لم يَخَفْ
فَقَدْ كان سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَضْرَابُهُ يَزُورُونَ رَابِعَةَ الْعَدَوِيَّةَ وَيَسْمَعُونَ كَلَامَهَا فَإِنْ وُجِدَ رَجُلٌ كَسُفْيَانَ وَامْرَأَةٌ كَرَابِعَةَ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ في الْإِجَابَةِ وَيُعْتَبَرُ في وُجُوبِ الْإِجَابَةِ لِلْمَرْأَةِ إذْنُ الزَّوْجِ أو السَّيِّدِ لِلْمَدْعُوِّ وَيُكْرَهُ إجَابَةُ من أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ كما تُكْرَهُ مُعَامَلَتُهُ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ طَعَامَهُ حَرَامٌ حَرُمَتْ إجَابَتُهُ
فَصْلٌ التَّقْرِيبُ أَيْ تَقْرِيبُ الْمُضِيفِ الطَّعَامَ لِلضَّيْفِ إذْنٌ له في الْأَكْلِ وَإِنْ لم يَدْعُهُ إلَى مَنْزِلِهِ فَلْيَأْكُلْ اكْتِفَاءً بِالْقَرِينَةِ الْعُرْفِيَّةِ كما في الشُّرْبِ من السِّقَايَاتِ في الطُّرُقِ قال النَّوَوِيُّ وما وَرَدَ في الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ من لَفْظِ الْإِذْنِ في ذلك مَحْمُولٌ على الِاسْتِحْبَابِ لَا إنْ انْتَظَرُوا أَيْ الْمُضِيفُونَ وَالْأَوْلَى قَوْلُ الْأَصْلِ انْتَظَرَ أَيْ الْمُضِيفُ غَيْرَهُ فَلَا يَأْكُلُ إلَّا بِإِذْنٍ لَفْظًا أو بِحُضُورِ الْغَيْرِ لِاقْتِضَاءِ الْقَرِينَةِ عَدَمَ الْأَكْلِ بِدُونِ ذلك
وَيَمْلِكُ ما الْتَقَمَهُ بِالْتِقَامِهِ أَيْ بِوَضْعِهِ في فَمِهِ وَهَذَا ما اقْتَضَى كَلَامُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ تَرْجِيحُهُ وَصَرَّحَ بِتَرْجِيحِهِ الْقَاضِي وَالْإِسْنَوِيُّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي تَرْجِيحُ أَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالِازْدِرَاءِ أَنَّهُ مَلَكَهُ قَبْلَهُ وَلَا يُطْعِمُ هِرَّةً وَلَا سَائِلًا كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ إلَّا إنْ عَلِمَ رِضَاهُ بِهِ لِلْعُرْفِ في ذلك وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُبِيحُهُ لِغَيْرِهِ وَلَا يَتَصَرَّفُ فيه بِغَيْرِ الْأَكْلِ لِأَنَّهُ الْمَأْذُونُ فيه عُرْفًا وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ فَقَوْلُهُمْ وَيَمْلِكُهُ أَيْ يَمْلِكُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِنَفْسِهِ كَالْعَارِيَّةِ لَا أَنَّهُ يَمْلِكُ الْعَيْنَ أو الْمَنْفَعَةَ كَذَا قال الزَّرْكَشِيُّ وَالْوَجْهُ خِلَافُهُ وَإِنْ مَنَعَ من التَّصَرُّفِ فيه بِغَيْرِ الْأَكْلِ وَإِلَّا فَكَيْفَ يُفَارِقُ مُقَابِلَهُ وهو قَوْلُ الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَإِنَّمَا هو إتْلَافٌ بِإِذْنِ الْمَالِكِ
وَلِلضَّيْفِ تَلْقِيمُ صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يُفَاضِلَ الْمُضِيفُ طَعَامَهُمَا فَلَيْسَ لِمَنْ خُصَّ بِنَوْعٍ أَنْ يُطْعِمَ غَيْرَهُ منه وَظَاهِرُهُ الْمَنْعُ سَوَاءٌ خُصَّ بِالنَّوْعِ الْعَالِي أَمْ بِالسَّافِلِ وهو مُحْتَمَلٌ وَيُحْتَمَلُ تَخْصِيصُهُ بِمَنْ خُصَّ بِالْعَالِي ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ نَقَلَ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ عن مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ ثُمَّ قال وهو ظَاهِرٌ وَيُكْرَهُ لِلْمُضِيفِ تَفَاضُلُهُ لِمَا فيه من كَسْرِ الْخَاطِرِ وَصَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ بِتَحْرِيمِ الزِّيَادَةِ على الشِّبَعِ وَإِنَّهُ لو زَادَ لم يَضْمَنْ قال الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ وَقْفَةٌ قال ابن عبد السَّلَامِ وَلَوْ كان الضَّيْفُ يَأْكُلُ كَعَشْرَةٍ مَثَلًا وَمُضِيفُهُ جَاهِلٌ بِحَالِهِ لم يَجُزْ له أَنْ يَأْكُلَ فَوْقَ ما يَقْتَضِيهِ الْعُرْفُ في الْمِقْدَارِ قال وَلَوْ كان الطَّعَامُ قَلِيلًا فَأَكَلَ لُقَمًا كِبَارًا مُسْرِعًا حتى يَأْكُلَ أَكْثَرَ الطَّعَامِ وَيَحْرِمَ أَصْحَابَهُ لم يَجُزْ له ذلك وَيَحْرُمُ التَّطَفُّلُ وهو حُضُورُ الْوَلِيمَةِ من غَيْرِ دَعْوَةٍ إلَّا إذَا عَلِمَ رِضَا الْمَالِكِ بِهِ لِمَا بَيْنَهُمَا من الْأُنْسِ وَالِانْبِسَاطِ
وَقَيَّدَ ذلك الْإِمَامُ بِالدَّعْوَةِ الْخَاصَّةِ أَمَّا الْعَامَّةُ كَأَنْ فَتَحَ الْبَابَ لِيَدْخُلَ من شَاءَ فَلَا تَطَفُّلَ وَالطُّفَيْلِيُّ مَأْخُوذٌ من التَّطَفُّلِ وهو مَنْسُوبٌ إلَى طُفَيْلٍ رَجُلٍ من أَهْلِ الْكُوفَةِ كان يَأْتِي الْوَلَائِمَ بِلَا دَعْوَةٍ فَكَانَ يُقَالُ له طُفَيْلُ الْأَعْرَاسِ وَلَهُ أَيْ لِلضَّيْفِ حَمْلُ ما عَلِمَ رِضَاهُ أَيْ الْمُضِيفِ بِهِ لَا إنْ شَكَّ فيه وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ ما يَشْمَلُ الظَّنَّ وَيَخْتَلِفُ ذلك بِقَدْرِ الْمَأْخُوذِ وَجِنْسِهِ وَبِحَالِ الْمُضِيفِ وَالدَّعْوَةِ قال الْغَزَالِيُّ وإذا عَلِمَ رِضَاهُ يَنْبَغِي له مُرَاعَاةُ النَّصَفَةِ مع الرُّفْقَةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ إلَّا ما يَخُصُّهُ أو يَرْضَوْنَ بِهِ عن طَوْعٍ لَا عن حَيَاءٍ وَلَهُ الشُّرْبُ من السِّقَايَاتِ الْمَوْضُوعَةِ في الطُّرُقِ لِلْعُرْفِ فَصْلٌ في آدَابِ الْأَكْلِ تُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ وَلَوْ من جُنُبٍ وَحَائِضٍ قبل الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِلْأَمْرِ بها في خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ في الْأَكْلِ وَيُقَاسُ عليه الشُّرْبُ وَأَقَلُّهَا بِسْمِ اللَّهِ وَأَكْمَلُهَا بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ
وَهِيَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ إذَا أتى بها الْبَعْضُ سَقَطَتْ عن الْبَاقِينَ كَرَدِّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ ومع ذلك يُسْتَحَبُّ لِكُلٍّ منهم بِنَاءً على ما عليه الْجُمْهُورُ من أَنَّ سُنَّةَ الْكِفَايَةِ كَفَرْضِهَا مَطْلُوبَةٌ من الْكُلِّ لَا من الْبَعْضِ فَقَطْ فَإِنْ تَرَكَهَا وَلَوْ عَمْدًا أَوَّلَهُ قال في أَثْنَائِهِ بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ كما مَرَّ في الْوُضُوءِ أَيْضًا وَلَوْ سَمَّى مع كل
____________________
(3/227)
لُقْمَةٍ فَهُوَ أَحْسَنُ حتى لَا يَشْغَلَهُ الشَّرَهُ عن ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى ويستحب الْحَمْدُ بَعْدَ ذلك أَيْ الْفَرَاغِ من الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كما مَرَّ بَيَانُهُ في آخِرِ الْأَطْعِمَةِ جَهْرًا فِيهِمَا أَيْ في الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ رُفْقَتُهُ لِيُقْتَدَى بِهِ فِيهِمَا وَالتَّصْرِيحُ بِالْجَهْرِ في الْحَمْدِ من زِيَادَتِهِ قال في الْأَصْلِ فيقول الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فيه غير مَكْفِيٍّ وَلَا مَكْفُورٍ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عنه رَبُّنَا بِرِفْعَةِ بِالِابْتِدَاءِ وَنَصْبِهِ بِالِاخْتِصَاصِ أو النِّدَاءِ أو جَرِّهِ بِالْبَدَلِ من لِلَّهِ
ويستحب غَسْلُ الْيَدِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ لَكِنَّ الْمَالِكَ يَبْتَدِئُ بِهِ فِيمَا قَبْلَهُ وَيَتَأَخَّرُ بِهِ فِيمَا بَعْدَهُ لِيَدْعُوَا الناس إلَى كَرْمِهِ ويستحب الْأَكْلُ بِالثَّلَاثِ من الْأَصَابِعِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالدُّعَاءُ لِلْمُضِيفِ بِالْمَأْثُورِ وَإِنْ لم يَأْكُلْ كَأَنْ يَقُولَ أَكَلَ طَعَامَكُمْ الْأَبْرَارُ وَأَفْطَرَ عِنْدَكُمْ الصَّائِمُونَ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمْ الْمَلَائِكَةُ وَيُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ سُورَتَيْ الْإِخْلَاصِ وَقُرَيْشٍ ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَكْرَهُ الْأَكْلُ مُتَّكِئًا لِخَبَرِ أنا لَا آكُلُ مُتَّكِئًا قال النَّوَوِيُّ قال الْخَطَّابِيُّ الْمُتَّكِئُ هُنَا الْجَالِسُ مُعْتَمَدًا على وَطَاءٍ تَحْتَهُ كَقُعُودِ من يُرِيدُ الْإِكْثَارَ من الطَّعَامِ وَأَشَارَ غَيْرِهِ إلَى أَنَّهُ الْمَائِلُ على جَنْبِهِ وَمِثْلُهُ الْمَضْجَعُ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى ويكره الْأَكْلُ مِمَّا يَلِي غَيْرَهُ وَمِنْ الْوَسَطِ وَالْأَعْلَى لَا نَحْوُ الْفَاكِهَةِ مِمَّا يُتَنَقَّلُ بِهِ
وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ على تَحْرِيمِهِ مَحْمُولٌ على الْمُشْتَمِلِ على الْإِيذَاءِ وَيُكْرَهُ تَقْرِيبُ فَمِهِ منه أَيْ من الطَّعَامِ بِحَيْثُ يَقَعُ من فَمِهِ إلَيْهِ شَيْءٌ وَذَمُّهُ لِمَا مَرَّ في الْأَطْعِمَةِ وَيُكْرَهُ نَفْضُ يَدِهِ في الْقَصْعَةِ لَا قَوْلُهُ لَا أَشْتَهِيهِ أو ما اعْتَدْت أَكْلَهُ فَلَا يُكْرَهُ لِخَبَرِ الضَّبِّ في الصَّحِيحَيْنِ وَيُكْرَهُ الْبُزَاقُ وَالْمُخَاطُ حَالَ أَكْلِهِمْ قال في الرَّوْضَةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَقَرْنِ ثَمَرَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا كَعِنَبَتَيْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الرُّفَقَاءِ وَالْأَكْلِ بِالشِّمَالِ وَالتَّنَفُّسِ وَالنَّفْخِ في الْإِنَاءِ لِلنَّهْيِ عن ذلك وَالشُّرْبُ قَاعِدًا أَوْلَى منه قَائِمًا أو مُضْطَجِعًا فَالشُّرْبُ قَائِمًا بِلَا عُذْرٍ خِلَافُ الْأَوْلَى كما اخْتَارَهُ في الرَّوْضَةِ لَكِنَّهُ صَوَّبَ في شَرْحِ مُسْلِمٍ كَرَاهَتَهُ وَأَمَّا شُرْبُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَائِمًا فَلِبَيَانِ الْجَوَازِ قال في شَرْحِ مُسْلِمٍ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ شَرِبَ قَائِمًا عَالِمًا أو نَاسِيًا أَنْ يَتَقَيَّأَ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ لَا يَشْرَبَنَّ أحدكم قَائِمًا فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِئْ
والشرب من فَمِ الْقِرْبَةِ مَكْرُوهٌ لِلنَّهْيِ عن الشُّرْبِ من في السِّقَاءِ أَيْ الْقِرْبَةِ وَلِأَنَّهُ يَقْذُرُهُ على غَيْرِهِ وَيُنْتِنُهُ قِيلَ وَلِئَلَّا يَدْخُلَ في جَوْفِهِ مُؤْذٍ يَكُونُ في الْقِرْبَةِ وهو لَا يَعْلَمُهُ وَرُدَّ بِالشُّرْبِ من الْإِبْرِيقِ وَنَحْوِهِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَكْرَعَ أَيْ يَشْرَبَ بِالْفَمِ بِلَا عُذْرٍ في الْيَدِ وَيُسْتَحَبُّ الْجَمَاعَةُ وَالْحَدِيثُ غَيْرُ الْمُحَرَّمِ على الطَّعَامِ لِمَا مَرَّ في الْأَطْعِمَةِ ويستحب لَعْقُ الْإِنَاءِ وَالْأَصَابِعِ وَأَكْلِ سَاقِطٍ من اللُّقَمِ وَنَحْوِهَا إذَا لم يَتَنَجَّسْ أو تَنَجَّسَ ولم يَتَعَذَّرْ تَطْهِيرُهُ وَطَهُرَ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ في ذلك بِخِلَافِ ما إذَا تَعَذَّرَ تَطْهِيرُهُ ويستحب مُؤَاكَلَةُ عَبِيدٍ وَصِغَارِهِ وَزَوْجَاتِهِ وَأَنْ لَا يَخُصَّ نَفْسَهُ بِطَعَامٍ إلَّا لِعُذْرٍ كَدَوَاءٍ بَلْ يُؤْثِرُهُمْ على نَفْسِهِ بِفَاخِرِ الطَّعَامِ كَقِطْعَةِ لَحْمٍ وَخُبْزٍ لَيِّنٍ أو طَيِّبٍ وَلَا يَقُومُ عن الطَّعَامِ وَغَيْرُهُ يَأْكُلُ ما دَامَ يَظُنُّ بِهِ حَاجَةً إلَى الْأَكْلِ وَأَنْ يُرَحِّبَ بِضَيْفِهِ وَيُكْرِمَهُ كما مَرَّ في الْأَطْعِمَةِ وَأَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ على حُصُولِهِ ضَيْفًا عِنْدَهُ
وَمِنْ آدَابِ الْأَكْلِ أَنْ يَتَلَقَّطَ فُتَاتَ الطَّعَامِ وَأَنْ يَقُولَ الْمَالِكُ لِضَيْفِهِ وَلِغَيْرِهِ كَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ إذَا رَفَعَ يَدَهُ من الطَّعَامِ كُلْ وَيُكَرِّرُهُ عليه ما لم يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ اكْتَفَى منه وَلَا يَزِيدُ على ثَلَاثِ مَرَّاتٍ وَأَنْ يَتَخَلَّلَ وَلَا يَبْتَلِعَ ما يَخْرُجُ من أَسْنَانِهِ بِالْخِلَالِ بَلْ يَرْمِيهِ وَيَتَمَضْمَضُ بِخِلَافِ ما يَجْمَعُهُ بِلِسَانِهِ من بَيْنِهَا فإنه يَبْتَلِعُهُ وَأَنْ يَأْكُلَ قبل أَكْلِهِ اللَّحْمَ لُقْمَةً أو لُقْمَتَيْنِ أو ثَلَاثًا من الْخُبْزِ حتى يَسُدَّ الْخَلَلَ وَأَنْ لَا يَشُمَّ الطَّعَامَ وَلَا يَأْكُلَهُ حَارًّا حتى يَبْرُدَ وَأَنْ يُرَاعِيَ أَسْفَلَ الْكُوزِ حتى لَا يَنْقُطَ وَأَنْ يَنْظُرَ في الْكُوزِ قبل أَنْ يَشْرَبَ وَلَا يَتَجَشَّأَ فيه بَلْ يُنَحِّيهِ عن فَمِهِ بِالْحَمْدِ وَيَرُدُّهُ بِالتَّسْمِيَةِ وَيُنْدَبُ أَنْ يَشْرَبَ في ثَلَاثَةِ أَنْفَاسٍ بِالتَّسْمِيَةِ في أَوَائِلِهَا وَبِالْحَمْدِ في أَوَاخِرِهَا وَيَقُولَ في آخِرِ الْأَوَّلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَيَزِيدَ في الثَّانِي الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وفي الثَّالِثِ الرحمن الرَّحِيمِ وَمِنْ آدَابِ الْمُضِيفِ أَنْ يُشَيِّعَ الضَّيْفَ عِنْدَ خُرُوجِهِ إلَى بَابِ الدَّارِ وَمِنْ آدَابِ الضَّيْفِ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ وَأَنْ لَا يَجْلِسَ في مُقَابَلَةِ حُجْرَةِ النِّسَاءِ وَسُتْرَتِهِنَّ وَأَنْ لَا يُكْثِرَ النَّظَرَ إلَى الْمَوْضِعِ الذي يَخْرُجُ منه الطَّعَامُ
وَيَنْبَغِي لِلْآكِلِ أَنْ يُقَدِّمَ الْفَاكِهَةَ ثُمَّ اللَّحْمَ ثُمَّ الْحَلَاوَةَ وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ الْفَاكِهَةُ لِأَنَّهَا أَسْرَعُ اسْتِحَالَةً فَيَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ أَسْفَلَ الْمَعِدَةِ وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ على الْمَائِدَةِ بَقْلٌ وقد ذَكَرْت زِيَادَةً على ذلك في شَرْحِ الْبَهْجَةِ
____________________
(3/228)
فَصْلٌ يَجُوزُ نَثْرُ السُّكَّرِ وَالدَّنَانِيرِ وَنَحْوِهِمَا كَلَوْزٍ وَجَوْزٍ وَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَدَرَاهِمَ في إمْلَاكٍ أو خِتَانٍ وَكَذَا سَائِرُ الْوَلَائِمِ فِيمَا يَظْهَرُ عَمَلًا بِالْعُرْفِ وَتَرْكُهُ أَوْلَى لِأَنَّهُ سَبَبٌ إلَى ما يُشْبِهُ النَّهْيَ وَيَجُوزُ الْتِقَاطُهُ لِذَلِكَ وَتَرْكُهُ أَوْلَى لِأَنَّهُ يُشْبِهُ النَّهْيَ إلَّا إذَا لم يُؤْثِرُ النَّاثِرُ بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ بِأَنْ عَرَفَ منه الْمُلْتَقِطُ ذلك ولم يُزْرِ الِالْتِقَاطُ في مُرُوءَتِهِ فَلَا يَكُونُ تَرْكُهُ أَوْلَى هذا ما في الْأَصْلِ وَلَا يُخَالِفُهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ
وَالْجُمْهُورُ على كَرَاهَةِ النَّثْرِ وَالِالْتِقَاطِ إنْ حُمِلَتْ الْكَرَاهَةُ على خِلَافِ الْأَوْلَى وَلَوْ أَخَذَهُ اللَّاقِطُ أو بَسَطَ له حِجْرَهُ مَثَلًا فَوَقَعَ بِحِجْرِهِ مَلَكَهُ بِالْأَخْذِ وَالْوُقُوعِ فِيمَا ذُكِرَ اعْتِبَارًا بِالْعَادَةِ وَلَوْ سَقَطَ منه بَعْدَ أَخْذِهِ كما لو أَفْلَتَ الصَّيْدُ عَقِيبَ وُقُوعِهِ في الشَّبَكَةِ فَلَوْ أَخَذَ غَيْرَهُ لم يَمْلِكْهُ كَنَظِيرِهِ في الصَّيْدِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَإِنْ وَقَعَ في ثَوْبِهِ بِلَا قَصْدٍ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَخْذُهُ نعم إنْ عُلِمَ منه أَنَّهُ لَا يَرْغَبُ فيه فَلَا أَوْلَوِيَّةَ له فَلِغَيْرِهِ أَخْذُهُ منه كما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ وَأَقَرَّهُ وَحَيْثُ كان أَوْلَى بِهِ قال في الْأَصْلُ فَلَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ فَفِي مِلْكِهِ وَجْهَانِ جَارِيَانِ فِيمَا لو عَشَّشَ طَائِرٌ في مِلْكِهِ فَأَخَذَ فَرْخَةَ غَيْرِهِ وَفِيمَا إذَا دخل السَّمَكُ مع الْمَاءِ حَوْضَهُ وَفِيمَا إذَا وَقَعَ الثَّلْجُ في مِلْكِهِ فَأَخَذَهُ وَفِيمَا إذَا أَحْيَا ما تَحَجَّرَهُ غَيْرُهُ لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْمَحْيِيَّ يَمْلِكُ وفي هذه الصُّوَرِ مَيْلُهُمْ إلَى الْمَنْعِ أَكْثَرُ لِأَنَّ الْمُتَحَجِّرَ غَيْرُ مَالِكٍ فَلَيْسَ الْإِحْيَاءُ تَصَرُّفًا في مِلْكِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ هذه الصُّوَرِ انْتَهَى لَا إنْ سَقَطَ من ثَوْبِهِ وَلَوْ لم يَنْقُضْهُ فَلَيْسَ أَوْلَى بِهِ لِعَدَمِ الْقَصْدِ وَالْفِعْلِ
وَالْأَخْذُ له من الْهَوَاءِ بِإِزَارٍ وَغَيْرِهِ مَكْرُوهٌ مُمَلَّكٌ وَالصَّبِيُّ يَمْلِكُ ما الْتَقَطَهُ وَالسَّيِّدُ يَمْلِكُ ما الْتَقَطَهُ رَقِيقُهُ كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ كِتَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَالْقَسْمِ وَالشِّقَاقِ وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ في الْعِشْرَةِ وَالْقَسْمِ النِّكَاحُ مَنَاطُ حُقُوقِ الزَّوْجِ على الزَّوْجَةِ كَالطَّاعَةِ وَمُلَازَمَةِ الْمَسْكَنِ وَحُقُوقُهَا عليه كَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ قال تَعَالَى وَلَهُنَّ مِثْلُ الذي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَالْمُرَادُ تَمَاثُلُهُمَا في وُجُوبِ الْأَدَاءِ وقال تَعَالَى وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَعَلَى الزَّوْجَيْنِ الْمُعَاشَرَةُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَحْصُلُ بِكَفِّ الْأَذَى وَالتَّخَرُّجِ بِمَعْنَى الْخُرُوجِ عن الْحَقِّ بِالرِّضَا بِأَنْ يُؤَدِّيَهُ رَاضِيًا طَلْقَ الْوَجْهِ وَفِيهِ أَطْرَافٌ خَمْسَةٌ الْأَوَّلُ في مُسْتَحِقِّ الْقَسْمِ إثْبَاتًا وَنَفْيًا فَلَا حَقَّ فيه على الزَّوْجِ لِلْوَاحِدَةِ ولكن يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُعَطِّلَهَا بِأَنْ يَبِيتَ عِنْدَهَا وَيُحْصِنَهَا لِأَنَّهُ من الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ
وَأَقَلُّهُ أَيْ ما يَحْصُلُ بِهِ عَدَمُ التَّعْطِيلِ لَيْلَةٌ من أَرْبَعٍ اعْتِبَارًا بِمَنْ له أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ وَإِنَّمَا لم يَجِبْ عليه الْمَبِيتُ لِأَنَّهُ حَقُّهُ فَلَهُ تَرْكُهُ كَسُكْنَى الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَلِأَنَّ في دَاعِيَةِ الطَّبْعِ ما يُغْنِي عن إيجَابِهِ وَلَا حَقَّ فيه عليه لِلْأَكْثَرِ من وَاحِدَةٍ إلَّا إنْ بَاتَ مع زَوْجَتِهِ مِنْهُنَّ لَا أَمَةٍ فَتَسْتَحِقُّ الْبَاقِيَاتُ مِثْلُهَا وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَخَبَرِ إذَا كانت عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فلم يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا جاء يوم الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ أو سَاقِطٌ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ سَوَاءٌ أَبَاتَ عِنْدَ الْوَاحِدَةِ بِقُرْعَةٍ أَمْ لَا وَسَيَأْتِي وُجُوبُهَا لِذَلِكَ أَمَّا لو بَاتَ مع أَمَةٍ فَلَا تَسْتَحِقُّ الْبَاقِيَاتُ الْقَسْمُ لِمَا سَيَأْتِي في الْفَصْلِ الْآتِي وَالتَّسْوِيَةُ في الْجِمَاعِ وبقية الِاسْتِمْتَاعِ مُسْتَحَبَّةٌ لَا وَاجِبَةٌ لِأَنَّ ذلك يَتَعَلَّقُ بِالنَّشَاطِ وَالشَّهْوَةِ وهو لَا يَمْلِكُهَا وَلَا يُؤَاخِذُ بِمَيْلِ الْقَلْبِ إلَى بَعْضِهِنَّ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَقْسِمُ بين نِسَائِهِ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ هذا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ
وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهُ وَلَوْ قَسَمَ بَيْنَهُنَّ مُدَّةً وَسَوَّى ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهُنَّ جَازَ كَالِابْتِدَاءِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
____________________
(3/229)
فَصْلٌ لَا قَسْمَ لِلْإِمَاءِ وَلَوْ مُتَوَلِّدَاتٍ قال تَعَالَى فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أو ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ أَشْعَرَ ذلك بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْعَدْلُ الذي هو فَائِدَةُ الْقَسْمِ في مِلْكِ الْيَمِينِ فَلَا يَجِبُ الْقَسْمُ فيه ولكن يُسْتَحَبُّ الْعَدْلُ بَيْنَهُنَّ لِئَلَّا يَحْقِدَ بَعْضُهُنَّ على بَعْضٍ وَعَدَمُ التَّعْطِيلِ لَهُنَّ لِيَأْمَنَ الْوُقُوعَ فِيمَا لَا يَنْبَغِي وَيَقْسِمُ لِذَوَاتِ الْأَعْذَارِ من الزَّوْجَاتِ كما يَقْسِمُ لِغَيْرِهِنَّ كَالرَّتْقَاءِ وَالْقَرْنَاءِ وَالْحَائِضِ وَالْجَذْمَاءِ وَالْبَرْصَاءِ وَالْمَجْنُونَةِ إنْ أُمِنَتْ أَيْ أُمِنَ شَرُّهَا
ويقسم لِلْمُرَاهِقَةِ وَالْمُظَاهَرِ منها وَالْمَوْلَى منها لِأَنَّ الْغَرَضَ الْأُنْسُ وَالتَّحَرُّزُ عن التَّخْصِيصِ الْمُوحِشِ لَا الِاسْتِمْتَاعُ لَا مُعْتَدَّةٍ عن شُبْهَةٍ لِتَحْرِيمِ الْخَلْوَةِ بها ولا نَاشِزَةٍ كَأَنْ خَرَجَتْ من مَسْكَنِهِ أو أَرَادَ الدُّخُولَ إلَيْهَا فَأَغْلَقَتْ الْبَابَ وَمَنَعَتْهُ فَلَا قَسْمَ لها كما لَا نَفَقَةَ ولا مُدَّعِيَةٍ لِلطَّلَاقِ هذه أَدْخَلَهَا الْأَصْلُ في النَّاشِزَةِ فَلَوْ قال الْمُصَنِّفُ كَمُدَّعِيَةٍ لِلطَّلَاقِ لِوَافِقِهِ وَنُشُوزُ الْمَجْنُونَةِ يُسْقِطُ حَقَّهَا من الْقَسْمِ كَنُشُوزِ الْعَاقِلَةِ لَكِنَّهَا لَا تَأْثَمُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَالْأَوْلَى لِلزَّوْجِ في الْقَسْمِ على زَوْجَاتِهِ أَنْ يَطُوفَ عَلَيْهِنَّ اقْتِدَاءً بِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَصَوْنًا لَهُنَّ عن الْخُرُوجِ وَلَهُ أَنْ يَسْتَدْعِيَ بِهِنَّ بِزِيَادَةِ الْبَاءِ بِأَنْ يَدْعُوهُنَّ إلَى مَسْكَنِهِ لَا إلَى مَنْزِلِ إحْدَاهُنَّ فَلَيْسَ له ذلك لِمَا فيه من الْمَشَقَّةِ وَمِنْ الْجَمْعِ بين ضَرَّتَيْنِ بِمَسْكَنٍ وَاحِدٍ بِغَيْرِ رِضَاهُمَا وَلَا يَأْتِي بَعْضًا مِنْهُنَّ وَيَدْعُو بَعْضًا إلَى مَسْكَنِهِ لِمَا فيه من التَّخْصِيصِ
وَالنَّصُّ على أَنَّ له ذلك يُحْمَلُ على ما إذَا كان ثَمَّ عُذْرٌ مِمَّا يَأْتِي فَإِنْ أَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ لِمَنْ تُدْعَى إلَيْهِ أو بَعْدَ بَيْتِ الْمَدْعُوَّةِ أو كانت عَجُوزًا وَتِلْكَ أَيْ التي يَأْتِيهَا شَابَّةً فَحَلَفَ عليها فَلَهُ ذلك أَيْ ما ذُكِرَ من دُعَاءِ بَعْضِهِنَّ بِالْقُرْعَةِ وَإِتْيَانِ قَرِيبَةِ الْبَيْتِ وَالشَّابَّةِ أَمَّا في الْأُولَى فَكَالْمُسَافِرَةِ بِبَعْضِهِنَّ بِالْقُرْعَةِ وَأَمَّا في الْأَخِيرَتَيْنِ فَلِلْمَشَقَّةِ عليه في الْإِتْيَانِ إلَى الْبَعِيدَةِ وَلِخَوْفِهِ على الشَّابَّةِ فَإِنْ اشْتَغَلَتْ عن الْإِجَابَةِ إلَى دُعَائِهِ لها لِحَاجَتِهَا فَهِيَ نَاشِزَةٌ لِمُخَالَفَتِهَا الْوَاجِبَ أو اشْتَغَلَتْ عنها لِمَرَضٍ فَحَمْلُهَا إلَيْهِ إنْ أَرَادَ وَاجِبٌ عليه وَإِنْ سَافَرَتْ دُونَهُ وَلَوْ لِحَاجَتِهِ سَقَطَ حَقُّهَا لَا إنْ سَافَرَتْ لِحَاجَتِهِ بِإِذْنِهِ فَيَقْضِي لها ما فَاتَهَا من حَقِّ الْبَاقِيَاتِ فَصْلٌ وَيَقْسِمُ الزَّوْجُ الْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ فَإِنْ جَارَ في قَسْمِهِ أَثِمَ الْوَلِيُّ أو جَارَ فيه السَّفِيهُ فَالْإِثْمُ عليه لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ وَلَا يَلْزَمُ الْوَلِيَّ الطَّوَافُ بِالْمَجْنُونِ عَلَيْهِنَّ سَوَاءٌ أَمِنَ منه الضَّرَرَ أَمْ لَا إلَّا إنْ طُولِبَ بِقَضَاءِ قَسْمٍ وَقَعَ منه فَيَلْزَمُهُ الطَّوَافُ بِهِ عَلَيْهِنَّ قَضَاءً لِحَقِّهِنَّ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ إنْ طُولِبَ ما لو لم يُطَالَبْ فَلَا يَلْزَمُهُ ذلك لِأَنَّ لَهُنَّ التَّأْخِيرَ إلَى إفَاقَتِهِ لِتَتِمَّ الْمُؤَانَسَةُ أو إنْ كان الْجِمَاعُ يَنْفَعُهُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ أو مَالَ عليه بِمَيْلِهِ إلَى النِّسَاءِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَطُوفَ بِهِ عَلَيْهِنَّ قال في الْأَصْلِ أو يَدْعُوَهُنَّ إلَى مَنْزِلِهِ أو يَطُوفَ بِهِ على بَعْضِهِنَّ وَيَدْعُوَ بَعْضَهُنَّ بِحَسَبِ ما يَرَى وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ في الْأَخِيرَةِ إذَا كان ثَمَّ عُذْرٌ لِيُوَافِقَ ما مَرَّ في الْعَاقِلِ فَإِنْ ضَرَّهُ الْجِمَاعُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَجَبَ على وَلِيِّهِ مَنْعُهُ منه فَإِنْ تَقَطَّعَ الْجُنُونُ وَانْضَبَطَ كَيَوْمٍ وَيَوْمٍ فَأَيَّامُهُ أَيْ الْجُنُونِ كَالْغَيْبَةِ أَيْ كَأَيَّامِهَا فَتُطْرَحُ وَيَقْسِمُ في أَيَّامِ إفَاقَتِهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لو أَقَامَ في الْجُنُونِ عِنْدَ وَاحِدَةٍ فَلَا قَضَاءَ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ نَقْلًا عن الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ
ثُمَّ قال وَحَكَى أبو الْفَرَجِ وَجْهًا أَنَّهُ يَقْضِي لِلْبَاقِيَاتِ وقال الْمُتَوَلِّي يُرَاعَى الْقَسْمُ في أَيَّامِ الْإِفَاقَةِ وَيُرَاعِيهِ الْوَلِيُّ في أَيَّامِ الْجُنُونِ
____________________
(3/230)
وَتَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ نَوْبَةٌ من هذه وَنَوْبَةٌ من هذه وَهَذَا حَسَنٌ انْتَهَى
قال الْأَذْرَعِيُّ وَاَلَّذِي نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ هو ما حَكَاهُ أبو الْفَرَجِ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَيَصِحُّ حَمْلُهُ على ما قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَإِنْ لم يَنْضَبِطْ جُنُونُهُ وَأَبَاتهُ الْوَلِيُّ في الْجُنُونِ مع وَاحِدَةٍ وَأَفَاقَ في نَوْبَةِ الْأُخْرَى قَضَى ما جَرَى في الْجُنُونِ لِنَقْصِهِ الطَّرَفَ الثَّانِيَ في الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ لِلْقَسْمِ وَعَلَيْهِ أَفْرَادُ كُلٍّ مِنْهُنَّ بِمَسْكَنٍ لَائِقٍ بها وَلَوْ بِحُجُرَاتٍ تَمَيَّزَتْ مَرَافِقُهُنَّ كَمُسْتَرَاحٍ وَبِئْرٍ وَسَطْحٍ وَمُرَقًّى إلَيْهِ من دَارٍ وَاحِدَةٍ أو خَانٍ وَاحِدٍ فَيَحْرُمُ عليه أَنْ يَجْمَعَهُنَّ بِمَسْكَنٍ وَلَوْ لَيْلَةً وَاحِدَةً إلَّا بِرِضَاهُنَّ لِأَنَّهُ يُوَلِّدُ كَثْرَةَ الْمُخَاصَمَةِ وَيُشَوِّشُ الْعِشْرَةَ
وَمِثْلُهُ السُّرِّيَّةُ مع الزَّوْجَةِ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ والروياني وَلَهُ جَمْعُ إمَائِهِ بِمَسْكَنٍ وَخَرَجَ بِتَمَيُّزِ مَرَافِقِهِنَّ ما إذَا لم يَتَمَيَّزْ فَكَالْمَسْكَنِ الْوَاحِدِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى ما إذَا كان في سَفَرٍ فإن أَفْرَادَ كُلٍّ بِخَيْمَةٍ وَمَرَافِقَ مِمَّا يَشُقُّ وَيَعْظُمُ ضَرَرُهُ مع أَنَّ ضَرَرَهُنَّ لَا يَتَأَبَّدُ فَيُحْتَمَلُ وَالْعُلْوُ وَالسُّفْلُ إنْ تَمَيَّزَتْ الْمَرَافِقُ مَسْكَنَانِ فَإِنْ رَضِينَ بِمَسْكَنٍ جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُنَّ
فَصْلٌ عِمَادُ الْقَسْمِ اللَّيْلُ لِأَنَّهُ وَقْتُ السُّكُونِ وَالنَّهَارُ تَابِعٌ له لِأَنَّهُ وَقْتُ الْمَعَاشِ قال تَعَالَى هو الذي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فيه وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا وقال وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا تَقَدَّمَ النَّهَارُ أو تَأَخَّرَ أَيْ له أَنْ يَجْعَلَهُ قبل اللَّيْلَةِ أو بَعْدَهَا وهو أَوْلَى وَعَلَيْهِ التَّوَارِيخُ الشَّرْعِيَّةُ فإن أَوَّلَ الْأَشْهُرِ اللَّيَالِي قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْوَجْهُ في دُخُولِهِ لِذَاتِ النَّوْبَةِ لَيْلًا اعْتِبَارُ الْعُرْفِ لَا بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَطُلُوعِهَا
وَنَحْوُ الْأَتُّونِيِّ كَالْحَارِسِ لَيْلًا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ من فَوْقُ وهو وَقَّادُ الْحَمَّامِ نِسْبَةٌ إلَى الْأَتُّونِ وهو الذي يُوقَدُ بِهِ النَّارُ نَهَارُهُ لَيْلُهُ فَهُوَ عِمَادُ قَسْمِهِ لِأَنَّهُ وَقْتُ سُكُونِهِ وَاللَّيْلُ تَابِعٌ له لِأَنَّهُ وَقْتُ مَعَاشِهِ وعماد الْقَسْمِ لِلْمُسَافِرِ وَقْتُ النُّزُولِ وَلَوْ نَهَارًا قَلِيلًا أو كَثِيرًا لِأَنَّهُ وَقْتُ الْخَلْوَةِ وَيُؤْخَذُ من الْعِلَّةِ ما قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ لو لم تَحْصُلْ الْخَلْوَةُ إلَّا حَالَةَ السَّيْرِ بِأَنْ كَانَا بِمِحَفَّةٍ أو نَحْوِهَا وَحَالَةُ النُّزُولِ يَكُونُ مع الْجَمَاعَةِ في خَيْمَةٍ مَثَلًا كان عِمَادُ قَسْمِهِ حَالَةَ السَّيْرِ دُونَ حَالَةِ النُّزُولِ حتى يَلْزَمَهُ التَّسْوِيَةُ في ذلك وَالدُّخُولُ لِمَنْ عِمَادُ قَسْمِهِ اللَّيْلُ على امْرَأَةٍ في لَيْلَةِ غَيْرِهَا حَرَامٌ وَلَوْ لِحَاجَةٍ كَعِيَادَةٍ لِمَا فيه من إبْطَالِ حَقِّ ذَاتِ النَّوْبَةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَرَضِهَا الْمَخُوفِ وَلَوْ ظَنًّا قال الْغَزَالِيُّ أو احْتِمَالًا وَكَحَرِيقٍ فَيَجُوزُ دُخُولُهُ لِتَبَيُّنِ الْحَالِ لِعُذْرِهِ وَيَقْضِي لِذَاتِ النَّوْبَةِ بِقَدْرِ ما مَكَثَ من نَوْبَةِ الْمَدْخُولِ عليها إنْ طَالَ الزَّمَنُ وَإِنْ لم يُعْطِي بِالدُّخُولِ لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ لَا يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ فَإِنْ قَصُرَ الزَّمَنُ فَلَا قَضَاءَ كَالْمُتَعَدِّي بِالدُّخُولِ فإنه يَقْضِي إنْ طَالَ الزَّمَنُ
وَلَوْ جَامَعَ من دخل عليها في لَيْلَةِ غَيْرِهَا عَصَى بِتَعَدِّيهِ بِالدُّخُولِ في صُوَرِ التَّعَدِّي وَإِنْ قَصُرَ الزَّمَنُ قال الْإِمَامُ وَاللَّائِقُ بِالتَّحْقِيقِ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يُوصَفُ الْجِمَاعُ بِالتَّحْرِيمِ وَيُصْرَفُ التَّحْرِيمُ إلَى إيقَاعِ الْمَعْصِيَةِ لَا إلَى ما وَقَعَتْ بِهِ الْمَعْصِيَةُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ تَحْرِيمَ الْجِمَاعِ لَا لِعَيْنِهِ بَلْ لِأَمْرٍ خَارِجٍ وَقَضَى الْمُدَّةَ دُونَ الْجِمَاعِ لِتَعَلُّقِهِ بِالنَّشَاطِ كما مَرَّ لَا إنْ قَصُرَتْ فَلَا يَقْضِيهَا وَيُعْرَفُ طُولُ الزَّمَنِ وَقِصَرُهُ بِالْعُرْفِ فَرْعٌ لَا يَجِبُ عليه أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُنَّ في الْإِقَامَةِ في الْبَيْتِ نَهَارًا لِأَنَّهُ زَمَنُ الِانْتِشَارِ فَقَدْ يَقِلُّ في يَوْمٍ وَيَكْثُرُ في آخَرَ وَالضَّبْطُ فيه عُسْرٌ بِخِلَافِ اللَّيْلِ لَكِنْ لَا يَدْخُلُ أَيْ لَا يَجُوزُ دُخُولُهُ على الْأُخْرَى فيه إلَّا لِحَاجَةٍ كَعِيَادَةٍ وَوَضْعِ مَتَاعٍ وَأَخْذِهِ وَتَعَرُّفِ خَبَرٍ وَتَسْلِيمِ نَفَقَةٍ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَطُولَ مُكْثُهُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
____________________
(3/231)
وَلَوْ اسْتَمْتَعَ عِنْدَ دُخُولِهِ لِحَاجَةٍ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ جَازَ لِخَبَرِ عَائِشَةَ كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَطُوفُ عَلَيْنَا جميعا فَيَدْنُو من كل امْرَأَةٍ من غَيْرِ مَسِيسٍ حتى يَبْلُغَ إلَى التي في نَوْبَتِهَا فَيَبِيتَ عِنْدَهَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ أَمَّا الْجِمَاعُ فَلَا يَسْتَمْتِعُ بِهِ وَلَا يَخُصُّ وَاحِدَةً بِالدُّخُولِ عليها بِأَنْ يَعْتَادَ الدُّخُولَ عليها في نَوْبَةِ غَيْرِهَا وَلَوْ دخل عليها بِلَا حَاجَةٍ قَضَى لِتَعَدِّيهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا طَالَ الزَّمَنُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ في قَضَاءِ اللَّيْلِ فَإِنْ دخل لِحَاجَةٍ فَلَا قَضَاءَ كما أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الْأَصْلُ لِأَنَّ النَّهَارَ تَابِعٌ مع وُجُودِ الْحَاجَةِ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ على ما إذَا لم يَطُلْ مُكْثُهُ فَوْقَ الْحَاجَةِ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ على وُجُوبِ الْقَضَاءِ مَحَلُّهُ في دُخُولِهِ بِلَا حَاجَةٍ هذا كُلُّهُ فِيمَنْ عِمَادُ قَسْمِهِ اللَّيْلُ أَمَّا غَيْرُهُ فَبِالْعَكْسِ
فَرْعٌ لو مَرِضَتْ أو ضَرَبَهَا الطَّلْقُ وَلَا مُتَعَهِّدَ لها فَلَهُ تَمْرِيضُهَا في الْأُولَى وَالْمَبِيتُ عِنْدَهَا في الثَّانِيَةِ لَيَالِيَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَيَقْضِي لِغَيْرِهَا إنْ بَرِئَتْ وَلَا يُوَالِيهِ أَيْ الْقَضَاءُ فَلَا يَبِيتُ عِنْدَ كُلٍّ من الْأُخْرَيَات تِلْكَ اللَّيَالِيَ وَلَاءً بَلْ يُفَرِّقُهُ فَيَجْعَلُ النُّوَبَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَأَقَلَّ حتى يُتِمُّ الْقَضَاءَ وَإِنَّمَا لم يَزِدْ عليها بِنَاءً على أَنَّ أَكْثَرَ مِقْدَارِ النُّوَبِ في الْقَسْمِ ثَلَاثُ لَيَالٍ كما سَيَأْتِي وَلَوْ كانت تَنْتِينَ أَيْ وَلَوْ كان عِنْدَهُ مَرِيضَتَانِ وَلَا مُتَعَهِّدَ لَهُمَا مَرَّضَهُمَا بِالْقَسْمِ أَيْ يَقْسِمُ اللَّيَالِيَ عَلَيْهِمَا وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا في التَّمْرِيضِ لَا الْقُرْعَةُ نَفْيٌ لِمَا قَبْلُ من أَنَّهُ يُمَرِّضُهُمَا بِالْقُرْعَةِ بَيْنَهُمَا كما في السَّفَرِ وَقَضَى لِلْبَاقِيَاتِ إنْ بَرِئَتَا وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ فَإِنْ مَاتَتْ الْمَرِيضَةُ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ من نَوْبَتِهَا وقد سَقَطَتْ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا وَلَا مُتَعَهِّدَ ما إذَا كان لها مُتَعَهِّدٌ فَلَا يَبِيتُ عِنْدَهَا إلَّا في نَوْبَتِهَا
فَرْعٌ لو كان يَعْمَلُ تَارَةً اللَّيْلَ أَيْ فيه دُونَ النَّهَارِ وَتَارَةً عَكْسَهُ لم يَجْزِهِ نَهَارُهُ عن لَيْلِهِ وَلَا عَكْسُهُ لِتَفَاوُتِ الْغَرَضِ فَصْلٌ لَا يَجُوزُ الْقَسْمُ أَقَلَّ من لَيْلَةٍ لِمَا في تَبْعِيضِهَا من تَنْغِيصِ الْعَيْشِ وَلِعُسْرِ ضَبْطِ أَجْزَاءِ اللَّيْلِ وَمِنْ هُنَا لَا يَجُوزُ الْقَسْمُ بِلَيْلَةٍ وَبَعْضِ أُخْرَى كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَأَمَّا طَوَافُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم على نِسَائِهِ في لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَمَحْمُولٌ على رِضَاهُنَّ وَهِيَ أَيْ اللَّيْلَةُ أَيْ الِاقْتِصَارُ عليها أَفْضَلُ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلِيَقْرُبَ عَهْدُهُ بِهِنَّ وَلَا يَجُوزُ الْقَسْمُ أَكْثَرَ من ثَلَاثٍ وَإِنْ تَفَرَّقْنَ في الْبِلَادِ لِأَنَّ فيه إيحَاشًا وَهَجْرًا لَهُنَّ إلَّا بِرِضَاهُنَّ فَيَجُوزُ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُنَّ وَلْيُقْرِعْ لِلِابْتِدَاءِ بِالْقَسْمِ وُجُوبًا تَحَرُّزًا عن التَّرْجِيحِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إنْ كُنَّ أَرْبَعًا مَرَّةً بين الْأَرْبَعِ وَثَانِيَةً بين الثَّلَاثِ وَثَالِثَةً بين الْبَاقِيَتَيْنِ وَيُرَاعَى تَرْتِيبُهَا أَيْ الْمَرَّاتُ إذَا تَمَّتْ النُّوَبُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْقُرْعَةِ
فَلَوْ بَدَأَ بِوَاحِدَةٍ بِلَا قُرْعَةٍ أَثِمَ وَأَقْرَعَ بين الثَّلَاثِ ثُمَّ إذَا تَمَّتْ النُّوَبُ أَعَادَهَا أَيْ الْقُرْعَةَ لِلْجَمِيعِ وَكَأَنَّهُ بِالْقُرْعَةِ الْأُولَى من الْمَعَادِ ابْتَدَأَ الْقَسْمَ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ لِلْجَمِيعِ من زِيَادَتِهِ الطَّرَفُ الثَّالِثُ في الْمُسَاوَاةِ بين الزَّوْجَاتِ فَتَجِبُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُنَّ فَيَحْرُمُ التَّفْضِيلُ وَإِنْ تَرَجَّحَتْ وَاحِدَةٌ بِشَرَفٍ أو إسْلَامٍ أو غَيْرِهِمَا لِاسْتِوَائِهِنَّ في مَقَاصِدِ النِّكَاحِ وَأَحْكَامِهِ إلَّا أَنَّ لِلْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ وَلِلْأَمَةِ لَيْلَةً رَوَاهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ مُرْسَلًا وَعَضَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ رُوِيَ عن عَلِيٍّ كما رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَلَا يُعْرَفُ له مُخَالِفٌ فَكَانَ إجْمَاعًا وَلِأَنَّ الْقَسْمَ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَالِاسْتِمْتَاعُ بها على النِّصْفِ إذْ لَا تَسْلَمُ له إلَّا لَيْلًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْسِمَ لِلْحُرَّةِ ثَلَاثًا وَلِلْأَمَةِ لَيْلَةً وَنِصْفًا وَالْمُبَعَّضَةُ كَالْأَمَةِ كما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ وَصَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ
فَإِنْ عَتَقَتْ في اللَّيْلَةِ الْأُولَى من لَيْلَتَيْ الْحُرَّةِ وكانت الْبُدَاءَةُ بِالْحُرَّةِ فَالثَّانِيَةُ من لَيْلَتِهَا لِلْعَتِيقَةِ ثُمَّ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا هذا إنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ لها على لَيْلَةٍ وَإِلَّا فَلَهُ تَوْفِيَةُ الْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ وَإِقَامَةُ مِثْلِهِمَا عِنْدَ الْعَتِيقَةِ صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ قال لِأَنَّ الْمِقْدَارَ الذي يَضُرُّ بِهِ لَا يَتَحَتَّمُ عليه الْوَفَاءُ بِهِ فَلَوْ بَدَا له أَنْ يُقَلِّلَ أو يُكْثِرَ بَعْدَ الْوَفَاءِ بِالتَّسْوِيَةِ فَلَا يُعْتَرَضُ عليه نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ قال غَيْرُهُ وَالثَّلَاثُ كَاللَّيْلَتَيْنِ في ذلك وهو ظَاهِرٌ أو عَتَقَتْ في الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا فَإِنْ أَتَمَّهَا وَلَهُ ذلك لِلْمَشَقَّةِ في خُرُوجِهِ لَيْلًا بَاتَ مع الْعَتِيقَةِ لَيْلَتَيْنِ لَا إنْ خَرَجَ حِينَئِذٍ أَيْ حين الْعِتْقِ إلَى مَسْجِدٍ أو إلَى الْعَتِيقَةِ أو نَحْوِهِمَا كَبَيْتِ صَدِيقٍ وَبَاتَ ثَمَّ فَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءٌ مَضَى من تِلْكَ اللَّيْلَةِ بَلْ قد أَحْسَنَ بِخُرُوجِهِ إلَى الْعَتِيقَةِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّ النِّصْفَ الْأَوَّلَ من اللَّيْلَةِ إنْ كان حَقًّا لِلْحُرَّةِ فَيَجِبُ إذَا أَكْمَلَ اللَّيْلَةَ أَنْ لَا يَقْضِيَ جَمِيعَهَا وَإِنْ لم يَكُنْ حَقًّا لها
____________________
(3/232)
فَيَجِبُ أَنْ يَقْضِيَهُ إذَا خَرَجَ فَوْرًا وَأُجِيبَ عنه بِأَنَّ قَوْلَهُ في الشِّقِّ الْأَوَّلِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَقْضِيَ جَمِيعَهَا مَرْدُودٌ لِأَنَّ نِصْفَيْ اللَّيْلَةِ كَالثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ وَالسَّبْعَةِ في حَقِّ الزِّفَافِ لِلثَّيِّبِ فَالثَّلَاثُ حَقٌّ لها وإذا أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا قَضَى الْجَمِيعَ
فَكَذَا إذَا أَقَامَ النِّصْفَ الثَّانِيَ قَضَاهُ مع النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَبِأَنَّ قَوْلَهُ في الثَّانِي فَيَجِبُ أَنْ يَقْضِيَهُ إذَا خَرَجَ فَوْرًا مَرْدُودٌ أَيْضًا فإن الْعِتْقَ قبل الْعِتْقِ لَا يُثْبِتُ لها اسْتِحْقَاقُ نَظِيرِ النِّصْفِ الْمَقْسُومِ كما لو كان عَبْدَيْنِ اثْنَيْنِ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُهُ وَلِآخَرَ ثُلُثَاهُ فَالْمُهَايَأَةُ بَيْنَهُمَا تَكُونُ يَوْمَيْنِ وَيَوْمًا فإذا اشْتَرَى صَاحِبُ الثُّلُثِ السُّدُسَ من الْآخَرِ في أَثْنَاءِ الْيَوْمَيْنِ لم يَرْجِعْ عليه بِأُجْرَةِ ما مَضَى وَقَضِيَّةُ ما قَالَهُ في الشِّقِّ الْأَوَّلِ أَنْ يُقَيَّدَ بِمَنْ طَلَبَتْ منه تَمَامَ اللَّيْلَةِ وَإِلَّا فَيَقْتَضِي الزَّائِدَ فَقَطْ وَإِنْ عَتَقَتْ في لَيْلَتِهَا لَا بَعْدَ تَمَامِهَا زَادَهَا لَيْلَةً لِالْتِحَاقِهَا بِالْحُرَّةِ قبل الْوَفَاءِ فَإِنْ عَتَقَتْ بَعْدَ تَمَامِهَا اقْتَصَرَ عليها ثُمَّ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا وَلَا أَثَرَ لِعِتْقِهِمَا في يَوْمِهَا لِأَنَّهُ تَابِعٌ وَإِنْ كانت الْبُدَاءَةُ بِالْأَمَةِ وَعَتَقَتْ في لَيْلَتِهَا فَكَالْحُرَّةِ فَيُتِمُّهَا ثُمَّ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا أو عَتَقَتْ بَعْدَ تَمَامِهَا أو في الْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ ثُمَّ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْأَمَةَ قد اسْتَوْفَتْ لَيْلَتَهَا قبل عِتْقِهَا فَتَسْتَوْفِي الْحُرَّةُ بِإِزَائِهَا لَيْلَتَيْنِ
وَهَذَا ما قَطَعَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَمَنَعَ الْبَغَوِيّ إيفَاءَ اللَّيْلَتَيْنِ وقال إنْ عَتَقَتْ في الْأُولَى مِنْهُمَا أَتَمَّهَا وَاقْتَصَرَ عليها أو في الثَّانِيَةِ خَرَجَ من عِنْدِهَا حَالًا وَعَلَى نَحْوِهِ جَرَى الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَأَصْحَابُهُ وَصَاحِبُ الْمُهَذَّبِ لِمُسَاوَاتِهَا الْحُرَّةَ قبل إيفَائِهَا كَذَا نَقَلَ الْأَصْلُ ذلك بِلَا تَرْجِيحٍ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ لَكِنْ قال الزَّرْكَشِيُّ الصَّحِيحُ الثَّانِي فَقَدْ حَكَاهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَالْعِرَاقِيُّونَ عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ في الْقَدِيمِ وَلَيْسَ له في الْجَدِيدِ ما يُخَالِفُهُ وَاسْتَشْهَدَ له الْأَذْرَعِيُّ بِنَصٍّ في الْأُمِّ وَاسْتَشْكَلَ الْمَاوَرْدِيُّ النَّصَّ بِأَنَّ عِتْقَ الْأَمَةِ يُوجِبُ تَكْمِيلَ حَقِّهَا وَلَا يُوجِبُ نُقْصَانَ حَقِّ غَيْرِهَا فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْحُرَّةُ على حَقِّهَا وَتَسْتَقْبِلُ زِيَادَةَ الْأَمَةِ بَعْدَ عِتْقِهَا قال فَلَوْ لم تَعْلَمْ الْأَمَةُ بِعِتْقِهَا حتى مَرَّ عليها أَدْوَارٌ وهو يَقْسِمُ لها قَسْمَ الْإِمَاءِ لم يَقْضِ لها ما مَضَى وقال ابن الرِّفْعَةِ الْقِيَاسُ أَنَّهُ يَقْضِي لها انْتَهَى وَيَنْبَغِي الْجَزْمُ بِهِ عِنْدَ عِلْمِ الزَّوْجِ بِذَلِكَ
وَلَا يَجِبُ قَسْمٌ لِأَمَةٍ لَا نَفَقَةٌ لها بِأَنْ لم تُسَلَّمْ له تَسْلِيمًا تَامًّا فَإِنْ اسْتَحَقَّتْهَا بِأَنْ سُلِّمَتْ له لَيْلًا وَنَهَارًا فَحَقُّ الْقَسْمِ لها لَا لِسَيِّدِهَا فَهِيَ التي تَمْلِكُ إسْقَاطَهُ بِهِبَتِهِ لِزَوْجِهَا أو لِضَرَّتِهَا لَا سَيِّدُهَا لِأَنَّ مُعْظَمَ الْحَظِّ في الْقَسْمِ لها كما أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لها لَا له وَإِنْ سَافَرَ بها السَّيِّدُ وقد اسْتَحَقَّتْ لَيْلَةً بِأَنْ قَسَمَ لِلْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ ثُمَّ سَافَرَ سَيِّدُهَا بها قال الْمُتَوَلِّي لَا تَسْقُطُ بَلْ على الزَّوْجِ قَضَاؤُهَا عِنْدَ التَّمَكُّنِ لِأَنَّ الْفَوَاتَ حَصَلَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا فَعُذِرَتْ قال الْأَذْرَعِيُّ وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْقَاضِي وَنَصُّ الْأُمِّ يَرُدُّ عَلَيْهِمَا وَذَكَرَهُ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ إلَيْهِ بِعَزْوِهِ إلَى الْمُتَوَلِّي فَصْلٌ وَإِنْ جَدَّدَ عَلَيْهِنَّ زَوْجَةً وَلَوْ أَمَةً أو كَافِرَةً
وَيُتَصَوَّرُ جَمْعُ الْأَمَةِ مع الْحُرَّةِ في عَبْدٍ وَكَذَا في حُرٍّ تَحْتَهُ رَتْقَاءُ أو غَيْرُهَا مِمَّنْ لَا تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ أو تَزَوَّجَ بِأَمَةٍ وهو مُعْسِرٌ ثُمَّ أَيْسَرَ وَتَزَوَّجَ عليها حُرَّةً أَقَامَ وُجُوبًا عِنْدَ الْبِكْرِ التي جَدَّدَهَا سَبْعًا وعند الثَّيِّبِ التي إذْنُهَا النُّطْقُ ثَلَاثًا لِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ في صَحِيحِهِ سَبْعٌ لِلْبِكْرِ وَثَلَاثٌ لِلثَّيِّبِ وفي الصَّحِيحَيْنِ عن أَنَسٍ من السُّنَّةِ إذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ على الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا ثُمَّ قَسَمَ وإذا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ على الْبِكْرِ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَسَمَ وَالْمَعْنَى فيه زَوَالُ الْحِشْمَةِ بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا سَوَّى بين الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ لِأَنَّ ما يَتَعَلَّقُ بِالطَّبْعِ لَا يَخْتَلِفُ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ كَمُدَّةِ الْعُنَّةِ وَالْإِيلَاءِ وَزِيدَ لِلْبِكْرِ لِأَنَّ حَيَاءَهَا أَكْثَرُ وَالْحِكْمَةُ في الثَّلَاثِ وَالسَّبْعِ أَنَّ الثَّلَاثَ مُغْتَفَرَةٌ في الشَّرْعِ وَالسَّبْعُ عَدَدُ أَيَّامِ الدُّنْيَا وما زَادَ عليها تَكْرَارٌ وَقَوْلُهُ وَكَذَا حُرٌّ تَحْتَهُ رَتْقَاءُ من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَدَخَلَ في الثَّيِّبِ الْمَذْكُورَةُ من
____________________
(3/233)
كانت ثُيُوبَتُهَا بِوَطْءٍ حَلَالٍ أو حَرَامٍ أو وَطْءٍ شُبْهَةٍ وَخَرَجَ بها من حَصَلَتْ ثُيُوبَتُهَا بِمَرَضٍ أو وَثْبَةٍ أو نَحْوِهِمَا مُتَوَالِيَاتٍ صِفَةٌ لِلسَّبْعِ وَلِلثَّلَاثِ وَاعْتُبِرَ تَوَالِيهَا لِأَنَّ الْحِشْمَةَ لَا تَزُولُ بِالْمُفَرَّقِ
فَلَوْ فَرَّقَهَا لم تُحْسَبْ وَقَضَاهَا لها مُتَوَالِيًا وَقَضَى بَعْدَ ذلك لِلْأُخْرَيَاتِ ما فَرَّقَ وَيُسْتَحَبُّ تَخْيِيرُ الثَّيِّبِ من ثَلَاثٍ وَلَا قَضَاءَ وَسَبْعٍ وَيَقْضِيهِنَّ كما فَعَلَ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأُمِّ سَلَمَةَ رضي اللَّهُ عنها حَيْثُ قال لها إنْ شِئْت سَبَّعْت عِنْدَك وَسَبَّعْت عِنْدَهُنَّ وَإِنْ شِئْت ثَلَّثْت عِنْدَك وَدُرْت أَيْ بِالْقَسْمِ الْأَوَّلِ بِلَا قَضَاءٍ وَإِلَّا لَقَالَ وَثَلَّثْت عِنْدَهُنَّ كما قال وَسَبَّعْت عِنْدَهُنَّ رَوَاهُ مَالِكٌ وَكَذَا مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ فَإِنْ سَبَّعَ لها بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا أَيْ طَلَبَهَا أو اخْتَارَتْ دُونَ سَبْعٍ لم يَقْضِ إلَّا ما فَوْقَ الثَّلَاثِ لِأَنَّهَا لم تَطْمَعْ في الْحَقِّ الْمَشْرُوعِ لِغَيْرِهَا وَإِنْ سَبَّعَ لها بِاخْتِيَارِهَا قَضَى جَمِيعَ السَّبْعِ لِلْأُخْرَيَاتِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ وَلِأَنَّهَا طَمِعَتْ في الْحَقِّ الْمَشْرُوعِ لِغَيْرِهَا فَبَطَلَ حَقُّهَا وَشُبِّهَ في التَّمِّ بِبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ وَإِنْ طَلَبَتْ الْبِكْرُ عَشْرًا مَثَلًا لم تُعْطَ مَطْلُوبَهَا فَإِنْ أَجَابَهَا قَضَى الثَّلَاثَ فَقَطْ
فَرْعٌ لَا يَتَجَدَّدُ حَقُّ الزِّفَافِ لِرَجْعِيَّةٍ لِبَقَائِهَا على النِّكَاحِ الْأَوَّلِ وقد وَافَاهَا حَقُّهَا بِخِلَافِ الْبَائِنِ يَتَجَدَّدُ حَقُّ زِفَافِهَا لِعَوْدِ الْجِهَةِ وبخلاف مُفْتَرَشَةِ سَيِّدِهَا أَعْتَقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَيَجِبُ لها حَقُّ الزِّفَافِ وَإِنْ زُفَّتَا مَعًا وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا لِلِابْتِدَاءِ لِحَقِّ الزِّفَافِ فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا قَدَّمَهَا بِجَمِيعِ السَّبْعِ أو الثَّلَاثِ فَإِنْ زُفَّتَا مُرَتَّبًا أَدَّى حَقَّ الْأُولَى أَوَّلًا وَلَا يَثْبُتُ حَقُّهُ أَيْ الزِّفَافُ إلَّا لِمَنْ في نِكَاحِهِ أُخْرَى يَبِيتُ مَعَهَا بَلْ لو كان تَحْتَهُ ثَلَاثٌ لَا يَبِيتُ مَعَهُنَّ لم يَثْبُتْ حَقُّ الزِّفَافِ لِلرَّابِعَةِ كما لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَ زَوْجَتِهِ أو زَوْجَاتِهِ ابْتِدَاءً وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْأَصْلِ وَلَوْ نَكَحَ جَدِيدَتَيْنِ ولم يَكُنْ في نِكَاحِهِ غَيْرُهُمَا وَجَبَ لَهُمَا حَقُّ الزِّفَافِ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ على من أَرَادَ الْقَسَمَ نعم قال النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ الْأَقْوَى الْمُخْتَارُ وُجُوبُهُ مُطْلَقًا لِخَبَرِ أَنَسٍ لَكِنْ رَدَّهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ في مُسْلِمٍ طُرُقًا فيها الصَّرَاحَةُ بِمَا إذَا كانت عِنْدَهُ زَوْجَةٌ أو أَكْثَرُ غَيْرُ التي زُفَّتْ إلَيْهِ فَتَكُونُ هذه الرِّوَايَةُ الْمُطْلَقَةُ مُقَيَّدَةً بِتِلْكَ الرِّوَايَاتِ وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بَدَلَ بَلْ بِقَوْلِهِ حتى كان أَقْعَدَ
فَرْعٌ لو زُفَّتْ جَدِيدَةٌ وَلَهُ زَوْجَتَانِ قد وَفَّاهُمَا حَقَّهُمَا وَفَّى الْجَدِيدَةَ حَقَّهَا وَاسْتَأْنَفَ بَعْدَ ذلك الْقَسْمَ بين الْجَمِيعِ بِالْقُرْعَةِ وَإِنْ بَقِيَتْ لَيْلَةٌ لِأَحَدِهِمَا بَدَأَ بِالْجَدِيدَةِ ثُمَّ وَفَّى الْقَدِيمَةَ لَيْلَتَهَا ثُمَّ يَبِيتُ عِنْدَ الْجَدِيدَةِ نِصْفَ لَيْلَةٍ لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ ثُلُثَ الْقَسْمِ وَيَخْرُجُ الْمَسْجِدَ أو نَحْوُهُ أَيْ إلَيْهِ بَقِيَّةَ اللَّيْلَةِ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْقَسْمَ بين الثَّلَاثِ بِالسَّوِيَّةِ فَرْعٌ لَا يَتَخَلَّفُ بِسَبَبِ حَقِّ الزِّفَافِ عن الْخُرُوجِ لِلْجَمَاعَاتِ وَلِسَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ كَعِيَادَةِ الْمَرْضَى وَتَشْيِيعِ الْجَنَائِزِ مُدَّةَ الزِّفَافِ إلَّا لَيْلًا فَيَتَخَلَّفُ وُجُوبًا تَقْدِيمًا لِلْوَاجِبِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ شَاذَّةٌ لِبَعْضِ الْعِرَاقِيِّينَ وَقَضِيَّةُ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَكَلَامِ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ اللَّيْلَ كَالنَّهَارِ في اسْتِحْبَابِ الْخُرُوجِ لِذَلِكَ
وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ من الْمَرَاوِزَةِ الْجُوَيْنِيُّ في تَبْصِرَتِهِ وَالْغَزَالِيُّ في خُلَاصَتِهِ نعم الْعَادَةُ جَارِيَةُ بِزِيَادَةِ الْإِقَامَةِ في مُدَّةِ الزِّفَافِ على أَيَّامِ الْقَسْمِ فَيُرَاعَى ذلك وَأَمَّا لَيَالِي الْقَسْمِ فَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ في الْخُرُوجِ لِذَلِكَ وَعَدَمِهِ بِأَنْ يَخْرُجَ في لَيْلَةِ الْجَمِيعِ أو لَا يَخْرُجَ أَصْلًا فَإِنْ خَصَّ لَيْلَةَ بَعْضِهِنَّ بِالْخُرُوجِ إلَى ذلك أَثِمَ الطَّرَفُ الرَّابِعُ في الظُّلْمِ وَالْقَضَاءِ فَمَنْ تَحْتَهُ ثَلَاثٌ فَطَافَ على امْرَأَتَيْنِ مِنْهُنَّ عِشْرِينَ لَيْلَةً إمَّا عَشْرًا عِنْدَ هذه ثُمَّ عَشْرًا عِنْدَ هذه وَأَمَّا لَيْلَةً لَيْلَةً إلَى تَمَامِ
____________________
(3/234)
الْعَشْرِ فَلِيَقْضِ الْمَظْلُومَةَ عَشْرًا مُتَوَالِيَةً فَلَيْسَ له تَفْرِيقًا وَإِنْ فَرَّقَ الْمَظْلُومَةَ لِإِمْكَانِ الْوَفَاءِ دَفْعَةً كَالدَّيْنِ إلَّا أَنْ يُزَوِّجَ جَدِيدَةً أو قُدِّمَتْ زَوْجَةٌ له غَائِبَةٌ عَقِبَ مُضِيِّ الْعِشْرِينَ فَيَبْدَأُ لِلْجَدِيدَةِ بِحَقِّ الزِّفَافِ من ثَلَاثٍ أو سَبْعٍ لَا بِالْقَضَاءِ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ لها
فإذا أَرَادَ قَضَاءَ حَقِّ الْمَظْلُومَةِ قَسَمَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجَدِيدَةِ أو الْقَادِمَةِ بِالْقُرْعَةِ فَيَجْعَلُ لِلْجَدِيدَةِ أو الْقَادِمَةِ لَيْلَةً وَلِلْمَظْلُومَةِ ثَلَاثًا لَيْلَتَهَا وَلَيْلَتَيْ الْأُخْرَيَيْنِ يَفْعَلُ ذلك ثَلَاثَ نُوَبٍ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ وَفَّاهَا تِسْعًا وَبَقِيَ لها لَيْلَةٌ فَإِنْ كان بَدَأَ بِالْمَظْلُومَةِ وَفَّى الْجَدِيدَةَ أو الْقَادِمَةَ لَيْلَتَهَا لِتَمَامِ الْقَسْمِ ثُمَّ أَوْفَى الْمَظْلُومَةَ اللَّيْلَةَ الْعَاشِرَةَ التي بَقِيَتْ لها وَيَبْقَى لِلْجَدِيدَةِ أو الْقَادِمَةِ في مُقَابِلَتِهَا أَيْ لَيْلَةٍ الْمَظْلُومَةِ ثُلُثُ لَيْلَةٍ لِأَنَّ حَقَّهَا وَاحِدَةٌ من أَرْبَعٍ وَحِصَّةُ كل وَاحِدَةٍ من الثَّلَاثِ من اللَّيْلَةِ الْمَذْكُورَةِ ثُلُثُهَا فَيَبِيتُهَا أَيْ اللَّيْلَةَ أَيْ ثُلُثَهَا مَعَهَا فَلَوْ قال فَيَبِيتُهُ كان أَوْلَى ثُمَّ يَخْرُجُ من عِنْدِهَا وَيَنْفَرِدُ عن زَوْجَاتِهِ بَقِيَّةَ اللَّيْلَةِ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْقَسْمَ لِلْجَمِيعِ بِالْقُرْعَةِ وَإِنْ كانت الْبُدَاءَةُ الْأَنْسَبُ بِمَا مَرَّ وَإِنْ بَدَأَ بِالْجَدِيدَةِ أو بِالْقَادِمَةِ وَتَمَّتْ التِّسْعُ لِلْمَظْلُومَةِ هذا إيضَاحٌ لِعِلْمِهِ مِمَّا مَرَّ
فَيَبِيتُ عِنْدَ الْجَدِيدَةِ أو الْقَادِمَةِ ثُلُثَ لَيْلَةٍ وَيَخْرُجُ بَقِيَّتَهَا ثُمَّ يَبِيتُ لَيْلَةً عِنْدَ الْمَظْلُومَةِ ثُمَّ يُعَادُ الْقَسْمُ لِلْجَمِيعِ بِالسَّوِيَّةِ بِالْقُرْعَةِ وَإِنْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا أَيْ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ الْمَظْلُومِ بِهِمَا فَهَلْ يَقْضِي الْمَظْلُومَةَ خَمْسًا فَقَطْ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْضِي الْعَشْرَ من حَقِّهِمَا وقد بَطَلَ حَقُّ إحْدَاهُمَا أو عَشْرًا تَسْوِيَةً بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَاقِيَةِ وَجْهَانِ نَقَلَ الْأَصْلُ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا عن الْمُتَوَلِّي وَالثَّانِي عن الْبَغَوِيّ وَعَلَى الثَّانِي اقْتَصَرَ شَيْخُنَا الْحِجَازِيُّ في اخْتِصَارِهِ كَلَامَ الرَّوْضَةِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْجَهُ لِمُوَافَقَتِهِ قَوْلَهُمْ إنَّ الْقَضَاءَ من نَوْبَةِ الْمَظْلُومِ بها وَإِنْ بَاتَهُ في حَالِ فُرْقَتِهَا عن الْمَظْلُومِ لَا يُحْسَبُ ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ قال وَكَلَامُ الْمُتَوَلِّي يُوَافِقُ كَلَامَ الْأَكْثَرِينَ في صُوَرِ الْفَصْلِ فَرْعٌ قال الْخُوَارِزْمِيَّ وَلَوْ كان تَحْتَهُ أَرْبَعٌ فَقَسَمَ لِثَلَاثٍ مِنْهُنَّ لَيْلَةً لَيْلَةً وَنَشَزَتْ الرَّابِعَةُ لَيْلَتَهَا سَقَطَ حَقُّهَا من الْقَسْمِ فَلَوْ عَادَتْ إلَى طَاعَتِهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ من تِلْكَ اللَّيْلَةِ لم يَقْضِهَا أو قَبْلَهُ فَهَلْ عليه أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهَا ما بَقِيَ من تِلْكَ اللَّيْلَةِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ الْأَصَحُّ نعم لِأَنَّ حَقَّهَا جَمِيعُ اللَّيْلَةِ وَلَا نُشُوزَ منها في الْبَاقِي انْتَهَى
وَالْأَقْيَسُ لَا كما تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا الْمَبْنِيُّ عليها الْقَسْمُ بِنُشُوزِ بَعْضِ الْيَوْمِ وَإِنْ خَرَجَ أو أُخْرِجَ مُضْطَرًّا فِيهِمَا في لَيْلَةِ إحْدَاهُنَّ قَضَاهَا من اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ بِقَدْرِهِ أَيْ بِقَدْرِ ما ما فَوَّتَهُ بِذَلِكَ وَذَلِكَ الْوَقْتُ الذي فَوَّتَ في مِثْلِهِ أَوْلَى بِالْقَضَاءِ من غَيْرِهِ فَيَقْضِي لِأَوَّلِ اللَّيْلِ من أَوَّلِهِ وَلِآخِرِهِ من آخِرِهِ فَإِنْ خَالَفَ جَازَ لِأَنَّ اللَّيْلَ كُلَّهُ وَقْتُ الْقَضَاءِ ثُمَّ يَخْرُجُ من عِنْدِهَا وَيَنْفَرِدُ عن زَوْجَاتِهِ بَقِيَّةَ اللَّيْلَةِ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَسًّا أو نَحْوَهُ لو خَرَجَ فَيَقِفُ عن الْخُرُوجِ أَيْ يُقِيمُ عِنْدَهَا لِلْعُذْرِ وَلَعَلَّ قَوْلَهُ فَيَقِفُ مُصَحَّفٌ عن فَيَبِيتُ أو عن فَيُعْذَرُ كما وُجِدَ في نُسْخَةٍ وَالْأَوْلَى له أَنْ لَا يَسْتَمْتِعَ بها فِيمَا وَرَاءَهُ من الْقَضَاءِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَجُوزَ له ذلك وَلَا يُقَالُ إنَّهُ الْأَوْلَى وقد أَطْلَقَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْقَوْلَ بِأَنَّهُ إذَا جَامَعَ في يَوْمٍ أُخْرَى فَهُوَ مُحَرَّمٌ قَطْعًا وَيُجَابُ بِأَنَّهُ جَامَعَ ثُمَّ في نَوْبَةٍ أُخْرَى بِخِلَافِهِ هُنَا
وَإِنْ وَهَبَتْ وَاحِدَةٌ من زَوْجَاتِهِ حَقَّهَا من الْقَسْمِ لِمُعَيَّنَةٍ وَرَضِيَ بِالْهِبَةِ بَاتَ عِنْدَ الْمَوْهُوبَةِ لَيْلَتَيْنِ لَيْلَةً لها وَلَيْلَةً لِلْوَاهِبَةِ وَإِنْ كَرِهَتْ كما فَعَلَ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا وَهَبَتْ سَوْدَةُ نَوْبَتَهَا لِعَائِشَةَ كما في الصَّحِيحَيْنِ وَهَذِهِ الْهِبَةُ لَيْسَتْ على قَوَاعِدِ الْهِبَاتِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَوْهُوبِ لها بَلْ يَكْفِي رِضَا الزَّوْجُ لِأَنَّ الْحَقَّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَاهِبَةِ وَمَحَلُّ بَيَاتِهِ عِنْدَ الْمَوْهُوبَةِ لَيْلَتَيْنِ ما دَامَتْ الْوَاهِبَةُ في نِكَاحِهِ فَلَوْ خَرَجَتْ عن نِكَاحِهِ لم يَبِتْ عِنْدَ الْمَوْهُوبَةِ إلَّا لَيْلَتَهَا وَلَوْ قال ما دَامَتْ تَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ كان أَوْلَى وَلَوْ كَانَتَا أَيْ اللَّيْلَتَانِ مُتَفَرِّقَتَيْنِ لم يُوَالِ بَيْنَهُمَا لِلْمَوْهُوبَةِ بَلْ يُفَرِّقُهُمَا كما كَانَتَا قبل لِئَلَّا يَتَأَخَّرَ حَقُّ التي بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّ الْوَاهِبَةَ قد تَرْجِعُ بين اللَّيْلَتَيْنِ وَالْمُوَالَاةُ تُفَوِّتُ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِمَا وَقَيَّدَهُ ابن الرِّفْعَةِ أَخْذًا من التَّعْلِيلِ بِمَا إذَا تَأَخَّرَتْ لَيْلَةُ الْوَاهِبَةِ فَإِنْ تَقَدَّمَتْ وَأَرَادَ تَأْخِيرَهَا جَازَ قال ابن النَّقِيبِ وَكَذَا لو تَأَخَّرَتْ فَأَخَّرَ لَيْلَةَ الْمَوْهُوبَةِ إلَيْهَا بِرِضَاهَا تَمَسُّكًا بهذا التَّعْلِيلِ
وَإِنْ وَهَبَتْهُ أَيْ حَقَّهَا لِلْجَمِيعِ أَيْ جَمِيعِ الضَّرَّاتِ أو أَسْقَطَتْ حَقَّهَا مُطْلَقًا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ جَعَلَهَا كَالْمَعْدُومَةِ فَيُسَوِّي بين الْبَاقِيَاتِ وَلَوْ وَهَبَتْهُ له فَخَصَّ بِهِ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ
____________________
(3/235)
وَلَوْ في كل دُورٍ وَاحِدَةً جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ له فَيَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ ثُمَّ يَنْظُرُ في اللَّيْلَتَيْنِ مُتَفَرِّقَتَانِ أَمْ لَا وَحُكْمُهُ ما مَرَّ وإذا جَازَ ذلك فَقِيَاسُهُ أَنْ يَجُوزَ وَضْعُ الدَّوْرِ في الِابْتِدَاءِ كَذَلِكَ بِأَنْ يَجْعَلَ لَيْلَةً بين لَيَالِيِهِنَّ دَائِرَةً بَيْنَهُنَّ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ له التَّخْصِيصُ لِأَنَّهُ يُظْهِرُ الْمَيْلَ وَيُورِثُ الْوَحْشَةَ فَيَجْعَلُ الْوَاهِبَةَ كَالْمَعْدُومَةِ وَيُسَوِّي بين الْبَاقِيَاتِ وَرَجَّحَهُ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْلِ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ وَجَرَى عليه الْمُصَنِّفُ وهو الْمُعْتَمَدُ وَأَشَارَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ إلَى تَخْصِيصِ الْخِلَافِ بِقَوْلِهَا وَهَبْتُك فَخَصِّصْ من شِئْت فَإِنْ اقْتَصَرَتْ على وَهَبْتُك امْتَنَعَ التَّخْصِيصُ قَطْعًا وفي ذلك نَظَرٌ
وَلِلْوَاهِبَةِ أَنْ تَرْجِعَ في هِبَتِهَا مَتَى شَاءَتْ وَيَعُودُ حَقُّهَا في الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّ الْمُسْتَقْبَلَ هِبَةٌ لم تُقْبَضْ فَيَخْرُجُ بَعْدَ رُجُوعِهَا من عِنْدِ الْمَوْهُوبِ لها فَوْرًا وَلَوْ في أَثْنَاءِ اللَّيْلِ وَالتَّصْرِيحُ بِالْفَوْرِيَّةِ من زِيَادَتِهِ وَلَا تَرْجِعُ في الْمَاضِي كَسَائِرِ الْهِبَاتِ الْمَقْبُوضَةِ وَلَا قَضَاءَ عليه لِمَا قبل الْعِلْمِ بِالرُّجُوعِ لِأَنَّهُ إذَا لم يَعْلَمْ لم يَظْهَرْ منه مَيْلٌ وَلَوْ أُبِيحَ له أَكْلٌ من ثَمَرِ بُسْتَانٍ ثُمَّ رَجَعَ الْمُبِيحُ فَأَكَلَ منه الْمُبَاحُ له قبل الْعِلْمِ بِالرُّجُوعِ غَرِمَ بَدَلَ ما أَكَلَهُ لِأَنَّ الْغَرَامَاتِ لَا فَرْقَ فيها بين الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَكَلَامُ الْأَصْلِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ هذا وَقِيلَ لَا غُرْمَ أَيْضًا كَالْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَرَجَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ في تَنْقِيحِهِ وَنَظَّرَهُ بِمَسَائِلَ ذَكَرْت بَعْضَهَا في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ في تَدْرِيبِهِ الْغُرْمَ وفي غَيْرِهِ عَدَمَهُ وَعَلَى الثَّانِي قال وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَكِيلِ حَيْثُ يَفْسُدُ تَصَرُّفُهُ بَعْدَ انْعِزَالِهِ وَقَبْلَ عَمَلِهِ بِهِ أَنَّ تَصَرُّفَهُ لِلْمُوَكِّلِ فإذا انْعَزَلَ انْعَزَلَ في حَقِّ الْمُوَكِّلِ وَتَرَتَّبَ عليه أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ وَأَمَّا الْمُبِيحُ فَلَا يُؤَثِّرُ رُجُوعُهُ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ عليه لَا له فَحَقُّهُ إذَا رَجَعَ أَنْ يَعْلَمَ الْمُبَاحُ له قال وَمَحَلُّ اسْتِوَاءِ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ في الْغَرَامَاتِ إذَا لم يُقَصِّرْ الْمَغْرُومُ له فَإِنْ قَصَّرَ لم يَرْجِعْ وَكَذَا لو لم يُقَصِّرْ لَكِنْ مَنَعَ من الرُّجُوعِ مَانِعٌ
كما لو أَنْفَقَ على زَوْجَتِهِ ثُمَّ بَانَ فَسَادُ النِّكَاحِ لَا يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ لِأَنَّهَا كانت في حَبْسِهِ وَكَذَا في عَبْدٍ لم يَخْرُجْ عِتْقُهُ من الثُّلُثِ ثُمَّ ظَهَرَ لِلْمُعْتِقِ مَالٌ فَلَا يَرْجِعُ الْوَارِثُ بِمَا أَنْفَقَ فَإِنْ بَاتَ الزَّوْجُ في نَوْبَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ غَيْرِهَا ثُمَّ ادَّعَى أنها وَهَبَتْ حَقَّهَا وَأَنْكَرَتْ لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ وَإِنْ بَاعَتْ حَقَّهَا من الْقَسْمِ بِأَنْ أَخَذَتْ عنه عِوَضًا من الزَّوْجِ أو الضَّرَّةِ لم يَصِحَّ فَيَلْزَمُهَا رَدُّ ما أَخَذَتْهُ وَتَسْتَحِقُّ الْقَضَاءَ لِأَنَّهُ لم يُسَلَّمْ لها الْعِوَضُ وَيَعْصِي بِطَلَاقِ من لم تَسْتَوْفِ حَقَّهَا بَعْدَ حُضُورِ
____________________
(3/236)
وَقْتِهِ لِتَفْوِيتِهِ حَقَّهَا بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَهَذَا سَبَبٌ آخَرُ لِكَوْنِ الطَّلَاقِ بِدْعِيًّا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ قال ابن الرِّفْعَةِ وَيُتَّجَهُ أَنْ يَكُونَ الْعِصْيَانُ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا بِغَيْرِ سُؤَالِهَا وَإِلَّا فَلَا كما قِيلَ بِهِ في الطَّلَاقِ في زَمَنِ الْحَيْضِ على رَأْيِ وَقَوْلِ ابْنِ الْعِمَادِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ بَائِنًا
أَمَّا الرَّجْعِيُّ فَلَا عِصْيَانَ فيه لِتَمَكُّنِهِ من الرَّجْعَةِ وَالْمَبِيتِ وَيَكُونَانِ وَاجِبَيْنِ يَرُدُّهُ تَسْوِيَتُهُمْ في الْبِدْعِيِّ بين الْبَائِنِ وَالرَّجْعِيِّ وَقَوْلُهُمْ فَإِنْ أَعَادَهَا وَلَوْ بِعَقْدٍ وَالْمُسْتَوْفِيَةُ معه وَلَوْ بِعَقْدٍ بَعْدَ طَلَاقٍ قَضَاهَا أَيْ الْمُعَادَةَ حَقَّهَا لِتَمَكُّنِهِ من الْخُرُوجِ عن الْمَظْلِمَةِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم تَكُنْ الْمُسْتَوْفِيَةُ معه فَلَا قَضَاءَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْضِي من نَوْبَةِ التي ظَلَمَ لها لِأَنَّهَا التي اسْتَوْفَتْ نَوْبَةَ الْمَظْلُومَةِ وَلَا يَحْسِبُ مَبِيتَهُ مع الْمَظْلُومَةِ عن الْقَضَاءِ قبل عَوْدِهَا أَيْ الْمُسْتَوْفِيَةِ لِذَلِكَ فَرْعٌ لو كان تَحْتَهُ أَرْبَعٌ فلم يَقْسِمْ لِوَاحِدَةٍ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً بِأَنْ وَزَّعَهَا على الثَّلَاثِ بِالسَّوِيَّةِ قَضَاهَا أَيْ الْوَاحِدَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَثُلُثٌ مِثْلُ ما بَاتَ عِنْدَ كُلٍّ من الثَّلَاثِ وكان حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ وَثُلُثًا وفي الْأُمِّ أَنَّهُ يَقْضِي لها عَشْرًا وَتَأَوَّلُوهُ أَيْ الْأَصْحَابُ بِمَا إذَا بَاتَ مُنْفَرِدًا عَنْهُنَّ عَشْرًا بِأَنْ بَاتَ عِنْدَ كُلٍّ من الثَّلَاثِ عَشْرًا وَعَطَّلَ الْعَشْرَ الرَّابِعَةَ
وقال ابن الصَّبَّاغِ لِمَا قَالَهُ في الْأُمِّ عِنْدِي وَجْهٌ صَحِيحٌ لِأَنَّهَا لو كانت مَعَهُنَّ في الْأَرْبَعِينَ لم يَخُصَّهَا إلَّا عَشْرٌ فَاَلَّذِي تَسْتَحِقُّهُ بِالْقَضَاءِ عَشْرٌ كما قال وَثَلَاثُ لَيَالٍ وَثُلُثٌ تَسْتَحِقُّهَا أَدَاءً لِأَنَّ زَمَنَ الْقَضَاءِ لها فيه قَسْمٌ فَيَكُونُ ثَلَاثًا وَثُلُثًا أَدَاءً لَا قَضَاءً وَتَابَعَهُ عليه الْعِمْرَانِيُّ الطَّرَفُ الْخَامِسُ في السَّفَرِ بِبَعْضِهِنَّ لَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ ذلك وَإِنْ كان لَا يَقْسِمُ لَهُنَّ إلَّا بِالْقُرْعَةِ عِنْدَ تَنَازُعِهِنَّ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وإذا سَافَرَ بها فَلَا قَضَاءَ عليه إذْ لم يُنْقَلْ عنه صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَاءٌ بَعْدَ عَوْدِهِ فَصَارَ سُقُوطُ الْقَضَاءِ من رُخَصِ السَّفَرِ وَلِأَنَّ الْمُسَافِرَ معه وَإِنْ فَازَتْ بِصُحْبَتِهِ فَقَدْ تَعِبَتْ بِالسَّفَرِ وَمَشَاقِّهِ هذا في سَفَرٍ مُبَاحٍ وَلَوْ كان قَصِيرًا أَمَّا غَيْرُ الْمُبَاحِ فَلَيْسَ له أَنْ يُسَافِرَ بها فيه بِقُرْعَةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا فَإِنْ سَافَرَ بها حَرُمَ وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ لِلْبَاقِيَاتِ وإذا نَوَى الْإِقَامَةَ بِمَقْصِدِهِ أو بِمَحَلٍّ آخَرَ في طَرِيقِهِ مُدَّةً تَقْطَعُ التَّرَخُّصَ لِلْمُسَافِرِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ غَيْرِ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَجَبَ الْقَضَاءُ لَا في الرُّجُوعِ أَيْ وَجَبَ قَضَاءُ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ لَا مُدَّةِ الرُّجُوعِ وَلَا مُدَّةِ الذَّهَابِ لَكِنْ هل يَقْضِي مُدَّةَ الذَّهَابِ من الْمَحَلِّ الْآخَرِ في صُورَتِهِ السَّابِقَةِ أو لَا ذَكَرَ الْأَصْلُ فيه احْتِمَالَيْنِ وَلَوْ اعْتَزَلَهَا مُدَّةَ الْإِقَامَةِ لم يَقْضِهَا
وَإِنْ أَقَامَ في مَقْصِدِهِ أو غَيْرِهِ من غَيْرِ نِيَّةٍ قَضَى الزَّائِدَ على مُدَّةِ تَرَخُّصِ السَّفَرِ فَلَوْ أَقَامَ لِشُغْلٍ يَنْتَظِرُ تَنَجُّزَهُ كُلَّ سَاعَةٍ فَلَا يَقْضِي إلَّا أَنْ يَمْضِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنْ سَافَرَ بِبَعْضِهِنَّ لِنَقْلَةٍ حَرُمَ عليه وَقَضَى لِلْبَاقِيَاتِ وَلَوْ أَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ إذْ ليس له أَنْ يَخْتَصَّ بِبَعْضٍ كما في الْحَضَرِ فَلَوْ غَيَّرَ نِيَّةَ النَّقْلَةِ بِنِيَّةِ السَّفَرِ لِغَيْرِهَا فَهَلْ يَسْقُطُ عنه الْقَضَاءُ وَالْإِثْمُ بِذَلِكَ أو يَسْتَمِرُّ حُكْمُهُمَا إلَى أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْبَاقِيَاتِ وَجْهَانِ قال الزَّرْكَشِيُّ نَصُّ الْأُمِّ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِالثَّانِي وَلَوْ سَافَرَ لِنَقْلَةٍ ولم يَنْقُلْهُنَّ بِنَفْسِهِ أو وَكِيلِهِ وَلَا طَلَّقَهُنَّ أَثِمَ فَيَجِبُ أَنْ يَنْقُلَهُنَّ جميعا بِنَفْسِهِ أو بِوَكِيلِهِ أو يُطَلِّقَهُنَّ لِتَضَرُّرِهِنَّ بِالتَّخَلُّفِ وَيَأْسِهِنَّ عن الْبَيْتُوتَةِ وَالتَّحَصُّنِ بِخِلَافِهِ في الْحَضَرِ لَا يُكَلَّفُ بِالْبَيْتُوتَةِ اكْتِفَاءً بِدَاعِيَةِ الطَّبْعِ
وَلَا يَنْقُلُ بَعْضَهُنَّ بِنَفْسِهِ وَبَعْضَهُنَّ بِوَكِيلِهِ إلَّا بِالْقُرْعَةِ فَيَحْرُمُ ذلك بِدُونِهَا وَيَقْضِي إنْ فَعَلَ ذلك لِمَنْ بَعَثَهَا مع الْوَكِيلِ وَلَوْ أَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ لِاشْتِرَاكِهِنَّ في السَّفَرِ فَرْعٌ لو سَافَرَ بها لِحَاجَةٍ بِقُرْعَةٍ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ وَحِينَ نَوَى الْإِقَامَةَ كَتَبَ يَسْتَدْعِي بِالْمُخَلَّفَاتِ بِزِيَادَةِ الْبَاءِ أَيْ يَسْتَحْضِرُهُنَّ فَهَلْ يَقْضِي الْمُدَّةَ من وَقْتِ كِتَابَتِهِ أو لَا يَقْضِيهَا وَجْهَانِ
____________________
(3/237)
قال الْبُلْقِينِيُّ الْأَصَحُّ بَلْ الصَّوَابُ نعم أو سَافَرَ بها لِحَاجَةٍ بِلَا قُرْعَةٍ قَضَى لِلْبَاقِيَاتِ جَمِيعَ الْمُدَّةِ وَلَوْ لم يَبِتْ مَعَهَا ما لم يُخَلِّفْهَا في بَلَدٍ فَإِنْ خَلَّفَهَا في بَلَدٍ لم يَقْضِ لَهُنَّ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن فَتَاوَى الْبَغَوِيّ ثُمَّ نَقَلَ عنها أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا يَقْضِي إلَّا ما بَاتَ عِنْدَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَقْضِي وَإِنْ خَلَّفَهَا في بَلَدٍ قال الْبُلْقِينِيُّ وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي أَصَحُّ
فَصْلٌ لو سَافَرَ بِزَوْجَتَيْنِ بِقُرْعَةٍ فَظَلَمَ إحْدَاهُمَا قَضَاهَا حَقَّهَا في السَّفَرِ فَإِنْ لم يُنْفِقْ ذلك فَفِي الْحَضَرِ يَقْضِيهَا من نَوْبَةِ صَاحِبَتِهَا التي ظُلِمَتْ بها فَإِنْ كانت إحْدَاهُمَا بِلَا قُرْعَةٍ وَالْأُخْرَى بِقُرْعَةٍ عَدَلَ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا تَخْتَصُّ ذَاتُ الْقُرْعَةِ بِمُدَّةِ السَّفَرِ إذَا انْفَرَدَتْ عن غَيْرِهَا من الزَّوْجَاتِ وَيَقْضِي من نَوْبَةِ صَاحِبَتِهَا لِمَنْ تَخَلَّفَ إذَا رَجَعَ من سَفَرِهِ لَا زَمَانَ الزِّفَافِ إنْ كانت جَدِيدَةً فَلَا يَقْضِيهِ لِاخْتِصَاصِهَا بِهِ وَلَهُ تَخْلِيفُ إحْدَاهُمَا في بَلَدٍ بِالْقُرْعَةِ وَإِنْ نَكَحَ في طَرِيقِهِ جَدِيدَةً وهو وَحْدَهُ أو معه إحْدَاهُنَّ فَلَا قَضَاءَ لِلْمُتَخَلِّفَاتِ ما لم يَقُمْ فَوْقَ مُدَّةِ التَّرَخُّصِ بِالسَّفَرِ فَإِنْ أَقَامَ ذلك فيه قَضَى لَهُنَّ جَمِيعَ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ إنْ نَوَاهَا وَإِلَّا قَضَى ما زَادَ على مُدَّةِ الْمُسَافِرِ
فَرْعٌ حَقُّ الزِّفَافِ من ثَلَاثٍ أو سَبْعٍ يَنْدَرِجُ في أَيَّامِ السَّفَرِ إذَا سَافَرَ بِمَزْفُوفَةٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ من زَوَالِ الْحِشْمَةِ بِخِلَافِ حَقِّ الْمَظْلُومَةِ فإنه لَا يَنْدَرِجُ في أَيَّامِ السَّفَرِ إلَّا إذَا كان السَّفَرُ بها بِغَيْرِ قُرْعَةٍ التَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ فَلَوْ نَكَحَ جَدِيدَتَيْنِ وَسَافَرَ بِإِحْدَاهُمَا بِقُرْعَةٍ انْدَرَجَ حَقُّ زِفَافِهَا في أَيَّامِ السَّفَرِ فإذا عَادَ وَفَّى حَقَّ الْأُخْرَى كما سَيَأْتِي لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ قبل السَّفَرِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ كما لو قَسَمَ لِبَعْضِهِنَّ وَسَافَرَ فإنه يَقْضِي بَعْدَ الرُّجُوعِ لِمَنْ لم يَقْسِمْ لها وَفَارَقَ حَقُّ الْمَظْلُومَةِ إذَا سَافَرَ بها بِقُرْعَةٍ حَيْثُ لَا يَنْدَرِجُ في السَّفَرِ بِأَنَّ مَحَلَّهُ نَوْبَةُ الضَّرَائِرِ وَأَيَّامُ السَّفَرِ حَقٌّ لها خَاصَّةً بِخِلَافِ حَقِّ الزِّفَافِ فإنه ليس عَلَيْهِنَّ وَإِنَّمَا وَجَبَ لِتَحْصِيلِ الْأُنْسِ وَإِذْهَابِ الْحِشْمَةِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالصُّحْبَةِ في السَّفَرِ وَلَوْ نَكَحَ جَدِيدَتَيْنِ وَزُفَّتَا إلَيْهِ مَعًا أو مُرَتَّبًا وَسَافَرَ بِإِحْدَاهُمَا بِالْقُرْعَةِ انْدَرَجَ حَقُّ زِفَافِهَا في أَيَّامِ السَّفَرِ كما مَرَّ أَيْضًا وَلَوْ رَجَعَ من سَفَرِهِ قَضَى حَقَّ زِفَافِ الْمُتَخَلِّفَةِ فَلَوْ رَجَعَ من سَفَرِهِ بَعْدَ يَوْمَيْنِ قَضَى لِلْمُتَخَلِّفَةِ حَقَّ زِفَافِهَا بَعْدَ تَتْمِيمِ حَقِّ زِفَافِ الْقَادِمَةِ من السَّفَرِ
وَلَوْ سَافَرَ ذُو زَوْجَاتٍ وَإِمَاءٍ أو زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ بِأَمَةٍ بِلَا قُرْعَةٍ جَازَ كما هو قِيَاسُ أَصْلِ الْقَسْمِ وَإِنْ سَافَرَ بِإِحْدَى زَوْجَاتِهِ الثَّلَاثِ بِقُرْعَةٍ ثُمَّ نَكَحَ جَدِيدَةً في السَّفَرِ فَمَنَعَهَا حَقَّ الزِّفَافِ ظُلْمًا وَأَقَامَ سَبْعًا عِنْدَ الْقَدِيمَةِ ثُمَّ رَجَعَ من سَفَرِهِ قبل أَنْ يَقْضِيَ الْجَدِيدَةَ حَقَّ زِفَافِهَا قَضَاهَا حَقَّ الزِّفَافِ ثُمَّ قَضَاهَا السَّبْعَ من نَوْبَةِ الْمُسَافِرَةِ فَيَدُورُ عليها وَعَلَى الْمُتَخَلِّفَتَيْنِ وَيَكُونُ لها نَوْبَتَانِ حتى تَسْتَوْفِيَ بِأَنْ يَبِيتَ عِنْدَهَا لَيْلَتَيْنِ وَعِنْدَ كُلٍّ من الْمُتَخَلِّفَتَيْنِ لَيْلَةً وَهَكَذَا حتى يُتِمَّ السَّبْعَ وَلَوْ لم يُسَافِرْ بِأَحَدٍ أَيْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَمَنَعَ الْجَدِيدَةَ حَقَّ الزِّفَافِ وَبَاتَ عِنْدَ قَدِيمَةٍ من الثَّلَاثِ عَشْرًا ظُلْمًا وَفَّى الْجَدِيدَةَ زِفَافَهَا وَدَارَ عليها وَعَلَى الْمَظْلُومَتَيْنِ حتى يُتِمَّ لِكُلٍّ مِنْهُنَّ عَشْرًا الْبَابُ الثَّانِي في الشِّقَاقِ بين الزَّوْجَيْنِ وهو قد يَكُونُ بِسَبَبٍ منها وقد يَكُونُ بِسَبَبٍ منه وقد يَكُونُ بِسَبَبٍ مِنْهُمَا
فَإِنْ كان بِسَبَبٍ منها نُظِرَتْ فَإِنْ ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ نُشُوزِهَا كَالْعُبُوسِ بَعْدَ طَلَاقَةِ الْوَجْهِ وَالْكَلَامِ الْخَشِنِ بَعْدَ لِينِهِ وَعَظَهَا نَدْبًا لِآيَةِ وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ كَأَنْ يَقُولَ لها اتَّقِ اللَّهَ في الْحَقِّ الْوَاجِبِ لي عَلَيْك وَاحْذَرِي الْعُقُوبَةَ وَيُبَيِّنَ لها أَنَّ النُّشُوزَ يُسْقِطُ النَّفَقَةَ وَالْقَسْمَ فَقَدْ تَتَأَدَّبُ بِذَلِكَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْكُرَ لها ما في الصَّحِيحَيْنِ من خَبَرِ إذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حتى تُصْبِحَ وما في التِّرْمِذِيِّ من خَبَرِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا رَاضٍ عنها دَخَلَتْ الْجَنَّةَ وَلَا يَهْجُرُهَا في فِرَاشِهَا وَلَا يَضْرِبُهَا فَلَعَلَّهَا تُبْدِي عُذْرًا أو تَتُوبَ عَمَّا جَرَى منها بِلَا عُذْرٍ فَإِنْ نَشَزَتْ ولم يَتَكَرَّرْ منها النُّشُوزُ هَجَرَهَا في الْفِرَاشِ مع وَعْظِهَا لِظَاهِرِ الْآيَةِ لِأَنَّ في الْهَجْرِ أَثَرًا ظَاهِرًا في تَأْدِيبِ النِّسَاءِ لَا في الْكَلَامِ أَيْ لَا يُنْدَبُ هَجْرُهَا فيه بَلْ يُكْرَهُ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ
وَيَحْرُمُ الْهَجْرُ بِهِ لِلزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا فَوْقَ ثَلَاثٍ من الْأَيَّامِ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَّا لِمُبْتَدِعٍ أو
____________________
(3/238)
فَاسِقٍ أو نَحْوِهِ وَإِنْ لم يَتَجَاهَرْ بِمَا اتَّصَفَ بِهِ أو رَجَا بِالْهَجْرِ صَلَاحَ دِينٍ لِلْهَاجِرِ أو لِلْمَهْجُورِ فَلَا يَحْرُمُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ هَجْرُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كَعْبِ بن مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ مُرَارَةَ بن الرَّبِيعِ وَهِلَالِ بن أُمَيَّةَ وَنَهْيُهُ الصَّحَابَةَ عن كَلَامِهِمْ وَكَذَا ما جاء من هَجْرِ السَّلَفِ بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَحَمَلَ الْأَذْرَعِيُّ تَبَعًا لِبَعْضِهِمْ التَّحْرِيمَ على ما إذَا قَصَدَ بِهَجْرِهَا رَدَّهَا لِحَظِّ نَفْسِهِ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ رَدَّهَا عن الْمَعْصِيَةِ وَإِصْلَاحَ دِينِهَا فَلَا تَحْرِيمَ قال وَلَعَلَّ هذا مُرَادُهُمْ إذْ النُّشُوزُ حِينَئِذٍ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ وَذَكَرَ نَحْوُهُ الزَّرْكَشِيُّ ثُمَّ قال وَلَا حُجَّةَ لِلنَّوَوِيِّ في الحديث على مُدَّعَاهُ لِأَنَّهُ وَرَدَ في الْهَجْرِ بِغَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّعَدِّيَ وَالنُّشُوزَ مِمَّا يُسَلِّطُ على الضَّرْبِ وَالسُّكُوتُ أَهْوَنُ منه فَإِنْ تَكَرَّرَ منها النُّشُوزُ وَكَذَا إنْ لم يَتَكَرَّرْ ضَرَبَهَا لِظَاهِرِ الْآيَةِ فَتَقْدِيرُهَا وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ فَإِنْ نَشَزْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ في الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ وَإِنَّمَا يَضْرِبُهَا إنْ أَفَادَ ضَرْبُهَا في ظَنِّهِ وَإِلَّا فَلَا يَضْرِبُهَا وَهَذَا من زِيَادَتِهِ
وَصَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ يُغْنِي عنه قَوْلُهُ وهو ضَرْبُ التَّعْزِيرِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مُدْمِيًا وَلَا مُبَرِّحًا وَسَنَذْكُرُهُ بِبَابِهِ وَالْأَوْلَى له الْعَفْوُ عن الضَّرْبِ وَخَبَرُ النَّهْيِ عن ضَرْبِ النِّسَاءِ مَحْمُولٌ على ذلك أو على الضَّرْبِ بِغَيْرِ سَبَبٍ يَقْتَضِيهِ لَا على النَّسْخِ إذْ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَعَلِمْنَا التَّارِيخَ بِخِلَافِ وَلِيِّ الصَّبِيِّ فَالْأَوْلَى له عَدَمُ الْعَفْوِ لِأَنَّ ضَرْبَهُ لِلتَّأْدِيبِ مَصْلَحَةٌ له وَضَرْبُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ مَصْلَحَةٌ لِنَفْسِهِ فَرْعٌ وَالنُّشُوزُ نَحْوُ الْخُرُوجِ من الْمَنْزِلِ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ لَا إلَى الْقَاضِي لِطَلَبِ الْحَقِّ منه وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَلَا إلَى اكْتِسَابِهَا النَّفَقَةَ إذَا أَعْسَرَ بها الزَّوْجُ كما سَيَأْتِي في بَابِهَا قال ابن الْعِمَادِ وَلَا إلَى الِاسْتِفْتَاءِ إنْ لم يَكُنْ زَوْجُهَا فَقِيهًا ولم يَسْتَفْتِ لها وَكَمَنْعِ الِاسْتِمْتَاعِ أَيْ مَنْعِهَا الزَّوْجَ من الِاسْتِمْتَاعِ وَلَوْ غير الْجِمَاعِ لَا مَنْعِهَا له منه تَدَلُّلًا وَلَا الشَّتْمِ له وَلَا الْإِيذَاءِ له بِاللِّسَانِ أو غَيْرِهِ بَلْ تَأْثَمُ بِهِ وَتَسْتَحِقُّ التَّأْدِيبَ عليه
وَيَتَوَلَّى تَأْدِيبَهَا بِنَفْسِهِ على ذلك وَلَا يَرْفَعُهَا إلَى الْقَاضِي لِيُؤَدِّبَهَا لِأَنَّ فيه مَشَقَّةً وَعَارًا وَتَنْكِيدًا لِلِاسْتِمْتَاعِ فِيمَا بَعْدُ وَتَوْحِيشًا لِلْقُلُوبِ بِخِلَافِ ما لو شَتَمَتْ أَجْنَبِيًّا قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُ ذلك بِمَا إذَا لم يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ وَإِلَّا فَيَتَعَيَّنُ الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي وَلِلزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ من عِيَادَةِ أَبَوَيْهَا وَمِنْ شُهُودِ جِنَازَتِهِمَا وَجِنَازَةِ وَلَدِهَا وَالْأَوْلَى خِلَافُهُ وَإِنْ كان السَّبَبُ منه بِأَنْ مَنَعَهَا حَقًّا لها كَقَسْمٍ وَنَفَقَةٍ أَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ إيَّاهُ لِعَجْزِهَا عنه بِخِلَافِ نُشُوزِهَا فإن له إجْبَارَهَا على إيفَاءِ حَقِّهِ لِقُدْرَتِهِ وَيَزْجُرُهُ الْحَاكِمُ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيَنْهَاهُ إنْ أَذَاهَا وَضَرَبَهَا بِلَا سَبَبٍ ثُمَّ يُعَزِّرُهُ إنْ عَادَ وَطَلَبَتْ التَّعْزِيرَ وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يُعَزِّرُهُ في الْمَرَّةِ الْأُولَى مع أَنَّ الْإِيذَاءَ بِلَا سَبَبٍ مَعْصِيَةٌ وَكَأَنَّهُ لِأَجْلِ ضَرُورَةِ الْعِشْرَةِ فَقَدْ يَنْتَهِي بِالنَّهْيِ فَلَا مَعْنَى لِلْإِيحَاشِ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَيُسْكِنُهُمَا الْحَاكِمُ عِنْدَ من يَمْنَعُهُ أَيْ الزَّوْجَ من التَّعَدِّي عليها عِبَارَةُ الْأَصْلِ بِجَنْبِ ثِقَةٍ قال فيه وَذَكَرُوا أَنَّهُ لو كان التَّعَدِّي مِنْهُمَا جميعا فَكَذَلِكَ يَفْعَلُ الْحَاكِمُ ولم يَتَعَرَّضُوا لِلْحَيْلُولَةِ
وقال الْغَزَالِيُّ يُحَالُ بَيْنَهُمَا حتى يَعُودَ إلَى الْعَدْلِ قال وَلَا يَعْتَمِدُ قَوْلَهُ في الْعَدْلِ وَإِنَّمَا يَعْتَمِدُ قَوْلَهَا وَشَهَادَةَ الْقَرَائِنِ انْتَهَى وَفَصَّلَ الْإِمَامُ فقال إنْ ظَنَّ الْحَاكِمُ تَعَدِّيَهُ ولم يَثْبُتْ عِنْدَهُ لم يَحُلْ بَيْنَهُمَا وَإِنْ تَحَقَّقَهُ أو ثَبَتَ عِنْدَهُ وَخَافَ أَنْ يَضْرِبَهَا ضَرْبًا مُبَرِّحًا لِكَوْنِهِ جَسُورًا أَحَالَ بَيْنَهُمَا حتى يَظُنَّ أَنَّهُ عَدْلٌ إذْ لو لم يَحُلْ بَيْنَهُمَا وَاقْتَصَرَ على التَّعْزِيرِ لَرُبَّمَا بَلَغَ منها مَبْلَغًا لَا يُسْتَدْرَكُ انْتَهَى فَمَنْ لم يذكر الْحَيْلُولَةَ أَرَادَ الْحَالَ الْأَوَّلَ وَمَنْ ذَكَرَهَا كَالْغَزَالِيِّ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّوَوِيِّ في تَنْقِيحِهِ أَرَادَ الثَّانِيَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَيْلُولَةَ بَعْدَ التَّعْزِيرِ وَالْإِسْكَانِ فَإِنْ كان
____________________
(3/239)
لَا يَتَعَدَّى عليها لَكِنَّهُ يَكْرَهُهَا أَيْ يَكْرَهُ صُحْبَتَهَا لِكِبَرٍ أو مَرَضٍ أو نَحْوِهِ وَيُعْرِضُ عنها كَأَنْ لَا يَدْعُوهَا إلَى فِرَاشِهِ أو يَهُمُّ بِطَلَاقِهَا فَلَا شَيْءَ عليه وَيُسْتَحَبُّ لها أَنْ تَسْتَعْطِفَهُ بِمَا يُحِبُّ كَأَنْ تَسْتَرْضِيَهُ بِتَرْكِ بَعْضِ حَقِّهَا من قَسْمٍ أو نَفَقَةٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ سَوْدَةَ لَمَّا كَبِرَتْ جَعَلَتْ نَوْبَتَهَا لِعَائِشَةَ فَكَانَ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَقْسِمُ لها يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ وَكَذَا عَكْسُهُ أَيْ يُسْتَحَبُّ له إذَا كَرِهَتْ صُحْبَتَهُ أَنْ يَسْتَعْطِفَهَا بِمَا تُحِبُّ فَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا تَعَدِّيَ صَاحِبِهِ عليه وَأَشْكَلَ الْحَالُ على الْحَاكِمِ سَأَلَ ثِقَةً خَبِيرًا بِهِمَا فَإِنْ عَدِمَ أَسْكَنَهُمَا إلَى جَنْبِ ثِقَةٍ يَتَعَرَّفُ حَالَهُمَا ثُمَّ يُنْهِي إلَيْهِ ما تَعَرَّفَهُ فَيَزْجُرُ عِبَارَةُ الْأَصْلِ فَيَمْنَعُ الظَّالِمَ عن ظُلْمِهِ وَاكْتَفَى هُنَا بِثِقَةٍ وَاحِدٍ تَنْزِيلًا لِذَلِكَ مَنْزِلَةَ الرِّوَايَةِ لِمَا في إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عليه من الْعُسْرِ فَإِنْ اشْتَدَّ الشِّقَاقُ وَفَحُشَ وَجَبَ على الْحَاكِمِ أَنْ يَبْعَثَ حَكَمًا لها وَحَكَمًا له بِرِضَاهُمَا لِيُصْلِحَا بَيْنَهُمَا إنْ تَيَسَّرَ الْإِصْلَاحُ أو يُفَرِّقَا بَيْنَهُمَا بِطَلْقَةٍ فَقَطْ إنْ عَسُرَ الْإِصْلَاحُ لِلْآيَةِ وَاعْتُبِرَ رِضَاهُمَا لِأَنَّ الْحَكَمَيْنِ وَكِيلَانِ كما قال
وَهُمَا وَكِيلَانِ لَهُمَا فَلَيْسَا بِحَاكِمَيْنِ من جِهَةِ الْحَاكِمِ لِأَنَّ الْحَالَ قد يُؤَدِّي إلَى الْفِرَاقِ وَالْبُضْعُ حَقُّ الزَّوْجِ وَالْمَالُ حَقُّ الزَّوْجَةِ وَهُمَا رَشِيدَانِ فَلَا يُوَلِّي عَلَيْهِمَا في حَقِّهِمَا فَيُشْتَرَطُ تَوْكِيلُ الزَّوْجَيْنِ لَهُمَا فِيمَا يَفْعَلَانِ فَيُوَكِّلُ الزَّوْجُ هذا أَيْ حَكَمَهُ في التَّطْلِيقِ وَالْخُلْعِ وتوكل الزَّوْجَةُ هذا أَيْ حَكَمَهَا في الْبَذْلِ لِلْعِوَضِ وَالْقَبُولِ لِلطَّلَاقِ بِهِ وَالْوَاوُ في كَلَامِهِ في الْمَوْضِعَيْنِ بِمَعْنَى أو فَإِنْ لم يَرْضَيَا بِبَعْثِهِمَا ولم يَتَّفِقَا على شَيْءٍ أَدَّبَ الْحَاكِمُ الظَّالِمَ وَاسْتَوْفَى لِلْمَظْلُومِ حَقَّهُ وَلَا يَكْفِي حُكْمٌ وَاحِدٌ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَلِأَنَّ كُلًّا من الزَّوْجَيْنِ يَتَّهِمُهُ وَلَا يُفْشِي إلَيْهِ سِرَّهُ وَشَرْطُهُمَا الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْعَدَالَةُ الْمُتَضَمَّنَةُ لِلتَّكْلِيفِ وَالِاهْتِدَاءُ إلَى الْمَقْصُودِ بِمَا بُعِثَا له لَا الِاجْتِهَادِ وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ فِيهِمَا ذلك مع أَنَّهُمَا وَكِيلَانِ لِتَعَلُّقِ وَكَالَتِهِمَا بِنَظَرِ الْحَاكِمِ كما في أَمِينِهِ
فَإِنْ أَصْلَحَا بَيْنَهُمَا بِتَرْكِ حَقٍّ كَقَسْمٍ وَنَفَقَةٍ وَعَدَمِ تَسَرٍّ أو نِكَاحٍ عليها لم يَلْزَمْ تَرْكُهُ وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُهُمَا من أَهْلِهِمَا لِلْآيَةِ وَلِأَنَّ الْأَهْلَ أَشْفَقُ وَأَقْرَبُ إلَى رِعَايَةِ الْإِصْلَاحِ وَأَعْرَفُ بِبَوَاطِنِ الْأَحْوَالِ وَلِأَنَّ الْقَرِيبَ يُفْشِي سِرَّهُ إلَى قَرِيبِهِ من غَيْرِ حِشْمَةٍ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ بَعَثَ أَجْنَبِيَّيْنِ فَخِلَافُ الْأَوْلَى قال الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا يَجُوزُ بَعْثُ عَدُوَّيْنِ ويستحب كَوْنُهُمَا ذَكَرَيْنِ خُرُوجًا من الْخِلَافِ وَالتَّصْرِيحُ بِالِاسْتِحْبَابِ في هذا من زِيَادَتِهِ فَإِنْ ذَهَبَ الْقَاضِي إلَيْهِمَا وهو أَهْلُ أَحَدِهِمَا جَازَ وَإِنْ اتَّهَمَهُ الْآخَرُ وَكَذَا إنْ كان من أَهْلِهِمَا أو ليس بِأَهْلٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَيَخْلُو كُلُّ حَكَمٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ أَيْ بِمُوَكِّلِهِ وَيَفْهَمُ مُرَادَهُ وَلَا يُخْفِي حَكَمٌ عن حَكَمٍ شيئا إذَا اجْتَمَعَا وَيَعْمَلَانِ بِالْمَصْلَحَةِ فَإِنْ اخْتَلَفَا رَأَيَا بَعَثَ اثْنَيْنِ غَيْرَهُمَا حتى يَجْتَمِعَا على شَيْءٍ
فَإِنْ أُغْمِيَ على أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أو جُنَّ وَلَوْ بَعْدَ اسْتِعْلَامِ الْحَكَمَيْنِ رَأْيَهُ لم يَنْفُذْ حُكْمُهُمَا أَيْ أَمْرُهُمَا لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَنْعَزِلُ بِالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ وَإِنْ أُغْمِيَ على أَحَدِهِمَا أو جُنَّ قبل الْبَعْثِ لم يَجُزْ بَعْثُ الْحَكَمَيْنِ وَإِنْ غَابَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ بَعْثِ الْحَكَمَيْنِ نَفَذَ أَمْرُهُمَا كما في سَائِرِ الْوُكَلَاءِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ رُشْدُ الزَّوْجَةِ لِيَتَأَتَّى بَذْلُهَا الْعِوَضَ لَا رُشْدُ الزَّوْجِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَجُوزُ خُلْعُ السَّفِيهِ فَيَصِحُّ تَوْكِيلُهُ فيه
فَرْعٌ لو قال الزَّوْجُ لِوَكِيلِهِ خُذْ مَالِي منها ثُمَّ طَلِّقْهَا أو خَالِعْهَا أو إذَا أَخَذْت مَالِي منها فَطَلِّقْهَا أو خَالَعَهَا أو طَلِّقْهَا أو خَالَعَهَا على أَنْ تَأْخُذَ مَالِي منها اُشْتُرِطَ تَقْدِيمُ الْأَخْذِ لِلْمَالِ على الطَّلَاقِ أو الْخُلْعِ وَكَذَا لو قال خُذْ مَالِي منها وَطَلِّقْهَا كما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن تَصْحِيحِ الْبَغَوِيّ وَأَقَرَّهُ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَلْزَمُهُ الِاحْتِيَاطُ فَاشْتُرِطَ ذلك وَإِنْ لم تَكُنْ الْوَاوُ لِلتَّرْتِيبِ وكان الْمُصَنِّفُ حَذَفَهُ لِتَوَهُّمِهِ كَالْإِسْنَوِيِّ أَنَّ الْبَغَوِيّ فَرَّعَ ذلك على الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَاوَ لِلتَّرْتِيبِ أو قال له طَلِّقْهَا أو خَالَعَهَا ثُمَّ خُذْ مَالِي منها جَازَ تَقْدِيمُ الْأَخْذِ لِلْمَالِ على ما ذُكِرَ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ خَيْرٍ وَكَالتَّوْكِيلِ من جَانِبِ الزَّوْجِ فِيمَا ذُكِرَ التَّوْكِيلُ من جَانِبِهَا كَأَنْ قالت خُذْ مَالِي منه ثُمَّ اخْلَعْنِي ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ كِتَابُ الْخُلْعِ بِضَمِّ الْخَاءِ من الْخَلْعِ بِفَتْحِهَا وهو النَّزْعُ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ كُلًّا من الزَّوْجَيْنِ لِبَاسُ الْآخَرِ قال تَعَالَى هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ فَكَأَنَّهُ بِمُفَارَقَةِ الْآخَرِ نَزَعَ لِبَاسَهُ وَسَيَأْتِي مَعْنَاهُ في الشَّرْعِ
وَالْأَصْلُ فيه قبل الْإِجْمَاعِ
____________________
(3/240)
قَوْله تَعَالَى فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ الْآيَةَ وَقَوْلُهُ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عن شَيْءٍ منه نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا الْآيَةَ وَخَبَرُ الْبُخَارِيِّ عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنه أَتَتْ امْرَأَةُ ثَابِتِ بن قَيْسٍ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقالت يا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بن قَيْسٍ ما أَعْتِبُ وفي رِوَايَةٍ ما أَنْقِمُ عليه في خُلُقٍ وَلَا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ في الْإِسْلَامِ أَيْ كُفْرَانَ النِّعْمَةِ فقال أَتَرُدِّينَ عليه حَدِيقَتَهُ قالت نعم قال اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً وفي رِوَايَةٍ فَرَدَّتْهَا وَأَمَرَهُ بِفِرَاقِهَا وهو أَوَّلُ خُلْعٍ وَقَعَ في الْإِسْلَامِ وَالْمَعْنَى فيه أَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَمْلِكَ الزَّوْجُ الِانْتِفَاعَ بِالْبُضْعِ بِعِوَضٍ جَازَ أَنْ يُزِيلَ ذلك الْمِلْكَ بِعِوَضٍ كَالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فَالنِّكَاحُ كَالشِّرَاءِ وَالْخُلْعُ كَالْبَيْعِ وَأَيْضًا فيه دَفْعُ الضَّرَرِ عن الْمَرْأَةِ غَالِبًا هو في الشَّرْعِ فُرْقَةٌ بِعِوَضٍ مَقْصُودٍ رَاجِعٍ إلَى الزَّوْجِ أو سَيِّدِهِ عَدَلَ عن قَوْلِ أَصْلِهِ يَأْخُذُهُ الزَّوْجُ إلَى ما قَالَهُ لِيَشْمَلَ ما لو خَالَعَهَا على ما ثَبَتَ لها عليه من قِصَاصٍ أو غَيْرِهِ وَزِدْت مَقْصُودٍ لِيَخْرُجَ الْخُلْعُ بِدَمٍ أو نَحْوِهِ فإنه رَجْعِيٌّ وَلَا مَالَ وهو جَائِزٌ على الصَّدَاقِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ كان أَكْثَرَ منه لَكِنْ تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عليه قَالَهُ في الْإِحْيَاءِ وَيَصِحُّ في حَالَتَيْ الشِّقَاقِ وَالْوِفَاقِ وَذِكْرُ الْخَوْفِ في الْآيَةِ جَرَى على الْغَالِبِ
وَلَا يُكْرَهُ عِنْدَ الشِّقَاقِ أو عِنْدَ كَرَاهِيَتِهَا له لِسُوءِ خُلُقِهِ أو دِينِهِ أو غَيْرِهِ أو عِنْدَ خَوْفِ تَقْصِيرٍ منها في حَقِّهِ أو عِنْدَ حَلِفِهِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ من مَدْخُولٍ بها على فِعْلِ ما لَا بُدَّ له من فِعْلِهِ وَذَلِكَ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ وَلِلْخَبَرِ السَّابِقِ في خَوْفِ التَّقْصِيرِ قال في الْأَصْلِ وَأَلْحَقَ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ بِذَلِكَ ما لو مَنَعَهَا نَفَقَةً أو غَيْرَهَا فَافْتَدَتْ لِتَتَخَلَّصَ منه انْتَهَى فَإِنْ مَنَعَهَا ذلك لِتُخَالِعَهُ فَالْخُلْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ إكْرَاهٌ لها وَيَقَعُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا نَقَلَهُ في الشَّامِلِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهِمَا عن الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ أَيْضًا وما قِيلَ إنَّ الْأَوَّلَ أَيْضًا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ بِمَنْعِ الْحَقِّ صَارَ مُكْرِهًا لها بَعِيدٌ فَإِنْ كَرِهَهَا لَا لِزِنَاهَا فَأَسَاءَ عِشْرَتَهَا بِمَنْعِ حَقِّهَا حتى اخْتَلَعَتْ كُرِهَ الْخُلْعُ وَإِنْ كان نَافِذًا وَأَثِمَ بِفِعْلِهِ وَيُكْرَهُ أَيْضًا في غَيْرِ الصُّوَرِ السَّابِقَةِ وَإِنْ كَرِهَهَا لِزِنَاهَا أَيْ أو نَحْوِهِ من الْمُحَرَّمَاتِ فَأَسَاءَ عِشْرَتَهَا حتى اخْتَلَعَتْ لم يُكْرَهْ وَإِنْ أَثِمَ بِفِعْلِهِ وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْله تَعَالَى وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ
وَإِنْ أَكْرَهَهَا بِالضَّرْبِ وَنَحْوِهِ على الْخُلْعِ أَيْ اخْتِلَاعِهَا فَاخْتَلَعَتْ لم يَصِحَّ لِلْإِكْرَاهِ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا إنْ لم يُسَمِّ الْمَالَ وَلَا يُشْكِلُ بِأَنَّ مُطْلَقَ الْخُلْعِ يَقْتَضِي الْمَالَ فَيَقَعُ بَائِنًا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْتَضِيهِ إذَا وَجَدَ طَرَفَا الْعَقْدِ وَالْمَرْأَةُ هُنَا لم تَقْبَلْ قَبُولًا مُعْتَبَرًا وَإِنْ سَمَّاهُ أو قال طَلَّقْتُك بِكَذَا وَضَرَبَهَا لِتَقْبَلَ فَقَبَلَتْ لم يَقَعْ طَلَاقٌ لِأَنَّهَا لم تَقْبَلْ مُخْتَارَةً وَلَوْ ادَّعَتْ أَنَّهُ أَكْرَهَهَا على الْخُلْعِ وَأَقَامَتْ بِهِ بَيِّنَةً وَادَّعَى الْخُلْعَ أَيْ اعْتَرَفَ بِهِ دُونَ الْإِكْرَاهِ رَدَّ الْمَالَ إلَيْهَا وَبَانَتْ منه بِقَوْلِهِ فَإِنْ لم يَعْتَرِفْ بِهِ بَلْ أَنْكَرَ الْمَالَ أو سَكَتَ وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وفي هذا الْكِتَابِ خَمْسَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ في حَقِيقَتِهِ أَيْ الْخُلْعِ أَيْ مَدْلُولِهِ وهو بِلَفْظِ الطَّلَاقِ صَرِيحًا كان أو كِنَايَةً طَلَاقٌ وَكَذَا بِلَفْظِ الْخُلْعِ وَنَحْوِهِ كَالْفِدَاءِ لِوُرُودِ لَفْظِ الْقُرْآنِ بِهِ في الْفِدَاءِ قال تَعَالَى فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ وَقِيسَ بِالْفِدَاءِ الْخُلْعُ فَيَنْقُصُ بِهِمَا عَدَدُ الطَّلَاقِ كَلَفْظِ الطَّلَاقِ لَا فَسْخَ لِأَنَّهُ لو كان فَسْخًا لَمَا جَازَ على غَيْرِ الصَّدَاقِ لِأَنَّ الْفَسْخَ يُوجِبُ اسْتِرْجَاعَ الْبَدَلِ وإذا كان طَلَاقًا
فَيَصِحُّ بِخَالَعْتُ نِصْفَك أو يَدَك أو نَحْوَهُمَا بِكَذَا أو خَالَعْتكِ شَهْرًا بِكَذَا في لَفْظِ الطَّلَاقِ وَلَفْظِ الْخُلْعِ وَكَذَا الْمُفَادَاةُ صَرِيحٌ في الطَّلَاقِ لِشُيُوعِهِمَا في الْعُرْفِ وَالِاسْتِعْمَالِ لِلطَّلَاقِ فَالْتَحَقَا بِالْمُتَكَرِّرِ في الْقُرْآنِ مع أَنَّ لَفْظَ الْمُفَادَاةِ وَرَدَتْ فيه كما مَرَّ وَقِيلَ ليس ذلك بِصَرِيحٍ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَجَرَى عليه الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ صَرِيحٌ إنْ ذُكِرَ الْمَالُ لِأَنَّ ذِكْرَهُ يُشْعِرُ بِالْبَيْنُونَةِ وَكَذَا إذَا لم يَذْكُرْهُ كَأَنْ قال خَالَعْتكِ أو فَادِيَتُك أو افْتَدَيْتُك فَقَبِلَتْ لِأَنَّ قَبُولَهَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ وَهَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَغَيْرِهِ
____________________
(3/241)
وَبِهِ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَالْإِسْنَوِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ قال الْبُلْقِينِيُّ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْأَكْثَرِينَ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ في الرَّوْضَةِ من تَصْحِيحِ إنَّهُ كِنَايَةٌ وَمِنْ هُنَا عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا في الرَّوْضَةِ إلَى ما قَالَهُ
وَزَعَمَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ كِنَايَةٌ بِمَالٍ وَبِدُونِهِ وَإِنَّ أَكْثَرَ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ عليه وَيُلْزِمُهَا بِهِ أَيْ بِالْخُلْعِ بِلَا مَالٍ مع الْقَبُولِ منها بَعْدَ إضْمَارِهِ الْتِمَاسَ جَوَابِهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لِاطِّرَادِ الْعُرْفِ بِجَرَيَانِ الْخُلْعِ بِعِوَضٍ فَيَرْجِعُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ الْمَرَدُّ كَالْخُلْعِ بِمَجْهُولٍ وَلِأَنَّهُ لو خَالَعَ بِخَمْرٍ أو نَحْوِهِ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ فَكَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَالنِّكَاحِ وَمَحَلُّهُ إذَا كان الْخُلْعُ مع الزَّوْجَةِ فَإِنْ كان مع أَجْنَبِيٍّ فَلَا يَجِبُ مَهْرٌ بَلْ تَطْلُقُ مَجَّانًا وَكَذَا لو خَالَعَ معه بِخَمْرٍ أو مَغْصُوبٍ أو حُرٍّ أو مَيْتَةٍ كما سَيَأْتِي في الِاخْتِلَاعِ معه وَلَوْ نَفَى الْعِوَضَ فقال خَالَعْتكِ بِلَا عِوَضٍ وَقَعَ رَجْعِيًّا وَإِنْ قَبِلَتْ وَأَضْمَرَ الْتِمَاسَ جَوَابِهَا وَكَذَا لو أَطْلَقَ فقال خَالَعْتكِ ولم يُضْمِرْ الْتِمَاسَ جَوَابِهَا وَإِنْ أَجَابَتْهُ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَحَلَّ هذا إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَمَحَلُّ صَرَاحَتِهِ إذَا قَبِلَتْ وَأَضْمَرَ الْتِمَاسَ جَوَابِهَا وَلَوْ طَلَّقَهَا على صَدَاقِهَا أو على بَقِيَّتِهِ وقد بَرِئَ منه وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ كما لو تَخَالَعَا من غَيْرِ ذِكْرِ مَالٍ وَاسْتَشْكَلَ ذلك بِوُقُوعِهِ رَجْعِيًّا في الْخُلْعِ بِدَمٍ
وقد يُجَابُ بِأَنَّ الدَّمَ لَا يُقْصَدُ كما سَيَأْتِي فَذِكْرُهُ صَارِفٌ لِلَّفْظِ عن الْعِوَضِ بِخِلَافِ خُلْعِهَا على ما ذُكِرَ أو على ما في كَفِّهَا وَلَوْ مع عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ فيه كما سَيَأْتِي إذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ كَالسُّكُوتِ عن ذِكْرِ الْعِوَضِ وهو لَا يَمْنَعُ الْبَيْنُونَةَ وَوُجُوبَ الْمَهْرِ
فَصْلٌ يَصِحُّ الْخُلْعُ بِكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ مع النِّيَّةِ وَبِالْعَجَمِيَّةِ كَالْعَرَبِيَّةِ وَالْهَزْلُ كَالطَّلَاقِ هَزْلًا ولفظ بِعْتُك نَفْسَك وَأَقَلْتُك إيَّاهَا بِكَذَا مع الْقَبُولِ فَوْرًا كِنَايَةٌ بِخِلَافِ ما إذَا لم يذكر أو لم يَكُنْ الْقَبُولُ فَوْرًا وَكَذَا قَوْلُ الزَّوْجِ بِعْتُك طَلَاقَك بِكَذَا أو قَوْلُ الزَّوْجَةِ بِعْتُك ثَوْبِي مَثَلًا بِطَلَاقِي فإن كُلًّا مِنْهُمَا كِنَايَةٌ بِشَرْطِ النِّيَّةِ مِنْهُمَا كَبِعْتُكِ نَفْسَك إلَّا أَنْ يُجِيبَ الْقَابِلُ بِقَبِلْتُ فَلَا تُشْتَرَطُ نِيَّتِهِ
فَرْعٌ إذَا قالت طَلِّقْنِي على كَذَا فقال خَالَعْتكِ عليه أو عَكَسَا فقالت خَالِعْنِي على كَذَا فقال طَلَّقْتُك عليه نَفَذَ وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ اللَّفْظِ كما لو قالت طَلِّقْنِي على كَذَا فقال سَرَّحْتُك عليه وَإِنْ وَكَّلَهُ أَيْ الزَّوْجُ شَخْصًا في الطَّلَاقِ فَطَلَّقَ بِعِوَضٍ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ أو بِلَفْظِ الْخُلْعِ لم يَنْفُذْ فِيمَنْ تُتَصَوَّرُ رَجْعَتُهُ بِأَنْ يَكُونَ دخل بها وَبَقِيَ له أَكْثَرُ من طَلْقَةٍ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ الرَّجْعَةَ بِخِلَافِهِ فِيمَنْ لَا تُتَصَوَّرُ رَجْعَتُهُ فَيَنْفُذُ في الصُّورَتَيْنِ وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ في الْأُولَى عن الْبُوشَنْجِيِّ فَفِي نُفُوذِهِ احْتِمَالَانِ لِأَنَّهُ حَصَلَ غَرَضُهُ مع فَائِدَةٍ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَفْهُومٍ من التَّوْكِيلِ الْمُطْلَقِ فَالتَّرْجِيحُ فيها أَخْذًا من الثَّانِيَةِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَصُورَةُ ذلك كما يُومِئُ إلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنْ لَا يُخَالِفَ الْوَكِيلُ الزَّوْجَ في الْعَدَدِ فَإِنْ خَالَفَهُ فيه فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ عن الْقَفَّالِ في الْبَابِ الثَّانِي فَاسْتِدْرَاكُ الْمُهِمَّاتِ على ذلك بِكَلَامِ الْقَفَّالِ وَإِنَّ كَلَامَ الْقَفَّالِ هو الْمُعْتَمَدُ ليس بِجَيِّدٍ فَإِنْ أَرَادَ بِكَلَامِ الْقَفَّالِ مُقْتَضَاهُ على ما فَهِمَهُ الرَّافِعِيُّ ثَمَّ فَسَيَأْتِي بَيَانُ أَنَّ ذلك ليس مُقْتَضَاهُ
فَصْلٌ الْخُلْعُ قِسْمَانِ الْأَوَّلُ أَنْ يَبْدَأَ الزَّوْجُ بِطَلَاقِهَا على عِوَضٍ فَهُوَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لِأَخْذِهِ مُقَابِلَ مِلْكِهِ وَفِيهَا شَوْبُ تَعْلِيقٍ لِتَرَتُّبِ الطَّلَاقِ على قَبُولِ الْمَالِ أو بَدَلِهِ كما يَتَرَتَّبُ الْمُعَلَّقُ بِصِفَةٍ عليها ثُمَّ قد يَغْلِبُ مَعْنَى أَحَدِهِمَا وقد يُرَاعَى كُلٌّ مِنْهُمَا بِحَسَبِ ما تَقْتَضِيهِ الصِّيَغُ فَإِنْ أتى بِصِيغَةِ مُعَاوَضَةٍ كَطَلَّقْتُكِ بِأَلْفٍ فَتَغْلِبُ فيه الْمُعَاوَضَةُ فَلَهُ الرُّجُوعُ قبل الْقَبُولِ منها كما هو شَأْنُ الْمُعَاوَضَاتِ وَيُشْتَرَطُ قَبُولٌ منها وَلَوْ بِكِنَايَةٍ مُطَابِقٌ لِإِيجَابِهِ فَوْرًا أَيْ في مَجْلِسِ التَّوَاجُبِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ فَلَوْ تَخَلَّلَ زَمَنٌ أو كَلَامٌ طَوِيلٌ لم يَنْفُذْ
____________________
(3/242)
وَسَيَأْتِي نعم لو قال طَلَّقْتُك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَاحِدَةٌ بِأَلْفٍ وَقَعَ الثَّلَاثُ بِالْأَلْفِ كما لو سَأَلَتْهُ طَلْقَةً بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَلِأَنَّ الزَّوْجَ يَسْتَقِلُّ بِالطَّلَاقِ وَعَدَدِهِ وَالزَّوْجَةُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهَا بِسَبَبِ الْمَالِ وقد وَافَقَتْهُ في قَدْرِهِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ من الْبَيْعِ فإنه مَحْضُ مُعَاوَضَةٍ
فَإِنْ قَبِلَتْ وَاحِدَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ أو الثَّلَاثَ بِأَلْفَيْنِ أو بِخَمْسِمِائَةٍ لم يَصِحَّ لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ كما في سَائِرِ الْعُقُودِ وَيُفَارِقُ ما لو قال إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْت طَالِقٌ فَأَتَتْهُ بِأَلْفَيْنِ حَيْثُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِأَنَّ الْقَبُولَ جَوَابُ الْإِيجَابِ فإذا خَالَفَهُ في الْمَعْنَى لم يَكُنْ جَوَابًا وَالْإِعْطَاءُ ليس جَوَابًا وَإِنَّمَا هو فِعْلٌ فإذا أَتَتْ بِأَلْفَيْنِ فَقَدْ أَتَتْ بِأَلْفٍ فَلَا اعْتِبَارَ بِالزِّيَادَةِ قَالَهُ الْإِمَامُ وَإِنْ أتى بِصِيغَةِ تَعْلِيقٍ غُلِّبَ التَّعْلِيقُ فَلَا رُجُوعَ له قبل وُجُودِ الصِّفَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ وَلَا يُشْتَرَطُ إيجَادُ الصِّفَةِ في مَجْلِسِ التَّوَاجُبِ كَسَائِرِ التَّعَالِيقِ على تَفْصِيلٍ في الْأَخِيرِ بَيَّنَّهُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ اقْتَضَى أَيْ لَفْظُ التَّعْلِيقِ التَّرَاخِيَ بِأَنْ لم يَقْتَضِ فَوْرًا كَمَتَى أَعْطَيْتنِي أَلْفًا وَمَتَى ما وَأَيُّ حِينٍ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا لم يُشْتَرَطْ الْقَبُولُ وَلَا الْإِعْطَاءُ فَوْرًا وَمَحَلُّ اقْتِضَاءِ ذلك لِلتَّرَاخِي في الْإِثْبَاتِ أَمَّا في النَّفْيِ فَلِلْفَوْرِ فَلَوْ قال مَتَى لم تُعْطِنِي أَلْفًا فَأَنْت طَالِقٌ فَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ فيه الْإِعْطَاءُ ولم تُعْطِ طَلَقَتْ
وَإِنْ كان التَّعْلِيقُ بِلَفْظِ إنْ أو إذَا أو نَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَقْتَضِي التَّرَاخِيَ فَكَذَلِكَ أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ ما ذُكِرَ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْإِعْطَاءُ فَوْرًا لِأَنَّهُ قَضِيَّةُ الْعِوَضِ في الْمُعَاوَضَةِ وَإِنَّمَا تُرِكَتْ هذه الْقَضِيَّةُ في مَتَى وَنَحْوِهَا لِصَرَاحَتِهَا في جَوَازِ التَّأْخِيرِ مع كَوْنِ الْمُغَلَّبِ في ذلك من جِهَةِ الزَّوْجِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَلَا يُشْكِلُ بِمَا يَأْتِي من أنها لو قالت له مَتَى طَلَّقْتنِي فَلَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ حَيْثُ يُعْتَبَرُ الْفَوْرُ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فيه من جَانِبِهَا مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ كما سَيَأْتِي إلَّا إنْ كانت زَوْجَتُهُ أَمَةً وَالْمَشْرُوطُ غير خَمْرٍ فَلَا يُشْتَرَطُ الْإِعْطَاءُ فَوْرًا لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ على الْإِعْطَاءِ إلَّا من كَسْبِهَا وهو مُتَعَذِّرٌ في الْمَجْلِسِ غَالِبًا وَإِنْ كان الْمَشْرُوطُ خَمْرًا اُشْتُرِطَ الْإِعْطَاءُ فَوْرًا وَإِنْ لم تَمْلِكْ الْخَمْرَ لِأَنَّ يَدَهَا وَيَدَ الْحُرَّةِ عليه سَوَاءٌ وقد تَشْتَمِلُ يَدُهَا عليه وَإِنْ أَعْطَتْهُ الْأَلْفَ من كَسْبِهَا طَلَقَتْ بَائِنًا لِوُجُودِ الصِّفَةِ وَرَدَّ الزَّوْجُ وُجُوبًا الْمَالَ لِلسَّيِّدِ وَتَعَلَّقَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِذِمَّتِهَا فَتُطَالَبُ بِهِ إذَا عَتَقَتْ
وَقَوْلُهُ إلَّا إنْ كانت أَمَةً إلَى آخِرِهِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ وَاَلَّذِي رَأَيْته في تَتِمَّتِهِ وَنُقِلَ عنه أَنَّ الْأَمَةَ لَيْسَتْ كَالْحُرَّةِ في صُورَةِ الْخَمْرِ أَيْضًا فَارَقَا بِأَنَّ الْحُرَّةَ قد يَكُونُ في يَدِهَا خَمْرٌ وَالْأَمَةُ لَا يَدَ لها وَلَا مِلْكَ أَيْ فَغَلَبَ جَانِبُ التَّعْلِيقِ وَعَلَى هذا فَلَا يَتَقَيَّدُ إعْطَاءُ الْأَلْفِ بِالْإِعْطَاءِ من كَسْبِهَا وقد قال ابن الرِّفْعَةِ لَا فَرْقَ بين كَسْبِهَا وَغَيْرِهِ إذَا كان من مَالِ السَّيِّدِ وقال الزَّرْكَشِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ ذِكْرَ كَسْبِهَا مِثَالٌ وما قَالَهُ حَسَنٌ فَلَا فَرْقَ بين كَسْبِهَا وَغَيْرِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ من مَالِ السَّيِّدِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ ابن الرِّفْعَةِ بِمَالِ السَّيِّدِ لِقَوْلِ الْمُتَوَلِّي يَلْزَمُ الزَّوْجَ رَدُّ الْمَالِ لِلسَّيِّدِ وَسَوَاءٌ أَكَانَ ما أَعْطَيْته مَغْصُوبًا أَمْ لَا كما صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ في تَعْلِيلِهِ حَيْثُ قال إذَا أَعْطَتْهُ الزَّوْجَةُ أَلْفًا مَغْصُوبَةً لم يَقَعْ الطَّلَاقُ إلَّا أَنْ تَكُونَ أَمَةً فَأَعْطَتْهُ أَلْفًا مَغْصُوبَةً أو مَمْلُوكَةً لِلسَّيِّدِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهَا لَا يُتَصَوَّرُ لها الْمِلْكُ نَقَلَهُ عنه الْأَذْرَعِيُّ
قال لَكِنْ نَقَلَ عنه الرَّافِعِيُّ في الْبَابِ الثَّالِثِ أَنَّهُ لو قال لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ إنْ أَعْطَيْتنِي ثَوْبًا فَأَنْت طَالِقٌ لم تَطْلُقْ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُهُ قال أَعْنِي الْأَذْرَعِيَّ وَصُورَةُ الثَّوْبِ ذَكَرَهَا في تَهْذِيبِهِ ولم أَرَهَا في تَعْلِيقِهِ وَلَا صُورَةَ الْأَلْفِ في تَهْذِيبِهِ وَلَعَلَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا فَلَا تَعَارُضَ لَكِنَّ التَّعْلِيلَ يُفْهِمُ التَّعَارُضَ وَبِتَقْدِيرِ التَّعَارُضِ فَالْأَوْجَهُ ما قَرَّرْته أَوَّلًا من أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ في إعْطَائِهَا
____________________
(3/243)
الْفَوْرُ بَلْ مَتَى وُجِدَ منها الْإِعْطَاءُ طَلَقَتْ وَلَزِمَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيِّ لَا فَرْقَ عِنْدِي بين الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ كما لو قال ذلك لِحُرَّةٍ مُعْسِرَةٍ فيه نَظَرٌ الْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ تَبْدَأَ هِيَ فَتَسْأَلَ الطَّلَاقَ بِعِوَضٍ كَطَلِّقْنِي بِأَلْفٍ أو مَتَى طَلَّقْتنِي فَلَكَ أَلْفٌ وَيُجِيبُهَا سَوَاءٌ عَلَّقَتْ كما في الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أو نَجَّزَتْ كما في الْأُولَى وَهَذَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ لِمِلْكِهَا الْبُضْعَ بِالْعِوَضِ فيها شَوْبُ جَعَالَةٍ لِأَنَّ مُقَابِلَ ما بَذَلَتْهُ وهو الطَّلَاقُ يَسْتَقِلُّ بِهِ الزَّوْجُ كَالْعَامِلِ في الْجِعَالَةِ
وَلَهَا الرُّجُوعُ قبل الْجَوَابِ لِأَنَّ ذلك حُكْمُ الْمُعَاوَضَاتِ وَالْجِعَالَاتِ وَكَأَنَّ مُقْتَضَى كَوْنِهِ مُعَاوَضَةً من جَانِبِهَا أَنْ لَا يَحْتَمِلَ فيه صِيغَةَ التَّعْلِيقِ لَكِنَّهَا احْتَمَلَتْ لِمَا فيها من شَائِبَةِ الْجِعَالَةِ الْمُحْتَمِلَةِ لها حَيْثُ يُقَالُ إنْ رَدَدْت عَبْدِي فَلَكَ كَذَا وَيُشْتَرَطُ الطَّلَاقُ بَعْدَ سُؤَالِهَا فَوْرًا وَإِنْ عَلَّقَتْ بِمَتَى لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ من جَانِبِهَا الْمُعَاوَضَةُ كما مَرَّ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُطَلِّقْهَا فَوْرًا كان تَطْلِيقُهُ لها ابْتِدَاءً لِلطَّلَاقِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عليه وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لو ادَّعَى إنَّهُ جَوَابٌ وكان جَاهِلًا لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أو نَشْئِهِ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عن الْعُلَمَاءِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فَلَوْ قالت طَلَّقَنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ وهو يَمْلِكُ عليها أَكْثَرَ من طَلْقَةٍ بِقَرِينَةِ ما يَأْتِي في الطَّرَفِ الثَّانِي من الْبَابِ الرَّابِعِ مع أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَذْكُورَةٌ ثَمَّ أَيْضًا فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً بِثَلَاثَةٍ أو أَطْلَقَ وَقَعَتْ الْوَاحِدَةُ واستحق ثُلُثَ الْأَلْفِ كَنَظِيرِهِ في الْجَعَالَةِ كَأَنْ قال رُدَّ عَبْدَيْ بِأَلْفٍ فَرَدَّ أَحَدَهُمَا
فَرْعٌ لو قال لِزَوْجَتَيْهِ طَلَّقْتُكُمَا أو خَالَعْتُكُمَا أو نَحْوَهُمَا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ أو قال طَلَّقْت إحْدَاكُمَا بِأَلْفٍ وَأَبْهَمَ فَقَبِلَتَا مَعًا لم يَقَعْ شَيْءٌ لِعَدَمِ مُوَافَقَةِ الْقَبُولِ الْإِيجَابَ وَشُبِّهَتْ الْأُولَى بِمَا لو قال بِعْتُكُمَا هذا بِأَلْفٍ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا وَالثَّانِيَةُ بِمَا لو قال بِعْت أَحَدَكُمَا هذا بِأَلْفٍ فَقَبِلَا مَعًا وما ذُكِرَ فيها هو ما ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ في تَهْذِيبِهِ وَغَيْرِهِ وَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ قد يَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ على من يُعَيِّنُهَا وَجَزَمَ بِهِ ابن الرِّفْعَةِ تَفَقُّهًا وهو الْمُوَافِقُ لِمَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ في الْعِتْقِ من أَنَّهُ لو قال لِأَمَتَيْهِ إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتَا عَتَقَتْ وَاحِدَةٌ بِقِيمَتِهَا وَأُمِرَ بِالتَّعْيِينِ وَلَمَّا نَقَلَ الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ مَسْأَلَةَ الْعِتْقِ قال وَلَعَلَّ قَائِلَهُ يقول في الطَّلَاقِ كَذَلِكَ لَا قِيَاسَ ما قُلْت وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَوْجَهُ مَعْنَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالْمَنْقُولُ وُقُوعُ الْعِتْقِ دُونَ الطَّلَاقِ وَيُفَرَّقَ بِأَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ لِلْعِتْقِ وَمُنَفِّرٌ عن الطَّلَاقِ وَفَرَّقَ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ ذَاكَ ليس بِمُعَاوَضَةٍ بِخِلَافِ الْخُلْعِ فيه نَظَرٌ أو قال طَلَّقْتُك وَضَرَّتَك بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ طَلَقَتَا وَلَزِمَهَا الْأَلْفُ لِأَنَّ الْخِطَابَ هُنَا مَعَهَا وَحْدَهَا وَهِيَ مُخْتَلِعَةٌ لِنَفْسِهَا وَقَابِلَةٌ لِضَرَّتِهَا كَالْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِهِ في الصُّورَةِ الْأُولَى
وَإِنْ قَالَتَا له طَلِّقْنَا بِأَلْفٍ ولم يَقُولَا مُنَاصَفَةً فَطَلَّقَهُمَا أو إحْدَاهُمَا طَلَقَتَا في الْأُولَى وَإِحْدَاهُمَا في الثَّانِيَةِ كما لو قال اثْنَانِ رُدَّ عَبْدَيْنَا بِكَذَا فَرَدَّهُمَا أو أَحَدَهُمَا فَقَطْ فَعَلَى الْمُطَلَّقَةِ فِيهِمَا مَهْرُ الْمِثْلِ لَا نِصْفُ الْأَلْفِ لِلْجَهْلِ بِمَا يَلْزَمُهَا منه بِخِلَافِ ما لو قال لِاثْنَيْنِ بِعْتُكُمَا عَبْدِي بِأَلْفٍ فَقَبِلَا بِهِ فإنه يَصِحُّ وَيَلْزَمُ كُلًّا مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةٍ لِعَدَمِ اخْتِلَافِ الْعَبْدِ بِخِلَافِ الْبُضْعَيْنِ أَمَّا إذَا قَالَتَا مُنَاصَفَةً فَعَلَى الْمُطَلَّقَةِ نِصْفُ الْأَلْفِ وَإِنْ قالت له طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ بَانَتْ بِخَمْسِمِائَةٍ كما لو قال رُدَّ عَبْدِي بِأَلْفٍ فَرَدَّهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَلِأَنَّ له أَنْ يُطَلِّقَهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ
الْبَابُ الثَّانِي في أَرْكَانِ الْخُلْعِ وَهِيَ خَمْسَةٌ الزَّوْجُ وَالْمُخْتَلِعُ وَالْعِوَضُ وَالْمُعَوَّضُ وَالصِّيغَةُ الْأَوَّلُ الزَّوْجُ وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ فَيَصِحُّ من السَّفِيهِ بِمَا قَلَّ وَكَثُرَ وَإِنْ لم يَأْذَنْ له الْوَلِيُّ لِأَنَّ طَلَاقَهُ مَجَّانًا نَافِذٌ ولكنها إنَّمَا تُسَلِّمُ الْمَالَ لِلْوَلِيِّ نَالَا له كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ نعم لو قَيَّدَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ كَأَنْ قال إنْ دَفَعْت إلَيَّ كَذَا فَأَنْت طَالِقٌ كان لها أَنْ تَدْفَعَهُ إلَيْهِ لَا إلَى الْوَلِيِّ لِأَنَّهُ في غَيْرِ هذا مِلْكُهُ قبل الدَّفْعِ وفي هذا إنَّمَا يَمْلِكُهُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَعَلَى وَلِيِّهِ الْمُبَادَرَةُ إلَى أَخْذِهِ منه فَإِنْ لم يَأْخُذْهُ منه حتى تَلِفَ فَلَا غُرْمَ فيه على الزَّوْجَةِ نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عن الْمَاوَرْدِيِّ فَإِنْ سَلَّمْته لِلسَّفِيهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ وهو دَيْنٌ لم تَبْرَأْ لِأَنَّهُ لم يَجْرِ قَبْضٌ صَحِيحٌ وَتَسْتَرِدُّهُ منه فَإِنْ تَلِفَ في يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّهَا ضَيَّعَتْ ما لها
____________________
(3/244)
بِتَسْلِيمِهِ إلَى السَّفِيهِ كَمَنْ بَاعَهُ شيئا وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَتَلِفَ عِنْدَهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ ما ذُكِرَ أنها لَا تَبْرَأُ بِتَسْلِيمِ الْعِوَضِ إلَيْهِ مُطْلَقًا وَاسْتَثْنَى الْحَاوِي وَالشَّامِلُ وَالْبَحْرُ ما لو بَادَرَ الْوَلِيُّ فَأَخَذَهُ منه فَتَبْرَأُ حِينَئِذٍ
وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْأَذْرَعِيُّ قال وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْمَالَ وَإِنْ كان بَاقِيًا على مِلْكِهَا لِفَسَادِ الْقَبْضِ فَهِيَ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ أَذِنَتْ في قَبْضِهِ عَمَّا عليها فإذا قَبَضَهُ الْوَلِيُّ من السَّفِيهِ له اعْتَدَّ بِهِ أو سَلَّمَتْهُ له كَذَلِكَ وهو عَيَّنَ وَعَلِمَ الْوَلِيُّ بِالْحَالِ أَخَذَهَا منه فَإِنْ تَرَكَهَا في يَدِهِ حتى تَلِفَتْ بَعْدَ عِلْمِهِ فَهَلْ يَضْمَنُ له تَنْزِيلًا لِعِلْمِهِ بِذَلِكَ مَنْزِلَةَ إذْنِهِ له في الْقَبْضِ أو لَا لِتَقْصِيرِ الْمَرْأَةِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ وَإِنْ لم يَعْلَمْ الْوَلِيُّ فَتَلِفَتْ في يَدِ السَّفِيهِ فَهِيَ مُفَرِّطَةٌ من زِيَادَتِهِ فَتَضْمَنُ له مَهْرَ الْمِثْلِ لَا قِيمَتَهَا أَيْ الْعَيْنِ أَمَّا إذَا سَلَّمَتْهُ له بِإِذْنِ الْوَلِيِّ قال في الْأَصْلِ فَفِي الِاعْتِدَادِ بِقَبْضِهِ وَجْهَانِ عن الدَّارَكِيِّ وَرَجَّحَ الْحَنَّاطِيُّ الِاعْتِدَادَ بِهِ انْتَهَى وَعِبَارَةُ الْأَذْرَعِيِّ قال في الْبَحْرِ وَالتَّلْخِيصِ قال الدَّارَكِيُّ فيه وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَبْرَأُ كما لو أَمَرَهَا بِالدَّفْعِ إلَى أَجْنَبِيٍّ وهو ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَالثَّانِي لَا يَبْرَأُ لِأَنَّ الْمَحْجُورَ عليه ليس من أَهْلِ الْقَبْضِ فَلَا يُفِيدُ الْإِذْنُ شيئا
ثُمَّ قال وَظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّ التَّرْجِيحَ لِلدَّارِكِيِّ وقد يُؤْخَذُ ما رَجَّحَهُ من كَلَامِ الْأُمِّ وَكَذَا قال السُّبْكِيُّ إنَّ ذلك مُقْتَضَى نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَأَمَّا الدَّارِمِيُّ فَجَزَمَ بِأَنَّ الدَّفْعَ بِالْإِذْنِ كَهُوَ بِلَا إذْنٍ فَرْعٌ خُلْعُ الْعَبْدِ وَلَوْ مُدَبَّرًا بِلَا إذْنٍ من سَيِّدِهِ وَبِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ جَائِزٌ وَيَدْخُلُ الْعِوَضُ في مِلْكِ السَّيِّدِ قَهْرًا كَإِكْسَابِهِ وَالتَّسْلِيمُ إلَيْهِ كَالسَّفِيهِ أَيْ كَالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ لَكِنَّ الْمُخْتَلِعَ يُطَالِبُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِمَا تَلِفَ تَحْتَ يَدِهِ بِخِلَافِ ما تَلِفَ في يَدِ السَّفِيهِ لَا يُطَالَبُ بِهِ لَا في الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الرُّشْدِ لِأَنَّ الْحَجْرَ على الْعَبْدِ لِحَقِّ السَّيِّدِ فَيَقْتَضِي نَفْيَ الضَّمَانِ ما بَقِيَ حَقُّ السَّيِّدِ وَالْحَجْرُ على السَّفِيهِ لِحَقِّ نَفْسِهِ بِسَبَبِ نُقْصَانِهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي نَفْيَ الضَّمَانِ حَالًا مَآلًا وَظَاهِرٌ أنها لو سَلَّمَتْ الْعَيْنَ لِلْعَبْدِ وَعَلِمَ بِهِ السَّيِّدُ وَتَرَكَهَا حتى تَلِفَتْ لم يَضْمَنْهَا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَضْمَنُ لِنَفْسِهِ
وَالْمُبَعَّضُ إنْ خَالَعَ وَبَيْنَهُمَا أَيْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ فَالْعِوَضُ من الْأَكْسَابِ النَّادِرَةِ فَتَدْخُلُ في النَّوْبَةِ كَالْغَالِبَةِ على الْأَصَحِّ فَلَوْ خَالَعَهَا في نَوْبَةِ نَفْسِهِ قَبَضَ جَمِيعَ الْعِوَضِ أو في نَوْبَةِ سَيِّدِهِ لم يَقْبِضْ شيئا وَإِنْ لم يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ قَبَضَ ما يَخُصُّ حُرِّيَّتَهُ وَالْمُكَاتَبُ يَقْبِضُ لِنَفْسِهِ الْعِوَضَ لِصِحَّةِ يَدِهِ وَاسْتِقْلَالِهِ كما في الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ الرُّكْنُ الثَّانِي الْمُخْتَلِعُ من زَوْجَةٍ أو أَجْنَبِيٍّ فَيُشْتَرَطُ فيه نُفُوذُ تَصَرُّفِهِ في الْمَالِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ في الْخُلْعِ وَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَخَرَجَ بِهِ من بِهِ حَجْرٌ وَلِلْحَجْرِ أَسْبَابٌ الْأَوَّلُ الرِّقُّ فَإِنْ اخْتَلَعَتْ رَقِيقَةٌ نَفْسَهَا بِدَيْنٍ أو عَيْنٍ بِلَا إذْنٍ من سَيِّدِهَا صَحَّ الْخُلْعُ يَعْنِي وَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا لِوُقُوعِهِ بِعِوَضٍ وَإِنْ كان فَاسِدًا كَالْخُلْعِ بِخَمْرٍ وَمَغْصُوبٍ وَتَعَلُّقُ الْعِوَضِ بِذِمَّتِهَا فَتُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ لَا في الْحَالِ مُحَافَظَةً على حَقِّ السَّيِّدِ وَصِحَّةُ الْخُلْعِ إنَّمَا تَأْتِي في صُورَةِ الدَّيْنِ لَا في صُورَةِ الْعَيْنِ ما ذَكَرَهُ بَعْدُ فَفِي تَعْبِيرِهِ بها تَغْلِيبٌ وَالْأَصْلُ إنَّمَا عَبَّرَ بِالْبَيْنُونَةِ فَسَلِمَ من ذلك
فَإِنْ كان الْعِوَضُ عَيْنًا فَمَهْرُ الْمِثْلِ هو الْوَاجِبُ لِأَنَّهُ الْمَرَدُّ عِنْدَ الْفَسَادِ أو دَيْنًا فَالْمُسَمَّى هذا ما رَجَّحَهُ في أَصْلَيْ الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن الْعِرَاقِيِّينَ لَكِنَّهُ رَجَّحَ في الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ وَكَلَامُهُ في الْكَبِيرِ يَمِيلُ إلَيْهِ لِفَسَادِ الْمُسَمَّى لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ أَهْلًا لِلِالْتِزَامِ فَكَانَ كَشِرَاءِ الرَّقِيقِ بِلَا إذْنٍ وَرَجَّحَ السُّبْكِيُّ الْأَوَّلَ فَارَقَا بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ في الْخُلْعِ حُصُولُ الْبُضْعِ لِمَنْ لَزِمَهُ الْعِوَضُ بِدَلِيلِ خُلْعِ الْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ يُعْتَبَرُ فيه حُصُولُ الْمَبِيعِ لِمَنْ لَزِمَهُ الثَّمَنُ وهو مُنْتَفٍ في شِرَاءِ الرَّقِيقِ وَكَذَا رَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ لَكِنَّهُ قال الْقِيَاسُ الثَّانِي إذْ لُزُومُ الْمُسَمَّى مع الْحُكْمِ بِفَسَادِ الْعَقْدِ خَارِجٌ عن الْقِيَاسِ انْتَهَى وَيُجَابُ بِمَنْعِ أَنَّ الْقَائِلَ بِلُزُومِ الْمُسَمَّى قَائِلٌ بِفَسَادِ الْعَقْدِ
فَإِنْ أَذِنَ لها وَلَوْ سَفِيهَةً أَنْ تَخْتَلِعَ بِعَيْنٍ له صَحَّ الْخُلْعُ
____________________
(3/245)
بها وَاسْتَحَقَّهَا الزَّوْجُ أو بِدَيْنٍ صَحَّ بِهِ وتعلق بِكَسْبِهَا الْحَادِثُ بَعْدَ الْخُلْعِ وَبِمَالِ تِجَارَةٍ في يَدِهَا لَا بِذِمَّةِ السَّيِّدِ كَمَهْرِ الْعَبْدِ في النِّكَاحِ الْمَأْذُونِ فيه فَإِنْ قال لها اخْتَلِعِي بِمَا شِئْت فَلَا حَجْرَ عليها فَلَهَا أَنْ تَخْتَلِعَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَبِأَزْيَدَ منه وَيَتَعَلَّقُ الْجَمِيعُ بِكَسْبِهَا وَبِمَالِ تِجَارَةٍ بِيَدِهَا قال السُّبْكِيُّ لِأَنَّ هذا عُمُومٌ لَا إطْلَاقٌ وَقَدَّمْنَا في بَابِ الْوَكَالَةِ ما يُوَافِقُهُ فِيمَا إذَا قال لِوَكِيلِهِ بِعْ بِمَا شِئْت وما ذُكِرَ ثَمَّ من أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِالْغَبْنِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ قال الرَّافِعِيُّ هُنَا قَضِيَّتُهُ أَنْ لَا تَكُونَ الزِّيَادَةُ على مَهْرِ الْمِثْلِ هُنَا مَأْذُونًا فيها انْتَهَى وقد صَحَّحَ أَعْنِي السُّبْكِيَّ ثَمَّ جَوَازَ الْبَيْعِ بِالْغَبْنِ على خِلَافِ ما جَرَى عليه الْأَصْلُ كما بَيَّنَّاهُ ثَمَّ لَكِنْ يُجَابُ عن إشْكَالِ الرَّافِعِيِّ بِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْعُمُومِ هُنَا في الزِّيَادَةِ لَا مَانِعَ معه مع احْتِيَاجِ السَّيِّدِ وَأَمَتِهِ إلَى ارْتِكَابِهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عنهما بِخِلَافِ الْعَمَلِ بِهِ ثَمَّ في الْغَبْنِ إذْ لَا مَرَدَّ له وَغَيْرُ نَقْدِ الْبَلَدِ له مَرَدٌّ وهو ثَمَنُ الْمِثْلِ وَلَا مَانِعَ
فَإِنْ قَدَّرَ دَيْنًا أو عَيْنًا كَأَنْ قال اخْتَلِعِي بِأَلْفٍ أو بهذا الْعَبْدِ فَزَادَتْ عليه أو أَطْلَقَ الْإِذْنَ فَزَادَتْ على مَهْرِ الْمِثْلِ تَعَلَّقَ الزَّائِدُ فِيهِمَا بِذِمَّتِهَا قال الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا يَجُوزُ لها عِنْدَ الْإِذْنِ في الْخُلْعِ في الذِّمَّةِ أَنْ تُخَالِعَ على عَيْنٍ بِيَدِهَا وَيَجُوزُ الْعَكْسُ فَرْعٌ وَاخْتِلَاعُ الْمُكَاتَبَةِ بِلَا إذْنٍ من سَيِّدِهَا كَالْأَمَةِ أَيْ كَاخْتِلَاعِهَا بِلَا إذْنٍ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِكَسْبِهَا وما في يَدِهَا وَاخْتِلَاعُهَا بِالْإِذْنِ كَاخْتِلَاعِ الْأَمَةِ بِالْإِذْنِ فَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ بِلَا إذْنٍ في الْمَوْضِعَيْنِ كان أَخْصَرَ وَأَوْلَى وَهَذَا ما صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ كَالرَّافِعِيِّ في بَابِ الْكِتَابَةِ تَبَعًا لِلْجُمْهُورِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ هُنَا وما وَقَعَ في الرَّوْضَةِ هُنَا من أَنَّ الْمَذْهَبَ وَالْمَنْصُوصَ أَنَّ خُلْعَهَا بِإِذْنٍ كَهُوَ بِلَا إذْنٍ لَا يُطَابِقُ ما في الرَّافِعِيِّ
وقد بَسَطْت الْكَلَامَ على ذلك في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَلَوْ اخْتَلَعَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ التي تَحْتَ حُرٍّ أو مُكَاتَبٍ بِرَقَبَتِهَا لم يَصِحَّ إذْ لو صَحَّ لَقَارَنَتْ الْفُرْقَةُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ لِأَنَّ الْعِوَضَيْنِ يَتَسَاوَيَانِ وَمِلْكُ الْمَنْكُوحَةِ يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ كما لو عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ غَيْرُ مُدَبَّرَةٍ مَمْلُوكَةٍ لِأَبِيهِ بِمَوْتِهِ فَمَاتَ لم تَطْلُقْ لِأَنَّ مِلْكَ الزَّوْجِ لها حَالَةَ مَوْتِ أبيه يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ حتى لو كانت مُدَبَّرَةً طَلَقَتْ وهو ما احْتَرَزَ عنه بِقَوْلِهِ غير مُدَبَّرَةٍ وَالنَّظِيرُ الْمَذْكُورُ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَكَالْحُرِّ وَالْمُكَاتَبُ الْمُبَعَّضُ إذَا وَقَعَ الْخُلْعُ في غَيْرِ نَوْبَةِ السَّيِّدِ السَّبَبُ الثَّانِي السَّفَهُ فَإِنْ طَلَّقَ السَّفِيهَةَ أَيْ الْمَحْجُورَ عليها بِسَفَهٍ كما عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ على أَلْفٍ فَقَبِلَتْ أو على أَلْفٍ إنْ شَاءَتْ فَشَاءَتْ فَوْرًا أو قالت له طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَقَعَ رَجْعِيًّا لِاسْتِقْلَالِ الزَّوْجِ بِهِ نعم إنْ كانت غير مَوْطُوءَةٍ وَقَعَ بَائِنًا بِلَا مَالٍ وَإِنْ أَذِنَ لها الْوَلِيُّ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا لِلِالْتِزَامِ وَلَيْسَ لِوَلِيِّهَا صَرْفُ مَالِهَا إلَى مِثْلِ ذلك
قال الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ في الْأُولَى وَمِثْلِهَا الْآخَرُ بِأَنَّ كَذَا أَطْلَقُوهُ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا عَلِمَ الزَّوْجُ السَّفَهَ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ لم يُطَلِّقْ إلَّا في مُقَابَلَةِ مَالٍ بِخِلَافِ ما إذَا عَلِمَ لِأَنَّهُ لم يَطْمَعْ في شَيْءٍ وما بَحْثَاهُ مُوَافِقٌ لِبَحْثِ الرَّافِعِيِّ فِيمَا لو خَالَعَهَا بِمَا في كَفِّهَا لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّ الْمَعْرُوفَ خِلَافُهُ وَلَا طَلَاقَ إنْ لم تَقْبَلْ لِاقْتِضَاءِ الصِّيغَةِ الْقَبُولَ فَهُوَ كَالتَّعْلِيقِ بِصِفَةٍ لَا بُدَّ من حُصُولِهَا لِيَقَعَ الطَّلَاقُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِإِعْطَاءِ السَّفِيهَةِ فِيمَا لو عَلَّقَ بِإِعْطَائِهَا وَبِهِ أَفْتَى السُّبْكِيُّ في قَوْلِهِ لها إنْ أَبْرَأْتنِي من مَهْرِك
____________________
(3/246)
فَأَنْت طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ قال الْبُلْقِينِيُّ في هذه لَا طَلَاقَ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عليه وهو الْإِبْرَاءُ لم يُوجَدْ قال وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْخُوَارِزْمِيَّ وَلَهُ أَعْنِي الْبُلْقِينِيَّ في صُورَةِ الْإِعْطَاءِ احْتِمَالَانِ أَرْجَحُهُمَا أنها لَا تَطْلُقُ بِالْإِعْطَاءِ فإنه لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمِلْكُ وَلَيْسَتْ كَالْأَمَةِ لِأَنَّ تِلْكَ يَلْزَمُهَا مَهْرُ الْمِثْلِ بِخِلَافِ السَّفِيهَةِ
وَالثَّانِي أَنْ يَنْسَلِخَ الْإِعْطَاءُ عن مَعْنَاهُ الذي هو التَّمْلِيكُ إلَى مَعْنَى الْإِقْبَاضِ فَتَطْلُقُ رَجْعِيًّا انْتَهَى وَهَذَا أَوْجَهُ تَنْزِيلًا لِإِعْطَائِهَا مَنْزِلَةَ قَبُولِهَا فَرْعٌ لو قال لِرَشِيدَةٍ وَسَفِيهَةٍ أَيْ مَحْجُورٍ عليها بِسَفَهٍ طَلَّقْتُكُمَا بِأَلْفٍ وَلَوْ مع قَوْلِهِ إنْ شِئْتُمَا فَقَبِلَتْ إحْدَاهُمَا لَغَا الطَّلَاقُ فَلَا يَقَعُ على وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْخِطَابَ مَعَهُمَا يَقْتَضِي الْقَبُولَ مِنْهُمَا أو قَبِلَتَا جميعا بَانَتْ الرَّشِيدَةُ لِأَنَّهَا أَهْلٌ لِلِالْتِزَامِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِلْجَهْلِ بِمَا يَلْزَمُهَا من الْمُسَمَّى وَطَلَقَتْ السَّفِيهَةُ رَجْعِيًّا لَا بَائِنًا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا لِلِالْتِزَامِ وَالْقَبُولِ في صُورَةِ الْمَشِيئَةِ إنَّمَا يَكُونُ بِلَفْظِ الْمَشِيئَةِ وَكَذَا إنْ سَأَلَتَاهُ فَقَالَتَا طَلِّقْنَا بِأَلْفٍ وَأَجَابَهُمَا فَيَقَعُ على الرَّشِيدَةِ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَعَلَى السَّفِيهَةِ رَجْعِيًّا لِمَا ذُكِرَ
فَإِنْ أَجَابَ السَّفِيهَةَ طَلَقَتْ رَجْعِيًّا أو الرَّشِيدَةَ فَبَائِنًا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَلَوْ قال لِسَفِيهَتَيْنِ طَلَّقْتُكُمَا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهِمَا رَجْعِيًّا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَأُصُولُ هذه الْمَسَائِلِ تَقَدَّمَتْ السَّبَبُ الثَّالِثُ الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ فَالْخُلْعُ مَعَهُمَا كَقَوْلِهِ لِإِحْدَاهُمَا أَنْت طَالِقٌ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ لَغْوٌ وَلَوْ مع تَمْيِيزٍ لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّةِ الْقَبُولِ فَلَا عِبْرَةَ بِعِبَارَةِ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ بِخِلَافِ السَّفِيهَةِ وَقِيلَ يَقَعُ الطَّلَاقُ في الصُّورَةِ الصَّغِيرَةِ الْمُمَيِّزَةِ رَجْعِيًّا وَالتَّرْجِيحُ فيها من زِيَادَتِهِ وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ الثَّانِيَ قالوا وقد نَصَّ في الْأُمِّ على وُقُوعِهِ رَجْعِيًّا فِيمَا ذُكِرَ فقال وَإِنْ كانت الْمَرْأَةُ صَبِيَّةً أو بَالِغَةً لَيْسَتْ رَشِيدَةً أو مَغْلُوبًا على عَقْلِهَا فَاخْتَلَعَتْ من زَوْجِهَا بِشَيْءٍ فَكُلُّ ما أُخِذَ منها مَرْدُودٌ عليها وَيَقَعُ عليها الطَّلَاقُ وَيَمْلِكُ عليها الرَّجْعَةَ وقد يُجَابُ بِحَمْلِ النَّصِّ في الصَّبِيَّةِ وَالْمَجْنُونَةِ على ما إذَا ابْتَدَأْنَا بِالْخُلْعِ مع الزَّوْجِ فَطَلَّقَ من غَيْرِ ذِكْرِ الْمَالِ ولم يَقْصِدْ الْجَوَابَ
السَّبَبُ الرَّابِعُ الْمَرَضُ فَإِنْ خَالَعَتْهُ مَرِيضَةٌ مَرَضَ الْمَوْتِ بِأَكْثَرَ من مَهْرِ الْمِثْلِ فَالزَّائِدُ على مَهْرِ الْمِثْلِ مُحَابَاةٌ تُعْتَبَرُ من الثُّلُثِ فَهِيَ كَالْوَصِيَّةِ لِلْأَجْنَبِيِّ لَا لِلْوَارِثِ لِخُرُوجِ الزَّوْجِ بِالْخُلْعِ عن الْإِرْثِ نعم إنْ وَرِثَ بِجِهَةٍ أُخْرَى كَابْنِ عَمٍّ أو مُعْتَقٍ فَالزَّائِدُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ وَإِنْ خَالَعَتْهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ أو أَقَلَّ فَالْمُسَمَّى مُعْتَبَرٌ من رَأْسِ مَالِهَا ولم يَعْتَبِرُوهُ من الثُّلُثِ وَإِنْ اعْتَبَرُوا خُلْعَ الْمُكَاتَبَةِ تَبَرُّعًا لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ أَوْسَعُ وَمِلْكَهُ أَتَمُّ بِدَلِيلِ جَوَازِ صَرْفِهِ الْمَالَ في شَهَوَاتِهِ وَنِكَاحِ الْأَبْكَارِ بِمُهُورِ أَمْثَالِهِنَّ وَإِنْ عَجَزَ عن وَطْئِهِنَّ وَيَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْمُوسِرِينَ وَالْمُكَاتَبُ لَا يَتَصَرَّفُ إلَّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا نَفَقَةُ الْمُعْسِرِينَ فَيَنْزِلُ الْخُلْعُ في حَقِّهِ مَنْزِلَةَ التَّبَرُّعِ بِكَوْنِهِ من قَبِيلِ قَضَاءِ الْأَوْطَارِ الذي يُمْنَعُ منه الْمُكَاتَبُ دُونَ الْمَرِيضِ
فَإِنْ خَالَعَتْهُ بِعَبْدٍ قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَمَهْرُ مِثْلِهَا خَمْسُونَ فَالْمُحَابَاةُ بِنِصْفِهِ فَإِنْ احْتَمَلَهُ أَيْ النِّصْفَ الثُّلُثُ أَخَذَهُ أَيْ لِزَوْجِ الْعَبْدِ نِصْفُهُ عِوَضًا وَنِصْفُهُ وَصِيَّةً وَلَا خِيَارَ له وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَحْتَمِلْهُ الثُّلُثُ فَلَهُ الْخِيَارُ بين أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ وما احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ من النِّصْفِ الثَّانِي كَأَنْ خَلَّفَتْ مع الْعَبْدِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَتُضَمُّ إلَى نِصْفِ الْعَبْدِ فَتَكُونُ التَّرِكَةُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ فَلَهُ ثُلُثُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَهِيَ قَدْرُ رُبْعِ الْعَبْدِ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ نِصْفُهُ بِالْخُلْعِ وَرُبْعُهُ بِالْوَصِيَّةِ وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ الْمُسَمَّى وَيَأْخُذَ مَهْرَ الْمِثْلِ وَلَا شَيْءَ له بِالْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا كانت في ضِمْنِ مُعَاوَضَةٍ وقد ارْتَفَعَتْ بِالْفَسْخِ إلَّا إنْ كان عليها دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَيُخَيَّرُ بين أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الْعَبْدِ وهو قَدْرُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا شَيْءَ له سِوَاهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْمُحَابَاةِ وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ الْمُسَمَّى وَيُضَارِبَ مع الْغُرَمَاءِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا فَائِدَةَ له في ذلك إلَّا الْخَلَاصُ من سُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَإِنْ زَاحَمَتْهُ أَرْبَابُ الْوَصَايَا خُيِّرَ بين أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الْعَبْدِ وَيُزَاحِمَ أَرْبَابَ الْوَصَايَا بِالنِّصْفِ الْآخَرِ فيه لِأَنَّهُ فيه كَأَحَدِهِمْ وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ الْمُسَمَّى وَيُقَدَّمَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ على أَرْبَابِ الْوَصَايَا وَلَا شَيْءَ له بِالْوَصِيَّةِ لِمَا مَرَّ وَإِنَّمَا تُتَّجَهُ الْمُزَاحَمَةُ كما قال ابن الرِّفْعَةِ في وَصِيَّةٍ مُنْجَزَةٍ مُقَارِنَةٍ لِوَصِيَّةِ الْخُلْعِ وَإِلَّا فَلَا مُزَاحِمَةَ لِتَقَدُّمِ التَّبَرُّعِ الْمُنْجَزِ على الْمُعَلَّقِ بِالْمَوْتِ وَيُقَدَّمُ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ من الْمُنْجَزِ
وَإِنْ لم يَكُنْ لها سِوَى الْعَبْدِ وَلَا دَيْنَ وَلَا وَصِيَّةَ خُيِّرَ بين ثُلُثَيْهِ النِّصْفُ مُعَاوَضَةً وَالسُّدُسُ وَصِيَّةً وهو ثُلُثُ الْبَاقِي وَبَيْنَ الْفَسْخِ لِلْمُسَمَّى وأخذ مَهْرَ الْمِثْلِ عنه هذا عُلِمَ من قَوْلِهِ أَوَّلًا
____________________
(3/247)
من زِيَادَتِهِ وَإِلَّا فَلَهُ الْخِيَارُ إلَى آخِرِهِ وَأَمَّا مَرَضُ الزَّوْجِ فَلَا يُؤَثِّرُ في الْخُلْعِ فَيَصِحُّ منه فيه وَلَوْ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ له تَطْلِيقَهَا مَجَّانًا وَلِأَنَّ الْبُضْعَ لَا يَبْقَى لِلْوَارِثِ وَإِنْ لم يُخَالِعْ فَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِهِ من الثُّلُثِ كما لو أَعْتَقَ مُسْتَوْلَدَتَهُ في مَرَضِ مَوْتِهِ لَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا من الثُّلُثِ وَلَوْ خَالَعَ أَجْنَبِيٌّ من مَالِهِ في مَرَضِهِ اُعْتُبِرَ من الثُّلُثِ لِأَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَيْهِ الْعِوَضُ قَالَهُ ابن الصَّبَّاغِ
الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْمُعَوَّضُ وهو الْبُضْعُ وَشَرْطُهُ أَنْ يَمْلِكَهُ الزَّوْجُ فَيَصِحَّ خُلْعُ الرَّجْعِيَّةِ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ بِخِلَافِ الْبَائِنِ لِأَنَّ الْمَبْذُولَ لِإِزَالَةِ مِلْكِ الزَّوْجِ عن الْبُضْعِ وَلَا مِلْكَ له على الْبَائِنِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيُسْتَثْنَى ما لو عَاشَرَ الرَّجْعِيَّةَ مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ بِلَا وَطْءٍ وَانْقَضَتْ الْأَقْرَاءُ أو الْأَشْهُرُ وَقُلْنَا يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ وَلَا يُرَاجِعُهَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ خُلْعُهَا لِأَنَّهَا بَائِنٌ إلَّا في الطَّلَاقِ وما قَالَهُ يُؤْخَذُ من التَّعْلِيلِ السَّابِقِ
فَرْعٌ لو قالت طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فقال أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً وَطَالِقٌ ثَانِيَةً وَطَالِقٌ ثَالِثَةً فَإِنْ أَرَادَ بِالْعِوَضِ الْأُولَى وَقَعَتْ دُونَ الْأُخْرَيَيْنِ أو الثَّانِيَةَ وَقَعَتْ الْأُولَيَانِ دُونَ الثَّالِثَةِ أو الثَّالِثَةَ وَقَعَتْ الثَّلَاثُ لِأَنَّ الْخُلْعَ وَرَدَ على الثَّالِثَةِ فَوَقَعَ ما تَقَدَّمَهَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْخُلْعُ في الرِّدَّةِ مِنْهُمَا أو من أَحَدِهِمَا بَعْدَ الدُّخُولِ مَوْقُوفٌ فَإِنْ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ في الْعِدَّةِ تَبَيَّنَّا صِحَّةَ الْخُلْعِ وَإِلَّا فَلَا لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ بِالرِّدَّةِ وَكَذَا لو أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْوَثَنِيَّيْنِ أو نَحْوُهُمَا بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ خَالَعَ وُقِفَ فَإِنْ أَسْلَمَ الْآخَرُ في الْعِدَّةِ تَبَيَّنَّا صِحَّةَ الْخُلْعِ وَإِلَّا فَلَا
قال ابن الرِّفْعَةِ وَمِنْ فَوَائِدِ الْوَقْفِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ على كُلٍّ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ فِيمَا جُعِلَ عِوَضًا حتى يَنْكَشِفَ الْأَمْرُ فَلَوْ تَصَرَّفَ فيه وَاحِدٌ مِنْهُمَا قبل الِانْكِشَافِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ ثُمَّ بَانَ الْمِلْكُ له أَمْكَنَ أَنْ يُخَرَّجَ نُفُوذُ تَصَرُّفِهِ على بَيْعِ مَالِ الْأَبِ بِظَنِّ حَيَاتِهِ فَبَانَ مَوْتُهُ وَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ بِخِلَافِهِ لِأَنَّهُ هُنَاكَ اعْتَمَدَ على أَصْلٍ وهو بَقَاءُ مِلْكِ الْأَبِ بِخِلَافِ ما هُنَا وما قَالَهُ إنَّمَا يَأْتِي على ضَعِيفٍ فَلَوْ قال بَدَلَ قَوْلِهِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ بِمَا يَحْتَمِلُ الْوَقْفَ كَعِتْقٍ وَتَدْبِيرٍ وَوَصِيَّةٍ كان حَسَنًا الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْعِوَضُ وهو كَالصَّدَاقِ يَجُوزُ قَلِيلًا وَكَثِيرًا عَيْنًا وَدَيْنًا وَمَنْفَعَةً بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ على مَنْفَعَةِ بُضْعٍ وَيُشْتَرَطُ فيه ما يُشْتَرَطُ في سَائِرِ الْأَعْوَاضِ كَالْعِلْمِ بِهِ وَالْقُدْرَةِ على تَسْلِيمِهِ وَاسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ فَإِنْ خَالَعَ على مَجْهُولٍ كَعَبْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ أو على ما في كَفِّهَا وَلَوْ كان كَفُّهَا فَارِغًا الْأَوْلَى وَلَوْ كانت فَارِغَةً وَعَلِمَ بِهِ أو خَالَعَ مع شَرْطٍ فَاسِدٍ كَتَطْلِيقِ ضَرَّتِهَا أو على أَنْ لَا يُنْفِقَ عليها وَهِيَ حَامِلٌ أو لَا سُكْنَى لها أو لَا عِدَّةَ عليها
أو خَالَعَ بِأَلْفٍ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ بَانَتْ منه لِوُقُوعِهِ بِعِوَضٍ وَإِنْ كان فَاسِدًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ الْمَرَدُّ عِنْدَ فَسَادِ الْعِوَضِ كما في فَسَادِ الصَّدَاقِ وَلِأَنَّ قَضِيَّةَ فَسَادِهِ مَرْجُوعُ الْعِوَضِ الْآخَرِ إلَى مُسْتَحَقِّهِ وَالْبُضْعُ لَا يَرْجِعُ بَعْدَ الْفُرْقَةِ فَوَجَبَ رَدُّ بَدَلِهِ كما في فَسَادِ الصَّدَاقِ وَكَذَا تَبِينُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ إذَا خَالَعَهَا على خَمْرٍ أو خِنْزِيرٍ أو حُرٍّ أو مَيْتَةٍ أو مَغْصُوبٍ أو ما لَا يَقْدِرُ على تَسْلِيمِهِ أو ما لم يَسْتَقِرَّ مِلْكُهُ عليه أو على عَيْنٍ وَتَلِفَتْ قبل الْقَبْضِ أو رَدَّهَا بِعَيْبٍ أو فَوَاتِ صِفَةٍ مَشْرُوطَةٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ خُلْعَ الْكُفَّارِ بِعِوَضٍ غَيْرِ مَالِ صَحِيحٍ كما في أَنْكِحَتِهِمْ فَإِنْ وَقَعَ إسْلَامٌ بَعْدَ قَبْضِهِ كُلِّهِ فَلَا شَيْءَ له عليها أو قبل قَبْضِ شَيْءٍ منه فَلَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ أو بَعْدَ قَبْضِ بَعْضِهِ فَالْقِسْطُ فَإِنْ خَالَعَهَا على دَمٍ أو نَحْوِهِ مِمَّا لَا يُقْصَدُ كَالْحَشَرَاتِ وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا لِأَنَّ ذلك لَا يُقْصَدُ بِحَالٍ فَكَأَنَّهُ لم يَطْمَعْ في شَيْءٍ بِخِلَافِ الْمَيْتَةِ لِأَنَّهَا قد تُقْصَدُ لِلضَّرُورَةِ وَلِلْجَوَارِحِ
وَلِلرَّافِعَيَّ في التَّعْلِيلِ نَظَرٌ ذَكَرْته مع ما فيه في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَإِنْ خَالَعَهَا على ثَوْبٍ مَوْصُوفٍ فَأَعْطَتْهُ ثَوْبًا بِالصِّفَةِ طَلَقَتْ لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عليه إنْ كانت الصِّيغَةُ صِيغَةَ تَعْلِيقٍ وَإِلَّا فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ بِالْقَبُولِ فَإِنْ خَرَجَ مَعِيبًا وَرَدَّهُ طَالَبَ بِبَدَلِهِ سَلِيمًا كَالْمُسَلَّمِ فيه إلَّا إذَا كان الْخَلْعُ بِصِيغَةِ التَّعْلِيقِ كَإِنْ أَعْطَيْتنِي ثَوْبًا بِصِفَةِ كَذَا فَأَنْت طَالِقٌ فَأَعْطَتْهُ ثَوْبًا بِالصِّفَةِ وَظَهَرَ مَعِيبًا وَرَدَّهُ فإنه يَرْجِعُ
____________________
(3/248)
عليها بِمَهْرِ الْمِثْلِ لَا بِبَدَلِ الثَّوْبِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهِ فَأَشْبَهَ ما لو خَالَعَهَا عليه بِخِلَافِهِ ثَمَّ فإنه إنَّمَا تَعَلَّقَ بِعِوَضٍ في الذِّمَّةِ فَإِنْ قَدَّرَ الزَّوْجُ لِوَكِيلِهِ في الْخُلْعِ مَالًا فَزَادَ عليه وَلَوْ من غَيْرِ جِنْسِهِ أو اقْتَصَرَ عليه كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ صَحَّ لِأَنَّهُ أتى بِالْمَأْذُونِ فيه وزاد في الْأَوْلَى خَيْرًا
أو نَقَصَ عنه لم تَطْلُقْ لِلْمُخَالَفَةِ كما في الْبَيْعِ وَإِنْ أَطْلَقَ التَّوْكِيلَ في الْخُلْعِ فَخَالَعَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ أو أَكْثَرَ منه صَحَّ لِأَنَّهُ أتى بِمُقْتَضَى مُطْلَقِ الْخُلْعِ وزاد في الثَّانِيَةِ خَيْرًا وَكَمَا يُحْمَلُ إطْلَاقُ التَّوْكِيلِ في الْبَيْعِ على ثَمَنِ الْمِثْلِ أو خَالَعَ بِدُونِهِ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ كما لو خَالَعَ بِخَمْرٍ وَفَارَقَتْ النَّقْصَ عن مُقَدَّرِ الزَّوْجِ بِصَرِيحِ الْمُخَالَفَةِ له فيها بِخِلَافِهِ في هذه وَهَذَا ما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَصَحَّحَهُ في الرَّوْضَةِ وَتَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عن الْعِرَاقِيِّينَ وَالرُّويَانِيِّ وفي الْمُهِمَّاتِ أَنَّ الْفَتْوَى عليه وَصَحَّحَ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا طَلَاقَ أَصْلًا كما في الْبَيْعِ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ وقال الرَّافِعِيُّ كَأَنَّهُ أَقْوَى تَوْجِيهًا وقال في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ إنَّهُ الْأَقْوَى وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْبَغَوِيّ
وَخُلْعُ الْوَكِيلِ بِالْمُؤَجَّلِ أو بِغَيْرِ جِنْسِ الْمُسَمَّى أو بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ كَالنُّقْصَانِ أَيْ كَخُلْعِهِ بِأَنْقَصَ من الْمُقَدَّرِ أو مَهْرِ الْمِثْلِ وَإِنْ وَكَّلَتْهُ لِيَخْتَلِعَهَا بِمِائَةٍ فَاخْتَلَعَ بها أو بِدُونِهَا جَازَ لِأَنَّهُ أتى في الْأُولَى بِالْمَأْذُونِ فيه وزاد في الثَّانِيَةِ خَيْرًا أو بِأَكْثَرَ منها في مَالِهَا أو بِغَيْرِ جِنْسِهِ أَيْ الْعِوَضِ كَأَنْ قالت له خَالِعْ بِدَرَاهِمَ فَخَالَعَ بِدَنَانِيرَ أو ثَوْبٍ وَزَعَمَهُ بِوَكَالَةٍ منها نَفَذَ الْخُلْعُ بِخِلَافِ وَكِيلِ الزَّوْجِ إذَا نَقَصَ عن مُقَدَّرِهِ كما مَرَّ لِمُخَالَفَةِ الزَّوْجِ الْمَالِكِ لِلطَّلَاقِ وَالْمَرْأَةُ لَا تَمْلِكُهُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ منها قَبُولُ الْعِوَضِ فَمُخَالَفَةُ وَكِيلِهَا إنَّمَا تُؤَثِّرُ في الْعِوَضِ وَفَسَادُهُ لَا يَمْنَعُ الْبَيْنُونَةَ وَلِأَنَّ الْخُلْعَ من جَانِبِ الزَّوْجِ فيه شَوْبُ تَعْلِيقٍ فَكَأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمُقَدَّرِ وَعِنْدَ نَقْصِهِ لم تَحْصُلْ الصِّفَةُ وَلَزِمَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ سَوَاءٌ أَزَادَ على مُقَدَّرِهَا أَمْ نَقَصَ لِفَسَادِ الْعِوَضِ قال في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَعَلَى وَكِيلِهَا الزَّائِدُ على مَهْرِ الْمِثْلِ وإذا غَرِمَهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ عليها لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ من عِنْدِهِ وَاسْتَشْكَلَ الْبَارِزِيُّ لُزُومَ الزَّائِدِ بِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ إنَّمَا وَجَبَ لِفَسَادِ الْعِوَضِ فَلَا وَجْهَ لِلُزُومِهِ قال ولم يَتَعَرَّضْ له الْغَزَالِيُّ وَلَا الرَّافِعِيُّ
وَلَا يُطَالِبُ وَكِيلَهَا بِمَا لَزِمَهَا إلَّا إنْ ضَمِنَ كَأَنْ يَقُولَ على إنِّي ضَامِنٌ فَيُطَالَبُ بِمَا سُمِّيَ وَإِنْ زَادَ على مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا يُؤَثِّرُ تَرَتُّبُ ضَمَانِهِ على إضَافَةٍ فَاسِدَةٍ لِأَنَّ الْخُلْعَ عَقْدٌ يَسْتَقِلُّ بِهِ الْأَجْنَبِيُّ فَجَازَ أَنْ يُؤَثِّرَ فيه الضَّمَانُ بِمَعْنَى الِالْتِزَامِ وَإِنْ تَرَتَّبَ على ذلك خِلَافُ ضَمَانِ الثَّمَنِ وَنَحْوُهُ فَإِنْ أَضَافَ الْوَكِيلُ الْخُلْعَ إلَى نَفْسِهِ أو أَطْلَقَهُ ولم يَنْوِهَا كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ فَيَلْزَمُهُ الْعِوَضُ لِأَنَّ اخْتِلَاعَ الْأَجْنَبِيِّ لِنَفْسِهِ صَحِيحٌ فَإِضَافَتُهُ إلَى نَفْسِهِ أو إطْلَاقُهُ على الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ إعْرَاضٌ عن التَّوْكِيلِ وَاسْتِبْدَادٌ بِالْخُلْعِ مع الزَّوْجِ وَإِنْ أَطْلَقَ الْخُلْعَ ولم يُضِفْ إلَيْهِ وَلَا إلَيْهَا وقد نَوَاهَا طُولِبَ بِمَا سَمَّاهُ وَإِنْ زَادَ على ما سَمَّتْهُ وَعَلَيْهَا منه ما سَمَّتْهُ لِأَنَّ صَرْفَ اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ إلَيْهِ مُمْكِنٌ فَكَأَنَّهُ افْتَدَاهَا بِمُسَمَّاهَا وَزِيَادَةٍ من عِنْدِهِ فَعَلَيْهِ ما زَادَهُ وَفُهِمَ بِالْأَوْلَى ما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ من أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ فِيمَا لو أَضَافَ مُسَمَّاهَا إلَيْهَا وما زَادَهُ إلَيْهِ
وإذا غَرِمَ في هذه وفي مَسْأَلَةِ الضَّمَانِ رَجَعَ عليها لَكِنْ بِقَدْرِ ما سَمَّتْ فَقَطْ إنْ سَمَّتْ شيئا لِأَنَّهَا لم تَرْضَ بِأَكْثَرَ منه وَلِأَنَّ الزَّائِدَ في مَسْأَلَةِ الضَّمَانِ تَوَلَّدَ من فِعْلِهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ لها أَنْ تَرْجِعَ عليه فيها بِمَا غَرِمَتْهُ زَائِدًا على مُسَمَّاهَا وَيَكُونُ اسْتِقْرَارُ الزَّائِدِ عليه قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَإِنْ أَطْلَقَتْ التَّوْكِيلَ فَكَأَنَّهَا قَدَّرَتْ مَهْرَ الْمِثْلِ فَيَأْتِي فيه ما مَرَّ من أَنَّهُ قد يُخَالِعُ
____________________
(3/249)
بِهِ أو بِأَقَلَّ أو بِأَكْثَرَ منه وَإِنَّهُ يُطَالَبُ بِمَا سَمَّاهُ وَإِنْ زَادَ على مَهْرِ الْمِثْلِ وَإِنَّهُ إذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى رُجُوعِهِ عليها لَا يَرْجِعُ إلَّا بِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَرْعٌ لو خَالَعَ وَكِيلُهَا الزَّوْجَ بِخَمْرٍ أو خِنْزِيرٍ مَثَلًا وَلَوْ بِإِذْنِهَا فيه نَفَذَ لِأَنَّهُ وَقَعَ بِعِوَضٍ مَقْصُودٍ وَفَارَقَ نَظِيرَهُ في الْبَيْعِ بِأَنَّ في الْخُلْعِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَكَأَنَّ الزَّوْجَ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِقَبُولِ ذلك فَأَشْبَهَ ما إذَا خَاطَبَهَا بِهِ فَقَبِلَتْ
وَلَزِمَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الْعِوَضِ أو خَالَعَ وَكِيلُهُ أَيْ الزَّوْجِ على خَمْرٍ مَثَلًا وكان قد وَكَّلَهُ بِذَلِكَ فَكَذَلِكَ أَيْ فَيَنْفُذُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لَا إنْ خَالَفَ وَكِيلَهُ فَأَبْدَلَ خَمْرًا وَكَّلَهُ بِالْخُلْعِ بها بِخِنْزِيرٍ فَيَلْغُو أَيْ الْخُلْعُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فيه وَهَذَا من زِيَادَتِهِ هُنَا وقد قَدَّمَهُ كَأَصْلِهِ في بَابِ الْوَكَالَةِ فَرْعٌ في فَتَاوَى الْبَغَوِيّ أَنَّ من قالت لِوَكِيلِهَا اخْتَلِعْنِي بِطَلْقَةٍ على أَلْفٍ فَاخْتَلَعَهَا بِثَلَاثَةٍ على أَلْفٍ فَإِنْ أَضَافَ الْخُلْعَ إلَيْهَا وَقَعَ طَلْقَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ عليها وَإِلَّا بِأَنْ أَطْلَقَ وَنَوَاهَا أَخْذًا مِمَّا مَرَّ وَقَعَ الثَّلَاثُ بِأَلْفٍ عليها منه ثُلُثُهُ فَقَطْ لِأَنَّهُ لم يَحْصُلْ مَسْأَلَتُهَا إلَّا بِهِ وَالْبَاقِي على الْوَكِيلِ قال في الْأَصْلِ وفي ذلك نَظَرٌ وَسَيَأْتِي أنها لو قالت طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَقَعَ الثَّلَاثُ وَاحِدَةً منها بِالْأَلْفِ انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ في خُلْعِ الزَّوْجَةِ مع الزَّوْجِ ما لَا يُحْتَمَلُ في خُلْعِ وَكِيلِهَا معه
وَفِيهَا أَيْ في فَتَاوَى الْبَغَوِيّ أنها إنْ وَكَّلَتْهُ في أَنَّهُ يَخْتَلِعُهَا بِثَلَاثٍ على أَلْفٍ فَاخْتَلَعَهَا وَاحِدَةً بِأَلْفٍ وَأَضَافَ إلَيْهَا لم يَقَعْ طَلَاقٌ وَإِلَّا وَقَعَ وَلَزِمَ الْوَكِيلَ ما سَمَّاهُ وفيها أَنَّهُ إنْ قال الزَّوْجُ لِوَكِيلِهِ خَالِعْهَا ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَخَالَعَ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ نَفَذَ الْخُلْعُ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا وإنه إنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِتَطْلِيقِهَا بِأَلْفٍ وَآخَرَ بِتَطْلِيقِهَا بِأَلْفَيْنِ فَإِنْ أَوْجَبَا مَعًا وَأَجَابَتْهُمَا مَعًا لم يَنْفُذْ أَيْ الطَّلَاقُ لِعَدَمِ التَّرْجِيحِ وَإِلَّا نَفَذَ السَّابِقُ مِنْهُمَا وَكَذَا لو وَكَّلَهُمَا كَذَلِكَ في بَيْعٍ بِأَنْ وَكَّلَ رَجُلًا يَبِيعُ عَبْدَهُ بِأَلْفٍ وَآخَرَ يَبِيعُهُ بِأَلْفَيْنِ فَإِنْ عَقَدَا مَعًا لم يَصِحَّ الْبَيْعُ وَالْأَصَحُّ السَّابِقُ وَفِيهَا أَيْضًا لو قالت لِوَكِيلِهَا اخْتَلِعْنِي بِمَا اسْتَصْوَبْت فَاخْتَلَعَهَا بِأَلْفٍ في ذِمَّتِهَا أو بِصَدَاقٍ لها في ذِمَّةِ الزَّوْجِ جَازَ أو بِعَيْنٍ من مَالِهَا لم يَجُزْ لِأَنَّ ما يُفَوَّضُ إلَى الرَّأْيِ يَنْصَرِفُ إلَى الذِّمَّةِ عَادَةً لَا إلَى الْأَعْيَانِ كما لو قال اشْتَرِ لي عَبْدًا بِمَا شِئْت
وفي فَتَاوَى الْقَفَّالِ إنَّهُ لو وَكَّلَهُ بِتَطْلِيقِ زَوْجَتِهِ ثَلَاثًا وَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً بِأَلْفٍ وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا بِلَا مَالٍ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لو طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِهِ أَيْ بِأَلْفٍ لَا مَالٍ أَيْضًا وَلَا يَبْعُدُ ثُبُوتُهُ أَيْ الْمَالِ وَإِنْ لم يَتَعَرَّضْ الزَّوْجُ له كما لو قال خَالِعْهَا بِمِائَةٍ فَخَالِعهَا بِأَكْثَرَ قال الرَّافِعِيُّ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ بِهِ الطَّلَاقُ وهو قد يَكُونُ بِمَالٍ وقد يَكُونُ بِغَيْرِهِ فإذا أتى بِمَا وَكَّلَهُ بِهِ على الْوَجْهِ الذي هو خَيْرٌ وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ قال الْأَذْرَعِيُّ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا بِلَا عِوَضٍ فَهُوَ كما لو وَكَّلَهُ بِهِبَةِ شَيْءٍ لِزَيْدٍ فَبَاعَهُ له لم يَصِحَّ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ شَيْءٍ بِمِائَةٍ فَبَاعَهُ بِأَزْيَدَ جَازَ وَإِدْخَالُ الْعِوَضِ في مِلْكِ الْمُوَكِّلِ من غَيْرِ تَعَرُّضٍ له جُمْلَةً بَعِيدٌ وَلَيْسَ ذلك كَالزِّيَادَةِ التَّابِعَةِ انْتَهَى وقد يُجَابُ بِمَنْعِ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا بِلَا عِوَضٍ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ في الطَّلَاقِ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْعِوَضِ غَايَتُهُ أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْعِوَضَ بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ في الْهِبَةِ فما ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِقْهٌ وَاضِحٌ مَأْخُوذٌ مِمَّا مَرَّ في الْبَابِ الْأَوَّلِ في مَسْأَلَةِ الْبُوشَنْجِيِّ
لَكِنْ ما زَعَمَهُ من أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَفَّالِ عَدَمُ ثُبُوتِ الْمَالِ فِيمَا قَالَهُ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ كَلَامَ الْقَفَّالِ إنَّمَا هو فِيمَا إذَا خَالَفَ الْوَكِيلُ الزَّوْجَ في الْعَدَدِ وَالْمُقْتَضَى الْمَذْكُورُ فِيمَا إذَا لم يُخَالِفْهُ فيه فَافْهَمْ الرُّكْنُ الْخَامِسُ الصِّيغَةُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَتَخَلَّلَ بين الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كَلَامُ أَجْنَبِيٍّ كَثِيرٌ مِمَّنْ يُطْلَبُ منه الْجَوَابُ لِإِشْعَارِهِ بِالْإِعْرَاضِ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ مُطْلَقًا وَالْكَثِيرُ مِمَّنْ لم يُطْلَبْ منه الْجَوَابُ فَإِنْ تَخَلَّلَتْ رِدَّةٌ بِكَلَامٍ أو غَيْرِهِ قبل الدُّخُولِ تَنَجَّزَتْ الْفُرْقَةُ بِالرِّدَّةِ فَلَا يَقَعُ طَلَاقٌ أو بَعْدَهُ فَالطَّلَاقُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ أَسْلَمَتْ في الْعِدَّةِ نَفَذَ الطَّلَاقُ وَلَزِمَ
____________________
(3/250)
الْمَالُ أَيْ تَبَيَّنَ ذلك ولم يُبْطِلْهُ تَخَلُّلُ الرِّدَّةِ لِأَنَّهَا يَسِيرَةٌ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم تُسَلِّمْ في الْعِدَّةِ فَلَا طَلَاقَ وَلَا مَالَ وَإِنْ وَقَعَتْ الرِّدَّةُ مع الْقَبُولِ فَالظَّاهِرُ بَيْنُونَتُهَا بِالرِّدَّةِ قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ
وَإِنْ سَأَلَتَاهُ أَيْ زَوْجَتَاهُ بَعْدَ الدُّخُولِ الطَّلَاقَ بِأَلْفٍ فَأَجَابَهُمَا وَتَخَلَّلَتْ رِدَّتُهُمَا أو رِدَّةُ إحْدَاهُمَا بين الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ أو سَبَقَتْ الرِّدَّةُ مِنْهُمَا أو من إحْدَاهُمَا ذلك فَطَلَاقُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَوْقُوفٌ على إسْلَامِهَا في الْعِدَّةِ لَكِنْ إذَا وَقَعَ إنَّمَا يَقَعُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لَا بِنِصْفِ الْأَلْفِ لِلْجَهْلِ بِمَا يَلْزَمُهَا منه وَلَا بِحِصَّتِهَا منه إذَا وُزِّعَ على مَهْرِ مِثْلِهِمَا ثُمَّ الطَّلَاقُ الْمَوْقُوفُ يَتَبَيَّنُ وُقُوعُهُ من يَوْمِ الطَّلَاقِ فَتُحْسَبُ الْعِدَّةُ منه وَذِكْرُ حُكْمٍ سَبَقَ رِدَّةَ إحْدَاهُمَا من زِيَادَتِهِ وَإِنْ كان الزَّوْجُ هو الْمُبْتَدِئَ وقال الْأَوْلَى قَوْلُ الرَّوْضَةِ فقال طَلَّقْتُكُمَا بِأَلْفٍ فَارْتَدَّتَا أو إحْدَاهُمَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ثُمَّ قَبِلَتَا فَبَيْنُونَةُ إحْدَاهُمَا بِالرِّدَّةِ تَمْنَعُ طَلَاقَ الْأُخْرَى كما تَمْنَعُ طَلَاقَ نَفْسِهَا فَلَوْ أَسْلَمَتْ إحْدَاهُمَا وَأَصَرَّتْ الْأُخْرَى لم تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا كما لو قَبِلَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى وقد مَرَّ أَنَّهُ إذَا ابْتَدَأَ بِالْإِيجَابِ فَلَا بُدَّ من قَبُولِهِمَا بِخِلَافِ ما إذَا ابْتَدَأَتَا
فَصْلٌ لو قال خَالَعْتكِ بِأَلْفٍ فقالت قَبِلْت الْأَلْفَ وإن لم يذكر الْخُلْعَ أو قالت له طَلِّقْنِي على أَلْفٍ فقال طَلَّقْتُك وإن سَكَتَ عن ذِكْرِ الْمَالِ أو قال لها الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَهُمَا اخْتَلَعْتُ نَفْسَك منه بِكَذَا فقالت اخْتَلَعْتُ ثُمَّ قال له على الْفَوْرِ خَالِعْهَا فقال لها خَالَعْتكِ أو خَالَعَتْ كَفَى في صِحَّةِ ما ذُكِرَ وَإِنْ لم تَسْمَعْ أَيْ الْمَرْأَةُ في الْأَخِيرَةِ إلَّا كَلَامَ الْوَكِيلِ يَعْنِي الْمُتَوَسِّطِ فَلَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُهَا الزَّوْجَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو خَاطَبَ أَصَمَّ فَأَسْمَعَهُ غَيْرُ الْمُخَاطِبِ وَقَبِلَ صَحَّ الْعَقْدُ فَصْلٌ لَا رَجْعَةَ في طَلَاقِ الْعِوَضِ وَإِنْ فَسَدَ الْعِوَضُ لِأَنَّهَا إنَّمَا بَذَلَتْهُ لِتَمْلِكَ بُضْعَهَا فَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ وِلَايَةَ الرُّجُوعِ إلَيْهِ كما أَنَّ الزَّوْجَ إذَا بَذَلَهُ صَدَاقًا لِتَمْلِكَ الْبُضْعَ لم يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ وِلَايَةُ الرُّجُوعِ إلَى الْبُضْعِ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهُ فِدْيَةً وَالْفِدْيَةُ خَلَاصُ النَّفْسِ من السَّلْطَنَةِ عليها
وَمَتَى شَرَطَ في الْخُلْعِ الرَّجْعَةَ كَخَالَعْتُكِ بِدِينَارٍ على أَنَّ لي عَلَيْك الرَّجْعَةَ بَطَلَ الْعِوَضُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا لِتَنَافِي شَرْطَيْ الْمَالِ وَالرَّجْعَةِ فَيَتَسَاقَطَانِ وَيَبْقَى أَصْلُ الطَّلَاقِ وَقَضِيَّتُهُ ثُبُوتُ الرَّجْعَةِ وَإِنْ شَرَطَ فيه رَدَّ الْعِوَضِ مَتَى شَاءَ لِيُرَاجَعْ بَانَتْ لِرِضَاهُ بِسُقُوطِ الرَّجْعَةِ هُنَا وَمَتَى سَقَطَتْ لَا تَعُودُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الْعِوَضِ بِفَسَادِ الشَّرْطِ فَصْلٌ لها إنْ كانت رَشِيدَةً تَوْكِيلُ امْرَأَةٍ وَكَذَا له تَوْكِيلُهَا في خُلْعٍ وَطَلَاقٍ كما في غَيْرِهِمَا وَلِأَنَّ لِلْمَرْأَةِ طَلَاقَ نَفْسِهَا بِقَوْلِهِ لها طَلِّقِي نَفْسَك وَذَلِكَ إمَّا تَمْلِيكٌ لِلطَّلَاقِ أو تَوْكِيلٌ بِهِ إنْ كان تَوْكِيلًا فَذَاكَ أو تَمْلِيكًا فَمَنْ جَازَ تَمْلِيكُهُ لِشَيْءٍ جَازَ تَوْكِيلُهُ بِهِ وَلَهُ تَوْكِيلُ عَبْدٍ وَسَفِيهٍ أَيْ مَحْجُورٍ عليه بِسَفَهٍ في ذلك وَلَوْ بِلَا إذْنٍ من السَّيِّدِ وَالْوَلِيِّ إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِوَكِيلِهِ في الْخُلْعِ عُهْدَةٌ وَلِأَنَّ كُلًّا من الْعَبْدِ وَالسَّفِيهِ لو خَالَعَ لِنَفْسِهِ جَازَ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا في خُلْعِ غَيْرِهِ لَا في الْقَبْضِ لِلْعِوَضِ بِلَا إذْنٍ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا أَهْلًا لِقَبْضِ حَقِّهِمَا
أَمَّا بِالْإِذْنِ فَيَصِحُّ كما يَصِحُّ قَبْضُ السَّفِيهِ بِهِ كما مَرَّ عن الدَّارَكِيِّ وَالتَّقْيِيدُ بِعَدَمِ الْإِذْنِ في هذه وَذِكْرُ حُكْمِ الْعَبْدِ فيها وَفِيمَا يَأْتِي عَقِبَهَا من زِيَادَتِهِ فَإِنْ وَكَّلَهُ أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا في الْقَبْضِ وَقَبَضَ وَالْعِوَضُ مُعَيَّنٌ قال السُّبْكِيُّ أو غَيْرُ مُعَيَّنٍ لَكِنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ ضَيَّعَ الزَّوْجُ مَالَهُ وَبَرِئَتْ منه الْمَرْأَةُ وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُعَيَّنِ من زِيَادَتِهِ وَخَرَجَ بِهِ غَيْرُهُ فَلَا تَبْرَأُ الْمَرْأَةُ بِدَفْعِهِ لِأَنَّ ما في الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِقَبْضٍ صَحِيحٍ وَتَبِعَ في هذا السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْإِطْلَاقُ هو ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَغَيْرِهِ وهو الْأَقْرَبُ إلَى الْمَنْقُولِ إذَا أَذِنَ الزَّوْجُ لِلسَّفِيهِ مَثَلًا كَإِذْنِ وَلِيِّهِ له وَوَلِيُّهُ لو أَذِنَ له في قَبْضِ دَيْنٍ له فَقَبَضَهُ اعْتَدَّ بِهِ كما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن تَرْجِيحِ الْحَنَّاطِيِّ وَإِنْ وَكَّلَتْ عَبْدًا في اخْتِلَاعِهَا جَازَ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ وإذا امْتَثَلَ فَاخْتَلَعَهَا بِعَيْنِ مَالِهَا فَذَاكَ أو بِمَالٍ في الذِّمَّةِ فَإِنْ أَضَافَهُ إلَيْهَا طُولِبَتْ بِهِ وَإِنْ أَطْلَقَ فَإِنْ وَكَّلَتْهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ تَعَلَّقَ الْمَالُ بِكَسْبِهِ أو بِمَا في يَدِهِ من مَالِ التِّجَارَةِ كما لو اخْتَلَعَتْ الْأَمَةُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ
وَرَجَعَ بِهِ عليها إنْ غَرِمَهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ وَكَّلَتْهُ بِلَا إذْنٍ طُولِبَ أَيْ طَالَبَهُ الزَّوْجُ جَوَازًا بِالْمَالِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَطَالَبَهَا في الْحَالِ وَيَرْجِعُ هو بِهِ عليها إنْ قَصَدَهُ
____________________
(3/251)
أَيْ الرُّجُوعَ وَغَرِمَ وَلَا يُشْكِلُ ذلك بِعَدَمِ صِحَّةِ ضَمَانِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّ الضَّمَانَ ثَمَّ مَقْصُودٌ وَهُنَا إنَّمَا حَصَلَ ضِمْنًا في عَقْدِ الْخُلْعِ لَكِنْ في اشْتِرَاطِ الْقَصْدِ نَظَرٌ فَإِنْ اُشْتُرِطَ أَيْضًا في الْحُرِّ فَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ في اخْتِلَاعِ الْأَجْنَبِيِّ وَإِلَّا اُحْتِيجَ إلَى الْفَرْقِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الْقَصْدِ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُتَوَلِّي وَإِنْ وَكَّلَتْ سَفِيهًا أَيْ مَحْجُورًا عليه بِسَفَهٍ لم يَصِحَّ وَإِنْ أَذِنَ الْوَلِيُّ لِمَا فيه من الضَّرَرِ عليه فَلَوْ اخْتَلَعَهَا وَأَضَافَ الْمَالَ إلَيْهَا صَحَّ وَلَزِمَهَا الْمَالُ
وَلَا ضَرَرَ فيه على السَّفِيهِ وَإِلَّا بِأَنْ أَطْلَقَ أو أَضَافَ الْمَالَ إلَيْهِ وَقَعَ رَجْعِيًّا كَاخْتِلَاعِ السَّفِيهَةِ نَفْسَهَا وَلَهُمَا أَيْ لِلزَّوْجَيْنِ مَعًا تَوْكِيلُ ذِمِّيٍّ وَإِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ لِأَنَّهُ قد يُخَالِعُ الْمُسْلِمَةَ وَيُطَلِّقُهَا بِدَلِيلِ أنها لو أَسْلَمَتْ وَتَخَلَّفَ فَخَالَعَهَا في الْعِدَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ حُكِمَ بِصِحَّةِ الْخَلْعِ وَلَا يَتَقَيَّدُ ذلك بِالذِّمِّيِّ بَلْ الْحَرْبِيُّ كَذَلِكَ كما صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَعَبَّرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ بِالْكَافِرِ وَلَوْ وَكَّلَا رَجُلًا في تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ لِلْخُلْعِ لم يَتَوَلَّهُمَا كما في سَائِرِ الْعُقُودِ وَلَهُ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفًا مِنْهُمَا مع الْآخَرِ أو وَكِيلِهِ فَصْلٌ يَصِحُّ كَوْنُ الْعِوَضِ مَنْفَعَةً تُسْتَأْجَرُ كَإِرْضَاعِ الطِّفْلِ وَحَضَانَتِهِ وَلَوْ كان الْوَلَدُ من غَيْرِهِمَا مُدَّةً مَعْلُومَةً كما يَصِحُّ كَوْنُهُ عَيْنًا فَإِنْ امْتَنَعَ الطِّفْلُ من الِارْتِضَاعِ أو مَاتَ انْفَسَخَ الْعَقْدُ في الْبَاقِي من الْمُدَّةِ لَا في الْمَاضِي منها عَمَلًا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ
وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عليها بِقِسْطِهِ أَيْ الْبَاقِي من مَهْرِ الْمِثْلِ إذَا وُزِّعَ على أُجْرَتَيْ مِثْلِ الْمُدَّتَيْنِ فَإِنْ خَالَعَهَا على كَفَالَتِهِ عَشْرَ سِنِينَ تُرْضِعُهُ منها سَنَتَيْنِ وَتَحْضُنُهُ وَتُنْفِقُهُ أَيْ تُنْفِقُ عليه الْبَاقِيَ منها وَقَدْرَ كِفَايَةِ كل يَوْمٍ وَكِسْوَةَ كل فَصْلٍ أو سَنَةٍ وكان ذلك مِمَّا يَجُوزُ السَّلَمُ فيه وَوَصْفُهُ بِصِفَاتِ السَّلَمِ الصَّحِيحِ صَحَّ الْخُلْعُ بِنَاءً على صِحَّةِ الْعَقْدِ الْجَامِعِ بين عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ لِأَنَّ فيه جَمْعًا بين إجَارَةٍ وَسَلَمٍ وَإِلَّا بِأَنْ لم يُقَدِّرْ شيئا أو كان مِمَّا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فيه أو لم يَصِفْهُ بِصِفَاتِ السَّلَمِ فَلَا يَصِحُّ وَوَجَبَ عليها له مَهْرُ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الْعِوَضِ وَلِلزَّوْجِ فِيمَا إذَا صَحَّ الْخُلْعُ أَمْرُهَا بِالْإِنْفَاقِ على الطِّفْلِ وله أَخْذُهَا أَيْ النَّفَقَةِ لِيُنْفِقَ هو عليه فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا وَأَرَادَ بِالْإِنْفَاقِ ما يَشْمَلُ الْكِسْوَةَ ثُمَّ إنْ عَاشَ الطِّفْلُ حتى اسْتَوْفَى الْعِوَضَ فَذَاكَ فَإِنْ خَرَجَ زَهِيدًا أَيْ قَلِيلَ الْأَكْلِ وَفَضَلَ من الْمُقَدَّرِ شَيْءٌ فَالزَّائِدُ لِلزَّوْجِ أو رَغِيبًا أَيْ كَثِيرَ الْأَكْلِ وَاحْتَاجَ إلَى زَائِدٍ فَالزَّائِدُ عليه أَيْ على الزَّوْجِ
فَإِنْ مَاتَ الطِّفْلُ في مُدَّةِ الرَّضَاعِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيمَا بَقِيَ من مُدَّتِهِ لَا في ما مَضَى منها وَلَا في النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ عَمَلًا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَيَسْتَوْفِي الزَّوْجُ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ وَيَرْجِعُ لِمَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ فيه من الْمُدَّةِ إلَى حِصَّتِهِ من مَهْرِ الْمِثْلِ فَتُقَوَّمُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَأُجْرَةُ مِثْلِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ الْمَاضِيَةِ وَالْبَاقِيَةِ وَتُعْرَفُ نِسْبَةُ قِيمَةُ بَاقِيهَا من جَمِيعِهَا فَيُؤْخَذُ من مَهْرِ الْمِثْلِ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ أَمَّا إذَا مَاتَ بَعْدَ مُدَّةِ الرَّضَاعِ فَيَبْقَى اسْتِحْقَاقُ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ كما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ وَشَمَلَهُ قَوْلُهُ وَلَا تَتَعَجَّلُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ أَيْ اسْتِحْقَاقُهَا بِمَوْتِهِ في مُدَّةِ الرَّضَاعِ أو بَعْدَهَا بَلْ يَبْقَى مُنَجَّمًا كما كان لِأَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا يَحِلُّ بِمَوْتِ الْمَدِينِ فَإِنْ انْقَطَعَ جِنْسُ النَّفَقَةِ أو الْكِسْوَةِ ثَبَتَ لِلزَّوْجِ الْخِيَارُ كما في السَّلَمِ فيه إذَا انْقَطَعَ في الْجَمِيعِ أَيْ جَمِيعِ الْمُسْلَمِ فيه لَا في الْمُنْقَطِعِ فَقَطْ كَنَظِيرِهِ فِيمَا لو اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَوَجَدَ أَحَدَهُمَا مَعِيبًا وَأَرَادَ إفْرَادَهُ بِالرَّدِّ
فَقَوْلُهُ فَإِنْ اخْتَارَ الْفَسْخَ فُسِخَ في الْجَمِيعِ زِيَادَةُ إيضَاحٍ وَمَعَ هذا فَلَوْ قال ثَبَتَ الْخِيَارُ فَإِنْ اخْتَارَ الْفَسْخَ فُسِخَ في الْجَمِيعِ لَا في الْمُنْقَطِعِ كان أَخْصَرَ وَأَوْضَحَ وَإِنَّمَا لم يُفْسَخْ في الْمَنَافِعِ كَالْأَعْيَانِ لِبُعْدٍ بَيْنَهُمَا جِنْسًا وَعَقْدًا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ الْبَابُ الثَّالِثُ في الْأَلْفَاظِ الْمُلْزِمَةِ وَمُقْتَضَاهَا فَإِنْ قال طَلَّقْتُك أو أَنْت طَالِقٌ على أَلْفٍ فَقَبِلَتْ لَزِمَ الْأَلْفُ وَبَانَتْ منه أو على أَنَّ لي عَلَيْك أَلْفًا فَقَبِلَتْ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ على لِلشَّرْطِ فَجُعِلَ كَوْنُهُ عليها شَرْطًا أو وَعَلَيْك لي أَلْفٌ وَقَعَ رَجْعِيًّا وَإِنْ قَبِلَتْ لِأَنَّهُ لم يذكر عِوَضًا وَلَا شَرْطًا بَلْ جُمْلَةً مَعْطُوفَةً على الطَّلَاقِ فَلَا يَتَأَثَّرُ بها وَتَلْغُو في نَفْسِهَا إلَّا إنْ سَبَقَهُ اسْتِيجَابٌ من الزَّوْجَةِ بِأَلْفٍ كَأَنْ قالت طَلِّقْنِي وَلَك عَلَيَّ أَلْفٌ فقال طَلَّقْتُك وَلِي عَلَيْك أَلْفٌ فَيَلْزَمُ لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بها الْتِزَامُ الْمَالِ فَيُحْمَلُ عليه لَفْظُهَا
وَالزَّوْجُ يَنْفَرِدُ بِالطَّلَاقِ فإذا لم يَأْتِ بِصِيغَةِ مُعَاوَضَةٍ حُمِلَ
____________________
(3/252)
لَفْظُهُ على ما يَنْفَرِدُ بِهِ وَاسْتَثْنَى الْأَصْلُ مع ذلك نَقْلًا عن الْمُتَوَلِّي ما لو شَاعَ في الْعُرْفِ اسْتِعْمَالُهُ في الِالْتِزَامِ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِقَوْلِ الْمُتَوَلِّي كَالْأَكْثَرِينَ إذَا تَعَارَضَ في تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ مَدْلُولَانِ لُغَوِيٌّ وَعُرْفِيٌّ قُدِّمَ اللُّغَوِيُّ وَلِقَوْلِ ابْنِ الرِّفْعَةِ إنَّهُ مَبْنِيٌّ على أَنَّ الصَّرَاحَةَ تُؤْخَذُ من الشُّيُوعِ إذْ قَضِيَّتُهُ عَدَمُ اللُّزُومِ عِنْدَ النَّوَوِيِّ وَكَذَا يَلْزَمُ ذلك بِمَا ذُكِرَ لو ادَّعَى بِهِ قَصْدَ الْإِلْزَامِ فَصَدَّقَتْهُ أو كَذَّبَتْهُ لَكِنْ رَدَّتْ الْيَمِينَ عليه فَحَلَفَ وَقَضِيَّةُ هذا أَنَّ ذلك كِنَايَةٌ كَنَظِيرِهِ فِيمَا ذُكِرَ بِقَوْلِهِ وَلَوْ قال بِعْتُك وَلِي عَلَيْك أَلْفٌ فَكِنَايَةٌ في الْبَيْعِ أو بِعْتُك على أَنَّ لي عَلَيْك دَرَاهِمَ هِيَ أَلْفٌ فَصَرِيحٌ فيه وَإِنْ قالت له طَلِّقْنِي بِمَالٍ فَأَجَابَهَا بِقَوْلِهِ طَلَّقْتُك أو طَلَّقْتُك بِالْمَالِ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ بَانَتْ لِوُجُودِ الْمُعَاوَضَةِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الْعِوَضِ أو بِقَوْلِهِ طَلَّقْتُك بِأَلْفٍ أو وَعَلَيْك أَلْفٌ لم يَلْزَمْ أَيْ الْأَلْفُ ولم تَطْلُقْ حتى تَقْبَلَ فإذا قَبِلَتْ لَزِمَ الْأَلْفُ وَطَلَقَتْ
وَوَجَّهَهُ الرَّافِعِيُّ في الثَّانِيَةِ بِتَنْزِيلِ تَقَدُّمِ اسْتِيجَابِهَا مَنْزِلَةَ ما لو أتى بِصِيغَةِ الْمُعَاوَضَةِ وَإِنْ قالت طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ فقال طَلَّقْتُك وَعَلَيْك أَلْفٌ بَانَتْ بِهِ لِأَنَّهُ لو قال طَلَّقْتُك فَقَطْ بَانَتْ بِهِ فَقَوْلُهُ وَعَلَيْك أَلْفٌ إنْ لم يَكُنْ مُؤَكِّدًا لَا يَكُونُ مَانِعًا ثُمَّ لو ادَّعَى قَصْدَ الِابْتِدَاءِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا كما سَيَأْتِي في الْبَابِ الرَّابِعِ فَإِنْ أَنْكَرَتْ دَعْوَى الِاسْتِيجَابِ من الزَّوْجِ أو دَعْوَى ذِكْرِ الْمَالِ فيه صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا وَتَبِينُ بِإِقْرَارِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِمَسْأَلَةِ إنْكَارِ دَعْوَى ذِكْرِ الْمَالِ من زِيَادَتِهِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فقال الزَّوْجُ طَلَبْت مِنِّي الطَّلَاقَ بِبَدَلٍ فَقُلْت في جَوَابِك أَنْت طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ فقالت بَلْ ابْتَدَأْت فَلَا شَيْءَ لَك صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا في نَفْيِ الْعِوَضِ وَلَا رَجْعَةَ له لِقَوْلِهِ وَإِنْ قال إنْ ضَمِنْت لي أَلْفًا فَأَنْت طَالِقٌ أو أَنْت طَالِقٌ إنْ ضَمِنْت لي أَلْفًا فقالت فَوْرًا ضَمِنْت أو ضَمِنْت أَلْفَيْنِ أو أَلْفًا كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى طَلَقَتْ وَلَزِمَهَا الْعِوَضُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْعَقْدِ الْمُقْتَضِي لِلْإِلْزَامِ مع مَزِيدٍ في الثَّانِيَةِ بِخِلَافِ ما لو ضَمِنَتْ دُونَ أَلْفٍ لِعَدَمِ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عليه وَبِخِلَافِ ما مَرَّ في طَلَّقْتُك بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ بِأَلْفَيْنِ لِاشْتِرَاطِ التَّوَافُقِ في صِيغَةِ الْمُعَاوَضَةِ ثُمَّ الْمَزِيدُ يَلْغُو ضَمَانُهُ كما سَيَأْتِي
وَلَوْ ذَكَرَهُ هُنَا كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ لَا إنْ أَعْطَتْهُ الْأَلْفَ أو قالت رَضِيت أو شِئْت أو قَبِلْت بَدَلَ ضَمِنْت فَلَا تَطْلُقُ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عليه الضَّمَانُ لَا غَيْرُهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالضَّمَانِ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي في الْبَابِ الضَّمَانَ الْمُحْتَاجَ إلَى أَصِيلٍ فَذَاكَ عَقْدٌ مُسْتَقِلٌّ مَذْكُورٌ في بَابِهِ وَلَا الِالْتِزَامُ الْمُبْتَدَأُ لِأَنَّ ذَاكَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالنَّذْرِ بَلْ الْمُرَادُ الْتِزَامٌ مَقْبُولٌ على سَبِيلِ الْعِوَضِ فَلِذَلِكَ لَزِمَ لِأَنَّهُ في ضِمْنِ عَقْدٍ وَفِيمَا ذُكِرَ إشْعَارٌ بِاعْتِبَارِ لَفْظِ الضَّمَانِ حتى لَا يُغْنِيَ عنه غَيْرُهُ وَلَوْ مُرَادِفًا له كَلَفْظِ الِالْتِزَامِ وَيُحْتَمَلُ إغْنَاءُ الْمُرَادِفِ كَهَذَا الْمِثَالِ دُونَ غَيْرِهِ وهو الْمُتَّجَهُ وفي كَلَامِهِمْ ما يَدُلُّ له فَرْعٌ لو قال لها طَلِّقِي نَفْسَك إنْ ضَمِنْت لي أَلْفًا فقالت فَوْرًا ضَمِنْت وَطَلَّقْت نَفْسِي أو طَلَّقْت وَضَمِنْت بَانَتْ بِالْأَلْفِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا شَرْطٌ في الْآخَرِ يُعْتَبَرُ اتِّصَالُهُ بِهِ فَهُمَا قَبُولٌ وَاحِدٌ فَاسْتَوَى تَقَدُّمُ أَحَدِهِمَا وَتَأَخُّرُهُ في ذلك وَإِنْ تَأَخَّرَ التَّسْلِيمُ لِلْمَالِ عن الْمَجْلِسِ لَا إنْ أَتَتْ بِأَحَدِهِمَا فَلَا تَبِينُ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا التَّطْلِيقَ بِشَرْطَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْهُمَا
وَإِنْ قال أَنْت طَالِقٌ بِأَلْفٍ إنْ شِئْت فقال فَوْرًا شِئْت طَلُقَتْ بِالْأَلْفِ وَلَوْ لم تَقُلْ قَبِلْت لِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا عُلِّقَ بِمَشِيئَتِهَا وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الْمَشِيئَةُ فَوْرًا بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الصِّفَاتِ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بها اسْتِدْعَاءٌ لِجَوَابِهَا وَاسْتِنَابَةٌ لِرَغْبَتِهَا فَنَزَلَتْ مَشِيئَتُهَا مَنْزِلَةَ الْقَبُولِ في سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ وَلِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَفْوِيضَ الْأَمْرِ إلَيْهَا فَأَشْبَهَ ما لو قال طَلِّقِي نَفْسَك وَلَوْ اكْتَفَتْ بِقَبِلْتُ عن شِئْت لم تَطْلُقْ لِأَنَّ الْقَبُولَ
____________________
(3/253)
ليس بِمَشِيئَةٍ وَلَا رُجُوعَ لِلزَّوْجِ على قَاعِدَةِ التَّعْلِيقَاتِ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا فَإِنْ قال أَيْ عَلَّقَ فِيمَا اُعْتُبِرَ فيه الْفَوْرُ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ بِنَحْوِ مَتَى لم يَشْتَرِطْ الْفَوْرَ بَلْ مَتَى شَاءَتْ طَلَقَتْ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَيْضًا في فَصْلِ الْخُلْعِ قِسْمَانِ وَإِنْ قالت طَلِّقْنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فقال طَلَّقْتُك بِالْأَلْفِ إنْ شِئْت أو بِأَلْفٍ إنْ شِئْت وَنَوَى الدَّرَاهِمَ أو لم يَنْوِ شيئا كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى فَابْتِدَاءٌ منه لِلطَّلَاقِ إذْ لَا يَصْلُحُ جَوَابًا لها لِمَا فيه من التَّعْلِيقِ
وإذا كان ابْتِدَاءً اُشْتُرِطَتْ الْمَشِيئَةُ منها فَوْرًا لِمَا مَرَّ وَكَذَا يَكُونُ ذلك ابْتِدَاءً حتى تُشْتَرَطَ الْمَشِيئَةُ منها إنْ نَوَى الدَّنَانِيرَ مَثَلًا وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ إنْ نَوَى غير الدَّرَاهِمِ وَهِيَ أَعَمُّ وَإِنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالْإِعْطَاءِ لِشَيْءٍ فَوَضَعَتْهُ بين يَدَيْهِ بِنِيَّةِ الدَّفْعِ عن جِهَةِ التَّعْلِيقِ كَفَى في وُقُوعِ الطَّلَاقِ إذَا تَمَكَّنَ من قَبْضِهِ وَإِنْ امْتَنَعَ منه لِأَنَّ تَمْكِينَهَا إيَّاهُ من الْقَبْضِ إعْطَاءٌ منها إذْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ أَعْطَاهُ فلم يَأْخُذْ وهو بِامْتِنَاعِهِ مُفَوِّتٌ لِحَقِّهِ وَمَلَكَهُ أَيْ ما أَعْطَتْهُ له كَرْهًا أَيْ قَهْرًا وَإِنْ لم يَتَلَفَّظْ بِشَيْءٍ ولم يَقْبِضْهُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ يَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ عِنْدَ الْإِعْطَاءِ وَلَا يُمْكِنُ إيقَاعُهُ مَجَّانًا مع قَصْدِ الْعِوَضِ وقد مَلَكَتْ زَوْجَتُهُ بُضْعَهَا فَيَمْلِكُ الْآخَرُ الْعِوَضَ عنه وَكَالْإِعْطَاءِ الْإِيتَاءُ وَكَذَا إنْ أَمَرَتْ وَكِيلَهَا بِالْإِعْطَاءِ وَأَعْطَى بِحُضُورِهَا كَفَى وَمَلَكَهُ الزَّوْجُ كَرْهًا تَنْزِيلًا لِحُضُورِهَا مع إعْطَاءِ وَكِيلِهَا مَنْزِلَةَ إعْطَائِهَا لَا إنْ أَعْطَاهُ له في غَيْبَتِهَا لِأَنَّهَا لم تُعْطِهِ حَقِيقَةً وَلَا تَنْزِيلًا وَلَا إنْ عَاوَضَتْهُ بِأَنْ أَعْطَتْهُ عنه أَيْ عن الْمُعَلَّقِ بِهِ عِوَضًا
وَقَوْلُهُ لها إنْ أَقْبَضْتنِي أو سَلَّمْت أو دَفَعْت أو أَدَّيْت إلَيَّ كَذَا فَأَنْت طَالِقٌ تَعْلِيقٌ لَا تَمْلِيكٌ لِأَنَّ الْإِقْبَاضَ لَا يَقْتَضِيهِ بِخِلَافِ الْإِعْطَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو قِيلَ أَعْطَاهُ عَطِيَّةً فُهِمَ منه التَّمْلِيكُ بِخِلَافِ أَقْبَضَهُ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا لَا بَائِنًا وَلَا يَخْتَصُّ الْإِقْبَاضُ بِالْمَجْلِسِ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ وَلَا يَكْفِي الْوَضْعُ عِنْدَهُ بَلْ يُشْتَرَطُ الْأَخْذُ بِالْيَدِ لِأَنَّ الْوَضْعَ لَا يُسَمَّى قَبْضًا فَلَوْ أَمَرَتْ وَكِيلَهَا بِالْإِقْبَاضِ وَأَقْبَضَهُ بِحُضُورِهَا كَفَى لَا في غَيْبَتِهَا أَخْذًا مِمَّا مَرَّ وَقَوْلُهُ وَلَا يَكْفِي الْوَضْعُ عِنْدَهُ تَبِعَ فيه الْمِنْهَاجَ كَأَصْلِهِ وَالْغَزَالِيَّ في بَسِيطِهِ وَوَجِيزِهِ قال ابن الرِّفْعَةِ ولم أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْفُورَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ في بَسِيطِهِ في إنْ قَبَضْت مِنْك كَذَا وَبَيْنَ الصِّيغَتَيْنِ فَرْقٌ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْبُلْقِينِيُّ بَلْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِأَنَّ ذلك يَكْفِي وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْلِ فإنه بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ التَّعْلِيقِ قال وَلَوْ قال إنْ قَبَضْت مِنْك كَذَا فَهُوَ كَقَوْلِهِ إنْ أَقْبَضْتنِي وَيُعْتَبَرُ في الْقَبْضِ الْأَخْذُ بِالْيَدِ وَلَا يَكْفِي الْوَضْعُ بين يَدَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى قَبْضًا انْتَهَى
فَإِنْ سَبَقَ منه ما يَدُلُّ على الِاعْتِيَاضِ كَقَوْلِهِ إنْ أَقْبَضْتنِي كَذَا لِأَقْضِيَ بِهِ دَيْنِي وَنَحْوَهُ مِثْلَ لِأَصْرِفَهُ في حَوَائِجِي فَتَمْلِيكٌ كَالْإِعْطَاءِ فَإِنْ قال إنْ قَبَضْت مِنْك لم يُشْتَرَطْ اخْتِيَارُهَا في الْإِقْبَاضِ بَلْ يَكْفِي قَبْضُهُ منها مُكْرَهَةً لِوُجُودِ الصِّفَةِ بِخِلَافِهِ في الْإِعْطَاءِ وَالْإِقْبَاضِ لِأَنَّهَا لم تُعْطِهِ ولم تُقْبِضْهُ فَرْعٌ لو قال إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْت طَالِقٌ فَأَعْطَتْهُ أَلْفَيْنِ طَلَقَتْ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ هُنَا بِحُكْمِ التَّعْلِيقِ وَإِعْطَاءُ الْأَلْفَيْنِ يَشْتَمِلُ على إعْطَاءِ أَلْفٍ وَلَوْ قال فَأَتَتْهُ بِأَلْفَيْنِ كان أَوْلَى لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ وَلَيْسَ مُرَادًا في أَخْذِ الْأَلْفَيْنِ بِقَرِينَةِ ما يَأْتِي بِخِلَافِ ما لو قال خَالَعْتكِ على أَلْفٍ فَقَبِلَتْ بِأَلْفَيْنِ لم تَطْلُقْ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فَيُشْتَرَطُ فيها مُوَافَقَةُ الْقَبُولِ وَالْإِيجَابِ
ثُمَّ الْأَلْفُ الثَّانِيَةُ التي قَبَضَهَا مع الْأَلْفِ الْمُعَلَّقِ عليها معه أَمَانَةٌ وَكَذَا قَوْلُهُ إنْ ضَمِنْت لي أَلْفًا فَأَنْت طَالِقٌ فَزَادَتْ في ضَمَانِهَا على الْأَلْفِ لَغَا الزَّائِدُ وَإِنْ أَعْطَتْهُ له مع الْأَلْفِ كان أَمَانَةً وَهَذَا الذي زِدْته هو الْمُرَادُ من التَّشْبِيهِ الْمَذْكُورِ فَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ أو حَذْفُ لَغَا الزَّائِدُ فَرْعٌ الدَّرَاهِمُ في الْمُعَامَلَاتِ وَالْخُلْعِ الْمُنَجَّزِ يَنْزِلُ على غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَلَوْ نَاقِصَ الْوَزْنِ أو زَائِدَهُ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَرَغْبَةِ الناس فِيمَا يَرُوجُ ثَمَّ وينزل في الْخُلْعِ الْمُعَلَّقِ وفي الْإِقْرَارِ على الدَّرَاهِمِ الْإِسْلَامِيَّةِ التي تَقَدَّمَ بَيَانُهَا في بَابِ زَكَاةِ النَّقْدِ لَا على غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ لِقِلَّةِ وُقُوعِ التَّعْلِيقِ وَلِأَنَّ
____________________
(3/254)
الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عن حَقٍّ سَابِقٍ وقد يَتَقَدَّمُ وُجُوبُهُ على الْغَلَبَةِ أو يَجِبُ بِمُعَامَلَةٍ أُخْرَى وَلَا على النَّاقِصَةِ أو الزَّائِدَةِ وَزِنًا وَإِنْ غَلَبَ التَّعَامُلُ بها لِأَنَّ الْغَلَبَةَ لَا تُؤَثِّرُ في ذلك كما عُرِفَ
وَاللَّفْظُ صَرِيحٌ في الْمُوَازَنَةِ إلَّا إنْ قال الْمُعَلِّقُ أَرَدْتهَا وَاعْتِيدَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا أَيْ التَّعَامُلُ بها فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْنَا سُؤَالُهُ قبل إخْبَارِهِ بِمُرَادِهِ بَلْ يَأْخُذُ بِالظَّاهِرِ من الْحَمْلِ على الْإِسْلَامِيَّةِ إلَّا أَنْ يُخْبِرَ عن مُرَادِهِ فَإِنْ أَعْطَتْهُ في صُورَةِ التَّعْلِيقِ بِإِعْطَاءِ الدَّرَاهِمِ الْوَازِنَةِ لَا من غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ طَلَقَتْ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُ فِضَّتِهَا جَوْدَةً وَرَدَاءَةً ولكن له أَنْ يَرُدَّهُ عليها وَيُطَالِبَ بِالْغَالِبِ وفي نُسْخَةٍ بِبَدَلِهِ لِأَنَّ هذا الْعَقْدَ يَشْتَمِلُ على صِفَةٍ وَمُعَاوَضَةٍ فَأَوْقَعْنَا الطَّلَاقَ بِالصِّفَةِ وَأَلْزَمْنَا الْغَالِبَ على مُوجِبِ الْمُعَاوَضَةِ وَإِنْ غَلَبَتْ الدَّرَاهِمُ الْمَغْشُوشَةُ وَأَعْطَتْهَا له لم تَطْلُقْ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْفِضَّةَ وَلَهَا حُكْمُ النَّاقِصَةِ وفي نُسْخَةٍ وَالتَّفْسِيرُ بها كَهُوَ بِالنَّاقِصَةِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ أَرَدْتهَا وَلَا تَطْلُقُ إلَّا بِإِعْطَاءِ الْخَالِصَةِ من أَيِّ نَوْعٍ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ عليها الْخَالِصَةَ وَيُطَالِبَهَا بِالْمَغْشُوشَةِ كما مَرَّ في النَّاقِصَةِ فَلَوْ كان نَقْدُ الْبَلَدِ خَالِصًا فَأَعْطَتْهُ مَغْشُوشًا تَبْلُغُ نُقْرَتُهَا الْأُولَى نُقْرَتَهُ أَلْفًا طَلَقَتْ لِمَا مَرَّ أَنَّ لَفْظَ الدِّرْهَمِ لِلْفِضَّةِ ولم تُوجَدْ عَادَةٌ صَارِفَةٌ
وَمَلَكَهَا أَيْ الْمَغْشُوشَةَ بِغِشِّهَا لِأَنَّ قَبْضَهَا اُعْتُبِرَ في وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَكَذَا في إفَادَةِ الْمِلْكِ وَقِيلَ لَا يَمْلِكُهَا لِأَنَّ الْمُعَامَلَةَ تَنْزِلُ على الْغَالِبِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَوَجَّهَ في الرَّوْضَةِ مِلْكَهُ الْغِشَّ بِحَقَارَتِهِ في جَنْبِ الْفِضَّةِ فَكَانَ تَابِعًا كما مَرَّ في مَسْأَلَةِ فِعْلِ الدَّابَّةِ وَيُؤْخَذُ منه أَنَّهُ لو انْفَصَلَ عَادَ مِلْكُهُ إلَيْهَا وَذَلِكَ أَيْ الْغِشُّ عَيْبٌ فَلَهُ الرَّدُّ وَيَرْجِعُ عليها إذَا رَدَّهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لَا بِبَدَلِ الْمَغْشُوشِ لِأَنَّهُ كَالْعِوَضِ بِخِلَافِ ما مَرَّ في الْوَازِنَةِ التي من غَيْرِ غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَإِنْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِإِعْطَاءٍ عِنْدَ مُطْلَقٍ أَيْ غَيْرِ مَوْصُوفٍ بِصِفَاتِ السَّلَمِ فَأَعْطَتْهُ عَبْدًا لَا مُكَاتَبًا وَلَا مَغْصُوبًا ولا مَرْهُونًا أو نَحْوَهُ كَعَبْدٍ مُشْتَرَكٍ وَجَانٍ مُتَعَلِّقٍ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ بَانَتْ لِوُجُودِ الصِّفَةِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْعَبْدُ سَلِيمًا أَمْ مَعِيبًا وَلَوْ مُدَبَّرًا وَمُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ لِوُقُوعِ اسْمِ الْعَبْدِ وَإِمْكَانِ نَقْلِهِ وَتَمْلِيكِهِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ وَمَنْ ذُكِرَ معه لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ يَعْتَمِدُ التَّمْلِيكَ وهو مُنْتَفٍ في ذلك
وَإِنْ قال إنْ أَعْطَيْتنِي عَبْدًا تُرْكِيًّا فَأَنْت طَالِقٌ اُشْتُرِطَ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ أَنْ تُعْطِيَهُ تُرْكِيًّا فَلَوْ أَعْطَتْهُ غير تُرْكِيٍّ لم تَطْلُقْ لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ ولم يَمْلِكْهُ أَيْ الزَّوْجُ الْعَبْدَ في صُورَةِ التَّعْلِيقِ بِهِ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ فَلَا يُمْلَكُ بِمُعَاوَضَةٍ وَلَزِمَهَا له مَهْرُ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ لم يُطَلِّقْ مَجَّانًا وَلَا يُمْكِنُ الرُّجُوعُ إلَى قِيمَةِ الْمَجْهُولِ وَإِنْ كانت أَيْ الزَّوْجَةُ أَمَةً لم تَطْلُقْ بِإِعْطَائِهِ لِأَنَّهَا لم تَمْلِكْهُ وَتَقَدَّمَ عَكْسُهُ في فَصْلِ الْخُلْعِ قِسْمَانِ وَأَنَّهُ الْأَوْجَهُ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ التَّعْلِيقِ لِكَوْنِهَا لَا مِلْكَ لها وَلَا يَدَ وَأَنَّهُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ إلَّا إنْ عَيَّنَهُ كَأَنْ قال لها إنْ أَعْطَيْتنِي هذا الْعَبْدَ فَأَنْت طَالِقٌ فَأَعْطَتْهُ له فَتَطْلُقُ لِتَعَيُّنِهِ بِالْإِشَارَةِ وَيَلْزَمُهَا له مَهْرُ الْمِثْلِ كما لو عَلَّقَ بِعَبْدٍ مَغْصُوبٍ وَإِنْ وَصَفَهُ كما في السَّلَمِ فَأَعْطَتْهُ بِالصِّفَةِ طَلَقَتْ وَمَلَكَهُ الزَّوْجُ كما في السَّلَمِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم تُعْطِهِ بِالصِّفَةِ فَلَا تَطْلُقُ وَلَا يَمْلِكُهُ لِعَدَمِ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عليه فإذا خَرَجَ الْمَقْبُوضُ بِالصِّفَةِ مَعِيبًا وَرَدَّهُ بِالْعَيْبِ رَجَعَ عليها بِمَهْرِ الْمِثْلِ لَا بِعَبْدٍ بِتِلْكَ الصِّفَةِ سَلِيمًا لِأَنَّهُ بِالصِّفَةِ كَالْمُعَيَّنِ في الْعَقْدِ
وفي اخْتِلَافِ النَّقْدِ كَأَنْ قال إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْت طَالِقٌ فَأَعْطَتْهُ أَلْفًا من غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ له رَدُّهُ ثُمَّ يُطَالِبُ بِالْبَدَلِ أَيْ غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ كما مَرَّ بَيَانُهُ مع ذِكْرِ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَغْشُوشِ وَذَاكَ الْفَرْقُ هو الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ السَّابِقَةِ أَيْضًا وَلَوْ عَلَّقَهُ بِإِعْطَاءِ هذا الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ أو هذا الْحُرِّ أو الْمُكَاتَبِ أو نَحْوِهِ فَأَعْطَتْهُ طَلَقَتْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ كما لو عَلَّقَ على خَمْرٍ وَلَوْ عَلَّقَ بِخَمْرٍ مُعَيَّنَةٍ أو غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ فَالْمَغْصُوبَةُ منها كَأَنْ كانت مُحْتَرَمَةً أو لِذِمِّيٍّ كَغَيْرِهَا في وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ هُنَا مُضَافٌ لِمَا لَا يُمْلَكُ وَالتَّصْرِيحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ من زِيَادَتِهِ فَلَوْ عَيَّنَ عَبْدًا كَأَنْ قال إنْ أَعْطَيْتنِي هذا الْعَبْدَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَعْطَتْهُ له وَبَانَ مُسْتَحَقًّا أو مُكَاتَبًا أو نَحْوَهُ بَانَتْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ كما لو عَلَّقَ بِخَمْرٍ وَإِنْ قال إنْ أَعْطَيْتنِي هذا الثَّوْبَ أو ثَوْبًا وهو هَرَوِيٌّ فَأَنْت طَالِقٌ فَأَعْطَتْهُ له فَبَانَ مَرْوِيًّا أو بِالْعَكْسِ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ نِسْبَةٌ إلَى مَرْوَ مَدِينَةٍ مَعْرُوفَةٍ بِخُرَاسَانَ لم تَطْلُقْ لِعَدَمِ وُجُودِ الشَّرْطِ
أو قال
____________________
(3/255)
إنْ أَعْطَيْتنِي هذا الثَّوْبَ الْهَرَوِيَّ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَعْطَتْهُ له فَبَانَ مَرْوِيًّا أو بِالْعَكْسِ طَلَقَتْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ صِيغَةَ شَرْطٍ بَلْ صِيغَةُ وَاثِقٍ بِحُصُولِ الْوَصْفِ لَكِنَّهُ أَخْطَأَ فيه لَا يُقَالُ الْوَصْفُ كَالشَّرْطِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَقَوْلِهِ وهو هَرَوِيٌّ لِأَنَّا نَقُولُ قَوْلُهُ وهو هَرَوِيٌّ جُمْلَةٌ فَكَانَ بَعْدَ الشَّرْطِ الذي لَا يَدْخُلُ إلَّا على الْجُمَلِ أَقْوَى في الرَّبْطِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ الْهَرَوِيَّ لِكَوْنِهِ مُفْرَدًا فَإِنْ نَجَزَ الطَّلَاقَ فقال طَلَّقْتُك أو خَالَعْتكِ على هذا الثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ أو وهو هَرَوِيٌّ فَقَبِلَتْ وَأَعْطَتْهُ له وَبَانَ مَرْوِيًّا طَلَقَتْ ولم يُرَدَّ إذْ لَا تَغْرِيرَ من جِهَتِهَا وَلَا اشْتِرَاطَ منه لِلْوَصْفِ وَإِنَّمَا ذِكْرُهُ ذِكْرُ وَاثِقٍ بِحُصُولِهِ وَلَيْسَ قَوْلُهُ في الثَّانِيَةِ وهو هَرَوِيٌّ كَهُوَ في قَوْلِهِ إنْ أَعْطَيْتنِي هذا الثَّوْبَ وهو هَرَوِيٌّ فَبَانَ مَرْوِيًّا حَيْثُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ كما مَرَّ لِأَنَّهُ دخل ثَمَّ على كَلَامٍ غَيْرِ مُسْتَقِلٍّ وهو إنْ أَعْطَيْتنِي فَيَتَقَيَّدُ بِهِ بِخِلَافِهِ هُنَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَلَمَّا ذَكَرَ عَدَمَ الرَّدِّ في مَسْأَلَتِنَا قال كَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ انْتَهَى
وَاَلَّذِي في الْإِبَانَةِ وَالنِّهَايَةِ وَالْبَسِيطِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِ أَنَّ له الرَّدَّ وَإِنْ فَرَضُوهُ في الْأُولَى إذْ الثَّانِيَةُ مِثْلُهَا وهو الْمُوَافِقُ أَيْضًا لِمَا صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ من ثُبُوتِ الْخِيَارِ في شِرَاءِ دَابَّةٍ تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا كما مَرَّ أو قال طَلَّقْتُك أو خَالَعْتكِ على هذا الثَّوْبِ على أَنَّهُ هَرَوِيٌّ فَأَعْطَتْهُ له فَبَانَ مَرْوِيًّا أو قالت هِيَ هو هَرَوِيٌّ فَطَلِّقْنِي عليه فَفَعَلَ أَيْ فَطَلَّقَهَا عليه فَبَانَ مَرْوِيًّا بَانَتْ بِهِ وَلَهُ الْخِيَارُ وَإِنْ لم تَنْقُصْ قِيمَتُهُ عن الْهَرَوِيِّ أَمَّا في الثَّانِيَةِ فَإِنَّهَا غَرَّتْهُ وَأَمَّا في الْأُولَى فَلِأَنَّهُ لم يُوجَدْ فيها إلَّا خَلَفَ الشَّرْطِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ بَلْ الْخِيَارَ وإذا رَدَّ الثَّوْبَ فِيهِمَا رَجَعَ عليها بِمَهْرِ الْمِثْلِ لَا بِقِيمَةِ الثَّوْبِ وَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ لِتَلَفٍ أو تَعَيُّبٍ له في يَدِهِ رَجَعَ عليها بِقَدْرِ النَّقْصِ من مَهْرِ الْمِثْلِ لَا بِقَدْرِهِ من الْقِيمَةِ وَلَا بِهَرَوِيٍّ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ بِالْعَقْدِ وَلَوْ شُرِطَ كَوْنُهُ كَتَّانًا فَخَرَجَ قُطْنًا أو عَكْسَهُ فَسَدَ الْعِوَضُ وَلَزِمَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ بِخِلَافِ صُورَتَيْ الْهَرَوِيِّ لِرُجُوعِ الِاخْتِلَافِ هُنَا إلَى الْجِنْسِ وَهُنَاكَ إلَى الصِّفَةِ
فَلَوْ قالت له هذا الثَّوْبُ هَرَوِيٌّ أو كَتَّانٌ فقال إنْ أَعْطَيْتنِي هذا الثَّوْبَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَعْطَتْهُ له فَبَانَ مَرْوِيًّا أو قُطْنًا بَانَتْ بِهِ وَلَا رَدَّ له لِأَنَّهُ شَرْطٌ قبل الْعَقْدِ فلم يَضُرَّ وَالتَّصْرِيحُ بِمَسْأَلَةِ الْكَتَّانِ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ خَالَعَهَا على ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ مَوْصُوفٍ بِصِفَاتِ السَّلَمِ فَأَعْطَتْهُ ثَوْبًا بِالصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ بَانَتْ بِالْقَبُولِ فَإِنْ خَرَجَ مَرْوِيًّا رَدَّهُ وَطَالَبَ بِالْمَوْصُوفِ هذا ما قَدَّمَهُ في الرُّكْنِ الرَّابِعِ الْبَابُ الرَّابِعُ في سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ بِمَالٍ وَاخْتِلَاعِ الْأَجْنَبِيِّ وَفِيهِ أَطْرَافٌ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ في أَلْفَاظِهَا فَقَوْلُهَا له إنْ طَلَّقْتنِي وَمَتَى طَلَّقْتنِي أو إذَا طَلَّقْتنِي فَلَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ أو طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ أو على أَلْفٍ أو على أَنْ أَضْمَنَهُ لَك أو أُعْطِيَهُ لَك أو نَحْوَهَا صِيَغٌ صَحِيحَةٌ في الِالْتِزَامِ وَلَا شَيْءَ عليها بِذَلِكَ إلَّا إنْ طَلَّقَ فَوْرًا فَعَلَيْهَا الْعِوَضُ
وَلَا فَرْقَ في التَّعْلِيقِ بين مَتَى وَغَيْرِهَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ مَتَى أَعْطَيْتنِي كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يُشْتَرَطُ الْفَوْرُ كما مَرَّ بَيَانُهُ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ قَصَدْت الِابْتِدَاءَ بِالطَّلَاقِ دُونَ الْجَوَابِ فَيَتَوَقَّفُ على جَوَابِهَا إنْ ذَكَرَ مَالًا وَإِلَّا وَقَعَ رَجْعِيًّا لِاحْتِمَالِ ذلك وَلَهَا تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ قَصَدَ ذلك إنْ اتَّهَمَتْهُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا أَيْ قَبُولُ قَوْلِهِ ما قَالَهُ الْإِمَامُ وَتَبِعَهُ عليه جَمَاعَةٌ وهو بَعِيدٌ لِأَنَّ دَعْوَاهُ ذلك بَعْدَ الْتِمَاسِهَا وَإِجَابَتِهَا فَوْرًا خِلَافُ الظَّاهِرِ وَظَاهِرُ الْحَالِ أَنَّهُ من تَصَرُّفِهِ ثُمَّ رَأَيْت له في كَلَامِهِ على الْمُخْتَصَرِ أَنَّ وُقُوعَهُ رَجْعِيًّا إنَّمَا هو في الْبَاطِنِ أَمَّا في الظَّاهِرِ فَيَقَعُ بَائِنًا قال وما ذَكَرَهُ هُنَا هو الْوَجْهُ اللَّائِقُ بِمَنْصِبِهِ وَلَا يُغْتَرُّ بِمَنْ تَابَعَهُ على الْأَوَّلِ فَإِنَّهُمْ لم يَظْفَرُوا بِمَا حَقَّقَهُ بَعْدُ وَإِنْ قالت له طَلِّقْنِي وَأَنْت بَرِيءٌ من صَدَاقِي
____________________
(3/256)
أو وَلَك عَلَيَّ أَلْفٌ فَطَلَّقَهَا بَانَتْ بِهِ لِأَنَّهَا صِيغَةُ الْتِزَامٍ وَالتَّصْرِيحُ بِالْأُولَى من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ أو إنْ طَلَّقْتنِي فَأَنْت بَرِيءٌ أو فَقَدْ أَبْرَأْتُك من صَدَاقِي فَطَلَّقَهَا لم يَبْرَأْ منه
وَوَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يُعَلَّقُ وَطَلَاقُ الزَّوْجِ طَمَعًا في الْبَرَاءَةِ من غَيْرِ لَفْظٍ صَحِيحٍ في الِالْتِزَامِ لَا يُوجِبُ عِوَضًا قال في الْأَصْلِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ طَلَّقَ طَمَعًا في شَيْءٍ وَرَغِبَتْ هِيَ في الطَّلَاقِ بِالْبَرَاءَةِ فَيَكُونُ فَاسِدًا كَالْخَمْرِ أَيْ فَيَقَعُ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ إذْ لَا فَرْقَ بين ذلك وَبَيْنَ قَوْلِهَا إنْ طَلَّقْتَنِي فَلَكَ أَلْفٌ فَإِنْ كان ذَاكَ تَعْلِيقًا لِلْإِبْرَاءِ فَهَذَا تَعْلِيقٌ لِلتَّمْلِيكِ وَهَذَا ما جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَوَاخِرَ الْبَابِ تَبَعًا لِنَقْلِ أَصْلِهِ له ثُمَّ عن فَتَاوَى الْقَاضِي وقد نَبَّهَ الْإِسْنَوِيُّ على ذلك ثُمَّ قال وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَقَعُ رَجْعِيًّا وقد جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ وقال الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْبُلْقِينِيِّ التَّحْقِيقُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ الزَّوْجُ عَدَمَ صِحَّةِ تَعْلِيقِ الْإِبْرَاءِ وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أو ظَنَّ صِحَّتَهُ وَقَعَ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَالْمُتَّجَهُ ما يَأْتِي أَوَاخِرَ الْبَابِ وقد اعْتَمَدَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وقال ابن الرِّفْعَةِ إنَّهُ الْحَقُّ وَلَوْ قالت له طَلِّقْنِي وَأَضْمَنُ لَك أَلْفًا فَطَلَّقَهَا لَزِمَ الْأَلْفُ وَبَانَتْ أو طَلِّقْنِي وَأُعْطِيك أَلْفًا وَطَلَّقَ مُطْلَقًا عن التَّعْلِيقِ بِالْإِعْطَاءِ وَقَعَ رَجْعِيًّا
قالوا لِأَنَّ لَفْظَ الْإِعْطَاءِ لَا يُشْعِرُ بِالِالْتِزَامِ بِخِلَافِ الضَّمَانِ وَإِنْ تَخَاطَبَا بِكِنَايَةٍ فقالت أَبِنِّي
فقال أَبَنْتُك
وَنَوَيَا الطَّلَاقَ ولم يَذْكُرَا مَالًا فَرَجْعِيٌّ وَإِنْ ذَكَرَاهُ كَأَنْ قالت أَبِنِّي بِأَلْفٍ فقال أَبَنْتُك بِهِ وَنَوَيَا الطَّلَاقَ بَانَتْ بِهِ وَلَوْ نَوَى الطَّلَاقَ دُونَهَا وَذَكَرَا مَالًا أو ذَكَرَهُ هو دُونَهَا أو عَكْسُهُ لم تَطْلُقْ لِأَنَّهُ رَبَطَ الطَّلَاقَ بِالْمَالِ وَهِيَ لم تَسْأَلْ طَلَاقًا ولم تَلْتَزِمْ مَالًا في مُقَابَلَتِهِ وَإِنْ لم يُذْكَرْ مَالٌ وَقَعَ رَجْعِيًّا وَإِنْ نَوَتْ هِيَ دُونَهُ لم تَطْلُقْ وَلَوْ كان لَفْظُ أَحَدِهِمَا صَرِيحًا وَالْآخَرُ كِنَايَةٌ كَأَنْ قالت طَلِّقْنِي بِكَذَا فقال أَبَنْتُكِ وَنَوَى الطَّلَاقَ أو قالت أَبِنِّي بِكَذَا وَنَوَتْ فقال طَلَّقْتُك صَحَّ أَيْ وَقَعَ الطَّلَاقُ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ مع النِّيَّةِ كَالصَّرِيحِ
الطَّرَفُ الثَّانِي في سُؤَالِهَا عَدَدًا فَلَوْ قالت له طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا طَلْقَةً وَهِيَ الثَّالِثَةُ لِكَوْنِهِ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا اسْتَحَقَّهُ وَإِنْ ظَنَّتْ أَنَّهُ يَمْلِكُ الثَّلَاثَ لِأَنَّهُ حَصَلَ بها مَقْصُودُ الثَّلَاثِ وَهِيَ الْبَيْنُونَةُ الْكُبْرَى وَمِثْلُهُ ما لو كان يَمْلِكُ عليها طَلْقَتَيْنِ فَطَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم تَكُنْ الثَّالِثَةُ بِأَنْ كان يَمْلِكُ أَكْثَرَ من طَلْقَةٍ فَطَلَّقَهَا طَلْقَةً فَثُلُثَهُ أَيْ فَيَسْتَحِقُّ ثُلُثَ الْأَلْفِ وَلَوْ كانت التي أَوْقَعَهَا الثَّانِيَةَ عَمَلًا بِالتَّقْسِيطِ على الْعَدَدِ الذي سَأَلَتْهُ واستحق بِالثِّنْتَيْنِ أَيْ بِتَطْلِيقِهِ طَلْقَتَيْنِ وهو يَمْلِكُ الثَّلَاثَ ثُلُثَيْهِ أَيْ الْأَلْفِ وَاسْتَحَقَّ بِوَاحِدَةٍ وَنِصْفٍ نِصْفَهُ لَا ثُلُثَيْهِ نَظَرًا لِمَا أَوْقَعَهُ لَا لِمَا وَقَعَ لِأَنَّ الزَّائِدَ على ما أَوْقَعَهُ إنَّمَا وَقَعَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ أَيْ فَلَيْسَ هو كَإِنْشَاءِ الشَّخْصِ وَاسْتُشْكِلَ بِمَا في الظِّهَارِ من أَنَّهُ لو أَعْتَقَ مُوسِرٌ عَبْدًا مُشْتَرَكًا عن الْكَفَّارَةِ أَجْزَأَهُ إنْ نَوَى عِتْقَ الْجَمِيعِ عنها وَإِنْ وَجَّهَ الْعِتْقَ إلَى نَصِيبِهِ فَقَطْ لِحُصُولِ الْعِتْقِ بِالسِّرَايَةِ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ في قَوْلِهِ لَا يُجْزِئُ إذَا وَجَّهَ الْعِتْقَ إلَى نَصِيبِهِ فَقَطْ لِأَنَّ نَصِيبَ الْغَيْرِ عَتِيقٌ بِالسِّرَايَةِ لَا بِإِعْتَاقِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ ثَمَّ تَخْلِيصُ الرَّقَبَةِ وقد وُجِدَ
____________________
(3/257)
وَالْمَقْصُودُ هُنَا الْمُعَارَضَةُ فِيمَا يُوقِعُهُ وَلَوْ قالت له طَلِّقْنِي عَشْرًا بِأَلْفٍ وهو لَا يَمْلِكُ عليها إلَّا طَلْقَةً اسْتَحَقَّهُ بِوَاحِدَةٍ تُكْمِلُ الثَّلَاثَ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ كان يَمْلِكُ عليها الثَّلَاثَ فَعُشْرَهُ أَيْ فَيَسْتَحِقُّ بِوَاحِدَةٍ عُشْرَ الْأَلْفِ وَبِالثِّنْتَيْنِ عُشْرَيْهِ أَيْ خُمُسَهُ وَبِالثَّلَاثِ جَمِيعَ الْأَلْفِ وَلَوْ مَلَكَ طَلْقَتَيْنِ اسْتَحَقَّ بِالْوَاحِدَةِ الْعُشْرَ وَبِالثِّنْتَيْنِ الْجَمِيعَ وَضَبَطُوا ذلك بِأَنَّهُ إنْ مَلَكَ الْعَدَدَ الْمَسْئُولَ كُلَّهُ فَأَجَابَهَا بِهِ فَلَهُ الْمُسَمَّى أو بِبَعْضِهِ فَلَهُ قِسْطُهُ وَإِنْ مَلَكَ بَعْضَ الْمَسْئُولِ وَتَلَفَّظَ بِالْمَسْئُولِ أو حَصَلَ مَقْصُودُهَا بِمَا أَوْقَعَ فَلَهُ الْمُسَمَّى وَإِلَّا فَيُوَزَّعُ الْمُسَمَّى على الْمَسْئُولِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَوْ قالت له وهو يَمْلِكُ عليها الثَّلَاثَ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ وَثِنْتَيْنِ مَجَّانًا لم تَقَعْ الْوَاحِدَةُ لِعَدَمِ التَّوَافُقِ كما لو طَلَبَتْ وَاحِدَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ وَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً بِأَلْفٍ وَوَقَعَ الثِّنْتَانِ مَجَّانًا لِأَنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِالطَّلَاقِ مَجَّانًا فَيَقَعَانِ رَجْعِيَّتَيْنِ وَهَذَا ما قَالَهُ الْإِمَامُ وَمَنْ تَبِعَهُ
وقال في الْأَصْلِ إنَّهُ حَسَنٌ مُتَّجَهٌ بَعْدَ أَنْ اُسْتُبْعِدَ ما نَقَلَهُ عن الْأَصْحَابِ من وُقُوعِ الْأُولَى بِثُلُثِ الْأَلْفِ لِأَنَّهَا لم تَرْضَ بِوَاحِدَةٍ إلَّا بِهِ كَالْجِعَالَةِ وَلَا يَقَعُ الْأُخْرَيَانِ لِلْبَيْنُونَةِ وَإِنْ قال جَوَابًا لِمَا ذُكِرَ طَلَّقْتُك وَاحِدَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ وَثِنْتَيْنِ مَجَّانًا وَقَعَتْ الْأُولَى بِثُلُثِهِ لِمُوَافَقَتِهِ ما اقْتَضَاهُ طَلَبُهَا من التَّوْزِيعِ فَقَطْ أَيْ دُونَ ما بَعْدَهَا لِلْبَيْنُونَةِ أو طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ مَجَّانًا وَوَاحِدَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ وَقَعَ الثَّلَاثُ وَاحِدَةً منها بِثُلُثِهِ هذا إنْ كانت مَدْخُولًا بها وَإِلَّا فَالثِّنْتَانِ تَقَعَانِ دُونَ الثَّلَاثَةِ لِلْبَيْنُونَةِ وَلَوْ قال طَلَّقْتُك ثَلَاثًا وَاحِدَةً بِأَلْفٍ وَقَعَتْ الثَّلَاثُ وَاحِدَةً منها بِثُلُثِهِ لِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ بِطَلْقَتَيْنِ وَهَذَا ما قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَفِيهِ كَلَامُ الْإِمَامِ السَّابِقِ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فَعَلَى قَوْلِهِ لَا يَقَعُ إلَّا ثِنْتَانِ رَجْعِيَّتَانِ وكان اللَّائِقُ بِالْمُصَنِّفِ أَنْ يَمْشِيَ على قَوْلِهِ كما مَشَى عليه فِيمَا مَرَّ وَلَوْ قالت طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا أو ثِنْتَيْنِ اسْتَحَقَّ الْأَلْفَ وَلَوْ أَعَادَهُ في جَوَابِهِ كَأَنْ قال طَلَّقْتُك ثَلَاثًا بِالْأَلْفِ لِتَضَمُّنِهِ الْإِجَابَةَ كما لو زَادَ الْعَامِلُ في الْجِعَالَةِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في الْبَيْعِ إذَا قال بِعْنِي هذا بِأَلْفٍ فقال بِعْتُكَهُ مع ذلك بِأَلْفٍ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ مَحْضَةٌ
وَالْخُلْعُ شَبِيهٌ بِالْجِعَالَةِ وَلِأَنَّ تَمْلِيكَ الزَّائِدِ لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْبَائِعُ بِخِلَافِ إيقَاعِ الزَّائِدِ على طَلْقَةٍ قال في الْأَصْلِ وَهَلْ الْأَلْفُ في مُقَابَلَةِ ما أَوْقَعَهُ أو الْوَاحِدَةُ وَجْهَانِ ظَاهِرُ النَّصِّ ثَانِيهِمَا وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْخِلَافِ فَائِدَةٌ قال في الْمُهِمَّاتِ بَلْ له فَوَائِدُ منها لو وَكَّلَهُ بِطَلْقَتَيْنِ مَجَّانًا وَوَاحِدَةٌ بِمَا شَاءَ من الْعِوَضِ فَسَأَلَتْهُ طَلْقَةً بِأَلْفٍ فَأَوْقَعَ ثَلَاثًا فَإِنْ جَعَلْنَا الْأَلْفَ في مُقَابَلَةِ الْوَاحِدَةِ وَقَعَ الثَّلَاثُ لِأَنَّهُ وَافَقَ الْإِذْنَ وَإِنْ جَعَلْنَاهُ في مُقَابَلَةِ الثَّلَاثِ فَقَدْ خَصَّ كُلَّ طَلْقَةٍ بِثُلُثِ الْأَلْفِ وهو مَمْنُوعٌ من إيقَاعِ طَلْقَتَيْنِ بِعِوَضٍ فَلَا يَقَعَانِ وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَتَقَعُ بِثُلُثِ الْأَلْفِ على الْأَصَحِّ وَمِنْهَا لو أَذِنَتْ في وَفَاءِ ما يَخُصُّ الطَّلْقَةَ الْمَسْئُولَةَ أو ضَمِنَ شَخْصٌ عنها ذلك أو أَبْرَأهَا الزَّوْجُ عنه أو طَلَّقَهَا بِثَوْبٍ مَثَلًا فَهُوَ ابْتِدَاءٌ فَيُنْظَرُ أَيَتَّصِلُ بِهِ قَبُولٌ أَمْ لَا وَإِنْ قالت له طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فقال أَنْت طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ فَإِنْ لم يُرِدْ شيئا مِمَّا يَأْتِي أو أَرَادَ بِالْأَلْفِ مُقَابَلَةَ الْأُولَى لم يَقَعْ غَيْرُهَا لِأَنَّهُ جَوَابٌ لِقَوْلِهَا وَلَغَتْ الْأُخْرَيَانِ لِلْبَيْنُونَةِ بِالْأُولَى أو أَرَادَ بِهِ الثَّانِيَةَ وَلَوْ مع الثَّالِثَةِ فَالْأُولَى تَقَعُ رَجْعِيَّةً في الْمَدْخُولِ بها وَالثَّانِيَةُ بَائِنَةً بِنَاءً على صِحَّةِ خُلْعِ الرَّجْعِيَّةِ وَلَغَتْ الثَّالِثَةُ لِلْبَيْنُونَةِ وَخَرَجَ بِالْمَدْخُولِ بها غَيْرُهَا فَتَبِينُ بِالْأُولَى وَيَلْغُو ما بَعْدَهَا لِلْبَيْنُونَةِ أو أَرَادَ بِهِ الثَّالِثَةَ وَقَعَ الثَّلَاثُ الثَّالِثَةُ بِالْعِوَضِ وَالْأُولَيَانِ بِلَا عِوَضٍ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْجَمِيعَ أو الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ أو وَالثَّالِثَةَ وَقَعَتْ الْأُولَى فَقَطْ بِثُلُثِ الْأَلْفِ عَمَلًا بِالتَّقْسِيطِ وَلَغَا الْبَاقِي لِلْبَيْنُونَةِ قال في الْأَصْلِ وَذَكَرَ في الْمُهَذَّبِ مِثْلَ هذا التَّفْصِيلَ فِيمَا إذَا ابْتَدَأَ فقال أَنْت طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ قَبُولًا مُطَابِقًا لِلْإِيجَابِ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفُ حَذَفَهُ لِمَا قِيلَ إنَّ عِبَارَةَ الْمُهَذَّبِ تُفْهَمُ خِلَافَهُ وَلَيْسَ كما قِيلَ فَإِنْ قال في جَوَابِهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إحْدَاهُنَّ بِأَلْفٍ تَعَذَّرَ إرَادَةُ مُقَابَلَةِ الْجَمِيعِ وَبَقِيَّةُ الْأَحْوَالِ التي ذَكَرَهَا كما
____________________
(3/258)
مَرَّ
وَإِنْ قالت لِمَنْ لَا يَمْلِكُ عليها إلَّا طَلْقَةً طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَلَوْ مع قَوْلِهِ إحْدَاهُنَّ بِأَلْفٍ وَنَوَى بِهِ الطَّلْقَةَ الْأُولَى لَزِمَهَا الْأَلْفُ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا من الْبَيْنُونَةِ الْكُبْرَى حَصَلَ بِذَلِكَ وَكَذَا لو لم يَنْوِ شيئا لِمُطَابَقَةِ الْجَوَابِ السُّؤَالَ وَإِنْ نَوَى بِهِ غَيْرَهَا وَقَعَتْ الْأُولَى فَقَطْ مَجَّانًا فَإِنْ قالت له طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ مُكَمِّلَةٌ الثِّنْتَيْنِ يَقَعَانِ على إذَا تَزَوَّجْتنِي بَعْدَ زَوْجٍ أو يَكُونَانِ في ذِمَّتِك تُنْجِزُهُمَا حِينَئِذٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا أو ثِنْتَيْنِ أو وَاحِدَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ الْأَوْلَى قَوْلُ الْأَصْلِ الْوَاحِدَةُ فَقَطْ وَلَغَا كَلَامُهَا في الْأُخْرَيَيْنِ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ وَإِثْبَاتُهُ في الذِّمَّةِ بَاطِلَانِ وَلَهَا الْخِيَارُ في الْعِوَضِ لِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ فَإِنْ أَجَازَتْ بِثُلُثِ الْأَلْفِ تَخَيَّرَ عَمَلًا بِالتَّقْسِيطِ كما في الْبَيْعِ وَإِنْ فَسَخَتْ فَمَهْرُ الْمِثْلِ يُفْسَخُ وَإِنْ قالت طَلِّقْنِي نِصْفَ طَلْقَةٍ بِأَلْفٍ أو طَلِّقْ بَعْضِي وفي نُسْخَةٍ نِصْفِي أو يَدِي أو رِجْلِي بِأَلْفٍ فَفَعَلَ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ تَكْمِيلًا لِلْبَعْضِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِفَسَادِ صِيغَةِ الْمُعَاوَضَةِ وَلِهَذَا لو قالت بِعْتُك هذا نِصْفَ بَيْعَةٍ أو بِعْته لِبَعْضِك لم يَصِحَّ الْبَيْعُ وَكَذَا تَقَعُ طَلْقَةٌ بِمَهْرِ الْمِثْلِ إنْ ابْتَدَأَ بِذَلِكَ بِأَنْ قال أَنْت طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ أو نِصْفُك طَالِقٌ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ أو قالت طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ يَدَهَا مَثَلًا لِفَسَادِ الصِّيغَةِ في الْأُولَى وَعَدَمِ إمْكَانِ التَّقْسِيطِ في الثَّانِيَةِ
وَإِنْ طَلَّقَ فيها نِصْفَهَا فَنِصْفُ الْمُسَمَّى يَجِبُ لِإِمْكَانِ التَّقْسِيطِ كما لو قالت طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَهَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا من زِيَادَتِهِ وَهُمَا في فَتَاوَى الْبَغَوِيّ الطَّرَفُ الثَّالِثُ في تَعْلِيقِهَا بِزَمَانٍ فَإِنْ قالت طَلِّقْنِي غَدًا أو في هذا الشَّهْرِ بِأَلْفٍ أو خُذْ هذا على أَنْ تُطَلِّقَنِي غَدًا فَأَخَذَهُ أو إنْ طَلَّقْتنِي غَدًا أو مَتَى شِئْت في هذا الشَّهْرِ فَلَكَ أَلْفٌ فَطَلَّقَهَا فيه أَيْ فِيمَا عَيَّنَتْهُ أو قَبْلَهُ بَانَتْ لِأَنَّهُ إنْ أَطْلَقَ فيه فَقَدْ حَصَلَ مَقْصُودُهَا أو قَبْلَهُ فَقَدْ زَادَهَا كما لو سَأَلَتْ طَلْقَةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ لَا بِالْمُسَمَّى لِفَسَادِ الصِّيغَةِ أَيْ بِتَصْرِيحِ الزَّوْجَةِ بِتَأْخِيرِ الطَّلَاقِ وهو لَا يَقْبَلُ التَّأْخِيرَ من جَانِبِهَا لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فيه الْمُعَاوَضَةُ وَبِهَذَا فَارَقَتْ الرَّابِعَةُ ما يَأْتِي فِيمَا لو قالت إذَا جاء الْغَدُ وَطَلَّقْتنِي فَلَكَ أَلْفٌ فَطَلَّقَهَا في الْغَدِ حَيْثُ يَلْزَمُ الْمُسَمَّى وَسَوَاءٌ في ذلك الْعَالِمُ بِبُطْلَانِ ما جَرَى وَالْجَاهِلُ بِهِ كَنَظِيرِهِ في الْخُلْعِ بِخَمْرٍ وَنَحْوِهِ خِلَافًا لِلْقَاضِي وَمَنْ تَبِعَهُ في قَوْلِهِمْ إنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ رَجْعِيًّا في حَالَةِ الْعِلْمِ وَلَا تَرْجِيحَ في الْأَصْلِ في هذا
وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيمَا ذُكِرَ طَلَاقُهُ فَوْرًا بِخِلَافِ قَوْلِهَا مَتَى طَلَّقْتنِي فَلَكَ أَلْفٌ ولم تُصَرِّحْ هِيَ بِالزَّمَنِ فإنه يُشْتَرَطُ طَلَاقُهَا فَوْرًا كما مَرَّ وَالْفَرْقُ أنها صَرَّحَتْ هُنَا بِجَوَازِ التَّأْخِيرِ فَضَعُفَتْ الْقَرِينَةُ وَهِيَ ذِكْرُ الْعِوَضِ عن مُقَاوَمَةِ الصَّرِيحِ بِخِلَافِهَا ثَمَّ وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَهُ أو قَصَدَ الِابْتِدَاءَ فَرَجْعِيٌّ لِمُخَالَفَتِهِ قَوْلَهَا في الْأُولَى وَعَمَلًا بِقَصْدِهِ في الثَّانِيَةِ وَيُصَدَّقُ فيها بِيَمِينِهِ إنْ اتَّهَمَتْهُ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو مَبْنِيٌّ على ما مَرَّ عن الْإِمَامِ وَمَنْ تَبِعَهُ وَتَقَدَّمَ ما فيه وقد ذَكَرْته أَوَّلَ الْبَابِ وَاعْلَمْ أَنَّ لها الرُّجُوعَ قبل أَنْ تَطْلُقَ في الصُّوَرِ السَّابِقَةِ وَإِنْ عَلَّقَتْ كَسَائِرِ الْعِوَضَاتِ إذْ الْمُغَلَّبُ في جَانِبِهَا الْمُعَاوَضَةُ بِخِلَافِ جَانِبِ الزَّوْجِ فِيمَا إذَا عَلَّقَ وَكَلَامُهُ هُنَا أَعَمُّ من كَلَامِ أَصْلِهِ وَقَوْلُ الرَّوْضَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لها قبل الْقَبُولِ صَوَابُهُ بَعْدَ الْقَبُولِ كما عَبَّرَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَإِنْ قالت طَلِّقْنِي شَهْرًا بِأَلْفٍ فَفَعَلَ وَقَعَ طَلَاقُهُ مُؤَبَّدًا لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُؤَقَّتُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الصِّيغَةِ بِالتَّأْقِيتِ وَإِنْ عَلَّقَهُ الزَّوْجُ بِصِفَةٍ وَذَكَرَ عِوَضًا كَقَوْلِهِ إذَا جاء غَدٌ أو دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ فَوْرًا وَكَذَا لو كان ذلك بِسُؤَالِهَا
كَقَوْلِهَا عَلِّقْ طَلَاقِي بِغَدٍ أو بِدُخُولِ الدَّارِ بِأَلْفٍ فَعَلَّقَ طَلَقَتْ بِالْمُسَمَّى عِنْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عليها كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ وَكَمَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عن الطَّلَاقِ الْمُنَجَّزِ يَجُوزُ عن الْمُعَلَّقِ وَيَسْتَحِقُّ الزَّوْجُ الْمُسَمَّى في الْحَالِ لِأَنَّ الْأَعْوَاضَ الْمُطْلَقَةَ يَلْزَمُ تَعْلِيقُهَا في الْحَالِ وَالْمُعَوَّضُ تَأَخَّرَ بِالتَّرَاضِي لِوُقُوعِهِ في التَّعْلِيقِ بِخِلَافِ الْمُنَجَّزِ من خُلْعٍ وَغَيْرِهِ يَجِبُ فيه تَقَارُنُ الْعِوَضَيْنِ في الْمِلْكِ وَكَذَا يَسْتَحِقُّهُ في الْحَالِ لو قالت له إذَا جاء الْغَدُ وَطَلَّقْتنِي فَلَكَ أَلْفٌ فقال إذَا جاء الْغَدُ فَأَنْت طَالِقٌ قَوْلُهُ في الْحَالِ من زِيَادَتِهِ وَقَوْلُهُ فقال إلَى آخِرِهِ من تَصَرُّفِهِ وَلَا يُنَاسِبُهُ اسْتِحْقَاقُ الْمُسَمَّى
____________________
(3/259)
في الْحَالِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ مُعَلَّقٌ بِمَجِيءِ الْغَدِ وَبِالطَّلَاقِ فَالْوَجْهُ حَذْفُ في الْحَالِ وَالتَّعْبِيرُ في الْجَوَابِ بِقَوْلِ الْأَصْلِ فَطَلَّقَهَا في الْغَدِ إجَابَةً لها وَعَلَيْهِ لو طَلَّقَهَا قبل الْغَدِ فَظَاهِرُ وُقُوعِهِ ثَمَّ إنْ بَقِيَتْ قَابِلَةً لِلطَّلَاقِ إلَى الْغَدِ اسْتَحَقَّ فيه الْمُسَمَّى وَإِلَّا فَلَا
وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِيمَا تَصَرَّفَ فيه الْمُصَنِّفُ فَإِنْ تَعَذَّرَ الطَّلَاقُ بَعْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عليها بِفِرَاقٍ وَنَحْوِهِ كَمَوْتٍ قبل وُجُودِ الصِّفَةِ رَدَّهُ أَيْ الْمُسَمَّى كما لو تَعَذَّرَ تَسْلِيمُ الْمُسَلَّمِ فيه وَقَوْلُهُ وَنَحْوُهُ من زِيَادَتِهِ الطَّرَفُ الرَّابِعُ في اخْتِلَاعِ الْأَجْنَبِيِّ وهو من جَانِبِهِ مُعَاوَضَةٌ فيها شَوْبُ جِعَالَةٍ وَمِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ مُعَاوَضَةٌ فيها مَعْنَى التَّعْلِيقِ كما مَرَّ ذلك في مُخَالَعَةِ الزَّوْجِ مع الزَّوْجَةِ وَجَازَ خُلْعُ الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ فِدَاءٌ كَالْتِزَامِ الْمَالِ لِيُعْتِقَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ وقد يَكُونُ له فيه غَرَضٌ كَأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ سَيِّئَ الْعِشْرَةِ فَإِنْ قال له أَجْنَبِيٌّ طَلِّقْ امْرَأَتَك وَلَك أَلْفٌ فَفَعَلَ لَزِمَ ذِمَّتَهُ الْأَلْفُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا حُرًّا كان أو عَبْدًا كَالزَّوْجَةِ فإنه يَصِحُّ اخْتِلَاعُهَا حُرَّةً كانت أو أَمَةً فَإِنْ كان سَفِيهًا وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا كما لو اخْتَلَعَتْ سَفِيهَةٌ نَفْسَهَا
وَلَوْ قال شَخْصٌ لِآخَرَ بِعْ عَبْدَك من فُلَانٍ بِكَذَا وَعَلَيَّ أَلْفٌ أو بِعْهُ عَبْدَك بِأَلْفٍ في مَالِي كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَفَعَلَ لَغَا ذلك الْقَوْلُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْبَائِعُ على الْقَائِلِ شيئا وَإِنْ صَحَّ الْبَيْعُ في الْأُولَى إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ الثَّمَنَ على غَيْرِ من يَمْلِكُ الْمَبِيعَ وَوَكِيلُهَا في الْخُلْعِ إنْ صَرَّحَ فيه بِالْوَكَالَةِ لم يُطَالَبْ بِالْعِوَضِ وَإِنَّمَا الْمُطَالَبُ بِهِ هِيَ بِخِلَافِ وَكِيلِ الْمُشْتَرِي وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُصَرِّحْ بِالْوَكَالَةِ طُولِبَ بِهِ كما تُطَالَبُ هِيَ بِهِ وَرَجَعَ عليها إذَا غَرِمَهُ كَوَكِيلِ الْمُشْتَرِي إلَّا إنْ قَصَدَ الِاسْتِقْلَالَ بِالْخُلْعِ وَلَا يَرْجِعُ عليها كما لو لم تَوَكَّلْهُ فَاسْتَثْنَى منه صَادِقٌ بِمَا إذَا قَصَدَ الْوَكَالَةَ وهو ظَاهِرٌ وَبِمَا إذَا لم يَقْصِدْ شيئا لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْخُلْعِ لها فَوَقَعَ لها بِخِلَافِ نَظِيرِهِ من الْوَكَالَةِ في الشِّرَاءِ فإن فَائِدَتَهُ كما تَكُونُ لِلْمُوَكِّلِ تَكُونُ لِلْوَكِيلِ فَوُقُوعُهُ في مِثْلِ ذلك لِلْوَكِيلِ أَوْلَى لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ وَغَيْرِهِ ما ذُكِرَ في الثَّانِيَةِ أَصْلُهُ لِلْغَزَالِيِّ وهو سَبْقُ قَلَمٍ
فَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ إمَامُهُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عليها اشْتِبَاهٌ فإن كَلَامَ الْغَزَالِيِّ فِيمَا إذَا لم يُخَالِفْ الْوَكِيلُ الْمَرْأَةَ فِيمَا سَمَّتْهُ وَكَلَامُ إمَامِهِ فِيمَا إذَا خَالَفَهَا فيه وَمَسْأَلَةُ قَصْدِ الِاسْتِقْلَالِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَيُفْهَمُ منها بِالْأَوْلَى حُكْمُ ما لو صَرَّحَ بِالِاسْتِقْلَالِ الذي اقْتَصَرَ عليه الْأَصْلُ وَلِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يُوَكِّلَ الزَّوْجَةَ لِتَخْتَلِعَ عنه فَتَتَخَيَّرَ هِيَ بين الِاخْتِلَاعِ لها وَالِاخْتِلَاعِ له بِأَنْ تُصَرِّحَ أو تَنْوِيَ كما مَرَّ في عَكْسِهِ فَإِنْ أَطْلَقَتْ وَقَعَ لها لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ لها كما مَرَّ فَإِنْ قال لها سَلِي زَوْجَك طَلَاقَك بِأَلْفٍ ولم يَقُلْ عَلَيَّ فَلَيْسَ بِتَوْكِيلٍ حتى لو اخْتَلَعَتْ كان الْمَالُ عليها بِخِلَافِ قَوْلِهَا له ذلك فإنه تَوْكِيلٌ وَإِنْ لم تَقُلْ عَلَيَّ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْخُلْعِ لها وَإِنْ قال لها سَلِي زَوْجَك طَلَاقَك بِأَلْفٍ عَلَيَّ فَفَعَلَتْ وَنَوَتْ الْإِضَافَةَ إلَيْهِ أو تَلَفَّظَتْ بها كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
فَالْمَالُ عليه وَإِلَّا فَعَلَيْهَا وَقَوْلُ الْأَجْنَبِيِّ لِلْأَجْنَبِيِّ سَلْ فُلَانًا يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ على أَلْفٍ كَقَوْلِهِ لِلزَّوْجَةِ فَيُفَرَّقُ بين قَوْلِهِ عَلَيَّ وَعَدَمِهِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ أَضَافَ الْأَجْنَبِيُّ الْخُلْعَ إلَيْهَا مُصَرِّحًا بِالْوَكَالَةِ كَاذِبًا بِأَنْ تَبَيَّنَ كَذِبُهُ لم يَقَعْ طَلَاقٌ لِارْتِبَاطِهِ بِالْعِوَضِ ولم يَلْتَزِمْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَأَشْبَهَ ما لو كان الْخِطَابُ مَعَهَا فلم تَقْبَلْ نعم إنْ اعْتَرَفَ الزَّوْجُ بِالْوَكَالَةِ بَانَتْ بِاعْتِرَافِهِ وَلَا شَيْءَ له وَأَبُوهَا كَالْأَجْنَبِيِّ فِيمَا ذُكِرَ فَإِنْ اخْتَلَعَهَا بِمَالِهِ فَذَاكَ وَإِنْ كانت صَغِيرَةً أو بِمَالِهَا وَصَرَّحَ بِنِيَابَةٍ كَاذِبًا أو بِوِلَايَةٍ لم يَقَعْ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ ليس بِوَكِيلٍ وَلَا وَلِيٍّ في ذلك إذْ الْوِلَايَةُ لَا تُثْبِتُ له التَّبَرُّعَ بِمَالِهَا وَإِنْ صَرَّحَ بِالِاسْتِقْلَالِ فَكَالْخُلْعِ بِمَغْصُوبٍ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ لِمَالِهَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ وَعَنْهُ احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ قال الْأَبُ أو الْأَجْنَبِيُّ لِلزَّوْجِ غير مُتَعَرِّضٍ لِاسْتِقْلَالٍ وَلَا نِيَابَةٍ طَلِّقْهَا على عَبْدِهَا أو على هذا الْمَغْصُوبِ أو الْخَمْرِ فَطَلَّقَهَا على ذلك وَقَعَ رَجْعِيًّا كَخُلْعِ السَّفِيهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَحْجُورٌ عليه في مَالِهَا كَالسَّفِيهِ وَهِيَ لم تَلْتَزِمْ مَالًا وَلَا يُمْكِنُ مُطَالَبَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالزَّوْجُ مُسْتَقِلٌّ بِالطَّلَاقِ فَيَقَعُ رَجْعِيًّا
بِخِلَافِ الْتِمَاسِ كَبِيرَةٍ من زَوْجِهَا طَلَاقًا بِمَغْصُوبٍ أو خَمْرٍ وَطَلَّقَهَا عليه فإنه يَقَعُ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الزَّوْجَةَ تَبْذُلُ الْمَالَ لِتَصِيرَ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ لها وَالزَّوْجُ لم يَبْذُلْ الْمِلْكَ لها مَجَّانًا فَلَزِمَهَا الْمَالُ وَالْأَبُ وَالْأَجْنَبِيُّ مُتَبَرِّعٌ بِمَا يَبْذُلُهُ لَا يَحْصُلُ له فيه فَائِدَةٌ فإذا أَضَافَ إلَى مَالِهَا فَقَدْ صَرَّحَ بِتَرْكِ التَّبَرُّعِ وَلَوْ قال الْأَبُ أو الْأَجْنَبِيُّ لِزَوْجِهَا طَلِّقْهَا بهذا الْعَبْدِ وهو لها ولم يذكر أَنَّهُ من مَالِهَا وَلَا أَنَّهُ مَغْصُوبٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا لِمَهْرِ الْمِثْلِ وَلَوْ عَلِمَ الزَّوْجُ أَنَّهُ عَبْدُهَا لِأَنَّهُ
____________________
(3/260)
الْتَزَمَ الْمَالَ في نَفْسِهِ فَكَانَ كَخُلْعِهَا بِمَغْصُوبٍ سَوَاءٌ أَقَالَ مع ذلك وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ أَمْ لَا وَإِنْ قال له الْأَبُ طَلِّقْهَا وَأَنْت بَرِيءٌ من صَدَاقِهَا فَفَعَلَ وَقَعَ رَجْعِيًّا وَلَا يَبْرَأُ من صَدَاقِهَا وَلَا شَيْءَ على الْأَبِ إذْ ليس له الْإِبْرَاءُ ولم يَلْتَزِمْ في نَفْسِهِ شيئا فلما فَاتَ الْعِوَضُ أَشْبَهَ السَّفِيهَ
فَلَوْ الْتَزَمَ مع ذلك دَرْكَ بَرَاءَتِهِ أَيْ الزَّوْجِ كَأَنْ قال وَضَمِنْت بَرَاءَتَك من الصَّدَاقِ بَانَتْ وَلَزِمَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمَالَ في نَفْسِهِ فَكَانَ كَخُلْعِهَا بِمَغْصُوبٍ فَإِنْ كان جَوَابُ الزَّوْجِ بَعْدَ ضَمَانِ الدَّرَكِ إنْ بُرِّئْت من صَدَاقِهَا فَهِيَ طَالِقٌ لم تَطْلُقْ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمُعَلَّقَ عليها لم تُوجَدْ الْبَابُ الْخَامِسُ في الِاخْتِلَافِ لو قالت خَالَعْتَنِي على كَذَا فَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ وَعَدَمُ الْخُلْعِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فقال الزَّوْجُ وقد خَالَعَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ وَأَجَابَتْهُ إحْدَاهُمَا لِلْمُجِيبَةِ قَصَدْت ضَرَّتَك بِالْخُلْعِ وَقَالَتْ الْمُجِيبَةُ بَلْ قَصَدْتنِي وَاسْمُهُمَا وَاحِدٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ وَلَا فُرْقَةَ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِتَصَرُّفِهِ أو قال طَلَّقْتُك بِعِوَضٍ فَأَنْكَرَتْ الْعِوَضَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا في نَفْيِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ فَإِنْ عَادَتْ وَاعْتَرَفَتْ بَعْدُ بِيَمِينِهَا بِمَا ادَّعَاهُ لَزِمَهَا دَفْعُهُ إلَيْهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَبَانَتْ منه بِإِقْرَارِهِ ولم تَسْقُطْ عنه السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ لها في الْعِدَّةِ وَذِكْرُ السُّكْنَى تَبِعَ فيه أَصْلَهُ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَصَوَابُهُ لِلْكِسْوَةِ لِأَنَّ السُّكْنَى تَجِبُ لِلْمُخْتَلِعَةِ قال وَلَا يَسْقُطُ أَيْضًا إرْثُهَا منه لو مَاتَ في الْعِدَّةِ فِيمَا يَظْهَرُ وَكَذَا الْحُكْمُ لو قال سَأَلْت الطَّلَاقَ بِأَلْفٍ فَأَنْكَرَتْ السُّؤَالَ أَصْلًا وَلَوْ ادَّعَتْ طُولَ الْفَصْلِ بين الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَأَنْكَرَ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا وَيَسْقُطُ الْعِوَضُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهَا وَعَدَمُ الطَّلَاقِ في الْوَقْتِ الذي يَدَّعِيهِ وَلَوْ قال صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا في نَفْيِ الْعِوَضِ كان أَوْضَحَ بَلْ لو حَذَفَ قَوْلَهُ صُدِّقَتْ إلَى آخِرِهِ وَعَبَّرَ بِأَوْ بَدَلَ وَلَوْ كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ وَكَذَا يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ إنْ ادَّعَاهُ أَيْ طُولَ الْفَصْلِ فَلَوْ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ بِعِوَضٍ وَطَلَّقَهَا بِدُونِ ذِكْرِهِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فقالت طَلَّقْتنِي ثَلَاثًا فَبَنَتْ وقال بَلْ مُنْفَصِلًا فَلِي الرَّجْعَةُ صُدِّقَ كما يُصَدَّقُ في نَفْيِ أَصْلِ الطَّلَاقِ وَتَثْبُتُ له الرَّجْعَةُ وَبِالِاخْتِلَافِ وَلَوْ مع أَجْنَبِيٍّ في جِنْسِ الْعِوَضِ أو قَدْرِهِ أو صِفَتِهِ من صِحَّةٍ وَتَكْسِيرٍ وَنَحْوِهِمَا أو تَعْيِينِ الْعَقْدِ كَأَنْ قال أَحَدُهُمَا أَطْلَقْنَاهُ وَالْآخَرُ عَيَّنَّاهُ وَلَا بَيِّنَةَ تَحَالَفَا كما في الْبَيْعِ وَبَانَتْ منه
وَفَائِدَتُهُ أَيْ التَّحَالُفِ الرُّجُوعُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ بَعْدَ الْفَسْخِ كَتَحَالُفِهِمَا في الصَّدَاقِ وَلِأَنَّهُ بَدَلُ الْبُضْعِ التَّالِفِ وكان كَقِيمَةِ الْمَبِيعِ التَّالِفِ وإذا أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا فَتَسْقُطَانِ وَإِنْ خَالَعَهَا على أَلْفِ شَيْءٍ مُبْهَمٍ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ إلَّا إنْ نَوَيَا جِنْسًا وَاحِدًا فَيَتَعَيَّنُ وَإِنْ لم يَتَوَاطَآ عليه قبل الْعَقْدِ إلْحَاقًا لِلْمَنْوِيِّ بِالْمَلْفُوظِ وفي نُسْخَةٍ بَدَلَ هذا وَلَوْ نَوَيَا جِنْسًا وَاحِدًا وَهِيَ جَارِيَةٌ على قَوْلِ الْقَاضِي وَالْأَوْلَى على غَيْرِهِ وهو الْأَصَحُّ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ أو خَالَعَهَا على أَلْفٍ وَنَوَيَا جِنْسًا تَعَيَّنَ كَذَلِكَ وَهَذِهِ عُلِمَتْ مِمَّا قَبْلَهَا فَإِنْ لم يَنْوِيَا شيئا لَزِمَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ نِيَّتَاهُمَا بِأَنْ أَرَادَ كُلٌّ مِنْهُمَا جِنْسًا وَتَصَادَقَا على ذلك فَلَا فُرْقَةَ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْعَقْدِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَإِنْ تَكَاذَبَا فيه كَأَنْ قال أَرَدْنَا بِالْأَلْفِ النُّقْرَةَ فقالت بَلْ الْفُلُوسَ تَحَالَفَا لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ في جِنْسِ الْعِوَضِ فَأَشْبَهَ ما لو اخْتَلَفَا فِيمَا سَمَّيَاهُ
وَبَانَتْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ بَعْدَ الْفَسْخِ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ في إرَادَةِ الدَّرَاهِمِ النُّقْرَةِ في قَوْلِهِ طَلَّقْتُك على أَلْفٍ أو على أَلْفِ دِرْهَمٍ وَثَمَّ دَرَاهِمُ وَلَا غَالِبَ منها وَادَّعَتْ أنها أَرَادَتْ الْفُلُوسَ وَكَذَّبَهَا بَانَتْ لِمَا يَأْتِي وَمُؤَاخَذَةً له بِقَوْلِهِ أو عَكْسُهُ بِأَنْ صَدَّقَهَا في إرَادَتِهِ الْفُلُوسَ وَادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ النُّقْرَةَ وَكَذَّبَتْهُ بَانَتْ ظَاهِرُ الِانْتِظَامِ الصِّيغَةُ وَلَا شَيْءَ له عليها فِيهِمَا لِإِنْكَارِهِ الْفُرْقَةَ هُنَا أَيْ في الثَّانِيَةِ وَإِنْكَارِهَا لها هُنَاكَ أَيْ في الْأُولَى وَيُعْتَبَرُ في هذه يَمِينُهَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ إلَّا إنْ عَادَ وَصَدَّقَهَا في الْأُولَى أو عَادَتْ
____________________
(3/261)
وصدقته في الثَّانِيَةِ فَيَسْتَحِقُّ عليها الْمُسَمَّى لَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا في الثَّانِيَةِ من زِيَادَتِهِ وَكَذَا لَا شَيْءَ له عليها وَتَبِينُ ظَاهِرًا لو قالت أَرَدْنَا الدَّرَاهِمَ وقال أَرَدْتهَا دُونَك لِمَا ذُكِرَ
وَلَوْ قال أَرَدْت الدَّرَاهِمَ وَقَالَتْ أَرَدْت الْفُلُوسَ بِلَا تَصَادُقٍ وَتَكَاذُبٍ بِأَنْ لم يَتَعَرَّضْ أَحَدٌ مِنْهُمَا لِجَانِبِ الْآخَرِ بَانَتْ منه ووجب له عليها مَهْرُ الْمِثْلِ بِلَا تَحَالُفٍ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي عليها مُعَيَّنًا حتى تَحْلِفَ وَإِنْ قالت سَأَلْتُك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَأَجَبْتنِي فقال بَلْ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَأَجَبْتُك تَحَالَفَا لِاخْتِلَافِهِمَا في قَدْرِ الْمُعَوَّضِ وَوَقَعَتْ وَاحِدَةٌ لِمَهْرِ الْمِثْلِ بَعْدَ الْفَسْخِ وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ وَسَبَقَتْ إحْدَاهُمَا تَارِيخًا قُدِّمَتْ السَّابِقَةُ وَإِلَّا تَحَالَفَا وَلَوْ قال طَلَّقْتُك وَحْدَك بِأَلْفٍ فقالت بَلْ طَلَّقْتنِي وَضَرَّتِي تَحَالَفَا وَعَلَيْهَا مَهْرُ الْمِثْلِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ قالت سَأَلْتُك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقْتنِي وَاحِدَةً فَلَكَ الثُّلُثُ فقال بَلْ ثَلَاثًا فَلِي الْأَلْفُ أُخِذَ بِإِقْرَارِهِ فَتَطْلُقُ ثَلَاثًا وَلَهُ عليها يَمِينٌ نَفْيُ الْعِلْمِ أَنَّهُ ما طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَيَسْتَحِقُّ عليها بَعْدَ حَلِفِهَا ثُلُثَ الْأَلْفِ كما لو قال إنْ رَدَدْت أَعْبُدِي الثَّلَاثَةَ فَلَكَ أَلْفٌ فقال رَدَدْتهمْ وقال ما رَدَدْت إلَّا وَاحِدًا وَلَا مَعْنَى لِلتَّحَالُفِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ في صِفَةِ الْعَقْدِ أو الْعِوَضِ وَهُمَا هُنَا مُتَّفِقَانِ على أَنَّ الْمَسْئُولَ ثَلَاثٌ وَأَنَّ الْعِوَضَ أَلْفٌ فَاسْتَحَقَّ ثُلُثَهُ لِمَا قُلْنَاهُ
نعم إنْ أَنْشَأَ الثَّلَاثَةَ وقال ما طَلَّقْتهَا قَبْلُ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ولم يَطُلْ فَصْلٌ اسْتَحَقَّ عليها الْأَلْفَ لِأَنَّ الْوَقْتَ وَقْتُ الْجَوَابِ فَرْعٌ لو قالت طَلَّقْتنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فقال بَلْ وَاحِدَةً بِأَلْفَيْنِ أو بِأَلْفٍ أو سَكَتَ عن الْعِوَضِ وَلَا بَيِّنَةَ أو لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ وَاتَّفَقَا على أَنَّهُ لم يُطَلِّقْ إلَّا مَرَّةً تَحَالَفَا لِاخْتِلَافِهِمَا في كَيْفِيَّةِ الْعَقْدِ وَلَهُ عليها مَهْرُ الْمِثْلِ بَعْدَ الْفَسْخِ أو قالت خَالَعْتَنِي بِأَلْفٍ يَزِنُهُ أَيْ على أَنْ يَزِنَهُ عَنِّي زَيْدٌ أو بِأَلْفٍ ضَمِنَهُ عَنِّي زَيْدٌ لَزِمَهَا الْأَلْفُ وَلَا يَنْفَعُهَا ما قَالَتْهُ لِأَنَّهُ لَا يَقْطَعُ الطَّلَبَ عنها أو قالت خَالَعَتْ أَنْت زَيْدًا لِنَفْسِهِ بِمَالِهِ فقال بَلْ خَالَعْتكِ لم يَلْزَمْهَا وَلَا زَيْدًا شَيْءٌ وَبَانَتْ منه بِإِقْرَارِهِ وَلَا نَقُولُ إنَّهُ أَقَرَّ بِعَقْدٍ صُدِّقَتْ في نَفْيِهِ فَيَلْغُو وَيَبْقَى النِّكَاحُ كما لو أَنْكَرَ الشِّرَاءَ تَبْقَى الْعَيْنُ لِلْمُقَرِّ له بِالْبَيْعِ لِتَضَمُّنِ الْخُلْعِ إتْلَافَ الْعِوَضِ وهو الْبُضْعُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُفْسَخُ بِتَعَذُّرِ الْعِوَضِ وَالْبَيْنُونَةُ لَا تَرْتَدُّ نعم نَظِيرُهُ من الْبَيْعِ أَنْ تَقُولَ بِعْتُك عَبْدِي فَأَعْتَقْته وَأَنْكَرَ فإنه يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ وَيُحْكَمُ بِعِتْقِ الْعَبْدِ بِإِقْرَارِهِ
وَلَوْ قالت خَالَعْتَنِي بِأَلْفٍ لي في ذِمَّةِ زَيْدٍ وَقَبَضْته أَنْت أو قالت خَالَعْتكِ وَكِيلَةً لِزَيْدٍ وَأَضَفْت الْخُلْعَ إلَيْهِ فَأَنْكَرَ تَحَالَفَا لِأَنَّ ذلك اخْتِلَافٌ في كَيْفِيَّةِ الْعَقْدِ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ وَقَبَضَتْهُ ليس بِقَيْدٍ وَإِنْ قالت لم أُضِفْ إلَيْهِ الْخُلْعَ لَكِنْ نَوَيْت ه له فَأَنْكَرَ أَصْلَ الْوَكَالَةِ أو نِيَّةَ الْإِضَافَةِ بَلْ أو صَدَّقَهَا فيها طُولِبَتْ لِتَعَلُّقِ الْعَهْدِ بِالْوَكِيلِ فَرْعٌ لو طَلَّقَهَا بِأَلْفٍ وَأَرْضَعَتْ بِلَبَنِهَا وفي نُسْخَةٍ وَهِيَ الْمُوَافَقَةُ لِلْأَصْلِ بِنْتَهَا زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ وَاخْتَلَفَا فقال الْخُلْعُ سَابِقٌ على الْإِرْضَاعِ فَعَلَيْك الْمَالُ وَقَالَتْ بَلْ ليس بِسَابِقٍ عليه فَانْفَسَخَ النِّكَاحُ وَالْخُلْعُ لَغْوٌ فَإِنْ عَيَّنَا يوم الْإِرْضَاعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَقَدُّمِ الْخُلْعِ وَإِلَّا بِأَنْ لم يُعَيِّنَا يوم الْإِرْضَاعِ سَوَاءٌ أَعَيَّنَا يوم الْخُلْعِ أَمْ لَا فَقَوْلُهُ أَيْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ وَعَدَمُ الرَّضَاعِ يوم الْخُلْعِ وَلِأَنَّ اشْتِغَالَهُمَا بِالْخُلْعِ ظَاهِرٌ في بَقَاءِ النِّكَاحِ كما لو خَالَعَهَا ثُمَّ ادَّعَتْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا قَبْلَهُ ثَلَاثًا
وَإِنْ قال الزَّوْجُ الْمُخَالِعُ أَكْرَهْتهَا على الْخُلْعِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ كُنْت مُكْرَهَةً وَهِيَ أَعَمُّ فَأَنْكَرَتْ رَدَّ عليها الْمَالَ لِإِقْرَارِهِ وَلَا رَجْعَةَ له لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِكْرَاهِ وَكَذَا إنْ قالت أَكْرَهَتْنِي على الْخُلْعِ فَأَنْكَرَ وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً بِذَلِكَ لَزِمَهُ رَدُّ الْمَالِ لِبُطْلَانِ الْخُلْعِ وَلَا رَجْعَةَ له لِاعْتِرَافِهِ بِالْبَيْنُونَةِ فَإِنْ لم يُصَرِّحْ بِالْإِنْكَارِ بِأَنْ سَكَتَ أو كان الْمُنْكِرُ وَكِيلَهُ فَلَهُ الرَّجْعَةُ بِعَدَمِ اعْتِرَافِهِ بِالْبَيْنُونَةِ أَمَّا إذَا لم تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِالْإِكْرَاهِ فَهُوَ الْمُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ وَيَلْزَمُهَا الْمَالُ فَصْلٌ وفي نُسْخَةٍ فَرْعٌ لو خَالَعَهَا بِثَوْبٍ مَثَلًا أَصْدَقَهُ لها لم يَسْقُطْ صَدَاقُهَا منه عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَالْخُلْعُ على عَيْنِ الصَّدَاقِ قبل قَبْضِهِ لَا يُسْقِطُ حَقَّهَا منه وَبَعْدَ قَبْضِهِ وَقَبْلَ الدُّخُولِ لَا يُسْقِطُ حَقَّ الزَّوْجِ من نِصْفِهِ عِنْدَنَا انْتَهَى فَفِي الْأَوَّلِ حَقُّهَا بَاقٍ في الْعَيْنِ وَيَلْزَمُهَا له مَهْرُ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الْخُلْعِ وفي الثَّانِي يَسْقُطُ حَقُّهَا
____________________
(3/262)
من الْعَيْنِ وَيَلْزَمُهَا له بَدَلُ نِصْفِهَا
وَلَيْسَ له خُلْعُ زَوْجَةِ وَلَدِهِ الطِّفْلِ أو نَحْوِهِ لِأَنَّ الْفِرَاقَ إنَّمَا يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ وقد سَبَقَ حُكْمُ من أَبْرَأَتْ زَوْجَهَا من صَدَاقِهَا ثُمَّ خَالَعْت بِهِ في أَوَّلِ كِتَابِ الْخُلْعَ وَلَوْ قالت إنْ طَلَّقْتنِي أَبْرَأَتْك عن صَدَاقِي أو فَأَنْت بَرِيءٌ منه فَطَلَّقَ أو خَالَعَ حَامِلًا بِنَفَقَةِ عِدَّتِهَا لم يَبْرَأْ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْإِبْرَاءِ في الْأُولَيَيْنِ وَالتَّسْمِيَةَ في الثَّالِثَةِ بَاطِلَانِ وَطَلَقَتْ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمُسَمَّى في الْأُولَيَيْنِ وَفَسَادُهُ في الثَّالِثَةِ وَالْخُلْعُ بِالنَّفَقَةِ على وَلَدِهِ سَنَةً مَثَلًا كُلُّ يَوْمٍ كَذَا فَاسِدٌ لِلْجَهْلِ بِالْمُسَمَّى فَتَبِينُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَلَعَلَّهُ إنْ لم يَسْتَوْفِ صِفَةَ الْمُسْلَمِ فَإِنْ اسْتَوْفَاهَا صَحَّ الْخُلْعُ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ هُنَا وقد قَدَّمَ كَأَصْلِهِ الْمَسْأَلَةَ آخِرَ الْبَابِ الثَّانِي في أَرْكَانِ الْخُلْعِ وَمَنْ خُولِعَتْ بِحَضَانَةِ وَلَدِهَا منه سَنَةً مَثَلًا فَتَزَوَّجَتْ في أَثْنَائِهَا لم يُنْزَعْ منها لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ وَإِنْ خَالَعَهَا على ثَوْبٍ هَرَوِيٌّ وَوَصَفَهُ بِصِفَاتِ السَّلَمِ فَأَعْطَتْهُ مَرْوِيًّا لم يَجُزْ أَخْذُهُ إلَّا بِوَجْهِ
وفي نُسْخَةٍ على وَجْهِ الِاسْتِبْدَالِ بِأَنْ يَجْعَلَهُ بَدَلًا عَمَّا عليها فَيَقْبَلَهُ الزَّوْجُ فَيَجُوزَ كَالِاسْتِبْدَالِ عن الثَّمَنِ في الذِّمَّةِ فَإِنْ لم يَصِفْهُ بِمَا ذُكِرَ فَالْوَاجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُهُ إلَّا بِوَجْهِ الِاسْتِبْدَالِ أَيْضًا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ بِصِفَاتِ السَّلَمِ لَشَمَلَهُ وكان أَخْصَرَ وَإِنْ قالت له أَنْت بَرِيءٌ من صَدَاقِي فَطَلِّقْنِي بَرِئَ منه ولم يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ قال الرَّافِعِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا قَصَدَتْ جَعْلَ الْإِبْرَاءِ عِوَضًا عن الطَّلَاقِ وَلِذَلِكَ تَرَتَّبَ سُؤَالُ الطَّلَاقِ عليه فَلْيَكُنْ كما لو قالت طَلِّقْنِي وَأَنْتَ بَرِيءٌ عن صَدَاقِي وَإِنْ قالت خَالَعْتكِ بِصَدَاقِي الذي في ذِمَّتِك فَأَنْكَرَ وَحَلَفَ سَقَطَ عنه صَدَاقُهَا بِخِلَافِ قَوْلِهَا اشْتَرَيْت دَارَك بِهِ فَأَنْكَرَ لَا يَسْقُطُ عنه لِأَنَّ الْخُلْعَ بِهِ يَقْتَضِي سُقُوطَهُ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّ ذِمَّةَ الزَّوْجِ إذَا بَرِئَتْ منه لَا يُمْكِنُ اشْتِغَالُهَا بِهِ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ إذْ قد تَخْرُجُ الدَّارُ مُسْتَحَقَّةً أو تُرَدُّ بِعَيْبٍ أو تَتْلَفُ قبل الْقَبْضِ فَيَعُودُ الصَّدَاقُ وَإِنْ ادَّعَى خُلْعَهَا فَأَنْكَرَتْ فَحَلَفَتْ ثُمَّ وَطِئَهَا لَزِمَهُ الْحَدُّ ظَاهِرًا دُونَهَا لِأَنَّهَا تَزْعُمُ أنها في نِكَاحِهِ لَا بَاطِنًا إنْ كَذَبَ
فَإِنْ صَدَقَ لَزِمَهُ الْحَدُّ بَاطِنًا أَيْضًا وَلَوْ قال لها أَنْت طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ إحْدَاهُمَا بِأَلْفٍ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ فَوْرًا أَيْ وَإِنْ لم تَقْبَلْ لِخُلُوِّهَا عن الْعِوَضِ وَقِيلَ لَا تَقَعُ إلَّا بِقَوْلِهَا وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَتَقَعُ الْأُخْرَى بِالْأَلْفِ إنْ قَبِلَتْ وَهِيَ مَدْخُولٌ بها فَالْأُولَى رَجْعِيَّةٌ وَالثَّانِيَةُ بَائِنٌ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم تَقْبَلْ أو قَبِلَتْ وَهِيَ غَيْرُ مَدْخُولٍ بها فَلَا تَقَعُ الْأُخْرَى لِعَدَمِ قَبُولِهَا في الْأُولَى وَلِبَيْنُونَتِهَا بِالطَّلْقَةِ الْأُولَى في الثَّانِيَةِ كِتَابُ الطَّلَاقِ هو لُغَةً حَلُّ الْقَيْدِ وَشَرْعًا حَلُّ عَقْدِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ وَعَرَّفَهُ النَّوَوِيُّ في تَهْذِيبِهِ بِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَمْلُوكٌ لِلزَّوْجِ يُحْدِثُهُ بِلَا سَبَبٍ فَيَقْطَعُ النِّكَاحَ وَالْأَصْلُ فيه قبل الْإِجْمَاعِ الْكِتَابُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ وَقَوْلِهِ يا أَيُّهَا النبي إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَالسُّنَّةُ كَقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَتَانِي جِبْرِيلُ فقال لي رَاجِعْ حَفْصَةَ فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ وَإِنَّهَا زَوْجَتُك في الْجَنَّةِ رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَقَوْلِهِ ليس شَيْءٌ من الْحَلَالِ أَبْغَضَ إلَى اللَّهِ من الطَّلَاقِ رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَفِيهِ أَبْوَابٌ سِتَّةٌ الْأَوَّلُ في السُّنِّيِّ وَالْبِدْعِيِّ إثْبَاتًا وَنَفْيًا وفي غَيْرِهِمَا وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ في بَيَانِ السُّنِّيِّ وَالْبِدْعِيِّ فَالسُّنِّيُّ طَلَاقُ مَدْخُولٍ بها في طُهْرٍ لم يُجَامِعْهَا فيه وَلَا في حَيْضٍ قَبْلَهُ لَيْسَتْ بِحَامِلٍ وَلَا صَغِيرَةٍ وَلَا آيِسَةٍ وَهِيَ تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ وَذَلِكَ لِاسْتِعْقَابِهِ الشُّرُوعَ في الْعِدَّةِ وَعَدَمَ النَّدَمِ وقد قال تَعَالَى إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ
____________________
(3/263)
أَيْ في الْوَقْتِ الذي يَشْرَعْنَ فيه في الْعِدَّةِ
وفي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فذكر ذلك عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حتى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ فَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا قبل أَنْ يُجَامِعَ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ التي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لها النِّسَاءُ وَالْبِدْعِيُّ طَلَاقُ مَدْخُولٍ بها بِلَا عِوَضٍ منها في حَيْضٍ أو نِفَاسٍ وَلَوْ في عِدَّةِ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ وَهِيَ تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ وَذَلِكَ لِمُخَالَفَتِهِ قَوْله تَعَالَى فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَزَمَنُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ لَا يُحْسَبُ من الْعِدَّةِ وَالْمَعْنَى فيه تَضَرُّرُهَا بِطُولِ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ أو في طُهْرٍ جَامَعَهَا فيه أو اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ فيه وَلَوْ كان الْجِمَاعُ أو الِاسْتِدْخَالُ في حَيْضٍ قَبْلَهُ أو في الدُّبُرِ إنْ لم يَتَبَيَّنْ حَمْلُهَا وَكَانَتْ مِمَّنْ قد تَحْبَلُ لِأَدَائِهِ إلَى النَّدَمِ عِنْدَ ظُهُورِ الْحَمْلِ فإن الْإِنْسَانَ قد يُطَلِّقُ الْحَائِلَ دُونَ الْحَامِلِ وَعِنْدَ النَّدَمِ قد لَا يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ فَيَتَضَرَّرُ هو وَالْوَلَدُ وَلِأَنَّ عِدَّتَهَا لو كانت حَامِلًا تَكُونُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَلَوْ كانت حَائِلًا تَكُونُ بِالْأَقْرَاءِ وَرُبَّمَا يَلْتَبِسُ الْأَمْرُ وَتَبْقَى مُرْتَابَةً فَلَا يَتَهَيَّأُ لها التَّزَوُّجُ
وَأَلْحَقُوا الْجِمَاعَ في الْحَيْضِ بِالْجِمَاعِ في الطُّهْرِ لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ فيه وَكَوْنِ بَقِيَّتِهِ مِمَّا دَفَعَتْهُ الطَّبِيعَةُ أَوَّلًا وَتَهَيَّأَ لِلْخُرُوجِ وَأَلْحَقُوا الْجِمَاعَ في الدُّبُرِ بِالْجِمَاعِ في الْقُبُلِ لِثُبُوتِ النَّسَبِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ بِهِ وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ وَلَوْ في حَيْضٍ أَنَّ ما قَبْلَهُ شَامِلٌ له وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَوْ قال وَكَذَا لو كان في حَيْضٍ قَبْلَهُ أو قال أو حِيضَ قَبْلَهُ كان أَوْلَى وَكَأَنَّهُ غَلَّبَ قَوْلَهُ أو في الدُّبُرِ على ذلك وَكَذَا طَلَاقُ من لم تَسْتَوْفِ دَوْرَهَا من الْقَسْمِ فإنه يُدْعَى كما مَرَّ في بَابِهِ قال ابن الرِّفْعَةِ هذا إذَا طَلَّقَهَا بِغَيْرِ سُؤَالِهَا وَإِلَّا فَيُتَّجَهُ أَنَّهُ ليس بِبِدْعِيٍّ كما في الطَّلَاقِ في الْحَيْضِ على رَأْيٍ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا بِسُؤَالِهَا مُسْقِطَةٌ لَحَقِّهَا من الْقَسْمِ فَيَجُوزُ هُنَا قَطْعًا أَمَّا الصَّغِيرَةُ وَالْحَامِلُ من الْمُطَلِّقِ وَلَوْ حَاضَتْ وَغَيْرُ الْمَمْسُوسَةِ وَالْآيِسَةُ وَالْمُخْتَلِعَةُ فَلَا بِدْعَةَ لَهُنَّ وَلَا سُنَّةَ لِانْتِقَاءِ ما ذُكِرَ فِيهِمَا وَلِأَنَّ افْتِدَاءَ الْمُخْتَلِعَةِ يَقْتَضِي حَاجَتَهَا إلَى الْخَلَاصِ بِالْفِرَاقِ وَرِضَاهَا بِطُولِ التَّرَبُّصِ وَأَخْذَهُ الْعِوَضَ يُؤَكِّدُ دَاعِيَةَ الْفِرَاقِ وَيُبْعِدُ احْتِمَالَ النَّدَمِ وَالْحَامِلُ وَإِنْ تَضَرَّرَتْ بِالطُّولِ في بَعْضِ الصُّوَرِ فَقَدْ اسْتَعْقَبَ الطَّلَاقَ شُرُوعُهَا في الْعِدَّةِ
قال في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وقد تُضْبَطُ الْأَقْسَامُ على الْإِبْهَامِ بِأَنْ يُقَالَ الطَّلَاقُ إنْ حَرُمَ إيقَاعُهُ فَبِدْعِيٌّ وَإِلَّا فَسُنِّيٌّ في حَقِّ من يَعْتَوِرُهَا التَّحْرِيمُ وَلَيْسَ بِسُنِّيٍّ وَلَا بِدْعِيٍّ في غَيْرِهَا وقد يَجِبُ الطَّلَاقُ في الْإِيلَاءِ على الْمُوَلَّى وفي الشِّقَاقِ على الْحَكَمَيْنِ إذَا أَمَرَ الْمُطَلِّقُ بِهِ فَلَا بِدْعَةَ فيه لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ مع رِضَا الزَّوْجَةِ بِهِ قال في الْأَصْلِ في الْأَوْلَى وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِتَحْرِيمِهِ لِأَنَّهُ أَحْوَجُهَا بِالْإِيذَاءِ إلَى الطَّلَبِ وهو غَيْرُ مَلْجَأٍ لِتَمَكُّنِهِ من الْفَيْئَةِ وَالْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ فيها الْوُجُوبُ الْمُخَيَّرُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فيها إمَّا الطَّلَاقُ أو الْفَيْئَةُ أو الْوُجُوبُ الْعَيْنِيُّ بِحَمْلِ الطَّلَاقِ على ما إذَا تَعَيَّنَ بِأَنْ قام بِالزَّوْجِ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ كَإِحْرَامٍ
وَيُسْتَحَبُّ الطَّلَاقُ لِخَوْفِ تَقْصِيرِهِ في حَقِّهَا لِبُغْضٍ أو غَيْرِهِ أو لِعَدَمِ عِفَّتِهَا بِأَنْ لَا تَكُونَ عَفِيفَةً وَأَلْحَقَ بِهِ ابن الرِّفْعَةِ طَلَاقَ الْوَلَدِ إذَا أَمَرَهُ بِهِ وَالِدُهُ وهو ظَاهِرٌ إذَا أَمَرَهُ بِهِ لَا لِتَعَنُّتٍ وَنَحْوِهِ وَيُكْرَهُ عِنْدَ سَلَامَةِ الْحَالِ لِخَبَرِ ليس شَيْءٌ من الْحَلَالِ أَبْغَضَ إلَى اللَّهِ من الطَّلَاقِ
وَلَوْ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ بِلَا
____________________
(3/264)
عِوَضٍ أو اخْتَلَعَهَا أَجْنَبِيٌّ في زَمَنِ الْبِدْعَةِ حَرُمَ إذْ لَا تُعْلَمُ بِذَلِكَ حَاجَتُهَا إلَى الْخَلَاصِ نعم قد يُقَالُ خَلْعُهُ في الطُّهْرِ الْمَذْكُورِ جَائِزٌ لِمَا مَرَّ أَنَّ أَخْذَهُ الْعِوَضَ يُبْعِدُ احْتِمَالَ النَّدَمِ وَلَيْسَ فيه تَطْوِيلُ عِدَّةٍ عليها
فَرْعٌ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ طَلَّقَ بِدْعِيًّا أَنْ يُرَاجِعَ مُطَلَّقَتُهُ ما لم يَدْخُلْ الطُّهْرُ الثَّانِي لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ السَّابِقِ وَيُقَاسُ بِمَا فيه بَقِيَّةُ صُوَرِ الْبِدْعِيِّ وَإِنَّمَا لم يُوجِبُوا الرَّجْعَةَ لِأَنَّهَا في مَعْنَى النِّكَاحِ وهو لَا يَجِبُ قال الْإِمَامُ وَمَعَ اسْتِحْبَابِ الرَّجْعَةِ لَا نَقُولُ إنَّ تَرْكَهَا مَكْرُوهٌ قال في الرَّوْضَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَيَنْبَغِي كَرَاهَتُهُ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ فيها وَلِدَفْعِ الْإِيذَاءِ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفُ حَذَفَهُ لِأَنَّ الْإِمَامَ قد صَرَّحَ فِيمَا قَالَهُ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا وَالِاسْتِنَادُ إلَى الْخَبَرِ رُدَّ بِأَنَّهُ لَا نَهْيَ فيه فَإِنْ رَاجَعَ وَالْبِدْعَةُ لِحَيْضٍ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا في الطُّهْرِ منه لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ وَلِئَلَّا يَكُونَ الْمَقْصُودُ من الرَّجْعَةِ مُجَرَّدَ الطَّلَاقِ وَكَمَا يُنْهَى عن النِّكَاحِ لِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ يُنْهَى عن الرَّجْعَةِ وَلَا يُسْتَحَبُّ الْوَطْءُ في الطُّهْرِ الْأَوَّلِ اكْتِفَاءً بِإِمْكَانِ التَّمَتُّعِ أو رَاجَعَ وكانت الْبِدْعَةُ لِطُهْرٍ جَامَعَهَا فيه أو في حَيْضٍ قَبْلَهُ ولم يَبِنْ حَمْلُهَا وَوَطِئَ بَعْدَ الرَّجْعَةِ فيه فَلَا بَأْسَ بِطَلَاقِهَا في الطُّهْرِ الثَّانِي وَإِلَّا بِأَنْ لم يُرَاجِعْهَا إلَّا بَعْدَ الطُّهْرِ أو رَاجَعَهَا فيه ولم يَطَأْهَا اُسْتُحِبَّ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا فيه أَيْ في الطُّهْرِ الثَّانِي لِئَلَّا تَكُونَ الرَّجْعَةُ لِلطَّلَاقِ وَظَاهِرٌ أَنَّ ذلك فِيمَنْ طَلَّقَ غير من لم تَسْتَوْفِ دَوْرَهَا من الْقَسْمِ بِخِلَافِ من طَلَّقَ هذه لِلُزُومِ الرَّجْعَةِ له لِيُوَفِّيَهَا حَقَّهَا
فَرْعٌ لو قال أَنْت طَالِقٌ مع أو في آخِرِ حَيْضِك فَسُنِّيٌّ لِاسْتِعْقَابِهِ الشُّرُوعَ في الْعِدَّةِ أو أَنْت طَالِقٌ مع أو في آخِرِ طُهْرِك فَبِدْعِيٌّ وَإِنْ لم يَطَأْهَا فيه بِنَاءً على أَنَّ الْقُرْءَ هو الطُّهْرُ الْمُحْتَوَشُ بين دَمَيْنِ لَا لِانْتِقَالٍ منه إلَى الْحَيْضِ وَهَذَا وما قَبْلَهُ مُقَيَّدَانِ لِضَابِطَيْ السُّنِّيِّ وَالْبِدْعِيِّ
والطلاق الْمُعَلَّقُ بِصِفَةٍ صَادَفَتْ زَمَنَ الْبِدْعَةِ بِدْعِيٌّ لَكِنْ لَا إثْمَ فيه أو زَمَنَ السَّنَةِ سُنِّيٌّ فَالْعِبْرَةُ بِكَوْنِهِ بِدْعِيًّا أو سُنِّيًّا بِوَقْتِ وُجُودِ الصِّفَةِ لَا بِوَقْتِ التَّعْلِيقِ إذْ لَا ضَرُورَةَ حِينَئِذٍ وَلَا نَدَمَ قال في الْأَصْلِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ بِاخْتِيَارِهِ أَثِمَ بِإِيقَاعِهِ في الْحَيْضِ وَبِالْجُمْلَةِ فَلْيُرَاجَعْ اسْتِحْبَابًا وَتَعْلِيقُهُ حَالَ الْحَيْضِ مُبَاحٌ
فَرْعٌ لو طَلَّقَهَا وَلَوْ في الطُّهْرِ حَامِلًا بِحَمْلٍ لِغَيْرِهِ بِشُبْهَةٍ أو من زِنًا سَابِقٍ على الطَّلَاقِ وَقَعَ بِدْعِيًّا لِتَأَخُّرِ الشُّرُوعِ في الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ وَانْقِضَاءِ النِّفَاسِ بِخِلَافِ الْحَامِلِ منه وَذَكَرَ الْأَصْلُ في الْعَدَدِ في حَمْلِ الزِّنَا خِلَافَ هذا ليس خِلَافَهُ بَلْ ذَاكَ فِيمَا إذَا حَاضَتْ وَهَذَا فِيمَا إذْ لم تَحِضْ بِقَرِينَةِ تَعْلِيقِهِ السَّابِقِ وإذا رَاجَعَ الْحَامِلَ الْمَذْكُورَةَ فَظَاهِرٌ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا حتى تَضَعَ ثُمَّ يَنْقَطِعَ نِفَاسُهَا ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ لِئَلَّا تَكُونَ الرَّجْعَةُ لِلطَّلَاقِ
وَلَا بِدْعَةَ وَلَا سُنَّةَ في فَسْخِ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِدَفْعِ ضَرَرٍ نَادِرٍ فَلَا يُنَاسِبُهُ تَكْلِيفُ رِعَايَةِ الْأَوْقَاتِ وَلِأَنَّهُ فَوْرِيٌّ غَالِبًا فَلَوْ كان كَالطَّلَاقِ فِيمَا ذُكِرَ لَأُخِّرَ عن زَمَنِ الْبِدْعَةِ إلَى زَمَنِ السُّنَّةِ فَيَتَنَافَى الْفَوْرِيَّةُ وَالتَّأْخِيرُ ولا في عِتْقِ مَوْطُوءَةٍ له وَإِنْ طَالَ زَمَنُ الِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّ مَصْلَحَتَهُ أَعْظَمُ وَلَا يَحْرُمُ جَمْعُ ثَلَاثِ طَلْقَاتٍ لِمَا في خَبَرِ اللِّعَانِ أَنَّ الْمُلَاعَنَ قال هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَلَوْ كان بِدْعِيًّا لَأَنْكَرَ عليه النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنْ لم يَقَعْ الطَّلَاقُ في تِلْكَ الْحَالَةِ لِحُصُولِ الْفُرْقَةِ بِاللِّعَانِ وَذَلِكَ لِئَلَّا يَعُودَ إلَى مِثْلِهِ وَلِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ فَجَازَ مُجْتَمِعًا وَمُتَفَرِّقًا كَعِتْقِ الْعَبِيدِ وقد يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْعِتْقَ مَحْبُوبٌ وَالطَّلَاقُ مَبْغُوضٌ وَكَمَا لَا يَحْرُمُ جَمْعُهَا لَا يُكْرَهُ ولكن يُسْتَحَبُّ الِاقْتِصَارُ على طَلْقَةٍ في الْقُرْءِ لِذَاتِ الْأَقْرَاءِ وفي الشَّهْرِ لِذَاتِ الْأَشْهُرِ لِيَتَمَكَّنَ من الرَّجْعَةِ أو التَّجْدِيدِ إنْ نَدِمَ وَإِلَّا فَفِي الْيَوْمِ أَيْ وَإِنْ لم يَقْتَصِرْ على ذلك فَلْيُفَرِّقْ الطَّلْقَاتِ على الْأَيَّامِ وَيُفَرِّقُهُنَّ على الْحَامِلِ طَلْقَةً في
____________________
(3/265)
الْحَالِ وَيُرَاجَعُ وَأُخْرَى بَعْدَ النِّفَاسِ وَالثَّالِثَةُ بَعْدَ الطُّهْرِ من الْحَيْضِ وَقِيلَ يُطَلِّقُهَا في كل شَهْرٍ طَلْقَةً وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ
الطَّرَفُ الثَّانِي في إضَافَتِهِ أَيْ الطَّلَاقُ إلَى السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ بِشَرْطٍ وَبِدُونِهِ فَإِنْ قال أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أو أَنْت طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ أو إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ مَثَلًا فَأَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أو فَأَنْت طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ وَكَانَتْ حَالَ الْإِضَافَةِ أو الدُّخُولِ في حَالِ سُنَّةٍ أو بِدْعَةٍ طَلُقَتْ لِوُجُودِ الصِّفَةِ وَإِلَّا فَحِينَ تُوجَدُ الصِّفَةُ تَطْلُقُ فَإِنْ دَخَلَتْ الدَّارَ في صُورَتَيْ التَّطْلِيقِ السَّابِقَتَيْنِ وَكَانَتْ صَغِيرَةً لم تَحِضْ أو نَحْوُهَا مِمَّنْ لَا سُنَّةَ لها وَلَا بِدْعَةَ كَحَامِلٍ طَلُقَتْ في الْحَالِ وَلَغَا الْوَصْفُ إذْ ليس في طَلَاقِهَا سُنَّةٌ وَلَا بِدْعَةٌ وَإِلَّا بِأَنْ حَاضَتْ قبل الدُّخُولِ فَهِيَ من ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ في قَوْلِهِ لها أَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لِلسُّنَّةِ بِالطُّهْرِ من حَيْضٍ لم يُجَامِعْهَا في أَحَدِهِمَا مع الدُّخُولِ بِخِلَافِ ما إذَا جَامَعَهَا في أَحَدِهِمَا قبل الدُّخُولِ لِعَدَمِ السُّنَّةِ ويقع الطَّلَاقُ في قَوْلِهِ لها أَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لِلْبِدْعَةِ بِظُهُورِ دَمِ الْحَيْضِ أو بِإِيلَاجِ الْحَشَفَةِ في الطُّهْرِ مع الدُّخُولِ وَعَلَيْهِ النَّزْعُ عَقِبَ الْإِيلَاجِ فَلَوْ اسْتَدَامَ الْوَطْءَ من غَيْرِ نَزْعٍ فَلَا حَدَّ وَإِنْ كان الطَّلَاقُ بَائِنًا وَعُلِمَ التَّحْرِيمُ لِأَنَّ أَوَّلَهُ مُبَاحٌ وَلَا مَهْرَ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْوَطَآتِ وَلَوْ نَزَعَ وَعَادَ فَهُوَ ابْتِدَاءُ وَطْءٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَيَجْرِي عليه حُكْمُهُ
فَرْعٌ اللَّامُ فِيمَا يُعْهَدُ انْتِظَارُهُ وَتَكَرُّرُهُ لِلتَّأْقِيتِ كَأَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أو لِلْبِدْعَةِ وَهِيَ مِمَّنْ لها سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ فَلَا تَطْلُقُ إلَّا في حَالِ السُّنَّةِ أو الْبِدْعَةِ لِأَنَّهُمَا حَالَتَانِ مُنْتَظَرَتَانِ يَتَعَاقَبَانِ تَعَاقُبَ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي وَيَتَكَرَّرَانِ تَكَرُّرَ الْأَسَابِيعِ وَالشُّهُورِ فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ لِرَمَضَانَ مَعْنَاهُ إذَا جاء رَمَضَانُ فَأَنْتِ طَالِقٌ نعم لو قال أَرَدْت الْإِيقَاعَ في الْحَالِ قُبِلَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيمَا فيه تَغْلِيظٌ عليه مع احْتِمَالِ اللَّفْظِ لِذَلِكَ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ واللام فِيمَا لَا يُعْهَدُ انْتِظَارُهُ وَتَكَرُّرُهُ لِلتَّعْلِيلِ كَطَلَّقْتُكِ لِرِضَا زَيْدٍ أو لِقُدُومِهِ أو لِلْبِدْعَةِ أو لِلسُّنَّةِ وَهِيَ صَغِيرَةٌ أو حَامِلٌ أو نَحْوُهَا مِمَّنْ لَا سُنَّةَ لها وَلَا بِدْعَةَ فَتَطْلُقُ في الْحَالِ وَإِنْ لم يَرْضَ زَيْدٌ أو لم يَقْدُمْ وَالْمَعْنَى فَعَلْت هذا لِيَرْضَى أو يَقْدُمَ وَنَزَلَ ذلك مَنْزِلَةَ قَوْلِ السَّيِّدِ أَنْت حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَوْ نَوَى بها التَّعْلِيقَ لم يُقْبَلْ ظَاهِرًا وَيَدِينُ كما لو قال أَنْتِ طَالِقٌ وقال نَوَيْت طَلَاقَهَا من الْوَثَاقِ وَلَوْ قال في الصَّغِيرَةِ وَنَحْوِهَا أَنْتِ طَالِقٌ لِوَقْتِ الْبِدْعَةِ أو لِوَقْتِ السُّنَّةِ وَنَوَى التَّعْلِيقَ قُبِلَ لِتَصْرِيحِهِ بِالْوَقْتِ وَإِنْ لم يَنْوِهِ وَقَعَ الطَّلَاقُ في الْحَالِ كما مَرَّ نَقْلُ الْأَصْلُ ذلك عن بَسِيطِ الْغَزَالِيِّ تَفَقُّهًا وَأَقَرَّهُ وَقَوْلُهُ أَنْت طَالِقٌ بِرِضَا زَيْدٍ أو بِقُدُومِهِ تَعْلِيقٌ كَقَوْلِهِ إنْ رضي أو قَدِمَ وَقَوْلُهُ لِمَنْ لها سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ أَنْتِ طَالِقٌ لَا لِلسُّنَّةِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ وَعَكْسِهِ أَيْ وَقَوْلُهُ لها أَنْتِ طَالِقٌ لَا لِلْبِدْعَةِ كَعَكْسِهِ أَيْ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَقَوْلُهُ سُنَّةٌ لِطَلَاقٍ أو طَلْقَةٌ سُنِّيَّةٌ كَقَوْلِهِ لِلسُّنَّةِ وَقَوْلُهُ بِدْعَةُ الطَّلَاقِ أو طَلْقَةٌ بِدْعِيَّةٌ كَقَوْلِهِ لِلْبِدْعَةِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
فَرْعٌ لو قال لِحَائِضٍ وَنَحْوِهَا مِمَّنْ طَلَاقُهَا بِدْعِيٌّ إنْ كُنْت في حَالِ سُنَّةٍ فَأَنْت طَالِقٌ فَلَا طَلَاقَ وَلَا تَعْلِيقَ حتى لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ إذَا صَارَتْ في حَالِ السُّنَّةِ لِعَدَمِ الشَّرْطِ وَلَوْ قال أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ وَأَنْت طَاهِرٌ فَإِنْ قَدِمَ وَهِيَ طَاهِرٌ طَلُقَتْ لِلسُّنَّةِ وَإِلَّا فَلَا تَطْلُقُ لَا في الْحَالِ وَلَا إذَا طَهُرَتْ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ قَوْلُهُ وَهِيَ طَاهِرٌ بِمَا إذَا لم يُجَامِعْهَا في طُهْرِهَا قبل الْقُدُومِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لو قَدِمَ وَهِيَ في طُهْرٍ جَامَعَهَا فيه لَا تَطْلُقُ إذَا طَهُرَتْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي في قَوْلِهِ إلَّا أَنَّ ذَاتَ الْأَقْرَاءِ لَا تَطْلُقُ إلَى آخِرِهِ فلما قَدِمَ وَهِيَ في طُهْرٍ جَامَعَهَا فيه لم يَقَعْ الطَّلَاقُ الْآنَ بَلْ بَعْدُ في حَالِ السُّنَّةِ أو قال لِذَاتِ سُنَّةٍ وَبِدْعَةٍ في حَالِ الْبِدْعَةِ أَنْت طَالِقٌ طَلَاقًا سُنِّيًّا أو في حَالِ السُّنَّةِ أَنْت طَالِقٌ طَلَاقًا بِدْعِيًّا وقال أَرَدْت الْوُقُوعَ في الْحَالِ لم يَقَعْ في الْحَالِ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِيمَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ لَا فِيمَا يُخَالِفُهُ صَرِيحًا وإذا تَنَافَيَا لَغَتْ النِّيَّةُ وَعُمِلَ بِاللَّفْظِ لِأَنَّهُ أَقْوَى فَإِنْ قال لها في حَالِ الْبِدْعَةِ
____________________
(3/266)
أَنْت طَالِقٌ طَلَاقًا سُنِّيًّا الْآنَ أو في حَالِ السُّنَّةِ أَنْت طَالِقٌ طَلَاقًا بِدْعِيًّا الْآنَ وَقَعَ في الْحَالِ لِلْإِشَارَةِ إلَى الْوَقْتِ وَيَلْغُو اللَّفْظُ
فَرْعٌ لو قال طَلَّقْتُك لَا لِلسُّنَّةِ وَلَا لِلْبِدْعَةِ أو طَلَاقًا سُنِّيًّا بِدْعِيًّا وَقَعَ في الْحَالِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ ذَاتَ سُنَّةٍ وَبِدْعَةٍ أَمْ لَا لِأَنَّهَا إنْ لم تَكُنْ فَحَالُهَا ما ذُكِرَ وَإِنْ كانت فَالْوَصْفَانِ مُتَنَافِيَانِ فَسَقَطَا وَبَقِيَ أَصْلُ الطَّلَاقِ فَإِنْ أَرَادَ بِالسُّنِّيِّ الْوَقْتَ وَالْبِدْعِيِّ الثَّلَاثَ في قَوْلِهِ لِذَاتِ أَقْرَاءٍ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا سُنِّيًّا بِدْعِيًّا قُبِلَ وَإِنْ تَأَخَّرَ الطَّلَاقُ أَيْ وُقُوعُهُ لِأَنَّ ضَرَرَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ أَكْثَرُ من فَائِدَةِ تَأَخُّرِ الْوُقُوعِ
فَصْلٌ لو قال لِزَوْجَتِهِ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ فَالصَّغِيرَةُ وَنَحْوُهَا مِمَّنْ لَا سُنَّةَ لها وَلَا بِدْعَةَ تَطْلُقُ في الْحَالِ ثَلَاثًا كما لو وَصَفَهَا كُلَّهَا بِالسُّنَّةِ أو الْبِدْعَةِ وَذَاتُ الْأَقْرَاءِ تَطْلُقُ طَلْقَتَيْنِ في الْحَالِ وَطَلْقَةً ثَالِثَةً في الْحَالِ الثَّانِي لِأَنَّ التَّبْعِيضَ يَقْتَضِي التَّشْطِيرَ ثُمَّ يَسْرِي كما لو قال هذه الدَّارُ بَعْضُهَا لِزَيْدٍ وَبَعْضُهَا لِعَمْرٍ وَيُحْمَلُ على التَّشْطِيرِ فَلَوْ قال أَرَدْت عَكْسَهُ أَيْ إيقَاعَ طَلْقَةٍ في الْحَالِ وَطَلْقَتَيْنِ في الْحَالِ الثَّانِي صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ اسْمَ الْبَعْضِ يَقَعُ على الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ من الْأَجْزَاءِ وَلَوْ أَرَادَ بَعْضَ كل طَلْقَةٍ أَيْ إيقَاعَهُ في الْحَالِ وَقَعَ الثَّلَاثُ في الْحَالِ بِطَرِيقِ التَّكْمِيلِ وَلَوْ قال أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَسَكَتَ وَهِيَ في حَالِ السُّنَّةِ أو في حَالِ الْبِدْعَةِ وَقَعَ في الْحَالِ وَاحِدَةٌ فَقَطْ لِأَنَّ الْبَعْضَ ليس عِبَارَةً عن النِّصْفِ وَإِنَّمَا حُمِلَ فِيمَا مَرَّ على التَّشْطِيرِ لِإِضَافَتِهِ الْبَعْضَيْنِ إلَى الْحَالَيْنِ فَسَوَّى بَيْنَهُمَا وَلَوْ قال أَنْت طَالِقٌ خَمْسًا بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا في الْحَالِ أَخْذًا بِالتَّشْطِيرِ وَالتَّكْمِيلِ وَلَوْ قال أَنْت طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَةٌ لِلسُّنَّةِ وَطَلْقَةٌ لِلْبِدْعَةِ وَقَعَ طَلْقَةٌ في الْحَالِ ووقع في الْمُسْتَقْبَلِ طَلْقَةٌ وَإِنْ قال أَنْت طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ لِلسُّنَّةِ وَلِلْبِدْعَةِ وَقَعَ الْجَمِيعُ أَيْ جَمِيعُ الطَّلْقَتَيْنِ في الْحَالِ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِلسُّنَّةِ وَلِلْبِدْعَةِ وَصْفٌ لِلطَّلْقَتَيْنِ في الظَّاهِرِ فَيَلْغُو لِلتَّنَافِي وَيَبْقَى الطَّلْقَتَانِ وَهَذَا كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَلِلْبِدْعَةِ فإنه يَقَعُ الْجَمِيعُ في الْحَالِ وَقَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ أَحْسَنُ الطَّلَاقِ وَأَتَمُّهُ وَنَحْوُهُ من صِفَاتِ الْمَدْحِ كَأَجْمَلِهِ وَأَفْضَلِهِ وَأَعْدَلِهِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ فَلَا يَقَعُ إنْ كانت في حَالِ الْبِدْعَةِ حتى يَنْتَهِيَ إلَى حَالِ السُّنَّةِ
وَأَقْبَحِهِ أَيْ وَقَوْلُهُ أَنْت طَالِقٌ أَقْبَحُ الطَّلَاقِ وَنَحْوُهُ من صِفَاتِ الذَّمِّ كَأَسْمَجِهِ وَأَفْضَحِهِ وَأَفْحَشِهِ أو أَنْتِ طَالِقٌ لِلْحَرَجِ أو طَلَاقُ الْحَرَجِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ فَلَا يَقَعُ إنْ كان في حَالِ السُّنَّةِ حتى يَنْتَهِيَ إلَى حَالِ الْبِدْعَةِ فَإِنْ قال أَرَدْت بِالْحُسْنِ الْبِدْعِيَّ لِأَنَّهُ في حَقِّهَا أَحْسَنُ لِسُوءِ خُلُقِهَا وَبِالْقَبِيحِ السَّيِّئَ لِحُسْنِ عِشْرَتِهَا لم يُقْبَلْ ظَاهِرًا إلَّا فِيمَا يَضُرُّهُ بِأَنْ كانت في حَالِ الْبِدْعَةِ في الْأُولَى وفي حَالِ السُّنَّةِ في الثَّانِيَةِ فَيُقْبَلُ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ وَفِيهِ تَغْلِيظٌ عليه وَإِنْ فَسَّرَ الْقَبِيحَ بِالثَّلَاثِ قُبِلَ منه وَهَذِهِ قَدَّمَهَا مع زِيَادَةِ قَبِيلِ الْفَصْلِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ هُنَا فَإِنْ فَسَّرَ كُلَّ صِفَةٍ بِمَعْنًى فقال أَرَدْت كَوْنَهَا حَسَنَةً من حَيْثُ الْوَقْتُ وَقَبِيحَةً من حَيْثُ الْعَدَدُ حتى تَقَعَ الثَّلَاثُ أو بِالْعَكْسِ قُبِلَ منه وَإِنْ تَأَخَّرَ الْوُقُوعُ
وَإِنْ قال لِطَاهِرٍ غَيْرِ مَمْسُوسَةٍ أَنْت طَالِقٌ في كل قُرْءٍ طَلْقَةً وَالْقُرْءُ هُنَا هو الطُّهْرُ وَإِنْ لم يَحْتَوِشْ بِدَمَيْنِ لِصِدْقِ الِاسْمِ وَإِنَّمَا شُرِطَ الِاحْتِوَاشُ في انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِتَكَرُّرِ الدَّلَالَةِ على بَرَاءَةِ الرَّحِمِ بِإِظْهَارِ احْتِوَاشِهَا الدِّمَاءَ بَانَتْ في الْحَالِ بِطَلْقَةٍ فَإِنْ جَدَّدَ نِكَاحَهَا قبل الطُّهْرَيْنِ أو أَحَدِهِمَا فَقَوْلَا عَوْدِ الْحِنْثِ يَجْرِيَانِ في وُقُوعِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْعَوْدِ أو جَدَّدَهُ بَعْدَهُمَا انْحَلَّتْ الْيَمِينُ الْأُولَى قَوْلُ الْأَصْلِ لم يَقَعْ شَيْءٌ لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ قبل التَّجْدِيدِ أو قَالَهُ لِطَاهِرٍ مَمْسُوسَةٍ وَقَعَ لِكُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةٌ سَوَاءٌ أَجَامَعَهَا فيه أَمْ لَا وَتَكُونُ الطَّلْقَةُ سُنِّيَّةً إنْ لم يُجَامِعْهَا فيه وَبِدْعِيَّةً إنْ جَامَعَهَا فيه وَتُشْرَعُ في الْعِدَّةِ بِالطَّلْقَةِ الْأُولَى أَمَّا إذَا قَالَهُ لِحَائِضٍ فَلَا تَطْلُقُ في الْحَالِ لِأَنَّ الْقُرْءَ عِنْدَنَا الطُّهْرُ كما مَرَّ أو قَالَهُ لِحَامِلٍ أو صَغِيرَةٍ أو آيِسَةٍ كُلٌّ مِنْهُمَا مَمْسُوسَةٌ وَقَعَ في الْحَالِ طَلْقَةٌ كما مَرَّ في غَيْرِ الْمَمْسُوسَةِ فَإِنْ رَاجَعَ الْحَمْلَ وَقَعَتْ أُخْرَى بِالطُّهْرِ من النِّفَاسِ ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ الْعِدَّةُ لِهَذِهِ الطَّلْقَةِ سَوَاءٌ أَوْطَأَهَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ أَمْ لَا فَإِنْ لم يُرَاجِعْهَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْوَضْعِ فَإِنْ كانت الْحَامِلُ حَائِضًا وَقْتَ التَّعْلِيقِ لم تَطْلُقْ حتى تَطْهُرَ لِتُوجَدَ الصِّفَةُ وَلَا يَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ بِتَكَرُّرِ طُهْرِهَا لِأَنَّ الْحَمْلَ قُرْءٌ وَاحِدٌ عِبَارَةُ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْقُرْءَ ما دَلَّ على الْبَرَاءَةِ وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ مع
____________________
(3/267)
الْحَمْلِ وَهَذَا قد يُشْكِلُ على ما مَرَّ من أَنَّ الْقُرْءَ هُنَا الطُّهْرُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لها أَنْت طَالِقٌ في كل طُهْرٍ طَلْقَةً فإن طَلَاقَهَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ طُهْرِهَا وَإِنْ حَاضَتْ الصَّغِيرَةُ قبل مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ من وُقُوعِ الطَّلَاقِ تَكَرَّرَ الطَّلَاقُ بِتَكَرُّرِ الْأَقْرَاءِ وَإِنْ لم تَحِضْ ولم يُرَاجِعْهَا حتى مَضَتْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ بَانَتْ منه
فَإِنْ قال لِزَوْجَتِهِ أَنْت طَالِقٌ بِكُلِّ قُرْءٍ طَلْقَةً لِلسُّنَّةِ فَكَذَلِكَ أَيْ فَكَمَا ذُكِرَ فِيمَا لو لم يَقُلْ لِلسُّنَّةِ إلَّا أَنَّ ذَاتَ الْأَقْرَاءِ لَا تَطْلُقُ في الْحَالِ في طُهْرٍ جُومِعَتْ فيه لِعَدَمِ وَصْفِ السُّنَّةِ وَمَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا إمَّا لِلسُّنَّةِ أو بِلَا قَيْدٍ وَنَوَى التَّفْرِيقَ لها على الْأَقْرَاءِ مُنِعَ أَيْ لم يُقْبَلْ ظَاهِرًا لِمُخَالَفَتِهِ مُقْتَضَى اللَّفْظِ من وُقُوعِ الثَّلَاثِ دَفْعَةً في حَالِ السُّنَّةِ في الْأُولَى وفي الْحَالِ في الثَّانِيَةِ وَلَا يُعَارِضُهُ في الْأُولَى ذِكْرُ السُّنَّةِ إذْ لَا سُنَّةَ في التَّفْرِيقِ إلَّا إنْ تَلَفَّظَ بِالسُّنَّةِ وكان يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ الْجَمْعِ لِلثَّلَاثِ كَالْمَالِكِيِّ فَيَقْبَلُ ظَاهِرُ الْمُوَافَقَةِ تَفْسِيرَهُ اعْتِقَادَهُ وَتَبِعَ في تَقْيِيدِهِ بِالسُّنَّةِ أَصْلَهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمِنْهَاجِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وهو ظَاهِرٌ عَمَلًا بِاعْتِقَادِ الْحَالِفِ وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأُمِرَتْ زَوْجَتُهُ بِالِامْتِنَاعِ منه ظَاهِرًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عليها فيه وَجَازَ له الْوَطْءُ لها بَاطِنًا إذَا رَاجَعَهَا وكان صَادِقًا وفي ذلك قال الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ عنه له الطَّلَبُ وَعَلَيْهَا الْهَرَبُ وَلَهَا التَّمْكِينُ من وَطْئِهِ لها إنْ صَدَّقَتْهُ بِقَرِينَةٍ وَهَذَا مَعْنَى التَّدْيِينُ وهو لُغَةً أَنْ تَكِلَهُ إلَى دِينِهِ وإذا صَدَّقَتْهُ فَرَآهُمَا الْحَاكِمُ مُجْتَمِعَيْنِ فَهَلْ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فيه وَجْهَانِ أَقْوَاهُمَا في الْكِفَايَةِ نعم وَيُدَيَّنُ من طَلَّقَ صَغِيرَةً لِلسُّنَّةِ أو بِلَا قَيْدٍ فِيمَا يَظْهَرُ وقال أَرَدْت إذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ لِأَنَّهُ لو صَرَّحَ بِهِ لَانْتَظَمَ مع كَوْنِ اللَّفْظِ ليس نَصًّا في إفْرَادِهِ وَإِنْ قال أَنْت طَالِقٌ وَأَرَادَ من وَثَاقٍ أو إنْ دَخَلْت الدَّارَ أو إنْ شَاءَ زَيْدٌ أو نحو ذلك لَا إنْ شَاءَ اللَّهُ دُيِّنَ وَالْفَرْقُ أَنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَنَحْوَهُ كَأَنْ لم يَشَأْ اللَّهُ بِرَفْعِ حُكْمِ الطَّلَاقِ بِالْكُلِّيَّةِ وما عَدَاهُ من صُوَرِ التَّعْلِيقِ يُخَصِّصُهُ بِحَالٍ دُونَ حَالٍ وَقَوْلُهُ من وَثَاقٍ تَأْوِيلٌ وَصَرْفٌ لِلَّفْظِ من مَعْنًى إلَى مَعْنًى فَكَفَتْ فيه النِّيَّةُ وَإِنْ كانت ضَعِيفَةً قال في الْأَصْلِ وَشَبَّهُوا ذلك بِالنَّسْخِ لَمَّا كان رَفْعًا لِلْحُكْمِ بِالْكُلِّيَّةِ لم يَجُزْ إلَّا بِاللَّفْظِ بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ فَلِذَلِكَ جَازَ بِاللَّفْظِ وَبِغَيْرِهِ كَالْقِيَاسِ انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ النُّسَخُ جَائِزٌ بِالْقِيَاسِ على الصَّحِيحِ كَالتَّخْصِيصِ لَكِنْ نَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عن أبي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ عن الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ
وَلَوْ خَصَّصَ عَامًّا كَنِسَائِي طَوَالِقُ أو كُلُّ امْرَأَةٍ لي طَالِقٌ وَأَرَادَ إلَّا وَاحِدَةً دُيِّنَ لِمَا مَرَّ ولم يُقْبَلْ منه في هذا وَنَحْوِهِ ظَاهِرًا لِمُخَالَفَتِهِ عُمُومَ اللَّفْظِ الْمَحْصُورِ إفْرَادُهُ الْقَلِيلَةُ إلَّا بِقَرِينَةٍ تُشْعِرُ بِإِرَادَةِ الِاسْتِثْنَاءِ أو غَيْرِ الطَّلَاقِ كَحَلِّهَا من وَثَاقٍ عِنْدَ قَوْلِهِ لها أَنْتِ طَالِقٌ وقال أَرَدْت حَلَّهَا من وَثَاقِهَا وَقَوْلُ الْمُسْتَثْنَاةِ وَهِيَ تُخَاصِمُهُ تَزَوَّجْت عَلَيَّ إذَا قال عَقِبَهُ كُلُّ امْرَأَةٍ لي طَالِقٌ وقال أَرَدْت غير الْمُخَاصِمَةِ فَيُقْبَلُ منه ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِقُوَّةِ إرَادَتِهِ بِدَلَالَةِ الْقَرِينَةِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِأَكْلِ خُبْزٍ أو نَحْوِهِ ثُمَّ فَسَّرَ بِنَوْعٍ خَاصٍّ فَلَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا إلَّا بِقَرِينَةٍ وما حُكِيَ عن النَّصِّ في لَا آكُلُ من أَنَّهُ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِنَوْعٍ يُحْمَلُ على وُجُودِ الْقَرِينَةِ أو على الْقَبُولِ بَاطِنًا كما في نَظَائِرِهِ وَلَوْ قال إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قال أَرَدْت التَّكْلِيمَ شَهْرًا لم يُقْبَلْ ظَاهِرًا وَيُدَيَّنُ فَلَا تَطْلُقُ إذَا كَلَّمَتْهُ بَعْدَ شَهْرٍ وَهَذَا بِخِلَافِ نَظِيرِهِ من الْحَلِفِ بِاَللَّهِ إذَا لم يَتَعَلَّقْ بِحَقِّ آدَمِيٍّ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ ثُمَّ قال قَصَدْت شَهْرًا فإنه يُقْبَلُ منه ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِأَنَّهُ أَمِينٌ في حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى
وَالضَّابِطُ فِيمَا يُدَيَّنُ فيه وما لَا يُدَيَّنُ أَنَّهُ إنْ فَسَّرَ كَلَامَهُ بِمَا يَرْفَعُ الطَّلَاقَ فقال بَعْدَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَرَدْت طَلَاقًا لَا يَقَعُ عَلَيْك أو أَرَدْت إنْ شَاءَ اللَّهُ أو إنْ لم يَشَأْ اللَّهُ أو فَسَّرَهُ بِتَخْصِيصٍ بِعَدَدٍ كَطَلَّقْتُك ثَلَاثًا وَأَرَادَ إلَّا وَاحِدَةً أو كَقَوْلِهِ أَرْبَعَتُكُنَّ طَوَالِقُ وَأَرَادَ إلَّا ثَلَاثَةً لم يُدَيَّنْ وَإِنْ فَسَّرَهُ بِغَيْرِهِ أَيْ بِغَيْرِ ما ذُكِرَ من مُقَيِّدٍ لِلطَّلَاقِ أو صَارِفٍ له إلَى مَعْنًى آخَرَ أو مُخَصِّصٍ له بِبَعْضِ
____________________
(3/268)
نِسَائِهِ كَقَوْلِهِ بَعْدَ أَنْتِ طَالِقٌ أَرَدْت إنْ دَخَلْت الدَّارَ أو أَنَّك طَالِقٌ من وَثَاقٍ أو أَرَدْت إلَّا فُلَانَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ لي طَالِقٌ أو نِسَائِي طَوَالِقُ دُيِّنَ وَفَارَقَ ما قَبْلَهُ بِأَنَّ لَفْظَ الْأَرْبَعَةِ وَنَحْوَهَا من الْأَعْدَادِ نَصٌّ في الْعَدَدِ الْمَعْلُومِ وَاسْتِعْمَالُهَا في بَعْضِهِ غَيْرُ مَفْهُومٍ بِخِلَافِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ الْعَامِّ في الْخَاصِّ
فَصْلٌ لو قال لِمَمْسُوسَةٍ كُلَّمَا وَلَدْت فَأَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ فَوَلَدَتْ وَاحِدًا طَلُقَتْ بِالطُّهْرِ من النِّفَاسِ لِوُجُودِ الصِّفَةِ أو وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ مَعًا فَطَلْقَتَيْنِ تَطْلُقُ بِالطُّهْرِ من النِّفَاسِ أَيْضًا لِأَنَّهَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ وَكُلَّمَا تَقْضِي التَّكْرَارَ فَلَوْ تَعَاقَبَا بِأَنْ وَلَدَتْ أَحَدَهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ طَلُقَتْ طَلْقَةً بِوِلَادَةِ الْأَوَّلِ لِوُجُودِ الصِّفَةِ لَا طَلْقَةً أُخْرَى بِالطُّهْرِ من وِلَادَةِ الثَّانِي لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِهِ أَيْ بِوَضْعِهِ أو قال لها كُلَّمَا وَلَدْت وَلَدَيْنِ فَأَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ فَوَلَدَتْهُمَا مَعًا أو مُتَعَاقِبَيْنِ وفي بَطْنِهَا ثَالِثٌ طَلُقَتْ طَلْقَةً وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ في بَطْنِهَا ثَالِثٌ فَلَا تَطْلُقُ حتى تَطْهُرَ من النِّفَاسِ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا فَطَلَّقَهَا رَجْعِيًّا ثُمَّ وَلَدَتْ آخَرَ فَكَذَلِكَ أَيْ فَتَطْلُقُ طَلْقَةً أُخْرَى وَإِنْ لم يُرَاجِعْهَا إنْ كان في بَطْنِهَا ثَالِثٌ وَإِلَّا فَلَا تَطْلُقُ حتى تَطْهُرَ كَذَا ذَكَرُوهُ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إنْ لم يُرَاجِعْهَا ولم يَكُنْ في بَطْنِهَا ثَالِثٌ لَا تَطْلُقُ لِانْقِضَاءِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ الْمُتَجَزِّئَةِ أَيْ بِوَضْعِ الْآخَرِ أَمَّا لو طَلَّقَهَا بَائِنًا فَنَكَحَهَا ثُمَّ وَلَدَتْ آخَرَ فَلَا تَقَعُ طَلْقَةٌ أُخْرَى بِنَاءً على عَدَمِ عَوْدِ الْحِنْثِ
وَإِنْ قال لِحَامِلٍ من زِنًا أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ فَالْحَمْلُ كَالْمَعْدُومِ إذْ لَا حُرْمَةَ له فَإِنْ كانت غير مَمْسُوسَةٍ طَلُقَتْ في الْحَالِ أو كانت مَمْسُوسَةً ولم تَرَ الدَّمَ لم تَطْلُقْ حتى تَطْهُرَ من النِّفَاسِ وَكَذَا إنْ رَأَتْهُ لم تَطْلُقْ حتى تَطْهُرَ من الْحَيْضِ إنْ عَلَّقَ وَهِيَ حَائِضٌ كَالْحَائِلِ بِخِلَافِ الْحَامِلِ من زَوْجٍ أو من شُبْهَةٍ حَيْثُ يَقَعُ طَلَاقُهَا في الْحَالِ وَإِنْ كانت حَائِضًا إذْ لَا سُنَّةَ لها وَلَا بِدْعَةَ كما مَرَّ
وَإِنْ قال لِزَوْجَتِهِ بِصِيغَةِ الشَّكِّ أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أو لِلْبِدْعَةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ لَا في الْحَالَةِ التي هِيَ فيها بَلْ في الْحَالَةِ الْأُخْرَى لِأَنَّهُ الْيَقِينُ كما لو قال أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ أو غَدًا لَا تَطْلُقُ حتى يَجِيءَ الْغَدُ وَهَذَا فِيمَنْ لها سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ أَمَّا غَيْرُهَا فَيَقَعُ عليها الطَّلَاقُ في الْحَالِ كما أَشَارَ إلَى ذلك بِقَوْلِهِ في الْحَالَةِ الْأُخْرَى وَقَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً سُنِّيَّةً أو حَسَنَةً في دُخُولِ الدَّارِ كَإِذَا أَيْ كَقَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ طَلْقَةً سُنِّيَّةً أو حَسَنَةً إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَتَطْلُقُ إذَا دَخَلَتْهَا طَلْقَةً سُنِّيَّةً حتى لو كانت في حَيْضٍ لم تَطْلُقْ حتى تَطْهُرَ أو في طُهْرٍ لم يُجَامِعْهَا فيه طَلُقَتْ في الْحَالِ أو جَامَعَهَا فيه لم تَطْلُقْ حتى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ قَالَهُ إسْمَاعِيلُ الْبُوشَنْجِيُّ وَإِنْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالسُّنَّةِ وَهِيَ طَاهِرٌ فَادَّعَى جِمَاعَهَا فيه حتى لَا تَطْلُقَ في الْحَالِ وَأَنْكَرَتْ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ وَكَمَا لو قال الْمَوْلَى وَالْعِنِّينُ جَامَعْت قَالَهُ الْبُوشَنْجِيُّ أَيْضًا كما نَقَلَهُ عنه الْأَصْلُ وقوله لها طَلَّقْتُك طَلَاقًا كَالثَّلْجِ أو كَالنَّارِ يَقَعُ في الْحَالِ وَيَلْغُو التَّشْبِيهُ الْمَذْكُورُ خِلَافًا لِمَنْ قال إنْ قَصَدَ التَّشْبِيهَ بِالثَّلْجِ في الْبَيَاضِ وَبِالنَّارِ في الْإِضَاءَةِ طَلُقَتْ في زَمَنِ السُّنَّةِ أو التَّشْبِيهَ بِالثَّلْجِ في الْبُرُودَةِ وَبِالنَّارِ في الْحَرَارَةِ وَالْإِحْرَاقِ طَلُقَتْ في زَمَنِ الْبِدْعَةِ
الْبَابُ الثَّانِي في أَرْكَانِ الطَّلَاقِ وَهِيَ خَمْسَةٌ الْأَوَّلُ الْمُطَلِّقُ وَشَرْطُ تَنْجِيزِهِ وَتَعْلِيقِهِ التَّكْلِيفُ وَالِاخْتِيَارُ كما سَيَأْتِي فَلَا يَصِحَّانِ من غَيْرِ مُكَلَّفٍ وَمُخْتَارٍ وَإِنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ بَعْدَ الْأَهْلِيَّةِ لِفَسَادِ عِبَارَتِهِ وَلِخَبَرِ رُفِعَ الْقَلَمُ عن ثَلَاثٍ وَيُسْتَثْنَى من غَيْرِ الْمُكَلَّفِ السَّكْرَانُ وَسَيَأْتِي
الرُّكْنُ الثَّانِي فِيمَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَطْرَافٍ الْأَوَّلُ في اللَّفْظِ وهو صَرِيحٌ وهو ما لَا يَحْتَمِلُ ظَاهِرُهُ غير الطَّلَاقِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَكِنَايَةٍ وَهِيَ ما يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ فَهِيَ تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ فَالصَّرِيحُ الطَّلَاقُ وَالسَّرَاحُ بِفَتْحِ السِّينِ وَالْفِرَاقُ وَالْخُلْعُ وَالْمُفَادَاةُ كما تَقَدَّمَ لِاشْتِهَارِهَا في مَعْنَى الطَّلَاقِ
____________________
(3/269)
وَوُرُودِهَا في الْقُرْآنِ مع تَكَرُّرِ بَعْضِهَا فيه وَإِلْحَاقِ ما لم يَتَكَرَّرْ منها بِمَا تَكَرَّرَ بِجَامِعِ اسْتِعْمَالِهِمَا فِيمَا ذُكِرَ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَمُطَلَّقٌ بِالتَّشْدِيدِ وَيَا طَالِقُ وَيَا مُطَلَّقَةُ بِالتَّشْدِيدِ أَمَّا مُطْلَقَةٌ بِالتَّخْفِيفِ فَكِنَايَةٌ لِاحْتِمَالِهَا الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ أو الطَّلَاقُ أو طَلِقَةٌ أو نِصْفُ طَلِقَةٍ أَمَّا أَنْتِ كُلٌّ طَلِقَةٌ وَنِصْفُ طَالِقٍ فَصَرِيحٌ ليس أَنْتِ كُلٌّ طَلِقَةٌ في نُسَخِ الرَّافِعِيِّ الْمُعْتَمَدَةِ بَلْ في السَّقِيمَةِ التي أَخَذَ منها صَاحِبُ الرَّوْضَةِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ إذْ الْمَسْأَلَةُ مَنْقُولَةٌ عن تَهْذِيبِ الْبَغَوِيّ وَاَلَّذِي فيه كما نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ في نُسَخِهِ الْمُعْتَمَدَةِ أَنَّ أَنْتِ لَك طَلِقَةٌ بِتَقْدِيمِ اللَّامِ على الْكَافِ صَرِيحٌ أَمَّا أَنْتِ كُلٌّ طَلِقَةٌ فَالْأَوْجَهُ ما جَرَى عليه الْإِسْنَوِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ كِنَايَةٌ كَأَنْتِ طَلِقَةٌ وَالْفِعْلُ من لَفْظَيْ الطَّلَاقِ وَالسَّرَاحِ صَرِيحٌ كَفَارَقْتُك وَسَرَّحْتُك فَهُمَا كَطَلَّقْتُك وَالْمُشْتَقُّ مِنْهُمَا كَمُفَارَقَةٍ وَمُسَرَّحَةٍ كَالْمُشْتَقِّ من الطَّلَاقِ أَيْ كَمُطَلَّقَةٍ وقوله أَنْتِ وَطَلِقَةٌ أو وَأَنْتِ وَالطَّلَاقُ أَيْ قَرَنْت بَيْنَكُمَا كِنَايَةٌ وَلَا مَعْنًى لِلْوَاوِ وَالثَّانِيَةُ في أو وَأَنْتِ وَقَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ من وَثَاقٍ أو من الْعَمَلِ وَسَرَّحْتُك إلَى كَذَا وَفَارَقْتُك في الْمَنْزِلِ أَيْ كُلٌّ منها كِنَايَةٌ إنْ قَارَنَهُ الْعَزْمُ على الزِّيَادَةِ التي أتى بها أو تَوَسَّطَ ه لَا إنْ بَدَا له بَعْدُ فقال من وَثَاقٍ أو نَحْوَهُ فَلَا تَكُونُ كِنَايَةً بَلْ صَرِيحٌ فَتَأْثِيرُ النِّيَّةِ مَشْرُوطٌ بِالْإِتْيَانِ بها قبل الْفَرَاغِ من لَفْظِ الطَّلَاقِ كما في الِاسْتِثْنَاءِ وَهَذَا يُغْنِي عنه ما يَأْتِي أَوَّلَ الْفَصْلِ الْآتِي
وَتَرْجَمَةُ لَفْظِ الطَّلَاقِ بِالْعَجَمِيَّةِ صَرِيحٌ لِشُهْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا في مَعْنَاهَا عِنْدَ أَهْلِهَا شُهْرَةَ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِيَّةِ عِنْدَ أَهْلِهَا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ عَدَمِ صَرَاحَةٍ نَحْوِ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ عِنْدَ النَّوَوِيِّ بِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلطَّلَاقِ بِخُصُوصِهِ بِخِلَافِ ذَاكَ وَإِنْ اشْتَهَرَ فيه وترجمة صَاحِبَيْهِ أَيْ الطَّلَاقُ وَهُمَا الْفِرَاقُ وَالسَّرَاحُ كِنَايَةٌ كَذَا صَحَّحَهُ في الرَّوْضَةِ وهو غَيْرُ مُطَابِقٍ لِقَوْلِ الرَّافِعِيِّ في تَرْجَمَتِهِمَا الْوَجْهَانِ في تَرْجَمَةِ الطَّلَاقِ لَكِنْ بِالتَّرْتِيبِ وَأَوْلَى بِعَدَمِ الصَّرَاحَةِ لِأَنَّ تَرْجَمَتَهُمَا بَعِيدَةٌ عن الِاسْتِعْمَالِ في الطَّلَاقِ قال الْإِمَامُ وهو أَظْهَرُ وَبِهِ أَجَابَ الرُّويَانِيُّ في الْحِلْيَةِ انْتَهَى وَعِبَارَةُ الْإِمَامِ هُنَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ ليس بِصَرِيحٍ وَعِبَارَةُ الرُّويَانِيِّ في حِلْيَتِهِ لَا يَكُونُ صَرِيحًا عِنْدِي وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذلك اخْتِيَارٌ لَهُمَا فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ صَرِيحٌ وَبِهِ جَزَمَ الْجُوَيْنِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ في الْخُلْعِ عن ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَكَلَامُ الْمُحَرَّرِ يَقْتَضِيهِ وقد بَسَطَ الْأَذْرَعِيُّ الْكَلَامَ على ذلك ثُمَّ قال فَالْمَذْهَبُ ما في الْمُحَرَّرِ لَا ما في الرَّوْضَةِ وقوله أَلْقَيْت عَلَيْك طَلْقَةً صَرِيحٌ وفي وَضَعْت عَلَيْك طَلْقَةً أو لَك طَلْقَةٌ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ صَرِيحٌ لِوُجُودِ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَالثَّانِي أَنَّهُ كِنَايَةٌ لِأَنَّهُ لم يَتَضَمَّنْ إيقَاعًا
وَقَوْلُ الْقَائِلِ لَك هذا الثَّوْبُ يَحْتَمِلُ الْإِخْبَارَ عن الْمِلْكِ وَيَحْتَمِلُ الْهِبَةَ وَقِيَاسٌ صَرَاحَةً أَوْقَعْت عَلَيْك طَلَاقِي تَرْجِيحُ صَرَاحَةً وَضَعْت عَلَيْك طَلْقَةً وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَمِيلُ إلَى تَرْجِيحِ صَرَاحَةً لَك طَلْقَةٌ وَالْأَوْجَهُ أنها كِنَايَةٌ
____________________
(3/270)
فَصْلٌ يُشْتَرَطُ في الْكِنَايَةِ نِيَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ مُقَارِنَةٌ لِلَّفْظِ
وَلَوْ كانت مُقَارِنَةً لِبَعْضِ اللَّفْظِ كَفِي وَالِاكْتِفَاءِ بِالْبَعْضِ وَلَوْ بِآخِرِهِ صَحِيحُهُ في الرَّوْضَةِ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بِتَمَامِهَا وَنَقَلَ في تَنْقِيحِهِ عن ابْنِ الصَّلَاحِ من غَيْرِ مُخَالَفَةٍ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مُقَارَنَتُهَا لِأَوَّلِ اللَّفْظِ فَلَا يَكْفِي وُجُودُهَا بَعْدَهُ إذْ انْعِطَافُهَا على ما مَضَى بَعِيدٌ بِخِلَافِ اسْتِصْحَابِ ما وُجِدَ وَلِأَنَّهَا إذَا وُجِدَتْ في أَوَّلِهِ عُرِفَ قَصْدُهُ منه فَالْتَحَقَ بِالصَّرِيحِ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ في تَعْلِيقِهِ وَغَيْرُهُمَا وقال ابن الرِّفْعَةِ أَنَّهُ الذي يَقْتَضِيهِ نَصُّ الْأُمِّ قال في الْمُهِمَّاتِ وَبِهِ الْفَتْوَى كما أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ الشَّرْحَيْنِ وقال الْمَاوَرْدِيُّ بَعْدَ تَصْحِيحِهِ له أَنَّهُ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَصَحَّحَ في أَصْلِ الْمِنْهَاجِ اشْتِرَاطَ مُقَارَنَتِهَا لِجَمِيعِ اللَّفْظِ وَجَرَى عليه الْبُلْقِينِيُّ وَاللَّفْظُ الذي يُعْتَبَرُ قَرْنُ النِّيَّةِ بِهِ هو لَفْظُ الْكِنَايَةِ كما صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ
فَمَثَّلَ الْمَاوَرْدِيُّ لِقَرْنِهَا بِالْأَوَّلِ بِقَرْنِهَا بِالْبَاءِ من بَائِنٍ وَالْآخَرَانِ بِقَرْنِهَا بِالْخَاءِ من خَلِيَّةٍ لَكِنْ مَثَّلَ له الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ بِقَرْنِهَا بِأَنْتِ من أَنْتِ بَائِنٌ وَصَوَّبَ في الْمُهِمَّاتِ الْأَوَّلَ لِأَنَّ الْكَلَامَ في الْكِنَايَاتِ وهو ظَاهِرٌ لِأَنَّ النِّيَّةَ جُعِلَتْ لِصَرْفِ اللَّفْظِ إلَى أَحَدِ مُحْتَمَلَاتِهِ وَالْمُحْتَمَلُ إنَّمَا هو بَائِنٌ مَثَلًا وَأَمَّا أَنْتِ فَإِنَّمَا يَدُلُّ على الْمُخَاطَبِ لَكِنْ أَثْبَتَ ابن الرِّفْعَةِ في الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ وَأَيَّدَ الِاكْتِفَاءَ بها عِنْدَ أَنْتِ بِمَا إذَا أَوْقَعَ أَنْتِ زَمَنَ الطُّهْرِ وَطَالِقٌ زَمَنَ الْحَيْضِ فإن ابْنَ سُرَيْجٍ قال يَكُونُ الطَّلَاقُ سُنِّيًّا وَيَحْصُلُ لها قُرْءٌ انْتَهَى وَالْأَوْجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ لِأَنَّ أَنْتِ وَإِنْ لم تَكُنْ جُزْءًا من الْكِنَايَةِ فَهُوَ كَالْجُزْءِ منها لِأَنَّ مَعْنَاهَا الْمَقْصُودَ لَا يَتَأَدَّى بِدُونِهِ وَهِيَ أَيْ الْكِنَايَةُ كَأَنْتِ خَلِيَّةٌ وبرية أَيْ مِنِّي وبتة ( ( ( و ) ) ) وبتلة ( ( ( بتة ) ) ) أَيْ مَقْطُوعَةُ الْوَصْلَةِ وبائن من الْبَيْنِ وهو الْفِرَاقُ
وَحَرَامٌ وَلَوْ مع عَلَيَّ أو زَادَ فيه أَبَدًا فَلَا يَصِيرُ بِذَلِكَ صَرِيحًا لِأَنَّ التَّحْرِيمَ قد يَكُونُ بِغَيْرِ الطَّلَاقِ وقد يُظَنُّ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ بِالْيَمِينِ على تَرْكِ الْجِمَاعِ وَأَنْتِ حُرَّةٌ وواحدة ( ( ( و ) ) ) واعتدي ( ( ( واحدة ) ) ) أَيْ لِأَنِّي طَلَّقْتُك وَإِنْ لم يَدْخُلْ بها لِأَنَّهَا مَحَلٌّ لِلْعِدَّةِ في الْجُمْلَةِ وَتَسَتَّرِي أَيْ لِأَنَّك حَرُمْت عَلَيَّ بِالطَّلَاقِ فَلَا يَحِلُّ لي أَنْ أَرَاك وَاسْتَبْرِئِي زَوْجَك وَإِنْ لم يَدْخُلْ بها والتحقي بِأَهْلِك بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَقِيلَ بِالْعَكْسِ أَيْ لِأَنِّي طَلَّقْتُك سَوَاءٌ أَكَانَ لها أَهْلٌ أَمْ لَا وحبلك على غَارِبِك أَيْ خَلَّيْت سَبِيلَك كما يُخَلَّى الْبَعِيرُ في الصَّحْرَاءِ وَزِمَامُهُ على غَارِبِهِ وهو ما تَقَدَّمَ من الظَّهْرِ وَارْتَفَعَ من الْعِتْقِ لِيَرْعَى كَيْف شَاءَ لَا أَنْدَهُ سَرْبَك أَيْ لَا أَهْتَمُّ بِشَأْنِك لِأَنِّي طَلَّقْتُك وَأَنْدَهُ أَزْجُرُ وَالسَّرْبُ بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ما يُرْعَى من الْمَالِ كَالْإِبِلِ وَذَكَرَ الْمُطَرِّزِيُّ أَنَّ السِّرْبَ بِكَسْرِ السِّينِ الْجَمَاعَةُ من الظِّبَاءِ وَالْبَقَرِ فَيَجُوزُ كَسْرُ السِّينِ هُنَا أَيْضًا وَاعْزُبِي بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ زَايٍ أَيْ تَبَاعَدِي عَنِّي
واغربي بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ رَاءٍ أَيْ صِيرِي غَرِيبَةً بِلَا زَوْجٍ واذهبي أَيْ إلَى أَهْلِك لِأَنِّي طَلَّقْتُك لَا اذْهَبِي إلَى بَيْتِ أَبَوَيَّ فَلَيْسَ بِكِنَايَةٍ فَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ إنْ نَوَاهُ بِمَجْمُوعِهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ إلَى بَيْتِ أَبَوَيَّ لَا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ بَلْ هو لِاسْتِدْرَاكِ مُقْتَضَى قَوْلِهِ اذْهَبِي فَإِنْ نَوَاهُ بِقَوْلِهِ اذْهَبِي وَقَعَ وودعيني ( ( ( و ) ) ) وبرئت ( ( ( ودعيني ) ) ) مِنْك وَلَا حَاجَةَ لي فِيك أَيْ لِأَنِّي طَلَّقْتُك وتجرعي أَيْ كَأْسَ الْفِرَاقِ وذوقي أَيْ مَرَارَتَهُ وتزودي أَيْ اسْتَعِدِّي لِلُّحُوقِ بِأَهْلِك فَقَدْ طَلَّقْتُك وَيَا بِنْتِي إنْ أَمْكَنَ كَوْنُهَا بِنْتَه وَإِنْ كانت مَعْلُومَةَ النَّسَبِ من غَيْرِهِ كما لو قَالَهُ لِأَمَتِهِ وَإِنَّمَا لم يَكُنْ صَرِيحًا لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ في الْعَادَةِ لِلْمُلَاطَفَةِ وَحُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ وَتَزَوَّجِي وَانْكِحِي أَيْ لِأَنِّي طَلَّقْتُك وَأَحْلَلْتُك أَيْ لِلْأَزْوَاجِ لِأَنِّي طَلَّقْتُك وَرَدَدْت عَلَيْك الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثَ هذا كِنَايَةٌ في الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فَإِنْ قال رَدَدْت عَلَيْك الطَّلَاقَ فَكِنَايَةٌ في وَاحِدَةٍ وَفَتَحْت عَلَيْك الطَّلَاقَ أَيْ أَوْقَعْته وفي نُسْخَةٍ الطَّرِيقَ وفي أُخْرَى طَرِيقِي أَيْ لِلْوَصْلَةِ إلَى الْأَزْوَاجِ وَلَعَلَّ اللَّهَ يَسُوقُ إلَيْك الْخَيْرَ أَيْ بِالطَّلَاقِ وَبَارَكَ اللَّهُ لَك أَيْ في الْفِرَاقِ لَا إنْ قال بَارَكَ اللَّهُ فِيك فَلَيْسَ بِكِنَايَةٍ لِأَنَّ مَعْنَاهُ بَارَكَ اللَّهُ لي
____________________
(3/271)
فِيك وهو يَشْعُرُ بِرَغْبَتِهِ فيها وَوَهَبْتُك لِأَهْلِك أو لِلنَّاسِ أو لِأَبِيك أو لِلْأَزْوَاجِ أو لِلْأَجَانِبِ فَهُوَ كِنَايَةُ
وَكَذَا حَلَالُ اللَّهِ أو حِلُّ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ أو أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَلَوْ تَعَارَفُوهُ طَلَاقًا وَإِنَّمَا لم يَكُنْ صَرِيحًا لِأَنَّ الصَّرِيحَ إنَّمَا يُؤْخَذُ من الْقُرْآنِ وَهَذَا ليس كَذَلِكَ قال الزَّرْكَشِيُّ وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ عَلَيَّ الْحَرَامُ أو الْحُرُمُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا أو ما فَعَلْت كَذَا فَلَوْ حَلَفَ بِهِ وَلَهُ نِسَاءٌ فَحَنِثَ طَلُقَتْ إحْدَاهُنَّ فَقَطْ إنْ لم يُرِدْ الْجَمِيعَ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ فَلْيُعَيِّنْهَا كما لو حَلَفَ بِغَيْرِ ذلك فَإِنْ أَرَادَ الْجَمِيعَ وَقَعَ عَلَيْهِنَّ وَكُلِي أَيْ زَادَ الْفِرَاقِ وَاشْرَبِي أَيْ شَرَابَهُ لَا قُومِي وَأَغْنَاك اللَّهُ وَنَحْوُهُمَا من الْأَلْفَاظِ التي لَا تَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ إلَّا بِتَعَسُّفٍ كَأَحْسَنَ اللَّهُ جَزَاءَك وما أَحْسَنَ وَجْهَك وَتَعَالِي وَاقْرُبِي وَاغْزِلِي وَاقْعُدِي
وَالْعِتْقُ أَيْ صَرَائِحُهُ وَكِنَايَاتُهُ كِنَايَاتٌ في الطَّلَاقِ كَعَكْسِهِ أَيْ كما أَنَّ صَرَائِحَ الطَّلَاقِ وَكِنَايَاتِهِ كِنَايَاتٌ في الْعِتْقِ لِمَا بين مِلْكَيْ النِّكَاحِ وَالْيَمِينِ من الْمُنَاسَبَةِ لَا قَوْلُهُ اعْتَدَّ وَاسْتَبْرِئْ رَحِمَك إنْ قَالَهُ لِلْعَبْدِ فَلَيْسَ بِكِنَايَةٍ فَلَا يَقَعُ بِهِ الْعِتْقُ وَإِنْ نَوَاهُ لِاسْتِحَالَةِ ذلك في حَقِّهِ وَمِثْلُهُ الْخُنْثَى فِيمَا يَظْهَرُ وَأَمَّا قَوْلُهُ أنا مِنْك طَالِقٌ أو خَلِيٌّ أو بَرِيءٌ أو نَحْوُهَا فَكِنَايَةٌ إنْ نَوَى بِهِ طَلَاقُهَا وَقَعَ لِأَنَّ عليه حَجْرًا من جِهَتِهَا حَيْثُ لَا يَنْكِحُ مَعَهَا أُخْتَهَا وَلَا أَرْبَعًا فَصَحَّ حَمْلُ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَيْهِ على حِلِّ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِهَذَا الْحَجْرِ مع النِّيَّةِ فَاللَّفْظُ من حَيْثُ إضَافَتُهُ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ كِنَايَةٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِعَبْدِهِ أنا مِنْك حُرٌّ ليس كِنَايَةً كما سَيَأْتِي في بَابِهِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُحِلُّ النِّكَاحَ وهو مُشْتَرَكٌ بين الزَّوْجَيْنِ وَالْعِتْقُ يُحِلُّ الرِّقَّ وهو مُخْتَصٌّ بِالْعَبْدِ فَإِنْ لم يَنْوِ طَلَاقَهَا لم تَقَعْ سَوَاءٌ أَنَوَى أَصْلَ الطَّلَاقِ أَمْ طَلَاقَ نَفْسِهِ أَمْ لم يَنْوِ طَلَاقًا لِأَنَّهُ إضَافَةٌ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ فَلَا بُدَّ في وُقُوعِهِ من صَرْفِهِ بِالنِّيَّةِ إلَى مَحَلِّهِ وَتَصْوِيرُهُمْ بِمَا ذُكِرَ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ لَفْظَةِ مِنْك وَكَلَامُ الْقَاضِي يَقْتَضِي عَدَمَ اعْتِبَارِهَا وَجَرَى عليه في الْمُهِمَّاتِ قال وَلِهَذَا حَذَفَهَا الدَّارِمِيُّ لَا اسْتَبْرِئِي رَحِمِي مِنْك أو أنا مُعْتَدٌّ مِنْك فَلَيْسَ بِكِنَايَةٍ لِاسْتِحَالَتِهِ في حَقِّهِ وَالظِّهَارُ كِنَايَةٌ في عِتْقِ الْأَمَةِ فَلَوْ قال لِأَمَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَنَوَى الْعِتْقَ عَتَقَتْ لِأَنَّهُ لَا نَفَاذَ لِلظِّهَارِ فيها كما لَا نَفَاذَ لِلطَّلَاقِ فيها وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَصْلُحُ كِنَايَةً عن الْعِتْقِ لَا في الطَّلَاقِ إذْ ليس الظِّهَارُ كِنَايَةً فيه كَعَكْسِهِ أَيْ كما أَنَّ الطَّلَاقَ ليس كِنَايَةً في الظِّهَارِ وَإِنْ احْتَمَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ لِمَا يَشْتَرِكَانِ فيه من إفَادَةِ التَّحْرِيمِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَنْفِيذُ كُلٍّ مِنْهُمَا في مَوْضُوعِهِ فَلَا يُعْدَلُ عنه إلَى غَيْرِهِ على الْقَاعِدَةِ من أَنَّ ما كان صَرِيحًا في بَابِهِ وَوَجَدَ نَفَاذًا في مَوْضُوعِهِ لَا يَكُونُ كِنَايَةً في غَيْرِهِ وَلَا يُشْكِلُ بِأَنْتِ حَرَامٌ من حَيْثُ إنَّهُ صَرِيحٌ في وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَمَعَ ذلك لو نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ نَفَذَ لِأَنَّ هذا صَرِيحُ اشْتِهَارٍ أو ما في الْقَاعِدَةِ صَرِيحٌ وَضْعًا على أَنَّ هذا ليس صَرِيحًا في وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا هو حُكْمٌ رَتَّبَهُ الشَّرْعُ على ذلك كما سَيَأْتِي
فَصْلٌ لو قال لِزَوْجَتِهِ أَنْت حَرَامٌ عَلَيَّ أو حَرَّمْتُك وَنَوَى طَلَاقًا وَإِنْ تَعَدَّدَ أو ظِهَارًا وَقَعَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ فَجَازَ أَنْ يُكَنِّيَ عنه بِالْحَرَامِ وَلَوْ نَوَاهُمَا مَعًا أو مُتَعَاقِبَيْنِ تَخَيَّرَ وَثَبَتَ ما اخْتَارَهُ مِنْهُمَا وَلَا يَثْبُتَانِ جميعا لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُزِيلُ النِّكَاحَ وَالظِّهَارَ يَسْتَدْعِي بَقَاءَهُ وَقِيلَ إنْ نَوَى في الثَّانِيَةِ الظِّهَارَ أَوَّلًا صَحَّا مَعًا أو الطَّلَاقَ أَوَّلًا وكان بَائِنًا فَلَا مَعْنَى لِلظِّهَارِ بَعْدَهُ أو رَجْعِيًّا كان الظِّهَارُ مَوْقُوفًا فَإِنْ رَاجَعَهَا فَهُوَ صَحِيحٌ وَالرَّجْعَةُ عَوْدٌ وَإِلَّا فَهُوَ لَغْوٌ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ
لَكِنْ رَجَّحَ في الْأَنْوَارِ الثَّانِيَ وهو الذي قَدَّمَهُ الْأَصْلُ ذِكْرًا وما ذُكِرَ فيها من تَعَاقُبِ الْبَيِّنَتَيْنِ مُؤَيِّدٌ لِمَا مَرَّ عن الرَّوْضَةِ من الِاكْتِفَاءِ بِقَرْنِ النِّيَّةِ لِبَعْضِ اللَّفْظِ أو نَوَى تَحْرِيمَ عَيْنِهَا أو وَطْئِهَا أو فَرْجِهَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو رَأْسِهَا كما نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَطْلَقَ ذلك أو أَقَّتَهُ
____________________
(3/272)
كُرِهَ لِإِيجَابِهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ كما سَيَأْتِي وَالْكَرَاهَةُ ذَكَرَهَا الْأَصْلُ في الظِّهَارِ ولم تَحْرُمْ هِيَ عليه لِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما فقال إنِّي جَعَلْت امْرَأَتِي عَلَيَّ حَرَامًا فقال كَذَبْت لَيْسَتْ عَلَيْك حَرَامًا ثُمَّ تَلَا يا أَيُّهَا النبي لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ وَلَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ في الْحَالِ وَإِنْ لم يَطَأْ كما لو قال ذلك لِأَمَتِهِ أَخْذًا من قِصَّةِ مَارِيَةَ لَمَّا قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى يا أَيُّهَا النبي لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لك تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِك وَاَللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قد فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ أَيْ أَوْجَبَ عَلَيْكُمْ كَفَّارَةً كَكَفَّارَةِ أَيْمَانِكُمْ وَلَيْسَ ذلك يَمِينًا لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَنْعَقِدُ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَكَذَا يُكْرَهُ وَلَا تَحْرُمُ عليه زَوْجَتُهُ وَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ في الْحَالِ بِذَلِكَ وَلَيْسَ يَمِينًا إذَا لم يَنْوِ بِهِ شيئا لِعُمُومِ ما مَرَّ وَشُمُولِ كَلَامِهِ لِمَا عَدَا لُزُومَ الْكَفَّارَةِ من زِيَادَتِهِ فَلَوْ قال أَرَدْت بِهِ الْيَمِينَ من الْوَطْءِ أَيْ على تَرْكِهِ لم تَسْقُطْ الْكَفَّارَةُ إذْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَنْعَقِدُ بِأَسْمَائِهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ قال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَهَذَا كما لو قال أَنْتِ طَالِقٌ وقال أَرَدْت إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَلَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا وَيُدَيَّنُ وَلَوْ حَرَّمَ الشَّخْصُ غير الْإِبْضَاعِ كَأَنْ قال هذا الثَّوْبُ أو الطَّعَامُ أو الْعَبْدُ حَرَامٌ عَلَيَّ فَلَا كَفَّارَةَ عليه بِخِلَافِ الْإِبْضَاعِ لِاخْتِصَاصِهَا بِالِاحْتِيَاطِ وَلِشِدَّةِ قَبُولِهَا التَّحْرِيمَ بِدَلِيلِ تَأْثِيرِ الظِّهَارِ فيها دُونَ الْأَمْوَالِ وَكَالْأَمْوَالِ فِيمَا يَظْهَرُ قَوْلُ الشَّخْصِ لِآخَرَ ليس بِزَوْجَةٍ وَلِأَمَةٍ له أَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ
وَأَمَّا الْأَمَةُ فَقَدْ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِتَحْرِيمِ أَمَتِهِ غَيْرِ الْمُحَرَّمِ لِقِصَّةِ مَارِيَةَ بِخِلَافِ الْمُحَرَّمِ بِنَسَبٍ أو رَضَاعٍ أو مُصَاهَرَةٍ كَأُخْتِهِ لِصِدْقِهِ في وَصْفِهَا بِتَحْرِيمِهَا عليه وفي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِقَوْلِهِ ذلك لِأَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَنَحْوِهَا كَالْمُرْتَدَّةِ وَالْوَثَنِيَّةِ وَالْمُسْتَبْرَأَةِ وَجْهَانِ يَجْرِيَانِ في زَوْجَةٍ أَحْرَمَتْ أو اعْتَدَّتْ بِشُبْهَةٍ أَحَدُهُمَا لَا لِصِدْقِهِ في وَصْفِهَا وَثَانِيهِمَا نعم لِأَنَّهَا مَحَلٌّ لِاسْتِبَاحَتِهِ في الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الْمُحَرَّمِ وَجَزَمَ الرُّويَانِيُّ بِالْأَوَّلِ في أَمَتِهِ الْمُعْتَدَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَالْقَاضِي بِهِ في الْمُعْتَدَّةِ عن شُبْهَةٍ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَالْمُرْتَدَّةِ وَلَا كَفَّارَةَ بِذَلِكَ في رَجْعِيَّةٍ لِصِدْقِهِ في وَصْفِهَا وَوَجَبَتْ في حَائِضٍ وَصَائِمَةٍ وَنَحْوِهَا كَنُفَسَاءَ وَمُصَلِّيَةٍ لِأَنَّهَا عَوَارِضُ سَرِيعَةُ الزَّوَالِ فَإِنْ أَرَادَ تَحْرِيمَ وَطْئِهَا لم يَلْزَمْهُ شَيْءٌ هذا أَيْ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِتَحْرِيمِ أَمَتِهِ الْمَذْكُورَةِ إذَا نَوَى تَحْرِيمَ عَيْنِ الْأَمَةِ أو نَحْوِ عَيْنِهَا مِمَّا مَرَّ أو أَطْلَقَ فَإِنْ نَوَى عِتْقًا نَفَذَ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ فيه أو طَلَاقًا أو ظِهَارًا لَغَا لِاسْتِحَالَتِهِمَا في حَقِّ الْأَمَةِ
فَرْعٌ لو حَرَّمَ كُلَّ ما يَمْلِكُ وَلَهُ نِسَاءٌ وَإِمَاءٌ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَتَكْفِيه كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ كما لو حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ جَمَاعَةً فَكَلَّمَهُمْ وَمِثْلُهُ لو قال لِأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ أَنْتُنَّ عَلَيَّ حَرَامٌ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فما نَقَلَهُ في الظِّهَارِ عن الْإِمَامِ من تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ في هذه ضَعِيفٌ وَلِهَذَا حَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ وَلَوْ حَرَّمَ زَوْجَتَهُ مَرَّاتٍ كَأَنْ قال لها أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ في مَجْلِسٍ كَفَاهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَكَذَا في مَجَالِسَ وَنَوَى التَّأْكِيدَ لَا إنْ نَوَى الِاسْتِئْنَافَ فَلَا يَكْفِيه كَفَّارَةٌ بَلْ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمَرَّاتِ وَمِثْلُهُ كما قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ ما لو نَوَاهُ مع اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ خِلَافَهُ فَإِنْ أَطْلَقَ فَقَوْلَانِ أَوْجَهُهُمَا عَدَمُ التَّعَدُّدِ كما في تَكَرُّرِ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وقوله لها أَنْت حَرَامٌ كِنَايَةٌ في وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ إنْ لم يَقُلْ عَلَيَّ فَإِنْ قَالَهَا فَهُوَ صَرِيحٌ
فَرْعٌ لو قال أَنْت عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ أو الدَّمِ أو الْخَمْرِ أو الْخِنْزِيرِ كما صَرَّحَ بِهِمَا الْأَصْلُ فَكَقَوْلِهِ أَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ فِيمَا مَرَّ وَشُمُولُ كَلَامِهِ لِمَا عَدَا لُزُومَ الْكَفَّارَةِ فِيمَا إذَا نَوَى التَّحْرِيمَ أو أَطْلَقَ من زِيَادَتِهِ وَكَذَا تَرْجِيحُ لُزُومِهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَبِمَا رَجَّحَهُ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ عن ظَاهِرِ النَّصِّ وَعَنْ الْإِمَامِ ثُمَّ قال وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عليه لَا إنْ قَصَدَ بِهِ الِاسْتِئْنَافَ فَلَا شَيْءَ عليه
فَرْعٌ لَا يَلْحَقُ الْكِنَايَةَ بِالصَّرِيحِ سُؤَالُ الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ وَلَا قَرِينَةٌ من غَضَبٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ قد يَقْصِدُ خِلَافَ ما تُشْعِرُ بِهِ الْقَرِينَةُ وَاللَّفْظُ في نَفْسِهِ مُحْتَمِلٌ وَلَا يَلْحَقُهَا بِهِ مُوَاطَأَةٌ كَالتَّوَاطُؤِ على جَعْلِ قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَطَلَّقْتُك كَأَنْ قال مَتَى قُلْت لِامْرَأَتِي أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ فَإِنِّي أُرِيدُ بِهِ الطَّلَاقَ ثُمَّ قال لها أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا بَلْ يَكُونُ ابْتِدَاءً أَيْ كما لو ابْتَدَأَ بِهِ لِاحْتِمَالِ تَغْيِيرِ نِيَّتِهِ وَقَوْلُهُ وَلَا مُوَاطَأَةَ إلَى آخِرِهِ يُغْنِي عنه ما قَبْلَهُ وَقَوْلُهُمْ أَيْ الْأَصْحَابُ إنَّ قَوْلَهُ
____________________
(3/273)
أَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ صَرِيحٌ في الْكَفَّارَةِ مَجَازٌ لِأَنَّهُ ليس في اللَّفْظِ مَعْنَى لُزُومِ الْكَفَّارَةِ أَيْ ليس لُزُومُهَا مَعْنًى لِلَّفْظِ حتى يُقَالَ إنَّهُ صَرِيحٌ فيه وَإِنَّمَا هو حُكْمٌ رَتَّبَهُ الشَّرْعُ على التَّلَفُّظِ بِهِ فَإِنْ ادَّعَتْ في تَلَفُّظِهِ بِكِنَايَةِ نِيَّتِهِ لِلطَّلَاقِ فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ عن الْيَمِينِ فَحَلَفَتْ يَمِينَ الرَّدِّ حُكِمَ بِالطَّلَاقِ فَرُبَّمَا كان قد أَقَرَّ بِذَلِكَ ثُمَّ جَحَدَ أو اُعْتُمِدَتْ قَرَائِنُ يَجُوزُ الْحَلِفُ بِمِثْلِهَا
فَصْلٌ في مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ وَقَوْلُهُ لها لم يَبْقَ بَيْنِي وَبَيْنَك شَيْءٌ وَبَيْعٌ الطَّلَاقُ لها بِصِيغَتِهِ أَيْ الْبَيْعُ من إيجَابٍ وَقَبُولٍ بِلَا عِوَضٍ أو بِعِوَضٍ كما مَرَّ أَوَائِلَ الْخُلْعِ أو قَوْلُهُ أَبْرَأْتُك أو عَفَوْت عَنْك أو بَرِئْت من نِكَاحِك أو بَرِئْت إلَيْك من طَلَاقِك كِنَايَةٌ وَمَعْنَاهُ في الْآخِرَةِ تَبَرَّأْت مِنْك بِوَاسِطَةِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ عَلَيْك لَا قَوْلُهُ بَرِئْت من طَلَاقِك فَلَيْسَ بِكِنَايَةٍ فَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَإِنْ نَوَاهُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَا يَبْعُدُ إيقَاعُهُ بِهِ لِأَنَّهُ قد يُرِيدُ بِهِ بَرِئْت من عُهْدَتِهِ أو من سَبَبِ إيقَاعِهِ فإن سَبَبَهُ مِنْك
وَقَوْلُهُ الطَّلَاقُ لَازِمٌ لي أو وَاجِبٌ عَلَيَّ لَا فَرْضٌ عَلَيَّ صَرِيحٌ لِلْعُرْفِ في الْأَوَّلَيْنِ وَعَدَمُهُ في الثَّالِثِ قال في الْبَحْرِ عن الْمُزَنِيّ وَلَوْ قال عَلَيَّ الطَّلَاقُ فَهُوَ كِنَايَةٌ وقال الصَّيْمَرِيُّ إنَّهُ صَرِيحٌ وهو الْأَوْجَهُ بَلْ قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّهُ الْحَقُّ في هذا الزَّمَنِ لِاشْتِهَارِهِ في مَعْنَى التَّطْلِيقِ فَقَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ في فَتَاوِيهِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ مَحْمُولٌ على أَنَّهُ لم يَشْتَهِرْ في زَمَنِهِ ولم يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ
وَقَوْلُهُ طَلَّقَك اللَّهُ وَأَعْتَقَك اللَّهُ وَأَبْرَأَك اللَّهُ لِزَوْجَتِهِ في الْأُولَى وَأَمَتِهِ في الثَّانِيَةِ وَغَرِيمِهِ في الثَّالِثَةِ صَرِيحٌ في الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالْإِبْرَاءِ إذْ لَا يُطَلِّقُ اللَّهُ وَلَا يُعْتِقُ وَلَا يُبْرِئُ إلَّا وَالزَّوْجَةُ طَالِقٌ وَالْأَمَةُ مُعْتَقَةٌ وَالْغَرِيمُ بَرِيءٌ وَتَقَدَّمَ في الْبَيْعِ أَنَّ بَاعَك اللَّهُ وَأَقَالَك كِنَايَةٌ في الْبَيْعِ وَالْإِقَالَةِ وَيُعْرَفُ بِأَنَّ الصِّيَغَ هُنَا قَوِيَّةٌ لِاسْتِقْلَالِهَا بِالْمَقْصُودِ بِخِلَافِ صِيغَتَيْ الْبَيْعِ وَالْإِقَالَةِ
وقوله طَلَاقُك عَلَيَّ وَلَسْت زَوْجَتِي أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا كِنَايَةٌ وَفَارَقَ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا عَلَيَّ الطَّلَاقُ على قَوْلِ الصَّيْمَرِيِّ بِاحْتِمَالِهِ طَلَاقُك فَرْضٌ عَلَيَّ مع عَدَمِ اشْتِهَارِهِ بِخِلَافِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ وَيَقَعُ بِأَنْتِ طَالِقَانِ وَطَوَالِقُ طَلْقَةٌ فَقَطْ وَكَذَا يَقَعُ عليه الطَّلَاقُ بِقَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ بِالتَّرْخِيمِ وَإِنْ لم يَنْوِ وَقِيلَ لَا يَقَعُ بِهِ وَإِنْ نَوَى وَإِنْ قال ذُو زَوْجَةٍ كُلُّ امْرَأَةٍ لي طَالِقٌ إلَّا أَنْت طَلُقَتْ لِلِاسْتِغْرَاقِ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ لي غَيْرَك وَسِوَاك أَيْ أو سِوَاك طَالِقٌ فَلَا تَطْلُقُ هذا من زِيَادَتِهِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَصَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيَّ وَوَجْهُهُ أَنَّ إلَّا أَصْلُهَا الِاسْتِثْنَاءُ فَلَزِمَ الِاسْتِغْرَاقُ إذْ هو إخْرَاجٌ بَعْدَ إدْخَالٍ وَغَيْرُ وَنَحْوُهَا أَصْلُهُمَا الصِّفَةُ فَيَكُونُ مَدْلُولُ اللَّفْظِ إيقَاعَ الطَّلَاقِ على الْمُغَايَرَةِ لِلْمُخَاطَبَةِ فَقَطْ وَسَوَّى السُّبْكِيّ بين إلَّا وَغَيْرِهِ فقال الذي اسْتَقَرَّ رَأْيِي عليه أَنَّهُ إنْ قَدَّمَ غير فقال كُلُّ امْرَأَةٍ لي غَيْرَك طَالِقٌ لم تَطْلُقْ وَإِنْ أَخَّرَهَا طَلُقَتْ وَكَذَا الْقَوْلُ في إلَّا فَإِنْ قال كُلُّ امْرَأَةٍ لي إلَّا أَنْتِ طَالِقٌ لم تَطْلُقْ وَإِنْ قال كُلُّ امْرَأَةٍ لي طَالِقٌ إلَّا أَنْتِ طَلُقَتْ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ قال وَالْعَجَبُ من صَاحِبِ الْمُهِمَّاتِ حَيْثُ فَرَّقَ بين إلَّا وَغَيْرِهَا مُسْتَنِدًا إلَى كَلَامِ الْخُوَارِزْمِيَّ وَكَلَامُ الْخُوَارِزْمِيَّ صَرِيحٌ في أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين إلَّا وَغَيْرِهَا وَأَطَالَ في بَيَانِ ذلك وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ لِنِسْوَةٍ هِيَ أَيْ زَوْجَتُهُ فِيهِنَّ أَنْتُنَّ طَوَالِقُ إلَّا هذه وَأَشَارَ إلَيْهَا أو إلَّا زَوْجَتِي فَلَا تَطْلُقُ لِأَنَّهُ عَيَّنَهُنَّ وَاسْتَثْنَى زَوْجَتَهُ
وَقَوْلُهُ بِطَلَاقِك لَأَفْعَلَنَّ كَذَا
____________________
(3/274)
أو كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ أو طَلَّقْتُك ولم يُسْمِعْ نَفْسَهُ لَغْوٌ أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُحْلَفُ بِهِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِعَدَمِ الزَّوْجِيَّةِ حين التَّعْلِيقِ وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلِأَنَّ ما أتى بِهِ ليس بِكَلَامٍ وَيُفَارِقُ وُقُوعَهُ بِالْكِنَايَةِ مع النِّيَّةِ بِحُصُولِ الْإِفْهَامِ بها بِخِلَافِ ما هُنَا وَكَذَا يَلْغُو قَوْلُهُ أَنْت طَالِقٌ أو لَا بِإِسْكَانٍ لِوَاوٍ لِأَنَّ ذلك اسْتِفْهَامٌ فَكَانَ كما لو قال هل أَنْت طَالِقٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْشَاءً لِلطَّلَاقِ فَتَطْلُقُ وَلَا يُؤَثِّرُ قَوْلُهُ بَعْدَهُ أو لَا وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ من زِيَادَتِهِ هُنَا وقد ذَكَرَ كَأَصْلِهِ الْمَسْأَلَةَ كُلَّهَا في بَابِ الْإِقْرَارِ فَهِيَ مُكَرَّرَةٌ قال في الْأَصْلِ وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ أَوَّلًا بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ وهو يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ طَلُقَتْ
وَإِنْ نُسِبَتْ امْرَأَةٌ لِزَوْجِ أُمِّهَا فقال زَوْجُهَا بِنْتُ فُلَانٍ طَالِقٌ وَنَوَاهَا طَلُقَتْ وَلَا يَضُرُّ التَّجَوُّزُ في نِسْبَتِهَا كَنَظِيرِهِ من النِّكَاحِ وَإِلَّا فَلَا تَطْلُقُ وَلَوْ قال نِسَاءُ الْمُسْلِمِينَ طَوَالِقُ لم تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ إنْ لم يَنْوِ طَلَاقَهَا بِنَاءً على الْأَصَحِّ من أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ في عُمُومِ كَلَامِهِ وما وَقَعَ في الْمُهِمَّاتِ من أَنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُهُ اسْتَنَدَ فيه إلَى كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُمْ وَالْأَصَحُّ الذي عليه أَكْثَرُ الْمُتَقَدِّمِينَ الْأَوَّلُ كما نَبَّهَ عليه الزَّرْكَشِيُّ
وَلَيْسَ قَوْلُهُ بَانَتْ مِنِّي امْرَأَتِي أو حَرُمَتْ عَلَيَّ إقْرَارًا بِالطَّلَاقِ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ فَيَتَوَقَّفُ على النِّيَّةِ وَإِنْ قال أَنْت بَائِنٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ مُدَّةٍ ثَلَاثًا ثُمَّ فَسَّرَ الْكِنَايَةَ بِالطَّلَاقِ لِيَرْفَعَ الثَّلَاثَ أَيْ وُقُوعَهَا لِمُصَادِفَتِهَا الْبَيْنُونَةَ لم يُقْبَلْ منه لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ حِينَئِذٍ وَقَوْلُهُ بَعْدَ مُدَّةٍ أَيْ تَنْقَضِي بها الْعِدَّةُ إنْ كان بَعْدَ الدُّخُولِ وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَى مُدَّةٍ
وَإِنْ قال زَيْنَبُ طَالِقٌ وَأَرَادَ زَيْنَبَ غير زَوْجَتِهِ قُبِلَ كَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ هُنَا عن فَتَاوَى الْقَفَّالِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْقَبُولِ كما جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في الْبَابِ الْخَامِسِ في الشَّكِّ في الطَّلَاقِ وقال في الْأَصْلِ ثُمَّ إنَّهُ الصَّحِيحُ الذي عِلِّيّه الْجُمْهُورُ وَصَحَّحَهُ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُسْتَثْنَى منه ما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ إلَّا إنْ سَبَقَ اسْتِدْعَاؤُهَا بِأَنْ قالت له طَلِّقْنِي فقال طَلَّقْت زَيْنَبَ ثُمَّ قال نَوَيْت زَيْنَبَ غَيْرَهَا فَلَا يُقْبَلُ منه لِدَلَالَةِ الْحَالِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ أَنَّ سُؤَالَ الْمَرْأَةِ لَا يُلْحِقُ الْكِنَايَةَ بِالصَّرِيحِ وَأُجِيبَ عنه بِأَنَّ زَيْنَبَ ليس كِنَايَةً عن الزَّوْجَةِ وَإِنَّمَا هو صَرِيحٌ فيها وَالْإِبْهَامُ إنَّمَا حَصَلَ بِتَسْمِيَةِ غَيْرِهَا بِاسْمِهَا فَهُوَ كَالْمُشْتَرَكِ يَنْصَرِفُ إلَى أَحَدِ مُسَمَّيَاتِهِ بِالْقَرِينَةِ نعم قد يُنَازَعُ في أَنَّ الْقَرِينَةَ هُنَا تَقْتَضِي طَلَاقَ زَوْجَتِهِ لِأَنَّ عُدُولَهُ عن طَلَّقْتُك إلَى طَلَّقْت زَيْنَبَ يُشْعِرُ بِإِرَادَةِ غَيْرِهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ منه ما أَرَادَهُ سَوَاءٌ أَسَبَقَ سُؤَالُهَا أَمْ لَا فَتَطْلُقُ ثُمَّ التَّنَاقُضُ الْمُشَارُ إلَيْهِ إنَّمَا يَأْتِي على هذه النُّسْخَةِ التي شُرِحَتْ عليها تَبَعًا لِأَصْلِهَا أَمَّا على ما في أَكْثَرِ النُّسَخِ من تَرْكِهِ قَوْلُهُ وَإِنْ قال زَيْنَبُ إلَى آخِرِهِ فَلَا تَنَاقُضَ
وَقَوْلُهُ لِلْوَلِيِّ زَوِّجْهَا إقْرَارٌ بِالطَّلَاقِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لها تُزَوِّجِي أو انْكِحِي لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ على ذلك لَكِنَّهُ كِنَايَةٌ كما مَرَّ وَإِنْ قال أَنْت بَائِنٌ وَطَالِقٌ فَلْيُفَسَّرْ الْأَوَّلُ أَيْ يُرْجَعُ فيه إلَى تَفْسِيرِهِ وَلَا يُجْعَلُ الثَّانِي تَفْسِيرًا له
وَإِنْ كَرَّرَ كِنَايَةً كَأَنْ قال اعْتَدِّي نَاوِيًا بِهِ الطَّلَاقَ وَكَرَّرَهُ غَافِلًا عن التَّأْكِيدِ وَالِاسْتِئْنَافِ فَعَلَى أَيِّهِمَا يُحْمَلُ قَوْلَانِ أَوْجَهُهُمَا على الِاسْتِئْنَافِ فَإِنْ نَوَى التَّأْكِيدَ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ أو الِاسْتِئْنَافُ فَثِنْتَانِ إنْ كَرَّرَ مَرَّةً وَإِلَّا فَثَلَاثٌ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَلْفَاظُ وَنَوَى الطَّلَاقَ تَعَدَّدَ بِعَدَدِهَا وَهَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن شُرَيْحٍ الرُّويَانِيِّ عن جَدِّهِ وَغَيْرِهِ وَأَقَرَّهُ وهو كما قال الزَّرْكَشِيُّ مُخَالِفٌ لِلرَّاجِحِ في اخْتِلَافِ الصَّرَائِحِ من أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ ما لو اتَّفَقَتْ وَلَعَلَّ ما قَالَهُ شُرَيْحٌ مُفَرَّعٌ على الْمَرْجُوحِ في اخْتِلَافِ الصَّرَائِحِ
وَلَوْ قِيلَ له طَلِّقْ امْرَأَتَك فقال طَلَّقْت أو قال لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك فقالت طَلَّقْت وَقَعَ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ على السُّؤَالِ في الْأُولَى وَالتَّفْوِيضِ في الثَّانِيَةِ وَلَوْ قال ابْتِدَاءً طَلَّقْت لم يَقَعْ الطَّلَاقُ وَإِنْ نَوَى امْرَأَتَهُ لِأَنَّهُ لم يَجْرِ لها ذِكْرٌ وَلَا دَلَالَةٌ فَهُوَ كما لو قال امْرَأَتِي وَنَوَى الطَّلَاقَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ كان أَبَوَا زَوْجَتَيْهِ مُسَمَّيَيْنِ مُحَمَّدَيْنِ وَغَلَبَ على إحْدَاهُمَا عِنْدَ الناس زَيْدٌ فقال بِنْتُ مُحَمَّدٍ طَالِقٌ لم تَطْلُقْ بِنْتُ مُحَمَّدٍ مُعَيَّنًا حتى يُرِيدَ نَفْسَهُ أَيْ الْمُعَيَّنَ فَتَطْلُقُ بِنْتُهُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ في اسْمِ الشَّخْصِ بِتَسْمِيَةِ أَبَوَيْهِ لَا بِتَسْمِيَةِ
____________________
(3/275)
الناس وقد تَتَعَدَّدُ الْأَسْمَاءُ وَلَوْ قِيلَ لِزَيْدٍ يا زَيْدُ فقال امْرَأَةُ زَيْدٍ طَالِقٌ وقال أَرَدْت زَيْدًا غَيْرِي قُبِلَ منه لِاحْتِمَالِهِ فَلَا تَطْلُقُ زَوْجَتُهُ وَقَضِيَّتُهُ أنها تَطْلُقُ إذَا أَرَادَ نَفْسَهُ أو لم يُرِدْ شيئا وهو مَنْقُولُ الْأَصْلِ عن شُرَيْحٍ الرُّويَانِيِّ لَكِنَّهُ خِلَافُ ما رَجَّحَهُ من أنها لَا تَطْلُق إلَّا عِنْدَ إرَادَتِهِ نَفْسَهُ وهو الْأَوْجَهُ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ في عُمُومِ كَلَامِهِ إلَّا حِينَئِذٍ وَلِهَذَا فَارَقَ عَدَمَ الْقَبُولِ في مَسْأَلَةِ زَيْنَبَ السَّابِقَةِ وَلَوْ قِيلَ له أَطَلَّقْت امْرَأَتَك فقال لِلْقَائِلِ اعْلَمْ أَنَّهُ كَذَلِكَ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَعْلَمَ ولم يَحْصُلْ هذا الْعِلْمُ وَلَا يُعَارِضُهُ ما يَأْتِي قبل التَّدْبِيرِ من أَنَّهُ لو قال لِغَيْرِهِ أَنْت تَعْلَمُ أَنَّ الْعَبْدَ الذي بِيَدِي حُرٌّ حُكِمَ بِعِتْقِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ الْمَقُولُ له عَالِمًا بِحُرِّيَّتِهِ لِأَنَّ الْحُكْمَ ثَمَّ مُعَلَّقٌ بِاعْتِرَافِهِ بِعِلْمِ الْمُخَاطَبِ بِخِلَافِهِ هُنَا
فَإِنْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ قالت له طَلِّقْنِي ثَلَاثًا فقال لِفُقَهَاءَ اُكْتُبُوا لها ثَلَاثًا فَفِي كَوْنِهِ كِنَايَةً تَرَدُّدٌ أَيْ احْتِمَالَانِ لِأَبِي الْعَبَّاسِ الرُّويَانِيِّ أَحَدُهُمَا لَا لِأَنَّ الْكِتَابَةَ فِعْلُ الْكَاتِبِ ولم يُفَوِّضْ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ إلَيْهِ حتى يَقَعَ ما يَصْدُرُ منه وَثَانِيهِمَا وهو أَقْرَبُ نعم بِتَقْدِيرِ اُكْتُبُوا لها ثَلَاثًا لِأَنِّي طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا وَقَوْلُهُ أَنْت كَذَا أو كما أُضْمِرَ أو امْرَأَتِي الْحَاضِرَةُ طَالِقٌ وَكَانَتْ غَائِبَةً لَغْوٌ فَلَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَإِنْ نَوَاهُ إذْ لَا إشْعَارَ لِلْأَوَّلَيْنِ بِالْفُرْقَةِ وَلَا لِلثَّالِثِ بها في الْغَائِبَةِ
وَلَوْ قال امْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَيَّنَ نَفْسَهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قد يُعَبِّرُ بِغَيْرِهِ عن نَفْسِهِ فَإِنْ لم يُعَيِّنْهَا لم يَقَعْ وَقَوْلُهُ لِابْنِهِ الْمُكَلَّفِ قُلْ لِأُمِّك أَنْت طَالِقٌ ولم يُرِدْ التَّوْكِيلَ يَحْتَمِلُ التَّوْكِيلَ فإذا قَالَهُ لها طَلُقَتْ كما تَطْلُقُ بِهِ لو أَرَادَ التَّوْكِيلَ ويحتمل الْإِخْبَارَ أَيْ أنها تَطْلُقُ وَيَكُونُ الِابْنُ مُخْبِرًا لها بِالْحَالِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَمُدْرَكُ التَّرَدُّدِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ إنْ جَعَلْنَاهُ كَصُدُورِ الْأَمْرِ من الْأَوَّلِ كان الْأَمْرُ بِالْإِخْبَارِ بِمَنْزِلَةِ الْإِخْبَارِ من الْأَبِ فَيَقَعُ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى وَبِالْجُمْلَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَفْسِرَ فَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِفْسَارُهُ عَمِلَ بِالِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ حتى لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهِ بَلْ بِقَوْلِ الِابْنِ لِأُمِّهِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ
وَيَقَعُ طَلَاقُ الْوَكِيلِ في الطَّلَاقِ وَإِنْ لم يَنْوِ الْوَكَالَةَ يَعْنِي وَإِنْ لم يَنْوِ عِنْدَ الطَّلَاقِ أَنَّهُ يُطَلِّقُ لِمُوَكِّلِهِ وَقِيلَ تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ هُنَا وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ في أَوَاخِرِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُشْتَرَطُ عَدَمُ الصَّارِفِ بِأَنْ لَا يَقُولَ طَلَّقْتهَا عن غَيْرِ الْمُوَكِّلِ أَخْذًا مِمَّا سَيَأْتِي قُبَيْلَ الدِّيَاتِ أَنَّهُ لو قال وَكِيلُ الْمُقْتَصِّ قَتَلْته بِشَهْوَةِ نَفْسِي لَا عن الْمُوَكِّلِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ كَذَا نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِأَنَّ طَلَاقَ الْوَكِيلِ لَا يَقَعُ إلَّا لِمُوَكِّلِهِ بِخِلَافِ الْقَتْلِ وَإِنْ قال الْوَكِيلُ طَلَّقْت من يَقَعُ عليها الطَّلَاقَ بِلَفْظِي فَوَجْهَانِ في أَنَّ التي وَكَّلَهُ في طَلَاقِهَا هل تَطْلُقُ أو لَا وَالْأَقْرَبُ نعم قال في الرَّوْضَةِ وَلَوْ قال كُلُّ امْرَأَةٍ في السِّكَّةِ طَالِقٌ وَزَوْجَتُهُ فيها طَلُقَتْ على الْأَصَحِّ وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ في بَعْضِ نُسَخِهِ في هذه لو قال امْرَأَةُ كل من في السِّكَّةِ طَالِقٌ وهو في السِّكَّةِ إلَى آخِرِهِ إنَّمَا يَتَّجِهُ بِنَاؤُهُ على أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ يَدْخُلُ في عُمُومِ كَلَامِهِ
وَإِنْ قِيلَ له إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَتُك طَالِقٌ فقال نعم وكان قد فَعَلَهُ لم تَطْلُقْ لِأَنَّهُ لم يُوقِعْهُ وَإِنَّمَا أَجَازَهُ قال في الْأَصْلِ بَعْدَ نَقْلِهِ هذا عن فَتَاوَى الْقَاضِي قال الْبَغَوِيّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ على الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ قِيلَ له طَلَّقْتهَا فقال نعم وَهَذَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ في تَعْلِيقِهِ الْأَوَّلِ
وَإِنْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ كَاذِبًا لم تَطْلُقْ زَوْجَتُهُ بَاطِنًا وَإِنَّمَا تَطْلُقُ ظَاهِرًا وَإِنْ قال لِإِحْدَى نِسَاؤُهُ أَنْت طَالِقٌ مِائَةً فقالت تَكْفِينِي ثَلَاثٌ فقال وَالْبَاقِي لِضَرَائِرِك فَكِنَايَةٌ في الضَّرَائِرِ فَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ على كُلٍّ ثَلَاثٌ وكان التَّقْدِيرُ أَنْتِ طَالِقٌ بِثَلَاثٍ وَهُنَّ طَوَالِقُ بِالْبَاقِي وَإِنَّمَا لم يَكُنْ صَرِيحًا لِأَنَّهُ لم يُخَاطِبْهُنَّ وَإِنَّمَا رَدَّ عَلَيْهِنَّ شيئا لَاغِيًا هذا قَوْلُ الْمُتَوَلِّي وقال الْبَغَوِيّ إنْ قالت تَكْفِينِي وَاحِدَةٌ فقال وَالْبَاقِي لِضَرَائِرِك طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَالضَّرَائِرُ طَلْقَتَيْنِ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ أو قالت تَكْفِينِي ثَلَاثًا صَوَابُهُ ثَلَاثٌ فقال وَالْبَاقِي لِضَرَائِرِك لَغَا ما أَلْقَاهُ على الضَّرَائِرِ بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ على الثَّلَاثِ لَغْوٌ وَقِيَاسُ ما قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وُقُوعُ ثَلَاثٍ على الضَّرَائِرِ في الشِّقِّ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ الْخِلَافُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَغَوِيّ في الشِّقَّيْنِ مَعًا وَكَلَامُ الْبَغَوِيّ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ قُبَيْلَ الْبَابِ الرَّابِعِ
وَقَوْلُهُ حَرَّمْتُك وَالنِّيَّةُ نِيَّةُ زَيْدٍ كَحَرَّمْتُك بِدُونِ ذِكْرِ
____________________
(3/276)
الْبَاقِي وَالْبَاقِي لَغْوٌ عِبَارَةُ الْأَصْلِ في هذا وَلَوْ قال له رَجُلٌ فَعَلْت كَذَا فَأَنْكَرَ فقال الْحِلُّ عَلَيْك حَرَامٌ وَالنِّيَّةُ نِيَّتِي أَنَّك ما فَعَلْت كَذَا فقال الْحِلُّ عَلَيَّ حَرَامٌ وَالنِّيَّةُ نِيَّتُك ما فَعَلْته لَغَا قَوْلُهُ وَالنِّيَّةُ نِيَّتُك وَيَكُونُ كما لو تَلَفَّظَ بِهِ ابْتِدَاءً وَإِنْ قِيلَ لِمَنْ أَنْكَرَ شيئا امْرَأَتُك طَالِقٌ إنْ كُنْت كَاذِبًا فقال طَالِقٌ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ إنْ كان كَاذِبًا لِتَرَتُّبِ كَلَامِهِ على كَلَامِ الْقَائِلِ إلَّا إنْ أَرَادَ غَيْرَهَا فَلَا تَطْلُقُ لِأَنَّهُ لم يُوجَدْ منه إشَارَةٌ إلَيْهَا وَلَا تَسْمِيَةٌ أو قال بِنْتِي أو كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ وَأَنْت يا زَوْجَتِي أو قال نِسَاءُ الْمُسْلِمِينَ طَوَالِقُ وَأَنْت يا زَوْجَتِي لم تَطْلُقْ لِأَنَّهُ عَطَفَهَا على نِسْوَةٍ لم يَطْلُقْنَ
الطَّرَفُ الثَّانِي في الْفِعْلِ الْقَائِمِ مَقَامَ اللَّفْظِ فَإِشَارَةُ الْأَخْرَسِ في الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ من عُقُودٍ وَحُلُولٍ كَإِقْرَارٍ وَدَعْوًى كَالنُّطْقِ فَيَتَرَتَّبُ عليها أَحْكَامُهُ وَلَوْ كان كَاتِبًا لِعَجْزِهِ مع دَلَالَتِهَا على ما يَدُلُّ عليه النُّطْقُ لَكِنْ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِإِشَارَتِهِ بِشَيْءٍ من ذلك وَلَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ بها وَلَا يَحْنَثُ بها في الْحَلِفِ على عَدَمِ الْكَلَامِ فَإِنْ أَفْهَمَتْ الْفَطِنَ أَيْ الذَّكِيَّ وَغَيْرَهُ الطَّلَاقَ مَثَلًا فَصَرِيحٌ أو أَفْهَمَتْ الْفَطِنَ وَحْدَهُ فَكِنَايَةٌ تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَقِيلَ يَقَعُ بها الطَّلَاقُ نَوَى أو لم يَنْوِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وما رَجَّحَهُ هو ما جَزَمَ بِهِ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَتَفْسِيرُهُ صَرِيحُ إشَارَتِهِ في الطَّلَاقِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ كَتَفْسِيرِ اللَّفْظِ الشَّائِعِ في الطَّلَاقِ بِغَيْرِهِ فَلَا يُقْبَلُ منه ظَاهِرٌ إلَّا بِقَرِينَةٍ وَلَوْ أَشَارَ نَاطِقٌ بِالطَّلَاقِ وإن نَوَى كَأَنْ قالت له طَلِّقْنِي فَأَشَارَ بيده أَنْ اذْهَبِي لَغَا وَإِنْ أَفْهَمَ بها كُلَّ أَحَدٍ لِأَنَّ عُدُولَهُ عن الْعِبَارَةِ إلَى الْإِشَارَةِ يُفْهِمُ أَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلطَّلَاقِ وَإِنْ قَصَدَهُ بها فَهِيَ لَا تُقْصَدُ لِلْإِفْهَامِ إلَّا نَادِرًا وَلَا هِيَ مَوْضُوعَةٌ له بِخِلَافِ الْكِنَايَةِ فَإِنَّهَا حُرُوفٌ مَوْضُوعَةٌ لِلْإِفْهَامِ كَالْعِبَارَةِ فَلَوْ قال من له امْرَأَتَانِ امْرَأَتِي طَالِقٌ مُشِيرًا لِإِحْدَى امْرَأَتَيْهِ وقال أَرَدْت الْأُخْرَى قُبِلَ منه وَلَا يَلْزَمُهُ بِالْإِشَارَةِ شَيْءٌ وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ بَلْ يُطَلَّقَانِ جميعا وَالتَّرْجِيحُ هُنَا من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ آخَرَ الْبَابِ الْخَامِسِ وَإِنْ قال لِأَحَدِهِمَا أَنْت طَالِقٌ وَهَذِهِ فَهَلْ لَفْظُهُ هذه كِنَايَةٌ أو صَرِيحٌ وَجْهَانِ عن أبي الْعَبَّاسِ الرُّويَانِيِّ وَالْأَوْجَهُ الثَّانِي ما لم يَنْوِ خِلَافَهُ لِأَنَّهُ عَطَفَهَا على من طَلُقَتْ وَكَمَا لو قال من أَكْرَهَ على طَلَاقِ حَفْصَةَ حَفْصَةُ طَالِقٌ وَعَمْرَةُ وَهَذَا أَوْلَى من قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ إلْحَاقًا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ طَلَاقِ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ لِلْأُخْرَى أَشْرَكْتُك مَعَهَا
فَصْلٌ كَتْبُ الطَّلَاقِ وَلَوْ صَرِيحًا كِنَايَةٌ وَلَوْ من الْأَخْرَسِ فَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا كما سَيَأْتِي وَإِنْ قَرَأَهُ أَيْ ما كَتَبَهُ حَالَ الْكِتَابَةِ أو بَعْدَهَا فَصَرِيحٌ فَلَوْ قال قَرَأْته حَاكِيًا ما كَتَبْته بِلَا نِيَّةً لِلطَّلَاقِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ كما لو قال أَنْت طَالِقٌ وهو يَحُلُّ الْوَثَاقَ وقال نَوَيْت حَلَّهُ وَفَائِدَتُهُ أَيْ قَوْلُهُ الْمَذْكُورُ إذَا لم يُقَارِنْ الْكَتْبَ النِّيَّةُ فَإِنْ قَارَنَهَا طَلُقَتْ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ وَمِثْلُهُ فِيمَا ذُكِرَ الْعِتْقُ وَالْإِبْرَاءُ وَالْعَفْوُ عن الْقِصَاصِ وَسَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ غير النِّكَاحِ
فَرْعٌ لو كَتَبَ أَنْت أو زَوْجَتِي طَالِقٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ طَلُقَتْ وَإِنْ لم يَصِلْ كِتَابُهُ إلَيْهَا لِأَنَّ الْكِتَابَةَ طَرِيقٌ في إفْهَامِ الْمُرَادِ كَالْعِبَارَةِ وقد اقْتَرَنَتْ بِالنِّيَّةِ فَإِنْ لم يَنْوِ لم تَطْلُقْ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَحْتَمِلُ النَّسْخَ وَالْحِكَايَةَ وَتَجْرِبَةَ الْقَلَمِ وَالْمِدَادِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ كَتَبَ إذَا قَرَأْت كِتَابِي فَأَنْت طَالِقٌ فَقَرَأْته أو فَهِمَتْهُ مُطَالَعَةً وَإِنْ لم تَتَلَفَّظْ بِشَيْءٍ منه طَلُقَتْ فَإِنْ قَرَأَتْ أو فَهِمَتْ بَعْضَهُ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ وَلَوْ قُرِئَ عليها لم تَطْلُقْ لِعَدَمِ الشَّرْطِ مع الْإِمْكَانِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ بِعَزْلِ الْقَاضِي لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَبْنِيٌّ على اللَّفْظِ وَعَزْلُ الْقَاضِي على مَعْرِفَةِ الْمَقْصُودِ لِأَنَّ الْعَادَةَ في الْقُضَاةِ أَنْ تُقْرَأَ عليهم الْكُتُبُ إلَّا إذَا كانت أُمِّيَّةً وَعَلِمَ الزَّوْجُ بِأَنَّهَا أُمِّيَّةٌ فَتَطْلُقُ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ في حَقِّ الْأُمِّيِّ مَحْمُولَةٌ على الِاطِّلَاعِ على ما في الْكِتَابِ وقد وُجِدَ لَا إنْ جَهِلَ أنها أُمِّيَّةٌ فَلَا تَطْلُقُ نَظَرًا إلَى حَقِيقَةِ اللَّفْظِ
وَلَوْ كَتَبَ إذَا وَصَلَك أو بَلَغَك أو أَتَاك كِتَابِي فَأَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ بِوُصُولِهِ إلَيْهَا رِعَايَةً لِلشَّرْطِ لَا إنْ وَصَلَ إلَيْهَا مَمْحِيٌّ ما فيه وفي
____________________
(3/277)
نُسْخَةٍ مَمْحِيًّا فَلَا تَطْلُقُ كما لو ضَاعَ إلَّا إنْ بَقِيَتْ الْآثَارُ مَقْرُوءَةً أَيْ يُمْكِنُ قِرَاءَتُهَا فَتَطْلُقُ كما لو وَصَلَ وَالْمَكْتُوبُ بِحَالِهِ وَالْأَوْلَى قِرَاءَةُ مَمْحِيٍّ على النُّسْخَةِ الْأُولَى بِكَسْرِ الْحَاءِ فَيَكْتُبُ مَمْحٍ من امَّحَى بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ لُغَةٌ في انْمَحَى لِأَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ مَنْقُوصٌ وَإِعْرَابُ الْمَنْقُوصِ نَصْبًا كَإِعْرَابِهِ رَفْعًا وَجَرًّا في لُغَةٍ وَلَا يَجُوزُ قِرَاءَتُهُ بِإِسْكَانِ الْمِيمِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ رُبَاعِيًّا مع أَنَّهُ ثُلَاثِيٌّ تَقُولُ مَحَى لَوْحَهُ يَمْحُوهُ مَحْوًا وَيَمْحِيه مَحْيًا وَيَمْحُهُ فَهُوَ مَمْحُوٌّ وَمَمْحِيٌّ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَلَوْ انْمَحَى إلَّا مَوْضِعَ الطَّلَاقِ طَلُقَتْ لِوُصُولِ الْمَقْصُودِ وَقِيلَ لَا وَقِيلَ تَطْلُقُ إنْ قال كِتَابِي كما ذُكِرَ لَا إنْ قال كِتَابِي هذا أو الْكِتَابُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وقد يُقَالُ تَصْوِيرُهُ بِكِتَابِي يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الثَّالِثِ وقد اسْتَحْسَنَهُ الْأَصْلُ
وَلَا أَثَرَ في وُقُوعِ الطَّلَاقِ لِبَقَاءِ غَيْرِهِ أَيْ غَيْرِهِ مَوْضِعَ الطَّلَاقِ لِعَدَمِ وُصُولِ الْمَقْصُودِ وَإِنْ عُلِّقَ بِبُلُوغِ الطَّلَاقِ أو وُصُولِهِ أو إتْيَانِهِ فَسَلِمَ من الِانْمِحَاءِ مَوْضِعُ الطَّلَاقِ وَقَعَ قَطْعًا فَإِنْ لم يَسْلَمْ لم يَقَعْ وَلَا حَاجَةَ بِقَوْلِهِ قَطْعًا وَقِرَاءَةُ بَعْضِ الْكِتَابِ أو فَهْمُهُ مُطَالَعَةً إنْ عُلِّقَ بِقِرَاءَتِهِ كَوُصُولِ بَعْضِهِ إنْ عُلِّقَ بِوُصُولِهِ فَيَأْتِي فيه ما مَرَّ ثُمَّ وَإِنْ عُلِّقَ بِوُصُولِ الْكِتَابِ ثُمَّ بِوُصُولِ الطَّلَاقِ طَلُقَتْ بِوُصُولِ الْكِتَابِ طَلْقَتَيْنِ لِوُجُودِ الصِّفَتَيْنِ أو عُلِّقَ بِوُصُولِ نِصْفِ الْكِتَابِ فَوَصَلَ كُلُّهُ طَلُقَتْ لِاشْتِمَالِ الْكُلِّ على النِّصْفِ
وَإِنْ كَتَبَ غَيْرَهُ أو كَنَّى بِلَفْظِ بِإِذْنِهِ ولو نَوَى هو الطَّلَاقَ لَغَا فَالْعِبْرَةُ بُنَيَّةِ الْكَاتِبِ وَالْكَانِي وَالْكَتْبُ على الْأَرْضِ أو نَحْوِهَا كِتَابَةٌ لَا على الْمَاءِ وَالْهَوَاءِ وَنَحْوِهِمَا لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ كما مَرَّ نَظِيرُهُ في الْبَيْعِ وَإِنْ كَتَبَ أَنْت طَالِقٌ وَاسْتَمَدَّ بِالْقَلَمِ من الدَّوَاةِ نُظِرَ إنْ كان الِاسْتِمْدَادُ لِحَاجَةٍ ثُمَّ كَتَبَ تَعْلِيقًا كَإِذَا أَتَاك كِتَابِي صَحَّ التَّعْلِيقُ ظَاهِرًا فَلَا تَطْلُقُ حتى يَأْتِيَهَا الْكِتَابُ وَإِلَّا وَقَعَ في الْحَالِ وَذَلِكَ كما لو قال أَنْتِ طَالِقٌ وَسَكَتَ ثُمَّ قال إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَإِنْ كان السُّكُوتُ لِحَاجَةٍ تَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِالشَّرْطِ وَإِلَّا وَقَعَ في الْحَالِ وَإِنْ أَنْكَرَ الزَّوْجُ الْكِتَابَ أَيْ كَتْبَ الطَّلَاقِ أو النِّيَّةَ وَادَّعَتْهُ الزَّوْجَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ
الطَّرَفُ الثَّالِثُ التَّفْوِيضُ لِلطَّلَاقِ وهو جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ وَاحْتَجُّوا له أَيْضًا بِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَيَّرَ نِسَاءَهُ بين الْمُقَامِ معه وَبَيْنَ مُفَارَقَتِهِ لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى يا أَيُّهَا النبي قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا إلَى آخِرِهِ فَلَوْ لم يَكُنْ لِاخْتِيَارِهِنَّ الْفُرْقَةَ أَثَرٌ لم يَكُنْ لِتَخْيِيرِهِنَّ مَعْنًى وَاسْتُشْكِلَ بِمَا صَحَّحُوهُ من أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِاخْتِيَارِهَا الدُّنْيَا بَلْ لَا بُدَّ من إيقَاعِهِ بِدَلِيلِ فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ قَوْلُهُ طَلِّقِي نَفْسَك لِزَوْجَتِهِ أو اعْتِقِي نَفْسَك لِأَمَتِهِ تَمْلِيكٌ لِلطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ لِأَنَّ ذلك يَتَعَلَّقُ بِغَرَضِهِمَا كَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا فَكَأَنَّهُ يقول مَلَّكْتُكُمَا نَفْسَكُمَا فَيَمْلِكَانِهَا بِالطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ لَا تَوْكِيلٌ بِذَلِكَ دَفْعٌ لِمَا قِيلَ إنَّهُ تَوْكِيلٌ كما في التَّفْوِيضِ لِأَجْنَبِيٍّ وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ لَهُمَا فيه غَرَضًا وَلَهُمَا بِالزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ اتِّصَالًا فَإِنْ كان التَّفْوِيضُ بِمَالُ فَيُمْلَكُ بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ كما أَنَّهُ بِلَا عِوَضٍ كَالْهِبَةِ وَشَرْطُهُ أَيْ التَّفْوِيضُ أَيْ شَرْطُ صِحَّتِهِ التَّكْلِيفُ فَلَا يَصِحُّ من غَيْرِ مُكَلَّفٍ وَلَا مع غَيْرِ مُكَلَّفَةٍ لِفَسَادِ الْعِبَارَةِ وَالتَّطْلِيقُ فَوْرًا لِتَضَمُّنِهِ الْقَبُولَ وهو على الْفَوْرِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ يَقْتَضِيه فَلَوْ أَخَّرَتْ بِقَدْرِ ما يَنْقَطِعُ بِهِ الْقَبُولُ عن الْإِيجَابِ ثُمَّ طَلَّقَتْ لم يَقَعْ إلَّا أَنْ قال طَلِّقِي نَفْسَك مَتَى شِئْت فَلَا يُشْتَرَطُ الْفَوْرُ وَإِنْ اقْتَضَى التَّمْلِيكُ اشْتِرَاطَهُ قال ابن الرِّفْعَةِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لِمَا قبل التَّعْلِيقِ سُومِحَ في تَمْلِيكِهِ وما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَبَعْضِ مُخْتَصِرِي الرَّوْضَةِ من عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْفَوْرِ في ذلك على الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّفْوِيضَ تَمْلِيكٌ هو ما جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَوَجَّهَهُ ابن الرِّفْعَةِ بِمَا ذُكِرَ وَالْأَصْلُ إنَّمَا ذَكَرَهُ تَفْرِيعًا على الْقَوْلِ بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَصَوَّبَهُ في الذَّخَائِرِ وهو الْحَقُّ وَالْإِعْتَاقُ كَالطَّلَاقِ فِيمَا ذُكِرَ وَفِيمَا يَأْتِي وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عليه لِأَنَّ الْمَبْحَثَ مَوْضُوعٌ له
وَلِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ عن التَّفْوِيضِ
____________________
(3/278)
قَبْلَهُ أَيْ قبل التَّطْلِيقِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ أَيْ التَّفْوِيضُ فَقَوْلُهُ إذَا جاء الْغَدُ أو زَيْدٌ مَثَلًا فَطَلِّقِي نَفْسَك لَغْوٌ كَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ في جَمِيعِ ذلك وَإِنْ قال الْأَجْنَبِيُّ إذَا جاء الْغَدُ مَثَلًا فَأَمْرُ امْرَأَتِي أَيْ في الطَّلَاقِ بِيَدِك وَقَصَدَ التَّقْيِيدَ بِالْغَدِ تَقَيَّدَ الطَّلَاقُ بِهِ فَلَيْسَ له الطَّلَاقُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَإِلَّا بِأَنْ لم يَقْصِدْ ذلك بِأَنْ قَصَدَ إطْلَاقَ الطَّلَاقِ له بَعْدَ وُجُودِ الْغَدِ أو أَطْلَقَ فَلَهُ الطَّلَاقُ بَعْدَهُ مَتَى شَاءَ كما له الطَّلَاقُ فيه وَشُمُولُ كَلَامِهِ لِمَسْأَلَةِ الْإِطْلَاقِ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ قال له أَمْرُهَا بِيَدِك إلَى شَهْرٍ أو شَهْرًا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلَهُ التَّطْلِيقُ فيه لَا بَعْدَهُ وَإِنْ قال لها طَلِّقِي نَفْسَك فَعَلَّقَتْهُ بِقُدُومِ زَيْدٍ لَغَا لِأَنَّهُ لم يُمَلِّكْهَا التَّعْلِيقَ قال في الْأَصْلِ وَكَذَا الْحُكْمُ في حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ قال الرُّويَانِيُّ وَلَوْ قال لها طَلِّقِي نَفْسَك فقالت طَلَّقْت نَفْسِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ قال الْقَاضِي الطَّبَرِيُّ الذي عِنْدِي أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَإِنْ قالت بَعْدَ قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك كَيْف أُطَلِّقُ نَفْسِي ثُمَّ طَلَّقَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْفَصْلُ بِذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ لِقَصْرِهِ وَلَوْ وَكَّلَهَا أو وَكَّلَ آخَرَ في تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ لم يَصِحَّ كما مَرَّ في الْوَكَالَةِ أَيْضًا فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَإِنْ كان الْمُعَلَّقُ بِهِ يُوجَدُ لَا مَحَالَةَ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْأَيْمَانِ فَلَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ
فَصْلٌ لو قال لها بَيِّنِي نَفْسَك فقالت أَبَنْت وَنَوَيَا عِنْدَ قَوْلِهِمَا الطَّلَاقَ طَلُقَتْ كما تَطْلُقُ بِالصَّرِيحِ وَكَذَا لو اخْتَلَفَ لَفْظُهُمَا بِالْكِنَايَةِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ لم يَنْوِيَا أو أَحَدُهُمَا لم تَطْلُقْ لِأَنَّهُ إذَا لم يَنْوِ لم يُفَوِّضْ الطَّلَاقَ وإذا لم تَنْوِ هِيَ ما امْتَثَلَتْ وَتَطْلُقُ إذَا قال لها طَلِّقِي نَفْسَك فقالت سَرَّحْت لِاشْتِرَاكِهِمَا في الصَّرَاحَةِ وَكَذَا تَطْلُقُ لو كَنَّى وَنَوَى فَصَرَّحَتْ هِيَ أو وَكِيلُهُ في الطَّلَاقِ أو بِالْعَكْسِ بِأَنْ صَرَّحَتْ فَكَنَّتْ هِيَ أو وَكِيلُهُ وَنَوَيَا إلَّا إنْ أَمَرَهُمَا بِأَحَدِهِمَا فَخَالَفَا كَأَنْ قال لها طَلِّقِي نَفْسَك أو له طَلِّقْهَا بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ أو قال بِكِنَايَتِهِ فَعَدَلَا عن الْمَأْذُونِ فيه إلَى غَيْرِهِ وَلَا تَطْلُقُ لِمُخَالَفَتِهِمَا صَرِيحَ كَلَامِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِحُكْمِ مُخَالَفَةِ الْوَكِيلِ من زِيَادَتِهِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لو قال طَلِّقْهَا بِلَفْظِ التَّطْلِيقِ فَطَلَّقَهَا بِلَفْظِ التَّسْرِيحِ أو بِالْعَكْسِ لم تَطْلُقْ لِلْمُخَالَفَةِ وَإِنْ أَجَابَتْ زَوْجَهَا بِطَلَّقْتُك فَكِنَايَةٌ كَقَوْلِهِ أنا مِنْك طَالِقٌ بِجَامِعِ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ
فَرْعٌ لو قال لها نَاوِيًا لِلتَّفْوِيضِ لِلطَّلَاقِ اخْتَارِي نَفْسَك فقالت اخْتَرْت أو قال اخْتَارِي فَقَطْ فقالت اخْتَرْت نَفْسِي وَنَوَتْ فِيهِمَا وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ تَرَكَا النَّفْسَ مَعًا فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وَبِهِ قال الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ في تَهْذِيبِهِ لَا يَقَعُ وَإِنْ نَوَتْ نَفْسَهَا إذْ ليس في كَلَامِ أَحَدِهِمَا ما يُشْعِرُ بِالْفِرَاقِ وَثَانِيهِمَا يَقَعُ إذَا نَوَتْ نَفْسَهَا وَبِهِ قال الْبُوشَنْجِيُّ وَالْبَغَوِيُّ في تَعْلِيقِهِ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ من الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ الْجَزْمُ بِهِ وَجَرَيْت عليه في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَلَوْ قالت بَعْدَ قَوْلِهِ اخْتَارِي نَفْسَك أو اخْتَارِي فَقَطْ نَاوِيَةً لِلطَّلَاقِ اخْتَرْت أَهْلِي أو الْأَزْوَاجَ أو غَيْرَك طَلُقَتْ لِإِشْعَارِهَا بِالْفِرَاقِ وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ نَاوِيَةً من زِيَادَتِهِ لَا إنْ أَجَابَتْهُ بِاخْتَرْت زَوْجِي أو الزَّوْجَ أو النِّكَاحَ فَلَا تَطْلُقُ لِعَدَمِ إشْعَارِهِ بِهِ وَإِنْ قالت في جَوَابِهِ أَخْتَارُ لم تَطْلُقْ لِاحْتِمَالِ الِاسْتِقْبَالِ مع أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ إلَّا إنْ قَصَدَتْ بِهِ الْإِنْشَاءَ فَتَطْلُقُ وَالْقَوْلُ في عَدَمِ اخْتِيَارِهَا لِلطَّلَاقِ فَوْرًا قَوْلُهُ لِلْأَصْلِ وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ على الِاخْتِيَارِ مُمْكِنَةٌ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِيمَا لو اخْتَلَفَا في أَصْلِ التَّخْيِيرِ أو في اخْتِيَارِ الزَّوْجَةِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ في الْأُولَى
والقول في الْبَيِّنَةِ إثْبَاتًا وَنَفْيًا قَوْلُ النَّاوِي لِأَنَّهَا لَا تُعْرَفُ إلَّا منه نعم لو قالت ما نَوَيْت فقال الزَّوْجُ بَلْ نَوَيْت طَلُقَتْ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَكَذَا الْقَوْلُ فيها قَوْلُهُ من وُكِّلَ في الطَّلَاقِ فَكَنَّى بِهِ كَأَنْ قال لها أَنْت بَائِنٌ أو أَمْرُك بِيَدِك وَزَعَمَ أَنَّهُ نَوَى الطَّلَاقَ ولم تُكَذِّبْهُ وَكَذَّبَهُ الزَّوْجُ لِأَنَّهُ أَمِينُهُ لَا إنْ كَذَّبَاهُ مَعًا لِاتِّفَاقِهِمَا على بَقَاءِ النِّكَاحِ وَإِنْ فَوَّضَهَا أَيْ فَوَّضَ إلَيْهَا الطَّلَاقَ فِيمَا شَاءَتْ من الثَّلَاثِ كَأَنْ قال لها اخْتَارِي أو طَلِّقِي نَفْسَك من ثَلَاثِ طَلْقَاتٍ ما شِئْت مَلَكَتْ ما دُونَهَا من وَاحِدَةٍ وَثِنْتَيْنِ وَلَا تَمْلِكُ الثَّلَاثَ لِأَنَّ من لِلتَّبْعِيضِ وَإِنْ كَرَّرَ قَوْلَهُ اخْتَارِي وَأَرَادَ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ تَقَعُ بِاخْتِيَارِهَا فَإِنْ أَرَادَ عَدَدًا وَقَعَ أو أَطْلَقَ
____________________
(3/279)
وَقَعَ بِعَدَدِ اللَّفْظِ إنْ لم تُخَالِفْهُ فِيهِمَا وَإِلَّا وَقَعَ ما اتَّفَقَا عليه
وَلَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا عَبَثًا وَنَوَتْ فَصَادَفَتْ التَّفْوِيضَ لها ولم يَطُلْ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا طَلُقَتْ كما لو بَاعَ مَالَ أبيه على ظَنِّ أَنَّهُ حَيٌّ فَبَانَ مَيِّتًا بَلْ أَوْلَى وَإِنْ جَعَلَ طَلَاقَهَا بِيَدِ اللَّهِ وَيَدِ زَيْدٍ لَغَا إنْ قَصَدَ الشِّرْكَةَ فَلَيْسَ لِزَيْدٍ أَنْ يُطَلِّقَهَا لَا إنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ أو أَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا بِيَدِ اللَّهِ كما اقْتَصَرَ عليه الْأَصْلُ فَلَا يَلْغُو قال الْأَذْرَعِيُّ وَكَذَا لو أَطْلَقَ فِيمَا يَظْهَرُ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ كما لو قَصَدَ الشِّرْكَةَ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ من الْعَطْفِ وَقَوْلُهُ لها جَعَلْت كُلَّ أَمْرٍ لي عَلَيْك بِيَدِك كِنَايَةٌ في التَّفْوِيضِ إلَيْهَا وَلَيْسَ لها أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا ما لم يَنْوِهَا هو كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وقوله طَلِّقِي نَفْسَك في غَدٍ لَغْوٌ وَإِنْ ضَمَّهُ إلَى غَيْرِهِ كَقَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ كما صَوَّرَ بِهِ الْأَصْلُ فَيَلْغُو فيه قَوْلُهُ وَغَدًا أو بَعْدَ غَدٍ وَإِنْ قال طَلِّقِي أو أَبِينِي نَفْسَك فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَنَوَيَا الثَّلَاثَ وَقَعَتْ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ وقد نَوَيَاهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَنْوِيَاهَا بِأَنْ نَوَى أَحَدُهُمَا عَدَدًا وَالْآخَرُ أَقَلَّ منه فَأَقَلُّ النِّيَّتَيْنِ يَقَعُ لِأَنَّهُ الْمُتَّفِقُ عليه وَالْأَوْلَى فَأَقَلُّ الْمَنْوِيَّيْنِ وَلَوْ لم يَنْوِ هو أو هِيَ شيئا وَقَعَتْ وَاحِدَةً وَإِنْ نَوَى عَدَدًا وَطَلَّقَتْ بِالصَّرِيحِ لِأَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ كِنَايَةٌ في الْعَدَدِ وَهِيَ لم تَنْوِ عَدَدًا وَإِنْ قال طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فقالت بِلَا نِيَّةٍ طَلَّقْت وَقَعْنَ لِأَنَّ قَوْلَهَا هُنَا جَوَابٌ لِكَلَامِهِ فَهُوَ كَالْمُعَادِ في الْجَوَابِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَتَلَفَّظْ هو بِالثَّلَاثِ وَنَوَاهَا لِأَنَّ الْمَنْوِيَّ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ عَوْدِهِ في الْجَوَابِ إذْ التَّخَاطُبُ بِاللَّفْظِ لَا بِالنِّيَّةِ أو قالت طَلَّقْت وَاحِدَةً وَقَعَتْ لِأَنَّهَا الْمُوقِعَةُ أو ثِنْتَيْنِ وَقَعَتَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلَوْ زَادَتْ الثِّنْتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ على الْوَاحِدَةِ التي أَوْقَعَهَا فَوْرًا وَلَوْ بَعْدَمَا رَاجَعَ وَقَعْنَ أَيْ الثَّلَاثُ إذْ لَا فَرْقَ بين أَنْ تَطْلُقَ الثَّلَاثَ دَفْعَةً وَبَيْنَ قَوْلِهَا طَلَّقْت وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَلَا يَقْدَحُ تَخَلُّلُ الرَّجْعَةِ من الزَّوْجِ وَالتَّصْرِيحُ بِفَوْرِيَّةِ الزِّيَادَةِ وَبِحُكْمِ ما إذَا لم يُرَاجِعْ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ قال طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا أو ثِنْتَيْنِ فَوَاحِدَةٌ تَقَعُ لِأَنَّهَا الْمَأْذُونُ فيه وَالْمُتَّفِقُ عليه وَالْوَكِيلُ كَذَلِكَ أَيْ كَالْمَرْأَةِ فِيمَا ذُكِرَ فَلَا يَقَعُ بِطَلَاقِهِ إلَّا الْمُتَّفَقُ عليه أو قال طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً أو قال طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا طَلُقَتْ وَاحِدَةً كما لو لم يذكر الْمَشِيئَةَ وَإِنْ قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ على الْعَدَدِ فقال طَلِّقِي نَفْسَك إنْ شِئْت وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا وَعَكْسُهُ بِأَنْ قال طَلِّقِي نَفْسَك إنْ شِئْت ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً لَغَا فَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ لِصَيْرُورَةِ الْمَشِيئَةِ شَرْطًا في أَصْلِ الطَّلَاقِ وَالْمَعْنَى طَلِّقِي إنْ اخْتَرْت الثَّلَاثَ فإذا اخْتَارَتْ غَيْرَهُنَّ لم يُوجَدْ الشَّرْطُ بِخِلَافِ ما إذَا أَخَّرَهَا فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَى تَفْوِيضِ الْمُعَيَّنِ وَالْمَعْنَى فَوَّضْت إلَيْك أَنْ تُطَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَإِنْ شِئْت فَافْعَلِي ما فَوَّضْت إلَيْك وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ ذلك الْمُعَيَّنِ وَلَا نُفُوذَ ما يَدْخُلُ فيه وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لو قَدَّمَهَا على الطَّلَاقِ أَيْضًا فقال إنْ شِئْت طَلِّقِي ثَلَاثًا أو وَاحِدَةً كان كما لو أَخَّرَهَا عن الْعَدَدِ
الرُّكْنُ الثَّالِثُ قَصْدُ الطَّلَاقِ فَيُشْتَرَطُ قَصْدُ اللَّفْظِ بِمَعْنَاهُ أَيْ معه لِيُزِيلَ مِلْكَ النِّكَاحِ فَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ إنَّ الْبَاءَ في بِمَعْنَاهُ تَحْرِيفٌ وَإِنَّمَا صَوَابُهُ بِاللَّامِ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ قَصْدُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى مَعًا وَاعْتُبِرَ قَصْدُ الْمَعْنَى لِيَخْرُجَ حِكَايَةُ طَلَاقِ الْغَيْرِ وَتَصْوِيرُ الْفَقِيهِ وَالنِّدَاءُ بِطَالِقٍ لِمُسَمَّاةٍ بِهِ كما سَيَأْتِي ذلك وَقَصْدُهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ ظَاهِرًا عِنْدَ عُرُوضِ ما يَصْرِفُ الطَّلَاقَ عن مَعْنَاهُ كَهَذِهِ الْمُخْرِجَاتِ لَا مُطْلَقًا إذْ لو قال لها أَنْتِ طَالِقٌ وقد قَصَدَ لَفْظَ الطَّلَاقِ وَفَهِمَ مَعْنَاهُ وَقَعَ وَإِنْ لم يَقْصِدْ مَعْنَاهُ كما في حَالِ الْهَزْلِ بَلْ لو قال ما قَصَدْته لم يُدَيَّنْ وَمِنْ هُنَا قالوا الصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ بِخِلَافِ الْكِنَايَةِ وَعَلَى اعْتِبَارِ قَصْدِ الْمَعْنَى فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ما في الْمُهِمَّاتِ عن بَعْضِ فُضَلَاءِ عَصْرِهِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فيه قَصْدُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى أَيْ وَفَهْمُهُ وَيُعْتَبَرُ فيها مع ذَاكَ قَصْدُ الْإِيقَاعِ قال وقد ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فيها ما يُؤَيِّدُ ذلك فقال قال الْبُوشَنْجِيُّ إنَّمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ إذَا نَوَى حَقِيقَةَ الطَّلَاقِ وَقَصَدَ إيقَاعَهُ بهذا اللَّفْظِ فَحِكَايَةُ الطَّلَاقِ كَقَوْلِهِ قال فُلَانٌ زَوْجَتِي طَالِقٌ وَكَذَا طَلَاقُ النَّائِمِ وَالْمُبَرْسَمِ وَالْمُغْمَى عليه كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لَغْوٌ وَإِنْ قال بَعْدَ اسْتِيقَاظِهِ أَجَزْته أو أَوْقَعْته لِعَدَمِ قَصْدِ مَعْنَاهُ وَلِخَبَرِ رُفِعَ الْقَلَمُ عن ثَلَاثٍ وَذَكَرَ منها النَّائِمَ
وَكَذَا سَبْقُ اللِّسَانِ إلَى لَفْظِ الطَّلَاقِ لَغْوٌ لِأَنَّهُ لم يَقْصِدْ اللَّفْظَ لَكِنْ يُؤَاخَذُ بِهِ وَلَا يُصَدَّقُ في دَعْوَاهُ السَّبْقَ ظَاهِرًا إنْ لم تَكُنْ قَرِينَةٌ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ بِخِلَافِ
____________________
(3/280)
ما إذَا كانت قَرِينَةٌ كَأَنْ دَعَاهَا بَعْدَ طُهْرِهَا من الْحَيْضِ إلَى فِرَاشِهِ وَأَرَادَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ الْآنَ طَاهِرَةٌ فَسَبَقَ لِسَانُهُ وقال أَنْتِ الْآنَ طَالِقَةٌ وَلَوْ ظَنَّتْ صِدْقَهُ في دَعْوَاهُ السَّبْقَ بِأَمَارَةٍ فَلَهَا مُصَادَقَتُهُ أَيْ قَبُولُ قَوْلِهِ وَكَذَا لِلشُّهُودِ الَّذِينَ سَمِعُوا الطَّلَاقَ منه وَعَرَفُوا صِدْقَ دَعْوَاهُ السَّبْقَ بِأَمَارَةٍ أَنْ لَا يَشْهَدُوا عليه بِالطَّلَاقِ كَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ هُنَا وَذَكَرَ أَوَاخِرَ الطَّلَاقِ أَنَّهُ لو سمع لَفْظَ رَجُلٍ بِالطَّلَاقِ وَتَحَقَّقَ أَنَّهُ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَيْهِ لم يَكُنْ له أَنْ يَشْهَدَ عليه بِمُطْلَقِ الطَّلَاقِ وكان ما هُنَا فِيمَا إذَا ظَنُّوا وما هُنَاكَ فِيمَا إذَا تُحَقَّقُوا كما يُفْهِمُهُ كَلَامُهُمْ وَمَعَ ذلك فِيمَا هُنَا نَظَرٌ فَإِنْ كان اسْمُهَا طَالِقًا أو طَارِقًا أو طَالِبًا أو نَحْوَهَا من الْأَسْمَاءِ التي تُقَارِبُ حُرُوفَ طَالِقٍ فَنَادَاهَا يا طَالِقُ طَلُقَتْ ولكن إنْ ادَّعَى سَبْقَ اللِّسَانِ إلَيْهِ من تِلْكَ الْأَلْفَاظِ قُبِلَ منه ظَاهِرًا لِظُهُورِ الْقَرِينَةِ أو كان اسْمُهَا طَالِقًا فَنَادَاهَا بِهِ لم تَطْلُقْ وَإِنْ لم يَنْوِ نِدَاءَهَا بِاسْمِهَا إلَّا إنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَتَطْلُقُ وَصُورَةُ عَدَمِ طَلَاقِهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَنْ تُوجَدَ التَّسْمِيَةُ بِطَالِقٍ عِنْدَ النِّدَاءِ فَإِنْ زَالَتْ ضَعُفَتْ الْقَرِينَةُ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ في نَظِيرِهِ من نِدَاءِ عَبْدِهِ الْمُسَمَّى بِحَرْبِيٍّ حُرٌّ نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَضَبَطَ النَّوَوِيُّ في الْمِنْهَاجِ يا طَالِقْ بِإِسْكَانِ الْقَافِ وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إنْ قال يا طَالِقُ بِالضَّمِّ لم يَقَعْ لِأَنَّ بِنَاءَهُ على الضَّمِّ يُرْشِدُ إلَى إرَادَةِ الْعَلَمِيَّةِ وَإِنْ قال يا طَالِقًا بِالنَّصْبِ تَعَيَّنَ صَرْفُهُ إلَى التَّطْلِيقِ وَيَنْبَغِي في الْحَالَيْنِ أَنَّا لَا نَرْجِعُ لِدَعْوَى خِلَافِ ذلك وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ لِأَنَّ اللَّحْنَ لَا يُؤَثِّرُ في الْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ
فَصْلٌ يَقَعُ طَلَاقُ الْهَازِلِ وَعِتْقُهُ وَكَذَا نِكَاحُهُ وَسَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَلَا يُدَيَّنُ كَأَنْ قالت له في مُعْرِضِ الدَّلَالِ أو الِاسْتِهْزَاءِ طَلِّقْنِي فقال طَلَّقْتُك وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أتى بِاللَّفْظِ عن قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ وَعَدَمُ رِضَاهُ بِوُقُوعِهِ لِظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ لَا أَثَرَ له لِخَطَأِ ظَنِّهِ كما لَا أَثَرَ له فِيمَا لو طَلَّقَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ له وَلِخَبَرِ ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهُ وَقِيسَ بِالثَّلَاثَةِ غَيْرُهَا وَخُصَّتْ بِالذِّكْرِ لِتَعَلُّقِهَا بِالْأَبْضَاعِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَزِيدِ اعْتِنَاءٍ على أَنَّ التِّرْمِذِيَّ رَوَى أَنَّ هَزْلَ الْعِتْقِ جَدٌّ وَإِنَّمَا لم يُدَيَّنْ لِأَنَّهُ لم يَصْرِفْ اللَّفْظَ إلَى غَيْرِ مَعْنَاهُ بِخِلَافِ ما لو قال أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قال أَرَدْت عن وَثَاقٍ لِأَنَّهُ ثَمَّ صَرَفَ اللَّفْظَ عن ظَاهِرِهِ إلَى مَعْنًى آخَرَ
وَلَوْ ظَنَّهَا أَجْنَبِيَّةً لِكَوْنِهَا في ظُلْمَةٍ أو من وَرَاءِ حِجَابٍ أو زَوَّجَهُ أَبَاهُ في صِغَرِهِ أو وَكِيلُهُ في كِبَرِهِ ولم يَعْلَمْ أو نَحْوَهَا أو نَسِيَ النِّكَاحَ فَطَلَّقَهَا طَلُقَتْ ظَاهِرًا لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ في مَحَلِّهِ وَظَنُّ غَيْرِ الْوَاقِعِ لَا يَدْفَعُهُ وفي الْبَاطِنِ وَجْهَانِ بِنَاءً على صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ من الْمَجْهُولِ وَعَدَمِهَا وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ الْمَنْعِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْوُقُوعُ وَلَوْ جَفَاهُ جَمْعٌ كَأَنْ كان وَاعِظًا وَطَلَبَ من الْحَاضِرِينَ شيئا فلم يُعْطُوهُ فقال مُتَضَجِّعًا منهم طَلَّقْتُكُمْ وَفِيهِمْ امْرَأَتُهُ ولم يَعْلَمْ بها لَغَا فَلَا تَطْلُقُ كما بَحَثَهُ الْأَصْلُ بَعْدَ نَقْلِهِ عن الْإِمَامِ أَنَّهُ أَفْتَى بِخِلَافِهِ قال النَّوَوِيُّ لِأَنَّهُ لم يَقْصِدْ مَعْنَى الطَّلَاقِ وَلِأَنَّ النِّسَاءَ
____________________
(3/281)
لَا يَدْخُلْنَ في خِطَابِ الرِّجَالِ إلَّا بِدَلِيلٍ انْتَهَى وَاعْتُرِضَ بِمَنْعِ أَنَّهُ لم يَقْصِدْ مَعْنَى الطَّلَاقِ إذْ مَعْنَاهُ الْفُرْقَةُ وقد نَوَاهَا وَبِأَنَّ دَلِيلَ الدُّخُولِ هُنَا مَوْجُودٌ وهو مُشَافَهَةُ الْحَاضِرِينَ وَعَدَمُ عِلْمِهِ بِأَنَّ زَوْجَتَهُ فِيهِمْ لَا يَمْنَعُ الْإِيقَاعَ كَمَنْ خَاطَبَهَا يَظُنُّهَا غَيْرَهَا وَأُجِيبَ عن الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَعْنَى الطَّلَاقِ شَرْعًا قَطْعُ عِصْمَةِ النِّكَاحِ ولم يَقْصِدْهُ الْوَاعِظُ بِخِلَافِ من خَاطَبَ زَوْجَتَهُ يَظُنُّهَا غَيْرَهَا وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ ذلك إنَّمَا يَكُونُ بِحَسَبِ الْقَصْدِ لِلتَّغْلِيبِ وَلَا قَصْدَ
فَرْعٌ لو لُقِّنَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ أَيْ كَلِمَتُهُ بِلُغَةٍ لَا يَعْرِفُهَا فَقَالَهَا جَاهِلًا مَعْنَاهَا فَقَصَدَ بِهِ الْأَوْلَى بها الطَّلَاقَ لم يَقَعْ كما لو قَصَدَهُ بِلَفْظٍ لَا مَعْنَى له وَكَمَا لو لُقِّنَ كَلِمَةَ الْكُفْرِ فَقَالَهَا لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ وَقَوْلُ الْمِنْهَاجِ وَلَوْ لَفَظَ عَجَمِيٌّ بِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ ولم يَعْرِفْ مَعْنَاهُ لم يَقَعْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين أَنْ يُلَقَّنَ وَأَنْ لَا يُلَقَّنَ وهو ظَاهِرٌ وَكَذَا لَا يَقَعُ لو قَصَدَ بها مَعْنَاهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَنَّهُ إذَا لم يَعْرِفْ مَعْنَاهَا لم يَصِحَّ قَصْدُهُ وَيُؤَاخَذُ بِمَعْنَاهَا فِيمَا ذُكِرَ ظَاهِرًا مُخَالِطُ أَهْلِهَا وَيُدَيَّنُ
فَصْلٌ في الْإِكْرَاهِ لَا يَصِحُّ طَلَاقٌ وَإِسْلَامٌ وَغَيْرُهُمَا من سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ من مُكْرَهٍ بِبَاطِلٍ لِخَبَرِ رُفِعَ عن أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وما اُسْتُكْرِهُوا عليه وَلِخَبَرِ لَا طَلَاقَ في إغْلَاقٍ أَيْ إكْرَاهٍ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ على شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ لو صَدَرَ منه بِاخْتِيَارِهِ طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ وَصَحَّ إسْلَامُهُ فإذا أُكْرِهَ عليه بِبَاطِلٍ لَغَا كَالرِّدَّةِ نعم تَقَدَّمَ في شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لو تَكَلَّمَ فيها مُكْرَهًا بَطَلَتْ لَا حَقَّ أَيْ لَا من مُكْرَهٍ بِحَقٍّ فَيَصِحُّ إسْلَامُ مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ بِالْإِكْرَاهِ لَهُمَا عليه وَلَوْ من كَافِرٍ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ بِحَقٍّ وَكَذَا طَلَاقُ الْمَوْلَى وَاحِدَةً بِإِكْرَاهِ الْقَاضِي له بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَتَقَدَّمَ تَصْوِيرُ أَمْرِهِ بِالطَّلَاقِ دُونَ الْفَيْئَةِ لَا إسْلَامُ الذِّمِّيِّ لِأَنَّهُ مُقَرٌّ على كُفْرِهِ بِالْجِزْيَةِ قال ابن الرِّفْعَةِ وَيُشْبِهُ أَنَّ الْمُعَاهِدَ كَالذِّمِّيِّ فَلَوْ أَكْرَهَ الْقَاضِي الزَّوْجَ الْمَوْلَى على الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ فَتَلَفَّظَ بها وَقُلْنَا يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ وهو الْأَصَحُّ لَغَا الطَّلَاقُ كما لو أَكْرَهَهُ غَيْرُهُ وَإِلَّا وَقَعَتْ وَاحِدَةً وَلَغَا الزَّائِدُ وَمَنْ أُكْرِهَ على الطَّلَاقِ بِصِيغَةٍ من صَرِيحٍ أو كِنَايَةٍ أو صِفَةٍ من تَنْجِيزٍ أو تَعْلِيقٍ أو تَوْحِيدٍ لِلطَّلَاقِ أو لِلزَّوْجَةِ أو ضِدِّهِ فَأَتَى بِغَيْرِهَا أو على الطَّلَاقِ بِتَخْيِيرٍ فيه أو في الزَّوْجَاتِ كَطَلِّقْ طَلْقَةً أو طَلْقَتَيْنِ أو حَفْصَةَ أو عَمْرَةَ أو على طَلَاقٍ مُبْهَمٍ مَحَلُّهُ كَطَلِّقْ إحْدَى زَوْجَتَيْك فَعَيَّنَ في التَّخْيِيرِ أو الْإِبْهَامِ أو على طَلَاقِ حَفْصَةَ فقال هِيَ وَعَمْرَةُ طَلْقَانِ وَقَعَ الطَّلَاقُ لِظُهُورِ قَصْدِ الِاخْتِيَارِ بِعُدُولِهِ عَمَّا أُكْرِهَ عليه فَلَوْ قال حَفْصَةُ طَالِقٌ وَعَمْرَةُ أو حَفْصَةُ طَالِقٌ وَعَمْرَةُ طَالِقٌ طَلُقَتْ عَمْرَةُ لَا حَفْصَةُ وَإِنْ عُطِفَتْ عَمْرَةُ على من لم تَطْلُقْ لِأَنَّ من لم تَطْلُقْ هُنَا مَحَلٌّ لِطَلَاقِ الزَّوْجِ حَالَةَ إيقَاعِهِ فَلَا يُشْكِلُ بِمَا مَرَّ في كل امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ وَأَنْتِ يا زَوْجَتِي وفي نِسَاءِ الْعَالَمِينَ طَوَالِقُ وَأَنْتِ يا زَوْجَتِي
فَرْعٌ لو ادَّعَى الْمُكْرَهُ التَّوْرِيَةَ كَأَنْ قال أَرَدْت بِطَلَاقِ فَاطِمَةَ غير زَوْجَتِي أو الطَّلَاقَ من وَثَاقٍ قُبِلَ منه وَلَا حَاجَةَ لِهَذَا لِأَنَّهُ لَا طَلَاقَ عليه وَإِنْ لم يَدَّعِ التَّوْرِيَةَ وَلَا يَلْزَمُهُ لِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ التَّوْرِيَةُ بِأَنْ يُرِيدَ غير زَوْجَتِهِ فَلَوْ تَرَكَهَا عَالِمًا بها وَلَوْ من غَيْرِ دَهْشَةٍ أَصَابَتْهُ بِالْإِكْرَاهِ لم يَضُرَّ لِأَنَّهُ مُجْبَرٌ على اللَّفْظِ وَلَا نِيَّةَ له تُشْعِرُ بِاخْتِيَارِهِ وَيُفَارِقُ الْمَصُولَ عليه حَيْثُ يَلْزَمُهُ الْهَرَبُ إذَا قَدَرَ عليه بِأَنَّ النُّفُوسَ يُحْتَاطُ لها ما لَا يُحْتَاطُ لِغَيْرِهَا وَالتَّوْرِيَةُ من وَرَّيْت الْخَبَرَ تَوْرِيَةً أَيْ سَتَرَتْهُ وَأَظْهَرْت غَيْرَهُ كَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ من وَرَاءِ الْإِنْسَانِ كَأَنَّهُ يَجْعَلُهُ وَرَاءَهُ حَيْثُ لَا يُظْهَرُ ذِكْرَهُ الْجَوْهَرِيُّ قال النَّوَوِيُّ في أَذْكَارِهِ وَمَعْنَاهَا أَنْ يُطَلِّقَ لَفْظًا هو ظَاهِرٌ في مَعْنًى وَيُرِيدُ بِهِ مَعْنًى آخَرَ يَتَنَاوَلُهُ ذلك اللَّفْظُ وَلَكِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِهِ
وَلَوْ أُكْرِهَ على الطَّلَاقِ فَقَصَدَ الْإِيقَاعَ بِهِ وَقَعَ لِقَصْدِهِ فَصَرِيحُ لَفْظِ الطَّلَاقِ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ كِنَايَةٌ وَلَوْ أُكْرِهَ غَيْرُ الزَّوْجِ الْوَكِيلُ في الطَّلَاقِ عليه لَغَا طَلَاقُ الْوَكِيلِ فَلَا يَقَعُ وَإِنْ وُجِدَ اخْتِيَارُ مُوَكِّلِهِ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ أَمَّا لو أَكْرَهَهُ الزَّوْجُ فَيَقَعُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ في الْإِذْنِ
فَصْلٌ حَدُّ الْإِكْرَاهِ أَنْ يُهَدِّدَ الْمُكْرَهُ قَادِرٌ عليه أَيْ على الْإِكْرَاهِ بِعَاجِلٍ من أَنْوَاعِ الْعِقَابِ يُؤَثِّرُ لِعَاقِلٍ لِأَجْلِهِ الْإِقْدَامَ على ما أُكْرِهَ عليه وَغَلَبَ على ظَنِّهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ بِهِ ما هَدَّدَهُ بِهِ إنْ امْتَنَعَ مِمَّا أَكْرَهَهُ عليه وَعَجَزَ عن الْهَرَبِ وَالْمُقَاوَمَةِ وَالِاسْتِغَاثَةِ بِغَيْرِهِ وَنَحْوِهَا من أَنْوَاعِ الدَّفْعِ وَخَرَجَ بِعَاجِلِ الْآجِلِ فَلَا يَحْصُلُ
____________________
(3/282)
بِهِ الْإِكْرَاهُ كَقَوْلِهِ لِأَضْرِبَنَّكَ غَدًا قال الْأَذْرَعِيُّ وفي النَّفْسِ منه شَيْءٌ إذَا غَلَبَ على ظَنِّهِ إيقَاعُ ما هَدَّدَهُ بِهِ لو لم يَفْعَلْ وَلَا سِيَّمَا إذَا عُرِفَ من عَادَةِ الظَّالِمِ إيقَاعُ ذلك انْتَهَى وَمَعَ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ عَاجِلًا لَا يُشْتَرَطُ تَنْجِيزُهُ بَلْ يَكْفِي التَّوَعُّدُ لَفْظًا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَيَخْتَلِفُ الْإِكْرَاهُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَسْبَابِ الْمُكْرَهِ عليها فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ إكْرَاهًا في شَخْصٍ دُونَ آخَرَ وفي سَبَبٍ دُونَ آخَرَ فَالتَّخْوِيفُ بِالْحَبْسِ الطَّوِيلِ وَالصَّفْعِ ظَاهِرًا أَيْ في الْمَلَأِ وَتَسْوِيدِ الْوَجْهِ وَالطَّوَافِ في السُّوقِ أَيْ التَّخْوِيفِ بِكُلٍّ منها لِذِي مُرُوءَةٍ وَإِتْلَافِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ أَيْ أَحَدِهِمَا لَا إتْلَافِ الْمَالِ بِقَيْدٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ الذي لَا يُضَيِّقُ عليه أَيْ على الْمُكْرَهِ كَخَمْسَةِ دَرَاهِمَ في حَقِّ الْمُوسِرِ إكْرَاهٌ على الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ لَا على الْقَتْلِ وَنَحْوِهِ وَإِنَّمَا لم يَكُنْ إتْلَافُ الْمَالِ الْمَذْكُورِ إكْرَاهًا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَحَمَّلُهُ وَلَا يُطَلِّقُ بِخِلَافِ الْمَالِ الذي يُضَيِّقُ على الْمُكْرَهِ والإكراه بِإِتْلَافِ الْمَالِ إكْرَاهٌ في إتْلَافِ الْمَالِ وَحُصُولُ الْإِكْرَاهِ بِمَا ذُكِرَ هو ما صَحَّحَهُ في الرَّوْضَةِ وقال لَكِنْ في بَعْضِ تَفْصِيلِهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي حُكِيَ عن النَّصِّ وَصَحَّحَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وقال في الشَّرْحَيْنِ أَنَّهُ الْأَرْجَحُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِمَحْذُورٍ من نَحْوِ قَتْلٍ أو قَطْعٍ أو أَخْذٍ مَالٍ أو إتْلَافِهِ أو ضَرْبٍ أو حَبْسٍ أو اسْتِخْفَافٍ وَتَخْتَلِفُ الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ بِاخْتِلَافِ طَبَقَاتِ الناس وَأَحْوَالِهِمْ وَلَا يَخْتَلِفُ بِهِ ما قَبْلَهَا وَقِيلَ يَخْتَلِفُ بِهِ أَخْذُ الْمَالِ أَيْضًا وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ من شُرَّاحِ الْمِنْهَاجِ وهو ظَاهِرٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِكْرَاهَ يَحْصُلُ بِمَا ذُكِرَ وَنَحْوُهُ لَا بِطَلِّقْ زَوْجَتَك وَإِلَّا قَتَلْت نَفْسِي أو كَفَرْت أو أَبْطَلْت صَوْمِي أو صَلَاتِي فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ وَلَا بِتَخْوِيفٍ من قِصَاصٍ بِأَنْ يَقُولَ له مُسْتَحِقُّ الْقِصَاصِ طَلِّقْ امْرَأَتَك وَإِلَّا اقْتَصَصْت مِنْك فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ وَإِنْ قال له اللُّصُوصُ لَا نُخَلِّيك حتى تَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّك تَكْتُمُنَا أَيْ لَا تُخْبِرُ بِنَا فَحَلَفَ بِذَلِكَ فَهُوَ إكْرَاهٌ منهم له على الْحَلِفِ فإذا أَخْبَرَ بِهِمْ لم تَطْلُقْ زَوْجَتُهُ أو أُكْرِهَ بِأَنَّ حَمَلَهُ ظَالِمٌ على الدَّلَالَةِ على زَيْدٍ أو مَالِهِ وقد أَنْكَرَ مَعْرِفَةَ مَحَلِّهِ فلم يُخَلِّهِ حتى يَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ فَحَلَفَ بِهِ كَاذِبًا أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ طَلُقَتْ لِأَنَّهُ في الْحَقِيقَةِ لم يُكْرَهْ على الطَّلَاقِ بَلْ خُيِّرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّلَالَةِ
فَرْعٌ لو قال طَلَّقْت مُكْرَهًا فَأَنْكَرَتْ زَوْجَتُهُ وَهُنَاكَ قَرِينَةٌ كَالْحَبْسِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ وَإِلَّا فَلَا كَدَعْوَى الْإِغْمَاءِ بِأَنْ طَلَّقَ مَرِيضٌ ثُمَّ قال كُنْت مُغْمًى عَلَيَّ فإنه إنْ عُهِدَ له إغْمَاءٌ قبل قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ ادَّعَى الصِّبَا بَعْدَ طَلَاقِهِ بِقَيْدٍ زَادَ بِقَوْلِهِ وَأَمْكَنَ صِدْقُهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَهَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ مع تَصْدِيقِهِ في دَعْوَى النَّوْمِ عن أبي الْعَبَّاسِ الرُّويَانِيِّ وَعِبَارَتُهُ وَلَوْ قال طَلَّقْت وأنا صَبِيٌّ أو نَائِمٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ثُمَّ قال في الرَّوْضَةِ وما ذَكَرَهُ في النَّائِمِ فيه نَظَرٌ انْتَهَى وَوَجْهُ النَّظَرِ بِأَنَّهُ لَا أَمَارَةَ على النَّوْمِ بِخِلَافِ الصِّبَا وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ النَّوْمِ لِهَذَا النَّظَرِ وَتَعَجَّبَ الْإِسْنَوِيُّ من الْأَصْلِ في ذلك فإنه جَزَمَ في الْأَيْمَانِ بِعَدَمِ تَصْدِيقِ مُدَّعِي عَدَمِ قَصْدِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ظَاهِرًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِمَا وَرُدَّ عليه بِأَنَّ تِلْكَ لَا تُشْبِهُ هذه فإن الزَّوْجَ تَلَفَّظَ ثَمَّ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ ثُمَّ ادَّعَى صَرْفَهُ بِعَدَمِ الْقَصْدِ وَالْمُدَّعَى هُنَا طَلَاقٌ مُقَيَّدٌ بِحَالَةٍ لَا يَصِحُّ فيها الطَّلَاقُ فَقُبِلَ قَوْلُهُ لِعَدَمِ مُخَالَفَتِهِ الظَّاهِرَ
فَصْلٌ في طَلَاقِ من زَالَ عَقْلُهُ يَنْفَدُ طَلَاقُ الْمُتَعَدِّي بِالسُّكْرِ بِشُرْبِ خَمْرٍ وَشُرْبِ دَوَاءٍ مُجَنِّنٍ
____________________
(3/283)
بِلَا حَاجَةٍ وَنَحْوِهِ أَيْ السُّكْرُ بِمَا ذُكِرَ كَزَوَالِ عَقْلِهِ بِوَثْبَةٍ وَلَوْ كان السُّكْرُ طَافِحًا عليه بِحَيْثُ يَسْقُطُ كَالْمَغْشِيِّ عليه لِعِصْيَانِهِ بِإِزَالَةِ عَقْلِهِ فَجُعِلَ كَأَنَّهُ لم يَزُلْ وَخَالَفَ الْإِمَامُ في الطَّافِحِ وَكَذَا تَنْفُذُ سَائِرُ أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ مِمَّا له وَعَلَيْهِ مَعًا كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ أو مُنْفَرِدَيْنِ كَالْإِسْلَامِ وَالطَّلَاقِ وَاسْتَثْنَى ابن الرِّفْعَةِ من نُفُوذِ طَلَاقِهِ ما لو طَلَّقَ بِكِنَايَةٍ لِاحْتِيَاجِهَا إلَى النِّيَّةِ كما لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَخَرَجَ بِالْمُتَعَدِّي غَيْرُهُ كَمَنْ أُكْرِهَ على شُرْبِ مُسْكِرٍ أو لم يَعْلَمْ أَنَّهُ مُسْكِرٌ أو شَرِبَ دَوَاءً مُجَنِّنًا لِحَاجَةٍ فَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ وَالرُّجُوعُ في مَعْرِفَةِ السُّكْرِ إلَى الْعُرْفِ قُلْت وَلَا حَاجَةَ على الْوَجْهِ الصَّحِيحِ الْقَائِلِ بِنُفُوذِ تَصَرُّفِ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ إلَى مَعْرِفَةِ السُّكْرِ لِأَنَّهُ إمَّا صَاحٍ وَإِمَّا سَكْرَانُ زَائِلُ الْعَقْلِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّاحِي بَلْ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ السُّكْرِ في غَيْرِ الْمُتَعَدَّى بِهِ وَفِيمَا إذَا قال إنْ سَكِرْت فَأَنْت طَالِقٌ فَيُقَالُ أَدْنَاهُ أَيْ أَدْنَى السُّكْرِ الْمُقَابِلِ لِأَنْهَاهُ الْمُشَارُ إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ بِقَوْلِهِ وَلَوْ كان طَافِحًا أَنْ يَخْتَلَّ كَلَامُهُ الْمَنْظُومُ وَيَنْكَشِفَ سِرُّهُ الْمَكْتُومُ كما عَبَّرَ بِهِ الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ عنه وَإِنْ لم يَجْعَلْهُ أَدْنَى وقد جَعَلَهُ الْأَصْلُ حَدًّا لِلسَّكْرَانِ مع حُدُودٍ أُخَرَ وَجَعَلَ أَقْرَبَهَا ما قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ من الرُّجُوعِ فيه إلَى الْعُرْفِ وَلَوْ قال السَّكْرَانُ بَعْدَمَا طَلَّقَ إنَّمَا شَرِبْت الْخَمْرَ مُكْرَهًا أَيْ وَثَمَّ قَرِينَةٌ أو لم أَعْلَمْ أَنَّ ما شَرِبْته مُسْكِرٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَعَلَيْهِ يَجِبُ أَنْ يُسْتَفْسَرَ فَإِنْ ذَكَرَ ما يَكُونُ إكْرَاهًا مُعْتَبَرًا فَذَاكَ وَإِلَّا قُضِيَ عليه بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فإن أَكْثَرَ الناس يَظُنُّ ما ليس بِإِكْرَاهٍ إكْرَاهًا وما قَالَهُ ظَاهِرٌ فِيمَنْ لم يَعْرِفْ مَعْنَى الْإِكْرَاهِ
الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْمَحَلُّ وهو الْمَرْأَةُ فَإِنْ قال طَلَّقْتُك أو أَنْتِ طَالِقٌ فَذَاكَ وَاضِحٌ وَكَذَا لو قال جِسْمُك أو جَسَدُك أو شَخْصُك أو جُثَّتُك أو ذَاتُك طَالِقٌ طَلُقَتْ وَإِنْ طَلَّقَ جُزْءًا منها مَعْلُومًا كَالنِّصْفِ أو مُبْهَمًا كَالْبَعْضِ شَائِعًا كما مَثَّلْنَا أو مُعَيَّنًا أَصْلِيًّا أو زَائِدًا ظَاهِرًا كان كَالْيَدِ أو بَاطِنًا كَالْكَبِدِ وَلَوْ كان الْجُزْءُ مِمَّا يَنْفَصِلُ منها في الْحَيَاةِ كَالشَّعْرِ وَالظُّفْرِ طَلُقَتْ كما في الْعِتْقِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إزَالَةُ مِلْكٍ يَحْصُلُ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ وَلِأَنَّهُ طَلَاقٌ صَدَرَ من أَهْلِهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَلْغَى وَتَبْعِيضُهُ مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَتَبَعَّضُ في حُكْمِ النِّكَاحِ فَوَجَبَ تَعْمِيمُهُ لَا الْفَضَلَاتِ كَرِيقٍ وَعَرَقٍ وَبَوْلٍ وَلَوْ لَبَنًا وَمَنِيًّا فَلَا تَطْلُقُ الْمَرْأَةُ بِطَلَاقِ شَيْءٍ منها لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ اتِّصَالَ خِلْقَةٍ بِخِلَافِ ما قَبْلَهَا وَاللَّبَنُ وَالْمَنِيُّ وَإِنْ كان أَصْلُهُمَا دَمًا فَقَدْ تَهَيَّآ لِلْخُرُوجِ بِالِاسْتِحَالَةِ كَالْبَوْلِ وَكَالْفَضَلَاتِ الْأَخْلَاطِ كَالْبَلْغَمِ وَالْمَرْتَيْنِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَالشَّحْمُ وَالسَّمْنُ وَالدَّمُ أَيْ كُلٌّ منها جُزْءٌ من الْبَدَنِ وَبِهَا قِوَامُهُ فإذا أَطْلَقَ شيئا منها طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ وما ذَكَرَهُ في السَّمْنِ هو ما في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَبَعْضِ نُسَخِ الْكَبِيرِ وَصَوَّبَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ قالوا وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ وَاَلَّذِي في الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِبَعْضِ نُسَخِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ كَالْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا منها مَعْنًى قَائِمٌ بِالذَّاتِ وَجَرَى عليه الْإِسْنَوِيُّ وقال إنَّ تِلْكَ النُّسْخَةَ سَقِيمَةٌ وقال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ بَلْ السَّقِيمَةُ هذه وَالسَّمْنُ ليس مَعْنِيٌّ بَلْ هو زِيَادَةُ لَحْمٍ فَيَكُونُ كَاللَّحْمِ وَأَلْحَقَ الْمُتَوَلِّي بِالدَّمِ رُطُوبَةَ الْبَدَنِ لَا الْجَنِينَ لِأَنَّهُ شَخْصٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَلَا الْعُضْوَ الْمُلْتَحِمَ بِالْمَرْأَةِ بَعْدَ الْفَصْلِ منها لِأَنَّهُ كَالْمُنْفَصِلِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ قَطْعِهِ وَعَدَمِ تَعْلِيقِ الْقِصَاصِ بِهِ وَلَا الْمَعَانِي الْقَائِمَةَ بِالذَّاتِ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْحَرَكَةِ وَسَائِرِ الصِّفَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ كَالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ وَالْمَلَاحَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَجْزَاءً من بَدَنِهَا فَإِنْ قال اسْمُك طَالِقٌ لم تَطْلُقْ إنْ لم يُرِدْ بِهِ الذَّاتَ فَإِنْ أَرَادَهَا بِهِ طَلُقَتْ أو قال رُوحُك أو نَفْسُك بِإِسْكَانِ الْفَاءِ طَالِقٌ
____________________
(3/284)
لَا نَفَسُك بِفَتْحِ الْفَاءِ طَلُقَتْ لِأَنَّهُمَا أَصْلُ الْآدَمِيِّ وقد يُعَبَّرُ بِهِمَا عن الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ نَفَسِك بِفَتْحِ الْفَاءِ لِأَنَّهُ أَجْزَاءٌ من الْهَوَاءِ تَدْخُلُ الرِّئَةَ وَتَخْرُجُ منها لَا جُزْءٌ من الْمَرْأَةِ وَلَا صِفَةٌ لها وَمِثْلُهُ ظِلُّك وَطَرِيقُك وَصُحْبَتُك صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَكَذَا تَطْلُقُ بِقَوْلِهِ حَيَاتُك طَالِقٌ إنْ أَرَادَ بها الرُّوحَ أو أَطْلَقَ فِيمَا يَظْهَرُ لَا إنْ أَرَادَ بها الْمَعْنَى الْقَائِمَ بِالْحَيِّ كَسَائِرِ الْمَعَانِي
فَرْعٌ الطَّلَاقُ يَقَعُ على الْجُزْءِ ثُمَّ يَسْرِي إلَى بَاقِي الْبَدَنِ كما في الْعِتْقِ فَلَوْ قال إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَيَمِينُك طَالِقٌ فَقُطِعَتْ ثُمَّ دَخَلَتْ لم تَطْلُقْ كَمَنْ خَاطَبَهَا بِذَلِكَ وَلَا يَمِينَ لها لِفِقْدَانِ الْجُزْءِ الذي يَسْرِي منه الطَّلَاقُ إلَى الْبَاقِي كما في الْعِتْقِ وَكَمَا لو قال فَلِحْيَتُك أو ذَكَرُك طَالِقٌ وَصَوَّرَ الرُّويَانِيُّ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا فَقَدَتْ يَمِينَهَا من الْكَتِفِ وهو يَقْتَضِي أنها تَطْلُقُ في الْمَقْطُوعَةِ من الْكَفِّ أو من الْمِرْفَقِ وَلَوْ قال لِأَمَتِهِ أو لِمُلْتَقَطَةٍ يَدُك أُمُّ وَلَدِي في الْأُولَى أو يَدُك ابْنِي في الثَّانِيَةِ لَغَا فَلَا يَثْبُتُ بِهِ اسْتِيلَادٌ وَلَا نَسَبٌ لِعَدَمِ السِّرَايَةِ فِيهِمَا
الرُّكْنُ الْخَامِسُ الْوِلَايَةُ على الْمَحَلِّ فَيَقَعُ في الْعِدَّةِ طَلَاقُ رَجْعِيَّةٍ لِبَقَاءِ الْوِلَايَةِ عليها بِمِلْكِ الرَّجْعَةِ لَا طَلَاقٌ بَائِنٌ لِانْتِفَاءِ الْوِلَايَةِ عليها وَقَوْلُهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك أو مَلَكْتُك فَأَنْت طَالِقٌ أو حُرَّةٌ لَغْوٌ لِذَلِكَ وَلِخَبَرِ لَا طَلَاقَ إلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ وَلَا عِتْقَ إلَّا بَعْدَ مِلْكٍ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ وقال التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ من رِوَايَةِ جَابِرٍ بِلَفْظِ لَا طَلَاقَ لِمَنْ لَا يَمْلِكُ وَلَا عَتَاقَ لِمَنْ لَا يَمْلِكُ وقال صَحِيحٌ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ أَيْ لَا طَلَاقَ وَاقِعٌ وَلَا مُعَلَّقَ وَلَا عَتَاقَ كَذَلِكَ وَلَيْسَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمِلْكِ كَالنَّذْرِ بِنَحْوِ قَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ حَيْثُ يَلْزَمُهُ النَّذْرُ وَإِنْ لم يَمْلِكْ رَقَبَةً لِأَنَّ ذَاكَ الْتِزَامٌ في الذِّمَّةِ وَهَذَا تَصَرُّفٌ في مِلْكِ الْغَيْرِ فَإِنْ قال لِرَقِيقٍ إنْ مَلَكْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقك أو فَأَنْت وَصِيَّةٌ لِزَيْدٍ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ في صُورَةِ النَّذْرِ الْتِزَامٌ في الذِّمَّةِ وهو ما تَقَدَّمَ في بَابِهِ وَصُورَةُ الْوَصِيَّةِ أَوْلَى بِذَلِكَ وَثَانِيهِمَا لَا لِتَعَلُّقِهِ بِمِلْكِ غَيْرِهِ وإن قال لِغَيْرِ حَامِلٍ أو لِحَامِلٍ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وكان الْأَوْلَى وَالْأَخْصَرُ أَنْ يَقُولَ لِأَمَتِهِ أو لِحَائِلٍ إنْ وَلَدْت فَوَلَدُك حُرٌّ فَوَلَدَتْ عَتَقَ الْوَلَدُ لِأَنَّهُ مَلَكَ التَّصَرُّفَ في الْأَصْلِ فَمَلَكَهُ في الْفَرْعِ كما أَنَّ مُسْتَحِقَّ الدَّارِ يَتَصَرَّفُ في الْمَنَافِعِ الْمَعْدُومَةِ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لو أَوْصَى له بِمَا تَلِدُهُ الْأَمَةُ ثُمَّ عَلَّقَ بِذَلِكَ فَوَلَدَتْ لَا يَعْتِقُ الْوَلَدُ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ تَنْزِيلًا لِاسْتِحْقَاقِهِ مَنَافِعَهَا في الْوِلَادَةِ مَنْزِلَةَ مِلْكِهِ لها وَكَلَامُهُمْ جَرَوْا فيه على الْغَالِبِ
وَلَوْ عَلَّقَ الْعَبْدُ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثَ بِدُخُولِهَا فَعَتَقَ ثُمَّ دَخَلْت أو بِعِتْقِهِ فَعَتَقَ وَقَعْنَ أَيْ الثَّلَاثُ وَإِنْ لم يَكُنْ مَالِكًا لِلثَّالِثَةِ حَالَةَ التَّعْلِيقِ لِأَنَّهُ مَلَكَ التَّعْلِيقَ في الْجُمْلَةِ وَلِأَنَّهُ مَلَكَ أَصْلَ النِّكَاحِ الْمُقَيَّدِ بِمِلْكِ الثَّلَاثِ بِشَرْطِ الْحُرِّيَّةِ وقد وُجِدَتْ وَشُبِّهَ ذلك بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ السُّنِّيِّ حَالَ الْبِدْعَةِ وَإِنْ عَلَّقَ الزَّوْجُ طَلَاقَهَا بِصِفَةٍ كَدُخُولِ الدَّارِ فَأَبَانَهَا قبل الدُّخُولِ بها أو بَعْدَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَوُجِدَتْ الصِّفَةُ قبل التَّزْوِيجِ لم تَطْلُقْ لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ بِالدُّخُولِ في حَالِ الْبَيْنُونَةِ وَكَذَا إنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ التَّزْوِيجِ إذْ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَعُودُ الْحِنْثُ فيه أَيْ في الطَّلَاقِ وَلَا في غَيْرِهِ كَالْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ وَالْعِتْقِ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ أَيْ مِلْكِ النِّكَاحِ في الْأُولَيَيْنِ وَالرَّقَبَةِ في الثَّالِثِ وَبَعْدَ تَجَدُّدِهِ وَذَلِكَ لِتَخَلُّلِ حَالَةٍ لَا يَصِحُّ فيها شَيْءٌ من ذلك فَرُفِعَ حُكْمُ الْيَمِينِ وَلِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ سَبَقَ هذا النِّكَاحَ فَلَا يُؤَثِّرُ فيه كَالتَّعْلِيقِ في حَالِ عَدَمِ الزَّوْجِيَّةِ وَلَا يَضُرُّهُ أَيْ عَوْدُ الْحِنْثِ فِيمَا
____________________
(3/285)
@ 286 ذُكِرَ تَخَلُّلُ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَالرَّجْعَةِ بين التَّعْلِيقِ وَوُجُودِ الصِّفَةِ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ لَيْسَتْ نِكَاحًا مُجَدَّدًا وَلَا تَخَلُّلُ ما يَمْنَعُ صِحَّةَ ما ذُكِرَ وَلَوْ قال إنْ أَبَنْتُكِ ثُمَّ نَكَحْتُكِ فَأَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَلَغْوٌ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالدُّخُولِ لِمَا مَرَّ وَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ بِقَوْلِهِ وَدَخَلْت الدَّارَ وَجَعَلَهُ عَقِبَ نَكَحْتُك كما فَعَلَ الْأَصْلُ كان أَخْصَرَ
وَمَنْ تَزَوَّجَ مُطَلَّقَتَهُ قبل اسْتِكْمَالِ الثَّلَاثِ وَلَوْ بَعْدَ الزَّوْجِ عَادَتْ إلَيْهِ بِمَا بَقِيَ منها دخل بها الزَّوْجُ أَمْ لَا لِأَنَّ ما وَقَعَ من الطَّلَاقِ لم يُحْوِجُ إلَى زَوْجٍ آخَرَ فَالنِّكَاحُ الثَّانِي وَالدُّخُولُ فيه لَا يَهْدِمَانِهِ كَوَطْءِ السَّيِّدِ أَمَتَهُ الْمُطَلَّقَةَ أَمَّا بَعْدَ اسْتِكْمَالِهَا فَتَعُودُ إلَيْهِ بِالثَّلَاثِ لِأَنَّ دُخُولَ الثَّانِي بها أَفَادَ حِلَّهَا لِلْأَوَّلِ وَلَا يُمْكِنُ بِنَاءُ الْعَقْدِ الثَّانِي على الْأَوَّلِ لِاسْتِغْرَاقِهِ فَكَانَ نِكَاحًا مُفْتَتَحًا بِأَحْكَامِهِ
فَصْلٌ لِلْحُرِّ طَلْقَاتٌ ثَلَاثٌ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم سُئِلَ عن قَوْله تَعَالَى الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ أَيْنَ الثَّالِثَةُ فقال أو تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلِلْعَبْدِ مُكَاتَبًا أو مُدَبَّرًا طَلْقَتَانِ فَقَطْ لِأَنَّهُ رُوِيَ عن عُثْمَانَ وَزَيْدِ بن ثَابِتٍ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا من الصَّحَابَةِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الزَّوْجَةُ في كُلٍّ مِنْهُمَا حُرَّةً أو أَمَةً لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُمَلِّكُ فَاعْتُبِرَ بِمَالِكِهِ وَمَشْرُوعٌ لِحَاجَةِ الرَّجُلِ فَاعْتُبِرَ بِجَانِبِهِ وَالْمُبَعَّضُ كَالْعَبْدِ وَإِنْ طَلَّقَهَا الذِّمِّيُّ الْحُرُّ طَلْقَةً ثُمَّ اُسْتُرِقَّ بَعْدَ نَقْضِهِ الْعَهْدَ ثُمَّ نَكَحَهَا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ عَادَتْ له بِطَلْقَةٍ فَقَطْ لِأَنَّهُ رَقَّ قبل اسْتِيفَاءِ عَدَدِ الْعَبِيدِ وَكَذَا لو سَبَقَ منه قبل اسْتِرْقَاقِهِ طَلْقَتَانِ ثُمَّ نَكَحَهَا عَادَتْ إلَيْهِ بِطَلْقَةٍ لِأَنَّهَا لم تَحْرُمْ عليه بِهِمَا فَطَرَيَانُ الرِّقِّ لَا يَرْفَعُ الْحِلَّ الثَّابِتَ وَمَنْ عَتَقَ بَعْدَ طَلْقَةٍ أَوْقَعَهَا على زَوْجَتِهِ ثُمَّ رَاجَعَهَا أو جَدَّدَ نِكَاحَهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ بَقِيَ له طَلْقَتَانِ لِأَنَّهُ عَتَقَ قبل اسْتِيفَاءِ عَدَدِ الْعَبِيدِ أو عَتَقَ بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ لم يَبْقَ له شَيْءٌ فَلَا تَحِلُّ له إلَّا بِمُحَلِّلٍ لِاسْتِيفَائِهِ عَدَدَ الْعَبِيدِ في الرِّقِّ وَلِأَنَّهَا حَرُمَتْ عليه بِهِمَا في الرِّقِّ فَلَا تُرْفَعُ الْحُرْمَةُ بِعِتْقٍ يَحْدُثُ بَعْدَهُ كما قُلْنَا إنَّ الذِّمِّيَّ الْحُرَّ إذَا طَلَّقَ طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ اُسْتُرِقَّ لَا يَرْتَفِعُ الْحِلُّ بِرِقٍّ يَحْدُثُ بَعْدَهُ وَكَذَا لَا يَبْقَى له شَيْءٌ لو أَشْكَلَ عَلَيْهِمَا أَيْ الزَّوْجَيْنِ هل وَقَعَتَا أَيُّ الطَّلْقَتَانِ قبل الْعِتْقِ أو بَعْدَهُ لِأَنَّ الرِّقَّ وَوُقُوعَ الطَّلْقَتَيْنِ مَعْلُومَانِ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الرِّقِّ حين أَوْقَعَهُمَا فَإِنْ ادَّعَى تَقَدُّمَ الْعِتْقِ عَلَيْهِمَا وَأَنْكَرَتْ هِيَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِوَقْتِ الطَّلَاقِ إلَّا إنْ اتَّفَقَا على يَوْمِ الطَّلَاقِ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَادَّعَى الْعِتْقَ قَبْلَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُ الرِّقِّ قبل يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَشَمِلَ الْمُسْتَثْنَى منه ما لو اتَّفَقَا على يَوْمِ الْعِتْقِ وما لم يَتَّفِقَا على وَقْتٍ
فَصْلٌ طَلَاقُ الْمَرِيضِ في الْوُقُوعِ الصَّحِيحِ أَيْ كَطَلَاقِهِ فيه فَيَتَوَارَثَانِ أَيْ الزَّوْجَانِ في الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ ما لم تَنْقَضِ عِدَّتُهَا لِبَقَاءِ آثَارِ الزَّوْجِيَّةِ في الرَّجْعِيَّةِ بِلُحُوقِ الطَّلَاقِ لها كما مَرَّ وَصِحَّةِ الظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ منها وَوُجُوبِ نَفَقَتِهَا كما سَيَأْتِي في مَحَالِّهَا لَا في الطَّلَاقِ الْبَائِنِ لِانْقِطَاعِ الزَّوْجِيَّةِ
الْبَابُ الثَّالِثُ في تَعَدُّدِ الطَّلَاقِ وَفِيهِ أَطْرَافٌ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ في نِيَّةِ الْعَدَدِ فَإِنْ قال أَنْت طَالِقٌ أو بَائِنٌ أو نَحْوُهُ وَنَوَى ثَلَاثًا مَثَلًا وَقَعْنَ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لها سَوَاءٌ الْمَدْخُولُ بها وَغَيْرُهَا أو أَنْتِ وَاحِدَةٌ أو أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً سَوَاءً رَفَعَ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ أو نَصَبَ وَنَوَى ثَلَاثًا وَقَعْنَ لِاحْتِمَالِ الْحَمْلِ على وَاحِدَةٍ مُلَفَّقَةٍ من ثَلَاثٍ أو على تَوَحُّدِ الْمَرْأَةِ عن زَوْجِهَا بِمَا نَوَاهُ وَقَضِيَّةُ التَّوْجِيهِ وُقُوعُهَا أَيْضًا في الْجَرِّ وَالسُّكُونِ وَيُقَدَّرُ الْجَرُّ بِأَنْتِ ذَاتُ وَاحِدَةٍ أو مُتَّصِفَةٌ بِوَاحِدَةٍ أو بِكَوْنِ الْمُتَكَلِّمِ لَحَنَ وَاللَّحْنُ لَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ عِنْدَنَا نَبَّهَ على ذلك في الْمُهِمَّاتِ
وَأَشَارَ إلَيْهِ ابن الرِّفْعَةِ وما ذُكِرَ في حَالِ النَّصْبِ هو ما عليه الْجُمْهُورُ وَصَحَّحَهُ في الرَّوْضَةِ وَخَالَفَ فيه الْمِنْهَاجَ تَبَعًا لِظَاهِرِ كَلَامِ الْمُحَرَّرِ وَصَحَّحَ وُقُوعَ وَاحِدَةٍ فَقَطْ
____________________
(3/286)
عَمَلًا بِظَاهِرِ اللَّفْظِ من أَنَّ وَاحِدَةً صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَالنِّيَّةُ مع ما لَا يَحْتَمِلُ الْمَنْوِيَّ لَا تُؤَثِّرُ فَإِنْ قال أَنْت بَائِنٌ ثَلَاثًا وَنَوَى الطَّلَاقَ لَا الثَّلَاثَ وَقَعْنَ لِأَنَّ ما أتى بِهِ صَرِيحٌ في الطَّلَاقِ وَكِنَايَةٌ في الْعَدَدِ وقد نَوَاهُ وَكَذَا إنْ نَوَى الثَّلَاثَ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو قال أَنْت بَائِنٌ ثَلَاثًا وَنَوَى وَاحِدَةً فَهَلْ يُنْظَرُ إلَى اللَّفْظِ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بها أو إلَى النِّيَّةِ فَوَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ قد يُرِيدُ بِالثَّلَاثِ ثَلَاثَةَ أَثْلَاثِ طَلْقَةٍ وَجْهَانِ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي الْجَزْمُ بِالْأَوَّلِ وَذِكْرُ الثَّلَاثِ في هذه وَاَلَّتِي قَبْلَهَا مِثَالٌ فَالثِّنْتَانِ كَذَلِكَ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ وَلَوْ أَرَادَ الثَّلَاثَ أَيْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَمَاتَتْ أو أَمْسَكَ فُوهُ بَعْدَ قَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ لَا قَبْلَهُ وَقَعْنَ وَإِنْ لم يَكُنْ نَوَاهَا بِأَنْتِ طَالِقٌ لِتَضَمُّنِ إرَادَتِهِ الْمَذْكُورَةِ قَصْدَهَا وقد تَمَّ معه لَفْظُ الطَّلَاقِ في حَيَاتِهَا أو قبل إمْسَاكٍ فيه وَلِأَنَّ قَوْلَهُ ثَلَاثًا مُبَيِّنٌ لِأَنْتِ طَالِقٌ وَلِهَذَا لو قال لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بها أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا يَقَعُ الثَّلَاثُ وَلَا يُقَالُ تَبِينُ بِأَنْتِ طَالِقٌ وَلَا يَقَعُ الثَّلَاثُ وَقِيلَ يَقَعُ وَاحِدَةً وَقِيلَ لَا شَيْءَ وقال إسْمَاعِيلُ الْبُوشَنْجِيُّ إنْ نَوَى الثَّلَاثَ بِأَنْتِ طَالِقٌ وَقَصَدَ أَنْ يُحَقِّقَهُ بِاللَّفْظِ فَثَلَاثٌ وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَصَحَّحَ في الْأَنْوَارِ قَوْلَ الْبُوشَنْجِيُّ وقال الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الصَّوَابُ الْمَنْقُولُ عن الْمَاوَرْدِيِّ وَالْقَفَّالِ وَغَيْرِهِمَا أَمَّا إذَا حَصَلَ ذلك قبل أَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ لِخُرُوجِهَا عن مَحَلِّ الطَّلَاقِ أو إمْسَاكٍ فيه قبل تَمَامِ لَفْظِهِ وَرِدَّتُهَا وَإِسْلَامُهَا قبل الدُّخُولِ بها كَمَوْتِهَا فِيمَا ذُكِرَ
فَصْلٌ لو قال وَلَا نِيَّةَ له أَنْت طَالِقٌ مِلْءَ الدُّنْيَا أو مِثْلَ الْجَبَلِ أو أَعْظَمَ الطَّلَاقِ أو أَكْبَرَهُ بِالْمُوَحَّدَةِ أو أَطْوَلَهُ أو أَعْرَضَهُ أو أَشَدَّهُ أو نَحْوَهَا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ فَقَطْ رَجْعِيَّةٌ وَكَذَا لو قال بِعَدَدِ التُّرَابِ بِنَاءً على قَوْلِ الْجُمْهُورِ إنَّ التُّرَابَ اسْمُ جِنْسٍ لَا جَمْعٌ وقال الْبَغَوِيّ عِنْدِي تَقَعُ الثَّلَاثُ بِنَاءً على عَكْسِ ذلك وهو قَوْلُ الْمُبَرِّدِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وهو ما عليه الْإِمَامُ وَالْقَاضِي وَصَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَغَيْرِهِمْ وَرَجَّحَ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ قَوْلَ الْبَغَوِيّ قَالَا وَلَا يَقْتَضِي الْعُرْفُ غَيْرَهُ قال ابن الْعِمَادِ وهو الْمُتَّجَهُ لِأَنَّ التُّرَابَ إنْ لم يَثْبُتْ كَوْنُهُ جَمْعًا فَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ وَاحِدُهُ تُرَابَةٌ أو بِعَدَدِ شَعْرِ إبْلِيسَ لِأَنَّهُ نَجَّزَ الطَّلَاقَ وَرَبَطَ عَدَدَهُ بِشَيْءٍ شَكَكْنَا فيه فَنُوقِعُ أَصْلَ الطَّلَاقِ وَيُلْغَى الْعَدَدُ إذْ الْوَاحِدَةُ لَيْسَتْ بِعَدَدٍ لِأَنَّ أَقَلَّ الْعَدَدِ اثْنَانِ فَإِنْ قال أَنْت طَالِقٌ بِعَدَدِ أَنْوَاعِ التُّرَابِ أو أَكْثَرَ الطَّلَاقِ بِالْمُثَلَّثَةِ أو كُلِّهِ أو يا مِائَةَ طَالِقٍ أو أَنْت مِائَةُ طَالِقٍ وَقَعَ الثَّلَاثُ لِظُهُورِ ذلك فيها وَالتَّصْرِيحُ بِالضَّبْطِ بِالْمُثَلَّثَةِ من زِيَادَتِهِ أو أَنْتِ كَمِائَةِ طَالِقٍ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا تَقَعُ ثَلَاثٌ لِوُقُوعِ الشَّبَهِ في الْعَدَدِ وَاخْتَارَهُ ابن الصَّبَّاغِ وَاقْتَصَرَ عليه الرُّويَانِيُّ وَثَانِيهُمَا وَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنَةُ وَاخْتَارَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَفْتَى بِهِ أبو الْعَبَّاسِ الرُّويَانِيُّ وَنَقَلَهُ عنه الْأَصْلُ بَعْدُ وَأَقَرَّهُ وَاخْتَارَهُ الزَّرْكَشِيُّ أو أَنْت طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً أَلْفَ مَرَّةٍ أو كَأَلْفٍ أو أَنْت طَالِقٌ بِوَزْنِ أَلْفِ دِرْهَمٍ ولم يَنْوِ عَدَدًا في الثَّلَاثِ فَوَاحِدَةٌ فَقَطْ تَقَعُ لِأَنَّ ذِكْرَ الْوَاحِدَةِ في الْأُولَتَيْنِ يَمْنَعُ لُحُوقَ الْعَدَدِ وَذِكْرُ الْوَزْنِ في الثَّالِثَةِ يُلْغَى لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُوزَنُ وَاسْتَشْكَلَ حُكْمُ الْأُولَيَيْنِ أو قال أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أو إنْ لم طَلُقَتْ لِأَنَّهُ لو أتى بِالتَّعْلِيقِ بِلَا قَصْدٍ لم يَنْفَعْ فَهُنَا أَوْلَى إلَّا إنْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ أو الِاسْتِثْنَاءَ فلم يُتِمَّهُ فَلَا تَطْلُقُ وَيُصَدَّقُ في دَعْوَى ذلك لِلْقَرِينَةِ
____________________
(3/287)
الظَّاهِرَةِ وَسَيَأْتِي في أَوَّلِ الْبَابِ السَّادِسِ ما حَاصِلُهُ الْوُقُوعُ إلَّا بِقَرِينَةٍ أُخْرَى بِأَنْ مَنَعَ إتْمَامَ الْكَلَامِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ فَلَوْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ بِمَوْتٍ أو غَيْرِهِ وَلَا قَرِينَةَ فَالْقِيَاسُ الْوُقُوعُ لَا عَدَمُهُ كما زَعَمَهُ الْإِسْنَوِيُّ لِأَنَّ سُكُوتَهُ عن الْإِتْمَامِ بِلَا مَانِعٍ دَالٌّ على الْإِضْرَابِ عنه وَيَدُلُّ لِذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ السَّابِقُ وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُهُ إنَّ الصِّيغَةَ وَضْعُهَا التَّعْلِيقُ لِأَنَّ دَلَالَتَهَا على ما وُضِعَتْ له مَشْرُوطٌ بِذِكْرِ مَدْخُولِهَا مع أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُجَامِعَ الطَّلَاقَ نَحْوُ إنْ كُنْت زَوْجَتِي
الطَّرَفُ الثَّانِي في التَّكْرَارِ فَإِنْ قال لِمَدْخُولٍ بها أَنْت طَالِقٌ أَنْت طَالِقٌ أَنْت طَالِقٌ أو قال لها أَنْت مُطَلَّقَةٌ أَنْت مُسَرَّحَةٌ أَنْت مُفَارِقَةٌ مُتَوَالِيًا فِيهِمَا وَكَذَا لو لم يُكَرِّرْ أَنْتِ بِأَنْ قال أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ أو أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ مُسَرَّحَةٌ مُفَارِقَةٌ وَقَعَ الثَّلَاثُ إنْ قَصَدَ الِاسْتِئْنَافَ وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ عَمَلًا بِظَاهِرِ اللَّفْظِ لَا إنْ قَصَدَ التَّأْكِيدَ فَلَا يَقَعُ الثَّلَاثُ مُطْلَقًا بَلْ فيه تَفْصِيلٌ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ أَكَّدَ الْأُولَى بِالْأُخْرَيَيْنِ فَوَاحِدَةٌ فَقَطْ تَقَعُ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ في الْكَلَامِ مَعْهُودٌ في جَمِيعِ اللُّغَاتِ أو أَكَّدَهَا بِالثَّانِيَةِ أو أَكَّدَ الثَّانِيَةَ بِالثَّالِثَةِ فَطَلْقَتَانِ يَقَعَانِ عَمَلًا بِقَصْدِهِ فَلَوْ أَكَّدَ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ فَثَلَاثٌ لِتَخَلُّلِ الْفَاصِلِ بين الْمُؤَكَّدِ وَالْمُؤَكِّدِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا مُتَوَالِيًا عَمَّا لو فَرَّقَ فَلَا يُقْبَلُ منه تَأْكِيدٌ لِلْفَصْلِ نعم يُدَيَّنُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَوْ قال أَنْت طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ وقال أَكَّدْت الْأُولَى بِالْأُخْرَيَيْنِ أو بِإِحْدَاهُمَا لم يُقْبَلْ ظَاهِرًا لِاخْتِصَاصِهِمَا بِالْعَاطِفِ الْمُوجِبِ لِلتَّغَايُرِ أو أَكَّدْت الثَّانِيَةَ بِالثَّالِثَةِ قُبِلَ لِتَسَاوِيهِمَا وَتَطْلُقُ ثَلَاثًا بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ فَطَالِقٌ لِلْمُغَايَرَةِ وَكَذَا بِقَوْلِ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ بَلْ طَالِقٌ وَكَذَا بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ لَا بَلْ طَالِقٌ وَنَحْوِ ذلك مِمَّا اشْتَمَلَ على الْمُغَايَرَةِ وَلَا يَقَعُ على غَيْرِ الْمَدْخُولِ بها من ذلك إلَّا طَلْقَةٌ وإن قَصَدَ الِاسْتِئْنَافَ لِأَنَّهَا تَبِينُ بها فَلَا يَقَعُ بِمَا بَعْدَهَا شَيْءٌ وَيُخَالِفُ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا حَيْثُ تَقَعُ بِهِ الثَّلَاثُ لِأَنَّ قَوْلَهُ ثَلَاثًا بَيَانٌ لِمَا قَبْلَهُ بِخِلَافِ ذلك وَمَحَلُّهُ في الْمُنَجَّزِ فَلَوْ قال لِغَيْرِ مَدْخُولٍ بها الْأَوْلَى وَالْأَخْصَرُ فَلَوْ قال لها إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ أو عَكَسَ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَدَخَلَتْ وَقَعَتْ الثَّلَاثُ لِتَعَلُّقِهَا بِالدُّخُولِ وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَهَا وَكَمَا لو قَالَهُ لِلْمَدْخُولِ بها وَاسْتَشْكَلَ هذا في صُورَةِ الْعَكْسِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا يَأْتِي في الِاسْتِثْنَاءِ من أَنَّهُ لو قال أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ أو نَحْوَهُ اخْتَصَّ الِاسْتِثْنَاءُ بِالْأَخِيرَةِ وَتَقَعُ وَاحِدَةً وَقِيَاسُهُ هُنَا وُقُوعُ وَاحِدَةٍ مُنَجَّزَةٍ وَيُجَابُ بِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَشِيئَةِ كَالِاسْتِثْنَاءِ في أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ فيه بين مُفَرَّقٍ فَاخْتَصَّ بِالْأَخِيرِ لَا إنْ عَطَفَ بِثُمَّ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ فَلَا تَقَعُ الثَّلَاثُ بَلْ وَاحِدَةٌ فَقَطْ لِأَنَّهَا تَبِينُ بِالْأُولَى وَقَعَ لِصَاحِبِ الْأَنْوَارِ إلْحَاقُ الْفَاءِ بِالْوَاوِ وَأَخْذًا من اقْتِصَارِهِمْ على تَمْثِيلِهِمْ بِثُمَّ وهو عَجِيبٌ
وَلَوْ كَرَّرَ في مَدْخُولٍ بها أو غَيْرِهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ كَأَنْ قال لها إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ لم يَتَعَدَّدْ أَيْ الطَّلَاقُ إلَّا إنْ نَوَى الِاسْتِئْنَافَ فَيَتَعَدَّدُ بِخِلَافِ ما لو نَوَى الِاسْتِئْنَافَ في نَظِيرِهِ من الْأَيْمَانِ لَا تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَحْصُورٌ في عَدَدٍ فَقَصْدُ الِاسْتِئْنَافِ يَقْتَضِي اسْتِيفَاءَهُ
____________________
(3/288)
بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تُشْبِهُ الْحُدُودَ الْمُتَّحِدَةَ الْجِنْسِ فَتَتَدَاخَلُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَشَمِلَ الْمُسْتَثْنَى منه ما لو نَوَى التَّأْكِيدَ أو أَطْلَقَ فَلَا تَعَدُّدَ فِيهِمَا كما لَا تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ فِيمَا لو حَنِثَ في أَيْمَانٍ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ في الْإِطْلَاقِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ في فَتَاوِيهِ
وَلَوْ طَالَ فَصْلٌ وَتَعَدَّدَ مَجْلِسٌ غَايَةٌ لِلْمُسْتَثْنَى منه لَا لِلْمُسْتَثْنَى فَلَوْ قال وَلَوْ لم يَطُلْ فَصْلٌ وَلَا تَعَدَّدَ مَجْلِسٌ كان غَايَةً لِلْمُسْتَثْنَى فَإِنْ قال لها إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ طَلْقَةً وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ فَدَخَلَتْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَإِنْ كانت غير مَدْخُولٍ بها لِأَنَّ الْجَمِيعَ يَقَعُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لو حُذِفَ الْعَاطِفُ كان الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَيَقَعُ لِلْمَمْسُوسَةِ أَيْ الْمَدْخُولِ بها بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَلْ طَلْقَتَيْنِ ثَلَاثٌ وَفَارَقَ نَظِيرَهُ في الْإِقْرَارِ بِقُرْبِ الِاسْتِدْرَاكِ في الْإِخْبَارِ وَبَعْدَهُ في الْإِنْشَاءِ وَبِظُهُورِ التَّعَدُّدِ في الطَّلَاقِ دُونَ الْإِقْرَارِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو أَعَادَ اللَّفْظَ هُنَا بَعْدَ فَصْلِ تَعَدَّدَ الطَّلَاقُ بِخِلَافِهِ ثُمَّ ويقع لها بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَلْ ثَلَاثًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ طَلْقَةٌ مُنَجَّزَةٌ وطلقتان مُعَلَّقَتَانِ رَدًّا لِلشَّرْطِ إلَى ما يَلِيه خَاصَّةً لِأَجَلٍ بَلْ وَبِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً أو طَالِقٌ فَطَالِقٌ طَلْقَتَانِ بِخِلَافِهِ في غَيْرِ الْمَمْسُوسَةِ يَقَعُ عليها طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا تَبِينُ بها وَيَقَعُ لِلْمَمْسُوسَةِ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ بَلْ وَاحِدَةً ثَلَاثٌ وَلِغَيْرِهَا ثِنْتَانِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
ويقع بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً قبل أو بَعْدَ طَلْقَةٍ أو بَعْدَهَا أو قَبْلَهَا طَلْقَةٌ أو مع طَلْقَةٍ أو مَعَهَا طَلْقَةٌ أو تَحْتَ طَلْقَةٍ أو تَحْتَهَا طَلْقَةٌ أو فَوْقَ طَلْقَةٍ أو فَوْقَهَا طَلْقَةٌ طَلْقَتَانِ لِلْمَمْسُوسَةِ يَقَعَانِ مَعًا في مع بِتَمَامِ الْكَلَامِ وَمُتَعَاقِبَتَيْنِ في غَيْرِهَا بِتَمَامِ الْكَلَامِ بِأَنْ تَقَعَ أَوَّلًا الْمُضَمَّنَةُ ثُمَّ الْمُنَجَّزَةُ في قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً قَبْلَهَا طَلْقَةٌ أو بَعْدَهَا طَلْقَةٌ أو فَوْقَ طَلْقَةٍ أو تَحْتَهَا طَلْقَةٌ وَبِالْعَكْسِ في قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَعْدَهَا طَلْقَةٌ أو قبل طَلْقَةٍ أو فَوْقَهَا طَلْقَةٌ أو تَحْتَ طَلْقَةٍ على كَلَامٍ يَأْتِي في تَحْتَ وَفَوْقَ وَكَذَا غَيْرُ الْمَمْسُوسَةِ يَقَعُ عليها طَلْقَتَانِ في قَوْلِهِ مع طَلْقَةٍ أو مَعَهَا طَلْقَةٌ لِاقْتِضَاءِ مع مَعْنَى الضَّمِّ وَالْمُقَارَنَةِ فَيَقَعَانِ مَعًا بِلَا تَرْتِيبٍ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَلْفَاظِ لَا يَقَعُ بها إلَّا وَاحِدَةٌ لِظُهُورِ التَّرْتِيبِ فيها وَتَعَذُّرِهِ في غَيْرِ الْمَمْسُوسَةِ هذا مَفْهُومُ كَلَامِهِ وهو في تَحْتَ وَفَوْقَ مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُتَوَلِّي لَكِنْ الذي نَقَلَهُ قَبْلَهُ عن الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ أَنَّهُمَا كَمَعَ وهو الْمُعْتَمَدُ وَعَلَيْهِ مَشَى شُرَّاحُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ
فَإِنْ أَرَادَ في الْمَمْسُوسَةِ بِبَعْدَ في قَوْلِهِ طَلْقَةً بَعْدَ طَلْقَةٍ أو طَلْقَةً بَعْدَهَا طَلْقَةٌ أَنِّي سَأُطَلِّقُهَا بَعْدَ هذا طَلْقَةً دُيِّنَ فَلَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا أو أَرَادَ بِقَبْلِهَا أَنَّهُ أو غَيْرَهُ من زَوْجٍ آخَرَ سَبَقَ منه طَلَاقٌ لها فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ فِيمَا إذَا قال لها أَنْتِ طَالِقٌ في الشَّهْرِ الْمَاضِي وَفَسَّرَ بهذا وَالتَّصْرِيحُ بِمَسْأَلَةِ سَبْقِ الطَّلَاقِ منه من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَإِنْ قال لِغَيْرِ مَمْسُوسَةٍ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أو إحْدَى عَشْرَةَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا كما لو قَالَهُ لِلْمَمْسُوسَةِ وَسَيَأْتِي أو قال لها أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً وَمِائَةً أو إحْدَى وَعِشْرِينَ أو طَلْقَةً وَنِصْفًا أو طَلْقَةً بَلْ طَلْقَتَيْنِ أو طَلْقَةً بَلْ ثَلَاثًا فَوَاحِدَةٌ فَقَطْ تَقَعُ لِأَنَّهَا بَانَتْ بها لِعَطْفِ ما بَعْدَهَا عليها بِخِلَافِهِ في إحْدَى عَشْرَةَ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ فَهُوَ بِمَعْنَى الْمُفْرَدِ أو قال ذلك لِلْمَمْسُوسَةِ تَعَدَّدَ في ذلك كُلِّهِ كما مَرَّ بَعْضُهُ أو قال أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً قَبْلَهَا
قال في الْأَصْلِ أو بَعْدَهَا كُلُّ تَطْلِيقَةٍ طَلُقَتْ الْمَمْسُوسَةُ ثَلَاثًا مع تَرْتِيبٍ بين الْوَاحِدَةِ وَبَاقِي الثَّلَاثِ وَطَلُقَتْ غَيْرُهَا وَاحِدَةً أَمَّا في بَعْدِهَا فَظَاهِرٌ وَأَمَّا في قَبْلِهَا فَلِأَنَّ الْوَاقِعَ إنَّمَا هو الْمُنَجَّزُ لَا الْمُضَمَّنُ لِئَلَّا يَلْزَمَ الدَّوْرُ أو قال لِمَمْسُوسَةٍ أو غَيْرِهَا أَنْت طَالِقٌ حتى يُتِمَّ الثَّلَاثَ أو أُكْمِلَهَا أو أُوقِعَهَا عَلَيْك ولم يَنْوِ الثَّلَاثَ فَوَاحِدَةٌ وَقِيلَ ثَلَاثٌ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ أو أَنْتِ طَالِقٌ أَلْوَانًا من الطَّلَاقِ فَوَاحِدَةٌ إنْ لم يَنْوِ عَدَدًا وَلَوْ قال أَنْوَاعًا من الطَّلَاقِ أو أَجْنَاسِهِ منه أو أَصْنَافًا لِظَاهِرِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ وَإِنْ قال لِمُطَلَّقَتِهِ يا مُطَلَّقَةُ أَنْت طَالِقٌ وقال أَرَدْت تِلْكَ الطَّلْقَةَ
____________________
(3/289)
فَهَلْ يُقْبَلُ منه أو يَقَعُ طَلْقَةً أُخْرَى وَجْهَانِ أَقَرَّ بِهِمَا الْأَوَّلُ
وَلَوْ قالت طَلِّقْنِي ثَلَاثًا أو طَلِّقْنِي وَطَلِّقْنِي وَطَلِّقْنِي أو طَلِّقْنِي طَلِّقْنِي كما صَرَّحَ بِهِمَا الْأَصْلُ فقال طَلَّقْتُك أو أَنْتِ طَالِقٌ ولم يَنْوِ عَدَدًا فَوَاحِدَةٌ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْجَوَابَ مُنَزَّلٌ على السُّؤَالِ فَيَنْبَغِي وُقُوعُ ثَلَاثٍ كما مَرَّ فِيمَا لو قال طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فقالت بِلَا نِيَّةٍ طَلَّقْت وَالنَّظَرُ من زِيَادَتِهِ وقد يُجَابُ عنه بِأَنَّ السَّائِلَ في تِلْكَ مَالِكٌ لِلطَّلَاقِ بِخِلَافِهِ في هذه وَلَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً ثُمَّ قال جَعَلْتهَا ثَلَاثًا لَغَا فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ
فَرْعٌ لو قال أَنْت طَالِقٌ أَقَلَّ من طَلْقَتَيْنِ وَأَكْثَرَ من طَلْقَةٍ وَقَعَ طَلْقَتَانِ كما نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عن أبي الْمَعَالِي وَصَوَّبَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
الطَّرَفُ الثَّالِثُ في الْحِسَابِ وهو أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ حِسَابُ الضَّرْبِ وما يُذْكَرُ معه فَإِنْ قال أَنْت طَالِقٌ طَلْقَةً في طَلْقَةٍ وَأَرَادَ مع طَلْقَةٍ وَقَعَ طَلْقَتَانِ كما مَرَّ نَظِيرُهُ في الْإِقْرَارِ أو الظَّرْفِ أو الْحِسَابِ أو يُرِدْ شيئا فَوَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا مُقْتَضَى الظَّرْفِ وَمُوجِبُ الْحِسَابِ وَالْمُحَقَّقُ عِنْدَ عَدَمِ الْإِرَادَةِ أو أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً في طَلْقَتَيْنِ وَأَرَادَ مع فَثَلَاثٌ أو الْحِسَابُ فَإِنْ عَلِمَهُ فَطَلْقَتَانِ لِأَنَّهُمَا مُوجِبَتَاهُ وَإِلَّا بِأَنْ لم يُرِدْ شيئا أو أَرَادَ الْحِسَابَ ولم يَعْلَمْهُ فَوَاحِدَةٌ فَقَطْ وَلَوْ قال أَرَدْت ما يَقْتَضِيهِ الْحِسَابُ لِأَنَّ ما لَا يَعْلَمُهُ لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ وَكَذَا يَقَعُ بِهِ وَاحِدَةٌ إنْ قَصَدَ الظَّرْفَ لِأَنَّهَا مُقْتَضَاهُ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذِهِ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بها الْغَزَالِيُّ أو أَنْت طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ في نِصْفِ طَلْقَةٍ ولم يُرِدْ كُلَّ نِصْفٍ من طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ سَوَاءٌ أَرَادَ الْمَعِيَّةَ وهو ظَاهِرٌ أَمْ الظَّرْفَ أو الْحِسَابَ أو أَطْلَقَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ وَكَذَا يَقَعُ طَلْقَةً بِقَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ طَلْقَةً في نِصْفِ طَلْقَةٍ إلَّا إنْ أَرَادَ الْمَعِيَّةَ فَثِنْتَانِ أو أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً وَرُبْعًا أو ونصفا في وَاحِدَةٍ وَرُبْعٍ ولم يُرِدْ الْمَعِيَّةَ فَثِنْتَانِ وَإِنْ أَرَادَ الْمَعِيَّةَ فَثَلَاثٌ بِتَكْمِلَةِ الْكَسْرِ في الْأَرْبَعِ
وَلَوْ عَلَّقَ عَدَدَ طَلَاقِ زَيْدٍ كَأَنْ قال طَلَّقْتُك مِثْلَ ما طَلَّقَ زَيْدٌ أو عَدَدَ طَلَاقِهِ أو نَوَاهُ أَيْ الْعَدَدَ وهو يَجْهَلُهُ فِيهِمَا فَوَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنُ وَلَوْ قال أَنْت طَالِقٌ من وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ فَثَلَاثٌ إدْخَالًا لِلطَّرَفَيْنِ وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ في الضَّمَانِ وَالْإِقْرَارِ بِأَنَّ الطَّلَاقَ مَحْصُورٌ في عَدَدٍ فَالظَّاهِرُ اسْتِيفَاؤُهُ بِخِلَافِ ما ذُكِرَ كما قَدَّمْته في بَابِ الضَّمَانِ وَكَذَا يَقَعُ الثَّلَاثُ لو قال أَنْت طَالِقٌ ما بين الْوَاحِدَةِ إلَى الثَّلَاثِ لِأَنَّ ما بين بِمَعْنَى من بِقَرِينَةِ إلَى وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ الْقَمُولِيُّ وَغَيْرُهُ عن الرُّويَانِيِّ أو قال أَنْت طَالِقٌ ما بين الْوَاحِدَةِ وَالثَّلَاثِ فَوَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا الصَّادِقَةُ بِالْبَيْنِيَّةِ بِجَعْلِ الثَّلَاثِ بِمَعْنَى الثَّالِثَةِ
النَّوْعُ الثَّانِي التَّجْزِئَةُ الطَّلَاقُ لَا يَتَجَزَّأُ بَلْ ذِكْرُ بَعْضِهِ كَذِكْرِ كُلِّهِ لِقُوَّتِهِ سَوَاءٌ أَبْهَمَ أَمْ عَيَّنَ فَقَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ بَعْضَ طَلْقَةٍ أو نِصْفَ طَلْقَةٍ تَقَعُ بِهِ طَلْقَةٌ وَلَوْ زَادَ في أَجْزَاءِ الْمُطَلِّقَةِ فقال أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثَ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ أو أَرْبَعَةَ أَثْلَاثِ طَلْقَةٍ فَطَلْقَتَانِ لِأَنَّ الْأَجْزَاءَ مَتَى زَادَتْ على طَلْقَةٍ حُسِبَتْ الزِّيَادَةُ من طَلْقَةٍ أُخْرَى وَأُلْغِيَ ما أُضِيفَتْ إلَيْهِ فَيَصِيرُ كما لو قال أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَنِصْفَ طَلْقَةٍ أو أَنْتِ طَالِقٌ خَمْسَةَ أَنْصَافِهَا أو سَبْعَةَ أَثْلَاثِهَا أو نَحْوَهَا مِمَّا جَاوَزَتْ فيه الْأَجْزَاءُ طَلْقَتَيْنِ فَثَلَاثٌ أو أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَيْ طَلْقَةٍ أو رُبْعَ وَنِصْفَ طَلْقَةٍ أو رُبْعَيْ طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ إنْ لم يُرِدْ كُلًّا أَيْ كُلَّ جُزْءٍ من طَلْقَةٍ فَإِنْ أَرَادَهُ وَقَعَ ثِنْتَانِ وَكَذَا يَقَعُ طَلْقَةً بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفُ طَلْقَتَيْنِ ولم يُرِدْ كُلَّ نِصْفٍ من طَلْقَةٍ لِأَنَّهَا نِصْفُهُمَا وَحَمْلُ اللَّفْظِ عليه صَحِيحٌ فَلَا نُوقِعُ ما زَادَ بِالشَّكِّ قال الْإِمَامُ وَلَيْسَ كَقَوْلِهِ لِفُلَانٍ نِصْفُ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ لِأَنَّهُمَا شَخْصَانِ لَا يَتَمَاثَلَا فَالْإِضَافَةُ إلَيْهِمَا إضَافَةٌ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَالطَّلْقَتَانِ يُشْبِهَانِ الْعَدَدَ الْمَحْضَ
وَلَوْ قال له على نِصْفِ دِرْهَمَيْنِ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ لِأَنَّهُ نِصْفُهُمَا أو له على ثَلَاثَةِ أَنْصَافِ دِرْهَمٍ فَدِرْهَمٌ وَنِصْفٌ لِأَنَّ الْمَالَ يَتَجَزَّأُ وَيَقَعُ بِقَوْلِهِ
____________________
(3/290)
أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَيْ طَلْقَتَيْنِ أو ثُلُثَيْ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَانِ لِأَنَّهُ في الْمَعْنَى أَضَافَ كُلَّ جُزْءٍ إلَى طَلْقَةٍ ويقع بِثَلَاثَةِ أَنْصَافٍ طَلْقَتَيْنِ أو ثَلَاثَةِ أَنْصَافِ الطَّلَاقُ ثَلَاثٌ أَمَّا في الْأُولَى فَلِأَنَّ نِصْفَيْ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَانِ كما مَرَّ آنِفًا فَثَلَاثَةٌ أَيْضًا فِيهِمَا ثَلَاثُ طَلْقَاتٍ وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَلِصَرْفِ اللَّفْظِ الْمُعَرَّفِ بِأَلْ إلَى الْجِنْسِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ فيها من زِيَادَتِهِ وَلَوْ قال أَنْت طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ وَسُدُسَ طَلْقَةٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ أَضَافَ كُلَّ جُزْءٍ إلَى طَلْقَةٍ وَعَطَفَ فَاقْتَضَى التَّغَايُرَ وَإِنْ لم يُكَرِّرْ الطَّلْقَةَ ولم تَزِدْ الْأَجْزَاءُ عليها كَأَنْ قال نِصْفُ وَثُلُثُ وَسُدُسُ طَلْقَةٍ أو كَرَّرَهَا لَكِنْ حَذَفَ الْوَاوَ كَأَنْ قال نِصْفُ طَلْقَةٍ ثُلُثُ طَلْقَةٍ سُدُسُ طَلْقَةٍ أو لم يُكَرِّرْهَا بَلْ حَذَفَ الطَّلْقَةَ أو الْوَاوَ الصَّادِقُ ذلك بِحَذْفِهِمَا بِجَعْلِهِ أو مَانِعَةَ خُلُوٍّ كَأَنْ قال نِصْفُ ثُلُثِ سُدُسٍ أو نِصْفٌ وَثُلُثٌ وَسُدُسٌ أو نِصْفُ ثُلُثِ سُدُسِ طَلْقَةٍ فَوَاحِدَةٌ إذْ كُلُّهَا أَجْزَاءُ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَوْ زَادَتْ الْأَجْزَاءُ بِلَا وَاوٍ وَكَرَّرَ الطَّلْقَةَ كَنِصْفِ طَلْقَةٍ ثُلُثِ طَلْقَةٍ رُبْعِ طَلْقَةٍ فَطَلْقَتَانِ كما لو قال ثَلَاثَةُ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ أو أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَنِصْفَهَا وَنِصْفَهَا فَثَلَاثٌ إلَّا إنْ أَرَادَ بِالنِّصْفِ الثَّالِثِ التَّأْكِيدَ فَطَلْقَتَانِ وَإِنْ قال أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً أو ثِنْتَيْنِ على سَبِيلِ الْإِنْشَاءِ تَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا كما لو أَعْتَقْت هذا أو هَذَيْنِ أو على سَبِيلِ الْإِخْبَارِ شَاكًّا لم تَلْزَمْ الثَّانِيَةُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ وَلَا يُنَافِي التَّخْيِيرَ في الْأُولَى عَدَمُهُ فِيمَا لو قال أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ أو غَدًا وَلِلسُّنَّةِ أو لِلْبِدْعَةِ حَيْثُ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ إلَّا غَدًا أو بَعْدَ انْتِقَالِهَا لِلْحَالَةِ الْأُخْرَى لِأَنَّ ذَاكَ مَحْمُولٌ على ما إذَا لم يَخْتَرْ خِلَافَهُ وَإِنَّمَا سَكَتُوا عن التَّخْيِيرِ ثُمَّ لِأَنَّ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ غَايَةً تُنْتَظَرُ بِخِلَافِهِ هُنَا
النَّوْعُ الثَّالِثُ التَّشْرِيكُ فَإِنْ أَوْقَعَ على أَرْبَعٍ بِأَنْ قال أَوْقَعْت عَلَيْهِنَّ طَلْقَةً طُلِّقْنَ وَاحِدَةً وَاحِدَةً أو أَرْبَعًا أو ثَلَاثًا أو ثِنْتَيْنِ فَكَذَلِكَ أَيْ يَطْلُقْنَ وَاحِدَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ ما ذُكِرَ إذَا وُزِّعَ عَلَيْهِنَّ خَصَّ كُلًّا مِنْهُنَّ طَلْقَةٌ أو بَعْضُهَا فَتَكْمُلُ إلَّا إنْ نَوَى تَوْزِيعَهُنَّ أَيْ تَوْزِيعَ كل طَلْقَةٍ عَلَيْهِنَّ فَثَلَاثًا ثَلَاثًا يَقَعْنَ في صُورَتَيْ الْأَرْبَعِ وَالثَّلَاثِ وَثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ في صُورَةِ الثِّنْتَيْنِ وَلِبُعْدِ هذا عن الْفَهْمِ لم يُحْمَلْ عليه اللَّفْظُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أو أَوْقَعَ عَلَيْهِنَّ خَمْسًا أو سِتًّا أو سَبْعًا أو ثَمَانِيًا طَلُقْنَ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ فَإِنْ أَرَادَ التَّوْزِيعَ أو قال تِسْعًا فَثَلَاثٌ وَإِنْ أَوْقَعَ بَيْنَهُنَّ ثَلَاثًا مَثَلًا وَاسْتَثْنَى بِقَلْبِهِ إحْدَاهُنَّ وَأَخْبَرَ بِهِ لم يُقْبَلْ ظَاهِرًا لِأَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ يَقْتَضِي الشَّرِكَةَ كما لو قال أَوْقَعْت الطَّلَاقَ بَيْنَكُنَّ وَدُيِّنَ لِاحْتِمَالِ ما قَالَهُ فَإِنْ قال أَرَدْت طَلْقَتَيْنِ من الثَّلَاثِ لَعَمْرَةَ وَوَاحِدَةً لِلْبَاقِيَاتِ وفي نُسْخَةٍ لِلْجَمِيعِ قُبِلَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لم يَتَعَطَّلْ الطَّلَاقُ في بَعْضِهِنَّ وما ذَكَرَهُ من الْعَدَدِ بَيْنَهُنَّ وَإِنْ تَفَاوَتْنَ فِيمَا يَلْحَقُهُنَّ فَلَوْ أَوْقَعَ بَيْنَهُنَّ ثُلُثَ طَلْقَةٍ وَرُبْعَ طَلْقَةٍ وَسُدُسَ طَلْقَةٍ طَلُقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا لِأَنَّ تَغَايُرَ الْأَجْزَاءِ وَعَطْفَهَا يُشْعِرُ بِقِسْمَةِ كل جُزْءٍ بَيْنَهُنَّ فَإِنْ أَوْقَعَ بِأَنْ قال أَوْقَعْت بَيْنَهُنَّ طَلْقَةً وَطَلْقَةً وَطَلْقَةً فَهَلْ يَطْلُقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا لِأَنَّ التَّفْصِيلَ يُشْعِرُ بِقِسْمَةِ كل طَلْقَةٍ عَلَيْهِنَّ أو وَاحِدَةً وَاحِدَةً كَقَوْلِهِ ثَلَاثُ طَلْقَاتٍ وَجْهَانِ أَقَرَّ بِهِمَا الْأَوَّلُ وَإِنْ أَوْقَعَ بين أَرْبَعٍ أَرْبَعًا وقال أَرَدْت أَنِّي أَوْقَعْت على ثِنْتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَيَيْنِ لم أُوقِعْ عَلَيْهِمَا شيئا لَحِقَ الْأُولَيَيْنِ طَلْقَتَانِ طَلْقَتَانِ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ ولحق الْأُخْرَيَيْنِ طَلْقَةٌ طَلْقَةٌ لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ الطَّلَاقُ في بَعْضِهِنَّ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذِهِ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَلَوْ ذَكَرَهَا عَقِبَ مَسْأَلَةِ عَمْرَةَ كَالرَّافِعِيِّ كان أَنْسَبَ
فَرْعٌ لو طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ وقال لِلْأُخْرَى أَشْرَكْتُك مَعَهَا أو أَنْت كَهِيَ أو مِثْلُهَا وَنَوَى طَلَاقَهَا طَلُقَتْ وَإِلَّا فَلَا لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ غير الطَّلَاقِ وَالْمُرَادُ بِإِشْرَاكِهَا مَعَهَا جَعْلُهَا مُشَارِكَةً لها في كَوْنِهَا مُطَلَّقَةً لَا في طَلَاقِهَا إذْ الطَّلَاقُ الْوَاقِعُ عليها لَا يُمْكِنُ جَعْلُ بَعْضِهِ لِغَيْرِهَا أَمَّا لو قال أَشْرَكْتُك مَعَهَا في الطَّلَاقِ فَتَطْلُقُ وَإِنْ لم يَنْوِ كَذَا صَرَّحَ بِهِ أبو الْفَرَجِ الزَّازِ في نَظِيرِهِ من الظِّهَارِ وَكَذَا تَطْلُقُ لو أَشْرَكَهَا في طَلَاقٍ وَقَعَ على امْرَأَةِ غَيْرِهِ وَنَوَى وَإِنْ أَشْرَكَهَا مع ثَلَاثٍ طَلَّقَهُنَّ هو أو غَيْرُهُ وَنَوَى وَأَرَادَ أنها شَرِيكَةُ كُلٍّ مِنْهُنَّ طَلُقَتْ ثَلَاثًا أو أنها مِثْلُ إحْدَاهُنَّ طَلُقَتْ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَكَذَا لو أَطْلَقَ نِيَّةَ الطَّلَاقِ ولم يَنْوِ وَاحِدَةً وَلَا عَدَدًا لِأَنَّ جَعْلَهَا كَإِحْدَاهُنَّ أَسْبَقُ إلَى الْفَهْمِ وَأَظْهَرُ من تَقْدِيرِ تَوْزِيعِ كل طَلْقَةٍ قال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَلَوْ أَوْقَعَ بين ثَلَاثٍ طَلْقَةً ثُمَّ أَشْرَكَ الرَّابِعَةَ
____________________
(3/291)
مَعَهُنَّ وَقَعَ على الثَّلَاثِ طَلْقَةٌ طَلْقَةٌ وَعَلَى الرَّابِعَةِ طَلْقَتَانِ إذْ يَخُصُّهَا بِالشَّرِكَةِ طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ قال وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْمُزَنِيّ في الْمَنْثُورِ لو طَلَّقَ إحْدَى نِسَاؤُهُ الثَّلَاثِ ثَلَاثًا ثُمَّ قال لِلثَّانِيَةِ أَشْرَكْتُك مَعَهَا ثُمَّ لِلثَّالِثَةِ أَشْرَكْتُك مع الثَّانِيَةِ طَلُقَتْ الثَّانِيَةُ طَلْقَتَيْنِ لِأَنَّ حِصَّتَهَا من الْأُولَى طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ وَالثَّالِثَةُ طَلْقَةً لِأَنَّ حِصَّتَهَا من الثَّانِيَةِ طَلْقَةٌ على ما يَأْتِي إيضَاحُ ذلك قَرِيبًا
فَإِنْ أَشْرَكَهَا مع امْرَأَةٍ طَلَّقَهَا هو أو غَيْرُهُ ثَلَاثًا وَنَوَى فَهَلْ تَطْلُقُ وَاحِدَةً لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنَةُ أو ثَلَاثًا لِأَنَّهَا أَشْرَكَهَا مَعَهَا في كل طَلْقَةٍ أو اثْنَتَيْنِ لِأَنَّهُ أَشْرَكَهَا مَعَهَا في ثَلَاثٍ فَيَخُصُّهَا طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ وُجُوهُ الْمَذْهَبِ ثَالِثُهَا ذِكْرُ هذا الْوَجْهِ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَتَرْجِيحُهُ من زِيَادَتِهِ على الْأَصْلِ أَخْذٌ من جَزْمِ الْجُرْجَانِيِّ في تَحْرِيرِهِ وَغَيْرِهِ وَمِنْ كَلَامِ الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ السَّابِقِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَحَلٌّ إذَا نَوَى الشَّرِكَةَ في عَدَدِ الطَّلَاقِ وَيَدُلُّ له أَنَّ كَلَامَ الْمَنْثُورِ مُقَيَّدٌ بِذَلِكَ حَيْثُ قال ثُمَّ قال لِلثَّانِيَةِ أَنْتِ شَرِيكَتُهَا في هذا الطَّلَاقِ وَكَذَا قال في الثَّالِثَةِ لَكِنَّ الْقَاضِيَ أَسْقَطَهُ فَالظَّاهِرُ من قَوْلِهِ في هذا الطَّلَاقِ أَنَّهُ أَرَادَ الْعَدَدَ بِخِلَافِ ما إذَا لم يذكر ذلك ولم يَنْوِهِ فَالْأَوْجَهُ في مَسْأَلَتِنَا إذَا لم يَنْوِ ذلك وُقُوعُ وَاحِدَةٍ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَكَلَامُ الْأَصْلِ يَمِيلُ إلَيْهِ وَعُمْدَةُ الْمُصَنِّفِ في التَّعْبِيرِ بِالْمَذْهَبِ كَلَامُ الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ التَّابِعُ له الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَيْنِ ثُمَّ قال لِلْآخِرَتَيْنِ أَشْرَكْتُكُمَا مَعَهُمَا وَنَوَى فَإِنْ نَوَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَالْأُولَيَيْنِ مَعًا أو أنها تُشَارِكُ كُلًّا مِنْهُمَا في طَلْقَتِهَا طَلُقَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا طَلْقَتَيْنِ وَإِنْ نَوَى أنها كَوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أو أَطْلَقَ فَطَلْقَةٌ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ
فَرْعٌ لو قال لِإِحْدَى امْرَأَتَيْهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قال لِلْأُخْرَى أَشْرَكْتُك مَعَهَا صَحَّ ثُمَّ إنْ أَرَادَ اشْتِرَاكَهَا مَعَهَا في تَعْلِيقِ طَلَاقِهَا بِدُخُولِ الْأُولَى طَلُقَتَا بِدُخُولِهَا وَإِنْ أَرَادَ إشْرَاكَهَا مَعَهَا في أَنَّ طَلَاقَهَا مُعَلَّقٌ بِدُخُولِهَا كما في الْأُولَى تَعَلَّقَ طَلَاقُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِدُخُولِ نَفْسِهَا فَلَوْ أَطْلَقَ فَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ على الثَّانِي وَلَوْ قال أَرَدْت تَوَقُّفَ طَلَاقِ الْأُولَى على دُخُولِ الثَّانِيَةِ لم يُقْبَلْ منه لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عن التَّعْلِيقِ الْأَوَّلِ
الْبَابُ الرَّابِعُ في الِاسْتِثْنَاءِ وهو ضَرْبَانِ الْأَوَّلُ الِاسْتِثْنَاءُ بِإِلَّا وَأَخَوَاتِهَا فَيُشْتَرَطُ فيه أَنْ لَا يَسْتَغْرِقَ الْمُسْتَثْنَى الْمُسْتَثْنَى منه وَأَنْ لَا يُفْصَلَ بَيْنَهُمَا بِأَكْثَرَ من سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ أو الْعَيِّ أو التَّذَكُّرِ أو انْقِطَاعِ الصَّوْتِ كما مَرَّ في الْإِقْرَارِ لِأَنَّ ذلك لَا يُعَدُّ فَاصِلًا بِخِلَافِ الْكَلَامِ الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ يَسِيرًا وهو أَيْ الِاتِّصَالُ هُنَا أَبْلُغُ من اتِّصَالِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ في الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ إذْ يُحْتَمَلُ بين كَلَامِ اثْنَيْنِ ما لَا يُحْتَمَلُ بين كَلَامِ وَاحِدٍ ويشترط أَنْ يَقْصِدَهُ أَيْ الِاسْتِثْنَاءَ وَلَوْ قبل الْفَرَاغِ من الْمُسْتَثْنَى منه لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بِتَمَامِهَا فَلَا يُشْتَرَطُ من أَوَّلِهِ وَلَا يَكْفِي بَعْدَ الْفَرَاغِ إذْ لو كَفَى لَلَزِمَ عليه رَفْعُ الطَّلَاقِ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَلَوْ حَذَفَ لَفْظَةَ وَلَوْ كان أَوْلَى وَكَذَا يُشْتَرَطُ ما ذُكِرَ من الِاتِّصَالِ وَالْقَصْدِ في التَّعْلِيقِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَغَيْرِهَا لِأَنَّهُ تَقْيِيدُ كَالِاسْتِثْنَاءِ فَقَوْلُهُ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا بَاطِلٌ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَتَقَعُ الثَّلَاثُ وَلَا يُجْمَعُ الْمَعْطُوفُ وَالْمَعْطُوفُ عليه في الْمُسْتَثْنَى منه لِإِسْقَاطِ الِاسْتِغْرَاقِ الْحَاصِلِ بِجَمْعِهِمَا وَلَا في الْمُسْتَثْنَى لِإِثْبَاتِهِ وَلَا فِيهِمَا لِذَلِكَ كما مَرَّ بَيَانُهُ في الْإِقْرَارِ وهو وَاحِدٌ فَلَوْ طَلَّقَ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ وَوَاحِدَةً وَقَعَتْ طَلْقَةً لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى إذَا لم يُجْمَعْ مُفَرَّقُهُ لم يَبْلُغْ إلَّا ما يَحْصُلُ بِهِ الِاسْتِغْرَاقُ وهو وَاحِدَةٌ أو طَلَّقَ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَاثْنَتَيْنِ وَقَعَتْ طَلْقَتَانِ إلْغَاءٌ لِقَوْلِهِ وَاثْنَتَيْنِ لِحُصُولِ الِاسْتِغْرَاقِ بِهِمَا أو طَلَّقَ طَلْقَتَيْنِ وَطَلْقَةً إلَّا طَلْقَةً وَقَعَتْ ثَلَاثًا لِأَنَّ الطَّلْقَةَ الْوَاحِدَةَ مُسْتَثْنَاةٌ من طَلْقَةٍ فَيَسْتَغْرِقُ فَيَلْغُو أو طَلَّقَ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً
____________________
(3/292)
وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً طَلُقَتْ وَاحِدَةً لِأَنَّ الِاسْتِغْرَاقَ إنَّمَا حَصَلَ بِالْأَخِيرَةِ وَكَذَا لو طَلَّقَ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً طَلُقَتْ وَاحِدَةً لِجَوَازِ الْجَمْعِ هُنَا إذْ لَا اسْتِغْرَاقَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ حُرُوفُ الْعَطْفِ فقال أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً ثُمَّ وَاحِدَةً بَلْ وَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً فَثَلَاثٌ تَقَعُ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى وَاحِدَةً من وَاحِدَةٍ وهو مُسْتَغْرَقٌ فَلَا يُجْمَعُ وَإِنْ قِيلَ بِالْجَمْعِ في غَيْرِ هذه لِتَغَايُرِ الْأَلْفَاظِ وَإِنْ قال أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً طَلُقَتْ ثَلَاثًا لِلِاسْتِغْرَاقِ بِاسْتِثْنَاءِ الْوَاحِدَةِ مِمَّا قَبْلَهَا أو قال أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً فَطَلْقَتَانِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ من الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ كما مَرَّ في الْإِقْرَارِ
فَصْلٌ تَقَعُ بِثَلَاثٍ أَيْ بِقَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ إلَّا ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً طَلْقَةٌ لِأَنَّهُ بِتَعْقِيبِ الِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ أَخْرَجَهُ عن الِاسْتِغْرَاقِ فَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَى طَلْقَتَيْنِ من ثَلَاثٍ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى منها ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَثَلَاثٌ إلَّا وَاحِدَةٌ ثِنْتَانِ فَلَوْ قال أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ فَطَلْقَتَانِ لِمَا عُلِمَ قَبْلَهَا ويقع بِثَلَاثٍ إلَّا اثْنَتَيْنِ إلَّا اثْنَتَيْنِ طَلْقَةٌ إلْغَاءٌ لِلِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي لِحُصُولِ الِاسْتِغْرَاقِ بِهِ ولو أتى بِثَلَاثٍ إلَّا وَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً قِيلَ يَقَعُ ثَلَاثٌ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ من الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَبِالْعَكْسِ وَقِيلَ ثِنْتَانِ إلْغَاءٌ لِلِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي فَقَطْ لِحُصُولِ الِاسْتِغْرَاقِ بِهِ وَقِيَاسُ ما مَرَّ في الذي قَبْلَهَا تَرْجِيحُ هذا وهو ظَاهِرٌ فَلَوْ قال أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً فَقِيلَ تَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ من الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَبِالْعَكْسِ فَالْمَعْنَى إلَّا وَاحِدَةً تَقَعُ فَيُضَمُّ إلَى ما بَقِيَ من الثِّنْتَيْنِ وَقِيلَ وَاحِدَةٌ إلْغَاءٌ لِلِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي لِمَا مَرَّ آنِفًا وَهَذَا أَوْجَهُ إذْ جَعْلُ الِاسْتِثْنَاءِ من الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَبِالْعَكْسِ إنَّمَا يَكُونُ في الِاسْتِثْنَاءِ الصَّحِيحِ لَا في الْمُسْتَغْرِقِ آخِرَ الْكَلَامِ قال في الْأَصْلِ وَلَوْ قال ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً فَقِيلَ ثِنْتَانِ وَقِيلَ وَاحِدَةٌ قال الْحَنَّاطِيُّ وَيُحْتَمَلُ وُقُوعُ الثَّلَاثِ قال الرَّافِعِيُّ وقد يُوَجَّهُ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْأَوَّلَ بَاطِلٌ لِاسْتِغْرَاقِهِ فَيَلْغُو وَيَبْقَى قَوْلُهُ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً وَالثَّانِي بِأَنَّ الْمَعْنَى إلَّا ثَلَاثًا لَا تَقَعُ إلَّا اثْنَتَيْنِ يَقَعَانِ إلَّا وَاحِدَةً لَا تَقَعُ فَيَبْقَى وَاحِدَةٌ وَاقِعَةٌ وَالثَّالِثُ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْأَوَّلَ بَاطِلٌ لِاسْتِغْرَاقِهِ وَكَذَا ما بَعْدَهُ لِتَرَتُّبِهِ انْتَهَى وَالْأَوْجَهُ الثَّانِي
فَصْلٌ وَلَوْ زَادَ الْمُطَلِّقُ على الْعَدَدِ الشَّرْعِيِّ من الطَّلَاقِ وَاسْتَثْنَى انْصَرَفَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ لَا إلَى الْعَدَدِ الشَّرْعِيِّ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَفْظِيٌّ فَيُتَّبَعُ فيه مُوجِبُ اللَّفْظِ فَتَطْلُقُ بِخَمْسٍ إلَّا ثَلَاثًا طَلْقَتَيْنِ وَبِخَمْسٍ إلَّا اثْنَتَيْنِ ثَلَاثًا وَبِأَرْبَعٍ إلَّا ثَلَاثًا طَلْقَةً وَبِسِتٍّ إلَّا أَرْبَعًا طَلْقَتَيْنِ وَبِأَرْبَعٍ إلَّا ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ ثَلَاثًا وَبِخَمْسٍ إلَّا اثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً ثَلَاثًا وَلَوْ قال أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا وَثَلَاثًا إلَّا أَرْبَعًا فَثَلَاثٌ بِنَاءً على أَنَّ الْمُسْتَثْنَى منه لَا يُجْمَعُ مُفَرَّقُهُ
فَرْعٌ لو قال أَنْت بَائِنٌ إلَّا بَائِنًا أو إلَّا طَالِقًا وَنَوَى بِأَنْتِ بَائِنٌ الثَّلَاثَ وَقَعَ طَلْقَتَانِ اعْتِبَارًا بِنِيَّتِهِ فَهُوَ كما لو تَلَفَّظَ بِالثَّلَاثِ وَاسْتَثْنَى وَاحِدَةً قال الرَّافِعِيُّ وفي مَعْنَاهُ ما لو قال أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا طَالِقًا وَنَوَى بِأَنْتِ طَالِقٌ الثَّلَاثَ وَقَوْلُهُ مُسْتَأْنِفًا أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إلَّا طَلْقَةً كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا طَلْقَةً فَتَقَعُ طَلْقَتَانِ تَبِعَ في هذا أَصْلَهُ وهو مَبْنِيٌّ على جَوَازِ جَمْعِ الْمُفَرَّقِ
____________________
(3/293)
وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ كما مَرَّ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقَعُ ثَلَاثٌ إلْغَاءً لِلِاسْتِثْنَاءِ لِاسْتِغْرَاقِهِ وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ لِذَلِكَ وَلَوْ قال بَدَلَ مُسْتَأْنِفًا مُؤَكِّدًا لَسَلِمَ من ذلك وَقَوْلُهُ فِيمَا ذُكِرَ إلَّا طَالِقًا كَقَوْلِهِ إلَّا طَلْقَةً فَيَأْتِي فيه ما تَقَرَّرَ وَلَوْ قال عَقِيبَ إلَّا طَلْقَةً أو إلَّا طَالِقًا كما في التي قَبْلَهَا كان أَخَصَرَ وَتَقَعُ بِثَلَاثٍ إلَّا نِصْفَ طَلْقَةٍ ثَلَاثٌ لِأَنَّهُ أَبْقَى نِصْفَ طَلْقَةٍ فَتَكْمُلُ لَا يُقَالُ قد اسْتَثْنَى النِّصْفَ فَيَكْمُلُ فَلَا يَقَعُ إلَّا طَلْقَتَانِ لِأَنَّا نَقُولُ التَّكْمِيلُ إنَّمَا يَكُونُ في طَرَفِ الْإِيقَاعِ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ ويقع بِثَلَاثٍ إلَّا طَلْقَةً وَنِصْفًا طَلْقَتَانِ لِأَنَّهُ أَبْقَى طَلْقَةً وَنِصْفًا فَتَكْمُلُ وَلَوْ قال طَلْقَةً إلَّا نِصْفًا وَقَعَتْ طَلْقَةً كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَهَلْ يَقَعُ بِثَلَاثٍ إلَّا طَلْقَتَيْنِ وَنِصْفًا ثَلَاثٌ بِمَا تَقَرَّرَ آنِفًا أو وَاحِدَةً لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ الْمُفَرَّقُ فَيَلْغُو ذِكْرُ النِّصْفِ لِحُصُولِ الِاسْتِغْرَاقِ بِهِ وَجْهَانِ أَقْيَسُهُمَا الثَّانِي وَيَقَعُ بِثَلَاثٍ إلَّا طَلْقَتَيْنِ إلَّا نِصْفَ طَلْقَةٍ طَلْقَتَانِ لِمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَكَذَا يَقَعَانِ بِوَاحِدَةٍ وَنِصْفٍ إلَّا وَاحِدَةً إلْغَاءٌ لِاسْتِثْنَاءِ الْوَاحِدَةِ من النِّصْفِ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَقِيلَ يَقَعُ طَلْقَةٌ بِنَاءً على أَنْ نَجْمَعَ الْمُفَرَّقَ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهَا تَرْجِيحُ الثَّانِي ولو أتى بِثَلَاثٍ إلَّا نِصْفًا وَأَرَادَ بِالنِّصْفِ نِصْفَ الثَّلَاثِ أو أَطْلَقَ وَقَعَ طَلْقَتَانِ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ نِصْفَ طَلْقَةٍ فَثَلَاثٌ لِمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثٌ إلَّا أَقَلَّهُ وَلَا نِيَّةَ فَفِي الِاسْتِقْصَاءِ تَطْلُقُ ثَلَاثًا لِأَنَّ أَقَلَّ الطَّلَاقِ بَعْضُ طَلْقَةٍ فَبَقِيَ طَلْقَتَانِ وَالْبَعْضُ الْبَاقِي فَيَكْمُلُ وَالسَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ أَنَّ أَقَلَّهُ طَلْقَةٌ فَتَطْلُقُ طَلْقَتَيْنِ
وَلَوْ قَدَّمَ الِاسْتِثْنَاءَ على الْمُسْتَثْنَى منه فقال أَنْت إلَّا وَاحِدَةً طَالِقٌ ثَلَاثًا فَكَتَأْخِيرِهِ عنه فَيَقَعُ في هذا الْمِثَالِ طَلْقَتَانِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فَتَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لِاسْتِدْرَاكِ ما تَقَدَّمَ من الْكَلَامِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وهو مُوَافِقٌ لِمَا صَحَّحَهُ الْأَصْلُ في الْأَيْمَانِ وَلِمَا نَقَلَهُ بَعْدُ عن الْقَاضِي من صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ في قَوْلِهِ أَرْبَعَتُكُنَّ إلَّا فُلَانَةَ طَوَالِقُ
فَرْعٌ لو قال أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا غير وَاحِدَةٍ بِنَصْبِ غَيْرِ وَقَعَ طَلْقَتَانِ أو بِضَمِّهَا قال الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ قال أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ يَقَعُ ثَلَاثٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ نَعْتٌ لَا اسْتِثْنَاءٌ قَالَا وَلَيْسَ لِأَصْحَابِنَا فيه نَصٌّ فَإِنْ كان الْمُطَلِّقُ من أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فَالْجَوَابُ ما قَالُوهُ أو من غَيْرِهِمْ كان على ما قَدَّمْنَاهُ من اخْتِلَافِ وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَفْسِرَ الْعَامِّيُّ وَيُعْمَلَ بِتَفْسِيرِهِ
الضَّرْبُ الثَّانِي التَّعْلِيقُ بِالْمَشِيئَةِ فَإِنْ قال أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَيْ طَلَاقُك قَاصِدًا لِلتَّعْلِيقِ لم تَطْلُقْ لِخَبَرِ من حَلَفَ ثُمَّ قال إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ اسْتَثْنَى رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَلِأَنَّ الْمَشِيئَةَ الْمُعَلَّقَ بها غَيْرُهُ مَعْلُومَةٌ وَلِأَنَّ التَّعْلِيقَ بها يَقْتَضِي حُدُوثَهَا بَعْدَهُ كَالتَّعْلِيقِ بِمَشِيئَةِ زَيْدٍ وَمَشِيئَتُهُ تَعَالَى قَدِيمَةٌ لَا يُتَصَوَّرُ حُدُوثُهَا فَإِنْ لم يَقْصِدْ بِالْمَشِيئَةِ التَّعْلِيقَ بِأَنْ سَبَقَتْ إلَى لِسَانِهِ لِتَعَوُّدِهِ بها كما هو الْأَدَبُ أو قَصَدَ بها التَّبَرُّكَ أو أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِمَشِيئَتِهِ تَعَالَى أو لم يَعْلَمْ هل قَصَدَ التَّعْلِيقَ أو لَا طَلُقَتْ وَلَيْسَ هذا كَالِاسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَغْرِقِ لِأَنَّ ذَاكَ كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ غَيْرُ مُنْتَظِمٍ وَالتَّعْلِيقُ بِالْمَشِيئَةِ مُنْتَظِمٌ فإنه قد يَقَعُ معه الطَّلَاقُ وقد لَا يَقَعُ كما تَقَرَّرَ وَكَذَا يَمْتَنِعُ بها انْعِقَادُ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ كَالْعِتْقِ وَالنَّذْرِ وَالْيَمِينِ وَالْبَيْعِ وَالتَّعْلِيقِ لِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَمَتَى وإذا وَنَحْوِهِمَا مِثْلُ إنْ فِيمَا ذُكِرَ
____________________
(3/294)
وَتَقْدِيمُ التَّعْلِيقِ على الْمُعَلَّقِ بِهِ كَتَأْخِيرِهِ عنه كَقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْت طَالِقٌ وَلَوْ فَتَحَ هَمْزَةَ إنْ أو أَبْدَلَهَا بِإِذْ أو بِمَا كَأَنْتِ طَالِقٌ أَنْ شَاءَ اللَّهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أو إذْ شَاءَ اللَّهُ أو ما شَاءَ اللَّهُ طَلُقَتْ في الْحَالِ وَاحِدَةً لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ لِلتَّعْلِيلِ وَالْوَاحِدَةُ هِيَ الْيَقِينُ في الثَّالِثِ وَسَوَاءٌ في الْأَوَّلِ النَّحْوِيُّ وَغَيْرُهُ كما صَرَّحَ الْأَصْلُ بِتَصْحِيحِهِ هُنَا لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا تَبَعًا لِتَرْجِيحِ الْمِنْهَاجِ وَلِتَرْجِيحِ الرَّوْضَةِ أَوَائِلَ التَّعْلِيقِ وَقُبَيْلَ التَّعْلِيقِ بِالْحِلِّ وَنَبَّهَ على ذلك في الْمَحَلِّ الْأَوَّلِ
وَلَوْ قال أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثَلَاثًا أو وَاثْنَتَيْنِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلُقَتْ وَاحِدَةً لِاخْتِصَاصِ التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ بِالْأَخِيرِ كما في الِاسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَغْرِقِ كما مَرَّ وفي عَكْسِهِ بِأَنْ قال أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا وَوَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَطْلُقُ ثَلَاثًا كَذَلِكَ وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو قال حَفْصَةُ طَالِقٌ وَعَمْرَةُ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ ولم يَنْوِ عَوْدَ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى كُلٍّ من الْمُتَعَاطِفَيْنِ طَلُقَتْ حَفْصَةُ دُونَ عَمْرَةَ لِذَلِكَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ حَفْصَةُ وَعَمْرَةُ طَالِقَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا وما ذَكَرَهُ هو ما صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ في بَعْضِ نُسَخِهِ الصَّحِيحَةِ وَوَقَعَ في الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِبَعْضِ نُسَخِ الرَّافِعِيِّ السَّقِيمَةِ أَنَّ ذلك جَوَابٌ لِقَوْلِهِ حَفْصَةُ وَعَمْرَةُ طَالِقَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ أو قال أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً ثَلَاثًا أو ثَلَاثًا ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ لم تَطْلُقْ لِعَوْدِ الْمَشِيئَةِ إلَى الْجَمِيعِ لِحَذْفِ الْعَاطِفِ وَلَوْ قال يا طَالِقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أو أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا يا طَالِقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ لِأَنَّ النِّدَاءَ لَا يَقْبَلُ الِاسْتِثْنَاءَ لِاقْتِضَائِهِ حُصُولَ الِاسْمِ أو الصِّفَةِ وَالْحَاصِلُ لَا يُعَلَّقُ بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ فإنه كما قال الرَّافِعِيُّ قد يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْقُرْبِ منه وَتَوَقُّعِ الْحُصُولِ كما يُقَالُ لِلْقَرِيبِ من الْوُصُولِ أنت وَاصِلٌ وَلِلْمَرِيضِ الْمُتَوَقَّعِ شِفَاؤُهُ قَرِيبًا أنت صَحِيحٌ فَيُنْتَظَمُ الِاسْتِثْنَاءُ في مِثْلِهِ فَعُلِمَ أَنَّ يا طَالِقُ لَا يَقْبَلُ الِاسْتِثْنَاءَ فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا يا زَانِيَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فإنه يُحَدُّ لِلْقَذْفِ بِقَوْلِهِ يا زَانِيَةُ وَلَا تَطْلُقُ لِرُجُوعِ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الطَّلَاقِ خَاصَّةً وَتَخَلُّلُ يا طَالِقُ أو يا زَانِيَةُ لَا يَقْدَحُ لِأَنَّهُ ليس أَجْنَبِيًّا عن الْمُخَاطَبَةِ فَأَشْبَهَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يا حَفْصَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَكَذَا تَطْلُقُ طَلْقَةً وَاحِدَةً بِقَوْلِهِ أَنْت يا طَالِقُ ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ لِمَا مَرَّ وَإِنْ قال أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَاصِدًا لِلتَّوْكِيدِ لم تَطْلُقْ كما لو قال أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ
فَرْعٌ لَا تَطْلُقُ بِقَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ إنْ لم أو إذَا لم أو ما لم يَشَأْ اللَّهُ أَيْ طَلَاقُك لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِهِ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِذَلِكَ يَقْتَضِي الْوُقُوعَ بِدُونِ مَشِيئَتِهِ تَعَالَى وهو مُحَالٌ فَأَشْبَهَ ما لو قال أَنْتِ طَالِقٌ إنْ اجْتَمَعَ السَّوَادُ وَالْبَيَاضُ وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ لو وَقَعَ كان بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ وُقُوعَهُ لَانْتَفَى عَدَمُ مَشِيئَتِهِ فَلَا يَقَعُ لِانْتِفَاءِ الْمُعَلَّقِ بِهِ وَكَذَا لَا تَطْلُقُ بِقَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَيْ طَلَاقُك لِلشَّكِّ في عَدَمِ الْمَشِيئَةِ وَلِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمَشِيئَةِ يُوجِبُ حَصْرَ الْوُقُوعِ في حَالِ عَدَمِهَا وَذَلِكَ تَعْلِيقٌ بِعَدَمِهَا وهو يَمْنَعُ الْوُقُوعَ كما مَرَّ فَإِنْ قال أَنْت طَالِقٌ إنْ لم يَشَأْ زَيْدٌ أو إنْ لم يَدْخُلْ الدَّارَ فَإِنْ لم تُوجَدْ الْمَشِيئَةُ من زَيْدٍ في الْأُولَى وَالدُّخُولَ منه في الثَّانِيَةِ في الْحَيَاةِ طَلُقَتْ قُبَيْلَ الْمَوْتِ أو قُبَيْلَ جُنُونٍ اتَّصَلَ بِهِ أَيْ بِالْمَوْتِ لِتَحَقُّقِ عَدَمِ الْمَشِيئَةِ وَالدُّخُولِ الْمُعَلَّقِ بِهِ حِينَئِذٍ وَمَحَلُّ الثَّانِي في الْمَشِيئَةِ وَنَحْوِهَا لَا في الدُّخُولِ وَنَحْوِهِ كَالْجُنُونِ ما في مَعْنَاهُ كَالْإِغْمَاءِ وَالْعَيِّ أَمَّا إذَا وُجِدَ ذلك فَلَا تَطْلُقُ وَإِنْ مَاتَ زَيْدٌ وَشُكَّ في مَشِيئَتِهِ وَدُخُولِهِ لم تَطْلُقْ لِلشَّكِّ في الصِّفَةِ الْمُوجِبَةِ لِلطَّلَاقِ وَكَذَا الْحُكْمُ لو قال أَنْت طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ فَيَأْتِي فيه ما ذُكِرَ في إنْ لم يَشَأْ زَيْدٌ فَتَطْلُقُ إنْ لم تُوجَدْ مَشِيئَتُهُ لَا إنْ وُجِدَتْ وَلَا إنْ مَاتَ وَشُكَّ في مَشِيئَتِهِ كما لو قال إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَيُفَارِقُ الْحِنْثَ في نَظِيرِهِ في الْأَيْمَانِ بِأَنَّ الْحِنْثَ هُنَا يُؤَدِّي إلَى رَفْعِ النِّكَاحِ بِالشَّكِّ بِخِلَافِهِ ثُمَّ لَا يُقَالُ وَالْحِنْثُ ثَمَّ يُؤَدِّي إلَى رَفْعِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ بِالشَّكِّ لِأَنَّا نَقُولُ النِّكَاحُ جَعْلِيٌّ وَالْبَرَاءَةُ شَرْعِيَّةٌ وَالْجَعْلِيُّ أَقْوَى من الشَّرْعِيِّ كما صَرَّحُوا بِهِ في الرَّهْنِ أو قال أَنْت طَالِقٌ إنْ لم يَشَأْ زَيْدٌ الْيَوْمَ ولم يَشَأْ فيه طَلُقَتْ قُبَيْلَ الْغُرُوبِ فَالْيَوْمُ هُنَا كَالْعُمْرِ فِيمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ أَنْت طَالِقٌ إنْ لم
____________________
(3/295)
يَشَأْ اللَّهُ أو زَيْدٌ أو إلَّا أَنْ يَشَاءَ تَعْلِيقٌ بِعَدَمِ مَشِيئَةِ الطَّلَاقِ لَا بِمَشِيئَةِ عَدَمِهِ فَإِنْ وُجِدَتْ الْمَشِيئَةُ لِلطَّلَاقِ لم تَطْلُقْ وَإِنْ قال لم أَشَأْ أَيْ الطَّلَاقَ بَلْ عَدَمَهُ أو سَكَتَ حتى مَاتَ طَلُقَتْ حَالًا في الْأُولَى وَقُبَيْلَ مَوْتِهِ في الثَّانِيَةِ هذا كُلُّهُ بِنَاءً على ما قَدَّمْته من أَنَّ الْمَعْنَى لم يَشَأْ الطَّلَاقَ فَإِنْ أَرَادَ إنْ لم يَشَأْ عَدَمَ الطَّلَاقِ قُبِلَ منه وَرُتِّبَ عليه مُقْتَضَاهُ كما صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ
الْبَابُ الْخَامِسُ في الشَّكِّ في الطَّلَاقِ فَإِنْ شَكَّ في وُقُوعِ الطَّلَاقِ منه أو في وُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ بها كَقَوْلِهِ إنْ كان هذا الطَّائِرُ غُرَابًا فَأَنْت طَالِقٌ وَشَكَّ هل كان غُرَابًا أو لَا لم تَطْلُقْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الطَّلَاقِ وَبَقَاءُ النِّكَاحِ أو شَكَّ في الْعَدَدِ بِأَنْ طَلَّقَ وَشَكَّ هل طَلَّقَ وَاحِدَةً أو أَكْثَرَ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الزَّائِدِ عليه وَيُسْتَحَبُّ الِاحْتِيَاطُ بِمُرَاجَعَةٍ أو طَلَاقٍ لِخَبَرِ دَعْ ما يَرِيبُك إلَى ما لَا يَرِيبُك رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ فَإِنْ كان الشَّكُّ في أَصْلِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ رَاجِعٌ لِيُتَيَقَّنَ الْحِلُّ أو الْبَائِنُ بِدُونِ ثَلَاثٍ جَدَّدَ النِّكَاحَ أو بِثَلَاثٍ أَمْسَكَ عنها وَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قال الرَّافِعِيُّ لِتَحِلَّ لِغَيْرِهِ يَقِينًا وَإِنْ كان الشَّكُّ في الْعَدَدِ أَخَذَ بِالْأَكْثَرِ فَإِنْ شَكَّ في وُقُوعِ طَلْقَتَيْنِ أو ثَلَاثٍ لم يَنْكِحْهَا حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ
فَصْلٌ وَإِنْ عَلَّقَ شَخْصٌ له زَوْجَتَانِ أو أَمَتَانِ بِنَقِيضَيْنِ كَإِنْ أَيْ كَقَوْلِهِ إنْ كان هذا الطَّائِرُ غُرَابًا فَأَنْت طَالِقٌ أو أَنْت حُرَّةٌ وَإِنْ لم يَكُنْ غُرَابًا فَضِرَّتُك طَالِقٌ أو رَفِيقَتُك حُرَّةٌ وَأَشْكَلَ حَالُهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ أو الْعِتْقُ على إحْدَاهُمَا لِحُصُولِ إحْدَى الصِّفَتَيْنِ وَاعْتَزَلَهُمَا وُجُوبًا إلَى تَبَيُّنِ الْحَالِ لِاشْتِبَاهِ الْمُبَاحَةِ بِغَيْرِهَا وَعَلَيْهِ الْبَحْثُ عن الطَّائِرِ وَالْبَيَانُ لِزَوْجَتَيْهِ أو أَمَتَيْهِ إنْ اتَّضَحَ له لِيَعْلَمَ الْمُطَلَّقَةَ أو الْمُعْتَقَةَ من غَيْرِهَا وَهَذَا في الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وفي الرَّجْعِيِّ إذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ لِمَا سَيَأْتِي من عَدَمِ وُجُوبِ الْبَيَانِ فِيمَا لو طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا أو عَلَّقَ شَخْصَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا بِعِتْقِ صَوَابُهُ عِتْقٌ أَمَتِهِ كَأَنْ قال أَحَدُهُمَا إنْ كان هذا الطَّائِرُ غُرَابًا فَأَمَتِي حُرَّةٌ وقال الْآخَرُ إنْ لم يَكُنْ غُرَابًا فَأَمَتِي حُرَّةٌ وَأَشْكَلَ حَالُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ في أَمَتِهِ كما لو انْفَرَدَ بِالتَّعْلِيقِ فَتَعْلِيقُ الْآخَرِ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَهُ كما لو سمع صَوْتَ حَدَثٍ بين اثْنَيْنِ ثُمَّ قام كُلٌّ إلَى الصَّلَاةِ لم يُعْتَرَضْ عليه فَإِنْ قال أَحَدُهُمَا حَنِثَ صَاحِبِي أو ما حَنِثْت أنا وَمَلَكَ أَمَتَهُ وَلَوْ بَعْدَ بَيْعِ أَمَتِهِ عَتَقَتْ مَجَّانًا أَيْ بِلَا رُجُوعٍ بِثَمَنِهَا إنْ كان اشْتَرَاهَا لِإِقْرَارِهِ بِحُرِّيَّتِهَا وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَقُلْ أَحَدُهُمَا شيئا اعْتَزَلَهُمَا جميعا إنْ كَانَتَا في مِلْكِهِ أو من بَقِيَ مِنْهُمَا إنْ كانت إحْدَاهُمَا فَقَطْ في مِلْكِهِ وَيُؤْمَرُ بِالْبَحْثِ وَالْبَيَانِ كما لو كَانَتَا حِينَئِذٍ أَيْ حين التَّعْلِيقِ في مِلْكِهِ وَعَلَيْهِ الْبَحْثُ عن حَقِيقَةِ الْحَالِ وَمُنِعَ التَّصَرُّفُ فِيهِمَا حتى يَبِينَ الْحَالُ وَقَوْلُهُ أو من بَقِيَ شَامِلٌ لِبَقَاءِ أَمَتِهِ وَلِبَقَاءِ أَمَةِ صَاحِبِهِ وهو الذي اقْتَصَرَ عليه الْأَصْلُ وَفِيهِ كَلَامٌ أَوْضَحْته في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَإِنْ قال إنْ كان ذَا الطَّائِرِ غُرَابًا فَأَنْت طَالِقٌ أو حَمَامَةً فَضِرَّتُك طَالِقٌ ولم يَعْلَمْ أَنَّهُ غُرَابٌ أو حَمَامَةٌ أو غَيْرُهُمَا لم تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا
____________________
(3/296)
لِمَا مَرَّ قبل الْفَصْلِ
فَصْلٌ لو طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ بِعَيْنِهَا وَنَسِيَ هَا اعْتَزَلَهُمَا حتى يَتَذَكَّرَ فَإِنْ صَدَّقَتَاهُ في النِّسْيَانِ فَلَا مُطَالَبَةَ بِالْبَيَانِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا وَإِنْ كَذَّبَتَاهُ وَبَادَرَتْ وَاحِدَةٌ وَقَالَتْ أنا الْمُطَلَّقَةُ لم يَكْفِ في الْجَوَابِ نَسِيت أو لَا أَدْرِي لِأَنَّهُ الذي وَرَّطَ نَفْسَهُ بَلْ يَحْلِفُ أَنَّهُ لم يُطَلِّقْهَا كما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَمَنْ ادَّعَتْ مِنْهُمَا الطَّلَاقَ يَحْلِفُ لها يَمِينًا جَازِمَةً فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَقُضِيَ بِطَلَاقِهَا وَلَوْ ادَّعَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا أو إحْدَاهُمَا أَنَّهُ يَعْلَمُ التي عَنَاهَا بِالطَّلَاقِ وَسَأَلَتْ تَحْلِيفَهُ على أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذلك ولم تَقُلْ في الدَّعْوَى أنها الْمُطَلَّقَةُ فَالْوَجْهُ كما قال الْأَذْرَعِيُّ قَبُولُ هذه الدَّعْوَى وَتَحْلِيفُهُ على ذلك
فَصْلٌ اسْمُ زَوْجَتِهِ زَيْنَبُ فقال زَيْنَبُ طَالِقٌ وَأَرَادَ زَيْنَبَ أُخْرَى أَجْنَبِيَّةً أو أَمَتَهُ لم يُقْبَلْ ظَاهِرًا وَيُدَيَّنُ وَيُفَارِقُ ما لو قال إحْدَاكُمَا طَالِقٌ كما سَيَأْتِي بِأَنَّ إحْدَاكُمَا يَتَنَاوَلُهُمَا تَنَاوُلًا وَاحِدًا ولم يُصَرِّحْ بِاسْمِ زَوْجَتِهِ وَلَا بِمَا يَقُومُ مَقَامَهُ بِخِلَافِ زَيْنَبَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ لَا غَيْرَهَا أو أَرَادَ فِيمَا لو نَكَحَ امْرَأَةً نِكَاحًا صَحِيحًا وَأُخْرَى نِكَاحًا فَاسِدًا وقال إحْدَاكُمَا طَالِقٌ فَاسِدَةَ النِّكَاحِ قُبِلَ كما لو أَرَادَ الْأَجْنَبِيَّةَ فِيمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ بَلْ أَوْلَى هذا ما في الْفَصْلِ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تَصْدُقُ بِهِ وَبِأَنْ يَكُونَ اسْمُ كُلٍّ من هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ زَيْنَبَ وَيُعَلِّقُ بِقَوْلِهِ زَيْنَبُ طَالِقٌ وَأَرَادَ فَاسِدَةَ النِّكَاحِ بَلْ عِبَارَتُهُ ظَاهِرَةٌ فيه وهو ظَاهِرٌ وَلَوْ قال لها أَيْ لِزَوْجَتِهِ وَلِأَجْنَبِيَّةٍ أو أَمَتِهِ أو رَجُلٍ أو دَابَّةٍ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ طَلُقَتْ إنْ نَوَاهَا أو أَطْلَقَ فَإِنْ نَوَى الْأَجْنَبِيَّةَ أو الْأَمَةَ لَا الرَّجُلَ وَالدَّابَّةَ قُبِلَ منه بِيَمِينِهِ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا على السَّوَاءِ مع كَوْنِ كُلٍّ من الْأَجْنَبِيَّةِ وَالْأَمَةِ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَالدَّابَّةِ
فَصْلٌ لو قال لِزَوْجَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَجَبَ فَوْرًا التَّعْيِينُ لها إنْ أَبْهَمَ الطَّلَاقَ وَالتَّبْيِينُ إنْ عَيَّنَ لِتَتَمَيَّزَ الْمُحَرَّمَةُ عن غَيْرِهَا فَإِنْ أَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ عَصَى فَإِنْ امْتَنَعَ حُبِسَ وَعُزِّرَ قال الْإِسْنَوِيُّ وَقَضِيَّةُ ذلك أَنَّهُ لو اسْتَمْهَلَ لم يُمْهَلْ لَكِنْ قال ابن الرِّفْعَةِ يُمْهَلُ لِقَوْلِ الرُّويَانِيِّ فِيمَنْ أَسْلَمَ على أَكْثَرِ من أَرْبَعٍ لو اسْتَمْهَلَ أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وما قَالَهُ ابن الرِّفْعَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ فِيمَا إذَا أَبْهَمَ أو عَيَّنَ نَسِيَ فَإِنْ عَيَّنَ ولم يَدَّعِ نِسْيَانًا فَالْأَوْجَهُ لِكَلَامِهَا هذا في غَيْرِ رَجْعِيٍّ أَمَّا فيه فَلَا يَلْزَمُهُ فَوْرًا تَعْيِينٌ وَلَا بَيَانٌ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ وَإِنْ مَاتَتَا فإنه يَجِبُ فَوْرًا التَّعْيِينُ وَالتَّبْيِينُ لِيَتَبَيَّنَ حَالُ الْإِرْثِ وَلَا يُعْذَرُ في دَعْوَى النِّسْيَانِ بِقَيْدٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ إنْ كَذَّبَتَاهُ بَلْ يَحْلِفُ لَهُمَا كما مَرَّ بَيَانُهُ وَالطَّلَاقُ يَقَعُ بِاللَّفْظِ فِيمَا إذَا طَلَّقَ إحْدَاهُمَا وَلَوْ أَبْهَمَ لِأَنَّهُ جَزَمَ بِهِ وَنَجَّزَهُ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَّا أَنَّ مَحَلَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ أو غَيْرُ مُبَيَّنٍ فَيُؤْمَرُ بِالتَّعْيِينِ أو التَّبْيِينِ لَكِنْ عِدَّةُ الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ من التَّعْيِينِ وَالْمُعَيَّنِ من اللَّفْظِ لِعَدَمِ تَعْيِينِ الْمَحَلِّ في الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ وَيَجُوزُ أَنْ تَتَأَخَّرَ الْعِدَّةُ عن وَقْتِ الْحُكْمِ بِالطَّلَاقِ كما تَجِبُ في النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِالْوَطْءِ وَتُحْسَبُ من التَّفْرِيقِ وَيَعْتَزِلُهُمَا إلَى التَّعْيِينِ أو التَّبْيِينِ لِاشْتِبَاهِ الْمُبَاحَةِ بِغَيْرِهَا وَيُنْفِقُ عَلَيْهِمَا إلَى ذلك لِحَبْسِهِمَا عِنْدَهُ
____________________
(3/297)
حَبْسَ الزَّوْجَاتِ وإذا عَيَّنَ أو بَيَّنَ لَا يَسْتَرِدُّ الْمَدْفُوعَ لِلْمُطَلَّقَةِ لِذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ تَبَيَّنَ الطَّلَاقُ في إحْدَاهُمَا فَلِلْأُخْرَى تَحْلِيفُهُ بِأَنْ تَدَّعِي عليه أَنَّك نَوَيْتَنِي وَتُحَلِّفُهُ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَطَلُقَتَا لَا إنْ عَيَّنَ في إحْدَاهُمَا فَلَيْسَ لِلْأُخْرَى ذلك لِأَنَّ التَّعْيِينَ اخْتِيَارٌ يُنْشِئُهُ
فَرْعٌ ليس الْوَطْءُ لِإِحْدَاهُمَا فِيمَا ذُكِرَ تَعْيِينًا وَلَا تَبْيِينًا لِلطَّلَاقِ في غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَطَأَ الْمُطَلَّقَةَ وَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ لَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ ابْتِدَاءً فَلَا يُتَدَارَكُ بِالْفِعْلِ وَلِذَلِكَ لَا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِالْوَطْءِ فَتَبْقَى الْمُطَالَبَةُ بِالتَّعْيِينِ وَالتَّبْيِينِ فَلَوْ عَيَّنَ الطَّلَاقَ فِيمَنْ وَطِئَهَا لَزِمَهُ الْمَهْرُ بِنَاءً على أنها طَلُقَتْ بِاللَّفْظِ مع جَهْلِهَا أنها الْمُطَلَّقَةُ وَإِنْ بَيَّنَ فيها وَهِيَ بَائِنٌ لَزِمَهُ الْحَدُّ لِاعْتِرَافِهِ بِوَطْءِ أَجْنَبِيَّةٍ بِلَا شُبْهَةٍ وَالْمَهْرُ لِمَا مَرَّ بِخِلَافِ الرَّجْعِيَّةِ لَا حَدَّ بِوَطْئِهِ لها وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا حَدَّ في الْأُولَى وَإِنْ كان الطَّلَاقُ بَائِنًا وهو ظَاهِرٌ لِلِاخْتِلَافِ في أنها طَلُقَتْ بِاللَّفْظِ أو لَا لَكِنْ جَزَمَ في الْأَنْوَارِ بِأَنَّهُ يَحُدُّ فيها أَيْضًا وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ وَالْفَرْقُ لَائِحٌ فَإِنْ بَيَّنَ في غَيْرِ مَوْطُوءَتِهِ قُبِلَ فَإِنْ ادَّعَتْ الْمَوْطُوءَةَ أَنَّهُ أَرَادَهَا بِالطَّلَاقِ وَنَكَلَ عن الْيَمِينِ حَلَفَتْ وَطَلُقَتْ وَلَزِمَهُ مَهْرُهَا وَلَا حَدَّ عليه لِلشُّبْهَةِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ ثَبَتَ بِظَاهِرِ الْيَمِينِ وَإِنْ قال الْمُبَيِّنُ أَيْ مُرِيدُ الْبَيَانِ أَرَدْت هذه بَلْ هذه أو هذه مع هذه أو هذه هذه أو هذه وَهَذِهِ طَلُقَتَا لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُمَا بِالطَّلَاقِ وَرُجُوعُهُ بِذِكْرِ بَلْ عن الْإِقْرَارِ بِطَلَاقِ الْأُولَى لَا يُقْبَلُ كما لو قال عَلَيَّ دِرْهَمٌ بَلْ دِينَارٌ هذا في الظَّاهِرِ أَمَّا في الْبَاطِنِ فَالْمُطَلَّقَةُ من نَوَاهَا فَقَطْ لِأَنَّ ذلك ليس بِإِنْشَاءٍ وَإِنَّمَا هو إخْبَارٌ وَلَوْ عَطَفَ بِثُمَّ أو بِالْفَاءِ بِأَنْ قال هذه ثُمَّ هذه أو هذه فَهَذِهِ طَلُقَتْ الْأُولَى فَقَطْ لِفَصْلِ الثَّانِيَةِ بِالتَّرْتِيبِ فلم يَبْقَ لها شَيْءٌ وَكَذَا تَطْلُقُ الْأُولَى فَقَطْ لو قال هذه قبل هذه أو بَعْدَهَا هذه كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلَوْ قال هذه بَعْدَ هذه فَالْمُشَارُ إلَيْهَا ثَانِيًا هِيَ الْمُطَلَّقَةُ وَإِنْ قال هذه أو هذه اسْتَمَرَّ الْإِشْكَالُ وَالْمُطَالَبَةُ بِالْبَيَانِ فَإِنْ قال وَهُنَّ ثَلَاثٌ بَعْدَ قَوْلِهِ إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ أَرَدْت هذه بَلْ هذه أو هذه طَلُقَتْ الْأُولَى وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ وَإِنْ قال هذه أو هذه بَلْ هذه فَبِالْعَكْسِ أَيْ فَتَطْلُقُ الْأَخِيرَةُ وَإِحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ هذا إذَا وَصَلَ الْأَلْفَاظَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ هذا من زِيَادَتِهِ احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا فَصَلَهَا وَحُكْمُهُ يُعْرَفُ مِمَّا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ
وَإِنْ قال هذه وَهَذِهِ أو هذه وَفَصَلَ الثَّالِثَةَ عن الْأُولَيَيْنِ بِوَقْفَةٍ أو بِنَغْمَةٍ أو أَدَاءٍ فَالتَّرَدُّدُ لِلطَّلَاقِ كَائِنٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأُولَتَيْنِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ فَإِنْ بَيَّنَ فيها طَلُقَتْ وَحْدَهَا أو في الْأُولَتَيْنِ أو إحْدَاهُمَا طَلُقَتَا مَعًا لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ فَلَا يَفْتَرِقَانِ وَإِنْ فَصَلَ الْأُولَى عن الْأَخِيرَتَيْنِ طَلُقَتْ هِيَ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ فَعَلَيْهِ بَيَانُ الْمُطَلَّقَةِ مِنْهُمَا وَعَدَلَ إلَى ذلك عن قَوْلِ أَصْلِهِ تَرَدَّدَ الطَّلَاقُ بين الْأُولَى وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ فَإِنْ بَيَّنَ في الْأُولَى طَلُقَتْ وَحْدَهَا وَإِنْ بَيَّنَ في الْأُخَرَتَيْنِ أو إحْدَاهُمَا طَلُقَتَا جميعا لِقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ تَبَعًا لِلنَّسَائِيِّ إنَّ قَوْلَهُ تَرَدَّدَ بين الْأُولَى وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ غَلَطٌ وَصَوَابُهُ طَلُقَتْ الْأُولَى وَتَرَدَّدَ الطَّلَاقُ بين الْأُخْرَيَيْنِ لِأَنَّهُ عَطَفَ الثَّانِيَةَ بِالْوَاوِ وَالثَّالِثَةَ بِأَوْ وَقَوْلُهُ فَإِنْ بَيَّنَ في الْأُولَى طَلُقَتْ وَحْدَهَا غَلَطٌ من وَجْهَيْنِ كَوْنُهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ وَكَوْنُ الطَّلَاقِ لَا يَقَعُ عليها وَحْدَهَا بَلْ مع إحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ وَقَوْلُهُ فَإِنْ بَيَّنَ في إحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ طَلُقَتَا غَلَطٌ بَلْ يَقْتَصِرُ الطَّلَاقُ عليها مع الْأُولَى وَإِنْ لم يَفْصِلْ في هذه الصُّورَةِ بِأَنْ سَرَدَ أَلْفَاظَهَا احْتَمَلَ الْمَعْنَيَانِ أَيْ فَصْلُ الثَّانِيَةِ عن الْأُولَيَيْنِ وَفَصْلُ الْأُولَى عن الْأُخْرَيَيْنِ فَيَسْأَلُ وَيَعْمَلُ بِمَا أَظْهَرَ إرَادَتَهُ وَإِنْ عَطَفَ الثَّانِيَةَ بِأَوْ وَالثَّالِثَةَ بِالْوَاوِ فقال أَرَدْت هذه أو هذه وَهَذِهِ فَبِالْعَكْسِ أَيْ فَإِنْ فَصَلَ الْأُولَى عن الْأُخْرَيَيْنِ فَالتَّرَدُّدُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمَا فَإِنْ بَيَّنَ فيها طَلُقَتْ وَحْدَهَا أو فِيهِمَا أو في إحْدَاهُمَا طَلُقَتَا مَعًا وَإِنْ فَصَلَ الْأَخِيرَةَ عن الْأُولَيَيْنِ طَلُقَتْ هِيَ وَإِحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِنْ لم يَفْصِلْ اُحْتُمِلَ الْمَعْنَيَانِ هذا إنْ فَصَلَ بِوَقْفَةٍ يَسِيرَةٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَنْتَظِمُ بِهِ مَعَهَا الْكَلَامُ فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ لَغَا ما بَعْدَهُ إذْ لَا يَسْتَقِلُّ بِالْإِفَادَةِ
وَإِنْ قال وَهُنَّ أَرْبَعٌ أَرَدْت هذه بَلْ هذه بَلْ هذه بَلْ هذه طَلُقْنَ جميعا وَكَذَا تَطْلُقْنَ جميعا لو عَطَفَ بِالْوَاوِ فَلَوْ عَطَفَ بِالْفَاءِ أو بِثُمَّ فَقَدْ عُلِمَ حُكْمُهُ مِمَّا مَرَّ فَإِنْ قال هذه أو هذه لَا بَلْ هذه وَهَذِهِ طَلُقَتْ الْأُخْرَيَاتُ وَإِحْدَى الْأُولَيَيْنِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وَلَا يَخْفَى عَكْسُهُ بِأَنْ قال هذه وَهَذِهِ لَا بَلْ هذه أو هذه فَتَطْلُقُ الْأُولَيَانِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وَإِنْ قال هذه وَهَذِهِ وَهَذِهِ أو هذه وَفَصَلَ الرَّابِعَةَ عن الثَّلَاثِ فَالتَّرَدُّدُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّلَاثِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ
____________________
(3/298)
وَإِنْ فَصَلَ الثَّالِثَةَ عَمَّا قَبْلَهَا طَلُقَتْ الْأُولَيَانِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وَإِنْ فَصَلَ الْأُولَى عَمَّا بَعْدَهَا طَلُقَتْ وَالتَّرَدُّدُ بين الرَّابِعَةِ وَالْمُتَوَسِّطَتَيْنِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وَإِنْ سَرَدَ الْأَلْفَاظَ بِأَنْ لم يَفْصِلْهَا احْتَمَلَ الْمَعَانِيَ الثَّلَاثَةَ أَيْ فَصَلَ الرَّابِعَةَ وَفَصَلَ الثَّالِثَةَ وَفَصَلَ الْأُولَى فَيَسْأَلُ وَيَعْمَلُ بِمَا أَظْهَرَ إرَادَتَهُ وَمَحَلُّ ذلك إذَا فَصَلَ بِوَقْفَةٍ يَسِيرَةٍ وَنَحْوِهَا كما مَرَّ نَظِيرُهُ وَقِسْ بَاقِيَ الصُّوَرِ على بَعْضِهَا الْمَذْكُورِ فَلَوْ قال هذه أو هذه بَلْ هذه أو هذه طَلُقَتْ إحْدَى الْأُولَتَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ وَلَوْ قال هذه وَهَذِهِ أو هذه وَهَذِهِ فَقَدْ يَفْصِلُ الْأُولَى عن الثَّلَاثِ الْأَخِيرَةِ وَيَضُمُّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ فَتَطْلُقُ الْأُولَى وَيَتَرَدَّدُ الطَّلَاقُ بين الثَّانِيَةِ وَحْدَهَا وَبَيْنَ الْأُخْرَيَيْنِ مَعًا وقد يُفْرَضُ الْفَصْلُ بين الْأُولَيَيْنِ وَالْأُخْرَيَيْنِ وَالضَّمُّ فِيهِمَا فَتَطْلُقُ الْأُولَيَانِ أو الْأُخْرَيَانِ وقد يُفْرَضُ فَصْلُ الرَّابِعَةِ عَمَّا قَبْلَهَا فَتَطْلُقُ الرَّابِعَةُ وَيَتَرَدَّدُ الطَّلَاقُ بين الثَّالِثَةِ وَحْدَهَا وَبَيْنَ الْأُولَيَيْنِ مَعًا
وَإِنْ قال هذه الْمُطَلَّقَةُ ثُمَّ قال لَا أَدْرِي هِيَ هذه أَمْ غَيْرُهَا طَلُقَتْ وَوُقِفَ الْبَاقِيَاتُ أَيْ أَمْرُهُنَّ فَإِنْ قال بَعْدَ ذلك تَحَقَّقْت أنها هِيَ قُبِلَ منه ولم يُطَلِّقْ غَيْرَهَا وَإِنْ بَيَّنَ في غَيْرِهَا حُكِمَ بِطَلَاقِهَا أَيْضًا ولم يُقْبَلْ رُجُوعُهُ عن الْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ هذا كُلُّهُ في تَبْيِينِ الْمُعَيَّنَةِ هذا إيضَاحٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فيه حَيْثُ قال وَإِنْ قال الْمُبَيَّنُ إلَى آخِرِهِ وَإِنْ عَيَّنَ الْمُبْهَمَ لِطَلَاقِهِ أو عَيَّنَ الْمُطَلِّقُ طَلَاقَهُ الْمُبْهَمَ فقال هذه وَهَذِهِ أو هذه فَهَذِهِ أو هذه ثُمَّ هذه أو هذه هذه أو هذه بَلْ هذه لَغَتْ الثَّانِيَةُ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْمُبْهَمِ إنْشَاءً لِلِاخْتِيَارِ لَا إخْبَارٌ عن سَابِقٍ وَلَيْسَ له إلَّا اخْتِيَارُ وَاحِدَةٍ فَيَلْغُو ذِكْرُ اخْتِيَارِ غَيْرِهَا
فَرْعٌ لو مَاتَتَا قبل الْبَيَانِ أو التَّعْيِينِ وُقِفَ مِيرَاثُهُ مِنْهُمَا حتى يُبَيِّنَ أو يُعَيِّنَ فَإِنْ عَيَّنَ أو بَيَّنَ وَالطَّلَاقُ بَائِنٌ لم يَرِث من الْمُطَلَّقَةِ لِبَيْنُونَتِهَا منه وَيَرِثُ من الْأُخْرَى ثُمَّ إنْ نَوَى مُعَيَّنَةً فَبَيَّنَ في وَاحِدَةٍ فَلِوَرَثَةِ الْأُخْرَى تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ لم يُرِدْهَا بِالطَّلَاقِ لِأَنَّهُ يَرُومُ الشَّرِكَةَ في تَرِكَتِهَا فَإِنْ حَلَفَ فَذَاكَ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفُوا ولم يَرِثْ منها أَيْضًا لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ وَإِنْ حَلَفَ كما قُلْنَا قال في الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا طَالَبُوهُ بِكُلِّ الْمَهْرِ إنْ دخل بِمُوَرِّثَتِهِمْ وَإِلَّا فَهَلْ يُطَالِبُوهُ بِالْكُلِّ أَيْ بِكُلِّ الْمَهْرِ لِاعْتِرَافِهِ أنها زَوْجَةٌ أَمْ بِنِصْفِهِ لِزَعْمِهِمْ أنها مُطَلَّقَةٌ قبل الدُّخُولِ وَجْهَانِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إذَا حَلَفَ قبل الدُّخُولِ أو بَعْدَهُ وَرِثَ نِصْفَ الْمَهْرِ أو رُبْعَهُ فَلَا يُطَالِبُونَهُ إلَّا بِمَا زَادَ على إرْثِهِ وَيُدْفَعُ النَّظَرُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمُطَالَبَتِهِمْ بِكُلِّ الْمَهْرِ أو بِنِصْفِهِ مُطَالَبَتُهُمْ بِنَصِيبِهِمْ من ذلك وَأَقْرَبُ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ ثَانِيهِمَا لِزَعْمِهِمْ أنها مُطَلَّقَةٌ فَهُمْ مُنْكِرُونَ اسْتِحْقَاقَ النِّصْفِ وَإِنْ عَيَّنَ امْرَأَةً في الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ فَلَا اعْتِرَاضَ لِوَرَثَةِ الْأُخْرَى عليه لِأَنَّ التَّعْيِينَ إلَى اخْتِيَارِهِ
وَإِنْ كَذَّبَهُ وَرَثَةُ الْمُطَلَّقَةِ يَعْنِي الْمُبَيَّنَةُ لِلطَّلَاقِ فَلَهُمْ تَحْلِيفُهُ أنها الْمُطَلَّقَةُ وقد أَقَرُّوا له بِإِرْثٍ لَا يَدَّعِيه وَادَّعُوا عليه مَهْرًا اسْتَقَرَّ بِالْمَوْتِ إنْ لم يَدْخُلْ بها وَتَعْبِيرُ الْأَصْلِ في هذه بِوَرَثَةِ الْمُعَيَّنَةِ لِلطَّلَاقِ يُوهِمُ أَنَّهُ أَرَادَ مَسْأَلَةَ الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ وَلَيْسَ مُرَادًا لِأَنَّ التَّعْيِينَ اخْتِيَارٌ لَا إخْبَارٌ فَلَا يَقَعُ فيه تَكْذِيبٌ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُمَا أَيْ قبل الْبَيَانِ وَالتَّعْيِينِ قام الْوَارِثُ مَقَامَهُ في التَّبْيِينِ لَا في التَّعْيِينِ لِأَنَّ الْبَيَانَ إخْبَارٌ يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عليه بِخَبَرٍ أو قَرِينَةِ وَالتَّعْيِينَ اخْتِيَارٌ يَصْدُرُ عن شَهْوَةٍ فَلَا يَخْلُفُهُ الْوُرَّاثُ فيه كما لو أَسْلَمَ الْكَافِرُ على أَكْثَرَ من أَرْبَعٍ وَمَاتَ قبل الِاخْتِيَارِ لَا يَخْلُفُهُ وُرَّاثُهُ فيه وما ذَكَرَهُ هو ما صَحَّحَهُ في الْمِنْهَاجِ وَتَصْحِيحُ التَّنْبِيهِ خِلَافُ ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِهِ من أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ في التَّعْيِينِ أَيْضًا وَشَمِلَ كَلَامُهُ ما لو مَاتَتَا قَبْلَهُ أو بَعْدَهُ أو إحْدَاهُمَا قَبْلَهُ وَالْأُخْرَى بَعْدَهُ أو لم تَمُتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا أو مَاتَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى
وقال الْقَفَّالُ إنْ مَاتَ قَبْلَهُمَا لم يُعَيِّنْ وَارِثُهُ ولم يُبَيِّنْ إذْ لَا غَرَضَ له في ذلك لِأَنَّ مِيرَاثَ زَوْجَتِهِ من رُبُعٍ أو ثُمُنٍ يُوقَفُ بِكُلِّ حَالٍ إلَى الِاصْطِلَاحِ سَوَاءٌ أَخْلَفَ زَوْجَةً أَمْ أَكْثَرَ بِخِلَافِ ما إذَا مَاتَ بَعْدَهُمَا أو بَيْنَهُمَا فَقَدْ يَكُونُ له غَرَضٌ في تَعْيِينِ إحْدَاهُمَا لِلطَّلَاقِ فَإِنْ تَوَقَّفَ الْوَارِثُ في التَّبْيِينِ بِأَنْ قال لَا أَعْلَمُ وَمَاتَ الزَّوْجُ قبل الزَّوْجَتَيْنِ وُقِفَ من تَرِكَتِهِ مِيرَاثُ زَوْجَةٍ بَيْنَهُمَا حتى يَصْطَلِحَا أو يَصْطَلِحَ وَرَثَتُهُمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا وَإِنْ مَاتَتْ
____________________
(3/299)
قَبْلَهُ وُقِفَ من تَرِكَتِهِمَا مِيرَاثُ زَوْجٍ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ وقد مَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا قَبْلَهُ ثُمَّ الْأُخْرَى بَعْدَهُ وُقِفَ مِيرَاثُ الزَّوْجِ من تَرِكَتِهَا أَيْ الْأُولَى ووقف مِيرَاثُ الزَّوْجَةِ مِنْهُمَا من تَرِكَتِهِ حتى يَحْصُلَ الِاصْطِلَاحُ ثُمَّ إنْ بَيَّنَ الْوَارِثُ الطَّلَاقَ في الْمَيِّتَةِ مِنْهُمَا أَوَّلًا قُبِلَ ولم نُحَلِّفْهُ لِإِضْرَارِهِ بِنَفْسِهِ لِحِرْمَانِهِ من الْإِرْثِ وَلِشَرِكَةِ الْأُخْرَى في إرْثِهِ وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ على بَاقِي الْوَرَثَةِ أَيْ وَرَثَةِ الزَّوْجَةِ أو بَيْنَهُ في الْمُتَأَخِّرَةِ أو كانت بَاقِيَةً لم تَمُتْ فَلِوَرَثَتِهَا في الْأُولَى أو لها في الثَّانِيَةِ تَحْلِيفُهُ لِأَنَّهُ يَرُومُ حِرْمَانَهُمْ من مِيرَاثِ الزَّوْجِ فَيَحْلِفُ على الْبَتِّ أَنَّ مُوَرِّثَهُ طَلَّقَهَا لِأَنَّ يَمِينَ الْإِثْبَاتِ يَكُونُ على الْبَتِّ وَلِوَرَثَةِ الْمُعَيَّنَةِ لِلنِّكَاحِ تَحْلِيفُهُ لِأَنَّهُ يَرُومُ الشَّرِكَةَ في تَرِكَتِهَا فَيَحْلِفُ على نَفْيِ الْعِلْمِ أَنَّ مُوَرِّثَهُ لم يُطَلِّقْهَا وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَيْ وَارِثُ الزَّوْجِ على بَاقِي الْوَرَثَةِ أَيْ وَرَثَةِ الزَّوْجَةِ بِطَلَاقِ الْمُتَأَخِّرَةِ لِلتُّهْمَةِ بِجَرِّهِ النَّفْعَ بِشَهَادَتِهِ وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ من وَرَثَةِ الزَّوْجِ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ فُلَانَةَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا إنْ مَاتَ قبل الزَّوْجَيْنِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ بِخِلَافِ ما لو مَاتَتَا قَبْلَهُ وَلَوْ مَاتَ بَعْدَهُمَا فَبَيَّنَ الْوُرَّاثُ وَاحِدَةً فَلِوَرَثَةِ الْأُخْرَى تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَ مُوَرِّثَتَهُمْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ
فَرْعٌ لو ادَّعَتْ في مَسْأَلَةِ الْغُرَابِ أَيْ في مَسْأَلَةِ تَعْلِيقِ طَلَاقِهَا بِكَوْنِ الطَّائِرِ غُرَابًا أَنَّهُ غُرَابٌ وَأَنْكَرَ حَلَفَ على الْبَتِّ أَنَّهُ لم يَكُنْ غُرَابًا لَا على نَفْيِ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ غُرَابًا وَلَا على نِسْيَانِهِ بِخِلَافِ ما إذَا عَلَّقَهُ أَيْ الطَّلَاقُ بِدُخُولِ غَيْرِهِ وَنَحْوِهِ أَيْ نَحْوِ الدُّخُولِ وَأَنْكَرَ حُصُولَهُ فإنه يَحْلِفُ على نَفْيِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْحَلِفَ ثَمَّ على نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ وَأَمَّا نَفْيُ الْغَرَابِيَّةِ فَهُوَ نَفْيُ صِفَةٍ في الْغَيْرِ وَنَفْيُ الصِّفَةِ كَثُبُوتِهَا في إمْكَانِ الِاطِّلَاعِ عليها قال في الْأَصْلِ قال الْغَزَالِيُّ وفي الْقَلْبِ من هذا الْفَرْقِ شَيْءٌ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا يَلْزَمُهُ الْحَلِفُ على نَفْيِ الْغَرَابِيَّةِ إذَا تَعَرَّضَ له في الْجَوَابِ أَمَّا إذَا اقْتَصَرَ على قَوْلِهِ لَيْسَتْ بِمُطَلَّقَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى منه بِذَلِكَ كَنَظَائِرِهِ
فَصْلٌ لو قال إنْ كان هذا الطَّائِرُ غُرَابًا فَنِسَائِي طَوَالِقُ وَإِنْ لم يَكُنْ غُرَابًا فَعَبْدِي حُرٌّ وَأَشْكَلَ الْحَالُ بِأَنْ قال لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ غُرَابٌ أو غَيْرَهُ وَصَدَّقُوهُ أَيْ النِّسْوَةُ وَالْعَبْدُ أو كَذَّبُوهُ وَحَلَفَ على نَفْيِ الْعِلْمِ اعْتَزَلَهُنَّ أَيْ النِّسْوَةُ ولم يَسْتَخْدِمْ الْعَبْدَ ولم يَتَصَرَّفْ فيه إلَى الْبَيَانِ لِتَيَقُّنِ التَّحْرِيمِ في إحْدَاهُمَا كَطَلَاقِ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ وَلَا يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا ما دَامَ حَيًّا لِتَوَقُّعِ الْبَيَانِ وَأَنْفَقَ على الْجَمِيعِ إلَيْهِ أَمَّا إذَا نَكَلَ فَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي مِنْهُمَا وَيُقْضَى بِمَا ادَّعَاهُ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِطَلَاقِهِنَّ بِأَنْ قال حَنِثْت فيه أو في يَمِينِهِنَّ وَصَدَّقَهُ الْعَبْدُ فَذَاكَ وَلَا يَمِينَ عليه وإن كَذَّبَهُ الْعَبْدُ وَادَّعَى الْعِتْقَ حَلَفَ السَّيِّدُ له فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْعَبْدُ وَحُكِمَ بِالطَّلَاقِ بِالِاعْتِرَافِ وَالْعِتْقِ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ وَكَذَا عَكْسُهُ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِعِتْقِ الْعَبْدِ بِأَنْ قال حَنِثْت فيه أو في يَمِينِ الْعَبْدِ فَإِنْ صَدَّقَهُ النِّسْوَةُ فَذَاكَ وَلَا يَمِينَ وَإِنْ كَذَّبَتْهُ حَلَفَ لَهُنَّ فَإِنْ نَكَلَ حُكِمَ بِالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَإِنْكَارُهُ الْحِنْثَ في إحْدَاهُمَا اعْتِرَافٌ بِهِ في الْآخَرِ فَقَوْلُهُ لم أَحْنَثْ في يَمِينِ الْعَبْدِ كَقَوْلِهِ حَنِثْت في يَمِينِ النِّسْوَةِ وَقَوْلُهُ لم أَحْنَثْ في يَمِينِ النِّسْوَةِ كَقَوْلِهِ حَنِثْت في يَمِينِ الْعَبْدِ وَإِنْ ادَّعَتْ إحْدَاهُنَّ عِلْمَهُ بِالطَّلَاقِ وَنَكَلَ عن الْيَمِينِ وَحَلَفَتْ طَلُقَتْ وَحْدَهَا فَإِنْ ادَّعَتْ عليه الْأُخْرَى ذلك الْأَوْلَى قَوْلُ الْأَصْلِ أُخْرَى فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ وَلَا يَضُرُّهُ النُّكُولُ مع غَيْرِهَا أَيْ وَلَا يُجْعَلُ نُكُولُهُ في حَقِّ وَاحِدَةٍ نُكُولًا في حَقِّ غَيْرِهَا
قال الْبَغَوِيّ وَهَذَا بِخِلَافِ ما لو أَقَامَتْ إحْدَاهُنَّ بَيِّنَةً على إقْرَارِهِ بِالْحِنْثِ حَيْثُ تَطْلُقُ هِيَ وَصَوَاحِبَاتُهَا لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ عَامَّةٌ كما لو قال لِزَوْجَتَيْهِ إنْ دَخَلْتُمَا الدَّارَ فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَادَّعَتْ إحْدَاهُمَا الدُّخُولَ وَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ هِيَ وَطَلُقَتْ دُونَ صَاحِبَتِهَا وَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً على ذلك طَلُقَتَا جميعا انْتَهَى وَلَوْ ادَّعَيْنَ كُلُّهُنَّ عِلْمَهُ بِالطَّلَاقِ وَنَكَلَ عن الْيَمِينِ فَحَلَفَ بَعْضُهُنَّ دُونَ بَعْضٍ حُكِمَ بِطَلَاقِ من حَلَفَتْ دُونَ من لم تَحْلِفْ وَيَجْرِي هُنَا ما مَرَّ من الْأَمْرِ بِالْبَيَانِ وَالْحَبْسِ وَالتَّعْزِيرِ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ وَمَتَى مَاتَ قبل بَيَانِهِ قُبِلَ الْبَيَانُ من الْوَرَثَةِ إنْ عَيَّنُوا الْأُولَى أَنْ بَيَّنُوا الْحِنْثَ في الْعَبْدِ لِإِضْرَارِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ بِتَشْرِيكِ النِّسْوَةِ في التَّرِكَةِ وَإِخْرَاجِ الْعَبْدِ عنها لَا إنْ بَيَّنُوهُ في النِّسْوَةِ فَلَا يُقْبَلُ منهم لِلتُّهْمَةِ بِإِسْقَاطِ إرْثِهِنَّ وَإِرْقَاقِ الْعَبْدِ وفي نُسْخَةٍ قُبِلَ من الْوَارِثِ إنْ عَيَّنَ إلَى آخِرِهِ وَيُنَاسِبُهَا
____________________
(3/300)
قَوْلُهُ فَإِنْ تَوَقَّفَ بِأَنْ قال لَا أَعْلَمُ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا رَجَاءَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ على الْعَبْدِ فَإِنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ في الْعِتْقِ وَإِنْ لم تُؤَثِّرْ في الطَّلَاقِ كما تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ في السَّرِقَةِ لِتَأْثِيرِهَا في الضَّمَانِ وَإِنْ لم تُؤَثِّرْ في الْقَطْعِ وفي النِّكَاحِ لِتَأْثِيرِهَا في الْمَالِ وَإِنْ لم تُؤَثِّرْ في النِّكَاحِ فَإِنْ خَرَجَتْ لِلْعَبْدِ عَتَقَ وَيَكُونُ عِتْقُهُ من الثُّلُثِ إنْ عَلَّقَ في الْمَرَضِ وَإِلَّا فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ ولم يَزْنِ من الزَّوْجِ إنْ ادَّعَيْنَ طَلَاقًا بَائِنًا وَإِلَّا وَرِثْنَ وَإِنْ خَرَجَتْ لَهُنَّ اسْتَمَرَّ الْإِشْكَالُ إذْ لَا أَثَرَ لِلْقُرْعَةِ في الطَّلَاقِ وَلَا تُعَادُ وَوَقَفَ إرْثُهُنَّ وَالْأَوْلَى لَهُنَّ تَرْكُهُ لِلْوَرَثَةِ
فَصْلٌ قال الْبُوشَنْجِيُّ لو قال لِإِحْدَى نِسَاؤُهُ أَنْت طَالِقٌ وَهَذِهِ أو هذه فَإِنْ فَصَلَ الثَّالِثَةَ عن الْأُولَتَيْنِ أو الْأُولَى عن الْأَخِيرَتَيْنِ أو أَرَادَ ذلك كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَالْحُكْمُ كما سَبَقَ في فَرْعٍ ليس الْوَطْءُ تَعْيِينًا فَفِي الْأُولَى إنْ عَيَّنَ الثَّالِثَةَ طَلُقَتْ وَحْدَهَا أو الْأُولَتَيْنِ أو إحْدَاهُمَا طَلُقَتَا وفي الثَّانِيَةِ تَطْلُقُ الْأُولَى وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ وَالتَّعْيِينُ إلَيْهِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَفْصِلْ فَإِنْ كان عَارِفًا بِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ فَالتَّرَدُّدُ بين الْأُولَتَيْنِ وَالثَّالِثَةِ وَإِنْ كان جَاهِلًا بِهِ طَلُقَتْ الْأُولَى وَإِحْدَى الْأُخَرَتَيْنِ فَيُعَيِّنُهَا وَلَوْ اصْطَفَّ نِسْوَتُهُ الْأَرْبَعُ صَفًّا فقال الْوُسْطَى مِنْكُنَّ طَالِقٌ قال النَّوَوِيُّ كَالْقَاضِي طَلُقَتْ إحْدَى الْمُتَوَسِّطَتَيْنِ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْوُسْطَى لِوَاحِدَةٍ فَلَا يُزَادُ عليها وَسَيَأْتِي في الْكِتَابَةِ فِيمَا إذَا قال ضَعُوا عن الْمُكَاتِبِ أَوْسَطَ النُّجُومِ ما يُؤَيِّدُ ذلك عِنْدَ التَّأَمُّلِ الصَّادِقِ وَالتَّعْيِينُ إلَيْهِ وَإِنْ طَلَّقَ زَوْجَتَيْهِ رَجْعِيًّا ثُمَّ قبل الْمُرَاجَعَةِ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا ثَلَاثًا وَأَبْهَمَ الْمُطَلَّقَةَ فَلَهُ التَّعْيِينُ وَلَوْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِنَاءً على أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِاللَّفْظِ لَا بِالتَّعْيِينِ وَلَا يَتَزَوَّجُ بِإِحْدَاهُمَا قبل التَّعْيِينِ وَبَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ
الْبَابُ السَّادِسُ في تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ تَعْلِيقُهُ جَائِزٌ كَالْعِتْقِ وَلِأَنَّهُ قد يَكْرَهُ طَلَاقَهَا فَيَدْفَعُ بِتَعْلِيقِهِ تَنْجِيزَهُ وَاسْتَأْنَسُوا له بِخَبَرِ الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فيه كَالْحَلِفِ كما قَدَّمَهُ في الْخُلْعِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا فَلَا يَقَعُ قبل وُجُودِ الشُّرُوطِ وَلَوْ كان مَعْلُومَ الْحُصُولِ أو قال عَجَّلْته أَيْ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ لِتَعَلُّقِهِ بِالْوَقْتِ الْمُسْتَقْبَلِ كَالْجُعْلِ في الْجَعَالَةِ وَصَوْمِ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ نَذَرَهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ أَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ في الْحَالِ طَلْقَةٌ بِقَوْلِهِ عَجَّلْت الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ قال الْإِسْنَوِيُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَقَعُ في الْحَالِ طَلْقَةٌ جَزْمًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ في وُقُوعِ أُخْرَى عِنْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ كما ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ انْتَهَى وَاسْتَشْكَلَهُ ابن عبد السَّلَامِ بِأَنَّهُ إنْ لم يَصِحَّ التَّعْجِيلُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَطْلُقَ في الْحَالِ انْتَهَى وَيُوَجَّهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ على ما بَعْدَهُ بِأَنَّ قَائِلَهُ أَلْغَى وَصْفَ التَّعْلِيقِ وَنَوَى طَلَاقًا مُبْتَدَأً
فَإِنْ قال أَنْت طَالِقٌ إنْ وقال قَصَدْت الشَّرْطَ لم يُقْبَلْ ظَاهِرًا لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ يَدُلُّ على أَنَّهُ نَدِمَ على التَّعْلِيقِ إنْ قَصَدَهُ وَعَدَلَ إلَى التَّنْجِيزِ إلَّا إنْ مَنَعَ الْإِتْمَامَ كَأَنْ وَضَعَ غَيْرُهُ يَدَهُ على فيه وَحَلَفَ فَيُقْبَلُ ظَاهِرًا لِلْقَرِينَةِ وَإِنَّمَا حَلَفَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَرَادَ التَّعْلِيقَ على شَيْءٍ كَقَوْلِهِ إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا وقد فَعَلَهُ وَسَبَقَ
____________________
(3/301)
في بَابِ تَعَدُّدِ الطَّلَاقِ عن الْبُوشَنْجِيِّ خِلَافُهُ وَلَعَلَّ هذا أَصَحُّ منه وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عليه ثَمَّ وَقَوْلُهُ وَسَبَقَ إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ قال ابْتِدَاءً أَيْ من غَيْرِ ذِكْرِ شَرْطِهِ مُقْتَصِرًا على فَاءِ الْجَزَاءِ فَأَنْت طَالِقٌ وقال أَرَدْت الشَّرْطَ فَسَبَقَ لِسَانِي إلَى الْجَزَاءِ لم يُقْبَلْ منه ظَاهِرًا لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ وقد خَاطَبَهَا بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَالْفَاءُ قد تُزَادُ في غَيْرِ الشَّرْطِ وَرُبَّمَا كان قَصْدُهُ أَنْ يَقُولَ أَمَّا بَعْدُ فَأَنْتِ طَالِقٌ
وَقَوْلُهُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْت طَالِقٌ بِحَذْفِ الْفَاءِ تَعْلِيقٌ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ منه وقد يُسْأَلُ فَإِنْ قال أَرَدْت التَّنْجِيزَ حُكِمَ بِهِ أو التَّعْلِيقَ أو تَعَذَّرَتْ الْمُرَاجَعَةُ حُمِلَ على التَّعْلِيقِ وَالتَّصْرِيحِ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَصَوَّبَ بِالْإِسْنَوِيِّ أَنَّهُ إنْ كان نَحْوِيًّا وَقَعَ الطَّلَاقُ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ أَنْ نَافِيَةً بِدَلِيلِ ما قَالُوهُ فِيمَا لو فَتَحَ أَنْ وَإِلَّا لم يَقَعْ شَيْءٌ وَرُدَّ بِأَنَّ ما قَالُوهُ في النَّحْوِيِّ صَحِيحٌ إنْ نَوَاهُ دُونَ ما إذَا أَطْلَقَ لِأَنَّ إنْ الْمَكْسُورَةَ ظَاهِرَةٌ في الشَّرْطِ وَالْفَاءُ تُحْذَفُ كَثِيرًا فَإِنْ جَعَلَ مَكَانَ الْفَاءِ وَاوًا بِأَنْ قال إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَأَنْت طَالِقٌ وَقَصَدَ التَّعْلِيقَ بِالْأَوَّلِ أو التَّنْجِيزَ بِالثَّانِي أو قَصَدَ جَعْلَهُمَا شَرْطَيْنِ لِعِتْقٍ وَنَحْوِهِ كَطَلَاقٍ قُبِلَ منه بِلَا يَمِينٍ في الثَّانِي وَبِيَمِينٍ فِيمَا عَدَاهُ وَإِلَّا بِأَنْ لم يَقْصِدْ شيئا فَتَعْلِيقٌ بِالدُّخُولِ من جَاهِلٍ بِالْقَرِينَةِ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ له من ذلك فَقَطْ أَيْ دُونَ الْعَالِمِ بها فَلَا يَكُونُ تَعْلِيقًا وَلَا غَيْرَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ عِنْدَهُ نعم إنْ جَعَلَ أَنْ نَافِيَةً احْتَمَلَ كَوْنُ الْوَاوِ لِلْحَالِ فَلَا يَقَعُ طَلَاقٌ أو لِلْعَطْفِ فَيَقَعُ فَيُسْأَلُ فَإِنْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ بِمَوْتٍ أو غَيْرِهِ لم يَقَعْ شَيْءٌ نَبَّهَ على ذلك الْإِسْنَوِيُّ قال وَبَقِيَ ما لو جَهِلْنَا أَنَّهُ عَالِمٌ بِالْعَرَبِيَّةِ أو جَاهِلٌ بها وَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ الْوُقُوعِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمُرَاجَعَةِ وَفَرَّقَ النَّوَوِيُّ هُنَا بين الْجَاهِلِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهِ كما تَقَرَّرَ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا في قَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ أَنْ شَاءَ اللَّهُ بِالْفَتْحِ كما مَرَّ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا في قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ دَخَلْت الدَّارَ بِالْفَتْحِ كما سَيَأْتِي وَهُمَا سَوَاءٌ في الْمَعْنَى وَهَذَا تَبِعَ فيه الْإِسْنَوِيُّ وَيُجَابُ بِأَنَّ حَمْلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ على التَّعْلِيقِ يُؤَدِّي إلَى رَفْعِ الطَّلَاقِ أَصْلًا بِخِلَافِ أَنْ دَخَلْت الدَّارَ ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ أَجَابَ في الْخَادِمِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَغْلِبُ فيه التَّعْلِيقُ فَعِنْدَ الْفَتْحِ يَنْصَرِفُ لِلتَّعْلِيلِ بِهِ مُطْلَقًا وَالثَّانِي يَغْلِبُ فيه التَّعْلِيقُ فَعِنْدَ الْفَتْحِ يُفَرَّقُ بين الْعَالِمِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ قال أَنْت طَالِقٌ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ وَكَذَا لو قال وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ في الْحَالِ دَخَلَتْ أَمْ لم تَدْخُلْ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ من ذلك كما لَا يَخْفَى وَإِنْ قال أَرَدْت تَعْلِيقَهُ بِالدُّخُولِ لم يُقْبَلْ لِمُخَالَفَتِهِ الظَّاهِرَ وَيُدَيَّنُ لِلِاحْتِمَالِ ذَكَرَهُ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ
فَرْعٌ لو عَلَّقَ بِشَرْطٍ وقال أَرَدْت التَّنْجِيزَ فَسَبَقَ لِسَانِي إلَى الشَّرْطِ قُبِلَ منه لِأَنَّهُ غَلَّظَ على نَفْسِهِ وفي التَّعْلِيقِ أَطْرَافٌ سَبْعَةٌ الْأَوَّلُ في التَّعْلِيقِ بِالْأَوْقَاتِ فَإِنْ قال أَنْت طَالِقٌ في شَهْرِ كَذَا أو غُرَّتِهِ أو أَوَّلِهِ أو رَأْسِهِ أو دُخُولِهِ أو مَجِيئِهِ أو ابْتِدَائِهِ أو اسْتِقْبَالِهِ أو أَوَّلِ آخِرِ أَوَّلِهِ طَلُقَتْ بِدُخُولِ أَوَّلِ لَيْلَةٍ منه لِتَحَقُّقِ الِاسْمِ بِأَوَّلِ جُزْءٍ منه وَالِاعْتِبَارُ في دُخُولِهِ بِبَلَدِ التَّعْلِيقِ فَلَوْ عَلَّقَ بِبَلَدِهِ وَانْتَقَلَ إلَى أُخْرَى وَرُئِيَ فيها الْهِلَالُ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لم يُرَ في تِلْكَ لم يَقَعْ الطَّلَاقُ بِذَلِكَ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحِلَّهُ إذَا اخْتَلَفَتْ الْمَطَالِعُ أو أَنْت طَالِقٌ في نَهَارِ شَهْرِ كَذَا أو في أَوَّلِ يَوْمٍ منه فَبِطُلُوعِ فَجْرِ أَوَّلِ يَوْمٍ منه تَطْلُقُ لِتَحَقُّقِ الِاسْمِ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْفَجْرَ أَوَّلُ الْيَوْمِ وَأَوَّلُ النَّهَارِ فَإِنْ أَرَادَ وَسَطَهُ أَيْ الشَّهْرِ أو آخِرَهُ وقد قال أَنْتِ طَالِقٌ في شَهْرِ كَذَا أو أَرَادَ من الْأَيَّامِ إحْدَى الثَّلَاثِ الْأَوْلَى أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الْأَوَّلُ منه
وقد قال أَنْتِ طَالِقٌ غُرَّتَهُ دُيِّنَ لِاحْتِمَالِ ما قَالَهُ فِيهِمَا ولأنهن أَيْ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ غُرَرٌ في الثَّانِيَةِ وَلَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا إلَّا إنْ قال أَرَدْت بِغُرَّتِهِ أو بِرَأْسِ الشَّهْرِ الْأَوْلَى بِرَأْسِهِ الْمُنْتَصَفَ فَلَا يُدَيَّنُ لِأَنَّ غُرَّةَ الشَّهْرِ لَا تُطْلَقُ على غَيْرِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَرَأْسُهُ لَا تُطْلَقُ على غَيْرِ أَوَّلِ لَيْلَةٍ منه وَالْمُنْتَصَفُ مِثَالٌ وَإِنْ قال أَنْت طَالِقٌ في رَمَضَانَ مَثَلًا وهو فيه طَلُقَتْ في الْحَالِ فَإِنْ قال وهو في رَمَضَانَ أَنْت طَالِقٌ في أَوَّلِ رَمَضَانَ أو أَنَّ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ إذَا جاء رَمَضَانُ فَفِي قَابِلٍ أَيْ فَتَطْلُقُ في أَوَّلِ رَمَضَانَ الْقَابِلِ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ إنَّمَا يَكُونُ على مُسْتَقْبَلٍ وَإِنْ عَلَّقَ بِآخِرِ الشَّهْرِ أو السَّنَةِ أو سَلْخِهِ أَيْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَبِآخِرِ جُزْءٍ منه أَيْ الشَّهْرِ أو منها أَيْ السَّنَةِ تَطْلُقُ لِأَنَّهُ الْآخِرُ الْمُطْلَقُ وَالسَّابِقُ لِلْفَهْمِ وَاسْمُ السَّلْخِ يَقَعُ عليه فَيَتَعَلَّقُ بِهِ الطَّلَاقُ وَكَسَلْخِهِ
____________________
(3/302)
انْسِلَاخُهُ وَخُرُوجُهُ وَانْقِضَاؤُهُ وَمُضِيُّهُ وَنُفُوذُهُ وكذا تَطْلُقُ بِآخِرِ جُزْءٍ منه إنْ عَلَّقَ بِآخِرِ أَوَّلِ آخِرِهِ لِأَنَّ آخِرَهُ الْيَوْمُ الْأَخِيرُ وَأَوَّلَهُ طُلُوعُ الْفَجْرِ فَآخِرُ أَوَّلِهِ الْغُرُوبُ وهو الْجُزْءُ الْأَخِيرُ كَذَا قَالُوهُ وَالْأَوْجَهُ أنها تَطْلُقُ قبل زَوَالِ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ لِأَنَّهُ آخِرُ أَوَّلِهِ وَوَقْتُ الْغُرُوبِ إنَّمَا هو الْيَوْمُ لَا آخِرُ أَوَّلِهِ وَإِنْ عَلَّقَ بِأَوَّلِ آخِرِهِ فَبِأَوَّلِ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ منه تَطْلُقُ لِأَنَّهُ أَوَّلُ آخِرِهِ أو آخِرُهُ أَيْ أو عَلَّقَ بِآخِرِ أَوَّلِهِ فَبِآخِرِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ منه تَطْلُقُ لِأَنَّهُ آخَرُ أَوَّلِهِ وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْأَكْثَرِينَ وَقِيلَ تَطْلُقُ بِآخِرِ اللَّيْلَةِ الْأُولَى منه لِأَنَّهَا أَوَّلُهُ بِالْحَقِيقَةِ وَصَوَّبَهُ الشَّاشِيُّ وابن أبي عَصْرُونٍ وَجَرَى عليه صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ ابن الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ عن الْأَكْثَرِينَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا في النَّقْلِ عن الْأَكْثَرِينَ وفي التَّرْجِيحِ فَمِنْهُمْ من نَقَلَ الْأَوَّلَ عَنْهُمْ وَرَجَّحَهُ وَمِنْهُمْ من عَكَسَ وَالْأَقْيَسُ كما قال الْعِمْرَانِيُّ الثَّانِي أو بِانْتِصَافِ الشَّهْرِ فَبِغُرُوبِ شَمْسِ الْخَامِسَ عَشَرَ تَطْلُقُ وَإِنْ نَقَصَ الشَّهْرُ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ من ذلك أو بِنِصْفِ نِصْفِهِ الْأَوَّلِ فَبِطُلُوعِ فَجْرِ الثَّامِنِ تَطْلُقُ لِأَنَّ نِصْفَ نِصْفُهُ سَبْعِ لَيَالٍ وَنِصْفٌ وَسَبْعَةُ أَيَّامٍ وَنِصْفٌ وَاللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ فَيُقَابَلُ نِصْفُ لَيْلِهِ بِنِصْفِ يَوْمٍ وَيُجْعَلُ ثَمَانِ لَيَالٍ وَسَبْعَةُ أَيَّامٍ نِصْفًا وَسَبْعُ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ نِصْفًا
أو عَلَّقَ بِنِصْفِ الْيَوْمِ كان قال أَنْت طَالِقٌ نِصْفَ يَوْمٍ كَذَا فَعِنْدَ الزَّوَالِ منه تَطْلُقُ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ منه وَإِنْ كان الْيَوْمُ يُحْسَبُ من طُلُوعِ الْفَجْرِ شَرْعًا وَنِصْفُهُ الْأَوَّلُ أَطْوَلُ أو عَلَّقَ بِمُضِيِّ يَوْمٍ وهو بِالنَّهَارِ فَفِي وَقْتِهِ من الْيَوْمِ الثَّانِي تَطْلُقُ لِأَنَّ الْيَوْمَ حَقِيقَةً في جَمِيعِهِ مُتَوَاصِلًا أو مُتَفَرِّقًا أو وهو بِاللَّيْلِ فَبِغُرُوبِ شَمْسِ غَدِهِ تَطْلُقُ إذْ بِهِ يَتَحَقَّقُ مُضِيُّ يَوْمٍ قال الرَّافِعِيُّ كَذَا أَطْلَقُوهُ لَكِنْ فيه تَلْفِيقُ الْيَوْمِ من الْبَعْضَيْنِ الْمُفَرَّقَيْنِ وقد مَرَّ في الِاعْتِكَافِ أَنَّهُ لو نَذَرَ يَوْمًا لم يَجُزْ تَفْرِيقُ سَاعَاتِهِ انْتَهَى وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّفْرِيقَ الْمَمْنُوعَ منه ثَمَّ تَفْرِيقٌ تَخَلَّلَهُ زَمَانٌ لَا اعْتِكَافَ فيه أَمَّا لو دخل فيه في أَثْنَاءِ يَوْمٍ وَاسْتَمَرَّ إلَى نَظِيرِهِ من الثَّانِي أو قال في إثْنَائِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا من هذا الْوَقْتِ فَيَكْفِيهِ ذلك وهو نَظِيرُ ما هُنَا لِأَنَّ زَمَنَ التَّعْلِيقِ حَصَلَ الشُّرُوعُ فيه عَقِبَ الْيَمِينِ وَلَوْ فُرِضَ انْطِبَاقُ التَّعْلِيقِ على أَوَّلِ نَهَارٍ طَلُقَتْ عِنْدَ غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِهِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو قال نَهَارًا أَنْتِ طَالِقٌ أَنَّ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ إذَا مَضَى الْيَوْمُ فَبِغُرُوبِ شَمْسِهِ تَطْلُقُ وَإِنْ بَقِيَ منه لَحْظَةٌ لِأَنَّهُ عَرَّفَهُ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْيَوْمِ الذي هو فيه فَإِنْ كان قَالَهُ لَيْلًا لَغَا إذْ لَا نَهَارَ حتى يُحْمَلَ على الْمَعْهُودِ وقال الْمُتَوَلِّي وَلَا يُمْكِنُ الْحَمْلُ على الْجِنْسِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهُمَا حتى تَنْقَضِيَ أَيَّامُ الدُّنْيَا فَكَانَتْ صِفَةً مُسْتَحِيلَةً
أو قال أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ أو الشَّهْرَ أو السَّنَةَ وَقَعَ في الْحَالِ وَإِنْ كان قَالَهُ لَيْلًا وَيَلْغُو ذِكْرُ الْيَوْمِ لِأَنَّهُ لم يُعَلِّقْ وَإِنَّمَا أَوْقَعَ وَسَمَّى الْوَقْتَ بِغَيْرِ اسْمِهِ نعم لو قال في صُورَةِ اللَّيْلِ أَرَدْت الْيَوْمَ التَّالِي له فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ منه حتى لَا يَقَعَ قبل الْفَجْرِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَإِنْ عَلَّقَ بِمُضِيِّ شَهْرٍ فَبِمُضِيِّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا تَطْلُقُ فَإِنْ كان التَّعْلِيقُ لَيْلًا فَبِمُضِيِّ قَدْرِهِ أَيْ اللَّيْلِ أَيْ ما سَبَقَ منه على التَّعْلِيقِ من لَيْلَةِ إحْدَى وَثَلَاثِينَ تَطْلُقُ وَإِنْ كان نَهَارًا كَمَّلَ بِقَدْرِ ما سَبَقَ منه على التَّعْلِيقِ من يَوْمِ إحْدَى وَثَلَاثِينَ وَهَذِهِ مَذْكُورَةٌ في الْأَصْلِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحِلَّهَا أَنْ يُعَلِّقَ في غَيْرِ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ فَإِنْ عَلَّقَ فيه كَفَى بَعْدَهُ شَهْرٌ هِلَالِيٌّ كما مَرَّ في السَّلَمِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إجْحَافًا وَقَلَاقَةً فَإِنْ اتَّفَقَتْ مُقَارَنَةُ ابْتِدَاءً هِلَالٍ لِلتَّعْلِيقِ كَفَى مُضِيُّ الشَّهْرِ تَامًّا أو نَاقِصًا أَمَّا إذَا عَلَّقَ بِمُضِيِّ الشَّهْرِ مُعَرَّفًا فَتَطْلُقُ بِمُضِيِّ الشَّهْرِ الْهِلَالِيِّ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو عَلَّقَ بِانْقِضَاءِ سَنَةِ فَبِاثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ تَامَّةً أَوَّلًا أَيْ فَبِمُضِيِّهَا تَطْلُقُ وَيُتَمِّمُ الْمُنْكَسِرَ من الثَّالِثَ عَشَرَ إنْ وَقَعَ كَسْرٌ بِأَنْ عَلَّقَ في أَثْنَاءِ الشَّهْرِ كما مَرَّ في السَّلَمِ وَإِنْ شَكَّ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ من التَّعْلِيقِ هل تَمَّ الْعَدَدُ عَمِلَ بِالْيَقِينِ وَحَلَّ له الْوَطْءُ حَالَ التَّرَدُّدِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مُضِيِّ الْعَدَدِ وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ أو عَلَّقَ بِانْقِضَاءِ السَّنَةِ فَبِانْقِضَاءِ بَاقِيهَا عَرَبِيَّةً تَطْلُقُ وَإِنْ بَقِيَ منها لَحْظَةٌ لِمَا مَرَّ في نَظِيرِهِ من الْيَوْمِ وَلَوْ قال
____________________
(3/303)
أَرَدْت بِالسَّنَةِ مُنَكَّرَةً أو مُعَرَّفَةً سَنَةً رُومِيَّةً أو فَارِسِيَّةً أو بِالسَّنَةِ مُعَرَّفَةً سَنَةً كَامِلَةً لم يُقْبَلْ منه ظَاهِرًا لِتُهْمَةِ التَّأْخِيرِ وَيُدَيَّنُ لِاحْتِمَالِ ما قَالَهُ قال الْأَذْرَعِيُّ نعم لو كان بِبِلَادِ الرُّومِ أو الْفُرْسِ فَيَنْبَغِي قَبُولُ قَوْلِهِ قال وَلَوْ عَلَّقَ بِمُضِيِّ شُهُورٍ طَلُقَتْ بِمُضِيِّ ثَلَاثَةٍ أو الشُّهُورِ فَبِمُضِيِّ ما بَقِيَ من السَّنَةِ على الْأَصَحِّ عِنْدَ الْقَاضِي وَبِمُضِيِّ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا الْآيَةَ عِنْدَ الْجِيلِيِّ ثُمَّ نُقِلَ عن الْجِيلِيِّ أَنَّهُ لو عَلَّقَ بِمُضِيِّ سَاعَاتٍ طَلُقَتْ بِمُضِيِّ ثَلَاثِ سَاعَاتٍ أو السَّاعَاتِ فَبِمُضِيِّ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ سَاعَةً لِأَنَّهَا جُمْلَةُ سَاعَاتِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ
فَصْلٌ لو عَلَّقَ بِمُسْتَحِيلٍ عُرْفًا كَصُعُودِ السَّمَاءِ وَالطَّيَرَانِ وَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى إذَا أَرَادَ بِهِ الْمَعْنَى الْمُرَادَ في قَوْله تَعَالَى حِكَايَةٍ عن عِيسَى عليه السَّلَامُ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ أو عَقْلًا كَإِحْيَائِهَا الْمَوْتَى وَالْجَمْعُ بين الضِّدَّيْنِ أو شَرْعًا كَنَسْخِ صَوْمِ رَمَضَانَ لم تَطْلُقْ لِأَنَّهُ لم يُنْجِزْ الطَّلَاقَ وَإِنَّمَا عَلَّقَهُ ولم تُوجَدْ الصِّفَةُ وقد يَكُونُ الْغَرَضُ من التَّعْلِيقِ بِالْمُسْتَحِيلِ امْتِنَاعَ الْوُقُوعِ لِامْتِنَاعِ وُقُوعِ الْمُعَلَّقِ بِهِ كما في قَوْله تَعَالَى حتى يَلِجَ الْجَمَلُ في سَمِّ الْخِيَاطِ وَالْيَمِينُ فِيمَا ذُكِرَ مُنْعَقِدَةٌ كما صَرَّحَ بِهِ ابن يُونُسَ وَغَيْرُهُ حتى يَحْنَثَ بها الْمُعَلِّقُ على الْحَلِفِ وَلَا يُخَالِفُهُ ما يَأْتِي في الْأَيْمَانِ من أَنَّهُ لو حَلَفَ بِاَللَّهِ لَا يَصْعَدُ السَّمَاءَ لم يَنْعَقِدْ يَمِينُهُ لِأَنَّ عَدَمَ انْعِقَادِهَا ثَمَّ ليس لِتَعَلُّقِهَا بِالْمُسْتَحِيلِ بَلْ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْحِنْثِ لَا يُخِلُّ بِتَعْظِيمِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ فِيمَا لو حَلَفَ لَيَقْتُلَن فُلَانًا وهو مَيِّتٌ مع تَعَلُّقِهَا بِالْمُسْتَحِيلِ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْبِرِّ يَهْتِكُ حُرْمَةَ الِاسْمِ فَيُحْوِجُ إلَى التَّكْفِيرِ
وَلَوْ قال أَنْت طَالِقٌ أَمْسِ طَلُقَتْ في الْحَالِ سَوَاءٌ أَرَادَ وُقُوعَهُ أَمْسِ أَمْ في الْحَالِ مُسْتَنِدٌ إلَى أَمْسِ أَمْ لم يُرِدْ شيئا أَمْ مَاتَ أَمْ جُنَّ قبل بَيَانِ الْإِرَادَةِ أَمْ خَرِسَ وَلَا إشَارَةَ له مُفْهِمَةٌ لِأَنَّهُ خَاطَبَهَا بِالطَّلَاقِ وَرَبَطَهُ بِمُمْتَنِعٍ فَيَلْغُو الرَّبْطُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ كما لو قال أَنْت طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ وَلَا بِدْعَةَ في طَلَاقِهَا فَإِنْ أَرَادَ الْإِخْبَارِ بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا أَمْسِ في هذا الْعَقْدِ وقد رَاجَعَهَا أو وَهِيَ الْآنَ مُعْتَدَّةٌ أو بَائِنٌ قُبِلَ منه لِقَرِينَةِ الْإِضَافَةِ إلَى أَمْسِ وَاعْتَدَّتْ من أَمْسِ إنْ صَدَّقَتْهُ وَيَبْقَى النَّظَرُ في أَنَّهُ كان يُخَالِطُهَا أَوَّلًا كما يَأْتِي بَيَانُهُ في الْعَدَدِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم تُصَدِّقْهُ فَمِنْ الْإِقْرَارِ تَعْتَدُّ وَإِنْ قال أَرَدْت أنها طَلُقَتْ أَمْسِ مِنِّي في عَقْدٍ غَيْرِ هذا الْعَقْدِ أو من زَوْجٍ آخَرَ قَبْلِي قُبِلَ منه إنْ عُرِفَ عَقْدٌ سَابِقٌ وَطَلَاقٌ فيه بِبَيِّنَةٍ أو غَيْرِهَا سَوَاءٌ أَصَدَّقَتْهُ في إرَادَتِهِ أَمْ لَا
وَيُخَالِفُ ما مَرَّ حَيْثُ لم يَحْتَجْ فيه إلَى مَعْرِفَةِ ذلك لِاعْتِرَافِهِ ثَمَّ بِطَلَاقٍ في هذا الْعَقْدِ وَهُنَا أَرَادَ صَرْفَهُ عنه وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُعْرَفْ ذلك فَلَا يُقْبَلُ منه وَيُحْكَمُ بِطَلَاقِهَا في الْحَالِ وَهَذَا ما في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ عن الْأَصْحَابِ ثُمَّ ذَكَرَ أَعْنِي الْإِمَامَ احْتِمَالًا جَرَى عليه في الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِنُسَخِ الرَّافِعِيَّ السَّقِيمَةِ وهو أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ منه لِاحْتِمَالِهِ وَلَهَا إنْ لم تُصَدِّقْهُ تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ أَرَادَ ذلك أَيْ أنها طَلُقَتْ في هذا الْعَقْدِ أو في عَقْدٍ غَيْرِهِ وَإِنْ قال أَنْت طَالِقٌ لِلشَّهْرِ الْمَاضِي فَكَذَلِكَ أَيْ فَيَأْتِي فيه ما مَرَّ في أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ إنْ أَرَادَ التَّارِيخَ وَكَأَنَّهُ قال في الشَّهْرِ الْمَاضِي وَإِلَّا بِأَنْ أَرَادَ التَّعْلِيلَ أو أَطْلَقَ وَقَعَ في الْحَالِ كما لو قال لو رضي فُلَانٌ وَإِنْ قال أَنْت طَالِقٌ قبل قُدُومِ زَيْدٍ بِشَهْرٍ مَثَلًا فَقَدِمَ قبل مُضِيِّ شَهْرٍ الْأَنْسَبُ بِكَلَامِهِ الْآتِي قبل أَكْثَرَ من شَهْرٍ من أَثْنَاءِ التَّعْلِيقِ لم تَطْلُقْ لِتَعَذُّرِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ قبل آخِرِ التَّعْلِيقِ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ حتى لو قَدِمَ زَيْدٌ بَعْدَ ذلك أَيْضًا بِأَنْ سَافَرَ ثُمَّ قَدِمَ وقد مَضَى أَكْثَرُ من شَهْرٍ لم تَطْلُقْ
أو قَدِمَ بَعْدَ مُضِيِّ أَكْثَرَ من شَهْرٍ من أَثْنَاءِ التَّعْلِيقِ تَبَيَّنَّا وُقُوعَهُ قبل شَهْرٍ من قُدُومِهِ فَتَعْتَدُّ من حِينَئِذٍ لِأَنَّ مَعْنَى ذلك تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِزَمَنٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقُدُومِ شَهْرٌ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ وَاعْتُبِرَتْ الْأَكْثَرِيَّةُ الصَّادِقَةُ بِآخِرِ التَّعْلِيقِ فَأَكْثَرَ لِيَقَعَ فيها الطَّلَاقُ وَذِكْرُهَا من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ ابن الصَّبَّاغِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَاعْتَرَضَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلَ الْأَصْلِ وَإِنْ قَدِمَ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ من وَقْتِ التَّعْلِيقِ تَبَيَّنَّا وُقُوعَهُ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَقَعُ في زَمَنٍ يَسَعُ وُقُوعَهُ زَائِدًا على الشَّهْرِ وَيُجَابُ عنه بِأَنَّ مُرَادَهُ بِوَقْتِ التَّعْلِيقِ آخِرُهُ فَيَتَبَيَّنُ الْوُقُوعُ مع الْآخِرِ إذْ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ يَتَقَارَنَانِ في الْوُجُودِ كما سَيَأْتِي فَلَا مُنَافَاةَ بين الْكَلَامَيْنِ
وَإِنْ خَالَعَهَا وقد مَضَى أَكْثَرُ من شَهْرٍ من أَثْنَاءِ التَّعْلِيقِ ثُمَّ قَدِمَ زَيْدٌ بَعْدَ الْخُلْعِ بِشَهْرٍ صَوَابُهُ ما في الْأَصْلِ بِأَكْثَرَ من شَهْرٍ صَحَّ الْخُلْعُ ولم يَقَعْ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ لِأَنَّهَا عِنْدَ الصِّفَةِ بَائِنٌ أو بِدُونِهِ الْمُرَادُ بِدُونِ أَكْثَرَ من شَهْرٍ وَالطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ
____________________
(3/304)
ثَلَاثٌ لم يَصِحَّ الْخُلْعُ وَالْمَالُ مَرْدُودٌ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالطَّلَاقِ قبل الْخُلْعِ بِطَرِيقِ التَّبَيُّنِ أَمَّا لو خَالَعَهَا ولم يَمْضِ أَكْثَرُ من شَهْرٍ فَالْحُكْمُ كما ذُكِرَ لَكِنْ في الشِّقِّ الذي لم يَصِحَّ فيه الْخُلْعُ إنْ كان بين التَّعْلِيقِ وَالْقُدُومِ دُونَ أَكْثَرَ من شَهْرٍ أَيْضًا صَحَّ الْخُلْعُ لِأَنَّهَا لم تَطْلُقْ بِالصِّفَةِ قَبْلَهُ صَرَّحَ بِهِ الْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُ وفي مَعْنَى الثَّلَاثِ ما دُونَهَا إذَا لم يَمْلِكْ غَيْرَهُ أو كان قبل الدُّخُولِ بِخِلَافِ غَيْرِ ذلك فَيَصِحُّ معه الْخُلْعُ بِنَاءً على صِحَّةِ خُلْعِ الرَّجْعِيَّةِ وَإِنْ قَدِمَ بَعْدَ شَهْرٍ الْأَنْسَبُ بِمَا قَدَّمَهُ أَكْثَرُ من شَهْرٍ أَثْنَاءَ التَّعْلِيقِ وَمَاتَتْ قبل قُدُومِهِ بِدُونِ شَهْرٍ أو بِشَهْرٍ لم يَرِثْهَا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عليها قبل مَوْتِهَا وَمَحِلُّهُ إذَا مَاتَتْ وَهِيَ بَائِنٌ أَمَّا إذَا مَاتَتْ قبل قُدُومِهِ بِأَكْثَرَ من شَهْرٍ فَيَرِثُهَا لِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عليها وَكَمَوْتِهَا فِيمَا ذُكِرَ مَوْتُهُ بِالنِّسْبَةِ لِإِرْثِهَا منه وَعَدَمِ إرْثِهَا
فَصْلٌ لو قال نَهَارًا أَنْت طَالِقٌ غَدَ أَمْسِ أو أَمْسِ غَدٍ بِالْإِضَافَةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ في الْحَالِ لِأَنَّ غَدَ أَمْسِ وَأَمْسِ غَدٍ هو الْيَوْمُ وَلَوْ قَالَهُ لَيْلًا وَقَعَ غَدًا في الْأُولَى وَحَالًا في الثَّانِيَةِ وَتَبِعَ في تَعْبِيرِهِ بِالْحَالِ الرَّافِعِيُّ وَعَبَّرَ في الرَّوْضَةِ بِالْيَوْمِ وَلَوْ قال أَنْت طَالِقٌ أَمْسِ غَدٍ أو غَدَ أَمْسِ بِغَيْرِ إضَافَةٍ لَغَا ذِكْرُ أَمْسِ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ في الْغَدِ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْغَدِ بِالْأَمْسِ وَلَا يُمْكِنُ الْوُقُوعُ فِيهِمَا وَلَا الْوُقُوعُ في أَمْسِ فَتَعَيَّنَ الْوُقُوعُ في الْغَدِ لِإِمْكَانِهِ
أو أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا فَوَاحِدَةً تَقَعُ في الْحَالِ وَلَا يَقَعُ شَيْءٌ في الْغَدِ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ الْيَوْمَ طَالِقٌ غَدًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لم يُرِدْ إلَّا ذلك وَكَذَا تَقَعُ وَاحِدَةٌ فَقَطْ في الْحَالِ لو أَرَادَ بِذَلِكَ نِصْفَهَا الْيَوْمَ وَنِصْفَهَا الْآخَرَ غَدًا لِأَنَّ ما أَخَّرَهُ مُعَجَّلٌ فَإِنْ أَطْلَقَ نِصْفَيْنِ بِأَنْ أَرَادَ نِصْفَ طَلْقَةٍ الْيَوْمَ وَنِصْفَ طَلْقَةٍ غَدًا فَطَلْقَتَانِ إلَّا إنْ تَبَيَّنَ بِالْأُولَى وَكَذَا لو قال أَرَدْت الْيَوْمَ طَلْقَةً وَغَدًا أُخْرَى كما فُهِمَ بِالْأُولَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَلَوْ قال أَنْت طَالِقٌ غَدًا الْيَوْمَ طَلُقَتْ طَلْقَةً غَدًا فَقَطْ أَيْ لَا في الْيَوْمِ أَيْضًا لِأَنَّ الطَّلَاقَ تَعَلَّقَ بِالْغَدِ وَذِكْرَهُ الْيَوْمَ بَعْدَهُ كَتَعْجِيلِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ وهو لَا يَتَعَجَّلُ أو أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَهُ فَوَاحِدَةً تَقَعُ في الْحَالِ وَلَا يَقَعُ في الْغَدِ وَلَا بَعْدَ شَيْءٍ آخَرَ إذْ الْمُطَلَّقَةُ الْيَوْمَ مُطَلَّقَةٌ فِيمَا بَعْدَهُ أو أَنْت طَالِقٌ في الْيَوْمِ وفي غَدٍ فَطَلْقَتَانِ تَقَعَانِ في الْيَوْمَيْنِ وَلَوْ زَادَ فقال وَفِيمَا بَعْدَ غَدٍ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ ثَالِثَةٌ في الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَعَلَى هذه اقْتَصَرَ الْأَصْلُ
وَكَذَا لو قال أَنْت طَالِقٌ في اللَّيْلِ وفي النَّهَارِ تَقَعُ طَلْقَةٌ بِاللَّيْلِ وَأُخْرَى بِالنَّهَارِ قال الْمُتَوَلِّي لِأَنَّ الْمَظْرُوفَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الظَّرْفِ قال في الْأَصْلِ وَلَيْسَ الدَّلِيلُ بِوَاضِحٍ فَقَدْ يَتَّحِدُ الْمَظْرُوفُ وَيَخْتَلِفُ الظَّرْفُ انْتَهَى وَالْأَوْلَى تَعْلِيلُ ذلك بِإِعَادَةِ الْعَامِلِ فَإِنْ قال أَنْت طَالِقٌ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَوَاحِدَةٌ فَقَطْ لِعَدَمِ إعَادَتِهِ أو كُلَّ يَوْمٍ تَكَرَّرَ الطَّلَاقُ بِأَنْ يَقَعَ في كل يَوْمٍ طَلْقَةٌ حتى تَكْمُلَ الثَّلَاثُ لِأَنَّهُ السَّابِقَ إلَى الْفَهْمِ
أو أَنْت طَالِقٌ غَدًا أو بَعْدَ غَدٍ أو أَنْت طَالِقٌ إذَا جاء الْغَدُ أو بَعْدَ غَدٍ طَلُقَتْ فِيمَا ذُكِرَ بَعْدَ الْغَدِ لَا في الْغَدِ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ وَلَوْ قال أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ أو غَدًا لم تَطْلُقْ إلَّا في الْغَدِ لِذَلِكَ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَلَوْ قال أَنْت طَالِقٌ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا ولم يَنْوِ شيئا قال في الْأَصْلِ أو نَوَى طَلْقَةً يَثْبُتُ حُكْمُهَا في يَوْمٍ دُونَ يَوْمٍ أو تَقَعُ في يَوْمٍ دُونَ يَوْمٍ فَوَاحِدَةٌ وَإِنْ نَوَى طَلْقَةً تَقَعُ في يَوْمٍ لَا في تَالِيهِ وَهَكَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَقَعَ ثَلَاثٌ في ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَفَاصِلَةٍ
وَلَوْ قال أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جاء الْغَدُ أو أَنْت طَالِقٌ السَّاعَةَ إذَا دَخَلْت الدَّارَ لَغَا كَلَامُهُ فَلَا تَطْلُقُ وَإِنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ بِوُجُودِهَا فَلَا يَقَعُ قَبْلَهُ وَإِنْ وُجِدَتْ فَقَدْ مَضَى الْوَقْتُ الذي جَعَلَهُ مَحِلًّا لِلْإِيقَاعِ
أو أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ لم أُطَلِّقْك الْيَوْمَ فَمَضَى الْيَوْمُ ولم يُطَلِّقْهَا فَفِي آخِرِ لَحْظَةٍ من الْيَوْمِ تَطْلُقُ وهو إذَا بَقِيَ من الْيَوْمِ زَمَنٌ لَا يَسَعُ التَّطْلِيقَ إذْ بِذَلِكَ يَتَحَقَّقُ الشَّرْطُ وَكَآخِرِ لَحْظَةٍ من الْيَوْمِ لَحْظَةٌ قبل الْفَسْخِ أو مَوْتُ أَحَدِهِمَا أو جُنُونُ الزَّوْجِ الْمُتَّصِلُ بِمَوْتِهِ أو بِآخِرِ الْيَوْمِ
فَصْلٌ لو قال لِمَدْخُولٍ بها أَنْت طَالِقٌ كُلَّ سَنَةٍ طَلْقَةً طَلُقَتْ وَاحِدَةً في الْحَالِ ثُمَّ الْمَوْعِدُ لِوُقُوعِ الْبَقِيَّةِ مِثْلُ ذلك الْوَقْتِ كُلَّ سَنَةٍ لَا أَوَّلَ الْمُحَرَّمِ كما في نَظِيرِهِ من الْإِجَارَةِ وَالْحَلِفِ على عَدَمِ التَّكْلِيمِ سِنِينَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ ابْتِدَاءً أَيْ في حَلِفِهِ السَّنَةَ أَيْ السِّنِينَ الْعَرَبِيَّةَ فَتَقَعُ الثَّانِيَةُ في أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ الْقَابِلِ وَالثَّالِثَةُ في أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ الذي بَعْدَهُ وَيُتَصَوَّرُ هذا وما قَبْلَهُ بِطُولِ الْعِدَّةِ أو الْمُرَاجَعَةِ لِلزَّوْجَةِ بِخِلَافِ ما إذَا بَانَتْ منه أو انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَا تَقَعُ الْبَقِيَّةُ بِنَاءً على عَدَمِ عَوْدِ الْحِنْثِ
وَإِنْ قال أَنْت
____________________
(3/305)
طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ طَلْقَةً أو ثَلَاثًا في ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وهو بِالنَّهَارِ طَلُقَتْ في الْحَالِ طَلْقَةً ثُمَّ الْمَوْعِدِ لِوُقُوعِ الْبَقِيَّةِ فَجْرِ كل يَوْمٍ فَإِنْ أَرَادَ أنها تَقَعُ في مِثْلِ ذلك الْوَقْتِ الذي عَلَّقَ فيه من كل يَوْمٍ قَابِلٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ وَاعْتُبِرَ فَجْرُ كل يَوْمٍ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ لِمَا في اعْتِبَارِ غَيْرِهِ من تَلْفِيقِ الْيَوْمِ بِلَا دَاعٍ وَإِنْ قَالَهُ وهو بِاللَّيْلِ وَقَعَ ثَلَاثُ طَلْقَاتٍ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ في الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ التَّالِيَةِ لِلتَّعْلِيقِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَإِنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِأَفْضَلِ الْأَوْقَاتِ فَلَيْلَةُ الْقَدْرِ تَطْلُقُ وَقَضِيَّةُ ما مَرَّ في الصَّوْمِ أنها تَطْلُقُ أَوَّلَ آخِرِ لَيْلَةٍ من الْعُشْرِ الْأَخِيرِ أو بِأَفْضَلِ الْأَيَّامِ فَيَوْمِ عَرَفَةَ تَطْلُقُ أو بِأَفْضَلِ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ فَيَوْمِ الْجُمُعَةِ إنْ لم يَكُنْ فيه يَوْمُ عَرَفَةَ كما جَزَمَ بِهِ ابن عبد السَّلَامِ في قَوَاعِدِهِ وَالنَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ وفي شُعَبِ الْإِيمَانِ لِلسُّلَيْمِيِّ إنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال سَيِّدُ الشُّهُورِ رَمَضَانُ أو عَلَّقَهُ بِمَا بين اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَبِالْغُرُوبِ تَطْلُقُ إنْ عَلَّقَ نَهَارًا وَإِلَّا فَبِالْفَجْرِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا عِبَارَةٌ عن مَجْمُوعِ جُزْءٍ من اللَّيْلِ وَجُزْءٍ النَّهَارِ إذْ لَا فَاصِلَ بين الزَّمَانَيْنِ
وَإِنْ قال أَنْت طَالِقٌ قبل مَوْتِي أو في حَيَاتِي طَلُقَتْ في الْحَالِ فَإِنْ ضَمَّ الْقَافَ وَفَتْحَ الْبَاءِ من قَبْلُ أو قال قُبَيْلَ بِالتَّصْغِيرِ فَقُبَيْلَ الْمَوْتِ تَطْلُقُ قال الْإِسْنَوِيُّ وما ذُكِرَ من فَتْحِ بَاءِ قَبْلُ غَلَطٌ لم يَذْكُرْهُ أَحَدٌ إنَّمَا فيه ضَمُّ الْبَاءِ وَإِسْكَانُهَا كَنَقِيضِهِ وهو الدُّبُرُ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ ولم يَتَعَرَّضْ الرَّافِعِيُّ وابن الرِّفْعَةِ إلَّا لِضَمِّ الْقَافِ فَقَطْ انْتَهَى وَرَدَّهُ ابن الْعِمَادِ بِأَنَّ قَبْلُ هُنَا لَيْسَتْ نَقِيضَةَ بَعْدُ بَلْ بِمَعْنَى ما يُسْتَقْبَلُ فَمَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ قبل مَوْتِي أَيْ عِنْدَ اسْتِقْبَالِهِ وَذَلِكَ قُبَيْلَهُ كما دَلَّ عليهم كَلَامُ الْأَزْهَرِيِّ قال وفي كَلَامِهِ ما يَدُلُّ على أَنَّهُ لو كَسَرَ الْقَافَ أَيْضًا طَلُقَتْ قبل الْمَوْتِ وفي رَدِّهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْإِسْنَوِيَّ لم يَجْعَلْ قَبْلُ نَقِيضَةَ بَعْدُ بَلْ جَعَلَهَا نَقِيضَةَ الدُّبُرِ وَكَأَنَّ نُسْخَتَهُ الزَّمَنُ بَدَلَ الدُّبُرِ فَعَبَّرَ عنها بِبَعْدُ على أَنَّ الضَّبْطَ الْمَذْكُورَ ليس في كَلَامِ الْأَزْهَرِيِّ أو أَنْت طَالِقٌ بَعْدَ قبل مَوْتِي فَفِي الْحَالِ تَطْلُقُ لِأَنَّهُ بَعْدَ قبل مَوْتِهِ
أو أَنْت طَالِقٌ قبل أَنْ أَضْرِبَك وَنَحْوُهُ مِمَّا قد يُتَعَذَّرُ وُجُودُهُ عِبَارَةُ الْأَصْلِ مِمَّا لَا يُقْطَعُ بِوُجُودِهِ كَدُخُولِ الدَّارِ فَلَا شَيْءَ من الطَّلَاقِ يَقَعُ حتى يَضْرِبَهَا وَالْمُرَادُ حتى يُوجَدَ الْمُعَلَّقُ عليه فَيَتَبَيَّنُ حِينَئِذٍ وُقُوعُهُ عَقِبَ اللَّفْظِ هذا ما فَهِمَهُ الْإِسْنَوِيُّ من قَوْلِ الْأَصْلِ فَحِينَئِذٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ مُسْتَنِدٌ إلَى حَالِ اللَّفْظِ لِأَنَّ الصِّيغَةَ تَقْتَضِي وُجُودَ الْمُعَلَّقِ عليه وَرُبَّمَا لَا يُوجَدُ ثُمَّ اعْتَرَضَ عليه بِشَيْءٍ أَجَابَ عنه غَيْرُهُ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ من ذلك أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ قُبَيْلَ الضَّرْبِ بِاللَّفْظِ السَّابِقِ وَيُحْتَمَلُ الِاسْتِنَادُ إلَيْهِ على هذا لِيُوَافِقَ ما يَأْتِي في أَنْت طَالِقٌ قبل ما بَعْدَهُ رَمَضَانُ وَالْفَرْقُ بِأَنَّ الضَّرْبَ غَيْرُ مَحْدُودٍ بِخِلَافِ الْوَقْتِ ثُمَّ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ
أو أَنْت طَالِقٌ طَلْقَةً قَبْلَهَا يَوْمُ الْأَضْحَى طَلُقَتْ عُقَيْبَ يَوْمِ الْأَضْحَى الْمُقْبِلِ لِيَكُونَ قبل التَّطْلِيقَةِ فَإِنْ أَرَادَ الْأَضْحَى الْمَاضِي فَفِي الْحَالِ تَطْلُقُ كما لو قال يَوْمُ السَّبْتِ أَنْت طَالِقٌ طَلْقَةً قَبْلَهَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَأَرَادَ الْجُمُعَةَ الْمَاضِيَةَ أو أَنْت طَالِقٌ قبل مَوْتِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو بِشَهْرٍ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قبل شَهْرٍ الْمُنَاسِبُ لِمَا مَرَّ في مَسْأَلَةِ الْقُدُومِ قبل أَكْثَرَ من شَهْرٍ لم تَطْلُقْ وَإِلَّا بِأَنْ مَاتَ بَعْدَهُ طَلُقَتْ قبل مَوْتِ أَحَدِهِمَا الْأَخْصَرُ قبل مَوْتِهِ بِشَهْرٍ لِأَنَّهُ وَإِنْ تَأَخَّرَ مَوْتُ الْآخَرِ يَصْدُقُ عليه أَنَّهُ وَقَعَ قبل مَوْتِهَا بِشَهْرٍ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ أَنْت طَالِقٌ قبل عِيدَيْ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى بِشَهْرٍ فَتَطْلُقُ أَوَّلَ رَمَضَانَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو أَنْت طَالِقٌ قبل ما بَعْدَهُ رَمَضَانُ وَأَرَادَ بِمَا بَعْدَهُ الشَّهْرَ فَآخِرُ جُزْءٍ من رَجَبٍ تَطْلُقُ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْيَوْمَ فَقُبَيْلَ فَجْرِ يَوْمِ الثَّلَاثِينَ من شَعْبَانَ إنْ كان تَامًّا وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْيَوْمَ بِلَيْلَتِهِ فَقُبَيْلَ الْغُرُوبِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ منه إنْ كان تَامًّا أو أَنْت طَالِقٌ بَعْدَمَا قَبْلَهُ رَمَضَانُ وَأَرَادَ بِمَا قَبْلَهُ الشَّهْرَ فَبِمُسْتَهَلِّ ذِي الْقِعْدَةِ تَطْلُقُ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْأَيَّامَ الْأُولَى الْيَوْمَ بِاللَّيْلَةِ بَعْدَهُ فَفِي أَوَّلِ الْيَوْمِ الثَّانِي من شَوَّالٍ تَطْلُقُ فَإِنْ لم يُرِدْ اللَّيْلَةَ فَالْقِيَاسُ تَطْلُقُ وَبِغُرُوبِ شَمْسِ أَوَّلِ شَوَّالٍ وَقَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى شَهْرٍ تَعْلِيقٌ فَلَا تَطْلُقُ في الْحَالِ بَلْ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ وَيَتَأَبَّدُ الطَّلَاقُ فَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عن رَجُلٍ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ إلَى سَنَةٍ فقال هِيَ امْرَأَتُهُ سَنَةً وَلِأَنَّ ذلك يَحْتَمِلُ تَأْجِيلَ الْإِيقَاعِ كما يَحْتَمِلُ تَأْجِيلَ الْوَاقِعِ فَيُؤْخَذُ بِالْيَقِينِ فَإِنْ أَرَادَ التَّأْقِيتَ لِلطَّلَاقِ مع تَنْجِيزِهِ طَلُقَتْ في الْحَالِ مُؤَبَّدًا وَ
قَوْلُهُ أَنْت طَالِقٌ طَلْقَةً لَا يَقَعُ عَلَيْك إلَّا غَدًا تَعْلِيقٌ فَلَا تَطْلُقُ
____________________
(3/306)
إلَّا بِمَجِيءِ الْغَدِ كما لو قال أَنْت طَالِقٌ طَلْقَةً تَقَعُ عَلَيْك غَدًا أو أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَإِنْ جاء الْغَدُ طَلُقَتْ في الْحَالِ طَلْقَةً كَقَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَإِنْ قال أَرَدْت طَلْقَةً أُخْرَى إذَا جاء الْغَدُ قُبِلَ منه فَتَطْلُقُ أُخْرَى إذَا جاء الْغَدُ إنْ لم تَبِنْ منه بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ غَلَّظَ على نَفْسِهِ
فَرْعٌ لو قال أَنْت طَالِقٌ غَدًا أو عَبْدِي حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ فَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ وَإِنْ كان الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا لِأَجْلِ حُرِّيَّةِ الْعَبْدِ فإذا عَيَّنَ الطَّلَاقَ أو الْحُرِّيَّةَ تَعَيَّنَ في الْيَوْمِ الذي ذَكَرَهُ
فَصْلُ أَلْفَاظِ التَّعْلِيقِ من وإذا وَإِنْ وَمَتَى وَمَتَى ما وَمَهْمَا وَكُلَّمَا وَأَيُّ كَقَوْلِهِ من دَخَلَتْ مِنْكُنَّ أو إذَا أو إنْ أو مَتَى أو مَتَى ما أو مَهْمَا أو كُلَّمَا أو أَيُّ وَقْتٍ دَخَلْت فَأَنْت طَالِقٌ وَمِنْهَا إذْ ما وما نَحْوُ ما فَعَلْته من كَذَا فَأَنْت طَالِقٌ وَأَيَّانَ وَأَيَّامَا وَأَيْنَ وَحَيْثُ وَلَوْ وَكَيْفَ نَحْوُ كَيْفَ تَجْلِسِينَ فَأَنْت طَالِقٌ لَكِنْ كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَضْعًا وَاسْتِعْمَالًا بِخِلَافِ الْبَقِيَّةِ وَالْجَمِيعُ في التَّعْلِيقِ إثْبَاتًا كَالدُّخُولِ لَا تَقْتَضِي الْفَوْرَ في الْمُعَلَّقِ عليه لِأَنَّ الْقَصْدَ التَّعْلِيقُ بِهِ مَتَى وُجِدَ وَلَا دَلَالَةَ لِشَيْءٍ من ذلك على فَوْرٍ وَلَا تَرَاخٍ إلَّا بَعْضَ الصِّيَغِ في التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ وَذَلِكَ في تَعْلِيقِهِ بِمَشِيئَةِ زَوْجَتِهِ مُخَاطَبَةً كَقَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت أو الْمَالِ كَإِنْ ضَمِنْت لي أو إذَا أَعْطَيْتِينِي أَلْفًا فَأَنْت طَالِقٌ فإنه يَقْتَضِي الْفَوْرَ لِتَضَمُّنِ الْأَوَّلِ تَمْلِيكَ الطَّلَاقِ وَالثَّانِي تَمْلِيكَ الْمَالِ كما سَبَقَ الْأَوَّلُ في هذا الْبَابِ وَالثَّانِي في بَابِ الْخُلْعِ وَسَيَأْتِي الْأَوَّلُ أَيْضًا مع التَّعْلِيقِ بِالنَّفْيِ
الطَّرَفُ الثَّانِي في التَّعْلِيقِ بِالتَّطْلِيقِ وَنَفْيِهِ وَنَحْوُهُمَا فَإِنْ قال لِمَدْخُولٍ بها إنْ طَلَّقْتُك أو أَوْقَعْت عَلَيْك الطَّلَاقَ فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَهِيَ مَدْخُولٌ بها وَقَعَتْ طَلْقَةٌ أُخْرَى بِالتَّعْلِيقِ فَإِنْ قال لم أُرِدْ التَّعْلِيقَ بَلْ أَرَدْت أنها تَصِيرُ مُطَلَّقَةً بِتِلْكَ الطَّلْقَةِ لم يُقْبَلْ ظَاهِرًا وَدُيِّنَ لِاحْتِمَالِ ما قَالَهُ وَقَوْلُهُ لِمَدْخُولٍ بها مُضِرٌّ لِأَنَّ غَيْرَهَا كَذَلِكَ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ كَوْنُهَا مَدْخُولًا بها عِنْدَ تَطْلِيقِهَا فَلَوْ حَذَفَهُ وَذَكَرَ ما ذَكَرْته عَقِبَهُ طَلَّقَهَا تَبَعًا لِأَصْلِهِ كان أَوْلَى فَإِنْ خَالَعَهَا أو كانت أَيْ الْمُطَلَّقَةُ غير مَدْخُولٍ بها لم تَقَعْ الطَّلْقَةُ الثَّانِيَةُ أَيْ الْمُعَلَّقَةُ لِأَنَّهَا قد بَانَتْ بِالْأُولَى وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ فَامْتِنَاعُ وُقُوعِ الْمُعَلَّقَةِ ليس لِتَأَخُّرِ الْجَزَاءِ عن الشَّرْطِ إذْ الصَّحِيحُ تَقَارُنُهُمَا في الْوُجُودِ بَلْ امْتِنَاعُهُ لِلتَّنَافِي بين الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ إذْ الْبَيْنُونَةُ الْحَاصِلَةُ بِالشَّرْطِ تُنَافِي وُقُوعَ الْمُعَلَّقِ بِهِ كما سَيَأْتِي ذلك وَإِنْ طَلَّقَهَا وَكِيلُهُ في الطَّلَاقِ وَقَعَتْ الْمُنَجَّزَةُ فَقَطْ أَيْ دُونَ الْمُعَلَّقَةِ لِأَنَّهُ لم يُوجَدْ تَطْلِيقُهُ بَلْ تَطْلِيقُ وَكِيلِهِ وَخَرَجَ بِوَكِيلِهِ ما لو قال لها مَلَّكْتُك طَلَاقَك فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فإن الْمُعَلَّقَ يَقَعُ أَيْضًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لَكِنَّهُ مُسْتَشْكَلٌ بِالتَّعْلِيلِ وَإِنْ طَلُقَتْ طَلْقَةً بِوُجُودِ شَرْطٍ مُتَقَدِّمٍ على التَّعْلِيقِ بِالتَّطْلِيقِ لم تَقَعْ أُخْرَى لِأَنَّ وُجُودَ الصِّفَةِ ليس بِتَطْلِيقٍ وَلَا إيقَاعٍ كما سَيَأْتِي فَإِنْ تَأَخَّرَ عنه الشَّرْطُ وَقَعَتْ أَيْ الْأُخْرَى لِأَنَّ التَّعْلِيقَ مع وُجُودِ الصِّفَةِ تَطْلِيقٌ وَإِيقَاعٌ كما سَيَأْتِي وَالطَّلْقَةُ الْمُعَلَّقَةُ بِصِفَةٍ تَقَعُ مُقْتَرِنَةً بها لِأَنَّ الشَّرْطَ عِلَّةٌ وَضْعِيَّةٌ وَالطَّلَاقُ مُعَلَّقٌ بها فَيَتَقَارَنَانِ في الْوُجُودِ كَالْعِلَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ مع مَعْلُولِهَا وَإِنَّمَا التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ فِيهِمَا رُتَبِيٌّ وَإِنَّمَا لم تَطْلُقْ غَيْرُ الْمَدْخُولِ بها في صُورَتِهَا السَّابِقَةِ طَلْقَةً ثَانِيَةً لِأَنَّ مَعْنَى إنْ طَلَّقْتُك إنْ صِرْت مُطَلَّقَةً وَبِمُجَرَّدِ مَصِيرِهَا مُطَلَّقَةً بَانَتْ وَالْبَيْنُونَةُ تُنَافِي وُقُوعَ أُخْرَى وَيُخَالِفُ ذلك ما لو قال لها أَنْت طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ فيه بِهِمَا وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا مُنْفَصِلَةٌ عن الْأُخْرَى وَالْمُنَجَّزُ مُنْفَصِلٌ عن الْمُعَلَّقِ وفي نُسْخَةٍ بَدَلَ وَبِمُجَرَّدِ إلَى آخِرِهِ وَبَعْدَ الطَّلَاقِ انْتَفَى التَّعْلِيقُ
فَرْعُ التَّعْلِيقِ لِلطَّلَاقِ مع وُجُودِ الصِّفَةِ تَطْلِيقٌ وَإِيقَاعٌ يَقَعُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا الطَّلْقَةُ الْمُعَلَّقَةُ بِهِ وَمُجَرَّدُ وُجُودِ الصِّفَةِ وُقُوعٌ لَا تَطْلِيقٌ وَلَا إيقَاعٌ كَتَطْلِيقِ الْوَكِيلِ فإنه وُقُوعٌ لِطَلَاقِ الْمُوَكِّلِ لَا تَطْلِيقٌ وَلَا إيقَاعٌ منه وَمُجَرَّدُ التَّعْلِيقِ ليس بِتَطْلِيقٍ وَلَا إيقَاعٍ وَلَا وُقُوعٍ وقد بَيَّنَ أَمْثِلَةَ ذلك فقال فَإِنْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالتَّطْلِيقِ أو بِإِيقَاعِهِ كَأَنْ قال إنْ طَلَّقْتُك أو أَوْقَعْت عَلَيْك الطَّلَاقَ فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قال إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ فَدَخَلَتْ طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَةً بِالدُّخُولِ وَطَلْقَةً بِالتَّطْلِيقِ أو الْإِيقَاعِ وهو التَّعْلِيقُ بِالدُّخُولِ مع الدُّخُولِ فَلَوْ تَقَدَّمَ التَّعْلِيقُ بِالدُّخُولِ ثُمَّ قال إنْ طَلَّقْتُك أو إنْ أَوْقَعْت عَلَيْك الطَّلَاقَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ دَخَلَتْ لم تَقَعْ الثَّانِيَةُ أَيْ الْمُعَلَّقَةُ بِالتَّطْلِيقِ أو الْإِيقَاعِ لِمَا مَرَّ أَنَّ مُجَرَّدَ وُجُودِ الصِّفَةِ
____________________
(3/307)
وُقُوعٌ لَا تَطْلِيقٌ وَلَا إيقَاعٌ وَإِنْ كان تَعْلِيقُهُ الثَّانِي بِالْوُقُوعِ كَأَنْ قال بَعْدَ تَعْلِيقِهِ بِالدُّخُولِ إنْ وَقَعَ عَلَيْك الطَّلَاقُ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ دَخَلَتْ وَقَعَتْ أَيْ الثَّانِيَةُ لِوُجُودِ الْوُقُوعِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ وَالتَّعْلِيقُ أَيْ الْمُعَلَّقُ بِالْوُقُوعِ يَقَعُ بِطَلَاقِ الْوَكِيلِ بَعْدَهُ وَوُجُودُ الشَّرْطِ بَعْدَهُ الْمُتَقَدِّمِ عليه قَوْلًا وَهَذَا مع فَلَاقَتِهِ مُكَرَّرٌ كما لَا يَخْفَى
وَإِنْ قال كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَهِيَ مَدْخُولٌ بها وَقَعَتْ الثَّلَاثُ لِمَا مَرَّ أَنَّ كُلَّمَا لِلتَّكْرَارِ فَيَقَعُ بِوُقُوعِ الْأُولَى ثَانِيَةٌ وَبِوُقُوعِ الثَّانِيَةِ ثَالِثَةٌ وَلَوْ كان التَّعْلِيقُ بِصِيغَةِ كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا لم يَقَعْ إلَّا اثْنَتَانِ فَلَا تَقَعُ الثَّالِثَةُ لِأَنَّ الصِّفَةَ وَهِيَ التَّطْلِيقُ لم تَتَكَرَّرْ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَقَعُ بِمُجَرَّدِ صِفَةٍ وَهِيَ تَطْلِيقُ الْأُولَى فَهِيَ وُقُوعٌ لَا تَطْلِيقٌ وَلَا إيقَاعٌ ولم تُعَلَّقْ يَعْنِي الثَّالِثَةُ إلَّا بِالتَّطْلِيقِ فلم تَقَعْ أَيْ الثَّالِثَةُ وَلَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ لِاقْتِضَاءِ اللَّفْظِ التَّكْرَارَ لَكِنْ لَا فَائِدَةَ فيه لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا مَرَّةً أُخْرَى كان بِالْمُنَجَّزَةِ مُسْتَوْفِيًا لِلثَّلَاثِ أو قال كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قال إذَا أَوْقَعْت عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَاحِدَةٌ بِالتَّنْجِيزِ وَاثْنَتَانِ بِالتَّعْلِيقِ
فَرْعٌ لو عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِإِعْتَاقِهِ عَبْدَهُ بِأَنْ قال لها إنْ أَعْتَقْت عَبْدِي فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ كَالدُّخُولِ وَعَتَقَ بِوُجُودِهَا طَلُقَتْ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِالدُّخُولِ مع الدُّخُولِ إعْتَاقٌ فَيَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِهِ لَا إنْ تَقَدَّمَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ على تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِأَنْ قال له إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت حُرٌّ ثُمَّ قال لها إنْ أَعْتَقْت عَبْدِي فَأَنْت طَالِقٌ فَدَخَلَ فَلَا تَطْلُقُ لِأَنَّ الذي وُجِدَ بَعْدَ تَعْلِيقِ طَلَاقِهَا مُجَرَّدُ صِفَةِ الدُّخُولِ وهو ليس بِإِعْتَاقٍ بِخِلَافِ ما لو قال له إنْ دَخَلْت فَأَنْت حُرٌّ ثُمَّ قال لها إذَا عَتَقَ أو أَوْقَعَ عليه الْعِتْقَ فَأَنْت طَالِقٌ فَدَخَلَ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ لِوُجُودِ الْعِتْقِ بَعْدَ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ
فَرْعٌ لو قال لِحَفْصَةَ إنْ أو كُلَّمَا طَلَّقْت عَمْرَةَ فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قال لِعُمْرَةٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ فَدَخَلَتْ طَلُقَتَا جميعا عَمْرَةُ بِالدُّخُولِ وَحَفْصَةُ بِتَطْلِيقِ عَمْرَةَ بِالتَّعْلِيقِ بِالتَّطْلِيقِ مع وُجُودِ الصِّفَةِ
وَإِنْ قال لِعُمْرَةٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قال بَعْدَ ذلك لِحَفْصَةَ إنْ طَلَّقْت عَمْرَةَ فَأَنْت طَالِقٌ فَدَخَلَتْ عَمْرَةُ طَلُقَتْ بِدُخُولِهَا وَحْدَهَا إذْ لَا تَطْلُقُ بِمُجَرَّدِ الصِّفَةِ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ بَعْدَ ذلك لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَإِنْ كان قال لِحَفْصَةَ قبل تَعْلِيقِ طَلَاقِ عَمْرَةَ بِالدُّخُولِ أو بَعْدَهُ إنْ وَقَعَ طَلَاقِي على عَمْرَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ عَمْرَةُ طَلُقَتَا جميعا لِوُقُوعِ طَلَاقِهِ على عَمْرَةَ على التَّقْدِيرَيْنِ
وَإِنْ قال لِحَفْصَةَ إنْ طَلَّقْت عَمْرَةَ فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ عَكَسَ فقال لِعُمْرَةِ إنْ طَلَّقْت حَفْصَةَ فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَ حَفْصَةَ طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ وَاحِدَةٌ بِالتَّنْجِيزِ وَأُخْرَى بِتَعْلِيقِ طَلَاقِهَا على تَطْلِيقِ عَمْرَةَ وقد وُجِدَ بِتَعْلِيقِهِ مع صِفَتِهِ وطلقت عَمْرَةُ طَلْقَةً بِتَطْلِيقِ حَفْصَةَ وَإِنْ طَلَّقَ عَمْرَةَ بَدَلَ حَفْصَةَ طَلُقَتَا طَلْقَةً طَلْقَةً أَيْ طَلُقَتْ عَمْرَةُ بِالتَّنْجِيزِ وَحَفْصَةُ بِوُجُودِ الصِّفَةِ وهو تَطْلِيقُ عَمْرَةَ وَلَا يَعُودُ عليها من وُقُوعِ طَلَاقِ حَفْصَةَ طَلْقَةٌ أُخْرَى لِمَا مَرَّ أَنَّ مُجَرَّدَ وُجُودِ الصِّفَةِ لَيْسَتْ بِتَطْلِيقٍ وَإِنْ كان تَعْلِيقُ طَلَاقِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِصِيغَةِ إنْ وَقَعَ طَلَاقِي بِأَنْ قال لِحَفْصَةَ إنْ وَقَعَ طَلَاقِي على عَمْرَةَ فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قال لِعُمْرَةِ إنْ وَقَعَ طَلَاقِي على حَفْصَةَ فَأَنْت طَالِقٌ وَطَلَّقَ إحْدَاهُمَا طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَةً بِالتَّنْجِيزِ وَأُخْرَى بِصِفَةِ الْوُقُوعِ على الْأُخْرَى وطلقت الْأُخْرَى طَلْقَةً بِالصِّفَةِ أو كان بِصِيغَةِ كُلَّمَا وَقَعَ طَلَاقِي وَطَلَّقَ إحْدَاهُمَا طَلُقَتَا ثَلَاثًا ثَلَاثًا إنْ كان يَمْلِكُ على كُلٍّ مِنْهُمَا الثَّلَاثَ
وَإِنْ قال لِحَفْصَةَ إنْ طَلَّقْتُك فَعَمْرَةُ طَالِقَةٌ ثُمَّ عَكَسَ فقال لِعُمْرَةِ إنْ طَلَّقْتُك فَحَفْصَةُ طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَ حَفْصَةَ طَلُقَتَا طَلْقَةً طَلْقَةً أَيْ طَلُقَتْ حَفْصَةُ بِالتَّنْجِيزِ وَعَمْرَةُ بِالصِّفَةِ وَلَا يَعُودُ على حَفْصَةَ من الْوُقُوعِ على عَمْرَةَ طَلْقَةٌ أُخْرَى لِمَا مَرَّ من أَنَّ مُجَرَّدَ الصِّفَةِ لَيْسَتْ بِتَطْلِيقٍ وَإِنْ طَلَّقَ عَمْرَةَ بَدَلَ حَفْصَةَ طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَةً بِالتَّنْجِيزِ وَأُخْرَى بِالصِّفَةِ وطلقت حَفْصَةُ طَلْقَةً بِالصِّفَةِ
فَرْعٌ لو قال لِأَرْبَعٍ كُلَّمَا طَلَّقْت وَاحِدَةً مِنْكُنَّ فَصَوَاحِبُهَا طَوَالِقُ فَكُلَّمَا طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ طُلِّقْنَ طَلْقَةً طَلْقَةً لِمَا مَرَّ أَنَّ كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَإِنْ قال كُلَّمَا طَلُقَتْ وَاحِدَةٌ مِنْكُنَّ فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ ثُمَّ طَلَّقَ وَاحِدَةً فَكَذَلِكَ أَيْ فَتَطْلُقْنَ طَلْقَةً طَلْقَةً إلَّا أَنَّهُ يَقَعُ على الْمُطَلَّقَةِ طَلْقَتَانِ لِأَنَّ طَلَاقَهَا مُعَلَّقٌ بِتَطْلِيقِهَا وقد وُجِدَ فَإِنْ طَلَّقَ ثَانِيَةً تَمَّ لها وَلِلْأُولَى ثَلَاثٌ
____________________
(3/308)
ثَلَاثٌ وَالْبَاقِيَتَيْنِ طَلْقَتَانِ طَلْقَتَانِ فَإِنْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا تَمَّ لَهُمَا أَيْضًا الثَّلَاثُ فَإِنْ قُلْت لِمَ لم يُقَرِّرْ قَوْلَهُ فَكَذَلِكَ على ظَاهِرِهِ أَيْ فَكُلَّمَا طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ طُلِّقْنَ طَلْقَةً طَلْقَةً قُلْت لَا يَصْدُقُ ذلك حِينَئِذٍ مع الْمُسْتَثْنَى في طَلَاقِ الْأَخِيرَتَيْنِ
فَرْعٌ لو نَكَحَ ثَلَاثًا مُرَتِّبًا فقال إنْ طَلَّقْت الْأُولَى فَالثَّانِيَةُ طَالِقٌ أو الثَّانِيَةَ فَالثَّالِثَةُ طَالِقٌ أو الثَّالِثَةَ فَالْأُولَى طَالِقٌ فَطَلَّقَ الْأُولَى طَلُقَتْ مَعَهَا الثَّانِيَةُ بِالصِّفَةِ دُونَ الثَّالِثَةِ إذْ لم يُوجَدْ بَعْدَ تَعْلِيقِ طَلَاقِهَا تَطْلِيقُ الثَّانِيَةِ أو طَلَّقَ الثَّانِيَةَ طَلُقَتْ مَعَهَا الثَّالِثَةُ دُونَ الْأُولَى لِمِثْلِ ما مَرَّ أو الثَّالِثَةُ طُلِّقْنَ جميعا الثَّالِثَةُ بِالتَّنْجِيزِ وَالْأُخْرَيَانِ بِالصِّفَةِ وَوَجْهُهُ في الثَّانِيَةِ أَنَّ طَلَاقَهَا مُعَلَّقٌ على تَطْلِيقِ الْأُولَى وقد وُجِدَ لِأَنَّ طَلَاقَهَا مُعَلَّقٌ على طَلَاقِ الثَّالِثَةِ وَالتَّعْلِيقُ مع الصِّفَةِ تَطْلِيقٌ فَإِنْ طَلَّقَ إحْدَاهُنَّ مُبْهَمَةً وَمَاتَ قبل الْبَيَانِ فَالثَّالِثَةُ مُطَلَّقَةٌ بِكُلِّ حَالٍ وَيُوقَفُ الْمِيرَاثُ بين الْأُخْرَيَيْنِ إنْ كان الطَّلَاقُ بَائِنًا فَإِنْ كان رَجْعِيًّا وَرِثَ الْجَمِيعُ وَإِلَّا وُقِفَ
فَصْلٌ لو كان تَحْتَهُ نِسْوَةٌ أَرْبَعٌ وَلَهُ عَبِيدٌ فقال إنْ طَلَّقْت وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَعَبْدٌ من عَبِيدِي حُرٌّ أو طَلَّقْت اثْنَتَيْنِ فَعَبْدَانِ حُرَّانِ أو طَلَّقْت ثَلَاثًا فَثَلَاثَةٌ أَعْبُدٍ أَحْرَارٌ أو طَلَّقْت أَرْبَعًا فَأَرْبَعَةُ أَعْبُدٍ أَحْرَارٌ فَطَلَّقَهُنَّ مَعًا أو مُفَرِّقًا أَيْ مُرَتِّبًا في الْكُلِّ أو الْبَعْضِ عَتَقَ عَشَرَةً من عَبِيدِهِ وَاحِدٌ بِطَلَاقِ الْأُولَى وَاثْنَانِ بِطَلَاقِ الثَّانِيَةِ وَثَلَاثَةٌ بِطَلَاقِ الثَّالِثَةِ وَأَرْبَعَةٌ بِطَلَاقِ الرَّابِعَةِ وَمَجْمُوعُ ذلك عَشَرَةٌ وكان غَيْرُهَا من سَائِرِ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ إلَّا كُلَّمَا وَسَيَأْتِي وَأَوْ في كَلَامِهِ بِمَعْنَى الْوَاوِ وَلَوْ عَبَّرَ بها كَأَصْلِهِ كان أَوْلَى وَلَوْ عَطَفَ الزَّوْجُ بِثُمَّ لم يُضَمَّ الْأَوَّلُ لِلثَّانِيَّ لِلْفَصْلِ بِثُمَّ فَلَا يَعْتِقُ بِطَلَاقِ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لم يُطَلِّقْ بَعْدَ الْأُولَى ثِنْتَيْنِ وَلَا بَعْدَ الثَّالِثَةِ أَرْبَعًا وَيَعْتِقُ بِطَلَاقِ الثَّالِثَةِ اثْنَانِ فَمَجْمُوعُ الْعَتِيقِ ثَلَاثَةٌ وَسَيَأْتِي نَظِيرُهُ في التَّعْلِيقِ بِالْحَيْضِ ذَكَرَ ذلك في الْمُهِمَّات ثُمَّ قال وَيَتَّجِهُ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ كَثُمَّ وَظَاهِرٌ أَنَّ ما قَالَهُ فِيهِمَا إنَّمَا يَأْتِي في طَلَاقِهِنَّ مُرَتِّبًا فَلَوْ طَلَّقَهُنَّ مَعًا عَتَقَ عَبْدٌ وَاحِدٌ فَلَوْ كان التَّعْلِيقُ في ذلك بِكُلَّمَا عَتَقَ خَمْسَةَ عَشَرَ عَبْدًا لِأَنَّهَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ كما مَرَّ وما عُدَّ مَرَّةً أَيْ بِاعْتِبَارٍ لَا بَعْدَ أُخْرَى أَيْ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ فما عُدَّ في يَمِينِ الثَّانِيَةِ ثَانِيَةً لَا يُعَدُّ بَعْدَهَا أُخْرَى ثَانِيَةٌ وما عُدَّ في يَمِينِ الثَّالِثَةِ ثَالِثَةً لَا يُعَدُّ بَعْدَهَا ثَالِثَةٌ فَيَعْتِقُ وَاحِدٌ بِطَلَاقِ الْأُولَى وَثَلَاثَةٌ بِطَلَاقِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ صُدِّقَ بِهِ طَلَاقُ وَاحِدَةٍ وَطَلَاقُ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعَةٍ بِطَلَاقِ الثَّالِثَةِ لِأَنَّهُ صُدِّقَ بِهِ طَلَاقُ وَاحِدَةٍ وَطَلَاقُ ثَلَاثٍ وَسَبْعَةٌ بِطَلَاقِ الرَّابِعَةِ لِأَنَّهُ صُدِّقَ بِهِ طَلَاقُ وَاحِدَةٍ وَطَلَاقُ ثِنْتَيْنِ غَيْرِ الْأُولَيَيْنِ وَطَلَاقُ أَرْبَعٍ وَسَوَاءٌ أتى بِكُلَّمَا في التَّعْلِيقَاتِ كُلِّهَا أَمْ في الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ أَمْ في الْأُولَيَيْنِ إذْ لَا تَكْرَارَ في الْأَخِيرَيْنِ وَإِنَّمَا صَوَّرَهَا الْأَصْحَابُ بِالْإِتْيَانِ بها في الْكُلِّ لِيَتَأَتَّى مَجِيءُ الْأَوْجُهِ كُلِّهَا التي منها أَنَّهُ يَعْتِقُ عِشْرُونَ لَكِنْ يَكْفِي في ذلك الْإِتْيَانُ بها في الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ كما قَالَهُ ابن النَّقِيبِ وَلَوْ أتى بها في الْأَوَّلِ وَحْدَهُ أو مع الْأَخِيرَيْنِ عَتَقَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أو في الثَّانِي وَحْدَهُ أو مع الْأَخِيرَيْنِ فَاثْنَا عَشَرَ وَتَعْيِينُ الْعَبِيدِ الْمَحْكُومِ بِعِتْقِهِمْ إلَيْهِ قال الزَّرْكَشِيُّ أَطْلَقُوا ذلك وَيَجِبُ أَنْ يُعَيِّنَ ما يَعْتِقُ بِالْوَاحِدَةِ وَبِالثِّنْتَيْنِ بِالثَّلَاثِ بِالْأَرْبَعِ فإن فَائِدَةَ ذلك تَظْهَرُ في الْأَكْسَابِ إذَا طَلَّقَ مُرَتِّبًا لَا سِيَّمَا مع التَّبَاعُدِ وَكَأَنَّهُمْ سَكَتُوا عن ذلك لِوُضُوحِهِ
فَرْعٌ لو قال كُلَّمَا صَلَّيْت رَكْعَةً فَعَبْدِي حُرٌّ وَهَكَذَا إلَى الْعَشَرَةِ فَصَلَّى عَشْرًا عَتَقَ سَبْعَةٌ وَثَمَانُونَ عَبْدًا وَإِنْ عَلَّقَ بِإِنْ أو نَحْوِهَا فَخَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ
فَصْلٌ في التَّعْلِيقِ بِنَفْيِ التَّطْلِيقِ أو غَيْرِهِ كُلُّ الْأَدَوَاتِ في التَّعْلِيقِ بِالنَّفْيِ تَقْتَضِي الْفَوْرَ إلَّا لَفْظَةَ إنْ فَإِنَّهَا على التَّرَاخِي عِبَارَةُ الْأَصْلِ فَإِنَّهَا لِلتَّرَاخِي فَمَتَى قال إذَا لم أو مَتَى لم أُطَلِّقْك فَأَنْت طَالِقٌ وَمَضَى زَمَنٌ
____________________
(3/309)
يَسَعُ الطَّلَاقَ فلم يُطَلِّقْ فيه طَلُقَتْ لَا إنْ مُنِعَ من الطَّلَاقِ كَأَنْ أَمْسَكَ غَيْرُهُ فَمَه أو أَكْرَهَهُ على تَرْكِ التَّطْلِيقِ فَلَا تَطْلُقُ لِلْعُذْرِ وَإِنْ قال أَرَدْت بِإِذَا مَعْنَى أَنْ قُبِلَ ظَاهِرًا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قد يُقَامُ مَقَامَ الْآخَرِ فَإِنْ كان التَّعْلِيقُ بِصِيغَةِ إنْ لم أُطَلِّقْك فَلَا تَطْلُقُ إلَّا عِنْدَ الْيَأْسِ من الطَّلَاقِ وَالْفَرْقُ أَنَّ إنْ حَرْفُ شَرْطٍ لَا إشْعَارَ له بِالزَّمَانِ وَغَيْرَهَا ظَرْفُ زَمَانٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا قِيلَ لَك مَتَى أَلْقَاك صَحَّ أَنْ تَقُولَ إذَا أو مَتَى شِئْت أو نَحْوَهُمَا وَلَا يَصِحُّ إنْ شِئْت فَقَوْلُهُ إنْ لم أُطَلِّقْك مَعْنَاهُ إنْ فَاتَنِي تَطْلِيقُك وَفَوَاتُهُ بِالْيَأْسِ وَقَوْلُهُ إذَا لم أُطَلِّقْك مَعْنَاهُ أَيُّ وَقْتٍ فَاتَنِي فيه التَّطْلِيقُ وَفَوَاتُهُ بِمُضِيِّ زَمَنٍ يَتَأَتَّى فيه التَّطْلِيقُ ولم يُطَلِّقْ وَيَحْصُلُ الْيَأْسُ منه بِأَنْ يَمُوتَ أَحَدُهُمَا أو يُجَنَّ الزَّوْجُ جُنُونًا مُتَّصِلًا بِمَوْتِهِ فَيَقَعُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ أو الْجُنُونِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى زَمَنٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فيه لِانْتِفَاءِ التَّكْلِيفِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا لم يَحْصُلْ الْيَأْسُ بِمُجَرَّدِ جُنُونِهِ لِاحْتِمَالِ الْإِفَاقَةِ وَالتَّطْلِيقِ بَعْدَهَا
قال في الْمُهِمَّاتِ وَالتَّعْبِيرُ بِقُبَيْلَ غَيْرُ مُحَرَّرٍ وَالصَّوَابُ وُقُوعُهُ إذَا بَقِيَ ما لَا يَسَعُ التَّطْلِيقَ نَبَّهَ عليه الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَكَالْجُنُونِ الْإِغْمَاءُ وَالْخَرَسُ الذي لَا كِتَابَةَ لِصَاحِبِهِ وَلَا إشَارَةَ مُفْهِمَةً
وَإِنْ فُسِخَ النِّكَاحُ أو انْفَسَخَ أو طَلَّقَهَا وَكِيلُهُ وَمَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قبل تَجْدِيدِ النِّكَاحِ أو الرَّجْعَةِ أو بَعْدَهُ ولم يُطَلِّقْ تَبَيَّنَ وُقُوعُهُ قُبَيْلَ الِانْفِسَاخِ إنْ كان الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ رَجْعِيًّا إذْ لَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ لِفَوَاتِ الْمَحِلِّ بِالِانْفِسَاخِ إنْ لم يُجَدِّدْ وَعَدَمُ عَوْدِ الْحِنْثِ إنْ جَدَّدَ ولم يُطَلِّقْ فَيَتَعَيَّنُ وُقُوعُهُ قُبَيْلَ الِانْفِسَاخِ وَاعْتُبِرَ طَلَاقُ وَكِيلِهِ لِأَنَّهُ لَا يُفَوِّتُ الصِّفَةَ الْمُعَلَّقَ عليها بِخِلَافِ طَلَاقِهِ هو وَهَذَا هو فَائِدَةُ عَطْفِهِ طَلَاقَ الْوَكِيلِ على ما قَبْلَهُ وَإِلَّا فَهُوَ لم يذكر حُكْمَهُ بَلْ اقْتَصَرَ على حُكْمِ ما قَبْلَهُ وَاعْتُبِرَ في وُقُوعِهِ قُبَيْلَ الِانْفِسَاخِ كَوْنُهُ رَجْعِيًّا لِيُتَصَوَّرَ الِانْفِسَاخُ بَعْدَهُ وَإِلَّا بِأَنْ كان بَائِنًا لم يَقَعْ قُبَيْلَ الِانْفِسَاخِ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ تَمْنَعُ الِانْفِسَاخَ فَيَقَعُ الدَّوْرُ إذْ لو وَقَعَ الطَّلَاقُ لم يَحْصُلْ الِانْفِسَاخُ فلم يَحْصُلْ الْيَأْسُ فلم يَقَعْ الطَّلَاقُ فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ التَّجْدِيدِ لِلنِّكَاحِ أو عَلَّقَ بِنَفْيِ فِعْلٍ غَيْرِ التَّطْلِيقِ كَالضَّرْبِ فَضَرَبَهَا وهو مَجْنُونٌ أو وَهِيَ مُطَلَّقَةٌ وَلَوْ طَلَاقًا بَائِنًا انْحَلَّتْ الْيَمِينُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْبِرَّ لَا يَخْتَصُّ بِحَالِ النِّكَاحِ وَلِهَذَا يَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِوُجُودِ الصِّفَةِ حَالَ الْبَيْنُونَةِ
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ ضَرْبَ الْمَجْنُونِ في تَحَقُّقِ الصِّفَةِ وَنَفْيِهَا كَضَرْبِ الْعَاقِلِ وَالضَّرْبُ حَالَ الْبَيْنُونَةِ مُمْكِنٌ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنْ أَبَانَهَا وَاسْتَمَرَّتْ الْبَيْنُونَةُ إلَى الْمَوْتِ ولم يَتَّفِقْ ضَرْبٌ تَبَيَّنَ وُقُوعُهُ قُبَيْلَ الْبَيْنُونَةِ كما صَرَّحَ بِهِ في الْبَسِيطِ وَإِنْ وَقَعَ في عِبَارَةِ الْأَصْلِ هُنَا ما يَقْتَضِي عَدَمَ وُقُوعِهِ أَصْلًا نَبَّهَ عليه في الْمُهِمَّاتِ
وَإِنْ قال إنْ لم أُطَلِّقْك الْيَوْمَ فَأَنْت طَالِقٌ فَمَضَى الْيَوْمُ ولم يُطَلِّقْهَا طَلُقَتْ قُبَيْلَ الْغُرُوبِ لِحُصُولِ الْيَأْسِ حِينَئِذٍ وَهَذَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ آخِرَ فَصْلٍ قال أَنْتِ طَالِقٌ غَدَ أَمْسِ وَقَوْلُهُ إنْ تَرَكْت طَلَاقَك أو إنْ سَكَتّ عنه فَأَنْت طَالِقٌ يَقْتَضِي الْفَوْرَ فإذا لم يُطَلِّقْهَا في الْحَالِ طَلُقَتْ لِوُجُودِ الصِّفَةِ بِخِلَافِ ما إذَا نَفَاهُمَا فقال إنْ لم أَتْرُكْ طَلَاقَك أو إنْ لم أَسْكُتْ عنه فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الثَّانِيَةِ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ طَلَّقَ فَوْرًا وَاحِدَةً ثُمَّ سَكَتَ انْحَلَّ يَمِينُ التَّرْكِ فَلَا تَقَعُ أُخْرَى لِأَنَّهُ لم يَتْرُكْ طَلَاقَهَا لَا يَمِينُ السُّكُوتِ فَتَقَعُ أُخْرَى لِسُكُوتِهِ وَانْحَلَّتْ يَمِينُهُ وَالْفَرْقُ كما قال ابن الْعِمَادِ أَخْذًا من كَلَامِ
____________________
(3/310)
الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ في الْأُولَى عَلَّقَ على التَّرْكِ ولم يُوجَدْ وفي الثَّانِيَةِ على السُّكُوتِ وقد وُجِدَ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عليه أَنْ يُقَالَ سَكَتَ عن طَلَاقِهَا وَإِنْ لم يَسْكُتْ أَوَّلًا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ تَرَكَ طَلَاقَهَا إذَا لم يَتْرُكْهُ أَوَّلًا فَإِنْ كان التَّعْلِيقُ الْمَذْكُورُ بِصِيغَةِ كُلَّمَا فَمَضَى قَدْرُ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ أَيْ قَدْرُ ما يَسْعَهُنَّ مُتَفَرِّقَاتٍ بِلَا تَطْلِيقٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا إنْ لم تَبِنْ بِالْأُولَى وَإِلَّا فَتَطْلُقُ وَاحِدَةً فَقَطْ وَحِينَ أو حَيْثُ أو مَهْمَا أو كُلَّمَا لم أُطَلِّقْك كَقَوْلِهِ إذَا لم أُطَلِّقْك فِيمَا مَرَّ وَإِنْ أَرَادَ بِإِنْ مَعْنَى إذَا قُبِلَ منه لِأَنَّهُ أَغْلَظُ عليه وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَإِنْ أَرَادَ بِغَيْرِهَا أَيْ بِغَيْرِ إنْ وَقْتًا مُعَيَّنًا قَرِيبًا أو بَعِيدًا دُيِّنَ لِاحْتِمَالِ ما أَرَادَهُ وَهَذَا إنَّمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في إنْ فَحَوَّلَهُ الْمُصَنِّفُ إلَى غَيْرِهَا كَقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ إنَّهُ مُحَرَّفٌ أو غَلَطٌ لِأَنَّ إنْ لَا تَقْتَضِي الْوُقُوعَ إلَّا آخِرِ الْعُمُرِ فما عَيَّنَهُ يُقْبَلُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِأَنَّهُ غَلَّظَ على نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّدْيِينُ إذَا ادَّعَى أَمْرًا أَخَفَّ مِمَّا يَلْزَمُهُ وما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ من أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ س ظَاهِرٌ لَا يُنَافِي ما مَرَّ فِيمَا لو أَرَادَ بِإِذَا مَعْنَى إنْ لِأَنَّهُ ثَمَّ أَرَادَ بِلَفْظٍ مَعْنَى لَفْظٍ آخَرَ بَيْنَهُمَا اجْتِمَاعٌ في الشَّرْطِيَّةِ بِخِلَافِهِ هُنَا
فَصْلٌ لو قال أَنْت طَالِقٌ إنْ لم تَدْخُلِي الدَّارَ أو إنْ دَخَلْت الدَّارَ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا وهو يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ طَلُقَتْ في الْحَالِ دَخَلَتْ أَمْ لَا لِأَنَّ الْمَعْنَى على التَّعْلِيلِ لَا التَّعْلِيقِ أَيْ لِعَدَمِ الدُّخُولِ أو الدُّخُولِ كما في قَوْله تَعَالَى أَنْ كان ذَا مَالٍ وَبَنِينَ قال الزَّرْكَشِيُّ أَخْذًا من التَّعْلِيلِ وَمَحَلُّ كَوْنِهَا لِلتَّعْلِيلِ في غَيْرِ التَّأْقِيتِ فَإِنْ كان فيه فَلَا كما لو قال أَنْت طَالِقٌ إنْ جَاءَتْ السُّنَّةُ أو الْبِدْعَةُ لِأَنَّ ذلك بِمَنْزِلَةِ لَأَنْ جَاءَتْ وَاللَّامُ في مِثْلِهِ لِلتَّأْقِيتِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أو لِلْبِدْعَةِ وَهَذَا مُتَعَيِّنٌ وَإِنْ سَكَتُوا عنه وما قَالَهُ في لَأَنْ جَاءَتْ مَمْنُوعٌ وَلَوْ سُلِّمَ فَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا ذلك في إنْ جَاءَتْ فإن الْمُقَدَّرَ ليس في قُوَّةِ الْمَلْفُوظِ مُطْلَقًا وَإِلَّا بِأَنْ لم يَعْرِفْ الْعَرَبِيَّةَ فَهُوَ تَعْلِيقٌ فَلَا تَطْلُقُ حتى تُوجَدَ الصِّفَةُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ قَصْدُهُ له وهو لَا يُمَيِّزُ بين الْأَدَوَاتِ فَإِنْ قال الْعَارِفُ بِالْعَرَبِيَّةِ أَنْت طَالِقٌ أَنْ طَلَّقْتُك بِالْفَتْحِ طَلُقَتْ في الْحَالِ طَلْقَتَيْنِ إحْدَاهُمَا بِإِقْرَارِهِ وَالْأُخْرَى بِإِيقَاعِهِ في الْحَالِ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ لِأَنِّي طَلَّقْتُك قال في الْأَصْلِ وَلَوْ قال أَنْت طَالِقٌ إذْ دَخَلْت الدَّارَ طَلُقَتْ في الْحَالِ لِأَنَّ إذْ لِلتَّعْلِيلِ أَيْضًا فَإِنْ كان الْقَائِلُ لَا يُمَيِّزُ بين إذْ وإذا فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كما لو يُمَيِّزُ بين أَنْ وَإِنْ انْتَهَى وما بَحَثَهُ نَقَلَهُ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ عن الشَّيْخِ أبي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ وكان الْمُصَنِّفُ لم يَعْتَمِدْهُ ولم يُفَرِّقْ بين إذْ شَاءَ اللَّهُ وَإِذْ دَخَلْت وَاكْتَفَى بِذِكْرِهَا في التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ وَتَقَدَّمَ ثَمَّ ما يُؤْخَذُ منه الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا
فَرْعٌ لو قال أَنْت طَالِقٌ طَالِقًا فَلَا شَيْءَ يَقَعُ حتى يُطَلِّقَهَا فَتَطْلُقُ حِينَئِذٍ طَلْقَتَيْنِ وَالتَّقْدِيرُ إذَا صِرْت مُطَلَّقَةً فَأَنْتَ طَالِقٌ هذا إنْ لم تَبِنْ بِالطَّلْقَةِ الْمُنَجَّزَةِ وَإِلَّا فَلَا يَقَعُ غَيْرُهَا نعم إنْ أَرَادَ إيقَاعَ طَلْقَةٍ مع الْمُنَجَّزَةِ وَقَعَ ثِنْتَانِ وَصَارَ كما لو قال أَنْت طَالِقٌ مع تَطْلِيقِي إيَّاكِ وَلَوْ قال أَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ طَالِقًا فَإِنْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا فَدَخَلَتْ وَقَعَتْ الْمُعَلَّقَةُ وَإِنْ دَخَلَتْ غير طَالِقٍ لم تَقَعْ الْمُعَلَّقَةُ بِهِ الْأَصْلُ وَقَوْلُهُ إنْ قَدِمْت طَالِقًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ تَعْلِيقُ طَلْقَتَيْنِ بِقُدُومِهَا مُطَلَّقَةً فَإِنْ قَدِمَتْ طَالِقًا وَقَعَ طَلْقَتَانِ بِالتَّعْلِيقِ وَكَالْقُدُومِ غَيْرُهُ كَالدُّخُولِ وَبِهِ عَبَّرَ الْأَصْلُ
وَإِنْ قال أَنْت إنْ كَلَّمْتُك طَالِقًا وقال بَعْدَهُ نَصَبْت طَالِقًا على الْحَالِ ولم أُتِمَّ كَلَامِي قُبِلَ منه فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ وَإِنْ لم يَقُلْهُ لم يَقَعْ شَيْءٌ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ ما يُرَادُ عِنْدَ الرَّفْعِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا كَلَّمَهَا وَغَايَتُهُ أَنَّهُ لَحْنٌ وَكَلَامُ الْأَصْلِ في مَسْأَلَةِ عَدَمِ الْإِرَادَةِ مُتَدَافِعٌ وَوَجْهُ عَدَمِ الْوُقُوعِ فيها عَدَمُ انْتِظَامِ الْكَلَامِ
الطَّرَفُ الثَّالِثُ في التَّعْلِيقِ بِالْحَمْلِ وَالْوِلَادَةِ فَلَوْ قال إنْ كُنْت حَامِلًا وَحَمْلُهَا تَمَكَّنَ فَأَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ في الْحَالِ إنْ كان حَمْلُهَا ظَاهِرًا بِنَاءً على أَنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ أو لم يَكُنْ ظَاهِرًا لَكِنْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من التَّعْلِيقِ وَكَذَا لِدُونِ أَرْبَعِ سِنِينَ منه ولم تُوطَأْ وَالْمُرَادُ في هَاتَيْنِ أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ أنها طَلُقَتْ من التَّعْلِيقِ لِتَبَيُّنِ الْحَمْلِ من حِينَئِذٍ وَلِهَذَا حَكَمْنَا بِثُبُوتِ النَّسَبِ لَا إنْ وُطِئَتْ في مُدَّةِ السِّنِينَ الْأَرْبَعِ من زَوْجٍ أو غَيْرِهِ وَطْءً يُمْكِنُ كَوْنُهُ منه أَيْ من ذلك الْوَطْءِ بِأَنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ الْوَطْءِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَلَا تَطْلُقُ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْحَمْلِ من ذلك الْوَطْءِ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ النِّكَاحِ وَلَا إنْ وَلَدَتْهُ لِأَرْبَعِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ من التَّعْلِيقِ لِأَنَّا تَحَقَّقْنَا أنها لم تَكُنْ حَامِلًا حين التَّعْلِيقِ فَعُلِمَ من كَلَامِهِ أَنَّ لِلْأَرْبَعِ حُكْمَ ما فَوْقَهَا خِلَافُ ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ وَعَلَيْهِ جَرَى
____________________
(3/311)
ابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ تَبَعًا لِلْوَسِيطِ وَوَجْهُهُ أَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْلِ أَرْبَعُ سِنِينَ فإذا أَتَتْ لِأَرْبَعٍ من التَّعْلِيقِ تَبَيَّنَّا أنها لم تَكُنْ عِنْدَهُ حَامِلًا وَإِلَّا زَادَتْ مُدَّةُ الْحَمْلِ على أَرْبَعِ سِنِينَ وَنَازَعَ ابن الرِّفْعَةِ فِيمَا إذَا وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مع قِيَامِ الْوَطْءِ وقال إنَّ كَمَالَ الْوَلَدِ وَنَفْخَ الرُّوحِ فيه يَكُونُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كما شَهِدَ بِهِ الْخَبَرُ فإذا أَتَتْ بِهِ لِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ مَثَلًا احْتَمَلَ الْعُلُوقَ بِهِ بَعْدَ التَّعْلِيقِ قال وَالسِّتَّةُ أَشْهُرٍ مُعْتَبَرَةٌ لِحَيَاةِ الْوَلَدِ غَالِبًا وَأُجِيبَ عنه بِأَنَّهُ ليس في الْخَبَرِ أَنَّ نَفْخَ الرُّوحِ يَكُونُ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ تَحْدِيدًا فإن لَفَظَّةَ ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ الْمَلَكَ فَيَنْفُخُ فيه الرُّوحَ فَإِتْيَانُهُ بِثُمَّ دَلَّ على تَرَاخِي أَمْرِ اللَّهِ بِذَلِكَ وَلَا تُعْرَفُ مُدَّةُ التَّرَاخِي فلما اسْتَنْبَطَ الْفُقَهَاءُ من الْقُرْآنِ أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ عَلِمْنَا أنها مُدَّةُ التَّرَاخِي وَأَنَّ نَفْخَ الرُّوحِ عِنْدَهَا وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَلَدِ في قَوْلِهِمْ أو وَلَدَتْهُ الْوَلَدُ التَّامِّ فَإِنْ لم يَظْهَرْ الْحَمْلُ عِنْدَ التَّعْلِيقِ يُسَنُّ لِلزَّوْجِ اجْتِنَابُهَا حتى يَسْتَبْرِئَهَا احْتِيَاطًا وَإِنَّمَا لم يَجِبْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَمْلِ وَبَقَاءُ النِّكَاحِ فَلَوْ وَطِئَهَا قبل اسْتِبْرَائِهَا أو بَعْدَهُ وَبَانَتْ حَامِلًا كان الْوَطْءُ شُبْهَةً يَجِبُ بِهِ الْمَهْرُ لَا الْحَدُّ وَالِاسْتِبْرَاءُ هُنَا كما في اسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ فَيَكُونُ بِحَيْضَةٍ أو بِشَهْرٍ بَدَلَهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قِيَامُ ما يَدُلُّ على الْبَرَاءَةِ وَهِيَ تَحْصُلُ بِذَلِكَ وَالِاسْتِبْرَاءُ قبل التَّعْلِيقِ كَافٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ حَالِهَا في الْحَمْلِ فَلَا فَرْقَ بين التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ وَاسْتِبْرَاءِ الْمَمْلُوكَةِ
فَإِنْ قال إنْ كُنْت حَامِلًا أو إنْ لم تَكُونِي حَامِلًا فَأَنْت طَالِقٌ وَهِيَ مِمَّنْ يَحْمِلُ حَرُمَ وَطْؤُهَا قبل الِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالْغَالِبَ في النِّسَاءِ الْحِيَالُ وهو أَيْ الِاسْتِبْرَاءُ أَيْ الْفَرَاغُ منه مُوجِبٌ وفي نُسْخَةٍ بَدَلُ يَوْمٍ إلَى آخِرِهِ فَالِاسْتِبْرَاءُ هُنَا وَاجِبٌ وَمُوجِبٌ لِلْحُكْمِ بِالطَّلَاقِ لِظَاهِرِ الْحَالِ فَتُحْسَبُ الْحَيْضَةُ أو الشَّهْرُ من الْعِدَّةِ التي وَجَبَتْ بِالطَّلَاقِ فَتُتِمُّهَا لَا إنْ اسْتَبْرَأَهَا قبل التَّعْلِيقِ فَلَا يُحْسَبُ ذلك من الْعِدَّةِ لِتَقَدُّمِهِ على مُوجِبِهَا فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَوْ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ فَالْحُكْمُ في تَبَيُّنِ الطَّلَاقِ وَعَدَمِهِ بِعَكْسِ ما سَبَقَ فَلَا تَطْلُقُ إنْ وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أو لِدُونِ أَرْبَعِ سِنِينَ ولم تُوطَأْ لِتَبَيُّنِ أنها كانت حَامِلًا عِنْدَ التَّعْلِيقِ لَا إنْ وُطِئَتْ وَطْئًا يُمْكِنُ كَوْنُهُ منه لِأَنَّ الظَّاهِرَ حِيَالُهَا حِينَئِذٍ وَحُدُوثُ الْوَلَدِ من هذا الْوَطْءِ وَلَا إنْ وَلَدَتْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ من التَّعْلِيقِ لِتَحَقُّقِ الْحِيَالِ عِنْدَهُ فَإِنْ وَطِئَهَا قبل الِاسْتِبْرَاءِ أو بَعْدَهُ وَبَانَتْ مُطَلَّقَةً منه لَزِمَهُ الْمَهْرُ لَا الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ أَمَّا إذَا لم تَكُنْ مِمَّنْ تَحْمِلُ كَأَنْ كانت صَغِيرَةً أو آيِسَةً فَتَطْلُقُ في الْحَالِ
وَإِنْ قال إنْ أَحَبَلَتُك فَأَنْت طَالِقٌ فَالتَّعْلِيقُ بِمَا يَحْدُثُ من الْحَمْلِ فَلَوْ كانت حَامِلًا لم تَطْلُقْ بَلْ يَتَوَقَّفُ طَلَاقُهَا على حَمْلٍ فَإِنْ وَضَعَتْ أو كانت حَامِلًا لم يُمْنَعْ من الْوَطْءِ وَكُلَّمَا وَطِئَهَا وَجَبَ اسْتِبْرَاؤُهَا قال في الْمُهِمَّاتِ وهو مَمْنُوعٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَلَوْ قال لها إنْ لم تَحْبَلِي فَأَنْت طَالِقٌ قال الرُّويَانِيُّ لَا تَطْلُقُ حتى تَيْأَسَ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَا ذَكَرَ أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ وإذا وَطِئَهَا مَرَّةً مُنِعَ حتى تَحِيضَ
فَرْعٌ لو قال لِحَامِلٍ إنْ كُنْت حَامِلًا فَأَنْت طَالِقٌ بِدِينَارٍ فَقَبِلَتْ طَلُقَتْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الْمُسَمَّى وَوَجْهُ فَسَادِهِ بِأَنَّ الْحَمْلَ مَجْهُولٌ لَا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ إلَيْهِ في الْحَالِ فَأَشْبَهَ ما إذَا جَعَلَهُ عِوَضًا ولم يذكر الْأَصْلُ الْقَبُولَ بَلْ شَرَطَ إعْطَاءَ الدِّينَارِ فَأَبْدَلَهُ الْمُصَنِّفُ بِاشْتِرَاطِ الْقَبُولِ لِقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ في الْخُلْعِ من اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ
فَصْلٌ لو قال إنْ كُنْت حَامِلًا بِذَكَرٍ أو إنْ كان في بَطْنِك ذَكَرٌ فَأَنْت طَالِقٌ طَلْقَةً وَإِنْ كُنْت حَامِلًا بِأُنْثَى أو إنْ كان في بَطْنِك أُنْثَى فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْ أَحَدَهُمَا وَقَعَ بِهِ ما أَوْقَعَ بِالتَّعْلِيقِ فَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرًا طَلُقَتْ طَلْقَةً أو أُنْثَى فَطَلْقَتَيْنِ وَإِنْ وَلَدَتْهُمَا مَعًا أو مُرَتَّبًا وكان بَيْنَهُمَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَثَلَاثٌ لِوُجُودِ الصِّفَتَيْنِ وَيَتَبَيَّنُ الْوُقُوعُ في الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ من اللَّفْظِ أو وَلَدَتْ خُنْثَى فَطَلْقَةٌ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنَةُ إلَّا إنْ بَانَ أُنْثَى فَطَلْقَتَانِ وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى وَخُنْثَى فَطَلْقَتَانِ وَتُوقَفُ الثَّالِثَةُ حتى يَتَبَيَّنَ حَالُ الْخُنْثَى وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِالْوِلَادَةِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ من حِينِ اللَّفْظِ كما مَرَّ وَإِنْ عَبَّرَ بِأَنْ كان حَمْلُك أو ما في بَطْنِك ذَكَرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَإِنْ كان أُنْثَى فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا لم يَقَعْ بِهِمَا شَيْءٌ لِأَنَّ قَضِيَّةَ اللَّفْظِ كَوْنُ جَمِيعِ الْحَمْلِ ذَكَرًا أو أُنْثَى ولم يُوجَدْ فَلَوْ وَلَدَتْ أُنْثَيَيْنِ أو ذَكَرَيْنِ فَكَوَاحِدٍ أَيْ فَكَأُنْثَى أو ذَكَرٍ فَيَقَعُ بِالذَّكَرَيْنِ طَلْقَةٌ وَبِالْأُنْثَيَيْنِ طَلْقَتَانِ لِأَنَّ مَعْنَى ذلك إنْ كان حَمْلُك أو ما في بَطْنِك من هذا الْجِنْسِ أو وَلَدَتْ
____________________
(3/312)
خُنْثَى وَذَكَرًا وَقَفَ الْحُكْمُ فَإِنْ بَانَ الْخُنْثَى ذَكَرًا فَوَاحِدَةً أو أُنْثَى لم يَقَعْ شَيْءٌ وَعَكْسُهُ لَا يَخْفَى حُكْمُهُ بِأَنْ وَلَدَتْ خُنْثَى وَأُنْثَى فَيُوقَفُ الْحُكْمُ فَإِنْ بَانَ الْخُنْثَى أُنْثَى فَطَلْقَتَانِ أو ذَكَرًا لم يَقَعْ شَيْءٌ وَإِنْ قال إنْ وَلَدَتْ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ بِانْفِصَالِ ما تَمَّ تَصْوِيرُهُ وَلَوْ مَيِّتًا وَسَقْطًا بِخِلَافِ ما لم يَتِمَّ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قبل تَمَامِ خُرُوجِهِ لم تَطْلُقْ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ لم تُوجَدْ حَالَ الزَّوْجِيَّةِ بَلْ عِنْدَ انْتِهَاءِ النِّكَاحِ فَأَشْبَهَ ما لو قال أَنْت طَالِقٌ مع مَوْتِي فَإِنْ عَقَّبَتْهُ أَيْ الْوَلَدَ الذي وَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ بِآخَرَ يَلْحَقُ الزَّوْجَ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ أَرْبَعِ سِنِينَ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِهِ أَمَّا لو وَلَدَتْهُمَا مَعًا فَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِذَلِكَ
أو قال كُلَّمَا وَلَدَتْ وَلَدًا فَأَنْت طَالِقٌ فَوَلَدَتْ في بَطْنٍ وَاحِدٍ ثَلَاثَةً مَعًا طَلُقَتْ ثَلَاثًا لِاقْتِضَاءِ كُلَّمَا التَّكْرَارَ كما مَرَّ وَتَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ أو الْأَشْهُرِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَامِلًا وَقْتَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَمَتَى تَرَتَّبُوا أَيْ الْأَوْلَادُ في الْوِلَادَةِ وَهُمْ أَرْبَعَةٌ طَلُقَتْ ثَلَاثًا بِوِلَادَةِ ثَلَاثَةٍ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالرَّابِعِ أو وَهُمْ ثَلَاثَةٌ فَطَلْقَتَيْنِ بِوِلَادَةِ الْأَوَّلَيْنِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالثَّالِثِ وَلَا تَطْلُقُ ثَالِثَةً إذْ بِهِ يَتِمُّ انْفِصَالُ الْحَمْلِ الذي تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ فَلَا يُقَارِنُهُ طَلَاقٌ أو وَهُمْ اثْنَانِ فَطَلْقَةً لِانْقِطَاعِ الْعِدَّةِ بِالْأَخِيرِ في الصُّوَرِ الثَّلَاثِ كما تَقَرَّرَ فَقَوْلُهُ لِلرَّجْعِيَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ مع انْقِضَاءِ عِدَّتِك لَاغٍ لِمَا مَرَّ أَنَّ انْقِضَاءَهَا لَا يُقَارِنُهُ طَلَاقٌ وَلَوْ وَلَدَتْ اثْنَيْنِ مَعًا وَاثْنَيْنِ مَعًا طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْأَخِيرَيْنِ وَإِنْ وَلَدَتْ ثَلَاثَةً مَعًا ثُمَّ وَاحِدًا طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَتَطْلُقُ في عَكْسِهِ طَلْقَةً قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ قال إنْ وَلَدَتْ وَلَدًا فَطَلْقَةً وَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرًا فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا طَلُقَتْ ثَلَاثًا لِأَنَّ ما وَلَدَتْهُ وَلَدٌ وَذَكَرٌ فَهُوَ كما لو قال إنْ كَلَّمْت رَجُلًا فَأَنْت طَالِقٌ طَلْقَةً أو فَقِيهًا فَطَلْقَتَيْنِ فَكَلَّمَتْ رَجُلًا فَقِيهًا يَقَعُ ثَلَاثٌ وَإِنْ وَلَدَتْ خُنْثَى طَلُقَتْ وَاحِدَةً لِلشَّكِّ في ذُكُورِيَّتِهِ وَيُوقَفُ ما عَدَاهَا إلَى الْبَيَانِ أو إنْ وَلَدَتْ ذَكَرًا فَطَلْقَةً وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا مَعًا طَلُقَتْ ثَلَاثًا لِوُجُودِ الصِّفَتَيْنِ وَهِيَ زَوْجَةٌ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ أو الْأَشْهُرِ وَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرًا طَلُقَتْ وَاحِدَةً وَتَعْتَدُّ بِمَا هو ذَكَرٌ أو أُنْثَى فَثِنْتَيْنِ وَتَعْتَدُّ بِذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَكَذَا إنْ وَلَدَتْهُمَا مُتَعَاقِبَيْنِ يَقَعُ ثَلَاثٌ إنْ كان بَعْدَهُمَا وَلَدٌ ثَالِثٌ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ بِأَنْ يَلْحَقَ الزَّوْجَ سَوَاءٌ أَوَلَدَتْ الذَّكَرَ قبل الْأُنْثَى أَمْ بِالْعَكْسِ وَإِلَّا بِأَنْ لم يَكُنْ بَعْدَهُمَا ثَالِثٌ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالثَّانِي ولم تَطْلُقْ بِهِ لِمُصَادَفَتِهِ الْبَيْنُونَةَ وَإِنَّمَا تَطْلُقُ فَتَطْلُقُ بِهِ طَلْقَةً إنْ كان ذَكَرًا وَطَلْقَتَيْنِ إنْ كان أُنْثَى فَإِنْ شَكَّ في التَّعَاقُبِ فَالْوَاقِعُ عليها طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنَةُ وَالْوَرَعُ تَرْكُهَا حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ لِاحْتِمَالِ الْمَعِيَّةِ
فَرْعٌ لو قال إنْ كُنْت حَامِلًا بِذَكَرٍ فَأَنْت طَالِقٌ طَلْقَةً وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا فَطَلْقَةً يَتَبَيَّنُ وُقُوعُهَا وَتَنْقَضِي بِهِ أَيْ بِوِلَادَتِهِ عِدَّتُهَا لِأَنَّهَا تَطْلُقُ بِاللَّفْظِ أو وَلَدَتْ أُنْثَى فَطَلْقَتَانِ ثُمَّ تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ أو الْأَشْهُرِ لِأَنَّهَا تَطْلُقُ بِالْوِلَادَةِ أو وَلَدَتْ أُنْثَى ثُمَّ ذَكَرًا طَلُقَتْ ثَلَاثًا ثِنْتَيْنِ بِوِلَادَةِ الْأُنْثَى وَبِوِلَادَةِ الذَّكَرِ تَبَيَّنَ وُقُوعُ طَلْقَةٍ قبل كَوْنِهَا كانت حَامِلًا بِذَكَرٍ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا عن الثَّلَاثِ بِهِ أَيْ بِوِلَادَةِ الذَّكَرِ أو عَكْسِهِ بِأَنْ وَلَدَتْ ذَكَرًا ثُمَّ أُنْثَى أو وَلَدَتْهُمَا مَعًا طَلُقَتْ بِالذَّكَرِ طَلْقَةً أَيْ تَبَيَّنَ وُقُوعُهَا وَلَا شَيْءَ بِالْأُنْثَى لِمُقَارَنَةِ الْعِدَّةِ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ بِوِلَادَتِهَا إذْ بها تَنْقَضِي
وَلَوْ قال لِأَرْبَعِ حَوَامِلَ منه كُلَّمَا وَلَدَتْ إحْدَاكُنَّ أو أَيَّتُكُنَّ وَلَدَتْ فَصَوَاحِبُهَا أو فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ فَوَلَدْنَ مَعًا طُلِّقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا أَمَّا في الْأُولَى فَلِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُنَّ ثَلَاثَ صَوَاحِبَ فَيَقَعُ عَلَيْهِنَّ بِوِلَادَةِ كُلٍّ مِنْهُنَّ طَلْقَةٌ وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ عَلَّقَ بِوِلَادَةِ كُلٍّ مِنْهُنَّ طَلَاقَ الْوَالِدَةِ وَغَيْرِهَا وَعِدَّتُهُنَّ بِالْأَقْرَاءِ أو الْأَشْهُرِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ بِالْوِلَادَةِ وَالْعِدَّةُ عَقِبَ الطَّلَاقِ أو وَلَدْنَ مُرَتَّبًا في الْعِدَّةِ طَلُقَتْ الْأُولَى وَالرَّابِعَةُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا أَمَّا الرَّابِعَةُ فَبِوِلَادَةِ كُلٍّ من صَوَاحِبِهَا الثَّلَاثِ طَلْقَةٌ وَأَمَّا الْأُولَى فَبِوِلَادَةِ كُلٍّ من صَوَاحِبِهَا الثَّلَاثِ طَلْقَةٌ في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَبِوِلَادَةِ نَفْسِهَا وَكُلٍّ من الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ طَلْقَةٌ في الثَّانِيَةِ إنْ بَقِيَتْ عِدَّتُهَا عِنْدَ وِلَادَةِ الثَّالِثَةِ وَعِنْدَ وِلَادَةِ الرَّابِعَةِ في الْأُولَى وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يَنْفِي الصُّحْبَةَ وَالزَّوْجِيَّةَ فإنه لو حَلَفَ بِطَلَاقِ نِسَائِهِ دَخَلَتْ الرَّجْعِيَّةُ فيه
وَعِدَّةُ الْأُولَى
____________________
(3/313)
بِالْأَقْرَاءِ أو الْأَشْهُرِ وَالرَّابِعَةُ بِوِلَادَتِهَا وطلقت الثَّانِيَةُ طَلْقَةً بِوِلَادَةِ الْأُولَى وَالثَّالِثَةُ طَلْقَتَيْنِ بِوِلَادَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ وَإِنَّمَا لم تَطْلُقَا أَكْثَرَ من بَعْدَهُمَا لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهِمَا بِالْوِلَادَةِ أَيْ بِوِلَادَتِهِمَا إنْ لم يَتَأَخَّرْ ثَانِي تَوْأَمَيْهِمَا إلَى وِلَادَةِ الرَّابِعَةِ وَإِلَّا طُلِّقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَلَوْ وَلَدْت ثِنْتَانِ مَعًا ثُمَّ ثِنْتَانِ مَعًا طَلُقَتْ الْأُولَيَانِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا بِوِلَادَةِ كُلٍّ من صَوَاحِبِهَا الثَّلَاثِ طَلْقَةً في الْأُولَى وَبِوِلَادَةِ نَفْسِهَا وَكُلٍّ من رَفِيقَتِهَا وَإِحْدَى الْأَخِيرَتَيْنِ طَلْقَةً في الثَّانِيَةِ وَعِدَّتُهُمَا بِالْأَقْرَاءِ أو الْأَشْهُرِ وطلقت الْأُخْرَيَانِ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ بِوِلَادَةِ الْأُولَيَيْنِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُمَا بِالْوِلَادَةِ أَيْ بِوِلَادَتِهِمَا فَلَا يَقَعُ على كُلٍّ مِنْهُمَا بِوِلَادَةِ الْأُخْرَى شَيْءٌ أو وَلَدَتْ ثَلَاثٌ مَعًا ثُمَّ الرَّابِعَةُ طُلِّقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا أَمَّا الرَّابِعَةُ فَبِوِلَادَةِ كُلٍّ من صَوَاحِبِهَا الثَّلَاثِ طَلْقَةً وَأَمَّا الثَّلَاثُ فَبِوِلَادَةِ كُلٍّ من صَوَاحِبِهَا الثَّلَاثِ طَلْقَةً في الْأُولَى وَبِوِلَادَةِ نَفْسِهَا وَكُلٍّ من رَفِيقَتَيْهَا طَلْقَةً في الثَّانِيَةِ أو عَكْسُهُ بِأَنْ وَلَدَتْ وَاحِدَةٌ ثُمَّ الثَّلَاثُ مَعًا طَلَّقَ غير الْأُولَى طَلْقَةً طَلْقَةً بِوِلَادَةِ الْأُولَى ثُمَّ تَنْقَضِي عِدَّتُهُنَّ بِوِلَادَتِهِنَّ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِنَّ شَيْءٌ آخَرُ وطلقت الْأُولَى ثَلَاثًا بِوِلَادَةِ الْبَاقِيَاتِ إنْ بَقِيَتْ عِدَّتُهَا في الثَّانِيَةِ أو تَرَتَّبَ ثِنْتَانِ في الْوِلَادَةِ ثُمَّ وَلَدَتْ ثِنْتَانِ مَعًا طَلُقَتْ الْأُولَى ثَلَاثًا بِوِلَادَةِ الْبَاقِيَاتِ إنْ بَقِيَتْ عِدَّتُهَا في الثَّانِيَةِ وَالثَّانِيَةُ طَلْقَةً بِوِلَادَةِ الْأُولَى وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوِلَادَتِهَا وَالْأُخْرَيَانِ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ بِوِلَادَةِ كُلٍّ من الْأُولَيَيْنِ طَلْقَةً وَتَنْقَضِي عِدَّتُهُمَا بِوِلَادَتِهِمَا فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ آخَرُ أو وَلَدَتْ ثِنْتَانِ مَعًا ثُمَّ تَرَتَّبَ ثِنْتَانِ عَكْسُ ما قَبْلَهُمَا طُلِّقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا لِمَا مَرَّ إلَّا الثَّالِثَةَ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ طَلْقَتَيْنِ بِوِلَادَةِ الْأُولَيَيْنِ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوِلَادَتِهَا فَلَا يَقَعُ عليها شَيْءٌ آخَرُ فَهَذِهِ سَبْعُ صُوَرٍ وَبَقِيَتْ ثَامِنَةٌ وَهِيَ ما لو وَلَدَتْ وَاحِدَةٌ ثُمَّ ثِنْتَانِ ثُمَّ وَاحِدَةٌ طَلُقَتْ الْأُولَى وَالرَّابِعَةُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا مِثْلُ ما مَرَّ في الصُّورَةِ الْأُولَى وَطَلُقَتْ الْأُخْرَيَانِ طَلْقَةً طَلْقَةً وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ ما في كَلَامِهِ من الْإِجْحَافِ بِوَاسِطَةِ جَمْعِهِ بين مَسْأَلَةِ الصَّوَاحِبِ وَمَسْأَلَةِ فَأَنْتُنَّ
فَرْعٌ وَالتَّصْوِيرُ بِمَا ذَكَرَ بِقَوْلِهِ لِلْأَرْبَعِ كُلَّمَا وَلَدَتْ إحْدَاكُنَّ فَصَوَاحِبُهَا أو فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ فإذا طَلَّقَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلْقَةً مُنَجَّزَةً ثُمَّ وَلَدْنَ على التَّعَاقُبِ انْقَضَتْ عِدَّةُ الْأُولَى عن الطَّلْقَةِ بِوِلَادَتِهَا وَازْدَادَتْ الثَّانِيَةُ بِوِلَادَةِ الْأُولَى ثَانِيَةً وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا عن الطَّلْقَتَيْنِ بِوِلَادَتِهَا وَاسْتَكْمَلَ الْأُخْرَيَانِ الثَّلَاثَ وَاحِدَةً بِالتَّنْجِيزِ وَثِنْتَانِ بِوِلَادَةِ الْأُولَيَيْنِ
فَرْعٌ لو قال لِلْأَرْبَعِ كُلَّمَا وَلَدَتْ ثِنْتَانِ مِنْكُنَّ فَالْأُخْرَيَانِ طَالِقَانِ فَوَلَدْنَ مُرَتَّبًا طَلُقَتْ الْأُخْرَيَانِ فَقَطْ بِوِلَادَةِ الثَّانِيَةِ طَلْقَةً طَلْقَةً وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُمَا بِوِلَادَتِهِمَا وطلقت الْأُولَيَانِ بِوِلَادَةِ الرَّابِعَةِ طَلْقَةً طَلْقَةً وانقضت عِدَّتُهُمَا بِالْأَقْرَاءِ أو الْأَشْهُرِ
فَرْعٌ لو قال لِحَامِلَيْنِ أو حَائِلَيْنِ كُلَّمَا وَلَدَتْ إحْدَاكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَوَلَدَتْ إحْدَاهُمَا طَلُقَتَا بِوِلَادَتِهِمَا طَلْقَةً طَلْقَةً وَبِوِلَادَةِ الثَّانِيَةِ تَطْلُقُ الْأُولَى فَقَطْ طَلْقَةً ثَانِيَةً إنْ بَقِيَتْ في الْعِدَّةِ وَتَنْقَضِي عِدَّةُ الثَّانِيَةِ بِوِلَادَتِهَا وَإِنْ وَلَدَتْ إحْدَاهُمَا ثُمَّ الْأُخْرَى ثُمَّ الْأُولَى ثُمَّ الْأُخْرَى من بَطْنٍ وَاحِدٍ طَلُقَتَا بِالْوِلَادَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ وَانْقَضَتْ عِدَّةُ الْأُولَى عن الطَّلْقَتَيْنِ بِوَلَدِهَا الثَّانِي أَيْ بِوِلَادَتِهِ فَلَا يَقَعُ عليها شَيْءٌ آخَرُ وَازْدَادَتْ بِهِ الْأُخْرَى طَلْقَةً ثَالِثَةً وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَيْضًا عن الثَّلَاثِ بِوِلَادِهَا الثَّانِي أَيْ بِوِلَادَتِهِ فَإِنْ كان التَّعْلِيقُ بِصِيغَةِ كُلَّمَا وَلَدْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَوَلَدَتْ إحْدَاهُمَا ثَلَاثَةً من الْأَوْلَادِ في بَطْنٍ وَاحِدٍ وَلَوْ مُتَعَاقِبِينَ ثُمَّ وَلَدَتْ الْأُخْرَى كَذَلِكَ أَيْ ثَلَاثَةً وَلَوْ مُتَعَاقِبِينَ طَلُقَتْ الْأُولَى ثَلَاثًا بِوِلَادَةِ الثَّانِيَةِ الثَّلَاثَةَ وطلقت الثَّانِيَةُ كَذَلِكَ أَيْ ثَلَاثًا لِوِلَادَتِهَا الثَّلَاثَةَ إلَّا إنْ انْفَرَدَ الْأَخِيرُ بِالْوِلَادَةِ فَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَتَطْلُقُ طَلْقَتَيْنِ فَقَطْ بِوِلَادَةِ الْأُولَيَيْنِ وَإِلَّا إنْ وَلَدَتْ الْأَخِيرَيْنِ مَعًا فَتَنْقَضِي بِهِمَا الْعِدَّةُ وَتَطْلُقُ طَلْقَةً فَقَطْ فَوُقُوعُ الثَّلَاثِ على الثَّانِيَةِ مَحِلُّهُ إذَا وَلَدَتْ الثَّلَاثَةَ مَعًا وَالتَّصْرِيحُ بِمَجْمُوعِ الْقَيْدِ وَالْمُقَيَّدِ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ وَلَدَتْ الْأُولَى وَاحِدًا وَالثَّانِيَةُ ثَلَاثَةً مُتَعَاقِبِينَ ثُمَّ الْأُولَى اثْنَيْنِ كَذَلِكَ أَيْ مُتَعَاقِبَيْنِ طَلُقَتَا بِالْأَوَّلِ من الثَّانِيَةِ طَلْقَةً طَلْقَةً ثُمَّ الْإِطْلَاقُ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا حتى تَلِدَ الْأُولَى وَلَدًا فَتَزْدَادَ بِالثَّانِي أَيْ بِوِلَادَتِهِ مُنْضَمًّا إلَى وِلَادَةِ الثَّانِيَةِ الثَّانِي طَلْقَةً ثَانِيَةً
____________________
(3/314)
وَتَنْقَضِي عِدَّةُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِوَلَدِهَا الثَّالِثِ فَإِنْ وَلَدَتْ الْأُولَى وَلَدًا ثُمَّ الْأُخْرَى وَلَدًا ثُمَّ الْأُولَى وَلَدًا ثُمَّ الْأُخْرَى وَلَدًا وَهَكَذَا إلَى وِلَادَةِ ثَلَاثَةٍ من كُلٍّ مِنْهُمَا من بَطْنٍ فَطَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ تَطْلُقَانِ إحْدَاهُمَا بِوِلَادَةِ الثَّانِيَةِ الْأَوَّلَ وَالْأُخْرَى بِوِلَادَتِهَا الثَّانِي وَتَنْقَضِي عِدَّةُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِوِلَادَتِهَا الثَّالِثَ
فَرْعٌ سَبَقَ أَنَّ خُرُوجَ كل الْوَلَدِ شَرْطٌ في التَّعْلِيقِ بِالْوِلَادَةِ أَيْ في وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهِ فَلَوْ خَرَجَ بَعْضُهُ وَمَاتَ الزَّوْجُ أو الْمَرْأَةُ لم تَطْلُقْ وَوَرِثَ الْبَاقِي مِنْهُمَا الْمَيِّتَ فَلَوْ قال إنْ وَلَدْت فَعَبْدِي حُرٌّ أو فَأَنْت طَالِقٌ لم يَعْتِقْ بِخُرُوجِ بَعْضِهِ ولم تَطْلُقْ فَإِنْ بَاعَهُ أَيْ الْعَبْدَ حِينَئِذٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ له أو لَهُمَا وَانْفَصَلَ الْوَلَدُ في مُدَّةِ الْخِيَارِ عَتَقَ الْعَبْدُ لِأَنَّ عِتْقَهُ يَنْفُذُ منه في مُدَّتِهِ وَإِنْ انْفَصَلَ بَعْدَهَا لم يَعْتِقْ
فَصْلٌ لو عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِحَمْلِهَا أو وِلَادَتِهَا فَادَّعَتْهُ وَكَذَّبَهَا فَشَهِدَ أَرْبَعٌ من النِّسْوَةِ بِذَلِكَ لم يَقْبَلْنَ أَيْ لم يَقَعْ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُنَّ لَا يُقْبَلْنَ فيه وَإِنْ قُبِلْنَ في ثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْمِيرَاثِ بِشَهَادَتِهِنَّ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهُمَا من تَوَابِعِ الْوِلَادَةِ وَضَرُورَاتِهَا بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَهَذِهِ إنَّمَا ذَكَرَهَا الْأَصْلُ في صُورَةِ الْوِلَادَةِ دُونَ صُورَةِ الْحَمْلِ وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ يُوَافِقُهُ أَمَّا إذَا صَدَّقَهَا الزَّوْجُ فَتَطْلُقُ في الْحَالِ
وَإِنْ قال إنْ كان أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ من هذا الْحَمْلِ ذَكَرًا فَأَنْت طَالِقٌ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا فَطَلُقَتْ وَلَوْ لم تَلِدْ غَيْرَهُ إذْ ليس من شَرْطِ كَوْنِهِ أَوَّلًا أَنْ تَلِدَ بَعْدَهُ آخَرَ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ عليه غَيْرُهُ إذَا الْأَوَّلُ لُغَةً ابْتِدَاءُ الشَّيْءِ سَوَاءٌ أَكَانَ له ثَانٍ أَمْ لَا قال تَعَالَى إنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ إنْ هِيَ إلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ ليس لهم إلَّا مَوْتَةٌ وَاحِدَةٌ أو قال إنْ كان الْأَوَّلُ من هذا الْحَمْلِ ذَكَرًا فَطَلْقَةً أو يَعْنِي وَإِنْ كان أُنْثَى فَثَلَاثًا فَوَلَدَتْ الذَّكَرَ أَوَّلًا طَلُقَتْ وَاحِدَةً وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوِلَادَةِ الْأُنْثَى أو عَكْسِهِ بِأَنْ وَلَدَتْ الْأُنْثَى أَوَّلًا طَلَّقَا ثَلَاثًا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالذَّكَرِ وَإِنْ وَلَدَتْهُمَا مَعًا أو جَهِلَ التَّعَاقُبَ وَالْمَعِيَّةَ لم تَطْلُقْ إذْ لَا يُوصَفُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالْأَوَّلِيَّةِ فِيهِمَا وَلِاحْتِمَالِ الْمَعِيَّةِ في الثَّانِيَةِ فَلَوْ تَعَاقَبَا وَجَهِلَ السَّابِقَ مِنْهُمَا فَطَلْقَةً لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنَةُ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ تَطْلُقَ ثَلَاثًا قَالَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِالثَّانِي مِنْهُمَا وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ فَإِنْ جَعَلَ وِلَادَةَ الْأُنْثَى من زَوْجَةٍ شَرْطًا لِطَلَاقِ الْأُخْرَى بِأَنْ قال إنْ كان أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ ذَكَرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ كان أُنْثَى فَضَرَّتُك طَالِقٌ فَوَلَدَتْهُمَا مُرَتَّبًا وَجَهِلَ السَّابِقَ مِنْهُمَا يُوقَفُ الزَّوْجُ أَيْ يُمْنَعُ عنهما لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ على إحْدَاهُمَا وَالْتِبَاسِهَا وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُمَا حتى تَبِينَ الْمُطَلَّقَةُ مِنْهُمَا فَإِنْ جَعَلَهَا شَرْطًا لِعِتْقٍ بِأَنْ قال إنْ كان أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ ذَكَرًا فَأَنْت طَالِقٌ وَإِنْ كان أُنْثَى فَعَبْدِي حُرٌّ فَوَلَدَتْهُمَا مُرَتَّبًا وَجَهِلَ السَّابِقَ أَقْرَعَ بين الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ فَإِنْ خَرَجَتْ لِلْعَبْدِ عَتَقَ وَإِلَّا لم تَطْلُقْ إذْ لَا مَدْخَلَ لِلْقُرْعَةِ في الطَّلَاقِ وَلَا تُعَادُ الْقُرْعَةُ فَلَوْ وَلَدَتْ مَيِّتًا وَدُفِنَ ولم يُعْرَفْ نُبِشَ لِيُعْرَفَ فَيُرَتَّبَ عليه حُكْمُهُ
الطَّرَفُ الرَّابِعُ في التَّعْلِيقِ بِالْحَيْضِ فَلَوْ قال إنْ حِضْت حَيْضَةً فَأَنْت طَالِقٌ اشْتَرَطَ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ حَيْضَةً كَامِلَةً فَيَقَعُ سُنِّيًّا لِوُقُوعِهِ في الطُّهْرِ أو إنْ طَهُرْت طُهْرًا وَاحِدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَ بِدْعِيًّا لِوُقُوعِهِ في الْحَيْضِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَلِوُقُوعِهِ سُنِّيًّا وَبِدْعِيًّا شَرْطٌ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ في مَحَلِّهِ وَقَوْلُهُ وَاحِدًا إيضَاحٌ وَإِنْ لم يَقُلْ حَيْضَةً في الْأُولَى وَطُهْرًا في الثَّانِيَةِ طَلُقَتْ بِالطَّعْنِ فيه أَيْ في الْحَيْضِ في الْأُولَى وَالطُّهْرِ في الثَّانِيَةِ إنْ تَمَّ كُلٌّ مِنْهُمَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ بِالطَّعْنِ فيه أَنَّهُ حَيْضٌ أو طُهْرٌ بِدَلِيلِ أنها تُؤْمَرُ بِمَا تُؤْمَرُ بِهِ الْحَائِضُ في الْأُولَى وَالطَّاهِرَةُ في الثَّانِيَةِ فَإِنْ لم يَتِمَّ تَبَيَّنَّا أنها لم تَطْلُقْ وَيُشْتَرَطُ لِطَلَاقِهَا فِيمَا ذُكِرَ حَيْضٌ أو طُهْرٌ جَدِيدٌ فَلَا يَكْفِي الِاسْتِدَامَةُ فَلَوْ كانت حَالَ التَّعْلِيقِ حَائِضًا في الْأُولَى لم تَطْلُقْ حتى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ أو طَاهِرًا في الثَّانِيَةِ لم تَطْلُقْ حتى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ وَيُقَاسُ بِذَلِكَ سَائِرُ الْأَوْصَافِ إلَّا ما اسْتَثْنَى من نَحْوِ اسْتِدَامَةِ الرُّكُوبِ كما سَيَأْتِي بَيَانُهُ في الْأَيْمَانِ وَإِنَّمَا لم تَكُنْ اسْتِدَامَةُ الْحَيْضِ حَيْضًا كما في اسْتِدَامَةِ الرُّكُوبِ لِأَنَّ دَوَامَ الْحَيْضِ ليس بِاخْتِيَارِهَا بِخِلَافِ دَوَامِ الرُّكُوبِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَيُمْكِنُ رُجُوعُهُ إلَى ما فَرَّقَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ من أَنَّ ما هُنَا تَعْلِيقٌ مُجَرَّدٌ عن الْحَلِفِ وما هُنَاكَ حَلِفٌ
وَإِنْ قال إنْ حِضْت حَيْضَةً فَأَنْت طَالِقٌ وَإِنْ حِضْت حَيْضَتَيْنِ فَأَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ بِا لْحَيْضَةِ الْأُولَى وَاحِدَةً وَبِالثَّانِيَةِ أُخْرَى لِتَحَقُّقِ الصِّفَتَيْنِ فَإِنْ عَطَفَ بِثُمَّ بِأَنْ قال إنْ حِضْت حَيْضَةً فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ إنْ حِضْت
____________________
(3/315)
حَيْضَتَيْنِ فَأَنْت طَالِقٌ فَا لطَّلْقَةُ الثَّانِيَةُ مُعَلَّقَةٌ بِحَيْضَتَيْنِ غَيْرِ الْأُولَى فَلَا تَقَعُ حتى تَحِيضَ بَعْدَ الْأُولَى حَيْضَتَيْنِ لِأَنَّ كَلِمَةَ ثُمَّ تُشْعِرُ بِذَلِكَ وَالْفَاءُ كَثُمَّ كما قَدَّمْته في نَظِيرِهِ وَلَوْ قال كُلَّمَا حِضْت حَيْضَةً فَأَنْت طَالِقٌ وَكُلَّمَا حِضْت حَيْضَتَيْنِ فَأَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ بِا لْحَيْضَةِ الْأُولَى طَلْقَةً وَبِالثَّانِيَةِ طَلْقَتَيْنِ لِأَنَّ كُلَّمَا لِلتَّكْرَارِ كما مَرَّ
وَلَوْ قال لِامْرَأَتَيْهِ إنْ حِضْتُمَا حَيْضَةً أو وَلَدْتُمَا وَلَدًا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ لَغَتْ لَفْظَةُ الْحَيْضَةِ أو الْوَلَدُ لِاسْتِحَالَةِ اشْتِرَاكِهِمَا في حَيْضَةٍ أو وَلَدٍ وَاسْتُعْمِلَ الْبَاقِي فإذا طَعَنَتَا في الْحَيْضِ أو وَلَدَتَا طَلُقَتَا فَإِنْ قال إنْ وَلَدْتُمَا وَلَدًا وَاحِدًا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَتَعْلِيقٌ بِمُحَالٍ فَلَا تَطْلُقَانِ بِوِلَادَتِهِمَا وَاسْتَشْكَلَ في الْمُهِمَّاتِ ذلك بِأَنَّا إنْ نَظَرْنَا إلَى تَقْيِيدِهِ بِالْحَيْضَةِ وَتَعَذُّرِ اشْتِرَاكِهِمَا فيها لَزِمَ عَدَمُ الْوُقُوعِ أو إلَى الْمَعْنَى وهو تَمَامُ حَيْضَةٍ من كل وَاحِدَةٍ لَزِمَ تَوَقُّفُ الْوُقُوعِ على تَمَامِهِمَا فَالْخُرُوجُ عن هَذَيْنِ مُشْكِلٌ ثُمَّ ما ذُكِرَ في الْوَلَدِ من أَنَّ لَفْظَ وَاحِدٌ تَعْلِيقٌ بِمُحَالٍ يَجْرِي تَعْيِينُهُ في الْحَيْضَةِ لِأَنَّهَا لِلْمَرْأَةِ لِوَاحِدَةٍ كَقَوْلِهِ وَلَدًا وَاحِدًا انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّ وَلَدًا وَاحِدًا نَصٌّ في الْوَحْدَةِ فَأَلْغَى الْكَلَامَ كُلَّهُ وَحَيْضَةٌ ظَاهِرٌ فيها فَأُلْغِيَتْ وَحْدَهَا وَبِإِلْغَائِهَا سَقَطَ اعْتِبَارُ تَمَامِ الْحَيْضَةِ
فَصْلٌ لو عَلَّقَ بِحَيْضِهَا طَلَاقَهَا فَادَّعَتْ حَيْضَهَا في زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَكَذَّبَهَا صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا فَيُحْكَمُ بِطَلَاقِهَا لِأَنَّهَا أَعْرَفُ منه بِهِ وَتَتَعَذَّرُ أَيْ تَتَعَسَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عليه فإن الدَّمَ وَإِنْ شُوهِدَ لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ حَيْضٌ لِجَوَازِ كَوْنِهِ دَمَ اسْتِحَاضَةٍ وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا لو عَلَّقَ بِمَا لَا يُعْرَفُ إلَّا منها غَالِبًا كَالنِّيَّةِ وَالْبُغْضِ وَالْحُبِّ وَلَوْ عَلَّقَ بِطَلَاقِهَا وَطَلَاقِ ضَرَّتِهَا حَقَّهُ أَنْ يَقُولَ وَلَوْ عَلَّقَ بِهِ طَلَاقَهَا وَطَلَاقَ ضَرَّتِهَا وَلَعَلَّهُ كان كَذَلِكَ لَكِنْ اتَّصَلَتْ الْهَاءُ بِالطَّاءِ فَادَّعَتْهُ أَيْ ما عَلَّقَ بِهِ كَحَيْضِهَا وَكَذَّبَهَا صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا في حَقِّ نَفْسِهَا وَطَلُقَتْ وَحْدَهَا فَلَا تَطْلُقُ الْأُخْرَى إذْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ مُدَّعِيَةِ الْحَيْضِ بِلَا يَمِينٍ وَلَوْ حَلَّفْنَاهَا فإن التَّحْلِيفَ لِغَيْرِهَا وَالْحُكْمُ لِلْإِنْسَانِ بِحَلِفِ غَيْرِهِ مع عَدَمِ تَعْلِيقِ الْخُصُومَةِ بِهِ مُمْتَنِعٌ فَيُصَدَّقُ الزَّوْجُ جَرْيًا على الْأَصْلِ في تَصْدِيقِ الْمُنْكِرِ بِيَمِينِهِ وَلَوْ كان التَّعْلِيقُ بِوِلَادَتِهَا أو زِنَاهَا فَادَّعَتْهُ وَكَذَّبَهَا لم تُصَدَّقْ بَلْ تُطَالَبُ بِبَيِّنَةٍ كما في التَّعْلِيقِ بِالدُّخُولِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ مَعْرِفَتَهُ مُتَيَسِّرَةٌ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ النِّكَاحِ وَإِنْ ادَّعَتْ عِلْمَهُ بِزِنَاهَا لم يَحْلِفْ على نَفْيِ الْعِلْمِ ولكن تُحَلِّفُهُ إنْ ادَّعَتْ الْفُرْقَةَ أنها لم تَقَعْ وَعَدَمُ تَحْلِيفِهِ على نَفْيِ ما ذُكِرَ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْقَفَّالِ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو وَجْهٌ وَالْمُرَجَّحُ خِلَافُهُ كما سَتَعْرِفُهُ في الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ على اضْطِرَابٍ فيه وَإِنْ عَلَّقَهُ أَيْ طَلَاقَ زَوْجَتَيْهِ بِحَيْضَتِهِمَا فَادَّعَتَاهُ وَكَذَّبَهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ فَلَا طَلَاقَ لِأَنَّ طَلَاقَ كُلٍّ مِنْهُمَا مُعَلَّقٌ بِشَرْطَيْنِ ولم يَثْبُتَا بِقَوْلِهِمَا وَإِنْ صَدَّقَهُمَا طَلُقَتَا وَإِنْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَحَلَفَتْ الْمُكَذَّبَةُ أنها حَاضَتْ طَلُقَتْ وَحْدَهَا لِثُبُوتِ حَيْضِهَا بِيَمِينِهَا وَحَيْضِ ضَرَّتِهَا بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ لها وَالْمُصَدَّقَةُ لَا يَثْبُتُ في حَقِّهَا حَيْضُ ضَرَّتِهَا بِيَمِينِهَا لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تُؤَثِّرُ في حَقِّ غَيْرِ الْحَالِفِ كما مَرَّ فلم تَطْلُقْ وَتَطْلُقُ الْمُكَذَّبَةُ فَقَطْ بِلَا يَمِينٍ في قَوْلِهِ لِزَوْجَتَيْهِ من حَاضَتْ مِنْكُمَا فَصَاحِبَتُهَا طَالِقٌ وَادَّعَتَاهُ وَصَدَّقَ إحْدَاهُمَا وَكَذَّبَ الْأُخْرَى لِثُبُوتِ حَيْضِ الْمُصَدَّقَةِ بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ
فَرْعٌ لو قال لِثَلَاثٍ أو أَرْبَعٍ إنْ حِضْتُنَّ فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ وَادَّعَيْنَهُ فَصَدَّقَهُنَّ إلَّا وَاحِدَةً فَحَلَفَتْ طَلُقَتْ وَحْدَهَا أَيْ دُونَ الْمُصَدَّقَاتِ لِمَا مَرَّ وَالتَّصْرِيحُ بِحَلِفِ الْمُكَذَّبَةِ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَإِنْ كَذَّبَ ثِنْتَيْنِ وَحَلَفَ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلَا طَلَاقَ على وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ كَتَكْذِيبِ الْجَمِيعِ إذْ لَا يَثْبُتُ حَيْضُ مُكَذَّبَةٍ بِحَلِفِهَا في حَقِّ أُخْرَى فلم يَثْبُتْ الْمُعَلَّقُ بِهِ في حَقِّ كُلٍّ مِنْهُنَّ وَإِنْ صَدَّقَ الْجَمِيعَ طُلِّقْنَ
وَإِنْ قال لِأَرْبَعٍ كُلَّمَا حَاضَتْ وَاحِدَةٌ مِنْكُنَّ فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ
____________________
(3/316)
فَحَاضَتْ ثَلَاثٌ مِنْهُنَّ طَلُقَتْ الْأَرْبَعُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا لِأَنَّ كُلَّمَا لِلتَّكْرَارِ كما مَرَّ وَإِنْ قُلْنَ حِضْنَ فَكَذَّبَهُنَّ وَحَلَفْنَ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةً لِأَنَّ يَمِينَهَا يَكْفِي في حَيْضِهَا في حَقِّهَا أو صَدَّقَ وَاحِدَةً فَقَطْ طَلُقَتْ طَلْقَةً بِقَوْلِهَا وطلقت الْمُكَذَّبَاتُ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ أَيْ يُطَلَّقُ كُلٌّ مِنْهُمَا طَلْقَتَيْنِ طَلْقَةً بِثُبُوتِ حَيْضِهَا بِقَوْلِهَا وَطَلْقَةً بِحَيْضِ التي صَدَّقَهَا الزَّوْجُ أو صَدَّقَ ثِنْتَيْنِ طَلُقَتَا طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ وطلقت الْمُكَذَّبَاتُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا أو صَدَّقَ ثَلَاثًا طُلِّقَ الْجَمِيعُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَإِنْ قال كُلَّمَا حَاضَتْ وَاحِدَةٌ مِنْكُنَّ فَصَوَاحِبُهَا طَوَالِقُ فَادَّعَيْنَهُ وَصَدَّقَهُنَّ طُلِّقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَإِنْ كَذَّبَهُنَّ لم تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ وَإِنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً طَلُقَتْ الْبَاقِيَاتُ طَلْقَةً طَلْقَةً لِثُبُوتِ حَيْضِ صَاحِبَةِ كل وَاحِدَةٍ بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ دُونَهَا فَلَا تَطْلُقُ إذْ لم يَثْبُتْ في حَقِّهَا حَيْضُ وَاحِدَةٍ من صَوَاحِبِهَا وَإِنْ صَدَّقَ ثِنْتَيْنِ طَلُقَتَا طَلْقَةً طَلْقَةً لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا صَاحِبَةً وَاحِدَةً ثَبَتَ حَيْضُهَا وطلقت الْمُكَذَّبَتَانِ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا صَاحِبَتَيْنِ ثَبَتَ حَيْضُهُمَا وَإِنْ صَدَّقَ ثَلَاثًا طُلِّقْنَ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُنَّ صَاحِبَتَيْنِ وطلقت الْمُكَذَّبَةُ ثَلَاثًا لِأَنَّ لها ثَلَاثَ صَوَاحِبَ
فَرْعٌ لو عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِرُؤْيَتِهَا الدَّمَ حُمِلَ على دَمِ الْحَيْضِ لِأَنَّهُ الْمُعْتَادُ فَيَكْفِي الْعِلْمُ بِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهُ كما في التَّعْلِيقِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَلَوْ فُسِّرَ بِغَيْرِ دَمِ الْحَيْضِ فَإِنْ كان يَتَعَجَّلُ قبل حَيْضِهَا قُبِلَ ظَاهِرًا وَإِنْ كان يَتَأَخَّرُ عنه فَلَا
فَرْعٌ لو قال لِحَائِضٍ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا في كل حَيْضَةٍ طَلْقَةً طَلُقَتْ وَاحِدَةً في الْحَالِ وطلقت الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ مع صِفَتِهِمَا وَهِيَ أَوَّلُ الْحَيْضِ الثَّانِي وَأَوَّلُ الثَّالِثِ وفي التَّعْلِيقِ بِنِصْفِ حَيْضَةٍ بِأَنْ قال إذَا حِضْت نِصْفَ حَيْضَةٍ فَأَنْت طَالِقٌ تَطْلُقُ بِمُضِيِّ نِصْفِ أَيَّامِ الْعَادَةِ فَلَوْ كانت عَادَتُهَا سِتَّةَ أَيَّامٍ مَثَلًا طَلُقَتْ بِمُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
الطَّرَفُ الْخَامِسُ التَّعْلِيقُ بِالْمَشِيئَةِ أَمَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَتُقَدَّمُ وَأَمَّا بِمَشِيئَةِ غَيْرِهِ فَقَدْ يَكُونُ بِمَشِيئَةِ زَوْجَتِهِ بِخِطَابٍ وقد يَكُونُ بِمَشِيئَتِهَا بِدُونِ خِطَابٍ وقد يَكُونُ بِمَشِيئَةِ غَيْرِهَا فَلَوْ قال يُخَاطِبُهَا أَيْ مُخَاطَبًا لها أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت أو إذَا شِئْت فَإِنْ قالت فَوْرًا شِئْت وَلَوْ بِتَكْرِيرِ شِئْت طَلُقَتْ لِتَضَمُّنِ ذلك تَمْلِيكهَا الْبُضْعَ وَالتَّصْرِيحَ بِقَوْلِهِ وَلَوْ بِتَكْرِيرِ شِئْت من زِيَادَتِهِ لَا مَجْنُونَةَ وَصَبِيَّةَ وَلَوْ مُمَيِّزَةً فَلَا تَطْلُقُ بِذَلِكَ إذْ لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِمَا في التَّصَرُّفَاتِ وَلِأَنَّهُ لو قال لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا طَلِّقِي نَفْسَك فَطَلُقَتْ لم تَطْلُقْ فَكَذَا إذَا عَلَّقَ بِمَشِيئَتِهَا إلَّا إنْ قال لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قُلْت شِئْت لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عليه حِينَئِذٍ مَحْضُ تَلَفُّظِهَا بِالْمَشِيئَةِ وقد وُجِدَ وَالصَّبِيُّ فِيمَا ذُكِرَ كَالصَّبِيَّةِ وَالسَّكْرَانَ كَالْمُكَلَّفِ كما شَمِلَهُ كَلَامُهُ فَإِنْ قالت زَوْجَتُهُ في جَوَابِ قَوْلِهِ لها أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت أو إذَا شِئْت شِئْت غَدًا أو
شِئْت إنْ شِئْت أو شَاءَ فُلَانٌ فَشَاءَ الْمُعَلَّقُ بِمَشِيئَةِ أو لم يَشَأْ كما فُهِمَ بِالْأُولَى لم تَطْلُقْ لِأَنَّ الزَّوْجَ عَلَّقَ بِمَشِيئَةٍ مَجْزُومٍ بها ولم تَحْصُلْ وَكَذَا لَا تَطْلُقُ لو شَاءَتْ بِقَلْبِهَا ولم تَنْطِقْ فَإِنْ عَكَسَتْ بِأَنْ نَطَقَتْ ولم تَشَأْ بِقَلْبِهَا بَلْ كَرِهَتْ ما شَاءَتْهُ طَلُقَتْ ظَاهِرًا وَكَذَا بَاطِنًا إذْ التَّعْلِيقُ في الْحَقِيقَةِ بِلَفْظِ الْمَشِيئَةِ لَا بِمَا في الْبَاطِنِ بِدَلِيلِ إنَّهُ لو عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ أَجْنَبِيٍّ فقال شِئْت صُدِّقَ وَلَوْ كان التَّعْلِيقُ بِمَا في الْبَاطِنِ لَمَا صُدِّقَ كما إذَا عَلَّقَ طَلَاقَ ضَرَّتِهَا بِحَيْضِهَا لَا تُصَدَّقُ في حَقِّ الضَّرَّةِ
وَإِنْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ غَيْرِهَا وَلَوْ خِطَابًا كَأَنْ قال إنْ شِئْت أو إنْ شَاءَ زَيْدٌ فَزَوْجَتِي طَالِقٌ أو عَلَّقَ بِلَفْظِ مَتَى كَأَنْ قال أَنْت طَالِقٌ مَتَى شِئْت لم يُشْتَرَطْ الْفَوْرُ لِانْتِفَاءِ التَّمْلِيكِ في الْأَوَّلِ وَلِتَصْرِيحِهِ بِجَوَازِ التَّأْخِيرِ في الثَّانِي كما مَرَّ في الْخُلْعِ وَكَمَتَى أَيْ وَقْتِ وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ الْفَوْرُ لو عَلَّقَ بِمَشِيئَتِهَا غير مُخَاطَبَةٍ بِأَنْ قال لها وَلَوْ حَاضِرَةً زَوْجَتِي طَالِقٌ إنْ شَاءَتْ لِبَعْدِ التَّمْلِيكِ بِانْتِفَاءِ الْخِطَابِ وَإِشَارَةُ الْأَخْرَسِ بِالْمَشِيئَةِ كَالنُّطْقِ من النَّاطِقِ فَيَقَعُ بها الطَّلَاقُ وَلَوْ خَرِسَ بَعْدَ التَّعْلِيقِ فإن مَشِيئَتَهُ كَالنُّطْقِ وَإِنْ عَلَّقَ بِمَشِيئَتِهَا خِطَابًا وَمَشِيئَةِ زَيْدٍ اُشْتُرِطَ الْفَوْرُ في مَشِيئَتِهَا فَقَطْ أَيْ دُونَ مَشِيئَةِ زَيْدٍ إعْطَاءً لِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمَهُ لو انْفَرَدَ كما إنَّهُ لو قال أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت وَدَخَلْت الدَّارَ أُعْطِيَ كُلٌّ من الْوَصْفَيْنِ حُكْمُهُ لو انْفَرَدَ وَلَيْسَ له الرُّجُوعُ قبل الْمَشِيئَةِ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ في ظَاهِرٍ وَإِنْ تَضَمَّنَ تَمْلِيكًا فَكَانَ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ
فَرْعٌ لو عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ الْمَلَائِكَةِ أو بِعَدَمِهَا لم تَطْلُقْ إذْ لهم مَشِيئَةٌ ولم يُعْلَمْ حُصُولُهَا فَهِيَ كَمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَا لَا تَطْلُقُ إذَا عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ بَهِيمَةٍ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِمُسْتَحِيلٍ
____________________
(3/317)
فَصْلٌ لو قال لِامْرَأَتَيْهِ طَلَّقْتُكُمَا إنْ شِئْتُمَا فَشَاءَتْ إحْدَاهُمَا لم تَطْلُقْ بِعَدَمِ مَشِيئَتِهِمَا هذا من زِيَادَةٍ أو شَاءَ كُلٌّ مِنْهُمَا طَلَاقَهَا أَيْ طَلَاقَ نَفْسِهَا دُونَ ضَرَّتِهَا فَفِي وُقُوعِهِ تَرَدُّدٌ أَيْ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نعم لِأَنَّ الْمَفْهُومَ منه تَعْلِيقُ طَلَاقِ كل وَاحِدَةٍ بِمَشِيئَتِهَا وَالثَّانِي وهو الْأَوْجَهُ لَا لِأَنَّ مَشِيئَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا طَلَاقَهُمَا عِلَّةٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عليها وَعَلَى ضَرَّتِهَا
وَقَوْلُهُ أَنْت طَالِقٌ شِئْت أَمْ أَبَيْت طَلَاقٌ مُنَجَّزٌ إذَا لَا تَعْلِيقَ أو أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت أو أَبَيْت تَعْلِيقٌ بِإِحْدَاهُمَا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِهِ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ كما لو قال أَنْت طَالِقٌ إنْ قُمْت أو قَعَدْت وَلَوْ قال أَنْت طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت أو على أَيِّ وَجْهٍ شِئْت طَلُقَتْ شَاءَتْ أَمْ لَا وَقِيلَ لَا تَطْلُقُ حتى تَشَاءَ في الْمَجْلِسِ الطَّلَاقَ أو عَدَمَهُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَجَرَى عليه صَاحِبُ الْأَنْوَارِ لَكِنَّ كَلَامَ الْأَصْلِ في أَوَاخِرِ كِتَابِ الْعِتْقِ يَقْتَضِي رُجْحَانَ الثَّانِي كما نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ
وَإِنْ قال أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَشَاءَتْ أَقَلَّ منها لم تَطْلُقْ لِأَنَّ مَشِيئَةَ أَقَلَّ منها لَيْسَتْ مَشِيئَةً لها وَلَوْ قال أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شِئْت فَشَاءَتْ ثَلَاثًا أو ثِنْتَيْنِ طَلُقَتْ وَاحِدَةً لِأَنَّهَا إذَا شَاءَتْ أَكْثَرَ من وَاحِدَةٍ فَقَدْ شَاءَتْ وَاحِدَةً
فَصْلٌ لو قال أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَبُوك أو فُلَانٌ وَاحِدَةً فَشَاءَ وَاحِدَةً أو أَكْثَرَ لم تَطْلُقْ لِأَنَّهُ شَاءَ وَاحِدَةً فِيهِمَا وزاد في الثَّانِيَةِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَبُوك وُقُوعَ وَاحِدَةٍ فَتَقَعُ لِأَنَّهُ غَلَّظَ على نَفْسِهِ
أو قال أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَبُوك أو فُلَانٌ ثَلَاثًا فَشَاءَ ثَلَاثًا لم تَطْلُقْ لِأَنَّهُ شَاءَ ثَلَاثًا أو شَاءَ دُونَهَا أَيْ الثَّلَاثِ أو لم يَشَأْ شيئا طَلُقَتْ وَاحِدَةً
فَرْعٌ لو قال أَنْت طَالِقٌ لَوْلَا أَبُوك أو نَحْوُهُ كَلَوْلَا اللَّهُ وَلَوْلَا دِينُك لم تَطْلُقْ إذْ الْمَعْنَى لَوْلَاهُ لَطَلَّقْتُك وَكَذَا لَا تَطْلُقُ لو قال أَنْت طَالِقٌ لَوْلَا أَبُوك لَطَلَّقْتُك لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَوْلَا حُرْمَةُ أَبِيهَا لَطَلَّقْتهَا وَأَكَّدَ هذا الْخَبَرَ بِالْحَلِفِ بِطَلَاقِهَا كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَوْلَا أَبُوك لَطَلَّقْتُك هذا إنْ تَعَارَفُوهُ يَمِينًا بَيْنَهُمْ فَإِنْ لم يَتَعَارَفُوهُ يَمِينًا طَلُقَتْ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ هُنَا أَخْذًا من كَلَامِ الْأَصْلِ بَعْدُ وَمَحِلُّ عَدَمِ الطَّلَاقِ إذَا صُدِّقَ في خَبَرِهِ فَإِنْ كَذَبَ فيه طَلُقَتْ بَاطِنًا وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أَيْ بِكَذِبِهِ فَظَاهِرًا أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لنا إلَى مَعْرِفَةِ ذلك إلَّا منه
فَرْعٌ لو قال لها شَائِي أو أَحِبِّي أو أَرِيدِي أو ارْضَيْ أو اهْوَيْ أو اخْتَارِي الطَّلَاقَ وَأَرَادَ التَّفْوِيضَ لِلطَّلَاقِ إلَيْهَا فقالت شِئْته أو أَحْبَبْته أو أَرَدْته أو رَضِيته أو هَوِيته أو اخْتَرْته طَلُقَتْ لَا في الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْأَوَّلِ فَلَا تَطْلُقُ قال الْبُوشَنْجِيُّ لِأَنَّهُ اسْتَدْعَى منها كُلًّا من الثَّلَاثِ ولم يُطَلِّقْهَا وَلَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا وَلَا فَوَّضَهُ إلَيْهَا وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ تَفْوِيضٌ فَقَوْلُهَا شِئْت أو أَحْبَبْت أو أَرَدْت ليس بِتَطْلِيقٍ هذا ما أَفْهَمَهُ الْمُصَنِّفُ من كَلَامِ أَصْلِهِ حَيْثُ نَقَلَ عن الْبَغَوِيّ أنها تَطْلُقُ في الصُّوَرِ كُلِّهَا وَعَنْ الْبُوشَنْجِيِّ أنها لَا تَطْلُقُ في الثَّلَاثِ الْأُوَلِ ثُمَّ قال وَهَذَا أَقْوَى انْتَهَى ولم يُرِدْ الْبُوشَنْجِيُّ الْحَصْرَ في الثَّلَاثِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا أَمْثِلَةً بِقَرِينَةِ تَعْلِيلِهِ الْجَارِي في بَقِيَّةِ الصُّوَرِ
وَإِنْ قال أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت فقالت أَحْبَبْت مَثَلًا أو بِالْعَكْسِ بِأَنْ قال أَنْت طَالِقٌ إنْ أَحْبَبْت فقالت شِئْت مَثَلًا لم تَطْلُقْ لِأَنَّ كُلًّا من لَفْظَيْ الْمَشِيئَةِ وَالْمَحَبَّةِ يَقْتَضِي ما لَا يَقْتَضِيهِ الْآخَرُ وَلِهَذَا يُقَالُ الْإِنْسَانُ يَشَاءُ دُخُولَ الدَّارِ وَلَا يُقَالُ يُحِبُّهُ وَيُحِبُّ وَلَدَهُ وَلَا تَسُوغُ لَفْظَةُ الْمَشِيئَةِ فيه وَمِنْ ذلك أَنْ يَقُولَ لها أَنْت طَالِقٌ إنْ أَرَدْت فَتَقُولُ هِيَ شِئْت أو بِالْعَكْسِ فَلَا تَطْلُقُ وهو ما بَحَثَهُ الْبُوشَنْجِيُّ كما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عنه في الصُّورَةِ الْأُولَى قال في الْأَنْوَارِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تَطْلُقَ أَيْ لِأَنَّ اللَّفْظَيْنِ مُتَرَادِفَانِ أو قال أَنْت طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِفُلَانٍ غَيْرُ ذلك أو إلَّا أَنْ يُرِيدَ أو يَشَاءَ أو يَرَى غير ذلك ولم يَبْدُ له طَلُقَتْ قُبَيْلَ مَوْتِهِ أو جُنُونِهِ الْمُتَّصِلِ بِهِ لِفَوَاتِ ما جَعَلَهُ مَانِعًا من وُقُوعِ الطَّلَاقِ أو أَنْت طَالِقٌ إلَّا أَنْ أَشَاءَ أو يَبْدُوَ لي طَلُقَتْ في الْحَالِ لِأَنَّهُ ليس بِتَعْلِيقٍ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ وَأَرَادَ رَفْعَهُ إذَا بَدَا له قال الرَّافِعِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ ذلك عن الْبَغَوِيّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هو كما لو قال إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ أو إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهَذَا الْبَحْثُ هو ما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ وَحَكَاهُ عنه الْبَيْهَقِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي فَهُوَ الْمَذْهَبُ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ ولم يَطَّلِعْ ابن الرِّفْعَةِ على هذا النَّصِّ فقال إنَّهُ نَصٌّ على نَظِيرِهِ من الْإِقْرَارِ فَثَبَتَ أَنَّهُ نَصٌّ عليه وَعَلَى نَظِيرِهِ ولم يَثْبُتْ ما يُخَالِفُهُ فَيُعْمَلُ بِهِ أو أَنْت طَالِقٌ إنْ لم يَشَأْ فُلَانٌ فقال لم أَشَأْ أَيْ الطَّلَاقَ أو سَكَتَ حتى مَاتَ طَلُقَتْ في الْحَالِ
____________________
(3/318)
في الْأُولَى وَقُبَيْلَ الْمَوْتِ في الثَّانِيَةِ كما مَرَّ بَيَانُهُ مع زِيَادَتِهِ قُبَيْلَ الْبَابِ الْخَامِسِ
الطَّرَفُ السَّادِسُ في مَسَائِلِ الدَّوْرِ لو قال إنْ طَلَّقْتُك أو مَتَى طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا لِمَوْطُوءَةٍ أو غَيْرِهَا أو وَاحِدَةً أو ثِنْتَيْنِ لِغَيْرِ مَوْطُوءَةٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا أو قال لِأَمَتِهِ إنْ أَعْتَقْتُك أو مَتَى أَعْتَقْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ قَبْلَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهَا حَصَلَ الدَّوْرُ فَعَلَى صِحَّتِهِ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ وَلَا عِتْقٌ لِأَنَّهُ لو وَقَعَ الْمُنَجَّزُ لَوَقَعَ الْمُعَلَّقُ قَبْلَهُ بِحُكْمِ التَّعْلِيقِ وَلَوْ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ لم يَقَعْ الْمُنَجَّزُ وإذا لم يَقَعْ الْمُنَجَّزُ لم يَقَعْ الْمُعَلَّقُ لَكِنَّ الْأَصَحَّ الْمُخْتَارَ بُطْلَانُ الدَّوْرِ وَعَلَيْهِ قال وَالْمُخْتَارُ وهو ما صَحَّحَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وُقُوعُ الْمُنَجَّزِ دُونَ الْمُعَلَّقِ لِأَنَّهُ لو وَقَعَ لم يَقَعْ الْمُنَجَّزُ وإذا لم يَقَعْ الْمُنَجَّزُ لم يَقَعْ الْمُعَلَّقُ لِأَنَّهُ مَشْرُوطًا بِهِ فَوُقُوعُهُ مُحَالٌ بِخِلَافِ وُقُوعِ الْمُنَجَّزِ إذْ قد يَتَخَلَّفُ الْجَزَاءُ عن الشَّرْطِ بِأَسْبَابٍ كما لو عَلَّقَ عِتْقَ سَالِمٍ بِعِتْقِ غَانِمٍ ثُمَّ أَعْتَقَ غَانِمًا في مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَا يَفِي ثُلُثُ مَالِهِ إلَّا بِأَحَدِهِمَا لَا يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا بَلْ يَتَعَيَّنُ عِتْقُ غَانِمٍ وَشَبَّهَ هذا بِمَا لو أَقَرَّ الْأَخُ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ يَثْبُتُ النَّسَبُ دُونَ الْمِيرَاثِ وَلِأَنَّ الْجَمْعَ بين الْمُعَلَّقِ وَالْمُنَجَّزِ مُمْتَنِعٌ وَوُقُوعَ أَحَدِهِمَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَالْمُنَجَّزُ أَوْلَى بِالْوُقُوعِ لِأَنَّهُ أَقْوَى لِافْتِقَارِ الْمُعَلَّقِ إلَيْهِ من غَيْرِ عَكْسٍ وَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْجَزَاءَ قبل الشَّرْطِ وهو لَا يَتَقَدَّمُ عليه فَيَلْغُو التَّعْلِيقُ وَلِأَنَّ ذلك تَصَرُّفٌ شَرْعِيٌّ صَدَرَ من أَهْلِهِ في مَحَلِّهِ فَيَبْعُدُ سَدُّ بَابِهِ وَكَذَا يَقَعُ الْمُنَجَّزُ فَقَطْ لو قال أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ ثَلَاثًا إنْ طَلَّقْتُك غَدًا وَاحِدَةً فَطَلَّقَهَا غَدًا وَاحِدَةً
فَإِنْ قال لِمَوْطُوءَةٍ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ بِسَنَةٍ مَثَلًا فَطَلَّقَهَا قبل مُضِيِّ السَّنَةِ وَقَعَتْ الْمُنَجَّزَةُ دُونَ الْمُعَلَّقَةِ لِأَنَّ الْوُقُوعَ لَا يَسْبِقُ اللَّفْظَ أو بَعْدَهَا أَيْ بَعْدَ مُضِيِّهَا وَالْعِدَّةُ بَاقِيَةٌ فَطَلْقَتَانِ إحْدَاهُمَا مُنَجَّزَةٌ وَالْأُخْرَى مُعَلَّقَةٌ أو وَهِيَ مُنْقَضِيَةٌ فَالْمُنَجَّزَةُ دُونَ الْمُعَلَّقَةِ أَمَّا لو قال ذلك لِغَيْرِ مَوْطُوءَةٍ فَالْمُنَجَّزَةُ مُطْلَقًا فَإِنْ كان قال لِمَوْطُوءَةٍ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ بِسَنَةٍ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل السَّنَةِ فَلَا دَوْرَ فَيَقَعُ الْمُنَجَّزُ بِكُلِّ حَالٍ أو بَعْدَهَا فَدَوْرٌ فَيَقَعُ الْمُنَجَّزُ دُونَ الْمُعَلَّقِ على الْمُخْتَارِ فَإِنْ طَلَّقَهَا وَكِيلُهُ أو طَلُقَتْ بِصِفَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ تَعْلِيقًا على تَعْلِيقِهِ بِالتَّطْلِيقِ كَأَنْ قال لها إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قال إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ بِسَنَةٍ ثُمَّ دَخَلَتْ وَلَوْ بَعْدَ سَنَةٍ فَلَا دَوْرَ لِأَنَّ الزَّوْجَ لم يُطَلِّقْهَا وَإِنَّمَا وَقَعَ عليها طَلَاقُهُ فَيَقَعُ طَلَاقُ الْوَكِيلِ في الْأُولَى وَالْمُعَلَّقُ بِالدُّخُولِ في الثَّانِيَةِ إلَّا بِمَعْنَى لَكِنْ إنْ عَلَّقَ بِالْوُقُوعِ أو الْحِنْثِ كَأَنْ قال إنْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي أو حِنْثٌ في يَمِينِي فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَ هو أو وَكِيلُهُ أو طَلُقَتْ بِصِفَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ تَعْلِيقًا فَدَوْرٌ فَيَقَعُ على الْمُخْتَارِ طَلَاقُ الْوَكِيلِ وَالْمُعَلَّقِ بِالصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَقَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قبل أَنْ أُطَلِّقَك وَاحِدَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا دَوْرٌ وَلَوْ طَلَّقَ أَكْثَرَ من وَاحِدَةٍ لِاشْتِمَالِ الْعَدَدِ على وَاحِدَةٍ فَعَلَى صِحَّةِ الدَّوْرِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَعَلَى بُطْلَانِهِ يَقَعُ الْمُنَجَّزُ أو قال إنْ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ وَاحِدَةً فَإِنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا فَدَوْرٌ فَتَقَعُ الثَّلَاثُ على الْمُخْتَارِ وَإِنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أو ثِنْتَيْنِ وَقَعَ الْمُنَجَّزُ بِكُلِّ حَالٍ
فَرْعٌ لو قال إنْ آلَيْت أو ظَاهَرْت مِنْك أو لَاعَنْتُك أو رَاجَعْتُك أو فَسَخْت النِّكَاحَ بِعَيْبِك أو حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَفَعَلَهُ أَيْ ما عَلَّقَ بِهِ حَصَلَ الدَّوْرُ فَلَا يَنْفُذُ شَيْءٌ من ذلك على صِحَّةِ الدَّوْرِ وَيَنْفُذُ جَمِيعُ ما ذُكِرَ من ذلك على الْمُخْتَارِ من بُطْلَانِ الدَّوْرِ فَإِنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ بِمَا لَا يَتَوَقَّفُ على اخْتِيَارِهِ كَفَسْخِهَا بِعَيْبِهِ أو عِتْقِهَا أو اسْتِحْقَاقِ أَيْ أو عَلَّقَ بِاسْتِحْقَاقِ حَقٍّ لها كَالنَّفَقَةِ وَالْقَسْمِ وَالْفَسْخِ بِعَيْبِهِ أو عِتْقِهَا وَطَلَبِ الطَّلَاقِ في الْإِيلَاءِ فَاسْتَحَقَّتْهُ
____________________
(3/319)
أو فَسَخَتْ بِمَا ذُكِرَ نَفَذَ الْفَسْخُ وَثَبَتَ الِاسْتِحْقَاقُ وَلَا دَوْرَ وَإِنْ أَثْبَتْنَاهُ فِيمَا مَرَّ لِأَنَّ هذه فَسَوْخٌ وَحُقُوقٌ تَثْبُتُ عليه قَهْرًا وَلَا تَتَعَلَّقُ بِمُبَاشَرَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ فَلَا يَصْلُحُ تَصَرُّفُهُ رَافِعًا لها وَمُبْطِلًا لِحَقِّ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ ما لو عَلَّقَ بِانْفِسَاخِ نِكَاحِهَا ثُمَّ ارْتَدَّ أو اشْتَرَاهَا فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ
فَرْعٌ لو قال إنْ وَطِئْتُك وَطْئًا مُبَاحًا فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ وَوَطِئَهَا لم تَطْلُقْ لِلدَّوْرِ لِأَنَّهُ إذَا الْأُولَى لو وَقَعَ الطَّلَاقُ لم يَكُنْ الْوَطْءُ مُبَاحًا وهو بَاطِلٌ وَلَا يُقَيَّدُ هُنَا بِالطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ لِأَنَّ الدَّوْرَ يَحْصُلُ بِالْوَاحِدَةِ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ
أو قال لِمَدْخُولٍ بها إنْ طَلَّقْتُك طَلْقَةً رَجْعِيَّةً فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهَا طَلْقَتَيْنِ أو ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً فَدَوْرٌ فَتَقَعُ الْوَاحِدَةُ على الْمُخْتَارِ وَلَا تَقَعُ على غَيْرِهِ وَإِنْ اخْتَلَعَهَا أو كانت غير مَدْخُولٍ بها وَقَعَ الْمُنَجَّزُ دُونَ الْمُعَلَّقِ وَلَا دَوْرَ لِأَنَّ الصِّفَةَ وَهِيَ الطَّلْقَةُ الرَّجْعِيَّةُ لم تُوجَدْ وَإِنْ قال إنْ طَلَّقْتُك طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَأَنْت طَالِقٌ معه ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا فَدَوْرٌ وَيَقَعُ الْأُولَى فَيَقَعُ ما نَجَّزَ على الْمُخْتَارِ وَأَمَّا على غَيْرِهِ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ أَمَّا لو قال لها إنْ طَلَّقْتُك رَجْعِيًّا فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا ولم يَقُلْ قَبْلَهُ وَلَا معه ثُمَّ طَلَّقَهَا فَيَقَعُ الثَّلَاثُ وَلَا دَوْرَ لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً كانت رَجْعِيَّةً ثُمَّ يَتَرَتَّبُ عليها الطَّلْقَتَانِ
فَصْلٌ لو قال لِزَوْجَتِهِ مَتَى دَخَلْت الدَّارَ وَأَنْت زَوْجَتِي فَعَبْدِي حُرٌّ قَبْلَهُ وَمَتَى دَخَلَهَا وهو عَبْدِي فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَدَخَلَا مَعًا فَدَوْرٌ فَلَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَلَا تَطْلُقُ الزَّوْجَةُ لِأَنَّهُمَا لو حَصَلَا لَحَصَلَا مَعًا قبل دُخُولِهِمَا وَلَوْ كان كَذَلِكَ لم يَكُنْ الْعَبْدُ عَبْدَهُ وَقْتَ الدُّخُولِ وَلَا الْمَرْأَةُ زَوْجَتَهُ وَقْتَئِذٍ فَلَا تَكُونُ الصِّفَةُ الْمُعَلَّقُ عليها حَاصِلَةً وَلَا يَأْتِي في هذه الْقَوْلُ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ إذْ ليس فيها سَدُّ بَابِ التَّصَرُّفِ وَإِنْ تَرَتَّبَا دُخُولًا وَقَعَ الْمُعَلَّقُ على الْمَسْبُوقِ فَقَطْ أَيْ دُونَ السَّابِقِ فَلَوْ دَخَلَتْ الْمَرْأَةُ أَوَّلًا ثُمَّ الْعَبْدُ عَتَقَ ولم تَطْلُقْ هِيَ لِأَنَّهُ حين دخل لم يَكُنْ عَبْدًا له فلم تَحْصُلْ صِفَةُ طَلَاقِهَا وَلَوْ دخل الْعَبْدُ أَوَّلًا ثُمَّ الْمَرْأَةُ طَلُقَتْ ولم يَعْتِقْ وَإِنْ لم يذكر في تَعْلِيقِهِ الْمَذْكُورِ لَفْظَ قَبْلَهُ في الطَّرَفَيْنِ وَدَخَلَا مَعًا عَتَقَ وَطَلُقَتْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِنْدَ الدُّخُولِ بِالصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ وَإِنْ تَرَتَّبَا دُخُولًا فَكَمَا سَبَقَ آنِفًا في نَظِيرَتِهَا
فَرْعٌ لو قال لِزَوْجَتِهِ مَتَى أُعْتِقَتْ أَنْت أَمَتِي وَأَنْت زَوْجَتِي فَهِيَ حُرَّةٌ ثُمَّ قال لها مَتَى أَعْتَقْتهَا فَأَنْت طَالِقٌ قبل إعْتَاقِك إيَّاهَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ أَعْتَقَتْهَا الْمَرْأَةُ قبل ثَلَاثٍ من الْأَيَّامِ عَتَقَتْ لِأَنَّهَا أَعْتَقَتْهَا وَهِيَ زَوْجَةٌ له ولم تَطْلُقْ لِأَنَّهَا لو طَلُقَتْ لَطَلُقَتْ قبل الْإِعْتَاقِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الطَّلَاقُ مُتَقَدِّمًا على اللَّفْظِ وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ وَإِنَّمَا عَتَقَتْ الْأَمَةُ لِوُجُودِ الصِّفَةِ وَهِيَ تَلَفُّظُ الزَّوْجَةِ بِإِعْتَاقِهَا أو يُحْمَلُ على أَنَّهُ أَذِنَ لها في إعْتَاقِهَا أو أَعْتَقَهَا بَعْدَهَا أَيْ الثَّلَاثِ لم يَقَعَا أَيْ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ في الْإِعْتَاقِ أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً له فَلَا تَعْتِقُ الْأَمَةُ لِأَنَّهَا لو عَتَقَتْ لَطَلُقَتْ الزَّوْجَةُ قَبْلَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ كان كَذَلِكَ لم تَكُنْ زَوْجَةً له وإذا لم تَعْتِقْ لم تَطْلُقْ أَيْضًا لِأَنَّ طَلَاقَهَا مُعَلَّقٌ بِعِتْقِهَا
الطَّرَفُ السَّابِعُ في أَنْوَاعٍ من التَّعْلِيقِ وَنَحْوِهِ فَمِنْهَا الْحَلِفُ وهو ما اقْتَضَى مَنْعًا من الْفِعْلِ أو حَثًّا عليه أو تَحْقِيقَ خَبَرٍ وَجَلْبَ تَصْدِيقٍ لِلْحَالِفِ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ فَرْعُ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ وهو يَشْتَمِلُ على ذلك سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَنْعُ وَالْحَثُّ لِنَفْسِهِ أَمْ لِزَوْجَتِهِ أَمْ لِغَيْرِهِمَا وَقَوْلُهُ وَجَلْبُ تَصْدِيقٍ عَطْفُ تَفْسِيرٍ فَإِنْ قال لِزَوْجَتِهِ إذَا أو إنْ حَلَفْت أو أَقْسَمْت أو عَقَدْت يَمِينِي بِطَلَاقِك فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قال إنْ دَخَلْت الدَّارَ أو قال إنْ لم تَدْخُلِي الدَّارَ أو إنْ لم يَكُنْ الْأَمْرُ كما قُلْت أو نَحْوَهَا فَأَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ في الْحَالِ طَلْقَةً لِلْحَلِفِ بِأَقْسَامِهِ الثَّلَاثَةِ إذْ الْأَوَّلُ مِثَالٌ لِلْمَنْعِ لها من الدُّخُولِ وَالثَّانِي مِثَالٌ لِلْحَثِّ لها عليه وَالثَّالِثُ مِثَالٌ لِتَحْقِيقِ الْخَبَرِ وتطلق بِوُجُودِ الصِّفَةِ الْأُخْرَى من الدُّخُولِ أو عَدَمِهِ أو عَدَمِ كَوْنِ الْأَمْرِ كما قَالَهُ أو نَحْوَهَا إنْ وُجِدَتْ في الْعِدَّةِ طَلْقَةٌ أُخْرَى إنْ كان الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِالْحَلِفِ رَجْعِيًّا لَا إنْ قال بَعْدَ تَعْلِيقِهِ بِالْحَلِفِ إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أو إنْ حِضْت وَنَحْوَهُ كَإِنْ جاء رَأْسُ الشَّهْرِ أو إنْ طَهُرْت أو إنْ نَفِسَتْ فَأَنْت طَالِقٌ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِالْحَلِفِ لِأَنَّهُ ليس بِحَلِفٍ لِأَنَّهُ ليس بِمَنْعٍ وَلَا حَثٍّ وَلَا تَحْقِيقِ خَبَرٍ بَلْ مَحْضُ تَعْلِيقٍ وَكَمَا لو قال وَاَللَّهِ لَا يَقْدُمُ الْحَاجُّ وَلَا يَدْخُلُ الشَّهْرُ وَلَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ وَلَا يَجِيءُ الْمَطَرُ فإنه ليس بِيَمِينٍ كَذَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ لَكِنْ
____________________
(3/320)
الرَّافِعِيُّ جَعَلَهُ في الْأَيْمَانِ يَمِينًا وَيَقَعُ الْمُعَلَّقُ بِالصِّفَةِ إنْ وُجِدَتْ إلَّا إنْ ادَّعَى الزَّوْجُ الطُّلُوعَ لِلشَّمْسِ مَثَلًا فَكَذَّبَتْهُ فقال إنْ لم تَطْلُعْ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ حَلِفٌ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ تَحْقِيقَ الْخَبَرِ وقد يُقَالُ ليس ذلك تَعْلِيقًا بِالطُّلُوعِ بَلْ بِتَبَيُّنِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ
فَإِنْ قال إنْ أو إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنْت طَالِقٌ وَقَصَدَ مَنْعَهُ وهو مِمَّنْ يَمْتَنِعُ أو مِمَّنْ يُبَالِي بِحَلِفِهِ فَحَلَفَ وَإِلَّا بِأَنْ قَصَدَ التَّأْقِيتَ أو أَطْلَقَ أو كان الْمُعَلَّقُ بِفِعْلِهِ مِمَّنْ لَا يَمْتَنِعُ بِحَلِفِهِ كَالسُّلْطَانِ أو الْحَجِيجِ فَتَعْلِيقٌ مَحْضٌ لَا حَلِفٌ وفي مَعْنَى الْقُدُومِ الدُّخُولُ وَالْخُرُوجُ وَنَحْوُهُمَا
فَرْعٌ لو قال لِمَدْخُولٍ بها إذَا لم أَحْلِفْ بِطَلَاقِك فَأَنْت طَالِقٌ وَكَرَّرَهُ أَيْ أتى بِهِ مُكَرَّرًا ثَلَاثًا طَلُقَتْ ثَلَاثًا إنْ فَرَّقَهَا أَيْ مَرَّاتِ الْحَلِفِ قَدْرًا يَسَعُ الْحَلِفَ بِهِ أَيْ بِالْحَلِفِ بِطَلَاقِهَا وَإِلَّا بِأَنْ وَصَلَهَا وَقَعَ بِالثَّالِثَةِ طَلْقَةٌ إنْ سَكَتَ بَعْدَهَا عن الْحَلِفِ بِطَلَاقِهَا بِخِلَافِ ما لو عَلَّقَ بِإِنْ لِاقْتِضَاءِ إذَا لم الْفَوْرِ دُونَ إنْ لم وَلَا يَقَعُ بِالْأُولَى وَلَا بِالثَّانِيَةِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ حَلَفَ بَعْدَهُمَا بِطَلَاقِهَا ولم يَنْظُرُوا هُنَا إلَى قَصْدِ التَّأْكِيدِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّ الثَّانِيَ مَثَلًا لَا يَصْلُحُ لِلتَّأْكِيدِ إذْ شَرْطُهُ عَدَمُ التَّأْثِيرِ في الْأَوَّلِ وَهُنَا يُؤَثِّرُ فيه لِأَنَّهُ صِفَةٌ له تَنْحَلُّ بها بِخِلَافِهِ فِيمَا لو كَرَّرَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَيُقَاسُ بِالثَّلَاثِ ما فَوْقَهَا وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ من زِيَادَتِهِ لِمَدْخُولٍ بها غَيْرُهَا فَلَا يَقَعُ عليها إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ سَوَاءٌ أَكَرَّرَ أَمْ لَا وَتَقَعُ الثَّلَاثُ في قَوْلِهِ لِمَوْطُوءَةٍ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْت طَالِقٌ بِتَكْرِيرِهِ له أَرْبَعًا لِأَنَّ ما كَرَّرَهُ حَلِفٌ فَيَقَعُ بِالْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ طَلْقَةً لِأَنَّهُ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ الْأُولَى وَيَقَعُ بِالثَّالِثَةِ طَلْقَةٌ ثَانِيَةٌ بِحُكْمِ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ وَتَنْحَلُّ وَيَقَعُ بِالرَّابِعَةِ طَلْقَةٌ ثَالِثَةٌ بِحُكْمِ الْيَمِينِ الثَّالِثَةِ وَتَنْحَلُّ وَهَذَا بِخِلَافِ ما لو كَرَّرَ التَّعْلِيقَ بِالدُّخُولِ فإنه لَا يَقَعُ بِالدُّخُولِ إلَّا وَاحِدَةٌ لِأَنَّ في صُورَةِ الْحَلِفِ تَنْحَلُّ كُلُّ يَمِينٍ بِالْيَمِينِ التي بَعْدَهَا وَالتَّعْلِيقُ بِالدُّخُولِ لَا يَنْحَلُّ الدُّخُولُ الذي بَعْدَهُ فَلَا يَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ وَخَرَجَ بِالْمَوْطُوءَةِ غَيْرُهَا فَيَقَعُ عليها طَلْقَةٌ فَقَطْ لِأَنَّهَا بَانَتْ بها وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ ويقع الثَّلَاثُ في قَوْلِهِ كُلَّمَا لم أَحْلِفْ بِطَلَاقِك فَأَنْت طَالِقٌ بِمُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَوْقَاتٍ كُلٌّ منها يَسَعُ الْحَلِفَ بِهِ لِأَنَّ كُلَّمَا لِلتَّكْرَارِ كما مَرَّ
وَإِنْ قال لِغَيْرِ مَوْطُوءَةٍ إذَا كَلَّمْتُك فَأَنْت طَالِقٌ وَكَرَّرَهُ أَرْبَعًا وَقَعَ بِالثَّانِيَةِ طَلْقَةٌ وَهِيَ يَمِينٌ مُنْعَقِدَةٌ وَتَنْحَلُّ بِالثَّالِثَةِ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ هُنَا بِالْكَلَامِ وَالْكَلَامُ قد يَكُونُ في الْبَيْنُونَةِ وَفِيمَا مَرَّ التَّعْلِيقُ بِالْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ في حَالَةِ الْبَيْنُونَةِ وَقَوْلُهُ وَهِيَ يَمِينٌ إلَى آخِرِهِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّ فَائِدَتَهُ إنَّمَا تَظْهَرُ على الْقَوْلِ بِعَوْدِ الْحِنْثِ وَذَلِكَ إنَّمَا يُنَاسِبُ الْأَصْلَ
فَرْعٌ لو قال لِامْرَأَتَيْنِ دخل بِإِحْدَاهُمَا إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ وَكَرَّرَهُ مِرَارًا لم يَقَعْ عَلَيْهِمَا إلَّا طَلْقَةٌ طَلْقَةٌ بِالْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ تِلْكَ أَيْ غير الْمَدْخُولِ بها بَانَتْ بها وَلَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا بِالثَّالِثَةِ لِأَنَّ شَرْطَ الطَّلَاقِ الْحَلِفُ بِهِمَا وَلَا يَصِحُّ الْحَلِفُ بِالْبَائِنِ كما قال فَيَلْغُو الْحَلِفُ بِهِ أَيْ بِطَلَاقِهَا فَإِنْ نَكَحَ الْبَائِنَ وَحَلَفَ بِطَلَاقِهَا وَحْدَهَا وَتِلْكَ أَيْ الْمَدْخُولُ بها في الْعِدَّةِ أو رَاجَعَهَا طَلُقَتْ لِحُصُولِ الشَّرْطِ وهو الْحَلِفُ بِطَلَاقِهِمَا إذْ يُعْتَبَرُ فيه الْحَلِفُ بِطَلَاقِهِمَا مَعًا لَا الْمَنْكُوحَةِ فَلَا تَطْلُقُ بِنَاءً على عَدَمِ عَوْدِ الْحِنْثِ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ وَتَجْدِيدِ النِّكَاحِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ دخل بِإِحْدَاهُمَا ما لو دخل بِهِمَا فَتَطْلُقَانِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا أو ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ وما لو لم يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَتَطْلُقَانِ طَلْقَةً طَلْقَةً وَتَبِينَانِ وَإِنْ قال إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِكُمَا فَإِحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَكَرَّرَهُ فَلَا طَلَاقَ على وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِمَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ بِطَلَاقِ إحْدَاهُمَا وَلَوْ قال بَعْدَهُ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ طَلُقَتْ إحْدَاهُمَا بِمُوجِبِ التَّعْلِيقِ الْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ الْبَيَانُ أو التَّعْيِينُ لِلْمُطَلَّقَةِ وَكَذَا لو قال إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِكُمَا فَعَمْرَةُ مِنْكُمَا طَالِقٌ عِوَضُ إحْدَاكُمَا وَكَرَّرَهُ لم تَطْلُقْ عَمْرَةُ لِأَنَّهُ لم يَحْلِفْ بِطَلَاقِهِمَا وَإِنَّمَا حَلَفَ بِطَلَاقِهَا وَحْدَهَا وَكَذَا لو قال بَعْدَ التَّعْلِيقِ الْأَوَّلِ إنْ دَخَلْتُمَا الدَّارَ فَعَمْرَةُ طَالِقٌ فَلَوْ قال إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِ إحْدَاكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ وَأَعَادَهُ مَرَّةً ثَانِيَةً طَلُقَتَا مَعًا لِأَنَّ طَلَاقَهُمَا هُنَا مُعَلَّقٌ بِالْحَلِفِ بِطَلَاقِ إحْدَاهُمَا
فَرْعٌ لو قال لِنِسْوَتِهِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ لم أَحْلِفْ بِطَلَاقِهَا مِنْكُنَّ فَصَوَاحِبُهَا طَوَالِقُ لم تَطْلُقْنَ بِإِمْكَانِ الْحَلِفِ بَلْ بِالْيَأْسِ منه بِمَوْتِهِ أو بِمَوْتِهِنَّ أو بِجُنُونِهِ الْمُتَّصِلِ بِمَوْتِهِ إذْ ليس في عِبَارَتِهِ تَعَرُّضٌ لِلْوَقْتِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ مَتَى أو أَيُّ وَقْتٍ لم أَحْلِفْ وَقِيلَ إذَا سَكَتَ سَاعَةً يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْلِفَ فيها
____________________
(3/321)
بِطَلَاقِهِنَّ طَلُقْنَ فَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ جَزَمَ الْأَصْلُ بَعْدَ هذا عَقِبَ الْكَلَامِ على النَّاسِي وَالْمُكْرَهِ فِيمَا لو قال أَيَّتُكُنَّ لم أَطَأْهَا فَالْأُخْرَيَاتُ طَوَالِقُ
فَصْلٌ لو عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِأَكْلِ رُمَّانَةٍ وَبِأَكْلِ نِصْفِهَا فَأَكَلَتْهَا فَطَلْقَتَيْنِ تَطْلُقُ لِحُصُولِ الصِّفَتَيْنِ وَإِنْ كان التَّعْلِيقُ بِصِيغَةِ كُلَّمَا وَلَوْ في النِّصْفِ فَقَطْ فَثَلَاثًا تَطْلُقُ لِأَنَّهَا أَكَلَتْ رُمَّانَةً وَأَكَلَتْ نِصْفَ رُمَّانَةٍ مَرَّتَيْنِ
فَرْعٌ الْبِشَارَةُ تَخْتَصُّ عُرْفًا بِالْخَبَرِ الْأَوَّلُ السَّارُّ الصِّدْقُ قبل الشُّعُورِ بِهِ وَذِكْرُ السَّارِّ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ في تَحْرِيرِهِ وابن الرِّفْعَةِ وَمَحَلُّ اعْتِبَارِهِ إذَا أُطْلِقَ كَقَوْلِهِ من بَشَّرَتْنِي بِخَبَرٍ أو أَمْرٍ عن زَيْدٍ فَلَوْ قَيَّدَ كَقَوْلِهِ من بَشَّرَتْنِي بِقُدُومِ زَيْدٍ فَهِيَ طَالِقٌ اكْتَفَى بِصِدْقِ الْخَبَرِ وَإِنْ كان كَارِهًا له قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْخَبَرُ يَعُمُّ السَّارَّ وَالصِّدْقَ وَغَيْرَهُمَا فَلَوْ قال من بَشَّرَتْنِي مِنْكُنَّ بِكَذَا فَهِيَ طَالِقٌ فَبَشَّرَتَاهُ مَعًا طَلُقَتَا بِخِلَافِ ما لو قال من أَكَلَ مِنْكُمَا هذا الرَّغِيفَ فَهِيَ طَالِقٌ فَأَكَلَتَاهُ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ أَصْلًا إذْ لم تَأْكُلْهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا وَالْبِشَارَةُ لَفْظٌ عَامٌّ لَا يَنْحَصِرُ في وَاحِدَةٍ فَيَصْدُقُ اسْمُهَا بِبِشَارَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَطَلُقَتَا أو مُرَتَّبًا فَالْأُولَى تَطْلُقُ أو كَذَبَتَاهُ بِالتَّخْفِيفِ أَيْ كَذَبَتَا عليه أو بَشَّرَتَاهُ أو إحْدَاهُمَا بَعْدَ ما عَلِمَ بِهِ فَلَا طَلَاقَ فَإِنْ كَذَّبَتْ الْأُولَى وَصَدَّقَتْ الثَّانِيَةُ طَلُقَتْ الثَّانِيَةُ فَقَطْ فَإِنْ قال من أَخْبَرَتْنِي مِنْكُمَا بِكَذَا فَأَخْبَرَتَاهُ وَلَوْ كَذِبًا أو بَعْدَ الْعِلْمِ أَيْ عِلْمِهِ بِالْخَبَرِ مَعًا أو مُرَتَّبًا طَلُقَتَا لِأَنَّ الْخَبَرَ يَقَعُ على الصِّدْقِ وَالْأَوَّلِ وَغَيْرِهِمَا وَسَوَاءٌ كان التَّعْلِيقُ بِقُدُومٍ أو غَيْرِهِ وَيَحْصُلَانِ أَيْ الْبِشَارَةُ وَالْخَبَرُ بِالْمُكَاتَبَةِ كما يَحْصُلَانِ بِاللَّفْظِ لَا الرَّسُولِ لِأَنَّهُ الْمُبَشِّرُ وَالْمُخْبِرُ وَمَحَلُّهُ إذَا لم يَقُلْ فُلَانَةُ تُبَشِّرُك بِكَذَا أو أَرْسَلَتْنِي لِأُخْبِرَك بِكَذَا فَإِنْ قَالَهُ فَهِيَ الْمُبَشِّرَةُ وَالْمُخْبِرَةُ كما سَيَأْتِي نَظِيرُهُ من الْعِتْقِ في التَّدْبِيرِ وَذِكْرِ حُصُولِ الْخَبَرِ وَعَدَمِ حُصُولِهِ بِمَا ذُكِرَ من زِيَادَتِهِ
فَصْلٌ لو نَادَى عَمْرَةَ فَأَجَابَتْهُ حَفْصَةُ فَطَلَّقَهَا يَظُنُّهَا عَمْرَةَ طَلُقَتْ لِأَنَّهُ خَاطَبَهَا بِالطَّلَاقِ وَهِيَ زَوْجَتُهُ لَا عَمْرَةُ لِأَنَّهَا لم تُخَاطَبْ بِالطَّلَاقِ وَظَنُّ خِطَابِهَا بِهِ لَا يَقْتَضِي وُقُوعَهُ عليها كما لو قال لِوَاحِدَةٍ من نِسَاؤُهُ أَنْت طَالِقٌ وهو يَظُنُّهَا غَيْرَهَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عليها دُونَ الْمَظْنُونَةِ فَإِنْ قال عَلِمْت أنها أَيْ الْمُجِيبَةَ حَفْصَةُ وَقَصَدْتهَا بِالطَّلَاقِ طَلُقَتْ وَحْدَهَا لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ وَهَذَا عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِيُرَتِّبَ عليه قَوْلَهُ أو قال قَصَدْت عَمْرَةَ وَحْدَهَا حُكِمَ بِطَلَاقِهَا ظَاهِرًا وباطنا لِأَنَّهُ نَادَاهَا وَأَقَرَّ بِأَنَّهُ خَاطَبَهَا وَأَوْقَعَ الطَّلَاقَ عليها وفي نُسْخَةٍ بِطَلَاقِهِمَا وهو صَحِيحٌ وَدُيِّنَ في حَفْصَةَ وَوَقَعَ طَلَاقُهَا ظَاهِرًا لِأَنَّهُ خَاطَبَهَا بِالطَّلَاقِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ في دَفْعِهِ عنها ظَاهِرًا
فَصْلٌ لو عَلَّقَ الْمُدَبَّرُ طَلْقَتَيْنِ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ أو الْعَبْدُ طَلْقَتَيْنِ بِوُجُودِ صِفَةٍ عُلِّقَ عِتْقُهُ عليها كَأَنْ قال لِزَوْجَتِهِ إذَا جاء الْغَدُ فَأَنْت طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ وقال له سَيِّدُهُ إذَا جاء الْغَدُ فَأَنْت حُرٌّ فَمَاتَ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ وَخَرَجَ الْمُدَبَّرُ من الثُّلُثِ أو أَجَازَ الْوَارِثُ أو وُجِدَتْ الصِّفَةُ الْمُعَلَّقُ عليها عِتْقُ الْعَبْدِ بَقِيَ له طَلْقَةٌ فَلَهُ مُرَاجَعَةُ زَوْجَتِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى مُحَلِّلٍ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ وَقَعَا مَعًا فلم يَكُنْ رَقِيقًا حَالَ الطَّلَاقِ حتى يَفْتَقِرَ إلَى مُحَلِّلٍ وَالْعِتْقُ كما لم يَتَقَدَّمْ الطَّلَاقَ لم يَتَأَخَّرْ فإذا وَقَعَا مَعًا غَلَبَ جَانِبُ الْحُرِّيَّةِ كما تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِأُمِّ وَلَدِهِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَخْرُجْ من الثُّلُثِ ولم يُجِزْ الْوَارِثُ لِأَنَّ بَعْضَهُ رَقِيقٌ لَا إنْ عَلَّقَهُمَا أَيْ الطَّلْقَتَيْنِ بِآخِرِ جُزْءٍ من حَيَاةِ السَّيِّدِ مع تَعْلِيقِ السَّيِّدِ عِتْقَهُ بِمَوْتِهِ فَلَا يَبْقَى له طَلْقَةٌ بَلْ تَبِينُ منه وَتَحْتَاجُ إلَى مُحَلِّلٍ لِتَقَدُّمِ الطَّلَاقِ على الْعِتْقِ وَلَوْ قال الْعَبْدُ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِالْغَدِ إنْ عَتَقْت فَأَنْت طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ فَجَاءَ الْغَدُ عَتَقَ وَبَقِيَ له طَلْقَةٌ لِتَقَدُّمِ الْعِتْقِ على الطَّلَاقِ
فَرْعٌ لو عَلَّقَ زَوْجُ الْأَمَةِ طَلَاقَهَا بِمَوْتِ سَيِّدِهَا وهو وَارِثُهُ فَمَاتَ انْفَسَخَ النِّكَاحُ ولم تَطْلُقْ وَإِنْ كانت مُكَاتَبَةً أو كان عليه أَيْ السَّيِّدِ دَيْنٌ لِأَنَّهَا بِمَوْتِهِ تَنْتَقِلُ إلَيْهِ كُلُّهَا أو بَعْضُهَا فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ فَلَا يُصَادِفُ الطَّلَاقُ مَحِلًّا كما لو عَلَّقَهُ بِمَوْتِ نَفْسِهِ أو بِمَوْتِهَا وَلِأَنَّ مَوْتَهُ يَقْتَضِي
____________________
(3/322)
الِانْفِسَاخَ وَالطَّلَاقُ وَاجْتِمَاعُهُمَا مُمْتَنِعٌ فَيَقَعُ الْأَقْوَى وهو الِانْفِسَاخُ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ قَهْرًا وَالطَّلَاقُ يَتَعَلَّقُ وُقُوعُهُ بِالِاخْتِيَارِ كما لو اشْتَرَى بَعْضَهُ وَنَوَى عِتْقَهُ عن كَفَّارَتِهِ فإنه يَعْتِقُ عليه وَتَلْغُو نِيَّتُهُ وَخَرَجَ بِالْوَارِثِ غَيْرُهُ كَأَنْ قام بِهِ مَانِعٌ من الْإِرْثِ فَتَطْلُقُ حِينَئِذٍ فَإِنْ كانت مُدَبَّرَةً وَالزَّوْجُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِمَوْتِ سَيِّدِهَا طَلُقَتْ إنْ عَتَقَتْ بِالتَّدْبِيرِ الْأَوْلَى بِمَوْتِ سَيِّدِهَا وَلَوْ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِلْعِتْقِ كما تَعْتِقُ بِهِ إنْ خَرَجَتْ من الثُّلُثِ وَإِنْ لم تُجِزْهُ الْوَرَثَةُ إذْ لَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ لِعَدَمِ دُخُولِهَا أو بَعْضِهَا في مِلْكِ الْوَارِثِ حِينَئِذٍ
فَرْعٌ لو عَلَّقَ طَلَاقَهَا أَيْ زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ بِشِرَائِهَا وَعَلَّقَ السَّيِّدُ عِتْقَهَا بِبَيْعِهَا وَاشْتَرَاهَا منه زَوْجُهَا عَتَقَتْ في الْحَالِ على السَّيِّدِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَقُلْنَا الْمِلْكُ في زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ أَمْ الْمُشْتَرِي أَمْ مَوْقُوفٌ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا الْمِلْكُ فيه لِلْبَائِعِ أو مَوْقُوفٌ فَالْأَمَةُ مِلْكٌ له وقد وُجِدَتْ الصِّفَةُ أو لِلْمُشْتَرِي فَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ وَإِعْتَاقُهُ فَسْخٌ فَتَعُودُ الْأَمَةُ بِالْإِعْتَاقِ إلَى مِلْكِهِ وَطَلُقَتْ إنْ قُلْنَا الْمِلْكُ في زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ أو مَوْقُوفٌ لِأَنَّ الْمِلْكَ لم يَنْتَقِلْ إلَى الْمُشْتَرِي وقد وُجِدَتْ الصِّفَةُ لَا إنْ قُلْنَا الْمِلْكُ في زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي فَلَا تَطْلُقُ لِمُصَادَفَةِ حَالِ حُصُولِ الْمِلْكِ وُقُوعَ الِانْفِسَاخِ كما لو عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِمِلْكِهَا بِأَنْ قال مع تَعْلِيقِ السَّيِّدِ عِتْقَهَا على بَيْعِهَا إنْ مَلَكْتُك فَأَنْت طَالِقٌ وَمَلَكَهَا فَإِنَّهَا تَعْتِقُ في الْحَالِ وَلَا تَطْلُقُ وَإِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ في زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي لِمَا مَرَّ آنِفًا وَمَنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ وَطَلَّقَهَا في الْمَجْلِسِ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ في زَمَنِ الْخِيَارِ طَلُقَتْ إنْ قُلْنَا الْمِلْكُ فيه لِلْبَائِعِ أو مَوْقُوفٌ وَفُسِخَ الْعَقْدُ لِأَنَّ الزَّوْجَ لم يَمْلِكْهَا وَإِلَّا بِأَنْ قُلْنَا الْمِلْكُ فيه لِلْمُشْتَرِي أو مَوْقُوفٌ ولم يُفْسَخْ الْعَقْدُ فَلَا تَطْلُقُ لِانْفِسَاخٍ كما مَرَّ وإذا طَلَّقَهَا حِينَئِذٍ دُونَ ثَلَاثٍ رَجْعِيًّا أو بَائِنًا فَلَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ في عِدَّتِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ إلَى انْقِضَائِهَا كما له نِكَاحُ مُخْتَلِعَتِهِ في الْعِدَّةِ وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَلَيْسَ له وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ قبل التَّحَلُّلِ
فَصْلٌ لو قال لِزَوْجَتِهِ أَنْت طَالِقٌ أو لِأَمَتِهِ أَنْت حُرَّةٌ يوم يَقْدُمُ زَيْدٌ فَمَاتَتْ أَيْ الزَّوْجَةُ أو بَاعَهَا أَيْ الْأَمَةُ ضَحْوَةً وَقَدِمَ ظُهْرًا تَبَيَّنَّا وُقُوعَ الطَّلَاقِ أو الْعِتْقِ من الْفَجْرِ لَا عَقِيبَ الْقُدُومِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ أو الْعِتْقَ مُضَافٌ إلَى يَوْمِ الْقُدُومِ فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ يوم الْجُمُعَةِ مَثَلًا وقد حَصَلَ الْوَصْفُ الْمُعَلَّقُ عليه وَقَوْلُهُ فَمَاتَتْ أو بَاعَهَا ضَحْوَةً مِثَالٌ فَلَوْ لم يَقَعْ مَوْتٌ وَلَا بَيْعٌ كان الْحُكْمُ كَذَلِكَ فَإِنْ قَدِمَ لَيْلًا لَغَا أَيْ لم تَطْلُقْ ولم تَعْتِقْ لِعَدَمِ وُجُودِ الْوَصْفِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْوَقْتَ فَتَطْلُقُ أو تَعْتِقُ لِأَنَّ الْيَوْمَ قد يُسْتَعْمَلُ في مُطْلَقِ الْوَقْتِ كما في قَوْله تَعَالَى وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ فإنه أَرَادَ وَقْتَ الْقِتَالِ
فَصْلٌ لو قال لِزَوْجَتِهِ أَنْت طَالِقٌ هَكَذَا مُشِيرًا بِثَلَاثِ أَصَابِعَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَإِنْ لم يَنْوِهَا كما تَطْلُقُ في أُصْبُعٍ طَلْقَةً وفي أُصْبُعَيْنِ طَلْقَتَيْنِ لِأَنَّ ذلك صَرِيحٌ في الْعَدَدِ وفي الحديث الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ وَعَقَدَ بِإِبْهَامِهِ في الثَّالِثَةِ وَأَرَادَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ فَدَلَّ على أَنَّ اللَّفْظَ مع الْإِشَارَةِ يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ بِالْعَدَدِ قال الْإِمَامُ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ مُفْهِمَةً لِذَلِكَ نَقَلَهُ عنه الْأَصْلُ وَأَقَرَّهُ فَإِنْ أَرَادَ بِالْإِشَارَةِ في صُورَةِ الثَّلَاثِ الْمَقْبُوضِينَ لَا إحْدَاهُمَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فَلَا يَقَعُ أَكْثَرُ من طَلْقَتَيْنِ لِاحْتِمَالِ ذلك وَإِنَّمَا لم يُصَدَّقْ في إرَادَةِ إحْدَاهُمَا لِأَنَّ الْإِشَارَةَ مع اللَّفْظِ صَرِيحَةٌ في الْعَدَدِ كما مَرَّ فَلَا يُقْبَلُ خِلَافُهَا فَإِنْ أَشَارَ مع قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ولم يَقُلْ هَكَذَا لَغَتْ الْإِشَارَةُ ولم يَتَعَدَّدْ أَيْ الطَّلَاقُ في ذلك إلَّا بِالنِّيَّةِ وَقَوْلُ الْمُشِيرِ بِثَلَاثٍ أَنْتِ هَكَذَا لَغْوٌ أَيْ لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَلَوْ نَوَى الطَّلَاقَ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يُشْعِرُ بِهِ وَالنِّيَّةَ لَا تُؤَثِّرُ بِغَيْرِ لَفْظٍ وَلَوْ قال أَنْت طَالِقٌ وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ ثُمَّ قال أَرَدْت بها الْأُصْبُعَ دُونَ الزَّوْجَةِ لم يُقْبَلْ ظَاهِرًا ولم يُدَيَّنْ على الْأَصَحِّ وَلَوْ قال أَنْتِ الثَّلَاثَ وَنَوَى الطَّلَاقَ لم يَكُنْ شيئا ذَكَرَ ذلك الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ
فَصْلٌ لو قال إنْ دَخَلْت الدَّارَ أو كَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْت طَالِقٌ بِإِحْدَاهُمَا أَيْ الصِّفَتَيْنِ وَكَذَا تَطْلُقُ بِإِحْدَاهُمَا إنْ قَدِمَ أَنْتِ طَالِقٌ على الشَّرْطِ وَانْحَلَّتْ يَمِينُهُ فِيهِمَا فَلَا يَقَعُ بِالصِّفَةِ الْأُخْرَى شَيْءٌ فَإِنْ قال إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَإِنْ كَلَّمْت زَيْدًا بِتَقْدِيمِ أَنْتِ طَالِقٌ أو تَأْخِيرِهِ وَقَعَ بِكُلِّ صِفَةٍ طَلْقَةٌ ولو قال إنْ دَخَلْت وَكَلَّمْت بِتَقْدِيمِ أَنْتِ طَالِقٌ أو تَأْخِيرِهِ اُشْتُرِطَا أَيْ الْوَصْفَانِ أَيْ وُجُودُهُمَا
____________________
(3/323)
لِوُقُوعِ طَلْقَةٍ فَإِنْ عَطَفَ بِالْفَاءِ أو بِثُمَّ كَإِنْ دَخَلْت فَكَلَّمْت أو ثُمَّ كَلَّمْت اُشْتُرِطَ تَرْتِيبُهُمَا بِأَنْ تَقَدَّمَ في الْمِثَالِ الدُّخُولُ على الْكَلَامِ وَيُشْتَرَطُ مع ذلك في الْفَاءِ اتِّصَالُ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ كما ذَكَرُوهُ في التَّدْبِيرِ وَقِيَاسُهُ اشْتِرَاطُ انْفِصَالِهِ عنه في ثُمَّ في ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَكَذَا يُشْتَرَطُ تَرْتِيبُهُمَا في قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت إنْ كَلَّمْت لَكِنْ يُشْتَرَطُ تَقْدِيمُ الْأَخِيرِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لِلْأَوَّلِ فَهُوَ تَعْلِيقٌ لِلتَّعْلِيقِ وهو يَقْبَلُهُ كما أَنَّ التَّنْجِيزَ يَقْبَلُهُ وَيُسَمَّى اعْتِرَاضَ الشَّرْطِ على الشَّرْطِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي الْآيَةَ أَيْ إنْ كان اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ فَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إنْ أَرَدْت أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ فَإِنْ عُكِسَتْ بِأَنْ دَخَلَتْ ثُمَّ كَلَّمَتْ أو وُجِدَا مَعًا لم تَطْلُقْ وَانْحَلَّتْ أَيْ الْيَمِينُ فَلَوْ كَلَّمَتْهُ بَعْدَ ذلك ثُمَّ دَخَلَتْ لم تَطْلُقْ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَنْعَقِدُ على الْمَرَّةِ الْأُولَى كَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْمُتَوَلِّي وهو كما قال الْإِسْنَوِيُّ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عليه إنَّمَا هو دُخُولٌ سَبَقَهُ كَلَامٌ ولم يُوجَدْ إلَّا بَعْضُهُ وهو الْكَلَامُ فَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ حتى لو دَخَلَتْ حَنِثَ وَالتَّعْلِيقُ بِإِنْ في الشَّرْطَيْنِ مِثَالٌ فَغَيْرُهَا من أَدَوَاتِ الشَّرْطِ مِثْلُهَا وَلَوْ قال إنْ أَعْطَيْتُك إنْ وَعَدْتُك إنْ سَأَلْتنِي فَأَنْت طَالِقٌ اُشْتُرِطَ سُؤَالُهَا ثُمَّ وَعْدُهُ ثُمَّ إعْطَاؤُهُ وَالْمَعْنَى إنْ سَأَلْتنِي فَوَعَدْتُك فَأَعْطَيْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ بَعْدَ كَلَامِهِ على تَعْلِيقِ التَّعْلِيقِ قال أَصْحَابُنَا هذا في حَقِّ الْعَارِفِ فَإِنْ كان عَامِّيًّا فَعَلَى ما جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ
فَرْعٌ لو قال إنْ دَخَلْت فَأَنْت طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت وَأَرَادَ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالدُّخُولِ بَعْدَ الْكَلَامِ أو عَكْسَهُ قُبِلَ منه ما أَرَادَ وَإِلَّا اُشْتُرِطَ تَقْدِيمُ الْأَوَّلِ كما سَيَأْتِي في كِتَابِ التَّدْبِيرِ أو قال إنْ كَلَّمْت زَيْدًا وَعَمْرًا وَعَمْرٌو مع بَكْرٍ فَأَنْت طَالِقٌ اشْتَرَطَ تَكْلِيمَهُمَا وَكَوْنُ عَمْرٍو مع بَكْرٍ حَالَ كَلَامِهِ كما لو قال إنْ كَلَّمْت فُلَانًا وهو رَاكِبٌ وَإِنْ قال أَنْت طَالِقٌ لَا دَخَلْت الدَّارَ من لُغَتُهُ بها أَيْ بِلَا مِثْلُ إنْ كَالْبَغْدَادِيِّينَ طَلُقَتْ بِالدُّخُولِ وَفَاعِلُ قال من أَمَّا من لَيْسَتْ لُغَتُهُ كَذَلِكَ فَتَطْلُقُ زَوْجَتُهُ حَالًا
فَرْعٌ لو قال أَرْبَعُكُنَّ طَوَالِقُ إلَّا فُلَانَةَ أو إلَّا وَاحِدَةً طَلُقْنَ جميعا ولم يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ لِأَنَّ الْأَرْبَعَ لَيْسَتْ صِيغَةَ عُمُومٍ وَإِنَّمَا هِيَ اسْمٌ خَاصٌّ لِعَدَدٍ مَعْلُومٍ خَاصٍّ فَقَوْلُهُ إلَّا فُلَانَةَ رَفْعٌ لِلطَّلَاقِ عنها بَعْدَ التَّنْصِيصِ عليها فَهِيَ كَقَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ طَلَاقًا لَا يَقَعُ عَلَيْك وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ من الْأَعْدَادِ في الْإِقْرَارِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وقد يُجَابُ بِأَنَّ هذا مُسَلَّمٌ فِيمَا إذَا لم يُصَرِّحْ بِاسْمِ عَدَدٍ مُعَيَّنٍ فَإِنْ صَرَّحَ بِهِ كَأَنْ قال هذه الْأَرْبَعَةُ لَك إلَّا وَاحِدًا منها لم يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ نَظِيرَ ما هُنَا وهو مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَإِنْ صَرَّحَ بِاسْمِ الْعَدَدِ كما صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَغَيْرُهُ في بَابِ الْإِقْرَارِ بِخِلَافِ أَرْبَعُكُنَّ إلَّا فُلَانَةَ طَوَالِقُ فَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ في هذه وَقَعَ قبل الْحُكْمِ فَلَا تَنَاقُضَ بِخِلَافِ الْأُولَى وَرَدَّهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بين تَقَدُّمِ الْمُسْتَثْنَى وَتَأَخُّرِهِ وهو حَسَنٌ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَصْلُ نَقْلُ الْمَسْأَلَةَ بِطَرَفَيْهَا عن الْقَاضِي وَاسْتَشْكَلَ تَعْلِيلَهَا بِمَا ذَكَرَ وَمَيْلُهُ إلَى صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ مُطْلَقًا أو قال أَنْت طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا حتى يَدْخُلَ عَمْرٌو الدَّارَ أو إلَى أَنْ يَدْخُلَ اُشْتُرِطَ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ تَكْلِيمُ زَيْدٍ قبل دُخُولِ عَمْرٍو الدَّارَ وَالْمَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا قبل دُخُولِ عَمْرٍو الدَّارَ
فَصْلٌ لو قال له شَخْصٌ مُسْتَخِيرًا أَطَلَّقْت زَوْجَتَك أو طَلَّقْتهَا وَأَرَادَ الِاسْتِفْهَامَ فقال نعم أو نَحْوَهَا مِمَّا يُرَادِفُهَا كَجَيْرَ وَأَجَلْ فَإِقْرَارٌ بِهِ أَيْ بِالطَّلَاقِ وَيَقَعُ عليه ظَاهِرًا إنْ كَذَبَ وَيُدَيَّنُ فَإِنْ قال أَرَدْت طَلَاقًا مَاضِيًا وَرَاجَعْت صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِاحْتِمَالِهِ وَإِنْ قال أَبَنْتهَا وَجَدَّدْت النِّكَاحَ فَكَمَا مَرَّ فِيمَا لو قال أَنْت طَالِقٌ أَمْسِ وَفَسَّرَ بِذَلِكَ أو قال له ذلك مُلْتَمِسًا لِلْإِنْشَاءِ فقال نعم طَلَّقْت وَقَعَ وَكَذَا يَقَعُ إذَا اقْتَصَرَ على نعم إذَا السُّؤَالُ مُعَادٌ في الْجَوَابِ فَكَأَنَّهُ قال نعم طَلَّقْتهَا
____________________
(3/324)
وَلِهَذَا كان صَرِيحًا في الْأَقْرَاءِ وإذا اقْتَصَرَ على طَلَّقْت فَقِيلَ هو كِتَابَةً لِأَنَّ نعم تَتَعَيَّنُ لِلْجَوَابِ وَقَوْلُهُ طَلَّقْت مُسْتَقْبَلٌ بِنَفْسِهِ فَكَأَنَّهُ قال ابْتِدَاءً طَلَّقْت وَاقْتَصَرَ عليه وقد مَرَّ أَنَّهُ لو اقْتَصَرَ عليه فَلَا طَلَاقَ وَهَذَا بِخِلَافِ ما لو قالت له طَلِّقْنِي فقال طَلَّقْت أو قِيلَ له طَلِّقْهَا فقال طَلَّقْت أو قال لها طَلِّقِي نَفْسَك فقالت طَلَّقْت فإنه يَقَعُ فإنه يَتَرَتَّبُ على السُّؤَالِ وَالتَّفْوِيضِ وَقِيلَ هو كَنَعَمْ فَيَكُونُ صَرِيحًا وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ وَلَوْ جَهِلَ حَالَ السُّؤَالِ قال الزَّرْكَشِيُّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتِخْبَارٌ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ لَا يُسْتَفْهَمُ عنه وَصَرْفُهُ إلَى الِالْتِمَاسِ مَجَازٌ يَحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ وَهِيَ مَفْقُودَةٌ هُنَا
فَرْعٌ لو قِيلَ له أَلَكَ زَوْجَةٌ فقال لَا لم تَطْلُقْ وَلَوْ نَوَى لِأَنَّهُ كَذِبٌ مَحْضٌ وَهَذَا ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن نَصِّ الْإِمْلَاءِ وَقَطَعَ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ ثُمَّ ذَكَرَ تَفَقُّهًا ما حَاصِلُهُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ على الْأَصَحِّ وَبِهِ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ في تَصْحِيحِهِ وَأَنَّ لها تَحْلِيفَهُ أَنَّهُ لم يُرِدْ طَلَاقَهَا وَعَلَيْهِ جَرَى الْأَصْفُونِيُّ وَشَيْخُنَا أبو عبد اللَّهِ الْحِجَازِيُّ في اخْتِيَارِهِمَا كَلَامَ الرَّوْضَةِ وَلَوْ قِيلَ له أَطَلَّقْت زَوْجَتَك ثَلَاثًا أو سَكَتَ عن ذِكْرِ الثَّلَاثِ كما فُهِمَ بِالْأُولَى فقال قد كان بَعْضُ ذلك فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ بِالطَّلَاقِ لِاحْتِمَالِ جَرَيَانِ تَعْلِيقٍ أو وَعْدٍ أو مُخَاصَمَةٍ تَئُولُ إلَيْهِ فَلَوْ فَسَّرَ بِشَيْءٍ من ذلك قُبِلَ وَقَوْلُهُ لها ما أَنْت لي بِشَيْءٍ لَغْوٌ فَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَإِنْ نَوَى أو قال امْرَأَتِي طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَالْحَالُ إنَّهَا لم تَتَزَوَّجْ غَيْرَهُ وفي نُسْخَةٍ قَبْلَهُ طَلُقَتْ وَهَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا من زِيَادَتِهِ
فَصْلٌ لو قال لِزَوْجَتِهِ وقد أَكَلَا تَمْرًا مَثَلًا وَخَلَطَا نَوَاهُمَا إنْ لم تُمَيِّزِي نَوَايَ من نَوَاك فَأَنْت طَالِقٌ تَخَلَّصَ من الْحِنْثِ بِتَفْرِيقِهِ منها بِحَيْثُ لَا تَلْتَقِي منه نَوَاتَانِ اتِّبَاعًا لِلَّفْظِ إلَّا إنْ أَرَادَ التَّعْيِينَ لِنَوَاهَا من نَوَاهُ فَلَا يَتَخَلَّصُ بِذَلِكَ وَكَذَا إنْ قال إنْ لم تُخْبِرِينِي بِعَدَدِ جَوْزِ هذه الشَّجَرَةِ الْيَوْمَ وفي نُسْخَةٍ تَرْكُ الْيَوْمِ أو بِعَدَدِ حَبِّ هذه الرُّمَّانَةِ قبل كَسْرِهَا أو إنْ لم تَذْكُرِي لي ذلك فَأَنْتِ طَالِقٌ تَخَلَّصَ من الْحِنْثِ إنْ لم يَقْصِدْ التَّعْرِيفَ أَيْ التَّعْيِينَ بِأَنْ تَأْخُذَ عَدَدًا تَتَيَقَّنُهُ أَيْ تَذْكُرُ عَدَدًا تَعْلَمُ أَنَّ ذلك لَا يَنْقُصُ عنه ثُمَّ تُكَرِّرُهُ مع زِيَادَةِ وَاحِدٍ وَاحِدٍ فَتَقُولُ مِائَةٌ وَوَاحِدَةٌ مِائَةٌ وَاثْنَتَانِ وَهَكَذَا وَتَحْتَاطُ فَتُزِيدُ حتى تَبْلُغَ ما تَعْلَمُ أَنَّ ذلك لَا يَزِيدُهُ عليه فَتَكُونُ مُخْبِرَةً بِذَلِكَ الْعَدَدِ وَذَاكِرَةً له
أَمَّا إذَا قَصَدَ التَّعْرِيفَ فَلَا يَتَخَلَّصُ بِمَا ذَكَرَتْهُ وَاسْتَشْكَلَ الشِّقُّ الْأَوَّلُ بِمَا مَرَّ من أَنَّ الْخَبَرَ يَعُمُّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ وَعَلَيْهِ فَيَتَلَخَّصُ بِأَيِّ عَدَدٍ ذَكَرَتْهُ لِحُصُولِ مُسَمَّى الْخَبَرِ بِهِ وَإِنْ كان كَذِبًا كما في تَعْلِيقِهِ بِإِخْبَارِهَا بِقُدُومِ زَيْدٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ لِلرُّمَّانَةِ وَنَحْوِهَا عَدَدًا خَاصًّا وقد عَلَّقَ بِهِ فإذا أَخْبَرَتْهُ بِعَدَدِ حَبِّهَا كَاذِبَةً لم تُخْبِرْ بِهِ بِخِلَافِ قُدُومِ زَيْدٍ فَيُصَدَّقُ بِالْخَبَرِ الْكَاذِبِ فَإِنْ قال إنْ لم تَعُدِّي جَوْزَهَا أَيْ هذه الشَّجَرَةِ الْيَوْمَ
____________________
(3/325)
فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقِيلَ تَتَلَخَّصُ من الْحِنْثِ بِأَنْ تَفْعَلَ هَكَذَا أَيْ بِمَا ذُكِرَ آنِفًا وَقِيلَ يَجِبُ أَنْ تَبْتَدِئَ من الْوَاحِدِ وَتَزِيدَ إلَى أَنْ تَنْتَهِيَ إلَى الْعِلْمِ بِمَا ذَكَرَ
فَرْعٌ لو عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِابْتِلَاعِ تَمْرَةٍ في فَمِهَا وَبِقَذْفِهَا وَبِإِمْسَاكِهَا بِأَنْ قال إنْ ابْتَلَعْتِيهَا فَأَنْت طَالِقٌ وَإِنْ قُذُفَتَاهَا فَأَنْت طَالِقٌ وَإِنْ أَمُسْكَتَيْهَا فَأَنْت طَالِقٌ فَأَكَلَتْ بَعْضَهَا فَوْرًا وَرَمَتْ الْبَاقِي أو لم تَرْمِهِ تَخَلَّصَتْ من وُقُوعِ الطَّلَاقِ عليها لِأَنَّ أَكْلَ الْبَعْضِ وَرَمْيَ الْبَعْضِ أو إمْسَاكَهُ مُغَايِرٌ لِكُلِّ من الثَّلَاثَةِ هذا إنْ تَأَخَّرَتْ يَمِينُ الْإِمْسَاكِ كما ذَكَرَ فَإِنْ تَقَدَّمَتْ أو تَوَسَّطَتْ أو أَخَّرَتْ الزَّوْجَةُ أَكْلَ الْبَعْضِ لم يَتَخَلَّصْ بِذَلِكَ لِحُصُولِ الْإِمْسَاكِ فَإِنْ عَلَّقَ بِأَكْلِهَا وَعَدَمِ أَكْلِهَا بِأَنْ قال إنْ أَكَلْتِيهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ لم تَأْكُلِيهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا خَلَاصَ بِذَلِكَ أَيْ بِأَكْلِ بَعْضِهَا فَوْرًا فَإِنْ فَعَلَتْهُ حَنِثَ في يَمِينِ عَدَمِ الْأَكْلِ بَعْدَ الْيَأْسِ من أَكْلِهَا الْبَاقِي وَلَوْ عَلَّقَ بِالْأَكْلِ فَابْتَلَعَتْ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ يُقَالُ ابْتَلَعَ ولم يَأْكُلْ وَوَقَعَ له كَأَصْلِهِ في كِتَابِ الْأَيْمَانِ عَكْسُ هذا
وَإِنْ عَلَّقَهُ أَيْ الطَّلَاقَ وَهِيَ على سُلَّمٍ بِالصُّعُودِ بِالنُّزُولِ ثُمَّ بِالْوُقُوفِ أَيْ بِالْمُكْثِ فَطَفَرَتْ أَيْ وَثَبَتَ أو انْتَقَلَتْ إلَى سُلَّمٍ آخَرَ أو أَضْجَعَ السُّلَّمَ على الْأَرْضِ وَهِيَ عليه وَتَقُومُ من مَوْضِعِهَا أو حُمِلَتْ وَصَعِدَ بها الْحَامِلُ أو نَزَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهَا فَوْرًا في الْجَمِيعِ لم تَطْلُقْ وَأَفَادَ تَعْبِيرُهُ من زِيَادَتِهِ بِثُمَّ اعْتِبَارَ تَأْخِيرِ التَّعْلِيقِ بِالْوُقُوفِ إذْ لو لم تَتَأَخَّرْ طَلُقَتْ وَخَرَجَ بِغَيْرِ أَمْرِهَا ما لو حُمِلَتْ بِأَمْرِهَا فَيَحْنَثُ نعم إنْ حَمَلَهَا بِلَا صُعُودٍ وَنُزُولٍ بِأَنْ يَكُونَ وَاقِفًا على الْأَرْضِ أو نَحْوِهَا فَلَا أَثَرَ لِأَمْرِهَا
فَرْعٌ لو عَلَّقَهُ بِأَكْلِ رُمَّانَةٍ أو رَغِيفٍ فَأَكَلَتْ إلَّا حَبَّةً أو لُبَابَةً يَقَعُ مَوْقِعًا بِأَنْ يُسَمِّيَ قِطْعَةَ خُبْزٍ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ يُصَدَّقُ أنها لم تَأْكُلْ الرُّمَّانَةَ أو الرَّغِيفَ وَإِنْ تَسَامَحَ أَهْلُ الْعُرْفِ في إطْلَاقِ أَكْلِ الرُّمَّانَةِ أو الرَّغِيفِ في ذلك بِخِلَافِ ما لَا يَقَعُ مَوْقِعًا إذْ فُتَاتُ الْخُبْزِ الذي يَدِقُّ مُدْرَكُهُ لَا يَظْهَرُ له أَثَرٌ في بِرٍّ وَلَا حِنْثٍ نَظَرًا لِلْعُرْفِ وَمِثْلُهُ يَأْتِي في الرُّمَّانَةِ فِيمَا إذَا بَقِيَ بَعْضُ حَبَّةٍ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِيهِ
فَرْعٌ لو سَقَطَ الْحَجَرُ من عُلْوٍ أو اتَّهَمَهَا زَوْجُهَا بِسَرِقَةٍ فقال في الْأَوَّلِ إنْ لم تُخْبِرِينِي السَّاعَةَ من رَمَاهُ أو قال في الثَّانِيَةِ إنْ لم تَصْدُقِينِي أَسَرَقْتِ أَمْ لَا فَأَنْتِ طَالِقٌ ولم يُرِدْ تَعْيِينًا فِيهِمَا فقالت في الْأُولَى رَمَاهُ مَخْلُوقٌ لَا آدَمِيٌّ أو في الثَّانِيَةِ سَرَقْته ما سَرَقْته تَخَلَّصَ من الْحِنْثِ لِأَنَّهَا صَادِقَةٌ بِالْإِخْبَارِ في الْأُولَى وَبِأَحَدِ الْإِخْبَارَيْنِ في الثَّانِيَةِ وَإِنَّمَا لم يَتَخَلَّصْ في الْأُولَى بِقَوْلِهَا رَمَاهُ آدَمِيٌّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ رَمَاهُ كَلْبٌ أو رِيحٌ أو نَحْوُهُمَا لِأَنَّ سَبَبَ الْحِنْثِ وُجِدَ وَشَكَكْنَا في الْمَانِعِ وَشُبِّهَ بِمَا لو قال أَنْت طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ الْيَوْمَ فَمَضَى الْيَوْمُ ولم تَعْرِفْ مَشِيئَتَهُ أو قال إنْ لم تُخْبِرِينِي كَمْ رَكَعَاتُ الْفَرَائِضِ في الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فقالت سَبْعَ عَشْرَةَ وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ في غَالِبِ الْأَحْوَالِ أو خَمْسَ عَشْرَةَ أَيْ لِلْجُمُعَةِ أَيْ لِيَوْمِهَا أو إحْدَى عَشْرَةَ وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِالسَّفَرِ تَخَلَّصَ من الْحِنْثِ حتى لو قال الثَّلَاثَ من لم يُخْبِرْنِي مِنْكُنَّ بِعَدَدِ رَكَعَاتِ فَرَائِضِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَهِيَ طَالِقٌ فقالت وَاحِدَةٌ سَبْعَ عَشْرَةَ وَأُخْرَى خَمْسَ عَشْرَةَ وَثَالِثَةٌ إحْدَى عَشْرَةَ لم تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لِصِدْقِهِنَّ فِيمَا ذَكَرْنَهُ من الْعَدَدِ كما تَقَرَّرَ نعم إنْ أَرَادَ أَحَدَ هذه الْأَيَّامِ عَيْنًا فَالْحَلِفُ على ما أَرَادَ
فَرْعٌ لو قال إنْ لم أَقُلْ كما تَقُولِينَ فَأَنْت طَالِقٌ فقالت له أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَخَلَاصُهُ من الْحِنْثِ أَنْ يَقُولَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ أو أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا من وَثَاقٍ أو أَنْتِ قُلْت أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَإِنْ قالت له كَيْفَ تَقُولُ إذَا أَرَدْت أَنْ تُطَلِّقَنِي فقال أَقُولُ أَنْت طَالِقٌ لَغَا فَلَا تَطْلُقُ بِهِ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَمَّا يَفْعَلُ في الْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ عَلَّقَهُ وَهِيَ في نَهْرٍ أَيْ مَاءٍ جَارٍ بِالْخُرُوجِ منه أو بِاللُّبْثِ فيه الْأَوْلَى وَبِاللُّبْثِ بِأَنْ قال لها إنْ خَرَجْت منه فَأَنْت طَالِقٌ وَإِنْ لَبِثَ فيه فَأَنْت طَالِقٌ لم تَطْلُقْ خَرَجَتْ أو لَبِثَتْ لِأَنَّهُ بِجَرَيَانِهِ مُفَارِقُهَا أو وَهِيَ في رَاكِدٍ فَلْتُحْمَلْ منه فَوْرًا لِيَتَخَلَّصَ الزَّوْجُ من الْحِنْثِ أو عَلَّقَهُ بِإِرَاقَةِ مَاءِ الْكُوزِ وَبِتَرْكِهِ فيه وَبِشُرْبِهَا وَبِشُرْبِ غَيْرِهَا إيَّاهُ بِأَنْ
____________________
(3/326)
قال لها إنْ أَرَقْت مَاءَ هذا الْكُوزِ فَأَنْت طَالِقٌ وَإِنْ شَرِبْته أَنْت أو غَيْرُك فَأَنْت طَالِقٌ وَإِنْ تَرَكْت فَأَنْت طَالِقٌ فَبَلَّتْ بِهِ خِرْقَةً وَضَعَتْهَا فيه لم تَطْلُقْ وَكَذَا لو بَلَّتْهَا بِبَعْضِهِ أو شَرِبَتْ هِيَ أو غَيْرُهَا بَعْضَهُ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُؤَخِّرَ قَوْلَهُ وَإِنْ تَرَكْته كما في مَسْأَلَةِ التَّمْرَةِ وَإِلَّا فَبِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَإِنْ شَرِبْته تَطْلُقُ لِأَنَّهَا تَرَكَتْهُ
فَرْعٌ الْأَصْحَابُ إلَّا الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ يَمِيلُونَ في التَّعْلِيقِ إلَى تَقْدِيمِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ على الْعُرْفِ الْغَالِبِ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يَكَادُ يَنْضَبِطُ كما مَرَّ في إنْ لم تُمَيِّزِي نَوَايَ من نَوَاك فإن مَعْنَاهُ الْوَضْعِيَّ التَّفْرِيقُ وَمَعْنَاهُ الْعُرْفِيَّ التَّعْيِينُ هذا إنْ اضْطَرَبَ الْعُرْفُ فَإِنْ اضْطَرَدَ عُمِلَ بِهِ لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِ حِينَئِذٍ وَعَلَى النَّاظِرِ التَّأَمُّلُ وَالِاجْتِهَادُ فِيمَا يُسْتَفْتَى فيه نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّهُ وَلَا يَخْتَصُّ بِقَوْلِ الْغَزَالِيِّ بَلْ يَأْتِي على قَوْلِ غَيْرِهِ وَمِنْهُ ما يَأْتِي في الْخَسِيسِ على قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ وَيُشْبِهُ إلَى آخِرِهِ
فَرْعٌ في بَيَانِ أَوْصَافٍ تَجْرِي في مُخَاصَمَةِ الزَّوْجَيْنِ وَيُعَلَّقُ عليها الطَّلَاقُ الْخَسِيسُ من بَاعَ دِينَهُ بِدُنْيَاهُ بِأَنْ تَرَكَ دِينَهُ بِاشْتِغَالِهِ بِدُنْيَاهُ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ هو من يَتَعَاطَى في الْعُرْفِ ما لَا يَلِيقُ بِهِ بُخْلًا بِمَا يَلِيقُ بِهِ خِلَافَ من يَتَعَاطَاهُ تَوَاضُعًا وَأَخَسُّ منه أَيْ من الْخَسِيسِ أَيْ وَأَخَسُّ الْأَخْسَاسِ من بَاعَ دِينَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ وَالسَّفَهُ ما يُوجِبُ الْحَجْرَ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا إذَا لم يَكُنْ سِيَاقٌ وَإِلَّا كَأَنْ كان في مَعْرِضِ إسْرَافٍ أو بَذَاءَةِ لِسَانٍ فَالْوَجْهُ الْحَمْلُ عليه وَالْقَوَّادُ من يَجْمَعُ بين الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جميعا حَرَامًا وَإِنْ كُنَّ غير أَهْلِهِ وَكَذَا من يَجْمَعُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُرْدِ قَالَهُ ابن الرِّفْعَةِ
وَالْقَرْطَبَانِ من يَسْكُتُ على الزَّانِي بِامْرَأَتِهِ وفي مَعْنَاهُ مَحَارِمُهُ وَنَحْوُهُنَّ
وَقَلِيلُ الْحَمِيَّةِ من لَا يَغَارُ على أَهْلِهِ وَمَحَارِمِهِ وَنَحْوِهِنَّ وَالْقَلَّاشُ الذَّوَّاقُ لِلطَّعَامِ كَالْمُشْتَرِي وَلَا يُرِيدُهُ أَيْ يَرَى أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ وَلَا يُرِيدُ الشِّرَاءَ وَالدَّيُّوثُ بِالْمُثَلَّثَةِ من لَا يَمْنَعُ الدَّاخِلَ على زَوْجَتِهِ من الدُّخُولِ وَيُشْبِهُ كما قال الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ مَحَارِمَهُ وَإِمَاءَهُ كَزَوْجَتِهِ لِلْعُرْفِ وَالْبَخِيلُ مَانِعُ الزَّكَاةِ وَمَنْ لَا يُقْرِي الضَّيْفَ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بَخِيلٌ وهو ظَاهِرٌ بِخِلَافِ قَوْلِ أَصْلِهِ الْبَخِيلُ من لَا يُؤَدِّي الزَّكَاةَ وَلَا يُقْرِي الضَّيْفَ وَمَنْ قِيلَ له يا زَوْجَ الْقَحْبَةِ فقال إنْ كانت زَوْجَتِي كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ طَلُقَتْ إنْ قَصَدَ التَّخَلُّصَ منها أَيْ من عَارِهَا كما لو قَصَدَ الْمُكَافَأَةَ وَإِلَّا اُعْتُبِرَتْ الصِّفَةُ فَإِنْ وُجِدَتْ طَلُقَتْ وَإِلَّا فَلَا وَالْقَحْبَةُ هِيَ الْبَغِيَّةُ وَإِنْ تَفَاخَرَا في الْخُصُومَةِ كَأَنْ قال لها إيشِ تَكُونِينَ أَنْت فقالت وإِيشْ تَكُونُ أَنْت فقال إنْ لم أَكُنْ مِنْك بِسَبِيلٍ فَأَنْت طَالِقٌ فَإِنْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ لم تَطْلُقْ لِأَنَّهُ منها بِسَبِيلٍ لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ أو قَصَدَ الْمُكَافَأَةَ لها بِإِسْمَاعِ ما تَكْرَهُ طَلُقَتْ إذْ الْمَقْصُودُ إيقَاعُ الْفُرْقَةِ وَقَطْعُ ما بَيْنَهُمَا وَلَوْ قالت لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ أَنْت من أَهْلِ النَّارِ فقال لها إنْ كُنْت من أَهْلِهَا فَأَنْت طَالِقٌ لم تَطْلُقْ لِأَنَّهُ من أَهْلِ الْجَنَّةِ ظَاهِرًا فَإِنْ ارْتَدَّ وَمَاتَ مُرْتَدًّا بَانَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ أو قَالَتْهُ لِزَوْجِهَا الْكَافِرِ فقال لها ذلك طَلُقَتْ لِأَنَّهُ من أَهْلِ النَّارِ ظَاهِرًا فَإِنْ أَسْلَمَ بَانَ أَنْ لَا طَلَاقَ نعم إنْ قَصَدَ الْمُكَافَأَةَ في هذه وَاَلَّتِي قَبْلَهَا طَلُقَتْ في الْحَالِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَوْ قال الْمُسْلِمُ إنْ لم أَكُنْ من أَهْلِ الْجَنَّةِ فَأَنْت طَالِقٌ وكان إذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا يَخَافُ اللَّهَ تَعَالَى لم يَقَعْ الطَّلَاقُ نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عن الْقَاضِي ثُمَّ قال وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إنْ لم يَكُنْ يَخَافُ اللَّهَ تَعَالَى إذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا وَقَعَ طَلَاقُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ وقد أَطْلَقَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَنْدَنِيجِيّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فيه وَهَذَا هو الصَّحِيحُ انْتَهَى
وَلَوْ قالت لِزَوْجِهَا أنا أَسْتَنْكِفُ مِنْك فقال كُلُّ امْرَأَةٍ تَسْتَنْكِفُ مِنِّي فَهِيَ طَالِقٌ فَظَاهِرَهُ الْمُكَافَأَةِ فَتَطْلُقُ إنْ لم يَقْصِدْ التَّعْلِيقَ وَهَذِهِ من زِيَادَتِهِ وَالسَّفِلَةُ من يَعْتَادُ دَنِيءَ الْأَفْعَالِ لَا نَادِرًا فَلَوْ قالت له يا سَفِلَةُ فقال إنْ كُنْت كَذَا فَأَنْت طَالِقٌ فَإِنْ قَصَدَا الْمُكَافَأَةَ طَلُقَتْ حَالًا وَإِلَّا اُعْتُبِرَتْ الصِّفَةُ بِمَا ذُكِرَ وَالْكَوْسَجُ من قَلَّ شَعْرُ وَجْهِهِ وَعُدِمَ شَعْرُ عَارِضَيْهِ وَالْغَوْغَاءُ من يُخَالِطُ الْأَرَاذِلَ وَيُخَاصِمُ الناس بِلَا حَاجَةٍ وَالْأَحْمَقُ من
____________________
(3/327)
يَفْعَلُ الشَّيْءَ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ مع الْعِلْمِ بِقُبْحِهِ كما جَزَمَ بِهِ الْأَصْلُ في كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ هُنَا عن صَاحِبَيْ الْمُهَذَّبِ وَالتَّهْذِيبِ وَقِيلَ من نَقَصَتْ مَرْتَبَةُ أُمُورِهِ وَأَحْوَالِهِ عن مَرَاتِبِ أَمْثَالِهِ نَقْصًا بَيِّنًا بِلَا مَرَضٍ وَلَا سَبَبٍ وَقِيلَ من يَعْمَلُ ما يَضُرُّهُ مع عِلْمِهِ بِقُبْحِهِ وَقِيلَ من يَضَعُ كَلَامَهُ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَيَأْتِي بِالْحَسَنِ في مَوْضِعِ الْقَبِيحِ وَعَكْسِهِ وَقِيلَ من لَا يَنْتَفِعُ بِعَقْلِهِ والجهوذوري من قام بِهِ الذِّلَّةُ وَالْخَسَاسَةُ وَقِيلَ من قام بِهِ صُفْرَةُ الْوَجْهِ وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ من زِيَادَتِهِ وَرَجَّحَ شَيْخُنَا أبو عبد اللَّهِ الْحِجَازِيُّ الثَّانِي فَإِنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِهِ لم تَطْلُقْ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُوصَفُ بهذا قال في الْأَصْلِ قال في الْوَسِيطِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَإِنْ قَصَدَتْ الْمُكَافَأَةَ طَلُقَتْ حَالًا والجهوذوري مَكْتُوبٌ في الْأَصْلِ بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ على الْوَاوِ
فَصْلٌ فِيمَا يَجْرِي بين الزَّوْجَيْنِ بِالْمُخَاصَمَةِ أَيْ فيها وَإِنْ قالت له يا خَسِيسُ أو يا سَفِيهُ فقال إنْ كُنْت كَذَلِكَ فَأَنْت طَالِقٌ إنْ قَصَدَ الْمُكَافَأَةَ لها بِإِسْمَاعِ ما تَكْرَهُ من الطَّلَاقِ كما غَاظَتْهُ بِالشَّتْمِ طَلُقَتْ حَالًا وَإِنْ لم يَكُنْ خَسِيسًا وَلَا سَفِيهًا لِأَنَّ الْغَيْظَ بِالطَّلَاقِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَالتَّقْدِيرُ تَزْعُمِينَ أَنِّي كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ إذَنْ وَإِلَّا بِأَنْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ أو أَطْلَقَ فَتَعْلِيقٌ فَيُعْتَبَرُ الشَّرْطُ الْمُعَلَّقُ عليه أَيْ وُجُودُهُ عَمَلًا بِمُقْتَضَاهُ فَإِنْ عَمَّ الْعُرْفُ بِالْمُكَافَأَةِ وَضُبِطَ قُدِّمَ على الْوَضْعِ على ما قَدَّمَتْهُ فَإِنْ شَكَّ في وُجُودِ الشَّرْطِ لم تَطْلُقْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ أو قالت له كَمْ تُحَرِّكُ لِحْيَتَك فَقَدْ رَأَيْت مِثْلَ لِحْيَتِك كَثِيرًا فقال إنْ كُنْت رَأَيْت مِثْلَهَا كَثِيرًا فَأَنْت طَالِقٌ
فَهَذِهِ اللَّفْظَةُ في مِثْلِ هذا الْمَقَامِ كِنَايَةٌ عن الرُّجُولِيَّةِ أو الْفُتُوَّةِ أو نَحْوِهِمَا فَإِنْ قَصَدَ بها الْمُغَايَظَةَ وَالْمُكَافَأَةَ أو الرُّجُولِيَّةَ وَالْفُتُوَّةَ طَلُقَتْ أو الْمُشَاكَلَةَ في الصُّورَةِ فَلَا تَطْلُقُ إلَّا إنْ كانت رَأَتْ مِثْلَهَا كَثِيرًا وَلَفْظَةُ كَثِيرًا في كَلَامِ أَصْلِهِ وَهِيَ مِثَالٌ وَلِذَلِكَ حَذَفَهَا الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُهُ أو الرُّجُولِيَّةَ وَالْفُتُوَّةَ من تَصَرُّفِهِ وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ أَنَّهُ كَالْمُشَاكَلَةِ وَعِبَارَتُهُ فَإِنْ حَمَلَ اللَّفْظَ على الْمُكَافَأَةِ طَلُقَتْ وَإِلَّا فَلَا
فَرْعٌ لو قِيلَ لِزَانٍ زَنَيْت فقال من زَنَى فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ لم تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ إذْ قَصْدُهُ ذَمُّ الزَّانِي لَا إيقَاعُ الطَّلَاقِ وَإِنْ قال لِامْرَأَتِهِ زَنَيْت مَثَلًا فَكَذَّبَتْهُ فقال إنْ كُنْت زَنَيْت فَأَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ حَالًا بِإِقْرَارِهِ السَّابِقِ
فَصْلٌ لو قال إنْ خَالَفْت أَمْرِي فَأَنْت طَالِقٌ فَخَالَفَتْ نَهْيَهُ كَأَنْ قال لها لَا تَقُومِي فَقَامَتْ لم تَطْلُقْ لِأَنَّهَا خَالَفَتْ نَهْيَهُ دُونَ أَمْرِهِ قال في الْأَصْلِ وَفِيهِ نَظَرٌ بِسَبَبِ الْعُرْفِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ بِأَنْ قال لها إنْ خَالَفْت نَهْيِي فَأَنْت طَالِقٌ فَخَالَفَتْ أَمْرَهُ كَأَنْ قال لها قُومِي فَقَعَدَتْ فَتَطْلُقُ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عن ضِدِّهِ قال في الْأَصْلِ وَهَذَا فَاسِدٌ إذْ ليس الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيًا عن ضِدِّهِ فِيمَا يَخْتَارُهُ وَإِنْ كان فَالْيَمِينُ لَا يُبْنَى عليه بَلْ على اللُّغَةِ أو الْعُرْفِ
وَإِنْ عَلَّقَهُ بِمُضِيِّ حِينٍ أو زَمَانٍ كَأَنْ قال أَنْت طَالِقٌ بِمُضِيِّ أو بَعْدَ أو إلَى حِينٍ أو زَمَانٍ طَلُقَتْ بِمُضِيِّ لَحْظَةٍ لِوُقُوعِهِ عليها كما يَقَعُ على ما فَوْقَهَا وَيُفَارِقُ ما ذَكَرُوهُ في الْأَيْمَانِ فِيمَا لو قال لَأَقْضِيَنَّ حَقَّك إلَى حِينٍ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ بِمُضِيِّ لَحْظَةٍ لِلشَّكِّ في الْمُرَادِ بِأَنَّ الطَّلَاقَ إنْشَاءٌ وَلَأَقْضِيَنَّك وَعْدٌ فَيَرْجِعُ فيه إلَيْهِ وَكَذَا تَطْلُقُ بِمُضِيِّ لَحْظَةٍ إنْ عَلَّقَهُ بِمُضِيِّ حُقُبٍ أو عَصْرٍ أو دَهْرٍ كَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَفِيهِ نَظَرٌ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وهو بَعِيدٌ لَا وَجْهَ له أَيْ لِمُنَافَاتِهِ تَفَاسِيرَهَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ فَفَسَّرَ الْإِمَامُ الْعَصْرَ بِأَنَّهُ زَمَنٌ طَوِيلٌ يَحْوِي أُمَمًا وَيَنْقَرِضُ بِانْقِرَاضِهِمْ وفي مَعْنَاهُ الْحُقُبُ وَالدَّهْرُ وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ الْحُقُبَ الْمُلْحَقَ بِهِ الْآخَرَانِ بِثَمَانِينَ سَنَةً وَبَعْضُهُمْ بِثَلَاثِينَ سَنَةً وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا نَظَرَ وَلَا بُعْدَ فَقَدْ فَسَّرَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ الْحِقَبَ وَالْعَصْرَ بِالدَّهْرِ وَالدَّهْرَ بِالزَّمَنِ وَأَمَّا الْحُقُبُ بِضَمِّ الْقَافِ فَهُوَ ثَمَانُونَ سَنَةً وَلَيْسَ الْكَلَامُ فيه وَوَقَعَ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ما يُخَالِفُ كَلَامَ الْجَوْهَرِيِّ وَعَلَى ما فَسَّرَ بِهِ الْإِمَامُ لَا تَطْلُقُ أَصْلًا كما لو قال أَنْت طَالِقٌ بَعْدَ مَوْتِي وَعَلَى ما فَسَّرَ بِهِ الْبَعْضُ تَطْلُقُ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَعَلَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ لو قال الْحَالِفُ أَرَدْت ما فَسَّرَ بِهِ الْإِمَامُ أو
____________________
(3/328)
الْمُبَعَّضَ وَلَا أَعْرِفُ غَيْرَهُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ منه ظَاهِرًا وهو بَعِيدٌ وَيَنْبَغِي قَبُولُهُ إنْ احْتَفَّ بِقَرَائِنَ تُصَدِّقُهُ
أو عَلَّقَهُ بِالضَّرْبِ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِضَرْبِهِ حَيًّا لَا مَيِّتًا لِأَنَّهُ ليس في مَظِنَّةِ الْإِيلَامِ بِالسَّوْطِ وَبِالْوَكْزِ أَيْ الضَّرْبُ وَالدَّفْعُ وَيُقَالُ الضَّرْبُ بِجَمْعِ الْيَدِ على الذَّقَنِ وَاللَّكْزُ أَيْ الضَّرْبُ بِجَمْعِ الْيَدِ على الصَّدْرِ هذا إنْ آلَمَ الْمَضْرُوبَ وَلَوْ مع حَائِلٍ بِخِلَافِ ما إذَا لم يُؤْلِمْ قال في الْمُهِمَّاتِ وَهَذَا غَلَطٌ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي في الْأَيْمَانِ من تَصْحِيحِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِيلَامِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ يُقَالُ ضَرَبَهُ فلم يُؤْلِمْهُ لَا الْعَضُّ وَقَطْعُ الشَّعْرِ فَلَا يَحْصُلُ الضَّرْبُ بِهِمَا فَلَا يَقَعُ بِهِمَا الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عليه أو عَلَّقَهُ بِالْقَذْفِ أو اللَّمْسِ الْأَنْسَبُ بِمَا بَعْدَهُ الْمَسُّ كما عَبَّرَ بِهِ أَصْلُهُ طَلُقَتْ بِقَذْفِ الْمَيِّتِ وَمَسِّ بَشَرٍ لِصِدْقِ الِاسْمِ فيه كما في الْحَيِّ وَلِهَذَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَيُنْتَقَضُ وُضُوءُ مَاسِّهِ وَخَرَجَ بِالْبَشَرَةِ مَسُّهُ بِحَائِلٍ وَمَسُّ شَعْرِهِ وَظُفُرِهِ وَسِنِّهِ
أو عَلَّقَهُ بِقُدُومِ أَيْ بِقُدُومِ شَخْصٍ فَقَدِمَ بِهِ مَيِّتًا لم تَطْلُقْ وَكَذَا حَيًّا مَحْمُولًا بِلَا إذْنٍ منه وَإِنْ كان زَمِنًا وَمُخْتَارًا لِأَنَّهُ لم يَقْدَمْ بِخِلَافِ ما لو أَذِنَ له في الْحَمْلِ فَتَطْلُقُ كما لو قَدِمَ رَاكِبًا وَتَعْبِيرُهُ بِالْإِذْنِ أَوْلَى من تَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ بِالِاخْتِيَارِ وَإِنْ عَلَّقَ بِالْقَذْفِ أو الْقَتْلِ بِالْمَسْجِدِ بِأَنْ قال إنْ قَذَفْت فُلَانًا في الْمَسْجِدِ أو قَتَلْته فيه فَأَنْت طَالِقٌ اشْتَرَطَ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ كَوْنَ الْقَاذِفِ أو الْمَقْتُولِ فيه إذْ قَرِينَةُ الْحَالِ تُشْعِرُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِامْتِنَاعُ عَمَّا يَهْتِكُ حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ وَهَتْكُهَا بِالْقَذْفِ إنَّمَا يَحْصُلُ إذَا كان الْقَاذِفُ فيه وَبِالْقَتْلِ إذَا كان الْمَقْتُولُ فيه وَإِنْ كان الْمَقْذُوفُ أو الْقَاتِلُ خَارِجَهُ فَلَوْ أَرَادَ الْعَكْسَ أَيْ كَوْنَ الْمَقْذُوفِ في الْمَسْجِدِ أو الْقَاتِلِ فيه صُدِّقَ بِيَمَنِيِّهِ ظَاهِرًا لِصَلَاحِيَّةِ اللَّفْظِ له أو عَلَّقَهُ بِهِمَا أَيْ بِالْقَذْفِ وَالْقَتْلِ أَيْ بِكُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنْ قال إنْ قَذَفْت أو قَتَلْت فُلَانًا في الدَّارِ اُعْتُبِرَتْ نِيَّتُهُ إذْ لَا قَرِينَةَ فَإِنْ لم يَكُنْ له نِيَّةٌ فَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُ كَوْنِهِمَا في الدَّارِ
أو عَلَّقَهُ بِرُؤْيَتِهَا زَيْدًا فَرَأَتْ وَلَوْ شيئا من بَدَنِهِ وَلَوْ غير وَجْهِهِ حَيًّا وَمَيِّتًا أَيْ أو مَيِّتًا وَلَوْ رَأَتْهُ وَهِيَ سَكْرَى أو وهو سَكْرَانُ وَلَوْ كان الْمَرْئِيُّ في مَاءٍ صَافٍ أو زُجَاجٍ شَفَّافٍ لَا خَيَالَهُ فِيهِمَا طَلُقَتْ لِوُجُودِ الْوَصْفِ وَالْمَاءُ وَالزُّجَاجُ الْمَذْكُورَانِ بين الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ كَإِجْرَاءِ الْهَوَاءِ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ ما إذَا رَأَتْ خَيَالَهُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ على ذلك اسْمُ الرُّؤْيَةِ الْمُطْلَقَةِ وَعُلِمَ مِمَّا قَالَهُ أنها لَا تَطْلُقُ بِرُؤْيَتِهَا له نَائِمَةً أو مَسْتُورًا بِثَوْبٍ أو مَاءٍ كَدِرٍ أو زُجَاجٍ كَثِيفٍ أو نَحْوِهِ أو بِرُؤْيَتِهَا خَيَالَهُ في الْمِرْآةِ كَذَلِكَ نعم لو عَلَّقَ بِرُؤْيَتِهَا وَجْهَهَا فَرَأَتْهُ في الْمِرْآةِ طَلُقَتْ إذْ لَا يُمْكِنُهَا رُؤْيَتُهُ إلَّا كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي في فَتَاوِيهِ فِيمَا لو عَلَّقَ بِرُؤْيَتِهِ وَجْهَهُ وَيُعْتَبَرُ مع ما ذُكِرَ صِدْقُ رُؤْيَتِهِ كُلِّهِ عُرْفًا فَقَدْ قال الْمُتَوَلِّي بَعْدَ ذِكْرِهِ ما مَرَّ أَمَّا لو أَخْرَجَ يَدَهُ أو رِجْلَهُ من كُوَّةٍ فَرَأَتْ ذلك الْعُضْوَ منه فَلَا تَطْلُقُ لِأَنَّ الِاسْمَ لَا يَصْدُقُ عليه فَإِنْ كانت كَمْهَاءَ أَيْ وُلِدَتْ عَمْيَاءَ فَتَعَلَّقَ بِمُسْتَحِيلٍ فَلَا تَطْلُقُ وَعَدَلَ عن تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِعَمْيَاءَ إلَى كَمْهَاءَ لِقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ إنَّهُ يَتَعَيَّنُ اخْتِصَاصُهُ بِالْكَمْهَاءِ وَإِلَّا فَالْبُرْءُ بِالْعِلَاجِ يُمْكِنُ
قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَا يَقْتَصِرُ ذلك على الْكَمْهَاءِ بَلْ من أَيِسَ من بُرْئِهَا عَادَةً كَمَنْ تَرَاكَمَ على عَيْنِهَا الْبَيَاضُ أو غَارَتَا كَالْكَمْهَاءِ
أو عَلَّقَهُ بِرُؤْيَتِهَا الْهِلَالَ حُمِلَ على الْعِلْمِ وَلَوْ بِرُؤْيَةِ غَيْرِهَا له أو بِتَمَامِ الْعَدَدِ فَتَطْلُقُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَحْمِلُ ذلك على الْعِلْمِ وَعَلَيْهِ حُمِلَ خَبَرُ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ بِخِلَافِ رُؤْيَةِ زَيْدٍ مَثَلًا فَقَدْ يَكُونُ الْغَرَضُ زَجْرَهَا عن رُؤْيَتِهِ وَعَلَى اعْتِبَارِ الْعِلْمِ يُشْتَرَطُ الثُّبُوتُ عِنْدَ الْحَاكِمِ كما في الْخَبَرِ السَّابِقِ أو تَصْدِيقُ الزَّوْجِ نَبَّهَ عليه ابن الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ أخبره بِهِ صَبِيٌّ أو عَبْدٌ أو امْرَأَةٌ أو فَاسِقٌ فَصَدَّقَهُ فَالظَّاهِرُ مُؤَاخَذَتُهُ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَلَوْ وفي نُسْخَةٍ فَلَوْ قال أَرَدْت بِالرُّؤْيَةِ الْمُعَايَنَةَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لَا في التَّعْلِيقِ بِرُؤْيَةِ الْعُمْيَانِ فَلَا يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ لَكِنْ
____________________
(3/329)
يُدَيَّنُ قال الرَّافِعِيُّ وَيَجِيءُ على قِيَاسِ ما ذَكَرنَا فِيمَا إذَا قال لِلْعَمْيَاءِ إنْ رَأَيْت فُلَانًا فَأَنْت طَالِقٌ أَنْ يُسَوِّيَ بين الْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ في قَبُولِ التَّفْسِيرِ بِالْمُعَايَنَةِ أَيْ حتى يَكُونَ من بَابِ التَّعْلِيقِ بِالْمُسْتَحِيلِ قال وَبِالْقَبُولِ أَجَابَ الْحَنَّاطِيُّ قال الْإِمَامُ وَسَوَاءٌ فِيمَا ذُكِرَ عَلَّقَ بِالْعَرَبِيَّةِ أَمْ بِالْعَجَمِيَّةِ وَتَبِعَ ابْنَ الرِّفْعَةِ وقال الْقَفَّالُ إنْ عَلَّقَ بِالْعَجَمِيَّةِ حُمِلَ على الْمُعَايَنَةِ سَوَاءٌ فيه الْبَصِيرُ وَالْأَعْمَى لِأَنَّ الْعُرْفَ الْمَذْكُورَ لم يَثْبُتْ إلَّا في الْعَرَبِيَّةِ وَبِمَا قَالَهُ جَزَمَ الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْخُوَارِزْمِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَحَكَى الْأَصْلُ الْمَقَالَتَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ فَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَجَمِيَّ إذْ لم يَعْرِفْ إلَّا ذلك فَالرَّاجِحُ الْفَرْقُ وَإِنْ كان يَعْرِفُ منه ما يَعْرِفُهُ الْعَرَبِيُّ فَيَتَّجِهُ عَدَمُ الْفَرْقِ وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ أَيْ يَمِينُ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ إذَا صَرَّحَ فيها بِالْمُعَايَنَةِ أو فَسَّرَ بها وَقَبِلْنَاهُ بِمُضِيِّ ثَلَاثٍ من اللَّيَالِي ولم تَرَ فيها الْهِلَالَ من أَوَّلِ شَهْرٍ نَسْتَقْبِلُهُ فَلَا أَثَرَ لِرُؤْيَتِهِ في غَيْرِ هذا الشَّهْرِ وَلَا لِرُؤْيَتِهِ فيه بَعْدَ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى حِينَئِذٍ هِلَالًا
فَصْلٌ لو عَلَّقَ بِتَكْلِيمِهَا زَيْدًا فَكَلَّمَتْهُ وهو مَجْنُونٌ أو سَكْرَانُ سُكْرًا يَسْمَعُ معه وَيَتَكَلَّمُ وَكَذَا إنْ كَلَّمَتْهُ وَهِيَ سَكْرَى لَا السُّكْرُ الطَّافِحُ طَلُقَتْ لِوُجُودِ الصِّفَةِ مِمَّنْ يُكَلِّمُ غَيْرَهُ وَيَتَكَلَّمُ هو عَادَةً بِخِلَافِ ما إذَا لم يَسْمَعْ السَّكْرَانُ ولم يَتَكَلَّمْ وَبِخِلَافِ ما إذَا انْتَهَتْ السَّكْرَى إلَى السُّكْرِ الطَّافِحِ قال في الْمُهِمَّاتِ وهو إنَّمَا يَأْتِي إذَا جَعَلْنَا لِلسَّكْرَانِ ثَلَاثَ مَرَاتِبَ وَخَالَفْنَا بَيْنَهُمَا في الْحُكْمِ على ما قَالَهُ الْإِمَامُ وقد اخْتَلَفَ في ذلك كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَالْمَشْهُورُ خِلَافُ ما هُنَا من أَنَّ الطَّافِحَ كَغَيْرِهِ انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عليه هُنَا التَّكْلِيمُ وهو لَا يَصْلُحُ مِمَّنْ ذُكِرَ عَادَةً فَعَلَيْهِ لو عَلَّقَ بِتَكْلِيمِهِ غَيْرَهُ ثُمَّ طَفَحَ عليه السُّكْرُ فَكَلَّمَ الْغَيْرَ لم يَحْنَثْ ثُمَّ رَأَيْت الْبُلْقِينِيَّ أَجَابَ بِذَلِكَ لَا إنْ كَلَّمَتْهُ في نَوْمٍ وَإِغْمَاءٍ منه أو منها فَلَا تَطْلُقُ لِأَنَّ ذلك لَا يُعَدُّ تَكْلِيمًا عُرْفًا وَلَا إنْ كَلَّمَتْهُ في جُنُونِهَا كما لو كَلَّمَتْهُ نَاسِيَةً أو مُكْرَهَةً نعم إنْ عَلَّقَ بِمَا ذُكِرَ وَهِيَ مَجْنُونَةٌ طَلُقَتْ بِذَلِكَ قَالَهُ الْقَاضِي وَلَا إنْ كَلَّمَتْهُ بِهَمْسٍ وهو خَفْضُ الصَّوْتِ بِالْكَلَامِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ الْمُخَاطَبُ وَلَا نِدَاءٍ من حَيْثُ أَيْ من مَكَان لَا يُسْمَعُ منه وَإِنْ فَهِمَهُ بِقَرِينَةٍ أو حَمَلَتْهُ رِيحٌ إلَيْهِ وَسَمِعَ لِأَنَّ ذلك لَا يُسَمَّى كَلَامًا عَادَةً فَإِنْ كَلَّمَتْهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ لَكِنَّهُ لم يَسْمَعْ لِذُهُولٍ منه أو لِشُغْلٍ أو لَغَطٍ وَلَوْ كان لَا يُفِيدُ معه الْإِصْغَاءُ طَلُقَتْ لِأَنَّهَا كَلَّمَتْهُ وَعَدَمُ السَّمَاعِ لِعَارِضٍ وَقِيلَ لَا تَطْلُقُ في مَسْأَلَةِ اللَّغَطِ وَالتَّرْجِيحُ فيها من زِيَادَتِهِ وَجَرَى عليه الرُّويَانِيُّ وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ أو لم يَسْمَعْ لِصَمَمٍ لم تَطْلُقْ لِأَنَّهَا لم تُكَلِّمْهُ عَادَةً وَقِيلَ تَطْلُقُ لِمَا مَرَّ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ في تَصْحِيحِهِ لَكِنَّ الثَّانِي هو ما صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَجَزَمَ بِهِ الْأَصْلُ في كِتَابِ الْجُمُعَةِ وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي ثَمَّ عن النَّصِّ قال الزَّرْكَشِيُّ بَعْدَ كَلَامٍ فَظَهَرَ أَنَّ الْمَنْصُوصَ الذي عليه الْجُمْهُورُ الْوُقُوعُ فَتَتَعَيَّنُ الْفَتْوَى بِهِ انْتَهَى فَيُوَافِقُ ما قَبْلَهُ في الذُّهُولِ وَنَحْوِهِ هذا وَالْأَوْجَهُ حَمْلُ الْأَوَّلِ على من لم يَسْمَعْ وَلَوْ مع رَفْعِ الصَّوْتِ وَالثَّانِي على من يَسْمَعُ مع رَفْعِهِ وَالتَّعْلِيقُ بِتَكْلِيمِهَا نَائِمًا بِأَنْ قال إنْ كَلَّمْت نَائِمًا أو غَائِبًا عن الْبَلَدِ مَثَلًا تَعْلِيقٌ بِمُسْتَحِيلٍ فَلَا تَطْلُقُ كما لو قال إنْ كَلَّمْت مَيِّتًا أو جَمَادًا
فَصْلٌ مَتَى عَلَّقَهُ بِفِعْلِهِ شيئا فَفَعَلَهُ نَاسِيًا لِلتَّعْلِيقِ أو ذَاكِرًا له مُكْرَهًا على الْفِعْلِ أو مُخْتَارًا جَاهِلًا بِأَنَّهُ الْمُعَلَّقُ عليه لم تَطْلُقْ لِخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ أَنَّ اللَّهَ وَضَعَ عن أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وما اُسْتُكْرِهُوا عليه أَيْ لَا يُؤَاخِذُهُمْ بها ما لم يَدُلَّ دَلِيلٌ على خِلَافِهِ كَضَمَانِ الْمُتْلَفِ فَالْفِعْلُ مَعَهَا كَلَا فِعْلٍ هذا إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلٍ مُسْتَقْبَلٍ أو حَلَفَ بِاَللَّهِ عليه أَمَّا لو حَلَفَ على نَفْيِ شَيْءٍ وَقَعَ جَاهِلًا بِهِ أو نَاسِيًا له كما لو حَلَفَ أَنَّ زَيْدًا ليس في الدَّارِ وكان فيها ولم يَعْلَمْ بِهِ أو عَلِمَ وَنَسِيَ
فَإِنْ قَصَدَ بِحَلِفِهِ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ في ظَنِّهِ أو فِيمَا انْتَهَى إلَيْهِ عِلْمُهُ أَيْ لم يَعْلَمْ خِلَافَهُ ولم يَقْصِدْ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ في الْحَقِيقَةِ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ على مُعْتَقَدِهِ وَإِنْ
____________________
(3/330)
قَصَدَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ في نَفْسِ الْأَمْرِ أو أَطْلَقَ فَفِي الْحِنْثِ قَوْلَانِ رَجَّحَ مِنْهُمَا ابن الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ الْحِنْثَ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ إذْ لَا حِنْثَ وَلَا مَنْعَ بَلْ تَحْقِيقٌ فَكَانَ عليه أَنْ يُثْبِتَ قبل الْحَلِفِ بِخِلَافِهِ في التَّعْلِيقِ بِالْمُسْتَقْبَلِ وَرَجَّحَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَخْذًا من كَلَامِ الْأَصْلِ عَدَمَ الْحِنْثِ وهو الْأَوْجَهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ في فَصْلِ قال إنْ ابْتَلَعْت وَكَذَا لَا تَطْلُقُ إنْ عَلَّقَ بِفِعْلِ غَيْرٍ من زَوْجَةٍ أو غَيْرِهَا وقد قَصَدَ بِذَلِكَ مَنْعَهُ أو حَثَّهُ وهو مِمَّنْ يُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ فَلَا يُخَالِفُهُ فيه لِصَدَاقَةٍ أو نَحْوِهَا وَعُلِمَ بِالتَّعْلِيقِ فَفَعَلَهُ الْغَيْرُ نَاسِيًا أو جَاهِلًا أو مُكْرَهًا وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَقْصِدْ مَنْعَهُ أو حَثَّهُ أو كان مِمَّنْ لَا يُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ كَالسُّلْطَانِ وَالْحَجِيجِ أو لم يَعْلَمْ بِهِ فَفَعَلَهُ كَذَلِكَ طَلُقَتْ لِأَنَّ الْغَرَضَ حِينَئِذٍ مُجَرَّدُ التَّعْلِيقِ بِالْفِعْلِ من غَيْرِ قَصْدِ مَنْعٍ أو حَثٍّ لَكِنْ يُسْتَثْنَى من كَلَامِهِ كَالْمِنْهَاجِ ما إذَا قَصَدَ مع ما ذُكِرَ فِيمَنْ يُبَالِي بِهِ إعْلَامَهُ بِهِ ولم يَعْلَمْ بِهِ فَلَا تَطْلُقُ كما أَفْهَمَهُ كَلَامُ أَصْلِهِ وَجَرَى هو عليه في شَرْحِ الْإِرْشَادِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَعَزَاهُ الزَّرْكَشِيُّ لِلْجُمْهُورِ وَلَوْ عَلَّقَ بِفِعْلِهِ نَاسِيًا فَفَعَلَ نَاسِيًا طَلُقَتْ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ وقد ضَيَّقَ على نَفْسِهِ بِخِلَافِ ما لو حَلَفَ لَا يَنْسَى فَنَسِيَ فإنه لم يَنْسَ بَلْ نَسِيَ أو بِدُخُولِ بَهِيمَةٍ وَنَحْوِهَا كَطِفْلٍ فَدَخَلَتْ لَا مُكْرَهَةً طَلُقَتْ بِخِلَافِ ما إذَا دَخَلَتْ مُكْرَهَةً لَا تَطْلُقُ وَاسْتُشْكِلَ بِمَا مَرَّ من وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيمَا إذَا لم يَعْلَمْ الْمُعَلَّقَ بِفِعْلِهِ التَّعْلِيقَ وكان مِمَّنْ لَا يُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ أو مِمَّنْ يُبَالِي ولم يَقْصِدْ الزَّوْجُ إعْلَامَهُ وَدَخَلَ مُكْرَهًا وَيُجَابُ بِأَنَّ الْآدَمِيَّ فِعْلُهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَإِنْ أتى بِهِ مُكْرَهًا وَلِهَذَا يَضْمَنُ بِهِ بِخِلَافِ فِعْلِ الْبَهِيمَةِ فَكَأَنَّهَا حين الْإِكْرَاهِ لم تَفْعَلْ شيئا
فَصْلٌ لو قال لِأَرْبَعٍ تَحْتَهُ إنْ لم أَطَأْ الْيَوْمَ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ فَصَوَاحِبُهَا طَوَالِقُ فَوَطِئَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ في ذلك الْيَوْمِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَطَأْ طَلُقْنَ طَلْقَةً طَلْقَةً لَا يُقَالُ هَلَّا طَلُقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا كما في الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ بِجَامِعِ الْعُمُومِ وهو هُنَا مَوْجُودٌ بِوُقُوعِ النَّكِرَةِ بَعْدَ النَّفْيِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا وَقَعَتْ بَعْدَ النَّفْيِ صُورَةً لَا مَعْنًى إذْ الْمَعْنَى إنْ تَرَكْتُ وَطْءَ وَاحِدَةٍ أو قال أَيَّتُكُنَّ لم أَطَأْهَا الْيَوْمَ فَصَوَاحِبُهَا طَوَالِقُ فَإِنْ لم يَطَأْ فيه طَلُقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُنَّ ثَلَاثَ صَوَاحِبَ لم يَطَأْهُنَّ وَإِنْ وَطِئَ وَاحِدَةً فَقَطْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا لِأَنَّ لها ثَلَاثَ صَوَاحِبَ لم يَطَأْهُنَّ وطلقت الْبَاقِيَاتُ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُنَّ صَاحِبَتَيْنِ لم يَطَأْهُمَا أو وَطِئَ اثْنَتَيْنِ فَقَطْ طَلُقَتَا طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا صَاحِبَتَيْنِ لم يَطَأْهُمَا وطلقت الْأُخْرَيَانِ طَلْقَةً طَلْقَةً لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا صَاحِبَةً لم يَطَأْهَا أو وَطِئَ ثَلَاثًا فَقَطْ فَطَلْقَةً طَلْقَةً تَطْلُقْنَ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُنَّ صَاحِبَةً لم يَطَأْهَا ولم تَطْلُقْ الرَّابِعَةُ إذْ ليس لها صَاحِبَةٌ غَيْرُ مَوْطُوءَةٍ فَإِنْ لم يذكر الْيَوْمَ في تَعْلِيقِهِ ولم يَطَأْ قبل مَوْتِهِ وَقَعَ الثَّلَاثُ قُبَيْلَ مَوْتِهِ أو مَوْتِهِنَّ وَبِمَوْتِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ قبل الْوَطْءِ وهو حَيٌّ لم تَطْلُقْ لِأَنَّهُ قد يَطَأُ الْبَاقِيَاتِ وَطَلَّقَ صَوَاحِبَهَا طَلْقَةً طَلْقَةً لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُنَّ صَاحِبَةً لم يَطَأْهَا فَإِنْ مَاتَتْ الثَّانِيَةُ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ ثَانِيَةً قبل الْوَطْءِ تَبَيَّنَّا وُقُوعَ طَلْقَةٍ على الْمَيِّتَةِ قُبَيْلَ مَوْتِهَا ووقع على كُلٍّ من الْبَاقِيَتَيْنِ طَلْقَةٌ أُخْرَى إنْ بَقِيَتْ الْعِدَّةُ وَإِلَّا فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِنَّ شَيْءٌ فَإِنْ مَاتَتْ ثَالِثَةٌ قبل الْوَطْءِ فَطَلْقَتَانِ يَتَبَيَّنُ وُقُوعُهُمَا على الْأُولَيَيْنِ قبل مَوْتِهِمَا وَطَلُقَتْ الْبَاقِيَةُ طَلْقَةً ثَالِثَةً إنْ بَقِيَتْ الْعِدَّةُ فَإِنْ مَاتَتْ الرَّابِعَةُ قبل الْوَطْءِ تَبَيَّنَّا وُقُوعَ الثَّلَاثِ على الْكُلِّ هذا إنْ لم يَطَأْ في الْحَالَاتِ كُلِّهَا كما تَقَرَّرَ فَإِنْ وَطِئَ كُلًّا مِنْهُنَّ قبل مَوْتِهَا لم تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ وَإِنْ وَطِئَ بَعْضَهُنَّ فَقَطْ فَلَا يَخْفَى حُكْمُهُ مِمَّا مَرَّ فِيمَا إذَا قَيَّدَ بِالْيَوْمِ
فَصْلٌ لو عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِسَرِقَتِهَا منه فَخَانَتْهُ في وَدِيعَةٍ لم تَطْلُقْ لِأَنَّهُ خِيَانَةٌ لَا سَرِقَةٌ
وَإِنْ قال لها إنْ كَلَّمْتُك فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ أَعَادَهُ طَلُقَتْ لِأَنَّهُ كَلَّمَهَا بِالْإِعَادَةِ وَكَذَا تَطْلُقُ بِقَوْلِهِ فَاعْلَمِي فِيمَا لو قال لها إنْ كَلَّمْتُك فَأَنْت طَالِقٌ فَاعْلَمِي وإذا قال لها إذَا بَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَأَنْت طَالِقٌ فقالت إذَا بَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَكَلَّمَهَا ثُمَّ كَلَّمَتْهُ لم يَقَعْ طَلَاقٌ وَلَا عِتْقٌ وَانْحَلَّتْ يَمِينُ كُلٍّ مِنْهُمَا لِأَنَّ يَمِينَهُ انْحَلَّتْ بِيَمِينِهَا وَيَمِينُهَا انْحَلَّتْ بِكَلَامِهِ أَوَّلًا فَلَوْ كَلَّمَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بَعْدُ لم يَقَعْ عليه شَيْءٌ
وَكَذَا لَا يَقَعَانِ وَتَنْحَلُّ يَمِينَاهُمَا لو قال كُلٌّ مِنْهُمَا إنْ بَدَأْتُك بِالسَّلَامِ إلَى آخِرِ ما مَرَّ فَسَلَّمَا مَعًا لِعَدَمِ ابْتِدَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا يُشْكِلُ بِمَا مَرَّ في الْبِشَارَةِ لِأَنَّهَا الْمُعَلَّقُ عليها وَهِيَ مِنْهُمَا مَعًا أَوَّلٌ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهَا وَالْمُعَلَّقُ عليه هُنَا ابْتِدَاءُ سَلَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا على الْآخَرِ ولم يُوجَدْ
وَإِنْ
____________________
(3/331)
قال الْمَدِينُ لِلدَّائِنِ إنْ أَخَذْت ما لك عَلَيَّ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَأَخَذَهُ منه أو من وَكِيلِهِ أو بِتَلَصُّصٍ أو انْتَزَعَهُ منه مُكْرَهًا وكان الْمَالُ مُعَيَّنًا في الْجَمِيعِ أو دَيْنًا وَرَضِيَ الْمَدِينُ في الْأُولَيَيْنِ أو امْتَنَعَ من الْإِعْطَاءِ في الْأَخِيرَةِ كما ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ في بَسِيطِهِ وَمِثْلُهَا الثَّالِثَةُ طَلُقَتْ لِوُجُودِ الْوَصْفِ لَا إنْ أُكْرِهَ على الْأَخْذِ منه فَأَخَذَهُ منه فَلَا تَطْلُقُ نعم إنْ تَوَجَّهَ عليه أَخَذَهُ منه كما هو مُبَيَّنٌ في آخِرِ السَّلَمِ فَالظَّاهِرُ أنها تَطْلُقُ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ بِحَقٍّ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَلَوْ أَخَذَهُ منه بِغَيْرِ رِضَاهُ وَلَوْ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ السُّلْطَانُ وَأَعْطَاهُ لِلدَّائِنِ أو غَرِمَهُ أَجْنَبِيٌّ عن الْمَدِينِ لم تَطْلُقْ أَمَّا في الْأُولَى فَلِأَنَّهُ لم يَأْخُذْ حَقَّهُ على الْمَدِينِ أَمَّا عِنْدَ عَدَمِ امْتِنَاعِهِ فَكَمَا لو أَخَذَهُ منه حِينَئِذٍ غَيْرُ السُّلْطَانِ من الدَّائِنِ أو غَيْرِهِ لِأَنَّ ذلك غَصْبٌ لَا أَخْذُ حَقٍّ وَأَمَّا عِنْدَ امْتِنَاعِهِ فَلِأَنَّهُ بَرِئَ بِأَخْذِ السُّلْطَانِ فَلَا يَصِيرُ بِأَخْذِهِ من السُّلْطَانِ آخِذًا حَقَّهُ على الْمَدِينِ وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ أَخَذَ بَدَلَ حَقِّهِ لَا نَفْسَ حَقِّهِ فَإِنْ قال إنْ أَخَذْت مَالَك مِنِّي بَدَلَ إنْ أَخَذْت مَالَك عَلَيَّ لم تَطْلُقْ بِإِعْطَاءِ الْوَكِيلِ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ له وِلَايَةٌ لِأَنَّهُ لم يَأْخُذْ منه وَتَعْبِيرُهُ بِنَحْوِهِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالسُّلْطَانِ
وَإِنْ قال إنْ أَعْطَيْتُك حَقَّك فَامْرَأَتِي طَالِقٌ اُشْتُرِطَ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ اخْتِيَارُ الْمَدِينِ فَقَطْ أَيْ دُونَ اخْتِيَارِ الدَّائِنِ وَإِعْطَاؤُهُ بِنَفْسِهِ لَا إعْطَاءُ وَكِيلِهِ يَعْنِي لَا يَكْفِي إعْطَاءُ وَكِيلِهِ أو نَحْوِهِ إنْ غَابَ عنه الْمُوَكِّلُ كما قَيَّدَ بِهِ كَأَصْلِهِ في الْبَابِ الثَّالِثِ من الْخُلْعِ نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ
فَرْعٌ لو قال أَنْت طَالِقٌ مَرِيضَةً بِالنَّصْبِ لم تَطْلُقْ إلَّا حَالَ الْمَرَضِ لِأَنَّ الْحَالَ كَالظَّرْفِ لِلْفِعْلِ وَكَذَا لو لَحَنَ فَرَفَعَ مَرِيضَةً كَذَلِكَ وَقِيلَ تَطْلُقُ في الْحَالِ لِأَنَّ مَرِيضَةً صِفَةٌ لها لَا حَالٌ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وقد يُقَالُ الرَّفْعُ ليس بِلَحْنٍ وَالتَّقْدِيرُ وَأَنْتِ مَرِيضَةٌ فَالْجُمْلَةُ حَالٌ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الرِّفْعَةِ نَبَّهَ عليه وَكَالرَّفْعِ الْجَرُّ وَالسُّكُونُ
وَلَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِدُخُولِهِمَا أَيْ زَوْجَتَيْهِ الدَّارَيْنِ اُشْتُرِطَ لِوُقُوعِهِ دُخُولُ كُلٍّ مِنْهُمَا الدَّارَيْنِ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو قال لِوَاحِدَةٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَيْنِ فَأَنْت طَالِقٌ اُشْتُرِطَ أَنْ تَدْخُلَهُمَا فَلَوْ دَخَلَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا إحْدَى الدَّارَيْنِ لم تَطْلُقْ أو عَلَّقَهُ بِأَكْلِهِمَا لِرَغِيفَيْنِ فَأَكَلَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا رَغِيفًا وَالْمُرَادُ فَأَكَلَتَاهُمَا بِأَيِّ وَجْهٍ كان طَلُقَتَا لِأَنَّهُمَا أَكْلَتَاهُمَا وَلَا يُمْكِنُ أَكْلُ كُلٍّ وَاحِدَةٍ الرَّغِيفَيْنِ بِخِلَافِ دُخُولِهِمَا الدَّارَيْنِ وَإِنَّمَا حُمِلَ ذلك على أَكْلِهِمَا الرَّغِيفَيْنِ مع أَنَّ مُقْتَضَى اللَّفْظِ أَكْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا الرَّغِيفَيْنِ وهو مُسْتَحِيلٌ لِأَنَّ الْكُلِّيَّ الْإِفْرَادِيَّ إذَا تَعَذَّرَ حُمِلَ على الْمَجْمُوعِيِّ كَقَوْلِهِ إنْ دَفَنْتُمَا هذا الْمَيِّتَ
فَرْعٌ لو قال من مَالُهُ خَمْسُونَ وقد قِيلَ له أَنْت تَمْلِكُ أَكْثَرَ من مِائَةٍ إنْ كُنْت أَمْلِكُ أَكْثَرَ من مِائَةٍ فَأَنْت طَالِقٌ وَأَرَادَ أَنِّي لَا أَمْلِكُ زِيَادَةً على الْمِائَةِ لم تَطْلُقْ وَإِنْ وفي نُسْخَةٍ فَإِنْ أَرَادَ أَنِّي أَمْلِكُ مِائَةً بِلَا زِيَادَةٍ طَلُقَتْ وَإِنْ لم يُرِدْ شيئا أو قال إنْ كُنْت لَا أَمْلِكُ إلَّا مِائَةً لم تَطْلُقْ لِعَدَمِ وُجُودِ الْوَصْفِ وَذِكْرُ لَا في الثَّانِيَةِ مع التَّرْجِيحِ فيها من زِيَادَتِهِ وَعَلَى تَرْكِ لَا كما في الْأَصْلِ قال الْإِسْنَوِيُّ الْأَصَحُّ أنها تَطْلُقُ صَحَّحَهُ في الشَّامِلِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فيها عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَلَا بُدَّ منه
فَرْعٌ لو عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالْخُرُوجِ أَيْ بِخُرُوجِهَا إلَى غَيْرِ الْحَمَّامِ فَخَرَجَتْ إلَيْهِ ثُمَّ عَدَلَتْ لِغَيْرِهِ لم تَطْلُقْ لِأَنَّهَا لم تَخْرُجْ إلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ ما لو خَرَجَتْ لِغَيْرِهِ ثُمَّ عَدَلَتْ له وَلَوْ خَرَجَتْ لَهُمَا طَلُقَتْ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ لِغَيْرِ الْحَمَّامِ كما لو قال إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَكَلَّمَتْ زَيْدًا وَعَمْرًا هَكَذَا صَحَّحَهُ في الرَّوْضَةِ هُنَا وقال في الْمُهِمَّاتِ الْمَعْرُوفُ الْمَنْصُوصُ أنها لَا تَطْلُقُ وقد قال في الرَّوْضَةِ في الْأَيْمَانِ الصَّوَابُ الْجَزْمُ بِهِ وَعَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ من اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ الْخُرُوجُ
____________________
(3/332)
لِمَقْصُودِ أَجْنَبِيٍّ عن الْحَمَّامِ وَهُنَا الْحَمَّامُ مَقْصُودٌ بِالْخُرُوجِ انْتَهَى وقد يُقَالُ ما هُنَاكَ مَحْمُولٌ على ما إذَا قَصَدَ غير الْحَمَّامِ فَقَطْ وما هُنَا على ما إذَا لم يَقْصِدْ شيئا وَيُصَدَّقُ حِينَئِذٍ على الْخُرُوجِ لَهُمَا أَنَّهُ خُرُوجٌ لِغَيْرِ الْحَمَّامِ لِأَنَّ الْخُرُوجَ لَهُمَا خُرُوجٌ لِغَيْرِ الْحَمَّامِ
وَإِنْ نَشَزَتْ فَخَرَجَتْ إلَى دَارِ أَبِيهَا مَثَلًا فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَرُدُّهَا أَحَدٌ فَأَكْتَرَتْ بَهِيمَةً وَرَجَعَتْ إلَيْهِ مع الْمُكَارِي مَثَلًا لم تَطْلُقْ لِأَنَّهُ صَحِبَهَا ولم يَرُدَّهَا وَانْحَلَّتْ يَمِينُهُ فَلَوْ خَرَجَتْ فَرَدَّهَا الزَّوْجُ أو غَيْرُهُ لم تَطْلُقْ إذْ ليس في اللَّفْظِ ما يَقْتَضِي تَكْرَارًا
فَصْلٌ قَوْلُهُ الْمَرْأَةُ التي تَدْخُلُ الدَّارَ من نِسَائِي طَالِقٌ تَعْلِيقٌ وَإِنْ لم يَكُنْ فيه أَدَاةُ تَعْلِيقٍ فَلَا يَقَعُ طَلَاقٌ قبل الدُّخُولِ وقوله مُشِيرًا إلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ هذه التي تَدْخُلُ الدَّارَ طَالِقٌ تَنْجِيزٌ فَتَطْلُقُ في الْحَالِ وَإِنْ لم تَدْخُلْ وَإِنْ ادَّعَتْ عليه امْرَأَةٌ نِكَاحَهُ لها فَأَنْكَرَ لم تَطْلُقْ ولم تَنْكِحْ غَيْرَهُ عَمَلًا بِقَوْلِهَا بِخِلَافِ ما لو قال نَكَحْتهَا وأنا وَاجِدٌ طَوْلَ حُرَّةٍ يُحْكَمُ عليه بِطَلْقَةٍ لِأَنَّهُ ثَمَّ أَقَرَّ بِالنِّكَاحِ وَادَّعَى مُفْسِدًا وَهُنَا لم يُقِرَّ أَصْلًا كَذَا في الْأَصْلِ عن فَتَاوَى الْقَفَّالِ قال الْإِسْنَوِيُّ وهو خِلَافُ الصَّحِيحِ إذْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ فُرْقَةُ فَسْخٍ كما صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ آخِرَ الْبَابِ الثَّالِثِ من أَبْوَابِ النِّكَاحِ
وَقَوْلُهُ أَنْت طَالِقٌ لَا أَدْخُلُ هذه الدَّارَ تَعْلِيقٌ وَإِنْ لم يَكُنْ فيه أَدَاةُ تَعْلِيقٍ فَلَا تَطْلُقُ قبل الدُّخُولِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ وَإِنْ لم تَكُنْ لُغَةُ الزَّوْجِ بِلَا مِثْلَ إنْ وهو مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ في أَنْت طَالِقٌ لَا دَخَلْت الدَّارَ وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْمُضَارِعَ على أَصْلِ وَضْعِ التَّعْلِيقِ الذي لَا يَكُونُ إلَّا بِمُسْتَقْبَلٍ فَكَانَ ذلك تَعْلِيقًا مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْمَاضِي
وَإِنْ قال حَلَفْت بِطَلَاقِك عَلَيَّ إنْ فَعَلْت كَذَا ثُمَّ قال لم أَحْلِفْ وإنما أَرَدْت تَخْوِيفَهَا دُيِّنَ وَطَلُقَتْ ظَاهِرًا إنْ فَعَلَتْ أو قال إنْ خَرَجْت أَنْت جَعَلْت أَمْرَك وفي نُسْخَةٍ أَمْرَ طَلَاقِك بِيَدِك فقالت أَخْرُجُ فَجَعَلَهُ بِيَدِهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فقال أَرَدْت جَعْلَ ذلك بَعْدَ الْخُرُوجِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَإِنْ لم يَقُلْهُ طَلُقَتْ في الْحَالِ
أو قال إنْ أَبْرَأْت زَيْدًا من دَيْنِك فَأَنْت طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا بِخِلَافِ ما لو قال لها إنْ أَبْرَأْتنِي من دَيْنِك فَأَنْت طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ فإنه يَقَعُ بَائِنًا لِعَوْدِ مَنْفَعَةِ الْعِوَضِ إلَيْهِ في هذه دُونَ تِلْكَ فَكَانَ ذلك فيها تَعْلِيقًا مَحْضًا
أو قال لِأُمِّهَا ابْنَتُك طَالِقٌ وقال أَرَدْت بِنْتَك الْأُخْرَى صُدِّقَ بِيَمِينِهِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لم يَكُنْ ذلك جَوَابًا لِالْتِمَاسِهَا منه طَلَاقَ ابْنَتِهَا التي تَحْتَهُ أو قال إنْ فَعَلْت مَعْصِيَةً فَأَنْت طَالِقٌ لم تَطْلُقْ بِتَرْكِ الطَّاعَةِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ لِأَنَّهُ تَرْكٌ وَلَيْسَ بِفِعْلٍ فَلَوْ فَعَلَتْ مَعْصِيَةً كَسَرِقَةٍ وَزِنًا طَلُقَتْ
قال الْإِسْنَوِيُّ وَقِيَاسُ ما ذُكِرَ في تَرْكِ الطَّاعَةِ أَنْ لَا تَطْلُقَ بِالزِّنَا إذَا كان الْمَوْجُودُ منها إنَّمَا هو مُجَرَّدُ التَّمْكِينِ بِأَنْ كَشَفَ عَوْرَتَهَا فَسَكَتَتْ أو كانت مَكْشُوفَةَ الْعَوْرَةِ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ منها إنَّمَا هو تَرْكُ الدَّفْعِ وَلَيْسَ بِفِعْلٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مَعْنًى لِلزِّنَا منها إلَّا التَّمْكِينُ منه وَالسُّكُوتُ عنه تَمْكِينٌ وقد صَحَّحَ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ في بَابِ الصَّوْمِ أَنَّهُ إذَا طُعِمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وهو سَاكِتٌ مع الْقُدْرَةِ على الدَّفْعِ أَنَّهُ يُفْطِرُ فَجُعِلَ السُّكُوتُ كَفِعْلِ الْأَكْلِ
فَرْعٌ لو قال أَنْت طَالِقٌ يا طَالِقُ لَا طَلَّقْتُك وَقَعَتْ طَلْقَتَانِ طَلْقَةٌ بِالنِّدَاءِ وَطَلْقَةٌ بِمَا قَبْلَهُ وَهَذَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ في الْبَابِ الرَّابِعِ نعم إنْ قَصَدَ بِيَا طَالِقُ النِّدَاءَ يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ فَلَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ وَإِنْ كانت لُغَتُهُ بِلَا مِثْلَ إنْ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بِالنِّدَاءِ ثُمَّ إنْ طَلَّقَ ثَانِيَةً وَقَعَتْ أُخْرَى إنْ كان الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا
أو قال إنْ وَطِئْت أَمَتِي بِغَيْرِ إذْنِك فَأَنْت طَالِقٌ فَاسْتَأْذَنَهَا فقالت له طَأْهَا في عَيْنِهَا فَلَيْسَ بِإِذْنٍ نعم إنْ دَلَّ الْحَالُ على الْإِذْنِ في الْوَطْءِ كان إذْنًا وَقَوْلُهَا في عَيْنِهَا تَوَسُّعًا في الْإِذْنِ لَا تَخْصِيصًا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ
فَلَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ ظَانًّا أنها أَمَتُهُ فقال إنْ لم تَكُونِي أَحْلَى من زَوْجَتِي فَهِيَ طَالِقٌ لم تَطْلُقْ لِظَنِّهِ أَنَّهُ يُخَاطِبُ غَيْرَهَا وَهَذَا ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن تَصْحِيحِ أبي الْعَبَّاسِ
____________________
(3/333)
الرُّويَانِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ عن أبي حَامِدٍ الْمَرْوَزِيِّ إنَّهَا تَطْلُقُ لِوُجُودِ الصِّفَةِ لِأَنَّهَا هِيَ الْحُرَّةُ فَلَا تَكُونُ أَحْلَى من نَفْسِهَا وَإِلَى هذا مَالَ الْإِسْنَوِيُّ وهو الْأَوْجَهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ وكان الْأَنْسَبُ له بِكَلَامِ أَصْلِهِ أَنْ يُبَدِّلَ قَوْلَهُ لم تَطْلُقْ وَفِيهِ نَظَرٌ بِقَوْلِهِ فيه خِلَافٌ وَلَوْ قال طَلُقَتْ كان أَوْلَى بِمَا مَالَ إلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ
أو قال لها إنْ لم تَتَغَدَّيْنَ مَعِي أو إنْ لم تُلْقِي الْمِفْتَاحَ فَأَنْت طَالِقٌ ولم يُرِدْ في الْحَالِ حُمِلَ على التَّرَاخِي فَلَوْ تَغَدَّتْ معه أو أَلْقَتْ الْمِفْتَاحَ بَعْدَ مُدَّةٍ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قبل فِعْلِهَا ذلك طَلُقَتْ قُبَيْلَ الْمَوْتِ في الْأُولَى مُطْلَقًا وفي الثَّانِيَةِ إنْ مَاتَتْ أَوَّلًا وَإِلَّا فَقُبَيْلَ مَوْتِهِ إذَا مَاتَتْ لِاحْتِمَالِ أنها تَفْعَلُ قبل مَوْتِهَا فَلَا تَطْلُقُ فَإِنْ أَرَادَ في الْحَالِ فَامْتَنَعَتْ من ذلك طَلُقَتْ وَرَأَى الْبَغَوِيّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ على الْحَالِ لِلْعَادَةِ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو الْمُخْتَارُ
أو قال لها إنْ لم تَبِيعِي هذه الدَّجَاجَاتِ فَأَنْت طَالِقٌ فَقَتَلَتْ وَاحِدَةً منها أو مَاتَتْ وقد تَمَكَّنَتْ من ذَبْحِهَا طَلُقَتْ لِتَعَذُّرِ الْبَيْعِ وَلَوْ جَرَحَتْهَا ثُمَّ بَاعَتْهَا فَإِنْ كان بِحَيْثُ لو ذُبِحَتْ لم تَحِلَّ لم يَصِحَّ الْبَيْعُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِلَّا فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو إنْ قَرَأْت عَشْرَ آيَاتٍ من أَوَّلِ الْبَقَرَةِ مَثَلًا بِلَا زِيَادَةٍ فَأَنْت طَالِقٌ وفي حَدِّهَا أَيْ الْعَشْرِ خِلَافٌ لِلْقُرَّاءِ فَيَعْتَمِدُ الْمُسْتَفْتِي عن ذلك قَوْلَ الْمُفْتِي وَإِنْ عَلَّقَهُ أَيْ الطَّلَاقَ بِقِرَاءَتِهَا أَيْ الْعَشْرِ في الصَّلَاةِ فَقَرَأَتْهَا فيها ثُمَّ أَفْسَدَتْهَا أَيْ الصَّلَاةَ لم تَطْلُقْ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ يَفْسُدُ أَوَّلُهَا بِفَسَادِ آخِرِهَا لَا يُقَالُ هذا مُخَالِفٌ لِمَا يَأْتِي في الْأَيْمَانِ من أَنَّ من حَلَفَ لَا يُصَلِّيَ يَحْنَثُ بِالتَّحْرِيمِ بِالصَّلَاةِ وَإِنْ أَفْسَدَهَا بَعْدُ لِأَنَّا نَقُولُ قَوْلُهُ هُنَا في الصَّلَاةِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ لَا أُصَلِّي صَلَاةً وهو وَلَوْ قال ذلك لم يَحْنَثْ حتى يَفْرُغَ منها كما ذَكَرُوهُ ثَمَّ
أو قال إنْ قَبَّلْت ضَرَّتَك فَأَنْت طَالِقٌ فَقَبَّلَهَا مَيِّتَةً لم يَحْنَثْ بِخِلَافِ تَعْلِيقِهِ بِتَقْبِيلِ أُمِّهِ فإنه يَحْنَثُ بِتَقْبِيلِهِ لها مَيِّتَةً إذْ قُبْلَةُ الزَّوْجَةِ قُبْلَةُ شَهْوَةٍ وَلَا شَهْوَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقُبْلَةُ الْأُمِّ قُبْلَةُ كَرَامَةٍ فَيَسْتَوِي فيها الْحَيَاةُ وَالْمَوْتُ أو قال إنْ غَسَلْت ثَوْبِي فَأَنْت طَالِقٌ فَغَسَلَهُ غَيْرُهَا ثُمَّ غَمَسَتْهُ هِيَ في الْمَاءِ تَنْظِيفًا له لم تَطْلُقْ لِأَنَّ الْعُرْفَ في مِثْلِ ذلك الْغَسْلُ بِالصَّابُونِ وَالْأُشْنَانِ وَنَحْوِهِمَا وَإِزَالَةُ الْوَسَخِ
فَصْلٌ لو طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قال كُنْت حَرَّمْتهَا على نَفْسِي قبل هذا ولم يَقَعْ الطَّلَاقُ لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ
وَلَوْ قال إنْ ابْتَلَعْت شيئا فَأَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ بِابْتِلَاعِ رِيقِهَا إلَّا إنْ أَرَادَ شيئا غَيْرَهُ فَلَا تَطْلُقُ بِذَلِكَ عَمَلًا بِإِرَادَتِهِ أو إنْ ابْتَلَعَتْ الرِّيقَ طَلُقَتْ بِكُلِّ رِيقٍ أَيْ رِيقِهَا أو رِيقِ غَيْرِهَا فَإِنْ أَرَادَ غير رِيقِهَا أَيْ رِيقِ غَيْرِهَا دُيِّنَ ولم يُقْبَلْ ظَاهِرٌ أو أَرَادَ رِيقَهَا قُبِلَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِضَرْبِهَا فَضَرَبَ غَيْرَهَا ولم يَعْلَمْ قَصْدَهُ فَأَصَابَهَا ضَرْبُهُ طَلُقَتْ وَلَا يُصَدَّقُ في أَنَّهُ قَصَدَ غَيْرَهَا لِأَنَّ الضَّرْبَ يَقِينٌ وهو قَادِرٌ على إظْهَارِ قَصْدِهِ قبل الضَّرْبِ نعم إنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ على تَصْدِيقِهِ كَأَنْ رَجَمَ ابْنَهُ أو عَبْدَهُ بِحَجَرٍ وَهِيَ غَائِبَةٍ فَبَرَزَتْ من بَابِ الْبَيْتِ مَثَلًا فَأَصَابَهَا صُدِّقَ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَمَّا إذَا عَلِمْنَا أَنَّهُ قَصَدَ ضَرْبَ غَيْرِهَا فَلَا تَطْلُقُ كَالْمُكْرَهِ
أو عَلَّقَهُ بِالدُّخُولِ أَيْ بِدُخُولِهِ على فُلَانٍ فَدَخَلَ هو معه أو وَحْدَهُ ثُمَّ دخل بَعْدَهُ فُلَانٌ لم تَطْلُقْ لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ وَإِنْ دخل فُلَانٌ وَحْدَهُ ثُمَّ دخل هو عليه طَلُقَتْ لِوُجُودِهَا أو حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ من الْبَلَدِ حتى يَقْضِيَهُ دَيْنَهُ بِالْعَمَلِ فَعَمِلَ له بِبَعْضٍ من الدَّيْنِ وَقَضَى بَعْضَهُ بِغَيْرِهِ أَيْ الْعَمَلِ ثُمَّ خَرَجَ طَلُقَتْ فَإِنْ أَرَادَ قَضَاءَهُ له مُطْلَقًا قُبِلَ في الْحُكْمِ كَذَا في الْأَصْلِ عن فَتَاوَى الْبَغَوِيّ قال الْإِسْنَوِيُّ وهو غَلَطٌ فإن الْمَجْزُومَ بِهِ فيها إنَّمَا هو الْعَكْسُ فقال قبل قَوْلِهِ بَاطِنًا لَا ظَاهِرًا وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْأَذْرَعِيُّ فقال تَتَبَّعْت فَتَاوَى الْبَغَوِيّ فَرَأَيْت في بَعْضِهَا قُبِلَ ظَاهِرًا وَمِنْهَا أَخَذَ الرَّافِعِيُّ وَرَأَيْت في أَكْثَرِهَا قُبِلَ بَاطِنًا لَا ظَاهِرًا وَهَذَا هو صَوَابُ النَّقْلِ فَاعْتَمِدْهُ وقد نَصَّ الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ على أَنَّهُ لو حَلَفَ أَنَّهُ لَا يُفَارِقُهُ حتى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ فَأَخَذَ منه عِوَضًا حَنِثَ لِأَنَّهُ لم يَأْخُذْ حَقَّهُ بَلْ عَوَّضَهُ وَهَذَا لم يُوَفِّهِ دَيْنَهُ بِالْعَمَلِ بَلْ بِغَيْرِهِ
وَإِنْ سُئِلَ الْمُطَلِّقُ لِزَوْجَتِهِ أَطَلَّقْت ثَلَاثًا فقال طَلَّقْت وقال أَرَدْت وَاحِدَةً قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلَّقْت ليس مُتَعَيِّنًا لِلْجَوَابِ فَقَدْ يُرِيدُ الْإِنْشَاءَ أَيْ إنْشَاءَ الْإِخْبَارِ أو الطَّلَاقِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلَّقْتهَا صَالِحٌ لِلِابْتِدَاءِ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِلْجَوَابِ وَذِكْرُ ثَلَاثًا من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وهو حَسَنٌ
وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِسَرِقَةِ ذَهَبٍ
____________________
(3/334)
فَسَرَقَتْ ذَهَبًا مَغْشُوشًا طَلُقَتْ لِوُجُودِ الصِّفَةِ أو عَلَّقَهُ بِجَوَابِهَا له عن خِطَابِهِ بِأَنْ قال إنْ أَجَبْتنِي عن خِطَابِي فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ خَاطَبَهَا فَقَصَدَتْ خِطَابَهُ بِآيَةٍ أَيْ بِقِرَاءَةِ آيَةٍ تَتَضَمَّنُ جَوَابَهُ طَلُقَتْ لِذَلِكَ وَإِنْ قَصَدَتْ معه الْقِرَاءَةَ فَإِنْ كَذَّبَهَا في أنها قَصَدَتْ ذلك فَالظَّاهِرُ أنها الْمُصَدِّقَةُ كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ وَإِنْ قَصَدَتْ بها الْقِرَاءَةَ فَقَطْ أو لم يَتَبَيَّنْ قَصْدَهَا أو لم يَكُنْ لها قَصْدٌ لم تَطْلُقْ أو عَلَّقَهُ بِاسْتِيفَائِهَا إرْثَهَا من مَالِ مُوَرِّثِهَا وقد تَلِفَ كُلُّهُ أو بَعْضُهُ كَفَى في عَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِهَا الِاسْتِبْدَالُ عنه لَا إنْ اسْتَبْدَلَتْ عنه وهو بَاقٍ فَلَا يَكْفِي ذلك لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ وَلَا الْإِبْرَاءُ عنه لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ اسْتِيفَاءً
وَلَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّ هذا الشَّيْءَ هو الذي أَخَذَتْهُ من فُلَانٍ فَشَهِدَ عَدْلَانِ أَنَّهُ غَيْرُهُ طَلُقَتْ لِأَنَّهَا وَإِنْ كانت شَهَادَةً على النَّفْيِ إلَّا أَنَّهُ نَفْيٌ يُحِيطُ الْعِلْمَ بِهِ وزاد قَوْلَهُ إنْ تَعَمَّدَ لِيُخْرِجَ الْجَاهِلَ فَلَا تَطْلُقُ زَوْجَتُهُ لِأَنَّ من حَلَفَ على شَيْءٍ يَعْتَقِدُهُ إيَّاهُ وهو غَيْرُهُ يَكُونُ جَاهِلًا وَالْجَاهِلُ لَا يَحْنَثُ كما ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ في أَوَّلِ الْأَيْمَانِ نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ وقال فَتَفَطَّنْ له وَاسْتَحْضِرْهُ فإنه كَثِيرُ الْوُقُوعِ في الْفَتَاوَى وقد ذَهِلَ عنه الشَّيْخَانِ في مَسَائِلَ وَإِنْ كَانَا قد تَفَطَّنَا له في مَسَائِلَ أُخَرَ وَتَقَدَّمَ فيه كَلَامٌ عن ابْنِ الصَّلَاحِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ ما فَعَلْت كَذَا عِبَارَةُ الْأَصْلِ لَا يَفْعَلُ كَذَا فَشَهِدَ عَدْلَانِ بِأَنْ أَخْبَرَا أَنَّهُ فَعَلَهُ فَظَنَّ صِدْقَهُمَا لَزِمَهُ الْأَخْذُ بِالطَّلَاقِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن أبي الْعَبَّاسِ الرُّويَانِيِّ قال الْإِسْنَوِيُّ هذا إنَّمَا يَأْتِي إذَا أَوْقَعْنَا طَلَاقَ النَّاسِي وما قَالَهُ هو الْحَقُّ قال أَعْنِي الْإِسْنَوِيَّ وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدٍ عِنْدَ تَصْدِيقِهِ قال وَمُقْتَضَى ذلك أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ فَسَقَةٍ وَصِبْيَانٍ وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذلك أَمَّا إذَا لم يَظُنَّ صِدْقَهُمَا فَلَا يَلْزَمُهُ الْأَخْذُ بِالطَّلَاقِ وَطَرِيقُهُ في دَفْعِهِمَا أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ فَعَلَهُ نَاسِيًا إذَا قُلْنَا بِعَدَمِ الْحِنْثِ فيه
وَإِنْ فَتَحَتْ إحْدَاهُنَّ أَيْ زَوْجَاتِهِ الْبَابَ فقال الْفَاتِحَةُ مِنْكُنَّ طَالِقٌ وَادَّعَتْهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُنَّ لِإِمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ على ذلك وَلَيْسَ له التَّعْيِينُ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إنْ جَهِلَهَا أَيْ الْفَاتِحَةَ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ لِأَنَّ مَحَلَّ الطَّلَاقِ عُيِّنَ هُنَا بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَلَوْ بَعَثَ إلَيْهِ غَيْرَهُ رَجُلًا وإن عَلِمَ أَنَّهُ لم يَمْضِ إلَيْهِ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ لقد بَعَثْته إلَيْك لم تَطْلُقْ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنْ يُقَالَ بَعَثَهُ فلم يَمْتَثِلْ
وَإِنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ إنْ لم تُطِيعِينِي كَأَنْ قال إنْ لم تُطِيعِينِي فَأَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ بِعِصْيَانِهَا أَمْرَهُ لها بِشَيْءٍ أو نَهْيَهُ لها عنه لِوُجُودِ الصِّفَةِ لَا بِقَوْلِهَا له وَلَوْ بَعْدَ أَمْرِهِ أو نَهْيِهِ لها لَا أُطِيعُك فَلَا تَطْلُقُ
أو حَلَفَ بِالطَّلَاقِ إنْ دَخَلْت دَارَك كَأَنْ قال إنْ دَخَلْت دَارَك فَأَنْت طَالِقٌ وَلَا دَارَ لها وَقْتَ الْحَلِفِ طَلُقَتْ بِدُخُولِ كل دَارٍ مَلَكَتْهَا بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الْحَلِفِ فَإِنْ قال إنْ دَخَلْت دَارَك الْآنَ فَتَعْلِيقٌ بِمُحَالٍ فَلَا تَطْلُقُ وَإِنْ دخل دَارًا مَلَكَتْهَا بَعْدُ وَلَوْ أَقَرَّ بِتَحْرِيمِهَا عليه أَبَدًا لم يُحْكَمْ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّهُ ليس صَرِيحًا في الطَّلَاقِ وَلِأَنَّهُ قد يَظُنُّ تَحْرِيمَهَا بِالْيَمِينِ على تَرْكِ الْجِمَاعِ
أو قال إنْ أَجَبْت كَلَامِي فَأَنْت طَالِقٌ فَكَلَّمَ غَيْرَهَا فَأَجَابَتْهُ هِيَ لم تَطْلُقْ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسَمَّى جَوَابًا إذَا كانت هِيَ الْمُخَاطَبَةَ أو قال إنْ خَرَجْت بِغَيْرِ إذْنِي فَأَنْت طَالِقٌ فَأَخْرَجَهَا هو فَهَلْ يَكُونُ إذْنًا لها في الْخُرُوجِ أو لَا وَجْهَانِ الْقِيَاسُ الْمَنْعُ فَتَطْلُقُ
وَلَوْ قال الْقَاضِي الْمَعْزُولُ امْرَأَةُ الْقَاضِي طَالِقٌ لم يُؤَاخَذْ بِهِ إلَّا إنْ قَصَدَ نَفْسَهُ نَظِيرَ ما رَجَّحَهُ الْأَصْلُ في الْبَابِ الثَّانِي فِيمَا لو قال من اسْمُهُ زَيْدٌ امْرَأَةُ زَيْدٍ طَالِقٌ وَإِنْ كان خِلَافَ مَنْقُولِهِ وَمَنْقُولُ الْمُصَنِّفِ فيه كما مَرَّ التَّنْبِيهُ عليه ثَمَّ وَقِيلَ يُؤَاخِذُ بِهِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَعْزُولِ وقد نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ وَإِنْ كان فِيمَا قَرَّرَهُ نَظَرٌ
وَلَوْ لَبِسَ خُفَّ غَيْرِهِ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنِّي ما اسْتَبْدَلْت بِهِ خُفِّي فَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ حَلِفِهِ أَنَّ خُفَّهُ مع من خَرَجَ قَبْلَهُ مِمَّنْ كان جَالِسًا معه وَقَصَدَ أَنِّي لم آخُذْ بَدَلَهُ كان كَاذِبًا فَإِنْ كان عَالِمًا عِنْدَ حَلِفِهِ بِأَخْذِهِ أَيْ بِأَخْذِ بَدَلِهِ طَلُقَتْ أو جَاهِلًا فَكَالنَّاسِي فَلَا تَطْلُقُ وَإِنْ لم يَقْصِدْ شيئا فَهُوَ في الْعُرْفِ مُسْتَبْدِلٌ فَتَطْلُقُ وفي الْوَضْعِ وهو الْمُعْتَبَرُ كما مَرَّ غَيْرُ مُسْتَبْدِلٍ لِعَدَمِ الطَّلَبِ فَلَا تَطْلُقُ وَإِنْ خَرَجَ وقد بَقِيَ بَعْضُ الْجَمَاعَةِ وَعَلِمَ أَنَّهُ أَيْ خُفَّهُ كان بَاقِيًا أو شَكَّ قال في الرَّوْضَةِ فَفِيهِ الْخِلَافُ في تَعَارُضِ الْوَضْعِ وَالْعُرْفِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ هُنَا مُسْتَبْدِلٌ عُرْفًا وَوَضْعًا وفي
____________________
(3/335)
نَظَرِهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَبْدِلٍ وَضْعًا لِعَدَمِ الطَّلَبِ
وَلَوْ نُحِتَتْ خَشَبَةً فقال إنْ عُدْت لِمِثْلِهِ أَيْ لِمِثْلِ هذا الْفِعْلِ فَأَنْت طَالِقٌ فَنَحَتَتْ خَشَبَةً غَيْرَهَا وَلَوْ من شَجَرَةٍ أُخْرَى طَلُقَتْ لِأَنَّ النَّحْتَ كَالنَّحْتِ
وَلَوْ قال إنْ لم تَخْرُجِي اللَّيْلَةَ من دَارِي فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَخَالَعَهَا بِنَفْسِهَا أو بِأَجْنَبِيٍّ في اللَّيْلِ وَإِنْ تَمَكَّنَتْ قَبْلَهُ من الْخُرُوجِ ثُمَّ جَدَّدَ نِكَاحَهَا أو لم يُجَدِّدْهُ وإن لم تَخْرُجْ لم تَطْلُقْ قال الرَّافِعِيُّ لِأَنَّ اللَّيْلَ كُلَّهُ مَحِلُّ الْيَمِينِ ولم يَمْضِ كُلُّ اللَّيْلِ وَهِيَ زَوْجَتُهُ له حتى تَطْلُقَ لَكِنْ أَفْتَى ابن الرِّفْعَةِ بِأَنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ بِذَلِكَ فِيمَا لو حَلَفَ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا في مُدَّةِ كَذَا بَعْدَ أَنْ أَفْتَى بِخِلَافِهِ وقال تَبَيَّنَ لي أَنَّهُ خَطَأٌ وَأَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ يُنْتَظَرْ فَإِنْ لم يَفْعَلْ حتى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ طَلُقَتْ قبل الْخُلْعِ وَبَطَلَ الْخُلْعُ انْتَهَى وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ إنْ كان رَجْعِيًّا صَحَّ الْخُلْعُ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ أَنَّهُ بَاطِلٌ وَإِنْ كان بَائِنًا كما مَثَّلْنَا لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ الْخُلْعُ كما قال لَكِنْ لَا يَصِحُّ قَوْلُهُ إنَّهَا تَطْلُقُ قبل الْخُلْعِ لِبَقَائِهَا مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ مع عَدَمِ الْيَأْسِ من الْخُرُوجِ حِينَئِذٍ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا تَطْلُقَ إلَّا قُبَيْلَ الْفَجْرِ وَحَاصِلُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ ذلك مَفْرُوضٌ في الْبَائِنِ وَأَنَّ وُقُوعَهُ قُبَيْلَ الْخُلْعِ يُؤَدِّي إلَى عَدَمِ وُقُوعِهِ فَلَا يَقَعُ لِلدَّوْرِ وَيَصِحُّ الْخُلْعُ إذْ لَا مَانِعَ
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ من الْبَلَدِ إلَّا مَعَهَا فَخَرَجَا فَسَبَقَهَا بِخُطُوَاتٍ أو حَلَفَ لَا يَضْرِبُهَا إلَّا بِوَاجِبٍ فَشَتَمَتْهُ فَضَرَبَهَا بِالْخَشَبِ مَثَلًا لم تَطْلُقْ لِلْعُرْفِ في الْأُولَى وَلِضَرْبِهِ لها بِوَاجِبٍ في الثَّانِيَةِ إذْ الْمُرَادُ فيها بِالْوَاجِبِ ما تَسْتَحِقُّ الضَّرْبَ عليه تَأْدِيبًا
أو قال إنْ رَأَيْت من أُخْتِي شيئا ولم تُعْلِمِينِي بِهِ فَأَنْت طَالِقٌ حُمِلَ على مُوجِبِ الرِّيبَةِ وموهم الْفَاحِشَةِ دُونَ ما لَا يَقْصِدُ الْعِلْمَ بِهِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وكان إعْلَامُهَا بِهِ على التَّرَاخِي الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إعْلَامُهَا بِهِ على الْفَوْرِ كما عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ أو أَخَذَتْ له دِينَارًا فقال إنْ لم تُعْطِينِي الدِّينَارَ فَأَنْت طَالِقٌ وكانت قد أَنْفَقَتْهُ لم تَطْلُقْ إلَّا بِالْيَأْسِ من إعْطَائِهَا له بِالْمَوْتِ فَإِنْ تَلِفَ الدِّينَارُ قبل التَّمَكُّنِ من الرَّدِّ له فَكَمُكْرَهَةٍ أَيْ فَكَالْمُكْرَهِ على الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عليه فَلَا تَطْلُقُ أو بَعْدَ التَّمَكُّنِ منه طَلُقَتْ وَلَا يُشْكِلُ بِعَدَمِ طَلَاقِهَا في مَسْأَلَةِ الْخُلْعِ السَّابِقَةِ إذَا خَالَعَهَا بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ يُمْكِنُ فيه خُرُوجُهَا لِأَنَّ مَحِلَّ الطَّلَاقِ في تِلْكَ زَالَ بِخِلَافِهِ هُنَا وَهُنَا في الْأَصْلِ
مَسْأَلَةٌ سَبَقَتْ في الطَّرَفِ الرَّابِعِ في التَّعْلِيقِ بِالْحَيْضِ وَهِيَ ما لو عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِرُؤْيَتِهَا الدَّمَ حُمِلَ على دَمِ الْحَيْضِ وَذَكَرَ هُنَا أُخْرَى قَدَّمْتهَا في الرُّكْنِ الثَّالِثِ مع ما فيها وَكَثِيرًا ما يَفْعَلُ الْمُصَنِّفُ ذلك وَلَا يُنَبِّهُ عليه وَلَوْ عَلَّقَ بِدُخُولِ هذه الدَّارَ وَأَشَارَ إلَى مَوْضِعٍ منها فَدَخَلَتْ غَيْرَهُ منها طَلُقَتْ ظَاهِرًا وَدُيِّنَ نعم إنْ اشْتَمَلَتْ الدَّارُ على حُجَرٍ فَأَشَارَ إلَى حُجْرَةٍ منها فَالظَّاهِرُ الْقَبُولُ ظَاهِرًا لَا سِيَّمَا إذَا انْفَرَدَتْ بِمَرَافِقِهَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ
أو قال إنْ كانت امْرَأَتِي في الْمَأْتَمِ بِالْمُثَنَّاةِ أَيْ في جَمَاعَةِ النِّسَاءِ في الْمَصَائِبِ فَأَمَتِي حُرَّةٌ وَإِنْ كانت أَمَتِي في الْحَمَّامِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَكَانَتَا فِيهِمَا أَيْ كانت الْمَرْأَةُ في الْمَأْتَمِ وَالْأَمَةُ في الْحَمَّامِ عَتَقَتْ أَمَتُهُ لِوُجُودِ الصِّفَةِ ولم تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ لِأَنَّ الْأَمَةَ عَتَقَتْ بِالتَّعْلِيقِ الْأَوَّلِ أَيْ عِنْدَ تَمَامِهِ فلم تَبْقَ أَمَتُهُ بَعْدَهُ وَإِنْ قَدَّمَ التَّعْلِيقَ بِالْأَمَةِ أَيْ بِكَوْنِهَا في الْمَأْتَمِ فقال إنْ كانت أَمَتِي في الْمَأْتَمِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَإِنْ كانت امْرَأَتِي في الْحَمَّامِ فَأَمَتِي حُرَّةٌ فَكَانَتَا فِيهِمَا وَقَعَا أَيْ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ لَكِنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا يَقَعُ إنْ كانت أَيْ الْمَرْأَةُ رَجْعِيَّةً وَإِلَّا فَلَا عِتْقَ لِأَنَّهَا بَانَتْ عِنْدَ تَمَامِ التَّعْلِيقِ الْأَوَّلِ فلم تَبْقَ امْرَأَتَهُ بَعْدَهُ أو قال إنْ كانت امْرَأَتِي في الْمَأْتَمِ وَأَمَتِي في الْحَمَّامِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَأَمَتِي حُرَّةٌ فَكَانَتَا فِيهِمَا وَقَعَا لِوُجُودِ الصِّفَةِ
وَلَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ بِمُضِيِّ يَوْمٍ لم تَأْكُلْ كُلٌّ مِنْهُمَا تُفَّاحَتَهَا فيه بِأَنْ قال لِزَوْجَتِهِ إنْ لم تَأْكُلِي تُفَّاحَتَك الْيَوْمَ فَأَنْت طَالِقٌ وقال لِأَمَتِهِ إنْ لم تَأْكُلِي تُفَّاحَتَك الْيَوْمَ فَأَنْت حُرَّةٌ فَاشْتَبَهَتَا وَأَكَلَتَا هُمَا بِأَنْ أَكَلَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا وَاحِدَةً وَلَوْ بِلَا تَحَرٍّ منها وَمِنْ الزَّوْجِ في أَنَّ ما أَكَلَتْهَا تُفَّاحَتُهَا فَلَا شَيْءَ من طَلَاقٍ وَعِتْقٍ يَقَعُ لِلشَّكِّ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ التَّحَرِّي وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ أَكَلَتْهُمَا الْحُرَّةُ الْأَوْلَى الْمَرْأَةُ وَبَاعَ الْأَمَةَ في يَوْمِهِ من الْمَرْأَةِ أو غَيْرِهَا تَخَلَّصَ من الْحِنْثِ بِيَقِينٍ وَكَذَا لو خَالَعَ الزَّوْجَةَ وَبَاعَ الْأَمَةَ في يَوْمِهِ ثُمَّ جَدَّدَ النِّكَاحَ وَالشِّرَاءَ كما رَجَّحَهُ الْأَصْلُ لَكِنَّهُ ضَعَّفَ ما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُخَلِّصٌ وَكَذَا لو أَكَلَتْهُمَا الْأَمَةُ وَخَالَعَ الزَّوْجَةَ وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ بَعْدَ ذِكْرِهِ ما رَجَّحَهُ الْأَصْلُ
____________________
(3/336)
قِيَاسُ ما ذَكَرَهُ في التَّعْلِيقِ بِنَفْيِ التَّطْلِيقِ أَنَّهُ لَا يَخْلُصُ بِذَلِكَ بَلْ يَنْتَظِرُ الْحَالَ فَإِنْ لم يَأْكُلَا في الْيَوْمِ وَقَعَ الطَّلَاقُ قبل الْخُلْعِ وَالْعِتْقُ قبل الْبَيْعِ وَبِأَنَّ بُطْلَانَهُمَا مَرْدُودٌ بِمَا رَدَدْت بِهِ كَلَامَ ابْنِ الرِّفْعَةِ السَّابِقَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ ما مَرَّ في التَّعْلِيقِ بِنَفْيِ التَّطْلِيقِ مَحَلُّهُ في الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وما هُنَا في الْبَائِنِ
وَلَوْ قال إنْ كان هذا مِلْكِي فَأَنْت طَالِقٌ فَوَكَّلَ من يَبِيعُهُ أو بَاعَهُ بِنَفْسِهِ لم يَكُنْ إقْرَارًا بِالْمِلْكِ أَيْ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَلَا تَطْلُقُ إذْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا في التَّوْكِيلِ أو في الْبَيْعِ أو وَلِيًّا
وَإِنْ قال لِامْرَأَتَيْهِ كُلَّمَا كَلَّمْت رَجُلًا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ أو قال لِامْرَأَتِهِ كُلَّمَا كَلَّمْت رَجُلًا فَأَنْت طَالِقٌ فَكَلَّمَ رَجُلَيْنِ وَلَوْ بِكَلِمَةٍ وَقَعَ طَلْقَتَانِ طَلْقَتَانِ أَيْ على كُلٍّ من الثِّنْتَيْنِ في الْأُولَى وَالْوَاحِدَةِ في الثَّانِيَةِ طَلْقَتَانِ لِأَنَّ كُلَّمَا لِلتَّكْرَارِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لو كَلَّمَ ثَلَاثَةً وَقَعَ على كُلٍّ مِنْهُنَّ الطَّلْقَاتُ الثَّلَاثُ
أو قال إنْ تَزَوَّجْت النِّسَاءَ فَأَنْت طَالِقٌ حَنِثَ بِثَلَاثٍ أَيْ بِتَزَوُّجِهِنَّ لِأَنَّهُنَّ أَقَلُّ الْجَمْعِ وَمِثْلُهَا إنْ اشْتَرَيْت الْعَبْدَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو إنْ خَرَجْت من الدَّارِ فَأَنْت طَالِقٌ فَتَعَلَّقَتْ بِغُصْنِ شَجَرَةِ الدَّارِ الْخَارِجَةِ عنها طَلُقَتْ أو إنْ لم تَصُومِي غَدًا فَأَنْت طَالِقٌ فَحَاضَتْ فَمُكْرَهَةٌ أَيْ فَكَمُكْرَهَةٍ فَلَا تَطْلُقُ قال الْبُلْقِينِيُّ نَقْلًا عن الْخُوَارِزْمِيَّ لو قال إنْ لم تُصَلِّي صَلَاةَ الظُّهْرِ فَأَنْت طَالِقٌ فَحَاضَتْ وَقْتَ الظُّهْرِ فَإِنْ مَضَى زَمَنُ إمْكَانِ الصَّلَاةِ طَلُقَتْ وَإِلَّا فَلَا
أو قال لِنِسْوَتِهِ من حَمَلَتْ مِنْكُنَّ هذه الْخَشَبَةَ فَهِيَ طَالِقٌ فَحَمَلَهَا مِنْهُنَّ أَكْثَرُ من وَاحِدَةٍ لم يَطْلُقْنَ إلَّا إنْ كانت الْوَاحِدَةُ تَعْجِزُ عن حَمْلِهَا فَتَطْلُقْنَ نَظَرًا لِلْعُرْفِ وَهُنَا في الْأَصْلِ
مَسْأَلَةٌ سَبَقَتْ في أَوَاخِرِ الطَّرَفِ الْأَوَّلِ من الْبَابِ الثَّانِي وهو أَنَّ طَلَاقَ الْوَكِيلِ يَقَعُ وَإِنْ لم يَنْوِ إيقَاعَهُ عن مُوَكِّلِهِ وَفِيهِ بُعْدٌ وَمَتَى حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيَطَؤُهَا اللَّيْلَةَ فَتَرَكَهُ أَيْ الْوَطْءَ لِحَيْضٍ أو نَحْوِهِ كَإِحْرَامٍ طَرَأَ لها فَمُكْرَهٌ أَيْ فَكَمُكْرَهٍ فَلَا تَطْلُقُ
أو حَلَفَ بِأَنَّهُ إنْ لم يُشْبِعْهَا جِمَاعًا فَهِيَ طَالِقٌ فَلْيَطَأْهَا حتى يُنْزِلَ مَنِيَّهَا بِأَنْ تَقَرَّ بِهِ وَإِنْ لم تَقُلْ لَا أُرِيدُ الْجِمَاعَ أو حتى تَسْكُنَ لَذَّتُهَا أَيْ شَهْوَتُهَا وَكَانَتْ هِيَ لَا تُنْزِلُ كما قَيَّدَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ لم تَشْتَهِهِ فَتَعْلِيقٌ بِمُحَالٍ فَلَا تَطْلُقُ
أو حَلَفَ لَا يَبِيتُ عِنْدَهَا فَبَاتَ في مَنْزِلِهَا وقد خَرَجَتْ منه لم تَطْلُقْ لِأَنَّ الْمَبِيتَ عِنْدَهَا يَفْتَقِرُ إلَى حُضُورِهَا
وَلَوْ حَلَفَ لَيَصِيدَنَّ هذا الطَّائِرَ الْيَوْمَ فَاصْطَادَ طَائِرًا فَادَّعَى أَنَّهُ هو وَكَذَّبَتْهُ لم تَطْلُقْ لِاحْتِمَالِ قَوْلِهِ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ النِّكَاحِ وَكَذَا لَا تَطْلُقُ لو جُهِلَ الْحَالُ وَاحْتَمَلَ الْأَمْرُ أَنَّ لِلْأَصْلِ الْمَذْكُورِ وَكَنَظِيرِهِ في أَنْت طَالِقُ إنْ لم يَدْخُلْ زَيْدٌ الْيَوْمَ الدَّارَ وَجَهِلَ دُخُولَهُ وَتَقَدَّمَ أَوَاخِرَ الْبَابِ الرَّابِعِ نَظِيرُ ذلك مع الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ في الْأَيْمَانِ
وَلَوْ قال طَلَّقْتُك الطَّلْقَةَ الرَّابِعَةَ فَفِي وُقُوعِهِ تَرَدُّدٌ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَجْهَانِ يَقْرُبَانِ من الْخِلَافِ في التَّعْلِيقِ بِالْمُحَالِ وَقِيَاسُ ما قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ من قَوْلِهِ فَتَعْلِيقٌ بِمُحَالٍ في قَوْلِهِ فَإِنْ لم تَشْتَهِهِ أَنْ تَقُولَ هُنَا كَذَلِكَ فَلَا تَطْلُقُ
فَصْلٌ لو حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يُسَاكِنُهُ شَهْرَ رَمَضَانَ مَثَلًا فَسَاكَنَهُ بَعْضَهُ أو حَلَفَ لَا يُفْطِرُ بِالْكُوفَةِ مَثَلًا وكان يوم الْفِطْرِ بها فَأَمْسَكَ بها يوم الْفِطْرِ لم يَحْنَثْ عَمَلًا بِالْعُرْفِ فِيهِمَا من حَمْلِ الْمُسَاكَنَةِ على جَمِيعِ الْمُدَّةِ وَالْإِفْطَارِ على تَنَاوُلِ الْمَأْكُولِ أو الْمَشْرُوبِ بِخِلَافِ ما لو حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرَ رَمَضَانَ يَحْنَثُ بِتَكْلِيمِهِ فيه مَرَّةً عَمَلًا بِالْعُرْفِ فيه أَيْضًا أو حَلَفَ لَا يُعَيِّدُ بها أَيْ بِالْكُوفَةِ فَأَقَامَ بها يوم الْعِيدِ أو مُعْظَمَهُ حَنِثَ وَلَوْ لم يَخْرُجْ إلَى الْعِيدِ لِلْعُرْفِ من حَمْلِ التَّعْيِيدِ بِمَكَانٍ على الْإِقَامَةِ بِهِ
أو قال إنْ أَكَلَتْ أَكْثَرَ من رَغِيفٍ فَأَنْت طَالِقٌ حَنِثَ بِرَغِيفٍ وَأُدُمٍ أَيْ بِأَكْلِهِمَا وَقَوْلُهُ بِرَغِيفٍ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِخُبْزٍ أو قال إنْ أَكَلَتْ الْيَوْمَ إلَّا رَغِيفًا فَأَنْت طَالِقٌ فَأَكَلَتْ رَغِيفًا ثُمَّ فَاكِهَةً حَنِثَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وفي تَعْبِيرِهِ بِثُمَّ نَظَرٌ
أو قال إنْ أَدْرَكْت الظُّهْرَ مع الْجَمَاعَةِ فَأَنْت طَالِقٌ فَفَاتَتْهُ رَكْعَةٌ لم تَطْلُقْ لِأَنَّ الظُّهْرَ عِبَارَةٌ عن الرَّكَعَاتِ الْأَرْبَعِ ولم يُدْرِكْهَا بَلْ أَدْرَكَ بَعْضَهَا
وَإِنْ قال لِمُطَلَّقَاتِهِ
____________________
(3/337)
طَلَاقًا رَجْعِيًّا كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ أُرَاجِعُهَا طَالِقٌ كُلَّمَا كَلَّمْت فُلَانًا فَكُلَّمَا كَلَّمَهُ طَلَّقَ من رَاجَعَهَا مِنْهُنَّ قبل تَكْلِيمِهِ فَإِنْ رَاجَعَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ ثُمَّ كَلَّمَهُ طَلُقَتْ ثُمَّ إنْ رَاجَعَ أُخْرَى لم تَطْلُقْ الْأُخْرَى حتى يُكَلِّمَهُ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ التَّكْلِيمُ بَعْدَ الْمُرَاجَعَةِ ولم يُوجَدْ أو قال آخِرُ من أُرَاجِعُهَا طَالِقٌ مِنْكُنَّ فَرَاجَعَ ثَلَاثًا مُرَتِّبًا وَمَاتَ تَبَيَّنَّا طَلَاقَ الثَّالِثَةِ أَيْ وُقُوعَهُ بِوُجُودِ الصِّفَةِ وَهِيَ كَوْنُهَا آخِرَ من رَاجَعَهَا فَلَا تَرِثُهُ إنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قبل مَوْتِهِ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ أَيْ مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ كان وَطِئَهَا وَقَوْلُهُ مُرَتِّبًا من زِيَادَتِهِ لِيَخْرُجَ ما لو رَاجَعَهُنَّ مَعًا أَمَّا لو رَاجَعَ وَاحِدَةً ثُمَّ ثِنْتَيْنِ مَعًا أو ثِنْتَيْنِ مَعًا ثُمَّ ثَالِثَةً فَظَاهِرٌ أَنَّا نَتَبَيَّنُ طَلَاقَ الثِّنْتَيْنِ في الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ في الثَّانِيَةِ فَإِنْ طَلَّقَ الْأُولَى بَعْدَ مُرَاجَعَتِهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا بَعْدَهُنَّ أَيْ بَعْدَ مُرَاجَعَتِهِنَّ فَهِيَ الْأَخِيرَةُ بَعْدَمَا كانت الْأُولَى وَتَبَيَّنَ أَنَّ الثَّالِثَةَ لَيْسَتْ أَخِيرَةً وَظَاهِرٌ أَنَّ مِثْلَ ذلك يَأْتِي في الثَّانِيَةِ وَالتَّعْلِيقُ لِلطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ يُحْمَلُ على الْعَقْدِ لَا الْوَطْءِ إنْ لم يَنْوِ الْوَطْءَ قال الْأَذْرَعِيُّ ولم يَكُنْ قَرِينَةٌ تُشْعِرُ بِإِرَادَتِهِ
وَإِنْ قال إنْ لم تُمَكِّنِينِي السَّاعَةَ من الْوَطْءِ فَأَنْت طَالِقٌ فَأَخَّرَتْ حتى مَضَتْ السَّاعَةُ طَلُقَتْ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَقْرَبُ أَنَّ إطْلَاقَ السَّاعَةِ مَحْمُولٌ على الْفَوْرِ لَا على السَّاعَةِ الزَّمَانِيَّةِ أو إنْ كَلَّمْت بَنِي آدَمَ فَأَنْت طَالِقٌ اُشْتُرِطَ في وُقُوعِ الطَّلَاقِ ثَلَاثَةً أَيْ تَكْلِيمُ ثَلَاثَةٍ منهم لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ
وَإِنْ قال إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَعَبْدِي حُرٌّ أو إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ انْعَقَدَ ما أَرَادَ مِنْهُمَا أَيْ من الْيَمِينَيْنِ مُفْرَدًا أو جَمْعًا حتى لو قال أَرَدْتهمَا مَعًا عُمِلَ بِمُرَادِهِ وقوله أَنْتِ طَالِقٌ في الدَّارِ كَقَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَلَا تَطْلُقُ قبل دُخُولِهَا كما لو قال لها أَنْت طَالِقٌ في غَدٍ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ قبل مَجِيئِهِ أو قال لِاثْنَتَيْنِ إنْ مَلَكْتُمَا عَبْدًا فَأَنْت الْأَوْلَى قَوْلُ الرَّافِعِيِّ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ اُشْتُرِطَ لِلْحِنْثِ اجْتِمَاعُ مِلْكَيْهِمَا عليه حتى لو مَلَكَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ بَاعَهُ لِلْآخَرِ لم يَحْنَثْ وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ يَحْنَثُ لم يَكُنْ بَعِيدًا أو إنْ لَبِسْت قَمِيصَيْنِ فَأَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ بِلُبْسِهِمَا وَلَوْ مُتَوَالِيَيْنِ أو إنْ اغْتَسَلْت فَأَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ بِالْغُسْلِ وَلَوْ عن غَيْرِ جَنَابَةٍ فَإِنْ أَرَادَ الْغُسْلَ من جَنَابَةٍ دُيِّنَ ولم يُقْبَلْ ظَاهِرًا نعم إنْ كان ثَمَّ قَرِينَةٌ كما لو رَاوَدَهَا فَامْتَنَعَتْ فَغَضِبَ فَحَلَفَ كَذَلِكَ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ ظَاهِرًا نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ
أو حَلَفَ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا وهو أَيْ وَقْتَ حَلِفِهِ لَيْلٌ وَلَا نِيَّةَ له حُمِلَ عَدَمُ كَلَامِهِ له على الْغَدِ فَلَهُ تَكْلِيمُهُ قَبْلَهُ قال الْأَذْرَعِيُّ وفي نُسَخِ الرَّافِعِيِّ الْمُعْتَمَدَةِ ذِكْرُ الْيَوْمِ مُعَرَّفًا وَلَعَلَّهُ الصَّوَابُ وَحِينَئِذٍ فَفِي تَكْلِيمِهِ له قَبْلَهُ نَظَرٌ وَالْيَوْمُ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الزَّمَنُ الْحَاضِرُ وَلَوْ لَيْلًا
أو أَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ ثَلَاثًا مَثَلًا وقال أَرَدْت أنها تَطْلُقُ وَاحِدَةً إنْ دَخَلَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ قال في الْأَصْلِ فَإِنْ اُتُّهِمَ حَلَفَ وَإِنْ قال أَرَدْت أنها تَطْلُقُ الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ وَقَعَتْ الثَّلَاثُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا يَقْتَضِيهِ فِيمَا لو أَطْلَقَ لَكِنْ الْأَوْجَهُ فيه أنها تَطْلُقُ وَاحِدَةً فَقَطْ لِلشَّكِّ في مُوجِبِ الثَّلَاثِ
أو إنْ خَرَجْت من الدَّارِ فَأَنْت طَالِقٌ وَلَهَا بُسْتَانٌ بَابُهُ مَفْتُوحٌ إلَيْهَا وهو مَعْدُودٌ منها فَلَهُ حُكْمُهَا فَلَا تَطْلُقُ بِخُرُوجِهَا منه إلَيْهِ وَإِنْ لم يَكُنْ مَعْدُودًا منها طَلُقَتْ بِذَلِكَ
أو حَلَفَ لَا أَتَزَوَّجُ ما دَامَ أَبَوَايَ حَيَّيْنِ وَمَاتَ أَحَدُهُمَا فَلْيَتَزَوَّجْ وَلَا يَحْنَثُ أو حَلَفَ لَا يَطْعَنُهَا بِنَصْلِ هذا الرُّمْحِ أو السَّهْمِ حَنِثَ بِطَعْنِهَا بِهِ وَلَوْ مَنْزُوعًا من الرُّمْحِ أو السَّهْمِ وَمُرَكَّبًا في غَيْرِهِ أو إنْ شَتَمْتنِي وَلَعَنْتنِي فَأَنْت طَالِقٌ فَلَعَنَتْهُ لم تَطْلُقْ لِأَنَّهُ عَلَّقَ بِالْأَمْرَيْنِ ولم يُوجَدَا وَكَذَا لو قال إنْ شَتَمْتنِي وَإِنْ لَعَنْتنِي فَأَنْت طَالِقٌ على ما في بَعْضِ نُسَخِ الْأَصْلِ وَالْمُصَنِّفُ لَكِنْ قال الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فإنه قد ذَكَرَ في اعْتِرَاضِ الشَّرْطِ على الشَّرْطِ أَنَّ الشَّرْطَيْنِ الْمَعْطُوفَيْنِ بِالْوَاوِ يَمِينَانِ تَقَدَّمَا أو تَأَخَّرَا وَحِينَئِذٍ فَتَطْلُقُ هُنَا بِاللَّعْنِ وَحْدَهُ وَبِالشَّتْمِ وَحْدَهُ وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ ذلك مع حَذْفِ وَاوِ الْعَطْفِ
أو حَلَفَ لَا تُقِيمُ في الْبَلَدِ ثَلَاثًا من الْأَيَّامِ لِضِيَافَةٍ فَخَرَجَتْ منها لِدُونِهَا أَيْ الثَّلَاثِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهَا لم يَحْنَثْ لِأَنَّهَا لم تَقُمْ فيها ثَلَاثًا أو قال نِصْفَ اللَّيْلِ مَثَلًا إنْ بِتّ عِنْدَك فَأَنْت طَالِقٌ فَبَاتَ عِنْدَهَا بَقِيَّةَ اللَّيْلِ حَنِثَ لِلْقَرِينَةِ وَإِنْ اقْتَضَى الْمَبِيتُ أَكْثَرَ اللَّيْلِ وَإِنْ عَرَفَ رَجُلًا بِوَجْهِهِ
____________________
(3/338)
دُونَ اسْمِهِ وَطَالَتْ صُحْبَتُهُ له فَحَلَفَ لَا أَعْرِفُهُ حَنِثَ أو حَلَفَ لَا أَنَامُ على ثَوْبٍ لَك فَتَوَسَّدَ مِخَدَّتَهَا مَثَلًا لم يَحْنَثْ كما لو وَضَعَ عليها يَدَيْهِ أو رِجْلَيْهِ
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ من مَالِ زَيْدٍ فَأَضَافَهُ أو نَثَرَ مَأْكُولًا فَالْتَقَطَهُ كما عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ أو خَلَطَا زَادَيْهِمَا وَأَكَلَ من ذلك لم يَحْنَثْ لِأَنَّ الضَّيْفَ يَمْلِكُ الطَّعَامَ قُبَيْلَ الِازْدِرَادِ وَالْمُلْتَقِطُ يَمْلِكُ الْمَلْقُوطَ بِالْأَخْذِ وَالْخَلْطُ في مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ قال الرَّافِعِيُّ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ أَحَدًا أَبَدًا إلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا فَكَلَّمَهُمَا جميعا حَنِثَ كما لو قال لَا أُكَلِّمُ إلَّا هذا وَهَذَا فَكَلَّمَهُمَا جميعا وَهَذَا كما قال الْإِسْنَوِيُّ إنَّمَا يَتَّجِهُ إذْ كانت الصُّورَتَانِ بِأَوْ لَا بِالْوَاوِ
أو حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارِهِ ما دَامَ فيها فَانْتَقَلَ منها وَعَادَ إلَيْهَا ثُمَّ دَخَلَهَا الْحَالِفُ وهو فيها لم يَحْنَثْ لِانْقِطَاعِ الدَّيْمُومَةِ بِالِانْتِقَالِ منها نعم إنْ أَرَادَ كَوْنَهُ فيها فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ
أو قال أَنْت طَالِقٌ إنْ قَتَلْت زَيْدًا غَدًا فَضَرَبَهُ الْيَوْمَ وَمَاتَ منه غَدًا لم يَحْنَثْ لِأَنَّ الْقَتْلَ هو الْفِعْلُ الْمُفَوِّتُ لِلرُّوحِ ولم يُوجَدْ غَدًا أو حَلَفَ لَا يُغْضِبُهَا فَضَرَبَ ابْنَهَا وَلَوْ تَأْدِيبًا فَغَضِبَتْ حَنِثَ لِوُجُودِ الصِّفَةِ
أو حَلَفَ لَا صُمْت زَمَانًا حَنِثَ بِالشُّرُوعِ في الصَّوْمِ كما لو حَلَفَ لَا صُمْت وما قَالَهُ مُسَاوٍ نُسَخَ الْأَصْلِ الْمُعْتَمَدَةَ الْمُعَبِّرُ فيها بِقَوْلِهِ لَا يَصُومُ وَوَقَعَ في الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِنُسَخِ الْأَصْلِ السَّقِيمَةِ التَّعْبِيرُ بِقَوْلِهِ لَيَصُومَن وهو تَحْرِيفٌ كما نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ أو حَلَفَ لَيَصُومَن أَزْمِنَةً كَفَاهُ يَوْمٌ يَصُومُهُ لِاشْتِمَالِهِ على أَزْمِنَةٍ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الِاكْتِفَاءُ بِصَوْمِ ثَلَاثِ لَحَظَاتٍ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ أو حَلَفَ لَيَصُومَن الْأَيَّامَ فَلْيَصُمْ ثَلَاثًا منها حَمْلًا عليها لَا على أَيَّامِ الْعُمُرِ
أو قال إنْ كان اللَّهُ يُعَذِّبُ الْمُوَحِّدِينَ فَأَنْت طَالِقٌ لم تَطْلُقْ إلَّا أَنْ يُرِيدَ إنْ كان يُعَذِّبُ أَحَدًا منهم فَعُلِمَ أنها لَا تَطْلُقُ فِيمَا إذَا أَرَادَ إنْ كان يُعَذِّبُهُمْ كُلَّهُمْ أو يُطَلِّقُ لِأَنَّ التَّعْذِيبَ يَخْتَصُّ بِبَعْضِهِمْ
وَإِنْ اُتُّهِمَ كَأَنْ اتَّهَمَتْهُ زَوْجَتُهُ بِاللِّوَاطِ فَحَلَفَ لَا يَأْتِي حَرَامًا حَنِثَ بِكُلِّ مُحَرَّمٍ من تَقْبِيلٍ أو لَمْسٍ أو نَحْوِهِ لِعُمُومِ اللَّفْظِ بِخِلَافِ ما لو قالت له فَعَلْت كَذَا حَرَامًا فقال إنْ فَعَلْت حَرَامًا فَأَنْت طَالِقٌ لِأَنَّ كَلَامَهُ ثَمَّ تَرَتَّبَ على كَلَامِهَا وَهُنَا اخْتَلَفَ اللَّفْظُ فَحُمِلَ كَلَامُهُ على الِابْتِدَاءِ وَكَأَنَّهَا ابْتَدَأَتْهُ بِنَوْعٍ من الْحَرَامِ فَنَفَى عن نَفْسِهِ جِنْسَ الْحَرَامِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قال الْإِسْنَوِيُّ وهو مُشْكِلٌ بَلْ الصَّوَابُ وَقِيَاسُ نَظَائِرِهِ أَنَّهُ يَحْنَثُ وَلَا أَثَرَ لِتَرَتُّبِ كَلَامِهِ على كَلَامِ غَيْرِهِ وَلِهَذَا لو قِيلَ له كَلِّمْ زَيْدًا الْيَوْمَ قال وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْته انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ على الْأَبَدِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْيَوْمَ كما قَالَهُ الرَّافِعِيُّ في أَوَاخِرِ الْأَيْمَانِ انْتَهَى وَلَعَلَّ الرَّافِعِيَّ أَرَادَ ثَمَّ ما إذَا أَرَادَ الزَّوْجُ ما ذَكَرَتْهُ الْمَرْأَةُ خَاصَّةً
أو قال إنْ خَرَجْت من الدَّارِ فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قال وَلَا تَخْرُجِينَ من الصِّفَةِ أَيْضًا لَغَا الْأَخِيرُ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ ليس فيه صِيغَةُ تَعْلِيقٍ وَلَا عَطْفٍ فَلَوْ خَرَجَتْ من الصِّفَةِ لم تَطْلُقْ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لو قال بَدَلَ الْأَخِيرِ عَقِبَ ما قَبْلَهُ وَمِنْ الصِّفَةِ أَيْضًا طَلُقَتْ وهو ظَاهِرٌ
أو أَنْت طَالِقٌ في الْبَحْرِ أو في مَكَّةَ أو في الظِّلِّ أو نَحْوِهَا مِمَّا لَا يُنْتَظَرُ طَلُقَتْ في الْحَالِ إنْ لم يَقْصِدْ التَّعْلِيقَ فَإِنْ قَصَدَهُ لم تَطْلُقْ حتى يُوجَدَ الْمُعَلَّقُ عليه وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ في قَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ في الدَّارِ من أَنَّهُ تَعْلِيقٌ وَالْأَوْجَهُ أَنَّ هذا مِثْلُهُ وَجَرَى عليه الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وقال إنَّ غَيْرَهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ فَائِدَةَ التَّخْصِيصِ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنْت طَالِقٌ في الشِّتَاءِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُنْتَظَرُ فَتَعْلِيقٌ فَلَا تَطْلُقُ حتى يَجِيءَ الشِّتَاءُ وَنَحْوُهُ
أو قال إنْ أَكَلَتْ طَبِيخَك فَأَنْت طَالِقٌ فَوَضَعَتْ الْقِدْرَ على نَارٍ غَيْرِ مُوقَدَةٍ فَأَوْقَدَهَا غَيْرُهَا أو إنْ أَكَلَتْ طَعَامَك فَأَنْت طَالِقٌ فَخَمَّرَ عَجِينَهُ منه بِأَنْ أَخَذَ منه خَمِيرًا أو مَاءً أو مِلْحًا فَعَجَنَ بِهِ دَقِيقَهُ وَأَكَلَهُ أَيْ ما طُبِخَ أو عُجِنَ لم يَحْنَثْ لِأَنَّ الذي طَبَخَ في الْأُولَى غَيْرُ الزَّوْجَةِ وَطَعَامُهَا في الثَّانِيَةِ مُسْتَهْلَكٌ فَأَشْبَهَ ما لو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا فَأَكَلَهُ في عَصِيدَةٍ قد اُسْتُهْلِكَ فيها بِخِلَافِ ما يَأْتِي في الْأَيْمَانِ فِيمَا لو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ من طَعَامٍ اشْتَرَاهُ زَيْدٌ فَاخْتَلَطَ مُشْتَرَاهُ بِمُشْتَرِي غَيْرِهِ من أَنَّهُ يَحْنَثُ إذَا أَكَلَ منه ما يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ مِمَّا اشْتَرَاهُ لِأَنَّ ذَاكَ في مُسْتَهْلَكِ عَيْنِهِ بَاقِيَةٌ بِخِلَافِ هذا وَلِهَذَا يُجَابُ طَالِبُ الْقِسْمَةِ ثَمَّ بِخِلَافِهِ هُنَا
أو قال إنْ كان عِنْدَك نَارٌ فَأَنْت طَالِقٌ حَنِثَ بِالسِّرَاجِ أَيْ بِوُجُودِهِ عِنْدَهَا أو إنْ جُعْت يَوْمًا في بَيْتِي فَأَنْت طَالِقٌ فَجَاعَتْ يَوْمًا بِلَا صَوْمٍ طَلُقَتْ بِخِلَافِ ما لو جَاعَتْ يَوْمًا بِصَوْمٍ
أو حَلَفَ لَا دَخَلْت دَارَك فَبَاعَتْهَا ثُمَّ دَخَلَهَا لم يَحْنَثْ
أو قال إنْ لم
____________________
(3/339)
تَكُونِي أو إنْ لم يَكُنْ وَجْهُك أَحْسَنَ من الْقَمَرِ فَأَنْت طَالِقٌ لم تَطْلُقْ وَإِنْ كانت زِنْجِيَّةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى لقد خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ إذْ الْمُرَادُ بِهِ إحْكَامُ الْخِلْقَةِ وَكَمَالُ الْعَقْلِ نعم إنْ أُرِيدَ بِالْحُسْنِ الْجَمَالُ فَظَاهِرٌ كما يُفْهِمُهُ كَلَامُ الْقَاضِي كَالْقَفَّالِ أنها إذَا كانت قَبِيحَةَ الشَّكْلِ تَطْلُقُ نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ وفي نُسَخِ الرَّافِعِيِّ الصَّحِيحَةِ بَعْدَمَا مَرَّ وَلَوْ قال أَضْوَأُ من الْقَمَرِ فَالْحُكْمُ بِخِلَافِهِ أَيْ فَتَطْلُقُ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ
وَلَوْ قالت لِزَوْجِهَا اُصْبُغْ لي ثَوْبًا تُؤْجَرْ عليه فقال إنْ كان لي فيه أَجْرٌ فَأَنْت طَالِقٌ فقالت اسْتَفْتَيْت فُلَانًا الْعَالِمَ فَأَفْتَانِي بِأَنَّ لَك أَجْرًا فَأَطْلَقَ فقال إنْ كان عَالِمًا فَأَنْت طَالِقٌ وكان الناس يُسَمُّونَهُ عَالِمًا طَلُقَتْ بهذا لِأَنَّ الناس يُسَمُّونَهُ عَالِمًا لَا بِالثَّوْبِ أَيْ صَبْغِهِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ وَالْمُبَاحُ لَا أَجْرَ فيه وَقِيلَ تَطْلُقُ بِهِ أَيْضًا إنْ قَصَدَ الْبِرَّ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُؤْجَرُ في الْمُبَاحِ إذَا قَصَدَ الْبِرَّ وَاعْتَرَضَ عليه النَّوَوِيُّ في الرَّوْضَةِ اعْتِرَاضًا وهو أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْخِلَافِ في هذا لِأَنَّهُ إنْ قَصَدَ الطَّاعَةَ كان فيه أَجْرٌ وَيَحْنَثُ وَإِلَّا فَلَا وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ في هذه الصُّورَةِ لِأَنَّهُ لم يَقَعْ فِعْلٌ بِنِيَّةِ الطَّاعَةِ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ فيه نَظَرٌ هو من زِيَادَتِهِ تَبِعَ فيه الْإِسْنَوِيُّ الْمُوَجَّهَ له بِأَنَّ الثَّوَابَ بِالْقَصْدِ وَإِنْ لم يَفْعَلْ وهو لَا يَضُرُّ النَّوَوِيُّ في مُرَادِهِ من أَنَّ صِفَةَ الطَّلَاقِ من الصَّبْغِ الْمُقَيَّدُ بِنِيَّةِ الطَّاعَةِ لم تُوجَدْ
أو حَلَفَ لَا قَصَدْتُك لِلْجِمَاعِ بِأَنْ قال إنْ قَصَدْتُك بِالْجِمَاعِ فَأَنْت طَالِقٌ فَقَصَدَتْهُ هِيَ فَجَامَعَهَا لم يَحْنَثْ بِخِلَافِ لَا قَصَدْت جِمَاعَك بِأَنْ قال إنْ قَصَدْت جِمَاعَك فَأَنْت طَالِقٌ فَقَصَدَتْهُ فَجَامَعَهَا فإنه يَحْنَثُ
وَإِنْ حَلَفَ شَافِعِيٌّ وَحَنَفِيٌّ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ إمَامَهُ أَفْضَلُ من إمَامِ الْآخَرِ لم يَحْنَثْ تَشْبِيهًا بِمَسْأَلَةِ الْغُرَابِ وَلِأَنَّ كُلًّا من الْإِمَامَيْنِ قد يَعْلَمُ ما لَا يَعْلَمُهُ الْآخَرُ أو اخْتَلَفَ سُنِّيٌّ وَرَافِضِي في أَفْضَلِيَّةِ أبي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ فَحَلَفَ السُّنِّيُّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَفْضَلُ من عَلِيٍّ وَعَكَسَ الْآخَرُ حَنِثَ الرَّافِضِيُّ لِقِيَامِ الْأَدِلَّةِ على أَفْضَلِيَّةِ أبي بَكْرٍ على عَلِيٍّ أو اخْتَلَفَ سُنِّيٌّ وَمُعْتَزِلِيٌّ في أَنَّ الشَّرَّ وَالْخَيْرَ من اللَّهِ أو من الْعَبْدِ فَحَلَفَ السُّنِيُّ أَنَّهُمَا من اللَّهِ وَالْمُعْتَزِلِيُّ أَنَّهُمَا من الْعَبْدِ حَنِثَ الْمُعْتَزِلِيُّ لِقِيَامِ الْأَدِلَّةِ على أَنَّهُمَا من اللَّهِ
وَلَوْ حَلَفَ إنْ بَقِيَ لَك هُنَا مَتَاعٌ ولم أُكَسِّرْهُ على رَأْسِك فَأَنْت طَالِقٌ فَبَقَّى هَاوُنٌ بِأَنْ قال إنْ دَخَلْت الْبَيْتَ وَوَجَدْت فيه شيئا من مَتَاعِك ولم أُكَسِّرْهُ على رَأْسِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَ فَوَجَدَ في الْبَيْتِ هَاوُنًا لها فَقِيلَ لَا تَطْلُقُ لِلِاسْتِحَالَةِ فَلَيْسَ الْهَاوُنُ مُرَادًا في الْيَمِينِ بِقَرِينَةِ الْحَالِ وَقِيلَ تَطْلُقُ عِنْدَ الْمَوْتِ أَيْ قُبَيْلَ مَوْتِهِ أو مَوْتِهَا لِلْيَأْسِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ وَبِهِ جَزَمَ الْخُوَارِزْمِيَّ ولم يَحْكِ الْقَاضِي في فَتَاوِيهِ غَيْرَهُ انْتَهَى وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ الصَّحِيحُ وَجْهٌ ثَالِثٌ وهو الْحِنْثُ الْآنَ كما ذَكَرُوهُ في الْأَيْمَانِ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الْعَجْزَ يَتَحَقَّقُ في الْحَالِ وَإِنَّمَا يَحْسُنُ الِانْتِظَارُ فِيمَا يُتَوَقَّعُ حُصُولُهُ مَرْدُودٌ فَإِنَّهُمْ لم يَذْكُرُوهُ في هذه بَلْ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ مَاءَ هذا الْبَحْرِ وَلَيْسَ ما نَحْنُ فيه مثله وَإِنَّمَا يَكُونُ مثله لو قال لَأُكَسِّرَنَّ هذا الْهَاوُنَ على رَأْسِك
وَإِنْ قال من خَرَجَتْ من نِسَائِي مَكْشُوفَةً لِيُبْصِرَهَا الْأَجَانِبُ فَهِيَ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ مَكْشُوفَةً لِذَلِكَ طَلُقَتْ وَإِنْ لم يُبْصِرُوهَا فَإِنْ قال من خَرَجَتْ مَكْشُوفَةً وَأَبْصَرُوهَا الْأَفْصَحُ وَأَبْصَرَهَا الْأَجَانِبُ فَهِيَ طَالِقٌ اشْتَرَطَ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ أَنْ يُبْصِرُوهَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلَاقَ في هذه مُعَلَّقٌ على صِفَتَيْنِ ولم تُوجَدْ إلَّا إحْدَاهُمَا وفي تِلْكَ على صِفَةٍ فَقَطْ وقد وُجِدَتْ قال الرَّافِعِيُّ وَسُئِلَ بَعْضُهُمْ عن الْحَنْبَلِيِّ يقول إنْ لم يَكُنْ اللَّهُ على الْعَرْشِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَالْأَشْعَرِيِّ يقول إنْ كان على الْعَرْشِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فقال إنْ أَرَادَ الْحَنْبَلِيُّ الْمَعْنَى الذي وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ لم تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ
كِتَابُ الرَّجْعَةِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ عِنْدَ الْجَوْهَرِيِّ وَالْكَسْرُ أَكْثَرُ عِنْدَ الْأَزْهَرِيِّ وَهِيَ لُغَةً الْمَرَّةُ من الرُّجُوعِ
____________________
(3/340)
وَشَرْعًا رَدُّ الْمَرْأَةِ إلَى النِّكَاحِ من طَلَاقٍ غَيْرِ بَائِنٍ في الْعِدَّةِ كما يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي وَالْأَصْلُ فيها قبل الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ في ذلك أَيْ في الْعِدَّةِ إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا أَيْ رَجْعَةً كما قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ عنه وَقَوْلُهُ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أو تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَالرَّدُّ وَالْإِمْسَاكُ مُفَسَّرٌ أَنَّ بِالرَّجْعَةِ وَقَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِعُمَرَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا كما مَرَّ وَطَلَّقَ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَفْصَةَ ثُمَّ رَاجَعَهَا رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قال الزَّرْكَشِيُّ وَسَكَتُوا عن كَوْنِهَا سُنَّةً أو لَا لِاخْتِلَافِ ذلك بِحَسَبِ الْحَالِ وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ في أَرْكَانِهَا وَهِيَ ثَلَاثَةٌ مُرْتَجِعٌ وَصِيغَةٌ وَزَوْجَةٌ وَجَعَلَ الْأَصْلُ من أَرْكَانِهَا الطَّلَاقَ مع قَوْلِهِ إنَّهُ سَبَبٌ لها الْأَوَّلُ الزَّوْجُ الْمُرْتَجِعُ وَشَرْطُهُ أَهْلِيَّةُ عَقْدِ النِّكَاحِ بِنَفْسِهِ بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا غير مُرْتَدٍّ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ كَإِنْشَاءِ النِّكَاحِ فَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ في الرِّدَّةِ وَالصِّبَا وَالْجُنُونِ كما لَا يَصِحُّ ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ فيها وَتَصِحُّ من السَّكْرَانِ وَأَوْرَدَ على ذلك الْمُحْرِمَ فإنه يُرَاجِعُ وَلَيْسَ فيه أَهْلِيَّةُ النِّكَاحِ وَرُدَّ بِأَنَّ فيه الْأَهْلِيَّةَ وَإِنَّمَا الْإِحْرَامُ مَانِعٌ لَكِنْ لِلْعَبْدِ وَالسَّفِيهِ الرَّجْعَةُ بِلَا إذْنٍ وَإِنْ احْتَاجَ في النِّكَاحِ إلَيْهِ إذْ يُغْتَفَرُ في الدَّوَامِ ما لَا يُغْتَفَرُ في الِابْتِدَاءِ وَلِحُرٍّ تَحْتَهُ حُرَّةٌ مُرَاجَعَةٌ لِأَمَةٍ التي طَلَّقَهَا لِذَلِكَ وَيُرَاجِعُ الْوَلِيُّ لِمَجْنُونٍ طَلَّقَ قبل جُنُونِهِ حَيْثُ يَجُوزُ له تَزْوِيجُهُ بِأَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ الْمَجْنُونُ
الرُّكْنُ الثَّانِي الصِّيغَةُ وَصَرِيحُهَا رَاجَعْت فُلَانَةَ أو ارْتَجَعْتهَا أو رَجَعْتهَا وَإِنْ لم يَقُلْ إلَيَّ أو إلَى نِكَاحِي لِشُهْرَتِهَا في ذلك وَوُرُودِهَا في الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَيَلْحَقُ بها سَائِرُ ما اُشْتُقَّ من مَصْدَرِهَا كما صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي كانت مُرَاجَعَةً أو مُرْتَجَعَةً وَلَوْ كانت الصِّيغَةُ بِالْعَجَمِيَّةِ سَوَاءٌ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ أَمْ لَا كما في عَقْدِ النِّكَاحِ وَكَذَا رَدَّدْتهَا لِوُرُودِهِ في الْكِتَابِ قال تَعَالَى وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ إلَيَّ أو إلَى نِكَاحِي مع رَاجَعْت زَوْجَتِي وَنَحْوَهُ من الْأَلْفَاظِ السَّابِقَةِ لَكِنَّهُ في رَدَدْت زَوْجَتِي شَرْطٌ لِصَرَاحَتِهِ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ منه إلَى الْفَهْمِ ضِدُّ الْقَبُولِ فَقَدْ يُفْهَمُ منه الرَّدُّ إلَى الْأَبَوَيْنِ بِسَبَبِ الْفِرَاقِ فَلَزِمَ تَقْيِيدُهُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْبَقِيَّةِ لَكِنْ قال ابن الرِّفْعَةِ الْمَشْهُورُ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ فيه أَيْضًا وقوله رَاجَعْت مَثَلًا بِلَا إضَافَةٍ إلَى مُظْهَرٍ أو مُضْمَرٍ لَا يُجْزِئُ فَلَا بُدَّ من إضَافَةٍ إلَيْهِ كَرَاجَعْتُ فُلَانَةَ أو رَاجَعْتُك أو رَاجَعْتهَا كما صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وقوله رَاجَعْتهَا لِلضَّرْبِ أو لِلْإِكْرَامِ أو نَحْوِهِمَا لَا يَضُرُّ في صِحَّةِ الرَّجْعَةِ إلَّا إنْ قَصَدَهُمَا دُونَ الرَّجْعَةِ فَيَضُرُّ فَتَحْصُلُ الرَّجْعَةُ فِيمَا إذَا قَصَدَهُمَا مَعَهَا أو أَطْلَقَ فَيُسْأَلُ احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ قد يُبَيِّنُ ما لَا تَحْصُلُ بِهِ الرَّجْعَةُ فَإِنْ مَاتَ قبل السُّؤَالِ حَصَلَتْ الرَّجْعَةُ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَرِيحٌ وقوله أَمْسَكْتُك وَتَزَوَّجْتُك وَاخْتَرْت رَجْعَتَك وَرَفَعْت تَحْرِيمَك وَأَعَدْت حِلَّك وَنَحْوَهُ أَيْ كُلٌّ منها كِنَايَةً لِاحْتِمَالِهِ الرَّجْعَةَ وَغَيْرِهَا وَلِأَنَّ تَزَوَّجْتُك وَنَحْوَهُ كَ نَكَحْتُك صَرِيحَانِ في ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فَلَا يَكُونَانِ صَرِيحَيْنِ في الرَّجْعَةِ لِأَنَّ ما كان صَرِيحًا في شَيْءٍ لَا يَكُونُ صَرِيحًا في غَيْرِهِ كَالطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وما قَالَهُ في أَمْسَكْتُك من أَنَّهُ كِنَايَةٌ تَبِعَ فيه الْإِسْنَوِيَّ وَالْأَذْرَعِيَّ النَّاقِلَيْنِ له عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ وهو خِلَافُ ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ من أَنَّهُ صَرِيحٌ وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ لِوُرُودِهِ في الْقُرْآنِ وَعَلَيْهِ قال في الْأَصْلِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَجِيءَ في اشْتِرَاطِ الْإِضَافَةِ فيه الْخِلَافُ في اشْتِرَاطِهَا في رَدَدْتهَا لَكِنْ قال بَعْدَهُ وَاَلَّذِي أَوْرَدَهُ في التَّهْذِيبِ اسْتِحْبَابُهَا فيه مع حِكَايَتِهِ الْخِلَافَ في الِاشْتِرَاطِ في رَدَدْتهَا وَهَذَا هو الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ عن ابْنِ الرِّفْعَةِ في رَدَدْتهَا
وَكَذَا لو جَرَى عَقْدٌ لِلنِّكَاحِ عليها بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ بَدَلَ الرَّجْعَةِ كان كِنَايَةً لِمَا مَرَّ وقد عُلِمَ من كَلَامِهِ أَنَّ صَرَائِحَ الرَّجْعَةِ مُنْحَصِرَةٌ فِيمَا ذَكَرَهُ على ما تَقَرَّرَ فَلَا تُجْزِئُ في غَيْرِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ قال لِأَنَّ الطَّلَاقَ صَرَائِحُهُ مَحْصُورَةٌ مع أَنَّهُ إزَالَةُ حِلٍّ فَالرَّجْعَةُ التي تُحَصِّلُهُ أَوْلَى
فَرْعٌ لَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ على الرَّجْعَةِ لِأَنَّهَا في حُكْمِ اسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ وَلِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ وَالْأَمْرِ بِهِ في آيَةِ فإذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ مَحْمُولٌ على الِاسْتِحْبَابِ كما في قَوْلِهِ وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ وَإِنَّمَا وَجَبَ الْإِشْهَادُ على النِّكَاحِ لِإِثْبَاتِ الْفِرَاشِ وهو ثَابِتٌ هُنَا فَتَصِحُّ بِالْكِنَايَةِ وَالْكِتَابَةِ وَإِنْ قَدَرَ على النُّطْقِ كَالْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ وَعَطْفُ الْكِتَابَةِ على الْكِنَايَةِ من عَطْفِ الْخَاصِّ على الْعَامِّ لَا بِالْوَطْءِ وَمُقَدَّمَاتِهِ وَإِنْ نَوَى بها الرَّجْعَةَ لِعَدَمِ دَلَالَتِهَا عليها وَكَمَا لَا يَحْصُلُ بها
____________________
(3/341)
النِّكَاحُ وَلِأَنَّ الْوَطْءَ يُوجِبُ الْعِدَّةَ فَكَيْفَ يَقْطَعُهَا وَاسْتَثْنَى منه وَطْءَ الْكَافِرِ وَمُقَدِّمَتَهُ إذَا كان ذلك عِنْدَهُمْ رَجْعَةً وَأَسْلَمُوا لو تَرَافَعُوا إلَيْنَا فَنُقِرُّهُمْ كما نُقِرُّهُمْ على الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ بَلْ أَوْلَى
ولا إنْكَارَ الطَّلَاقِ أَيْ إنْكَارَ الزَّوْجِ له أَيْ لَا تَصِحُّ بِهِ الرَّجْعَةُ لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عليها وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زَيَّاتِهِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا كَالنِّكَاحِ فَلَوْ قال رَاجَعْتُك إنْ شِئْت فقال شِئْت لم يَصِحَّ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في الْبَيْعِ لِأَنَّ ذلك مُقْتَضَاهُ بِخِلَافِهِ هُنَا وَلَا يَضُرُّ رَاجَعْتُك إذْ شِئْت أو إنْ شِئْت بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ لَا كَسْرِهَا لِأَنَّ ذلك تَعْلِيلٌ لَا تَعْلِيقٌ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بين النَّحْوِيِّ وَغَيْرِهِ فَيَسْتَفْسِرُ الْجَاهِلُ بِالْعَرَبِيَّةِ
وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا أَيْ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ وَأَبْهَمَ ثُمَّ رَاجَعَ أو طَلَّقَهُمَا جميعا ثُمَّ رَاجَعَ إحْدَاهُمَا لم يَصِحَّ إذْ لَيْسَتْ الرَّجْعَةُ في احْتِمَالِ الْإِبْهَامِ كَالطَّلَاقِ لِشَبَهِهَا بِالنِّكَاحِ وهو لَا يَصِحُّ معه وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالرَّجْعَةِ كَأَنْ قال لِرَجْعِيَّةٍ مَتَى رَاجَعْتُك فَأَنْت طَالِقٌ أو قال لِمَنْ هِيَ في نِكَاحِهِ مَتَى طَلَّقْتُك وَرَاجَعْتُك فَأَنْت طَالِقٌ فَرَاجَعَهَا صَحَّ الِارْتِجَاعُ وَطَلُقَتْ وَهَذِهِ عُلِمَتْ من بَابِ الطَّلَاقِ
الرُّكْنُ الثَّالِثُ الزَّوْجَةُ فَلَا يُرَاجِعُ إلَّا في عِدَّةِ وَطْءٍ من زَوْجٍ وَلَوْ في الدُّبُرِ وَطَلَاقٍ بَعْدَ الْوَطْءِ بِلَا عِوَضٍ وَلَا اسْتِيفَاءِ عَدَدٍ لِلطَّلَاقِ وَكَالْوَطْءِ اسْتِدْخَالُ مَاءِ الزَّوْجِ كما مَرَّ في اللَّعْنَةِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ لِلْمُطَلَّقَةِ قبل الْوَطْءِ وَالِاسْتِدْخَالِ إذْ لَا عِدَّةَ عليها وَلَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إذْ لو كان حَقُّ الرَّجْعَةِ بَاقِيًا لَمَا أُبِيحَ لَهُنَّ النِّكَاحُ وَالْمُرَادُ بِالْبُلُوغِ هُنَا حَقِيقَتُهُ وفي فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسَكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ مُقَارَبَةُ الْأَجَلِ وَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَ فِيمَا قبل عِدَّتِهِ كَأَنْ كانت في عِدَّةِ غَيْرِهِ كما سَيَأْتِي عن الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ في الْعِدَدِ أو طَلَّقَهَا حَائِضًا أو نُفَسَاءَ كما مَرَّ في الطَّلَاقِ وفي اشْتِرَاطِ تَحَقُّقِ الطَّلَاقِ خِلَافٌ فَلَوْ عَلَّقَهُ على شَيْءٍ وَشَكَّ في حُصُولِهِ فَرَاجَعَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كان حَاصِلًا فَفِي صِحَّةِ الرَّجْعَةِ وَجْهَانِ من الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا بَاعَ مَالَ أبيه يَظُنُّ حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا قال الرُّويَانِيُّ وَالْأَصَحُّ أنها لَا تَصِحُّ قال الْأَذْرَعِيُّ كَذَا نَقَلَهُ عنه الْقَمُولِيُّ وَرَأَيْته كَذَلِكَ في الْبَحْرِ وَإِلَّا ثَبَتَ ما نَقَلَهُ عنه الشَّيْخِ كَمَالُ الدِّينِ سَلَّارٌ شَيْخُ النَّوَوِيِّ في مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ أنها تَصِحُّ وَخَرَجَ بِالطَّلَاقِ الْفَسْخُ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ إنَّمَا وَرَدَتْ في الطَّلَاقِ وَلِأَنَّ الْفَسْخَ شُرِعَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَلَا يَلِيقُ بِهِ جَوَازُ الرَّجْعَةِ وَبِقَوْلِهِ بِلَا عِوَضٍ الطَّلَاقُ بِعِوَضٍ لِبَيْنُونَتِهَا وَبِقَوْلِهِ وَلَا اسْتِيفَاءِ عَدَدٍ ما لو اسْتَوْفَاهُ لِبَيْنُونَتِهَا وَلِئَلَّا يَبْقَى النِّكَاحُ بِلَا طَلَاقٍ وَلِأَنَّ اسْتِيفَاءَهُ يُحْوِجُ إلَى مُحَلِّلٍ
وَلَا يُرَاجِعُ حَالَ رِدَّةٍ منه أو من الزَّوْجَةِ أو منها في الْعِدَّةِ وَهَذَا في حَقِّ الزَّوْجِ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ فإذا طَلَّقَهَا في الرِّدَّةِ وَقَفَ الطَّلَاقُ فَإِنْ جَمَعَهُمَا الْإِسْلَامُ في الْعِدَّةِ تَبَيَّنَّا نُفُوذَهُ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ رَاجَعَهَا فيها لَغَا وَإِنْ عَادَ الْمُرْتَدُّ إلَى الْإِسْلَامِ قبل انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لِأَنَّ مَقْصُودَ الرَّجْعَةِ الِاسْتِبَاحَةُ وما دَامَ أَحَدُهُمَا مُرْتَدًّا لَا يَجُوزُ التَّمَتُّعُ بها وَلِأَنَّهَا جَارِيَةٌ إلَى الْبَيْنُونَةِ وَالرَّجْعَةُ لَا تُلَائِمُ حَالَهَا وَتُخَالِفُ الطَّلَاقَ حِينَئِذٍ حَيْثُ يُوقَفُ كما مَرَّ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ كَالرِّدَّةِ فَيَتَنَاسَبَانِ وَلَيْسَتْ الرِّدَّةُ كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْإِحْرَامِ لِأَنَّهَا أَسْبَابٌ عَارِضَةٌ وَلَا أَثَرَ لها في زَوَالِ النِّكَاحِ
وَلَوْ أَسْلَمَتْ زَوْجَةُ ذِمِّيٍّ أو أَسْلَمَ وَزَوْجَتُهُ وَثَنِيَّةٌ فَرَاجَعَهَا لم يَصِحَّ لِمَا مَرَّ في مَسْأَلَةِ الرِّدَّةِ فَلَوْ أَسْلَمَ أو أَسْلَمَتْ في الْعِدَّةِ اسْتَأْنَفَ الرَّجْعَةَ وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ رَجْعَتِهَا رِضَاهَا وَلَا حُضُورُ الْوَلِيِّ وَلَا عِلْمُهُ بها وَلَا رِضَا سَيِّدِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ وَيُسَنُّ إعْلَامُهُ أَيْ سَيِّدِهَا وَمِثْلُهُ الْوَلِيُّ
وَلَا تَسْقُطُ الرَّجْعَةُ بِالْإِسْقَاطِ لها وَلَا يُشْتَرَطُ إسْقَاطُهَا كما لَا يَسْقُطُ الْوَلَاءُ في الْعِتْقِ بِشَرْطِ إسْقَاطِهِ
فَصْلٌ لو قال طَلَّقْتُك في رَمَضَانَ فقالت بَلْ في شَوَّالٍ فَتُؤَاخِذُ بِقَوْلِهَا لِأَنَّهَا غَلَّظَتْ على نَفْسِهَا بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَأَمَّا نَفَقَتُهَا في الْمُدَّةِ لِزَائِدَةٍ فَتَسْتَحِقُّهَا كما سَيَأْتِي في النَّفَقَاتِ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ إسْقَاطَهَا وَالْأَصْلُ دَوَامُهَا وَعَدَمُ الطَّلَاقِ في الزَّمَنِ الْمَاضِي وَالْقَوْلُ في انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِمَا سِوَى الْأَشْهُرِ من الْوِلَادَةِ وَالْأَقْرَاءِ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا إنْ أَمْكَنَ دَعْوَاهَا وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ إذْ يَعْسُرُ عليها إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِذَلِكَ وَلِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ على ما في رَحِمِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ في أَرْحَامِهِنَّ وَلَوْلَا أَنَّ قَوْلَهُنَّ مَقْبُولٌ لم يَأْثَمْنَ
____________________
(3/342)
بِالْكِتْمَانِ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِكِتْمَانِهِنَّ حِينَئِذٍ فَهُوَ كَقَوْلِهِ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فإنه آثِمٌ قَلْبُهُ وَخَرَجَ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ غَيْرُهُ كَالنَّسَبِ وَالِاسْتِيلَادِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَبِمَا سِوَى الْأَشْهُرِ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فيه بِيَمِينِهِ لِرُجُوعِ النِّزَاعِ إلَى وَقْتِ الطَّلَاقِ وهو الْمُصَدَّقُ في أَصْلِهِ فَكَذَا في وَقْتِهِ وَبِقَوْلِهِ إنْ أَمْكَنَ ما إذَا لم يُمْكِنْ دَعْوَاهَا لِصِغَرٍ أو إيَاسٍ أو غَيْرِهِ فَهُوَ الْمُصَدَّقُ أَيْضًا وَفُرِّعَ على قَوْلِهِ إنْ أَمْكَنَ
قَوْلُهُ فَيُمْكِنُ انْقِضَاؤُهَا بِالْوِلَادَةِ لِتَمَامِ سِتَّةٍ الْأَوْلَى التَّمَامُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَحْظَتَيْنِ لَحْظَةٌ لِلْوَطْءِ وَلَحْظَةٌ لِلْوِلَادَةِ من حِينِ إمْكَانِ اجْتِمَاعِهِمَا أَيْ الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ النِّكَاحِ وَلِمَنْصُورٍ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِائَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَلَحْظَتَيْنِ من حِينِ إمْكَانِ الِاجْتِمَاعِ وَلِمُضْغَةٍ بِلَا صُورَةٍ بِمُضِيِّ ثَمَانِينَ يَوْمًا وَلَحْظَتَيْنِ من حِينِ إمْكَانِ الِاجْتِمَاعِ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ أَقْسَامُ الْحَمْلِ الذي تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَدَلِيلُ اعْتِبَارِ الْمُدَّةِ الْأُولَى بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ قَوْله تَعَالَى وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا مع قَوْلِهِ وَفِصَالُهُ في عَامَيْنِ وَدَلِيلُ اعْتِبَارِ الْمُدَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ بِمَا ذُكِرَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلك ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلك ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فيه الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَشَقِيٍّ أو سَعِيدٍ
وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ إذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللَّهُ إلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا الحديث فَأُجِيبَ عنه بِأَنَّ الْخَبَرَ الْأَوَّلَ أَصَحُّ أو أَنَّ هذا من التَّرْتِيبِ الْإِخْبَارِيِّ كَأَنْ قال أُخْبِرُكُمْ بِكَذَا ثُمَّ أُخْبِرُكُمْ كَذَا وَيُجَابُ أَيْضًا بِحَمْلِ التَّصْوِيرِ في الثَّانِي على غَيْرِ التَّامِّ وفي الْأَوَّلِ على التَّامِّ أو بِحَمْلِهِ على التَّصْوِيرِ بَعْدَ الْمُدَّةِ الْمُفَادَةِ من الْأَوَّلِ وَلَا يَمْنَعُ منه فَاءُ فَصَوَّرَهَا إذْ التَّقْدِيرُ فَمَضَتْ مُدَّةٌ فَصَوَّرَهَا كما في قَوْله تَعَالَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً ويمكن انْقِضَاؤُهَا بِالْأَقْرَاءِ لِمُطَلَّقَةٍ بِطُهْرٍ أَيْ فيه وَهِيَ حُرَّةٌ مُعْتَادَةٌ بِاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَحْظَتَيْنِ لَحْظَةٍ لِلْقَرْءِ الْأَوَّلِ وَلَحْظَةٍ لِلطَّعْنِ في الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُطَلِّقَهَا وقد بَقِيَ من الطُّهْرِ لَحْظَةٌ ثُمَّ تَحِيضُ أَقَلَّ الْحَيْضِ ثُمَّ تَطْهُرُ أَقَلَّ الطُّهْرِ ثُمَّ تَحِيضُ وَتَطْهُرُ كَذَلِكَ ثُمَّ تَطْعَنُ في الْحَيْضِ لَحْظَةً وَلَوْ خَالَفَ ذلك عَادَتَهَا فإنه يُمْكِنُ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا بِهِ وَإِنْ كانت مُبْتَدَأَةً فَبِثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَحْظَةٍ لِلطَّعْنِ في الدَّمِ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا لِأَنَّ الطُّهْرَ الذي طَلُقَتْ فيه ليس بِقَرْءٍ لِكَوْنِهِ غير مُحْتَوَشٍ بِدَمَيْنِ وَلَا يُعْتَبَرُ لَحْظَةٌ أُخْرَى لِاحْتِمَالِ طَلَاقِهَا في آخِرِ جُزْءٍ من ذلك الطُّهْرِ وبمضي سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَحْظَةٍ لِمَنْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِآخِرِ الْحَيْضِ فَتَطْهُرُ بِعِدَّةِ أَقَلِّ الطُّهْرِ ثُمَّ تَحِيضُ أَقَلَّ الْحَيْضِ ثُمَّ تَطْهُرُ وَتَحِيضُ كَذَلِكَ ثُمَّ تَطْهُرُ أَقَلَّ الطُّهْرِ ثُمَّ تَطْعَنُ في الْحَيْضِ لَحْظَةً وَكَذَا بِمُضِيِّ سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَحْظَةٍ لِمَنْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالْوِلَادَةِ بِأَنْ لم تَرَ نِفَاسًا وَهِيَ مُعْتَادَةٌ فَإِنْ رَأَتْهُ أو كانت مُبْتَدَأَةً زَادَتْ الْمُدَّةُ فَقَوْلُ الْأَصْلِ بَعْدَمَا ذُكِرَ وَيُعْتَبَرُ مُضِيُّ ثَلَاثِ حِيَضٍ وَالطَّعْنُ في الْحَيْضَةِ الرَّابِعَةِ سَهْوٌ وَصَوَابُهُ حَيْضَتَانِ وَالطَّعْنُ في الثَّالِثَةِ وَإِنْ كانت قِنَّةً فَطَلُقَتْ في طُهْرٍ وَهِيَ مُعْتَادَةٌ فَسِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ تَنْقَضِي بها عِدَّتُهَا بِأَنْ يُطَلِّقَهَا وقد بَقِيَ من الطُّهْرِ لَحْظَةٌ ثُمَّ تَحِيضُ أَقَلَّ الْحَيْضِ ثُمَّ تَطْهُرُ أَقَلَّ الطُّهْرِ ثُمَّ تَطْعَنُ في الْحَيْضِ لَحْظَةً أو وَهِيَ مُبْتَدَأَةٌ فَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ تَنْقَضِي بها عِدَّتُهَا أو طَلُقَتْ في حَيْضٍ أو وَقَعَ عليها الطَّلَاقُ بِالْوِلَادَةِ فَأَحَدٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ تَنْقُصِي بها عِدَّتُهَا وَاللَّحْظَةُ الْأَخِيرَةُ في مُدَّةِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ فَأَصْلُهُ لِلْقَرْءِ الثَّالِثِ عَمَّا بَعْدَهُ أَيْ مُبَيِّنَةً له لَا من الْعِدَّةِ فَهِيَ لَا تَصْلُحُ الرَّجْعَةُ وَلَا لِغَيْرِهَا من آثَارِ نِكَاحِ الْمُطَلِّقِ كَإِرْثٍ
وَلَوْ لم تَذْكُرْ الْمَرْأَةُ هل طَلُقَتْ في طُهْرٍ أو حَيْضٍ قال الْمَاوَرْدِيُّ أَخَذَتْ بِالْأَقَلِّ وهو أَنَّهُ طَلَّقَهَا في الطُّهْرِ وقال شَيْخُهُ الصَّيْمَرِيُّ أَخَذَتْ بِالْأَكْثَرِ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ من عِدَّتِهَا إلَّا بِيَقِينٍ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وهو الِاحْتِيَاطُ وَالصَّوَابُ فَإِنْ ادَّعَتْهُ أَيْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ لِدُونِ الْإِمْكَانِ كَذَّبْنَاهَا وَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَ ثُمَّ إنْ ادَّعَتْهُ أَيْضًا بَعْدَ ذلك لِلْإِمْكَانِ صَدَّقْنَاهَا وَلَوْ أَصَرَّتْ على دَعْوَاهَا الْأُولَى لِأَنَّ إصْرَارَهَا يَتَضَمَّنُ دَعْوَى الِانْقِضَاءِ الْآنَ وَكَمَا لو ادَّعَى الْمَالِكُ في الزَّكَاةِ غَلَطًا فَاحِشًا من الْخَارِصِ وَرُدَّ قَوْلُهُ فيه فإنه يُصَدَّقُ في الْقَدْرِ الذي يَقَعُ مِثْلُهُ في الْخَرَصِ
____________________
(3/343)
فَصْلٌ الرَّجْعَةُ مُخْتَصَّةٌ بِعِدَّةِ الطَّلَاقِ كما مَرَّ فَلَوْ وَطِئَ الرَّجْعِيَّةَ في أَثْنَاءِ عِدَّتِهِ اسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ من الْفَرَاغِ من الْوَطْءِ وَدَخَلَ فيها ما بَقِيَ من عِدَّةِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُمَا من شَخْصٍ وَاحِدَةٍ وَقَوْلُهُ اسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ أَعَمُّ من قَوْلِ الْأَصْلِ اسْتَأْنَفَتْ ثَلَاثَةَ أَقْرَاءٍ وَاخْتَصَّتْ الرَّجْعَةُ بِبَقِيَّةِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ دُونَ ما زَادَ عليها بِالْوَطْءِ فَلَوْ أَحْبَلَهَا بِالْوَطْءِ رَاجَعَهَا ما لم تَلِدْ لِوُقُوعِ عِدَّةِ الْوَطْءِ عن الْجِهَتَيْنِ كَالْبَاقِي من الْأَقْرَاءِ إلَّا أَنَّ ذلك يَتَبَعَّضُ وَمُدَّةُ الْحَمْلِ لَا تَتَبَعَّضُ فَإِنْ وَلَدَتْ فَلَا رَجْعَةَ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ
الْبَابُ الثَّانِي في أَحْكَامِهَا فَيَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِالرَّجْعِيَّةِ وَالنَّظَرُ إلَيْهَا وَسَائِرُ التَّمَتُّعَاتِ لِأَنَّهَا مُفَارَقَةٌ كَالْبَائِنِ وَيُعَزَّرُ بِوَطْئِهَا إنْ كان عَالِمًا مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَ الْوَطْءِ وَرَأَى الْإِمَامُ ذلك لِإِقْدَامِهِ على مَعْصِيَةٍ عِنْدَهُ فَلَا حَدَّ عليه بِهِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ في حُصُولِ الرَّجْعَةِ بِهِ لَا جَاهِلًا ولا مُعْتَقِدًا حِلَّهُ لِعُذْرِهِ وَمِثْلُهُ في ذلك الْمَرْأَةُ
وَكَالْوَطْءِ في التَّعْزِيرِ سَائِرُ التَّمَتُّعَاتِ وَيَلْزَمُهُ بِالْوَطْءِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَوْ رَاجَعَ بَعْدَهُ لِأَنَّهَا في تَحْرِيمِ الْوَطْءِ كَالْبَائِنِ فَكَذَا في الْمَهْرِ بِخِلَافِ ما لو وَطِئَ زَوْجَتَهُ في الرِّدَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يُزِيلُ أَثَرَ الرِّدَّةِ وَالرَّجْعَةُ لَا تُزِيلُ أَثَرَ الطَّلَاقِ
وَيَصِحُّ فيها طَلَاقٌ وَخُلْعٌ وَلِعَانٌ وَظِهَارٌ وَإِيلَاءٌ لِبَقَاءِ الْوِلَايَةِ عليها بِمِلْكٍ لِرَجْعَةٍ لَكِنْ لَا حُكْمَ لِلْأَخِيرَيْنِ حتى يُرَاجِعَ بَعْدَهُمَا مِمَّا سَيَأْتِيَانِ في بَابَيْهِمَا وَيَتَوَارَثَانِ وَتَجِبُ نَفَقَتُهَا عليه لِبَقَاءِ أَثَرِ الزَّوْجِيَّةِ فيها بِصِحَّةِ ما مَرَّ
وَلَوْ قال زَوْجَاتِي طَوَالِقُ دَخَلَتْ فِيهِمْ الرَّجْعِيَّةُ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ
وَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ الرَّقِيقَةَ في الرَّجْعَةِ الْأُولَى في الْعِدَّةِ اسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ لِأَنَّهَا كانت مُحَرَّمَةً عليه بِالطَّلَاقِ وَإِحْدَاثُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ ليس كَالرَّجْعَةِ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ النِّكَاحَ وَيُضَادُّهُ فَلَا يَصْلُحُ اسْتِدْرَاكًا لِمَا وَقَعَ من الْخَلَلِ فَوَجَبَ اسْتِبْرَاؤُهَا وَإِنْ كان قد اسْتَبْرَأَهَا قبل الشِّرَاءِ التَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ
وَلَا يُجْزِئُ بَقِيَّةُ طُهْرِ الْعِدَّةِ عن الِاسْتِبْرَاءِ بَلْ لَا بُدَّ من حَيْضَةٍ كَامِلَةٍ وإذا ثَبَتَ تَحْرِيمُ التَّمَتُّعِ بِالرَّجْعَةِ وَوُجُوبُ الْمَهْرِ بِوَطْئِهَا وَصِحَّةُ الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ وَاللِّعَانِ وَالطَّلَاقِ وَالتَّوَارُثِ فَالرَّجْعَةُ على الْمُخْتَارِ عِنْدَ الْأَصْلِ مُتَرَدِّدَةٌ بين الزَّوْجَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ وَإِنْ قال الشَّافِعِيُّ إنَّهَا زَوْجَةٌ في خَمْسِ آيَاتٍ من كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ آيَاتِ الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ الْأَخِيرَةِ في كَلَامِي وَالتَّرْجِيحُ لِلْقَوْلِ بِأَنَّهَا زَوْجَةٌ أو بِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ ظُهُورِ دَلِيلٍ لِأَحَدِهِمَا تَارَةً وَلِلْآخِرِ أُخْرَى قال في الرَّوْضَةِ وَنَظِيرُهُ الْقَوْلَانِ في أَنَّ النَّذْرَ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ أَمْ جَائِزِهِ وفي أَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ أَمْ تَمْلِيكٌ
فَصْلٌ في الِاخْتِلَافِ لو ادَّعَى الرَّجْعَةَ وَالْعِدَّةُ بَاقِيَةٌ وَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ لِقُدْرَتِهِ على إنْشَائِهَا وكان أَيْ وَجَعَلَ دَعْوَاهُ لها إنْشَاءً لها وَقِيلَ إقْرَارٌ لِأَنَّ الدَّعْوَى إقْرَارٌ وَالْإِقْرَارُ وَالْإِنْشَاءُ مُتَنَافِيَانِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وما رَجَّحَهُ من زِيَادَتِهِ صَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَنَقَلَهُ عن نَصِّ الْأُمِّ وَرَدَّهُ الْأَذْرَعِيُّ وقال بَلْ النَّصُّ ظَاهِرٌ في أَنَّهُ إقْرَارٌ مَقْبُولٌ لَا إنْشَاءٌ وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَأَحْسَبُهُ إجْمَاعَ الْعِرَاقِيِّينَ وقال الْإِمَامُ لَا وَجْهَ لِكَوْنِهِ إنْشَاءً
أو دَعَاهَا بَعْدَ انْقِضَائِهَا وَقَبْلَ النِّكَاحِ فَإِنْ قَالَا انْقَضَتْ أَمْسِ وَادَّعَى الرَّجْعَةَ قَبْلَهُ وَادَّعَتْهَا هِيَ بَعْدَهُ صُدِّقَتْ هِيَ بِيَمِينِهِ أنها لَا تَعْلَمُهُ رَاجَعَهَا أَمْسِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرَّجْعَةِ قبل أَمْسِ وَلِأَنَّهُ يَدَّعِي بَعْدَ انْقِضَاءِ سَلْطَنَتِهِ وُقُوعَ تَصَرُّفِهِ قبل ذلك فَأَشْبَهَ الْوَكِيلَ إذَا ادَّعَى بَعْدَ الْعَزْلِ أَنَّهُ تَصَرَّفَ قَبْلَهُ فإنه لَا يُصَدَّقُ أو قَالَا رَاجَعَ أَمْسِ وَادَّعَتْ انْقِضَاءَهَا قَبْلَهُ وَادَّعَاهُ بَعْدَهُ صُدِّقَ هو بِيَمِينِهِ أنها
____________________
(3/344)
ما انْقَضَتْ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ انْقِضَائِهَا قَبْلَهُ
وَلَوْ اخْتَلَفَا في السَّابِقِ مُطْلَقًا عن التَّقْيِيدِ بِوَقْتٍ بِأَنْ اقْتَصَرَ هو على أَنَّ الرَّجْعَةَ سَابِقَةٌ وَهِيَ على أَنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ سَابِقٌ صُدِّقَ السَّابِقُ مِنْهُمَا بِالدَّعْوَى بِيَمِينِهِ لِاسْتِقْرَارِ الْحُكْمِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ سَبَقَتْ الزَّوْجَةُ وَقَالَتْ انْقَضَتْ عِدَّتِي قبل مُرَاجَعَتِك ثُمَّ قال الزَّوْجُ بَلْ بَعْدَهَا صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا على الِانْقِضَاءِ وَاخْتَلَفَا في الرَّجْعَةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا وَاعْتَضَدَ دَعْوَاهَا بِالْأَصْلِ وَإِنْ سَبَقَ الزَّوْجُ وقال رَاجَعْتُك قبل انْقِضَاءِ عِدَّتِك ثُمَّ قالت هِيَ بَلْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا على الرَّجْعَةِ وَاخْتَلَفَا في الِانْقِضَاءِ وَاعْتَضَدَ دَعْوَاهُ بِالِاتِّفَاقِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الِانْقِضَاءِ وما ذَكَرَ من إطْلَاقِ تَصْدِيقِ الزَّوْجِ فِيمَا إذَا سَبَقَ هو ما في الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالْمِنْهَاجِ وَأَصْلِهِ وَاَلَّذِي في الْكَبِيرِ عن الْقَفَّالِ وَالْبَغَوِيِّ وَالْمُتَوَلِّي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَرَاخِي كَلَامِهَا عنه فَإِنْ اتَّصَلَ بِهِ فَهِيَ الْمُصَدَّقَةُ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ قَوْلِيَّةٌ فَقَوْلُهُ رَاجَعْتُك كَإِنْشَائِهَا حَالًا وَانْقِضَاءُ الْعِدَّةِ ليس بِقَوْلِيٍّ فَقَوْلُهَا انْقَضَتْ عِدَّتِي إخْبَارٌ عَمَّا تَقَدَّمَ فَكَانَ قَوْلُهُ رَاجَعْتُك صَادَفَ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ فَلَا تَصِحُّ وَكَأَنَّ الرَّوْضَةَ أَسْقَطَتْهُ لِعِلْمِهِ مِمَّا يَأْتِي في مَنْشَأِ الرَّجْعَةِ وَهَلْ الْمُرَادُ سَبْقُ الدَّعْوَى عِنْدَ حَاكِمٍ أو لَا قال ابن عُجَيْلٍ نعم وقال إسْمَاعِيلُ الْحَضْرَمِيُّ يَظْهَرُ من كَلَامِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الظَّاهِرُ وما نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عن النَّصِّ وَاعْتَمَدَهُ من أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِيمَا إذَا سَبَقَهَا الزَّوْجُ أَيْضًا مَحْمُولٌ على ما إذَا لم يَتَرَاخَ كَلَامُهَا عن كَلَامِهِ فَلَا يُنَافِي ما مَرَّ فَإِنْ ادَّعَيَا مَعًا صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا لِمَا مَرَّ في مَسْأَلَةِ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ وَلِأَنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ لَا يُعْلَمُ غَالِبًا إلَّا منها وَالزَّوْجُ يُمْكِنُهُ الْإِشْهَادُ على الرَّجْعَةِ ولم يَتَحَقَّقْ سَبْقٌ حتى يَتَقَدَّمَ بِهِ وَلِأَنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ مُحَقَّقٌ فَهُوَ أَصْلٌ وَالرَّجْعَةُ رَدٌّ لِلنِّكَاحِ في الْمَاضِي وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا وَإِنْ اعْتَرَفَا بِتَرْتِيبِهِمَا وَأَشْكَلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا قُضِيَ له أَيْ لِلزَّوْجِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْعِدَّةِ وَوِلَايَةُ الرَّجْعَةِ
فَإِنْ قال الزَّوْجُ مُنْشِئًا رَاجَعْتُك فقالت مُتَّصِلًا بِهِ قد انْقَضَتْ عِدَّتِي قَبْلُ أَيْ قبل رَجْعَتِك صُدِّقَتْ لِأَنَّ قَوْلَهُ رَاجَعْت إنْشَاءٌ وَقَوْلَهَا انْقَضَتْ عِدَّتِي إخْبَارٌ فَيَكُونُ الِانْقِضَاءُ سَابِقًا على قَوْلِهَا أَمَّا لو قالت ذلك مُتَرَاخِيَةً عن قَوْلِ الزَّوْجِ فَهُوَ الْمُصَدَّقُ وَكَذَا لو قال رَاجَعْتُك أَمْسِ وَالْعِدَّةُ بَاقِيَةٌ إلَى الْآنَ فقالت بَلْ انْقَضَتْ قبل أَمْسِ على ما أَفْهَمَهُ قَوْلُهُ مُنْشِئًا لَكِنَّ الْمُوَافِقَ لِكَلَامِ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ السَّابِقِ تَصْدِيقُهَا
وَإِنْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ زَوْجًا آخَرَ وَادَّعَى مُطَلِّقُهَا تَقَدُّمَ الرَّجْعَةِ على انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَهُ الدَّعْوَى بِهِ عليها وَكَذَا على الزَّوْجِ لِأَنَّهَا في حِبَالَتِهِ وَفِرَاشِهِ وَهَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن قَطْعِ الْمَحَامِلِيِّ وَغَيْرِهِ من الْعِرَاقِيِّينَ بَعْدَ نَقْلِهِ عن تَصْحِيحِ الْإِمَامِ أَنَّهُ ليس له الدَّعْوَى عليه لِأَنَّ الزَّوْجَةَ لَيْسَتْ في يَدِهِ فَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَالثَّانِي هو الْمُنَاسِبُ لِمَا مَرَّ فِيمَا إذَا زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ من اثْنَيْنِ فَادَّعَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ على الْآخَرِ سَبْقَ نِكَاحِهِ وقد يُجَابُ بِأَنَّهُمَا هُنَا مُتَّفِقَانِ على أنها كانت زَوْجَةً لِلْأَوَّلِ بِخِلَافِهَا ثَمَّ فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِمُدَّعَاهُ انْتَزَعَهَا من الزَّوْجِ سَوَاءٌ أَدْخَلَ أَمْ لَا وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُقِمْ بَيِّنَةً فَإِنْ بَدَأَ بها في الدَّعْوَى فَأَقَرَّتْ له بِالرَّجْعَةِ لم يُقْبَلْ إقْرَارُهَا على الثَّانِي ما دَامَتْ في عِصْمَتِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بها فَإِنْ زَالَ حَقُّهُ بِمَوْتٍ أو طَلَاقٍ أو بِإِقْرَارٍ أو حَلَفَ الْأَوَّلُ يَمِينَ الرَّدِّ بَعْدَ الدَّعْوَى عليه أو غَيْرِهَا سُلِّمَتْ لِلْأَوَّلِ كما لو أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ وَقَبْلَ ذلك أَيْ زَوَالِ حَقِّ الثَّانِي يَجِبُ عليها لِلْأَوَّلِ مَهْرُ مِثْلِهَا لِلْحَيْلُولَةِ أَيْ لِأَنَّهَا أَحَالَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّهِ بِالنِّكَاحِ الثَّانِي حتى لو زَالَ حَقُّ الثَّانِي رُدَّ لها الْمَهْرُ لِارْتِفَاعِ الْحَيْلُولَةِ وَالتَّصْرِيحِ بِكَوْنِهِ لِلْحَيْلُولَةِ من زِيَادَتِهِ
بِخِلَافِ ما لو كانت في حِبَالَةِ رَجُلٍ فَادَّعَاهَا أَيْ زَوْجِيَّتَهَا آخَرُ فَأَقَرَّتْ له بها وَقَالَتْ
____________________
(3/345)
كُنْت طَلَّقْتنِي فإنه يُقْبَلُ إقْرَارَهَا له وَتُنْزَعُ لِلْأَوَّلِ الْأُولَى له أَيْ الذي طَلَّقَهَا إنْ حَلَفَ أَنَّهُ لم يُطَلِّقْ وَالْفَرْقُ اتِّفَاقُهُمَا أَيْ الزَّوْجَيْنِ في الْأُولَى على الطَّلَاقِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الرَّجْعَةِ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ نعم إنْ أَقَرَّتْ أَوَّلًا بِالنِّكَاحِ لِلثَّانِي أو أَذِنَتْ فيه لم تُنْزَعْ منه كما لو نَكَحَتْ رَجُلًا بِإِذْنِهَا ثُمَّ أَقَرَّتْ بِرَضَاعٍ مُحَرَّمٍ بَيْنَهُمَا لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهَا كما لو بَاعَ شيئا ثُمَّ أَقَرَّ بِأَنَّهُ كان مِلْكَ فُلَانٍ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي وَكَذَا الْبُلْقِينِيُّ فقال يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لم تَكُنْ الْمَرْأَةُ أَقَرَّتْ بِالنِّكَاحِ لِمَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ وَلَا ثَبَتَ ذلك بِالنِّيَّةِ فَإِنْ وَجَدَ أَحَدُهُمَا لم تُنْزَعْ منه جَزْمًا وَلَوْ أَنْكَرَتْ رَجْعَتَهُ فَلَهُ تَحْلِيفُهَا على نَفْيِ عِلْمِهَا بِالرَّجْعَةِ لِلْغُرْمِ أَيْ لِيَغْرَمَ مَهْرَ الْمِثْلِ إذَا أَقَرَّتْ أو نَكَلَتْ وَحَلَفَ هو فَإِنْ حَلَفَتْ سَقَطَتْ دَعْوَاهُ
وَإِنْ بَدَأَ بِالزَّوْجِ في الدَّعْوَى فَأَقَرَّ له أو نَكَلَ عن الْيَمِينِ فَحَلَفَ الْأَوَّلُ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ بَطَلَ نِكَاحُ الثَّانِي وَلَا يَسْتَحِقُّهَا الْأَوَّلُ حِينَئِذٍ إلَّا بِإِقْرَارِهَا له أو حَلَّفَهُ بَعْدَ نُكُولِهَا وَلَهَا على الثَّانِي بِالْوَطْءِ مَهْرُ الْمِثْلِ إنْ اسْتَحَقَّهَا الْأَوَّلُ وَإِلَّا فَالْمُسَمَّى إنْ كان بَعْدَ الدُّخُولِ وَنِصْفُهُ إنْ كان قَبْلَهُ وَعُلِمَ من قَوْلِهِ أو نَكَلَ أَنَّهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ في إنْكَارِهِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ قد انْقَضَتْ وَالنِّكَاحُ وَقَعَ صَحِيحًا في الظَّاهِرِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الرَّجْعَةِ فَرْعٌ لو طَلَّقَهَا دُونَ ثَلَاثٍ بِلَا عِوَضٍ وقال وَطِئْت فَلِي الرَّجْعَةُ وَأَنْكَرَتْ وَطْأَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فَتَحْلِفُ أَنَّهُ ما وَطِئَهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَيُفَارِقُ عَدَمَ قَبُولِ قَوْلِهَا فِيمَا إذَا أَنْكَرَتْ وَطْءَ الْمَوْلَى أو الْعِنِّينِ إذَا ادَّعَاهُ بِأَنَّ النِّكَاحَ ثَابِتٌ ثُمَّ وَالْمَرْأَةُ تَدَّعِي ما يُزِيلُهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَهُنَا الطَّلَاقُ قد وَقَعَ وهو يَدَّعِي الرَّجْعَةَ بِالْوَطْءِ قبل الطَّلَاقِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَتَتَزَوَّجُ بَعْدَ حَلِفِهَا في الْحَالِ فَلَا عِدَّةَ عليها
وَيُمْنَعُ الْمُطَلِّقُ لِإِقْرَارِهِ بِوَطْئِهَا نِكَاحَ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا في الْعِدَّةِ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ ثُمَّ هو مُقِرٌّ لها بِالْمَهْرِ وَهِيَ لَا تَدَّعِي إلَّا نِصْفَهُ فَإِنْ كانت قد أَخَذَتْ الْمَهْرَ كُلَّهُ لم تُطَالِبْ بِهِ وَلَا بِشَيْءٍ منه عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم تَكُنْ أَخَذَتْهُ طَالَبَتْ بِالنِّصْفِ فَقَطْ عَمَلًا بِإِنْكَارِهَا فَلَوْ أَخَذَتْهُ أَيْ النِّصْفَ ثُمَّ اعْتَرَفَتْ لِلزَّوْجِ بِالدُّخُولِ لم تَسْتَحِقَّ عليه النِّصْفَ الثَّانِيَ إلَّا بِإِقْرَارٍ جَدِيدٍ منه وَقِيلَ تَسْتَحِقُّهُ بِلَا إقْرَارٍ منه وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ هُنَا وَصَرَّحَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ وَنَقَلَهُ عن تَرْجِيحِ الرَّافِعِيِّ في الْإِقْرَارِ وَذَكَرَ الْأَصْلُ هُنَا مَسْأَلَتَيْنِ حَذَفَهُمَا الْمُصَنِّفُ لِقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ إنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ
فَرْعٌ لو ادَّعَتْ الدُّخُولَ فَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ فَلَا رَجْعَةَ وَلَا نَفَقَةَ وَلَا سُكْنَى وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ عَمَلًا بِإِقْرَارِهَا
وَإِنْ كَذَّبَتْ نَفْسَهَا بَعْدَ دَعْوَاهَا الدُّخُولَ لم تَسْقُطْ عِدَّتُهَا لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عن إقْرَارِهَا
فَرْعٌ لو أَنْكَرَتْ الرَّجْعَةَ وَاقْتَضَى الْحَالُ تَصْدِيقَهَا ثُمَّ أَقَرَّتْ بها قَبِلْنَاهُ أَيْ إقْرَارَهَا لِأَنَّهَا جَحَدَتْ حَقَّ الزَّوْجِ ثُمَّ أَقَرَّتْ بِهِ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ كما في الْقِصَاصِ وَلَوْ أَنْكَرَتْ غَيْرُ الْمُجْبَرَةِ الْإِذْنَ في النِّكَاحِ وكان إنْكَارُهَا قبل الدُّخُولِ بها أو بَعْدَهُ بِغَيْرِ رِضَاهَا ثُمَّ اعْتَرَفَتْ بِأَنَّهَا كانت أَذِنَتْ لم يُقْبَلْ منها لِأَنَّ النَّفْيَ إذَا تَعَلَّقَ بها كان كَالْإِثْبَاتِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَحْلِفُ على نَفْيِ فِعْلِهِ على الْبَتِّ كَالْإِثْبَاتِ وَفَارَقَتْ ما قَبْلَهَا بِذَلِكَ وَبِأَنَّ إذْنَ الزَّوْجَةِ شَرْطٌ في النِّكَاحِ دُونَ الرَّجْعَةِ وَجُدِّدَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا فَلَا تَحِلُّ له بِدُونِ تَجْدِيدٍ وَقَوْلُهُ قبل الدُّخُولِ من زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ من كَلَامِ الْأَصْلِ قُبَيْلَ بَابِ الصَّدَاقِ
وَكَذَا من أَقَرَّتْ بِنَسَبٍ أو رَضَاعٍ مُحَرِّمٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَجُلٍ ثُمَّ رَجَعَتْ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهَا لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عن الْإِثْبَاتِ وَالْإِثْبَاتُ لَا يَكُونُ إلَّا عن عِلْمٍ فَفِي الرُّجُوعِ عنه تَنَاقُضٌ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ فإنه رُجُوعٌ عن النَّفْيِ وَالنَّفْيُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عن عِلْمٍ نعم لو قال ما أَتْلَفَ فُلَانٌ مَالِي ثُمَّ رَجَعَ وَادَّعَى أَنَّهُ أَتْلَفَ لم تُسْمَعْ دَعْوَاهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ ما أَتْلَفَهُ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ على نَفْسِهِ بِبَرَاءَةِ الْمُدَّعَى عليه وَبَنَى الْإِمَامُ على الْفَرْقِ السَّابِقِ ما لو ادَّعَتْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ عن الْيَمِينِ وَحَلَفَتْ هِيَ ثُمَّ كَذَّبَتْ نَفْسَهَا لَا يُقْبَلُ لِاسْتِنَادِ قَوْلِهَا الْأَوَّلِ إلَى إثْبَاتٍ فَرْعٌ لو كانت الزَّوْجَةُ الْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا أَمَةً وَاخْتَلَفَا في الرَّجْعَةِ فَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ حَيْثُ قُلْنَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْحُرَّةِ وفي نُسْخَةٍ الزَّوْجَةُ لِأَنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ حَقُّهُ وَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عليه في الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ وَغَيْرِهِمَا خِلَافُهُ وهو أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا كَالْحُرَّةِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ
____________________
(3/346)
وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ قالوا وَالْأَوَّلُ مَرْدُودٌ زَادَ الْأَذْرَعِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ بَلْ غَلَطَ وَإِنْ قال في الرَّوْضَةِ إنَّهُ أَقْوَى فَرْعٌ لو قال أَخْبَرَتْنِي مُطَلَّقَتِي بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَرَاجَعْتهَا مُكَذِّبًا لها أو لَا مُصَدِّقًا وَلَا مُكَذِّبًا ثُمَّ اعْتَرَفَتْ بِالْكَذِبِ بِأَنْ قالت ما كانت انْقَضَتْ فَالرَّجْعَةُ صَحِيحَةٌ لِأَنَّهُ لم يُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عنها كِتَابُ الْإِيلَاءِ هو لُغَةً الْحَلِفُ قال الشَّاعِرُ وَأَكْذَبُ ما يَكُونُ أبو الْمُثَنَّى إذَا آلَى يَمِينًا بِالطَّلَاقِ وكان طَلَاقًا في الْجَاهِلِيَّةِ فَغَيَّرَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ وَخَصَّهُ بِالْحَلِفِ على الِامْتِنَاعِ من وَطْءِ الزَّوْجَةِ مُطْلَقًا أو أَكْثَرَ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كما يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي وَالْأَصْلُ فيه قَوْله تَعَالَى لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ من نِسَائِهِمْ الْآيَةَ وَإِنَّمَا عُدِّيَ فيها بِمِنْ وهو إنَّمَا يُعَدَّى بِعَلَى لِأَنَّهُ ضُمِّنَ مَعْنَى الْبُعْدِ كَأَنَّهُ قِيلَ يُؤْلُونَ مُبْعَدِينَ أَنْفُسَهُمْ من نِسَائِهِمْ وهو حَرَامٌ لِلْإِيذَاءِ وَلَيْسَ منه إيلَاؤُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم في السَّنَةِ التَّاسِعَةِ من نِسَائِهِ شَهْرًا وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ في أَرْكَانِهِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ حَالِفٌ وَمَحْلُوفٌ بِهِ وَمُدَّةٌ وَمَحْلُوفٌ عليه زَادَ في الْأَنْوَارِ وَصِيغَةٌ وَزَوْجَةٌ الْأَوَّلُ الْحَالِفُ وَشَرْطُهُ زَوْجٌ مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ يُتَصَوَّرُ منه الْجِمَاعُ فَلَا يَصِحُّ من أَجْنَبِيٍّ كَسَيِّدٍ وَلَا من غَيْرِ مُكَلَّفٍ إلَّا لِسَكْرَانَ وَلَا من مُكْرَهٍ وَلَا مِمَّنْ لَا يُتَصَوَّرُ منه الْجِمَاعُ كَمَجْنُونٍ وَسَيَأْتِي بَعْضُ ذلك وَذِكْرُ مُخْتَارٍ من زِيَادَتِهِ إذَا تَقَرَّرَ ذلك
فَيَصِحُّ من الْعَبْدِ بِسَائِرِ أَنْوَاعِهِ ومن الْكَافِرِ وَلَا يَنْحَلُّ إيلَاؤُهُ بِالْإِسْلَامِ ويصح من الْغَضْبَانِ لِأَنَّ الْآيَةَ تَشْمَلُ حَالَتَيْ الْغَضَبِ وَالرِّضَا وَكَمَا في نَظِيرِهِ من الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وَسَائِرِ الْأَيْمَانِ ومن الْعِنِّينِ وَالْمَرِيضِ وَالْخَصِيِّ لِذَلِكَ وَالتَّصْرِيحُ بِالْعِنِّينِ من زِيَادَتِهِ لَا من أَشَلَّ ذَكَرٍ وَمَجْبُوبٍ كُلَّ الذَّكَرِ أو بَعْضَهَ إلَّا إنْ بَقِيَ قَدْرُ الْحَشَفَةِ فَيَصِحُّ الْإِيلَاءُ منه لِأَنَّهُ قَادِرٌ على الْجِمَاعِ بِخِلَافِ ما قَبْلَهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ منه قَصْدُ الْإِيذَاءِ
وَلَا يَنْحَلُّ الْإِيلَاءُ بِالْجَبِّ لِعُرُوضِ الْعَجْزِ في الدَّوَامِ فَلَا يُؤَثِّرُ في الْإِيلَاءِ السَّابِقِ عليه وَيَصِحُّ إيلَاءٌ لِزَوْجٍ من صَغِيرَةٍ يُمْكِنُ جِمَاعُهَا فِيمَا قَدَّرَهُ من الْمُدَّةِ وَمَرِيضَةٍ وَلَا تُضْرَبُ الْمُدَّةُ حتى تُدْرِكَ الصَّغِيرَةُ إطَاقَةَ الْجِمَاعِ وَتُطِيقُ الْمَرِيضَةُ ذلك قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَصِحُّ من مُتَحَيِّرَةِ لِاحْتِمَالِ الشِّفَاءِ وَمِنْ مُحْرِمَةٍ لِاحْتِمَالِ التَّحَلُّلِ لِحَصْرٍ وَغَيْرِهِ وَمِنْ مُظَاهَرٍ منها قبل التَّكْفِيرِ لِإِمْكَانِ الْكَفَّارَةِ قال في الْأُولَى وَلَا تُضْرَبُ الْمُدَّةُ إلَّا بَعْدَ الشِّفَاءِ وَقِيَاسُهُ فِيمَا بَعْدَهَا أنها لَا تُضْرَبُ إلَّا بَعْدَ التَّحَلُّلِ وَالتَّكْفِيرِ وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ حتى تُطِيقَ كان أُولَى وَأَخْصَرَ إلَّا أَنَّهُ تَبِعَ أَصْلَهُ
وَيَصِحُّ من عَجَمِيٍّ بِالْعَرَبِيَّةِ وَعَكْسُهُ أَيْ وَمِنْ عَرَبِيٍّ بِالْعَجَمِيَّةِ إنْ عُرِفَ الْمَعْنَى كما في الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ آلَى من أَجْنَبِيَّةٍ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ إيلَائِهِ فَحَالَفَ فَيَلْزَمُهُ بِالْوَطْءِ قبل التَّزَوُّجِ أو بَعْدَهُ ما يَقْتَضِيهِ الْحَلِفُ الْخَالِي عن الْإِيلَاءِ لَا مُولٍ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ مُخْتَصٌّ بِالنِّكَاحِ فَلَا يَنْعَقِدُ بِخِطَابِ الْأَجْنَبِيَّةِ كَالطَّلَاقِ قال تَعَالَى لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ من نِسَائِهِمْ وَلَيْسَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ كَالزَّوْجَةِ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فيها قَصْدُ الْإِيذَاءِ وَيَصِحُّ من رَجْعِيَّةٍ كما يَصِحُّ طَلَاقُهَا وَلَا تُضْرَبُ الْمُدَّةُ قبل الرَّجْعَةِ لِأَنَّهَا في زَمَنِ الْعِدَّةِ جَارِيَةٌ إلَى الْبَيْنُونَةِ وَلِأَنَّهَا تَحْرُمُ بِالطَّلَاقِ فَلَا وَقْعَ لِامْتِنَاعِهِ من الْحَرَامِ وَلَا يَصِحُّ من رَتْقَاءَ وَقَرْنَاءَ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ قَصْدِ الْإِيذَاءِ كما في الْمَجْبُوبِ الرُّكْنُ الثَّانِي الْمَحْلُوفُ بِهِ وَلَا يَخْتَصُّ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ الْتَزَمَ شيئا كَصَوْمٍ وَطَلَاقٍ وَغَيْرِهِ الْأَوْلَى وَغَيْرُهُمَا مِمَّا لَا يَنْحَلُّ الْيَمِينُ فيه إلَّا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَإِنْ وَطِئْتُك فَعَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ
____________________
(3/347)
أو صَلَاةٌ أو حَجٌّ أو فَأَنْتِ حَرَامٌ أو طَالِقٌ أو فَضَرَّتُك طَالِقٌ أو فَعَبْدِي حُرٌّ صَارَ مُولِيًا لِأَنَّ ما يَلْزَمُهُ في ذلك بِالْوَطْءِ يَمْنَعُهُ منه فَيَتَحَقَّقُ الْإِضْرَارُ وَلِأَنَّ ذلك يُسَمَّى حَلِفًا فَشَمَلَهُ إطْلَاقُ آيَةِ الْإِيلَاءِ وفي مَعْنَاهُ الظِّهَارُ كَقَوْلِهِ أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي سَنَةً فإنه إيلَاءٌ مِمَّا سَيَأْتِي في بَابِهِ وَهِيَ أَيْ الْيَمِينُ الْمَذْكُورَةُ يَمِينُ لَجَاجٍ فَيَتَخَيَّرُ بين الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَهُ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَلَيْسَ الْيَمِينُ بِصَوْمِ هذا الشَّهْرِ إيلَاءً فَلَوْ قال إنْ وَطِئْتُك فَعَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هذا الشَّهْرَ أو الشَّهْرَ الْفُلَانِيَّ وهو يَنْقَضِي قبل مُجَاوَزَةِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ من حِينِ الْيَمِينِ لم يَنْعَقِدْ الْإِيلَاءُ لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ قبل مُجَاوَزَةِ مُدَّتِهِ بِخِلَافِ ما لو الْتَزَمَ صَوْمَ شَهْرٍ مُطْلَقٍ أو مُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ عن الْمُدَّةِ من الْيَمِينِ كَأَنْ قال في أَوَّلِ رَجَبٍ إنْ وَطِئْتُك فَعَلَيَّ صَوْمُ ذِي الْقِعْدَةِ أو فَعَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ فإنه إيلَاءٌ وَلَا بِصَوْمِ هذه السَّنَةِ إلَّا إنْ بَقِيَ منها أَكْثَرُ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَيَكُونُ إيلَاءً وَهِيَ أَيْ الْيَمِينُ بِصَوْمِ شَهْرِ الْوَطْءِ إيلَاءٌ كَقَوْلِهِ إنْ وَطِئْتُك فَعَلَيَّ صَوْمُ الشَّهْرِ الذي أَطَأُ فيه فإذا وَطِئَ في أَثْنَاءِ شَهْرٍ لَزِمَهُ مُقْتَضَى الْيَمِينِ وَيُجْزِئُهُ صَوْمُ بَقِيَّتِهِ سَوَاءٌ قُلْنَا بِلُزُومِ ما الْتَزَمَهُ أَمْ بِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بين ما الْتَزَمَهُ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَيَقْضِي يوم الْوَطْءِ كَنَظِيرِهِ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ الْيَوْمِ الذي يَقْدُمُ فيه زَيْدٌ وَقَدِمَ نَهَارًا
وَعَلَى الْوَلِيِّ الْكَفَّارَةُ إنْ وَطِئَ بَعْدَ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أو فيها وَلَوْ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ لِحِنْثِهِ في يَمِينِهِ فَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينِهِ إنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ وَإِلَّا فَيَتَخَيَّرُ بين ما الْتَزَمَهُ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ
فَإِنْ قال إنْ وَطِئْتُك فما سَأَمْلِكُ حُرٌّ أو فَعَلَيَّ أَنْ أُطَلِّقَك أو فَأَنَا زَانٍ أو فَأَنْت زَانِيَةٌ لَغَا إذْ لَا يَلْزَمُهُ بِالْوَطْءِ شَيْءٌ وَلَا يَكُونُ قَاذِفًا لها بِوَطْئِهَا أَيْ بِسَبَبِهِ لِأَنَّ الْقَذْفَ الْمُعَلَّقَ لَا يُلْحِقُ عَارًا لَكِنْ يُعَزَّرُ لها بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ آذَهَا بِهِ كما لو قال الْمُسْلِمُونَ كلهم زُنَاةٌ
وَقَوْلُهُ إنْ وَطِئْتُك فَأَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ أو فَعَبْدِي حُرٌّ بَعْدَ سَنَةٍ أَيْ من الْوَطْءِ كَقَوْلِهِ إنْ أَصَبْتُك فَوَاَللَّهِ لَا أَصَبْتُك في أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُولِيًا في الْحَالِ إذْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالْوَطْءِ في الْحَالِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِسَبَبِهِ الطَّلَاقُ بِالدُّخُولِ أو الْحُرِّيَّةِ بِمُضِيِّ سَنَةٍ كما يَتَعَلَّقُ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِالْوَطْءِ وَيَنْحَلُّ الْإِيلَاءُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ قبل مُضِيِّ السَّنَةِ وَخُرُوجِهِ قَبْلَهُ عن مِلْكِهِ بِبَيْعٍ لَازِمٍ من جِهَتِهِ أو بِغَيْرِهِ إذْ لَا يَلْزَمُهُ بِالْوَطْءِ حِينَئِذٍ شَيْءٌ لَا بِتَدْبِيرِهِ وَكِتَابَتِهِ وَلَا بِالِاسْتِيلَادِ لِأَمَتِهِ التي عَتَقَهَا بِالْوَطْءِ لِأَنَّ كُلًّا منهم يُعْتَقُ لو وُطِئَ فإذا عَادَ مِلْكُهُ في الْعَبْدِ بَعْدَ خُرُوجِهِ عنه بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ لم يَعُدْ أَيْ الْإِيلَاءُ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من عَدَمِ عَوْدِ الْحِنْثِ
وَإِنْ قال إنْ وَطِئَتْك فَعَبْدِي حُرٌّ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ فَإِنْ وَطِئَ قبل مُضِيِّ شَهْرٍ من آخِرِ تَلَفُّظِهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَلَا عِتْقَ لِتَعَذُّرِ تَقَدُّمِهِ على اللَّفْظِ وَاسْتُشْكِلَ انْحِلَالُهَا بِالْوَطْءِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهَا لم تَتَنَاوَلْهُ وَإِنْ مَضَى شَهْرٌ مِمَّا ذَكَرَ ولم يَطَأْ صَارَ مُولِيًا فَتُضْرَبُ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ وَيُطَالَبُ في الشَّهْرِ الْخَامِسِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَلَا بُدَّ أَيْضًا من زَمَنٍ يَسَعُ الْعِتْقَ كما ذَكَرَهُ الْفُورَانِيُّ في نَظِيرِهِ من الطَّلَاقِ وَحِينَ يَطَأُ بَعْدَ ذلك أَيْ مُضِيِّ شَهْرٍ تَبَيَّنَ عِتْقُهُ قبل الْوَطْءِ بِشَهْرٍ وتبين انْفِسَاخُ الْبَيْعِ بِعِتْقِهِ إنْ كان بَاعَهُ قبل الْوَطْءِ بِدُونِ شَهْرٍ وَإِلَّا بِأَنْ كان بَاعَهُ قبل الْوَطْءِ بِأَكْثَرَ من شَهْرٍ فَيَنْحَلُّ الْإِيلَاءُ لِأَنَّهُ لو وَطِئَ بَعْدَ ذلك لم يَحْصُلْ الْعِتْقُ قَبْلَهُ لِتَقَدُّمِ الْبَيْعِ على شَهْرٍ وَلَا يَخْفَى مِمَّا مَرَّ عن الْفُورَانِيِّ اعْتِبَارُ زِيَادَةٍ على الشَّهْرِ فِيمَا ذَكَرَ بَعْدَهُ وفي مَعْنَى الْبَيْعِ كُلُّ ما يُزِيلُ الْمِلْكَ من مَوْتٍ وَهِبَةٍ وَغَيْرِهِمَا
وَإِنْ طَلَّقَ حين طُولِبَ بِالْفَيْئَةِ أو الطَّلَاقِ ثُمَّ رَاجَعَ أَيْ أَعَادَ مُطَلَّقَتَهُ ضُرِبَتْ الْمُدَّةُ ثَانِيًا إلَّا إنْ بَانَتْ منه فَجَدَّدَ نِكَاحَهَا فَلَا تُضْرَبُ الْمُدَّةُ بِنَاءً على عَدَمِ عَوْدِ الْحِنْثِ وإذا وَطِئَهَا تَبَيَّنَ عِتْقُ الْعَبْدِ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ وَإِنْ وَقَعَ الْوَطْءُ بِصُورَةِ الزِّنَا كما صَرَّحَ وَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِ الْمُطَالَبَةِ فِيمَا ذَكَرَ وَإِنْ ذَكَرَهَا أَصْلُهُ أَيْضًا أو قال إنْ وَطِئْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ عن ظِهَارِي فَإِنْ كان قد ظَاهَرَ وَعَادَ صَارَ مُولِيًا سَوَاءٌ حَلَفَ نَاسِيًا لِلظِّهَارِ أو لَا لِأَنَّهُ وَإِنْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ فَعِتْقُ ذلك الْعَبْدِ وَتَعْجِيلُ عِتْقِهِ عن الظِّهَارِ زِيَادَةٌ على مُوجَبِ الظِّهَارِ الْتَزَمَهَا بِالْوَطْءِ وَهِيَ صَالِحَةٌ لِلْمَنْعِ عنه ثُمَّ إنْ وَطِئَ في مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أو بَعْدَهَا عَتَقَ عن الظِّهَارِ لِأَنَّ الْعِتْقَ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَكَأَنَّهُ قال عِنْدَ الْوَطْءِ أَعْتَقْتُك عن ظِهَارِي وَيَأْتِي مِثْلُهُ في سَائِرِ التَّعَلُّقَاتِ كَأَنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ عن ظِهَارِي فَإِنْ كان لم يُظَاهِرْ فَقَدْ أَقَرَّ على نَفْسِهِ بِظِهَارٍ فَيَصِيرُ مُولِيًا مُظَاهِرًا في الظَّاهِرِ لَا في الْبَاطِنِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ
____________________
(3/348)
إنَّهُ لم يَكُنْ مُظَاهِرًا مُؤَاخَذَةً له بِإِقْرَارِهِ فَإِنْ وَطِئَهَا في مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أو بَعْدَهَا عَتَقَ في الظِّهَارِ وَإِنْ قال إنْ وَطِئْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ عن ظِهَارِي إنْ ظَاهَرَتْ فَلَا إيلَاءَ حتى يُظَاهِرَ إذْ لَا يَلْزَمُ منه شَيْءٌ بِالْوَطْءِ قبل الظِّهَارِ لِتَعَلُّقِ الْعِتْقِ بِهِ مع الْوَطْءِ وَبَعْدَ الظِّهَارِ إنْ وَطِئَ في مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أو بَعْدَهَا عَتَقَ لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ بِهِ لَا عن الظِّهَارِ لِتَقَدُّمِ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ عليه وَالْعِتْقُ إنَّمَا يَقَعُ عن الظِّهَارِ بِلَفْظٍ يُوجَدُ بَعْدَهُ
قال الرَّافِعِيُّ وقد تَقَدَّمَ في الطَّلَاقِ أَنَّهُ إذَا عَلَّقَ بِشَرْطَيْنِ بِغَيْرِ عَطْفٍ فَإِنْ قَدَّمَ الْجَزَاءَ عَلَيْهِمَا أو أَخَّرَهُ عنهما اعْتَبَرَ في حُصُولِ الْمُعَلَّقِ وُجُودَ الشَّرْطِ الثَّانِي قبل الْأَوَّلِ وَإِنْ تَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا كما صَوَّرُوا هُنَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاجَعَ كما مَرَّ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ الثَّانِي تَعَلَّقَ بِالْأَوَّلِ فَلَا يَعْتِقُ الْعَبْدَ إذَا تَقَدَّمَ الْوَطْءُ أو أَنَّهُ إذَا حَصَلَ الْأَوَّلُ تَعَلَّقَ بِالثَّانِي عِتْقٌ انْتَهَى
فَإِنْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ أو قال ما أَرَدْت شيئا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا إيلَاءَ مُطْلَقًا فَرْعٌ لو قال إنْ وَطِئْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ عَبْدِي هذا عن ظِهَارِي وهو مُظَاهِرٌ منها أو من غَيْرِهَا وَعَادَ صَارَ مُولِيًا بِنَاءً على الْأَصَحِّ من أَنَّ من في ذِمَّتِهِ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ فَنَذَرَ على وَجْهِ التَّبَرُّرِ أَنْ يَعْتِقَ الْعَبْدَ الْفُلَانِيَّ عَمَّا هو عليه فَيَتَعَيَّنُ عليه إعْتَاقُهُ كما لو نَذَرَ ابْتِدَاءَ إعْتَاقِهِ وَيُفَارِقُ ما لو نَذَرَ صَرْفَ زَكَاةٍ إلَى مُعَيَّنِينَ من الْأَصْنَافِ أو صَوْمَ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ عن يَوْمٍ عليه حَيْثُ لَا تَتَعَيَّنُ الْأَصْنَافُ وَلَا الْيَوْمُ بِقُوَّةِ الْعِتْقِ وَبِأَنَّ غَرَضَ الْعِتْقِ أَوْلَى بِالرِّعَايَةِ فَلَوْ طَلَّقَ خَرَجَ عن مُوجَبِ الْإِيلَاءِ وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ في ذِمَّتِهِ يَعْتِقُ عنها ذلك الْعَبْدَ أو غَيْرَهُ فَإِنْ وَطْء في مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أو بَعْدَهَا وَأَعْتَقَهُ عن ظِهَارِهِ خَرَجَ عن عُهْدَةِ يَمِينِهِ وَيُجْزِئُهُ عن الظِّهَارِ وإن أَعْتَقَهُ عن الْيَمِينِ لم يُجْزِئْهُ عن الظِّهَارِ فَيَلْزَمُهُ الْإِعْتَاقُ عنه وَإِنْ أَعْتَقَهُ عنهما لم يُجْزِئْهُ عن وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلتَّشْرِيكِ وَإِنْ لم يَنْوِ شيئا مِنْهُمَا فَالظَّاهِرُ إجْزَاؤُهُ عن الْيَمِينِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ عن شَيْءٍ مِنْهُمَا أَصْلًا
فَصْلٌ لو قال إنْ وَطِئْتُك طَالِقٌ ثَلَاثًا أو فَأَنْت طَالِقٌ فَهُوَ إيلَاءٌ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِالْوَطْءِ يَمْنَعُ عنه فَلَهُ وَطْؤُهَا وَعَلَيْهِ النَّزْعُ بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ في الْفَرْجِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ حِينَئِذٍ وَلَا يَمْتَنِعُ من الْوَطْءِ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ يَقَعُ في النِّكَاحِ وَالنَّزْعِ بَعْدَ الطَّلَاقِ تَرْكٌ لِلْوَطْءِ وهو غَيْرُ مُحَرَّمٍ لِكَوْنِهِ وَاجِبًا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ النَّزْعِ عَيْنًا لَكِنْ صَرَّحَ في الْأَنْوَارِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ النَّزْعُ أو الرَّجْعَةُ فَلَوْ اسْتَدَامَ الْوَطْءُ وَلَوْ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فَلَا حَدَّ عليه لِإِبَاحَةِ الْوَطْءِ ابْتِدَاءً وَلَا مَهْرَ عليه لِأَنَّ وَطْأَهُ وَقَعَ في النِّكَاحِ وَإِنْ نَزَعَ ثُمَّ أَوْلَجَ وَهِيَ أَيْ الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ في تَعْلِيقِ طَلَاقِ الثَّلَاثِ فَإِنْ جَهِلَا التَّحْرِيمَ لِلِاسْتِدَامَةِ فَوَطْءُ شُبْهَةٍ فَلَا حَدَّ فيه وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَالْعِدَّةُ كما لو كانت رَجْعِيَّةً فَإِنْ عَلِمَاهُ فَزِنًا فَيَلْزَمُهُمَا الْحَدُّ وَلَا مَهْرَ وَلَا نَسَبَ وَلَا عِدَّةَ فَإِنْ أَكْرَهَهَا على الْوَطْءِ أو عَلِمَ التَّحْرِيمَ دُونَهَا فَلَهَا الْمَهْرُ وَلَا حَدَّ عليها بَلْ عليه وَلَوْ عَلِمَتْ ذلك دُونَهُ وَقَدَرَتْ على الدَّفْعِ حُدَّتْ وَلَا مَهْرَ لها فَرْعٌ لو قال لها قبل الدُّخُولِ بها إنْ وَطِئْتُك فَأَنْت طَالِقٌ فَمُولٍ وَتَطْلُقُ بِالْوَطْءِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا لِأَنَّهُ وَإِنْ وَقَعَ مُقَارِنًا لِلصِّفَةِ فَالْوَطْءُ الْجَارِي يَقْتَضِي الْعِدَّةَ فَيَكُونُ الطَّلَاقُ مع الْعِدَّةِ وهو مُثْبِتُ لِلرَّجْعَةِ فَلَا يَمْنَعُهَا قال الرَّافِعِيُّ وَرُبَّمَا قِيلَ الْوَطْءُ مُقَرَّرٌ وَالطَّلَاقُ مُبَيَّنٌ فِيهِمَا وَإِنْ اجْتَمَعَا غُلِّبَ جَانِبُ الْمُقَرِّرِ لِلنِّكَاحِ وقد شُبِّهَتْ الْمَسْأَلَةُ بِمَا لو قال الْعَبْدُ لِزَوْجَتِهِ إذَا مَاتَ سَيِّدِي فَأَنْت طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ وقال سَيِّدٌ إذَا مِتّ فَأَنْت حُرٌّ فَمَاتَ سَيِّدُهُ لَا يَحْتَاجُ نِكَاحُهَا إلَى مُحَلِّلٍ لِمُقَارَنَةِ الطَّلْقَتَيْنِ الْعِتْقَ فَصْلٌ لو قال إنْ وَطِئْتُك فَضَرَّتُك طَالِقٌ فَوَطِئَهَا في الْمُدَّةِ أو بَعْدَهَا طَلُقَتْ الضَّرَّةُ لِوُجُودِ الْوَصْفِ وَانْحَلَّ الْإِيلَاءُ لِأَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عليه شَيْءٌ بِوَطْئِهَا بَعْدَ ذلك وَإِنْ طَلَّقَ الضَّرَّةَ طَلَاقًا بَائِنًا انْحَلَّ الْإِيلَاءُ لِذَلِكَ لَا رَجْعِيًّا فَلَا يَنْحَلُّ الْإِيلَاءُ حتى لو وَطِئَ الْمُخَاطَبَةَ طَلُقَتْ الضَّرَّةُ وَلَا يَعُودُ بِالتَّجْدِيدِ لِنِكَاحِهَا إنْ بَانَتْ حُكْمُ الْإِيلَاءِ لِعَدَمِ عَوْدِ الْحِنْثِ وَإِنْ طَلُقَتْ هِيَ أَيْ الْمُخَاطَبَةُ سَقَطَتْ مُطَالَبَتُهَا ما لم يُرَاجِعْهَا فَإِنْ رَاجَعَهَا بَعْدُ عَادَ حُكْمُ الْإِيلَاءِ وَلَا يَعُودُ بِتَجْدِيدِ نِكَاحِهَا إنْ بَانَتْ وَيَبْقَى طَلَاقُ الضَّرَّةِ مُعَلَّقًا بِالْوَطْءِ لِلْمُخَاطَبَةِ فَتَطْلُقُ بِهِ وَلَوْ كان زِنًا وَلَوْ قال لِامْرَأَتَيْهِ إنْ وَطِئْت إحْدَاكُمَا فَالْأُخْرَى طَالِقٌ وَنَوَاهَا أَيْ إحْدَاهُمَا وَامْتَنَعَ بَعْدَ الْمُدَّةِ من الْبَيَانِ لها ومن الْفَيْئَةِ طَلَّقَ الْقَاضِي عليه الْمَنْوِيَّةَ نِيَابَةً عنه لِأَنَّهُ حَقٌّ
____________________
(3/349)
تَوَجَّهَ عليه وَتَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ فَإِذْ امْتَنَعَ نَابَ عنه الْحَاكِمُ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَالْعَضْلِ وَلَهُ مُرَاجَعَتُهَا قبل الْبَيَانِ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ عِنْدَهُ وَقَوْلُ الْأَصْلِ لَا تَصِحُّ رَجْعَتُهَا على الْإِبْهَامِ سَبْقُ قَلَمٍ نَبَّهَ عليه في الْمُهِمَّاتِ فَإِنْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا قبل الْبَيَانِ لم يَحْكُمْ بِطَلَاقِ الْأُخْرَى لِلشَّكِّ في أَنَّ التي نَوَاهَا هِيَ الْمَوْطُوءَةُ أو الْأُخْرَى وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ فَإِنْ قال أَرَدْت الْأُخْرَى بَانَ أَنَّهُ مُولٍ من الْأُخْرَى عَمَلًا بِإِرَادَتِهِ فَتُطَالِبُهُ الْأُخْرَى بِالْفَيْئَةِ أو الطَّلَاقِ فَإِنْ وَطِئَهَا طَلُقَتْ الْمَوْطُوءَةُ أَوَّلًا وَإِنْ قال أَرَدْت الْمَوْطُوءَةَ طَلُقَتْ الْأُخْرَى وَانْحَلَّ الْإِيلَاءُ وَلَوْ أَبْهَمَ الْمُولِي منها بِأَنْ لم يَنْوِ إحْدَاهُمَا فَكَمَا لو قال لِنِسَائِهِ لَا جَامَعْت وَاحِدَةً مِنْكُنَّ وَأَرَادَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ مُبْهَمَةً وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ وَإِنْ قال كُلَّمَا وَطِئْت إحْدَاكُمَا فَالْأُخْرَى طَالِقٌ وَوَطِئَ إحْدَاهُمَا تَخَلَّصَ من الْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ وَطَلُقَتْ الْأُخْرَى وَلَا يَتَخَلَّصُ بِالْكُلِّيَّةِ من إيلَاءِ الْأُخْرَى وَإِنْ سَقَطَتْ مُطَالَبَتُهَا في الْحَالِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ في حَقِّهَا وَاقْتِضَاءِ اللَّفْظِ التَّكْرَارِ فإذا رَاجَعَهَا عَادَ فيها حُكْمُ الْإِيلَاءِ فَصْلٌ الْقُرْبُ من الْحِنْثِ ليس بِإِيلَاءٍ إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لُزُومُ شَيْءٍ وَلَا يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ فَلَوْ قال لِأَرْبَعٍ وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُكُنَّ فَلَا حِنْثَ إلَّا بِوَطْءٍ وفي نُسْخَةٍ بِوَطْئِهِنَّ كُلِّهِنَّ لَا بِوَطْءِ بَعْضِهِنَّ وَإِنْ قَرُبَ من الْحِنْثِ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَعْقُودٌ على الْكُلِّ فَهُوَ كما لو حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا أو بَكْرًا أو عَمْرًا وَيَلْزَمُهُ بِوَطْئِهِنَّ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَاحِدَةٌ وَلَا إيلَاءَ حتى يَطَأَ ثَلَاثًا مِنْهُنَّ وَلَوْ في الدُّبُرِ فَيَقَعُ الْإِيلَاءُ على الرَّابِعَةِ لِتَعَلُّقِ الْحِنْثِ بها أَيْ بِوَطْئِهَا فَإِنْ مَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ ولم يَطَأْهَا انْحَلَّتْ الْيَمِينُ الشَّامِلَةُ لِلْإِيلَاءِ لِتَعَذُّرِ الْحِنْثِ وَلَا نَظَرَ إلَى تَصَوُّرِ الْوَطْءِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ اسْمَ الْوَطْءِ إنَّمَا يَنْطَلِقُ على ما يَقَعُ في الْحَيَاةِ فإذا أَبَانَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ أو مَلَكَهَا وَأَعْتَقَهَا قبل الْوَطْءِ ثُمَّ وَطِئَ الثَّلَاثَ ثُمَّ نَكَحَهَا انْحَلَّ الْإِيلَاءُ لِعَدَمِ عَوْدِ الْحِنْثِ وَانْحِلَالُهُ لَا يَتَوَقَّفُ على وَطْءٍ وَلَا نِكَاحٍ وَتَرَتَّبَ نِكَاحُهَا على وَطْءٍ ليس بِشَرْطٍ فَلَوْ عَطَفَ بِالْوَاوِ كان أَوْلَى لَا الْيَمِينُ فَلَا تَنْحَلُّ حتى لو وَطِئَهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَتَنَاوَلُ الْيَمِينَ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ وَمَسْأَلَةُ الْمِلْكِ وَالْإِعْتَاقِ من زِيَادَتِهِ فَرْعٌ لو قال لِأَرْبَعٍ وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُ مع وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ وَأَرَادَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَكَذَا لو لم يُرِدْ شيئا صَارَ مُولِيًا مِنْهُنَّ عَمَلًا بِإِرَادَتِهِ في الْأُولَى وَحَمْلًا له على عُمُومِ السَّلْبِ في الثَّانِيَةِ فإن النَّكِرَةَ في سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ فَلَوْ وَطِئَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ حَنِثَ لِأَنَّهُ خَالَفَ قَوْلَهُ أُجَامِعُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ وَانْحَلَّ الْإِيلَاءُ وَالْيَمِينُ في حَقِّ الْبَاقِيَاتِ وَفِيهِ بَحْثٌ يُعْلَمُ من كَلَامِ الْأَصْلِ الْآتِي مع جَوَابِهِ قَرِيبًا وَمَنْ طَلَّقَهَا من الْأَرْبَعِ سَقَطَتْ مُطَالَبَتُهَا وَبَقِيَ الْإِيلَاءُ في حَقِّ الْبَاقِيَاتِ فَإِنْ رَاجَعَهَا ضُرِبَتْ الْمُدَّةُ ثَانِيًا وَإِنْ أَرَادَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ نُظِرَتْ فَإِنْ عَيَّنَ هَا فَلْيُبَيِّنْهَا كما في الطَّلَاقِ فَإِنْ بَيَّنَهَا فَلِلْبَاقِيَاتِ إنْ كَذَّبَتْهُ تَحْلِيفُهُ فَإِنْ أَقَرَّ لَهُنَّ بِأَنْ أَقَرَّ لِكُلٍّ مِنْهُنَّ بِأَنَّهُ نَوَاهَا أو نَكَلَ عن الْيَمِينِ وَحَلَفْنَ وَأَخَذْنَاهُ بِمُوجَبِ الْأَقَارِيرِ
فَإِنْ وَطِئَهُنَّ في صُورَةِ إقْرَارِهِ تَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَةُ عَمَلًا بِتَعَدُّدِ أَقَارِيرِهِ لَا في صُورَةِ النُّكُولِ وَالْحَلِفِ فَلَا يَتَعَدَّدُ لِأَنَّ بِيَمِينِهِنَّ لَا تَصْلُحُ لِإِلْزَامِهِ الْكَفَّارَةُ وَالْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ وَإِنْ كانت كَالْإِقْرَارِ تُعْطِي حُكْمَهُ من كل وَجْهٍ وَمِنْ ثَمَّ لَا يَضُرُّ لُزُومُ أَنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا منها وَلَا يُخَالِفُ مَحْذُورًا وَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ قال لِثَلَاثٍ من الْأَرْبَعِ لم أُرِدْكُنَّ أو ما آلَيْت مِنْكُنَّ تَعَيَّنَتْ الرَّابِعَةُ لِلْإِيلَاءِ وَإِنْ أَبْهَمَ الْمُولِي منها فَهُوَ مُولٍ من وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مُبْهَمَةٍ فَيُؤْمَرُ بِالتَّعْيِينِ كما في الطَّلَاقِ فَإِنْ عَيَّنَ وَاحِدَةً لم يُحَلِّفْهُ الْبَاقِيَاتُ وَلَا تُنَازِعُهُ وَيَضْرِبُ لها الْمُدَّةَ من وَقْتِ اللَّفْظِ لَا من وَقْتِ التَّعْيِينِ كما في وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ وَإِنْ لم يُعَيِّنْ طَالَبَهُ الْجَمِيعُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ بِالْفَيْئَةِ أو الطَّلَاقِ وَاعْتُبِرَ طَلَبُ الْجَمِيعِ لِيَكُونَ طَلَبُ الْمُولِي منها حَاصِلًا فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْهُمَا طَلَّقَ الْقَاضِي إحْدَاهُنَّ مُبْهَمَةً وَمَنَعَ مِنْهُنَّ حتى يُعَيِّنَ الْمُطَلَّقَةَ فَلَوْ رَاجَعَهَا قبل التَّعْيِينِ لم تَصِحَّ الرَّجْعَةُ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ هُنَا ثُمَّ إنْ فَاءَ إلَى بَعْضِهِنَّ أو طَلَّقَ بَعْضَهُنَّ قبل التَّعْيِينِ لم يَنْحَلَّ الْإِيلَاءُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُولِيَ منها غَيْرُهُنَّ وَإِنْ قال طَلَّقْت من آلَيْت منها انْحَلَّ الْإِيلَاءُ وَلَزِمَهُ التَّعْيِينُ لِلْمُطَلَّقَةِ وَلَوْ قال لِأَرْبَعٍ وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ فَمُولٍ من كل وَاحِدٍ لِحُصُولِ الْحِنْثِ بِوَطْءِ كل وَاحِدَةٍ فإن مَعْنَاهُ عُمُومُ حُصُولٍ لِوَطْئِهِنَّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا أُجَامِعُكُنَّ كما مَرَّ فإن مَعْنَاهُ سَلْبُ الْعُمُومِ أَيْ لَا يَعُمُّ وَطْئِي لَكِنَّ وَتُضْرَبُ الْمُدَّةُ في الْحَالِ فإذا مَضَتْ فَلِكُلٍّ الْمُطَالَبَةُ بِالْفَيْئَةِ أو
____________________
(3/350)
الطَّلَاقِ فإذا طَلَّقَهُنَّ سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ فَإِنْ رَاجَعَهُنَّ ضُرِبَتْ الْمُدَّةُ ثَانِيًا وَإِنْ طَلَّقَ بَعْضَهُنَّ فَالْبَاقِيَاتُ على مُطَالَبَتِهِنَّ وَإِنْ وَطِئَ إحْدَاهُنَّ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ في حَقِّ الْبَاقِيَاتِ وَارْتَفَعَ الْإِيلَاءُ فِيهِنَّ على الْأَصَحِّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ كما لو قال لَا أُجَامِعُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ وَقِيلَ لَا لِتَضَمُّنِ ذلك تَخْصِيصِ كُلٍّ مِنْهُنَّ بِالْإِيلَاءِ وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ هذه لِأَنَّهَا في مَعْنَى ما ذَكَرَهُ وَبَحَثَ الْأَصْلُ بَعْدَ ذِكْرِهِ لها أَنَّهُ إنْ أَرَادَ تَخْصِيصَ كُلٍّ مِنْهُنَّ بِالْإِيلَاءِ فَالْوَجْهُ عَدَمُ الِانْحِلَالِ وَإِلَّا فَلْيَكُنْ كَقَوْلِهِ لَا أُجَامِعُكُنَّ فَلَا حِنْثَ إلَّا بِوَطْءِ جَمِيعِهِنَّ وَمَنَعَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ الْحَلِفَ الْوَاحِدَ على مُتَعَدِّدٍ يُوجِبُ تَعَلُّقَ الْحِنْثِ بِأَيِّ وَقْعٍ لَا تَعَدُّدَ الْكَفَّارَةِ فَالْيَمِينُ الْوَاحِدَةُ لَا يَتَبَعَّضُ فيها الْحِنْثُ وَمَتَى حَصَلَ فيها حِنْثٌ حَصَلَ الِانْحِلَالُ وقد ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ في الْبَحْرِ وقال إنَّهُ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَفَرَّعَ عليه أَنَّهُ لو قال وَاَللَّهِ لَا أُدْخِلُ كُلَّ وَاحِدَةٍ من هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ فَأَدْخَلَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَنِثَ وَسَقَطَتْ الْيَمِينُ فَصْلٌ لو حَلَفَ لَا أُجَامِعُك سَنَةً إلَّا مَرَّةً أو قال عَشْرًا أو غَيْرَهَا وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ قال فَلَيْسَ بِمُولٍ حتى يَطَأَ الْعَدَدَ الذي اسْتَثْنَاهُ وَيَبْقَى من السَّنَةِ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَيَكُونُ مُولِيًا لِحُصُولِ الْحِنْثِ وَلُزُومِ الْكَفَّارَةِ لو وَطِئَ فَإِنْ بَقِيَ منها دُونَهَا الْأَوْلَى دُونَهُ فَحَالَفَ لَا مُولٍ وَقَوْلُهُ يَوْمًا كَقَوْلِهِ مَرَّةً هذا مُكَرَّرٌ فَلَوْ مَضَتْ سَنَةٌ ولم يُجَامِعْهَا فَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْيَمِينِ مَنْعُ الزِّيَادَةِ على ما اسْتَثْنَاهُ نعم إنْ أَرَادَ الْوَطْءَ فيها وَحَنِثَ فيها وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ لَكِنْ لو أَوْلَجَ في صُورَةٍ إلَّا مَرَّةً ثُمَّ نَزَعَ ثُمَّ أَوْلَجَ ثَانِيًا حَنِثَ بِالثَّالِثَةِ من الْمَرَّتَيْنِ لِأَنَّهُ وَطِئَ مَرَّتَيْنِ وَإِنْ قال وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُك السَّنَةَ بِالتَّعْرِيفِ إلَّا مَرَّةً أو غَيْرَهَا اقْتَضَى السَّنَةَ الْحَاضِرَةَ فَإِنْ بَقِيَ منها فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ وَطْئِهِ الْعَدَدَ الذي اسْتَثْنَاهُ كان مُولِيًا وَإِلَّا فَلَا وَمَتَى قال إنْ أَصَبْتُك فَوَاَللَّهِ لَا أَصَبْتُك فَلَا إيلَاءَ حتى يَطَأَ إذْ لَا يَلْزَمُهُ بِالْوَطْءِ الْأَوَّلِ شَيْءٌ فَصْلٌ لو آلَى من امْرَأَتِهِ بِاَللَّهِ وقال لِضَرَّتِهَا أَشْرَكْتُك مَعَهَا أو أَنْت شَرِيكَتُهَا أو مِثْلُهَا وَنَوَى الْإِيلَاءَ لم يَلْحَقْ الثَّانِيَةَ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ إنَّمَا تَكُونُ بِاسْمِهِ أو صِفَتِهِ فَلَا تَنْعَقِدُ بِالْكِتَابَةِ حتى لو قال بِهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وقال أَرَدْت بِاَللَّهِ لم يَنْعَقِدْ يَمِينُهُ وَلَوْ ظَاهَرَ منها وَأَشْرَكَ مَعَهَا الثَّانِيَةَ وَنَوَى الظِّهَارَ منها لَحِقَهَا تَغْلِيبًا لِشَائِبَةِ الطَّلَاقِ على شَائِبَةِ الْيَمِينِ وَقَوْلُهُ وَنَوَى من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَلَا بُدَّ منه لِأَنَّ ذلك كِنَايَةٌ وَإِنْ كان الْإِيلَاءُ بِطَلَاقِهَا أو بِعَتَاقٍ لَا بِاَللَّهِ تَعَالَى وقال بَعْدَ قَوْلِهِ لِضَرَّتِهَا أَشْرَكْتُك مَعَهَا أو نَحْوَهُ أَرَدْت أَنَّ الْأُولَى لَا تَطْلُقُ إلَّا إذَا أَصَبْتهمَا جميعا لم يُقْبَلْ منه إذْ لَا يَجُوزُ نَقْصُ التَّعْلِيقِ بِصِفَةٍ إلَى أُخْرَى فإذا وَطِئَ الْأُولَى طَلُقَتْ فَإِنْ قال أَرَدْت أَنَّ طَلَاقَ الضَّرَّةِ مُعَلَّقٌ بِوَطْءِ الْأُولَى أَيْضًا طَلُقَتْ كَالْأُولَى بِوَطْئِهَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِالْكِتَابَةِ وَلَوْ قال أَرَدْت تَعْلِيقَ طَلَاقِ الثَّانِيَةِ بِوَطْءِ نَفْسِهَا كما في الْأُولَى فَفِي هذه الْحَالَةِ تُشَارِكُهَا في الْإِيلَاءِ لِصِحَّةِ التَّشْرِيكِ لِأَنَّهُ جَائِزٌ في تَنْجِيزِ الطَّلَاقِ فَكَذَا في تَعْلِيقِهِ أَمَّا في الْحَالَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ فَلَا تُشَارِكُهَا فيه وَلَوْ قال أَرَدْت إنْ وَطِئْت الثَّانِيَةَ فَالْأُولَى طَالِقٌ فَيَكُونُ قد عَلَّقَ طَلَاقَ الْأُولَى بِوَطْءِ هذه وَعَلَّقَهُ بِوَطْءِ نَفْسِهَا فَتُشَارِكُهَا الثَّانِيَةُ في الْإِيلَاءِ أَيْضًا قَالَهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَلَوْ قال أَرَدْت أَنَّ طَلَاقَهُمَا مُعَلَّقٌ بِوَطْئِهِمَا مَعًا لم يُقْبَلْ في الْأُولَى كما مَرَّ وَيُقْبَلُ في الثَّانِيَةِ لَكِنَّهُ لَا يَكُونُ مُولِيًا منها حتى يَطَأَ الْأُولَى لِأَنَّهُ يَقْدِرُ قبل وَطْئِهَا على وَطْءِ الثَّانِيَةِ وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهَا وَهَكَذَا أَيْ وَمِثْلُ التَّشْرِيكِ في تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالْوَطْءِ التَّشْرِيكُ في تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِدُخُولِ الدَّارِ وَنَحْوه فَإِنْ قال إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ لَا بَلْ هذه مُشِيرًا إلَى امْرَأَةٍ له أُخْرَى وَأَرَادَ أَنَّ الطَّلَاقَ بِدُخُولِهَا أَيْ الْمُخَاطَبَةِ لَا يَقَعُ إلَّا على هذه أو قال أَرَدْت تَعْلِيقَ طَلَاقِ الثَّانِيَةِ فَقَطْ أَيْ دُونَ الْأُولَى بِدُخُولِ نَفْسِهَا طَلُقَتَا جميعا أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا بِدُخُولِ الْأُولَى في الْأُولَى وَبِدُخُولِ نَفْسِهَا في الثَّانِيَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ فيها من زِيَادَتِهِ وَلَا يُقْبَلُ ما أَرَادَهُ من الرُّجُوعِ عن التَّعْلِيقِ فَرْعٌ لو قال لِمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ وَحَنِثَ أو لم يَحْنَثْ يَمِينِي في يَمِينِك مع كَوْنِهِ يُرِيدُ تَطْلِيقَ امْرَأَتِي بِطَلَاقِ امْرَأَتِك أَيْ أنها طَالِقٌ في الْأُولَى وَمُعَلَّقٌ طَلَاقُهَا في الثَّانِيَةِ كَامْرَأَتِك اسْتَوَيَا وُقُوعًا في الْأُولَى وَتَعْلِيقًا في الثَّانِيَةِ وَذِكْرُهَا من زِيَادَتِهِ وَإِنْ كان قال ذلك قبل الْحَلِفِ أَيْ حَلِفِ الْآخَرِ لَغَا إذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى إذَا حَلَفَ صِرْت حَالِفًا فَلَا يَصِيرُ بِحَلِفِهِ حَالِفًا سَوَاءٌ
____________________
(3/351)
أَحَلَفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَمْ بِالطَّلَاقِ أو نَحْوِهِ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ مَتَى طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلَّقْت امْرَأَتِي فإذا طَلَّقَ الْآخَرُ طَلُقَتْ هذه صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَوْ قال إنْ وَطِئْتُك فَأَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ صَارَ مُولِيًا سَوَاءٌ نَوَى الطَّلَاقَ أو الظِّهَارَ أو تَحْرِيمَ عَيْنِهَا أَمْ أَطْلَقَ وَهَذَا مَرَّ في أَوَّلِ هذا الرُّكْنِ
فَصْلٌ الْإِيلَاءُ يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ كَالطَّلَاقِ فَإِنْ حَلَفَ لَا أُجَامِعُك إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَدَخَلَتْ صَارَ مُولِيًا أو حَلَفَ لَا أُجَامِعُك إنْ شِئْت وَأَرَادَ إنْ شِئْت الْجِمَاعَ أو الْإِيلَاءَ فَشَاءَهُ صَارَ مُولِيًا كَنَظِيرِهِ في الطَّلَاقِ وَإِنْ أَرَادَ شِئْت أَنْ لَا أُجَامِعَك فَلَا إيلَاءَ إذْ مَعْنَاهُ لَا أُجَامِعُك إلَّا بِرِضَاك وَهِيَ إذَا رَضِيَتْ فَوَطِئَهَا لم يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَكَذَا لو أَطْلَقَ الْمَشِيئَةَ حَمْلًا على مَشِيئَةِ عَدَمِ الْجِمَاعِ لِأَنَّهُ السَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ وَلِلتَّعْلِيقِ بِمَشِيئَتِهَا وَمَشِيئَةِ غَيْرِهَا في الْفَوْرِ وَعَدَمِهِ حُكْمُ الطَّلَاقِ فَيُعْتَبَرُ الْفَوْرُ فِيمَا إذَا خَاطَبَهَا ولم يُعَلِّقْ بِمَتَى أو نَحْوِهَا وَعَدَمُهُ في غَيْرِ ذلك وَإِنْ قال وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُك مَتَى شِئْت وَأَرَادَ بِهِ إنِّي أُجَامِعُك مَتَى شِئْت أو أَرَدْت أنا فَلَا إيلَاءَ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الشَّرْعِ أو أَرَادَ التَّعْلِيقَ لِجِمَاعِهَا بِمَشِيئَتِهَا له أو لِعَدَمِهِ فَلَهُ حُكْمُهُ أَيْ حُكْمُ التَّعْلِيقِ الْمَلْفُوظِ بِهِ فإذا شَاءَتْ يَكُونُ مُولِيًا منها في الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِذَلِكَ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ أَطْلَقَ بِأَنْ لم يُرِدْ شيئا فَعَلَامَ يُنَزَّلُ أَيْ هل يُنَزَّلُ على تَعْلِيقِ الْإِيلَاءِ أو لَا وَجْهَانِ أَوْجُهُهُمَا الثَّانِي أَخْذًا من قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَكَذَا لو أَطْلَقَ أو قال وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُك إلَّا أَنْ تَشَائِي قال في الْأَصْلِ أو ما لم تَشَائِي وَأَرَادَ التَّعْلِيقَ لِلْإِيلَاءِ أو الِاسْتِثْنَاءَ عنه فَمُولٍ لِأَنَّهُ حَلَفَ وَعَلَّقَ رَفْعَ الْيَمِينِ بِالْمَشِيئَةِ فَإِنْ شَاءَتْ الْمُجَامَعَةَ فَوْرًا انْحَلَّ الْإِيلَاءُ فَلَا يَنْحَلُّ كَنَظِيرِهِ في الطَّلَاقِ
أو قال وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُك حتى يَشَاءَ فُلَانٌ فَإِنْ شَاءَ الْمُجَامَعَةَ وَلَوْ مُتَرَاخِيًا انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَشَأْهَا صَارَ مُولِيًا بِمَوْتِهِ قبل الْمَشِيئَةِ لِلْيَأْسِ منها سَوَاءٌ أَشَاءَ أَنْ لَا يُجَامِعَهَا أَمْ لم يَشَأْ شيئا لَا بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ لِعَدَمِ الْيَأْسِ من الْمَشِيئَةِ أو قال وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُك إنْ شِئْت أَنْ أُجَامِعَك فَشَاءَتْ فَوْرًا أَنْ يُجَامِعَهَا صَارَ مُولِيًا هذا عُلِمَ من أَوَّلِ الْفَصْلِ
الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْمُدَّةُ فَإِنْ قال وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك وَأَطْلَقَ أو قال أَبَدًا كما فُهِمَ بِالْأُولَى وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ صَارَ مُولِيًا وَكَذَا إنْ قَيَّدَ بِأَكْثَرَ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَإِنْ كان التَّقْيِيدُ بِلَحْظَةٍ لَا تَسَعُ الْمُطَالَبَةَ وَفَائِدَتُهُ مع هذه اللَّحْظَةِ الْإِثْمُ لِإِيذَائِهَا وَقَطْعُ طَمَعِهَا من الْوَطْءِ في الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ وما ذَكَرَ من أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ اللَّحْظَةُ تَسَعُ الْمُطَالَبَةَ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْإِمَامِ وفي كَلَامِ الرُّويَانِيِّ ما يُوَافِقُهُ قال الْبُلْقِينِيُّ وهو عَجِيبٌ لَا يُوَافِقُ عليه وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُولِيًا إلَّا بِالْحَلِفِ على ما فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِزَمَانٍ يَتَأَتَّى فيه الْمُطَالَبَةُ وَصَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَسَبَقَهُ إلَى نَحْوِ ذلك ابن الرِّفْعَةِ وَلَوْ قال وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فإذا مَضَتْ فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَهَكَذَا فَلَيْسَ بِمُولٍ إذْ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَا تُمْكِنُ الْمُطَالَبَةُ بِمُوجَبِ الْيَمِينِ الْأُولَى لِانْحِلَالِهَا وَلَا بِالثَّانِيَةِ إذْ لم تَمْضِ مُدَّةُ الْمُهْلَةِ من انْعِقَادِهَا وَهَكَذَا وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَصْبِرُ عن الزَّوْجِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَبَعْدَهَا يَفْنَى صَبْرُهَا أو يَقِلُّ فَالْحَلِفُ على الْأَرْبَعَةِ فَأَقَلَّ ليس بِإِيلَاءٍ لِأَنَّهُ لَا يَعْظُمُ الضَّرَرُ فيها بَلْ حَالِفٌ لَكِنْ يَأْثَمُ فِيمَا قَالَهُ إثْمَ الْإِيذَاءِ وَالْإِضْرَارِ لَا إثْمَ الْإِيلَاءِ فَإِنْ أَسْقَطَ وَاَللَّهِ الثَّانِيَةَ بِأَنْ قال وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فإذا مَضَتْ لَا وَطِئْتُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَمُولٍ لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ اشْتَمَلَتْ على أَكْثَرَ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ ابن الرِّفْعَةِ فَرْعٌ لو قال وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك خَمْسَةَ أَشْهُرٍ فَإِنْ مَضَتْ فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك سَنَةً وفي نُسْخَةٍ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَهُمَا إيلَاءَانِ فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِمُقْتَضَى الْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَى انْقِضَاءِ الشَّهْرِ الْخَامِسِ وَيَنْحَلُّ الْإِيلَاءُ الْأَوَّلُ ثُمَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخَامِسِ تُضْرَبُ الْمُدَّةُ لِلثَّانِي سَوَاءٌ أَفَاءَ في الْأُولَى أَمْ لَا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمُهُ هذا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَإِنْ طَلَّقَ قبل مُضِيِّ مُدَّةِ الثَّانِي ثُمَّ رَاجَعَ وَالْبَاقِي من الْمُدَّةِ أَكْثَرُ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ عَادَ الْإِيلَاءُ أَيْ حُكْمُهُ فَتُضْرَبُ الْمُدَّةُ في الْحَالِ وَإِلَّا فَلَا إيلَاءَ وَيَبْقَى وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ مَنُوطًا
____________________
(3/352)
بِالْوَطْءِ في الْمُدَّةِ في يَمِينِهِ فَلَوْ أتى بِالْيَمِينِ ولم يَقُلْ فَإِنْ مَضَتْ بِأَنْ قال وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُك خَمْسَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ قال وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُك سَنَةً تَدَاخَلَتَا أَيْ الْيَمِينَانِ بِتَدَاخُلِ مُدَّتِهِمَا وَانْحَلَّتَا بِوَطْءٍ وَاحِدٍ فَلَا تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ بِنَاءً على ما يَأْتِي من أَنَّ الْحَانِثَ في يَمِينَيْنِ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ كَأَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا وَحَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامَ زَيْدٍ فَأَكَلَ خُبْزَهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَصْلٌ لو عَلَّقَ الْوَطْءَ بِمُسْتَحِيلٍ كَصُعُودِ السَّمَاءِ أو بِمُسْتَبْعَدٍ في الِاعْتِقَادِ حُصُولَهُ في أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَخُرُوجِ الدَّجَّالِ وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَنُزُولِ عِيسَى صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقُدُومِ زَيْدٍ من سَفَرِهِ وَالْمَسَافَةُ بَعِيدَةٌ لَا تُقْطَعُ في أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَمُولٍ أَمَّا في الْأُولَى فَكَمَا لو قال لَا أَطَؤُك أَبَدًا وَأَمَّا فِيمَا بَعْدَهَا فَلِظَنِّ تَأَخُّرِ حُصُولِ الْمُعَلَّقِ بِهِ عن الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ قال في الْأَخِيرَةِ ظَنَنْت قُرْبَهَا أَيْ الْمَسَافَةِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فَلَا يَكُونُ مُولِيًا بَلْ حَالِفًا وعلقه بِمَا بِتَحَقُّقِ قُرْبِهِ أَيْ وُجُودِهِ قبل الْمُدَّةِ كَذُبُولِ الْبَقْلِ وَجَفَافِ الثَّوْبِ أو بِمَا يُظَنُّ كَقُدُومِ قَافِلَةٍ تَعْتَادُ الْمَجِيءِ غَالِبًا كُلَّ شَهْرٍ وَجِيءَ الْمَطَرُ في وَقْتِ غَلَبَةِ الْأَمْطَارِ فَلَيْسَ بِمُولٍ لِتَحَقُّقِ الْمَذْكُورِ بَلْ حَالَفَ وَمُرَادُهُ بِالتَّحَقُّقِ ما يَشْمَلُ الظَّنَّ وَإِنْ اُحْتُمِلَ الْأَمْرَانِ أَيْ وُجُودُ الْمُعَلَّقِ بِهِ قبل مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَوُجُودُهُ بَعْدَهَا كَدُخُولِ زَيْدٍ الدَّارَ وَقُدُومِهِ من قُرْبٍ أَيْ مَكَان قَرِيبٍ وَمَرَضِهِ لم يَكُنْ مُولِيًا وَلَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ ولم يُوجَدْ الْمُعَلَّقُ بِهِ لِانْتِفَاءِ تَحَقُّقِ قَصْدِ الْمُضَارَّةِ أَوَّلًا وَأَحْكَامُ الْإِيلَاءِ مَنُوطَةٌ بِهِ لَا بِمُجَرَّدِ الضَّرَرِ بِالِامْتِنَاعِ من الْوَطْءِ وَلِهَذَا لو امْتَنَعَ بِلَا يَمِينٍ لم يَكُنْ مُولِيًا وَلَوْ وَطِئَ قبل وُجُودِ الْمُعَلَّقِ بِهِ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَلَوْ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ بِهِ قبل الْوَطْءِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
فَرْعٌ لو قال وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُك عُمُرِي أو عُمُرَك أو حتى أَمُوتَ أو تَمُوتِي فَمُولٍ لِحُصُولِ الْيَأْسِ من الْوَطْءِ مُدَّةَ الْعُمُرِ وَكَمَا لو قال لَا أُجَامِعُك أَبَدًا فإن أَبَدَ كُلُّ إنْسَانٍ عُمُرَهُ وَكَذَا لو قال وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُك حتى يَمُوتَ زَيْدٌ لِأَنَّ الْمَوْتَ كَالْمُسْتَبْعَدِ في الِاعْتِقَادَاتِ فَيَلْحَقُ بِالتَّعْلِيقِ بِنُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ
أو لَا أُجَامِعُك حتى تَفْطِمِي وَلَدَك وَأَرَادَ تَمَامَ الْحَوْلَيْنِ وَبَقِيَ مِنْهُمَا مُدَّةَ الْإِيلَاءِ فَمُولٍ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ أَرَادَ فِعْلَ الْفِطَامِ وَلَا يُمْكِنُ فِطَامُهُ إلَّا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِصِغَرٍ أو ضَعْفِ بِنْيَةٍ فَمُولٍ وَإِنْ أَمْكَنَ فِطَامُهُ قَبْلَهَا فَكَالتَّعْلِيقِ بِدُخُولِ الدَّارِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّ فِطَامَهُ مُمْكِنٌ وَإِنْ مَنَعَ منه الشَّرْعُ وَالْإِيلَاءُ تَعَلَّقَ بِإِمْكَانِ الْفِعْلِ لَا بِجَوَازِهِ في الشَّرْعِ
أو لَا أُجَامِعُك حتى تَحْبَلِي وَهِيَ صَغِيرَةٌ كَبِنْتِ خَمْسٍ أو سَبْعٍ أو آيِسَةٍ فَمُولٍ لِأَنَّ حَبْلَ من في هذا السِّنِّ مُسْتَحِيلٌ أو نَادِرٌ وَإِلَّا فَكَالتَّعْلِيقِ بِمَشْكُوكٍ فيه كَدُخُولِ الدَّارِ فَلَا يَكُونُ مُولِيًا وَلَوْ عَلَّقَ بِقُدُومِ زَيْدٍ أو فِطَامِهِ لم يُحْكَمْ بِكَوْنِهِ مُولِيًا فَمَاتَ زَيْدٌ قبل ذلك فَكَقَوْلِهِ حتى يَشَاءَ فُلَانٌ فَمَاتَ قبل الْمَشِيئَةِ وقد مَرَّ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ صَارَ مُولِيًا بِمَوْتِهِ
فَرْعٌ لو قال وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُك وقال أَرَدْت شَهْرًا أو نَحْوَهُ دِينَ ولم يُقْبَلْ ظَاهِرًا لِأَنَّ الْمَفْهُومَ منه التَّأْبِيدُ بِخِلَافِ ما لو قال لَيَطُولَنَّ تَرْكِي لِجِمَاعِك ثُمَّ فَسَّرَ بِشَهْرٍ يُقْبَلُ لِوُقُوعِ اسْمِ التَّطْوِيلِ عليه الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْمَحْلُوفُ عليه وهو تَرْكُ الْجِمَاعِ لَا غَيْرُ فَالْحَلِفُ على امْتِنَاعِهِ من غَيْرِ الْجِمَاعِ ليس بِإِيلَاءٍ وَصَرِيحُهُ الْأَوْلَى قَوْلُهُ أَصْلُهُ وَمِنْ صَرِيحِهِ مَهْجُوًّا ل ن ي ك أَيْ لَفْظُ النَّيْكِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَنِيكُك أو لَا أُدْخِلُ أو لَا أُولِجُ أو لَا أُغَيِّبُ ذَكَرِي أو حَشَفَتِي في فَرْجِك وَالْمُرَادُ من الذَّكَرِ قَدْرُ الْحَشَفَةِ فإنه لو أَرَادَ تَغْيِيبَ جَمِيعِهِ لم يَكُنْ مُولِيًا كما لو قال لَا أَسْتَوْفِي الْإِيلَاجَ أو لَا أَقْتَضُّك بِالْقَافِ أو بِالْفَاءِ وَهِيَ بِكْرٌ أو لَا أُصِيبُك أو لَا أُجَامِعُك أو لَا أُطَاوِعُك وَإِنْ لم يَقُلْ بِذَكَرِي أو بِحَشَفَتِي لِشُيُوعِ اسْتِعْمَالِهَا في الْوِقَاعِ وقد يَدِينُ في الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ إنْ ذَكَرَ مُحْتَمَلًا ولم يَقُلْ بِذَكَرِي أو بِحَشَفَتِي كَأَنْ يُرِيدُ بِالْأَوَّلَيْنِ الِاقْتِضَاضَ وَالْإِصَابَةَ بِغَيْرِ الذَّكَرِ وَبِالْجِمَاعِ الِاجْتِمَاعَ وَبِالْوَطْءِ بِالْقَدَمِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْأَرْبَعَةِ مِمَّا ذَكَرَ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ غَيْرَهُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَدِينُ فيه أَيْضًا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْفَرْجِ الدُّبُرَ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظَةِ وَذِكْرُ التَّدْيِينِ في الْإِصَابَةِ من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ قُدُومًا قَالُوهُ من صَرَاحَةِ الِاقْتِضَاضِ فِيمَا ذَكَر قال ابن الرِّفْعَةِ ظَاهِر إذَا لم تَكُنْ الْبِكْرُ غَوْرَاءَ أَمَّا هِيَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُولِيًا منها إذَا عَلِمَ حَالَهَا قبل الْحَلِفِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ بِغَيْرِ
____________________
(3/353)
اقْتِضَاضٍ وَحَقُّهَا إنَّمَا هو في ذلك إلَّا أَنْ يُقَالَ الْفَيْئَةُ في حَقِّ الْبِكْرِ تُخَالِفُهَا في حَقِّ الثَّيِّبِ كما يُفْهِمُهُ إيرَادُ الْقَاضِي وَالنَّصُّ ثُمَّ الْمُبَاشَرَةُ وَالْمُبَاضَعَةُ وَالْمُلَامَسَةُ وَالْمَسُّ وَالْإِفْضَاءُ وَالْمُبَاعَلَةُ وَالِافْتِرَاشُ وَالدُّخُولُ بها وَالْمُضِيُّ إلَيْهَا وَالْغَشَيَانُ وَالْقُرْبَانُ بِكَسْرِ الْقَافِ أَشْهَرَ من ضَمِّهَا وَالْإِثْبَاتُ كِنَايَاتٌ في الْجِمَاعِ لَا صَرَائِحُ لِأَنَّ لها مَعَانِيَ غير الْوَطْءِ ولم تَشْتَهِرْ في الْوَطْءِ اشْتِهَارَ الْأَلْفَاظِ السَّابِقَةِ فيه قال الزَّرْكَشِيُّ وما رَجَحُوهُ في الْمَسِّ يُخَالِفُ قَاعِدَةَ أَنَّ الصَّرَاحَةَ تُؤْخَذُ من تَكَرُّرِ اللَّفْظِ في الْقُرْآنِ وقد تَكَرَّرَ في الْبَقَرَةِ وَالْأَحْزَابِ وفي الحديث فَإِنْ مَسَّهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ من فَرْجِهَا وقد يُجَابُ بِأَنَّ ذلك مُقَيَّدٌ بِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ له في مَعْنَاهُ الْمُرَادِ
وَقَوْلُهُ وَاَللَّهِ لَأَبْعُدَنَّ أو لَأَغِيبَنَّ عَنْك أو لَأَغِيظَنَّكِ أو لَأَسْوَأْنَك كِنَايَاتٌ في الْجِمَاعِ وَالْمُدَّةِ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لَهُمَا وَلِغَيْرِهِمَا أو لَأُطِيلَنَّ تَرْكِي لِجِمَاعِك أو لَأَسُوأَنَّكِ فيه صَرِيحٌ في الْجِمَاعِ كِنَايَةٌ في الْمُدَّةِ وَقَوْلُهُ وَاَللَّهِ لَا أَجْمَعُ رَأْسَنَا وفي نُسْخَةٍ لَا تَجْتَمِعُ رَأْسَنَا على وِسَادَةٍ أو تَحْتَ سَقْفٍ كِنَايَةٌ لِمَا ذَكَرَ وَلِأَنَّهُ ليس من ضَرُورَةِ الْجِمَاعِ اجْتِمَاعُ رَأْسَيْهِمَا على وِسَادَةٍ أو تَحْتَ سَقْفٍ
فَإِنْ قال وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُك إلَّا في الدُّبُرِ فَمُولٍ أو إلَّا في الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ ونهار رَمَضَانَ وَالْمَسْجِدِ أَيْ أَحَدِهِمَا فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نعم وَبِهِ أَفْتَى الْبَغَوِيّ في غَيْرِ صُورَةِ النِّفَاسِ لِأَنَّ الْوَطْءَ حَرَامٌ في هذه الْأَحْوَالِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ من وَطْئِهَا وَعَلَيْهَا الِامْتِنَاعُ وَتُضْرَبُ الْمُدَّةُ ثُمَّ تُطَالِبُ بَعْدَهَا بِالْفَيْئَةِ أو الطَّلَاقِ فَإِنْ فَاءَ إلَيْهَا في هذه الْأَحْوَالِ سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ في الْحَالِ لِزَوَالِ الْمُضَارَّةِ بِهِ وَتُضْرَبُ الْمُدَّةُ ثَانِيًا لِبَقَاءِ الْيَمِينِ كما لو طَلَّقَ الْمُولِي بَعْدَ الْمُدَّةِ ثُمَّ رَاجَعَ تُضْرَبُ الْمُدَّةُ ثَانِيًا وَثَانِيهِمَا لَا وَبِهِ جَزَمَ السَّرَخْسِيُّ في صُورَةِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ لِأَنَّهُ لو جَامَعَ فيها حَصَلَتْ الْفَيْئَةُ فَاسْتِثْنَاؤُهُ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْإِيلَاءِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَالْأَوَّلُ هو ما جَزَمَ بِهِ في الذَّخَائِرِ وَلَا يُتَّجَهُ وقال الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الرَّاجِحُ فَقَدْ جَزَمَ بِهِ في الذَّخَائِرِ وقال في الْمَطْلَبِ إنَّهُ الْأَشْبَهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُجَامِعُهَا في شَيْءٍ من هذه الْأَحْوَالِ لم يَكُنْ مُولِيًا بَلْ هو مُحْسِنٌ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ في غَيْرِ الْأَخِيرَتَيْنِ قال الرَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ من ذلك فَأَكَّدَ الْمَمْنُوعُ منه بِالْحَلِفِ أو لَا أُجَامِعُك إلَّا جِمَاعَ سُوءٍ وَأَرَادَ الْجِمَاعَ في الدُّبُرِ أو فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ أو بِدُونِ الْحَشَفَةِ فَمُولٍ وَإِلَّا بِأَنْ أَرَادَ الْجِمَاعَ الضَّعِيفَ أو لم يُرِدْ شيئا فَلَا إيلَاءَ لِأَنَّ ضَعِيفَ الْجِمَاعِ كَقَوِيِّهِ في الْحُكْمِ وَالْأَصْلُ فِيمَا إذَا لم يُرِدْ شيئا عَدَمُ الْحَلِفِ على الْحَالِ الذي يَكُونُ فيه مُولِيًا وَحُكْمُ عَدَمِ الْإِرَادَةِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ تَفَقُّهًا وَلَوْ قال لَأُجَامِعَنَّكِ جِمَاعَ سُوءٍ أو لَأُجَامِعَنَّكِ جِمَاعَ سُوءٍ لم يَكُنْ مُولِيًا كما لو قال لَأُجَامِعَنَّكِ في هذا الْبَيْتِ أو لَأُجَامِعَنَّكِ من الْقُبُلِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ على اخْتِلَافٍ في نُسَخِهِ
فَإِنْ قال وَاَللَّهِ لَأَغْتَسِلُ عَنْك وَأَرَادَ تَرْكَ الْغُسْلِ دُونَ تَرْكِ الْجِمَاعِ أو ذَكَرَ أَمْرًا مُحْتَمَلًا كَالْإِكْسَالِ بِأَنْ لَا يَمْكُثَ بَعْدَ الْوَطْءِ حتى يُنْزِلَ وَاعْتَقَدَهُ أَيْ وَاعْتَقَدَ أَنَّ الْوَطْءَ بِلَا إنْزَالٍ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ أو أَرَادَ إنِّي أُجَامِعُهَا بَعْدَ جِمَاعِ غَيْرِهَا لِيَكُونَ الْغُسْلُ عن الْأُولَى لِحُصُولِ الْجِنَايَةِ بها قُبِلَ منه ولم يَكُنْ مُولِيًا وما قَالَهُ في الْأُولَى هو ما صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُ الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ وَالْبَيَانِ لَكِنْ في تَعْلِيقِ الْقَاضِي أبي الطَّيِّب أَنَّهُ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُرِيدُ ذلك فَيَكُونُ مُولِيًا ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الصَّوَابُ فَقَدْ نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ وَهَذَا النَّصُّ نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أو قال وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُ فَرْجَك أو لَا أُجَامِعُ نِصْفَهُ الْأَسْفَلَ فَإِيلَاءٌ لَا إنْ قال وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُ سَائِرَ الْأَعْضَاءِ أَيْ بَاقِيَهَا كَأَنْ قال لَا أُجَامِعُ يَدَك أو نِصْفَك الْأَعْلَى أو بَعْضَك أو نِصْفَك فَلَا يَكُونُ إيلَاءً إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْبَعْضِ الْفَرْجَ وَبِالنِّصْفِ النِّصْفَ الْأَسْفَلَ فَيَكُونُ إيلَاءً الْبَابُ الثَّانِي في حُكْمِ الْإِيلَاءِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَطْرَافٍ الْأَوَّلُ ضَرْبُ الْمُدَّةِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ لِلْحُرِّ وَالْعَبْدِ حُرَّةً كانت الزَّوْجَةُ أو أَمَةً لِأَنَّ الْمُدَّةَ شُرِعَتْ لِأَمْرٍ جِبِلِّيٍّ وهو قِلَّةُ الصَّبْرِ عن الزَّوْجِ وما يَتَعَلَّقُ بِالْجِبِلَّةِ وَالطَّبْعِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ كما في مُدَّةِ الْعُنَّةِ وَهِيَ حَقٌّ لِلزَّوْجِ كَالْأَجَلِ حَقٌّ لِلْمَدِينِ وَلَا يَحْتَاجُ ضَرْبُهَا إلَى ضَارِبٍ من حَاكِمٍ أو مُحَكَّمٍ بِخِلَافِ مُدَّةِ الْعُنَّةِ لِأَنَّهَا مُجْتَهَدٌ فيها كما مَرَّ وَابْتِدَاؤُهَا من وَقْتِ الْإِيلَاءِ إنْ لم يَكُنْ مَانِعٌ من الْوَطْءِ وَإِلَّا فَمِنْ وَقْتِ زَوَالِ الْمَانِعِ كما مَرَّ في أَوَّلِ الْبَابِ الْأَوَّلِ
____________________
(3/354)
فَصْلٌ لَا تُحْسَبُ الْمُدَّةُ حَالَ طَلَاقٍ وَرِدَّةٍ من الزَّوْجَيْنِ أو أَحَدِهِمَا وَإِنْ رَاجَعَ الزَّوْجُ أو أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ لِمَا مَرَّ في الْبَابِ الْأَوَّلِ وَتُقْطَعُ الْمُدَّةُ بِطَرَيَانِ ذلك أَيْ كُلٍّ من الطَّلَاقِ وَالرِّدَّةِ وَيَسْتَأْنِفُ في صُورَةِ الطَّلَاقِ وَلَوْ طَلَّقَ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ يَعْنِي بَعْدَ الْمُدَّةِ بِمُطَالَبَةٍ أو بِدُونِهَا بِرَجْعَةٍ أَيْ تُسْتَأْنَفُ الْمُدَّةُ بِالرَّجْعَةِ لِأَنَّ الْإِضْرَارَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالِامْتِنَاعِ الْمُتَوَالِي في نِكَاحٍ سَلِيمٍ لَا تَجْدِيدِ نِكَاحٍ بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا لِعَدَمِ عَوْدِ الْإِيلَاءِ وَبِإِسْلَامٍ أَيْ وَتُسْتَأْنَفُ في صُورَةِ الرِّدَّةِ بِإِسْلَامِ الْمُرْتَدِّ في الْعِدَّةِ وَلَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ الْمُدَّةِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لِأَنَّ الرِّدَّةَ تُؤَثِّرُ في قَطْعِ النِّكَاحِ كَالطَّلَاقِ وَيُؤْخَذُ من قَوْلِهِ في الْعِدَّةِ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَرْتَدَّ بَعْدَ الدُّخُولِ لِأَنَّهُ لو ارْتَدَّ قَبْلَهُ انْقَطَعَ النِّكَاحُ هذا إنْ بَقِيَ من مُدَّةِ الْيَمِينِ بَعْدَ الرَّجْعَةِ وَالْإِسْلَامِ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّ الْمَانِعَ من الْوَطْءِ بَاقٍ وَالْمُضَارَّةُ حَاصِلَةٌ وَكَأَنَّهُ رَاجَعَ أو أَسْلَمَ ثُمَّ حَلَفَ ثَانِيًا قال الْإِمَامُ وكان يَنْقَدِحُ أَنْ يُقَالَ كُلَّمَا رَاجَعَهَا تَعُودُ الطُّلْبَةُ لِاتِّحَادِ النِّكَاحِ لَكِنَّهُ لَمَّا طَلَّقَ أتى بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْمَطْلُوبِ أَحَدِهِمَا فَأَسْقَطَ الطُّلْبَةَ وما قَالَهُ يَأْتِي في مَسْأَلَةِ الرِّدَّةِ فَإِنْ لم يَبْقَ ذلك فَلَا اسْتِئْنَافَ وَكَذَا حُكْمُ أَعْذَارِهَا الْمَانِعَةِ من الْوَطْءِ كَالنُّشُوزِ وَالْمَرَضِ وَالصِّغَرِ وَجُنُونٍ الْأَوْلَى وَالْجُنُونِ حَالَةَ كَوْنِ كُلٍّ من الثَّلَاثَةِ يَمْنَعُ التَّمْكِينَ من الْوَطْءِ وَصَوْمٍ وَاعْتِكَافٍ فَرْضَيْنِ وَإِحْرَامِ فَرْضٍ وَعِدَّةِ شُبْهَةٍ فَلَا تُحْسَبُ الْمُدَّةُ مَعَهَا وَتُسْتَأْنَفُ إذَا زَالَتْ لِمَا مَرَّ في صُورَتَيْ الطَّلَاقِ وَالرِّدَّةِ نعم إنْ طَرَأَ شَيْءٌ منها بَعْدَ الْمُدَّةِ وَقَبْلَ الْمُطَالَبَةِ ثُمَّ زَالَتْ فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِلَا اسْتِئْنَافِ مُدَّةٍ لِوُجُودِ الْمُضَارَّةِ في الْمُدَّةِ على التَّوَالِي ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَرَجَّحَهُ وَخَرَجَ بِالْفَرْضِ النَّفَلُ فَلَا يُؤَثِّرُ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ من وَطْئِهَا فيه لَا حَيْضٍ وَنِفَاسٍ فَتُحْسَبُ الْمُدَّةُ مَعَهُمَا لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عن الْحَيْضِ غَالِبًا فَلَوْ لم تُحْسَبْ معه لَتَضَرَّرَتْ بِطُولِهَا وَأُلْحِقَ بِهِ النِّفَاسُ لِمُشَارَكَتِهِ له في أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ وَتَبِعَ كَأَصْلِهِ في ذِكْرِهِ له الْبَغَوِيّ كَشَيْخِهِ الْقَاضِي كما قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ قال وَالْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْمُدَّةَ لَا تُحْسَبُ معه لِنَدُورَهُ وقال الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الصَّوَابُ الذي عليه الْجُمْهُورُ
وَتُحْسَبُ الْمُدَّةُ حَالَ جُنُونِهِ وَمَرَضِهِ وَسَائِرِ أَعْذَارِهِ كَصَوْمِهِ وَاعْتِكَافِهِ وَإِحْرَامِهِ فَرْضًا أو نَفْلًا لِأَنَّهَا مُمْكِنَةٌ وَالْمَانِعُ منه وهو الْمُقَصِّرُ بِإِيلَائِهِ وَلِهَذَا اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ وَإِنَّمَا لم تُحْسَبُ مع طَلَاقِهِ وَرِدَّتِهِ لِإِخْلَالِهِمَا بِالنِّكَاحِ الطَّرَفُ الثَّانِي في كَيْفِيَّةِ الْمُطَالَبَةِ فَلَهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الطَّلَبُ بِالْفَيْئَةِ أَيْ الرُّجُوعُ إلَى الْوَطْءِ الذي امْتَنَعَ منه بِالْإِيلَاءِ أو الطَّلَاقِ إنْ لم يَفِ كما سَيَأْتِي لِلْآيَةِ وَلِدَفْعِ الضَّرَرِ عن نَفْسِهَا وَإِنَّمَا طَالَبَتْهُ بِالْفَيْئَةِ أَوَّلًا لِأَنَّ حَقَّهَا فيها فَإِنْ أَسْقَطَتْهُ أَيْ الطَّلَبَ ثُمَّ نَدِمَتْ طَالَبَتْ ما لم تَنْقَضِ الْمُدَّةُ لِتَجَدُّدِ الضَّرَرِ كما في نَظِيرِهِ من الرِّضَا بِالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ في الْعُنَّةِ بِأَنَّهَا خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ لَا تَتَقَسَّطُ على الْأَيَّامِ بِخِلَافِ حَقِّ الْوَطْءِ وَالنَّفَقَةِ وَلِأَنَّهَا عَيْبٌ وَالرِّضَا بِهِ يُسْقِطُ حَقَّ الْفَسْخِ وَلَا يُطَالَبُ الزَّوْجُ لِمُرَاهِقَةٍ وَمَجْنُونَةٍ بَلْ يُخَوَّفُ نَدْبًا من اللَّهِ تَعَالَى بِنَحْوِ اتَّقِ اللَّهَ بِالْفَيْئَةِ أو الطَّلَاقِ وَإِنَّمَا يُضَيَّقُ عليه إذَا بَلَغَتْ أو أَفَاقَتْ وَطَلَبَتْ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ تَخْتَصُّ بِالزَّوْجَةِ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ حَقُّهَا كَالْفَسْخِ بِالْعُنَّةِ وَكَمَا أَنَّ الطَّلَاقَ يَخْتَصُّ بِالزَّوْجِ ولهذا كان الطَّلَبُ لِلْأَمَةِ لَا لِلسَّيِّدِ فَرْعٌ لَا تُطَالِبُ الزَّوْجَةُ زَوْجَهَا وَبِهَا عُذْرٌ يَمْنَعُ الْوَطْءَ كَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَصَوْمِ فَرْضٍ وَحَبْسٍ يَمْنَعُ التَّمْكِينَ لِامْتِنَاعِ الْوَطْءِ الْمَطْلُوبِ بِخِلَافِ صَوْمِ النَّفْلِ فَإِنْ كان الْعُذْرُ بِهِ وهو طَبْعِيٌّ كَالْمَرَضِ أو خَوْفِ زِيَادَتِهِ أو بُطْءِ الْبُرْءِ منه لو وَطِئَ طُولِبَ بِفَيْئَةِ اللِّسَانِ أو الطَّلَاقِ إنْ لم يَفِ لِأَنَّهُ بِهِ يَنْدَفِعُ الْأَذَى الذي حَصَلَ بِاللِّسَانِ بِلَا مُهْلَةٍ لِفَيْئَةِ اللِّسَانِ وَإِنْ اُسْتُمْهِلَ لِأَنَّ الْوَعْدَ هَيِّنٌ مُتَيَسِّرٌ فيقول فيها إذَا قَدَرْت فِئْت وزاد الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَنَدِمْت على ما فَعَلْت وَجَرَى عليه كَثِيرٌ من الْعِرَاقِيِّينَ وَالْمَرَاوِزَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ التَّأْكِيدُ وَالِاسْتِحْبَابُ كما صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ
وَحِينَ يَقْدِرُ على وَطْئِهَا يُطَالَبُ بِالْوَطْءِ أو الطَّلَاقِ إنْ لم يَطَأْ تَحْقِيقًا لِفَيْئَةِ اللِّسَانِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِئْنَافِ مُدَّةٍ وَإِنْ حُبِسَ بِدَيْنٍ وَقَدَرَ على قَضَائِهِ لم يَكُنْ أَيْ الْحَبْسُ عُذْرًا فَيُؤْمَرُ بِالْقَضَاءِ وَالْفَيْئَةِ بِالْوَطْءِ أو الطَّلَاقِ بِخِلَافِ ما لو حُبِسَ ظُلْمًا وَإِنْ كان عُذْرُهُ شَرْعِيًّا كَإِحْرَامٍ وَصَوْمٍ وَاجِبٍ وَظِهَارٍ قبل التَّكْفِيرِ طُولِبَ بِالطَّلَاقِ فَقَطْ أَيْ دُونَ الْفَيْئَةِ بِاللِّسَانِ لِأَنَّهُ الذي يُمْكِنُهُ بِخِلَافِ عُذْرِهِ الطَّبِيعِيِّ لِأَنَّ
____________________
(3/355)
الْوَطْءَ فيه مُتَعَذِّرٌ وَهُنَا مُمْكِنٌ وهو الْمُضَيِّقُ على نَفْسِهِ وَبِخِلَافِ الظِّهَارِ بَعْدَ التَّكْفِيرِ فإنه يُطَالَبُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِثْلَ ما مَرَّ وَقَوْلُهُ لَا غَيْرُهُ تَأْكِيدٌ
وَيَحْرُمُ عليها تَمْكِينُهُ من الْوَطْءِ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ على الْحَرَامِ فَإِنْ مَكَّنَتْهُ من الْوَطْءِ وَوَطِئَ انْحَلَّ الْإِيلَاءُ وَإِنْ حُرِّمَ الْوَطْءُ لِحُصُولِ مَقْصُودِهَا
الطَّرَفُ الثَّالِثُ في الْمَقْصُودِ بِالطَّلَبِ وهو الْفَيْئَةُ أو الطَّلَاقُ إنْ لم يَفِ فَيُقَالُ له من قِبَلِ الْمَرْأَةِ وَالْقَاضِي فِئْ وَإِلَّا طُلِّقَ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَالْمَقْصُودُ الْفَيْئَةُ لَكِنَّهُ يُطَالَبُ بِالطَّلَاقِ إنْ لم يَفِ فَتُصَدَّقُ بِذَلِكَ وَبِأَنَّهَا تُطَالِبُهُ أَوَّلًا بِالْفَيْئَةِ فَإِنْ أَبَى طَالَبَتْهُ وَصِدْقُهَا بِالثَّانِي أَظْهَرُ منه بِالْأَوَّلِ ثُمَّ حَكَى أَعْنِي الْأَصْلَ عن الْإِمَامِ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْمُطَالَبَةُ مُتَرَدِّدَةً بين الْفَيْئَةِ وَالطَّلَاقِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ فإذا الْأَوْلَى فَإِنْ امْتَنَعَ من الْفَيْئَةِ وَالطَّلَاقِ بَعْدَ أَمْرِ الْقَاضِي طَلَّقَ عليه الْقَاضِي نِيَابَةً عنه لِأَنَّهُ حَقٌّ تَوَجَّهَ عليه وَتَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ فإذا امْتَنَعَ نَابَ عليه الْقَاضِي كَقَضَاءِ الدَّيْنَ وَالْعَضْلَ طَلْقَةً وَاحِدَةً لِحُصُولِ الْغَرَضِ بها فَلَوْ زَادَ عليها لم يَقَعْ الزَّائِدُ قال الدَّارِمِيُّ وَكَيْفِيَّةُ تَطْلِيقِهِ أَنْ يَقُولَ أَوْقَعْت على فُلَانَةَ عن فُلَانٍ طَلْقَةً أو حَكَمْت عليه في زَوْجَتِهِ بِطَلْقَةٍ أو نَحْوَهُمَا وَيُمْهَلُ الزَّوْجُ لِيَفِئْ إنْ أُمْهِلَ أَيْ اُسْتُمْهِلَ لِنُعَاسٍ وَشِبَعٍ وَجُوعٍ وَنَحْوِهِ كَصِيَامِ يَوْمٍ فما دُونَهُ بِقَدْرِ ما يَسْتَعِدُّ بِهِ لِلْوَطْءِ فَلَا يُمْهَلُ فَوْقَ ذلك لِأَنَّ مُدَّةَ الْإِيلَاءِ مَقْدِرَةٌ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَا يُزَادُ عليها بِأَكْثَرَ من قَدْرِ الْحَاجَةِ وَكَذَا يُمْهَلُ لِيَطَأَ يَوْمًا فما دُونَهُ بِقَدْرِ ما يَتَيَسَّرُ بِهِ الْمَقْصُودُ أَنْ اُسْتُمْهِلَ لِلتَّكْفِيرِ عن الظِّهَارِ بِالْمَالِ من عِتْقٍ أو طَعَامٍ لَا الصَّوْمِ فَلَا يُمْهَلُ لِلتَّكْفِيرِ بِهِ لِطُولِهِ وَيُشْتَرَطُ في تَطْلِيقِهِ عليه حُضُورُهُ عِنْدَهُ لِيُثْبِتَ امْتِنَاعَهُ فَلَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ أَنَّهُ آلَى وَمَضَتْ الْمُدَّةُ وهو مُمْتَنِعٌ من الْفَيْئَةِ وَالطَّلَاقِ لم يُطَلِّقْ عليه الْقَاضِي بَلْ من الِامْتِنَاعِ بِحُضُورِهِ كَالْعَضْلِ إلَّا إنْ تَعَذَّرَ حُضُورُهُ بِتَمَرُّدٍ أو تَوَارٍ أو غَيْبَةٍ فَلَا يُشْتَرَطُ ذلك وَلَا يُشْتَرَطُ لِلطَّلَاقِ عليه من الْقَاضِي بَعْدَ ثُبُوتِ امْتِنَاعِهِ بِمَا ذَكَرَ حُضُورُهُ عِنْدَهُ وَلَا يَنْفُذُ طَلَاقُ الْقَاضِي عليه بِمُدَّةِ إمْهَالِهِ أَيْ فيها وَإِنْ مَضَتْ بِلَا فَيْئَةٍ لِتَظْهَرَ فَائِدَةُ الْإِمْهَالِ وَيُفَارِقُ قَتْلُ الْمُرْتَدِّ في مُدَّةِ الْإِمْهَالِ حَيْثُ يُهْدَرُ لِأَنَّهُ لَا عِصْمَةَ له وَلَا مَدْفَعَ لِلْقَتْلِ الْوَاقِعِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَلَا بَعْدَ وَطْئِهِ أو طَلَاقِهِ وَإِنْ لم يَعْلَمْ هو بِهِ عِنْدَ تَطْلِيقِهِ عليه لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْفُذُ طَلَاقُهُ إذَا كان الزَّوْجُ مُمْتَنِعًا وَهُنَا ليس كَذَلِكَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لو طَلَّقَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ نَفَذَ تَطْلِيقُهُ وهو كَذَلِكَ وَنَفَذَ تَطْلِيقُ الزَّوْجِ أَيْضًا وَإِنْ لم يَعْلَمْ بِطَلَاقِ الْقَاضِي كما صَحَّحَهُ ابن الْقَطَّانِ فَلَوْ طَلَّقَا مَعًا وَقَعَا أَيْ الطَّلَّاقَاتُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فَعَلَ ما له فِعْلُهُ فَلَوْ طَلَّقَ مع الْفَيْئَةِ لم يَقَعْ الطَّلَاقُ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ فَرْعٌ لو آلَى حَالَةَ كَوْنِهِ غَائِبًا أو غَابَ بَعْدَ إيلَائِهِ قبل الطَّلَبِ وَوَكَّلَتْ فيه فَطَالَبَهُ الْوَكِيلُ بَعْدَ الْمُدَّةِ وَرَفَعَهُ إلَى قَاضِي بَلَدِ الزَّوْجِ أَمَرَهُ قَاضِي تِلْكَ الْبَلَدِ بِفَيْئَةِ اللِّسَانِ في الْحَالِ لِأَنَّ الْمَانِعَ حِسِّيٌّ وَبِطِبِّهَا أَيْ حَمْلِهَا إلَيْهِ أو خُرُوجِهِ إلَيْهَا أو بِطَلَاقِهَا إنْ لم يَمْتَثِلْ أَمَرَهُ بِالْفَيْئَةِ وَيُعَذَّرُ في تَأْخِيرِهِ لِلتَّأَهُّبِ لِسَفَرِهِ وَلِخَوْفِ الطَّرِيقِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَلِلْمَرَضِ وَكَأَنَّهُمْ سَهَّلُوا له في ذلك وَإِلَّا فَقَدْ يُقَالُ إذَا اخْتَارَ السَّفَرَ وَتَعَذَّرَ عليه فَلَهُ مَنْدُوحَةٌ إلَى حَمْلِهَا إلَيْهِ فَإِنْ لم يَفِئْ بِاللِّسَانِ أو فَاءَ بِهِ ولم يَخْرُجْ إلَيْهَا ولم يَطْلُبْهَا إلَيْهِ وَمَضَتْ مُدَّةُ الْإِمْكَانِ لِذَلِكَ طَلَّقَ عليه الْقَاضِي بِطَلَبِ وَكِيلِهَا وَقَوْلُهُ بِلَا مُهْلَةٍ من زِيَادَتِهِ قال الْبُلْقِينِيُّ وَلَهَا أَنْ تَرْفَعَ أَمْرَهَا إلَى قَاضِي بَلَدِهَا وَتَدَّعِيَ على الْغَائِبِ لِيَكْتُبَ إلَى قَاضِي بَلَدِهِ بِمَا جَرَى فَيَطْلُبَ منه ذلك
وَإِنْ كانت غَيْبَتُهُ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ له بِالْفَيْئَةِ أو الطَّلَاقِ وبعد الِامْتِنَاعِ مِنْهُمَا طَلَّقَ عليه الْقَاضِي بِطَلَبِهَا لِلطَّلَاقِ وَلَا يُمْهَلُ وَإِنْ اُسْتُمْهِلَ
فَرْعٌ لو ادَّعَى الْمُولِي التَّعْنِينَ أو الْعَجْزَ عن افْتِضَاضِ الْبِكْرِ وَأَنْكَرَتْ فَإِنْ كان ذلك بَعْدَ الدُّخُولِ بها في ذلك النِّكَاحِ لم يُقْبَلْ منه فَلَا تَسْقُطُ مُطَالَبَتُهُ لِأَنَّ التَّعْنِينَ بَعْدَ الْوَطْءِ لَا يُؤَثِّرُ فَتَظْهَرُ تُهْمَتُهُ أو قَبْلَهُ قُبِلَ منه بِيَمِينِهِ فَلَا يُطَالِبُ بِالْوَطْءِ فَيَفِيءُ بِاللِّسَانِ أو الطَّلَاقِ أَيْ فَيُطَالِبُ بِفَيْئَةٍ لِلِّسَانِ أو بِالطَّلَاقِ إنْ لم يَفِئْ لِظُهُورِ عَجْزِهِ فَإِنْ فَاءَ بِاللِّسَانِ ضُرِبَتْ مُدَّةُ التَّعْنِينِ بِطَلَبِهَا ضَرَبَهَا وَيَمْضِي حُكْمُهُ
الطَّرَفُ الرَّابِعُ في بَيَانِ فَيْئَةِ الْقَادِرِ عليها وَتَحْصُلُ بِإِدْخَالِهِ الْحَشَفَةَ أو قَدْرَهَا من مَقْطُوعِهَا وَلَوْ مُحَرَّمًا في الْقُبُلِ مُخْتَارًا عَالِمًا عَامِدًا ثَيِّبًا كانت
____________________
(3/356)
أو بِكْرًا إنْ زَالَتْ بِهِ بَكَارَتُهَا وَإِلَّا فَلَا بُدَّ من إزَالَتِهَا لِأَنَّ أَحْكَامَ الْوَطْءِ تَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فَيَنْحَلُّ الْإِيلَاءُ بِذَلِكَ وَخَرَجَ بِإِدْخَالِهِ الْحَشَفَةَ إدْخَالُهُ ما دُونَهَا كَسَائِرِ أَحْكَامِهِ وَبِالْقُبُلِ الدُّبُرُ لِأَنَّ الْوَطْءَ فيه مع حُرْمَتِهِ لَا يَحْصُلُ الْغَرَضُ
نعم إنْ لم يُصَرِّحْ في إيلَائِهِ بِالْقُبُلِ وَلَا نَوَاهُ بِأَنْ أَطْلَقَ انْحَلَّ بِالْوَطْءِ في الدُّبُرِ وَإِنْ اسْتَدْخَلَتْهَا أَيْ الْحَشَفَةَ أو أَدْخَلَهَا هو نَاسِيًا أو مُكْرَهًا أو مَجْنُونًا لم يَحْنَثْ وَلَا يَجِبُ الْأَوْلَى ولم تَجِبْ كَفَّارَةٌ ولم يَنْحَلَّ الْيَمِينُ وَإِنْ حَصَلَتْ الْفَيْئَةُ وَارْتَفَعَ الْإِيلَاءُ أَمَّا عَدَمُ الْخَبَثِ وَعَدَمُ انْحِلَالِ الْيَمِينِ فَلِعَدَمِ فِعْلِهِ في مَسْأَلَةِ الِاسْتِدْخَالِ وَاخْتِلَالِهِ فِيمَا عَدَاهَا وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَلِعَدَمِ الْحِنْثِ وَيَسْقُطُ حَقُّهَا من الْمُطَالَبَةِ لِوُصُولِهَا إلَى حَقِّهَا وَانْدِفَاعِ ضَرَرِهَا كما لو رَدَّ الْمَجْنُونُ الْوَدِيعَةَ إلَى صَاحِبِهَا وَلِأَنَّ وَطْءَ الْمَجْنُونِ كَالْعَاقِلِ في تَقْرِيرِ الْمَهْرِ وَالتَّحْلِيلِ وَتَحْرِيمِ الرِّيبَةِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ وَيُفَارِقُ سُقُوطُ حَقِّهَا عَدَمَ الْحِنْثِ وَالْكَفَّارَةَ بِأَنَّ رِعَايَةَ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ في حُقُوقِ اللَّهِ أَشَدُّ منه في حُقُوقِ الْآدَمِيِّ بِدَلِيلِ صِحَّةِ غُسْلِ الذِّمِّيَّةِ عن الْحَيْضِ لِلْمُسْلِمِ دُونَ الْعِبَادَةِ إذْ ليس لها نِيَّةٌ صَحِيحَةٌ فَلَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ ذلك عَامِدًا مُخْتَارًا عَاقِلًا حَنِثَ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ فَصْلٌ لو اخْتَلَفَا أَيْ الزَّوْجَانِ في الْإِيلَاءِ أو في انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ بِأَنْ ادَّعَتْهُ عليه فَأَنْكَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ فَرْعٌ لو اعْتَرَفَ بِالْوَطْءِ بَعْدَ الْمُدَّةِ وَأَنْكَرَهُ سَقَطَ حَقُّهَا من الطَّلَبِ عَمَلًا بِاعْتِرَافِهَا ولم يُقْبَلْ رُجُوعُهَا عنه لِاعْتِرَافِهَا بِوُصُولِ حَقِّهَا إلَيْهَا وَلَوْ وَطِئَ من آلَى منها وهو يَظُنُّهَا غَيْرَهَا سَقَطَ حَقُّهَا من الْمُطَالَبَةِ لِوُصُولِهَا إلَى حَقِّهَا ولم يَحْنَثْ ولم تَجِبْ الْكَفَّارَةُ ولم يَنْحَلَّ الْيَمِينُ لِمَا مَرَّ في وَطْئِهِ نَاسِيًا فَلَوْ حَذَفَ هُنَا وقال ثَمَّ أو ظَانًّا أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ غَيْرُ الْمُولَى منها كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ
فَصْلٌ لو كَرَّرَ يَمِينَ الْإِيلَاءِ مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَأَرَادَ بِغَيْرِ الْأُولَى التَّأْكِيدَ لها وَلَوْ تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ وَطَالَ الْفَصْلُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ كَنَظِيرِهِ في تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ تَنْجِيزِ الطَّلَاقِ بِأَنَّ التَّنْجِيزَ إنْشَاءٌ وَإِيقَاعٌ وَالْإِيلَاءُ وَالتَّعْلِيقُ مُتَعَلِّقَانِ بِأَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ فَالتَّأْكِيدُ بِهِمَا أَلْيَقُ أو أَرَادَ الِاسْتِئْنَافَ تَعَدَّدَتْ أَيْ الْأَيْمَانُ وَلَوْ أَطْلَقَ بِأَنْ لم يُرِدْ تَأْكِيدًا وَلَا اسْتِئْنَافًا فَوَاحِدَةٌ إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ حَمْلًا على التَّأْكِيدِ وَإِلَّا تَعَدَّدَتْ لِبُعْدِ التَّأْكِيدِ مع اخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ وَنَظِيرُهُمَا جَارٍ في تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَكَذَا الْحُكْمُ لو حَلَفَ يَمِينًا سَنَةً وَيَمِينًا سَنَتَيْنِ مَثَلًا وَعِنْدَ الْحُكْمِ بِالتَّعَدُّدِ لِلْيَمِينِ يَكْفِيهِ لِانْحِلَالِهَا وَطْءٌ وَاحِدٌ وَيَتَخَلَّصُ بِالطَّلَاقِ عن الْأَيْمَانِ كُلِّهَا وَكَذَا يَكْفِيهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِمَا مَرَّ قُبَيْلَ فَصْلٍ عُلِّقَ بِمُسْتَحِيلٍ
كِتَابُ الظِّهَارِ هو مَأْخُوذٌ من الظَّهْرِ لِأَنَّ صُورَتَهُ الْأَصْلِيَّةَ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَخَصُّوا الظَّهْرَ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الرُّكُوبِ وَالْمَرْأَةُ مَرْكُوبُ الزَّوْجِ يُقَالُ ظَاهَرَ من امْرَأَتِهِ وَتَظَهَّرَ وَتَظَاهَرَ وَاظَّاهَرَ منها بِمَعْنًى وكان طَلَاقًا في الْجَاهِلِيَّةِ كَالْإِيلَاءِ فَغَيَّرَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ إلَى تَحْرِيمِهَا بَعْدَ الْعَوْدِ وَلُزُومِ الْكَفَّارَةِ مِمَّا سَيَأْتِي وَحَقِيقَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ تَشْبِيهُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ في الْحُرْمَةِ بِمَحْرَمِهِ على ما يَأْتِي بَيَانُهُ وَالْأَصْلُ فيه قبل الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ من نِسَائِهِمْ الْآيَةَ نَزَلَتْ في أَوْسِ بن الصَّامِتِ لَمَّا ظَاهَرَ من زَوْجَتِهِ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ على اخْتِلَافٍ في اسْمِهَا وَنَسَبِهَا
وهو حَرَامٌ قال تَعَالَى وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا من الْقَوْلِ وَزُورًا وَقَوْلُهُ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ ليس بِحَرَامٍ بَلْ مَكْرُوهٌ لِأَنَّ الظِّهَارَ عُلِّقَ بِهِ الْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى وَإِنَّمَا عُلِّقَ بِقَوْلِهِ أنت عَلَيَّ حَرَامٌ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْيَمِينُ وَالْحِنْثُ ليس بِمُحَرَّمَيْنِ وَلِأَنَّ التَّحْرِيمَ مع الزَّوْجِيَّةِ قد يَجْتَمِعَانِ وَالتَّحْرِيمُ الذي هو كَتَحْرِيمِ الْأُمِّ مع الزَّوْجِيَّةِ لَا يَجْتَمِعَانِ
وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ في أَرْكَانِهِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ الزَّوْجَانِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الظِّهَارُ من زَوْجٍ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ وَإِنْ كان مَمْسُوحًا وَذِمِّيًّا وَعَبْدًا كَالطَّلَاقِ فَخَرَجَ الْأَجْنَبِيُّ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْمُكْرَهُ وَالزَّوْجَةُ في قَوْلِهَا لِزَوْجِهَا أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وأنا عَلَيْك كَظَهْرِ أُمِّك فَلَا يَصِحُّ ظِهَارُهُمْ وَلَوْ قال بَدَلَ وَذِمِّيًّا وَكَافِرًا كان
____________________
(3/357)
أَعَمَّ وإنما يَصِحُّ في امْرَأَةٍ يَصِحُّ طَلَاقُهَا وَلَوْ صَغِيرَةً وَرَتْقَاءَ وَكَافِرَةً وَحَائِضًا وَمُعْتَدَّةً عن شُبْهَةٍ وَرَجْعِيَّةً وَأَمَةً فَلَا يَصِحُّ في أَجْنَبِيَّةٍ لِأَنَّهُ لَفْظٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ تَحْرِيمُ الزَّوْجَةِ فَلَا تَحْرُمُ بِهِ الْأَجْنَبِيَّةُ وَالْأَمَةُ كَالطَّلَاقِ فَلَوْ قال لِأَجْنَبِيَّةٍ إذَا نَكَحْتُك فَأَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أو قال السَّيِّدُ لِأَمَتِهِ أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لم يَصِحَّ وَظِهَارُ السَّكْرَانِ كَطَلَاقِهِ فَيَصِحُّ
الرُّكْنُ الثَّانِي الصِّيغَةُ له وَصَرِيحُهُ أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَكَذَا أَنْت كَظَهْرِ أُمِّي بِتَرْكِ الصِّلَةِ كما أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ صَرِيحٌ وَإِنْ لم يَقُلْ مِنِّي لِتَبَادُرِ ذلك إلَى الْمَعْنَى الْمُرَادِ وَهِيَ أَيْ الصِّلَةُ عَلَيَّ وَمِنِّي نَحْوَهُ كَمَعِي وَعِنْدِي وَكَالظَّهْرِ الْيَدُ وَالرِّجْلُ وَالشَّعْرُ وَالْجُمْلَةُ وَالنَّفْسُ وَالذَّاتُ وَالْجِسْمُ وَالْبَدَنُ وَسَائِرُ الْأَجْزَاءِ كَالصَّدْرِ وَالْبَطْنِ وَالْفَرْجِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ كَيَدِ أُمِّي أو رِجْلِهَا أو شَعْرِهَا أو جُمْلَتِهَا لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ لِلزَّوْجَةِ بِبَعْضِ أَعْضَاءِ الْأُمِّ أو بِمَا يَتَضَمَّنُ الظَّهْرَ فَكَانَ كَالْمُشَبَّهِ بِالظَّهْرِ وَلِأَنَّ كُلًّا منها يَحْرُمُ التَّلَذُّذُ بِهِ فَكَانَ كَالظَّهْرِ إلَّا ما احْتَمَلَ من ذلك الْكَرَامَةَ وَإِنْ لم يَكُنْ جُزْءًا كَأُمِّي وَعَيْنِهَا وَكَذَا رَأْسُهَا وَرُوحُهَا فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ بَلْ كِنَايَةٍ في الظِّهَارِ وَالطَّلَاقِ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا إلَّا بِنِيَّةٍ وَتَشْبِيهُهُ جُزْءًا من الْمَرْأَةِ وَنَحْوِهَا بِجُزْءٍ من الْأُمِّ وَنَحْوِهَا كَالْأُخْتِ كَقَوْلِهِ يَدُك عَلَيَّ كَيَدِ أُمِّي أو كَيَدِ أُخْتِي أو نِصْفُك عَلَيَّ كَنِصْفِ أُمِّي أو كَنِصْفِ أُخْتِي ظِهَارٌ إذْ كُلُّ تَصَرُّفٍ يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ يَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى بَعْضِ مَحَلِّهِ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وما لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ فَلَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى بَعْضِ مَحَلِّهِ وفي مَعْنَى الْجُزْءِ الْجُمْلَةُ وَالذَّاتُ وَنَحْوُهُمَا كما مَرَّ وفي الْإِيلَاءِ تَفْصِيلٌ مَرَّ قُبَيْلَ الْبَابِ الثَّانِي منه وَلَا يُقْبَلُ مِمَّنْ أتى بِصَرِيحِ الظِّهَارِ إرَادَةُ غَيْرِهِ كما في صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ
الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْمُشَبَّهُ بِهِ وهو ظَهْرُ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ من الْجِهَتَيْنِ وَإِنْ بَعُدَتْ وَغَيْرُ الظَّهْرِ مِمَّا مَرَّ كَالظَّهْرِ كما تَقَرَّرَ وَكَذَا كُلُّ أُنْثَى مُحَرَّمٌ بِنَسَبٍ أو رَضَاعٍ أو مُصَاهَرَةٍ لم يَحْدُثْ أَيْ لم يَطْرَأْ تَحْرِيمُهَا عليه كَأُخْتِهِ وَبِنْتِهِ من النَّسَبِ وَمُرْضِعَةِ أبيه أو أُمِّهِ وَزَوْجَةِ أبيه التي نَكَحَهَا قبل وِلَادَتِهِ بِخِلَافِ من طَرَأَ تَحْرِيمُهَا عليه كَزَوْجَةِ ابْنِهِ وَمُلَاعَنَتِهِ لِطُرُوءِ تَحْرِيمِهَا عليه وَبِخِلَافِ غَيْرِ الْأُنْثَى من ذَكَرٍ وَخُنْثَى لِأَنَّهُ ليس مَحَلَّ التَّمَتُّعِ وَلَوْ شَبَّهَهَا بِأَزْوَاجِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَا ظِهَارَ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُنَّ ليس بِسَبَبِ الْمَحْرَمِيَّةِ وَالْوَصْلَةِ وَتَحْرِيمُ الْمُرْضِعَةِ لِلزَّوْجِ وَزَوْجَةِ أبيه بَعْدَ وِلَادَتِهِ وَأُمِّ زَوْجَتِهِ حَادِثٌ فَلَا يَكُونُ تَشْبِيهُهُ بِهِنَّ ظِهَارًا لِأَنَّهُنَّ لَا يُشْبِهْنَ الْمَحَارِمَ في التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ لَا تَحْرِيمُ بِنْتِهَا أَيْ بِنْتِ مُرْضِعَتِهِ الْمَوْلُودَةِ بَعْدُ أَيْ بَعْدَ ارْتِضَاعِهِ من أُمِّهَا فَلَيْسَ حَادِثًا فَيَكُونُ التَّشْبِيهُ بها ظِهَارًا بِخِلَافِ الْمَوْلُودَةِ قَبْلَهُ وَكَالْمَوْلُودَةِ بَعْدَهُ الْمَوْلُودَةُ معه فِيمَا يَظْهَرُ فَصْلٌ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ أَيْ الظِّهَارِ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ كَالطَّلَاقِ وَالْكَفَّارَةُ كَالْيَمِينِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ فَإِنْ قال لِامْرَأَتِهِ وَعِنْدَهَا أَجْنَبِيَّةٌ إنْ ظَاهَرْت من هذه أو من فُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ فَأَنْت عَلَيَّ كَظَهْرٍ أُمِّي فَتَزَوَّجَهَا وَظَاهَرَ منها صَارَ مُظَاهِرًا مِنْهُمَا وَذَكَرَ الْأَجْنَبِيَّةَ لِلتَّعْرِيفِ لَا لِلِاشْتِرَاطِ كما لو قال لَا أَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ هذه فَبَاعَهَا ثُمَّ دَخَلَهَا حَنِثَ وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ الْحِنْثِ فِيمَا لو حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هذا الصَّبِيَّ فَكَلَّمَهُ بَعْدَمَا صَارَ شَيْخًا وَنَظَائِرُهُ بِأَنَّا لو لم نَحْمِلْهُ هُنَا على التَّعْرِيفِ كان تَعْلِيقًا بِالْمُحَالِ إذْ الظِّهَارُ من الْأَجْنَبِيَّةِ لَغْوٌ فَإِنْ ظَاهَرَ منها أَيْ الْأَجْنَبِيَّةِ قبل النِّكَاحِ فَلَغْوٌ لِانْتِفَاءِ الزَّوْجِيَّةِ وَلَا يَكُونُ مُظَاهِرًا من زَوْجَتِهِ لِانْتِفَاءِ
____________________
(3/358)
الصِّفَةِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ اللَّفْظَ أَيْ التَّلَفُّظَ بِالظِّهَارِ فَيَكُونُ مُظَاهِرًا منها لِوُجُودِ الصِّفَةِ كَالتَّعْلِيقِ لِلظِّهَارِ مَثَلًا بِبَيْعِ الْخَمْرِ في أَنَّهُ إذَا أتى بِلَفْظِ بَيْعِهَا لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا تَنْزِيلًا لِأَلْفَاظِ الْعُقُودِ على الصَّحِيحَةِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ التَّلَفُّظَ بِبَيْعِهَا فَيَكُونُ مُظَاهِرًا وَكَذَا قَوْلُهُ إنْ تَظَاهَرْت من فُلَانَةَ أَجْنَبِيَّةً أو وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَأَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَا يَكُونُ بِهِ مُظَاهِرًا من زَوْجَتِهِ سَوَاءٌ أَخَاطَبَهَا بِلَفْظِ الظِّهَارِ قبل أَنْ يَنْكِحَهَا أَمْ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ شَرْطُ الْمُظَاهَرَةِ منها وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ ولم يُوجَدْ الشَّرْطُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ التَّلَفُّظَ بِظِهَارِهَا فَيَكُونُ مُظَاهِرًا من زَوْجَتِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِاسْتِثْنَاءِ إرَادَةِ التَّلَفُّظِ في هذه وَاَلَّتِي قَبْلَهَا من زِيَادَتِهِ
فَرْعٌ لو عَلَّقَ الظِّهَارَ بِدُخُولِهَا الدَّارَ فَدَخَلَتْ وهو مَجْنُونٌ أو نَاسٍ فَمُظَاهِرٌ منها كَنَظِيرِهِ في الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِدُخُولِهَا وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ النِّسْيَانُ وَالْجُنُونُ في فِعْلِ الْمَحْلُوفِ على فِعْلِهِ وَلَا عَوْدَ منه حتى يُفِيقَ من جُنُونِهِ أو يَتَذَكَّرَ أَيْ يَتَذَكَّرَ بَعْدَ نِسْيَانِهِ ثُمَّ يُمْسِكَ الْمُظَاهِرُ منها زَمَنًا يُمْكِنُ فيه الطَّلَاقُ ولم يُطَلِّقْ وَوَقَعَ في الْأَصْلِ هُنَا ما يُخَالِفُ ذلك وَسَبَبُهُ سُقُوطُ لَفْظَةِ لَا منه
فَصْلٌ لو قال أَنْت طَالِقٌ كَظَهْرِ أُمِّي فَإِنْ أَفْرَدَ قَصْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِلَفْظِهِ بِأَنْ قَصَدَ بِأَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ وِبِكَظَهْرِ أُمِّي الظِّهَارَ وَالطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَقَعَا أَيْ الطَّلَاقُ وَالظِّهَارُ لِصِحَّةِ ظِهَارِ الرَّجْعِيَّةِ مع صَلَاحِيَّةِ قَوْلِهِ كَظَهْرِ أُمِّي لَأَنْ يَكُونَ كِنَايَةً فيه فإنه إذَا قَصَدَهُ قُدِّرَتْ كَلِمَةُ الْخِطَابِ معه وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قال أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي وَإِنْ كان الطَّلَاقُ بَائِنًا أو لم يَقْصِدْ شيئا أو قَصَدَ بِاللَّفْظَيْنِ أَيْ بِمَجْمُوعِهِمَا أَحَدَهُمَا أَيْ الطَّلَاقَ أو الظِّهَارَ أو كِلَاهُمَا بِلُغَةِ إجْرَائِهِ مَجْرَى الْمَقْصُورِ أو قَصَدَ بِلَفْظِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْآخَرَ بِأَنْ قَصَدَ الظِّهَارَ بِأَنْتِ طَالِقٌ وَالطَّلَاقُ بِكَظَهْرِ أُمِّي وَقَعَ الطَّلَاقُ لِإِتْيَانِهِ بِصَرِيحِ لَفْظِهِ وَحْدَهُ أَيْ دُونَ الظِّهَارِ أَمَّا في الْأُولَى فَلِأَنَّهُ ظِهَارٌ في أَجْنَبِيَّةٍ وَأَمَّا في تَالِيَتِهَا فَلِعَدَمِ اسْتِقْلَالِ لَفْظِهِ مع عَدَمِ قَصْدِهِ وَأَمَّا في الْبَقِيَّةِ فَلِأَنَّهُ لم يَقْصِدْهُ وَلَفْظُ الطَّلَاقِ لَا يَنْصَرِفُ إلَى الظِّهَارِ وَعَكْسُهُ كما مَرَّ في الطَّلَاقِ قال الرَّافِعِيُّ في الْأَخِيرَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إذَا خَرَجَ كَظَهْرِ أُمِّي عن الصَّرَاحَةِ وقد نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِهِ طَلْقَةٌ أُخْرَى إنْ كانت الْأُولَى رَجْعِيَّةً وَإِنْ قال أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي طَالِقٌ وَأَرَادَهُمَا أَيْ الظِّهَارَ وَالطَّلَاقَ حَصَلَا وَلَا عَوْدَ لِأَنَّهُ عَقِبَ الظِّهَارِ بِالطَّلَاقِ فَإِنْ رَاجَعَ كان عَائِدًا كما يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا وَإِنْ أَطْلَقَ فَمُظَاهِرٌ وفي وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَجْهَانِ لِأَنَّهُ ليس في لَفْظِهِ مُخَاطَبَةٌ وَقِيَاسُ ما مَرَّ في عَكْسِهِ تَرْجِيحُ عَدَمِ وُقُوعِهِ في هذه وَتَقْيِيدُ وُقُوعِهَا في التي قَبْلَهَا بِمَا إذَا أَرَادَ الظِّهَارَ بِأَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي وَالطَّلَاقُ بِطَالِقٍ فَإِنْ أَرَادَهُمَا بِالْمَجْمُوعِ فَلَا يَقَعُ إلَّا الظِّهَارُ وَكَذَا إنْ أَرَادَ بِهِ أَحَدَهُمَا أو أَرَادَ الطَّلَاقَ بِأَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي وَالظِّهَارَ بِطَالِقٍ فَصْلٌ لو قال أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي وَنَوَى بِمَجْمُوعِهِ الظِّهَارِ فَظِهَارٌ لِأَنَّ لَفْظَ الْحَرَامِ ظِهَارٌ مع النِّيَّةِ فَمَعَ اللَّفْظِ وَالنِّيَّةِ أَوْلَى وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَطَلَاقٌ لِأَنَّ لَفْظَ الْحَرَامِ مع نِيَّةِ الطَّلَاقِ كَصَرِيحِهِ وَلَوْ أَرَادَهُمَا بِمَجْمُوعِهِ أو بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ تَخَيَّرَ أَيْ اخْتَارَ أَحَدَهُمَا فَيَثْبُتُ ما اخْتَارَهُ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا لم يَقَعَا جميعا لِتَعَذُّرِ جَعْلِهِ لَهُمَا لِاخْتِلَافِ مُوجَبِهِمَا وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالْأَوَّلِ الطَّلَاقَ وَبِالْآخَرِ الظِّهَارَ وهو أَيْ الطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ حَصَلَا لِمَا مَرَّ في نَظِيرِهِ وَإِنْ كان بَائِنًا وَقَعَ الطَّلَاقُ وَحْدَهُ وَإِنْ عَكَسَ بِأَنْ أَرَادَ بِالْأَوَّلِ الظِّهَارَ وَبِالْآخَرِ الطَّلَاقَ فَالظِّهَارُ يَقَعُ وَحْدَهُ إذْ الْآخَرُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً عن الطَّلَاقِ لِصَرَاحَتِهِ في الظِّهَارِ كَذَا عَلَّلَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَقَضِيَّةُ بَقَائِهِ على صَرَاحَتِهِ تَعَيُّنُ الظِّهَارِ فِيمَا إذَا أَرَادَهُمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا كما مَرَّ مع أَنَّ بَقَاءَهُ على صَرَاحَتِهِ يُنَافِي ما مَرَّ من عَدَمِهَا وَكَذَا يَقَعُ الظِّهَارُ وَحْدَهُ لو أَطْلَقَ لِأَنَّ لَفْظَ الْحَرَامِ ظِهَارٌ مع النِّيَّةِ فَمَعَ اللَّفْظِ أَوْلَى وَأَمَّا عَدَمُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَلِعَدَمِ صَرِيحِ لَفْظِهِ وَنِيَّتِهِ وَلَوْ أَرَادَ بِالتَّحْرِيمِ تَحْرِيمَ عَيْنِهَا فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ تَلْزَمُهُ لِأَنَّهَا مُقْتَضَاهُ وَيَكُونُ قَوْلُهُ كَظَهْرِ أُمِّي تَأْكِيدًا لِلتَّحْرِيمِ فَلَا يَكُونُ ظِهَارًا كما قال وَلَا ظِهَارَ إلَّا إنْ نَوَاهُ بِالثَّانِي وهو كَظَهْرِ أُمِّي وَإِنْ تَأَخَّرَ لَفْظُ التَّحْرِيمِ عن لَفْظِ الظِّهَارِ فقال أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي حَرَامٌ فَمُظَاهِرٌ لِصَرِيحِ لَفْظِ الظِّهَارِ
____________________
(3/359)
وَيَكُونُ قَوْلُهُ حَرَامٌ تَأْكِيدًا سَوَاءٌ أَنَوَى تَحْرِيمَ عَيْنِهَا فَيَدْخُلُ مُقْتَضَى التَّحْرِيمِ وهو الْكَفَّارَةُ الصُّغْرَى في مُقْتَضَى الظِّهَارِ وهو الْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى أَمْ أَطْلَقَ بِقَرِينَةٍ قَوْلُهُ إلَّا إنْ نَوَى بِهِ أَيْ بِلَفْظِ التَّحْرِيمِ الطَّلَاقَ فَيَقَعَانِ وَلَا عَوْدَ لِتَعْقِيبِهِ الظِّهَارَ بِالطَّلَاقِ وَلَوْ قال أَنْت مِثْلُ أُمِّي أو كَرُوحِهَا أو عَيْنِهَا وَنَوَى الطَّلَاقَ كان طَلَاقًا لِمَا مَرَّ أَنَّ ذلك ليس صَرِيحَ ظِهَارٍ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
الْبَابُ الثَّانِي في حُكْمِهِ أَيْ الظِّهَارِ وَلِلظِّهَارِ حُكْمَانِ الْأَوَّلُ يَحْرُمُ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ له وَطْءٌ من الْمُظَاهِرِ حتى يُكَفِّرَ بِالْإِطْعَامِ أو غَيْرِهِ مِمَّا يَأْتِي لِأَنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ التَّكْفِيرَ في الْآيَةِ قبل الْوَطْءِ حَيْثُ قال في الْإِعْتَاقِ وَالصَّوْمِ من قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا وَيُقَدَّرُ مِثْلُهُ في الْإِطْعَامِ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ على الْمُقَيَّدِ رَوَى أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِرَجُلٍ ظَاهَرَ من امْرَأَتِهِ وَوَاقَعَهَا لَا تَقْرَبْهَا حتى تُكَفِّرَ وَيُرْوَى اعْتَزِلْهَا حتى تُكَفِّرَ وَهَذَا في الظِّهَارِ الْمُطْلَقِ أَمَّا الْمُؤَقَّتُ فَحَتَّى يُكَفِّرَ أو تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ مِمَّا سَيَأْتِي
وَهِيَ أَيْ الْمُظَاهَرُ منها في سَائِرِ أَنْوَاعِ الِاسْتِمْتَاعِ كَالْحَائِضِ فَيَحْرُمُ التَّمَتُّعُ بها بِمَا بين السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَقَطْ لِأَنَّ الظِّهَارَ مَعْنًى لَا يَحِلُّ بِالْمِلْكِ كَالْحَيْضِ وما اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ كَالْحَائِضِ من تَرْجِيحِ الِاسْتِمْتَاعِ بِمَا بين السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ من زِيَادَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَرْجِيحَهُ في الشَّرْحِ الْكَبِيرِ عن الْإِمَامِ وَرَجَّحَهُ في الصَّغِيرِ
الْحُكْمُ الثَّانِي وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ على الْمُظَاهِرِ بِالْعَوْدِ وهو في غَيْرِ الرَّجْعِيَّةِ أَنْ يُمْسِكَهَا في النِّكَاحِ وَالظِّهَارِ غير مُؤَقِّتٍ زَمَانًا يُمْكِنُهُ مُفَارِقَتُهَا فيه قال تَعَالَى وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ من نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قالوا الْآيَةَ وَالْعَوْدُ لِلْقَوْلِ مُخَالَفَتُهُ يُقَالُ قال فُلَانٌ قَوْلًا ثُمَّ عَادَ له وَعَادَ فيه أَيْ خَالَفَهُ وَنَقَضَهُ وهو قَرِيبٌ من قَوْلِهِمْ عَادَ في هِبَتِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَوْدِ إلَى الْقَوْلِ فإنه قَوْلٌ مِثْلُهُ وَمَقْصُودُ الظِّهَارِ وَصْفُ الْمَرْأَةِ بِالتَّحْرِيمِ وَإِمْسَاكُهَا يُخَالِفُهُ وَهَلْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِالظِّهَارِ وَالْعَوْدِ أو بِالظِّهَارِ وَالْعَوْدُ شَرْطٌ أو بِالْعُودِ لِأَنَّهُ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ أَوْجُهٌ ذَكَرَهَا الْأَصْلُ بِلَا تَرْجِيحٍ وَالْأَوَّلُ هو ظَاهِرُ الْآيَةِ الْمُوَافِقُ لِتَرْجِيحِهِمْ أَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ تَجِبُ بِالْيَمِينِ وَالْحِنْثِ جميعا فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَقِبَهُ أَيْ الظِّهَارِ أو فُسِخَ النِّكَاحُ بِسَبَبِهِ أو بِسَبَبِهَا بِمَا يَقْتَضِيهِ أَيْ الْفَسْخَ أو انْفَسَخَ أو جُنَّ الزَّوْجُ أو طَلَّقَ بَائِنًا وَإِنْ جَدَّدَ أو رَجْعِيًّا ولم يُرَاجِعْ أو ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا قبل الدُّخُولِ أو بَعْدَهُ وَأَصَرَّ حتى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَلَا عَوْدَ لِعَدَمِ إمْسَاكِهَا في النِّكَاحِ في غَيْرِ الْجُنُونِ وَتَعَذُّرِ الْفُرْقَةِ في الْجُنُونِ وَلَا كَفَّارَةَ لِعَدَمِ الْعَوْدِ وَكَذَا لَا عَوْدَ وَلَا كَفَّارَةَ لو لَاعَنَهَا أو اشْتَرَاهَا مُتَّصِلًا بِالظِّهَارِ وَإِنْ تَقَدَّمَ الْإِيجَابُ على الْقَبُولِ في الشِّرَاءِ لِمَا مَرَّ وَلِأَنَّ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ بِمَجْمُوعِهَا مُوجِبَةٌ لِلْفُرْقَةِ فإذا اشْتَغَلَ بِمُوجَبِهَا لم يُؤَثِّرْ طُولُهُ بِدَلِيلِ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أو يا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ أَنْتِ طَالِقٌ بِمَثَابَةِ قَوْلِهِ طَلَّقْتُك وَإِنْ كانت هذه اللَّفْظَةُ أَقْصَرَ وَتَخَلُّلُ الْمُسَاوِمَةِ وَنَحْوِهَا من أَسْبَابِ الشِّرَاءِ كَتَقْرِيرِ الثَّمَنِ بين الظِّهَارِ وَالْفُرْقَةِ وَالْقَذْفِ بِلَا نِدَاءٍ بِقَرِينَةِ ما يَأْتِي وَإِثْبَاتُهُ لَا كَلِمَاتُ اللِّعَانِ عَوْدٌ لِأَنَّهُ مُمْسِكٌ إلَى فَرَاغِهِ من ذلك قَادِرٌ على الْفُرْقَةِ فَلَا بُدَّ من سَبْقِ ذلك لِلظِّهَارِ بِخِلَافِ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ لِأَنَّهَا مُوجِبَةٌ لِلْفُرْقَةِ كما مَرَّ وَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهَا لِعِلْمِهَا من قَوْلِهِ
وَكَذَا لو لَاعَنَهَا فَإِنْ قال عَقِبَ الظِّهَارِ طَلَّقْتُك بِأَلْفٍ فلم تَقْبَلْ هِيَ فَطَلَّقَهَا فَوْرًا بِلَا عِوَضٍ فَلَا عَوْدَ لِاشْتِغَالِهِ بِسَبَبِ الْفُرْقَةِ وَإِنْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَقِبَ الظِّهَارِ بِصِفَةٍ فَعَائِدٌ لِأَنَّهُ أَخَّرَ الطَّلَاقَ مع إمْكَانِ التَّعْجِيلِ فَكَانَ مُمْسِكًا لها إلَى وُجُودِ الصِّفَةِ لَا إنْ عَلَّقَهُ بِصِفَةٍ كَدُخُولِهِ الدَّارَ ثُمَّ ظَاهَرَ وَأَرْدَفَهُ بِالصِّفَةِ فَلَا يَكُونُ عَائِدًا لِتَحَقُّقِ الْفُرْقَةِ فَرْعٌ لو قال أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي يا زَانِيَةُ أَنْت طَالِقٌ ولم يَتَخَلَّلْ بين أَنْت طَالِقٌ وما قَبْلَهُ لِعَانٌ لم يَكُنْ عَائِدًا وَيَكُونُ قَوْلُهُ يا زَانِيَةٌ أَنْتِ طَالِقٌ كَقَوْلِهِ يا زَيْنَبُ أَنْتِ طَالِقٌ في مَنْعِ الْعَوْدِ فَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا لِعَانٌ كان عَائِدًا كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَيْضًا وَقِيلَ يَكُونُ عَائِدًا لِاشْتِغَالِهِ بِالْقَذْفِ قبل الطَّلَاقِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ فَصْلٌ رَجْعَةُ من طَلُقَتْ وَلَوْ قبل الظِّهَارِ عَوْدٌ سَوَاءٌ أَمْسَكَهَا بَعْدَهَا أَمْ لَا لَا إسْلَامُ الْمُرْتَدِّ عَقِبَ الظِّهَارِ في الْعَبْدِ فَلَيْسَ عَوْدًا حتى يُمْسِكَهَا بَعْدَهُ فَيَكُونَ الْإِمْسَاكُ عَوْدًا وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّجْعَةَ إمْسَاكٌ
____________________
(3/360)
في ذلك النِّكَاحِ وَالْإِسْلَامُ بَعْدَ الرِّدَّةِ تَبْدِيلٌ لِلدِّينِ الْبَاطِلِ بِالْحَقِّ وَالْحِلُّ تَابِعٌ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ إمْسَاكٌ وَإِنْ ظَاهَرَ في الْكُفْرِ فَأَسْلَمَا مَعًا أو أَسْلَمَ هو وَهِيَ كِتَابِيَّةٌ فَهُوَ عَائِدٌ لِبَقَاءِ النِّكَاحِ وَإِنْ أَسْلَمَتْ وَتَخَلَّفَ هو أو أَسْلَمَ هو وَهِيَ وَثَنِيَّةٌ أو نَحْوَهَا قبل الدُّخُولِ أو بَعْدَهُ ولم يَجْتَمِعَا إسْلَامًا في الْعِدَّةِ فَلَا يَكُونُ عَائِدُ الِارْتِفَاعِ النِّكَاحَ إنْ أَسْلَمَا في الْعِدَّةِ مُرَتَّبًا وَتَأَخَّرَ إسْلَامُهُ عن إسْلَامِهَا فَالْإِمْسَاكُ لها بَعْدَ إسْلَامِهِ عَوْدٌ أو تَأَخَّرَ إسْلَامُهَا عن إسْلَامِهِ وَعُلِمَ بِهِ أَيْ بِإِسْلَامِهَا فَكَذَلِكَ أَيْ فَإِمْسَاكُهَا بَعْدَهُ عَوْدٌ وَلَيْسَ مُجَرَّدُ الْإِسْلَامِ من أَحَدِهِمَا عَوْدًا لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْفَصْلِ
فَصْلٌ لو عَلَّقَ الظِّهَارَ بِفِعْلِ غَيْرِهِ فَفَعَلَ لم يَصِرْ عَائِدًا بِالْإِمْسَاكِ قبل عِلْمِهِ بِالْفِعْلِ بِخِلَافِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ أو عَلَّقَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ فَفَعَلَ ذَاكِرًا لِلتَّعْلِيقِ ثُمَّ نَسِيَ الظِّهَارَ عَقِبَ ذلك فَأَمْسَكَهَا نَاسِيًا له صَارَ عَائِدًا إذْ نِسْيَانُهُ الظِّهَارَ عَقِبَ فِعْلِهِ عَالِمًا بِهِ بَعِيدٌ نَادِرٌ وَقِيلَ يَتَخَرَّجُ ذلك على قَوْلِي حَنِثَ النَّاسِي قال في الْأَصْلِ وهو أَحْسَنُ بَعْدَ قَوْلِهِ إنَّ الْمَعْرُوفَ في الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ وَاعْتَمَدَ الْبُلْقِينِيُّ ما اسْتَحْسَنَهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ انْعِقَادُ الظِّهَارِ وَإِنْ كان الْمُعَلِّقُ بِفِعْلِهِ جَاهِلًا أو نَاسِيًا وهو مِمَّنْ يُبَالَى بِتَعْلِيقِهِ وَبِهِ قال الْمُتَوَلِّي وَعَلَّلَهُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ لَكِنَّ قِيَاسَ تَشْبِيهِهِ بِالطَّلَاقِ أَنْ يُعْطَى حُكْمَهُ فِيمَا مَرَّ فيه
فَصْلٌ إذَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِالْعَوْدِ فَمَاتَا أَيْ الزَّوْجَانِ أو مَاتَ أَحَدُهُمَا أو أَبَانَهَا أو طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا أو فُسِخَ النِّكَاحُ كما صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ لم تَسْقُطْ أَيْ الْكَفَّارَةُ لِاسْتِقْرَارِهَا كَالدَّيْنِ لَا يَسْقُطُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَإِنْ جَدَّدَ نِكَاحَهَا بَعْدَ إبَانَتِهَا بَقِيَ التَّحْرِيمُ لِلْوَطْءِ ما لم يُكَفِّرْ وَكَذَا لو مَلَكَهَا بَعْدَ إبَانَتِهَا لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ
فَصْلٌ يَصِحُّ تَوْقِيتُهُ أَيْ الظِّهَارِ كَالطَّلَاقِ وَإِنْ كان الطَّلَاقُ يَقَعُ مُؤَبَّدًا وَالظِّهَارُ يَقَعُ مُؤَقَّتًا مِمَّا سَيَأْتِي وَلِأَنَّ سَلَمَةَ بن صَخْرٍ ظَاهَرَ من زَوْجَتِهِ حتى انْسَلَخَ رَمَضَانُ فَذَكَرَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَمَرَهُ بِالتَّكْفِيرِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ فإذا قال أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي سَنَةً صَارَ مُظَاهِرًا منها ظِهَارًا مُؤَقَّتًا عَمَلًا بِلَفْظِهِ وَتَغْلِيبًا لِشَبَهِ الْيَمِينِ على شَبَهِ الطَّلَاقِ وَيَصِيرُ مُولِيًا لِامْتِنَاعِهِ من وَطْئِهَا فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَوْ وَطِئَ في الْمُدَّةِ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ لِلْإِيلَاءِ وَكَفَّارَةٌ لِلظِّهَارِ لِلْعَوْدِ فإنه في الْمَوْقِتِ بِالْوَطْءِ مِمَّا سَيَأْتِي جَزَمَ بِذَلِكَ صَاحِبُ التَّعْلِيقَةِ وَالْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُمَا وَعَنْ الْبَارِزِيِّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ فَقَطْ وهو ما صَحَّحَهُ في الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا إذْ لَا يَمِينَ وَيُوَجَّهُ الْأَوَّلُ بِأَنَّ ذلك مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْيَمِينِ كما في أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ سَنَةً وَعَلَيْهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ لُزُومُ كَفَّارَةِ الْإِيلَاءِ على الْوَطْءِ وَلَا يَصِيرُ عَائِدًا إلَّا بِالْوَطْءِ في الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مُؤَقَّتَةٌ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْإِمْسَاكُ لِمَا بَعْدَ الْمُدَّةِ لَا لِلْوَطْءِ فيها فَلَا يَقَعُ مُخَالِفًا لِلْوَصْفِ بِالتَّحْرِيمِ وَلَا يَحْرُمُ الْوَطْءُ لِأَنَّ الْعَوْدَ الْمُوجَبَ لِلْكَفَّارَةِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِهِ بَلْ يَجِبُ النَّزْعُ بِإِيلَاجِ الْحَشَفَةِ كما مَرَّ في قَوْلِهِ إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ قبل التَّكْفِيرِ أو انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَاسْتِمْرَارُ الْوَطْءِ وَطْءٌ ثُمَّ بَعْدَ النَّزْعِ يَحْرُمُ الْوَطْءُ حتى يُكَفِّرَ أو تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ ثُمَّ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ ولم يُكَفِّرْ يَحِلُّ الْوَطْءُ لِارْتِفَاعِ الظِّهَارِ وَتَبْقَى الْكَفَّارَةُ في الذِّمَّةِ وَإِنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ ولم يَطَأْ فَلَا كَفَّارَةَ لِذَلِكَ فَالظِّهَارُ الْمُؤَقَّتُ يُخَالِفُ الْمُطْلَقَ في أَنَّ الْعَوْدَ فيه بِالْوَطْءِ وفي أَنَّ الْوَطْءَ الْأَوَّلَ مُبَاحٌ وفي أَنَّ التَّحْرِيمَ بَعْدَ الْوَطْءِ الْأَوَّلِ يَمْتَدُّ إلَى التَّكْفِيرِ أو انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَرْعٌ لو وَقَّتَ تَحْرِيمَ عَيْنِهَا كَقَوْلِهِ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ شَهْرًا أو سَنَةً وَنَوَى تَحْرِيمَ عَيْنِهَا أو أَطْلَقَ صَحَّ وَلَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَصْلٌ لو ظَاهَرَ من أَرْبَعٍ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ كَقَوْلِهِ لَهُنَّ أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي تَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَةُ بِعَدَدِ من حَصَلَ فيه الْعُودُ فَالظِّهَارُ مُتَعَدِّدٌ كما لو طَلَّقَهُنَّ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فإنه يَقَعُ عَلَيْهِنَّ جميعا الطَّلَاقُ بِخِلَافِ ما لو حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ جَمَاعَةً فَكَلَّمَهُمْ لَا تَجِبُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَفُرِّقَ بِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ ثَمَّ بِالْحِنْثِ وهو إنَّمَا يَحْصُلُ بِتَكْلِيمِ الْجَمِيعِ وَهُنَا إنَّمَا تَجِبُ بِالْعَوْدِ وَالْعَوْدُ يَحْصُلُ بِإِمْسَاكِ وَاحِدَةٍ كما يَحْصُلُ بِإِمْسَاكِ الْجَمِيعِ أو ظَاهَرَ مِنْهُنَّ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ فَظِهَارُ كُلٍّ مِنْهُنَّ عَوْدٌ فِيمَنْ قَبْلَهَا فَيَصِيرُ بِظِهَارِ الثَّانِيَةِ عَائِدًا في الْأُولَى وَبِظِهَارِ الثَّالِثَةِ عَائِدًا في الثَّانِيَةِ وَبِظِهَارِ الرَّابِعَةِ عَائِدًا في الثَّالِثَةِ وَعَوْدُ الرَّابِعَةِ الْإِمْسَاكُ لها في النِّكَاحِ فَإِنْ
____________________
(3/361)
لم تَكُنْ الْكَلِمَاتُ مُتَوَالِيَاتٍ لم يَخْفَ حُكْمُهُ مِمَّا مَرَّ
فَرْعٌ لو كَرَّرَ لَفْظَ الظِّهَارِ في امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَفَرَّقَهُ تَعَدَّدَ الظِّهَارُ وَلَوْ نَوَى التَّأْكِيدَ بِغَيْرِ الْأَوَّلِ تَغْلِيبًا لِشَبَهِ الطَّلَاقِ لَا إنْ وَالَاهُ فَلَا يَتَعَدَّدُ وَلَوْ أَطْلَقَ بِأَنْ لم يَنْوِ تَأْكِيدًا وَلَا اسْتِئْنَافًا بِخِلَافِ ما لو أَطْلَقَ في نَظِيرِهِ في الطَّلَاقِ كما مَرَّ بِإِزَالَتِهِ الْمِلْكَ وَلِأَنَّ له عَدَدًا مَحْصُورًا أو الزَّوْجُ مَالِكٌ له فإذا كَرَّرَهُ فَالظَّاهِرُ انْصِرَافُهُ إلَى ما يَمْلِكُهُ إلَّا إنْ نَوَى الِاسْتِئْنَافَ فَيَتَعَدَّدُ وَالتَّكَرُّرُ ليس بِعَوْدٍ لِأَنَّ الْكَلِمَاتِ الْمَذْكُورَةَ كَالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ فَلَوْ فَارَقَ عَقِبَهَا لم تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ إلَّا إنْ تَعَدَّدَ بِهِ الظِّهَارُ بِأَنْ نَوَى بِهِ الِاسْتِئْنَافَ فَيَكُونُ عَوْدًا
فَرْعٌ لو كَرَّرَ تَعْلِيقَ الظِّهَارِ بِالدُّخُولِ فقال إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَكَرَّرَهُ مِرَارًا بِنِيَّةِ التَّأْكِيدِ لم يَتَعَدَّدْ وَإِنْ فَرَّقَهُ في مَجَالِسَ أو كَرَّرَهُ بِنِيَّةِ الِاسْتِئْنَافِ تَعَدَّدَ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ فَرَّقَهُ أَمْ لَا وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَاتُ كُلُّهَا بِعَوْدٍ وَاحِدٍ بَعْدَ الدُّخُولِ فَإِنْ طَلَّقَهَا عَقِبَ الدُّخُولِ لم يَجِبْ شَيْءٌ وَإِنْ أَطْلَقَ فَقَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا ما جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ عَدَمُ التَّعَدُّدِ وَنَظَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِالظِّهَارِ الْمُنَجَّزِ وَبِمَا أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ من أَنَّهُ لو كَرَّرَ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالدُّخُولِ وَأَطْلَقَ وَقَعَ عليه طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَرْعٌ لو قال إنْ لم أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَأَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَتَمَكَّنَ منه أَيْ من التَّزَوُّجِ تَوَقَّفَ الظِّهَارُ عَلَيَّ مَوْتِ أَحَدِهِمَا قبل التَّزَوُّجِ لِيَحْصُلَ الْيَأْسُ منه لَكِنْ لَا عَوْدَ لِوُقُوعِ الظِّهَارِ قُبَيْلَ الْمَوْتِ فلم يَحْصُلْ إمْسَاكٌ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى تَقْدِيرِ حُصُولِهِ عَقِبَ الظِّهَارِ أَمَّا إذَا تَزَوَّجَ أو لم يَتَمَكَّنْ من التَّزْوِيجِ بِأَنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَقِبَ الظِّهَارِ فَلَا ظِهَارَ وَلَا عَوْدَ وَالْفَسْخُ وَجُنُونُ الزَّوْجِ الْمُتَّصِلَانِ بِالْمَوْتِ كَالْمَوْتِ وَبِالثَّانِي صَرَّحَ الْأَصْلُ وَمِثْلُهُ ما لو حُرِّمَتْ عليه تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا بِرَضَاعٍ أو غَيْرِهِ بِخِلَافِهِ بِصِيغَةِ إذَا لم بِأَنْ قال إذَا لم أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَأَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فإنه يَصِيرُ مُظَاهِرًا بِإِمْكَانِ التَّزَوُّجِ عَقِبَ التَّعْلِيقِ فَلَا يَتَوَقَّفُ على مَوْتِ أَحَدِهِمَا وَالْفَرْقُ بين إنْ وإذا مَرَّ بَيَانُهُ في الطَّلَاقِ فَرْعٌ لو عَلَّقَ الظِّهَارَ بِصِفَةٍ وَكَفَّرَ قبل وُجُودِهَا أو عَلَّقَ عِتْقَ كَفَّارَتِهِ بِوُجُودِهَا أَيْ الصِّفَةِ لم يُجْزِئْهُ لِأَنَّهُ تَقْدِيمٌ على السَّبَبَيْنِ كَتَقْدِيمِ الزَّكَاةِ على الْحَوْلِ وَالنِّصَابِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ عليها فَإِنْ كَفَّرَ بَعْدَ الظِّهَارِ وَقَبْلَ الْعَوْدِ أو معه جَازَ لِتَأَخُّرِهِ عن أَحَدِ السَّبَبَيْنِ وَيَجْرِي ما ذَكَرَ في تَعْلِيقِ الْإِيلَاءِ كما ذَكَرَ بِقَوْلِهِ وَلَوْ قال إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك وَكَفَّرَ قبل الدُّخُولِ لَا يُجْزِئُهُ لِمَا مَرَّ
فَرْعٌ لو ظَاهَرَ أو آلَى من امْرَأَتِهِ الْأَمَةِ فقال لِسَيِّدِهَا وَلَوْ قبل الْعَوْدِ أَعْتِقْهَا عن ظِهَارِي أو إيلَائِي أو كَفَّارَةٍ أُخْرَى عَلَيَّ فَفَعَلَ عَتَقَتْ عنه وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ لِأَنَّ إعْتَاقَهَا عنه يَتَضَمَّنُ تَمْلِيكَهَا له وَإِنْ مَلَكَ من ظَاهَرَ منها وَأَعْتَقَهَا عنه أَيْ عن ظِهَارِهِ جَازَ حتى لو كانت ذِمِّيَّةً ثُمَّ نَقَضَتْ الْعَهْدَ وَاسْتُرِقَّتْ وَمَلَكَهَا فَأَسْلَمَتْ فَأَعْتَقَهَا عن ظِهَارِهِ أَجْزَأَهُ وَبِهَذَا صَوَّرَ الْأَصْلُ فَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَعَمُّ كِتَابُ الْكَفَّارَاتِ من الْكُفْرِ وهو السَّتْرُ لِأَنَّهَا تَسْتُرُ الذَّنْبَ وَيَدْخُلُ الْعِتْقُ بها في نَوْعَيْنِ الْأَوَّلُ الْكَفَّارَةُ تَرْتِيبًا بِنَصْبِهِ تَمْيِيزًا وهو كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَالْجِمَاعِ في نَهَارِ رَمَضَانَ وَالثَّانِي الْكَفَّارَةُ تَخْيِيرًا وهو كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَمُعْظَمُ الْمَقْصُودِ هُنَا كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَيَدْخُلُ فيه أَشْيَاءُ من غَيْرِهَا وَالْبَقِيَّةُ مُوَضَّحَةٌ في أَبْوَابِهَا
فَصْلٌ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْكَفَّارَةِ لِخَبَرِ إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ مُقَارِنَةً لِلْعِتْقِ أو تَعْلِيقِهِ أو الْإِطْعَامِ لَكِنْ نُقِلَ في الْمَجْمُوعِ عن الْأَصْحَابِ ما حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا على ذلك كما في الزَّكَاةِ ثُمَّ نُقِلَ عن جَمْعٍ أَنَّ صُورَتَهُ في الزَّكَاةِ أَنْ يَنْوِ بها عِنْدَ عَزْلِهَا أَمَّا الصَّوْمُ فإنه يُنْوَى بِاللَّيْلِ وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَكُونُ إلَّا وَاجِبَةً وَلَا تَعْيِينُ الْجِهَةِ أَيْ جِهَةِ الْكَفَّارَةِ كما لَا يُشْتَرَطُ في زَكَاةِ الْمَالِ تَعْيِينُ الْمَالِ الْمُزَكَّى بِجَامِعٍ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ فَإِنْ عَيَّنَ وَأَخْطَأَ في تَعْيِينِهِ لم يُجْزِئْهُ لِأَنَّهُ نَوَى غير ما عليه فَلَا يَنْصَرِفُ إلَى ما عليه كَنَظِيرِهِ في الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَإِنْ أَعْتَقَ أو صَامَ بِشَرْطِهِ من تَتَابُعٍ وَغَيْرِهِ عن إحْدَى كَفَّارَتَيْهِ مُبْهَمَةٍ جَازَ ثُمَّ إنْ صَرَفَهُ
____________________
(3/362)
لِإِحْدَاهُمَا تَعَيَّنَ لها فَلَا يَتَمَكَّنُ من صَرْفِهِ لِلْأُخْرَى كما لو عَيَّنَ ابْتِدَاءً وَلَوْ أَعْتَقَ مَثَلًا من عليه كَفَّارَتَا ظِهَارٍ وَقَتْلٍ عَبْدَيْنِ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ أَجْزَأَهُ عنهما أو أَعْتَقَ مَثَلًا من عليه كَفَّارَاتٌ عَبْدًا بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ أَجْزَأَ عن وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ اتَّحَدَ جِنْسُهَا أَمْ اخْتَلَفَ وَلَوْ أَعْتَقَ مَثَلًا عَبْدًا عن كَفَّارَةٍ نَسِيَ سَبَبَهَا أَجْزَأَهُ وَلَوْ أَعْتَقَ من عليه ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ عن وَاحِدَةٍ ثُمَّ أَعْسَرَ فَصَامَ شَهْرَيْنِ ثُمَّ عَجَزَ فَأَطْعَمَ ولم يُعَيِّنْ شيئا أَجْزَأَهُ وَلَا يَكْفِي نِيَّةٌ لِوَاجِبٍ إلَّا إنْ عَيَّنَ الْجِهَةَ أَيْ جِهَةَ الْكَفَّارَةِ لِصِدْقِ الْوَاجِبِ بِدُونِ تَعْيِينِ الْجِهَةِ على النَّذْرِ فَرْعٌ الذِّمِّيُّ الْمُظَاهِرُ يُكَفِّرُ بَعْدَ عَوْدِهِ بِالْعِتْقِ وَالطَّعَامِ لِأَنَّ له أَنْ يُعْتِقَ وَيُطْعِمَ في غَيْرِ الْكَفَّارَةِ فَكَذَا فيها وَيُتَصَوَّرُ إعْتَاقُهُ عن كَفَّارَتِهِ بِأَنْ يُسْلِمَ عَبْدُهُ الْكَافِرُ أو يَرِثَ عَبْدًا مُسْلِمًا أو يَقُولَ لِمُسْلِمٍ أَعْتِقْ عَبْدَك الْمُسْلِمَ عن كَفَّارَتِي فَيُجِيبَهُ أو نحو ذلك فَإِنْ تَعَذَّرَ تَحْصِيلُهُ الْإِعْتَاقَ وهو مُوسِرٌ امْتَنَعَ عليه الْوَطْءُ فَيَتْرُكُهُ أو يُسْلِمُ وَيَعْتِقُ ثُمَّ يَطَأُ وَالصَّوْمُ منه لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ صِحَّةِ نِيَّتِهِ له وَلَا يُطْعِمُ عن كَفَّارَتِهِ وهو قَادِرٌ عليه أَيْ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُسْلِمَ وَيَصُومَ فَيَمْتَنِعُ عليه الْوَطْءُ فَيَتْرُكُهُ أو يُسْلِمُ وَيَصُومُ ثُمَّ يَطَأُ وَيَلْزَمُهُ نِيَّةُ الْكَفَّارَةِ بِمَا يُكَفِّرُ بِهِ لِلتَّمْيِيزِ لَا لِلتَّقَرُّبِ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ هذا التَّنْظِيرُ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَكَالذِّمِّيِّ فِيمَا ذَكَرَ مُرْتَدٌّ بَعْدَ وُجُوبِهَا أَيْ الْكَفَّارَةِ لِلُزُومِهَا له قبل الرِّدَّةِ فَكَانَتْ كَالدَّيْنِ وَتُجْزِئُهُ الْكَفَّارَةُ بِالْإِعْتَاقِ وَالْإِطْعَامِ فَيَطَأُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَفَّرَ في الرِّدَّةِ فَصْلٌ الْمُوسِرُ يُكَفِّرُ في الظِّهَارِ بِالْعِتْقِ لِآيَةِ الظِّهَارِ وَلِلرَّقَبَةِ الْمُجْزِئَةِ في الْكَفَّارَةِ شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ الْإِسْلَامُ فَلَا يُجْزِئُ كَافِرٌ قال تَعَالَى في كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَأُلْحِقَ بها قِيَاسًا عليها أو حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ على الْمُقَيَّدِ كما حُمِلَ الْمُطْلَقُ في قَوْله تَعَالَى وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدِينَ من رِجَالِكُمْ على الْمُقَيَّدِ في قَوْلِهِ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا لِكَافِرٍ فَكَذَا الْكَفَّارَةُ بِهِ فَيُجْزِئُ صَغِيرٌ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ أو لِلسَّابِي لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ وَلِأَنَّهُ يُرْجَى كِبَرُهُ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ يُرْجَى بُرْؤُهُ قال الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَخَالَفَ الْغُرَّةَ حَيْثُ لَا يُجْزِئُ فيها الصَّغِيرُ لِأَنَّهَا حَقُّ آدَمِيٍّ وَلِأَنَّ غُرَّةَ الشَّيْءِ خِيَارُهُ وَالْمَجْنُونُ كَالصَّغِيرِ فِيمَا ذَكَرَ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ من يُكَفِّرُ بِهِ مُكَلَّفًا لِلْخُرُوجِ من خِلَافِ الْعُلَمَاءِ لَا صَغِيرٌ لم يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ فَلَا يُجْزِئُ وَإِنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ إسْلَامِهِ كما بَيَّنَّاهُ في اللَّقِيطِ
فَرْعٌ يَصِحُّ الْإِسْلَامُ من الْكَافِرِ بِالْعَجَمِيَّةِ وَإِنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ وَبِإِشَارَةِ أَخْرَسَ مُفْهِمَةٍ وَإِنْ لم يُصَلِّ بَعْدَهَا كما تَصِحُّ عُقُودُهُ بِالْإِشَارَةِ لَا بِلُغَةٍ تَلَقَّنَهَا فَتَلَقَّنَهَا وهو لَا يَفْهَمُهَا وَإِنَّمَا يُجْزِئُهُ عِتْقُ من أَسْلَمَ بِلُغَةٍ يَعْرِفُهَا هو أو تَرْجَمَهَا له ثِقَةٌ وَاكْتُفِيَ في مَعْرِفَةِ لُغَتِهِ بِقَوْلِ ثِقَةٍ لِأَنَّهُ خَبَرٌ كما يَكْفِي في مَعْرِفَةِ قَوْلِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي وَيَكْفِي في صِحَّةِ الْإِسْلَامِ الشَّهَادَتَانِ بِأَنْ يَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول اللَّهِ وَإِنْ لم يَبْرَأْ من كل دِينٍ يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ إلَّا ما اسْتَثْنَاهُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ كان كُفْرُهُ بِغَيْرِهِمَا كَمَنْ خَصَّصَ رِسَالَةَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْعَرَبِ أو جَحَدَ فَرْضًا أو تَحْرِيمًا اُشْتُرِطَ مَعَهُمَا أَنْ يَبْرَأَ من كل دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ بِأَنْ يَأْتِيَ بِمَا يَدُلُّ على ذلك كَقَوْلِهِ وَأَبْرَأُ من إلَى آخِرِهِ أو وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول اللَّهِ إلَى كَافَّةِ الْخَلْقِ وَيُسْتَحَبُّ تَقْرِيرُهُ أَيْ طَلَبُ إقْرَارِهِ بَعْدَ إسْلَامِهِ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَسَيَأْتِي في بَابِ الرِّدَّةِ بَسْطُ ذلك الشَّرْطُ الثَّانِي السَّلَامَةُ من الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا الْأَنْسَبُ بِمَا قَبْلَهُ قَوْلُهُ في نُسْخَةٍ إضْرَارًا بَيِّنًا وَإِنْ لم يُسْلِمْ عَمَّا يُثْبِتُ الرَّدَّ في الْبَيْعِ وَيَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ في غُرَّةِ الْجَنِينِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ من عِتْقِ الرَّقِيقِ تَكْمِيلُ حَالَةٍ لِيَتَفَرَّغَ لِوَظَائِفِ الْأَحْرَارِ من الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا وَذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِقُدْرَتِهِ على الْقِيَامِ بِكِفَايَتِهِ وَإِلَّا صَارَ كَلًّا على نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ وَالْمَقْصُودُ في الْبَيْعِ وَالْغُرَّةِ الْمَالِيَّةِ فَاعْتَبَرُوا في كل مَحَلٍّ ما يَلِيقُ بِهِ كما اعْتَبَرُوا في عَيْبِ الْأُضْحِيَّةِ ما يُنْقِصُ اللَّحْمَ وفي عَيْبِ النِّكَاحِ ما يُخِلُّ بِالتَّمَتُّعِ
فَلَا يُجْزِئُ وَمَجْنُونٌ إفَاقَتُهُ أَقَلُّ من جُنُونِهِ أو أَكْثَرُ منه وَيَعْقُبُهَا ضَعْفٌ يَمْنَعُهُ الْعَمَلَ زَمَنًا يُؤَثِّرُ بِأَنْ يَكُونَ مع زَمَنِ الْجُنُونِ أَكْثَرَ من زَمَنِ الْإِفَاقَةِ بِخِلَافِ من إفَاقَتُهُ أَكْثَرُ ولم يَعْقُبْهَا ما ذَكَرَ أو اسْتَوَى الْأَمْرَانِ وَبِخِلَافِ الْمُغْمَى عليه لِأَنَّ زَوَالَ إغْمَائِهِ مَرْجُوٌّ وَتَقْيِيدُهُ الْأَكْثَرَ
____________________
(3/363)
بِمَا بَعْدَهُ أَخَذَهُ من طَرِيقَةٍ نَقَلَهَا النَّوَوِيُّ عن اخْتِيَارِ الْمَاوَرْدِيِّ وَاسْتَحْسَنَهَا بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ أَنَّ من إفَاقَتِهِ أَكْثَرُ أو اسْتَوَى فيه الْأَمْرُ أَنْ يُجْزِئَ وقال إنَّهُ الْمَذْهَبُ فلما رَأَى الْمُصَنِّفُ كَالْأَذْرَعِيِّ أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا حَسَّنَ منه التَّقْيِيدَ ولا يُجْزِئُ مَرِيضٌ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ كَدَاءِ السُّلِّ بِخِلَافِ من يُرْجَى بُرْؤُهُ ولا قَاتِلَ قُدِّمَ لِلْقِصَاصِ أو نَحْوُهُ وَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَمَنْ قُدِّمَ لِلْقَتْلِ كان أَعَمَّ فَلَوْ أَعْتَقَ من لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَبَرِئَ أو أَعْتَقَ من يُرْجَى بُرْؤُهُ فَمَاتَ أَجْزَأَهُ أَمَّا في الْأُولَى فَلِأَنَّ الْمَنْعَ كان بِنَاءً على ظَنٍّ قد بَانَ خِلَافُهُ كما في الْحَجِّ عن الْمَغْصُوبِ وَإِنْ كان الْحُكْمُ ثَمَّ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَلِقِيَامِ الرَّجَاءِ عِنْدَ الْإِعْتَاقِ وَاتِّصَالُ الْمَوْتِ بِهِ قد يَكُونُ لِعِلَّةٍ أُخْرَى لَا إنْ أَعْتَقَ أَعْمَى فَلَا يُجْزِئُ وَإِنْ أَبْصَرَ لِتَحَقُّقِ الْيَأْسِ في الْعَمَى وَعُرُوضُ الْبَصَرِ نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ بِخِلَافِ الْمَرَضِ فِيمَا مَرَّ لَكِنَّ هذا قد يُشْكِلُ بِقَوْلِهِمْ لو ذَهَبَ بَصَرُهُ بِجِنَايَةٍ فَأَخَذَ دِيَتَهُ عَادَ اسْتَرَدَّتْ لِأَنَّ الْعَمَى الْمُحَقَّقِ لَا يَزُولُ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ أَبْصَرَ من زِيَادَتِهِ هُنَا وَيُجْزِئُ مَقْطُوعُ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ لِأَنَّ فَقْدَهَا لَا يُخِلُّ بِالْعَمَلِ وَكَذَا الْخِنْصَرِ وَالْبِنْصِرِ أَيْ مَقْطُوعُهُمَا من يَدَيْنِ لِذَلِكَ لَا من يَدٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ ذلك يُخِلُّ بِالْعَمَلِ وَكَذَا الْأَنَامِلِ الْعُلْيَا من غَيْرِ الْإِبْهَامِ وَلَوْ من يَدٍ وَاحِدَةٍ يُجْزِئُ لِأَنَّ الْأَصَابِعَ بَعْدَهَا كَأَصَابِعَ قَصِيرَةٍ فَلَا يُخِلُّ فَقْدُهَا بِالْعَمَلِ لَا أُنْمُلَةٍ من الْإِبْهَامِ فَلَا يُجْزِئُ لِأَنَّهَا أُنْمُلَتَانِ فَتَخْتَلُّ مَنْفَعَتُهَا بِذَلِكَ وَلَا أُنْمُلَتَيْنِ من الْوُسْطَى أو السَّبَّابَةِ وَلَا الْقَدَمِ وَالْأَشَلُّ بِمَا ذَكَرَ كَالْمَقْطُوعِ وَعُلِمَ من ذلك أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مَقْطُوعُ يَدٍ وَلَا مَقْطُوعُ أَصَابِعِهَا وَلَا مَقْطُوعُ أُصْبُعٍ من الْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى فَرْعٌ يُجْزِئُ شَيْخٌ وَنِضْوٌ أَيْ نَحِيفٌ يَقْدِرَانِ على الْعَمَلِ بِخِلَافِهِمَا إذَا لم يَقْدِرَا عليه وَأَحْمَقُ وهو من يَفْعَلُ الشَّيْءَ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ مع الْعِلْمِ بِقُبْحِهِ كما مَرَّ في الطَّلَاقِ وَأَعْرُجُ يُتَابِعُ الْمَشْيَ بِخِلَافِهِ إذَا مُنِعَ مُتَابَعَةَ الْمَشْيِ لِإِخْلَالِهِ بِالْعَمَلِ وَأَعْوَرُ لم يَضْعُفْ بَصَرُ سَلِيمَتِهِ ضَعْفًا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا الْأَوْلَى إضْرَارًا بَيِّنًا وَإِلَّا فَلَا يُجْزِئُ وَفَارَقَ الْإِجْزَاءُ هُنَا عَدَمَهُ في الْأُضْحِيَّةِ بِأَنَّ الْعَيْنَ مَقْصُودَةٌ بِالْأَكْلِ وَبِأَنَّ الْعَوَرَ يُنْقِصُ قُوَّةَ الرَّعْيِ وَيُورِثُ الْهُزَالَ وَيُجْزِئُ أَصَمُّ وَإِنْ لم يَسْمَعْ مع الْمُبَالَغَةِ في رَفْعِ الصَّوْتِ لِقُدْرَتِهِ على الِاكْتِسَابِ وَأَخْرَسُ يَفْهَمُ الْإِشَارَةَ وَتُفْهَمُ عنه ويجزئ مَقْطُوعُ الْأُذُنَيْنِ وَالْأَنْفِ وَأَقْرَعُ وَأَبْرَصُ وَخَصِيٌّ كما صَرَّحَ بها الْأَصْلُ وَأَخْشَمُ وَأَكْوَعُ أَيْ أَعْوَجُ الْكُوعِ وَأَوْكَعُ أَيْ لَئِيمٌ وَيُقَالُ كَاذِبٌ وَأَخْوَفُ وَضَعِيفُ الرَّأْيِ كما صَرَّحَ بِهِمَا في الرَّوْضَةِ وَأَجْذَمُ وَمَجْنُونٌ وَرَتْقَاءُ وَقَرْنَاءُ وَأَدْرَدُ أَيْ مَفْقُودُ الْأَسْنَانِ وَوَلَدُ زِنًا وَضَعِيفُ بَطْشٍ وَمَوْلُودٌ انْفَصَلَ بِخِلَافِ جَنِينٍ وَإِنْ انْفَصَلَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من حِينِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ لَا يُعْطَى حُكْمَ الْأَحْيَاءِ وَلِذَلِكَ لَا تَجِبُ فِطْرَتُهُ ويجزئ من لَا يُحْسِنُ صَنْعَةً إذْ يُمْكِنُهُ تَعَلُّمُهَا أو فَاسِقٌ أو ذُو جُرْحٍ مُنْدَمِلٍ أو غَيْرِ مُنْدَمِلٍ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَخُوفٍ بِخِلَافِ الْمَخُوفِ كَمَأْمُومَةٍ وَجَائِفَةٍ
الشَّرْطُ الثَّالِثُ كَمَالُ الرِّقِّ في الْإِعْتَاقِ عن الْكَفَّارَةِ فَإِنْ أَعْتَقَ عنها مُسْتَوْلَدَةً وفي نُسْخَةٍ مُسْتَوْلَدَتَهُ أو ذَا كِتَابَةٍ صَحِيحَةٍ وَإِنْ لم يُؤَدِّ شيئا من النُّجُومِ لم يُجْزِئْهُ لِنَقْصِ رَقِّهِمَا بِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْعِتْقَ وَامْتِنَاعِ بَيْعِهِمَا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ كِتَابَةً فَاسِدَةً وَعِتْقُ كُلٍّ مِنْهُمَا تَطَوُّعًا بِنَاءً على أَنَّهُ إذَا بَطَلَ الْخُصُوصُ بَقِيَ الْعُمُومُ وَكَذَا إنْ عَلَّقَ عِتْقَ مُكَاتَبٍ عنها بِعَجْزِهِ عن النُّجُومِ فَعَجَزَ عَتَقَ ولم يَجُزْ عنها لِأَنَّهُ حين عَلَّقَ لم يَكُنْ بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ أو عَلَّقَ عِتْقَ كَافِرٍ عنها بِإِسْلَامِهِ فَأَسْلَمَ أو عِتْقَ جَنِينٍ عنها بِوِلَادَتِهِ فَوُلِدَ فَكَذَلِكَ وَيُجْزِئُ مُتَحَتِّمُ الْقَتْلِ بِمُحَارَبَةٍ أو غَيْرِهَا وَاسْتَشْكَلَ بِعَدَمِ إجْزَاءِ من قُدِّمَ لِلْقَتْلِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُقَدَّمَ لِلْقَتْلِ يُقْتَلُ غَالِبًا فَإِنْ لم يُقْتَلْ كان كَمَرِيضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَعْتَقَهُ فَبَرِئَ وَالْمُتَحَتِّمُ قَتْلُهُ يَتَأَخَّرُ الْقَتْلُ عنه وقد
____________________
(3/364)
تَرْجِعُ الْبَيِّنَةُ ويجزئ مُدَبَّرٌ وَمُعَلَّقٌ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِيهِمَا وَمَحَلُّهُ إذَا نَجَزَ عِتْقُ كُلٍّ مِنْهُمَا عن الْكَفَّارَةِ أو عَلَّقَهُ بِصِفَةٍ أُخْرَى وَوُجِدَتْ قبل الْأُولَى لَا إنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ عنها بِوُجُودِ الصِّفَةِ الْأُولَى فَلَا تُجْزِئُ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْعِتْقَ بِوُجُودِهَا وَإِنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ عنها بِالدُّخُولِ مَثَلًا ثُمَّ كَاتَبَهُ فَدَخَلَ فَهَلْ يُجْزِئُ عنها اعْتِبَارًا بِوَقْتِ التَّعْلِيقِ أو لَا لِأَنَّهُ مُسْتَحِقُّ الْعِتْقِ عن الْكِتَابَةِ وَقْتَ حُصُولِهِ فيه وَجْهَانِ بِنَاءً على الْخِلَافِ فِيمَا لو عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ تُوجَدُ في الصِّحَّةِ وقد تُوجَدُ في الْمَرَضِ فَوُجِدَتْ في الْمَرَضِ هل يُعْتَبَرُ الْعِتْقُ من الثُّلُثِ أو من رَأْسِ الْمَالِ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن الْمُتَوَلِّي وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ الْإِجْزَاءِ إنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمُعَلِّقِ لِأَنَّ الْأَصَحَّ اعْتِبَارُهُ من رَأْسِ الْمَالِ حِينَئِذٍ نَظَرًا لَوِقَتْ التَّعْلِيقِ
وَيُجْزِئُ مَرْهُونٌ وَجَانٍ إنْ نَفَّذْنَا عِتْقَهُمَا بِأَنْ كان الْمُعْتِقُ مُوسِرًا بِخِلَافِ ما إذَا لم نُنَفِّذْهُ لَا من يُعْتَقُ عليه بِالْمِلْكِ أَيْ بِدُخُولِهِ في مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أو هِبَةٍ أو غَيْرِهِمَا فَلَوْ قال لِسَيِّدِ أبيه أو ابْنِهِ أَعْتِقْهُ عن كَفَّارَتِي بِكَذَا فَأَعْتَقَهُ عنه عَتَقَ وَاسْتَحَقَّ الْمَالَ ولم يُجْزِئْهُ عن الْكَفَّارَةِ لِاسْتِحْقَاقِ عِتْقِهِ بِجِهَةٍ أُخْرَى ولا مُشْتَرًى بِشَرْطِ الْعِتْقِ لِذَلِكَ ولا مُوصًى بِمَنْفَعَتِهِ ولا مُسْتَأْجَرٌ لِعَجْزِهِمَا عن الْكَسْبِ لِنَفْسِهِمَا وَلِلْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَنَافِعِهِمَا وَبِهَذَا فَارَقَ الْمَرِيضُ الذي يُرْجَى بُرْؤُهُ وَالصَّغِيرُ وَتُجْزِئُ حَامِلٌ وَإِنْ اُسْتُثْنِيَ حَمْلُهَا وَيَتْبَعُهَا في الْعِتْقِ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ في صُورَتِهِ كما لو اسْتَثْنَى عُضْوًا من الرَّقِيقِ وإذا لم يَمْنَعْ الِاسْتِثْنَاءُ نُفُوذَ الْعِتْقِ لم يَمْنَعْ سُقُوطَ الْفَرْضِ وَإِنْ أَعْتَقَ مُعْسِرٌ عنها نِصْفَ عَبْدٍ مَلَكَهُ ثُمَّ مَلَكَ بَاقِيَهُ وَأَعْتَقَهُ عنها أَجْزَأَهُ وَإِنْ وَقَعَ الْعِتْقُ في دُفْعَتَيْنِ كَالْإِطْعَامِ وَكَذَا لو أَعْتَقَ عنها بَعْدَ أَنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ نِصْفَ عَبْدٍ آخَرَ يُجْزِئُ إنْ كان بَاقِيهِمَا حُرًّا بِخِلَافِ ما إذَا كان رَقِيقًا لِأَنَّ مَقْصُودَ الْعِتْقِ من التَّخْلِيصِ من الرِّقِّ حَصَلَ في الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي نعم إنْ مَلَكَ النِّصْفَ الْآخَرَ ثُمَّ أَعْتَقَهُ أَجْزَأَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ لو كان بَاقِي أَحَدِهِمَا فَقَطْ حُرًّا لَا يُجْزِئُ لِعَدَمِ حُصُولِ اسْتِقْلَالِهِمَا لَكِنْ قال الزَّرْكَشِيُّ الظَّاهِرُ الْإِجْزَاءُ وَخَرَجَ بِالْمُعْسِرِ الْمُوسِرُ فإن عِتْقَهُ يَسْرِي بِإِعْتَاقِ بَعْضِهِ فَيَتَعَذَّرُ في الْأُولَى إعْتَاقُهُ دُفْعَتَيْنِ وَحُكْمُ الْإِجْزَاءِ عن الْكَفَّارَةِ في الصُّورَتَيْنِ يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي في الْفَرْعِ الْآتِي وَيُجْزِئُ عِتْقُ عَبْدَيْنِ نِصْفَهُمَا عن ظِهَارٍ وَبَاقِيَهُمَا عن قَتْلٍ أو ظِهَارٍ آخَرَ لِتَخْلِيصِ الرَّقَبَتَيْنِ من الرِّقِّ وَهَلْ يَقَعُ الْعِتْقُ كما أَوْقَعَهُ أو يَعْتِقُ عَبْدٌ كَامِلٌ لِكُلِّ كَفَّارَةٍ وَيَلْغُو تَعَرُّضُهُ لِلتَّنْصِيفِ فيه وَجْهَانِ نَقَلَ ابن الصَّبَّاغِ الْأَوَّلَ عن الْأَكْثَرِينَ وَالثَّانِيَ عن الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ عن نَصِّ الْأُمِّ قال الْإِسْنَوِيُّ وَالصَّحِيحُ الثَّانِي انْتَهَى وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ عن ابْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ خَيْرَانَ وَالْأَوَّلُ عن أبي إِسْحَاقَ وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُمَا فِيمَا لو ظَهَرَ أَحَدُهُمَا مَعِيبًا أو مُسْتَحَقًّا فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُجْزِئُ وَعَلَى الثَّانِي يُجْزِئُ عن أَحَدِهِمَا وَفِيمَا لو كان له نِصْفَا عَبْدَيْنِ فَأَعْتَقَهُمَا عن كَفَّارَتِهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يُجْزِئُ وَعَلَى الثَّانِي لَا يُجْزِئُ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الصَّحِيحَ الْأَوَّلُ لِمَا مَرَّ أَنَّ ذلك يُجْزِئُ
فَرْعٌ يُجْزِئُ الْمُوسِرَ إعْتَاقُ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ عن كَفَّارَتِهِ لِحُصُولِ الْعِتْقِ بِالسَّرَايَةِ وَكَذَا لو أَعْتَقَ نَصِيبَهُ عنها وَنَوَى حِينَئِذٍ صَرْفَ عِتْقِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ أَيْضًا إلَيْهَا لِذَلِكَ فَإِنْ لم يَنْوِ حِينَئِذٍ صَرْفَ ذلك إلَيْهَا لم يَنْصَرِفْ إلَيْهَا أَمَّا نَصِيبُهُ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهَا فَيُكْمِلُ عليه ما يُوفِي رَقَبَةً وَيُجْزِئُ آبِقٌ وَكَذَا مَغْصُوبٌ إنْ عُلِمَ حَيَاتُهُمَا وَلَوْ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ لِكَمَالِ رَقِّهِمَا سَوَاءٌ أَعَلِمَا عِتْقَ نَفْسِهِمَا أَمْ لَا لِأَنَّ عِلْمَهُمَا ليس بِشَرْطٍ في نُفُوذِ الْعِتْقِ فَكَذَا في الْإِجْزَاءِ فَإِنْ لم يَعْلَمْ حَيَاتَهُمَا لم يُجْزِئْ إعْتَاقُهُمَا وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ عِتْقَ من انْقَطَعَ خَبَرُهُ لَا يُجْزِئُ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مُتَيَقَّنٌ وَالْمُسْقِطُ مَشْكُوكٌ فيه بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ تَجِبُ لِلِاحْتِيَاطِ وَقَيَّدَ ذلك في النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ بِمَا إذَا انْقَطَعَ خَبَرُهُ لَا لِخَوْفٍ في الطَّرِيقِ وَإِلَّا فَيُجْزِئُ قَطْعًا وَيُجْزِئُهُ أَيْ الْمَغْصُوبُ وَلَوْ لم يَقْدِرْ على انْتِزَاعِهِ من غَاصِبِهِ لِقُدْرَتِهِ على مَنَافِعِ نَفْسِهِ وَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ وَيُجْزِئُهُ وَذَكَرَ ما بَعْدَهُ عَقِبَ قَوْلِهِ وَكَذَا مَغْصُوبٌ كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ
الشَّرْطُ الرَّابِعُ خُلُوُّهَا أَيْ الْكَفَّارَةِ بِالْإِعْتَاقِ عن شَوْبِ الْعِوَضِ فَلَوْ قال لِلْعَبْدِ أَعْتَقْتُك عنها بِكَذَا فَقَبِلَ لم يُجْزِئْهُ عنها لِعَدَمِ تَجَرُّدِهِ لها فَلَوْ قال لِلْمَالِكِ أَجْنَبِيٍّ أَعْتِقْ عَبْدَك عن كَفَّارَتِك بِأَلْفٍ عَلَيَّ فَفَعَلَ فَوْرًا عَتَقَ عن الْمَالِكِ لِأَنَّهُ لم يَعْتِقْهُ عن الْمُسْتَدْعِي وَلَا هو اسْتَدْعَاهُ لِنَفْسِهِ وَلَزِمَهُ الْمَالُ كما في الْمُسْتَوْلَدَةِ وَالزَّوْجَةِ
____________________
(3/365)
وَسَيَأْتِيَانِ ولم يُجْزِئْهُ عن الْكَفَّارَةِ لِمَا مَرَّ في التي قَبْلَهَا سَوَاءٌ أَقَدَّمَ في الْجَوَابِ ذِكْرَ الْكَفَّارَةِ فقال أَعْتَقْته عن كَفَّارَتِي بِأَلْفٍ عَلَيْك أَمْ عَكَسَ فقال أَعْتَقْته بِأَلْفٍ عَلَيْك عن كَفَّارَتِي وفي مَعْنَى ذلك ما لو قال له الْمَالِكُ أَعْتَقْت عَبْدِي عن كَفَّارَتِي بِأَلْفٍ عَلَيْك فَقَبِلَ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ
وَإِنْ رَدَّ الْمُعْتِقُ الْمَالَ لِيَكُونَ الْعِتْقُ مُجْزِئًا عن كَفَّارَتِهِ لم يَنْقَلِبْ مُجْزِئًا عنها إلَّا إنْ قال عَقِبَ الِالْتِمَاسِ أَعْتِقْهُ عن كَفَّارَتِي مَجَّانًا فَيُجْزِئُهُ عنها لِأَنَّهُ رَدٌّ لِكَلَامِهِ وَإِنْ قال له الْمُسْتَدْعِي أَعْتِقْهُ عن كَفَّارَتِي ولم يذكر عِوَضًا وَلَا قال مَجَّانًا فَأَعْتَقَهُ عَتَقَ عن الْمُسْتَدْعِي لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ عنه وَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ عليه كما لو قال اقْضِ دَيْنِي ولم يَشْتَرِطْ رُجُوعًا وَأَجْزَأَهُ عن كَفَّارَتِهِ فَلَوْ لم يَقُلْ عن كَفَّارَتِهِ بِأَنْ قال أَعْتِقْهُ عَنِّي لَا عِتْقَ عليه أو لم يَقْصِدْ وُقُوعَهُ عنه فَلَا شَيْءَ عليه لِأَنَّهُ هِبَةٌ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ قال له أَعْتِقْهُ عَنِّي مَجَّانًا فَأَعْتَقَهُ عَتَقَ عن الْمُسْتَدْعِي لِذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عليه لِأَنَّهُ هِبَةٌ وَإِنْ ذَكَرَ عِوَضًا لَزِمَهُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
فَصْلٌ الْإِعْتَاقُ بِمَالٍ كَالطَّلَاقِ بِهِ فَهُوَ من جَانِبِ الْمَالِكِ مُعَاوَضَةٌ فيها شَوْبُ تَعْلِيقٍ وَمِنْ جَانِبِ الْمُسْتَدْعِي مُعَاوَضَةٌ فيها شَوْبُ جِعَالَةٍ كما مَرَّ في الْخُلْعِ فَلَوْ قال له أَعْتِقْ مُسْتَوْلَدَتَك عَنْك أو طَلِّقْ امْرَأَتَك بِأَلْفٍ فَفَعَلَ صَحَّ وَلَزِمَهُ الْأَلْفُ وكان ذلك افْتِدَاءً من الْمُسْتَدْعِي وَالتَّصْرِيحُ بِالثَّانِيَةِ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ قال فِيهِمَا عَنِّي وَجَبَ مع الصِّحَّةِ الْعِوَضُ في الزَّوْجَةِ لِأَنَّهُ افْتِدَاءٌ كما مَرَّ وَيُلْغَى قَوْلُهُ عَنِّي أو يُحْمَلُ على الصَّرْفِ إلَى اسْتِدْعَائِهِ كَأَنَّهُ قال طَلِّقْهَا لِاسْتِدْعَائِي لَا في الْمُسْتَوْلَدَةِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْعِوَضَ على أَنْ يَكُونَ عِتْقُهَا عنه وهو مُمْتَنِعٌ لِأَنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ من شَخْصٍ إلَى شَخْصٍ وَفَارَقَتْ الزَّوْجَةَ بِأَنَّهُ يُتَخَيَّلُ فيها انْتِقَالُ الْعِتْقِ أو الْوَلَاءُ ولم يَحْصُلْ وَلَوْ لم يَقُلْ فيها أو في غَيْرِهَا من الْأَرِقَّاءِ عَنِّي وَلَا عَنْك فَكَقَوْلِهِ عَنْك فَيَصِحُّ الْعِتْقُ وَيَلْزَمُ الْعِوَضُ وَإِنْ قال أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي وَنَوَى عن كَفَّارَتِي فَأَعْتَقَهُ أَجْزَأَهُ عنها كما لو قال أَعْتِقْهُ عن كَفَّارَتِي وَلَوْ قال أَعْتِقْهُ عَنِّي بِأَلْفٍ على أَنَّ لَك الْوَلَاءُ فَفَعَلَ فَسَدَ الشَّرْطُ وَعَتَقَ عن الْمُسْتَدْعِي بِالْقِيمَةِ لَا بِالْمُسَمَّى وَإِنْ عَبَّرَ بِهِ الْمُتَوَلِّي لِفَسَادِهِ بِفَسَادِ الشَّرْطِ وَإِنْ قال أَعْتِقْهُ عن ابْنِي الصَّغِيرِ فَفَعَلَ جَازَ إنْ كان الْعَبْدُ مِمَّنْ لَا يَلْزَمُ الصَّغِيرَةَ نَفَقَتُهُ بَعْدَ عِتْقِهِ بِقَرِينَةٍ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ اكْتِسَابُ وَلَاءٍ له بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ وَلَيْسَ كما لو كان له رَقِيقٌ فَأَرَادَ أَبَاهُ إعْتَاقَهُ وَإِنْ وَهَبَ لِرَجُلٍ عَبْدًا فَقَبِلَهُ ثُمَّ قال لِلْوَاهِبِ أَعْتِقْهُ عن وَلَدِي الصَّغِيرِ قبل الْقَبْضِ له فَفَعَلَ جَازَ قال في الْأَصْلِ وَكَأَنَّهُ أَمَرَهُ بِتَسْلِيمِهِ إلَى وَلَدِهِ وَنَابَ عنه في الْإِعْتَاقِ لِلْوَلَدِ وَيُشْتَرَطُ في صُورَةِ الِاسْتِدْعَاءِ لِوُقُوعِ الْعِتْقِ عن الْمُسْتَدْعِي وَلُزُومِ الْعِوَضِ له الْجَوَابُ له فَوْرًا وَإِلَّا بِأَنْ لم يَكُنْ جَوَابٌ أو طَالَ الْفَصْلُ وَقَعَ الْعِتْقُ عن الْمَالِكِ وَلَا شَيْءَ له على الْمُسْتَدْعِي فَرْعٌ لو قال إذَا جاء الْغَدُ فَأَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي على أَلْفٍ وفي نُسْخَةٍ بِأَلْفٍ فَفَعَلَ صَحَّ وَلَزِمَ الْمُسَمَّى لِتَضَمُّنِ ذلك الْبَيْعَ لِتَوَقُّفِ الْعِتْقِ على الْمِلْكِ فَكَأَنَّهُ قال بِعْنِيهِ بِكَذَا وَأَعْتِقْهُ عَنِّي وقد أَجَابَهُ وَكَذَا لو قال له الْمَالِكُ أَعْتِقْهُ عَنْك على أَلْفٍ إذَا جاء الْغَدُ وَقَبِلَ في الْحَالِ وَإِنْ أَعْتَقَهُ على خَمْرٍ مَثَلًا جَوَابًا لِمَنْ طُلِبَ منه إعْتَاقُهُ عنه عليها عَتَقَ عنه بِالْقِيمَةِ كما في الْخُلْعِ وَالْعِتْقُ يَنْفُذُ بِالْعِوَضِ وفي نُسْخَةٍ وَالْعِتْقُ الْمُقَيَّدُ بِالْعِوَضِ جَائِزٌ وَإِنْ كان الْعَبْدُ مُسْتَأْجَرًا أو مَغْصُوبًا لَا يَقْدِرُ على انْتِزَاعِهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ في ذلك ضِمْنِيٌّ فَيُغْتَفَرُ فيه ما لَا يُغْتَفَرُ في الْمُسْتَقِلِّ
فَرْعٌ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ عن الْمُسْتَدْعِي يَدْخُلُ في مِلْكِهِ إذْ لَا عِتْقَ في غَيْرِ مِلْكٍ ثُمَّ الْعِتْقُ يَتَرَتَّبُ على الْمِلْكِ وَيَقَعُ مُتَّصِلًا بِهِ وَذَلِكَ في لَحْظَةٍ لَطِيفَةٍ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ عن الْغَيْرِ فَيَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ الْمِلْكِ فإذا وُجِدَ تَرَتَّبَ الْعِتْقُ عليه وَإِنْ خَرَجَ الْمُعْتِقُ عن الْمُسْتَدْعِي مَعِيبًا اسْتَحَقَّ الْأَرْشَ بِعَيْنِهِ وَيُكَفِّرُ بِغَيْرِهِ إنْ مَنَعَ الْعَيْبُ الْإِجْزَاءَ عن الْكَفَّارَةِ وَإِلَّا أَجْزَأَ فَرْعٌ لو قال لِمَالِكِهِ أَعْتِقْهُ عَنِّي بِأَلْفٍ فَأَعْتَقَهُ عنه مَجَّانًا أو بِغَيْرِ الْأَلْفِ وَقَعَ عِتْقُهُ عن الْمُعْتِقِ دُونَ الْمُسْتَدْعِي فَصْلٌ إنَّمَا يَعْدِلُ الرَّشِيدُ إلَى الصَّوْمِ عِنْدَ تَعَسُّرِ الرَّقَبَةِ عليه لِآيَةِ فَمَنْ لم يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ فَالْمُرَادُ منها التَّعَسُّرُ لَا التَّعَذُّرُ وَخَرَجَ بِالرَّشِيدِ الْمَزِيدُ على الْأَصْلِ السَّفِيهُ أَيْ الْمَحْجُورُ عليه بِالسَّفَهِ يُكَفِّرُ بِالْمَالِ لِمَا مَرَّ
____________________
(3/366)
في الْحَجْرِ أَنَّهُ كَالْمُعْسِرِ حتى لو حَلَفَ وَحَنِثَ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَرَدَّهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ الْأَيْمَانَ تَتَكَرَّرُ عَادَةً فَلَا يَلْزَمُ من جَعْلِهِ فيها كَالْمُعْسِرِ جَعْلُهُ كَذَلِكَ في الظِّهَارِ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَالْمُكَلَّفُ يَمْتَنِعُ منه عَادَةً وَبِأَنَّ زَمَنَ الصَّوْمِ هُنَا يَطُولُ فَيَتَضَرَّرُ بِتَرْكِ الْوَطْءِ وَبِأَنَّ الْمُظَاهِرَ يَنْتَقِلُ بِعَجْزِهِ عن الصَّوْمِ إلَى الْإِطْعَامِ فإذا لم يُكَفِّرْ السَّفِيهُ بِالْمَالِ وهو عَاجِزٌ عن الصَّوْمِ أَدَّى إلَى إضْرَارِهِ بِتَرْكِ الْوَطْءِ ثُمَّ قال فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ في الظِّهَارِ بِالْمَالِ كما في الْقَتْلِ وَالْمُخْرِجُ له وَلِيُّهُ وَالنَّاوِي هو وَهَذَا هو ظَاهِرُ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ
وما حَكَاهُ الْجُورِيُّ عن الشَّافِعِيِّ من أَنَّهُ إذَا حَلَفَ أو ظَاهَرَ بِصَوْمٍ غَرِيبٍ لَا يُعْرَفُ في الظِّهَارِ وَلَعَلَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ وَجَدَ لِلشَّافِعِيِّ ذلك في كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَأَلْحَقَ بِهِ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ ثُمَّ قَرَنَ هذا بِذَاكَ حتى حُكِيَ ذلك عن الشَّافِعِيِّ وَهَذَا بَعِيدٌ من قَوَاعِدِهِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَيَعْتِقُ الْمَذْكُورُ عِنْدَ خِدْمَتِهِ إنْ كانت فَاضِلًا عَمَّا يَأْتِي لِلْآيَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هو مَرِيضًا أو زَمِنًا أو كَبِيرًا أو ضَخْمًا ضَخَامَةً تَمْنَعُهُ من خِدْمَةِ نَفْسِهِ أو ذَا مَنْصِبٍ يَمْنَعُهُ من ذلك فَلَا يُكَلَّفُ إعْتَاقَهُ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ بِخِلَافِ من خَلَا عن ذلك لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ بِعِتْقِهِ ضَرَرٌ شَدِيدٌ وَإِنَّمَا يَفُوتُ بِهِ نَوْعُ رَفَاهِيَةٍ وَيَشْتَرِيهَا أَيْ الرَّقَبَةَ بِفَاضِلٍ عن كِفَايَةِ من يَمُونُهُ من نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ وعن أَثَاثٍ لَا بُدَّ منه هذا دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ وَالْمُعْتَبَرُ في الْكِفَايَةِ كِفَايَةُ السَّنَةِ لَا كِفَايَةُ الْعُمُرِ لِأَنَّ الْمُؤْنَاتِ تَتَكَرَّرُ فيها وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ وَسَكَتُوا عن تَقْدِيرِ مُدَّةِ ذلك وَيَجُوزُ أَنْ تُقَدَّرَ بِالْعُمُرِ الْغَالِبِ وَأَنْ تُقَدَّرَ بِسَنَةٍ وَصَوَّبَ في الرَّوْضَةِ مِنْهُمَا الثَّانِيَ وَقَضِيَّةُ ذلك أَنَّهُ لَا نَقْلَ فيها مع أَنَّ مَنْقُولَ الْجُمْهُورِ الْأَوَّلُ كما في قَسْمِ الصَّدَقَاتِ وَجَزَمَ الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ بِالثَّانِي على قِيَاسِ ما صَنَعَ في الزَّكَاةِ وَعَنْ مَسْكَنٍ يَحْتَاجُهُ وَهَذَا دَاخِلٌ فِيمَا مَرَّ أَيْضًا أَمَّا إذَا لم يَجِدْ فَاضِلًا عَمَّا ذَكَرَ فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِعْتَاقُ لِأَنَّهُ فَاقِدٌ شَرْعًا كما لو وَجَدَ الْمَاءَ وهو مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِعَطَشٍ وَاعْلَمْ أَنَّ ما ذَكَرَ في الْحَجِّ وفي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ من أَنَّ كُتُبَ الْفَقِيهِ لَا تُبَاعُ في الْحَجِّ وَلَا تَمْنَعُ أَخْذَ الزَّكَاةِ وفي الْفَلَسِ من أَنَّ خَيْلَ الْجُنْدِيِّ الْمُرْتَزِقِ تَبْقَى له يُقَالُ بمثله هُنَا بَلْ أَوْلَى كما ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَبِبَيْعِ وُجُوبًا فَاضِلِ دَارِهِ الْوَاسِعَةِ إنْ أَمْكَنَ بَيْعُهُ مع سُكْنَى الْبَاقِي إذْ لَا ضَرُورَةَ وَلَا عُسْرَ وَكَلَامُهُ كَثِيرٌ يَقْتَضِي أَنَّ ذلك في الْمَأْلُوفَةِ وَغَيْرِهَا وهو كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُفَارِقُهَا وَإِنْ حَصَلَ الْغَرَضَانِ أَيْ غَرَضُ اللُّبْسِ وَغَرَضُ التَّكْفِيرِ بِالْإِعْتَاقِ بِبَيْعِ ثَوْبٍ نَفِيسٍ لَا يَلِيقُ بِالْمُكَفِّرِ وَجَبَ الْبَيْعُ وَالْإِعْتَاقُ
وَكَذَا الْحُكْمُ في عَبْدٍ وَدَارٍ نَفِيسَيْنِ إذَا حَصَلَ غَرَضَا الْخِدْمَةِ وَالْإِعْتَاقِ في الْعَبْدِ وَغَرَضَا السُّكْنَى وَالْإِعْتَاقِ في الدَّارِ لَا مَأْلُوفَيْنِ فَلَا يَلْزَمُهُ بَيْعُ بَعْضِهِمَا لِعُسْرِ مُفَارَقَةِ الْمَأْلُوفِ فَيُجْزِئُهُ الصَّوْمُ وفي الْحَجِّ يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ له وَإِنْ كَانَا مَأْلُوفَيْنِ قال الرَّافِعِيُّ وكان الْفَرْقُ أَنَّ الْحَجَّ لَا بَدَلَ له وَلِلْإِعْتَاقِ بَدَلٌ وَكَالْعَبْدِ فِيمَا ذَكَرَ الْأَمَةُ وَالْفَرْقُ بين ما هُنَا وَبَيْنَ ما مَرَّ في الْفَلَسِ من أَنَّهُ لَا يَبْقَى لِلْمُفْلِسِ خَادِمٌ وَلَا مَسْكَنٌ أَنَّ لِلْكَفَّارَةِ بَدَلًا وَأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ على الْمُسَامَحَةِ بِخِلَافِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّ وَلَا يُكَلَّفُ بَيْعَ ضَيْعَةٍ وَرَأْسِ مَالٍ يَتَّجِرُ فيه أو مَاشِيَةٍ رِيعُهَا أَيْ رِيعُ كُلٍّ منها قَدْرُ كِفَايَتِهِ أَيْ كِفَايَةِ مُمَوِّنِهِ فَقَطْ أَيْ لَا يُكَلَّفُ بَيْعَهَا لِتَحْصِيلِ رَقَبَةٍ يَعْتِقُهَا لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا وَلِأَنَّ الِانْتِقَالَ إلَى حَاجَةِ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ أَشَدُّ من مُفَارِقَةِ الدَّارِ وَالْعَبْدِ الْمَأْلُوفَيْنِ وَالْفَرْقُ بين ذلك وَبَيْنَ الْحَجِّ ما مَرَّ آنِفًا وَمَنْ له أُجْرَةٌ تَزِيدُ على قَدْرِ كِفَايَتِهِ لَا يَلْزَمُهُ التَّأْخِيرُ لِجَمْعِهَا أَيْ لِجَمْعِ الزِّيَادَةِ لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ فَلَهُ الصَّوْمُ وَلَوْ تَيَسَّرَتْ أَيْ الزِّيَادَةُ أَيْ جَمْعُهَا لِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أو ما قَارَبَهَا فإنه لَا يَلْزَمُهُ التَّأْخِيرُ لِجَمْعِهَا لِلْعِتْقِ فَإِنْ اجْتَمَعَتْ أَيْ الزِّيَادَةُ التي يَحْصُلُ بها الرَّقَبَةُ قبل صِيَامِهِ وَجَبَ الْعِتْقُ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْأَدَاءِ فَرْعٌ لو غَابَ مَالُ الْمُكَفِّرِ عنه أو حَضَرَ لَكِنْ فُقِدَتْ الرَّقَبَةُ حِسًّا أو شَرْعًا كَأَنْ لم يَجِدْهَا بِثَمَنِ الْمِثْلِ لم يَعْدِلْ عنها إلَى الصَّوْمِ بَلْ يَصْبِرُ حتى يَجِدَهَا بِثَمَنِ الْمِثْلِ أو يَحْضُرَ الْمَالُ وَلَوْ في كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِأَنَّهُ لو مَاتَ لَأُخِذَتْ أَيْ الرَّقَبَةُ من التَّرِكَةِ وَلَا نَظَرَ إلَى تَضَرُّرِهِ في الظِّهَارِ بِفَوَاتِ التَّمَتُّعِ مُدَّةَ الصَّبْرِ لِأَنَّهُ الذي وَرَّطَ نَفْسَهُ فيه وَقِيلَ يَعْدِلُ إلَى الصَّوْمِ في كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِتَضَرُّرِهِ بِعَدَمِ الْعُدُولِ وَالتَّصْرِيحِ
____________________
(3/367)
بِتَرْجِيحِ الْأَوَّلِ من زِيَادَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عن الْأَصْحَابِ بِخِلَافِ مِثْلِهِ في التَّمِيمِ لو غَابَ عنه مَالُهُ أو فَقَدْ الْمَاءَ لم يَلْزَمْهُ الصَّبْرُ بَلْ يَتَيَمَّمُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُقْضَى عن الْمَيِّتِ وَبِخِلَافِ الْمُحْصِرِ إذَا لم يَجِدْ الْهَدْيَ بَلْ وَجَدَ ثَمَنَهُ يَصُومُ وَلَا يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ لِلضَّرَرِ بِالْإِحْصَارِ وَصَرَّحَ الرَّافِعِيُّ هُنَا بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ على التَّرَاخِي وفي بَابِ الصَّوْمِ بِأَنَّهَا على الْفَوْرِ وَنَقَلَهُ في بَابِ الْحَجِّ عن الْقَفَّالِ وَاسْتَشْكَلَ كَوْنَهَا في الظِّهَارِ على التَّرَاخِي بِأَنَّ سَبَبَهَا مَعْصِيَةٌ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ على الْفَوْرِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ اكْتَفَوْا بِتَحْرِيمِ الْوَطْءِ عليه حتى يُكَفِّرَ عن إيجَابِهَا على الْفَوْرِ وَبِأَنَّ الْعَوْدَ لَمَّا كان شَرْطًا في إيجَابِهَا وهو مُبَاحٌ كانت على التَّرَاخِي فَرْعٌ لَا يَجِبُ عليه قَوْلُهُ هِبَةُ الرَّقَبَةِ وَلَا ثَمَنُهَا وَلَا قَبُولُ الْإِعْتَاقِ عنه لِعِظَمِ الْمِنَّةِ بَلْ يُسْتَحَبُّ قَبُولُهَا فَإِنْ حَصَلَتْ أَيْ الرَّقَبَةُ أَيْ أَمْكَنَ تَحْصِيلُهَا بِثَمَنٍ غَالٍ أَيْ زَائِدٍ على ثَمَنِ مِثْلِهَا أو نَسِيئَةٍ وَمَالُهُ غَائِبٌ عنه فَكَالْمَاءِ يُشْتَرَى لِتَيَمُّمٍ فَلَا يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهَا في الْأُولَى وَيَلْزَمُهُ في الثَّانِيَةِ إنْ بِيعَتْ منه بِزِيَادَةٍ تَلِيقُ بِالنَّسِيئَةِ وكان مُوسِرًا وَالْأَجَلُ مُمْتَدٌّ إلَى أَنْ يَحْضُرَ مَالُهُ
فَصْلٌ الِاعْتِبَارُ في يَسَارِهِ وَإِعْسَارُهُ بِالْإِعْتَاقِ بِوَقْتِ الْأَدَاءِ لَا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَعَلَى هذا قال الْإِمَامُ في التَّعْبِيرِ عن الْوَاجِبِ قبل الْأَدَاءِ غُمُوضٌ وَلَا يَتَّجِهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْوَاجِبُ أَصْلُ الْكَفَّارَةِ وَلَا يَتَعَيَّنُ خَصْلَةٌ كما نَقُولُ بِوُجُوبِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ على الْمُوسِرِ من غَيْرِ تَعْيِينِ خَصْلَةٍ أو يُقَالُ يَجِبُ ما تَقْتَضِيهِ حَالَةُ الْوُجُوبِ ثُمَّ إذَا تَبَدَّلَ الْحَالُ تَبَدَّلَ الْوَاجِبُ كما يَلْزَمُ الْقَادِرَ صَلَاةُ الْقَادِرِينَ ثُمَّ إذَا عَجَزَ تَبَدَّلَتْ صِفَةُ الصَّلَاةِ ذَكَرَ ذلك الْأَصْلُ وَلَوْ الْأَوْلَى فَلَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ الذي لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَأَيْسَرَ حَالَةَ الْأَدَاءِ فَفَرْضُهُ الْإِعْتَاقُ كما لو كان مُعْسِرًا حَالَةَ الْوُجُوبِ ثُمَّ أَيْسَرَ حَالَةَ الْأَدَاءِ وَلَوْ تَكَلَّفَ مُعْسِرٌ الْعِتْقَ أَيْ الْإِعْتَاقَ بِقَرْضٍ أو غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ أَعْلَى
فَرْعٌ لو شَرَعَ الْمُعْسِرُ في الصَّوْمِ فَأَيْسَرَ أو الْعَاجِزُ عن الصَّوْمِ في الْإِطْعَامِ فَقَدَرَ على الصَّوْمِ لم يَلْزَمْهُ الِانْتِقَالُ إلَى الْإِعْتَاقِ في الْأَوَّلِ وَلَا إلَى الصَّوْمِ في الثَّانِي لِشُرُوعِهِ في الْبَدَلِ كما لو وَجَدَ الْهَدْيَ بَعْدَ شُرُوعِهِ في صَوْمِ الْعَشَرَةِ فَإِنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ كان أَفْضَلَ وَوَقَعَ ما فَعَلَهُ تَطَوُّعًا فَصْلٌ لَا يُكَفِّرُ الْعَبْدُ إلَّا بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ مُعْسِرٌ وَلَا يَمْلِكُ شيئا وَلِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ من الصَّوْمِ إنْ أَضَرَّ بِهِ بِحَيْثُ يَضْعُفُ معه عن خِدْمَةِ سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ حَقُّهُ على الْفَوْرِ وَالْكَفَّارَةُ على التَّرَاخِي بِخِلَافِ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَوْ شَرَعَ فيه بِغَيْرِ إذْنِهِ كان له تَحْلِيلُهُ كما في الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَبِخِلَافِ الْأَمَةِ الْحَانِثَةِ فَلِسَيِّدِهَا مَنْعُهَا منه وَإِنْ لم تَضْعُفْ عن خِدْمَتِهِ لِحَقِّ تَمَتُّعِهِ الْفَوْرِيِّ مِمَّا سَيَأْتِي في كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَا في كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَلَا يَمْنَعُهُ من الصَّوْمِ عنها لِتَضَرُّرِهِ بِدَوَامِ التَّحْرِيمِ وَلَا يَمْنَعُهُ من الصَّوْمِ إنْ حَلَفَ بِإِذْنِهِ وَحَنِثَ بِإِذْنِهِ وَإِنْ كانت الْكَفَّارَةُ على التَّرَاخِي لِصُدُورِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لها عن إذْنِهِ وَكَذَا لو حَنِثَ بِإِذْنِهِ الْأَوْلَى وَكَذَا لو أَذِنَ في حِنْثِهِ فَقَطْ أَيْ دُونَ حَلِفِهِ لِأَنَّ الْحِنْثَ يَسْتَعْقِبُ الْكَفَّارَةَ فَالْإِذْنُ فيه إذْنٌ في التَّكْفِيرِ كَالْإِذْنِ في الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فإنه إذْنٌ في أَفْعَالِهِ لَا عَكْسُهُ بِأَنْ أَذِنَ له في الْحَلِفِ دُونَ الْحِنْثِ فَلَهُ مَنْعُهُ من الصَّوْمِ إنْ أَضَرَّ بِهِ لِأَنَّ الْإِذْنَ في الْحَلِفِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِذْنَ في الْحِنْثِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلُّزُومِ الْكَفَّارَةِ فَلَا يَكُونُ الْإِذْنُ فيه إذْنًا في التَّفْكِيرِ بِخِلَافِ الْإِذْنِ في الْحِنْثِ كما مَرَّ وما وَقَعَ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ من تَصْحِيحِ اعْتِبَارِ الْإِذْنِ في الْحَلِفِ قال النَّسَائِيّ سَبْقُ قَلَمٍ فَلَوْ صَامَ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَيْثُ مَنَعْنَاهُ منه أَجْزَأَهُ وَأَثِمَ فَلَوْ لم يَضُرَّ بِهِ الصَّوْمُ لم يَمْنَعْهُ منه وَلَا من التَّطَوُّعِ بِهِ وَلَا من التَّطَوُّعِ بِصَلَاةٍ في غَيْرِ وَقْتِ الْخِدْمَةِ إذْ لَا ضَرَرَ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فإن لِلزَّوْجِ مَنْعَهَا من صَوْمِ التَّطَوُّعِ لِأَنَّهُ لِحُرْمَتِهِ يَمْنَعُهُ الْوَطْءَ وَالْمُبَعَّضُ لَا يَعْتِقُ عن كَفَّارَتِهِ وَلَا غَيْرِهَا لِأَنَّهُ ليس أَهْلًا لِلْوَلَاءِ
فَصْلٌ يَجِبُ تَبْيِيتُ نِيَّتِهِ أَيْ الصَّوْمِ لِكُلِّ يَوْمٍ كما مَرَّ في كِتَابِ الصِّيَامِ وَتَكْفِيهِ نِيَّةُ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ فَلَا
____________________
(3/368)
يَجِبُ تَعْيِينُ جِهَتِهَا كما مَرَّ وَلَوْ تَرَكَ نِيَّةَ التَّتَابُعِ فإنه يَكْفِيهِ ذلك فَلَا تَجِبُ نِيَّتُهُ لِأَنَّهُ هَيْئَةٌ الْعِبَادَةِ وَالْهَيْئَةُ لَا يَجِبُ الِاعْتِرَاضُ لها في النِّيَّةِ فَإِنْ نَوَى الصَّوْمَ ثُمَّ طَلَبَ الرَّقَبَةَ فلم يَجِدْهَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ إلَّا أَنْ يُجَدِّدَ النِّيَّةَ في اللَّيْلِ بَعْدَ عَدَمِ الْوِجْدَانِ لِأَنَّ تِلْكَ النِّيَّةَ تَقَدَّمَتْ على وَقْتِ جَوَازِ الصَّوْمِ وهو أَيْ صَوْمُ الْكَفَّارَةِ الْعُظْمَى شَهْرَانِ مُتَتَابِعَانِ بِالنَّصِّ وَهُمَا هِلَالِيَّانِ وَإِنْ انْكَسَرَ الْأَوَّلُ أَتَمَّهُ ثَلَاثِينَ من الثَّالِثِ لِتَعَذُّرِ الرُّجُوعِ فيه إلَى الْهِلَالِ كَنَظَائِرِهِ
فَإِنْ فَسَدَ صَوْمُ يَوْمٍ وَلَوْ الْيَوْمَ الْأَخِيرَ بِمَا سِوَى الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْجُنُونِ وَمُسْتَغْرِقِ الْإِغْمَاءِ اسْتَأْنَفَ صَوْمَ الشَّهْرَيْنِ وَإِنْ كان الْإِفْسَادُ بِعُذْرٍ كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ وَرَضَاعٍ أَمَّا إفْسَادُهُ بِشَيْءٍ من الْمُسْتَثْنَيَاتِ فَلَا يُوجِبُ الِاسْتِئْنَافَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُنَافِي الصَّوْمَ مع عَدَمِ الِاخْتِيَارِ فيه من الصَّائِمِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا وَيَنْقَلِبُ صَوْمُهُ السَّابِقُ على صَوْمِهِ الْفَاسِدِ نَفْلًا كما لو نَوَى الظُّهْرَ قبل الزَّوَالِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَقِيَاسُ نَظِيرِهِ الْمَذْكُورِ أَنَّ مَحَلَّهُ في الْإِفْسَادِ بِعُذْرٍ وَيُحْمَلُ قَوْلُ الْأَنْوَارِ وَلَا يَكُونُ ما مَضَى نَفْلًا على الْإِفْسَادِ بِلَا عُذْرٍ
وَنِسْيَانُ النِّيَّةِ كَتَرْكِهَا عَمْدًا فَيُوجِبُ الِاسْتِئْنَافَ لِأَنَّ النِّسْيَانَ ليس عُذْرًا في تَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِخِلَافِ تَرْكِهَا مِمَّنْ جُنَّ أو أُغْمِيَ عليه جَمِيعَ اللَّيْلِ فَإِنْ وَطِئَ الْمُظَاهِرُ منها لَيْلًا قبل تَمَامِ الشَّهْرَيْنِ عَصَى بِتَقْدِيمِ الْوَطْءِ على تَمَامِ التَّكْفِيرِ ولم يَسْتَأْنِفْ لِأَنَّهُ وَطْءٌ لَا يُؤَثِّرُ في الصَّوْمِ فَلَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ كَالْأَكْلِ بِاللَّيْلِ وَوَطْءُ غَيْرِ الْمُظَاهِرِ منها وَلِأَنَّا لو أَوْجَبْنَا الِاسْتِئْنَافَ لَوَقَعَ صَوْمُ الشَّهْرَيْنِ بَعْدَ التَّمَاسِّ وَلَوْ لم نُوجِبْهُ كان بَعْضُهُمَا قبل التَّمَاسِّ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى ما هو مَأْمُورٌ بِهِ من الْأَوَّلِ
فَإِنْ شَكَّ في نِيَّةِ صَوْمِ يَوْمٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ من الصَّوْمِ وَلَوْ من صَوْمِ الْيَوْمِ الذي شَكَّ في نِيَّتِهِ لم يَضُرَّ إذْ لَا أَثَرَ لِلشَّكِّ بَعْدَ الْفَرَاغِ من الْيَوْمِ وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ في الصَّلَاةِ بِأَنَّهَا أَضْيَقُ من الصَّوْمِ وَيَقْطَعُهُ أَيْ التَّتَابُعَ عِيدُ النَّحْرِ وَرَمَضَانُ وَلَوْ في تَحَرِّي أَسِيرٍ أَيْ وَلَوْ في صَوْمِ أَسِيرٍ تَحَرَّى فيه فَغَلَطَ بِظُهُورِ ما ذَكَرَ كما في الْإِفْطَارِ بِالْمَرَضِ وَلَوْ كان لها عَادَةٌ في الطُّهْرِ تَمْتَدُّ شَهْرَيْنِ فَشَرَعَتْ في الصَّوْمِ في وَقْتٍ يَتَخَلَّلُهُ الْحَيْضُ انْقَطَعَ التَّتَابُعُ نَقَلَهُ في الرَّوْضَةِ عن الْمُتَوَلِّي وفي الشَّامِلِ عن الْأَصْحَابِ فما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِنَقْلِهَا عن إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ من أَنَّ الْحَيْضَ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ مَحْمُولٌ على غَيْرِ ذلك
وَإِنْ صَامَ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ أو بِنِيَّتِهِمَا أَيْ الْكَفَّارَةِ وَرَمَضَانَ بَطَلَ صَوْمُهُ لِأَنَّ رَمَضَانَ لَا يَصْلُحُ لِغَيْرِهِ وَيَأْثَمُ بِقَطْعِ صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ لِيَسْتَأْنِفَ بَلْ الْأَوْلَى إذْ هُمَا أَيْ صَوْمُهُمَا عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ كَالْيَوْمِ أَيْ كَصَوْمِهِ فَيَكُونُ قَطْعُهُ كَقَطْعِ فَرِيضَةٍ شَرَعَ فيها وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَصْلٌ وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَفِّرُ عن الصِّيَامِ أو التَّتَابُعِ له لِهَرَمٍ أو مَرَضٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ وَكَذَا لو رُجِيَ زَوَالُهُ لَكِنَّهُ دَامَ أَيْ يَدُومُ شَهْرَيْنِ غَالِبًا بِالظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ من الْعَادَةِ في مِثْلِهِ أو من قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ أو لِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ تَلْحَقُهُ بِالصَّوْمِ أو بِتَتَابُعِهِ مع الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمَا وَلَوْ كانت الْمَشَقَّةُ بِشَبَقٍ وهو شِدَّةُ الْغُلْمَةِ أَيْ شَهْوَةِ الْوَطْءِ أو خَوْفِ زِيَادَةٍ في الْمَرَضِ أَطْعَمَ أَيْ مِلْكَ سِتِّينَ مِسْكِينًا أو فَقِيرًا لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ وَإِنَّمَا لم يَجُزْ تَرْكُ صَوْمِ رَمَضَانَ بِعُذْرِ الشَّبَقِ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ له وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ فيه لَيْلًا بِخِلَافِهِ في كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِاسْتِمْرَارِ حُرْمَتِهِ إلَى الْفَرَاغِ منها وَإِنَّمَا لم يَنْتَظِرْ زَوَالَ الْمَرَضِ الْمَرْجُوِّ زَوَالُهُ لِلصَّوْمِ كما يَنْتَظِرُ الْمَالَ الْغَائِبَ لِلْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لِمَنْ غَابَ مَالُهُ لم يَجِدْ رَقَبَةً وَيُقَالُ لِلْعَاجِزِ بِالْمَرَضِ لَا يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ وَلِأَنَّ حُضُورَ الْمَالِ مُتَعَلِّقٌ بِاخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ زَوَالِ الْمَرَضِ وَخَرَجَ بِالْمَرَضِ السَّفَرُ فَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ بِهِ إلَى الْإِطْعَامِ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ يَغْلِبُهُ الْجُوعُ تَرْكُ الشُّرُوعِ في الصَّوْمِ بَلْ يَشْرَعُ فإذا عَجَزَ أَفْطَرَ بِخِلَافِ الشَّبَقِ لِأَنَّ الْخُرُوجَ من الصَّوْمِ يُبَاحُ بِفَرْطِ الْجُوعِ دُونَ فَرْطِ الشَّبَقِ صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ
وَيُعْتَبَرُ في الْمَسْكَنِ وَالْفَقِيرِ أَنْ يَكُونَا من أَهْلِ الزَّكَاةِ فَلَا يُجْزِئُ الدَّفْعُ إلَى كَافِرٍ وَلَا هَاشِمِيٍّ وَلَا مُطَّلِبِيٍّ وَلَا إلَى مَوَالِيهِمَا وَلَا إلَى من تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَلَا إلَى عَبْدٍ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَاعْتَبَرُوا فيها صِفَاتِ الزَّكَاةِ سِتِّينَ مُدٍّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مُدٌّ بَدَلًا عن صَوْمِ سِتِّينَ يَوْمًا لِمَا مَرَّ في الصَّوْمِ في كَفَّارَةِ الْوَطْءِ فَعُلِمَ أَنَّهُ يَكْفِي الدَّفْعُ وَإِنْ زَالَ الْمَرَضُ بَعْدَهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ من
____________________
(3/369)
جِنْسِ الْفِطْرَةِ فَيُخْرَجُ من غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ وَقَضِيَّتُهُ إجْزَاءُ اللَّبَنِ لَكِنْ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ في تَصْحِيحِهِ الْمَنْعَ فيه وَلَا يُجْزِئُ خُبْزٌ وَنَحْوُهُ كَدَقِيقٍ وَسَوِيقٍ وَالْمُدُّ رُبُعُ صَاعٍ أَيْ رَطْلٌ وَثُلُثٌ وقد سَبَقَ بَيَانُهُ في الزَّكَاةِ فَإِنْ تَمَلَّكُوهُ مُشَاعًا كَأَنْ قال مَلَّكْتُكُمْ هذا وَأَطْلَقَ أو قال بِالسَّوِيَّةِ فَقَبِلُوهُ أَجْزَأَهُ وَلَا نَظَرَ إلَى ضَرَرِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ لِخِفَّةِ أَمْرِهَا وَكَذَا إنْ لم يَأْتِ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ كَأَنْ قال خُذُوهُ وَنَوَى بِهِ الْكَفَّارَةَ فَأَخَذُوهُ بِالسَّوِيَّةِ فَإِنْ تَفَاوَتُوا فِيمَا أَخَذُوهُ لم يُجْزِئْهُ إلَّا مُدٌّ وَاحِدٌ لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ أَنَّ أَحَدَهُمْ أَخَذَ مُدًّا ما لم يَتَيَقَّنْ وفي نُسْخَةٍ يَتَبَيَّنُ معه من أَخَذَ مُدًّا آخَرَ فَيُجْزِئُهُ مُدٌّ آخَرُ وَهَكَذَا فَلَوْ تَيَقَّنَ أَنَّ عَشَرَةً أو أَكْثَرَ أَخَذَ كُلٌّ منهم مُدًّا فَأَكْثَرَ أَجْزَأَهُ ذلك الْعَدَدُ وَلَزِمَهُ التَّكْمِيلُ نعم إنْ أَخَذُوهُ مُشْتَرَكًا ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ فَقَدْ مَلَكُوهُ قبل الْقِسْمَةِ فَلَا يَضُرُّ التَّفَاوُتُ في الْمَأْخُوذِ بَعْدَهَا وما اسْتَشْكَلَ بِهِ الْإِجْزَاءُ فِيمَا ذَكَرَ من أَنَّ الْكَيْلَ رُكْنٌ في قَبْضِ الْمَكِيلِ وَنِيَابَتَهُمْ عن الْمُظَاهِرِ تُؤَدِّي إلَى اتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضُ وهو مُمْتَنِعٌ يُرَدُّ بِأَنَّ الْإِجْزَاءَ مُتَوَقِّفٌ على التَّمْلِيكِ وَحْدَهُ لَا على الْقَبْضِ أَيْضًا وَهُمْ مَلَكُوهُ في الْأُولَى بِقَبُولِهِمْ وفي الثَّانِيَةِ بِأَخْذِهِمْ له جُمْلَةً وَأَمَّا الْقَبْضُ الْمُتَوَقِّفُ على الْكَيْلِ فَذَاكَ لِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فيه على أَنَّهُ قِيلَ إنَّ الْكَيْلَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْقَبْضِ في الْمُعَامَلَاتِ بِخِلَافِ الْمُقَدَّرَاتِ من الْكَفَّارَةِ وَالزَّكَاةِ حتى لو أَعْطَى في الزَّكَاةِ حَبًّا جُزَافًا يُقْطَعُ بِأَنَّهُ يَزِيدُ على الْوَاجِبِ أَجْزَأَ قَطْعًا وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ في كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لو أَعْطَاهُمْ ثَوْبًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ من غَيْرِ قَطْعٍ لم يَجُزْ لَا يُنَافِي ما تَقَرَّرَ لِأَنَّهُ عَلَّلَ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ فِيمَا قَالَهُ بِأَنَّ الْمُخْرَجَ ثَوْبٌ وَاحِدٌ لَا بِفَسَادِ الْقَبْضِ
وَإِنْ صَرَفَ سِتِّينَ مُدًّا إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ مِسْكِينًا بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ اُحْتُسِبَ له بِثَلَاثِينَ مُدًّا فَيَصْرِفُ ثَلَاثِينَ أُخْرَى إلَى سِتِّينَ منهم وَيَسْتَرِدُّ الْأَمْدَادَ الْبَاقِيَةَ من الْبَاقِينَ إنْ كان ذَكَرَ لهم أنها كَفَّارَةٌ وَإِلَّا فَلَا يَسْتَرِدُّ كَنَظِيرِهِ في الزَّكَاةِ وَإِنْ صَرَفَ سِتِّينَ مُدًّا إلَى ثَلَاثِينَ بِحَيْثُ لَا يَنْقُصُ كُلٌّ منهم عن مُدٍّ لَزِمَهُ صَرْفُ ثَلَاثِينَ مُدًّا إلَى ثَلَاثِينَ غَيْرِهِمْ وَيَسْتَرِدُّ الْأَمْدَادَ الْبَاقِيَةَ من الْبَاقِينَ كما سَبَقَ أَيْ إنْ كان ذَكَرَ لهم أنها كَفَّارَةٌ فَرْعٌ لو صَرَفَ لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ مُدَّيْنِ من كَفَّارَتَيْنِ جَازَ وَإِنْ أَعْطَى رَجُلًا مُدًّا وَاشْتَرَاهُ مَثَلًا منه وَدَفَعَهُ لِآخَرَ وَهَكَذَا إلَى سِتِّينَ أَجْزَأَهُ وَكُرِهَ لِتَشَبُّهِهِ بِالْعَائِدِ في صَدَقَتِهِ فَرْعٌ لو دَفَعَ الطَّعَامَ إلَى الْإِمَامِ فَتَلِفَ في يَدِهِ قبل التَّفْرِقَةِ له لم يُجْزِئْهُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَدُلُّهُ على الْكَفَّارَةِ بِخِلَافِهِ في الزَّكَاةِ وَهَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن تَجْرِبَةِ الرُّويَانِيِّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وقد حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ في الْبَحْرِ عن وَالِدِهِ احْتِمَالًا ثُمَّ قال وَيَحْتَمِلُ الْإِجْزَاءَ وَإِنْ لم يَكُنْ إلَى الْإِمَامِ كَزَكَاةِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ قال وهو الْأَظْهَرُ عِنْدِي قال الْأَذْرَعِيُّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ ظَفَرَ بِذَلِكَ مَنْقُولًا عن الْمَذْهَبِ وَلَا أَخَالُهُ فَصْلٌ إذَا عَجَزَ من لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ عن جَمِيعِ الْخِصَالِ ثَبَتَتْ أَيْ الْكَفَّارَةُ في ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَقْدِرَ على شَيْءٍ كما مَرَّ في الصَّوْمِ فَلَا يَطَأُ حتى يُكَفِّرَ في كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَلَا تُجْزِئُ كَفَّارَةٌ مُلَفَّقَةٌ من خَصْلَتَيْنِ بِأَنْ يَعْتِقَ نِصْفَ رَقَبَةٍ وَيَصُومَ شَهْرًا أو يَصُومَ شَهْرًا وَيُطْعِمَ ثَلَاثِينَ فَإِنْ وَجَدَ بَعْضَ الرَّقَبَةِ صَامَ لِأَنَّهُ عَادِمٌ لها فَإِنْ عَجَزَ عن الصَّوْمِ أَطْعَمَ وَيُخْرِجُ من الطَّعَامِ ما وَجَدَ وَلَوْ بَعْضَ مُدٍّ لِأَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ وَلِأَنَّهُ لَا بَدَلَ له وفي بَقَاءِ الْبَاقِي في ذِمَّتِهِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا بَقَاؤُهُ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْعَجْزَ عن جَمِيعِ الْخِصَالِ لَا يُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ وَلَا نَظَرَ إلَى تَوَهُّمِ كَوْنِهِ فَعَلَ شيئا ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ وَغَيْرَهُ ذَكَرُوا نحو ذلك
كِتَابُ الْقَذْفِ وَاللِّعَانِ الْقَذْفُ لُغَةً الرَّمْيُ وَشَرْعًا الرَّمْيُ بِالزِّنَا في مَعْرِضِ التَّعْيِيرِ وَاللِّعَانُ لُغَةً مَصْدَرُ لَاعَنَ وقد يُسْتَعْمَلُ جَمْعًا لِلَّعْنِ وهو الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ وَشَرْعًا كَلِمَاتٌ مَعْلُومَةٌ جُعِلَتْ حُجَّةً لِلْمُضْطَرِّ إلَى قَذْفِ من لَطَّخَ فِرَاشَهُ وَأَلْحَقَ الْعَارَ بِهِ أو إلَى نَفْيِ وَلَدٍ مِمَّا سَيَأْتِي وَسُمِّيَتْ لِعَانًا لِاشْتِمَالِهَا على كَلِمَةِ اللَّعْنِ وَلِأَنَّ كُلًّا من الْمُتَلَاعِنَيْنِ يَبْعُدُ عن الْآخَرِ بها إذْ يَحْرُمُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا أَبَدًا وَاخْتِيرَ لَفْظُ اللِّعَانِ على لَفْظَيْ الشَّهَادَةِ وَالْغَضَبِ وَإِنْ اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِمَا
____________________
(3/370)
الْكَلِمَاتُ أَيْضًا لِأَنَّ اللَّعْنَ كَلِمَةٌ غَرِيبَةٌ في تَمَامِ الْحُجَجِ من الشَّهَادَاتِ وَالْأَيْمَانِ وَالشَّيْءُ يَشْتَهِرُ بِمَا يَقَعُ فيه من الْغَرِيبِ وَعَلَيْهِ جَرَتْ أَسْمَاءُ السُّوَرِ وَلِأَنَّ الْغَضَبَ يَقَعُ في جَانِبِ الْمَرْأَةِ وَجَانِبُ الرَّجُلِ أَقْوَى وَلِأَنَّ لِعَانَهُ مُتَقَدِّمٌ على لِعَانِهَا في الْآيَةِ وَالْوَاقِعِ وقد يَنْفَكُّ عن لِعَانِهَا وَالْأَصْلُ فيه قَوْله تَعَالَى وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ الْآيَاتِ وَسَبَبُ نُزُولِهَا ما في الْبُخَارِيِّ أَنَّ هِلَالَ بن أُمَيَّةَ قَذَفَ زَوْجَتَهُ عِنْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ فقال له الْبَيِّنَةُ أو حَدٌّ في ظَهْرِك فقال يا نَبِيَّ اللَّهِ إذَا رَأَى أَحَدُنَا على امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ فَجَعَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يُكَرِّرُ ذلك فقال هِلَالٌ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ إنِّي لَصَادِقٌ وَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ ما يُبَرِّئُ ظَهْرِي من الْجَلْدِ فَنَزَلَتْ الْآيَاتُ وفي الْبُخَارِيِّ أَيْضًا أَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيَّ قال يا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إنْ وَجَدَ أَحَدُنَا مع امْرَأَتِهِ رَجُلًا مَاذَا يَصْنَعُ إنْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قد أَنْزَلَ اللَّهُ فِيك وفي صَاحِبَتِك قُرْآنًا فَاذْهَبْ فَأْتِ بها قال سَهْلُ بن سَعْدٍ فَتَلَاعَنَا عِنْدَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ هذا سَبَبَ النُّزُولِ وَمَنْ قال بِالْأَوَّلِ حَمَلَ هذا على أَنَّ الْمُرَادَ حُكْمُ وَاقِعَتِك تَبَيَّنَ بِمَا أُنْزِلَ في هِلَالٍ إذْ الْحُكْمُ على الْوَاحِدِ حُكْمٌ على الْجَمَاعَةِ
وَفِيهِ أَبْوَابٌ الْأَوَّلُ في الْقَذْفِ وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ في أَلْفَاظِهِ وَهِيَ صَرِيحَةٌ وَكِنَايَةٌ وَتَعْرِيضٌ لِأَنَّ اللَّفْظَ الذي يُقْصَدُ بِهِ الْقَذْفُ إنْ لم يَحْتَمِلْ غير الْقَذْفِ فَصَرِيحٌ وَإِلَّا فَإِنْ فُهِمَ منه الْقَذْفُ بِوَضْعِهِ فَكِنَايَةٌ وَإِلَّا فَتَعْرِيضٌ فَالصَّرِيحُ منه كَقَوْلِهِ لِرَجُلٍ أو امْرَأَةٍ زَنَيْت أو يا زَانٍ لِتَكَرُّرِ ذلك وَشُهْرَتِهِ كَسَائِرِ الصَّرَائِحِ وَإِنْ كَسَرَ التَّاءَ في الْأَوَّلِ أو أَثْبَتَ الْهَاءَ في الثَّانِي لِلْمُذَكَّرِ أو فَتَحَ التَّاءَ أو حَذَفَ الْهَاءَ لِلْمُؤَنَّثِ لِأَنَّ اللَّحْنَ في ذلك لَا يَمْنَعُ الْفَهْمَ وَلَا يَدْفَعُ الْعَارَ على أَنَّ بَعْضَهُمْ قال إنَّ الْهَاءَ قد تُزَادُ لِلْمُبَالَغَةِ كَرِوَايَةِ وَعَلَّامَةٍ وَنَسَّابَةٍ وَكَذَا كُلُّ صَرِيحٍ في الْإِيلَاءِ كَالنَّيْكِ وَإِيلَاجِ الْحَشَفَةِ أو الذَّكَرِ في الْفَرْجِ وَصْفٌ بِالْحَرَامِ فإنه صَرِيحٌ في الْقَذْفِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يُوصَفْ بِهِ لِأَنَّهُ يَقَعُ على الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ بِخِلَافِ الزِّنَا نعم إنْ قَذَفَ بِذَلِكَ في الدُّبُرِ لم يَحْتَجْ إلَى وَصْفِهِ بِالتَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مُحَرَّمًا وفي الِاكْتِفَاءِ بِالْوَصْفِ بِالتَّحْرِيمِ نَظَرٌ فإن الْوَطْءَ قد يَكُونُ مُحَرَّمًا وَلَيْسَ زِنًا كَوَطْءِ حَائِضٍ وَمُحْرِمَةٍ وَمَمْلُوكَةٍ بِنَسَبٍ أو رَضَاعٍ فَالْوَجْهُ أَنْ يُضِيفَ إلَى وَصْفِهِ بِالتَّحْرِيمِ ما يَقْتَضِي الزِّنَا نَبَّهَ عليه ابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ
وَقَوْلُهُ لِرَجُلٍ لَا امْرَأَةٍ زَنَيْت في قُبُلِك كِنَايَةٌ لِأَنَّ زِنَاهُ بِقُبُلِهِ لَا فيه بِخِلَافِهِ لِلْمَرْأَةِ فَيَكُونُ فيها صَرِيحًا وقوله عَلَوْت رَجُلًا حتى دخل ذَكَرُهُ في فَرْجِك صَرِيحٌ كَلُطْتَ وَلَاطَ بِك فُلَانٌ سَوَاءٌ أَخُوطِبَ بِهِ رَجُلٌ أَمْ امْرَأَةٌ وَالْكِنَايَةُ مِثْلَ قَوْلِهِ لِغَيْرِهِ يا فَاجِرُ يا خَبِيثُ يا لُوطِيُّ يا فَاسِقُ وَلِلْقُرَشِيِّ يا نَبَطِيُّ وَفُلَانَةُ تُحِبُّ الْخَلْوَةَ وَلَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ لِاحْتِمَالِ كُلٍّ منها الْقَذْفَ وَغَيْرَهُ وَالْقَذْفُ في يا نَبَطِيُّ لِأُمِّ الْمُخَاطَبِ حَيْثُ نَسَبَهُ إلَى غَيْرِ من يُنْسَبُ إلَيْهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ لَا يُشْبِهُهُمْ في السَّيْرِ وَالْأَخْلَاقِ وكان حَقُّهُ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْعَرَبِيِّ بَدَلَ الْقُرَشِيِّ لِئَلَّا يُوهِمَ التَّخْصِيصَ قال الْجَوْهَرِيُّ وَالنَّبَطُ قَوْمٌ يَنْزِلُونَ بِالْبَطَائِحِ بين الْعِرَاقَيْنِ أَيْ أَهْلُ الزِّرَاعَةِ وما ذَكَرَ في يا لُوطِيُّ من أَنَّهُ كِنَايَةٌ هو الْمَعْرُوفُ في الْمَذْهَبِ كما قَالَهُ النَّوَوِيُّ في الرَّوْضَةِ وَصَوَّبَهُ في تَصْحِيحِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ على دِينِ قَوْمِ لُوطٍ لَكِنَّهُ قال في الرَّوْضَةِ مع ما مَرَّ قد غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ في الْعُرْفِ بِإِرَادَةِ الْوَطْءِ في الدُّبُرِ بَلْ لَا يُفْهَمُ منه إلَّا هذا فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِأَنَّهُ صَرِيحٌ وَإِلَّا فَيُخَرَّجُ على الْخِلَافِ فِيمَا إذَا شَاعَ لَفْظٌ في الْعُرْفِ كَقَوْلِهِ الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ وَأَمَّا احْتِمَالُ كَوْنِهِ أَرَادَ أَنَّهُ على دِينِ قَوْمِ لُوطٍ فَلَا يَفْهَمُهُ الْعَوَامُّ فَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ صَرِيحٌ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ انْتَهَى
قال الْأَذْرَعِيُّ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ كما قَالَهُ الْأَئِمَّةُ
وقال ابن الرِّفْعَةِ إنَّ نُسَخَ التَّنْبِيهِ مُخْتَلِفَةٌ فَفِي بَعْضِهَا يا لُوطِيُّ وفي بَعْضِهَا يا لَائِطُ قال وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَائِطَ هِيَ الصَّحِيحَةُ
وَقَوْلُهُ لِزِوَجَتِهِ أو أَجْنَبِيَّةٍ وَجَدْت مَعَك رَجُلًا أو لم أَجِدْك عَذْرَاءَ ليس صَرِيحًا بَلْ كِنَايَةً لِمَا مَرَّ وَيُشْبِهُ أَنَّ الثَّانِيَةَ مُصَوَّرَةٌ بِمَنْ لم يُعْلَمْ لها تَقَدُّمُ افْتِضَاضٍ مُبَاحٍ فَإِنْ عُلِمَ فَلَا كِنَايَةَ أَيْضًا نَبَّهَ عليه الزَّرْكَشِيُّ فَلَوْ نَوَى بِذَلِكَ الزِّنَا لَزِمَهُ الِاعْتِرَافُ بِالْقَذْفِ لِيُحَدَّ وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ كَالْقَاتِلِ لِغَيْرِهِ خِفْيَةً يَلْزَمُهُ الِاعْتِرَافُ بِالْقَتْلِ لِيُقْتَصَّ منه أو يُعْفَى عنه لِأَنَّ الْخُرُوجَ من مَظَالِمِ الْعِبَادِ وَاجِبٌ وَقَوْلُهُ لِامْرَأَةٍ زَنَيْت مع فُلَانٍ صَرِيحٌ في حَقِّهَا دُونَهُ لِأَنَّهُ نَسَبَ الزِّنَا إلَيْهَا صَرِيحًا دُونَهُ وَالتَّعْرِيضُ مِثْلَ وَأَمَّا أنا فَلَسْت بِزَانٍ وَلَا ابْنِ
____________________
(3/371)
زَانِيَةٍ وَيَا ابْنَ الْحَلَالِ وَنَحْوَهُ مِثْلَ ما أَحْسَنَ اسْمَك في الْجِيرَانِ وَلَسْت ابْنَ خَبَّازٍ أو إسْكَافٍ فَلَيْسَ بِقَذْفٍ صَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ وَلَوْ نَوَى الْقَذْفَ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تُؤَثِّرُ إذَا احْتَمَلَ اللَّفْظُ الْمَنْوِيَّ وَلَا احْتِمَالَ له هُنَا
وما يُفْهَمُ وَيُتَخَيَّلُ منه فَهُوَ أَثَرُ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ فَهُوَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ له مَاءً من عَطَشٍ وَنَوَى أَنْ لَا يَتَقَلَّدَ له مِنَّةً فإنه إنْ شَرِبَهُ لِغَيْرِ الْعَطَشِ لَا يَحْنَثُ
قال الْقُونَوِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ فإن احْتِمَالَ اللَّفْظِ في التَّعْرِيضِ لِلْمَنْوِيِّ وَإِشْعَارَهُ بِهِ مِمَّا لَا يُنْكَرُ أَيْ فَيَكُونُ كِنَايَةً
قال الزَّمَخْشَرِيّ الْفَرْقُ بين الْكِنَايَةِ وَالتَّعْرِيضِ أَنَّ الْكِنَايَةَ أَنْ تَذْكُرَ الشَّيْءَ بِغَيْرِ لَفْظِهِ الْمَوْضُوعِ له وَالتَّعْرِيضَ أَنْ تَذْكُرَ شيئا تَدُلُّ بِهِ على شَيْءٍ لم تَذْكُرْهُ كما يقول الْمُحْتَاجُ لِلْمُحْتَاجِ إلَيْهِ جِئْتُك لِأُسَلِّمَ عَلَيْك وَلَا نَظَرَ لِوَجْهِك وَلِذَلِكَ قالوا وَحَسْبُك بِالتَّسْلِيمِ مِنِّي تَقَاضَيَا كَأَنَّهُ إمَالَةُ الْكَلَامِ إلَى عَرْضٍ يَدُلُّ على الْغَرَضِ وَيُسَمَّى التَّلْوِيحَ لِأَنَّهُ يُلَوِّحُ منه بِمَا يُرِيدُهُ ثُمَّ قال هذا كَلَامُهُ وهو ظَاهِرٌ في أَنَّ التَّعْرِيضَ مُشْعِرٌ وَمُلَوِّحٌ بِالْمَقْصُودِ في الْجُمْلَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادٌ من نَفْيِ الدَّلَالَةِ وَالِاحْتِمَالِ عن التَّعْرِيضِ أَنَّهُ لَوْلَا الْقَرِينَةُ وَالسِّيَاقُ لم يَكُنْ اللَّفْظُ بِمُجَرَّدِهِ في التَّعْرِيضِ مُشْعِرًا بِالْمَقْصُودِ فَيَقْرُبُ حِينَئِذٍ بَعْضَ الْقُرْبِ غير أَنَّ هذا الْقَدْرَ لَا يَبْعُدُ حُصُولُ مِثْلِهِ في بَعْضِ صُوَرِ الْكِنَايَةِ نحو ذَوْقِي فإنه بِمُجَرَّدِهِ لَا إشْعَارَ له بِإِضَافَةِ الذَّوْقِ إلَى كَأْسِ الْفِرَاقِ انْتَهَى
وَجَوَابُ نَظَرِهِ ما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ من نَفْيِ الدَّلَالَةِ إلَى آخِرِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ غير أَنَّ هذا الْقَدْرَ لَا يَبْعُدُ حُصُولُ مِثْلِهِ في بَعْضِ صُوَرِ الْكِنَايَةِ إلَى آخِرِهِ فَلَا يَضُرُّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ في الْكِنَايَةِ وَإِنْ لم يُشْعِرْ بِهِ لَفْظُهَا هو مَدْلُولُهُ بِخِلَافِهِ في التَّعْرِيضِ هذا وما أَشَارَ إلَيْهِ من أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً هِيَ طَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ كما قَالَهُ ابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَصَوَّبَهَا الزَّرْكَشِيُّ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَنَحْوُهُ لَا جَاحَةَ إلَيْهِ
فَرْعٌ النِّسْبَةُ إلَى غَيْرِ الزِّنَا من سَائِرِ الْكَبَائِرِ وَغَيْرِهَا مِمَّا فيه إيذَاءٌ كَقَوْلِهِ لها زَنَيْت بِفُلَانَةَ أو أَصَابَتْك فُلَانَةُ يَقْتَضِي التَّعْزِيرَ لِلْإِيذَاءِ لَا الْحَدَّ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ قال ابن الْقَطَّانِ وَلَوْ قال له يا بِغَاء أو لها يا قَحْبَةُ فَهُوَ كِنَايَةٌ وَمُقْتَضَى ما مَرَّ أَوَاخِرَ الطَّلَاقِ أَنَّ قَوْلَهُ يا قَحْبَةُ صَرِيحٌ وَبِهِ أَفْتَى ابن عبد السَّلَامِ وَأَفْتَى أَيْضًا بِصَرَاحَةِ قَوْلِهِ يا مُخَنَّثُ لِلْعُرْفِ
فَصْلٌ لو قال أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ أو غَيْرُهُمَا لِلْآخَرِ زَنَيْت بِك لَزِمَهُ حَدُّ الزِّنَا لِإِقْرَارِهِ على نَفْسِهِ بِهِ وحد الْقَذْفِ لِأَنَّهُ قَاذِفٌ قال الْأَذْرَعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ ذلك إذَا لم يُعْهَدْ بَيْنَهُمَا زَوْجِيَّةٌ مُسْتَمِرَّةٌ من صِغَرِهِ إلَى قَوْلِهِ فَإِنْ كان كَذَلِكَ فَلَا وَكَلَامُ الدَّارِمِيِّ يَقْتَضِيهِ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ ذلك مُفَرَّعٌ على أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّفْصِيلُ في الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا أَمَّا لو شَرَطْنَاهُ وهو الْأَصَحُّ فَلَا انْتَهَى
وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْقَذْفَ بِمَا ذَكَرَ صَرِيحٌ قال في الْأَصْلِ وهو الْمَعْرُوفُ في الْمَذْهَبِ وَرَأَى الْإِمَامُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْمُخَاطَبِ مُكْرَهًا وهو قَوِيٌّ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ قَوْلَهُ لها زَنَيْت مع فُلَانٍ قَذْفٌ لها دُونَهُ انْتَهَى وَالْفَرْقُ بين الصِّيغَتَيْنِ ظَاهِرٌ فَلَا يَحْسُنُ التَّأْيِيدُ بِمَا ذَكَرَ على أَنَّ الْأَشْكَالَ الْمَذْكُورَةَ أَجَابَ عنه الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ إطْلَاقَ هذا اللَّفْظِ يَحْصُلُ بِهِ الْإِيذَاءُ التَّامُّ لِتَبَادُرِ الْفَهْمِ منه إلَى صَدْرِهِ عن طَوَاعِيَةٍ وَإِنْ احْتَمَلَ غَيْرَهُ وَلِهَذَا يُحَدُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا مع احْتِمَالِ إرَادَةِ زِنَا الْعَيْنِ وَالرِّجْلِ وَيَبْدَأُ بِحَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ فَإِنْ رَجَعَ سَقَطَ حَدُّ الزِّنَا لِمَا سَيَأْتِي في بَابِهِ وَحْدَهُ أَيْ دُونَ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ فَإِنْ قال لها زَنَيْت أو يا زَانِيَةُ فقالت زَنَيْت بِك فَالْجَوَابُ منها كِنَايَةٌ لِاحْتِمَالِهِ الْقَذْفَ وَغَيْرَهُ فَإِنْ أَرَادَتْ أَنِّي زَنَيْت بِك حَقِيقَةً قبل النِّكَاحِ حُدَّتْ الْحَدَّيْنِ حَدَّ الزِّنَا وَحَدَّ الْقَذْفِ لِاعْتِرَافِهِمَا بِمَا يُوجِبُهُمَا وَعُزِّرَ لِلْإِيذَاءِ وَسَقَطَ عنه حَدُّ الْقَذْفِ لِاعْتِرَافِهَا أو أَرَادَتْ أَنِّي زَنَيْت بِك قبل النِّكَاحِ وَأَنْتَ مَجْنُونٌ وَنَحْوَهُ نحو وَأَنْتَ نَائِمٌ أو بِشُبْهَةٍ وأنا عَالِمَةٌ حُدَّتْ بِالزِّنَا لِاعْتِرَافِهَا بِهِ ولم يُعَزَّرْ هذا من تَصَرُّفِهِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَسَقَطَ عنه حَدُّ الْقَذْفِ وهو لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ وُجُوبِ التَّعْزِيرِ بَلْ قد يَسْتَلْزِمُ وُجُوبَهُ وهو ظَاهِرٌ لِلْإِيذَاءِ ولم تَكُنْ قَاذِفَةً له بِذَلِكَ وَتُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا في إرَادَتِهِمَا الْمَذْكُورَةِ لِاحْتِمَالِ ما قَالَتْهُ فَإِنْ نَكَلَتْ فَحَلَفَ فَلَهُ حَدُّ الْقَذْفِ وَإِنْ قالت أَرَدْت أَنِّي زَنَيْت بِهِ إنْ كان النِّكَاحُ أَيْ الْوَطْءُ فيه زِنًا أو أَرَدْت أَنِّي لم أَزْنِ كما لم يَزْنِ هو
____________________
(3/372)
صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا في إرَادَتِهَا لِذَلِكَ وَهَذَا كما يقول الشَّخْصُ لِغَيْرِهِ سَرَقْت فيقول سَرَقْت مَعَك وَيُرِيدُ نَفْيَ السَّرِقَةِ عنه وَعَنْ نَفْسِهِ وَلَا شَيْءَ أَيْ حَدَّ عليها وَعَلَيْهِ الْقَذْفُ فَإِنْ نَكَلَتْ حَلَفَ وَاسْتَحَقَّ حَدَّ الْقَذْفِ وقال الْبَغَوِيّ هو أَيْ زَنَيْت بِك من الْأَجْنَبِيَّةِ جَوَابًا لِرَجُلٍ قال لها زَنَيْت أو يا زَانِيَةُ إقْرَارٌ بِزِنَاهَا وَقَذْفٌ له وَالْقِيَاسُ أَيْ قِيَاسُ ما ذَكَرَ من تَصْدِيقِهَا في إرَادَتِهَا نَفْيُ الزِّنَا عنهما مَعًا أنها كَالزَّوْجَةِ هُنَا فيه وَلَوْ قالت لِزَوْجِهَا زَنَيْت أو يا زَانٍ فقال زَنَيْت بِك فَفِي جَوَابِهِ مِثْلُ التَّفْصِيلِ السَّابِقِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ
تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّ قَوْلَهُ لِزَوْجَتِهِ زَنَيْت أو يا زَانِيَةُ قَذْفٌ لها سَوَاءٌ أَعَلِمَ أنها زَوْجَتُهُ أَمْ ظَنَّهَا أَجْنَبِيَّةً أَمْ لم يَعْلَمْ الْحَالَ وفي فُرُوقِ الْجُوَيْنِيِّ أَنَّهُ إذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ وهو لَا يَعْرِفُهَا حين قَذَفَهَا ثُمَّ بَانَ أنها زَوْجَتُهُ فَلَيْسَ ذلك بِقَذْفٍ وَلَا لِعَانٍ وَإِنْ ادَّعَتْ عليه صُدِّقَ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لم يَعْرِفْهَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ قال فَإِنْ كان ذلك مَحَلَّ وِفَاقٍ فَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْإِطْلَاقِ بِهِ فَرْعٌ لو قال لِزَوْجَتِهِ أو غَيْرِهَا يا زَانِيَةُ فقالت أَنْت أَزْنَى مِنِّي فَالْجَوَابُ منها كِنَايَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ تُرِيدَ أَنَّهُ أَهْدَى إلَى الزِّنَا أَحْرَصُ عليه منها أو أَنَّهُ لم يَطَأْنِي غَيْرُك في النِّكَاحِ فَإِنْ كُنْت زَانِيَةً فَأَنْتَ أَزْنَى مِنِّي وَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ وَإِنْ اقْتَضَى الِاشْتِرَاكَ في الْأَصْلِ وَإِثْبَاتَ الزِّيَادَةِ لَكِنَّ قَوْلَهَا أنت أَزْنَى مِنِّي خَارِجٌ مَخْرَجَ الذَّمِّ وَالْمُشَاتَمَةِ وَمِثْلُهُ لَا يُحْمَلُ على وَضْعِ اللِّسَانِ كما في قَوْلِ يُوسُفَ لِإِخْوَتِهِ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَلِأَنَّ مُعْتَادَ الْمُحَاوَرَاتِ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْوَضْعِ فَإِنْ قالت جَوَابًا أو ابْتِدَاءً أنا زَانِيَةٌ وَأَنْت أَزْنَى مِنِّي فَمُقِرَّةٌ بِالزِّنَا وَقَاذِفَةٌ له وَيَسْقُطُ حَدُّ الْقَذْفِ عنه وَكَذَا لو قالت ابْتِدَاءً أَنْت أَزْنَى من فُلَانٍ فَكِنَايَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ قد ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ أو بِالْإِقْرَارِ وَعَلِمَتْ ثُبُوتُهُ فَيَكُونُ صَرِيحًا فَتَكُونُ قَاذِفَةً لَهُمَا فَتُحَدُّ لِلْمُخَاطَبِ وَتُعَزَّرُ لِلْآخَرِ لِأَنَّهُ مَهْتُوكُ الْعِرْضِ بِثُبُوتِ زِنَاهُ لَا إنْ جَهِلَتْ ثُبُوتَهُ فَيَكُونُ كِنَايَةً فَتُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا في جَهْلِهَا فإذا حَلَفَتْ عُزِّرَتْ ولم تُحَدَّ وَلَوْ قالت أنت أَزْنَى مِنِّي كَهَذِهِ الصُّورَةِ وَلِهَذَا حَذَفَهَا الْمُصَنِّفُ وَإِنْ ذَكَرَ فيها الْأَصْلُ وَجْهَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ وَلَوْ قالت هو زَانٍ وَأَنْت أَزْنَى منه أو في الناس زُنَاةٌ وَأَنْت أَزْنَى منهم أو أَنْت أَزْنَى زُنَاةِ الناس فَصَرِيحٌ لِظُهُورِهِ في الْقَذْفِ لَا إنْ قالت الناس زُنَاةٌ أو أَهْلُ مِصْرَ مَثَلًا زُنَاةٌ وَأَنْتَ أَزْنَى منهم أو قالت أنت أَزْنَى الناس أو أَزْنَى منهم فَلَيْسَ قَذْفًا لِتَحَقُّقِ كَذِبِهَا بِنِسْبَتِهَا الناس كُلَّهُمْ أو نَحْوَهُ أَهْلُ مِصْرَ إلَى الزِّنَا وَإِنَّهُ أَكْثَرُ زِنًا منهم إلَّا إنْ نَوَتْ أَنَّهُ أَزْنَى من من زَنَى منهم فَيَكُونُ قَذْفًا
فَرْعٌ وَلَوْ تَقَاذَفَا فَلَا تَقَاصُصَ الْفَصِيحُ فَلَا تَقَاصَّ كما في نُسْخَةٍ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ إذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ وَالْقَدْرُ وَالصِّفَةُ وَمَوَاقِعُ السِّيَاطِ وَأَلَمُ الضَّرَبَاتِ مُتَفَاوِتَةٌ فَيُحَدَّانِ بِالطَّلَبِ فَرْعٌ قَوْلُهُ زَنَأْت في الْجَبَلِ بِالْهَمْزِ كِنَايَةٌ وَإِنْ لم يَعْرِفْ اللُّغَةَ لِأَنَّ الزِّنَا في الْجَبَلِ هو الصُّعُودُ فيه وَكَذَا لو اقْتَصَرَ على زَنَأْت أو قال يا زَانِئُ مَهْمُوزًا لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي الصُّعُودَ فَلَوْ قال زَنَأْت في الْبَيْتِ بِالْهَمْزِ فَصَرِيحٌ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الصُّعُودِ في الْبَيْتِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ كان فيه دَرَجٌ يُصْعَدُ إلَيْهِ فيها فَوَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا أَنَّهُ كِنَايَةٌ وقوله زَنَيْت في الْجَبَلِ بِالْيَاءِ صَرِيحٌ كما لو قال في الْبَيْتِ فَلَوْ قال أَرَدْت الصُّعُودَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِاحْتِمَالِ إرَادَتِهِ وقوله يا زَانِيَةُ في الْجَبَلِ بِالْيَاءِ كِنَايَةٌ
فَصْلٌ الْقَذْفُ بِإِضَافَةِ الزِّنَا إلَى الْقُبُلِ أو لِلدُّبُرِ أو إلَى فَرْجَيْ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ صَرِيحٌ لِإِضَافَةِ الْفِعْلِ إلَى مَحَلِّهِ وَآلَتِهِ وَكَذَا بِإِضَافَتِهِ إلَى الْبَدَنِ كَزِنَا بَدَنِك لِأَنَّهُ إضَافَةٌ إلَى جُمْلَتِهِ فَكَانَ كَقَوْلِهِ زَنَيْت وهو أَيْ الْقَذْفُ بِإِضَافَةِ الزِّنَا إلَى الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَأَحَدِ فَرْجَيْ الْخُنْثَى وَنَحْوِ ذلك كَالْعَيْنِ وَالْجُزْءِ الْمُشَاعِ كَالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ كِنَايَةٌ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ من إضَافَةِ الزِّنَا إلَى الْيَدِ اللَّمْسُ وَإِلَى الرِّجْلِ الْمَشْيُ وَإِلَى الْعَيْنِ النَّظَرُ وَقِسْ عليها الْبَقِيَّةَ وَأَحَدُ فَرْجَيْ الْخُنْثَى يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ زَائِدًا فَلَا يَنْصَرِفُ شَيْءٌ من ذلك إلَى الزِّنَا الْحَقِيقِيِّ إلَّا بِالنِّيَّةِ وقوله زَنَيْت في قُبُلِك صَرِيحٌ في الْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ كما مَرَّ أَوَائِلَ الْبَابِ أَيْضًا لَا قَوْلُهُ وَطِئَك فيه رَجُلَانِ مَعًا فَلَيْسَ بِقَذْفٍ لِاسْتِحَالَتِهِ فَهُوَ كَذِبٌ صَرِيحٌ فَيُعَزَّرُ لِلْإِيذَاءِ وَلَا يُحَدُّ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ فيه من زِيَادَتِهِ وَلَوْ قال فيه أو في الدُّبُرِ كان أَوْلَى وَخَرَجَ بِذَلِكَ ما لو أَطْلَقَ فَيُحَدُّ لِإِمْكَانِ ذلك بِوَطْءٍ وَاحِدٍ
____________________
(3/373)
في الْقُبُلِ وَالْآخَرُ في الدُّبُرِ نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ
فَصْلٌ قَوْلُهُ لَسْت ابْنَ زَيْدٍ أو لَسْت منه صَرِيحٌ من الْأَجْنَبِيِّ في قَذْفِ الْأُمِّ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ ليس ابْنَهُ لِكَوْنِهِ من وَطْءِ شُبْهَةٍ كما هو ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ كِنَايَةٌ من الْأَبِ في قَذْفِ الْأُمِّ سَوَاءٌ أَقَالَهُ بِالصِّيغَةِ السَّابِقَةِ وكان اسْمُهُ زَيْدًا أَمْ بِقَوْلِهِ لَسْت ابْنِي أو لَسْت مِنِّي لِاحْتِيَاجِهِ إلَى تَأْدِيبِ وَلَدِهِ بِمِثْلِ ذلك زَجْرًا له عَمَّا لَا يَلِيقُ بِنَسَبِهِ وَقَوْمِهِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّ ذلك جَارٍ في كل من له تَأْدِيبُهُ كَأَخِيهِ وَعَمِّهِ فَلَهَا سُؤَالُهُ عن مُرَادِهِ
فَإِنْ قال أَرَدْت بِذَلِكَ أَنَّهُ من زِنًا فَقَاذِفٌ لها أو مُبَايَنَةَ الطَّبْعِ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَلَهَا تَحْلِيفُهُ فَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَتْ حُدَّ لِلْقَذْفِ وَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لِإِسْقَاطِهِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَلَيْسَ له نَفْيُ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ لم يُنْكِرْ نِسْبَتَهُ وَإِنْ قال إنَّمَا أَرَدْت أَنَّهُ من وَطْءِ شُبْهَةٍ فَلَا قَذْفَ فَإِنْ ادَّعَتْ إرَادَتَهُ الْقَذْفَ فَلَهَا تَحْلِيفُهُ كما مَرَّ وَلَا يَنْتَفِي الْوَلَدُ عنه لَكِنْ لو عَيَّنَ وَاطِئًا يَدَّعِيهِ أَيْ الْوَلَدَ فَكَمَا وفي نُسْخَةٍ فَحُكْمُهُ سَيَأْتِي في الْبَابِ الثَّالِثِ من أَنَّهُ يُعْرَضُ على الْقَائِفِ وَإِنْ قال أَرَدْت أَنَّهُ من زَوْجٍ كان قَبْلِي لم يَكُنْ قَاذِفًا لِلْأُمِّ وَإِنْ لم يُعْرَفْ لِأُمِّهِ زَوْجٌ وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِنْ لم يُعْرَفْ لِأُمِّهِ زَوْجٌ قَبْلَهُ لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ بَلْ يَلْحَقُهُ فَإِنْ عُرِفَ لها زَوْجٌ قَبْلَهُ فَكَمَا سَيَأْتِي في الْعَدَدِ من أَنَّ الْوَلَدَ بِمَنْ يُلْحَقُ فَإِنْ أُلْحِقَ بِهِ فَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لِنَفْيِهِ وَإِنْ جَهِلَ ما بين فِرَاقِ الْأَوَّلِ وَنِكَاحِ الثَّانِي لم يُلْحَقْ بِالثَّانِي لِأَنَّ إمْكَانَ الْوِلَادَةِ منه لم يَتَحَقَّقْ إلَّا إنْ أَثْبَتَ أَيْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً بِإِمْكَانِهِ أَيْ بِأَنَّهَا وَلَدَتْهُ في نِكَاحِهِ لِزَمَنِ الْإِمْكَانِ فَيَلْحَقُهُ وَتُقْبَلُ شَهَادَةِ النِّسَاءِ هُنَا وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَثْبُتْ ذلك حَلَفَ أنها وَلَدَتْهُ لِزَمَنٍ يَسْتَحِيلُ كَوْنُهُ أو أَنَّهُ ليس منه فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَلَحِقَهُ الْوَلَدُ فَإِنْ قال أَرَدْت أنها لم تَلِدْهُ بَلْ هو لَقِيطٌ أو مُسْتَعَارٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ في نَفْيِ الْوِلَادَةِ وَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ فَإِنْ لم تَكُنْ بَيِّنَةٌ عُرِضَ مَعَهَا على الْقَائِفِ فَإِنْ أَلْحَقهُ بها لَحِقَ الزَّوْجَ وَاحْتَاجَ في نَفْيِهِ إلَى اللِّعَانِ وَإِنْ لم يُلْحِقْهُ بها أو لم يُلْحِقْهُ أو لم يَكُنْ قَائِفٌ أو أَشْكَلَ عليه حَلَفَ الزَّوْجُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أنها وَلَدَتْهُ وَانْتَفَى عنه وَلَا يَلْحَقُهَا فَإِنْ نَكَلَ عن يَمِينِهِ حَلَفَتْ وَلَحِقَهُ الْوَلَدُ فَإِنْ نَكَلَ فَهَلْ تُوقَفُ أَيْ الْيَمِينُ لِيَحْلِفَ الصَّبِيُّ بَعْدَ بُلُوغِهِ لِأَنَّ الْحَقَّ له أو لَا لِأَنَّ يَمِينَ الرَّدِّ لَا تُرَدُّ وَجْهَانِ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحُ الثَّانِي فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَحَلَفَ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَحِقَ بِهِ وَإِنْ نَكَلَ أو قُلْنَا بِالثَّانِي انْتَفَى عنه وَلَا يَلْحَقُهَا وَإِنْ قال لم أُرِدْ شيئا لم يَلْزَمْهُ حَدٌّ أَيْضًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَصْلِهِ
فَرْعٌ لو قال لِمَنْفِيٍّ بِاللِّعَانِ لَسْت ابْنَ فُلَانٍ فَهُوَ كِنَايَةٌ في قَذْفِ أُمِّهِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ فَقَدْ يُرِيدُ لَسْت ابْنَهُ شَرْعًا أو أَنَّ الْمُلَاعِنَ نَفَاكَ أو أَنَّك لَا تُشْبِهُ خَلْقًا وَخُلُقًا وَلَهَا تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ لم يُرِدْ قَذْفَهَا فَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَتْ أَنَّهُ أَرَادَ قَذْفَهَا حُدَّ وَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ لم يُرِدْهُ عُزِّرَ لِلْإِيذَاءِ وَلَوْ كان قَوْلُهُ لَسْت ابْنَ فُلَانٍ بَعْدَ اسْتِلْحَاقِهِ فَصَرِيحٌ كما مَرَّ أَيْضًا فَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لم يَكُنْ ابْنَهُ حين نَفَاهُ عُزِّرَ لِلْإِيذَاءِ وَلَا يُحَدُّ لِاحْتِمَالِ ما أَرَادَهُ وَحَاصِلُهُ ما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ نَقْلًا عن الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهُ قَذْفٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَيَحُدُّهُ من غَيْرِ أَنْ يَسْأَلَهُ ما أَرَادَ فَإِنْ ادَّعَى مُحْتَمِلًا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَلَا حَدَّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ما قبل الِاسْتِلْحَاقِ فَإِنَّا لَا نَحُدُّهُ حتى نَسْأَلَهُ أَنَّ لَفْظَهُ ثَمَّ كِنَايَةٌ فَلَا يُحَدُّ بِهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَهُنَا ظَاهِرُ لَفْظِهِ الْقَذْفُ فَحُدَّ بِالظَّاهِرِ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ مُحْتَمَلًا
فَرْعٌ لو قال لِعَرَبِيٍّ يا هِنْدِيُّ أو عَكَسَ ولم يُرِدْ شيئا أو أَرَادَ الدَّارَ أو اللِّسَانَ أَيْ هِنْدِيٌّ أَحَدُهُمَا أو عَرَبِيٌّ أو أَرَادَ أَنَّهُ لَا يُشْبِهُ من يُنْسَبُ إلَيْهِ في الْأَخْلَاقِ أو أَرَادَ قَذْفَ إحْدَى جَدَّاتِهِ مَثَلًا ولم يُعَيَّنْ هَا فَلَا حَدَّ وَيُعَزَّرُ لِلْإِيذَاءِ كَقَوْلِهِ أَحَدُ أَبَوَيْك زَانٍ أو في السِّكَّةِ زَانٍ ولم يُعَيَّنْ فَلِلْإِمَامِ تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ لم يَقْذِفْهَا أَيْ لم يُرِدْ بِذَلِكَ قَذْفَهَا وَظَاهِرٌ أَنَّ لِكُلٍّ مِمَّنْ ذَكَرَ في الْمُنَظَّرِ بِهِ أَنَّهُ يَدَّعِي على الْقَاذِفِ أَنَّهُ أَرَادَهُ على قِيَاسِ ما لو قال لِأَحَدِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ عَلَيَّ أَلْفٌ فَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَتْ أَنَّهُ أَرَادَهُ حُدَّ لها إنْ كانت مُحْصَنَةً أو عُزِّرَ لها إنْ كانت غير مُحْصَنَةٍ الطَّرَفُ الثَّانِي في أَحْكَامِهِ فَمَنْ قَذَفَ الْمُحْصَنَ وهو الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْعَفِيفُ عن الزِّنَا حُدَّ لِآيَةِ وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ فَإِنْ اخْتَلَّ وَصْفٌ من هذه الْأَوْصَافِ فَالتَّعْزِيرُ لَازِمُهُ لِلْإِيذَاءِ إلَّا السَّكْرَانَ فَكَالْمُكَلَّفِ لَكِنْ من قَذَفَ مَجْنُونًا بِزِنًا قبل الْجُنُونِ حُدَّ لِوُجُودِ الْأَوْصَافِ فيه عِنْدَ الْفِعْلِ
____________________
(3/374)
الْمَقْذُوفِ بِهِ
وَتَبْطُلُ الْعِفَّةُ الْمُعْتَبَرَةُ في الْإِحْصَانِ بِكُلِّ وَطْءٍ يُوجِبُ الْحَدَّ وَمِنْهُ وَطْءُ أَمَةِ زَوْجَتِهِ وَوَطْءُ الْمُرْتَهِنِ الْمَرْهُونَةَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ وَكَذَا بِالْوَطْءِ في مَمْلُوكَةٍ له من مَحَارِمِهِ كَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ بِنَسَبٍ أو رَضَاعٍ وفي دُبُرِ زَوْجَةٍ له مُخْتَارًا مع عِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ وَإِنْ لم يُوجِبْ الْحَدَّ لِدَلَالَتِهِ على قِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِالزِّنَا لَا بِوَطْءِ مَمْلُوكَةٍ له مُرْتَدَّةٍ أو مُزَوَّجَةٍ أو قبل الِاسْتِبْرَاءِ أو مُكَاتَبَةٍ ولا بِوَطْءِ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَجَارِيَةِ ابْنٍ له وزوجة رَجْعِيَّةٍ وَمُعْتَدَّةٍ عن شُبْهَةٍ وَمَنْكُوحَةٍ بها كَأَنْ نَكَحَهَا بِلَا وَلِيٍّ أو شُهُودٍ أو في الْإِحْرَامِ وَإِنْ كان حَرَامًا لِقِيَامِ الْمِلْكِ في الْأُولَى بِأَقْسَامِهَا وَثُبُوتِ النَّسَبِ فِيمَا بَعْدَهَا حَيْثُ حَصَلَ عُلُوقٌ من ذلك الْوَطْءِ وَلَا بِزِنَا صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ حتى إذَا كَمُلَا فَقَذَفَهُمَا شَخْصٌ لَزِمَهُ الْحَدُّ وَلَا بِوَطْءٍ في حَيْضٍ وَنَحْوِهِ وَكَذَا جَاهِلُ التَّحْرِيمِ لِلْوَطْءِ لِقُرْبِ عَهْدٍ له بِالْإِسْلَامِ أو نَشْئِهِ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عن الْعُلَمَاءِ وَمُكْرَهٍ عليه لَا تَبْطُلُ عِفَّتَهُمَا بِهِ لِشُبْهَةِ الْجَهْلِ وَالْإِكْرَاهِ وكذا مَجُوسِيٌّ وَطِئَ مَحْرَمًا له كَأُمِّهِ بِنِكَاحٍ أو مِلْكٍ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ فَرْعٌ إذَا زَنَى الْمَقْذُوفُ قبل حَدِّ قَاذِفِهِ سَقَطَ عنه بِخِلَافِ نَظِيرِهِ الْآتِي من الرِّدَّةِ لِأَنَّ الزِّنَا يُكْتَمُ ما أَمْكَنَ فَظُهُورُهُ مُشْعِرٌ بِسَبْقِ مِثْلِهِ غَالِبًا لِأَنَّهُ تَعَالَى كَرِيمٌ لَا يَهْتِكُ السَّتْرَ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَالرِّدَّةُ عَقِيدَةٌ وَهِيَ لَا تُكْتَمُ غَالِبًا فَإِظْهَارُهَا لَا يُشْعِرُ بِسَبْقِ إخْفَائِهَا وَلِأَنَّ الزِّنَا يَمْنَعُ مَاضِيهِ الْحَضَانَةَ لِلِانْتِهَاكِ عِرْضِهِ فَيُسْقِطُهَا مُسْتَقْبَلُهُ بِخِلَافِ الْكُفْرِ وَلِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ مَوْضُوعٌ لِلْحِرَاسَةِ من الزِّنَا دُونَ الرِّدَّةِ فَجَازَ أَنْ يَسْقُطَ بِطُرُوئِهِ دُونَ طُرُوئِهَا وَكَطُرُوءِ الزِّنَا طُرُوءُ الْوَطْءِ الْمُسْقِطِ لِلْعِفَّةِ كما نَصَّ عليه في الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ فَإِنْ كانت أَيْ الزَّانِيَةُ بَعْدَ الْقَذْفِ زَوْجَةً لِلْقَاذِفِ لم يُلَاعِنْ إلَّا لِنَفْيِ وَلَدِهِ فَلَا يُلَاعِنُ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ لِسُقُوطِهِ
وَلَوْ ارْتَدَّ الْمَقْذُوفُ أو سَرَقَ أو قَتَلَ قبل حَدِّ قَاذِفِهِ لم يَسْقُطْ لِأَنَّ ما صَدَرَ منه ليس من جِنْسِ ما قَذَفَ بِهِ وَلَوْ قَذَفَهُ أَيْ شَخْصٌ بِإِذْنِهِ سَقَطَ عنه الْحَدُّ أَيْ لم يَجِبْ كما لو قَطَعَ يَدَهُ بِإِذْنِهِ وَإِنْ لم يُبَحْ الْقَذْفُ بِالْإِذْنِ
فَرْعٌ لو زَنَى وهو كَافِرٌ أو عَبْدٌ لم يُحَدُّ قَاذِفُهُ بَعْدَ الْكَمَالِ بِالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَلَوْ قَذَفَهُ بِغَيْرِ ذلك الزِّنَا لِأَنَّ الْعِرْضَ إذَا انْخَرَمَ بِالزِّنَا لم يَزُلْ خَلَلُهُ بِمَا يَطْرَأُ من الْعِفَّةِ
فَرْعٌ حَدُّ الْقَذْفِ وَتَعْزِيرُهُ أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا يُوَرَّثُ كَسَائِرِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وهو لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ الْخَاصِّينَ ثُمَّ من بَعْدِهِمْ لِلسُّلْطَانِ كَالْمَالِ وَالْقِصَاصِ وَلَوْ مَاتَ الْمَقْذُوفُ مُرْتَدًّا قبل اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ فَالْأَوْجُهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بَلْ يَسْتَوْفِيهِ وَارِثُهُ لَوْلَا الرِّدَّةُ لِلتَّشَفِّي كما في نَظِيرِهِ من قِصَاصِ الطَّرْفِ
وَالْقَاذِفُ لو وَرِثَ من الْمَيِّتِ بَعْضَ حَدِّ الْقَذْفِ أو عَفَا عنه بَعْضُ الْوَرَثَةِ فَلِلْبَاقِينَ اسْتِيفَاءُ الْجَمِيعِ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لِكُلٍّ منهم كَوِلَايَةِ الْمَالِ وَحَقِّ الشُّفْعَةِ وَلِأَنَّ عَارَ الْمَقْذُوفِ يَلْزَمُ الْوَاحِدَ كما يَلْزَمُ الْجَمِيعَ وَفَارَقَ الْقِصَاصَ بِأَنَّهُ لَا بَدَلَ له بِخِلَافِ الْقِصَاصِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَلِأَحَدِ الْوَرَثَةِ طَلَبُ الْحَدِّ مع غَيْبَةِ الْبَاقِينَ أو صِغَرِهِمْ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ وَإِنْ قَذَفَ مَيِّتًا فَهَلْ لِلزَّوْجِ الصَّادِقِ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى في حَدِّ الْقَذْفِ أو تَعْزِيرٍ حَقٌّ أو لَا وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الْمَنْعُ لِانْقِطَاعِ الْوَصْلَةِ حَالَةَ الْقَذْفِ فَرْعٌ لو قَذَفَهُ أو قَذَفَ مُوَرِّثَهُ فَلَهُ وَإِنْ لم يَعْجِزْ عن بَيِّنَةِ الزِّنَا أو بَيِّنَةِ الْإِقْرَارِ بِهِ تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ لم يَزْنِ في الْأُولَى أو أَنَّهُ لم يَعْلَمْ زِنَا مُوَرِّثِهِ في الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُقَرِّرُ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ عن الْقَاذِفِ قال في الْأَصْلِ عن الْأَكْثَرِينَ قالوا وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِالزِّنَا وَالتَّحْلِيفُ على نَفْيِهِ إلَّا في هذه الْمَسْأَلَةِ وَلَا يَلْزَمُ الْحَاكِمَ الْبَحْثُ عن حَصَانَةِ الْمَقْذُوفِ لِيُقِيمَ الْحَدَّ على قَاذِفِهِ لِأَنَّ الْقَاذِفَ عَاصٍ فَغَلَّظَ عليه بِإِقَامَةِ الْحَدِّ بِظَاهِرِ الْإِحْصَانِ بِخِلَافِ الْبَحْثِ عن عَدَالَةِ الشُّهُودِ لِيُحْكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ فإنه يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ عليه لم يُوجَدْ منه ما يَقْتَضِي التَّغْلِيظَ
وَلَا يُسْتَوْفَى لِمَجْنُونٍ حَدٌّ وَلَا تَعْزِيرٌ بَلْ يُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ
____________________
(3/375)
فَيَسْتَوْفِي أو مَوْتُهُ فَيَسْتَوْفِي وَارِثُهُ فَلَا يَسْتَوْفِيهِ هو لِعَدَمِ حُصُولِ التَّشَفِّي وَالصَّغِيرُ كَالْمَجْنُونِ حَيْثُ ثَبَتَ له التَّعْزِيرُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَبُلُوغُهُ كَإِفَاقَتِهِ
وَلَوْ قَذَفَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ فَلَهُ مُطَالَبَةُ سَيِّدِهِ بِالتَّعْزِيرِ لِلْإِيذَاءِ فَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قبل الِاسْتِيفَاءِ فَهَلْ يَسْتَوْفِي له الْإِمَامُ أو لَا وَجْهَانِ في الْوَسِيطِ وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا الْمَنْعُ بِنَاءً على أَنَّ الْحَقَّ يَنْتَقِلُ إلَى سَيِّدِهِ وَحَقُّ التَّعْزِيرِ بِقَذْفِ الْعَبْدِ ثَابِتٌ له لَا لِسَيِّدِهِ إذْ عِرْضُهُ له لَا لِسَيِّدِهِ فَإِنْ مَاتَ قبل اسْتِيفَائِهِ فَلِسَيِّدِهِ لَا قَرِيبِهِ وَلَا لِلسُّلْطَانِ اسْتِيفَاؤُهُ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَجَبَتْ بِالْقَذْفِ فَلَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ كَالْحَدِّ وَالسَّيِّدُ أَخَصُّ الناس بِهِ فما ثَبَتَ له في حَيَاتِهِ يَكُونُ لِسَيِّدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِحَقِّ الْمِلْكِ كَمَالِ الْمُكَاتَبِ
وَمَنْ قَذَفَ مُوَرِّثَهُ لم يَسْقُطْ إرْثُهُ بِخِلَافِ من قَتَلَهُ وَيَسْتَوْفِي بَاقِي الْوَرَثَةِ منه الْحَدَّ إنْ كان ثَمَّ بَاقٍ وَإِلَّا فَلَا اسْتِيفَاءَ لِسُقُوطِ الْحَدِّ عنه لِأَنَّهُ وَرِثَ ما عليه الْبَابُ الثَّانِي في قَذْفِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ وَلِلزَّوْجِ قَذْفُهَا إنْ رَآهَا تَزْنِي أو ظَنَّ زِنَاهَا ظَنًّا مُؤَكَّدًا إمَّا بِإِقْرَارِهَا بِهِ أو رُؤْيَتِهِ لِرَجُلٍ مَعَهَا مِرَارًا في مَحَلِّ رِيبَةٍ أو مَرَّةً تَحْتَ شِعَارٍ في هَيْئَةٍ مُنْكَرَةٍ أو بِخَبَرِ ثِقَةٍ رَأَى الزَّانِيَ وهو يَزْنِي بها وَالْمُرَادُ ثِقَةٌ عِنْدَهُ وَإِنْ لم يَكُنْ عَدْلًا أو اسْتِفَاضَةٍ أَيْ شُيُوعٍ بين الناس بِذَلِكَ من غَيْرِ إخْبَارِ أَحَدٍ له عن عِيَانٍ لَكِنْ عَضَّدَتْهَا قَرِينَةٌ يُتَخَيَّلُ بها زِنَاهَا كَرُؤْيَتِهِ له خَارِجًا منها أَيْ من عِنْدَهَا وَكَرُؤْيَتِهِ مَعَهَا في خَلْوَةٍ فَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الشُّيُوعِ لِأَنَّهُ قد يَذْكُرُهُ غَيْرُ ثِقَةٍ فَيَسْتَفِيضُ أو يُشِيعُهُ عَدُوٌّ لها أو له أو من طَمَعَ فيها فلم يَظْفَرْ بِشَيْءٍ وَلَا مُجَرَّدُ الْمَخِيلَةِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا دخل بَيْتَهَا لِخَوْفٍ أو سَرِقَةٍ أو طَمَعٍ وَإِنَّمَا جَازَ له حِينَئِذٍ الْقَذْفُ الْمُرَتَّبُ عليه اللِّعَانُ الذي يَخْلُصُ بِهِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى الِانْتِقَامِ منها لِتَلْطِيخِهَا فِرَاشَهُ وَلَا يَكَادُ يُسَاعِدُهُ على ذلك بَيِّنَةٌ أو إقْرَارٌ وَالْأَوْلَى إذَا لم يَكُنْ ثُمَّ وَلَدٌ يَنْفِيهِ أَنْ يَسْتُرَ عليها وَيُطَلِّقَهَا إنْ كَرِهَهَا وَمَنْ لَحِقَهُ وَلَدٌ ظَاهِرًا وتيقن أَنَّهُ من غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ لم يَطَأْهَا أو لِخُرُوجِهِ عن أَقَلِّ الْمُدَّةِ لِلْحَمْلِ أو أَكْثَرِهَا أَيْ أو لِخُرُوجِ الْوَلَدِ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ من وَقْتِ الْوَطْءِ أو لِأَكْثَرَ من أَرْبَعِ سِنِينَ لَزِمَهُ نَفْيُهُ لِأَنَّ تَرْكَ نَفْيِهِ يَتَضَمَّنُ اسْتِلْحَاقَهُ وَاسْتِلْحَاقُ من ليس منه حَرَامٌ كما يَحْرُمُ نَفْيُ من هو منه وفي خَبَرِ أبي دَاوُد وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ على شَرْطِ مُسْلِمٍ أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ على قَوْمٍ من ليس منهم فَلَيْسَتْ من اللَّهِ في شَيْءٍ ولم يُدْخِلْهَا جَنَّتَهُ وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وهو يَنْظُرُ إلَيْهِ احْتَجِبْ اللَّهُ منه يوم الْقِيَامَةِ وَفَضَحَهُ على رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يوم الْقِيَامَةِ فَنَصَّ في الْأَوَّلِ على الْمَرْأَةِ وفي الثَّانِي على الرَّجُلِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا في مَعْنَى الْآخَرِ
وَكَالْوَطْءِ اسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ وَالْمُرَادُ بِالتَّيَقُّنِ هُنَا ما يَشْمَلُ الظَّنَّ الْمُؤَكَّدَ وَلَا يَقْذِفُهَا لِاحْتِمَالِ حُصُولِهِ من وَطْءِ شُبْهَةٍ أو من زَوْجٍ قَبْلَهُ نعم إنْ تَيَقَّنَ مع ما ذَكَرَ أنها زَنَتْ أو ظَنَّهُ ظَنًّا مُؤَكَّدًا قالوا لَزِمَهُ قَذْفُهَا أَيْضًا وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ لَحِقَهُ ما لو أَتَتْ بِهِ خُفْيَةً بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُ بِهِ ظَاهِرًا وَعُلِمَ أَنَّهُ ليس منه فَلَا يَلْزَمُهُ نَفْيُهُ وَبِهِ صَرَّحَ ابن عبد السَّلَامِ قال وَالْأَوْلَى بِهِ السَّتْرُ وَالْكَفُّ عن الْقَذْفِ لَكِنَّ تَعْبِيرَ الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كان هُنَاكَ وَلَدٌ يَقْتَضِي لُزُومُهُ وَكَذَا يَلْزَمُهُ النَّفْيُ لَكِنْ بَعْدَ قَذْفِهَا
لو رَأَى ما يُبِيحُ قَذْفَهَا وَأَتَتْ بَعْدَهُ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ من
____________________
(3/376)
حِينِ الزِّنَا لَا من حِينِ الِاسْتِبْرَاءِ وكان قد اسْتَبْرَأَهَا قَبْلَهُ بِحَيْضَةٍ لِحُصُولِ الْيَقِينِ أو الظَّنِّ حِينَئِذٍ بِأَنَّهُ ليس منه فَلَوْ لم يَرَ ما يُبِيحُ قَذْفَهَا لم يَجُزْ النَّفْيُ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ عن قَطْعِ الْعِرَاقِيِّينَ لَكِنْ صَحَّحَ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ إبَاحَتَهُ بِالِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّهُ أَمَارَةٌ ظَاهِرَةٌ على أَنَّهُ ليس منه لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْفِيَهُ لِأَنَّ الْحَامِلَ قد تَرَى الدَّمَ ولم يُرَجِّحْ في الْكَبِيرِ شيئا وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الْمُدَّةُ من حِينِ الزِّنَا لَا من حِينِ الِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّهُ مُسْتَنِدٌ لِلِّعَانِ فإذا وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ منه وَلِأَكْثَرَ منها من الِاسْتِبْرَاءِ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ ليس من ذلك الزِّنَا فَيَصِيرُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَلَا يَجُوزُ النَّفْيُ رِعَايَةً لِلْفِرَاشِ وَكَذَا لو لم يَسْتَبْرِئْهَا كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي أَيْضًا لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَلَا عِبْرَةَ بِرِيبَةٍ يَجِدُهَا في نَفْسِهِ أو شُبْهَةٍ تُخَيِّلُ إلَيْهِ فَسَادًا وَعَطَفَ على كان قَوْلَهُ أو غَلَبَ على الظَّنِّ أَنَّهُ من الزَّانِي مع احْتِمَالِ كَوْنِهِ منه بِأَنْ كان يَعْزِلُ عنها أو أَشْبَهَ الزَّانِيَ فَيَلْزَمُهُ النَّفْيُ بَعْدَ قَذْفِهَا لِمَا مَرَّ وَإِنْ لم يَغْلِبْ على ظَنِّهِ ذلك بِأَنْ ظَنَّ أَنَّهُ منه أو احْتَمَلَ كَوْنُهُ منه أو من الزِّنَا على السَّوَاءِ بِأَنْ لم يَسْتَبْرِئْهَا حُرِّمَ النَّفْيُ رِعَايَةً لِلْفِرَاشِ كما مَرَّ أَيْضًا لَا الْقَذْفُ وَاللِّعَانُ لِتَيَقُّنِ زِنَاهَا فَجَازَ ذلك انْتِقَامًا منها وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ قِيَاسًا بَعْدَ نَقْلِهِ عن الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَاضِي حُرْمَةَ ذلك وَصَحَّحَهَا الْأَصْلُ وَالْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ لِأَنَّ اللِّعَانَ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهَا لِدَفْعِ النَّسَبِ أو قَطْعِ النِّكَاحِ حَيْثُ لَا وَلَدَ خَوْفًا من أَنْ يَحْدُثَ وَلَدٌ على الْفِرَاشِ الْمُلَطَّخِ وقد حَصَلَ الْوَلَدُ هُنَا فلم تَبْقَ فَائِدَةٌ وَلِأَنَّ في إثْبَاتِ زِنَاهَا تَعْيِيرًا لِلْوَلَدِ وَإِطْلَاقَ الْأَلْسِنَةِ فيه فَلَا يَحْتَمِلُ ذلك لِغَرَضِ الِانْتِقَامِ منها مع إمْكَانِ الْفُرْقَةِ بِالطَّلَاقِ
وَيَجُوزُ النَّفْيُ لِمَنْ يَطَأُ في الدُّبُرِ أو غَيْرِهِ مِمَّا عَدَا الْقُبُلَ لِأَنَّ أَمْرَ النَّسَبِ يَتَعَلَّقُ بِالْوَطْءِ الشَّرْعِيِّ فَلَا يَثْبُتُ بِغَيْرِهِ على أَنَّ في ثُبُوتِهِ بِالْإِتْيَانِ في الدُّبُرِ اضْطِرَابًا قَدَّمْته في النِّكَاحِ لَا لِمَنْ يَعْزِلُ عنها في وَطْئِهِ لِأَنَّ الْمَاءَ قد يَسْبِقُهُ إلَى الرَّحِمِ من غَيْرِ شُعُورِهِ بِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ في جَوَازِ النَّفْيِ وَالْقَذْفِ تَبْيِينُ السَّبَبِ الْمُجَوِّزِ لِلنَّفْيِ وَالْقَذْفِ من رُؤْيَةِ زِنًا وَاسْتِبْرَاءٍ وَنَحْوِهِمَا لَكِنْ يَجِبُ عليه بَاطِنًا رِعَايَةُ السَّبَبِ الْمُجَوِّزِ لها فَرْعٌ لو أَتَتْ بِأَبْيَضَ وَهُمَا أَيْ أَبَوَاهُ أَسْوَدَانِ أو عَكْسُهُ لم يَسْتَبِحْ أَبُوهُ بِهِ النَّفْيَ له وَلَوْ أَشْبَهَ من تُتَّهَمُ بِهِ أُمُّهُ وَانْضَمَّ إلَى ذلك قَرِينَةُ الزِّنَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَجُلًا قال لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ قال هل لك من إبِلٍ قال نعم قال فما أَلْوَانُهَا قال حُمْرٌ قال هل فيها من أَوْرَقَ قال نعم قال فَأَنَّى أَتَاهَا ذلك قال عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ قال فَلَعَلَّ هذا نَزَعَهُ عِرْقٌ
فَصْلٌ يَنْتَفِي الْوَلَدَ بِلَا لِعَانٍ عن زَوْجٍ لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهُ لِأُمِّهِ كَمَشْرِقِيٍّ تَزَوَّجَ مَغْرِبِيَّةً أَيْ بِأَنْ كان هو بِالْمَشْرِقِ وَهِيَ بِالْمَغْرِبِ وَإِنْ أَتَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ من الْعَقْدِ أو من طَلَّقَ في مَجْلِسِ الْعَقْدِ لِلنِّكَاحِ قِيَاسًا على ما لو أَتَتْ امْرَأَةُ الصَّبِيِّ بِوَلَدٍ فَإِنْ أَمْكَنَ وَطْؤُهُ لها لَحِقَهُ بِخِلَافِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فإنه لَا يَلْحَقُهُ بِهِ إلَّا بِالْوَطْءِ فَلَا يَلْحَقُهُ بِإِمْكَانِ الْوَطْءِ فيه لِعَدَمِ الْإِذْنِ له فيه وَعَطَفَ على لَا يُمْكِنُ قَوْلَهُ أو لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ منه كَمَوْلُودٍ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من الْعَقْدِ أو له أَكْثَرُ من أَرْبَعِ سِنِينَ بَعْدَ غِيبَةٍ منه عنها يَتَعَذَّرُ فيها التَّلَاقِي بَيْنَهُمَا فَيَنْتَفِي عنه الْوَلَدُ لِمَا مَرَّ
الْبَابُ الثَّالِثُ في اللِّعَانِ وَفِيهِ أَطْرَافٌ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ في سَبَبِهِ وهو قَذْفُ الزَّوْجَةِ أو نَفْيُ الْوَلَدِ فَيُلَاعِنُ لِدَفْعِ حَدٍّ لَزِمَهُ بِقَذْفِهِ لها وَإِنْ لم يَكُنْ نِكَاحٌ وَلَا وَلَدٌ وَكَذَا لِدَفْعِ تَعْزِيرٍ وَجَبَ لِتَكْذِيبِهِ ظَاهِرًا بِأَنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ غير الْمُحْصَنَةِ ولم يُعْلَمْ كَذِبُهُ ولم يَظْهَرْ صِدْقُهُ كَقَذْفِ صَغِيرَةٍ تُوطَأُ وَمَجْنُونَةٍ لَكِنْ لَا يُلَاعِنُ لِدَفْعِ تَعْزِيرِهِ لَهُمَا حتى تَكْمُلَا بِالْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ وَتُطَالَبَا بِهِ وكقذف أَمَةٍ وَذِمِّيَّةٍ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا لَاعَنَ لِدَفْعِ الْأَعْلَى فما دُونَهُ أَوْلَى وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الْمُطَالَبَةُ بَعْدَ الْكَمَالِ لِأَنَّهَا قَبْلَهُ لَا يُعْتَمَدُ عليها وَلَا يُلَاعِنُ لِلدَّفْعِ لِتَعْزِيرٍ وَجَبَ لِتَأْدِيبٍ لِلْعِلْمِ بِكَذِبِهِ أو ظُهُورِ صِدْقِهِ كَقَذْفِ صَغِيرَةٍ لَا تُوطَأُ وَإِنْ بَلَغَتْ وَطَالَبَتْ وكقذف كَبِيرَةٍ ثَبَتَ زِنَاهَا بِبَيِّنَةٍ أو إقْرَارِهِ أو لِعَانٍ منه مع امْتِنَاعِهَا منه أَمَّا في الْأَوَّلِ فَلِتَيَقُّنِ كَذِبُهُ فَلَا يُمَكَّنُ من الْحَلِفِ على أَنَّهُ صَادِقٌ فَيُعَزَّرُ لَا لِلْقَذْفِ لِأَنَّهُ كَاذِبٌ فيه قَطْعًا فلم يُلْحِقْ بها عَارًا مَنْعًا له من الْإِيذَاءِ وَالْخَوْضِ في الْبَاطِلِ
وَأَمَّا في الثَّانِي فَلِأَنَّ اللِّعَانَ لِإِظْهَارِ الصِّدْقِ وهو ظَاهِرٌ فَلَا مَعْنَى له وَلِأَنَّ التَّعْزِيرَ فيه لِلسَّبِّ وَالْإِيذَاءِ فَأَشْبَهَ التَّعْزِيرَ بِقَذْفِ صَغِيرَةٍ لَا تُوطَأُ وَيُعَزَّرُ فِيهِمَا تَأْدِيبًا لَا تَكْذِيبًا له وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَدَّ اللَّازِمَ لِلزَّوْجِ يُلَاعِنُ لِدَفْعِهِ
وَالتَّعْزِيرُ اللَّازِمُ له نَوْعَانِ تَعْزِيرُ تَكْذِيبٍ وهو ما شُرِعَ في حَقِّ الْقَاذِفِ الْكَاذِبِ ظَاهِرًا كَأَنَّهُ يَكْذِبُ بِمَا تَجَرَّأَ عليه فَلَهُ اللِّعَانُ لِدَفْعِهِ وَتَعْزِيرُ تَأْدِيبٍ وهو أَنْ يَكُونَ كَذِبُهُ مَعْلُومًا أو صِدْقُهُ ظَاهِرًا فَلَا لِعَانَ فِيهِمَا بَلْ يُعَزَّرُ تَأْدِيبًا
سَاقِطٌ من أَكْثَرِ النُّسَخِ مع أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ
وَيُلَاعِنُ لِنَفْيِ وَلَدِ الْمُطَلَّقَةِ وولد الْعَافِيَةِ عن الْحَدِّ أو التَّعْزِيرِ وَلَوْ بَائِنَتَيْنِ لِأَنَّهُ قَذَفَهُمَا في الزَّوْجِيَّةِ وَبِهِ حَاجَةٌ إلَى إظْهَارِ الصِّدْقِ وَالِانْتِقَامِ مِنْهُمَا لِتَلْطِيخِهِمَا فِرَاشَهُ ثُمَّ ما كان من حَدٍّ
____________________
(3/377)
أو تَعْزِيرٍ مُعَلَّقًا بِطَلَبِ شَخْصٍ يَسْقُطُ بِعَفْوِهِ إذَا كان أَهْلًا له وَذِكْرُ مَسْأَلَةِ وَلَدِ الْمُطَلَّقَةِ هُنَا من زِيَادَتِهِ
فَلَوْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ فَعَفَتْ عن الْحَدِّ أو التَّعْزِيرِ وَإِنْ لم تَبِنْ منه أو سَكَتَتْ عن طَلَبِهِ وَعَنْ الْعَفْوِ أو ثَبَتَ زِنَاهَا وَلَا وَلَدَ في الْجَمِيعِ لم يُلَاعِنْ لِعَدَمِ ضَرُورَتِهِ إلَى اللِّعَانِ وَلِأَنَّ الْحَدَّ أو التَّعْزِيرَ إنَّمَا يُسْتَوْفَى بِطَلَبِهَا بِخِلَافِ اللِّعَانِ لِنَفْيِ الْوَلَدِ فإنه لَا يَتَوَقَّفُ على طَلَبِهَا فَرْعٌ لو قال زَنَى بِك مَمْسُوحٌ أو رَضِيعٌ أو قال لِرَتْقَاءَ أو قَرْنَاءَ زَنَيْت عُزِّرَ لِلْإِيذَاءِ وَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ لِتَيَقُّنِ كَذِبِهِ وَكَذَا الْحُكْمُ لو قال لِمَمْسُوحٍ زَنَيْت أو لِبَالِغٍ زَنَيْت وَأَنْت رَضِيعٌ وَلَوْ قال لِزَوْجَتِهِ زَنَيْت مُكْرَهَةً أو نَائِمَةً أو جَاهِلَةً بِالْحُكْمِ عُزِّرَ لِلْإِيذَاءِ وَلَا حَدَّ وَلَهُ اللِّعَانُ لِدَفْعِ التَّعْزِيرِ وَإِنْ لم يَكُنْ وَلَدٌ فَإِنْ قال أَكْرَهَك فُلَانٌ على الزِّنَا لَزِمَهُ الْحَدُّ له لِقَذْفِهِ إيَّاهُ وَلَهُ إسْقَاطُهُ بِاللِّعَانِ بِخِلَافِ ما إذَا قَذَفَهَا هِيَ وَأَجْنَبِيَّةٌ بِكَلِمَةٍ كَقَوْلِهِ زَنَيْتُمَا لم يَسْقُطْ حَدُّ الْأَجْنَبِيَّةِ بِاللِّعَانِ لِأَنَّ فِعْلَهَا يَنْفَكُّ عن فِعْلِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَلَا يَنْفَكُّ عن فِعْلِ الزَّانِي بها وَقَوْلُهُ لها وُطِئْت بِشُبْهَةٍ كَقَوْلِهِ زَنَيْت جَاهِلَةً في لُزُومِ التَّعْزِيرِ وَجَوَازِ اللِّعَانِ لَكِنْ إنْ كان ثَمَّ وَلَدٌ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ كان وَلَدٌ ولم يُعَيَّنْ الْوَاطِئُ بِالشُّبْهَةِ أو عَيَّنَهُ ولم يُصَدِّقْهُ لَاعَنَ لِنَفْيِهِ لِأَنَّ الْوَلَدَ حِينَئِذٍ لَا حَقَّ بِهِ فَهُوَ مُضْطَرٌّ إلَى نَفْيِهِ وَإِنْ صَدَّقَهُ في الْوَطْءِ وَادَّعَاهُ أَيْ الْوَلَدَ وَأُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ على الْوَطْءِ على ما سَيَأْتِي في بَابِ إلْحَاقِ الْقَائِفِ عُرِضَ على الْقَائِفِ فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِالْمُعَيَّنِ لَحِقَهُ وَلَا لِعَانَ وَإِلَّا بِأَنْ أَلْحَقَهُ بِالزَّوْجِ لَحِقَ الزَّوْجَ وَلَيْسَ له نَفْيُهُ بِاللِّعَانِ لِأَنَّهُ كان له طَرِيقٌ آخَرُ لِنَفْيِهِ وهو أَنْ يُلْحِقَهُ الْقَائِفُ بِالْمُعَيَّنِ فَتَعَيَّنَ وَلِهَذَا لَا يُلَاعِنُ لِنَفْيِ وَلَدِ الْأَمَةِ لِإِمْكَانِ نَفْيِهِ بِدَعْوَى الِاسْتِبْرَاءِ وَإِنْ أَشْكَلَ الْحَالُ على الْقَائِفِ بِأَنْ تَحَيَّرَ أو أَلْحَقَهُ بِهِمَا أو نَفَاهُ عنهما أو لم يَكُنْ قَافَةٌ انْتَظَرَ بُلُوغَهُ لِيَنْتَسِبَ إلَى أَحَدِهِمَا فَإِنْ انْتَسَبَ إلَيْهِ أَيْ إلَى الزَّوْجِ فَلَهُ نَفْيُهُ بِاللِّعَانِ لِتَعَيُّنِهِ الْآنَ طَرِيقًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ التي قَبْلَهَا مُشْكِلٌ كما نَبَّهَ عليه الرَّافِعِيُّ لَا جَرَمَ جَزَمَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيِّ وابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُلَاعِنَ إذَا أَلْحَقَهُ بِهِ الْقَائِفُ وَصَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ وقال ما في الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عن الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ ليس بِمُعْتَمَدٍ بَلْ له اللِّعَانُ كما جَزَمَ بِهِ جَمْعٌ من الْأَصْحَابِ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِفِ إنَّمَا جُعِلَ حُجَّةً لِأَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ لَا أَنَّهُ أَثْبَتَ نَسَبًا لَازِمًا على مُنْكِرٍ انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّ إلْحَاقَ الْقَائِفِ أَقْوَى من الِانْتِسَابِ كما مَرَّ أَمَّا إذَا انْتَسَبَ إلَى الْمُعَيَّنِ فَيَنْقَطِعُ نَسَبُهُ عن الزَّوْجِ بِلَا لِعَانٍ فَرْعٌ لو نَسَبَهَا إلَى زِنًا لم يُشْتَرَطْ لِجَوَازِ اللِّعَانِ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْقَذْفِ رَأَيْتهَا تَزْنِي بَلْ له اللِّعَانُ وَإِنْ قال زَنَيْت أو يا زَانِيَةُ أو قال وَهِيَ غَائِبَةٌ فُلَانَةُ زَانِيَةٌ وَلَا أَنْ يَقُولَ اسْتَبْرَأْتهَا بَعْدَ الْوَطْءِ بَلْ له اللِّعَانُ وَإِنْ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا في طُهْرٍ قَذَفَهَا فيه بِالزِّنَا وَذَلِكَ لِإِطْلَاقِ آيَةِ اللِّعَانِ وَلِأَنَّ اللِّعَانَ حُجَّةٌ يَخْرُجُ بها عن مُوجَبِ الْقَذْفِ الْمُقَيَّدِ فَكَذَا عن الْمُطْلَقِ كَالْبَيِّنَةِ وَلَوْ قال لها زَنَيْت بِفُلَانٍ وهو ظَانٌّ أَنَّك زَوْجَتُهُ فَقَاذِفٌ لها فَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ وَلَهُ إسْقَاطُهُ بِاللِّعَانِ فَإِنْ كان ثَمَّ وَلَدٌ وَنَسَبَهُ إلَيْهِ أَيْ إلَى وَطْءِ فُلَانٍ الْمَذْكُورِ فَكَالنِّسْبَةِ إلَى وَطْءِ الشُّبْهَةِ في لُزُومِ التَّعْزِيرِ وَجَوَازِ اللِّعَانِ لِنَفْيِ الْوَلَدِ إنْ لم يُصَدِّقْهُ الْمَذْكُورُ فَإِنْ صَدَّقَهُ عُرِضَ على الْقَائِفِ كما مَرَّ هذا دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ وَإِنْ اقْتَصَرَ على قَوْلِهِ ليس هذا الْوَلَدُ مِنِّي لم يُلَاعِنْ حتى يُبَيِّنَ في قَذْفِهِ السَّبَبَ الذي يُسْنِدُ إلَيْهِ نَفْيَ الْوَلَدِ من كَوْنِهِ زِنًا أو وَطْءَ شُبْهَةٍ أو نَحْوَهُمَا بَلْ يَلْحَقُ الْوَلَدُ بِالْفِرَاشِ وَذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ بِهِ عَدَمَ الْمُشَابَهَةِ خَلْقًا فَإِنْ قُلْت يَلْزَمُ من ذلك أَنَّهُ لو جَهِلَ السَّبَبَ تَعَذَّرَ النَّفْيُ لِتَعَذُّرِ بَيَانِ السَّبَبِ قُلْنَا مَمْنُوعٌ إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ هذا الْوَلَدُ حَصَلَ من وَطْءِ غَيْرِي أو عَلِقَتْ بِهِ من غَيْرِي أو نَحْوَهُ وَأَجَابَ في الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّهُ يَنْسُبُهُ إلَى وَطْءٍ غَيْرِ حَلَالٍ أَيْ مع قَوْلِهِ ليس مِنِّي فَيَشْتَمِلُ الزِّنَا وهو ظَاهِرٌ وَوَطْءَ الشُّبْهَةِ لِأَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِحِلٍّ قال وَهَذَا الْجَوَابُ مُسْتَفَادٌ من كَلَامِ الْإِمَامِ انْتَهَى لَكِنْ ما قَالَهُ لَا يَشْمَلُ وَطْءَ زَوْجٍ سَابِقٍ
فَصْلٌ لو قَذَفَهَا أَيْ زَوْجَتَهُ بِمُعَيَّنٍ أو مُعَيَّنَيْنِ وَذَكَرَهُمْ في اللِّعَانِ بِأَنْ قال أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ من الزِّنَا بِفُلَانٍ أو بِفُلَانٍ وَفُلَانٍ وَفُلَانٍ سَقَطَ الْحَدُّ عنه أَمَّا سُقُوطُ حَدِّ قَذْفِهَا فَلِآيَةِ وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ إذْ ظَاهِرُهَا أَنَّ لِعَانَهُ كَشَهَادَةِ الشُّهُودِ في سُقُوطِ الْحَدِّ بِهِ وَأَمَّا سُقُوطُ حَدِّ قَذْفِهِمْ فَلِأَنَّ الْوَاقِعَةَ وَاحِدَةٌ وقد قَامَتْ فيها حُجَّةٌ مُصَدِّقَةٌ فَانْتَهَضَتْ شُبْهَةٌ دَارِئَةٌ لِلْحَدِّ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَذْكُرْهُمْ في لِعَانِهِ
____________________
(3/378)
فَلَا يَسْقُطُ عنه حَدُّ قَذْفِهِمْ كما في الزَّوْجَةِ لو تَرَكَ ذِكْرَهَا لَكِنْ له أَنْ يُعِيدَ اللِّعَانَ وَيَذْكُرَهُمْ لِإِسْقَاطِهِ عنه فَإِنْ لم يُلَاعِنْ وَلَا بَيِّنَةَ وَحُدَّ بِقَذْفِهَا بِطَلَبِهَا فَطَالَبَهُ الرَّجُلُ بِالْحَدِّ وَقُلْنَا يَجِبُ عليه حَدَّانِ حَدٌّ لها وَحَدٌّ لِلرَّجُلِ وهو الْأَصَحُّ فَلَهُ اللِّعَانُ لِإِسْقَاطِ حَدِّ قَذْفِ الرَّجُلِ وَهَلْ تَتَأَبَّدُ الْحُرْمَةُ لِلزَّوْجَةِ بِاللِّعَانِ لِأَجْلِهِ أَيْ الرَّجُلِ فَقَطْ أو لَا وَجْهَانِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ قال الْبَغَوِيّ قِيلَ يَتَأَبَّدُ التَّحْرِيمُ وَيَحْتَمِلُ خِلَافُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَنْقُولَ تَأَبُّدُ الْحُرْمَةِ
وَلَوْ ابْتَدَأَ الرَّجُلُ فَطَالَبَهُ بِحَدِّ قَذْفِهِ ولم تُطَالِبْهُ هِيَ فَهَلْ له اللِّعَانُ لِإِسْقَاطِ حَدِّهِ أو لَا وَجْهَانِ قال في الْأَصْلِ وقد بَيَّنَّا على خِلَافٍ في أَنَّ حَقَّهُ يَثْبُتُ أَصْلًا أو تَابِعًا لِحَقِّهَا انْتَهَى
وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَثْبُتُ أَصْلًا وَإِنْ عَفَا أَحَدُهُمَا عن حَقِّهِ فَلِلْآخَرِ الْمُطَالَبَةُ بِحَقِّهِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَقُلْنَا الْوَاجِبُ حَدٌّ أَمْ حَدَّانِ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَتَبَعَّضُ وَلِذَلِكَ قُلْنَا أَنَّهُ إذَا عَفَا بَعْضُ وَرَثَةِ الْمَقْذُوفِ عن الْحَدِّ كان لِلْآخَرَيْنِ اسْتِيفَاؤُهُ بِتَمَامِهِ وَلِلزَّوْجِ إسْقَاطُهُ بِاللِّعَانِ فَرْعٌ لو قَذَفَ امْرَأَتَهُ أو أَجْنَبِيَّةً عِنْدَ الْحَاكِمِ بِزَيْدٍ فَعَلَى الْحَاكِمِ إعْلَامُ زَيْدٍ بِذَلِكَ لِيُطَالِبَ بِحَقِّهِ إنْ شَاءَ وَإِنْ أَقَرَّ له أَيْ لِشَخْصٍ بِمَالٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ لم يَلْزَمْهُ إعْلَامُهُ بِذَلِكَ وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْحَدِّ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَيُعْلِمُهُ لِيَسْتَوْفِيَ إنْ شَاءَ بِخِلَافِ الْمَالِ فَصْلٌ لو قَذَفَ جَمَاعَةً بِكَلِمَاتٍ فَلِكُلٍّ منهم حَدٌّ وَكَذَا لو قَذَفَهُمْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ من الْحُقُوقِ الْمَقْصُودَةِ لِلْآدَمِيِّينَ فَلَا تَتَدَاخَلُ كَالدُّيُونِ وَلِدُخُولِ الْعَارِ على كُلٍّ منهم وَقَذَفَهُمْ بِكَلِمَةٍ كَيَا بِنْتَ الزَّانِيَيْنِ فَهُوَ قَذْفٌ لِأَبَوَيْهَا وَكَأَنْتُمْ زُنَاةٌ وَيَتَعَدَّدُ اللِّعَانُ بِتَعَدُّدِ الْمَقْذُوفَاتِ وَلَوْ بِكَلِمَةٍ إنْ كُنَّ زَوْجَاتٍ لِمَا مَرَّ آنِفًا فَإِنْ رَضِينَ بِلِعَانٍ وَاحِدٍ لم يَجُزْ لِعَانٌ وَاحِدٌ عن وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إنْ ذَكَرَهُنَّ في اللِّعَانِ مَعًا بِإِشَارَةٍ أو غَيْرِهَا كما لو رضي الْمُدَّعُونَ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ وَلَيْسَ بَعْضُهُمْ أَوْلَى من بَعْضٍ وَإِنْ رَتَّبَ ذِكْرَهُنَّ وَقَعَ اللِّعَانُ لِلْأُولَى لِسَبْقِهَا فَإِنْ تَنَازَعْنَ الْبُدَاءَةَ وهو أَيْ الْقَذْفُ بِكَلِمَاتٍ بَدَأَ بِمَنْ قُذِفَتْ أَوَّلًا أو بِكَلِمَةٍ أَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ وَلَوْ قَدَّمَ الْحَاكِمُ إحْدَاهُنَّ بِاللِّعَانِ بِلَا قَصْدِ إيثَارٍ أَيْ تَفْضِيلٍ لِبَعْضِهِنَّ على بَعْضٍ جَازَ وَإِنْ قَصَدَ الْإِيثَارَ لم يَجُزْ
وَإِنْ قال لِامْرَأَةٍ يا زَانِيَةُ بِنْتُ الزَّانِيَةِ أو زَنَيْت وَزَنَتْ أُمُّك وَجَبَ عليه حَدَّانِ لَهُمَا وَقُذِفَتْ الْبِنْتُ بِالْحَدِّ لِسَبْقِ قَذْفِهَا مع تَسَاوِيهِمَا في أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَسْقُطُ حَدُّهَا بِاللِّعَانِ فَلَوْ كانت من بَدَأَ بِقَذْفِهَا زَوْجَتَهُ قُدِّمَتْ الْأُمُّ لِأَنَّ حَدَّهَا أَقْوَى فإنه لَا يَسْقُطُ بِاللِّعَانِ وَيُؤْخَذُ منه تَقْدِيمُ الْأَجْنَبِيَّةِ الْمَقْذُوفَةِ مع الزَّوْجَةِ وَتُقَدَّمُ من بَدَأَ بِقَذْفِهَا مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كانت الزَّانِيَةُ زَوْجَتَهُ أَمْ لَا إنْ قال يا زَانِيَةُ أُمُّ الزَّانِيَةِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي لِتَقْدِيمِهَا بِكُلِّ حَالٍ
فَصْلٌ لو ادَّعَتْ امْرَأَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا قَذَفَهَا ولم يَعْتَرِفْ بِهِ بِأَنْ سَكَتَ أو قال في الْجَوَابِ لَا يَلْزَمُنِي الْحَدُّ فَأَقَامَتْ بَيِّنَةً بِقَذْفِهِ لها لَاعَنَ وَإِنْ كان قد أَنْكَرَ الْقَذْفَ وقال ما رَمَيْتُك لِاحْتِمَالِ التَّأْوِيلِ بِأَنَّ الصِّدْقَ ليس بِرَمْيٍ أو بِأَنَّ ما رَمَيْتُك بِهِ ليس بِقَذْفٍ بَاطِلٍ بَلْ هو صِدْقٌ فَالسُّكُوتُ وَقَوْلُهُ لَا يَلْزَمُنِي الْحَدُّ وَإِنْكَارُهُ الْقَذْفَ مع التَّأْوِيلِ أو احْتِمَالِهِ له لَيْسَتْ إنْكَارًا لِلْقَذْفِ وَلَا تَكْذِيبًا لِلْبَيِّنَةِ في الْحَقِيقَةِ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ مَرْدُودٌ عليه بِالْبَيِّنَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لم يُنْكِرْ وَيَقُولُ في لِعَانِهِ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا أَثْبَتَتْ عَلَيَّ من رَمْيِ إيَّاهَا بِالزِّنَا وَإِنْ كان قال بَدَلَ ما ذَكَرَ ما زَنَيْت وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً بِقَذْفِهِ لها حُدَّ ولم يُلَاعِنْ لِأَنَّهُ شَهِدَ بِعِفَّتِهَا فَكَيْفَ تَحَقَّقَ زِنَاهَا بِلِعَانِهِ ولم تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ بِزِنَاهَا حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِبَيِّنَتِهِ بِقَوْلِهِ ما زَنَيْت وَشُبِّهَ بِمَا إذَا أَنْكَرَ الْمُودِعُ أَصْلَ الْإِيدَاعِ فَأُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عليه فَادَّعَى التَّلَفَ أو الرَّدَّ وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ فَإِنْ أَنْشَأَ وَالْحَالَةُ هذه قَذْفًا بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ بَعْدَ الدَّعْوَى وَالْجَوَابُ يُمْكِنُ فيه الزِّنَا فَلَهُ اللِّعَانُ وَيَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ الْأَوَّلُ الذي قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ كَالثَّانِي وَإِنْ أَنْشَأَهُ قبل ذلك فَلَا لِعَانَ له مُؤَاخَذَةً له بِإِقْرَارِهِ بِبَرَاءَتِهَا فَرْعٌ لو امْتَنَعَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ من اللِّعَانِ ثُمَّ طَلَبَهُ في أَثْنَاءِ الْحَدِّ أو قَبْلَهُ مُكِّنَ منه فَيَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ أو ما بَقِيَ منه كما في الْبَيِّنَةِ وَأُلْحِقَ اللِّعَانُ بها في هذا وَإِنْ كان يَمِينًا لِمُشَابَهَتِهِ لها من حَيْثُ إنَّ الزَّوْجَ يَأْتِي بِهِ من غَيْرِ
____________________
(3/379)
أَنْ يُطْلَبَ منه وَيُؤَثِّرُ في إثْبَاتِ الْحَدِّ عليها كَالْبَيِّنَةِ ولم يَلْحَقْ بِالْيَمِينِ في امْتِنَاعِ الْعَوْدِ إلَيْهَا بَعْدَ النُّكُولِ لِأَنَّهَا بِالنُّكُولِ تَنْتَقِلُ إلَى الْمُدَّعِي فَفِي تَمْكِينِ الْمُدَّعَى عليه بَعْدَ الِانْتِقَالِ إبْطَالُ حَقِّهِ وَاللِّعَانُ بِالِامْتِنَاعِ عنه لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْغَيْرِ وَكَالْحَدِّ فِيمَا ذَكَرَ التَّعْزِيرُ لَا إنْ طَلَبَهُ بَعْدَهُ فَلَا يُمَكَّنُ منه لِأَنَّهُ قد ظَهَرَ كَذِبُهُ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عليه إلَّا إنْ كان ثَمَّ وَلَدٌ وَالطَّالِبُ له الزَّوْجُ فَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لِنَفْيِهِ
فَصْلٌ لو قال لِزَوْجَتِهِ زَنَيْت وَأَنْت صَغِيرَةٌ وَجَبَ التَّعْزِيرُ لِلْإِيذَاءِ فَيُسْأَلُ عن بَيَانِ الصِّغَرِ فَإِنْ ذَكَرَ سِنًّا يَحْتَمِلُ الْوَطْءَ لَاعَنَ لِإِسْقَاطِ التَّعْزِيرِ وَإِلَّا بِأَنْ ذَكَرَ سِنًّا لَا يَحْتَمِلُهُ أو لم يذكر شيئا فَلَا يُلَاعِنُ كما مَرَّ وَمَسْأَلَةُ ما إذَا لم يذكر شيئا من زِيَادَتِهِ وَإِنْ قال زَنَيْت وَأَنْت مَجْنُونَةٌ أو كَافِرَةٌ أو أَمَةٌ وَعُرِفَ لها حَالٌ كَذَلِكَ أو ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أو إقْرَارٍ عُزِّرَ وَلَا حَدَّ عليه وَلَاعَنَ لِإِسْقَاطِ التَّعْزِيرِ وَإِنْ عُلِمَ وِلَادَتُهَا في الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةُ وَسَلَامَةُ عَقْلِهَا حُدَّ لِلْقَذْفِ الصَّرِيحِ وَتُلْغَى الْإِضَافَةُ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ وَإِلَّا بِأَنْ لم يُعْلَمْ حَالُهَا وَاخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ من حَالِ من في دَارِ الْإِسْلَامِ الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْغَالِبُ سَلَامَةُ الْعَقْلِ وَيُؤْخَذُ منه أنها لو كانت بِدَارِ الْحَرْبِ لم يُقْبَلْ قَوْلُهَا في صُورَتَيْ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ فَتَحْلِفُ أَنِّي ما كُنْت كَذَلِكَ وَيُحَدُّ هو وَإِنْ نَكَلَتْ حَلَفَ وَعُزِّرَ وَكَذَا الْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا إنْ قال لها أَنْت الْآنَ أَمَةٌ فَأَنْكَرَتْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْحُرِّيَّةُ لَا إنْ قال أَنْت الْآنَ كَافِرَةٌ فَأَنْكَرَتْ فَلَا تَفْتَقِرُ إلَى يَمِينٍ بَلْ تَصِيرُ مُسْلِمَةً بِلَا يَمِينٍ لِأَنَّهَا إذَا قالت أنا مُسْلِمَةٌ حُكِمَ بِإِسْلَامِهَا وهو هُنَا إخْبَارٌ لَا إنْشَاءٌ وَالْأَصْلُ في الدَّارِ الْإِسْلَامُ فَلَوْ قالت أَرَدْت بِقَوْلِك لي وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أو مَجْنُونَةٌ أو كَافِرَةٌ أو أَمَةٌ وَصْفِي بِالصِّغَرِ أو الْجُنُونِ أو الْكُفْرِ أو الرِّقِّ وَقَذْفِي في الْحَالِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْوَاوَ في مِثْلِ ذلك لِلْحَالِ وَالسَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ تَعْلِيقُ الزِّنَا بِتِلْكَ الْحَالَةِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ في ذلك فَعَنْ الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا وَاسْتَبْعَدَهُ ابن الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ فَتَرْجِيحُ الثَّانِي من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَنَقَلَهُ عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ في صُورَةِ الْكُفْرِ وَمَتَى قال لها زَنَيْت وقال بَعْدَهُ أَرَدْت وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أو مَجْنُونَةٌ أو كَافِرَةٌ أو أَمَةٌ لم يُقْبَلْ منه وَإِنْ عُهِدَ لها تِلْكَ الْحَالَةُ لِأَنَّهُ قَذْفٌ في الْحَالِ ظَاهِرُهُ يُوجِبُ الْحَدَّ وَإِنْ قال هِيَ تَعْلَمُ أَنِّي أَرَدْته حَلَفَتْ على نَفْيِ الْعِلْمِ وَحُدَّ لها وَإِنْ عُهِدَ لها تِلْكَ الْحَالَةُ وَيُلَاعِنُ لِنَفْيِ وَلَدِ مَجْنُونَةٍ قَذَفَهَا كَوَلَدِ الْعَاقِلَةِ فَإِنْ لَاعَنَ لِنَفْيِ الْوَلَدِ أو غَيْرِهِ وَقَذَفَهَا عَاقِلَةً أو مَجْنُونَةً لَكِنْ أَضَافَ زِنَاهَا إلَى حَالَةِ الْعَقْلِ ثُمَّ أَفَاقَتْ ولم تُلَاعِنْ حُدَّتْ فَإِنْ لَاعَنَتْ سَقَطَ عنها الْحَدُّ
الطَّرَفُ الثَّانِي في صِفَةِ الْمُلَاعِنِ وَلَهُ شَرْطَانِ الْأَوَّلُ أَهْلِيَّةُ الْيَمِينِ لِأَنَّ اللِّعَانَ يَمِينٌ مُؤَكَّدٌ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ لِآيَةِ اللِّعَانِ مع قَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِهِلَالِ بن أُمَيَّةَ احْلِفْ بِاَللَّهِ الذي لَا إلَهَ إلَّا هو إنَّك لَصَادِقٌ وَلَا يُنَافِي في ذلك ما يَأْتِي في الْأَيْمَانِ أَنَّ لَفْظَ الشَّهَادَةِ كِنَايَةٌ في الْيَمِينِ وَلَا مُطْلِعَ لِلْقَاضِي عليها لِأَنَّ الْمُعَوَّلَ هُنَا على نِيَّةِ الْقَاضِي فإذا أَمَرَهُ أَنْ يَحْلِفَ بِالْكِنَايَةِ فَحَلَفَ وَأَطْلَقَ انْعَقَدَتْ بِيَمِينِهِ اعْتِبَارًا بِنِيَّةِ الْقَاضِي الْوَاقِعَةِ في مَجْلِسِ الْحُكْمِ إذَا تَقَرَّرَ ذلك فَلَا لِعَانَ بِقَذْفِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُكْرَهٍ وَلَا عُقُوبَةَ عليهم نعم يُعَزَّرُ الْمُمَيِّزُ من الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَيَسْقُطُ عنه بِبُلُوغِهِ وَإِفَاقَتِهِ لِأَنَّهُ كان لِلزَّجْرِ عن سُوءِ الْأَدَبِ وقد حَدَثَ له زَاجِرٌ أَقْوَى منه وهو التَّكْلِيفُ وَيُلَاعِنُ الذِّمِّيُّ وَالرَّقِيقُ وَالْمَحْدُودُ بِالْقَذْفِ وَكَذَا الذِّمِّيَّةُ وَالرَّقِيقَةُ وَالْمَحْدُودَةُ بِالْقَذْفِ لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ فَرْعٌ لو قَذَفَ زَوْجَتَهُ الذِّمِّيَّةَ وَتَرَافَعَا إلَيْنَا وَلَاعَنَ دُونَهَا حُدَّتْ وَلَوْ كان ذِمِّيًّا ولم تَرْضَ هِيَ بِحُكْمِنَا فَإِنْ لم يُلَاعِنْهَا عُزِّرَ لها وَإِنْ لم يَرْضَ هو بِحُكْمِنَا بِنَاءً على وُجُوبِ الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا الشَّرْطُ الثَّانِي الزَّوْجِيَّةُ فَلَا لِعَانَ لِأَجْنَبِيٍّ إذَا لم يَكُنْ وَلَدٌ بِقَرِينَةِ ما يَأْتِي إذْ لَا ضَرُورَةَ له إلَى الْقَذْفِ بِخِلَافِ الزَّوْجِ وَمِنْ الْأَجْنَبِيِّ السَّيِّدُ مع أَمَتِهِ وَالرَّجْعِيَّةُ كَالزَّوْجَةِ في جَوَازِ اللِّعَانِ كما في الطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ وَغَيْرِهِمَا سَوَاءٌ أَقَذَفَهَا قبل طَلَاقِهَا أَمْ بَعْدَهُ وَيَتَرَتَّبُ على لِعَانِهِ منها أَحْكَامُهُ من غَيْرِ تَوَقُّفٍ على رَجْعَتِهَا ما لو آلَى أو ظَاهَرَ منها لِأَنَّ الْمُضَارَّةَ في الْإِيلَاءِ منها مُنْتَفِيَةٌ بِحُرْمَتِهَا عليه وَالْكَفَّارَةُ في الظِّهَارِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَوْدِ وهو إنَّمَا يَحْصُلُ بِالرَّجْعَةِ وَأَمَّا اللِّعَانُ فَمَدَارُهُ على الْفِرَاشِ وَلُحُوقِ النَّسَبِ وَالرَّجْعِيَّةُ فِيهِمَا كَالْمَنْكُوحَةِ وفي التَّأْخِيرِ خَطَرُ
____________________
(3/380)
الْفَوَاتِ بِالْمَوْتِ فلم يَتَوَقَّفْ أَمْرُهُ على الرَّجْعَةِ
وَمَنْ ارْتَدَّ بَعْدَ الدُّخُولِ بِزَوْجَتِهِ ثُمَّ قَذَفَ هَا وَلَاعَنَ في الْعِدَّةِ جَازَ إنْ أَسْلَمَ فيها وَلَوْ بَعْدَ لِعَانِهِ لِوُقُوعِهِ في النِّكَاحِ وَالْكَافِرُ يَصِحُّ لِعَانُهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُسْلِمْ فيها بَانَ أَنَّ لِعَانَهُ وَقَعَ في حَالِ الْبَيْنُونَةِ فَيُحَدُّ إنْ لم يَنْفِ بِهِ وَلَدًا وَإِلَّا فَلَا حَدَّ وَتَقْيِيدُهُمْ ما ذَكَرَ بِتَأْخِيرِ الْقَذْفِ عن الرِّدَّةِ كما أَفَادَهُ تَعْبِيرُهُ بِثُمَّ إنَّمَا مَحَلُّهُ إذَا لم يُسْلِمْ في الْعِدَّةِ لِيَخْرُجَ بِهِ ما لو قَذَفَهَا قبل الرِّدَّةِ ثُمَّ لَاعَنَ فيها فإنه يَصِحُّ كما لو قَذَفَ زَوْجَتَهُ ثُمَّ أَبَانَهَا كما سَيَأْتِي أَمَّا إذَا أَسْلَمَ فيها فَلَا فَرْقَ بين تَأْخِيرِ الْقَذْفِ عن الرِّدَّةِ وَتَقْدِيمِهِ عليها وَبِذَلِكَ عُرِفَ ما في كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ فَرْعٌ لو قَذَفَهَا ثُمَّ أَبَانَهَا تَلَاعَنَا كَالزَّوْجَيْنِ سَوَاءٌ أَلَاعَنَهَا الزَّوْجُ لِنَفْيِ الْوَلَدِ أَمْ لِإِسْقَاطِ عُقُوبَةٍ وَكَذَا له أَنْ يُلَاعِنَهَا إنْ قَذَفَهَا ثُمَّ مَاتَتْ وَلَوْ عَبَّرَ بِبَانَتْ كان أَعَمَّ وَأَخْصَرَ فَرْعٌ لو قَذَفَ الْمَفْسُوخَ نِكَاحُهَا أو الْمُطَلَّقَةَ الْبَائِنُ بِخُلْعٍ أو طَلَاقِ ثَلَاثٍ أو انْقِضَاءِ عِدَّةٍ بِزِنًا أو مُضَافٍ إلَى حَالَةِ النِّكَاحِ أو قَذَفَ من وَطِئَهَا في نِكَاحٍ فَاسِدٍ أو ظَانًّا أنها زَوْجَتُهُ أو أَمَتُهُ لم يُلَاعِنْ كَالْأَجْنَبِيِّ وَلِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى الْقَذْفِ هُنَا وَلَوْ حَذَفَ لَفْظَ الْمُطَلَّقَةِ كان أَخَصْرَ وَأَوْلَى لِيَتَنَاوَلَ الْمُنْفَسِخَ نِكَاحُهَا بِفَسْخٍ أو بِدُونِهِ هذا إنْ لم يَكُنْ هُنَاكَ وَلَدٌ وَلَا حَمْلٌ فَإِنْ كان هُنَاكَ وَلَدٌ مُنْفَصِلٌ لَاعَنَ لِنَفْيِهِ وَكَذَا إنْ كان هُنَاكَ حَمْلٌ لِأَنَّهُ نَسَبٌ لَاحِقٌ لَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَكَانَ له نَفْيُهُ بِاللِّعَانِ كما في النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَيَسْقُطُ عنه حَدُّ الْقَذْفِ تَبَعًا لِأَنَّ اللِّعَانَ حُجَّةٌ يَثْبُتُ بها الزِّنَا فَكَيْفَ نَقْبَلُهَا في نَفْيِ النَّسَبِ وَنُوجِبُ الْحَدَّ معه وَلَا حَدَّ عليها بِلِعَانِهِ إنْ لم لم يَكُنْ أَضَافَ الزِّنَا إلَى نِكَاحِهِ بِقَرِينَةِ ما يَأْتِي فَلَا يُلَاعِنُ مُعَارَضَةً لِلِعَانِهِ لِأَنَّ لِعَانَهُ لِنَفْيِ النَّسَبِ وَذَلِكَ لَا يَتَعَلَّقُ بها وَتَتَأَبَّدُ الْحُرْمَةُ بهذا اللِّعَانِ لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا وَلِأَنَّ اللِّعَانَ مَعْنًى لو وُجِدَ في صُلْبِ النِّكَاحِ أَوْجَبَ تَأَبُّدَ الْحُرْمَةِ فَكَذَا إذَا وُجِدَ خَارِجَهُ كَالرَّضَاعِ فَإِنْ كان قال زَنَيْت في نِكَاحِي وَجَبَ الْحَدُّ عليها بِلِعَانِهِ لِقُوَّةِ شَبَهِ لِعَانِهِ هُنَا بِلِعَانِهِ في النِّكَاحِ لِإِضَافَةِ الزِّنَا إلَيْهِ وَتُسْقِطُهُ بِاللِّعَانِ فَإِنْ بَانَ في صُورَةِ اللِّعَانِ لِنَفْيِ الْحَمْلِ أَنْ لَا حَمْلَ فَسَدَ لِعَانُهُ أَيْ تَبَيَّنَّا فَسَادَهُ وَحُدَّ وَكَذَا لو لَاعَنَ زَوْجٌ وَلَا وَلَدَ وَبَانَ بَعْدَ لِعَانِهِ فَسَادُ نِكَاحِهِ تَبَيَّنَّا فَسَادَ لِعَانِهِ وَحُدَّ فَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ من أَحْكَامِهِ كَتَأَبُّدِ الْحُرْمَةِ وَسُقُوطِ الْعُقُوبَةِ عن الزَّوْجِ فَرْعٌ لو قَذَفَهَا في النِّكَاحِ بِزِنًا إضَافَةً إلَى ما قَبْلَهُ لم يُلَاعِنْ وَلَوْ كان ثَمَّ وَلَدٌ لِأَنَّهُ إنْ لم يَكُنْ وَلَدٌ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى الْقَذْفِ وَإِلَّا فَلِتَقْصِيرِهِ بِذِكْرِ التَّارِيخِ وكان حَقُّهُ أَنْ يُطْلِقَ الْقَذْفَ ولكن له إنْشَاءُ قَذْفٍ مُطْلَقٍ وَيُلَاعِنُ لِنَفْيِ النَّسَبِ بَلْ يَجِبُ عليه ذلك إنْ تَحَقَّقَهُ فَإِنْ لم يَفْعَلْ حُدَّ وما ذَكَرَهُ من عَدَمِ اللِّعَانِ إذَا كان له وَلَدٌ هو ما صَحَّحَهُ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وقال في الرَّوْضَةِ إنَّهُ أَقْوَى لَكِنْ نَقَلَ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ تَرْجِيحَ مُقَابِلِهِ عن الْأَكْثَرِينَ وقال في الْمُهِمَّاتِ إنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ لِأَنَّهُ قد يَظُنُّ الْوَلَدَ من ذلك الزِّنَا فَيَنْفِيهِ بِاللِّعَانِ وَعَلَيْهِ لَا يَجِبُ بِلِعَانِهِ على الْمَرْأَةِ حَدُّ الزِّنَا في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وهو الْأَوْجُهُ لِأَنَّهَا لم تُلَطِّخْ فِرَاشَهُ حتى يَنْتَقِمَ منها بِاللِّعَانِ وَيَسْقُطُ الْحَدُّ عنه بِلِعَانِهِ وَلَيْسَ لها أَنْ تُلَاعِنَ مُعَارَضَةً لِلِعَانِهِ فَصْلٌ لو قَذَفَ من لَاعَنَهَا عُزِّرَ فَقَطْ إنْ قَذَفَهَا بِذَلِكَ الزِّنَا أو أَطْلَقَ لِأَنَّا قد صَدَّقْنَاهُ فيه وَإِنَّمَا عُزِّرَ لِلْإِيذَاءِ فَإِنْ قَذَفَهَا بِزِنًا آخَرَ عُزِّرَ أَيْضًا فَقَطْ إنْ حُدَّتْ بِلِعَانِهِ لِكَوْنِهَا لم تُلَاعِنْ لِلِعَانِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ لِعَانَهُ في حَقِّهِ كَالْبَيِّنَةِ فَلَا يُحَدُّ وَإِنَّمَا عُزِّرَ لِلْإِيذَاءِ وَحُدَّ إنْ لَاعَنَتْ سَوَاءٌ أَقَذَفَهَا بِذَلِكَ بَعْدَ اللِّعَانِ أَمْ قَبْلَهُ في النِّكَاحِ أَمْ قَبْلَهُ كما يُحَدُّ لِلْأَجْنَبِيَّةِ وَاللِّعَانُ إنَّمَا يُسْقِطُ الْحَصَانَةَ إذَا لم يُعَارِضْهُ لِعَانُهَا فإذا عَارَضَهُ بَقِيَتْ الْحَصَانَةُ بِحَالِهَا على أَنَّ اللِّعَانَ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ فَيَخْتَصُّ أَثَرُهَا بِذَلِكَ الزِّنَا كما يَخْتَصُّ بِالزَّوْجِ وَلَيْسَ له إسْقَاطُ الْعُقُوبَةِ من تَعْزِيرٍ أو حَدٍّ بِاللِّعَانِ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِلِعَانِ الْقَذْفِ الْأَوَّلِ وَلَا وَلَدَ وَإِنْ حُدَّ بِالْقَذْفِ الْأَوَّلِ ولم يُلَاعِنْ ثُمَّ أَعَادَهُ أَيْ الْقَذْفَ بِذَلِكَ الزِّنَا عُزِّرَ تَأْدِيبًا لِلْإِيذَاءِ فَلَا يُحَدُّ لِظُهُورِ كَذِبِهِ بِالْحَدِّ الْأَوَّلِ وَلَا يُلَاعِنُ لِإِسْقَاطِ التَّعْزِيرِ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أو قَذَفَهَا بِغَيْرِهِ أَيْ بِزِنًا غَيْرِ ذلك الزِّنَا فَلَا لِعَانَ لِإِسْقَاطِ الْعُقُوبَةِ لِظُهُورِ كَذِبِهِ بِالْحَدِّ وَهَلْ يُحَدُّ لِأَنَّ كَذَّبَهُ في الْأَوَّلِ لَا يُوجِبُ كَذِبَهُ في الثَّانِي فَوَجَبَ الْحَدُّ لِدَفْعِ الْعَارِ أو يُعَزَّرُ لِظُهُورِ كَذِبِهِ بِالْحَدِّ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي أَخْذًا من عُمُومِ ما يَأْتِي فِيمَنْ قَذَفَ شَخْصًا فَحُدَّ ثُمَّ
____________________
(3/381)
قَذَفَهُ ثَانِيًا وَيُحَدُّ بِقَذْفِهَا الْأَجْنَبِيُّ وَلَوْ بِمَا حُدَّتْ فيه بِمَعْنَى بِهِ أَيْ بِسَبَبِهِ لِأَنَّ اللِّعَانَ صُورَتُهُ تَخْتَصُّ بِالزَّوْجِ فَيَقْتَصِرُ أَثَرُهُ عليه وَلِأَنَّ زِنَاهَا فِيمَا إذَا لم يَكُنْ لِعَانٌ من الزَّوْجِ لم يَثْبُتْ بِحَالٍ فَهُوَ كما لو قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ فَحُدَّ ثُمَّ قَذَفَهَا آخَرُ وَسَوَاءٌ في الزَّوْجِ وَالْأَجْنَبِيِّ كان ثَمَّ وَلَدٌ فَنَفَاهُ بِاللِّعَانِ وَبَقِيَ أو مَاتَ أو لم يَكُنْ
فَرْعٌ لَا يَتَكَرَّرُ الْحَدُّ بِتَكَرُّرِ الْقَذْفِ وَلَوْ صَرَّحَ فيه بِزِنًا آخَرَ أو قَصَدَ بِهِ الِاسْتِئْنَافَ أو غَايَرَ بين الْأَلْفَاظِ لِاتِّحَادِ الْمَقْذُوفِ وَالْحَدُّ الْوَاحِدُ يُظْهِرُ الْكَذِبَ وَيَدْفَعُ الْعَارَ فَلَا يَقَعُ في النُّفُوسِ تَصْدِيقُهُ فَيَكْفِي الزَّوْجَ في ذلك لِعَانٌ وَاحِدٌ يَذْكُرُ فيه الزَّنَيَاتِ كُلَّهَا وَكَذَا الزُّنَاةُ إنْ سَمَّاهُمْ في الْقَذْفِ بِأَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُك بِهِ من الزَّنَيَاتِ بِفُلَانٍ وَفُلَانٍ وَمَنْ قَذَفَ شَخْصًا فَحُدَّ ثُمَّ قَذَفَهُ ثَانِيًا عُزِّرَ لِظُهُورِ كَذِبِهِ بِالْحَدِّ الْأَوَّلِ وَالزَّوْجَةُ في ذلك كَغَيْرِهَا إنْ وَقَعَ الْقَذْفَانِ في حَالِ الزَّوْجِيَّةِ فَإِنْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قبل أَنْ يُحَدَّ أو بَعْدَهُ ثُمَّ قَذَفَهَا بِالزِّنَا الْأَوَّلِ فَالْحَدُّ الْوَاجِبُ عليه وَاحِدٌ وَلَا لِعَانَ لِإِسْقَاطِهِ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا بِالْأَوَّلِ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ أو قَذَفَهَا بِغَيْرِهِ تَعَدَّدَ الْحَدُّ لِاخْتِلَافِ مُوجَبِ الْقَذْفَيْنِ لِأَنَّ الثَّانِيَ يَسْقُطُ بِاللِّعَانِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَصَارَ الْحَدَّانِ مُخْتَلِفَيْنِ وَلَا تَدَاخُلَ مع الِاخْتِلَافِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو زَنَى وهو بِكْرٌ ثُمَّ زَنَى وهو مُحْصَنٌ لَا يَتَدَاخَلُ الْحَدَّانِ فَإِنْ أَقَامَ بِأَحَدِهِمَا أَيْ بِأَحَدِ الزِّنَاءَيْنِ بَيِّنَةً بَعْدَ طَلَبِهَا لِحَدِّ الْقَذْفِ بِهِ سَقَطَا أَيْ الْحَدَّانِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أنها غَيْرُ مُحْصَنَةٍ وَإِلَّا فَإِنْ بَدَأَتْ بِطَلَبِ حَدِّ الْقَذْفِ بِا لَزِّنَا الْأَوَّلِ حُدَّ له مُطْلَقًا لِسَبْقِ وُجُوبِهِ مع طَلَبِهَا له ثُمَّ لِلثَّانِي إنْ لم يُلَاعِنْ وَإِلَّا سَقَطَ عنه حَدُّهُ وَإِنْ بَدَأَتْ بِالثَّانِي فَلَاعَنَ لم يَسْقُطْ الْحَدُّ الْأَوَّلُ وَسَقَطَ الثَّانِي وَإِنْ لم يُلَاعِنْ حَدَّ الثَّانِيَ أَيْ لِلْقَذْفِ الثَّانِي ثُمَّ لِلْأَوَّلِ بَعْدَ طَلَبِهَا لِحَدِّهِ وَإِنْ طَالَبَتْهُ بِهِمَا أَيْ بِالْحَدَّيْنِ جميعا فَكَابْتِدَائِهَا بِالْأَوَّلِ فَيُحَدُّ له ثُمَّ لِلثَّانِي إنْ لم يُلَاعِنْ فَرْعٌ لو قَذَفَ زَوْجَتَهُ ثُمَّ أَبَانَهَا بِلَا لِعَانٍ ثُمَّ قَذَفَهَا بِزِنًا آخَرَ ثُمَّ جَدَّدَ نِكَاحَهَا بَلْ أو لم يُجَدِّدْهُ فَإِنْ حُدَّ لِلْأَوَّلِ قبل التَّجْدِيدِ لِلنِّكَاحِ قال الْبُلْقِينِيُّ صَوَابُهُ قبل الْقَذْفِ عُزِّرَ لِلثَّانِي كما لو قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً فَحُدَّ ثُمَّ قَذَفَهَا ثَانِيًا وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ على ما إذَا لم يُضِفْ الزِّنَا إلَى حَالَةِ الْبَيْنُونَةِ لِئَلَّا يُشْكِلَ بِمَا مَرَّ فِيمَا لو قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِزِنًا آخَرَ من أَنَّ الْحَدَّ يَتَعَدَّدُ فَإِنْ لم تَطْلُبْ حَدَّ الْقَذْفِ الْأَوَّلِ حتى أَبَانَهَا قال الْبُلْقِينِيُّ صَوَابُهُ حتى قَذَفَهَا فَإِنْ لَاعَنَ لِلْأَوَّلِ قبل الْقَذْفِ الثَّانِي أو بَعْدَهُ عُزِّرَ لِلثَّانِي لِلْإِيذَاءِ وَلَا يُحَدُّ إذْ بِلِعَانِهِ سَقَطَتْ حَصَانَتُهَا في حَقِّهِ وَقِيلَ يُحَدُّ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وهو مَأْخُوذٌ من كَلَامِ الْأَصْلِ فِيمَا لو قَذَفَ من لَاعَنَهَا وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُلَاعِنْ لِلْأَوَّلِ حُدَّ حَدَّيْنِ لِاخْتِلَافِ الْقَذْفَيْنِ في الْحُكْمِ وَقِيلَ يُحَدُّ حَدًّا وَاحِدًا وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وهو مَحْمُولٌ على ما إذَا أَضَافَ الزِّنَا إلَى حَالَةِ الْبَيْنُونَةِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ
فَرْعٌ لو قَذَفَ زَوْجَتَهُ الْبِكْرَ ثُمَّ أَبَانَهَا فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ فَقَذَفَهَا ثُمَّ طَالَبَتْهُمَا بِالْحَدَّيْنِ فَلَاعَنَا هَا وَامْتَنَعَتْ فَإِنْ اتَّحَدَ جِنْسُ الْحَدَّيْنِ جُلِدَا بِأَنْ لم يَطَأْهَا الثَّانِي كَالْأَوَّلِ أو رُجِمَا بِأَنْ وَطِئَهَا
____________________
(3/382)
@ 383 الْأَوَّلُ قبل قَذْفِهِ تَدَاخَلَا فَتُحَدُّ حَدًّا وَاحِدًا كما لو ثَبَتَ زِنَاءَانِ أَحَدُهُمَا بِبَيِّنَةٍ وَالْآخَرُ بِإِقْرَارٍ أو كِلَاهُمَا بِبَيِّنَةٍ أو إقْرَارٍ بَلْ أَوْلَى أو لم يَطَأْهَا الْأَوَّلُ فَقَطْ أو وَطِئَهَا الثَّانِي فَقَطْ وكان قَذْفُ الثَّانِي بَعْدَ وَطْئِهَا أَيْ وَطْئِهِ لها حُدَّتْ حَدَّ الزِّنَا لِلِّعَانِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رُجِمَتْ لِلِّعَانِ الثَّانِي لِحَصَانَتِهَا عِنْدَ قَذْفِهِ فَلَا تَدَاخُلَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَلَوْ وَطِئَهَا الْأَوَّلُ بَعْدَ قَذْفِهِ وَقَبْلَ إبَانَتِهِ كان الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَإِنْ اقْتَضَى تَصْوِيرُهُمْ خِلَافَهُ وَلَوْ زَنَى الْعَبْدُ ثُمَّ عَتَقَ ثُمَّ زَنَى غير مُحْصَنٍ لَزِمَهُ مِائَةُ جَلْدَةٍ فَقَطْ وَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ في الْأَكْثَرِ لِاتِّحَادِهِمَا جِنْسًا وَإِنْ اخْتَلَفَا قَدْرًا وَلَوْ زَنَى الْبِكْرُ الْحُرُّ فَجُلِدَ خَمْسِينَ وَتُرِكَ لِعُذْرٍ ثُمَّ زَنَى مَرَّةً أُخْرَى وهو بِكْرٌ جُلِدَ مِائَةً وَدَخَلَتْ الْخَمْسُونَ الْبَاقِيَةُ فيها لِذَلِكَ
فَصْلٌ لَا يَنْتَفِي وفي نُسْخَةٍ يُنْفَى وَلَدُ الْأَمَةِ بِاللِّعَانِ بَلْ بِدَعْوَى الِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّ اللِّعَانَ من خَوَاصِّ النِّكَاحِ كَالطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وَلِأَنَّهُ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ وَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ في مِلْكِ الْيَمِينِ لِإِمْكَانِ النَّفْيِ بِدَعْوَى الِاسْتِبْرَاءِ وَإِنْ مَلَكَ زَوْجَتَهُ وَوَطِئَهَا بَعْدَ مِلْكِهَا ولم يَسْتَبْرِئْهَا ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ وَاحْتَمَلَ كَوْنُهُ من النِّكَاحِ فَقَطْ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ الْمِلْكِ أو لِأَكْثَرَ منه وَلِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ الْوَطْءِ ولم تُجَاوِزْ الْمُدَّةُ أَرْبَعَ سِنِينَ من يَوْمِ الْمِلْكِ أَيْ قُبَيْلَهُ فَلَهُ نَفْيُهُ بِاللِّعَانِ كما له نَفْيُهُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ بِالطَّلَاقِ أو اُحْتُمِلَ كَوْنُهُ من الْمِلْكِ فَقَطْ بِأَنْ أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ من يَوْمِ الْوَطْءِ وَجَاوَزَتْ الْمُدَّةُ أَرْبَعَ سِنِينَ من يَوْمِ الْمِلْكِ فَلَا يَنْفِيهِ بِاللِّعَانِ لِأَنَّهُ مَنْفِيٌّ عنه بِغَيْرِهِ وَكَذَا لو اُحْتُمِلَ كَوْنُهُ مِنْهُمَا بِأَنْ لم تُجَاوِزْ الْمُدَّةُ فِيمَا ذَكَرَ آنِفًا أَرْبَعَ سِنِينَ من يَوْمِ الْمِلْكِ فَلَا يَنْفِيهِ بِاللِّعَانِ أَيْضًا لِإِمْكَانِ نَفْيِهِ بِدَعْوَى الِاسْتِبْرَاءِ وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلُّحُوقِ الْوَلَدِ بِهِ بِوَطْئِهِ في الْمِلْكِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِمَّا قَبْلَهُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ وَطِئَهَا ما لو لم يَطَأْهَا فَلَهُ نَفْيُهُ بِاللِّعَانِ وَبِقَوْلِهِ ولم يَسْتَبْرِئْهَا ما لو اسْتَبْرَأَهَا أَيْ بَعْدَ وَطْئِهَا فَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من الِاسْتِبْرَاءِ لَحِقَهُ الْوَلَدُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَا يَنْفِيهِ بِاللِّعَانِ وَيَلْغُو دَعْوَى الِاسْتِبْرَاءِ لِكَوْنِ الْوَلَدِ حَاصِلًا حِينَئِذٍ أو لِأَكْثَرَ منه لم يَلْحَقْهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَا يَمْلِكُ النِّكَاحَ لِأَنَّ فِرَاشَ النِّكَاحِ قد انْقَطَعَ بِفِرَاشِ الْمِلْكِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ في الِاسْتِبْرَاءِ وَلِعَانُهَا بَعْدَ الْمِلْكِ في تَأَبُّدِ الْحُرْمَةِ بِهِ كَهُوَ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ فَيَتَأَبَّدُ
الطَّرَفُ الثَّالِثُ في كَيْفِيَّةِ اللِّعَانِ وَفِيهِ فُصُولٌ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ في كَلِمَاتِهِ وَهِيَ خَمْسٌ أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ من الزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَالْخَامِسَةُ يقول فيها عليه لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كان من الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ من الزِّنَا لِلْآيَةِ وَيَأْتِي بَدَلَ ضَمَائِرِ الْغَيْبَةِ بِضَمَائِرِ الْمُتَكَلِّمِ فيقول عَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ وَإِنَّمَا عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عنها أَدَبًا في الْكَلَامِ وَاتِّبَاعًا لِلْآيَةِ وَكُرِّرَتْ كَلِمَاتُ الشَّهَادَةِ لِتَأْكِيدِ الْأَمْرِ وَلِأَنَّهَا أُقِيمَتْ من الزَّوْجِ مَقَامَ أَرْبَعِ شُهُودٍ من غَيْرِهِ لِيُقَامَ عليها الْحَدُّ وَهِيَ في الْحَقِيقَةِ أَيْمَانٌ كما مَرَّ وَأَمَّا الْكَلِمَةُ الْخَامِسَةُ فَمُؤَكِّدَةٌ لِمُفَادِ الْأَرْبَعِ وَيُمَيِّزُهَا بِاسْمِهِمَا وَنَسَبِهَا إنْ غَابَتْ عن الْمَجْلِسِ وَإِنْ حَضَرَتْ كَفَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهَا كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ فَإِنْ كان ثَمَّ وَلَدٌ يَنْفِيهِ قال في كُلٍّ من الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ وَأَنَّ هذا الْوَلَدَ إنْ حَضَرَ أو الْوَلَدَ الذي وَلَدَتْهُ إنْ غَابَ من زِنًا وليس هو مِنِّي لِيَنْتَفِيَ عنه وَيَكْتَفِي بِقَوْلِهِ من زِنًا حَمْلًا لِلَفْظِ الزِّنَا على حَقِيقَتِهِ وَنُقِلَ عن الْأَكْثَرِينَ خِلَافُهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ الْوَطْءَ بِالشُّبْهَةِ زِنًا لَا بِقَوْلِهِ ليس هو مِنِّي لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ لَا يُشْبِهُهُ خَلْقًا وَخُلُقًا فَلَا بُدَّ أَنْ يُسْنِدَهُ مع ذلك إلَى سَبَبٍ مُعَيَّنٍ كَقَوْلِهِ من زِنًا أو من زَوْجٍ أو وَطْءِ شُبْهَةٍ كما مَرَّ نَظِيرُهُ في الْقَذْفِ
فَإِنْ أَهْمَلَ ذِكْرَ الْوَلَدِ في بَعْضِ الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ أَعَادَ اللِّعَانَ لِنَفْيِهِ إنْ أَرَادَ نَفْيَهُ وَكَذَا الْحُكْمُ في تَسْمِيَةِ الزَّانِي إنْ أَرَادَ إسْقَاطَ الْحَدِّ عن نَفْسِهِ ولم تُعِدْهُ الْمَرْأَةُ أَيْ لَا تَحْتَاجُ إلَى إعَادَتِهِ لِأَنَّ لِعَانَهَا لَا يُؤَثِّرُ فيه وَلِعَانُهَا أَنْ تَقُولَ أَرْبَعًا أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنَّهُ لِمَنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ من الزِّنَا إنْ كان قد رَمَاهَا بِهِ لِأَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عليه وَالْخَامِسَةُ تَقُولُ فيها عليها غَضَبُ اللَّهِ إنْ كان من الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ من الزِّنَا لِلْآيَةِ وَتَأْتِي بِضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ فَتَقُولُ عَلَيَّ إلَى آخِرِهِ وَخُصَّ اللَّعْنُ بِجَانِبِهِ وَالْغَضَبُ بِجَانِبِهَا لِأَنَّ جَرِيمَةَ الزِّنَا أَقْبَحُ من جَرِيمَةِ الْقَذْفِ وَلِذَلِكَ تَفَاوَتَ الْحَدَّانِ وَلَا رَيْبَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ أَغْلَظُ من لَعْنَتِهِ فَخُصَّتْ الْمَرْأَةُ بِالْتِزَامِ أَغْلَظِ الْعُقُوبَتَيْنِ وَتُسَمِّيهِ أَيْ الزَّوْجَ بِمَا يُمَيِّزُهُ غَيْبَةً أو حُضُورًا كما مَرَّ في جَانِبِهَا وَلَا يَلْزَمُهَا ذِكْرُ الْوَلَدِ لِأَنَّ لِعَانَهَا لَا يُؤَثِّرُ فيه فَلَوْ امْتَنَعَ الْقَذْفُ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْوَلَدِ من زَوْجٍ أو وَطْءِ شُبْهَةٍ كما مَرَّ قال في نَفْيِهِ كما قال الْمَاوَرْدِيُّ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنِّي لِمَنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ من إصَابَةِ غَيْرِي لها على فِرَاشِي وَأَنَّ هذا الْوَلَدَ من تِلْكَ الْإِصَابَةِ لَا مِنِّي وَلَا تُلَاعِنُ الْمَرْأَةُ إذْ لَا حَدَّ عليها بهذا اللِّعَانِ حتى يَسْقُطَ
____________________
(3/383)
بِلِعَانِهَا وَلَا بُدَّ في نُفُوذِ اللِّعَانِ من إتْمَامِ كَلِمَاتِهِ الْخَمْسِ فَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِالْفُرْقَةِ قبل تَمَامِهَا لم يَنْفُذْ حُكْمُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ بِالْإِجْمَاعِ فَكَانَ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ الْبَاطِلَةِ فَرْعٌ لو أَبْدَلَ الْمُلَاعِنُ لَفْظَ أَشْهَدُ بِأَحْلِفُ وَنَحْوِهَا كَأُقْسِمُ أو أُولِي أو لَفْظَ اللَّعْنِ بِالْغَضَبِ أو غَيْرِهِ كَالْإِبْعَادِ أو عَكْسِهِ أو لَفْظَ اللَّهِ بِالرَّحْمَنِ وَنَحْوِهِ لم يَصِحَّ اتِّبَاعًا لِلنَّصِّ كما في الشَّهَادَةِ وَيُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ بِأَنْ يُؤَخِّرَ لَفْظَيْ اللَّعْنِ وَالْغَضَبِ عن الْكَلِمَاتِ الْأَرْبَعِ لِذَلِكَ وَلِأَنَّ الْمَعْنَى إنْ كان من الْكَاذِبِينَ في الشَّهَادَاتِ الْأَرْبَعِ فَوَجَبَ تَقَدُّمُهَا وَالْمُوَالَاةُ بين الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ فَيُوَثِّرُ الْفَصْلُ الطَّوِيلُ أَمَّا الْمُوَالَاةُ بين لِعَانَيْ الزَّوْجَيْنِ فَلَا يُشْتَرَطُ كما صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ ويشترط أَنْ يُلَقِّنَهُ أَيْ كُلًّا من الزَّوْجَيْنِ إيَّاهُ أَيْ اللِّعَانَ أَيْ كَلِمَاتِهِ الْحَاكِمُ فيقول له في كُلٍّ من الْخَمْسِ قُلْ كَذَا أو قُولِي كَذَا وَكَذَا من حَكَمَاهُ حَيْثُ لَا وَلَدُ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْحَاكِمِ فَلَوْ لَاعَنَ بِلَا تَلْقِينٍ لم يُعْتَدَّ بِهِ كما في سَائِرِ الْأَيْمَانِ وَإِنْ غَلَبَ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فَالشَّهَادَةُ تُؤَدَّى عِنْدً الْقَاضِي أَمَّا إذَا كان وَلَدٌ فَلَا يَصِحُّ التَّحْكِيمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا وَيَرْضَى بِحُكْمِهِ لِأَنَّ له حَقًّا في النَّسَبِ فَلَا يُؤَثِّرُ رِضَاهُمَا في حَقِّهِ
وَالظَّاهِرُ أَنَّ السَّيِّدَ في ذلك كَالْحَاكِمِ لَا كَالْمُحَكَّمِ بِنَاءً على ما سَيَأْتِي من أَنَّهُ يَتَوَلَّى لِعَانَ رَقِيقَتِهِ ويشترط أَنْ يَتَأَخَّرَ لِعَانُهَا عن لِعَانِهِ لِأَنَّ لِعَانَهَا لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْحَدُّ عليها بِلِعَانِهِ أَوَّلًا فَلَا حَاجَةَ بها إلَى أَنْ تَلْتَعِنَ قَبْلَهُ فَلَوْ حَكَمَ بِتَقْدِيمِهِ نُقِضَ حُكْمُهُ فَرْعٌ يَصِحُّ لِعَانُ الْأَخْرَسِ وَقَذْفُهُ وَتَصَرُّفَاتُهُ إنْ أَفْهَمَ غَيْرَهُ ما عِنْدَهُ بِالْإِشَارَةِ أو الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُمَا في حَقِّهِ كَالنُّطْقِ من النَّاطِقِ وَلَيْسَ كَالشَّهَادَةِ منه لِضَرُورَتِهِ إلَيْهِ دُونَهَا لِأَنَّ النَّاطِقِينَ يَقُومُونَ بها وَلِأَنَّ الْمُغَلَّبَ في اللِّعَانِ مَعْنَى الْيَمِينِ دُونَ الشَّهَادَةِ وَتُجْزِئُ إحْدَاهُمَا وَإِنْ قَدَرَ على الْأُخْرَى وَيُكَرِّرُ كَتْبَ كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ أَرْبَعًا وَلَوْ كَتَبَهَا مَرَّةً وَأَشَارَ إلَيْهَا أَرْبَعًا جَازَ وهو جَمْعٌ بين الْإِشَارَةِ وَالْكِتَابَةِ فَإِنْ انْطَلَقَ لِسَانُهُ بَعْدَ قَذْفِهِ وَلِعَانِهِ بِالْإِشَارَةِ وقال لم أُرِدْ الْقَذْفَ بِإِشَارَتِي لم تُقْبَلْ منه لِأَنَّ إشَارَتَهُ أَثْبَتَتْ حَقًّا لِغَيْرِهِ أو قال لم أُرِدْ اللِّعَانَ بها قُبِلَ منه فِيمَا عليه لَا فِيمَا له فَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ وَالنَّسَبُ فَيُلَاعِنُ إنْ شَاءَ لِلْحَدِّ أَيْ لِإِسْقَاطِهِ وَكَذَا يُلَاعِنُ لِنَفْيِ الْوَلَدِ لم يَفُتْ زَمَنُهُ وَلَا تَرْتَفِعُ الْفُرْقَةُ وَالتَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ وَلَوْ قَذَفَ نَاطِقٌ ثُمَّ خَرِسَ وَرُجِيَ نُطْقُهُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ اُنْتُظِرَ نُطْقُهُ فيها وَإِلَّا بِأَنْ لم يُرْجَ نُطْقُهُ أو رُجِيَ إلَى أَكْثَرَ من ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَاعَنَ بِالْإِشَارَةِ وَلَا يُنْتَظَرُ نُطْقُهُ لِمَا فيه من الْإِضْرَارِ بِالْمَقْذُوفَةِ فَرْعٌ يَصِحُّ اللِّعَانُ بِالْعَجَمِيَّةِ وَلَوْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ لِأَنَّ اللِّعَانَ يَمِينٌ أو شَهَادَةٌ وَهُمَا بِاللُّغَاتِ سَوَاءٌ فَإِنْ لم يَعْرِفْهَا الْقَاضِي وَجَبَ مُتَرْجِمَانِ لَا أَرْبَعَةٌ وَلَوْ في لِعَانِ الزَّوْجِ الْمُثَبِّتِ لِلزِّنَا لِأَنَّ ذلك نَقْلُ قَوْلٍ إلَى الْقَاضِي كَسَائِرِ الْأَقْوَالِ وَإِنْ عَرَفَهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى مُتَرْجِمٍ الْفَصْلُ الثَّانِي في التَّغْلِيظَاتِ الْمَسْنُونَةِ في اللِّعَانِ لِحَقِّ كُلٍّ من الزَّوْجَيْنِ وَيُلَاعِنُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ في أَيِّ يَوْمٍ كان إنْ لم يُمْهَلْ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْفَاجِرَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ أَغْلَظُ عُقُوبَةً لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ رَجُلٌ حَلَفَ يَمِينًا على مَالِ مُسْلِمٍ فَاقْتَطَعَهُ وَرَجُلٌ حَلَفَ على يَمِينٍ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ لقد أَعْطَى بِسِلْعَتِهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ الْمَاءِ وقد فُسِّرَتْ الصَّلَاةُ في قَوْله تَعَالَى تَحْبِسُونَهُمَا من بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ وبعد صَلَاةِ عَصْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْلَى إنْ أُمْهِلَ لِأَنَّ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ فيها عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَهُمَا يَدْعُوَانِ في الْخَامِسَةِ بِاللَّعْنِ وَالْغَضَبِ وَعِنْدَ الْمِنْبَرِ من جِهَةِ الْمِحْرَابِ في الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا من سَائِرِ الْبُلْدَانِ أَوْلَى وَلِأَنَّهُ أَشْرَفُ بِقَاعِهَا وَبَيْنَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ وَالْمَقَامِ في مَكَّة أَوْلَى لِذَلِكَ قال الزَّرْكَشِيُّ وما قَالُوهُ من أَنَّ ذلك أَشْرَفُ بِقَاعِ مَكَّةَ مَرْدُودٌ إذْ لَا شَيْءَ فيها أَشْرَفُ من الْبَيْتِ فَالْوَجْهُ ما قَالَهُ الْقَفَّالُ أَنَّهُ يَكُونُ في الْحِجْرِ لِأَنَّهُ يَعْنِي بَعْضَهُ من الْبَيْتِ وكان الْقِيَاسُ يَقْتَضِي التَّحْلِيفَ في الْبَيْتِ لَكِنْ قال الْمَاوَرْدِيُّ يُصَانُ الْبَيْتُ عن ذلك وقد حَلَّفَ عُمَرُ أَهْلَ الْقَسَامَةِ فيه وَلَوْ صِينَ عنه كان أَوْلَى انْتَهَى وَلَعَلَّ عُدُولَهُمْ
____________________
(3/384)
عن الْحِجْرِ صِيَانَةً لِلْبَيْتِ أَيْضًا وَعِنْدَ الصَّخْرَةِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ بِقَاعِهِ لِأَنَّهَا قِبْلَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَلِأَنَّهَا من الْجَنَّةِ كما رَوَاهُ ابن مَاجَهْ وَصُعُودُ الْمِنْبَرِ أَوْلَى وَإِنْ قَلَّ الْقَوْمُ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَاعَنَ بين الْعَجْلَانِيِّ وَامْرَأَتِهِ على الْمِنْبَرِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَيُلَاعِنُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى في الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ أَيْ الْيَهُودُ في الْبِيَعِ وَالنَّصَارَى في الْكَنَائِسِ لِأَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَهُمَا كَتَعْظِيمِنَا الْمَسَاجِدَ وَيَحْضُرُهَا أَيْ الْبِيَعَ وَالْكَنَائِسَ الْحَاكِمُ وَكَذَا بَيْتُ النَّارِ لِلْمَجُوسِ أَيْ يُلَاعِنُونَ فيه وَيَحْضُرُهُ الْحَاكِمُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْظِيمٌ الْوَاقِعَةِ وَزَجْرُ الْكَاذِبِ عن الْكَذِبِ وَالْيَمِينُ في الْمَوْضِعِ الذي يُعَظِّمُهُ الْحَالِفُ أَغْلَظُ وَيَجُوزُ مُرَاعَاةُ اعْتِقَادِهِمْ لِشُبْهَةِ الْكِتَابِ كما رُوعِي في قَبُولِ الْجِزْيَةِ لَا بَيْتُ الْأَصْنَامِ لِلْوَثَنِيِّ لِأَنَّهُ لَا أَصْلَ له في الْحُرْمَةِ وَلِأَنَّ دُخُولَهُ مَعْصِيَةٌ بِخِلَافِ دُخُولِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وَاعْتِقَادُهُمْ فيه غَيْرُ مَرْعِيٍّ فَيُلَاعِنُ بَيْنَهُمْ في مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَدْخُلُوا دَارَنَا بِأَمَانٍ أو هُدْنَةٍ وَيَتَرَافَعُوا إلَيْنَا وَالتَّغْلِيظُ في حَقِّ الْكُفَّارِ بِالزَّمَانِ مُعْتَبَرٌ بِأَشْرَفِ الْأَوْقَاتِ عِنْدَهُمْ كما ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ
وَيُلَاعِنُ الْمُسْلِمُ في الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَزَوْجَتُهُ الذِّمِّيَّةُ فِيمَا تُعَظِّمُهُ من بِيعَةٍ وَكَنِيسَةٍ وَغَيْرِهِمَا فَإِنْ رضي زَوْجُهَا بِالْمَسْجِدِ أَيْ بِلِعَانِهَا فيه وقد طَلَبَتْهُ جَازَ بِخِلَافِ ما إذَا لم تَطْلُبْهُ لِأَنَّ الْحَقَّ في اللِّعَانِ لها أو لم يَرْضَ هو لِأَنَّ التَّغْلِيظَ عليها حَقُّهُ وَلِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَائِزِ هُنَا مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ وَالْحَائِضِ تُلَاعِنُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ لِتَحْرِيمِ مُكْثِهَا فيه وَالْبَابُ أَقْرَبُ إلَى الْمَوْضِعِ الشَّرِيفِ وَمِثْلُهَا النُّفَسَاءُ وَالْجُنُبُ وَالْمُتَحَيِّرَةُ نعم إنْ لم تُمْهَلْ وَرَأَى الْحَاكِمُ تَأْخِيرَ اللِّعَانِ إلَى زَوَالِ ذلك جَازَ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَيُغَلَّظُ بِحُضُورِ جَمَاعَةٍ من الصُّلَحَاءِ وَأَهْلِ الْبَلَدِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ من أَعْيَانِ الْبَلَدِ وَصُلَحَائِهِ لِأَنَّ ذلك أَعْظَمُ لِلْأَمْرِ وَأَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ لِثُبُوتِ الزِّنَا بِهِمْ وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُمْ مِمَّنْ يَعْرِفُ لُغَةَ الْمُلَاعِنِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَكَوْنُهُمْ من أَهْلِ الشَّهَادَةِ
ويغلظ بِاللَّفْظِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ في الدَّعَاوَى وَلَا يُغَلَّظُ على من لَا يَنْتَحِلُ دِينًا من نَحْوِ زِنْدِيقٍ وَدَهْرِيٍّ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَ وَلَاعَنَ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ لَا يُعَظِّمُ زَمَانًا وَلَا مَكَانًا فَلَا يَنْزَجِرُ وَيَحْسُنُ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ الذي خَلَقَهُ وَرَزَقَهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ غَلَا في كُفْرِهِ وَجَدَ نَفْسَهُ مُذْعِنَةً لِخَالِقٍ مُدَبِّرٍ وَيُمَكَّنُ الْمُشْرِكَانِ من الْمُكْثِ لِلِّعَانِ في الْمَسْجِدِ غير الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلَوْ مع الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ وَالنِّفَاسِ لِأَنَّهُمَا لَا يُؤَاخِذَانِ بِتَفَاصِيلِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُمَا لَا يَعْتَقِدَانِ حُرْمَتَهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ في الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ إذَا أُمِنَ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ بِهِمَا فَرْعٌ في تَوَلِّي السَّيِّدِ لِعَانَ رَقِيقِهِ من عَبْدٍ أو أَمَةٍ ما في إقَامَةِ الْحَدِّ عليه وَسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ فَيَتَوَلَّاهُ لِيُحَدَّ رَقِيقُهُ أو يُدْرَأَ عنه الْحَدُّ
الْفَصْلُ الثَّالِث في السُّنَنِ أَيْ سُنَنِ اللِّعَانِ غَيْرِ ما مَرَّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَوِّفَهُمَا الْقَاضِي أو من يَقُومُ مَقَامَهُ من اللَّهِ وَيَعِظَهُمَا بِقَوْلِهِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيَقُولَ إنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ من عَذَابِ الْآخِرَةِ وَيَقْرَأَ عَلَيْهِمَا إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ الْآيَةَ وَيَقُولَ لَهُمَا قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ حِسَابُكُمَا على اللَّهِ أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا من تَائِبٍ
وَيُبَالِغُ في الْوَعْظِ بَعْدَ الْفَرَاغِ من الْكَلِمَاتِ الْأَرْبَعِ فيقول لِكُلٍّ مِنْهُمَا اتَّقِ اللَّهَ فإن الْخَامِسَةَ مُوجِبَةٌ لِلَّعْنِ وَالْغَضَبِ بِتَقْدِيرِ الْكَذِبِ لَعَلَّهُمَا يَنْزَجِرَانِ وَيَتْرُكَانِ وَيَأْمُرُ رَجُلًا أَنْ يَضَعَ يَدَهُ على فيه وَامْرَأَةً أَنْ تَضَعَ يَدَهَا على فيها عِنْدَ الْخَامِسَةِ لِذَلِكَ وَلِلْأَمْرِ بِهِ في خَبَرِ أبي دَاوُد وَيَأْتِيَانِ إلَيْهِمَا من وَرَائِهِمَا كما ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فَإِنْ أَبَيَا إلَّا الْمُضِيَّ لَقَّنَهُمَا الْخَامِسَةَ ويستحب أَنْ يَتَلَاعَنَا من قِيَامٍ إنْ قَدَرَا عليه لِيَرَاهُمَا الناس وَيَشْتَهِرَ أَمْرُهُمَا وَلِأَمْرِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم هِلَالًا بِهِ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إذَا لَاعَنَ قَائِمًا وَشَاهَدَا الناس دَخَلَتْهُ الْهَيْبَةُ وَالْخَجَلُ فَرُبَّمَا يَكُونُ ذلك سَبَبًا لِرُجُوعِ الْكَاذِبِ مِنْهُمَا إلَى الصِّدْقِ وَتَقْعُدُ الْمَرْأَةُ إنْ قام الرَّجُلُ يُلَاعِنُ فإذا فَرَغَ تُلَاعِنُ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَلَاعَنَا مُجْتَمِعَيْنِ بِحَيْثُ يَرَى كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ وَيَسْمَعُ كَلَامَهُ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَا كَذَلِكَ لَكِنْ إنْ كان ذلك لِغَيْرِ عُذْرٍ كُرِهَ وَإِلَّا فَلَا قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي مَجِيئُهُ فِيمَا ذَكَرَ من السُّنَنِ الطَّرَفُ الرَّابِعُ في أَحْكَامِ اللِّعَانِ غَيْرِ ما مَرَّ فَيَنْفَسِخُ بِهِ أَيْ بِلِعَانِ الرَّجُلِ النِّكَاحُ كَالرَّضَاعِ وَتَتَأَبَّدُ بِهِ الْحُرْمَةُ ظَاهِرًا أو بَاطِنًا سَوَاءٌ صَدَقَتْ أَمْ صَدَقَ فَيَحْرُمُ عليه نِكَاحُهَا وَوَطْؤُهَا
____________________
(3/385)
بِمِلْكِ الْيَمِينِ لو كانت أَمَةً فَمَلَكهَا لِخَبَرِ الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا
لَكِنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي تَوَقُّفَ ذلك على تَلَاعُنِهِمَا مَعًا وَلَيْسَ مُرَادًا كَالْفُرْقَةِ بِغَيْرِ اللِّعَانِ فَإِنَّهَا تَحْصُلُ بِوُجُوبِ سَبَبٍ من أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَالتَّأْبِيدُ هُنَا صِفَةٌ تَابِعَةٌ وَلَا مَدْخَلَ لِلطَّلَاقِ في ذلك وما رُوِيَ أَنَّ عُوَيْمِرًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ فَلِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ اللِّعَانَ لَا يُحَرِّمُهَا فقال له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهِمَا أَيْ لَا مِلْكَ فَلَا يَقَعُ طَلَاقُك قال ابن الْمُنْذِرِ وَعَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُعْلِمَهُمَا بِالْفُرْقَةِ إنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ كما أَعْلَمَهُمَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِقَوْلِهِ لَا سَبِيلَ لَك عليها وَيَسْقُطُ بِهِ عنه حَدُّ قَذْفِهَا لِآيَةِ وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ إذْ ظَاهَرَهَا لِأَنَّ لِعَانَهُ كَشَهَادَةِ الشُّهُودِ في سُقُوطِ الْحَدِّ بِهِ ويسقط بِهِ حَدُّ قَذْفِهِ لِلزَّانِي إنْ سَمَّاهُ في لِعَانِهِ كما مَرَّ وَيَنْتَفِي بِهِ النَّسَبُ عنه إنْ نَفَاهُ في لِعَانِهِ لِمَا في الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ وَيَثْبُتُ بِهِ حَدُّ الزِّنَا عليها لِلْأَيَّةِ وَتَسْقُطُ بِهِ حَصَانَتُهَا في حَقِّ الزَّوْجِ إنْ لم تُلَاعِنْ هِيَ أو لَاعَنَتْ ثُمَّ قَذَفَهَا بِذَلِكَ الزِّنَا أو أَطْلَقَ كما مَرَّ وَيَتَشَطَّرُ بِهِ الصَّدَاقُ قبل الدُّخُولِ كَالطَّلَاقِ قَبْلَهُ وَيَسْتَبِيحُ بِهِ نِكَاحَ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا وَإِنْ لم تُنْقَضْ عِدَّتُهَا كما في الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَلَا يَتَوَقَّفُ ذلك على قَضَاءِ الْقَاضِي وَلَا على لِعَانِهَا بَلْ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ لِعَانِ الزَّوْجِ وَإِنَّمَا هو أَيْ لِعَانُهَا لِدَرْءِ الْحَدِّ عنها لِلْآيَةِ فَإِنْ أَثْبَتَ أَيْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِزِنَاهَا أو بِإِقْرَارِهَا بِهِ لم تُلَاعِنْ لِدَرْءِ الْحَدِّ لِأَنَّ اللِّعَانَ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ لَا تُقَاوِمُ الْبَيِّنَةَ وَسَقَطَ بِذَلِكَ الْحَدُّ لِلْقَذْفِ عنه وَوَجَبَ بِهِ حَدُّ الزِّنَا عليها عَمَلًا بِالْبَيِّنَةِ
فَصْلٌ يَنْتَفِي عنه النَّسَبُ عِنْدَ عَدَمِ الْإِمْكَانِ أَيْ إمْكَانِ لُحُوقِهِ بِهِ بِلَا لِعَانٍ بِخِلَافِ ما إذَا أَمْكَنَ لُحُوقُهُ بِهِ لَا بُدَّ من نَفْيِهِ بِاللِّعَانِ فَلَوْ وَلَدَتْ زَوْجَتُهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَحْظَةٍ تَسَعُ الْوَطْءَ بَعْدَ زَمَنِ الْإِمْكَانِ لَحِقَهُ الْوَلَدُ وَإِلَّا فَيَنْتَفِي بِلَا لِعَانٍ وَيُمْكِنُ إحْبَالُ الصَّبِيِّ لِتِسْعٍ من السِّنِينَ وَيُشْتَرَطُ كَمَالُهَا أَيْ التَّاسِعَةِ كما عُلِمَ من كِتَابِ الْحَجْرِ ثُمَّ بَعْدَ إمْكَانِ إحْبَالِهِ وَلُحُوقِ النَّسَبِ بِهِ لَا يُلَاعِنُ حتى يَثْبُتَ بُلُوغُهُ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ بِخِلَافِ الْبُلُوغِ فَإِنْ ادَّعَى الِاحْتِلَامَ وَلَوْ عَقِبَ إنْكَارِهِ له صُدِّقَ وَمُكِّنَ من اللِّعَانِ لِأَنَّ ذلك لَا يُعْرَفُ إلَّا منه وَيُمْكِنُ الْإِحْبَالُ من مَجْبُوبِ الذَّكَرِ دُونَ الْأُنْثَيَيْنِ لِبَقَاءِ أَوْعِيَةِ الْمَنِيِّ وما فيها من الْقُوَّةِ الْمُحِيلَةِ لِلدَّمِ وَالذَّكَرُ آلَةٌ تُوَصِّلُ الْمَاءَ إلَى الرَّحِمِ بِوَاسِطَةِ الْإِيلَاجِ وقد يُفْرَضُ وُصُولُ الْمَاءِ بِغَيْرِ إيلَاجٍ وَكَذَا عَكْسُهُ أَيْ يُمْكِنُ ذلك من مَجْبُوبِ الْأُنْثَيَيْنِ دُونَ الذَّكَرِ وَإِنْ قال أَهْلُ الْخِبْرَةِ لَا يُولَدُ له لِأَنَّ آلَةَ الْجِمَاعِ بَاقِيَةٌ وقد يُبَالِغُ في الْإِيلَاجِ فَيَلْتَذُّ وَيُنْزِلُ مَاءً رَقِيقًا وَإِدَارَةُ الْحُكْمِ على الْوَطْءِ وهو السَّبَبُ الظَّاهِرُ أَوْلَى من إدَارَتِهِ على الْإِنْزَالِ الْخَفِيِّ لَا من مَمْسُوحٍ بِأَنْ يَكُونَ مَجْبُوبَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يُنْزِلُ ولم تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَنْ يُخْلَقَ لِمِثْلِهِ وَلَدٌ
وَمَنْ اسْتَلْحَقَ حَمْلًا تَعَذَّرَ عليه نَفْيُهُ كما في الْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ وَلَيْسَ له نَفْيُ أَحَدِ التَّوْأَمَيْنِ وَهُمَا اللَّذَانِ وُلِدَا مَعًا أو كان بين وَضْعَيْهِمَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لم يُجْرِ الْعَادَةَ بِأَنْ يَجْتَمِعَ في الرَّحِمِ وَلَدٌ من مَاءِ رَجُلٍ وَوَلَدٌ من مَاءِ آخَرَ لِأَنَّ الرَّحِمَ إذَا اشْتَمَلَ على الْمَنِيِّ اسْتَدَّ فَمُهُ فَلَا يَتَأَتَّى قَبُولُهُ من آخَرَ وَمَجِيءُ الْوَلَدَيْنِ إنَّمَا هو من كَثْرَةِ الْمَاءِ فَالتَّوْأَمَانِ من مَاءِ رَجُلٍ وَاحِدٍ في حَمْلٍ وَاحِدٍ فَلَا يُبَعَّضَانِ لُحُوقًا وَلَا انْتِفَاءً فَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ فَلَاعَنَ لِنَفْيِهِ ثُمَّ أَتَتْ بِآخَرَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من وِلَادَةِ الْأَوَّلِ فَهُمَا حَمْلٌ وَاحِدٌ فَإِنْ لم يُبَادِرْ لِنَفْيِهِ بِاللِّعَانِ بِأَنْ اسْتَلْحَقَهُ أو سَكَتَ عن نَفْيِهِ مع إمْكَانِهِ لَحِقَهُ الْأَوَّلُ تَبَعًا لِلثَّانِي تَغْلِيبًا لِجَانِبِ اللُّحُوقِ لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ أَسْرَعُ من انْتِفَائِهِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ بِالْإِمْكَانِ وَبِالْإِقْرَارِ وَبِالسُّكُوتِ الْمُشْعِرِ بِهِ بِخِلَافِ انْتِفَائِهِ فَإِنْ بَادَرَ لِنَفْيِهِ انْتَفَى كَالْأَوَّلِ وَالْمُعْتَبَرُ في ذلك نَفْيُهُ وَإِنْ لم يَكُنْ بِلِعَانٍ فَقَوْلُهُمْ بِاللِّعَانِ ليس بِقَيْدٍ وَحُدَّ لِقَذْفِهَا إنْ لَحِقَهُ الثَّانِي بِاسْتِلْحَاقٍ كما لو كَذَّبَ نَفْسَهُ لَا إنْ
____________________
(3/386)
لَحِقَهُ بِسُكُوتٍ عن نَفْيِهِ لِأَنَّهُ لم يُنَاقِضْ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ وَاللُّحُوقُ حُكْمُ الشَّرْعِ إلَّا إنْ كان الْقَذْفُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ فإنه يُحَدُّ لِقَذْفِهَا وَإِنْ لَحِقَهُ الثَّانِي بِالسُّكُوتِ لِأَنَّ اللِّعَانَ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لَا يَكُونُ إلَّا لِنَفْيِ النَّسَبِ فإذا لَحِقَ النَّسَبُ لم يَبْقَ لِلِّعَانِ حُكْمٌ فَحُدَّ وفي صُلْبِ النِّكَاحِ له أَحْكَامٌ أُخَرُ فإذا لَحِقَ النَّسَبُ لَا يَرْتَفِعُ فلم يُحَدَّ وَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ من وِلَادَةِ الْأَوَّلِ لَحِقَهُ سَوَاءٌ اسْتَلْحَقَهُ أَمْ سَكَتَ وَلَا يَمْنَعُ منه كَوْنُهَا بَانَتْ بِاللِّعَانِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَاعَنَ وقد حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ وَضْعِ الْأَوَّلِ وفي الْمُهَذَّبِ خِلَافُهُ لِحُدُوثِ الْوَلَدِ بَعْدَ زَوَالِ الْفِرَاشِ وهو سَهْوٌ نَقْلًا وَرَدَّهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبَ وَغَيْرَهُ جَزَمُوا بِهِ فَهُوَ مَنْقُولٌ وَإِنْ كان ضَعِيفًا وَلَهُ نَفْيُهُ أَيْ الثَّانِي بِاللِّعَانِ فَيَنْتَفِي بِهِ كَالْأَوَّلِ
وَمَنْ لَاعَنَ لِنَفْيِ حَمْلٍ في نِكَاحٍ أو بِعَدَدِ الْبَيْنُونَةِ انْتَفَى كُلُّ مَنْسُوبٍ إلَى ذلك الْحَمْلِ بِلِعَانِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ لم يَكُنْ بين وِلَادَةِ الْأَوَّلِ وما عَدَاهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ لِأَنَّ الْحَمْلَ اسْمٌ لِجَمِيعِ ما في الْبَطْنِ وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ إشَارَةٌ إلَيْهِمَا جميعا وما عَدَاهُ أَيْ الْمَنْسُوبُ إلَى ذلك الْحَمْلِ بِأَنْ كان بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ يَنْتَفِي بِلَا لِعَانٍ لِأَنَّ النِّكَاحَ ارْتَفَعَ بِاللِّعَانِ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِوَضْعِ الْأَوَّلِ وَتَحَقَّقْنَا بَرَاءَةَ الرَّحِمِ قَطْعًا فَيَكُونُ الثَّانِي حَادِثًا بَعْدَ زَوَالِ الْفِرَاشِ
وَبِهَذَا فَارَقَ ذلك من أَبَانَهَا بِلِعَانٍ أو غَيْرِهِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ منه حَيْثُ لَا يَنْتَفِي عنه إلَّا بِلِعَانٍ لِأَنَّا لم نَتَحَقَّقْ ثَمَّ بَرَاءَةَ الرَّحِمِ لِاحْتِمَالِ أنها حَاضَتْ على الْحَمْلِ وَكَانَتْ حَامِلًا يوم الْإِبَانَةِ كَمَنْ طَلُقَتْ أو مَاتَ عنها زَوْجُهَا حَامِلًا فَوَضَعَتْ وَلَدًا ثُمَّ وَضَعَتْ آخَرَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ من وَضْعِ الْأَوَّلِ فإنه يَنْتَفِي عن الزَّوْجِ لِتَحَقُّقِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَلَا نَظَرَ إلَى احْتِمَالِ حُدُوثِهِ من وَطْئِهِ بِشُبْهَةٍ لِأَنَّ ذلك لَا يَكْفِي لِلُّحُوقِ وَإِنْ كان مُحْتَمَلًا لِأَنَّهُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ فَلَا بُدَّ من اعْتِرَافِهِ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ وَلَهُ نَفْيُ الْوَلَدِ الْمَيِّتِ سَوَاءٌ أَخْلَفَ الْوَلَدُ وَلَدًا أَمْ لَا لِأَنَّ نَسَبَهُ لَا تَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ بَلْ يُقَالُ هذا الْمَيِّتُ وَلَدُ فُلَانٍ وَهَذَا قَبْرُ وَلَدِ فُلَانٍ وَفِيهِ فَائِدَةُ إسْقَاطِ مُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ عنه وله اسْتِلْحَاقُهُ بَعْدَ نَفْيِهِ حَيًّا وَكَذَا مَيِّتًا سَوَاءٌ أَخْلَفَ الْوَلَدُ وَلَدًا أَمْ لَا احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُلْزِمُ نَفْسَهُ الْحَدَّ وَلَا يُلْحِقُ بِهِ غير وَلَدِهِ طَمَعًا في الْمَالِ فَيَرِثُهُ لِثُبُوتِ نَسَبِهِ وَتُنْقَضُ له الْقِسْمَةُ كما مَرَّ في الْفَرَائِضِ فَصْلٌ له نَفْيُ وَلَدٍ لَحِقَهُ ولم يَعْتَرِفْ بِهِ على الْفَوْرِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَخِيَارِ الشُّفْعَةِ بِجَامِعِ الضَّرَرِ بِالْإِمْسَاكِ فَإِنْ أَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ أو اعْتَرَفَ بِهِ لَحِقَهُ وَتَعَذَّرَ نَفْيُهُ لِأَنَّ لِلْوَلَدِ حَقًّا في النَّسَبِ وقد ثَبَتَ بِمَا ذَكَرَ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُلْحَقُ بِهِ من نَفْيِهِ وَيُعْذَرُ في التَّأْخِيرِ لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَى الْقَاضِي لِغَيْبَةٍ أو غَيْرِهَا وَانْتِظَارِ الصَّبَاحِ فِيمَا إذَا بَلَغَهُ الْخَبَرُ لَيْلًا وَحُضُورِ الصَّلَاةِ حتى يُصَلِّيَ ويعذر فيه جَائِعٌ لِلْأَكْلِ وَعَارٍ لِلُّبْسِ وَنَحْوُ ذلك فَإِنْ كان مَحْبُوسًا أو مَرِيضًا أو مُمَرِّضًا أو خَائِفًا ضَيْعَةَ مَالٍ أَيْ ضَيَاعَهُ يُقَالُ ضَاعَ الشَّيْءُ ضَيْعَةً وَضَيَاعًا بِالْفَتْحِ أَيْ هَلَكَ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ أَرْسَلَ إلَى الْقَاضِي لِيَبْعَثَ إلَيْهِ نَائِبًا يُلَاعِنُ عِنْدَهُ أو لِيُعْلِمَهُ أَنَّهُ مُقِيمٌ على النَّفْيِ كَالْمُولِي إذَا عَجَزَ عن الْوَطْءِ فَاءَ بِلِسَانِهِ فَيْءَ الْمَعْذُورِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ يَبْعَثُ إلَى الْقَاضِي وَيُطْلِعُهُ على ما هو عليه لِيَبْعَثَ إلَيْهِ نَائِبًا أو لِيَكُونَ عَالِمًا بِالْحَالِ إنْ أَخَّرَ بَعَثَ النَّائِبَ فَإِنْ لم يَفْعَلْ بَطَلَ حَقُّهُ وَإِنْ تَعَذَّرَ عليه الْإِرْسَالُ أَشْهَدَ أَنَّهُ على النَّفْيِ إنْ أَمْكَنَهُ فَإِنْ لم يَشْهَدْ حِينَئِذٍ بَطَلَ حَقُّهُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلِلْغَائِبِ النَّفْيُ عِنْدَ الْقَاضِي إنْ وَجَدَهُ في مَوْضِعِهِ وَهَلْ له التَّأْخِيرُ إلَى رُجُوعِ من غَيْبَتِهِ إنْ بَادَرَ إلَيْهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ مع الْإِشْهَادِ بِأَنَّهُ على النَّفْيِ كما لو لم يَجِدْ ثَمَّ قَاضِيًا لِأَنَّ له عُذْرًا ظَاهِرًا فيه وهو الِانْتِقَامُ منها بِإِشْهَارِ أَمْرِهَا في قَوْمِهَا وَبَلَدِهَا أو لَا لِتَمَكُّنِهِ من النَّفْيِ في غَيْبَتِهِ فيه وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ الْأَوَّلُ وَكَلَامُ الْأَصْلِ يَمِيلُ إلَيْهِ فَإِنْ أَخَّرَ لِمُبَادَرَةٍ مع الْإِمْكَانِ وَإِنْ أَشْهَدَ أو لم يُشْهِدْ وَإِنْ بَادَرَ بَطَلَ حَقُّهُ وَإِنْ لم يُمْكِنْهُ الْمُبَادَرَةُ لِخَوْفِ الطَّرِيقِ أو غَيْرِهِ فَلْيُشْهِدْ فَرْعٌ له تَأْخِيرُ اللِّعَانِ في نَفْيِ الْحَمْلِ إلَى الْوِلَادَةِ لِيَتَحَقَّقَ كَوْنُهُ وَلَدًا إذْ ما يُتَوَهَّمُ حَمَلَا قد يَكُونُ رِيحًا فَلَوْ قال تَحَقَّقْته وَلَكِنْ رَجَوْت مَوْتَهُ فَأَكْفَى اللِّعَانَ سَقَطَ حَقُّهُ فَلَا يُلَاعِنُ وَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ لِتَفْرِيطِهِ فَصَارَ كما لو سَكَتَ عن نَفْيِ الْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ طَعْمًا في مَوْتِهِ وَإِنْ قال لم أَعْلَمْ بِالْوِلَادَةِ صُدِّقَ بِيُمْنِهِ إنْ احْتَمَلَ ما قَالَهُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُوَافِقُهُ في الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي أو قال لم أُصَدِّقْ بها من أخبرني
____________________
(3/387)
قد أخبره عَدْلَانِ وَكَذَا شَخْصٌ مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ وَلَوْ رَقِيقًا أو امْرَأَةً لم يُقْبَلْ منه لِوُجُوبِ عَمَلِهِ بِخَبَرِهِمْ أو قال بَعْدَ إخْبَارِ من ذَكَرَ لم أَعْلَمْ بِجَوَازِهِ أَيْ اللِّعَانِ وهو عَامِّيٌّ وَإِنْ لم يَكُنْ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أو نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عن الْعُلَمَاءِ صُدِّقَ كَنَظِيرِهِ من خِيَارِ الْمُعْتَقَةِ بِخِلَافِ ما إذَا كان فَقِيهًا فَرْعٌ لو دَعَا شَخْصٌ لِلْمُهَنَّأِ بِالْوَلَدِ فقال في جَوَابِهِ آمِينَ وَنَحْوَهُ مِمَّا يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِهِ كَنَعَمْ أو اسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَك لم يَنْفِ أَيْ ليس له نَفْيُهُ لِرِضَاهُ بِهِ نعم إنْ عُرِفَ له وَلَدٌ آخَرُ وَادَّعَى حَمْلَ التَّهْنِئَةِ وَالتَّأْمِينِ أو نَحْوِهِ عليه فَلَهُ نَفْيُهُ إلَّا إنْ كان وَأَشَارَ إلَيْهِ فقال مَتَّعَك اللَّهُ بهذا الْوَلَدِ فقال آمِينَ أو نَحْوَهُ فَلَيْسَ له نَفْيُهُ لِتَضَمُّنِ ذلك الْإِقْرَارَ بِهِ أو أَجَابَ بِمَا لم يَتَضَمَّنْ إقْرَارُهُ كَقَوْلِهِ جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا وَرَزَقَك مثله وَأَسْمَعَك خَيْرًا لم يُؤَثِّرْ في جَوَازِ نَفْيِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَصَدَ مُكَافَأَةَ الدُّعَاءِ بِالدُّعَاءِ وَصُورَةُ ذلك أَنْ يُهَنَّأَ بِهِ في وَقْتِ الْعُذْرِ أو يُهَنِّئَهُ من لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بِإِخْبَارِهِ قَالَهُ ابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ فَصْلٌ فيه مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ لو قال الزَّوْجُ بَعْدَ قَذْفِهِ زَوْجَتَهُ قَذَفْتُك في النِّكَاحِ فَلِي اللِّعَانُ فقالت بَلْ قبل النِّكَاحِ فَلَا لِعَانَ وَعَلَيْك الْحَدُّ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ الْقَاذِفُ فَهُوَ أَعْلَمُ بِوَقْتِ الْقَذْفِ وَلِأَنَّهُمَا لو اخْتَلَفَا في أَصْلِ الْقَذْفِ كان هو الْمُصَدَّقُ فَكَذَا إذَا اخْتَلَفَا في وَقْتِهِ وَكَذَا إنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ حُصُولِ الْفُرْقَةِ فقال قَذَفْتُك قَبْلَهَا فقالت بَلْ بَعْدَهَا فإنه يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ إلَّا إنْ أَنْكَرَتْ أَصْلَ النِّكَاحِ فقال قَذَفْتُك وَأَنْتِ زَوْجَتِي فقالت ما تَزَوَّجْتنِي قَطُّ فَتُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا أو قال قَذَفْتُك وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ فقالت بَلْ وأنا بَالِغَةٌ فَهُوَ الْمُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَرَاءَةُ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا احْتَمَلَ أَنَّهُ قَذَفَهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَحْتَمِلْ كَأَنْ كان ابْنَ عِشْرِينَ سَنَةً وَهِيَ بِنْتُ أَرْبَعِينَ وَكَذَا يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ إنْ قال قَذَفْتُك وَأَنْتِ مَجْنُونَةٌ وَرَقِيقَةٌ وَكَافِرَةٌ فقالت بَلْ وأنا عَاقِلَةٌ وَحُرَّةٌ وَمُسْلِمَةٌ إنْ عُهِدَ لها ذلك وَلَيْسَ عليه إلَّا التَّعْزِيرُ وَإِلَّا فَهِيَ الْمُصَدَّقَةُ بِيَمِينِهَا وَالْوَاوُ في كَلَامِهِ في الْمَوْضِعَيْنِ بِمَعْنَى أو أو قال قَذَفْتُك وأنا صَبِيٌّ فقالت بَلْ وَأَنْتَ بَالِغٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ احْتَمَلَ ذلك نَظِيرَ ما قَدَّمْته أو وأنا مَجْنُونٌ فقالت بَلْ وَأَنْتَ عَاقِلٌ فَكَذَا يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ إنْ عُهِدَ له جُنُونٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ وَإِلَّا صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ وَالْغَالِبَ السِّمَةُ أو قال قَذَفْتُك وأنا نَائِمٌ فَأَنْكَرَتْ نَوْمَهُ لم يُقْبَلْ منه لِبُعْدِهِ وَحَيْثُ صَدَّقْنَا الْقَاذِفَ بِيَمِينِهِ فَنَكَلَ وَحَلَفَ الْآخَرُ أَيْ الْمَقْذُوفُ حُدَّ الْقَاذِفُ فَإِنْ كان زَوْجًا فَلَهُ اللِّعَانُ لِدَفْعِ الْحَدِّ
وَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً على بُلُوغِهِ أو عَقْلِهِ حين قَذَفَهَا فَأَقَامَ هو بَيِّنَةً على صِغَرِهِ أو جُنُونِهِ وَاتَّحَدَ التَّارِيخُ سَقَطَتَا أَيْ الْبَيِّنَتَانِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَتَا مُطَلَّقَتَيْنِ أو مُخْتَلِفَتَيْ التَّارِيخِ أو إحْدَاهُمَا مُطَلَّقَةً وَالْأُخْرَى مُؤَرَّخَةً حُدَّ بِبَيِّنَتِهَا وَعُزِّرَ بِبَيِّنَتِهِ لِأَنَّهُمَا قَذْفَانِ وَإِنْ لَاعَنَتْ بَعْدَ لِعَانِهِ ثُمَّ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا حُدَّتْ له لِإِقْرَارِهَا بِهِ إنْ لم تَرْجِعْ عن إقْرَارِهَا فَإِنْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا قبل اللِّعَانِ لم يُلَاعِنْ أو في أَثْنَائِهِ لم يُتِمَّهُ لِسُقُوطِ الْحَدِّ عنه كما قال وَسَقَطَ عنه حَدُّهُ وَلَزِمَهَا حَدُّ الزِّنَا وَلَا لِعَانَ له بَعْدَ ذلك إلَّا إنْ كان ثَمَّ وَلَدٌ فَيَنْفِيهِ بِاللِّعَانِ
وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَيْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قبل أَنْ يُتِمَّ الزَّوْجُ لِعَانَهُ تَوَارَثَا أَيْ وَرِثَهُ الْآخَرُ لِبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ فَإِنْ كان الْمَيِّتُ الزَّوْجَ اسْتَقَرَّ النَّسَبُ فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ نَفْيُهُ وَإِنْ كان يَلْحَقُ بِالْإِقْرَارِ النَّسَبُ بِالْمَوْرُوثِ فإن الِاسْتِلْحَاقَ أَقْوَى من النَّفْيِ وَلِذَلِكَ يَجُوزُ الِاسْتِلْحَاقُ بَعْدَهُ لَا عَكْسُهُ أو كان الْمَيِّتُ الْمَرْأَةَ فَلَهُ إتْمَامُهُ أَيْ اللِّعَانِ لِإِسْقَاطِ النَّسَبِ أَيْ نَسَبِ الْوَلَدِ إنْ كان وَإِلَّا فَلَا وَيَسْقُطُ الْحَدُّ عنه إنْ حَازَ الْمِيرَاثَ هو لِكَوْنِهِ عَصَبَةً بِأَنْ كان عَمُّهَا أو مُعْتِقُهَا أو حَازَهُ هو وَأَوْلَادُهُ منها أو أَوْلَادُهُ منها فَقَطْ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَسْتَوْفِي حَدَّ الْقَذْفِ من أبيه وَإِلَّا بِأَنْ لم يَحُزْ الْمِيرَاثَ هو وَحْدَهُ أو مع أَوْلَادِهِ وَحْدَهُمْ حُدَّ هو وَإِنْ سَقَطَ بَعْضُهُ عنه فِيمَا إذَا وَرِثَ معه غَيْرُ أَوْلَادِهِ منها بِنَاءً على أَنَّ بَعْضَ الْحَدِّ إذَا سَقَطَ بِعَفْوِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ فَلِلْبَاقِينَ اسْتِيفَاؤُهُ وَلَهُ إسْقَاطُهُ عنه بِاللِّعَانِ وَالِاعْتِبَارِ في الْحَدِّ بِحَالَةِ الْقَذْفِ فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحَدُّ بِحُدُوثِ عِتْقٍ أو رِقٍّ أو إسْلَامٍ في الْقَاذِفِ أو
____________________
(3/388)
الْمَقْذُوفِ فَيُحَدُّ في الْأَوَّلِ حَدَّ الْعَبِيدِ وفي الثَّانِي حَدَّ الْأَحْرَارِ وفي الثَّالِثِ وهو من زِيَادَتِهِ حَدَّ الْقَاذِفِ حَدَّ غَيْرِ الْمُحْصَنِ وَكَالْحَدِّ التَّعْزِيرُ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ في بَعْضِ صُوَرِهِ وَإِنْ قَذَفَ غير مُحْصَنَةٍ وَطَالَبَتْهُ بِاللِّعَانِ ولم يُلَاعِنْ عُزِّرَ وَإِنْ لَاعَنَ وَنَكَلَتْ عن اللِّعَانِ حُدَّتْ حَدَّ الزِّنَا إلَّا إنْ كانت صَغِيرَةً أو مَجْنُونَةً فَلَا تُحَدُّ
وَإِنْ قَتَلَ الْمُلَاعِنُ من نَفَاهُ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ لَحِقَهُ وَسَقَطَ عنه الْقِصَاصُ إنْ أَوْجَبْنَاهُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِ صَاحِبِ الْفِرَاشِ اسْتِلْحَاقُ مَوْلُودٍ على فِرَاشٍ صَحِيحٍ وَإِنْ نُفِيَ عنه بِاللِّعَانِ لِأَنَّهُ وَإِنْ نَفَاهُ فَحَقُّ الِاسْتِلْحَاقِ لَا يَجُوزُ تَفْوِيتُهُ فَإِنْ لم يَصِحَّ الْفِرَاشُ كَوَلَدِ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ أو نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَنَفَاهُ صَاحِبُ الْفِرَاشِ فَلِكُلٍّ من الناس اسْتِلْحَاقُهُ لِأَنَّهُ لو نَازَعَهُ فيه قبل النَّفْيِ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ وَإِنْ أَثْبَتَ الْقَاذِفُ أَيْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِزِنَاهَا وَأَثْبَتَتْ أَيْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً بِالْبَكَارَةِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا مِمَّا سَيَأْتِي في كِتَابِ حَدِّ الزِّنَا أَيْضًا مع زِيَادَةٍ وَكَذَا لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا إنْ أَثْبَتَ أَيْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِإِقْرَارِ الْمَقْذُوفِ بِالزِّنَا ثُمَّ رَجَعَ الْمُقِرُّ عن إقْرَارِهِ نعم إنْ رَجَعَ قبل الْقَذْفِ فَالْمُتَّجَهُ وُجُوبُ حَدِّ الْقَذْفِ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ
وَلَوْ نَفَى الذِّمِّيُّ وَلَدًا ثُمَّ أَسْلَمَ لم يَتْبَعْهُ في الْإِسْلَامِ فَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ بَعْدَ تَبَعِهِ فيه كما عُلِمَ من قَوْلِهِ فَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ وَقُسِّمَ مِيرَاثُهُ بين وَرَثَتِهِ الْكُفَّارِ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ الذِّمِّيُّ الذي أَسْلَمَ لَحِقَهُ في نَسَبِهِ وَإِسْلَامِهِ وَوَرِثَهُ وَانْقَضَتْ الْقِسْمَةُ كِتَابُ الْعِدَدِ وَالِاسْتِبْرَاءِ الْعِدَدُ جَمْعُ عِدَّةٍ مَأْخُوذَةٌ من الْعَدَدِ لِاشْتِمَالِهَا عليه غَالِبًا وَهِيَ مُدَّةٌ تَتَرَبَّصُ فيها الْمَرْأَةُ لِمَعْرِفَةِ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا أو لِلتَّقْيِيدِ أو لِتَفَجُّعِهَا على زَوْجٍ كما سَيَأْتِي وَالْأَصْلُ فيها قبل الْإِجْمَاعِ الْآيَاتُ وَالْأَخْبَارُ الْآتِيَةُ وَشُرِعَتْ صِيَانَةً لِلْأَنْسَابِ وَتَحْصِينًا لها من الِاخْتِلَاطِ وَفِيهِ أَبْوَابٌ خَمْسَةٌ الْأَوَّلُ في عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ كَلِعَانٍ وَوَطْءِ شُبْهَةٍ وَعَلَى الْمُزَوَّجَةِ وَلَوْ صَغِيرَةً الْعِدَّةُ لِكُلِّ فُرْقَةٍ بَعْدَ الدُّخُولِ وَلَوْ طَلُقَتْ بِالتَّعْلِيقِ لِلطَّلَاقِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ يَقِينًا كَقَوْلِهِ مَتَى تَيَقَّنْت بَرَاءَةَ رَحِمَك من مَنِيِّي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَوُجِدَتْ الصِّفَةَ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ مع مَفْهُومِ الْآيَةِ الْآتِيَةِ لِأَنَّ الْإِنْزَالَ خَفِيٌّ يَخْتَلِفُ بِالْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَيَعْسُرُ تَتَبُّعُهُ فَأَعْرَضَ الشَّرْعُ عنه وَاكْتَفَى بِسَبَبِهِ وهو الْوَطْءُ كما اكْتَفَى في التَّرَخُّصِ بِالسَّفَرِ وَأَعْرَضَ عن الْمَشَقَّةِ وَلَا الْأَوْلَى فَلَا تَجِبُ بِالْخَلْوَةِ كما لَا تَجِبُ بِدُونِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ من قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ من عِدَّةٍ الْخِطَابُ لِلْأَزْوَاجِ وَقِيسَ عليهم الْوَاطِئُ بِشُبْهَةٍ وَعَلَى مَسِّهِمْ أو وَطْئِهِمْ اسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ الْمُحْتَرَمِ كما سَيَأْتِي بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمِ بِأَنْ يَكُونَ من زِنًا وَتَعْتَدُّ لِوَطْءِ صَغِيرٍ وَإِنْ كان في سِنٍّ لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ لِمَا ذُكِرَ قال الزَّرْكَشِيُّ لَكِنْ يُشْتَرَطُ تَهَيُّؤُهُ لِلْوَطْءِ كما أَفْتَى بِهِ الْغَزَالِيُّ وَكَذَا يُشْتَرَطُ في الصَّغِيرَةِ ذلك كما صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي
انْتَهَى
وَكَذَا لِوَطْءِ خَصِيٍّ لِذَلِكَ مع أَنَّهُ قد يَلْتَذُّ وَيُنْزِلُ مَاءً رَقِيقًا لَا الْمُزَوَّجَةِ من مَقْطُوعِ الذَّكَرِ وَلَوْ دُونَ الْأُنْثَيَيْنِ لِعَدَمِ الدُّخُولِ لَكِنْ إنْ بَانَتْ حَامِلًا لَحِقَ الْحَمْلُ بِهِ لِإِمْكَانِهِ إنْ لم يَكُنْ مَمْسُوحًا فَإِنْ كان مَمْسُوحًا لم يَلْحَقْ بِهِ كما مَرَّ في الْبَابِ قَبْلَهُ وَاعْتَدَّتْ من مَقْطُوعِ الذَّكَرِ وَحْدَهُ بِوَضْعِهِ وَإِنْ نَفَاهُ بِخِلَافِ الْمَمْسُوحِ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُهُ كما تَقَرَّرَ وَاسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ حَلَالًا وَشُبْهَةً أَيْ الْمَنِيِّ الْمُحْتَرَمِ كَالْوَطْءِ في وُجُوبِ الْعِدَّةِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْعُلُوقِ من مُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ وَقَوْلُ الْأَطِبَّاءِ الْمَنِيُّ إذَا ضَرَبَهُ الْهَوَاءُ
____________________
(3/389)
لَا يَنْعَقِدُ منه الْوَلَدُ غَايَتُهُ ظَنٌّ وهو لَا يُنَافِي في الْإِمْكَانِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَضَبَطَ الْمُتَوَلِّي الْوَطْءَ الْمُوجِبَ لِلْعِدَّةِ بِكُلِّ وَطْءٍ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ على الْوَاطِئِ وَإِنْ أَوْجَبَهُ على الْمَوْطُوءَةِ كما لو زَنَى مُرَاهِقٌ بِبَالِغَةٍ أو مَجْنُونٌ بِعَاقِلَةٍ أو مُكْرَهٌ بِطَائِعَةٍ قال الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ وَلَوْ اسْتَدْخَلَتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرَ أَشَلَّ لم تَجِبْ الْعِدَّةُ كَالذَّكَرِ الْمُبَانِ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْمُعْتَمَدُ وُجُوبُهَا
فَصْلٌ الْعِدَّةُ أَيْ عِدَّةُ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ تَكُونُ بِالْأَقْرَاءِ وَلَوْ جُلِبَ الْحَيْضُ فيها بِدَوَاءٍ وَالْأَشْهُرِ وَالْحَمْلِ قال تَعَالَى وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وقال وَاَللَّائِي يَئِسْنَ من الْمَحِيضِ من نِسَائِكُمْ إلَى قَوْلِهِ حَمْلَهُنَّ وَالْأَقْرَاءُ جَمْعُ قَرْءٍ بِفَتْحِ الْقَافِ أَكْثَرُ من ضَمِّهَا وهو لُغَةٌ مُشْتَرَكٌ بين الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا الطُّهْرُ كما قال وَالْأَقْرَاءُ هِيَ الْأَطْهَارُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ أَيْ في زَمَنِهَا وهو زَمَنُ الطُّهْرِ إذْ الطَّلَاقُ في الْحَيْضِ مُحَرَّمٌ كما مَرَّ وقد قُرِئَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِقَبْلِ عِدَّتِهِنَّ وَقَبْلُ الشَّيْءِ أَوَّلُهُ وَلِأَنَّ الْقُرْءَ مَأْخُوذٌ من قَوْلِهِمْ قَرَأْت الْمَاءَ في الْحَوْضِ أَيْ جَمَعْته فيه فَالطُّهْرُ أَحَقُّ بِاسْمِ الْقُرْءِ لِأَنَّهُ زَمَنُ اجْتِمَاعِ الدَّمِ في الرَّحِمِ وَالْحَيْضُ زَمَنُ خُرُوجِهِ منه فَيَنْصَرِفُ الْإِذْنُ إلَى زَمَنِ الطُّهْرِ الذي هو زَمَنُ الْعِدَّةِ وَزَمَنُهَا يَعْقُبُ زَمَنَ الطَّلَاقِ
وَالطُّهْرُ ما احْتَوَشَهُ دَمَانِ أَيْ دَمَا حَيْضَيْنِ أو حَيْضٍ وَنِفَاسٍ لَا مُجَرَّدُ الِانْتِقَالِ إلَى الْحَيْضِ قال في الْأَصْلِ وَلَيْسَ مُرَادُهُمْ بِقَوْلِهِمْ الْقُرْءُ هو الطُّهْرُ الْمُحْتَوَشُ بِدَمَيْنِ الطُّهْرَ بِتَمَامِهِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ بَقِيَّةَ الطُّهْرِ تُحْسَبُ قُرْءًا وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ هل يُعْتَبَرُ من الطُّهْرِ الْمُحْتَوَشِ شَيْءٌ أَمْ يَكْفِي الِانْتِقَالُ فَإِنْ طَلَّقَهَا في الطُّهْرِ وَلَوْ بَقِيَ منه لَحْظَةٌ أو جَامَعَهَا فيه انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالطَّعْنِ في الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَلَا يَبْعُدُ تَسْمِيَةُ قُرْأَيْنِ وَبَعْضِ الثَّالِثِ ثَلَاثَةَ أَقْرَاءٍ كما يُقَالُ خَرَجْت من الْبَلَدِ لِثَلَاثٍ مَضَيْنَ مع وُقُوعِ خُرُوجِهِ في الثَّالِثِ وَكَمَا في قَوْله تَعَالَى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ مع أَنَّ الْمُرَادَ شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَبَعْضُ ذِي الْحِجَّةِ وَلِأَنَّا لو لم نَعْتَدَّ بِالْبَاقِي قُرْءًا لَكَانَ أَبْلَغَ في تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عليها من الطَّلَاقِ في الْحَيْضِ أو طَلَّقَهَا في الْحَيْضِ فَبِالطَّعْنِ في الْحَيْضَةِ الرَّابِعَةِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَلَا يُشْتَرَطُ في انْقِضَائِهَا في تِلْكَ وَهَذِهِ مُضِيُّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ من الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ في تِلْكَ وَالرَّابِعَةِ في هذه وَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ على خِلَافِ عَادَتِهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ وَلِئَلَّا تَزِيدَ الْعِدَّةُ على ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ لَكِنْ يَتَبَيَّنُ بَقَاؤُهَا بِانْقِطَاعِهِ دُونِهِمَا إذْ لم يَعُدْ قبل مُضِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَزَمَنُ الطَّعْنِ في الْحَيْضِ الْأَخِيرِ في الصُّورَتَيْنِ ليس من الْعِدَّةِ بَلْ يَتَبَيَّنُ بِهِ انْقِضَاؤُهَا كما مَرَّ في الطَّلَاقِ
فَرْعٌ لو طَلَّقَ من لم تَحِضْ ثُمَّ حَاضَتْ أو قال لِمَنْ تَحِيضُ أَنْت طَالِقٌ في آخِرِ طُهْرِك أو آخِرِ جُزْءٍ من أَجْزَاءِ طُهْرِك لم يُحْسَبْ ذلك الزَّمَنُ الذي طَلَّقَ فيه قُرْءًا بَلْ لَا بُدَّ من ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ بَعْدَ الْحَيْضَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالطَّلَاقِ بِنَاءً على أَنَّ الطُّهْرَ ما احْتَوَشَهُ دَمَانِ
فَصْلٌ وَالْعِدَّةُ لِلْحُرَّةِ ذَاتِ الْأَقْرَاءِ وَغَيْرِ الْحَامِلِ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَيُجْمَعُ قُرْءٌ على أَقْرُؤٍ أَيْضًا فَلَهُ ثَلَاثَةُ جُمُوعٍ كما ذَكَرَهَا الْجَوْهَرِيُّ وقال ابن الْأَنْبَارِيِّ جَمْعُهُ بِمَعْنَى الطُّهْرِ قُرُوءٌ كما في الْآيَةِ وَبِمَعْنَى الْحَيْضِ أَقْرَاءٌ كما في خَبَرِ دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِك وَجَرَى الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ على الْأَوَّلِ فَعَبَّرَ بِأَقْرَاءٍ نَظَرًا لِجَمْعِ الْقِلَّةِ الْمُرَادِ هُنَا وَإِنْ خَالَفَ نَظْمَ الْقُرْآنِ
وَالْعِدَّةُ لِمَنْ فيها رِقٌّ وَلَوْ مُبَعَّضَةً وَهِيَ وَذَاتُ أَقْرَاءٍ وَغَيْرُ حَامِلٍ قُرْآنِ لِقَوْلِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه وَتَعْتَدُّ الْأَمَةُ بِقُرْأَيْنِ وَلِأَنَّهَا على النِّصْفِ من الْحُرَّةِ في كَثِيرٍ من الْأَحْكَامِ وَإِنَّمَا كَمَّلَتْ الْقُرْءَ الثَّانِيَ لِتَعَذُّرِ تَبْعِيضِهِ كَالطَّلَاقِ إذْ لَا يَظْهَرُ نِصْفُهُ إلَّا بِظُهُورِ كُلِّهِ فَلَا بُدَّ من الِانْتِظَارِ إلَى أَنْ يَعُودَ الدَّمُ فإذا أُعْتِقَتْ في عِدَّةِ رَجْعَةٍ لَا بَيْنُونَةً أَتَمَّتْ ثَلَاثَةً من الْأَقْرَاءِ لِأَنَّهَا كَالْمَنْكُوحَةِ في أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ فَكَأَنَّهَا عَتَقَتْ قبل الطَّلَاقِ بِخِلَافِ الْبَائِنِ كما أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ إذَا مَاتَ عنها زَوْجُهَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ بِخِلَافِ الْبَائِنِ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ وَاقْتَضَاهُ إيرَادُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَنَقَلَهُ في الْكَبِيرِ عن تَصْحِيحِ الْبَغَوِيّ وَجَمَاعَةٍ وَنَقَلَ عن اخْتِيَارِ الْمُزَنِيّ وَتَصْحِيحِ أبي إِسْحَاقَ وَالْمَحَامِلِيِّ وَصَاحِبِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِمْ تَكْمِيلَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ في الْبَائِنِ أَيْضًا لِأَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ الْعِدَّةِ الْكَامِلَةِ في أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ فَتُنْتَقَلُ
____________________
(3/390)
إلَيْهَا كما لو رَأَتْ الدَّمَ في خِلَالِ الْأَشْهُرِ وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فقال إنَّهُ أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ بِالْقِيَاسِ حَكَاهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وهو الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ لِلْعِدَّةِ أَوْلَى من الِاحْتِيَاطِ لِلْعَقْدِ أَمَّا عَكْسُ ذلك بِأَنْ تَصِيرَ الْحُرَّةُ أَمَةً في الْعِدَّةِ لِالْتِحَاقِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ فَفِيهِ وَجْهَانِ في التَّتِمَّةِ أَحَدُهُمَا وهو الْأَوْجَهُ تُكْمِلُ عِدَّةَ حُرَّةٍ وَثَانِيهِمَا وَبِهِ قال ابن الْحَدَّادِ تَرْجِعُ إلَى عِدَّةِ الْأَمَةِ وَكَذَا تُتِمُّ ثَلَاثَةَ أَقْرَاءٍ وَلَا تَسْتَأْنِفُهَا إنْ عَتَقَتْ وَهِيَ رَجْعِيَّةٌ في عِدَّةِ عَبْدٍ فَفَسَخَتْ نِكَاحَهُ في الْحَالِ كما لو طَلَّقَ الرَّجْعِيَّةَ طَلْقَةً أُخْرَى وَمَتَى أَخَّرَتْ الْفَسْخَ فَرَاجَعَهَا ثُمَّ فَسَخَتْ قبل الدُّخُولِ اسْتَأْنَفَتْ الْأَقْرَاءَ الثَّلَاثَةَ لِأَنَّهَا فَسَخَتْ وَهِيَ زَوْجَةٌ وَالْفَسْخُ يُوجِبُ الْعِدَّةَ
فَرْعٌ لو وَطِئَ أَمَةً لِغَيْرِهِ يَظُنُّهَا أَمَتَهُ اعْتَدَّتْ بِقُرْءٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهَا في نَفْسِهَا مَمْلُوكَةٌ وَالشُّبْهَةُ شُبْهَةُ مِلْكِ الْيَمِينِ وَإِنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ فَبِقُرْأَيْنِ اعْتَدَّتْ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِهِ وَلِأَنَّ أَصْلَ الظَّنِّ يُؤَثِّرُ في أَصْلِ الْعِدَّةِ فَجَازَ أَنْ يُؤَثِّرَ خُصُوصُهُ في خُصُوصِهَا أو ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ فَبِثَلَاثَةٍ من الْأَقْرَاءِ اعْتَدَّتْ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِهِ وَمَتَى وَطِئَ حُرَّةً يَظُنُّهَا أَمَتَهُ اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ لِأَنَّ الظَّنَّ إنَّمَا يُؤَثِّرُ في الِاحْتِيَاطِ لَا في التَّخْفِيفِ وَهَذَا ما قَالَهُ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْمَشْهُورَ الْقَطْعُ بِهِ وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ عن قَطْعِ جَمَاعَةٍ ثُمَّ قال وَالْأَشْبَهُ أَيْ من جِهَةِ الْقِيَاسِ اعْتِبَارُ ظَنِّهِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لِحَقِّهِ فَيَعْتَدُّ بِقُرْءٍ وَاحِدٍ وَلَوْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ نَقَلَ عن الْمُتَوَلِّي فيها وَجْهَيْنِ هل يَجِبُ قُرْآنِ لِظَنِّهِ أو ثَلَاثَةٌ وَجَعَلَ الْأَشْبَهَ فيها أَيْضًا اعْتِبَارَ ظَنِّهِ فَيَجِبُ قُرْآنِ
وَقَضِيَّةُ الْمَنْقُولِ وُجُوبُ ثَلَاثَةٍ وفي نُسْخَةٍ بَدَلُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَمَتَهُ أَمَةً فَيَشْمَلُ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا
فَصْلٌ الْمُسْتَحَاضَةُ تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ الْمَرْدُودَةِ إلَيْهَا من الْعَادَةِ وَالتَّمْيِيزِ وَالْأَقَلِّ وَعِدَّةُ الْمُتَحَيِّرَةِ وَلَوْ مُنْقَطِعَةَ الدَّمِ تَنْقَضِي بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ في الْحَالِ لِاشْتِمَالِ كل شَهْرٍ على طُهْرٍ وَحَيْضٍ غَالِبًا وَلِعِظَمِ مَشَقَّةِ الِانْتِظَارِ إلَى سِنِّ الْيَأْسِ وَيُخَالِفُ الِاحْتِيَاطَ في الْعِبَادَاتِ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فيها لَا تَعْظُمُ عِظَمَ مَشَقَّةِ الِانْتِظَارِ إلَى سِنِّ الْيَأْسِ مُبْتَدَأَةً كانت أو غَيْرَهَا نعم إنْ حَفِظَتْ الْأَدْوَارَ وَاعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةٍ منها كما ذَكَرَهُ في الْحَيْضِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ أَكْثَرَ من ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أَمْ أَقَلَّ لِاشْتِمَالِهَا على ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ وَكَذَا لو شَكَّتْ في قَدْرِ أَدْوَارِهَا وَلَكِنْ قالت أَعْلَمُ أنها لَا تُجَاوِزُ سَنَةً مَثَلًا أَخَذَتْ بِالْأَكْثَرِ وَتَجْعَلُ السَّنَةَ دَوْرَهَا ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَوَافَقَهُ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ في بَابِ الْحَيْضِ
فَإِنْ بَقِيَ من الشَّهْرِ الذي طَلُقَتْ فيه أَكْثَرُ من خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عُدَّ قُرْءًا لِاشْتِمَالِهِ على طُهْرٍ لَا مَحَالَةَ وَتَعْتَدُّ بَعْدَهُ بِهِلَالَيْنِ وَإِلَّا بِأَنْ بَقِيَ منه خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَقَلَّ فَلَا اعْتِبَارَ بِتِلْكَ الْبَقِيَّةِ لِاحْتِمَالِ أنها حَيْضٌ فَتَبْتَدِئُ بِالْعِدَّةِ من الْهِلَالِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْأَشْهُرَ لَيْسَتْ مُتَأَصِّلَةً في حَقِّ الْمُتَحَيِّرَةِ وَلَكِنْ يُحْسَبُ كُلُّ شَهْرٍ في حَقِّهَا قُرْءًا لِاشْتِمَالِهِ على حَيْضٍ وَطُهْرٍ غَالِبًا كما تَقَرَّرَ بِخِلَافِ من لم تَحِضْ وَالْآيِسَةِ حَيْثُ يُكْمِلَانِ الْمُنْكَسِرَ كما سَيَأْتِي
وَمَحَلُّ ذلك في الْحُرَّةِ أَمَّا غَيْرُهَا فقال الْبَارِزِيُّ تَعْتَدُّ بِشَهْرٍ وَنِصْفٍ وقال الْبُلْقِينِيُّ هذا قد يَتَخَرَّجُ على أَنَّ الْأَشْهُرَ أَصْلٌ في حَقِّهَا وَلَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ فَالْفَتْوَى على أنها إذَا طَلُقَتْ أَوَّلَ الشَّهْرِ اعْتَدَّتْ بِشَهْرَيْنِ أو وقد بَقِيَ أَكْثَرُهُ فَبِبَاقِيهِ وَالثَّانِي أو دُونَ أَكْثَرِهِ فَبِشَهْرَيْنِ بَعْدَ تِلْكَ الْبَقِيَّةِ
فَصْلٌ وَتَعْتَدُّ الْحُرَّةُ التي لم تَحِضْ لِصِغَرٍ أو غَيْرِهِ وَلَوْ وَلَدَتْ وَرَأَتْ نِفَاسًا وَالْآيِسَةُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ قَوْله تَعَالَى وَاَللَّائِي يَئِسْنَ من الْمَحِيضِ من نِسَائِكُمْ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللَّائِي لم يَحِضْنَ أَيْ فَعِدَّتُهُنَّ كَذَلِكَ فَإِنْ انْكَسَرَ شَهْرٌ تُمِّمَ ثَلَاثِينَ وَمِنْ الشَّهْرِ الرَّابِعِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُنْكَسِرُ تَامًّا أَمْ نَاقِصًا كَنَظَائِرِهِ وَإِنْ طَلُقَتْ في أَثْنَاءِ لَيْلٍ أو نَهَارٍ فَمُنْكَسِرٌ وَيُبْدَأُ الْحِسَابُ منه أَيْ من حِينِ طَلَاقِهَا وَهَذَا عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ وتعتد الْأَمَةُ التي لم تَحِضْ وَالْآيِسَةُ لِشَهْرٍ وَنِصْفٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا يَنْقُصُ بِالرِّقِّ من الْأَعْدَادِ النِّصْفُ وَالْمُبَعَّضَةُ كَالْأَمَةِ فَإِنْ حَاضَتْ الصَّغِيرَةُ أو غَيْرُهَا مِمَّنْ لم تَحِضْ في أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ
____________________
(3/391)
انْتَقَلَتْ إلَى الْحَيْضِ لِقُدْرَتِهَا على الْأَصْلِ قبل فَرَاغِهَا من الْبَدَلِ كما في أَثْنَاءِ التَّيَمُّمِ
ولم يُحْسَبْ الْمَاضِي قُرْءًا لِأَنَّهُ لم يَحْتَوِشْ بِدَمَيْنِ أَمَّا من حَاضَتْ بَعْدَ الْفَرَاغِ من الْعِدَّةِ فَلَا يُؤَثِّرُ لِأَنَّ حَيْضَهَا حِينَئِذٍ لَا يَمْنَعُ صِدْقَ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا عِنْدَ اعْتِدَادِهَا بِالْأَشْهُرِ من اللَّائِي لم يَحِضْنَ
فَصْلٌ وَمَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا الْعَارِضُ كَرَضَاعٍ وَنِفَاسٍ وَمَرَضٍ وَكَذَا لِغَيْرِ عَارِضٍ لَا تَعْتَدُّ قبل الْيَأْسِ إلَّا بِالْأَقْرَاءِ لِأَنَّ الْأَشْهُرَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِلَّتِي لم تَحِضْ وَالْآيِسَةِ وَهَذِهِ غَيْرُهُمَا فَتَصْبِرُ إلَى سِنِّ الْيَأْسِ أَيْ يَأْسِ كل النِّسَاءِ لَا يَأْسِ عَشِيرَتِهَا فَقَطْ وهو اثْنَانِ وَسِتُّونَ سَنَةً ثُمَّ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ وَلَا يُبَالِي بِطُولِ مُدَّةِ الِانْتِظَارِ احْتِيَاطًا وَطَلَبًا لِلْيَقِينِ وَالْمُعْتَبَرُ يَأْسُهُنَّ بِحَسَبِ ما بَلَغْنَا خَبَرُهُ لَا طَوْفُ نِسَاءِ الْعَالَمِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَعَلَيْهِ هل الْمُرَادُ نِسَاءُ زَمَانِنَا أو النِّسَاءُ مُطْلَقًا قال الْأَذْرَعِيُّ إيرَادُ الْقَاضِي وَالْفُورَانِيِّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ يَقْتَضِي الْأَوَّلَ وَكَلَامُ كَثِيرِينَ أو الْأَكْثَرِ يَقْتَضِي الثَّانِيَ
انْتَهَى
ثُمَّ إنْ رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ سِنِّ الْيَأْسِ صَارَ أَعْلَى الْيَأْسِ ما رَأَتْهُ فيه وَيَعْتَبِرُ بَعْدَ ذلك بها غَيْرُهَا فَإِنْ حَاضَتْ الْآيِسَةُ التي تَقَدَّمَ لها حَيْضٌ في أَثْنَاءِ الْأَشْهُرِ انْتَقَلَتْ إلَى الْحَيْضِ لِمَا مَرَّ في الصَّغِيرَةِ وَلِتَبَيُّنِ أنها لَيْسَتْ من الْآيِسَاتِ وَحُسِبَ ما مَضَى قُرْءًا لِأَنَّهُ طُهْرٌ احْتَوَشَهُ دَمَانِ فَتُضَمُّ إلَيْهِ قُرْأَيْنِ وَكَذَا تَنْتَقِلُ إلَى الْحَيْضِ بَعْدَ تَمَامَ الْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ ما لم تَتَزَوَّجْ لِتَبَيُّنِ أنها لَيْسَتْ أَيِسَةً فَإِنْ تَزَوَّجَتْ اُكْتُفِيَ بِمَا مَضَى وَالتَّزْوِيجُ صَحِيحٌ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الزَّوْجِ بها وَلِلشُّرُوعِ في الْمَقْصُودِ كما إذَا قَدَرَ الْمُتَيَمِّمُ على الْمَاءِ بَعْدَ الشُّرُوعِ في الصَّلَاةِ فَإِنْ حَاضَتْ أَيْ الْمُنْتَقِلَةُ إلَى الْحَيْضِ قُرْءًا أو قُرْأَيْنِ ثُمَّ انْقَطَعَ الدَّمُ اسْتَأْنَفَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ كَذَاتِ أَقْرَاءٍ أَيِسَتْ قبل تَمَامِهَا وَهَذَا التَّنْظِيرُ من زِيَادَتِهِ وَالْمَنْقُولُ خِلَافُهُ كما سَيَأْتِي في أَوَائِلِ الْبَابِ الثَّانِي
فَصْلٌ وَإِنْ كانت الْمُطَلَّقَةُ أو نَحْوُهَا حَامِلًا بِوَلَدٍ لَاحِقٍ بِذِي الْعِدَّةِ اعْتَدَّتْ بِوَضْعِهِ حُرَّةً كانت أو أَمَةً ذَاتَ أَقْرَاءٍ أو أَشْهُرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَهُوَ مُخَصِّصٌ لِقَوْلِهِ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ من الْعِدَّةِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِالْوَضْعِ وَإِنْ نَفَاهُ بِاللِّعَانِ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي إمْكَانَ كَوْنِهِ منه وَلِهَذَا لو اسْتَلْحَقَهُ لَحِقَهُ وَيَتَوَقَّفُ انْقِضَاؤُهَا على وَضْعِ الْوَلَدِ الْأَخِيرِ من تَوْأَمَيْنِ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَتَصِحُّ الرَّجْعَةُ بَيْنَهُمَا أَيْ بين وِلَادَتِهِمَا لِبَقَاءِ الْعِدَّةِ فَإِنْ كان بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ فَالثَّانِي حَمْلٌ آخَرُ وَاسْتَشْكَلَهُ ابن الرِّفْعَةِ بِأَنَّ كَوْنَهُ حَمْلًا آخَرَ يَتَوَقَّفُ على وَطْءٍ بَعْدَ وَضْعِ الْأَوَّلِ فإذا وَضَعَتْ الثَّانِيَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ من وَضْعِ الْأَوَّلِ يَسْقُطُ منها ما يَسَعُ الْوَطْءَ فَيَكُونُ الْبَاقِي دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَصْوِيرُ ذلك بِاسْتِدْخَالِهَا الْمَنِيَّ حَالَةَ وَضْعِ الْأَوَّلِ وَتَقْيِيدُهُمْ بِالْوَطْءِ في قَوْلِهِمْ يُعْتَبَرُ لَحْظَةً لِلْوَطْءِ جَرَى على الْغَالِبِ وَالْمُرَادُ الْوَطْءُ أو اسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ الذي هو أَوْلَى بِالْحُكْمِ هُنَا بَلْ قد يُقَالُ يُمْكِنُ الْوَطْءُ حَالَةَ الْوَضْعِ وَلَا أَثَرَ لِخُرُوجِ بَعْضِ الْوَلَدِ مُتَّصِلًا أو مُنْفَصِلًا في انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وفي غَيْرِهَا من سَائِرِ أَحْكَامِ الْجَنِينِ لِعَدَمِ تَمَامِ انْفِصَالِهِ وَلِظَاهِرِ الْآيَةِ وَلِأَنَّهُ لَا تَحْصُلُ بِهِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ لَكِنْ سَيَأْتِي في الْكَلَامِ على دِيَتِهِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ لِوُجُوبِ الْغُرَّةِ ظُهُورُ شَيْءٍ منه لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَحَقُّقُ وُجُودِهِ وَأَنَّهُ يَجِبُ الْقَوَدُ إذَا خَرَجَتْ رَقَبَتُهُ وهو حَيٌّ وَتَجِبُ الدِّيَةُ بِالْجِنَايَةِ على أُمِّهِ إذَا مَاتَ بَعْدَ صِيَاحِهِ فَإِنْ مَاتَ صَبِيٌّ لم يَنْزِلْ وَامْرَأَتُهُ حَامِلٌ اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ لَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ لِعَدَمِ إمْكَانِ كَوْنِهِ منه وَكَذَا إنْ مَاتَ مَمْسُوحٌ وَامْرَأَتُهُ حَامِلٌ لِذَلِكَ
فَرْعٌ من أَتَتْ زَوْجَتُهُ الْحَامِلُ بِوَلَدٍ لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ منه بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من حِينِ الْعَقْدِ أو لِأَكْثَرَ وَدُونَ أَرْبَعِ سِنِينَ وكان بين الزَّوْجَيْنِ مَسَافَةٌ لَا تُقْطَعُ في تِلْكَ الْمُدَّةِ أو لِفَوْقِ أَرْبَعِ سِنِينَ من الْفُرْقَةِ لم تَنْقَضِ عِدَّتُهُ بِوَضْعِهِ لَكِنْ لو ادَّعَتْ في الْأَخِيرَةِ أَنَّهُ رَاجَعَهَا أو جَدَّدَ نِكَاحَهَا أو وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ وَأَمْكَنَ فَهُوَ وَإِنْ انْتَفَى عنه تَنْقَضِي
____________________
(3/392)
بِهِ عِدَّتُهُ كما سَيَأْتِي فَإِنْ كان الْمَوْلُودُ لَاحِقًا بِغَيْرِهِ كَأَنْ وَطِئَهَا غَيْرُهُ بِشُبْهَةٍ انْقَضَتْ عِدَّةُ الشُّبْهَةِ بِوَضْعِهِ ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلزَّوْجِ وَإِنْ كان من زِنًا وَهِيَ ذَاتُ أَشْهُرٍ انْقَضَتْ بِالْأَشْهُرِ على الْحَمْلِ أو ذَاتُ أَقْرَاءٍ اعْتَدَّتْ بها على الْحَمْلِ أَيْضًا إذْ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وعليه لو زَنَتْ في الْعِدَّةِ وَحَمَلَتْ من الزِّنَا لم تَنْقَطِعْ الْعِدَّةُ وَالْحَمْلُ الْمَجْهُولُ حَالُهُ يُحْسَبُ زِنًا أَيْ يُحْمَلُ على أَنَّهُ منه فَلَا تَعْتَدُّ بِوَضْعِهِ وما قَالَهُ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّهُ وقال الْإِمَامُ يُحْمَلُ على أَنَّهُ من وَطْءِ شُبْهَةٍ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ لَكِنَّ الْقَفَّالَ أَفْتَى بِالْأَوَّلِ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ فقال حُمِلَ على أَنَّهُ من الزِّنَا وَلَا حَدَّ قد يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الْأَوَّلِ على أَنَّهُ كَالزِّنَا في أَنَّهُ لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ كما تَقَرَّرَ وَالثَّانِي على أَنَّهُ من وَطْءِ شُبْهَةٍ تَجَنُّبًا عن تَحَمُّلِ الْإِثْمِ بِقَرِينَةِ آخِرِ كَلَامِ قَائِلِهِ
فَرْعٌ يَجُوزُ نِكَاحُ الْحَامِلِ من الزِّنَا وَكَذَا وَطْؤُهَا كَالْحَائِلِ إذْ لَا حُرْمَةَ له فَرْعٌ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِانْفِصَالِ الْحَمْلِ حَيًّا أو مَيِّتًا لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ وَبِمُضْغَةٍ وَلَوْ شَهِدَ أَيْ أَخْبَرَ بِتَصَوُّرِهَا أَرْبَعٌ من النِّسَاءِ وَكَذَا لو أَخْبَرْنَ بِأَنَّهَا أَصْلٌ آدَمِيٌّ ولم يُدَاخِلْهُنَّ في إخْبَارِهِنَّ شَكٌّ لِحُصُولِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَإِنْ دَاخَلَهُنَّ شَكٌّ في أنها أَصْلٌ آدَمِيٌّ أو لَا لم تَنْقَضِ بها الْعِدَّةُ لَا عَلَقَةٌ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى حَمْلًا وَلَا يُعْلَمُ أنها أَصْلٌ له وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا في أنها أَسْقَطَتْ ما تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ فِيمَا لو ادَّعَتْ ذلك وَأَنْكَرَهُ وَضَّاعُ السِّقْطِ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ في الْعِدَّةِ وَلِأَنَّهَا مُصَدَّقَةٌ في أَصْلِ السِّقْطِ فَكَذَا في صِفَتِهِ
فَصْلٌ لو انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ أو بِالْأَشْهُرِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَهِيَ مُرْتَابَةٌ بِالْحَمْلِ لِثِقَلٍ وَحَرَكَةٍ تَجِدُهُمَا حَرُمَ نِكَاحُهَا على آخَرَ حتى تَزُولَ الرِّيبَةُ لِأَنَّ الْعِدَّةَ قد لَزِمَتْهَا بِيَقِينٍ فَلَا تَخْرُجُ عنها إلَّا بِيَقِينٍ كما لو شَكَّ هل صلى ثَلَاثًا أو أَرْبَعًا فَإِنْ نَكَحَتْ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ لِلتَّرَدُّدِ في انْقِضَائِهَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَالْمُرَادُ بَاطِلٌ ظَاهِرًا فَلَوْ بَانَ عَدَمُ الْحَمْلِ فَالْقِيَاسُ الصِّحَّةُ كما لو بَاعَ مَالَ أبيه ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَوْتُهُ كما نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ وَإِنْ انْقَضَتْ ثُمَّ ارْتَابَتْ كُرِهَ نِكَاحُهَا تَبِعَ فيه صَاحِبَ التَّنْبِيهِ وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَذَلِكَ لِخَبَرِ دَعْ ما يَرِيبُك إلَى ما لَا يَرِيبُك فَإِنْ تَزَوَّجَتْ صَحَّ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ظَاهِرًا فَلَا نُبْطِلُهُ بِالشَّكِّ لَكِنْ إنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من وَقْتِ النِّكَاحِ بَانَ بُطْلَانُهُ وَلَحِقَ بِالْأَوَّلِ بِخِلَافِ ما إذَا أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَيَلْحَقُ بِالثَّانِي
فَصْلٌ أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ أَرْبَعُ سِنِينَ بِالِاسْتِقْرَاءِ وَلِأَنَّ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه قال في امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ بَعْدَ ذلك قال الرَّافِعِيُّ وَسَبَبُ التَّقْدِيرِ بِالْأَرْبَعِ أنها نِهَايَةُ مُدَّةِ الْحَمْلِ فَإِنْ طَلَّقَهَا بَائِنًا وَكَذَا رَجْعِيًّا أو فَسَخَ نِكَاحَهَا وَلَوْ بِلِعَانٍ ولم يَنْفِ الْحَمْلَ فَوَلَدَتْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ فَأَقَلَّ من وَقْتِ إمْكَانِ الْعُلُوقِ قُبَيْلَ الطَّلَاقِ أو الْفَسْخِ لَحِقَهُ وَبَانَ أَنَّ الْعِدَّةَ لم تَنْقَضِ إنْ لم تَنْكِحْ الْمَرْأَةُ آخَرَ أو نَكَحَتْ ولم يُمْكِنْ كَوْنُ الْوَلَدِ من الثَّانِي لِقِيَامِ الْإِمْكَانِ سَوَاءٌ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قبل وِلَادَتِهَا أَمْ لَا لِأَنَّ النَّسَبَ حَقُّ الْوَلَدِ فَلَا يَنْقَطِعُ بِإِقْرَارِهَا وَإِنْ أَتَتْهُ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ من الْإِقْرَارِ وَيُفَارِقُ ما لو اسْتَبْرَأَ أَمَتَهُ بَعْدَ وَطْئِهِ لها فَأَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ حَيْثُ لَا يَلْحَقُهُ بِأَنَّ فِرَاشَ النِّكَاحِ أَقْوَى وَأَسْرَعُ ثُبُوتًا لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ فيه بِمُجَرَّدِ الْإِمْكَانِ بِخِلَافِهِ في الْأَمَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْإِقْرَارِ بِالْوَطْءِ
وَلَزِمَتْهُ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لها إلَى وَقْتِ الْوِلَادَةِ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ من أَرْبَعِ سِنِينَ انْتَفَى عنه بِلَا لِعَانٍ لِعَدَمِ إمْكَانِ كَوْنِهِ منه لَكِنْ إنْ ادَّعَتْ أَنَّهُ حَصَلَ تَجْدِيدُ فِرَاشٍ يُرْجِعُهُ أو نِكَاحٍ أو وَطْءِ شُبْهَةٍ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَأَنْكَرَهُ أو اعْتَرَفَ بِهِ وَأَنْكَرَ الْوِلَادَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّجْدِيدِ وَالْوِلَادَةِ فَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَتْهُ أو
____________________
(3/393)
نَكَلَ عن الْيَمِينِ فَحَلَفَتْ ثَبَتَ النَّسَبُ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ بِمَا يَقْتَضِيهِ وَلَهُ نَفْيُهُ بِاللِّعَانِ وَإِنْ نَكَلَتْ عن الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ حَلَفَ الْوَلَدُ إذَا بَلَغَ كَنَظَائِرِهِ وَإِمَّا عِدَّتُهَا فَتَنْقَضِي بِهِ أَيْ بِوِلَادَتِهِ وَإِنْ حَلَفَ الزَّوْجُ على النَّفْيِ ولم يَثْبُتْ ما ادَّعَتْ لِأَنَّهَا تَزْعُمُ أَنَّ الْوَلَدَ منه فَكَانَ كما لو نَفَى حَمْلَهَا بِاللِّعَانِ فإنه وَإِنْ انْتَفَى الْوَلَدُ عنه تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِوِلَادَتِهِ لِزَعْمِهَا أَنَّهُ منه وَيُفَارِقُ ما لو ادَّعَتْ وَطْءَ شُبْهَةٍ منه قبل النِّكَاحِ بِأَنَّ عِدَّةَ النِّكَاحِ أَقْوَى من عِدَّةِ غَيْرِهِ وَالْأَقْوَى لَا يَسْتَتْبِعُهُ الْأَضْعَفُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ أَمَّا إذَا صَدَّقَهَا الزَّوْجُ على دَعْوَاهَا فَيَلْزَمُهُ مُقْتَضَى تَصْدِيقِهِ من مَهْرٍ وَنَفَقَةٍ وَسُكْنَى وَلُحُوقِ الْوَلَدِ بِهِ ثُمَّ دَعْوَى التَّجْدِيدِ لِلْفِرَاشِ على وَارِثِهِ أَيْ الزَّوْجِ كَالدَّعْوَى عليه لَكِنْ يَحْلِفُ يَمِينَ نَفْيِ الْعُلُوِّ وَلَا يَنْفِيهِ بِاللِّعَانِ إذَا ثَبَتَ نَسَبُهُ لِأَنَّ النَّفْيَ بِاللِّعَانِ مُخْتَصٌّ بِالزَّوْجِ وَإِنْ أَقَرَّ الْوَارِثُ بِمَا ادَّعَتْهُ فَإِنْ كان حَائِزًا لِلْإِرْثِ وَالْوَلَدُ لَا يَحْجُبُهُ ثَبَتَ النَّسَبُ وَالْإِرْثُ إنْ لم يَكُنْ حَائِزًا كَأَحَدِ الْبَنِينَ لم يَثْبُتْ النَّسَبُ حتى تُنْفِقَ الْوَرَثَةُ عليه وَيَثْبُتَ لها في دَعْوَى التَّجْدِيدِ بِرَجْعَةٍ أو نِكَاحٍ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ من حِصَّةِ الْمُقِرِّ بِحِصَّتِهِ لَا إرْثُهَا ظَاهِرًا بِحِصَّتِهِ وَأَمَّا إرْثُ الْوَلَدِ وَعَدَمُهُ فَتَقَدَّمَ في الْإِقْرَارِ
فَرْعٌ لو عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالْوِلَادَةِ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ ثُمَّ بِآخَرَ وكان بَيْنَهُمَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ طَلُقَتْ بِالْأَوَّلِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالثَّانِي وَلَحِقَاهُ فَإِنْ كان بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ لم يَلْحَقْهُ الثَّانِي إنْ كانت بَائِنًا لِأَنَّ الْعُلُوقَ بِهِ لم يُمْكِنْ في النِّكَاحِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يُعَلِّقْ الطَّلَاقَ بِالْوِلَادَةِ حَيْثُ يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ إلَى أَرْبَعِ سِنِينَ لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ في النِّكَاحِ وَكَذَا لَا يَلْحَقُهُ الثَّانِي إنْ كانت رَجْعِيَّةً بِنَاءً على أَنَّ السِّنِينَ الْأَرْبَعَ تُعْتَبَرُ من وَقْتِ الطَّلَاقِ لَا من وَقْتِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَانْقَضَتْ بِهِ الْعِدَّةُ وَإِنْ لم يَلْحَقْهُ لِاحْتِمَالِ وَطْءِ شُبْهَةٍ منه بَعْدَ الْفِرَاقِ إذَا ادَّعَتْهُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ وَإِنْ كان الْحَمْلُ أَيْ ما وَلَدَتْهُ ثَلَاثَةً انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالثَّالِثِ إنْ كان بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَحِقُوهُ أَيْ الثَّلَاثَةُ وَإِنْ كان بين الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ وَبَيْنَ الثَّانِي وَالْأَوَّلِ دُونَهَا لَحِقَاهُ دُونَ الثَّالِثِ وَإِنْ كان بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّانِي دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالثَّانِي وَإِنْ كان بين الثَّانِي وَالْأَوَّلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ وَبَيْنَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ دُونَهَا لم يَلْحَقَاهُ وَكَذَا إنْ كان ما بين كل منهم وَتَالِيهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ
فَرْعٌ من نَكَحَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من النِّكَاحِ الثَّانِي لَحِقَ الْأَوَّلَ وَكَأَنَّهَا لم تَنْكِحْ نعم إنْ لم يُمْكِنْ كَوْنُهُ من الْأَوَّلِ بِأَنْ أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ من أَرْبَعِ سِنِينَ من طَلَاقِهِ لم يَلْحَقْهُ وَيَكُونُ مَنْفِيًّا عنهما وقد بَانَ لنا أَنَّ الثَّانِيَ نَكَحَهَا حَامِلًا وَهَلْ يُحْكَمُ بِفَسَادِ النِّكَاحِ حَمْلًا على أَنَّهُ من وَطْءِ شُبْهَةٍ من غَيْرِهِ أو لَا حَمْلًا على أَنَّهُ من زِنًا أو أَنَّ الشُّبْهَةَ منه قال الْأَذْرَعِيُّ قال بَعْضُ الْأَئِمَّةِ فيه نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي قال ثُمَّ رَأَيْت في الْمَطْلَبِ أَنَّهُ يَسْتَمِرُّ نِكَاحُ الثَّانِي
انْتَهَى
وَبِهِ جَزَمَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وهو مَأْخُوذٌ مِمَّا مَرَّ عن الرُّويَانِيِّ وَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ لَحِقَ الثَّانِيَ وَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ من الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْفِرَاشَ الثَّانِيَ تَأَخَّرَ فَهُوَ أَقْوَى وَلِأَنَّ النِّكَاحَ الثَّانِيَ قد صُحِّحَ ظَاهِرًا فَلَوْ أَلْحَقْنَا الْوَلَدَ بِالْأَوَّلِ لَبَطَلَ النِّكَاحُ لِوُقُوعِهِ في الْعِدَّةِ وَلَا سَبِيلَ إلَى إبْطَالِ ما صُحِّحَ بِالِاحْتِمَالِ وَكَذَا الْحُكْمُ في وَاطِئٍ بِالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَلَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ منه لَحِقَهُ لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ وَالْعِدَّةِ عنه ظَاهِرًا وَإِنْ نَكَحَتْ في الْعِدَّةِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا وَسُكْنَاهَا لِلنُّشُوزِ وَمَحِلُّهُ إذَا رَضِيَتْ بِنِكَاحِهَا بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ فَإِنْ وَطِئَهَا النَّاكِحُ في الْعِدَّةِ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فَهِيَ بَاقِيَةٌ على عِدَّتِهَا لِأَنَّهُ زَانٍ أو جَاهِلًا بِهِ لِظَنِّهِ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ أو لِظَنِّهِ حِلَّ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ وكان قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أو بِجُنُونٍ نَشَأَ عليه من الصِّغَرِ ثُمَّ بَلَغَ وَأَفَاقَ فَنَكَحَ أو نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عن الْعُلَمَاءِ انْقَطَعَتْ الْعِدَّةُ بِالْوَطْءِ لِمَصِيرِهَا فِرَاشًا لِلثَّانِي وَيَمْتَدُّ انْقِطَاعُهَا إلَى أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ تُتِمَّهَا ثُمَّ تَعْتَدَّ لِلثَّانِي وَالتَّفْرِيقُ بِأَنْ يُفَرِّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا أو يَتَّفِقَا على الْفِرَاقِ أو يَمُوتَ الزَّوْجُ عنها أو يُطَلِّقَهَا بِظَنِّ الصِّحَّةِ وَلَبِسَتْ الْغَيْبَةُ منه عنها تَفْرِيقًا بَيْنَهُمَا فَلَا تُحْسَبُ من الْعِدَّةِ إلَّا بِنِيَّةٍ أَنْ لَا عَوْدَ منه إلَيْهَا فَتُحْسَبُ منها فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا وَأَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُمَا أو من أَحَدِهِمَا فَكَمَا سَيَأْتِي حُكْمُهُ في الْبَابِ الْآتِي
فَرْعٌ لو قال طَلَّقْتُك بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَأَنْت في الْعِدَّةِ فَلِي الرَّجْعَةُ وَقَالَتْ بَلْ طَلَّقَنِي قَبْلَهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتِي بِالْوِلَادَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ
____________________
(3/394)
بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بيده فَصُدِّقَ في وَقْتِهِ كَأَصْلِهِ سَوَاءٌ اتَّفَقَا على وَقْتِ الْوِلَادَةِ أَمْ لَا بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ إلَّا إنْ اتَّفَقَا على وَقْتِ الطَّلَاقِ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَادَّعَى الْوِلَادَةَ قَبْلَهُ وَادَّعَتْهَا بَعْدَهُ فَتُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا لِأَنَّ الْقَوْلَ في أَصْلِ الْوِلَادَةِ قَوْلُهَا فَكَذَا في وَقْتِهَا وَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى عُلِمَتْ من بَابِ الرَّجْعَةِ وَإِنْ ادَّعَتْ تَقَدُّمَ الطَّلَاقِ على الْوِلَادَةِ فقال لَا أَدْرِي جُعِلَ كَالْمُنْكَرِ فَتُعْرَضُ عليه الْيَمِينُ الْجَازِمَةُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ لم يُقَدَّمْ وَلَا يُقْنَعُ منه بِمَا قَالَهُ فَإِنْ أَصَرَّ على ما قَالَهُ جُعِلَ نَاكِلًا فَتَحْلِفُ هِيَ إذْ لو لم يُفْعَلْ ذلك لم يَعْجِزْ الْمُدَّعَى عليه في سَائِرِ الدَّعَاوَى عن الدَّفْعِ بِمَا ذُكِرَ فَإِنْ حَلَفَتْ سَقَطَتْ الرَّجْعَةُ وَالْعِدَّةُ وَإِنْ نَكَلَتْ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَيْسَ هذا قَضَاءٌ بِالنُّكُولِ بَلْ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ آثَارِ النِّكَاحِ فَيُعْمَلُ بِهِ ما لم يَظْهَرْ دَافِعٌ وَإِنْ جَزَمَ بِتَقَدُّمِ الْوِلَادَةِ فقالت لَا أَدْرِي فَلَهُ الرَّجْعَةُ وَلَا يُقْنَعُ منها بِمَا قَالَتْهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ ثُبُوتُ الرَّجْعَةِ وَهِيَ تَدَّعِي بِمَا يَرْفَعُهُ فَلَا بُدَّ لها من دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَدَعْوَى الشَّكِّ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَالْوَرَعُ تَرْكُهَا قال في الْأَصْلِ وَكَذَا الْحُكْمُ لو قَالَا لَا نَدْرِي السَّابِقَ مِنْهُمَا أَيْ فَلَهُ الرَّجْعَةُ وَالْوَرَعُ تَرْكُهَا وَلَيْسَ لها النِّكَاحُ حتى تَمْضِيَ أَقْرَاءٌ ثَلَاثَةٌ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ
الْبَابُ الثَّانِي في اجْتِمَاعِ عِدَّتَيْنِ على امْرَأَةٍ قد يَكُونَانِ لِشَخْصٍ وقد يَكُونَانِ لِشَخْصَيْنِ فَإِنْ اجْتَمَعَا الْأَوْلَى اجْتَمَعَتَا من جِنْسٍ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ كَمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَوَطِئَ هَا في الْعِدَّةِ وَلَوْ بِلَا شُبْهَةٍ وَهِيَ رَجْعِيَّةٌ أو بِشُبْهَةٍ وَهِيَ بَائِنٌ وَعِدَّةُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْأَشْهُرِ أو الْأَقْرَاءِ تَدَاخَلَتَا إذْ لَا مَعْنَى لِلتَّعَدُّدِ حِينَئِذٍ فَتَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ من وَقْتِ الْوَطْءِ وَتَنْدَرِجُ فيها بَقِيَّةُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَقَدْرُ تِلْكَ الْبَقِيَّةِ يَكُونُ مُشْتَرَكًا وَاقِعًا عن الْجِهَتَيْنِ
وَلَهُ الرَّجْعَةُ في بَقِيَّةِ الْأُولَى فَقَطْ في الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَخَرَجَ بِالشُّبْهَةِ ما لو وَطِئَ الْبَائِنَ بِلَا شُبْهَةٍ فَلَا تَدَاخُلَ لِأَنَّهُ زِنًا لَا حُرْمَةَ له أو من جِنْسَيْنِ كَكَوْنِ أَحَدِهِمَا حَمْلًا أَيْ بِهِ وَالْأُخْرَى بِالْأَقْرَاءِ سَوَاءٌ أَطَلَّقَهَا حَامِلًا ثُمَّ وَطِئَهَا أَمْ حَامِلًا ثُمَّ أَحْبَلَهَا تَدَاخَلَتَا أَيْضًا لِأَنَّهُمَا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ فَكَانَتَا كَالْمُتَجَانِسَتَيْنِ فَتَنْقَضِيَانِ بِالْوَضْعِ وهو وَاقِعٌ عن الْجِهَتَيْنِ سَوَاءٌ أَرَأَتْ الدَّمَ مع الْحَمْلِ أَمْ لَا وَإِنْ لم تُتِمَّ الْأَقْرَاءَ قبل الْوَضْعِ لِأَنَّ الْأَقْرَاءَ إنَّمَا يُعْتَدُّ بها إذَا كانت مَظِنَّةُ الدَّلَالَةِ على بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وقد انْتَفَى ذلك هُنَا لِلْعِلْمِ بِاشْتِغَالِ الرَّحِمِ وما قَيَّدَ بِهِ الْبَارِزِيُّ وَغَيْرُهُ من أَنَّ ذلك مَحِلُّهُ إذَا لم تَرَ الدَّمَ أو رَأَتْهُ وَتَمَّتْ الْأَقْرَاءُ قبل الْوَضْعِ وَإِلَّا فَتَنْقَضِي عِدَّةُ غَيْرِ الْحَمْلِ بِالْأَقْرَاءِ مَنَعَهُ النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ قالوا وَكَأَنَّهُمْ اغْتَرُّوا بِظَاهِرِ كَلَامِ الرَّوْضَةِ من أَنَّ ذلك مُفَرَّعٌ على قَوْلَيْ التَّدَاخُلِ وَعَدَمِهِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ على الْقَوْلِ الضَّعِيفِ وهو عَدَمُ التَّدَاخُلِ كما صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَا الْمُهَذَّبِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ وهو ما فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ حَيْثُ أَطْلَقَ هُنَا وَصَرَّحَ بِهِ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَتَعْلِيلُهُ في الْكَبِيرِ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ بِالْإِقْرَاءِ مع الْحَمْلِ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِعَدَمِ التَّدَاخُلِ ليس إلَّا لِرِعَايَةِ صُورَةِ الْعِدَّتَيْنِ تَعَبُّدًا وقد حَصَلَتْ يَدُلُّ على ذلك كما قَالَهُ النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ وَلَهُ الرَّجْعَةُ ما لم تَضَعْ في الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَلَوْ كان الْحَمْلُ من الْوَطْءِ في الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا في عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَإِنْ لَزِمَهَا عِدَّةٌ أُخْرَى وَإِنْ اجْتَمَعَتَا لِشَخْصَيْنِ كَأَنْ كانت في عِدَّةِ زَوْجٍ أو شُبْهَةٍ فَوَطِئَهَا غَيْرُ ذِي الْعِدَّةِ بِشُبْهَةٍ أو نِكَاحٍ فَاسِدٍ أو كانت زَوْجَةً مُعْتَدَّةً عن وَطْءِ شُبْهَةٍ فَطَلُقَتْ لم يَتَدَاخَلَا لِأَثَرٍ عن عُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنهما رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ لِتَعَدُّدِ الْمُسْتَحِقِّ كما في الدِّيَتَيْنِ فَإِنْ لم يَكُنْ ثَمَّ حَمْلٌ قُدِّمَتْ عِدَّةُ الطَّلَاقِ على عِدَّةِ الشُّبْهَةِ وَلَوْ تَأَخَّرَ الطَّلَاقُ على وَطْءِ الشُّبْهَةِ لِقُوَّةِ عِدَّتِهِ لِتَعَلُّقِهَا بِالنِّكَاحِ ثُمَّ بَعْدَ انْقِضَائِهَا تُتِمُّ عِدَّةَ الشُّبْهَةِ أو تَسْتَأْنِفُهَا وَلَهُ رَجْعَتُهَا في عِدَّتِهِ وَكَذَا له تَجْدِيدُ نِكَاحِ الْبَائِنِ فيها ولكن يَحْرُمُ اسْتِمْتَاعُ الزَّوْجِ بها في عِدَّةِ الشُّبْهَةِ التي شَرَعَتْ فيها عَقِبَ الرَّجْعَةِ وَالتَّجْدِيدِ لِقِيَامِ الْمَانِعِ
وَإِنْ نَكَحَتْ وَوَطِئَتْ في عِدَّةِ الزَّوْجِ فَزَمَنُ اسْتِفْرَاشِ الْوَاطِئِ بها غَيْرُ مَحْسُوبٍ من الْعِدَّةِ نعم إنْ عَلِمَ بِالْحَالِ فَهُوَ زَانٍ لَا يَقْطَعُ وَطْؤُهُ الْعِدَّةَ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ أنها لَا تَنْقَطِعُ بِمُجَرَّدِ النِّكَاحِ وهو كَذَلِكَ وَإِنْ خَالَطَهَا بِلَا وَطْءٍ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا حُرْمَةَ له وَإِنْ كَانَتَا أَيْ الْعِدَّتَانِ من شُبْهَةٍ قُدِّمَتْ الْأُولَى لِتَقَدُّمِهَا فَإِنْ نَكَحَهَا أَيْ شَخْصٌ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا وَوَطِئَهَا غَيْرُهُ بِشُبْهَةٍ قبل وَطْئِهِ أو بَعْدَهُ ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا قُدِّمَتْ عِدَّةُ الْوَاطِئِ بِالشُّبْهَةِ لِتَوَقُّفِ تِلْكَ أَيْ عِدَّةِ النِّكَاحِ على التَّفْرِيقِ
____________________
(3/395)
بِخِلَافِ عِدَّةِ الشُّبْهَةِ فَإِنَّهَا من وَقْتِ الْوَطْءِ وَلَيْسَ لِلْفَاسِدِ قُوَّةُ الصَّحِيحِ حتى يُرَجَّحَ بها فَهُمَا كَوَاطِئَيْنِ وَطِئَاهَا بِشُبْهَةٍ وَإِنْ نَكَحَتْ فَاسِدًا بَعْدَ مُضِيِّ قُرْأَيْنِ وَوَطِئَتْ ولم يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا إلَى مُضِيِّ سِنِّ الْيَأْسِ أَتَمَّتْ لِعِدَّةِ الْأُولَى بِشَهْرٍ بَدَلًا عن الْقُرْءِ الْبَاقِي وَاعْتَدَّتْ لِلشُّبْهَةِ الْأُولَى قَوْلُ أَصْلِهِ ثُمَّ اعْتَدَّتْ لِلْفَاسِدِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَإِنْ كان ثَمَّ حَمْلٌ فَعِدَّةُ صَاحِبِهِ مُقَدَّمَةٌ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَمْلُ مُتَقَدِّمًا أَمْ مُتَأَخِّرًا لِأَنَّ عِدَّتَهُ لَا تَقْبَلُ التَّأْخِيرَ فَإِنْ كَانَتَا أَيْ عِدَّةُ الْحَمْلِ وَعِدَّةُ غَيْرِهِ من وَطْءِ شُبْهَةٍ
وَمِنْهُ الصُّورَةُ السَّابِقَةُ فَلِكُلٍّ من الْوَاطِئَيْنِ التَّجْدِيدُ لِلنِّكَاحِ في عِدَّتِهِ لَا في عِدَّةِ الْآخَرِ وَإِنْ كان الْحَمْلُ لِلْمُطَلِّقِ في صُورَتِهِ فَلَهُ رَجْعَتُهَا قبل الْوَضْعِ وَكَذَا له تَجْدِيدُ نِكَاحِهَا قَبْلَهُ لَكِنْ بَعْدَ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا في الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّهَا في مُدَّةِ اجْتِمَاعِ الْوَاطِئِ بها خَارِجَةٌ عن عِدَّتِهِ بِكَوْنِهَا فِرَاشًا لِلْوَاطِئِ حَكَاهُ الْأَصْلُ عن الرُّويَانِيِّ في الْأُولَى وَأَقَرَّهُ وَتَعَقَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْخُرُوجُ من عِدَّةِ الْحَمْلِ وَلَوْ سَلَّمْنَا لم يَزِدْ على ما إذَا كانت الْعِدَّةُ بِالْحَمْلِ لِوَطْءِ الشُّبْهَةِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الرَّجْعَةَ عِنْدَ الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ وَمَنْ تَبِعَهُ وَسَيَأْتِي بَسْطُهُ وَإِنْ كان الْحَمْلُ لِلشُّبْهَةِ أَتَمَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّةِ الطَّلَاقِ أو اسْتَأْنَفَتْهَا بَعْدَ الْوَضْعِ وَلَهُ رَجْعَتُهَا في تِلْكَ الْبَقِيَّةِ بَعْدَ الْوَضْعِ وَلَوْ في مُدَّةِ النِّفَاسِ لِأَنَّهَا من جُمْلَةِ الْعِدَّةِ كَالْحَيْضِ الذي يَقَعُ فيه الطَّلَاقُ كَذَا عَلَّلَ بِهِ الْأَصْلُ وفي كَوْنِ مُدَّةِ النِّفَاسِ وَالْحَيْضِ من جُمْلَةِ الْعِدَّةِ تَجَوُّزٌ
وهل له رَجْعَتُهَا فِيمَا قَبْلَهُ أَيْ الْوَضْعِ لِأَنَّ عِدَّتَهُ لم تَنْقَضِ بَعْدُ أو لَا لِأَنَّهَا في عِدَّةِ غَيْرِهِ وَجْهَانِ الْأَصَحُّ الْجَوَازُ التَّصْحِيحُ من زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ من تَصْحِيحِ الْأَصْلِ فِيمَا عَرَفَهُ على ما إذَا اُحْتُمِلَ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْهُمَا وَصَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ قال لِأَنَّهَا وَإِنْ لم تَكُنْ الْآنَ في عِدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ فَهِيَ رَجْعِيَّةٌ حُكْمًا وَلِهَذَا ثَبَتَ التَّوَارُثُ قَطْعًا وَخَرَجَ بِالرَّجْعَةِ التَّجْدِيدُ فَلَا يَجُوزُ في عِدَّةِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ نِكَاحٍ وَالرَّجْعَةُ شَبِيهَةٌ بِاسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ وَلِهَذَا جَزَمَ جَمْعٌ منهم الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي وَالْإِمَامُ لَكِنْ سَوَّى الْأَصْلُ بَيْنَهُمَا فقال وَهَلْ له الرَّجْعَةُ قبل الْوَضْعِ إنْ كان الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أو تَجْدِيدُ النِّكَاحِ إنْ كان بَائِنًا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ نعم وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْمَاوَرْدِيِّ وَالْبَغَوِيِّ لَا قال الْبُلْقِينِيُّ بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ لَكِنْ لم يَتَعَرَّضْ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ لِلْخِلَافِ في صُورَةِ التَّجْدِيدِ وَإِنَّمَا تَعَرَّضَ له الْبَغَوِيّ وَالْخُوَارِزْمِيّ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فَهَلْ له الرَّجْعَةُ قبل الْوَضْعِ وَجْهَانِ إلَى آخِرِهِ وَإِنْ كان بَائِنًا فَهَلْ له التَّجْدِيدُ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالْمَنْعِ وفي التَّهْذِيبِ فيه الْوَجْهَانِ وَصَحَّحَ الْمَنْعَ
انْتَهَى
وَيَتَوَارَثَانِ وَيَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ قبل الْوَضْعِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّهَا في حُكْمِ الزَّوْجَةِ فَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ قبل أَنْ تَضَعَ انْتَقَلَتْ بَعْدَ الْوَضْعِ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ لِذَلِكَ
وَإِنْ لَزِمَ زَوْجَتَهُ الْحَامِلَ عِدَّةُ شُبْهَةٍ أو مُطَلَّقَتَهُ فَرَاجَعَهَا وَالْحَمْلُ له فَلَهُ وَطْؤُهَا ما لم تَشْرَعْ في عِدَّةِ الشُّبْهَةِ بِالْوَضْعِ أَيْ بَعْدَهُ لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ لَيْسَتْ في عِدَّةٍ فَإِنْ شَرَعَتْ بَعْدَهُ في عِدَّةِ الشُّبْهَةِ حَرُمَ عليه وَطْؤُهَا ما لم تَنْقَضِ الْعِدَّةُ أَمَّا إذَا كان الْحَمْلُ لِلْوَاطِئِ فَيَحْرُمُ على الزَّوْجِ وَطْؤُهَا حتى تَضَعَ وَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ الْأُخْرَى هُنَا بِالْحَيْضِ الْأَوْلَى قَوْلُ الْأَصْلِ بِالْأَقْرَاءِ على الْحَمْلِ قال الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ لِأَنَّ في انْقِضَائِهَا بِذَلِكَ مَصِيرًا إلَى تَدَاخُلِ عِدَّتَيْ شَخْصَيْنِ وما قَالَاهُ فيه تَجَوُّزٌ بَلْ مَنَعَهُ في الْمَطْلَبِ وَأَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ هذا كُلِّهِ إنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ من أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَإِنْ لم يُمْكِنْ كَوْنُهُ مِنْهُمَا أَيْ من وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ من أَرْبَعِ سِنِينَ من طَلَاقِ الْأَوَّلِ وَلِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من وَطْءِ الثَّانِي لم تَنْقَضِ بِهِ أَيْ بِوَضْعِهِ عِدَّةُ أَحَدِهِمَا إذَا لم تَدَّعِ أَنَّهُ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ أو أَنَّ الزَّوْجَ رَاجَعَهَا أو جَدَّدَ نِكَاحَهَا لِانْتِفَائِهِ عنهما بَلْ إذَا وَضَعَتْ تَمَّمَتْ عِدَّةَ الْأَوَّلِ ثُمَّ اسْتَأْنَفَتْ عِدَّةَ الثَّانِي وَتَعْتَدُّ منه بِالْأَقْرَاءِ لِأَنَّهَا إذَا لم تَعْتَدَّ بِالْحَمْلِ كانت كَالْحَامِلِ وفي الْمُرَاجَعَةِ معه الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ وَمُقْتَضَاهُ تَصْحِيحُ الْجَوَازِ أَمَّا الْمُرَاجَعَةُ بَعْدَ وَضْعِهِ فِيمَا بَقِيَ من عِدَّةِ الزَّوْجِ فَجَائِزَةٌ قَطْعًا وَعَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ ما يَقْتَضِي أَنَّهُ تَنْقَضِي بِهِ عِدَّةُ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ لِإِمْكَانِ كَوْنِهِ من أَحَدِهِمَا بِوَطْءِ شُبْهَةٍ ثُمَّ تَعْتَدُّ عن الْآخَرِ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ وَهَذَا مَحَلُّهُ عَقِبَ قَوْلِهِ لم تَنْقَضِ بِهِ عِدَّةُ أَحَدِهِمَا كما فَعَلَهُ الْأَصْلُ وَعَزَوْهُ إلَى ابْنِ الصَّبَّاغِ مَأْخُوذٌ من كَلَامِ الْأَصْلِ أَوَاخِرَ الْبَابِ السَّابِقِ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ على ما إذَا ادَّعَتْ أَنَّ أَحَدَهُمَا وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ أو أَنَّ الزَّوْجَ جَدَّدَ نِكَاحَهَا أو رَاجَعَهَا فَلَا يُنَافِي ما مَرَّ وَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ من كُلٍّ مِنْهُمَا عُرِضَ بَعْدَ الْوَضْعِ على الْقَائِفِ
____________________
(3/396)
فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِأَحَدِهِمَا وَلَوْ انْفَرَدَ صَاحِبُهُ بِالدَّعْوَى أو كان الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا لَحِقَهُ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُ بِوَضْعِهِ فَتَعْتَدُّ لِلْآخَرِ
فَإِنْ فُقِدَ الْقَائِفُ وَلَوْ بِأَنْ كان على مَسَافَةِ الْقَصْرِ أو أَشْكَلَ عليه الْحَالُ أو أَلْحَقَهُ بِهِمَا أو نَفَاهُ عنهما أو مَاتَ الْوَلَدُ وَتَعَذَّرَ عَرْضُهُ عليه انْقَضَتْ عِدَّةُ أَحَدِهِمَا بِوَضْعِهِ لِأَنَّهُ من أَحَدِهِمَا ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلْآخَرِ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ لِأَنَّهُ إنْ كان الْوَلَدُ من الثَّانِي فَعَلَيْهَا بَعْدَ وَضْعِهِ بَقِيَّةُ عِدَّةِ الْأَوَّلِ أو من الْأَوَّلِ فَعَلَيْهَا بَعْدَهُ عِدَّةٌ كَامِلَةٌ لِلثَّانِي فَيَجِبُ الثَّلَاثَةُ وَإِنْ كان قد سَبَقَ الْوَطْءَ قُرْآنِ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْوَلَدِ من الزَّوْجِ وَتَصِحُّ رَجْعَتُهَا مع وُجُودِ هذا الْحَمْلِ لِأَنَّ زَمَنَهُ إمَّا زَمَنُ عِدَّتِهِ أو زَمَنُ عِدَّةِ غَيْرِهِ الذي تَصِحُّ فيه رَجْعَتُهُ لَا بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ وَضْعِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ منه وَأَنَّ عِدَّتَهُ انْقَضَتْ بِوَضْعِهِ فَلَوْ رَاجَعَ بَعْدَهُ في الْقَدْرِ الْمُتَيَقَّنِ أَنَّهُ من الْأَقْرَاءِ لَا فِيمَا وَجَبَ احْتِيَاطًا كَالْقُرْأَيْنِ في تَصْوِيرِهِ السَّابِقِ وَبَانَ أنها في عِدَّتِهِ بِأَنْ أَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِالثَّانِي أو رَاجَعَ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً قبل الْوَضْعِ ومرة بَعْدَهُ في بَاقِي عِدَّتِهِ الْأَوْلَى بَاقِي الْعِدَّةِ صَحَّ لِوُجُودِ رَجْعَتِهِ في عِدَّتِهِ يَقِينًا بِخِلَافِ ما لو لم يَبْنِ في الْأُولَى أنها في عِدَّتِهِ وما لو رَاجَعَ مَرَّةً في الثَّانِيَةِ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهَا في عِدَّةِ غَيْرِهِ
وَإِنْ كانت بَائِنًا فَنَكَحَهَا الزَّوْجُ مَرَّةً وَاحِدَةً قبل الْوَضْعِ أو بَعْدَهُ لم يُحْكَمْ بِصِحَّتِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ في عِدَّةِ الثَّانِي فَإِنْ بَانَ بَعْدُ بِالْقَائِفِ أنها في عِدَّتِهِ صَحَّ كما صَحَّتْ رَجْعَتُهُ اعْتِبَارًا بِمَا في نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَيْسَ هو من وَقْفِ الْعُقُودِ وَإِنَّمَا هو وَقْفٌ على ظُهُورِ أَمْرٍ كان عِنْدَ الْعَقْدِ أو نَكَحَهَا مَرَّتَيْنِ مَرَّةً قبل الْوَضْعِ ومرة بَعْدَهُ في بَاقِي عِدَّتِهِ على ما مَرَّ فيه صَحَّ أَيْضًا لِذَلِكَ خِلَافًا لِلْإِمَامِ وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ صَحَّ الْأَوَّلُ كان أَخْصَرَ وَأَوْفَقَ بِمَا قَدَّمَهُ في مَسْأَلَةِ الرَّجْعَةِ وَإِنْ نَكَحَهَا الْوَاطِئُ بِشُبْهَةٍ قبل الْوَضْعِ لم يَصِحَّ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا في عِدَّةٍ الزَّوْجِ حِينَئِذٍ وَكَذَا إنْ نَكَحَهَا بَعْدَهُ في بَاقِي عِدَّةِ الزَّوْجِ على ما مَرَّ فيه كَذَلِكَ فَلَوْ بَانَ في هذه بِالْقَائِفِ أَنَّ الْحَمْلَ من الزَّوْجِ صَحَّ اعْتِبَارًا بِمَا في نَفْسِ الْأَمْرِ وَخَرَجَ بِبَاقِي الْعِدَّةِ ما لو نَكَحَهَا الثَّانِي فِيمَا وَجَبَ معه احْتِيَاطًا كَالْقُرْأَيْنِ فِيمَا مَرَّ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ قَطْعًا لِأَنَّهَا في عِدَّتِهِ إنْ كان الْحَمْلُ من الزَّوْجِ وَإِلَّا فَغَيْرُ مُعْتَدَّةٍ
وَيَنْقَطِعُ فِرَاشُ الْأَوَّلِ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَالنِّكَاحِ الْوَاقِعِ حِينَئِذٍ لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَالْعِدَّةِ عنه ظَاهِرًا فَلَوْ وَلَدَتْ لِلْإِمْكَانِ مِنْهُمَا أُلْحِقَ بِالْوَاطِئِ أو النَّاكِحِ الثَّانِي كما مَرَّ أَوَاخِرَ الْبَابِ السَّابِقِ وَأَمَّا النَّفَقَةُ لِلْمُعْتَدَّةِ فَلَا تَجِبُ على ذِي الشُّبْهَةِ وَإِنْ أُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ بِنَاءً على الْأَظْهَرِ من أنها تَجِبُ لِلْحَامِلِ لَا لِلْحَمْلِ وَلَا يُطَالَبُ بها الزَّوْجُ في الْحَالِ لِأَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بِالشَّكِّ في السَّبَبِ وَيَمْتَدُّ عَدَمُ مُطَالَبَتِهِ بها حتى يُلْحِقَهُ بِهِ الْقَائِفُ فَيُطَالَبُ مُدَّةَ الْحَمْلِ الْمَاضِيَةِ ولكن سَقَطَ عنه مُدَّةَ اجْتِمَاعِهِمَا أَيْ هِيَ وَذُو الشُّبْهَةِ في النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لِنُشُوزِهَا بِهِ وَكَذَا في حَالَةِ الْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ وَلَوْ بِغَيْرِ نِكَاحٍ فَاسِدٍ كما بَحَثَهُ الْأَصْلُ على قِيَاسِ ما مَرَّ عن الرُّويَانِيِّ من أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ في تِلْكَ الْحَالَةِ لِخُرُوجِهَا عن عِدَّتِهِ وَأَوَّلَ مُدَّةَ اجْتِمَاعِهِمَا الْقَاطِعَةَ لِعِدَّةِ الْأَوَّلِ من وَقْتِ الْوَطْءِ وَإِنْ عَاشَرَهَا قَبْلَهُ كما يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَيَلْزَمُ الزَّوْجَ فِيمَا إذَا لَحِقَ الْوَلَدُ بِالْوَاطِئِ نَفَقَةُ مُدَّةِ الْقُرْءِ بَعْدَ الْوَضْعِ في الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ
وَكَذَا نَفَقَةُ مُدَّةِ النِّفَاسِ كما أَنَّ له الرَّجْعَةَ فيها وَلَا يَمْنَعُ ذلك كَوْنَهَا لَا تُحْسَبُ من الْعِدَّةِ كَمُدَّةِ الْحَيْضِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ فَإِنْ تَعَذَّرَ الْإِلْحَاقُ بِأَحَدِهِمَا بِأَنْ لم يَكُنْ قَائِفٌ أو أَشْكَلَ عليه الْحَالُ أو أَلْحَقَهُ بِهِمَا أو نَفَاهُ عنهما أو مَاتَ وَتَعَذَّرَ عَرْضُهُ عليه فَلَا نَفَقَةَ لها على وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلشَّكِّ في سَبَبِهَا إلَّا إنْ كانت رَجْعِيَّةً فَلَهَا على الزَّوْجِ أَقَلُّ وَاجِبِ الْعِدَّتَيْنِ وفي نُسْخَةٍ إحْدَى الْعِدَّتَيْنِ أَيْ الْأَقَلُّ من نَفَقَتِهَا من يَوْمِ التَّفْرِيقِ إلَى الْوَضْعِ وَنَفَقَتِهَا في الْقَدْرِ الذي يَكْمُلُ بِهِ عِدَّةُ الطَّلَاقِ بَعْدَ الْوَضْعِ وهو قُرْءٌ فِيمَا مَرَّ لِتَيَقُّنِ وُجُوبِ الْأَقَلِّ عليه إذْ الْحَمْلُ إنْ كان منه فَنَفَقَةُ زَمَنِ الْحَمْلِ عليه أو من الثَّانِي فَنَفَقَةُ زَمَنِ الْعِدَّةِ عليه وَيُطَالَبَانِ بِنَفَقَةِ الْمَوْلُودِ مُدَّةَ الْإِشْكَالِ وَنَحْوِهِ مُنَاصَفَةً إلَى أَنْ يَلْحَقَ بِأَحَدِهِمَا بِإِلْحَاقِ الْقَائِفِ أو بِانْتِسَابِهِ إلَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَفَارَقَ ذلك عَدَمَ مُطَالَبَتِهِمَا بِنَفَقَةِ الْمَرْأَةِ مُدَّةَ الْحَمْلِ لِأَنَّ وُجُوبَهَا على أَحَدِهِمَا غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ من الْوَاطِئِ بِالشُّبْهَةِ وَلَا نَفَقَةَ عليه كما مَرَّ
وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ مُتَيَقَّنٌ وُجُوبُهَا على أَحَدِهِمَا وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى من الْآخَرِ فَإِنْ لَحِقَ
____________________
(3/397)
بِأَحَدِهِمَا وقد اتَّفَقَا عليه لم يَرْجِعْ عليه الْآخَرُ بِمَا أَنْفَقَهُ عليه لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ إلَّا إنْ أَنْفَقَ عليه بِإِذْنِ الْحَاكِمِ ولم يَدَّعِ الْوَلَدَ فإنه يَرْجِعُ على الْآخَرِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ في مُدَّةِ الْإِشْكَالِ جَهَّزَاهُ كما يُنْفِقَانِ عليه في حَيَاتِهِ وَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ له يُكَفِّنَاهُ وَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ من تَرِكَتِهِ فَإِنْ كان لِكُلٍّ مِنْهُمَا أو لها كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَدَانِ آخَرَانِ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ وَكَذَا إنْ كان لِأَحَدِهِمَا وَلَدَانِ دُونَ الْآخَرِ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ وَيُوقَفُ بَيْنَهُمَا نَصِيبُ الْأَبِ وهو الْبَاقِي بَعْدَ ثُلُثِ الْأُمِّ أو سُدُسِهَا حتى يَصْطَلِحَا هذا من زِيَادَتِهِ في الْبَاقِي بَعْدَ سُدُسِ الْأُمِّ في صُورَتَيْهِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ في الْأَخِيرَةِ مِنْهُمَا إنَّمَا يُوقَفُ بَيْنَهُمَا الثُّلُثَانِ وَالسُّدُسُ الْبَاقِي يُوقَفُ بين الْأُمِّ وَمَنْ يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَيَقْبَلَانِ له الْوَصِيَّةَ التي أَوْصَى له بها مُدَّةَ التَّوَقُّفِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا أَبُوهُ
فَإِنْ مَاتَ قبل أَنْ يَقْبَلَا هَا فَالْقَبُولُ لِلْوَرَثَةِ فَإِنْ قال الْوَصِيُّ أَوْصَيْت لِحَمْلِ زَيْدٍ هذا فَأَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِعُمَرَ وَبَطَلَتْ أَيْ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ أَلْحَقَهُ بِهِ صَحَّتْ فَإِنْ نَفَاهُ زَيْدٌ بِاللِّعَانِ فَوَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا بُطْلَانُهَا لِظُهُورِ خِلَافِ النِّسْبَةِ ثُمَّ رَأَيْته قد جَزَمَ بِهِ تَبَعًا لِتَصْحِيحِ أَصْلِهِ له في أَوَائِلِ كِتَابِ الْوَصَايَا
فَرْعٌ لو تَزَوَّجَ حَرْبِيٌّ حَرْبِيَّةً مُعْتَدَّةً من حَرْبِيٍّ آخَرَ وَوَطِئَهَا أو وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَتْ معه أو تَرَافَعَا إلَيْنَا بَعْدَ دُخُولِهِمَا بِأَمَانٍ كَفَاهَا عِدَّةٌ وَاحِدَةٌ منه أَيْ من وَقْتِ وَطْئِهِ لِضَعْفِ حُقُوقِهِمْ وَعَدَمِ احْتِرَامِ مَائِهِمْ فَتُرَاعَى أَصْلُ الْعِدَّةِ وَيُجْعَلُ جَمِيعُهُمْ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ وَهَذَا ما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَقَطَعَ بِهِ جَمْعٌ وَرَجَّحَهُ آخَرُونَ وَقِيلَ لَا يُكْتَفَى بها بَلْ لَا بُدَّ من عِدَّتَيْنِ كما في الْمَسْأَلَتَيْنِ وَقَطَعَ بِهِ جَمْعٌ وَرَجَّحَهُ آخَرُونَ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ ثُمَّ بَقِيَّةُ الْعِدَّةِ الْأُولَى سَقَطَتْ لِضَعْفِ حُقُوقِهِمْ وَبُطْلَانِهَا بِالِاسْتِيلَاءِ عليهم وَقِيلَ تَدْخُلُ في الثَّانِيَةِ بِخِلَافِهَا في الْمُسْلِمِينَ لِاحْتِرَامِهِمْ وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ قال وَالْأَوَّلُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْأُمِّ حَيْثُ قال وَتَدْخُلُ فيها الْعِدَّةُ من الذي قَبْلَهُ وَلِلْقَوَاعِدِ لِمَا فيه من إسْقَاطِ الثَّابِتِ بِلَا دَلِيلٍ وَيُعَارِضُ كَوْنَهُ حَرْبِيًّا أَنَّ الْآخَرَ حَرْبِيٌّ وَالِاسْتِيلَاءُ إنَّمَا يُؤَثِّرُ في الْأَمْلَاكِ وَالِاخْتِصَاصَاتِ قال فَلَوْ كان أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا أو ذِمِّيًّا وَالْآخَرُ حَرْبِيًّا فَالْخِلَافُ جَارٍ أَيْضًا كما يُؤْخَذُ من كَلَامِ الزَّازِ
ا ه
وَهَذَا الْأَخِيرُ ظَاهِرٌ إنْ تَأَخَّرَتْ عِدَّةُ الْمُسْلِمِ أو الذِّمِّيِّ دُونَ ما إذَا تَقَدَّمَتْ فَلَا رَجْعَةَ لِلْأَوَّلِ في بَقِيَّةِ الْأُولَى إنْ أَسْلَمَ على الْقَوْلِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَلِلثَّانِي أَنْ يَنْكِحَهَا فيها على الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا في عِدَّتِهِ فَقَطْ دُونَ الْأَوَّلِ فَإِنْ حَبِلَتْ من الْأَوَّلِ لَا من الثَّانِي لم يَكْفِهَا عِدَّةٌ وَاحِدَةٌ فَتَعْتَدُّ لِلثَّانِي بَعْدَ الْوَضْعِ بِخِلَافِ ما إذَا حَبِلَتْ من الثَّانِي فَيَكْفِيهَا على الْأَوَّلِ وَضْعُ الْحَمْلِ وَتَسْقُطُ بَقِيَّةُ الْأُولَى وَعَلَى الثَّانِي تُتِمُّ لِأُولَى بَعْدَ الْوَضْعِ لِأَنَّ الْحَمْلَ ليس من الْأَوَّلِ فَلَا تَنْقَضِي بِهِ عِدَّتُهُ وَإِنْ لم يُسْلِمْ الثَّانِي مَعَهَا ولم يَتَرَافَعَا إلَيْنَا بَعْدَ دُخُولِهِمَا بِأَمَانٍ أَتَمَّتْ عِدَّةَ الْأَوَّلِ وَاسْتَأْنَفَتْ عِدَّةً لِلثَّانِي لِأَنَّ الْعِدَّةَ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ هُنَا أَقْوَى حتى تَسْقُطَ بَقِيَّةُ الْأُولَى أو يَدْخُلَ فيها بِخِلَافِ ما لو أَسْلَمَ مَعَهَا أو دُونَهَا
فَصْلٌ وَطْؤُهُ لِمُطَلَّقَتِهِ الْبَائِنِ مع عِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ في الْعِدَّةِ لَا يَمْنَعُ احْتِسَابَ الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ زِنًا لَا حُرْمَةَ له بِخِلَافِ الرَّجْعِيَّةِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وهو مَشْغُولٌ بِمَا له حُرْمَةٌ فَإِنْ لم يَطَأْ الرَّجْعِيَّةَ بَلْ كان يَخْلُو بها وَيُعَاشِرُهَا كَالزَّوْجَةِ وَلَوْ اللَّيَالِيَ أَيْ فيها فَقَطْ أَيْ دُونَ الْأَيَّامِ وفي نُسْخَةٍ وَلَوْ لَيْلَةً من لَيَالٍ مُنِعَ احْتِسَابُهَا أَيْضًا بِخِلَافِهِ في الْبَائِنِ لِأَنَّ مُخَالَطَتَهَا مُحَرَّمَةٌ بِلَا شُبْهَةٍ بِخِلَافِهَا في الرَّجْعِيَّةِ فإن الشُّبْهَةَ قَائِمَةٌ وهو بِالْمُخَالَطَةِ مُسْتَفْرِشٌ لها فَلَا يُحْسَبُ زَمَنُ الِاسْتِفْرَاشِ من الْعِدَّةِ كما لو نَكَحَتْ في الْعِدَّةِ زَوْجًا جَاهِلًا بِالْحَالِ قال الْبَغَوِيّ لَكِنْ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ أو أَشْهُرٍ نَمْنَعُهُ نَحْنُ الرَّجْعَةَ وَإِنْ لم تَنْقَضِ بها عِدَّتُهَا وَيَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ احْتِيَاطًا في ذلك وما نَقَلَهُ كَأَصْلِهِ عن الْبَغَوِيّ من عَدَمِ ثُبُوتِ الرَّجْعَةِ هو ما جَزَمَ بِهِ في الْمِنْهَاجِ وَنَقَلَهُ في الْمُحَرَّرِ عن الْمُتَعَرِّينَ وفي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عن الْأَئِمَّةِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَالْمَعْرُوفُ من الْمَذْهَبِ الْمُفْتَى بِهِ ثُبُوتُ الرَّجْعَةِ كما ذَهَبَ إلَيْهِ الْقَاضِي وَنَقَلَهُ الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ عن الْأَصْحَابِ فَالرَّافِعِيُّ نَقَلَ اخْتِيَارَ الْبَغَوِيّ دُونَ مَنْقُولِهِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الزَّرْكَشِيُّ لَكِنْ يُعَارِضُ نَقْلَ الْبَغَوِيّ له عن الْأَصْحَابِ نَقْلُ الرَّافِعِيِّ مُقَابِلَهُ عن الْمُعْتَبَرِينَ وَالْأَئِمَّةِ كما مَرَّ وَمُعَاشَرَةُ سَيِّدِ الْأَمَةِ لها في عِدَّةِ زَوْجِهَا وَأَجْنَبِيٍّ لِمُعْتَدَّةٍ وَطِئَ هَا بِالشُّبْهَةِ يَمْنَعُ احْتِسَابَ الْعِدَّةِ كما في مُعَاشَرَةِ الزَّوْجِ مُطَلَّقَتَهُ وَكَذَا من طَلَّقَ زَوْجَتَهُ
____________________
(3/398)
ثَلَاثًا وَتَزَوَّجَهَا في الْعِدَّةِ ظَانًّا انْقِضَاءَهَا وَتَحَلُّلَهَا بِزَوْجٍ يَمْنَعُ وَطْؤُهُ لها احْتِسَابَ الْعِدَّةِ كَالرَّجْعِيَّةِ وَجَمِيعِ ما مَرَّ في الْمُعْتَدَّةِ بِغَيْرِ الْحَمْلِ أَمَّا الْمُعْتَدَّةُ بِالْحَمْلِ فَلَا يَمْنَعُ مُعَاشَرَتُهَا انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ بِالْوَضْعِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَرْعٌ من تَزَوَّجَتْ في الْعِدَّةِ تَجْرِ في عِدَّتِهَا ما لم تُوطَأْ بِالشُّبْهَةِ وَإِلَّا انْقَطَعَتْ عِدَّتُهَا
فَصْلٌ لو رَاجَعَ مُطَلَّقَتَهُ الْحَائِلَ وَوَطِئَهَا بَعْدَ رَجْعَتِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا في الْعِدَّةِ اسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ وَتَدْخُلُ فيها بَقِيَّةُ الْعِدَّةِ السَّابِقَةِ لِأَنَّ الْوَطْءَ يَقْتَضِي عِدَّةً كَامِلَةً لِقَطْعِهِ ما مَضَى من الْعِدَّةِ وَكَذَا إنْ لم يَطَأْ لِآيَةِ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ وَلِأَنَّهَا بِالرَّجْعَةِ عَادَتْ إلَى النِّكَاحِ الذي وَطِئَهَا فيه فَالطَّلَاقُ الثَّانِي وَقَعَ في نِكَاحٍ وُجِدَ فيه الْوَطْءُ وَصَارَتْ كما لو ارْتَدَّتْ بَعْدَ الْوَطْءِ وَعَادَتْ إلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَإِنْ كانت أَيْ التي رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا حَامِلًا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْوَضْعِ وَإِنْ وَطِئَ لِأَنَّ الْبَقِيَّةَ إلَى الْوَضْعِ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ عِدَّةً مُسْتَقِلَّةً وَإِنْ وفي نُسْخَةٍ فَإِنْ لم تَطْلُقْ إلَّا بَعْدَ الْوَضْعِ اسْتَأْنَفَتْ عِدَّةً بِالْأَقْرَاءِ وَإِنْ لم يَطَأْ لِمَا مَرَّ وَالْوَضْعُ حَصَلَ في النِّكَاحِ وَالْعِدَّةُ لَا تَنْقَضِي بِهِ وَلَوْ طَلَّقَ الرَّجْعِيَّةَ في الْعِدَّةِ طَلْقَةً أُخْرَى لم تَسْتَأْنِفْ عِدَّةً بَلْ تَبْنِي على الْعِدَّةِ الْأُولَى وَإِنْ كانت أَيْ الْمُطَلَّقَةُ بِعِوَضٍ لِأَنَّهُمَا طَلَاقَانِ لم يَتَخَلَّلْهُمَا وَطْءٌ وَلَا رَجْعَةً فَصَارَ كما لو طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ مَعًا وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ الثَّانِيَ يُؤَكِّدُ الْأَوَّلَ وَالْعِدَّةُ منه بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ فَإِنَّهَا تُضَادُّهُ فَتَنْقَطِعُ الْعِدَّةُ وَلَوْ جَرَى بَعْدَ الْمُرَاجَعَةِ فَسْخٌ لِلنِّكَاحِ بِعَيْبٍ أو عِتْقٍ أو غَيْرِهِ اسْتَأْنَفَتْ عِدَّةً كما لو جَرَى بَعْدَهَا طَلَاقٌ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْفَسْخَ ليس من جِنْسِ الطَّلَاقِ
فَرْعٌ لو جَدَّدَ نِكَاحَ مُطَلَّقَتِهِ الْبَائِنِ في الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ بَنَتْ على الْعِدَّةِ الْأُولَى ولم يَلْزَمْهُ إلَّا نِصْفُ الْمَهْرِ لِأَنَّ هذا نِكَاحٌ جَدِيدٌ طَلَّقَهَا فيه قبل الدُّخُولِ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْعِدَّةُ وَلَا كَمَالُ الْمَهْرِ بِخِلَافِ ما مَرَّ في الرَّجْعِيَّةِ فَإِنَّهَا تَعُودُ بِالرَّجْعَةِ إلَى ذلك النِّكَاحِ فَيَقْتَضِي الطَّلَاقُ فيه الْعِدَّةَ وَإِنْ كان قد دخل بها قبل طَلَاقِهَا أو مَاتَ عنها اسْتَأْنَفَتْ عِدَّةً وَدَخَلَتْ فيها الْبَقِيَّةُ من الْعِدَّةِ السَّابِقَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ لِأَنَّهُمَا من شَخْصٍ وَاحِدٍ وَعُلِمَ من كَلَامِهِ صِحَّةُ نِكَاحِ الْمُخْتَلِفَةِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ
فَصْلٌ لو وَطِئَ مُعْتَدَّةً عن وَفَاةٍ بِشُبْهَةٍ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ مُمْكِنٍ كَوْنُهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا قَائِفَ أو هُنَاكَ قَائِفٌ وَتَعَذَّرَ إلْحَاقُهُ انْقَضَتْ بِوَضْعِهِ عِدَّةُ أَحَدِهِمَا وَبَقِيَ عليها الْأَكْثَرُ من ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ ومن بَقِيَّةِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ بِالْأَشْهُرِ فَإِنْ مَضَتْ الْأُولَى قبل تَمَامِ الثَّانِيَةِ فَعَلَيْهَا إتْمَامُهَا لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْحَمْلِ من الثَّانِي وَإِنْ مَضَتْ بَقِيَّةُ الثَّانِيَةِ قبل تَمَامِ الْأُولَى فَعَلَيْهَا إتْمَامُهَا لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ من الْأَوَّلِ وَإِنْ وَطِئَ الشَّرِيكَانِ الْمُشْتَرَكَةَ في طُهْرٍ وَاحِدٍ لَزِمَهَا اسْتِبْرَاءَانِ وَلَا يَتَدَاخَلَانِ كما لَا تَتَدَاخَلُ الْعِدَّتَانِ عن شَخْصَيْنِ وَإِنْ أَحَبَلَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا فَمَاتَ أو طَلَّقَ لَكِنْ بَعْدَ الدُّخُولِ بها فَقَدْ قِيلَ تَنْقَضِي الْعِدَّتَانِ أَيْ عِدَّةُ الشُّبْهَةِ وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ بِالْوَضْعِ لِأَنَّهُمَا من شَخْصٍ وَاحِدٍ وَقِيلَ تَنْقَضِي بِالْأَكْثَرِ منه وَمِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ في الثَّانِيَةِ أو الْوَفَاةِ في الْأُولَى احْتِيَاطًا وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ
الْبَابُ الثَّالِثُ في عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَالْمَفْقُودِ
فَإِنْ مَاتَ زَوْجٌ عن حَامِلٍ اعْتَدَّتْ بِالْوَضْعِ وَلَوْ تَقَدَّمَ على تَمَامِ الْأَشْهُرِ الْآتِيَةِ لِآيَةِ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أو عن حَائِلٍ فَبِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا وفي نُسْخَةٍ وَلَيَالِيِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذْرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وهو مَحْمُولٌ على الْغَالِبِ من الْحَرَائِرِ لِمَا سَيَأْتِي وَعَلَى الْحَائِلَاتِ بِقَرِينَةِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ وهو نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذْرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إلَى الْحَوْلِ وَكَالْحَائِلِ الْحَامِلُ من غَيْرِ الزَّوْجِ وَتُعْتَبَرُ الْأَشْهُرُ بِالْأَهِلَّةِ ما أَمْكَنَ فَإِنْ انْكَسَرَ شَهْرٌ بِأَنْ مَاتَ الزَّوْجُ في خِلَالِهِ وَالْبَاقِي منه أَكْثَرُ من عَشَرَةٍ من الْأَيَّامِ تُمِّمَ ما بَقِيَ منه ثَلَاثِينَ يَوْمًا من الْخَامِسِ وَإِنْ بَقِيَ منه أَقَلُّ من عَشَرَةٍ تُمِّمَ بَقِيَّتُهَا من الشَّهْرِ السَّادِسِ وَإِنْ بَقِيَ منه عَشَرَةٌ اعْتَدَّتْ بها وَبِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بَعْدَهَا ثُمَّ الْمَوْطُوءَةُ وَغَيْرُهَا في ذلك سَوَاءٌ كَالصَّغِيرَةِ
____________________
(3/399)
وَزَوْجَةِ الْمَسْمُوحِ وَمَنْ تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ وَغَيْرِهَا لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ وَإِنَّمَا لم يُعْتَبَرْ هُنَا الْوَطْءُ كما في عِدَّةِ الْحَيَاةِ لِأَنَّ فُرْقَةَ الْوَفَاةِ لَا إسَاءَةَ فيها من الزَّوْجِ فَأُمِرَتْ بِالتَّفَجُّعِ عليه وَإِظْهَارِ الْحُزْنِ بِفِرَاقِهِ وَلِهَذَا وَجَبَ الْإِحْدَادُ كما سَيَأْتِي وَلِأَنَّهَا قد تُنْكِرُ الدُّخُولَ حِرْصًا على النِّكَاحِ وَلَا مُنَازِعَ بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ وَلِأَنَّ مَقْصُودَهَا الْأَعْظَمَ حِفْظُ حَقِّ الزَّوْجِ دُونَ مَعْرِفَةِ الْبَرَاءَةِ وَلِهَذَا اُعْتُبِرَتْ بِالْأَشْهُرِ فَإِنْ خَفِيَتْ عليها الْأَهِلَّةُ كَالْمَحْبُوسَةِ اعْتَدَّتْ بِمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَتَعْتَدُّ الْأَمَةُ غَيْرُ الْحَامِلِ من زَوْجِهَا بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا وَإِنْ كانت ذَاتَ أَقْرَاءٍ لِأَنَّهَا على النِّصْفِ من الْحُرَّةِ مع إمْكَانِ الْقِسْمَةِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لو وَطِئَ أَمَةً يَظُنُّ أنها زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ اعْتَدَّتْ عِدَّةَ حُرَّةٍ فَلْيَكُنْ هُنَا مثله لِاخْتِصَاصِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحِلَّهُ إذَا مَاتَ قبل عِلْمِهِ بِالْحَالِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُبَعَّضَةَ كَالْقِنَّةِ وَأَنَّ الْأَمَةَ لو عَتَقَتْ مع مَوْتِهِ اعْتَدَّتْ كَالْحُرَّةِ
وَتَنْتَقِلُ الرَّجْعِيَّةُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا وَيَلْزَمُهَا الْإِحْدَادُ وَتَسْقُطُ بَقِيَّةُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ عِدَّةُ الْوَفَاةِ لِأَنَّهَا آكَدُ بِدَلِيلِ أنها تَجِبُ قبل الدُّخُولِ لَا الْبَائِنُ وَلَوْ بِفَسْخٍ فَلَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ حَامِلًا كانت أو حَائِلًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ فَتُكْمِلُ عِدَّةَ الطَّلَاقِ وَلَا تُحِدُّ فَيُنْفِقُ عليها إنْ كانت حَامِلًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حتى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ وَالْإِحْدَادِ لَا يَلْزَمُ كُلٌّ مِنْهُمَا الْبَائِنَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَفَاسِدَةَ النِّكَاحِ وَالْمَوْطُوءَةَ بِشُبْهَةٍ لِأَنَّهُ من خَصَائِصِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ كما مَرَّ وَسَيَأْتِي ما يُوَضِّحُ ذلك فَلَوْ مَاتَ من نَكَحَ فَاسِدًا اعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْحَيَاةِ وَلَا إحْدَادَ عليها
فَرْعٌ لو طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ مُعَيَّنَةً عِنْدَهُ أو مُبْهَمَةً طَلَاقًا بَائِنًا وَمَاتَ قبل أَنْ يُبَيِّنَ الْمُعَيَّنَةَ وَكَذَا قبل أَنْ يُعَيِّنَ الْمُبْهَمَةَ لَزِمَهُمَا إنْ كَانَتَا مَدْخُولًا بِهِمَا وَهُمَا من ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ من عِدَّةِ الْوَفَاةِ وبقية الْأَقْرَاءِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كما يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُفَارَقَةً بِالطَّلَاقِ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُفَارَقَةً بِالْمَوْتِ فَأَخَذْنَا بِهِ احْتِيَاطًا وَتُعْتَبَرُ الْأَقْرَاءُ من وَقْتِ الطَّلَاقِ وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ من الْمَوْتِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَقْتُ الْوُجُوبِ فَلَوْ مَضَى قُرْءٌ أو قُرْآنِ قبل الْوَفَاةِ اعْتَدَّتْ بِالْأَكْثَرِ من عِدَّةِ وَفَاةٍ وَمِنْ قُرْأَيْنِ أو قُرْءٍ
وَوَجْهُ اعْتِبَارِ الْأَقْرَاءِ من الطَّلَاقِ في الْمُبْهَمَةِ مع أَنَّ عِدَّتَهَا إنَّمَا تُعْتَبَرُ من التَّعْيِينِ لَا من الطَّلَاقِ أَنَّهُ لَمَّا أُيِسَ من التَّعْيِينِ اُعْتُبِرَ السَّبَبُ وهو الطَّلَاقُ لَكِنْ قال الْبُلْقِينِيُّ ما ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ هُنَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ على مَرْجُوحٍ وهو أَنَّ الْعِدَّةَ من الطَّلَاقِ وقد صَرَّحَ ابن الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ بِخِلَافِهِ فَقَالَا إنْ قُلْنَا الْعِدَّةُ ثَمَّ من اللَّفْظِ فَهُنَا كَذَلِكَ أو من التَّعْيِينِ فَقَدْ مَاتَ قبل أَنْ يُعَيِّنَ فَتَكُونَ الْعِدَّةُ من الْمَوْتِ
انْتَهَى
وَتَقْتَصِرُ الْحَامِلُ مِنْهُمَا على الْوَضْعِ لِأَنَّ عِدَّتَهَا لَا تَخْتَلِفُ بِالتَّقْدِيرَيْنِ وتقتصر ذَاتُ الْأَشْهُرِ وَإِنْ كان الطَّلَاقُ بَائِنًا وَالرَّجْعِيَّةُ ذَاتُ الْأَقْرَاءِ وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بها على عِدَّةِ الْوَفَاةِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ مع أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ
فَصْلٌ زَوْجَةُ الْمَفْقُودِ الْمُتَوَهَّمِ مَوْتُهُ لَا تَتَزَوَّجُ غَيْرَهُ حتى يَتَحَقَّقَ أَيْ يَثْبُتَ بِعَدْلَيْنِ مَوْتُهُ أو طَلَاقُهُ وَتَعْتَدُّ لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ في قِسْمَةِ مَالِهِ وَعِتْقِ أُمِّ وَلَدِهِ فَكَذَا في فِرَاقِ زَوْجَتِهِ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ مَعْلُومٌ بِيَقِينٍ فَلَا يُزَالُ إلَّا بِيَقِينٍ وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِنِكَاحِهَا قبل تَحَقُّقِ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ نُقِضَ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْقِيَاسِ الْجَلِيِّ إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَيًّا في مَالِهِ وَمَيِّتًا في حَقِّ زَوْجَتِهِ وَنَفَذَ فيها أَيْ في الزَّوْجَةِ طَلَاقُ الْمَفْقُودِ
____________________
(3/400)
وَظِهَارُهُ وَإِيلَاؤُهُ وَسَائِرُ تَصَرُّفَاتِ الزَّوْجِ في زَوْجَتِهِ لِلْحُكْمِ بِحَيَاتِهِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ قبل الْحُكْمِ بِالْفُرْقَةِ أَمْ بَعْدَهَا وَيَسْقُطُ بِنِكَاحِهَا غَيْرَهُ نَفَقَتُهَا عن الْمَفْقُودِ لِأَنَّهَا نَاشِزَةٌ بِهِ وَإِنْ كان فَاسِدًا وَكَذَا تَسْقُطُ عنه إنْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَاعْتَدَّتْ وَعَادَتْ إلَى مَنْزِلِهِ وَيَسْتَمِرُّ السُّقُوطُ حتى يَعْلَمَ الْمَفْقُودُ عَوْدَهَا إلَى طَاعَتِهِ لِأَنَّ النُّشُوزَ إنَّمَا يَسْقُطُ حِينَئِذٍ قال الْبُلْقِينِيُّ وَحَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ النِّفَاسِ لِأَنَّهَا من تَوَابِعِ النِّكَاحِ الذي صَدَرَ بِتَقْصِيرِهَا
انْتَهَى
وَفِيهِ وَقْفَةٌ وَلَا نَفَقَةَ لها على الزَّوْجِ الثَّانِي إذْ لَا زَوْجِيَّةَ بَيْنَهُمَا وَلَا رُجُوعَ له بِمَا أَنْفَقَهُ عليها إنْ أَنْفَقَ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ إلَّا فِيمَا كَلَّفَهُ من الْإِنْفَاقِ عليها بِحُكْمِ حَاكِمٍ فَيَرْجِعُ عليها بِهِ فَلَوْ تَزَوَّجَتْ قبل ثُبُوتِ مَوْتِهِ أو طَلَاقِهِ وَبَانَ الْمَفْقُودُ مَيِّتًا قبل تَزَوُّجِهَا بِمِقْدَارِ الْعِدَّةِ صَحَّ التَّزْوِيجُ لِخُلُوِّهِ عن الْمَانِعِ في الْوَاقِعِ فَأَشْبَهَ ما لو بَاعَ مَالَ أبيه يَظُنُّ حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا
فَصْلٌ لو تَرَبَّصَتْ زَوْجَةُ الْمَفْقُودِ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ نَكَحَتْ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ ولم يَدَّعِهِ الْمَفْقُودُ لَحِقَ بِالثَّانِي عِنْدَ الْإِمْكَانِ لِتَحَقُّقِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ من الْمَفْقُودِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَوْ لم تَتَزَوَّجْ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ لم يَلْحَقْ بِالْمَفْقُودِ لِذَلِكَ فَإِنْ قَدِمَ الْمَفْقُودُ وَادَّعَاهُ لم يُعْرَضْ على الْقَائِفِ حتى يَدَّعِيَ وَطْئًا مُمْكِنًا في هذه الْمُدَّةِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَدَّعِهِ كَأَنْ قال هو وَلَدِي وَلَدَتْهُ زَوْجَتِي على فِرَاشِي لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَبْقَى في الرَّحِمِ هذه الْمُدَّةَ فَإِنْ انْتَفَى عنه وَلَوْ بَعْدَ الدَّعْوَى بِهِ وَالْعَرْضِ له على الْقَائِفِ فَلَهُ مَنْعُهَا من إرْضَاعِهِ غير اللِّبَأِ الذي لَا يَعِيشُ إلَّا بِهِ إنْ وَجَدَ مُرْضِعَةً غَيْرَهَا وَإِلَّا فَلَا يَمْنَعُهَا منه فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ في مَنْزِلِ الْمَفْقُودِ قَهْرًا عليه ولم تَخْرُجْ منه وَلَا وَقَعَ خَلَلٌ في التَّمْكِينِ لم تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا عنه فَإِنْ خَرَجَتْ منه له أَيْ لِإِرْضَاعَةِ أو وَقَعَ خَلَلٌ في التَّمْكِينِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا عنه وَلَوْ خَرَجَتْ بِإِذْنِهِ كَسَفَرِهَا لِحَاجَتِهَا فإنه تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا وَإِنْ سَافَرَتْ بِإِذْنِهِ وَيُفَارِقُ سُقُوطُهَا بِخُرُوجِهَا لِلْإِرْضَاعِ عَدَمَ سُقُوطِهَا بِخُرُوجِهَا لِبَيْتِ أَبِيهَا لِزِيَارَةٍ أو عِيَادَةٍ بِالِاحْتِيَاجِ إلَى تَكَرُّرِ الْخُرُوجِ هُنَا في الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ بِخِلَافِهِ
ثُمَّ وفي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا هُنَا مَسْأَلَةٌ تَرَكْتهَا لِأَنَّ مَعْنَاهَا قد سَبَقَ في الْبَابِ السَّابِقِ وَهِيَ ما لو نَكَحَتْ وَوَطِئَهَا الثَّانِي ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْأَوَّلَ كان حَيًّا وَقْتَ نِكَاحِهِ وَأَنَّهُ مَاتَ بَعْدُ فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ عنه لَكِنْ لَا تُسْرِعُ فيها حتى يَمُوتَ الثَّانِي أو يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَحِينَئِذٍ تَعْتَدُّ لِوَفَاةِ الْأَوَّلِ ثُمَّ لِلثَّانِي بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ أو أَشْهُرٍ وَإِنْ مَاتَ الثَّانِي أَوَّلًا أو فُرِّقَ بَيْنَهُمَا شَرَعَتْ في الْأَقْرَاءِ فَإِنْ أَتَمَّتْهَا ثُمَّ مَاتَ الْأَوَّلُ اعْتَدَّتْ عنه لِلْوَفَاةِ وَإِنْ مَاتَ قبل تَمَامِهَا انْقَطَعَتْ فَتَعْتَدُّ عنه لِلْوَفَاةِ ثُمَّ تَعُودُ إلَى بَقِيَّةِ الْأَقْرَاءِ وَإِنْ مَاتَا مَعًا أو لم يُعْلَمْ السَّابِقُ مِنْهُمَا اعْتَدَّتْ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ وَإِنْ لم يُعْلَمْ مَوْتُهَا حتى مَضَى ذلك فَقَدْ انْقَضَتْ الْعِدَّتَانِ وَلَوْ حَمَلَتْ من الثَّانِي اعْتَدَّتْ منه بِالْوَضْعِ ثُمَّ تَعْتَدُّ عن الْأَوَّلِ لِلْوَفَاةِ وَيُحْسَبُ منها زَمَنُ النِّفَاسِ لِأَنَّهُ ليس من عِدَّةِ الثَّانِي
فَرْعٌ لِمَنْ أَخْبَرَهَا عَدْلٌ وَلَوْ عَبْدًا أو امْرَأَةً بِوَفَاةِ زَوْجِهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ سِرًّا لِأَنَّ ذلك خَبَرٌ لَا شَهَادَةٌ وقد يُقَالُ إذَا سَاغَ لها اعْتِمَادُهُ وَعَلِمْنَا ذلك اتَّجَهَ جَوَازُ اعْتِمَادِهِ ظَاهِرًا أَيْضًا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عن بَعْضِهِمْ ثُمَّ قال وَفِيهِ وَقْفَةٌ
فَصْلٌ يَجِبُ الْإِحْدَادُ الْآتِي بَيَانُهُ في عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ أَنْ تُحِدَّ على مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا على زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا أَيْ فإنه يَحِلُّ لها الْإِحْدَادُ عليه أَيْ يَجِبُ لِلْإِجْمَاعِ على إرَادَتِهِ وَالتَّقْيِيدُ بِإِيمَانِ الْمَرْأَةِ جَرَى على الْغَالِبِ لِمَا سَيَأْتِي وَيُسْتَحَبُّ في عِدَّةِ فِرَاقِ الزَّوْجِ وَلَا يَجِبُ لِأَنَّ الْمُفَارَقَةَ إنْ فُورِقَتْ بِالطَّلَاقِ فَهِيَ مَجْفُوَّةٌ بِهِ أو بِالْفَسْخِ فَالْفَسْخُ منها أو لِمَعْنًى فيها فَلَا يَلِيقُ بها فِيهِمَا إيجَابُ الْإِحْدَادِ بِخِلَافِ الْمُتَوَفَّى عنها زَوْجُهَا وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْبَائِنَ وَالرَّجْعِيَّةَ وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ عن أبي ثَوْرٍ في الرَّجْعِيَّةِ عن الشَّافِعِيِّ ثُمَّ نَقَلَ عن بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْأَوْلَى لها أَنْ تَتَزَيَّنَ بِمَا يَدْعُو الزَّوْجَ إلَى رَجْعَتِهَا وَخَرَجَ بِفِرَاقِ الزَّوْجِ الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ أو بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ وَأُمُّ الْوَلَدِ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُمَا الْإِحْدَادُ
وَتُحِدُّ الذِّمِّيَّةُ وَلَوْ على ذِمِّيٍّ وَالصَّبِيَّةُ وَالْمَجْنُونَةُ وَالرَّقِيقَةُ كَغَيْرِهِنَّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَعَلَّ مَحَلَّهُ في
____________________
(3/401)
الذِّمِّيَّةِ إذَا رَضَوْا بِحُكْمِنَا وَإِلَّا فَلَا نَتَعَرَّضُ لها وَمِثْلُهَا الْمُعَاهَدَةُ وَالْمُسْتَأْمَنَةُ وَيُلْزِمُهَا أَيْ الصَّبِيَّةَ وَالْمَجْنُونَةَ الْوَلِيُّ بِذَلِكَ
فَصْلٌ الْإِحْدَادُ من أَحَدَّ وَيُقَالُ الْحِدَادُ من حَدَّ لُغَةً الْمَنْعُ وَاصْطِلَاحًا تَرْكُ الزِّينَةِ من الْمُتَوَفَّى عنها في عِدَّةِ الْوَفَاةِ بِالثِّيَابِ وَالطِّيبِ وَالْحُلِيِّ وما في مَعْنَاهَا مِمَّا يَأْتِي لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن أُمِّ عَطِيَّةَ كنا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ على مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا على زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَأَنْ نَكْتَحِلَ وَأَنْ نَتَطَيَّبَ وَأَنْ نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا
وَخَبَرِ أبي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ الْمُتَوَفَّى عنها لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ من الثِّيَابِ وَلَا الْمُمَشَّقَةَ وَلَا الْحُلِيَّ وَلَا تَخْتَضِبُ وَلَا تَكْتَحِلُ وَالْمُمَشَّقَةُ الْمَصْبُوغَةُ بِالْمِشْقِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وهو الْمَغْرَةُ بِفَتْحِهَا وَيُقَالُ طِينٌ أَحْمَرُ يُشْبِهُهَا
وَأَمَّا خَبَرُ لَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ وهو ضَرْبٌ من بُرُودِ الْيَمِينِ يُعْصَبُ غَزْلُهُ أَيْ يُجْمَعُ ثُمَّ يُشَدُّ ثُمَّ يُصْبَغُ مَعْصُوبًا ثُمَّ يُنْسَخُ فَمُعَارَضٌ بِرِوَايَةِ وَلَا ثَوْبَ عَصْبٍ أو مُؤَوَّلٌ بِالصَّبْغِ الذي لَا يَحْرُمُ كَالْأَسْوَدِ فَلَهَا لُبْسُ غَيْرِ الْمَصْبُوغِ من قُطْنٍ وَصُوفٍ وَوَبَرٍ وَشَعْرٍ وَغَيْرِهَا وَلَوْ حَرِيرًا وَنَفِيسًا لِأَنَّ نَفَاسَتَهُ من أَصْلِ الْخِلْقَةِ لَا من زِينَةٍ دَخَلَتْ عليه كَالْمَرْأَةِ الْحَسْنَاءِ لَا يَلْزَمُهَا أَنْ تُغَيِّرَ لَوْنَهَا بِسَوَادٍ وَنَحْوِهِ
وَالْمَصْبُوغُ وَلَوْ قبل النَّسْجِ كَالْبُرُودِ حَرَامٌ لِمَا مَرَّ لَا الْمَصْبُوغُ بِالسَّوَادِ وَكَذَا زُرْقَةٌ وَخُضْرَةٌ كَدِرَانِ أَيْ الْمَصْبُوغُ بِهِمَا لِأَنَّ ذلك لَا يُقْصَدُ لِلزِّينَةِ بَلْ لِنَحْوِ حَمْلِ وَسَخٍ أو مُصِيبَةٍ بِخِلَافِ الْمَصْبُوغِ بِزُرْقَةٍ وَخُضْرَةٍ صَافِيَيْنِ
وَحَاصِلُ ذلك أَنَّ ما صُبِغَ لِزِينَةٍ يَحْرُمُ وما صُبِغَ لَا لِزِينَةٍ كَالْأَسْوَدِ لم يَحْرُمْ لِانْتِفَاءِ الزِّينَةِ عنه وَإِنْ تَرَدَّدَ بين الزِّينَةِ وَغَيْرِهَا كَالْأَخْضَرِ وَالْأَزْرَقِ كَأَنْ كان بَرَّاقًا صَافِيَ اللَّوْنِ حَرُمَ لِأَنَّهُ مُسْتَحْسَنٌ يُتَزَيَّنُ بِهِ أو كَدِرًا أو مُشْبَعًا أو أَكْهَبَ بِأَنْ يَضْرِبَ إلَى الْغُبْرَةِ فَلَا لِأَنَّ الْمُشْبَعَ من الْأَخْضَرِ يُقَارِبُ الْأَسْوَدَ وَمِنْ الْأَزْرَقِ يُقَارِبُ الْكُحْلِيَّ وَمِنْ الْأَكْهَبِ يُقَارِبُهُمَا وَالطِّرَازُ على الثَّوْبِ حَرَامٌ عليها إنْ كَبِرَ لِظُهُورِ الزِّينَةِ فيه وَإِنْ صَغُرَ فَوُجُوهٌ ثَلَاثَةٌ ثَالِثُهَا إنْ نُسِجَ مع الثَّوْبِ جَازَ وَإِنْ رُكِّبَ عليه حَرُمَ لِأَنَّهُ مَحْضُ زِينَةٍ وَبِهِ جَزَمَ في الْأَنْوَارِ وَيَحْرُمُ عليها الْحُلِيُّ من خَلْخَالٍ وَسِوَارٍ وَغَيْرِهِمَا وَلَوْ خَاتَمَ فِضَّةٍ أو حُلِيَّ لُؤْلُؤٍ لِظَاهِرِ خَبَرِ أبي دَاوُد السَّابِقِ وَلِظُهُورِ الزِّينَةِ فيه وَلَهَا لُبْسُ الْحُلِيِّ لِلْإِحْرَازِ له أو لِحَاجَةٍ أُخْرَى لَيْلًا بِلَا كَرَاهَةٍ وَلَهَا ذلك فيه أَيْضًا بِلَا حَاجَةٍ لَكِنْ مع الْكَرَاهَةِ وَاسْتُشْكِلَ بِحُرْمَةِ التَّطَيُّبِ وَلِبَاسِ الْمَصْبُوغِ لَيْلًا وَفُرِّقَ بِأَنَّ ذلك يُحَرِّكُ الشَّهْوَةَ بِخِلَافِ التَّحَلِّي
قال الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ أَمَّا لُبْسُهُ نَهَارًا فَحَرَامٌ إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ طَرِيقًا لِإِحْرَازِهِ فَظَاهِرٌ جَوَازُهُ لِلضَّرُورَةِ كما ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَإِنْ تَعَوَّدُوا أَيْ قَوْمُهَا التَّحَلِّي بِالنُّحَاسِ أو الرَّصَاصِ أو أَشْبَهَا التِّبْرَيْنِ أَيْ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ بِحَيْثُ لَا يُعْرَفَانِ إلَّا بِتَأَمُّلٍ أو مَوَّهَا بِهِمَا حَرُمَا وَإِلَّا فَلَا قال الْأَذْرَعِيُّ وَالتَّمْوِيهُ بِغَيْرِهِمَا أَيْ مِمَّا يَحْرُمُ تَزَيُّنُهَا بِهِ كَالتَّمْوِيهِ بِهِمَا وَإِنَّمَا اقْتَصَرُوا على ذِكْرِهِمَا اعْتِبَارًا بِالْغَالِبِ وَهِيَ في تَحْرِيمِ الطِّيبِ وَأَكْلِهِ وَالدُّهْنِ كَالْمُحَرَّمِ في تَحْرِيمِهِمَا عليه فَيَحْرُمُ عليها ما يَحْرُمُ عليه لِمَا مَرَّ في خَبَرِ أُمِّ عَطِيَّةَ لَكِنْ يَلْزَمُهَا إزَالَةُ الطِّيبِ الْكَائِنِ مَعَهَا حَالَ الشُّرُوعِ في الْعِدَّةِ وَلَا يَقْدَحُ اسْتِعْمَالُهَا الطِّيبَ في عِدَّتِهَا وَلَا فِدْيَةَ عليها كما يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي بِخِلَافِ الْمُحَرَّمِ في ذلك وَيَحْرُمُ عليها الِاكْتِحَالُ بِإِثْمِدٍ وَنَحْوِهِ وَلَوْ كانت سَوْدَاءَ لِلْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَلِأَنَّ فيه زِينَةً وَجَمَالًا لِلْعَيْنِ ويحرم عليها تَسْوِيدُ الْحَاجِبِ بِالْأَسْوَدِ كَالْإِثْمِدِ
____________________
(3/402)
بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ لِأَنَّهُ يُتَزَيَّنُ بِهِ فيه
وَيَجُوزُ لها الِاكْتِحَالُ بِهِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ لِرَمَدٍ أو غَيْرِهِ لَيْلًا وَتَمْسَحُهُ بِالنَّهَارِ ويجوز ذلك لِلضَّرُورَةِ إلَى اسْتِعْمَالِهِ نَهَارًا وَيَجُوزُ الِاكْتِحَالُ بِالْأَبْيَضِ كَالتُّوتْيَا إذْ لَا زِينَةَ فيه لَا الْأَصْفَرِ كَالصَّبْرِ بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِهَا مع إسْكَانِ الْبَاءِ وَبِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِ الْبَاءِ فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ كانت بَيْضَاءَ لِأَنَّهُ يُتَزَيَّنُ بِهِ نعم إنْ احْتَاجَتْ إلَيْهِ لِرَمَدٍ أو نَحْوِهِ جَازَ لَيْلًا وَتَمْسَحُهُ نَهَارًا فَفِي أبي دَاوُد أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم دخل على أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ حَادَّةٌ على أبي سَلَمَةَ وقد جَعَلَتْ على عَيْنِهَا صَبْرًا فقال ما هذا يا أُمَّ سَلَمَةَ فقالت هو صَبْرٌ لَا طِيبَ فيه فقال إنَّهُ يَشُبُّ الْوَجْهَ أَيْ يُوقِدُهُ وَيُحَسِّنُهُ فَلَا تَجْعَلِيهِ إلَّا بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ حَمَلُوهُ على أنها كانت مُحْتَاجَةً إلَيْهِ لَيْلًا فَإِذَنْ لها فيه لَيْلًا بَيَانًا لِجَوَازِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ مع أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ
وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقالت يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عنها زَوْجُهَا وقد اشْتَكَتْ عَيْنَهَا أَفَنَكْحُلُهَا فقال لَا مَرَّتَيْنِ أو ثَلَاثًا كُلَّ ذلك يقول لَا فَحُمِلَ على أَنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ أو أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَتَحَقَّقْ الْخَوْفُ على عَيْنِهَا أو أَنَّهُ يَحْصُلُ لها الْبُرْءُ بِدُونِهِ لَكِنْ في رِوَايَةٍ رَدَّهَا عبد الْحَقِّ قالت إنِّي أَخْشَى أَنْ تَنْفَقِئَ عَيْنُهَا قال لَا وَإِنْ انْفَقَأَتْ وقد يُجَابُ عنها بِأَنَّ الْمُرَادَ وَإِنْ انْفَقَأَتْ عَيْنُهَا في زَعْمِك لِأَنِّي أَعْلَمُ أنها لَا تَنْفَقِئُ أَمَّا إذَا احْتَاجَتْ إلَيْهِ نَهَارًا فَيَجُوزُ فيه
وَيَحْرُمُ طَلْيُ الْوَجْهِ بِهِ لِأَنَّهُ يُصَفِّرُ الْوَجْهَ فَهُوَ كَالْخِضَابِ وَبِكُلِّ ما يُحَمِّرُهُ وَيُصَفِّرُهُ وَيُبَيِّضُهُ كَإِسْفِيذَاجَ ويحرم تَصْفِيفُ الشَّعْرِ أَيْ الطُّرَّةُ وَتَجْعِيدُ الْأَصْدَاغِ أَيْ شَعْرِهَا وَالِاخْتِضَابُ بِالْحِنَّاءِ أو نَحْوِهِ فِيمَا يَظْهَرُ من الْبَدَنِ كَالْوَجْهِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ لَا فِيمَا تَحْتَ الثِّيَابِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَذِنَ لِأُمِّ سَلَمَةَ في الصَّبْرِ لَيْلًا لِخَفَائِهِ على الْأَبْصَارِ فَكَذَا ما أَخْفَاهُ ثِيَابُهَا قال في الْأَصْلِ وَالْغَالِيَةُ وَإِنْ ذَهَبَ رِيحُهَا كَالْخِضَابِ
فَرْعٌ لها التَّجَمُّلُ بِالْفُرُشِ وَالسُّتُورِ وَأَثَاثِ الْبَيْتِ لِأَنَّ الْإِحْدَادَ في الْبَدَنِ لَا في الْفُرُشِ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا الْغِطَاءُ فقال ابن الرِّفْعَةِ الْأَشْبَهُ أَنَّهُ كَالثِّيَابِ لِأَنَّهُ لِبَاسٌ قال الزَّرْكَشِيُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَيْلًا فَعَلَى ما مَرَّ في الْحُلِيِّ قُلْت الْأَوْجَهُ أَنَّهُ كَالثِّيَابِ مُطْلَقًا ولها التَّنْظِيفُ بِالْحَمَّامِ إنْ لم يَكُنْ فيه خُرُوجٌ مُحَرَّمٌ وَغَسْلُ الرَّأْسِ وَمَشْطُهُ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَالِاسْتِحْدَادُ وَإِزَالَةُ الْأَوْسَاخِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ من الزِّينَةِ أَيْ الدَّاعِيَةِ إلَى الْجِمَاعِ فَلَا يُنَافِي في إطْلَاقِ اسْمِهَا على ذلك في صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَمَنْ تَرَكَتْ الْإِحْدَادَ أو السُّكْنَى في كل الْمُدَّةِ أو بَعْضِهَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ إذْ الْعِبْرَةُ في انْقِضَائِهَا بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ حتى لو بَلَغَهَا وَفَاةٌ لِزَوْجٍ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَعَصَتْ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ عليها بِشَرْطٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ إنْ عَلِمَتْ حُرْمَةَ التَّرْكِ هذا إنْ كانت مُكَلَّفَةً وَإِلَّا فَالْعِصْيَانُ على وَلِيِّهَا
فَرْعٌ لها الْإِحْدَادُ على غَيْرِ زَوْجٍ من الْمَوْتَى إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ وَتَحْرُمُ الزِّيَادَةُ عليها لِلْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَلِأَنَّ في تَعَاطِيهِ إظْهَارَ عَدَمِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَالْأَلْيَقُ بها التَّلَفُّعُ بِجِلْبَابِ الصَّبْرِ وَإِنَّمَا رُخِّصَ لِلْمُعْتَدَّةِ في عِدَّتِهَا لِحَبْسِهَا على الْمَقْصُودِ من الْعِدَّةِ وَلِغَيْرِهَا في الثَّلَاثِ لِأَنَّ النُّفُوسَ قد لَا تَسْتَطِيعُ فيها الصَّبْرَ وَلِذَلِكَ يُسَنُّ فيها التَّعْزِيَةُ وَبَعْدَهَا تَنْكَسِرُ أَعْلَامُ الصَّبْرِ قَالَهُ الْإِمَامُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَشْبَهُ أَنَّ الرَّادَّ بِغَيْرِ الزَّوْجِ الْقَرِيبِ كما أَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي فَلَا يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيَّةِ الْإِحْدَادُ على أَجْنَبِيٍّ وَلَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قال وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ الْإِحْدَادُ على أَجْنَبِيٍّ
انْتَهَى
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ السَّيِّدُ كَالْقَرِيبِ
الْبَابُ الرَّابِعُ في السُّكْنَى
وَتَجِبُ السُّكْنَى لِمُعْتَدَّةٍ عن طَلَاقٍ وَلَوْ بَائِنًا بِخُلْعٍ أو ثَلَاثٍ حَامِلًا كانت أو حَائِلًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى أَسْكِنُوهُنَّ من حَيْثُ سَكَنْتُمْ وَكَذَا تَجِبُ لِمُعْتَدَّةٍ عن وَفَاةٍ وَفَسْخٍ بِرِدَّةٍ أو إسْلَامٍ أو رَضَاعٍ أو غَيْرِهَا كَالطَّلَاقِ بِجَامِعِ فُرْقَةِ النِّكَاحِ وَلِخَبَرِ فُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكٍ أُخْتِ أبي سَعِيدٍ أَنْ زَوْجَهَا قُتِلَ فَسَأَلَتْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ تَرْجِعَ إلَى أَهْلِهَا وَقَالَتْ إنَّ زَوْجِي لم يَتْرُكْنِي في مَنْزِلٍ يَمْلِكُهُ فَأَذِنَ لها في الرُّجُوعِ قالت فَانْصَرَفْت حتى إذَا كُنْت في الْحُجْرَةِ أو في الْمَسْجِدِ دَعَانِي فقال اُمْكُثِي في بَيْتِك حتى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ فَاعْتَدَّتْ فيه أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ
____________________
(3/403)
وَعَشْرًا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ السُّكْنَى لِلْمُعْتَدَّةِ عن وَفَاةٍ دُونَ النَّفَقَةِ لِأَنَّهَا لِصِيَانَةِ مَاءِ الزَّوْجِ وَهِيَ تَحْتَاجُ إلَيْهَا بَعْدَ الْوَفَاةِ كَالْحَيَاةِ وَالنَّفَقَةُ لِسُلْطَتِهِ عليها وقد انْقَضَتْ لَا لِمُعْتَدَّةٍ عن وَطْءِ شُبْهَةٍ وَلَوْ في نِكَاحٍ فَاسِدٍ لِأَنَّ سَبَبَ التَّرَبُّصِ فيها لم تَتَأَكَّدْ حُرْمَتُهُ فَلَا يَلْحَقُ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَلَا سُكْنَى لِأُمِّ وَلَدٍ عَتَقَتْ بِإِعْتَاقِ سَيِّدِهَا أو مَوْتِهِ كَذَلِكَ وَلَا صَغِيرَةٍ لَا تُوطَأُ أَيْ لَا سُكْنَى لها وَلَا لِأَمَةٍ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ التَّامِّ كما لَا نَفَقَةَ لَهُمَا بَلْ لِلزَّوْجِ إسْكَانُهَا حَالَ فَرَاغِ الْخِدْمَةِ لِلسَّيِّدِ لِتُحْصِنَهَا وَلَا سُكْنَى لِمَنْ طَلُقَتْ أو تُوُفِّيَ زَوْجُهَا نَاشِزَةً أو نَشَزَتْ في الْعِدَّةِ وَلَوْ في عِدَّةٍ لِوَفَاةٍ بِالْخُرُوجِ من مَنْزِلِهِ حتى تُطِيعَ كما لو نَشَزَتْ في صُلْبِ النِّكَاحِ بَلْ أَوْلَى
فَصْلٌ وَيَجِبُ لها أَيْ لِلْمُعْتَدَّةِ أَيْ تَسْتَحِقُّ السُّكْنَى بِمَسْكَنِ يَوْمِ الْفِرَاقِ بِمَوْتٍ أو غَيْرِهِ لِخَبَرِ فُرَيْعَةَ السَّابِقِ وَمُحَافَظَةً على حِفْظِ مَاءِ الزَّوْجِ هذا إنْ كان الْمَسْكَنُ مُسْتَحَقًّا لِلزَّوْجِ وهو ظَاهِرٌ وَعَلَيْهَا مُلَازَمَتُهُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا تَخْرُجُ منه وَلَا يُخْرِجُهَا منه ذُو الْعِدَّةِ إلَّا لِعُذْرٍ كما سَيَأْتِي لِآيَةِ لَا تُخْرِجُوهُنَّ وَمِثْلُهَا الْمُعْتَدَّةُ عن وَطْءِ شُبْهَةٍ أو نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَإِنْ لم تَسْتَحِقَّ السُّكْنَى على الْوَاطِئِ وَالنَّاكِحِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ الرَّجْعِيَّةَ وَبِهِ صَرَّحَ في النِّهَايَةِ وفي حَاوِي الْمَاوَرْدِيِّ وَالْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِمَا من الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُسْكِنَهَا حَيْثُ شَاءَ لِأَنَّهَا في حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ وَبِهِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ في نُكَتِهِ وَالْأَوَّلُ هو ما نَصَّ عليه في الْأُمِّ كما قَالَهُ ابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ قال السُّبْكِيُّ وهو أَوْلَى لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ وقال الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ وَالزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الصَّوَابُ
نعم إنْ كان الْمَسْكَنُ خَسِيسًا لم يَلْزَمْهَا الرِّضَا بِهِ فَلَهَا طَلَبُ النَّقْلَةِ إلَى لَائِقٍ بها لِأَنَّهَا قد تَسْمَحُ بِالسُّكْنَى فيه لِدَوَامِ الصُّحْبَةِ وقد زَالَتْ وَلِأَنَّ ذلك حَقٌّ يَتَجَدَّدُ لها يَوْمًا بِيَوْمٍ فَلَا تُؤَثِّرُ الْمُسَامَحَةُ فيه في الْمُسْتَقْبَلِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ أو كان نَفِيسًا لم يَلْزَمْهُ الرِّضَا بِهِ فَلَهُ نَقْلُهَا إلَى لَائِقٍ بها إنْ وَجَدَهُ لِأَنَّهُ كان مُتَبَرِّعًا لها وَبِهِ وَالتَّبَرُّعُ لَا يَلْزَمُ قبل اتِّصَالِهِ بِالْقَبْضِ فَإِنْ كان لَائِقًا بها ورضيا بِالنَّقْلَةِ منه بِلَا حَاجَةٍ لم يَجُزْ لِأَنَّ في الْعِدَّةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وقد وَجَبَتْ في ذلك الْمَسْكَنِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ إبْطَالُ أَصْلِ الْعِدَّةِ بِاتِّفَاقِهِمَا لَا يَجُوزُ إبْطَالُ تَوَابِعِهِ وَلَيْسَ هذا كما في صُلْبِ النِّكَاحِ حَيْثُ يَسْكُنَانِ وَيَنْتَقِلَانِ كَيْفَ شَاءَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا على الْخُلُوصِ وَلَوْ تَرَكَا الِاسْتِقْرَارَ وَأَدَامَا السَّفَرَ جَازَ بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنْ طَلَّقَهَا أو مَاتَ وقد انْتَقَلَتْ من مَسْكَنِهَا إلَى مَسْكَنٍ أو بَلَدٍ آخَرَ بِلَا إذْنٍ منه عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ وَاعْتَدَّتْ فيه إلَّا أَنْ يَأْذَنَ هو أو وَارِثُهُ لها في الْإِقَامَةِ في لَا الثَّانِي فَتَلْزَمُهَا فيه كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو وقد انْتَقَلَتْ بِإِذْنٍ منه اعْتَدَّتْ في الثَّانِي لِأَنَّهُ الْمَسْكَنُ عِنْدَ الْفِرَاقِ وَكَذَا تَعْتَدُّ فيه لو طَلَّقَهَا أو مَاتَ بَعْدَ الْخُرُوجِ إلَيْهِ من الْمَسْكَنِ أو عُمْرَانِ الْبَلَدِ وَبَعْدَ الْإِذْنِ في الِانْتِقَالِ إلَيْهِ وَقَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهِ لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِالْمُقَامِ فيه مَمْنُوعَةٌ من الْأَوَّلِ بِخِلَافِ ما لو وَقَعَ ذلك قبل الْخُرُوجِ فَتَعْتَدُّ في الْأَوَّلِ وَلَوْ بَعْدَ الْإِذْنِ في الِانْتِقَالِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ وَجَبَتْ فيه
قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ ذلك مُرَتَّبٌ على مُجَرَّدِ الْخُرُوجِ من الْبَلَدِ وَالْمُتَّجَهُ اعْتِبَارُ مَوْضِعِ التَّرَخُّصِ وَالِاعْتِبَارُ بِنَقْلِهِ بَدَنَهَا لَا بِنَقْلِهِ أَثَاثَهَا وَخَدَمَهَا كما أَنَّ حَاضِرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ من هو بِمَكَّةَ لَا من أَثَاثُهُ وَخَدَمُهُ بها وَلَا أَثَرَ لِعَوْدِهَا إلَى الْأَوَّلِ لِنَقْلِ الْمَتَاعِ أو لِغَيْرِهِ فَلَوْ أَذِنَ في الِانْتِقَالِ إلَى الثَّانِي فَانْتَقَلَتْ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ لِذَلِكَ فَطَلَّقَهَا أو مَاتَ عنها اعْتَدَّتْ في الثَّانِي كما لو خَرَجَتْ لِحَاجَةٍ فَطَلَّقَهَا وَهِيَ خَارِجَةٌ وَإِنْ أَذِنَ لها في سَفَرٍ لِحَاجَتِهَا الْأَوْلَى لَا لِنَقْلِهِ كحج وَلَوْ صَحِبَهَا فيه فَطَلَّقَهَا أو مَاتَتْ قبل الْخُرُوجِ من عُمْرَانِ الْبَلَدِ لم تُسَافِرْ لِأَنَّهَا لم تَشْرَعْ في السَّفَرِ وَقِيلَ تَتَخَيَّرُ لِأَنَّ عليها ضَرَرًا في إبْطَالِ سَفَرِهَا بِخِلَافِ سَفَرِ النَّقْلَةِ فإن مُؤْنَتَهُ على الزَّوْجِ قال الرَّافِعِيُّ وهو ظَاهِرُ النَّصِّ وقال الْبُلْقِينِيُّ بَلْ صَرِيحُهُ أو وَقَعَ ذلك بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الْخُرُوجِ فَعَوْدُهَا أَفْضَلُ من الْمُضِيِّ وَإِنَّمَا لم يَلْزَمْهَا الْعَوْدُ لِأَنَّ في قَطْعِ السَّيْرِ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ في سَيْرِهَا مَضَتْ أو عَادَتْ فَإِنْ مَضَتْ وَالسَّفَرُ لِحَاجَةٍ عَادَتْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا لِتَمَامِ الْعِدَّةِ وَإِنْ انْقَضَتْ في الطَّرِيقِ وَلَوْ لم تَنْقَضِ مُدَّةُ إقَامَةِ الْمُسَافِرِ التي بِإِقَامَتِهِ فيها لَا يَنْتَفِي عنه حُكْمُ السَّفَرِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ غَيْرِ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ لِأَنَّ ذلك نِهَايَةُ سَفَرِهَا وَلَهَا أَنْ تُقِيمَ إلَى قَضَاءِ حَاجَتِهَا وَإِنْ زَادَتْ إقَامَتُهَا على مُدَّةِ الْمُسَافِرِ كما شَمِلَهُ كَلَامُهُ لِأَنَّ ذلك هو الْمَقْصُودُ من السَّفَرِ
____________________
(3/404)
أو وَالسَّفَرُ لِنُزْهَةٍ أو زِيَارَةٍ أو سَافَرَ بها الزَّوْجُ لِحَاجَةٍ لم تَزِدْ على مُدَّةِ إقَامَةِ الْمُسَافِرِ ثُمَّ تَعُودُ لِانْقِطَاعِ حُكْمِ سَفَرِهَا وَلِأَنَّ سَفَرَهَا في الْأَخِيرَةِ كان بِسَفَرِ زَوْجِهَا فَيَنْقَطِعُ بِزَوَالِ سُلْطَانِهِ هذا إنْ لم تُقَدَّرْ لها مُدَّةٌ فَإِنْ قَدَّرَ لها مُدَّةً في نَقْلِهِ أو في سَفَرِ حَاجَةٍ أو في غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ أو في اعْتِكَافٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَلَوْ قال بَدَلَهُ كَاعْتِكَافٍ كان أَوْلَى اسْتَوْفَتْهَا لِلْإِذْنِ وَعَادَتْ لِتَمَامِ الْعِدَّةِ وَلَوْ انْقَضَتْ في الطَّرِيقِ لِتَكُونَ أَقْرَبَ إلَى مَوْضِعِ الْعِدَّةِ وَلِأَنَّ بَلَدَ الْإِقَامَةِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فيها وَالْعَوْدُ مَأْذُونٌ فيه وَيَعْصِي بِالتَّأْخِيرِ لِلْعَوْدِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمُدَّةِ إلَّا لِعُذْرٍ كَخَوْفٍ في الطَّرِيقِ وَعَدَمِ رُفْقَةٍ وَلَوْ جَهِلَ أَمْرَ سَفَرِهَا بِأَنْ أَذِنَ لها ولم يذكر حَاجَةً وَلَا نُزْهَةً وَلَا أَقِيمِي وَلَا ارْجِعِي حُمِلَ على سَفَرِ النَّقْلَةِ ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ
فَرْعٌ لو أَذِنَ لها في الْإِحْرَامِ بِحَجٍّ أو عُمْرَةٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا أو مَاتَ قَبْلَهُ وَقَبْلَ خُرُوجِهَا من الْبَلَدِ بَطَلَ الْإِذْنُ فَلَا تُحْرِمُ وَلَا تُسَافِرُ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى من قَوْلِهِ فَإِنْ أَحْرَمَتْ لم تَخْرُجْ قبل انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَإِنْ فَاتَ الْحَجُّ لِأَنَّ لُزُومَهَا سَبَقَ الْإِحْرَامَ فَهِيَ كما لو أَحْرَمَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ بِغَيْرِ إذْنٍ مُتَقَدِّمٍ فإذا انْقَضَتْ أَتَمَّتْ عُمْرَتَهَا أو حَجَّهَا إنْ بَقِيَ وَقْتُهُ وَإِلَّا تَحَلَّلَتْ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَلَزِمَهَا الْقَضَاءُ وَدَمُ الْفَوَاتِ وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِإِذْنٍ أو غَيْرِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا أو مَاتَ وَجَبَ عليها الْخُرُوجُ مُعْتَدَّةً إلَى ما أَحْرَمَتْ بِهِ إنْ خَافَتْ الْفَوَاتَ لِضِيقِ الْوَقْتِ لِتَقَدُّمِ الْإِحْرَامِ مع أَنَّ في خُرُوجِهَا تَحْصُلُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ أَيْضًا وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم تَخَفْ الْفَوَاتَ جَازَ لها الْخُرُوجُ إلَى ذلك لِمَا في تَعَيُّنِ الصَّبْرِ من مَشَقَّةِ مُصَابَرَةِ الْإِحْرَامِ
فَرْعٌ الْبَدْوِيَّةُ وَهِيَ من بَيْتُهَا من صُوفٍ وَوَبَرٍ وَنَحْوِهِمَا إنْ لم تَكُنْ مِمَّنْ يَنْتَقِلُ قَوْمُهَا فَكَالْحَضَرِيَّةِ فِيمَا مَرَّ من لُزُومِ مُلَازَمَتِهَا مَسْكَنَهَا وَغَيْرِهِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ أو كانت من قَوْمٍ يَنْتَقِلُونَ شِتَاءً أو صَيْفًا فإذا ارْتَحَلُوا جميعا وَهِيَ في الْعِدَّةِ فَلَهَا الِارْتِحَالُ مَعَهُمْ لِلضَّرُورَةِ وَلَهَا الْوُقُوفُ أَيْ الْمُكْثُ بِمَسْكَنِهَا إذَا أَمِنَتْ نَفْسًا وَعُضْوًا وَبُضْعًا وَدِينًا وَمَالًا وَكَذَا لو ارْتَحَلَ أَهْلُهَا فَقَطْ لها الِارْتِحَالُ مَعَهُمْ لِأَنَّ مُفَارَقَةَ الْأَهْلِ عَسِرَةٌ مُوحِشَةٌ وَلَهَا الْوُقُوفُ إنْ أَمِنَتْ بِأَنْ كان في الْبَاقِينَ قُوَّةٌ قال الْبُلْقِينِيُّ وَمَحِلُّ تَخَيُّرِهَا إذَا تُوُفِّيَ عنها زَوْجُهَا أو طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا أَمَّا إذَا طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا وهو في الْمُقِيمِينَ وَاخْتَارَ إقَامَتَهَا فَلَهُ ذلك قَطْعًا إلْحَاقًا لها بِالزَّوْجَةِ في ذلك قال وَيَشْهَدُ له ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ فإن فيه وَإِنْ كانت الْمُتَوَفَّى عنها أو الْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا بَائِنًا بَدْوِيَّةً وَسَاقَ الْكَلَامَ عليه ثُمَّ تَوَقَّفْت فيه من جِهَةِ أَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِالطَّلَاقِ وَتَرْكِ الرَّجْعَةِ
انْتَهَى
وَلَا يَخْفَى بَعْدَ التَّقْرِيرِ السَّابِقِ ما في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ من الْقُصُورِ عن الْغَرَضِ وَلَهَا إذَا ارْتَحَلَتْ مَعَهُمْ أَنْ تَقِفَ دُونَهُمْ في قَرْيَةٍ أو نَحْوِهَا في الطَّرِيقِ لِتَعْتَدَّ لِأَنَّ ذلك أَلْيَقُ بِحَالِهَا وَأَقْرَبُ إلَى مَوْضِعِ عِدَّتِهَا بِخِلَافِ الْحَضَرِيَّةِ الْمَأْذُونِ لها في السَّفَرِ لَا يَجُوزُ لها الْإِقَامَةُ بِقَرْيَةٍ في الطَّرِيقِ لِأَنَّهَا سَاكِنَةٌ مُوَطَّنَةٌ وَالسَّفَرُ طَارِئٌ عليها فَتَعْتَدُّ في الْوَطَنِ أو الْمَقْصِدِ وَأَهْلُ الْبَادِيَةِ لَا إقَامَةَ لهم في الْحَقِيقَةِ وَلَا مَقْصِدَ وَلِذَلِكَ لم تَلْزَمْهُمْ الْجُمُعَةُ وَإِنْ خَافُوا من عَدُوٍّ فَهَرَبُوا ولم يَنْتَقِلُوا وَأَمِنَتْ هِيَ لم يَجُزْ لها أَنْ تَهْرُبَ مَعَهُمْ لِأَنَّهُمْ يَعُودُونَ إذَا أَمِنُوا
فَرْعٌ لو طَلَّقَهَا مَلَّاحٌ لِسَفِينَةٍ أو مَاتَ وكان يُسْكِنُهَا السَّفِينَةَ بِضَمِّ الْيَاءِ اعْتَدَّتْ فيها إنْ انْفَرَدَتْ عنه بِمَسْكَنٍ فيها بِمَرَافِقِهِ لِاتِّسَاعِهَا مع اشْتِمَالِهَا على بُيُوتٍ مُتَمَيِّزَةِ الْمَرَافِقِ لِأَنَّ ذلك كَالْبَيْتِ في الْخَانِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم تَنْفَرِدْ بِذَلِكَ فَإِنْ صَحِبَهَا مَحْرَمٌ لها يَقُومُ بِالسَّفِينَةِ أَيْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُومَ بِتَسْيِيرِهَا خَرَجَ الزَّوْجُ منها وَاعْتَدَّتْ هِيَ فيها فَإِنْ فَقَدَتْهُ أَيْ الْمَحْرَمَ الْمَوْصُوفَ بِمَا ذُكِرَ خَرَجَتْ إلَى أَقْرَبِ الْقُرَى إلَى الشَّطِّ وَاعْتَدَّتْ فيه إذْ لَا يُمْكِنُ تَرْكُهَا في السَّفِينَةِ بِلَا مَلَّاحٍ لَكِنْ خَالَفَ الْمَاوَرْدِيُّ فِيمَا إذَا صَحِبَهَا الْمَحْرَمُ ولم يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِالسَّفِينَةِ فقال لها أَنْ تَعْتَدَّ فيها إذَا تَسَتَّرَتْ عن الزَّوْجِ فَإِنْ تَعَذَّرَ الْخُرُوجُ منه وَمِنْهَا تَسَتَّرَتْ وَتَنَحَّتْ عنه بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ
فَرْعٌ لو قالت وقد طَلَّقَهَا أو مَاتَ بَعْدَ خُرُوجِهَا إلَى غَيْرِ مَسْكَنِهَا أو بَلَدِهَا أَذِنْتَ لي في النَّقْلَةِ فَخَرَجْتُ لِلنَّقْلَةِ فَأَعْتَدُّ في الْمَسْكَنِ الثَّانِي وقال الزَّوْجُ إنَّمَا أَذِنْتُ لَكِ في الْخُرُوجِ لِلنُّزْهَةِ أو لِغَرَضِ كَذَا فَاعْتَدِّي في الْمَسْكَنِ الْأَوَّلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ في النَّقْلَةِ وَلِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ كما لو خَاطَبَهَا
____________________
(3/405)
بِكِنَايَةِ طَلَاقٍ وَاخْتَلَفَا في النِّيَّةِ أو قال لها الْوَارِثُ ذلك عن مُوَرِّثِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا لِأَنَّهَا أَعْرَفُ بِمَا جَرَى من الْوَارِثِ بِخِلَافِ الزَّوْجِ وَلَوْ اخْتَلَفَتْ هِيَ وَالزَّوْجُ أو وَارِثُهُ في الْإِذْنِ وَعَدَمِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ فَإِنْ قال قُلْت انْتَقِلِي لِلنُّزْهَةِ أو شَهْرًا أو نَحْوَهُ فَأَنْكَرَتْ لَفْظَ النُّزْهَةِ أو شَهْرًا أو نَحْوَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ هذه اللَّفْظَةِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَ اخْتِلَافُهَا مع الزَّوْجِ بِأَنْ قال قُلْت إلَى آخِرِهِ أَمْ مع وَارِثِهِ بِأَنْ قال قال مُوَرِّثِي قُلْت إلَى آخِرِهِ
فَصْلٌ لِلزَّوْجِ وَالْوَرَثَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ مَنْعُهَا أَيْ الْمُعْتَدَّةَ من الْخُرُوجِ من مَسْكَنِ عِدَّتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى لَا تُخْرِجُوهُنَّ من بُيُوتِهِنَّ أَيْ سَكَنِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ قال ابن عَبَّاسٍ أَيْ بِالْبَذَاءِ على أَهْلِ زَوْجِهَا فَإِنْ خَافَتْ على نَفْسٍ أو عُضْوٍ أو بُضْعٍ أو دِينٍ أو مَالٍ انْتَقَلَتْ لِأَنَّ الْخُرُوجَ لِذَلِكَ أَشَدُّ من الْخُرُوجِ لِلطَّعَامِ وَنَحْوِهِ أو اشْتَدَّ أَذَاهَا بِبَذَاءِ الْأَحْمَاءِ عليها أُخْرِجُوا عنها من الْمَسْكَنِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَضَاقَ أَمْ اتَّسَعَ وَالْأَحْمَاءُ أَقَارِبُ الزَّوْجِ كَأَخِيهِ وَالْبَذَاءُ بِالْمُعْجَمَةِ أَصْلُهُ الْبَذَاءَةُ بِالْمَدِّ فِيهِمَا أَيْ الْفُحْشُ تَقُولُ منه بَذَوْت على الْقَوْمِ وَأَبْذَأْتُ عليهم وَفُلَانٌ بَذِئُ اللِّسَانِ وَفُلَانَةُ بَذِيَّةٌ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَإِنْ بَذَأَتْ هِيَ عليهم أَيْ على أَحْمَائِهَا فَلَهُ أَيْ الزَّوْجِ أو وَارِثِهِ نَقْلُهَا من الْمَسْكَنِ لِمَا مَرَّ في آيَةِ وَلَا تُخْرِجُوهُنَّ وَلِأَمْرِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أَنْ تَعْتَدَّ في بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ لِمَا قَالَهُ سَعِيدُ بن الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كان في لِسَانِهَا ذَرَابَةٌ فَاسْتَطَالَتْ على أَحْمَائِهَا هذا إنْ اتَّحَدَتْ الدَّارُ وَاتَّسَعَتْ لها وَلِلْأَحْمَاءِ ولم تَكُنْ مِلْكَهَا وَلَا مِلْكَ أَبَوَيْهَا فَإِنْ ضَاقَتْ عَنْهُمْ أو كانت مِلْكَهَا أو مِلْكَ أَبَوَيْهَا فَهِيَ أَوْلَى بها فَتُخْرِجُ الْأَحْمَاءَ منها وَتُنْقَلُ من مَسْكَنِهَا إنْ أَبَذَأَتْ على الْجِيرَانِ وَتَأَذَّتْ بِهِمْ أو هُمْ بها أَذًى شَدِيدًا بِخِلَافِ الْيَسِيرِ إذْ لَا يَخْلُو منه أَحَدٌ وَقَوْلُهُ بَذَأَتْ في الْمَوْضِعَيْنِ صَوَابُهُ بَذَتْ كما عَبَّرَ بِهِ أَصْلُهُ لِأَنَّهُ مُعْتَلُّ اللَّامِ كَدَعَتْ لَا إنْ بَذَتْ على أَبَوَيْهَا إنْ سَاكَنَتْهُمَا في دَارِهِمَا فَلَا تُنْقَلُ وَلَا يُنْقَلَانِ وَإِنْ تَأَذَّتْ بِهِمَا أو هُمَا بها لِأَنَّ الشَّرَّ وَالْوَحْشَةَ لَا تَطُولُ بَيْنَهُمْ طُولَهَا مع الْأَحْمَاءِ وَالْجِيرَانِ وَتُعَذَّرُ مُعْتَدَّةٌ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَتْ عن فُرْقَةِ حَيَاةٍ أو وَفَاةٍ أو وَطْءِ شُبْهَةٍ حَيْثُ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا ولم يَكُنْ لها من يَقْضِيهَا حَاجَتَهَا في الْخُرُوجِ لِشِرَاءِ الطَّعَامِ وَالْقُطْنِ وَبَيْعِ الْغَزْلِ وَنَحْوِهَا لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا نَهَارًا لَا لَيْلًا عَمَلًا بِالْعَادَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ ذلك نَهَارًا وَالْأَصْلُ فِيمَا قَالَهُ قَوْلُ جَابِرٍ طَلُقَتْ خَالَتِي ثَلَاثًا فَخَرَجَتْ تَجُدُّ نَخْلًا لها فَنَهَاهَا رَجُلٌ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَذَكَرَتْ ذلك له فقال اُخْرُجِي فَجُدِّي نَخْلَك وَلَعَلَّك أَنْ تَصَدَّقِي منه أو تَفْعَلِي خَيْرًا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وأبو دَاوُد وَاللَّفْظُ له قال الشَّافِعِيُّ وَنَخْلُ الْأَنْصَارِ قَرِيبٌ من مَنَازِلِهِمْ وَالْجِدَادُ لَا يَكُونُ إلَّا نَهَارًا أَيْ غَالِبًا
وَلَهَا الْخُرُوجُ لَيْلًا إلَى الْجِيرَانِ لِلْحَدِيثِ وَالْغَزْلِ وَنَحْوِهِمَا لِلتَّأَنُّسِ بِهِمْ ولكن لَا تَبِيتُ عِنْدَهُمْ بَلْ في مَسْكَنِهَا الْمَاوَرْدِيُّ الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه وَالْبَيْهَقِيُّ أَنَّ رِجَالًا اُسْتُشْهِدُوا بِأُحُدٍ فقالت نِسَاؤُهُمْ يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَسْتَوْحِشُ في بُيُوتِنَا فَنَبِيتُ عِنْدَ إحْدَانَا فَأَذِنَ لَهُنَّ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَتَحَدَّثْنَ عِنْدَ إحْدَاهُنَّ فإذا كان وَقْتُ النَّوْمِ تَأْوِي كُلُّ امْرَأَةٍ إلَى بَيْتِهَا وَظَاهِرٌ كما قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ ذلك مَحِلُّهُ إذَا أَمِنَتْ الْخُرُوجَ ولم يَكُنْ عِنْدَهَا من يُؤْنِسُهَا وَلَا تَخْرُجُ الرَّجْعِيَّةُ وَالْمُسْتَبْرَأَةُ وَالْبَائِنُ الْحَامِلُ لِمَا ذُكِرَ إلَّا بِإِذْنٍ أو لِضَرُورَةٍ كَالزَّوْجَةِ لِأَنَّهُنَّ مَكْفِيَّاتٌ بِنَفَقَتِهِنَّ وَهَذَا ما احْتَرَزَ عنه فِيمَا مَرَّ بِقَوْلِهِ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا نعم لِلْبَائِنِ الْحَامِلِ الْخُرُوجُ لِغَيْرِ تَحْصِيلِ النَّفَقَةِ كَشِرَاءِ قُطْنٍ وَبَيْعِ غَزْلٍ وَنَحْوِهِمَا كما ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنْ لَزِمَهَا حَدٌّ أو يَمِينٌ في دَعْوَى وَهِيَ بَرْزَةٌ أَيْ كَثِيرَةُ الْخُرُوجِ خَرَجَتْ له أو مُخَدَّرَةٌ حُدَّتْ وَحَلَفَتْ في مَسْكَنِهَا بِأَنْ يَحْضُرَ إلَيْهَا الْحَاكِمُ أو يَبْعَثَ إلَيْهَا نَائِبَهُ وَإِنْ لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ بِدَارِ الْحَرْبِ هَاجَرَتْ منها إلَى دَارِ
____________________
(3/406)
الْإِسْلَامِ إلَّا من أَمِنَتْ على نَفْسِهَا وَغَيْرِهَا مِمَّا مَرَّ فَحَتَّى أَيْ فَلَا تُهَاجِرُ حتى تَعْتَدَّ وَإِنْ زَنَتْ مُعْتَدَّةٌ وَهِيَ بِكْرٌ غُرِّبَتْ وَلَا يُؤَخَّرُ تَغْرِيبُهَا إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَيُخَالِفُ تَأْخِيرَ الْحَدِّ لِشِدَّةِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ لِأَنَّهُمَا يُؤَثِّرَانِ في الْحَدِّ وَيُعِينَانِ على الْهَلَاكِ وَالْعِدَّةُ لَا تُؤَثِّرُ في الْحَدِّ وَتَخْرُجُ من مَنْزِلِهَا إنْ رَجَعَ مُعِيرُ الْمَنْزِلِ فيه أو تَمَّتْ مُدَّةُ مُؤَجِّرٍ له ولم يَرْضَ الْمُعِيرُ أو الْمُؤَجِّرُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَأَقَلَّ لِخَبَرِ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عن طِيبِ نَفْسٍ منه رَوَاهُ ابن حِبَّانَ في صَحِيحِهِ فَإِنْ رضي بِالْأُجْرَةِ لَا الْإِعَارَةِ وقد نُقِلَتْ إلَى مَسْكَنٍ مُسْتَعَارٍ رُدَّتْ إلَى الْأَوَّلِ لِجَوَازِ رُجُوعِ الْمُعِيرِ أو إلَى مُسْتَأْجِرٍ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا تُرَدُّ إلَى الْأَوَّلِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْفِرَاقِ فيه وَثَانِيهِمَا لَا تُرَدُّ بَلْ تَعْتَدُّ في الثَّانِي تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الِاسْتِقْرَارِ فيه بِخِلَافِ ما إذَا رضي بِالْإِعَارَةِ فَلَا تُرَدُّ إلَى الْأَوَّلِ لِمَا فيه من تَحَمُّلِ الزَّوْجِ منه الْعَارِيَّةَ ثَانِيًا وفي مَعْنَى الْمُسْتَأْجِرِ الْمُوصَى بِسُكْنَاهُ مُدَّةً وَانْقَضَتْ وفي مَعْنَى رُجُوعِ الْمُعِيرِ الْحَجْرُ عليه بِفَلَسٍ أو سَفَهٍ أو جُنُونٍ وَزَوَالِ مِلْكِهِ عنه بِمَوْتِهِ أو غَيْرِهِ وَلَا تُعَذَّرُ في الْخُرُوجِ لِتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ وَتَعْجِيلِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَنَحْوِهَا من الْأَغْرَاضِ التي تُعَدُّ من الزِّيَادَاتِ دُونَ الْمُهِمَّاتِ
فَصْلٌ يَحْرُمُ على الزَّوْجِ وَلَوْ أَعْمَى مُسَاكَنَةُ الْمُعْتَدَّةِ في الدَّارِ التي تَعْتَدُّ فيها وَمُدَاخَلَتُهَا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْخَلْوَةِ بها وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عليه وَلِأَنَّ في ذلك إضْرَارًا بها وقال تَعَالَى وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ إلَّا في دَارٍ وَاسِعَةٍ فَيَجُوزُ ذلك مع مَحْرَمٍ لها من الرِّجَالِ أو مَحْرَمٍ له من النِّسَاءِ أو مع زَوْجَةٍ أُخْرَى له أو جَارِيَةٍ له وَلَهَا لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ السَّابِقِ ولكنه يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ معه النَّظَرُ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ في الزَّوْجَةِ وَالْجَارِيَةِ أَنْ يَكُونَا ثِقَتَيْنِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ في الزَّوْجَةِ لِمَا عِنْدَهَا من الْغِيرَةِ وَيُشْتَرَطُ في الْمَحْرَمِ وَنَحْوِهِ تَمْيِيزٌ وَبُلُوغٌ فَلَا يَكْفِي غَيْرُ الْمُمَيِّزِ وَلَا الْمُمَيِّزُ الصَّغِيرُ لِأَنَّ غير الْمُكَلَّفِ لَا يَلْزَمُهُ إنْكَارُ الْفَاحِشَةِ وَاعْتِبَارُ الْبُلُوغِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الشَّافِعِيِّ ثُمَّ قال وقال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ يَكْفِي عِنْدِي حُضُورُ الْمُرَاهِقِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ النَّوَوِيِّ في مِنْهَاجِهِ كَأَصْلِهِ الِاكْتِفَاءُ بِالْمُمَيِّزِ وَصَرَّحَ بِهِ في فَتَاوِيهِ فقال وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا أو مُرَاهِقًا أو مُمَيِّزًا يُسْتَحْيَا منه قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَا بُدَّ فيه من أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا فَلَا يَكْفِي الْأَعْمَى كما لَا يَكْفِي في السَّفَرِ بِالْمَرْأَةِ إذَا كان مَحْرَمًا لها وَالنِّسْوَةُ الثِّقَاتُ كَالْمَحْرَمِ فِيمَا ذُكِرَ وَكَذَا الْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ الثِّقَةُ مَحْرَمًا كانت أو لَا وَاكْتَفَى بِالْوَاحِدَةِ هُنَا بِخِلَافِ الْحَجِّ لِأَخْطَارِ السَّفَرِ على أَنَّهُمْ اكْتَفَوْا هُنَاكَ لِلْجَوَازِ الْمُنَاسِبِ لِمَا هُنَا بِالْوَاحِدَةِ فَلَا فَرْقَ ويجوز لِرَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ أَنْ يَخْلُوَ بِامْرَأَتَيْنِ لَا عَكْسُهُ أَيْ لَا يَجُوزُ لِرَجُلَيْنِ أَجْنَبِيَّيْنِ أَنْ يَخْلُوَا بِامْرَأَةٍ وَلَوْ بَعْدَ تَوَاطُئِهِمْ على الْفَاحِشَةِ كما صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتَحْيِيَ من الْمَرْأَةِ فَوْقَ ما يَسْتَحْيِ الرَّجُلُ من الرَّجُلِ لَكِنَّهُ في شَرْحِ مُسْلِمٍ أَوَّلَ قَوْلَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ بَعْدَ يَوْمِي هذا على مُغَيَّبَةٍ إلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أو رَجُلَانِ على جَمَاعَةٍ يَبْعُدُ تَوَاطُؤُهُمْ على الْفَاحِشَةِ لِصَلَاحٍ أو مُرُوءَةٍ أو غَيْرِهِمَا قال الزَّرْكَشِيُّ لَكِنَّ بَابَ التَّأْوِيلِ يُرْتَكَبُ فيه غَيْرُ الْمُخْتَارِ وقد حَكَاهُ وَجْهًا في الْمَجْمُوعِ في بَابِ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ
انْتَهَى
وَمُغَيَّبَةٍ بِضَمِّ الْمِيمِ من أَغَابَتْ إذَا غَابَ عنها زَوْجُهَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فَإِنْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَيْ الزَّوْجُ وَالْمُعْتَدَّةُ بِحُجْرَةٍ من الدَّارِ بِمَرَافِقِهَا من الْمَطْبَخِ وَالْمُسْتَرَاحِ وَالْمَمَرِّ وَالْبِئْرِ وَالْمِصْعَدِ إلَى السَّطْحِ جَازَ مُسَاكَنَتُهُ لها من غَيْرِ مَحْرَمٍ كَبَيْتَيْنِ من خَانٍ وَدَارَيْنِ مُتَجَاوِرَتَيْنِ بِخِلَافِ ما إذَا اتَّحَدَتْ الْمَرَافِقُ حَذَرًا من الْخَلْوَةِ وَيُغْلَقُ بَابٌ بَيْنَهُمَا أو يُسَدُّ حَذَرًا منها وَالدَّارُ وَالْحُجْرَةُ كَالْحُجْرَتَيْنِ كما فُهِمَ بِالْمُوَافَقَةِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَعُلُوٌّ وَسُفْلٌ لِدَارٍ كَدَارٍ وَحُجْرَةٍ في أَنَّهُ إنْ اتَّحَدَتْ الْمَرَافِقُ اُشْتُرِطَ مَحْرَمٌ أو نَحْوُهُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُسْكِنَهَا الْعُلُوَّ حتى لَا يُمْكِنَهُ الِاطِّلَاعُ عليها قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ فَإِنْ كان بَابُ مَسْكَنِهِ في مَسْكَنِهَا لم يَجُزْ ذلك إلَّا بِمَحْرَمٍ أو نَحْوِهِ بِخِلَافِ ما إذَا كان خَارِجًا عن مَسْكَنِهَا وَلَوْ قال بَابُ مَسْكَنِ أَحَدِهِمَا في مَسْكَنِ الْآخَرِ كان أَعَمَّ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ مَمَرُّ أَحَدِهِمَا على الْآخَرِ فَلِهَذَا تَرَكَ التَّصْرِيحَ بِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
فَإِنْ لم يَكُنْ في الدَّارِ إلَّا بَيْتٌ وَصُفِّفَ لم يُسَاكِنْهَا وَإِنْ كان مَعَهَا مَحْرَمٌ لِأَنَّهَا لَا تَتَمَيَّزُ من الْمَسْكَنِ بِمَوْضِعٍ فَإِنْ بَنَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَائِلًا وَبَقِيَ لها ما يَلِيقُ بها سَكَنًا جَازَ
فَصْلٌ لَا يَصِحُّ بَيْعُ مَسْكَنِ الْمُعْتَدَّةِ بِغَيْرِ الْأَشْهُرِ من أَقْرَاءٍ أو حَمْلٍ لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ كما لو بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى
____________________
(3/407)
مَنْفَعَتَهَا مُدَّةً مَجْهُولَةً سَوَاءٌ أَكَانَ لها عَادَةً أَمْ لَا لِأَنَّهَا قد تَخْتَلِفُ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ ما سَيَأْتِي من بِنَاءِ أَمْرِ الْمُضَارَبَةِ على الْأَخْذِ بِالْعَادَةِ أو بِالْأَقَلِّ بِأَنَّ احْتِمَالَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ يَجُرُّ إلَى جَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَهِيَ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ وَالْجَهَالَةُ ثَمَّ تَقَعُ في الْقِسْمَةِ فَلَا يَعْلَمُ كُلٌّ من الْمُسْتَحَقِّينَ أَنَّ ما أَخَذَهُ قَدْرُ حِصَّتِهِ أَمْ لَا وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقِسْمَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو ظَهَرَ غَرِيمٌ آخَرُ بَعْدَ قِسْمَةِ مَالِ الْمُفْلِسِ لَا تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ بَلْ يُرْجَعُ على كُلٍّ من الْمَقْسُومِ عليهم بِالْحِصَّةِ وَاسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيُّ من مَنْعِ بَيْعِ الْمَسْكَنِ ما لو كان قد رَهَنَهُ بِدَيْنٍ ثُمَّ حَلَّ الدَّيْنُ بَعْدَ الطَّلَاقِ ولم يُمْكِنُهُ وَفَاؤُهُ من مَحَلٍّ آخَرَ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ في الدَّيْنِ لِسَبْقِهِ فَإِنْ اعْتَدَّتْ بها أَيْ بِالْأَشْهُرِ جَازَ بَيْعُهُ كما في الْمُسْتَأْجِرِ وَلَوْ تَوَقَّعَتْ الْحَيْضَ أَيْ مَجِيئَهُ في أَثْنَائِهَا كَأَنْ كانت بِنْتَ تِسْعِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ ولم تَحِضْ نَظَرًا لِلْحَالِ فإذا حَاضَتْ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فَلَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ كما في اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ الْمَبِيعَةِ بِالْحَادِثَةِ حَيْثُ لَا يَغْلِبُ فيه التَّلَاحُقُ وَلَوْ كانت تَسْكُنُ دَارَهَا تَخَيَّرَتْ بين النَّقْلَةِ منها وَالْإِقَامَةِ فيها بِأُجْرَةٍ أو بِدُونِهَا وَهِيَ أَوْلَى وَإِنَّمَا جَازَ لها النَّقْلَةُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا بَذْلُ مَنْزِلِهَا بِإِعَارَةٍ وَلَا إجَارَةٍ
فَرْعٌ تُقَدَّمُ الْمُعْتَدَّةُ بِحَقِّ سُكْنَى مَنْزِلٍ طَلُقَتْ أو مَاتَ عنها فيه حَيْثُ يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ وَلَوْ مَنْفَعَتَهُ على الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ لِأَنَّ حَقَّهَا تَعَلَّقَ بِعَيْنِ الْمَسْكَنِ كَحَقِّ الْمُكْتَرِي وَالْمُرْتَهِنِ هذا إنْ طَلُقَتْ قبل إفْلَاسِهِ وَالْحَجْرِ عليه وَإِنْ طَلُقَتْ في غَيْرِ مَنْزِلِهِ قبل الْحَجْرِ عليه أو بَعْدَهُ أو في مَنْزِلِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ عليه ضَارَبَتْ الْغُرَمَاءَ بِأُجْرَةِ السُّكْنَى لِأَنَّ حَقَّهَا مُرْسَلٌ في الذِّمَّةِ وَلَيْسَ ذلك فِيمَا إذَا طَلُقَتْ بَعْدَ الْحَجْرِ كَدَيْنٍ حَدَثَ بَعْدَ الْحَجْرِ حتى لَا يُضَارَبَ بِهِ لِأَنَّ سَبَبَ حَقِّهَا سَابِقٌ وهو النِّكَاحُ وَالْوَطْءُ فيه وَلِأَنَّ الْمُفْلِسَ بِطَلَاقِهِ كَالْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عليه يُضَارِبُ وَيَسْتَأْجِرُ وفي نُسْخَةٍ وَاسْتُؤْجِرَ لها الْمَسْكَنَ الذي طَلُقَتْ فيه بِمَا ضَارَبَتْ بِهِ من الْأُجْرَةِ فَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِئْجَارُهُ فَبِقُرْبِهِ يُسْكِنُهَا وُجُوبًا إنْ أَمْكَنَ ثُمَّ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا على وَفْقِ الْمُضَارَبَةِ تَرْجِعُ بِالْبَاقِي لها على الْمُفْلِسِ إذَا أَيْسَرَ كَسَائِرِ الْغُرَمَاءِ
وَالْحَامِلُ وَذَاتُ الْأَقْرَاءِ تُضَارِبُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْعَادَةِ أَيْ بِأُجْرَةِ مُدَّتِهَا إنْ كان لها عَادَةً مُسْتَقِرَّةً لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالظَّاهِرَ اسْتِمْرَارُهَا أو بِأَقَلِّ أَيْ بِأُجْرَةِ أَقَلِّ مُدَّةِ الْعَادَاتِ إنْ اخْتَلَفَتْ عَادَاتُهَا ولم يَسْتَقِرَّ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الزِّيَادَةِ مَشْكُوكٌ فيه
وَإِنْ لم يَكُنْ لها عَادَةٌ فَبِأَقَلِّ أَيْ فَتُضَارِبُ بِأُجْرَةِ أَقَلِّ مُدَّةِ الْإِمْكَانِ لِلْوَضْعِ وَالْأَقْرَاءِ لِذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِأُجْرَةِ ما بَقِيَ من أَقَلِّ مُدَّةِ ذلك وَأَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ كما مَرَّ فَلَوْ زَادَتْ الْمُدَّةُ أَيْ مُدَّةُ الْحَمْلِ أو الْأَقْرَاءِ على أَقَلِّ مُدَّةِ الْعَادَاتِ أو مُدَّةِ الْإِمْكَانِ رَجَعَتْ بِحِصَّةِ الْمُدَّةِ الزَّائِدَةِ على الْغُرَمَاءِ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا اسْتِحْقَاقَهَا كما لو ظَهَرَ غَرِيمٌ أو على الْمُفْلِسِ إذَا أَيْسَرَ لِبَقَاءِ الْحَقِّ في ذِمَّتِهِ وَإِنْ نَقَضَتْ عنها اسْتَرَدُّوا أَيْ الْغُرَمَاءُ منها ما زَادَ على مُدَّةِ الْعِدَّةِ وَرَجَعَتْ على الْمُفْلِسِ بِحِصَّتِهَا لِلْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ إذَا أَيْسَرَ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَتُصَدَّقُ الْحَائِضُ بِيَمِينِهَا في تَأْخِيرِ الْحَيْضِ وَالْوِلَادَةِ أَيْضًا كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ لَا في ذلك في صُورَةِ الْإِفْلَاسِ هذا من تَصَرُّفِهِ وَاَلَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ أنها تُصَدَّقُ فيه على الْأَصَحِّ وَتُضَارِبُ الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ وَالْحَامِلُ الْبَائِنُ بِالنَّفَقَةِ كما تُضَارِبَانِ بِالسُّكْنَى لَكِنْ سَيَأْتِي أنها لَا تُعَجَّلُ لِلْحَامِلِ وَإِنَّمَا تُسَلَّمُ لها يَوْمًا بِيَوْمٍ بَعْدَ ظُهُورِ الْحَمْلِ
فَصْلٌ يَكْتَرِي الْحَاكِمُ من مَالٍ مُطَلِّقٍ غَائِبٍ لَا مَسْكَنَ له مَسْكَنًا لِمُعْتَدَّتِهِ لِتَعْتَدَّ فيه إنْ فُقِدَ مُتَطَوِّعٌ بِهِ وَإِنْ كان له مَسْكَنٌ هِيَ فيه اعْتَدَّتْ فيه كما مَرَّ ثُمَّ إنْ لم يَكُنْ له مَالٌ يَقْتَرِضُ عليه الْحَاكِمُ له أَيْ لِلْمَسْكَنِ أَيْ لِتَحْصِيلِهِ وَحُكْمُهَا كَهَرَبِ الْجَمَّالِ فإذا حَضَرَ قَضَى ما اقْتَرَضَهُ الْحَاكِمُ عليه فإذا أَذِنَ لها أَنْ تَقْتَرِضَ عليه أو تَكْتَرِيَ الْمَسْكَنَ من مَالِهَا جَازَ وَتَرْجِعُ وَلَوْ فَعَلَتْهُ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ عليه بِلَا إذْنِ الْحَاكِمِ فَإِنْ قَدَرَتْ على اسْتِئْذَانِهِ أو لم تَقْدِرْ ولم تُشْهِدْ لم تَرْجِعْ وَإِنْ أَشْهَدَتْ رَجَعَتْ فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ أَيْ مُدَّةُ الْعِدَّةِ أو بَعْضُهَا ولم تُطَالِبْ بِالسُّكْنَى سَقَطَتْ السُّكْنَى ولم تَصِرْ دَيْنًا في الذِّمَّةِ لَا النَّفَقَةُ فَلَا تَسْقُطُ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّفَقَةَ في مُقَابَلَةِ التَّمْكِينِ وقد وُجِدَ فَلَا تَسْقُطُ بِتَرْكِ الطَّلَبِ وَالسُّكْنَى لِتَحْصِينِ مَائِهِ على مُوجِبِ نَظَرِهِ وَاحْتِيَاطِهِ ولم تَحْصُلْ وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ عَيْنٌ تُمْلَكُ وَتَثْبُتُ في الذِّمَّةِ وَالْمَسْكَنُ لَا تَمْلِكُهُ الْمَرْأَةُ وَإِنَّمَا تَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِهِ في وَقْتٍ وقد مَضَى
وَكَذَا حُكْمُهَا في صُلْبِ النِّكَاحِ
____________________
(3/408)
فَصْلٌ لِلْوَرَثَةِ إذَا مَاتَ الزَّوْجُ عن مُسْتَحِقَّةِ السُّكْنَى قِسْمَةُ مَسْكَنِ الْمُعْتَدَّةِ بِالْأَشْهُرِ بِلَا إتْلَافٍ له بِنَقْضٍ أو بِنَاءٍ بَلْ بِخُطُوطٍ تُرْسَمُ لَا الْمُعْتَدَّةِ بِغَيْرِ الْأَشْهُرِ أَيْ بِالْحَمْلِ أو بِالْأَقْرَاءِ فَلَا تَصِحُّ قِسْمَةُ مَسْكَنِهَا إنْ قُلْنَا الْقِسْمَةُ بَيْعٌ لِلْجَهْلِ بِالْمُدَّةِ وَهَذَا مع التَّقْيِيدِ بِالْأَشْهُرِ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ كانت بِمَسْكَنٍ مُسْتَأْجَرٍ أو مُسْتَعَارٍ وَاحْتِيجَ إلَى نَقْلِهَا لَزِمَ الْوَارِثَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لها من التَّرِكَةِ إنْ كانت وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ إسْكَانُهَا كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَإِنْ تَبَرَّعَ الْوَارِثُ بِإِسْكَانِهَا لَزِمَهَا الْإِجَابَةُ لِأَنَّ له غَرَضًا في صَوْنِ مَاءِ مُوَرِّثِهِ قال الرُّويَانِيُّ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرُ الْوَارِثِ كَالْوَارِثِ في ذلك حَيْثُ لَا رِيبَةَ فيه قال في الرَّوْضَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَوُجِّهَ بِأَنَّهُ نَقَلَ كَالرَّافِعِيِّ عن الْإِمَامِ في الْقَسَامَةِ أَنَّهُ لو تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِوَفَاءِ دَيْنِ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ لم يَلْزَمْ الدَّائِنَ قَبُولُهُ بِخِلَافِ الْوَارِثِ وَبِأَنَّ اللُّزُومَ فيه تَحَمُّلٌ منه مع كَوْنِ الْأَجْنَبِيِّ لَا غَرَضَ له صَحِيحٌ في صَوْنِ مَاءِ الْمَيِّتِ وَأُجِيبَ عن الْأَوَّلِ بِأَنَّ مُلَازَمَةَ الْمُعْتَدَّةِ لِلْمَسْكَنِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا بَدَلَ له فَيَجِبُ فيه الْقَبُولُ وَإِلَّا فَيَلْزَمُ تَعْطِيلُهُ وَبِأَنَّ حِفْظَ الْأَنْسَابِ من الْمُهِمَّاتِ الْمَطْلُوبَةِ بِخِلَافِ أَدَاءِ الدَّيْنِ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ لو كان التَّبَرُّعُ عليها وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ التَّبَرُّعُ إنَّمَا هو على الْمَيِّتِ
وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُوجَدْ مُتَبَرِّعٌ اُسْتُحِبَّ لِلسُّلْطَانِ حَيْثُ لَا تَرِكَةَ إسْكَانُهَا من بَيْتِ الْمَالِ لَا سِيَّمَا إنْ كانت تُتَّهَمُ بِرِيبَةٍ وَيَلْزَمُهَا مُلَازَمَتُهُ احْتِيَاطًا لِمَنْ تَعْتَدُّ منه وإذا لم يُسْكِنْهَا أَحَدٌ سَكَنَتْ حَيْثُ شَاءَتْ وَلِلْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ كَنِكَاحٍ فَاسِدٍ إسْكَانُهَا وَتَلْزَمُهَا مُلَازَمَتُهُ كما قَدَّمْته
فَصْلٌ فيه مَسَائِلُ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ عن طَلَاقِ الْغَائِبِ أو مَوْتِهِ من حِينِ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ لَا من حِينِ بُلُوغِ الْخَبَرِ كما مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ
وَإِنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَأَتَتْ بِقُرْءٍ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ وَوَطِئَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي ثُمَّ وَطِئَهَا الْمُطَلِّقُ بِشُبْهَةٍ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا أَيْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّانِي قبل وَطْءِ الْمُطَلِّقِ أَتَمَّتْ لِلْمُطَلِّقِ الْقُرْأَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ من عِدَّةِ طَلَاقِهِ وَدَخَلَ فِيهِمَا قُرْءَانِ من عِدَّةِ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلثَّانِي بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ ثُمَّ تَعْتَدُّ بَاقِيَ عِدَّةِ وَطْءِ شُبْهَةِ الْمُطَلِّقِ بِقُرْءٍ وَإِنَّمَا قُدِّرَتْ قبل وَطْءِ الْمُطَلِّقِ لِمَا مَرَّ أَنَّ عِدَّةَ وَطْءِ الشُّبْهَةِ الْمُتَقَدِّمِ على التَّفْرِيقِ مُقَدَّمَةٌ على عِدَّةِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَعَطْفُهُ فَرَّقَ بِالْوَاوِ أَوْلَى من عَطْفِ أَصْلِهِ له بِثُمَّ
وَإِنْ مَاتَ زَوْجُ الْمُعْتَدَّةِ فقالت انْقَضَتْ عِدَّتِي في حَيَاتِهِ لم تَسْقُطْ الْعِدَّةُ عنها ولم تَرِثْ لِإِقْرَارِهَا قال الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا قَيَّدَهُ الْقَفَّالُ بِالرَّجْعِيَّةِ فَلَوْ كانت بَائِنًا سَقَطَتْ عِدَّتُهَا فِيمَا يَظْهَرُ أَخْذًا من التَّقْيِيدِ بِذَلِكَ قال فَإِنْ لم يُعْلَمْ هل كان الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أو بَائِنًا فَادَّعَتْ أَنَّهُ كان رَجْعِيًّا وَأَنَّهَا تَرِثُ فَالْأَشْبَهُ تَصْدِيقُهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ وَعَدَمُ الْإِبَانَةِ
وَلَوْ أَسْقَطَتْ الْمُعْتَدَّةُ حَقَّ السُّكْنَى عن الزَّوْجِ في الْمُسْتَقْبَلِ لم تَسْقُطْ لِأَنَّهَا تَجِبُ يَوْمًا يَوْمًا فَيَكُونُ ذلك إسْقَاطًا لِلشَّيْءِ قبل الْوُجُوبِ له وهو لَا يَصِحُّ وَإِنْ وُطِئَتْ مُزَوَّجَةٌ بِشُبْهَةٍ فَاعْتَدَّتْ أَيْ صَارَتْ في الْعِدَّةِ وَوَطِئَهَا الزَّوْجُ لم تَنْقَطِعْ الْعِدَّةُ إذْ لَا عِدَّةَ بِوَطْئِهِ كَالزِّنَا
الْبَابُ الْخَامِسُ في بَيَانِ الِاسْتِبْرَاءِ هو التَّرَبُّصُ بِالْمَرْأَةِ مُدَّةً بِسَبَبِ مِلْكِ الْيَمِينِ حُدُوثًا أو زَوَالًا لِمَعْرِفَةِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ أو لِلتَّعَبُّدِ وَاقْتَصَرُوا على ذلك لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَإِلَّا فَقَدْ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بِغَيْرِ حُدُوثِ مِلْكٍ أو زَوَالِهِ كَأَنْ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ ظَانًّا أنها أَمَتَهُ على أَنَّ حُدُوثَ مِلْكِ الْيَمِينِ ليس بِشَرْطٍ بَلْ الشَّرْطُ كما سَيَأْتِي حُدُوثُ حِلِّ التَّمَتُّعِ بِهِ لِيُوَافِقَ ما يَأْتِي في الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرْتَدَّةِ وَنَحْوِهِمَا وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَطْرَافٍ الْأَوَّلُ في مَاهِيَّتِه أَيْ الِاسْتِبْرَاءِ وهو لِذَاتِ الْأَقْرَاءِ يَحْصُلُ بِحَيْضَةٍ كَامِلَةٍ لَا طُهْرٍ وَإِنْ كانت أُمَّ وَلَدٍ وَمَاتَ عنها سَيِّدُهَا أو أَعْتَقَهَا لِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في سَبَايَا أَوْطَاسٍ أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حتى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حتى تَحِيضَ حَيْضَةً رَوَاهُ أبو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ على شَرْطِ مُسْلِمٍ وَقَاسَ الشَّافِعِيُّ بِالْمَسْبِيَّةِ غَيْرَهَا بِجَامِعِ حُدُوثِ الْمِلْكِ
وَأَلْحَقَ من لَا تَحِيضُ من الْأَيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ بِمَنْ تَحِيضُ في اعْتِبَارِ قَدْرِ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ غَالِبًا وهو شَهْرٌ كما سَيَأْتِي وَلَيْسَ الِاسْتِبْرَاءُ كَالْعِدَّةِ حتى يُعْتَبَرَ الطُّهْرُ لَا الْحَيْضُ فإن الْأَقْرَاءَ فيها مُتَكَرِّرَةٌ فَيُعْرَفُ بِتَحَلُّلِ الْحَيْضِ الْبَرَاءَةُ وَلَا تَكَرُّرَ هُنَا فَيُعْتَبَرُ الْحَيْضُ الدَّالُّ عليها وَتَنْتَظِرُهَا أَيْ ذَاتُ الْأَقْرَاءِ الْحَيْضَةَ الْكَامِلَةَ إلَى سِنِّ الْيَأْسِ كَالْمُعْتَدَّةِ وإذا مَلَكَهَا أو زَالَ مِلْكُهُ عنها حَائِضًا فَلَا بُدَّ في حُصُولِ الِاسْتِبْرَاءِ من حَيْضَةٍ كَامِلَةٍ أُخْرَى كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَيْضًا
____________________
(3/409)
لِلْخَبَرِ السَّابِقِ فَلَا يُعْتَبَرُ بِبَقِيَّةِ حَيْضَتِهَا الْمَوْجُودَةِ حَالَةَ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الطُّهْرِ في الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا تَسْتَعْقِبُ الْحَيْضَةَ الدَّالَّةَ على الْبَرَاءَةِ وَهُنَا تَسْتَعْقِبُ الطُّهْرَ وَلَا دَلَالَةَ على الْبَرَاءَةِ والاستبراء لِذَاتِ الْأَشْهُرِ يَحْصُلُ بِشَهْرٍ لِأَنَّهُ بَدَلُ قُرْءٍ وَلِلْحَامِلِ يَحْصُلُ بِالْوَضْعِ لِحَمْلِهَا لِلْخَبَرِ السَّابِقِ في الْمَسْبِيَّةِ وَلِلْقِيَاسِ وَالْإِجْمَاعِ في غَيْرِهَا هذا إنْ لم تَكُنْ في عِدَّةٍ بِأَنْ زَالَ فِرَاشُهُ عنها أو مَلَكَهَا بِسَبْيٍ بِخِلَافِ ما إذَا مَلَكَهَا بِشِرَاءٍ أو نَحْوِهِ وَكَانَتْ حَامِلًا من زَوْجٍ وَهِيَ في نِكَاحِهِ أو عِدَّتِهِ أو من وَطْءِ شُبْهَةٍ فَلَا يَحْصُلُ اسْتِبْرَاؤُهَا بِالْوَضْعِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ وَيَحْصُلُ بِحَيْضَةٍ من حَامِلٍ بِزِنًا لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ السَّابِقِ وَإِلَّا بِأَنْ لم تَحِضْ فَبِوَضْعِهِ أَيْ الْحَمْلِ لِذَلِكَ وَلِحُصُولِ الْبَرَاءَةِ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ لِاخْتِصَاصِهَا بِالتَّأْكِيدِ بِدَلِيلِ اشْتِرَاطِ التَّكْرَارِ فيها دُونَ الِاسْتِبْرَاءِ وَلِأَنَّ فيها حَقَّ الزَّوْجِ فَلَا يَكْتَفِي بِوَضْعِ حَمْلِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الِاسْتِبْرَاءِ الْحَقُّ فيه لِلَّهِ تَعَالَى وَالِاكْتِفَاءُ بِحَيْضَةٍ في الْحَامِلِ بِزِنًا من زِيَادَتِهِ وهو خِلَافُ مُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِهِ وَالْبَغَوِيِّ الذي نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَأَقَرَّهُ الزَّرْكَشِيُّ أَخْذًا من كَلَامِ غَيْرِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَمْلَ الْحَادِثَ من الزِّنَا كَالْمُقَارِنِ لِأَنَّهُمْ اكْتَفَوْا بِالْحَيْضِ الْحَادِثِ لَا بِالْمُقَارِنِ وَاكْتَفَوْا بِالْحَمْلِ الْمُقَارِنِ فَبِالْحَادِثِ أَوْلَى قال وقد يُفْهَمُ من كَلَامِهِمْ أنها لو كانت ذَاتَ أَشْهُرٍ وَحَمَلَتْ من الزِّنَا لم يَحْصُلْ الِاسْتِبْرَاءُ بِمُضِيِّ شَهْرٍ وَالْمَجْزُومُ بِهِ في الْعِدَّةِ حُصُولُهُ بِمُضِيِّ الْأَشْهُرِ لِأَنَّ حَمْلَ الزِّنَا كَالْعَدَمِ
انْتَهَى
وَتَقَدَّمَ آنِفًا أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ كَالْعَدَمِ في الْعِدَّةِ لَا في الِاسْتِبْرَاءِ لِمَا عُلِمَ من الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا
الطَّرَفُ الثَّانِي في السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلِاسْتِبْرَاءِ وهو نَوْعَانِ الْأَوَّلُ الْمِلْكُ أَيْ حُدُوثُهُ فَمَنْ مَلَكَ أَمَةً أو شِقْصَ شَرِيكِهِ فيه بِوَجْهٍ ما من إرْثٍ أو هِبَةٍ أو شِرَاءٍ أو وَصِيَّةٍ أو سَبْيٍ أو غَيْرِهَا أو تَجَدَّدَ مِلْكُهُ لها بِفَسْخٍ بِعَيْبٍ أو خِيَارٍ أو إقَالَةٍ أو غَيْرِ ذلك وَإِنْ لم يَقْبِضْ هَا منه أَيْ من مِلْكِهِ أو اسْتَبْرَأَهَا مُمَلِّكُهُ قبل التَّمْلِيكِ وَجَبَ عليه اسْتِبْرَاؤُهَا وَإِنْ تَحَقَّقَ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا كَالصَّغِيرَةِ وَالْأَيِسَةِ وَالْبِكْرِ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ السَّابِقِ وَلَوْ قال عَقِبَ قَوْلِهِ بِوَجْهٍ ما وَلَوْ بِفَسْخٍ كَإِقَالَةٍ إلَى آخِرِهِ كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ وَإِنْ أَقْرَضَهَا لِمَنْ لَا تَحِلُّ له فَرُدَّتْ إلَيْهِ وَلَوْ قبل تَصَرُّفِ الْمُقْتَرِضِ فيها أو بَاعَهَا بَيْعًا مَصْحُوبًا بِخِيَارٍ فَفُسِخَ الْبَيْعُ في زَمَنِهِ وَقُلْنَا زَالَ مِلْكُهُ عنها اسْتَبْرَأَهَا لِتَجَدُّدِ حِلِّهَا بَعْدَ زَوَالِهِ وَهَذِهِ عُلِمَتْ مِمَّا مَرَّ في قَوْلِهِ أو تَجَدَّدَ مِلْكُهُ بِفَسْخٍ وَمَنْ حَرُمَتْ عليه بِالْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ لَا الْإِحْرَامِ وَنَحْوِهِ كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَرَهْنٍ ثُمَّ حَلَّتْ له بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ وَجَبَ عليه اسْتِبْرَاؤُهَا لِعَوْدِ الْحِلِّ بَعْدَ زَوَالِهِ كما لو بَاعَ أَمَةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ إذْ له الْوَطْءُ فيها وَبِخِلَافِ الْإِحْرَامِ وَنَحْوِهِ إذْ لَا خَلَلَ في الْمِلْكِ وَالتَّحْرِيمُ في ذلك لِعَارِضٍ سَرِيعِ الزَّوَالِ وَلِبَقَاءِ مِلْكِ التَّمَتُّعِ في الْمَرْهُونَةِ بِدَلِيلِ حِلِّ الْقُبْلَةِ وَالنَّظَرِ بِشَهْوَةٍ وَإِنَّمَا حَرُمَ الْوَطْءُ مُرَاعَاةً لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ حتى لو أَذِنَ له فيه حَلَّ وَكَذَا يَجِبُ اسْتِبْرَاءُ من حَرُمَتْ عليه بِرِدَّتِهَا أو رِدَّتِهِ ثُمَّ عَادَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا إلَى الْإِسْلَامِ لِمَا مَرَّ قَبْلَهُ وَلَوْ اشْتَرَى مَثَلًا زَوْجَتَهُ اُسْتُحِبَّ له اسْتِبْرَاؤُهَا لِيَتَمَيَّزَ الْوَلَدَ فإنه في مِلْكِ الْيَمِينِ حُرُّ الْأَصْلِ بِخِلَافِهِ في النِّكَاحِ وَإِنَّمَا لم يَجِبْ لِعَدَمِ تَجَدُّدِ الْحِلِّ وَلِانْتِفَاءِ خَوْفِ اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ
لَكِنْ يَحْرُمُ عليه وَطْؤُهَا في مُدَّةِ الْخِيَارِ لِلتَّرَدُّدِ في أَنَّهُ يَطَأُ بِالْمِلْكِ الضَّعِيفِ الذي لَا يُبِيحُ الْوَطْءَ أو بِالزَّوْجِيَّةِ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِغَيْرِهِ وقد وَطِئَهَا وَهِيَ زَوْجَةٌ اعْتَدَّتْ منه بِقُرْأَيْنِ قبل أَنْ يُزَوِّجَهَا لِأَنَّهُ إذَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَجَبَ أَنْ تَعْتَدَّ منه فَلَا تَنْكِحُ غَيْرَهُ حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا بِذَلِكَ وَكَذَا تَعْتَدُّ منه بِقُرْأَيْنِ إنْ مَاتَ عَقِبَ الشِّرَاءِ فَلَا يَلْزَمُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ لِمَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ مَاتَ وَهِيَ مَمْلُوكَتُهُ وَإِنْ اشْتَرَى مَثَلًا مُعْتَدَّةً منه وَلَوْ من طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ وَجَبَ عليه الِاسْتِبْرَاءُ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عليه بِخِلَافِ زَوْجَتِهِ وَهَذَا مِمَّا اُسْتُدِلَّ بِهِ على أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ يُزِيلُ الزَّوْجِيَّةَ وَكَأَنَّهُمْ ارْتَكَبُوهُ هُنَا
____________________
(3/410)
لِلِاحْتِيَاطِ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَاعِدَةَ في وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ حُدُوثُ حِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ في أَمَةٍ مُلِكَتْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لَا حُدُوثُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ مع فَرَاغِ مَحَلِّ الِاسْتِمْتَاعِ فَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً مُعْتَدَّةً لِغَيْرِهِ وَلَوْ من وَطْءِ شُبْهَةٍ فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا أو مُزَوَّجَةً من غَيْرِهِ وَكَانَتْ مَدْخُولًا بها فَطَلُقَتْ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا أو كانت غير مَدْخُولٍ بها وَطَلُقَتْ أو زَوَّجَ أَمَتَهُ فَطَلُقَتْ قبل الدُّخُولِ بها أو بَعْدَهُ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَازَ له تَزْوِيجُهَا بِلَا اسْتِبْرَاءٍ وَوَجَبَتْ في حَقِّهِ لِحِلِّ وَطْئِهِ لها الِاسْتِبْرَاءَ لِأَنَّ حُدُوثَ حِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ إنَّمَا وُجِدَ بَعْدَ ذلك وَإِنْ تَقَدَّمَ عليه الْمِلْكُ فَلَوْ كانت الْمُشْتَرَاةُ مَحْرَمًا لِلْمُشْتَرِي أو اشْتَرَاهَا امْرَأَةٌ أو رَجُلَانِ لم يَجِبْ الِاسْتِبْرَاءُ في حَقِّ الْمُشْتَرِي وَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً غير مَوْطُوءَةٍ أو أَمَةً من امْرَأَةٍ أو صَبِيٍّ أو من أَيْ أَمَةً اسْتَبْرَأَهَا الْبَائِعُ فَلَهُ تَزْوِيجُهَا بِلَا اسْتِبْرَاءٍ فَإِنْ أَعْتَقَهَا فَلَهُ تَزْوِيجُهَا قبل الِاسْتِبْرَاءِ لِمَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ لِحُدُوثِ حِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ في غَيْرِ أَمَةٍ لَا لِحُدُوثِهِ في أَمَةٍ مُلِكَتْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَيُذْكَرُ أَنَّ الرَّشِيدَ طَلَبَ حِيلَةً مُسْقِطَةً لِلِاسْتِبْرَاءِ فقال له أبو يُوسُفَ من الْحَنَفِيَّةِ أَعْتِقْهَا ثُمَّ تَزَوَّجْهَا وَقَوْلُهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ في الْمَوْضِعَيْنِ مُتَعَلِّقٌ بِمَا قَدَّرْته وَيَجُوزُ تَعَلُّقُهُ بِحَلَّ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلْجَمْعِ بين قَوْلِهِ في غَيْرِ أَمَةٍ وَقَوْلِهِ لَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَالِكِ اسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ الْمَوْطُوءَةِ لِلْبَيْعِ قبل بَيْعِهِ لها لِيَكُونَ على بَصِيرَةٍ منها وَيَجِبُ عليه لِلتَّزْوِيجِ لها اسْتِبْرَاؤُهَا من وَطْئِهِ لها وَمِنْ وَطْءِ بَائِعِهِ وَيُفَارِقُ عَدَمَ وُجُوبِهِ في بَيْعِهَا بِأَنَّ مَقْصُودَ التَّزْوِيجِ الْوَطْءُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَعْقِبَ الْحِلَّ بِخِلَافِ الْبَيْعِ إلَّا وفي نُسْخَةٍ لَا إنْ زَوَّجَهَا من الْوَاطِئِ لها فَلَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ كما يَجُوزُ لِلْوَاطِئِ لِامْرَأَةٍ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قبل انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قال في الْأَصْلِ وَلَوْ أَسْلَمَ في جَارِيَةٍ وَقَبَضَهَا فَوَجَدَهَا بِغَيْرِ الصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ فَرَدَّهَا لَزِمَ الْمُسَلَّمَ إلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ على ضَعِيفٍ وهو أَنَّ الْمِلْكَ في هذه زَالَ ثُمَّ عَادَ بِالرَّدِّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لم يَزُلْ
فَرْعٌ لو بَاعَ جَارِيَةً لم يُقِرَّ بِوَطْئِهَا فَظَهَرَ بها حَمْلٌ وَادَّعَاهُ وَكَذَّبَهُ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ منه وَلَا عِبْرَةَ بِدَعْوَى الْبَائِعِ كما لو ادَّعَى عِتْقَ الْعَبْدِ بَعْدَ بَيْعِهِ وفي ثُبُوتِ نَسَبِهِ من الْبَائِعِ خِلَافٌ الْأَوْجَهُ ثُبُوتُهُ إذْ لَا ضَرَرَ على الْمُشْتَرِي في الْمَالِيَّةِ وَالْقَائِلُ بِخِلَافِهِ عَلَّلَهُ بِأَنَّ ثُبُوتَهُ يَقْطَعُ إرْثَ الْمُشْتَرِي بِالْوَلَاءِ وَإِنْ كان الْبَائِعُ قد أَقَرَّ بِوَطْئِهَا وَبَاعَهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ منه فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من الِاسْتِبْرَاءِ منه لَا من الْمُشْتَرِي كما وَقَعَ في الْأَصْلِ لَحِقَهُ وَبَطَلَ الْبَيْعُ لِثُبُوتِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ وَإِلَّا بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَالْوَلَدُ مَمْلُوكٌ لِلْمُشْتَرِي فَلَا يَلْحَقُ الْبَائِعَ لِأَنَّهُ لو كان في مِلْكِهِ لم يَلْحَقْهُ إلَّا إنْ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي وَأَمْكَنَ كَوْنُهُ منه بِأَنْ أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ من وَطْئِهِ فإنه ليس مَمْلُوكًا له بَلْ يَلْحَقُهُ وَصَارَتْ الْأَمَةُ مُسْتَوْلَدَةً فَلَهُ وَإِنْ لم يَسْتَبْرِئْهَا الْبَائِعُ قبل الْبَيْعِ فَالْوَلَدُ له إنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ منه بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ من اسْتِبْرَاءِ الْمُشْتَرِي أو لِأَكْثَرَ ولم يَطَأْهَا الْمُشْتَرِي وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ إلَّا إنْ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي وَأَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُمَا فَيُعْرَضُ على الْقَائِفِ
فَرْعٌ لو وَطِئَ الْأَمَةَ شَرِيكَانِ في طُهْرٍ أو حَيْضٍ ثُمَّ بَاعَاهَا أو أَرَادَا تَزْوِيجَهَا أو وَطِئَ اثْنَانِ أَمَةَ رَجُلٍ كُلٌّ يَظُنُّهَا أَمَتَهُ وَأَرَادَ الرَّجُلُ تَزْوِيجَهَا وَجَبَ اسْتِبْرَاءَانِ كَالْعِدَّتَيْنِ من شَخْصَيْنِ
فَصْلٌ الِاسْتِمْتَاعُ بِالتَّقْبِيلِ وَنَحْوِهِ من السَّيِّدِ قبل الِاسْتِبْرَاءِ حَرَامٌ في غَيْرِ الْمَسْبِيَّةِ كَالْوَطْءِ وَيَحِلُّ في الْمَسْبِيَّةِ التَّقْبِيلُ وَنَحْوُهُ دُونَ الْوَطْءِ لِمَفْهُومِ الْخَبَرِ السَّابِقِ وَالْمَاوَرْدِيُّ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَبَّلَ التي وَقَعَتْ في سَهْمِهِ من سَبَايَا أَوْطَاسٍ قبل الِاسْتِبْرَاءِ ولم يُنْكِرْ عليه أَحَدٌ من الصَّحَابَةِ وَفَارَقَتْ الْمَسْبِيَّةُ غَيْرَهَا بِأَنَّ غَايَتَهَا أَنْ تَكُونَ مُسْتَوْلَدَةَ حَرْبِيٍّ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْمِلْكَ وَإِنَّمَا حَرُمَ وَطْؤُهَا صِيَانَةً لِمَائِهِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ بِمَاءِ حَرْبِيٍّ لَا لِحُرْمَةِ
____________________
(3/411)
مَاءِ الْحَرْبِيِّ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ الْأَصْلُ لَكِنْ نَصَّ الشَّافِعِيِّ في الْأُمِّ على أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّمَتُّعُ بها بِغَيْرِ الْوَطْءِ أَيْضًا حَكَاهُ في الْمُهِمَّاتِ وَأَلْحَقَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ بِالْمَسْبِيَّةِ الْمُشْتَرَاةَ من حَرْبِيٍّ وَلَا تُزَالُ يَدُ السَّيِّدِ عن أَمَتِهِ الْمُسْتَبْرَأَةِ مُدَّةَ الِاسْتِبْرَاءِ وَإِنْ كانت حَسْنَاءَ بَلْ هو مُؤْتَمَنٌ فيه شَرْعًا لِأَنَّ سَبَايَا أَوْطَاسٍ لم يُنْزَعْنَ من أَيْدِي أَصْحَابِهِنَّ
فَصْلٌ يُعْتَدُّ بِالِاسْتِبْرَاءِ قبل الْقَبْضِ في الْمَوْرُوثَةِ وَالْمُوصَى بها بَعْدَ الْقَبُولِ وَكَذَا الْمَبِيعَةُ لِأَنَّ الْمِلْكَ فيها تَامٌّ لَازِمٌ فَأَشْبَهَ بَعْدَ الْقَبْضِ بِخِلَافِ الْمَوْهُوبَةِ وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ في مُدَّةِ الْخِيَارِ وَلَوْ قُلْنَا الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي لِضَعْفِ الْمَالِكِ لَكِنْ تَقَدَّمَ في الْخِيَارِ أَنَّهُ إذَا شُرِطَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ يَحِلُّ له الْوَطْءُ وَيَلْزَمُ من حِلِّهِ الِاعْتِدَادُ بِالِاسْتِبْرَاءِ في زَمَنِ الْخِيَارِ وَتَقَدَّمَ ثُمَّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا على أَنَّ الْبُلْقِينِيَّ نَقَلَ عن نَصِّ الْأُمِّ الِاعْتِدَادَ بِهِ إذَا قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي
فَرْعٌ لو مَلَكَ أَمَةً مُرْتَدَّةً أو مَجُوسِيَّةً أو من اشْتَرَاهَا عَبْدُهُ الْمَأْذُونُ له وهو مَدْيُونٌ فَحَاضَتْ أو وَلَدَتْ وَالْمُرَادُ ما يَحْصُلُ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ قبل الْإِسْلَامِ في الْأُولَيَيْنِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ في الثَّالِثَةِ لم يُعْتَدَّ بِهِ وَإِنْ تَقَدَّمَ عليه الْمِلْكُ فَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بَعْدَ ذلك لِأَنَّهُ لِحِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ كما مَرَّ وَإِنَّمَا يُعْتَدُّ بِمَا يَسْتَعْقِبُهُ
وَيُعْتَدُّ بِاسْتِبْرَاءِ الْمَرْهُونَةِ فَلَا يَجِبُ إعَادَتُهُ بَعْدَ انْفِكَاكِ الرَّهْنِ هذا ما حَكَاهُ الْأَصْلُ عن الرُّويَانِيِّ وَحَكَى مُقَابِلَهُ عن ابْنِ الصَّبَّاغِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وهو ما ذَكَرَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ من الْعِرَاقِيِّينَ وما قَالَهُ الرُّويَانِيُّ عَجِيبٌ مع مُوَافَقَتِهِ لهم في مَسْأَلَةِ الْمَأْذُونِ فَإِنْ تَعَلَّقَ الْغُرَمَاءُ بِمَا في يَدِ الْعَبْدِ إنْ لم يَنْقُصْ عن تَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِالْمَرْهُونِ لَا يَزِيدُ عليه وقد نَقَلَ الْمَحَامِلِيُّ عن الْأَصْحَابِ ضَابِطًا لِمَا يُعْتَدُّ بِهِ من الِاسْتِبْرَاءِ وهو أَنَّ كُلَّ اسْتِبْرَاءٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اسْتِبَاحَةٌ لِوَطْءٍ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَمِنْهُ ما لو اشْتَرَى مُحَرَّمَةً فَحَاضَتْ ثُمَّ تَحَلَّلَتْ وَالرُّويَانِيُّ مُوَافِقٌ على الْقَاعِدَةِ فَكَيْفَ يُخَالِفُ في بَعْضِ فُرُوعِهَا بِلَا مُوجِبٍ
فَرْعٌ وَطْءُ السَّيِّدِ أَمَتَهُ قبل الِاسْتِبْرَاءِ أو في أَثْنَائِهِ لَا يَقْطَعُ الِاسْتِبْرَاءَ وَإِنْ أَثِمَ بِهِ لِقِيَامِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ فَإِنْ حَبِلَتْ منه قبل الْحَيْضِ بَقِيَ التَّحْرِيمُ حتى تَضَعَ كما لو وَطِئَهَا ولم تَحْبَلْ أو حَبِلَتْ منه في أَثْنَائِهِ حَلَّتْ له بِانْقِطَاعِهِ لِتَمَامِهِ قال الْإِمَامُ هذا إنْ مَضَى قبل وَطْئِهِ أَقَلُّ الْحَيْضِ وَإِلَّا فَلَا تَحِلُّ له حتى تَضَعَ كما لو أَحَبْلَهَا قبل الْحَيْضِ النَّوْعُ الثَّانِي زَوَالُ الْفِرَاشِ عن مَوْطُوءَةٍ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَإِنْ أَعْتَقَ مَوْطُوءَتَهُ أو مُسْتَوْلَدَتَهُ أو مَاتَ عنها قبل اسْتِبْرَائِهَا وَلَيْسَتْ بِمُزَوَّجَةٍ وَلَا مُعْتَدَّةٍ لَزِمَهَا الِاسْتِبْرَاءُ لِزَوَالِ فِرَاشِهَا فَأَشْبَهَتْ الْحُرَّةَ الزَّائِلِ فِرَاشُهَا عن النِّكَاحِ وَلِأَنَّ وَطْأَهُ مُحْتَرَمٌ فَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ بَلْ أَوْلَى وَإِنْ وَقَعَ ذلك بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ سَقَطَ عن الْمَوْطُوءَةِ لِزَوَالِ فِرَاشِهِ عنها قبل ذلك فَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ في الْحَالِ وَلَا يَسْقُطُ عن الْمُسْتَوْلَدَةِ لِشَبَهِهَا بِفِرَاشِ الزَّوْجَةِ فَلَا يُعْتَدُّ بِالِاسْتِبْرَاءِ الْوَاقِعِ قبل زَوَالِ فِرَاشِهَا وَلِهَذَا لو اسْتَبْرَأَ أُمَّ الْوَلَدِ ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا من حِينِ اسْتِبْرَائِهَا لَحِقَهُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ وَخَرَجَ بِالْمَوْطُوءَةِ وَالْمُسْتَوْلَدَةِ غَيْرُهُمَا فَلَا اسْتِبْرَاءَ عليها في مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّةُ الْمُسْتَوْلَدَةِ وَالْأَمَةِ من زَوْجٍ وَأَرَادَ السَّيِّدُ وَطْأَهُمَا اسْتَبْرَأَ الْأَمَةَ فَقَطْ أَيْ دُونَ الْمُسْتَوْلَدَةِ لِعَوْدِهَا فِرَاشًا له بِفُرْقَةِ الزَّوْجِ دُونَ الْأَمَةِ
وَإِنْ أَعْتَقَهُمَا أو مَاتَ عنهما بَعْدَ انْقِضَائِهَا أَيْ عِدَّةِ الزَّوْجِ وَلَوْ لم يَمْضِ بَعْدَ انْقِضَائِهَا لَحْظَةٌ أو أَرَادَ تَزْوِيجَهُمَا اُسْتُبْرِئَتْ الْمُسْتَوْلَدَةُ دُونَ الْأَمَةِ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا لم يَعْتَبِرْ مُضِيَّ لَحْظَةٍ لِتَعُودَ فيها فِرَاشًا لِلسَّيِّدِ لِأَنَّ مَصِيرَهَا فِرَاشًا أَمْرٌ حُكْمِيٌّ لَا يَحْتَاجُ إلَى زَمَنٍ حِسِّيٍّ وَإِنْ أَعْتَقَهُمَا أو مَاتَ عنهما وَهُمَا مُتَزَوِّجَتَانِ أو في الْعِدَّةِ من زَوْجٍ لَا من شُبْهَةٍ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَتَا فِرَاشًا له بَلْ لِلزَّوْجِ وَلِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لِحِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ وَهُمَا مَشْغُولَتَانِ بِحَقِّ الزَّوْجِ بِخِلَافِهِمَا في عِدَّةِ وَطْءِ شُبْهَةٍ لِقُصُورِهَا عن دَفْعِ الِاسْتِبْرَاءِ الذي هو مُقْتَضَى الْعِتْقِ وَالْمَوْتِ وَلِأَنَّهُمَا لم يَصِيرَا بِذَلِكَ فِرَاشًا لِغَيْرِ السَّيِّدِ
وَلَوْ أَعْتَقَ مُسْتَوْلَدَتَهُ وَتَزَوَّجَهَا في مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ جَازَ كما تَتَزَوَّجُ الْمُعْتَدَّةُ منه بِنِكَاحٍ أو وَطْءِ شُبْهَةٍ وَمِثْلُهَا الْأَمَةُ وقد قَدَّمَهَا قبل فَرْعِ بَاعَ جَارِيَةً فَلَوْ تَرَكَهَا ثُمَّ وقال هُنَا لو أَعْتَقَهُمَا وَتَزَوَّجَهُمَا
____________________
(3/412)
إلَى آخِرِهِ كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ
فَرْعٌ لو مَاتَ سَيِّدُ الْمُسْتَوْلَدَةِ الْمُزَوَّجَةِ ثُمَّ مَاتَ زَوْجُهَا أو مَاتَا مَعًا اعْتَدَّتْ كَالْحُرَّةِ لِتَأَخُّرِ سَبَبِ الْعِدَّةِ في الْأُولَى وَاحْتِيَاطًا لها في الثَّانِيَةِ وَقِيلَ تَعْتَدُّ في الثَّانِيَةِ عِدَّةَ أَمَةٍ لِأَنَّهَا لم تَكُنْ كَامِلَةَ الْفِرَاشِ وَالتَّرْجِيحُ فيها من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ أَخْذًا من كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ وَلَا اسْتِبْرَاءَ عليها لِأَنَّهَا لِأَنَّهَا لم تَعُدْ إلَى فِرَاشِ السَّيِّدِ وَإِنْ تَقَدَّمَ مَوْتَ الزَّوْجِ مَوْتُ سَيِّدِهَا اعْتَدَّتْ عِدَّةَ أَمَةٍ بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ بِشَهْرَيْنِ إلَى آخِرِهِ وَلَا اسْتِبْرَاءَ عليها إنْ مَاتَ السَّيِّدُ وَهِيَ في الْعِدَّةِ كما مَرَّ قبل الْفَرْعِ فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ فَرَاغِ الْعِدَّةِ لَزِمَ هَا الِاسْتِبْرَاءُ لِعَوْدِهَا فِرَاشًا له عَقِبَ الْعِدَّةِ وَإِنْ تَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ مَوْتًا وَأَشْكَلَ الْمُتَقَدِّمُ مِنْهُمَا أو لم يُعْلَمْ هل مَاتَا مَعًا أو مُرَتَّبًا اعْتَدَّتْ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ من مَوْتِ آخِرِهِمَا مَوْتًا لِاحْتِمَالِ مَوْتِ السَّيِّدِ أَوَّلًا ثُمَّ إنْ لم يَتَخَلَّلْ بين الْمَوْتَيْنِ شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ وَلَحْظَةٌ فَلَا شَيْءَ أَيْ اسْتِبْرَاءَ عليها لِأَنَّهَا عِنْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ زَوْجَةٌ أو مُعْتَدَّةٌ وَذِكْرُ اللَّحْظَةِ من زِيَادَتِهِ وهو مُضِرٌّ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ قبل الْفَرْعِ
وَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا ذلك أو أَكْثَرُ أو جُهِلَ قَدْرُهُ فَإِنْ كانت تَحِيضُ لَزِمَهَا حَيْضَةٌ إنْ لم تَحِضْ في الْعِدَّةِ لِاحْتِمَالِ مَوْتِ السَّيِّدِ آخِرًا وَلِهَذَا لَا تَرِثُ من الزَّوْجِ وَلَهَا تَحْلِيفُ الْوَرَثَةِ أَنَّهُمْ ما عَلِمُوا حُرِّيَّتَهَا عِنْدَ الْمَوْتِ لِلزَّوْجِ فَإِنْ حَاضَتْ فيها فَلَا شَيْءَ عليها وَإِنْ حَاضَتْ أَوَّلَ الْعِدَّةِ أَمَّا إذَا كانت لَا تَحِيضُ فَتَكْفِيهَا الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ في الصُّورَةِ الْأُولَى من صُوَرِ التَّخَلُّلِ وَجْهٌ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ ما قَبْلَهَا وَالتَّرْجِيحُ فيها من زِيَادَتِهِ وَعَلَى ما رَجَّحَهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ كما نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ وقال إنَّ الْفَتْوَى عليه
فَصْلٌ لو قالت الْمُشْتَرَاةُ لِسَيِّدِهَا حِضْت وَصُدِّقَتْ فَيُبَاحُ له وَطْؤُهَا لِأَنَّ ذلك لَا يُعْلَمُ إلَّا منها غَالِبًا بِلَا يَمِينٍ لِأَنَّهَا لو نَكَلَتْ لم يَقْدِرْ السَّيِّدُ على الْحَلِفِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لو كَذَّبَهَا السَّيِّدُ صَرِيحًا حَرُمَ اسْتِمْتَاعُهُ بها قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَلَوْ قال السَّيِّدُ وقد مَنَعَتْهُ أَمَتُهُ من وَطْئِهَا أَخْبَرَتْنِي بِأَنَّهَا حَاضَتْ وَأَنْكَرَتْ أو قالت لِلْوَارِثِ وَطِئَنِي مُوَرِّثُك فَلَا أَحِلُّ لَك وكان الْمُوَرِّثُ مِمَّنْ يَحْرُمُ بِوَطْئِهِ وَطْءُ الْوَارِثِ فَأَنْكَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَيْ قَوْلُ السَّيِّدِ في الْأُولَى وَقَوْلُ الْوَارِثِ في الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ مُفَوَّضٌ في الْأُولَى إلَى أَمَانَةِ السَّيِّدِ وَلِهَذَا لَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كما يُحَالُ بين الزَّوْجِ وَالْمُعْتَدَّةِ بِشُبْهَةٍ وَالْأَصْلُ في الثَّانِيَةِ عَدَمُ الْوَطْءِ وَلَهَا تَحْلِيفُهُ فِيهِمَا لِأَنَّ لها حَقًّا في ذلك وَعَلَيْهَا الِامْتِنَاعُ من تَمْكِينِهِ في الثَّانِيَةِ إنْ كانت صَادِقَةً وفي الْأُولَى إنْ تَحَقَّقَتْ بَقَاءَ شَيْءٍ من زَمَنِ الِاسْتِبْرَاءِ وَإِنْ أَبَحْنَاهَا له في الظَّاهِرِ وَلَوْ ادَّعَى السَّيِّدُ أنها حَاضَتْ وَأَنْكَرَتْ الْحَيْضَةَ فَقَدْ جَزَمَ الْإِمَامُ بِتَصْدِيقِهَا إذْ لَا يُعْلَمُ الْحَيْضُ إلَّا منها قال فَلَوْ أَرَادَ السَّيِّدُ تَحْلِيفَهَا فَلَيْسَ له ذلك إذْ لَا فَائِدَةَ فيه وفي تَعْلِيلِهِ هذا نَظَرٌ وَاسْتَشْكَلَ الزَّرْكَشِيُّ تَصْدِيقَهَا في هذه بِتَوْجِيهِ مَسْأَلَتِنَا فإنه يَقْتَضِي تَصْدِيقَهُ فيها أَيْضًا قال وَكَمَا أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَيْضِ فَالْأَصْلُ عَدَمُ الْإِخْبَارِ بِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ أَسْنَدَ الْأَمْرَ في هذه إلَى ما لَا يُعْلَمُ إلَّا منها بِخِلَافِهِ في مَسْأَلَتِنَا
فَصْلٌ لو وَطِئَ مُسْتَوْلَدَتَهُ في عِدَّةِ وَفَاةِ زَوْجِهَا أو طَلَاقِهِ ثُمَّ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا حَلَّتْ له لِعَوْدِهَا فِرَاشًا له بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُسْتَوْلَدَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّقْيِيدِ بِالْمُسْتَوْلَدَةِ من زِيَادَتِهِ لَا لِغَيْرِهِ فَلَا تَحِلُّ له حتى تَحِيضَ وَلَا يَكْفِي حَيْضُ الْعِدَّةِ لِأَنَّهُمَا وَاجِبَانِ لِشَخْصَيْنِ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ وَلَا تُحْسَبُ مُدَّةُ افْتِرَاشِ السَّيِّدِ من الْعِدَّةِ إنْ اسْتَفْرَشَهَا كما لو نَكَحَتْ في الْعِدَّةِ وَاسْتَفْرَشَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي جَاهِلًا هذا إذَا لم تَبْنِ حَامِلًا فَإِنْ بَانَتْ حَامِلًا وَأَتَتْ بِوَلَدٍ وَأَمْكَنَ كَوْنُهُ من كُلٍّ مِنْهُمَا عُرِضَ على الْقَائِفِ فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِالزَّوْجِ انْقَضَتْ عِدَّتُهُ بِوَضْعِهِ وَلَا تَتَزَوَّجُ حتى تَحِيضَ بَعْدَ نِفَاسِهَا أو أَلْحَقَهُ بِالسَّيِّدِ حَصَلَ الِاسْتِبْرَاءُ بِوَضْعِهِ ثُمَّ تُتِمُّ الْعِدَّةَ لِلزَّوْجِ وَإِنْ لم يَكُنْ قَائِفٌ أو تَحَيَّرَا أو أَلْحَقَهُ بِهِمَا فَعَلَيْهَا بَعْدَ الْوَضْعِ أَطْوَلُ مُدَّتَيْ الْحَيْضِ وَإِتْمَامُ الْبَقِيَّةِ لِلْعِدَّةِ لِأَنَّهَا عليها إتْمَامُهَا بِتَقْدِيرِ كَوْنِ الْوَلَدِ من السَّيِّدِ وَالتَّرَبُّصُ بِحَيْضَةٍ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ من الزَّوْجِ فَرْعٌ لو اشْتَرَى مُزَوَّجَةً وَوَطِئَهَا جَاهِلًا بِأَنَّهَا مُزَوَّجَةٌ أو عَالِمًا بِهِ فِيمَا يَظْهَرُ وَأَتَتْ
____________________
(3/413)
بِوَلَدٍ فَحُكْمُهُ ما سَبَقَ من أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ من كُلٍّ مِنْهُمَا عُرِضَ على الْقَائِفِ إلَى آخِرِهِ وَمِنْ أَنَّهُ لَا تُحْسَبُ مُدَّةُ افْتِرَاشِ السَّيِّدِ من الْعِدَّةِ وَإِنْ لم يَظْهَرْ بها حَمْلٌ أو ظَهَرَ ولم يَلْحَقْ السَّيِّدَ وَمَاتَ الزَّوْجُ اعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ في الْأُولَى وَبِوَضْعِ الْحَمْلِ إنْ كان من الزَّوْجِ وَإِلَّا فَبِشَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ في الثَّانِيَةِ ولم تَحِلَّ لِلسَّيِّدِ وَلَا لِغَيْرِهِ إلَّا بِالِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَ الْعِدَّةِ وَإِنْ لم يَمُتْ الزَّوْجُ اعْتَزَلَهَا وُجُوبًا حتى تَحِيضَ كَالْمَنْكُوحَةِ تُوطَأُ بِالشُّبْهَةِ ثُمَّ بَعْدَ ذلك تَحِلُّ لِلسَّيِّدِ وَغَيْرِهِ إنْ فَارَقَتْ زَوْجَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَإِنْ لم تَحِضْ ثَانِيًا قال الْبُلْقِينِيُّ وَحِلُّهَا لِلسَّيِّدِ بِذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ الْمُعْتَمَدِ الذي تَقَدَّمَ من أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءُ الذي وُجِدَ هُنَا قَبْلَهَا إنَّمَا هو عن الْوَطْءِ لَا عن الشِّرَاءِ قُلْت ما تَقَدَّمَ مَحِلُّهُ بِقَرِينَةِ ما هُنَا إذَا لم يَجِبْ اسْتِبْرَاءٌ آخَرُ فَإِنْ وَجَبَ آخَرُ وَأَتَتْ بِهِ الْأَمَةُ في مَحِلِّهِ دخل فيه اسْتِبْرَاءُ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُمَا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ
فَإِنْ لم يَعْتَزِلْهَا حتى مَاتَ اعْتَدَّتْ لِلْوَفَاةِ ثُمَّ لَا تَحِلُّ لِلسَّيِّدِ وَلَا لِغَيْرِهِ حتى تُسْتَبْرَأَ وَإِنْ حَاضَتْ في الْعِدَّةِ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِالْحَيْضِ حِينَئِذٍ
فَرْعٌ لو حَنِثَ رَجُلٌ في طَلَاقِ امْرَأَتِهِ أو عِتْقِ أَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ كَأَنْ قال إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ أو فَأَمَتِي حُرَّةٌ فَدَخَلَ وَمَاتَ قبل الْبَيَانِ ثُمَّ مَاتَ زَوْجُ الْأَمَةِ اعْتَدَّتْ من يَوْمِ مَوْتِهِ كَالْحُرَّةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ السَّيِّدَ حَنِثَ في عِتْقِهَا وَلَزِمَ الزَّوْجَ الْأَكْثَرُ من ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ ومن عِدَّةِ الْوَفَاةِ لِأَنَّهَا مُتَوَفًّى عنها أو مُطَلَّقَةٌ فَلَزِمَهَا الْأَكْثَرُ وَلَوْ كان لِزَوْجِ الْأَمَةِ التي حَلَفَ السَّيِّدُ بِعِتْقِهَا أَمَةٌ أَيْضًا وَحَنِثَ هو أَيْضًا في عِتْقِهَا أو طَلَاقِ زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ وَمَاتَا قبل الْبَيَانِ فَعَلَى كل وَاحِدَةٍ من الزَّوْجَتَيْنِ الْأَكْثَرُ من أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ ومن ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مُتَوَفًّى عنها أو مُطَلَّقَةٌ
الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِيمَا تَصِيرُ بِهِ الْأَمَةُ فِرَاشًا وهو الْوَطْءُ لَا مُجَرَّدُ الْمِلْكِ فَلَوْ خَلَا بها بِلَا وَطْءٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُمْكِنُ كَوْنُهُ منه لم يَلْحَقْهُ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّ فِرَاشَ النِّكَاحِ أَقْوَى من فِرَاشِ الْمِلْكِ لِأَنَّ مَقْصُودَ النِّكَاحِ التَّمَتُّعُ وَالْوَلَدُ وَمِلْكُ الْيَمِينِ قد يُقْصَدُ بِهِ خِدْمَةٌ أو تِجَارَةٌ وَلِهَذَا لَا تَنْكِحُ من لَا تَحِلُّ وَتَمْلِكُ من لَا تَحِلُّ وَالْمُرَادُ بِالْوَطْءِ ما يُمْكِنُ بِهِ الْإِحْبَالُ وَمِثْلُهُ اسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أو قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِأَرْبَعِ سِنِينَ فما دُونَهَا من الْوَطْءِ لَا أَكْثَرَ منها ولم يَدَّعِ اسْتِبْرَاءً لَحِقَهُ وَإِنْ لم يَسْتَلْحِقْهُ لِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ وَإِنْ ادَّعَى الِاسْتِبْرَاءَ بَعْدَ الْوَطْءِ فَأَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا إلَى أَرْبَعِ سِنِينَ من اسْتِبْرَائِهِ لها لم يَلْحَقْهُ لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ قد عَارَضَ الْوَطْءَ فَيَبْقَى مُجَرَّدُ الْإِمْكَانِ وهو لَا يَكْفِي كما مَرَّ أو أَتَتْ بِهِ لِدُونِهَا من الِاسْتِبْرَاءِ لَحِقَهُ وَلَغَا الِاسْتِبْرَاءُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهَا كانت حَامِلًا حِينَئِذٍ وَلَهُ نَفْيُهُ بِاللِّعَانِ لِأَنَّ من وَطِئَ زَوْجَتَهُ في طُهْرٍ وَرَمَاهَا بِالزِّنَا في ذلك الطُّهْرِ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ كان له نَفْيُهُ بِاللِّعَانِ فَكَذَا أَمَتُهُ وقال في الْمُهِمَّاتِ هذا مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ في اللِّعَانِ من أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَفْيُهُ فَبِهِ يُعْرَفُ أَنَّهُ أَيْ أَنَّ هذا غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ هو عَكْسُ ما في الرَّافِعِيِّ هُنَا وإذا أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ إلَى أَرْبَعِ سِنِينَ من الِاسْتِبْرَاءِ وَانْتَفَى عنه كما مَرَّ وَأَنْكَرَتْ الِاسْتِبْرَاءَ فَلَهَا تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ اسْتَبْرَأَهَا وَيَكْفِي في حَلِفِهِ أَنَّهُ ليس مِنِّي من غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلِاسْتِبْرَاءِ كما في نَفْيِ وَلَدِ الزَّوْجَةِ
وَاسْتَشْكَلَهُ في الْمَطْلَبِ من حَيْثُ إنَّ يَمِينَهُ لم تُوَافِقْ دَعْوَاهُ الِاسْتِبْرَاءَ وَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّهُ في الدَّعَاوَى إذَا أَجَابَ بِنَفْيِ ما اُدُّعِيَ بِهِ عليه لم يَحْلِفْ إلَّا على ما أَجَابَ وَلَا يَكْفِيهِ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا حَقَّ له عليه إلَّا أَنْ يَكُونَ ذلك هو جَوَابُهُ في الدَّعْوَى وَفَارَقَ الْوَلَدَ في النِّكَاحِ بِأَنَّ نَفْيَهُ لم يَعْتَمِدْ دَعْوَى الِاسْتِبْرَاءِ فيه فَلِذَلِكَ لم يُشْتَرَطْ التَّعَرُّضُ في نَفْيِهِ إلَى ذِكْرِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وما قَالَهُ ظَاهِرٌ قال في الْأَصْلِ وإذا حَلَفَ على الِاسْتِبْرَاءِ فَهَلْ يقول اسْتَبْرَأْتهَا قبل سِتَّةِ أَشْهُرٍ من وِلَادَتِهَا أَمْ يقول وَلَدَتْهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ اسْتِبْرَائِي فيه وَجْهَانِ وَمُقْتَضَى هذا الْمَكْفِيُّ بِهِ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ ليس منه أَنَّ له نَفْيَهُ بِالْيَمِينِ بِلَا لِعَانٍ وَإِنْ لم يَدَّعِ الِاسْتِبْرَاءَ فَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ فَهَلْ يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ فَيَكُونُ له أو يَتَوَقَّفُ اللُّحُوقُ على يَمِينِهِ فَإِنْ نَكَلَتْ عنها فَيَمِينُ الْوَلَدِ كَافٍ في اللُّحُوقِ إنْ بَلَغَ عَاقِلًا وَجْهَانِ أَوْجُهُهُمَا الثَّانِي وَالسَّيِّدُ الْمُنْكِرُ لِلْوَطْءِ الذي ادَّعَتْهُ أَمَتُهُ لَا يَحْلِفُ على نَفْيِهِ وَلَوْ كان ثَمَّ وَلَدٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَطْءِ مع كَوْنِ النَّسَبِ ليس حَقًّا لها وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ من حَلِفِهِ إنْ ادَّعَتْ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ كما صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ لِأَنَّ
____________________
(3/414)
لها فيها حَقًّا وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُهُ تَبَعًا لِصَرِيحِ كَلَامِ أَصْلِهِ خِلَافَهُ
نَبَّهَ على ذلك الْبُلْقِينِيُّ وقال إنَّ ما في الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهِ لَا يُعْرَفُ لِأَحَدٍ من الْأَصْحَابِ وَإِنَّمَا حَلَفَ في الْأُولَى التي قال فيها فَلَهَا تَحْلِيفُهُ لِأَنَّهُ سَبَقَ منه إقْرَارٌ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ وهو الْوَطْءُ وَإِنْ أَتَتْ الْأَمَةُ بِوَلَدٍ يَلْحَقُهُ أَيْ سَيِّدَهَا ثُمَّ أَتَتْ بِآخَرَ وَبَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَحِقَهُ إنْ أَقَرَّ بِوَطْءٍ جَدِيدٍ بِخِلَافِ ما إذَا لم يُقِرَّ لِأَنَّ هذا الْفِرَاشَ يَبْطُلُ بِالِاسْتِبْرَاءِ فَبِالْوِلَادَةِ أَوْلَى أو أَتَتْ بِالْآخَرِ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَحِقَهُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَقَرَّ بِوَطْءٍ جَدِيدٍ أَمْ لَا لِأَنَّ الْوَلَدَيْنِ حِينَئِذٍ حَمْلٌ وَاحِدٌ وَلَوْ أَقَرَّ السَّيِّدُ بِوَطْءِ الْأَمَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ أو في الدُّبُرِ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ لم يَلْحَقْهُ لِأَنَّ سَبْقَ الْمَاءِ إلَى الْفَرْجِ بِالْوَطْءِ فِيمَا عَدَاهُ بَعِيدٌ وَكَمَا في التَّحْصِينِ وَالتَّحْلِيلِ وَنَحْوِهِمَا وَلَوْ قال كُنْت حَالَةَ الْوَطْءِ أَعْزِلُ عنها لَحِقَهُ لِأَنَّ الْمَاءَ قد يَسْبِقُهُ إلَى الرَّحِمِ وهو لَا يُحِسُّ بِهِ وَلِأَنَّ أَحْكَامَ الْوَطْءِ لَا يُشْتَرَطُ فيها الْإِنْزَالُ
فَصْلٌ وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ فَطَلُقَتْ قبل الدُّخُولِ وَأَقَرَّ السَّيِّدُ بِوَطْئِهَا فَوَلَدَتْ وَلَدًا لِزَمَنٍ يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ مِنْهُمَا لَحِقَ السَّيِّدَ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِلْحُكْمِ بِلُحُوقِ الْوَلَدِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ من النِّكَاحِ وَالْمِلْكِ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ من الْوَطْءِ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَأَقَلَّ من أَرْبَعِ سِنِينَ من الشِّرَاءِ لم تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لِانْتِفَاءِ لُحُوقِهِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ إلَّا إنْ أَقَرَّ بِالْوَطْءِ بَعْدَ الْمِلْكِ بِغَيْرِ دَعْوَى اسْتِبْرَاءٍ يُمْكِنُ حُدُوثُ الْوَلَدِ بَعْدَهُ بِأَنْ لم يَدَّعِهِ أو ادَّعَاهُ وَوَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من الِاسْتِبْرَاءِ فَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْحُكْمِ بِلُحُوقِهِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَا يَمْنَعُ من ذلك احْتِمَالُ كَوْنِهِ من النِّكَاحِ إذْ الظَّاهِرُ في ذلك أَنَّهُ من مِلْكِ الْيَمِينِ
تَنْبِيهٌ قد تَقَرَّرَ أَنَّ الْأَمَةَ لَا تَصِيرُ فِرَاشًا إلَّا بِالْوَطْءِ أو اسْتِدْخَالِ الْمَنِيِّ فَلَوْ كان السَّيِّدُ مَجْبُوبَ الذَّكَرِ بَاقِيَ الِاثْنَتَيْنِ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَهَلْ نَقُولُ يَلْحَقُهُ كما لو كان من زَوْجَةٍ أو لَا وَيُقَيَّدُ إطْلَاقُهُمْ لُحُوقَ الْوَلَدِ بِمَا إذَا كان من زَوْجَةٍ قال الْبُلْقِينِيُّ لم أَقِفْ على تَصْرِيحٍ بِذَلِكَ وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنَّهُ يَلْحَقُهُ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِالْيَمِينِ
قُلْت بَلْ الْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ لِانْتِفَاءِ فِرَاشِ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِمَا ذُكِرَ وهو مُنْتَفٍ هُنَا
كِتَابُ الرَّضَاعِ
بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا اسْمٌ لِمَصِّ الثَّدْيِ وَشُرْبِ لَبَنِهِ وَقَائِلُهُ جَرَى على الْغَالِبِ الْمُوَافِقِ لِلُّغَةِ وَإِلَّا فَهُوَ اسْمٌ لِحُصُولِ لَبَنِ امْرَأَةٍ أو ما حَصَلَ منه في جَوْفِ طِفْلٍ كما سَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ وَالْأَصْلُ في تَحْرِيمِهِ قبل الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ من الرَّضَاعَةِ وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ يَحْرُمُ من الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ من النَّسَبِ وَجُعِلَ سَبَبًا لِلتَّحْرِيمِ لِأَنَّ جُزْءَ الْمُرْضِعَةِ وهو اللَّبَنُ صَارَ جُزْءًا لِلرَّضِيعِ بِاغْتِذَائِهِ بِهِ فَأَشْبَهَ مَنِيَّهَا وَحَيْضَهَا في النَّسَبِ وَتَأْثِيرُهُ تَحْرِيمُ النِّكَاحِ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا وَجَوَازُ النَّظَرِ وَالْخَلْوَةِ وَعَدَمُ نَقْضِ الطَّهَارَةِ بِاللَّمْسِ وَإِيجَابُ الْغُرْمِ وَسُقُوطُ الْمَهْرِ كما سَيَأْتِي فَقَطْ أَيْ دُونَ سَائِرِ أَحْكَامِ النَّسَبِ كَالْمِيرَاثِ وَالنَّفَقَةِ وَالْعِتْقِ بِالْمِلْكِ وَسُقُوطُ الْقِصَاصِ وَرَدُّ الشَّهَادَةِ وَفِيهِ أَبْوَابٌ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ في أَرْكَانِهِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ الْمُرْضِعُ فَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا امْرَأَةً حَيَّةً بَلَغَتْ سِنَّ الْحَيْضِ وَإِنْ لم تَلِدْ ولم يُحْكَمْ بِبُلُوغِهَا سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُزَوَّجَةً أَمْ بِكْرًا أَمْ غَيْرَهُمَا فَلَا تَحْرِيمَ
____________________
(3/415)
بِلَبَنِ رَجُلٍ وَخُنْثَى حتى يَتَّضِحَ كَوْنُهُ امْرَأَةً لِأَنَّهُ لم يُخْلَقْ لِغِذَاءِ الْوَلَدِ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْمَائِعَاتِ وَلِأَنَّ اللَّبَنَ أَثَرُ الْوِلَادَةِ وَهِيَ لَا تُتَصَوَّرُ في الرَّجُلِ وَالْخُنْثَى نعم يُكْرَهُ لَهُمَا نِكَاحُ من ارْتَضَعَتْ بِلَبَنِهِمَا كما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن النَّصِّ في لَبَنِ الرَّجُلِ وبلبن بَهِيمَةٍ حتى لو شَرِبَ منه ذَكَرٌ أو أُنْثَى لم يَثْبُتْ بَيْنَهُمَا أُخُوَّةٌ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِغِذَاءِ الْوَلَدِ صَلَاحِيَّةَ لَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ وَلِأَنَّ الْأُخُوَّةَ فَرْعُ الْأُمُومَةِ وَمِنْهَا يَنْتَشِرُ تَحْرِيمُ الرَّضَاعِ فإذا لم يَثْبُتْ الْأَصْلُ لم يَثْبُتْ الْفَرْعُ
ولا بِلَبَنٍ انْفَصَلَ عن مَيِّتَةٍ كما لَا تَثْبُتُ الْمُصَاهَرَةُ أَيْ حُرْمَتُهَا بِوَطْئِهَا وَلِضَعْفِ حُرْمَتِهِ بِمَوْتِهَا وَلِأَنَّهُ من جُثَّةٍ مُنْفَكَّةٍ عن الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ كَالْبَهِيمَةِ وَلِأَنَّهُ لو وَصَلَ لَبَنُ الْحَيَّةِ إلَى جَوْفِ الْمَيِّتِ لم تَثْبُتْ الْحُرْمَةُ فَكَذَا إنْ انْفَصَلَ منها بَعْدَ مَوْتِهَا فَإِنْ انْفَصَلَ منها وَهِيَ حَيَّةٌ وَأُوجِرَ الصَّبِيُّ بَعْدَ مَوْتِهَا حَرُمَ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ منها وهو حَلَالٌ مُحْتَرَمٌ وَلَا تَحْرِيمَ بِلَبَنِ من لم تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الْوِلَادَةَ وَاللَّبَنُ فَرْعُ الْوَلَدِ بِخِلَافِ ما إذَا بَلَغَتْهَا كما مَرَّ لِأَنَّهُ وَإِنْ لم يُحْكَمْ بِبُلُوغِهَا فَاحْتِمَالُ الْبُلُوغِ قَائِمٌ وَالرَّضَاعُ تِلْوُ النَّسَبِ فَاكْتُفِيَ فيه بِالِاحْتِمَالِ وَالسِّنِينَ هُنَا قَمَرِيَّةٌ تَقْرِيبِيَّةٌ كما أَشَارَ إلَيْهِ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ سِنَّ الْحَيْضِ
الرُّكْنُ الثَّانِي اللَّبَنُ وَيَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ وَإِنْ تَغَيَّرَ عن هَيْئَتِهِ حَالَةَ انْفِصَالِهِ عن الثَّدْيِ كَالْجُبْنِ وَالزُّبْدِ أو عُجِنَ بِهِ دَقِيقٌ أو خَالَطَهُ مَاءٌ أو خَمْرٌ أو نَحْوُهُمَا وَغَلَبَ اللَّبَنُ على الْخَلِيطِ بِأَنْ ظَهَرَتْ إحْدَى صِفَاتِهِ الْآتِيَةِ لِوُصُولِ عَيْنِ اللَّبَنِ إلَى الْجَوْفِ وَحُصُولِ التَّغَذِّي بِهِ وَكَذَا لو كان مَغْلُوبًا وهو الذي لم يَبْقَ من صِفَاتِهِ الثَّلَاثِ الطَّعْمِ وَاللَّوْنِ وَالرِّيحِ حِسًّا وَتَقْدِيرًا شَيْءٌ فإنه يَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ لِذَلِكَ وَلَيْسَ كَالنَّجَاسَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ في الْمَاءِ الْكَثِيرِ حَيْثُ لَا تُؤَثِّرُ فَإِنَّهَا تُجْتَنَبُ لِلِاسْتِقْذَارِ وهو مُنْدَفِعٌ بِالْكَثْرَةِ وَلَا كَالْخَمْرِ الْمُسْتَهْلَكَةِ في غَيْرِهَا حَيْثُ لَا يَتَعَلَّقُ بها حَدٌّ فإن الْحَدَّ مَنُوطٌ بِالشِّدَّةِ الْمُزِيلَةِ لِلْعَقْلِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ في ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ بِذَلِكَ شُرْبُ الْجَمِيعِ فَإِنْ شَرِبَ بَعْضَهُ مُتَحَقِّقًا أَنَّهُ وَصَلَ منه شَيْءٌ إلَى الْجَوْفِ كَأَنْ بَقِيَ من الْمَخْلُوطِ أَقَلُّ من قَدْرِ اللَّبَنِ حَرَّمَ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَتَحَقَّقْهُ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ اللَّبَنِ الْمَخْلُوطِ مِقْدَارَ ما لو كان مُنْفَرِدًا أَثَّرَ في التَّحْرِيمِ بِأَنْ يُمْكِنَ أَنْ يُسْقَى منه خَمْسُ دَفَعَاتٍ وَلَا يَضُرُّ في التَّحْرِيمِ غَلَبَةُ الرِّيقِ لِقَطْرَةِ اللَّبَنِ الْمَوْضُوعَةِ في الْفَمِ إلْحَاقًا له بِالرُّطُوبَاتِ في الْمَعِدَةِ
فَرْعٌ لَبَنُ الْمَرْأَتَيْنِ الْمُخْتَلِطُ يُثْبِتُ أُمُومَتَهُمَا وفي الْمَغْلُوبِ من اللَّبَنَيْنِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ فَتَثْبُتُ الْأُمُومَةُ لِغَالِبَةِ اللَّبَنِ وَكَذَا لِمَغْلُوبَتِهِ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ
الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْمَحَلُّ وَهِيَ مَعِدَةُ أو دِمَاغُ الطِّفْلِ الْحَيِّ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً سَوَاءٌ أَوَصَلَ إلَيْهِمَا اللَّبَنُ بِالِارْتِضَاعِ أَمْ بِغَيْرِهِ كَالْإِيجَارِ وَلَوْ نَائِمًا لَا الطِّفْلِ الْمَيِّتِ لِخُرُوجِهِ عن التَّغَذِّي وَنَبَاتِ اللَّحْمِ وفي الصَّحِيحَيْنِ إنَّمَا الرَّضَاعَةُ من الْمَجَاعَةِ وَلَا ابْنِ حَوْلَيْنِ لِخَبَرِ لَا رَضَاعَ إلَّا ما فَتَقَ الْأَمْعَاءَ وكان قبل الْحَوْلَيْنِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَلِخَبَرِ لَا رَضَاعَ إلَّا ما كان في الْحَوْلَيْنِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ الْآيَةَ جَعَلَ تَمَامَ الرَّضَاعَةِ في الْحَوْلَيْنِ فَأَشْعَرَ بِأَنَّ الْحُكْمَ بَعْدَهُمَا بِخِلَافِهِ وَأَمَّا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سَهْلٍ قالت يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كنا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا وقد نَزَلَ في التَّبَنِّي وَالْحِجَابِ ما قد عَلِمْت فَمَاذَا تَأْمُرُنِي فقال أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ يَحْرُمُ بِهِنَّ عَلَيْك فَفَعَلْت فَكَانَتْ تَرَاهُ ابْنًا فَأَجَابَ عنه الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِسَالِمٍ وقال ابن الْمُنْذِرِ ليس يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا وَيُعْتَبَرُ الْحَوْلَانِ بِالْأَهِلَّةِ من تَمَامِ الِانْفِصَالِ لِلْوَلَدِ كما في نَظَائِرِهِ فَإِنْ ارْتَضَعَ قبل تَمَامِهِ فَوَجْهَانِ قال الزَّرْكَشِيُّ يُشْبِهُ تَرْجِيحَ التَّأْثِيرِ لِوُجُودِ الرَّضَاعِ حَقِيقَةً وهو قِيَاسُ ما صَحَّحُوهُ فِيمَنْ انْفَصَلَ بَعْضُهُ فَخُرْجَانُ رَقَبَتِهِ وهو حَيٌّ من أَنَّهُ يُضْمَنُ بِالْقَوَدِ أو الدِّيَةِ وَعَلَيْهِ تُحْسَبُ الْمُدَّةُ من حين ارْتَضَعَ
انْتَهَى
وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ لِمَا فيه من ارْتِكَابِ إحْدَاثِ قَوْلٍ ثَالِثٍ إذْ الْمَحْكِيُّ في ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ وَجْهَانِ ابْتِدَاءُ الْخُرُوجِ وَانْتِهَاؤُهُ وَبِذَلِكَ فَارَقَ مَسْأَلَةَ الْحَزِّ مع أنها خَارِجَةٌ عن نَظَائِرِهَا فَلَا اضْطِرَابَ فِيهِمَا اسْتِصْحَابًا لِلضَّمَانِ في الْجُمْلَةِ إذْ الْجَنِينُ يُضْمَنُ بِالْغُرَّةِ وَيُتَمَّمُ الْمُنْكَسِرُ من الْأَهِلَّةِ ثَلَاثِينَ من الشَّهْرِ
____________________
(3/416)
@ 417 الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ كَنَظَائِرِهِ وَيَثْبُتُ التَّحْرِيمُ بِحُصُولِهِ أَيْ اللَّبَنِ فيها أَيْ في الْعِدَّةِ وَلَوْ تَقَيَّأَهُ في الْحَالِ لِوُصُولِهِ إلَى مَحَلِّ التَّغَذِّي وفي الدِّمَاغِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ التَّغَذِّي كَالْمَعِدَةِ إذْ الْأَدْهَانُ إذَا وَصَلَتْ إلَيْهِ انْتَشَرَتْ في الْعُرُوقِ وَتَغَذَّتْ بها كَالْأَطْعِمَةِ الْوَاصِلَةِ إلَى الْمَعِدَةِ وَلَوْ حَصَلَ فِيهِمَا بِجِرَاحَةٍ فإنه يَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ وَلَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ بِتَقْطِيرِهِ في أُذُنٍ وَدُبُرٍ وَإِحْلِيلٍ وَجِرَاحَةٍ لم تَصِلْ إلَى الْمَعِدَةِ وَالدِّمَاغِ وَإِنْ أَفْطَرَ بِهِ إذْ لَا مَنْفَذَ منها إلَيْهِمَا ما عَدَا الدُّبُرَ وَأَمَّا الدُّبُرُ فَلِعَدَمِ التَّغَذِّي بِالتَّقْطِيرِ فيه وَإِنَّمَا أَفْطَرَ بِذَلِكَ لِتَعَلُّقِ الْفِطْرِ بِالْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ وَإِنْ لم يَكُنْ مَعِدَةٌ وَلَا دِمَاغٌ وَيُعْتَبَرُ حُصُولُهُ فِيهِمَا من مَنْفَذٍ فَلَا يَحْرُمُ حُصُولُهُ فِيهِمَا بِصَبِّهِ في الْعَيْنِ بِوَاسِطَةِ الْمَسَامِّ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
فَصْلٌ وَلَا أَثَرَ لِدُونِ خَمْسِ رَضَعَاتٍ رَوَى مُسْلِمٌ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها كان فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ في الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ فَنُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ من الْقُرْآنِ أَيْ يُتْلَى عَلَيْكُمْ حُكْمُهُنَّ أو يَقْرَؤُهُنَّ من لم يَبْلُغْهُ النَّسْخُ لِقُرْبِهِ وَقُدِّمَ مَفْهُومُ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ على مَفْهُومِ خَبَرِ مُسْلِمٍ أَيْضًا لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ لِاعْتِضَادِهِ بِالْأَصْلِ وهو عَدَمُ التَّحْرِيمِ إلَّا إنْ حَكَمَ بِهِ أَيْ التَّأْثِيرِ بِدُونِ الْخَمْسِ حَاكِمٌ يَرَاهُ فَلَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقُ صِفَّاتِهِنَّ حتى لو شَرِبَ بَعْضًا وَأَسْعَطَ بَعْضًا وَنَحْوَ ذلك كَإِيجَارٍ حَرُمَ وَالْمُعْتَمَدُ في التَّعَدُّدِ الْعُرْفُ إذْ لَا ضَابِطَ له في اللُّغَةِ وَلَا في الشَّرْعِ فَإِنْ لَفَظَ الْمُرْتَضِعُ الثَّدْيَ في أَثْنَاءِ الرَّضْعَةِ لَتَحَوَّلَ من ثَدْيِ الْمُرْضِعَةِ إلَى ثَدْيِهَا الْآخَرِ لِنَفَاذِ ما فيه أو غَيْرِهِ أو نَامَ أَوَّلَهَا عن الِارْتِضَاعِ في أَثْنَائِهِ لَحْظَةً ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ حَالًا وَكَذَا إنْ طَالَ كُلٌّ من النَّوْمِ وَاللَّهْوِ وَالثَّدْيِ في فَمِهِ أو قَطَعَتْهُ الْمُرْضِعَةُ لِشُغْلٍ خَفِيفٍ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْإِرْضَاعِ فَوَاحِدَةٌ لِلْعُرْفِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَكُنْ الثَّدْيُ في فَمِهِ وما إذَا قَطَعَتْهُ لِشُغْلٍ طَوِيلٍ كما صَرَّحَ بِهِ بَعْدُ وَتَخْصِيصُ تَقْيِيدِ كَوْنِ الثَّدْيِ في فَمِهِ بِحَالَةِ طُولِ اللَّهْوِ من زِيَادَتِهِ وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيِّ كما نَبَّهَ عليه في الْمُهِمَّاتِ فَإِنْ قَطَعَهُ الْمُرْتَضِعُ إعْرَاضًا وَاشْتَغَلَ بِشَيْءٍ آخَرَ ثُمَّ عَادَ وَارْتَضَعَ أو قَطَعَتْهُ الْمُرْضِعَةُ وَأَطَالَتْهُ فَرَضْعَتَانِ التَّصْرِيحُ بِالتَّقْيِيدِ بِالْإِطَالَةِ من زِيَادَتِهِ وَقَوْلُهُ كَأَصْلِهِ وَاشْتَغَلَ بِشَيْءٍ ليس بِقَيْدٍ وَلِهَذَا لم يَذْكُرْهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ في الْيَوْمِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً اُعْتُبِرَ التَّعَدُّدُ فيه بِمِثْلِ هذا فَلَوْ أَكَلَ لُقْمَةً ثُمَّ أَعْرَضَ وَاشْتَغَلَ بِشُغْلٍ طَوِيلٍ ثُمَّ عَادَ وَأَكَلَ حَنِثَ وَلَوْ أَطَالَ الْأَكْلَ على الْمَائِدَةِ وكان يَنْتَقِلُ من لَوْنٍ إلَى لَوْنٍ وَيَتَحَدَّثُ في خِلَالِ الْأَكْلِ وَيَقُومُ وَيَأْتِي بِالْخُبْزِ عِنْدَ نَفَاذِهِ لم يَحْنَثْ لِأَنَّ ذلك كُلَّهُ يُعَدُّ في الْعُرْفِ أَكْلَةً وَاحِدَةً
فَرْعٌ لو حَلَبَتْ لَبَنَهَا دَفْعَةً وَأَوْجَرَتْهُ الصَّبِيَّ خَمْسًا أو عَكْسَهُ بِأَنْ حَلَبَتْ لَبَنَهَا خَمْسَ دَفَعَاتٍ وَأَوْجَرَتْهُ دَفْعَةً فَرَضْعَةٌ نَظَرًا إلَى انْفِصَالِهِ في الْأُولَى وَإِيجَارِهِ في الثَّانِيَةِ وَإِنْ تَعَدَّدَا أَيْ الِانْفِصَالُ وَالْإِيجَارُ مَعًا ولم يُخْلَطْ فَخَمْسٌ وَإِنْ خُلِطَا ثُمَّ فُرِّقَ خَمْسُ رَضَعَاتٍ فَكَمَا لو لم يُخْلَطْ فَيُعَدُّ خَمْسَ رَضَعَاتٍ وَإِنْ خُلِطَ لَبَنُ خَمْسٍ من النِّسْوَةِ وَأَوْجَرَهُ خَمْسَ دَفَعَاتٍ أو دَفْعَةً كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَضْعَةٌ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الْأُبُوَّةُ إنْ كان لَبَنُهُنَّ لَبَنَهُ
فَرْعٌ إذَا شُكَّ في اسْتِكْمَالِ الْخَمْسِ أو الْحَوْلَيْنِ أو في وُصُولِهِ جَوْفَهُ أو في أَنَّهُ لَبَنُ امْرَأَةٍ أو في أَنَّهُ حُلِبَ في حَيَاتِهَا فَلَا حُرْمَةَ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ وَلْيُتَوَرَّعْ في ذلك
فَصْلٌ تَثْبُتُ الْأُبُوَّةُ وَإِنْ وفي نُسْخَةٍ وَلَوْ لم تَثْبُتْ الْأُمُومَةُ كَعَكْسِهِ فِيمَا لو دُرَّ لَبَنُ بِكْرٍ أو ثَيِّبٍ لَا زَوْجَ لها وَذَلِكَ كَمَنْ ارْتَضَعَ من خَمْسِ مُسْتَوْلَدَاتٍ رَجُلٍ أو أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ مَوْطُوءَاتٍ وَمُسْتَوْلَدَةٍ له بِلَبَنِهِ رَضْعَةً رَضْعَةً وَلَوْ مُتَوَالِيًا فَيَصِيرُ وَلَدًا لِذِي اللَّبَنِ لِأَنَّ لَبَنَ الْجَمِيعِ منه وَهُنَّ كَالظُّرُوفِ له وقد تَعَدَّدَتْ الرَّضَعَاتُ وَإِنَّمَا لم تَثْبُتْ الْأُمُومَةُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُنَّ لم تُرْضِعْهُ خَمْسًا وَيَحْرُمْنَ أَيْ الْخَمْسُ على الطِّفْلِ لِأَنَّهُنَّ مَوْطُوءَاتُ أبيه وَبَعْضُهُنَّ في الثَّانِيَةِ زَوْجَاتُ أبيه وَقَوْلُهُ رَضْعَةً وَلَوْ مُتَوَالِيًا من تَصَرُّفِهِ وَلَوْ قال بَدَلَهُ وَلَوْ دَفْعَةً كان أَوْلَى لِيُوَافِقَ ما قَدَّمْته عن تَصْرِيحِ الْأَصْلِ قُبَيْلَ الْفَرْعِ وَلَوْ أَرْضَعْنَ زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ بِنْتَهُ وَلَا غُرْمَ على مُسْتَوْلَدَتِهِ إذْ لَا يَثْبُتُ له دَيْنٌ على مَمْلُوكِهِ فَإِنْ أَرْضَعَتْهَا زَوْجَاتُهُ الثَّلَاثُ وَمُسْتَوْلَدَاتُهُ فَالْجَانِي الْأَخِيرَةُ مِنْهُنَّ إنْ أَرْضَعَتْهَا مُرَتَّبًا لِأَنَّ الِانْفِسَاخَ يَتَعَلَّقُ
____________________
(3/417)
بِإِرْضَاعِهَا فَتَغْرَمُ مَهْرَ الصَّغِيرَةِ إنْ كانت زَوْجَةً لَا إنْ كانت مُسْتَوْلَدَةً وَإِنْ أَرْضَعْنَهَا مَعًا كَأَنْ أَوْجَرْنَهَا لَبَنَهُنَّ مَعًا فَعَلَى الزَّوْجَاتِ ثَلَاثَةُ الْأَخْمَاسِ من مَهْرِهَا بِعَدَدِ رَضَعَاتِهِنَّ وَلَا شَيْءَ له على مُسْتَوْلَدَتَيْهِ فَلَوْ جُهِلَتْ الْأَخِيرَةُ من الصِّنْفَيْنِ أو جُهِلَ فِيمَا إذَا تَأَخَّرَ إرْضَاعُ الثَّلَاثِ هل أَرْضَعْنَ مَعًا أو مُرَتَّبًا فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْغُرْمِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُنَّ أَيْ الزَّوْجَاتِ لِأَنَّهُنَّ لم يَصِرْنَ أُمَّهَاتِ الصَّغِيرَةِ وَإِنْ أَوْجَرَهَا الزَّوْجَاتُ الثَّلَاثُ الرَّضْعَةَ الْخَامِسَةَ مَعًا اسْتَوَيْنَ في الْغُرْمِ وَلَوْ تَفَاضَلْنَ في الْإِرْضَاعِ لِاسْتِوَائِهِنَّ في الْإِرْضَاعِ الْمُوجِبِ لِلْغُرْمِ وَشَرَطَ الْمَاوَرْدِيُّ لِتَغْرِيمِ الزَّوْجِ الْمُرْضِعَةِ عَدَمَ إذْنِهِ لها في الْإِرْضَاعِ وَلَوْ أَرْضَعَتْهُ أَيْ امْرَأَةٌ صَغِيرًا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ في الْحَوْلَيْنِ وَتَمَّ الْحَوْلَانِ في أَثْنَاءِ الرَّضْعَةِ الْخَامِسَةِ صَارَتْ أُمَّهُ لِأَنَّ ما يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ في كل رَضْعَةٍ غَيْرُ مُقَدَّرٍ كما قالوا لو لم يَحْصُلْ في جَوْفِهِ إلَّا خَمْسُ قَطَرَاتٍ في كل رَضْعَةٍ قَطْرَةٌ حَرُمَ وَظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ وَغَيْرِهِ أنها لَا تَصِيرُ أُمَّهُ
فَرْعٌ لَا يَصِيرُ الشَّخْصُ جَدًّا بِإِرْضَاعِ خَمْسِ الْبَنَاتِ له وَلَا خَالًا بِإِرْضَاعِ خَمْسِ الْأَخَوَاتِ له مَرَّةً مَرَّةً أَيْ لَا يَصِيرُ جَدًّا من أُمٍّ لِمُرْتَضِعِ بَنَاتِهِ وَلَا خَالًا لِمُرْتَضِعِ أَخَوَاتِهِ لِأَنَّ الْجُدُودَةَ لِأُمٍّ والخئولة إنَّمَا يَثْبُتَانِ بِتَوَسُّطِ الْأُمُومَةِ وَلَا أُمُومَةَ بِخِلَافِ الْأُبُوَّةِ تَثْبُتُ وَإِنْ لم تَثْبُتْ الْأُمُومَةُ كما مَرَّ
فَرْعٌ وَلَوْ ارْتَضَعَتْ صَغِيرَةٌ تَحْتَ رَجُلٍ من مَوْطُوآته الْخَمْسِ أَيْ من كُلٍّ مِنْهُنَّ رَضْعَةً وَاللَّبَنُ لِغَيْرِهِ حَرُمَتْ عليه لِكَوْنِهَا رَبِيبَتَهُ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن ابْنِ الْقَاصِّ بِنَاءً على ما قَالَهُ من ثُبُوتِ الْأُمُومَةِ بِذَلِكَ وهو مُخَالِفٌ لِلْجُمْهُورِ فيه فَكَانَ حَقُّ الْمُصَنِّفِ تَرْكَهُ أو التَّنْبِيهَ عليه فَإِنْ كان فِيهِنَّ وَاحِدَةٌ غَيْرُ مَوْطُوءَةٍ فَلَا تَحْرِيمَ بَيْنَهُمَا
الْبَابُ الثَّانِي فِيمَنْ يَحْرُمُ بِالرَّضَاعِ
وَتَحْرِيمُهُ يَتَعَلَّقُ بِالْمُرْضِعَةِ وَالْفَحْلِ ذِي اللَّبَنِ ثُمَّ تَسْرِي الْحُرْمَةُ منهم إلَى غَيْرِهِمْ فَتَحْرُمُ الْمُرْضِعَةُ على الطِّفْلِ الرَّضِيعِ لِأَنَّهَا أُمُّهُ وَآبَاؤُهَا وَأُمَّهَاتُهَا من النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ أَجْدَادُهُ وَجَدَّاتُهُ فَإِنْ كان أُنْثَى حَرُمَ على الْأَجْدَادِ نِكَاحُهَا أو ذَكَرًا حَرُمَ عليه نِكَاحُ الْجَدَّاتِ وَالْفُرُوعُ كَفُرُوعِ النَّسَبِ فَأَوْلَادُهَا من نَسَبٍ أو رَضَاعٍ إخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ وَإِخْوَتُهَا وَأَخَوَاتُهَا من نَسَبٍ أو رَضَاعٍ أَخْوَالُهُ وَخَالَاتُهُ فَيَحْرُمُ التَّنَاكُحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَكَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ بِخِلَافِ أَوْلَادِ الْأُخْوَة وَالْأَخَوَاتِ لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ أَخْوَالِهِ وَخَالَاتِهِ فَالْمُرَادُ بِالْفُرُوعِ ما يَشْمَلُ الْحَوَاشِيَ فَإِنْ نَزَلَ اللَّبَنُ من امْرَأَةٍ على وَلَدٍ مَنْسُوبٍ لِشَخْصٍ وَلَوْ من وَطْءِ شُبْهَةٍ فَأَبُوهُ أبو الرَّضِيعِ وَجَدُّهُ جَدُّهُ وَعَمُّهُ عَمُّهُ وَابْنُهُ ابن أَخِيهِ وَيُشْتَرَطُ في حُرْمَةِ الرَّضَاعِ في حَقِّ من يُنْسَبُ إلَيْهِ الْوَلَدُ إقْرَارُهُ بِالْوَطْءِ قَالَهُ ابن الْقَاصِّ وَمِثْلُهُ اسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ فَإِنْ لم يَكُنْ ذلك وَلَحِقَهُ الْوَلَدُ بِمُجَرَّدِ الْإِمْكَانِ لم تَثْبُتْ الْحُرْمَةُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ يُخَالِفُهُ وَلَهُ أَيْ لِلرَّضِيعِ مع سَائِرِ أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ حُكْمُ ابْنِ النَّسَبِ الْأَوْلَى حُكْمُ وَلَدِ النَّسَبِ مع سَائِرِ فُرُوعِهِ وَأُصُولِهِ في التَّحْرِيمِ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَبِيهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بَنَاتِ الْمُرْضِعَةِ وَإِنْ كُنَّ أَخَوَاتِ وَلَدِهِ وَأُمَّهَاتِهَا وَإِنْ كُنَّ جَدَّاتِ وَلَدِهِ وَلِأَخِيهِ أَنْ يَنْكِحَ الْمُرْضِعَةَ وَبَنَاتِهَا وَأُمَّهَاتِهَا بِخِلَافِ نَظِيرِ ذلك في النَّسَبِ لَا يَجُوزُ فيه ذلك وَالْعِلَّةُ هُنَاكَ الْمُصَاهَرَةُ أَيْ وُجُودُهَا وَهِيَ مَنْفِيَّةٌ هُنَا وَتَقَدَّمَ تَحْرِيرُهُ في الْبَابِ السَّادِسِ من مَوَانِعِ النِّكَاحِ مع ما يُعْلَمُ منه أَنَّ التَّعْلِيلَ لَا يَتَمَحَّضُ بِالْمُصَاهَرَةِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ حُرْمَةَ الرَّضِيعِ تَنْتَشِرُ منه إلَى فُرُوعِهِ من الرَّضَاعِ وَالنَّسَبِ لَا إلَى أُصُولِهِ وَحَوَاشِيهِ وَأَنَّ حُرْمَتَيْ الْمُرْضِعَةِ وَالْفَحْلِ تَنْتَشِرَانِ إلَى الْجَمِيعِ
فَرْعٌ لَا حُرْمَةَ لِلَبَنِ الزَّانِي فَلَا يَحْرُمُ عليه أَنْ يَنْكِحَ الصَّغِيرَةَ الْمُرْتَضِعَةَ من ذلك اللَّبَنِ ولكن يُكْرَهُ له نِكَاحُ بِنْتِهِ منه أَيْ من لَبَنِهِ كما يُكْرَهُ له نِكَاحُ من خُلِقَتْ من مَائِهِ خُرُوجًا من خِلَافِ من حَرَّمَهُ
فَرْعٌ يَنْتَفِي الرَّضِيعُ بِانْتِفَاءِ الْوَلَدِ بِاللِّعَانِ وَيَلْحَقُ بِلُحُوقِهِ فَلَوْ نَفَى الزَّوْجُ وَلَدًا بِاللِّعَانِ فَارْتَضَعَتْ صَغِيرَةٌ بِلَبَنِهِ لم تَثْبُتْ الْحُرْمَةُ وَلَوْ ارْتَضَعَتْ بِهِ ثُمَّ
____________________
(3/418)
لَاعَنَ انْتَفَى الرَّضِيعُ عنه فَلَوْ اسْتَلْحَقَ الْوَلَدَ لَحِقَ الرَّضِيعُ أَيْضًا وَلِلرَّضِيعِ بَعْدَ كَمَالِهِ الِانْتِسَابُ إلَى أَحَدِ الشَّخْصَيْنِ اللَّذَيْنِ يُحْتَمَلُ كَوْنُ الْوَلَدِ من كُلٍّ مِنْهُمَا لِأَنَّ الرَّضَاعَ يُؤَثِّرُ في الطِّبَاعِ وَمَحِلُّهُ بَعْدَ مَوْتِ الْوَلَدِ وموت أَوْلَادِهِ لِأَنَّ أَوْلَادَهُ يَنْتَسِبُونَ إلَى من يَنْتَسِبُ هو إلَيْهِ كَهُوَ وَبَعْدَ تَعَذُّرِ إلْحَاقِ الْقَائِفِ لِلْوَلَدِ بِأَنْ لم يَكُنْ قَائِفٌ أو أَلْحَقَهُ بِهِمَا أو نَفَاهُ عنهما أو تَحَيَّرَ ولم يَنْتَسِبْ الْوَلَدَ وَلَا أَوْلَادَهُ أو انْتَسَبَ بَعْضَ أَوْلَادِهِ لِهَذَا وَبَعْضَهُمْ لِآخَرَ أَمَّا قبل ذلك فَلَيْسَ له الِانْتِسَابُ بَلْ هو تَابِعٌ لِلْوَلَدِ
وَيُجْبَرُونَ أَيْ الْوَلَدُ وَأَوْلَادُهُ عليه أَيْ على الِانْتِسَابِ لِضَرُورَةِ النَّسَبِ وَلَا يُجْبَرُ عليه الْمُرْتَضِعُ وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّسَبَ تَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقٌ له وَعَلَيْهِ كَالْمِيرَاثِ وَالنَّفَقَةِ وَالْعِتْقِ بِالْمِلْكِ وَسُقُوطِ الْقَوَدِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ فَلَا بُدَّ من رَفْعِ الْإِشْكَالِ وَالْمُتَعَلِّقُ بِالرَّضَاعِ حُرْمَةُ النِّكَاحِ وَالْإِمْسَاكُ عنه سَهْلٌ فلم يُجْبَرْ عليه الْمُرْتَضِعُ كما لَا يُعْرَضُ على الْقَائِفِ وَيُفَارِقُ الْوَلَدَ بِأَنَّ مُعْظَمَ اعْتِمَادِ الْقَائِفِ على الْأَشْبَاهِ الظَّاهِرَةِ دُونَ الْأَخْلَاقِ وَجَوَازِ انْتِسَابِهِ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَمِيلُ إلَى من ارْتَضَعَ من لَبَنِهِ وإذا انْتَسَبَ إلَى أَحَدِهِمَا كان ابْنَهُ فَلَهُ نِكَاحُ بِنْتِ الْآخَرِ وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ فَإِنْ لم يَنْتَسِبْ إلَيْهِ لم يَنْكِحْ بِنْتَ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ إحْدَاهُمَا أُخْتُهُ فَأَشْبَهَ ما لو اخْتَلَطَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ
فَصْلٌ وَتَثْبُتُ الْأُبُوَّةُ بِاللَّبَنِ وَلَوْ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ قَصُرَ الزَّمَانُ أو طَالَ كَعَشْرِ سِنِينَ وَلَوْ انْقَطَعَ اللَّبَنُ وَعَادَ أو نَكَحَتْ غير الْأَوَّلِ ولم تَلِدْ إذَا لم يَحْدُثْ ما يُحَالُ اللَّبَنُ عليه وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ وَالْحَمْلُ من النَّاكِحِ الثَّانِي لَا يُثْبِتُهَا أَيْ الْأُبُوَّةَ لِلثَّانِي ما لم تَلِدْ منه وَإِنْ زَادَ اللَّبَنُ على ما كان فَإِنْ وَلَدَتْ منه فَاللَّبَنُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ له لِأَنَّ اللَّبَنَ تَبَعٌ لِلْوَلَدِ وَالْوَلَدُ له وإذا حَبِلَتْ مُرْضِعٌ وفي نُسْخَةٍ مُرْضِعَةٌ مُزَوَّجَةٌ من وَطْءِ زِنًا فَاللَّبَنُ لِلزَّوْجِ ما لم تَضَعْ ثُمَّ بَعْدَ الْوَضْعِ هو لَبَنُ الزِّنَا نَظِيرُهُ ما لو حَبِلَتْ بِغَيْرِ زِنًا وَإِنْ نَزَلَ لِبِكْرٍ لَبَنٌ وَتَزَوَّجَتْ وَحَبِلَتْ من الزَّوْجِ فَاللَّبَنُ لها لَا لِلثَّانِي الْأَوْلَى لَا لِلزَّوْجِ ما لم تَلِدْ وَلَا أَبٌ لِلرَّضِيعِ فَإِنْ وَلَدَتْ منه فَاللَّبَنُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ له
الْبَابُ الثَّالِثُ في الرَّضَاعِ الْقَاطِعِ لِلنِّكَاحِ وَحُكْمُ الْغُرْمِ بِهِ وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ في الْغُرْمِ بِهِ فَإِنْ أَرْضَعَتْ من تَحْرُمْ عليه أَيْ على رَجُلٍ بِنْتُهَا كَأُمِّهِ أو أُخْتِهِ من نَسَبٍ أو رَضَاعٍ أو زَوْجَتِهِ وَكَذَا زَوْجَةُ أبيه أو ابْنِهِ أو أَخِيهِ بِلِبَانِهِمْ أَيْ بِلَبَنِهِمْ الْإِرْضَاعَ الْمُحَرِّمَ زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ بِالنَّصْبِ بِأَرْضَعَتْ حَرُمَتْ عليه أَبَدًا لِأَنَّهَا صَارَتْ أُخْتَهُ أو بِنْتَ أُخْتِهِ أو بِنْتَ زَوْجَتِهِ أو أُخْتَهُ أَيْضًا أو بِنْتَ ابْنِهِ أو بِنْتَ أَخِيهِ فَيَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ لِأَنَّ ما يُوجِبُ الْحُرْمَةَ الْمُؤَبَّدَةَ كما يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ يَمْنَعُ اسْتِدَامَتَهُ بِدَلِيلِ أَنَّ الِابْنَ إذَا وَطِئَ زَوْجَةَ أبيه بِشُبْهَةٍ انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَحَرُمَتْ عليه وَلَيْسَ ذلك كَطُرُوِّ الرِّدَّةِ وَالْعِدَّةِ لِعَدَمِ إيجَابِهِمَا التَّحْرِيمَ الْمُؤَبَّدَ أَمَّا إذَا كان اللَّبَنُ من غَيْرِ الْأَبِ وَالِابْنِ وَالْأَخِ فَلَا يُؤَثِّرُ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ تَصِيرَ رَبِيبَةَ أبيه أو ابْنِهِ أو أَخِيهِ وَلَيْسَتْ بِحَرَامٍ عليه وَلَزِمَهُ لِلصَّغِيرَةِ التي لم يَطَأْهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى إنْ صَحَّ أو نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ إنْ فَسَدَ لِأَنَّ ذلك فُرْقَةٌ قبل الدُّخُولِ لَا من جِهَتِهَا فَيُشْطَرُ الْمَهْرُ له كَالطَّلَاقِ وَيَرْجِعُ على الْمُرْضِعَةِ وَلَوْ لَزِمَهَا الْإِرْضَاعُ بِأَنْ لم يَكُنْ ثَمَّ مُرْضِعَةٌ غَيْرُهَا أو لم تَقْصِدْ بِإِرْضَاعِهَا فَسْخَ النِّكَاحِ لِأَنَّ غَرَامَةَ الْإِتْلَافِ لَا تَخْتَلِفُ بِذَلِكَ بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ اعْتِبَارًا لِمَا يَجِبُ له بِمَا يَجِبُ عليه لَا غَيْرُ أَيْ لَا جَمِيعَ مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا جَمِيعَ الْمُسَمَّى وَلَا نِصْفَهُ وَفَارَقَ ذلك شُهُودَ الطَّلَاقِ قبل الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا حَيْثُ يَرْجِعُ عليهم الزَّوْجُ بِجَمِيعِ مَهْرِ الْمِثْلِ بِأَنَّ فُرْقَةَ الرَّضَاعِ حَقِيقَةٌ فَلَا تُوجِبُ إلَّا النِّصْفَ كَالْمُفَارَقَةِ بِالطَّلَاقِ وفي الشَّهَادَةِ النِّكَاحَ بِأَنْ يَزْعُمَ الزَّوْجُ وَالشُّهُودُ لَكِنَّهُمْ بِشَهَادَتِهِمْ حَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبُضْعِ فَغَرِمُوا قِيمَتَهُ كَالْغَاصِبِ الْحَائِلِ بين الْمَالِكِ وَالْمَغْصُوبِ وَسَيَأْتِي حُكْمُ نِكَاحِ الْكَبِيرَةِ وَمَهْرِهَا
وَيُؤْخَذُ من كَسْبِ الزَّوْجِ الْعَبْدِ نِصْفُ الْمُسَمَّى أو مَهْرُ مِثْلِ زَوْجَتِهِ الصَّغِيرَةِ التي أَرْضَعَتْهَا من يَحْرُمْ عليه بِنْتُهَا وَيَرْجِعُ السَّيِّدُ على الْمُرْضِعَةِ بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَإِنْ كان النِّكَاحُ لم يَفُتْ إلَّا على الْعَبْدِ وَلَا حَقَّ لِلسَّيِّدِ فيه لِأَنَّ ذلك بَدَلُ الْبُضْعِ فَكَانَ لِلسَّيِّدِ كَعِوَضِ الْخُلْعِ
فَرْعٌ لو نَكَحَ عَبْدٌ أَمَةً صَغِيرَةً مُفَوَّضَةً بِتَفْوِيضِ سَيِّدِهَا فَأَرْضَعَتْهَا أُمُّهُ مَثَلًا فَلَهَا الْمُتْعَةُ في كَسْبِهِ وَلَا يُطَالِبُ سَيِّدُهُ الْمُرْضِعَةَ إلَّا بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَصَوَّرُوا ذلك
____________________
(3/419)
بِالْأَمَةِ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ في الْحُرَّةِ وَالتَّصْرِيحُ بِكَوْنِ الْمُتْعَةِ في الْكَسْبِ من زِيَادَتِهِ
فَرْعٌ لو أَوْجَرَهَا أَيْ الصَّغِيرَةَ أَجْنَبِيٌّ لَبَنَ أُمِّ الزَّوْجِ سَوَاءٌ أَحَلَبَهُ منها هو أو غَيْرُهُ فَالرُّجُوعُ لِلزَّوْجِ بِالْغُرْمِ عليه لَا على أُمِّ الزَّوْجِ وَلَوْ أَكْرَهَ الْأَجْنَبِيُّ الْأُمَّ على إرْضَاعِهَا فَأَرْضَعَتْهَا فَالْغُرْمُ عليها طَرِيقًا وَالْقَرَارُ على الْمُكْرِهِ لِيُوَافِقَ قَاعِدَةَ الْإِكْرَاهِ على الْإِتْلَافِ وَالْفَرْقُ بِأَنَّ الْأَبْضَاعَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ وَبِأَنَّ الْغُرْمَ هُنَا لِلْحَيْلُولَةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ في الْمُكْرَهِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ مع دُخُولِ إتْلَافِهِ في الْقَاعِدَةِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْغُرْمَ هُنَا الْحَيْلُولَةُ يَرُدُّهُ ما مَرَّ من الْفَرْقِ بين ما هُنَا وَشُهُودِ الطَّلَاقِ إذَا رَجَعُوا
وَإِنْ أَوْجَرَهَا خَمْسَةٌ من الناس مَرَّةً غَرِمُوهُ أَيْ ما لَزِمَهُمْ بِالْإِيجَارِ أَخْمَاسًا وَلَوْ كان اللَّبَنُ من وَاحِدَةٍ اعْتِبَارًا بِالْعَدَدِ أو أَوْجَرَهَا ثَلَاثَةٌ مُتَفَاضِلِينَ بِأَنْ أَوْجَرَهَا وَاحِدٌ مَرَّةً وَالْآخَرَانِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ فَعَلَى عَدَدِ الرَّضَعَاتِ يَغْرَمُونَ لَا على عَدَدِ الرُّءُوسِ لِأَنَّ انْفِسَاخَ النِّكَاحِ يَتَعَلَّقُ بِعَدَدِ الرَّضَعَاتِ فَعَلَى الْأَوَّلِ خُمُسُ الْغُرْمِ وَعَلَى كُلٍّ من الْآخَرَيْنِ خُمُسَاهُ وَهَذَا وما قَبْلَهُ إنَّمَا يَأْتِيَانِ على الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّغْرِيمَ لَا يَخْتَصُّ بِالْخَامِسَةِ فَإِنْ قُلْنَا بِاخْتِصَاصِهِ بها وهو الْأَصَحُّ اخْتَصَّ الْغُرْمُ بِالْأَخِيرِ كما مَرَّ
فَرْعٌ لو أَرْضَعَتْ أُمُّ زَوْجَتِهِ الْكَبِيرَةِ أو أُخْتِهَا أو بِنْتِ أَخِيهَا زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ انْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا لِأَنَّهُمَا صَارَتَا في الْأُولَى أُخْتَيْنِ وَالْكَبِيرَةُ في الثَّانِيَةِ خَالَةٌ لِلصَّغِيرَةِ وفي الثَّالِثَةِ عَمَّةٌ لِأُمِّهَا وَلَا سَبِيلَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَيَنْكِحُ بَعْدَ ذلك إحْدَاهُمَا إنْ شَاءَ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ عليه جَمْعُهُمَا فَإِنْ أَرْضَعَتْهَا بِنْتُ الْكَبِيرَةِ حُرِّمَتْ الْكَبِيرَةُ عليه أَبَدًا لِأَنَّهَا صَارَتْ جَدَّةَ زَوْجَتِهِ وَكَذَا الصَّغِيرَةُ إنْ كانت الْكَبِيرَةُ مَدْخُولًا بها لِأَنَّهَا صَارَتْ رَبِيبَةً بِخِلَافِ ما إذَا لم تَكُنْ مَدْخُولًا بها وَالْغُرْمُ فِيمَا ذُكِرَ كما سَبَقَ فَعَلَيْهِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمُسَمَّى أو نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِ وَلَهُ على الْمُرْضِعَةِ نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ إلَّا أَنَّ الْمَمْسُوسَةَ تُطَالِبُهُ بِكُلِّ الْمُسَمَّى أو مَهْرِ الْمِثْلِ وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ على الْمُرْضِعَةِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِتَفْوِيتِهَا مَنَافِعَ الْبُضْعِ عليه وَكَمَا لو شَهِدُوا بِالطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ رَجَعُوا وَكَمَا لو ادَّعَى أَنَّهُ رَاجَعَهَا قبل انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَأَنْكَرَتْ فَصَدَّقْنَاهَا بِيَمِينِهَا فَنَكَحَتْ ثُمَّ أَقَرَّتْ بِالرَّجْعَةِ لِلْأَوَّلِ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهَا على الثَّانِي وَتَغْرَمُ لِلْأَوَّلِ مَهْرَ مِثْلِهَا لِأَنَّهَا أَتْلَفَتْ بُضْعَهَا عليه وَإِنْ دَبَّتْ الصَّغِيرَةُ وَارْتَضَعَتْ بِنَفْسِهَا من الزَّوْجَةِ الْكَبِيرَةِ فَلَا غُرْمَ على ذَاتِ اللَّبَنِ وَلَوْ أَمْكَنَهَا الدَّفْعُ بِأَنْ تَكُونَ مُسْتَيْقِظَةً سَاكِتَةً لِأَنَّهَا لم تَصْنَعْ شيئا وَلَا مَهْرَ لِلصَّغِيرَةِ لِأَنَّ الِانْفِسَاخَ حَصَلَ بِفِعْلِهَا وَذَلِكَ يُسْقِطُ الْمَهْرَ قبل الدُّخُولِ بَلْ يَرْجِعُ الزَّوْجُ في مَالِهَا بِنِسْبَةِ ما غَرِمَ لِلْكَبِيرَةِ فَيَرْجِعُ فيه بِمَهْرِ مِثْلِ الْكَبِيرَةِ إنْ كانت مَدْخُولًا بها وَإِلَّا فَبِنِصْفِهِ لِمَا مَرَّ وَإِنْ حَمَلَتْ الرِّيحُ اللَّبَنَ من الْكَبِيرَةِ إلَى جَوْفِ الصَّغِيرَةِ فَلَا رُجُوعَ له على وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إذْ لَا صُنْعَ مِنْهُمَا وَلَوْ دَبَّتْ الصَّغِيرَةُ فَارْتَضَعَتْ من أُمِّ الزَّوْجِ مَرَّتَيْنِ وَأَرْضَعَتْهَا أُمُّ الزَّوْجِ ثَلَاثًا سَقَطَ من نِصْفِ مَهْرِهَا الْخُمُسَانِ وَلَزِمَ الزَّوْجَ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ وَيَرْجِعُ على أُمِّهِ بِثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَإِنْ أَرْضَعَتْهَا أَرْبَعًا ثُمَّ دَبَّتْ إلَى الْمُرْضِعَةِ الْخَامِسَةِ فَأَرْضَعَتْهَا سَقَطَ الْخُمُسُ لَكِنْ من نِصْفِ الْمَهْرِ بِزِيَادَةٍ لَكِنْ بِلَا حَاجَةٍ وَلَزِمَ الزَّوْجَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ وَيَرْجِعُ على أُمِّهِ بِأَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ هذا وما قَبْلَهُ إنَّمَا يَأْتِيَانِ على الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّغْرِيمَ لَا يَخْتَصُّ بِالْخَامِسَةِ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ كما مَرَّ نَظِيرُهُ وقد أَشَارَ إلَيْهِ الْأَصْلُ في الْأَخِيرِ وَلَفْظَةُ نِصْفِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَهِيَ مَذْكُورَةٌ في نُسَخِ الرَّافِعِيِّ الْمُعْتَمَدَةِ
الطَّرَفُ الثَّانِي في الْمُصَاهَرَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالرَّضَاعِ وَتَحْرُمُ عليه مُرْضِعَةُ زَوْجَتِهِ لِأَنَّهَا أُمُّ زَوْجَتِهِ من الرَّضَاعِ ومرضعة مُطَلَّقَتِهِ الصَّغِيرَةِ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ من
____________________
(3/420)
كانت زَوْجَتَهُ وَلَا نَظَرَ في ذلك إلَى التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَإِنْ أَرْضَعَتْ مُطَلَّقَةٌ من رَجُلٍ زَوْجَهَا الصَّغِيرَ بِلَبَنِ الْمُطَلِّقِ حَرُمَتْ أَبَدًا عليه لِكَوْنِهَا زَوْجَةَ وَلَدِهِ وَعَلَى الصَّغِيرِ لِأَنَّهَا أُمُّهُ وَزَوْجَةُ أبيه وَإِنْ فَسَخَتْ كَبِيرَةٌ نِكَاحَ صَغِيرٍ بِعَيْبٍ فيه ثُمَّ تَزَوَّجَتْ كَبِيرًا فَارْتَضَعَ الصَّغِيرُ بِلَبَنِهِ منها أو من ضَرَّتِهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِمَا أَبَدًا لِأَنَّ الصَّغِيرَ صَارَ ابْنًا لِلْكَبِيرِ فَهِيَ زَوْجَةُ ابْنِ الْكَبِيرِ وَزَوْجَةُ أبي الصَّغِيرِ بَلْ أُمُّهُ إنْ كان اللَّبَنُ منها وَإِنْ زَوَّجَ مُسْتَوْلَدَةً لِعَبْدِهِ الصَّغِيرِ بِنَاءً على الْمَرْجُوحِ أَنَّهُ يُزَوِّجُهُ فَأَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِهِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ لِأَنَّهَا أُمُّهُ وَمَوْطُوءَةُ أبيه وَحَرُمَتْ على السَّيِّدِ لِأَنَّهَا زَوْجَةُ ابْنِهِ أو أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ غَيْرِهِ لم تَحْرُمْ عليه لِأَنَّهُ لم يَصِرْ ابْنًا له فَلَا تَكُونُ هِيَ زَوْجَةُ ابْنِهِ وَإِنْ أَرْضَعَتْ أَمَتُهُ الْمَوْطُوءَةُ زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ بِلَبَنِهِ أو بِلَبَنِ غَيْرِهِ حَرُمَتَا عليه أَبَدًا لِأَنَّ الْأَمَةَ أُمُّ زَوْجَتِهِ وَالصَّغِيرَةَ ابْنَتُهُ إنْ كان اللَّبَنُ له وَابْنَةُ مَوْطُوءَتِهِ إنْ كان لِغَيْرِهِ وَإِنْ أَرْضَعَتْ الْمُطَلَّقَةُ الصَّغِيرَ الذي نَكَحَتْهُ بِغَيْرِ لَبَنِ الزَّوْجِ الْمُطَلِّقِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ ولم تَحْرُمْ على الْمُطَلِّقِ وَإِنْ طَلَّقَ زَيْدٌ صَغِيرَةً وَعُمَرُ كَبِيرَةً وَتَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْأُخْرَى بِأَنْ تَزَوَّجَ زَيْدٌ الْكَبِيرَةَ وَعَمْرٌو الصَّغِيرَةَ ثُمَّ أَرْضَعَتْ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ بِلَبَنِ غَيْرِهِمَا حَرُمَتْ عَلَيْهِمَا الْكَبِيرَةُ أَبَدًا لِأَنَّهَا أُمُّ زَوْجَتِهِمَا وَكَذَا تَحْرُمُ الصَّغِيرَةُ أَبَدًا على من دخل مِنْهُمَا بِالْكَبِيرَةِ لِأَنَّهَا رَبِيبَةٌ بِخِلَافِ من لم يَدْخُلْ بها وَإِنْ أَرْضَعَتْهَا بِلَبَنِ أَحَدِهِمَا حَرُمَتَا عليه لِأَنَّ الْكَبِيرَةَ أُمُّ زَوْجَتِهِ وَالصَّغِيرَةَ بِنْتُهُ وَحَرُمَتْ الْكَبِيرَةُ على الْآخَرِ أَبَدًا وَكَذَا الصَّغِيرَةُ إنْ دخل بِالْكَبِيرَةِ وَإِنْ طَلَّقَهُمَا زَيْدٌ بِأَنْ كَانَتَا تَحْتَهُ ثُمَّ طَلَّقَهُمَا ثُمَّ تَزَوَّجَهُمَا عَمْرٌو وَأَرْضَعَتْهَا أَيْ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ فَالتَّحْرِيمُ كَذَلِكَ فَتَحْرُمُ الْكَبِيرَةُ عَلَيْهِمَا وَكَذَا الصَّغِيرَةُ على من دخل بِالْكَبِيرَةِ لَكِنْ يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُمَا من عَمْرٍو وَإِنْ لم يَدْخُلْ عَمْرٌو بِالْكَبِيرَةِ لِلْجَمْعِ أَيْ لِاجْتِمَاعِ الْأُمِّ وَبِنْتِهَا في نِكَاحِهِ وَفِيمَا مَرَّ لَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الصَّغِيرَةِ على من لم يَدْخُلْ بِالْكَبِيرَةِ وَيَغْرَمُ لِلصَّغِيرَةِ زَوْجُهَا وَيَرْجِعُ على الْكَبِيرَةِ كما سَبَقَ فَيَغْرَمُ لِلصَّغِيرَةِ نِصْفَ الْمُسَمَّى أو نِصْفَ الْمَهْرِ وَيَرْجِعُ على الْكَبِيرَةِ بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا شَيْءَ لِلْكَبِيرَةِ على زَوْجِهَا إنْ لم يَدْخُلْ بها لِأَنَّ الِانْفِسَاخَ جاء منها
فَصْلٌ لو أَرْضَعَتْ زَوْجَتُهُ الْكَبِيرَةُ زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ انْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا لِصَيْرُورَةِ الصَّغِيرَةِ بِنْتًا لِلْكَبِيرَةِ وَاجْتِمَاعُ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ في النِّكَاحِ مُمْتَنِعٌ وَحَرُمَتْ الْكَبِيرَةُ عليه أَبَدًا لِأَنَّهَا أُمُّ زَوْجَتِهِ وَكَذَا الصَّغِيرَةُ إنْ أَرْضَعَتْهَا الْكَبِيرَةُ بِلَبَنِهِ لِأَنَّهَا بِنْتُهُ وَإِلَّا بِأَنْ أَرْضَعَتْهَا الْكَبِيرَةُ بِلَبَنِ غَيْرِهِ فَهِيَ رَبِيبَةٌ له لَا تَحْرُمُ عليه إنْ لم يَدْخُلْ بِالْكَبِيرَةِ وَإِلَّا حَرُمَتْ عليه وَيَغْرَمُ الزَّوْجُ لِلصَّغِيرَةِ نِصْفَ الْمُسَمَّى إنْ صَحَّ وَإِلَّا فَنِصْفَ مَهْرِ الْمِثْلِ وَتَرْجِعُ على الْكَبِيرَةِ بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ كما مَرَّ وَلَا شَيْءَ لها عليه إنْ لم تَكُنْ مَمْسُوسَةٌ وَإِنْ كانت مَمْسُوسَةً لم يَسْقُطْ مَهْرُهَا عنه وَلَا يَرْجِعُ عليها بِهِ إذَا غَرِمَهُ لها وَإِنْ كانت أَتْلَفَتْ عليه بُضْعَهَا قالوا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إخْلَاءِ نِكَاحِهَا عن الْمَهْرِ فَتَصِيرُ كَالْمَوْهُوبَةِ وَذَلِكَ من خَصَائِصِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَيْسَ كما لو رَاجَعَهَا في الْعِدَّةِ وَأَنْكَرَتْ فَصَدَّقْنَاهَا بِيَمِينِهَا فَنَكَحَتْ زَوْجًا آخَرَ ثُمَّ صَدَّقَتْ الْأَوَّلَ في الرَّجْعَةِ حَيْثُ يُغَرِّمُهَا الْأَوَّلُ مَهْرَ الْمِثْلِ لِأَنَّ نِكَاحَهُ ثَمَّ بَاقٍ بِزَعْمِهِ وَزَعْمِهَا إلَّا أنها حَالَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بِالْيَمِينِ وَلِذَلِكَ لو طَلَّقَهَا الثَّانِي أو مَاتَ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ بِلَا تَجْدِيدِ عَقْدٍ وَيَلْزَمُهُ رَدُّ الْمَهْرِ إلَيْهَا وَإِنْ كان الِارْتِضَاعُ فِيمَا ذُكِرَ بِفِعْلِ الصَّغِيرَةِ كَأَنْ ارْتَضَعَتْ من الْكَبِيرَةِ وَهِيَ نَائِمَةٌ فَلَا شَيْءَ لها عليه وَلِلْكَبِيرَةِ عليه الْمُسَمَّى أو مَهْرُ الْمِثْلِ إنْ دخل بها أو نِصْفُهُ إنْ لم يَدْخُلْ بها وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ بِالْغُرْمِ على الصَّغِيرَةِ كما مَرَّ فَإِنْ كانت الْكَبِيرَةُ أَمَةَ غَيْرِهِ تَعَلَّقَ الْغُرْمُ بِرَقَبَتِهَا لِأَنَّ إرْضَاعَهَا كَجِنَايَتِهَا وَالْقِيَاسُ في الْمُبَعَّضَةِ التَّقْسِيطُ على ما فيها من الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ أو كانت أَمَتَهُ فَلَا شَيْءَ عليها له لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَسْتَحِقُّ على مَمْلُوكِهِ مَالًا إلَّا إنْ كانت مُكَاتَبَةً فَعَلَيْهَا الْغُرْمُ له فَإِنْ عَجَزَهَا سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ بِالْغُرْمِ كما تَسْقُطُ النُّجُومُ وَلَوْ كانت مُسْتَوْلَدَاتِهِ الْخَمْسَ فَأَرْضَعْنَ زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ صَارَتْ بِنْتًا له فَيُفْسَخُ النِّكَاحُ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِنَّ بِالْغُرْمِ إنْ أَرْضَعْنَ مَعًا وَإِلَّا فَجَمِيعُ الْغُرْمِ على الْخَامِسَةِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
فَرْعٌ لو أَرْضَعَتْ زَوْجَتُهُ الْكَبِيرَةُ ثَلَاثَ زَوْجَاتٍ له صَغَائِرَ بِلَبَنِهِ أو بِلَبَنِ غَيْرِهِ حَرُمَتْ الْكَبِيرَةُ أَبَدًا لِأَنَّهَا أُمُّ زَوْجَاتِهِ
____________________
(3/421)
وَكَذَا الصَّغَائِرُ إنْ كانت مَدْخُولًا بها أو أَرْضَعَتْهُنَّ بِلَبَنِهِ لِأَنَّهُنَّ بَنَاتُهُ أو بَنَاتُ مَوْطُوآته سَوَاءٌ أَرْضَعَتْهُنَّ مَعًا أَمْ مُرَتَّبًا وَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى أو مَهْرُ الْمِثْلِ لِلْكَبِيرَةِ الْمَدْخُولِ بها وَنِصْفُهُ لِكُلِّ صَغِيرَةٍ وَعَلَى الْكَبِيرَةِ الْغُرْمُ وَإِلَّا بِأَنْ لم تَكُنْ مَدْخُولًا بها وَلَيْسَ اللَّبَنُ له فَيَحْرُمْنَ لِلْجَمْعِ أَيْ لِاجْتِمَاعِهِنَّ مع الْأُمِّ في نِكَاحِهِ وَلِصَيْرُورَتِهِنَّ أَخَوَاتٍ فيه لَا مُؤَبَّدًا فَإِنْ أَرْضَعَتْهُنَّ الرَّضْعَةَ الْخَامِسَةَ مَعًا كَأَنْ أَوْجَرَتْهُنَّ أو أَرْضَعَتْ وَاحِدَةً ثُمَّ ثِنْتَيْنِ مَعًا انْفَسَخَ نِكَاحُهُنَّ أَمَّا في الْأُولَى فَلِصَيْرُورَةِ الصَّغَائِرِ أَخَوَاتٍ وَاجْتِمَاعِهِنَّ مع الْأُمِّ في النِّكَاحِ وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الصَّغِيرَةَ الْأُولَى صَارَتْ بِنْتَ الْكَبِيرَةَ وَالْأُخْرَيَيْنِ صَارَتَا أُخْتَيْنِ مَعًا أو أَرْضَعَتْ ثِنْتَيْنِ مَعًا ثُمَّ الثَّالِثَةَ انْفَسَخَ نِكَاحُ الْأُولَيَيْنِ مع الْكَبِيرَةِ لِثُبُوتِ الْأُخُوَّةِ بَيْنَهُمَا وَلِاجْتِمَاعِهِمَا مع الْأُمِّ في النِّكَاحِ وَبَقِيَ نِكَاحُ الثَّالِثَةِ لِانْفِرَادِهَا وَوُقُوعِ إرْضَاعِهَا بَعْدَ انْدِفَاعِ نِكَاحِ أُمِّهَا وَأُخْتِهَا فَإِنْ تَعَاقَبْنَ في الِارْتِضَاعِ انْفَسَخَ نِكَاحُ الْأُولَى مع الْكَبِيرَةِ بِاجْتِمَاعِهَا مع الْكَبِيرَةِ التي صَارَتْ أُمَّهَا في النِّكَاحِ وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ الثَّالِثَةِ لِاجْتِمَاعِهَا مع أُخْتِهَا الثَّانِيَةِ في النِّكَاحِ وَكَذَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الثَّالِثَةِ مَعَهَا لِاجْتِمَاعِهِمَا في النِّكَاحِ وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا بِمُجَرَّدِ ارْتِضَاعِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً ولم تَجْتَمِعْ هِيَ وَأُمٌّ وَلَا هِيَ وَأُخْتٌ وَإِنْ أَرْضَعَتْ أَجْنَبِيَّةٌ زَوْجَتَيْهِ مَعًا وَكَذَا مُرَتَّبًا انْفَسَخَ نِكَاحُهَا لِلْجَمْعِ أَيْ لِاجْتِمَاعِ الْأُخْتَيْنِ في نِكَاحِهِ وَتَحْرُمُ عليه الْأَجْنَبِيَّةُ أَبَدًا لِأَنَّهَا أُمُّ زَوْجَتَيْهِ أو أَرْضَعَتْ زَوْجَاتِهِ الْأَرْبَعَ مَعًا أو مُثَنًّى أَيْ ثِنْتَيْنِ مَعًا ثُمَّ ثِنْتَيْنِ مَعًا انْفَسَخَ نِكَاحُهُنَّ لِاجْتِمَاعِ الْأَخَوَاتِ في نِكَاحِهِ
وَكَذَا إنْ تَرَتَّبُوا بِأَنْ أَرْضَعَتْهُنَّ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ أو وَاحِدَةً ثُمَّ وَاحِدَةً ثُمَّ ثِنْتَيْنِ أو ثِنْتَيْنِ ثُمَّ وَاحِدَةً ثُمَّ وَاحِدَةً لِذَلِكَ فَإِنْ أَرْضَعَتْ ثَلَاثًا مَعًا ثُمَّ وَاحِدَةً أو وَاحِدَةً ثُمَّ ثِنْتَيْنِ مَعًا ثُمَّ وَاحِدَةً لم يَنْفَسِخْ نِكَاحُ الرَّابِعَةِ وَانْفَسَخَ نِكَاحُ من عَدَاهَا وَلَوْ كان تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ وَثَلَاثُ كَبَائِرَ فَأَرْضَعَتْهَا كُلُّ كَبِيرَةٍ خَمْسًا انْفَسَخَ نِكَاحُ الْجَمِيعِ لِأَنَّ الْكَبَائِرَ أُمَّهَاتُ زَوْجَتِهِ وَالصَّغِيرَةَ بِنْتُ زَوْجَاتِهِ وَحَرُمَتْ الْكَبَائِرُ أَبَدًا وَكَذَا الصَّغِيرَةُ إنْ كان دخل بِكَبِيرَةٍ وَإِلَّا فَلَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
فَرْعٌ لو كان تَحْتَهُ كَبِيرَتَانِ وَصَغِيرَتَانِ فَأَرْضَعَتْ إحْدَاهُمَا وَاحِدَةً من الصَّغِيرَتَيْنِ وَالْأُخْرَى الْأُخْرَى انْفَسَخَ نِكَاحُهُنَّ وَحَرُمْنَ مُؤَبَّدًا إنْ كان دخل بِالْكَبِيرَتَيْنِ وَإِلَّا بِأَنْ لم يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَلَهُ نِكَاحُ الصَّغِيرَتَيْنِ مَعًا وَمُرَتَّبًا لِعَدَمِ أُخُوَّتِهِمَا بِخِلَافِ الْكَبِيرَتَيْنِ تَحْرُمَانِ مُؤَبَّدًا لِأَنَّهُمَا أُمَّا زَوْجَتَيْهِ فَإِنْ أَرْضَعَتْهُمَا إحْدَى الْكَبِيرَتَيْنِ مُرَتَّبًا انْفَسَخَ نِكَاحُ الْأُولَى مع الْمُرْضِعَةِ لِاجْتِمَاعِ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ في النِّكَاحِ فَقَطْ أَيْ دُونَ نِكَاحِ الصَّغِيرَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا لم تَجْتَمِعْ مع أُمٍّ وَلَا أُخْتٍ وَإِنْ أَرْضَعَتْهُمَا الْكَبِيرَةُ الْأُخْرَى بَعْدَ إرْضَاعِ الْأُولَى على تَرْتِيبِ إرْضَاعِ الْأُولَى لم يَنْفَسِخْ نِكَاحُ الصَّغِيرَةِ الثَّانِيَةِ لِذَلِكَ وَانْفَسَخَ نِكَاحُ الْكَبِيرَةِ الثَّانِيَةِ بِإِرْضَاعِ الصَّغِيرَةِ الْأُولَى أو عَكْسُهُ بِأَنْ أَرْضَعَتْهُمَا الْأُخْرَى على عَكْسِ تَرْتِيبِ إرْضَاعِ الْأُولَى انْفَسَخَ نِكَاحُ الصَّغِيرَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا وَلَهُ نِكَاحُ كل صَغِيرَةٍ إنْ لم يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ من الْكَبِيرَتَيْنِ وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا
فَرْعٌ لو أَوْجَرَتْ الْكَبِيرَتَانِ الصَّغِيرَةَ لَبَنَهُمَا من غَيْرِهِ دَفْعَةً بِأَنْ كان مَخْلُوطًا تَأَيَّدَ تَحْرِيمُ الْكَبِيرَتَيْنِ وَكَذَا الصَّغِيرَةُ إنْ كان دخل بِإِحْدَاهُمَا لِاجْتِمَاعِ الْبِنْتِ مع أُمِّهَا في النِّكَاحِ فَإِنْ لم يَدْخُلْ بها لم تَحْرُمْ الصَّغِيرَةُ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمُسَمَّى أو مَهْرُ الْمِثْلِ لِلصَّغِيرَةِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِمَا بِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا وَلَهُمَا عليه الْمُسَمَّى أو مَهْرُ الْمِثْلِ إنْ كان دخل بِهِمَا وَيَرْجِعُ على كُلٍّ مِنْهُمَا بِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلِ صَاحِبَتِهِمَا لِأَنَّ الِانْفِسَاخَ لِنِكَاحِ كُلٍّ مِنْهُمَا حَصَلَ بِفِعْلِهَا وَفِعْلِ صَاحِبَتِهَا فَسَقَطَ النِّصْفُ بِفِعْلِهَا وَوَجَبَ النِّصْفُ على صَاحِبَتِهَا وَإِنْ لم يَكُنْ دخل بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا رُبْعُ الْمُسَمَّى أو رُبْعُ مَهْرِ الْمِثْلِ لِذَلِكَ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِمَا أَيْ على كُلٍّ مِنْهُمَا بِرُبْعِ مَهْرِ مِثْلِ صَاحِبَتِهَا وَإِنْ دخل بِإِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَلَهَا تَمَامُ الْمُسَمَّى أو مَهْرُ الْمِثْلِ وَلِلْأُخْرَى رُبْعُهُ وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ على التي لم يَدْخُلْ بها بِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلِ الْمَدْخُولِ بها وَعَلَى الْمَدْخُولِ بها بِرُبْعِ مَهْرِ مِثْلِ التي لم يَدْخُلْ بها وَإِنْ أَوْجَرَهَا اللَّبَنَيْنِ في الرَّضْعَةِ الْخَامِسَةِ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَالتَّحْرِيمُ بِحَالِهِ السَّابِقِ لِأَنَّ اللَّبَنَ مِنْهُمَا ولكن له الرُّجُوعُ على الْمُوجِرَةِ فَقَطْ في غُرْمِهِ لَهُمَا أَيْ بِغُرْمِهِ لِلصَّغِيرَةِ وَلِغَيْرِ الْمُوجِرَةِ لِلْخَامِسَةِ
____________________
(3/422)
وَلَا شَيْءَ لِلْمُوجِرَةِ لِأَنَّهَا سَبَبُ الْفُرْقَةِ
إلَّا إذَا كانت مَمْسُوسَةً فَلَهَا الْمُسَمَّى أو مَهْرُ الْمِثْلِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ من غَيْرِهِ ما لو كان اللَّبَنُ منه فَتَحْرُمُ الصَّغِيرَةُ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا صَارَتْ بِنْتَهُ وَلَوْ ثَبَتَتْ الْأُبُوَّةُ فَقَطْ بِأَنْ أَرْضَعَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا بَعْضَ الْخَمْسِ وَتَفَاضَلَتَا أَيْ الْكَبِيرَتَانِ في الْإِرْضَاعِ بِأَنْ حَلَبَتَا لَبَنَهُمَا من الزَّوْجِ إحْدَاهُمَا ثَلَاثَ دَفَعَاتٍ أو أَكْثَرَ في ثَلَاثَةِ آنِيَةٍ أو أَكْثَرَ وَالْأُخْرَى دَفْعَتَيْنِ أو أَكْثَرَ في إنَاءَيْنِ أو أَكْثَرَ ثُمَّ جُمِعَ الْجَمِيعُ وَأَوْجَرَتْهُ إحْدَاهُمَا الصَّغِيرَةَ وَلَوْ ثَلَاثًا لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمَخْلُوطَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ النِّسَاءِ وَإِنْ أُوجِرَ دَفْعَةً غَرِمَتْ وَحْدَهَا لِأَنَّ الِانْفِسَاخَ بِفِعْلِهَا وَحَرُمَتْ الصَّغِيرَةُ مُؤَبَّدًا لِأَنَّهَا ابْنَتُهُ وَإِنْ أَوْجَرَتَاهُ لها مَعًا غَرِمَتَا بِالسَّوِيَّةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا في إفْسَادِ النِّكَاحِ وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُمَا وَإِنْ أَرْضَعَتَا مُتَفَرِّقًا كَأَنْ أَرْضَعَتْ إحْدَاهُمَا ثَلَاثًا وَالْأُخْرَى مَرَّتَيْنِ فَالْغُرْمُ على مُرْضِعَةِ الْخَامِسَةِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
فَرْعٌ لو كان تَحْتَهُ أَرْبَعُ صَغَائِرَ فَأَرْضَعَتْ ثَلَاثُ خَالَاتٍ له من الْأَبَوَيْنِ ثَلَاثًا مِنْهُنَّ بِأَنْ أَرْضَعَتْ كُلٌّ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً لم يُؤَثِّرْ في نِكَاحِهِنَّ لِجَوَازِ اجْتِمَاعِ بَنَاتِ الْخَالَاتِ في نِكَاحِهِ فَإِنْ أَرْضَعَتْ بَعْدَ ذلك أُمُّ أُمِّهِ أو امْرَأَةُ أبي أُمِّهِ بِلَبَنِهِ زَوْجَتَهُ لِرَابِعَةٍ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا وَحَرُمَتْ عليه مُؤَبَّدًا لِأَنَّهَا صَارَتْ خَالَتَهُ وَخَالَتَهُنَّ أَيْ الصَّغَائِرِ الثَّلَاثِ وَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِ صَيْرُورَتِهَا خَالَةً لَهُنَّ في تَعْلِيلِ ذلك وَإِنَّمَا يُعَلَّلُ بِهِ قَوْلُهُ وَكَذَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْبَاقِيَاتِ لِحُرْمَةِ الْجَمْعِ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الرَّابِعَةِ وَلَوْ كُنَّ الْأَفْصَحُ كانت الْخَالَاتُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَ الثَّلَاثَ مُتَفَرِّقَاتٍ وَأَرْضَعَتْ الصَّغِيرَةَ لِرَابِعَةٍ أُمُّ أُمِّهِ لم يَنْفَسِخْ نِكَاحُ التي أَرْضَعَتْهَا الْخَالَةُ لِلْأَبِ لِأَنَّ الرَّابِعَةَ لم تَصِرْ خَالَةً لها وَإِنْ كانت مُرْضِعَةُ الرَّابِعَةِ امْرَأَةَ أبي أُمِّهِ لم يَنْفَسِخْ نِكَاحُ التي أَرْضَعَتْهَا الْخَالَةُ لِلْأُمِّ لِذَلِكَ وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ أَيْ مِثْلُ ما ذُكِرَ في الْخَالَاتِ إنْ أَرْضَعَتْهُنَّ أَيْ الصَّغَائِرَ الثَّلَاثَ ثَلَاثُ عَمَّاتٍ له وَأَرْضَعَتْ الصَّغِيرَةَ الرَّابِعَةُ بَعْدَ ذلك أُمُّ أبيه أو امْرَأَةُ أبي أبيه بِلَبَنِهِ
فَرْعٌ لو أَرْضَعَ تِ بَنَاتِ زَوْجَتِهِ الْكَبِيرَةِ وَهُنَّ ثَلَاثٌ ثَلَاثَ زَوْجَاتٍ له صَغَائِرَ بِأَنْ أَرْضَعَتْ كُلٌّ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً وَهِيَ أَيْ الْكَبِيرَةُ مَدْخُولٌ بها حَرُمَ عليه الْكُلُّ مُؤَبَّدًا سَوَاءٌ أَرَضَعْنَ مَعًا أَمْ مُرَتَّبًا لِأَنَّ الْكَبِيرَةَ جَدَّةُ نِسَائِهِ وَالصَّغَائِرَ حَوَافِدُهَا وَيَرْجِعُ بِمَهْرِ الْكَبِيرَةِ على بَنَاتِهَا إنْ أَرْضَعْنَ مَعًا لِاشْتِرَاكِهِنَّ في إفْسَادِ النِّكَاحِ وَإِلَّا بِأَنْ أَرْضَعْنَ مُرَتَّبًا فَعَلَى الْأُولَى مِنْهُنَّ لِأَنَّهَا الْمُفْسِدَةُ لِنِكَاحِهِ ويرجع بِمَهْرِ الْأُولَى بِغُرْمِ كل صَغِيرَةٍ على مُرْضِعَتِهَا فَإِنْ لم تَكُنْ أَيْ الْكَبِيرَةُ مَدْخُولًا بها وَأَرْضَعْنَ الْمَرَّةَ الْخَامِسَةَ مَعًا انْفَسَخَ نِكَاحُهُنَّ لِاجْتِمَاعِ الْجَدَّةِ مع الْحَوَافِدِ في نِكَاحِهِ وَحَرُمَتْ عليه الْكَبِيرَةُ مُؤَبَّدًا دُونَهُنَّ لِمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَلِكُلٍّ مِنْهُنَّ أَيْ من الْكَبِيرَةِ وَالصَّغَائِرِ نِصْفُ الْمُسَمَّى أو نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَالرُّجُوعُ بِهِ كما سَبَقَ فَيَرْجِعُ بِغُرْمِ كل صَغِيرَةٍ على مُرْضِعَتِهَا وَبِغُرْمِ الْكَبِيرَةِ على الثَّلَاثِ على كل وَاحِدَةٍ سُدُسٌ أو أَرْضَعْنَ مُرَتَّبًا انْفَسَخَ النِّكَاحُ في الْكَبِيرَةِ وَالْأُولَى وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا عليه نِصْفُ الْمُسَمَّى أو نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَيَرْجِعُ بِالْغُرْمِ فَقَطْ أَيْ دُونَ نِكَاحِ الْبَاقِيَتَيْنِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وهو مُكَرَّرٌ مع قَوْلِهِ وَلَا يَنْفَسِخُ في الْبَاقِيَيْنِ سَوَاءٌ أَرَضَعَا مَعًا أَمْ مُرَتَّبًا لِأَنَّهَا لم يَصِيرَا أُخْتَيْنِ وَلَا اجْتَمَعَتَا مع الْجَدَّةِ في النِّكَاحِ وكان حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ الْبَاقِيَيْنِ وَرَضَعَتَا قال في الْأَصْلِ وَلَوْ أَرْضَعَتْ ثِنْتَانِ صَغِيرَتَيْنِ مَعًا ثُمَّ أَرْضَعَتْ الثَّالِثَةُ الثَّالِثَةَ لم يَنْفَسِخْ نِكَاحُ الثَّالِثَةِ وَانْفَسَخَ نِكَاحُ الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ وَعَلَى الزَّوْجِ نِصْفُ الْمُسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَيَرْجِعُ بِغُرْمِ كل صَغِيرَةٍ على مُرْضِعَتِهَا وَتَغْرَمُ الْكَبِيرَةُ على الْمُرْضِعَتَيْنِ جميعا
فَرْعٌ لو زَوَّجَ رَجُلٌ ابْنَ ابْنِهِ بِنْتَ ابْنِهِ فَأَرْضَعَتْ جَدَّتُهُمَا أُمُّ أَبِيهِمَا أَيْ أبي كُلٍّ مِنْهُمَا إحْدَاهُمَا أو أَرْضَعَتْهُ أُمُّ أبي أَحَدِهِمَا بِلَبَنِ جَدِّهِمَا ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهَا إنْ أَرْضَعَتْ الصَّغِيرَ صَارَ عَمًّا لِلصَّغِيرَةِ أو الصَّغِيرَةُ صَارَتْ عَمَّةً لِلصَّغِيرِ وَذَكَرَ الْأَصْلُ هُنَا صُوَرًا تَرَكَهَا الْمُصَنِّفُ لِلْعِلْمِ بها مِمَّا مَرَّ
الْبَابُ الرَّابِعُ في الِاخْتِلَافِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَطْرَافٍ
الْأَوَّلُ في دَعْوَى الرَّضَاعِ وَحُكْمِهَا فَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قبل النِّكَاحِ بِرَضَاعٍ بَيْنَهُمَا مُحَرِّمٍ مُمْكِنٍ حَرُمَ تَنَاكُحُهُمَا مُؤَاخَذَةً له بِقَوْلِهِ فَلَوْ رَجَعَ عن إقْرَارِهِ لم يُقْبَلْ رُجُوعُهُ بِخِلَافِ ما لو أَنْكَرَتْ الرَّجْعَةَ
____________________
(3/423)
وَاقْتَضَى الْحَالُ تَصْدِيقَهَا ثُمَّ رَجَعَتْ حَيْثُ تُقْبَلُ لِأَنَّ حُرْمَةَ الرَّضَاعِ مُؤَبَّدَةٌ بِخِلَافِ فُرْقَةِ الْبَيْنُونَةِ وَخَرَجَ بِالْمُمْكِنِ غَيْرُهُ كَأَنْ قال فُلَانَةُ بِنْتِي وَهِيَ أَسَنُّ منه فإنه لَغْوٌ وفي تَعْبِيرِهِ بِالزَّوْجَيْنِ تَجَوُّزٌ سَهَّلَهُ قَوْلُهُ وَإِنْ اتَّفَقَا عليه أَيْ على الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ النِّكَاحِ حُكِمَ بِفَسَادِهِ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا عَمَلًا بِقَوْلِهِمَا وَسَقَطَ الْمُسَمَّى وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ إنْ كانت جَاهِلَةً وَدَخَلَ بها وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ وَإِنْ ادَّعَاهُ أَيْ الرَّضَاعَ الزَّوْجُ وَأَنْكَرَتْ حُكِمَ بِبُطْلَانِهِ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا مُؤَاخَذَةً له بِقَوْلِهِ وَلَزِمَهُ الْمُسَمَّى أو مَهْرُ الْمِثْلِ إنْ دخل بها أو نِصْفُهُ إنْ لم يَدْخُلْ بها وَلَهُ تَحْلِيفُهَا إنْ لم يَطَأْ هَا أو وَطِئَهَا وكان مَهْرُ الْمِثْلِ أَقَلَّ من الْمُسَمَّى فَإِنْ نَكَلَتْ حَلَفَ وَلَا شَيْءَ لها إنْ لم يَطَأْ وَإِلَّا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فَإِنْ ادَّعَتْهُ أَيْ الرَّضَاعَ فَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهَا إنْ سَبَقَ منها إذْنٌ في تَزْوِيجِهَا بِهِ أو تَمْكِينٌ له من وَطْئِهَا لِأَنَّ ذلك يَتَضَمَّنُ حِلَّهَا فَلَا يُقْبَلُ منها نَقِيضُهُ كما لو بَاعَ عَيْنًا ثُمَّ ادَّعَى وَقْفَهَا وَإِلَّا بِأَنْ زُوِّجَتْ بِغَيْرِ إذْنٍ لِصِغَرٍ أو نَحْوِهِ أو بِإِذْنٍ من غَيْرِ مُعَيَّنٍ ولم تُمَكِّنْهُ من وَطْئِهَا صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا لِأَنَّ ما تَدَّعِيهِ مُحْتَمَلٌ ولم يَسْبِقْ منها ما يُنَاقِضُهُ فَأَشْبَهَ ما لو ذَكَرَتْهُ قبل النِّكَاحِ وَلَا شَيْءَ لها إنْ لم يَطَأْ عَمَلًا بِقَوْلِهَا وَإِلَّا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَإِنْ كانت قد قَبَضَتْ الْمُسَمَّى أو بَعْضَهُ فَلَهُ حُكْمُ ما لو أَقَرَّتْ له بِهِ وَكَذَّبَهَا فَلَا يَسْتَرِدُّهُ منها بَلْ يَبْقَى في يَدِهَا لِزَعْمِهِ أَنَّهُ لها وَالْوَرَعُ له أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً لِتَحِلَّ لِغَيْرِهِ إنْ كانت كَاذِبَةً
فَرْعٌ يَحْرُمُ على السَّيِّدِ وَطْءُ أَمَةٍ أَقَرَّتْ بِالْمُرَاضَعَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ قبل الشِّرَاءِ منه لها وَكَذَا بَعْدَهُ وَقَبْلَ التَّمْكِينِ وَقِيلَ لَا تَحْرُمُ في هذه وَالتَّرْجِيحُ فيها من زِيَادَتِهِ وَبِمَا رَجَّحَهُ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ قال الْبَغَوِيّ وَيُخَالِفُ ذلك ما لو أَقَرَّتْ بِأَنَّ بَيْنَهُمَا أُخُوَّةَ نَسَبٍ حَيْثُ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ النَّسَبَ أَصْلٌ يُبْنَى عليه أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ بِخِلَافِ التَّحْرِيمِ بِالرَّضَاعِ
الطَّرَفُ الثَّانِي في كَيْفِيَّةِ الْحَلِفِ في الرَّضَاعِ وَالْمُنْكِرُ لِلرَّضَاعِ يَحْلِفُ على نَفْيِ الْعِلْمِ لِأَنَّهُ يَنْفِي فِعْلَ الْغَيْرِ وَلَا نَظَرَ إلَى فِعْلِهِ في الِارْتِضَاعِ لِأَنَّهُ كان صَغِيرًا وَمُدَّعِيهِ يَحْلِفُ على الْبَتِّ وَلَوْ بَعْدَ نُكُولِ صَاحِبِهِ عن الْيَمِينِ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ فِعْلَ الْغَيْرِ وَلَوْ ادَّعَتْ الرَّضَاعَ فَشَكَّ الزَّوْجُ فلم يَقَعْ في نَفْسِهِ صِدْقُهَا وَلَا كَذِبُهَا لم يَحْلِفْ بِنَاءً على أَنَّهُ يَحْلِفُ على الْبَتِّ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ
الطَّرَفُ الثَّالِثُ في الشَّهَادَةِ عليه أَيْ على الْإِرْضَاعِ يُقْبَلُ في الرَّضَاعِ وفي حَلْبِ لَبَنِهَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أو أَرْبَعُ نِسْوَةٍ لِاخْتِصَاصِ النِّسَاءِ بِالِاطِّلَاعِ عليه غَالِبًا كَالْوِلَادَةِ وَكُلُّ ثِنْتَيْنِ بِرَجُلٍ وما يُقْبَلُ فيه النِّسَاءُ يُقْبَلُ فيه الرِّجَالُ وَالنَّوْعَانِ وَلَا يُقْبَلُ في الْإِقْرَارِ بِهِ وَالْإِيجَارِ لِلَّبَنِ إلَّا رَجُلَانِ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِمَا الرِّجَالُ غَالِبًا وَيُقْبَلُ في الرَّضَاعِ شَهَادَةُ أُمِّ الْمَرْأَةِ أَيْ الزَّوْجَةِ وَبِنْتِهَا مع غَيْرِهِمَا حِسْبَةً بِلَا تَقَدُّمِ دَعْوَى وَإِنْ اُحْتُمِلَ كَوْنُ الزَّوْجَةِ مُدَّعِيَةً لِأَنَّ الرَّضَاعَ يُقْبَلُ فيه شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ كما يَشْهَدُ أَبُوهَا وَابْنُهَا أو ابْنَاهَا بِالطَّلَاقِ لها من زَوْجِهَا حِسْبَةً بِخِلَافِ ما لو ادَّعَتْهُ وَكَذَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أُمِّ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِهَا إنْ ادَّعَى الزَّوْجُ الرَّضَاعَ فَأَنْكَرَتْ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عليها لَا عَكْسُهُ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لها وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ شَهَادَةُ بِنْتِهَا بِذَلِكَ إذَا شَهِدَتْ بِأَنَّ الزَّوْجَ ارْتَضَعَ من أُمِّهَا أو نَحْوِهَا أَمَّا شَهَادَتُهَا بِأَنَّ أُمَّهَا ارْتَضَعَتْ من أُمِّ الزَّوْجِ أو نَحْوِهَا فَلَا يُمْكِنُ لِاسْتِحَالَةِ الْمُشَاهَدَةِ الْمُعْتَبَرَةِ في الشَّهَادَةِ بِذَلِكَ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُرْضِعَةِ وَلَوْ ذَكَرَتْ فِعْلَهَا بِأَنْ قالت أَرْضَعَتْهُ لِأَنَّهَا لم تَجُرَّ بِشَهَادَتِهَا نَفْعًا ولم تَدْفَعْ بها ضَرَرًا وَفِعْلُهَا غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْإِثْبَاتِ بِخِلَافِ شَهَادَتِهَا بِوِلَادَتِهَا لِجَرِّهَا نَفْعَ النَّفَقَةِ وَالْإِرْثِ وَغَيْرِهِمَا وَبِخِلَافِ شَهَادَةِ الْحَاكِمِ بَعْدَ عَزْلِهِ له بِحُكْمِهِ لِتَضَمُّنِهَا تَزْكِيَةَ نَفْسِهِ لِتَوَقُّفِ حُكْمِهِ على الْعَدَالَةِ وَلِأَنَّ فِعْلَهُ مَقْصُودٌ بِالْإِثْبَاتِ وَلَا نَظَرَ إلَى ما يَتَعَلَّقُ بِشَهَادَةِ الْمُرْضِعَةِ من ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ وَحِلِّ الْخَلْوَةِ فإن الشَّهَادَةَ لَا تُرَدُّ بِمِثْلِ ذلك بِدَلِيلِ قَبُولِ شَهَادَةِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَإِنْ اُسْتُفِيدَ بها حِلُّ الْمُنَاكَحَةِ إلَّا إنْ
____________________
(3/424)
طَلَبَتْ أُجْرَةً عن الرَّضَاعِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا لِاتِّهَامِهَا بِذَلِكَ
فَرْعٌ لو شَهِدَتْ وَاحِدَةٌ أو أَكْثَرُ ولم يَتِمَّ النِّصَابُ بِالرَّضَاعِ بين رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ فَالْوَرَعُ له أَنْ يَجْتَنِبَهَا بِأَنْ لَا يَنْكِحَهَا إنْ لم يَكُنْ نَكَحَهَا وَيُطَلِّقَ هَا إنْ نَكَحَهَا لِتَحِلَّ لِغَيْرِهِ وَيُكْرَهُ له الْمُقَامُ مَعَهَا لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عن عُقْبَةَ بن الْحَارِثِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِنْتَ ابْنِ أبي إهَابٍ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فقالت قد أَرْضَعْتُكُمَا فقال لها لَا أَعْلَمُ أَنَّكِ أَرْضَعْتِنِي وَلَا أَخْبَرْتِنِي فذكر ذلك لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال كَيْفَ وقد قِيلَ فَفَارَقَهَا وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ
فَرْعٌ لَا يَقْدَحُ في الشَّهَادَةِ نَظَرُ الشَّاهِدَيْنِ إلَى الثَّدْيِ وَإِنْ تَعَمَّدَاهُ وكان نَظَرُهُمَا لَا لِلتَّحَمُّلِ لها لِأَنَّهُ صَغِيرَةٌ فَلَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ إلَّا إنْ اعْتَادَا ذلك يَعْنِي أَصَرَّا عليه مع غَيْرِهِ من الصَّغَائِرِ بِحَيْثُ غَلَبَتْ مَعَاصِيهِمَا طَاعَاتِهِمَا فَيُقْدَحُ في شَهَادَتِهِمَا
فَصْلٌ شَرْطُ شَهَادَةِ الرَّضَاعِ ذَكَرَ شُرُوطَهُ الْآتِيَةَ فَلَا يَكْفِي فيها بَيْنَهُمَا رَضَاعٌ مُحَرِّمٌ لِاخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ في شُرُوطِ التَّحْرِيمِ فَاشْتُرِطَ التَّفْصِيلُ لِيَعْمَلَ الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ فَإِنْ شَهِدَ الشَّاهِدُ بِالرَّضَاعِ وَمَاتَ قبل تَفْصِيلِهَا أَيْ شَهَادَتِهِ فَهَلْ يَتَوَقَّفُ الْقَاضِي أو لَا وَجْهَانِ أَقْرَبُهُمَا وُجُوبُ التَّوَقُّفِ وَكَلَامُ الْأَصْلِ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَجْهَيْنِ في جَوَازِ التَّوَقُّفِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُمَا في وُجُوبِهِ وَيَحْسُنُ الِاكْتِفَاءُ في الشَّهَادَةِ بِالرَّضَاعِ بِإِطْلَاقِ الْفَقِيهِ الْمَوْثُوقِ بِمَعْرِفَتِهِ الْمُوَافِقِ لِمَذْهَبِ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْمُخَالِفِ له نعم إنْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ في الْوَاقِعَةِ في الْمَذْهَبِ وَجَبَ التَّفْصِيلُ من الْمُوَافِقِ وَالْمُخَالِفِ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وقال ابن الرِّفْعَةِ وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا مُقَلِّدًا فَإِنْ كَانَا مُجْتَهِدَيْنِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قد يَتَغَيَّرُ اجْتِهَادُ أَحَدِهِمَا عِنْدَ الشَّهَادَةِ أَيْ فَلَا يَكْفِي الْإِطْلَاقُ مُطْلَقًا وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الْمُوَافِقِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَبِهِ صَرَّحَ ابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَإِقْرَارُ الْفَقِيهِ بِهِ مُطْلَقًا أَيْ من غَيْرِ تَفْصِيلٍ كَافٍ وفي إقْرَارِ غَيْرِهِ كَذَلِكَ وَجْهَانِ قال في الْأَصْلِ وَفَرَّقُوا بين الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ بِأَنَّ الْمُقِرَّ يَحْتَاطُ لِنَفْسِهِ فَلَا يُقِرُّ إلَّا عن تَحْقِيقٍ وما نَقَلَهُ من الْفَرْقِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ أَنَّ إقْرَارَ غَيْرِ الْفَقِيهِ مُطْلَقًا كَافٍ وَيَحْسُنُ في الْفَقِيهِ تَقْيِيدُهُ بِالْمُوَافِقِ كما مَرَّ في الشَّاهِدِ لِيَكُونَ غَيْرُهُ كَغَيْرِ الْفَقِيهِ قال وفي قَبُولِ الشَّهَادَةِ الْمُطْلَقَةِ على الْإِقْرَارِ بِالرَّضَاعِ وَجْهَانِ
ا ه
وَكَلَامُ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي يَقْتَضِي تَرْجِيحَ أنها لَا تَكْفِي ثُمَّ أَخَذَ في بَيَانِ الشُّرُوطِ فقال فَيَذْكُرُ الشَّاهِدُ عَدَدَ الرَّضَعَاتِ في الْحَوْلَيْنِ وَكَذَا يَذْكُرُ وُصُولَ اللَّبَنِ الْجَوْفَ أو الدِّمَاغَ في كل رَضْعَةٍ كما يَذْكُرُ الْإِيلَاجَ في شَهَادَةِ الزِّنَا وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَتَعَلَّقُ بِالْوُصُولِ إلَى ذلك وَعَبَّرَ الْأَصْلُ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ قال الرَّافِعِيُّ هَكَذَا ذُكِرَ وفي التَّعَرُّضِ لِلرَّضَعَاتِ ما يُغْنِي عن ذِكْرِ التَّفَرُّقِ وَنَازَعَهُ ابن الرِّفْعَةِ فقال وقد يَكُونُ الشَّاهِدُ أَطْلَقَهَا بِاعْتِبَارِ الْمَصَّةِ وَالْمَصَّتَيْنِ وَمَأْخَذُ الِاشْتِرَاطِ أَنَّ ذلك مُخْتَلَفٌ فيه قال وَيَنْبَغِي أَنْ يَطْرُقَهُ التَّفْصِيلُ بين كَوْنِ الشَّاهِدِ الْمُطْلِق لِذِكْرِ الْخَمْسِ فَقِيهًا أو لَا
قال الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا صَحِيحٌ وَغَالِبُ الناس يَجْهَلُ أَنَّ الِانْتِقَالَ من ثَدْيٍ إلَى ثَدْيٍ أو قَطْعَ الرَّضِيعِ الِارْتِضَاعَ لِلَهْوٍ وَتَنَفُّسٍ وَنَحْوِهِمَا وَعَوْدَهُ رَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَكَلَامُ الْجُمْهُورِ مُصَرِّحٌ أو كَالْمُصَرِّحِ بِاعْتِبَارِ التَّفَرُّقِ وَلِذَلِكَ طَرَحَ من الرَّوْضَةِ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ ذِكْرُ أَنَّ الشَّهَادَةَ الْمُطْلَقَةَ بِأَنَّ بَيْنَهُمَا رَضَاعًا مُحَرِّمًا أو أُخُوَّةً أو نَحْوَهُمَا من لَوَازِمِ فِعْلِ الرَّضَاعِ وَالِارْتِضَاعُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالتَّفْصِيلِ وَذَكَرَ مع هذا حُكْمَ الْإِقْرَارِ السَّابِقِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ كُلًّا من الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ بِفِعْلِ الرَّضَاعِ وَالِارْتِضَاعِ لَا بُدَّ فيه من التَّفْصِيلِ
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ من التَّفْصِيلِ فِيهِمَا إنْ وَقَعَا بِنَفْسِ الْفِعْلِ فَإِنْ وَقَعَا مُلَازَمَةً فَكَذَلِكَ في الشَّهَادَةِ دُونَ الْإِقْرَارِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْفَرْقِ السَّابِقِ أَنَّ ذلك في الشَّهَادَةِ دُونَ الْإِقْرَارِ في الْأَمْرَيْنِ وَلَهُ الشَّهَادَةُ بِذَلِكَ أَيْ بِالرَّضَاعِ لِرُؤْيَةِ الِامْتِصَاصِ لِلَّبَنِ وَحَرَكَةِ الِازْدِرَادِ له وَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ منه بِكَوْنِهَا ذَاتَ لَبَنٍ حَالَ الِارْتِضَاعِ أو قُبَيْلَهُ فَإِنْ لم يَعْلَمْ بِهِ لم يَحِلَّ له أَنْ يَشْهَدَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ اللَّبَنِ وَلَا يَكْفِي في أَدَاءِ الشَّهَادَةِ ذِكْرُ الْقَرَائِنِ من غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِوُصُولِ اللَّبَنِ الْجَوْفَ وَلَا لِلرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ وَإِنْ كان مُسْتَنَدُ عِلْمِهِ تِلْكَ الْقَرَائِنَ بَلْ يَعْتَمِدُهَا وَيَجْزِمُ بِالشَّهَادَةِ وَلَا يَكْفِي رُؤْيَةُ أَخْذِ الطِّفْلِ تَحْتَ ثِيَابِهَا وَإِدْنَاؤُهُ منها كَهَيْئَةِ الْمُرْضِعَةِ لِأَنَّهَا قد تُوجِرُ لَبَنَ غَيْرِهَا في شَيْءٍ كَهَيْئَةِ الثَّدْيِ وَلَا سَمَاعُ صَوْتِ الْمَصِّ فَقَدْ يَمْتَصُّ أُصْبُعَهُ أو أُصْبُعَهَا
____________________
(3/425)
كِتَابُ النَّفَقَاتِ جَمْعُ نَفَقَةٍ من الْإِنْفَاقِ وهو الْإِخْرَاجُ وَجَمْعُهَا لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَمُوجِبَاتُهَا النِّكَاحُ وَالْمِلْكُ وَالْقَرَابَةُ وَالْأَوَّلَانِ يُوجِبَانِهَا لِلزَّوْجَةِ وَالرَّقِيقِ على الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ وَلَا عَكْسَ وَالثَّالِثُ يُوجِبُهَا لِكُلٍّ من الْقَرِيبَيْنِ على الْآخَرِ لِشُمُولِ الْبَعْضِيَّةِ وَالشَّفَقَةِ وَفِيهِ سِتَّةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ في نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ بَدَأَ بها لِأَنَّهَا أَقْوَى لِوُجُوبِهَا بِالْمُعَاوَضَةِ وَغَيْرِهَا بِالْمُوَاسَاةِ وَلِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَالْعَجْزِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا وَالْأَصْلُ في وُجُوبِهَا مع ما يَأْتِي قَوْله تَعَالَى وَعَلَى الْمَوْلُودِ له رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَخَبَرُ اتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَخَبَرُ ما حَقُّ زَوْجَةِ الرَّجُلِ عليه قال تُطْعِمُهَا إذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوهَا إذَا اكْتَسَيْتَ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْأَوَّلِ الْمُوجِبُ الْأَوَّلُ وَأَعَادَ عليه ضَمِيرَ وَفِيهِ وَلَا يَخْفَى ما فيه من التَّعَسُّفِ وَلَوْ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ لَكَانَ في الْبَابِ أَبْوَابٌ وهو خِلَافُ الْمُصْطَلَحِ وَلَكَانَ في الْكِتَابِ أَكْثَرُ من سِتَّةِ أَبْوَابٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَكَلَامُ أَصْلِهِ سَالِمٌ من ذلك حَيْثُ قال وَيَشْتَمِلُ الْكِتَابُ على سِتَّةِ أَبْوَابٍ أَمَّا نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ فَوَاجِبَةٌ بِالنُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ في قَدْرِ الْوَاجِبِ وَكَيْفِيَّتِهِ وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ فِيمَا يَجِبُ وهو سِتَّةُ أَنْوَاعٍ من الْوَاجِبَاتِ الْأَوَّلُ الطَّعَامُ فَلِزَوْجَةِ الْمُوسِرِ عليه وَإِنْ كانت أَمَةً أو مَرِيضَةً أو ذَاتَ مَنْصِبٍ أو ذِمِّيَّةً مُدَّانِ ولزوجة الْمُعْسِرِ عليه وَإِنْ كانت كَذَلِكَ مُدٌّ وَلِزَوْجَةِ الْمُتَوَسِّطِ عليه وَإِنْ كانت كَذَلِكَ مُدٌّ ونصف وَالْعِبْرَةُ بِمُدِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو عِنْدَ الرَّافِعِيِّ مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثُ دِرْهَمٍ وَعِنْدَ النَّوَوِيِّ مِائَةٌ وَوَاحِدٌ وَسَبْعُونَ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ بِنَاءً على اخْتِلَافِهِمَا في قَدْرِ رَطْلِ بَغْدَادَ وَاحْتَجُّوا لِأَصْلِ التَّفَاوُتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ من سَعَتِهِ الْآيَةَ
وَاعْتَبَرُوا النَّفَقَةَ بِالْكَفَّارَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا هل يَجِبُ بِالشَّرْعِ وَيَتَقَرَّرُ وَأَكْثَرُ ما وَجَبَ فيها لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّانِ وَذَلِكَ في كَفَّارَةَ الْأَذَى في الْحَجِّ وَأَقَلُّ ما وَجَبَ فيها لِكُلِّ مِسْكِينٍ مَدٌّ وَذَلِكَ في كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَوِقَاعِ رَمَضَانَ فَأَوْجَبُوا على الْمُوسِرِ الْأَكْثَرَ وَعَلَى الْمُعْسِرِ الْأَقَلَّ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ ما بَيْنَهُمَا من غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ أَيْ بَلَدِهَا من حِنْطَةٍ أو شَعِيرٍ أو تَمْرٍ أو غَيْرِهَا لِأَنَّهُ من الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بها وَقِيَاسًا على الْفِطْرَةِ وَالْكَفَّارَةِ فَإِنْ اخْتَلَفَ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ أو قُوتُهُ ولم يَكُنْ له غَالِبٌ فَاللَّائِقُ بِهِ لَا بها هو الْوَاجِبُ وَالْمُعْسِرُ من لَا يَمْلِكُ ما يُخْرِجُهُ عن الْمَسْكَنَةِ وَلَوْ قَدَرَ على الْكَسْبِ الْوَاسِعِ فَالْقُدْرَةُ عليه لَا تُخْرِجُهُ عن الْإِعْسَارِ في النَّفَقَةِ وَإِنْ كانت تُخْرِجُهُ عن اسْتِحْقَاقِ سَهْمِ الْمَسَاكِينِ في الزَّكَاةِ
وَقَضِيَّةُ أَنَّ الْقَادِرَ على نَفَقَةِ الْمُوسِرِ لَا يَلْزَمُهُ كَسْبُهَا وَالْمُتَوَسِّطُ من يَمْلِكُ ذلك ويصير بِتَكْلِيفِ الْمَدِينِ له مِسْكِينًا وَالْمُوسِرُ بِخِلَافِهِ وَيَخْتَلِفُ ذلك بِالرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ وَقِلَّةِ الْعِيَالِ وَكَثْرَتِهِمْ وَمَنْ فيه رِقٌّ وَلَوْ مُكَاتَبًا وَمُبَعَّضًا وَإِنْ كَثُرَ مَالُهَا مُعْسِرٌ لِضَعْفِ مِلْكِ الْمُكَاتَبِ وَنَقْصِ حَالِ الْمُبَعَّضِ وَعَدَمِ مِلْكِ غَيْرِهِمَا وَإِلْحَاقُ الْمُبَعَّضِ بِالْمُعْسِرِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ في الْكَفَّارَةِ من أَنَّهُ يُكَلَّفُ كَفَّارَةَ الْمُوسِرِ وَذَكَرَ في نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ نَحْوَهُ وقد يُجَابُ بِأَنَّهُمْ لو أَلْحَقُوهُ بِالْمُعْسِرِ لَمَا صَرَفَ شيئا لِلْمَسَاكِينِ وَلَا أَنْفَقَ
____________________
(3/426)
شيئا لِلْأَقَارِبِ بِخِلَافِهِ هُنَا فإنه يُنْفِقُ نَفَقَةَ الْمُعْسِرِ وَالِاعْتِبَارُ في يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ وَتَوَسُّطِهِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا يَطْرَأُ له في أَثْنَاءِ النَّهَارِ
الْوَاجِبُ الثَّانِي الْأُدْمُ فَيَجِبُ لها وَلَوْ لم تَأْكُلْهُ من غَالِبِ أُدْمِ الْبَلَدِ من سَمْنٍ وَزَيْتٍ وَشَيْرَجٍ وَخُبْزٍ وَتَمْرٍ وَغَيْرِهَا إذْ لَا يَتِمُّ الْعَيْشُ بِدُونِهِ وَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ وَلَيْسَ منها تَكْلِيفُهَا الصَّبْرَ على الْخُبْزِ وَحْدَهُ وَإِنَّمَا وَجَبَ لها وَإِنْ لم تَأْكُلْهُ لِأَنَّهَا إلَيْهَا وَلَيْسَ له مَنْعُهَا من تَرْكِ التَّأَدُّمِ كما ليس له مَنْعُهَا من صَرْفِ بَعْضِ الْقُوتِ إلَى الْأُدْمِ لِأَنَّهَا مُتَصَرِّفَةٌ في مِلْكِهَا قال الْأَذْرَعِيُّ وَإِنَّمَا يَتَّضِحُ وُجُوبُ الْأُدْمِ حَيْثُ يَكُونُ الْقُوتُ الْوَاجِبُ مِمَّا لَا يُسَاغُ عَادَةً إلَّا بِالْأُدْمِ كَالْخُبْزِ بِأَنْوَاعِهِ أَمَّا لو كان لَحْمًا أو لَبَنًا أو أَقَطًّا فَيَتَّجِهُ الِاكْتِفَاءُ بِهِ إذَا جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِالِاقْتِيَاتِ بِهِ وَحْدَهُ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأُدْمُ ولم يَكُنْ غَالِبٌ فَاللَّائِقُ بِهِ لَا بها كما مَرَّ في الطَّعَامِ وَيَخْتَلِفُ ذلك بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْفُصُولِ فَيَجِبُ في كل فَصْلٍ ما يَلِيقُ بِهِ وَبِعَادَةِ الناس
وَإِنْ كان فَاكِهَةً وَيُقَدِّرُهُ الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ إذْ لَا تَقْدِيرَ فيه من جِهَةِ الشَّرْعِ فَيَنْظُرُ في جِنْسِهِ وَيُقَدِّرُ منه ما يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُدُّ فَيَفْرِضُهُ لِلْإِعْسَارِ وَيُضَاعِفُهُ لِلْيَسَارِ وَيُوَسِّطُهُ بَيْنَهُمَا لِلتَّوَسُّطِ وما ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ عنه من مَكِيلَةِ زَيْتٍ أو سَمْنٍ أَيْ أُوقِيَّةً فَتَقْرِيبٌ كما قَالَهُ الْأَصْحَابُ
ويجب لها اللَّحْمُ بِحَسَبِ عَادَةِ الْبَلَدِ وَبِمَا يَلِيقُ بِيَسَارِهِ وَغَيْرِهِ وما ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ من رَطْلِ لَحْمٍ في الْأُسْبُوعِ الذي حُمِلَ على الْمُعْسِرِ وَجُعِلَ بِاعْتِبَارِ ذلك على الْمُوسِرِ رِطْلَانِ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ رَطْلٌ وَنِصْفٌ وَأَنْ يَكُونَ ذلك يوم الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالتَّوْسِيعِ فيه مَحْمُولٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ على ما كان في أَيَّامِهِ بِمِصْرَ من قِلَّةِ اللَّحْمِ فيها وَيُعْتَبَرُ فيه تَقْدِيرُ الْقَاضِي كما صَرَّحَ بِهِ في الْبَسِيطِ وَيُشْبِهُ أَنْ لَا أُدْمَ غير اللَّحْمِ في يَوْمِهِ أَيْ اللَّحْمَ قال في الْأَصْلِ ولم يَتَعَرَّضُوا له وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إذَا أَوْجَبْنَا على الْمُوسِرِ اللَّحْمَ كُلَّ يَوْمٍ يَلْزَمُهُ الْأُدْمُ أَيْضًا لِيَكُونَ أَحَدُهُمَا غَدَاءً وَالْآخَرُ عَشَاءً على الْعَادَةِ قال بَعْضُهُمْ وَيَنْبَغِي على هذا أَنْ يَكُونَ الْأُدْمُ يوم إعْطَاءِ اللَّحْمِ على النِّصْفِ من عَادَتِهِ وَلَوْ تَبَرَّمَتْ بِأُدْمٍ أَيْ سَئِمَتْ منه لم يَلْزَمْهُ إبْدَالُهُ وَتُبْدِلُهُ هِيَ إنْ شَاءَتْ لِأَنَّهُ مِلْكُهَا نعم لو كانت سَفِيهَةً أو غير مُمَيِّزَةٍ وَلَيْسَ لها من يَقُومُ بِذَلِكَ فَاللَّائِقُ بِالْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الزَّوْجَ إبْدَالُهُ عِنْدَ إمْكَانِهِ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ
فَرْعٌ تَجِبُ لها عليه الْآلَةُ لِلطَّبْخِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَقِدْرٍ وَآنِيَةٍ من كُوزٍ وَجَرَّةٍ مُفْرَغَةٍ وَقَصْعَةٍ وَنَحْوِهَا لِحَاجَتِهَا إلَيْهَا في الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَذِكْرُ الْآنِيَةِ بَعْدَ الْقِدْرِ من عَطْفِ الْعَامِّ على الْخَاصِّ وَيَكْفِي فيها خَشَبٌ وَخَزَفٌ وَحَجَرٌ وَلَوْ كانت أَيْ الزَّوْجَةُ شَرِيفَةً فَلَا يَجِبُ لها الْآلَةُ من نُحَاسٍ لِأَنَّهُ رُعُونَةٌ وهو أَحَدُ احْتِمَالَيْنِ لِلْإِمَامِ ثَانِيهِمَا يَجِبُ لها ذلك منه لِلْعَادَةِ وَتَرْجِيحُ الْمُصَنِّفِ الْأَوَّلَ من زِيَادَتِهِ وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَنْوَارِ
الْوَاجِبُ الثَّالِثُ الْخَادِمُ فَعَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ كان مُعْسِرًا أو عَبْدًا إخْدَامُ حُرَّةٍ وَلَوْ ذِمِّيَّةً لِأَنَّهُ من الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بها لَا إخْدَامُ أَمَةٍ وَإِنْ اعْتَادَتْ لِجَمَالِهَا بِالْخِدْمَةِ لِنَقْصِهَا بِالرِّقِّ وَحَقُّهَا أَنْ تَخْدُمَ لَا أَنْ تُخْدَمَ وَكَالْأَمَةِ الْمُبَعَّضَةِ قَالَهُ الْقَاضِي وَلَوْ كانت الْحُرَّةُ بَائِنًا حَامِلًا فَعَلَيْهِ إخْدَامُهَا بِنَاءً على أَنَّ نَفَقَتَهَا لها لَا لِلْحَمْلِ هذا إنْ كانت مَخْدُومَةً أَيْ مِمَّنْ يُخْدَمُ عَادَةً في بَيْتِ أَبِيهَا مَثَلًا وَلَا عِبْرَةَ بِتَرَفُّهِهَا في بَيْتِ الزَّوْجِ بِحَيْثُ صَارَ يَلِيقُ بِحَالِهَا إخْدَامُهَا وإذا أَخْدَمَ زَوْجَتَهُ فَيُخْدِمُهَا بِامْرَأَةٍ حُرَّةٍ أو أَمَةٍ وَلَوْ مُسْتَأْجَرَةً أو صُحْبَتِهَا أو صَغِيرٍ أَيْ مُمَيِّزٍ غَيْرِ مُرَاهِقٍ أو مَحْرَمٍ لها أو مَمْلُوكَةٍ له أو لها لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِجَمِيعِ ذلك وَالْأَخِيرَةُ دَاخِلَةٌ في الْأُولَى لَا ذِمِّيَّةٍ لِمُسْلِمَةٍ إذْ لَا تُؤْمَنُ عَدَاوَتُهَا الدِّينِيَّةُ وَلِتَحْرِيمِ النَّظَرِ
وَالْوَجْهُ عَدَمُ جَوَازِ عَكْسِهِ أَيْضًا لِمَا فيه من الْمَهَانَةِ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ
ولا كَبِيرٍ وَلَوْ شَيْخًا هُمَا لِتَحْرِيمِ النَّظَرِ وَالتَّرْجِيحُ في مَمْلُوكَتِهَا وفي الذِّمِّيَّةِ وَالْكَبِيرِ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ قال وفي
____________________
(3/427)
مَعْنَى مَحْرَمِهَا الْمَمْسُوحُ وَمِثْلُهُ عَبْدُهَا وقد قَرَنَهُ الْأَصْلُ مع الْهَمِّ في الْخِلَافِ الذي ذَكَرَهُ وَنَفَقَةُ الْخَادِمِ غير مَمْلُوكِهِ وَغَيْرَ الْمُسْتَأْجِرِ وهو الذي تَصْحَبُهُ هِيَ مَعَهَا وَلَوْ مِلْكَهَا مُدٌّ وَثُلُثٌ على الْمُوسِرِ وعلى من سِوَاهُ من الْمُعْسِرِ وَالْمُتَوَسِّطِ مُدٌّ اعْتِبَارًا في الْمُوسِرِ وَالْمُتَوَسِّطِ بِثُلُثَيْ نَفَقَةِ الْمَخْدُومَةِ وَاعْتُبِرَ في الْمُعْسِرِ مُدٌّ وَإِنْ كان فيه تَسْوِيَةٌ بين الْخَادِمَةِ وَالْمَخْدُومَةِ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تَقُومُ بِدُونِهِ غَالِبًا وَجَّهُوا التَّقْدِيرَ في الْمُوسِرِ بِمُدٍّ وَثُلُثٍ بِأَنَّ لِلْخَادِمَةِ وَالْمَخْدُومَةِ في النَّفَقَةِ حَالَةَ كَمَالٍ وَحَالَةَ نَقْصٍ وَهُمَا في الثَّانِيَةِ يَسْتَوِيَانِ فَفِي الْأُولَى يُزَادُ لِلْمَفْضُولِ ثُلُثُ ما يُزَادُ لِلْمُفَاضَلَةِ كما أَنَّ لِلْأَبَوَيْنِ في الْإِرْثِ حَالَةَ كَمَالٍ وَحَالَةَ نَقْصٍ وَهُمَا في الثَّانِيَةِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ لِلْمَيِّتِ ابْنٌ يَسْتَوِيَانِ في أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا السُّدُسَ وفي الْأُولَى وَهِيَ إذَا انْفَرَدَ يَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَيُزَادُ لِلْأُمِّ ثُلُثُ ما يُزَادُ لِلْأَبِ من جِنْسِ طَعَامِهَا وَأُدْمِهَا وَدُونَ نَوْعِهِ أَيْ كُلٍّ من الطَّعَامِ وَالْأُدْمِ لِلْعَادَةِ وَهَلْ له أَيْ الْخَادِمِ لَحْمٌ أو لَا وَجْهَانِ قال الرَّافِعِيُّ وَرُبَّمَا بُنِيَا على الْوَجْهَيْنِ في التَّسْوِيَةِ في الْأُدْمِ بين الْخَادِمَةِ وَالْمَخْدُومَةِ فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّسْوِيَةِ فَلَهَا اللَّحْمُ وَإِلَّا فَلَا وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ الْمَنْعِ قال في الْأَصْلِ ثُمَّ قُدِّرَ أُدْمُهَا بِحَسَبِ الطَّعَامِ أَمَّا مَمْلُوكُهُ فَنَفَقَتُهُ عليه بِالْمِلْكِ وَأَمَّا الْمُسْتَأْجَرُ فَلَيْسَ له إلَّا أُجْرَتُهُ
فَإِنْ قالت أنا أَخْدُمُ نَفْسِي وَآخُذُ ما لِلْخَادِمِ من أُجْرَةٍ أو نَفَقَةٍ لم يُجْبَرْ هو لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا وَلَهُ أَنْ لَا يَرْضَى بِهِ لِابْتِذَالِهَا بِذَلِكَ فَإِنْ اتَّفَقَا عليه فَكَاعْتِيَاضِهَا عن النَّفَقَةِ حَيْثُ لَا رِبَا وَقَضِيَّةُ الْجَوَازِ يَوْمًا بِيَوْمٍ أو قال لِزَوْجٍ أنا أَخْدُمُك لِتَسْقُطَ عنه مُؤْنَةُ الْخَادِمِ لم تُجْبَرْ هِيَ وَلَوْ فِيمَا لَا يَسْتَحْيِ منه كَغَسْلِ ثَوْبٍ وَاسْتِقَاءِ مَاءٍ وَطَبْخٍ لِأَنَّهَا تَسْتَحْيِ منه وَتُعَيَّرُ بِهِ وَتَعْيِينُ الْخَادِمِ ابْتِدَاءً إلَيْهِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عليه كِفَايَتُهَا بِأَيِّ خَادِمٍ كان وَلِأَنَّهُ قد تَدْخُلُهُ رِيبَةٌ وَتُهْمَةٌ فِيمَنْ تَخْتَارُهُ هِيَ لَكِنْ لَا في الِاسْتِدْرَاكِ نَوْعُ خَفَاءٍ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلَا يُبْدِلُهُ أَيْ الْخَادِمَ الْمُعَيَّنَ إنْ أَلِفَتْهُ لَا لِخِيَانَةٍ ظَهَرَتْ له لِأَنَّ الْقَطْعَ عن الْمَأْلُوفِ شَدِيدٌ فَلَا يُرْتَكَبُ لِغَيْرِ عُذْرٍ
وَلَوْ أَرَادَتْ زِيَادَةَ خَادِمٍ آخَرَ من مَالِهَا فَلَهُ مَنْعُهُ من دُخُولِ دَارِهِ وَمِنْ اسْتِخْدَامِهَا له وله إخْرَاجُ ما عَدَا خَادِمَهَا من مَالٍ وَوَلَدٍ لها من غَيْرِهِ ذِكْرُهُ الْمَالَ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ
وله مَنْعُ أَبَوَيْهَا الدُّخُولَ عليها مع الْكَرَاهَةِ وَمَنْ لَا تُخْدَمُ في بَيْتِ أَبِيهَا لَا تُخْدَمُ بَلْ يُوَصِّلُ الزَّوْجُ مُؤْنَتَهَا إلَيْهَا من طَعَامٍ وَغَيْرِهِ وَلَهُ إخْرَاجُ خَادِمِهَا الذي صَحِبَتْهُ وَلَوْ بِشِرَائِهَا له فَإِنْ مَرِضَ وَلَوْ مَرَضًا لَا يَدُومُ أو زَمِنَتْ وَاحْتَاجَتْ خَادِمًا فَأَكْثَرَ لَزِمَهُ وَلَوْ كانت أَمَةً لِضَرُورَتِهَا
الْوَاجِبُ الرَّابِعُ الْكِسْوَةُ بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ وَلِأَنَّهَا كَالْقُوتِ في أَنَّ الْبَدَنَ لَا يَقُومُ إلَّا بها وَيَجِبُ لها عليه كِفَايَتُهَا منها طُولًا وَقِصَرًا وَضَخَامَةً وَنَحَافَةً فَيَجِبُ في كل فَصْلٍ قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ وَإِزَارٌ اُعْتِيدَ وَخِمَارٌ أَيْ مِقْنَعَةٌ كَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ قال وقد يُخَصُّ بِمَا يُجْعَلُ فَوْقَهَا إذَا ادَّعَتْ الْحَاجَةَ إلَيْهِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ غَيْرُهَا وَلِهَذَا قال في الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ يَجِبُ خِمَارٌ أو مِقْنَعَةٌ وَيَظْهَرُ وُجُوبُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الْحَاجَةِ أو حَيْثُ يُعْتَادُ وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِيهِ
ا ه
وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ السَّابِقُ يُشِيرُ إلَيْهِ وَمُكْعَبٌ أَيْ مَدَاسٌ أو نَعْلٌ وَيَلْحَقُ بِهِ الْقَبْقَابُ إذَا جَرَتْ عَادَتُهَا بِهِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ جَرَتْ عَادَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْقُرَى أَنْ لَا يَلْبَسْنَ في أَرْجُلِهِنَّ شيئا في الْبُيُوتِ لم يَجِبْ لِأَرْجُلِهِنَّ شَيْءٌ
وَيَزِيدُ لها في الشِّتَاءِ جُبَّةً مَحْشُوَّةً أو فَرْوَةً بِحَسَبِ الْعَادَةِ لِدَفْعِ الْبَرْدِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَجِبُ لها تَوَابِعُ ذلك من تِكَّةِ سَرَاوِيلَ وَكُوفِيَّةٍ لِلرَّأْسِ وَزِرٍّ لِلْقَمِيصِ وَالْجُبَّةِ وَنَحْوِهَا بِخِلَافِ الرِّدَاءِ
____________________
(3/428)
وَالْخُفِّ كما سَيَأْتِي فَإِنْ اشْتَدَّ الْبَرْدُ فَجُبَّتَانِ أو فَرْوَتَانِ فَأَكْثَرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ على الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ لَكِنَّ الْمُوسِرَ يَكْسُوهَا من جَيِّدِ الْقُطْنِ وَكَذَا الْكَتَّانُ وَالْحَرِيرُ وَالْخَزُّ إنْ اعْتَادُوهُ لِنِسَائِهِمْ عَمَلًا بِالْعَادَةِ وَالْمُعْسِرُ يَكْسُوهَا من خَشِنِهِ وَيَتَوَسَّطُ بَيْنَهُمَا الْمُتَوَسِّطُ فَإِنْ تَعَوَّدُوا رَقِيقًا بِحَيْثُ لَا يَسْتُرُ وَجَبَ صَفِيقٌ يُقَارِبُهُ في الْجُودَةِ فَلَا يَجِبُ لَهُنَّ ما تَعَوَّدُوهُ من ذلك فَإِنْ احْتَاجَتْ لِلْبَرْدِ أَيْ لِأَجْلِهِ فَحْمًا أو حَطَبًا لِلْوَقُودِ بِهِ لَزِمَهُ ذلك بِقَدْرِ الْحَاجَةِ قال الزَّرْكَشِيُّ وإذا كان الْمَنَاطُ الْعَادَةَ فَأَكْثَرُ الْبَوَادِي لَا يُوقِدُونَ إلَّا بِالْبَعْرِ وَنَحْوِهِ فَيَكُونُ هو الْوَاجِبَ
فَرْعٌ وَعَلَى الْمُوسِرِ لِزَوْجَتِهِ طِنْفِسَةٌ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَالْفَاءِ وَبِفَتْحِهَا وَبِضَمِّهَا وَبِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ هِيَ بِسَاطٌ صَغِيرٌ ثَخِينٌ له وَبَرَةٌ كَبِيرَةٌ وَقِيلَ لها كِسَاءٌ في الشِّتَاءِ وَنَطْعٌ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا مع إسْكَانِ الطَّاءِ وَفَتْحِهَا في الصَّيْفِ تَحْتَهُمَا زِلِّيَّةٌ أو حَصِيرٌ لِقُعُودِهَا لِأَنَّهُمَا لَا يُبْسَطَانِ وَحْدَهُمَا وعلى الْمُتَوَسِّطِ زِلِّيَّةٌ بِكَسْرِ الزَّايِ وَهِيَ شَيْءٌ مُضْرَبٌ صَغِيرٌ وَقِيلَ بِسَاطٌ صَغِيرٌ في الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ
وعلى الْمُعْسِرِ حَصِيرٌ في الصَّيْفِ وَلَا بُدَّ في الشِّتَاءِ وَيَجِبُ لها مَرْقَدٌ أَيْ فِرَاشٌ تَرْقُدُ عليه لِلْعَادَةِ كَمُضَرَّبَةٍ وَثِيرَةٍ بِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ لَيِّنَةٍ أو قَطِيفَةٍ وَهِيَ دِثَارٌ مُخْمَلٌ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَمِخَدَّةٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُوضَعُ تَحْتَ الْخَدِّ وَلِحَافٌ أو كِسَاءٌ من الشِّتَاءِ أو في بَلَدٍ بَارِدَةٍ الْأَوْلَى بَارِدٍ وَيَجِبُ لها مِلْحَفَةٌ بَدَلُ اللِّحَافِ أو الْكِسَاءِ في الصَّيْفِ وَكُلُّهُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ نَوْعًا وَكَيْفِيَّةً حتى قال الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ لو كَانُوا لَا يَعْتَادُونَ في الصَّيْفِ لِنَوْمِهِمْ غِطَاءً غير لِبَاسِهِمْ لم يَجِبْ غَيْرُهُ وَلَا يَجِبُ ذلك في كل سَنَةٍ وَإِنَّمَا يُجَدَّدُ وَقْتَ تَجْدِيدِهِ عَادَةً وَيُفَاوَتُ فِيمَا ذُكِرَ بين الْمُوسِرِ وَغَيْرِهِ
فَرْعٌ يَجِبُ عليه لِلْخَادِمِ قَمِيصٌ وَخُفٌّ وَمِقْنَعَةٌ وَرِدَاءٌ لِلْخُرُوجِ صَيْفًا وَشِتَاءً حُرًّا كان أو رَقِيقًا اعْتَادَ كَشْفَ الرَّأْسِ أو لَا لِاحْتِيَاجِهِ إلَى ذلك بِخِلَافِ الْمَخْدُومَةِ في الْخُفِّ وَالرِّدَاءِ لِأَنَّ له مَنْعَهَا من الْخُرُوجِ هذا هو الْمَنْقُولُ لَكِنَّ الْأَوْجَهَ وُجُوبُهُمَا لِلْمَخْدُومَةِ أَيْضًا فَإِنَّهَا قد تَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ إلَى حَمَّامٍ أو غَيْرِهِ من الضَّرُورَاتِ وَإِنْ كان نَادِرًا وقد أَشَارَ الْأَذْرَعِيُّ إلَى ذلك وَمَحَلُّ وُجُوبِ الْخُفِّ وَالرِّدَاءِ لِلْخَادِمِ إذَا كانت أُنْثَى وَلَا يَجِبُ له السَّرَاوِيلُ بِخِلَافِ الْمَخْدُومَةِ لِأَنَّ الْغَرَضَ منه الزِّينَةُ وَكَمَالُ السَّتْرِ وَجُبَّةٌ لِلشِّتَاءِ أو فَرْوَةٌ بِحَسَبِ الْعَادَاتِ فَإِنْ اشْتَدَّ الْبَرْدُ يَدُلُّهُ على الْجُبَّةِ أو الْفَرْوَةِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَجَمِيعُ ما يَجِبُ له يَكُونُ دُونَ ما لِلْمَخْدُومَةِ من الْكِسْوَةِ جِنْسًا وَنَوْعًا
ويجب له وِسَادَةٌ وَكِسَاءٌ يَتَغَطَّى بِهِ لَيْلًا وفي وُجُوبِ الْفِرَاشِ وَجْهَانِ صَحَّحَ مِنْهُمَا الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ الْوُجُوبَ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ
الْوَاجِبُ الْخَامِسُ يَجِبُ عليه لِلزَّوْجَةِ لَا لِلْخَادِمِ آلَاتُ التَّنْظِيفِ من الْأَوْسَاخِ التي تُؤْذِيهَا وَتُؤْذِي بها بِخِلَافِ الْخَادِمِ لِأَنَّهُ لَا تَنْظِيفَ له بَلْ اللَّائِقُ بِهِ التَّشَعُّثُ لِئَلَّا يَمْتَدَّ إلَيْهِ النَّظَرُ وَذَلِكَ كَالْمُشْطِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَالسِّدْرِ وَالدُّهْنِ كَالْعَادَةِ أَيْ على عَادَةِ الْبُقْعَةِ وَيَجِبُ لها مُطَيِّبَةٌ أَيْ مُطَيِّبُ الدُّهْنِ أَيْ الدُّهْنُ الْمُطَيِّبُ إنْ اُعْتِيدَ وَمَرْتَكٌ وَنَحْوُهُ لِصُنَانٍ أَيْ لِقَطْعِهِ إنْ لم يَنْقَطِعْ بِدُونِهِ لِتَأَذِّيهَا وَغَيْرِهَا بِالرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ بِخِلَافِ ما إذَا انْقَطَعَ بِدُونِهِ كَمَاءٍ وَتُرَابٍ وَالْمَرْتَكُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا مُعَرَّبٌ أَصْلُهُ من الرَّصَاصِ يَقْطَعُ رَائِحَةَ الْإِبْطِ لِأَنَّهُ يَحْبِسُ الْعَرَقَ
قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَوْ غَابَ عنها غَيْبَةً طَوِيلَةً هل يَجِبُ لها آلَةُ التَّنْظِيفِ كما في الْحَاضِرِ وَهَلْ يَجِبُ ذلك لِلْبَائِنِ الْحَامِلِ الظَّاهِرُ فيها الْمَنْعُ وَإِنْ قُلْنَا النَّفَقَةُ لها كَالرَّجْعِيَّةِ وفي الْغَيْبَةِ الْوُجُوبُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ لها ما يُزِيلُ الشَّعَثَ فَقَطْ لِأَنَّ الزَّائِدَ عليه فيه زِينَةٌ لِلزَّوْجِ وهو غَائِبٌ عنها وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ وَأُجْرَةُ حَمَّامٍ اُعْتِيدَ دُخُولُهُ مَرَّةً لِشَهْرٍ أَيْ لِكُلِّ شَهْرٍ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلتَّنْظِيفِ وَاعْتُبِرَ الشَّهْرُ لِيَخْرُجَ من دَنَسِ الْحَيْضِ الذي يَكُونُ في كل شَهْرٍ مَرَّةً غَالِبًا قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ في ذلك لِعَادَةِ مِثْلِهَا وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ حَرًّا وَبَرْدًا وَخَرَجَ
____________________
(3/429)
بِاُعْتِيدَ ما لو كانت من قَوْمٍ لَا يَعْتَادُونَ دُخُولَهُ فَلَا يَجِبُ لها أُجْرَتُهُ وَيُفَاوَتُ فِيمَا ذُكِرَ بين الْمُوسِرِ وَغَيْرِهِ لَا طِيبٌ فَلَا يَجِبُ لها عليه إلَّا لِقَطْعِ سَهُوكَةٍ أَيْ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ وَلَا يَجِبُ لها عليه كُحْلٌ ولا خِضَابٌ أو نَحْوُهُ لِأَنَّ ذلك لِلتَّلَذُّذِ لَا لِلتَّمَتُّعِ وَذَلِكَ حَقٌّ له رَاجِعٌ إلَى اخْتِيَارِهِ فَإِنْ أَحْضَرَهُ لها وَجَبَ عليها اسْتِعْمَالُهُ وَلَا دَوَاءٌ لِمَرَضٍ ولا أُجْرَةُ طَبِيبٍ وَحِجَامَةٍ وَفَصْدٍ وَخِتَانٍ وَوَجْهُ ذلك بِأَنَّ الزَّوْجَ كَالْمُكْتَرِي فَلَا يَلْزَمُهُ مُؤَنُ حِفْظِ الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْمُشْطِ وَالدُّهْنِ كما مَرَّ فَإِنَّهُمَا لِلتَّنْظِيفِ وهو لَازِمٌ لِلْمُكْتَرِي وَلَا تَضْحِيَةٌ نَذَرَتْهَا أَمْ لَا وَعَلَيْهِ الْمَاءُ لِغُسْلِ جِمَاعٍ وَنِفَاسٍ وَوُضُوءٍ نَقَضَهُ هو كَأَنْ لَمَسَهَا لِأَنَّ ذلك بِسَبَبِهِ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّ ذلك لَا يَجِبُ فِيمَا لو اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ وهو نَائِمٌ كما لو احْتَلَمَتْ وَأَنَّهُ يَجِبُ فِيمَا لو زَنَى بِامْرَأَةٍ وَلَوْ غير مُكْرَهَةٍ أو وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ وَالْأَوَّلُ ظَاهِرٌ وفي الثَّانِي حَيْثُ لَا إكْرَاهَ نَظَرٌ لِعَدَمِ احْتِرَامِهِ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَقَدْ أَفْتَى فيه الْقَفَّالُ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ لَكِنَّ الْقِيَاسَ فيه وفي الثَّانِي مع الْإِكْرَاهِ الْوُجُوبُ كما يَجِبُ الْمَهْرُ وَأَطَالَ في بَيَانِهِ وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْوُجُوبِ لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ مُعْتَبَرٌ في التَّعْلِيلِ وَإِلَّا لَوَجَبَ له عليها ذلك فِيمَا لو كانت هِيَ السَّبَبُ في نَقْضِ طُهْرِهِ وَكَالنِّفَاسِ فِيمَا ذُكِرَ الْوِلَادَةُ بِلَا بَلَلٍ كما فَهِمْت منه بِالْأَوْلَى وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحِلَّ ذلك فِيهِمَا إذَا كان الْإِحْبَالُ بِفِعْلِ الزَّوْجِ وَإِلَّا فَلَا وُجُوبَ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاجِبَ من الْمَاءِ أو ثَمَنِهِ ما يَكْفِي الْمَفْرُوضَ منه دُونَ السُّنَنِ لَا لِغُسْلِ حَيْضٍ وَلَا احْتِلَامٍ إذْ لَا صُنْعَ منه وَلَهُ مَنْعُهَا من أَكْلِ سُمٍّ وَكَذَا لِغَيْرِهِ مَنْعُهَا منه لِأَنَّهُ إهْلَاكٌ لِلنَّفْسِ وهو مُحَرَّمٌ وَمِنْ أَكْلِ مُمْرِضٍ لِخَوْفِ الْهَلَاكِ وَتَقَدَّمَ في النِّكَاحِ أَنَّ له مَنْعَهَا من تَنَاوُلِ ما له رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ كَثُومٍ وَيَجِبُ تَرْفِيهُ الْخَادِمِ إنْ تَأَذَّى بِالْهَوَامِّ لِلْوَسَخِ أو لِأَجْلِهِ وفي تَكْفِينِهِ وَنَحْوِهِ من مُؤَنِ تَجْهِيزِهِ إذَا مَاتَ وَجْهَانِ صَحَّحَ مِنْهُمَا الْأَذْرَعِيُّ عَدَمَ الْوُجُوبِ وَجَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ بِالْوُجُوبِ كَالْمَخْدُومَةِ وهو الْأَوْجَهُ
الْوَاجِبُ السَّادِسُ الْإِسْكَانُ لها كَالْمُعْتَدَّةِ بَلْ أَوْلَى فَيَلْزَمُهُ لها مَسْكَنٌ لَائِقٌ بها عَادَةً لِلضَّرُورَةِ إلَيْهِ وَفَارَقَ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ حَيْثُ اُعْتُبِرَ بِحَالِ الزَّوْجِ كما مَرَّ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِمَا التَّمْلِيكُ وَهُنَا الِامْتِنَاعُ وَلِأَنَّهُمَا ما إذَا لم يَلِيقَا بها يُمْكِنُهَا إبْدَالُهُمَا بِلَائِقٍ فَلَا إضْرَارَ بِخِلَافِ الْمَسْكَنِ فَإِنَّهَا مُلْزَمَةٌ بِمُلَازَمَتِهِ فَاعْتُبِرَ بِحَالِهِ وَاكْتَفَى بِهِ وَإِنْ اسْتَعَارَهُ الزَّوْجُ لِحُصُولِ الْإِيوَاءِ بِهِ وَلَا يَثْبُتُ السَّكَنُ في الذِّمَّةِ لِأَنَّهُ إمْتَاعٌ لَا تَمْلِيكٌ
الطَّرَفُ الثَّانِي في كَيْفِيَّةِ الْإِنْفَاقِ في هذه الْوَاجِبَاتِ وَكُلِّ ما يُسْتَهْلَكُ كَطَعَامٍ وَأُدْمٍ وَطِيبٍ يَسْتَحِقُّ تَمْلِيكَهُ لها بِأَنْ يُسَلِّمَهُ له بِقَصْدِ أَدَاءِ ما لَزِمَهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ من غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى لَفْظٍ وَكَذَا الْكِسْوَةُ وَالْفَرْشُ وَالْآلَةُ أَيْ آلَةُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالتَّنْظِيفِ كَمُشْطٍ وَدُهْنٍ وَاعْتُبِرَ في ذلك التَّمْلِيكُ لِأَنَّهُ من الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ وَقِيَاسًا على الْكِسْوَةِ في الْكَفَّارَةِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ كِسْوَةَ الْأَهْلِ أَصْلًا لِلْكِسْوَةِ في الْكَفَّارَةِ كَالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةُ تَمْلِيكٌ منها فَوَجَبَ هُنَا مِثْلُهُ بِخِلَافِ الْمَسْكَنِ فإنه إمْتَاعٌ كما مَرَّ لِأَنَّهُ لِمُجَرَّدِ الِانْتِفَاعِ كَالْخَادِمِ وَلِأَنَّ الزَّوْجَ يَسْكُنُهُ بِخِلَافِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ فَإِنَّهَا تُدْفَعُ إلَيْهَا
وَقَضِيَّةُ ذلك أَنَّ الْفَرْشَ كَالْمَسْكَنِ وقد قِيلَ بِهِ فيه وفي سَائِرِ ما يُنْتَفَعُ بِهِ مع بَقَاءِ عَيْنِهِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ خِلَافُهُ وَالتَّرْجِيحُ في الْفَرْشِ وَالْمُشْطِ وَآلَةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ من زِيَادَتِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِمُسْتَأْجَرٍ وَمُسْتَعَارٍ بِخِلَافِ الْمَسْكَنِ فَلَوْ لَبِسَتْ الْمُسْتَعَارَ وَتَلِفَ بِغَيْرِ اسْتِعْمَالٍ فَضَمَانُهُ يَلْزَمُ الزَّوْجَ لِأَنَّهُ الْمُسْتَعِيرُ وَهِيَ نَائِبَةٌ عنه في الِاسْتِعْمَالِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ له عليها في الْمُسْتَأْجَرِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ إنَّمَا
____________________
(3/430)
أَعْطَاهَا ذلك عن كِسْوَتِهَا
وَنَفَقَةُ الزَّوْجَةِ وَخَادِمِهَا تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ كُلَّ يَوْمٍ لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّهَا يَوْمًا فَيَوْمًا لِكَوْنِهَا في مُقَابَلَةِ التَّمْكِينِ الْحَاصِلِ في الْيَوْمِ فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بها عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَلَا يَلْزَمُهَا الصَّبْرُ إذْ الْوَاجِبُ الْحَبُّ كما سَيَأْتِي فَيُحْتَاجُ إلَى طَحْنِهِ وَعَجْنِهِ وَخَبْزِهِ قال الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ أنها تَجِبُ بِهِ وُجُوبًا مُوسَعًا كَالصَّلَاةِ أو أَنَّهُ إنْ قَدَرَ وَجَبَ عليه التَّسْلِيمُ لَكِنْ لَا يُحْبَسُ وَلَا يُخَاصَمُ قال الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ وإذا أَرَادَ سَفَرًا طَوِيلًا فَلَهَا مُطَالَبَتُهُ بِنَفَقَتِهَا لِمُدَّةِ ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ كما لَا يَخْرُجُ إلَى الْحَجِّ حتى يَتْرُكَ لها هذا الْقَدْرَ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لو هَيَّأَ ذلك إلَى نَائِبِهِ لِيَدْفَعَهُ إلَيْهَا يَوْمًا بِيَوْمٍ كَفَى وَلَا يُكَلَّفُ إعْطَاءَهُ لها دَفْعَةً وَاحِدَةً وَتَجِبُ حَبًّا سَلِيمًا إذَا كان غَالِبَ الْقُوتِ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ في النَّفْعِ كما في الْكَفَّارَةِ لَا دَقِيقًا وَخُبْزًا وَعَجِينًا مَعِيبًا كَمُسَوِّسٍ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهَا لِكُلِّ ما يَصْلُحُ لها الْحَبُّ فَلَوْ طَلَبَتْ غير الْحَبِّ لم يَلْزَمْهُ وَلَوْ بَذَلَ غَيْرَهُ لم يَلْزَمْهَا قَبُولُهُ وَيَمْلِكُ نَفَقَةَ مَمْلُوكِهَا الْخَادِمِ لها ذَكَرًا كان أو أُنْثَى كما تَمْلِكُ نَفَقَةَ نَفْسِهَا وفي مِلْكِهَا نَفَقَةَ الْحُرَّةِ الْخَادِمَةِ لها بِغَيْرِ اسْتِئْجَارٍ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نعم فَتَأْخُذُهَا وَتَدْفَعُهَا إلَى الْحُرَّةِ وَعَلَيْهِ فَلَهَا التَّصَرُّفُ فيها وَتُعْطِي مُؤْنَةَ الْحُرَّةِ من مَالِهَا وَثَانِيهِمَا لَا بَلْ تَمْلِكُهَا الْحُرَّةُ كما تَمْلِكُ الزَّوْجَةُ نَفَقَةَ نَفْسِهَا لَكِنَّ لها أَيْ الزَّوْجَةِ الْمُطَالَبَةَ له بها لِيَتَوَفَّرَ حَقُّ الْخِدْمَةِ وَلَا تُطَالِبُهُ بِنَفَقَةِ مَمْلُوكَتِهِ الْخَادِمَةِ لها لِأَنَّهُ إنَّمَا يُنْفِقُ عليها بِالْمِلْكِ كما مَرَّ وَلَا نَفَقَةَ لِمُسْتَأْجَرَةٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ أُجْرَتُهَا كما مَرَّ وَلَهَا بَيْعُ نَفَقَةِ الْيَوْمِ لَا الْغَدِ منه أَيْ من زَوْجِهَا قبل الْقَبْضِ لِجَوَازِ بَيْعِ الدَّيْنِ مِمَّنْ هو عليه لَا من غَيْرِهِ على ما صَحَّحَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ كَالرَّوْضَةِ قَدَّمَ في بَابِ الْمَبِيعِ قبل الْقَبْضِ جَوَازَ ذلك مُطْلَقًا أَمَّا نَفَقَةُ الْغَدِ فَلَا يَجُوزُ لها بَيْعُهَا مُطْلَقًا لِعَدَمِ مِلْكِهَا
وَلَهَا التَّصَرُّفُ فيها بَعْدَ الْقَبْضِ مُطْلَقًا بِالْإِبْدَالِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنْ سُرِقَتْ منها أو تَلِفَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ لم تُبَدَّلْ أَيْ لم يَلْزَمْهُ إبْدَالُهَا وَيَمْنَعُهَا من تَقْتِيرٍ على نَفْسِهَا مُضِرٍّ بها لِحَقِّ الِاسْتِمْتَاعِ وَعَلَيْهِ لها مع الْحَبِّ مُؤْنَةُ الطَّحْنِ وَالْخَبْزِ وَالطَّبْخِ وَإِنْ اعْتَادَتْ تَعَاطِيَ ذلك بِنَفْسِهَا لِأَنَّهَا في حَبْسِهِ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ وَلَيْسَ على خَادِمِهَا إلَّا ما يَخُصُّهَا أَيْ ما تَحْتَاجُ هِيَ إلَيْهِ كَحَمْلِ مَاءٍ إلَى الْمُسْتَحَمِّ وَنَحْوِهِ كَصَبِّهِ على يَدِهَا وَغَسْلِ خِرَقِ الْحَيْضِ وَالطَّبْخِ لِأَكْلِهَا أَمَّا ما لَا يَخُصُّهَا كَالطَّبْخِ لِأَكْلِهِ وَغَسْلِ ثِيَابِهِ فَلَا يَجِبُ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَلْ هو على الزَّوْجِ فَيُوَفِّيهِ بِنَفْسِهِ أو غَيْرِهِ فَإِنْ بَاعَتْ الْحَبَّ أو أَكَلَهُ حَبًّا فَفِي اسْتِحْقَاقِهَا الْمُؤْنَةَ تَرَدُّدٌ أَيْ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ أَحَدُهُمَا نعم لِأَنَّهُ بَعْضُ ما وَجَبَ عليه وَثَانِيهِمَا لَا لِأَنَّهَا تَجِبُ تَبَعًا لِلْحَبِّ فَلَا تُفْرَدُ بِالْإِيجَابِ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَمِيلُ إلَى هذا لَكِنْ قال الْغَزَالِيُّ الْقِيَاسُ الْوُجُوبُ
وَلَوْ أَكَلَتْ معه على الْعَادَةِ بِرِضَاهَا وَهِيَ رَشِيدَةٌ أو لم تَكُنْ رَشِيدَةً وَأَكَلَتْ بِإِذْنِ الْوَالِي سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا بِذَلِكَ لِاكْتِفَاءِ الزَّوْجَاتِ بِهِ في الْأَعْصَارِ وَجَرَيَانِ الناس عليه فيها قال الْإِمَامُ فَكَأَنَّ نَفَقَتَهَا مُتَرَدِّدَةٌ بين الْكِفَايَةِ إنْ أَرَادَتْ وَبَيْنَ التَّمْلِيكِ على قِيَاسِ الْأَعْوَاضِ إنْ طَلَبَتْ قال وَهِيَ حَسَنٌ غَامِضٌ وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ وَلْيَكُنْ السُّقُوطُ مُفَرَّعًا على جَوَازِ اعْتِيَاضِ الْخُبْزِ وَأَنْ يُجْعَلَ ما جَرَى قَائِمًا مَقَامَ الِاعْتِيَاضِ يُعِينُ إنْ لم يُلَاحِظْ ما جَرَى عليه الناس
____________________
(3/431)
في الْأَعْصَارِ كما مَرَّ قال في الْمُهِمَّاتِ وَالتَّصْوِيرُ بِالْأَكْلِ معه على الْعَادَةِ يُشْعِرُ بِأَنَّهَا إذَا أَتْلَفَتْهُ أو أَعْطَتْهُ غَيْرَهَا لم تَسْقُطْ وَبِأَنَّهَا إذَا أَكَلَتْ معه دُونَ الْكِفَايَةِ لم تَسْقُطْ وَبِهِ صَرَّحَ في النِّهَايَةِ وَعَلَيْهِ فَهَلْ لها الْمُطَالَبَةُ بِالْكُلِّ أو بِالتَّفَاوُتِ فَقَطْ
فيه نَظَرٌ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي قال ابن الْعِمَادِ وَيَنْبَغِي الْقَطْعُ بِهِ فَإِنْ كان الذي أَكَلَتْهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَتَنَازَعَا في قَدْرِهِ رُجِّحَ قَوْلُهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ قَبْضِهَا وَخَرَجَ بِرِضَاهَا ما لو أَكَلَتْ بِدُونِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ نَفَقَتُهَا فَلَيْسَ له تَكْلِيفُهَا الْأَكْلَ معه مع التَّمْلِيكِ وَدُونِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَقَوْلُهُمْ معه جَرَى على الْغَالِبِ فَلَيْسَ بِقَيْدٍ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم تَكُنْ رَشِيدَةً ولم يَأْذَنْ وَلِيُّهَا فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِذَلِكَ وَالزَّوْجُ مُتَطَوِّعٌ وَخَالَفَ الْبُلْقِينِيُّ فَأَفْتَى بِسُقُوطِهَا بِهِ قال وما قَيَّدَهُ النَّوَوِيُّ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ وقد ذَكَرَ الْأَئِمَّةُ في الْأَمَةِ ما يَقْتَضِي ذلك وَعَلَى ذلك جَرَى الناس في الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ وَعَلَى الْأَوَّلِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ما مَرَّ في الْحُرَّةِ أَمَّا الْأَمَةُ إذَا أَوْجَبْنَا نَفَقَتَهَا فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَبَرُ رِضَا السَّيِّدِ الْمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ بِذَلِكَ دُونَ رِضَاهَا كَالْحُرَّةِ الْمَحْجُورَةِ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالرَّشِيدَةِ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْبَالِغَةِ فَرْعٌ قال الزَّرْكَشِيُّ لو قالت قَصَدْت التَّبَرُّعَ فقال بَلْ قَصَدْت أَنْ يَكُونَ عن النَّفَقَةِ قال في الِاسْتِقْصَاءِ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ كما لو دَفَعَ إلَيْهَا شيئا وَادَّعَتْ أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ الْهَدِيَّةَ وقال بَلْ قَصَدْت الْمَهْرَ وَلَوْ اعْتَاضَتْ عن نَفَقَتِهَا دَقِيقَ الْحَبِّ وَالْوَاجِبِ خَبْزُهُ أو سَوِيقُهُ لم يَجُزْ لِلرِّبَا بِخِلَافِ ما لو اعْتَاضَتْ عنها دَرَاهِمَ أو دَنَانِيرَ أو ثِيَابًا أو شَعِيرًا أو كان الْوَاجِبُ بُرًّا أو عَكْسَهُ أو نَحْوَهَا فَيَجُوزُ ذلك لِاسْتِقْرَارِهَا في الذِّمَّةِ لِمُعَيَّنٍ وَلَا رِبَا فَجَازَ الِاعْتِيَاضُ عنها كَدَيْنِ الْقَرْضِ وَاحْتَرَزُوا بِالِاسْتِقْرَارِ عن الْمُسَلَّمِ فيه وَبِكَوْنِهِ لِمُعَيَّنٍ عن طَعَامِ الْكَفَّارَةِ
وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ جَوَازِ الِاعْتِيَاضِ عن نَفَقَةِ الْيَوْمِ قبل انْقِضَائِهِ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهَا لِاحْتِمَالِ سُقُوطِهَا بِنُشُوزٍ وَفِيهِ وَقْعَةٌ وما ذُكِرَ من عَدَمِ جَوَازِ الِاعْتِيَاضِ فِيمَا مَرَّ لِلرِّبَا قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ الْأَكْثَرُونَ على خِلَافِهِ رِفْقًا وَمُسَامَحَةً فَالْمُخْتَارُ جَعْلُهُ اسْتِيفَاءً لَا مُعَاوَضَةً وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قال وَيَقْوَى الْقَوْلُ بِهِ إذَا وَقَعَ ذلك بِغَيْرِ صِيغَةِ مُعَاوَضَةٍ وَيُؤَيِّدُهُ ما مَرَّ من سُقُوطِ النَّفَقَةِ بِالْأَكْلِ معه على الْعَادَةِ وَلَوْ قَبَضَتْ نَفَقَةَ أَيَّامٍ مَلَكَتْهَا كَالْأُجْرَةِ وَالزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ فَإِنْ مَاتَتْ أو مَاتَ أو بَانَتْ بَعْدَ قَبْضِهَا نَفَقَةَ أَيَّامٍ في أَثْنَائِهَا اسْتَرَدَّ نَفَقَةَ ما بَعْدَ يَوْمِ الْمَوْتِ وَالْإِبَانَةِ كَالزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ وَيَسْتَرِدُّ فِيمَا إذَا قَبَضَتْ نَفَقَةَ يَوْمٍ أو كِسْوَةَ فَصْلٍ بِالنُّشُوزِ منها أَيْ الْخُرُوجِ عن طَاعَةِ الزَّوْجِ في أَثْنَاءِ الْيَوْمِ أو اللَّيْلِ كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي في الْبَابِ الْآتِي نَفَقَتَهُ أو في أَثْنَاءِ الْفَصْلِ كِسْوَتَهُ زَجْرًا لها وَالتَّصْرِيحُ بِالثَّانِيَةِ من زِيَادَتِهِ لَا بِمَوْتِهَا وَطَلَاقِهَا وَمَوْتِهِ وَبَيْنُونَتِهَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ فَلَا يَسْتَرِدُّ ذلك لِوُجُوبِهِ أَوَّلَ النَّهَارِ أو الْفَصْلِ فَلَوْ لم تَقْبِضْهُ كان دَيْنًا عليه
فَصْلٌ تَجِبُ لها عليه لِكُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كِسْوَةٌ وَتُجَدَّدُ صَيْفًا وَشِتَاءً كِسْوَةُ الصَّيْفِ لِلصَّيْفِ وَكِسْوَةُ الشِّتَاءِ لِلشِّتَاءِ فَتُعْطَاهَا أَوَّلَ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْعُرْفِ فَلَوْ عَقَدَ عليها في أَثْنَاءِ أَحَدِهِمَا فَحُكْمُهُ يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي في نَظِيرِهِ من النَّفَقَةِ أَوَّلَ الْبَابِ الْآتِي لَا ما يَدُومُ سَنَةً فَأَكْثَرَ كَالْفُرُشِ وَالْجُبَّةِ أَيْ جُبَّةِ الْخَزِّ أو الْإِبْرَيْسَمِ فَتُجَدَّدُ إنْ تَلِفَتْ الْأَوْلَى إنْ تَلِفَ أو تَطَرَّى بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ تُصْلَحُ لِلْعَادَةِ فَلَوْ تَلِفَتْ الْكِسْوَةُ أو تَمَزَّقَتْ في يَدِهَا قبل مُضِيِّ الْفَصْلِ وَلَوْ بِلَا تَقْصِيرٍ منها أو بَقِيَتْ بَعْدَهُ لِرِفْقِهَا بها لم يُؤَثِّرْ في الْحُكْمِ فَلَا يَلْزَمُهُ تَجْدِيدُهَا فِيمَا عَدَا الْأَخِيرَةَ لِأَنَّهُ قد وَفَّى ما عليه وَيَلْزَمُهُ في الْأَخِيرَةِ لِتَجَدُّدِ الْمُوجِبِ وهو الْفَصْلُ الثَّانِي وَيَجِبُ لها في الْكِسْوَةِ الثِّيَابُ لَا قِيمَتُهَا وَعَلَيْهِ خِيَاطَتُهَا وَلَهَا بَيْعُهَا لِأَنَّهَا مِلْكُهَا وَلَوْ لَبِسَتْ دُونَهَا مَنَعَهَا لِأَنَّ له غَرَضًا في تَجَمُّلِهَا وَتَثْبُتُ الْكِسْوَةُ في الذِّمَّةِ إذَا مَضَتْ عليها مُدَّةٌ ولم يَكْسُهَا بِنَاءً على أنها تَمْلِيكٌ
الْبَابُ الثَّانِي في مُسْقِطَاتِ النَّفَقَةِ
وما في مَعْنَاهَا لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ بِالْعَقْدِ لِأَنَّهَا مَجْهُولَةُ الْجُمْلَةِ وَالْعَقْدُ لَا يُوجِبُ مَالًا مَجْهُولًا وَلِأَنَّهُ يُوجِبُ الْمَهْرَ
____________________
(3/432)
وهو لَا يُوجِبُ عِوَضَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ بِهِ بَلْ بِالتَّمْكِينِ يَوْمًا فَيَوْمًا قال في الْمُهِمَّاتِ وَلَوْ حَصَلَ الْعَقْدُ وَالتَّمْكِينُ وَقْتَ الْغُرُوبِ فَالْقِيَاسُ وُجُوبُهَا بِالْغُرُوبِ
ا ه
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ وُجُوبُهَا بِالْقِسْطِ فَلَوْ حَصَلَ ذلك وَقْتَ الظُّهْرِ فَيَنْبَغِي وُجُوبُهَا كَذَلِكَ من حِينَئِذٍ وَالْقَوْلُ فِيمَا لو اخْتَلَفَا في التَّمْكِينِ فقالت مَكَّنْت من وَقْتِ كَذَا وَأَنْكَرَ وَلَا بَيِّنَةَ قَوْلُهُ فيه بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ لَا في الْإِنْفَاقِ عليها ولا في النُّشُوزِ منها بَلْ الْقَوْلُ فِيهِمَا قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا سَوَاءٌ أَكَانَ الزَّوْجُ حَاضِرًا عِنْدَهَا أو غَائِبًا عنها لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُمَا فِيهِمَا وَبَقَاءُ التَّمْكِينِ في الثَّانِيَةِ فَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لها وَلَا لِنَاشِزَةٍ أَطَاعَتْ حتى تَعْرِضَ وَهِيَ مُكَلَّفَةٌ نَفْسَهَا على الزَّوْجِ وَلَوْ بِأَنْ تَبْعَثَ إلَيْهِ أَنِّي مُسَلِّمَةٌ نَفْسِي إلَيْك أو يَعْرِضَ الْوَلِيُّ الْمُرَاهِقَةَ أو الْمَجْنُونَةَ عليه وَلَوْ بِالْبَعْثِ إلَيْهِ لِحُصُولِ التَّمْكِينِ بِذَلِكَ نعم لو قال أُصَدِّقُ الْمُخْبِرَ وكان غير ثِقَةٍ
فَالظَّاهِرُ تَصْدِيقُهُ فَإِنْ كان غَائِبًا عنها فَحَتَّى أَيْ فَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا حتى يُعْلِمَهُ الْقَاضِي بِأَنْ تَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى قَاضِي بَلَدِهَا وَتُظْهِرَ له التَّسْلِيمَ لِيُرْسِلَ إلَى قَاضِي بَلَدِ الزَّوْجِ فَيُحْضِرَهُ وَيُعْلِمَهُ بِالْحَالِ وَيَمْضِيَ زَمَنُ وُصُولِهِ لِلتَّسْلِيمِ بِنَفْسِهِ أو نَائِبِهِ إذْ بِذَلِكَ يَحْصُلُ التَّمْكِينُ فَإِنْ لم يَفْعَلْ وَمَضَى زَمَنُ الْوُصُولِ إلَيْهَا فَرَضَ الْقَاضِي نَفَقَتَهَا في مَالِهِ وَجُعِلَ كَالْمُتَسَلِّمِ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ منه وَفَارَقَتْ الْمُرْتَدَّةَ حَيْثُ تَعُودَ نَفَقَتُهَا بِمُجَرَّدِ إسْلَامِهَا وَإِنْ كان زَوْجُهَا غَائِبًا بِأَنَّ نَفَقَتَهَا سَقَطَتْ لِرِدَّتِهَا فإذا أَسْلَمَتْ ارْتَفَعَ الْمُسْقِطُ فَعَمِلَ الْمُوجِبُ عَمَلَهُ وَالنَّاشِزَةُ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا لِخُرُوجِهَا عن قَبْضَةِ الزَّوْجِ وَطَاعَتِهِ وَإِنَّمَا تَعُودُ إذَا عَادَتْ إلَى قَبْضَتِهِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ في غَيْبَتِهِ إلَّا بِمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْفَرْقُ يُشْعِرُ بِأَنَّهَا لو نَشَزَتْ في الْمَنْزِلِ ولم تَخْرُجْ منه بَلْ مَنَعَتْهُ نَفْسَهَا فَغَابَ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الطَّاعَةِ عَادَتْ نَفَقَتُهَا من غَيْرِ تَوَقُّفٍ على رَفْعِ الْأَمْرِ إلَى الْقَاضِي وهو كَذَلِكَ على الْأَصَحِّ قال وَحَاصِلُ ذلك الْفَرْقُ بين النُّشُوزِ الْجَلِيِّ وَالنُّشُوزِ الْخَفِيِّ فَإِنْ جُهِلَ مَوْضِعُهُ كَتَبَ الْحَاكِمُ إلَى الْحُكَّامِ التي الْأَنْسَبُ الَّذِينَ تَرِدُ عليهم الْقَوَافِلُ من بَلَدِهِ عَادَةً لِيُنَادِيَ بِاسْمِهِ فَإِنْ لم يَظْهَرْ في الْحَالَيْنِ أَيْ حَالَيْ عِلْمِ مَوْضِعِهِ وَجَهْلِهِ أَنْفَقَهَا الْقَاضِي أَيْ أَعْطَاهَا نَفَقَتَهَا من مَالِهِ الْحَاضِرِ وَكَفَلَتْ أَيْ أَخَذَ منها كَفِيلٌ بِمَا يُصْرَفُ إلَيْهَا إنْ جُهِلَ مَوْضِعُهُ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ أو طَلَاقِهِ وَتَسْلِيمُ الْمُرَاهِقَةِ نَفْسَهَا إلَى الزَّوْجِ وَتَسَلُّمُهَا أَيْ تَسَلُّمُ الزَّوْجِ لها وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا كَافٍ لِحُصُولِ التَّمْكِينِ لَا عَرْضُ نَفْسِهَا فَلَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ من عَرْضِ وَلِيِّهَا كما مَرَّ وَتَسَلُّمُ الْمُرَاهِقِ زَوْجَتَهُ كَافٍ وَإِنْ كَرِهَ الْوَلِيُّ بِخِلَافِ تَسَلُّمِهِ الْمَبِيعَ في الْبَيْعِ لِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ أَنْ تَصِيرَ الْيَدُ لِلْمُشْتَرِي وَهِيَ لِلْوَلِيِّ فِيمَا اشْتَرَاهُ لِلْمُرَاهِقِ لَا له
فَصْلٌ وَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ بِنُشُوزِ عَاقِلَةٍ وَمَجْنُونَةٍ بَعْدَ التَّمْكِينِ وَلَوْ نَهَارًا دُونَ اللَّيْلِ أو بَعْضَ أَحَدِهِمَا أو قَدَرَ الزَّوْجُ على رَدِّهَا إلَى الطَّاعَةِ قَهْرًا لِأَنَّ له عليها حَقَّ الْحَبْسِ في مُقَابَلَةِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ فإذا نَشَزَتْ عليه سَقَطَ وُجُوبُ النَّفَقَةِ وَإِنَّمَا سَقَطَتْ كُلُّهَا لِأَنَّهَا لَا تَتَجَزَّأْ بِدَلِيلِ أنها تُسَلَّمُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَلَا تُفَرَّقُ غَدْوَةً وَعَشِيَّةً وَالتَّصْرِيحُ بِحُكْمِ نُشُوزِهَا في بَعْضِ اللَّيْلِ من زِيَادَتِهِ
وتسقط بِالِامْتِنَاعِ من التَّمْكِينِ وَلَوْ في مَكَان
____________________
(3/433)
عَيَّنَهُ لِعَدَمِ التَّمْكِينِ التَّامِّ وَتُعْذَرُ في الِامْتِنَاعِ من التَّمْكِينِ لِمَرَضٍ تَتَضَرَّرُ بِهِ معه وَكَذَا في الِامْتِنَاعِ منه لِعَبَالَةٍ فيه بِفَتْحِ الْعَيْنِ أو كِبَرٍ ذَكَرَهُ بِحَيْثُ لَا تَحْتَمِلُهَا فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِذَلِكَ إذَا كانت عِنْدَهُ لِأَنَّهَا مَعْذُورَةٌ في ذلك وقد حَصَلَ التَّسْلِيمُ الْمُمَكِّنُ وَيُمْكِنُ التَّمَتُّعُ بها من بَعْضِ الْوُجُوهِ وَتَثْبُتُ عَبَالَتُهُ بِالنِّسْوَةِ الْأَرْبَعِ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ يَسْقُطُ بها حَقُّ الزَّوْجِ وَلَهُنَّ نَظَرُ الْعَبْلِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْبَاءِ أَيْ كِبَرِ الذَّكَرِ وَالْمُرَادُ نَظَرُ ذَكَرِهِ في حَالَةِ الْإِجْمَاعِ لِلشَّهَادَةِ بِذَلِكَ وَلَيْسَ لها الِامْتِنَاعُ من الزِّفَافِ لِعَبَالَتِهِ لها ذلك بِالْمَرَضِ فإنه مُتَوَقَّعُ الزَّوَالِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَرْعٌ وإذا جَوَّزَنَا لها حَبْسَ نَفْسِهَا بِصَدَاقٍ بِشَرْطِهِ الْمَذْكُورِ في الصَّدَاقِ وهو أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا أو حَالًّا ولم يَدْخُلْ بها اسْتَحَقَّتْ نَفَقَتَهُ الْأَوْلَى نَفَقَتُهَا وقد تَقَدَّمَ بَيَانُهُ في كِتَابِ الصَّدَاقِ
فَرْعٌ وَخُرُوجُهَا من مَنْزِلِ زَوْجِهَا لِسَفَرٍ أو لِغَيْرِهِ وَلَوْ غَصْبًا بِلَا إذْنٍ منه نُشُوزٌ لِخُرُوجِهَا عن قَبْضَتِهِ وَلِأَنَّ له عليها حَقَّ الْحَبْسِ في مُقَابَلَةِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَا خُرُوجُهَا لِخَوْفٍ من انْهِدَامِ الْمَنْزِلِ أو غَيْرِهِ أو أُخْرِجَتْ من غَيْرِ بَيْتِ الزَّوْجِ أو خَرَجَتْ لِاسْتِفْتَاءٍ لم يُغْنِهَا الزَّوْجُ عن خُرُوجِهَا له أو زِيَارَةٍ أو عِيَادَةِ أَبَوَيْنِ أو غَيْرِهِمَا من سَائِرِ الْمَحَارِمِ لَا على وَجْهِ النُّشُوزِ وَالزَّوْجُ غَائِبٌ أو لِنَحْوِهَا مِمَّا يَجُوزُ لها الْخُرُوجُ كَخُرُوجِهَا لِطَلَبِ حَقِّهَا منه فَلَيْسَ بِنُشُوزٍ لِعُذْرِهَا وَلَيْسَ لها الْخُرُوجُ لِمَوْتِ أَبِيهَا وَلَا لِشُهُودِ جِنَازَتِهِ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عن الْحَمَوِيُّ شَارِحِ التَّنْبِيهِ وَأَقَرَّهُ وَذِكْرُ خُرُوجِهَا لِلِاسْتِفْتَاءِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَسَفَرُهَا وَلَوْ بِإِذْنِ الزَّوْجِ مُسْقِطٌ لِلنَّفَقَةِ لِخُرُوجِهَا عن قَبْضَتِهِ وَإِقْبَالِهَا على شَأْنِهَا إلَّا إنْ كان الزَّوْجُ مَعَهَا وَلَوْ في حَاجَتِهَا أو لم يَأْذَنْ لها أو خَرَجَتْ وَحْدَهَا بِإِذْنِهِ في حَاجَتِهِ فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا لِأَنَّهَا في الْأُولَى مُمَكِّنَةٌ وفي الثَّانِيَةِ هو الذي أَسْقَطَ حَقَّهُ لِغَرَضِهِ لَكِنَّهَا تَعْصِي فِيمَا إذَا خَرَجَتْ معه بِلَا إذْنٍ نعم إنْ مَنَعَهَا من الْخُرُوجِ فَخَرَجَتْ ولم يَقْدِرْ على رَدِّهَا سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ تَفَقُّهًا وهو ظَاهِرٌ وما شَمِلَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ من لُزُومِ نَفَقَتِهَا فِيمَا إذَا سَافَرَتْ معه بِلَا إذْنٍ من زِيَادَتِهِ بَلْ كَلَامُ أَصْلِهِ يَقْتَضِي عَكْسَهُ وَلَيْسَ مُرَادًا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أنها لو خَرَجَتْ وَحْدَهَا بِإِذْنِهِ لِحَاجَتِهِمَا مَعًا سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا وهو ما بَحَثَهُ ابن الْعِمَادِ أَخْذًا مِمَّا رَجَّحُوهُ من عَدَمِ وُجُوبِ الْمُتْعَةِ فِيمَا إذَا ارْتَدَّا مَعًا قبل الْوَطْءِ وَاَلَّذِي بَحَثَهُ غَيْرُهُ عَدَمُ سُقُوطِهَا أَخْذًا من الْمُرَجَّحِ في الْإِيمَانِ من عَدَمِ الْحِنْثِ فِيمَا إذَا قال لِزَوْجَتِهِ إنْ خَرَجْت لِغَيْرِ الْحَمَّامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ لها وَلِغَيْرِهَا وهو أَوْجَهُ كما بَيَّنْته في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَكَلَامُ الْأَصْلِ في ذلك مُتَدَافِعٌ
فَرْعٌ لَا يُسْقِطُهَا عُذْرٌ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ عَادَةً كَمَرَضٍ وَرَتَقٍ وَقَرْنٍ وَضَنًا بِالْفَتْحِ وَالْقَصْرِ أَيْ مَرَضٍ مُدْنِفٍ وَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَجُنُونٍ وَإِنْ قَارَنَتْ تَسْلِيمَ الزَّوْجَةِ لِأَنَّهَا أَعْذَارٌ بَعْضُهَا يَطْرَأُ أو يَزُولُ وَبَعْضُهَا دَائِمٌ وَهِيَ مَعْذُورَةٌ فيها وقد حَصَلَ التَّسْلِيمُ الْمُمَكِّنِ وَيُمْكِنُ التَّمَتُّعُ بها من بَعْضِ الْوُجُوهِ وَفَارَقَ ما لو غُصِبَتْ بِخُرُوجِهَا عن قَبْضَةِ الزَّوْجِ وَفَوَاتِ التَّمَتُّعِ بِالْكُلِّيَّةِ وَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِالْحَبْسِ لها وَلَوْ ظُلْمًا كما لو وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَاعْتَدَّتْ وَهَذَا عُلِمَ من كِتَابِ التَّفْلِيسِ مع زِيَادَةٍ تَتَعَلَّقُ بِمَا هُنَا قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَوْ حَبَسَهَا الزَّوْجُ بِدَيْنِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَسْقُطَ نَفَقَتُهَا لِأَنَّ الْمَنْعَ من قِبَلِهِ وَالْأَقْرَبُ أنها إنْ مَنَعَتْهُ منه عِنَادًا سَقَطَتْ أو لِإِعْسَارٍ فَلَا
فَصْلٌ لَا نَفَقَةَ لِطِفْلَةٍ لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ لِتَعَذُّرِهِ لِمَعْنًى فيها كَالنَّاشِزَةِ بِخِلَافِ الْمَرِيضَةِ وَالرَّتْقَاءِ فإن الْمَرَضَ يَطْرَأُ أو يَزُولُ وَالرَّتْقُ مَانِعٌ دَائِمٌ قد رضي بِهِ وَيَشُقُّ معه تَرْكُ النَّفَقَةِ مع أَنَّ التَّمَتُّعَ بِغَيْرِ الْوَطْءِ لَا يَفُوتُ فِيهِمَا كما مَرَّ وَتَلْزَمُ النَّفَقَةُ الطِّفْلَ لِكَبِيرَةٍ بِالْعَرْضِ لها على وَلِيِّهِ أو تَسَلُّمِهِ لها وَإِنْ لم يَتَأَتَّ منه الْوَطْءُ
____________________
(3/434)
إذْ لَا مَنْعَ من جِهَتِهَا فَأَشْبَهَ ما لو سَلَّمَتْ نَفْسَهَا إلَى كَبِيرٍ فَهَرَبَ
فَصْلٌ لو أَحْرَمَتْ بِحَجٍّ أو عُمْرَةٍ أو مُطْلَقًا بِإِذْنِهِ لم تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا إنْ كانت مُقِيمَةً وَكَذَا إنْ سَافَرَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وهو مَعَهَا لِإِذْنِهِ لها في الْإِحْرَامِ وَهِيَ في قَبْضَتِهِ وَتَفْوِيتِ التَّمَتُّعِ بِسَبَبٍ أَذِنَ فيه وَلَا أَثَرَ لِنَهْيِهِ عن الْخُرُوجِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ في الْإِحْرَامِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ مَعَهَا فَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا بَلْ تَسْقُطُ وَإِنْ أَذِنَ لها في السَّفَرِ وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِلَا إذْنٍ منه ولم تُسَافِرْ أَنْفَقَ عليها إذْ له تَحْلِيلُهَا وَهِيَ في قَبْضَتِهِ فإذا لم يَفْعَلْ فَهُوَ الْمُفَوِّتُ على نَفْسِهِ فَإِنْ سَافَرَتْ دُونَهُ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا وَإِنْ أَذِنَ لها بِخِلَافِ ما إذَا سَافَرَ مَعَهَا وَإِنْ لم يَأْذَنْ لها وَلَا يُسْقِطُهَا عَدَمُ الْإِذْنِ في صَوْمِ رَمَضَانَ قال الزَّرْكَشِيُّ وَإِنْ كَانَا في السَّفَرِ وكان الصَّوْمُ أَفْضَلَ على الْمُتَّجَهِ خِلَافًا لِمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ مِمَّا يُخَالِفُ ذلك على ما نُقِلَ عنه
ولا في قَضَائِهِ إنْ تَضَيَّقَ عليها الْوَقْتُ وَلَوْ تَضَيَّقَ لِلتَّعَدِّي منها بِالْإِفْطَارِ لِوُجُوبِ ذلك على الْفَوْرِ فَإِنْ تَوَسَّعَ الْوَقْتُ سَقَطَتْ كُلُّهَا إنْ مَنَعَهَا فلم تَمْتَنِعْ لِأَنَّ حَقَّهُ على الْفَوْرِ وَهَذَا على التَّرَاخِي وَلَهُ مَنْعُهَا من إتْمَامِهِ أَيْ صَوْمِ الْقَضَاءِ الْمُوَسَّعِ وَإِتْمَامِ قَضَاءِ صَلَاةٍ مُوَسَّعٍ إذَا شَرَعَتْ فيها بِغَيْرِ إذْنِهِ كَالنَّفْلِ الْمُطْلَقِ وَلِمَا ذَكَرَ آنِفًا وَكَمَا أَنَّ له مَنْعَهَا من الْمُبَادَرَةِ إلَى ذلك كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى
قال الْأَذْرَعِيُّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ الْمَنْعُ من النَّفْلِ الْمُطْلَقِ مُطْلَقًا وقال الْمَاوَرْدِيُّ له مَنْعُهَا منه إذَا أَرَادَ التَّمَتُّعَ قال وهو حَسَنٌ مُتَعَيِّنٌ
فَإِنْ امْتَنَعَتْ من الْإِفْطَارِ وَلَوْ آخِرَ النَّهَارِ بِأَكْلٍ أو غَيْرِهِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا لِامْتِنَاعِهَا من التَّمْكِينِ بِمَا ليس بِوَاجِبٍ عليها قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ من لَا يَحِلُّ له وَطْؤُهَا كَمُتَحَيِّرَةٍ وَمَنْ لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا صَائِمَةً فَلَهَا الْإِتْمَامُ وفي سُقُوطِ نَفَقَتِهَا بِهِ وقد زُفَّتْ إلَيْهِ وَجْهَانِ قال الْأَذْرَعِيُّ أَرْجَحُهُمَا السُّقُوطُ بَلْ هو الْوَجْهُ لِأَنَّ الْفِطْرَ أَفْضَلُ عِنْدَ طَلَبِهِ التَّمَتُّعَ
وَتَسْقُطُ بِالِاعْتِكَافِ لِمَا مَرَّ في امْتِنَاعِهَا من الْإِفْطَارِ إلَّا بِإِذْنٍ من زَوْجِهَا وهو مَعَهَا لِأَنَّهَا في قَبْضَتِهِ أو بِغَيْرِ إذْنِهِ لَكِنْ اعْتَكَفَ بِنَذْرٍ مُعَيَّنٍ سَابِقٍ لِلنِّكَاحِ فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا فَدَخَلَ في الْمُسْتَثْنَى منه ما لو اعْتَكَفَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وكان الِاعْتِكَافُ تَطَوُّعًا أو نَذْرًا مُطْلَقًا أو مُعَيَّنًا مُتَأَخِّرًا عن النِّكَاحِ أو بِإِذْنِهِ ولم يَكُنْ مَعَهَا وَيَمْنَعُهَا من مَنْذُورٍ وَصَوْمٍ أو صَلَاةٍ مُطْلَقٍ سَوَاءٌ أَنَذَرَتْهُ قبل النِّكَاحِ أَمْ بَعْدَهُ وَلَوْ بِإِذْنِهِ لِأَنَّهُ مُوَسَّعٌ قال في الْمُهِمَّاتِ وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّافِعِيَّ جَزَمَ في كِتَابِ الِاعْتِكَافِ بِأَنَّهَا لو نَذَرَتْ اعْتِكَافًا مُتَتَابِعًا بِغَيْرِ إذْنِهِ وَدَخَلَتْ فيه بِإِذْنِهِ ليس له مَنْعُهَا وَعَلَّلَهُ في الْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ الْعِبَادَةِ الْوَاجِبَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ وَهَذَا بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ في نَذْرِ الصَّوْمِ الْمُتَتَابِعِ فَيَنْبَغِي اسْتِثْنَاؤُهُ هُنَا قال الْأَذْرَعِيُّ وَإِطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّ له مَنْعَهَا من الْمَنْذُورِ الْمُطْلَقِ قبل النِّكَاحِ فيه نَظَرٌ إذَا خَافَتْ الْفَوْتَ بِالْمَوْتِ أو بِمَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ وَكَذَا يَمْنَعُهَا من مَنْذُورٍ مُعَيَّنٍ نَذَرَتْهُ بَعْدَ النِّكَاحِ بِلَا إذْنٍ منه لِأَنَّهَا بِالنَّذْرِ مَنَعَتْ حَقَّهُ السَّابِقَ بِخِلَافِ ما لو نَذَرَتْهُ قبل النِّكَاحِ أو بَعْدَهُ بِإِذْنِهِ لِأَنَّهُ الذي أَسْقَطَ حَقَّهُ في الثَّانِيَةِ وَلِتَعْيِينِ وَقْتِهِ في الْأُولَى مع تَقَدُّمِ وُجُوبِهِ على حَقِّ الزَّوْجِ ويمنعها من صَوْمِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ على التَّرَاخِي أَيْ إنْ لم تَعْصِ بِسَبَبِهِ وَلَا يَمْنَعُهَا من صَلَاةِ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ لِتَأَكُّدِهَا بِخِلَافِ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ ولا من تَعْجِيلِ مَكْتُوبَةٍ أَوَّلَ الْوَقْتِ لِمَا في فِعْلِهَا فيه من الْفَضِيلَةِ وَلِأَنَّ زَمَنَهَا ضَيِّقٌ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ نعم إنْ لم يُنْدَبْ تَعْجِيلُهَا كَالْإِبْرَادِ فَيُشْبِهُ أَنَّ له مَنْعَهَا جَزْمًا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَمْنَعُهَا من تَعْجِيلِ الرَّاتِبَةِ مع الْمَكْتُوبَةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَيَمْنَعُهَا
____________________
(3/435)
من تَطْوِيلِ الرَّوَاتِبِ ومن صَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ وَنَحْوِهِمَا كَالنَّفْلِ الْمُطْلَقِ لَا من صَوْمِ عَاشُورَاءَ وَعَرَفَةَ كما في رَوَاتِبِ الصَّلَاةِ ويمنعها من الْخُرُوجِ لِعِيدٍ وَكُسُوفٍ لَا من فِعْلِهَا في الْبَيْتِ
فَصْلٌ لو نَكَحَ مُسْتَأْجِرَةَ الْعَيْنِ سَقَطَتْ أَيْ لم تَجِبْ نَفَقَتُهَا وَلَيْسَ له مَنْعُهَا من الْعَمَلِ كما مَرَّ في بَابِ الْإِجَارَةِ وفي الْحَاوِي لِلْمَاوَرْدِيِّ وَالْبَحْرِ لِلرُّويَانِيِّ له الْخِيَارُ في فَسْخِ النِّكَاحِ إنْ جَهِلَ الْحَالَ لِفَوَاتِ التَّمَتُّعِ عليه نَهَارًا مع عُذْرِهِ وَإِنْ رضي الْمُسْتَأْجِرُ بِتَمْكِينِهِ منها فيه لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ عليه وَوَعْدٌ لَا يَلْزَمُ
وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ عَدَمُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَغَيْرُهُ وقال الْأَذْرَعِيُّ إنَّ ثُبُوتَهُ غَرِيبٌ ولم أَرَهُ لِغَيْرِ الْمَاوَرْدِيِّ وَسُقُوطُ نَفَقَتِهَا بِذَلِكَ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ وَاسْتُشْكِلَ بِعَدَمِ سُقُوطِهَا بِنَذْرِهَا الصَّوْمَ أو الِاعْتِكَافَ الْمُعَيَّنَ قبل النِّكَاحِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ على أَنَّ صَاحِبَ الْمُهَذَّبِ مُصَرِّحٌ بِعَدَمِ سُقُوطِهَا في مَسْأَلَتِنَا وَجَعَلَهَا أَصْلًا لِمَسْأَلَةِ الِاعْتِكَافِ
انْتَهَى
وما قَالَهُ الْمُتَوَلِّي تَبِعَ فيه الْبَغَوِيّ فَقَدْ ذَكَرَهُ في تَهْذِيبِهِ في الْإِجَارَةِ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وقد يُجَابُ بِأَنَّ هُنَا يَدًا حَائِلَةً بِخِلَافِ مَسْأَلَتَيْ الصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ
فَصْلٌ لِلرَّجْعِيَّةِ لَا لِلْبَائِنِ الْحَائِلِ ما لِلزَّوْجَةِ من نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَغَيْرِهِمَا لِبَقَاءِ حَبْسِ الزَّوْجِ لها وَسَلْطَنَتِهِ وَقُدْرَتِهِ على التَّمَتُّعِ بها بِالرَّجْعَةِ بِخِلَافِ الْبَائِنِ سِوَى آلَةِ التَّنْظِيفِ فَلَا تَجِبُ لها لِامْتِنَاعِ الزَّوْجِ عنها وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ أَمَةً أَمْ حُرَّةً حَامِلًا أو حَائِلًا نعم لو تَأَذَّتْ بِالْهَوَامِّ لِلْوَسَخِ وَجَبَ لها ما تُرَفَّهُ بِهِ كما مَرَّ في الْخَادِمِ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ تَفَقُّهًا وَلَا يَسْقُطُ ما وَجَبَ لها إلَّا بِمَا يَسْقُطُ بِهِ ما يَجِبُ لِلزَّوْجَةِ وَيَسْتَمِرُّ وُجُوبُهُ حتى تُقِرَّ هِيَ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ أو بِغَيْرِهِ فَهِيَ الْمُصَدَّقَةُ في اسْتِمْرَارِ النَّفَقَةِ كما تُصَدَّقُ في بَقَاءِ الْعِدَّةِ وَثُبُوتِ الرَّجْعَةِ وَإِنْ ظَنَّ بها حَمْلٌ فَأَنْفَقَ عليها وَبَانَتْ بَعْدَ ذلك حَائِلًا وَأَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ اسْتَرَدَّ منها ما أَنْفَقَهُ عليها بَعْدَ الْأَقْرَاءِ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ وُجُوبِ ذلك عليه وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا في قَدْرِ مُدَّتِهَا بِيَمِينِهَا إنْ كَذَّبَهَا وَبِدُونِهَا إنْ صَدَّقَهَا فَإِنْ جَهِلَتْ وَقْتَ انْقِضَائِهَا قَدَّرَتْ بِعَادَتِهَا حَيْضًا وَطُهْرًا إنْ لم تَخْتَلِفْ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ فَبِأَقَلِّهَا تَعْتَبِرُ فَيَرْجِعُ الزَّوْجُ بِمَا زَادَ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَهِيَ لَا تَدَّعِي زِيَادَةً عليه فَإِنْ نَسِيَتْهَا فَبِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ تَعْتَبِرُ فَيَرْجِعُ بِمَا زَادَ عليها أَخْذًا بِغَالِبِ الْعَادَاتِ وَهَذَا ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن النَّصِّ وَنُقِلَ عن الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ وَأَبِي الْفَرَجِ السَّرَخْسِيِّ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا زَادَ على أَقَلِّ ما يُمْكِنُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ بِهِ فَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ لَكِنْ اسْتَغْرَبَ الْأَذْرَعِيُّ النَّصَّ ثُمَّ قال وَالْمَحْكِيُّ عن الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ وَالسَّرَخْسِيِّ هو ما أَوْرَدَهُ مُسْلِمٌ الرَّازِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وقال الرُّويَانِيُّ إنَّهُ أَقْيَسُ لَكِنَّهُ خِلَافُ النَّصِّ
وَيَسْتَرِدُّ منها الزَّوْجُ ما أَنْفَقَهُ عليها في مُدَّةِ الْحَمْلِ إنْ انْتَفَى عنه الْوَلَدُ الذي أَتَتْ بِهِ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ لِلُّحُوقِ بِهِ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ من أَرْبَعِ سِنِينَ من وَقْتِ الطَّلَاقِ لَكِنَّهَا تُسْأَلُ عن الْوَلَدِ فَقَدْ تَدَّعِي وَطْءَ شُبْهَةٍ بِنِكَاحٍ أو غَيْرِهِ في أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ وَالْحَمْلُ يَقْطَعُهَا كَالنَّفَقَةِ فَتُتِمُّهَا أَيْ الْعِدَّةَ بَعْدَ وَضْعِهِ وَيُنْفِقُ عليها تَتِمَّتَهَا أَيْ الْعِدَّةَ وقد تَدَّعِي وُقُوعَ ذلك بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ فَتَرُدُّ الْمَأْخُوذَ بَعْدَهَا لِاعْتِرَافِهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بها فَرْعٌ لو قال لِرَجْعِيَّةٍ وَضَعَتْ وَلَدًا طَلَّقْتُك قبل الْوَضْعِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُك بِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَك الْآنَ فقالت بَلْ طَلَّقَنِي بَعْدَهُ فَلِي النَّفَقَةُ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ عليها في الْوَقْتِ الذي تَزْعُمُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فيه وَالنَّفَقَةُ لها لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُمَا وَبَقَاءُ النِّكَاحِ وَسَقَطَتْ الرَّجْعَةُ لِأَنَّهَا بَائِنٌ بِزَعْمِهِ وَمَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ قُبِلَ فِيمَا يَضُرُّهُ دُونَ ما يَضُرُّ غَيْرَهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو أَقَرَّ بَيْعَ عَبْدٍ مِمَّنْ يُعْتَقُ عليه حُكِمَ عليه بِعِتْقِهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ في لُزُومِ الثَّمَنِ على من زَعَمَ أَنَّهُ اشْتَرَى فَإِنْ وَطِئَهَا قبل الْوَضْعِ في الزَّمَنِ الذي يَزْعُمُ هو أنها مُطَلَّقَةٌ فيه فَلَا مَهْرَ عليه لها لِاعْتِرَافِهَا بِالنِّكَاحِ وَالْوَطْءِ فيه فَإِنْ اخْتَلَفَا بِالْعَكْسِ فقال طَلَّقْتُك
____________________
(3/436)
بَعْدَ الْوَضْعِ فَلِي الرَّجْعَةُ فقالت بَلْ قَبْلَهُ وقد انْقَضَتْ عِدَّتِي فَلَا رَجْعَةَ لَك فَلَهُ الرَّجْعَةُ لِأَنَّهُ الْمُصَدَّقُ في بَقَاءِ الْعِدَّةِ وَلَا نَفَقَةَ لها لِزَعْمِهَا وفي هذه تَفْصِيلٌ مَرَّ في آخِرِ الْبَابِ الْأَوَّلِ من أَبْوَابِ الْعِدَّةِ
فَصْلٌ تَجِبُ عليه النَّفَقَةُ الشَّامِلَةُ لِلْأُدْمِ وَالْكِسْوَةِ لِحَامِلٍ بَائِنٍ بِطَلَاقٍ ثَلَاثٍ وَخُلْعٍ لِآيَةِ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ وَلِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِمَائِهِ فَهُوَ مُسْتَمْتِعٌ بِرَحِمِهَا فَصَارَ كَالِاسْتِمْتَاعِ بها في حَالِ الزَّوْجِيَّةِ إذْ النَّسْلُ مَقْصُودٌ بِالنِّكَاحِ كما أَنَّ الْوَطْءَ مَقْصُودٌ بِهِ لَا مَوْتٍ أَيْ لَا بِمَوْتِهِ لِخَبَرِ ليس لِلْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عنها زَوْجُهَا نَفَقَةٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَامِلِ بِسَبَبِ حَمْلِهَا كما سَيَأْتِي وَنَفَقَةُ الْقَرِيبِ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ فَكَذَا النَّفَقَةُ بِسَبَبِهِ وَإِنَّمَا لم تَسْقُطْ فِيمَا لو مَاتَ بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا كما سَيَأْتِي لِأَنَّهَا وَجَبَتْ ثُمَّ قبل الْمَوْتِ فَاغْتُفِرَ بَقَاؤُهَا في الدَّوَامِ لِأَنَّهُ أَقْوَى من الِابْتِدَاءِ ويجب ذلك لها بِفُرْقَةٍ بِسَبَبٍ عَارِضٍ كَالرِّدَّةِ وَالرَّضَاعِ وَاللِّعَانِ إنْ لم يَنْفِ الْوَلَدَ لِأَنَّهُ قَاطِعٌ لِلنِّكَاحِ كَالطَّلَاقِ لَا بِسَبَبٍ مُقَارِنٍ لِلْعَقْدِ كَالْعَيْبِ وَالْغُرُورِ فَلَا تَجِبُ لِأَنَّ الْفَسْخَ بِهِ يَرْفَعُ الْعَقْدَ من أَصْلِهِ وَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ إذَا لم يَكُنْ دُخُولٌ وَقِيلَ يَجِبُ التَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ هُنَا وفي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ إشَارَةٌ إلَيْهِ وَرَجَّحَهُ الْأَصْلُ في بَابِ الْخِيَارِ وَهِيَ أَيْ النَّفَقَةُ الشَّامِلَةُ لِمَا مَرَّ لِلْحَامِلِ بِسَبَبِ الْحَمْلِ لَا لِلْحَمْلِ لِأَنَّهَا لو كانت له لَتَقَدَّرَتْ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ وَلِأَنَّهَا تَجِبُ على الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ وَلَوْ كانت له لَمَا وَجَبَتْ على الْمُعْسِرِ وَلِأَنَّهَا مُخْتَلِفَةُ الْقَدْرِ بِيَسَارِ الزَّوْجِ وَإِعْسَارِهِ كما هو شَأْنُ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَلِأَنَّ الْوَلَدَ بَعْدَ الِانْفِصَالِ إذَا احْتَاجَ إلَى حَاضِنَةٍ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلْحَاضِنَةِ وَالْحَامِلُ لَا تَتَقَاعَدُ عن الْحَاضِنَةِ وَلِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ
فَتَجِبُ على الرَّقِيقِ بِنَاءً على ذلك إذْ لو كانت لِلْحَمْلِ لم تَجِبْ عليه إذْ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَمْلُ حُرًّا أَمْ رَقِيقًا لَا لِلْحَامِلِ من وَطْءِ شُبْهَةٍ وَلَوْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ وَإِنْ كانت مَعْذُورَةً كَأَنْ وُطِئَتْ نَائِمَةً أو مُكْرَهَةً فَلَا تَجِبُ على الزَّوْجِ من حِينِ الْوَطْءِ لِفَوَاتِ التَّمَتُّعِ بها وَلَا على الْوَاطِئِ بِنَاءً على ما ذُكِرَ وَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ الْمَذْكُورَةُ عن الزَّوْجِ لَا السُّكْنَى بِنَفْيِ الْحَمْلِ لِأَنَّهُ انْقَطَعَ عنه وَصَارَتْ في حَقِّهِ كَالْحَائِلِ فَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ دُونَ السُّكْنَى فَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ بَعْدَ نَفْيِهِ رَجَعَتْ عليه بِأُجْرَةِ الْإِرْضَاعِ وببدل الْإِنْفَاقِ عليها قبل الْوَضْعِ وَعَلَى وَلَدِهَا وَلَوْ كان الْإِنْفَاقُ عليه بَعْدَ الرَّضَاعِ لِأَنَّهَا أَدَّتْ ذلك بِظَنِّ وُجُوبِهِ عليها فإذا بَانَ خِلَافُهُ ثَبَتَ الرُّجُوعُ كما لو ظَنَّ أَنَّ عليه دَيْنًا أَدَّاهُ فَبَانَ خِلَافُهُ يَرْجِعُ بِهِ وَكَمَا لو أَنْفَقَ على أبيه بِظَنِّ إعْسَارِهِ فَبَانَ مُوسِرًا يَرْجِعُ عليه بِخِلَافِ الْمُتَبَرِّعِ وَاسْتُشْكِلَ رُجُوعُهَا بِمَا أَنْفَقَتْهُ على الْوَلَدِ بِإِطْلَاقِهِمْ أَنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَبَ هُنَا تَعَدَّى بِنَفْيِهِ ولم يَكُنْ لها طَلَبٌ في ظَاهِرِ الشَّرْعِ فلما أَكَذَبَ نَفْسَهُ رَجَعَتْ حِينَئِذٍ
فَرْعٌ نَفَقَتُهَا أَيْ الْبَائِنُ الْحَامِلِ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ في التَّقْدِيرِ وَغَيْرِهِ فَتَصِيرُ دَيْنًا على الزَّوْجِ إذَا تَرَكَ الْإِنْفَاقَ عليها مُدَّةً فَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّهَا وَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَمَّا وَجَبَ منها لِاسْتِقْرَارِهِ في ذِمَّةِ الزَّوْجِ بِخِلَافِ ما لم يَجِبْ منها كَنَظَائِرِهَا وَلَا تُؤَخَّرُ نَفَقَتُهَا إلَى الْوَضْعِ وَحِينَئِذٍ فَتُسَلَّمُ إلَيْهَا يَوْمًا يَوْمًا لِآيَةِ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ وَلِأَنَّهَا لو أُخِّرَتْ عنها إلَى الْوَضْعِ لَتَضَرَّرَتْ لَكِنْ إنَّمَا يَجِبُ تَسْلِيمُهَا بَعْدَ ظُهُورِ الْحَمْلِ لَا قَبْلَهُ لِعَدَمِ ظُهُورِ الْمُوجِبِ وَكَظُهُورِهِ اعْتِرَافُ الزَّوْجِ بِهِ وَلَوْ ادَّعَتْ ظُهُورَهُ فَأَنْكَرَ عليها الْبَيِّنَةَ وَيَكْفِي فيه شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَلَوْ قبل سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَوْ أَنْفَقَ بِظَنِّ الْحَمْلِ فَبَانَ خِلَافُهُ رَجَعَ عليها صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَوْ مَاتَ الرَّجُلُ أَيْ زَوْجُ الْبَائِنِ الْحَامِلِ قبل الْوَضْعِ لم تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا بِنَاءً على أنها لِلْحَامِلِ وَالْبَائِنُ لَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ بِخِلَافِ الرَّجْعِيَّةِ بَلْ تَعْتَدُّ عن فُرْقَةِ الْحَيَاةِ وَهِيَ كَأَنَّهَا تُوجِبُ هذه النَّفَقَةَ دُفْعَةً فَتَصِيرُ كَدَيْنٍ عليه وَهَذِهِ تَقَدَّمَتْ في بَابِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَالتَّرْجِيحُ فيها هُنَا من زِيَادَتِهِ
وَالْقَوْلُ في تَأَخُّرِ تَارِيخِ الْوَضْعِ قَوْلُ مُدَّعِيهِ فَلَوْ قالت وَضَعْت الْيَوْمَ فَلِي نَفَقَةُ شَهْرٍ قَبْلَهُ وقال بَلْ وَضَعْت من شَهْرٍ قَبْلَهُ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَضْعِ وَبَقَاءُ النَّفَقَةِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ حُرَّةً أَمْ أَمَةً لَكِنْ إنْ ادَّعَتْ الْإِنْفَاقَ على وَلَدِهَا من مَالِهَا لم تَرْجِعْ بِمَا أَنْفَقَتْهُ حتى تُشْهِدَ أَيْ تُثْبِتَ أنها أَنْفَقَتْ أو أَنَّ الْحَاكِمَ أَذِنَ لها أَنْ تُنْفِقَ لِتَرْجِعَ عليه فَرْعٌ لَا نَفَقَةَ لِحَامِلٍ منه مَمْلُوكَةٍ له أَعْتَقَهَا بِنَاءً على أنها لِلْحَامِلِ قال الْبُلْقِينِيُّ نَقْلًا عن النَّصِّ لو أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ حَامِلًا فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا
____________________
(3/437)
حتى تَضَعَ قال وَيُمْكِنُ تَفْرِيعُهُ على أنها لِلْحَمْلِ وَيُحْتَمَلُ الْإِطْلَاقُ وهو الْأَرْجَحُ من جِهَةِ أَنَّ قَوْلَنَا النَّفَقَةُ لِلْحَامِلِ بِسَبَبِ الْحَمْلِ مَعْنَاهُ يَسْتَمِرُّ ما كان قبل زَوَالِ الْعَلَقَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِسَبَبِ الْحَمْلِ وَهَذَا مَوْجُودٌ في أُمِّ الْوَلَدِ فإن نَفَقَتَهَا كانت وَاجِبَةً قبل الْعِتْقِ فإذا عَتَقَتْ وَهِيَ حَامِلٌ لَزِمَتْهُ كَالْبَائِنِ الْحَامِلِ وَلَا يَلْزَمُ الْجَدَّ نَفَقَةُ زَوْجَةِ ابْنِهِ الْحَامِلِ منه إلَّا إنْ أَوْجَبْنَاهَا لِلْحَمْلِ وَهِيَ لَا تَجِبُ له بَلْ لِلْحَامِلِ كما مَرَّ وَهِيَ لَيْسَتْ زَوْجَةً لِلْجَدِّ وَلَوْ تَرَكَ الِاسْتِثْنَاءَ في هذه كما تَرَكَهُ في التي قَبْلَهَا كان أَخْصَرَ وَلَوْ نَشَزَتْ الْحَامِلُ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا وَلَوْ كانت بَائِنًا كَالزَّوْجَةِ
فَرْعٌ لو نَكَحَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا وَاسْتَمْتَعَ بها وَأَنْفَقَ عليها ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ له الرُّجُوعُ بِمَا أَنْفَقَ عليها بَلْ يَجْعَلُ ذلك في مُقَابَلَةِ اسْتِمْتَاعِهِ بها وَإِتْلَافِهِ مَنَافِعَهَا سَوَاءٌ أَكَانَتْ حَامِلًا أَمْ حَائِلًا قَالَهُ الْأَصْلُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا التَّوْجِيهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ لو لم يَسْتَمِعْ بها وكان قد تَسَلَّمَهَا اسْتَرَدَّ وَلَيْسَ مُرَادًا الْبَابُ الثَّالِثُ في الْإِعْسَارِ بِنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَطْرَافٍ
الْأَوَّلُ في ثُبُوتِ الْفَسْخِ بِهِ فَلَهَا وَلَوْ رَجْعِيَّةً فَسْخُ نِكَاحِ زَوْجٍ لها عَاجِزٌ عن نَفَقَتِهَا بِطَرِيقِهِ الْأَتْي في الطَّرَفِ الثَّانِي لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ سَعِيدَ بن الْمُسَيِّبِ سُئِلَ عن رَجُلٍ لَا يَجِدُ ما يُنْفِقُ على أَهْلِهِ فقال يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فَقِيلَ له سُنَّةٌ فقال نعم سُنَّةٌ قال الشَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنَّهُ سُنَّةُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلِأَنَّهَا إذَا فُسِخَتْ بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ فَلَأَنْ تُفْسَخَ بِعَجْزِهِ عن نَفَقَتِهَا أَوْلَى لِأَنَّ الصَّبْرَ عن التَّمَتُّعِ أَسْهَلُ منه عن النَّفَقَةِ هذا إنْ لم تَرْضَ ذِمَّتَهُ أَيْ بها وَهَذَا من تَصَرُّفِهِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ لها الْفَسْخَ وَإِنْ رَضِيَتْ بِذِمَّتِهِ وَحَاصِلُ كَلَامِ الْأَصْلِ أنها إنْ شَاءَتْ صَبَرَتْ وَأَنْفَقَتْ من مَالِهَا وَنَفَقَتُهَا في ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يُوسِرَ وَإِنْ شَاءَتْ فَسَخَتْ لَا نِكَاحَ مُوسِرٍ فَلَيْسَ لها فَسْخُهُ وَلَوْ امْتَنَعَ من الْإِنْفَاق عليها أو غَابَ عنها لِتَمَكُّنِهَا من تَحْصِيلِ حَقِّهَا بِالْحَاكِمِ أو بِيَدِهَا إنْ قَدَرَتْ
وَكَذَا لو لم تَعْلَمْ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ السَّبَبِ نعم إنْ انْقَطَعَ خَبَرُ الْغَائِبِ ثَبَتَ لها الْفَسْخُ لِأَنَّ تَعَذُّرَ النَّفَقَةِ بِانْقِطَاعِ خَبَرِهِ كَتَعَذُّرِهَا بِالْإِفْلَاسِ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عن صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا وَأَقَرَّهُ بَلْ يَبْعَثُ الْقَاضِي أَيْ قَاضِي بَلَدِهَا إلَى قَاضِي بَلَدِهِ فَيُلْزِمُهُ بِدَفْعِ نَفَقَتِهَا إنْ عُلِمَ مَوْضِعُهُ وَاخْتَارَ الْقَاضِي الطَّبَرِيُّ وابن الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا جَوَازَ الْفَسْخِ لها إذَا تَعَذَّرَ تَحْصِيلُهَا في غَيْبَتِهِ لِلضَّرُورَةِ وقال الرُّويَانِيُّ وابن أُخْتِهِ صَاحِبُ الْعُدَّةِ إنَّ الْمَصْلَحَةَ الْفَتْوَى بِهِ وَإِنْ أَثْبَتَتْ أَيْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً عِنْدَ حَاكِمِ بَلَدِهَا بِإِعْسَارِ غَائِبٍ فُسِخَتْ وَلَوْ قبل إعْلَامِهِ وَتُفْسَخُ لِغَيْبَةِ مَالِهِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ وَلَا يَلْزَمُهَا الصَّبْرُ لِتَضَرُّرِهَا بِالِانْتِظَارِ الطَّوِيلِ نعم لو قال أنا أَحْضُرُهُ مُدَّةَ الْإِمْهَالِ فَالظَّاهِرُ إجَابَتُهُ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنْ كان بِدُونِ ذلك فَلَا فَسْخَ وَيُؤْمَرُ بِتَعْجِيلِ الْإِحْضَارِ لِأَنَّهُ في حُكْمِ الْمُهْلَةِ وَفَرَّقَ الْبَغَوِيّ بين غَيْبَتِهِ مُوسِرًا وَغَيْبَةِ مَالِهِ بِأَنَّهُ إذَا غَابَ مَالُهُ فَالْعَجْزُ من جِهَتِهِ وإذا غَابَ وهو مُوسِرٌ فَقُدْرَتُهُ حَاصِلَةٌ وَالتَّعَذُّرُ من جِهَتِهَا
وتفسخ ( ( ( الباب ) ) ) لِتَأْجِيلِهِ أَيْ لِتَأْجِيلِ دَيْنِهِ على غَيْرِهِ قَدْرَ مُدَّةِ إحْضَارِهِ أَيْ إحْضَارِ مَالِهِ الْغَائِبِ من مَسَافَةِ الْقَصْرِ بِخِلَافِ تَأْجِيلِهِ بِدُونِ قَدْرِ ذلك
وتفسخ لِكَوْنِهِ أَيْ مَالِهِ عَرُوضًا لَا يَرْغَبُ فيها ولكون دَيْنِهِ حَالًّا على مُعْسِرٍ لَا على مُوسِرٍ حَاضِرٍ وَإِنْ كانت أَيْ التي عليها دَيْنُهُ هِيَ أَيْ زَوْجَتُهُ لِأَنَّهَا في حَالَةِ الْإِعْسَارِ لَا تَصِلُ إلَى حَقِّهَا وَالْمُعْسِرُ مَنْظَرٌ بِخِلَافِهَا في حَالِ الْيَسَارِ فَإِنْ غَابَ مَدِينُهُ الْمُوسِرُ وَمَالُهُ بِدُونِ مَسَافَةٍ الْقَصْرِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا تُفْسَخُ كما لو غَابَ الزَّوْجُ الْمُوسِرُ وَثَانِيهِمَا تُفْسَخُ لِتَضَرُّرِهَا وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَمِيلُ إلَى الْأَوَّلِ فَإِنْ كان مَالُهُ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَهَا الْفَسْخُ جَزْمًا كما في نَظِيرِهِ من مَالِ الزَّوْجِ
وَلَا تُفْسَخُ بِكَوْنِهِ مَدْيُونًا وَإِنْ اسْتَغْرَقَتْ الدُّيُونُ مَالَهُ حتى يَصْرِفَهُ إلَيْهَا
وَتَفْسَخُ بِعَجْزِهِ عن نَفَقَتِهَا وَلَوْ تَبَرَّعَ بها عنه لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي لِلْفَسْخِ وَلَا يَلْزَمُهَا الْقَبُولُ كما لو كان له دَيْنٌ على غَيْرِهِ فَتَبَرَّعَ غَيْرُهُ بِأَدَائِهِ لَا يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ لِأَنَّ فيه تَحَمُّلَ منه من الْمُتَبَرِّعِ ثُمَّ لو سَلَّمَهَا الْمُتَبَرِّعُ لِلزَّوْجِ ثُمَّ سَلَّمَهَا الزَّوْجُ لها لم تَفْسَخْ كما صَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيَّ
لَا إنْ تَبَرَّعَ بها الْأَبُ وَإِنْ عَلَا عن طِفْلِهِ أو نَحْوِهِ
____________________
(3/438)