ وَوَقَعَ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ تَصْحِيحُ أَنَّ نَصِيبَهُ فَيْءٌ وَإِنْ لم يذكر كُفْرًا لِإِقْرَارِهِ بِكُفْرِ أبيه وَالْأَوَّلُ هو الْمُلَائِمُ لِاشْتِرَاطِ التَّفْصِيلِ في الشَّهَادَةِ
فَرْعٌ لو أُكْرِهَ أَسِيرٌ أو غَيْرُهُ على الْكُفْرِ بِبِلَادِ الْحَرْبِ لم يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ كما مَرَّ فَإِنْ مَاتَ هُنَاكَ وَرِثَهُ وَارِثُهُ الْمُسْلِمُ فَإِنْ قَدِمَ عَلَيْنَا عُرِضَ عليه الْإِسْلَامُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كان مُخْتَارًا قال ابن كَجٍّ وَمَحَلُّهُ إذَا كان مُعْرِضًا عن الْجَمَاعَاتِ وَالطَّاعَاتِ وَإِلَّا فَلَا عَرْضَ اسْتِحْبَابًا لَا وُجُوبًا كما لو أُكْرِهَ على الْكُفْرِ بِدَارِنَا فَإِنْ امْتَنَعَ من الْإِسْلَامِ بَعْدَ عَرْضِهِ عليه حَكَمْنَا بِكُفْرِهِ من حِينِ كُفْرِهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ يَدُلُّ على أَنَّهُ كان كَافِرًا من حِينَئِذٍ فَلَوْ مَاتَ قبل الْعَرْضِ وَالتَّلَفُّظِ بِالْإِسْلَامِ فَهُوَ مُسْلِمٌ كما لو مَاتَ قبل قُدُومِهِ عَلَيْنَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَلَوْ ارْتَدَّ أَسِيرٌ مُخْتَارًا ثُمَّ صلى في دَارِ الْحَرْبِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ لَا إنْ صلى في دَارِنَا
____________________
(4/121)
لِأَنَّ صَلَاتَهُ في دَارِنَا قد تَكُونُ تَقِيَّةً بِخِلَافِهَا في دَارِهِمْ لَا تَكُونُ إلَّا عن اعْتِقَادٍ صَحِيحٍ وَتَبِعَ في ذِكْرِهِ الْأَسِيرَ أَصْلَهُ وَلَهُ وَجْهٌ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ ليس بِقَيْدٍ بَلْ هو جَرْيٌ على الْغَالِبِ وَلِهَذَا لم يَذْكُرْهُ في إرْشَادِهِ كَالْأَكْثَرِ تَبَعًا لِلنَّصِّ وَلَوْ صلى حَرْبِيٌّ الْمُرَادُ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ وَلَوْ في دَارِهِمْ لم يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّ عَلَقَةَ الْإِسْلَامِ بَاقِيَةٌ فيه وَالْعَوْدُ أَهْوَنُ من الِابْتِدَاءِ فَسُومِحَ فيه إلَّا إنْ سمع تَشَهُّدَهُ في الصَّلَاةِ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ إسْلَامَهُ حِينَئِذٍ بِاللَّفْظِ وَالْكَلَامُ في خُصُوصِ الصَّلَاةِ الدَّالَّةِ بِالْقَرِينَةِ وَيُجَابُ بِأَنَّ فَائِدَةَ ذلك دَفْعُ إيهَامِ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلشَّهَادَةِ فيها لِاحْتِمَالِ الْحِكَايَةِ
الْبَابُ الثَّانِي في أَحْكَامِ الرِّدَّةِ لَا نَسْتَرِقُّ نَحْنُ مُرْتَدًّا لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الْإِسْلَامِ فيه وَيَجِبُ قَتْلُهُ إنْ لم يَتُبْ لِخَبَرِ من بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ وهو شَامِلٌ لِلْمَرْأَةِ وَغَيْرِهَا وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُقْتَلُ بِالزِّنَا بَعْدَ الْإِحْصَانِ فَكَذَلِكَ بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِيمَانِ كَالرَّجُلِ وَأَمَّا النَّهْيُ عن قَتْلِ النِّسَاءِ فَمَحْمُولٌ بِدَلِيلِ سِيَاقِ خَبَرِهِ على الْحَرْبِيَّاتِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا يُدْفَنُ الْمُرْتَدُّ في مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ لِخُرُوجِهِ بِالرِّدَّةِ عَنْهُمْ وَلَا في مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ لِمَا تَقَدَّمَ له من حُرْمَةِ الْإِسْلَامِ وَيَتَوَلَّاهُ أَيْ قَتْلَهُ الْحَاكِمُ وَلَوْ بِنَائِبِهِ بِضَرْبِ الرَّقَبَةِ لَا الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ أو غَيْرِهِ لِمَا فيه من الْمُثْلَةِ فَلَوْ تَوَلَّاهُ غَيْرُ الْحَاكِمِ أو الْحَاكِمُ بِغَيْرِ ضَرْبِ الرَّقَبَةِ عُزِّرَ وَسَيُصَرِّحُ بِالْأَوَّلِ وَيُسْتَتَابُ قبل قَتْلِهِ وُجُوبًا لَا اسْتِحْبَابًا لِأَنَّهُ كان مُحْتَرَمًا بِالْإِسْلَامِ وَرُبَّمَا عَرَضَتْ له شُبْهَةٌ فَتُزَالُ فَإِنْ لم يَتُبْ قُتِلَ كما مَرَّ وَالِاسْتِتَابَةُ تَكُونُ في الْحَالِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ السَّابِقِ وَلِأَنَّهُ حَدٌّ فَلَا يُؤَجَّلُ كَسَائِرِ الْحُدُودِ لَا ثَلَاثًا رُدَّ لِمَا قِيلَ إنَّهُ يُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِأَنَّهَا أَوَّلُ حَدِّ الْكَثْرَةِ وَآخَرُ حَدِّ الْقِلَّةِ وَلِأَنَّهُ قد تَعْرِضُ له شُبْهَةٌ فَاحْتُمِلَتْ له الثَّلَاثَةُ لِيَتَرَوَّى فيها قال في الْأَصْلِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لو قُتِلَ قبل الِاسْتِتَابَةِ لم يَجِبْ بِقَتْلِهِ شَيْءٌ أَيْ غير التَّعْزِيرِ وَإِنْ كان الْقَاتِلُ مُسِيئًا بِفِعْلِهِ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا مَرَّ في قَتْلِهِ في جُنُونِهِ
وَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ أَيْ إسْلَامُهُ وَلَوْ كان زِنْدِيقًا لَا يَتَنَاهَى خُبْثُهُ في عَقِيدَتِهِ أو تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لهم ما قد سَلَفَ وَلِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فإذا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ على اللَّهِ
وَيُعَزَّرُ إنْ تَكَرَّرَ منه الِارْتِدَادُ ثُمَّ أَسْلَمَ لِزِيَادَةِ تَهَاوُنِهِ بِالدِّينِ
وَيُعَزَّرُ الْمُسْتَبِدُّ أَيْ الْمُسْتَقِلُّ بِقَتْلِهِ وَإِنْ اشْتَغَلَ عنه الْإِمَامُ بِمَا هو أَهَمُّ منه لِافْتِيَاتِهِ عليه
وَلَوْ قَذَفَ نَبِيًّا من الْأَنْبِيَاءِ وَلَوْ تَعْرِيضًا ثُمَّ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ فَهَلْ يُتْرَكُ من الْعُقُوبَةِ لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ أَسْلَمَ أو يُقْتَلُ حَدًّا لِأَنَّ الْقَتْلَ حَدُّ قَذْفِ النبي وَحَدُّ الْقَذْفِ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ أو يُجْلَدُ ثَمَانِينَ لِأَنَّ الرِّدَّةَ ارْتَفَعَتْ بِإِسْلَامِهِ وَبَقِيَ جَلْدُهُ فيه ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حُكِيَ الْأَوَّلُ عن الْأُسْتَاذِ أبي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَرَجَّحَهُ الْغَزَالِيُّ في وَجِيزِهِ وَجَرَى عليه الْحَاوِي الصَّغِيرُ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ عن الْأَصْحَابِ وَالثَّانِي عن الشَّيْخِ أبي بَكْرٍ الْفَارِسِيِّ وَادَّعَى فيه الْإِجْمَاعَ وَوَافَقَهُ الْقَفَّالُ وَالثَّالِثُ عن الصَّيْدَلَانِيِّ فَعَلَيْهِ لو عَفَا وَاحِدٌ من بَنِي أَعْمَامِ النبي فَفِي سُقُوطِ حَدِّ الْقَذْفِ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا الْأَصْلُ في آخِرِ الْجِزْيَةِ وَصَوَّبَ أَنَّ من كَذَبَ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَمْدًا لَا يَكْفُرُ وَلَا يُقْتَلُ بَلْ يُعَزَّرُ قال وما رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا أتى قَوْمًا وَزَعَمَ أَنَّهُ رسول رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَكْرَمُوهُ فَأَمَرَ النبي بِقَتْلِهِ مَحْمُولٌ على أَنَّ الرَّجُلَ كان كَافِرًا
وَلَوْ سَأَلَ الْمُرْتَدُّ قبل الِاسْتِتَابَةِ أو بَعْدَهَا إزَالَةَ شُبْهَةٍ عَرَضَتْ له نُوظِرَ بَعْدَ إسْلَامِهِ لَا قَبْلَهُ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ لَا تَنْحَصِرُ فَحَقُّهُ أَنْ يُسْلِمَ ثُمَّ يَسْتَكْشِفَهَا من الْعُلَمَاءِ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وفي وَجْهٍ يُنَاظَرُ أَوَّلًا لِأَنَّ الْحُجَّةَ مُقَدَّمَةٌ على السَّيْفِ وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عن النَّصِّ وَاسْتَبْعَدَ الْخِلَافَ كَذَا في نُسَخِ الرَّافِعِيِّ الْمُعْتَمَدَةِ وهو الصَّوَابُ وَوَقَعَ في أَكْثَرِ نُسَخِ الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِنُسَخِ الرَّافِعِيِّ السَّقِيمَةِ عَكْسُ ذلك فَجُعِلَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ الْمُنَاظَرَةُ أَوَّلًا وَالْمَحْكِيُّ عن النَّصِّ عَدَمُهَا وَإِنْ شَكَا قبل الْمُنَاظَرَةِ جُوعًا وَقُلْنَا بِتَقْدِيمِهَا أو بِتَأْخِيرِهَا كما جَرَى هو عليه وَأَسْلَمَ بِأَنْ قال أنا جَائِعٌ فَأَطْعِمُونِي ثُمَّ نَاظِرُونِي أُطْعِمَ أَوَّلًا ثُمَّ نُوظِرَ
____________________
(4/122)
فَصْلٌ لو ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ وَهِيَ أَيْ الزَّوْجَةُ حَامِلٌ أو ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا قبل الْحَمْلِ فَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ بِالتَّبَعِيَّةِ وَلَوْ انْعَقَدَ بين الْمُرْتَدِّينَ فَلَهُ حُكْمُهُمَا فَيَكُونُ مُرْتَدًّا تَبَعًا لَهُمَا فَلَا يُسْتَرَقُّ وَلَا يُقْتَلُ حتى يَبْلُغَ فَيُسْتَتَابَ فَإِنْ أَصَرَّ قُتِلَ وَخَالَفَ الْبُلْقِينِيُّ فقال إنَّهُ مُسْلِمٌ كما صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَنُصُوصُ الشَّافِعِيِّ قَاضِيَةٌ بِهِ وَأَطَالَ في بَيَانِهِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الزَّرْكَشِيُّ أو بَيْن مُرْتَدٍّ وَكَافِرٍ أَصْلِيٍّ فَكَالْأَصْلِيِّ تَغْلِيبًا له لِأَنَّهُ يُقَرُّ على دِينِهِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ فَيُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ إنْ كان الْأَصْلِيُّ مِمَّنْ يُقَرُّ بها كَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مَجُوسِيٌّ وَالْآخَرُ وَثَنِيٌّ وَإِنْ كان كِتَابِيًّا فَالْوَلَدُ كِتَابِيٌّ
فَرْعٌ لو نَقَضَ ذِمِّيٌّ أو مُعَاهَدٌ عَهْدَهُ وَتَرَكَ وَلَدَهُ عِنْدَنَا لم يُنْقَضْ أَيْ الْعَهْدُ في حَقِّهِ فَلَا يُسْتَرَقُّ فَإِنْ بَلَغَ عَاقِلًا ولم يَقْبَلْ الْجِزْيَةَ بُلِّغَ الْمَأْمَنَ وَلَا يُجْبَرُ على قَبُولِهَا
فَصْلٌ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ وَتَمَلُّكُهُ بِاصْطِيَادٍ وَاحْتِطَابٍ وَنَحْوِهِمَا مَوْقُوفٌ كَبُضْعِ زَوْجَتِهِ سَوَاءٌ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَمْ لَا فَإِنْ أَسْلَمَ فَهُوَ له قَطْعًا أَيْ تَبَيُّنًا أَنَّ ما مَلَكَهُ بَاقٍ على مِلْكِهِ وَأَنَّ ما تَمَلَّكَهُ مَلَكَهُ يوم تَمَلَّكَهُ وَإِنْ قُلْنَا يَزُولُ مِلْكُهُ عنه بِالرِّدَّةِ على وَجْهٍ وَإِلَّا بِأَنْ مَاتَ مُرْتَدًّا بَانَ أَنَّ مِلْكَهُ فَيْءٌ وأن ما يَمْلِكُهُ في الرِّدَّةِ بِاحْتِطَابٍ أو غَيْرِهِ على الْإِبَاحَةِ وَيُنْفِقُ عليه وَعَلَى مُمَوِّنِهِ وَتُقْضَى دُيُونٌ لَزِمَتْهُ قبل الرِّدَّةِ من مَالِهِ إذْ غَايَةُ الرِّدَّةِ جَعْلُهَا كَالْمَوْتِ وَكَذَا ما أَيْ دُيُونٌ لَزِمَتْهُ فيها بِإِتْلَافٍ قِيَاسًا على ما لو تَعَدَّى بِحَفْرِ بِئْرٍ وَمَاتَ ثُمَّ تَلِفَ بها شَيْءٌ وَيُوضَعُ مَالُهُ عِنْدَ عَدْلٍ وَأَمَتُهُ عِنْدَ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ أو نَحْوِهَا مِمَّنْ تَحِلُّ له الْخَلْوَةُ بها كَالْمَحْرَمِ وَيُعْتَقُ بِمَوْتِهِ مُسْتَوْلَدَتُهُ أَيْ التي اسْتَوْلَدَهَا قبل الرِّدَّةِ وَيُؤَخَّرُ ما يَمْلِكُ مَنْفَعَتَهُ وَإِنْ لم يَمْلِكْ رَقَبَتَهُ احْتِيَاطًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُسْلِمِينَ بِهِ
وَلَا يَحِلُّ دَيْنُهُ الْمُؤَجَّلُ بِرِدَّتِهِ بِنَاءً على أَنَّ مِلْكَهُ لم يَزُلْ بها بَلْ حُلُولُهُ مَوْقُوفٌ كَمِلْكِهِ وَيَصِحُّ منه تَصَرُّفٌ يَحْتَمِلُ الْوَقْفَ بِأَنْ يُقْبَلَ قَوْلَيْهِ وَمَقْصُودُ فِعْلَيْهِ التَّعْلِيقُ كَعِتْقٍ وَوَقْفٍ وَوَصِيَّةٍ وَاسْتِيلَادٍ وَتَدْبِيرٍ وَخُلْعٍ كما مَرَّ في بَابِهِ وَيُوقَفُ نُفُوذُ تَصَرُّفِهِ الْمَذْكُورِ فَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَ وَإِلَّا فَلَا وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ وَوَقْفُ سَهْوٌ فإنه ليس من ذلك بَلْ مِمَّا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ لَا بَيْعٍ وَنِكَاحٍ وَكِتَابَةٍ وَإِنْكَاحٍ وَنَحْوِهَا من الْعُقُودِ التي لَا تَحْتَمِلُ الْوَقْفَ فَلَا تُوقَفُ بَلْ تَبْطُلُ وما ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ في الْكِتَابَةِ هو ما في الْمُحَرَّرِ وَالْمِنْهَاجِ هُنَا وفي الْكِتَابَةِ لَكِنَّهُ جَرَى هُنَاكَ على الصِّحَّةِ وَنَقَلَهَا الْأَصْلُ ثَمَّ عن جَمْعٍ وَنَقَلَ الْبُطْلَانَ عن وَاحِدٍ وَرَدَّهُ بِأَنَّ هذا وَقْفُ تَبَيُّنٍ لَا وَقْفُ صِحَّةٍ وهو صَحِيحٌ على الْجَدِيدِ وَالْمُعْتَمَدُ ما هُنَا لِأَنَّ وَقْفَ التَّبَيُّنِ إنَّمَا يَكُونُ حَيْثُ وُجِدَ الشَّرْطُ حَالَ الْعَقْدِ ولم يُعْلَمْ وُجُودُهُ وَهُنَا ليس كَذَلِكَ إذْ الشَّرْطُ احْتِمَالُ الْعَقْدِ التَّعْلِيقَ وهو مُنْتَفٍ وَإِنْ احْتَمَلَهُ مَقْصُودُ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْخُلْعِ مَثَلًا فإنه يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ كَقَوْلِهِ إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَتُؤْخَذُ نُجُومُ كِتَابَتِهِ الْوَاقِعَةُ قبل رِدَّتِهِ أَيْ يَأْخُذُهَا عنه الْحَاكِمُ لِأَنَّ قَبْضَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بِيعَ عليه حَيَوَانٌ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ
فَصْلٌ لو امْتَنَعَ مُرْتَدُّونَ بِنَحْوِ حِصْنٍ بَدَأْنَا بِقِتَالِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ كُفْرَهُمْ أَغْلَظُ وَلِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ بِعَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَاتَّبَعْنَا مُدْبِرَهُمْ وَذَفَّفْنَا جَرِيحَهُمْ وَاسْتَتَبْنَا أَسِيرَهُمْ وَضَمَّنَاهُمْ كَالْبُغَاةِ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ ما أَتْلَفُوهُ في الْحَرْبِ لَكِنْ تَقَدَّمَ في قِتَالِ الْبُغَاةِ أَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُهُ وَيُقْتَصُّ من الْمُرْتَدِّ وَيُقَدَّمُ الْقِصَاصُ على قَتْلِ الرِّدَّةِ كما يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي وَالدِّيَةُ حَيْثُ لَزِمَتْهُ بِعَفْوٍ أو غَيْرِهِ في مَالِهِ مُطْلَقًا مُعَجَّلَةٌ في الْعَمْدِ وَمُؤَجَّلَةٌ في غَيْرِهِ فَإِنْ مَاتَ حَلَّتْ لِأَنَّ الْأَجَلَ يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ
وإذا وُطِئَتْ مُرْتَدَّةٌ بِشُبْهَةٍ كَأَنْ وُطِئَتْ مُكْرَهَةً أو اُسْتُخْدِمَتْ مُكْرَهَةً وَكَذَا الْمُرْتَدُّ فَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَالْأُجْرَةِ مَوْقُوفَانِ وَلَوْ أتى في رِدَّتِهِ بِمَا يُوجِبُ حَدًّا كَأَنْ زَنَى أو شَرِبَ خَمْرًا أو قَذَفَ أو سَرَقَ حُدَّ ثُمَّ قُتِلَ وَصَرَّحَ الْأَصْلُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ
____________________
(4/123)
فَصْلٌ لَا بُدَّ في إسْلَامِ الْمُرْتَدِّ وَغَيْرِهِ من الْكُفَّارِ من الشَّهَادَتَيْنِ وَلَوْ ضِمْنًا على ما يَأْتِي مُطْلَقًا عن التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهِ غير مُقِرٍّ بِإِحْدَاهُمَا إذْ الْمُقِرُّ بِإِحْدَاهُمَا لم يُقِرَّ بها لِيَأْتِيَ بِالْأُخْرَى فَإِنْ كان كُفْرُهُ بِإِنْكَارِ شَيْءٍ آخَرَ مِمَّا لَا يُنَافِي الْإِقْرَارَ بِهِمَا أو بِإِحْدَاهُمَا بِبَادِئِ الرَّأْيِ كَمَنْ خَصَّصَ رِسَالَةَ مُحَمَّدٍ بِالْعَرَبِ أو جَحَدَ فَرْضًا أو تَحْرِيمًا فَيَلْزَمُهُ مع الشَّهَادَتَيْنِ الْإِقْرَارُ بِمَا أَنْكَرَ ه بِأَنْ يُقِرَّ الْأَوَّلُ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رسول اللَّهِ إلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ أو يَبْرَأَ من كل دَيْنٍ يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ وَيَرْجِعَ الثَّانِي عَمَّا اعْتَقَدَهُ وَيُسْتَحَبُّ الِامْتِحَانُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِتَقْرِيرِهِ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقُدِّمَ كَأَصْلِهِ هذا مع بَعْضِ ما قَبْلَهُ في كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ
فَإِنْ قال كَافِرٌ أنا مِنْكُمْ أو أنا مِثْلُكُمْ أو مُسْلِمٌ كما عَبَّرَ بِهِمَا الْأَصْلُ أو وَلِيُّ مُحَمَّدٍ أو أُحِبُّهُ وَكَذَا أَسْلَمْت أو آمَنْت لم يَكُنْ اعْتِرَافًا بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ قد يُرِيدُ أنا مِثْلُكُمْ في الْبَشَرِيَّةِ وأنا مُنْقَادٌ لَكُمْ وأنا وَلِيُّ مُحَمَّدٍ أو أُحِبُّهُ لِخِصَالِهِ الْحَمِيدَةِ وَأَسْلَمْت وَآمَنْت بِمُوسَى أو عِيسَى وَلِأَنَّهُ قد سَمَّى دِينَهُ الذي هو عليه إسْلَامًا نعم إنْ اقْتَرَنَ بِذَلِكَ ما يَنْفِي عنه الْكُفْرَ كَأَنْ يَقَعَ جَوَابًا في دَعْوَى الْكُفْرِ عليه بِإِسْلَامِهِ وَمِنْهُ ما صَرَّحَ بِهِ في اللِّعَانِ وفي الْقَضَاءِ في الْكَلَامِ على التَّزْكِيَةِ وما ذَكَرَهُ في قَوْلِهِ
فَإِنْ قال آمَنْت أو أَسْلَمْت أو أنا مُؤْمِنٌ أو مُسْلِمٌ مِثْلُكُمْ أو أنا من أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو دِينُكُمْ حَقٌّ أو اعْتَرَفَ من كَفَرَ بِإِنْكَارِ وُجُوبِ شَيْءٍ بِوُجُوبِ ما كَفَرَ بِهِ أَيْ بِإِنْكَارِ وُجُوبِهِ قال في الْأَصْلِ أو أَقَرَّ بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ أو قال أنا بَرِيءٌ من كل ما يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ من دِينٍ وَرَأْيٍ وَهَوًى لَا أنا بَرِيءٌ من كل مِلَّةٍ تُخَالِفُ لِأَنَّ التَّعْطِيلَ ليس بِمِلَّةٍ كان ذلك اعْتِرَافًا بِالْإِسْلَامِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ بِخِلَافِ الْمَنْفِيِّ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ لَا يَنْفِي التَّعْطِيلَ الذي يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ وَلَيْسَ بِمِلَّةٍ كما قَالَهُ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْيَهُودِيِّ أنا بَرِيءٌ من الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيُّ أنا بَرِيءٌ من النَّصْرَانِيَّةِ لِأَنَّ ضِدَّ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ في الْإِسْلَامِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وقال نَقْلًا عن الْحَلِيمِيِّ لو قال الْإِسْلَامُ حَقٌّ لم يَكُنْ مُؤْمِنًا لِأَنَّهُ قد يُقِرُّ بِالْحَقِّ وَلَا يَنْقَادُ له قال وَهَذَا يُخَالِفُ ما حَكَيْنَاهُ عن الْبَغَوِيّ في قَوْلِهِ دِينُكُمْ حَقٌّ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ جَارٍ على كَلَامِ الْبَغَوِيّ حَيْثُ جَزَمَ بِهِ فِيمَا مَرَّ وَتَرَكَ هذا ثُمَّ ما عَزَى إلَى الْمُحَقِّقِينَ قال في الْأَصْلِ إنَّهَا طَرِيقَةٌ نَسَبَهَا إلَيْهِمْ الْإِمَامُ وَاَلَّذِي عليه الْجُمْهُورُ خِلَافُهَا وَلَوْ أَقَرَّ يَهُودِيٌّ بِرِسَالَةِ عِيسَى لم يُجْبَرْ على الْإِسْلَامِ كما لو أَقَرَّ بِبَعْضِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ
فَرْعٌ قال الْحَلِيمِيُّ لو قال لَا رَحْمَنَ أو لَا بَارِئَ إلَّا اللَّهُ أو لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أو الرَّحْمَنُ أو الْبَارِئُ أو من آمَنَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ أو من في السَّمَاءِ كَفَى في إيمَانِهِ بِاَللَّهِ لِإِفَادَتِهِ التَّوْحِيدَ وَالْمُرَادُ بِمَنْ في السَّمَاءِ اللَّهُ قال تَعَالَى أَأَمِنْتُمْ من في السَّمَاءِ وَالْأَلْفَاظُ الْمَذْكُورَةُ أَمْثِلَةٌ فما في مَعْنَاهَا كَذَلِكَ كَلَا مَالِكَ أو لَا رَازِقَ إلَّا اللَّهُ أو لَا رَحْمَنَ أو لَا بَارِئَ أو لَا إلَهَ إلَّا الْخَالِقُ لَا سَاكِنَ السَّمَاوَاتِ أَيْ لَا يَكْفِي قَوْلُهُ لَا رَحْمَنَ أو لَا بَارِئَ أو لَا إلَهَ إلَّا سَاكِنُ السَّمَاءِ أو إلَّا اللَّهُ سَاكِنُ السَّمَاءِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لِأَنَّ السُّكُونَ مُحَالٌ على اللَّهِ تَعَالَى وَلَا آمَنْت بِاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ قد يُرِيدُ الْوَثَنَ وَلَا إلَهَ إلَّا الْمِلْكُ أو إلَّا الرَّازِقُ لِأَنَّهُ قد يُرِيدُ السُّلْطَانَ الذي يَمْلِكُ أَمْرَ الْجُنْدِ وَيُرَتِّبُ أَرْزَاقَهُمْ وَغَيْرُهُ وَسِوَى وما عَدَا وَنَحْوُهَا في الِاسْتِثْنَاءِ كَإِلَّا في الِاكْتِفَاءِ بها فيه كَقَوْلِهِ لَا إلَهَ غَيْرُ اللَّهِ أو سِوَى اللَّهِ أو ما عَدَا اللَّهَ أو ما خَلَا اللَّهَ وَأَحْمَدُ وأبو الْقَاسِمِ رسول اللَّهِ كَمُحَمَّدٍ رسول اللَّهِ في صِحَّةِ الشَّهَادَةِ بِهِمَا وَالنَّبِيُّ كَرَسُولِ اللَّهِ لَا الرَّسُولُ فإنه ليس كَرَسُولِ اللَّهِ فَلَوْ قال آمَنْت بِمُحَمَّدٍ النبي كَفَى بِخِلَافِ آمَنْت بِمُحَمَّدٍ الرَّسُولِ لِأَنَّ النبي لَا يَكُونُ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى وَالرَّسُولُ قد يَكُونُ لِغَيْرِهِ وَبِخِلَافِ آمَنْت بِمُحَمَّدٍ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَمَنْ قال آمَنْت بِاَللَّهِ ولم يُدْنِ بِشَيْءٍ أَيْ ولم يَكُنْ على دِينٍ قبل ذلك صَارَ مُؤْمِنًا بِاَللَّهِ فَيَأْتِي بِالشَّهَادَةِ الْأُخْرَى وَإِنْ كان مُشْرِكًا فَلَا يَصِيرُ مُؤْمِنًا حتى يَضُمَّ إلَيْهِ وَكَفَرْت بِمَا كُنْت أَشْرَكْت بِهِ وَكَذَا يَصِيرُ مُؤْمِنًا بِاَللَّهِ من قال أُؤْمِنُ بِاَللَّهِ أو أُسْلِمُ لِلَّهِ إنْ لم يُرِدْ الْوَعْدَ كما أَنَّ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ يَمِينٌ إنْ لم يُرِدْ الْوَعْدَ وَأَسْلَمْت وَأُسْلِمُ كَآمَنْتُ وَأُؤْمِنُ فِيمَا ذُكِرَ وَمَنْ قال بِقِدَمِ غَيْرِ اللَّهِ كَفَاهُ لِلْإِيمَانِ بِاَللَّهِ لَا قَدِيمَ إلَّا اللَّهُ كَمَنْ لم يَقُلْ بِهِ وَمَنْ لم يَقُلْ بِهِ يَكْفِيهِ
____________________
(4/124)
أَيْضًا اللَّهُ رَبِّي أو اللَّهُ خَالِقِي إنْ لم يَكُنْ له دِينٌ قُبِلَ ذلك وَلَوْ قال الْيَهُودِيُّ الْمُشَبِّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لم يَكُنْ إيمَانًا منه حتى يَبْرَأَ من التَّشْبِيهِ فَإِنْ قال مع ذلك مُحَمَّدٌ رسول اللَّهِ فَإِنْ كان يَعْلَمُ أَنَّهُ جاء بِنَفْيِ التَّشْبِيهِ كان مُؤْمِنًا وَإِلَّا فَلَا حتى يَبْرَأَ من التَّشْبِيهِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ وهو مَأْخُوذٌ من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَوَّلَ الْفَصْلِ
وَالْبُرْهُمِيُّ مُوَحِّدٌ يُنْكِرُ الرُّسُلَ فَإِنْ قال مع لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رسول اللَّهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَإِنْ لم يذكر غَيْرَهُ من الرُّسُلِ لَا إنْ قال عِيسَى وَمُوسَى وَكُلُّ نَبِيٍّ قبل مُحَمَّدٍ رُسُلُ اللَّهِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ إقْرَارٌ بِرِسَالَةِ من قَبْلَهُ لِأَنَّهُ شَهِدَ لهم وَصَدَّقَهُمْ قال الرَّافِعِيُّ وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ كما أَنَّ مُحَمَّدًا صلى اللَّهُ عليه وسلم شَهِدَ لهم وَصَدَّقَهُمْ فَقَدْ شَهِدُوا له وَبَشَّرُوا بِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ شَرِيعَتَهُ نَاسِخَةٌ لِمَا قَبْلَهَا بَاقِيَةٌ بِخِلَافِ شَرِيعَةِ غَيْرِهِ قال في الْأَصْلِ وَالْمُعَطِّلُ إذَا قال مُحَمَّدٌ رسول اللَّهِ قِيلَ يَكُونُ مُؤْمِنًا لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْمُرْسِلَ وَالرَّسُولَ وَلَوْ قال آمَنْت بِاَللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ أو إنْ كان شَائِيًا لم يَكُنْ مُؤْمِنًا قال الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا فِيمَا إذَا قَصَدَ التَّعْلِيقَ لِلشَّكِّ فَإِنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ فَيَنْبَغِي صِحَّةُ إيمَانَةِ إلْحَاقًا لِلِابْتِدَاءِ بِالدَّوَامِ وَبِمَا قَرَرْته عُلِمَ أَنَّ ذِكْرَ عِيسَى وَمُوسَى مِثَالٌ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَوْ أَقَرَّ بِرِسَالَةِ نَبِيٍّ قبل مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَكُنْ مُؤْمِنًا وَلَا تَكْفِي شَهَادَةُ الْفَيْلَسُوفِيِّ وَيُقَالُ الْفَلْسَفِيُّ وهو النَّافِي لِاخْتِيَارِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ اللَّهَ عِلَّةُ الْأَشْيَاءِ وَمُبْدِئُهَا حتى يَشْهَدَ بِالِاخْتِرَاعِ وَالْإِحْدَاثِ من الْعَدَمِ وَلَا يَكْفِي الطَّبَائِعِيَّ الْقَائِلَ بِنِسْبَةِ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ إلَى الطَّبِيعَةِ لَا إلَهَ إلَّا الْمُحْيِي الْمُمِيتُ حتى يَقُولَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَنَحْوُهُ من أَسْمَائِهِ تَعَالَى التي لَا تَأْوِيلَ له فيها
تَتِمَّةٌ ذَكَرَ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ في بَابِ الْوُضُوءِ أَنَّهُ لو آمَنَ بِالنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم قبل أَنْ يُؤْمِنَ بِاَللَّهِ لم يَصِحَّ إيمَانُهُ وَذَكَرَ الْحَلِيمِيُّ أَنَّ الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ
كِتَابُ حَدِّ الزِّنَا بِالْقَصْرِ أَفْصَحُ من مَدِّهِ وهو من الْمُحَرَّمَاتِ الْكَبَائِرِ قال تَعَالَى وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إنَّهُ كان فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْمِلَلِ على تَحْرِيمِهِ وَلِهَذَا كان حَدُّهُ أَشَدَّ الْحُدُودِ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ على الْأَعْرَاضِ وَالْأَنْسَابِ وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ في الْمُوجِبِ له وهو إيلَاجُ الْحَشَفَةِ أو قَدْرِهَا من ذَكَرٍ وَلَوْ أَشَلَّ وَمَلْفُوفًا بِخِرْقَةٍ وَغَيْرَ مُنْتَشِرٍ في فَرْجٍ مُحَرَّمٍ مُشْتَهًى طَبْعًا لَا شُبْهَةَ فيه وَلَا الْأَوْلَى فَلَا حَدَّ بِالِاسْتِمْنَاءِ بِالْيَدِ أو غَيْرِهَا وهو حَرَامٌ فَفِيهِ التَّعْزِيرُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا لَا بِيَدِ زَوْجَتِهِ أو أَمَتِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا فَلَيْسَ بِحَرَامٍ بَلْ صَرَّحَ كَأَصْلِهِ بِهِمَا مَعًا في الْبَابِ التَّاسِعِ من أَبْوَابِ النِّكَاحِ لَكِنْ يُكْرَهُ لِأَنَّ فيه مَعْنَى الْعَزْلِ من الزَّوْجَةِ وَلَا حَدَّ بِإِيلَاجٍ في غَيْرِ الْفَرْجِ كَإِيلَاجِهِ بين الْفَخِذَيْنِ لِعَدَمِ إيلَاجِهِ في فَرْجٍ وَلَا بِإِيلَاجٍ في فَرْجِ مَيِّتَةٍ وَإِنْ كانت مُحَرَّمَةً في الْحَيَاةِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَنْفِرُ الطَّبْعُ منه فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الزَّجْرِ عنه وَلَا في فَرْجِ بَهِيمَةٍ لِذَلِكَ لَكِنْ يُعَزَّرُ في الثَّلَاثَةِ قال في الْأَصْلِ وَقِيلَ يُحَدُّ وَاطِئُ الْبَهِيمَةِ وَعَلَيْهِ فَقِيلَ حَدُّهُ قَتْلُهُ مُطْلَقًا وَقِيلَ قَتْلُهُ إنْ كان مُحْصَنًا وَعَلَى وُجُوبِ الْقَتْلِ لَا يَخْتَصُّ الْقَتْلُ بِهِ بَلْ يَجِبُ بِهِ أَيْ بِالْإِيلَاجِ فيها ذَبْحُ الْبَهِيمَةِ الْمَأْكُولَةِ وَلَوْ بِإِيلَاجٍ في دُبُرِهَا وَعَلَيْهِ حُمِلَ خَبَرُ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ من أتى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَأْكُولَةِ لِمَا في قَتْلِهَا من ضَيَاعِ الْمَالِ بِالْكُلِّيَّةِ والمأكولة
____________________
(4/125)
إذَا ذُبِحَتْ يَحِلُّ أَكْلُهَا لِأَنَّهَا مُذَكَّاةٌ كَغَيْرِهَا وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ وُجُوبَ ذَبْحِهَا إنَّمَا هو مُفَرَّعٌ على وُجُوبِ الْحَدِّ على الْفَاعِلِ لَا على عَدَمِهِ كما تَوَهَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَعَلَيْهِ الْأَرْشُ لِلتَّفَاوُتِ بين قِيمَتِهَا حَيَّةً وَمُذَكَّاةً إنْ كانت لِغَيْرِهِ
وَتُحَدُّ امْرَأَةٌ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ نَائِمٍ كَمَنْ زَنَى بِنَائِمَةٍ لَا خَلِيَّةٍ حُبْلَى لم تُقِرَّ بِالزِّنَا أو وَلَدَتْ ولم تُقِرَّ بِهِ فَلَا تُحَدُّ إذْ الْحَدُّ إنَّمَا يَجِبُ بِبَيِّنَةٍ أو إقْرَارٍ وَحُكْمُ الْخُنْثَى هُنَا حُكْمُهُ في الْغُسْلِ وَاللَّائِطُ لَا بِزَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ كَالزَّانِي فِيمَا يَلْزَمُهُ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُولِجٌ في فَرْجٍ مُحَرَّمٍ مُشْتَهًى طَبْعًا
وَاللَّائِطُ بِهِمَا أَيْ بِزَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ يُعَزَّرُ إنْ تَكَرَّرَ منه الْفِعْلُ وَإِنَّمَا لم يُحَدَّ لِأَنَّهُمَا مَحَلُّ اسْتِمْتَاعِهِ في الْجُمْلَةِ وَلِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ في إبَاحَتِهِ أَمَّا إذَا لم يَتَكَرَّرْ منه الْفِعْلُ فَلَا تَعْزِيرَ كما ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَالْمُلُوطُ بِهِ غَيْرُ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ يُجْلَدُ وَيُغَرَّبُ كَالْبِكْرِ وَإِنْ أُحْصِنَ رَجُلًا أو امْرَأَةً إذْ لَا يُتَصَوَّرُ إدْخَالُ الذَّكَرِ في دُبُرِهِ على وَجْهٍ مُبَاحٍ حتى يَصِيرَ بِهِ مُحْصَنًا وَالرَّجْمُ خَاصٌّ بِالْمُحْصَنِ كما سَيَأْتِي أَمَّا الزَّوْجَةُ وَالْأَمَةُ فَيُعَزَّرَانِ كما يُؤْخَذُ من كَلَامِ أَصْلِهِ
فَإِنْ أَتَتْ امْرَأَةٌ امْرَأَةً عُزِّرَتَا وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا وَالتَّصْرِيحُ بِوُجُوبِ التَّعْزِيرِ عَلَيْهِمَا من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَتَمْكِينُهَا الْقِرْدَ من نَفْسِهَا كَوَطْئِهِ الْبَهِيمَةَ وفي نُسْخَةٍ كَوَطْءِ الْبَهِيمَةِ فَيَلْزَمُهَا التَّعْزِيرُ لَا الْحَدُّ وَيَسْقُطُ الْحَدُّ بِثَلَاثِ شُبَهٍ لِخَبَرِ ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَ وَقْفَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ فَيَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ في الْمَحَلِّ كَوَطْءِ زَوْجَةٍ له حَائِضٍ أو صَائِمَةٍ أو مُحْرِمَةٍ وَأَمَةٍ له لم تُسْتَبْرَأْ وَأَمَةِ وَلَدِهِ وَلَوْ مُسْتَوْلَدَةً كما مَرَّ بَيَانُهُ في خِيَارِ النِّكَاحِ وَكَذَا أَمَةٌ له هِيَ مَحْرَمٌ له بِنَسَبٍ أو رَضَاعٍ أو مُصَاهَرَةٍ أو مُحَرَّمَةٌ عليه بِوَطْءِ شُبْهَةٍ كَأُمِّ من وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ أو بِنْتِهَا أو أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ أو أَمَةٍ له مُزَوَّجَةٍ أو مُعْتَدَّةٍ أو وَثَنِيَّةٍ أو مَجُوسِيَّةٍ أو مُسْلِمَةٍ وهو ذِمِّيٌّ أو مُعَاهَدٌ لِعُرُوضِ التَّحْرِيمِ في بَعْضِهَا وَشُبْهَةِ الْمِلْكِ في الْبَاقِي
وَبِالشُّبْهَةِ في الْفَاعِلِ كَمَنْ أَيْ كَوَطْءِ من ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ أو أَمَتَهُ وَيَصْدُقُ في أَنَّهُ ظَنَّ ذلك بِيَمِينِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذلك في لَيْلَةِ الزِّفَافِ أَمْ غَيْرِهَا لَا إنْ ظَنَّهَا مُشْتَرَكَةً فَلَا يَسْقُطُ عنه الْحَدُّ لِأَنَّهُ عَلِمَ التَّحْرِيمَ فَكَانَ من حَقِّهِ الِامْتِنَاعُ وَهَذَا ما رَجَّحَهُ في الرَّوْضَةِ من احْتِمَالَيْنِ نَقَلَهُمَا تَبَعًا لِبَعْضِ نُسَخِ الرَّافِعِيِّ عن الْإِمَامِ وَجَزَمَ الْمِيمِيُّ كَالتَّعْلِيقَةِ بِسُقُوطِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ النِّهَايَةِ كما في بَعْضِ نُسَخِ الرَّافِعِيِّ أَنَّ الْمَنْقُولَ تَرْجِيحُهُ وقال ابن عبد السَّلَامِ في مُخْتَصَرِهَا أَنَّهُ أَظْهَرُ الِاحْتِمَالَيْنِ لِأَنَّهُ ظَنَّ ما لو تَحَقَّقَ دُفِعَ عنه الْحَدُّ وقال في الْمُهِمَّاتِ إنَّهُ الصَّحِيحُ كما لو سَرَقَ مَالَ غَيْرِهِ يَظُنُّ أَنَّهُ لِأَبِيهِ أو ابْنِهِ أو أَنَّ الْحِرْزَ مِلْكُهُ فإن الْأَصَحَّ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا حَدَّ فيها وَالْفَرْقُ بين هذه الْمَسَائِلِ وَبَيْنَ ما إذَا عَلِمَ التَّحْرِيمَ وَاعْتَقَدَ عَدَمَ الْحَدِّ أو سَرَقَ دَنَانِيرَ يَظُنُّهَا فُلُوسًا أَنَّهُ هُنَا اعْتَقَدَ أَمْرًا نَعْتَقِدُهُ نَحْنُ مُسْقِطٌ وَثَمَّ نَعْتَقِدُهُ مُوجِبًا وقال الْبُلْقِينِيُّ ظَاهِرُ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ يَشْهَدُ لِذَلِكَ
وَبِالشُّبْهَةِ في الْجِهَةِ أَيْ الطَّرِيقِ وَهِيَ إبَاحَةُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْوَطْءَ بِجِهَةٍ كَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ كَمَذْهَبِ أبي حَنِيفَةَ أو بِلَا شُهُودٍ
____________________
(4/126)
كَمَذْهَبِ مَالِكٍ وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ كَمَذْهَبِ ابْنِ عَبَّاسٍ
وَلَوْ اعْتَقَدَ الْمُولِجُ التَّحْرِيمَ في هذه الشُّبْهَةِ نَظَرًا لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ نعم إنْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِإِبْطَالِ النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فيه وَفَرَّقَ بين الزَّوْجَيْنِ قال الْمَاوَرْدِيُّ لَزِمَهُمَا الْحَدُّ لِارْتِفَاعِ الشُّبْهَةِ بِالْحُكْمِ بِالْفُرْقَةِ
وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِلزِّنَا أو تَزَوَّجَ من لَا تَحِلُّ له كَمَحْرَمٍ وَوَثَنِيَّةٍ وَخَامِسَةٍ وَمُطَلَّقَةٍ ثَلَاثًا وَمُلَاعَنَةٍ وَمُعْتَدَّةٍ وَمُرْتَدَّةٍ وَذَاتِ زَوْجٍ وَوَطِئَ أو وَطِئَ من ارْتَهَنَهَا وَلَوْ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ لو أُبِيحَتْ له أو كانت لِبَيْتِ الْمَالِ حُدَّ لِأَنَّ الْبُضْعَ لَا يُبَاحُ بِشَيْءٍ من ذلك فَلَا يُورِثُ شُبْهَةً كما لو اشْتَرَى حُرَّةً فَوَطِئَهَا أو خَمْرًا فَشَرِبَهَا وَلِأَنَّهُ لو كان شُبْهَةً لَثَبَتَ بِهِ النَّسَبُ وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ وَكَذَا لو زَنَى بِمَنْ له عليها قَوَدٌ أو بِحَرْبِيَّةٍ ولم يَقْصِدْ بِهِ الِاسْتِيلَاءَ وَإِلَّا فَيَمْلِكُهَا وَلَا حَدَّ عليه وَإِنَّمَا لم يَعْتَدَّ بِخِلَافِ عَطَاءٍ في إبَاحَةِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا لِلْوَطْءِ لِأَنَّهُ لم يَثْبُتْ عنه وَلِظُهُورِ ضَعْفِهِ وَخَرَجَ بِالْوَثَنِيَّةِ الْمَجُوسِيَّةُ فَفِيهَا في الْأَصْلِ عن الْبَغَوِيّ أَنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ وَعَنْ الرُّويَانِيِّ لَا يَجِبُ لِلْخِلَافِ في صِحَّةِ نِكَاحِهَا وَهَذَا نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ في التَّجْرِبَةِ عن النَّصِّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ فَهُوَ الْمَذْهَبُ وَذِكْرُ مَسْأَلَةِ بَيْتِ الْمَالِ من زِيَادَتِهِ هُنَا وَذَكَرَهَا أَيْضًا كَأَصْلِهِ في السَّرِقَةِ
وَمَنْ ادَّعَى الْجَهْلَ بِتَحْرِيمِهَا بِنَسَبٍ كَأُخْتِهِ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَهَا وَوَطِئَهَا لم يُصَدَّقْ لِبُعْدِ الْجَهْلِ بِذَلِكَ نعم إنْ جَهِلَ مع ذلك النَّسَبَ ولم يَبْنِ لنا كَذِبُهُ فَالظَّاهِرُ تَصْدِيقُهُ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أو بِتَحْرِيمِهَا بِرَضَاعٍ فَقَوْلَانِ قال الْأَذْرَعِيُّ أَظْهَرُهُمَا تَصْدِيقُهُ إنْ كان مِمَّنْ يَخْفَى عليه ذلك أو بِتَحْرِيمِهَا بِكَوْنِهَا مُزَوَّجَةً أو مُعْتَدَّةً وَأَمْكَنَ جَهْلُهُ بِذَلِكَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَحُدَّتْ هِيَ دُونَهُ إنْ عَلِمَتْ تَحْرِيمَ ذلك
فَصْلٌ إنَّمَا يُحَدُّ جَلْدًا أو رَجْمًا مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ لِلزِّنَا وَلَوْ جَهِلَ وُجُوبَ الْحَدِّ فَلَا حَدَّ على غَيْرِهِمْ كما قال وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ يُؤَدَّبَانِ بِمَا يَزْجُرُهُمَا فَلَا يُحَدَّانِ لِأَنَّ فِعْلَهُمَا لَا يُوصَفُ بِتَحْرِيمٍ نعم يُحَدُّ السَّكْرَانُ وَإِنْ كان غير مُكَلَّفٍ وَلَا يُحَدُّ الْمُكْرَهُ وَلَوْ رَجُلًا لِشُبْهَةِ الْإِكْرَاهِ وَلِخَبَرِ رُفِعَ عن أُمَّتِي الْخَطَأُ وَلَا مُعَاهَدٌ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ كَالْحَرْبِيِّ غَيْرِ الْمُعَاهَدِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ هُنَا وَذَكَرَهُ أَيْضًا كَأَصْلِهِ في السَّرِقَةِ وَلَا جَاهِلٌ أَيْ مُدَّعِي الْجَهْلَ بِتَحْرِيمِهِ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أو بُعْدٍ عن أَهْلِهِ بِخِلَافِ من
____________________
(4/127)
نَشَأَ بين الْمُسْلِمِينَ وَيَخْتَصُّ الْحَدُّ بِالْمُكَلَّفِ من الزَّانِيَيْنِ لِوُجُودِ الشُّرُوطِ فيه دُونَ الْآخَرِ ويختص الرَّجْمُ بِالْمُحْصَنِ مِنْهُمَا لِذَلِكَ
وَحَدُّ الْمُحْصَنِ الرَّجْمُ حتى يَمُوتَ لِأَمْرِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِهِ في أَخْبَارِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَرَوَى الشَّيْخَانِ رضي اللَّهُ عنهما عن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ خَطَبَ فقال الرَّجْمُ حَقٌّ على من زَنَى إذَا كان مُحْصَنًا وقال إنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا نَبِيًّا وَأَنْزَلَ عليه كِتَابًا وكان فِيمَا أَنْزَلَ عليه آيَةَ الرَّجْمِ فَتَلَوْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَهِيَ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا من اللَّهِ وَاَللَّهُ عُزَيْرٌ حَكِيمٌ وقد رَجَمَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ وكان ذلك بِمَحْضَرٍ من الصَّحَابَةِ ولم يُنْكَرْ عليه وَالْإِحْصَانُ لُغَةً الْمَنْعُ وَشَرْعًا جاء بِمَعْنَى الْإِسْلَامِ وَالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْعِفَّةِ وَالتَّزْوِيجِ وَوَطْءِ الْمُكَلَّفِ الْحُرِّ في نِكَاحٍ صَحِيحٍ وهو الْمُرَادُ هُنَا كما يُؤْخَذُ من قَوْلِهِ وهو أَيْ الْمُحْصَنُ ذَكَرًا كان أو أُنْثَى كُلُّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ وَطِئَ أو وَطِئَتْ في قُبُلٍ حَالَ الْكَمَالِ بِتَكْلِيفٍ وَحُرِّيَّةٍ في نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَلَوْ كان الْوَطْءُ في عِدَّةِ شُبْهَةٍ أو حَيْضٍ أو إحْرَامٍ لَا في مِلْكِ يَمِينٍ وَطْءَ شُبْهَةٍ وَنِكَاحٍ فَاسِدٍ كما في التَّحْلِيلِ فَلَا رَجْمَ على من زَنَى وهو غَيْرُ مُكَلَّفٍ ليس بِسَكْرَانَ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَا يُوصَفُ بِتَحْرِيمٍ كما مَرَّ
وَلَا على من فيه رِقٌّ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَغَلَّظُ بِالْحُرِّيَّةِ من جِهَةِ أنها تَمْنَعُ الْفَوَاحِشَ لِأَنَّهَا صِفَةُ كَمَالٍ وَشَرَفُهَا وَالشَّرِيفُ يَصُونُ نَفْسَهُ عَمَّا يُدَنِّسُ عِرْضَهُ وَمِنْ جِهَةِ أنها تُوَسِّعُ طُرُقَ الْحِلِّ إذْ لِلْحُرِّ نِكَاحُ أَرْبَعِ حَرَائِرَ وَلَا يَحْتَاجُ فيه إلَى إذْنٍ غَالِبًا بِخِلَافِ من فيه رِقٌّ فِيهِمَا وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الْوَطْءُ في نِكَاحٍ صَحِيحٍ لِأَنَّ بِهِ قَضَى الْوَاطِئُ الشَّهْوَةَ وَاسْتَوْفَى اللَّذَّةَ فَحَقُّهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عن الْحَرَامِ وَلِأَنَّهُ يُكْمِلُ طَرِيقَ الْحِلِّ بِدَفْعِ الْبَيْنُونَةِ بِطَلْقَةٍ أو رِدَّةٍ وَاعْتُبِرَ وُقُوعُهُ في حَالِ الْكَمَالِ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِأَكْمَلِ الْجِهَاتِ وهو النِّكَاحُ الصَّحِيحُ فَاعْتُبِرَ حُصُولُهُ من كَامِلٍ حتى لَا يُرْجَمَ من وَطِئَ وهو نَاقِصٌ ثُمَّ زَنَى وهو كَامِلٌ وَيُرْجَمُ من كان كَامِلًا في الْحَالَيْنِ وَإِنْ تَخَلَّلَهُمَا نَقْصٌ كَجُنُونٍ وَرِقٍّ فَالْعِبْرَةُ بِالْكَمَالِ في الْحَالَيْنِ وَلَا يَرِدُ النَّائِمُ إذَا اسْتَدْخَلَتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرَهُ من حَيْثُ إنَّهُ صَارَ مُحْصَنًا وَلَيْسَ بِمُكَلَّفٍ عِنْدَ الْفِعْلِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّهُ مُكَلَّفٌ اسْتِصْحَابًا لِحَالِهِ قبل النَّوْمِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْوَطْءُ مع كَامِلٍ وَلَا عِصْمَتِهِ حتى لو وَطِئَ وهو حَرْبِيٌّ ثُمَّ زَنَى بَعْدَ أَنْ عُقِدَتْ له ذِمَّةٌ رُجِمَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ كما قال ابن الرِّفْعَةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ في الْإِحْصَانِ أَنْ يَكُونَ الْوَاطِئُ مُخْتَارًا
وَلَا يُشْتَرَطُ فيه الْإِسْلَامُ فَيُرْجَمُ الْمُرْتَدُّ وَالذِّمِّيُّ لِالْتِزَامِهِمَا الْأَحْكَامَ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَجَمَ رَجُلًا وَامْرَأَةً من الْيَهُودِ زَنَيَا زَادَ أبو دَاوُد وَكَانَا قد أُحْصِنَا
وَحَدُّ الْبِكْرِ
____________________
(4/128)
الْحُرِّ وهو غَيْرُ الْمُحْصَنِ رَجُلًا كان أو امْرَأَةً جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ مع أَخْبَارِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا الْمَزِيدُ فيها التَّغْرِيبُ على الْآيَةِ فَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَلْدِ لَكِنَّ الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عن الْجَلْدِ
وحد من فيه رِقٌّ وَلَوْ مُبَعَّضًا خَمْسِينَ وَلَوْ كان بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ وَوَافَقَ نَوْبَةَ نَفْسِهِ وَيُغَرَّبُ نِصْفَ عَامٍ على النِّصْفِ من الْحُرِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما على الْمُحْصَنَاتِ من الْعَذَابِ وَلَا يُبَالِي بِضَرَرِ السَّيِّدِ في عُقُوبَاتِ الْجَرَائِمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِرِدَّتِهِ وَيُحَدُّ بِقَذْفِهِ وَإِنْ تَضَرَّرَ السَّيِّدُ وَلَوْ زَنَى الْعَبْدُ الْمُؤَجَّرُ حُدَّ وَهَلْ يُغَرَّبُ في الْحَالِ وَيَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ أو يُؤَخَّرُ إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ
وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَقْرَبُ أَنْ يُفَرِّقَ بين طُولِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَقِصَرِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنْ طَالَتْ غُرِّبَ في الْحَالِ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ قال وَيُشْبِهُ أَنْ يَجِيءَ ذلك في الْأَجِيرِ الْحُرِّ أَيْضًا
انْتَهَى
وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يُغَرَّبُ إنْ تَعَذَّرَ عَمَلُهُ في الْغُرْبَةِ كما لَا يُحْبَسُ لِغَرِيمِهِ إنْ تَعَذَّرَ عِلْمُهُ في الْحَبْسِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ ذَاكَ حَقُّ آدَمِيٍّ وَهَذَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ بين الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ قال الزَّرْكَشِيُّ لَكِنَّ الذي يَقْتَضِيهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ في الرِّسَالَةِ تَخْصِيصُهُ بِالْمُسْلِمِ وهو الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ في مَعْنَى الْمُعَاهَدِ إذْ لَا جِزْيَةَ عليه وَالْمُعَاهَدُ لَا يُحَدُّ فَكَذَا الْعَبْدُ الْكَافِرُ وَعَلَيْهِ جَرَى ابن الْمُنْذِرِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلِلْإِمَامِ وَلَوْ بِنَائِبِهِ تَغْرِيبُهُمَا أَيْ الْحُرُّ وَمَنْ فيه رِقٌّ مَسَافَةَ الْقَصْرِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إيحَاشُهُ بِالْبُعْدِ عن الْأَهْلِ وَالْوَطَنِ وَفَوْقَهَا إنْ رَآهُ الْإِمَامُ لِأَنَّ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه غَرَّبَ إلَى الشَّامِ وَعُثْمَانَ إلَى مِصْرَ وَعَلِيًّا إلَى الْبَصْرَةِ لَا دُونَهَا إذْ لَا يَتِمُّ الْإِيحَاشُ الْمَذْكُورُ بِهِ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ تَتَوَاصَلُ حِينَئِذٍ وَلْيَكُنْ تَغْرِيبُ من ذُكِرَ إلَى بَلَدٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يُرْسِلُهُ الْإِمَامُ إرْسَالًا
وَلَوْ عَيَّنَ الْإِمَامُ جِهَةً لِتَغْرِيبِهِ تَعَيَّنَتْ فَلَوْ طَلَبَ جِهَةً أُخْرَى لم يَجِبْ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِالزَّجْرِ فَلَوْ انْتَقَلَ بَعْدُ أَيْ بَعْدَ التَّغْرِيبِ من الْبَلَدِ الذي غُرِّبَ إلَيْهِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ لم يُمْنَعْ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ وَالْمَنْعُ من الِانْتِقَالِ لم يَدُلَّ عليه دَلِيلٌ وَيُسْتَصْحَبُ معه جَوَازًا سُرِّيَّةً مع نَفَقَةٍ يَحْتَاجُهَا وَمَالًا يَتَّجِرُ فيه كما قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لَا أَهْلًا وَعَشِيرَةً له لِانْتِفَاءِ إيحَاشِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُمْنَعُ من تَغْرِيبِهِ إلَى بَلَدٍ فيه أَهْلُهُ لَكِنْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي فيه بِالْجَوَازِ فَإِنْ خَرَجُوا معه لم يُمْنَعُوا وَالْغَرِيبُ يُغَرَّبُ من بَلَدِ الزِّنَا تَنْكِيلًا وَإِبْعَادًا عن مَحَلِّ الْفَاحِشَةِ فَرُبَّمَا أَلِفَهُ لَا إلَى بَلَدِهِ وَلَا إلَى دُونَ الْمَسَافَةِ منها أَيْ وَلَا إلَى بَلَدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِهِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لِأَنَّ الْقَصْدَ إيحَاشُهُ وَتَغْرِيبُهُ إلَى ذلك يَأْبَاهُ فَإِنْ رَجَعَ إلَيْهَا أَيْ إلَى بَلْدَتِهِ أو إلَى دُونَ الْمَسَافَةِ منها مُنِعَ مُعَارَضَةً له بِنَقِيضِ قَصْدِهِ
ويغرب الْمُسَافِرُ إذَا زَنَى في طَرِيقِهِ لَا إلَى مَقْصِدِهِ لِذَلِكَ وَمَنْ لَا وَطَنَ له كَالْمُهَاجِرِ إلَيْنَا من دَارِ الْحَرْبِ ولم يَتَوَطَّنْ بَلَدًا يُمْهَلُ
____________________
(4/129)
حتى يَتَوَطَّنَ بَلَدًا ثُمَّ يُغَرَّبَ منه وَهَذَا لَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْقَاضِي إنَّهُ يُغَرَّبُ من الْمَكَانِ الذي قَصَدَهُ وَيُرَاقَبُ الْمُغَرَّبُ أَيْ يُحْفَظُ بِالْمُرَاقَبَةِ في الْمَكَان الذي غُرِّبَ إلَيْهِ وَلَا يُحْبَسُ فيه وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُرَاقَبُ لِئَلَّا يَرْجِعَ إلَى بَلْدَتِهِ أو إلَى ما دُونَ الْمَسَافَةِ منها لَا أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لو انْتَقَلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ لم يُمْنَعْ وما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الرُّويَانِيِّ من تَصْحِيحٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُقِيمَ بِبَلَدِ الْغُرْبَةِ لِيَكُونَ كَالْحَبْسِ له فَلَا يُمَكَّنُ من الضَّرْبِ في الْأَرْضِ لِأَنَّهُ كَالنُّزْهَةِ يُحْمَلُ على أَنَّ الْمُرَادَ بِبَلَدِ الْغُرْبَةِ غَيْرُ بَلَدِهِ لِأَنَّ ما عَدَاهُ بِلَادُ غُرْبَةٍ وَبِقَوْلِهِ فَلَا يُمَكَّنُ من الضَّرْبِ في الْأَرْضِ أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ من ذلك في جَمِيعِ جَوَانِبِهَا بَلْ في غَيْرِ جَانِبِ بَلَدِهِ فَقَطْ على ما عُرِفَ وَكَأَنْ الْمُصَنِّفَ لَمَّا لم يَظْهَرْ له الْجَمْعُ حَذَفَ كَلَامَ الرُّويَانِيِّ
وَمُؤْنَتُهُ أَيْ الْمُغَرَّبُ في مُدَّةِ تَغْرِيبِهِ على نَفْسِهِ إنْ كان حُرًّا وَعَلَى سَيِّدِهِ إنْ كان رَقِيقًا وَإِنْ زَادَتْ على مُؤْنَةِ الْحَضَرِ فَإِنْ خِيفَ رُجُوعُهُ إلَى مَحَلِّهِ الذي غُرِّبَ منه حُبِسَ جَوَازًا
وَلَوْ رَجَعَ إلَى بَلَدٍ غُرِّبَ منه اُسْتُؤْنِفَتْ الْمُدَّةُ لِيَتَوَالَى الْإِيحَاشُ فَلَا تُفَرَّقُ السَّنَةُ في الْحُرِّ وَلَا نِصْفُهَا في غَيْرِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلتَّغْرِيبِ الْبَلَدُ الذي غُرِّبَ إلَيْهِ وهو كَذَلِكَ وَعِبَارَةُ صَاحِبِ الذَّخَائِرِ رُدَّ إلَى الْغُرْبَةِ ثُمَّ نَقَلَ عن الْمُهَذَّبِ ما جَزَمَ بِهِ الْأَصْلُ أَنَّهُ يُرَدُّ إلَى الْبَلَدِ الذي غُرِّبَ إلَيْهِ وَأَشَارَ إلَى تَفَرُّدِهِ بِهِ ولم يَقِفْ ابن الرِّفْعَةِ على نَقْلٍ في ذلك فقال الْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ قُلْنَا بِالِاسْتِئْنَافِ لم يَتَعَيَّنْ ذلك الْبَلَدُ
وَلَوْ زَنَى الْمُغَرَّبُ في الْبَلَدِ الذي غُرِّبَ إلَيْهِ غُرِّبَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ وَدَخَلَتْ الْبَقِيَّةُ أَيْ بَقِيَّةُ مُدَّةِ الْأَوَّلِ في مُدَّةِ الثَّانِي لِتَجَانُسِ الْحَدَّيْنِ وَلَا يُعْتَدُّ بِتَغْرِيبِهِ نَفْسَهُ لِأَنَّ الْقَصْدَ التَّنْكِيلُ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِتَغْرِيبِ الْإِمَامِ وإذا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَلَهُ الرُّجُوعُ إلَى وَطَنِهِ لِأَنَّهُ أتى بِالْوَاجِبِ قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ وما قِيلَ من أَنَّهُ ليس له الرُّجُوعُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَإِنْ رَجَعَ بِغَيْرِ إذْنِهِ عُزِّرَ كما لو خَرَجَ من حَبْسِهِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ مُدَّةَ الْحَبْسِ مَجْهُولَةٌ له بِخِلَافِ مُدَّةِ التَّغْرِيبِ وَأَوَّلُهَا ابْتِدَاءُ السَّفَرِ لَا وَقْتُ وُصُولِهِ إلَى ما غُرِّبَ إلَيْهِ
وَلَوْ غُرِّبَتْ امْرَأَةٌ اُشْتُرِطَ خُرُوجُ زَوْجٍ أو مَحْرَمٍ مَعَهَا وَلَوْ مع أَمْنِ الطَّرِيقِ لِخَبَرِ لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجٌ أو مَحْرَمٌ وَلِأَنَّهُ يَخَافُ من الزَّانِيَةِ الْهَتْكَ عِنْدَ خُرُوجِهَا وَحْدَهَا وَالْقِيَاسُ أَنَّ كُلَّ من جَازَ له النَّظَرُ إلَيْهَا كَعَبْدِهَا حُكْمُهُ حُكْمُ الزَّوْجِ وَالْمَحْرَمِ وما ذَكَرَهُ هو ما صَحَّحَهُ الْأَصْلُ لَكِنْ نَصَّ في الْأُمِّ في مَوْضِعَيْنِ على تَغْرِيبِهَا وَحْدَهَا وَأَنَّ النَّهْيَ عن سَفَرِهَا وَحْدَهَا مَحَلُّهُ فِيمَا لَا يَلْزَمُهَا كما مَرَّ بَيَانُهُ في الْحَجِّ وَأُجْرَتُهُ عليها إذَا لم يَخْرُجْ إلَّا بها لِأَنَّهَا مِمَّا يَتِمُّ بها الْوَاجِبُ كَأُجْرَةِ الْجَلَّادِ وَلِأَنَّهَا من مُؤَنِ سَفَرِهَا فَإِنْ لم يَكُنْ لها مَالٌ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ فَلَوْ امْتَنَعَ من الْخُرُوجِ مَعَهَا بِأُجْرَةٍ لم يُجْبَرْ كما في الْحَجِّ وَلِأَنَّ في إجْبَارِهِ تَعْذِيبَ من لم يُذْنِبْ وَيُؤَخَّرُ حِينَئِذٍ تَغْرِيبُهَا إلَى أَنْ يَتَيَسَّرَ قال في الْكِفَايَةِ وَبِهِ جَزَمَ ابن الصَّبَّاغِ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ أنها تُغَرَّبُ وَيَحْتَاطُ الْإِمَامُ في ذلك
وفي الِاكْتِفَاءِ في الْخُرُوجِ مَعَهَا بِنِسْوَةٍ ثِقَاتٍ اثْنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ مع أَمْنِ طَرِيقٍ وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا على ما في نُسَخِ الرَّافِعِيِّ الْمُعْتَمَدَةِ وَأَحَدُهُمَا على ما في السَّقِيمَةِ التي اخْتَصَرَتْ منها الرَّوْضَةُ نعم قِيَاسًا على الزَّوْجِ وَالْمَحْرَمِ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّ النِّسْوَةَ مَطْمُوعٌ فِيهِنَّ قال في الْأَصْلِ وَرُبَّمَا اكْتَفَى بَعْضُهُمْ بِوَاحِدَةٍ ثِقَةٍ
انْتَهَى
وَالِاكْتِفَاءُ بها هو ما في الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ وقال ابن الرِّفْعَةِ إنَّهُ الْأَصَحُّ وَالْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ الْمُعْتَمَدُ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ في نَظِيرِهِ من الْحَجِّ مع أَنَّهُ على التَّرَاخِي فَهَذَا أَوْلَى أَمَّا مع الْخَوْفِ فَلَا يُكْتَفَى بِالنِّسْوَةِ وَهَلْ يُشْرَعُ التَّغْرِيبُ عِنْدَ الْخَوْفِ قال الرَّافِعِيُّ فيه قَوْلٌ بِشَرْعِيَّتِهِ وفي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ ما يُشْعِرُ بِخِلَافِهِ وَقَضِيَّتُهُ تَصْحِيحُ عَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهِ حتى لَا يُغَرَّبَ الرَّجُلُ وَلَا الْمَرْأَةُ الْمُسْتَصْحَبَةُ لِلزَّوْجِ أو نَحْوِهِ حِينَئِذٍ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الرَّجُلَ يُغَرَّبُ وَحْدَهُ وَلَوْ أَمْرَدَ وَالظَّاهِرُ كما قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْأَمْرَدَ الْحَسَنَ الذي يُخَافُ عليه الْفِتْنَةُ يَحْتَاجُ إلَى مَحْرَمٍ أو نَحْوِهِ
وَيُنْفَى الْمُخَنَّثُونَ تَعْزِيرًا لِثُبُوتِهِ في خَبَرِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ وَلَا يَبْلُغُ بِهِ مُدَّةَ تَغْرِيبِ الزَّانِي
فَصْلٌ لَا يَثْبُتُ الْحَدُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أو إقْرَارٍ وَلَوْ مَرَّةً لِيَتَمَكَّنَ من إقَامَتِهِ إمَّا بِالْبَيِّنَةِ فَالْآيَةُ وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ
____________________
(4/130)
الْفَاحِشَةَ من نِسَائِكُمْ وَإِمَّا بِالْإِقْرَارِ فَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ بِإِقْرَارِهِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى هو وَالْبُخَارِيُّ خَبَرَ وَاغْدُ يا أُنَيْسٌ إلَى امْرَأَةِ هذا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا عَلَّقَ الرَّجْمَ على مُجَرَّدِ الِاعْتِرَافِ وَإِنَّمَا كَرَّرَهُ على مَاعِزٍ في خَبَرِهِ لِأَنَّهُ شَكَّ في عَقْلِهِ وَلِهَذَا قال أَبِكَ جُنُونٌ وَوَصَفَ الْإِقْرَارَ بِقَوْلِهِ مُفَسَّرٌ كَالشَّهَادَةِ وَاحْتِيَاطًا لِلْحَدِّ وَسَعْيًا في سِتْرِ الْفَاحِشَةِ ما أَمْكَنَ وَيُسْتَأْنَسُ له بِقِصَّةِ مَاعِزٍ
وَيُجْزِئُ أَيْ يَكْفِي في ثُبُوتِ الْحَدِّ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ بِالْإِقْرَارِ بِالزِّنَا
وَإِنْ رُئِيَا أَيْ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّانِ تَحْتَ لِحَافٍ عُزِّرَا ولم يُحَدَّا
وَيُقَامُ الْحَدُّ في دَارِ الْحَرْبِ إنْ لم يَخَفْ فِتْنَةً من نَحْوِ رِدَّةِ الْمَحْدُودِ وَالْتِحَاقِهِ بِأَهْلِ الْحَرْبِ
وَيَحْرُمُ الْعَفْوُ عن حَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى وَالشَّفَاعَةِ فيه لِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأُسَامَةَ لَمَّا كَلَّمَهُ في شَأْنِ الْمَخْزُومِيَّةِ التي سَرَقَتْ أَتَشْفَعُ في حَدٍّ من حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ قام فَاخْتَطَبَ فقال إنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ من قَبْلِكُمْ إنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وإذا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عليه الْحَدَّ وَاَيْمُ اللَّهِ لو أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
وَيُسْتَحَبُّ لِلزَّانِي وَلِكُلِّ من ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً السَّتْرُ على نَفْسِهِ لِخَبَرِ من أتى من هذه الْقَاذُورَاتِ شيئا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فإن من أَبْدَى لنا صَفْحَتَهُ أَقَمْنَا عليه الْحَدَّ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ بِخِلَافِ ما لو قَتَلَ أو قَذَفَ فإنه يُسْتَحَبُّ له بَلْ يَجِبُ عليه أَنْ يُقِرَّ بِهِ لِيُسْتَوْفَى منه كما سَيَأْتِي في الشَّهَادَاتِ لِمَا في حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ من التَّضْيِيقِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتُرَ على نَفْسِهِ الْمَعْصِيَةَ أَنْ لَا يُظْهِرَهَا لِيُحَدَّ أو يُعَزَّرَ فَيَكُونُ إظْهَارُهَا خِلَافَ الْمُسْتَحَبِّ أَمَّا التَّحَدُّثُ بها تَفَكُّهًا أو مُجَاهَرَةً فَحَرَامٌ قَطْعًا لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فيه نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ
وَكَذَا الشَّاهِدُ يُسْتَحَبُّ له سَتْرُهَا بِأَنْ يَتْرُكَ الشَّهَادَةَ بها إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً وَإِنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ في الشَّهَادَةِ بها شَهِدَ كَذَا في الرَّوْضَةِ فَكَلَامُهَا فِيمَا إذَا لم يَرَ مَصْلَحَةً مُتَدَافِعٌ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ وَالْأَقْرَبُ خِلَافُهُ وَعَلَى هذا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ إطْلَاقُهُمْ في بَابِ الشَّهَادَاتِ وَغَيْرِهِ اسْتِحْبَابَ تَرْكِ الشَّهَادَةِ ثُمَّ مَحَلُّ اسْتِحْبَابِ تَرْكِهَا إذَا لم يَتَعَلَّقْ بِتَرْكِهَا إيجَابُ حَدٍّ على الْغَيْرِ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ ذلك كَأَنْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ بِالزِّنَا فَيَأْثَمُ الرَّابِعُ بِالتَّوَقُّفِ وَيَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ
وَلَوْ أَقَرَّ بِزِنًا أو شُرْبٍ لِمُنْكَرٍ اُسْتُحِبَّ له الرُّجُوعُ كَالسَّتْرِ ابْتِدَاءً وهو مُقْتَضَى خَبَرِ مَاعِزٍ السَّابِقِ وَهَذَا ما رَجَّحَهُ في الرَّوْضَةِ وَلَا يُخَالِفُهُ كما قال الزَّرْكَشِيُّ ما يَأْتِي في الشَّهَادَاتِ أَنَّ من ظَهَرَ عليه حَدٌّ يُسْتَحَبُّ له أَنْ يَأْتِيَ الْإِمَامَ لِيُقِيمَهُ عليه لِفَوَاتِ السَّتْرِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالظُّهُورِ أَنْ يَطَّلِعَ على زِنَاهُ من لَا يَثْبُتُ الزِّنَا بِشَهَادَتِهِ فَيُسْتَحَبُّ له ذلك أَمَّا الْمُقِرُّ فَيُسْتَحَبُّ له الرُّجُوعُ لِمَا مَرَّ فَإِنْ رَجَعَ عن الْإِقْرَارِ وَلَوْ بَعْدَ الشُّرُوعِ في الْحَدِّ سَقَطَ عنه الْحَدُّ لِتَعْرِيضِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِمَاعِزٍ بِالرُّجُوعِ بِقَوْلِهِ لَعَلَّك قَبَّلْتَ لَعَلَّك لَمَسْتَ أَبِكَ جُنُونٌ وَلِأَنَّهُمْ لَمَّا رَجَمُوهُ قال رُدُّونِي إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فلم يَسْمَعُوا وَذَكَرُوا ذلك له صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللَّهُ عليه
فَلَوْ قُتِلَ بَعْدَ الرُّجُوعِ عن إقْرَارِهِ فَلَا قِصَاصَ على قَاتِلِهِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ في سُقُوطِ الْحَدِّ بِالرُّجُوعِ وَقَوْلُ الدَّارِمِيِّ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لم يَعْلَمْ الْقَاتِلُ بِرُجُوعِهِ فَإِنْ عَلِمَ بِرُجُوعِهِ قُتِلَ بِلَا خِلَافٍ فيه نَظَرٌ يُعْرَفُ من التَّعْلِيلِ وَيُضْمَنُ بِالدِّيَةِ لِأَنَّ الضَّمَانَ بها بِجَامِعِ الشُّبْهَةَ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ
وَإِنْ رَجَعَ في أَثْنَاءِ الْحَدِّ وَتَمَّمَهُ الْإِمَامُ مُتَعَدِّيًا بِأَنْ كان مُعْتَقِدًا سُقُوطَهُ بِالرُّجُوعِ فَمَاتَ بِذَلِكَ فَالْوَاجِبُ نِصْفُ دِيَةٍ لِأَنَّهُ مَاتَ من مَضْمُونٍ وَغَيْرِهِ أو
____________________
(4/131)
التَّوْزِيعُ لِلدِّيَةِ على السِّيَاطِ قَوْلَانِ أَقْرَبُهُمَا الثَّانِي كما لو ضَرَبَهُ زَائِدًا على حَدِّ الْقَذْفِ فَمَاتَ
وَإِنْ قال زَنَيْت بِفُلَانَةُ فَأَنْكَرَتْ أو قالت كان تَزَوَّجَنِي فَمُقِرٌّ بِالزِّنَا وَقَاذِفٌ لها فَيَلْزَمُهُ حَدُّ الزِّنَا وَحَدُّ الْقَذْفِ فَإِنْ رَجَعَ سَقَطَ حَدُّ الزِّنَا وَحْدَهُ
فَإِنْ قال زَنَيْت بها مُكْرَهَةً لَزِمَهُ حَدٌّ لِلزِّنَا لَا لِلْقَذْفِ ولزمه لها مَهْرٌ فَإِنْ رَجَعَ عن إقْرَارِهِ سَقَطَ الْحَدُّ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ لَا الْمَهْرُ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ
وَلَوْ شَهِدُوا بِإِقْرَارِهِ بِالزِّنَا وَلَوْ قبل الْحُكْمِ بِهِ فَكَذَّبَهُمْ كَأَنْ قال ما أَقْرَرْت لم يُقْبَلْ تَكْذِيبُهُ لِأَنَّهُ تَكْذِيبٌ لِلشُّهُودِ وَالْقَاضِي أو كَذَّبَ نَفْسَهُ في إقْرَارِهِ قُبِلَ في إقْرَارِهِ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ
وَلَوْ قال لَا تَحُدُّونِي وَامْتَنَعَ من تَسْلِيمِ نَفْسِهِ أو هَرَبَ فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ فَلَا يَسْقُطُ عنه الْحَدُّ لِوُجُودِ مُثْبِتِهِ مع عَدَمِ تَصْرِيحِهِ بِالرُّجُوعِ لَكِنْ يُكَفُّ عنه في الْحَالِ لِمَا في خَبَرِ مَاعِزٍ هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا قَصَدَ الرُّجُوعَ فَيُعْرَضُ عنه احْتِيَاطًا فَإِنْ رَجَعَ فَذَاكَ وَإِلَّا حُدَّ وَإِنْ لم يُكَفَّ عنه فَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يُوجِبْ عليهم في قِصَّةِ مَاعِزٍ شيئا
والحد الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ لَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ سَوَاءٌ أُثْبِتَ بِالْإِقْرَارِ أَمْ بِالْبَيِّنَةِ وَصَرَّحَ الْأَصْلُ بِتَصْحِيحِهِ وَذَلِكَ لِئَلَّا يَتَّخِذَهَا ذَرِيعَةً إلَى إسْقَاطِ الزَّوَاجِرِ فَإِنْ أَقَرَّ بِالزِّنَا ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِزِنَاهُ ثُمَّ رَجَعَ عن الْإِقْرَارِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ لِبَقَاءِ حُجَّةِ الْبَيِّنَةِ كما لو شَهِدَ عليه ثَمَانِيَةٌ فَرَدَّ أَرْبَعَةً وَثَانِيهِمَا يَسْقُطُ إذْ لَا أَثَرَ لِلْبَيِّنَةِ مع الْإِقْرَارِ وقد بَطَلَ وَنَقَلَهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ في ذلك وفي عَكْسِهِ وقال الْأَصَحُّ عِنْدِي اعْتِبَارُ أَسْبَقِهِمَا وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ مَحَلِّ الْخِلَافِ بِمَا قبل الْحُكْمِ أو بَعْدَهُ وقد أَسْنَدَ إلَيْهِمَا مَعًا أو أَطْلَقَ فَإِنْ كان بَعْدَهُ وقد أَسْنَدَ إلَى أَحَدِهِمَا فَقَطْ فَهُوَ الْمُعْتَبَرُ قَطْعًا ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ أَشَارَ إلَى بَعْضِ ذلك وَلَا يُشْتَرَطُ حَيَاةُ الشُّهُودِ وَلَا حُضُورُهُمْ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ حَالَةَ الْحُكْمِ وَلَا قُرْبَ عَهْدِ الزِّنَا فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِهِ وَإِنْ تَطَاوَلَ الزَّمَانُ
وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِبَكَارَةِ من ثَبَتَ زِنَاهَا أو رَتَقُهَا أو قَرَنُهَا سَقَطَ الْحَدُّ عنها لِلشُّبْهَةِ نعم إنْ كانت غَوْرَاءَ يُمْكِنُ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فيها مع بَقَاءِ الْبَكَارَةِ فَالْأَشْبَهُ كما قال الزَّرْكَشِيُّ أنها تُحَدُّ لِثُبُوتِ زِنَاهَا قال وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ حُصُولِ التَّحْلِيلِ بِهِ على ما قَالَهُ الْبَغَوِيّ أَنَّ التَّحْلِيلَ مَبْنِيٌّ على تَكْمِيلِ اللَّذَّةِ وَعَنْ قَاذِفِهَا لِقِيَامِ الشَّهَادَةِ بِزِنَاهَا مع احْتِمَالِ عَوْدِ الْبَكَارَةِ بَعْدَ زَوَالِهَا لِتَرْكِ الْمُبَالَغَةِ في الِافْتِضَاضِ في الْبِكْرِ وَرَمْيِ من لَا يُمْكِنُ جِمَاعُهُ في الْأُخْرَيَيْنِ وَكَذَا لَا يَجِبُ حَدُّ الْقَذْفِ على الشُّهُودِ لِذَلِكَ قال الْقَاضِي وَتَبْطُلُ حَصَانَتُهَا بِلَا خِلَافٍ
أو قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِبَكَارَةِ من ثَبَتَ لها مَهْرٌ على من وَطِئَهَا وَلَوْ بِشُبْهَةٍ أو إكْرَاهٍ لم يَسْقُطْ مَهْرُهَا لِثُبُوتِهِ مع الشُّبْهَةِ وَلَا حَدَّ عليه فِيمَا لو شَهِدَ بِزِنَاهُ بها أَرْبَعَةٌ وَلَا على الشُّهُودِ لِلشُّبْهَةِ وَلَا عليها لِلشَّهَادَةِ وَتَعْبِيرُهُ بِالْبَيِّنَةِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ بِإِكْرَاهِهَا على الزِّنَا لم يَثْبُتْ الزِّنَا وَكَذَا الْمَهْرُ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من أَنَّ شُهُودَ الزِّنَا إذَا نَقَصُوا عن أَرْبَعَةٍ لَزِمَهُمْ حَدُّ الْقَذْفِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ
وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ بِإِكْرَاهِهَا على الزِّنَا وَاثْنَانِ بِمُطَاوَعَتِهَا عليه لَزِمَهُ الْمَهْرُ لِسُقُوطِ الْحَدِّ عن شُهُودِ الْإِكْرَاهِ لِتَمَامِ عَدَدِ شُهُودِ زِنَاهُ دُونَ الْحَدِّ أَيْ حَدِّ زِنَاهُ فَلَا يَلْزَمُهُ لِوُجُوبِهِ أَيْ حَدُّ قَذْفِهَا على الْآخَرِينَ لِعَدَمِ تَمَامِ عَدَدِ شُهُودِ زِنَاهَا فَخَرَجَ قَوْلُهُمَا عن كَوْنِهِ شَهَادَةً وَلَا حَدَّ عليها لِذَلِكَ وَلَا يَجِبُ حَدُّ الْقَذْفِ لِلرَّجُلِ لِأَنَّ عَدَدَ شُهُودِ زِنَاهُ قد تَمَّ وَإِنَّمَا رَدَدْنَا الشَّهَادَةَ لِأَمْرٍ مُجْتَهَدٍ فيه وَإِنْ ذَكَرَ كُلٌّ من الشُّهُودِ لِلزِّنَا زَاوِيَةً من زَوَايَا الْبَيْتِ الذي زَنَيَا فيه فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ في الشَّهَادَاتِ الْبَابُ الثَّانِي في اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ
إنَّمَا يَسْتَوْفِيهِ من الْحُرِّ الْإِمَامُ أو نَائِبُهُ لِأَنَّهُ في عَهْدِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَهْدِ الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ لم يُقَمْ إلَّا بِإِذْنِهِمْ قال ابن عبد السَّلَامِ وَإِنَّمَا لم يُفَوَّضْ لِأَوْلِيَاءِ الْمَزْنِيِّ بها لِأَنَّهُمْ قد لَا يَسْتَوْفُونَهُ خَوْفًا من الْعَارِ قال الْقَاضِي وَلَا بُدَّ في إقَامَةِ الْحُدُودِ من النِّيَّةِ حتى لو ضُرِبَ لِصَادِرَةٍ أو غَيْرِهَا وَعَلَيْهِ حُدُودٌ لم يُحْسَبْ منها وفي فَتَاوَى شَيْخِهِ الْقَفَّالِ
____________________
(4/132)
أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فيها إلَى نِيَّةٍ حتى لو حُدَّ بِنِيَّةِ الشُّرْبِ فَظَهَرَ أَنَّ حَدَّهُ الزِّنَا جَازَ لِأَنَّهُ لو أَخْطَأَ من يَدِهِ الْيُمْنَى إلَى الْيُسْرَى في السَّرِقَةِ أَجْزَأَ قال وَعَلَى هذا لو أَنَّ الْإِمَامَ جَلَدَ رَجُلًا مِائَةً ظُلْمًا فَبَانَ أَنَّ عليه حَدَّ الزِّنَا سَقَطَ عنه كما لو قَتَلَ رَجُلًا فَبَانَ أَنَّهُ قَاتِلُ أبيه قال الْأَذْرَعِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ ذلك وَالْأَشْبَهُ في صُورَةِ جَلْدِهِ ظُلْمًا ما قَالَهُ الْقَاضِي وَأَمَّا ما قَبْلَهَا فَالْإِجْزَاءُ فيه ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْحَدَّ فَلَا عِبْرَةَ بِظَنِّهِ أَنَّهُ عن الشُّرْبِ
وَيُسْتَحَبُّ حُضُورُهُ أَيْ الْإِمَامِ أو نَائِبِهِ اسْتِيفَاءَ حَدِّ الزِّنَا سَوَاءٌ أُثْبِتَ بِالْإِقْرَارِ أَمْ بِالْبَيِّنَةِ وَلَا يَجِبُ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ بِرَجْمِ مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ ولم يَحْضُرْ وَحُضُورُ جَمْعٍ من الرِّجَالِ الْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ من الْمُؤْمِنِينَ وَأَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ لِأَنَّ الزِّنَا لَا يَثْبُتُ بِأَقَلَّ منهم وَالتَّصْرِيحُ بِاسْتِحْبَابِ حُضُورِ الْإِمَامِ أو نَائِبِهِ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ في الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ وَصَرَّحَ الْأَصْلُ بِاسْتِحْبَابِ حُضُورِ الشُّهُودِ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ وَظَاهِرُهُ اسْتِحْبَابُ حُضُورِ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ حِينَئِذٍ أَيْضًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ إذَا ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْإِقْرَارِ أو بِالْبَيِّنَةِ ولم تَحْضُرْ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَتُعْرَضُ عليه التَّوْبَةُ قبل رَجْمِهِ فَإِنْ حَضَرَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُمِرَ بها وَإِنْ تَطَوَّعَ مُكِّنَ من رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ اسْتَسْقَى مَاءً سُقِيَ وَإِنْ اسْتَطْعَمَ لم يُطْعَمْ
ويستحب أَنْ يُحَاطَ بِالْمَحْدُودِ الْمُحْصَنِ فَيُرْمَى من الْجَوَانِبِ وَأَنْ يُرْجَمَ بِحِجَارَةٍ وَمَدَرٍ وَنَحْوِهَا مُعْتَدِلَةٍ فَفِي خَبَرِ مَاعِزٍ فَرَمَيْنَاهُ بِالْعِظَامِ وَالْمَدَرِ وَالْخَزَفِ وَخَرَجَ بِالْمُعْتَدِلَةِ الْحَصَيَاتُ الْخَفِيفَةُ لِئَلَّا يَطُولَ تَعْذِيبُهُ وَالصَّخَرَاتُ لِئَلَّا تُذَفِّفَهُ فَيَفُوتَ بِهِ التَّنْكِيلُ الْمَقْصُودُ وَلَيْسَ لِمَا يُرْجَمُ بِهِ تَقْدِيرٌ لَا جِنْسًا وَلَا عَدَدًا فَقَدْ تُصِيبُ الْأَحْجَارُ مَقَاتِلَهُ فَيَمُوتُ سَرِيعًا وقد يُبْطِئُ مَوْتُهُ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ لَكِنْ ضَبَطَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فقال الِاخْتِيَارُ أَنْ تَكُونَ مِلْءَ الْكَفِّ وَأَنْ يَكُونَ مَوْقِفُ الرَّامِي منه بِحَيْثُ لَا يَبْعُدُ عنه فَيُخْطِئُهُ وَلَا يَدْنُو منه فَيُؤْلِمُهُ وَجَمِيعُ بَدَنِهِ مَحَلٌّ لِلرَّجْمِ وَيَخْتَارُ أَنْ يَتَوَقَّى الْوَجْهَ وَلَا يَرْبِطُ وَلَا يُقَيِّدُ وَأَنْ يَبْدَأَ الشُّهُودُ بِالرَّجْمِ ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ الناس فَإِنْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ بَدَأَ الْإِمَامُ ثُمَّ الناس قَالَهُ ابن الرِّفْعَةِ
وَأَنْ يُحْفَرَ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ رَجْمِهَا إلَى صَدْرِهَا إنْ ثَبَتَ زِنَاهَا بِبَيِّنَةٍ لِئَلَّا تَنْكَشِفَ بِخِلَافِ ما إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ لِيُمْكِنَهَا الْهَرَبُ إنْ رَجَعَتْ وَبِخِلَافِ الرَّجُلِ لَا يُحْفَرُ له وَإِنْ ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ وَأَمَّا ثُبُوتُ الْحَفْرِ في قِصَّةِ الْغَامِدِيَّةِ مع أنها كانت مُقِرَّةً فَبَيَانٌ لِلْجَوَازِ وَوُجُوبُ الْحَدِّ على الْمَرْأَةِ بِاللِّعَانِ كَوُجُوبِهِ بِالْبَيِّنَةِ
وَلَا يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ وَنَحْوُهُ إذْ الْقَصْدُ التَّنْكِيلُ بِهِ بِالرَّجْمِ وَتُؤَخَّرُ وُجُوبًا حُدُودُ اللَّهِ كَقَطْعِ السَّرِقَةِ لِمَرَضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ وَشِدَّةِ حَرٍّ وَبَرْدٍ إلَى الْبُرْءِ وَاعْتِدَالِ الزَّمَنِ لِئَلَّا يَهْلِكَ الْمَحْدُودُ وَلِأَنَّ حُقُوقَهُ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ على الْمُسَاهَلَةِ بِخِلَافِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ فَلَا تُؤَخَّرُ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ على الْمُضَايَقَةِ وَكَالْمَرَضِ الْمَذْكُورِ النِّفَاسُ وَالْحَمْلُ وَالْجُرْحُ وَالضَّرْبُ وَاسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ما لو كان بِبِلَادٍ لَا يَنْفَكُّ حَرُّهَا أو بَرْدُهَا فَلَا يُؤَخَّرُ وَلَا يُنْقَلُ إلَى الْبِلَادِ الْمُعْتَدِلَةِ لِمَا فيه من تَأْخِيرِ الْحَدِّ وَلِخَوْفِ الْمَشَقَّةِ وَكُلُّ من أُخِّرَ حَدُّهُ لِعُذْرٍ فَلَا يُخَلَّى بَلْ يُحْبَسُ حتى يَزُولَ عُذْرُهُ قَالَهُ الْإِمَامُ وَتَوَقَّفَ فيه ابن الرِّفْعَةِ وقال لَا يُتَّجَهُ حَبْسُ الْمُقِرِّ كما ذَكَرَهُ الْإِمَامُ احْتِمَالًا في مَوْضِعٍ آخَرَ وَأَمَّا الثَّابِتُ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنْ أَمِنَ هَرَبَهُ لم يُحْبَسْ وَإِلَّا فَيُشْبِهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ من يَحْفَظُهُ أو يُرَاقِبُهُ لَا الرَّجْمُ فَلَا يُؤَخَّرُ لِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ
وَلَوْ ثَبَتَ زِنَاهُ بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّ نَفْسَهُ مُسْتَوْفَاةٌ بِهِ وَيُؤَخَّرُ لِلْحَمْلِ وَانْقِضَاءِ الْفِطَامِ وَلَوْ كان الْحَمْلُ من زِنًا كما في اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فَلَوْ أُقِيمَتْ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى مع ما ذُكِرَ فَمَاتَ الْمَحْدُودُ فَلَا ضَمَانَ على الْمُقِيمِ لها وَإِنْ عَصَى بِتَرْكِ التَّأْخِيرِ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِوَاجِبٍ أُقِيمَ عليه وَيُفَارِقُ الضَّمَانَ فِيمَا لو خُتِنَ أَقْلَفُ في مَرَضٍ أو شِدَّةِ حَرٍّ أو بَرْدٍ فَمَاتَ بِأَنَّ الْجَلْدَ ثَبَتَ قَدْرًا بِالنَّصِّ وَالْخِتَانُ أَصْلًا وَقَدْرًا بِالِاجْتِهَادِ وَلِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْحُدُودِ إلَى الْإِمَامِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِمَا يَتَوَلَّدُ منها وَالْخِتَانُ لَا يَتَوَلَّاهُ الْإِمَامُ أَصَالَةً بَلْ يَتَوَلَّاهُ الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ أو يَقُومُ بِهِ وَلِيُّهُ في صِغَرِهِ فإذا تَوَلَّاهُ الْإِمَامُ بِالنِّيَابَةِ اُشْتُرِطَ فيه سَلَامَةُ الْعَاقِبَةِ
وَإِنْ لم يُرْجَ زَوَالُ الْمَرَضِ كَالسُّلِّ وَالزَّمَانَةِ أو كان
____________________
(4/133)
نِضْوًا أَيْ نَحِيفَ الْبَدَنِ لَا يَحْتَمِلُ السِّيَاطَ لم تُفَرَّقْ أَيْ السِّيَاطُ على الْأَيَّامِ وَإِنْ احْتَمَلَ التَّفْرِيقَ بَلْ يُضْرَبُ في الْحَالِ إذْ لَا غَايَةَ تُنْظَرُ لَكِنْ لَا يُضْرَبُ بِسِيَاطٍ لِئَلَّا يَهْلِكَ بَلْ بِعِثْكَالٍ أَيْ غُصْنٍ ذِي فُرُوعٍ خَفِيفَةٍ وَنَحْوِهِ كَنِعَالٍ وَأَطْرَافِ ثِيَابٍ مَرَّةً فَأَكْثَرَ بِحَسَبِ الْعَدَدِ فَإِنْ كان على الْغُصْنِ مِائَةُ فَرْعٍ ضُرِبَ بِهِ مَرَّةً أو خَمْسُونَ ضُرِبَ بِهِ مَرَّتَيْنِ وَهَكَذَا وَالْعِثْكَالُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا وَيُقَالُ عُثْكُولٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِثْكَالٌ بِإِبْدَالِهَا هَمْزَةً مع ضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَلَا يُطْلَقُ إلَّا على شِمْرَاخِ النَّخْلِ ما دَامَ رَطْبًا فإذا يَبِسَ فَهُوَ عُرْجُونٌ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَنَالَهُ أَلَمُهَا أَيْ فُرُوعُ الْعِثْكَالِ بِمَسٍّ له أو انْكِبَاسٍ لِبَعْضِهَا على بَعْضٍ لِيَنَالَهُ الْأَلَمُ فَإِنْ انْتَفَى الْمَسُّ وَالِانْكِبَاسُ أو شَكَّ فيه لم يَسْقُطْ الْحَدُّ وَيُفَارِقُ الْأَيْمَانَ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ فيها ذلك لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ على الْعُرْفِ وَالضَّرْبُ غَيْرُ الْمُؤْلِمِ يُسَمَّى ضَرْبًا وَأَمَّا الْحُدُودُ فَمَبْنِيَّةٌ على الزَّجْرِ وهو لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْإِيلَامِ
وَإِنْ بَرَأَ من لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ بَعْدَ ضَرَبَهُ بِعِثْكَالٍ وَنَحْوِهِ أَجْزَأَهُ بِخِلَافِ الْمَعْضُوبِ إذَا حَجَّ عنه ثُمَّ بَرِئَ لِبِنَاءِ الْحُدُودِ على الدَّرْءِ وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لو بَرِئَ في أَثْنَاءِ ذلك كَمَّلَ حَدَّ الْأَصِحَّاءِ وَاعْتَدَّ بِمَا مَضَى وهو نَظِيرُ ما لو قَدَرَ في أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ على الْقِيَامِ فَلَوْ ضَرَبَ بها من يُرْجَى بُرْؤُهُ فَبَرِئَ لم يُجْزِهِ بِنَاءً على أَنَّهُ يَجِبُ تَأْخِيرُ الْجَلْدِ إلَى الْبُرْءِ وَيُخَيَّرُ من له حَدُّ قَذْفٍ على مَرِيضٍ بين الضَّرْبِ بِعِثْكَالٍ وَنَحْوِهِ وبين الصَّبْرِ إلَى بُرْئِهِ وَقِيلَ يُجْلَدُ بِالسِّيَاطِ سَوَاءٌ أَرُجِيَ بُرْؤُهُ أَمْ لَا لِأَنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ مَبْنِيَّةٌ على الْمُضَايَقَةِ وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ في الْمُهِمَّاتِ لَكِنَّ الْأَصْلَ جَزَمَ في اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ بِالثَّانِي وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ ثَمَّ وقال الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ عليه في الْأُمِّ
فَصْلٌ لِلسَّيِّدِ بِنَفْسِهِ أو نَائِبِهِ وَلَوْ مُكَاتَبًا بِفَتْحِ التَّاءِ وَامْرَأَةً وَفَاسِقًا وَلَوْ كَافِرًا وَمُشْتَرِيًا لِرَقِيقٍ بَعْدَ وُجُوبِ الْحَدِّ عليه إقَامَةُ الْحَدِّ على رَقِيقِهِ وَلَوْ مُدَبَّرًا وَأُمَّ وَلَدٍ وَإِنْ لم يَأْذَنْ له الْإِمَامُ لِأَنَّهَا على سَبِيلِ الْإِصْلَاحِ لِمِلْكِهِ لَا على سَبِيلِ الْوِلَايَةِ كَالْمُعَالَجَةِ بِالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وفي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا وَلَا يُثَرِّبْ عليها بِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ لَا يُوَبِّخْهَا وَلَا يُعَيِّرْهَا وَقِيلَ لَا يُبَالِغْ في جَلْدِهَا بِحَيْثُ يُدْمِيهَا وفي خَبَرِ أبي دَاوُد أَقِيمُوا الْحُدُودَ على ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَلَهُ تَغْرِيبُهُ لِأَنَّهُ بَعْضُ الْحَدِّ وَقُدِّمَ الْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ فِيمَا ذُكِرَ اعْتِبَارًا بِحَالِ الِاسْتِيفَاءِ وَإِنْ كان الْمُعْتَبَرُ في مِقْدَارِ الْحَدِّ حَالَ الْوُجُوبِ كما ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وما ذُكِرَ في الْمُكَاتَبِ هو ما صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ لَكِنْ نَصَّ في الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ على خِلَافِهِ كما نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ فَعَلَيْهِ لَا يَحُدُّهُ إلَّا الْإِمَامُ وَكَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ على أَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ وِلَايَةٌ لَا إصْلَاحٌ وَلَيْسَ لِلسَّفِيهِ إقَامَةُ الْحَدِّ على رَقِيقِهِ لِخُرُوجِهِ عن أَهْلِيَّةِ الْإِصْلَاحِ وهو أَيْ السَّيِّدُ أَوْلَى بِإِقَامَةِ الْحَدِّ على رَقِيقِهِ من الْإِمَامِ وَحَاصِلُ عِبَارَةِ الْأَصْلِ أَنَّ إقَامَةَ السَّيِّدِ له بِنَفْسِهِ أَوْلَى من تَفْوِيضِهِ إلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ وَلِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَعَمُّ من ذلك لَا إنْ نَازَعَهُ الْإِمَامُ فَلَيْسَ بِأَوْلَى بَلْ الْإِمَامُ أَوْلَى لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَظَاهِرُ الْأَخْبَارِ وَإِطْلَاقُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّ السَّيِّدَ أَوْلَى لِمَا مَرَّ وَيَتَوَزَّعُ الشُّرَكَاءُ في إقَامَةِ الْحَدِّ على الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ السِّيَاطُ بِقَدْرِ الْمِلْكِ وَيَسْتَنِيبُونَ وَاحِدًا منهم أو من غَيْرِهِمْ في الْمُنْكَسِرِ إنْ حَصَلَ كَسْرٌ وَعِبَارَتُهُ أَعَمُّ من قَوْلِ الْأَصْلِ فَإِنْ حَصَلَ كَسْرٌ فُوِّضَ الْمُنْكَسِرُ إلَى أَحَدِهِمْ
وَالْمُبَعَّضُ يَحُدُّهُ الْإِمَامُ فَقَطْ أَيْ لَا سَيِّدُهُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ له على بَعْضِهِ وَالْحَدُّ يَتَعَلَّقُ بِجُمْلَتِهِ وقد يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمُشْتَرَكِ وقد يُجَابُ بِأَنَّهُ لَا تَرْجِيحَ ثَمَّ بِخِلَافِهِ هُنَا إذْ الْحُرِّيَّةُ أَوْلَى بِالْمُؤَاخَذَةِ بِالْجَرَائِمِ فَكَانَتْ الْوِلَايَةُ عليها أَقْوَى وَكَذَا الْمُكَاتَبُ كِتَابَةً صَحِيحَةً لَا يَحُدُّهُ إلَّا الْإِمَامُ لِخُرُوجِهِ عن قَبْضَةِ سَيِّدِهِ قال الْبُلْقِينِيُّ وفي مَعْنَاهُمَا الْعَبْدُ الْمَوْقُوفُ كُلُّهُ أو بَعْضُهُ بِنَاءً على أَنَّ الْمِلْكَ فيه لِلَّهِ تَعَالَى وهو الْأَظْهَرُ وَعَبْدُ بَيْتِ الْمَالِ وَالْمُوصَى بِإِعْتَاقِهِ إذَا زَنَى بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبْلَ إعْتَاقِهِ وهو يَخْرُجُ من الثُّلُثِ بِنَاءً على أَنَّ أَكْسَابَهُ له وهو الْمَذْهَبُ
وَلِلسَّيِّدِ التَّعْزِيرُ لِرَقِيقِهِ على
____________________
(4/134)
ما ارْتَكَبَهُ مِمَّا يُوجِبُ تَعْزِيرًا كَالْحَدِّ سَوَاءٌ أَكَانَ لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لِآدَمِيٍّ وله إقَامَةُ حَدِّ الْقَذْفِ وَسَائِرِ الْحُدُودِ أَيْ بَاقِيهَا حتى الْقَطْعِ وَقَتْلِ الرِّدَّةِ وَالْمُحَارَبَةِ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ السَّابِقِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عن مَالِكٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ له سَرَقَ وَرَوَى مَالِكٌ في الْمُوَطَّإِ أَنَّ عَائِشَةَ قَطَعَتْ يَدَ أَمَةٍ لها سَرَقَتْ وَأَنَّ حَفْصَةَ قَتَلَتْ أَمَةً لها سَحَرَتْهَا قال الرَّافِعِيُّ وَإِنَّمَا يُقْتَلُ السَّاحِرُ بِكُفْرِهِ وهل له الْقَتْلِ وَالْقَطْعُ في الْقِصَاصِ وَجْهَانِ كَلَامُ الْأَصْلِ ظَاهِرٌ في تَرْجِيحِ الْجَوَازِ
وَهَلْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَتَوَلَّى لِعَانَ عَبْدِهِ فِيمَا إذَا قَذَفَ زَوْجَتَهُ الْمَمْلُوكَةَ لِسَيِّدِهِ بِأَنْ يُلَاعِنَ بَيْنَهُمَا وَجْهَانِ رَجَّحَ هو مِنْهُمَا في اللِّعَانِ الْجَوَازَ وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْلِ ثُمَّ حَيْثُ بَنِي الْخِلَافَ فيه على الْخِلَافِ في إقَامَتِهِ الْحَدَّ على عَبْدِهِ وَسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ
وَلَيْسَ لِلْكَافِرِ حَدُّ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ قَالَهُ ابن كَجٍّ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ على مِلْكِهِ وَلَا يَلِي تَزْوِيجَ أَمَتِهِ الْمُسْلِمَةِ بِخِلَافِ عَبْدِهِ الْكَافِرِ وفي جَوَازِ إقَامَةِ الْوَلِيِّ من أَبٍ وَجَدٍّ وَصَبِيٍّ وَحَاكِمٍ وَقَيِّمِ الْحَدِّ في عبد الطِّفْلِ وَنَحْوِهِ من سَفِيهٍ وَمَجْنُونٍ وَجْهَانِ قال في الْأَصْلِ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إنْ قُلْنَا الْحَدُّ إصْلَاحٌ فَلَهُ إقَامَتُهُ أو وِلَايَةٌ فَفِيهِ الْخِلَافُ وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ الْجَوَازِ وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وفي الْوَلِيِّ في رَقِيقِ الْمُوَلَّى عليه كان أَوْلَى وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ السَّيِّدِ بِأَحْكَامِ الْحَدِّ وَإِنْ كان جَاهِلًا بِغَيْرِهَا فَلَوْ سمع الْبَيِّنَةَ بِزِنَاهُ عَالِمًا بِأَحْكَامِهَا أو قَضَى بِمَا شَاهَدَهُ من زِنَاهُ جَازَ أَمَّا في الْأُولَى فَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْحَدَّ عليه فَمَلَكَ سَمَاعَ بَيِّنَتِهِ كَالْإِمَامِ وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَلِحَاجَتِهِ إلَى إصْلَاحِ مِلْكِهِ وَلِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فيه وَبِهَذَيْنِ فَارَقَ عَدَمَ جَوَازِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ في الْحُدُودِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ عَالِمًا بِأَحْكَامِهَا أَيْ الْبَيِّنَةِ ما لو لم يَكُنْ عَالِمًا بها فَلَا يَسْمَعُهَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِسَمَاعِهَا وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ ليس لِلْمُكَاتَبِ وَالْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ وَالْمَرْأَةِ سَمَاعُهَا فَلَا يُحَدُّونَ بِبَيِّنَةٍ بَلْ بِإِقْرَارٍ أو بِمُشَاهَدَةٍ منهم وَبِذَلِكَ جَزَمَ الزَّرْكَشِيُّ وَفَرْضُهُ في الْفَاسِقِ وَالْمُكَاتَبِ وَمِثْلُهُمَا الْبَقِيَّةُ بَلْ أَوْلَى
وَإِنْ قَذَفَ الرَّقِيقُ سَيِّدَهُ حُدَّ أو عَكْسُهُ بِأَنْ قَذَفَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ رُفِعَ الْأَمْرُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُعَزِّرَهُ كَغَيْرِهِ وَمَسْأَلَةُ الْعَكْسِ مَرَّتْ في بَابِ الْقَذْفِ
وَإِنْ زَنَى ذِمِّيٌّ حُرٌّ ثُمَّ اُسْتُرِقَّ بَعْدَ نَقْضِ عَهْدِهِ أَقَامَهُ عليه الْإِمَامُ لَا سَيِّدُهُ لِأَنَّهُ لم يَكُنْ مَمْلُوكًا يَوْمَئِذٍ
وَلِلْمَقْتُولِ حَدًّا بِالرَّجْمِ أو غَيْرِهِ حُكْمُ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ من غُسْلٍ وَتَكْفِينٍ وَصَلَاةٍ وَغَيْرِهَا كَتَارِكِ الصَّلَاةِ إذَا قُتِلَ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى على الْجُهَنِيَّةِ وَأَمَرَ بِالصَّلَاةِ على الْغَامِدِيَّةِ وَدَفَنَهَا وفي رِوَايَةٍ صلى هو عليها أَيْضًا
بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ بِالْمُعْجَمَةِ وهو لُغَةً الرَّمْيُ وَشَرْعًا الرَّمْيُ بِالزِّنَا في مَعْرِضِ التَّعْيِيرِ كما مَرَّ في كِتَابِ الْقَذْفِ الْقَذْفُ من الْمُكَلَّفِ الْمُخْتَارِ الْعَالِمِ بِالتَّحْرِيمِ مُسْلِمًا أو كَافِرًا كَبِيرَةٌ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ وَعَدَّ منها قَذْفَ الْمُحْصَنَاتِ وقد سَبَقَتْ شُرُوطُهُ الْمُوجِبَةُ لِلْحَدِّ أَيْ بَقِيَّتُهَا في اللِّعَانِ فَلَا حَدَّ على غَيْرِ مُكَلَّفٍ ليس بِسَكْرَانَ وَلَا على مُكْرَهٍ وَلَا جَاهِلٍ بِالتَّحْرِيمِ وَلَا حَرْبِيٍّ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ وَلَا قَاذِفِ غَيْرِ الْمُحْصَنِ الْمُتَقَدِّمِ بَيَانُهُ في اللِّعَانِ بِقَوْلِهِ وهو الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْعَفِيفُ عن الزِّنَا وَلَا حَدَّ على الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْضًا وَيُفَارِقُ لُزُومَ الْقَوَدِ له بِأَنَّ أَحَدًا لَا يَسْتَعِينُ بِلِسَانِ غَيْرِهِ في الْقَذْفِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في الْقَتْلِ وَيُفَرَّقُ بين الْمُكْرِهِ هُنَا وَالْمُكْرَهِ ثَمَّ بِفَتْحِ الرَّاءِ فِيهِمَا بِأَنَّ الْمَأْخَذَ هُنَا التَّعْيِيرُ ولم يُوجَدْ وَهُنَاكَ الْجِنَايَةُ وقد وُجِدَتْ
وَيَحُدُّ الْإِمَامُ وَلَوْ بِنَائِبِهِ لَا غَيْرَهُ الْقَاذِفَ الْحُرَّ ثَمَانِينَ جَلْدَةً لِآيَةِ وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ وَلِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عليه وَدَلِيلُ كَوْنِ الْآيَةِ في الْحُرِّ قَوْلُهُ وَلَا تَقْبَلُوا لهم شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ إذْ غَيْرُهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ
____________________
(4/135)
وَإِنْ لم يَقْذِفْ
وَيَحُدُّ من فيه رِقٌّ وَلَوْ مُبَعَّضًا أو أُمَّ وَلَدٍ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً على النِّصْفِ من الْحُرِّ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عليه وَالنَّظَرُ في الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ إلَى حَالَةِ الْقَذْفِ لِتَقَرُّرِ الْوَاجِبِ حِينَئِذٍ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِالِانْتِقَالِ من أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ وَلَا يُحَدُّ أَصْلُ الْفَرْعِ وَإِنْ سَفَلَ كما لَا يُقَادُ بِهِ وَإِنْ اسْتَحَقَّهُ أَيْ الْفَرْعُ الْحَدَّ بِإِرْثٍ كَأَنْ وَرِثَ من أُمِّهِ حَدَّ قَذْفٍ على أبيه فإنه لَا يَحُدُّهُ وَخَرَجَ بِالْحَدِّ التَّعْزِيرُ فَيَلْزَمُ الْأَصْلُ لِلْأَذَى كما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَيُعَزَّرُ بِهِ أَيْ بِالْقَذْفِ صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ مَيَّزَا لِلزَّجْرِ وَالتَّأْدِيبِ
فَرْعٌ هو أَيْ حَدُّ الْقَذْفِ حَقُّ آدَمِيٍّ وقد يُشْبِهُ الْحَدَّ وفي نُسْخَةٍ وَفِيهِ شِبْهُ الْحَدِّ من حَيْثُ إنَّهُ أَيْ الْمَقْذُوفَ لو اسْتَوْفَاهُ بِنَفْسِهِ ولم يَكُنْ سَيِّدَ الْقَاذِفِ لم يُجْزِهِ وَإِنْ إذَنْ له الْقَاذِفُ كَجَلْدِ الزِّنَا لو اسْتَوْفَاهُ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ لِأَنَّ مَوَاقِعَ الْجَلَدَاتِ وَالْإِيلَامِ بها مُخْتَلِفٌ فَلَا يُؤْمَنُ من الْحَيْفِ فيها بِخِلَافِ الْمُقْتَصِّ لو اسْتَوْفَى قِصَاصَهُ بِنَفْسِهِ وَبِخِلَافِ ما لو قَتَلَ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ زَانِيًا مُحْصَنًا فإن ذلك يُجْزِئُ وَاسْتَثْنَى من عَدَمِ الْإِجْزَاءِ مع مَسْأَلَةِ السَّيِّدِ السَّابِقَةِ ما لو قَذَفَهُ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عن الْإِمَامِ وَاسْتَوْفَى منه بِلَا مُجَاوَزَةٍ فإنه يَجُوزُ كَالدَّيْنِ الذي له أَنْ يَتَوَصَّلَ إلَى أَخْذِهِ إذَا مُنِعَ منه صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَقَضِيَّةُ هذا التَّشْبِيهِ أَنَّ له ذلك بِالْبَلَدِ إذَا لم يَكُنْ له بَيِّنَةٌ بِقَذْفِهِ وَلِقَاذِفٍ يَجْحَدُ وَيَحْلِفُ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَشَطَّرُ بِالرِّقِّ كما مَرَّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ فيه حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَحَقًّا لِلْآدَمِيِّ والمغلب فيه حَقُّ الْآدَمِيِّ من حَيْثُ إنَّهُ إنَّمَا يُسْتَوْفَى بِطَلَبِهِ لِأَنَّهُ الْمُتَضَرِّرُ بِإِشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ وَيَسْقُطُ بِإِذْنِهِ لِلْقَاذِفِ في الْقَذْفِ كما في الْقَوَدِ وَبِعَفْوِهِ عنه كَسَائِرِ الْحُقُوقِ لَا بِعَفْوِهِ بِمَالٍ فَلَا يُسْقِطُ هذا من زِيَادَتِهِ وهو ما صَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ فَارِقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ من الشُّفْعَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِأَنَّ التَّأْخِيرَ هُنَا لَا يَقْتَضِي إبْطَالَهُ بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَالْأَوْجَهُ ما أَفْتَى بِهِ الْحَنَّاطِيُّ وَنَقَلَهُ عنه ابن الْمُلَقَّنِ وَأَقَرَّهُ أَنَّهُ يَسْقُطُ لِلْعَفْوِ عنه لَكِنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَالَ كما صَحَّحَهُ في الرَّوْضَةِ
فَصْلٌ لو شَهِدَ بِالزِّنَا لَا الْإِقْرَارُ بِهِ دُونَ أَرْبَعَةٍ حُدُّوا لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه جَلَدَ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا على الْمُغِيرَةِ بن شُعْبَةَ بِالزِّنَا ولم يُخَالِفْهُ أَحَدٌ من الصَّحَابَةِ وَلِئَلَّا يَتَّخِذَ صُورَةَ الشَّهَادَةِ ذَرِيعَةً إلَى الْوَقِيعَةِ في أَعْرَاضِ الناس بِخِلَافِ ما لو شَهِدَ وَاحِدٌ بِالْإِقْرَارِ بِهِ إذْ لَا حَدَّ على من قال لِغَيْرِهِ أَقْرَرْت بِأَنَّك زَنَيْت وَإِنْ ذَكَرَهُ في مَعْرِضِ الْقَذْفِ لَا إنْ شَهِدَ بِهِ أَرْبَعَةٌ فَلَا يُحَدُّونَ وَلَوْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ بِفِسْقٍ مَقْطُوعٍ بِهِ كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَفَارَقَ ما مَرَّ بِأَنَّ نَقْصَ الْعَدَدِ مُتَيَقَّنٌ وَفِسْقُهُمْ إنَّمَا يُعْرَفُ بِالظَّنِّ وَالِاجْتِهَادِ وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ وَعُلِمَ من كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين رَدِّ شَهَادَتِهِمْ بِفِسْقٍ وَرَدِّهَا بِغَيْرِهِ كَعَدَاوَةٍ وَلَا في الْفِسْقِ بين الْمَقْطُوعِ بِهِ وَالْمُجْتَهَدِ فيه كَشُرْبِ النَّبِيذِ
وَيُحَدُّ الْقَاذِفُ لِمَنْ شَهِدَتْ الْأَرْبَعَةُ بِزِنَاهُ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الزِّنَا وَلَا مُعَارِضَ
ثُمَّ الزَّوْجُ إنْ شَهِدَ بِزِنَا زَوْجَتِهِ قَاذِفٌ لها لَا شَاهِدٌ فَيَلْزَمُهُ حَدُّ الْقَذْفِ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ بِزِنَاهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ لِلتُّهْمَةِ وَإِنْ شَهِدَ عليها مع دُونِ أَرْبَعَةٍ حُدُّوا لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ كَنِسَاءٍ وَعَبِيدٍ وَذِمِّيِّينَ شَهِدُوا بِزِنَا امْرَأَةٍ فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ لِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا من أَهْلِ الشَّهَادَةِ فلم يَقْصِدُوا إلَّا الْعَارَ وَكَذَا لو شَهِدَ مع وَاحِدٍ منهم ثَلَاثَةُ شُهُودٍ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَإِنْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ فَأَقَلُّ بِالزِّنَا فَحُدُّوا وَأَعَادُوهَا مع رَابِعٍ لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ كَالْفَاسِقِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ ثُمَّ يَتُوبُ وَيُعِيدُهَا لَا تُقْبَلُ أو شَهِدَ له عَبِيدٌ وَحُدُّوا فَأَعَادُوهَا بَعْدَ الْعِتْقِ قُبِلَتْ لِعَدَمِ اتِّهَامِهِمْ
وَإِنْ شَهِدَ بِهِ خَمْسَةٌ فَرَجَعَ وَاحِدٌ منهم عن شَهَادَتِهِ لم يُحَدَّ لِبَقَاءِ
____________________
(4/136)
النِّصَابِ أو رَجَعَ اثْنَانِ منهم حُدَّا لِأَنَّهُمَا أَلْحَقَا بِهِ الْعَارَ دُونَ الْبَاقِينَ لِتَمَامِ النِّصَابِ مع عَدَمِ تَقْصِيرِهِمْ وَكَذَا لو رَجَعَ وَاحِدٌ من أَرْبَعَةٍ حُدَّ وَحْدَهُ سَوَاءٌ أَرَجَعَ بَعْدَ حُكْمِ الْقَاضِي بِالشَّهَادَةِ أَمْ قَبْلَهُ وَلَوْ رَجَعَ الْأَرْبَعَةُ حُدُّوا لِأَنَّهُمْ أَلْحَقُوا بِهِ الْعَارَ سَوَاءٌ تَعَمَّدُوا أَمْ أَخْطَئُوا لِأَنَّهُمْ فَرَّطُوا في تَرْكِ التَّثَبُّتِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ اكْتِفَاءً بِذِكْرِهِ له كَأَصْلِهِ في الشَّهَادَاتِ
كِتَابٌ السَّرِقَةُ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا مع فَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا وَيُقَالُ أَيْضًا السَّرِقُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسَرَقَ منه مَالًا يَسْرِقُ سَرَقًا بِالْفَتْحِ وَرُبَّمَا قالوا سَرَقَهُ مَالًا وَالْأَصْلُ في الْقَطْعِ بها قبل الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا وَغَيْرُهُ مِمَّا يَأْتِي
وَهِيَ لُغَةً أَخْذُ الْمَالِ خُفْيَةً وَشَرْعًا أَخْذُهُ خُفْيَةً من حِرْزِ مِثْلِهِ بِشُرُوطٍ تَأْتِي وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ فِيمَا يُوجِبُ الْقَطْعَ وهو السَّرِقَةُ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ مَسْرُوقٌ وَسَرِقَةٌ وَسَارِقٌ الْأَوَّلُ الْمَسْرُوقُ وَلَهُ سِتَّةُ شُرُوطٍ الْأَوَّلُ النِّصَابُ وهو رُبْعُ دِينَارٍ أو ما يُقَوَّمُ بِهِ فَيُقْطَعُ بِرُبْعِ دِينَارٍ وهو أَيْ الدِّينَارُ الْمَضْرُوبُ وَوَصَفَ الدِّينَارَ بِقَوْلِهِ خَالِصٌ أَيْ فَيُقْطَعُ بِرُبْعِ دِينَارٍ خَالِصٍ أو مَغْشُوشٍ خَالِصُهُ نِصَابٌ وَإِنْ كان الرُّبْعُ لِجَمَاعَةٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ لَا تُقْطَعُ يَدُ سَارِقٍ إلَّا في رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا وَالدِّينَارُ الْمِثْقَالُ وَقِيسَ بِالرُّبْعِ ما يُسَاوِيهِ في الْقِيمَةِ حَالَ السَّرِقَةِ سَوَاءٌ أَكَانَ دَرَاهِمَ أَمْ لَا فَلَوْ سَرَقَ شيئا يُسَاوِي رُبْعَ مِثْقَالٍ من غَيْرِ الْمَضْرُوبِ كَسَبِيكَةٍ وَحُلِيٍّ وَلَا يَبْلُغُ رُبْعًا مَضْرُوبًا أو بِالْعَكْسِ فَلَا قَطْعَ بِهِ كما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ لَا سَبِيكَةٍ بِالْجَرِّ عَطْفًا على رُبْعِ تَنْقُصُ قِيمَتُهُ عن رُبْعِ دِينَارٍ وَإِنْ كَمُلَتْ وَزْنًا نَظَرًا إلَى الْقِيمَةِ فِيمَا هو كَالْعَرْضِ وَغَيْرُ السَّبِيكَةِ من حُلِيٍّ وَنَحْوِهِ مِثْلُهَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ولا خَاتَمٍ يَنْقُصُ وَزْنًا وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ نَظَرًا إلَى الْوَزْنِ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ
وقال الْإِسْنَوِيِّ إنَّهُ غَلَطٌ فَاحِشٌ لِأَنَّهُ سَوَّى بين هذه وَاَلَّتِي قَبْلَهَا في تَصْحِيحِ عَدَمِ الْقَطْعِ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ وَالْخِلَافُ في الْمَسْأَلَتَيْنِ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْوَزْنِ أو بِالْقِيمَةِ وقال الْبُلْقِينِيُّ ليس بِغَلَطٍ بَلْ هو فِقْهٌ مُسْتَقِيمٌ وَإِنْ لم يُعْطِهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فإن الْوَزْنَ في الذَّهَبِ لَا بُدَّ منه وَهَلْ يُعْتَبَرُ معه إذَا لم يَكُنْ مَضْرُوبًا أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهُ رُبْعَ دِينَارٍ وَمَضْرُوبٌ فيه الْخِلَافُ الذي في السَّبِيكَةِ فَأَمَّا إذَا نَقَصَ الْوَزْنُ وَلَكِنْ قِيمَتُهُ تُسَاوِي رُبْعَ دِينَارٍ مَضْرُوبٍ فَهَذَا يَضْعُفُ فيه الِاكْتِفَاءُ بِالْقِيمَةِ فَاسْتَقَامَ ما ذَكَرَهُ في الرَّوْضَةِ وما ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فيه إلْبَاسٌ وكان اللَّائِقُ أَنْ يُنَبِّهَ عليه صَاحِبُ الرَّوْضَةِ انْتَهَى وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ في الْمَسْأَلَتَيْنِ من النَّظَرِ إلَى الْوَزْنِ وَالْقِيمَةِ مَعًا وَغَيْرُ ذلك من الْعُرُوضِ وَالدَّرَاهِمِ يُقَوَّمُ بِذَهَبٍ أَيْ بِدَنَانِيرَ نعم إنْ لم تُعْرَفْ قِيمَتُهُ بِالدَّنَانِيرِ قُوِّمَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ قُوِّمَتْ الدَّرَاهِمُ بِالدَّنَانِيرِ قَالَهُ الدَّارِمِيُّ
فَلَوْ لم يَكُنْ مَكَانَ السَّرِقَةِ دَنَانِيرُ قال الزَّرْكَشِيُّ فَالْمُتَّجَهُ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ في أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ سَبِيكَةَ الذَّهَبِ تُقَوَّمُ بِالدَّنَانِيرِ وَإِنْ كان فيه تَقْوِيمُ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ خِلَافًا لِلدَّارِمِيِّ في قَوْلِهِ تُقَوَّمُ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ يُقَوِّمُ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ وَلْيَكُنْ التَّقْوِيمُ بِالدَّنَانِيرِ تَقْوِيمَ قَطْعٍ من الْمُقَوِّمِينَ لَا تَقْوِيمَ اجْتِهَادٍ منهم لِلْحَدِّ أَيْ لِأَجْلِهِ فَلَا بُدَّ لِأَجْلِهِ من الْقَطْعِ بِذَلِكَ فَلَوْ قالوا نَظُنُّ أَنَّهُ يُسَاوِي رُبْعًا لم يُحَدَّ بِهِ كما عَبَّرَ بِهِ الْغَزَالِيُّ مع أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُقْبَلُ إلَّا بِالْقَطْعِ وَإِنْ كان مُسْتَنَدُهَا الظَّنُّ ويراعى في الْقِيمَةِ الْمَكَانُ وَالزَّمَانُ لِاخْتِلَافِهَا بِهِمَا
قال الرَّافِعِيُّ وَيَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْحِجَازِ أو قِيمَةُ عَهْدِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيُعْمَلُ في دَعْوَى السَّرِقَةِ إنْ اخْتَلَفَتْ بَيِّنَتَانِ بِالْأَقَلِّ من الْقِيمَتَانِ لِلْقَطْعِ بَلْ وَلِلْمَالِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِأَنَّهُ نِصَابٌ وَقَوَّمَهُ آخَرَانِ بِدُونِهِ فَلَا قَطْعَ وَيُؤْخَذُ في الْغُرْمِ بِالْأَقَلِّ وَلَهُ الْحَلِفُ فِيمَا لو شَهِدَ اثْنَانِ بِسَرِقَةٍ فَقَوَّمَ أَحَدُهُمَا الْمَسْرُوقَ نِصَابًا وَالْآخَرُ دُونَهُ مع شَاهِدِ الْأَكْثَرِ لِلْمَالِ وَيُقْطَعُ بِدِينَارٍ أَيْ بِسَرِقَةِ دِينَارٍ ظَنَّهُ فَلْسًا لِأَنَّهُ قَصَدَ سَرِقَةَ عَيْنِهِ وَلَا أَثَرَ لِظَنِّهِ وَلِأَنَّهُ أَخْرَجَ نِصَابًا
____________________
(4/137)
من حِرْزِهِ بِقَصْدِ السَّرِقَةِ وَالْجَهْلُ بِجِنْسِ الْمَسْرُوقِ وَقَدْرِهِ لَا يُؤَثِّرُ كَالْجَهْلِ بِصِفَتِهِ وَكَذَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ ظَرْفٍ ظَنَّهُ فَارِغًا فَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا خَسِيسًا وفي جَيْبِهِ رُبْعُ دِينَارٍ أو ما يَبْلُغُ قِيمَتَهُ نِصَابًا ولم يَعْلَمْ بِالْحَالِ وَجَبَ الْقَطْعُ لِذَلِكَ وَلَوْ أَخْرَجَ النِّصَابَ من حِرْزِهِ دَفَعَاتٍ قُطِعَ وَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا اطِّلَاعُ الْمَالِكِ وَإِهْمَالُ إعَادَةِ الْحِرْزِ أو اُشْتُهِرَ هَتْكُهُ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ نِصَابًا من حِرْزٍ هَتَكَهُ فَأَشْبَهَ ما لو أَخْرَجَهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَكَمَا لو طَرَّ جَيْبَ إنْسَانٍ وَأَخَذَ منه دِرْهَمًا فَدِرْهَمًا وَلِأَنَّ فِعْلَ الشَّخْصِ مَبْنِيٌّ على فِعْلِهِ وَلِهَذَا لو جَرَحَ ثُمَّ قَتَلَ دخل الْأَرْشُ في دِيَةِ النَّفْسِ بِخِلَافِ فِعْلِ غَيْرِهِ لَا إنْ تَخَلَّلَ اطِّلَاعٌ من الْمَالِكِ أو إحْرَازٌ منه صَوَابُهُ الْمُوَافِقُ لِأَصْلِهِ وَإِحْرَازٌ لِلْمَسْرُوقِ وَلَوْ بِإِعَادَةِ الْحِرْزِ فَلَا قَطْعَ وَالْمَأْخُوذُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ سَرِقَةٌ أُخْرَى فَإِنْ كان نِصَابًا قُطِعَ أو دُونَهُ فَلَا لِانْفِصَالِ كل وَاحِدَةٍ عن الْأُخْرَى وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَبَّرَ بِأَوْ مُوَافَقَةً لِلْبُلْقِينِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ في أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِيمَا إذَا تَخَلَّلَ أَحَدُهَا فَقَطْ وَلَوْ فَتَحَ وِعَاءً أو طَرَّ أَيْ قَطَعَ جَيْبًا فَانْثَالَ بِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ انْصَبَّ مِمَّا فيه من بُرٍّ أو غَيْرِهِ نِصَابٌ وَلَوْ شيئا فَشَيْئًا قُطِعَ وَإِنْ لم يَأْخُذْهُ كما لو أَخْرَجَهُ بيده لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ هَتَكَ الْحِرْزَ وَأَخْرَجَ منه نِصَابًا وَقَوْلُهُ أو طَرَّ جَيْبًا دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ وَإِنْ أَخْرَجَ بَعْضَ ثَوْبٍ مَثَلًا من حِرْزٍ وَتَرَكَ بَاقِيَةً فيه لم يُقْطَعْ وَإِنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُ أَيْ الْبَعْضِ الْمُخْرَجِ لِأَنَّهُ مَالٌ وَاحِدٌ ولم يَتِمَّ إخْرَاجُهُ وَلِذَلِكَ لو كان طَرَفُ عِمَامَةِ الْمُصَلِّي على نَجَاسَةٍ لم تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَتَعْبِيرُهُ بِالْبَعْضِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالنِّصْفِ وَلَوْ جَمَعَ نِصَابًا من بَذْرِ أَرْضٍ مُحْرَزَةٍ كَأَنْ تَكُونَ بِجَنْبِ الْمَزَارِعِ قُطِعَ وَلَا يُقْبَلُ مَوْضِعَ كل حَبَّةٍ حِرْزٌ خَاصٌّ فَصَارَ كما لو أَخْرَجَ النِّصَابَ من حِرْزَيْنِ لِأَنَّ الْأَرْضَ تُعَدُّ بُقْعَةً وَاحِدَةً وَالْبَذْرُ فيها كَأَمْتِعَةٍ في أَطْرَافِ الْبَيْتِ فَإِنْ لم تَكُنْ الْأَرْضُ مُحْرَزَةً لم يُقْطَعْ وَلَا يُقْطَعُ الْمُشْتَرَكَانِ في الْإِخْرَاجِ من حِرْزٍ بِدُونِ نِصَابٍ بَيِّنٍ أَيْ بِسَرِقَتِهِ وَيُقْطَعَانِ بِسَرِقَةِ نِصَابَيْنِ تَوْزِيعًا لِلْمَسْرُوقِ عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ في الشِّقَّيْنِ وَقَيَّدَ الْقَمُولِيُّ الشِّقَّ الثَّانِيَ بِمَا إذَا كان كُلٌّ مِنْهُمَا يُطِيقُ حَمْلَ ما يُسَاوِي نِصَابًا أَمَّا إذَا كان أَحَدُهُمَا لَا يُطِيقُ ذلك وَالْآخَرُ يُطِيقُ حَمْلَ ما فَوْقَهُ فَلَا يُقْطَعُ الْأَوَّلُ وَخَرَجَ بِاشْتِرَاكِهِمَا في الْإِخْرَاجِ ما لو تَمَيَّزَا فيه فَيُقْطَعُ من مَسْرُوقُهُ نِصَابٌ دُونَ من مَسْرُوقُهُ أَقَلُّ قال الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَالظَّاهِرُ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا كان كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَقِلًّا فَلَوْ كان أَحَدُهُمَا صَبِيًّا أو مَجْنُونًا لَا يُمَيِّزُ فَيُقْطَعُ الْمُكَلَّفُ وَإِنْ لم يَكُنْ الْمُخْرَجُ نِصَابَيْنِ لِأَنَّ غَيْرَهُ كَآلَةٍ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا أَذِنَ له الْمُكَلَّفُ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ وَإِنْ أَخَذَ نِصَابًا من حِرْزٍ وَأَتْلَفَ بَعْضَهُ في الْحِرْزِ بِأَكْلٍ أو غَيْرِهِ لم يُقْطَعْ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ لَا سَرِقَةٌ الشَّرْطُ الثَّانِي كَوْنُهُ أَيْ الْمَسْرُوقِ مِلْكَ الْغَيْرِ فَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ الذي بِيَدِ غَيْرِهِ وَإِنْ كان مَرْهُونًا وَلَا بِمَا سَرَقَهُ مع مَالِهِ أو وَجَدَهُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ من حِرْزِ غَاصِبٍ لِمَالِهِ الذي وُضِعَ فيه لِأَنَّ له دُخُولَ الْحِرْزِ وَهَتْكَهُ لِأَخْذِ مَالِهِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ يُقْطَعُ بِذَلِكَ وَلَوْ سَرَقَهُ مع الْمَغْصُوبِ لَا بِمَا سَرَقَهُ وَلَوْ مع مَالِهِ مِمَّنْ أَيْ من حِرْزِ من يَدُهُ عليه بِحَقٍّ كَمِلْكٍ وَإِجَارَةٍ وَإِعَارَةٍ أَيْ فَيُقْطَعُ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ له فِيمَا سَرَقَهُ بِخِلَافِ ما لو سَرَقَ مِمَّنْ يَدُهُ عليه بِغَيْرِ حَقٍّ كَغَصْبٍ سَوَاءٌ أَسَرَقَهُ منه مَالِكُ الْحِرْزِ أَمْ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ ليس حِرْزًا لِغَاصِبِهِ وَلِمَالِكِهِ دُخُولُهُ وَذِكْرُ هذه هُنَا من زِيَادَتِهِ وَسَتَأْتِي مع زِيَادَةٍ وَلَوْ سَرَقَ ما اشْتَرَاهُ من يَدِ الْبَائِعِ وَلَوْ قبل تَسْلِيمِ الثَّمَنِ أو في زَمَنِ الْخِيَارِ أو سَرَقَ ما اتَّهَبَهُ قبل قَبْضِهِ لم يُقْطَعْ فِيهِمَا لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ وَكَذَا لو سَرَقَ ما اشْتَرَاهُ مَالًا آخَرَ بَعْدَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو سَرَقَ شَخْصٌ الْمُوصَى له بِهِ قبل الْمَوْتِ أَيْ مَوْتِ الْمُوصِي وَكَذَا بَعْدَهُ وَقَبْلَ
____________________
(4/138)
الْقَبُولِ قُطِعَ فِيهِمَا
أَمَّا في الْأُولَى فَلِأَنَّ الْقَبُولَ لم يَقْتَرِنْ بِالْوَصِيَّةِ وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَبِنَاءً على أَنَّ الْمِلْكَ فيها لَا يَحْصُلُ بِالْمَوْتِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَأَطْلَقَ ابن الرِّفْعَةِ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا يُقْطَعُ من غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِبِنَاءٍ وهو أَقْرَبُ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ بِالْمَوْتِ والرافعي تَبِعَ في الْبِنَاءِ الْبَغَوِيّ وَأَحْسَنَ الْخُوَارِزْمِيَّ فَصَحِيحٌ عَدَمُ الْقَطْعِ انْتَهَى وَعَدَمُ الْقَطْعِ أَوْجَهُ وَإِلَّا أَشْكَلَ بِعَدَمِ الْقَطْعِ بِسَرِقَةِ ما اتَّهَبَهُ قبل قَبْضِهِ وَالْفَرْقُ بِأَنَّ الْقَبُولَ وُجِدَ ثَمَّ ولم يُوجَدْ هُنَا لَا يُجْدِي لَا إنْ سَرَقَ الْمُوصَى بِهِ فَقِيرٌ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَالْوَصِيَّةُ لِلْفُقَرَاءِ فَلَا يُقْطَعُ كَسَرِقَةِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بِخِلَافِ ما لو سَرَقَهُ الْغَنِيُّ وَلَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ أَيْ أَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا سَرَقَهُ أو لِلْحِرْزِ أو لِلْمَالِكِ لِمَا سَرَقَهُ وهو مَجْهُولٌ نَسَبًا أو أَنَّهُ أَخَذَهُ من الْحِرْزِ بِإِذْنِهِ أو أَنَّهُ أَخَذَهُ وَالْحِرْزُ مَفْتُوحٌ أو وَصَاحِبُهُ مُعْرِضٌ عن الْمُلَاحَظَةِ أو أَنَّهُ دُونَ النِّصَابِ سَقَطَ عنه الْقَطْعُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ وَإِنْ ثَبَتَتْ السَّرِقَةُ بِالْبَيِّنَةِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ فَصَارَ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْقَطْعِ وَلِأَنَّهُ صَارَ خَصْمًا في الْمَالِ وَسُمِّيَ هذا السَّارِقُ الظَّرِيفَ وَلَا يَسْتَفْصِلُ بَعْدَ ثُبُوتِ السَّرِقَةِ عن كَوْنِ الْمَسْرُوقِ مِلْكَهُ أو لَا وَإِنْ كان فيه سَعْيٌ في سُقُوطِ الْحَدِّ عنه لِأَنَّهُ إغْرَاءٌ له بِادِّعَاءِ الْبَاطِلِ وَلَا يَثْبُتُ له الْمَالُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أو الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ لَا بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ فَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ لم يَجِبْ الْقَطْعُ لِسُقُوطِهِ بِالشُّبْهَةِ وَإِنْ ادَّعَى من شَهِدَ عليه أَرْبَعَةٌ بِزِنَا امْرَأَةٍ أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ زَوْجَتُهُ أو أَمَتُهُ سَقَطَ عنه الْحَدُّ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ وَإِنْ قال أَحَدُ السَّارِقِينَ الْمَالُ لِصَاحِبِي وَأَذِنَ لي في الْأَخْذِ منه لم يُقْطَعْ لِذَلِكَ فَلَوْ أَنْكَرَ صَاحِبُهُ أَنَّ الْمَالَ له قُطِعَ الْمُنْكِرُ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِسَرِقَةِ نِصَابٍ بِلَا شُبْهَةٍ بِخِلَافِ ما لو صَدَّقَهُ أو سَكَتَ أو قال لَا أَدْرِي وَلَوْ سَرَقَ عَبْدٌ نِصَابًا وَادَّعَاهُ أَيْ أَنَّ ما سَرَقَهُ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ لم يُقْطَعْ وَإِنْ كَذَّبَهُ سَيِّدُهُ كَالْحُرِّ يَدَّعِي الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ فَرْعٌ لو مَلَكَ ما سَرَقَهُ بَعْدَ ثُبُوتِ السَّرِقَةِ قُطِعَ أو قَبْلَهُ وَلَوْ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ من الْحِرْزِ وَقَبْلَ الرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ تَعَذَّرَ الْقَطْعُ لِعَدَمِ الْمُطَالِبِ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من أَنَّ الْقَطْعَ يَتَوَقَّفُ على دَعْوَى الْمَسْرُوقِ منه وَمُطَالَبَتِهِ الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مُحْتَرَمًا فَلَا يُقْطَعُ وَلَوْ ذِمِّيًّا بِخَمْرٍ وَكَلْبٍ وَلَوْ مُحْتَرَمَيْنِ وَجِلْدُ مَيْتَةٍ لم يُدْبَغْ وَنَحْوِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ وَهَذَا كما قال الرَّافِعِيُّ عُلِمَ من الشَّرْطِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ ما لَا قِيمَةَ له لَا يَكُونُ نِصَابًا على أَنَّ الْغَرَضَ من هذا الشَّرْطِ أَنْ يَكُونَ مَالًا مُحْتَرَمًا لِيَخْرُجَ بِالْمَالِ ما ذُكِرَ وبالمحترم غَيْرُهُ كَمَالِ الْحَرْبِيِّ وَيُقْطَعُ بِإِنَاءِ خَمْرٍ وَلَوْ كَسَرَهُ في الْحِرْزِ وَأَخْرَجَهُ منه وَبِآلَةِ لَهْوٍ وَبِإِنَاءِ ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ وَلَوْ كَسَرَهُمَا في الْحِرْزِ وَأَخْرَجَهُمَا حَيْثُ يَبْلُغُ مَكْسُورُهُمَا أَيْ إنَاءِ الْخَمْرِ وَآلَةِ اللَّهْوِ وَإِنَاءِ الذَّهَبِ نِصَابًا لِأَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا من حِرْزٍ بِلَا شُبْهَةٍ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَبْلُغْ ذلك وَلَوْ قال لو كَسَرَهَا في الْحِرْزِ وَأَخْرَجَهَا وَأَخَّرَهُ عن قَوْلِهِ ذَهَبٍ كان أَوْلَى وَأَوْفَى بِمَا في الْأَصْلِ لَا إنْ أَخْرَجَهَا من الْحِرْزِ لِيُشْهِرَهَا بِالْكَسْرِ وَالتَّغْيِيرِ فَلَا يُقْطَعُ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحْرَزَةٍ شَرْعًا إذْ لِكُلِّ من قَصْدَ كَسْرَهَا أَنْ يَدْخُلَ مَكَانَهَا لِيَكْسِرَهَا وهو إنَّمَا دخل بِقَصْدِ كَسْرِهَا وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لو دخل بِقَصْدِ كَسْرِهَا وَأَخْرَجَهَا بِقَصْدِ سَرِقَتِهَا لَا يُقْطَعُ وهو ظَاهِرٌ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا قَطْعَ أَيْضًا في عَكْسِ هذه الشَّرْطُ الرَّابِعُ تَمَامُ مِلْكِ الْغَيْرِ فإذا سُرِقَ مَالُهُ فيه شَرِكَةٌ لم يُقْطَعْ وَإِنْ قَلَّ نَصِيبُهُ إذْ ما من قَدْرٍ يَأْخُذُهُ إلَّا وَلَهُ فيه جُزْءٌ فَكَانَ شُبْهَةً كَوَطْءِ الْمُشْتَرَكَةِ وَخَرَجَ بِمَالِهِ فيه شَرِكَةٌ ما لو سَرَقَ من مَالِ شَرِيكِهِ الذي ليس بِمُشْتَرَكٍ قَدْرَ نِصَابٍ فَيُقْطَعُ إنْ اخْتَلَفَ حِرْزُهُمَا وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْقَفَّالِ الْقَطْعَ وَلَوْ كان الْمَسْرُوقُ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ فإنه لَا يُقْطَعُ وَإِنْ كان السَّارِقُ غَنِيًّا لِأَنَّ له فيه حَقًّا لِأَنَّ ذلك قد يُصْرَفُ في عِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ وَالرِّبَاطَاتِ وَالْقَنَاطِرِ فَيَنْتَفِعُ بها الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ من الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ ذلك مَخْصُوصٌ
____________________
(4/139)
بِهِمْ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ يُقْطَعُ بِذَلِكَ وَلَا نَظَرَ إلَى إنْفَاقِ الْإِمَامِ عليه عِنْدَ الْحَاجَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُنْفِقُ عليه لِلضَّرُورَةِ وَبِشَرْطِ الضَّمَانِ كما يُنْفِقُ على الْمُضْطَرِّ بِشَرْطِ الضَّمَانِ وَانْتِفَاعُهُ بِالْقَنَاطِرِ وَالرِّبَاطَاتِ لِلتَّبَعِيَّةِ من حَيْثُ إنَّهُ قَاطِنٌ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لَا لِاخْتِصَاصِهِ بِحَقٍّ فيها لَا إنْ كان الْمَسْرُوقُ مَالَ الصَّدَقَاتِ وهو أَيْ السَّارِقُ غَنِيٌّ ليس غَارِمًا لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَلَا غَازِيًا فإنه يُقْطَعُ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ فيه بِخِلَافِ الْفَقِيرِ وَالْغَارِمِ وَالْغَازِي الْمَذْكُورِينَ وَيُقْطَعُ السَّارِقُ بِمَا أَفْرَزَ لِغَيْرِهِ من مَالِ بَيْتِ الْمَالِ كَأَنْ أُفْرِزَ منه شَيْءٌ لِذَوِي الْقُرْبَى أو الْمَسَاكِينِ وَلَيْسَ السَّارِقُ منهم وَلَا له فيه شُبْهَةٌ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ له حِينَئِذٍ كَكَفَنِ مَيِّتٍ أَيْ كما يُقْطَعُ من سَرَقَ كَفَنَ مَيِّتٍ وَإِنْ كان من بَيْتِ الْمَالِ أو سَرَقَهُ بَعْدَ دَفْنِهِ لِعُمُومِ الْآيَةِ وفي خَبَرِ الْبَيْهَقِيّ من نَبَشَ قَطَعْنَاهُ وَلِأَنَّهُ لم يَبْقَى لِغَيْرِ الْمَيِّتِ فيه حَقٌّ كما لو صُرِفَ إلَى حَيٍّ وَكَذَا سِتْرُ الْكَعْبَةِ يُقْطَعُ سَارِقُهُ إنْ خِيطَ عليها لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُحْرَزٌ وكذا بَابُ مَسْجِدٍ وَجُذُوعُهُ وَتَأْزِيرُهُ وَسَوَارِيهِ وَسُقُوفُهُ وَقَنَادِيلُ زِينَتِهِ يُقْطَعُ سَارِقُهُ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ لَا الْقَنَادِيلُ التي فيه لِلْإِسْرَاجِ وَلَا حُصْرُهُ وَلَا سَائِرُ ما يُفْرَشُ فيه فَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهَا لِأَنَّهَا أُعِدَّتْ لِانْتِفَاعِ الْمُسْلِمِ بها بِالْإِضَاءَةِ وَالِافْتِرَاشِ بِخِلَافِ بَابِهِ وَجِذْعِهِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّهَا لِتَحْصِينِهِ وَعِمَارَتِهِ لَا لِلِانْتِفَاعِ هذا كُلُّهُ في الْمَسْجِدِ الْعَامِّ أَمَّا الْخَاصُّ بِطَائِفَةٍ فَيَخُصُّ الْقَطْعَ بِغَيْرِهَا بِنَاءً على أَنَّهُ إذَا خَصَّ الْمَسْجِدَ بِطَائِفَةٍ اخْتَصَّ بها نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ وَلَا بَكَرَةُ بِئْرٍ مُسَبَّلَةٍ فَلَا يُقْطَعُ سَارِقُهَا لِأَنَّهَا لِمَنْفَعَةِ الناس وَحَاصِلُ كَلَامِ الْأَصْلِ أَنَّ هذا احْتِمَالٌ لِلْبَغَوِيِّ وَأَنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُهُ لَكِنَّ الِاحْتِمَالَ أَفْقَهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ حَيْثُ قال بَعْدَ جَزْمِهِ بِذَلِكَ وقال بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِخُرَاسَانَ يُقْطَعُ وهو غَلَطٌ قال وَعِنْدِي أَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهَا أَيْضًا لِأَنَّ له فيها حَقًّا انْتَهَى فَإِنْ سَرَقَ ذِمِّيٌّ حُصْرَ مَسْجِدٍ أو قَنَادِيلَهُ أو غَيْرَهَا قُطِعَ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ وَلَوْ سَرَقَ رَجُلٌ وَقْفًا على غَيْرِهِ أو مُسْتَوْلَدَةً نَائِمَةً أو مَجْنُونَةً أو مُغْمًى عليها أو سَكْرَانَةً أو مُكْرَهَةً أو أَعْجَمِيَّةً تَعْتَقِدُ طَاعَةَ آمِرِهَا قُطِعَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ الْعَاقِلَةِ الْمُسْتَيْقِظَةِ الْمُخْتَارَةِ لِقُدْرَتِهَا على الِامْتِنَاعِ سَوَاءٌ أَقُلْنَا الْمِلْكُ في الْوَقْفِ لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لِلْمَوْقُوفِ عليه لِأَنَّهُ مِلْكٌ لَازِمٌ وَإِنْ كان ضَعِيفًا كَالْمُسْتَوْلَدَةِ في ذلك غَيْرَهَا من الْأَرِقَّاءِ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى لَا إنْ سَرَقَ مُكَاتَبًا وَمُبَعَّضًا فَلَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ في يَدِ نَفْسِهِ كَالْحُرِّ وَالْمُبَعَّضُ فيه شُبْهَةُ الْحُرِّيَّةِ وَلَوْ زَنَى بِجَارِيَةِ بَيْتِ الْمَالِ حُدَّ كما مَرَّ في بَابِهِ الشَّرْطُ الْخَامِسُ عَدَمُ الشُّبْهَةِ لِلسَّارِقِ في الْمَسْرُوقِ فَإِنْ سَرَقَ مَالَ غَرِيمِهِ الْجَاحِدِ لِلدَّيْنِ الْحَالِّ أو الْمُمَاطِلِ وَأَخَذَهُ بِقَصْدِ الِاسْتِيفَاءِ لم يُقْطَعْ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَأْذُونٌ له في أَخْذِهِ شَرْعًا وَإِلَّا قُطِعَ وَغَيْرُ جِنْسِ حَقِّهِ كَهُوَ أَيْ كَجِنْسِ حَقِّهِ في ذلك وَلَا يُقْطَعُ بِزَائِدٍ على قَدْرِ حَقِّهِ أَخَذَهُ معه وَإِنْ بَلَغَ الزَّائِدُ نِصَابًا وهو مُسْتَقِلٌّ لِأَنَّهُ إذَا تَمَكَّنَ من الدُّخُولِ وَالْأَخْذِ لم يَبْقَ الْمَالُ مُحْرَزًا عنه وَلَا يُقْطَعُ بِمَالِ فَرْعِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَأَصْلِهِ وَإِنْ عَلَا لِمَا بَيْنَهُمَا من الِاتِّحَادِ وَلِأَنَّ مَالَ كُلٍّ مِنْهُمَا مَرْصَدٌ لِحَاجَةِ الْآخَرِ وَمِنْهَا أَنْ لَا تُقْطَعُ يَدُهُ بِسَرِقَةِ ذلك الْمَالِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَقَارِبِ وَسَوَاءٌ أَكَانَ السَّارِقُ مِنْهُمَا حُرًّا أَمْ عَبْدًا صَرَّحَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ تَفَقُّهًا مُؤَيِّدًا له بِمَا ذَكَرُوهُ من أَنَّهُ لو وَطِئَ الرَّقِيقُ أَمَةَ فَرْعِهِ الْحُرِّ لم يُحَدَّ لِلشُّبْهَةِ
____________________
(4/140)
وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالَهُ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِمَالِ من يَسْتَحِقُّ عليه النَّفَقَةَ بِالْبَعْضِيَّةِ ولا بِمَالِ سَيِّدِهِ وَلَوْ كَاتَبَهُ أو كان هو مُبَعَّضًا لِلشُّبْهَةِ وَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَ قد يَعْجِزُ فَيَصِيرُ كما كان وَيُقْطَعُ بِمَالِ زَوْجٍ ذَكَرٍ أو أُنْثَى وَأَخٍ إنْ كان مُحْرَزًا عنه لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ على مَنْفَعَةٍ فَلَا يُؤَثِّرُ في دَرْءِ الْحَدِّ كَالْإِجَارَةِ لَا يَسْقُطُ بها الْحَدُّ عن الْأَجِيرِ أو الْمُسْتَأْجِرِ إذَا سَرَقَ أَحَدُهُمَا من الْآخَرِ وَتُفَارِقُ الزَّوْجَةُ الْعَبْدَ بِأَنَّ مُؤْنَتَهَا على الزَّوْجِ عِوَضٌ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ مُؤْنَةِ الْعَبْدِ وَذِكْرُ الْأَخِ مِثَالٌ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَلَا إلَى الشَّرْطِ بَعْدَهُ وفي الْقَطْعِ بِسَرِقَةِ مَالُ عَبْدِهِ الْحُرِّ بَعْضُهُ أَيْ مَالِ من بَعْضُهُ مَمْلُوكٌ له وَبَعْضُهُ حُرٌّ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا لِأَنَّ ما مَلَكَهُ بِالْحُرِّيَّةِ في الْحَقِيقَةِ لِجَمِيعِ بَدَنِهِ فَصَارَ شُبْهَةً
وَثَانِيهِمَا نعم لِتَمَامِ مِلْكِهِ كَمَالِ الشَّرِيكِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَالرَّاجِحُ كما قال الزَّرْكَشِيُّ الْأَوَّلُ فَقَدْ جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَغَيْرُهُمَا وَمَنْ لَا يُقْطَعُ بِمَالٍ لَا يُقْطَعُ بِهِ عَبْدُهُ فَكَمَا لَا يُقْطَعُ الْأَصْلُ بِسَرِقَةِ مَالِ الْفَرْعِ وَبِالْعَكْسِ لَا يُقْطَعُ عبد أَحَدِهِمَا بِسَرِقَتِهِ مَالَ الْآخَرِ وَيُحَدُّ زَانٍ بِأَمَةِ سَيِّدِهِ إذْ لَا شُبْهَةَ له في بُضْعِهَا وَلَوْ ظَنَّ السَّارِقُ أَنَّ الْمَالَ الذي سَرَقَهُ أو الْحِرْزَ له أو لِأَبِيهِ أو لِابْنِهِ لم يُقْطَعْ لِلشُّبْهَةِ كما لو وَطِئَ امْرَأَةً ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ أو أَمَتَهُ وَيُقْطَعُ بِحَطَبٍ أَيْ بِسَرِقَةِ حَطَبٍ وَحَشِيشٍ وَنَحْوِهِمَا كَصَيْدٍ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِهَا مُبَاحَةَ الْأَصْلِ وبسرقة مُعَرَّضٍ لِلتَّلَفِ كَهَرِيسَةٍ وَفَوَاكِهَ وَبُقُولٍ لِذَلِكَ وَرَوَى أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم سُئِلَ عن التَّمْرِ الْمُعَلَّقِ فقال من سَرَقَ منه شيئا بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِينَ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ وَالْمِجَنُّ التُّرْسُ وكان ثَمَنُهُ عِنْدَهُمْ رُبْعَ دِينَارٍ أو ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَكَانَتْ مُقَدَّرَةً عِنْدَهُمْ بِرُبْعِ دِينَارٍ وَكَذَا مَاءٌ وَتُرَابٌ وَمُصْحَفٌ وَكُتُبُ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ وما يَتَعَلَّقُ بِهِ وكتب شَعْرٍ نَافِعٍ مُبَاحٍ لِمَا مَرَّ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ نَافِعًا مُبَاحًا قُوِّمَ الْوَرَقُ وَالْجِلْدُ فَإِنْ بَلَغَا نِصَابًا قُطِعَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ قُطِعَ بِسَرِقَةِ عَيْنٍ ثُمَّ سَرَقَهَا ثَانِيًا من مَالِكِهَا الْأَوَّلِ أو من غَيْرِهِ قُطِعَ أَيْضًا لِأَنَّ الْقَطْعَ عُقُوبَةٌ تَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ في عَيْنٍ فَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ ذلك الْفِعْلِ كما لو زَنَى بِامْرَأَةٍ وَحُدَّ ثُمَّ زَنَى بها ثَانِيًا الشَّرْطُ السَّادِسُ الْحِرْزُ فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ ما ليس مُحْرَزًا لِخَبَرِ لَا قَطْعَ في شَيْءٍ من الْمَاشِيَةِ إلَّا فِيمَا أَوَاهُ الْمُرَاحُ وَمَنْ سَرَقَ من التَّمْرِ شيئا بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِينُ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَعْظُمُ بِمُخَاطَرَةِ أَخْذِهِ من الْحِرْزِ فَحُكِمَ بِالْقَطْعِ زَجْرًا بِخِلَافِ ما إذَا جَرَّأَهُ الْمَالِكُ وَمَكَّنَهُ بِتَضْيِيعِهِ وَالْمُحَكَّمُ في الْحِرْزِ الْعُرْفُ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْوَالِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَوْقَاتِ ولم يَحُدَّهُ الشَّرْعُ وَلَا اللُّغَةُ فَيَرْجِعُ فيه إلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ وَالْإِحْيَاءِ فَالْإِصْطَبْلُ وَالتِّبْنُ الْمُتَّصِلَانِ بِالدُّورِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي حِرْزُ الدَّوَابِّ في الْأَوَّلِ وَإِنْ كانت نَفِيسَةً وَالتِّبْنُ في الثَّانِي لَا الثِّيَابُ وَنَحْوُهَا كَالنُّقُودِ وَالْفَرْقُ أَنَّ إخْرَاجَ الدَّوَابِّ وَالتِّبْنِ مِمَّا يَظْهَرُ وَيَبْعُدُ الِاجْتِرَاءُ عليه بِخِلَافِ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا مِمَّا يَخْفَى وَيَسْهُلُ إخْرَاجُهَا وَيُسْتَثْنَى منها كما قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ آنِيَةُ الْإِصْطَبْلِ كَالسَّطْلِ وَثِيَابِ الْغُلَامِ وَآلَاتِ الدَّوَابِّ من سُرُوجٍ وَبَرَادِعَ وَلُجُمٍ وَرِحَالِ جِمَالٍ وَقِرْبَةِ السُّقَاةِ وَالرَّاوِيَةِ وَنَحْوِ ذلك مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِوَضْعِهِ في إصْطَبْلَات الدَّوَابِّ وَالصُّفَّةُ وَالْعَرْصَةُ لِلدَّارِ حِرْزُ آنِيَةٍ خَسِيسَةٍ بِخِلَافِ النَّفِيسَةِ كَالْمُتَّخَذَةِ من الْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَثِيَابُ بِذْلَةٍ وَنَحْوِهَا كَالْبُسُطِ وَالْمَخْزَنُ حِرْزُ الْحُلِيِّ وَالنَّقْدِ وَالدُّورُ وَبُيُوتُ الْخَانَاتِ وَالْأَسْوَاقُ الْمَنِيعَةُ حِرْزُ الثِّيَابِ النَّفِيسَةِ وَإِلَّا على حِرْزِ الْأَدْنَى لَا عَكْسِهِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وما كان حِرْزًا لِنَوْعٍ كان حِرْزًا لِمَا دُونَهُ وَإِنْ لم يَكُنْ حِرْزًا لِمَا فَوْقَهُ وَهِيَ أَحْسَنُ من عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ في صُورَةِ الْعَكْسِ فَتَأَمَّلْ وَإِنْ وَضَعَ مَتَاعَهُ بِقُرْبِهِ
____________________
(4/141)
في صَحْرَاءَ أو مَسْجِدٍ أو شَارِعٍ وَأَعْرَضَ عنه كان وَرَاءَ ظَهْرِهِ أو ذَهَلَ عنه بِشَاغِلٍ أو نَامَ فَضَاعَ فَلَيْسَ بِمُحْرَزٍ وَإِنْ أَدَامَ مُلَاحَظَتَهُ من يُبَالِي بِهِ لِقُوَّتِهِ أو اسْتِغَاثَةٍ بِغَيْرِهِ أو نَامَ فيها أَيْ في الصَّحْرَاءِ أو تَالِيَيْهَا لَابِسًا لِعِمَامَتِهِ أو غَيْرِهَا كَمَدَاسِهِ أو خَاتَمِهِ أو مُفْتَرِشًا ثَوْبَهُ أو مُتَّكِئًا على الْمَتَاعِ وَلَوْ بِتَوَسُّدِهِ فَمُحْرَزٌ بِهِ فَيُقْطَعُ السَّارِقُ بِدَلِيلِ الْأَمْرِ بِقَطْعِ سَارِقِ رِدَاءِ صَفْوَانَ قال الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ عنه وَرِدَاؤُهُ كان مُحْرَزًا بِاضْطِجَاعِهِ عليه وَإِنَّمَا يُقْطَعُ بِتَغْيِيبِهِ عنه وَلَوْ بِدَفْنِهِ إذْ إحْرَازُ مِثْلِهِ بِالْمُعَايَنَةِ فإذا غَيَّبَهُ عن عَيْنِ الْحَارِسِ بِحَيْثُ لو نُبِّهَ له لم يَرَهُ كَأَنْ دَفَنَهُ في تُرَابٍ أو وَارَاهُ تَحْتَ ثَوْبِهِ أَوْحَالَ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ فَقَدْ أَخْرَجَهُ من حِرْزِهِ وَهَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ آخِرَ الْبَابِ قال الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَالْكَلَامُ في مَتَاعٍ بَعْدَ التَّوَسُّدِ بِهِ حِرْزًا له أَمَّا لو تَوَسَّدَ كِيسًا فيه نَقْدٌ أو جَوْهَرٌ وَنَامَ فَلَيْسَ بِمُحْرَزٍ حتى يَشُدَّهُ بِوَسَطِهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِشَدِّهِ تَحْتَ الثِّيَابِ انْتَهَى وَإِنْ انْقَلَبَ في نَوْمِهِ عن الْمَتَاعِ أو قَلَّبَهُ السَّارِقُ عنه أَوَّلًا ثُمَّ أَخَذَهُ أو كان الْحَارِسُ لَا يُبَالِي بِهِ لِعَدَمِ الْقُوَّةِ وَالِاسْتِغَاثَةِ فَضَائِعٌ فَلَيْسَ بِمُحْرَزٍ وما ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ في الثَّانِيَةِ تَبِعَ فيه الْبَغَوِيّ كما قَالَهُ جَمَاعَةٌ منهم الْبُلْقِينِيُّ قال وهو عِنْدَنَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ لَا وَجْهَ له وَاَلَّذِي نَعْتَقِدُهُ الْقَطْعُ بِخِلَافِهِ لِأَنَّهُ أَزَالَ الْحِرْزَ ثُمَّ أَخَذَ النِّصَابَ فَصَارَ كما لو نَقَبَ الْحَائِطَ أو كَسَرَ الْبَابَ أو فَتَحَهُ وَأَخَذَ النِّصَابَ فإنه يُقْطَعُ اتِّفَاقًا انْتَهَى وهو حَسَنٌ فَإِنْ قُلْت يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَالَ ثَمَّ لَمَّا أَخَذَهُ كان مُحْرَزًا في الْجُمْلَةِ بِخِلَافِهِ هُنَا قُلْت مُنْتَقِضٌ بِمَا نُقِلَ عن الشَّيْخِ أبي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ وَابْنِ الْقَطَّانِ من أَنَّهُ لو وَجَدَ جَمَلًا وَصَاحِبُهُ نَائِمٌ عليه فَأَلْقَاهُ عنه وهو نَائِمٌ وَأَخَذَ الْجَمَلَ قُطِعَ مع أَنَّهُ لَمَّا أَخَذَهُ لم يَكُنْ مُحْرَزًا أَصْلًا لَكِنْ قال الْبَغَوِيّ في هذه بِعَدَمِ الْقَطْعِ أَيْضًا قال لِأَنَّهُ رَفَعَ الْحِرْزَ ولم يَهْتِكْهُ بِخِلَافِ ما لو نَقَبَ وَأَخَذَ الْمَالَ قال في الْأَصْلِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُفَرَّقَ فِيمَا ذَكَرْنَا بين كَوْنِ الصَّحْرَاءِ مَوَاتًا أو غَيْرَهُ قال الزَّرْكَشِيُّ لَكِنْ قَيَّدَهُ الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ بِالْوَضْعِ الْمُبَاحِ وَجَرَى عليه الْقَاضِي وَيُؤَيِّدُهُ ما سَيَأْتِي في الْغَاصِبِ قُلْت الْمُرَادُ بِالْمُبَاحِ مُقَابِلُ الْحَرَامِ لَا ما ليس مَمْلُوكًا فَلَا اسْتِدْرَاكَ وَإِنْ كان ثَمَّ زَحْمَةٌ من الطَّارِقِينَ لم يَكْفِ في الْإِحْرَازِ مُلَاحَظَتُهُ الْمَتَاعَ وَلَوْ في دُكَّانِهِ لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى ثَابِتَةً حِينَئِذٍ فَتُقَاوَمُ أَيْ فَيَنْبَغِي أَنْ تُقَاوَمَ الزَّحْمَةُ بِكَثْرَةِ الْمُلَاحِظِينَ لِيَصِيرَ الْمَتَاعُ حِرْزًا بِهِمْ كما يُقَاوَمُ طَارِقٌ مُلَاحِظٌ وما في الْجَيْبِ وَالْكُمِّ مُحْرَزٌ بِهِمَا فَيُقْطَعُ سَارِقُهُ وَإِنْ لم يَرْبِطْ الْكُمَّ ولم يَزُرَّ الْجَيْبَ وَكَذَا الْمَرْبُوطُ في الْعِمَامَةِ على الرَّأْسِ مُحْرَزٌ بها بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَرْبُوطِ وَكَالْمَرْبُوطِ بها الْمَشْدُودُ بها وَإِنْ أَجَابَهُ شَخْصٌ إلَى حِفْظِ ثَوْبٍ له وَكَذَا إلَى حِفْظِ حَانُوتٍ له مَفْتُوحٍ بَعْدَ طَلَبِهِ الْحِفْظَ منه فَأَهْمَلَهُ حتى سُرِقَ الثَّوْبُ أو ما في الْحَانُوتِ ضَمِنَهُ بِإِهْمَالِهِ وَإِنْ سَرَقَهُ هو لم يُقْطَعْ لِأَنَّهُ ليس مُحْرَزًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ أو إلَى حِفْظِ حَانُوتٍ مُغْلَقٍ فَبِالْعَكْسِ أَيْ فَإِنْ أَهْمَلَهُ حتى سُرِقَ ما فيه لم يَضْمَنْ لِأَنَّهُ مُحْرَزٌ
____________________
(4/142)
في نَفْسِهِ ولم يَدْخُلْ تَحْتَ يَدِهِ وَإِنْ سَرَقَهُ هو قُطِعَ
وَلَا بُدَّ في دَارٍ حَصِينَةٍ مُنْفَرِدَةٍ عن عِمَارَةٍ لِبَلَدٍ وَلَوْ بِبُسْتَانٍ أو بِبَرِّيَّةٍ أَيْ لَا بُدَّ في كَوْنِهَا حِرْزًا من حَارِسٍ سَوَاءٌ أَكَانَ بَابُهَا مَفْتُوحًا أَمْ مُغْلَقًا لِلْعُرْفِ فَيَحْتَاجُ مع فَتْحِ الْبَابِ إلَى دَوَامِ الْمُلَاحَظَةِ لَا مع إغْلَاقِهِ حتى وَلَوْ كان فيها مع إغْلَاقِهِ مُبَالًى بِهِ وَلَوْ كان نَائِمًا فَحِرْزٌ خِلَافًا لِمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَإِنْ كانت في بَلْدَةٍ فَإِغْلَاقُهَا وَلَوْ مع نَوْمِهِ وَلَوْ في زَمَنِ الْخَوْفِ لَيْلًا أو نَهَارًا وَكَذَا مع غَيْبَتِهِ في زَمَنِ الْأَمْنِ نَهَارًا كَافٍ في كَوْنِهَا حِرْزًا اعْتِمَادًا على مُلَاحَظَةِ الْجِيرَانِ فِيهِمَا وَلِأَنَّ السَّارِقَ في الْأُولَى على خَطَرٍ من اطِّلَاعِ النَّائِمِ وَتَنَبُّهِهِ بِحَرَكَتِهِ وَاسْتِغَاثَتِهِ بِالْجِيرَانِ وَخَرَجَ بِمَا ذَكَرَهُ في الثَّانِيَةِ زَمَنُ الْخَوْفِ وَاللَّيْلُ وَلَوْ في زَمَنِ الْأَمْنِ قال الْبُلْقِينِيُّ وَيُلْتَحَقُ بِإِغْلَاقِ الْبَابِ ما لو كان مَرْدُودَهُ وَخَلْفُهُ نَائِمٌ بِحَيْثُ لو فُتِحَ لَأَصَابَهُ وَانْتَبَهَ وقال إنَّهُ أَبْلَغُ من الضَّبَّةِ وَالْمِتْرَاسِ قال وَكَذَا لو كان نَائِمًا أَمَامَ الْبَابِ بِحَيْثُ لو فُتِحَ لَانْتَبَهَ بِصَرِيرِهِ كما قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عنه وَعَنْ غَيْرِهِ وَفَتْحُهَا مع غَيْبَتِهِ مُطْلَقًا أو مع نَوْمِهِ وَلَوْ نَهَارًا وَزَمَنَ أَمْنٍ تَضْيِيعٌ لِمَا فيها فَلَيْسَتْ حِرْزًا له وَيُخَالِفُ أَمْتِعَةَ الْحَانُوتِ الْمَوْضُوعَةَ على بَابِهِ لِأَنَّ الْأَعْيُنَ تَقَعُ عليها دُونَ ما في الدَّارِ وَلَا نَظَرَ لِلَحْظِ الْجِيرَانِ في الثَّانِيَةِ لِتَسَاهُلِهِمْ فيه إذَا عَلِمُوا بِأَنَّ الْحَافِظَ فيها نِعَمْ ما فيها من بَيْتٍ مُغْلَقٍ فَهُوَ حِرْزٌ لِمَا فيه كما حَكَاهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ عن أبي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَجَزَمَ بِهِ ابن الصَّبَّاغِ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا
وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ مُطْلَقٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ تُوهِمُ أَنَّ ما قَبْلَهُ مُخَالِفٌ لِمَا بَعْدَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَالْمُسْتَيْقِظُ غَيْرُ الْمُلَاحِظِ كَالنَّائِمِ فِيمَا مَرَّ فَإِنْ كان مُلَاحِظًا لها مُبَالًى بِهِ فَمُحْرَزَةٌ بِهِ وَإِنْ كان بَابُهَا مَفْتُوحًا نعم لو لم يُبَالِغْ في الْمُلَاحَظَةِ مع فَتْحِ الْبَابِ فَتَغَفَّلَهُ إنْسَانٌ فَسَرَقَ لم يُقْطَعْ لِتَقْصِيرِهِ بِإِهْمَالِهِ الْمُرَاقَبَةَ مع الْفَتْحِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُ ما بَعْدَ الْفَجْرِ إلَى الْإِسْفَارِ حُكْمَ اللَّيْلِ وما بَعْدَ الْغُرُوبِ وَقَبْلَ انْقِطَاعِ الطَّارِقِ حُكْمَ النَّهَارِ وَإِنْ ضَمَّ الْعَطَّارُ أو الْبَقَّالُ أو نَحْوُهُمَا الْأَمْتِعَةَ وَرَبَطَهَا بِحَبْلٍ على بَابِ الْحَانُوتِ أو أَرْخَى عليها شَبَكَةً أو خَالَفَ لو حِينًا على بَابِ حَانُوتِهِ فَمُحْرَزَةٌ بِذَلِكَ بِالنَّهَارِ وَلَوْ نَامَ فيه أو غَابَ عنه لِأَنَّ الْجِيرَانَ وَالْمَارَّةَ يَنْظُرُونَهَا وَفِيمَا فَعَلَ ما يُنَبِّهُهُمْ لو قَصَدَهَا السَّارِقُ وَكَذَا بِاللَّيْلِ هِيَ مُحْرَزَةٌ بِذَلِكَ لَكِنْ مع حَارِسٍ أَمَّا إذَا تَرَكَهَا مُفَرَّقَةً ولم يَفْعَلْ شيئا من ذلك فَلَيْسَتْ بِمُحْرَزَةٍ وَالْبَقْلُ وَنَحْوُهُ كَالْفُجْلِ إنْ ضُمَّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ وَتُرِكَ على بَابِ الْحَانُوتِ وَطَرَحَ عليه حَصِيرًا أو نَحْوَهُ فَهُوَ مُحْرَزٌ بِحَارِسٍ وَإِنْ رَقَدَ سَاعَةً وَدَارَ على ما يَحْرُسُهُ أُخْرَى وَالْأَمْتِعَةُ النَّفِيسَةُ التي تُتْرَكُ على الْحَوَانِيتِ في لَيَالِيِ الْأَعْيَادِ وَنَحْوِهَا لِتَزْيِينِ الْحَوَانِيتِ وَتُسْتَرُ بِقَطْعٍ وَنَحْوِهِ مُحْرَزَةٌ بِحَارِسٍ لِأَنَّ أَهْلَ السُّوقِ يَعْتَادُونَ ذلك فَيَقْوَى بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ بِخِلَافِ سَائِرِ اللَّيَالِيِ وَالثِّيَابُ الْمَوْضُوعَةُ على بَابِ حَانُوتِ الْقَصَّارِ وَنَحْوِهِ كَأَمْتِعَةِ الْعَطَّارِ الْمَوْضُوعَةِ على بَابِ حَانُوتِهِ فِيمَا مَرَّ وَتُحَرَّزُ الْقُدُورُ التي يُطْبَخُ فيها في الْحَوَانِيتِ بِشَرَائِجَ بِالْجِيمِ أَيْ بِسُدَدٍ تُنْصَبُ على بَابِ الْحَانُوتِ لِلْمَشَقَّةِ في نَقْلِهَا إلَى بِنَاءٍ وَإِغْلَاقِ بَابٍ عليها ويحرز الْحَطَبُ وَطَعَامُ الْبَيَّاعِينَ الذي في غَرَائِرَ بِشَدِّ الْغَرَائِرِ وَالْحِطَابِ بِبَعْضٍ أَيْ يُشَدُّ بَعْضَ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى بَعْضٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَخْذُ شَيْءٍ منه إلَّا بِحَلِّ الرِّبَاطِ أو فَتْقِ بَعْضِ الْغَرَائِرِ حَيْثُ اُعْتِيدَ ذلك بِخِلَافِ ما إذَا لم يُعْتَدْ فإنه يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عليه بَابٌ مُغْلَقٌ وَبَاءٌ بِبَعْضٍ زَائِدَةٌ وتحرز الْأَجْذَاعُ الثَّقِيلَةُ بِالتَّرْكِ لها على الْأَبْوَابِ أَيْ أَبْوَابِ الْمَسَاكِنِ دُونَ الصَّحْرَاءِ وَالْحَانُوتُ الْمُغْلَقُ بِلَا حَارِسٍ حِرْزٌ لِمَتَاعِ الْبَقَّالِ في زَمَنِ الْأَمْنِ وَلَوْ
____________________
(4/143)
لَيْلًا لَا لِمَتَاعِ الْبَزَّازِ لَيْلًا بِخِلَافِ الْحَانُوتِ الْمَفْتُوحِ وَالْمُغْلَقِ زَمَنَ الْخَوْفِ وَحَانُوتِ مَتَاعِ الْبَزَّازِ لَيْلًا وَالْأَرْضُ حِرْزٌ لِلْبَذْرِ وَالزَّرْعِ لِلْعَادَةِ هذا ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الرُّويَانِيِّ وَالْمَرْوَزِيِّ في الزَّرْعِ وَقَاسَ عليه الْبَذْرَ وَنَقَلَ قَبْلَهُ عن الْبَغَوِيّ أنها لَيْسَتْ حِرْزًا لَهُمَا إلَّا بِحَارِسٍ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ اعْتِمَادُهُ وهو الْأَوْجَهُ قال الْأَذْرَعِيُّ وقد يَخْتَلِفُ ذلك بِاخْتِلَافِ عُرْفِ النَّوَاحِي فَيَكُونُ مُحَرَّزًا من نَاحِيَةٍ بِحَارِسٍ وفي غَيْرِهَا مُطْلَقًا فَرْعٌ نَقَلَ الْمَرْوَرُوذِيُّ عن عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لو دَفَنَ مَالَهُ في الصَّحْرَاءِ لم يُقْطَعْ سَارِقُهُ وَعَنْ أبي سَهْلٍ الْأَبِيوَرْدِيِّ إنَّهُ يُقْطَعُ وَالتَّحْوِيطُ بِلَا حَارِسٍ لَا يُحْرِزُ الثِّمَارَ وَإِنْ كانت على الْأَشْجَارِ إلَّا إنْ اتَّصَلَتْ بِجِيرَانٍ يُرَاقِبُونَهَا عَادَةً وَمِثْلُهَا الزَّرْعُ وَالْبَذْرُ كما جَزَمَ بِهِ الْأَصْلُ وَبِهِ يُعْرَفُ أَنَّهُ مُعْتَمِدٌ لِكَلَامِ الْبَغَوِيّ السَّابِقِ وَأَشْجَارُ أَفْنِيَةِ الدُّورِ مُحْرَزَةٌ بِلَا حَارِسٍ بِخِلَافِهَا في الْبَرِّيَّةِ وَالثَّلْجُ في الْمَثْلَجَةِ وَالْجَمْدُ في الْمَجْمَدَةِ وَالتِّبْنُ في الْمَتْبَنِ قال في الْأَصْلِ وَالْحِنْطَةُ في الْمَطَامِيرِ في الصَّحْرَاءِ غَيْرُ مُحَرَّزٍ كُلٌّ منها إلَّا بِحَارِسٍ وَأَبْوَابُ الدُّورِ وَالْبُيُوتُ التي فيها وَالْحَوَانِيتُ بِمَا عليها من مَغَالِيقَ وَحِلَقٍ وَمَسَامِيرَ مُحْرَزَةٌ بِالتَّرْكِيبِ لها وَلَوْ مَفْتُوحَةً ولم يَكُنْ في الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ أَحَدٌ وَمِثْلُهَا كما قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ سُقُوفُ الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ وَرُخَامُهَا وَالْآجُرُّ مُحْرَزٌ بِالْبِنَاءِ أو بِصَحْنِ الدَّارِ إنْ أُحْرِزَتْ ما فيها وَإِلَّا فَغَيْرُ مُحْرَزٍ وَالْخَيْمَةُ مُحْرَزَةٌ بِضَرْبِهَا بِأَنْ تُشَدَّ أَوْتَادُهَا مع حَارِسٍ لها وَإِنْ نَامَ ولم يُرْسِلْ أَذْيَالَهَا في الصَّحْرَاءِ بِخِلَافِ ما إذَا لم تُضْرَبْ أو لم يَكُنْ لها حَارِسٌ وما فيها مُحْرَزٌ بِإِرْسَالِ الْأَذْيَالِ مع حَارِسٍ وَإِنْ نَامَ وَلَوْ بِقُرْبِهَا ولم يُرْسِلْ بَابَهَا لِحُصُولِ الْإِحْرَازِ بِذَلِكَ عَادَةً بِخِلَافِ ما إذَا لم تُرْسَلْ أَذْيَالُهَا أو لم يَكُنْ لها حَارِسٌ وَلَوْ ضُرِبَتْ بين الْعِمَارَةِ فَحُكْمُهَا كَمَتَاعٍ مَوْضُوعٍ بين يَدَيْهِ في سُوقٍ حتى يُعْتَبَرَ فيها دَوَامُ الْمُلَاحَظَةِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ في الصَّحْرَاءِ من يَتَقَوَّى بِهِ الْحَارِسُ الذي لَا يُبَالِي بِهِ فَلَوْ كان بِمَفَازَةٍ بَعِيدَةٍ عن الْغَوْثِ فَلَا إحْرَازَ وَلَوْ نَحَّى السَّارِقُ النَّائِمِ في الْخَيْمَةِ وَأَبْعَدَهُ عنها ثُمَّ سَرَقَهَا أو ما فيها لم يُقْطَعْ لِأَنَّهَا لم تَكُنْ حِرْزًا حين سَرَقَ وَتُحْرَزُ السَّائِمَةُ من إبِلٍ وَخَيْلٍ وَبِغَالٍ وَحَمِيرٍ وَغَيْرِهَا في الْمَرْعَى الْخَالِي عن الْمَارِّينَ بِمُلَاحَظَةٍ لِرَاعٍ بِأَنَّهُ يَرَاهَا وَيَبْلُغُهَا صَوْتُهُ فَإِنْ نَامَ أو غَفَلَ عنها أو اسْتَتَرَ عنه بَعْضُهَا فَمُضَيِّعٌ لها إلَّا الْأَخِيرَةَ فَلِبَعْضِهَا الْمُسْتَتِرِ عنه فَإِنْ لم يَخْلُ الْمَرْعَى عن الْمَارِّينَ حَصَلَ الْإِحْرَازُ بِنَظَرِهِمْ نَبَّهَ عليه الرَّافِعِيُّ أَخْذًا من كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَإِنْ بَعُدَ عن بَعْضِهَا ولم يَبْلُغْهَا يَعْنِي بَعْضَهَا صَوْتُهُ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَيْرُ مُحْرَزٍ لِعَدَمِ بُلُوغِ الصَّوْتِ له وَالثَّانِي مُحْرَزٌ اكْتِفَاءً بِالنَّظَرِ لِإِمْكَانِ الْعَدْوِ إلَى ما لم يَبْلُغْهُ وَرَجَّحَهُ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَعَزَاهُ الْعِمْرَانِيُّ وابن الرِّفْعَةِ إلَى الْأَكْثَرِينَ وَاشْتَرَطُوا بُلُوغَهُ أَيْ صَوْتِ الرَّاعِي في الْغَنَمِ كُلِّهَا أو بَعْضِهَا على ما مَرَّ وَإِنْ كانت مُجْتَمِعَةً كَغَيْرِهَا هذا تَكْرَارٌ لِفَهْمِهِ مِمَّا مَرَّ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ قَبْلَهُ على غَيْرِهَا
وتحرز السَّائِمَةُ في الْمُرَاحِ الْمُتَّصِلِ بِالْعِمَارَةِ بِإِغْلَاقِهِ أَيْ إغْلَاقِ بَابِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ لها حَارِسٌ اعْتِبَارًا بِالْعَادَةِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُرَاحُ من حَطَبٍ أَمْ قَصَبٍ أَمْ حَشِيشٍ أَمْ غَيْرِهَا بِحَسَبِ الْعَادَةِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ ذلك لَا يَتَقَيَّدُ بِالنَّهَارِ وَلَا بِزَمَنِ الْأَمْنِ وهو مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ في الدَّارِ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يَتَسَامَحُ في أَمْرِ الْمَاشِيَةِ دُونَ غَيْرِهَا قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ ذلك إذَا أَحَاطَتْ بِهِ الْمَنَازِلُ الْأَهْلِيَّةُ فَلَوْ اتَّصَلَ بها وَأَحَدُ جَوَانِبِهِ يَلِي الْبَرِّيَّةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بها فَإِنْ كان مَفْتُوحًا أو بِبَرِّيَّةٍ اُشْتُرِطَ حَارِسٌ ولو كان يَنَامُ بها إنْ أَغْلَقَ الْبَابَ فَإِنْ فُتِحَ فيها وفي الْمُتَّصِلِ بِالْعِمَارَةِ اُشْتُرِطَ اسْتِيقَاظُ الْحَارِسِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ نَوْمَهُ حِينَئِذٍ بِالْبَابِ كَافٍ كما مَرَّ في الدُّورِ بَلْ أَوْلَى لِقُوَّةِ الْإِحْسَاسِ لِخُرُوجِ السَّائِمَةِ وَتُحْرَزُ الدَّوَابُّ السَّائِرَةُ في شَارِعٍ وَأَوْلَادُهَا التَّابِعَةُ لها بِسَائِقٍ لها يَرَى هَا كُلَّهَا أو قَائِدٍ لها كَذَلِكَ أَيْ يَرَاهَا كُلَّهَا إذَا الْتَفَتَ إلَيْهَا وَإِنَّمَا تُحْرَزُ بِهِ إنْ أَكْثَرَ الِالْتِفَاتَ إلَيْهَا فَإِنْ لم يَرَ بَعْضَهَا الْحَائِلَ فَهُوَ غَيْرُ مُحْرَزٍ فَإِنْ رَكِبَ بَعْضَهَا فَقَائِدٌ لِمَا بَعْدَهُ سَائِقٌ لِمَا قَبْلَهُ وَيَأْتِي في اشْتِرَاطِ بُلُوغِ الصَّوْتِ لها ما مَرَّ في الرَّاعِيَةِ ثُمَّ إنْ كانت غير إبِلٍ وَبِغَالٍ لم يُشْتَرَطْ كَوْنُهَا مَقْطُورَةً وَإِنْ كانت إبِلًا أو بِغَالًا اُشْتُرِطَ قِطَارٌ لها أَيْ كَوْنُهَا مَقْطُورَةً لِأَنَّهَا لَا تَسِيرُ غير مَقْطُورَةٍ غَالِبًا وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يَقْرُبَ منها أو يَقَعَ نَظَرُهُ عليها
____________________
(4/144)
وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ من زِيَادَتِهِ وهو ما صَحَّحَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَبِهِ الْفَتْوَى فَقَدْ نَصَّ عليه في الْأُمُّ وَرَجَّحَ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ الثَّانِيَ وَتَبِعَهُ الْبُلْقِينِيُّ وقال الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وقد جَرَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ بِسَوْقِ إبِلِهِمْ بِلَا تَقْطِيرٍ وهو الْأَوْجَهُ
وَعَلَى الْأَوَّلِ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْقِطَارِ كَالْعَادَةِ وَقَدَّرُوهُ بِتِسْعَةٍ وَخَالَفَ ابن الصَّلَاحِ فَقَدَّرَهُ بِسَبْعَةٍ وقال إنَّ الْأَوَّلَ تَصْحِيفٌ فَلَوْ زَادَ على تِسْعَةٍ جَازَ أَيْ كان الزَّائِدُ مُحْرَزًا في الصَّحْرَاءِ لَا في الْعُمْرَانِ وَقِيلَ غَيْرُ مُحْرَزٍ مُطْلَقًا وهو ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الشَّرْحُ الصَّغِيرُ وَقِيلَ لَا يَتَقَيَّدُ بِعَدَدٍ وما ذَكَرَهُ تَوَسُّطٌ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن السَّرَخْسِيِّ وَصَحَّحَهُ وقال الْبُلْقِينِيُّ لم يَعْتَبِرْ ذلك الشَّافِعِيُّ وَلَا كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ منهم الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَأَتْبَاعُهُ وَالتَّقْيِيدُ بِالتِّسْعِ أو السَّبْعِ ليس بِمُعْتَمَدٍ وَذَكَرَ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ نَحْوَهُ ثُمَّ قَالَا وَسَبَبُ اضْطِرَابِهِمْ في الْعَدَدِ اضْطِرَابُ الْعُرْفِ فيه فَالْأَشْبَهُ الرُّجُوعُ في كل مَكَان إلَى عُرْفِهِ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْوَافِي وما غَابَ عن نَظَرِهِ في السَّائِرَةِ فَلَيْسَ بِمُحْرَزٍ كما في السَّائِمَةِ في الْمَرْعَى وَلِلَبَنِهَا وما عليها من صُوفٍ وَوَبَرٍ وَمَتَاعٍ وَغَيْرِهَا حُكْمُهَا في الْإِحْرَازِ وَعَدَمِهِ لَكِنْ لو حَلَبَ من اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ حتى بَلَغَ نِصَابًا فَفِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ أَحَدُهُمَا لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهَا سَرِقَاتٌ من إحْرَازٍ لِأَنَّ كُلَّ ضَرْعٍ حِرْزٌ لِلَبَنِهِ وَثَانِيهِمَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الْمُرَاحَ حِرْزٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِهَا قال الرُّويَانِيُّ وهو اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ من أَصْحَابِنَا قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَأْتِي مِثْلُهُ في جَزِّ الصُّوفِ وَنَحْوِهِ قال وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْخِلَافِ ما إذَا كانت الدَّوَابُّ لِوَاحِدٍ أو مُشْتَرَكَةً أَيْ فَإِنْ لم تَكُنْ كَذَلِكَ قُطِعَ بِالثَّانِي وقد يُسْتَغْنَى فِيمَا إذَا سَيَّرَهَا في السُّوقِ وَنَحْوِهِ بِنَظَرِ الْمَارَّةِ عن نَظَرِهِ وَتُحْرَزُ الْإِبِلُ الْمُعَقَّلَةُ الْوَجْهُ قَوْلُ الْأَصْلِ الْمَعْقُولَةُ في الْمُنَاخِ بِحَارِسٍ وَلَوْ بِالنَّائِمِ لِأَنَّ في حِلِّهَا ما يُوقِظُهُ وَغَيْرُهَا بِالْمُلَاحِظِ لها وفي نُسْخَةٍ بِالْمُلَاحَظَةِ وقد يُجْزِئُ حَارِسٌ وَاحِدٌ في غَنَمٍ في الصَّحْرَاءِ دُونَ الْعُمْرَانِ وَالْقَبْرُ في بَيْتٍ مُحْرَزٌ أو مَقْبَرَةٍ في عِمَارَةٍ وَلَوْ بِجَنْبِ الْبَلَدِ لَا في مَفَازَةٍ أو عِمَارَةٍ غَيْرِ مُحْرَزَةٍ حِرْزٌ لِلْكَفَنِ الشَّرْعِيِّ لِلْعَادَةِ بِخِلَافِ الْمَنْفِيِّ لِأَنَّ السَّارِقَ حِينَئِذٍ يَأْخُذُ من غَيْرِ خَطَرٍ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى انْتِهَازِ فُرْصَةٍ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ فيه من زِيَادَتِهِ لَا غَيْرِهِ أَيْ غَيْرِ الشَّرْعِيِّ كَأَنْ زَادَ على خَمْسَةِ أَثْوَابٍ فَلَيْسَ الزَّائِدُ بِمُحْرَزٍ بِالْقَبْرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَبْرُ بِبَيْتٍ مُحْرَزٍ فإنه مُحْرَزٌ بِهِ أبو الْفَرَجِ الرَّازِيّ وَلَوْ غَالَى في الْكَفَنِ بِحَيْثُ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ لَا يُخَلَّى مِثْلُهُ بِلَا حَارِسٍ لم يُقْطَعْ سَارِقُهُ وإذا كان الْكَفَنُ مُحْرَزًا بِالْقَبْرِ فَيُقْطَعُ بِإِخْرَاجِهِ من جَمِيعِ الْقَبْرِ إلَى خَارِجِهِ لَا من اللَّحْدِ إلَى فَضَاءِ الْقَبْرِ وَتَرَكَهُ ثَمَّ لِخَوْفٍ أو غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لم يُخْرِجْهُ من تَمَامِ حِرْزِهِ وَعَطَفَ على الْكَفَنِ قَوْلَهُ لَا لِغَيْرِهِ بِأَنْ دُفِنَ مع الْمَيِّتِ غَيْرُ الْكَفَنِ فَلَيْسَ بِمُحْرَزٍ كما مَرَّ في الزَّائِدِ على الْكَفَنِ الشَّرْعِيِّ وَهَذَا مَفْهُومٌ مِمَّا عُطِفَ عليه بَلْ دَاخِلٌ في قَوْلِهِ لَا غَيْرُهُ
وَلَوْ كُفِّنَ الْمَيِّتُ من التَّرِكَةِ فَنُبِشَ قَبْرُهُ وَأُخِذَ منه طَالِب بِهِ الْوَرَثَةُ من أَخَذَهُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ وَإِنْ قُدِّمَ بِهِ الْمَيِّتُ كَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَلَوْ
____________________
(4/145)
أَكَلَهُ أَيْ الْمَيِّتَ سَبُعٌ قال في الْأَصْلِ أو ذَهَبَ بِهِ سَيْلٌ وَبَقِيَ الْكَفَنُ اقْتَسَمُوا الْكَفَنَ لِذَلِكَ وَلَوْ كَفَّنَهُ أَجْنَبِيٌّ أو سَيِّدٌ من مَالِهِ أو كُفِّنَ من بَيْتِ الْمَالِ فَهُوَ أَيْ الْكَفَنُ كَالْعَارِيَّةِ لِلْمَيِّتِ قال الرَّافِعِيُّ لِأَنَّ نَقْلَ الْمِلْكِ إلَيْهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ابْتِدَاءً فَكَانَ الْمُكَفِّنُ مُعَبِّرَ إعَارَةٍ لَا رُجُوعَ له فيها كَإِعَارَةِ الْأَرْضِ لِلدَّفْنِ فَيُقْطَعُ بِهِ غَيْرُ الْمُعَبِّرِ وفي نُسْخَةٍ غَيْرُ الْمُكَفِّنِ وَالْخَصْمُ فيه الْمَالِكُ في الْأُولَيَيْنِ وَالْإِمَامُ في الثَّالِثَةِ وَإِنْ سُرِقَ الْكَفَنُ وَضَاعَ ولم تُقْسَمْ التَّرِكَةُ أَبْدَلَ لُزُومًا من التَّرِكَةِ وَإِنْ كان الْكَفَنُ من غَيْرِ مَالِهِ فَإِنْ لم يَكُنْ تَرِكَةٌ فَكَمَنْ مَاتَ وَلَا تَرِكَةَ له فَلَوْ قُسِمَتْ ثُمَّ سُرِقَ الْكَفَنُ لم يَلْزَمْهُمْ إبْدَالُهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ هذا إذَا كُفِّنَ أَوَّلًا في الثَّلَاثَةِ التي هِيَ حَقٌّ له فإنه لَا يَتَوَقَّفُ التَّكْفِينُ بها على رِضَا الْوَرَثَةِ أَمَّا لو كَفَّنَ منها بِوَاحِدٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُمْ تَكْفِينُهُ من تَرِكَتِهِ بِثَانٍ وَثَالِثٍ وَالْخَمْسَةُ لِلْمَرْأَةِ كَالثَّلَاثَةِ لِلرَّجُلِ وَتَنْضِيضُ الْحِجَارَةِ أَيْ جَمْعُهَا عليه أَيْ الْمَيِّتِ وهو على وَجْهِ الْأَرْضِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَفْرِ كَالدَّفْنِ لِلضَّرُورَةِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَتَعَذَّرْ الْحَفْرُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الْفَسَاقِي الْمَعْرُوفَةُ كَبَيْتِ قَوَدٍ حتى إذَا لم تَكُنْ في حِرْزٍ وَلَا لها حَافِظٌ فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ الْكَفَنِ منها فإن اللِّصَّ لَا يَلْقَى عَنَاءً في النَّبْشِ بِخِلَافِ الْقَبْرِ الْمُحْكَمِ على الْعَادَةِ
وَلَيْسَ الْبَحْرُ حِرْزًا لِكَفَنِ الْمَيِّتِ الْمَطْرُوحِ فيه فَلَا يُقْطَعُ آخِذُهُ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فَهُوَ كما لو وَضَعَ الْمَيِّتَ على شَفِيرِ الْقَبْرِ وَأَخَذَ كَفَنَهُ وَلَوْ غَاصَ في الْمَاءِ فإنه ليس حِرْزًا له فَلَا يُقْطَعُ آخِذُهُ أَيْضًا لِأَنَّ طَرْحَهُ في الْمَاءِ لَا يُعَدُّ إحْرَازًا كما لو تَرَكَهُ على وَجْهِ الْأَرْضِ وَغَيَّبَتْهُ الرِّيحُ بِالتُّرَابِ قال في الْأَصْلِ وقد يَتَوَقَّفُ فيه وَيُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ من دَارِهِ التي أَجَّرَهَا ما لِلْمُسْتَأْجِرِ وَضْعُهُ فيها لِأَنَّهُ سَرَقَهُ من حِرْزٍ مُحْتَرَمٍ بِلَا شُبْهَةٍ بِخِلَافِ ما ليس لِلْمُسْتَأْجِرِ وَضْعُهُ فيها كَأَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ فَأَوَى إلَيْهَا مَاشِيَةً مَثَلًا وَيُؤْخَذُ من هذا أَنَّهُ لو سَرَقَ منها بَعْدَ فَرَاغِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ لم يُقْطَعْ لَكِنْ شَبَّهَهُ ابن الرِّفْعَةِ بِمَسْأَلَةِ الْعَارِيَّةِ الْآتِيَةِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَفِيهِ كما قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ نَظَرٌ وَكَذَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ من دَارِهِ فِيمَا لو أَعَارَهَا لِغَيْرِهِ ما لِلْمُسْتَعِيرِ وَضْعُهُ فيها لِمَا مَرَّ وَإِنَّمَا يَجُوزُ له الدُّخُولُ إذَا رَجَعَ وَمِثْلُهُ لو أَعَارَ عَبْدًا لِحِفْظِ مَالِ أو رَعْيِ غَنَمٍ ثُمَّ سَرَقَ ما يَحْفَظُهُ عَبْدُهُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَمَسْأَلَتَا الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ عُلِمَتَا مِمَّا مَرَّ أَوَائِلَ الشَّرْطِ الثَّانِي لَكِنَّ تَقْيِيدَهُمَا بِمَا ذُكِرَ إنَّمَا عُلِمَ هُنَا فَلَوْ ذَكَرَهُ ثُمَّ كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ وَذِكْرُهُ في الثَّانِيَةِ من زِيَادَتِهِ وَيُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ من دَارٍ اشْتَرَاهَا قبل الْقَبْضِ وَقَبْلَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ لَا بَعْدَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ قبل تَسْلِيمِهِ حَقَّ الْحَبْسِ فَأَشْبَهَ الْمُسْتَأْجِرَ بِخِلَافِ ما بَعْدَهُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لو كان الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا لم يُقْطَعْ وهو ظَاهِرٌ وَلَوْ سَرَقَ الْأَجْنَبِيُّ مَغْصُوبًا أو نَحْوَهُ لم يُقْطَعْ لِأَنَّ مَالِكَهُ لم يَرْضَ بِإِحْرَازِهِ بِحِرْزِ غَاصِبِهِ فَكَأَنَّهُ غَيْرُ مُحْرَزٍ وَسَوَاءٌ أَعَلِمَ أَنَّهُ مَغْصُوبٌ أَمْ لَا وَكَذَا لَا يُقْطَعُ من أُذِنَ له في الدُّخُولِ إلَى دَارِهِ أو غَيْرِهَا لِحَاجَةٍ كَشِرَاءِ مَتَاعٍ فَسَرَقَ وقد دخل لِحَاجَتِهِ لَا لِلسَّرِقَةِ كما لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ ثِيَابِ الْحَمَّامِ إذَا دخل لِيَغْتَسِلَ على ما يَأْتِي بَيَانُهُ وَقِيلَ يُقْطَعُ وَالتَّرْجِيحُ هُنَا من زِيَادَتِهِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي قُبَيْلَ الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَمِنْ هذا الْآتِي أُخِذَ منه التَّقْيِيدُ بِمَا ذَكَرْته وَيُقْطَعُ بِالطَّعَامِ أَيْ بِسَرِقَتِهِ في زَمَنِ الْمَجَاعَةِ إنْ وُجِدَ وَلَوْ عَزِيزًا بِثَمَنٍ غَالٍ وهو وَاجِدٌ له لَا إنْ عز أَيْ قَلَّ وُجُودُهُ ولم يَقْدِرْ هو عليه فَلَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ كَالْمُضْطَرِّ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ ما جاء عن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه لَا قَطْعَ في عَامِ الْمَجَاعَةِ سَوَاءٌ أَخَذَ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ أَمْ أَكْثَرَ لِأَنَّ له هَتْكَ الْحِرْزِ لِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ الرُّكْنُ الثَّالِثُ السَّرِقَةُ وَهِيَ الْأَخْذُ لِمَالِ الْغَيْرِ خُفْيَةً من حِرْزِ مِثْلِهِ كما مَرَّ فَلَا يُقْطَعُ مُخْتَلِسٌ وهو من يَعْتَمِدُ الْهَرَبَ ولا مُنْتَهِبٌ وهو من يَعْتَمِدُ
____________________
(4/146)
الْقُوَّةَ وَالْغَلَبَةَ ولا مُودَعٌ جَحَدَ الْوَدِيعَةَ لِخَبَرِ ليس على الْمُخْتَلِسِ وَالْمُنْتَهِبِ وَالْخَائِنِ قَطْعٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَفُرِّقَ من حَيْثُ الْمَعْنَى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّارِقِ بِأَنَّ السَّارِقَ يَأْخُذُ الْمَالَ خُفْيَةً وَلَا يَتَأَتَّى مَنْعُهُ فَشُرِعَ الْقَطْعُ زَجْرًا له وَهَؤُلَاءِ يَقْصِدُونَهُ عِيَانًا فَيُمْكِنُ مَنْعُهُمْ بِالسُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ كَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وفي كَوْنِ الْخَائِنِ يَقْصِدُ الْأَخْذَ عِيَانًا وَقْفَةٌ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَطْرَافٍ الْأَوَّلُ في إبْطَالِ الْحِرْزِ فَلَوْ نَقَبَ في لَيْلَةٍ وَسَرَقَ وفي أُخْرَى قُطِعَ كما لو نَقَبَ في أَوَّلِهَا وَسَرَقَ في آخِرِهَا إلَّا إنْ كان النَّقْبُ ظَاهِرًا يَرَاهُ الطَّارِقُونَ أو عَلِمَ بِهِ الْمَالِكُ فَلَا يُقْطَعُ لِانْتِهَاكِ الْحِرْزِ فَصَارَ كما لو سَرَقَهُ غَيْرُهُ وَإِنَّمَا قُطِعَ في نَظِيرِهِ مِمَّا لو أَخْرَجَ النِّصَابَ دَفَعَاتٍ كما مَرَّ لِأَنَّهُ ثَمَّ تَمَّمَ السَّرِقَةَ وَهُنَا ابْتَدَأَهَا وَإِنْ نَقَبَ وَاحِدٌ وَأَخْرَجَ آخَرُ النِّصَابَ وَلَوْ في الْحَالِ لم يُقْطَعَا أَيْ لم يُقْطَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْأَوَّلَ لم يَسْرِقْ وَالثَّانِي أَخَذَ من غَيْرِ حِرْزٍ وَيَضْمَنُ الْأَوَّلُ الْجِدَارَ وَالثَّانِي ما أَخَذَهُ نعم إنْ بَلَغَ ما أَخْرَجَهُ الْأَوَّلُ من آلَةِ الْجِدَارِ نِصَابًا قُطِعَ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَخْذُ الْآلَةِ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَإِنْ سَلِمَ اعْتِبَارُ الْقَصْدِ لَزِمَ أَنْ يُقَالَ إنْ قَصَدَ سَرِقَةَ الْآلَةِ مع ما في الْحِرْزِ قُطِعَ بِالْآلَةِ وَحْدَهَا وَإِنْ لم يَدْخُلْ وَلَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ إذَا لم يَدْخُلْ لم يُقْطَعْ ذَكَرَ ذلك الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْقَصْدُ وَيُرَادُ بِقَوْلِهِمْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لم يَسْرِقْ أَنَّهُ لم يَسْرِقْ ما في الْحِرْزِ وَإِنْ كان الْمَالُ مُحْرَزًا بِمُلَاحِظٍ له قَرِيبٍ من النَّقِيبِ لَا نَائِمٍ قُطِعَ الْآخِذُ له بِخِلَافِهِ في النَّائِمِ كَنَظِيرِهِ فِيمَنْ نَامَ في الدَّارِ وَبَابُهَا مَفْتُوحٌ وَإِنْ نَقَبَا أَيْ اثْنَانِ الْحِرْزَ وَأَخْرَجَ أَحَدُهُمَا الْمَالَ وَلَوْ شَدَّهُ عليه الْآخَرُ أو عَكْسُهُ بِأَنْ نَقَبَ وَاحِدٌ وَأَخْرَجَ مع الْآخَرِ قُطِعَ الْجَامِعُ بين الْإِخْرَاجِ وَالنَّقْبِ فَقَطْ إنْ بَلَغَ نَصِيبُهُ في الثَّانِيَةِ نِصَابًا كما صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَلَوْ قَرَّبَهُ أَحَدُ النَّاقِبَيْنِ إلَى النَّقْبِ أو إلَى الْبَابِ وَأَخْرَجَهُ الْآخَرُ قُطِعَ الْمُخْرِجُ فَقَطْ لِأَنَّهُ الْمُخْرِجُ له من الْحِرْزِ وَإِنْ نَقَبَا وَأَخْرَجَ أَحَدُهُمَا ثُلُثَ دِينَارٍ وَالْآخَرُ سُدُسَهُ قُطِعَ صَاحِبُ الثُّلُثِ لِأَنَّهُ سَرَقَ رُبْعَ دِينَارٍ بَلْ أَكْثَرَ دُونَ الْآخَرِ وَلَوْ أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَبِنَاتٍ فَمُشْتَرِكَانِ في النَّقْبِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الِاشْتِرَاكُ أَنْ يَأْخُذَ آلَةً وَاحِدَةً وَيَسْتَعْمِلَاهَا مَعًا بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في الِاشْتِرَاكِ في قَطْعِ الْيَدِ لِأَنَّ النَّقْبَ ذَرِيعَةٌ إلَى الْمَقْصُودِ وَلَا سَرِقَةَ في نَفْسِهِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ الْمَذْكُورِ وَلَوْ وَضَعَهُ أَحَدُهُمَا وَسَطَ النَّقْبِ ولم يُنَاوِلْهُ الْآخَرُ أو نَاوَلَهُ لِآخَرَ هُنَاكَ أَيْ في وَسَطِ النَّقْبِ فَأَخَذَهُ وَأَخْرَجَهُ لم يُقْطَعَا أَيْ لم يُقْطَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَإِنْ بَلَغَ الْمَالُ نِصَابَيْنِ لِأَنَّ الدَّاخِلَ لم يُخْرِجْهُ من تَمَامِ الْحِرْزِ وَالْخَارِجَ لم يَأْخُذْهُ منه فَصَارَ كما لو نَقَبَ أَحَدُهُمَا وَوَضَعَ الْمَالَ بِوَسَطِ النَّقْبِ وَأَخَذَهُ الْآخَرُ وَخَرَجَ بِوَسْطِ النَّقْبِ ما لو وَضَعَهُ خَارِجَهُ فَأَخَذَهُ الْآخَرُ أو نَاوَلَهُ له خَارِجَهُ فإن الدَّاخِلَ يُقْطَعُ وَإِنْ رَبَطَهُ لِشَرِيكِهِ الْخَارِجِ فَجَرَّهُ قُطِعَ الْخَارِجُ دُونَ الدَّاخِلِ وَعَلَيْهِمَا الضَّمَانُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَيُقْطَعُ الْأَعْمَى بِسَرِقَةِ ما دَلَّهُ عليه الزَّمِنُ وَإِنْ حَمَلَهُ وَدَخَلَ بِهِ الْحِرْزَ لِيَدُلَّهُ على الْمَالِ وَخَرَجَ بِهِ لِأَنَّهُ السَّارِقُ ويقطع الزَّمِنُ بِمَا أَخْرَجَهُ وَالْأَعْمَى حَامِلٌ لِلزَّمِنِ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا لم يُقْطَعْ الْأَعْمَى لِأَنَّهُ ليس حَامِلًا لِلْمَالِ وَلِهَذَا لو حَلَفَ لَا يَحْمِلُ طَبَقًا فَحَمَلَ رَجُلًا حَامِلًا طَبَقًا لم يَحْنَثْ وَكَالزَّمِنِ غَيْرُهُ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَوْ قال حَامِلٌ له كان أَخْصَرَ وَفَتْحُ الْبَابِ وَالْقُفْلِ بِكَسْرٍ أو غَيْرِهِ وَتَسَوُّرُ الْحَائِطِ أَيْ كُلٌّ منها كَالنَّقْبِ فِيمَا مَرَّ الطَّرَفُ الثَّانِي في وُجُوهِ النَّقْلِ لِلْمَالِ فَإِنْ جَرَّهُ من الْحِرْزِ بِمِحْجَنٍ أو نَحْوِهِ كَكِلَابٍ أو رَمَى منه إلَى خَارِجٍ عنه قُطِعَ وَلَوْ ضَاعَ أو لم يَدْخُلْ هو الْحِرْزَ إذْ النَّظَرُ لِلْإِخْرَاجِ لَا لِلْكَيْفِيَّةِ وَالْمِحْجَنُ عَصًا مَحْنِيَّةُ الرَّأْسِ وَإِنْ ابْتَلَعَ
____________________
(4/147)
جَوْهَرَةً مَثَلًا في الْحِرْزِ وَخَرَجَ منه قُطِعَ إنْ خَرَجَتْ منه بَعْدُ لِبَقَائِهَا بِحَالِهَا فَأَشْبَهَ ما لو أَخْرَجَهَا في فيه أو وِعَاءٍ فَإِنْ لم تَخْرُجْ منه فَلَا قَطْعَ لِاسْتِهْلَاكِهَا في الْحِرْزِ كما لو أَكَلَ الْمَسْرُوقَ وَكَذَا لو خَرَجَتْ منه لَكِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا حَالَ الْخُرُوجِ عن رُبْعِ دِينَارٍ كما نَبَّهَ عليه الْبَارِزِيُّ وَإِنْ تَضَمَّخَ بِطِيبٍ في الْحِرْزِ وَخَرَجَ منه لم يُقْطَعْ وَلَوْ جُمِعَ من جِسْمِهِ نِصَابٌ منه لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ يُعَدُّ إتْلَافًا له كَالطَّعَامِ وَهَذَا عُلِمَ من قَوْلِهِ قَبْلُ وَإِنْ أَخَذَ نِصَابًا وَأَتْلَفَ بَعْضَهُ في الْحِرْزِ لم يُقْطَعْ وما ذَكَرَهُ في صُورَةِ جَمْعِ النِّصَابِ هو ما صَحَّحَهُ الْأَصْلُ قال الْبُلْقِينِيُّ ولم أَقِفْ عليه في تَصْنِيفٍ وَالرَّافِعِيُّ نَقَلَ الْوَجْهَيْنِ عن السَّرَخْسِيُّ وَهُمَا في تَهْذِيبِ الْبَغَوِيّ وَكَافِي الْخُوَارِزْمِيَّ وَتَعْلِيقَةِ الْقَاضِي وَالْقَاضِي قال الْأَصَحُّ وُجُوبُ الْقَطْعِ وَلَا تَوَقُّفَ عِنْدَنَا في الْقَطْعِ بِهِ وَإِنْ خَرَجَ الْمَالُ بِوَضْعِهِ له في مَاءٍ جَارٍ في الْحِرْزِ قُطِعَ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ من الْحِرْزِ بِفِعْلِهِ أو في مَاءٍ وَاقِفٍ فَمَنْ خَرَجَ الْمَالُ بِتَحْرِيكِهِ قُطِعَ لِذَلِكَ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُحَرِّكُ له هو أَمْ غَيْرَهُ نعم إنْ كان غَيْرُهُ غير مُمَيِّزٍ أو مُعْتَقِدًا وُجُوبَ طَاعَةِ آمِرِهِ وقد أَمَرَهُ الْوَاضِعُ بِذَلِكَ فَالْقَطْعُ على الْآمِرِ كَنَظِيرِهِ فِيمَا لو نَقَبَ الْحِرْزَ ثُمَّ أَمَرَ من هو كَذَلِكَ بِإِخْرَاجِ ما فيه فَأَخْرَجَهُ وَلَوْ خَرَجَ منه بِانْفِجَارٍ أو مَزِيدِ سَيْلٍ أو نَحْوِهِ فَلَا يُقْطَعُ لِخُرُوجِهِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَإِنْ رَمَى ثَمَرَ شَجَرٍ بِحِجَارَةِ أو نَحْوِهَا أو بِدُخَانِ نَارٍ أَدْخَلَهَا من خَارِجِ الْبُسْتَانِ فَتَسَاقَطَ الثَّمَرُ في الْمَاءِ وَخَرَجَ من الْجَانِبِ الْآخَرِ فَلَا قَطْعَ لِعَدَمِ اسْتِيلَائِهِ عليه وَإِنْ عَرَّضَهُ لِرِيحٍ مَوْجُودَةٍ بِوَضْعِهِ على طَرَفِ النَّقْبِ أو غَيْرِهِ فَأَخْرَجَتْهُ من الْحِرْزِ قُطِعَ وَلَا أَثَرَ لِمُعَاوَنَتِهَا كما أنها لَا تَمْنَعُ حِينَئِذٍ وُجُوبَ الْقِصَاصِ وَحِلَّ الصَّيْدِ لَا إنْ حَدَثَتْ بَعْدَ تَعْرِيضِهِ لها فَأَخْرَجَتْهُ فَلَا قَطْعَ كما في زِيَادَةِ الْمَاءِ وَإِنْ وَضَعَهُ في الْحِرْزِ على دَابَّةٍ سَائِرَةٍ أو وَاقِفَةٍ وَسَيَّرَهَا بِسَوْقٍ أو قَوْدٍ أو تَطْيِيرٍ حتى خَرَجَتْ بِهِ قُطِعَ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ من الْحِرْزِ بِفِعْلِهِ وَإِلَّا بِأَنْ لم تَكُنْ سَائِرَةً وَلَا سَيَّرَهَا بَلْ سَارَتْ بِنَفْسِهَا وَلَوْ فَوْرًا فَلَا يُقْطَعُ لِأَنَّ لها اخْتِيَارًا في السَّيْرِ وَالْوُقُوفِ فَيَصِيرُ ذلك شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْقَطْعِ وَلَوْ أَخْرَجَ شَاةً دُونَ النِّصَابِ فَتَبِعَتْهَا سَخْلَتَاهُ أو أُخْرَى فَكَمَّلَ بها النِّصَابَ لم يُقْطَعْ لِذَلِكَ قال في الْأَصْلِ وفي دُخُولِ السَّخْلَةِ في ضَمَانِهِ وَجْهَانِ انْتَهَى وَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ لِأَنَّهَا سَارَتْ بِنَفْسِهَا وَمِثْلُهَا غَيْرُهَا مِمَّا تَبِعَ الشَّاةَ وَلَوْ نَقَبَ حِرْزًا وَأَمَرَ أَعْجَمِيًّا أو صَبِيًّا غير مُمَيِّزٍ بِإِخْرَاجِ الْمَالِ فَأَخْرَجَ قُطِعَ الْآمِرُ لِأَنَّ أَمْرَهُ كَتَسْيِيرِ الدَّابَّةِ وَالْمَأْمُورُ آلَةٌ له وَلَوْ قال أو غير مُمَيِّزٍ كان أَعَمَّ أو مُمَيِّزًا أو قِرْدًا فَلَا قَطْعَ لِأَنَّهُ ليس آلَةً له وَلِأَنَّ لِلْحَيَوَانِ اخْتِيَارًا وَإِنْ سَرَقَ من حِرْزٍ عَبْدًا غير مُمَيِّزٍ لِصِغَرٍ أو عُجْمَةٍ أو جُنُونٍ قُطِعَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ وَحِرْزُهُ فِنَاءُ الدَّارِ وَنَحْوُهُ إذَا لم يَكُنْ الْفِنَاءُ مَطْرُوقًا قَالَهُ الْإِمَامُ سَوَاءٌ حَمَلَهُ السَّارِقُ أو دَعَاهُ فَأَجَابَهُ لِأَنَّهُ كَالْبَهِيمَةِ تُسَاقُ أو تُقَادُ وَكَذَا إنْ سَرَقَهُ مُمَيِّزًا سَكْرَانًا أَوَنَائِمًا أو مَضْبُوطًا يُقْطَعُ سَارِقُهُ كَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَسَكْرَانُ مَمْنُوعُ الصَّرْفِ فَكَانَ يَنْبَغِي له أَنْ يَتْبَعَ أَصْلَهُ في حَذْفِ أَلِفِهِ لَكِنَّهُ صَرَفَهُ لِلتَّنَاسُبِ وَلَوْ أَكْرَهَهُ أَيْ الْمُمَيِّزَ فَخَرَجَ من الْحِرْزِ فَكَذَلِكَ أَيْ يُقْطَعُ كما لو سَاقَ الْبَهِيمَةَ بِالضَّرْبِ وَلِأَنَّ الْقُوَّةَ التي هِيَ الْحِرْزُ قد زَالَتْ بِالْقَهْرِ لَا إنْ أَخْرَجَهُ بِخَدِيعَةٍ فَلَا يُقْطَعُ لِأَنَّهَا خِيَانَةٌ لَا سَرِقَةٌ فَإِنْ حَمَلَ عَبْدًا مُمَيِّزًا قَوِيًّا على الِامْتِنَاعِ نَائِمًا أو سَكْرَانَ فَفِي الْقَطْعِ تَرَدُّدٌ لِأَنَّ مِثْلَ هذا الْعَبْدِ مُحْرَزٌ بِقُوَّتِهِ وَجَرَى على عَدَمِ الْقَطْعِ الْغَزَالِيُّ في وَجِيزِهِ وَالْمَنْقُولُ الْقَطْعُ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِيَانِ أبو الطَّيِّبِ وَحُسَيْنٌ وابن الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَالْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وهو نَظِيرُ ما مَرَّ في أُمِّ الْوَلَدِ لَا إنْ حَمَلَهُ مُسْتَيْقِظًا فَلَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ مُحْرَزٌ بِقُوَّتِهِ وَهِيَ معه وَلَوْ تَغَفَّلَ مُلَاحِظًا مَتَاعَهُ حَيْثُ لَا غَوْثَ أَيْ لَا مُغِيثَ يُسْتَغَاثُ بِهِ شَخْصٌ أَضْعَفُ منه وَأَخَذَ الْمَتَاعَ وَلَوْ عَلِمَ بِهِ الْمُلَاحِظُ لَطَرَدَهُ لَا أَقْوَى منه قُطِعَ لِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ بِاخْتِلَافِ الْآخِذِينَ كما يَخْتَلِفُ أَصْلُ الْإِحْرَازِ بِاخْتِلَافِ أَصْنَافِ الْأَمْوَالِ وَلَوْ سَرَقَ حُرًّا وَلَوْ نَائِمًا أو طِفْلًا عليه قِلَادَةٌ أو غَيْرُهَا من حُلِيِّهِ أو مَلَابِسِهِ ثُمَّ نَزَعَهَا منه لم يُقْطَعْ قال في الْأَصْلِ لِأَنَّ الْحُرَّ ليس بِمَالٍ
____________________
(4/148)
وما معه في يَدِهِ وَمُحْرَزٌ بِهِ ولم يُخْرِجْهُ من حِرْزِهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لو نَزَعَ منه الْمَالَ قُطِعَ لِإِخْرَاجِهِ من حِرْزِهِ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ من زِيَادَتِهِ ثُمَّ نَزَعَهَا من تَصَرُّفِهِ لَكِنْ نَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ عن الزَّبِيلِيِّ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا نَزَعَ منه وَإِلَّا فَلَا قَطْعَ قَطْعًا فَعَلَيْهِ كان يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ وَإِنْ نَزَعَهَا وَالْأَوْجَهُ ما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ أَنَّهُ إنْ نَزَعَهَا منه خِفْيَةً أو مُجَاهَرَةً ولم يُمْكِنْهُ مَنْعُهُ من النَّزْعِ قُطِعَ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ جَرَّ بَعِيرًا من قَافِلَةٍ عليه أَمْتِعَتُهُ وَعَبْدٌ نَائِمٌ لَا حُرٌّ قال في الْأَصْلِ وَجَعَلَهُ بِمَضْيَعَةٍ قُطِعَ لِأَنَّ الْبَعِيرَ بِمَا عليه مَسْرُوقٌ بِخِلَافِهِ في الْحُرِّ وَلَوْ نَائِمًا لِأَنَّ الْبَعِيرَ بِمَا عليه من الْمَتَاعِ في يَدِ الْحُرِّ وَمِثْلُهُ الْمُكَاتَبُ وَالْمُبَعَّضُ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَبِخِلَافِ ما لو لم يَجْعَلْهُ بِمَضْيَعَةٍ كَأَنْ جَعَلَهُ بِقَافِلَةٍ أُخْرَى أو بَلَدٍ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ حَذَفَ ما نَقَلْته عن الْأَصْلِ لِهَذَا وَبِخِلَافِ ما لو كان الْعَبْدُ مُسْتَيْقِظًا وهو قَادِرٌ على الِامْتِنَاعِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِ الْأَمْتِعَةِ لِأَنَّ الْبَعِيرَ وَالْعَبْدَ مَسْرُوقَانِ نعم إنْ حَمَلَ الْعَبْدَ على الْقَوِيِّ فَلَا بُدَّ من ذِكْرِهَا انْتَهَى وفي كَوْنِهِ لَا بُدَّ من ذِكْرِهَا حِينَئِذٍ نَظَرٌ لِأَنَّ الْبَعِيرَ مَسْرُوقٌ وَإِنْ سَرَقَ قِلَادَةً مَثَلًا مُعَلَّقَةً على صَغِيرٍ وَلَوْ حُرًّا أو كَلْبٍ مُحْرَزَيْنِ أو سَرَقَهَا مع الْكَلْبِ قُطِعَ وَحِرْزُ الْحُرِّ الصَّغِيرِ حِرْزُ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ وَحِرْزُ الْكَلْبِ حِرْزُ الدَّوَابِّ الطَّرَفُ الثَّالِثُ في الْمَحَلِّ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ الْمَالُ الْمَسْرُوقُ فَلَا قَطْعَ بِالنَّقْلِ له إلَى صَحْنِ الدَّارِ الْمُقْفَلَةِ من بَيْتٍ مَفْتُوحٍ لِأَنَّ صَحْنَهَا إنْ لم يَكُنْ حِرْزًا لِلْمَالِ فَلَيْسَ الْمَالُ مُحْرَزًا في نَفْسِهِ لِأَنَّ الْبَيْتَ الْمَفْتُوحَ كَالْعَرْصَةِ وَإِلَّا فَهُوَ كما لو نَقَلَهُ من زَاوِيَةٍ إلَى أُخْرَى من الْحِرْزِ فَإِنْ كان الْبَيْتُ مُقْفَلًا وَبَابُ الدَّارِ مَفْتُوحٌ قُطِعَ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ من حِرْزِهِ إلَى مَحَلِّ الضَّيَاعِ أو كَانَا مَفْتُوحَيْنِ وَلَا حَافِظَ ثَمَّ أو مُغْلَقَيْنِ فَلَا يُقْطَعُ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ في الْأُولَى وَعَدَمِ إخْرَاجِهِ في الثَّانِيَةِ من تَمَامِ حِرْزِهِ كما لو أَخْرَجَهُ من الصُّنْدُوقِ إلَى الْبَيْتِ هذا إذَا فَتَحَهُ أَيْ بَابَ الدَّارِ غَيْرُ السَّارِقِ فَإِنْ فَتَحَهُ السَّارِقُ فَهُوَ في حَقِّهِ الْمُغْلَقِ حتى لَا يُقْطَعَ لِأَنَّهُ لم يُخْرِجْهُ من تَمَامِ الْحِرْزِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يُقْطَعَ بَعْدَ إخْرَاجِهِ الْمَالَ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ من غَيْرِ حِرْزِهِ وَإِنْ أَخْرَجَ أَجْنَبِيٌّ من حِرْزٍ مُشْتَرَكٍ بين جَمَاعَةٍ كَالْخَانِ وَالرِّبَاطِ ما سَرَقَهُ من حِرْزِ مِثْلِهِ كَالصَّحْنِ إلَى خَارِجِهِ قُطِعَ كما لو أَخْرَجَهُ من مُخْتَصٍّ بِوَاحَةٍ أو أَخَذَهُ من حُجْرَةٍ أَيْ لِلْخَانِ وَأَخْرَجَهُ إلَى الصَّحْنِ فَرْقٌ بين أَنْ يَكُونَ بَابُ الْخَانِ مَفْتُوحًا أو مُغْلَقًا كما مَرَّ في الدَّارِ مع الْبَيْتِ وَقِيلَ يُقْطَعُ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ الصَّحْنَ ليس حِرْزًا لِصَاحِبِ الْبَيْتِ بَلْ مُشْتَرَكٌ بين السُّكَّانِ فَهُوَ كَالسِّكَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ بين أَهْلِهَا وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَالشَّرْحُ الصَّغِيرُ
وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ الثَّانِي عن الْعِرَاقِيِّينَ وَبَعْضِ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالَا وهو الْمُخْتَارُ وَالتَّعْبِيرُ بِأَوْ فِيمَا ذُكِرَ وَنَحْوِهِ كَثِيرٌ في كَلَامِ الْفُقَهَاءِ وهو بِمَعْنَى الْوَاوِ لِأَنَّ بين لَا تَدْخُلُ إلَّا على مُتَعَدِّدٍ وَإِنْ سَرَقَ أَحَدُ سُكَّانِهِ أَيْ الْمُشْتَرَكِ من الصَّحْنِ أو من حُجْرَةٍ مَفْتُوحَةٍ لم يُقْطَعْ لِأَنَّهُ أَخَذَ ما ليس مُحْرَزًا عنه لِشَرِكَتِهِ في الصَّحْنِ في الْأُولَى وَفَتْحِ الْبَابِ في الثَّانِيَةِ أو من حُجْرَةٍ مُغْلَقَةٍ قُطِعَ بِالْإِخْرَاجِ منها وَلَوْ إلَى الصَّحْنِ وَالصَّحْنُ في حَقِّ السُّكَّانِ كَسِكَّةٍ مُنْسَدَّةٍ بِالْإِضَافَةِ إلَى الدُّورِ وَسَوَاءٌ أَكَانَ بَابُ الْمُشْتَرَكِ مَفْتُوحًا أَمْ مُغْلَقًا كَنَظِيرِهِ فِيمَا لو كان على السِّكَّةِ بَابٌ وَإِنْ سَرَقَ الضَّيْفُ من مَكَانِ مَضِيفِهِ أو الْجَارُ من حَانُوتِ جَارِهِ وَالْمُغْتَسِلُ من الْحَمَّامِ وَإِنْ دخل لِيَسْرِقَ أو الْمُشْتَرِي من الدُّكَّانِ الْمَطْرُوقِ لِلنَّاسِ ما ليس مُحْرَزًا عنه لم يُقْطَعْ على الْقَاعِدَةِ في سَرِقَةِ ذلك وَإِنْ دخل الْحَمَّامَ لِيَسْرِقَ قال ابن الرِّفْعَةِ أو لِيَغْتَسِلَ ولم يَغْتَسِلْ فَتَغَفَّلَ حَمَّامِيًّا أو غَيْرَهُ اُسْتُحْفِظَ مَتَاعًا فَحَفِظَهُ فَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ من الْحَمَّامِ قُطِعَ بِخِلَافِ ما لو لم يُسْتَحْفَظْ أو اُسْتُحْفِظَ فلم يَحْفَظْ لِنَوْمٍ أو إعْرَاضٍ أو غَيْرِهِ أو لم يَكُنْ حَافِظٌ الرُّكْنُ الثَّالِثُ السَّارِقُ وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ وَالِاخْتِيَارُ وَالِالْتِزَامُ وَالْعِلْمُ بِالتَّحْرِيمِ فَيُقْطَعُ سَكْرَانُ بِمُحَرَّمٍ أَيْ بِشُرْبِ مُحَرَّمٍ سَرَقَ هذا فَرْعُهُ على ما عِنْدَهُ من أَنَّ السَّكْرَانَ مُكَلَّفٌ وقد تَكَرَّرَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَإِنَّمَا قُطِعَ لِأَنَّهُ كَالْمُكَلَّفِ وهو بَابُ خِطَابِ الْوَضْعِ وَلَا قَطْعَ على صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عنهما لَكِنَّهُمَا يُعَزَّرَانِ إنْ كَانَا مُمَيِّزَيْنِ وَلَا على مُكْرَهٍ لِشُبْهَةِ الْإِكْرَاهِ الدَّافِعَةِ لِلْحَدِّ وَلَا على حَرْبِيٍّ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ وَلَا على جَاهِلٍ لِعُذْرِهِ وَيُقْطَعُ ذِمِّيٌّ بِمَالٍ مُسْلِمٍ كَعَكْسِهِ بِجَامِعِ
____________________
(4/149)
أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُلْتَزِمٌ لِلْأَحْكَامِ وَيُقْطَعُ أَيْضًا بِمَالِ ذِمِّيٍّ وَكَذَا يُحَدُّ إنْ زَنَى وَلَوْ بِغَيْرِ مُسْلِمَةٍ وَإِنْ لم يَرْضَ بِحُكْمِنَا في الصُّورَتَيْنِ بَعْدَ الرَّفْعِ إلَيْنَا إنْ أَلْزَمْنَا نَحْنُ حَاكِمَنَا الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ وهو الْمَجْزُومُ بِهِ في الْمُسْلِمَةِ وَالرَّاجِحُ في غَيْرِهَا وَالْمَسْأَلَةُ تَقَدَّمَتْ في بَابِ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ بِخِلَافِ الْمُعَاهَدِ الشَّامِلِ لِلْمُسْتَأْمَنِ من إذَا زَنَى لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لِلْأَحْكَامِ كَالْحَرْبِيِّ مع أَنَّ ذلك مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُقْطَعُ مُعَاهَدٌ ولا مُسْتَأْمَنٌ بِسَرِقَةِ مَالِ غَيْرِهِمَا وَإِنْ شُرِطَ قَطْعُهُمَا بها وَلَا يُقْطَعُ لَهُمَا بِسَرِقَةِ مَالِهِمَا لِذَلِكَ وَلَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُ أَيْ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالسَّرِقَةِ إلَّا أَنْ شُرِطَ عليه انْتِقَاضُ عَهْدِهِ بها وَالتَّرْجِيحُ هُنَا من زِيَادَتِهِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي أو أَخَّرَ الْجِزْيَةَ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وفي انْتِقَاضِ عَهْدِ الْمُعَاهَدِ بِالسَّرِقَةِ أَوْجُهٌ ثَالِثُهَا إنْ شُرِطَ عليه أَنْ لَا يَسْرِقَ انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا الْبَابُ الثَّانِي فِيمَا تَثْبُتُ بِهِ السَّرِقَةُ وَمِثْلُهَا الْمُحَارَبَةُ التَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وهو أَيْ ما يَثْبُتُ بِهِ السَّرِقَةُ أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ يَمِينُ الرَّدِّ فَلَوْ نَكَلَ السَّارِقُ عن الْيَمِينِ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي يَمِينُ الرَّدِّ قُطِعَ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ أو الْبَيِّنَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُقْطَعُ بِهِ وَهَذَا ما رَجَّحَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَرَجَّحَهُ الْأَصْلُ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ في الشَّرْطِ الثَّانِي لَكِنَّهُ صَحَّحَ في الدَّعَاوَى وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وهو لَا يَثْبُتُ بِالْمَرْدُودَةِ كما لو قال أَكْرَهَ فُلَانُ أَمَتِي على الزِّنَا فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ فَحَلَفَ الْمُدَّعِي فإنه يَثْبُتُ الْمَهْرُ دُونَ حَدِّ الزِّنَا وَلِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ على الْأَصَحِّ وَالسَّارِقُ إذَا أَنْكَرَ ما أَقَرَّ بِهِ لَا يُقْطَعُ وَهَذَا قد أَنْكَرَ وقال الْبُلْقِينِيُّ إنَّ هذا هو الْمُعْتَمَدُ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ على أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ قَطْعُ السَّارِقِ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ أو إقْرَارِهِ وقال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ الذي أَوْرَدَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَبَعْضُ الْخُرَاسَانِيِّينَ الثَّانِي الْإِقْرَارُ فَيُقْطَعُ بِهِ الْمُقِرُّ بِالسَّرِقَةِ لِخَبَرِ من أَبْدَى لنا صَفْحَتَهُ أَقَمْنَا عليه الْحَدَّ هذا إنْ بَيَّنَ السَّرِقَةَ وَالْمَسْرُوقَ منه وَقَدْرَ الْمَسْرُوقَ كما يُؤْخَذُ من كَلَامِ الْأَصْلِ وَالْحِرْزَ بِتَعْيِينٍ أو وَصْفٍ له بِخِلَافِ ما إذَا لم يُعَيِّنْ ذلك لِأَنَّهُ قد يَظُنُّ غير السَّرِقَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ سَرِقَةً مُوجِبَةً له وَسَيَأْتِي نَظِيرُ ذلك في الشُّهُودِ وَسَقَطَ الْقَطْعُ بِالرُّجُوعِ عن السَّرِقَةِ وَالْمُحَارَبَةِ أَيْ عن الْإِقْرَارِ بِهِمَا وَلَوْ كان الرُّجُوعُ في أَثْنَاءِ الْقَطْعِ كما يَسْقُطُ حَدُّ الزِّنَا بِالرُّجُوعِ وَرَوَى أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أُتِيَ بِسَارِقٍ فقال ما إخَالُكَ سَرَقْت قال بَلَى سَرَقْت فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ وَلَوْلَا أَنَّ الرُّجُوعَ مَقْبُولٌ لَمَا كان لِلْحَثِّ عليه مَعْنًى فَلَوْ بَقِيَ من الْقَطْعِ بَعْدَ الرُّجُوعِ ما يَضُرُّ إبْقَاؤُهُ قَطَعَ هو لِنَفْسِهِ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِهِ وَلَا يَجِبُ على الْإِمَامِ قَطْعُهُ لِأَنَّهُ تَدَاوٍ وَخَرَجَ بِالْقَطْعِ الْمَالُ فَلَا يَسْقُطُ الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ فَرْعَانِ لو أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ رَجَعَ ثُمَّ كَذَّبَ رُجُوعَهُ قال الدَّارِمِيُّ لَا يُقْطَعُ وَلَوْ أَقَرَّ بِهِمَا ثُمَّ أُقِيمَتْ عليه الْبَيِّنَةُ ثُمَّ رَجَعَ قال الْقَاضِي سَقَطَ عنه الْقَطْعُ على الصَّحِيحِ لِأَنَّ الثُّبُوتَ كان بِالْإِقْرَارِ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ في الزِّنَا عن الْمَاوَرْدِيِّ وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُ الْمُقِرِّينَ بِالسَّرِقَةِ عن إقْرَارِهِ دُونَ الْآخَرِ قُطِعَ الْآخَرُ فَقَطْ فَلَوْ أَقَرَّ وَاحِدٌ بِإِكْرَاهِ أَمَةٍ على الزِّنَا أو بِالزِّنَا بها بِلَا إكْرَاهٍ حُدَّ وَإِنْ غَابَ سَيِّدُهَا لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَتَوَقَّفُ على طَلَبِهِ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى فَإِنْ رَجَعَ السَّيِّدُ من غَيْبَتِهِ وقال كُنْت مَلَّكْته إيَّاهَا بِبَيْعٍ أو غَيْرِهِ وَأَنْكَرَ ه الْمُقِرُّ لم يَسْقُطْ الْحَدُّ إذْ لو سَقَطَ لم يُسْتَوْفَ في غَيْبَتِهِ وَكَذَا لَا يَسْقُطُ إنْ قال أَبَحْتهَا له وَإِنْ لم يُنْكِرْ لِأَنَّهَا لَا تُبَاحُ لِلْوَطْءِ وَبِهَذَا فَارَقَ مَسْأَلَةَ سَرِقَةِ مَالِ الْغَائِبِ الْآتِيَةِ قال الرَّافِعِيُّ نَقْلًا عن الْإِمَامِ
____________________
(4/150)
وَعَلَى قِيَاسِ ما ذَكَرَهُ في الْبَيْعِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ عنه الْحَدُّ إذَا أَقَرَّ بِوَقْفِ الْجَارِيَةِ عليه وَكَذَّبَهُ زَادَ في الرَّوْضَةِ قُلْت ليس الْوَقْفُ كَالْبَيْعِ فإنه يَصِحُّ بِلَا قَبُولٍ على الْمُخْتَارِ وَلَوْ أَقَرَّ بِلَا دَعْوَى بِسَرِقَةٍ لِغَائِبٍ أو شَهِدَ بها شُهُودُ حِسْبَةٍ لم يُقْطَعْ حتى يَقْدَمَ من غَيْبَتِهِ وَيُطَالِبَهُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَبَاحَ له الْمَالَ وَلِأَنَّ الْقَطْعَ مُتَعَلِّقُ حَقِّ الْآدَمِيِّ لِأَنَّهُ شُرِعَ حِفْظًا لِمَالِهِ وَاشْتُرِطَ حُضُورُهُ وفي مَعْنَى حُضُورِهِ حُضُورُ وَكِيلِهِ في ذلك كما قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهَلْ يُحْبَسُ الْمُقِرُّ حتى يَقْدَمَ الْغَائِبُ كَمَنْ أَقَرَّ بِقِصَاصٍ لِغَائِبٍ أو صَبِيٍّ أو لَا يُحْبَسُ إلَّا إنْ قَصُرَتْ الْمَسَافَةُ وَتُوُقِّعَ قُدُومُهُ على قُرْبٍ لِأَنَّ الْحَدَّ مَبْنِيٌّ على الْمَاهِلَةِ أو يُحْبَسُ إنْ كانت الْعَيْنُ تَالِفَةً لِلْغُرْمِ وَإِنْ كانت بَاقِيَةً أُخِذَتْ منه ثُمَّ يُفَرَّقُ بين طُولِ الْمَسَافَةِ وَقِصَرِهَا فيه وُجُوهٌ قال الْأَذْرَعِيُّ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ في الْأُمُّ الْأَوَّلُ وقال الْإِمَامُ إنَّهُ الظَّاهِرُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ قُلْت وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ فَإِنْ أَقَرَّ له أَيْ الْغَائِبُ بِغَصْبٍ لِمَالٍ لم يُطَالِبْهُ الْحَاكِمُ بِهِ إذْ ليس له الْمُطَالَبَةُ بِمَالِ الْغَائِبِ فَلَا يَحْبِسُهُ بِخِلَافِ السَّارِقِ لِأَنَّ له أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْقَطْعِ أَيْ في الْجُمْلَةِ إلَّا إنْ مَاتَ الْغَائِبُ عن الْمَالِ وَخَلَّفَهُ لِطِفْلٍ وَنَحْوِهِ فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُقِرَّ بِهِ وَيَحْبِسَهُ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ فَرْعٌ لو أَقَرَّ عَبْدٌ بِسَرِقَةِ دُونَ النِّصَابِ لم يُقْبَلْ إلَّا إنْ صَدَّقَهُ السَّيِّدُ أو بِنِصَابٍ قُطِعَ كَإِقْرَارِهِ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ قِصَاصًا ولم يَثْبُتْ الْمَالُ وَإِنْ كان بيده لِأَنَّهُ إقْرَارٌ على سَيِّدِهِ لِتَعَلُّقِ الْغُرْمِ بِرَقَبَتِهِ إنْ تَلِفَ الْمَالُ وَانْتِزَاعُهُ منه إنْ بَقِيَ وَهَذَا تَقَدَّمَ في الْإِقْرَارِ فَرْعٌ لِلْقَاضِي التَّعْرِيضُ له أَيْ لِمَنْ اُتُّهِمَ في بَابِ الْحُدُودِ بِمَا يُوجِبُ شيئا منها بِأَنْ يُنْكِرَ ما اُتُّهِمَ بِهِ منها سَتْرًا لِلْقَبِيحِ وَلِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ من سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إنْ لم يَكُنْ بَيِّنَةٌ فَإِنْ كانت لم يَجُزْ له التَّعْرِيضُ بِذَلِكَ لِمَا فيه من تَكْذِيبِ الشُّهُودِ وله التَّعْرِيضُ لِمَنْ أَقَرَّ له بها بِالرُّجُوعِ عن الْإِقْرَارِ وَإِنْ كان عَالِمًا بِجَوَازِ الرُّجُوعِ لِمَا مَرَّ آنِفًا وَلِخَبَرِ مَاعِزٍ السَّابِقِ في بَابِ الزِّنَا قال الرَّافِعِيُّ قالوا هذا إذَا كان الْمُقِرُّ جَاهِلًا بِوُجُوبِ الْحَدِّ بِأَنْ أَسْلَمَ قَرِيبًا أو نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عن الْعُلَمَاءِ وإذا عَرَضَ له فَإِنَّمَا يَعْرِضُ بِمَا أَيْ بِرُجُوعٍ لَا يُسْقِطُ حَقَّ الْغَيْرِ من عُقُوبَةٍ وَغَيْرِهَا لَا بِمَا يُسْقِطُهُ حتى لَا يَعْرِضَ في السَّرِقَةِ بِمَا يُسْقِطُ الْغُرْمَ وَإِنَّمَا يَسْعَى في دَفْعِ الْقَطْعِ كما أَنَّهُ في حُدُودِ اللَّهِ يُسْتَحَبُّ السَّتْرُ وفي حُقُوقِ الْعِبَادِ يَجِبُ الْإِظْهَارُ وَلَا يقول له ارْجِعْ عن الْإِقْرَارِ أو نَحْوِهِ من صَرَائِحِ الرُّجُوعِ كَاجْحَدْهُ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْكَذِبِ وما رُوِيَ من أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِلسَّارِقِ أَسَرَقْت قُلْ لَا لم يَصِحَّ بَلْ يقول له في الزِّنَا لَعَلَّك لَامَسْت أو في شُرْبِ الْخَمْرِ لَعَلَّك ما عَلِمْته خَمْرًا أو في السَّرِقَةِ لَعَلَّك سَرَقْت من غَيْرِ حِرْزٍ وَنَحْوِهِ أَيْ نحو كُلٍّ مِنْهُمَا نَحْوُ لَعَلَّك فَاخَذْتَ أو قَبَّلْت أو لم تَعْلَمْهُ مُسْكِرًا أو غَصَبْت أو أَخَذْت بِإِذْنِ الْمَالِكِ وقد وَرَدَ بَعْضُ ذلك في الْأَخْبَار وَلَا يُسْتَحَبُّ له التَّعْرِيضُ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَرَكَ التَّعْرِيضَ في أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ وَلَوْ عَرَّضَ لِلشُّهُودِ بِالتَّوَقُّفِ في الشَّهَادَةِ بِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى جَازَ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ في السَّتْرِ فَإِنْ انْتَفَتْ لم يَجُزْ الثَّالِثُ الشَّهَادَةُ فَيَثْبُتُ الْمَالُ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ أو شَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَلَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ فَلَا يَثْبُتُ بِمَا ذُكِرَ كَسَائِرِ الْعُقُوبَاتِ وَهَذَا كما يَثْبُتُ بِهِ الْغَصْبُ الْمُعَلَّقُ عليه الطَّلَاقُ أو الْعِتْقُ دُونَهُمَا وَيُخَالِفُ ما لو شَهِدَ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَلَا الدِّيَةُ لِأَنَّ الدِّيَةَ بَدَلٌ عن الْقَتْلِ وَالْغُرْمُ هُنَا ليس بَدَلًا عن الْقَطْعِ وَوَصَفَ الشَّاهِدَيْنِ بِقَوْلِهِ يُبَيِّنَانِ
____________________
(4/151)
السَّارِقَ وَالْمَسْرُوقَ منه وَقَدْرَ الْمَسْرُوقِ كما يُؤْخَذُ من كَلَامِ الْأَصْلِ وَالْحِرْزَ بِتَعْيِينٍ أو وَصْفٍ كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ في الْمُقِرِّ بِالسَّرِقَةِ ويشترط أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ لَا أَعْلَمُ له فيه شُبْهَةً وَقِيَاسُهُ اشْتِرَاطُ ذلك في الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ وَإِنْ شَهِدَ له وَاحِدٌ بِثَوْبٍ أَبْيَضَ أَيْ بِسَرِقَتِهِ وَآخَرُ بِأَسْوَدَ فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ مع أَحَدِهِمَا وَلَهُ مع ذلك أَنْ يَدَّعِيَ الثَّوْبَ الْآخَرَ وَيَحْلِفَ مع شَاهِدِهِ وَاسْتَحَقَّهُمَا أَيْ الثَّوْبَيْنِ لِأَنَّ ذلك مِمَّا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ كما مَرَّ وَلَا قَطْعَ لِاخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ أو شَهِدَ اثْنَانِ بِسَرِقَةٍ وَاثْنَانِ بِسَرِقَةٍ فَإِنْ لم يَتَوَارَدَا على عَيْنٍ وَاحِدَةٍ كَالْمِثَالِ السَّابِقِ وَكَمَا لو شَهِدَ اثْنَانِ بِسَرِقَةِ كِيسٍ غُدْوَةً وَاثْنَانِ بِسَرِقَةِ كِيسٍ عَشِيَّةً ثَبَتَ الْقَطْعُ وَالْمَالَانِ لِتَمَامِ الْحُجَّتَيْنِ وَإِنْ تَوَارَدَا على عَيْنٍ وَاحِدَةٍ وَاخْتَلَفَ الْوَقْتُ كَأَنْ شَهِدَ اثْنَانِ بِسَرِقَةِ كَذَا غُدْوَةً وَاثْنَانِ بِسَرِقَتِهِ عَشِيَّةً تَعَارَضَتَا فَيَتَسَاقَطَانِ وفي صُورَةِ شَهَادَةِ الْوَاحِدِ وَالْوَاحِدِ لَا يُقَالُ تَعَارَضَتَا لِأَنَّ الْحُجَّةَ لَا تَتِمُّ وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِكِيسٍ وَالْآخَرُ بِكِيسَيْنِ ثَبَتَ الْكِيسُ وَقُطِعَ بِهِ السَّارِقُ إنْ بَلَغَ نِصَابًا وَإِنْ شَهِدَ بِثَوْبٍ وهو تَالِفٌ وقد قَوَّمَهُ أَحَدُهُمَا نِصَابًا وَالْآخَرُ نِصْفَهُ ثَبَتَ النِّصْفُ لِاتِّفَاقِهِمَا عليه وَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ مع الْآخَرِ أَيْ الشَّاهِدِ بِالنِّصَابِ لِلْبَاقِي منه أَيْ لِأَخْذِهِ وَلَا قَطْعَ على السَّارِقِ وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِسَرِقَتِهِ وَقَوَّمَاهُ بِنِصَابٍ وَآخَرَانِ بها وَقَوَّمَاهُ بِنِصْفِهِ ثَبَتَ النِّصْفُ وَلَا قَطْعَ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وقد يَشْمَلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِجَعْلِ أَلِفِ شَهِدَا رَاجِعًا إلَى كُلٍّ من وَاحِدٍ وَوَاحِدٍ وَاثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَلَوْ شَهِدَ بِسَرِقَةِ مَالِ شَخْصٍ غَائِبٍ أو حَاضِرٍ حِسْبَةً قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا تَغْلِيبًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا قَطْعَ على السَّارِقِ حتى يُطَالِبَ الْمَالِكُ أَيْ يَدَّعِيَ بِمَالِهِ كما مَرَّ وَتُعَادُ الشَّهَادَةُ بَعْدَ دَعْوَاهُ لِلْمَالِ أَيْ لِثُبُوتِهِ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْحِسْبَةِ لَا تُقْبَلُ في الْمَالِ لَا لِثُبُوتِ الْقَطْعِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِشَهَادَةِ الْحِسْبَةِ فَبِقَطْعٍ بَعْدَ مُطَالَبَتِهِ لِأَنَّا قد سَمِعْنَا الشَّهَادَةَ أَوَّلًا وَإِنَّمَا انْتَظَرْنَا لِتَوَقُّعِ ظُهُورِ مُسْقِطٍ ولم يَظْهَرْ وفي حَبْسِهِ ما في حَبْسِ الْمُقِرِّ بِسَرِقَةِ مَالِ غَائِبٍ من تَرَدُّدٍ أَيْ وُجُوهٍ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا وَبَيَانُ الرَّاجِحِ منها وَلَوْ سَرَقَ مَالَ صَبِيٍّ أو مَجْنُونٍ أو سَفِيهٍ فِيمَا يَظْهَرُ فَلَا قَطْعَ حتى يَبْلُغَ أو يُفِيقَ أو يَرْشُدَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقِرَّ له بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا سَرَقَهُ كَالْغَائِبِ الْبَابُ الثَّالِثُ في الْوَاجِبِ على السَّارِقِ وهو ضَمَانُ الْمَالِ وَإِنْ كان فَقِيرًا فَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ إنْ كان بَاقِيًا وَبَدَلُهُ إنْ كان تَالِفًا لِخَبَرِ أبي دَاوُد على الْيَدِ ما أَخَذَتْ حتى تُؤَدِّيَهُ وَلِأَنَّ الْقَطْعَ لِلَّهِ تَعَالَى وَالضَّمَانَ لِلْآدَمِيِّ فَلَا يَمْنَعُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَقَطْعُ يَدِهِ الْيُمْنَى قال تَعَالَى فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا وَقُرِئَ شَاذًّا فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا وَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ في الِاحْتِجَاجِ بها كما مَرَّ وَلَوْ كانت الْيَدُ زَائِدَةَ الْأَصَابِعِ أو فَاقِدَتَهَا أو مَقْطُوعَةَ الْبَعْضِ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَلِأَنَّ الْغَرَضَ التَّنْكِيلُ بِخِلَافِ الْقَوَدِ فإنه مَبْنِيٌّ على الْمُمَاثَلَةِ كما مَرَّ وَعُلِمَ من كَلَامِهِ ما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ أَنَّهُ لو سَرَقَ مِرَارًا ولم يُقْطَعْ اُكْتُفِيَ بِقَطْعِ يَمِينِهِ عن الْجَمِيعِ لِاتِّحَادِ السَّبَبِ كما لو زَنَى أو شَرِبَ مِرَارًا يُكْتَفَى بِحَدٍّ وَاحِدٍ وَسَتَأْتِي الْأُولَى في الْبَابِ الْآتِي وَإِنَّمَا تَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَةُ فِيمَا لو لَبِسَ أو تَطَيَّبَ في الْإِحْرَامِ في مَجَالِسَ
____________________
(4/152)
مع اتِّحَادِ السَّبَبِ لِأَنَّ فيها حَقًّا لِآدَمِيٍّ لِأَنَّهُ تُصْرَفُ إلَيْهِ فلم تَتَدَاخَلْ بِخِلَافِ الْحَدِّ فَإِنْ عَادَ أَيْ سَرَقَ ثَانِيًا بَعْدَ قَطْعِ يُمْنَاهُ فَرِجْلُهُ الْيُسْرَى فَإِنْ عَادَ ثَالِثًا فَيَدُهُ الْيُسْرَى فَإِنْ عَادَ رَابِعًا فَرِجْلُهُ الْيُمْنَى
رَوَى الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال السَّارِقُ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ وَقُدِّمَتْ الْيَدُ لِأَنَّهُمَا الْآخِذَةُ وَقُدِّمَتْ الْيَدُ الْيُمْنَى لِأَنَّ الْبَطْشَ بها أَقْوَى فَكَانَ الْبُدَاءَةُ بها أَرْدَعَ وَإِنَّمَا قُطِعَ من خِلَافٍ لِئَلَّا يَفُوتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ عليه فَتَضْعُفَ حَرَكَتُهُ كما في قَطْعِ الطَّرِيقِ فَإِنْ عَادَ خَامِسًا عُزِّرَ كما لو سَقَطَتْ أَطْرَافُهُ أَوَّلًا وَلَا يُقْتَلُ وما رَوَى من أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَتْلُهُ مَنْسُوخٌ أو مُؤَوَّلٌ بِقَتْلِهِ لِاسْتِحْلَالٍ أو نَحْوِهِ بَلْ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ وقال ابن عبد الْبَرِّ إنَّهُ مُنْكَرٌ لَا أَصْلَ له وَيُمَدُّ الْعُضْوُ حتى يَنْخَلِعَ تَسْهِيلًا لِلْقَطْعِ ثُمَّ يُقْطَعُ من الْكُوعِ في الْيَدِ أو كَعْبِ السَّارِقِ في الرِّجْلِ لِلْأَمْرِ بِهِ في سَارِقِ رِدَاءِ صَفْوَانَ في الْأَوَّلِ وَلِفِعْلِ عُمَرَ في الثَّانِي كما رَوَاهُ ابن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَيُقْطَعُ بِمَاضٍ أَيْ حَادٍّ قال في الْأَصْلِ وَلْيَكُنْ الْمَقْطُوعُ جَالِسًا وَيُضْبَطُ لِئَلَّا يَتَحَرَّكَ وَيُحْسَمُ عَقِيبَهُ أَيْ الْقَطْعِ بِأَنْ يُغْمَسَ مَحَلُّهُ بِدُهْنٍ من زَيْتٍ أو غَيْرِهِ مَغْلِيٍّ لِتَنْسَدَّ أَفْوَاهُ الْعُرُوقِ وَخَصَّهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِالْحَضَرِيِّ قال وَأَمَّا الْبَدْوِيُّ فَيُحْسَمُ بِالنَّارِ لِأَنَّهُ عَادَتُهُمْ وقال في قَاطِعِ الطَّرِيقِ وإذا قُطِعَ حُسِمَ بِالزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ وَبِالنَّارِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ فِيهِمَا انْتَهَى فَدَلَّ على اعْتِبَارِ عَادَةِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ وَيَفْعَلُ الْمَقْطُوعُ ذلك اسْتِحْبَابًا لَا وُجُوبًا
وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ الْأَمْرُ بِهِ عَقِبَ الْقَطْعِ لِخَبَرِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال في سَارِقٍ اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ ثُمَّ احْسِمُوهُ وَإِنَّمَا لم يَجِبْ لِأَنَّ فيه مَزِيدَ أَلَمٍ وَالْمُدَاوَاةُ بِمِثْلِ هذا لَا تَجِبُ بِحَالٍ نعم إنْ أَدَّى تَرْكُهُ إلَى الْهَلَاكِ لِتَعَذُّرِ فِعْلِهِ من الْمَقْطُوعِ بِجُنُونٍ أو نَحْوِهِ لم يَجُزْ تَرْكُهُ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ لِمَصْلَحَتِهِ أَيْ السَّارِقِ لِأَنَّهُ حَقٌّ له لَا تَتِمَّةٌ لِلْحَدِّ لِأَنَّ الْغَرَضَ منه دَفْعُ الْهَلَاكِ عنه بِنَزْفِ الدَّمِ فَلَا يُفْعَلُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَمُؤْنَتُهُ عليه كَأُجْرَةِ الْجَلَّادِ وَخَالَفَ الْبُلْقِينِيُّ فقال الْمَعْرُوفُ في الطَّرِيقَيْنِ أنها في بَيْتِ الْمَالِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَعَلَى الْأَوَّلِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ مَحَلُّهُ إذَا لم يُنَصِّبْ الْإِمَامُ من يُقِيمُ الْحُدُودَ وَيَرْزُقُهُ من الْمَصَالِحِ وَإِلَّا فَلَا مُؤْنَةَ على الْمَقْطُوعِ وَيُعَلَّقُ الْعُضْوُ الْمَقْطُوعُ في عُنُقِهِ سَاعَةً نَدْبًا لِلزَّجْرِ وَالتَّنْكِيلِ وقد أَمَرَ بِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ فَرْعٌ لو كان له كَفَّانِ على مِعْصَمِهِ قُطِعَتْ الْأَصْلِيَّةُ مِنْهُمَا إنْ تَمَيَّزَتْ وَأَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهَا بِدُونِ الزَّائِدَةِ وَإِلَّا فَيُقْطَعَانِ وما ذُكِرَ فِيمَا إذَا تَمَيَّزَتْ هو ما اخْتَارَهُ الْإِمَامُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عن الْأَصْحَابِ قَطْعَهُمَا مُطْلَقًا لِأَنَّ الزَّائِدَةَ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وما اخْتَارَهُ الْإِمَامُ هو الرَّاجِحُ فَلَوْ عَادَ وَسَرَقَ ثَانِيًا وقد صَارَتْ الزَّائِدَةُ أَصْلِيَّةً بِأَنْ صَارَتْ بَاطِشَةً أو كَانَتَا أَيْ الْكَفَّانِ أَصْلِيَّتَيْنِ وَقُطِعَتْ إحْدَاهُمَا في سَرِقَةٍ قُطِعَتْ الثَّانِيَةُ وَلَا يُقْطَعَانِ بِسَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ الْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ إذْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِمَا اسْمُ يَدٍ وَيُقْطَعُ رِجْلُ من سَقَطَتْ كَفُّهُ قبل السَّرِقَةِ بِآفَةٍ أو قَوَدٍ أو جِنَايَةٍ كما لو قُطِعَتْ بِسَرِقَةٍ أُخْرَى لَا رِجْلُ من سَقَطَتْ كَفُّهُ بَعْدَهَا بَلْ يَسْقُطُ قَطْعُهَا لِأَنَّ الْقَطْعَ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهَا وقد فَاتَتْ قال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ كَذَا لو شُلَّتْ بَعْدَ السَّرِقَةِ وَخِيفَ من قَطْعِهَا تَلَفُ النَّفْسِ وَكُلٌّ من الْكَفِّ وَالرِّجْلِ صَادِقٌ بِالْيَمِينِ وَالْيَسَارِ كَيَدٍ شَلَّاءَ قبل السَّرِقَةِ خِيفَ من قَطْعِهَا أَنْ لَا يَكُفَّ الدَّمُ أَيْ يَنْقَطِعَ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَإِنَّهَا لَا تُقْطَعُ لَكِنْ في مَسْأَلَةِ الشَّلَّاءِ تُقْطَعُ رِجْلُهُ كما لو سَقَطَتْ يَدُهُ قبل السَّرِقَةِ وَقَاطِعُ يَمِينِ السَّارِقِ بِلَا إذْنٍ من الْإِمَامِ لَا يَضْمَنُ بِسَبَبِهَا شيئا وَإِنْ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةُ الْقَطْعِ وما تَوَلَّدَ من قَطْعِهَا تَوَلَّدَ من مُسْتَحَقٍّ بَلْ يُعَزَّرُ لِافْتِيَاتِهِ على الْإِمَامِ فَإِنْ أَخْرَجَ السَّارِقُ لِلْجَلَّادِ يَسَارَهُ فَقَطَعَهَا سُئِلَ الْجَلَّادُ فَإِنْ قال ظَنَنْتهَا الْيَمِينَ أو أنها تُجْزِئُ عنها وَحَلَفَ لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ وَأَجْزَأَتْهُ عن قَطْعِ الْيَمِينِ أو قال عَلِمْتهَا الْيَسَارَ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ إنْ لم يَقْصِدْ الْمُخْرِجُ بَدَلَهَا عن الْيَمِينِ أو إبَاحَتَهَا وَإِلَّا فَلَا كما مَرَّ في الْجِنَايَاتِ وفي نُسْخَةٍ وَإِبَاحَتَهَا وَبِهِ عَبَّرَ الْأَصْلُ فَهُوَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أو ولم تُجْزِهِ أَيْ الْيَسَارُ عن الْيَمِينِ وما ذَكَرَهُ من أَنَّ
____________________
(4/153)
الْجَلَّادَ يُسْأَلُ طَرِيقَةٌ حَكَاهَا الْأَصْلُ وَحَكَى مَعَهَا طَرِيقَةً أُخْرَى أَنَّهُ إنْ قال الْمُخْرِجُ ظَنَنْتهَا الْيَمِينَ أو أنها تُجْزِئُ أَجْزَأَتْهُ وَإِلَّا فَلَا فَالتَّرْجِيحُ لِلْأُولَى من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَكَلَامُ الْأَصْلِ يُومِئُ إلَيْهِ لَكِنْ صَحَّحَ الْإِسْنَوِيُّ الثَّانِيَةَ وقال كَذَا صَحَّحَهَا الرَّافِعِيُّ في آخِرِ بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَالنَّوَوِيُّ في تَصْحِيحِهِ وما نَقَلَهُ عن الرَّافِعِيِّ مُنِعَ بِأَنَّ الرَّافِعِيَّ لم يذكر ثَمَّ النَّظَرَ إلَى الْمُخْرِجِ وَلَا إلَى الْقَاطِعِ أَصْلًا بَلْ أَطْلَقَ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ إجْزَاءُ الْيَسَارِ عن الْيَمِينِ تاب قَاطِعِ الطَّرِيقِ الْأَصْلُ فيه قَوْله تَعَالَى إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الْآيَةَ قال أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ نَزَلَتْ في قُطَّاعِ الطَّرِيقِ لَا في الْكُفَّارِ وَاحْتَجُّوا له بِقَوْلِهِ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا من قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عليهم الْآيَةَ إذْ الْمُرَادُ التَّوْبَةُ عن قَطْعِ الطَّرِيقِ وَلَوْ كان الْمُرَادُ الْكُفَّارَ لَكَانَتْ تَوْبَتُهُمْ بِالْإِسْلَامِ وهو دَافِعٌ لِلْعُقُوبَةِ قبل الْقُدْرَةِ وَبَعْدَهَا وَقَطْعُ الطَّرِيقِ هو الْبُرُوزُ لِأَخْذِ مَالٍ أو لِقَتْلٍ أو إرْعَابٍ مُكَابَرَةً اعْتِمَادًا على الشَّوْكَةِ مع الْبُعْدِ عن الْغَوْثِ كما سَيَأْتِي وَفِيهِ أَطْرَافٌ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ في صِفَتِهِمْ وَهُمْ كُلُّ مُلْتَزِمٍ لِلْأَحْكَامِ وَلَوْ ذِمِّيًّا وَمُرْتَدًّا كما في السَّارِقِ خِلَافًا لِمَا اقْتَضَاهُ تَقْيِيدُ الْأَصْلِ بِالْمُسْلِمِ من إخْرَاجِهَا وَلِمَا أَطْلَقَهُ من أَنَّ الْكُفَّارَ لَيْسُوا بِقُطَّاعٍ مُكَلَّفٍ أَخَذَ الْمَالَ بِقُوَّةٍ وَغَلَبَةٍ في حَالَةِ الْبُعْدِ عن مَحَلِّ الْغَوْثِ لِبُعْدِ السُّلْطَانِ وَأَعْوَانِهِ أو لِضَعْفِهِ وَخَرَجَ بِالْمُلْتَزِمِ الْحَرْبِيُّ وَالْمُعَاهَدُ وَبِالْمُكَلَّفِ غَيْرُهُ أَيْ إلَّا السَّكْرَانَ وَبِمَا بَعْدَهُ الْأَخْذُ بِغَيْرِ قُوَّةٍ أو في الْقُرْبِ من الْغَوْثِ كما سَيَأْتِي بَعْضُ ذلك وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ بُعْدُهُ عن الْغَوْثِ لِيَتَمَكَّنَ من الِاسْتِيلَاءِ وَالْقَهْرِ مُجَاهَرَةً
فَإِنْ اسْتَسْلَمَ لهم الْقَادِرُونَ على دَفْعِهِمْ حتى قُتِلُوا أو أُخِذَتْ أَمْوَالُهُمْ فَمُنْتَهِبُونَ لَا قُطَّاعٌ وَإِنْ كَانُوا ضَامِنِينَ لِمَا أَخَذُوهُ لِأَنَّ ما فَعَلُوهُ لم يَصْدُرْ عن شَوْكَتِهِمْ بَلْ عن تَفْرِيطِ الْقَافِلَةِ أو كان الْقَاصِدُونَ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ قَلِيلِينَ اعْتِمَادُهُمْ على الْهَرَبِ بِرَكْضِ الْخَيْلِ أو نَحْوِهَا أو الْعَدْوِ على الْأَقْدَامِ يَخْتَطِفُونَ من قَافِلَةٍ كَثِيرِينَ فَمُخْتَلِسُونَ لَا قُطَّاعٌ لِمَا ذَكِرُ وَالْمَعْنَى في ذلك أَنَّ الْمُعْتَمِدَ على الشَّوْكَةِ ليس له دَافِعٌ من الْقَافِلَةِ فَغُلِّظَتْ عُقُوبَتُهُ رَدْعًا له بِخِلَافِ الْمُنْتَهِبِ وَالْمُخْتَلِسِ فَلَوْ قَهَرُوهُمْ وَلَوْ مع الْقِلَّةِ أَيْ مع كَوْنِهِمْ قَلِيلِينَ فَقُطَّاعٌ لِاعْتِمَادِهِمْ الشَّوْكَةَ فَلَا يُعَدُّونَ أَيْ الْقَافِلَةُ مُقَصِّرِينَ لِأَنَّ الْقَافِلَةَ لَا تَجْتَمِعُ كَلِمَتُهُمْ وَلَا يَضْبِطُهُمْ مُطَاعٌ وَلَا عَزْمَ لهم على الْقِتَالِ وَلَوْ دَخَلُوا أَيْ جَمَاعَةٌ الدَّارَ لَيْلًا على صَاحِبِهَا وَمَنَعُوهُ الِاسْتِغَاثَةَ بِأَنْ خَوَّفُوهُ بِالْقَتْلِ أو نَحْوِهِ أو أَغَارُوا على بَلَدٍ وَلَوْ لَيْلًا مع الْبُعْدِ عن الْغَوْثِ فَقُطَّاعٌ سَوَاءٌ أَكَانُوا من الْبَلَدِ أَمْ لَا كما لو كَانُوا بِبَرِيَّةٍ وَلِأَنَّ الْمَنْعَ من الِاسْتِغَاثَةِ كَالْبُعْدِ عن مَحَلِّ الْغَوْثِ وَلَا يُشْتَرَطُ في قَاطِعِ الطَّرِيقِ سِلَاحٌ وَذُكُورَةٌ وَعَدَدٌ بَلْ الْوَاحِدُ وَلَوْ أُنْثَى وَالْخَارِجُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ قَاطِعٌ إنْ غَلَبَ أَيْ إنْ كان له قُوَّةٌ يَغْلِبُ بها الْجَمَاعَةَ وَلَوْ بِاللَّكْزِ وَالضَّرْبِ بِجَمْعِ الْكَفِّ وَقِيلَ لَا بُدَّ من آلَةٍ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَالْمُرَاهِقُونَ وَمِثْلُهُمْ سَائِرُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ كَالْمَجَانِينِ لَا عُقُوبَةَ عليهم وَيَضْمَنُونَ النَّفْسَ وَالْمَالَ كما لو أَتْلَفُوا في غَيْرِ هذا الْحَالِ الطَّرَفُ الثَّانِي في عُقُوبَتِهِمْ فَمَنْ أَخَافَ الطَّرِيقَ ولم يَأْخُذْ مَالًا وَلَا نَفْسًا أو كان رِدْءً لِلْقَاطِعِ أَيْ عَوْنًا له كَأَنْ كَثُرَ جَمْعُهُ أو أَخَافَ الرُّفْقَةَ عُزِّرَ بِحَبْسٍ أو نَحْوِهِ كَتَغْرِيبٍ كما في سَائِرِ الْجَرَائِمِ التي لَا حَدَّ فيه وَيَمْتَدُّ الْحَبْسُ وَنَحْوُهُ إلَى أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ وَالْحَبْسُ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَأَبْلَغُ في الزَّجْرِ وَإِنْ أَخَذَ نِصَابًا مِمَّنْ يُحْرِزُهُ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى فَإِنْ عَادَ ثَانِيًا وَأَخَذَ ذلك فَعَكْسُهُ أَيْ فَتُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ وَإِنَّمَا قُطِعَ من خِلَافٍ لِمَا مَرَّ في السَّرِقَةِ وَقُطِعَتْ الْيَمِينُ لِلْمَالِ كَالسَّرِقَةِ
____________________
(4/154)
وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ في الْقَطْعِ النِّصَابُ وَقِيلَ لِلْمُحَارَبَةِ وَالرِّجْلُ قِيلَ لِلْمَالِ وَالْمُجَاهَرَةِ تَنْزِيلًا لِذَلِكَ مَنْزِلَةَ سَرِقَةٍ ثَانِيَةٍ وَقِيلَ لِلْمُحَارَبَةِ قال الْعِمْرَانِيُّ وهو أَشْبَهُ وَلَوْ قَطَعَ الْإِمَامُ يَدَهُ الْيُمْنَى وَرِجْلَهُ الْيُمْنَى فَقَدْ تَعَدَّى وَلَزِمَهُ الْقَوَدُ في رِجْلِهِ إنْ تَعَمَّدَ وَدِيَتُهَا إنْ لم يَتَعَمَّدْ وَلَا يَسْقُطُ قَطْعُ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى وَرِجْلَهُ الْيُمْنَى فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا يَضْمَنُ وَأَجْزَأَهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ قَطْعَهُمَا من خِلَافٍ نَصٌّ تُوجِبُ مُخَالَفَتُهُ الضَّمَانَ وَتَقْدِيمُ الْيُمْنَى على الْيُسْرَى اجْتِهَادٌ يَسْقُطُ بِمُخَالَفَتِهِ الضَّمَانُ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ
قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَا شَكَّ في الْإِسَاءَةِ وَأَمَّا إيجَابُ الْقَوَدِ وَعَدَمُ الْإِجْزَاءِ في الْحَالَةِ الْأُولَى فَفِيهِ وَقْفَةٌ قال الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ الْفَرْقِ أَنَّهُ لو قَطَعَ في السَّرِقَةِ يَدَهُ الْيُسْرَى في الْمَرَّةِ الْأُولَى عَامِدًا أَجْزَأَ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْيُمْنَى عليها بِالِاجْتِهَادِ أَيْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كما مَرَّ في بَابِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَقْدِيمَ الْيُمْنَى ثَمَّ بِالِاجْتِهَادِ بَلْ بِالنَّصِّ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ قُرِئَ شَاذًّا فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا وَإِنَّ الْقِرَاءَةَ الشَّاذَّةَ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَسَكَتُوا هُنَا عن تَوَقُّفِ الْقَطْعِ على الْمُطَالَبَةِ بِالْمَالِ وَعَلَى عَدَمِ دَعْوَى التَّمَلُّكِ وَنَحْوِهِ من الْمُسْقِطَاتِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فيه ما مَرَّ من السَّرِقَةِ قال في الْأَصْلِ وَيُحْسَمُ مَوْضِعُ الْقَطْعِ كما في السَّارِقِ وَيَجُوزُ أَنْ تُحْسَمَ الْيَدُ ثُمَّ تُقْطَعَ الرِّجْلُ وَأَنْ يُقْطَعَا جميعا ثُمَّ يُحْسَمَا وَإِنْ قَتَلَ عَمْدًا انْحَتَمَ أَيْ وَجَبَ قَتْلُهُ لِلْآيَةِ وَلِأَنَّهُ ضَمَّ إلَى جِنَايَتِهِ إخَافَةَ السَّبِيلِ الْمُقْتَضِيَةَ زِيَادَةَ الْعُقُوبَةِ وَلَا زِيَادَةَ هُنَا لَا تُحَتِّمُ الْقَتْلَ فَلَا يَسْقُطُ قال الْبَنْدَنِيجِيُّ وَمَحَلُّ انْحِتَامِهِ إذَا قَتَلَ لِأَخْذِ الْمَالِ وَإِلَّا فَلَا يَتَحَتَّمُ وَإِنْ أَخَذَ نِصَابًا وَقَتَلَ قُتِلَ ثُمَّ صُلِبَ حَتْمًا زِيَادَةً في التَّنْكِيلِ وَيَكُونُ صَلْبُهُ بَعْدَ غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عليه كما مَرَّ في الْجَنَائِزِ
وَالْغَرَضُ من صَلْبِهِ بَعْدَ قَتْلِهِ التَّنْكِيلُ بِهِ وَزَجْرُ غَيْرِهِ وَبِمَا تَقَرَّرَ فَسَّرَ ابن عَبَّاسٍ الْآيَةَ فقال الْمَعْنَى أَنْ يُقَتَّلُوا إنْ قَتَلُوا أو يُصَلَّبُوا مع ذلك إنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ أو تُقْطَعُ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ من خِلَافٍ إنْ اقْتَصَرُوا على أَخْذِ الْمَالِ أو يُنْفَوْا من الْأَرْضِ إنْ أَرْعَبُوا ولم يَأْخُذُوا شيئا فَحَمَلَ كَلِمَةَ أو على التَّنْوِيعِ لَا التَّخْيِيرِ كما في قَوْله تَعَالَى وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أو نَصَارَى أَيْ قالت الْيَهُودُ كُونُوا هُودًا وَقَالَتْ النَّصَارَى كُونُوا نَصَارَى إذْ لم يُخَيِّرْ أَحَدٌ منهم بين الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ فَلَوْ مَاتَ من اجْتَمَعَ عليه الْقَتْلُ وَالصَّلْبُ أو قُتِلَ بِقِصَاصٍ من غَيْرِ الْمُحَارَبَةِ سَقَطَ الصَّلْبُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْقَتْلِ فَسَقَطَ بِسُقُوطِ مَتْبُوعِهِ وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ لِأَنَّ الْقَتْلَ وَالصَّلْبَ مَشْرُوعَانِ وقد تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا فَوَجَبَ الْآخَرُ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَالْمُحَارِبُ وهو قَاطِعُ الطَّرِيقِ الذي اجْتَمَعَ عليه الْقَتْلُ وَالصَّلْبُ يُقْتَلُ أَوَّلًا ثُمَّ يُصْلَبُ فَلَا يُعْكَسُ لِأَنَّ فيه تَعْذِيبًا وقد نهى صلى اللَّهُ عليه وسلم عن تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ وَهَذَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فإنه تَقَدَّمَ قَرِيبًا وإذا ذُكِرَ فَلَا حَاجَةَ لِذَكَرِهِ أَوَّلًا وَيُصْلَبُ على خَشَبَةٍ وَنَحْوِهَا ثَلَاثًا من الْأَيَّامِ لِيَشْتَهِرَ الْحَالُ وَيَتِمَّ النَّكَالُ وَلِأَنَّ لها اعْتِبَارًا في الشَّرْعِ وَلَيْسَ لِمَا زَادَ عليها غَايَةٌ فَإِنْ خِيفَ تَغَيُّرُهُ قَبْلَهَا أُنْزِلَ الطَّرَفُ الثَّالِثُ في حُكْمِ هذه الْعُقُوبَةِ وَهِيَ تَحَتُّمُ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ وَقَطْعِ الرِّجْلِ وَالْيَدِ وَهِيَ تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ من الْقَاطِعِ قبل الْقُدْرَةِ عليه لِقَوْلِهِ تَعَالَى
____________________
(4/155)
إلَّا الَّذِينَ تَابُوا الْآيَةَ لَا بَعْدَهَا لِمَفْهُومِ الْآيَةِ وَلِتُهْمَةِ الْخَوْفِ أَمَّا غَيْرُ هذه الْعُقُوبَاتِ مِمَّا ذُكِرَ هُنَا من قِصَاصٍ وَضَمَانِ مَالٍ وَغَيْرِهِمَا فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ مُطْلَقًا كما في غَيْرِ هذا الْبَابِ وَلَا يَسْقُطُ بها سَائِرُ الْحُدُودِ أَيْ بَاقِيهَا كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ في حَقِّ الْقَاطِعِ وَغَيْرِهِ لِعُمُومِ أَدِلَّتِهَا من غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَقِيَاسًا على الْكَفَّارَةِ إلَّا قَتْلَ تَارِكِ الصَّلَاةِ فإنه يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَلَوْ بَعْدَ رَفْعِهِ إلَى الْحَاكِمِ لِأَنَّ مُوجِبَهُ الْإِصْرَارُ على التَّرْكِ لَا التَّرْكُ الْمَاضِي وَمَحَلُّ عَدَمِ السُّقُوطِ فِيمَا ذُكِرَ في الظَّاهِرِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَسْقُطَا قَطْعًا لِأَنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُ أَثَرَ الْمَعْصِيَةِ نَبَّهَ عليه في الرَّوْضَةِ في السَّرِقَةِ قال الْإِسْنَوِيِّ وهو صَحِيحٌ لَا شَكَّ فيه وقد صَرَّحُوا بِهِ في الشَّهَادَاتِ لَكِنْ ذُكِرَ هُنَا بَعْدَ هذا ما ظَاهِرُهُ يُخَالِفُ ذلك وَالْمُغَلَّبُ في قَتْلِ الْقَاطِعِ حَقُّ الْآدَمِيِّ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِيمَا اجْتَمَعَ فيه حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْآدَمِيِّ وَلِأَنَّهُ لو قُتِلَ بِلَا مُحَارَبَةٍ ثَبَتَ له الْقِصَاصُ فَكَيْفَ يَحْبَطُ حَقُّهُ بِقَتْلِهِ فيها وَقِيلَ الْمُغَلَّبُ فيه الْحَدُّ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ عنه وَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ بِدُونِ طَلَبِ الْوَلِيِّ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَفَرَّعَ على هذا الْأَصْلِ فُرُوعًا فقال فَلَا يُقْتَلُ إذَا كان حُرًّا بِعَبْدٍ أو نَحْوِهِ مِمَّنْ لَا يُكَافِئُهُ كَابْنِهِ وَذِمِّيٍّ وَالْقَاطِعُ مُسْلِمٌ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لو قال الضَّمَانُ بِالْمَالِ كان أَعَمَّ وَإِنْ قَتَلَ بِمُثَقَّلٍ أو غَيْرِهِ كَقَطْعِ عُضْوٍ رُوعِيَتْ الْمُمَاثَلَةُ في قَتْلِهِ بِأَنْ يُقْتَلَ بِمِثْلِ ما قَتَلَ بِهِ وإذا قَتَلَ وَمَاتَ قبل قَتْلِهِ قِصَاصًا فَالدِّيَةُ تَجِبُ في مَالِهِ وإذا عَفَا الْوَلِيُّ على مَالٍ لَزِمَهُ أَيْ الْقَاطِعَ الْمَالُ وَقُتِلَ حَدًّا كَمُرْتَدٍّ لَزِمَهُ قِصَاصٌ وَعُفِيَ عنه بِمَالٍ وَسَقَطَ قَتْلُهُ قِصَاصًا لِصِحَّةِ الْعَفْوِ عنه وإذا قَتَلَهُ أَحَدٌ بِلَا إذْنٍ من الْإِمَامِ فَلِوَرَثَتِهِ الدِّيَةُ على قَاتِلِهِ وَلَا قِصَاصَ لِأَنَّ قَتْلَهُ مُتَحَتِّمٌ وَلَوْ لم يُرَاعَ فيه الْقِصَاصُ لم تَلْزَمْهُ الدِّيَةُ بَلْ مُجَرَّدُ التَّعْزِيرِ لِافْتِيَاتِهِ على الْإِمَامِ وَبِنَفْسِ التَّوْبَةِ قبل الْقُدْرَةِ عليه تَسْقُطُ عنه حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى كَالْقَطْعِ وَالصَّلْبِ وَانْحِتَامِ الْقَتْلِ وَيَبْقَى الْقِصَاصُ وَالْمَالُ هذا تَقَدَّمَ أَوَّلَ هذا الطَّرَفِ وإذا جَرَحَ جُرْحًا ولم يَسْرِ لم يَتَحَتَّمْ جُرْحُهُ لِأَنَّ الِانْحِتَامَ تَغْلِيظٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَخْتَصُّ بِالنَّفْسِ كَالْكَفَّارَةِ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى لم يذكر الْجُرْحَ في الْآيَةِ فَبَقِيَ على أَصْلِهِ في غَيْرِ الْحِرَابَةِ فَلَوْ عُفِيَ عنه سَقَطَ فَإِنْ سَرَى فَهُوَ قَاتِلٌ وقد سَبَقَ حُكْمُهُ وَنَبَّهَ بِلَمْ يَتَحَتَّمْ جُرْحُهُ على أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا فيه قَوَدٌ من الْأَعْضَاءِ كَقَطْعِ يَدٍ وَرِجْلٍ أَمَّا غَيْرُهُ كَالْجَائِفَةِ فَوَاجِبَةُ الْمَالِ وَلَا قَوَدَ كما في حَقِّ غَيْرِ الْقَاطِعِ وَإِنْ قَتَلَ خَطَأً أو شِبْهَ عَمْدٍ فَالدِّيَةُ على عَاقِلَتِهِ وَلَا قَتْلَ عليه فَصْلٌ يُوَالِي على قَاطِعِ الطَّرِيقِ قَطْعَ يَدِهِ وَرِجْلِهِ لِاتِّحَادِ الْعُقُوبَةِ كَالْجَلَدَاتِ في الْحَدِّ الْوَاحِدِ فَإِنْ فُقِدَتْ إحْدَاهُمَا اكْتَفَى بِالْأُخْرَى وَلَا يُجْعَلُ طَرَفٌ آخَرُ بَدَلَ الْمَفْقُودِ وَالتَّصْرِيحُ بِفَقْدِ الْيَسَارِ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ فُقِدَتَا قبل أَخْذِهِ الْمَالَ قُطِعَ لِأُخْرَيَانِ أو بَعْدَهُ سَقَطَ الْقَطْعُ كما في السَّرِقَةِ وَإِنْ وَجَبَ على الْمُحَارِبِ قِصَاصٌ في يَمِينِهِ من يَدَيْهِ قُطِعَتْ قِصَاصًا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُغَلَّبُ في ذلك حَقُّ الْآدَمِيِّ فَلَا تُقْطَعُ قِصَاصًا وَمُحَارَبَةً وَمِنْهُ يُؤْخَذُ ما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ أَنَّهُ لو اجْتَمَعَ الرَّجْمُ لِزِنًا وَقَتْلِ قِصَاصٍ لَا يُقْتَلُ رَجْمًا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ بَلْ يُسَلَّمُ إلَيْهِ لِيَقْتَصَّ منه ثُمَّ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى لِلْمُحَارَبَةِ بِلَا وُجُوبِ مُهْلَةٍ بين الْقَطْعَيْنِ بَلْ يُوَالِي بَيْنَهُمَا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْعُقُوبَتَانِ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمَا مُسْتَحَقَّةٌ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ فإذا تَعَذَّرَ قَطْعُهُمَا جميعا عنه لم يَسْقُطْ إذْ الْمَيْسُورُ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ
فَإِنْ عَفَا مُسْتَحِقُّ الْقِصَاصِ وَلَوْ بِمَالٍ أَخَذَ الْمَالَ في صُورَتِهِ وَقُطِعَا الْأَوْلَى وَقُطِعَتَا حَدًّا وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ بِمَالٍ أُخِذَ من زِيَادَتِهِ أو وَجَبَ عليه قِصَاصٌ في يَسَارِهِ من يَدَيْهِ قُطِعَتْ أَوَّلًا لِلْقِصَاصِ وَأُمْهِلَ لِقَطْعِ يَدِهِ الْيُمْنَى وَرِجْلِهِ الْيُسْرَى لِلْحَدِّ حتى يَبْرَأَ فإذا بَرِئَ قُطِعَتَا أو في عُضْوَيْ الْمُحَارِبِ الْمَقْطُوعَيْنِ في الْمُحَارَبَةِ أو في غَيْرِهَا وَاقْتُصَّ منه فِيهِمَا سَقَطَ عنه الْحَدُّ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ الذي تَعَلَّقَ بِهِ وَإِنْ عَفَا عنه قُطِعَا حَدًّا وَلَوْ قَطَعَ يَسَارَ غَيْرِهِ وَسَرَقَ قُطِعَتْ يَسَارُهُ قِصَاصًا وَأُهْمِلَ حتى يَبْرَأَ ثُمَّ تُقْطَعُ يَمِينُهُ عن السَّرِقَةِ وَلَا يُوَالَى لِأَنَّهُمَا عُقُوبَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ وَقُدِّمَ الْقِصَاصُ لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ آكَدُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَصْلٌ لو لَزِمَهُ قَتْلٌ وَقَطْعٌ عن قِصَاصٍ وَقَذْفٍ أَيْ حَدُّهُ لِثَلَاثَةٍ وَطَالَبُوهُ بِذَلِكَ جُلِدَ وَإِنْ تَأَخَّرَ الْقَذْفُ وَأُمْهِلَ حتى يَبْرَأَ وَإِنْ قال مُسْتَحِقُّ الْقَتْلِ عَجِّلُوا الْقَطْعَ وأنا أُبَادِرُ بَعْدَهُ بِالْقَتْلِ لِئَلَّا يَهْلِكَ
____________________
(4/156)
بِالْمُوَالَاةِ فَيَفُوتُ الْقَتْلُ قِصَاصًا نعم لو كان بِهِ مَرَضٌ مَخُوفٌ يُخْشَى منه الزُّهُوقُ إنْ لم يُبَادِرْ بِالْقَطْعِ بُودِرَ بِهِ لِئَلَّا يَضِيعَ حَقُّهُ أَيْضًا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ثُمَّ قُطِعَ ثُمَّ قُتِلَ بِلَا وُجُوبِ مُهْلَةٍ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ النَّفْسَ مُسْتَوْفَاةٌ وَإِنْ أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ حَدِّ الْقَذْفِ صُيِّرَا أَيْ الْآخَرَانِ حتى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ وَإِنْ تَقَدَّمَ اسْتِحْقَاقُهُمَا له لِئَلَّا يُفَوِّتَا عليه حَقَّهُ أو أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ قَطْعِ الطَّرَفِ صَبَرَ وَلِيُّ الْقَتْلِ حتى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ بِذَلِكَ فَإِنْ بَادَرَ وَقَتَلَهُ عُزِّرَ لِتَعَدِّيهِ وكان مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ وَرَجَعَ الْآخَرُ وهو مُسْتَحِقُّ الْقَطْعِ إلَى الدِّيَةِ وَإِنْ زَنَى بِكْرٌ أو شَرِبَ مُسْكِرًا أو سَرَقَ مَرَّاتٍ فَحَدٌّ وَاحِدٌ يَلْزَمُهُ وَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا عِتْقٌ لِلْعَبْدِ الْفَاعِلِ لِذَلِكَ وَلَوْ فَعَلَهُ فَحُدَّ ثُمَّ فَعَلَهُ لَزِمَهُ حَدٌّ آخَرُ وَلَوْ حُدَّ بَعْضَ الْحَدِّ فَفَعَلَ ثَانِيًا دخل الْبَاقِي في الْحَدِّ الثَّانِي وَلَا يُوَالَى بين حَدَّيْنِ لِاثْنَيْنِ بَلْ يُمْهَلُ بَيْنَهُمَا حتى يَبْرَأَ لِئَلَّا يَهْلِكَ بِالْمُوَالَاةِ وَمِثْلُهُ قَطْعُ الْأَطْرَافِ قِصَاصًا لِجَمَاعَةٍ بِخِلَافِ ما لو كان ذلك لِوَاحِدٍ فإنه يُوَالَى فيه وَلَوْ حَدَّيْ قَذْفٍ لِاثْنَيْنِ على عَبْدٍ فإنه لَا يُوَالَى بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمَا حَدَّانِ وَقِيلَ يُوَالَى بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمَا كَحَدِّ حُرٍّ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَيُقَدَّمُ الْأَوَّلُ أَيْ حَدُّ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا أَيْ من مُوجِبَيْ حَدَّيْ الْقَذْفِ إنْ تَرَتَّبَا وَإِلَّا بِأَنْ قَذَفَهُمَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْقُرْعَةُ تَجِبُ فَرْعٌ لو زَنَى بِكْرٌ وَسَرَقَ وَشَرِبَ مُسْكِرًا وَحَارَبَ وَارْتَدَّ قُدِّمَ الْأَخَفُّ منها فَالْأَخَفُّ وَقْعًا لِأَنَّهُ الْأَقْرَبُ لِاسْتِيفَائِهَا فَوْرًا فَيُجْلَدُ لِلشُّرْبِ وَيُمْهَلُ حتى يَبْرَأَ ثُمَّ يُجْلَدُ لِلزِّنَا وَيُمْهَلُ حتى يَبْرَأَ ثُمَّ تُقْطَعُ يَدُهُ لِلسَّرِقَةِ وَالْمُحَارَبَةِ وَرِجْلُهُ لِلْمُحَارَبَةِ ثُمَّ يُقْتَلُ لِلرِّدَّةِ وَلَوْ كان الْوَاجِبُ بَدَلَ قَتْلِهَا قَتْلَ قِصَاصٍ أو مُحَارَبَةٍ كان الْحُكْمُ كَذَلِكَ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَيُوَالَى بين الثَّلَاثَةِ أَيْ قَطْعِ الْيَدِ وَقَطْعِ الرِّجْلِ وَالْقَتْلِ لَا بين الِاثْنَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ منها فَقَطْ لِأَنَّ الْيَدَ تَقَعُ عن الْمُحَارَبَةِ وَالسَّرِقَةِ فَصَارَ كما لو انْفَرَدَتْ الْمُحَارَبَةُ فَيُمْهَلُ فِيمَا ذُكِرَ وَيُوَالَى بين الثَّلَاثَةِ
وَلَوْ كان الْقَتْلُ لِلْمُحَارَبَةِ وَلِلرِّدَّةِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا من زِيَادَتِهِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَوْ كان الْوَاجِبُ قَتْلَ مُحَارَبَةٍ فَهَلْ يَجِبُ التَّفْرِيقُ بين الْحُدُودِ الْمُقَامَةِ قبل الْقَتْلِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا لِأَنَّهُ مُتَحَتِّمُ الْقَتْلِ فَلَا مَعْنَى لِلْإِمْهَالِ بِخِلَافِ قَتْلِ الرِّدَّةِ وَالْقِصَاصِ فإنه يَتَوَقَّعُ الْإِسْلَامَ وَالْعَفْوَ وَأَصَحُّهُمَا نعم لِأَنَّهُ قد يَمُوتُ بِالْمُوَالَاةِ فَيَفُوتُ سَائِرُ الْحُدُودِ وَعُلِمَ من تَقْدِيمِ الْأَخَفِّ أَنَّهُ لو اجْتَمَعَ مَعَهَا التَّعْزِيرُ قُدِّمَ لِأَنَّهُ الْأَخَفُّ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ اجْتَمَعَ قَتْلٌ وَرِدَّةٌ وَرَجْمٌ قال الْقَاضِي قُدِّمَ قَتْلُ الرِّدَّةِ إذْ فَسَادُهَا أَشَدُّ وقال الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ يُرْجَمُ وَيَدْخُلُ فيه قَتْلُ الرِّدَّةِ لِأَنَّ الرَّجْمَ أَكْثَرُ نَكَالًا وَإِنْ كان فيها أَيْ الْمَذْكُورَاتِ وفي نُسْخَةٍ فيه أَيْ الْمَذْكُورِ حَقُّ آدَمِيٍّ كَحَدِّ قَذْفٍ أو قِصَاصِ طَرَفٍ قُدِّمَ على حَدِّ الشُّرْبِ وَإِنْ كان حَدُّ الشُّرْبِ أَخَفَّ لِبِنَاءِ حَقِّ الْآدَمِيِّ على الضِّيقِ بِلَا تَوَالٍ بَلْ يُمْهِلُهُ لِئَلَّا يَهْلِكَ بِالتَّوَالِي وَإِنْ اجْتَمَعَ قَتْلُ رِدَّةٍ وَقَتْلُ مُحَارَبَةٍ وَرَجْمٍ قال الْقَاضِي قُدِّمَ قَتْلُ الْمُحَارَبَةِ وَإِنْ جُعِلَ حَدًّا لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ وَإِنْ اجْتَمَعَ قَتْلُ قِصَاصٍ في غَيْرِ مُحَارَبَةٍ وقتل مُحَارَبَةٍ قُدِّمَ السَّابِقُ مِنْهُمَا وَرَجَعَ الْآخَرُ إلَى الدِّيَةِ وفي انْدِرَاجِ قَطْعِ السَّرِقَةِ في قَتْلِ الْمُحَارَبَةِ فِيمَا لو سَرَقَ وَقَتَلَ في الْمُحَارَبَةِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وهو الْأَوْجَهُ نعم تَغْلِيبًا لِحَقِّ الْآدَمِيِّ وَثَانِيهِمَا لَا بَلْ يُقْطَعُ لِلسَّرِقَةِ ثُمَّ يُقْتَلُ وَيُصْلَبُ لِلْمُحَارَبَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ في ذلك أَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ لَا يَفُوتُ بِتَقْدِيمِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى
وَإِنْ جُلِدَ لِلزِّنَا ثُمَّ زَنَى ثَانِيًا قبل التَّغْرِيبِ أو جُلِدَ له خَمْسِينَ ثُمَّ زَنَى ثَانِيًا كَفَاهُ فِيهِمَا جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ وَاحِدٍ وَدَخَلَ في الْمِائَةِ الْخَمْسُونَ الْبَاقِيَةُ وفي التَّغْرِيبِ لِلثَّانِي التَّغْرِيبُ لِلْأَوَّلِ وَلَوْ زَنَى بِكْرًا ثُمَّ مُحْصَنًا قبل أَنْ يُجْلَدَ دخل التَّغْرِيبُ لَا الْجَلْدُ تَحْتَ الرَّجْمِ لِئَلَّا تَطُولَ الْمُدَّةُ مع أَنَّ النَّفْسَ مُسْتَوْفَاةٌ وَلِأَنَّ التَّغْرِيبَ صِفَةٌ فَيُغْتَفَرُ فيها ما لَا يُغْتَفَرُ في غَيْرِهَا بِخِلَافِ
____________________
(4/157)
الْجَلْدِ لِاخْتِلَافِ الْعُقُوبَتَيْنِ وَقِيلَ يَدْخُلُ فيه الْجَلْدُ أَيْضًا لِأَنَّهُمَا عُقُوبَةُ جَرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَشْبَهَ ما لو كان بِكْرًا عِنْدَ الزَّنْيَتَيْنِ وَالتَّرْجِيحُ في هذه من زِيَادَتِهِ هُنَا أَخْذًا مِمَّا مَرَّ في الْبَابِ الثَّالِثِ من اللِّعَانِ وَلَوْ زَنَى ذِمِّيٌّ مُحْصَنٌ ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ وَاسْتُرِقَّ فَزَنَى ثَانِيًا فَفِي دُخُولِ الْجَلْدِ في الرَّجْمِ وَجْهَانِ صَحَّحَ مِنْهُمَا الْبَغَوِيّ الْمَنْعَ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وقال الْبُلْقِينِيُّ الْأَصَحُّ الدُّخُولُ كَالْحَدَّيْنِ فَصْلٌ لو شَهِدَ اثْنَانِ من الرُّفْقَةِ على الْمُحَارِبِ لِغَيْرِهِمَا ولم يَتَعَرَّضَا لِأَنْفُسِهِمَا في الشَّهَادَةِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَلَيْسَ على الْقَاضِي الْبَحْثُ عن كَوْنِهِمَا من الرُّفْقَةِ أو لَا وَإِنْ بَحَثَ عن ذلك لم يَلْزَمْهُمَا أَنْ يُجِيبَا فَإِنْ قَالَا نَهَبُونَا فَأَخَذُوا مَالَنَا رُفْقَتُنَا لم يُقْبَلَا لَا في حَقِّهِمَا وَلَا في حَقِّ غَيْرِهِمَا لِلْعَدَاوَةِ وَلَوْ أَوْصَى لهم أَيْ لِجَمَاعَةٍ بِشَيْءٍ فَقَالَا أَيْ اثْنَانِ منهم نَشْهَدُ بها أَيْ بِالْوَصِيَّةِ لِهَؤُلَاءِ دُونَ ما يَتَعَلَّقُ بِنَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَإِنْ قَالَا نَشْهَدُ بها لهم وَلَنَا لم تُقْبَلْ في شَيْءٍ منها لِلتُّهْمَةِ بَابٌ حَدُّ شَارِبِ الْخَمْرِ شُرْبُهُ من كَبَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ قال تَعَالَى إنَّمَا الْخَمْرُ الْآيَةَ وَرَوَى الشَّيْخَانِ خَبَرَ كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ وَرَوَى مُسْلِمٌ خَبَرَ كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ وَالْمَشْهُورُ أنها كانت مُبَاحَةً في صَدْرِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ حُرِّمَتْ في السَّنَةِ الثَّالِثَةِ من الْهِجْرَةِ وَالْخَمْرُ هِيَ الْمُتَّخَذَةُ من عَصِيرِ الْعِنَبِ إذَا اشْتَدَّتْ وَقَذَفَتْ بِالزَّبَدِ الْأَوْلَى حَذْفُ التَّاءِ لِيَعُودَ الضَّمِيرُ على الْعَصِيرِ وَالرُّطَبُ أَيْ عَصِيرُهُ إذَا صَارَ مُسْكِرًا وَالْأَنْبِذَةُ الْمُسْكِرَةُ وَهِيَ الْمُتَّخَذَةُ من التَّمْرِ وَنَحْوِهِ مِثْلُهَا أَيْ مِثْلُ الْخَمْرِ في التَّحْرِيمِ وَالْحَدِّ وَالنَّجَاسَةِ لِمُشَارَكَتِهَا لها في كَوْنِهَا مَائِعَةً مُسْكِرَةً لَكِنْ لَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا بِخِلَافِ الْخَمْرِ لِلْإِجْمَاعِ على تَحْرِيمِهَا دُونَ تِلْكَ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ في تَحْرِيمِهَا ولم يَسْتَحْسِنْ الْإِمَامُ إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِ مُسْتَحِلِّ الْخَمْرِ قال وَكَيْفَ يَكْفُرُ من خَالَفَ الْإِجْمَاعَ وَنَحْنُ لَا نُكَفِّرُ من يَرُدُّ أَصْلَهُ إنَّمَا نُبَدِّعُهُ وَأَوَّلَ كَلَامَ الْأَصْحَابِ على ما إذَا صَدَّقَ الْمُجْمِعِينَ على أَنَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ ثَبَتَ شَرْعًا ثُمَّ حَلَّلَهُ فإنه رَدٌّ لِلشَّرْعِ حَكَاهُ عنه الرَّافِعِيُّ ثُمَّ قال وَهَذَا إنْ صَحَّ فَلْيَجْرِ في سَائِرِ ما حَصَلَ الْإِجْمَاعُ على افْتِرَاضِهِ فَنَفَاهُ أو تَحْرِيمِهِ فَأَثْبَتَهُ وَأَجَابَ عنه الزَّنْجَانِيُّ بَلْ مُسْتَحِلُّ الْخَمْرِ لَا نُكَفِّرُهُ لِأَنَّهُ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ فَقَطْ بَلْ لِأَنَّهُ خَالَفَ ما ثَبَتَ ضَرُورَةً أَنَّهُ من دِينِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْإِجْمَاعُ وَالنَّصُّ عليه وَذَكَرْت في شَرْحِ الْبَهْجَةِ زِيَادَةً على هذا وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ في مُتَعَلِّقِ الْحَدِّ فَكُلُّ مُلْتَزِمِ التَّحْرِيمِ أَيْ تَحْرِيمِ الْمَشْرُوبِ شَرِبَ ما يُسْكِرُ جِنْسُهُ من خَمْرٍ أو غَيْرِهِ وَإِنْ لم يُسْكِرْ الْقَدْرُ الْمَشْرُوبُ منه مُخْتَارًا بِلَا ضَرُورَةٍ وَلَا عُذْرٍ لَزِمَهُ الْحَدُّ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَحُدُّ في الْخَمْرِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ خَبَرَ من شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ وَقِيسَ بِهِ شُرْبُ النَّبِيذِ وَإِنَّمَا حَرَّمَ الْقَلِيلَ وَحَدَّ بِهِ وَإِنْ لم يُسْكِرْ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ كما حَرَّمَ تَقْبِيلَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالْخَلْوَةَ بها لِإِفْضَائِهِمَا إلَى الْوَطْءِ وَيُكْرَهُ من غَيْرِ الْمُسْكِرِ الْمُنَصَّفُ أَيْ شُرْبُهُ وهو ما يُعْمَلُ من ثَمَرٍ وَرُطَبٍ وَالْخَلِيطُ أَيْ شُرْبُهُ وهو ما يُعْمَلُ من بُسْرٍ وَرُطَبٍ وَقِيلَ من ثَمَرٍ وَزَبِيبٍ لِلنَّهْيِ عن ذلك في الصَّحِيحَيْنِ وَسَبَبُ النَّهْيِ أَنَّ الْإِسْكَارَ يُسْرِعُ إلَى ذلك بِسَبَبِ الْخَلْطِ قبل أَنْ يَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ فَيَظُنُّ الشَّارِبُ أَنَّهُ ليس بِمُسْكِرٍ وَيَكُونُ مُسْكِرًا فَيُحَدُّ بِشُرْبِ الْمُسْكِرِ الْمُسْلِمُ الْمُكَلَّفُ وَلَوْ حَنَفِيًّا شَرِبَ النَّبِيذَ وَإِنْ قَلَّ وَلَا يُؤَثِّرُ اعْتِقَادُهُ حِلَّهُ لِقُوَّةِ أَدِلَّةِ تَحْرِيمِهِ وَلِأَنَّ الطَّبْعَ
____________________
(4/158)
يَدْعُو إلَيْهِ فَيَحْتَاجُ إلَى الزَّجْرِ عنه وَبِهَذَيْنِ التَّعْلِيلَيْنِ فَارَقَ ذلك عَدَمُ وُجُوبِ الْحَدِّ بِالْوَطْءِ في نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ وَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ وَلَوْ ذِمِّيًّا لِأَنَّهُ لم يَلْتَزِمْ تَحْرِيمَ ذلك أَيْ مُطْلَقًا لِيَخْرُجَ الْحَنَفِيُّ الشَّارِبُ لِلنَّبِيذِ وَبِالْمُكَلَّفِ غَيْرُهُ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عنه لَا أَيْ يُحَدُّ من ذُكِرَ بِشُرْبِ الْمُسْكِرِ لَا بِإِسْعَاطٍ وَحُقْنَةٍ بِهِ لِأَنَّ الْحَدَّ لِلزَّجْرِ وَلَا حَاجَةَ فِيهِمَا إلَى زَجْرٍ فإن النَّفْسَ لَا تَدْعُو إلَيْهِمَا ويحد بِمَرَقِ أَيْ بِشُرْبِ مَرَقِ ما طُبِخَ بِهِ أَيْ بِالْمُسْكِرِ لَا بِأَكْلِ لَحْمِهِ لِذَهَابِ الْعَيْنِ منه ويحد بِأَكْلِ ما ثُرِدَ بِهِ أو غُمِسَ فيه لَا بِأَكْلِ ما عُجِنَ بِهِ لِاسْتِهْلَاكِهِ فيه وَلَا بِشُرْبِهِ أَيْ الْمُسْكِرِ فِيمَا اسْتَهْلَكَهُ كَأَنْ شَرِبَ ما فيه قَطَرَاتُ خَمْرٍ وَالْمَاءُ غَالِبٌ بِصِفَاتِهِ لِذَلِكَ وَلَا يُحَدُّ مُكْرَهٌ بِشُرْبِهِ لِشُبْهَةِ الْإِكْرَاهِ وَلِأَنَّهُ يُبَاحُ له شُرْبُهُ بِالْإِكْرَاهِ ولا مُسِيغُ أَيْ مُزْدَرِدُ لُقْمَةٍ بِهِ حين غَصَّ بِفَتْحِ الْغَيْنِ أَيْ شَرِقَ بها ولم يَجِدْ غَيْرَهُ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْإِسَاغَةُ وَخَافَ الْهَلَاكَ إنْ لم يَفْعَلْ لِلضَّرُورَةِ وَيَجُوزُ له حِينَئِذٍ إسَاغَتُهَا بِهِ بَلْ يَجِبُ دَفْعًا لِلْهَلَاكِ فَلَوْ شَرِبَهَا أَيْ الْخَمْرَ لِتَدَاوٍ أو لِدَفْعِ جُوعٍ أو عَطَشٍ أَثِمَ وَإِنْ لم يَجِدْ غَيْرَهَا كما مَرَّ مع زِيَادَةٍ في كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ وَلَا حَدَّ عليه بِشُرْبِهَا لِذَلِكَ وَهَذَا ما اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ في تَصْحِيحِهِ في التَّدَاوِي وَمِثْلُهُ ما بَعْدَهُ ولم يُصَحِّحْ كَالرَّافِعِيِّ فِيهِمَا شيئا وَإِنَّمَا قَالَا قال الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ لَا حَدَّ بِالتَّدَاوِي وَإِنْ حَكَمْنَا بِالْحُرْمَةِ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ في حِلِّ الشُّرْبِ وقال الْإِمَامُ أَطْلَقَ الْأَئِمَّةُ الْمُعْتَبَرُونَ أَقْوَالَهُمْ إنَّهُ حَرَامٌ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ ثُمَّ قال في الشُّرْبِ لِلْعَطَشِ وإذا حَرَّمْنَاهُ فَفِي الْحَدِّ الْخِلَافُ كَالتَّدَاوِي وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَكْثَرَ على وُجُوبِ الْحَدِّ فِيهِمَا فَيَكُونُ هو الْأَصَحَّ مَذْهَبًا وَعَلَيْهِ اخْتَصَرَ شَيْخُنَا الْحِجَازِيُّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْجَهُ لِشُبْهَةِ قَصْدِ التَّدَاوِي كما جُعِلَ الْإِكْرَاهُ على الزِّنَا شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْحَدِّ وَإِنْ كان لَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ وَيَجُوزُ التَّدَاوِي بِنَجَسٍ غَيْرِ مُسْكِرٍ كَلَحْمِ حَيَّةٍ وَبَوْلٍ وَمَعْجُونِ خَمْرٍ كما مَرَّ في الْأَطْعِمَةِ وَلَوْ كان التَّدَاوِي لِتَعْجِيلِ شِفَاءٍ كما يَكُونُ لِرَجَائِهِ فإنه يَجُوزُ بِشَرْطِ إخْبَارِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ عَدْلٍ بِذَلِكَ أو مَعْرِفَةِ الْمُتَدَاوِي بِهِ إنْ عُرِفَ وبشرط عَدَمِ ما يَقُومُ بِهِ مَقَامَهُ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ التَّدَاوِي من الطَّاهِرَاتِ وَالْمَعْذُورُ في شُرْبِ الْمُسْكِرِ بِشَيْءٍ من جَهْلِ التَّحْرِيمَ له لِقُرْبِ عَهْدٍ منه بِالْإِسْلَامِ وَنَحْوِهِ كَنَشْئِهِ بَعِيدًا عن الْعُلَمَاءِ أو من جَهِلِ كَوْنَهُ خَمْرًا لَا يُحَدُّ لِعُذْرِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِنَحْوِهِ من زِيَادَتِهِ وَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَةِ مُدَّةَ السُّكْرِ كَالْمُغْمَى عليه بِخِلَافِ الْعَالِمِ بِذَلِكَ لِتَعَدِّيهِ وَإِنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ وَجَهِلَ وُجُوبَ الْحَدِّ أو كَوْنَهُ مُسْكِرًا لِقِلَّتِهِ حُدَّ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ التَّحْرِيمَ فَحَقُّهُ أَنْ يَمْتَنِعَ وَإِنَّمَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أو إقْرَارِهِ أَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا أو مُسْكِرًا لَا بِنِسْوَةٍ وَلَا بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَلَا بِرَجُلٍ وَيَمِينٍ فَيَكْفِي ذلك وَإِنْ لم يَقُلْ عَالِمًا مُخْتَارًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ من حَالِ الشَّارِبِ الْعِلْمُ بِمَا يَشْرَبُهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْإِكْرَاهِ فَصَارَ كَالْإِقْرَارِ بِالْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا وَالشَّهَادَةِ بها بِخِلَافِ الزِّنَا لِأَنَّهُ يُطْلَقُ على مُقَدِّمَاتِهِ كما وَرَدَ في الْخَبَرِ الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ فَاحْتِيجَ في الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ بِهِ إلَى الِاحْتِيَاطِ وَلَا تَعْوِيلَ على مُشَاهَدَةِ السُّكْرِ ولا على ظُهُورِ النَّكْهَةِ أَيْ رَائِحَةِ الْفَمِ وَلَا على تَقَيُّؤِ الْخَمْرِ لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ أو الْإِكْرَاهِ وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ فَرْعٌ مُزِيلُ الْعَقْلِ من غَيْرِ الْأَشْرِبَةِ كَالْبَنْجِ وَالْحَشِيشَةِ حَرَامٌ لِإِزَالَتِهِ الْعَقْلَ لَا حَدَّ
____________________
(4/159)
فيه لِأَنَّهُ لَا يَلَذُّ وَلَا يُطْرِبُ وَلَا يَدْعُو قَلِيلُهُ إلَى كَثِيرِهِ بَلْ فيه التَّعْزِيرُ وَلَهُ تَنَاوُلُهُ لِيُزِيلَ عَقْلَهُ لِقَطْعِ عُضْوٍ مُتَآكِلٍ وَالنَّدُّ بِالْفَتْحِ الْمَعْجُونُ بِخَمْرٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِنَجَاسَتِهِ قال في الْأَصْلِ وكان يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ كَالثَّوْبِ النَّجَسِ لِإِمْكَانِ تَطْهِيرِهِ بِنَقْعِهِ في الْمَاءِ وَدُخَانُهُ كَدُخَانِ النَّجَاسَةِ فَفِي تَنْجِيسِهِ الْمُتَبَخِّرَ بِهِ وَجْهَانِ قَضِيَّةُ تَشْبِيهِهِ بِدُخَانِ النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ وَمَعَ ذلك لَا يَسْتَلْزِمُ الْمَنْعَ من التَّبَخُّرِ بِهِ وقد قَدَّمَ في بَابِ الْأَطْعِمَةِ أَنَّهُ جَائِزٌ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ ثُمَّ الطَّرَفُ الثَّانِي في نَفْسِ الْحَدِّ الْوَاجِبُ في الشُّرْبِ وهو أَرْبَعُونَ جَلْدَةً لِلْحُرِّ فَفِي مُسْلِمٍ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه جَلَدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَرْبَعِينَ وَجَلَدَ أبو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَعُمَرُ ثَمَانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ وَعَنْ أَنَسٍ رضي اللَّهُ عنه كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَضْرِبُ في الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ أَرْبَعِينَ وَعِشْرُونَ لِلْعَبْدِ على النِّصْفِ من الْحُرِّ كَنَظَائِرِهِ وَمِثْلُهُ الْأَمَةُ وَالْمُبَعَّضُ وَإِنَّمَا يُحَدُّ الشَّارِبُ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ من سُكْرِهِ لِيَرْتَدِعَ فَلَوْ حُدَّ فيه فَفِي الِاعْتِدَادِ بِهِ وَجْهَانِ في الْكِفَايَةِ عن الْقَاضِي وَالْأَصَحُّ كما قال الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ الِاعْتِدَادُ بِهِ لِظَاهِرِ خَبَرِ الْبُخَارِيِّ أُتِيَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِسَكْرَانَ فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ فَمِنَّا من ضَرَبَهُ بيده وَمِنَّا من ضَرَبَهُ بِنَعْلِهِ وَمِنَّا من ضَرَبَهُ بِثَوْبِهِ وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ فَضَرَبُوهُ بِالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ وَبِكُلِّ حَالٍ فَيُضْرَبُ بِالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ وَالسَّوْطِ وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ بَعْدَ فَتْلِهَا حتى تَشْتَدَّ وَلَا يَتَعَيَّنُ شَيْءٌ من ذلك بَلْ كُلٌّ منها أو نَحْوُهُ كَافٍ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ في الْقَوِيِّ إنْ كان مِمَّا يَرْدَعُهُ الضَّرْبُ بِغَيْرِ السَّوْطِ وَنَحْوِهِ اُقْتُصِرَ عليه وَإِلَّا تَعَيَّنَ السَّوْطُ وَنَحْوُهُ وَلَوْ بَلَّغَهُ الْإِمَامُ ثَمَانِينَ جَازَ كما مَرَّ فِعْلُهُ عن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه وَرَآهُ عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه قال لِأَنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ وإذا سَكِرَ هَذَى وإذا هَذَى افْتَرَى وَحَدُّ الِافْتِرَاءِ ثَمَانُونَ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَرْبَعُونَ أَوْلَى لِأَنَّهَا سُنَّةُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلِهَذَا كان عَلِيٌّ يقول في نَفْسِي من جَلْدِ شَارِبِ الْخَمْرِ ثَمَانِينَ شَيْءٌ لو مَاتَ وَدَيْتُهُ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَسُنَّهُ ثُمَّ مَحَلُّ ذلك في الْحُرِّ أَمَّا الْعَبْدُ فَلَوْ رَأَى الْإِمَامُ تَبْلِيغَهُ أَرْبَعِينَ جَازَ وَلَا يُزَادُ عليها وكان الزَّائِدُ على الْأَرْبَعِينَ أو الْعِشْرِينَ تَعْزِيرًا وَإِلَّا لَمَا جَازَ تَرْكُهُ وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ وَضْعَ التَّعْزِيرِ النَّقْصُ عن الْحَدِّ فَكَيْفَ يُسَاوِيهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لِجِنَايَاتٍ تَوَلَّدَتْ من الشَّارِبِ قال الرَّافِعِيُّ وَلَيْسَ شَافِيًا فإن الْجِنَايَةَ لم تَتَحَقَّقْ حتى يُعَزَّرَ وَالْجِنَايَاتُ التي تَتَوَلَّدُ من الْخَمْرِ لَا تَنْحَصِرُ فَلْتَجُزْ الزِّيَادَةُ على الثَّمَانِينَ وقد مَنَعُوهَا قال وفي قِصَّةِ تَبْلِيغِ الصَّحَابَةِ الضَّرْبَ ثَمَانِينَ أَلْفَاظٌ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّ الْكُلَّ حَدٌّ وَعَلَيْهِ فَحَدُّ الشُّرْبِ مَخْصُوصٌ من بَيْنِ سَائِرِ الْحُدُودِ بِأَنْ لم يَتَحَتَّمْ بَعْضُهُ وَيَتَعَلَّقُ بَعْضُهُ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَسَوْطُ الْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ مُعْتَدِلُ الْحَجْمِ فَيَكُونُ بين الْقَضِيبِ وَالْعَصَا وَيُقَاسُ بِالسَّوْطِ غَيْرُهُ ومعتدل الرُّطُوبَةِ فَلَا يَكُونُ رَطْبًا فَيَشُقُّ الْجِلْدَ بِثِقَلِهِ وَلَا شَدِيدَ الْيُبُوسَةِ فَلَا يُؤْلِمُ لِخِفَّتِهِ وفي خَبَرٍ مُرْسَلٍ رَوَاهُ مَالِكٌ الْأَمْرُ بِسَوْطٍ بين الْخَلِقِ وَالْجَدِيدِ وضربه أَيْ السَّوْطِ أو نَحْوِهِ بين الضَّرْبَيْنِ فَيَرْفَعُ الضَّارِبُ ذِرَاعَهُ لِيُكْسِبَ السَّوْطَ ثِقَلًا لَا عَضُدَهُ بِحَيْثُ يُرَى بَيَاضُ إبْطِهِ لِئَلَّا يَعْظُمَ أَلَمُهُ وَلَا يَضَعُهُ عليه وَضْعًا لَا يَتَأَلَّمُ بِهِ وَيُفَرِّقُهُ على الْأَعْضَاءِ فَلَا يَجْمَعُهُ في عُضْوٍ وَاحِدٍ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عن عَلِيٍّ أَنَّهُ قال لِلْجَلَّادِ أَعْطِ على كل عُضْوٍ حَقَّهُ وَاتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ وَالْمَعْنَى في التَّفْرِيقِ أَنَّ الضَّرْبَ في الْمَحَلِّ الْوَاحِدِ مُهْلِكٌ وَيَتَّقِي الْوَجْهَ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ إذَا ضَرَبَ أحدكم فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ وَلِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ فَيَعْظُمُ أَثَرُ شَيْنِهِ ويتقي الْمَقَاتِلَ كَنَقْرَةِ النَّحْرِ وَالْفَرْجِ لِأَنَّ الْقَصْدَ رَدْعُهُ لَا قَتْلُهُ لَا الرَّأْسَ لِمَا رُوِيَ عن أبي بَكْرٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال لِلْجَلَّادِ اضْرِبْ الرَّأْسَ فإن الشَّيْطَانَ فيه وَلِأَنَّهُ مَسْتُورٌ بِالشَّعْرِ وَغَيْرِهِ غَالِبًا فَلَا يُخَافُ تَشْوِيهُهُ بِخِلَافِ الْوَجْهِ وَلَا يُبَالِي بِرَقِيقِ جِلْدٍ أَيْ بِكَوْنِ
____________________
(4/160)
الْمَجْلُودِ رَقِيقَ جِلْدٍ يَدْمَى بِالضَّرْبِ الْخَفِيفِ وَيَتَّقِي أَيْ الْمَجْلُودُ بيده الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى فَلَا يُشَدُّ وَلَا يُمَدُّ على الْأَرْضِ لِيَتَمَكَّنَ من الِاتِّقَاءِ بِيَدَيْهِ فَلَوْ وَضَعَهُمَا أو إحْدَاهُمَا على مَوْضِعٍ عَدَلَ عنه الضَّارِبُ إلَى آخَرَ لِأَنَّهُ يَدُلُّ على شِدَّةِ أَلَمِهِ بِالضَّرْبِ فيه وَلَا يُجَرَّدُ من قَمِيصٍ أو قَمِيصَيْنِ بَلْ يُجَرَّدُ من جُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ وَفَرْوَةٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَدْفَعُ الْأَلَمَ مُلَاحَظَةً لِمَقْصُودِ الْحَدِّ وَيُجْلَدُ الرَّجُلُ قَائِمًا وَالْمَرْأَةُ جَالِسَةً لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لها فَلَوْ عَكَسَهُ الْجَلَّادُ أَسَاءَ وَأَجْزَأَهُ وَلَا يَضْمَنُ أَنْ تَلِفَ لِأَنَّ ذلك تَغْيِيرُ حَالٍ لَا زِيَادَةُ ضَرْبٍ وَالظَّاهِرُ كما قال الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ ذلك مَنْدُوبٌ وَلَا يُنَافِيهِ التَّعْبِيرُ بِالْإِسَاءَةِ وَيَجْلِدُهَا أَيْ الْمَرْأَةَ رَجُلٌ لِأَنَّ الْجَلْدَ ليس من شَأْنِ النِّسَاءِ وَامْرَأَةٌ أو نَحْوُهَا كَمَحْرَمٍ تُشَدُّ ثِيَابُهَا وَظَاهِرٌ أَنَّ الْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ فِيمَا ذُكِرَ لَكِنْ لَا يَخْتَصُّ بِشَدِّ ثِيَابِ الْمَرْأَةِ وَنَحْوِهَا وَيَحْتَمِلُ تَعْيِينَ الْمَحْرَمِ وَنَحْوِهِ وَيُوَالِي الضَّرْبَ بِحَيْثُ يَحْصُلُ بِهِ زَجْرٌ وَتَنْكِيلٌ فَلَا يُفَرَّقُ على الْأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ لِعَدَمِ الْإِيلَامِ وَالزَّجْرِ بِخِلَافِ ما لو حَلَفَ لِيَضْرِبَنَّهُ عَدَدًا فَفَرَّقَهُ على الْأَيَّامِ مَثَلًا فإنه يَبَرُّ في يَمِينِهِ لِأَنَّ الْمُتَّبَعَ هُنَاكَ مُوجِبُ اللَّفْظِ وَهُنَا الزَّجْرُ وَالتَّنْكِيلُ فَلَوْ حَصَلَ مع التَّفْرِيقِ هُنَا إيلَامٌ قال الْإِمَامُ فَإِنْ لم يَتَخَلَّلْ ما يَزُولُ بِهِ الْأَلَمُ الْأَوَّلُ كَفَى وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ ضَرَبَ في الزِّنَا في يَوْمٍ خَمْسِينَ مُتَوَالِيَةً وفي غَدٍ خَمْسِينَ كَذَلِكَ جَازَ لِحُصُولِ الْإِيلَامِ وَالزَّجْرِ بِذَلِكَ وَهَذَا مِثَالٌ وَالضَّابِطُ ما تَقَرَّرَ عن الْإِمَامِ فَرْعٌ لَا يُحَدُّ وَلَا يُعَزَّرُ في الْمَسْجِدِ لِخَبَرِ أبي دَاوُد وَغَيْرِهِ لَا تُقَامُ الْحُدُودُ في الْمَسَاجِدِ وَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَلَوَّثَ من جِرَاحَةٍ تَحْدُثُ فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ كَالصَّلَاةِ في أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ وَقَضِيَّتُهُ تَحْرِيمُ ذلك وَبِهِ جَزَمَ الْبَنْدَنِيجِيُّ لَكِنْ الذي ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في بَابِ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ بَلْ يُكْرَهُ وَنَصَّ عليه في الْأُمِّ نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيِّ بَابٌ التَّعْزِيرُ هو لُغَةً التَّأْدِيبُ وَشَرْعًا تَأْدِيبٌ على ذَنْبٍ لَا حَدَّ فيه وَلَا كَفَّارَةَ كما يُؤْخَذُ من قَوْلِهِ وهو مَشْرُوعٌ في كل مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فيها وَلَا كَفَّارَةَ سَوَاءٌ أَكَانَتْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لِآدَمِيٍّ وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ من مُقَدِّمَاتِ ما فيه حَدٌّ كَمُبَاشَرَةِ أَجْنَبِيَّةٍ في غَيْرِ الْفَرْجِ وَسَرِقَةِ ما لَا قَطْعَ فيه وَالسَّبُّ بِمَا ليس بِقَذْفٍ أَمْ لَا كَالتَّزْوِيرِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَالضَّرْبِ بِغَيْرِ حَقٍّ بِخِلَافِ الزِّنَا لِإِيجَابِهِ الْحَدَّ وَبِخِلَافِ التَّمَتُّعِ بِالطِّيبِ وَنَحْوِهِ في الْإِحْرَامِ لِإِيجَابِهِ الْكَفَّارَةَ وقد يَنْتَفِي التَّعْزِيرُ مع انْتِفَاءِ الْحَدِّ وَالْكَفَّارَةِ كما في صَغِيرَةٍ صَدَرَتْ من وَلِيٍّ لِلَّهِ تَعَالَى وَكَمَا في قَطْعِ شَخْصٍ أَطْرَافَ نَفْسِهِ وَكَمَا في وَطْءِ زَوْجَتِهِ أو أَمَتِهِ في دُبُرِهَا فَلَا يُعَذَّرُ بِأَوَّلِ مَرَّةٍ بَلْ يُنْهَى عن الْعَوْدِ فَإِنْ عَادَ عُزِّرَ نَصَّ عليه في الْمُخْتَصَرِ وَصَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَكَمَا في تَكْلِيفِ السَّيِّدِ عَبْدَهُ فَوْقَ ما يُطِيقُ من الْخِدْمَةِ فَلَا يُعَزَّرُ بِأَوَّلِ مَرَّةٍ أَيْضًا وَكَمَا لو رَعَى أَحَدٌ من أَهْلِ الْقُوَّةِ من الْحِمَى الذي حَمَاهُ الْإِمَامُ لِلضَّعَفَةِ وَنَحْوِهِمْ فَلَا
____________________
(4/161)
يُعَزَّرُ وَلَا يَغْرَمُ قَالَهُ الْقَاضِي أبو حَامِدٍ وَتَوَقَّفَ فيه الْأَذْرَعِيُّ قال وَإِطْلَاقُ كَثِيرِينَ أو الْأَكْثَرِينَ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُعَزَّرُ وقد يَجْتَمِعُ مع الْحَدِّ كما في تَكْرَارِ الرِّدَّةِ وقد يَجْتَمِعُ مع الْكَفَّارَةِ كما في الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ وَإِفْسَادِ الصَّائِمِ يَوْمًا من رَمَضَانَ بِجِمَاعِ زَوْجَتِهِ أو أَمَتِهِ وَكَمَا في قَتْلِ من لَا يُقَادُ بِهِ كَوَلَدِهِ وَعَبْدِهِ قال الْإِسْنَوِيِّ نعم يُجَابُ عنه بِأَنَّ إيجَابَ الْكَفَّارَةِ ليس لِلْمَعْصِيَةِ بَلْ لِإِعْدَامِ النَّفْسِ بِدَلِيلِ إيجَابِهَا بِقَتْلِ الْخَطَأِ فلما بَقِيَ التَّعَمُّدُ خَالِيًا من الزَّاجِرِ أَوْجَبْنَا فيه التَّعْزِيرَ وَالْأَصْلُ في مَشْرُوعِيَّتِهِ قبل الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ الْآيَةَ وَفِعْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كما رَوَاهُ الْحَاكِمُ في تَصْحِيحِهِ وَيَحْصُلُ التَّعْزِيرُ بِحَبْسٍ أو جَلْدٍ أو صَفْعٍ أو تَوْبِيخٍ بِكَلَامٍ أو فِعْلٍ كَنَفْيٍ أو نَحْوِهَا كَكَشْفِ رَأْسٍ وَإِقَامَةٍ من مَجْلِسٍ وَجَمْعٍ بَيْنَهَا وَكُلُّ ذلك بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ أَيْ بِحَسَبِ ما يَرَاهُ الْإِمَامُ بِاجْتِهَادِهِ جِنْسًا وَقَدْرًا إفْرَادًا أو جَمْعًا فَلَا يَرْتَفِعُ عن التَّوْبِيخِ إلَى غَيْرِهِ إذَا كان يَكْفِي فَلَا يَرْقَى إلَى مَرْتَبَةٍ وهو يَرَى ما دُونَهَا كَافِيًا بَلْ يُعَزَّرُ بِالْأَخَفِّ ثُمَّ الْأَخَفِّ كما في دَفْعِ الصَّائِلِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَيَجُوزُ حَلْقُ رَأْسِهِ لَا لِحْيَتِهِ وقال الْأَكْثَرُونَ يَجُوزُ تَسْوِيدُ وَجْهِهِ فَلَوْ جُلِدَ أو حُبِسَ لم يَبْلُغْ بِتَعْزِيرِ حُرٍّ بِالضَّرْبِ أَرْبَعِينَ وَبِالْحَبْسِ سَنَةً وَلَا بِتَعْزِيرِ عَبْدٍ بِالضَّرْبِ عِشْرِينَ وَبِالْحَبْسِ نِصْفَ سَنَةٍ لِخَبَرِ من بَلَغَ حَدًّا في غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ من الْمُعْتَدِينَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وقال الْمَحْفُوظُ إرْسَالُهُ وَكَمَا يَجِبُ نَقْصُ الْحُكُومَةِ عن الدِّيَةِ وَالرَّضْخِ عن السَّهْمِ فَيَجُوزُ الزِّيَادَةُ على عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ وَأَمَّا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا في حَدٍّ من حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى فَأُجِيبَ عنه بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِعَمَلِ الصَّحَابَةِ على خِلَافِهِ من غَيْرِ إنْكَارٍ قال الْقُونَوِيُّ وَحَمْلُهُ على الْأَوْلَوِيَّةِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَمَلِ بِخِلَافِهِ أَهْوَنُ من حَمْلِهِ على النَّسْخِ ما لم يَتَحَقَّقْ فَصْلٌ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ضَرْبُ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ زَجْرًا لَهُمَا عن سَيِّئِ الْأَخْلَاقِ وَإِصْلَاحًا لَهُمَا مِثْلُهُمَا السَّفِيهُ وَلِلْمُعَلِّمِ ذلك بِإِذْنِ الْوَلِيِّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَسَكَتَ الْخُوَارِزْمِيَّ وَغَيْرُهُ عن هذا الْقَيْدِ وَالْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ مُطَّرِدٌ بِذَلِكَ من غَيْرِ إذْنٍ وَلِلزَّوْجِ ضَرْبُ زَوْجَتِهِ لِنُشُوزِهَا وَلِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ من حُقُوقِهِ عليها لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ أَوَّلَ الْبَابِ لَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ ليس له ضَرْبُهَا على تَرْكِ الصَّلَاةِ لَكِنْ أَفْتَى ابن الْبَزْرِيِّ بِأَنَّهُ يَجِبُ عليه ذلك وفي الْوُجُوبِ نَظَرٌ وَلِلسَّيِّدِ ضَرْبُ رَقِيقِهِ لِحَقِّ نَفْسِهِ كما في الزَّوْجِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ سُلْطَتَهُ أَقْوَى وَكَذَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا مَرَّ في الزِّنَا وَيُسَمَّى الْكُلُّ تَعْزِيرًا وَقِيلَ إنَّمَا يُسَمَّى ما عَدَا ضَرْبَ الْإِمَامِ أو نَائِبِهِ مِمَّا ذُكِرَ تَأْدِيبًا لَا تَعْزِيرًا وَإِنْ لم يُفِدْ تَعْزِيرُهُ إلَّا بِضَرْبٍ مُبَرِّحٍ أَيْ شَدِيدٍ مُؤْذٍ تُرِكَ ضَرْبُهُ لِأَنَّ الْمُبَرِّحَ مُهْلِكٌ وَغَيْرُهُ لَا يُفِيدُ وَلِلْإِمَامِ تَرْكُ تَعْزِيرٍ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِإِعْرَاضِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن جَمَاعَةٍ اسْتَحَقُّوهُ كَالْغَالِّ في الْغَنِيمَةِ وَلَاوِي شَدْقِهِ في حُكْمِهِ لِلزُّبَيْرِ وَكَذَا الْآدَمِيُّ أَيْ لِحَقِّهِ وَلَوْ طَلَبَهُ
____________________
(4/162)
كما في حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ عِنْدَ طَلَبِهِ كَالْقِصَاصِ وَالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَجَرَى الْحَاوِي الصَّغِيرُ وَمُخْتَصَرُهُ على الثَّانِي وهو الْأَوْجَهُ وَلَهُ أَيْ الْإِمَامِ تَعْزِيرُ من عَفَا عنه مُسْتَحِقُّ التَّعْزِيرِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كان لَا يُعَزِّرُهُ قبل مُطَالَبَتِهِ الْمُسْتَحِقَّ له لَا تَعْزِيرُ من عَفَا عنه مُسْتَحِقُّ الْحَدِّ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ يَتَعَلَّقُ أَصْلُهُ بِنَظَرِ الْإِمَامِ فَجَازَ أَنْ لَا يُؤَثِّرَ فيه إسْقَاطُ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْحَدِّ كِتَابُ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ في ضَمَانِ الْوِلَادَةِ وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ في مُوجِبِهِ بِكَسْرِ الْجِيمِ فَإِنْ مَاتَ الْمُعَزَّرُ بِتَعْزِيرٍ من الْإِمَامِ ضَمِنَهُ الْإِمَامُ وَلَوْ عَزَّرَهُ لِحَقِّ آدَمِيٍّ لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ لِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ إذْ الْمَقْصُودُ التَّأْدِيبُ لَا الْهَلَاكُ فإذا حَصَلَ الْهَلَاكُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ جَاوَزَ الْحَدَّ الْمَشْرُوطَ وكان الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَإِنْ مَاتَ بِتَعْزِيرِ الْإِمَامِ ضَمِنَهُ ضَمَانَ شِبْهِ الْعَمْدِ وَكَذَا يَضْمَنُ كَذَلِكَ زَوْجٌ وَمُعَلِّمٌ وَأَبٍ وَأُمٌّ وَنَحْوُهَا بِتَعْزِيرِهِمْ لِلزَّوْجَةِ وَالصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ وَإِنْ أَذِنَ الْأَبُ فيه لِلْمُعَلِّمِ وَفَارَقَ ذلك عَدَمُ ضَمَانِ الْمُسْتَأْجِرِ لِلدَّابَّةِ وَالرَّائِضِ لها بِمَوْتِهَا بِالضَّرْبِ الْمُعْتَادِ بِأَنَّهُمَا لَا يَسْتَغْنِيَانِ عن ضَرْبِهَا بِخِلَافِ الْمُعَزِّرِ قد يَسْتَغْنِي عن الضَّرْبِ بِغَيْرِهِ لَا إنْ كان مَمْلُوكًا فَمَاتَ بِضَرْبِ غَيْرِهِ له بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَلَا يَضْمَنُ كَقَتْلِهِ بِإِذْنِهِ وَكَذَا لو عَزَّرَ الْوَالِي من اعْتَرَفَ بِمَا يَقْتَضِي التَّعْزِيرَ وَطَلَبَهُ بِنَفْسِهِ لِإِذْنِهِ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ فَإِنْ أَسْرَفَ الْمُعَزِّرُ وَظَهَرَ منه قَصْدُ الْقَتْلِ بِأَنْ ضَرَبَهُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَالْقِصَاصُ يَلْزَمُهُ وَإِنْ مَاتَ الْمَحْدُودُ بِحَدٍّ مُقَدَّرٍ فَلَا ضَمَانَ وَلَوْ حُدَّ في حَرٍّ أو بَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ لِأَنَّ الْحَقَّ قَتْلُهُ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ مُقَدَّرٍ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَكُونُ إلَّا مُقَدَّرًا فَإِنْ جَاوَزَ الْمُقَدَّرَ فَمَاتَ ضَمِنَ بِالْقِسْطِ من الْعَدَدِ فَإِنْ جَلَدَ في الشُّرْبِ ثَمَانِينَ فَمَاتَ لَزِمَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ مَاتَ من مَضْمُونٍ وَغَيْرِهِ أو سِتِّينَ فَثُلُثُهَا أو وَاحِدَةٌ وَأَرْبَعِينَ فَجُزْءٌ من أَحَدٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا أو اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ فَجُزْءَانِ من اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا أو إحْدَى وَثَمَانِينَ فَأَحَدٌ وَأَرْبَعُونَ جُزْءًا من أَحَدٍ وَثَمَانِينَ جُزْءًا وَقِسْ على ذلك وَكَذَا لو زَادَ في حَدِّ الْقَذْفِ فَجَلَدَ إحْدَى وَثَمَانِينَ فَمَاتَ لَزِمَهُ جُزْءٌ منها أو اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ فَجُزْءَانِ منها وَإِنْ أَمَرَهُ الْإِمَامُ بِالزِّيَادَةِ على الْمُقَدَّرِ وَجَهِلَ ظُلْمَهُ وَخَطَأَهُ فيه كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي أو قال له اضْرِبْ وأنا أَعُدُّ فَغَلِطَ في عَدِّهِ فَزَادَ ضَمِنَ الْإِمَامُ نعم لو أَمَرَهُ بِثَمَانِينَ في الشُّرْبِ فَزَادَ وَاحِدَةً وَمَاتَ الْمَجْلُودُ وُزِّعَتْ الدِّيَةُ إحْدَى وَثَمَانِينَ جُزْءًا يَسْقُطُ منها أَرْبَعُونَ وَيَجِبُ أَرْبَعُونَ على الْإِمَامِ وَجُزْءٌ على الْجَلَّادِ فَصْلٌ يَحْرُمُ على الْمُسْتَقِلِّ بِنَفْسِهِ رُكُوبُ أَيْ ارْتِكَابُ الْخَطَرِ في قَطْعِ غُدَّةٍ منه وَإِنْ كانت تَشِينُ بِلَا خَوْفٍ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إهْلَاكِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَكُنْ في قَطْعِهَا خَطَرٌ فَلَهُ وَلَوْ سَفِيهًا أو مُكَاتَبًا بِنَفْسِهِ أو نَائِبِهِ قَطْعُهَا لِإِزَالَةِ الشَّيْنِ وَالْغُدَّةُ ما يَخْرُجُ بين الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ نَحْوُ الْحِمَّصَةِ إلَى الْجَوْزَةِ فما فَوْقَهَا فَإِنْ خِيفَتْ أَيْ خِيفَ منها وزاد خَطَرُ التَّرْكِ لها على خَطَرِ قَطْعِهَا جَازَ له الْقَطْعُ لها لِزِيَادَةِ رَجَاءِ السَّلَامَةِ مع إزَالَةِ الشَّيْنِ بَلْ قال الْبُلْقِينِيُّ لو قال الْأَطِبَّاءُ إنْ لم يُقْطَعْ حَصَلَ أَمْرٌ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ وَجَبَ الْقَطْعُ كما يَجِبُ دَفْعُ الْمُهْلِكَاتِ وَيَحْتَمِلُ الِاسْتِحْبَابَ انْتَهَى وَمِثْلُهُ يَجْرِي في مَسْأَلَةِ الْوَلِيِّ الْآتِيَةِ وَكَذَا يَجُوزُ قَطْعُهَا لو تَسَاوَيَا أَيْ الْخَطَرَانِ لِتَوَقُّعِ السَّلَامَةِ مع إزَالَةِ الشَّيْنِ وَإِلَّا بِأَنْ زَادَ خَطَرُ قَطْعِهَا فَلَا يَجُوزُ قَطْعُهَا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى هَلَاكِ النَّفْسِ وَمِثْلُهَا فِيمَا ذُكِرَ الْعُضْوُ الْمُتَآكِلُ فَإِنْ قَطَعَهُمَا منه أَجْنَبِيٌّ بِلَا إذْنٍ منه فَمَاتَ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ وَكَذَا الْإِمَامُ يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ بِقَطْعِهِمَا كَذَلِكَ لِتَعَدِّي كُلٍّ مِنْهُمَا بِذَلِكَ وَلِلْأَبِ وَالْجَدِّ وَإِنْ عَلَا قَطْعُهُمَا لِلصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ مع الْخَطَرِ فيه إنْ زَادَ خَطَرُ التَّرْكِ عليه لِأَنَّهُمَا يَلِيَانِ صَوْنَ مَالِهِمَا عن الضَّيَاعِ فَبَدَنُهُمَا أَوْلَى فَإِنْ تَسَاوَيَا أَيْ الْخَطَرَانِ أو زَادَ خَطَرُ الْقَطْعِ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى ضَمِنَا لِعَدَمِ جَوَازِ الْقَطْعِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في الْمُسْتَقِلِّ في صُورَةِ
____________________
(4/163)
التَّسَاوِي كما مَرَّ لِأَنَّ الْقَطْعَ ثَمَّ من نَفْسِهِ وَهُنَا من غَيْرِهِ وَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ وَلَا لِغَيْرِهِ ما عَدَا الْأَبَ وَالْجَدَّ كَالْوَصِيِّ ذلك لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ دَقِيقٍ وَفَرَاغٍ وَشَفَقَةٍ تَامَّيْنِ وَكَمَا أَنَّ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ تَزْوِيجَ الْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ دُونَ غَيْرِهِمَا وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لو كانت الْأُمُّ وَصِيَّةً جَازَ لها ذلك وهو ظَاهِرٌ وَلِلسُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ من الْأَوْلِيَاءِ لَا الْأَجْنَبِيِّ مُعَالَجَةُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بِمَا لَا خَطَرَ فيه كَفَصْدٍ وَحِجَامَةٍ وَقَطْعِ غُدَّةٍ لَا خَطَرَ في قَطْعِهَا لِلْمَصْلَحَةِ مع عَدَمِ الضَّرَرِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ له وَظَاهِرٌ أَنَّ الْأَبَ الرَّقِيقَ وَالسَّفِيهَ كَالْأَجْنَبِيِّ كما بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَإِنْ عَالَجَهُ الْأَجْنَبِيُّ فَسَرَى أَثَرُ الْعِلَاجِ إلَى النَّفْسِ فَالْقِصَاصُ يَلْزَمُهُ لِعَمْدِيَّتِهِ مع عَدَمِ وِلَايَتِهِ أو عَالَجَهُ الْإِمَامُ أو غَيْرُهُ من الْأَوْلِيَاءِ بِمَا لَا خَطَرَ فيه فَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ من ذلك فَيَتَضَرَّرَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ أو بِمَا فيه خَطَرٌ فَلَا قِصَاصَ لِشُبْهَةِ الْإِصْلَاحِ وَلِلْبَعْضِيَّةِ في الْأَبِ وَالْجَدِّ بَلْ تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً في مَالِهِ لِعَمْدِيَّتِهِ وَيَحْرُمُ على الْمُتَأَلِّمِ تَعْجِيلُ الْمَوْتِ وَإِنْ عَظُمَتْ آلَامُهُ ولم يُطِقْهَا لِأَنَّ بُرْأَهُ مَرْجُوٌّ فَلَوْ أَلْقَى نَفْسَهُ من مُحْرِقٍ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْجُو منه إلَى مَائِعٍ مُغْرِقٍ وَرَآهُ أَهْوَنَ عليه من الصَّبْرِ على لَفَحَاتِ الْمُحْرِقِ جَازَ لِأَنَّهُ أَهْوَنُ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّ له قَتْلَ نَفْسِهِ بِغَيْرِ إغْرَاقٍ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ في النِّهَايَةِ عن وَالِدِهِ وَتَبِعَهُ ابن عبد السَّلَامِ فَصْلٌ لَا بُدَّ من كَشْفِ جَمِيعِ الْحَشَفَةِ في الْخِتَانِ لِلرَّجُلِ بِقَطْعِ الْجِلْدَةِ التي تُغَطِّيهَا فَلَا يَكْفِي قَطْعُ بَعْضِهَا وَيُقَالُ لِتِلْكَ الْجِلْدَةِ الْقُلْفَةُ ومن قَطْعِ شَيْءٍ من بَظْرِ الْمَرْأَةِ الْخِفَاض أَيْ اللَّحْمَةِ التي في أَعْلَى الْفَرْجِ فَوْقَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ تُشْبِهُ عُرْفَ الدِّيكِ وَتَقْلِيلُهُ أَفْضَلُ رَوَى أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِلْخَاتِنَةِ لَا تُنْهِكِي فإن ذلك أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ وَأَحَبُّ لِلْبَعْلِ وَالْخِتَانُ وَاجِبٌ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ وَاحْتِمَالِ الْخِتَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ثُمَّ أَوْحَيْنَا إلَيْك أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وكان من مِلَّتِهِ الْخِتَانُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ اخْتَتَنَ وَعُمْرُهُ ثَمَانُونَ سَنَةً وفي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً وَقِيلَ سَبْعُونَ سَنَةً وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ بِالْخِتَانِ رَجُلًا أَسْلَمَ رَوَاهُ أبو دَاوُد قالوا وَلِأَنَّهُ قَطْعُ عُضْوٍ لَا يُخْلَفُ فَلَا يَكُونُ إلَّا وَاجِبًا كَقَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَلِأَنَّهُ جُرْحٌ يُخَافُ منه فَلَوْ لم يَجِبْ لم يَجُزْ بِخِلَافِ خِتَانِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَمَنْ لَا يَحْتَمِلُهُ لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ لَيْسَا من أَهْلِ الْوُجُوبِ وَالثَّالِثَ يَتَضَرَّرُ بِهِ وَكَمَا يَجِبُ الْخِتَانُ يَجِبُ قَطْعُ السُّرَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى ثُبُوتُ الطَّعَامِ إلَّا بِهِ إلَّا أَنَّ وُجُوبَهُ على الْغَيْرِ لِأَنَّهُ لَا يُفْعَلُ إلَّا في الصِّغَرِ كَذَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْتَنَ لِسَبْعٍ من الْأَيَّامِ غَيْرِ يَوْمِ الْوِلَادَةِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَتَنَ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ يوم السَّابِعِ من وِلَادَتِهِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وقال صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَإِنَّمَا حُسِبَ يَوْمُ الْوِلَادَةِ من السَّبْعَةِ في الْعَقِيقَةِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ وَتَسْمِيَةِ الْوَلَدِ لِمَا في الْخَتْنِ من الْأَلَمِ الْحَاصِلِ بِهِ الْمُنَاسِبُ له التَّأْخِيرُ الْمُفِيدُ لِلْقُوَّةِ على تَحَمُّلِهِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَيُكْرَهُ تَقْدِيمُهُ على السَّابِعِ قال وَلَوْ أَخَّرَهُ عنه فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْتَنَ في الْأَرْبَعِينَ فَإِنْ أَخَّرَهُ عنها فَفِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ لِأَنَّهُ الْوَقْتُ الذي يُؤْمَرُ فيه بِالطَّهَارَةِ أو الصَّلَاةِ وَلَا يَجُوزُ خِتَانُ ضَعِيفٍ خِلْقَةً يُخَافُ عليه منه بَلْ يُنْتَظَرُ حتى يَصِيرَ بِحَيْثُ يَغْلِبُ على الظَّنِّ سَلَامَتُهُ فَإِنْ لم يُخَفْ عليه منه اُسْتُحِبَّ تَأْخِيرُهُ حتى يَحْتَمِلَهُ وَيَحْرُمُ خِتَانُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَ قبل الْبُلُوغِ أَمْ بَعْدَهُ لِأَنَّ الْجُرْحَ لَا يَجُوزُ بِالشَّكِّ
____________________
(4/164)
وَهَذَا ما صَحَّحَهُ في الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ عن الْبَغَوِيّ وقال ابن الرِّفْعَةِ الْمَشْهُورُ وُجُوبُهُ في فَرْجَيْهِ جميعا لَيُتَوَصَّلَ إلَى الْمُسْتَحَقِّ وَعَلَيْهِ قال النَّوَوِيُّ إنْ أَحْسَنَ الْخَتْنَ خَتَنَ نَفْسَهُ وَإِلَّا ابْتَاعَ أَمَةً تَخْتِنُهُ فَإِنْ عَجَزَ عنها تَوَلَّاهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ لِلضَّرُورَةِ كَالتَّطْبِيبِ وَيُخْتَنُ من الرَّجُلِ الذي له ذَكَرَانِ الذَّكَرَانِ الْعَامِلَانِ مَعًا أو الْعَامِلُ من الذَّكَرَيْنِ فَإِنْ شَكَّ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ كَالْخُنْثَى وَصَرَّحَ بِهِ ابن الرِّفْعَةِ فيه بِمَا صَرَّحَ بِهِ في الْخُنْثَى وَهَلْ يُعْرَفُ الْعَمَلُ بِالْجِمَاعِ أو الْبَوْلِ وَجْهَانِ جَزَمَ كَالرَّوْضَةِ في بَابِ الْغُسْلِ بِالثَّانِي وَرَجَّحَهُ في التَّحْقِيقِ وَمُؤْنَةُ كُلٍّ من خِتَانِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى في مَالِهِ وَإِنْ كان صَغِيرًا أو مَجْنُونًا لِأَنَّ ذلك لِمَصْلَحَتِهِ كَمُؤْنَةِ التَّعْلِيمِ فَإِنْ لم يَكُنْ له مَالٌ فَعَلَى من تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَالسُّنَّةُ في خِتَانِ الذُّكُورِ إظْهَارُهُ وفي النِّسَاءِ إخْفَاؤُهُ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عن ابْنِ الْحَاجِّ في الْمَدْخَلِ وَأَقَرَّهُ فَرْعٌ يُجْبِرُ الْإِمَامُ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ على الْخِتَانِ إذَا احْتَمَلَهُ وَامْتَنَعَ منه وَلَا يَضْمَنُ حِينَئِذٍ إنْ مَاتَ بِالْخِتَانِ لِأَنَّهُ مَاتَ من وَاجِبٍ فَلَوْ أَجْبَرَهُ الْإِمَامُ فَخَتَنَ أو خَتَنَهُ الْأَبُ أو الْجَدُّ في حَرٍّ أو بَرْدٍ شَدِيدَيْنِ فَمَاتَ وَجَبَ على الْإِمَامِ فَقَطْ أَيْ دُونَ الْأَبِ وَالْجَدِّ نِصْفُ الضَّمَانِ لِأَنَّ أَصْلَ الْخِتَانِ وَاجِبٌ وَالْهَلَاكُ حَصَلَ من مُسْتَحِقٍّ وَغَيْرِهِ وَيُفَارِقُ الْحَدَّ بِأَنَّ اسْتِيفَاءَهُ إلَى الْإِمَامِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِمَا يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ وَالْخِتَانُ يَتَوَلَّاهُ الْمَخْتُونُ أو وَالِدُهُ غَالِبًا فإذا تَوَلَّاهُ هو شُرِطَ فيه غَلَبَةُ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ وَبِذَلِكَ عُرِفَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَالِدِ في الْخِتَانِ وَمَنْ خَتَنَ من لَا يَحْتَمِلُ الْخِتَانَ فَمَاتَ منه اُقْتُصَّ منه لِتَعَدِّيهِ بِالْجَرْحِ الْمُهْلِكِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هذا عِنْدَ حُكْمِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ فَلَوْ قالوا يَحْتَمِلُهُ فَمَاتَ فَلَا قِصَاصَ وَتَجِبُ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ فَإِنْ كان أَبًا أو جَدًّا ضَمِنَ الْمَالَ وَلَا قِصَاصَ لِلْبَعْضِيَّةِ أو سَيِّدًا فَلَا ضَمَانَ أَصْلًا أو خَتَنَ من يَحْتَمِلُ الْخِتَانَ وهو وَلِيٌّ له وَلَوْ وَصِيًّا أو قَيِّمًا فَلَا ضَمَانَ عليه إلْحَاقًا لِلْخِتَانِ حِينَئِذٍ بِالْمُعَالَجَاتِ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ منه وَالتَّقْدِيمُ أَسْهَلُ من التَّأْخِيرِ لِمَا فيه من الْمَصْلَحَةِ أو وهو أَجْنَبِيٌّ فَالْقِصَاصُ لِتَعَدِّيهِ بِالْمُهْلِكِ نعم إنْ قَصَدَ بِذَلِكَ إقَامَةَ الشِّعَارِ فَلَا يُتَّجَهُ الْقِصَاصُ لِأَنَّ ذلك يَتَضَمَّنُ شُبْهَةً في التَّعَدِّي وَيُؤَيِّدُهُ ما ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ في قَطْعِهِ يَدَ السَّارِقِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ كَذَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ الطَّرَفُ الثَّانِي في مَحَلِّ ضَمَانِ إتْلَافِ الْإِمَامِ وهو في عَمْدِهِ وَخَطَئِهِ في غَيْرِ الْأَحْكَامِ الصَّادِرَةِ منه كَغَيْرِهِ من الْآحَادِ في أَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ في مَالِهِ أو على عَاقِلَتِهِ فَإِنْ أَخْطَأَ في الْحُكْمِ أو في إقَامَةِ الْحَدِّ أو جَلَدَهُ في الشُّرْبِ ثَمَانِينَ فَمَاتَ ضَمِنَتْ عَاقِلَتُهُ لَا بَيْتُ الْمَالِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ نَفْسٍ وَاجِبٌ بِالْخَطَأِ أو نَحْوِهِ فَيَكُونُ على الْعَاقِلَةِ كَخَطَأِ غَيْرِهِ وَكَخَطَئِهِ في غَيْرِ الْأَحْكَامِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ في تَشْبِيهِ الْإِمَامِ بِغَيْرِهِ بين خَطَئِهِ في الْحُكْمِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا فَصَّلَهُ الْأَصْلُ لِبَيَانِ الْخِلَافِ فَلَوْ قال وهو في عَمْدِهِ وَخَطَئِهِ كَغَيْرِهِ كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ وَكَذَا الْغُرَّةُ تَضْمَنُهَا عَاقِلَتُهُ في جَلْدِ حَامِلٍ أَجْهَضَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَإِنْ عُلِمَ حَمْلُهَا لِأَنَّ ذلك إمَّا خَطَأٌ أو شِبْهُ عَمْدٍ وَعَطَفَ على الْغُرَّةِ قَوْلَهُ أو الدِّيَةُ أَيْ دِيَةُ الْجَنِينِ فَيَضْمَنُهَا عَاقِلَةُ الْإِمَامِ إنْ خَرَجَ من أُمِّهِ حَيًّا وَمَاتَ بِأَلَمِ الْجَلْدِ وَكَذَا دِيَتُهَا تَضْمَنُهَا عَاقِلَتُهُ إنْ مَاتَتْ من الْإِجْهَاضِ وَحْدَهُ بِأَنْ أُجْهِضَتْ ثُمَّ مَاتَتْ وَأُحِيلَ الْمَوْتُ على الْإِجْهَاضِ كما وَجَبَ ضَمَانُ الْجَنِينِ أو نِصْفُهَا أَيْ تَضْمَنُهُ عَاقِلَتُهُ إنْ مَاتَتْ منه وَمِنْ الْجَلْدِ لِأَنَّهَا مَاتَتْ من مَضْمُونٍ وَغَيْرِهِ وَلَوْ حَذَفَ كَذَا الثَّانِيَةَ أَغْنَتْ عنها الْأُولَى وكان أَخْصَرَ وَالْكَفَّارَةُ تَجِبُ في مَالِهِ وَإِنْ حَدَّهُ أَيْ الْإِمَامُ شَخْصًا بِشَاهِدَيْنِ لَيْسَا من أَهْلِهَا أَيْ الشَّهَادَةِ كَذِمِّيَّيْنِ أو عَبْدَيْنِ أو امْرَأَتَيْنِ أو فَاسِقَيْنِ فَمَاتَ الْمَحْدُودُ فَإِنْ قَصَّرَ الْإِمَامُ في الْبَحْثِ عن حَالِهِمَا اُقْتُصَّ منه
____________________
(4/165)
إنْ تَعَمَّدَ لِأَنَّ الْهُجُومَ على الْقَتْلِ مَمْنُوعٌ منه بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ وَجَبَ الْمَالُ فَهُوَ عليه أَيْضًا لَا على عَاقِلَتِهِ وَلَا في بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ لم يُقَصِّرْ في الْبَحْثِ بَلْ بَذَلَ وُسْعَهُ فَالضَّمَانُ على عَاقِلَتِهِ كَالْخَطَأِ في غَيْرِ الْحُكْمِ وَلَا رُجُوعَ لها على الشَّاهِدِ إلَّا على مُتَجَاهِرٍ بِالْفِسْقِ فَتَرْجِعُ عليه بِمَا غَرِمَتْهُ لِأَنَّ حَقَّهُ أَنْ لَا يَشْهَدَ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِ يُشْعِرُ بِتَدْلِيسٍ منه وَتَغْرِيرٍ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُتَجَاهِرِ بِذَلِكَ من كَاتِمٍ له وَذِمِّيٍّ وَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ وَالِاسْتِثْنَاءُ الْمَذْكُورُ جَرَى عليه هُنَا لَكِنَّهُ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ رَدَّ ما هُنَا وقال أَنَّهُ تَفْرِيعٌ على ضَعِيفٍ كما ذَكَرَهُ في الرَّوْضَةِ هُنَا وَلَيْسَ كما قال وَإِنْ أَوْهَمَتْهُ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ فَإِنَّهَا مَحْمُولَةٌ على ما في أَصْلِهَا السَّالِمِ من الْإِيهَامِ وَالضَّمَانُ في التَّلَفِ بِاسْتِيفَاءِ الْجَلَّادِ في حَدٍّ أو تَعْزِيرٍ بِأَمْرِ الْإِمَامِ على الْإِمَامِ لَا على الْجَلَّادِ لِأَنَّهُ آلَتُهُ وَلَا بُدَّ منه في السِّيَاسَةِ وَلَوْ ضَمَّنَاهُ لم يَتَوَلَّ الْجَلْدَ أَحَدٌ لَكِنْ اسْتَحَبَّ له الشَّافِعِيُّ أَنْ يُكَفِّرَ لِمُبَاشَرَتِهِ الْقَتْلَ فَإِنْ عَلِمَ ظُلْمَ الْإِمَامِ أو خَطَأَهُ في أَمْرِهِ كما صَرَّحَ بِهِ في الْأَصْلِ ولم يُكْرِهْهُ على ما أَمَرَهُ بِهِ فَعَكْسُهُ أَيْ فَالضَّمَانُ على الْجَلَّادِ لَا الْإِمَامِ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ ذلك فَكَانَ حَقُّهُ الِامْتِنَاعَ نعم إنْ اعْتَقَدَ وُجُوبَ طَاعَتِهِ في الْمَعْصِيَةِ فَالضَّمَانُ على الْإِمَامِ لَا عليه لِأَنَّ ذلك مِمَّا يَخْفَى نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عن صَاحِب الْوَافِي وَأَقَرَّهُ وَإِنْ أَكْرَهَهُ عليه فَعَلَيْهِمَا الضَّمَانُ وَإِنْ أَمَرَهُ في حَدِّ الشُّرْبِ بِسِتِّينَ فَضَرَبَهُ ثَمَانِينَ وَمَاتَ فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا رُبْعُ الدِّيَةِ تَوْزِيعًا لِلزَّائِدِ عَلَيْهِمَا وَإِنْ اعْتَقَدَ الْإِمَامُ وَالْجَلَّادُ تَحْرِيمَ قَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ أو الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ أو نحو ذلك مِمَّا هو في مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ أو اعْتَقَدَهُ الْجَلَّادُ وَحْدَهُ فَقَتَلَهُ الْجَلَّادُ امْتِثَالًا لِأَمْرِ الْإِمَامِ بِلَا إكْرَاهٍ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ لِأَنَّ حَقَّهُ الِامْتِنَاعُ أو بِالْعَكْسِ بِأَنْ اعْتَقَدَهُ الْإِمَامُ وَحْدَهُ فَقَتَلَهُ الْجَلَّادُ عَمَلًا بِاعْتِقَادِهِ فَلَا قِصَاصَ عليه بَلْ على الْإِمَامِ وَلَا ضَمَانَ على حَجَّامٍ حَجَمَ أو فَصَدَ غَيْرَهُ أو قَطَعَ سِلْعَةً منه بِإِذْنٍ مُعْتَبَرٍ بِأَنْ يَكُونَ منه وهو مُسْتَقِلٌّ أو من وَلِيٍّ أو إمَامٍ فَأَفْضَى ذلك إلَى التَّلَفِ لِمَا مَرَّ في الْجَلَّادِ الْبَابُ الثَّانِي في حُكْمِ الصَّائِلِ مُشْتَقٌّ من الصِّيَالِ وهو الِاسْتِطَالَةُ وَالْوُثُوبُ وَالْأَصْلُ في الْبَابِ قَوْله تَعَالَى فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عليه بِمِثْلِ ما اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَخَبَرُ الْبُخَارِيِّ اُنْصُرْ أَخَاك ظَالِمًا أو مَظْلُومًا وَالصَّائِلُ ظَالِمٌ فَيُمْنَعُ من ظُلْمِهِ لِأَنَّ ذلك نَصْرُهُ وَخَبَرُ من قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ يَجُوزُ لِلْمَصُولِ عليه وَغَيْرِهِ دَفْعُ كل صَائِلٍ من آدَمِيٍّ مُسْلِمٍ أو كَافِرٍ حُرٍّ أو رَقِيقٍ مُكَلَّفٍ أو غَيْرِهِ وَبَهِيمَةٍ عن كل مَعْصُومٍ من نَفْسٍ وَطَرَفٍ وَمَنْفَعَةٍ وَبُضْعٍ وَمُقَدِّمَاتِهِ من تَقْبِيلٍ وَمُعَانَقَةٍ وَنَحْوِهَا وَمَالٍ وَإِنْ قَلَّ نعم لو مَالَ مُكْرَهًا على إتْلَافِ مَالِ غَيْرِهِ لم يَجُزْ دَفْعُهُ بَلْ يَلْزَمُ الْمَالِكَ إنْ بَقِيَ رُوحُهُ بِمَالِهِ كما يُنَاوِلُ الْمُضْطَرَّ طَعَامَهُ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا دَفْعُ الْمُكْرَهِ وَكَالْمَالِ الِاخْتِصَاصَاتُ من جِلْدِ مَيْتَةٍ وَنَحْوِهِ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْبَسِيطِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ أتى الدَّفْعُ على نَفْسِهِ فَلَا ضَمَانَ بِقِصَاصٍ وَلَا دِيَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ وَلَا قِيمَةٍ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِدَفْعِهِ وَبَيْنَ الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ وَالضَّمَانِ مُنَافَاةٌ
وَلَهُ دَفْعُ مُسْلِمٍ عن ذِمِّيٍّ وَوَالِدٍ عن وَلَدِهِ وَسَيِّدٍ عن عَبْدِهِ لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مَظْلُومُونَ
____________________
(4/166)
ودفع مَالِكٍ عن إتْلَافِ مِلْكِهِ بِإِحْرَاقٍ أو تَغْرِيقٍ أو نَحْوِهِ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ فَلَوْ كان الْمِلْكُ الذي أَرَادَ مَالِكُهُ إتْلَافَهُ حَيَوَانًا وَجَبَ دَفْعُهُ عنه لِحُرْمَتِهِ وَيَضْمَنُ جَرَّةً سَقَطَتْ عليه من عُلُوٍّ لم تَنْدَفِعْ عنه إلَّا بِكَسْرِهَا وَكَسَرَهَا إذْ لَا قَصْدَ لها بِخِلَافِ الْآدَمِيِّ وَالْبَهِيمَةِ نعم إنْ كانت مَوْضُوعَةً بِمَحَلِّ عُدْوَانٍ كَأَنْ وُضِعَتْ بِرَوْشَنٍ أو على مُعْتَدِلٍ لَكِنَّهَا مَائِلَةٌ لم يَضْمَنْهَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَوْلَى إبْدَالُ قَوْلِهِ عُدْوَانٍ بِيَضْمَنُ بِهِ ويضمن بَهِيمَةً لم تُخَلِّ جَائِعًا أَيْ لم تَتْرُكْهُ وَطَعَامَهُ بِأَنْ لم يَتَمَكَّنْ من الْوُصُولِ إلَيْهِ إلَّا بِقَتْلِهَا وَقَتَلَهَا لِأَنَّهَا لم تَقْصِدْهُ وَقَتْلُهُ لها لِدَفْعِ الْهَلَاكِ عن نَفْسِهِ بِالْجُوعِ فَكَانَ كَأَكْلِ الْمُضْطَرِّ طَعَامَ غَيْرِهِ فإنه مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ قال في الْأَصْلِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْأَصَحُّ هُنَا نَفْيَ الضَّمَانِ كما لو عَمَّ الْجَرَادُ الْمَسَالِكَ فَوَطِئَهَا الْمُحْرِمُ وَقَتَلَ بَعْضَهَا انْتَهَى وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْحَقَّ ثَمَّ لِلَّهِ وَهُنَا لِلْآدَمِيِّ فَصْلٌ وَيَجِبُ الدَّفْعُ لِلصَّائِلِ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ إنْ أَمْكَنَ كَالزَّجْرِ بِالْكَلَامِ أو الصِّيَاحِ ثُمَّ الِاسْتِغَاثَةِ بِالنَّاسِ ثُمَّ الضَّرْبِ بِالْيَدِ ثُمَّ بِالسَّوْطِ ثُمَّ بِالْعَصَا ثُمَّ بِقَطْعِ عُضْوٍ ثُمَّ بِالْقَتْلِ لِأَنَّ ذلك جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ في الْأَثْقَلِ مع إمْكَانِ تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ بِالْأَخَفِّ نعم لو الْتَحَمَ الْقِتَالُ بَيْنَهُمَا وَانْسَدَّ الْأَمْرُ عن الضَّبْطِ سَقَطَ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ كما ذَكَرَهُ الْإِمَامُ في قِتَالِ الْبُغَاةِ وَلَوْ انْدَفَعَ شَرُّهُ كَأَنْ وَقَعَ في مَاءٍ أو نَارٍ أو انْكَسَرَتْ رِجْلُهُ أو حَالَ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ أو خَنْدَقٌ لم يَضُرَّ بِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَفَائِدَةُ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ مَتَى خَالَفَ وَعَدَلَ إلَى رُتْبَةٍ مع إمْكَانِ الِاكْتِفَاءِ بِمَا دُونَهَا ضَمِنَ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَمَحَلُّ رِعَايَةِ ذلك في غَيْرِ الْفَاحِشَةِ فَلَوْ رَآهُ قد أَوْلَجَ في أَجْنَبِيَّةٍ فَلَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْقَتْلِ وَإِنْ انْدَفَعَ بِدُونِهِ فإنه في كل لَحْظَةٍ مُوَاقِعٌ لَا يُسْتَدْرَكُ بِالْأَنَاةِ قال الْبُلْقِينِيُّ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا في الْمَعْصُومِ وَأَمَّا غَيْرُهُ كَالْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ فَلَهُ الْعُدُولُ إلَى قَتْلِهِ لِعَدَمِ حُرْمَتِهِ وَإِنْ حَالَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ وَخَافَ أَنَّهُ إنْ عَبَرَهُ غَلَبَهُ فَلَهُ رَمْيُهُ وَمَنْعُهُ الْعُبُورَ وَإِنْ ضَرَبَهُ ضَرَبَهُ مَثَلًا فَهَرَبَ أو بَطَلَ صِيَالُهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ ثَانِيَةً ضَمِنَ الثَّانِيَةَ بِالْقِصَاصِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ مَاتَ مِنْهُمَا فَنِصْفُ دِيَةٍ تَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ مَاتَ بِمَضْمُونٍ وَغَيْرِهِ
فَإِنْ عَادَ بَعْدَ الضَّرْبَتَيْنِ وَصَالَ ضَرَبَهُ ثَالِثَةً فَمَاتَ من الثَّلَاثِ فَثُلُثُهَا أَيْ الدِّيَةِ تَلْزَمُهُ وَلَهُ دَفْعُ من قَصَدَهُ بِالصِّيَالِ قبل أَنْ يَضْرِبَهُ من قَصَدَهُ وَلَوْ كان يَنْدَفِعُ بِالْعَصَا فلم يَجِدْ إلَّا سَيْفًا أو سِكِّينًا ضَرَبَهُ بِهِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ إلَّا بِهِ وَلَا يُمْكِنُ نِسْبَتُهُ إلَى التَّقْصِيرِ بِتَرْكِ اسْتِصْحَابِ عَصًا وَنَحْوِهِ فَإِنْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِهِ بِلَا حَرَجٍ له فَجَرَحَ ضَمِنَ بِخِلَافِ ما إذَا لم يُمْكِنْ وَمَتَى أَمْكَنَهُ الْهَرَبُ أو التَّخَلُّصُ بِنَحْوِ تَحَصُّنٍ بِمَكَانٍ حَصِينٍ أو الْتَجَأَ إلَى فِئَةٍ لَزِمَهُ ذلك لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَخْلِيصِ نَفْسِهِ بِالْأَهْوَنِ فَالْأَهْوَنِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لو قَاتَلَهُ حِينَئِذٍ فَقَتَلَهُ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْبَغَوِيّ الْمَنْعُ فإنه قال تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ قال تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّ وُجُوبَ الْهَرَبِ إنَّمَا هو فِيمَا إذَا دَفَعَ عن نَفْسِهِ لَا عن مَالِهِ وَلَا عن حُرَمِهِ إلَّا أَنْ يُمْكِنَهُ الْهَرَبُ بِهِنَّ فَرْعٌ لو عَضَّ شَخْصٌ يَدَهُ مَثَلًا خَلَّصَهَا منه بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ من فَكِّ لَحْيٍ وَضَرْبِ فَمٍ لَا غَيْرِهِ أَيْ لَا بِغَيْرِهِ إلَّا إنْ احْتَاجَ في التَّخْلِيصِ إلَى أَنْ يَبْعَجَ أَيْ يَفْتُقَ بَطْنَهُ أو أَنْ يَخْلَعَ لَحْيَيْهِ أو أَنْ يَفْقَأَ عَيْنَيْهِ أو نَحْوَهَا فَلَهُ ذلك وَلَا يَجِبُ قبل ذلك الْإِنْذَارُ بِالْقَوْلِ كما جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فَإِنْ اخْتَلَفَا في إمْكَانِ التَّخْلِيصِ بِدُونِ ما دَفَعَ بِهِ صُدِّقَ الدَّافِعُ بِيَمِينِهِ ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ فَإِنْ عَجَزَ عن تَخْلِيصِهَا وَنَزْعِهَا فَسَقَطَتْ أَسْنَانُهُ أُهْدِرَتْ كَنَفْسِهِ وَإِنْ كان الْعَاضُّ مَظْلُومًا لِأَنَّ الْعَضَّ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ وقد أَهْدَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________
(4/167)
كما في الصَّحِيحَيْنِ ثَنِيَّةَ الْعَاضِّ وقال أَيَعَضُّ أحدكم أَخَاهُ كما يَعَضُّ الْفَحْلُ ثُمَّ إنْ كان الْمَعْضُوضُ غير مَعْصُومٍ كَمُرْتَدٍّ فَلَيْسَ له ما ذُكِرَ فَإِنْ فَعَلَ لم يُهْدَرْ الْعَاضُّ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وقولهم لَا يَجُوزُ الْعَضُّ بِحَالٍ حَمَلَهُ في الِانْتِصَارِ على ما إذَا أَمْكَنَهُ التَّخَلُّصُ بِلَا عَضٍّ وَإِلَّا فَهُوَ حَقٌّ له نَقَلَهُ عنه الْأَذْرَعِيُّ وقال إنَّهُ صَحِيحٌ فَصْلٌ لَا يَجِبُ الدَّفْعُ عن الْمَالِ غَيْرِ ذِي الرُّوحِ لِأَنَّ إبَاحَةَ الْمَالِ جَائِزَةٌ نعم إنْ كان مَالَ مَحْجُورٍ عليه أو وَقْفٍ أو مَالًا مُودَعًا وَجَبَ على من هو بيده الدَّفْعُ عنه قَالَهُ الْغَزَالِيُّ في الْإِحْيَاءِ وَكَذَا إنْ كان مَالُهُ وَتَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ كَرَهْنٍ وَإِجَارَةٍ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَيَجِبُ الدَّفْعُ عن الْحَرَمِ أَيْ النِّسَاءِ إنْ أَمِنَ الْهَلَاكَ لِأَنَّهُ لَا مَجَالَ لِلْإِبَاحَةِ فِيهِنَّ بِخِلَافِ الْمَالِ وَتَعْبِيرُهُ بِالْحَرَمِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْأَهْلِ وَالْمُرَادُ الدَّفْعُ عن الْبُضْعِ وَمُقَدِّمَاتِهِ وَكَذَا يَجِبُ الدَّفْعُ عن نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ الْمُحْتَرَمَيْنِ إنْ قَصَدَهُ كَافِرٌ وَلَوْ مَعْصُومًا إذْ غَيْرُ الْمَعْصُومِ لَا حُرْمَةَ له وَالْمَعْصُومُ بَطَلَتْ حُرْمَتُهُ بِصِيَالِهِ وَلِأَنَّ الِاسْتِسْلَامَ لِلْكَافِرِ ذُلٌّ في الدِّينِ أو بَهِيمَةٌ لِأَنَّهَا تُذْبَحُ لِاسْتِيفَاءِ الْآدَمِيِّ فَلَا وَجْهَ لِلِاسْتِسْلَامِ بها وَظَاهِرٌ أَنَّ عُضْوَهُ وَمَنْفَعَتَهُ كَنَفْسِهِ وَمَحَلُّ وُجُوبِ الدَّفْعِ عن غَيْرِهِ إذَا أُمِنَ الْهَلَاكُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لَا إنْ قَصَدَهُ مُسْلِمٌ وَلَوْ مَجْنُونًا ومُرَاهِقًا أو أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِغَيْرِ قَتْلِهِ فَلَا يَجِبُ دَفْعُهُ بَلْ يَجُوزُ الِاسْتِسْلَامُ له بَلْ يُسْتَحَبُّ كما أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ لِخَبَرِ أبي دَاوُد كُنْ خَيْرَ ابْنَيْ آدَمَ يَعْنِي قَابِيلَ وَهَابِيلَ وَلِمَنْعِ عُثْمَانَ رضي اللَّهُ عنه عُبَيْدَةَ من الدَّفْعِ يوم الدَّارِ وقال من أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ حُرٌّ وَاشْتَهَرَ ذلك في الصَّحَابَةِ ولم يُنْكِرْ عليه أَحَدٌ وَقَيَّدَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ بِمَحْقُونِ الدَّمِ لِيَخْرُجَ غَيْرُهُ كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ وَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَلَوْ ظَهَرَ في بَيْتٍ خَمْرٌ يُشْرَبُ أو طُنْبُورٌ يُضْرَبُ أو نَحْوُهُ فَلَهُ الْهُجُومُ على مُتَعَاطِيهِ لِإِزَالَتِهِ نَهْيًا عن الْمُنْكَرِ فَإِنْ لم يَنْتَهُوا فَلَهُ قِتَالُهُمْ وَإِنْ أتى على النَّفْسِ وهو مُثَابٌ على ذلك وَالْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ عَبَّرُوا هُنَا بِالْوُجُوبِ وهو لَا يُنَافِي تَعْبِيرَ الْمُصَنِّفِ كَالْأَصْحَابِ بِالْجَوَازِ إذْ ليس مُرَادُهُمْ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فيه بَلْ أَنَّهُ جَائِزٌ بَعْدَ امْتِنَاعِهِ قبل ارْتِكَابِ ذلك وهو صَادِقٌ بِالْوَاجِبِ وَيَجِبُ دَفْعُ الزَّانِي عن الْمَرْأَةِ وَلَوْ أَجْنَبِيَّةً وَهَذَا عُلِمَ من وُجُوبِ الدَّفْعِ عن الْحَرَمِ فَإِنْ انْدَفَعَ بِغَيْرِ الْقَتْلِ فَقَتَلَهُ عِبَارَةُ الْأَصْلِ ثُمَّ قَتَلَهُ اُقْتُصَّ منه لَا في قَتْلِ زَانٍ مُحْصَنٍ فَلَا يُقْتَصُّ منه كما مَرَّ في الْجِنَايَاتِ وَإِنْ لم يَنْدَفِعْ بِغَيْرِ الْقَتْلِ وَأَفْضَى الدَّفْعُ إلَى الْقَتْلِ وَطُولِبَ الْقَاتِلُ بِالْقِصَاصِ كَفَاهُ شَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ قَتَلَهُ دَفْعًا عن الْمَرْأَةِ فَإِنْ لم يَكُنْ له شُهُودٌ حَلَفَ الْوَرَثَةُ أَيْ وَرَثَةُ الْقَتِيلِ على نَفْيِ الْعِلْمِ بِمَا قَالَهُ الْقَاتِلُ وَاقْتَصُّوا منه فَإِنْ كَانُوا أَيْ الْوَرَثَةُ اثْنَيْنِ فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا وَنَكِلَ الْآخَرُ وَحَلَفَ له الْقَاتِلُ فَلِلْحَالِفِ عليه نِصْفُ الدِّيَةِ فَإِنْ كان الْآخَرُ صَبِيًّا لم يُقْتَصَّ من الْقَاتِلِ حتى يَبْلُغَ الصَّبِيُّ فَيَحْلِفَ أو يَمُوتَ فَيَحْلِفَ وَارِثُهُ ثُمَّ يُقْتَصَّ من الْقَاتِلِ فَإِنْ أَخَذَ الْبَالِغُ وهو الْحَالِفُ نِصْفَ الدِّيَةِ أَخَذَ لِلصَّبِيِّ أَيْ أَخَذَ له وَلِيُّهُ أَيْضًا فَإِنْ بَلَغَ وَحَلَفَ مُكِّنَ من التَّصَرُّفِ فِيمَا أُخِذَ له وَإِلَّا بِأَنْ نَكَلَ حَلَفَ الْقَاتِلُ فَلَا شَيْءَ له وَرُدَّ لِلْقَاتِلِ ما أُخِذَ له وَإِنْ قال الْقَاتِلُ زَنَى وهو مُحْصَنٌ
____________________
(4/168)
فَقَتَلَتْهُ اُشْتُرِطَ في ثُبُوتِ الزِّنَا أَرْبَعَةٌ كما جاء في خَبَرِ مُسْلِمٍ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ له شُهُودٌ أَرْبَعَةٌ حَلَفَ الْأَوْلِيَاءُ أَيْ وَرَثَةُ الْقَتِيلِ على نَفْيِ الْعِلْمِ بِمَا قَالَهُ الْقَائِلُ وَاقْتَصُّوا منه وَإِنْ أَقَرُّوا أَيْ الْوَرَثَةُ بِاسْتِمْتَاعٍ غَيْرِ الْجِمَاعِ كَأَنْ أَقَرُّوا أَنَّ مُوَرِّثَهُمْ كان مَعَهَا تَحْتَ ثَوْبٍ يَتَحَرَّكُ تَحَرُّكَ الْمُجَامِعِ وَأَنْزَلَ ولم يُقِرُّوا بِجِمَاعٍ لم يَسْقُطْ الْقِصَاصُ عن الدَّافِعِ فَإِنْ ادَّعَى الْوَرَثَةُ مع إقْرَارِهِمْ بِجِمَاعِهِ بَكَارَتَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ وَعَلَى الْقَاتِلِ الْبَيِّنَةُ بِالْإِحْصَانِ وَمَنْ قَطَعَ يَمِينَ السَّارِقِ أو مُحَارِبٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ اُحْتُسِبَ بِهِ عن الْحَدِّ فَلَا ضَمَانَ عليه بِقَطْعِهَا لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةُ الْإِزَالَةِ وَعُزِّرَ لِافْتِيَاتِهِ على الْإِمَامِ وَلَوْ جَلَدَ شَخْصٌ زَانِيًا أو قَاذِفًا بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ لم يُحْتَسَبْ بِهِ عن الْحَدِّ لِأَنَّ الْجَلْدَ يَخْتَلِفُ وَقْتًا وَمَحَلًّا بِخِلَافِ الْقَطْعِ وَالتَّرْجِيحُ في الثَّانِيَةِ من زِيَادَتِهِ هُنَا وَصَرَّحَ بِهِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ في بَابِ حَدِّ الْقَذْفِ فَلَوْ مَاتَ من جَلْدِهِ بِجَلْدِهِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ وَإِنْ عَاشَ أُعِيدَ عليه الْحَدُّ فَصْلٌ له أَيْ لِلشَّخْصِ رَمْيُ عَيْنِ رَجُلٍ وَكَذَا امْرَأَةٌ أو خُنْثَى أو مُرَاهِقٍ حَالَ نَظَرِهِ وَلَوْ من مَلَكَهُ إلَى امْرَأَتِهِ عِبَارَةُ أَصْلِهِ إلَى حُرْمَتِهِ في دَارِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لو اطَّلَعَ أَحَدٌ في بَيْتِك ولم تَأْذَنْ له فَحَذَفْته بِحَصَاةٍ فَفَقَأْت عَيْنَهُ ما كان عَلَيْك من جُنَاحٍ وفي رِوَايَةٍ صَحَّحَهَا ابن حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ فَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ وَالْمَعْنَى فيه الْمَنْعُ من النَّظَرِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْحُرْمَةُ مَسْتُورَةً أَمْ لَا وَلَوْ في مُنْعَطَفٍ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ وَلِأَنَّهُ يُرِيدُ سَتْرَهَا عن الْأَعْيُنِ وَإِنْ كانت مَسْتُورَةً بِثِيَابٍ وَلِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَتَى تَسْتَتِرُ وَتَنْكَشِفُ فَيَحْسِمُ بَابَ النَّظَرِ وَظَاهِرٌ أَنَّ ذلك يَثْبُتُ لِلْمَنْظُورَةِ وَإِنَّ الْأَمْرَدَ وَالْأَمَةَ كَالْمَرْأَةِ بِنَاءً على تَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَيْهِمَا وَجَازَ رَمْيُ الْمُرَاهِقِ مع أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ لِأَنَّهُ في حُرْمَةِ النَّظَرِ كَالْبَالِغِ وَالرَّمْيُ تَعْزِيرٌ وهو لَا يَخْتَصُّ بِالْمُكَاتَبِ وَلِهَذَا يَجُوزُ دَفْعُ الصَّائِلِ وَإِنْ كان صَبِيًّا أو بَهِيمَةً وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ الْأَجْنَبِيُّ فَلَيْسَ له رَمْيُ النَّاظِرِ لَا حَالَ نَظَرِهِ في مَسْجِدٍ وَشَارِعٍ فَلَيْسَ له رَمْيُ عَيْنِهِ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ وَلِأَنَّهُ الْهَاتِكُ حُرْمَتَهُ
وَكَذَا رَمْيُهُ حَالَ نَظَرِهِ إلَيْهِ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ لِمَا مَرَّ بِخِلَافِ مَسْتُورِهَا قال الْأَذْرَعِيُّ لَكِنْ أَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ جَوَازَ الرَّمْيِ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عن الْأَصْحَابِ وهو الْمُخْتَارُ الْأَقْوَى لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ في ذلك وَإِنَّمَا يَرْمِيهِ إذَا كان نَظَرُهُ من كُوَّةٍ ضَيِّقَةٍ وَشِقِّ بَابٍ مَرْدُودٍ وَكَذَا من سَطْحِهِ أَيْ النَّاظِرِ وَمَنَارَةٍ إذْ لَا تَقْصِيرَ من صَاحِبِ الدَّارِ وَيَجُوزُ له رَمْيُهُ وَلَوْ قبل إنْذَارِهِ قال الْإِمَامُ هذا إذَا لم يُفِدْ الصِّيَاحُ عليه وَنَحْوُهُ فَإِنْ كان يُفِيدُ فَلَا بُدَّ منه قبل رَمْيِهِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ قال في الْأَصْلِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْإِمَامِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُلْ ما لَا يُوثَقُ بِكَوْنِهِ دَافِعًا وَيَخَافُ من الِابْتِدَاءِ بِهِ مُبَادَرَةَ الصَّائِلِ لَا يَجِبُ الِابْتِدَاءُ بِهِ قَطْعًا وإذا جَازَ له الرَّمْيُ رَمَاهُ بِشَيْءٍ خَفِيفٍ تُقْصَدُ الْعَيْنُ بمثله كَحَصَاةٍ وَإِنْ أَعْمَاهَا لِمَا مَرَّ فَإِنْ أَصَابَ قَرِيبًا منها بِلَا قَصْدٍ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ لِقُرْبِ الْخَطَأِ منها إلَيْهِ إلَّا إنْ بَانَ الْمَرْمِيُّ أَعْمَى فَيَضْمَنُهُ الرَّامِي وَإِنْ جَهِلَ عَمَاهُ قال الْمَرْوَرُوذِيُّ وَكَذَا بَصِيرٌ في ظُلْمَةِ اللَّيْلِ لِأَنَّهُ لم يَطَّلِعْ على الْعَوْرَاتِ بِنَظَرِهِ وَلَوْ أَصَابَ ما لَا يُخْطِئُ إلَيْهِ رَامِي الْعَيْنِ بِأَنْ كان بَعِيدًا عنها ضَمِنَ لِبُعْدِ الْخَطَأِ منها إلَيْهِ وَإِنْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ يَقْتُلُ أو نُشَّابٍ أو قَصَدَ عُضْوًا آخَرَ وَلَوْ قَرِيبًا وَجَبَ الضَّمَانُ نعم لو لم يَجِدْ غير الْحَجَرِ وَالنُّشَّابِ جَازَ كَنَظِيرِهِ في الصِّيَالِ فِيمَا إذَا أَمْكَنَهُ الدَّفْعُ بِالْعَصَا ولم يَجِدْ إلَّا السَّيْفَ نَبَّهَ عليه الزَّرْكَشِيُّ وَمَحَلُّ ما ذُكِرَ في الْأَخِيرَةِ إذَا أَمْكَنَهُ رَمْيُ عَيْنِهِ
فَإِنْ لم يُمْكِنْ رَمْيُ عَيْنِهِ أو لم يَنْدَفِعْ بِرَمْيِهِ بِالْخَفِيفِ اسْتَغَاثَ عليه قال الشَّافِعِيُّ فَإِنْ لم يَكُنْ في مَحَلِّ غَوْثٍ أَحْبَبْت أَنْ يُنْشِدَهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ثُمَّ له إنْ لم يَنْدَفِعْ
____________________
(4/169)
بِالِاسْتِغَاثَةِ ضَرَبَهُ بِسِلَاحٍ وَيَنَالُهُ بِمَا يَرْدَعُهُ فَإِنْ لم يَنَلْ منه شيئا عَاقَبَهُ السُّلْطَانُ وَيَحْرُمُ رَمْيُ من لم يَقْصِدْ الِاطِّلَاعَ بِأَنْ كان مُخْطِئًا أو مَجْنُونًا أو وَقَعَ نَظَرُهُ اتِّفَاقًا وَعَلِمَ صَاحِبُ الدَّارِ الْحَالَ وَلَوْ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ فَلَوْ رَمَاهُ ثُمَّ ادَّعَى هو عَدَمَ الْقَصْدِ أو عَدَمَ الِاطِّلَاعِ لم يُصَدَّقْ فَلَا شَيْءَ على الرَّامِي لِوُجُودِ الِاطِّلَاعِ ظَاهِرًا وَقَصْدُهُ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يَطَّلِعُ عليه قال في الْأَصْلِ وَهَذَا ذَهَابٌ إلَى جَوَازِ الرَّمْيِ بَلْ تَحَقَّقَ قَصْدُهُ وفي كَلَامِ الْإِمَامِ ما يَدُلُّ على مَنْعِهِ وهو حَسَنٌ انْتَهَى
وَظَاهِرُ أَنَّ ما ذُكِرَ ليس ذَهَابًا لِذَلِكَ إذْ لَا يُمْنَعُ ذلك أَنْ يَحْتَفَّ الْأَمْرُ بِقَرَائِنَ يُعْرَفُ بها الرَّامِي قَصْدَ النَّاظِرِ فَإِنْ كان له أَيْ لِلنَّاظِرِ مَحْرَمٌ في الدَّارِ أو زَوْجَةٌ أو مَتَاعٌ لم يَرْمِ لِشُبْهَةِ النَّظَرِ فَلَوْ كانت زَوْجَةُ السَّاكِنِ في الدَّارِ مَحْرَمًا لِلنَّاظِرِ وَهِيَ مَكْشُوفَةُ الْعَوْرَةِ جَازَ الرَّمْيُ إذْ ليس له النَّظَرُ لِلْعَوْرَةِ بِخِلَافِ ما إذَا كانت مَسْتُورَةً وَلَوْ نَظَرَ من بَابٍ مَفْتُوحٍ أو كُوَّةٍ وَاسِعَةٍ لم يُرْمَ لِتَقْصِيرِ صَاحِبِ الدَّارِ إلَّا أَنْ يُنْذِرَهُ فَيَرْمِيَهُ كما صَرَّحَ بِهِ الْحَاوِي الصَّغِيرُ وَغَيْرُهُ وَيُؤْخَذُ من التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لو كان الْفَاتِحُ لِلْبَابِ هو النَّاظِرَ ولم يَتَمَكَّنْ رَبُّ الدَّارِ من إغْلَاقِهِ جَازَ الرَّمْيُ وهو ظَاهِرٌ وَلِمُسْتَأْجِرِ الدَّارِ رَمْيُ الْمَالِكِ النَّاظِرِ كَمَالِكِهَا وَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ لها ذلك لِحُرْمَةِ دُخُولِهِ لها وفي الْمُسْتَعِيرِ وَجْهَانِ صَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْهُمَا أَنَّهُ يَرْمِيهِ قال وَقَرَّبَهُ الْقَاضِي من السَّرِقَةِ وَالصَّحِيحُ فيها الْقَطْعُ فَرْعٌ له دَفْعُ من دخل دَارِهِ أو خَيْمَتَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ كما يَدْفَعُهُ عن سَائِرِ أَمْوَالِهِ وله اتِّبَاعُهُ إنْ أَخَذَ مَتَاعًا له وَقِتَالُهُ عليه إلَى أَنْ يَطْرَحَهُ وَإِنَّمَا يَدْفَعُهُ بَعْدَ الْإِنْذَارِ له كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الدَّفْعِ قال الرُّويَانِيُّ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ما ذُكِرَ في النَّظَرِ إلَى الْحُرْمَةِ بِأَنَّ رَمْيَ الْعَيْنِ مَنْصُوصٌ عليه كَقَطْعِ الْيَدِ في السَّرِقَةِ وَدَفْعِ الدَّاخِلِ مُجْتَهَدٌ فيه وَبِهَذَا يُفَرَّقُ بين ما هُنَا وما مَرَّ في تَخْلِيصِ الْيَدِ من عَاضِّهَا من حَيْثُ إنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا أَهْدَرَ ثَنِيَّةَ الْعَاضِّ بِنَزْعِ الْمَعْضُوضِ يَدَهُ من فيه لم يُفَصِّلْ بين وُجُودِ الْإِنْذَارِ وَعَدَمِهِ فَإِنْ قَتَلَهُ في دَارِهِ وقال دَفَعْتُهُ أَيْ إنَّمَا قَتَلْتُهُ دَفْعًا عن نَفْسِي أو مَالِي وَأَنْكَرَ الْوَلِيُّ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ دَفْعًا وَيَكْفِي قَوْلُهَا أَنَّهُ دخل دَارِهِ شَاهِرًا سِلَاحَهُ وَإِنْ لم تَقُلْ وَأَرَادَهُ بِالصِّيَالِ عليه لِلْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ وَلَا يَكْفِي قَوْلُهَا إنَّهُ دخل بِسِلَاحٍ من غَيْرِ شَهْرٍ نعم إنْ كان مَعْرُوفًا بِالْفَسَادِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَتِيلِ عَدَاوَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْفِيَ ذلك لِلْقَرِينَةِ كما أَشَارَ إلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَلَا يَتَعَيَّنُ ضَرْبُ رِجْلَيْهِ وَإِنْ كان الدُّخُولُ بِهِمَا لِأَنَّهُ دخل بِجَمِيعِ بَدَنِهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ قَصْدُ عُضْوٍ بِعَيْنِهِ وَلَا يَجُوزُ رَمْيُ أُذُنِ مُسْتَرِقٍ سَمْعًا فَلَوْ أَلْقَى أُذُنَهُ بِشِقِّ الْبَابِ لِيَسْمَعَ لم يَجُزْ رَمْيُهُ إذْ ليس السَّمْعُ كَالْبَصَرِ في الِاطِّلَاعِ على الْعَوْرَاتِ فَصْلٌ لو أَمْكَنَهُ الْهَرَبُ من فَحْلٍ صَائِلٍ عليه ولم يَهْرُبْ فَقَتَلَهُ دَفْعًا ضَمِنَ بِنَاءً على وُجُوبِ الْهَرَبِ عليه إذَا صَالَ عليه إنْسَانٌ وفي حِلِّ أَكْلِ لَحْمِ الْفَحْلِ الصَّائِلِ الذي تَلِفَ بِالدَّفْعِ إنْ أُصِيبَ مَذْبَحُهُ تَرَدُّدٌ أَيْ وَجْهَانِ وَجْهُ مَنْعِ الْحِلِّ أَنَّهُ لم يَقْصِدْ الذَّبْحَ وَالْأَكْلَ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالرَّاجِحُ الْحِلُّ كما دَلَّ عليه كَلَامُ الرَّافِعِيِّ في الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ وَإِنْ قَطَعَ يَدَ صَائِلٍ دَفْعًا وَوَلَّى فَتَبِعَهُ فَقَتَلَهُ قُتِلَ بِهِ لِأَنَّهُ حين وَلَّى عنه لم يَكُنْ له أَنْ يَقْتُلَهُ وَلَا شَيْءَ له في الْيَدِ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تَنْقُصُ بِنَقْصِ الْيَدِ وَلِهَذَا لو قَتَلَ من له يَدَانِ من ليس له إلَّا يَدٌ قُتِلَ بِهِ وَلَا شَيْءَ عليه وَإِنْ صَالَ عَبْدٌ مَغْصُوبٌ أو مُسْتَعَارٌ على الْمَالِكِ فَقَتَلَهُ دَفْعًا لم يَبْرَأْ كُلٌّ من الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَعِيرِ من الضَّمَانِ إذْ لَا أَثَرَ لِقَتْلِهِ دَفْعًا الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا تُتْلِفُهُ الْبَهَائِمُ
____________________
(4/170)
وَإِنْ أَرْسَلَ دَابَّتَهُ أو دَابَّةً تَحْتَ يَدِهِ كما سَيَأْتِي كَلَامُهُ في الصَّحْرَاءِ بِلَا رَاعٍ لَا طَيْرَهُ فَأَتْلَفَتْ شيئا ضَمِنَ ما أَتْلَفَتْهُ لَيْلًا لَا نَهَارًا لِتَقْصِيرِهِ بِإِرْسَالِهَا لَيْلًا بِخِلَافِهِ نَهَارًا لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ في ذلك رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ وهو وَفْقُ الْعَادَةِ في حِفْظِ الزَّرْعِ وَنَحْوِهِ نَهَارًا وَالدَّابَّةِ لَيْلًا وَإِنَّمَا لم يَضْمَنْ في الطَّيْرِ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِإِرْسَالِهِ وَلَوْ تَعَوَّدُوا أَيْ أَهْلُ الْبَلَدِ الْإِرْسَالَ لِلْبَهَائِمِ أو الْحِفْظَ لِلزَّرْعِ لَيْلًا دُونَ النَّهَارِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ فَيَضْمَنُ مُرْسِلُهَا ما أَتْلَفَتْهُ نَهَارًا لَا لَيْلًا اتِّبَاعًا لِمَعْنَى الْخَبَرِ وَلِلْعَادَةِ من ذلك يُؤْخَذُ ما بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ لو جَرَتْ عَادَةُ بَلَدٍ بِحِفْظِهَا لَيْلًا وَنَهَارًا ضَمِنَ مُرْسِلُهَا ما أَتْلَفَتْهُ مُطْلَقًا وَإِنْ كان لِلْمَزَارِعِ وَالْبَسَاتِينِ إغْلَاقٌ لم يَضْمَنْ مُرْسِلُهَا ما أَتْلَفَتْهُ منها إنْ تُرِكَتْ مَفْتُوحَةً وَلَوْ لَيْلًا لِأَنَّ مَالِكَ ما أَتْلَفَتْهُ هو الْمُضَيِّعُ لِمَالِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِاعْتِبَارِ الْغَلْقِ في الْمَزَارِعِ من زِيَادَتِهِ
وَلَوْ كان الْمَرْعَى بَعِيدًا عن الْمَزَارِعِ وَفُرِضَ انْتِشَارٌ لِلْبَهَائِمِ إلَى أَطْرَافِ الْمَزَارِعِ فَلَا ضَمَانَ على مُرْسِلِهَا لِمَا أَتْلَفَتْهُ مُطْلَقًا لِانْتِفَاءِ تَقْصِيرِهِ وَإِنْ كان الْمَرْعَى بين الْمَزَارِعِ ضَمِنَ ما أَتْلَفَتْهُ لَيْلًا وَكَذَا نَهَارًا إلَّا إنْ تَعَوَّدُوا إرْسَالَهَا بِلَا رَاعٍ فَلَا يَضْمَنُهُ لِانْتِفَاءِ تَقْصِيرِهِ وَإِنْ رَبَطَهَا لَيْلًا فَانْفَلَتَتْ بِغَيْرِ تَقْصِيرٍ منه كَأَنْ انْهَدَمَ الْجِدَارُ أو فَتَحَ الْبَابَ لِصٌّ أو قَطَعَتْ حَبْلَهَا لم يَضْمَنْ ما أَتْلَفَتْهُ مُطْلَقًا لِذَلِكَ وَكَذَا لَا يَضْمَنُهُ لو قَصَّرَ وَحَضَرَ صَاحِبُ الزَّرْعِ وَقَدَرَ على تَنْفِيرِهَا ولم يُنَفِّرْهَا لِأَنَّهُ الْمُضَيِّعُ لِمَالِهِ وَإِنْ نَفَّرَ شَخْصٌ دَابَّةً مُسَيَّبَةً عن زَرْعِهِ فَوْقَ قَدْرِ الْحَاجَةِ ضَمِنَهَا أَيْ دَخَلَتْ في ضَمَانِهِ كما لو أَلْقَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا في حِجْرِهِ أو جَرَّ السَّيْلُ حَبًّا فَأَلْقَاهُ في مِلْكِهِ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ وَتَضْيِيعُهُ بَلْ يَدْفَعُهُ لِمَالِكِهِ فَيَنْبَغِي إذَا نَفَّرَهَا أَنْ لَا يُبَالِغَ في إبْعَادِهَا بَلْ يَقْتَصِرُ على قَدْرِ الْحَاجَةِ وهو الْقَدْرُ الذي يَعْلَمُ أنها لَا تَعُودُ منه إلَى زَرْعِهِ قَالَهُ الْمَرْوَرُوذِيُّ وَإِنْ أَخْرَجَهَا عن زَرْعِهِ إلَى زَرْعِ غَيْرِهِ فَأَتْلَفَتْهُ ضَمِنَهُ إذْ ليس له أَنْ يَقِيَ مَالَهُ بِمَالِ غَيْرِهِ فَإِنْ لم يَكُنْ إلَّا ذلك بِأَنْ كانت مَحْفُوفَةً بِمَزَارِعِ الناس ولم يُمْكِنْ إخْرَاجُهَا إلَّا بِإِدْخَالِهَا مَزْرَعَةَ غَيْرِهِ تَرَكَهَا في زَرْعِهِ وَغَرَّمَ صَاحِبَهَا ما أَتْلَفَتْهُ وَإِنْ أَرْسَلَهَا في الْبَلَدِ ضَمِنَ ما أَتْلَفَتْهُ لِمُخَالَفَةِ الْعَادَةِ وَرَبَطَ الدَّوَابَّ في الطَّرِيقِ وَلَوْ على دَارِ الرَّابِطِ يَضْمَنُ رَابِطُهَا ما أَتْلَفَتْهُ سَوَاءٌ أَضَاقَ الطَّرِيقُ أَمْ اتَّسَعَ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ بِهِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ كَإِشْرَاعِ الْجَنَاحِ نعم إنْ رَبَطَهَا في الْمُتَّسَعِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ لم يَضْمَنْ كما لو حَفَرَ بِئْرًا فيه لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ قَالَهُ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ لَا رَبَطَهَا في الْمِلْكِ أَيْ مِلْكِ الرَّابِطِ وَالْمَوَاتِ فَلَا يَضْمَنُ رَابِطُهَا ما أَتْلَفَتْهُ في غَيْبَتِهِ وَذُو الْيَدِ عليها وَإِنْ كان غَاصِبًا يَضْمَنُ ما تُتْلِفُهُ الدَّابَّةُ بِحُضُورِهِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَتْلَفَتْهُ لَيْلًا أَمْ نَهَارًا سَائِقًا كان أو قَائِدًا أو رَاكِبًا أَتْلَفَتْهُ بِيَدِهَا أو رِجْلِهَا أو غَيْرِهِمَا لِأَنَّهَا تَحْتَ يَدِهِ وَعَلَيْهِ حِفْظُهَا فَإِنْ حَضَرَ هَا سَائِقٌ وَقَائِدٌ فَنِصْفَانِ أَيْ فَالضَّمَانُ نِصْفَانِ لِأَنَّهَا تَحْتَ يَدِهِمَا وَيَضْمَنُ الرَّاكِبُ دُونَهُمَا إذَا حَضَرُوهَا لِأَنَّ الْيَدَ له خَاصَّةً وَقِيلَ يَضْمَنُونَ أَثْلَاثًا
____________________
(4/171)
وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَلَوْ نَخَسَ الدَّابَّةَ شَخْصٌ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاكِبِ ضَمِنَ ما أَتْلَفَتْهُ لِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ أو بِإِذْنِهِ ضَمِنَ الرَّاكِبُ لِأَنَّهُ الْحَامِلُ على النَّخْسِ وقد مَرَّ بَيَانُ ذلك في الْبَابِ الرَّابِعِ في مُوجِبِ الدِّيَةِ وَكَالرَّاكِبِ السَّائِقُ وَالْقَائِدُ وَإِنْ غَلَبَ الْمَرْكُوبُ مُسَيِّرَهُ فَانْفَلَتَ منه وَأَتْلَفَ شيئا لم يَضْمَنْ لِخُرُوجِهِ من يَدِهِ وَإِنْ كان يَدُهُ عليها وَأَمْسَكَ لِجَامَهَا فَرَكِبَتْ رَأْسَهَا فَهَلْ يَضْمَنُ ما أَتْلَفَتْهُ لِأَنَّ من حَقِّهِ أَنْ يَضْبِطَ مَرْكُوبَهُ أو لَا يَرْكَبَ ما لَا يَضْبِطُهُ أو لَا يَضْمَنُ لِخُرُوجِ الْأَمْرِ عن اخْتِيَارِهِ قَوْلَانِ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ في مَسْأَلَةِ اصْطِدَامِ الرَّاكِبَيْنِ تَرْجِيحُ الضَّمَانِ نَبَّهَ عليه الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ قال الْإِمَامُ وَمَنْ رَكِبَ الدَّابَّةَ الصَّعْبَةَ التي لَا تَنْضَبِطُ بِالْكَجِّ وَالتَّرْدِيدِ في مَعَاطِفِ اللِّجَامِ أو سَاقَ الْإِبِلَ غير مَقْطُورَةٍ في الْأَسْوَاقِ فِيهِمَا ضَمِنَ ما أَتْلَفَتْهُ لِتَقْصِيرِهِ بِذَلِكَ وما فَسَدَ بِرَوْثِ أو بَوْلِ الدَّابَّةِ السَّائِرَةِ في الطَّرِيقِ وَلَوْ وَقَفَتْ حين رَوْثِهَا أو بَوْلِهَا أو بِرَشَاشِهَا الْحَاصِلِ من وَحْلٍ أو غُبَارٍ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ كان الطَّرِيقُ ضَيِّقًا لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عن ذلك وَلَا سَبِيلَ إلَى الْمَنْعِ من الطُّرُوقِ كَذَا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ هُنَا وَخَالَفَاهُ في كِتَابِ الْحَجِّ فَجَزَمَا فيه بِالضَّمَانِ وَنَصَّ عليه في الْأُمُّ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ بِالطَّرِيقِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ كما مَرَّ وَهَذَا ما عليه الْأَصْحَابُ وَالْأَوَّلُ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ جَزَمَ بِهِ هُنَا لَكِنَّهُ بَيَّنَ في الدِّيَاتِ أَنَّهُ احْتِمَالٌ وَأَنَّ الْأَصْحَابَ على الضَّمَانِ وَمِنْ هُنَا قال الْبُلْقِينِيُّ عَدَمُ الضَّمَانِ فِيمَا تَلِفَ بِرَكْضٍ مُعْتَادٍ بَحْثٌ لِلْإِمَامِ بَنَاهُ على احْتِمَالِهِ الْمَذْكُورِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ الضَّمَانُ وَإِطْلَاقُ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ قَاضِيَةٌ بِهِ نعم إنْ رَكَضَ خِلَافَ الْعَادَةِ فَرَسَهُ أو نَحْوَهَا بِوَحْلٍ وَنَحْوِهِ ضَمِنَ ما أَتْلَفَتْهُ أو رَكَضَهَا كَالْعَادَةِ فَطَارَتْ حَصَاةٌ لِعَيْنِ إنْسَانٍ لم يَضْمَنْ وَأَفَادَ قَوْلُهُ كَالْعَادَةِ أَنَّ ذلك مَحَلُّهُ إذَا كان الْمَوْضِعُ مَوْضِعَ رَكْضٍ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هذا التَّفْصِيلَ إنَّمَا يَأْتِي على طَرِيقَةِ الْإِمَامِ أَمَّا على طَرِيقَةِ الْجُمْهُورِ فَيَضْمَنُ في الْحَالَيْنِ وَالسَّائِرُ بِالْحَطَبِ على دَابَّةٍ أو غَيْرِهَا يَضْمَنُ الْجِدَارَاتِ إذَا تَلِفَتْ بِهِ نعم لو كانت مُسْتَحَقَّةَ الْهَدْمِ ولم يَتْلَفْ شَيْءٌ من الْآلَةِ لم يَضْمَنْهَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَكَذَا يَضْمَنُ ما يُتْلِفُهُ الْحَطَبُ من نَفْسٍ وَمَالٍ إنْ كان ثُمَّ زِحَامٌ كَأَنْ يَكُونَ بِسُوقٍ لِتَوَلُّدِ ذلك بِسَبَبِهِ سَوَاءٌ كان الْمُتْلَفُ مُقْبِلًا أُمّ مُدْبِرًا وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ ثَمَّ زِحَامٌ ضَمِنَ مُدْبِرًا وأعمى وَلَوْ مُقْبِلًا إذَا تَلِفَ بِذَلِكَ ولم يُنَبِّهْهُمَا لِتَقْصِيرِهِ بِخِلَافِ ما لو كان مُقْبِلًا بَصِيرًا أو مُدْبِرًا أو أَعْمَى وَنَبَّهَهُمَا فلم يَحْتَرِزَا وَيَلْحَقُ بِالْأَعْمَى مَعْصُوبُ الْعَيْنِ لِرَمَدٍ وَنَحْوِهِ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَأَلْحَقَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ بِمَا إذَا لم يُنَبِّهْهُ ما لو كان أَصَمَّ وَقَيَّدَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْبَصِيرَ الْمُقْبِلَ بِمَا إذَا وَجَدَ مُنْحَرَفًا وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا لم يَجِدْهُ لِضِيقٍ وَعَدَمِ عَطْفَةٍ يَضْمَنُ لِأَنَّهُ في مَعْنَى الزِّحَامِ نَبَّهَ عليه الزَّرْكَشِيُّ قال وَلَوْ دخل السُّوقَ في غَيْرِ وَقْتِ الزِّحَامِ فَحَدَثَ الزِّحَامُ فَالْمُتَّجَهُ إلْحَاقُهُ بِمَا إذَا لم يَكُنْ زِحَامٌ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ كما لو حَدَثَتْ الرِّيحُ وَأَخْرَجَتْ الْمَالَ من النَّقْبِ لَا قَطْعَ فيه بِخِلَافِ تَعْرِيضِهِ لِلرِّيحِ الْهَابَّةِ وَإِنْ تَعَلَّقَ الْحَطَبُ بِثَوْبِهِ فَجَذَبَهُ أَيْضًا فَنِصْفُ الضَّمَانِ على صَاحِبِ الْحَطَبِ كَلَاحِقٍ وَطِئَ مَدَاسَ سَابِقٍ فَانْقَطَعَ فإنه يَلْزَمُهُ نِصْفُ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ انْقَطَعَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ السَّابِقِ قال في الْأَصْلِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ انْقَطَعَ مُؤَخَّرَا مَدَاسُ السَّابِقِ
____________________
(4/172)
فَالضَّمَانُ على اللَّاحِقِ أو مُقَدَّمُ مَدَاسِ اللَّاحِقِ فَلَا ضَمَانَ على السَّابِقِ وَلَوْ تَعَوَّدَتْ الْهِرَّةُ الْإِتْلَافَ بِأَنْ عُهِدَ منها ذلك ضَمِنَ مَالِكُهَا ما أَتْلَفَتْهُ لَيْلًا أو نَهَارًا إلَّا مِثْلَهَا يَنْبَغِي رَبْطُهُ وَكَفُّ شَرِّهِ وَقَوْلُهُ مَالِكُهَا مِثَالٌ وَالْمُرَادُ من يَأْوِيهَا وَكَذَا كُلُّ حَيَوَانٍ عَادَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ وَلَا ضَمَانَ لِمَا أَتْلَفَتْهُ إنْ لم تَعْتَدْ ذلك إذْ الْعَادَةُ حِفْظُ الطَّعَامِ عنها لَا رَبْطُهَا وَلَوْ هَلَكَتْ في الدَّفْعِ عن حَمَامٍ وَنَحْوِهِ فَهَدَرٌ لِصِيَالِهَا وَلَوْ أَخَذَتْ حَمَامَةً وَهِيَ حَيَّةٌ جَازَ فَتْلُ أُذُنِهَا وَضَرْبُ فَمِهَا لِتُرْسِلَهَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَا تُقْتَلُ سَاكِنَةٌ وَلَوْ ضَارِيَةً لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ عن شَرِّهَا وَلَيْسَتْ الضَّارِيَةُ كَالْفَوَاسِقِ لِأَنَّ ضَرَاوَتَهَا عَارِضَةٌ وَإِنْ كان بِدَارِهِ كَلْبٌ عَقُورٌ أو دَابَّةٌ رَمُوحٌ وَدَخَلَ هَا رَجُلٌ بِإِذْنِهِ ولم يُعْلِمْهُ بِحَالِ الْكَلْبِ أو الدَّابَّةِ فَعَضَّهُ الْكَلْبُ أو رَمَحَتْهُ الدَّابَّةُ ضَمِنَ وَإِنْ كان الدَّاخِلُ بَصِيرًا كما لو وَضَعَ بين يَدَيْهِ طَعَامًا مَسْمُومًا وَهَذَا لَا يُخَالِفُ ما مَرَّ في آخِرِ الطَّرَفِ الثَّالِثِ من الْجِنَايَاتِ حَيْثُ جَزَمَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ لِأَنَّ ما هُنَا في كَلْبِ الدَّارِ وما هُنَاكَ في كَلْبٍ رَبَطَهُ مَالِكُهَا على بَابِهَا وَعَلَّلُوهُ ثَمَّ بِأَنَّهُ ظَاهِرٌ يُمْكِنُ دَفْعُهُ أو دَخَلَهَا بِلَا إذْنٍ أو أَعْلَمَهُ بِالْحَالِ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ في هَلَاكِ نَفْسِهِ وَالْفَوَاسِقُ الْخَمْسُ لَا تُعْصَمُ وَلَا تُمْلَكُ وَلَا أَثَرَ لِلْيَدِ فيها بِاخْتِصَاصٍ لِعَدَمِ احْتِرَامِهَا لِلْأَمْرِ بِقَتْلِهَا وَأَلْحَقَ بها الْإِمَامُ الْمُؤْذِيَاتِ بِطِبَاعِهَا كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ فَصْلٌ الْمُودَعُ وَالْمُسْتَأْجِرُ لِلْحِفْظِ كَالْمَالِكِ في أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَضْمَنُ ما أَتْلَفَتْهُ الدَّابَّةُ في يَدِهِ بِلَا إرْسَالٍ لَيْلًا وَنَهَارًا وَبِإِرْسَالٍ لَيْلًا وَنَهَارًا وَهَذَا الْأَخِيرُ هو ما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ تَفَقُّهًا بَعْدَ نَقْلِهِ عن إطْلَاقِ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ يَضْمَنُ ما أَتْلَفَتْهُ لَيْلًا وَنَهَارًا وَمَنْ أَلْقَتْ الرِّيحُ في حِجْرِهِ ثَوْبًا مَثَلًا فَأَلْقَاهُ ضَمِنَهُ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ عليه مِمَّا ذُكِرَ بِقَوْلِهِ فَلْيُسْلِمْهُ إلَى الْمَالِكِ وَلَوْ إلَى نَائِبِهِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَجِدْهُ فَالْحَاكِمُ وَكَذَا يَجِبُ على الشَّخْصِ رَدُّ دَابَّةٍ دَخَلَتْ مِلْكَهُ إلَى مَالِكِهَا فَإِنْ لم يَجِدْهُ فَإِلَى الْحَاكِمِ إلَّا إنْ كان الْمَالِكُ هو الذي سَيَّبَهَا فَلْيُحْمَلْ قَوْلُهُمْ فِيمَا مَرَّ أَخْرَجَهَا من زَرْعِهِ إنْ لم يَكُنْ زَرْعُهُ مَحْفُوفًا بِزَرْعِ غَيْرِهِ على ما سَيَّبَهُ الْأَوْضَحُ سَيَّبَهَا الْمَالِكُ وَإِلَّا بِأَنْ لم يُسَيِّبْهَا فَيَضْمَنُ هَا الْمُخْرِجُ لها إذْ حَقُّهُ أَنْ يُسَلِّمَهَا لِمَالِكِهَا فَإِنْ لم يَجِدْ فَإِلَى الْحَاكِمِ وَلَوْ سَقَطَ شَيْءٌ من سَطْحِ غَيْرِهِ يُرِيدُ أَنْ يَقَعَ في مِلْكِهِ فَدَفَعَهُ في الْهَوَاءِ حتى وَقَعَ خَارِجَ مِلْكِهِ لم يَضْمَنْ قَالَهُ الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ وَلَا يَضْمَنُ صَاحِبُ الدَّابَّةِ ما أَتْلَفَتْهُ إنْ قَصَّرَ صَاحِبُ الزَّرْعِ وَنَحْوُهُ في حِفْظِ مُعْتَادٍ لِأَنَّهُ الْمُضَيِّعُ لِمَالِهِ وَهَذَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ في قَوْلِهِ وَكَذَا لو قَصَّرَ وَحَضَرَ صَاحِبُ الزَّرْعِ ولم يُنَفِّرْهَا وَيَدْفَعُهَا صَاحِبُ الزَّرْعِ عن الزَّرْعِ دَفْعَ الصَّائِلِ فَإِنْ تَنَحَّتْ عنه لم يَجُزْ إخْرَاجُهَا عن مِلْكِهِ لِأَنَّ شُغْلَهَا مَكَانُهُ وَإِنْ كان فيه ضَرَرٌ عليه لَا يُبِيحُ إضَاعَةَ مَالِ غَيْرِهِ وَإِنْ حَمَلَ مَتَاعَهُ في مَفَازَةٍ على دَابَّةِ رَجُلٍ بِلَا إذْنٍ منه وَغَابَ فَأَلْقَاهُ الرَّجُلُ عنها فَضَاعَ أو أَدْخَلَ دَابَّتَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ بِلَا إذْنٍ منه فَأَخْرَجَهَا من زَرْعِهِ فَوْقَ قَدْرِ الْحَاجَةِ فَضَاعَتْ فَفِي الضَّمَانِ عليه لَهُمَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا لِتَعَدِّي الْمَالِكِ وَالثَّانِي وهو الْأَوْجَهُ نعم لِتَعَدِّي الْفَاعِلِ
____________________
(4/173)
بِالتَّضْيِيعِ وَإِنْ دَخَلَتْ بَقَرَةٌ مَثَلًا مُسَيِّبَةٌ مِلْكَهُ فَأَخْرَجَهَا من مَوْضِعٍ يُعْسَرُ عليها الْخُرُوجُ منه فَتَلِفَتْ ضَمِنَ هَا وَإِنْ دَخَلَتْ دَابَّةٌ مِلْكَهُ فَرَمَحَتْهُ فَمَاتَ فَكَإِتْلَافِهَا زَرْعَهُ في الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ فَيُفَرَّقُ بين اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالدِّيَةُ إنْ وَجَبَتْ تَكُونُ على عَاقِلَةِ مَالِكِهَا أَيْ الدَّابَّةِ كَحَفْرِ الْبِئْرِ وَإِنْ ضَرَبَ شَجَرَةً في مِلْكِهِ لِيَقْطَعَهَا وَعَلِمَ أنها إذَا سَقَطَتْ تَسْقُطُ على غَافِلٍ عن ذلك من النُّظَّارِ ولم يُعْلِمْهُ الْقَاطِعُ بِهِ فَسَقَطَتْ عليه فَأَتْلَفَتْهُ ضَمِنَ ه وَإِنْ دخل مِلْكَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِلَّا بِأَنْ يَعْلَمَ الْقَاطِعُ بِذَلِكَ أو عَلِمَ بِهِ وَعَلِمَ بِهِ النَّاظِرُ أَيْضًا أو لم يَعْلَمْ بِهِ لَكِنْ أَعْلَمَهُ الْقَاطِعُ بِهِ أو لم يَعْلَمَا بِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ إذْ لَا تَقْصِيرَ منه وَلَوْ رَكِبَ صَبِيٌّ أو بَالِغٌ دَابَّةَ رَجُلٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَغَلَبَتْهُ الدَّابَّةُ وَأَتْلَفَتْ شيئا فَعَلَى الرَّاكِبِ الضَّمَانُ بِخِلَافِ ما لو رَكِبَ الْمَالِكُ فَغَلَبَتْهُ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ في قَوْلِهِ كما مَرَّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وإذا نَدَّ بَعِيرٌ من مَالِكِهِ فَأَتْلَفَ شيئا أو تَفَرَّقَتْ الْغَنَمُ على الرَّاعِي لِرِيحٍ هَاجَتْ وَأَظْلَمَتْ أَيْ وَأَظْلَمَ النَّهَارُ بها فَأَتْلَفَتْ الْمَزَارِعَ لم يَضْمَنْ كُلٌّ من الْمَالِكِ وَالرَّاعِي ما أَتْلَفَتْهُ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ وَبِهَذَا فَارَقَ ما أَتْلَفَتْهُ الدَّابَّةُ التي غَلَبَتْ رَاكِبَهَا حَيْثُ يَضْمَنُ كما مَرَّ وَإِنْ تَفَرَّقَتْ لِنَوْمِهِ أو غَفْلَتِهِ عنها فَأَتْلَفَتْ ذلك ضَمِنَ لِتَقْصِيرِهِ وَذِكْرُ الْغَفْلَةِ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ رَدَّ دَابَّةً بِغَيْرِ إذْنٍ وَهِيَ تَحْتَ يَدِهِ فَأَتْلَفَتْ في رُجُوعِهَا شيئا ضَمِنَهُ لِذَلِكَ وَهَذِهِ تَقَدَّمَتْ في الْبَابِ الرَّابِعِ في مُوجِبِ الدِّيَةِ وَإِنْ سَقَطَ هو أو مَرْكُوبُهُ مَيِّتًا على شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ سَقَطَ طِفْلٌ على شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ لِأَنَّ لِلطِّفْلِ فِعْلًا بِخِلَافِ الْمَيِّتِ وَإِنْ حَلَّ قَيْدَ دَابَّةِ غَيْرِهِ لم يَضْمَنْ ما أَتْلَفَتْ كما لو أَبْطَلَ الْحِرْزَ فَأُخِذَ الْمَالُ وَكَذَا لو سَقَطَتْ دَابَّةٌ في وَهْدَةٍ فَنَفَرَ من سَقَطْتهَا بَعِيرٌ وَتَلِفَ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ أَتْلَفَتْ الدَّابَّةُ الْمُسْتَعَارَةُ وَكَذَا الْمَبِيعَةُ قبل الْقَبْضِ لها زَرْعًا مَثَلًا لِمَالِكِهَا ضَمِنَ هَا الْمُسْتَعِيرُ وَالْبَائِعُ لِأَنَّهَا في يَدِهِمَا وَأَتْلَفَتْ مِلْكَ غَيْرِهِمَا فَإِنْ كان الزَّرْعُ لِلْبَائِعِ لم يَضْمَنْهُ وَإِنْ كان ثَمَنًا لِلدَّابَّةِ لِأَنَّهَا أَتْلَفَتْ مِلْكَهُ وَيَصِيرُ قَابِضًا لِلثَّمَنِ بِذَلِكَ كما مَرَّ في مَحَلِّهِ وَإِنْ تَنَخَّمَ في مَمَرِّ حَمَّامٍ فَزَلَقَ بها أَيْ بِنُخَامَتِهِ رَجُلٌ فَتَلِفَ ضَمِنَ ه كِتَابُ السِّيَرِ جَمْعُ سِيرَةٍ وَهِيَ الطَّرِيقَةُ وَالْمَقْصُودُ منها أَصَالَةً الْجِهَادُ الْمُتَلَقَّى تَفْصِيلُهُ من سِيَرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في غَزَوَاتِهِ فَلِهَذَا تَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ كَكَثِيرٍ بها وَبَعْضُهُمْ بِالْجِهَادِ وَبَعْضُهُمْ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَالْأَصْلُ فيه قبل الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَخَبَرِ مُسْلِمٍ لَغَدْوَةٌ أو رَوْحَةٌ في سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ من الدُّنْيَا وما فيها وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ في فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ وَفِيهِ أَطْرَافٌ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ في مُقَدَّمَاتٍ لِفُرُوضِ الْكِفَايَةِ أَوَّلُ ما فُرِضَ بَعْدَ الْإِنْذَارِ وَالدُّعَاءِ إلَى التَّوْحِيدِ من قِيَامِ اللَّيْلِ ما ذُكِرَ في أَوَّلِ سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ ثُمَّ نُسِخَ بِمَا في آخِرِهَا ثُمَّ نُسِخَ بِا لصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَيْ بِإِيجَابِهَا لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ بِمَكَّةَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ بِعَشْرِ سِنِينَ وَثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ من رَجَبٍ كَذَا في الرَّوْضَةِ وَخَالَفَهُ في فَتَاوِيه فقال بَعْدَ النُّبُوَّةِ بِخَمْسٍ أو سِتٍّ وَقِيلَ غَيْرُ ذلك وَجَعَلَ اللَّيْلَةَ من رَبِيعِ الْأَوَّلِ وَخَالَفَهُمَا مَعًا في شَرْحِ مُسْلِمٍ فَجَزَمَ بِأَنَّهَا من رَبِيعِ الْآخَرِ وَقَلَّدَ فيها الْقَاضِي عِيَاضٌ نَبَّهَ على ذلك الْإِسْنَوِيُّ ثُمَّ أَمَرَ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالصَّلَاةِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مُدَّةَ إقَامَتِهِ بِمَكَّةَ وَبَعْدَ الْهِجْرَةِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أو سَبْعَةَ عَشَرَ وَإِلَّا نُسِبَ بِكَلَامِ أَصْلِهِ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ نُسِخَ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ إذْ لم يَثْبُتْ تَرْتِيبٌ بين النَّسْخِ بِذَلِكَ وَبَيْنَ الصَّلَاةَ إلَى
____________________
(4/174)
بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ أُمِرَ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ ثُمَّ فُرِضَ الصَّوْمُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسَنَتَيْنِ تَقْرِيبًا وفرضت الزَّكَاةُ بَعْدَ الصَّوْمِ وَقِيلَ قَبْلَهُ ثُمَّ فُرِضَ الْحَجُّ سَنَةَ سِتٍّ وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسٍ ولم يَحُجَّ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْدَ الْهِجْرَةِ إلَّا حَجَّةَ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ وَاعْتَمَرَ أَرْبَعًا
وَمَنَعَ أُمَّتَهُ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ من قِتَالِ الْكُفَّارِ وَأُمِرُوا بِالصَّبْرِ على أَذَاهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لَتُبْلَوُنَّ في أَمْوَالِكُمْ الْآيَةَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ إذَا اُبْتُدِئُوا بِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَقَاتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ثُمَّ أُبِيحَ له ابْتِدَاؤُهُ في غَيْرِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ بِقَوْلِهِ فإذا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ الْآيَةَ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ مُطْلَقًا من غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِشَرْطٍ وَلَا زَمَانٍ بِقَوْلِهِ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ
وما عَبَدَ صَنَمًا قَطُّ قال الرَّافِعِيُّ وَرَوَوْا أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ما كَفَرَ بِاَللَّهِ نَبِيٌّ قَطُّ انْتَهَى وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ إجْمَاعًا قال في الرَّوْضَةِ وَاخْتَلَفُوا في أَنَّهُ هل كان قبل النُّبُوَّةِ يَتَعَبَّدُ على دِينِ إبْرَاهِيمَ أَمْ نُوحٍ أَمْ مُوسَى أَمْ عِيسَى أَمْ لم يَلْتَزِمْ دِينَ أَحَدٍ منهم وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُجْزَمُ في ذلك بِشَيْءٍ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ ا ه وَصَحَّحَ الْوَاحِدِيُّ الْأَوَّلَ وَعَزَى إلَى الشَّافِعِيِّ وَاقْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ على نَقْلِهِ عن صَاحِبِ الْبَيَانِ
وَالْأَنْبِيَاءُ مَعْصُومُونَ قبل النُّبُوَّةِ من الْكُفْرِ وفي عِصْمَتِهِمْ قَبْلَهَا من الْمَعَاصِي خِلَافٌ وهم مَعْصُومُونَ بَعْدَهَا من الْكَبَائِرِ وَمِنْ كل ما يُزْرِي بِالْمُرُوءَةِ وَكَذَا من الصَّغَائِرِ وَلَوْ سَهْوًا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ لِكَرَامَتِهِمْ على اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُمْ شَيْءٌ منها وَتَأَوَّلُوا الظَّوَاهِرَ الْوَارِدَةَ فيها وَجَوَّزَ الْأَكْثَرُونَ صُدُورَهَا عَنْهُمْ سَهْوًا إلَّا الدَّالَّةَ على الْخِسَّةِ كَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ
وَشَرْعُ من قَبْلَنَا ليس بِشَرْعٍ لنا وَإِنْ لم يَرِدْ شَرْعُنَا بِنَسْخِ ذلك الْحُكْمِ
قال في الرَّوْضَةِ وَبُعِثَ وَلَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَأَقَامَ بِمَكَّةَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ ثَلَاثَ عَشَرَةَ سَنَةً على الصَّحِيحِ فِيهِمَا ثُمَّ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ فَأَقَامَ بها عَشْرًا بِالْإِجْمَاعِ وَدَخَلَهَا ضُحَى يَوْمِ الِاثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ من شَهْرِ رَبِيعِ الْأَوَّلِ وَتُوُفِّيَ ضُحَى يَوْمِ الِاثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ من شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إحْدَى عَشْرَةَ من الْهِجْرَةِ
الطَّرَفُ الثَّانِي في وُجُوبِ الْجِهَادِ وهو فَرْضُ كِفَايَةٍ لَا فَرْضُ عَيْنٍ وَإِلَّا لَتَعَطَّلَ الْمَعَاشُ وقد قال تَعَالَى لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤْمِنِينَ الْآيَةَ ذَكَرَ فَضْلَ الْمُجَاهِدِينَ على الْقَاعِدِينَ وَوَعَدَ كُلًّا الْحُسْنَى وَالْعَاصِي لَا يُوعَدُ بها وفي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ من جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا وَمِنْ خَلَفَهُ في أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا فَلَوْ عُطِّلَ الْجِهَادُ بِأَنْ امْتَنَعَ كُلُّ
____________________
(4/175)
الْمُسْلِمِينَ منه أَثِمَ كُلُّ من لَا عُذْرَ له من الْأَعْذَارِ الْآتِي بَيَانُهَا كَتَرْكِ سَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ
وَإِنْ جَاهَدَ من فيه كِفَايَةٌ سَقَطَ الْفَرْضُ عن الْبَاقِينَ وَتَحْصُلُ الْكِفَايَةُ بِأَنْ يَشْحَنَ الْإِمَامُ الثُّغُورَ بِمُكَافِئِينَ لِلْكُفَّارِ مع إحْكَامِ الْحُصُونِ وحفر الْخَنَادِقِ وَنَحْوِهَا وَتَقْلِيدِ الْأُمَرَاءِ بِأَنْ يُرَتِّبَ في كل نَاحِيَةٍ أَمِيرًا كَافِيًا يُقَلِّدُهُ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ من الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ أو بِأَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ أو نَائِبُهُ دَارَ الْكُفْرِ بِالْجُيُوشِ لِقِتَالِهِمْ
وَأَقَلُّهُ أَيْ الْجِهَادِ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ في السَّنَةِ كَإِحْيَاءِ الْكَعْبَةِ وَلِفِعْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم له مُنْذُ أُمِرَ بِهِ كُلَّ سَنَةٍ فَكَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى في الثَّانِيَةِ وَأُحُدٍ ثُمَّ بَدْرٍ الصُّغْرَى ثُمَّ بَنِي النَّضِيرِ في الثَّالِثَةِ وَالْخَنْدَقِ في الرَّابِعَةِ وَذَاتِ الرِّقَاعِ ثُمَّ دُومَةِ الْجَنْدَلِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ في الْخَامِسَةِ وَالْحُدَيْبِيَةِ وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ في السَّادِسَةِ وَخَيْبَرَ في السَّابِعَةِ وَمُؤْتَةَ وَذَاتِ السَّلَاسِلِ وَفَتْحِ مَكَّةَ وَحُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ في الثَّامِنَةِ وَتَبُوكَ في التَّاسِعَةِ على خِلَافٍ في بَعْضِ ذلك جَرَى عليه الرَّافِعِيُّ وَتَبِعْته عليه في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ لِكَفِّ الْقِتَالِ وإنَّمَا تُؤْخَذُ في كل سَنَةٍ مَرَّةً وَكَذَا سَهْمُ الْغُزَاةِ فَلَا بُدَّ من جِهَادٍ فيها فَإِنْ زَادَ على مَرَّةٍ فَهُوَ أَفْضَلُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لَا أَقَلُّ من مَرَّةٍ يَعْنِي لَا يَجُوزُ إخْلَاءُ سَنَةٍ عنها إلَّا لِضَرُورَةٍ كَعَجْزٍ عن قِتَالِهِمْ أو عُذْرٍ كَعِزَّةٍ زَادَ في الطَّرِيقِ وَانْتِظَارِ لَحَاقِ مَدَدٍ وَتَوَقُّعِ إسْلَامِ قَوْمٍ منهم فَيُؤَخَّرُ الْجِهَادُ حتى تَزُولَ الضَّرُورَةُ أو الْعُذْرُ وَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ لِأَكْثَرَ من مَرَّةٍ في السَّنَةِ وَجَبَ ذَكَرَهُ ابن أبي عَصْرُونٍ
وَيَبْدَأُ وُجُوبًا إنْ لم يُمْكِنْ بَثُّ الْأَجْنَادِ لِلْجِهَادِ في جَمِيعِ النَّوَاحِي بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ منها وَقَوْلُهُ وهو الْأَشَدُّ ضَرَرًا عَلَيْنَا من زِيَادَتِهِ ثُمَّ نَدْبًا الْأَقْرَبَ إلَيْنَا إنْ لم يَكُنْ أَهَمَّ
وَيُنَاوِبُ بين الْغُزَاةِ مُرَاعَاةً لِلنَّصَفَةِ فَلَا يَتَحَامَلُ على طَائِفَةٍ بِتَكْرِيرِ الْإِغْزَاءِ مع إرَاحَةِ الْآخَرِينَ
وَلَا يَجِبُ الْجِهَادُ إلَّا على مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ ذَكَرٍ حُرٍّ مُسْتَطِيعٍ له وَلَوْ سَكْرَانَ لَا على صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا ولا على امْرَأَةٍ وَخُنْثَى لِضَعْفِهِمَا عن الْقِتَالِ غَالِبًا وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ عن عَائِشَةَ قُلْت يا رَسُولَ اللَّهِ هل على النِّسَاءِ جِهَادٌ قال نعم جِهَادٌ لَا قِتَالَ فيه الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ ولا على من فيه رِقٌّ وَلَوْ مُكَاتَبًا أو مُبَعَّضًا وَإِنْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ بِهِ كما في الْحَجِّ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ له نعم لِلسَّيِّدِ اسْتِصْحَابُ غَيْرِ الْمُكَاتَبِ لِلْخِدْمَةِ كما في الْحَضَرِ ولا على ذِمِّيٍّ وَغَيْرِهِ من سَائِرِ الْكُفَّارِ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُطَالَبِينَ بِهِ كما في الصَّلَاةِ وَالذِّمِّيُّ بَذَلَ الْجِزْيَةَ لِنَذُبَّ عنه لَا لِيَذُبَّ عَنَّا ولا على بَيِّنِ الْعَرَجِ وَلَوْ رَكِبَ لِعَجْزِهِ وَالدَّابَّةُ قد تَتَعَطَّلُ فَيَتَعَذَّرُ الْفِرَارُ ولا على مَرِيضٍ تَعْظُمُ مَشَقَّتُهُ وَأَشَلَّ يَدٍ وَفَاقِدِ مُعْظَمِ أَصَابِعِهَا وَفَاقِدِ الْأَنَامِلِ وَأَعْمَى وَعَادِمِ أُهْبَةٍ وَذِي عُذْرٍ يُسْقِطُ الْحَجَّ أَيْ وُجُوبَهُ كَعَدَمِ رَاحِلَةٍ في سَفَرِ الْقَصْرِ لِعَجْزِهِمْ إلَّا الْخَوْفَ من الْكُفَّارِ وَمُتَلَصِّصِي الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْجِهَادِ لِأَنَّ مَبْنَاهُ على رُكُوبِ الْمَخَاوِفِ فَإِنْ بَذَلَ الْأُهْبَةَ لِفَاقِدِهَا غَيْرُ الْإِمَامِ لم يَلْزَمْ الْقَبُولُ بِخِلَافِ ما لو بَذَلَهَا له الْإِمَامُ من بَيْتِ الْمَالِ يَلْزَمُهُ قَبُولُهَا لِأَنَّهَا حَقُّهُ
وَيَجِبُ الْجِهَادُ على أَعْوَرَ وَأَعْشَى وَضَعِيفِ نَظَرٍ يُبْصِرُ الشَّخْصَ وَالسِّلَاحَ لِيَتَّقِيَهُمَا وَفَاقِدِ أَقَلِّ أَصَابِعِ يَدٍ لِأَنَّ ذلك لَا يَمْنَعُ مُكَافَحَةَ الْعَدُوِّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ يَجِبُ على فَاقِدِ الْإِبْهَامِ وَالْمُسَبِّحَةِ وَفَاقِدِ الْوُسْطَى وَالْبِنْصِرِ لَكِنْ قال الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا أَيْ كما لَا يُجْزِئَانِ في الْكَفَّارَةِ وقد يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وعلى ذِي صُدَاعٍ وَعَرَجٍ يَسِيرَيْنِ لِأَنَّهُمَا لَا يَمْنَعَانِ مُكَافَحَةَ الْعَدُوِّ
وَيُؤْذَنُ لِلْمُرَاهِقِ أَيْ يَأْذَنُ له الْإِمَامُ مع أَصْلِهِ في الْخُرُوجِ لِلْجِهَادِ لِمُدَاوَاةِ الْجَرْحَى وَسَقْيِ الْمَاءِ وَحِفْظِ الْأَمْتِعَةِ وَنَحْوِهَا لَا لِلْمَجْنُونِ إذْ لَا فَائِدَةَ له بَلْ قد يُشَوِّشُ
وَيَسْتَصْحِبُ معه النِّسَاءُ لِلْمُدَاوَاةِ وَالسَّقْيِ وَنَحْوِهِمَا عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ لِلْمُرَاهِقِينَ وَالنِّسَاءِ في الْخُرُوجِ وَأَنْ يَسْتَصْحِبَهُمْ لِسَقْيِ الْمَاءِ وَمُدَاوَاةِ الْمَرْضَى وَمُعَالَجَةِ
____________________
(4/176)
الْجَرْحَى
فَرْعٌ يَحْرُمُ السَّفَرُ على مَدْيُونٍ مُوسِرٍ بِغَيْرِ إذْنِ غَرِيمِهِ أَيْ الدَّائِنِ مُسْلِمًا كان أو ذِمِّيًّا وَكَالْمَدْيُونِ وَلِيُّهُ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّهُ الْمُطَالَبُ وَلِلْغَرِيمِ مَنْعُهُ من السَّفَرِ لِتَوَجُّهِ مُطَالَبَتِهِ وَحَبْسِهِ إنْ امْتَنَعَ بِخِلَافِ الْمُعْسِرِ وَلَا يَمْنَعُهُ من السَّفَرِ قبل حُلُولِ الدَّيْنِ وَلَوْ كان سَفَرُهُ في خَطَرٍ كَالْجِهَادِ وَرُكُوبِ الْبَحْرِ إذْ لَا مُطَالَبَةَ في الْحَالِ فَإِنْ وَكَّلَ الْمُوسِرُ من يَقْضِيه أَيْ الدَّيْنَ من مَالٍ له حَاضِرٌ لَا غَائِبٌ جَازَ الْخُرُوجُ لِلسَّفَرِ لِأَنَّ الدَّائِنَ يَصِلُ إلَى حَقِّهِ في الْحَالِ بِخِلَافِهِ في الْغَائِبِ لِأَنَّهُ قد لَا يَصِلُ
فَرْعٌ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْخُرُوجِ لِلْجِهَادِ وَحَجِّ التَّطَوُّعِ لَا حَجِّ الْفَرْضِ إذْنُ سَائِرِ أَيْ جَمِيعِ أُصُولِهِ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ وُجِدَ الْأَقْرَبُ منهم وَأُذِنَ سَوَاءٌ كَانُوا أَحْرَارًا أَمْ أَرِقَّاءَ ذُكُورًا أو إنَاثًا لِأَنَّ بِرَّهُمْ مُتَعَيِّنٌ عليه وفي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِمُسْتَأْذِنِهِ في الْجِهَادِ أَحَيٌّ وَالِدَاكَ قال نعم قال فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ بِخِلَافِ حَجِّ الْفَرْضِ لِأَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ وفي تَأْخِيرِهِ خَطَرُ الْفَوَاتِ وَلَيْسَ الْخَوْفُ فيه كَالْخَوْفِ في سَفَرِ الْجِهَادِ وَالْعُمْرَةُ في ذلك كَالْحَجِّ لَا لِطَلَبِ الْعِلْمِ أَيْ لَا يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْخُرُوجِ له مع الْأَمْنِ إذْنُهُمْ وَلَوْ لم يَتَعَيَّنْ طَلَبُ الْعِلْمِ لِأَنَّهُ إنْ تَعَيَّنَ فَكَسَفَرِ الْحَجِّ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْحَجَّ على التَّرَاخِي أو كان فَرْضَ كِفَايَةٍ فَلِأَنَّ الْحَجْرَ على الْمُكَلَّفِ وَحَبْسَهُ بَعِيدٌ وَلِأَنَّهُ بِالْخُرُوجِ يَدْفَعُ الْإِثْمَ عن نَفْسِهِ كَالْفَرْضِ الْمُتَعَيِّنِ عليه وَفَارَقَ السَّفَرَ لِلْجِهَادِ بِعِظَمِ خَطَرِهِ وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ له ذلك لو وَجَدَهُ أَيْ طَلَبَ الْعِلْمِ بِأَنْ وَجَدَ من يَتَعَلَّمُ منه في الْبَلَدِ الذي هو فيه لَكِنْ تَوَقَّعَ زِيَادَةَ فَرَاغٍ أو إرْشَادٍ من أُسْتَاذٍ أو غَيْرِهِمَا كما لَا يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْخُرُوجِ لِلتِّجَارَةِ أَنْ لَا يَتَمَكَّنُ منها بِبَلَدِهِ بَلْ اكْتَفَى بِتَوَقُّعِ زِيَادَةِ رِبْحٍ أو رَوَاجٍ وَقَيَّدَ الرَّافِعِيُّ الْخَارِجَ وَحْدَهُ بِالرَّشِيدِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ أَمْرَدَ جَمِيلًا يُخْشَى عليه وَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُهُمْ لِلْخُرُوجِ لِسَفَرِ التِّجَارَةِ وَلَوْ بَعُدَ كَيْ لَا يَنْقَطِعَ مَعَاشُهُ وَيَضْطَرِبَ أَمْرُهُ إلَّا لِلْخُرُوجِ لِرُكُوبِ بَحْرٍ وَبَادِيَةٍ مُخَطَّرَةٍ فَيُشْتَرَطُ ذلك لِشُمُولِ مَعْنَى الْبِرِّ وَالشَّفَقَةِ وَالْوَالِدُ الْكَافِرُ فِيمَا ذُكِرَ كَالْمُسْلِمِ لِذَلِكَ إلَّا في الْجِهَادِ لِتُهْمَةِ مَيْلِهِ لِأَهْلِ دِينِهِ وَالرَّقِيقُ كَالْحُرِّ لِشُمُولِ ما ذُكِرَ وَهَذَا وما قَبْلَهُ عِلْمًا مِمَّا مَرَّ مع أَنَّ الْحُرَّ لم يُصَرَّحْ بِهِ فِيمَا مَرَّ حتى يُحِيلَ عليه وَإِنَّمَا الْكَلَامُ السَّابِقُ شَامِلٌ لَهُمَا مَعًا
فَرْعٌ لو رَجَعَ الْوَالِدُ أو الْغَرِيمُ عن الْإِذْنِ له أو أَسْلَمَ أَصْلُهُ الْكَافِرُ ولم يَكُنْ أَذِنَ له وَعَلِمَ هو بِالْحَالِ فَعَلَيْهِ الرُّجُوعُ عن الْقِتَالِ إلْحَاقًا لِلدَّوَامِ بِالِابْتِدَاءِ لَكِنْ قَيَّدَهُ الشَّافِعِيُّ في الْأَخِيرَةِ بِأَنْ يَأْمُرَ الْأَصْلُ فَرْعَهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِالرُّجُوعِ
____________________
(4/177)
وَمِثْلُهُ ما لو تَجَدَّدَ عليه دَيْنٌ فَلَا يَأْثَمُ بِاسْتِمْرَارِ السَّفَرِ عِنْدَ سُكُوتِ الْأَصْلِ وَالدَّائِنِ وَيُفَارِقُ ما مَرَّ في ابْتِدَاءِ السَّفَرِ بِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ في الدَّوَامِ ما لَا يُغْتَفَرُ في الِابْتِدَاءِ هذا كُلُّهُ قبل الشُّرُوعِ في الْقِتَالِ إنْ أَمِنَ في طَرِيقِهِ على نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَنَحْوِهِمَا ولم تَنْكَسِرْ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ بِرُجُوعِهِ ولم يَخْرُجْ مع الْإِمَامِ بِجُعَلٍ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ بَلْ لَا يَجُوزُ وَلَوْ أَمْكَنَهُ الْإِقَامَةُ عِنْدَ الْخَوْفِ بِمَوْضِعٍ في طَرِيقِهِ لَزِمَهُ الْإِقَامَةُ بِهِ حتى يَرْجِعَ الْجَيْشُ لِحُصُولِ غَرَضِ الرَّاجِعِ من عَدَمِ حُضُورِ الْقِتَالِ وَإِنْ لم يُمْكِنْهُ الْإِقَامَةُ وَلَا الرُّجُوعُ فَلَهُ الْمُضِيُّ مع الْجَيْشِ لَكِنْ يَتَوَقَّى مَظَانَّ الْقَتْلِ نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ وَلَوْ شُرِعَ في الْقِتَالِ بِأَنْ الْتَقَى الصَّفَّانِ حَرُمَ عليه الرُّجُوعُ وَلَوْ خَرَجَ بِلَا إذْنٍ لِوُجُوبِ الْمُصَابَرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَلِأَنَّ الِانْصِرَافَ يُشَوِّشُ أَمَرَ الْقِتَالِ وَقِيلَ لَا يَحْرُمُ ذلك إذَا خَرَجَ بِلَا إذْنٍ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ
وَرُجُوعُ الْعَبْدِ إذَا خَرَجَ بِلَا إذْنٍ من سَيِّدِهِ قبل الشُّرُوعِ في الْقِتَالِ وَاجِبٌ وَبَعْدَهُ مُسْتَحَبٌّ وَإِنَّمَا لم يَجِبْ عليه الثَّبَاتُ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ ليس من أَهْلِ الْجِهَادِ
فَرْعٌ لو مَرِضَ من خَرَجَ لِلْجِهَادِ أو عَرَجَ عَرَجًا بَيِّنًا أو تَلِفَ زَادُهُ فَلَهُ الِانْصِرَافُ وَلَوْ من الْوَقْعَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْقِتَالُ هذا إنْ لم يُورِثْ انْصِرَافُهُ من الْوَقْعَةِ فَشَلًا في الْمُسْلِمِينَ وإلا حَرُمَ انْصِرَافُهُ منها وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ نَصِّ الْأُمِّ على أَنَّهُ ليس له الِانْصِرَافُ منها فَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ أَنَّ هذا الْقَيْدَ ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ وَأَلْحَقَ الْأَصْلُ هُنَا تَلَفَ الدَّابَّةِ بِتَلَفِ الزَّادِ وَذَكَرَ فيه كَلَامًا مَرْدُودًا بِمَا ذَكَرَهُ في الْبَابِ الثَّانِي فَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِيَذْكُرَهُ ثَمَّ على الصَّوَابِ
وَلْيَنْوِ نَدْبًا الْمُنْصَرِفُ من الْوَقْعَةِ لِمَرَضٍ أو نَحْوِهِ التَّحَيُّزَ أو التَّحَرُّفَ إلَى مَكَان لِيَزُولَ عُذْرُهُ هذا من زِيَادَتِهِ هُنَا وَلَوْ قال وَلَا يَنْوِي الْفِرَارَ كان أَوْلَى
فَإِنْ انْصَرَفَ لِعُذْرٍ كَتَلَفٍ زَادَ ثُمَّ زَالَ الْعُذْرُ قبل فِرَاقِ دَارِ الْحَرْبِ لَا بَعْدَهُ لَزِمَهُ الرُّجُوعُ لِلْجِهَادِ
وَمَنْ شَرَعَ في صَلَاةِ جِنَازَةٍ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ لها لِأَنَّهَا في حُكْمِ الْخَصْلَةِ الْوَاحِدَةِ وقد تَعَلَّقَ الْفَرْضُ بِعَيْنِ الْمُصَلِّي لِشُرُوعِهِ فيه وَلِأَنَّ الْإِعْرَاضَ عنها هَتْكٌ لِحُرْمَةِ الْمَيِّتِ كَالْقِتَالِ فإنه يَلْزَمُ من شَرَعَ فيه إتْمَامَهُ فَيَحْرُمُ انْصِرَافُهُ منه إذْ يُخَافُ منه التَّخْذِيلُ وَكَسْرُ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ لَا من شَرَعَ في تَعَلُّمِ عِلْمٍ فَلَا يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ وَإِنْ آنَسَ من نَفْسِهِ الرُّشْدَ فيه لِأَنَّ الشُّرُوعَ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَ الْمَشْرُوعِ فيه غَالِبًا وَلِأَنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ مَطْلُوبَةٍ بِرَأْسِهَا مُنْقَطِعَةٌ عن غَيْرِهَا وَلَيْسَتْ الْعُلُومُ كَالْخُصْلَةِ الْوَاحِدَةِ بِخِلَافِ الْجِهَادِ وَنَحْوِهِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْمُخْتَارُ لُزُومُ إتْمَامِهِ لِأَنَّهُ تَلَبُّسٌ بِفَرْضٍ عَظِيمٍ وَلَوْ شُرِعَ لِكُلِّ شَارِعٍ في عِلْمِ الشَّرِيعَةِ لِإِعْرَاضٍ عنه لَأَدَّى ذلك إلَى إضَاعَةِ الْعِلْمِ
فَصْلٌ يَتَعَيَّنُ الْجِهَادُ بِالشُّرُوعِ في الْقِتَالِ الْأَوْلَى وَالْأَخْصَرُ فيه على أَهْلِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ هذا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِعِلْمِهِ مِمَّا مَرَّ
ويتعين عليهم بِدُخُولِ الْكُفَّارِ فَإِنْ دخل الْكُفَّارُ بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ تَعَيَّنَ عليهم لِأَنَّ دُخُولَهُمْ لها خَطْبٌ عَظِيمٌ لَا سَبِيلَ إلَى إهْمَالِهِ وَلَوْ قال وَبِدُخُولِ الْكُفَّارِ بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ وَحَذَفَ الْبَاقِيَ كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ فَلَوْ دَخَلُوا بَلْدَةً لنا تَعَيَّنَ على أَهْلِهَا من الْمُكَلَّفِينَ حتى على عَبِيدٍ وَنِسَاءٍ لَا نِسَاءَ ضَعِيفَاتٍ فَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِنَّ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ فَلَا يَحْضُرْنَ وَعَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ حُضُورَهُنَّ قد يَجُرُّ شَرًّا وَيُورِثُ وَهَنًا وَلَا حَجْرَ لِسَيِّدٍ على رَقِيقِهِ ولا زَوْجٍ على زَوْجَتِهِ وَلَا أَصْلٍ على فَرْعِهِ وَلَا دَائِنٍ على مَدِينِهِ كما صَرَّحَ بِهِمَا الْأَصْلُ حِينَئِذٍ أَيْ حين دُخُولِ الْكُفَّارِ الْبَلْدَةَ وحتى على الْمَعْذُورِينَ بِعَمًى وَعَرَجٍ وَمَرَضٍ وَنَحْوِهَا وعلى من دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ من الْبَلْدَةِ وَلَوْ اسْتَغْنَى عَنْهُمْ بِغَيْرِهِمْ لِتَقْوَى الْقُلُوبُ وَتَعْظُمُ الشَّوْكَةُ وَتَشْتَدُّ النِّكَايَةُ في الْكُفَّارِ انْتِقَامًا من هُجُومِهِمْ وَلَا يَجُوزُ انْتِظَارُهُمْ مع قُدْرَةِ الْحَاضِرِينَ على الْقِتَالِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَيْسَ لِأَهْلِ الْبَلْدَةِ ثُمَّ الْأَقْرَبِينَ فَالْأَقْرَبِينَ إذَا قَدَرُوا على الْقِتَالِ أَنْ يَلْبَثُوا إلَى لُحُوقِ الْآخَرِينَ وحتى على الْأَبْعَدِينَ عن الْبَلْدَةِ بِأَنْ يَكُونُوا بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِمْ في الْقِتَالِ بِأَنْ لم يَكُنْ في أَهْلِهَا وَاَلَّذِينَ يَلُونَهُمْ كِفَايَةٌ بِخِلَافِ ما إذَا كان فِيهِمْ كِفَايَةٌ لَا يَجِبُ على الْأَبْعَدِينَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْإِيجَابِ على جَمِيعِ الْأُمَّةِ وفي ذلك حَرَجٌ بِغَيْرِ حَاجَةٍ فَيَصِيرُ الْجِهَادُ فَرْضَ عَيْنٍ في حَقِّ من قَرُبَ وَفَرْضَ كِفَايَةٍ في حَقِّ من بَعُدَ
وَيُشْتَرَطُ
____________________
(4/178)
في الْوُجُوبِ الْمَرْكُوبُ أَيْ وُجُودُهُ لِلْأَبْعَدِ دُونَ الْأَقْرَبِ كما في الْحَجِّ وَيُشْتَرَطُ فيه الزَّادُ أَيْ وُجُودُهُ لِلْجَمِيعِ من الْأَبْعَدِ وَالْأَقْرَبِ إذْ لَا اسْتِقْلَالَ بِغَيْرِ زَادٍ وَلَا مَعْنَى لِإِلْزَامِهِمْ الْخُرُوجَ مع الْعِلْمِ بِأَنَّهُمْ سَيَهْلِكُونَ
وَلَوْ قُهِرُوا أَيْ الْمُسْلِمُونَ ولم يَتَمَكَّنُوا من الدَّفْعِ عن أَنْفُسِهِمْ وَتَوَقَّعُوا الْأَسْرَ وَالْقَتْلَ وَأَمِنَتْ الْمَرْأَةُ امْتِدَادَ الْأَيْدِي إلَيْهَا في الْحَالِ لو أُسِرَتْ جَازَ لهم الِاسْتِسْلَامُ لِأَنَّ الْمُكَافَحَةَ حِينَئِذٍ اسْتِعْجَالٌ لِلْقَتْلِ وَالْأَسْرُ يُحْتَمَلُ معه الْخَلَاصُ وَإِلَّا بِأَنْ لم تَأْمَنْ الْمَرْأَةُ ذلك فَلَا يَحِلُّ لها الِاسْتِسْلَامُ بَلْ يَلْزَمُهَا الدَّفْعُ وَلَوْ قُتِلَتْ لِأَنَّ من أُكْرِهَ على الزِّنَا لَا تَحِلُّ له الْمُطَاوَعَةُ لِدَفْعِ الْقَتْلِ وَالْأَصْلُ أَفْرَدَ مَسْأَلَةَ الْمَرْأَةِ على حِدَتِهَا وهو أَحْسَنُ ثُمَّ قال ما مَعْنَاهُ فَإِنْ كانت تَأْمَنُ من ذلك حَالًا بَعْدَ الْأَسْرِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَحِلُّ لها الِاسْتِسْلَامُ حَالًا ثُمَّ تَدْفَعُ إذَا أُرِيدَ منها ذلك
وَلَوْ نَزَلُوا أَيْ الْكُفَّارُ على خَرَابٍ أو مَوَاتٍ وَلَوْ بَعِيدًا عن الْأَوْطَانِ من حُدُودِ دَارٍ الْإِسْلَامِ تَعَيَّنَ دَفْعُهُمْ كما لو دَخَلُوا بِلَادَ الْإِسْلَامِ
وَكَذَا لو أَسَرُوا مُسْلِمًا وَأَمْكَنَ تَخْلِيصُهُ منهم بِأَنْ رَجَوْنَاهُ تَعَيَّنَ جِهَادُهُمْ وَإِنْ لم يَدْخُلُوا دَارَنَا لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ أَعْظَمُ من حُرْمَةِ الدَّارِ وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ فُكُّوا الْعَانِيَ فَإِنْ لم يُمْكِنْ تَخْلِيصُهُ بِأَنْ لم نَرْجُهُ لم يَتَعَيَّنْ جِهَادُهُمْ بَلْ يُنْتَظَرُ لِلضَّرُورَةِ وَذَكَرَ في التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُنَا فَكُّ من أُسِرَ من الذِّمِّيِّينَ
وَلَا يَتَسَارَعُ الْآحَادُ وَالطَّوَائِفُ مِنَّا إلَى دَفْعِ مَلِكٍ منهم عَظِيمٍ شَوْكَتُهُ دخل أَطْرَافَ الْبِلَادِ أَيْ بِلَادِنَا لِمَا فيه من عِظَمِ الْخَطَرِ
الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِيمَا عَدَا الْجِهَادَ من فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ وَغَيْرِ ذلك مِمَّا ذُكِرَتْ في أَبْوَابِهَا كَصَلَاةِ الْمَيِّتِ وَدَفْنِهِ وَصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَهِيَ أُمُورٌ كُلِّيَّةٌ يَتَعَلَّقُ بها مَصَالِحُ دِينِيَّةٌ أو دُنْيَوِيَّةٌ لَا يَنْتَظِمُ الْأَمْرُ إلَّا بِحُصُولِهَا فَطَلَبُ الشَّارِعِ تَحْصِيلَهَا لَا من كل أَحَدٍ بِخِلَافِ فَرْضِ الْعَيْنِ فإن كُلَّ وَاحِدٍ طُلِبَ منه تَحْصِيلُهُ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُنَصِّبَ مُحْتَسِبًا يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عن الْمُنْكَرِ وَإِنْ كَانَا لَا يَخْتَصَّانِ بِالْمُحْتَسِبِ قال في الْأَصْلِ وَالْمُرَادُ منه الْأَمْرُ بِوَاجِبَاتِ الشَّرْعِ وَالنَّهْيُ عن مُحَرَّمَاتِهِ فَيَتَعَيَّنُ عليه الْأَمْرُ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ إذَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُهَا وَكَذَا بِصَلَاةِ الْعِيدِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا سُنَّةٌ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ هو الْأَمْرُ بِالطَّاعَةِ لَا سِيَّمَا ما كان شِعَارًا ظَاهِرًا كَذَا في الرَّوْضَةِ مع جَزْمِهَا كَأَصْلِهَا بِمَا مَرَّ آنِفًا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ذُكِرَ أَوَّلًا مَوْضِعُ الْإِجْمَاعِ ثُمَّ ذُكِرَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ الثَّانِيَ خَاصٌّ بِالْمُحْتَسِبِ وَقَوْلُ الْإِمَامِ مُعْظَمُ الْفُقَهَاءِ على أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ في الْمُسْتَحَبِّ مُسْتَحَبٌّ مَحَلُّهُ في غَيْرِ الْمُسْتَحَبِّ وَلَا يُقَاسَ بِالْوَالِي غَيْرُهُ وَلِهَذَا لو أَمَرَ الْإِمَامُ بِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ أو بِصَوْمِهِ صَارَ وَاجِبًا
وَلَا يَأْمُرُ الْمُخَالِفِينَ له في الْمَذْهَبِ بِمَا لَا يُجَوِّزُوهُ بِحَذْفِ نُونِ الرَّفْعِ على لُغَةٍ لَكِنَّ عِبَارَةَ الْأَصْلِ بِمَا لَا يَجُوزُ بِتَرْكِ الْوَاوِ وَلَا يَنْهَاهُمْ عَمَّا يَرَوْنَهُ فَرْضًا عليهم أو سُنَّةً لهم
وَيَأْمُرُ الْمُسْلِمِينَ بِالْمُحَافَظَةِ على الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ وَلَا يَعْتَرِضُ عليهم في تَأْخِيرِهَا وَالْوَقْتُ بَاقٍ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ في فَضْلِ تَأْخِيرِهَا
وَيَأْمُرُ فِيمَا الْأَوْلَى بِمَا كما في نُسْخَةٍ يَعُمُّ نَفْعُهُ كَعِمَارَةِ سُورِ الْبَلَدِ وَسِرْبِهِ وَمَعُونَةِ الْمُحْتَاجِينَ من أَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَغَيْرِهِمْ وَيَجِبُ ذلك من بَيْتِ الْمَالِ إنْ كان فيه مَالٌ وَإِلَّا فَعَلَى من له مُكْنَةٌ أَيْ قُدْرَةٌ على ذلك
وَيَنْهَى الْمُوسِرَ عن مَطْلِ الْغَرِيمِ إنْ اسْتَعْدَى أَيْ اسْتَعْدَاهُ الْغَرِيمُ عليه وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ يَنْهَاهُ من حَيْثُ الْمَعْصِيَةُ وَإِنْ لم يَسْتَعْدِ لم يَكُنْ بَعِيدًا
وينهى الرَّجُلَ عن الْوُقُوفِ مع الْمَرْأَةِ في طَرِيقٍ خَالٍ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ رِيبَةٍ فَيُنْكِرُ عليه وَيَقُولُ له إنْ كانت مَحْرَمًا لَك فَصُنْهَا عن مَوَاقِفِ الرِّيَبِ وَإِنْ كانت أَجْنَبِيَّةً فَخَفْ اللَّهَ في الْخَلْوَةِ مَعَهَا بِخِلَافِ ما لو وَجَدَهُ مَعَهَا في طَرِيقٍ يَطْرُقُهُ الناس
وَيَأْمُرُ بِنِكَاحِ الْأَكْفَاءِ أَيْ إنْكَاحِهِمْ وَإِيفَاءِ الْعِدَدِ وَالرِّفْقِ بِالْمَمَالِيكِ وَتَعَهُّدِ الْبَهَائِمِ وَالْمَأْمُورُ بِالْأَوَّلِ الْأَوْلِيَاءُ وَبِالثَّانِي النِّسَاءُ وَبِالثَّالِثِ السَّادَةُ وَبِالرَّابِعِ أَصْحَابُ الْبَهَائِمِ وَمِنْ لَازِمِ الْأَمْرِ بِتَعَهُّدِهَا الْأَمْرُ بِأَنْ لَا يَسْتَعْمِلُوهَا فِيمَا لَا تُطِيقُ الْمُصَرَّحُ بِهِ في الْأَصْلِ مع أَنَّهُ مَعْلُومٌ أَيْضًا من الْأَمْرِ بِالرِّفْقِ بِالْمَمَالِيكِ
وَيُنْكِرُ على من تَصَدَّى لِلتَّدْرِيسِ وَالْفَتْوَى وَالْوَعْظِ وَلَيْسَ هو من أَهْلِهِ وَيُشْهِرُ أَمْرَهُ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ
وينكر على من أَسَرَّ في صَلَاةٍ جَهْرِيَّةٍ أو زَادَ في الْأَذَانِ وَعَكَسَهُمَا بِأَنْ يُنْكِرَ على من جَهَرَ في سِرِّيَّةٍ أو نَقَصَ من الْأَذَانِ
وَلَا يُطَالِبُ أَحَدًا بِحَقِّ آدَمِيٍّ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَا يُنْكِرُ في حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ كَتَعَدِّي الشَّخْصِ في جِدَارِ جَارِهِ قبل
____________________
(4/179)
الِاسْتِعْدَاءِ من ذِي الْحَقِّ عليه
وَلَا يَحْبِسُ وَلَا يَضْرِبُ لِلدَّيْنِ
وَيُنْظِرُ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيُنْكِرُ على الْقُضَاةِ إنْ احْتَجَبُوا عن الْخُصُومِ أو قَصَّرُوا في النَّظَرِ في الْخُصُومَاتِ وَعَلَى أَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ الْمَطْرُوقَةِ إنْ طَوَّلُوا الصَّلَاةَ كما أَنْكَرَ صلى اللَّهُ عليه وسلم على مُعَاذٍ ذلك
وَيَمْنَعُ الْخَوَنَةَ من مُعَامَلَةِ النِّسَاءِ لِمَا يُخْشَى فيها من الْفَسَادِ
وَلَا يَخْتَصُّ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عن الْمُنْكَرِ بِمَسْمُوعِ الْقَوْلِ بَلْ عليه أَيْ على كل مُكَلَّفٍ أَنْ يَأْمُرَ وَيَنْهَى وَإِنْ عَلِمَ بِالْعَادَةِ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ فإن الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ فَلَا يَسْقُطُ ذلك عن الْمُكَلَّفِ بهذا الْعِلْمِ لِعُمُومِ خَبَرِ من رَأَى مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيده فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ
وَلَا يُشْتَرَطُ في الْآمِرِ وَالنَّاهِي كَوْنُهُ مُمْتَثِلًا ما يَأْمُرُ بِهِ مُجْتَنِبًا ما يَنْهَى عنه بَلْ عليه أَنْ يَأْمُرَ وَيَنْهَى نَفْسَهُ وَغَيْرَهُ فَإِنْ اخْتَلَّ أَحَدُهُمَا لم يَسْقُطْ الْآخَرُ
وَلَا يَأْمُرُ وَيَنْهَى في دَقَائِقِ الْأُمُورِ من أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِالِاجْتِهَادِ أو غَيْرِهِ إلَّا عَالِمٌ فَلَيْسَ لِلْعَوَامِّ ذلك وَخَرَجَ بِدَقَائِقِ الْأُمُورِ ظَوَاهِرُهَا كَالصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَلِلْعَوَامِّ وَغَيْرِهِمْ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ فيها
وَلَا يُنْكِرُ الْعَالِمُ إلَّا مُجْمَعًا عليه أَيْ على إنْكَارِهِ لَا ما اُخْتُلِفَ فيه إلَّا أَنْ يَرَى الْفَاعِلُ تَحْرِيمَهُ لِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ أو الْمُصِيبُ وَاحِدٌ وَلَا نَعْلَمُهُ وَلَا إثْمَ على الْمُخْطِئِ وَاسْتُشْكِلَ عَدَمُ الْإِنْكَارِ إذَا لم يَرَ الْفَاعِلُ تَحْرِيمَهُ بِحَدِّنَا لِلْحَنَفِيِّ بِشُرْبِهِ لِلنَّبِيذِ مع أَنَّ الْإِنْكَارَ بِالْفِعْلِ أَبْلَغُ منه بِالْقَوْلِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدَّ ليس من بَابِ إنْكَارِ الْمُنْكَرِ لِأَنَّ الْحَنَفِيَّ لم يَفْعَلْ مُنْكَرًا وَالْحَدُّ لَا يُفِيدُ مَنْعُهُ منه وَلِهَذَا لَا يُنْكِرُ عليه الشَّافِعِيُّ بِالْقَوْلِ كما لَا يُنْكِرُ على الْمَالِكِيِّ اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ الْقَلِيلِ إذَا وَقَعَتْ فيه نَجَاسَةٌ ولم تُغَيِّرْهُ كما صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ في الْإِحْيَاءِ وَإِنَّمَا حَدُّهُ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَجِبُ عليه أَنْ يَحْكُمَ بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ أَدِلَّةَ عَدَمِ تَحْرِيمِ النَّبِيذِ وَاهِيَةٌ وَبِهَذَا فَرَّقَ بين حَدِّنَا لِشَارِبِهِ وَعَدَمِ حَدِّنَا لِلْوَاطِئِ في نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ
لَكِنْ إنْ نَدَبَ على جِهَةِ النَّصِيحَةِ إلَى الْخُرُوجِ من الْخِلَافِ بِرِفْقٍ فَحَسَنٌ إنْ لم يَقَعْ في خِلَافٍ آخَرَ وَتَرْكِ أَيْ وفي تَرْكِ حَسَنَةٍ ثَابِتَةٍ لِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ على اسْتِحْبَابِ الْخُرُوجِ من الْخِلَافِ حِينَئِذٍ
وَلَيْسَ لِلْمُحْتَسِبِ الْمُجْتَهِدِ أو الْمُقَلِّدِ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى حَمْلُ الناس على مَذْهَبِهِ لِمَا مَرَّ ولم يَزَلْ الْخِلَافُ بين الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ في الْفُرُوعِ وَلَا يُنْكِرُ أَحَدٌ على غَيْرِهِ مُجْتَهَدًا فيه وَإِنَّمَا يُنْكِرُونَ ما خَالَفَ نَصًّا أو إجْمَاعًا أو قِيَاسًا جَلِيًّا
وَالْإِنْكَارُ لِلْمُنْكَرِ أَخْذًا من الْخَبَرِ السَّابِقِ يَكُونُ بِالْيَدِ فَإِنْ عَجَزَ فَبِاللِّسَانِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِكُلِّ وَجْهٍ أَمْكَنَهُ وَلَا يَكْفِي الْوَعْظُ لِمَنْ أَمْكَنَهُ إزَالَتُهُ بِالْيَدِ وَلَا كَرَاهَةُ الْقَلْبِ لِمَنْ قَدَرَ على النَّهْيِ بِاللِّسَانِ وَيَرْفُقُ في التَّغْيِيرِ بِمَنْ يَخَافُ شَرَّهُ وَبِالْجَاهِلِ فإن ذلك أَدْعَى إلَى قَبُولِ قَوْلِهِ وَإِزَالَةِ الْمُنْكَرِ وَيَسْتَعِينُ عليه بِغَيْرِهِ إنْ لم يَخَافُ فِتْنَةَ من إظْهَارِ سِلَاحٍ وَحَرْبٍ ولم يُمْكِنْهُ الِاسْتِقْلَالُ فَإِنْ عَجَزَ عنه رَفَعَ ذلك إلَى الْوَالِي فَإِنْ عَجَزَ عنه أَنْكَرَهُ بِقَلْبِهِ
وَلَيْسَ له أَيْ لِكُلٍّ من الْآمِرِ وَالنَّاهِي التَّجَسُّسُ وَالْبَحْثُ وَاقْتِحَامُ الدُّورِ بِالظُّنُونِ بَلْ إنْ رَأَى شيئا غَيَّرَهُ فَإِنْ أخبره ثِقَةٌ بِمَنْ اسْتَسَرَّ أَيْ اخْتَفَى بِمُنْكَرٍ فيه انْتِهَاكُ حُرْمَةٍ يَفُوتُ تَدَارُكُهَا كَالزِّنَا وَالْقَتْلِ بِأَنْ أخبره أَنَّ رَجُلًا خَلَا بِامْرَأَةٍ لِيَزْنِيَ بها أو بِشَخْصٍ لِيَقْتُلَهُ اقْتَحَمَ له الدَّارَ وَتَجَسَّسَ وُجُوبًا فَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ نَقْلًا عن الْمَاوَرْدِيِّ بِالْجَوَازِ وَإِلَّا بِأَنْ لم يَكُنْ فيه انْتِهَاكُ حُرْمَةٍ فَلَا اقْتِحَامَ وَلَا تَجَسُّسَ كما مَرَّ
وَلَا يَسْقُطُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عن الْمُنْكَرِ عن الْقَائِمِ بِهِمَا إلَّا لِخَوْفٍ مِنْهُمَا على نَفْسِهِ أو مَالِهِ أو عُضْوِهِ أو بُضْعِهِ أو لِخَوْفِ مَفْسَدَةٍ على غَيْرِهِ أَكْثَرَ من مَفْسَدَةِ الْمُنْكَرِ الْوَاقِعِ أو غَلَبَ على ظَنِّهِ أَنَّ الْمُرْتَكِبَ يَزِيدُ فِيمَا هو فيه عِنَادًا كما أَشَارَ إلَيْهِ الْغَزَالِيُّ في الْإِحْيَاءِ كَإِمَامِهِ
فَصْلٌ وَمِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ إحْيَاءُ الْكَعْبَةِ وَالْمَوَاقِفِ التي هُنَاكَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً
____________________
(4/180)
فَلَا يَكْفِي إحْيَاؤُهُمَا بِالِاعْتِكَافِ وَالصَّلَاةِ وَلَا بِالْعُمْرَةِ كما قَالَهُ النَّوَوِيُّ إذْ لَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْحَجِّ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ بِبِنَاءِ الْكَعْبَةِ الْحَجُّ فَكَانَ بِهِ إحْيَاؤُهَا وَذِكْرُ الْعُمْرَةِ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ فَيَجِبُ الْإِتْيَانُ في كل سَنَةٍ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ
وَعَلَى الْمُوسِرِ إذَا اخْتَلَّ بَيْتُ الْمَالِ ولم تَفِ الصَّدَقَاتُ الْوَاجِبَةُ بِسَدِّ حَاجَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَالذِّمِّيِّينَ وَالْمُسْتَأْمَنِينَ الْمُوَاسَاةُ لهم بِإِطْعَامِ الْجَائِعِ وَسَتْرِ الْعَارِي منهم وَنَحْوِهِمَا بِمَا زَادَ على كِفَايَتِهِ سَنَةً لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ أَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَفُكُّوا الْعَانِيَ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْعَارِي أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْعَوْرَةِ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَصُّ بها قال في الْأَصْلِ وَهَلْ يَكْفِي سَدُّ الضَّرُورَةِ أَمْ يَجِبُ تَمَامُ الْكِفَايَةِ التي يَقُومُ بها من تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ فيه وَجْهَانِ وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ في الْأَطْعِمَةِ أَنَّ ذلك على الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا وَجَدَ الْمُضْطَرُّ الْمَيْتَةَ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ قال الْإِسْنَوِيُّ وما ذَكَرَهُ من وُجُوبِ الْمُوَاسَاةِ بِمَا زَادَ على كِفَايَةِ سَنَةٍ ذَكَرَ في الْأَطْعِمَةِ ما يُخَالِفُهُ فإنه قال يَجِبُ إطْعَامُ الْمُضْطَرِّ وَإِنْ كان يَحْتَاجُهُ في ثَانِي الْحَالِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ فإن ذَاكَ في الْمُضْطَرِّ وَهَذَا في الْمُحْتَاجِ غَيْرِ الْمُضْطَرِّ
وَمِنْهَا أَيْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ الصِّنَاعَاتُ وَالْحِرَفُ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْحِرَاثَةِ وَالْحِجَامَةِ وَالْكَنْسِ لَكِنَّ النُّفُوسَ مَجْبُولَةٌ على الْقِيَامِ بها فَلَا يَحْتَاجُ إلَى حَثٍّ عليها وَتَرْغِيبٍ فيها وَالْحِرَفُ الصِّنَاعَاتُ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فَعَطَفَهَا عليها كَعَطْفِ رَحْمَةٌ على صَلَوَاتٌ في قَوْله تَعَالَى أُولَئِكَ عليهم صَلَوَاتٌ من رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وقال الزَّرْكَشِيُّ الصِّنَاعَاتُ هِيَ الْمُعَالَجَاتُ كَالْخِيَاطَةِ وَالنِّجَارَةِ وَالْحِرَفِ وَإِنْ كانت تُطْلَقُ على ذلك فَتُطْلَقُ عُرْفًا على من يَتَّخِذُ صُنَّاعًا وَيَدِلُّ بِهِمْ وَلَا يَعْمَلُ فَهِيَ أَعَمُّ
وَمِنْهَا تَحَمُّلُ الشَّهَادَاتِ وَأَدَاؤُهَا وَإِعَانَةُ الْقُضَاةِ على اسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا
فَصْلٌ الْقِيَامُ بِعُلُومِ الشَّرْعِ من تَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ وَفِقْهٍ على ما مَرَّ في الْوَصِيَّةِ وَالِانْتِهَاءُ فيها إلَى دَرَجَةِ الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ كما سَيَأْتِي في أَدَبِ الْقُضَاةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِمَا مَرَّ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى فَلَوْلَا نَفَرَ من كل فِرْقَةٍ منهم طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا في الدِّينِ وَذَلِكَ أَيْ الْقِيَامُ بِمَا ذُكِرَ وَاجِبٌ على كل مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ حُرٍّ ذَكَرٍ وَاجِدٍ لِلْقُوتِ وَلِسَائِرِ ما يَكْفِيه ليس بِبَلِيدٍ فَلَا يَجِبُ على أَضْدَادِهِمْ
وفي سُقُوطِ ذلك بِقِيَامِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ بِهِ تَرَدُّدٌ أَيْ وَجْهَانِ لِأَنَّهُمَا أَهْلٌ لِلْفَتْوَى دُونَ الْقَضَاءِ وَالْأَوْجَهُ السُّقُوطُ من حَيْثُ الْفَتْوَى
وَيَلْزَمُ ذلك الْفَاسِقَ كَغَيْرِهِ وَلَا يَسْقُطُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا تُقْبَلُ فَتْوَاهُ وَلَا قَضَاؤُهُ
وَمِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ عِلْمُ الْكَلَامِ أَيْ تَعَلُّمُهُ لِرَدِّ الْمُبْتَدِعَةِ وما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ من تَحْرِيمِ الِاشْتِغَالِ بِهِ مَحْمُولٌ على التَّوَغُّلِ فيه قال الْإِمَامُ وَلَوْ بَقِيَ الناس على ما كَانُوا عليه في صَفْوَةِ الْإِسْلَامِ لَمَا أَوْجَبْنَا الِاشْتِغَالَ بِهِ كما لم يَشْتَغِلْ بِهِ الصَّحَابَةُ
وَيَتَعَيَّنُ على الْمُكَلَّفِ السَّعْيُ في إزَالَةِ شُبْهَةٍ أَوْرَثَهَا أَيْ أَدْخَلَهَا بِقَلْبِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَعْرِفَ أَدِلَّةَ الْمَعْقُولِ
وَمِنْهَا الطِّبُّ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ لِمُعَالَجَةِ الْأَبَدَانِ وَالْحِسَابُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ لِقِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ وَالْوَصَايَا وَلِلْمُعَامَلَاتِ وَأُصُولُ الْفِقْهِ وَالنَّحْوُ وَاللُّغَةُ وَالتَّصْرِيفُ وَأَسْمَاءُ الرُّوَاةِ وَالْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ وَاخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ وَاتِّفَاقُهُمْ وَالتَّعْلِيمُ لِمَا يَجِبُ تَعَلُّمُهُ وَالْإِفْتَاءُ وَقَوْلُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ
فَإِنْ اُحْتِيجَ في التَّعْلِيمِ إلَى جَمَاعَةٍ لَزِمَهُمْ
وَيَجِبُ لِكُلِّ مَسَافَةِ قَصْرٍ مُفْتٍ لِئَلَّا يَحْتَاجَ الْمُسْتَفْتِي إلَى قَطْعِهَا وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ لَا يَجُوزُ إخْلَاءُ مَسَافَةِ الْعَدْوَى عن قَاضٍ بِكَثْرَةِ الْخُصُومَاتِ وَتَكَرُّرِهَا في الْيَوْمِ الْوَاحِدِ من كَثِيرِينَ بِخِلَافِ الِاسْتِفْتَاءِ في الْوَاقِعَاتِ
وَلَوْ لم يُفْتِ الْمُفْتِي وَهُنَاكَ من يُفْتِي وهو عَدْلٌ لم يَأْثَمْ فَلَا يَلْزَمُ الْإِفْتَاءُ قال في الرَّوْضَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُعَلِّمُ كَذَلِكَ انْتَهَى وَيُفَرَّقُ بين هذا وَبَيْنَ نَظِيرِهِ من أَوْلِيَاءِ النِّكَاحِ وَالشُّهُودِ بِأَنَّ اللُّزُومَ هُنَا فيه حَرَجٌ وَمَشَقَّةٌ بِكَثْرَةِ الْوَقَائِعِ بِخِلَافِهِ ثُمَّ قال في الرَّوْضَةِ وَيُسْتَحَبُّ الرِّفْقُ بِالْمُتَعَلِّمِ وَالْمُسْتَفْتِي
وَيَتَعَيَّنُ من ظَوَاهِرِ الْعُلُومِ
____________________
(4/181)
التي يَجِبُ تَعَلُّمُهَا لَا دَقَائِقُهَا تَعَلُّمَ ما يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِقَامَةِ فَرَائِضِ الدِّينِ كَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَشُرُوطِهِمَا لِأَنَّ من لَا يَعْلَمُهَا لَا يُمْكِنُهُ إقَامَةُ ذلك وَقَوْلُهُ لَا دَقَائِقُهَا مَرْفُوعٌ عَطْفًا على من ظَوَاهِرَ أو مَجْرُورٌ عَطْفًا على ظَوَاهِرِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ تَعَلُّمُ الْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ دُونَ الدَّقَائِقِ وَالْمَسَائِلِ التي لَا تَعُمُّ بها الْبَلْوَى
وإنما يَجِبُ تَعَلُّمُهُ أَيْ ما يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِقَامَةِ الْفَرَائِضِ بَعْدَ الْوُجُوبِ لها وَكَذَا قَبْلَهُ إنْ لم يَتَمَكَّنْ منه أَيْ من تَعَلُّمِهِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ مع الْفِعْلِ كما يَجِبُ السَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ قبل الْوَقْتِ على من بَعُدَ مَنْزِلُهُ وكأركان وَشُرُوطِ الْحَجِّ وَتَعَلُّمِهِ أَيْ الْحَجِّ أَيْ أَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ على التَّرَاخِي كَالْحَجِّ وكأركان وَشُرُوطِ الزَّكَاةِ إنْ مَلَكَ مَالًا فَيَتَعَيَّنُ عليه تَعَلُّمُ ظَاهِرِ ما يُحْتَاجُ إلَيْهِ فيها وَلَوْ كان هُنَاكَ سَاعٍ يَكْفِيه الْأَمْرَ إذْ قد يَجِبُ عليه ما لَا يَعْلَمُهُ السَّاعِي وَأَحْكَامُ أَيْ وَكَأَحْكَامِ الْبَيْعِ وَالْقِرَاضِ إنْ تَاجَرَ أَيْ إنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ وَيُتَاجِرَ فَيَتَعَيَّنُ على من يُرِيدُ بَيْعَ الْخُبْزِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ خُبْزِ الْبُرِّ بِالْبُرِّ وَلَا بِدَقِيقِهِ وَعَلَى من يُرِيدُ الصَّرْفَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ وَنَحْوِ ذلك
وَتَعَلُّمُ دَوَاءِ أَمْرَاضِ الْقَلْبِ وَحُدُودِهَا وَأَسْبَابِهَا كَالْحَسَدِ وَالرِّيَاءِ فَإِنْ رُزِقَ شَخْصٌ قَلْبًا سَلِيمًا منها كَفَاهُ ذلك
ويتعين اعْتِقَادُ ما وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ
وَأَمَّا عِلْمُ أَيْ تَعَلُّمُ عِلْمِ الْفَلْسَفَةِ وَالشَّعْبَذَةِ وَالتَّنْجِيمِ وَالرَّمَلِ وَعِلْمِ الطَّبَائِعِيِّينَ وَالسِّحْرِ فَحَرَامٌ
وَالشِّعْرُ أَيْ تَعَلُّمُهُ مُبَاحٌ إنْ لم يَكُنْ فيه سُخْفٌ أو حَثٌّ على شَرٍّ وَإِنْ حَثَّ على الْغَزَلِ وَالْبَطَالَةِ كُرِهَ
فَرْعٌ يَأْثَمُ بِتَعْطِيلِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ كُلُّ من عَلِمَ بِتَعْطِيلِهِ وَقَدَرَ على الْقِيَامِ بِهِ وَإِنْ بَعُدَ عن الْمَحَلِّ وَكَذَا يَأْثَمُ قَرِيبٌ منه لم يَعْلَمْ بِهِ لِتَقْصِيرِهِ في الْبَحْثِ عنه قال الْإِمَامُ وَيَخْتَلِفُ هذا بِكِبَرِ الْبَلَدِ وَصِغَرِهِ
وَإِنْ قام بِهِ الْجَمِيعُ فَكُلُّهُمْ مُؤَدٍّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ وَإِنْ تَرَتَّبُوا في أَدَائِهِ إذْ لَا مَزِيَّةَ لِبَعْضِهِمْ على بَعْضٍ من حَيْثُ الْوُجُوبُ وَالثَّوَابُ وَالْإِثْمُ إنْ تَعَطَّلَ الْفَرْضُ
وَلِلْقَائِمِ بِهِ مَزِيَّةٌ على الْقَائِمِ بِفَرْضِ الْعَيْنِ وَصَرَّحَ الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَالْإِمَامُ وَأَبُوهُ وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ من فَرْضِ الْعَيْنِ لِأَنَّ ذلك أَيْ الْقَائِمَ بِفَرْضِ الْعَيْنِ أَسْقَطَ الْحَرَجَ عن نَفْسِهِ وَهَذَا أَيْ الْقَائِمُ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ أَسْقَطَ الْحَرَجَ عنه وَعَنْ الْأُمَّةِ وَلِأَنَّ ذَاكَ لو تَرَكَ الْفَرْضَ اخْتَصَّ بِالْإِثْمِ وَهَذَا لو تَرَكَهُ أَثِمَ الْجَمِيعُ وَلَا يَسْتَبْعِدُ ذلك فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ السُّنَّةَ قد تَكُونُ أَفْضَلَ من الْوَاجِبِ فَلَا يَبْعُدُ تَفْضِيلُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ على فَرْضِ الْعَيْنِ لِمَا ذُكِرَ
فَصْلٌ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ على كل مُسْلِمٍ حتى على الصَّبِيِّ سُنَّةُ عَيْنٍ إنْ كان الْمُسْلِمُ وَاحِدًا وَسُنَّةُ كِفَايَةٍ إنْ كان جَمَاعَةً أَمَّا كَوْنُهُ سُنَّةً فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى فإذا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا على أَنْفُسِكُمْ أَيْ لِيُسَلِّمْ بَعْضُكُمْ على بَعْضٍ وَقَوْلُهُ لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غير بُيُوتِكُمْ حتى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا على أَهْلِهَا وَلِلْأَمْرِ بِإِفْشَاءِ السَّلَامِ في الصَّحِيحَيْنِ وَأَمَّا كَوْنُهُ كِفَايَةً فَلِخَبَرِ أبي دَاوُد يُجْزِئُ عن الْجَمَاعَةِ إذَا مَرُّوا أَنْ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمْ وَيُجْزِئُ عن الْجُلُوسِ أَنْ يَرُدَّ
____________________
(4/182)
أَحَدُهُمْ وَلِخَبَرِ إذَا سَلَّمَ وَاحِدٌ من الْقَوْمِ أَجْزَأَ عَنْهُمْ رَوَاهُ مَالِكٌ في الْمُوَطَّإِ وَلِأَنَّ ما قُصِدَ بِهِ الْأَمَانُ حَاصِلٌ بِسَلَامِ الْوَاحِدِ
وَرَدُّهُ وَلَوْ كان الْمُسْلِمُ صَبِيًّا فَرْضُ عَيْنٍ إنْ كان الْمُسَلَّمُ عليه وَاحِدًا مُكَلَّفًا وَفَرْضُ كِفَايَةٍ إنْ كان جَمَاعَةً أَمَّا كَوْنُهُ فَرْضًا فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى وإذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ منها أو رُدُّوهَا وَأَمَّا كَوْنُهُ كِفَايَةً فَلِمَا مَرَّ هذا إذَا سُنَّ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ وَإِنْ كُرِهَتْ صِيغَتُهُ كما سَيَأْتِي فَإِنْ لم يُسَنَّ كما سَيَأْتِي بَيَانُهُ لم يَجِبْ الرَّدُّ قال الْحَلِيمِيُّ وَإِنَّمَا كان الرَّدُّ فَرْضًا وَالِابْتِدَاءُ سُنَّةً لِأَنَّ أَصْلَ السَّلَامِ أَمَانٌ وَدُعَاءٌ بِالسَّلَامَةِ وَكُلُّ اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا آمَنُ من الْآخَرِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ آمِنًا منه فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ إذَا سَلَّمَ عليه غَيْرُهُ أَنْ يَسْكُتَ عنه لِئَلَّا يَخَافَهُ
وَشَرْطُهُ أَيْ كُلٌّ من ابْتِدَاءِ السَّلَامِ وَرَدِّهِ إسْمَاعٌ له بِرَفْعِ الصَّوْتِ بِهِ وَإِلَّا لَزِمَ تَرْكُ سُنَّةِ الِابْتِدَاءِ أو وُجُوبُ الرَّدِّ وَاتِّصَالٌ لِلرَّدِّ بِالِابْتِدَاءِ كَاتِّصَالِ الْإِيجَابِ بِالْقَبُولِ في الْعُقُودِ وَالْإِلْزَامُ تَرْكُ وُجُوبِ الرَّدِّ
فَإِنْ شَكَّ أَحَدُهُمَا في سَمَاعِهِ أَيْ الْآخَرِ زَادَ في الرَّفْعِ فَإِنْ كان عِنْدَهُ نِيَامٌ خَفَضَ صَوْتَهُ بِحَيْثُ لَا يَتَيَقَّظُونَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَالْقَارِئُ كَغَيْرِهِ في اسْتِحْبَابِ السَّلَامِ عليه وَوُجُوبِ الرَّدِّ بِاللَّفْظِ على من سَلَّمَ عليه وَهَذَا ما بَحَثَهُ في الرَّوْضَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ عن الْوَاحِدِيِّ أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُ السَّلَامِ عليه وَأَنَّهُ إنْ سَلَّمَ عليه كَفَاهُ الرَّدُّ بِالْإِشَارَةِ وما نَقَلَهُ عنه ضَعَّفَهُ في التِّبْيَانِ وَغَيْرِهِ قال في الْأَذْكَارِ أَمَّا إذَا كان مُشْتَغِلًا بِالدُّعَاءِ مُسْتَغْرِقًا فيه مُجْتَمِعَ الْقَلْبِ عليه فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ هو كَالْمُشْتَغِلِ بِالْقِرَاءَةِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي في هذا أَنَّهُ يُكْرَهُ السَّلَامُ عليه لِأَنَّهُ يَتَنَكَّدُ بِهِ وَيَشُقُّ عليه أَكْثَرُ من مَشَقَّةِ الْأَكْلِ قال الْأَذْرَعِيُّ وإذا اتَّصَفَ الْقَارِئُ بِذَلِكَ فَهُوَ كَالدَّاعِي بَلْ أَوْلَى لَا سِيَّمَا الْمُسْتَغْرِقُ في التَّدَبُّرِ
وَلَا يَكْفِي رَدُّ صَبِيٍّ مع وُجُودِ مُكَلَّفٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ في الصَّلَاةِ على الْمَيِّتِ بِأَنَّ السَّلَامَ أَمَانٌ وهو لَا يَصِحُّ منه بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَبِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالصَّلَاةِ الرَّحْمَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ لِلْمَيِّتِ بِخِلَافِ السَّلَامِ وَلَوْ سَلَّمَ على جَمَاعَةٍ فِيهِمْ امْرَأَةٌ فَرَدَّتْ هل يَكْفِي قال الزَّرْكَشِيُّ يَنْبَغِي بِنَاؤُهُ على أَنَّهُ هل يُشْرَعُ لها الِابْتِدَاءُ بِالسَّلَامِ فَحَيْثُ شُرِعَ لها كَفَى جَوَابُهَا وَإِلَّا فَلَا وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى فِيمَا يَظْهَرُ
وَلَا يَكْفِي رَدُّ غَيْرِ الْمُسْلِمِ عليهم بَلْ يَلْزَمُهُمْ الرَّدُّ
وَيَجِبُ الْجَمْعُ بين اللَّفْظِ وَالْإِشَارَةِ على من رَدَّ السَّلَامَ على أَصَمَّ لِيَحْصُلَ بِهِ الْإِفْهَامُ وَيَسْقُطَ عنه فَرْضُ الْجَوَابِ وَمَنْ سَلَّمَ عليه أَيْ الْأَصَمِّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا لِيَحْصُلَ بِهِ الْإِفْهَامُ وَيَسْتَحِقَّ الْجَوَابَ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ فَهِمَ ذلك بِقَرِينَةِ الْحَالِ وَالنَّظَرِ إلَى فَمِهِ لم تَجِبْ الْإِشَارَةُ وهو ما بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ
وَتُجْزِئُ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ ابْتِدَاءً وَرَدًّا لِأَنَّ إشَارَتَهُ بِهِ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْعِبَارَةِ
وَصِيغَتُهُ أَيْ السَّلَامِ ابْتِدَاءُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أو سَلَامٌ عَلَيْكُمْ فَإِنْ قال عَلَيْكُمْ السَّلَامُ جَازَ لِأَنَّهُ تَسْلِيمٌ وَكُرِهَ لِلنَّهْيِ عنه في خَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ قال في الرَّوْضَةِ وَيَجِبُ فيه الرَّدُّ على الصَّحِيحِ كما قَالَهُ الْإِمَامُ قال في الْأَذْكَارِ لِأَنَّهُ يُسَمَّى سَلَامًا قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَك أَنْ تَقُولَ إذَا كُرِهَ الِابْتِدَاءُ بِذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ الْمُسَلِّمُ جَوَابًا لَا سِيَّمَا إذَا كان عَالِمًا بِالنَّهْيِ عن ذلك وَكَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ سَلَامٌ أَمَّا لو قال وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ فَلَيْسَ بِسَلَامٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِابْتِدَاءِ نَقَلَهُ في الْأَذْكَارِ عن الْمُتَوَلِّي
وَيُسَنُّ صِيغَةُ الْجَمْعِ لِأَجْلِ الْمَلَائِكَةِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسَلَّمُ عليه وَاحِدًا أَمْ جَمَاعَةً لَكِنَّ الشِّقَّ الثَّانِيَ غَيْرُ مُرَادٍ لِمَا يَأْتِي فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بَدَلَ مُطْلَقًا في الْوَاحِدِ وَيَجُوزُ أَيْ يَكْفِي الْإِفْرَادُ لِلْوَاحِدِ وَيَكُونُ آتِيًا بِأَصْلِ السُّنَّةِ وَالْأَوْلَى مُرَاعَاةُ صِيغَةِ الْجَمْعِ معه لِيَحْصُلَ بها التَّعْظِيمُ أَمَّا الْإِفْرَادُ لِلْجَمَاعَةِ فَلَا يَكْفِي وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّقْيِيدِ بِالْوَاحِدِ من زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ من كَلَامِ الْأَصْلِ في صِيغَةِ الرَّدِّ
وَالْإِشَارَةُ بِهِ بِيَدٍ أو نَحْوِهَا بِلَا لَفْظِ خِلَافُ الْأَوْلَى لِلنَّهْيِ عنه في خَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَلَا يَجِبُ لها رَدٌّ
وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّفْظِ أَفْضَلُ من الِاقْتِصَارِ على اللَّفْظِ
____________________
(4/183)
وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَلَوَى بيده بِالتَّسْلِيمِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَيَدُلُّ له أَنَّ أَبَا دَاوُد رَوَاهُ وقال في رِوَايَةٍ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا
وَصِيغَتُهُ رَدًّا وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ قال في الْأَصْلِ أو وَعَلَيْك السَّلَامُ لِلْوَاحِدِ وَكَذَا لو تَرَكَ الْوَاوَ فقال عَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَإِنْ كان ذِكْرُهَا أَفْضَلَ كما أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُهُ فَإِنْ عَكَسَ فِيهِمَا فقال وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ أو السَّلَامُ عَلَيْكُمْ جَازَ وَكَفَى فَإِنْ قال وَعَلَيْكُمْ وَسَكَتَ عن السَّلَامِ لم يَجُزْ إذْ ليس فيه تَعَرُّضٌ لِلسَّلَامِ وَقِيلَ يُجْزِئُ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وقد يُقَالُ يُؤَيِّدُ الثَّانِي ما يَأْتِي من أَنَّهُ لو سَلَّمَ على الْمُسْلِمِ ذِمِّيٌّ لم يَزِدْ في الرَّدِّ على قَوْلِهِ وَعَلَيْك وَيُجَابُ بِأَنَّهُ ليس الْغَرَضُ ثَمَّ السَّلَامُ على الذِّمِّيِّ بَلْ الْغَرَضُ أَنْ يَرُدَّ عليه لِمَا ثَبَتَ في الحديث
وهو أَيْ السَّلَامُ ابْتِدَاءً وَرَدًّا بِالتَّعْرِيفِ أَفْضَلُ منه بِالتَّنْكِيرِ فَيَكْفِي سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَعَلَيْكُمْ سَلَامٌ وَإِنْ كَانَا مَفْضُولَيْنِ
وَزِيَادَةُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ على السَّلَامِ ابْتِدَاءً وَرَدًّا أَكْمَلُ من تَرْكِهَا وَجَاءَ فيه في الِابْتِدَاءِ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ
وَإِنْ سَلَّمَ كُلٌّ من اثْنَيْنِ تَلَاقِيًا على الْآخَرِ مَعًا لَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا الرَّدُّ على الْآخَرِ وَلَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ بِالسَّلَامِ أو مُرَتَّبًا كَفَى الثَّانِي سَلَامُهُ رَدًّا نعم إنْ قَصَدَ بِهِ الِابْتِدَاءَ صَرَفَهُ عن الْجَوَابِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَيُؤْخَذُ من تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِكَفَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُجِيبَ بِغَيْرِ سَلَامِهِ
وَإِنْ سَلَّمَ عليه جَمَاعَةٌ كَفَاهُ أَنْ يَقُولَ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ بِقَصْدِهِمْ أَيْ بِقَصْدِ الرَّدِّ عليهم جميعا كما لو صلى على جَنَائِزَ صَلَاةً وَاحِدَةً بِخِلَافِ ما إذَا لم يَقْصِدْ الرَّدَّ عليهم جميعا وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لو أَطْلَقَ لم يَكْفِهِ وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ
وَيُسَلِّمُ نَدْبًا الرَّاكِبُ على الْمَاشِي وَالْمَاشِي على الْوَاقِفِ وَالصَّغِيرُ على الْكَبِيرِ والجمع الْقَلِيلُ على الْكَثِيرِ في حَالِ التَّلَاقِي في طَرِيقٍ كما ثَبَتَ ذلك في الصَّحِيحَيْنِ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِالسَّلَامِ الْأَمَانُ وَالْمَاشِي يَخَافُ الرَّاكِبَ وَالْوَاقِفُ يَخَافُ الْمَاشِي فَأَمَرَ بِالِابْتِدَاءِ لِيَحْصُلَ مِنْهُمَا الْأَمْنُ وَلِلْكَبِيرِ وَالْكَثِيرِ زِيَادَةُ مَرْتَبَةٍ فَأَمَرَ الصَّغِيرَ وَالْقَلِيلَ بِالِابْتِدَاءِ تَأَدُّبًا فَلَوْ تَلَاقَى مَاشٍ وَكَثِيرُ رَاكِبٍ تَعَارَضَا
وَإِنْ عُكِسَ بِأَنْ سَلَّمَ الْمَاشِي على الرَّاكِبِ وَالْوَاقِفُ على الْمَاشِي وَالْكَبِيرُ على الصَّغِيرِ وَالْكَثِيرُ على الْقَلِيلِ لم يُكْرَهْ وَإِنْ كان خِلَافَ السُّنَّةِ وَذِكْرُ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ في سَلَامِ الْكَبِيرِ على الصَّغِيرِ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ في أَذْكَارِهِ
وَكُلُّهُمْ يُسَلِّمُ فِيمَا إذَا وَرَدُوا على قَاعِدٍ على الْقَاعِدِ مُطْلَقًا عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ ثُمَّ هذا الْأَدَبُ فِيمَا إذَا تَلَاقَيَا أو تَلَاقَوْا في طَرِيقٍ فَأَمَّا إذَا وَرَدُوا على قَاعِدٍ أو على قُعُودٍ فإن الْوَارِدَ يَبْدَأُ سَوَاءٌ كان صَغِيرًا أو كَبِيرًا قَلِيلًا أو كَثِيرًا انْتَهَى وَكَالْقَاعِدِ الْوَاقِفُ وَالْمُضْطَجِعُ
وَيُكْرَهُ تَخْصِيصُ الْبَعْضِ من الْجَمْعِ بِالسَّلَامِ ابْتِدَاءً وَرَدًّا لِأَنَّ الْقَصْدَ منه الْمُؤَانَسَةُ وَالْأُلْفَةُ وفي تَخْصِيصِ الْبَعْضِ إيحَاشُ الْبَاقِينَ وَرُبَّمَا صَارَ سَبَبًا لِلْعَدَاوَةِ
فَرْعٌ وَيُسَنُّ السَّلَامُ لِلنِّسَاءِ مع بَعْضِهِنَّ وَغَيْرِهِنَّ لَا مع الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ أَفْرَادًا وَجَمْعًا
فَيَحْرُمُ السَّلَامُ عليهم من الشَّابَّةِ ابْتِدَاءً وَرَدًّا خَوْفَ الْفِتْنَةِ وَيُكْرَهَانِ أَيْ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ وَرَدُّهُ عليها نعم لَا يُكْرَهُ سَلَامُ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ من الرِّجَالِ عليها إنْ لم يُخَفْ فِتْنَةٌ ذَكَرَهُ في الْأَذْكَارِ وَذِكْرُ حُرْمَةِ وَكَرَاهَةِ ابْتِدَائِهَا بِهِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ
لَا على جَمْعِ نِسْوَةٍ أو عَجُوزٍ أَيْ لَا يُكْرَهُ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ وَرَدُّهُ عَلَيْهِنَّ لِانْتِفَاءِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ بَلْ يُنْدَبُ الِابْتِدَاءُ بِهِ مِنْهُنَّ على غَيْرِهِنَّ وَعَكْسُهُ وَيَجِبُ الرَّدُّ لِذَلِكَ وَذِكْرُ الِابْتِدَاءِ مِنْهُنَّ ما عَدَا الْعَجُوزَ من زِيَادَتِهِ وَيُسْتَثْنَى عبد الْمَرْأَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا وَمِثْلُهُ كُلُّ من يُبَاحُ نَظَرُهُ إلَيْهَا كَمَمْسُوحٍ
وَلَوْ سَلَّمَ بِالْعَجَمِيَّةِ جَازَ إذَا فَهِمَ الْمُخَاطَبُ وَإِنْ قَدَرَ على الْعَرَبِيَّةِ وَوَجَبَ الرَّدُّ لِأَنَّهُ يُسَمَّى سَلَامًا
وَلَا يَبْدَأُ بِهِ أَيْ بِالسَّلَامِ فَاسِقًا ولا مُبْتَدِعًا على الْمُخْتَارِ إلَّا لِعُذْرٍ كَخَوْفٍ من مَفْسَدَةٍ وَالتَّرْجِيحُ وَالِاسْتِثْنَاءُ في مَسْأَلَةِ الْفَاسِقِ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ في الْأَذْكَارِ وَغَيْرِهِ وَسَكَتَ عن حُكْمِ الرَّدِّ على الْفَاسِقِ وَالْمُبْتَدِعِ وقد قال في الْأَذْكَارِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُسَلِّمَ عَلَيْهِمَا وَلَا يَرُدَّ عَلَيْهِمَا السَّلَامَ كما قَالَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ
وفي وُجُوبِ الرَّدِّ على الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ إذَا سَلَّمَا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا في الْمَجْمُوعِ الْمَنْعُ لِأَنَّ السَّلَامَ عِبَادَةٌ وَهِيَ لَا تُقْصَدُ مِنْهُمَا
وَيَحْرُمُ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ الشَّخْصُ ذِمِّيًّا لِلنَّهْيِ عنه في خَبَرِ مُسْلِمٍ
فَإِنْ بَانَ من سَلَّمَ هو عليه ذِمِّيًّا فَلْيَقُلْ له اسْتَرْجَعْت سَلَامِي تَحْقِيرًا له كَذَا في أَصْلِ الرَّوْضَةِ والَّذِي في الرَّافِعِيِّ وَالْأَذْكَارِ وَغَيْرِهِمَا فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَرِدَّ سَلَامَهُ بِأَنْ يَقُولَ رُدَّ عَلَيَّ سَلَامِي قال في الْأَذْكَارِ وَالْغَرَضُ من ذلك أَنْ يُوحِشَهُ وَيُظْهِرَ له أَنْ ليس بَيْنَهُمَا أُلْفَةٌ وَرُوِيَ أَنَّ
____________________
(4/184)
ابْنَ عُمَرَ سَلَّمَ على رَجُلٍ فَقِيلَ له إنَّهُ يَهُودِيٌّ فَتَبِعَهُ وقال له رُدَّ عَلَيَّ سَلَامِي انْتَهَى وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ كُلًّا من الصِّيغَتَيْنِ كَافِيَةٌ
وَإِنْ سَلَّمَ الذِّمِّيُّ على مُسْلِمٍ قال له وُجُوبًا كما قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَعَلَيْك فَقَطْ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ خَبَرَ إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ الْيَهُودُ فَإِنَّمَا يقول أَحَدُهُمْ السَّامُّ عَلَيْك فَقُولُوا وَعَلَيْك وقال الْخَطَّابِيُّ كان سُفْيَانُ يَرْوِي عَلَيْكُمْ بِحَذْفِ الْوَاوِ وهو الصَّوَابُ لِأَنَّهُ إذَا حَذَفَهَا صَارَ قَوْلُهُمْ مَرْدُودًا عليهم وإذا ذَكَرَهَا وَقَعَ الِاشْتِرَاكُ مَعَهُمْ وَالدُّخُولُ فِيمَا قَالُوهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْمَعْنَى وَنَحْنُ نَدْعُو عَلَيْكُمْ بِمَا دَعَوْتُمْ بِهِ عَلَيْنَا على أَنَّا فَسَّرْنَا السَّامَّ بِالْمَوْتِ فَلَا إشْكَالَ لِاشْتِرَاكِ الْخَلْقِ فيه وَيَسْتَثْنِيه أَيْ الذِّمِّيَّ وُجُوبًا وَلَوْ بِقَلْبِهِ إنْ كان بين مُسْلِمِينَ وسلم عليهم وَلَوْ قال إنْ كان مع مُسْلِمٍ كان أَخْصَرَ وَأَعَمَّ
وَلَا يَبْدَأُ الذِّمِّيَّ بِتَحِيَّةِ غَيْرِ السَّلَامِ أَيْضًا إلَّا لِعُذْرٍ كَقَوْلِهِ هَدَاك اللَّهُ أو أَنْعَمَ اللَّهُ صَبَاحَك أو صُبِّحْت بِالْخَيْرِ أو بِالسَّعَادَةِ أو أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك فَإِنْ لم يَكُنْ عُذْرٌ لم يَبْدَأْهُ بِشَيْءٍ من الْإِكْرَامِ أَصْلًا فإن ذلك بَسْطٌ له وَإِينَاسٌ وَمُلَاطَفَةٌ وَإِظْهَارُ وُدٍّ وَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِالْإِغْلَاظِ عليهم وَمَنْهِيُّونَ عن وُدِّهِمْ فَلَا تُظْهِرْهُ قال تَعَالَى لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ يُوَادُّونَ من حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَإِنْ كَتَبَ إلَى كَافِرٍ كِتَابًا وَأَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ فيه سَلَامًا قال أَيْ كَتَبَ نَدْبًا ما كَتَبَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَى هِرَقْلَ السَّلَامُ على من اتَّبَعَ الْهُدَى
وَلَوْ قام عن جَلِيسٍ له فَسَلَّمَ عليه وَجَبَ الرَّدُّ عليه لِأَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ منه سُنَّةٌ لِخَبَرِ إذَا انْتَهَى أحدكم إلَى الْمَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ فإذا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ فَلَيْسَتْ الْأُولَى بِأَحَقَّ من الْآخِرَةِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَقِيلَ لَا يَجِبُ الرَّدُّ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وما صَرَّحَ بِتَرْجِيحِهِ صَوَّبَهُ في الْمَجْمُوعِ في بَابِ الْجُمُعَةِ
وَمَنْ دخل دَارِهِ فَلْيُسَلِّمْ نَدْبًا على أَهْلِهِ لِخَبَرِ أَنَسٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال له يا بُنَيَّ إذَا دَخَلْت على أَهْلِك فَسَلِّمْ يَكُنْ بَرَكَةً عَلَيْك وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِك رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ
أو دخل مَوْضِعًا خَالِيًا عن الناس فَلْيَقُلْ نَدْبًا السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ لِمَا رَوَى مَالِكٌ في مُوَطَّئِهِ أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ ذلك حِينَئِذٍ وقال تَعَالَى فإذا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا على أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً من عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً
وَيُسَمِّ اللَّهَ نَدْبًا قبل دُخُولِهِ وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ ثُمَّ يُسَلِّمُ بَعْدَ دُخُولِهِ لِخَبَرِ أبي دَاوُد إذَا وَلَجَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَ الْمَوْلَجِ وَخَيْرَ الْمَخْرَجِ بِسْمِ اللَّهِ وَلَجْنَا وَبِسْمِ اللَّهِ خَرَجْنَا وَعَلَى اللَّهِ رَبِّنَا تَوَكَّلْنَا ثُمَّ لِيُسَلِّمْ على أَهْلِهِ
وَلَا يُسَلِّمُ على من في الْحَمَّامِ أَيْ لَا يُسْتَحَبُّ السَّلَامُ عليه قال الرَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ بَيْتُ الشَّيْطَانِ وَلِاشْتِغَالِهِ بِالْغُسْلِ وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِ الْأَوَّلَ دُخُولُ مَحَلِّ نَزْعِ الثِّيَابِ وَالثَّانِيَ خُرُوجُهُ وهو الظَّاهِرُ وَعَلَيْهِ جَرَى الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ
ولا على من يَقْضِي الْحَاجَةَ لِلنَّهْيِ عنه وَلِأَنَّ مُكَالَمَتَهُ بَعِيدَةٌ عن الْأَدَبِ وَالْمُرُوءَةِ
أو على من يَأْكُلُ وَخَصَّهُ الْإِمَامُ بِحَالَةِ الْمَضْغِ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ في أَذْكَارِهِ وَالشُّرْبُ كَالْأَكْلِ كما في التَّعْلِيقَةِ
أو على من يُصَلِّيَ لِاشْتِغَالِهِ بِالصَّلَاةِ وفي مَعْنَاهَا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ
أو على من يُؤَذِّنُ وَالضَّابِطُ كما قَالَهُ الْإِمَامُ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ بِحَالَةٍ لَا يَلِيقُ بِالْمُرُوءَةِ الْقُرْبُ منه فيها فَيَدْخُلُ النَّائِمُ وَالنَّاعِسُ وَالْخَطِيبُ
وَلَا يَلْزَمُ من لَا يُسْتَحَبُّ السَّلَامُ عليه الرَّدُّ عليه أَيْ على من سَلَّمَ عليه وَيُسْتَثْنَى منه السَّلَامُ على مُسْتَمِعِ الْخُطْبَةِ فإنه يَجِبُ فيه الرَّدُّ مع أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كما مَرَّ في بَابِ الْجُمُعَةِ بِمَا فيه
وَيَرُدُّ الْمُلَبِّي في الْإِحْرَامِ بِاللَّفْظِ على من سَلَّمَ عليه وَتَقَدَّمَ في الْحَجِّ أَنَّهُ يُكْرَهُ السَّلَامُ عليه قال في الْأَذْكَارِ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ له قَطْعُ التَّلْبِيَةِ انْتَهَى وَرَدُّ الْمُلَبِّي مَحْمُولٌ على الِاسْتِحْبَابِ لِمَا مَرَّ آنِفًا
وَيُكْرَهُ الرَّدُّ لِمَنْ يَبُولُ أو يُجَامِعُ أو لِنَحْوِهِمَا كما مَرَّ في الِاسْتِنْجَاءِ
وَيُسَنُّ الرَّدُّ لِمَنْ يَأْكُلُ أو في الْحَمَّامِ بِاللَّفْظِ وَكَذَا يُسَنُّ لِلْمُصَلِّي وَنَحْوِهِ كَسَاجِدٍ لِتِلَاوَةٍ وَمُؤَذِّنٍ بِالْإِشَارَةِ وَقَوْلُهُ وَنَحْوِهِ من زِيَادَتِهِ
وَيُسَنُّ إرْسَالُ السَّلَامِ إلَى غَائِبٍ عنه بِرَسُولٍ أو كِتَابٍ وَيَجِبُ على الرَّسُولِ التَّبْلِيغُ لِلْغَائِبِ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ ويجب على الْغَائِبِ الرَّدُّ فَوْرًا بِاللَّفْظِ في الرَّسُولِ وَبِهِ أو بِالْكِتَابَةِ في الْكِتَابِ وَيُسْتَحَبُّ الرَّدُّ على الْمُبَلِّغِ أَيْضًا فيقول وَعَلَيْهِ وَعَلَيْك السَّلَامُ
ويستحب أَنْ يَحْرِصَ كُلٌّ من الْمُتَلَاقِيَيْنِ على الْبُدَاءَةِ بِالسَّلَامِ لَخَبَرِ أَنَّ
____________________
(4/185)
أَوْلَى الناس بِاَللَّهِ من بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ وَخَيْرُهُمَا الذي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ
وأن يَتَكَرَّرَ بِتَكَرُّرِ التَّلَاقِي لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ في خَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ أَنَّهُ جاء فَصَلَّى ثُمَّ جاء إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَسَلَّمَ عليه فَرَدَّ عليه السَّلَامَ فقال ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لم تُصَلِّ فَرَجَعَ فَصَلَّى ثُمَّ جاء فَسَلَّمَ عليه حتى فَعَلَ ذلك ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَرَوَى أبو دَاوُد خَبَرًا إذَا لَقِيَ أحدكم أَخَاهُ فَلْيُسَلِّمْ عليه فَإِنْ حَالَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ أو جِدَارٌ أو حَجَرٌ ثُمَّ لَقِيَهُ فَلْيُسَلِّمْ عليه وَخَرَجَ بِتَكَرُّرِ التَّلَاقِي ما إذَا لم يَتَكَرَّرْ بِأَنْ اتَّحِدَ مَجْلِسُ سَلَامٍ بِأَنْ سَلَّمَ فيه على رَجُلٍ فَرَدَّ عليه ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ عليه فيه ثَانِيًا فَلَا يُسْتَحَبُّ كما صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيِّ
وَأَنْ يَبْدَأَ بِهِ قبل الْكَلَامِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ في ذلك وَأَمَّا خَبَرُ السَّلَامُ قبل الْكَلَامِ فَضَعِيفٌ
وَإِنْ كان مَارًّا في سُوقٍ أو جَمْعٍ لَا يَنْتَشِرُ فِيهِمْ السَّلَامُ الْوَاحِدُ كَالْجَامِعِ سَلَّمَ على من يَلِيه فَقَطْ أَوَّلًا أَيْ أَوَّلَ مُلَاقَاتِهِ لِأَنَّهُ لو سَلَّمَ على الْجَمِيعِ تَعَطَّلَ عن كُلٍّ منهم وَخَرَجَ بِهِ عن الْعُرْفِ وإذا سَلَّمَ على من يَلِيه كان مُؤَدِّيًا سُنَّةَ السَّلَامِ في حَقِّ من سَمِعَهُ وَيَدْخُلُ في وُجُوبِ الرَّدِّ كُلُّ من سَمِعَهُ
فَإِنْ جَلَسَ إلَى من سَمِعَهُ سَقَطَ عنه سُنَّةُ السَّلَامِ في حَقِّ من لم يَسْمَعْ
وَإِنْ تَخَطَّى وَجَلَسَ إلَى من لم يَسْمَعْ سَلَامَهُ سَلَّمَ ثَانِيًا وَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ لِلرَّدِّ عن الْأَوَّلِينَ بِرَدِّ الْآخَرِينَ
وَلَا يَتْرُكُ السَّلَامَ خَوْفَ عَدَمِ الرَّدِّ عليه لِتَكَبُّرٍ أو غَيْرِهِ لِأَنَّ الذي أُمِرَ بِهِ الْمَارُّ أَنْ يُسَلِّمَ لَا أَنْ يَحْصُلَ الرَّدُّ مع أَنَّ الْمُرُورَ بِهِ قد يُرَدُّ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَلَّمَ على إنْسَانٍ وَتَوَجَّهَ عليه الرَّدُّ فلم يُرِدْ أَنْ يُحَلِّلَهُ من ذلك فيقول أَبْرَأْته من حَقِّي في رَدِّ السَّلَامِ أو جَعَلْتُهُ في حِلٍّ منه أو نَحْوِ ذلك وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ له بِعِبَارَةٍ لَطِيفَةٍ رَدُّ السَّلَامِ وَاجِبٌ فَيَنْبَغِي لَك أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ لِيَسْقُطَ عَنْك الْفَرْضُ
وَالتَّحِيَّةُ من الْمَارِّ على من خَرَجَ من حَمَّامٍ أو غَيْرِهِ بِنَحْوِ صَبَّحَك اللَّهُ بِالْخَيْرِ أو بِالسَّعَادَةِ أو قَوَّاك اللَّهُ أو طَابَ حَمَّامُك أو غَيْرُهَا من أَلْفَاظِ الْعُرْفِ لَا أَصْلَ لها إذْ لم يَثْبُتْ فيها شَيْءٌ وَلَا جَوَابَ لِقَائِلِهَا على الْمَدْعُوِّ له فَإِنْ أَجَابَهُ بِالدُّعَاءِ فَحَسَنٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ تَأْدِيبَهُ لِتَرْكِهِ السَّلَامَ فَتَرْكُ الدُّعَاءِ له حَسَنٌ
وَأَمَّا الطَّلْبَقَةُ أَيْ التَّحِيَّةُ بها وَهِيَ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك فَقِيلَ بِكَرَاهَتِهَا قال الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كان من أَهْلِ الدِّينِ أو الْعِلْمِ أو من وُلَاةِ الْعَدْلِ فَالدُّعَاءُ له بِذَلِكَ قُرْبَةٌ وَإِلَّا فَمَكْرُوهٌ بَلْ حَرَامٌ وَكَلَامُ ابْنِ أبي الدَّمِ يُشِيرُ إلَى ما قَالَهُ
وَحَنْيُ الظَّهْرِ مَكْرُوهٌ لِخَبَرِ أَنَّ رَجُلًا قال يا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أو صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي له قال لَا قال أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ قال لَا قال فَيَأْخُذُ بيده وَيُصَافِحُهُ قال نعم رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَلَا يُغْتَرُّ بِكَثْرَةِ من يَفْعَلُهُ مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَى عِلْمٍ وَصَلَاحٍ وَغَيْرِهِمَا وما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ من جَوَازِ الِانْحِنَاءِ قال الْإِسْنَوِيُّ مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَلِلْمَعْرُوفِ في الْمَذْهَبِ وَأَطَالَ في بَيَانِهِ
وَالْقِيَامُ لِلدَّاخِلِ مُسْتَحَبٌّ إنْ كان فيه فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ من عِلْمٍ أو صَلَاحٍ أو شَرَفٍ أو وِلَادَةٍ أو رَحِمٍ أو وِلَايَةٍ مَصْحُوبَةٍ بِصِيَانَةٍ أو نَحْوِهَا وَيَكُونُ هذا الْقِيَامُ لِلْبِرِّ وَالْإِكْرَامِ وَالِاحْتِرَامِ لَا لِلرِّيَاءِ وَالْإِعْظَامِ اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ قال الْأَذْرَعِيُّ بَلْ يَظْهَرُ وُجُوبُهُ في هذا الزَّمَانِ دَفْعًا لِلْعَدَاوَةِ وَالتَّقَاطُعِ كما أَشَارَ إلَيْهِ ابن عبد السَّلَامِ فَيَكُونُ من بَابِ دَفْعِ الْمَفَاسِدِ
وَيَحْرُمُ على الدَّاخِلِ مَحَبَّةُ الْقِيَامِ له فَفِي الحديث الْحَسَنِ من أَحَبَّ أَنْ يَتَمَثَّلَ له الناس قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ من النَّارِ وَالْمُرَادُ بِتَمَثُّلِهِمْ له قِيَامًا أَنْ يَقْعُدَ وَيَسْتَمِرُّوا قِيَامًا له كَعَادَةِ الْجَبَابِرَةِ كما أَشَارَ إلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ وَمِثْلُهُ حُبُّ الْقِيَامِ له تَفَاخُرًا وَتَطَاوُلًا على الْأَقْرَانِ أَمَّا من أَحَبَّ ذلك إكْرَامًا له لَا على الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَتَّجِهُ تَحْرِيمُهُ لِأَنَّهُ صَارَ شِعَارًا في هذا الزَّمَنِ لِتَحْصِيلِ الْمَوَدَّةِ نَبَّهَ عليه ابن الْعِمَادِ
وَتَقْبِيلُ الْيَدِ لِزُهْدٍ أو صَلَاحٍ أو كِبَرِ سِنٍّ أو نَحْوِهَا من الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ كَشَرَفٍ وَصِيَانَةٍ مُسْتَحَبٌّ اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ وتقبيلها لِدُنْيَا وَثَرْوَةٍ وَنَحْوِهِمَا كَشَوْكَةٍ وَوَجَاهَةٍ عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا مَكْرُوهٌ شَدِيدُ الْكَرَاهَةِ
وَتَقْبِيلُ خَدِّ طِفْلٍ وَلَوْ لِغَيْرِهِ لَا يُشْتَهَى وسائر أَطْرَافِهِ أَيْ تَقْبِيلُ كُلٍّ منها شَفَقَةً وَرَحْمَةً مُسْتَحَبٌّ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ في ذلك أَمَّا تَقْبِيلُهَا بِشَهْوَةٍ فَحَرَامٌ
وَلَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ وَجْهِ الْمَيِّتِ الصَّالِحِ لِلتَّبَرُّكِ
وَيُسَنُّ تَقْبِيلُ وَجْهِ صَاحِبٍ قَدِمَ من السَّفَرِ أو نَحْوِهِ وَمُعَانَقَتُهُ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَيُكْرَهُ ذلك لِغَيْرِ الْقَادِمِ من سَفَرٍ أو نَحْوِهِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ في الْكَلَامِ على حَنْيِ الظَّهْرِ هذا كُلُّهُ في غَيْرِ الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ الْوَجْهِ أَمَّا هو فَيَحْرُمُ تَقْبِيلُهُ بِكُلِّ حَالٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُعَانَقَتَهُ كَتَقْبِيلِهِ أو قَرِيبَةٌ منه وَلَا فَرْقَ في هذا بين أَنْ يَكُونَ الْمُقَبِّلُ وَالْمُقَبَّلُ
____________________
(4/186)
صَالِحَيْنِ أَمْ فَاسِقَيْنِ أَمْ أَحَدُهُمَا صَالِحًا وَالْآخَرُ فَاسِقًا ذُكِرَ ذلك في الْأَذْكَارِ
وَتُسَنُّ الْمُصَافَحَةُ مع الْبَشَاشَةِ بِالْوَجْهِ وَالدُّعَاءِ بِالْمَغْفِرَةِ وَغَيْرِهَا لِلتَّلَاقِي في الثَّلَاثَةِ لِلْخَبَرِ الْمُشَارِ إلَيْهِ آنِفًا وَلِخَبَرِ ما من مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إلَّا غُفِرَ لَهُمَا قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَلِخَبَرِ أَنَّ الْمُسْلِمَيْنِ إذَا الْتَقَيَا فَتَصَافَحَا وَتَكَاشَرَا بِوُدٍّ وَنَصِيحَةٍ تَنَاثَرَتْ خَطَايَاهُمَا بَيْنَهُمَا وفي رِوَايَةٍ إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ فَتَصَافَحَا وَحَمِدَا اللَّهَ تَعَالَى وَاسْتَغْفَرَا غَفَرَ اللَّهُ لَهُمَا قال في الْأَذْكَارِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْتَرِزَ من مُصَافَحَةِ الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ الْوَجْهِ لِمَا فيه من الْمَسِّ
وَلَا أَصْلَ لها أَيْ لِلْمُصَافَحَةِ بَعْدَ صَلَاتَيْ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ ولكن لَا بَأْسَ بها فَإِنَّهَا من جُمْلَةِ الْمُصَافَحَةِ وقد حَثَّ الشَّارِعُ عليها
وَإِنْ قَصَدَ بَابًا مُغْلَقًا لِغَيْرِهِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ على أَهْلِهِ ثُمَّ يَسْتَأْذِنَ فَيَقُولَ وهو عِنْدَ الْبَابِ بِحَيْثُ لَا يَنْظُرُ إلَى من بِدَاخِلِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ رَوَاهُ هَكَذَا أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ فَإِنْ لم يُجَبْ أَعَادَهُ إلَى ثَلَاثٍ من الْمَرَّاتِ فَإِنْ أُجِيبَ فَذَاكَ وَالْأَرْجَحُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثًا فَإِنْ أُذِنَ لَك وَإِلَّا فَارْجِعْ فَإِنْ قِيلَ له بَعْدَ اسْتِئْذَانِهِ بِدَقِّ الْبَابِ أو نَحْوِهِ من أنت فَلْيَقُلْ نَدْبًا فُلَانُ بن فُلَانٍ أو فُلَانُ الْمَعْرُوفُ بِكَذَا أو نَحْوِهِ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ التَّعْرِيفُ التَّامُّ بِهِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ في ذلك وَلَا بَأْسَ أَنْ يُكَنِّيَ نَفْسَهُ أو يَقُولَ الْقَاضِي ك فُلَانٌ أو الشَّيْخُ فُلَانٌ أو نَحْوُهُ مِمَّا يُعْرَفُ بِهِ وَإِنْ تَضَمَّنَ تَبْجِيلًا له لِيُعْرَفَ أَيْ إذَا لم يَعْرِفْهُ الْمُخَاطَبُ إلَّا بِهِ لِذَلِكَ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَعَتْ إلَيْهِ مع عَدَمِ إرَادَةِ الِافْتِخَارِ وَيُكْرَهُ اقْتِصَارُهُ في التَّعْرِيفِ على قَوْلِهِ أنا أو الْخَادِمُ أو نَحْوُهُ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِهِ كَالْمُحِبِّ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن جَابِرٍ قال أَتَيْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَدَقَقْت الْبَابَ فقال من ذَا فَقُلْت أنا فقال أنا أنا كَأَنَّهُ كَرِهَهَا
وَتُسَنُّ زِيَارَةُ الصَّالِحِينَ وَالْجِيرَانِ غَيْرِ الْأَشْرَارِ وَالْإِخْوَانِ وَالْأَقَارِبِ وَإِكْرَامِهِمْ بِحَيْثُ لَا يَشُقُّ عليه وَلَا عليهم فَتَخْتَلِفُ زِيَارَتُهُمْ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ وَمَرَاتِبِهِمْ وَفَرَاغِهِمْ لِلْأَخْبَارِ الْمَشْهُورَةِ في ذلك
وتسن اسْتِزَارَتُهُمْ بِأَنْ يَطْلُبَ منهم أَنْ يَزُورُوهُ وَأَنْ يُكْثِرُوا زِيَارَتَهُ بِحَيْثُ لَا يَشُقُّ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِجِبْرِيلَ ما يَمْنَعُك أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا فَنَزَلَتْ وما نَتَنَزَّلُ إلَّا بِأَمْرِ رَبِّك
وتسن عِيَادَةُ الْمَرْضَى لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ من عَادَ مَرِيضًا أو زَارَ أَخًا له في اللَّهِ تَعَالَى نَادَاهُ مُنَادٍ بِأَنْ طِبْت وَطَابَ مَمْشَاك وَتَبَوَّأْت من الْجَنَّةِ مَنْزِلًا
وَأَنْ يَضَعَ الْعَاطِسُ أَيْ الذي جَاءَهُ الْعُطَاسُ يَدَهُ أو ثَوْبَهُ أو نَحْوَهُ على وَجْهِهِ وَيَخْفِضَ صَوْتَهُ ما أَمْكَنَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَى ابن السُّنِّيِّ خَبَرًا أَنَّ اللَّهَ يَكْرَهُ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالتَّثَاؤُبِ وَالْعُطَاسِ وأن يَحْمَدَ اللَّهَ عَقِبَ عُطَاسِهِ بِأَنْ يَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ قال في الْأَذْكَارِ فَلَوْ قال الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كان أَحْسَنَ وَلَوْ قال الْحَمْدُ لِلَّهِ على كل حَالٍ كان أَفْضَلَ لِخَبَرِ أبي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إذَا عَطَسَ أحدكم فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ على كل حَالٍ وَلْيَقُلْ أَخُوهُ أو صَاحِبُهُ يَرْحَمُك اللَّهُ وَيَقُولُ هو يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ
وَإِنْ كان الْعَاطِسُ في صَلَاةٍ أَسَرَّ بِهِ أو في حَالَةِ الْبَوْلِ أو الْجِمَاعِ أو نَحْوِهِمَا حَمِدَ اللَّهَ في نَفْسِهِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَتَقَدَّمَتْ الْأُولَى في الِاسْتِنْجَاءِ
فَإِنْ حَمِدَ اللَّهَ شُمِّتَ لِلْأَمْرِ بِهِ في الصَّحِيحَيْنِ
فَإِنْ تَكَرَّرَ منه الْعُطَاسُ مُتَوَالِيًا سُنَّ تَشْمِيتُهُ لِكُلِّ مَرَّةٍ إلَى ثَلَاثٍ من الْمَرَّاتِ لِتَكَرُّرِ السَّبَبِ وَفِيهِ خَبَرٌ رَوَاهُ ابن السُّنِّيِّ ثُمَّ إنْ زَادَ عليها يُدْعَى له بِالشِّفَاءِ وَيُذَكَّرُ بِالْحَمْدِ إنْ تَرَكَهُ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ على مَعْرُوفٍ وَلَا يُشَمِّتُهُ حتى يَسْمَعَ تَحْمِيدَهُ وَأَقَلُّ الْحَمْدِ والتَّشْمِيتِ وَجَوَابِهِ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ صَاحِبُهُ وإذا قال الْعَاطِسُ لَفْظًا آخَرَ غير الْحَمْدِ لم يُشَمَّتْ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ إذَا عَطَسَ أحدكم فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى فَشَمِّتُوهُ فَإِنْ لم يَحْمَدْ اللَّهَ تَعَالَى فَلَا تُشَمِّتُوهُ صَرَّحَ بِذَلِكَ في الرَّوْضَةِ
فَإِنْ شُمِّتَ قال نَدْبًا لِمُشَمِّتِيهِ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ أو يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ أو نَحْوِهِ لِخَبَرِ أبي دَاوُد السَّابِقِ وغَيْرِهِ قال الْإِمَامُ وَلَعَلَّ السَّبَبَ في أَنَّ هذا سُنَّةٌ وَرَدُّ السَّلَامِ وَاجِبٌ أَنَّ التَّشْمِيتَ لِلْعُطَاسِ وَلَا عُطَاسَ بِالْمُشَمِّتِ وَالتَّحِيَّةُ تَشْمَلُ الطَّرَفَيْنِ وفي حُصُولِ الْفَرْقِ بِمَا قَالَهُ نَظَرٌ
وَالتَّشْمِيتُ لِلْمُسْلِمِ يَرْحَمُك اللَّهُ أو رَبُّك لِخَبَرِ أبي دَاوُد السَّابِقِ وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ الْآتِي وكيرحمك اللَّهُ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ وَرَحِمَك اللَّهُ وَرَحِمَكُمْ اللَّهُ ذَكَرَهُ في الْأَذْكَارِ
وهو أَيْ التَّشْمِيتُ سُنَّةُ كِفَايَةٍ كَابْتِدَاءِ السَّلَامِ
والتشميت لِلْكَافِرِ يَهْدِيك اللَّهُ وَنَحْوُهُ لَا يَرْحَمُك اللَّهُ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ
وَيُسَنُّ رَدُّ التَّثَاؤُبِ ما اسْتَطَاعَ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ فإذا عَطَسَ
____________________
(4/187)
أحدكم وَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى كان حَقًّا على كل مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ له يَرْحَمُك اللَّهُ وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّمَا هو من الشَّيْطَانِ فإذا تَثَاءَبَ أحدكم فَلْيَرُدَّهُ ما اسْتَطَاعَ فإن أحدكم إذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ منه الشَّيْطَانُ قال الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعُطَاسَ سَبَبُهُ مَحْمُودٌ وهو خِفَّةُ الْجِسْمِ التي تَكُونُ لِقِلَّةِ الْأَخْلَاطِ وَتَخْفِيفِ الْغِذَاءِ وهو أَمْرٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يُضْعِفُ الشَّهْوَةَ وَيُسَهِّلُ الطَّاعَةَ وَالتَّثَاؤُبُ بِضِدِّ ذلك فَإِنْ غَلَبَ ه التَّثَاؤُبُ سَتَرَ فَمَه بيده أو غَيْرِهَا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ إذَا تَثَاءَبَ أحدكم فَلْيُمْسِكْ بيده على فَمِهِ فإن الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ سَوَاءٌ كان في صَلَاةٍ أَمْ لَا وَالتَّقْيِيدُ بِالْغَلَبَةِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ
وَأَنْ يُلَبِّيَ الدَّاعِي أَيْ الْمُنَادِي له بِأَنْ يَقُولَ له لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ أو لَبَّيْكَ فَقَطْ وأن يُرَحِّبَ بِالْقَادِمِ عليه بِأَنْ يَقُولَ له مَرْحَبًا قال الْأَذْرَعِيُّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَحْرِيمُ تَلْبِيَةِ الْكَافِرِ وَالتَّرْحِيبِ بِهِ وَيَبْعُدُ اسْتِحْبَابُ تَلْبِيَةِ الْفَاسِقِ وَالتَّرْحِيبِ بِهِ أَيْضًا وأن يُخْبِرَ أَخَاهُ بِحُبِّهِ له في اللَّهِ لِلْأَمْرِ بِهِ في الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وأن يَدْعُوَ لِمَنْ أَحْسَنَ إلَيْهِ بِأَنْ يَقُولَ له جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا أو حَفِظَك اللَّهُ أو نَحْوَهُمَا لِلْأَخْبَارِ الْمَشْهُورَةِ في ذلك قال في الْأَذْكَارِ وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ لِلرَّجُلِ الْجَلِيلِ في عِلْمِهِ أو صَلَاحِهِ أو نَحْوِهِمَا جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاك أو فِدَاك أبي وَأُمِّي وَنَحْوِهِمَا وَدَلَائِلُهُ من الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ
الْبَابُ الثَّانِي في كَيْفِيَّةِ الْجِهَادِ وما يَتَعَلَّقُ بِهِ وَفِيهِ أَطْرَافٌ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ في قِتَالِ الْكُفَّارِ وَيُكْرَهُ الْغَزْوُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أو نَائِبِهِ نَادِبًا معه وَلِأَنَّهُ أَعْرَفُ من غَيْرِهِ بِمَصَالِحِ الْجِهَادِ وَلَا يَحْرُمُ إذْ ليس فيه أَكْثَرُ من التَّغْرِيرِ بِالنُّفُوسِ وهو جَائِزٌ في الْجِهَادِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُ ذلك بِالْمُتَطَوِّعَةِ أَمَّا الْمُرْتَزِقَةُ فَلَا يَجُوزُ لهم ذلك قَطْعًا لِأَنَّهُمْ مَرْصُودُونَ لِمُهِمَّاتٍ تَعْرِضُ لِلْإِسْلَامِ يَصْرِفُهُمْ فيها الْإِمَامُ فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْأُجَرَاءِ وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ من اعْتِبَارِ الْإِذْنِ ما لو كان الذَّهَابُ لِلِاسْتِئْذَانِ يُفَوِّتُ الْمَقْصُودَ أو عَطَّلَ الْإِمَامُ الْغَزْوَ وَأَقْبَلَ هو وَجُنُودُهُ على الدُّنْيَا أو غَلَبَ على الظَّنِّ أَنَّهُ إنْ اُسْتُؤْذِنَ لم يَأْذَنْ
وَإِنْ بَعَثَ سَرِيَّةً سُنَّ له أَنْ يُؤَمِّرَ عليهم أَمِيرًا وأن يُلْزِمَهُمْ طَاعَتَهُ وَيُوصِيَهُ بِهِمْ لِخَبَرِ أبي دَاوُد إذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ في سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا على جَيْشٍ أو سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ في خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ معه من الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قال اُغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ وفي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَاتِلُوا من كَفَرَ بِاَللَّهِ
وأن يُبَايِعَهُمْ أَنْ لَا يَفِرُّوا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وأن يَخْرُجُوا صُبْحَ يَوْمِ الْخَمِيسِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ فيه
وَأَنْ يَبْعَثَ الطَّلَائِعَ وَيَتَجَسَّسَ أَخْبَارَ الْكُفَّارِ وَأَنْ يَعْقِدَ الرَّايَاتِ
وَيَجْعَلَ لِكُلِّ فَرِيقٍ رَايَةً وَشِعَارًا حتى لَا يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بَيَانًا
وأن يُعَبِّيَهُمْ بِالْبَاءِ الْمُشَدَّدَةِ بَعْدَ الْعَيْنِ لِلْقِتَالِ بِأَنْ يَدْخُلَ دَارَ الْحَرْبِ بِتَعْبِيَةِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَأَهْيَبُ
وأن يُحَرِّضَهُمْ عليه وَعَلَى الصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ
وأن يَدْعُوَ عِنْدَ اللِّقَاءِ وأن يَسْتَنْصِرَ بِالضُّعَفَاءِ
وأن يُكَبِّرَ بِلَا إسْرَافٍ في رَفْعِ الصَّوْتِ وَكُلُّ ذلك مَشْهُورٌ في سِيَرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
وَيَجِبُ عَرْضُ الْإِسْلَامِ أَوَّلًا على الْكُفَّارِ بِأَنْ يَدْعُوَهُمْ إلَيْهِ إنْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لم تَبْلُغْهُمْ الدَّعْوَةُ وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ
وَجَازَ بَيَاتُهُمْ أَيْ الْإِغَارَةُ عليهم لَيْلًا بِغَيْرِ دُعَاءٍ وَإِنْ كان فِيهِمْ النِّسَاءُ وَالذَّرَارِيُّ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَغَارَ على بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَسُئِلَ عن الْمُشْرِكِينَ يُبَيَّتُونَ فَيُصَابُ من نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ فقال هُمْ منهم رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَأَمَّا خَبَرُ النَّهْيِ عن قَتْلِهِمْ فَمَحْمُولٌ على ما بَعْدَ السَّبْيِ لِأَنَّهُمْ غَنِيمَةٌ
وجاز قِتَالُهُمْ حتى يُسْلِمُوا أو يُؤَدِّيَ أَهْلُ الْجِزْيَةِ الْجِزْيَةَ وَيَجُوزُ مع ذلك أَنْ تُسْبَى نِسَاءُ غَيْرِ أَهْلِ الْجِزْيَةِ وَأَنْ تُغْنَمَ أَمْوَالُهُمْ حتى يُسْلِمُوا كما سَيَأْتِي
وَلَهُ الِاسْتِعَانَةُ عليهم بِعَبِيدٍ أُذِنَ لهم وَمُرَاهِقِينَ أَقْوِيَاءَ كَذَلِكَ وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ وَالْمُكَاتَبَ كِتَابَةً صَحِيحَةً فَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُ سَيِّدِهِمَا وَفِيمَا قَالَهُ في الْمُكَاتَبِ وَقْفَةٌ
____________________
(4/188)
وَالنِّسَاءُ وَالْخَنَاثَى إنْ كَانُوا أَحْرَارًا فَكَالْمُرَاهِقِينَ في اسْتِئْذَانِ الْأَوْلِيَاءِ أو أَرِقَّاءَ فَكَالْعَبِيدِ في اسْتِئْذَانِ السَّادَاتِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ في الرَّقِيقِ إذْنَ سَيِّدِهِ لَا أَصْلُهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ قال وَيُعْتَبَرُ في الْمُبَعَّضِ إذْنُ أَصْلِهِ بِمَا فيه من الْحُرِّيَّةِ وَإِذْنُ سَيِّدِهِ بِمَا فيه من الرِّقِّ
وله الِاسْتِعَانَةُ بِكُفَّارٍ ذِمِّيِّينَ أو مُشْرِكِينَ أَمَّنَّاهُمْ بِأَنْ عَرَفْنَا حُسْنَ رَأْيِهِمْ فِينَا وَنَحْنُ نُقَاوِمُ الْفَرِيقَيْنِ أَيْ الْمُسْتَعَانَ بِهِمْ وَالْمُسْتَعَانَ عليهم لو اجْتَمَعْنَا بِأَنْ لَا يَكْثُرَ الْعَدَدُ بِالْمُسْتَعَانِ بِهِمْ كَثْرَةً ظَاهِرَةً وَبِذَلِكَ يُجْمَعُ بين الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ لِذَلِكَ وَالْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ لِلْمَنْعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ جَوَازُ إحْضَارِ نِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ كَالْمُسْلِمِينَ وهو أَحَدُ قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْأَصْلُ بِلَا تَرْجِيحٍ
ثَانِيهِمَا لَا إذْ لَا قِتَالَ منهم وَلَا رَأْيَ وَلَا يُتَبَرَّكُ بِحُضُورِهِمْ وَالرَّاجِحُ الْجَوَازُ فَقَدْ نَصَّ عليه في الْأُمِّ وَيَتَمَيَّزُونَ عَنَّا أو يَخْتَلِطُونَ بِنَا بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ التي يَرَاهَا الْإِمَامُ
وَيُرَدُّ مُخَذِّلٌ عن الْخُرُوجِ في الْجَيْشِ وهو من يُخَوِّفُ الناس كَأَنْ يَقُولَ عَدُوُّنَا كَثِيرٌ وَخُيُولُنَا ضَعِيفَةٌ وَلَا طَاقَةَ لنا بِهِمْ وَمُرْجِفٌ وهو من يُكْثِرُ الْأَرَاجِيفَ كَأَنْ يَقُولَ قُتِلَتْ سَرِيَّةُ كَذَا أو لَحِقَهُمْ مَدَدٌ لِلْعَدُوِّ من جِهَةِ كَذَا أو لهم كَمِينٌ في مَوْضِعِ كَذَا وَخَائِنٌ وهو من يَتَجَسَّسُ لهم وَيُطْلِعُهُمْ على الْعَوْرَاتِ بِالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَةِ وإنَّمَا كان صلى اللَّهُ عليه وسلم يَخْرُجُ عبد اللَّهِ بن أُبَيٍّ ابن سَلُولَ في الْغَزَوَاتِ وهو رَأْسُ الْمُنَافِقِينَ مع ظُهُورِ التَّخْذِيلِ وَغَيْرِهِ منه لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا أَقْوِيَاءَ في الدِّينِ لَا يُبَالُونَ بِالتَّخْذِيلِ وَنَحْوِهِ وَأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَطَّلِعُ بِالْوَحْيِ على أَفْعَالِهِ فَلَا يَسْتَضِرُّ بِكَيْدِهِ وَيُمْنَعُ كُلٌّ من الثَّلَاثَةِ من أَخْذِ شَيْءٍ من الْغَنِيمَةِ حتى سَلَبِ قَتِيلِهِ
فَصْلٌ لَا يَصِحُّ من أَحَدٍ اسْتِئْجَارُ مُسْلِمٍ لِلْجِهَادِ لِأَنَّهُ يَقَعُ عنه وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ في الْإِجَارَةِ مع زِيَادَةٍ وَلَوْ عَبْدًا فإنه لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُهُ لِلْجِهَادِ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من أَنَّهُ لو دخل الْكُفَّارُ دَارَنَا تَعَيَّنَ على الْعَبْدِ الْجِهَادُ
وَلِلْإِمَامِ وَلَوْ بِنَائِبِهِ بَذْلُ الْأُهْبَةِ وَمِنْهَا السِّلَاحُ من بَيْتِ الْمَالِ أو من مَالِ نَفْسِهِ وَلَهُ الْأَوْلَى فَلَهُ ثَوَابُ عَمَلِهِ أَيْ إعَانَتِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ من جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا
وَثَوَابُ الْجِهَادِ لِمُبَاشِرِهِ وَكَذَا لِلْآحَادِ بَذْلُ ذلك من مَالِهِمْ وَلَهُمْ ثَوَابُ إعَانَتِهِمْ وَثَوَابُ الْجِهَادِ لِمُبَاشِرِهِ وَمَحَلُّهُ في الْمُسْلِمِ أَمَّا الْكَافِرُ فَلَا بَلْ يَرْجِعُ فيه إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى اجْتِهَادٍ لِأَنَّ الْكَافِرَ قد يَخُونُ وما ذُكِرَ مَحَلُّهُ إذَا بَذَلَ ذلك لَا على أَنْ يَكُونَ الْغَزْوُ لِلْبَاذِلِ وَإِلَّا لم يَجُزْ كما صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ
وما يُدْفَعُ إلَى الْمُرْتَزِقَةِ من الْفَيْءِ وَإِلَى الْمُتَطَوِّعَةِ من الصَّدَقَاتِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ليس بِأُجْرَةٍ لهم بَلْ هو مُرَتَّبُهُمْ وَجِهَادُهُمْ وَاقِعٌ عَنْهُمْ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَلَوْ أَجْبَرَ الْإِمَامُ حُرًّا على غُسْلِ أو دَفْنِ فَقِيرٍ مَيِّتٍ وَلَا بَيْتَ مَالٍ ثَمَّ فَلَا أُجْرَةَ له بِخِلَافِ ما لو أَجْبَرَهُ غَيْرُ الْإِمَامِ أو كان غَنِيًّا أو كان ثَمَّ بَيْتُ مَالٍ كما مَرَّ في آخِرِ الْإِجَارَةِ وَقَوْلُهُ حُرًّا من تَصَرُّفِهِ وَلَوْ عَبَّرَ كَأَصْلِهِ بِرَجُلًا كان أَوْلَى وكان الْحَامِلُ له على ذلك الِاخْتِصَارَ في قَوْلِهِ أو أَجْبَرَ حُرًّا مُسْلِمًا على الْجِهَادِ فَكَذَلِكَ أَيْ فَلَا أُجْرَةَ له وَإِنْ قَاتَلَ إنْ تَعَيَّنَ عليه لِمَا مَرَّ وَإِلَّا فَلَهُ أُجْرَةُ الذَّهَابِ أو أَجْبَرَ عليه عَبْدًا فَلِسَيِّدِهِ الْأُجْرَةُ من حِينِ ذَهَابِهِ إلَى عَوْدِهِ لِيَدِهِ
وَلِلْإِمَامِ لَا لِغَيْرِهِ اسْتِئْجَارُ كَافِرٍ لِلْجِهَادِ وَلَوْ بِأَكْثَرَ
____________________
(4/189)
من سَهْمٍ لِرَاجِلٍ أو فَارِسٍ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عنه وَلَا يَضُرُّ الْجَهْلُ بِأَعْمَالِ الْقِتَالِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ في مُعَامَلَاتِ الْكُفَّارِ لِمَصَالِح الْقِتَالِ ما لَا يُحْتَمَلُ في غَيْرِهِ كما في مَسْأَلَةِ الْعِلْجِ الْآتِيَةِ في بَابِ الْأَمَانِ وَإِنَّمَا لم يَجُزْ لِغَيْرِ الْإِمَامِ اسْتِئْجَارُهُ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ لِكَوْنِ الْجِهَادِ من الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَيُفَارِقُ صِحَّةَ اسْتِئْجَارِهِ في الْأَذَانِ بِأَنَّ الْأَجِيرَ ثَمَّ مُسْلِمٌ وَهُنَا كَافِرٌ لَا تُؤْمَنُ خِيَانَتُهُ
وَالْأُجْرَةُ الْوَاجِبَةُ لِلْكَافِرِ مُسَمَّاةً كانت أَمْ أُجْرَةَ الْمِثْلِ تُؤَدَّى من سَهْمِ الْمَصَالِحِ من هذه الْغَنِيمَةِ أو غَيْرِهَا لَا من أَصْلِ الْغَنِيمَةِ وَلَا من أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا لِأَنَّهُ يَحْضُرُ لِلْمَصْلَحَةِ لِأَنَّهُ من أَهْلِ الْجِهَادِ فَإِنْ أَكْرَهَهُ الْإِمَامُ عليه أو اسْتَأْجَرَهُ بِمَجْهُولٍ كَأَنْ قال أُرْضِيك أو أُعْطِيك ما تَسْتَعِينُ بِهِ وَقَاتِلْ وَجَبَتْ له أُجْرَةُ الْمِثْلِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يُقَاتِلْ كَنَظَائِرِهِ وَقَوْلُهُ وَقَاتِلْ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِيَةِ من زِيَادَتِهِ
وَإِنْ قَهَرَهُمْ أَيْ الْكُفَّارَ على الْخُرُوجِ لِلْجِهَادِ ولم يُقَاتِلُوا فَلَا أُجْرَةَ لهم لِمُدَّةِ وُقُوفِهِمْ في الصَّفِّ لِأَنَّهَا في مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ ولم يَحْصُلْ وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْحُرِّ لَا تُضْمَنُ إلَّا بِالتَّفْوِيتِ وَخَرَجَ بِمُدَّةِ وُقُوفِهِمْ مُدَّةُ ذَهَابِهِمْ فَلَهُمْ أُجْرَتُهَا أو هَرَبُوا قبل الْوُقُوفِ في الصَّفِّ أو خَلَّى سَبِيلَهُمْ قَبْلَهُ فَلَهُمْ أُجْرَةُ الذَّهَابِ فَقَطْ وَإِنْ تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهُمْ في الرُّجُوعِ لِأَنَّهُمْ يَنْصَرِفُونَ حِينَئِذٍ كَيْفَ شَاءُوا وَلَا حَبْسَ وَلَا اسْتِئْجَارَ وَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ فَلَا أُجْرَةَ لِمُدَّةِ وُقُوفِهِمْ لِيَكُونَ جَوَابُ ما بَعْدَهُ جَوَابًا لِلْجَمِيعِ كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ
وَإِنْ رَضُوا بِالْخُرُوجِ ولم يَعِدْهُمْ بِشَيْءٍ رَضَخَ لهم من أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ كما مَرَّ في بَابِهَا وَيُفَارِقُ الْأُجْرَةَ بِأَنَّهُ إذَا حَضَرَ طَائِعًا بِلَا مُسَمًّى فَقَدْ تَشَبَّهَ بِالْمُجَاهِدِينَ فَجُعِلَ في الْغَنِيمَةِ مَعَهُمْ بِخِلَافِ ما إذَا حَضَرَ بِأُجْرَةٍ فَإِنَّهَا عِوَضٌ مَحْضٌ وَنَظَرُهُ مَقْصُورٌ عليها فَجُعِلَتْ فِيمَا يَخْتَصُّ بِيَدِ الْإِمَامِ وَتَصَرُّفِهِ وَلَا يُزَاحِمُهُمْ فيه الْغَانِمُونَ لَا إنْ خَرَجُوا بِلَا إذْنٍ من الْإِمَامِ فَلَا شَيْءَ لهم لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا من أَهْلِ الذَّبِّ عن الدِّينِ بَلْ مُتَّهَمُونَ بِالْخِيَانَةِ وَالْمَيْلِ إلَى أَهْلِ دِينِهِمْ سَوَاءٌ أنها هَمٌّ عن الْخُرُوجِ أَمْ لَا بَلْ له تَقْرِيرُهُمْ فِيمَا نَهَاهُمْ عنه إنْ رَآهُ
فَصْلٌ وَيُكْرَهُ لِغَازٍ قَتْلُ قَرِيبٍ له من الْكُفَّارِ لِمَا فيه من قَطْعِ الرَّحِمِ وَلِأَنَّهُ قد تَحْمِلُهُ الشَّفَقَةُ على النَّدَمِ فَيَكُونُ ذلك سَبَبًا لِضَعْفِهِ وقتل الْقَرِيبِ الْمَحْرَمِ أَشَدُّ كَرَاهَةً من قَتْلِ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَصَاحِبْهُمَا في الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وقد مَنَعَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ يوم أُحُدٍ عن قَتْلِ ابْنِهِ عبد الرحمن وَأَبَا حُذَيْفَةَ بن عُتْبَةَ يوم بَدْرٍ عن قَتْلِ أبيه لَا إنْ سَمِعَهُ يَسُبُّ اللَّهَ أو رَسُولَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْمُرَادُ أَنْ يَذْكُرَهُ بِسُوءٍ فَلَا يُكْرَهُ قَتْلُهُ تَقْدِيمًا لِحَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ رَسُولِهِ لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بن الْجَرَّاحِ قَتَلَ أَبَاهُ حين سَمِعَهُ يَسُبُّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فلم يُنْكِرْ عليه صلى اللَّهُ عليه وسلم ذلك
وَيَحْرُمُ قَتْلُ امْرَأَةٍ وَخُنْثَى وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ من الْكُفَّارِ لِلنَّهْيِ في خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَإِلْحَاقِ الْجُنُونِ بِالصَّبِيِّ وَالْخُنْثَى بِالْمَرْأَةِ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَةٍ وَالْمَعْنَى في ذلك أَنَّهُمْ لَيْسُوا من أَهْلِ الْقِتَالِ وَرُبَّمَا يُسْتَرَقُّونَ فَيَكُونُونَ قُوَّةً لنا إلَّا إنْ قَاتَلُوا فَيَجُوزُ قَتْلُهُمْ وَإِنْ أَمْكَنَ دَفْعُهُمْ بِغَيْرِهِ وفي مَعْنَى الْقِتَالِ سَبُّ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى لِلْمُسْلِمِينَ
وَيُقْتَلُ مُرَاهِقٌ أَنْبَتَ الشَّعْرَ الْخَشِنَ على عَانَتِهِ لِأَنَّ إنْبَاتَهُ دَلِيلُ بُلُوغِهِ كما مَرَّ في الْحَجْرِ لَا إنْ ادَّعَى اسْتِعْجَالَهُ بِدَوَاءٍ وَحَلَفَ أَنَّهُ اسْتَعْجَلَهُ بِذَلِكَ فَلَا يُقْتَلُ بِنَاءً على أَنَّ الْإِنْبَاتَ ليس بُلُوغًا بَلْ دَلِيلُهُ وَحَلِفُهُ على ذلك وَاجِبٌ وَإِنْ تَضَمَّنَ حَلِفَ من يَدَّعِي الصِّبَا لِظُهُورِ أَمَارَةِ الْبُلُوغِ فَلَا يُتْرَكُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ
وَيَجُوزُ قَتْلُ رَاهِبٍ شَيْخٍ أو شَابٍّ وَأَجِيرٍ وَمُحْتَرِفٍ وَشَيْخٍ وَلَوْ ضَعِيفًا وَأَعْمَى وَزَمِنٍ وَمَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَإِنْ لم يَحْضُرْ وَالصَّفُّ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ خَبَرَ اُقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ واسْتَحْيُوا شَرْخَهُمْ أَيْ مُرَاهِقِيهِمْ وَلِأَنَّهُمْ أَحْرَارٌ مُكَلَّفُونَ فَجَازَ قَتْلُهُمْ كَغَيْرِهِمْ
وَيُقْتَلُ منهم ذُو الرَّأْيِ وَغَيْرُهُ فَلَوْ ذُكِرَ غَيْرُهُ كان أَوْلَى وَكَذَا السُّوقَةُ بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْوَاوِ لَا الرُّسُلِ فَلَا يُقْتَلُونَ لِجَرَيَانِ السُّنَّةِ بِذَلِكَ
وَيَجُوزُ حِصَارُهُمْ في الْبِلَادِ وَالْقِلَاعِ وَالْحُصُونِ وَإِنْ كان فِيهِمْ نِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ وَاحْتَمَلَ أَنْ يُصِيبَهُمْ
ويجوز إتْلَافُهُمْ بِالْمَاءِ وَالنَّارِ قال تَعَالَى وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَحَاصَرَ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَهْلَ الطَّائِفِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَنَصَبَ عليهم الْمَنْجَنِيقَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقِيسَ بِهِ ما في مَعْنَاهُ مِمَّا يَعُمُّ الْإِهْلَاكُ بِهِ نعم لو تَحَصَّنُوا بِحَرَمِ مَكَّةَ لم يَجُزْ قِتَالُهُمْ بِمَا يَعُمُّ كما نَصَّ عليه في الْأُمِّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ
____________________
(4/190)
يَجُوزُ إتْلَافُهُمْ بِمَا ذُكِرَ وَإِنْ قَدَرْنَا عليهم بِدُونِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَبِهِ صَرَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ لَكِنَّ الظَّاهِرَ خِلَافُهُ
ويجوز سَبْيُ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا أَيْ صِغَارِهِمْ وَمَجَانِينِهِمْ مع أَنَّ ذَرَارِيَّهُمْ تَشْمَلُ نِسَاءَهُمْ أَيْضًا كما صَرَّحَ بِهِ ابن قُرْقُولٍ وَأَخْذُ أَمْوَالِهِمْ
وَلَوْ كان فِيهِمْ وَهُمْ بِالْبَلْدَةِ أو الْقَلْعَةِ أو نَحْوِهِمَا مُسْلِمٌ كُرِهَ إتْلَافُهُمْ بِالْمَاءِ وما في مَعْنَاهُ وَلَا يَحْرُمُ لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ الْجِهَادُ لِحَبْسِ مُسْلِمٍ فِيهِمْ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ قد لَا يُصَابُ وَلِأَنَّ الدَّارَ دَارُ إبَاحَةٍ فَلَا يَحْرُمُ الْقِتَالُ بِكَوْنِ الْمُسْلِمِ فيها كما أَنَّ دَارَنَا لَا تَحِلُّ بِكَوْنِ الْمُشْرِكِ فيها إلَّا إنْ فَعَلَ ذلك لِضَرُورَةٍ كَخَوْفِ ضَرَرِنَا أو لم يَحْصُلْ فَتْحُ الْقَلْعَةِ إلَّا بِهِ فَلَا يُكْرَهُ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ يُصِيبُ مُسْلِمًا دَفْعًا لِضَرَرِنَا وَنِكَايَةً فِيهِمْ وَحِفْظُ من مَعَنَا أَوْلَى من حِفْظِ من مَعَهُمْ وَإِنْ هَلَكَ أَحَدٌ مِمَّنْ مَعَهُمْ رُزِقَ الشَّهَادَةَ فَإِنْ أَصَابَهُ بِمَا يَعُمُّ أو بِغَيْرِهِ وقد عَلِمَهُ فِيهِمْ وَجَبَتْ دِيَةٌ وَكَفَّارَةٌ وَإِلَّا فَكَفَّارَةٌ فَقَطْ وَهَذَا حَكَاهُ الْأَصْلُ عن الرُّويَانِيِّ وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ وُجُوبِ الدِّيَةِ كما تَقَرَّرَ ذلك في الْجِنَايَاتِ
وَمَتَى تَتَرَّسُوا في الْقِتَالِ بِصِبْيَانِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَنَحْوِهِمْ وَلَوْ في قَلْعَةٍ رَمَيْنَاهُمْ وَإِنْ لم تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى رَمْيِهِمْ كما يَجُوزُ نَصْبُ الْمَنْجَنِيقِ على الْقَلْعَةِ وَإِنْ كان يُصِيبُهُمْ وَلِئَلَّا يَتَّخِذُوا ذلك ذَرِيعَةً إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ أو حِيلَةً إلَى اسْتِبْقَاءِ الْقِلَاعِ لهم وفي ذلك فَسَادٌ عَظِيمٌ وَخَالَفَ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ فَصَحَّحَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لنا رَمْيُهُمْ عِنْدَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَتْلِهِمْ بِلَا ضَرُورَةٍ وقد نُهِينَا عن قَتْلِهِمْ
أو تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمٍ أو ذِمِّيٍّ فَلَا تَرْمِيهِمْ إنْ لم تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى رَمْيِهِمْ وَاحْتَمَلَ الْحَالُ الْإِعْرَاضَ عَنْهُمْ صِيَانَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ وَفَارَقَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ بِأَنَّ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ مَحْقُونَا الدَّمِ لِحُرْمَةِ الدِّينِ وَالْعَهْدِ فلم يَجُزْ رَمْيُهُمْ بِلَا ضَرُورَةٍ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ حُقِنُوا لَحِقَ الْغَانِمِينَ فَجَازَ رَمْيُهُمْ بِلَا ضَرُورَةٍ فَلَوْ رَمَى رَامٍ فَقَتَلَ مُسْلِمًا فَحُكْمُهُ مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ في الْجِنَايَاتِ فَلَوْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ إلَى ذلك بِأَنْ تَتَرَّسُوا في حَالِ الْتِحَامِ الْقِتَالِ بِهِ وَكَانُوا بِحَيْثُ لو كَفَفْنَا عَنْهُمْ ظَفِرُوا بِنَا وَكَثُرَتْ نِكَايَتُهُمْ جَازَ رَمْيُهُمْ لِمَا مَرَّ وَتَوَقَّيْنَاهُ أَيْ الْمُسْلِمَ أو الذِّمِّيَّ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ الْإِعْرَاضِ أَكْثَرُ من مَفْسَدَةِ الْإِقْدَامِ وَلَا يَبْعُدُ احْتِمَالُ قَتْلِ طَائِفَةٍ لِلدَّفْعِ عن بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ وَمُرَاعَاةِ الْأُمُورِ الْكُلِّيَّاتِ وَكَالذِّمِّيِّ الْمُسْتَأْمَنِ وَالْعَبْدِ لَكِنْ حَيْثُ تَجِبُ دِيَةٌ تَجِبُ في الْعَبْدِ قِيمَتُهُ فَإِنْ قُتِلَ مُسْلِمٌ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ وَعُرِفَ قَاتِلُهُ ليس له كَبِيرُ جَدْوَى وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ قَتَلَ مَعْصُومًا وَكَذَا الدِّيَةُ إنْ عَلِمَهُ الْقَاتِلُ مُسْلِمًا إنْ كان يُمْكِنُهُ تَوَقِّيه وَالرَّمْيُ إلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَعْلَمْهُ مُسْلِمًا وَإِنْ كان يَعْلَمُ أَنَّ فِيهِمْ مُسْلِمًا لِشِدَّةِ الضَّرُورَةِ لَا الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ مع تَجْوِيزِ الرَّمْيِ لَا يَجْتَمِعَانِ
وَإِنْ تَتَرَّسَ كَافِرٌ بِتُرْسِ مُسْلِمٍ أو رَكِبَ فَرَسَهُ فَرَمَاهُ مُسْلِمٌ فَأَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ إلَّا إنْ اُضْطُرَّ بِأَنْ لم يُمْكِنْهُ في الِالْتِحَامِ الدَّفْعُ إلَّا بِإِصَابَتِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَقَطَعَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ يَضْمَنُهُ كما لو أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ
فَصْلٌ يَحْرُمُ انْهِزَامُ مِائَةِ رَجُلٍ وَلَوْ كَانُوا سُكَارَى عن مِائَتَيْنِ وَالْمُرَادُ يَحْرُمُ انْهِزَامُ من عليه الْجِهَادُ من الصَّفِّ إنْ كان الْكُفَّارُ مِثْلَيْنَا فَأَقَلَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وهو خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ أَيْ لِتَصْبِرْ مِائَةٌ لِمِائَتَيْنِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَإِنْ خَافُوا الْهَلَاكَ بِالثَّبَاتِ إذْ الْغُزَاةُ يَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ فَفُسِّرَتْ التَّهْلُكَةُ فيه بِالْكَفِّ عن الْغَزْوِ وَبِحُبِّ الْمَالِ وَبِالْفِرَارِ من الزَّحْفِ وَبِالْخُرُوجِ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ وَالْمَعْنَى في وُجُوبِ الثَّبَاتِ لِلْمِثْلَيْنِ أَنَّ الْمُسْلِمَ على إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إمَّا أَنْ يُقْتَلَ فَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ أو يَسْلَمَ فَيَفُوزَ بِالْأَجْرِ وَالْغَنِيمَةِ وَالْكَافِرُ يُقَاتِلُ على الْفَوْزِ بِالدُّنْيَا إلَّا مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ أو مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ وَلَوْ بَعُدَتْ فَلَا يَحْرُمُ الِانْهِزَامُ قال تَعَالَى وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أو مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ وَعَنْ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه أنا فِئَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وكان بِالْمَدِينَةِ وَجُنُودُهُ بِالشَّامِ وَالْعِرَاقِ
____________________
(4/191)
رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَلِأَنَّ عَزْمَهُ على الْعَوْدِ إلَى الْقِتَالِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْقُرْبِ وَالْبُعْدِ وَالْمُتَحَرِّفُ من يَخْرُجُ من الصَّفِّ لِيَكْمُنَ بِمَوْضِعٍ وَيَهْجُمَ أو يَنْحَرِفَ إلَى مَوْضِعٍ أَصْلَحَ لِلْقِتَالِ كَأَنْ يَفِرَّ من مَضِيقٍ لِيَتْبَعَهُ الْعَدُوُّ إلَى مُتَّسِعٍ سَهْلٍ لِلْقِتَالِ أو يَنْصَرِفَ من مُقَابَلَةِ الشَّمْسِ أو الرِّيحِ إلَى مَحَلٍّ يَسْهُلُ فيه الْقِتَالُ وَالْمُتَحَيِّزُ من يَقْصِدُ الِاسْتِنْجَادَ بِفِئَةٍ لِلْقِتَالِ سَوَاءٌ قَلَّتْ أَمْ كَثُرَتْ بَعُدَتْ أو قَرُبَتْ هذا عُلِمَ من قَوْلِهِ وَلَوْ بَعُدْت قال في الْأَصْلِ وَمَنْ عَجَزَ بِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ أو لم يَبْقَ معه سِلَاحٌ فَلَهُ الِانْصِرَافُ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ أَيْضًا في الطَّرَفِ الثَّانِي من الْبَابِ السَّابِقِ
وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ فَرَّ لِعَجْزٍ أو غَيْرِهِ مِمَّا مَرَّ قَصْدُ التَّحَيُّزِ أو التَّحَرُّفِ لِيَخْرُجَ عن صُورَةِ الْفِرَارِ الْمُحَرَّمِ وَهَذَا قَدَّمَهُ في الْعَجْزِ ثُمَّ من غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِالِاسْتِحْبَابِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَلِّيَ مُنْحَرِفًا أو مُتَحَيِّزًا
وَلَيْسَ لِمُتَحَيِّزٍ بَعْدُ في تَحَيُّزِهِ إلَى فِئَةٍ حَقٌّ فِيمَا يَغْنَمَ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ تَحَيُّزِهِ لِعَدَمِ نُصْرَتِهِ بِخِلَافِ ما يَغْنَمُ قبل تَحَيُّزِهِ لِبَقَائِهَا وَبِخِلَافِ الْمُتَحَيِّزِ إلَى فِئَةٍ قَرِيبَةٍ يُشَارِكُ فِيمَا غَنِمَ مُطْلَقًا لِذَلِكَ فَهُوَ كَالسَّرِيَّةِ الْقَرِيبَةِ تُشَارِكُ الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَهُ وَالْمُرَادُ بِالْقَرِيبَةِ أَنْ تَكُونَ بِحَيْثُ يُدْرِكُ غَوْثَهَا الْمُتَحَيِّزُ عنها عِنْدَ الِاسْتِغَاثَةِ
وَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ لِيُقَاتِلَ مع الْفِئَةِ لِأَنَّ عَزْمَهُ الْعَوْدَ لِذَلِكَ رَخَّصَ له الِانْصِرَافَ فَلَا حَجْرَ عليه بَعْدُ وَالْجِهَادُ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ
وَلَوْ ذَهَبَ سِلَاحُهُ وَأَمْكَنَهُ الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ لم يَنْصَرِفْ عن الصَّفِّ بِخِلَافِ ما إذَا لم يُمْكِنْهُ الرَّمْيُ بها
أو ذَهَبَ فَرَسُهُ وهو لَا يَقْدِرُ على التَّرَجُّلِ أَيْ على قِتَالِهِ رَاجِلًا انْصَرَفَ جَوَازًا أو وُجُوبًا على ما يَأْتِي بَيَانُهُ
وَإِنْ زَادُوا أَيْ الْكُفَّارُ على الضِّعْفِ وَرُجِيَ الظَّفَرُ بِأَنْ ظَنَنَّاهُ إنْ ثَبَتْنَا اُسْتُحِبَّ لنا الثَّبَاتُ وَلَوْ غَلَبَ على ظَنِّنَا الْهَلَاكُ بِلَا نِكَايَةٍ فِيهِمْ وَجَبَ عَلَيْنَا الْفِرَارُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ أو بِنِكَايَةٍ فِيهِمْ اُسْتُحِبَّ لنا الْفِرَارُ
وَيَحْرُمُ انْصِرَافُ مِائَةِ بَطَلٍ مِنَّا عن مِائَتَيْنِ وَوَاحِدٍ منهم ضُعَفَاءَ لَا مِائَةٍ ضُعَفَاءَ مِنَّا عن مِائَةٍ وَتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ بَطَلًا منهم نَظَرًا لِلْمَعْنَى وَإِنَّمَا نُرَاعِي الْعَدَدَ عِنْدَ تَقَارُبِ الْأَوْصَافِ وَظَاهِرٌ أَنَّ ذِكْرَ الْوَاحِدِ مِثَالٌ وَالْعِبْرَةُ بِأَنْ يَكُونَ مَعَنَا من الْقُوَّةِ ما يَغْلِبُ بِهِ الظَّنُّ أَنَّا نُقَاوِمُ من بِإِزَائِنَا من الْعَدُوِّ وَنَرْجُو الظَّفَرَ بِهِ وَبِالْعَكْسِ
وَهَلْ لِرَجَّالَةٍ عِنْدَ الْفُرْسَانِ كَالضُّعَفَاءِ عِنْدَ الْأَبْطَالِ أو يَسْتَوُونَ فيه تَرَدُّدٌ أَخَذَهُ من بَحْثِ الرَّوْضَةِ حَيْثُ نَقَلَ فيها عن الْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ أَنَّهُ تَجُوزُ الْهَزِيمَةُ من أَكْثَرَ من الْمِثْلَيْنِ وَإِنْ كان الْمُسْلِمُونَ فُرْسَانًا وَالْكُفَّارُ رَجَّالَةً وَيَحْرُمُ من الْمِثْلَيْنِ وَإِنْ كَانُوا بِالْعَكْسِ ثُمَّ قال وَفِيهِ نَظَرٌ وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ على الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ أَيْ في الضُّعَفَاءِ مع الْأَبْطَالِ في أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْمَعْنَى أو بِالْعَدَدِ
فَرْعٌ الثَّبَاتُ إنَّمَا هو مَشْرُوطٌ في الْجَمَاعَةِ فَإِنْ لَقِيَ مُسْلِمٌ شَخْصَيْنِ مُشْرِكَيْنِ جَازَ له الْفِرَارُ مِنْهُمَا ولَوْ طَلَبَهُمَا هو ولم يَطْلُبَاهُ
وَإِنْ تَحَصَّنَتْ الْجَمَاعَةُ قبل اللِّقَاءِ في قَلْعَةٍ حتى يَجِيءَ لهم مَدَدٌ جَازَ أَيْ لو قَصَدَ الْكُفَّارُ بَلَدًا فَتَحَصَّنَ أَهْلُهُ إلَى أَنْ يَجِدُوا قُوَّةً وَمَدَدًا لم يَأْثَمُوا إنَّمَا الْإِثْمُ على من فَرَّ بَعْدَ اللِّقَاءِ
فَصْلٌ الْمُبَارَزَةُ لِلْقِتَالِ وَهِيَ ظُهُورُ اثْنَيْنِ من الصَّفَّيْنِ لِلْقِتَالِ مُبَاحَةٌ لنا لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن رَوَاحَةَ وَابْنَيْ عَفْرَاءَ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ بَارَزُوا يوم بَدْرٍ ولم يُنْكِرْ عليهم رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وفي الصَّحِيحَيْنِ عن قَيْسِ بن عُبَادَةَ قال سَمِعَتْ أَبَا ذَرٍّ يُقْسِمُ قَسَمًا أَنَّ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا في رَبِّهِمْ نَزَلَتْ في الَّذِينَ بَارَزُوا يوم بَدْرٍ حَمْزَةَ وَعَلِيٍّ وَعُبَيْدَةِ بن الْحَارِثِ وَعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بن عُتْبَةَ
فَإِنْ طَلَبَهَا كَافِرٌ اُسْتُحِبَّ لِمَنْ فيه قُوَّةٌ بِأَنْ عَرَفَهَا من نَفْسِهِ مُبَارَزَتُهُ لِأَنَّ في تَرْكِهَا حِينَئِذٍ إضْعَافًا لنا وَتَقْوِيَةً لهم قال الْمَاوَرْدِيُّ وَيُعْتَبَرُ في الِاسْتِحْبَابِ أَنْ لَا يَدْخُلَ بِقَتْلِهِ ضَرَرٌ عَلَيْنَا بِهَزِيمَةٍ تَحْصُلُ لنا لِكَوْنِهِ كَبِيرَنَا قال الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَنْ لَا يَكُونَ عَبْدًا وَلَا فَرْعًا مَأْذُونًا لَهُمَا في الْجِهَادِ من غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِالْإِذْنِ في الْبَرَازِ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ لَهُمَا ابْتِدَاءً وَإِجَابَةً وَمِثْلُهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ الْمَدِينُ وَكُرِهَتْ مُبَارَزَتُهُ لِغَيْرِهِ أَيْ لِغَيْرِ من فيه قُوَّةٌ لِأَنَّهُ قد يَحْصُلُ لنا بِهِ ضَعْفٌ
وَلَوْ بَارَزَ مُسْلِمٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ كُرِهَ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ نَظَرًا في تَعْيِينِ الْأَبْطَالِ وَذِكْرُ الْكَرَاهَةِ من زِيَادَتِهِ
وَيُكْرَهُ نَقْلُ رُءُوسِ الْكُفَّارِ وَنَحْوِهَا من بِلَادِهِمْ إلَى بِلَادِنَا لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي اللَّهُ عنه أَنْكَرَ على
____________________
(4/192)
فَاعِلِهِ وقال لم يُفْعَلْ في عَهْدِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وما رُوِيَ من حَمْلِ رَأْسِ أبي جَهْلٍ فَقَدْ تَكَلَّمُوا في ثُبُوتِهِ وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ إنَّمَا حُمِلَ من مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ لَا من بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَكَأَنَّهُمْ فَعَلُوهُ لِيَنْظُرَ الناس إلَيْهِ فَيَتَحَقَّقُوا مَوْتَهُ وَاسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزَالِيُّ ما إذَا كان فيه نِكَايَةٌ في الْكُفَّارِ قال في الْأَصْلِ ولم يَتَعَرَّضْ له الْجُمْهُورُ
الطَّرَفُ الثَّانِي في سَبْيِهِمْ وَاسْتِرْقَاقِهِمْ يَرِقُّ بِالْأَسْرِ نِسَاءُ الْكُفَّارِ وَصِبْيَانُهُمْ وَمَجَانِينُهُمْ وَخَنَاثَاهُمْ وَعَبِيدُهُمْ أَيْ يَصِيرُونَ بِهِ أَرِقَّاءَ لنا وَيَكُونُونَ كَسَائِرِ أَمْوَالِ الْغَنِيمَةِ لِأَهْلِ الْخُمُسِ وَالْبَاقِي لِلْغَانِمِينَ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَقْسِمُ السَّبْيَ كما يَقْسِمُ الْأَمْوَالَ
وَلَا يُقْتَلُونَ لِلنَّهْيِ عن قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصَّبِيَّانِ وَالْبَاقِي في مَعْنَاهُمَا فَإِنْ قَتَلَهُمْ الْإِمَامُ وَلَوْ لِشَرِّهِمْ وَقُوَّتِهِمْ ضَمِنَ قِيمَتَهُمْ لِلْغَانِمِينَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ وَذِكْرُ هذا في غَيْرِ الْعَبِيدِ من زِيَادَتِهِ
وَيَفْعَلُ في رِجَالِهِمْ الْكَامِلِينَ إذَا أُسِرُوا ما يَرَاهُ بِالْمَصْلَحَةِ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ لَا بِالتَّشَهِّي وَيَتَوَقَّفُ في فِعْلِهِ وَيَحْبِسُهُمْ حتى يَظْهَرَ له وَجْهُ الْمَصْلَحَةِ من أَحَدِ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ من قَتْلٍ بِالسَّيْفِ لَا تَغْرِيقٍ وَنَحْوِهِ كَتَحْرِيقٍ وَلَا تَمْثِيلٍ بِهِمْ وَمِنْ مَنٍّ عليهم بِتَخْلِيَةِ سَبِيلِهِمْ وَكَذَا اسْتِرْقَاقٌ الْأَوْلَى وَمِنْ اسْتِرْقَاقٍ وَإِنْ كَانُوا عَرَبًا بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أو وَثَنِيِّينَ وَمِنْ فِدَاءٍ بِمَالٍ يُؤْخَذُ منهم لِلْغَانِمِينَ أو بِرِجَالٍ أو نِسَاءٍ أو خَنَاثَى كما فُهِمَا بِالْأَوْلَى مِنَّا مَأْسُورِينَ مَعَهُمْ وَإِنْ قَلُّوا عَنْهُمْ كان فَدْيُ مُشْرِكَيْنِ بِمُسْلِمٍ وَبِأَسْلِحَتِنَا التي بِأَيْدِيهِمْ لِلِاتِّبَاعِ في الْأَرْبَعَةِ وقال تَعَالَى اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ وقال فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً وقال حتى إذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ أَيْ بِالِاسْتِرْقَاقِ وَقَوْلُهُمْ مَنًّا تَبَعًا لِلنَّصِّ جَرَوْا فيه على الْغَالِبِ فإن أَهْلَ الذِّمَّةِ كَذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ خِلَافَهُ
وَلَا يَرُدُّ أَسْلِحَتَهُمْ التي بِأَيْدِينَا عليهم بِمَالٍ يَبْذُلُونَهُ لنا كما لَا يَجُوزُ أَنْ نَبِيعَهُمْ السِّلَاحَ وَهَلْ يَرُدُّهَا لهم بِأَسَارَى مِنَّا كما تَجُوزُ الْمُفَادَاةُ بِهِمْ وَلِأَنَّ ما تَأْخُذُهُ خَيْرٌ مِمَّا يَبْذُلُهُ أو لَا كما لَا يَرُدُّهَا بِمَالٍ وَجْهَانِ أَوْجُهُهُمَا الْأَوَّلُ
وَمَنْ اسْتَبَدَّ بِقَتْلِ أَسِيرٍ عُزِّرَ لِافْتِيَاتِهِ على الْإِمَامِ وَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ لِأَنَّهُ لَا أَمَانَ له وهو حُرٌّ إلَى أَنْ يُسْتَرَقَّ وَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُ وَالْأَمْوَالُ لَا تُرَدُّ إلَيْهِمْ بَعْدَ الِاغْتِنَامِ وَلَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ إنْ كان قد اُسْتُرِقَّ قبل قَتْلِهِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَتَحْرِيرُ ذلك ما قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْإِمَامَ إنْ حَكَمَ بِقَتْلِهِ فَلَا شَيْءَ على قَاتِلِهِ سِوَى التَّعْزِيرِ وَإِنْ أَرَقَّهُ ضَمِنَهُ الْقَاتِلُ بِقِيمَتِهِ وَيَكُونُ غَنِيمَةً وَإِنْ مَنَّ عليه فَإِنْ قَتَلَهُ قبل حُصُولِهِ في مَأْمَنِهِ ضَمِنَ دِيَتَهُ لِوَرَثَتِهِ أو بَعْدَهُ هُدِرَ دَمُهُ وَإِنْ فَدَاهُ فَإِنْ قَتَلَهُ قبل قَبْضِ الْإِمَامِ فَدَاهُ ضَمِنَ دِيَتَهُ لِلْغَنِيمَةِ أو بَعْدَ قَبْضِهِ وَإِطْلَاقِهِ إلَى مَأْمَنِهِ فَلَا ضَمَانَ عليه لِعَوْدِهِ إلَى ما كان عليه قبل أَسْرِهِ وَقَضِيَّةُ هذا التَّعْلِيلِ أَنَّ مَحَلَّ ذلك إذَا وَصَلَ إلَى مَأْمَنِهِ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ دِيَتَهُ لِوَرَثَتِهِ وهو ظَاهِرٌ
وَيَصِحُّ اسْتِرْقَاقُ بَعْضِ شَخْصٍ منهم قال الرَّافِعِيُّ بِنَاءً على تَبْعِيضِ الْحُرِّيَّةِ في وَلَدِ الشَّرِيكِ الْمُعْسِرِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ
وَإِنْ أَسَرْنَا صَبِيًّا مُنْفَرِدًا عن أَبَوَيْهِ رَقَّ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَذَكَرَهُ هُنَا من زِيَادَتِهِ وهو يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَرِقُّ إذَا لم يَكُنْ مُنْفَرِدًا
____________________
(4/193)
وَلَيْسَ مُرَادًا وَتَبِعَ السَّابِي في إسْلَامِهِ فَإِنْ قَتَلَهُ عبد اُقْتُصَّ منه لِمُكَافَأَتِهِ له فَإِنْ وَجَبَ الْمَالُ فَهُوَ قِيمَةُ عَبْدٍ مُسْلِمٍ
وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ من رَقَّ بِالْأَسْرِ وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ لِعُمُومِ خَبَرِ لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حتى تَضَعَ إذْ لم يُفَرَّقْ فيه بين الْمَنْكُوحَةِ وَغَيْرِهَا وَلِزَوَالِ مِلْكِهِ عن نَفْسِهِ فَعَنْ زَوْجَتِهِ أَوْلَى وَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَعَمُّ من قَوْلِ أَصْلِهِ وَإِنْ أُسِرَ صَبِيٌّ له زَوْجَةٌ انْفَسَخَ النِّكَاحُ بِأَسْرِهِ
وَكَذَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْأَسِيرِ إنْ اُسْتُرِقَّ لَا إنْ كان هو وَزَوْجَتُهُ رَقِيقِينَ فَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ إذْ لم يَحْدُثْ رِقٌّ وَإِنَّمَا انْتَقَلَ الْمِلْكُ من شَخْصٍ إلَى آخَرَ وَذَلِكَ لَا يَقْطَعُ النِّكَاحَ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فَلَوْ كان أَحَدُهُمَا رَقِيقًا وَالْآخَرُ حُرًّا فَيُؤْخَذُ من ذلك أَنَّهُمَا إنْ سُبِيَا أو الْحُرُّ وَحْدَهُ وَأَرَقَّهُ الْإِمَامُ فِيمَا إذَا كان زَوْجًا كَامِلًا انْفَسَخَ النِّكَاحُ لِحُدُوثِ الرِّقِّ أو الرَّقِيقِ وَحْدَهُ فَلَا لِعَدَمِ حُدُوثِهِ
وَإِنْ أَسْلَمَ من الْأَسْرَى رَجُلٌ حُرٌّ مُكَلَّفٌ قبل اخْتِيَارٍ من الْإِمَامِ فيه عَصَمَ دَمَهُ من الْقَتْلِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فإذا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا ولم يَرِقَّ بِإِسْلَامِهِ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فَيَخْتَارُ فيه الْإِمَامُ ما سِوَى الْقَتْلِ من إرْقَاقٍ وَمِنْ فِدَاءٍ كما أَنَّ من عَجَزَ عن الْإِعْتَاقِ في كَفَّارَةِ الْيَمِينِ يَبْقَى مُخَيَّرًا بين الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ لَكِنْ لَا يُفَادِي إلَّا من كان عَزِيزًا في قَوْمِهِ أو له فِيهِمْ عَشِيرَةٌ وَلَا يَخْشَى الْفِتْنَةَ في دِينِهِ وَلَا في نَفْسِهِ
أو أَسْلَمَ كَافِرٌ مُكَلَّفٌ قبل الظَّفَرِ بِهِ رَجُلًا كان أو امْرَأَةً عَصَمَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ لِخَبَرِ السَّابِقِ وعصم وَلَدَهُ الصَّغِيرَ وَالْمَجْنُونَ الْحُرَّيْنِ من السَّبْيِ وَكَذَا الْحَمْلُ تَبَعًا له فِيهِمَا لَا إنْ اُسْتُرِقَّتْ أُمُّهُ قبل إسْلَامِ الْأَبِ فَلَا يَعْصِمُهُ إسْلَامُهُ أَيْ لَا يَبْطُلُ رِقُّهُ كَالْمُنْفَصِلِ وَإِنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ وَكَذَا يَعْصِمُ إسْلَامُهُ وَلَدَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَإِنْ كان الِابْنُ حَيًّا وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ أَيْ وَلَدِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ تَبَعًا له وَالْمَجْنُونُ كَالصَّغِيرِ وَلَوْ عَبَّرَ بِوَلَدِ وَلَدِهِ كان أَوْلَى وَلَا يَعْصِمُ إسْلَامُهُ زَوْجَتَهُ من السَّبْيِ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَيُفَارِقُ عَتِيقَهُ بِأَنَّ الْوَلَاءَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَرْتَفِعُ وَإِنْ تَرَاضَيَا لِأَنَّهُ لَحْمَةٌ كَلَحْمَةِ النَّسَبِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فإنه يَرْتَفِعُ بِأَسْبَابٍ منها حُدُوثُ الرِّقِّ وَيُفَارِقُ أَيْضًا ما لو بَذَلَ الْجِزْيَةَ حَيْثُ يَمْتَنِعُ إرْقَاقُ زَوْجَتِهِ وَابْنَتِهِ الْبَالِغَةِ بِأَنَّ ما يُمْكِنُ اسْتِقْلَالُ الشَّخْصِ بِهِ لَا يُجْعَلُ فيه تَابِعًا لِغَيْرِهِ وَالْبَالِغَةُ تَسْتَقِلُّ بِالْإِسْلَامِ وَلَا تَسْتَقِلُّ بِبَذْلِ الْجِزْيَةِ
وَإِنْ اُسْتُرِقَّتْ وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ انْقَطَعَ نِكَاحُهُ لِزَوَالِ مِلْكِهَا عن نَفْسِهَا فَزَوَالُ مِلْكِ الزَّوْجِ عنها أَوْلَى كما مَرَّ وَلِامْتِنَاعِ نِكَاحِ الْمُسْلِمِ الْأَمَةَ الْكَافِرَةَ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا وفي تَعْبِيرِهِمْ هُنَا وَفِيمَا قَبْلَهُ بِاسْتُرِقَّتْ تَجُوزُ فَإِنَّهَا تَرِقُّ بِنَفْسِ الْأَسْرِ فَلَوْ عَبَّرُوا بِرَقَّتْ كان أَوْلَى
وَلَا يَعْصِمُ إسْلَامُهُ ابْنَهُ الْأَوْلَى وَلَدُهُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ لِاسْتِقْلَالِهِ بِالْإِسْلَامِ
وَإِنْ اسْتَأْجَرَ مُسْلِمٌ حَرْبِيًّا رَقِيقًا أو حُرًّا فَاسْتُرِقَّ أو دَارُهُ فَغُنِمَتْ فَلَهُ اسْتِيفَاءُ مُدَّتِهِ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْأَمْوَالِ مَمْلُوكَةٌ مِلْكًا تَامًّا مَضْمُونَةٌ بِالْيَدِ كَأَعْيَانِ الْأَمْوَالِ وَكَمَا لَا تُغْنَمُ الْعَيْنُ الْمَمْلُوكَةُ لِلْمُسْلِمِ لَا تُغْنَمُ الْمَنَافِعُ الْمَمْلُوكَةُ له بِخِلَافِ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ فَإِنَّهَا تُسْتَبَاحُ وَلَا تُمْلَكُ مِلْكًا تَامًّا وَلِهَذَا لَا تُضْمَنُ بِالْيَدِ
وَتُسْتَرَقُّ زَوْجَةُ الذِّمِّيِّ الْحَرْبِيَّةُ وَعَتِيقُهُ الْحَرْبِيُّ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لو الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ اُسْتُرِقَّ فَزَوْجَتُهُ وَعَتِيقُهُ أَوْلَى وفي قَوْلِهِ تَسْتَرِقُّ تَجُوزُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّوْجَةِ كما مَرَّ نَظِيرُهُ وَاسْتَشْكَلَ ما ذُكِرَ بِمَا قَالُوهُ من أَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا عُقِدَتْ له الْجِزْيَةُ عَصَمَ نَفْسَهُ وَزَوْجَتَهُ من الِاسْتِرْقَاقِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ ثَمَّ الزَّوْجَةُ الْمَوْجُودَةُ حين الْعَقْدِ لِيَتَنَاوَلَ الْعَقْدَ لها على وَجْهِ التَّبَعِيَّةِ وَهُنَا الزَّوْجَةُ الْمُتَجَدِّدَةُ بَعْدَ عَقْدِ الذِّمَّةِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ لها أو يُحْمَلُ ما هُنَاكَ على ما إذَا كانت زَوْجَتُهُ دَاخِلَةً تَحْتَ الْقُدْرَةِ حين الْعَقْدِ وما هُنَا على ما إذَا لم تَكُنْ كَذَلِكَ
وَكَذَا تُسْتَرَقُّ زَوْجَةُ الْمُسْلِمِ الْحَرْبِيَّةُ وَإِنْ كانت حَامِلًا عِنْدَ إسْلَامِهِ لَا عَتِيقُهُ كما في زَوْجَةِ من أَسْلَمَ وَعَتِيقُهُ وَخَالَفَ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ فَصَحَّحَ عَدَمَ جَوَازِ اسْتِرْقَاقِ زَوْجَتِهِ مع تَصْحِيحِهِ جَوَازَهُ في زَوْجَةِ من أَسْلَمَ
وَإِنْ نَقَضَ ذِمِّيٌّ عَهْدَهُ فَاسْتُرِقَّ وَمَلَكَهُ عَتِيقُهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْوَلَاءُ على الْآخَرِ فَوَلَاءُ السَّيِّدِ
____________________
(4/194)
لَا يَبْطُلُ بِاسْتِرْقَاقِهِ
وَإِنْ اُسْتُرِقَّ حَرْبِيٌّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِمُسْلِمٍ أو ذِمِّيٍّ أو مُعَاهَدٍ لَا حَرْبِيٍّ لم يَسْقُطْ عنه لِأَنَّ شَغْلَ ذِمَّتِهِ قد حَصَلَ ولم يُوجَدْ ما يُسْقِطُهُ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ لِعَدَمِ احْتِرَامِهِ وَقُضِيَ من مَالِهِ الْمَغْنُومِ بَعْدَ الرِّقِّ فَيُقَدَّمُ الدَّيْنُ على الْغَنِيمَةِ كما يُقَدَّمُ على الْوَصِيَّةِ وَإِنْ زَالَ مِلْكُهُ بِالرِّقِّ كما يُقْضَى دَيْنُ الْمُرْتَدِّ من مَالِهِ وَإِنْ قُلْنَا بِزَوَالِ مِلْكِهِ وَلِأَنَّ الرِّقَّ كَالْمَوْتِ وَالْحَجْرِ وَكِلَاهُمَا يُعَلِّقُ الدَّيْنَ بِالْمَالِ لَا من الْمَغْنُومِ قَبْلَهُ لِانْتِقَالِهِ لِلْغَانِمِينَ وَكَذَا لو قَارَنَ الْغُنْمُ الرِّقَّ لِتَعَلُّقِ الْغَنِيمَةِ بِالْعَيْنِ فَيُقَدَّمُ على الدَّيْنِ كما يُقَدَّمُ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عليه على حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُوجَدْ له مَالٌ يُقْضَى منه دَيْنُهُ صَبَرَ رَبُّ الدَّيْنِ عليه إلَى الْعِتْقِ وَالْيَسَارِ فَيُطَالِبُهُ بِهِ فَلَوْ مَلَكَهُ أَيْ الْحَرْبِيَّ الْمَدِينَ الْغَرِيمُ سَقَطَ عنه الدَّيْنُ وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَتَعْبِيرُهُ بِمِلْكِهِ أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ فَلَوْ كان الدَّيْنُ لِلسَّابِي لِاعْتِرَاضِ الْإِسْنَوِيِّ عليه بِأَنَّ من أَخَذَ من دَارِ الْحَرْبِ شيئا اخْتِلَاسًا أو سَرِقَةً فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ غَنِيمَةٌ وَعَلَيْهِ فَلَا يَمْلِكُ السَّابِي من الْمَسْبِيِّ إلَّا أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ على الصَّحِيحِ أَيْ كُلِّهِ
وَإِنْ اُسْتُرِقَّ الْحَرْبِيُّ وَلَهُ دَيْنٌ على مُسْلِمٍ أو ذِمِّيٍّ لم يَسْقُطْ بَلْ هو بَاقٍ في ذِمَّةِ الْمَدِينِ كَوَدِيعَتِهِ فَيُطَالِبُهُ بِهِ سَيِّدُهُ ما لم يَعْتِقْ فِيمَا يَظْهَرُ أو على حَرْبِيٍّ سَقَطَ كما لو رَقَّ من هو عليه وَلِأَنَّهُ قد زَالَ مِلْكُهُ وَلَيْسَ الْحَرْبِيُّ مُلْتَزِمًا حتى يُطَالَبَ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ الْمُعَاهَدَ مِثْلُهُ
وَإِنْ أَسْلَمَ حَرْبِيَّانِ وَلِأَحَدِهِمَا على الْآخَرِ دَيْنُ مُعَاوَضَةٍ كَبَيْعٍ وَقَرْضٍ وَعَقْدِ صَدَاقٍ لم يَسْقُطْ وَلَوْ سَبَقَ إسْلَامُ الْمَدْيُونِ إسْلَامَ الدَّائِنِ لِالْتِزَامِهِ بِعَقْدٍ فَاسْتُدِيمَ حُكْمُهُ كما في أَحْكَامِ عُقُودِ أَنْكِحَتِهِمْ وَكَإِسْلَامِهِمَا قَبُولُهُمَا الْجِزْيَةَ أو الْأَمَانَ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ نعم لَا مَوْقِعَ لها وَالْأَوْلَى وَإِنْ كان الدَّيْنُ دَيْنَ إتْلَافٍ سَقَطَ إذْ لَا الْتِزَامَ وَلَا عَقْدَ يُسْتَدَامُ وَالْإِتْلَافُ نَوْعُ قَهْرٍ وَلِأَنَّ إتْلَافَ مَالِ الْحَرْبِيِّ لَا يَزِيدُ على إتْلَافِ مَالِ الْمُسْلِمِ وهو لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ على الْحَرْبِيِّ وَكَإِسْلَامِهِمَا إسْلَامُ أَحَدِهِمَا وَتَقْيِيدُ الْأَصْلِ بِإِسْلَامِ الْمُتْلِفِ لِبَيَانِ مَحَلِّ الْخِلَافِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وفي تَعْبِيرِهِ بِسَقَطَ تَسَمُّحٌ لِاقْتِضَاءِ أَنَّ الدَّيْنَ ثَبَتَ أَوَّلًا فَلَوْ عَبَّرَ كَأَصْلِهِ بِقَوْلِهِ لم يُطَالَبْ كان أَوْلَى
وَإِنْ قَهَرَ مَدْيُونٌ غَرِيمَهُ أو عَبْدٌ سَيِّدَهُ أو امْرَأَةٌ زَوْجَهَا أو وَالِدٌ وَلَدَهُ وَهُمَا حَرْبِيَّانِ مَلَكَهُ وَإِنْ كان الْمَقْهُورُ كَامِلًا لِأَنَّ الدَّارَ دَارُ إبَاحَةٍ وَاسْتِيلَاءٍ بِخِلَافِ ما لو كَانَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ لِأَنَّهَا دَارُ إنْصَافٍ قال الْإِمَامُ ولم يَعْتَبِرُوا في الْقَهْرِ قَصْدَ الْمِلْكِ وَعِنْدِي لَا بُدَّ منه فَقَدْ يَكُونُ الْقَهْرُ لِلِاسْتِخْدَامِ وَغَيْرِهِ وَلَا مُمَيِّزَ لَكِنْ ليس لِلْأَبِ في الْأَخِيرَةِ بَيْعُهُ لِعِتْقِهِ عليه وَبَطَل الدَّيْنُ في الْأُولَى وَالرِّقُّ في الثَّانِيَةِ وَالنِّكَاحُ في الثَّالِثَةِ
وَإِنْ سُبِيَتْ امْرَأَةٌ وَوَلَدُهَا الصَّغِيرُ لم يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا في الْقِسْمَةِ بَلْ يُقَوَّمَانِ فَإِنْ وَافَقَتْ قِيمَتُهُمَا نَصِيبَ أَحَدِ الْغَانِمِينَ جُعِلَا لِوَاحِدٍ وَإِلَّا اشْتَرَكَ فِيهِمَا اثْنَانِ أو بِيعَا وَجُعِلَ ثَمَنُهُمَا في الْمَغْنَمِ وقد سَبَقَ بَيَانُ تَحْرِيمِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا بِالْقِسْمَةِ وَنَحْوِهَا مع زِيَادَةٍ في الْبَيْعِ
الطَّرَفُ الثَّالِثُ في إتْلَافِ أَمْوَالِهِمْ من تَخْرِيبِ بِنَاءٍ وَقَطْعِ شَجَرٍ وَغَيْرِهِمَا لِلْإِمَامِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ لِلْمُسْلِمِينَ إتْلَافُ غَيْرِ الْحَيَوَانِ منها لِقَوْلِهِ تَعَالَى يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَطَعَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَحَرَّقَ عليهم فَأَنْزَلَ اللَّهُ عليه ما قَطَعْتُمْ من لِينَةٍ أو تَرَكْتُمُوهَا الْآيَةَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَطَعَ لِأَهْلِ الطَّائِفِ كُرُومًا سَوَاءٌ أَتْلَفَهَا لِحَاجَةٍ أو لَا مُغَايَظَةً لهم وَتَشْدِيدًا عليهم وقد قال تَعَالَى وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ الْآيَةَ فَإِنْ ظَنَّ حُصُولَهَا لنا كُرِهَ إتْلَافُهَا حِفْظًا لِحَقِّ الْغَانِمِينَ وَلَا يَحْرُمُ لِأَنَّهُ قد يَظُنُّ شيئا فَيَظْهَرُ خِلَافُهُ عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ نُدِبَ تَرْكُهُ وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ الْأُولَى تَرْكُهُ فَإِنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ الْكَرَاهَةُ فَلَا خِلَافَ أَمَّا الْحَيَوَانُ أَيْ الْمُحْتَرَمُ فَيَحْرُمُ إتْلَافُهُ لِحُرْمَتِهِ وَلِلنَّهْيِ عن ذَبْحِ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ مَأْكَلَةٍ
وَإِنْ غَنِمْنَاهَا بِأَنْ فَتَحْنَا دَارَهُمْ
____________________
(4/195)
قَهْرًا أو صُلْحًا على أَنْ تَكُونَ لنا أو غَنِمْنَا أَمْوَالَهُمْ وَانْصَرَفْنَا حَرُمَ إتْلَافُهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ غَنِيمَةً لنا وَكَذَا إنْ فَتَحْنَاهَا صُلْحًا على أَنْ تَكُونَ لهم فَإِنْ خِفْنَا اسْتِرْدَادَهَا وَكَانَتْ غير حَيَوَانٍ جَازَ إتْلَافُهُ أَيْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ لِئَلَّا يَأْخُذُوهَا فَيَتَقَوَّوْا بها أو كانت حَيَوَانًا فَلَا يَجُوزُ إتْلَافُهُ لِمَا مَرَّ لَكِنْ يُذْبَحُ الْمَأْكُولُ منه لِلْأَكْلِ خَاصَّةً لِمَفْهُومِ خَبَرِ النَّهْيِ السَّابِقِ
وَيُعْقَرُ الْحَيَوَانُ لِلْحَاجَةِ في الْقِتَالِ إلَى عَقْرِهِ لِدَفْعِهِمْ أو لِلظَّفَرِ بِهِمْ إنْ رَكِبُوهُ لِقِتَالِنَا أو خِفْنَا أَنْ يَرْكَبُوهُ لِلْعُذْرِ وَلِأَنَّهُ كَالْآلَةِ لِلْقِتَالِ
وَإِنْ خِفْنَا اسْتِرْدَادَ نِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ وَنَحْوِهِمَا مِنَّا لم يُقْتَلُوا لِتَأَكُّدِ احْتِرَامِهِمْ
فَرْعٌ ما حَرُمَ الِانْتِفَاعُ بِهِ من كُتُبِهِمْ الْكُفْرِيَّةِ وَالْمُبَدَّلَةِ وَالْهَجَوِيَّةِ وَالْفَاحِشِيَّةِ كما ذَكَرَهُمَا الْأَصْلُ لَا التَّوَارِيخِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَكُتُبِ الطِّبِّ وَالشِّعْرِ وَاللُّغَةِ يُمْحَى بِالْغَسْلِ إنْ أَمْكَنَ مع بَقَاءِ الْمَكْتُوبِ فيه وَإِلَّا مُزِّقَ وَإِنَّمَا نُقِرُّهُ بِأَيْدِي أَهْلِ الذِّمَّةِ لِاعْتِقَادِهِمْ كما في الْخَمْرِ وَخَرَجَ بِتَمْزِيقِهِ تَحْرِيقُهُ فَلَا يَجُوزُ لِمَا فيه من أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِمَا فيه من تَضْيِيعِ الْمَالِ لِأَنَّ لِلْمَزْقِ قِيمَةٌ وَإِنْ قَلَّتْ وَلَا يَشْكُلُ بِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عن عُثْمَانَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ لَمَّا جَمَعَ الْقُرْآنَ جَمَعَ ما بِأَيْدِي الناس وَأَحْرَقَهُ أو أَمَرَ بِإِحْرَاقِهِ ولم يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ التي تَحْصُلُ بِالِانْتِشَارِ هُنَاكَ أَشَدُّ منها هُنَا كما لَا يَخْفَى أَمَّا ما يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ فَهُوَ بَاقٍ بِحَالِهِ وَأَدْخَلَ ما ذُكِرَ من الْمَغْسُولِ وَالْمُمَزَّقِ في الْغَنِيمَةِ فَيُبَاعُ أو يُقْسَمُ
وَتُتْلَفُ الْخَنَازِيرُ وَالْخُمُورُ لَا أَوَانِيهَا الثَّمِينَةُ فَلَا تُتْلَفُ بَلْ تُحْمَلُ فَإِنْ لم تَكُنْ ثَمِينَةً بِأَنْ لم تَزِدْ قِيمَتُهَا على مُؤْنَةِ حَمْلِهَا أُتْلِفَتْ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ إتْلَافِهَا إذَا لم يَرْغَبْ أَحَدٌ من الْغَانِمِينَ فيها وَيَتَكَلَّفُ حَمْلُهَا لِنَفْسِهِ فَحِينَئِذٍ تُدْفَعُ إلَيْهِ وَلَا تُتْلَفُ وَبَيَّنَ في الْمَجْمُوعِ في الْبَيْعِ أَنَّ الْخِنْزِيرَ إنْ كان يَعْدُو على الناس وَجَبَ إتْلَافُهُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُتَخَيَّرُ قال الزَّرْكَشِيُّ بَلْ ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ أَيْضًا وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ لِأَنَّ الْخَمْرَ تُرَاقُ وَإِنْ لم يَكُنْ فيها عَدْوَى
وَكَلْبُ الصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةُ وَالزَّرْعُ وَنَحْوُهَا يُعْطَى لِمَنْ أَرَادَهُ من الْغَانِمِينَ أو أَهْلِ الْخُمُسِ إنْ لم يَتَنَازَعُوا فيه فَإِنْ تَنَازَعُوا فيه وَكَانَتْ أَيْ الْكِلَابُ كَثِيرَةً وَأَمْكَنَ قِسْمَتُهَا عَدَدًا قُسِمَتْ بِالْعَدَدِ إذْ لَا قِيمَةَ لها حتى تُقْسَمَ بِالْقِيمَةِ وَإِلَّا فَالْقُرْعَةُ وَهَذَا ما قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَوْجُودُ في كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ لَكِنْ أَطْلَقَ الْغَزَالِيُّ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَخُصَّ بها من شَاءَ وَكَذَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عن الْعِرَاقِيِّينَ وَاعْتَرَضَ ابن الرِّفْعَةِ الرَّافِعِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ وقال إنَّ الْبَنْدَنِيجِيَّ وَابْنَ الصَّبَّاغِ وَالْمَاوَرْدِيَّ قالوا إنْ كان في الْغَانِمِينَ من يَحِلُّ له اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ دُفِعَ إلَيْهِ وَإِلَّا دُفِعَ إلَى من هو مُحْتَاجٌ إلَيْهِ من أَهْلِ الْخُمُسِ وَنَقَلَ الْقَاضِي ذلك عن النَّصِّ قال الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ لم يَكُنْ في أَهْلِ الْخُمُسِ من يَحِلُّ له اقْتِنَاؤُهُ تُرِكَ قال وما ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ لم أَجِدْهُ فِيمَا وَقَفْت عليه من كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ بَلْ قال في الشَّامِلِ بَعْدَ حِكَايَتِهِ ما تَقَدَّمَ عَنْهُمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا لم يَذْكُرُوا ما إذَا تَنَازَعَ فيها الْغَانِمُونَ وَأَبْدَى ما ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ احْتِمَالًا لِنَفْسِهِ قال في الْأَصْلِ وَتَقَدَّمَ في الْوَصِيَّةِ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ قِيمَةَ الْكِلَابِ عِنْدَ من يَرَى لها قِيمَةً وَيَعْتَبِرُ مَنَافِعَهَا فَيُمْكِنُ مَجِيئُهُ هُنَا قُلْت الظَّاهِرُ عَدَمُ مَجِيئِهِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِمْ قُسِمَتْ عَدَدًا وَإِلَّا فَالْقُرْعَةُ وَيُفَارِقُ الْوَصِيَّةَ بِأَنَّ بَابَهَا أَوْسَعُ من بَابِ الْجِهَادِ
الطَّرَفُ الرَّابِعُ في الِاغْتِنَامِ لو دخل وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَاحِدٌ أو جَمَاعَةٌ مِنَّا دَارَهُمْ مُخْتَفِيًا فَسَرَقَ أو اخْتَلَسَ أو الْتَقَطَ من مَالِهِمْ فَهُوَ غَنِيمَةٌ مُخَمَّسَةٌ لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْآخِذُ تَنْزِيلًا لِدُخُولِهِ دَارَهُمْ وَتَغْرِيرِهِ بِنَفْسِهِ مَنْزِلَةَ الْقِتَالِ وَإِنْ أَخَذَهُ على وَجْهِ السَّوْمِ ثُمَّ جَحَدَهُ أو هَرَبَ فَهُوَ له وَلَا يُخَمَّسُ وَقَوْلُهُمْ دخل دَارَهُمْ لَعَلَّهُ جَرَى على الْغَالِبِ وَإِلَّا فَلَوْ أَخَذَ من مَالِهِمْ في دَارِنَا وَلَا أَمَانَ لهم كان الْحُكْمُ كَذَلِكَ كما نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ
وَمَنْ قَهَرَ مِنَّا حَرْبِيًّا وَأَخَذَ مَالَهُ وَهَدَايَاهُ فَغَنِيمَةٌ مُخَمَّسَةٌ لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْآخِذُ وَقَوْلُهُ وَهَدَايَاهُ من زِيَادَتِهِ وكان الْمُرَادُ بِهِ هَدَايَاهُ الْمَحْمُولَةُ معه لِغَيْرِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِدُخُولِهِ فِيمَا قَبْلَهُ
وَلَوْ قَدَّمَ الْكَافِرُ الْهَدِيَّةَ إلَى الْإِمَامِ أو غَيْرِهِ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ فَهِيَ غَنِيمَةٌ لَا يَخْتَصُّ بها الْمُهْدَى إلَيْهِ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ خَوْفًا بِخِلَافِ ما لو قَدَّمَهَا إلَيْهِ وَالْحَرْبُ غَيْرُ قَائِمَةٍ
فَرْعٌ لو احْتَمَلَ كَوْنُ اللُّقَطَةِ الْمَوْجُودَةِ بِدَارِهِمْ لِمُسْلِمٍ عَرَّفَهَا الْآخِذُ وُجُوبًا قِيلَ يَوْمًا أو يَوْمَيْنِ لِيَصِلَ إلَى الْأَجْنَادِ وَقِيلَ سَنَةً كَسَائِرِ اللُّقَطَاتِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ تَرْجِيحُهُ ثُمَّ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ يُخَمَّسُ غَنِيمَةً
وَالصَّيْدُ الْبَرِّيُّ وَالْبَحْرِيُّ وَالْحَشِيشُ
____________________
(4/196)
الْمُبَاحُ وَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ كَالْحَطَبِ وَالْحَجَرِ أَيْ كُلٌّ منها مِلْكٌ لِمَنْ أَخَذَهُ من دَارِ الْحَرْبِ كَدَارِ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا لم يَكُنْ غَنِيمَةً لِأَنَّهُ لم يَجْرِ عليه مِلْكُ كَافِرٍ فَإِنْ مَلَكُوهُ أَيْ الْحَرْبِيُّونَ وَلَوْ ظَاهِرًا كَأَنْ وُجِدَ الصَّيْدُ مَوْسُومًا أو مُقَرَّطًا بِأَنْ جُعِلَ الْقُرْطُ في أُذُنِهِ أو الْحَشِيشُ مَجْزُوزًا أو الْحَجَرُ مَصْنُوعًا فَغَنِيمَةٌ فَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ لِمُسْلِمٍ فَهُوَ كَسَائِرِ اللُّقُطَاتِ فَيَأْتِي فيه ما مَرَّ
وَلَوْ دخل صَبِيٌّ أو امْرَأَةٌ أو مَجْنُونٌ أو خُنْثَى منهم بِلَادَنَا فَأُخِذَ أَيْ أَخَذَهُ مُسْلِمٌ أو أَخَذَ ضَالَّةً لِحَرْبِيٍّ من بِلَادِنَا كان الْمَأْخُوذُ فَيْئًا لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِلَا قِتَالٍ وَمُؤْنَةٍ
أو دَخَلَهَا رَجُلٌ حَرْبِيٌّ فَأَخَذَهُ مُسْلِمٌ فَغَنِيمَةٌ لِأَنَّ لِأَخْذِهِ مُؤْنَةً ويتخير الْإِمَامُ فيه فَإِنْ اسْتَرَقَّهُ كان الْخُمُسُ لِأَهْلِهِ وَالْبَاقِي لِمَنْ أَخَذَهُ بِخِلَافِ الضَّالَّةِ لِمَا مَرَّ
فَصْلٌ لِلْغَانِمِينَ قبل اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ وَقَبْلَ رُجُوعِهِمْ لِعُمْرَانِ دَارِ الْإِسْلَامِ التَّبَسُّطُ في الْغَنِيمَةِ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ بِأَكْلِ الْقُوتِ وَالْأُدْمِ وَالْفَاكِهَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُعْتَادُ أَكْلُهُ لِلْآدَمِيِّ عُمُومًا كَالشَّحْمِ وَاللَّحْمِ وَالْعَلَفِ لِلدَّوَابِّ شَعِيرًا وَتِبْنًا وَنَحْوَهُمَا لِخَبَرِ أبي دَاوُد الْحَاكِمِ وقال صَحِيحٌ على شَرْطِ الْبُخَارِيِّ عن عبد اللَّهِ بن أبي أَوْفَى قال أَصَبْنَا مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِخَيْبَرَ طَعَامًا فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَأْخُذُ منه قَدْرَ كِفَايَتِهِ وفي الْبُخَارِيِّ عن ابْنِ عُمَرَ قال كنا نُصِيبُ في مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ وَالْمَعْنَى فيه عِزَّتُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ غَالِبًا لِإِحْرَازِ أَهْلِهِ له عَنَّا فَجَعَلَهُ الشَّارِعُ مُبَاحًا وَلِأَنَّهُ قد يَفْسُدُ وقد يَتَعَذَّرُ نَقْلُهُ وقد تَزِيدُ مُؤْنَةُ نَقْلِهِ عليه سَوَاءٌ أَكَانَ معه طَعَامٌ يَكْفِيه أَمْ لَا لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ قال الْإِمَامُ وَلَوْ وُجِدَ في دَارِهِمْ سُوقًا وَتَمَكَّنَ من الشِّرَاءِ منه جَازَ التَّبَسُّطُ أَيْضًا إلْحَاقًا لِدَارِهِمْ فيه بِالسَّفَرِ في التَّرَخُّصِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّا لو جَاهَدْنَاهُمْ في دَارِنَا امْتَنَعَ التَّبَسُّطُ وَيَجِبُ حَمْلُهُ على مَحَلِّ لَا يَعِزُّ فيه الطَّعَامُ لِمَا سَيَأْتِي وَيَتَزَوَّدُونَ منه لِقَطْعِ الْمَسَافَةِ التي بين أَيْدِيهِمْ وَيَكُونُ كُلٌّ من التَّبَسُّطِ وَالتَّزَوُّدِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَلَوْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ عنه لِإِطْلَاقِ الْأَخْبَارِ وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ طَعَامَ الْوَلَائِمِ وهو مُبَاحٌ مُطْلَقًا وَلَوْ أَكَلَ فَوْقَ حَاجَتِهِ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِهِ في عَلَفِ الدَّوَابِّ لَا بِأَكْلِ الْفَانِيدِ وَالسُّكَّرِ وَالْأَدْوِيَةِ التي تَنْدُرُ الْحَاجَةُ إلَيْهَا لِنُدُورِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَلَا تَوْقِيحِ الدَّوَابِّ بِالْقَافِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ مَسْحِهَا بِالدُّهْنِ الْمُذَابِ أَيْ الْمَغْلِيِّ كَالْمُدَاوَاةِ وَلَا إطْعَامِ الْبُزَاةِ وَنَحْوِهَا كَالصُّقُورِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا بِخِلَافِ الدَّوَابِّ قال الرُّويَانِيُّ فَإِنْ لم يَقْدِرْ صَاحِبُهَا على إطْعَامِهَا بِشِرَاءٍ أو غَيْرِهِ أَرْسَلَهَا وَذَبَحَ ما يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَلَا الِانْتِفَاعُ بِمَرْكُوبٍ وَمَلْبُوسٍ من الْغَنِيمَةِ فَلَوْ خَالَفَ لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ كما تَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ إذَا أَتْلَفَ بَعْضَ الْأَعْيَانِ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى الْمَلْبُوسِ لِبَرْدٍ أو حَرٍّ لَبِسَهُ الْإِمَامُ له إمَّا بِالْأُجْرَةِ مُدَّةَ الْحَاجَةِ ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَى الْمَغْنَمِ أو حَسَبَهُ عليه من سَهْمِهِ كَالْأَدْوِيَةِ وَالْفَانِيدِ وَالسُّكَّرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا فَيُعْطِي الْإِمَامُ الْمَرِيضَ الْمُحْتَاجَ إلَيْهَا قَدْرَ حَاجَتِهِ بِقِيمَتِهِ أو يَحْسِبُهُ عليه من سَهْمِهِ
وَلَهُ الْقِتَالُ بِالسِّلَاحِ بِلَا أُجْرَةٍ لِلضَّرُورَةِ إلَيْهِ فيه وَيَرُدُّهُ إلَى الْمَغْنَمِ بَعْدَ زَوَالِهَا فَإِنْ لم يَكُنْ ضَرُورَةً لم يَجُزْ له اسْتِعْمَالُهُ وَلَوْ اضْطَرَّ إلَى رُكُوبِ الْمَرْكُوبِ في الْقِتَالِ فَلَهُ رُكُوبُهُ بِلَا أُجْرَةٍ فِيمَا يَظْهَرُ كَالْقِتَالِ بِالسِّلَاحِ
وَلَوْ ذَبَحَ حَيَوَانًا لِلْأَكْلِ جَازَ وَلَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ كَتَنَاوُلِ الْأَطْعِمَةِ وَدَعْوَى النُّدُورِ مَمْنُوعَةٌ سَوَاءٌ الْغَنَمُ وَغَيْرُهَا بِخِلَافِ ذَبْحِهِ لِغَيْرِ الْأَكْلِ وَرَدَّ جِلْدَهُ إلَى الْمَغْنَمِ إلَّا ما يُؤْكَلُ مع اللَّحْمِ فَلَهُ أَكْلُهُ معه فَإِنْ اتَّخَذَ منه شِرَاكًا أو سِقَاءً أو نَحْوَهُ فَكَالْمَغْصُوبِ فَيَأْثَمُ بِذَلِكَ وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ بِصَنْعَتِهِ وَلَا أُجْرَةَ له فيها بَلْ إنْ نَقَصَ لَزِمَهُ الْأَرْشُ وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ لَزِمَهُ الْأُجْرَةُ
وَلَا يَتَبَسَّطُ مَدَدٌ لَحِقُوا الْجَيْشَ بَعْدُ أَيْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَلَوْ قبل حِيَازَةِ الْغَنِيمَةِ كما لَا يَسْتَحِقُّ منها شيئا وَلِأَنَّهُمْ مَعَهُمْ كَغَيْرِ الضَّيْفِ مع الضَّيْفِ وما قَرَرْته هو مُقْتَضَى ما في الرَّافِعِيِّ وَوَقَعَ في الرَّوْضَةِ اعْتِبَارُ بَعْدِيَّةِ حِيَازَةِ الْغَنِيمَةِ أَيْضًا وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ
فَإِنْ ضُيِّفَ بِمَا فَوْقَ حَاجَتِهِ الْغَانِمِينَ جَازَ وَلَيْسَ فيه إلَّا تَحَمُّلُ التَّعَبِ عَنْهُمْ أو ضِيفَ بِهِ غَيْرُهُمْ فَكَغَاصِبِ ضَيْفِ غَيْرِهِ بِمَا غَصَبَهُ فَيَأْثَمُ بِهِ وَيَلْزَمُ الْآكِلَ ضَمَانُهُ وَيَكُونُ الْمُضَيِّفُ له طَرِيقًا في الضَّمَانِ
وَيَعْلِفُ الرَّجُلُ جَوَازًا ما معه من الدَّوَابِّ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَلَوْ دَابَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَإِنْ لم يُسْهِمْ إلَّا لِفَرَسٍ
وإذا دَخَلُوا أَيْ الْمُتَبَسِّطُونَ عُمْرَانَ دَارِ الْإِسْلَامِ ولم يَعِزَّ الطَّعَامُ لَا خَرَابُهُ الْأَوْلَى خَرَابُهَا رَدُّوا فَضْلَ الزَّادِ لِزَوَالِ الْحَاجَةِ وَكَوْنُ الْمَأْخُوذِ مُتَعَلِّقُ حَقِّ الْجَمِيعِ إلَى الْمَغْنَمِ قبل
____________________
(4/197)
الْقِسْمَةِ وَإِلَى الْإِمَامِ بَعْدَهَا فَإِنْ كَثُرَتْ بَقِيَّةُ ما أُخِذَ لِلتَّبَسُّطِ قُسِّمَتْ كما قُسِّمَتْ الْغَنِيمَةُ وَإِلَّا جُعِلْت في سَهْمِ الْمَصَالِحِ قال الْإِمَامُ وَلَا رَيْبَ أَنَّ إخْرَاجَ الْخُمُسِ منها مُمْكِنٌ وَإِنَّمَا هذا في الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ وَكَدَارِ الْإِسْلَامِ بَلَدُ أَهْلِ ذِمَّةٍ أو عَهْدٍ لَا يَمْتَنِعُونَ من مُعَامَلَتِنَا لِأَنَّهَا وَإِنْ لم تَكُنْ مُضَافَةً إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَهِيَ في قَبْضَتِنَا بِمَثَابَتِهَا فِيمَا نَحْنُ فيه لِلتَّمَكُّنِ من الشِّرَاءِ منهم نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ
فَرْعٌ ليس لهم التَّصَرُّفُ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فِيمَا تُزَوِّدُونَهُ وَمِنْ الْمَغْنَمِ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُ بِالْأَخْذِ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لهم الْأَخْذُ وَالْأَكْلُ كَالضَّيْفِ فَلَيْسَ لهم أَنْ يَأْكُلُوا طَعَامَ أَنْفُسِهِمْ وَيَصْرِفُوا الْمَأْخُوذَ إلَى حَاجَةٍ أُخْرَى كما لَا يَتَصَرَّفُ الضَّيْفُ فِيمَا قُدِّمَ له إلَّا بِالْأَكْلِ
فَلَوْ أَقْرَضَ منه غَانِمٌ غَانِمًا آخَرَ فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِعَيْنِهِ أو بمثله من الْمَغْنَمِ ما لم يَدْخُلُوا دَارَ الْإِسْلَامِ لَا من خَالِصِ مَالِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَهُ صَارَ أَحَقَّ بِهِ ولم تَزُلْ يَدُهُ عنه إلَّا بِبَدَلٍ وَلَيْسَ ذلك قَرْضًا مُحَقَّقًا لِأَنَّ الْآخِذَ لَا يَمْلِكُ الْمَأْخُوذَ حتى يَمْلِكَهُ لِغَيْرِهِ فَلَوْ رَدَّ عليه من مَالِهِ لم يَأْخُذْهُ لِأَنَّ غير الْمَمْلُوكِ لَا يُقَابَلُ بِالْمَمْلُوكِ وَعَلَيْهِ فَإِنْ نَفِدَ الطَّعَامُ أَيْ فَرَغَ سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ وإذا رَدَّ من الْمَغْنَمِ صَارَ الْأَوَّلُ أَحَقَّ بِهِ لِحُصُولِهِ في يَدِهِ
أو دَخَلُوا دَارَ الْإِسْلَامِ ولم يَعِزَّ الطَّعَامُ رَدَّهُ الْمُقْتَرِضُ إلَى الْإِمَامِ لِانْقِطَاعِ حُقُوقِ الْغَانِمِينَ عن أَطْعِمَةِ الْمَغْنَمِ فَإِنْ بَقِيَ بيده بَعْدَ دُخُولِهِ دَارَ الْإِسْلَامِ عَيْنُ الْمُقْتَرَضِ رَدَّهُ إلَى الْمَغْنَمِ بِنَاءً على أَنَّ فَضْلَ الزَّادِ يَجِبُ رَدُّهُ إلَيْهِ وَهَذِهِ تُعْلَمُ من التي قَبْلَهَا على أَنَّ الذي في الْأَصْلِ أَنَّ الْأُولَى في رَدِّ الْمُقْرِضِ بِأَنْ رَدَّ له الْمُقْتَرَضُ ذلك قبل دُخُولِهِمْ دَارَ الْإِسْلَامِ وَالثَّانِيَةُ في رَدِّ الْمُقْتَرِضِ بِأَنْ لم يَرُدَّهُ لِلْمُقْرِضِ قبل ذلك
وَإِنْ تَبَايَعَا أَيْ غَانِمَانِ ما أَخَذَاهُ صَاعًا بِصَاعٍ أو بِصَاعَيْنِ فَكَتَنَاوُلِ الضَّيْفَانِ بِاللُّقَمِ أَيْ فَكَإِبْدَالِهِمْ لُقْمَةً بِلُقْمَةٍ أو بِلُقْمَتَيْنِ فَلَا يَكُونُ رِبًا لِأَنَّهُ ليس بِمُعَاوَضَةٍ مُحَقَّقَةٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَوْلَى بِمَا صَارَ إلَيْهِ فَيَأْكُلَانِهِ وَلَا يَتَصَرَّفَانِ فيه بِبَيْعٍ أو نَحْوِهِ
فَإِنْ قَلَّ الطَّعَامُ الْمَغْنُومُ وَاسْتَشْعَرَ الْإِمَامُ الِازْدِحَامَ وَالتَّنَازُعَ فيه خَصَّ الْإِمَامُ بِهِ الْمُحْتَاجِينَ إلَيْهِ بِقَدْرِ حَاجَاتِهِمْ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ غَيْرَهُمْ من مُزَاحِمَتِهِمْ
فَصْلٌ لَا يَمْلِكُونَ الْغَنِيمَةَ لَا بِالْقِسْمَةِ وَالِاخْتِيَارِ لِلْغَنِيمَةِ أو لِتَمَلُّكِهَا أَيْ لَا يَمْلِكُونَهَا إلَّا بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَلَوْ عَبَّرَ بِأَوْ بَلْ لو اقْتَصَرَ على الِاخْتِيَارِ كان أَوْلَى فَقَدْ قال في الْأَصْلِ الْعِبْرَةُ بِاخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ لَا بِالْقِسْمَةِ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الْقِسْمَةُ لِتَضَمُّنِهَا اخْتِيَارَ التَّمَلُّكِ وَأَمَّا قبل ذلك فَإِنَّمَا مَلَكُوا أَنْ يَتَمَلَّكُوا كَحَقِّ الشُّفْعَةِ كما قال وَلَهُمْ اخْتِيَارُ التَّمَلُّكِ بَعْدَ الْحِيَازَةِ لِأَنَّهُمْ لو مَلَكُوا لم يَصِحَّ إعْرَاضُهُمْ كَمَنْ احْتَطَبَ
وَلِكُلٍّ منهم الْإِعْرَاضُ عن حَقِّهِ من الْغَنِيمَةِ قبل اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ وَلَوْ بَعْدَ إفْرَازِهِ له ما لم يَقْبَلْهُ أَيْ ما أُفْرِزَ له أو لم يَخْتَرْ التَّمَلُّكَ لِمَا مَرَّ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ من الْجِهَادِ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالذَّبُّ عن الْمِلَّةِ وَالْغَنَائِمُ تَابِعَةٌ فَمَنْ أَعْرَضَ عنها فَقَدْ جَرَّدَ قَصْدَهُ لِلْغَرَضِ الْأَعْظَمِ أَمَّا إذَا قَبِلَ ما أُفْرِزَ له أو اخْتَارَ التَّمَلُّكَ فَلَا يَصِحُّ إعْرَاضُهُ كما مَرَّ لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ وَكَمَا أَنَّ من اخْتَارَ في الْعُقُودِ أَحَدَ الطَّرَفَيْنِ لَا يَعْدِلُ إلَى الْآخَرِ وَعَلَى هذا يُحْمَلُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ على أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ حُقُوقَهُمْ بِإِقْرَارِ الْإِمَامِ مع قَبْضِهِمْ لها وَبِدُونِهِ مع حُضُورِهِمْ
فَإِنْ وَهَبَ بَعْضُهُمْ نَصِيبَهُ لِلْغَانِمِينَ أَيْ لِبَاقِيهِمْ وَأَرَادَ الْإِسْقَاطَ له سَقَطَ أو أَرَادَ تَمْلِيكَهُمْ إيَّاهُ فَلَا يَسْقُطُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ له وَلِأَنَّهُ مَجْهُولٌ
وَمَنْ مَاتَ منهم عن نَصِيبِهِ فَوَارِثُهُ كَهُوَ فيه كَسَائِرِ الْحُقُوقِ فَيَمْلِكُهُ إنْ سَبَقَ اخْتِيَارُ التَّمَلُّكِ له وَإِلَّا فَلَهُ طَلَبُهُ وَالْإِعْرَاضُ عنه كَالشُّفْعَةِ
فَلَوْ أَعْرَضُوا جميعا جَازَ وَصُرِفَ الْجَمِيعُ مَصْرِفَ الْخُمُسِ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُصَحِّحَ لِلْإِعْرَاضِ يَشْمَلُ الْبَعْضَ وَالْجَمِيعَ
وَالسَّالِبُ أَيْ مُسْتَحِقُّ السَّلَبِ وَذُو الْقُرْبَى وَلَوْ وَاحِدًا وَالسَّفِيهُ لَا يَصِحُّ إعْرَاضُهُمْ لِأَنَّ السَّلَبَ مُتَعَيِّنٌ لِمُسْتَحِقِّهِ بِالنَّصِّ كَالْوَارِثِ وَكَنَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَسَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى مِنْحَةٌ أَثْبَتَهَا اللَّهُ تَعَالَى لهم بِالْقَرَابَةِ بِلَا تَعَبٍ وَشُهُودِ وَقْعَةٍ كَالْإِرْثِ فَلَيْسُوا كَالْغَانِمِينَ الَّذِينَ يَقْصِدُونَ بِشُهُودِهِمْ مَحْضَ الْجِهَادِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالسَّفِيهُ مَحْجُورٌ عليه وما ذَكَره من عَدَمِ صِحَّةِ إعْرَاضِهِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن نَفَقَةِ الْإِمَامِ قال الْبُلْقِينِيُّ وَهَذَا إنَّمَا فَرَّعَهُ الْإِمَامُ على أَنَّهُ يَمْلِكُ بِمُجَرَّدِ الِاغْتِنَامِ وَبِهِ صَرَّحَ في الْبَسِيطِ فقال وَالسَّفِيهُ يَلْزَمُ حَقُّهُ على قَوْلِنَا يَمْلِكُ وَلَا يَسْقُطُ بِالْإِعْرَاضِ إلَّا على قَوْلِنَا إنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالِاخْتِيَارِ فَيَكُونُ الْأَصَحُّ صِحَّةَ إعْرَاضِهِ وَلِذَا قال في الْمُهِمَّاتِ الرَّاجِحُ صِحَّةُ إعْرَاضِهِ وقال الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ
____________________
(4/198)
وَبَاقِي أَصْحَابِ الْخُمُسِ لَا يُتَصَوَّرُ إعْرَاضُهُمْ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُعَيَّنِينَ
وَالْمُعْرِضُ من الْغَانِمِينَ كَالْمَعْدُومِ فَيُقْسَمُ الْمَالُ خَمْسًا وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ كما لو لم يَكُنْ إعْرَاضٌ فَالْإِعْرَاضُ إنَّمَا تَرْجِعُ فَائِدَتُهُ إلَى بَاقِي الْغَانِمِينَ دُونَ أَرْبَابِ الْخُمُسِ
وَيَصِحُّ إعْرَاضُ مُفْلِسٍ مَحْجُورٍ عليه لِأَنَّ اخْتِيَارَ التَّمَلُّكِ كَالِاكْتِسَابِ وَالْمُفْلِسُ لَا يَلْزَمُهُ ذلك وَلِأَنَّ الْإِعْرَاضَ يَمْحَضُ جِهَادُهُ لِلْآخَرِ فَلَا يُمْنَعُ منه
لَا إعْرَاضَ عَبْدٍ وَصَبِيٍّ عن الرَّضْخِ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيمَا غَنِمَهُ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ وَعِبَارَةُ الصَّبِيِّ مُلْغَاةٌ بَلْ الْإِعْرَاضُ لِلسَّيِّدِ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحَقُّ نعم إنْ كان الْعَبْدُ مُكَاتَبًا أو مَأْذُونًا له في التِّجَارَةِ وقد أَحَاطَتْ بِهِ الدُّيُونُ فَلَا يُظْهِرُ صِحَّةَ إعْرَاضِهِ في حَقِّهِمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وفي الثَّانِي نَظَرٌ لَا لِلْوَلِيِّ لِعَدَمِ الْحَظِّ في إعْرَاضِهِ لِلْمُوَلَّى عليه فَإِنْ بَلَغَ قبل اخْتِيَارِهِ التَّمَلُّكَ صَحَّ إعْرَاضُهُ
فَرْعٌ لو سَرَقَ من الْغَنِيمَةِ غَانِمٌ أو وَلَدُهُ أو وَالِدُهُ أو عَبْدُهُ أو سَيِّدُهُ قَدْرَ نَصِيبِهِ منها رَدَّهُ إلَيْهَا فَإِنْ تَلِفَ فَبَدَلُهُ يَرُدُّهُ إلَيْهَا ولم يُقْطَعْ حُرًّا كان أو عَبْدًا لِأَنَّ له حَقًّا فيها وَكَذَا لو سَرَقَ أَكْثَرَ من نَصِيبِهِ يَرُدُّهُ فَإِنْ تَلِفَ فَبَدَلُهُ وَلَا يُقْطَعُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْقِطَ عنه قَدْرَ نَصِيبِهِ إنْ كان الْغَانِمُونَ مَحْصُورِينَ كما في الْمَهْرِ الْآتِي بَيَانُهُ في الْفَرْعِ الْآتِي وَلَوْ بَعْدَ إفْرَازِ الْخُمْسِ سَوَاءٌ أَسَرَقَ منه أَمْ من الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ وَإِنْ بَلَغَ ما سَرَقَهُ منها نِصَابًا لِذَلِكَ
أو سَرَقَهُ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ كَافِرٍ من الْغَنِيمَةِ قبل إفْرَازِ الْخُمْسِ أو من الْخُمْسِ بَعْدَ إفْرَازِهِ وَقَبْلَ إخْرَاجِ خُمُسِهِ أو من خُمُسِهِ أَيْ خُمُسِ الْخُمُسِ بَعْدَ إفْرَازِهِ لم يُقْطَعْ لِأَنَّ فيه مَالًا لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَهُ فيه حَقٌّ أو من أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ قُطِعَ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ له فيها وَكَذَا لو سَرَقَ من أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْخُمُسِ إنْ لم يَكُنْ من أَهْلِهَا أَيْ أَهْلِ اسْتِحْقَاقِهَا وَإِلَّا فَلَا يُقْطَعْ
وَمَنْ غَلَّ من الْغَنِيمَةِ شيئا وكان من الْغَانِمِينَ عُزِّرَ
فَرْعٌ لو وَطِئَ غَانِمٌ جَارِيَةً من الْغَنِيمَةِ قبل الْقِسْمَةِ وَقَبْلَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ لو اقْتَصَرَ على الثَّانِي كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ كما مَرَّ نَظِيرُهُ فَلَا حَدَّ عليه لِأَنَّ له فيها شُبْهَةَ مِلْكٍ وَهَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ بَعْدَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ أَيْضًا كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَيُعَزَّرُ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ لَا جَاهِلٌ بِهِ بِأَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ أو نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عن الْعُلَمَاءِ بَلْ يُنْهَى عنه وَيُعَرَّفُ حُكْمَهُ وَلَزِمَهُ الْمَهْرُ لِلشُّبْهَةِ كَوَطْءِ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَإِنْ أَحَبْلَهَا لم يَثْبُتْ الِاسْتِيلَادُ في حِصَّتِهِ وَإِنْ كان مُوسِرًا لِعَدَمِ الْمِلْكِ فَإِنْ مَلَكَهَا بَعْدُ بِسَهْمِهِ أو بِسَبَبٍ آخَرَ ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ كما صَحَّحَهُ في الرَّوْضَةِ وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ في الْمُعْسِرِ
وَلَزِمَهُ أَرْشُ نَقْصِ الْوِلَادَةِ لِحِصَّةِ
____________________
(4/199)
غَيْرِهِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ لَكِنَّ عَدَمَ ثُبُوتِهِ الذي جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هو ما رَجَّحَهُ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن الْعِرَاقِيِّينَ وَكَثِيرٌ من غَيْرِهِمْ وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ في شَرْحَيْهِ وَنَقَلَهُ عن النَّصِّ ثُبُوتُهُ في حِصَّتِهِ وَإِنْ كان مُعْسِرًا لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ وَإِنْ لم تَكُنْ مِلْكَهُ كما في وَطْءِ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِ أَقْوَى وَعَلَى ما رَجَّحَهُ يَسْرِي الِاسْتِيلَادُ من حِصَّةِ الْمُوسِرِ إلَى الْبَاقِي فَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ حِصَّةِ شُرَكَائِهِ بِخِلَافِ الْمُعْسِرِ وَيَدْخُلُ فيها أَرْشُ نَقْصِ الْوِلَادَةِ وفي كَلَامِ الرَّوْضَةِ هُنَا تَوَهُّمٌ نَبَّهَ عليه في الْمُهِمَّاتِ وقد أَشَرْت إلَى بَعْضِهِ بِمَا تَقَرَّرَ وَيَسْقُطُ عنه حِصَّتُهُ من الْمَهْرِ إنْ كَانُوا مَحْصُورِينَ بِأَنْ تَيَسَّرَ ضَبْطُهُمْ إذْ لَا مَعْنَى لِأَخْذِهَا منه وَرَدِّهَا عليه حَيْثُ لَا مَشَقَّةَ في مَعْرِفَتِهَا وَإِلَّا بِأَنْ لم يَكُونُوا مَحْصُورِينَ ولم يُفْرِزْ الْإِمَامُ الْخُمُسَ لِأَرْبَابِهِ وَلَا عَيَّنَ شيئا أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي أَخَذَ الْمَهْرَ وَضَمَّ إلَى الْمَغْنَمِ وهو أَيْ نَصِيبُهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ وَلَا يُكَلَّفُ الْإِمَامُ ضَبْطَهُمْ وَمَعْرِفَةَ نَصِيبِهِ لِمَا فيه من الْمَشَقَّةِ قال الْإِمَامُ وَلْيَخُصَّ ما ذَكَرُوهُ بِمَا إذَا طَابَتْ نَفْسُهُ بِغُرْمِ الْجَمِيعِ فَإِنْ قال أَسْقِطُوا نَصِيبِي فَلَا بُدَّ من إجَابَتِهِ وَيُؤْخَذُ الْمُتَيَقَّنُ وَيُوقَفُ الْمَشْكُوكُ فيه قال في الرَّوْضَةِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ خِلَافُ ما قَالَهُ وَيَحْتَمِلُ أَخْذَ هذا الْقَدْرِ منه وَإِنْ كان يَسْتَحِقُّهُ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ وَالْمَشَقَّةِ الظَّاهِرَةِ وَلِئَلَّا يُقَدَّمَ بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ في الْإِعْطَاءِ على بَعْضٍ أَيْ مع ارْتِكَابِ الْمَشَقَّةِ
وَلَوْ جَعَلَ الْخُمُسَ بِأَنْ أَفْرَزَهُ الْإِمَامُ لِأَرْبَابِهِ وكان وَطْءُ الْغَانِمِ بَعْدَ تَمَلُّكِ الْغَانِمِينَ وَخَرَجَتْ أَيْ الْجَارِيَةُ في حِصَّةِ قَوْمٍ هو أَيْ وَاطِئُهَا منهم فَهُمْ شُرَكَاؤُهُ فيها وَلَا يَخْفَى حُكْمُهُ من أَنَّهُ يَغْرَمُ من الْمَهْرِ قِسْطَهُمْ وَإِنْ كان قبل تَمَلُّكِهِمْ فَكَمَا لو كَانُوا مَحْصُورِينَ إلَّا أَنَّ الْمَهْرَ لَا يُخَمَّسُ هُنَا بَلْ يُوَزَّعُ عليهم فَيَسْقُطُ عن الْوَاطِئِ حِصَّتُهُ منه وَيَلْزَمُهُ حِصَّةُ الْبَاقِينَ وما ذُكِرَ من أَحْكَامِ الْمَهْرِ يَأْتِي مِثْلُهُ في قِيمَةِ السِّرَايَةِ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ
وَلَا يَثْبُتُ فيها أَيْ الْجَارِيَةِ الْقِسْمَةُ وَهِيَ حَامِلٌ بِحُرٍّ إنْ جَعَلْنَاهَا أَيْ الْقِسْمَةَ بَيْعًا وَهَلْ تُقَوَّمُ عليه وَيُسَلِّمُ الْقِيمَةَ لِلْإِمَامِ فَيَجْعَلُهَا في الْمَغْنَمِ لِأَنَّهُ بِالْأَحْبَالِ حَالَ بين الْغَانِمِينَ وَبَيْنَهَا بَيْعًا وَقِسْمَةً أَمْ تَكُونُ الْجَارِيَةُ حِصَّتَهُ إنْ احْتَمَلَ أَيْ احْتَمَلَتْهَا حِصَّتُهُ أَمْ تَدْخُلُ في الْقِسْمَةِ وَإِنْ كانت حَامِلًا بِحُرٍّ لِلضَّرُورَةِ فيه خِلَافٌ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ
فَإِنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا فَهُوَ حُرٌّ نَسِيبٌ لِلشُّبْهَةِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَاطِئُ مُوسِرًا أو مُعْسِرًا هذا ما صَحَّحَهُ الْأَصْلُ هُنَا كَالْعِرَاقِيِّينَ وَقِيلَ إنْ كان مُعْسِرًا فَالْحُرُّ منه قَدْرُ حِصَّتِهِ فَقَطْ كَإِيلَادِهِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمَهُ كَأَصْلِهِ في النِّكَاحِ في الْكَلَامِ على وَطْءِ الْأَبِ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ بين ابْنِهِ وَأَجْنَبِيٍّ قَالَا هُنَا وَالْخِلَافُ في تَبْعِيضِ الْحُرِّيَّةِ يَجْرِي في وَلَدِ الشَّرِيكِ الْمُعْسِرِ فَيَكُونُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ حُرٌّ كُلُّهُ لَكِنَّهُ صَحَّحَ في بَابِ دِيَةِ الْجَنِينِ وَبَابِ الْكِتَابَةِ التَّبْعِيضَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَضْعَ الْوَلَدِ مع أَنَّهُ حُرٌّ قبل وَضْعِهِ لَيُرَتِّبَ عليه قَوْلَهُ وَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ مُنِعَ رِقُّهُ بِإِحْبَالِهِ مع عَدَمِ تَقْوِيمِ الْأُمِّ عليه وَحُكْمُهَا أَيْ قِيمَةِ الْوَلَدِ حُكْمُ الْمَهْرِ وَقِيمَةُ السِّرَايَةِ فِيمَا مَرَّ وَتُجْعَلُ الْأُمُّ في الْمَغْنَمِ فَتُخَمَّسُ مع بَقِيَّةِ الْمَالِ وَإِنْ وَضَعَتْ قبل الْقِسْمَةِ وَإِلَّا خُمِّسَتْ وَحْدَهَا وَقَوْلُهُ وَهَلْ تُقَوَّمُ إلَى آخِرِهِ مُفَرَّعٌ على عَدَمِ ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ وَلَوْ أَوْلَدَ امْرَأَةً بَعْضُهَا حُرٌّ بِنِكَاحٍ أو زِنًا فَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عليه جَوَابُ الْقَاضِي أَنَّهُ كَالْأُمِّ حُرِّيَّةً وَرِقًّا قال الْإِمَامُ وهو الْوَجْهُ لِأَنَّهُ لَا سَبَبَ لِحُرِّيَّتِهِ إلَّا حُرِّيَّةُ الْأُمِّ فَيَتَقَدَّرُ بها ذَكَرَهُ الْأَصْلُ
وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ الْخُمُسِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ بَعْدَ إفْرَازِ الْخُمُسِ غَانِمٌ أو أَجْنَبِيٌّ حُدَّ كَوَطْءِ جَارِيَةٍ بِبَيْتِ الْمَالِ بِخِلَافِ سَرِقَتِهِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ منه النَّفَقَةَ لَا الْإِعْفَافَ وَإِنْ وَطِئَ الْأَجْنَبِيُّ جَارِيَةً من الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ حُدَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ له في الْغَانِمِينَ وَلَدٌ أو مُكَاتَبٌ
وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا من الْغَنِيمَةِ أو كان فيها من يَعْتِقْ عليه لم يَعْتِقْ قبل اخْتِيَارِهِ التَّمَلُّكَ لِعَدَمِ دُخُولِهِ في مِلْكِهِ وَفَارَقَ ثُبُوتَ الِاسْتِيلَادِ على ما مَرَّ بِقُوَّةِ الِاسْتِيلَادِ بِدَلِيلِ نُفُوذِ اسْتِيلَادِ الْمَجْنُونِ وَاسْتِيلَادِ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ دُونَ إعْتَاقِهِمَا وَبِأَنَّ الْوَطْءَ اخْتِيَارٌ لِلتَّمَلُّكِ بِدَلِيلِ جَعْلِ وَطْءِ الْبَائِعِ في زَمَنِ الْخِيَارِ فَسْخًا بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ أَمَّا بَعْدَ اخْتِيَارِهِ التَّمَلُّكَ فَيَعْتِقُ عليه وَيُنْظَرُ إلَى يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ في تَقْوِيمِ الْبَاقِي
فَرْعٌ لو دخل مُسْلِمٌ دَارَ الْحَرْبِ مُنْفَرِدًا وَأَسَرَ أَبَاهُ أو ابْنَهُ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ لم يَعْتِقْ منه شَيْءٌ في
____________________
(4/200)
الْحَالِ لِأَنَّهُ لَا يَرِقُّ بِالْأَسْرِ حتى يَخْتَارَ الْإِمَامُ اسْتِرْقَاقَهُ وَحِينَئِذٍ لِلسَّابِي تَمَلُّكُهُ فَإِنْ تَمَلَّكْهُ عَتَقَ عليه أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ فَإِنْ كان مُوسِرًا قُوِّمَ عليه الْخُمُسُ لِأَهْلِهِ وَإِنْ لم يَتَمَلَّكْهُ لم يَعْتِقْ شَيْءٌ منه وَكَذَا إذَا لم يَخْتَرْ الْإِمَامُ اسْتِرْقَاقَهُ بِأَنْ اخْتَارَ قَتْلَهُ أو فِدَاءَهُ أو الْمَنَّ عليه
وَإِنْ أَسَرَ أُمَّهُ أو بِنْتَهُ الْبَالِغَةَ رَقَّتْ بِالْأَسْرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى اخْتِيَارِ الْإِمَامِ فَإِنْ اخْتَارَ السَّابِي التَّمَلُّكَ فَكَمَا مَرَّ في نَظِيرِهِ قَبْلَهَا وَكَذَا ابْنُهُ الْأَوْلَى وَلَدُهُ الصَّغِيرُ إنْ أَسَرَهُ رَقَّ بِالْأَسْرِ وَجَرَى فيه ما ذُكِرَ إنْ كان رَقِيقًا لِحَرْبِيٍّ كَأَنْ تَزَوَّجَ حَرْبِيٌّ أَمَةً لِحَرْبِيٍّ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ أو قَهَرَ حَرْبِيٌّ وَلَدَ الْحَرْبِيِّ أو اشْتَرَاهُ منه ثُمَّ أَسْلَمَ الْأَبُ في الثَّلَاثَةِ وَهَذَا الشَّرْطُ من زِيَادَتِهِ ذَكَرَهُ تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ لِتَصْوِيرِ سَبْيِ الرَّجُلِ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ لِأَنَّ الصَّغِيرَ يَتْبَعُ أَبَاهُ في الْإِسْلَامِ فَلَا يُتَصَوَّرُ منه سَبْيُهُ فإذا كان رَقِيقًا لِحَرْبِيٍّ تُصُوِّرَ منه ذلك
وَإِنْ كان الْغَانِمُونَ قَلِيلِينَ وَأَخَذُوا أَيْ غَنِمُوا من يَعْتِقُ عليهم جميعا لم يَتَوَقَّفْ عِتْقُهُمْ له إلَّا على اخْتِيَارِهِمْ التَّمَلُّكَ
فَصْلٌ في حُكْمِ عَقَارِ الْكُفَّارِ وَيَمْلِكُ عَقَارَهُمْ بِالِاسْتِيلَاءِ عليه مع اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ كَالْمَنْقُولَاتِ وَلِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ من شَيْءٍ الْآيَةَ وَخَرَجَ بِعَقَارِهِمْ مَوَاتُهُمْ فَلَا يُمْلَكُ بِالِاسْتِيلَاءِ لِأَنَّهُمْ لم يَمْلِكُوهُ إذْ لَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْإِحْيَاءِ كما مَرَّ في بَابِهِ
أَمَّا مَكَّةُ فَفُتِحَتْ صُلْحًا لَا عَنْوَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَوْ قَاتَلَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوْا الْأَدْبَارَ الْآيَةَ يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ وَقَوْلُهُ وهو الذي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ وَقَوْلُهُ وَعَدَكُمْ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هذه وَكَفَّ أَيْدِيَ الناس عَنْكُمْ إلَى قَوْلِهِ وَأُخْرَى لم تَقْدِرُوا عليها أَيْ بِالْقَهْرِ قبل التي عَجَّلَهَا لهم غَنَائِمُ حُنَيْنٍ وَاَلَّتِي لم يَقْدِرُوا عليها غَنَائِمُ مَكَّةَ وَمَنْ قال فُتِحَتْ عَنْوَةً مَعْنَاهُ أَنَّهُ دخل مُسْتَعِدًّا لِلْقِتَالِ لو قُوتِلَ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ
فَبُيُوتُهَا مِلْكٌ لِأَهْلِهَا لَا وَقْفَ فَيَصِحُّ بَيْعُهَا إذْ لم يَزَلْ الناس يَتَبَايَعُونَهَا وَلِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهَلْ تَرَكَ لنا عَقِيلٌ من دَارٍ يَعْنِي أَنَّهُ بَاعَهَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قال الرُّويَانِيُّ وَيُكْرَهُ بَيْعُهَا وَإِجَارَتُهَا لِلْخِلَافِ وَنَازَعَهُ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ وقال إنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ لم يَرِدْ فيه نَهْيٌ مَقْصُودٌ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَوَّلُ هو الْمَنْصُوصُ
وَأَمَّا سَوَادُ الْعِرَاقِ من الْبِلَادِ وهو من إضَافَةِ الْجِنْسِ إلَى بَعْضِهِ لِأَنَّ السَّوَادَ أَزْيَدُ من الْعِرَاقِ بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ فَرْسَخًا كما قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَسُمِّيَ سَوَادًا لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا من الْبَادِيَةِ فَرَأَوْا خُضْرَةً الزَّرْعِ وَالْأَشْجَارِ الْمُلْتَفَّةِ وَالْخُضْرَةُ تُرَى من الْبُعْدِ سَوَادًا فَقَالُوا ما هذا السَّوَادُ وَلِأَنَّ بين اللَّوْنَيْنِ مُتَقَارِبًا فَيُطْلَقُ اسْمُ أَحَدِهِمَا على الْآخَرِ فَفُتِحَ في زَمَنِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه عَنْوَةً بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ قَهْرًا وَغَلَبَةً لِأَنَّهُ قَسَمَ بين الْغَانِمِينَ وَأَرْضَى عُمَرُ عنه الْغَانِمِينَ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِهِ وَاسْتَرَدَّهُ وَوَقَفَهُ دُونَهُ بِنِيَّةِ دَوْرِهِ عَلَيْنَا لِأَنَّهُ خَافَ تَعَطُّلَ الْجِهَادِ بِاشْتِغَالِهِمْ بِعِمَارَتِهِ لو تَرَكَهُ بِأَيْدِيهِمْ وَلِأَنَّهُ لم يُسْتَحْسَنْ قَطْعُ من بَعْدَهُمْ عن رَقَبَتِهِ وَمَنْفَعَتِهِ وَأَجَّرَهُ من أَهْلِهِ إجَارَةً مُؤَبَّدَةً بِالْخَرَاجِ الْمَضْرُوبِ عليه على خِلَافِ سَائِرِ الْإِجَارَاتِ وَجُوِّزَتْ كَذَلِكَ لِلْمَصْلَحَةِ الْكُلِّيَّةِ قال الْعُلَمَاءُ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِرْدَادِ رَجَعَ إلَى حُكْمِ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ بِالْمَصْلَحَةِ الْكُلِّيَّةِ في أَمْوَالِهِمْ ما لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ في أَمْوَالِنَا كما يَأْتِي مِثْلُهُ في مَسْأَلَةِ الْبَدْأَةِ وَالرَّجْعَةِ وَغَيْرِهِمَا
وَالْخَرَاجُ الْمَضْرُوبُ عليه أُجْرَةٌ مُنَجَّمَةٌ تُؤَدَّى كُلَّ سَنَةٍ لِمَصَالِحِنَا وَلَيْسَ لِأَهْلِ السَّوَادِ بَيْعُهُ وَرَهْنُهُ وَهِبَتُهُ لِكَوْنِهِ صَارَ وَقْفًا وَلَهُمْ إجَارَتُهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً لَا مُؤَبَّدَةً كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ وَإِنَّمَا خُولِفَ في إجَارَةِ عُمَرَ لِلْمَصْلَحَةِ الْكُلِّيَّةِ كما مَرَّ
وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ سَاكِنِيهِ إزْعَاجُهُمْ عنه وَيَقُولُ أنا أَسْتَغِلُّهُ وَأُعْطِي الْخَرَاجَ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا بِالْإِرْثِ الْمَنْفَعَةَ بِعَقْدِ بَعْضِ آبَائِهِمْ مع عُمَرَ وَالْإِجَارَةُ لَازِمَةٌ لَا تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ
وَأَمَّا دُورُهُمْ أَيْ أَبْنِيَتُهَا فَيَجُوزُ بَيْعُهَا إذْ لم يُنْكِرْهُ أَحَدٌ وَلِهَذَا لَا يُؤْخَذُ عليها خَرَاجٌ وَلِأَنَّ وَقْفَهَا يُفْضِي إلَى خَرَابِهَا نعم إنْ كانت آلَتُهَا من أَجْزَاءِ الْأَرْضِ
____________________
(4/201)
الْمَوْقُوفَةِ لم يَجُزْ بَيْعُهَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ تَفَقُّهًا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ ما نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عن النَّصِّ وَقَطَعَ بِهِ من أَنَّ الْمَوْجُودَ من الدُّورِ حَالَ الْفَتْحِ وَقْفٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ
ثُمَّ ما فيها أَيْ أَرْضِ سَوَادِ الْعِرَاقِ من الْأَشْجَارِ ثِمَارُهَا لِلْمُسْلِمِينَ يَبِيعُهَا الْإِمَامُ وَيَصْرِفُهَا أَيْ أَثْمَانَهَا وَلَهُ أَنْ لَا يَبِيعَهَا وَيَصْرِفَهَا نَفْسَهَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ مَصَارِفُ الْخَرَاجِ وَمَصَارِفُهُ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ منها وَمِنْهَا أَهْلُ الْفَيْءِ أَغْنِيَاؤُهُمْ وَفُقَرَاؤُهُمْ
وَحَدُّ السَّوَادِ من عَبَّادَانَ بِالْبَاءِ الْمُشَدَّدَةِ إلَى حَدِيقَةِ الْمَوْصِلِ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْمِيمِ طُولًا وَمِنْ عُذَيْبِ الْقَادِسِيَّةِ إلَى حُلْوَانَ بِضَمِّ الْحَاءِ عَرْضًا بِإِجْمَاعِ أَهْلِ التَّارِيخِ ما خَلَا الْبَصْرَةَ بِفَتْحِ الْبَاءِ أَشْهُرُ من ضَمِّهَا وَكَسْرِهَا فَإِنَّهَا وَإِنْ كانت دَاخِلَةً في حَدِّ السَّوَادِ فَلَيْسَ لها حُكْمُهُ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ بَعْدَ فَتْحِهِ وَوَقْفِهِ فَأَحْيَاهَا عُثْمَانُ بن أبي الْعَاصِ وَعُتْبَةُ بن غَزْوَانَ في زَمَنِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ ولم يُعْبَدْ بها صَنَمٌ قَطُّ إلَّا الْفُرَاتُ شَرْقِيَّ دِجْلَتِهَا وإلا نَهْرُ الصَّرَاةِ غَرْبِيَّهَا أَيْ غَرْبِيَّ دِجْلَتِهَا وهو أَيْ حَدُّ السَّوَادِ بِالْفَرَاسِخِ مِائَةٌ وَسِتُّونَ فَرْسَخًا طُولًا وَثَمَانُونَ عَرْضًا وَبِالْجَرِيبِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ أَلْفَ أَلْفَ جَرِيبٍ وَثَانِيهِمَا سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ أَلْفَ أَلْفٍ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ ثُمَّ قال وَيُمْكِنُ أَنْ يَرْجِعَ التَّفَاوُتُ إلَى ما يَقَعُ الْحَدُّ الْمَذْكُورُ من السِّبَاخِ وَالتُّلُولِ وَالطُّرُقِ وَمَجَارِي الْأَنْهَارِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يُزْرَعُ فَكَانَ بَعْضُهُمْ أَخْرَجَهَا عن الْحِسَابِ
وَالْخَرَاجُ أَيْ قَدْرُهُ في كل سَنَةٍ ما فَرَضَهُ عُثْمَانُ بن حُنَيْفٍ لَمَّا بَعَثَهُ عُمَرُ مَاسِحًا وهو على جَرِيبِ شَعِيرٍ دِرْهَمَانِ وجريب حِنْطَةٍ أَرْبَعَةٌ وجريب شَجَرٍ وجريب قَصَبِ سُكَّرٍ سِتَّةٌ وجريب نَخْلٍ ثَمَانِيَةٌ وجريب كَرْمٍ عَشْرَةٌ وجريب زَيْتُونٍ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَالْجَرِيبُ عَشْرُ قَصَبَاتٍ كُلُّ قَصَبَةٍ سِتَّةُ أَذْرُعٍ بِالْهَاشِمِيِّ كُلُّ ذِرَاعٍ سِتُّ قَبَضَاتٍ كُلُّ قَبْضَةٍ أَرْبَعُ أَصَابِعَ فَالْجَرِيبُ سَاحَةٌ مُرَبَّعَةٌ من الْأَرْضِ بين كل جَانِبَيْنِ منها سِتُّونَ ذِرَاعًا هَاشِمِيًّا وقال في الْأَنْوَارِ الْجَرِيبُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةِ ذِرَاعٍ
وَأَمَّا مِصْرُ فقال الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ وَغَيْرِهِ إنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقِيلَ فُتِحَتْ صُلْحًا ثُمَّ نَكَثُوا فَفَتَحَهَا عُمَرُ ثَانِيًا عَنْوَةً وفي وَصِيَّةِ الشَّافِعِيِّ في الْأُمِّ ما يَقْتَضِي أنها فُتِحَتْ صُلْحًا
وَأَمَّا الشَّامُ فقال الْأَذْرَعِيُّ إنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا كما صَرَّحَ بِهِ الْجُورِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ في كِتَابِ الْجِزْيَةِ عن الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ مُدَّتَهَا فُتِحَتْ صُلْحًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ ذَكَرَ في كِتَابِ الْخَرَاجِ أَنَّ كَثِيرًا منها فُتِحَ عَنْوَةً
فَرْعٌ إنْ رَأَى الْإِمَامُ الْيَوْمَ أَنْ يَقِفَ أَرْضِ الْغَنِيمَةِ كما فَعَلَ عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه جَازَ وَكَذَا سَائِرُ عَقَارَاتِهَا وَمَنْقُولَاتِهَا إنْ رضي الْغَانِمُونَ بِذَلِكَ كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ عن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه لَا قَهْرًا عليهم وَإِنْ خَشِيَ أنها تَشْغَلُهُمْ عن الْجِهَادِ لِأَنَّهَا مِلْكُهُمْ لَكِنْ يَقْهَرُهُمْ على الْخُرُوجِ إلَى الْجِهَادِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَعُلِمَ من كَلَامِهِ أَنَّهُ لو امْتَنَعَ بَعْضُهُمْ لم يَقْهَرْهُ وَيَكُونُ أَحَقَّ بِمَالِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ
وَلَا يُرَدُّ شَيْءٌ من الْغَنِيمَةِ إلَى الْكُفَّارِ إلَّا بِرِضَا الْغَانِمِينَ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا أَنْ يَتَمَلَّكُوهَا
الْبَابُ الثَّالِثِ في الْأَمَانِ لِلْكَافِرِ وَالْأَصْلُ فيه آيَةُ وَإِنْ أَحَدٌ من الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَك وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بها أَدْنَاهُمْ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا أَيْ نَقَضَ عَهْدَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ وَالذِّمَّةُ الْعَهْدُ وَالْأَمَانُ وَالْحُرْمَةُ وَالْحَقُّ وَأَمَّا الذِّمَّةُ في قَوْلِهِمْ ثَبَتَ الْمَالُ في ذِمَّتِهِ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ فَلَهَا مَعْنًى آخَرُ بَيَّنْتُهُ في الْبَيْعِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ غَيْرِ أَسِيرٍ وَلَا مُكْرَهٍ حتى امْرَأَةٍ أو عَبْدٍ أو فَاسِقٍ أو سَفِيهٍ أَمَانُ كَافِرٍ وَكَافِرَةٍ غَيْرِ كَافِرٍ أَسِيرٍ سَوَاءٌ أَكَانَا بِدَارِ الْحَرْبِ أَمْ لَا وَأَمَانُ جَمَاعَةٍ مَحْصُورِينَ كَقَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ أَيْ أَهْلِهَا فَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ وَلَيْسَ أَهْلًا لِلنَّظَرِ لنا وَبِالْمُكَلَّفِ غَيْرُهُ لِإِلْغَاءِ عِبَارَتِهِ وَبِمَا بَعْدَهُ الْمُكْرَهُ وَالْأَسِيرُ أَيْ الْمُقَيَّدُ أو الْمَحْبُوسُ وَإِنْ لم يَكُنْ مُكْرَهًا لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ بِأَيْدِيهِمْ لَا يُعْرَفُ وَجْهُ الْمَصْلَحَةِ وَلِأَنَّ وَضْعَ الْأَمَانِ أَنْ يَأْمَنَ الْمُؤْمِنُ وَلَيْسَ الْأَسِيرُ أَمِينًا أَمَّا أَسِيرُ الدَّارِ وهو الْمُطْلَقُ بِبِلَادِ الْكُفْرِ الْمَمْنُوعُ من الْخُرُوجِ منها فَيَصِحُّ أَمَانُهُ كما في التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ
____________________
(4/202)
قال الْمَاوَرْدِيُّ إنَّمَا يَكُونُ مُؤَمَّنُهُ آمِنًا مِنَّا بِدَارِ الْحَرْبِ لَا غَيْرُ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِالْأَمَانِ في غَيْرِهَا وَبِغَيْرِ الْأَسِيرِ الْكَافِرِ الْأَسِيرِ لِأَنَّهُ بِالْأَسْرِ ثَبَتَ فيه حَقٌّ لِلْمُسْلِمِينَ وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِغَيْرِ الذي أَسَرَهُ أَمَّا الذي أَسَرَهُ فإنه يُؤَمِّنُهُ إذَا كان بَاقِيًا في يَدِهِ لم يَقْبِضْهُ الْإِمَامُ كما يَجُوزُ قَتْلُهُ وَتَرْجِيحُ صِحَّةِ الْأَمَانِ لِلْكَافِرَةِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَبِهَا جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهَا الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَبَعِيَّةُ أَمَانِهِمَا لِأَمَانِ السَّيِّدِ وَالرَّجُلِ لَا تَمْنَعُ إفْرَادَ صِحَّةِ الْعَقْدِ لَهُمَا وَبِالْمَحْصُورِينَ غَيْرُهُمْ كَأَهْلِ بَلَدٍ أو نَاحِيَةٍ فَلَا يُؤَمِّنُهُمْ الْآحَادُ لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ الْجِهَادُ فيها بِأَمَانِهِمْ
وقد بَيَّنَ ضَابِطَ ذلك بِقَوْلِهِ وَالشَّرْطُ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ الْأَمَانُ إلَى إبْطَالِ الْجِهَادِ في تِلْكَ النَّاحِيَةِ لِأَنَّ الْجِهَادَ شِعَارُ الدِّينِ وَالدَّعْوَةِ الْقَهْرِيَّةِ وهو من أَعْظَمِ مَكَاسِبِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَظْهَرَ بِأَمَانِ الْآحَادِ انْسِدَادُهُ ولا إلَى تَكْلِيفِ حَمْلِ الزَّادِ وَالْعَلَفِ فَلَوْ آمَنَّا آحَادًا على طَرِيقِ الْغُزَاةِ وَاحْتَجْنَا إلَى حَمْلِ ذلك وَلَوْ لَا الْأَمَانُ لَأَخَذْنَا أَطْعِمَةَ الْكُفَّارِ لم يَصِحَّ الْأَمَانُ لِلضَّرَرِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ
فَلَوْ أَمَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا وَاحِدًا أو جَمَاعَةً منهم وَتَعَاقَبُوا صَحَّ أَمَانُهُمْ إلَى ظُهُورِ الْخَلَلِ وَإِنْ أَمَّنُوهُمْ مَعًا بَطَلَ في الْجَمِيعِ
وَقَوْلُهُ أَيْ الْمُسْلِمِ وَإِنْ تَعَدَّدَ كُنْت أَمَّنْته مَقْبُولٌ قبل الْأَسْرِ لَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ أَمَانَهُ قبل الْأَسْرِ لَا بَعْدَهُ نعم إنْ شَهِدَ له اثْنَانِ لم يُشَارِكَاهُ في الْأَخْبَارِ قُبِلَ منه
وَلَا يُنْقَضُ أَمَانُ مُسْلِمٍ لِكَافِرِ إلَّا لِخَوْفِ خِيَانَةٍ سَيَأْتِي ما يُغْنِي عن هذا مع زِيَادَةٍ
فَصْلٌ وَيَنْعَقِدُ الْأَمَانُ بِالصَّرِيحِ كَأَجَّرْتُكَ وَأَمَّنْتُك وَأَنْتَ مُجَاوِرٌ أنت آمِنٌ وَلَا بَأْسَ عَلَيْك وَلَا تَخَفْ وَلَا تَفْزَعْ وَمِتْرَسٌ بِالْعَجَمِيَّةِ أَيْ لَا خَوْفَ عَلَيْك وَإِدْخَالُ الْكَافِ على الْأَمْثِلَةِ من زِيَادَتِهِ وَبِالْكِنَايَةِ كانت على ما تُحِبُّ وَكُنْ كَيْفَ شِئْت وَنَحْوُهُ كَالْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ وَبِكِتَابَةِ بِالْفَوْقَانِيَّةِ وَبِإِرْسَالِهِ أَيْ الْمُسْلِمِ الْمَذْكُورِ مُكَلَّفًا وَلَوْ كَافِرًا وَبِالتَّعْلِيقِ بِالْغَرَرِ كَقَوْلِهِ إنْ جاء زَيْدٌ فَقَدْ أَمَّنْتُك لِبِنَاءِ الْبَابِ على التَّوَسُّعَةِ وَبِإِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ وَلَوْ من نَاطِقٍ لَكِنْ يُعْتَبَرُ في كَوْنِهَا كِنَايَةً من الْأَخْرَسِ أَنْ يَخْتَصَّ بِفَهْمِهَا فَطِنُونِ فَإِنْ فَهِمَهَا كُلُّ أَحَدٍ فَصَرِيحٌ كما عُلِمَ من الطَّلَاقِ وَلَفْظِهِ وَنَحْوِهِ من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا
فَإِنْ أَمَّنَهُ الْمُسْلِمُ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ أو بَلَدٍ مُعَيَّنٍ وَلَوْ من دَارِ الْكُفْرِ أَمَّنَ فيه وفي طَرِيقِهِ إلَيْهِ من دَارِ الْحَرْبِ لَا في غَيْرِهِ
وَإِنْ أَطْلَقَ أَمَانَهُ له وهو وَالٍ إمَامًا كان أو نَائِبَهُ بِإِقْلِيمٍ أو نَحْوِهِ فَفِي أَيْ فَهُوَ آمِنٌ في مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَإِلَّا فَفِي مَوْضِعِ سُكْنَاهُ وفي الطَّرِيقِ إلَيْهِ من دَارِ الْحَرْبِ ما لم يَعْدِلْ عنه بِأَكْثَرَ من قَدْرِ الْحَاجَةِ
وَيُشْتَرَطُ في صِحَّةِ الْأَمَانِ عِلْمُ الْكَافِرِ بِهِ وَكَذَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ له وَلَوْ بِمَا يُشْعِرُ بِهِ كما يَأْتِي وَيَجُوزُ قَتْلُهُ قبل ذلك أَيْ قبل عِلْمِهِ وَقَبُولِهِ وَيَكْفِي ما يُشْعِرُ بِالْقَبُولِ كَتَرْكِ الْقِتَالِ وَكَإِشَارَةٍ وَتَقَدُّمِ اسْتِجَارَةٍ منه وما ذَكَرَهُ من اعْتِبَارِ الْقَبُولِ رَجَّحَهُ الْمِنْهَاجُ تَبَعًا لِقَوْلِ الْمُحَرَّرِ وَالْأَصْلُ الظَّاهِرُ اعْتِبَارُهُ زَادَ الْأَصْلُ وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ وَاكْتَفَى الْبَغَوِيّ بِالسُّكُوتِ وما قَالَهُ الْبَغَوِيّ هو الْمَنْقُولُ وَالْأَوَّلُ إنَّمَا هو بَحْثٌ لِلْإِمَامِ وَتَبِعَهُ عليه الْغَزَالِيُّ ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ ابن النَّقِيبِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ
فَإِنْ قَبِلَ الْكَافِرُ الْأَمَانَ وقال لَا أُؤَمِّنُك فَهُوَ رَدٌّ لِلْأَمَانِ لِأَنَّ الْأَمَانَ لَا يَخْتَصُّ بِطُرُقٍ
فَإِنْ أَشَارَ مُسْلِمٌ لِكَافِرٍ فَظَنَّهُ أَمَّنَهُ بِإِشَارَتِهِ فَجَاءَنَا وَأَنْكَرَ الْمُسْلِمُ أَنَّهُ أَمَّنَهُ بها أو أَمَّنَهُ صَبِيٌّ وَنَحْوُهُ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ وَظَنَّ صِحَّتَهُ
____________________
(4/203)
أَيْ الْأَمَانِ بَلَّغْنَاهُ مَأْمَنَهُ وَلَا نَغْتَالُهُ لِعُذْرِهِ فَإِنْ قال في الْأُولَى عَلِمْت أَنَّهُ لم يُرِدْ الْأَمَانَ وفي الثَّانِيَةِ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ لم يُبَلَّغْ الْمَأْمَنَ بَلْ يَجُوزُ اغْتِيَالُهُ إذْ لَا أَمَانَ له فَإِنْ مَاتَ الْمُشِيرُ قبل أَنْ يُبَيِّنَ فَلَا أَمَانَ وَلَا اغْتِيَالَ فَيُبَلَّغُ الْمَأْمَنَ
فَرْعٌ ما مَرَّ من اعْتِبَارِ صِيغَةِ الْأَمَانِ هو فِيمَا إذَا دخل الْكُفَّارُ بِلَادَنَا بِلَا سَبَبٍ أَمَّا من دخل إلَيْهَا رَسُولًا أو لِسَمَاعِ الْقُرْآنِ أو نَحْوِهِ مِمَّا يَنْقَادُ بِهِ لِلْحَقِّ إذَا ظَهَرَ له فَهُوَ آمِنٌ
لَا من دخل لِتِجَارَةٍ فَلَيْسَ آمِنًا فَلَوْ أخبره مُسْلِمٌ أنها أَيْ التِّجَارَةَ أَيْ الدُّخُولَ لها أَمَانٌ فَإِنْ صَدَّقَهُ بَلَغَ الْمَأْمَنَ وَلَا يُغْتَالُ وَكَذَا لو سمع مُسْلِمًا يقول من دخل تَاجِرًا فَهُوَ آمِنٌ فَدَخَلَ وقال ظَنَنْت صِحَّتَهُ وَبِهِ صُوَرٌ لِأَصْلٍ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُصَدِّقْهُ اُغْتِيلَ وَكَذَا يُغْتَالُ إنْ لم يُخْبِرْهُ مُسْلِمٌ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّ الدُّخُولَ لها أَمَانٌ إذْ لَا مُسْتَنَدَ لِظَنِّهِ وَلِلْإِمَامِ لَا لِلْآحَادِ جَعْلُهَا أَيْ التِّجَارَةِ أَيْ الدُّخُولِ لها أَمَانًا إنْ رَأَى في الدُّخُولِ لها مَصْلَحَةً كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فإذا قال من دخل تَاجِرًا فَهُوَ آمِنٌ جَازَ وَاتُّبِعَ وَمِثْلُهُ لَا يَصِحُّ من الْآحَادِ
وَمُدَّتُهُ أَيْ الْأَمَانِ وَإِنْ أَطْلَقَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَيَصِحُّ بِخِلَافٍ في الْهُدْنَةِ فَهَذَا كما قال الْأَذْرَعِيُّ مُسْتَثْنَى من قَوْلِهِمْ الْأَمَانُ كَالْهُدْنَةِ لِأَنَّ بَابَهُ أَوْسَعُ بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ من الْآحَادِ بِخِلَافِهَا وَلَوْ عَقَدَ بِأَكْثَرَ منها بَطَلَ الزَّائِدُ عليها أَيْ بَطَلَ الْعَقْدُ فيه فَقَطْ أَيْ لَا فِيمَا عَدَاهُ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ وَأَمَّا الزَّائِدُ لِضَعْفِنَا الْمَنُوطِ بِنَظَرِ الْإِمَامِ فَكَهُوَ وفي الْهُدْنَةِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَمَحَلُّ التَّقْيِيدُ بِمُدَّةٍ في الرِّجَالِ أَمَّا النِّسَاءُ فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِنَّ لِتَقْيِيدِهِ بِمُدَّةٍ وَنُقِلَ عن نَصِّ الْأُمِّ ما يُؤَيِّدُهُ قال وَإِنَّمَا مُنِعَ الرِّجَالُ من السُّنَّةِ لِئَلَّا يُتْرَكَ الْجِهَادُ وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ من أَهْلِهِ وَبَلَغَ بَعْدَهَا أَيْ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ الْمَأْمَنَ
وَيَبْطُلُ أَمَانُ مُتَجَسِّسٍ وَطَلِيعَةٍ إذْ من شَرْطِ الْأَمَانِ أَنْ لَا يَتَضَرَّرَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ ومع ذلك يُغْتَالُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِأَنَّ دُخُولَ مِثَالِهِ خِيَانَةٌ فَعُلِمَ أَنَّ شَرْطَ الْأَمَانِ انْتِفَاءُ الضَّرَرِ دُونَ ظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ لَكِنْ قال الْقَاضِي قال أَصْحَابُنَا إنَّمَا يَجُوزُ بِالْمَصْلَحَةِ قال الْبُلْقِينِيُّ وهو الْأَرْجَحُ نَظَرًا
وَلِلْكُفَّارِ وفي نُسْخَةٍ وَلِلْكَافِرِ نَبْذُهُ أَيْ الْأَمَانَ لِأَنَّهُ جَائِزٌ من قِبَلِهِمْ لَا لنا وَإِنْ اسْتَشْعَرْنَا خِيَانَةً منهم لِأَنَّهُ لَازِمٌ من قِبَلِنَا
وَلِلْإِمَامِ نَبْذُهُ لِلْخِيَانَةِ أَيْ لِاسْتِشْعَارِهِ الْخِيَانَةَ منهم لِأَنَّ الْمُهَادَنَةَ تُنْبَذُ بِذَلِكَ فَأَمَانُ الْآحَادِ أَوْلَى
فَصْلٌ تَجِبُ الْهِجْرَةُ من دَارِ الْكُفْرِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ على مُسْتَطِيعٍ لها إنْ عَجَزَ عن إظْهَارِ دِينِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ الْآيَةَ وَلِخَبَرِ أبي دَاوُد وَغَيْرِهِ أنا بَرِيءٌ من كل مُسْلِمٍ يُقِيمُ بين أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ سَوَاءٌ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَإِنْ لم تَجِدْ مَحْرَمًا وَكَذَا كُلُّ من أَظْهَرَ حَقًّا بِبَلْدَةٍ من بِلَادِ الْإِسْلَامِ ولم يُقْبَلْ منه ولم يَقْدِرْ على إظْهَارِهِ تَلْزَمُهُ الْهِجْرَةُ منها نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ عن صَاحِبِ الْمُعْتَمَدِ وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عن الْبَغَوِيّ أَيْضًا وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ من ذلك ما إذَا كان في إقَامَتِهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَجُوزُ له الْإِقَامَةُ فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ الْهِجْرَةَ فَهُوَ مَعْذُورٌ إلَى أَنْ يَسْتَطِيعَ فَإِنْ فُتِحَ الْبَلَدُ قبل أَنْ يُهَاجِرَ سَقَطَ عنه الْهِجْرَةُ صُرِّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَإِنْ قَدَرَ على إظْهَارِ دِينِهِ لِكَوْنِهِ مُطَاعًا في قَوْمِهِ أو لِأَنَّ له عَشِيرَةً تَحْمِيه ولم يَخَافُ فِتْنَةً فيه اُسْتُحِبَّ له أَنْ يُهَاجِرَ لِئَلَّا يَكْثُرَ سَوَادُهُمْ أو يَمِيلَ إلَيْهِمْ أو يَكِيدُوا له وَلَا يَجِبُ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعَثَ عُثْمَانَ يوم الْحُدَيْبِيَةِ إلَى مَكَّةَ لِأَنَّ عَشِيرَتَهُ بها فَيَقْدِرُ على إظْهَارِ دِينِهِ لَا إنْ رَجَا إسْلَامَ غَيْرِهِ ثُمَّ فَلَا يُسْتَحَبُّ له أَنْ يُهَاجِرَ بَلْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُقِيمَ
ثُمَّ فَإِنْ قَدَرَ على الِاعْتِزَالِ وَالِامْتِنَاعِ في دَارِ الْحَرْبِ مع كَوْنِهِ قَادِرًا على إظْهَارِ دِينِهِ ولم يَخَفْ فِتْنَةً فيه حَرُمَتْ أَيْ الْهِجْرَةُ منها لِأَنَّ مَوْضِعَهُ دَارُ إسْلَامٍ فَلَوْ هَاجَرَ لَصَارَ دَارَ حَرْبٍ نعم إنْ رَجَا نُصْرَةَ
____________________
(4/204)
الْمُسْلِمِينَ بِهِجْرَتِهِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُهَاجِرَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَاتَلَهُمْ على الْإِسْلَامِ إنْ قَدَرَ وَإِلَّا فَلَا
وَعَلَى الْأَسِيرِ وَلَوْ مُخْلًى ولم يَقْدِرْ على إظْهَارِ دِينِهِ الْهَرَبُ إنْ قَدَرَ عليه لِخُلُوصِهِ بِهِ من قَهْرِ الْأَسْرِ فَوَصْفُ الْأَصْلِ الْأَسِيرَ بِالْمَقْهُورِ بَيَانٌ لِحَقِيقَتِهِ لَا لِإِخْرَاجِ أَسِيرٍ غَيْرِ مَقْهُورٍ وَتَقْيِيدِي بِعَدَمِ قُدْرَتِهِ على إظْهَارِ دِينِهِ هو ما جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ كَالْقَمُولِيِّ وَغَيْرِهِ وقال الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ قِيَاسُ ما مَرَّ في الْهِجْرَةِ لَكِنَّهُ قال قَبْلَهُ سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ إظْهَارُ دِينِهِ أَمْ لَا وَنَقَلَهُ عن تَصْحِيحِ الْإِمَامِ
وَإِنْ أَطْلَقُوهُ من الْأَسْرِ بِلَا شَرْطٍ فَلَهُ اغْتِيَالُهُمْ قَتْلًا وَسَبْيًا وَأَخْذًا لِلْمَالِ إذْ لَا أَمَانَ
وَإِنْ أَطْلَقُوهُ على أَنَّهُ آمِنٌ منهم حَرُمَ عليه اغْتِيَالُهُمْ وَإِنْ لم يُؤَمِّنْهُمْ وَكَذَا إنْ أَمَّنَهُمْ وَإِنْ لم يُؤَمِّنُوهُ كما نَصَّ عليه في الْأُمِّ لِأَنَّ الْأَمَانَ لَا يَخْتَصُّ بِطَرَفٍ وَاسْتَثْنَى منه في الْأُمِّ ما لو قالوا أَمَّنَّاك وَلَا أَمَانَ لنا عَلَيْك وَلَوْ تَبِعَهُ قَوْمٌ بَعْدَ خُرُوجِهِ فَلَهُ قَصْدُهُمْ وَقَتْلُهُمْ في الدَّفْعِ بِكُلِّ حَالٍ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ
أو أَطْلَقُوهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْهُمْ وَحَلَّفُوهُ مُكْرَهًا على ذلك وَلَوْ بِالطَّلَاقِ خَرَجَ وُجُوبًا إنْ لم يُمْكِنْهُ إظْهَارُ دِينِهِ وَحَرُمَ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ وَالْيَمِينِ لَا تُبِيحُ له الْإِقَامَةَ حَيْثُ حَرُمَتْ ولم يَحْنَثْ لِعَدَمِ انْعِقَادِ يَمِينِهِ وَإِنْ حَلَفَ لهم تَرْغِيبًا لهم لِيَثِقُوا بِهِ وَلَا يَتَّهِمُوهُ بِالْخُرُوجِ بِلَا شَرْطٍ منهم وَلَوْ كان حَلِفُهُ قبل الْإِطْلَاقِ حَنِثَ بِخُرُوجِهِ لِانْعِقَادِ يَمِينِهِ فَإِنْ كان ثَمَّ شَرْطٌ بِأَنْ قالوا لَا نُطْلِقُك حتى تَحْلِفَ أَنَّك لَا تَخْرُجُ فَحَلَفَ فَأَطْلَقُوهُ فَخَرَجَ لم يَحْنَثْ كما لو أَخَذَ اللُّصُوصُ رَجُلًا وَقَالُوا لَا نَتْرُكُك حتى تَحْلِفَ أَنَّك لَا تُخْبِرُ بِمَكَانِنَا فَحَلَفَ ثُمَّ أَخْبَرَ بِمَكَانِهِمْ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ يَمِينُ إكْرَاهٍ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ بِلَا شَرْطٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ قد يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ
وَيَحْرُمُ عليه اغْتِيَالُهُمْ بَعْدُ أَيْ بَعْدَ إطْلَاقِهِ لِأَنَّهُمْ أَمَّنُوهُ
وَلَهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ أَخْذُ مَالِ مُسْلِمٍ وَجَدَهُ عِنْدَهُمْ لِيَرُدَّهُ عليه وَلَوْ أَمَّنَهُمْ عليه وَلَا يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ لم يَكُنْ مَضْمُونًا على الْحَرْبِيِّ الذي كان بيده بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ إذَا أَخَذَهُ شَخْصٌ من الْغَاصِبِ لِيَرُدَّهُ إلَى مَالِكِهِ فإنه يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ كان مَضْمُونًا على الْغَاصِبِ فَأُدِيمَ حُكْمُهُ وَتَرْجِيحُ عَدَمِ الضَّمَانِ من زِيَادَتِهِ
فَإِنْ الْتَزَمَ لهم قبل خُرُوجِهِ مَالًا فِدَاءً وهو مُخْتَارٌ لَا مُكْرَهٌ أو أَنْ يَعُودَ إلَيْهِمْ بَعْدَ خُرُوجِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ حَرُمَ عليه الْعَوْدُ إلَيْهِمْ وَاسْتُحِبَّ له الْوَفَاءُ بِالْمَالِ الذي الْتَزَمَهُ لِيَعْتَمِدُوا الشَّرْطَ في إطْلَاقِ الْأَسْرَى وَإِنَّمَا لم يَجِبْ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ بِغَيْرِ حَقٍّ قال الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْمَالُ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِمْ فِدَاءٌ لَا يَمْلِكُونَهُ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِغَيْرِ حَقٍّ
وَإِنْ بَايَعَهُمْ لَزِمَ الثَّمَنُ إنْ صَحَّ الْبَيْعُ كما لو بَايَعَ مُسْلِمًا وَإِلَّا رَدَّ الْعَيْنَ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَوْ اشْتَرَى منهم الْأَسِيرُ شيئا لِيَبْعَثَ إلَيْهِمْ ثَمَنَهُ أو اقْتَرَضَ فَإِنْ كان مُخْتَارًا لَزِمَهُ الْوَفَاءُ أو مُكْرَهًا فَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ وَيَجِبُ رَدُّ الْعَيْنِ كما لو أَكْرَهَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا على الشِّرَاءِ قال وَلَوْ لم يَجْرِ لَفْظُ بَيْعٍ بَلْ قالوا خُذْ هذا وَابْعَثْ إلَيْنَا كَذَا من الْمَالِ فقال نعم فَهُوَ كَالشِّرَاءِ مُكْرَهٌ
وَإِنْ وَكَّلُوهُ بِبَيْعِ شَيْءٍ لهم بِدَارِنَا بَاعَهُ وَرَدَّ ثَمَنَهُ إلَيْهِمْ
فَرْعٌ لو تَبَارَزَا أَيْ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أو بِدُونِهِ بِشَرْطِ عَدَمِ الْإِعَانَةِ أَيْ أَنْ لَا يُعَيِّنَ الْمُسْلِمُونَ الْمُسْلِمَ وَلَا الْكُفَّارُ الْكَافِرَ إلَى انْقِضَاءِ الْقِتَالِ أو بِغَيْرِ شَرْطٍ لَكِنْ كان عَدَمُ الْإِعَانَةِ عَادَةً فَقَتَلَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ أو وَلَّى أَحَدُهُمَا مُنْهَزِمًا أو أَثْخَنَ الْكَافِرُ قَتَلْنَاهُ جَوَازًا لِأَنَّ الْأَمَانَ كان لِانْقِضَاءِ الْقِتَالِ وقد انْقَضَى وَإِنْ شُرِطَ أَنْ لَا يُتَعَرَّضَ لِلْمُثْخَنِ وَجَبَ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ
وَإِنْ شَرَطَ الْأَمَانَ إلَى دُخُولِهِ الصَّفَّ وَفَّى له بِهِ وُجُوبًا
وَإِنْ فَرَّ الْمُسْلِمُ عنه فَتَبِعَهُ لِيَقْتُلَهُ أو أَثْخَنَ أَيْ أَثْخَنَهُ الْكَافِرُ مَنَعْنَاهُ من قَتْلِهِ وَقَتَلْنَاهُ وَإِنْ خَالَفَ الشَّرْطَ أَيْ شَرْطَ تَمْكِينِهِ من إثْخَانِهِ لِنَقْضِهِ الْأَمَانَ في الْأُولَى وَانْقِطَاعِ الْقِتَالِ في الثَّانِيَةِ وَلَوْ شَرَطَ له التَّمْكِينَ من قَتْلِهِ فَهُوَ شَرْطٌ بَاطِلٌ لِمَا فيه من الضَّرَرِ وَهَلْ يَفْسُدُ بِهِ أَصْلُ الْأَمَانِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ
وَإِنْ أَعَانَهُ أَصْحَابُهُ قَتَلْنَاهُمْ مُطْلَقًا وَقَتَلْنَاهُ أَيْضًا إنْ رضي بِإِعَانَتِهِمْ له بِأَنْ اسْتَنْجَدَهُمْ أو لم يَسْتَنْجِدْهُمْ لَكِنْ لم يَمْنَعْهُمْ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَرْضَ بِأَنْ مَنَعَهُمْ فلم
____________________
(4/205)
يَمْتَنِعُوا وَعُلِمَ من كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ بِدُونِ ما ذُكِرَ بَلْ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ وَبِالْعَادَةِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لِأَنَّ الْمُبَارَزَةَ عَظِيمَةُ الْوَقْعِ وَلَا تَتِمُّ إلَّا بِأَنْ يَأْمَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا من غَيْرِ قَرْنِهِ أَمَّا إذَا لم يَشْرِطْ عَدَمَ الْإِعَانَةِ ولم تَجْرِ بِهِ عَادَةٌ فَيَجُوزُ قَتْلُهُ مُطْلَقًا
فَصْلٌ لو عَاقَدَ الْإِمَامُ عِلْجًا وهو الْكَافِرُ الْغَلِيظُ الشَّدِيدُ سُمِّيَ بِهِ لِدَفْعِهِ عن نَفْسِهِ بِقُوَّتِهِ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْعِلَاجُ عِلَاجًا لِدَفْعِهِ الدَّاءَ لِيَدُلَّ على قَلْعَةٍ بِإِسْكَانِ اللَّامِ أَشْهُرُ من فَتْحِهَا وَلَوْ كان الْإِمَامُ نَازِلًا تَحْتَهَا وهو لَا يَدْرِي بها بِجَارِيَةٍ مُعَيَّنَةٍ أو مُبْهَمَةٍ منها لَا من غَيْرِهَا اسْتَحَقَّهَا وَفَاءً بِالشَّرْطِ وَصَحَّ ذلك مع إبْهَامِهَا وَعَدَمِ مِلْكِهَا وَالْقُدْرَةِ على تَسْلِمِيهَا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ رَقِيقَةً كانت أو حُرَّةً لِأَنَّهَا تَرِقُّ بِالْأَسْرِ هذا إنْ فُتِحَتْ أَيْ الْقَلْعَةُ بِدَلَالَتِهِ وَلَوْ في وَقْتٍ آخَرَ كَأَنْ تَرَكْنَاهَا ثُمَّ عُدْنَا إلَيْهَا وَلَوْ لم يَظْفَرْ منها بِغَيْرِهَا أَيْ بِغَيْرِ الْجَارِيَةِ بِخِلَافِ ما لو عَاقَدَهُ بِجَارِيَةٍ من غَيْرِهَا فَيُعْتَبَرُ في الصِّحَّةِ ما يُعْتَبَرُ فيها في سَائِرِ الْجَعَالَاتِ وَخَرَجَ بِالْعِلْجِ ما لو عَاقَدَ مُسْلِمًا بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّ فيه أَنْوَاعَ غَرَرٍ فَلَا يَحْتَمِلُ معه وَاحْتَمَلَتْ مع الْكَافِرِ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِأَحْوَالِ قِلَعِهِمْ وَطُرُقِهِمْ غَالِبًا وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَتَعَيَّنُ عليه فَرْضُ الْجِهَادِ وَالدَّلَالَةُ نَوْعٌ منه فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عليه
كَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن تَصْحِيحِ الْإِمَامِ ثُمَّ نَقَلَ عن الْعِرَاقِيِّينَ جَوَازَهُ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ في بَابِ الْغَنِيمَةِ تَصْحِيحَهُ وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قد تَدْعُو إلَى ذلك وقد بَسَطْت الْكَلَامَ على ذلك في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَاسْتَشْكَلَ في الْمُهِمَّاتِ الِاسْتِحْقَاقُ بِدَلَالَتِهِ تَحْتَ الْقَلْعَةِ وقال الرَّاجِحُ بِمُقْتَضَى ما ذُكِرَ في الْجَعَالَةِ من اشْتِرَاطِ التَّعَبِ عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ بِدَلَالَتِهِ تَحْتَ الْقَلْعَةِ وَقِيَاسُهُ على رَدِّ الْعَبْدِ من الْبَلَدِ وَاضِحُ الْبُطْلَانِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ من الْكُلْفَةِ وَأَجَابَ عنه بَعْضُهُمْ بِأَنَّ هذا مُسْتَثْنًى وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّ هذا مَحْمُولٌ على ما إذَا حَصَلَ فيه تَعَبٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالْمِنْهَاجِ وَأَصْلُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين الْقَلْعَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَالْمُبْهَمَةِ بِخِلَافِ ظَاهِرِ قَوْلِ أَصْلِهِ قَلْعَةُ كَذَا قال الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُ التَّعْيِينِ كما صَوَّرَهُ بِهِ الْجُمْهُورُ لِأَنَّ غير الْمُعَيَّنَةِ يَكْثُرُ فيها الْغَرَرُ وَلَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ لَكِنْ في تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ على ما إذَا أَبْهَمَ في قِلَاعٍ مَحْصُورَةٍ فَإِنْ لم تُفْتَحْ أو فُتِحَتْ بِغَيْرِ دَلَالَتِهِ فَلَا شَيْءَ له وَإِنْ لم يُعَلِّقْ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْفَتْحِ أَمَّا في الْأُولَى فَلِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ الْجَارِيَةِ بِدُونِ الْفَتْحِ فَكَأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مُقَيَّدٌ بِالْفَتْحِ وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ دَلَالَتِهِ بَلْ بِالْفَتْحِ بها
وَكَذَا الْحُكْمُ لو فَتَحَهَا طَائِفَةٌ أُخْرَى وَلَوْ بِدَلَالَتِهِ لِانْتِفَاءِ مُعَاقَدَتِهِ مَعَهَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَإِنْ لم تَكُنْ الْمُعَيَّنَةُ فيها أو مَاتَتْ قبل اشْتِرَاطِهِ أَيْ الْإِمَامِ لِإِعْطَائِهَا لِلْعِلْجِ فَلَا شَيْءَ له لِفَقْدِ الْمَشْرُوطِ أو مَاتَتْ بَعْدَهُ وَلَوْ قبل التَّمَكُّنِ من تَسْلِيمِهَا وَجَبَتْ قِيمَةُ من مَاتَتْ بَعْدَ الظَّفَرِ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهَا وقد حَصَلَتْ في يَدِ الْإِمَامِ فَكَانَ التَّلَفُ من ضَمَانِهِ لَا من مَاتَتْ قَبْلَهُ فَلَا شَيْءَ له لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عليها وَقِيلَ تَجِبُ له الْقِيمَةُ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَعَلَّقَ بها وَهِيَ حَاصِلَةٌ لَكِنْ تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ فَصَارَ كما لو قال من رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ هذه الْجَارِيَةُ فَرَدَّهُ وقد مَاتَتْ يَلْزَمُهُ الْبَدَلُ
وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وقال إنَّهُ الْمَنْصُوصُ في الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَلَيْسَ له نَصٌّ يُخَالِفُهُ وَلَوْ هَرَبَتْ فَهِيَ كما لو مَاتَتْ وإذا وَجَبَتْ قِيمَتُهَا فَلْتَجِبْ من حَيْثُ يَكُونُ الرَّضْخُ أَيْ من الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ لَا من أَصْلِ الْغَنِيمَةِ وَلَا من سَهْمِ الْمَصَالِحِ وَلَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ الظَّفَرِ دُونَهُ أَيْ الْعِلْجِ أُعْطِيَ قِيمَتَهَا لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهَا له بِالْإِسْلَامِ بِنَاءً على عَدَمِ جَوَازِ شِرَاءِ الْكَافِرِ مُسْلِمًا لَكِنْ قال الْبُلْقِينِيُّ هذا الْبِنَاءُ مَرْدُودٌ بَلْ يَسْتَحِقُّهَا قَطْعًا لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهَا بِالظَّفَرِ وقد كانت إذْ ذَاكَ كَافِرَةً فَلَا يَرْتَفِعُ ذلك بِإِسْلَامِهَا كما لو مَلَكَهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ لَكِنْ لَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ بَلْ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عنها كما لو أَسْلَمَ الْعَبْدُ الذي بَاعَهُ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ قبل الْقَبْضِ لَكِنْ هُنَاكَ يَقْبِضُهُ له الْحَاكِمُ وَهُنَا لَا يَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ وما ذُكِرَ الْأَوَّلُ من أَنَّ الْوَاجِبَ قِيمَتُهَا هو ما عليه الْجُمْهُورُ وَنَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ وَوَقَعَ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الْوَاجِبَ أُجْرَةٌ لِمِثْلِ أَمَّا لو أَسْلَمَ الْعِلْجُ أَيْضًا
____________________
(4/206)
فَتُسَلَّمُ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَسْلَمَ بَعْدَهَا لِانْتِقَالِ حَقِّهِ منها إلَى قِيمَتِهَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وهو ظَاهِرٌ على الْبِنَاءِ السَّابِقِ وقد مَرَّ ما فيه لَا إنْ أَسْلَمَتْ قبل الظَّفَرِ وَهِيَ حُرَّةٌ فَلَا يُعْطَى قِيمَتُهَا لِأَنَّ إسْلَامَهَا مُطْلَقًا يَمْنَعُ تَسْلِيمَهَا إلَيْهِ كما يَمْتَنِعُ بَيْعُ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ وَقَبْلَ الظَّفَرِ يَمْتَنِعُ إرْقَاقُهَا وما قَالَهُ من أَنَّهُ لَا يُعْطَى قِيمَتَهَا من تَصَرُّفِهِ
وَكَلَامُ أَصْلِهِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ وهو ظَاهِرٌ أَمَّا لو أَسْلَمَتْ قبل الْعَقْدِ فَلَا شَيْءَ له إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ وَبِأَنَّهَا قد فَاتَتْهُ لِأَنَّهُ عَمِلَ مُتَبَرِّعًا ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِيه وَالتَّعْيِينُ في الْجَارِيَةِ الْمُبْهَمَةِ فِيمَا ذُكِرَ إلَى الْإِمَامِ وَيُجْبَرُ الْعِلْجُ على الْقَبُولِ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ جَارِيَةٌ وَهَذِهِ جَارِيَةٌ كما أَنَّ لِلْمُسْلِمِ إلَيْهِ أَنْ يُعَيِّنَ ما شَاءَ بِالصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ وَيُجْبِرُ الْمُسْتَحِقَّ على الْقَبُولِ فَإِنْ مَاتَتْ الْجَوَارِي فِيمَا إذَا عَاقَدَهُ على مُبْهَمَةٍ بَعْدَ الظَّفَرِ فَقِيمَةُ جَارِيَةٍ مِنْهُنَّ يُعَيِّنُهَا له الْإِمَامُ كما يُعَيِّنُ الْجَارِيَةَ هذا كُلُّهُ إنْ فُتِحَتْ عَنْوَةً فَإِنْ فُتِحَتْ صُلْحًا وَدَخَلَتْ أَيْ الْجَارِيَةُ الْمَشْرُوطَةُ في الْأَمَانِ ولم يَرْضَوْا أَيْ أَصْحَابُ الْقَلْعَةِ بِتَسْلِيمِهَا أَيْ الْجَارِيَةِ إلَيْهِ وَلَا رضي الْعِلْجُ بِعِوَضِهَا وَأَصَرُّوا كلهم على عَدَمِ الرِّضَا بِذَلِكَ نَقَضْنَا الصُّلْحَ وَبُلِّغُوا الْمَأْمَنَ بِأَنْ يُرَدُّوا إلَى الْقَلْعَةِ ثُمَّ يُسْتَأْنَفُ الْقِتَالُ لِأَنَّهُ صُلْحٌ مَنَعَ الْوَفَاءَ بِمَا شَرَطْنَاهُ قَبْلَهُ وَإِنْ رَضُوا أَيْ أَصْحَابُ الْقَلْعَةِ بِتَسْلِيمِ الْجَارِيَةِ إلَيْهِ بِقِيمَتِهَا أُعْطُوا قِيمَتَهَا وَأَمْضَى الصُّلْحَ وَهَلْ هِيَ من بَيْتِ الْمَالِ أَيْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ أو من أَصْلِ الْغَنِيمَةِ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ أو من حَيْثُ يَكُونُ الرَّضْخُ وَجْهَانِ قال الزَّرْكَشِيُّ أَرْجَحُهُمَا الثَّانِي أَمَّا إذَا كانت خَارِجَةً عن الْأَمَانِ بِأَنْ كان الصُّلْحُ على أَمَانِ صَاحِبِ الْقَلْعَةِ وَأَهْلُهُ ولم تَكُنْ الْجَارِيَةُ منهم فَتُسَلَّمُ إلَى الْعِلْجِ
فَرْعٌ من دخل منهم دَارَنَا بِأَمَانٍ من الْإِمَامِ أو ذِمَّةٍ كان ما صَحِبَهُ لَا ما خَلَّفَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ من الْمَالِ وَالْوَلَدِ في أَمَانِ وَلَوْ لم يَشْرِطْ دُخُولَهُمَا فيه أو كان ما صَحِبَهُ من الْمَالِ وَدِيعَةَ حَرْبِيٍّ آخَرَ بِخِلَافِ ما خَلَّفَهُ لَا يَدْخُلُ في الْأَمَانِ إلَّا إنْ شَرَطَ الْإِمَامُ دُخُولَهُ فيه كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ آخَرَ الْبَابِ وَقَاتِلُهُ يَأْثَمُ لِأَنَّهُ بِالْأَمَانِ عَصَمَ دَمَهُ قال الْإِمَامُ وَعَلَيْهِ دِيَةُ ذِمِّيٍّ
وَكَذَا يَكُونُ ما معه مِمَّا ذُكِرَ في أَمَانٍ إنْ أَمَّنَهُ رَجُلٌ من الْآحَادِ في دَارِنَا أو في غَيْرِهَا وَاشْتَرَطَ ذلك أَيْ أَنَّ ما معه في أَمَانٍ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَشْتَرِطْ ذلك دخل في الْأَمَانِ ما يَحْتَاجُ إلَيْهِ مُدَّةَ أَمَانِهِ من الْمَالِ الذي معه من مَلْبُوسٍ وَمَرْكُوبٍ وَنَفَقَةٍ فَقَطْ أَيْ دُونَ الْوَلَدِ وما لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ من الْمَالِ لِلْعُرْفِ الْجَارِي بِذَلِكَ وَدُونَ ما خَلَّفَهُ سَوَاءٌ أَشَرَطَ دُخُولَهُ أَمْ لَا بِخِلَافِ ما مَرَّ في أَمَانِ الْإِمَامِ لِقُوَّتِهِ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَبِمَا قَرَّرْته انْدَفَعَ ما قِيلَ أَنَّ في كَلَامِ الْأَصْلِ تَنَاقُضًا
وَإِنْ نَقَضَ عَهْدَهُ وَالْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَمِنْ أَسْبَابِ النَّقْضِ أَنْ يَعُودَ لِيَتَوَطَّنَ ثَمَّ فَوَلَدُهُ الذي عِنْدَنَا بَاقٍ على أَمَانِهِ وَإِنْ مَاتَ هو فإذا بَلَغَ وَقَبِلَ الْجِزْيَةَ تُرِكَ وَإِلَّا بُلِّغَ الْمَأْمَنَ وَكَذَا مَالُهُ الذي عِنْدَنَا بَاقٍ على أَمَانِهِ ما دَامَ حَيًّا وَلَوْ دخل دَارَنَا لِأَخْذِهِ وَرَجَعَ لم يُقْتَلْ ولم يُسْبَ لِأَنَّ دُخُولَهُ لِأَخْذِهِ يُؤَمِّنُهُ كَالدُّخُولِ لِرِسَالَةِ هذا إنْ لم يَتَمَكَّنْ من أَخْذِهِ دَفْعَةً فَإِنْ تَمَكَّنَ من ذلك وَأَخَذَ شيئا منه ثُمَّ عَادَ لِيَأْخُذَ الْبَاقِيَ فَقَدْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْقَتْلِ وَالْأَسْرِ فَعَلَيْهِ إذَا أَخَذَ مَالَهُ أَنْ يُعَجِّلَ في تَحْصِيلِ غَرَضِهِ وَلَا يُعَرِّجَ على غَيْرِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وإذا مَاتَ وَلَوْ هُنَاكَ بِقَتْلٍ أو غَيْرِهِ فَهُوَ
____________________
(4/207)