وَالْجَدَّةُ وَالْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَالْأُخْتُ وَالزَّوْجَةُ وَذَاتُ الْوَلَاءِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ شَبَّهُوا عَمُودَ النَّسَبِ بِالشَّيْءِ الْمُدَلَّى من عُلُوٍّ فَأَصْلُ كل إنْسَانٍ أَعْلَى منه وَفَرْعُهُ أَسْفَلَ منه وَإِنْ كان مُقْتَضَى تَشْبِيهِهِ بِالشَّجَرَةِ عَكْسُ ذلك فَيُقَالُ في أَصْلِهِ وَإِنْ سَفُلَ وفي فَرْعِهِ وَإِنْ عَلَا
فَرْعٌ فَإِنْ اجْتَمَعَ الرِّجَالُ الْوَارِثُونَ وَرِثَ منهم ثَلَاثَةٌ الِابْنُ وَالْأَبُ وَالزَّوْجُ فَقَطْ لِسُقُوطِ بَاقِيهِمْ ابْنِ الِابْنِ بِالِابْنِ وَالْجَدِّ بِالْأَبِ وَالْبَاقِينَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا أو بِالِابْنِ فَقَطْ لِقُوَّتِهِ على الْأَبِ في الْعُصُوبَةِ فإنه يُسْقِطُ عُصُوبَتَهُ فَإِسْنَادُ الْحَجْبِ إلَيْهِ أَوْلَى فَلِلزَّوْجِ الرُّبُعُ وَلِلْأَبِ السُّدُسُ وَلِلِابْنِ الْبَاقِي فَالْمَسْأَلَةُ من اثْنَيْ عَشَرَ
أو النِّسَاءُ الْوَارِثَاتُ فَالْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَالْأُمُّ وَالزَّوْجَةُ وَالْأُخْتُ لِلْأَبَوَيْنِ هُنَّ الْوَارِثَاتُ لِسُقُوطِ الْبَاقِيَاتِ الْجَدَّتَيْنِ بِالْأُمِّ وَالْأُخْتِ لِلْأُمِّ بِالْبِنْتِ أو بِنْتِ الِابْنِ وَالْأُخْتِ لِلْأَبِ وَذَاتِ الْوَلَاءِ بِالشَّقِيقَةِ فَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلزَّوْجَةِ الثَّمَنُ وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلشَّقِيقَةِ فَالْمَسْأَلَةُ من أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ
فَإِنْ اجْتَمَعَ الْكُلُّ غَيْرُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فَالْأَبَوَانِ وَالِابْنُ وَالْبِنْتُ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ هُمْ الْوَارِثُونَ لِسُقُوطِ أَوْلَادِ الِابْنِ بِالِابْنِ وَالْجَدَّتَيْنِ بِالْأُمِّ وَالْبَقِيَّةُ بِكُلٍّ من الْأَبِ وَالِابْنِ فَلِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ وَلِلزَّوْجِ فِيمَا إذَا كان الْمَيِّتُ الزَّوْجَةَ الرُّبْعُ وَلِلزَّوْجَةِ في عَكْسِهِ الثُّمُنُ وَلِلِابْنِ وَالْبِنْتِ الْبَاقِي فَأَصْلُهَا في الْأُولَى من اثْنَيْ عَشَرَ وَتُصَحَّحُ من سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ وَالثَّانِيَةُ من أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَتُصَحَّحُ من اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ
وَلْنَبْدَأْ بِأَهْلِ الْفَرْضِ أَيْ بِبَيَانِهِمْ وهو كُلُّ من له سَهْمٌ مُقَدَّرٌ في الْكِتَابِ أو السُّنَّةِ فَمِنْهُمْ من لَا يَرِثُ إلَّا بِالْفَرِيضَةِ أَيْ من الْجِهَةِ التي سُمِّيَ بها ذلك الْوَارِثَ وَهُمْ سَبْعَةٌ الزَّوْجَاتُ وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ من قِبَلِ الْأُمِّ وَمِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَوَلَدُ الْأُمِّ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فَالزَّوْج مَثَلًا من حَقِّهِ كَوْنُهُ زَوْجًا لَا يَرِثُ إلَّا بِالْفَرْضِ فَلَوْ كان ابْنَ عَمٍّ أو مُعْتَقًا وَرِثَ بِالْعُصُوبَةِ أَيْضًا
وَمِنْهُمْ من يَرِثُ إمَّا بِالْفَرْضِيَّةِ أو بِالْعُصُوبَةِ وَهُمْ أَرْبَعَةٌ الْبَنَاتُ وَبَنَاتُ الِابْنِ وَالْأَخَوَاتُ لِلْأَبَوَيْنِ وَالْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ وَإِرْثُ الْأَخِ الشَّقِيقِ بِالْفَرْضِ في الْمُشْرِكَةِ ليس من جِهَةِ كَوْنِهِ شَقِيقًا التي هِيَ جِهَةُ الْعُصُوبَةِ بَلْ من جِهَةِ كَوْنِهِ أَخًا لِأُمٍّ وَمِنْهُمْ من يَرِثُ بِهِمَا جَمْعًا وَانْفِرَادًا وَهُمَا اثْنَانِ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَأَمَّا الْعَصَبَةُ وهو الْوَجْهُ فَهُمْ كُلُّ مُعْتَقٍ أَيْ من له وَلَاءٌ ذَكَرًا كان أو أُنْثَى أو خُنْثَى مُبَاشِرًا لِلْعِتْقِ أو مُنْتَقِلًا إلَيْهِ أو ذَكَرٌ نَسِيبٌ ليس بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ أُنْثَى هذا تَفْسِيرٌ لِلْعَصَبَةِ بِنَفْسِهِ وَخَرَجَ بِالنَّسِيبِ الزَّوْجُ وَبِمَا بَعْدَهُ الْأَخُ لِلْأُمِّ وفي النِّسَاءِ عَصَبَةٌ وفي نُسْخَةٍ من تُعَصَّبُ مع غَيْرِهَا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ قَسْمُ الْعَاصِبِ إلَى عَاصِبٍ بِنَفْسِهِ وهو ما مَرَّ آنِفًا وَعَاصِبٍ بِغَيْرِهِ وهو كُلُّ أُنْثَى عَصَبَهَا ذَكَرٌ ثُمَّ قال وقد يُقَالُ الْعَاصِبُ ثَلَاثَةٌ عَاصِبٌ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ وَمَعَ غَيْرِهِ انْتَهَى
وَعَلَى هذا أَكْثَرُ الْفَرْضِيِّينَ وَسُمِّيَ الْأَوَّلُ عَاصِبًا بِنَفْسِهِ لِاتِّصَافِهِ بِالْعُصُوبَةِ بِنَفْسِهِ أَيْ بِلَا وَاسِطَةٍ وَفَرَّقَ الرَّافِعِيُّ بين بِغَيْرِهِ وَمَعَ غَيْرِهِ بِأَنَّ الْغَيْرَ يَجِبُ كَوْنُهُ في الْأَوَّلِ عَصَبَةً بِخِلَافِهِ في الثَّانِي قال وهو اصْطِلَاحٌ وَالْحَقِيقَةُ وَاحِدَةٌ وقد بَسَطْتُ الْكَلَامَ على ذلك مع فَوَائِدَ في مَنْهَجِ الْوُصُولِ وَالْعَصَبَةُ جَمْعُ عَاصِبٍ وَتُجْمَعُ هِيَ على عَصَبَاتٍ وَيُسَمَّى بها الْوَاحِدُ وَغَيْرُهُ مُذَكَّرًا كان أو مُؤَنَّثًا
وَلَا يَحُوزُ الْمَالُ من النِّسَاءِ إلَّا الْمُعْتَقَةَ أَيْ ذَاتِ الْوَلَاءِ قال في الْأَصْلِ وَمَنْ قال بِالرَّدِّ يُثْبِتُ لِكُلٍّ مِنْهُنَّ الْحِيَازَةَ إلَّا الزَّوْجَةَ وَأَمَّا من انْفَرَدَ من الرِّجَالِ فَيَحُوزُ الْمَالَ إلَّا الزَّوْجَ وَالْأَخَ لِلْأُمِّ وَمَنْ قال بِالرَّدِّ لَا يَسْتَثْنِي إلَّا الزَّوْجَ زَادَ في الرَّوْضَةِ وَلَيْسَ في الْوَرَثَةِ ذَكَرٌ يُدْلِي بِأُنْثَى فَيَرِثُ إلَّا الْأَخُ لِلْأُمِّ وَلَيْسَ فِيهِمْ من يَرِثُ مع من يُدَلِّي بِهِ إلَّا أَوْلَادُ الْأُمِّ
فَصْلٌ وَأَمَّا ذَوَوْا الْأَرْحَامِ وَهُمْ لُغَةً كُلُّ قَرِيبٍ وَاصْطِلَاحًا كُلُّ قَرِيبٍ ليس بِذِي فَرْضٍ وَلَا عَصَبَةٍ مِمَّنْ لم يُجْمَعْ على تَوْرِيثِهِ قال في الْأَصْلِ وَهُمْ عَشَرَةُ أَصْنَافٍ أبو الْأُمِّ وَكُلُّ جَدٍّ وَجَدَّةٍ سَاقِطَيْنِ وَأَوْلَادُ الْبَنَاتِ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَأَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ وَبَنُو الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ وَالْعَمُّ لِلْأُمِّ وَبَنَاتُ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتُ وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ فَلَا يَرِثُونَ لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ولم يَذْكُرْهُمْ في آيَاتِ الْمَوَارِيثِ وَلِأَنَّ الْعَمَّةَ مَثَلًا لَا تَرِثُ مع الْعَمِّ وَكُلُّ أُنْثَى لَا تَرِثُ مع من في دَرَجَتِهَا من الذُّكُورِ وَلَا تَرِثُ إذَا انْفَرَدَتْ كَابْنَةِ الْمُعْتَقِ وَلِأَنَّهُمْ لو وَرِثُوا لَقُدِّمُوا على الْمُعْتَقِ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ مُقَدَّمَةٌ على الْوَلَاءِ بَلْ الْمَالُ كُلُّهُ أو الْبَاقِي بَعْدَ الْفَرْضِ لِبَيْتِ الْمَالِ إرْثًا نعم لو لم يَسْتَجْمِعْ شَرَائِطَ الْإِمَامَةِ بِأَنْ لم يَكُنْ إمَامٌ عَادِلٌ رُدَّ الْبَاقِي بَعْدَ الْفَرْضِ
____________________
(3/6)
على أَهْلِ الْفَرْضِ إرْثًا لِأَنَّ الْمَالَ مَصْرُوفٌ لهم أو لِبَيْتِ الْمَالِ اتِّفَاقًا فإذا تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ وَالتَّوَقُّفُ عُرْضَةٌ لِلْفَوَاتِ غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا إذْ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ وُجِدَ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ دَخَلَا في ذَوِي الْأَرْحَامِ فَإِنْ فُقِدُوا أَيْ من يُرَدُّ عليهم صُرِفَ الْمَالُ أو بَاقِيهِ لِذَوِي الْأَرْحَامِ وَلَوْ أَغْنِيَاءً إرْثًا قال الرَّافِعِيُّ إنَّمَا قَدِمَ عليهم أَهْلُ الْفَرْضِ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ الْمُفِيدَةَ لِاسْتِحْقَاقِ الْفَرْضِ أَقْوَى
فَائِدَةً قال ابن عبد السَّلَامِ إذَا جَارَتْ الْمُلُوكُ في مَالِ الْمَصَالِحِ وَظَفَرَ بِهِ أَحَدٌ يَعْرِفُ الْمَصَالِحَ أَخَذَهُ وَصَرَفَهُ فيها كما يَصْرِفُهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وهو مَأْجُورٌ على ذلك وَالظَّاهِرُ وُجُوبُهُ
فَصْلٌ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ إنْ لم تَخْلُفْ زَوْجَتُهُ وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ فَإِنْ خَلَفَتْ وَلَدًا أو وَلَدَ ابْنٍ وَإِنْ لم يَكُنْ منه فَالرُّبُعُ له كما مَرَّ وَلِزَوْجَةٍ فَأَكْثَرَ نِصْفُ ما لِلزَّوْجِ فَلَهَا الرُّبُعُ إنْ لم يَكُنْ له وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ وَإِلَّا فَلَهَا الثَّمَنُ لِمَا مَرَّ قال الزَّمَخْشَرِيّ جُعِلَتْ الْمَرْأَةُ على النِّصْفِ من الرَّجُلِ بِحَقِّ الزَّوَاجِ كما في النَّسَبِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْأَصْلَ ذلك في جَانِبِ النَّسَبِ فَلَا يَضُرُّ تَسَاوِي الْأَخِ وَالْأُخْتِ لِلْأُمِّ وَلَا الشَّقِيقِ وَأُخْتِهِ في الْمُشْرِكَةِ
فَصْلٌ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ إنْ لم يُوجَدْ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ وَلَا اثْنَانِ من الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ فَإِنْ وُجِدَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ أو وَلَدُ ابْنٍ أو اثْنَانِ من إخْوَةٍ وَأَخَوَاتٍ فَالسُّدُسُ لها كما مَرَّ وَالْمُرَادُ من الْإِخْوَةِ في الْآيَةِ السَّابِقَةِ فيه عَدَدٌ مِمَّنْ له إخْوَةٌ وَلَوْ من الْإِنَاثِ على التَّغْلِيبِ الشَّائِعِ وَعَلَى أَنَّ أَقُلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ كما عليه جَمَعٌ أو ثَلَاثَةٌ كما عليه الْمُحَقِّقُونَ لَكِنَّهُ اُسْتُعْمِلَ في الِاثْنَيْنِ مَجَازًا لِلْإِجْمَاعِ على أَنَّهُمَا كَالثَّلَاثَةِ هُنَا وَلِأَنَّهُ حَجْبٌ يَتَعَلَّقُ بِعَدَدٍ فَكَانَ الِاثْنَانِ فيه كَالثَّلَاثَةِ كما في حَجْبِ الْبَنَاتِ لِبَنَاتِ الِابْنِ وقد بَسَطْتُ الْكَلَام على ذلك في مَنْهَجِ الْوُصُولِ وَخَرَجَ بِالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ بَنُوهُمْ فَلَا يَرُدُّونَهَا إلَى السُّدُسِ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا حَجَبَهَا وَلَدُ الِابْنِ كَأَبِيهِ ولم يَحْجُبْهَا وَلَدُ الْأَخِ كَأَبِيهِ لِإِطْلَاقِ الْوَلَدِ على وَلَدِ الِابْنِ مَجَازًا شَائِعًا بَلْ قِيلَ حَقِيقَةً بِخِلَافِ إطْلَاقِ الْأَخِ على وَلَدِهِ وَلِأَنَّ الْوَلَدَ أَقْوَى حَجْبًا من الْإِخْوَةِ لِحَجْبِهِ من لَا يَحْجُبُونَهُ وَلِقُصُورِهِمْ عن دَرَجَةِ آبَائِهِمْ قَوِيَ الْجَدُّ على حَجْبِهِمْ دُونَ آبَائِهِمْ وَلَوْ اجْتَمَعَ مع الْأُمِّ وَلَدٌ وَاثْنَانِ من الْإِخْوَةِ فَالظَّاهِرُ كما قال ابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ إضَافَةُ الْحَجْبِ إلَى الْوَلَدِ لِأَنَّهُ أَقْوَى وَلَهَا مع أَبٍ وَزَوْجَةٍ أو زَوْجٍ ثُلُثُ ما يَبْقَى لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ قبل إظْهَارِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْخِلَافِ وَلِأَنَّ كل ذَكَرٍ وَأُنْثَى لو انْفَرَدَا اقْتَسَمَا الْمَالَ أَثْلَاثًا فإذا اجْتَمَعَا مع الزَّوْجِ أو الزَّوْجَةِ اقْتَسَمَا الْفَاضِلَ كَذَلِكَ كَالْأَخِ وَالْأُخْتِ فَلِلزَّوْجَةِ في مَسْأَلَتِهَا الرُّبُعُ وَلِلزَّوْجِ في مَسْأَلَتِهِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي ثُلُثُهُ لِلْأُمِّ وَثُلُثَاهُ لِلْأَبِ فِيهِمَا فَالْأُولَى من أَرْبَعَةٍ وَالثَّانِيَةُ من سِتَّةٍ قالوا وَإِنَّمَا عَبَّرُوا عن حِصَّتِهَا فيها بِثُلُثِ الْبَاقِي مع أنها في الْأُولَى الرُّبُعُ وفي الثَّانِيَةِ السُّدُسُ تَأَدُّبًا مع لَفْظِ الْقُرْآنِ في قَوْلِهِ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ وَتُسَمَّى الْمَسْأَلَتَانِ بِالْعُمْرِيَّتَيْنِ وَبِغَيْرِهِمَا كما سَيَأْتِي
وَأَمَّا الْجَدَّةُ فَتَرِثُ إنْ كانت أُمَّ أُمٍّ أو أُمَّ أَبٍ ثُمَّ أُمَّهَاتِهَا الْمُدَلَّيَاتِ بِالْإِنَاثِ كَأُمِّ أُمِّ الْأُمِّ وَكَذَا أُمَّهَاتُ آبَاءِ الْآبَاءِ كَأُمِّ أبي الْأَبِ وَأُمَّهَاتِهِنَّ كَأُمِّ أُمِّ أبي الْأَبِ لِأَنَّهُنَّ جَدَّاتٌ مُدَلَّيَاتٍ بِالْوَارِثِينَ فَأَشْبَهْنَ أُمَّ أبي الْأَبِ فَضَابِطُ من يَرِثُ مِنْهُنَّ كُلّ جَدَّةٍ أَدْلَتْ بِمَحْضِ الْإِنَاثِ أو بِمَحْضِ الذُّكُورِ أو بِمَحْضِ الْإِنَاثِ إلَى مَحْضِ الذُّكُورِ لَا من تُدْلَى بِذَكَرٍ بين أُنْثَيَيْنِ كَأُمِّ أبي الْأُمِّ لِإِدْلَائِهَا بِمَنْ لَا يَرِثُ فَلَا تَرِثُ بِخُصُوصٍ الْقَرَابَةِ بَلْ هِيَ من ذَوِي الْأَرْحَامِ فَلِلْجَدَّةِ السُّدُسُ وَكَذَا الْجَدَّاتُ يَشْتَرِكْنَ فيه بِالسَّوِيَّةِ وَلَوْ أَدْلَتْ إحْدَاهُنَّ بِجِهَتَيْنِ أو أَكْثَرَ لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ وَلِأَنَّ الْجُدُودَةَ قَرَابَةٌ وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ ابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ لِاخْتِلَافِ الْقَرَابَتَيْنِ كما سَيَأْتِي وَذَلِكَ كَمَنْ زَوَّجَتْ ابْنَ إحْدَى بِنْتَيْهَا بِنْتَ بِنْتِهَا الْأُخْرَى فَوُلِدَ لَهُمَا وَلَدٌ فَهَذِهِ الْمَرْأَةُ أُمُّ أُمِّ أبيه وَأُمُّ أُمِّ أُمِّهِ فإذا مَاتَ الْوَلَدُ وَخَلَّفَ هذه وَجَدَّةً أُخْرَى هِيَ أُمُّ أبي أبيه لم تُفَضَّلْ عليها وَلَوْ نَكَحَ الْوَلَدُ في هذا الْمِثَالِ بِنْتَ بِنْتَ بِنْتِ أُخْرَى لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ فَوُلِدَ لَهُمَا وَلَدٌ فَهِيَ جَدَّتُهُ من ثَلَاثِ جِهَاتٍ لِأَنَّهَا أُمُّ أُمِّ أُمِّهِ وَأُمُّ أُمِّ أبيه وَأُمُّ أُمِّ أبي أبيه وَاعْلَمْ أَنَّ ما تَأْخُذُهُ الْجَدَّةُ عِنْدَ تَعَدُّدِ جِهَتِهَا الْمُتَّجِهِ أَنَّهُ بِأَقْوَى الْجِهَتَيْنِ لَا بِهِمَا وَلَا بِإِحْدَاهُمَا كَنَظِيرِهِ فِيمَا إذَا اجْتَمَعَ في الشَّخْصِ جِهَتَا فَرْضٍ بَلْ أَوْلَى وَذِكْرُ الْأَصْلِ فَرْعًا في تَنْزِيلِ الْجَدَّانِ حَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِظُهُورِهِ بِالتَّأَمُّلِ وقد بَسَطْتُ الْكَلَامَ عليه في نِهَايَةِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا
فَصْلٌ وَلِلْأَبِ الْكُلُّ بِالتَّعْصِيبِ إنْ لم يُوجَدْ معه ابْنٌ أو ابن ابْنٍ فَإِنْ وُجِدَ معه ابْنٌ أو ابن ابْنٍ
____________________
(3/7)
فَالسُّدُسُ له كما مَرَّ وَالْبَاقِي لِمَنْ معه لِأَنَّهُ أَقْوَى منه في الْعُصُوبَةِ وَلَهُ مع الْبِنْتِ أو بِنْتِ الِابْنِ فَأَكْثَرَ أو مَعَهُمَا السُّدُسُ فَرْضًا لِأَنَّ آيَتَهُ لم تُفَضِّلْ بين الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى من الْأَوْلَادِ وَالْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الْبَنَاتِ بِالتَّعْصِيبِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فما بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ وقد بَيَّنْتُ فَائِدَةَ وَصْفِ رَجُلٍ بِذَكَرٍ في مَنْهَجِ الْوُصُولِ وَالْجَدُّ في النَّسَبِ كَالْأَبِ في الْمِيرَاثِ إلَّا في ثَلَاثِ مَسَائِلَ الْأُولَى أَنَّهُ لَا يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ لِغَيْرِ الْأُمِّ كما سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَالْأَبُ يُسْقِطُهُمْ
الثَّانِيَةُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ الْأُمَّ مع أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ عن الثُّلُثِ إلَى ثُلُثِ الْبَاقِي بَلْ لها الثُّلُثُ كَامِلًا لِأَنَّهُ لَا يُسَاوِيهَا دَرَجَةً فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَفْضُلَهَا وَالْأَبُ يَرُدُّهَا إلَيْهِ كما مَرَّ
الثَّالِثَةُ أَنَّ الْجَدَّ لَا يُسْقِطُ أُمَّ الْأَبِ وَإِنْ أَسْقَطَ أُمَّ نَفْسِهِ وَالْأَبُ يُسْقِطُهَا لِأَنَّهَا لم تُدْلَ بِالْجَدِّ بِخِلَافِهَا في الْأَبِ
فَصْلٌ وَالِابْنُ إذَا انْفَرَدَ يَحُوزُ الْجَمِيعَ لِلْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّهُ إذَا اُجْتُمِعَ مع الْبِنْتِ يَأْخُذُ ضِعْفَ ما تَأْخُذُهُ وَهِيَ إذَا انْفَرَدَتْ تَأْخُذُ النِّصْفَ فَالِابْنُ إذَا انْفَرَدَ يَأْخُذُ ضِعْفَهُ وهو الْكُلُّ وَقِيَاسًا على الْأَخِ الْمَنْصُوصِ عليه بِقَوْلِهِ تَعَالَى وهو يَرِثُهَا إنْ لم يَكُنْ لها وَلَدٌ بَلْ أَوْلَى وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلْبِنْتَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثَانِ لِمَا مَرَّ فَإِنْ اجْتَمَعُوا أَيْ الْبَنُونَ وَالْبَنَاتُ فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِلْإِجْمَاعِ وَلِآيَةِ يُوصِيكُمْ اللَّهُ في أَوْلَادِكُمْ وَلِآيَةِ وَإِنْ كَانُوا إخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً وَإِنَّمَا فَضَّلَ الذَّكَرَ على الْأُنْثَى لِأَنَّهُ قَوَّامٌ على النِّسَاءِ بِالنَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا وَخُولِفَ هذا في الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأُمِّ فَسَوَّى بَيْنَهُمْ لِآيَتِهِمْ
فَرْعٌ لَا شَيْءَ لِابْنِ الِابْنِ مع الِابْنِ لِحَجْبِهِ بِهِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ وَلَهُ ما زَادَ عن بِمَعْنَى على فَرْضِ الْبِنْتِ وَالْبَنَاتِ يَعْصِبُ فيه أَيْ فِيمَا زَادَ على ذلك من في دَرَجَتِهِ أو أَعْلَى منه مِمَّنْ لَا فَرْضَ لها من بَنَاتِ الِابْنِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ من في دَرَجَتِهِ أُخْتُهُ أو بِنْتُ عَمِّهِ أَمَّا تَعْصِيبُهُ من في دَرَجَتِهِ فَكَمَا في الِابْنِ مع الْبِنْتِ وَأَمَّا تَعْصِيبُهُ من هِيَ أَعْلَى منه فَلِتَعَذُّرِ إسْقَاطِهِ فإنه عَصَبَةٌ ذَكَرٌ فَحِرْمَانُ من فَوْقَهُ مع قُرْبِهِ وَحَوْزِهِ وهو مع بُعْدِهِ بَعِيدٌ وَلَوْ كان في رُتْبَتِهَا لم يُفْرَدْ مع قُرْبِهِ فَجُعِلَ كَأَنَّهُ في دَرَجَتِهَا وَلِهَذَا الْمَعْنَى لَا يُعَصِّبُ من هِيَ أَسْفَلَ منه وَلَا أَعْلَى منه إذَا أَخَذَتْ شيئا من السُّدُسِ وَلِبِنْتِ الِابْنِ وَبَنَاتِهِ مع بَنَاتِ الصُّلْبِ لَا مع بَنَاتِهِ السُّدُسُ تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ لِأَنَّ الْبَنَاتِ ليس لَهُنَّ أَكْثَرُ من الثُّلُثَيْنِ فَالْبِنْتُ وَبَنَاتُ الِابْنِ أَوْلَى بِذَلِكَ وَإِنَّمَا لم يَأْخُذْنَ شيئا مع بَنَاتِ الصُّلْبِ لِأَنَّهُ لَا فَرْضَ لَهُنَّ وَلَا عُصُوبَةَ وَأَوْلَادُ الِابْنِ عِنْدَ وُجُودِ أَوْلَادِ ابْنِ الِابْنِ بِمَنْزِلَةِ أَوْلَادِ الصُّلْبِ عِنْدَهُمْ أَيْ عِنْدَ وُجُودِهِمْ في جَمِيعِ أَحْكَامِهِمْ سَوَاءٌ أَكَانُوا إخْوَةً أَمْ بَنِي أَعْمَامٍ أَمْ إخْوَةً وَبَنِي أَعْمَامٍ وَكَذَا كُلُّ دَرَجَةٍ عَالِيَةٍ مع دَرَجَةٍ سَافِلَةٍ فإن حُكْمَهَا ما ذُكِرَ
وَلَيْسَ لنا في الْفَرَائِضِ من يُعَصِّبُ أُخْتَهُ وَعَمَّتَهُ وَعَمَّةُ أبيه وعمة جَدِّهِ وَبَنَاتُ عَمِّهِ وَبَنَاتُ عَمِّ أبيه وبنات عَمِّ جَدِّهِ إلَّا الْأَسْفَلُ من أَبْنَاءِ الْأَبْنَاءِ
فَصْلٌ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبَوَيْنِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ عن الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ كَأَوْلَادِ الصُّلْبِ عِنْدَ انْفِرَادِهِمْ عن أَوْلَادِ الِابْنِ فَلِلذَّكَرِ الْوَاحِدِ أو الْمُتَعَدِّدِ جَمِيعُ الْمَالِ أو ما بَقِيَ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتَيْنِ فَأَكْثَرَ الثُّلُثَانِ وَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَيَزِيدُ الْعَصَبَةُ منهم بِأَنَّهُمْ يَسْقُطُونَ عِنْدَ الِاسْتِغْرَاقِ بِخِلَافِ الْعَصَبَةِ من الْأَوْلَادِ فإنه لَا يُتَصَوَّرُ معه اسْتِغْرَاقٌ
وَالْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ عن الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبَوَيْنِ كَهُمَا لِلْأَبَوَيْنِ فِيمَا ذُكِرَ إلَّا في الْمُشَرَّكَةِ بِفَتْحِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَبِكَسْرِهَا على نِسْبَةِ التَّشْرِيكِ إلَيْهَا مَجَازًا وَيُقَالُ الْمُشْتَرَكَةُ كما في نُسْخَةٍ بِتَاءٍ بَعْدَ الشِّينِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَالْمَعْنَى الْمُشَرَّكُ فيها بين أَوْلَادِ الْأَبَوَيْنِ وَأَوْلَادِ الْأُمِّ فإن أَوْلَادَ الْأَبَوَيْنِ يَنْقَلِبُونَ فيها إلَى الْفَرْضِ وَأَوْلَادَ الْأَبِ يَسْقُطُونَ لِمَا سَيَأْتِي
وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَمِثْلُهَا الْجَدَّةُ وَأَخَوَانِ لِأُمٍّ وَأَخٌ فَأَكْثَرُ لِأَبَوَيْنِ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ
____________________
(3/8)
وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأَخَوَيْنِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ يُشَارِكُهُمَا فيه الْأَخُ أو الْإِخْوَةُ لِلْأَبَوَيْنِ لِمُشَارَكَتِهِمْ إيَّاهُمَا في وِلَادَةِ الْأُمِّ وَلِأَنَّهُ لو كان مَعَهُمَا ابن عَمٍّ هو أَخٌ لِأُمٍّ شَارَكَهُمَا بِقَرَابَةِ الْأُمِّ وَإِنْ سَقَطَتْ عُصُوبَتُهُ فَالْأَخُ لِلْأَبَوَيْنِ أَوْلَى
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ ذلك عن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه بَعْدَ أَنْ كان أَسْقَطَهُ في الْعَامِ الْمَاضِي على الْأَصْلِ في إسْقَاطِ الْعَصَبَةِ بِاسْتِغْرَاقِ الْفُرُوضِ فَقِيلَ له فقال ذَاكَ على ما قَضَيْنَا وَهَذَا على ما نَقْضِي وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَخٌ أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ أَخَوَانِ لَا الْأَخُ لِلْأَبِ فَلَا يُشَارِكُهُمَا بَلْ يَسْقُطُ لِفَقْدِ قَرَابَةِ الْأُمِّ وَيَتَسَاوُونَ أَيْ أَوْلَادُ الْأَبَوَيْنِ وَأَوْلَادُ الْأُمِّ في الثُّلُثِ ذَكَرُهُمْ كَأُنْثَاهُمْ لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ وَلَوْ كان مَعَهُمْ فيها أُخْتٌ أو أُخْتَانِ فَأَكْثَرُ لِأَبٍ سَقَطْنَ كما جَزَمَ بِهِ الْحُسَيْنُ بن مُحَمَّدِ بن عبد الْوَهَّابِ الْوَلِيُّ في كَافِيهِ
وَشَرْطُ الْمُشَرَّكَةِ وفي نُسْخَةٍ الْمُشْتَرَكَةِ أَنْ يَكُونَ وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ ذَكَرًا أو فِيهِمْ ذَكَرٌ وَإِنْ انْفَرَدَ الْإِنَاثُ بِأَنْ كان بَدَلُ الْأَخِ فَأَكْثَرُ لِلْأَبَوَيْنِ أُخْتٌ فَأَكْثَرُ لِلْأَبَوَيْنِ فَرَضَ لَهُنَّ لِلْوَاحِدَةِ النِّصْفُ وَلِلثِّنْتَيْنِ فَأَكْثَرُ الثُّلُثَانِ وَعَالَتْ مع الْوَاحِدَةِ إلَى تِسْعَةٍ وَمَعَ الثِّنْتَيْنِ فَأَكْثَرُ إلَى عَشَرَةٍ وَكَذَا الْحُكْمُ لو كان بَدَلَهُمْ الْأُخْتُ أو الْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ فَإِنْ كان لها أَيْ لِلْأُخْتِ لِلْأَبِ فَأَكْثَرَ أَخٌ أَيْضًا سَقَطَا إذْ لَا يُفْرَضُ لها معه وَلَا تَشْرِيكَ وشرط الْمُشَرَّكَةِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ وَلَدُ الْأُمِّ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ وَإِلَّا بِأَنْ كان وَاحِدًا أَخَذَ الْعَصَبَةُ من أَوْلَادِ الْأَبَوَيْنِ أو الْأَبِ السُّدُسَ الْبَاقِي لِأَنَّ فَرْضَ وَلَدِ الْأُمِّ حِينَئِذٍ السُّدُسُ وَإِنْ كان بَدَلُ الْعَصَبَةِ في الْمُشَرَّكَةِ خُنْثَى لِأَبَوَيْنِ فَبِتَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِ هِيَ الْمُشَرَّكَةُ وَتَصِحُّ من ثَمَانِيَةَ عَشَرَ إنْ كان وَلَدُ الْأُمِّ اثْنَيْنِ وَبِتَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِ تَعُولُ إلَى تِسْعَةٍ وَبَيْنَهُمَا تَدَاخُلٌ فَيَصِحَّانِ من ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَيُعَامَلُ بِالْأَضَرِّ في حَقِّهِ وَحَقِّ غَيْرِهِ الْأَضَرِّ في حَقِّ ذُكُورَتِهِ وفي حَقِّ الزَّوْجِ وَالْأُمِّ أُنُوثَتُهُ وَيَسْتَوِي في حَقِّ وَلَدِي الْأُمِّ الْأَمْرَانِ فإذا قَسَمْتَ فَضْلَ أَرْبَعَةٍ مَوْقُوفَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوْجِ وَالْأُمِّ فَإِنْ بَانَ أُنْثَى أَخَذَهَا أَوَ ذَكَرٌ أَخَذَ الزَّوْجُ ثَلَاثَةً وَالْأُمُّ وَاحِدًا
فَرْعٌ الْأُخْوَةُ لِلْأَبِ مع الْإِخْوَةِ لِلْأَبَوَيْنِ كَأَوْلَادِ الِابْنِ مع وَلَدِ الصُّلْبِ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا وقد عَرَّفَ حُكْمَهُمْ إلَّا أَنَّ الْأُخْتَ لِلْأَبِ لَا يُعَصِّبُهَا إلَّا من في دَرَجَتِهَا بِخِلَافِ بِنْتِ الِابْنِ يُعَصِّبُهَا من هو أَسْفَلُ منها أَيْضًا كما مَرَّ فَإِنْ خَلَّفَ أُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ وَأُخْتًا لِأَبٍ وَابْنَ أَخٍ لِأَبٍ فَلَهُمَا أَيْ لِلْأُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ الثُّلُثَانِ وَلَهُ أَيْ لِابْنِ الْأَخِ الْبَاقِي وَسَقَطَتْ الْأُخْتُ لِلْأَبِ لِاسْتِغْرَاقِ الْأُخْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ وَلَا يُعَصِّبُهَا ابن الْأَخِ لِأَنَّهُ لَا يُعَصِّبُ من في دَرَجَتِهِ فَلَا يُعَصِّبُ من فَوْقَهُ
فَرْع لِلْوَاحِدِ من وَلَدِ الْأُمِّ السُّدُسُ وَلِمَا بِمَعْنَى وَلِمَنْ فَوْقَهُ الثُّلُثُ وَخَالَفُوا أَيْ أَوْلَادَ الْأُمِّ غَيْرَهُمْ من الْوَرَثَةِ في أَنَّ ذَكَرَهُمْ كَأُنْثَاهُمْ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا لِآيَاتِهِمْ السَّابِقَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ من الْأَوْلَادِ وَالْإِخْوَةِ فإن لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ اجْتِمَاعًا وَلِلْوَاحِدِ الْكُلُّ وَلِلْوَاحِدَةِ النِّصْفُ وَلِلثِّنْتَيْنِ فَأَكْثَرَ الثُّلُثَانِ انْفِرَادًا كما تَقَرَّرَ وَأَنَّهُمْ يَرِثُونَ مع ما يَدْلُونَ بِهِ وَهِيَ الْأُمُّ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ من الْوَرَثَةِ فإن كُلَّ من أَدْلَى بِشَخْصٍ لَا يَرِثُ مع وُجُودِهِ إلَّا الْجَدَّةَ لِلْأَبِ فَإِنَّهَا تَرِثُ مع بِنْتِهَا من قِبَلِ الْأُمِّ إذَا لم تَكُنْ أَبْعَدَ منها لَكِنْ لَا من الْجِهَةِ التي أَدْلَتْ إلَيْهَا بها كما سَيَأْتِي ذلك مع تَصْوِيرِهِ في الْبَابِ الرَّابِعِ وَأَنَّهُمْ يَحْجُبُونَهُ حَجْبَ نُقْصَانٍ لِأَنَّهُمْ يَحْجُبُونَ الْأُمَّ من الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ وكان الْقِيَاسُ أَنْ يُحْجَبُوا بها لِإِدْلَائِهِمْ بها لَا أَنْ تُحْجَبَ هِيَ بِهِمْ وَإِنَّ ذَكَرَهُمْ يُدْلِي بِأُنْثَى وَيَرِثُ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ في النَّسَبِ كَابْنِ الْبِنْتِ وَأَبِي الْأُمِّ أَمَّا في الْعِتْقِ فَيَرِثُ لِأَنَّ عَصَبَةَ الْمُعْتَقَةِ تُدْلِي بِأُنْثَى وَتَرِثُ
فَصْلٌ بَنُو الْإِخْوَةِ من الْأَبَوَيْنِ وَالْأَبِ كُلٌّ منهم كَأَبِيهِ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا فَلِلْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ منهم كُلُّ الْمَالِ أو ما فَضَلَ عن الْفَرْضِ وَيُسْقِطُ ابن الْأَخِ لِلْأَبَوَيْنِ ابْنَ الْأَخِ لِلْأَبِ كما يُسْقِطُ الْأَخُ لِلْأَبَوَيْنِ الْأَخَ لِلْأَبِ لَكِنَّ الْإِخْوَةَ يَرُدُّونَ الْأُمَّ من الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ بِخِلَافِ أَبْنَائِهِمْ كما مَرَّ وَيُقَاسِمُونَ الْجَدَّ بِخِلَافِ أَبْنَائِهِمْ لِبُعْدِهِمْ وَلِأَنَّهُ في دَرَجَةِ الْأَخِ وهو يَحْجُبُ ابْنَهُ فَيَحْجُبُهُ الْجَدُّ وَيَرِثُونَ في الْمُشَرَّكَةِ وفي نُسْخَةٍ الْمُشْتَرَكَةِ لِوُجُودِ عِلَّةِ التَّشْرِيكِ فِيهِمْ بِخِلَافِ أَبْنَائِهِمْ وَالْمُخَالَفَةُ في هذه إنَّمَا هِيَ بين الْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ وَأَبْنَائِهِمْ لَا بين الْإِخْوَةِ لِأَبٍ وَأَبْنَائِهِمْ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فيها وَيُعَصِّبُونَ أَخَوَاتِهِمْ
____________________
(3/9)
لِإِرْثِهِنَّ بِخُصُوصِ الْقَرَابَةِ بِخِلَافِ أَبْنَائِهِمْ
____________________
(3/10)
لَا يُعَصِّبُونَ أَخَوَاتِهِمْ لِعَدَمِ إرْثِهِنَّ وَيُخَالِفُونَهُمْ أَيْضًا في أَنَّ الْإِخْوَةِ لِلْأَبَوَيْنِ يَحْجُبُونَ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وفي أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ يَحْجُبُونَ بَنِي الْإِخْوَةِ لِلْأَبَوَيْنِ وفي أَنَّ الْإِخْوَةِ يَرِثُونَ مع الْأَخَوَاتِ إذَا كُنَّ عَصَبَاتٍ مع الْبَنَاتِ بِخِلَافِ أَبْنَائِهِمْ صَرَّحَ بِذَلِكَ في الرَّوْضَةِ
فَصْلٌ الْأَخَوَاتُ لِلْأَبَوَيْنِ وَلِلْأَبِ أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا مع الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الِابْنِ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا عَصَبَةٌ كَالْإِخْوَةِ لِخَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ السَّابِقِ إذْ فيه وما بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ وَلِأَنَّهُ إذَا كان في الْمَسْأَلَةِ بَنَاتٌ أو بَنَاتُ ابْنٍ وَأَخَوَاتٌ وَأَخَذَتْ الْبَنَاتُ أو بَنَاتُ الِابْنِ الثُّلُثَيْنِ فَلَوْ فَرَضْنَا لِلْأَخَوَاتِ وَأَعَلْنَا الْمَسْأَلَةَ نَقَصَ نَصِيبُ الْبَنَاتِ أو بَنَاتِ الِابْنِ فَاسْتَبْعَدُوا أَنْ تُزَاحِمَ الْأَخَوَاتُ الْأَوْلَادَ وَأَوْلَادَ الِابْنِ ولم يُمْكِنْ إسْقَاطُهُنَّ فَجُعِلْنَ عَصَبَاتٍ لِيَدْخُلَ النَّقْصُ عَلَيْهِنَّ خَاصَّةً وَحِينَئِذٍ يَأْخُذْنَ الْبَاقِي عن فَرْضِهِنَّ أَيْ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الِابْنِ فَالْأُخْتُ لِلْأَبَوَيْنِ مع الْبِنْتِ أو بِنْتِ الِابْنِ أو مَعَهُمَا تَحْجُبُ الْأَخَ لِلْأَبِ كما يَحْجُبُهُ الْأَخُ لِلْأَبَوَيْنِ لَكِنْ لو خَلَّفَ بِنْتًا وَأَخًا وَأُخْتًا لِأَبَوَيْنِ فَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ولم تَجْعَلْ معه كَالْأَخِ مع الْأَخِ لِئَلَّا يَلْزَمَ مُخَالَفَةُ أَصْلِ أَنَّ لِلذَّكَرِ ضِعْفُ ما لِلْأُنْثَى وَلِأَنَّ تَعْصِيبَهَا بِالْبِنْتِ إنَّمَا هو لِلضَّرُورَةِ لِعَدَمِ تَمَكُّنِنَا من حَظِّ نَصِيبِ الْبَنَاتِ بِالْعَوْلِ بِسَبَبِ فَرْضِ الْأُخْتِ وَتَعَسَّرَ إسْقَاطُهَا وَلَا حَاجِبَ بِخِلَافِ تَعْصِيبِهَا بِالْأَخِ وَالْعَمُّ لِلْأَبَوَيْنِ يَحْجُبُ الْعَمَّ لِلْأَبِ كَالْأَخِ لِلْأَبَوَيْنِ يَحْجُبُ الْأَخَ لِلْأَبِ
الْبَابُ الثَّانِي في بَيَانِ الْعَصَبَةِ وَتَرْتِيبِهِمْ وَالْأَقْرَبُ منهم يُسْقِطُ الْأَبْعَدَ وَأَقْرَبُهُمْ الِابْنُ لِقُوَّةِ عُصُوبَتِهِ لِأَنَّهُ قد فُرِضَ لِلْأَبِ معه السُّدُسُ وَأُعْطِيَ هو الْبَاقِي وَلِأَنَّهُ يُعَصِّبُ أُخْتَهُ بِخِلَافِ الْأَبِ وَإِنَّمَا قُدِّمَ عليه الْأَبُ في صَلَاةِ الْمَيِّتِ وَالتَّزْوِيجِ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ فِيهِمَا بِالْوِلَايَةِ وَهِيَ لِلْآبَاءِ دُونَ الْأَبْنَاءِ وَهُنَا بِقُوَّةِ التَّعْصِيبِ وهو في الْأَبْنَاءِ أَقْوَى ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفُلَ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الِابْنِ في سَائِرِ الْأَحْكَامِ فَكَذَا في التَّعْصِيبِ وَلِأَنَّ جِهَةَ الْبُنُوَّةِ مُقَدَّمَةٌ على غَيْرِهَا وَالْبَعِيدُ من الْجِهَةِ الْمُقَدَّمَةِ مُقَدَّمٌ على الْقَرِيبِ من الْجِهَةِ الْمُؤَخَّرَةِ كما سَيَأْتِي ثُمَّ الْأَبُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ بَعْضُهُ وَيُنْسَبُ إلَيْهِ وَلِإِدْلَاءِ سَائِرِ الْعَصَبَةِ بِهِ ثُمَّ الْجَدُّ أبو الْأَبِ وَإِنْ عَلَا كَالْأَبِ وفي دَرَجَتِهِ الْإِخْوَةُ لِلْأَبَوَيْنِ وَلِلْأَبِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ حُكْمِهِمْ وَإِنَّمَا كَانُوا في دَرَجَتِهِمْ لِاسْتِوَائِهِمَا في الْإِدْلَاءِ إلَى الْمَيِّتِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُدْلِي إلَيْهِ بِالْأَبِ وكان الْقِيَاسُ تَقْدِيمَ الْإِخْوَةِ عليهم لِأَنَّهُمْ أَبْنَاءُ أبي الْمَيِّتِ وَالْجَدُّ أبو أبيه وَالْبُنُوَّةُ أَقْوَى من الْأُبُوَّةِ وَلِأَنَّ فَرْعَهُمْ وهو ابن الْأَخِ يُسْقِطُ فَرْعَ الْجَدِّ وهو الْعَمُّ وَقُوَّةُ الْفَرْعِ تَقْتَضِي قُوَّةَ الْأَصْلِ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَا ذلك لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ على أَنَّهُمْ لَا يُقَدِّمُونَ على الْجَدِّ فَشَرَكْنَا بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا قُدِّمَ عليهم الْأَبُ لِأَنَّهُمْ أُدْلُوا بِهِ بِخِلَافِهِمْ مع الْجَدِّ فَإِنْ لم يَكُنْ جَدٌّ فَالْإِخْوَةُ لِلْأَبَوَيْنِ لِخَبَرِ أَعْيَانِ بَنِي الْأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي الْعِلَّاتِ يَرِثُ الرَّجُلَ أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَأُمُّهُ دُونَ أَخِيهِ لِأَبِيهِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ لَكِنْ في سَنَدِ الْحَارِثِ وهو ضَعِيفٌ وَلِأَنَّهُمْ انْفَرَدُوا بِقَرَابَةِ الْأُمِّ وَالِانْفِرَادُ بِالْقَرَابَةِ كَالتَّقْدِيمِ بِدَرَجَةٍ وَآخِرُ الْخَبَرِ تَفْسِيرٌ لِأَوَّلِهِ فَأَوْلَادُ الْأَعْيَانِ أَوْلَادُ الْأَبَوَيْنِ وَأَوْلَادُ الْعِلَّاتِ أَوْلَادُ الْأَبِ وَالْإِخْوَةُ ثَلَاثَةٌ بَنُو أَعْيَانٍ وَبَنُو عِلَّاتٍ وَبَنُو أَخْيَافٍ وَهُمْ أَوْلَادُ الْأُمِّ
وقد تَكَلَّمْنَا على ذلك في مَنْهَجِ الْوُصُولِ ثُمَّ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ ثُمَّ بَنُوهُمْ كَذَلِكَ فَيُقَدَّمُ بَنُو الْإِخْوَةِ لِلْأَبَوَيْنِ ثُمَّ بَنُو الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ كَذَلِكَ وَيَسْقُطُونَ أَيْ بَنُو الْإِخْوَةِ بِالْجَدِّ وَإِنْ عَلَا إذْ ليس لهم قُوَّةُ الْإِخْوَةِ لِعَدَمِ
____________________
(3/11)
تَعْصِيبِهِمْ أَخَوَاتِهِمْ بِخِلَافِ الْإِخْوَةِ ثُمَّ الْعَمُّ لِلْأَبَوَيْنِ ثُمَّ الْعَمُّ لِلْأَبِ ثُمَّ بَنُوهُمَا كَذَلِكَ أَيْ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ عَمُّ الْأَبِ ثُمَّ بَنُوهُ كَذَلِكَ أَيْ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأَبٍ وَهَكَذَا فَيُقَدَّمُ عَمُّ الْجَدِّ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ بَنُوهُمَا كَذَلِكَ وَهَكَذَا فَإِنْ عَدِمُوا أَيْ عَصَبَةُ النَّسَبِ وَالْمَيِّتُ عَتِيقٌ فَالْمُعْتَقُ ذَكَرًا كان أو أُنْثَى أو خُنْثَى مُقَدَّمٌ بِالْمِيرَاثِ أو بِالْبَاقِي عن الْفَرْضِ لِخَبَرِ الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ ثُمَّ عَصَبَاتُهُ لِأَنَّ الْعَتِيقَ لو كان رَقِيقًا لَاسْتَحَقُّوهُ فَكَذَا مِيرَاثُهُ ثُمَّ مُعْتِقُهُ أَيْ مُعْتِقُ الْمُعْتَقِ ثُمَّ عَصَبَاتُهُ كما في الْوَلَاءِ فإنه يَثْبُتُ لِلْمُعْتِقِ ثُمَّ عَصَبَاتِهِ ثُمَّ مُعْتِقِ الْمُعْتَقِ ثُمَّ عَصَبَاتِهِ وَهَكَذَا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ في بَابِهِ
وَإِنَّمَا قَدَّمْت عَصَبَةَ النَّسَبِ على الْمُعْتَقِ لِلْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّ النَّسَبَ أَقْوَى من الْوَلَاءِ إذْ تَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْوَلَاءِ كَالْمَحْرَمِيَّةِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ وَسُقُوطِ الْقَوَدِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ فَإِنْ لم يَكُنْ أَحَدٌ منهم فَالْمِيرَاثُ أو الْبَاقِي عن الْفَرْضِ لِبَيْتِ الْمَالِ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا وَالْبَعِيدُ من الْجِهَةِ الْمُقَدَّمَةِ يُقَدَّمُ على الْقَرِيبِ من الْجِهَةِ الْمُؤَخَّرَةِ فَابْنُ الِابْنِ وَإِنْ سَفُلَ يُقَدَّمُ على الْأَبِ وابن الْأَخِ وَإِنْ سَفُلَ يُقَدَّمُ على الْعَمِّ وَإِنْ قَرُبَ وَإِنَّ اتَّحَدَتْ الْجِهَةُ دُونَ الْقُرْبِ كَابْنَيْ أَخٍ أو ابْنَيْ ابْنِ أَحَدِهِمَا أَبْعَدُ من الْآخَرِ قُدِّمَ الْأَقْرَبُ مِنْهُمَا وَإِنْ كان الْأَبْعَدُ أَقْوَى فَيُقَدَّمُ ابن الْأَخِ لِلْأَبِ على ابْنِ ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبَوَيْنِ ثُمَّ إنْ اتَّحَدَتْ الْجِهَةُ وَالْقُرْبِ كَأَخَوَيْنِ أو عَمَّيْنِ وَاخْتَلَفَا قُوَّةً وَضَعْفًا بِأَنْ كان أَحَدُهُمَا يُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ بِالْأَبَوَيْنِ وَالْآخَرُ بِالْأَبِ قُدِّمَ ذُو الْأَبَوَيْنِ على ذِي الْأَبِ لِخَبَرِ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ فَيُقَدَّمُ الْأَخُ لِلْأَبَوَيْنِ على الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْعَمُّ لِلْأَبَوَيْنِ على الْعَمِّ لِلْأَبِ
فَرْعٌ إذَا اشْتَرَكَ اثْنَانِ في جِهَةِ عُصُوبَةٍ وَاخْتُصَّ أَحَدُهُمَا بِقَرَابَةٍ أُخْرَى كَأَنْ خَلَّفَ ابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ بِأَنْ تَعَاقَبَ أَخَوَانِ زَيْدٌ وَعَمْرٌو مَثَلًا على وَطْءِ امْرَأَةٍ فَوَلَدَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ابْنًا وَلِزَيْدٍ ابْنٌ من امْرَأَةٍ أُخْرَى فَابْنَاهُ ابْنَا عَمِّ ابْنِ عَمْرٍو وَأَحَدُهُمَا أَخُوهُ لِأُمِّهِ فَمَاتَ ابن عَمْرٍو عن ابْنَيْ زَيْدٍ لم يُقَدَّمْ الذي هو أَخٌ لِأُمٍّ وَلَوْ حَجَبَتْهُ بِنْتٌ لِلْمَيِّتِ عن فَرْضِهِ لِأَنَّ أُخُوَّةَ الْأُمِّ إنْ لم تَحْجُبْ فَلَهَا فَرْضٌ وَإِلَّا صَارَتْ بِالْحَجْبِ كَأَنَّهَا لم تَكُنْ فلم يُرَجَّحْ بها على التَّقْدِيرَيْنِ ابن الْعَمِّ الْمَذْكُورِ على الْآخَرِ بَلْ يُسَوَّيَانِ في الْعُصُوبَةِ بَعْدَ أَخْذِهِ السُّدُسَ إنْ لم يُحْجَبْ عنه كَابْنَيْ عَمِّ أَحَدِهِمَا زَوْجٌ فَيَأْخُذُ ذُو الْفَرْضِ فِيهِمَا الْفَرْضَ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الْبَاقِي بِالْعِصَابَةِ وَيُقَدَّمُ أَحَدُ ابْنَيْ عَمِّ الْمُعْتَقِ بِالْإِخْوَةِ من الْأُمِّ على الْآخَرِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ السَّابِقِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَخَ لِلْأُمِّ يَرِثُ في النَّسَبِ بِالْفَرْضِ فَأَمْكَنَ أَنْ يُعْطَى فَرْضُهُ وَيُجْعَلَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا في الْعُصُوبَةِ وفي الْوَلَاءِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُورَثَ بِالْفَرْضِ فَقَرَابَةُ الْأُمِّ مُعَطَّلَةٌ فَجُعِلَتْ مُرَجَّحَةً فَتَرَجَّحَتْ عُصُوبَةُ من يُدْلِي بها فَأَخَذَ الْجَمِيعُ كما أَنَّ الْأَخَ الشَّقِيقَ لَمَّا لم يَأْخُذْ بِإِخْوَةِ الْأُمِّ شيئا تَرَجَّحَتْ بها عُصُوبَتُهُ حتى حَجَبَ الْأَخَ لِلْأَبِ وَإِنَّمَا لم تُفْرَدْ قَرَابَةُ الْأُمِّ في الشَّقِيقِ بِالْفَرْضِ لِأَنَّ قَرَابَةَ الْأَبِ وَالْأُمِّ سَبَبَانِ من جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْأُخُوَّةُ بِخِلَافِ الْأُخُوَّةِ وَالْعُمُومَةِ فَإِنَّهُمَا سَبَبَانِ من جِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ تُوجِبُ إحْدَاهُمَا الْفَرْضَ وَالْأُخْرَى التَّعْصِيبَ مُنْفَرِدَتَيْنِ فَكَذَا مُجْتَمِعَيْنِ
فَصْلٌ وَإِنْ فُقِدَ الْمُعْتَقُ فَالْمُسْتَحِقُّ لِلْإِرْثِ عَصَبَاتُهُ الذُّكُورُ من النَّسَبِ وَهُمْ الْمُتَعَصِّبُونَ بِأَنْفُسِهِمْ كَابْنِهِ وَأَخِيهِ دُونَ عَصَبَاتِهِ بِغَيْرِهِ وَمَعَ غَيْرِهِ كَبِنْتِهِ وَبِنْتِ ابْنِهِ وَأُخْتِهِ مع مُعَصَّبِهِنَّ وَكَأُخْتِهِ مع بِنْتِهِ أو بِنْتِ ابْنِهِ لِأَنَّ الْوَلَاءَ أَضْعَفُ من النَّسَبِ الْمُتَرَاخِي وإذا تَرَاخَى النَّسَبُ وَرِثَ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ أَلَا تَرَى أَنَّ بَنِي الْأَخِ وَالْعَمِّ يَرِثُونَ دُونَ أَخَوَاتِهِمْ فإذا لم يَرِثْنَ بِهِ فَبِالْوَلَاءِ أَوْلَى وقد ذَكَرَ ذلك مع زِيَادَةٍ بِقَوْلِهِ فَلَا تَرِثُ امْرَأَةٌ بِوَلَاءٍ إلَّا من عَتِيقِهَا أو من الْمُنْتَمِي إلَيْهِ بِنَسَبٍ كَابْنِهِ أو وَلَاءٍ كَعَتِيقَةٍ فَإِنَّهَا تَرِثُ بِالْوَلَاءِ منهم وَيُعَبَّرُ عن ذلك بِأَنَّهَا لَا تَرِثُ بِوَلَاءٍ إلَّا مِمَّنْ أَعْتَقَتْهُ أو أَعْتَقَهُ من أَعْتَقَتْهُ أو جَرَّ الْوَلَاءَ إلَيْهَا من أَعْتَقَتْهُ وَتَرْتِيبُهُمْ أَيْ عَصَبَاتُ الْمُعْتَقِ الذُّكُورُ في الْوَلَاءِ كَالنَّسَبِ أَيْ في الْإِرْثِ بِهِمَا فَيُقَدَّمُ الِابْنُ وَإِنْ سَفُلَ ثُمَّ أَبُوهُ ثُمَّ جَدُّهُ وَإِنْ عَلَا إلَّا أَنَّ هُنَا يُقَدَّمُ الْأَخُ وَابْنُهُ على الْجَدِّ وَالْعَمُّ وَابْنُهُ على أبي الْجَدِّ بِخِلَافِ النَّسَبِ جَرْيًا هُنَا على الْقِيَاسِ في أَنَّ الْبُنُوَّةَ أَقْوَى من الْأُبُوَّةِ وَإِنَّمَا خُولِفَ في النَّسَبِ لِلْإِجْمَاعِ كما مَرَّ
وَذِكْرُ ابْنِ الْعَمِّ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَذَكَرَ الْأَصْلَ مع ذلك ابْنَيْ عَمٍّ لِمُعْتَقِ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ فإنه يُقَدَّمُ بِخِلَافِهِ في النَّسَبِ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا مَرَّ
الْبَابُ الثَّالِثُ في بَيَانِ مِيرَاثِ الْجَدِّ مع الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِأَبَوَيْنِ أو لِأَبٍ
____________________
(3/12)
وَالْكَلَامُ عليه خَطِيرٌ جِدًّا وَمِنْ ثَمَّ كانت الصَّحَابَةُ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ تَتَوَقَّى الْكَلَامَ فيه جِدًّا فَالْجَدُّ لَا يُسْقِطُهُمْ لِمَا مَرَّ في الْبَابِ قَبْلَهُ وَلِأَنَّهُمْ يُعَصِّبُونَ أَخَوَاتِهِمْ فَلَا يَسْقُطُونَ بِالْجَدِّ كَالْأَبْنَاءِ وَلِأَنَّ وَلَدَ الْأَبِ يُدْلِي بِالْأَبِ فَلَا يَسْقُطُ بِالْجَدِّ كَأُمِّ الْأَبِ فَإِنْ انْفَرَدُوا عن ذِي فَرْضٍ فَلَهُ الْأَغْبَطُ من الثُّلُثِ ومن الْمُقَاسَمَةِ أَمَّا الثُّلُثُ فَلِأَنَّ له مع الْأُمِّ مِثْلَيْ ما لها وَالْإِخْوَةُ لَا يُنْقِصُونَهَا عن السُّدُسِ فَلَا يُنْقِصُونَهُ عن مِثْلَيْهِ وَلِأَنَّ الْإِخْوَةَ لَا يُنْقِصُونَ أَوْلَادَ الْأُمِّ عن الثُّلُثِ فَبِالْأَوْلَى الْجَدُّ لِأَنَّهُ يَحْجُبُهُمْ وَأَمَّا الْمُقَاسَمَةُ فَلِأَنَّهُ كَالْأَخِ في إدْلَائِهِ بِالْأَبِ كما مَرَّ فَإِنْ أَخَذَ الثُّلُثَ فَالْبَاقِي بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِنْ قَاسَمَ كان كَأَحَدِهِمْ وَإِنَّمَا أُعْطِيَ الْأَغْبَطُ لِأَنَّهُ قد اجْتَمَعَ فيه جِهَتَا الْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ فَأُعْطِيَ أَغْبَطُهُمَا وَالْمُقَاسَمَة أَغْبَطُ له ما لم يَكُنْ معه أَخَوَانِ أو أَرْبَعُ أَخَوَاتٍ أو أَخٌ وَأُخْتَانِ فَأَكْثَرُ بِأَنْ كان معه أَخٌ أو أُخْتٌ أو أَخٌ وَأُخْتٌ أو أُخْتَانِ أو ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ فَإِنْ كان معه أَخَوَانِ أو أَرْبَعُ أَخَوَاتٍ أو أَخٌ وَأُخْتَانِ فَقَطْ فَيَسْتَوِي له الْأَمْرَانِ
وَإِنْ كان معه أَكْثَرُ وَلَا تَنْحَصِرُ صُوَرُهُ فَالثُّلُثُ أَغْبَطُ له وَضَابِطُهُ أَنَّ الْأَخَ عِبَارَةُ الْأَصْلِ أَنَّ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ إذَا كَانُوا مِثْلَيْهِ كَأَخَوَيْنِ أو أَرْبَعَ أَخَوَاتٍ فَهُمَا أَيْ الثُّلُثُ وَالْمُقَاسَمَةُ سَوَاءٌ في الْحُكْمِ لَكِنْ الْفَرْضِيُّونَ يَقُولُونَ له الثُّلُثُ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَمَلًا من الْمُقَاسَمَةِ وَلِوُرُودِ النَّصِّ بِهِ في حَقِّ من له وِلَادَةٌ وَهِيَ الْأُمُّ دُونَ الْمُقَاسَمَةِ قال بَعْضُ أَئِمَّتِنَا وَلِأَنَّهُ مَهْمَا أَمْكَنَ الْأَخْذُ بِالْفَرْضِ كان أَوْلَى لِقُوَّتِهِ وَتَقْدِيمُ صَاحِبِهِ على الْعَصَبَة وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ حِينَئِذٍ فَرْضًا وَبِهِ صَرَّحَ ابن الْهَائِمِ قال ابن الرِّفْعَةِ وهو ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الرَّافِعِي أَنْ يَأْخُذَهُ تَعْصِيبًا قال السُّبْكِيّ وهو عِنْدِي أَقْرَبُ بَلْ قد أَقُولُ بِهِ في قَوْلِهِمْ إنَّهُ يُفْرَضَ له الثُّلُثُ إذَا نَقَصَتْهُ الْمُقَاسَمَةُ عنه وَأَنَّهُمْ تَجَوَّزُوا في الْعِبَارَةِ وَلَوْ أَخَذَهُ بِالْفَرْضِ لَأَخَذَتْ الْأَخَوَاتُ الْأَرْبَعُ فَأَكْثَرُ الثُّلُثَيْنِ بِالْفَرْضِ لِعَدَمِ تَعْصِيبِهِ لَهُنَّ لِإِرْثِهِ بِالْفَرْضِ وَلَفَرَضَ لَهُنَّ إذَا كان ثَمَّ ذُو فَرْضٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مع الْإِخْوَةِ عَصَبَةٌ لَكِنْ يُحَافِظُ له على قَدْرِ الْفَرْضِ لِأَنَّهُ لَا يُفْرَضُ له مع الْأُخْتِ إلَّا في الْأَكْدَرِيَّةِ قال وقد تَضَمَّنَ كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ نَقْلًا عن بَعْضِهِمْ أَنَّ جُمْهُورَ أَصْحَابِنَا على التَّعْصِيبِ وهو الذي أَمِيلُ إلَيْهِ انْتَهَى
وَإِنْ كَانُوا دُونَ مِثْلَيْهِ كَأَخٍ أو أُخْتٍ فَالْقِسْمَةُ له أَوْفَرُ أو كَانُوا فَوْقَ مِثْلَيْهِ فَالثُّلُثُ له أَوْفَرُ فَإِنْ كان مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ يُتَصَوَّرُ إرْثُهُ مَعَهُمْ وهو الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ وَالزَّوْجَانِ وَبَقِيَ بَعْدَ الْفَرْضِ السُّدُسُ فَقَطْ كَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ انْفَرَدَ بِهِ فَرْضًا لِأَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عنه إجْمَاعًا أو بَقِيَ أَكْثَرُ من السُّدُسِ كَبِنْتَيْنِ فَلَهُ الْأَغْبَطُ من السُّدُسِ لِأَنَّ الْبِنْتَيْنِ لَا يَنْقُصُونَهُ عنه فَالْإِخْوَةُ أَوْلَى وَلِأَنَّ له وِلَادَةً فَحَقُّهُ أَنْ لَا يَنْقُصَ عنه كَالْأَبِ ولم يُعْطَ الثُّلُثَ لِمَا فيه من الْإِضْرَارِ بِالْإِخْوَةِ ومن الْمُقَاسَمَةِ لِمُسَاوَاتِهِ إيَّاهُمْ وَنُزُولِهِ مَنْزِلَةَ أَخٍ ومن ثُلُثِ ما يَبْقَى بَعْدَ الْفَرْضِ كما يَجُوزُ ثُلُثُ الْكُلِّ بِدُونِ ذِي فَرْضٍ وَقِيَاسًا على الْأُمِّ في الْعُمَرِيَّتَيْنِ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وِلَادَةً وَضَابِطُ مَعْرِفَةِ الْأَكْثَرِ من الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ إنْ كان الْفَرْضُ نِصْفًا أو أَقَلَّ فَالْقِسْمَةُ أَغْبَطُ إنْ كانت الْإِخْوَةُ دُونَ مِثْلَيْهِ وَإِنْ زَادُوا على مِثْلَيْهِ فَثُلُثُ الْبَاقِي أَغْبَطُ وَإِنْ كَانُوا مِثْلَيْهِ اسْتَوَيَا وقد تَسْتَوِي الثَّلَاثَةُ وَإِنْ كان الْفَرْضُ ثُلُثَيْنِ فَالْقِسْمَةُ أَغْبَطُ إنْ كان معه أُخْتٌ وَإِلَّا فَلَهُ السُّدُسُ
وَإِنْ كان الْفَرْضُ بين النِّصْفِ وَالثُّلُثَيْنِ كَنِصْفٍ وَثُمُنٍ
____________________
(3/13)
فَالْقِسْمَةُ أَغْبَطُ مع أَخٍ أو أُخْتٍ أو أُخْتَيْنِ فَإِنْ زَادُوا فَلَهُ السُّدُسُ وَحَيْثُ لم يَبْقَ إلَّا السُّدُسُ فما دُونَهُ كَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ
وَكَبِنْتٍ وَزَوْجٍ وَأُمٍّ سَقَطَ الْإِخْوَةُ لِاسْتِغْرَاقِ ذَوِي الْفُرُوضِ التَّرِكَةَ وَأَخَذَ الْجَدُّ السُّدُسَ لِأَنَّهُ ذُو فَرْضٍ بِالْجُدُودَةِ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَإِنْ كان عَائِلًا كُلُّهُ أو بَعْضُهُ كَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ وَزَوْجٍ وَكَبِنْتٍ وَأُمٍّ وَزَوْجٍ وَيُعَدُّ أَوْلَادُ الْأَبَوَيْنِ أَوْلَادًا لِأَبٍ على الْجَدِّ في الْقِسْمَةِ إذَا اجْتَمَعَا معه سَوَاءٌ أَكَانَ مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ أَمْ لَا لِأَنَّهُمْ يُسَاوُونَهُ وَلِأَنَّ الْجَدَّ ذُو وِلَادَةٍ فَحَجَبَهُ أَخَوَانِ وَارِثٌ وَغَيْرُ وَارِثٍ كَحَجْبِهِمَا الْأُمِّ من الثُّلُثِ وَيَحْجُبُونَهُمْ إنْ كان فِيهِمْ ذَكَرٌ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِلْجَدِّ كِلَانَا إلَيْكَ سَوَاءٌ فَنُزْحِمُكَ بِإِخْوَتِنَا وَنَأْخُذُ حِصَّتَهُمْ كما يَأْخُذُ الْأَبُ ما نَقَصَهُ إخْوَةُ الْأُمِّ منها وَإِنَّمَا لم يُعَدَّ الْجَدُّ أَوْلَادَ الْأُمِّ على أَوْلَادِ غَيْرِهَا فِيمَا إذَا اجْتَمَعُوا معه لِأَنَّ سَبَبَيْ اسْتِحْقَاقِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِمْ مُخْتَلِفٌ بِخِلَافِ سَبَبَيْ اسْتِحْقَاقِ أَوْلَادِ الْأَبَوَيْنِ وَأَوْلَادِ الْأَبِ فإنه مُتَّفِقٌ وهو الْإِخْوَةُ فَاعْتَبَرَ قَرَابَتَهُمْ في الِاسْتِحْقَاقِ ثُمَّ قَدَّمَ أَوْلَادَ الْأَبَوَيْنِ عليه
قال الرَّافِعِيُّ وَأَوْلَى من هذا أَنْ يُقَالَ وَلَدُ الْأَبِ الْمَعْدُودِ على الْجَدِّ ليس بِمَحْرُومٍ أَبَدًا بَلْ يَأْخُذُ قِسْطًا مِمَّا يُقْسَمُ له في بَعْضِ الصُّوَرِ وَلَوْ عَدَّ الْجَدُّ الْأَخَ لِلْأُمِّ على الْأَخِ لِلْأَبَوَيْنِ كان مَحْرُومًا أَبَدًا فَلَا يَلْزَمُ من تِلْكَ الْمُعَادَةِ هذه الْمُعَادَةُ وَإِنْ كَانُوا إنَاثًا أَخَذْنَ الثُّلُثَيْنِ وَلَا يَبْقَى لِوَلَدِ الْأَبِ شَيْءٌ وَلِلْوَاحِدَةِ من أَوْلَادِ الْأَبَوَيْنِ النِّصْفُ الْمُرَادُ أنها تَأْخُذُ إلَى النِّصْفِ وَالْبَاقِي عنها وَعَنْ الْجَدِّ لِوَلَدِ الْأَبِ إنْ لم يَحُزْهُ الْفُرُوضُ كَجَدٍّ وَشَقِيقَةٍ وَأَخٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ هِيَ من سِتَّةٍ وَتُصَحَّحُ من ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِلْجَدِّ سِتَّةٌ وَلِلشَّقِيقَةِ تِسْعَةٌ وَالْبَاقِي وهو ثَلَاثَةٌ لِلْأَخِ وَالْأُخْتِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ حَازَتْهُ الْفُرُوضُ كَزَوْجَةٍ وَجَدٍّ وَشَقِيقَةٍ وَأَخٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ فَلَا شَيْءَ لِلْأَخِ وَالْأُخْتِ لِلْأَبِ إذْ لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ وَلِلْجَدِّ ثُلُثُ الْبَاقِي وَلِلشَّقِيقَةِ الْبَاقِي لِأَنَّهُ تَمَامُ فَرْضِهَا وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْأُخْتَ تَأْخُذُ ذلك بِالْفَرْضِ وهو ما صَوَّبَهُ ابن اللَّبَّانِ
وَقَوْلُهُ إنْ لم تَحُزْهُ الْفُرُوضُ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ كان مع الْجَدِّ زَوْجَةٌ وَأُمٌّ وَشَقِيقَةٌ وَأَخٌ لِأَبٍ أَخَذَتْ الشَّقِيقَةُ الْفَاضِلَ وهو رُبْعٌ وَعُشْرٌ وَلَا تُزَادُ عليه وَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّ ما نَأْخُذُهُ في هذه الصُّورَةِ بِالتَّعْصِيبِ وَإِلَّا لَزِيدَ وَأُعِيلَتْ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ لَا يُفْرَضُ لِلْأُخْتِ مع الْجَدِّ إلَّا في الْأَكْدَرِيَّةِ لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَنَّ ما نَأْخُذُهُ بَعْدَ تَعْصِيبِ الْجَدِّ لو كان بِالتَّعْصِيبِ لَكَانَتْ إمَّا عَصَبَةً بِنَفْسِهَا وهو بَاطِلٌ قَطْعًا أو بِغَيْرِهَا فَكَذَلِكَ وَإِلَّا لَكَانَ لها نِصْفُ ما لِمُعَصِّبِهَا أو مع غَيْرِهَا فَكَذَلِكَ أَيْضًا لِمَا مَرَّ في بَيَانِ أَقْسَامِ الْعَصَبَةِ وقد يَخْتَارُ الثَّانِي وَيُقَالُ هذا الْبَابُ مُخَالِفٌ لِغَيْرِهِ فَرْعٌ وَلَوْ كان غَيْرُ الْمُقَاسَمَةِ في مَسَائِلِ الْمُعَادَةِ أَغْبَطَ أُعْطِيه الْجَدُّ كَجَدٍّ وَأُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ وَأَخَوَيْنِ أو أَرْبَعَ من الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ فَأَكْثَرَ فَلِلْأُخْتِ لِلْأَبَوَيْنِ النِّصْفُ وَلِلْجَدِّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِأَوْلَادِ الْأَبِ لِلذَّكَرِ كَالْأُنْثَيَيْنِ أَيْ مِثْلُ ما لَهُمَا فَرْعٌ الْأَخَوَاتُ مع الْجَدِّ كَهُنَّ مع الْأَخِ في أَحْكَامِهِمْ فَلَا يُفْرَضُ لَهُنَّ معه وَلَا تُعَالُ مَسْأَلَةٌ بِسَبَبِهِنَّ بِخِلَافِ الْجَدِّ حَيْثُ فَرَضْنَا له وَأَعَلْنَا لِأَنَّهُ صَاحِبُ فَرْضٍ بِالْجُدُودَةِ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ لِلضَّرُورَةِ وَهَذَا أَصْلٌ مُطَّرِدٌ إلَّا في الْأَكْدَرِيَّةِ سُمِّيَتْ بها لِنِسْبَتِهَا إلَى أَكْدَرَ وهو اسْمُ السَّائِلِ عنها أو الْمَسْئُولِ أو الزَّوْجُ أو بَلَدُ الْمَيِّتَةِ أو لِأَنَّهَا كَدَّرَتْ على زَيْدٍ مَذْهَبَهُ فإنه لَا يُفْرَضُ لِلْأَخَوَاتِ مع الْجَدِّ وَلَا يُعِيلُ وقد فَرَضَ فيها وَأَعَالَ أو لِتَكَدُّرِ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فيها أو لِأَنَّ الْجَدَّ كَدَّرَ على الْأُخْتِ مِيرَاثَهَا بِارْتِجَاعِهِ النِّصْفَ منها وَقِيلَ غَيْرُ ذلك وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَجَدٌّ وَأُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ أو لِأَبٍ فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ فَرْضًا لِأَنَّهُ فَرْضُهُ مع الِابْنِ فَمَعَ الْأُخْتِ أَوْلَى وَلِأَنَّهُ يَرِثُ بِالْفَرْضِ تَارَةً وَبِالتَّعْصِيبِ أُخْرَى فَأَخَذَ بِالْفَرْضِ لِتَعَذُّرِ التَّعْصِيبِ لِأَنَّهُ لو أَخَذَ بِهِ كان الْبَاقِي مَقْسُومًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُخْتِ أَثْلَاثًا فَيُؤَدِّي إلَى نَقْصِهِ عن السُّدُسِ وهو مُمْتَنِعٌ وَأَمَّا نَقْصُهُ عنه بِالْعَوْلِ فَلَا يُسْلَبُ عنه اسْمُهُ كما في فَرْضِ غَيْرِهِ عَائِلًا ثُمَّ يُفْرَضُ لِلْأُخْتِ النِّصْفُ لِأَنَّ الْجَدَّ رَجَعَ إلَى أَصْلِ فَرْضِهِ وَلَا سَبِيلَ إلَى إسْقَاطِهَا فَرَجَعَتْ أَيْضًا إلَى فَرْضِهَا
وَتَعُولُ الْمَسْأَلَةُ من سِتَّةٍ إلَى تِسْعَةٍ وَيُجْمَعُ نَصِيبُ الْجَدِّ وهو وَاحِدٌ ونصيب الْأُخْتِ وهو ثَلَاثَةٌ وَيُجْعَلُ الْمَجْمُوعُ بَيْنَهُمَا تَعْصِيبًا أَثْلَاثًا لِلذَّكَرِ مِثْلُ
____________________
(3/14)
حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِأَنَّهُ مَعَهَا بِمَنْزِلَةِ أَخِيهَا فَيَكُونُ له مِثْلُ ما لها فَقَدْ انْقَلَبَا إلَى التَّعْصِيبِ بَعْدَ أَنْ انْقَلَبَا إلَى الْفَرْضِ فَتَنْكَسِرُ سِهَامُهَا على مَخْرَجِ الثُّلُثِ فَتُضْرَبُ في الْمَسْأَلَةِ بِعَوْلِهَا فَتَصِحُّ من سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ لِلزَّوْجِ تِسْعَةٌ وَهِيَ ثُلُثُ الْمَالِ وَلِلْأُمِّ سِتَّةٌ وَهِيَ ثُلُثُ الْبَاقِي وَلِلْأُخْتِ أَرْبَعَةٌ وَهِيَ ثُلُثُ الْبَاقِي وَلِلْجَدِّ ثَمَانِيَةٌ وَهِيَ كُلُّ الْبَاقِي أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ يُعَايَا بها فَيُقَالُ فَرِيضَةٌ بين أَرْبَعَةٍ لِأَحَدِهِمْ الثُّلُثُ وَلِلثَّانِي ثُلُثُ الْبَاقِي وَلِلثَّالِثِ ثُلُثُ الْبَاقِي وَلِلرَّابِعِ الْبَاقِي
وَيُقَالُ أَيْضًا فَرِيضَةٌ بين أَرْبَعَةٍ أَخَذَ أَحَدُهُمْ جُزْءًا من الْمَالِ وَالثَّانِي نِصْفُ ذلك الْجُزْءِ وَالثَّالِثُ نِصْفُ الْجُزْأَيْنِ وَالرَّابِعُ نِصْفُ الْأَجْزَاءِ إذْ الْجَدُّ أَخَذَ ثَمَانِيَةً وَالْأُخْتُ أَرْبَعَةً نِصْفَهَا وَالْأُمُّ سِتَّةً نِصْفَ ما أَخَذَاهُ وَالزَّوْج تِسْعَةً نِصْفَ ما أَخَذُوهُ وقد بَسَطْتُ الْكَلَامَ على ذلك في مَنْهَجِ الْوُصُولِ
فَإِنْ كان مَكَانَ الْأُخْتِ أَخٌ سَقَطَ ولم تَكُنْ أَكْدَرِيَّةً إذْ لَا فَرْضَ له يَنْقَلِبُ إلَيْهِ بَعْدَ اسْتِغْرَاقِ ذَوِي الْفُرُوضِ كَالْأُخْتِ وَلِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ وَالْأُمِّ قَدْرُ فَرْضِ الْجَدِّ الذي لَا يَنْقُصُ عنه مع الْوَلَدِ فَانْفَرَدَ بِهِ وَتُلَقَّبُ هذه الصُّورَةُ بِالْعَالِيَةِ بِاسْمِ الْمَيِّتَةِ من هَمْدَانَ أو كان مَكَانَهَا أُخْتَانِ فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لَهُمَا أَيْ لِلْأُخْتَيْنِ وَلَا عَوْلَ وَلَوْ كان مَكَانَهَا مُشْكِلٌ فَالْأَسْوَأُ في حَقِّ الزَّوْجِ وَالْأُمِّ أُنُوثَتُهُ وفي حَقِّ الْمُشْكِلِ وَالْجَدِّ ذُكُورَتُهُ وَتَصِحُّ من أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ
أو مُشْكِلَاتٌ رَجَعَتْ الْأُمُّ إلَى السُّدُسِ وَلَا أَثَرَ لَهُمَا في حَقِّ غَيْرِهِمَا على أَيِّ تَقْدِيرٍ وَأَمَّا هُمَا فَالْأَضَرُّ في حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا أُنُوثَتُهُ وَذُكُورَةُ أَخِيهِ وَتَصِحُّ من سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ لِلزَّوْجِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَلِكُلٍّ من الْأُمِّ وَالْجَدِّ سِتَّةٌ وَلِكُلِّ مُشْكِلٍ سَهْمَانِ وَيُوقَفُ بَيْنَهُمَا سَهْمَانِ فَإِنْ بَانَتْ ذُكُورَتُهُمَا أو أُنُوثَتُهُمَا كان لِكُلٍّ مِنْهُمَا سَهْمٌ وَتَتَّفِقُ الْأَنْصِبَاءُ بِالثُّلُثِ فَتَرْجِعُ إلَى أَثْلَاثِهَا وَالْمَسْأَلَةُ إلَى ثُلُثِهَا اثْنَيْ عَشَرَ أو ذُكُورَةُ أَحَدِهِمَا وَأُنُوثَةُ الْآخَرِ فَازَ الذَّكَرُ بِالْمَوْقُوفِ وَتَتَّفِقُ الْأَنْصِبَاءُ بِالنِّصْفِ فَتَرْجِعُ إلَى أَنْصَافِهَا وَالْمَسْأَلَةُ إلَى نِصْفِهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ
الْبَابُ الرَّابِعُ في بَيَانِ الْحَجْبِ هو لُغَةً الْمَنْعُ
وَشَرْعًا مَنْعُ من قام بِهِ سَبَبُ الْإِرْثِ من الْإِرْثِ بِالْكُلِّيَّةِ أو من أَوْفَرِ حَظَّيْهِ وَيُسَمَّى الْأَوَّلُ حَجْبَ حِرْمَانٍ وَالثَّانِي حَجْبَ نُقْصَانٍ كما قال وهو حِرْمَانٌ وَنُقْصَانٌ فَالثَّانِي كَحَجْبِ الْوَلَدِ الزَّوْجَ من النِّصْفِ إلَى الرُّبْعِ وقد مَرَّ في بَيَانِ الْفُرُوضِ وَيُمْكِنُ دُخُولُهُ على جَمِيعِ الْوَرَثَةِ وَالْأَوَّلُ صِنْفَانِ حَجْبٌ بِالْوَصْفِ وَيُسَمَّى مَنْعًا كَالْقَتْلِ وَالرِّقِّ وَسَيَأْتِي وَيُمْكِنُ دُخُولُهُ على الْجَمِيعِ أَيْضًا
وَحَجْبٌ بِالشَّخْصِ وهو الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَالْمَقْصُودُ هُنَا الْأَوَّلُ وهو الْمُتَبَادَرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وقد عُلِمَ بَعْضُهُ مِمَّا مَرَّ أَيْضًا فَلَا حَاجِبَ لِلْأَبَوَيْنِ وَالزَّوْجَيْنِ وَالْأَوْلَادِ لِلْإِجْمَاعِ وَلِإِدْلَائِهِمْ إلَى الْمَيِّتِ بِأَنْفُسِهِمْ في النَّسَبِ ثُمَّ الْأَبُ فَمَنْ فَوْقَهُ من الْأُصُولِ يَحْجُبُ من فَوْقَهُ منهم حتى أُمَّهُ لِأَنَّ من يُدْلِي بِعَصَبَةٍ لَا يَرِثُ معه وَالْأُمُّ لَا الْأَبُ تَحْجُبُ كُلَّ جَدَّةٍ من الْجِهَتَيْنِ كما يَحْجُبُ الْأَبُ كُلَّ من يَرِثُ بِالْأُبُوَّةِ قال الْعُلَمَاءُ وكان الْجَدَّاتُ يَرِثْنَ السُّدُسَ الذي تَسْتَحِقَّهُ الْأُمُّ فإذا أَخَذَتْهُ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ أَمَّا الْأَبُ فَإِنَّمَا يَحْجُبُ كُلَّ جَدَّةٍ من جِهَتِهِ فَقَطْ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِعَصَبَةٍ فَلَا تَرِثُ معه كَالْجَدِّ وَابْنِ الِابْنِ أَمَّا من جِهَةِ الْأُمِّ فَلَا يَحْجُبُهَا قَرِيبَةً كانت أو بَعِيدَةً بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ كُلُّ جَدَّةٍ تَحْجُبُ من فَوْقَهَا وَإِنْ لم تَكُنْ من جِهَتِهَا لِإِدْلَائِهَا بها إنْ كانت من جِهَتِهَا وَإِلَّا فَلَا قَرِيبَتُهَا كَأُمِّ الْأَبِ مع أُمِّ أبي الْأَبِ وَيَدْخُلُ تَحْتَ هذا بَعْضُ قَوْلِهِ وَعَلَى هذا الْقِيَاسِ أَيْ الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ نَقَلَ الْبَغَوِيّ أَنَّ الْقُرْبَى من جِهَةِ أُمَّهَاتِ الْأَبِ كَأُمِّ أُمِّ الْأَبِ تُسْقِطُ الْبُعْدَى من جِهَةِ آبَاءِ الْأَبِ كَأُمِّ أُمِّ أبي الْأَبِ وَالْقُرْبَى من جِهَةِ الْأُمِّ كَأُمِّ الْأُمِّ تَحْجُبُ الْبُعْدَى من جِهَةِ الْأَبِ كَأُمِّ أُمِّ الْأَبِ كما أَنَّ الْأُمَّ تَحْجُبُ أُمَّ الْأَبِ لَا عَكْسُهُ أَيْ أَنَّ الْقُرْبَى من جِهَةِ الْأَبِ كَأُمِّ الْأَبِ لَا تَحْجُبُ الْبُعْدَى من جِهَةِ الْأُمِّ كَأُمِّ أُمِّ الْأُمِّ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يَحْجُبُهَا فَأُمُّهُ الْمُدْلِيَةُ بِهِ أَوْلَى
وَالْقُرْبَى من جِهَةِ آبَاءِ الْأَبِ كَأُمِّ أبي الْأَبِ لَا تَحْجُبُ الْبُعْدَى من جِهَةِ أُمَّهَاتِ الْأَبِ كَأُمِّ أُمِّ أُمِّ الْأَبِ كما شَمِلَهُ كَلَامُهُ وَاقْتَضَاهُ قَوْلُهُ أَصْلُهُ نَقْلًا عن الْبَغَوِيّ فيه الْقَوْلَانِ يَعْنِي في الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا لَكِنْ قال ابن الْهَائِمِ الْأَصَحُّ خِلَافُهُ لِمَا قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّ قُرْبَى كل جِهَةٍ تَحْجُبُ بُعْدَاهَا وَلِأَنَّ الْمَوْجُودَ في كَلَامِ الْبَغَوِيّ حِكَايَةُ الْقَوْلَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ وَلَا يَلْزَمُ من التَّرْتِيبِ على خِلَافِ الِاتِّحَادِ في الرَّاجِحِ منه قال وَمَنْ أَكْثَرَ النَّظَرِ في كُتُبِ الْقَوْمِ لَا يَتَوَقَّفُ فِيمَا صَحَّحْنَاهُ وقد
____________________
(3/15)
تَرِثُ الْجَدَّةُ وَأُمُّهَا بِأَنْ لم تَكُنْ أَبْعَدَ منها كَمَنْ أَوْلَدَ بِنْتَ بِنْتِ خَالَتِهِ وَلَدًا فَأَمَّا أُمُّ أُمُّ الْوَلَدِ لَا تَحْجُبُ أُمَّهَا فَلَوْ كان لِزَيْنَبِ بِنْتَانِ حَفْصَةُ وَعَمْرَةُ وَلِحَفْصَةَ ابْنٌ وَلِعُمْرَةِ بِنْتُ بِنْتٍ فَنَكَحَ الِابْنُ بِنْتَ بِنْتِ خَالَتِهِ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لم تَحْجُبْ عَمْرَةُ التي هِيَ أُمُّ أُمِّ أُمِّهِ أُمَّهَا وَإِنْ كانت أَقْرَبَ منها لِأَنَّهَا أُمُّ أُمِّ أبيه فَهِيَ مُسَاوِيَةٌ لها من جِهَةِ الْأَبِ فَتَرِثُ مَعَهَا لَا من جِهَتِهَا
فَصْلٌ الِابْنُ فَمَنْ تَحْتَهُ دَرَجَةً يَحْجُبُ من تَحْتَهُ كَذَلِكَ لِإِدْلَائِهِ بِهِ وَالْبِنْتَانِ يَحْجُبَانِ كُلَّ بِنْتِ ابْنٍ لَا عَصَبَةَ لها لِاسْتِكْمَالِهِمَا الثُّلُثَيْنِ وَكَذَا بِنْتَا ابْنٍ تَحْجُبَانِ بِنْتَ ابْنِ ابْنٍ لَا عَصَبَةَ لها وَهَكَذَا وَبِنْتُ وَبِنْتِ ابْنٍ تَحْجُبَانِ بِنْتَ ابْنِ ابْنٍ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ وهو مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ
فَصْلٌ وَأَوْلَادُ الْأُمِّ يَحْجُبُهُمْ أَرْبَعَةٌ الْوَلَدُ وَوَلَدُ الِابْنِ وَلَوْ أُنْثَى فِيهِمَا وَالْأَبُ وَالْجَدُّ لِلْإِجْمَاعِ وَلِآيَتَيْ الْكَلَالَةِ الْمُفَسَّرِ بِمَنْ لَا وَلَدَ له وَلَا وَالِدَةَ أَمَّا الْأُمُّ فَلَا تَحْجُبُهُمْ وَإِنْ أَدْلُوا بها لِأَنَّ شَرْطَ حَجْبِ الْمُدْلِي بِالْمُدْلَى بِهِ إمَّا اتِّحَادُ جِهَتِهِمَا كَالْجَدِّ مع الْأَبِ وَالْجَدَّةِ مع الْأُمِّ أو اسْتِحْقَاقُ الْمُدْلَى بِهِ كُلَّ التَّرِكَةِ لو انْفَرَدَ كَالْأَخِ مع الْأَبِ وَالْأُمِّ مع وَلَدِهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا تَأْخُذُ بِالْأُمُومَةِ وهو بِالْأُخُوَّةِ وَلَا تَسْتَحِقُّ جَمِيعَ التَّرِكَةِ إذَا انْفَرَدَتْ وَيُحْجَبُ الْأَخُ وَالْأُخْتُ لِلْأَبَوَيْنِ بِالْأَبِ وَالِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ وَإِنْ سَفُلَ لِلْإِجْمَاعِ وَلِتَقَدُّمِ جِهَتَيْ الْبُنُوَّةِ وَالْأُبُوَّةِ على غَيْرِهِمَا وَيُحْجَبُ الْأَخُ لِلْأَبِ بِهَؤُلَاءِ لِذَلِكَ وَبِالْأَخِ لِلْأَبَوَيْنِ لِقُوَّتِهِ وَبِالْأُخْتِ لِلْأَبَوَيْنِ إذَا كانت عَصَبَةً كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَتُحْجَبُ الْأُخْتُ لِلْأَبِ بِالْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورِينَ وَبِالْأُخْتَيْنِ من الْأَبَوَيْنِ لِاسْتِكْمَالِهِمَا الثُّلُثَيْنِ هذا إنْ لم تَجِدْ مُعَصِّبًا لها من الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَإِلَّا فَلَا تُحْجَبُ بِهِمَا بَلْ تَرِثُ مع مُعَصَّبِهَا بِالتَّعَصُّبِ كما مَرَّ وَيُحْجَبُ ابن الْأَخِ لِلْأَبَوَيْنِ بِأَبِيهِ كَابْنِ الِابْنِ مع الِابْنِ وَبِمَنْ يَحْجُبُهُ لِأَنَّهُ يَحْجُبُ أَبَاهُ فَهُوَ أَوْلَى وَبِالْجَدِّ كَالْأَبِ وَالْأَخِ أَيْ وَبِالْأَخِ لِلْأَبِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ منه وَيُحْجَبُ ابن الْأَخِ لِلْأَبِ بِهَؤُلَاءِ وَبِابْنِ الْأَخِ لِلْأَبَوَيْنِ لِقُوَّتِهِ وَيُحْجَبُ الْعَمُّ لِلْأَبَوَيْنِ بِهَؤُلَاءِ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ منه وَبِابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ لِقُرْبِ دَرَجَتِهِ وَقِسْ عليه فَيُحْجَبُ الْعَمُّ لِلْأَبِ بِهَؤُلَاءِ بِالْعَمِّ لِلْأَبَوَيْنِ وَيُحْجَبُ ابن الْعَمِّ لِلْأَبَوَيْنِ بِهَؤُلَاءِ وَبِالْعَمِّ لِلْأَبِ وَيُحْجَبُ ابن الْعَمِّ لِلْأَبِ بِهَؤُلَاءِ وَبِابْنِ الْعَمِّ لِلْأَبَوَيْنِ وَالْمُعْتَقُ يَحْجُبُهُ عَصَبَةُ النَّسَبِ لِلْإِجْمَاعِ وَلِقُوَّةِ النَّسَبِ وَأَصْحَابُ الْفُرُوضِ الْمُسْتَغْرَقَةِ يَحْجُبُونَ الْعَصَبَاتِ ذُكُورًا كَانُوا أو إنَاثًا ما لم يَنْقَلِبُوا إلَى الْفَرْضِ كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَبِنْتَيْنِ وَوَلَدِ أَبٍ فَوَلَدُ الْأَبِ مَحْجُوبٌ بِالِاسْتِغْرَاقِ لِخَبَرِ أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا
فَرْعٌ لَا يَحْجُبُ من لَا يَرِثُ لِمَانِعٍ أَحَدًا لَا حَجْبَ حِرْمَانٍ وَلَا حَجْبَ نُقْصَانٍ لِلْإِجْمَاعِ في الْأَوَّلِ وَقِيَاسًا عليه في الثَّانِي كَالْقَتْلِ وَالرِّقِّ فَلَوْ مَاتَ عن ابْنٍ قَاتِلٍ له أو رَقِيقٍ وَزَوْجَةٍ وَأَخٍ حُرَّيْنِ لم يَحْجُبْ الِابْنُ الْآنَ ولم يَنْقُصْ فَرْضُ الزَّوْجَةِ فَإِنْ مُنِعَ شَخْصٌ من الْإِرْثِ لِتَقَدُّمِ غَيْرِهِ عليه فَقَدْ يَحْجُبُ غَيْرَهُ حَجْبَ نُقْصَانٍ كَالْأَخِ لِلْأَبِ فإنه مَعْدُودٌ على الْجَدِّ في مَسَائِلِ الْمُعَادَةِ وَيَحْجُبُهُ حَجْبَ نُقْصَانٍ وَإِنْ لم يَرِثْ وَكَأُمٍّ مع أَبٍ وَأَخَوَيْنِ أو مع جَدٍّ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ فَإِنَّهُمَا مع كَوْنِهِمَا لَا يَرِثَانِ لِوُجُودِ الْأَبِ أَوَالْجَدِّ يَحْجُبَانِ الْأُمَّ حَجْبَ نُقْصَانٍ إذْ لِلْأُمِّ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلْأَبِ في الْأُولَى أو الْجَدِّ في الثَّانِيَةِ
الْبَاب الْخَامِسُ مَوَانِعُ الْمِيرَاثِ خَمْسَةٌ الْأَوَّلُ اخْتِلَافُ الدِّينِ وما أُلْحِقَ بِهِ فَلَا يَرِثُ مُسْلِمٌ كَافِرًا وَلَا عَكْسُهُ سَوَاءٌ أَكَانَ سَبَبُ الْإِرْثِ الْمَمْنُوعِ منه قَرَابَةً أَمْ نِكَاحًا أَمْ وَلَاءً وَسَوَاءٌ أَسْلَمَ الْكَافِرُ قبل الْقِسْمَةِ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْكُفْرُ حِرَابَةٌ أَمْ غَيْرَهَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَأَمَّا خَبَرُ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ النَّصْرَانِيَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدَهُ أو أَمَتَهُ فَقَدْ أَعَلَّهُ ابن حَزْمٍ وَغَيْرُهُ وَإِنْ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ على أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ ما بيده لِسَيِّدِهِ كما في الْحَيَاةِ لَا الْإِرْثُ الْحَقِيقِيُّ من الْعَتِيقِ لِأَنَّهُ سَمَّاهُ عَبْدَهُ وَيُخَالِفُ ذلك جَوَازُ نِكَاحِ بَعْضِ الْكَافِرَاتِ لِبِنَاءِ التَّوَارُثِ على التَّنَاصُرِ وَالنِّكَاحِ على التَّوَالُدِ وَقَضَاءِ الْوَطَرِ لَكِنْ لَمَّا كان اتِّصَالُنَا بِهِمْ تَشْرِيفًا لهم اُخْتُصَّ ذلك بِأَهْلِ الْكِتَابِ لِاحْتِرَامِهِمْ وَيَتَوَارَثُ الْكُفَّارُ بَعْضُهُمْ من بَعْضٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ دَارُهُمْ كَالْوَثَنِيِّ يَرِثُ من الْيَهُودِيِّ وَالْيَهُودِيِّ من النَّصْرَانِيِّ وَعَكْسُهُ لِاشْتِرَاكِهِمْ في الْعِصْمَةِ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ بِمَعْنَى أَنَّ الْكُفَّارَ على اخْتِلَافِ فِرَقِهِمْ يَجْمَعُهُمْ الْكُفْرُ بِاَللَّهِ فَاخْتِلَافُهُمْ كَاخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ في الْإِسْلَامِ قال تَعَالَى فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلَّا الضَّلَالُ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا
وَخَبَرُ أبي دَاوُد لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى فَمَعْنَى الْآيَةِ جَعَلْنَا لِكُلِّ من دخل في دِينِ مُحَمَّدٍ أو لِكُلِّ نَبِيٍّ شَرِيعَةً وَطَرِيقًا وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ على الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ فَجَعَلَ الثَّانِيَ بَيَانًا لِلْأَوَّلِ كما مَرَّ لَا حَرْبِيٍّ من ذِمِّيٍّ وَعَكْسُهُ لِانْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالْبَغْيِ لِاجْتِمَاعِهِمْ في أَشْرَفِ الْجِهَاتِ وَهِيَ الْإِسْلَامُ فَلَا أَثَرَ لِاخْتِلَافِهِمْ وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين كَوْنِ الذِّمِّيِّ بِدَارِنَا وَكَوْنِهِ بِغَيْرِهَا لَكِنْ قَيَّدَهُ الصَّيْمَرِيُّ بِكَوْنِهِ بِدَارِنَا وَقَضَيْتُهُ أَنَّهُ لو عَقَدَ الْإِمَامُ الذِّمَّةَ لِطَائِفَةٍ قَاطِنَةٍ بِدَارِ الْحَرْبِ أَنَّهُمْ يَتَوَارَثُونَ مع أَهْلِ الْحَرْب قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَجُوزُ تَنْزِيلُ الْإِطْلَاقِ على الْغَالِبِ فَلَا مُخَالَفَةَ وَالْمُعَاهَدِ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِهَا وَالْمُسْتَأْمَنُ كَالذِّمِّيِّ لِأَنَّهُمَا مَعْصُومَانِ بِالْعَهْدِ وَالْأَمَانِ فَيَرِثَانِهِ وَيَرِثُهُمَا وَلَا يَرِثَانِ الْحَرْبِيَّ وَلَا يَرِثُهُمَا فَلَوْ مَاتَ ذِمِّيٌّ يَهُودِيٌّ عن ابْنٍ مِثْلِهِ وَآخَرُ نَصْرَانِيٌّ ذِمِّيٌّ وَآخَرُ يَهُودِيٌّ مُعَاهَدٌ وَآخَرُ يَهُودِيٌّ حَرْبِيٌّ فَالْمِيرَاثُ بَيْنَهُمْ سِوَى الْأَخِيرِ
وَالْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا وَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِلْإِجْمَاعِ وَلِخَبَرِ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلِأَنَّهُ ليس بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدٍ مُوَالَاةٌ في الدِّينِ لِأَنَّهُ تَرَكَ دِينَ الْإِسْلَامِ وَلَا يَقِرُّ على دِينِهِ الذي انْتَقَلَ إلَيْهِ وَلَا يُورَثُ كما لَا يَرِثُ وَلِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا مُوَالَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدٍ في الدِّينِ وَمَالُهُ أَيْ ما خَلَّفَهُ فَيْءٌ لِبَيْتِ الْمَالِ سَوَاءٌ أَكَسَبَهُ في الْإِسْلَامِ أَمْ في الرِّدَّةِ
قال الْمَاوَرْدِيُّ لِمَا رُوِيَ عن مُعَاوِيَةَ بن قُرَّةَ عن أبيه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعَثَ أَبَاهُ قُرَّةَ إلَى رَجُلٍ عَرَّسَ بِامْرَأَةِ أبيه أَيْ مُعْتَقِدًا حِلَّهُ فَأَمَرَهُ بِضَرْبِ عُنُقِهِ وَتَخْمِيسِ مَالِهِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بن ثَابِتٍ يَسْأَلُهُمَا عن مِيرَاثِ الْمُرْتَدِّ فَقَالَا لِبَيْتِ الْمَالِ
الْمَانِعُ الثَّانِي الرِّقُّ وهو لُغَةً الْعُبُودِيَّةُ وَالشَّيْءُ الرَّقِيقُ وَشَرْعًا عَجْزٌ حُكْمِيٌّ يَقُومُ بِالْإِنْسَانِ بِسَبَبِ الْكُفْرِ فَلَا يَرِثُ رَقِيقٌ وَلَوْ مُدَبَّرًا أو أُمَّ وَلَدٍ أو مُكَاتَبًا أو عَتَقَ قبل الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ لو وَرِثَ لَمَلَكَ لِأَنَّ الْإِرْثَ إثْبَاتُ مِلْكٍ لِلْوَارِثِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ على شَيْءٍ وَالْقُدْرَةُ الْمَنْفِيَّةُ عنه هِيَ الْقُدْرَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَهِيَ الْمِلْكُ لَا الْحِسِّيَّةُ لِثُبُوتِهَا له كَالْحُرِّ وَمِلْكُهُ على الْقَوْلِ بِهِ ضَعِيفٌ وَالْإِرْثُ مِلْكٌ قَهْرِيٌّ يَحْصُلُ بِلَا اخْتِيَارٍ وَلِأَنَّهُ لو وَرِثَ لَكَانَ الْمِلْكُ لِلسَّيِّدِ وهو أَجْنَبِيٌّ من الْمَيِّتِ فَلَا يُمْكِنُ تَوْرِيثُهُ منه قال الرَّافِعِيُّ ولم يَقُولُوا إنَّهُ يَرِثُ ثُمَّ يَتَلَقَّاهُ سَيِّدُهُ بِحَقِّ الْمِلْكِ يَعْنِي كما قالوا في الْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ لِعَبْدِ غَيْرِهِ وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ وَنَحْوَهَا تَمْلِيكٌ اخْتِيَارِيٌّ فَيَكْفِي في مَحَلَّهَا قَابِلِيَّةُ الْمِلْكِ وَبِأَنَّهَا تَصِحُّ لِلسَّيِّدِ فَإِيقَاعُهَا لِعَبْدِهِ كَأَنَّهُ إيقَاعٌ له بِخِلَافِ الْإِرْثِ فِيهِمَا على أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ وَغَيْرَهُ حَكَوْا عن طَاوُسٍ أَنَّ الْعَبْدَ يَرِثُ وَيَكُونُ لِسَيِّدِهِ فَلَا يَحْتَاجُ لِلْفَرْقِ لَكِنْ رَدُّوا عليه ذلك بِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَرِثُ بِأَسْبَابٍ خَاصَّةٍ ليس في الْعَبْدِ شَيْءٌ منها وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَوْ مُبَعَّضًا فإنه لَا يَرِثُ لِأَنَّهُ لو وَرِثَ لَأَخَذَ بَعْضَ الْمَالِ مَالِكُ الْبَاقِي وهو أَجْنَبِيٌّ عن الْمَيِّتِ وَيُورَثُ الْمُبَعَّضُ أَيْ يُورَثُ عنه جَمِيعُ ما مَلَكَهُ بِحُرِّيَّتِهِ لِتَمَامِ مِلْكِهِ عليه وَإِنْ كان بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ وَمَاتَ في نَوْبَةِ سَيِّدِهِ وَلَا شَيْءَ لِسَيِّدِهِ منه لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِمَّا اكْتَسَبَهُ بِالرِّقِّيَّةِ لَا الرَّقِيقُ وَلَوْ مُكَاتَبًا إذْ غَيْرُ الْمُكَاتَبِ لَا مِلْكَ له وَالْمُكَاتَبُ مِلْكُهُ ضَعِيفٌ
الْمَانِعُ الثَّالِثُ الْقَتْلُ وَالْقَاتِلُ لَا يَرِثُ من مَقْتُولِهِ لِخَبَرِ النَّسَائِيّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ كما قال ابن عبد الْبَرِّ ليس لِلْقَاتِلِ من الْمِيرَاثِ شَيْءٌ وَلِتُهْمَةِ اسْتِعْجَالِ قَتْلِهِ في بَعْضِ الصُّوَرِ وَسَدًّا لِلْبَابِ في الْبَاقِي وَلِأَنَّ الْإِرْثَ لِلْمُوَالَاةِ
____________________
(3/16)
وَالْقَاتِلُ قَطَعَهَا عَمْدًا كان الْقَتْلُ أو خَطَأً بِمُبَاشَرَةٍ أو سَبَبٍ صَدَرَ من مُكَلَّفٍ أو غَيْرِهِ وَإِنْ لم يَضْمَنْ كَالْمَقْتُولِ بِحَقٍّ كَقِصَاصٍ أو صِيَالٍ أو حَدٍّ أو إيجَارِ دَوَاءٍ أو شَهَادَةٍ بِمَا يُوجِبُ حَدًّا أو قِصَاصًا وَلَوْ حَفَرَ بِئْرًا بِدَارِهِ فَوَقَعَ فيها مُوَرِّثُهُ فَمَاتَ فَالْمَشْهُورُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَرِثُهُ خِلَافًا لِابْنِ سُرَيْجٍ وَالْإِصْطَخْرِيِّ كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ أبو عبد اللَّهِ الشَّقَّاقُ من شُيُوخِ الْجَبْرِيِّ نَقَلَهُ عنه الزَّرْكَشِيُّ وقال وَالصَّوَابُ خِلَافُهُ فَرْعٌ قد يَرِثُ الْمَقْتُولُ من الْقَاتِلِ بِأَنْ يَجْرَحَهُ أو يَضْرِبَهُ وَيَمُوتُ هو قَبْلَهُ
الْمَانِعُ الرَّابِعُ إبْهَامُ وَقْتِ الْمَوْتِ فَإِنْ مَاتَا أَيْ مُتَوَارِثَانِ بِغَرَقٍ أو هَدْمٍ أو نَحْوِهِ ولم يُعْلَمْ السَّابِقُ مِنْهُمَا مَوْتًا أو عُلِمَ السَّبْقُ وَجُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا أو مَاتَا مَعًا لم يَتَوَارَثَا بَلْ مَالُ كُلٍّ مِنْهُمَا لِبَاقِي وَرَثَتِهِ لِمَا رَوَى الْحَاكِمُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنهما تُوُفِّيَتْ هِيَ وَابْنُهَا زَيْدُ بن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ في يَوْمٍ فلم يُدْرَ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلُ فلم تَرِثْهُ ولم يَرِثْهَا وَلِأَنَّ من شُرُوطِ الْإِرْثِ تَحَقُّقَ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ وهو هُنَا مُنْتَفٍ وَلِأَنَّا إنْ وَرَّثْنَا أَحَدَهُمَا فَقَطْ فَهُوَ تَحَكُّمٌ وَإِنْ وَرَّثْنَا كُلًّا من الْآخَرِ تَيَقَّنَّا الْخَطَأَ فَلَوْ عُلِمَ السَّابِقُ وَنَسِيَ وَقَفَ الْمِيرَاثُ إلَى الْبَيَانِ أو الصُّلْحِ لِأَنَّ التَّذَكُّرَ غَيْرُ مَيْئُوسٍ منه أَمَّا إذَا عُلِمَ السَّابِقُ ولم يُنْسَ فَحُكْمُهُ بَيِّنٌ
الْمَانِعُ الْخَامِسُ الدَّوْرُ الْحُكْمِيُّ وهو أَنْ يَلْزَم من ثُبُوتِ الشَّيْءِ نَفْيُهُ كما مَرَّ في الْإِقْرَارِ وَالْمُرَادُ هُنَا أَنْ يَلْزَمَ من ثُبُوتِ الْإِرْثِ نَفْيُهُ كَأَخٍ حَائِزٍ أَقَرَّ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ أو أَنْكَرَ بُنُوَّةَ من ادَّعَاهَا وَنَكَلَ عن الْيَمِينِ فَحَلَفَ مُدَّعِي الْبُنُوَّةِ فَلَا يَرِثُ الِابْنُ وَإِنْ ثَبَتَ نَسَبُهُ وقد سَبَقَ بَيَانُ ذلك في الْإِقْرَارِ وَكَمَرِيضٍ اشْتَرَى أَبَاهُ فإنه يُعْتَقُ عليه وَلَا يَرِثُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ في الْوَصَايَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ مَلَكَ أَخَاهُ فَأَقَرَّ في الْمَرَضِ أَنَّهُ كان أَعْتَقَهُ في الصِّحَّةِ وَرِثَ بِنَاءً على صِحَّةِ الْإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ
تَنْبِيهٌ قال ابن الْهَائِمِ في شَرْحِ كِفَايَتِهِ الْمَوَانِعُ الْحَقِيقِيَّةُ أَرْبَعَةٌ الْقَتْلُ وَالرِّقُّ وَاخْتِلَافُ الدِّينِ وَالدَّوْرُ وما زَادَ عليها فَتَسْمِيَتُهُ مَانِعًا مَجَازٌ وَالْأَوْجَهُ ما قَالَهُ في غَيْرِهِ أنها سِتَّةٌ هذه الْأَرْبَعَةُ وَالرِّدَّةُ وَاخْتِلَافُ الْعَهْدِ وَإِنَّ ما زَادَ عليها فَمَجَازٌ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْإِرْثِ معه لَا لِأَنَّهُ مَانِعٌ بَلْ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ كما في جَهْلِ التَّارِيخِ أو السَّبَبِ كما في انْتِفَاءِ النَّسَبِ وَعَدَّ بَعْضُهُمْ من الْمَوَانِعِ النُّبُوَّةَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ ما تَرَكْنَا صَدَقَةٌ وَالْحِكْمَةُ فيه أَنْ لَا يَتَمَنَّى أَحَدٌ من الْوَرَثَةِ مَوْتَهُمْ لِذَلِكَ فَيَهْلِكَ وَأَنْ لَا يَظُنَّ بِهِمْ الرَّغْبَةَ في الدُّنْيَا وَأَنْ يَكُونَ مَالُهُمْ صَدَقَةً بَعْدَ وَفَاتِهِمْ تَوْفِيرًا لِأُجُورِهِمْ وَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ من كَوْنَهَا مَانِعَةً أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَرِثُونَ كما لَا يُورَثُونَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ
الْبَابُ السَّادِسُ في مُوجِبَاتِ التَّوَقُّفِ عن الصَّرْفِ في الْحَالِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ في الشَّكِّ في الْحَيَاةِ فَمَنْ فُقِدَ بَعْدَ غَيْبَةٍ أو حُضُورِ قِتَالٍ أو انْكِسَارِ سَفِينَةٍ أو أَسْرِ عَدُوٍّ أو نَحْوِهَا وَجُهِلَ حَالُهُ وُقِفَ مَالُهُ إنْ لم تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِمَوْتِهِ مُدَّةً مُنْضَمَّةً إلَى قَبْلِهَا من حِينِ وِلَادَتِهِ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَيْهَا وَلَوْ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ فَلَا يَشْتَرِطُ الْقَطْعَ بِأَنَّهُ لَا يَعِيشُ أَكْثَرَ منها وقد اُسْتُعْمِلَ الْعِلْمُ فِيمَا يَشْمَلُ الظَّنَّ وإذا مَضَتْ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ فَيَحْكُمُ بِمَوْتِهِ أَيْ يَحْكُمُ بِهِ الْحَاكِمُ تَنْزِيلًا لِلْمُدَّةِ التي اسْتَنَدَ إلَيْهَا مَنْزِلَةَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ وَيُقَسَّمُ مَالُهُ على من كان وَارِثًا له عِنْدَ الْحُكْمِ وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ في بَسِيطِهِ يَرِثُهُ من كان حَيًّا قُبَيْلَ الْحُكْمِ مَحْمُولٌ على من اسْتَمَرَّ حَيًّا إلَى فَرَاغِ الْحُكْمِ وقد بَسَطْتُ الْكَلَامَ على ما يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَغَيْرِهِ
____________________
(3/17)
ثُمَّ إنْ كانت الْقِسْمَةُ بِالْحَاكِمِ فَهِيَ تَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِالْمَوْتِ أو بِأَنْفُسِهِمْ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اعْتِبَارُ حُكْمِهِ لِأَنَّهُ في مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ تَصَرُّفَ الْحَاكِمِ بِالْحُكْمِ حُكْمٌ حتى لَا يُنْقَضَ وَفِيهِ اضْطِرَابٌ
وقال السُّبْكِيُّ في بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ الصَّحِيحُ عِنْدِي وِفَاقًا لِلْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ أَنَّهُ ليس بِحُكْمٍ وَتَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ وَتَتَزَوَّجُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَلَا يَرِثُهُ من مَاتَ قبل الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ تَأَخُّرِ مَوْتِهِ عن مَوْتِهِ وَكَذَا من مَاتَ مع الْحُكْمِ كما لو مَاتَا مَعًا نَبَّهَ عليه السُّبْكِيُّ قال وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أُطْلِقَ الْحُكْمُ فَإِنْ أَسْنَدَهُ إلَى ما قَبْلَهُ لِكَوْنِ الْمُدَّةِ زَادَتْ على ما يَغْلِبُ على الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ فَوْقَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ وَيُعْطِي لِمَنْ كان وَارِثًا له ذلك الْوَقْتَ وَإِنْ كان سَابِقًا على الْحُكْمِ قال وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ وَمُرَادُهُمْ بِوَقْتِ الْحُكْمِ الْوَقْتُ الذي حَكَمَ الْحَاكِمُ أَنَّ الْمَفْقُودَ مَيِّتٌ فيه وَكَذَا الرَّقِيقُ الْمُنْقَطِعُ خَبَرُهُ لَا تَجِبُ بَعْدَ ذلك أَيْ ما ذُكِرَ من الْمُدَّةِ فِطْرَتُهُ وَلَا يُجْزِئُ عِتْقُهُ عن الْكَفَّارَةِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ حَيَاتِهِ وَلَوْ مَاتَ قَرِيبُهُ قبل الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ وُقِفَ مِيرَاثُهُ منه حتى يَتَبَيَّنَ هل كان حَيًّا حِينَئِذٍ أو مَيِّتًا وَيُقَدِّرُ في حَقِّ غَيْرِهِ من الْوَرَثَةِ الْأَسْوَأَ من مَوْتِهِ وَحَيَاتِهِ فَمَنْ سَقَطَ منهم بِهِ لَا يُعْطَى شيئا حتى يَتَبَيَّنَ حَالُهُ وَمَنْ يَنْقُصُ حَقُّهُ بِحَيَاتِهِ يُقَدَّرُ في حَقِّهِ حَيَاتُهُ وَمَنْ يَنْقُصُ حَقُّهُ بِمَوْتِهِ يُقَدَّرُ في حَقِّهِ مَوْتُهُ وَمَنْ لَا يَخْتَلِفُ نَصِيبُهُ بِحَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ يُعْطَى نَصِيبَهُ
مِثَالُهُ أَخٌ لِأَبٍ مَفْقُودٍ وَأَخٌ لِأَبَوَيْنِ وَجَدٍّ حَاضِرَانِ فَلِلْأَخِ لِلْأَبَوَيْنِ من الْمَتْرُوكِ الثُّلُثَانِ وَلِلْجَدِّ الثُّلُثُ إنْ كان الْمَفْقُودُ حَيًّا وَإِنْ كان مَيِّتًا اقْتَسَمَاهُ نِصْفَيْنِ فَيُعْطَى الْأَخُ النِّصْفَ بِتَقْدِيرِ مَوْتِهِ وَالْجَدُّ الثُّلُثَ بِتَقْدِيرِ حَيَاتِهِ فَيُقَدَّرُ في حَقِّ الْأَخِ مَوْتُهُ وفي حَقِّ الْجَدِّ حَيَاتُهُ مِثَالٌ آخَرُ أَخٌ لِأَبَوَيْنِ مَفْقُودٌ وَأُخْتَانِ لِأَبَوَيْنِ وَزَوْجٌ حَاضِرُونَ فَإِنْ كان حَيًّا فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمْ فَلِلْأُخْتَيْنِ الرُّبْعُ وَإِنْ كان مَيِّتًا فَلِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ من سَبْعَةٍ وَلِلْأُخْتَيْنِ أَرْبَعَةٌ منها فَيُقَدَّرُ في حَقِّ الزَّوْجِ مَوْتُهُ وفي حَقِّ الْأُخْتَيْنِ حَيَاتَهُ
الْمُوجِبُ
الثَّانِي الشَّكُّ في النَّسَبِ فَيُوقَفُ مِيرَاثُ الْوَلَدِ من تَرِكَةِ أَحَدِ الْمُتَنَازِعَيْنِ فيه إلَى الْبَيَانِ إنْ مَاتَ أَحَدُ الْمُتَنَازِعَيْنِ فيه في زَمَنِ الْإِشْكَالِ وَمِيرَاثُ أَبٍ إنْ مَاتَ الْوَلَدُ كَذَلِكَ وَأَخَذْنَا في نَصِيبِ كل من يَرِثُ مِنْهُمَا لو ثَبَتَ نَسَبُهُمَا بِالْأَسْوَأِ كما سَبَقَ في الْمَفْقُودِ الْمُوجِبِ
الثَّالِثُ الْحَمْلُ الْوَارِثُ فَيُوقَفُ له مِيرَاثُهُ وَإِنْ لم يَكُنْ من الْمَيِّتِ سَوَاءٌ وَرِثَ مُطْلَقًا كَالْحَمْلِ من الْمَيِّتِ أو بِتَقْدِيرِ كَحَمْلِ زَوْجَةِ أَخٍ لِأَبٍ أو جَدٍّ فَحَمْلُ زَوْجَةِ الْأَخِ وَالْجَدُّ لَا يَرِثُ إلَّا بِتَقْدِيرِ الذُّكُورَةِ وَفِيهِ أَيْ فِيمَنْ لَا يَرِثُ إلَّا بِتَقْدِيرِ من لَا يَرِثُ إلَّا بِتَقْدِيرِ الْأُنُوثَةِ كَمَنْ مَاتَتْ عن زَوْجٍ وَأُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ وَحَمْلٍ من الْأَبِ فَالْحَمْلُ يَرِثُ بِتَقْدِيرِ الْأُنُوثَةِ السُّدُسَ عَائِلًا لِأَنَّهُ أُخْتٌ دُونَ تَقْدِيرِ الذُّكُورَةِ لِأَنَّهُ أَخٌ وهو عَاصِبٌ ولم يَبْقَ ذَوُو الْفُرُوضِ شيئا وإذا وَرِثَ مُطْلَقًا فَقَدْ يَرِثُ بِتَقْدِيرِ الذُّكُورَةِ أَكْثَرَ كَحَمْلٍ من الْأَبِ بِالْعَكْسِ كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَأَخَوَيْنِ منها وَحَمْلٍ من الْأَبَوَيْنِ وقد يَرِثُ بِهِمَا على السَّوَاءِ كَبِنْتٍ وَحَمْلٍ من الْأَبِ وَلَوْ ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ صُدِّقَتْ وَلَوْ وَصَفَتْهُ بِعَلَامَةٍ خَفِيَّةٍ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا منها وَلَوْ لم تَدَّعِهِ وَاحْتُمِلَ هو لِقُرْبِ الْوَطْءِ فَفِي الْوَقْفِ له من الْمِيرَاثِ تَرَدُّدٌ وَكَلَامُ الْأَصْلِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الْوَقْفِ وَأُعْطِيَ في الْحَالِ من له فَرْضٌ مُقَدَّرٌ وَلَا يَحْجُبُهُ عنه الْحَمْلُ إذْ لَا فَائِدَةَ في الْوَقْفِ وَإِنْ أَمْكَنَ الْعَوْلُ أَخَذَهُ أَيْ فَرْضَهُ عَائِلًا لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ مِثَالُهُ زَوْجَةٌ حَامِلٌ وَأَبَوَانِ يَدْفَعُ إلَيْهَا ثُمُنُ عَائِلٍ وَإِلَيْهِمَا السُّدُسَانِ الْأُولَى سُدُسَانِ عَائِلَانِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ أَيْ الْحَمْلِ أُنْثَيَيْنِ أَمَّا إذَا كان يَحْجُبُهُ عنه الْحَمْلُ فَلَا يَأْخُذُ شيئا عَمَلًا بِالْأَحْوَطِ وَلَوْ لم يَتَقَدَّرْ نَصِيبُهُمْ أَيْ الْمَوْجُودِينَ مع الْحَمْلِ كَالْأَوْلَادِ وُقِفَ الْجَمِيعُ بِنَاءً على أَنَّ أَقْصَى عَدَدِ الْحَمْلِ لَا ضَبْطَ له لِمَا حُكِيَ عن الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قال رأيت في بَعْضِ
____________________
(3/18)
الْبَوَادِي شَيْخًا ذَا هَيْئَةٍ فَجَلَسْتُ إلَيْهِ أَسْتَفِيدُ منه وإذا بِخَمْسَةِ كُهُولٍ جَاءُوا فَقَبَّلُوا رَأْسَهُ وَدَخَلُوا الْخِبَاءَ ثُمَّ خَمْسَةِ شُبَّانٍ فَعَلُوا كَذَلِكَ ثُمَّ خَمْسَةِ مُنْحَطِّينَ ثُمَّ خَمْسَةِ أَحْدَاثٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْهُمْ فقال كلهم أَوْلَادِي وَكُلُّ خَمْسَةٍ منهم في بَطْنٍ وَأُمُّهُمْ وَاحِدَةٌ فَيَجِيئُونَ كُلَّ يَوْمٍ يُسَلِّمُونَ عَلَيَّ وَيَزُورُونَهَا وَخَمْسَةٌ أُخَرُ في الْمَهْدِ
وَحُكِيَ غَيْرُ ذلك أَيْضًا كما ذَكَرْتُهُ في مَنْهَجِ الْوُصُولِ فَإِنْ خَلَّفَ ابْنًا وَزَوْجَتُهُ حَامِلًا أُعْطِيت الثُّمُنَ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ وَيُوقَفُ نَصِيبُ الِابْنِ بِنَاءً على ما ذُكِرَ
فَرْعٌ لو مَاتَ كَافِرٌ عن حَمْلٍ فَأَسْلَمَتْ أُمُّهُ قبل الْوَضْعِ له وَرِثَ وَإِنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِكُفْرِهِ يوم الْمَوْتِ
فَصْلٌ لِتَوْرِيثِ الْحَمْلِ شَرْطَانِ الْأَوَّلُ أَنْ يُعْلَمَ بِوُجُودِهِ في الْبَطْنِ يَقِينًا أو ظَنًّا عِنْدَ الْمَوْتِ لِمُوَرِّثِهِ بِأَنْ تَلِدَهُ أُمُّهُ لِمُدَّةٍ يَلْحَقُ فيها بِالْمَيِّتِ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ منه بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ من أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ من الْمَوْتِ لِثُبُوتِ نَسَبِهِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ ما إذَا كان الْحَمْلُ من الْمَيِّتِ وما إذَا كان من غَيْرِهِ ولم تَكُنْ مُزَوَّجَةً وَلَا مُسْتَوْلَدَةً قال الْإِمَامُ وَلَا يُنَاقِضُ هذا ما مَهَّدْنَاهُ من طَلَبِ الْيَقِينِ في الْمَوَارِيثِ فإن ذَاكَ حَيْثُ لَا نَجِدُ مُسْتَنِدًا شَرْعِيًّا كما ذَكَرْنَا في مِيرَاثِ الْخَنَاثَى حَيْثُ لم نُعَيَّنْ ذُكُورَةً وَلَا أُنُوثَةً وَكَيْفَ يُنْكَرُ الْبِنَاءُ على الشَّرْعِ مع ظُهُورِ الظَّنِّ وَالْأَصْلُ في الْأَنْسَابِ الْإِمْكَانُ وَالِاحْتِمَالُ أَمَّا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِمَّا ذُكِرَ فَلَا يَرِثُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَسَبِهِ فَإِنْ كانت مُزَوَّجَةً أو مُسْتَوْلَدَةً وَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ حُرٍّ يَمُوتُ عن أَبٍ رَقِيقٍ تَحْتَهُ حُرَّةٌ حَامِلٌ فَإِنْ وَلَدَتْهُ قبل تَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من وَقْتِ الْمَوْتِ وَلِأَكْثَرَ منها من وَقْتِ الْعَقْدِ على الْحُرَّةِ أو وَطْءِ الْأَمَةِ وَرِثَ لِلْعِلْمِ بِوُجُودِهِ وَقْتَ الْمَوْتِ وَلَا حَاجِبَ وَإِلَّا بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَلَا يَرِثُ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ إلَّا إنْ اعْتَرَفَ الْوَرَثَةُ كلهم بِوُجُودِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَرِثُ لِأَنَّ الْحَقَّ لهم وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُمْسِكَ الْأَبُ عن الْوَطْءِ حتى يَتَبَيَّنَ الْحَالُ
الشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَنْفَصِلَ كُلُّهُ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً لِأَنَّهُ لَمَّا لم يُمْكِنْ الِاطِّلَاعُ على نَفْخِ الرُّوحِ فيه عِنْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ اعْتَبَرْنَا حَالَةَ انْفِصَالِهِ فَعَطَفْنَاهَا على ما قَبْلَهَا وَجَعَلْنَا النَّظَرَ إلَيْهَا وَلِهَذَا لَمَّا لم يُمْكِنْ تَقْوِيمُهُ حَالَةَ اجْتِنَانِهِ عِنْدَ تَفْوِيتِهِ على مَالِكِ أُمِّهِ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ نَظَرْنَا إلَى حَالَةِ الْوَضْعِ فَإِنْ كان حَيًّا قَوَّمْنَاهُ وَأَوْجَبْنَا لِلسَّيِّدِ قِيمَتَهُ أو مَيِّتًا لم يَجِبْ فيه شَيْءٌ وإذا انْفَصَلَ حَيًّا قال الْإِمَامُ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ وَرِثَ ولم نَذْهَبْ إلَى مَسَالِكِ الظُّنُونِ في تَقْدِيرِ انْسِلَالِ الرُّوحِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلِكُلٍّ حُكْمٌ في الشَّرْعِ مَوْقِفٌ وَمُنْتَهًى لَا سَبِيلَ إلَى مُجَاوَزَتِهِ انْتَهَى
وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْمَشْرُوطَ بِالشَّرْطَيْنِ الْحُكْمُ بِالْإِرْثِ لَا الْإِرْثُ فَقَوْلُهُمْ إنَّمَا يَرِثُ بِشَرْطَيْنِ أَيْ إنَّمَا يُحْكَمُ بِإِرْثِهِ بِشَرْطَيْنِ أَمَّا إذَا انْفَصَلَ مَيِّتًا فَلَا يَرِثُ سَوَاءٌ أَتَحَرَّكَ في بَطْنِ أُمِّهِ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ انْفَصَلَ بِنَفْسِهِ أَمْ بِجِنَايَةٍ وَإِنْ أُوجِبَتْ الْغُرَّةُ وَصُرِفَتْ إلَى وَرَثَتِهِ لِأَنَّ إيجَابَهَا لَا يَتَعَيَّنُ له تَقْدِيرُ الْحَيَاةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ الْغُرَّةُ إنَّمَا وَجَبَتْ لِدَفْعِ الْجَانِي الْحَيَاةَ مع تَهَيُّؤِ الْجَنِينِ لها وَلَوْ قَدَّرَ أَنَّ إيجَابَهَا بِتَقْدِيرِ الْحَيَاةِ فَالْحَيَاةُ مُقَدَّرَةٌ في حَقِّ الْجَانِي فَقَطْ تَغْلِيظًا فَتَقْدِرُ في تَوْرِيثِ الْغُرَّةِ فَقَطْ وَيُسْتَدَلُّ على حَيَاتِهِ بِالِاسْتِهْلَالِ أَيْ الصِّيَاحِ وَالْعُطَاسِ وَقَبْضِ الْيَدِ وَبَسْطِهَا وَنَحْوِهَا لِدَلَالَتِهَا عليها وفي الْحَرَكَةِ وَالِاخْتِلَاجِ تَرَدُّدٌ قال الْإِمَامُ وَلَيْسَ مَحَلُّهُ ما إذَا قَبَضَ الْيَدَ وَبَسَطَهَا فإن هذا يَدُلُّ على الْحَيَاةِ قَطْعًا أَيْ كما تَقَرَّرَ وَلَا الِاخْتِلَاجَ الذي يَقَعُ مِثْلُهُ لِانْضِغَاطِ وَتَقَلُّصِ عَصَبٍ وَإِنَّمَا مَحَلُّهُ فِيمَا بين هَاتَيْنِ الْحَرَكَتَيْنِ وَالظَّاهِرُ كَيْفَمَا قُدِّرَ الْخِلَافُ أَنَّ ما لم تُعْلَمْ بِهِ الْحَيَاةُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ لِانْتِشَارٍ بِسَبَبِ الْخُرُوجِ من الْمَضِيقِ أو لِاسْتِوَاءٍ عن الْتِوَاءٍ لَا عِبْرَةَ بِهِ كما لَا عِبْرَةَ بِحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ وَلَوْ جُنِيَ عليها بَعْدَ انْفِصَالِ بَعْضِهِ حَيًّا فَسَقَطَ مَيِّتًا لم يَرِثْ وَوَجَبَتْ فيه غُرَّةٌ لَا دِيَةٌ وَوَرِثَ عنه الْغُرَّةَ كما تُورَثُ عنه تَرِكَتُهُ لو مَاتَ بَعْدَ انْفِصَالِهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذلك في الْكَلَامِ على الْغُرَّةِ في كِتَابِ الدِّيَاتِ وَلَا يَرِثُ مَذْبُوحٌ مَاتَ أَبَاهُ وهو يَتَحَرَّكُ لِأَنَّهُ في حُكْمِ الْأَمْوَاتِ
فَرْعٌ لو مَاتَ عن ابْنٍ وَزَوْجَةٍ حَامِلٍ فَأَلْقَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى اسْتَهَلَّ أَحَدُهُمَا وَجُهِلَ الثَّانِي وَوُجِدَا مَيِّتَيْنِ أُعْطِيَ كُلُّ وَارِثٍ من الِابْنِ وَالزَّوْجَةِ من مِيرَاثِهِ الْأَقَلَّ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ وَوُقِفَ الْبَاقِي إلَى الْبَيَانِ أو الصُّلْحِ إذْ من الْمَعْلُومِ أَنَّ غير الْمُسْتَهَلِّ لَا يَرِثُ شيئا أو الْمُسْتَهَلُّ يَرِثُ وَبَعْدَ مَوْتِهِ يُورَثُ عنه نَصِيبُهُ أَثْلَاثًا لِلزَّوْجَةِ الثُّلُثُ بِالْأُمُومَةِ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ بِالْإِخْوَةِ لَكِنَّهُ لم يُعْرَفْ وَيَخْتَلِفُ قَدْرُ إرْثِهِمَا منه بِذُكُورَتِهِ وَأُنُوثَتِهِ فَيُعْطَى كُلٌّ مِنْهُمَا الْيَقِينَ وَيُوقَفُ الْبَاقِي كما قال وَعَمَلُهَا بِالْحِسَابِ ذَكَرْتُهُ في تَفْسِيرِ هذا الْكِتَابِ
الْمُوجِبُ الرَّابِعُ الْخُنُوثَةُ بِالْمُثَلَّثَةِ فَيُؤْخَذُ في حَقِّ الْخُنْثَى
____________________
(3/19)
وَبَاقِي الْوَرَثَةِ مِمَّنْ يَخْتَلِفُ مِيرَاثُهُ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ بِالْيَقِينِ فَإِنْ كان لَا يَرِثُ هو أو غَيْرُهُ إلَّا بِكَوْنِهِ ذَكَرًا أو أُنْثَى كَوَلَدِ عَمٍّ خُنْثَى وُقِفَ ما يَرِثُهُ بِذَلِكَ التَّقْدِيرِ وَإِنْ وَرِثَ بِأَحَدِهِمَا أَقَلَّ مِمَّا يَرِثُ بِالْآخَرِ كَوَلَدٍ خُنْثَى أُعْطِيَهُ عَمَلًا بِالْيَقِينِ وَوُقِفَ الْبَاقِي إلَى اتِّضَاحِ حَالِهِ أو الصُّلْحِ أَمَّا من لَا يَخْتَلِفُ مِيرَاثُهُ بِذَلِكَ كَوَلَدِ الْأُمِّ وَالْمُعْتَقِ فَيَرِثُ فَلَوْ قال الْخُنْثَى أنا رَجُلٌ أو أنا امْرَأَةٌ صَدَّقْنَاهُ بِيَمِينِهِ وَلَا نَظَرَ إلَى التُّهْمَةِ لِأَنَّهُ لَا اطِّلَاعَ على حَالِهِ إلَّا من جِهَتِهِ فَكَانَ كما لو قال ابن عَشْرٍ بَلَغْتُ بِالِاحْتِلَامِ فإنه يُصَدَّقُ وَيَسْقُطُ عنه سُلْطَانُ الْوَلِيِّ لَا إنْ قال أنا رَجُلٌ وهو مَجْنِيٌّ عليه فقال الْجَانِي بَلْ امْرَأَةٌ فَلَا يُصَدَّقُ وَقِيلَ يُصَدَّقُ كما في الْأُولَى وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْأَصْلَ هُنَا بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْجَانِي فَلَا نَرْفَعُهُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ
فَرْعٌ الْمَوْقُوفُ بين الْوَرَثَةِ لِلْخُنْثَى أَيْ لِأَجْلِهِ لَا يُقَسَّمُ بِمَوْتِهِ عليهم وَمَنْ تَجَدَّدَ له من الْوَرَثَةِ حتى يَصْطَلِحُوا على قِسْمَتِهِ عليهم بِالتَّسَاوِي أو التَّفَاوُتِ أو بِتَرْكِ بَعْضِهِمْ حِصَّتَهُ لِبَاقِيهِمْ وَاقْتِسَامِ بَاقِيهِمْ الْمَوْقُوفَ بِحَسَبِ تَرَاضِيهِمْ وَمَحَلُّهُ إذَا لم يَكُنْ فِيهِمْ مَحْجُورًا عليه فَسَيَأْتِي في نِكَاحِ الْمُشْرِكِ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ على ثَمَانِ نِسْوَةٍ مَثَلًا وَأَسْلَمْنَ معه ثُمَّ مَاتَ قُبَيْلَ الِاخْتِيَارِ وَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الْمَحْجُورِ عليه أَنْ يُصَالِحَ على أَقَلَّ مِمَّا بِيَدِهَا وهو ثَمَنُ الْمَوْقُوفِ في مِثَالِنَا وَقِيلَ لَا يَنْقُصُ عن رُبْعِهِ وَلَا بُدَّ من مُرَاعَاةِ ذلك هُنَا أو حتى يَتَوَاهَبُوا وَمَنْ وَهَبَ منهم لِلْبَاقِينَ حَقَّهُ مع الْجَهْلِ بِالْحَالِ جَازَ لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِقَدْرِ الْمَوْهُوبِ مُتَعَذَّرٌ فَلَوْ لم يَتَوَاهَبُوا بَقِيَ الْمَالُ على وَقْفِهِ وَلَا تُفِيدُهُمْ الْقِسْمَةُ شيئا لِأَنَّهُ لم يَجْرِ بَيْنَهُمْ ما يَقْتَضِي نَقْلَ الْمِلْكِ هذا كُلُّهُ إذَا لم يَكُنْ وَرَثَةُ الْخُنْثَى وَرَثَةَ الْأَوَّلِ أو كَانُوا إيَّاهُمْ وَاخْتَلَفَ إرْثُهُمْ مِنْهُمَا وَإِلَّا فَيُصْرَفُ الْمَوْقُوفُ إلَيْهِمْ بِلَا إشْكَالٍ
الْبَابُ السَّابِعُ في مِيرَاثِ وَلَدِ الزِّنَا وَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَالْمَجُوسِ وَلَدُ الزِّنَا لَا يُسْتَلْحَقُ فَلَوْ اُسْتُلْحِقَ لم يَلْحَقْ بِخِلَافِ الْوَلَدِ الْمُلَاعَنِ عليه يُسْتَلْحَقُ فَيَلْحَقُ وَإِنْ كان ثَمَّ تَوْأَمَانِ وَلَوْ من الْمُلَاعَنَةِ لم يَتَوَارَثَا الْمُرَادُ لَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا وَلَا بين كُلٍّ مِنْهُمَا وَبَيْنَ الزَّانِي وَالنَّافِي وَكُلِّ من أَدْلَى بِهِمَا لِانْقِطَاعِ النَّسَبِ بَيْنَهُمَا إلَّا بِقَرَابَةِ الْأُمِّ فَيَتَوَارَثَانِ وَيَرِثُ كُلٌّ مِنْهُمَا الْأُمَّ وَبِالْعَكْسِ بِقَرَابَتِهِمَا لِثُبُوتِ النَّسَبِ منها وَلَا عَصَبَةَ له أَيْ لِكُلٍّ من وَلَدِ الزِّنَا وَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ لِانْقِطَاعِ نَسَبِهِ من الْأَبِ إلَّا من صُلْبِهِ أو بِالْوَلَاءِ بِأَنْ يَكُونَ عَتِيقًا أو أَمَةً عَتِيقَةً فَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِمَوْلَاهَا عليها دُونَ عَصَبَتِهَا فَلَا يَكُونُونَ عَصَبَةً له في الْإِرْثِ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَصَبَةً له في تَحَمُّلِ الْعَقْلِ وَالْوِلَايَةِ وإذا اسْتَلْحَقَ من نَفَاهُ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ لَحِقَهُ وَإِنْ لم يُخَلِّفْ الْمَيِّتُ وَلَدًا وَنُقِضَتْ الْقِسْمَةُ لِلتَّرِكَةِ إنْ قُسِمَتْ وَالتَّوْأَمَانِ من وَاطِئٍ مَجْهُولٍ بِالتَّنْوِينِ وَطْءَ شُبْهَةٍ أَيْ بها يَتَوَارَثَانِ بِالْعُصُوبَةِ أَيْ بِإِخْوَةِ الْأَبَوَيْنِ لِثُبُوتِ نَسَبِهِمَا مِنْهُمَا فَصْلٌ لو اجْتَمَعَ في شَخْصٍ قَرَابَتَانِ مَنَعَ الشَّرْعُ من مُبَاشَرَةِ سَبَبِ اجْتِمَاعِهِمَا كَنِكَاحِ الْمَجُوسِ لِاسْتِبَاحَتِهِمْ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ وَالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ وَرِثَ بِأَقْوَاهُمَا لِأَنَّهُمَا قَرَابَتَانِ يُورَثُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدَتَيْنِ فَيُوَرَّثُ بِأَقْوَاهُمَا مُجْتَمِعَتَيْنِ لِأَيِّهِمَا كَالْأُخْتِ لِلْأَبَوَيْنِ تَرِثُ بِأَقْوَى الْقَرَابَتَيْنِ لَا بِهِمَا أَيْ لَا تَرِثُ النِّصْفَ بِأُخْتِيَّةِ الْأَبِ وَالسُّدُسَ بِأُخْتِيَّةِ الْأُمِّ وَتُعْرَفُ الْقُوَّةُ بِالْحَجْبِ بِأَنْ تَحْجُبَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى أو لَا تَحْجُبَ أَصْلًا فَالْأَوَّلُ كَبِنْتٍ هِيَ أُخْتٌ لِأُمٍّ كَأَنْ يَطَأَ مَجُوسِيٌّ أُمَّهُ فَتَلِدَ بِنْتًا تَرِثُ بِالْبُنُوَّةِ لَا بِالْأُخُوَّةِ لِأَنَّهَا حَاجِبَةٌ لِلْإِخْوَةِ الثَّانِي كَأُمٍّ هِيَ أُخْتٌ كَأَنْ يَطَأَ مَجُوسِيٌّ بِنْتَهُ فَتَلِدَ بِنْتًا تَرِثُ بِالْأُمُومَةِ لَا بِالْأُخُوَّةِ تَرِثُ لِأَنَّهَا تَحْجُبُ غَيْرَهَا وَلَا تُحْجَبُ بِغَيْرِهَا أو بِأَنْ تَكُونَ أَقَلَّ حَجْبًا كَأُمِّ أُمٍّ هِيَ أُخْتٌ لِأَبٍ كَأَنْ يَطَأَ بِنْتَهُ الثَّانِيَةَ أَيْضًا فَتَلِدَ بِنْتًا أُخْرَى فَتَرِثُ الْعُلْيَا بِالْجُدُودَةِ دُونَ الْأُخُوَّةِ لِأَنَّ أُمَّ الْأُمِّ لَا تَحْجُبُهَا إلَّا الْأُمُّ وَالْأُخْتُ يَحْجُبُهَا جَمَاعَةٌ فَلَوْ كانت الْقَوِيَّةُ مَحْجُوبَةً وَرِثَتْ بِالْمَرْجُوحَةِ كما لو خَلَّفَ في هذا الْمِثَالِ الْوُسْطَى وَالْعُلْيَا فَأَقْوَى جِهَتَيْ الْعُلْيَا وَهِيَ الْجُدُودَةُ مَحْجُوبَةٌ بِالْوُسْطَى فَتُوَرِّثُهَا بِالْإِخْوَةِ فَيَكُونُ لِلْوُسْطَى الثُّلُثُ بِالْأُمُومَةِ وَلَا تُنْقِصُهَا أُخُوَّةُ نَفْسِهَا مع الْأُخْرَى عن الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ وَلِلْعُلْيَا النِّصْفُ وَيُعَايَا بها فَيُقَالُ لنا صُورَةٌ وَرِثَتْ فيها الْجَدَّةُ أُمَّ الْأُمِّ مع الْأُمِّ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْجَدَّةِ النِّصْفُ وَيُعَايَا بها أَيْضًا بِغَيْرِ ذلك كما ذَكَرْتُهُ في غَيْرِ هذا الْكِتَابِ تَنْبِيهٌ قال ابن اللَّبَّانِ وَمَتَى أُلْقِيَ عَلَيْكَ في هذا الْبَابِ جَدَّةٌ هِيَ أُخْتٌ لِأَبٍ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ
____________________
(3/20)
إلَّا أُمَّ أُمٍّ فَإِنْ قِيلَ جَدَّةٌ هِيَ أُخْتٌ لِأُمٍّ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا أُمَّ أَبٍ فَإِنْ قِيلَ أُمُّ أَبٍ هِيَ أُخْتٌ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا أُخْتًا لِأُمٍّ فَإِنْ قِيلَ بِنْتٌ هِيَ أُخْتٌ فَإِنْ كان الْمَيِّتُ رَجُلًا فَهِيَ أُخْتٌ لِأُمٍّ أو امْرَأَةٌ فَهِيَ أُخْتٌ لِأَبٍ فَإِنْ قِيلَ أُمٌّ هِيَ أُخْتٌ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا أُخْتًا لِأَبٍ فَإِنْ قِيلَ أَبٌ هو أَخٌ فإنه لَا يَكُونُ إلَّا أَخًا لِأُمٍّ
الْبَابُ الثَّامِنُ في الرَّدِّ
وكيفية تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ الرَّدُّ لُغَةً الرَّجْعُ وَالصَّرْفُ يُقَالُ رُدَّ إلَى مَنْزِلِهِ أَيْ رَجَعَ
وَرَدَّهُ عن وَجْهِهِ أَيْ صَرَفَهُ وَاصْطِلَاحًا ضِدُّ الْعَوْلِ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ في مَقَادِيرِ السِّهَامِ وَنَقْصٌ من الْحِصَصِ وَالرَّدُّ ضِدُّ ذلك
وَعَرَّفَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِعَجْزِ سِهَامِ الْفَرِيضَةِ عن اسْتِيفَاءِ جَمِيعِ التَّرِكَةِ وَحَيْثُ قُلْنَا بِالرَّدِّ لِفَسَادِ بَيْتِ الْمَالِ وكان ذُو الْفَرْضِ زَوْجًا أو زَوْجَةً وَحْدَهُ أو مع غَيْرِهِ من ذَوِي الْفُرُوضِ فَلَا رَدَّ عليه لِمَا مَرَّ في فَصْلِ ذَوِي الْأَرْحَامِ بَلْ يَدْفَعُ إلَيْهِ فَرْضَهُ وَاحِدٌ من مَخْرَجِهِ وَيَقْسِمُ الْبَاقِيَ على ذَوِي الرَّدِّ فَإِنْ كان من يُرَدُّ عليه شَخْصًا وَاحِدًا أو صِنْفًا وَاحِدًا أو أَكْثَرَ من صِنْفٍ وَصَحَّ قِسْمَةُ الْبَاقِي على أَصْلِ مَسْأَلَتِهِمْ فَذَاكَ الْمَخْرَجُ هو الْأَصْلُ وَإِلَّا فَاضْرِبْهُ في الْأَصْلِ الذي انْكَسَرَ عليه بَاقِيهِ فما بَلَغَ فَهُوَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ كَزَوْجٍ وَبِنْتٍ وَأُمٍّ ليس لِلزَّوْجِ إلَّا الرُّبُعُ وَيَقْسِمُ الْبَاقِيَ على أَرْبَعَةٍ أَصْلِ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ بِدُونِ زَوْجٍ لَا يَصِحُّ وَلَا يُوَافِقُ فَتَضْرِبُهَا في مَخْرَجِ الرُّبُعِ فَتَصِحُّ من أَصْلِهَا سِتَّةَ عَشَرَ لِلزَّوْجِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْبِنْتِ تِسْعَةٌ وَلِلْأُمِّ ثَلَاثَةٌ أو كان ذُو الْفَرْضِ صِنْفًا وَاحِدًا غَيْرَهُمَا أَيْ الزَّوْجَيْنِ كَأُمٍّ أو جَدَّةٍ وَكَجَدَّاتٍ أو بَنَاتٍ رُدَّ عليه الْبَاقِي بَعْدَ أَخْذِهِ فَرْضَهُ فَيَأْخُذُ الْجَمِيعُ فَرْضًا وَرَدًّا أو أَكْثَرَ من صِنْفٍ وَاحِدٍ فَعَلَى أَيْ فَبِنِسْبَةِ قَدْرِ الْفُرُوضِ يُرَدُّ الْبَاقِي على أَرْبَابِهَا كَبِنْتٍ وَأُمٍّ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ يَبْقَى ثُلُثٌ يُقَسَّمُ عَلَيْهِمَا بِنِسْبَةِ فَرْضِهِمَا فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ التَّرِكَةِ لِلْبِنْتِ وَرُبُعُهَا لِلْأُمِّ فَتَصِحُّ من أَصْلِ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ أَرْبَعَةً
فَصْلٌ يُعْمَلُ في تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ بِمَذْهَبِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ وهو أَنْ يُنَزَّلَ كُلُّ فَرْعٍ مَنْزِلَةَ أَصْلِهِ الذي يُدْلِي بِهِ إلَى الْمَيِّتِ لَا بِمَذْهَبِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ وهو تَوْرِيثُ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ إلَى الْمَيِّتِ كَالْعَصَبَاتِ وَالْمَذْهَبَانِ مُتَّفِقَانِ على أَنَّ من انْفَرَدَ منهم حَازَ جَمِيعَ الْمَالِ ذَكَرًا كان أو أُنْثَى وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الْخِلَافُ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمْ وَيُقَدَّمُ منهم الْأَسْبَقُ إلَى الْوَارِثِ لَا إلَى الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عن الْوَارِثِ فَاعْتِبَارُ الْقُرْبِ إلَيْهِ أَوْلَى فَإِنْ اسْتَوَوْا في السَّبْقِ إلَيْهِ قُدِّرَ كَأَنَّ الْمَيِّتَ خَلَّفَ من يُدْلُونَ بِهِ من الْوَرَثَةِ وَاحِدًا كان أو جَمَاعَةً ثُمَّ يَجْعَلُ نَصِيبَ كل وَاحِدٍ منهم لِلْمُدْلِينَ بِهِ الَّذِينَ نُزِّلُوا مَنْزِلَتَهُ على حَسَبِ مِيرَاثِهِمْ منه لو كان هو الْمَيِّتُ فَإِنْ كَانُوا يَرِثُونَهُ بِالْعُصُوبَةِ اقْتَسَمُوا نَصِيبَهُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ أو بِالْفَرْضِ اقْتَسَمُوا نَصِيبَهُ على حَسَبِ فُرُوضِهِمْ وَيُسْتَثْنَى من ذلك أَوْلَادُ الْأَخِ من الْأُمِّ وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ منها فَلَا يَقْتَسِمُونَ ذلك لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ بَلْ يَقْتَسِمُونَهُ بِالسَّوِيَّةِ كما يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي في كَلَامِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ إرْثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ كَإِرْثِ من يُدْلُونَ بِهِ في أَنَّهُ إمَّا بِالْفَرْضِ أو بِالْعُصُوبَةِ وهو ظَاهِرٌ وَقَوْلُ الْقَاضِي تَوْرِيثُهُمْ تَوْرِيثٌ بِالْعُصُوبَةِ لِأَنَّهُ يُرَاعَى فيه الْقُرْبُ وَيُفَضَّلُ الذَّكَرُ وَيَحُوزُ الْمُنْفَرِدُ الْجَمِيعَ تَفْرِيعٌ على مَذْهَبِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ مِثَالُهُ بِنْتُ بِنْتٍ وَبِنْتُ بِنْتِ ابْنٍ يُجْعَلَانِ بِمَنْزِلَةِ بِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ فَيَحُوزَانِ الْمَالَ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ أَرْبَاعًا بِنِسْبَةِ إرْثِهِمَا وفي بِنْتِ ابْنِ بِنْتٍ وَبِنْتِ بِنْتِ ابْنٍ الْمَالُ لِلثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا أَسْبَقُ إلَى الْوَارِثِ وفي بِنْتِ بِنْتٍ وَابْنٍ وَبِنْتٍ من بِنْتٍ أُخْرَى لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بين الِابْنِ وَأُخْتِهِ أَثْلَاثًا بِأَنْ يُجْعَلَ الْمَالُ بين بِنْتَيْ الصُّلْبِ تَقْدِيرًا بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ ثُمَّ يُجْعَلُ نِصْفُ الْبِنْتِ الْأُولَى لِبِنْتِهَا وَنِصْفُ الْأُخْرَى لِوَلَدَيْهَا أَثْلَاثًا وفي بِنْتِ بِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنِ بِنْتٍ يَحْكُمُ بِالْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا وفي بِنْتَيْ بِنْتِ بِنْتٍ وَثَلَاثِ بَنَاتِ ابْنِ بِنْتٍ أُخْرَى لِلْبِنْتَيْنِ النِّصْفُ بِالسَّوِيَّةِ وَلِلثَّلَاثِ النِّصْفُ أَثْلَاثًا وَعَلَى هذا فَقِسْ فَفِي ابْنِ بِنْتٍ وَبِنْتِ بِنْتٍ أُخْرَى وَثَلَاثِ بَنَاتِ بِنْتٍ أُخْرَى لِلِابْنِ الثُّلُثُ وَلِلْبِنْتِ الْمُفْرَدَةِ كَذَلِكَ وَلِلثَّلَاثِ الثُّلُثُ أَثْلَاثًا
فَصْلٌ بَنَاتُ الْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ أو لِأَبٍ أو لِأُمٍّ وَأَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ كَذَلِكَ وَبَنُو إخْوَةِ الْأُمِّ يَنْزِلُ كُلٌّ منهم مَنْزِلَةَ أبيه إنْ كان بِنْتَ أَخٍ لِغَيْرِ أُمٍّ أو وَلَدِ أَخٍ لِأُمٍّ أو مَنْزِلَةَ أُمِّهِ إنْ كان وَلَدَ أُخْتٍ وَيُرْفَعُ عِنْدَ التَّسَفُّلِ بَطْنًا بَطْنًا فَمَنْ سَبَقَ إلَى وَارِثٍ قُدِّمَ وَإِلَّا بِأَنَّ اسْتَوَوْا في الِانْتِهَاءِ إلَى الْوَارِثِ
____________________
(3/21)
قُسِّمَ الْمَالُ بين الْأُصُولِ ثُمَّ حِصَّةُ كُلٍّ منهم لِفُرُوعِهِ يَسْتَوِي بين أَوْلَادِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ من الْأُمِّ في الْقِسْمَةِ كَأُصُولِهِمْ الْوَارِثِينَ من أُمِّهِمْ وَإِنْ كان قِيَاسُ مَذْهَبِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ تَفْضِيلَ الذَّكَرِ على الْأُنْثَى لِأَنَّهُمْ يُقَدِّرُونَ أَوْلَادَ الْوَارِثِ كَأَنَّهُمْ يَرِثُونَ منه فَفِي أَرْبَعَةِ أَوْلَادِ أَخٍ لِأُمٍّ وَبِنْتِ أَخٍ لِأَبٍ كَأَنَّهُ مَاتَ عن أَخٍ لِأُمٍّ وَأَخٍ لِأَبٍ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا على سِتَّةٍ سُدُسُهُ لِأَوْلَادِ الْأَخِ لِلْأُمِّ على عَدَدِ رُءُوسِهِمْ يَسْتَوِي فِيهِمْ ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ وَالْبَاقِي لِبِنْتِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَمَحَلُّهُ إذَا كان أَوْلَادُ الْأَخِ لِلْأُمِّ من أَخٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانُوا من أَرْبَعَةِ إخْوَةٍ كُلُّ وَاحِدٍ من أَخٍ كان لهم الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ مُطْلَقًا وَالْبَاقِي لِبِنْتِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَلَوْ كان وَاحِدٌ منهم من أَخٍ وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ من أَخٍ آخَرَ كان لِلْأَوَّلِ وَحْدَهُ السُّدُسُ وَلِلثَّلَاثَةِ كُلِّهِمْ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِبِنْتِ الْأَخِ لِلْأَبِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ أَيْ غَيْرِ أَوْلَادِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ من الْأُمِّ بِأَنْ يَكُونُوا أَوْلَادَهُمْ من غَيْرِهَا فَلَا يُسَوِّي بَيْنَهُمْ بَلْ يُفَضِّلُ ذَكَرَهُمْ على أُنْثَاهُمْ فَفِي ثَلَاثِ بَنَاتِ إخْوَةٍ مُتَفَرِّقِينَ السُّدُسُ لِبِنْتِ الْأَخِ من الْأُمِّ وَالْبَاقِي لِبِنْتِ الْأَخِ من الْأَبَوَيْنِ اعْتِبَارًا بِالْآبَاءِ وَبِنْتُ الْأَخِ من الْأَبِ مَحْجُوبَةٌ لِحَجْبِ أَبِيهَا بِالشَّقِيقِ وَتَصِحُّ من سِتَّةٍ وفي ثَلَاثَةٍ بَنِي أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ الْمَالُ بَيْنَهُمْ على خَمْسَةٍ كما هو بين أُمَّهَاتِهِمْ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ وَإِنْ كَانُوا بَنَاتًا لَهُنَّ الْفَصِيحُ بَنَاتٍ فَكَذَلِكَ وَإِنْ اجْتَمَعَ الْبَنُونَ الثَّلَاثَةُ وَالْبَنَاتُ الثَّلَاثُ فَالْمَالُ على أُمَّهَاتِهِمْ على خَمْسَةٍ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ فَنَصِيبُ الْأُخْتِ من الْأَبَوَيْنِ لِوَلَدَيْهَا أو أَثْلَاثًا ونصيب الْأُخْتِ الْأُخْرَى التي من الْأَبِ كَذَلِكَ وَنَصِيبُ الثَّالِثَةِ لِوَلَدَيْهَا بِالسَّوِيَّةِ
فَصْلٌ وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ السَّاقِطُونَ كُلٌّ منهم بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهِ بَطْنًا بَطْنًا لِتَنْزِيلِ أَبِ الْأُمِّ مَنْزِلَتَهَا وَأَبِي أُمِّ الْأَبِ مَنْزِلَتَهَا وَيُقَدَّمُ منهم من انْتَهَى إلَى الْوَارِثِ أو لَا فَإِنْ اسْتَوَوْا في الِانْتِهَاءِ إلَيْهِ قُسِّمَ الْمَالُ بين الْوَرَثَةِ الَّذِينَ انْتَهَوْا إلَيْهِمْ وَقُسِّمَتْ حِصَّةُ كل وَارِثٍ بين الْمُدْلِينَ بِهِ كما سَبَقَ
فَصْلٌ لو اجْتَمَعَ أُمُّ أبي أُمٍّ وأبو أُمِّ أُمٍّ فَالْمَالُ لِأَبِي أُمِّ الْأُمِّ لِأَنَّهُ أَسْبَقُ إلَى الْوَارِثِ إذْ بَعْدَ التَّنْزِيلِ يَصِيرَانِ أَبَا أُمٍّ وَأُمَّ أُمٍّ أو اجْتَمَعَ أبو أُمِّ أَبٍ وأبو أَبِ أُمٍّ فَالْمَالُ لِلْأَوَّلِ لِذَلِكَ أو أبو أُمِّ أُمٍّ وأبو أُمِّ أَبٍ فَنِصْفَانِ كما يَكُونُ بين أُمِّ الْأُمِّ وَأُمِّ الْأَبِ فَرْضًا وَرَدًّا أو أبو أَبِ أُمٍّ وَأُمُّ أَبِ أُمٍّ وأبو أُمِّ أُمٍّ فَلِلثَّالِثَةِ الْمَالُ لِذَلِكَ وَعَلَى هذا فَقِسْ فَلَوْ اجْتَمَعَ أبو أَبِ أُمِّ أَبٍ وَأُمُّ أَبِ أُمِّ أَبٍ وأبو أَبِ أَبِ أُمٍّ وَأُمُّ أَبِ أَبِ أُمٍّ فَالْمَالُ لِلْأَوَّلَيْنِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ
فَصْلٌ وَالْخَالَاتُ وَالْأَخْوَالُ في الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ فَيَرِثُونَ ما تَرِثُهُ لو كانت حَيَّةً وَالْعَمَّاتُ مُطْلَقًا أَيْ من الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ وَالْأَعْمَامُ من الْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فَيَرِثُونَ نَصِيبَهُ لِأَنَّهُمْ يُدْلُونَ بِهِ إلَى الْمَيِّتِ فَلَوْ انْفَرَدُوا أَيْ كُلٌّ من الْخَالَاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَعْمَامِ من الْأُمِّ فَكَانَ الْمَيِّتُ من يُنَزَّلُونَ بِفَتْحِ الزَّايِ مَنْزِلَتَهُ فَيُقْسَمُ الْمَالُ كُلُّهُ بَيْنَهُمْ على حَسَبِ ما يَأْخُذُونَهُ من تَرِكَةِ الْأُمِّ لو كانت هِيَ الْمَيِّتَةُ من تَرِكَةِ الْأَبِ لو كان هو الْمَيِّتُ فَفِي ثَلَاثِ خَالَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ لِلْخَالَةِ الشَّقِيقَةِ النِّصْفُ وَلِكُلٍّ من الْخَالَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ السُّدُسُ فَيَقْتَسِمْنَ الْمَالَ على خَمْسَةٍ فَرْضًا وَرَدًّا وفي ثَلَاثَةِ أَخْوَالٍ مُتَفَرِّقِينَ لِلْخَالِ من الْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْخَالِ الشَّقِيقِ الْبَاقِي وَلَا شَيْءَ لِلْخَالِ من الْأَبِ لِأَنَّ الْأُمَّ لو مَاتَتْ عَنْهُمْ وَرِثُوهَا كَذَلِكَ وفي ثَلَاثِ عَمَّاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ لِلْعَمَّةِ الشَّقِيقَةِ النِّصْفُ وَلِكُلٍّ من الْأُخْرَيَيْنِ السُّدُسُ فَيَقْتَسِمْنَ الْمَالَ على خَمْسَةٍ فَرْضًا وَرَدًّا وَلَوْ اجْتَمَعَ الْأَخْوَالُ الْمُفْتَرِقُونَ وَالْخَالَاتُ الْمُفْتَرِقَاتُ فَثُلُثَا الْمَالِ لِلْخَالِ وَالْخَالَةِ من الْأَبَوَيْنِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَثُلُثُهُ لِلْخَالِ وَالْخَالَةِ لِلْأُمِّ كَذَلِكَ وَتَصِحُّ من تِسْعَةٍ وَاسْتَشْكَلَهُ الْإِمَامُ بِأَنَّ تَفْضِيلَ الْخَالِ من الْأُمِّ على الْخَالَةِ منها مُخَالِفٌ لِلتَّسْوِيَةِ بين الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى من أَوْلَادِ الْأُمِّ وما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ آخِرًا من تَصَرُّفِهِ وهو لَا يُخَصُّ بِحَالَةِ الِانْفِرَادِ
فَرْعٌ لو خَلَّفَ ثَلَاثَ خَالَاتٍ وَثَلَاثَ عَمَّاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ لِلْخَالَاتِ الثُّلُثُ لِأَنَّهُ نَصِيبُ الْأُمِّ لو كانت حَيَّةً مع الْأَبِ وَلِلْعَمَّاتِ الثُّلُثَانِ لِأَنَّهُ نَصِيبُ الْأَبِ لو كان حَيًّا مع الْأُمِّ كُلٌّ من الْفَرِيقَيْنِ يُقَسِّمُ حِصَّتَهُ أَخْمَاسًا كَإِرْثِهِنَّ مِمَّنْ يُدْلِينَ بِهِ فَأَصْلُهَا من ثَلَاثَةٍ وَتَصِحُّ من خَمْسَةَ عَشَرَ وَذَكَرَ الضَّمِيرَ وَأَفْرَدَهُ أَوَّلًا بِاعْتِبَارِ لَفْظِ كُلٍّ وَأَنَّثَهُ وَجَمَعَهُ ثَانِيًا بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ وَإِنْ كان مَكَانَ الْخَالَاتِ
____________________
(3/22)
أَخْوَالٌ فَالثُّلُثُ بين الْخَالِ من الْأُمِّ وَالْخَالِ من الْأَبَوَيْنِ على سِتَّةٍ فَلِلْخَالِ من الْأُمِّ السُّدُسُ وَمِنْ الْأَبَوَيْنِ الْبَاقِي وَيَسْقُطُ الثَّالِثُ وهو الْخَالُ من الْأَبِ لِأَنَّهُمْ لو وَرِثُوا من الْأُمِّ لَحُجِبَ بِالشَّقِيقِ فَتَصِحُّ من تِسْعِينَ وإذا اجْتَمَعَتْ الْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ وَالْأَخْوَالُ فَالثُّلُثَانِ لِلْعَمَّاتِ وَالثُّلُثُ لِلْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ ثُلُثُهُ لِلْخَالِ وَالْخَالَةِ من الْأُمِّ على ثَلَاثَةٍ وَبَاقِيهِ لِلْخَالِ وَالْخَالَةِ الشَّقِيقَتَيْنِ على خَمْسَةٍ فَتَصِحُّ من مِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ فَرْعٌ وَأَوْلَادُ الْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَعْمَامِ من الْأُمِّ كَآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ انْفِرَادًا وَاجْتِمَاعًا فَيَنْزِلُ أَوْلَادُ الْخَالِ الشَّقِيقِ مَنْزِلَةَ الْخَالِ الشَّقِيقِ وَأَوْلَادُ الْخَالِ لِلْأَبِ مَنْزِلَةَ الْخَالِ لِلْأَبِ وَأَوْلَادُ الْخَالِ لِلْأُمِّ مَنْزِلَةَ الْخَالِ لِلْأُمِّ وَيَنْزِلُ أَوْلَادُ الْعَمَّةِ مَنْزِلَةَ الْعَمَّةِ بِمِثْلِ ذلك وَأَوْلَادُ الْعَمِّ لِلْأُمِّ مَنْزِلَةَ الْعَمِّ لِلْأُمِّ وحينئذ يَسْقُطُ الْأَبْعَدُ بِالْأَقْرَبِ منهم إلَى الْوَارِثِ كما سَبَقَ فَإِنْ كان في دَرَجَتِهِمْ بِنْتُ عَمٍّ فَأَكْثَرُ لِأَبٍ الْأُولَى لِغَيْرِ أُمٍّ أَخَذَتْ الْمَالَ لِسَبَقِهَا إلَى الْوَارِثِ فَرْعٌ أَخْوَالُ الْأُمِّ وَخَالَاتُهَا بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْأُمِّ فَيَرِثُونَ ما تَرِثُهُ وَيَقْتَسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ كما لو مَاتْ عَنْهُمْ وَأَعْمَامُهُمْ وَعَمَّاتُهُمْ بِمَنْزِلَةِ أبي الْأُمِّ فَيَرِثُونَ ما يَرِثُهُ وَأَخْوَالُ الْأَبِ وَخَالَاتُهُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْأَبِ فَيَرِثُونَ ما تَرِثُهُ وَعَمَّاتُهُ بِمَنْزِلَةِ أبي الْأَبِ فَيَرِثْنَ ما يَرِثُهُ وَهَكَذَا كُلُّ خَالٍ وَخَالَةٍ بِمَنْزِلَةِ الْجَدَّةِ التي هِيَ أُخْتُهَا وَكُلُّ عَمٍّ وَعَمَّةٍ بِمَنْزِلَةِ الْجَدِّ الذي هو أَخُوهَا وَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثًا من عَمَّاتِ أبيه وثلاثا من خَالَاتِهِ مُتَفَرِّقَاتٍ وَمِثْلَهُنَّ أَيْ وَثَلَاثُ عَمَّاتٍ وَثَلَاثُ خَالَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ كُلُّهُنَّ لِأُمِّهِ فَيَنْزِلُ عَمَّاتُ كل جِهَةٍ مَنْزِلَةَ أَبِيهَا وَخَالَاتُ كل جِهَةٍ مَنْزِلَةَ أُمِّهَا فَكَأَنَّهُ مَاتَ عن أبي أبيه وَأَبِي أُمِّهِ وَأُمِّ أبيه وَأُمِّ أُمِّهِ فَلِلْجَدَّتَيْنِ السُّدُسُ وَلِأَبِي الْأَبِ الْبَاقِي وَلَا شَيْءَ لِأَبِي الْأُمِّ فَمَنْ له شَيْءٌ أَخَذَهُ من يُدْلِي بِهِ فَلِخَالَاتِ الْأَبِ نِصْفُ السُّدُسِ على خَمْسَةٍ وَمِثْلُهُ لِخَالَاتِ الْأُمِّ لِأَنَّهُنَّ كَالْجَدَّتَيْنِ وَالْبَاقِي خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ لِعَمَّاتِ الْأَبِ على خَمْسَةٍ دُونَ عَمَّاتِ الْأُمِّ لِأَنَّهُنَّ كَأَبِي الْأَبِ وَأَبِي الْأُمِّ فَأَصْلُهَا من سِتَّةٍ وَتَصِحُّ من سِتِّينَ لِكُلٍّ من الْخَالَتَيْنِ الشَّقِيقَتَيْنِ ثَلَاثَةٌ وَلِكُلٍّ من الْبَاقِيَاتِ سَهْمٌ وَلِعَمَّةِ الْأَبِ الشَّقِيقَةِ ثَلَاثُونَ وَلِكُلٍّ من عَمَّتِهِ لِأَبِيهِ وَعَمَّتِهِ لِأُمِّهِ عَشَرَةٌ
فَصْلٌ لو اجْتَمَعَ في ذِي رَحِمٍ جِهَتَا قَرَابَةٍ كَبِنْتِ بِنْتِ بِنْتٍ هِيَ بِنْتُ ابْنِ بِنْتٍ بِأَنْ نَكَحَ ابن بِنْتِ رَجُلٍ بِنْتِ بِنْتٍ له أُخْرَى فَوَلَدَتْ بِنْتًا وَكَبِنْتِ خَالَةٍ هِيَ بِنْتُ عَمَّةٍ بِأَنْ نَكَحَ خَالُ امْرَأَةٍ لِأَبٍ خَالَتَهَا لِأُمٍّ فَوَلَدَتْ بِنْتًا فَالْمَرْأَةُ بِنْتُ خَالَةِ الْبِنْتِ وَبِنْتُ عَمَّتِهَا فَإِنْ سَبَقَتْ جِهَةٌ مِنْهُمَا إلَى وَارِثٍ وَرِثَ وفي نُسْخَةٍ قُدِّمَ بها وَإِلَّا وَرِثَ بِهِمَا على ما يَقْتَضِيهِ الْحَالُ فَرْعٌ لو كان مع ذَوِي الْأَرْحَامِ زَوْجٌ ذَكَرًا كان أو أُنْثَى اقْتَسَمُوا ما زَادَ على فَرْضِهِ كَاقْتِسَامِهِمْ الْجَمِيعَ لو انْفَرَدُوا عنه
الْبَاب التَّاسِعُ في الْحِسَابِ
أَيْ حِسَابِ الْفَرَائِضِ وَمُقَدَّمَاتُهُ وقد بَدَأَ بها فقال الْفُرُوضُ الْمُقَدَّرَةُ في كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى سِتَّةٌ النِّصْفُ وَنِصْفُهُ وَنِصْفُ نِصْفِهِ وَالثُّلُثَانِ وَنِصْفُهُمَا وَنِصْفُ نِصْفِهِمَا وقد مَضَى مُسْتَحِقُّوهَا أَيْ بَيَانُهُمْ مع التَّعْبِيرِ عن عَدَدِ الْفُرُوضِ يُغَيِّرُ ما ذُكِرَ هُنَا وَمَخْرَجُ الْفَرْضِ عَدَدٌ وَاحِدُهُ ذلك الْفَرْضُ فَمَخْرَجُ النِّصْفِ اثْنَانِ وَهُمَا أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ ومخرج الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ ثَلَاثَةٌ لِأَنَّهُمَا سَمِيُّهُمَا وَعَلَى هذا فَقِسْ فَمَخْرَجُ الرُّبُعِ أَرْبَعَةٌ وَالثُّمُنِ ثَمَانِيَةٌ وَالسُّدُسِ سِتَّةٌ وَالْفَرْضَانِ أَيْ مَخْرَجَاهُمَا إمَّا مُتَمَاثِلَانِ أو مُتَدَاخِلَانِ أو مُتَوَافِقَانِ أو مُتَبَايِنَانِ لِأَنَّهُمَا إنْ تَسَاوَيَا كَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثَةٍ فَمُتَمَاثِلَانِ وَإِلَّا فَإِنْ أَفْنَى أَصْغَرُهُمَا أَكْبَرَهُمَا مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ كَثَلَاثَةٍ وَسِتَّةٍ فَمُتَدَاخِلَانِ وَإِلَّا فَإِنْ أَفْنَاهُمَا غَيْرُ الْوَاحِدِ كَسِتَّةٍ وَثَمَانِيَةٍ فَمُتَوَافِقَانِ بِمَا لِلْمُفْنِي من الْأَجْزَاءِ وَإِلَّا فَمُتَبَايِنَانِ كَثَلَاثَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَكُلُّ مُتَدَاخِلَيْنِ مُتَوَافِقَانِ وَلَا عَكْسَ وقد بَسَطْتُ الْكَلَامَ على ذلك في غَيْرِ هذا الْكِتَابِ فَإِنْ تَدَاخَلَا فَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَكْبَرُهُمَا أو تَوَافَقَا ضُرِبَ وَفْقُ أَحَدِهِمَا في كَامِلِ الْآخَرِ أو تَبَايَنَا ضُرِبَ كُلٌّ مِنْهُمَا في الْآخَرِ
وَالْحَاصِلُ من كُلٍّ مِنْهُمَا أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أو تَمَاثَلَا اُكْتُفِيَ بِأَحَدِهِمَا وهو أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ هذا إنْ كانت الْوَرَثَةُ غير عَصَبَاتٍ فَإِنْ كان الْوَرَثَةُ عَصَبَاتٍ فَمَسْأَلَتُهُمْ من عَدَدِ رُءُوسِهِمْ ذُكُورًا كَانُوا كَثَلَاثَةِ بَنِينَ أو إنَاثًا كَثَلَاثِ نِسْوَةٍ أَعْتَقْنَ عَبْدًا بِالسَّوِيَّةِ أو ذُكُورًا وَإِنَاثًا وَيُقَدَّرُ فيه كُلُّ ذَكَرٍ أُنْثَيَيْنِ فَأَصْلُ مَسْأَلَةِ ابْنٍ وَبِنْتٍ ثَلَاثَةٌ لِلِابْنِ سَهْمَانِ وَلِلْبِنْتِ سَهْمٌ فَإِنْ
____________________
(3/23)
اجْتَمَعَ أَهْلُ فُرُوضٍ وَعَصَبَةٍ أُعْطِيَ ذُو الْفَرْضِ فَرْضَهُ من مَخْرَجِهِ وَمَخْرَجُهُ هو أَصْلُ مَسْأَلَتِهِمْ وَالْبَاقِي لِلْعَصَبَةِ وَتَصْحِيحُ الْمَسَائِلِ مَعْرُوفٌ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ انْقَسَمَتْ سِهَامُ الْفَرِيضَةِ على ذَوِيهَا فَذَاكَ كَزَوْجٍ وَثَلَاثَةِ بَنِينَ وَإِنْ انْكَسَرَتْ على صِنْفٍ قُوبِلَتْ سِهَامُهُ بِعَدَدِهِ فَإِنْ تَبَايَنَا ضُرِبَ عَدَدُهُ في الْمَسْأَلَةِ بِعَوْلِهَا إنْ عَالَتْ كَزَوْجٍ وَخَمْسِ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ هِيَ بِعَوْلِهَا من سَبْعَةٍ وَتَصِحُّ بِضَرْبِ خَمْسَةٍ في سَبْعَةٍ من خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ وَإِنْ تَوَافَقَا ضُرِبَ وَفْقُ عَدَدِهِ فيها بِعَوْلِهَا كَزَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَسِتِّ بَنَاتٍ هِيَ بِعَوْلِهَا من خَمْسَةَ عَشَرَ وَتَصِحُّ من خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَإِنْ انْكَسَرَتْ على صِنْفَيْنِ قُوبِلَتْ سِهَامُ كل صِنْفٍ بِعَدَدِهِ
فَإِنْ تَوَافَقَا رُدَّ الصِّنْفُ إلَى وَفْقِهِ وَإِلَّا تُرِكَ ثُمَّ إنْ تَمَاثَلَ عَدَدُ الرُّءُوسِ ضُرِبَ أَحَدُهُمَا في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ بِعَوْلِهَا إنْ عَالَتْ وَإِنْ تَدَاخَلَا ضُرِبَ أَكْبَرُهُمَا في ذلك وَإِنْ تَوَافَقَا ضُرِبَ وَفْقُ أَحَدِهِمَا في الْآخَرِ ثُمَّ الْحَاصِلُ في الْمَسْأَلَةِ بِعَوْلِهَا وَإِنْ تَبَايَنَا ضُرِبَ أَحَدُهُمَا في الْآخَرِ ثُمَّ الْحَاصِلُ في الْمَسْأَلَةِ بِعَوْلِهَا فما بَلَغَ صَحَّتْ منه الْمَسْأَلَةُ وَيُقَاسُ بِذَلِكَ الِانْكِسَارُ على ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ وَأَرْبَعَةٍ وَلَا يَزِيدُ الْكَسْرُ على ذلك وَمِنْ التَّصْحِيحِ الْمُنَاسَخَاتُ فَلَوْ مَاتَ عن وَرَثَةٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ قبل الْقِسْمَةِ فَإِنْ لم يَرِثْ الثَّانِيَ غَيْرُ الْبَاقِينَ وكان إرْثُهُمْ منه كَإِرْثِهِمْ من الْأَوَّلِ جُعِلَ كَأَنَّ الثَّانِيَ لم يَكُنْ وَقُسِّمَ الْمَالُ بين الْبَاقِينَ كَإِخْوَةٍ وَأَخَوَاتٍ من أَبٍ مَاتَ بَعْضُهُمْ عن الْبَاقِينَ وَإِنْ لم يَنْحَصِرْ إرْثُهُ في الْبَاقِينَ أو انْحَصَرَ فِيهِمْ وَاخْتَلَفَ قَدْرُ الِاسْتِحْقَاقِ فَصَحَّحَ مَسْأَلَةَ الْأَوَّلِ ثُمَّ مَسْأَلَةَ الثَّانِي ثُمَّ إنْ انْقَسَمَ نَصِيبُ الثَّانِي من مَسْأَلَةِ الْأَوَّلِ على مَسْأَلَتِهِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَإِنْ كان بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ ضُرِبَ وَفْقُ مَسْأَلَتِهِ في مَسْأَلَةِ الْأَوَّلِ وَإِلَّا ضُرِبَ كُلُّهَا فيها فما بَلَغَ صَحَّتَا منه ثُمَّ من له شَيْءٌ من الْأُولَى أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِيمَا ضُرِبَ فيها وَمَنْ له شَيْءٌ من الثَّانِيَةِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا في نَصِيبِ الثَّانِي من الْأُولَى أو في وَفْقِهِ إنْ كان بين مَسْأَلَتِهِ وَنَصِيبِهِ وَفْقٌ وقد ذَكَرَ الْأَصْلُ ذلك مع بَيَانِ أَمْثِلَتِهِ وَبَيَانِ قِسْمَةِ التَّرِكَاتِ مع فَوَائِدَ جَلِيلَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بها وقد بَيَّنْتُهُ أَحْسَنَ بَيَانٍ في غَيْرِ هذا الْكِتَابِ
وَالْأُصُولُ التي فيها ذُو فَرْضٍ تِسْعَةٌ اثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَسِتَّةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَاثْنَا عَشَرَ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَكَذَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَسِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ كما زَادَهُمَا الْمُتَأَخِّرُونَ في مَسَائِلِ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ إذَا افْتَقَرَ إلَى مُقَدَّرٍ من سُدُسٍ في الْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَسُدُسٍ وَرُبُعٍ في الثَّانِي وَثُلُثُ ما يَبْقَى بَعْدَ الْمُقَدَّرِ فِيهِمَا مِثَالُ الْأَوَّلِ أُمٌّ وَجَدٌّ وَخَمْسَةُ إخْوَةٍ وَمِثَالُ الثَّانِي زَوْجَةٌ وَأُمٌّ وَجَدٌّ وَسَبْعَةُ إخْوَةٍ قال النَّوَوِيُّ وَهَذَا هو الْأَصَحُّ الْجَارِي على الْقَوَاعِدِ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِ أَخْصَرُ وَالْمُتَقَدِّمُونَ قالوا لَا يُزَادُ على الْأُصُولِ الْمُسْتَخْرَجَةِ من كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عِنْدَهُمْ سِتَّةٌ وَتَصِحُّ من ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَالثَّانِيَةُ اثْنَا عَشَرَ وَتَصِحُّ من سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ وقد ذَكَرْتُ أَدِلَّةَ ذلك مع فَوَائِدَ في كِفَايَةِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَتَعُولُ منها أَيْ الْأُصُولِ الْمَذْكُورَةِ السِّتَّةُ إلَى عَشَرَةٍ أَشْفَاعًا وَأَوْتَارًا فَتَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ كَزَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَإِلَى ثَمَانِيَةٍ كَهَؤُلَاءِ وَأُمٍّ وَإِلَى تِسْعَةٍ كَهَؤُلَاءِ وَأَخٍ لِأُمٍّ وَإِلَى عَشَرَةٍ كَهَؤُلَاءِ وَأَخٍ آخَرَ لِأُمٍّ وَالِاثْنَا عَشَرَ تَعُولُ بِالْأَوْتَارِ فَقَطْ إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ فَتَعُولُ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ وَإِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ كَزَوْجَةٍ وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَإِلَى سَبْعَةَ عَشَرَ كَهَؤُلَاءِ وَأُمٍّ وَالْأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ تَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَقَطْ كَزَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ وَابْنَتَيْنِ وَإِنَّمَا لم تَعُلْ بَقِيَّةُ الْأُصُولِ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْفُرُوضِ فيها لَا تَزِيدُ على أَجْزَاءِ الْمَخَارِجِ وَالْعَوْلُ زِيَادَةُ ما بَقِيَ من سِهَامِ ذَوِي الْفُرُوضِ على أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ لِيَدْخُلَ النَّقْصُ على أَهْلِهَا بِحَسَبِ حِصَصِهِمْ وَأَوَّلُ من حَكَمَ بِالْعَوْلِ عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه في زَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ فَهِيَ أَوَّلُ مَسْأَلَةٍ عَالَتْ في الْإِسْلَامِ وقال صَاحِبُ الْمَذْهَبِ بَلْ هِيَ مَسْأَلَةُ زَوْجٍ وَأُمٍّ وَأُخْتٍ لِأَبٍ وَوَافَقَ عُمَرَ على الْعَوْلِ غَيْرُهُ فلما انْقَضَى عَصْرُهُ أَظْهَرَ ابن عَبَّاسٍ خِلَافَهُ في هذه
____________________
(3/24)
فَجَعَلَ النَّقْصَ خَاصًّا بِالْأُخْتِ لِأَنَّهَا قد تَنْتَقِلُ إلَى التَّعْصِيبِ فَكَانَتْ كَالْعَاصِبِ
وَرُدَّ بِلُزُومِ كَوْنِ النَّقْصِ في زَوْجٍ وَبِنْتٍ وَأَبَوَيْنِ بين الْأَبِ وَالْبِنْتِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَنْتَقِلُ إلَى التَّعْصِيبِ مع أَنَّهُ قَائِلٌ بِاخْتِصَاصِهِ بِالْبِنْتِ وَلَيْسَ مَعْنَى عَدَمِ إظْهَارِ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافَهُ أَنَّهُ خَافَ من إظْهَارِهِ وَعَدَمِ انْقِيَادِ عُمَرَ له لِلْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ بِانْقِيَادٍ لِلْحَقِّ وَلَكِنْ لِمَا كانت الْمَسْأَلَةُ اجْتِهَادِيَّةً ولم يَكُنْ معه دَلِيلٌ ظَاهِرٌ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ سَاغَ له عَدَمُ إظْهَارِ ما ظَهَرَ له
الْبَابُ الْعَاشِرُ في الْمَسَائِلِ الْمُلَقَّبَاتِ ومسائل الْمُعَايَاةِ اللَّقَبُ وَاحِدُ الْأَلْقَابِ وَهِيَ الْأَنْبَازُ يُقَالُ نَبَزَهُ أَيْ لَقَّبَهُ وَمِنْهُ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ وَمِنْ الْمُلَقَّبَاتِ مَالَهُ لَقَبٌ وَمِنْهَا مَالَهُ أَكْثَرُ وَغَايَتُهُ عَشَرَةٌ كما سَيَأْتِي فَالْمُلَقَّبَاتُ منها الْمُشَرَّكَةُ وفي نُسْخَةٍ الْمُشْتَرَكَةُ وَتُلَقَّبُ أَيْضًا بِالْحِمَارِيَّةِ لِمَا رَوَى الْحَاكِمُ أَنَّ زَيْدًا قال لِعُمَرَ في حَقِّ الْأَشِقَّاءِ هَبْ أَنَّ أَبَاهُمْ كان حِمَارًا ما زَادَهُمْ الْأَبُ إلَّا قُرْبًا
وَرُوِيَ أَنَّهُمْ قالوا هَبْ أَنَّ أَبَانَا كان حِمَارًا وَبِالْحَجَرِيَّةِ وَالْيَمِّيَّةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُمْ قالوا لِعُمَرَ هَبْ أَنَّ أَبَانَا كان حَجَرًا مُلْقًى في الْيَمِّ وَبِالْمِنْبَرِيَّةِ لِأَنَّ عُمَرَ سُئِلَ عنها وهو على الْمِنْبَرِ وَالْأَكْدَرِيَّةِ وَتُلَقَّبُ أَيْضًا بِالْغَرَّاءِ لِظُهُورِهَا إذْ لَا يُفْرَضُ لِلْأُخْتِ مع الْجَدِّ إلَّا فيها وقد ذَكَرْنَاهُمَا الْأُولَى في الْبَابِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِيَةُ في الْبَابِ الثَّانِي وَتَقَدَّمَ ثَمَّ وَجْهُ تَلْقِيبِهِمَا بِذَلِكَ وَالْخَرْقَاءُ بِالْمَدِّ وَهِيَ أُمٌّ وَأُخْتٌ لِغَيْرِ أُمٍّ وَجَدٌّ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي بين الْجَدِّ وَالْأُخْتِ أَثْلَاثًا فَتَصِحُّ من تِسْعَةٍ وَلُقِّبَتْ بِذَلِكَ لِتَخَرُّقِ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فيها وَتُلَقَّبُ أَيْضًا بِالْمُثَلَّثَةِ لِأَنَّ عُثْمَانَ جَعَلَهَا من ثَلَاثَةٍ عَدَدِ الرُّءُوسِ وَبِالْمُرَبَّعَةِ لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ جَعَلَهَا من أَرْبَعَةٍ لِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي بين الْجَدِّ وَالْأُمِّ نِصْفَيْنِ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ مُرَبَّعَاتِهِ وَبِالْمُخَمَّسَةِ لِأَنَّ الشَّعْبِيَّ دَعَاهُ الْحَجَّاجُ فَسَأَلَهُ عنها فقال اخْتَلَفَ فيها خَمْسَةٌ من الصَّحَابَةِ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَزَيْدٌ وابن مَسْعُودٍ وابن عَبَّاسٍ وكان الشَّعْبِيُّ لَا يُثْبِتُ الرِّوَايَةَ عن غَيْرِهِمْ وَقِيلَ الْخَمْسَةُ تَكَلَّمُوا فيها في وَقْتٍ وَاحِدٍ فَاخْتَلَفَتْ أَقْوَالُهُمْ
وَبِالْمُسَدَّسَةِ لِأَنَّ فيها سَبْعَةَ أَقْوَالٍ لِلصَّحَابَةِ تَرْجِعُ في الْمَعْنَى إلَى سِتَّةٍ كما سَتَعْلَمُهُ وَبِالْمُسَبَّعَةِ لِهَذِهِ الْأَقْوَالِ السَّبْعَةِ قَوْلُ زَيْدٍ وَجَمَاعَةٍ وهو ما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُ أبي بَكْرٍ وَجَمَاعَةٍ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْجَدِّ وَتَسْقُطُ الْأُخْتُ وَتَصِحُّ من ثَلَاثَةٍ وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ لِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ الْبَاقِي وَلِلْجَدِّ الْبَاقِي وَتَصِحُّ من سِتَّةٍ وَقَوْلُهُ أَيْضًا لِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَلِلْجَدِّ الْبَاقِي وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلَّذِي قَبْلَهُ في اللَّفْظِ وَمُتَّحِدٌ معه في الْمَعْنَى وَمِنْ ثَمَّ اعْتَبَرَهُمَا الْأَكْثَرُ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَوْلُهُ أَيْضًا لِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي بين الْأُمِّ وَالْجَدِّ نِصْفَيْنِ وَتَصِحُّ من أَرْبَعَةٍ وَهِيَ إحْدَى مُرَبَّعَاتِهِ كما سَيَأْتِي وَقَوْلُ عَلِيٍّ لِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْجَدِّ الْبَاقِي وَتَصِحُّ من سِتَّةٍ وَقَوْلُ عُثْمَانَ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي بين الْجَدِّ وَالْأُخْتِ نِصْفَيْنِ وَتَصِحُّ من ثَلَاثَةٍ
وَبِالْمُثَمَّنَةِ لِأَنَّ فيها ثَمَانِيَةَ أَقْوَالٍ السَّبْعَةُ السَّابِقَةُ وَقَوْلُ عُثْمَانَ أَيْضًا لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْأُخْتِ الثُّلُثُ وَلِلْجَدِّ الثُّلُثُ فَالْمُلَقِّبُ لها بِذَلِكَ جَعَلَ هذا الْقَوْلَ مُخَالِفًا لِلسَّابِعِ نَظَرًا إلَى أَنَّ هذا يَقْتَضِي أَنَّ الْأُمَّ وَالْجَدَّ يَرِثَانِ بِالْفَرْضِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُمَا يَرِثَانِ بِالْعُصُوبَةِ
وَبِالْعُثْمَانِيَّةِ وبالحجاجية وَبِالشُّعْبِيَّةِ لِنِسْبَتِهَا إلَى عُثْمَانَ كما تَقَرَّرَ وَلِقِصَّةِ الْحَجَّاجِ مع الشَّعْبِيِّ السَّابِقَةِ وَأُمِّ الْفُرُوخِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ لِكَثْرَةِ ما فَرَّخَتْ من الْعَوْلِ شَبَّهُوهَا بِأُنْثَى من الطَّيْرِ مَعَهَا أَفْرَاخُهَا وَيُقَالُ بِالْجِيمِ لِكَثْرَةِ الْفُرُوجِ فيها وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتَانِ لِأَبٍ أَيْ لِغَيْرِ أُمٍّ وَأَخَوَانِ لِأُمٍّ أَصْلُهَا من سِتَّةٍ وَتَعُولُ إلَى عَشَرَةٍ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُخْتَيْنِ الثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَاحِدٌ وَلِلْأَخَوَيْنِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ اثْنَانِ وَتُلَقَّبُ أَيْضًا بِالشُّرَيْحِيَّةِ لِأَنَّهَا رُفِعَتْ إلَى شُرَيْحٍ فَجَعَلَهَا من عَشَرَةٍ كما تَقَرَّرَ وَبِالْبَلْجَاءِ لِوُضُوحِهَا لِأَنَّهَا عَالَتْ بِثُلُثِهَا وهو أَكْثَرُ ما تَعُولُ بِهِ الْفَرَائِضُ وَأُمِّ الْأَرَامِلِ وَهِيَ ثَلَاثُ زَوْجَاتٍ وَجَدَّتَانِ وَأَرْبَعُ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ وَثَمَانِي أَخَوَاتٍ لِأَبٍ أَيْ لِغَيْرِ أُمٍّ أَصْلُهَا من اثْنَيْ عَشَرَ وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ لِلزَّوْجَاتِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْجَدَّتَيْنِ السُّدُسُ اثْنَانِ وَلِلْأَخَوَاتِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ أَرْبَعَةٌ وَلِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ لُقِّبَتْ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ ما فيها من الْأَرَامِلِ وَقِيلَ لِأَنَّ كُلَّ الْوَرَثَةِ إنَاثٌ وَتُلَقَّبُ أَيْضًا بِالسَّبْعَةِ عَشْرِيَّةَ نِسْبَةً إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ لِأَنَّهُ يُعَايَا بها فَيُقَالُ شَخْصٌ خَلَّفَ سَبْعَ عَشْرَةَ امْرَأَةً من أَصْنَافٍ مُخْتَلِفَةٍ وَتَرَكَ سَبْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا فَخَصَّ كُلَّ امْرَأَةٍ دِينَارٌ
وبالدينارية الصُّغْرَى لِذَلِكَ وَسَتَأْتِي الدِّينَارِيَّةُ الْكُبْرَى وَمِنْهَا أَيْ الْمُلَقَّبَاتِ مُرَبَّعَاتُ ابْنِ مَسْعُودٍ
____________________
(3/25)
وَهِيَ بِنْتٌ وَأُخْتٌ لِغَيْرِ أُمٍّ وَجَدٌّ فإنه قال لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي بين الْجَدِّ وَالْأُخْتِ نِصْفَيْنِ فَتَصِحُّ من أَرْبَعَةٍ وَقُلْنَا أَيُّهَا الْجُمْهُورُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَتَصِحُّ من سِتَّةٍ
وَمُرَبَّعَتُهُ الثَّانِيَةُ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَجَدٌّ قال لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي بين الْأُمِّ وَالْجَدِّ مُنَاصَفَةً فَتَصِحُّ من أَرْبَعَةٍ وَقُلْنَا لِلْأُمِّ بَعْدَ نِصْفِ الزَّوْجِ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي وهو السُّدُسُ لِلْجَدِّ فَرْضًا فَهِيَ من سِتَّةٍ
وَمُرَبَّعَتُهُ الثَّالِثَةُ زَوْجَةٌ وَأُمٌّ وَجَدٌّ وَأَخٌ لِغَيْرِ أُمٍّ قال الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا فَتَصِحُّ من أَرْبَعَةٍ وَقُلْنَا لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْجَدِّ وَالْأَخِ مُنَاصَفَةً وَتَصِحُّ من أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ
وَمُرَبَّعَتُهُ الرَّابِعَةُ زَوْجَةٌ وَأُخْتٌ لِغَيْرِ أُمٍّ وَجَدٌّ قال لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِلْجَدِّ
وَقُلْنَا لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ وَالْبَاقِي بين الْجَدِّ وَالْأُخْتِ أَثْلَاثًا فَتَصِحُّ على الْقَوْلَيْنِ من أَرْبَعَةٍ وَتُسَمَّى هذه الْأَخِيرَةُ مُرَبَّعَةَ الْجَمَاعَةِ لِصِحَّتِهَا عِنْدَهُمْ من أَرْبَعَةٍ كما تَقَرَّرَ وَلَهُمْ مُرَبَّعَاتٌ أُخَرُ بَيَّنْتُهَا في مَنْهَجِ الْوُصُولِ
وَذَكَرَ الْمُرَبَّعَةَ الثَّانِيَةَ مع التَّصْرِيحِ بِقَوْلِهِ وَقُلْنَا إلَى آخِرِهِ في كُلٍّ من الثَّلَاثِ الْأُخَرِ من زِيَادَتِهِ وَمِنْهَا الْمُثَمَّنَةُ وَهِيَ زَوْجَةٌ وَأُمٌّ وَأُخْتَانِ لِأَبَوَيْنِ أو لِأَبٍ وَأُخْتَانِ لِأُمٍّ وَوَلَدٌ لَا يَرِثُ لِمَانِعٍ كَرِقٍّ أَصْلُهَا من اثْنَيْ عَشَرَ وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ اثْنَانِ وَلِلْأُخْتَيْنِ لِغَيْرِ الْأُمِّ الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ وَلِلْأُخْتَيْنِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ أَرْبَعَةٌ وَلُقِّبَتْ بِذَلِكَ لِمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَفِيهَا ثَمَانِيَةُ مَذَاهِبَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وهو ما ذَكَرَهُ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْفَاضِلُ عن الزَّوْجَةِ وَالْأُمِّ وَوَلَدَيْهَا لِلشَّقِيقَتَيْنِ فَتَصِحُّ من أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَعَنْهُ قَوْلٌ آخَرُ الْفَاضِلُ عن الزَّوْجَةِ وَالْأُمِّ بين الْأَخَوَاتِ أَثْلَاثًا فَتَصِحُّ من اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ وَقَوْلُ مُعَاذٍ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ بِنَاءً على أَنَّهُ لَا يَحْجُبُهَا بِالْأَخَوَاتِ فَتَعُولُ إلَى تِسْعَةَ عَشَرَ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ في رِوَايَةٍ يَسْقُطُ وَلَدُ الْأُمِّ وفي أُخْرَى تَسْقُطُ الشَّقِيقَتَانِ وفي أُخْرَى يَسْقُطُ الصِّنْفَانِ مَعًا وَالْبَاقِي لِلْعَصَبَةِ وفي أُخْرَى وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ عنه لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ بِنَاءً على أَنَّ من لَا يَرِثُ من الْأَوْلَادِ يَحْجُبُ الزَّوْجَةَ وَالْأُمَّ فَهِيَ من أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَتَعُولُ إلَى أَحَدٍ وَثَلَاثِينَ
وَلِهَذَا تُلَقَّبُ أَيْضًا بِالثَّلَاثِينِيَّةِ وَمِنْهَا تِسْعِينِيَّةُ زَيْدٍ وَهِيَ أُمٌّ وَجَدٌّ وَأُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ وَأَخَوَانِ وَأُخْتٌ لِأَبٍ أَصْلُهَا من ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِلْأُمِّ السُّدُسُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْجَدِّ ثُلُثُ الْبَاقِي خَمْسَةٌ وَلِلْأُخْتِ لِلْأَبَوَيْنِ النِّصْفُ تِسْعَةٌ وَسَهْمٌ لِأَوْلَادِ الْأَبِ يُقَسَّمُ على خَمْسَةٍ فَتَصِحُّ من تِسْعِينَ وَيُعَايَا بها فَيُقَالُ شَخْصٌ تَرَكَ ثَلَاثَةَ ذُكُورٍ وَثَلَاثَ إنَاثٍ وَتِسْعِينَ دِينَارًا وَأَخَذَتْ إحْدَى الْإِنَاثِ مِيرَاثَهَا دِينَارًا وَلَيْسَ ثَمَّ دَيْنٌ وَلَا وَصِيَّةٌ وَهِيَ الْأُخْتُ من الْأَبِ في هذه الصُّورَةِ
وَمِنْهَا النِّصْفِيَّةُ وَهِيَ زَوْجٌ وَأُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ أو لِأَبٍ لُقِّبَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ ليس في الْفَرَائِضِ شَخْصَانِ يَرِثَانِ نِصْفَيْ الْمَالِ فَرْضًا إلَّا هُمَا وَتُسَمَّى أَيْضًا بِالْيَتِيمَةِ لِأَنَّهَا لَا نَظِيرَ لها كَالدُّرَّةِ الْيَتِيمَةِ أَيْ التي لَا نَظِيرَ لها وَمِنْهَا الْعُمَرِيَّتَانِ وَهُمَا زَوْجٌ وَأَبَوَانِ أو زَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ لِلزَّوْجَيْنِ فَرْضُهُمَا وَالْبَاقِي لِلْأَبَوَيْنِ أَثْلَاثًا كما مَرَّ في الْبَابِ الْأَوَّلِ وَلُقِّبَتَا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمَا رُفِعَتَا إلَى عُمَرَ فَجَعَلَ لِلْأُمِّ ثُلُثَ ما يَبْقَى بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجَيْنِ وَيُلَقَّبَانِ أَيْضًا بِالْغَرَّاوَيْنِ وَبِالْغَرِيبَتَيْنِ وَيُعَايَا بِمَسْأَلَةِ الزَّوْجِ إذَا كان فيها أَخَوَانِ فَيُقَالُ أَخَوَانِ سَلِيمَانِ من مَوَانِعِ الْحَجْبِ لم يَحْجُبَا الْأُمَّ عن شَيْءٍ فإن ما تَرِثُهُ فيها لَا يَخْتَلِفُ بِوُجُودِهِمَا وَلَا عَدَمِهِمَا
وَكَذَا مَسْأَلَةُ الزَّوْجَةِ فَيُقَالُ امْرَأَةٌ وَرِثَتْ الرُّبْعَ بِالْفَرْضِ بِغَيْرِ عَوْلٍ وَلَا رَدٍّ وَلَيْسَتْ زَوْجَةً يَعْنُونَ الْأُمَّ لِأَنَّهَا قد تَأْخُذُ الرُّبُعَ عَوْلًا وقد تَأْخُذُهُ رَدًّا وَمِنْهَا مُخْتَصَرَةُ زَيْدٍ وَهِيَ أُمٌّ وَجَدٌّ وَأُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ وَأَخٌ وَأُخْتٌ لِأَبٍ أَصْلُهَا من ثَمَانِيَةَ عَشَرَ إنْ اُعْتُبِرَتْ لِلْجَدِّ ثُلُثَ الْبَاقِي
لِلْأُمِّ السُّدُسُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْجَدِّ ثُلُثُ الْبَاقِي خَمْسَةٌ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ تِسْعَةٌ وَلِوَلَدَيْ الْأَبِ الْبَاقِي سَهْمٌ وَتَصِحُّ من أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ وَإِنْ اُعْتُبِرَتْ له الْمُقَاسَمَةُ فَأَصْلُهَا سِتَّةٌ وَتَصِحُّ من مِائَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَتَرْجِعُ بِالِاخْتِصَارِ إلَى أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ وقد بَسَطْتُ الْكَلَامَ عليها في غَيْرِ هذا الْكِتَابِ وَمِنْهَا مَسْأَلَةُ الِامْتِحَانِ وَهِيَ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ وَخَمْسُ جَدَّاتٍ وَسَبْعُ بَنَاتٍ وَتِسْعَةُ إخْوَةٍ لِأَبٍ أَيْ لِغَيْرِ الْأُمِّ وقد عَمَّهَا التَّبَايُنُ فَهِيَ صَمَّاءُ أَصْلُهَا من أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِلزَّوْجَاتِ الثُّمُنُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ أَرْبَعَةٌ وَلِلْبَنَاتِ الثُّلُثَانِ سِتَّةَ عَشَرَ وَلِلْإِخْوَةِ ما بَقِيَ وَجُزْءُ سَهْمِهَا أَلْفٌ وَمِائَتَانِ وَسِتُّونَ وَتَصِحُّ من ثَلَاثِينَ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَلُقِّبَتْ
____________________
(3/26)
بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُمْتَحَنُ بها فَيُقَالُ مَيِّتٌ خَلَّفَ وَرَثَةً عَدَدُ كل فَرِيقٍ أَقَلُّ من عَشَرَةٍ وَتَصِحُّ من أَكْثَرَ من ثَلَاثِينَ أَلْفًا
وَمِنْهَا الْغَرَّاءُ وَهِيَ زَوْجَةٌ وَأُخْتَانِ لِأَبٍ أَيْ لِغَيْرِ أُمٍّ وَأَخَوَانِ لِأُمٍّ أَصْلُهَا من سِتَّةٍ وَتَعُولُ إلَى تِسْعَةٍ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُخْتَيْنِ الثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْأَخَوَيْنِ الثُّلُثُ سَهْمَانِ لُقِّبَتْ بِذَلِكَ لِاشْتِهَارِهَا فإن الزَّوْجَ لم يَرْضَ بِالْعَوْلِ وَأَرَادَ أَخْذَ النِّصْفِ كَامِلًا فَأَنْكَرَ عليه الْعُلَمَاءُ وَاشْتُهِرَ أَمْرُهَا بَيْنَهُمْ وَقِيلَ لِأَنَّ الزَّوْجَ كان اسْمُهُ أَغَرَّ وَقِيلَ لِأَنَّ الْمَيِّتَةَ كان اسْمُهَا غَرَّاءَ وَتُلَقَّبُ أَيْضًا بِالْمَرْوَانِيَّةِ لِوُقُوعِهَا في زَمَنِ مَرْوَانَ بن الْحَكَمِ وَقِيلَ لِوُقُوعِهَا في زَمَنِ عبد الْمَلِكِ بن مَرْوَانَ لِوَاحِدٍ من بَنِي مَرْوَانَ أَرَادَ أَخْذَ النِّصْفِ بِلَا عَوْلٍ فَأَنْكَرَ الْعُلَمَاءُ عليه وَمِنْهَا الْمَرْوَانِيَّةُ الْأُخْرَى وَهِيَ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ وَأُخْتَانِ لِأَبَوَيْنِ أو لِأَبٍ وَأُخْتَانِ لِأُمٍّ أَصْلُهَا من اثْنَيْ عَشَرَ وَتَعُولُ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ لِلزَّوْجَاتِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُخْتَيْنِ لِلْأَبَوَيْنِ الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ وَلِلْأُخْتَيْنِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ أَرْبَعَةٌ لُقِّبَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بن مَرْوَانَ لَمَّا سُئِلَ عن زَوْجَةٍ وَرِثَتْ من زَوْجِهَا دِينَارًا وَدِرْهَمًا وَالتَّرِكَةُ عِشْرُونَ دِينَارًا وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا فَصَوَّرَهَا بِذَلِكَ وقال لِلزَّوْجَاتِ خُمُسُ الْمَالِ لِلْعَوْلِ وهو أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَأَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ دِينَارٌ وَدِرْهَمٌ
ومنها مَسَائِلُ الْمُبَاهَلَةُ وَهِيَ مَسَائِلُ الْعَوْلِ قال ابن الْهَائِمِ كَذَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ وهو خِلَافُ الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كان صَحِيحًا مَعْنًى فَلِأَنَّ الْمَفْهُومَ من كَلَامِ الْفُرَّاضِ أنها اسْمٌ لِصُورَةٍ مَخْصُوصَةٍ فَكَثِيرًا ما يَقُولُونَ أَوَّلُ مَسْأَلَةٍ عَالَتْ في الْإِسْلَامِ الْمُبَاهَلَةُ وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتٌ لِغَيْرِ أُمٍّ فَلِكُلٍّ من الزَّوْجِ وَالْأُخْتِ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُمِّ اثْنَانِ وَأَظْهَرَ ابن عَبَّاسٍ خِلَافَهُ فيها بَعْدَ زَمَنِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما كما مَرَّ وَأَنْكَرَ الْعَوْلَ وَبَالِغَ في إنْكَارِهِ حتى قال لِزَيْدٍ وهو رَاكِبٌ انْزِلْ حتى نَتَبَاهَلَ أَيْ نَتَلَاعَنَ إنَّ الذي أَحْصَى رَمْلَ عَالِجٍ عَدَدًا لم يَجْعَلْ في الْمَالِ نِصْفًا وَنِصْفًا وَثُلُثًا أَبَدًا هَذَانِ النِّصْفَانِ ذَهَبَا بِالْمَالِ فَأَيْنَ مَوْضِعُ الثُّلُثِ وَلِذَلِكَ لُقِّبَتْ بِالْمُبَاهَلَةِ وَالْقَائِلُ بِالْعَوْلِ وَجَّهَهُ بِأَنَّ كُلًّا منهم يَأْخُذُ تَمَامَ فَرْضِهِ إذَا انْفَرَدَ فإذا ضَاقَ اقْتَسَمُوا بِقَدْرِ الْحُقُوقِ كَأَرْبَابِ الدُّيُونِ وَالْوَصَايَا وَبِإِطْلَاقِ الْآيَاتِ فَإِنَّهَا تَقْضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين الِازْدِحَامِ وَغَيْرِهِ وَتَخْصِيصُ بَعْضِهِمْ بِالنَّقْصِ تَحَكُّمٌ وَمِنْهَا النَّاقِضَةُ وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأَخَوَانِ لِأُمٍّ أَصْلُهَا من سِتَّةٍ لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُمِّ وَاحِدٌ وَلِلْأَخَوَيْنِ اثْنَانِ لُقِّبَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَنْقُضُ أَحَدَ أَصْلَيْ ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَنَّهُ إنْ أَعْطَاهَا الثُّلُثَ لَزِمَ الْعَوْلُ أو السُّدُسَ لَزِمَ الْحَجْبُ بِأَخَوَيْنِ وهو يَمْنَعُ الْحُكْمَيْنِ فَالتَّمْثِيلُ بها إنَّمَا هو على أَحَدِ أَصْلَيْهِ وَأَمَّا على مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ من أَنَّ الْأُمَّ تُحْجَبُ بِاثْنَيْنِ فَلَا عَوْلَ وَلَا نَقْضَ
وَمِنْهَا الدِّينَارِيَّةُ الْكُبْرَى وَهِيَ زَوْجَةٌ وَأُمٌّ وَابْنَتَانِ وَاثْنَا عَشَرَ أَخًا وَأُخْتٌ كلهم من أَبٍ وَأُمٍّ أَصْلُهَا من أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلِابْنَتَيْنِ الثُّلُثَانِ وَلِلْإِخْوَةِ وَالْأُخْتِ ما بَقِيَ وهو سَهْمٌ وَتَصِحُّ من سِتِّمِائَةٍ لِلْأُخْتِ منها وَاحِدٌ وَلِلْإِخْوَةِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ لِكُلِّ أَخٍ سَهْمَانِ وَلِلْبِنْتَيْنِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَلِلْأُمِّ مِائَةٌ وَلِلزَّوْجَةِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ وَلُقِّبَتْ بِذَلِكَ وَبِالرِّكَابِيَّةِ وَبِالشَّاكِيَةِ لِأَنَّ شُرَيْحًا قَضَى فيها بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَكَانَتْ التَّرِكَةُ سِتَّمِائَةِ دِينَارٍ فلم تَرْضَ بِهِ الْأُخْتُ وَمَضَتْ لِعَلِيٍّ تَشْتَكِي شُرَيْحًا فَوَجَدَتْهُ رَاكِبًا فَأَمْسَكَتْ رِكَابَهُ وَقَالَتْ له إنَّ أَخِي تَرَكَ سِتَّمِائَةِ دِينَارٍ فَأَعْطَانِي منها شُرَيْحٌ دِينَارًا وَاحِدًا فقال عَلِيٌّ لَعَلَّ أَخَاكِ تَرَكَ زَوْجَةً وَأُمًّا وَابْنَتَيْنِ وَاثْنَيْ عَشَرَ أَخًا وَأَنْتِ قالت نعم فقال ذلك حَقُّكِ ولم يَظْلِمْكِ شُرَيْحٌ شيئا
وَتُلَقَّبُ أَيْضًا بِالْعَامِرِيَّةِ لِأَنَّ الْأُخْتَ سَأَلَتْ أَيْضًا عَامِرًا الشَّعْبِيَّ عنها فَأَجَابَ بِذَلِكَ وَلَهُ مُلَقَّبَاتٌ أُخَرُ نَبَّهْتُ على بَعْضِهَا في مَنْهَجِ الْوُصُولِ منها الْمَأْمُونِيَّةُ وقد ذَكَرَهَا الْأَصْلُ وَهِيَ أَبَوَانِ وَبِنْتَانِ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا عَمَّنْ فيها قبل الْقِسْمَةِ وَلُقِّبَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمَأْمُونَ سَأَلَ عنها يحيى بن أَكْثَمَ حين أَرَادَ أَنْ يُوَلِّيَهُ الْقَضَاءَ فقال الْمَيِّتُ الْأَوَّلُ رَجُلٌ أو امْرَأَةٌ فقال الْمَأْمُونُ إذْ عَرَفْتَ الْفَرْقَ عَرَفْتَ الْجَوَابَ لِأَنَّهُ إنْ كان رَجُلًا فَالْأَبُ وَارِثٌ في الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ أبو أُمٍّ وَذَكَرَ الْإِمَامُ في نِهَايَتِهِ من الْمُلَقَّبَاتِ بِضْعَ عَشْرَةَ ثُمَّ قال وقد أَكْثَرَ الْفَرْضِيُّونَ من الْمُلَقَّبَاتِ وَلَا نِهَايَةَ لها وَلَا حَسْمَ لِأَبْوَابِهَا يَعْنِي من الْمَشْهُورِ وَغَيْرِهَا
فَصْلٌ في الْمُعَايَاةِ هِيَ أَنْ تَأْتِيَ بِشَيْءٍ لَا يُهْتَدَى له
قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ
الْمُعَايَاةُ كَأَنْ قالت حُبْلَى لِقَوْمٍ يَقْتَسِمُونَ تَرِكَةً لَا تَعْجَلُوا فَإِنِّي حُبْلَى إنْ وَلَدْتُ ذَكَرًا وَلَوْ مع أُنْثَى وَرِثَ دُونَهَا أو أُنْثَى فَلَا تَرِثُ
____________________
(3/27)
فَهِيَ كُلُّ زَوْجَةِ عَصَبَةٍ كَأَخٍ وَعَمٍّ غير الْأَبِ وَالِابْنِ إذْ وَلَدُ زَوْجَةِ الْأَبِ أَخٌ أو أُخْتٌ وَوَلَدُ زَوْجَةِ الِابْنِ ابن ابْنٍ أو بِنْتُ ابْنٍ وَعَلَى كل تَقْدِيرٍ يَرِثُ ما لم يَكُنْ حَاجِبٌ وَإِنْ قالت إنْ وَلَدْتُ ذَكَرًا أو ذَكَرًا وَأُنْثَى وَرِثَ كُلٌّ مِنْهُمَا لَا إنْ وَلَدَتْ أُنْثَى فَقَطْ فَلَا تَرِثُ فَهِيَ زَوْجَةُ أَبٍ وَهُنَاكَ من الْوَرَثَةِ أُخْتَانِ لِأَبَوَيْنِ أو زَوْجَةُ ابْنٍ وَهُنَاكَ بِنْتَا صُلْبٍ لِسُقُوطِ فَرْضِ الْأُنْثَى بِاسْتِغْرَاقِ الْأُخْتَيْنِ في الْأُولَى وَالْبِنْتَيْنِ في الثَّانِيَةِ الثُّلُثَيْنِ وَإِنْ قالت إنْ وَلَدْتُ ذَكَرًا وَلَوْ مع أُنْثَى لم يَرِثْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أو أُنْثَى وَرِثَتْ فَهِيَ زَوْجَةٌ ابْنٍ وَهُنَاكَ زَوْجٌ وَأَبَوَانِ وَبِنْتٌ أو زَوْجَةُ أَبٍ وَهُنَاكَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتَانِ لِأُمٍّ لِأَنَّ الْأُنْثَى فِيهِمَا لها فَرْضٌ فَيُعَالُ لها بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَيَسْقُطُ بِالِاسْتِغْرَاقِ وَإِنْ قالت إنْ وَلَدْتُ ذَكَرًا أو أُنْثَى لم يَرِثْ وَإِنْ وَلَدْتُهُمَا وَرِثَا فَهِيَ زَوْجَةُ أَبٍ مع أُمٍّ وَأُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ وَجَدٍّ إذْ مَعَهُمَا يَفْضُلُ بَعْدَ أَخْذِ الْأُخْتِ فَرْضَهَا شَيْءٌ فَيَكُونُ معه بِخِلَافِهِ مع أَحَدِهِمَا وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَدَلَ مع وَهُنَاكَ نَوْعٌ آخَرُ قالت إنْ وَلَدْتُ ذَكَرًا وَرِثَ وَوَرِثْتُ أو أُنْثَى لم تَرِثْ ولم أَرِثْ فَهِيَ بِنْتُ ابْنِ الْمَيِّتِ وَزَوْجَةُ ابْنِ ابْنِهِ الْآخَرِ وَهُنَاكَ بِنْتَا صُلْبٍ لِأَنَّهَا إنْ وَلَدَتْ ذَكَرًا فَهُنَاكَ بِنْتَانِ وَبِنْتُ ابْنٍ وابن ابْنِ ابْنٍ فَالْبَاقِي بَعْدَ الثُّلُثَيْنِ بين الْقَائِلَةِ وَابْنِهَا أَثْلَاثًا وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى فَلَا شَيْءَ لَهُمَا لِاسْتِغْرَاقِ الثُّلُثَيْنِ مع عَدَمِ الْمُعَصَّبِ أو قالت إنْ وَلَدْتُ ذَكَرًا وَلَوْ مع أُنْثَى لم يَرِثْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ولم أَرِثْ أو أُنْثَى وَرِثَتَا فَهِيَ بِنْتُ ابْنِ ابْنِ الْمَيِّتَةِ وَزَوْجَةُ ابْنِ ابْنٍ آخَرَ وَهُنَاكَ زَوْجٌ وَأَبَوَانِ وَبِنْتُ ابْنٍ لِأَنَّهَا إنْ وَلَدَتْ أُنْثَى فُرِضَ لها بِخِلَافِ ما إذَا وَلَدَتْ ذَكَرًا وَإِنْ قالت إنْ وَلَدْتُ ذَكَرًا فَلِيَ الثُّمُنُ وَالْبَاقِي له أو أُنْثَى فَالْمَالُ بَيْنَنَا سَوَاءٌ أو مَيِّتًا فَلِيَ الْكُلُّ فَهِيَ امْرَأَةٌ تَزَوَّجَتْ عَتِيقَهَا فَأَحْبَلَهَا وَمَاتَ وَإِنْ قالت إنْ وَلَدْتُ ذَكَرًا وَرِثَ ولم أَرِثْ أو أُنْثَى وَرِثْتُ دُونَهَا فَهِيَ امْرَأَةٌ أَعْتَقَتْ عَبْدًا أو أَمَةً ثُمَّ نَكَحَتْ أَخَا الْعَتِيقِ فَأَحْبَلَهَا وَمَاتَ بَعْدَ مَوْتِهِ الْعَتِيقُ
نَوْعٌ آخَرُ قال رَجُلٌ إنْ كانت امْرَأَتِي الْغَائِبَةُ حَيَّةً وَرِثَتْ دُونِي أو مَيِّتَةً وَرِثْتُ أنا فَهُوَ أَخُو الْمَيِّتِ لِأَبِيهِ وَهِيَ أُخْتُهُ لِأُمِّهِ وَهُنَاكَ أُمٌّ وَأُخْتَانِ لِأَبَوَيْنِ لِأَنَّهَا إنْ كانت حَيَّةً وَرِثَتْ السُّدُسَ الْبَاقِيَ وَلَا شَيْءَ له لِحَجْبِهِ بِالِاسْتِغْرَاقِ أو مَيِّتَةً وَرِثَتْ الْبَاقِيَ بِالتَّعْصِيبِ وَيَصِحُّ الْجَوَابُ أَيْضًا بِامْرَأَةٍ خَلَّفَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَأَخًا لِأَبٍ قد نَكَحَ إحْدَاهُمَا وَهِيَ الْغَائِبَةُ وَإِنْ قال إنْ كانت أَيْ الْغَائِبَةُ حَيَّةً وَرِثْتُ دُونَهَا أو مَيِّتَةً فَلَا شَيْءَ لنا فَهَذَا أَخُو امْرَأَةٍ لِأَبِيهَا مَاتَتْ وقد نَكَحَ أُخْتَهَا من أُمِّهَا وَهِيَ الْغَائِبَةُ وَبَاقِي الْوَرَثَةِ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَجَدٌّ لِأَنَّهَا إنْ كانت حَيَّةً فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَالْبَاقِي بين الْجَدِّ وَالْأَخِ أو مَيِّتَةً فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ وَلَا شَيْءَ لِلْأَخِ وَإِنْ قال إنْ كانت حَيَّةً وَرِثْنَا أو مَيِّتَةً لم أَرِثْ فَهُوَ ابن عَمِّ الْمَيِّتَةِ وَزَوْجُ بِنْتِهَا الْغَائِبَةِ وَهُنَاكَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأَخٌ لِأُمٍّ
نَوْعٌ آخَرُ امْرَأَةٌ وَزَوْجُهَا أَخَذَا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمَالِ وَأُخْرَى وَزَوْجُهَا أَخَذَا الرُّبُعَ صُورَتُهُ أُخْتٌ لِأَبٍ وَأُخْرَى لِأُمٍّ وَابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ هو زَوْجُ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْآخَرُ زَوْجُ الْأُخْتِ لِلْأُمِّ فَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ النِّصْفُ وَلِلْأَخِ وَالْأُخْتِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي بين ابْنَيْ الْعَمِّ بِالسَّوِيَّةِ
زَوْجَانِ أَخَذَا ثُلُثَيْ الْمَالِ وَآخَرَانِ أَخَذَا ثُلُثَهُ صُورَتُهُ أَبَوَانِ وَبِنْتُ ابْنٍ في نِكَاحِ ابْنِ ابْنِ ابْنٍ آخَرَ لو حَذَفَ لَفْظَةَ ابْنٍ الْأَخِيرَةَ صَحَّ أَيْضًا
رَجُلٌ وَبِنْتُهُ وَرِثَا مَالًا نِصْفَيْنِ صُورَتُهُ امْرَأَةٌ مَاتَتْ عن زَوْجٍ هو ابن عَمٍّ أو مُعْتَقٌ وعن بِنْتٍ منه رَجُلٌ وَابْنُهُ وَرِثَا مَالًا نِصْفَيْنِ صُورَتُهُ رَجُلٌ زَوَّجَ ابْنَهُ لِبِنْتِ أَخِيهِ وَمَاتَتْ
رَجُلٌ وَزَوْجَتَاهُ وَرِثُوا الْمَالَ أَثْلَاثًا صُورَتُهُ بِنْتَا ابْنَيْنِ في نِكَاحِ ابْنِ أَخٍ أو ابْنِ ابْنِ ابْنٍ آخَرَ زَوْجَةٌ وَسَبْعَةُ إخْوَةٍ لها وَرِثُوا مَالًا بِالسَّوِيَّةِ صُورَتُهُ نَكَحَ ابن رَجُلٍ أُمَّ امْرَأَتِهِ فَأَوْلَدَهَا سَبْعَةً وَمَاتَ الرَّجُلُ بَعْدَ مَوْتِ الِابْنِ فَلِزَوْجَتِهِ الثُّمُنُ وَلِبَنِي ابْنِهِ السَّبْعَةِ الْبَاقِي أَخَوَانِ لِأَبَوَيْنِ وَرِثَ أَحَدُهُمَا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمَالِ وَالْآخَرُ رُبْعَهُ صُورَتُهُ ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا زَوْجٌ
نَوْعٌ آخَرُ امْرَأَةٌ وَرِثَتْ أَرْبَعَةَ أَزْوَاجٍ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَحَصَلَ لها نِصْفُ أَمْوَالِهِمْ هُمْ أَرْبَعَةُ إخْوَةٍ لِأَبٍ كان لهم ثَمَانِيَةَ عَشَرَ دِينَارًا لِلْأَوَّلِ ثَمَانِيَةٌ وَلِلثَّانِي سِتَّةٌ وَلِلثَّالِثِ ثَلَاثَةٌ وَلِلرَّابِعِ دِينَارٌ فَنَصِيبُهَا من الْأَوَّلِ دِينَارَانِ وَمِنْ الثَّانِي كَذَلِكَ لِأَنَّ له سِتَّةً وَأَصَابَهُ من الْأَوَّلِ دِينَارَانِ وَمِنْ الثَّالِثِ كَذَلِكَ لِأَنَّ له ثَلَاثَةً وَأَصَابَهُ من الْأَوَّلِ دِينَارَانِ وَمِنْ الثَّانِي ثَلَاثَةٌ وَمِنْ الرَّابِعِ ثَلَاثَةٌ لِأَنَّ له دِينَارًا وَأَصَابَهُ من الْأَوَّلِ دِينَارَانِ وَمِنْ
____________________
(3/28)
الثَّانِي ثَلَاثَةٌ وَمِنْ الثَّالِثِ سِتَّةٌ فَيَجْتَمِعُ لها تِسْعَةٌ وَهَذَا النَّوْعُ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ مع نَوْعٍ آخَرَ وَفَصْلٍ يَشْتَمِلُ على الْقَرَابَاتِ الْمُشْتَبِهَةِ منها رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا عَمُّ الْآخَرِ هُمَا رَجُلَانِ نَكَحَ كُلٌّ مِنْهُمَا أُمَّ الْآخَرِ فَوُلِدَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ابْنٌ فَكُلٌّ ابن عَمِّ الْآخَرِ لِأُمِّهِ وَمِنْهَا رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا خَالُ الْآخَرِ هُمَا رَجُلَانِ نَكَحَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنْتَ الْآخَرِ فَوُلِدَ لَهُمَا ابْنَانِ فَكُلُّ ابْنٍ خَالُ الْآخَرِ وَمِنْهَا رَجُلٌ وهو ابن عَمٍّ ابْنِ أَخِي عَمِّ أبيه فَهَذَا ابن عَمِّ أبي الْمَيِّتِ لِأَنَّ ابْنَ أَخِي عَمِّ الْأَبِ هو الْأَبُ فَابْنُ عَمِّهِ هو ابن عَمِّ الْأَبِ كِتَابُ الْوَصَايَا جَمْعُ وَصِيَّةٍ بِمَعْنَى إيصَاءٍ يُقَالُ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِكَذَا وَوَصَّيْت له وَأَوْصَى إلَيْهِ إذَا جَعَلَهُ وَصِيًّا وَهِيَ لُغَةً الْإِيصَالُ من وَصَّى الشَّيْءَ بِكَذَا وَصَلَهُ بِهِ لِأَنَّ الْمُوصِيَ وَصَلَ خَيْرَ دُنْيَاهُ بِخَيْرِ عُقْبَاهُ وَشَرْعًا تَبَرُّعٌ بِحَقٍّ مُضَافٍ وَلَوْ تَقْدِيرًا لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ليس بِتَدْبِيرٍ وَلَا تَعْلِيقِ عِتْقٍ وَإِنْ الْتَحَقَا بها حُكْمًا كَالتَّبَرُّعِ الْمُنْجَزِ في مَرَضِ الْمَوْتِ أو الْمُلْتَحِقَ بِهِ وَالْأَصْلُ فيها قبل الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى من بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بها أو دَيْنٍ وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ما حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ له شَيْءٌ يُوصِي فيه يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ أَيْ ما الْجَزْمُ أو ما الْمَعْرُوفُ من الْأَخْلَاقِ إلَّا هذا فَقَدْ يُفَاجِئُهُ الْمَوْتُ وَكَخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ الْمَحْرُومُ من حُرِمَ الْوَصِيَّةَ من مَاتَ على وَصِيَّةٍ مَاتَ على سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ وَتُقًى وَشَهَادَةٍ وَمَاتَ مَغْفُورًا له وَكَانَتْ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ وَاجِبَةً لِلْأَقَارِبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ الْآيَةُ ثُمَّ نُسِخَ وُجُوبُهَا بِآيَاتِ الْمَوَارِيثِ وَبَقِيَ اسْتِحْبَابُهَا في الثُّلُثِ فَأَقَلَّ لِغَيْرِ الْوَارِثِ لِخَبَرِ سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ الْآتِي الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةٌ على من عليه حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى كَزَكَاةٍ وَحَجٍّ أو حَقٌّ لِآدَمِيَّيْنِ كَوَدِيعَةٍ وَمَغْصُوبٍ بِلَا شُهُودٍ بِالْحَقِّ في هذا وما قَبْلَهُ بِخِلَافِ ما إذَا كان بِهِ شُهُودٌ فَلَا تَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِهِ قال الْأَذْرَعِيُّ إذَا لم يُخْشَ منهم كِتْمَانُهُ كَالْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لهم قال الْإِسْنَوِيُّ وَمُقْتَضَى ذلك أَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ لَا يَكْفِي لَكِنَّ الْقِيَاسَ تَخْرِيجُهُ على تَوْكِيلِهِ في قَضَاءِ دَيْنِهِ فَقَضَاءُ الْوَكِيلِ بِحَضْرَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ فَيُكْتَفَى فيه بِذَلِكَ أَيْ وَإِنْ كان حَقًّا مَالِيًّا وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْحَقِّ في جَانِبِ الْآدَمِيِّينَ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ فيه بِالدَّيْنِ
وَهِيَ بِالتَّطَوُّعِ أَيْ بِمَا يُتَطَوَّعُ بِهِ مُسْتَحَبَّةٌ وَلَوْ قَلَّ الْمَالُ وَكَثُرَ الْعِيَالُ قال الْإِسْنَوِيُّ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ ما يُعَارِضُهُ في الْكَلَامِ على تَشْطِيرِ الصَّدَاقِ فقال وَالتَّدْبِيرُ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ دُونَ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ في أَظْهَرِ الْأَوْجُهِ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ ليس عَقْدَ قُرْبَةٍ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ قال وَمُرَادُهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَكُونُ إلَّا قُرْبَةً وَالْإِيصَاءُ قد يَكُونُ قُرْبَةً كما في مِثَالِنَا وقد لَا يَكُونُ كَالْإِيصَاءِ لِلْأَغْنِيَاءِ وَصَدَقَتُهُ صَحِيحًا ثُمَّ حَيًّا أَفْضَلُ من صَدَقَتِهِ مَرِيضًا وَبَعْدَ الْمَوْتِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ تَأْمُلُ الْغِنَى وَتَخْشَى الْفَقْرَ وَلَا تُمْهِلُ حتى إذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْت لِفُلَانٍ كَذَا وَأَفَادَ بِثُمَّ أَنَّ صَدَقَةَ الصَّحِيحِ أَفْضَلُ من صَدَقَةِ الْمَرِيضِ
فَالْوَصِيَّةُ لِلْأَقْرَبِ غَيْرِ الْوَارِثِ فَالْأَقْرَبُ ثُمَّ ذِي رَضَاعٍ ثُمَّ صِهْرٍ ثُمَّ ذِي وَلَاءٍ ثُمَّ ذِي جِوَارٍ أَفْضَلُ منها لِغَيْرِهِ كما في الصَّدَقَةِ الْمُنْجَزَةِ وَتَقَدَّمَ فيها أَنَّ الْقَرِيبَ الْبَعِيدَ يُقَدَّمُ على الْجَارِ الْأَجْنَبِيِّ وَأَنَّ أَهْلَ الْخَيْرِ وَالْمُحْتَاجِينَ مِمَّنْ ذُكِرَ أَوْلَى من غَيْرِهِمْ فَيَنْبَغِي مَجِيئُهُمَا هُنَا كما أَشَارَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ في الْأَوَّلِ أَمَّا الْوَارِثُ فَلَا تُسْتَحَبُّ الْوَصِيَّةُ له وَصَرَّحَ الْأَصْلُ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْمَحَارِمِ أَفْضَلُ من غَيْرِهِمْ ولم يُصَرِّحْ بِتَقْدِيمِ الْأَقْرَبِ وَعِبَارَتُهُ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُوصِيَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُقَدِّمَ من لَا يَرِثُ من قَرَابَتِهِ وَيُقَدِّمَ منهم الْمَحَارِمَ ثُمَّ غير الْمَحَارِمِ ثُمَّ يُقَدِّمَ بِالرَّضَاعِ إلَى آخِرِهِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ في أَرْكَانِهَا وَهِيَ أَرْبَعَةٌ مُوصٍ وَمُوصًى له وَمُوصًى بِهِ وَصِيغَةٌ الْأَوَّلُ الْمُوصِي وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالِاخْتِيَارُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبَرُّعٌ فَتَصِحُّ من سَفِيهٍ وَلَوْ مَحْجُورًا عليه لِصِحَّةِ عِبَارَتِهِ لَا من غَيْرِ مُكَلَّفٍ إلَّا السَّكْرَانَ وَلَا من مُكْرَهٍ وعبد مُكَاتَبٍ لم يَأْذَنْ له سَيِّدُهُ وَلَوْ مَاتَ حُرًّا لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ بُطْلَانُ وَصِيَّةِ الْمُبَعَّضِ وَقِيَاسُ كَوْنِهِ يُورَثُ
____________________
(3/29)
الصِّحَّةُ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ انْتَهَى
وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ في غَيْرِ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَسْتَعْقِبُ الْوَلَاءَ وَالْمُبَعَّضُ ليس من أَهْلِهِ
وَتَصِحُّ من الْكَافِرِ وَلَوْ حَرْبِيًّا كما صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ كَالْمُسْلِمِ فَيُوصِي بِمَا يُتَمَوَّلُ أو يُقْتَنَى لَا بِخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَنَحْوِهِمَا سَوَاءٌ أَوْصَى لِمُسْلِمٍ أو لِذِمِّيٍّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِ يَعْنِي النَّوَوِيَّ في الرَّوْضَةِ صِحَّةُ وَصِيَّةِ الْمُرْتَدِّ وَإِنْ مَاتَ أو قُتِلَ كَافِرًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِنَاءً على أَنَّ مِلْكَهُ مَوْقُوفٌ أو زَائِلٌ قلت بَلْ هو كَذَلِكَ على قَوْلِ الْوَقْفِ كما ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ كَغَيْرِهِ في بَابِ الرِّدَّةِ
الرُّكْنُ الثَّانِي الْمُوصَى له فَلَا تَصِحُّ في مَعْصِيَةٍ كَذِمِّيٍّ أَوْصَى بِبِنَاءِ كَنِيسَةٍ يُتَعَبَّدُ فيها أو إسْرَاجِهَا تَعْظِيمًا لها أو بِكِتَابَةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَقِرَاءَتِهِمَا وَنَحْوِهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ من شَرْعِ الْوَصِيَّةِ تَدَارُكُ ما فَاتَ في حَالِ الْحَيَاةِ من الْإِحْسَانِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ من جِهَةِ مَعْصِيَةٍ وَإِنَّمَا تَكُونُ من جِهَةِ قُرْبَةٍ كَالْفُقَرَاءِ أو مُبَاحٍ لَا يَظْهَرُ فيه قُرْبَةٌ كَالْأَغْنِيَاءِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ تَعْظِيمًا ما لو قَصَدَ بِإِسْرَاجِهَا انْتِفَاعَ الْمُقِيمِينَ أو الْمُجْتَازِينَ بِالضَّوْءِ فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ كما لو أَوْصَى بِشَيْءٍ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ وَتَصِحُّ من مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ بِعِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ لِمَا فيها من إقَامَةِ الشَّعَائِرِ وَقُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ لِمَا فيها من إحْيَاءِ الزِّيَارَةِ وَالتَّبَرُّكِ بها
قال صَاحِبُ الذَّخَائِر وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنْ يُبْنَى على قُبُورِهِمْ الْقِبَابُ وَالْقَنَاطِرُ كما يُفْعَلُ في الْمَشَاهِدِ إذَا كان في الدَّفْنِ في مَوَاضِعَ مَمْلُوكَةٍ لهم أو لِمَنْ دَفَنَهُمْ فيها لَا بِنَاءُ الْقُبُورِ نَفْسِهَا لِلنَّهْيِ عنه وَلَا فِعْلُهُ في الْمَقَابِرِ الْمُسَبَّلَةِ فإن فيه تَضْيِيقًا على الْمُسْلِمِينَ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْمُتَّجَهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِعِمَارَتِهَا رَدُّ التُّرَابِ فيها وَمُلَازَمَتُهَا خَوْفًا من الْوَحْشِ وَالْقِرَاءَةُ عِنْدَهَا وَإِعْلَامُ الزَّائِرِينَ بها كَيْ لَا تَنْدَرِسَ انْتَهَى
وَالْأَوَّلُ هو الْمُتَبَادَرُ وتصح لِفَكِّ الْكُفَّارِ من أَسْرِنَا لِأَنَّ الْمُفَادَاةَ جَائِزَةٌ وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ جَائِزَةٌ لِأَهْلِ الْحَرْبِ وَالْأُسَارَى أَوْلَى وتصح بِبِنَاءِ رِبَاطٍ أو دَارٍ يَسْكُنُهَا أو يَسْتَغِلُّهَا الذِّمِّيُّونَ لِأَنَّ صَرْفَ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ إلَيْهِمْ جَائِزَةٌ وكان الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ يَسْكُنُهُ أو يَسْتَغِلُّهُ
فَصْلٌ وَتَصِحُّ لِمُعَيَّنٍ يُتَصَوَّرُ له الْمِلْكُ وَقْتَ مَوْتِ الْمُوصِي لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ كَالْحَمْلِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْفَصِلَ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً كما يَرِثُ بَلْ أَوْلَى لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ لَا يَرِثُ كَالْمُكَاتَبِ لَا إنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا وَإِنْ كان بِجِنَايَةٍ وَأَوْجَبْنَا الْغُرَّةَ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ كما لَا يَرِثُ ويشترط أَنْ يُعْلَمَ وُجُودُهُ حَالَ الْوَصِيَّةِ بِانْفِصَالِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ منها وَكَذَا لِدُونِ أَرْبَعِ سِنِينَ إذَا لم تَكُنْ فِرَاشًا لِزَوْجٍ أو سَيِّدٍ أو كانت فِرَاشًا له دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُجُودُهُ عِنْدَهَا لِنُدْرَةِ وَطْءِ الشُّبْهَةِ وفي تَقْدِيرِ الزِّنَا إسَاءَةُ ظَنٍّ نعم لو لم تَكُنْ فِرَاشًا قَطُّ لم يَسْتَحِقَّ شيئا قَالَهُ السُّبْكِيُّ تَفَقُّهًا وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ عن الْأُسْتَاذِ أبي مَنْصُورٍ فَإِنْ انْفَصَلَ لِأَرْبَعِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ أو لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ وَكَانَتْ فِرَاشًا لِمَنْ ذَكَرَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ لم تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ له لِعَدَمِ وُجُودِهِ عِنْدَهَا في الْأُولَى وَاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدَهَا في الثَّانِيَةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ عِنْدَهَا وَاعْلَمْ أَنَّ ما ذَكَرَهُ من إلْحَاقِ الْأَرْبَعِ سِنِينَ بِمَا فَوْقَهَا خِلَافُ ما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَغَيْرُهُ من إلْحَاقِهَا بِمَا دُونَهَا وَإِنَّ ما ذَكَرَهُ من إلْحَاقِ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ بِمَا فَوْقَهَا هو ما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَغَيْرُهُ لَكِنْ صَوَّبَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ إلْحَاقَهَا بِمَا دُونَهَا إذْ لَا بُدَّ من تَقْدِيرِ زَمَنٍ يَسَعُ لَحْظَتَيْ الْوَطْءِ وَالْوَضْعِ كما ذَكَرُوهُ في الْعِدَدِ فَإِنْ أَوْصَى لِلْحَمْلِ أَيْ لِحَمْلِ فُلَانَةَ من زَيْدٍ اُشْتُرِطَ أَيْضًا لُحُوقُهُ بِهِ وَعَدَمُ نَفْيِهِ عنه فَإِنْ لم يَلْتَحِقْ بِهِ بِأَنْ كانت الْوَصِيَّةُ بَعْدَ زَوَالِ الْفِرَاشِ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ من أَرْبَعِ سِنِينَ من وَقْتِ الْفِرَاقِ وَلِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من وَقْتِ الْوَصِيَّةِ أو أَمْكَنَ لُحُوقُهُ بِهِ فَنَفَاهُ بِاللِّعَانِ لم تَصِحَّ لِعَدَمِ ثُبُوتِ النَّسَبِ بِخِلَافِ ما لو اقْتَصَرَ على
____________________
(3/30)
الْوَصِيَّةِ لِحَمْلِ فُلَانَةَ فَإِنْ أَتَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من الْوَصِيَّةِ بِوَلَدٍ ثُمَّ بَعْدَهُ لِدُونِهَا من الْوِلَادَةِ بِآخَرَ اسْتَحَقَّا هَا وَإِنْ زَادَ ما بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّانِي على سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالْمَرْأَةُ فِرَاشٌ لِأَنَّهُمَا حَمْلٌ وَاحِدٌ
فَرْعٌ يَقْبَلُ الْوَصِيَّةَ لِلْحَمْلِ وَلِيُّهُ وَلَوْ وَصِيًّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ حَيًّا لَا قَبْلَهُ فَلَوْ قَبِلَ قَبْلَهُ لم يَكْفِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي وُجُودَهُ حَالَةَ الْقَبُولِ كما لو أَوْصَى لِغَائِبٍ بِشَيْءٍ فَبَلَغَهُ فَقَبِلَ ولم يَدْرِ بِمَوْتِ الْمُوصِي وَقِيلَ يَكْفِي كَمَنْ بَاعَ مَالَ أبيه يَظُنُّ حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْلِ كما قال الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عليه وَصَحَّحَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ وَوَقَعَ لِبَعْضِهِمْ عَزْوُ تَصْحِيحِ الْأَوَّلِ إلَيْهِ وهو سَبْقُ قَلَمٍ وَفَارَقَ ما نَظَرَ بِهِ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ لَا مُسْتَنَدَ فيه بِخِلَافِ ما نَحْنُ فيه وَلَوْ أَوْصَى لِحَمْلٍ يَحْدُثُ لم تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ كان مَوْجُودًا حَالَةَ مَوْتِ الْمُوصِي لِمَا مَرَّ من أنها تَمْلِيكٌ وَتَمْلِيكُ الْمَعْدُومِ مُمْتَنِعٌ وَلِأَنَّهُ لَا مُتَعَلَّقَ لِلْعَقْدِ في الْحَالِ فَأَشْبَهَ الْوَقْفَ على مَسْجِدٍ سَيُبْنَى
فَصْلٌ الْوَصِيَّةُ لِعَبْدِ الْغَيْرِ وَصِيَّةٌ لِسَيِّدِهِ أَيْ تُحْمَلُ على ذلك لِتَصِحَّ لَكِنْ يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْعَبْدِ لها وَلَا يَكْفِي قَبُولُ السَّيِّدِ لِأَنَّ الْخِطَابَ لم يَكُنْ معه بَلْ مع الْعَبْدِ نعم إنْ لم يَكُنْ أَهْلًا لِلْقَبُولِ كَطِفْلٍ فَهَلْ يَقْبَلُ السَّيِّدُ كَوَلِيِّ الْحُرِّ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْمِلْكَ له بِكُلِّ حَالٍ أو يُوقَفُ الْحَالُ إلَى تَأَهُّلِهِ لِلْقَبُولِ قال الزَّرْكَشِيُّ فيه نَظَرٌ قلت وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ وَيَتَبَيَّنُ بِالْقَبُولِ من الْعَبْدِ الْمِلْكُ لِسَيِّدِهِ بِالْمَوْتِ وَلَوْ نَهَاهُ سَيِّدُهُ عن الْقَبُولِ كما لو نَهَاهُ عن الْخُلْعِ فَخَالَعَ ثُمَّ مَحَلُّ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِلْعَبْدِ إذَا لم يَقْصِدْ الْمُوصِي تَمْلِيكَهُ فَإِنْ قَصَدَهُ قال في الْمَطْلَبِ لم تَصِحَّ كَنَظِيرِهِ في الْوَقْفِ وَفَرَّقَ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ هُنَا مُنْتَظَرٌ فَقَدْ يُعْتَقُ قبل مَوْتِ الْمُوصِي فَيَكُونُ له أَوَلَا فَلِمَالِكِهِ بِخِلَافِهِ ثُمَّ فإنه نَاجِزٌ وَلَيْسَ الْعَبْدُ أَهْلًا لِلْمِلْكِ وَقَضِيَّةُ فَرْقِهِ أَنَّهُ لو قال وَقَفْتُ هذا على زَيْدٍ ثُمَّ على عبد فُلَانٍ وَقَصَدَ تَمْلِيكَهُ صَحَّ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ مُنْتَظَرٌ وَيُقَيَّدُ كَلَامُهُمْ بِالْوَقْفِ على الطَّبَقَةِ الْأُولَى وهو مُتَّجِهٌ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ في التَّابِعِ ما لَا يُغْتَفَرُ في الْمَتْبُوعِ فَإِنْ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ أو بَاعَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَبَعْدَ الْقَبُولِ فَالْمِلْكُ لِلسَّيِّدِ وَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ بِنَاءً على أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمَلُّكٌ بِالْمَوْتِ أو مَوْقُوفَةٌ أو أَعْتَقَهُ أو بَاعَهُ قبل الْمَوْتِ فَالْمِلْكُ بِالْقَبُولِ لِلْمُشْتَرِي في الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ له وَقْتَ الْمِلْكِ أو لِلْعَتِيقِ في الْأُولَى لِأَنَّهُ حُرٌّ وَقْتَ الْمِلْكِ فَلَوْ أَعْتَقَ بَعْضَهُ أو بَاعَهُ فَقِيَاسُ ما يَأْتِي فِيمَا لو أَوْصَى لِمُبَعَّضٍ وَلَا مُهَايَأَةَ من أَنَّ الْمِلْكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ أَنَّهُ هُنَا بَيْنَهُمَا أَيْضًا في الْأُولَى وَبَيْنَ سَيِّدِهِ وَالْمُشْتَرِي في الثَّانِيَةِ فَرْعٌ لو أَوْصَى أو وَهَبَ لِمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ لِأَجْنَبِيٍّ وَلَوْ وَارِثًا ولم تَكُنْ مُهَايَأَةً قَاسَمَهُ السَّيِّدُ كما لو احْتَشَّ أو احْتَطَبَ فَإِنْ كانت مُهَايَأَةً فَلِصَاحِبِ أَيْ فَمِلْكُ الْجَمِيعِ لِصَاحِبِ النَّوْبَةِ الْكَائِنَةِ يوم الْمَوْتِ في الْوَصِيَّةِ أو يوم الْقَبْضِ في الْهِبَةِ لَا يوم الْقَبُولِ وَلَا يوم الْوَصِيَّةِ أو الْهِبَةِ لِأَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا يَلْزَمُ بِيَوْمِ الْمَوْتِ في الْوَصِيَّةِ وَبِيَوْمِ الْقَبْضِ في الْهِبَةِ وَإِنْ لم يَثْبُتْ الْمِلْكُ في الْوَصِيَّةِ بِيَوْمِ الْمَوْتِ كما أَنَّ الِاعْتِبَارَ في اللُّقَطَةِ بِيَوْمِ الِالْتِقَاطِ لِكَوْنِهِ يَثْبُتُ بِهِ الْحَقُّ وَإِنْ لم يَثْبُتْ بِهِ الْمِلْكُ وَلَوْ خَصَّ بها أَيْ بِالْوَصِيَّةِ أو الْهِبَةِ نِصْفَهُ الْحُرَّ أو الرَّقِيقَ تَخَصَّصَ بها تَنْزِيلًا لِتَخْصِيصِهِ مَنْزِلَةَ الْمُهَايَأَةِ فَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ لِلسَّيِّدِ إنْ خَصَّ بها نِصْفَهُ الرَّقِيقَ وَلَهُ إنْ خَصَّ نِصْفَهُ الْحُرَّ وَذِكْرُ حُكْمِ الْهِبَةِ في هذه من زِيَادَتِهِ وَلَوْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ نُفِّذَتْ بِالْمُعْجَمَةِ الْوَصِيَّةُ في ثُلُثِ رَقَبَتِهِ لِأَنَّهُ من مَالِهِ وَعَتَقَ ذلك الثُّلُثُ وَبَاقِي الثُّلُثِ من سَائِرِ أَمْوَالِهِ وَصِيَّةٌ لِمَنْ بَعْضُهُ مِلْكٌ لِلْوَارِثِ وَبَعْضُهُ حُرٌّ وَلَوْ أَوْصَى له بِمَالٍ ثُمَّ أَعْتَقَهُ فَهُوَ له أو بَاعَهُ فَلِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا بِأَنْ مَاتَ وهو في مِلْكِهِ فَوَصِيَّةٌ لِلْوَارِثِ وَسَيَأْتِي حُكْمُ ذلك
____________________
(3/31)
أَيْ ما ذُكِرَ من هذه وما قَبْلَهَا وَلَوْ أَوْصَى له بِالثُّلُثِ من مَالِهِ وَشَرَطَ تَقْدِيمَ عِتْقِهِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ تَقْدِيمُ رَقَبَتِهِ وَكُلُّ صَحِيحٍ فَازَ مع عِتْقِهِ بِبَاقِي الثُّلُثِ وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِأُمِّ وَلَدِهِ لِأَنَّهَا تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ فَتَصِيرُ أَهْلًا لِلْمِلْكِ وَقْتَهُ وَمُكَاتَبِهِ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِالْمِلْكِ وَمُدَبَّرِهِ كَالْقِنِّ فَإِنْ أُعْتِقَ الْمُكَاتَبُ فَهِيَ له وَإِلَّا بِأَنْ عَجَزَ وَرُقَّ قبل مَوْتِ الْمُوصِي فَوَصِيَّةٌ لِلْوَارِثِ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ له وَقْتَ الْمِلْكِ أو عَتَقَ الْمُدَبَّرُ وَخَرَجَ عِتْقُهُ مع وَصِيَّتِهِ من الثُّلُثِ اسْتَحَقَّهَا وَإِنْ لم يَخْرُجْ منه إلَّا أَحَدُهُمَا كَأَنْ كان الْمُدَبَّرُ يُسَاوِي مِائَةً وَالْوَصِيَّةُ له بِمِائَةٍ وَلَهُ غَيْرُهُمَا مِائَةٌ قُدِّمَ الْعِتْقُ فَيُعْتَقُ كُلُّهُ وَلَا شَيْءَ له بِالْوَصِيَّةِ وَإِنْ لم يَفِ الثُّلُثُ بِالْمُدَبَّرِ عَتَقَ منه بِقَدْرِ الثُّلُثِ وَصَارَتْ الْوَصِيَّةُ لِمَنْ بَعْضُهُ لِلْوَارِثِ وَبَعْضُهُ حُرٌّ
فَصْلٌ الْوَصِيَّةُ لِدَابَّةِ غَيْرِهِ بَاطِلَةٌ سَوَاءٌ أَقَصَدَ تَمْلِيكَهَا أَمْ أَطْلَقَ لِأَنَّ مُطْلَقَ اللَّفْظِ لِلتَّمْلِيكِ وَهِيَ لَا تُمَلَّكُ وَفَارَقَتْ الْعَبْدَ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ بِأَنَّهُ يُخَاطِبُ وَيَتَأَتَّى قَبُولُهُ وقد يُعْتَقُ قبل مَوْتِ الْمُوصِي بِخِلَافِهَا
قال الزَّرْكَشِيُّ وَقِيَاسُ ما مَرَّ من صِحَّةِ الْوَقْفِ على الْخَيْلِ الْمُسَبَّلَةِ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ لها بَلْ أَوْلَى أَيْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَإِنْ فَسَّرَ الْوَصِيَّةَ لها بِعَلَفِهَا أَيْ بِالصَّرْفِ فيه فَوَصِيَّةٌ لِمَالِكِهَا لِأَنَّ عَلَفَهَا عليه فَهُوَ الْمَقْصُودُ بها كَالْوَصِيَّةِ لِعِمَارَةِ دَارِهِ فَإِنَّهَا له لِأَنَّ عِمَارَتَهَا عليه فَهُوَ الْمَقْصُودُ بها وَيُشْتَرَطُ قَبُولُهُ لها فِيهِمَا كَسَائِرِ الْوَصَايَا ثُمَّ يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ في الْأُولَى لِعَلَفِهَا وفي الثَّانِيَةِ لِلْعِمَارَةِ فِيمَا يَظْهَرُ رِعَايَةً لِغَرَضِ الْوَصِيِّ فَيَتَوَلَّى الْإِنْفَاقَ عليها الْوَصِيُّ أو نَائِبُهُ من مَالِكٍ أو غَيْرِهِ ثُمَّ الْقَاضِي أو نَائِبُهُ كَذَلِكَ فَلَوْ بَاعَهَا مَالِكُهَا انْتَقَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْمُشْتَرِي كما في الْعَبْدِ وَهَذَا قَوْلُ النَّوَوِيِّ وقال الرَّافِعِيُّ هِيَ لِلْبَائِعِ قال السُّبْكِيُّ وهو الْحَقُّ إنْ انْتَقَلَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِلَّا فَالْحَقُّ أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي وهو قِيَاسُ الْعَبْدِ في التَّقْدِيرَيْنِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ النَّوَوِيَّ قَائِلٌ بِأَنَّهَا لِلْمُشْتَرِي مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الدَّابَّةَ يَتَعَيَّنُ الصَّرْفُ لها بِخِلَافِ الْعَبْدِ لَكِنَّ قَوْلَهُ كما في الْعَبْدِ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَائِلٌ بِالتَّفْصِيلِ وَعَلَيْهِ لو قَبِلَ الْبَائِعُ ثُمَّ بَاعَ الدَّابَّةَ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَلْزَمُ صَرْفُ ذلك لِعَلَفِهَا وَإِنْ صَارَتْ مِلْكَ غَيْرِهِ
فَرْعٌ وَإِنْ أَوْصَى لِلْمَسْجِدِ بِشَيْءٍ صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ ثُمَّ صُرِفَ في عِمَارَتِهِ وَمَصَالِحِهِ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَحْمِلُهُ على ذلك وَيَصْرِفُهُ قَيِّمُهُ في أَهَمِّهَا بِاجْتِهَادِهِ وَلَوْ أَرَادَ تَمْلِيكَهُ فَإِنَّهَا تَصِحُّ لِأَنَّ له مِلْكًا وَعَلَيْهِ وَقْفًا
فَصْلٌ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِكَافِرٍ وَلَوْ حَرْبِيًّا وَمُرْتَدًّا كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ في كل كَبِدٍ حَرَّاءَ أَجْرٌ وَتُخَالِفُ الْوَقْفَ عَلَيْهِمَا فإنه صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ فَاعْتُبِرَ في الْمَوْقُوفِ عليه الدَّوَامُ كما اُعْتُبِرَ في الْمَوْقُوفِ وَلِأَنَّ مَعْنَى التَّمْلِيكِ هُنَا أَظْهَرُ منه في الْوَقْفِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُوصَى له يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ وَالْمَنْفَعَةَ وَالتَّصَرُّفَ كَيْفَ شَاءَ بِخِلَافِ الْمَوْقُوفِ عليه وَمَحَلُّ صِحَّتِهَا لِلْمُرْتَدِّ إذَا لم يَمُتْ على رِدَّتِهِ وَالْكَلَامُ في الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ الْمُعَيَّنَيْنِ بِقَرِينَةِ ما مَرَّ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِأَهْلِ الْحَرْبِ وَالرِّدَّةِ كما صَرَّحَ بِهِ ابن سُرَاقَةَ وَغَيْرُهُ وهو قِيَاسُ ما قَالُوهُ في الْوَقْفِ وَكَذَا لو أَوْصَى لِمَنْ يُحَارِبُ أو يَرْتَدُّ وَكَذَا الْقَاتِلُ وَلَوْ تَعَدِّيًا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ له بِأَنْ أَوْصَى لِجَارِحِهِ ثُمَّ مَاتَ بِالْجُرْحِ أو لِإِنْسَانٍ فَقَتَلَهُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَلِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ بِصِيغَةٍ كَالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ بِخِلَافِ الْإِرْثِ وَأَمَّا خَبَرُ ليس لِلْقَاتِلِ وَصِيَّةٌ فَضَعِيفٌ وَلَوْ صَحَّ حُمِلَ على وَصِيَّتِهِ لِمَنْ يَقْتُلُهُ فَإِنَّهَا بَاطِلَةٌ كما يَأْتِي وكذا تَصِحُّ لِعَبْدِهِ أَيْ عبد قَاتِلِهِ وَهَذِهِ مَعْلُومَةٌ مِمَّا قَبْلَهَا فَإِنَّهَا في الْمَعْنَى وَصِيَّةٌ لِقَاتِلِهِ إنْ لم يُعْتَقْ الْعَبْدُ ولم يَنْتَقِلْ من سَيِّدِهِ إلَى غَيْرِهِ قبل مَوْتِ الْمُوصِي وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ له وَصِيَّةٌ لِمَالِكِهِ وَتَسْمِيَةُ الْوَصِيَّةِ فِيمَا ذُكِرَ وَصِيَّةٌ لِقَاتِلٍ بِاعْتِبَارِ ما يَئُولُ إلَيْهِ من كَوْنِهِ يَصِيرُ قَاتِلًا أو لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمَّا كانت لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ كانت إذْ ذَاكَ وَصِيَّةً لِقَاتِلٍ حَقِيقَةً أو مَجَازًا بِاعْتِبَارِ ما كان وتصح لِعَبْدٍ قَتَلَهُ وَهِيَ وَصِيَّةٌ لِقَاتِلِهِ إنْ عَتَقَ الْعَبْدُ قبل مَوْتِهِ وَإِلَّا فَلَا وَهَذِهِ مَعْلُومَةٌ أَيْضًا مِمَّا مَرَّ لَا إنْ أَوْصَى لِمَنْ يَقْتُلُهُ فَلَا تَصِحُّ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ وَهَذِهِ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بها الْمَاوَرْدِيُّ وَيُؤْخَذُ منها صِحَّةُ وَصِيَّةِ الْحَرْبِيِّ
____________________
(3/32)
لِمَنْ يَقْتُلُهُ وهو ظَاهِرٌ
فَرْعٌ تُعْتَقُ مُسْتَوْلَدَةٌ وَمُدَبَّرَةٌ قَتَلَا السَّيِّدَ وَإِنْ اسْتَعْجَلَا لِأَنَّ الْحَظَّ له في تَعْجِيلِ الْحُرِّيَّةِ وَلِأَنَّ الْإِحْبَالَ كَالْإِعْتَاقِ بِدَلِيلِ أَنَّ الشَّرِيكَ إذَا أَحْبَلَ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ يَسْرِي لِلِاسْتِيلَادِ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَالْإِعْتَاقُ لَا يَقْدَحُ فيه الْقَتْلُ فَكَذَا الِاسْتِيلَادُ
وَيَحِلُّ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ لِلْقَاتِلِ على قَتِيلِهِ وَإِنْ اسْتَعْجَلَ لِأَنَّ الْحَظَّ له الْآنَ في تَعْجِيلِ بَرَاءَتِهِ
فَصْلٌ الْوَصِيَّةُ لِغَيْرِ الْوَارِثِ بِالزِّيَادَةِ عن الثُّلُثِ إنْ كانت مِمَّنْ لَا وَارِثَ له خَاصٌّ فَبَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا مُجِيزَ وَإِلَّا فَمَوْقُوفَةٌ في الزَّائِدِ على إجَازَةِ الْوَرَثَةِ إنْ كَانُوا حَائِزِينَ فَإِنْ أَجَازُوا صَحَّتْ وَإِنْ رَدُّوا بَطَلَتْ في الزَّائِدِ لِأَنَّ حَقَّهُمْ وَإِنْ لم يَكُونُوا حَائِزِينَ فَبَاطِلَةٌ في قَدْرِ ما يَخُصُّ غَيْرَهُمْ من الزَّائِدِ وَكَذَا الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ وَلَوْ بِدُونِ الثُّلُثِ بَاطِلَةٌ إنْ كانت مِمَّنْ لَا وَارِثَ له غَيْرُ الْمُوصَى له وَإِلَّا فَمَوْقُوفَةٌ على إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ من رِوَايَةِ عَطَاءٍ عن ابْنِ عَبَّاسٍ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ قال الذَّهَبِيُّ إنَّهُ صَالِحُ الْإِسْنَادِ لَكِنْ قال الْبَيْهَقِيُّ إنَّ عَطَاءً غَيْرُ قَوِيٍّ ولم يُدْرِكْ ابْنَ عَبَّاسٍ فَإِنْ أَجَازُوا فَلَا رُجُوعَ لهم وَلَوْ قبل الْقَبْضِ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من أَنَّ إجَازَتَهُمْ تَنْفِيذٌ لِلْوَصِيَّةِ لَا ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ منهم ثُمَّ الْإِجَازَةُ إنَّمَا تَصِحُّ من مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ فَلَا تَصِحُّ من غَيْرِهِ وَوَلَاءُ من أَجَازُوا عِتْقَهُ الْحَاصِلُ بِالْإِعْتَاقِ في مَرَضِ الْمَوْتِ أو بَعْدَ الْمَوْتِ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ ثَابِتٌ لِلْمَيِّتِ يَسْتَحِقُّهُ ذُكُورُ الْعَصَبَةِ وَقَوْلُ الْأَصْلِ يَرِثُهُ ذُكُورُ الْعَصَبَةِ فيه تَجَوُّزٌ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُورَثُ وَإِنَّمَا يُورَثُ بِهِ
فَرْعٌ الْهِبَةُ لِلْوَارِثِ وَإِبْرَاؤُهُ من دَيْنٍ عليه في الْمَرَضِ كَالْوَصِيَّةِ له فِيمَا مَرَّ وَلَوْ قال أَوْصَيْتُ لِزَيْدٍ بِأَلْفٍ إنْ تَبَرَّعَ لِوَلَدِي بِخَمْسِمِائَةٍ صَحَّتْ وإذا قَبِلَ لَزِمَ دَفْعُهَا إلَيْهِ قِيلَ وَهِيَ حِيلَةٌ في الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ وَلَا أَثَرَ لِلْإِجَازَةِ وَالرَّدِّ من الْوَرَثَةِ لِلْوَصِيَّةِ قبل مَوْتِهِ أَيْ الْمُوصِي فَلَوْ أَجَازُوا قَبْلَهُ فَلَهُمْ الرَّدُّ بَعْدَهُ وَبِالْعَكْسِ إذْ لَا حَقَّ قِبَلَهُ لهم وَلَا لِلْمُوصَى له فَلَا أَثَرَ لِلْإِجَازَةِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَوْ قبل الْقِسْمَةِ وَلَا وفي نُسْخَةٍ وَكَذَا أَيْ وَلَا أَثَرَ لها مع جَهْلِ قَدْرِ الْمَالِ كَالْإِبْرَاءِ عن مَجْهُولٍ نعم إنْ كانت أَيْ الْوَصِيَّةُ بِعَبْدٍ مَثَلًا مُعَيَّنٍ وَقَالُوا بَعْدَ إجَازَتِهِمْ ظَنَنَّا كَثْرَةَ الْمَالِ وَأَنَّ الْعَبْدَ خَارِجٌ من ثُلُثِهِ فَبَانَ قِلَّتُهُ أو تَلَفُ بَعْضِهِ أو دَيْنٌ على الْمَيِّتِ صَحَّتْ إجَازَتُهُمْ فيه وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَعْلُومٌ وَالْجَهَالَةُ في غَيْرِهِ وَقِيلَ يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ بِيَمِينِهِمْ وَلَا يَلْزَمُهُمْ إلَّا الثُّلُثُ كما في الْوَصِيَّةِ بِالْمُشَاعِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ في تَصْحِيحِهِ وَإِنْ ادَّعَى الْمُجِيزُ الْجَهْلَ بِالتَّرِكَةِ أَيْ بِقَدْرِهَا في غَيْرِ الْمُعَيَّنِ بِأَنْ قال كنت اعْتَقَدْتُ قِلَّةَ الْمَالِ وقد بَانَ خِلَافُهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ في دَعْوَى الْجَهْلِ وَتُنَفَّذُ الْوَصِيَّةُ فِيمَا ظَنَّهُ هذا إنْ لم تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِعِلْمِهِ بِقَدْرِ الْمَالِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَإِلَّا فَلَا يُصَدَّقُ فَتُنَفَّذُ الْوَصِيَّةُ في الْجَمِيعِ وَإِنْ لم يُوجَدْ قَبْضٌ عِنْدَ الْإِجَازَةِ بِنَاءً على أنها تَنْفِيذٌ
فَرْعٌ الْعِبْرَةُ في كَوْنِهِ وَارِثًا أو غير وَارِثٍ بِيَوْمِ الْمَوْتِ فَلَوْ أَوْصَى لِغَيْرِ وَارِثٍ كَأَخٍ مع وُجُودِ ابْنٍ فَصَارَ وَارِثًا بِأَنْ مَاتَ الِابْنُ قبل مَوْتِ الْمُوصِي أو معه فَوَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ فَتَبْطُلُ إنْ لم يَكُنْ وَارِثٌ غَيْرُهُ وَإِلَّا فَتُوقَفُ على الْإِجَازَةِ أو عَكْسِهِ بِأَنْ أَوْصَى لِوَارِثٍ كَأَخٍ فَصَارَ غير وَارِثٍ بِأَنْ حَدَثَ لِلْمُوصِي ابْنٌ صَحَّتْ فِيمَا يَخْرُجُ
____________________
(3/33)
من الثُّلُثِ وَالزَّائِدُ عليه يَتَوَقَّفُ على إجَازَةِ الْوَارِثِ
وإذا أَوْصَى لِلْوَرَثَةِ لِكُلٍّ منهم بِقَدْرِ حِصَّتِهِ من الْمِيرَاثِ مُشَاعًا كَأَنْ أَوْصَى لِكُلٍّ من بَنِيهِ الثَّلَاثَةِ بِثُلُثِ مَالِهِ أو لِابْنِهِ الْحَائِزِ بِجَمِيعِهِ بَطَلَتْ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِلَا وَصِيَّةٍ وَلَوْ خَصَّ كُلًّا منهم بِعَيْنٍ هِيَ قَدْرُ حِصَّتِهِ من الْمِيرَاثِ كما لو كان له ثَلَاثُ بَنِينَ وَثَلَاثُ دُورٍ قِيمَةُ كل وَاحِدَةٍ مِائَةٌ وَأَوْصَى لِكُلٍّ بِوَاحِدَةٍ اُشْتُرِطَتْ الْإِجَازَةُ لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ في الِاعْتِبَارِ وَمَنَافِعِهَا وَمِنْ ثَمَّ لم يَجُزْ إبْدَالُ مَالِ الْغَيْرِ بمثله
وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِبَيْعِ الْعَيْنِ من شَخْصٍ مُعَيَّنٍ لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ كما تَتَعَلَّقُ بِالْقَدْرِ فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بها كما تَصِحُّ بِالْقَدْرِ وَلَوْ أَوْصَى لَكُلٍّ من أَجْنَبِيٍّ وَوَارِثٍ بِثُلُثٍ أو نِصْفٍ مَثَلًا من مَالِهِ وَرَدَّ الْوَرَثَةُ الزَّائِدَ على الثُّلُثِ مُطْلَقًا عن تَقْيِيدِ رَدِّهِمْ بِإِحْدَى الْوَصِيَّتَيْنِ فَثُلُثٌ لِلْأَجْنَبِيِّ في الصُّورَتَيْنِ وَلَا شَيْءَ لِلْوَارِثِ بِالْوَصِيَّةِ فَإِنْ رَدُّوا وَصِيَّةَ الْوَارِثِ فَقَطْ فَلِلْأَجْنَبِيِّ الثُّلُثُ في الْأُولَى وَالنِّصْفُ في الثَّانِيَةِ أو وَصِيَّةَ الْأَجْنَبِيِّ فَقَطْ فَلَهُ الثُّلُثُ فِيهِمَا وَلِلْوَارِثِ الثُّلُثُ أو النِّصْفُ وَإِنْ أَجَازَ بَعْضُهُمْ الْوَصِيَّتَيْنِ أو إحْدَاهُمَا نُفِّذَتْ إجَازَتُهُ في حَقِّهِ فَقَطْ
فَرْعٌ وَإِنْ أَوْصَى لِوَارِثٍ من وَرَثَتِهِ بِشَيْءٍ وَلَوْ بِأَكْثَرَ من قَدْرِ نَصِيبِهِ فَأَجَازَ الْوَرَثَةُ أو بَقِيَّتُهُمْ الْوَصِيَّةَ له الشَّيْءُ وقاسمهم في الْبَاقِي
فَرْعٌ لو وَقَفَ الْمَرِيضُ دَارِهِ على ابْنٍ له حَائِزٍ لِمِيرَاثِهِ أو على ابْنٍ وَبِنْتٍ له حَائِزَيْنِ أَثْلَاثًا بِحَسَبِ إرْثِهِمَا لها وَاحْتَمَلَهَا الثُّلُثُ صَحَّ الْوَقْفُ فَلَيْسَ لِوَارِثِهِ إبْطَالُهُ وَلَا إبْطَالُ شَيْءٍ منه لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ في ثُلُثِ مَالِهِ نَافِذٌ فإذا تَمَكَّنَ من قَطْعِ حَقِّ الْوَارِثِ عن الثُّلُثِ بِالْكُلِّيَّةِ فَتَمَكُّنُهُ من وَقْفِهِ عليه أَوْلَى وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَحْتَمِلْهَا الثُّلُثُ بِأَنْ زَادَتْ عليه فَلَهُ أَيْ لِلِابْنِ في الْأُولَى أو لَهُمَا أَيْ له وَلِلْبِنْتِ في الثَّانِيَةِ إبْطَالُ الزَّائِدِ على الثُّلُثِ إذْ ليس لِلْمَرِيضِ تَفْوِيتُهُ عليهم فَإِنْ أَجَازَ وَلَزِمَ الْوَقْفُ فَإِنْ وَقَفَهُ أَيْ الْعَقَارَ الْمَفْهُومَ من الدَّارِ وكان الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَأَصْلِهِ وَقَفَهَا عَلَيْهِمَا أَيْ الِابْنِ وَالْبِنْتِ نِصْفَيْنِ وَالثُّلُثُ يَحْتَمِلُهُ فَإِنْ رضي الِابْنُ فَذَاكَ وَإِلَّا فَلَيْسَ لِلْبِنْتِ إلَّا نِصْفُ ما لِلِابْنِ لِأَنَّ له مِثْلَيْهَا فَلَهُمَا إبْطَالُ الْوَقْفِ في الرُّبُعِ إذْ لِلِابْنِ إبْطَالُ السُّدُسِ كما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ فَيُبْطِلُ الْأَخُ السُّدُسَ فَقَطْ لِأَنَّهُ تَمَامُ حَقِّهِ إذْ حَقُّهُ مُنْحَصِرٌ في ثُلُثَيْ الدَّارِ وَيَبْقَى نِصْفُهَا وَقْفًا عليه وَلَا تَسَلُّطَ له على ثُلُثِهَا لِأَنَّهُ حَقُّهَا وَيَبْقَى ثُلُثُ الدَّارِ وَقْفًا عليها لِأَنَّهُ بِقَدْرِ إرْثِهَا هذا إنْ أَجَازَتْ وَإِلَّا فَيَبْقَى لها الرُّبُعُ فَقَطْ كما عُلِمَ من قَوْلِهِ وَلَهَا إبْطَالُ نِصْفِ السُّدُسِ لِتَأْخُذَهُ إرْثًا وَيَصِيرُ ما أَبْطَلَاهُ وهو الرُّبُعُ الْحَاصِلُ من السُّدُسِ وَنِصْفِهِ مِلْكًا بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَالْبَاقِي وَقْفًا عَلَيْهِمَا كَذَلِكَ لو وَقَفَهَا على ابْنِهِ وَزَوْجَتِهِ الْحَائِزَيْنِ نِصْفَيْنِ فَلِلِابْنِ إبْطَالُ تَتِمَّةِ حَقِّهِ فَقَطْ وهو ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الدَّارِ وَيَبْقَى ثُمُنُهَا وَقْفًا عليها إنْ أَجَازَتْ وَنِصْفُهَا وَقْفًا على الِابْنِ وَلَهَا إبْطَالُ ثَلَاثَةِ أَسْبَاعِ ثُمُنِهَا فَإِنْ وَقَفَ ثُلُثَهَا على الِابْنِ وَثُلُثَيْهَا على الْبِنْتِ فَقَدْ نَقَصَ الْمُوصِي الِابْنَ نِصْفَ نَصِيبِهِ وهو ثُلُثُهَا لِأَنَّ نَصِيبَهُ ثُلُثَاهَا وكان حَقُّهُ أَنْ يَنْقُصَ الْبِنْتَ كَذَلِكَ فَلِلِابْنِ الْخِيَارُ في الثُّلُثِ فَقَطْ لِأَنَّهُ تَتِمَّةُ حَقِّهِ وَلَهَا الْخِيَارُ في السُّدُسِ لِمَا مَرَّ في نِصْفِهِ
الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْمُوصَى بِهِ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِدَمٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُقْصَدُ وَلَا بِمِزْمَارٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ شَرْعًا لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمُحَرَّمَةَ كَالْمَعْدُومَةِ وَأَنْ لَا يَزِيدَ على الثُّلُثِ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالزَّائِدِ عليه على ما مَرَّ وَهَلِ الْوَصِيَّةُ بِهِ مَكْرُوهَةٌ أو حَرَامٌ وَإِنْ صَحَّتْ بِشَرْطِهَا فيه خِلَافٌ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ قبل ذلك وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُوصِيَ بِأَكْثَرَ من الثُّلُثِ فَتَصْدُقُ بِالْكَرَاهَةِ وَعَلَيْهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَبِالْحُرْمَةِ وَعَلَيْهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وهو ظَاهِرُ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ سَعْدَ بن أبي وَقَّاصٍ قال جَاءَنِي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ من وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي فقلت يا رَسُولَ اللَّهِ قد بَلَغَ بِي من الْوَجَعِ ما تَرَى وأنا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَةٌ فَأَتَصَدَّقُ
____________________
(3/34)
بِثُلُثَيْ مَالِي قال لَا قلت فَالشَّطْرُ قال لَا
قلت فَالثُّلُثُ قال الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ أو كَبِيرٌ
وَأَنْ يَقْبَلَ النَّقْلَ من شَخْصٍ إلَى آخَرَ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِقِصَاصٍ وَحَقِّ شُفْعَةٍ إذَا لم تَبْطُلْ بِالتَّأْخِيرِ لِعُذْرٍ كَتَأْجِيلِ الثَّمَنِ وَحَدِّ قَذْفٍ وَإِنْ قَبِلَتْ الِانْتِقَالَ بِالْإِرْثِ لِأَنَّهَا لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ نعم تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْقِصَاصِ لِمَنْ هو عليه وَالْعَفْوِ عنه في الْمَرَضِ كما جَزَمَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَحَكَاهُ عن تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ وَمِثْلُهُ حَدُّ الْقَذْفِ وَحَقُّ الشُّفْعَةِ بَلْ إنْ ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ لِصَاحِبِ شِقْصٍ من عَقَارٍ فَأَوْصَى بِهِ بَقِيَتْ لِلْوَارِثِ وَالشِّقْصُ لِلْمُوصَى له نَقَلَهُ في الرَّوْضَةِ عن فَتَاوَى الْقَاضِي قال الْبُلْقِينِيُّ وهو مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَبْطُلُ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إذْ يَتَبَيَّنُ بِالْقَبُولِ أَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُوصَى له من حِينِ مَوْتِ الْمُوصِي على الْأَصَحِّ فَلَا شُفْعَةَ لِلْوَارِثِ لِعَدَمِ الشَّرِكَةِ وَلَا لِلْمُوصَى له لِتَقَدُّمِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي على مِلْكِهِ انْتَهَى
فَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ الشُّفْعَةُ لِلْمُوصَى له بِنَاءً على تَبَيُّنِ الْمِلْكِ بِالْقَبُولِ فيه نَظَرٌ وَلَوْ قالوا بَدَلَ فَأَوْصَى بِهِ فَأَوْصَى بِبَعْضِهِ لَسَلِمُوا من ذلك
فَصْلٌ وَإِنْ أَوْصَى بِحَمْلٍ وَلَوْ غير مَوْجُودٍ جَازَ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا جَوَّزَتْ رِفْقًا بِالنَّاسِ فَاحْتُمِلَ فيها وُجُوهٌ من الْغَرَرِ فَكَمَا تَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ تَصِحُّ بِالْمَعْدُومِ ثُمَّ إنْ أَوْصَى بِمَا تَحْمِلُهُ هذا الْعَامَ أو كُلَّ عَامٍ فَذَاكَ وَإِنْ أَطْلَقَ فقال أَوْصَيْتُ بِمَا تَحْمِلُهُ فَهَلْ يَعُمُّ كُلَّ عَامٍ أو يَخْتَصُّ بِالْعَامِ الْأَوَّلِ قال ابن الرِّفْعَةِ الظَّاهِرُ الْعُمُومُ وَيَصِحُّ الْقَبُولُ لِلْوَصِيَّةِ بِالْحَمْلِ قبل الْوَضْعِ بِنَاءً على أَنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ وَلَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِانْفِصَالِهِ من الْأَمَةِ مَيِّتًا مَضْمُونًا لِأَنَّهُ انْفَصَلَ مُقَوَّمًا فَتُنَفَّذُ في بَدَلِهِ بِخِلَافِ ما لو أَوْصَى لِحَمْلٍ فَانْفَصَلَ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ كما مَرَّ لِأَنَّهُ ليس أَهْلًا لِلْمِلْكِ وَبِخِلَافِ ما لو أَوْصَى بِحَمْلِ بَهِيمَةٍ فَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ وما يَغْرَمُهُ الْجَانِي لِلْوَارِثِ لِأَنَّ ما وَجَبَ في جَنِينِهَا بَدَلُ ما نَقَصَ منها وما نَقَصَ في جَنِينِ الْأَمَةِ بَدَلُهُ
وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِتَمْرٍ وَصُوفٍ وَلَبَنٍ وَوَبَرٍ وَشَعْرٍ وَرِيشٍ سَتَحْدُثُ كَالْحَمْلِ وَتَصِحُّ بِمَنَافِعِ عَيْنٍ كَعَبْدٍ وَدَارٍ وَثَوْبٍ دُونَهَا مُؤَبَّدَةٍ وَمُؤَقَّتَةٍ لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ مُقَابَلَةٌ بِالْعِوَضِ فَأَشْبَهَتْ الْأَعْيَانَ
وَتَتَأَبَّدُ الْوَصِيَّةُ إنْ أُطْلِقَ عَقْدُهَا بِأَنْ لم تُؤَبَّدْ ولم تُؤَقَّتْ
فَرْعٌ قال الْمَاوَرْدِيُّ لو قال إنْ وَلَدَتْ أَمَتِي ذَكَرًا فَهُوَ وَصِيَّةٌ لِزَيْدٍ أو أُنْثَى فَوَصِيَّةٌ لِعَمْرٍو جَازَ وكان على ما قال سَوَاءٌ وَلَدَتْهُمَا مَعًا أو مُرَتَّبِينَ وَإِنْ وَلَدَتْ خُنْثَى فَقِيلَ لَا حَقَّ فيه لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقِيلَ إنَّهُ مَوْقُوفٌ بَيْنَهُمَا حتى قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَشْبَهُ الثَّانِي
فَصْلٌ وَتَصِحُّ بِمَا يَعْجِزُ عن تَسْلِيمِهِ كَالْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ وَالطَّيْرِ الْمُفْلِتِ وتصح بِالْمَجْهُولِ كَعَبْدٍ وَثَوْبٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْطَى عَبْدَهُ ثُلُثَ مَالِهِ في آخِرِ عُمُرِهِ وقد لَا يَعْرِفُ حِينَئِذٍ ثُلُثَ مَالِهِ لِكَثْرَتِهِ أو غَيْبَتِهِ أو غَيْرِهِمَا فَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى تَجْوِيزِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَجْهُولِ فَرْعٌ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِأَحَدِ الْعَبْدَيْنِ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ فَاحْتَمَلَتْ الْإِبْهَامَ وَالتَّعْيِينُ لِلْمُبْهَمِ مِنْهُمَا وَاجِبٌ على الْوَارِثِ وَلَوْ قال أَوْصَيْتُ بهذا الْأَلْفِ مَثَلًا لِأَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ لم تَصِحَّ كَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ وقد يُحْتَمَلُ في الْمُوصَى بِهِ ما لم يُحْتَمَلْ في الْمُوصَى له أو قال أَعْطُوا هذا الْأَلْفَ أَحَدَهُمَا صَحَّ كما لو قال لِوَكِيلِهِ بِعْهُ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ
فَصْلٌ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِنَجِسٍ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَكَلْبِ صَيْدٍ وَلَوْ جَرْوًا بِتَثْلِيثِ الْجِيمِ كما مَرَّ يُرْجَى الِانْتِفَاعُ بِهِ وَخَمْرٍ مُحْتَرَمَةٍ وَشَحْمِ مَيْتَةٍ لِدَهْنِ السُّفُنِ لِثُبُوتِ الِاخْتِصَاصِ فيها وَانْتِقَالِهَا من يَدٍ إلَى يَدٍ بِالْإِرْثِ وَغَيْرِهِ قال ابن الرِّفْعَةِ فَإِنْ اسْتَحْكَمَتْ الْخَمْرُ وَلَيْسَ من عَوْدِهَا خَلًّا إلَّا بِصُنْعِ آدَمِيٍّ فَالْأَشْبَهُ فِيمَا نَظُنُّهُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ إمْسَاكُهَا فَلَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بها
انْتَهَى
وقد يُقَالُ لَمَّا كانت مُحْتَرَمَةً لَا يَمْتَنِعُ إمْسَاكُهَا لِمَنَافِعَ قد تَعْرِضُ من إطْفَاءِ
____________________
(3/35)
نَارٍ وَعَجْنِ طِينٍ فَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بها وَيُعْتَبَرُ في الْمُوصَى له بِالْكَلْبِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ في صَيْدٍ أو حِرَاسَةِ زَرْعٍ أو نَعَمٍ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ صَيْدٍ أو زَرْعٍ أو نَعَمٍ وَإِلَّا فَقَضِيَّةُ ما صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ من أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عليه اقْتِنَاؤُهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو الْأَقْرَبُ لَا بِمَا لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَخِنْزِيرٍ وَخَمْرٍ غَيْرِ مُحْتَرَمَةٍ وَكَلْبٍ عَقُورٍ
فَصْلٌ وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِنُجُومِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ لم تَكُنْ مُسْتَقِرَّةً كما سَيَأْتِي في بَابِهَا وَلَوْ أَوْصَى بِالْمُكَاتَبِ إنْ عَجَّزَ نَفْسَهُ وَبِعَبْدِ غَيْرِهِ إنْ مَلَكَهُ صَحَّ لِأَنَّهَا تَصِحُّ بِالْمَعْدُومِ فَبِهَذَيْنِ أَوْلَى وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ في أَنَّ صُورَتَهُمَا أَنْ يَقُولَ أَوْصَيْتُ له بهذا الْمُكَاتَبِ إنْ عَجَّزَ نَفْسَهُ أو بهذا الْعَبْدِ إنْ مَلَكْتُهُ وَسَوَّى الْأَصْلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَوْصَيْتُ له بهذا الْمُكَاتَبِ أو بهذا الْعَبْدِ لَكِنْ قال ابن الرِّفْعَةِ في هذه الظَّاهِرُ الْبُطْلَانُ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ يَقْتَضِيهِ قال الْبُلْقِينِيُّ وهو الْمُفْتَى بِهِ فَقَدْ نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ في الْكِتَابَةِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ الِاتِّفَاقَ عليه وَالْوَصِيَّةُ بِالسِّلَاحِ لِحَرْبِيٍّ وَالْمُصْحَفِ وَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَالصَّنَمِ لِكَافِرٍ كَالْبَيْعِ منه فَلَا تَصِحُّ
فَصْلٌ لو قال أَعْطُوهُ كَلْبًا من كِلَابِي أو من مَالِي وَلَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ كِلَابٌ يُنْتَفَعُ أَيْ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بها أُعْطِيَ وَاحِدًا منها وَإِنْ لم يَكُنِ الْكَلْبُ مَالًا في الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْمُنْتَفَعَ بِهِ من الْكِلَابِ يُقْتَنَى وَتَعْتَوِرُهُ الْأَيْدِي كَالْأَمْوَالِ فَقَدْ يُسْتَعَارُ له اسْمُ الْمَالِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ له كِلَابٌ كَذَلِكَ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ لِتَعَذُّرِ شِرَاءِ كَلْبٍ لِأَنَّهُ ليس بِمَالٍ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَنَحْوِهِ قال الرَّافِعِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لو تَبَرَّعَ بِهِ مُتَبَرِّعٌ وَأَرَادَ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ جَازَ كما لو تَبَرَّعَ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَلَوْ وفي نُسْخَةٍ أو قال أَعْطُوهُ كِلَابِي وَلَا مَالَ له أُعْطِيَ ثُلُثَهَا فَقَطْ كَالْمَالِ عَدَدًا لَا قِيمَةً إذْ لَا قِيمَةَ لها مع تَوَسُّعِهِمْ في الْبَابِ وَعَلَيْهِ لو أَوْصَى بِاثْنَيْنِ من أَرْبَعَةٍ نُفِّذَتْ في وَاحِدٍ وَثُلُثٍ وَلَوْ أَوْصَى بِكَلْبٍ ليس له غَيْرُهُ أو بِأَكْثَرَ من ثُلُثِهِ نُفِّذَتْ في ثُلُثِهِ وفي أَجْنَاسٍ كَكِلَابٍ وَخَمْرٍ مُحْتَرَمَةٍ وَشَحْمِ مَيْتَةٍ إذَا أَوْصَى بِوَاحِدٍ منها يُعْتَبَرُ الثُّلُثُ بِفَرْضِ الْقِيمَةِ لَا بِالْعَدَدِ وَلَا بِالْمَنْفَعَةِ لِأَنَّهُ لَا تَنَاسُبَ بين الرُّءُوسِ وَلَا الْمَنْفَعَةِ وَإِنْ أَوْصَى بِهَذِهِ الْأَجْنَاسِ كُلِّهَا وَلَهُ مَالٌ وَإِنْ قَلَّ أُعْطِيَهَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَنْ يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُ الْمُوصَى بِهِ وَالْمَالُ وَإِنْ قَلَّ خَيْرٌ مِمَّا ليس بِمُتَمَوَّلٍ إذْ لَا قِيمَةَ له وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَبِالْكِلَابِ مَثَلًا لِعَمْرٍو لم يُعْطَ عَمْرٌو إلَّا ثُلُثَهَا لِأَنَّ ما تَأْخُذُهُ الْوَرَثَةُ من الثُّلُثَيْنِ هو حَظُّهُمْ بِسَبَبِ الثُّلُثِ الذي نُفِّذَتْ فيه الْوَصِيَّةُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْسَبَ عليهم مَرَّةً أُخْرَى في وَصِيَّةِ غَيْرِ الْمُتَمَوِّلِ
فَصْلٌ وَإِنْ أَوْصَى بِطَبْلِ لَهْوٍ أو عُودِهِ صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ بِهِمَا إنْ صَلَحَا لِمَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ مع بَقَاءِ الِاسْمِ وَإِنْ غُيِّرَتْ الْهَيْئَةُ حَمْلًا على الْمُبَاحِ نعم لو قال الْمُوصِي أَرَدْتُ بِهِ الِانْتِفَاعَ على الْوَجْهِ الذي هو مَعْمُولٌ له لم يَصِحَّ كما جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْوَافِي قال الزَّرْكَشِيُّ وهو ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ كَالْأَذْرَعِيِّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ التَّصْوِيرُ بِمَا إذَا سُمِّيَ اللَّهْوُ في الْوَصِيَّةِ فَلَوْ قال أَوْصَيْتُ له بهذا ولم يُسَمِّهِ فَيُشْبِهُ أَنْ تَصِحَّ وَيُعْطَى له مُفَصَّلًا مَمْنُوعٌ وَإِنْ نَسَبَاهُ لِلْمَاوَرْدِيِّ وَإِلَّا بِأَنْ لم يَصْلُحْ كُلٌّ مِنْهُمَا لِذَلِكَ مع ما ذُكِرَ بَطَلَتْ وَلَوْ نَفِيسًا لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ وَلَا نَظَرَ لِمَا يُتَرَقَّبُ من الْمَنَافِعِ بَعْدَ زَوَالِ اسْمِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْصَى بِطَبْلٍ أو عُودٍ قال في الْأَصْلِ وَاسْمُ الطَّبْلِ يَقَعُ على طَبْلِ الْحَرْبِ الذي يُضْرَبُ بِهِ لِلتَّهْوِيلِ وَعَلَى طَبْلِ الْحَجِيجِ وَالْقَوَافِلِ الذي يُضْرَبُ بِهِ لِلْإِعْلَامِ بِالنُّزُولِ وَالِارْتِحَالِ وَعَلَى طَبْلِ الْعَطَّارِينَ وهو سَفَطٌ لهم وَعَلَى طَبْلِ اللَّهْوِ كَالطَّبْلِ الذي يَضْرِبُ بِهِ الْمُخَنَّثُونَ وَسَطُهُ ضَيِّقٌ وَطَرَفَاهُ وَاسِعَانِ
فَصْلٌ إنَّمَا تُنَفَّذُ الْوَصِيَّةُ قَهْرًا في الثُّلُثِ وَإِنْ أَوْصَى في الصِّحَّةِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ تَعَالَى أَعْطَى الْعَبْدَ ثُلُثَ مَالِهِ في آخِرِ عُمُرِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْقُصَ منه شيئا خُرُوجًا من خِلَافِ من أَوْجَبَ ذلك وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم اسْتَكْثَرَ الثُّلُثَ قال في الْأَصْلِ وَقِيلَ إنْ كان وَرَثَتُهُ أَغْنِيَاءَ اسْتَوْفَى الثُّلُثَ وَإِلَّا فَيُسْتَحَبُّ النَّقْصُ وَهَذَا ما جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ وَنَقَلَهُ عن الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه في الْأُمِّ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَالِاعْتِبَارُ
____________________
(3/36)
في كَوْنِ الْمُوصَى بِهِ ثُلُثَ الْمَالِ بِيَوْمِ الْمَوْتِ لَا بِيَوْمِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا تَمَلُّكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ ثُمَّ كَثُرَ أو تَلِفَ ثُمَّ كَسَبَ مَالًا أو لم يَكُنْ له مَالٌ ثُمَّ كَسَبَهُ لَزِمَهُ يَعْنِي وَارِثَهُ ثُلُثُهُ وَلَوْ أَوْصَى بِقَدْرِ الثُّلُثِ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ ولم يَفِ بِهِ الثُّلُثُ عِنْدَ مَوْتِهِ افْتَقَرَ إلَى الْإِجَازَةِ في الزَّائِدِ أو بِأَكْثَرَ من الثُّلُثِ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ وَوَفَّى بِهِ الثُّلُثُ عِنْدَ مَوْتِهِ لم يَفْتَقِرْ إلَيْهَا وَلَا تُنَفَّذُ الْوَصِيَّةُ إلَّا في الثُّلُثِ الْفَاضِلِ عن الدَّيْنِ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عليها كما مَرَّ في الْفَرَائِضِ فَإِنْ كان عليه دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ ولم تُنَفَّذْ الْوَصِيَّةُ في شَيْءٍ لَكِنْ يُحْكَمُ بِانْعِقَادِهَا حتى لو أُبْرِئَ من الدَّيْنِ أو قَضَاهُ عنه آخَرُ فَكَانَ لَا دَيْنَ فَتُنَفَّذُ
فَرْعٌ التَّبَرُّعَاتُ الْمُنَجَّزَةُ كَهِبَةٍ وَوَقْفٍ وَعِتْقٍ في مَرَضٍ مَخُوفٍ مُتَّصِلٍ بِالْمَوْتِ مُعْتَبَرَةٌ من الثُّلُثِ كَالْوَصِيَّةِ لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْفَصْلِ وَخَرَجَ بِالْمَرَضِ التَّبَرُّعَاتُ الْمُنَجَّزَةُ في الصِّحَّةِ فَتُعْتَبَرُ من رَأْسِ الْمَالِ نعم لو وَهَبَ شيئا في صِحَّتِهِ وَأَقْبَضَهُ في مَرَضِهِ اُعْتُبِرَ من الثُّلُثِ كما سَيَأْتِي لِأَنَّ الْهِبَةَ إنَّمَا تُمَلَّكُ بِالْقَبْضِ كما مَرَّ وَاعْلَمْ أَنَّ قِيمَةَ ما يَفُوتُ على الْوَرَثَةِ يُعْتَبَرُ بِوَقْتِ التَّفْوِيتِ في الْمُنَجَّزِ وَبِوَقْتِ الْمَوْتِ في الْمُضَافِ إلَيْهِ فَسَيَأْتِي في بَابِ الْعِتْقِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لِمَعْرِفَةِ الثُّلُثِ فِيمَنْ أَعْتَقَهُ مُنَجَّزًا في الْمَرَضِ قِيمَةَ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ وَفِيمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ قِيمَةَ يَوْمِ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِاسْتِحْقَاقِ وَفِيمَا بَقِيَ لِلْوَرَثَةِ أَقَلُّ قِيمَةٍ من يَوْمِ الْمَوْتِ إلَى يَوْمِ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ إنْ كان يوم الْمَوْتِ أَقَلَّ فَالزِّيَادَةُ حَصَلَتْ في مِلْكِ الْوَارِثِ أو يوم الْقَبْضِ أَقَلَّ فما نَقَصَ قَبْلَهُ لم يَدْخُلْ في يَدِهِ فَلَا تُحْسَبُ عليه وَمِثَالُ ذلك جَارٍ في غَيْرِ الْعِتْقِ
فَصْلٌ في بَيَانِ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ وما في مَعْنَاهُ فَإِنْ انْتَهَى الشَّخْصُ إلَى حَالِ الْقَطْعِ بِالْمَوْتِ من ذلك عَاجِلًا كَمَنْ شَخَصَ بَصَرُهُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْخَاءِ أَيْ فَتْحِ عَيْنِهِ بِغَيْرِ تَحْرِيكِ جَفْنٍ وَبَلَغَتْ رُوحُهُ الْحَنْجَرَةَ أَيْ الْحُلْقُومَ في النَّزْعِ أو ذُبِحَ أو شُقَّ بَطْنُهُ وَأَخْرَجَتْ حُشْوَتُهُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا أَيْ أَمْعَاؤُهُ أو غَرِقَ فَغَمَرَهُ الْمَاءُ وهو غَيْرُ سَابِحٍ أَيْ غَيْرُ مُحْسِنِ السِّبَاحَةِ فَلَا عِبْرَةَ في شَيْءٍ منها أو نَحْوِهَا بِوَصِيَّتِهِ وَإِسْلَامِهِ وَغَيْرِهِمَا فَهُوَ كَالْمَيِّتِ على تَفْصِيلٍ يَأْتِي في الْجِنَايَاتِ وَيُحْجَرُ عليه أَيْ على الْمَرِيضِ في غَيْرِ الثُّلُثِ لِمَرَضٍ يُخَافُ منه الْمَوْتُ عَاجِلًا وَإِنْ لم يَكُنْ غَالِبًا كَالْقُولَنْجِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا وهو أَنْ يَنْعَقِدَ أَخْلَاطُ الطَّعَامِ في بَعْضِ الْأَمْعَاءِ فَلَا تَنْزِلُ وَيَصْعَدُ بِسَبَبِهِ الْبُخَارُ إلَى الدِّمَاغِ فَيُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ
قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ هذا إنْ أَصَابَ من لم يَعْتَدْهُ فَإِنْ كان مِمَّنْ يُصِيبُهُ كَثِيرًا وَيُعَافَى منه كما هو مُشَاهَدٌ فَلَا وَذَاتِ الْجَنْبِ وَتُسَمَّى ذَاتَ الْخَاصِرَةِ وَهِيَ قُرُوحٌ تَحْدُثُ في دَاخِلِ الْجَنْبِ بِوَجَعٍ شَدِيدٍ ثُمَّ تَنْفَتِحُ في الْجَوْفِ وَيَسْكُنُ الْوَجَعُ وَذَلِكَ وَقْتَ الْهَلَاكِ وَمِنْ عَلَامَتِهَا الْحُمَّى اللَّازِمَةُ وَالْوَجَعُ النَّاحِسُ تَحْتَ الْأَضْلَاعِ وَضِيقُ النَّفَسِ وَتَوَاتُرُهُ وَالسُّعَالُ وَالرُّعَافِ الدَّائِمِ بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ الْقُوَّةَ بِخِلَافِ غَيْرِ الدَّائِمِ وَالْإِسْهَالِ الْمُتَوَاتِرِ أَيْ الْمُتَتَابِعِ لِأَنَّهُ يُنَشِّفُ رُطُوبَاتِ الْبَدَنِ لَا إسْهَالِ يَوْمَيْنِ أو نَحْوِهِمَا فَلَيْسَ بِمَخُوفٍ
إلَّا أَنْ يُضَمَّ إلَيْهِ عَدَمُ اسْتِمْسَاكٍ وَخُرُوجُ طَعَامٍ غَيْرِ مُسْتَحِيلٍ أو زَحِيرٌ معه وَجَعٌ وَشِدَّةٌ بِلَا تَقَطُّعٍ لِلْخَارِجِ أو معه تَقَطُّعٌ لِلْخَارِجِ أو يُضَمُّ إلَيْهِ دَمٌ يَخْرُجُ من نَحْوِ كَبِدٍ من الْأَعْضَاءِ الشَّرِيفَةِ لَا من نَحْوِ بَوَاسِيرَ أو إلَّا أَنْ يُعَجِّلَ وَيَمْنَعَ النَّوْمَ فَمَخُوفٌ لِأَنَّ كُلًّا منها يُسْقِطُ الْقُوَّةَ بِخِلَافِ إسْهَالٍ يَخْرُجُ معه دَمٌ من نَحْوِ بَوَاسِيرَ وَكَالْفَالِجِ في ابْتِدَائِهِ بِخِلَافِ دَوَامِهِ ليس مَخُوفًا سَوَاءٌ أَكَانَ معه ارْتِعَاشٌ أَمْ لَا لِأَنَّهُ لَا يُخَافُ منه الْمَوْتُ عَاجِلًا وهو عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ اسْتِرْخَاءُ أَحَدِ شِقَّيْ الْبَدَنِ طُولًا
وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَعَمُّ من ذلك وَسَبَبُهُ غَلَبَةُ الرُّطُوبَةِ وَالْبَلْغَمِ
فإذا هَاجَ رُبَّمَا أَطْفَأَ الْحَرَارَةَ الْغَرِيزِيَّةَ وَأَهْلَكَ لَا السِّلِّ بِكَسْرِ السِّينِ لَا بِفَتْحِهَا كما وَقَعَ في الْمُهِمَّاتِ وهو دَاءٌ يُصِيبُ الرِّئَةَ فَيَأْخُذُ منه الْبَدَنُ في النُّقْصَانِ وَالِاصْفِرَارِ فَلَيْسَ بِمَخُوفٍ مُطْلَقًا أَيْ لَا في ابْتِدَائِهِ وَلَا في انْتِهَائِهِ لِأَنَّهُ وَإِنْ لم يَسْلَمْ منه صَاحِبُهُ غَالِبًا لَا يُخَافُ منه الْمَوْتُ عَاجِلًا فَيَكُونُ كَالشَّيْخُوخَةِ وَالْهَرَمِ وَكَالْحُمَّى الشَّدِيدَةِ الْمُطْبِقَةِ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا أَيْ الْمُلَازِمَةِ التي لَا تَبْرَحُ لِأَنَّ إطْبَاقَهَا يُذْهِبُ الْقُوَّةَ التي هِيَ قِوَامُ الْحَيَاةِ وَمَحَلُّ كَوْنِهَا مَخُوفَةً إذَا زَادَتْ على يَوْمٍ أو يَوْمَيْنِ بِقَرِينَةِ ما يَأْتِي على تَفْصِيلٍ فيه
أو حُمَّى الْوَرْدِ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَهِيَ التي تَأْتِي كُلَّ يَوْمٍ أو حُمَّى الثِّلْثِ بِكَسْرِ الثَّاءِ وَهِيَ التي تَأْتِي يَوْمَيْنِ وَتُقْلِعُ يَوْمًا أو حُمَّى الْأَخَوَيْنِ وَهِيَ التي تَأْتِي يَوْمَيْنِ وَتُقْلِعُ يَوْمَيْنِ أو حُمَّى الْغِبِّ بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَهِيَ التي تَأْتِي يَوْمًا وَتُقْلِعُ يَوْمًا لَا حُمَّى الرِّبْعِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَهِيَ التي تَأْتِي يَوْمًا وَتُقْلِعُ يَوْمَيْنِ لِأَنَّ الْمَحْمُومَ
____________________
(3/37)
يَأْخُذُ قُوَّةً في يَوْمَيْ الْإِقْلَاعِ وَلَا حُمَّى يَوْمٍ أو يَوْمَيْنِ إلَّا إنْ اتَّصَلَ بها قبل الْعَرَقِ مَوْتٌ فَقَدْ بَانَتْ مَخُوفَةً بِخِلَافِ ما إذَا اتَّصَلَ بها بَعْدَ الْعَرَقِ لِأَنَّ أَثَرَهَا زَالَ بِالْعَرَقِ وَالْمَوْتِ بِسَبَبٍ آخَرَ وَالدِّقُّ بِكَسْرِ الدَّالِ وهو دَاءٌ يُصِيبُ الْقَلْبَ وَلَا يَمْتَدُّ معه حَيَاةٌ غَالِبًا مَخُوفٌ وَمِنْ الْمَخُوفِ هَيَجَانُ الْمِرَّةِ الصَّفْرَاءِ أو الْبَلْغَمِ وفي نُسْخَةٍ وَالْبَلْغَمِ وَالدَّمِ بِأَنْ يَثُورَ وَيَنْصَبَّ إلَى عُضْوٍ كَيَدٍ وَرِجْلٍ فَيُخَمَّرُ وَيَنْفَتِحُ ومن الْمَخُوفِ الطَّاعُونُ وهو هَيَجَانُ الدَّمِ في جَمِيعِ الْبَدَنِ وَانْتِفَاخُهُ وَيُقَالُ نَبْرٌ مُؤْلِمٌ جِدًّا يَخْرُجُ غَالِبًا من الْآبَاطِ مع لَهِيبٍ وَخَفَقَانٍ وَقَيْءٍ وَنَحْوِهِ
ومنه الْجِرَاحَةُ إنْ كانت نَافِذَةً إلَى الْجَوْفِ أو كانت على مَقْتَلٍ أو في مَوْضِعٍ كَثِيرِ اللَّحْم أو حَصَلَ مَعَهَا ضَرَبَانٌ شَدِيدٌ أو تَآكُلٌ أو تَوَرُّمٌ ومنه الْقَيْءُ الدَّائِمُ أو الْمَصْحُوبُ بِخَلْطٍ من الْأَخْلَاطِ كَالْبَلْغَمِ أو دَمٍ ومنه الْبِرْسَامُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وهو وَرَمٌ في حِجَابِ الْقَلْبِ أو الْكَبِدِ يَصْعَدُ أَثَرُهُ إلَى الدِّمَاغِ لَا وَجَعُ الْعَيْنِ وَالضِّرْسِ ولا الصُّدَاعُ وَالْجَرَبُ وَنَحْوُهَا فَلَيْسَتْ مَخُوفَةً وَأُلْحِقَ بِالْمَخُوفِ من الْأَمْرَاضِ الْتِحَامُ أَيْ اخْتِلَاطُ قِتَالِ مُتَكَافِئَيْنِ أو قَرِيبَيْنِ من التَّكَافُؤِ لِأَنَّهُ يُخَافُ منه الْهَلَاكُ سَوَاءٌ أَكَانَا مُسْلِمَيْنِ أَمْ كَافِرَيْنِ أو مُسْلِمًا وَكَافِرًا بِخِلَافِ قِتَالٍ بِغَيْرِ الْتِحَامٍ وَإِنْ تَرَامَيَا بِالنُّشَّابِ وَالْحِرَابِ أو بِالْتِحَامٍ وكان أَحَدُهُمَا يَغْلِبُ الْآخَرَ لَكِنْ هذا مَحِلُّهُ في حَقِّ الْغَالِبِ فَقَطْ
وَالتَّقْدِيمُ لِلرَّجْمِ في الزِّنَا أو لِلْقَتْلِ في قَطْعِ الطَّرِيقِ وَإِنْ ثَبَتَ ذلك بِالْإِقْرَارِ وَهَيَجَانُ الْبَحْرِ بِالرِّيحِ بِخِلَافِ هَيَجَانِهِ بِلَا رِيحٍ وَأَسْرُ كَافِرٍ أو غَيْرِهِ يَعْتَادُ الْقَتْلَ لِلْأَسْرَى بِخِلَافِ أَسْرِ من لَا يَعْتَادُهُ كَالرُّومِ وَكَذَا يُلْحَقُ بِهِ التَّقْدِيمُ لِلْقِصَاصِ بِخِلَافِ الْحَبْسِ له كما هو ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ ثُمَّ حُكِيَ عن بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ حَكَاهُ عن الشَّافِعِيِّ وقال في الْمُهِمَّاتِ مُقْتَضَى ما يَأْتِي في الْوَدِيعَةِ أَنَّهُ إذَا مَرِضَ مَرَضًا مَخُوفًا أو حُبِسَ لِيُقْتَلَ لَزِمَتْهُ الْوَصِيَّةُ بها إذْ الْحَبْسُ لِلْقَتْلِ كَالتَّقْدِيمِ له انْتَهَى
وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ يُجَابُ بِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَلْحَقُوهُ ثَمَّ بِالْمَخُوفِ احْتِيَاطًا لِحَقِّ الْغَيْرِ حتى لو كان الْمُوصَى بِهِ هُنَا حَقًّا لِلْغَيْرِ كان الْحُكْمُ كَذَلِكَ أو بِأَنَّ مَعْنَى الْحَبْسِ ثَمَّ التَّقْدِيمُ لِلْقَتْلِ لِأَنَّهُ حَبْسٌ له وَكَذَا يَلْحَقُ بِهِ ظُهُورُ طَاعُونٍ وَفَاشِيُّ وَبَاءٍ في الْبُقْعَةِ وَإِنْ لم يُصِيبَا الْمُتَبَرِّعَ وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الطَّاعُونِ
وقال ابن الْأَثِيرِ الطَّاعُونُ الْمَرَضُ الْعَامُّ وَالْوَبَاءُ الذي يَفْسُدُ له الْهَوَاءُ فَتَنْفَسِدُ منه الْأَمْزِجَةُ فَجَعَلَ الْوَبَاءَ قِسْمًا من الطَّاعُونِ وهو مَمْدُودٌ وَمَقْصُورٌ وَبَعْضُهُمْ فَسَّرَ الطَّاعُونَ بِغَيْرِ ذلك وَلَعَلَّهُ أَنْوَاعٌ وَقِيلَ الْوَبَاءُ الْمَرَضُ الْعَامُّ وَقِيلَ الْمَوْتُ الذَّرِيعُ أَيْ السَّرِيعُ وكذا الطَّلْقُ وَيَمْتَدُّ خَوْفُهُ إلَى انْفِصَالِ الْمَشِيمَةِ وَهِيَ التي تُسَمِّيهَا النِّسَاءُ الْخَلَاصَ أو إلَى زَوَالِ ما حَصَلَ بِالْوِلَادَةِ فِيمَا لو انْفَصَلَتْ أَيْ الْمَشِيمَةُ وَحَصَلَ من الْوِلَادَةِ جُرْحٌ أو ضَرَبَانٌ شَدِيدٌ أو وَرَمٌ لَا حَالَ الْحَمْلِ قبل الطَّلْقِ وَلَا إلْقَاءُ عَلَقَةٍ وَمُضْغَةٍ فَلَيْسَتْ مَخُوفَةً لِأَنَّهُ لَا يُخَافُ منها الْهَلَاكُ كما يُخَافُ من وِلَادَةِ الْمُتَخَلِّقِ وَمَوْتُ الْجَنِينِ في الْجَوْفِ مَخُوفٌ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو ظَاهِرٌ إنْ كان معه وَجَعٌ شَدِيدٌ وَإِلَّا فَفِيهِ نَظَرٌ وَلِمَ لَا يُرَاجَعُ الْأَطِبَّاءُ وما أَشْكَلَ من الْأَمْرَاضِ فلم يُدْرَ أَمَخُوفٌ هو أَمْ لَا رُوجِعَ فيه طَبِيبَانِ من أَهْلِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ حُقُوقُ آدَمِيِّينَ من الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لهم فَاعْتُبِرَتْ الشَّهَادَةُ فَيُعْتَبَرُ الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَدَالَةُ ذَكَرَانِ فِيمَا لَا يَخْتَصُّ النِّسَاءُ بِالِاطِّلَاعِ عليه غَالِبًا فَإِنْ لم يَطَّلِعْ عليه إلَّا النِّسَاءُ غَالِبًا فَأَرْبَعٌ أَيْ فَيَكْفِي فيه أَرْبَعُ نِسْوَةٍ أو رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لو اخْتَلَفَ قَوْلُ الْأَطِبَّاءِ في كَوْنِهِ مَخُوفًا قال الْمَاوَرْدِيُّ أُخِذَ بِقَوْلِ الْأَعْلَمِ ثُمَّ بِالْأَكْثَرِ عَدَدًا ثُمَّ بِمَنْ يُخْبِرُ بِأَنَّهُ مَخُوفٌ وَنَقَلَهُ عنه ابن الرِّفْعَةِ وَأَقَرَّهُ وَالْقَوْلُ في كَوْنِهِ غَيْرِ مَخُوفٍ بَعْدَ مَوْتِ الْمُتَبَرِّعِ كَأَنْ قال الْوَارِثُ كان الْمَرَضُ مَخُوفًا وَالْمُتَبَرَّعُ عليه كان غير مَخُوفٍ قَوْلُ الْمُتَبَرَّعِ عليه بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَخُوفِ وَعَلَى الْوَارِثِ الْبَيِّنَةُ وَيُعْتَبَرُ فيها طَبِيبَانِ ثُمَّ إنْ اخْتَلَفَا في عَيْنِ الْمَرَضِ كَأَنْ قال الْوَارِثُ كان الْمَرَضُ حُمَّى مُطْبِقَةً وَالْمُتَبَرَّعُ عليه كان وَجَعَ ضِرْسٍ كَفَى غَيْرُ طَبِيبَيْنِ نَبَّهَ عليه في شَرْحِ الْإِرْشَادِ
فَرْعٌ وَإِنْ بَرِئَ الْمَرِيضُ
____________________
(3/38)
الْمُتَبَرِّعُ في مَرَضِهِ بِالزَّائِدِ على الثُّلُثِ من مَرَضِهِ الْمَخُوفِ نُفِّذَ تَبَرُّعِهِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ ذلك الْمَرَضَ لم يَكُنْ مَخُوفًا أو مَاتَ في غَيْرِ الْمَخُوفِ وَأَمْكَنَ كَوْنُهُ منه كَإِسْهَالِ يَوْمٍ أو يَوْمَيْنِ لم يُنَفَّذْ تَبَرُّعُهُ بِالزَّائِدِ بِدُونِ إجَازَةٍ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ مَخُوفٌ وَإِنْ لم يُمْكِنْ كَوْنُهُ منه كَوَجَعِ ضِرْسٍ نُفِّذَ تَبَرُّعُهُ وَحُمِلَ مَوْتُهُ على الْفَجْأَةِ وَبِهَذِهِ يَتَفَارَقُ الْمَرَضَانِ الْمَخُوفُ وَغَيْرُهُ في حُكْمِ الْوَصِيَّةِ في الْمَرَضِ قال في الْأَصْلِ وَلَوْ قال أَهْلُ الْخِبْرَةِ هذا الْمَرَضُ غَيْرُ مَخُوفٍ لَكِنَّهُ يُفْضِي إلَى الْمَخُوفِ فَمَخُوفٌ أو يُفْضِي إلَى الْمَخُوفِ نَادِرًا فَلَا ثُمَّ اُسْتُشْكِلَ الْأَوَّلُ بِالْحَمْلِ قبل الطَّلْقِ وَأُجِيبَ عنه بِأَنَّ الْحَمْلَ ليس من الْأَمْرَاضِ التي الْكَلَامُ فيها وَالْقَتْلُ وَالْمَوْتُ بِسُقُوطٍ من سَطْحٍ أو نَحْوِهِ في الْمَرَضِ الْمَخُوفِ كَالْمَوْتِ بِهِ فَيُعْتَبَرُ تَبَرُّعُهُ من الثُّلُثِ لِأَنَّ ذلك لم يُزِلْ الْمَرَضَ وَإِنَّمَا عَجَّلَ ما كان مُنْتَظَرًا
فَصْلٌ في بَيَانِ التَّبَرُّعِ الْمَحْسُوبِ من الثُّلُثِ إنَّمَا يُحْسَبُ من الثُّلُثِ ما أَزَالَهُ عن مِلْكِهِ كَعَبْدٍ وَثَوْبٍ أو عن اخْتِصَاصِهِ كَكَلْبِ صَيْدٍ وَسَرْجِينٍ مَجَّانًا بِخِلَافِ ما أَزَالَهُ بِعِوَضٍ على ما يَأْتِي فَدُيُونُ اللَّهِ كَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَدُيُونُ الْآدَمِيِّينَ تَخْرُجُ بَعْدَ مَوْتِهِ من رَأْسِ الْمَالِ وَإِنْ أَوْصَى بها مُطْلَقًا لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ عليه فلم يَبْذُلْهَا مَجَّانًا وَلَوْ أَوْصَى بِتَقْدِيمِ غَرِيمٍ بِدَيْنِهِ على غَرِيمٍ آخَرَ لم تُنَفَّذْ وَصِيَّتُهُ لِاسْتِوَائِهِمَا في التَّعَلُّقِ بِغَيْرِ التَّرِكَةِ فَفِي تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا إجْحَافٌ بِالْآخَرِ
وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَقَضَاءُ الْمَرِيضِ دَيْنَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ عن نَذْرٍ يُنَفَّذُ كما لو اشْتَرَى طَعَامًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الثَّمَنَ لِأَنَّهُ في مُقَابَلَةِ عِوَضٍ وَلَا الْأَوْلَى فَلَا يُزَاحِمُهُ غَيْرُهُ وَإِنْ لم تَفِ التَّرِكَةُ بِجَمِيعِ الدُّيُونِ وَكَذَا يُنَفَّذُ الْبَيْعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ من رَأْسِ الْمَالِ سَوَاءٌ أَبَاعَ لِوَارِثِهِ أَمْ لِغَرِيمِهِ أَمْ لِغَيْرِهِمَا إذْ لَا تَبَرُّعَ فيه بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِ الزَّائِدِ على الثُّلُثِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ لِلْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ حَابَى الْوَارِثَ بِمَا لَا يُتَغَابَنُ بمثله فَوَصِيَّةٌ يَعْنِي فَالزَّائِدُ على ما يُتَغَابَنُ بمثله وَصِيَّةٌ له
فَلَا يُنَفَّذُ إلَّا بِإِجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ أو حَابَى غَيْرَهُ بِذَلِكَ حُسِبَتْ أَيْ الْمُحَابَاةُ الزَّائِدَةُ على ما يُتَغَابَنُ بمثله من الثُّلُثِ فَإِنْ حَابَاهُمَا بِمَا يُتَغَابَنُ بمثله حُسِبَ من رَأْسِ الْمَالِ كَالْبَيْعِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وما ذَكَرْتُهُ من أَنَّ الْمُعْتَبَرَ في ذلك ما يَزِيدُ على ما يُتَغَابَنُ بمثله صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَيُحْسَبُ من الثُّلُثِ كُلُّ الثَّمَنِ في وفي نُسْخَةٍ من بَيْعِ شَيْءٍ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ حَيْثُ بَاعَهُ وَمَاتَ قبل حُلُولِهِ وَإِنْ كان بِثَمَنِ الْمِثْلِ أو أَكْثَرَ لِمَا فيه من تَفْوِيتِ الْيَدِ على الْوَرَثَةِ وَتَفْوِيتُ الْيَدِ مُلْحَقٌ بِتَفْوِيتِ الْمَالِ لِأَنَّ الْغَاصِبَ يَضْمَنُ بِالْحَيْلُولَةِ كما يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ فَلَيْسَ له تَفْوِيتُ الْيَدِ عليهم كما ليس له تَفْوِيتُ الْمَالِ
فَإِنْ لم يَحْتَمِلْهُ الثُّلُثُ وَرَدَّ الْوَارِثُ ما زَادَ عليه فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بين فَسْخِ الْبَيْعِ وَالْإِجَازَةِ في الثُّلُثِ بِقِسْطِهِ من الثَّمَنِ لِتَشْقِيصِ الصَّفْقَةِ عليه فَلَوْ أَجَازَ الْمُشْتَرِي لم يَزِدْ بِهِ أَيْ بِفِعْلِهِ الْإِجَازَةَ الْمَالُ الذي صَحَّ فيه الْبَيْعُ لِانْقِطَاعِ الْبَيْعِ بِالرَّدِّ وَلَوْ نَكَحَهَا أَيْ الْمَرِيضُ امْرَأَةً بِأَكْثَرَ من الْمَهْرِ أَيْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَوَرِثَتْهُ فَالزَّائِدُ عليه وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ فَلَا تُنَفَّذُ إلَّا بِإِجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ وَإِنْ كانت غير وَارِثَةٍ كَذِمِّيَّةٍ وهو مُسْلِمٌ وَكَمُكَاتَبَةٍ فَمِنْ الثُّلُثِ يُحْسَبُ الزَّائِدُ فَإِنْ خَرَجَ منه نُفِّذَ التَّبَرُّعُ بِهِ من غَيْرِ تَوَقُّفٍ على إجَازَةٍ إذْ لَا يَلْزَمُ فيه الْجَمْعُ بين التَّبَرُّعِ وَالْإِرْثِ فَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَهُ فَإِنْ وَسِعَ الثُّلُثُ الزِّيَادَةَ أَخَذَتْهَا وَرَثَتُهَا وَارِثًا كان الزَّوْجُ أو لَا لِذَلِكَ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَسَعْ الزِّيَادَةِ وَوَرِثَهَا الزَّوْجُ حَصَلَ الدُّورُ
لِأَنَّهُ يَرِثُ منها فَيَزِيدُ مَالُهُ فَيَزِيدُ ما يَنْفُذُ من التَّبَرُّعِ فَيَزِيدُ ما يَرِثُهُ فَيُسْتَخْرَجُ بِطَرِيقَةِ فَلَوْ أَصْدَقَهَا في مَرَضِهِ مِائَةً وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَرْبَعُونَ فَمَاتَتْ قَبْلَهُ وَلَا مَالَ لَهُمَا غَيْرُ الصَّدَاقِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا أَرْبَعُونَ من رَأْسِ الْمَالِ وَلَهَا شَيْءٌ بِالْمُحَابَاةِ يَبْقَى مع الزَّوْجِ سِتُّونَ إلَّا شيئا وَيَرْجِعُ إلَيْهِ بِالْإِرْثِ نِصْفُ مَالِهَا عِشْرُونَ وَنِصْفُ شَيْءٍ فَالْمَبْلَغُ ثَمَانُونَ إلَّا نِصْفَ شَيْءٍ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ ضَعْفَ الْمُحَابَاةِ فَبَعْدَ الْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ يَعْدِلُ ثَمَانُونَ شَيْئَيْنِ وَنِصْفَ شَيْءٍ فَالشَّيْءُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ فَلَهَا اثْنَانِ وَسَبْعُونَ أَرْبَعُونَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَالْبَاقِي مُحَابَاةً يَبْقَى معه ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَيَرْجِعُ إلَيْهِ بِالْإِرْثِ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ فَيَجْتَمِعُ لِوَرَثَتِهِ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ ضِعْفَ الْمُحَابَاةِ أَمَّا إذَا نَكَحَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ أو أَقَلَّ فَهُوَ من رَأْسِ الْمَالِ كما لو اشْتَرَى شيئا بِثَمَنِ مِثْلِهِ أو أَقَلَّ وَإِنْ تَزَوَّجَتْ الْمَرِيضَةُ بِأَقَلَّ من مَهْرِ مِثْلِهَا وَوَرِثَهَا الزَّوْجُ فَوَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ فَلِبَقِيَّةِ وَرَثَتِهَا طَلَبُ تَكْمِيلِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَإِنْ لم يَرِثْهَا كَأَنْ مَاتَ قَبْلَهَا أو كان مُسْلِمًا وَهِيَ ذِمِّيَّةٌ لم يُعْتَبَرْ النَّقْصُ من الثُّلُثِ
فَلَا يُكَمَّلُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَإِنَّمَا جُعِلَ ذلك وَصِيَّةً منها في حَقِّهِ
____________________
(3/39)
وَإِرْثًا دُونَهُ غَيْرُ وَارِثٍ
لِأَنَّهَا في الثَّانِيَة لم تُفَوِّتْ شيئا بَلْ امْتَنَعَتْ من الْكَسْبِ قال في الْأَصْلِ وَلِأَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا هو فِيمَا يُتَوَهَّمُ بَقَاؤُهُ لِلْوَارِثِ وَانْتِفَاعُهُ بِهِ وَالْبُضْعَ ليس كَذَلِكَ انْتَهَى
وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَصْلُحُ لِلْفَرْقِ بين الْحُكْمَيْنِ بَلْ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا في مَنْعِ رَدِّ هذه الْمُحَابَاةِ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ غَايَةُ ما فيه أَنْ يُقَالَ خَصَّتْ الْمَرْأَةُ وَارِثًا بِتَبَرُّعٍ ليس فيه تَفْوِيتُ مَالٍ فَأَشْبَهَ ما لو تَبَرَّعَتْ بِخِدْمَتِهِ وَالْجَوَابُ بِأَنَّهَا في الْأُولَى خَصَّتْ وَارِثًا بِزِيَادَةٍ فَافْتَقَرَتْ إلَى الْإِجَازَةِ بِخِلَافِهَا في الثَّانِيَةِ فيه نَظَرٌ
وَمِنْ الْمُحَابَاةِ إعَارَةُ الْمَرِيضِ عَبْدَهُ لِلْخِدْمَةِ حتى لو انْقَضَتْ مُدَّتُهَا وَلَوْ في مَرَضِهِ وَاسْتَرَدَّ الْعَيْنَ اُعْتُبِرَتْ الْأُجْرَةُ من الثُّلُثِ لِكَوْنِهَا تَبَرُّعًا بِمَا تَمْتَدُّ إلَيْهِ أَطْمَاعُ الْوَرَثَةِ وَمِنْهَا الْوَصِيَّةُ بِإِعَارَتِهِ لَا إعَارَتُهُ نَفْسِهِ وَلِإِعَارَتِهِ لها كما فُهِمَ بِالْأُولَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلَا يَكُونَانِ من الْمُحَابَاةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا امْتِنَاعٌ من التَّحْصِيلِ لَا تَفْوِيتٌ لِلْحَاصِلِ وَلَا مَطْمَعَ لِلْوَرَثَةِ في عَمَلِهِ وَإِنْ أَجَّرَ الْمَرِيضُ عَبْدَهُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَقَدْرُ الْمُحَابَاةِ مُعْتَبَرٌ من الثُّلُثِ وَكَذَا يُعْتَبَرُ منه قِيمَةُ من كَاتَبَهُ أو أَوْصَى بِكِتَابِهِ في الْمَرَضِ
وَإِنْ كَاتَبَهُ بِأَكْثَرَ من قِيمَتِهِ أو قَبَضَ النُّجُومَ قبل مَوْتِهِ لِأَنَّهُ قَابَلَ مِلْكَهُ بِمِلْكِهِ الذي هو كَسْبٌ فَهُوَ في الْحَقِيقَةِ تَفْوِيتٌ لَا مُعَاوَضَةٌ وَبِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ مُعَاوَضَةً فَالْعِوَضُ مُؤَخَّرٌ كَالْبَيْعِ بِمُؤَجَّلٍ لَا في الصِّحَّةِ فَلَا يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ من الثُّلُثِ بَلْ من رَأْسِ الْمَالِ وَإِنْ قَبَضَ النُّجُومَ في مَرَضِهِ لِأَنَّهُ بِالْكِتَابَةِ كَالْخَارِجِ عن مِلْكِهِ نعم إنْ أَبْرَأَهُ سَيِّدُهُ من النُّجُومِ أو أَعْتَقَهُ أو أَوْصَى بِذَلِكَ في الْمَرَضِ فَالْمُعْتَبَرُ من الثُّلُثِ الْأَقَلُّ من النُّجُومِ ومن الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ إنْ كان النُّجُومَ فَالزَّائِدُ عليها تَبَرُّعٌ من السَّيِّدِ في صِحَّتِهِ فَلَا اعْتِرَاضَ لِلْوَرَثَةِ عليه أو الْقِيمَةَ فَرُبَّمَا كان يُعَجِّزُ نَفْسَهُ فَلَا يَبْقَى لهم إلَّا الرَّقَبَةُ وَهِيَ قَدْرُ الْقِيمَةِ
وَإِنْ أَوْلَدَهَا أَيْ أَمَتَهُ وَلَوْ في الْمَرَضِ أو قال صَحِيحٌ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ قبل مَرِضَ مَوْتِي بِيَوْمٍ مَثَلًا ثُمَّ مَرِضَ وَمَاتَ أو قبل مَوْتِي بِشَهْرٍ مَثَلًا وَمَرِضَ دُونَهُ أَيْ دُونَ الشَّهْرِ وَمَاتَ لم يُعْتَبَرْ ذلك من الثُّلُثِ بَلْ من رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّ إيلَادَهُ في الْمَرَضِ كَاسْتِهْلَاكِهِ الْأَطْعِمَةَ اللَّذِيذَةَ وَالثِّيَابَ النَّفِيسَةَ وَإِعْتَاقُهُ وَقَعَ في الصِّحَّةِ وَإِنْ مَرِضَ شَهْرًا فَأَكْثَرَ فَقَدْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ الْمُعَلَّقُ بها الْعِتْقُ في الصِّحَّةِ في الْمَرَضِ وَفِيهِ قَوْلَانِ الرَّاجِحُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ من الثُّلُثِ على ما يَأْتِي في بَابِ التَّدْبِيرِ
فَرْعٌ لو بَاعَ بِمُحَابَاةٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ مَرِضَ وَأَجَازَ في مُدَّةِ الْخِيَارِ أو تَرَكَ الْفَسْخَ فيها عَامِدًا إنْ قُلْنَا الْمِلْكُ فيها لِلْبَائِعِ فَمِنْ الثُّلُثِ يُعْتَبَرُ قَدْرُ الْمُحَابَاةِ لِأَنَّهُ أَلْزَمَ الْعَقْدَ في الْمَرَضِ بِاخْتِيَارِهِ فَأَشْبَهَ من وَهَبَ في الصِّحَّةِ وَأَقْبَضَ في الْمَرَض وَإِلَّا فَكَمَنْ اشْتَرَى شيئا بِمُحَابَاةٍ ثُمَّ مَرِضَ وَوَجَدَهُ مَعِيبًا ولم يَرُدَّهُ مع الْإِمْكَانِ فَلَا يُعْتَبَرُ من الثُّلُثِ لِأَنَّهُ ليس بِتَفْوِيتٍ بَلْ امْتِنَاعٌ من الْكَسْبِ فَقَطْ فَصَارَ كما لو أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي وَالْمَبِيعُ قَائِمٌ عِنْدَهُ وَمَرِضَ الْبَائِعُ فلم يَفْسَخْ الْبَائِعُ وَكَمَا لو أَمْكَنَهُ فَسْخُ النِّكَاحِ بِعَيْبِهَا فَتَرَكَهُ حتى مَاتَ وَاسْتَقَرَّ الْمَهْرُ وَخَرَجَ وَكَالْعَاصُوِي ما لو فَسَخَ وهو ظَاهِرٌ أَمَّا لو تَرَكَ الْأَمْرَيْنِ فقال في الْأَصْلِ في بَابِ التَّدْبِيرِ إنَّ الْمُحَابَاةَ تُعْتَبَرُ فيه من الثُّلُثِ لِأَنَّهُ أَلْزَمَ الْعَقْدَ في مَرَضِهِ بِاخْتِيَارِهِ فَأَشْبَهَ من وَهَبَ في الصِّحَّةِ وَأَقْبَضَ في الْمَرَضِ زَادَ في الرَّوْضَةِ إنَّمَا يَظْهَرُ هذا إذَا قُلْنَا الْمِلْكُ في مُدَّةِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ وَتَرَكَ الْفَسْخَ عَامِدًا لَا نَاسِيًا نعم إنْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ لِلْمَعِيبِ على الْمُشْتَرِي فَالْإِعْرَاضُ عن الْأَرْشِ تَفْوِيتٌ له يُحْسَبُ من الثُّلُثِ وَلِلْإِقَالَةِ حُكْمُ الْبَيْعِ في أَنَّ قَدْرَ الْمُحَابَاةِ فيها مُعْتَبَرٌ من الثُّلُثِ وَالْخُلْعُ في الْمَرَضِ من الزَّوْجِ أو الزَّوْجَةِ يَأْتِي بَيَانُهُ في كِتَابِ الْخُلْعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
فَصْلٌ يُنَفَّذُ من التَّبَرُّعَاتِ الْمُرَتَّبَةِ الْمُنَجَّزَةِ في مَرَضِ الْمَوْتِ كَإِعْتَاقٍ وَإِبْرَاءٍ وَوَقْفٍ وَصَدَقَةٍ
____________________
(3/40)
الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ منها حَيْثُ يَتِمُّ الثُّلُثُ عِنْدَ ضِيقِهِ عنها وَإِنْ كان الْآخَرُ منها عَتَقَا لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَازِمٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَنْفِيذٍ ثُمَّ يَبْقَى بَاقِي تَبَرُّعَاتِهِ مَوْقُوفًا على الْإِجَازَةِ كما مَرَّ وَلَا أَثَرَ لِهِبَةٍ بِلَا مُحَابَاةٍ قبل الْقَبْضِ فَلَا تَقَدَّمَ على ما تَأَخَّرَ عنها من نَحْوِ عِتْقٍ أو وَقْفٍ أو مُحَابَاةٍ في بَيْعٍ أو نَحْوِهِ قبل قَبْضِ الْمَوْهُوبِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ بِخِلَافِ الْمُحَابَاةِ في بَيْعٍ أو نَحْوِهِ لِأَنَّهَا في ضِمْنِ مُعَاوَضَةٍ
وَإِنْ أَبْرَأَ أو وَهَبَ أو أَعْتَقَ دَفْعَةً كَأَنْ قال لِجَمَاعَةٍ أَبْرَأْتُكُمْ من دُيُونِي أو وَهَبْتُكُمْ هذا أو قال لِعَبِيدِهِ أَعْتَقَتُكُمْ أو فَعَلَ الْجَمِيعَ أَيْ الْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةَ وَالْإِعْتَاقَ بِوُكَلَاءَ له دَفْعَةً اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ ثُمَّ يُقَسَّطُ بها أَيْ بِاعْتِبَارِهَا الثُّلُثُ على الْجَمِيعِ في غَيْرِ الْعِتْقِ إذْ لَا مَزِيَّةَ فيه وَلَا إقْرَاعَ إذْ الْغَرَضُ منه التَّمْلِيكُ وَالتَّشْقِيصُ لَا يُنَافِيهِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ كما سَيَأْتِي وَدَخَلَ في غَيْر الْعِتْقِ الْعِتْقُ مع غَيْرِهِ فَيُقَسَّطُ عَلَيْهِمَا ثُمَّ ما يَخُصُّ الْعِتْقَ يُقْرَعُ فيه كما سَيَأْتِي وَيُقْرَعُ في الْعِتْقِ لِيَعْتِقَ الْقَارِعُ وَلَا تُوَزَّعُ الْحُرِّيَّةُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ له لم يَكُنْ له مَالٌ غَيْرُهُمْ فَدَعَاهُمْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَجَزَّأَهُمْ أَثْلَاثًا ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً وَلِأَنَّ الْغَرَضَ منه تَخْلِيصُ الشَّخْصِ من الرِّقِّ وَتَكْمِيلُ حَالِهِ وَالتَّشْقِيصُ يُنَافِيهِ
وَإِنْ فَضَلَ من الثُّلُثِ شَيْءٌ بَعْدَ عِتْقِ الْقَارِعِ فَبَعْضُ الْآخَرِ من الْأَرِقَّاءِ يُعْتَقُ بِقُرْعَةٍ فَلَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً مُتَسَاوِينَ وَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ على وَاحِدٍ عَتَقَ وَأَقْرَعَ لِيَعْتِقَ بَعْضَ آخَرَ وَالْكِتَابَةُ مع الْهِبَةِ وَسَائِرِ الْوَصَايَا كَالْعِتْقِ لِأَنَّهَا لَا تُقَدَّمُ على غَيْرِهَا بَلْ يَسْتَوِي بَيْنَهُمَا إنْ لم يَكُنْ تَرْتِيبٌ وَيُقَدَّمُ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ إنْ كان تَرْتِيبٌ وَإِنْ عَلَّقَ التَّبَرُّعَاتِ بِالْمَوْتِ مُرَتَّبَةً كانت أو غير مُرَتَّبَةٍ كَقَوْلِهِ إذَا مِتُّ فَأَنْتُمْ أَحْرَارٌ أو فَسَالِمٌ حُرٌّ وَغَانِمٌ حُرٌّ فَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا في الْمَرْتَبَةِ كَالْآخِرِ وَإِنْ كان الْآخَرُ عَتَقَا لِاشْتِرَاكِهِمَا في وَقْتِ نَفَاذِ عِتْقِهِمَا وهو وَقْتُ الْمَوْتِ
وَيَأْتِي الْإِقْرَاعُ وَالتَّقْسِيطُ هُنَا أَيْضًا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ تَمَحَّضَ الْعِتْقُ أَقْرَعَ أو غَيْرُهُ قَسَّطَ الثُّلُثَ على الْجَمِيعِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ أو الْمِقْدَارِ أو هو وَغَيْرُهُ قُسِّطَ الثُّلُثُ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِهَا فَقَطْ أو مع الْمِقْدَارِ فَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ سَالِمٍ وَلِزَيْدٍ بِمِائَةٍ وَكَانَتْ قِيمَةُ سَالِمٍ مِائَةً وَالثُّلُثُ مِائَةً عَتَقَ نِصْفُهُ وَلِزَيْدٍ خَمْسُونَ لَكِنْ لو دَبَّرَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَأَوْصَى له بِمِائَةٍ وَثُلُثُ مَالِهِ مِائَةٌ قَدَّمَ عِتْقَهُ على الْوَصِيَّةِ له خِلَافًا لِلْبَغَوِيِّ كما مَرَّ آخِرَ الْبَابِ نعم إنْ اعْتَبَرَ الْمُوصِي وُقُوعَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَأَنْ قال أَعْتِقُوا بَعْدَ مَوْتِي سَالِمًا ثُمَّ غَانِمًا تَرَتَّبَ فَيُقَدَّمُ الْأَوَّلُ فَإِنْ لم يُعْلَمْ تَرْتِيبٌ وَلَا مَعِيَّةَ في الْعِتْقِ فَالْأَصَحُّ في الدَّعَاوَى أَنَّهُ لَا يُقْرَعُ بَلْ يُعْتَقُ من كُلٍّ بَعْضُهُ أَمَّا لو وَقَعَتْ تَبَرُّعَاتٌ مُنَجَّزَةٌ وَمُعَلَّقَةٌ بِالْمَوْتِ فَتُقَدَّمُ الْمُنَجَّزَةُ لِأَنَّهَا تُفِيدُ الْمِلْكَ نَاجِزًا وَلِأَنَّهَا لَازِمَةٌ لَا يَمْلِكُ الْمَرِيضُ الرُّجُوعَ فيها وَهَذَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى من كَلَامِهِ أَوَّلَ الْفَصْلِ
وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَوْ دَبَّرَ عَبْدًا وَأَوْصَى بِعِتْقِ أَيْ إعْتَاقِ آخَرَ فَهُمَا سَوَاءٌ وَإِنْ كان الثَّانِي يَحْتَاجُ إلَى إنْشَاءِ عِتْقٍ بَعْدَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ وَقْتَ اسْتِحْقَاقِهِمَا وَاحِدٌ وَقَوْلُهُ في التَّبَرُّعِ الْمُنَجَّزِ سَالِمٌ حُرٌّ وَغَانِمٌ حُرٌّ تَرْتِيبٌ لَا قَوْلُهُ فيه سَالِمٌ وَغَانِمٌ حُرَّانِ فَلَوْ عُلِّقَ عِتْقَهُمَا بِالْمَوْتِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ أَقَالَ إذَا مِتُّ فَسَالِمٌ حُرٌّ وَغَانِمٌ حُرٌّ أَمْ قال فَهُمَا حُرَّانِ وَلَوْ قال إنْ أَعْتَقْتُ سَالِمًا فَغَانِمٌ حُرٌّ وَلَوْ زَادَ في حَالِ إعْتَاقِي سَالِمًا فَأَعْتَقَ سَالِمًا في مَرَضِ مَوْتِهِ وهو الثُّلُثُ فَأَقَلُّ عِبَارَةُ الْأَصْلِ ولم يَخْرُجْ من الثُّلُثِ إلَّا أَحَدُهُمَا عَتَقَ سَالِمٌ لِسَبْقِهِ بِلَا قُرْعَةٍ إذْ لَا فَائِدَةَ فيها بَلْ قد تَكُونُ مَضَرَّةً لِأَنَّا لو أَقْرَعْنَا أَمْكَنَ خُرُوجُ الْقُرْعَةِ بِالْحُرِّيَّةِ لِغَانِمٍ فَيَلْزَمُهُ إرْقَاقُ سَالِمٍ فَيَفُوتُ شَرْطُ عِتْقِ غَانِمٍ أَمَّا إذَا خَرَجَا من الثُّلُثِ فَيُعْتَقَانِ أو خَرَجَ بَعْضُ سَالِمٍ عَتَقَ الْبَعْضُ أو سَالِمٌ وَبَعْضُ غَانِمٍ عَتَقَ سَالِمٌ وَبَعْضُ غَانِمٍ
وَذَكَرَ الْأَصْلُ هُنَا مَسَائِلَ تَرَكَهَا الْمُصَنِّفُ لِذِكْرِهِ لها في الْعِتْقِ فَإِنْ قال إنْ تَزَوَّجْتُ فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَزَوَّجَ في الْمَرَضِ بِأَكْثَرَ من الْمَهْرِ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الزِّيَادَةَ على مَهْرِ الْمِثْلِ مَحْسُوبَةٌ من الثُّلُثِ فَإِنْ خَرَجَتْ الزِّيَادَةُ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ من الثُّلُثِ نُفِّذَا وَإِلَّا فَيُقَدَّمُ الْمَهْرُ على الْعِتْقِ قال في الْأَصْل كَذَا ذَكَرُوهُ تَوْجِيهًا بِأَنَّ الْمَهْرَ أَسْبَقُ فإنه يَجِبُ بِالنِّكَاحِ وَالْعِتْقُ يَتَرَتَّبُ عليه لَكِنَّ مُقْتَضَى قَوْلِنَا إنَّ الْمُرَتَّبَ وَالْمُرَتَّبَ عليه يَقَعَانِ مَعًا وَلَا
____________________
(3/41)
يَتَلَاحَقَانِ من حَيْثُ الزَّمَانُ أَنْ لَا يُقَدَّمَ أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ بَلْ يُوَزَّعُ الثُّلُثُ على الزِّيَادَةِ وَقِيمَةِ الْعَبْدِ فَإِنْ قال أَنْت حُرٌّ إنْ تَزَوَّجْتَ حَالَ تَزْوِيجِي وُزِّعَ الثُّلُثُ عَلَيْهِمَا أَيْ على الزِّيَادَةِ وَقِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَا تَرْتِيبَ وَفَارَقَ ذلك ما مَرَّ في الْعَبْدَيْنِ حَيْثُ لَا يُوَزَّعُ فيه كما لَا يُقْرَعُ بِأَنَّ الْعِتْقَ هُنَا مُعَلَّقٌ بِالنِّكَاحِ وَالتَّوْزِيعُ لَا يَرْفَعُ النِّكَاحَ
وَهُنَاكَ عِتْقُ غَانِمٍ مُعَلَّقٌ بِعِتْقِ سَالِمٍ كَامِلًا وَالتَّوْزِيعُ يَمْنَعُ من تَكْمِيلِ عِتْقِ سَالِمٍ فَلَا يُمْكِنُ إعْتَاقُ شَيْءٍ من غَانِمٍ
وَإِنْ عَلَّقَ عِتْقَهَا أَيْ أَمَتِهِ الْحَامِلِ بِعِتْقِ نِصْفِ حَمْلِهَا فَأَعْتَقَ النِّصْفَ في مَرَضِ مَوْتِهِ سَرَى الْعِتْقُ إلَى بَاقِيهِ وَعَتَقَتْ أُمُّهُ بِالتَّعْلِيقِ هذا إنْ احْتَمَلَهُمَا الثُّلُثُ وَإِلَّا فَإِنْ لم يَحْتَمِلْ بَاقِي الثُّلُثِ إلَّا نِصْفَهُ الْآخَرَ أو الْأُمَّ بِأَنْ كانت قِيمَةُ الْحَمْلِ بَعْدَ انْفِصَالِهِ مِثْلَيْ قِيمَتِهَا كَأَنْ كانت قِيمَتُهَا وَقِيمَتُهُ مِائَةً وَمَالُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ بَاقِي الْحَمْلِ فَإِنْ خَرَجَتْ أَيْ الْقُرْعَةُ لِبَاقِي الْحَمْلِ عَتَقَ جَمِيعُهُ دُونَهَا أو خَرَجَتْ لها عَتَقَ نِصْفُهَا وَنِصْفُ بَاقِيهِ وَإِنَّمَا لم تَعْتِقْ كُلُّهَا لِأَنَّ الْحَمْلَ في حُكْمِ جُزْءٍ منها يَتْبَعُ عِتْقُهُ عِتْقَهَا فَتُوَزَّعُ بَقِيَّةُ الثُّلُثِ وَهِيَ خَمْسُونَ على الْأُمِّ وَالنِّصْفُ الْبَاقِي بِالسَّوِيَّةِ فَيَعْتِقُ منها نِصْفُهَا وَمِنْهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ أو خَرَجَتْ لها وَقِيمَتُهَا كَقِيمَتِهِ بِأَنْ كانت قِيمَتُهَا في الْمِثَالِ مِائَةً عَتَقَ ثُلُثُهَا وَثُلُثُ الْبَاقِي منه تَوْزِيعًا لِلْخَمْسِينَ عليها وَعَلَى نِصْفِ بَاقِيهِ أَثْلَاثًا فَثُلُثُهَا ثُلُثَا الْخَمْسِينَ وَثُلُثُ بَاقِيهِ ثُلُثُهَا الْبَاقِي وهو سُدُسُ جُمْلَتِهِ فَيَعْتِقُ منها الثُّلُثُ وَمِنْهُ الثُّلُثَانِ
فَرْعٌ لو أَوْصَى له غَيْرُهُ بِعَيْنٍ هِيَ ثُلُثُ مَالِهِ فَأَكْثَرُ وَهِيَ حَاضِرَةٌ وَبَاقِي الْمَالِ غَائِبٌ مَلَكَ الْمُوصَى له ثُلُثَ الْمَالِ الْحَاضِرِ فَقَطْ لِجَوَازِ تَلَفِ الْغَائِبِ وَعَدَمِ إجَازَةِ الْوَارِثِ وَمُنِعَ من التَّصَرُّفِ فيه أَيْ في ثُلُثِهِ وَكَذَا في بَاقِيهِ بِبَيْعٍ أو عِتْقٍ أو غَيْرِهِ حتى يَحْضُرَ من الْغَائِبِ ما يَخْرُجُ بِهِ الْحَاضِرُ من الثُّلُثِ لِأَنَّ تَسَلُّطَهُ يَتَوَقَّفُ على تَسَلُّطِ الْوَرَثَةِ على مِثْلَيْ ما تَسَلَّطَ هو عليه وقد يَتْلَفُ الْغَائِبُ فَلَا يَصِلُ إلَى حَقِّهِ وَلَا يَتَسَلَّطُ الْوَرَثَةُ على ثُلُثَيْ الْحَاضِرِ كما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ كَمَنْعِ الْوَرَثَةِ من تَصَرُّفِهِمْ في بَاقِيهِ لِاحْتِمَالِ سَلَامَةِ الْغَائِبِ فَيَخْلُصُ لهم حَقُّهُمْ وَلِلْمُوصَى له حَقُّهُ فَإِنْ تَصَرَّفُوا في بَاقِيهِ وَبَانَ تَلَفُ الْغَائِبِ فَكَمَنْ بَاعَ مَالَ أبيه وهو يَظُنُّهُ حَيًّا فَيَصِحُّ وَإِنْ بَانَ سَالِمًا وَعَادَ إلَيْهِمْ تَبَيَّنَّا بُطْلَانَ تَصَرُّفِهِمْ
الرُّكْنُ الرَّابِعُ الصِّيغَةُ كَأَوْصَيْتُ له بِكَذَا وَكَذَا أَعْطُوهُ أو ادْفَعُوا إلَيْهِ كَذَا أو وَهَبْتُهُ له أو جَعَلْتُهُ له أو مَلَّكْتُهُ له أو هو له بَعْدَ مَوْتِي وَقَوْلُهُ هو له بِدُونِ بَعْدَ مَوْتِي إقْرَارٌ وَلَا يَجْعَلُ كِنَايَةً عن الْوَصِيَّةِ لِبُعْدِهِ فَإِنْ زَادَ فيه من مَالِي فَكِنَايَةُ وَصِيَّةٍ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ إقْرَارُهُ مع احْتِمَالِ الْهِبَةِ النَّاجِزَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَكَذَا قَوْلُهُ عَبْدِي هذا له لِذَلِكَ أو قَوْلُهُ عَيَّنْتُهُ له لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّعْيِينَ لِلتَّمْلِيكِ بِالْوَصِيَّةِ وَالتَّعْيِينَ لِلْإِعَارَةِ لَا قَوْلُهُ وَهَبْتُ له بِدُونِ بَعْدَ مَوْتِي فَلَا يَكُونُ وَصِيَّةً وَلَوْ نَوَى الْوَصِيَّةَ لِأَنَّهُ قد وَجَدَ نَفَاذًا في مَوْضِعِهِ فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً عن غَيْرِهِ
وَالْوَصِيَّةُ بِالْكِتَابَةِ كِنَايَةٌ وَإِنْ كان الْمَكْتُوبُ صَرِيحًا وَإِنْ اعْتَرَفَ بها نُطْقًا بِأَنْ قال نَوَيْتُ بها الْوَصِيَّةَ لِفُلَانٍ أو اعْتَرَفَ بها وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَالْبَيْعِ بَلْ أَوْلَى فَلَوْ كَتَبَ أَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِكَذَا وهو نَاطِقٌ وَأَشْهَدَ جَمَاعَةً أَنَّ الْكِتَابَةَ خَطُّهُ وما فيه وَصِيَّتُهُ ولم يُطْلِعْهُمْ عليه أَيْ على ما فيه لم تَنْعَقِدْ وَصِيَّتُهُ كما لو قِيلَ له أَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِكَذَا فَأَشَارَ أَنْ نعم وَخَرَجَ بِالنَّاطِقِ غَيْرُهُ وقد ذَكَرَهُ في قَوْلِهِ
فَرْعٌ من اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ فَوَصِيَّتُهُ صَحِيحَةٌ بِكِتَابَةٍ أو إشَارَةٍ كَالْبَيْعِ وَرُوِيَ أَنَّ أُمَامَةَ بِنْتَ الْعَاصِي أُصْمِتَتْ فَقِيلَ لها لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا فَأَشَارَتْ أَنْ نعم فَجَعَلَ ذلك وَصِيَّةً فَرْعٌ لو قال كُلُّ من ادَّعَى بَعْدَ مَوْتِي شيئا فَأَعْطُوهُ له وَلَا تُطَالِبُوهُ بِالْحُجَّةِ فَادَّعَى اثْنَانِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِحَقَّيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْقَدْرِ وَلَا حُجَّةَ كان كَالْوَصِيَّةِ تُعْتَبَرُ من الثُّلُثِ وَإِنْ ضَاقَ عن الْوِفَاقِ قُسِّمَ بَيْنَهُمَا على قَدْرِ حَقَّيْهِمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وفي الْأَشْرَافِ لو قال الْمَرِيضُ ما يَدَّعِيهِ فُلَانٌ فَصَدِّقُوهُ فَمَاتَ قال الْجُرْجَانِيُّ هذا إقْرَارٌ بِمَجْهُولٍ
____________________
(3/42)
وَتَعْيِينُهُ لِلْوَرَثَةِ نَقَلَ ذلك الزَّرْكَشِيُّ
فَصْلٌ وَأَمَّا الْقَبُولُ فَيَجِبُ في الْوَصِيَّةِ لِمُعَيَّنٍ كَالْهِبَةِ
فَلَوْ قَبِلَ بَعْضَ الْمُوصَى بِهِ فَفِيهِ احْتِمَالَاتٌ لِلْغَزَالِيِّ وَنَظِيرُهُ الْهِبَةُ وَالْأَرْجَحُ فيها الْبُطْلَانُ لَكِنَّ الْقَبُولَ في الْوَصِيَّةِ على التَّرَاخِي كما سَيَأْتِي فَهِيَ دُونَهَا وَدَخَلَ في الْمُعَيَّنِ الْمُتَعَدِّدُ الْمَحْصُورُ كَبَنِي زَيْدٍ فَيَتَعَيَّنُ قَبُولُهُمْ وَيَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ نعم إنْ كان الْمُعَيَّنُ غير آدَمِيٍّ كَمَسْجِدٍ قال الْأَذْرَعِيُّ فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ كَالْوَصِيَّةِ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قَبُولُ الْمُعَيَّنِ في الْوَصِيَّةِ له بِالْعِتْقِ بِغَيْرِ لَفْظِهَا قال الزَّرْكَشِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ الْقَبُولُ اللَّفْظِيُّ وَيُشْبِهُ الِاكْتِفَاءَ بِالْفِعْلِ وهو الْأَخْذُ كَالْهَدِيَّةِ لَا في الْوَصِيَّةِ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْفُقَرَاءِ وَالْقَبِيلَةِ كَالْهَاشِمِيَّةِ والمطلبية وَالْعَلَوِيَّةِ فَلَا يَجِبُ فيها الْقَبُولُ لِتَعَذُّرِهِ كما في الْوَقْفِ بَلْ تَلْزَمُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَوْتِ وَيَجُوزُ الِاقْتِصَارُ على ثَلَاثَةٍ منهم وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ وَسَيَأْتِي وَلَا يَصِحُّ قبل الْمَوْتِ لِلْمُوصِي قَبُولٌ وَلَا رَدٌّ لِلْوَصِيَّةِ فَلِمَنْ قَبِلَ في الْحَيَاةِ الرَّدُّ بَعْدَ الْمَوْتِ وَبِالْعَكْسِ إذْ لَا حَقَّ له قَبْلَهُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابُ مِلْكٍ بَعْدَ الْمَوْتِ فَأَشْبَهَ إسْقَاطَ الشُّفْعَةِ قبل الْبَيْعِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْفَوْرُ في الْقَبُولِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ في الْعُقُودِ النَّاجِزَةِ التي يُعْتَبَرُ فيها ارْتِبَاطُ الْقَبُولِ بِالْإِيجَابِ مع أَنَّهُ لو اشْتَرَطَ الْفَوْرَ لَاشْتُرِطَ عَقِبَ الْإِيجَابِ وَيُفَارِقُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَالْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّهُمَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَيَبْطُلَانِ بِالتَّأْخِيرِ وَيَصِحُّ الرَّدُّ بين الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ لَا بَعْدَهُمَا وَلَوْ لم يَقْبِضْ الْمُوصَى له ما أَوْصَى له بِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ قد حَصَلَ فَلَا يَرْتَفِعُ بِالرَّدِّ كما في الْبَيْعِ فَإِنْ رَاضَى الْوَرَثَةَ فَهُوَ ابْتِدَاءُ تَمْلِيكٍ منه لهم وما ذَكَرَهُ من عَدَمِ صِحَّةِ الرَّدِّ قبل الْقَبْضِ هو ما صَحَّحَهُ الْأَصْلُ وقال الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ وَخَالَفَ النَّوَوِيُّ في تَصْحِيحِهِ فَصَحَّحَ الصِّحَّةَ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ عليه في الْأُمِّ وَجَرَى عليه الْعِرَاقِيُّونَ لِأَنَّ مِلْكَهُ قبل الْقَبْضِ لم يَتِمَّ وَرَدَّ ما قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ قال وَلَعَلَّ الرَّافِعِيَّ تَبِعَ الْبَغَوِيّ في التَّرْجِيحِ
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَيْنٍ وَلِآخَرَ بِمَنْفَعَتِهَا فَرَدَّهَا الْآخَرُ رَجَعَتْ لِلْوَرَثَةِ لَا لِصَاحِبِ الْعَيْنِ أَيْ الْمُوصَى له بها وَإِنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ أَيْ بِعِتْقِ رَقِيقِهِ بَعْدَ خِدْمَةِ زَيْدٍ سَنَةً فَرَدَّهَا أَيْ الْوَصِيَّةَ بِالْخِدْمَةِ لم يَعْتِقْ قبل السَّنَةِ كما لو لم يَرُدَّهَا وَلِلْوَارِثِ مُطَالَبَةُ الْمُوصَى له بِالْقَبُولِ أو بِالرَّدِّ إذَا لم يَفْعَلْ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَإِنْ امْتَنَعَ حُكِمَ عليه بِالرَّدِّ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَمَحَلُّهُ في الْمُتَصَرِّفِ لِنَفْسِهِ أَمَّا لو امْتَنَعَ الْوَلِيُّ من الْقَبُولِ لِمَحْجُورِهِ وكان الْحَظُّ له فيه فَالْمُتَّجِهُ كما قال الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ الْحَاكِمَ يَقْبَلُ وَلَا يَحْكُمُ بِالرَّدِّ فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى له قبل مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ أَيْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ مَوْتَهُ قبل الِاسْتِحْقَاقِ يُوجِبُ الْبُطْلَانِ أو مَاتَ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ قَبِلَ وَارِثُهُ أو رَدَّ لِأَنَّهُ خَلِيفَتُهُ لَا يُقَالُ بَلْ تَلْزَمُ بِالْمَوْتِ بِغَيْرِ قَبُولٍ لِأَنَّا نَقُولُ وَارِثُ الْمُوصَى له فَرْعٌ له فإذا لم يَمْلِكْ الْأَصْلُ بِغَيْرِ قَبُولٍ فَالْفَرْعُ أَوْلَى وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ من زِيَادَتِهِ
قال الْأَذْرَعِيُّ فَلَوْ كان وَارِثَهُ طِفْلًا فَقَضِيَّةُ ما مَرَّ في الْهِبَةِ عن الْقَاضِي أَنَّهُ إذَا كان حَظُّهُ في الْقَبُولِ يَجِبُ على الْوَلِيِّ الْقَبُولُ له وَشَمِلَ إطْلَاقُ الْوَارِثِ الْوَارِثَ الْخَاصَّ وَالْعَامَّ حتى لو مَاتَ عن غَيْرِ وَارِثٍ خَاصٍّ قام الْإِمَامُ مَقَامَهُ فإذا قَبِلَ كان الْمُوصَى بِهِ لِلْمُسْلِمِينَ وَبِهِ صَرَّحَ الزَّبِيلِيُّ
____________________
(3/43)
فَصْلٌ الْمِلْكُ لِلْمُوصَى له في الْوَصِيَّةِ مَوْقُوفٌ فَإِنْ قَبِلَ تَبَيَّنَاهُ أَيْ الْمِلْكَ له من وَقْتِ الْمَوْتِ وَإِنْ رَدَّ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لِلْوَارِثِ من وَقْتئِذٍ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالْمَوْتِ وَلَا بِالْقَبُولِ وَهُمَا قَوْلَانِ في الْمَسْأَلَةِ إذْ لو مَلَكَ بِالْمَوْتِ لَمَا ارْتَدَّ بِالرَّدِّ كَالْمِيرَاثِ أو بِالْقَبُولِ فَقَبْلَهُ إمَّا لِلْمَيِّتِ وهو بَعِيدٌ أو لِلْوَارِثِ وَيَتَلَقَّاهُ عنه الْمُوصَى له فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِرْثَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ كما مَرَّ فَتَعَيَّنَ وَقْفُهُ أَمَّا الْمُوصَى بِعِتْقِهِ فَمِلْكُهُ أَيْ فَالْمِلْكُ فيه لِلْوَارِثِ حتى يُعْتَقَ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِغَيْرِ الْعِتْقِ تَمْلِيكٌ لِلْمُوصَى له فَيَبْعُدُ الْحُكْمُ بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِهَا بِالْعِتْقِ وَالْفَوَائِدُ الْحَاصِلَةُ من الْمُوصَيْ بِهِ كَكَسْبٍ وَثَمَرَةٍ وَنَتَاجٍ وَالنَّفَقَةُ وَسَائِرِ الْمُؤَنِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا وَالْفِطْرَةُ أَيْ فِطْرَةُ الرَّقِيقِ الْمُوصَيْ بِهِ تَتْبَعُ الْمِلْكَ فَإِنْ حَدَثَتْ الْفَوَائِدُ قبل الْمَوْتِ فَهِيَ مِلْكٌ لِلْمُوصِي أو بَعْدَهُ فَلِلْمُوصَى له إنْ قَبِلَ وَلِلْوَارِثِ إنْ رَدَّ لِحُدُوثِهَا على مِلْكِهِ وَقَضِيَّةُ ذلك أَنَّ أَكْسَابَ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ قبل عِتْقِهِ لِلْوَارِثِ لَكِنْ قال الرُّويَانِيُّ قِيلَ إنَّهَا على الْخِلَافِ في الْمُوصَى له وَالْأَصَحُّ الْقَطْعُ بِأَنَّهَا لِلْعَبْدِ لِتَقَرَّ وَاسْتِحْقَاقُهُ الْعِتْقَ بِخِلَافِ الْمُوصَى له فإنه مُخَيَّرٌ وَبِمَا قَالَهُ جَزَمَ الْجُرْجَانِيُّ وَجَرَى عليه الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ في كِتَابِ الْعِتْقِ وَيُطَالَبُ الْمُوصَى له بِعَبْدٍ أو غَيْرِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِالنَّفَقَةِ له إنْ لم يَقْبَلْ ولم يَرُدَّ كما لو امْتَنَعَ مُطَلِّقُ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ من التَّعْيِينِ فَإِنْ أَرَادَ الْخَلَاصَ رَدَّ وَلَوْ قال أَعْطَوْا فُلَانًا كَذَا بَعْدَ مَوْتِي فَالْمِلْكُ فيه إلَى الْإِعْطَاءِ لِلْوَارِثِ وَلَوْ أَوْصَى بِوَقْفِ شَيْءٍ فَتَأَخَّرَ وَقْفُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَحَصَلَ منه رِيعٌ كان لِلْوَارِثِ على ما أَفْتَى بِهِ جَمَاعَةٌ وقال الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْأَشْبَهُ وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لِمُسْتَحِقِّ الْوَقْفِ
وَإِنْ أَوْصَى بِأَمَتِهِ لِزَوْجِهَا الْحُرِّ فَقَبْلَ الْوَصِيَّةِ تَبَيَّنَ انْفِسَاخُ النِّكَاحِ من وَقْتِ الْمَوْتِ وَإِنْ رَدَّ اسْتَمَرَّ النِّكَاحُ وَلَوْ أَوْصَى بها لِأَجْنَبِيٍّ وَالزَّوْجُ وَارِثٌ لِلْمُوصِي وَقَبِلَ لم يَنْفَسِخْ أَيْ النِّكَاحُ وَإِنْ رَدَّ انْفَسَخَ لِدُخُولِهَا في مِلْكِ زَوْجِهَا هذا إنْ خَرَجَتْ من الثُّلُثِ فَإِنْ لم تَخْرُجْ من الثُّلُثِ أو أَوْصَى بها لِوَارِثٍ آخَرَ له وَأَجَازَ الزَّوْجُ الْوَصِيَّةَ فِيهِمَا فَكَذَلِكَ أَيْ لَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِنَاءً على أَنَّ إجَازَةَ الْوَارِثِ تَنْفِيذٌ لِمَا فَعَلَهُ الْمُوصِي لَا ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ فَإِنْ لم يَجُزْ انْفَسَخَ لِدُخُولِ شَيْءٍ مِمَّا يَزِيدُ على الثُّلُثِ في مِلْكِ الزَّوْجِ فَرْعٌ لو أَوْصَى بِأَمَتِهِ الْحَامِلِ من زَوْجِهَا لِزَوْجِهَا وَلِابْنٍ لها حُرَّيْنِ مُوسِرَيْنِ وَمَاتَ وَقَبِلَا الْوَصِيَّةَ مَعًا أو مُرَتَّبًا وَخَرَجَتْ كُلُّهَا من الثُّلُثِ عَتَقَ عن الِابْنِ نِصْفُهَا بِالْمِلْكِ والباقي بِحَقِّ السِّرَايَةِ وَلَزِمَهُ لِلزَّوْجِ قِيمَةُ نِصْفِهَا لَا نِصْفُ قِيمَتِهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا أَتْلَفَ نِصْفَهَا وَالْأَوَّلُ أَقَلُّ من الثَّانِي وَعَتَقَ الْحَمْلُ عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ أَمَّا نَصِيبُ الزَّوْجِ فَلِأَنَّهُ وَلَدُهُ وَأَمَّا نَصِيبُ الِابْنِ فَلِأَنَّ الْأُمَّ عَتَقَتْ عليه وَالْعِتْقُ يَسْرِي من الْحَامِلِ إلَى ما يَمْلِكُهُ الْمُعْتِقُ من حَمْلِهَا وَلَا تَقْوِيمَ على أَحَدِهِمَا في نَصِيبِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ أَيْ الْحَمْلُ عَتَقَ دَفْعَةً وهو لَهُمَا فَأَشْبَهَ ما إذَا اشْتَرَى اثْنَانِ أَبَاهُمَا فإنه يَعْتِقُ عَلَيْهِمَا وَلَا تَقْوِيمَ وَإِنَّمَا أُلْحِقَ قَبُولُهُمَا مُرَتَّبًا بِقَبُولِهِمَا مَعًا فِيمَا ذُكِرَ لِأَنَّ وَقْتَ الْمِلْكِ وَاحِدٌ وَإِنْ اخْتَلَفَ وَقْتُ الْقَبُولِ فَإِنْ قَبِلَ الزَّوْجُ وَحْدَهُ عَتَقَ عليه الْحَمْلُ نِصْفُهُ بِالْمِلْكِ وَنِصْفُهُ بِالسَّرَايَةِ فَقَطْ أَيْ دُونَ أُمِّهِ وَلَا تَتْبَعُهُ الْأُمُّ في الْعِتْقِ سِرَايَةً كما يَتْبَعُهَا لِأَنَّ الْحَمْلَ تَبَعٌ لها وَلَيْسَتْ تَبَعًا له
____________________
(3/44)
وَيَلْزَمُهُ أَيْ الزَّوْجُ قِيمَةُ نِصْفِهِ أَيْ الْحَمْلِ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي وَإِنْ قَبِلَ الِابْنُ وَحْدَهُ عَتَقَا عليه وَغَرِمَ قِيمَةَ نِصْفِهَا حَامِلًا لِوَرَثَةِ الْمُوصِي
فَصْلٌ وَإِنْ أَوْصَى له بِمَنْ يَعْتِقُ عليه لم يَلْزَمْهُ الْقَبُولُ لِلْوَصِيَّةِ كما لَا يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ إذَا قَدَرَ عليه فَإِنْ رَدَّ فَذَاكَ أو قَبِلَ بَانَ أَنَّهُ عَتَقَ عليه وَقْتَ الْمَوْتِ وَإِنْ مَلَكَ ابْنَ أَخِيهِ فَأَوْصَى بِهِ لِأَجْنَبِيٍّ وَقَبِلَهُ مَلَكَهُ وَلَا يَعْتِقُ على أَخِيهِ وَلَوْ وَرِثَهُ أَخُوهُ لِئَلَّا تَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ وَلَوْ أَوْصَى بِزَيْدٍ لِابْنِهِ وَمَاتَ زَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وقبل الْقَبُولِ فَقَبِلَ الْوَارِثُ عنه فَهُوَ كَقَبُولِ الْمُوصَى له في أَنَّهُ يَعْتِقُ عنه وحينئذ يُنْظَرُ إنْ كان الْوَارِثُ أَخًا لِلْمُوصَى له وَالْمُوصَى بِهِ يَحْجُبُهُ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ فَإِنْ كان الْقَابِلُ مِمَّنْ يَحْجُبُهُ الْمُوصَى بِهِ كَالْأَخِ لم يَرِثْ لِأَنَّهُ لو وَرِثَ لَحَجَبَ الْأَخَ وَأَخْرَجَهُ عن كَوْنِهِ وَارِثًا فَيَبْطُلُ قَبُولُهُ وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ عِتْقِهِ فَلَا يَرِثُ وَكَذَا لَا يَرِثُ إنْ لم يَحْجُبْهُ كَابْنٍ آخَرَ لِلدَّوْرِ في بَعْضِهِ وَإِنْ قَبِلَ وهو صَحِيحٌ لِأَنَّهُ لو وَرِثَ لَخَرَجَ الْقَابِلُ عن كَوْنِهِ حَائِزًا فَلَا يَصِحُّ قَبُولُهُ إلَّا في حِصَّتِهِ إرْثَهُ وَقَبُولُ الْمُوصِي بِهِ ما بَقِيَ مُتَعَذِّرٌ لِاسْتِلْزَامِهِ تَوَقُّفَهُ على نَفْسِهِ لِأَنَّهُ مُتَوَقِّفٌ على إرْثِهِ الْمُتَوَقِّفِ على عِتْقِهِ الْمُتَوَقِّفِ على قَبُولِهِ وإذا لم يَصِحَّ قَبُولُهُ فَلَا يَعْتِقُ كُلُّهُ فَلَا يَرِثُ فَتَوْرِيثُهُ على تَقْدِيرَيْ الْحَجْبِ وَعَدَمِهِ يُؤَدِّي إلَى عَدَمِ تَوْرِيثِهِ وَيُفَارِقُ إقْرَارَ الِابْنِ بِابْنٍ آخَرَ بِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ مُقِرَّانِ بِأَنَّهُمَا ابْنَا الْمَيِّتِ فَوَرِثَا الْمَالَ وَهُنَا الْعِتْقُ في جَمِيعِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِقَبُولِ من يَحُوزُ جَمِيعَ التَّرِكَةِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْمَقْبُولِ في الْقَبُولِ فإذا لم يَكُنِ الْأَوَّلُ حَائِزًا بَطَلَ الْقَبُولُ من أَصْلِهِ فَرْعٌ مَتَى أَوْصَى له بِمَنْ يَعْتِقُ عليه وَمَاتَ قبل الْقَبُولِ وَخَلَّفَ ابْنَيْنِ فَقَبِلَا الْوَصِيَّةَ عَتَقَ عن الْمَيِّتِ وَإِنْ قَبِلَ أَحَدُهُمَا وَرَدَّ الْآخَرُ عَتَقَ منه نِصْفُهُ ثُمَّ يُقَوَّمُ الْبَاقِي على التَّرِكَةِ من نَصِيبِ الْقَابِلِ فَقَطْ إنْ وَفَّى بِهِ نَصِيبُهُ وَإِلَّا فَلَا تَقْوِيمَ إلَّا إنْ وَفَّى بِبَعْضِ الْبَاقِي فَيُقَوَّمُ بِقَدْرِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِيَسَارِهِ في نَفْسِهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ عن الْمَيِّتِ فَلَا يَكُونُ التَّقْوِيمُ على غَيْرِهِ وَإِنَّمَا لم يُقَوَّمْ على غَيْرِ الْقَابِلِ لِأَنَّ سَبَبَ الْعِتْقِ الْقَبُولُ وَاَلَّذِي لم يَقْبَلْ لم يُنْسَبْ إلَيْهِ وَاعْتَرَضَهُ الْأَصْلُ بِأَنَّهُ وَإِنْ لم يُنْسَبْ إلَيْهِ فَهُوَ مُعْتَرَفٌ بِعِتْقِ نَصِيبِ الْقَابِلِ وَاقْتِضَائِهِ التَّقْوِيمَ وَالتَّقْوِيمُ كَدَيْنٍ يَلْحَقُ التَّرِكَةَ وَأُجِيبَ عنه بِأَنَّهُ ليس كُلُّ دَيْنٍ يَلْحَقُ التَّرِكَةَ يَلْزَمُ جَمِيعَ الْوَرَثَةِ بَلْ ذلك فِيمَا إذَا لم يَخْتَصَّ السَّبَبُ بِبَعْضِهِمْ بِخِلَافِ ما إذَا اخْتَصَّ بِبَعْضِهِمْ كَإِقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ مع إنْكَارِ الْبَاقِي وَمَسْأَلَتُنَا من هذا الْقِسْمِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ يَقْتَضِي التَّقْوِيمَ وَإِنْ جَاوَزَ الثُّلُثَ وهو مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ في الْعِتْقِ إنَّمَا يُقَوَّمُ على الْمَيِّتِ ما يَخْرُجُ من الثُّلُثِ كَذَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَيُجَابُ عنه بِأَنَّ التَّقْوِيمَ هُنَا إنَّمَا هو على الْوَارِثِ لَا على الْمَيِّتِ وَيَجْرِي هذا الْحُكْمُ فِيمَنْ أُوصِيَ له بِبَعْضِ من يَعْتِقُ عليه فَمَاتَ قبل الْقَبُولِ وَقَبِلَ وَارِثُهُ كان الْأَوْلَى له تَأْخِيرَ هذا كَأَصْلِهِ عن قَوْلِهِ ثُمَّ وَلَاءُ ما عَتَقَ منه لِلْمَيِّتِ وَهَلْ يَخْتَصُّ بِهِ الْقَابِلُ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِإِكْسَابِهِ أو يُشَارِكُهُ فيه غَيْرُ الْقَابِلِ لِتَسَاوِيهِمَا في الْإِرْثِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا في النِّهَايَةِ وَالْبَسِيطِ الثَّانِي وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أبو عَلِيٍّ
وَإِنْ أَوْصَى بِأَمَتِهِ لِابْنِهَا من غَيْرِهِ وَمَاتَ فلم يَحْتَمِلْهَا الثُّلُثُ فَأَعْتَقَ الْوَارِثُ وَلَوْ مُعْسِرًا الزَّائِدَ عليه ثُمَّ قَبِلَ الِابْنُ الْوَصِيَّةَ تَبَيَّنَ عِتْقُ ما قَبْلَهُ من وَقْتِ الْمَوْتِ وتبين بُطْلَانُ عِتْقِ الْوَارِثِ وَيُقَوَّمُ نَصِيبُهُ على الِابْنِ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا اسْتِنَادَ عِتْقِهِ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ وَعِتْقُ الْوَارِثِ مُتَأَخِّرٌ عنه إذْ لَا بُدَّ فيه من مُبَاشَرَةِ الْإِعْتَاقِ فَإِنْ لم يَقْبَلْ الِابْنُ الْوَصِيَّةَ تَبَيَّنَّا أَنَّ جَمِيعَهَا لِلْوَارِثِ فَيَسْرِي الْعِتْقُ من الْبَعْضِ الذي أَعْتَقَهُ إلَى الْبَاقِي أَمَّا إذَا احْتَمَلَهَا الثُّلُثُ وَقَبِلَ الِابْنُ الْوَصِيَّةَ عَتَقَتْ عليه وَإِنْ رَدَّهَا بَقِيَتْ لِلْوَارِثِ وَإِنْ لم يَحْتَمِلْهَا الثُّلُثُ ولم يُعْتِقْ الْوَارِثُ الزَّائِدَ فَالْجَوَابُ في قَدْرِ الثُّلُثِ وَالزَّائِدُ كَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَلَوْ كانت الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَوَارِثُ الْمُوصِي ابْنٌ له آخَرُ من هذه الْأَمَةِ بِنِكَاحٍ فَإِنْ رَدَّ الْمُوصَى له عَتَقَتْ على الْوَارِثِ وَإِلَّا فَإِنْ خَرَجَتْ من الثُّلُثِ أو زَادَتْ عليه وَأَجَازَ الْوَارِثُ الزَّائِدَ مِنْهُمَا على الثُّلُثِ عَتَقَتْ على الْمُوصَى له وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُجِزْ الزَّائِدَ فَالزَّائِدُ يَعْتِقُ على الْوَارِثِ وَلَا يُقَوَّمُ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا على الْآخَرِ أَمَّا على الْوَارِثِ فَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْإِرْثِ وَعِتْقُ الشِّقْصِ الْمَمْلُوكِ بِالْإِرْثِ لَا يَقْتَضِي السِّرَايَةَ وَأَمَّا على الْآخَرِ فَلِأَنَّ نَصِيبَ شَرِيكِهِ عَتَقَ مع عِتْقِ نَصِيبِهِ وَلَا تَقْوِيمَ فيه
فَرْعٌ لو أَوْصَى بِعَبْدِهِ لِاثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبَاهُ أو نَحْوُهُ مِمَّنْ يَعْتِقُ عليه فَقَبِلَ الْأَبُ أو نَحْوُهُ الْوَصِيَّةَ قبل الْأَجْنَبِيِّ أو معه عَتَقَ عليه إنْ كان مُوسِرًا النِّصْفُ بِالْمِلْكِ وَالْبَاقِي بِالسَّرَايَةِ
____________________
(3/45)
وَغَرِمَ له قِيمَةَ نِصْفِهِ فَإِنْ لم يَقْبَلْ الْأَجْنَبِيُّ كان الْغُرْمُ لِوَارِثِ الْمُوصِي وَكَذَا إنْ قَبِلَ بَعْدَ الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ بَعْدَ عِتْقِهِ عَتَقَ على الْأَبِ وَغَرِمَ لِلْأَجْنَبِيِّ قِيمَةَ نِصْفِهِ لَتَبَيَّنَ أَنَّهُ عَتَقَ عليه قبل قَبُولِ الْأَجْنَبِيِّ
فَصْلٌ حَمْلُ الْأَمَةِ الْمُوصَى بها الْمَوْجُودَةِ حَالَ الْوَصِيَّةِ بِاعْتِبَارِ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ بِأَنْ وَلَدَتْهُ قبل مُضِيِّ أَقَلِّهَا من يَوْمِ الْوَصِيَّةِ وَصِيَّةٌ بِنَاءً على أَنَّ الْحَمْلَ يُعْرَفُ فَإِنْ لم يَتَحَقَّقْ وُجُودُهُ حَالَ الْوَصِيَّةِ فَلَيْسَ وَصِيَّةً إنْ كانت أَمَةً ذَاتَ فِرَاشٍ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدَهَا وَالْحَمْلُ الْحَادِثُ بين الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ مِلْكٌ لِلْمُوصَى له إنْ قَبِلَ الْوَصِيَّةَ لِحُدُوثِهِ على مِلْكِهِ وَالْحَادِثُ بين الْوَصِيَّةِ وَالْمَوْتِ بَاقٍ على مِلْكِ الْمُوصِي إنْ وَلَدَتْهُ قبل الْمَوْتِ وَكَذَا بَعْدَهُ لِذَلِكَ فَإِنْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ كان الْحَمْلُ من أَمَةِ زَوْجُهَا الْمُوصَى له بها وَقَبِلَ الْوَصِيَّةَ فَالْحَادِثُ بَعْدَ الْمَوْتِ يَتَبَيَّنُ انْعِقَادُهُ حُرًّا لَا وَلَاءَ عليه وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِأَنَّ الْعُلُوقَ بِهِ حَدَثَ في مِلْكِهِ وَالْمُعْتَبَرُ في الْحُكْمِ بِأُمِّيَّةِ الْوَلَدِ إمْكَانُ الْإِصَابَةِ لَا حَقِيقَتُهَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ والحمل الْمَوْجُودُ حَالَ الْوَصِيَّةِ يَعْتِقُ عليه بِالْمِلْكِ وَوَلَاؤُهُ له وَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لِأَنَّهَا عَلَقَتْ منه بِرَقِيقٍ وَلَوْ مَاتَ الْمُوصَى له بها قبل الْقَبُولِ وَالرَّدِّ قام وَارِثُهُ مَقَامَهُ فيه كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَإِنْ الْأَوْلَى فَإِنْ قَبِلُوا أَيْ وَرَثَتُهُ فَالْقَوْلُ وفي نُسْخَةٍ فَالْحُكْمُ في حُرِّيَّةِ الْحَمْلِ كما سَبَقَ في قَبُولِ مُوَرِّثِهِمْ ولكن لَا يَرِثُ مَعَهُمْ كما بَيَّنَّاهُ قُبَيْلَ فَرْعِ مَتَى أَوْصَى له بِمَنْ يَعْتِقُ عليه وَإِنْ رَدُّوا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ كما لو رَدَّ مُوَرِّثُهُمْ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَلَوْ مَاتَ الْمُوصِي وَالْحَمْلُ دَاخِلٌ في الْوَصِيَّةِ اُعْتُبِرَ يوم الْمَوْتِ قِيمَتُهَا حَامِلًا من الثُّلُثِ لو أَخَّرَ الظَّرْفَ كان أَوْلَى وَلَوْ وَلَدَتْ قبل الْمَوْتِ اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُمَا مَعًا من الثُّلُثِ أو غَيْرُ دَاخِلٍ فيها سَوَاءٌ أَكَانَ لِلْمُوصَى له أَمْ لِوَارِثِهِ أَمْ لِلْمُوصِي فَحَائِلًا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يوم الْمَوْتِ وإذا قَوَّمْنَاهُمَا فَخَرَجَا من الثُّلُثِ فَذَاكَ وَلَوْ عَجَزَ الثُّلُثُ عنهما نُفِّذَتْ أَيْ الْوَصِيَّةُ فِيمَا يَحْتَمِلُهُ الثُّلُثُ مِنْهُمَا على نِسْبَةٍ وَاحِدَةٍ بِلَا قُرْعَةٍ وَلِسَائِرِ الْحَيَوَانِ حُكْمُ الْأَمَةِ فِيمَا ذُكِرَ وَيُرْجَعُ في مُدَّةِ حَمْلِهَا أَيْ الْحَامِلِ من سَائِرِ الْحَيَوَانِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ الْبَابُ الثَّانِي في أَحْكَامِ الْوَصِيَّةِ الصَّحِيحَةِ وَتَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ لَفْظِيَّةٌ وَمَعْنَوِيَّةٌ وَحِسَابِيَّةٌ
الْقَسَمُ الْأَوَّلُ اللَّفْظِيَّةُ وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ في اللَّفْظِ الْمُسْتَعْمَلِ في الْمُوصَى بِهِ فَالْحَمْلُ يَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ وَحْدَهُ ويصح بِالْحَامِلِ دُونَهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فِيهِمَا فَعُلِمَ أَنَّهُ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بها لِرَجُلٍ وَبِحَمْلِهَا لِآخَرَ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ وَلَوْ أَطْلَقَ الْوَصِيَّةَ بها تَبِعَهَا حَمْلُهَا الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ كما في الْبَيْع قال في الْأَصْل عَقِبَ هذا وَلَا يَبْعُدُ الْفَتْوَى بِالْمَنْعِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ فَيَتْبَعُ وَيُفْرَدُ بِالْوَصِيَّةِ فَلَا يَتْبَعُ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ تَنْزِيلُ الْوَصِيَّةِ على الْمُتَيَقَّنِ وَلِأَنَّهَا عَقْدٌ ضَعِيفٌ فَلَا تُسْتَتْبَعُ
قال الْإِسْنَوِيُّ وما عَلَّلَ بِهِ مَرْدُودٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِدُخُولِ الْبِنَاءِ في بَيْعِ الْأَرْضِ مع إمْكَانٍ إفْرَادِهِ بِالْبَيْعِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْأَصْلَ في الْعُقُودِ كُلِّهَا تَنْزِيلُهَا على الْمُتَيَقَّنِ أو الظَّاهِرِ الْقَرِيبِ منه وَأَمَّا الثَّالِثُ فَمَنْقُوضٌ بِالرَّهْنِ فإنه عَقْدٌ ضَعِيفٌ مع أَنَّ الْحَمْلَ يَدْخُلُ فيه وَيُؤَيِّدُ دُخُولَهُ هُنَا دُخُولُهُ في الْعِتْقِ
وَالْوَصِيَّةُ بِالطَّبْلِ تُحْمَلُ على الطَّبْلِ الْمُبَاحِ كَطَبْلِ حَرْبٍ وَحَجِيجٍ حَمْلًا لِكَلَامِهِ على الصِّحَّةِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقْصِدُ الثَّوَابَ فَإِنْ قال أَعْطَوْهُ طَبْلًا من طُبُولِي وَلَا مُبَاحَ فيها وَلَيْسَ فيها ما يَصْلُحُ لِلْمُبَاحِ بَطَلَتْ أَيْ الْوَصِيَّةُ بِخِلَافِ ما إذَا كان فيها مُبَاحٌ تَصِحُّ وَتُحْمَلُ عليه أو قال أَعْطُوهُ طَبْلًا من مَالِي وَلَيْسَ له طَبْلٌ مُبَاحٌ اُشْتُرِيَ له طَبْلٌ مُبَاحٌ
فَرْعٌ لو أَوْصَى له بِدُفٍّ له جَلَاجِلُ وَحَرَّمْنَاهَا على وَجْهٍ دُفِعَ إلَيْهِ دُونَهَا فَإِنْ نَصَّ عليها نُزِعَتْ منه وَأُعْطِيَهَا أَيْضًا قال الْإِسْنَوِيُّ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ تَصْحِيحُ الْوَصِيَّةِ فِيهِمَا مع الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُمَا يَصْلُحَانِ لِلْمُبَاحِ وَإِنْ أَوْصَى بِعُودٍ من عِيدَانِهِ وَلَيْسَ له إلَّا أَعْوَادُ بِنَاءٍ وَقِسِيٌّ أُعْطِيَ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَإِنْ كان اللَّفْظُ لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَلَوْ كان فيها أَعْوَادُ لَهْوٍ تَصْلُحُ لِمُبَاحٍ فَكَذَلِكَ أَيْ يُعْطَى وَاحِدًا من الْجَمِيع لِأَنَّ أَعْوَادَ اللَّهْوِ لَمَّا صَلَحَتْ لِمُبَاحٍ صَارَ لها أُسْوَةٌ بِغَيْرِهَا وَهَذَا ما جَزَمَ بِهِ الْأَصْلُ وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ إعْطَاءُ عُودٍ منها إذْ كَيْفَ يَنْصَرِفُ إلَيْهَا الْإِطْلَاقُ إذَا لم تَصْلُحْ لِمُبَاحٍ كما سَيَأْتِي في الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ دُونَ ما إذَا صَلَحَتْ له وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ في الْمُخْتَصَرِ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ
____________________
(3/46)
وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَلِلْأَوَّلِ أَنْ يُجِيبَ بِأَنَّ الْإِطْلَاقَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَيْهَا إذَا لم تَصْلُحْ لِمُبَاحٍ دُونَ ما إذَا صَلُحَتْ له لِمُشَارَكَتِهَا الْمُبَاحَ حِينَئِذٍ أو لَا تَصْلُحُ لِمُبَاحٍ حُمِلَ عليها أَيْ على أَعْوَادِ اللَّهْوِ وَبَطَلَتْ أَيْ الْوَصِيَّةُ إذْ لَا يُقْصَدُ الِانْتِفَاعُ بها شَرْعًا وَفَارَقَ عَدَمَ بُطْلَانِهَا في نَظِيرِهِ من الطُّبُولِ بِأَنَّ مُطْلَقَ الْعُودِ يَنْصَرِفُ إلَى عُودِ اللَّهْوِ وَاسْتِعْمَالُهُ في غَيْرِهِ مَرْجُوحٌ وَالطَّبْلُ يَقَعُ على الْجَمِيعِ وُقُوعًا وَاحِدًا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ ظُهُورَ اسْمِ الْعُودِ في عُودِ اللَّهْوِ وَيَقُولَ بَلْ هو مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ من الْأَعْوَادِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَكَذَا لو أَوْصَى له بِعُودِ وَلَا عُودَ له اُشْتُرِيَ له عُودُ لَهْوٍ يَصْلُحُ لِمُبَاحٍ وَأُعْطِيَهُ عِبَارَةُ الْأَصْل وَلَوْ أَوْصَى بِعُودٍ وَلَا عُودَ له فَمُقْتَضَى تَنْزِيلِ مُطْلَقِ الْعُودِ على عُودِ اللَّهْوِ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ أو أَنْ يُشْتَرَى له عُودُ لَهْوٍ يَصْلُحُ لِمُبَاحٍ وَأَطْلَقَ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ يَشْتَرِي ما لو كان مَوْجُودًا في مَالِهِ أَمْكَنَ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ بِالْعُودِ بِهِ
انْتَهَى
فَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لَمَّا لم يُضِفْ الْعُودَ إلَى عِيدَانِهِ كان إلَى الصِّحَّةِ أَقْرَبَ وإذا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِالْعُودِ أُعْطِيَهُ دُونَ الْوَتَرِ وَالْمِضْرَابِ وهو ما يُضْرَبُ بِهِ الْعُودُ وَتَوَابِعُهُمَا كَالْمَلَاوِي التي يُلْوَى عليها الْأَوْتَارُ وَالْحِمَارُ وهو الْخَشَبَةُ التي يُرَكَّبُ عليها الْأَوْتَارُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى عُودًا بِدُونِهَا قال في الْأَصْلِ وَلَوْ أَوْصَى بِعُودٍ من عِيدَانِهِ وَلَيْسَ له إلَّا عُودُ لَهْوٍ وَعُودُ بِنَاءٍ وَعُودُ قِسِيٍّ فَإِنْ حَمَلْنَا لَفْظَ الْعِيدَانِ على هذه الْآحَادِ فَقَدْ حَمَلْنَا الْمُشْتَرَكَ على مَعَانِيهِ مَعًا وَفِيهِ خِلَافٌ لِأَهْلِ الْأُصُولِ فَإِنْ مُنِعَ فَهَذِهِ الصُّورَةُ كما لو أَوْصَى بِعُودٍ من عِيدَانِهِ وَلَيْسَ له إلَّا عُودَ لَهْوٍ أو لَا عُودَ له زَادَ النَّوَوِيُّ قلت مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رضي اللَّهُ عنه حَمْلُ الْمُشْتَرَكِ على مَعَانِيهِ وَوَافَقَهُ عليه جَمَاعَةٌ من أَهْلِ الْأُصُولِ
انْتَهَى
لَكِنَّهُ خَالَفَهُ في بَابِ الْعِتْقِ فِيمَا لو قال إنْ رَأَيْتَ عَيْنًا فَأَنْت حُرٌّ فَرَجَّحَ فيه أَنَّهُ لَا يُحْمِلُ على مَعَانِيهِ وَكَذَا الْحُكْمُ في الْمِزْمَارِ فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ إنْ صَلُحَ لِمُبَاحٍ دُونَ ما إذَا لم يَصْلُحْ له وإذا صَحَّتْ لَا يُعْطَى الْمُوصَى له بِهِ الْمُجَمِّعَ أَيْ الْمَوْضُوعَ بين الشَّفَتَيْنِ لِأَنَّ الِاسْمَ لَا يَتَوَقَّفُ عليه قال الْأَذْرَعِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُعْطِي الْمِزْمَارَ بِهَيْئَتِهِ وقال الرُّويَانِيُّ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ يَجِبُ أَنْ يُفْصَلَ من غَيْرِ تَرْضِيضٍ بِحَيْثُ يَخْرُجُ بِهِ عن اللَّهْوِ ثُمَّ يُعْطَاهُ وَإِنْ أَوْصَى له بِقَوْسٍ حُمِلَ على الْعَرَبِيَّةِ وَهِيَ التي يُرْمَى بها النَّبْلُ وَهِيَ السِّهَامُ الصِّغَارُ الْعَرَبِيَّةُ وعلى الْفَارِسِيَّةِ وَهِيَ التي يُرْمَى بها النُّشَّابُ وعلى قَوْسِ الْحُسْبَانِ بِضَمِّ الْحَاءِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ التي لها سِهَامٌ صِغَارٌ تُرْمَى لِمَجْرًى فيها فَالْحُسْبَانُ اسْمٌ لِلسِّهَامِ الصِّغَارِ الْمَذْكُورَةِ كما ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَكَلَامُ الْأَصْلِ هُنَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عليه لَكِنَّهُ صَرَّحَ في الْمُسَابَقَةِ بِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْقَوْسِ الْمَذْكُورَةِ لَا على قَوْسِ بُنْدُقٍ ولا قَوْسِ نَدْفٍ لِاشْتِهَارِ الْقَوْسِ في الثَّلَاثَةِ الْأَوَّلُ دُونَ هَذَيْنِ
وَالْبُنْدُقُ يُسَمَّى بِالْجُلَاهِقِ بِضَمِّ الْجِيمِ كما ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَذَكَرَ الْأَصْلُ أَنَّ الْجَلَاهِقُ اسْمٌ لِقَوْسِ الْبُنْدُقِ وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عن الْأَزْهَرِيِّ إلَّا أَنْ قال أَعْطُوهُ ما يُسَمَّى قَوْسًا فَلَا يَقْتَصِرُ على الثَّلَاثَةِ بَلْ يُعْطَى وَاحِدَةً من الْجَمِيعِ وَلَوْ قال أَعْطُوهُ قَوْسًا من قِسِيٍّ وَلَيْسَ له إلَّا هُمَا أَيْ قَوْسَا الْبُنْدُقِ وَالنَّدْفِ تَعَيَّنَ الْبُنْدُقُ أَيْ قَوْسُهُ لِأَنَّ الِاسْمَ إلَيْهَا أَسْبَقُ وَلَوْ لم يَكُنْ له إلَّا أَحَدُهُمَا حُمِلَ اللَّفْظُ عليه لِلتَّقْيِيدِ بِالْإِضَافَةِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هذا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَإِنْ بَيَّنَ الْغَرَضَ اُتُّبِعَ بِأَنْ قال لِيَنْدِفَ بها أو يَرْمِيَ بها الطَّيْرَ أو يُقَاتِلَ بها
فَرْعٌ لو أَوْصَى بِقَوْسٍ أو طَبْلٍ لم يَدْخُلْ الْوَتَرُ في الْقَوْسِ وَلَا الْجِلْدُ الزَّائِدُ فيها أَيْ في الطَّبْلِ إذَا كان يُسَمَّى الطَّبْلُ أَيْ طَبْلًا دُونَهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا خَارِجٌ عن الْمُسَمَّى وَكَمَا لَا يَدْخُلُ السَّرْجُ في الْوَصِيَّةِ بِالدَّابَّةِ وَيَدْخُلُ النَّصْلُ وَالرِّيشُ في اسْمِ السَّهْمِ لِثُبُوتِهِمَا فيه وَإِنْ قال أَعْطُوهُ شَاةً من شِيَاهِي أو من غَنَمِي أو من مَالِي أَجْزَأَتْ شَاةٌ مَعِيبَةٌ وَمَرِيضَةٌ مَعْزًا وَضَأْنًا وَلَوْ ذَكَرًا وَصَغِيرَ الْجُثَّةِ لِصِدْقِ اسْمِهَا بِذَلِكَ لِأَنَّهَا اسْمُ جِنْسٍ كَالْإِنْسَانِ وَالْهَاءُ فيها لِلْوَحْدَةِ لَا لِلتَّأْنِيثِ وَلِهَذَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الذَّكَرِ عن خَمْسٍ من الْإِبِلِ وَنَصَّ في الْأُمِّ على أَنَّ الذَّكَرَ لَا يَدْخُلُ هُنَا لِلْعُرْفِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَرَجَّحَهُ كَثِيرٌ من الْعِرَاقِيِّينَ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ بَاقِيهِمْ وهو الْمَذْهَبُ قال وقد يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّكَاةِ بِأَنَّ الشَّاةَ ثَمَّ مَحْمُولَةٌ على اللُّغَةِ وَهُنَا على عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ كما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَإِنَّمَا جَوَّزُوا الْمَعِيبَ هُنَا وَإِنْ اقْتَضَى الْإِطْلَاقُ السَّلَامَةَ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا زِيَادَةَ فيها على مُقْتَضَى اللَّفْظِ لِعَدَمِ ما يَدُلُّ عليها
____________________
(3/47)
بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ وَغَيْرِهَا لَا سَخْلَةً وَعَنَاقًا لِأَنَّ الِاسْمَ لَا يَصْدُقُ بِهِمَا لِصِغَرِ سِنِّهِمَا كَذَا صَحَّحَهُ الْأَصْلُ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن الصَّيْدَلَانِيِّ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ لَكِنْ نَقَلَ الرُّويَانِيُّ عن سَائِرِ الْأَصْحَابِ وَالْغَزَالِيُّ عَنْهُمْ خَلَا الصَّيْدَلَانِيَّ إجْزَاءَهُمَا وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ
وَالسَّخْلَةُ
وَلَدُ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ ذَكَرًا كان أو أُنْثَى ما لم يَبْلُغْ سَنَةً وَالْعَنَاقُ الْأُنْثَى من وَلَدِ الْمَعْزِ كَذَلِكَ وَكَالْعَنَاقِ الْجَدْيُ كما شَمِلَتْهُ السَّخْلَةُ وَلَوْ اقْتَصَرُوا على ذِكْرِهَا كَفَى عن ذِكْرِ الْعَنَاقِ وَالْجَدْيِ وفي قَوْلِهِ أَعْطُوهُ شَاةً من مَالِي لَا تَتَعَيَّنُ الشَّاةُ في غَنَمِهِ فَيَجُوزُ إعْطَاؤُهَا على غَيْرِ صِفَةِ غَنَمِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَعْطُوهُ شَاةً من شِيَاهِي أو من غَنَمِي يَتَعَيَّنُ الشَّاةُ فيها فَلَا يَجُوزُ الْإِعْطَاءُ من غَيْرِهَا فإنه إذَا لم يَكُنْ له في هذه عِنْدَ مَوْتِهِ شَاةٌ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ لِعَدَمِ ما يَتَعَلَّقُ بِهِ بِخِلَافِ ما لو قال أَعْطُوهُ شَاةً من مَالِي وَلَا شِيَاهَ له فَلَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بَلْ يُشْتَرَى له من مَالِهِ شَاةٌ
وَلَوْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ قال اشْتَرَوْا له شَاةً تَعَيَّنَتْ سَلِيمَةً لِأَنَّ إطْلَاقَ الْأَمْرِ بِالشِّرَاءِ يَقْتَضِيهَا كما في التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَعْطُوهُ شَاةً لَا تَتَعَيَّنُ السَّلِيمَةُ لِمَا مَرَّ وَإِنْ قال أَعْطُوهُ شَاةً يَحْلِبُهَا أو يَنْتَفِعُ بِدَرِّهَا وَنَسْلِهَا تَعَيَّنَتْ أُنْثَى من الضَّأْنِ أو الْمَعْزِ أو يُنْزِيهَا على غَنَمِهِ تَعَيَّنَ كَبْشٌ أو تَيْسٌ وَالنَّعْجَةُ تُقَالُ لِلْأُنْثَى من الضَّأْنِ وَالْكَبْشُ لِلذَّكَرِ منها وَالتَّيْسُ لِلذَّكَرِ من الْمَعْزِ تَخْصِيصُ الْكَبْشِ بِكَوْنِهِ من الضَّأْنِ وَالتَّيْسِ بِكَوْنِهِ من الْمَعْزِ من زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ كَالْإِسْنَوِيِّ من كُتُبِ اللُّغَةِ
فَرْعٌ لو قال أَعْطُوهُ شَاةً من شِيَاهِي وَلَيْسَ له إلَّا ظِبَاءٌ أُعْطِيَ منها وَاحِدَةً لِأَنَّهَا تُسَمَّى شِيَاهَ الْبَرِّ وَهَذَا بَحَثَهُ في الرَّوْضَةِ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَنَقَلَهُ في مَحَلٍّ آخَرَ عن الْأَصْحَاب لَكِنْ جَزَمَ غَيْرُهُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ وقال ابن الرِّفْعَةِ إنَّهُ الْأَصَحُّ وَالْبَعِيرُ يَشْمَلُ النَّاقَةَ وَالْجَمَلَ الْبَخَاتِيَّ وَالْعِرَابَ وَالْمَعِيبَ وَالسَّلِيمَ لِصِدْقِ اسْمِهِ بِكُلٍّ منها فَقَدْ سُمِعَ من الْعَرَبِ حَلَبَ فُلَانٌ بَعِيرَهُ وَصَرَعَتْنِي بَعِيرِي وَالنَّاقَةُ لَا تَشْمَلُ الْجَمَلَ وَبِالْعَكْسِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
فَرْعٌ يَخْتَصُّ اسْمُ الثَّوْرِ بِالذَّكَرِ لِاسْتِعْمَالِهِ فيه لُغَةً وَعُرْفًا واسم الْبَقَرَةِ وَالْبَغْلَةِ بِالْأُنْثَى لِذَلِكَ وَلَا يُخَالِفُهُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ في تَحْرِيرِهِ إنَّ الْبَقَرَةَ تَقَعُ على الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ لِأَنَّ وُقُوعَهَا عليه لم يَشْتَهِرْ عُرْفًا واسم عَشْرِ بَقَرَاتٍ وعشر أَيْنُقٍ بِتَقْدِيمِ الْيَاءِ على النُّونِ بِالْإِنَاثِ بِنَاءً على اخْتِصَاصِ الْبَقَرَةِ وَالنَّاقَةِ بِالْأُنْثَى وَلَا فَرْقَ بين التَّصْرِيحِ بِالْبَقَرَاتِ وَالْأَيْنُقِ بين تَعْبِيرِهِ بِعَشْرِ وَبِعَشَرَةٍ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَذَكْرُ الْعَشْرِ مِثَالٌ وَعَشْرٌ أو عَشَرَةٌ من الْإِبِلِ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمِ شَامِلٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْكَلْبُ وَالْحِمَارُ لِلذَّكَرِ لِأَنَّهُمْ مَيَّزُوا فَقَالُوا كَلْبٌ وَكَلْبَةٌ وَحِمَارٌ وَحِمَارَةٌ وَيَدْخُلُ الْجَوَامِيسُ في اسْمِ الْبَقَرَةِ كما يُكَمَّلُ بها نُصُبُهَا قال الصَّيْمَرِيُّ وَلَا يَدْخُلُ فيه الْوَحْشُ قال الزَّرْكَشِيُّ إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ له غَيْرُهُ فَالْأَشْبَهُ الصِّحَّةُ كما مَرَّ في الشَّاةِ
انْتَهَى
وما قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ قد يُشْكِلُ بِحِنْثِ من حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ بَقَرٍ بِأَكْلِهِ لَحْمَ بَقَرٍ وَحْشِيٍّ وَيُجَابُ بِأَنَّ ما هُنَا مَبْنِيٌّ على الْعُرْفِ وما هُنَاكَ إنَّمَا يُبْنَى عليه إذَا لم يَضْطَرِبْ وهو في ذلك مُضْطَرِبٌ وَاسْمُ الدَّابَّةِ يَتَنَاوَلُ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ حتى الذَّكَرَ وَالْمَعِيبَ وَالصَّغِيرَ في جَمِيعِ الْبِلَادِ لِاشْتِهَارِهَا في ذلك عُرْفًا وَإِنْ كانت لُغَةً لِكُلِّ ما يَدِبُّ على الْأَرْضِ وَلِأَنَّ الثَّلَاثَةَ أَغْلَبُ ما يُرْكَبُ قال تَعَالَى وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَالْمُرَادُ بِالْحِمَارِ الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ هذا إنْ أُطْلِقَ فَإِنْ قال أَعْطُوهُ دَابَّةً لِيُقَاتِلَ أو يَكُرَّ أو يَفِرَّ عليها خَرَجَ من الْوَصِيَّةِ غَيْرُ الْفَرَسِ فَيَتَعَيَّنُ الْفَرَسُ أو لِيَنْتَفِعَ بِظَهْرِهَا وَنَسْلِهَا خَرَجَ منها الْبَغْلُ أو لِيَحْمِلَ عليها خَرَجَ منها الْفَرَسُ لَا بِرْذَوْنٌ اُعْتِيدَ الْحَمْلُ عليه فَلَا يَخْرُجُ أو قال أَعْطُوهُ دَابَّةً لِظَهْرِهَا وَدَرِّهَا تَعَيَّنَتْ الْفَرَسُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا كان مِمَّنْ يَعْتَادُونَ شُرْبَ أَلْبَانِ الْخَيْلِ وَإِلَّا فَلَا فَتَتَعَيَّنُ الْبَقَرَةُ قلت أو النَّاقَةُ وقال الْمُتَوَلِّي وَقَوَّاهُ النَّوَوِيُّ إذْ قال أَعْطُوهُ دَابَّةً لِلْحَمْلِ عليها دخل فيها الْجِمَالُ وَالْبَقَرُ إنْ اعْتَادُوا الْحَمْلَ عليها وَأَمَّا الرَّافِعِيُّ فَضَعَّفَهُ بِأَنَّا إذَا نَزَّلْنَا الدَّابَّةَ على
____________________
(3/48)
الْأَجْنَاسِ الثَّلَاثَةِ لَا يَنْتَظِمُ حَمْلُهَا على غَيْرِهَا بِقَيْدٍ أو صِفَةٍ فَلَوْ قال أَعْطُوهُ دَابَّةً من دَوَابِّي وَمَعَهُ دَابَّةٌ من جِنْسٍ من الْأَجْنَاسِ الثَّلَاثَةِ تَعَيَّنَتْ أو دَابَّتَانِ من جِنْسَيْنِ منها يُخَيَّرُ الْوَارِثُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ لم يَكُنْ له شَيْءٌ منها عِنْدَ مَوْتِهِ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِيَوْمِ الْمَوْتِ لَا بِيَوْمٍ الْوَصِيَّةِ نعم إنْ كان له شَيْءٌ من النَّعَمِ أو نَحْوِهَا فَالْقِيَاسُ كما قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ الصِّحَّةُ وَيُعْطَى منها لِصِدْقِ اسْمِ الدَّابَّةِ عليها حِينَئِذٍ كما لو قال أَعْطُوهُ شَاةً من شِيَاهِي وَلَيْسَ عِنْدَهُ إلَّا ظِبَاءٌ فإنه يُعْطَى منها كما مَرَّ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ شَامِلٌ لِذَلِكَ بِخِلَافِ كَلَامِ أَصْلِهِ
وَالرَّقِيقُ يَقَعُ على الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْخُنْثَى وَالْمَعِيبِ وَالسَّلِيمِ وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ لِصِدْقِهِ بِكُلٍّ منها بِخِلَافِ الْعَبْدِ لَا يَشْمَلُ الْأَمَةَ وَبِالْعَكْسِ كما سَيَأْتِي فَإِنْ قال أَعْطُوهُ رَقِيقًا لِيُقَاتِلَ أو لِيَخْدُمَهُ في السَّفَرِ أُعْطِيَ ذَكَرًا لِأَنَّهُ الذي يَصْلُحُ لِذَلِكَ قال الْأَذْرَعِيُّ في الْأُولَى وَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا سَلِيمًا من الزَّمَانَةِ وَالْعَمَى وَنَحْوِهِمَا وقال في الثَّانِيَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ سَلِيمًا مِمَّا يَمْتَنِعُ معه الْخِدْمَةُ قال في الْأَصْلِ وَلَوْ قال أَعْطُوهُ رَقِيقًا يَخْدُمُهُ فَهُوَ كما لو أَطْلَقَ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ لَا مُطْلَقًا إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِمَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْخِدْمَةِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أو لِيَحْضُنَ وَلَدَهُ أو لِيَتَمَتَّعَ بِهِ فَأُنْثَى لِأَنَّهَا التي تَصْلُحُ لِلْحَضَانَةِ غَالِبًا وَلِلتَّمَتُّعِ
وَلَوْ قال أَعْطُوهُ رَأْسًا من رَقِيقِي أو من غَنَمِي أو من حُبْشَانِ عَبِيدِي وَلَيْسَ له إلَّا وَاحِدٌ أُعْطِيَهُ فَإِنْ لم يَكُنْ له شَيْءٌ من ذلك يوم الْمَوْتِ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ فَلَوْ مَلَكَهُ قبل الْمَوْتِ اسْتَحَقَّ الْمُوصَى له ما أَوْصَى له بِهِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِيَوْمِ الْمَوْتِ لَا بِيَوْمِ الْوَصِيَّةِ كما مَرَّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى من غَيْر أَرِقَّائِهِ وَإِنْ تَرَاضَيَا لِأَنَّهُ صَلُحَ على الْوَجْهِ ما عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ عن مَجْهُولٍ وهو بَاطِلٌ
فَرْعٌ لو أَوْصَى بِأَحَدِ عَبِيدِهِ فَقُتِلُوا وَلَوْ قَتْلًا مُضَمَّنًا أو مَاتُوا أو أَعْتَقَهُمْ قبل مَوْتِهِ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ إذْ لَا عَبِيدَ له يوم الْمَوْتِ فَهُوَ كما لو بَاعَهُمْ أو قُتِلُوا أو مَاتُوا أو أَعْتَقَهُمْ قبل مَوْتِهِ إلَّا وَاحِدًا منهم تَعَيَّنَ لِلْوَصِيَّةِ لِصِدْقِ الِاسْمِ بِهِ وَلِأَنَّهُ الْمَوْجُودُ وَكَمَا لو بَاعَهُ صَاعًا من صُبْرَةٍ فلم يَبْقَ سِوَاهُ فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ أَنْ يُمْسِكَ الذي بَقِيَ وَيَدْفَعَ إلَيْهِ قِيمَةَ مَقْتُولٍ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُوصِيَ بِأَحَدِ عَبِيدِهِ الْمَوْجُودِينَ فَلَوْ أَوْصَى بِأَحَدِ عَبِيدِهِ فَمَاتُوا إلَّا وَاحِدًا لم يَتَعَيَّنْ حتى لو مَلَكَ غَيْرَهُ فَلِلْوَارِثِ أَنْ يُعْطِيَ من الْحَادِثِ وَإِنْ قُتِلُوا بَعْدَ الْمَوْتِ قَتْلًا مُضَمَّنًا وَلَوْ قبل الْقَبُولِ تَعَيَّنَ حَقُّهُ في الْقِيمَةِ فَيُعْطِيهِ الْوَارِثُ بَعْدَ الْقَبُولِ قِيمَةَ من شَاءَ منهم فَإِنْ بَقِيَ وَاحِدٌ منهم تَخَيَّرَ الْوَارِثُ بين دَفْعِهِ وَدَفْعِ قِيمَةِ أَحَدِ الْمَقْتُولِينَ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمْ أو قُتِلَ قَتْلًا وَلَوْ غير مُضَمَّنٍ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَوْ قبل الْقَبُولِ فَلِلْوَارِثِ تَعْيِينُهُ لِلْوَصِيَّةِ وَيَلْزَمُهُ أَيْ الْمُوصَى له في صُورَةِ الْمَوْتِ تَجْهِيزُهُ إنْ قَبِلَ وَتَكُونُ الْقِيمَةُ له في صُورَةِ الْقَتْلِ الْمُضَمَّنِ بِنَاءً على ما مَرَّ من أَنَّ الْمِلْكَ في الْوَصِيَّةِ مَوْقُوفٌ على الْقَبُولِ
فَرْعٌ لو قال أَعْطُوهُ رَقِيقًا أو رَقِيقًا من مَالِي لم يَتَعَيَّنْ إعْطَاؤُهُ من أَرِقَّائِهِ وَيَجِبُ شِرَاؤُهُ إنْ لم يَكُنْ له رَقِيقٌ فَلَوْ أَوْصَى بِعَبْدٍ لم يُعْطَ أَمَةً وَلَا خُنْثَى وَكَذَا عَكْسُهُ أَيْ لو أَوْصَى بِأَمَةٍ أو خُنْثَى لم يُعْطَ عَبْدًا وَلَا يُعْطَى خُنْثَى في الْأُولَى وَلَا أُنْثَى في الثَّانِيَةِ
فَصْلٌ لو أَوْصَى بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ تَطَوُّعًا أَجْزَأَهُ إعْتَاقُ ما يَقَعُ عليه الِاسْمُ كما لو قال أَعْطُوا فُلَانًا رَقِيقًا وَإِنْ أَوْصَى شَخْصًا أَنْ يَشْتَرِيَ بِثُلُثِهِ عَبْدًا وَيَعْتِقَهُ عنه فَاشْتَرَاهُ بِعَيْنِهِ أَيْ الثُّلُثَ وَأَعْتَقَهُ عنه ثُمَّ ظَهَرَ عليه دَيْنٌ وَلَوْ غير مُسْتَغْرِقٍ بَطَلَ الشِّرَاءُ وَالْعِتْقُ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ فَأَشْبَهَ التَّصَرُّفَ في الْمَرْهُونِ وَإِنْ اشْتَرَا ه في ذِمَّتِهِ وَقَعَ الشِّرَاءُ عنه وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ اعْتَمَدَ ذِمَّتَهُ فَوَقَعَ عنه وَوَقَعَ الْعِتْقُ عن الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ عنه وَإِنْ قال أَعْتِقُوا عَنِّي ثُلُثِي رِقَابًا أو اشْتَرُوا بِثُلُثِي رِقَابًا وَأَعْتِقُوهُمْ فَأَقَلُّهُ أَيْ أَقَلُّ عَدَدٍ يَقَعُ عليه اسْمُ الرِّقَابِ ثَلَاثٌ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ فَإِنْ وَفَّى الثُّلُثُ بِثَلَاثٍ فَأَكْثَرَ فُعِلَ وَالِاسْتِكْثَارُ مع الِاسْتِرْخَاصِ أَوْلَى من الِاسْتِقْلَالِ مع الِاسْتِغْلَاءِ فَإِعْتَاقُ خَمْسِ رِقَابٍ مَثَلًا قَلِيلَةِ الْقِيمَةِ أَفْضَلُ من إعْتَاقِ أَرْبَعٍ مَثَلًا كَثِيرَةِ الْقِيمَةِ لِمَا فيه من تَخْلِيصِ رَقَبَةٍ زَائِدَةٍ عن الرِّقِّ وقد قال صلى اللَّهُ عليه وسلم من أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ منها عُضْوًا منه من النَّارِ وَلَا يَصْرِفُ
____________________
(3/49)
الْوَصِيُّ الثُّلُثَ وَالْحَالَةُ هذه إلَى رَقَبَتَيْنِ فَإِنْ صَرَفَهُ في اثْنَتَيْنِ غَرِمَ ثَالِثَةً بِأَقَلَّ ما يَجِدُ بِهِ رَقَبَةً لَا بِثُلُثِ ما نُفِّذَتْ فيه الْوَصِيَّةُ كما في دَفْعِ نَصِيبِ أَحَدِ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ إلَى اثْنَيْنِ فَلَوْ لم يَفِ إلَّا بِرَقَبَتَيْنِ وَشِقْصٍ من رَقَبَةٍ أَخَذَ رَقَبَتَيْنِ نَفِيسَتَيْنِ يَسْتَغْرِقُ ثَمَنُهُمَا الثُّلُثَ فَقَطْ أَيْ لَا رَقَبَتَيْنِ وَشِقْصًا لِأَنَّ الشِّقْصَ ليس بِرَقَبَةٍ فَصَارَ كَقَوْلِهِ اشْتَرُوا بِثُلُثِي رَقَبَةً وَأَعْتِقُوهَا فلم يَجِدْ بِهِ رَقَبَةً لَا يَشْتَرِي شِقْصًا وَلِأَنَّ نَفَاسَةَ الرَّقَبَةِ مَرْغُوبٌ فيها وقد سُئِلَ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن أَفْضَلِ الرِّقَابِ فقال أَكْثَرُهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
وَعُورِضَ بِالْخَبَرِ السَّابِقِ وَيُجَابُ بِحَمْلِ ذَاكَ على ما إذَا اخْتَلَفَ عَدَدُ الْخَسِيسِ وَالنَّفِيسِ وَهَذَا على ما إذَا اتَّحَدَ أو يُحْمَلُ ذَاكَ على ما إذَا تَيَسَّرَ تَكْمِيلُ الرِّقَابِ الْمُسْتَكْثِرَةِ وَهَذَا على ما إذَا لم يَتَيَسَّرْ ذلك
فَإِنْ فَضَلَ عن أَنْفُسِ رَقَبَتَيْنِ وُجِدَتَا شَيْءٌ فَلِلْوَرَثَةِ لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ فيه حِينَئِذٍ قال الزَّرْكَشِيُّ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ في امْتِنَاعِ شِرَاءِ الشِّقْصِ بين كَوْنِ بَاقِيهِ حُرًّا وكونه رَقِيقًا وَيُحْتَمَلُ الْجَوَازُ فِيمَا إذَا كان بَاقِيهِ حُرًّا كما في نَظِيرِهِ من الْكَفَّارَةِ وَإِنْ قال اصْرِفُوهُ أَيْ ثُلُثِي إلَى الْعِتْقِ اشْتَرَى الشِّقْصَ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ صَرْفُ الثُّلُثِ إلَى الْعِتْقِ وَقَضِيَّةَ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ يَشْتَرِي الشِّقْصَ وَإِنْ قَدَرَ على التَّكْمِيلِ وَلِهَذَا قال السُّبْكِيُّ يُشْتَرَى شِقْصٌ لَكِنْ التَّكْمِيلُ أَوْلَى إذَا أَمْكَنَ وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الطَّاوُسِيُّ وَالْبَارِزِيُّ أَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِي ذلك عِنْدَ الْعَجْزِ عن التَّكْمِيلِ وقال الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ الْأَقْرَبُ قلت بَلْ الْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ وَإِنْ قال أَعْتِقُوا عَنِّي عَبْدًا تَأْخُذُونَهُ بِمِائَتَيْنِ وَالثُّلُثُ مِائَةٌ وَأَمْكَنَ أَخْذُنَا عَبْدًا بها أَخَذْنَا بها عَبْدًا وَأَعْتَقْنَاهُ كما لو أَوْصَى بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ فلم يَخْرُجْ جَمِيعُهُ من الثُّلُثِ فَيَتَعَيَّنُ إعْتَاقُ الْقَدْرِ الذي يَخْرُجُ
الطَّرَفُ الثَّانِي في اللَّفْظِ الْمُسْتَعْمَلِ في الْمُوصَى له فَإِنْ أَوْصَى لِحَمْلِ هِنْدٍ بِكَذَا فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ حَيَّيْنِ وَلَوْ ذَكَرًا وَأُنْثَى وَلَدَتْهُمَا مَعًا أو مُرَتَّبًا وَبَيْنَهُمَا أَقُلُّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ اسْتَوَيَا كما لو وَهَبَ لِذَكَرٍ وَأُنْثَى شيئا وَإِنَّمَا التَّفْضِيلُ في التَّوْرِيثِ بِالْعُصُوبَةِ أو وَلَدَتْ حَيًّا وَمَيِّتًا فَلِلْحَيِّ مِنْهُمَا الْكُلُّ لِأَنَّ الْمَيِّتَ كَالْمَعْدُومِ بِدَلِيلِ الْبُطْلَانِ بِانْفِصَالِهِمَا مَيِّتَيْنِ فَإِنْ قال إنْ كان حَمْلُهَا أو ما في بَطْنِهَا ذَكَرًا فَلَهُ كَذَا أو أُنْثَى فَكَذَا فَوَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى جميعا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا لِأَنَّ حَمْلَهَا جَمِيعَهُ ليس بِذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى وَلَوْ وَلَدَتْ ذَكَرَيْنِ قُسِّمَ الْمُوصَى بِهِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ قال إنْ كان حَمْلُهَا أو ما في بَطْنِهَا ابْنًا فَلَهُ كَذَا أو بِنْتًا فَكَذَا فَوَلَدَتْ ابْنَيْنِ أو بِنْتَيْنِ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا وَإِنَّمَا لم يُقَسَّمْ ذلك بَيْنَهُمَا كما في التي قَبْلَهَا لِأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى لِلْجِنْسِ فَيَقَعُ على الْوَاحِدِ وَالْعَدَدِ بِخِلَافِ الِابْنِ وَالْبِنْت قال الرَّافِعِيُّ وَلَيْسَ الْفَرْقُ بِوَاضِحٍ وَالْقِيَاسُ التَّسْوِيَةُ وَتَبِعَهُ السُّبْكِيُّ وقال النَّوَوِيُّ بَلْ الْفَرْقُ وَاضِحٌ وهو الْمُخْتَارُ وَفِيمَا قَالَهُ من وُضُوحٍ الْفَرْقِ نَظَرٌ
وَإِنْ قال إنْ وَلَدَتْ غُلَامًا أو إنْ كان في بَطْنِكِ غُلَامٌ أو إنْ كُنْتِ حَامِلًا بِغُلَامٍ فَلَهُ كَذَا أو أُنْثَى فَكَذَا فَوَلَدَتْهُمَا أُعْطِيَاهُ أَيْ أُعْطِيَ كُلُّ مِنْهُمَا ما أُوصِيَ له بِهِ وَلَوْ وَلَدَتْ ذَكَرَيْنِ وَلَوْ مع أُنْثَيَيْنِ أَعْطَى الْوَارِثُ من شَاءَ مِنْهُمَا كما لو أَوْصَى لِأَحَدِ الشَّخْصَيْنِ بِأَحَدِ الْعَبْدَيْنِ وَمَاتَ قبل الْبَيَانِ وَقُلْنَا بِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِمُبْهَمٍ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَإِنْ وَلَدَتْ خُنْثَى أُعْطِيَ الْأَقَلَّ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالْقِيَاسُ أَنَّا نُوقِفُ له تَمَامَ ما جُعِلَ لِلذَّكَرِ حتى يَظْهَرَ الْحَالُ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ ابن الْمُسْلِمِ وَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ الذَّكَرِ بِالْآخَرِ كان أَوْلَى وَإِنْ قال إنْ وَلَدَتْ غُلَامًا فَلَهُ كَذَا فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً اسْتَحَقَّهُ الْغُلَامُ أو غُلَامَيْنِ أَعْطَى الْوَارِثُ من شَاءَ مِنْهُمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَإِنْ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ صُرِفَ إلَى أَرْبَعِينَ دَارًا من كل جَانِبٍ من جَوَانِبِ دَارِهِ الْأَرْبَعَةِ لِخَبَرِ حَقُّ الْجِوَارِ أَرْبَعُونَ دَارًا هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ قُدَّامًا وَخَلْفًا وَيَمِينًا وَشِمَالًا
رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ مُرْسَلًا وَلَهُ طُرُقٌ تُقَوِّيهِ فَيُصْرِفُ ذلك لِلْمُسْلِمِ وَالْغَنِيِّ وَضِدِّهِمَا على عَدَدِ الدُّورِ لَا على عَدَدِ السُّكَّانِ قال السُّبْكِيُّ
____________________
(3/50)
وَيَنْبَغِي أَنْ تُقَسَّمَ حِصَّةُ كل دَارٍ على عَدَدِ سُكَّانِهَا قال الْأَذْرَعِيُّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ وُجُوبُ اسْتِيعَابِ الدُّورِ من الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ وَالْمُتَّجَهُ حَمْلُ كَلَامِهِمْ على أَنَّ غَايَةَ الْجِوَارِ ذلك لَا أَنَّهُ يَجِبُ وَكَلَامُ الْبَيَانِ يُعَضِّدُهُ وَعَلَيْهِ يَبْدَأُ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ كما أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ
انْتَهَى
وَالْمُتَّجَهُ إبْقَاءُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ على إطْلَاقِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَمَحَلُّ ما تَقَرَّرَ في جَارِ الدَّارِ أَمَّا لو أَوْصَى لِجِيرَانِ الْمَسْجِدِ فَالْوَجْهُ حَمْلُهُ على من يَسْمَعُ النِّدَاءَ وقد رَوَى الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ في خَبَرِ لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا في الْمَسْجِدِ أَنَّ جَارَ الْمَسْجِدِ من يَسْمَعُ النِّدَاءَ
انْتَهَى
وَالْوَجْهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ كَغَيْرِهِ فِيمَا تَقَرَّرَ وما في الْخَبَرِ خَاصُّ بِحُكْمِ الصَّلَاةِ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ وَلَوْ كان لِلْمُوصِي دَارَانِ صُرِفَ إلَى جِيرَانِ أَكْثَرِهِمَا سُكْنَى له فَإِنْ اسْتَوَيَا فَإِلَى جِيرَانِهِمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عن الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ وَالزَّرْكَشِيُّ عن بَعْضِهِمْ ثُمَّ قال الْأَوَّلُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُصْرَفَ إلَى جِيرَانِ من كان فيها الْوَصِيَّةِ وَالْمَوْتِ وَاقْتَصَرَ الثَّانِي على حَالَةِ الْمَوْتِ
أو أَوْصَى لِلْقُرَّاءِ فَحَفَظَةِ الْقُرْآنِ يُصْرَفُ إلَيْهِمْ لَا إلَى حَفَظَةِ بَعْضِهِ وَلَا إلَى من قَرَأَ بِالْمَصَاحِفِ بِلَا حِفْظٍ لِلْعُرْفِ أو أَوْصَى لِلْعُلَمَاءِ أو لِأَهْلِ الْعِلْمِ فَأَهْلُ عُلُومِ الشَّرْعِ من الْفِقْهِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ يُصْرَفُ إلَيْهِمْ إنْ عَلِمَ أَهْلُ الحديث طُرُقَهُ وَمَتْنَهُ وَأَسْمَاءَ رِجَالِهِ وَالْمُرَادُ بِالْفَقِيهِ من مَرَّ بَيَانُهُ في الْوَقْفِ كما ذَكَرَهُ بَعْدُ وَبِأَهْلِ التَّفْسِيرِ من يَعْرِفُ مَعَانِيَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وما أُرِيدَ بِهِ لَا الْمُعْرِبُونَ وَالْأُدَبَاءُ وَالْأَطِبَّاءُ وَالْمُنَجِّمُونَ وَالْمُعَبِّرُونَ وَالْحُسَّابُ وَالْمُهَنْدِسُونَ وَلَا الْمُتَكَلِّمُونَ وَلَا سُمَّاعُ الْحَدِيث الَّذِينَ لَا عِلْمَ لهم بِمَا مَرَّ وَذَلِكَ لِاشْتِهَارِ الْعُرْفِ في الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ دُونَ غَيْرِهِمْ نعم اسْتَدْرَكَ السُّبْكِيُّ على ما ذُكِرَ في عِلْمِ الْكَلَامِ بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْعِلْمُ بِاَللَّهِ وَصِفَاتِهِ وما يَسْتَحِيلُ عليه لِيَرُدَّ على الْمُبْتَدِعَةِ وَلِيُمَيِّزَ بين الِاعْتِقَادِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ فَذَاكَ من أَجْلِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وقد جَعَلُوهُ في كِتَابِ السَّيْرِ من فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ التَّوَغُّلُ في شُبَهِهِ وَالْخَوْضُ فيه على طَرِيقِ الْفَلْسَفَةِ فَلَا وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ
وَلِهَذَا قال لَأَنْ يَلْقَى الْعَبْدُ رَبَّهُ بِكُلِّ ذَنْبٍ ما خَلَا الشِّرْكَ خَيْرٌ له من أَنْ يَلْقَاهُ بِعِلْمِ الْكَلَامِ
قال في الْمَطْلَبِ تَبَعًا لِابْنِ يُونُسَ وَالْمُرَادُ بِالْمُقْرِئِ التَّالِي أَمَّا الْعَالِمُ بِالرِّوَايَاتِ وَرِجَالِهَا فَكَالْعَالِمِ بِطُرُقِ الحديث وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيّ بَعْدَ أَنْ رَدَّهُ من حَيْثُ الْمَذْهَبُ بِأَنَّ عِلْمَ الْقِرَاءَاتِ يَتَعَلَّقُ بِالْأَلْفَاظِ دُونَ الْمَعَانِي فَالْعَارِفُ بِهِ لَا يَدْخُلُ في اسْمِ الْعُلَمَاءِ وَبِأَنَّ التَّالِيَ قَارِئٌ لَا مُقْرِئٌ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُرَادُ بِالْأُدَبَاءِ النُّحَاةُ وَاللُّغَوِيُّونَ وقد عَدَّ الزَّمَخْشَرِيّ الْأَدَبَ اثْنَيْ عَشَرَ عِلْمًا وَوَصْفُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ وَالصُّوفِيَّةِ سَبَقَ بَيَانُهُ في الْوَقْفِ وَأَعْقَلُ الناس أَزْهَدُهُمْ في الدُّنْيَا وَكَذَا أَكْيَسُ الناس قَالَهُ الْقَاضِي وَأَجْهَلُهُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ فَإِنْ قال أَوْصَيْتُ لِأَجْهَلِهِمْ من الْمُسْلِمِينَ فَمَنْ أَيْ فَيُصْرَفُ إلَى من يَسُبُّ الصَّحَابَةَ وَقِيلَ إلَى الْإِمَامِيَّةِ وَالْمُجَسِّمَةِ وَقِيلَ إلَى مُرْتَكِبِ الْكَبَائِرِ من الْمُسْلِمِينَ إذْ لَا شُبْهَةَ لهم وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ وهو لَا يُلَائِمُ قَوْلَهُمْ إنَّهُ يُشْتَرَطُ في الْوَصِيَّةِ لِلْجِهَةِ عَدَمُ الْمَعْصِيَةِ
وقد تَفَطَّنَ لِذَلِكَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ فقال وَيَنْبَغِي عَدَمُ صِحَّتِهَا لِمَا فيها من الْمَعْصِيَةِ كما لَا تَصِحُّ لِقَاطِعِ الطَّرِيقِ وَلَوْ أَوْصَى لِأَبْخَلِ الناس قال الْبَغَوِيّ صُرِفَ إلَى مَانِعِ الزَّكَاةِ وَذَكَرَ الْقَاضِي هذا احْتِمَالًا ثُمَّ قال وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُصْرَفَ إلَى من لَا يَقْرِي الضَّيْفَ وَلَوْ أَوْصَى لِأَحْمَقِ الناس قال الرُّويَانِيُّ قال إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ تُصْرَفُ إلَى من يقول بِالتَّثْلِيثِ وقال الْمَاوَرْدِيُّ عِنْدِي أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى أَسْفَهِ الناس لِأَنَّ الْحُمْقَ يَرْجِعُ إلَى الْفِعْلِ دُونَ الِاعْتِقَادِ وَعَنْ الْقَاضِي لو أَوْصَى لِسَيِّدِ الناس صُرِفَ إلَى الْخَلِيفَةِ وَجَرَى عليه الْمَاوَرْدِيُّ وَعَلَّلَهُ
____________________
(3/51)
بِأَنَّ سَيِّدَ الناس هو الْمُتَقَدِّمُ عليهم وَالْمُطَاعُ فِيهِمْ قال وَلَوْ أَوْصَى لِأَعْلَمِ الناس صُرِفَ إلَى الْفُقَهَاءِ لِتَعَلُّقِ الْفِقْهِ بِأَكْثَرِ الْعُلُومِ
وَإِنْ أَوْصَى لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَجَبَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا النِّصْفُ فَلَا يُقَسَّمُ ذلك على عَدَدِ رُءُوسِهِمْ أو لِأَحَدِهِمَا دخل فيه الْآخَرُ فَيَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمَا أو لِلرِّقَابِ أو غَيْرِهِمْ من الْأَصْنَافِ أو لِلْعُلَمَاءِ لم يَجِبْ الِاسْتِيعَابُ بَلْ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْإِمْكَانِ كما في الزَّكَاةِ إذَا فَرَّقَهَا الْمَالِكُ وَيَكْفِي ثَلَاثَةٌ من كل صِنْفٍ أَيْ الِاقْتِصَارُ عليها لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ بِخِلَافِ بَنِي زَيْدٍ وبني عَمْرٍو فإنه يُشْتَرَطُ اسْتِيعَابُهُمْ بِأَنْ يُقَسَّمَ على عَدَدِ رُءُوسِهِمْ كما أَفَادَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ وَإِنْ دَفَعَ لِاثْنَيْنِ غَرِمَ لِلثَّالِثِ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ لِأَنَّهُ الذي فَرَّطَ فيه لَا الثُّلُثُ وَلَا يَصْرِفُهُ أَيْ أَقَلُّ مُتَمَوَّلٍ لِلثَّالِثِ بَلْ يُسَلِّمُهُ لِلْقَاضِي لِيَصْرِفَهُ له بِنَفْسِهِ أو يَرُدُّهُ الْقَاضِي إلَيْهِ لِيَدْفَعَهُ هو قال الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنَّ مَحَلَّ ذلك ما إذَا دَفَعَ لِاثْنَيْنِ عَالِمًا بِأَنَّهُ يَجِبُ الدَّفْعُ إلَى ثَلَاثَةٍ أَمَّا لو ظَنَّ جَوَازَهُ لِجَهْلٍ أو اعْتِقَادِ أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ فَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ له الِاسْتِقْلَالُ بِالدَّفْعِ لِثَالِثٍ لِأَنَّهُ بَاقٍ على أَمَانَتِهِ وَإِنْ أَخْطَأَ وَضَمَّنَّاهُ قال ولم يَذْكُرُوا الِاسْتِرْدَادَ من الْمَدْفُوعِ إلَيْهِمَا إذَا أَمْكَنَ وهو ظَاهِرٌ بَلْ مُتَعَيِّنٌ إذَا كان الْوَصِيُّ مُعْسِرًا وَلَيْسَ كَالْمَالِكِ في دَفْعِ زَكَاتِهِ لِأَنَّهُ ثَمَّ مُتَبَرِّعٌ بِمَالِهِ وَالْوَصِيُّ هُنَا مُتَصَرِّفٌ على غَيْرِهِ
وَيَجُوزُ نَقْلُ الْمُوصَى بِهِ لِلْفُقَرَاءِ أو الْمَسَاكِينِ من بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ الْأَطْمَاعَ لَا تَمْتَدُّ إلَى الْوَصِيَّةِ امْتِدَادَهَا إلَى الزَّكَاةِ كما مَرَّ في بَابِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ إذْ الزَّكَاةُ مَطْمَحُ نَظَرِ الْفُقَرَاءِ من حَيْثُ إنَّهَا مُوَظَّفَةٌ دَائِرَةٌ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ وَلِهَذَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهَا بِفُقَرَاءِ سَائِرِ الْبِلَادِ فَإِنْ رَقَّ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ أَخْذِهِ من الْوَصِيَّةِ اُسْتُرِدَّ منه الْمَالُ إنْ كان بَاقِيًا في يَدِهِ أو يَدِ سَيِّدِهِ
فَرْعٌ لو أَوْصَى لِفُقَرَاءِ بَلَدٍ بِعَيْنِهِ مَحْصُورِينَ اُشْتُرِطَ قَبُولٌ منهم وَاسْتِيعَابٌ لهم وَتَسْوِيَةٌ بَيْنَهُمْ لِتَعَيُّنِهِمْ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِمُطْلَقِ الْفُقَرَاءِ أو أَوْصَى لِسَبِيلِ الْبِرِّ أو الْخَيْرِ أو الثَّوَابِ فَكَمَا في الْوَقْفِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ ثُمَّ فَإِنْ فَوَّضَ الْمُوصِي أَمْرَ الْوَصِيَّةِ إلَى الْوَصِيِّ كَأَنْ قال له ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ رَأَيْتَ أو فِيمَا أَرَاك اللَّهُ لم يُعْطِ نَفْسَهُ وَإِنْ كان مُحْتَاجًا كما أَنَّ الْوَكِيلَ في الْبَيْعِ لَا يَبِيعُ لِنَفْسِهِ بَلْ أَقَارِبُ الْمُوصِي الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ منه أَوْلَى بِالصَّرْفِ إلَيْهِمْ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ فِيهِمْ آكَدُ ثُمَّ الْأَوْلَى أَنْ يُصْرَفَ إلَى مَحَارِمِهِ من الرَّضَاعِ ثُمَّ إلَى جِيرَانِهِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ أَمَّا أَقَارِبُهُ الَّذِينَ يَرِثُونَ منه فَلَا يَصْرِفُ إلَيْهِمْ شيئا وَإِنْ كَانُوا مُحْتَاجِينَ إذْ لَا يُوصَى لهم عَادَةً قال الصَّيْمَرِيُّ وَيَمْتَنِعُ الصَّرْفُ إلَى عبد الْمُوصِي
وَإِنْ أَوْصَى لِأَقَارِبِ زَيْدٍ أو رَحِمِهِ وَجَبَ اسْتِيعَابُهُمْ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ إنْ انْحَصَرُوا لِتَعَيُّنِهِمْ فَإِنْ لم يَنْحَصِرُوا فَكَالْوَصِيَّةِ لِلْعُلْوِيَّةِ وَسَيَأْتِي وَلَوْ لم يَكُنْ منهم إلَّا وَاحِدٌ أُعْطِيَ الْكُلَّ لِأَنَّ كُلًّا من الْقَرَابَةِ وَالرَّحِمِ مَصْدَرٌ يُوصَفُ بِهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَعَلَّلَ الْإِمَامُ صُورَةَ الْجَمْعِ بِأَنَّ الْجَمْعَ ليس مَقْصُودًا هُنَا وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الصَّرْفُ إلَى جِهَةِ الْقَرَابَةِ قال الرَّافِعِيُّ لَكِنَّهُ لو كان كَذَلِكَ لَمَا وَجَبَ الِاسْتِيعَابُ كَالْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ وَيَدْخُلُ في الْوَصِيَّةِ لِأَقَارِبِ زَيْدٍ أو رَحِمِهِ الْوَارِثُ وَغَيْرُهُ وَالْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْخُنْثَى وَالْفَقِيرُ وَالْغَنِيُّ لِشُمُولِ الِاسْمِ لهم وَكَذَا يَدْخُلُ فيها الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ وَالْأَحْفَادُ كلهم لَا الْأَبَوَانِ وَالْأَوْلَادُ لِأَنَّهُمْ لَا يُعْرَفُونَ بِذَلِكَ عُرْفًا بِخِلَافِ من قَبْلَهُمْ إذْ قَرِيبُ الْإِنْسَانِ وَرَحِمُهُ من يَنْتَمِي إلَيْهِ بِوَاسِطَةٍ وَلَوْ أَوْصَى لِأَقَارِبِ نَفْسِهِ لم تَدْخُلُ وَرَثَتُهُ بِقَرِينَةِ الشَّرْعِ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَا يُوصَى له عَادَةً وَقِيلَ يَدْخُلُونَ لِوُقُوعِ الِاسْمِ عليهم ثُمَّ يَبْطُلُ نَصِيبُهُمْ لِتَعَذُّرِ إجَازَتِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ وَيَصِحُّ الْبَاقِي لِغَيْرِهِمْ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَيُؤْخَذُ من تَعْلِيلِ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ جَمِيعُ
____________________
(3/52)
نَصِيبِ كُلٍّ من الْوَرَثَةِ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ منه ما يَحْتَاجُ إلَى إجَازَةِ نَفْسِهِ خَاصَّةً وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ في صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ إجَازَةُ نَفْسِهِ وهو مَمْنُوعٌ فَلَوْ قِيلَ يَدْخُلُ وَيُعْطَى نَصِيبَهُ كان أَوْجَهَ وَأَنْسَبَ بِمَا لو أَوْصَى لِأَهْلِهِ فإنه يُحْمَلُ على من تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ على الْأَصَحِّ إلَّا أَنْ يُقَالَ في تِلْكَ لَا يَدْخُلُ أو يَدْخُلُ وَيَبْطُلُ نَصِيبُهُ وَالْمُعْتَبَرُ فِيمَا ذُكِرَ أَقْرَبُ جَدٍّ يُنْسَبُ إلَيْهِ الْمُوصِي لِأَقَارِبِهِ وَبَعْدَ الْجَدِّ قَبِيلَةٌ فَيَرْتَقِي في بَنِي الْأَعْمَامِ إلَيْهِ وَلَا يُعْتَبَرُ من في دَرَجَتِهِ وَلَا من فَوْقَهُ فَالْحَسَنِيُّونَ لَا يُشَارِكُهُمْ الْحُسَيْنِيُّونَ أَيْ فَالْوَصِيَّةُ لِأَقَارِبِ حَسَنِيٍّ لِأَوْلَادِ الْحَسَنِ دُونَ أَوْلَادِ من فَوْقَهُ وَأَوْلَادِ الْحُسَيْنِ وَلِأَقَارِبِ الشَّافِعِيِّ في زَمَنِهِ لِأَوْلَادِ شَافِعٍ دُونَ أَوْلَادِ من في دَرَجَتِهِ وَأَوْلَادِ من فَوْقَهُ أو لِأَقَارِبِ من هو من ذُرِّيَّةِ الشَّافِعِيِّ في زَمَنِنَا لِأَوْلَادِ الشَّافِعِيِّ دُونَ أَوْلَادِ من في دَرَجَتِهِ وَأَوْلَادِ من فَوْقَهُ
وَقَوْلِي في الْأُولَى في زَمَنِهِ تَبِعْتُ فيه الْأَصْلَ وَغَيْرَهُ وَلَا حَاجَة إلَيْهِ بَلْ يُوهِمُ خِلَافُ الْمُرَادِ وَيَسْتَوِي في الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ قَرَابَةُ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَلَوْ كان الْمُوصِي عَرَبِيًّا لِشُمُولِ الِاسْمِ وَقِيلَ لَا يَدْخُلُ قَرَابَةُ الْأُمِّ إنْ كان الْمُوصِي عَرَبِيًّا لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَعُدُّهَا قَرَابَةً وَلَا يُفْتَخَرُ بها وَهَذَا ما صَحَّحَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ لَكِنْ قال الرَّافِعِيُّ في شَرْحَيْهِ الْأَقْوَى الدُّخُولُ وَأَجَابَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَصَحَّحَهُ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ قال الرَّافِعِيُّ وَتَوْجِيهُ عَدَمِ الدُّخُولِ بِمَا ذُكِرَ مَمْنُوعٌ بِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سَعْدٌ خَالِي فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ كَالرَّحِمِ في أَنَّهُ يَسْتَوِي في الْوَصِيَّةِ لها قَرَابَةُ الْأَبِ وَالْأُمِّ بِلَا خِلَافٍ في الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ إذْ لَفْظُ الرَّحِمِ لَا يَخْتَصُّ بِطَرَفِ الْأَبِ وَإِنْ أَوْصَى لِأَقْرَبِ أَقَارِبِ زَيْدٍ دخل فيها الْأَبَوَانِ وَالْأَوْلَادُ كما يَدْخُلُ غَيْرُهُمْ عِنْد عَدَمِهِمْ لِأَنَّ أَقْرَبَهُمْ هو الْمُنْفَرِدُ بِزِيَادَةِ الْقَرَابَةِ وَهَؤُلَاءِ كَذَلِكَ وَإِنْ لم يُطْلَقْ عليهم أَقَارِبُ عُرْفَا
تُقَدَّمُ وفي نُسْخَةٍ وَتُقَدَّمُ الذُّرِّيَّةُ مُطْلَقَا أَيْ سَوَاءٌ أَكَانُوا من أَوْلَادِ الْبَنِينَ أَمْ من أَوْلَادِ الْبَنَاتِ على الْآبَاءِ الْأَعْلَى منهم فَالْأَعْلَى لِقُوَّةِ عُصُوبَتِهِمْ وَإِرْثِهِمْ في الْجُمْلَةِ ثُمَّ يُقَدَّمُ الْأَبَوَانِ على من فَوْقَهُمَا وَعَلَى الْحَوَاشِي وَالْأَخُ من الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ يُقَدَّمُ على الْجَدِّ من الْجِهَتَيْنِ لِقُوَّةِ جِهَةِ الْبُنُوَّةِ على جِهَةِ الْأُبُوَّةِ كما في الْإِرْثِ بِالْوَلَاءِ لَكِنَّ قَضِيَّةَ التَّعْلِيلِ إخْرَاجُ الْأَخِ لِلْأُمِّ وَلَيْسَ مُرَادًا وَكَذَا تُقَدَّمُ ذُرِّيَّتُهُ أَيْ الْأَخِ على الْجَدِّ لِذَلِكَ وَيُقَدَّمُ منهم الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى لِذَلِكَ وَكَالْأَخِ وَذُرِّيَّتِهِ فِيمَا ذُكِرَ الْأُخْتُ وَذُرِّيَّتُهَا كما أَفَادَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ ثُمَّ بَعْدَ ذلك الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ وَالْأَعْمَامُ وَالْعَمَّاتُ وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ بَعْدَ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ سَوَاءٌ فَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُمْ قال في الْأَصْلِ ثُمَّ أَوْلَادُهُمْ قال ابن الرِّفْعَةِ وَيُقَدَّمُ الْعَمُّ وَالْعَمَّةُ على أبي الْجَدِّ وَالْخَالُ وَالْخَالَةُ على جَدِّ الْأُمِّ وَجَدَّتِهَا وَكَذَا الْأَخُ من الْأَبِ وَالْأَخُ من الْأُمِّ سَوَاءٌ وابن الْأَبَوَيْنِ من الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ وَأَوْلَادُهُمْ يُقَدَّمُ على ابْنِ أَحَدِهِمَا لِزِيَادَةِ قَرَابَتِهِ وَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ الِابْنِ بِالْوَلَدِ كان أَعَمَّ
وَالْأَخُ لِأُمٍّ يُقَدَّمُ على ابْنِ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ هَكَذَا يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ دَرَجَةً في الْجِهَةِ كَيْفَ كان عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ فَيُقَدَّمُ الْأَخُ لِأَبٍ على ابْنِ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ وابن أَخٍ لِأَبٍ وابن أَخٍ لِأُمٍّ على ابْنِ ابْنِ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ لِأَنَّ جِهَةَ الْأُخُوَّةِ وَاحِدَةٌ فُرُوعِي قَرِيبُ الدَّرَجَةِ وَإِلَّا بِأَنْ اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ فَالْبَعِيدُ من الْجِهَةِ الْقَرِيبَةِ يُقَدَّمُ على الْقَرِيبِ من الْجِهَةِ الْبَعِيدَةِ كَابْنِ ابْنِ الْأَخِ وَإِنْ سَفَلَ يُقَدَّمُ على الْعَمِّ وَلَا تَرْجِيحَ بِذُكُورَةٍ وَلَا أُنُوثَةٍ بَلْ يَسْتَوِي الْأَبُ وَالْأُمُّ وَالِابْنُ وَالْبِنْتُ وَيُقَدَّمُ ابن الْبِنْتِ على ابْنِ ابْنِ الِابْنِ كما يَسْتَوِي الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مَنُوطٌ بِزِيَادَةِ الْقُرْب قال في الْأَصْلِ وفي تَقْدِيمِ الْجَدَّةِ من جِهَتَيْنِ على الْجَدَّةِ من جِهَةٍ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ في الْمِيرَاثِ وَقَضِيَّتُهُ أَنْ يُسَوَّى بَيْنَهُمَا على الْأَصَحِّ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو مُتَابَعٌ فيه لِابْنِ الصَّبَّاغِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الْمَأْخَذُ ثَمَّ اسْمُ الْجَدَّةِ وَهُنَا مَعْنَى الْأَقْرَبِيَّةِ فَتُقَدَّمُ ذَاتُ الْقَرَابَتَيْنِ على ذَاتِ الْقَرَابَةِ الْوَاحِدَةِ وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيّ وَالْخُوَارِزْمِيّ في الْوَقْفِ
فَرْعٌ لو أَوْصَى لِجَمَاعَةٍ من أَقْرَبِ أَقَارِب زَيْدٍ فَلَا بُدَّ من الصَّرْفِ إلَى ثَلَاثَةٍ من الْأَقْرَبِينَ فَلَوْ زَادُوا عليهم اسْتَوْعَبَهُمْ لِئَلَّا تَصِيرَ وَصِيَّةً لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ على ثَلَاثَةٍ منهم لِأَنَّ الْمُرَادَ ثَمَّ الْجِهَةُ فَلَوْ قال فَلَا بُدَّ من اسْتِيعَابِ الْأَقْرَبِينَ كان أَخْصَرَ وَإِنْ وَجَدْنَا منهم دُونَ ثَلَاثَةٍ تَمَمْنَاهَا مِمَّنْ يَلِيهِمْ فَإِنْ وَجَدْنَا ابْنًا وَابْنَ ابْنٍ وَبَنِي ابْنِ ابْنٍ دَفَعْنَا إلَى الِابْن ثُلُثًا وَإِلَى ابْنِ الِابْنِ ثُلُثًا آخَرَ ثُمَّ تَمَّمْنَا الثَّلَاثَ من الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ وَلَا يُقْتَصَرُ على وَاحِدٍ منها بَلْ لِأَهْلِهَا الثُّلُثُ
____________________
(3/53)
الْبَاقِي وَهَذَا يُغْنِي عن قَوْلِهِ وَيَجِبُ أَنْ يُسْتَوْعَبُوا بِالثُّلُثِ قال الرَّافِعِيُّ وكان الْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ أَيْ فَتَبْطُلُ لِأَنَّ لَفْظَ جَمَاعَةٍ مُنَكَّرٌ فَصَارَ كما لو أَوْصَى لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ أو لِثَلَاثَةٍ لَا على التَّعْيِينِ من جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ انْتَهَى
وقد يُقَالُ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ هُنَا أَنْ يَقُولَ أَوْصَيْتُ لِأَقْرَبِي أَقَارِبِ زَيْدٍ وَيَصْدُقُ عليه أَنَّهُ أَوْصَى لِجَمَاعَةٍ من أَقْرَبِ أَقَارِبِ زَيْدٍ أو أَوْصَى لِفُقَرَاءِ أَقَارِبِهِ لم يُعْطَ مَكْفِيٌّ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ أو زَوْجٍ كما في الزَّكَاةِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ
فَرْعٌ لو أَوْصَى لِأَقْرَبِ قَرَابَتِهِ يَعْنِي أَقَارِبَهُ فَالتَّرْتِيبُ كما ذَكَرْنَا فَلَوْ الْأُولَى قَوْلُ أَصْلِهِ لَكِنْ لو كان الْأَقْرَبُ وَارِثًا صَرَفْنَاهُ أَيْ الْمُوصَى بِهِ لِلْأَقْرَبِ من غَيْرِ الْوَارِثِينَ إذَا لم يُجِيزُوا أَيْ الْوَارِثُونَ الْوَصِيَّةَ بِنَاءً على أَنَّهُ لو أَوْصَى لِأَقَارِبِ نَفْسِهِ لم تَدْخُلْ وَرَثَتُهُ
فَرْعٌ قد بَيَّنَّا آلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في كِتَابِ الزَّكَاةِ فَلَوْ أَوْصَى لِآلِ غَيْرِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ لِظُهُورِ أَصْلٍ له في الشَّرْعِ وَهَلْ يُحْمَلُ على الْقَرَابَةِ أو على اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ وَجْهَانِ قال في الْأَصْلِ فَإِنْ كان ثَمَّ وَصِيٌّ فَهَلْ الْمُتَّبَعُ رَأْيُهُ أو رَأْيُ الْحَاكِمِ وَجْهَانِ ثُمَّ الْحَاكِمُ على الْقَوْلِ بِاتِّبَاعِ رَأْيِهِ أو الْوَصِيُّ على الْقَوْلِ بِهِ يُتَحَرَّى مُرَادُ الْمُوصِي إنْ أَمْكَنَ الْعُثُورُ عليه بِقَرِينَةِ ثُمَّ إنْ لم يَكُنْ ذلك تُحُرِّيَ أَظْهَرُ مَعَانِي اللَّفْظِ بِالْوَضْعِ أو الِاسْتِعْمَالِ
فَرْع أَهْلُ الْبَيْتِ كَالْآلِ فِيمَا ذُكِرَ لَكِنْ تَدْخُلُ الزَّوْجَةُ فِيهِمْ أَيْضًا وَلَوْ أَوْصَى لِأَهْلِهِ من غَيْرِ ذِكْرِ الْبَيْتِ فَكُلُّ من تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ يَدْخُلُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إلَّا وَرَثَتَهُ لِيُوَافِقَ ما مَرَّ في الْوَصِيَّةِ لِأَقَارِبِهِ وَإِنْ أَوْصَى لِآبَائِهِ دخل أَجْدَادُهُ من الطَّرَفَيْنِ أو لِأُمَّهَاتِهِ دخل جَدَّاتُهُ أَيْضًا من الطَّرَفَيْنِ وَلَا تَدْخُلُ الْأَخَوَاتُ في الْإِخْوَةِ كَعَكْسِهِ
فَصْلٌ الْأَخْتَانُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَزْوَاجُ الْبَنَاتِ فَقَطْ لَا أَزْوَاجُ الْمَحَارِمِ مُطْلَقًا وَكَذَا أَزْوَاجُ الْحَوَافِدِ لَا يَدْخُلُونَ في الْأُخْتَانِ إلَّا إنْ انْفَرَدْنَ أَيْ الْحَوَافِدُ عن الْبَنَاتِ فَيَدْخُلُ أَزْوَاجُهُنَّ حِينَئِذٍ في الْوَصِيَّةِ لَلْأَخْتَانِ كما لو أَوْصَى لِلْأَوْلَادِ ولم يَكُنْ إلَّا أَحْفَادٌ وَالْمُعْتَبَرُ في كَوْنِهِمْ أَزْوَاجَهُنَّ حَالَ الْمَوْتِ لَا حَالَ الْوَصِيَّةِ وَلَا حَالُ الْقَبُولِ فَلَوْ كُنَّ خَلِيَّاتٍ يوم الْوَصِيَّةِ مَنْكُوحَاتٍ يوم الْمَوْتِ اسْتَحَقَّ أَزْوَاجُهُنَّ أو بِالْعَكْسِ فَلَا إنْ كُنَّ بَوَائِنَ لَا رَجْعِيَّاتٍ كما نَبَّهَ عليه بِقَوْلِهِ وَالرَّجْعِيَّةُ كَالزَّوْجَةِ وَكَذَا الْمُبَانَةُ بين الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ وَالْأَحْمَاءُ آبَاءُ وفي نُسْخَةٍ أبو الزَّوْجَةِ وَمِنْهُمْ أَجْدَادُهَا وَجَدَّاتُهَا وَقِيلَ لَا تَدْخُلُ أَجْدَادُهَا وَجَدَّاتُهَا وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَكَذَا أبو زَوْجَةِ كل مُحْرِمٍ حَمْوٌ وَالْأَصْهَارُ تَشْمَلُ الْأَخْتَانَ وَالْأَحْمَاءَ
فَرْعٌ الْمَحَارِمُ يَدْخُلُ فِيهِمْ كُلُّ مُحَرَّمٍ بِنَسَبٍ أو رَضَاعٍ أو مُصَاهَرَةٍ
فَرْعٌ لو أَوْصَى لِوَرَثَةِ زَيْدٍ سُوِّيَ بَيْنَهُمْ وَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَلَا تُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ على مَقَادِيرِ الْإِرْثِ وَلَوْ خَلَّفَ بِنْتًا فَقَطْ أَخَذَتْ الْجَمِيعَ وَإِنْ لم نَحْكُمْ بِالرَّدِّ فَإِنْ مَاتَ الْمُوصِي وَزَيْدٌ حَيٌّ أو مَاتَ زَيْدٌ وَلَا وَارِثَ له خَاصٌّ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ لِعَدَمِ الْوَارِثِ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَإِنْ أَوْصَى لِعَصَبَةِ زَيْدٍ أُعْطُوا في حَيَاتِهِ لِأَنَّهُمْ يُسَمَّوْنَ عَصَبَةً في حَيَاتِهِ وَكَذَا عَقِبُهُ لو أَوْصَى لهم أُعْطُوا في حَيَاتِهِ لِأَنَّهُمْ يُسَمَّوْنَ عَقِبَهُ في حَيَاتِهِ وقد ذَكَرْنَا الْعَقِبَ وَالنَّسْلَ وَالذُّرِّيَّةَ وَالْعَشِيرَةَ وَالْعِتْرَةَ في الْوَقْفِ وَالْعَصَبَةُ الَّذِينَ يُعْطَوْنَ من كان أَوْلَى بِالتَّعْصِيبِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَلَوْ أَوْصَى لِمُنَاسِبِيهِ فَهُمْ من يُنْسَبُ إلَيْهِ من ذُرِّيَّتِهِ دُونَ من يُنْسَبُ هو إلَيْهِمْ من آبَائِهِ لِأَنَّهُ أَضَافَ نَسَبَهُمْ إلَيْهِ وَالْوَصِيَّةُ لِلْمَوَالِي كما في الْوَقْفِ عليهم وقد مَرَّ بَيَانُهُ ثَمَّ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِمْ الْمُدَبَّرُ ولا أُمُّ الْوَلَدِ إذْ لَيْسَا من الْمَوَالِي لَا حَالَ الْوَصِيَّةِ وَلَا حَالَ الْمَوْتِ
فَصْلٌ الْيَتِيمُ صَبِيٌّ مَاتَ أَبُوهُ وَكَذَا الصَّبِيَّةُ فَلَوْ أَوْصَى لِلْيَتَامَى أو الْأَرَامِلِ أو الْأَيَامَى أو الْعُمْيَانِ وَكَذَا لِلْحُجَّاجِ وَالزَّمْنَى وَأَهْل السُّجُونِ وَالْغَارِمِينَ وَلِتَكْفِينِ الْمَوْتَى وَحَفْرِ قُبُورِهِمْ اُشْتُرِطَ في صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لهم فَقْرُهُمْ لِأَنَّ الْفُقَرَاءَ منهم هُمْ الْمَقْصُودُونَ بِالْوَصِيَّةِ كَالْوَقْفِ وَاسْتَبْعَدَ الْأَذْرَعِيُّ اشْتِرَاطَ الْفَقْرِ في الْحُجَّاجِ وقال الزَّرْكَشِيّ إنَّهُ من تَفَقُّهِ النَّوَوِيِّ وهو مُنَازَعٌ فيه نَقْلًا وَتَوْجِيهًا أَمَّا النَّقْلُ فَاَلَّذِي نَصَّ عليه في الْأُمِّ وَجَزَمَ بِهِ سَلِيمٌ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ الصَّرْفُ لِأَغْنِيَائِهِمْ وَأَمَّا التَّوْجِيهُ فإن ضَابِطَ الِاشْتِرَاطِ كما قَالَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ في كل صِفَةٍ تُشْعِرُ بِضَعْفٍ في النَّفْسِ أو انْقِطَاعٍ كَامِلٍ كَالزَّمْنَى بِخِلَافِ الشُّيُوخِ قال في الْأَصْلِ في الْيَتَامَى
____________________
(3/54)
وَالْعِمْيَانِ وَالزَّمْنَى ثُمَّ إنْ انْحَصَرَ وَوَجَبَ تَعْمِيمُهُمْ وَإِلَّا جَازَ الِاقْتِصَارُ على ثَلَاثَةٍ وَقِيَاسُ ما قَالَهُ فِيهِمْ يَأْتِي في الْبَقِيَّةِ وَبِذَلِكَ سَقَطَ ما قِيلَ إنَّ مَحَلَّ اشْتِرَاطِ الْفَقْرِ إذَا لم يُعَيِّنْهُمْ فَإِنْ عَيَّنَهُمْ بِأَنْ أَوْصَى لِيَتَامَى بَنِي زَيْدٍ لم يُشْتَرَطْ فَقْرُهُمْ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ في الْيَتَامَى يَقْتَضِي إخْرَاجَ وَلَدِ الزِّنَا وَاللَّقِيطِ وَتَعْبِيرُهُمَا في قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ بِمَنْ لَا أَبَ له يَقْتَضِي إدْخَالَهُمَا قال الْأَذْرَعِيُّ وَرَأَيْتُهُ تَفَقُّهًا لِبَعْضِ نُبَلَاءِ الْعَصْرِ
فَائِدَةٌ قال ابن السِّكِّيتِ الْيَتِيمُ في الناس من قِبَلِ الْأَبِ وفي الْبَهَائِمِ من قِبَلِ الْأُمِّ قال ابن خَالَوَيْهِ وفي الطَّيْرِ من قِبَلِهِمَا لِأَنَّهُمَا يَحْضِنَانِهِ وَيَزُقَّانِهِ وَالْأَيِّمُ وَالْأَرْمَلَةُ من لَا زَوْجَ لها وَيُعْطَوْنَ بَعْدَ الْفَقْرِ أَيْ بَعْدَ الِاتِّصَافِ بِهِ وَهَذَا تَقَدَّمَ مع أَنَّهُ كان الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَيُعْطَيَانِ إلَّا أَنَّ الْأَرْمَلَةَ من بَانَتْ من زَوْجِهَا بِمَوْتٍ أو بَيْنُونَةٍ وَالْأَيِّمُ لَا يُشْتَرَطُ فيها تَقَدُّمَ زَوْجٍ وَيَشْتَرِكَانِ في اشْتِرَاطِ الْخُلُوِّ عن الزَّوْجِ حَالًا وَلَوْ أَوْصَى لِلْأَرَامِلِ أو الْأَبْكَارِ أو الثَّيِّبِ لم يَدْخُلْ فِيهِنَّ الرِّجَالُ وَإِنْ لم يَكُنْ لهم زَوْجَاتٌ لِأَنَّ الِاسْمَ في الْعُرْفِ لِلنِّسَاءِ وَلَوْ أَوْصَى لِلْعُزَّابِ دخل فِيهِمْ من لَا زَوْجَةَ له من الرِّجَالِ وَالْمَرْأَةُ التي لَا زَوْجَ لها يُحْتَمَلُ تَخْرِيجُ دُخُولِهَا على الْوَجْهَيْنِ في دُخُولِ الرِّجَالِ في الْأَرَامِلِ الْمُوصَى لَهُنَّ نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عن صَاحِبِ الذَّخَائِرِ وَالْقَانِعُ السَّائِلُ وَالْمُعْتَرُّ من يَتَعَرَّضُ لِلسُّؤَالِ وَلَا يَسْأَلُ
فَصْلٌ الناس غِلْمَانٌ وَصِبْيَانٌ وَأَطْفَالٌ وَذَرَارِيٌّ إلَى الْبُلُوغِ ثُمَّ إنَّهُمْ بَعْدَ الْبُلُوغِ شَبَابٌ وَفِتْيَانٌ إلَى الثَّلَاثِينَ ثُمَّ هُمْ بَعْدَهَا كُهُولٌ إلَى الْأَرْبَعِينَ ثُمَّ بَعْدَهَا شُيُوخٌ
فَصْلٌ لو أَوْصَى لِزَيْدٍ وَالْفُقَرَاءِ أو لِزَيْدٍ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ جُعِلَ كَأَحَدِهِمْ وَإِنْ كان غَنِيًّا كما لو أَوْصَى لِزَيْدٍ وَلِأَوْلَادِ عَمْرٍو فَيَجُوزُ أَنْ يُعْطَى أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ لَكِنْ لَا يَجُوزُ حِرْمَانُهُ لِلنَّصِّ عليه بِخِلَافِ أَحَدِهِمْ لِعَدَمِ وُجُوبِ اسْتِيفَائِهِمْ فَلِلنَّصِّ عليه فَائِدَتَانِ مَنْعُ الْإِخْلَالِ بِهِ وَعَدَمُ اعْتِبَارِ فَقْرِهِ هذا إنْ أَطَلَقَ ذِكْرَهُ فَإِنْ قال أَوْصَيْتُ لِزَيْدٍ الْفَقِيرِ الْفُقَرَاءِ وكان غَنِيًّا أَخَذَ نَصِيبَهُ الْفُقَرَاءُ لَا الْوَارِثُ لِلْمُوصِي وَلَوْ فُقَرَاءَ لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَفَهُ بِالْفَقْرِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْوَصِيَّةُ لِلْفُقَرَاءِ وَإِنَّمَا لم يَدْخُلْ الْوَارِثُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَبَادَرٍ من ذلك وَلِاغْتِنَائِهِ بِوَصِيَّةِ اللَّهِ له فَإِنْ كان زَيْدٌ فَقِيرًا كان كَأَحَدِهِمْ وَإِنْ وَصَفَ زَيْدًا بِغَيْرِ صِفَتِهِمْ أَيْ الْمُوصَى لهم معه بِأَنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ الْكَاتِبِ وَالْفُقَرَاءِ أو لِزَيْدٍ الْفَقِيرِ وَالْكَاتِبِينَ اسْتَحَقَّ زَيْدٌ النِّصْفَ وَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ وَلِجَمَاعَةٍ مَحْصُورِينَ أُعْطِيَ زَيْدٌ النِّصْفَ وَاسْتُوْعِبَ بِالنِّصْفِ الْآخِرَ جَمَاعَتَهُ أو أَوْصَى لِزَيْدٍ بِدِينَارٍ وَلِلْفُقَرَاءِ بِالثُّلُثِ من مَالِهِ لم يُعْطَ أَكْثَرَ منه أَيْ من الدِّينَارِ وَإِنْ كان فَقِيرًا لِأَنَّهُ قَطَعَ اجْتِهَادَ الْوَصِيِّ بِالتَّقْدِيرِ قال الرَّافِعِيُّ وَلَك أَنْ تَقُولَ إذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ النَّصُّ على زَيْدٍ فِيمَا مَرَّ لِئَلَّا يُحْرَمَ جَازَ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ هُنَا لِئَلَّا يَنْقُصَ عن دِينَارِ وَأَيْضًا يَجُوزُ أَنْ يُقْصَدَ عَيْنُ زَيْدٍ لِلدِّينَارِ وَجِهَةُ الْفُقَرَاءِ لِلْبَاقِي فَيَسْتَوِي في غَرَضِهِ الصَّرْفُ لِزَيْدٍ وَغَيْرِهِ وَلَوْ أَوْصَى لِمُدَرِّسٍ وَإِمَامٍ وَعَشْرَةِ فُقَرَاءَ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُقَسَّمُ على ثَلَاثَةٍ لِلْعَشَرَةِ ثُلُثُهَا أَخْذًا مِمَّا قَالَهُ السُّبْكِيّ في نَظِيرِهِ من الْوَقْفِ
فَرْعٌ لو أَوْصَى لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَهُنَّ ثَلَاثٌ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ جُعِلَ الْمُوصَى بِهِ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا
فَصْلٌ الْوَصِيَّةُ لِمُعَيَّنِينَ غَيْرِ مَحْصُورِينَ كَالْهَاشِمِيَّةِ وَالطَّالِبِيَّةِ وَالْعَلَوِيَّةِ صَحِيحَةٌ وَيُجْزِئُ ثَلَاثَةٌ منهم في الْخُرُوجِ عن الْعُهْدَةِ بِلَا وُجُوبِ مُسَاوَاةٍ بَيْنَهُمْ وَلَا قَبُولٍ كَالْفُقَرَاءِ في الْجَمِيعِ وَالْوَصِيَّةُ لِزَيْدٍ وَبَنِي هَاشِمٍ أو بَنِي تَمِيمٍ أو نَحْوِهِمْ كَهُوَ أَيْ كَالْوَصِيَّةِ له مع الْفُقَرَاءِ وَلَوْ قال أَوْصَيْتُ لِبَنِي فُلَانٍ وَهُمْ قَبِيلَةٌ أَيْ يُعَدُّونَ قَبِيلَةً كَبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي تَمِيمٍ دخل فِيهِمْ إنَاثُهُمْ وَإِلَّا بِأَنْ لم يُعَدُّوا قَبِيلَةً كَبَنِي زَيْدٍ وَعَمْرٍو لم يَدْخُلْنَ فِيهِمْ وَاشْتُرِطَ في صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لهم قَبُولُهُمْ ويجب اسْتِيعَابُهُمْ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ
فَصْلٌ لو أَوْصَى لِزَيْدٍ وَجِبْرِيلَ أو لِزَيْدٍ وَالْحَائِطِ أو الرِّيحِ أو نَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يُوصَفُ بِالْمِلْكِ وهو مُفْرَدٌ كَالشَّيْطَانِ أُعْطِيَ زَيْدٌ النِّصْفَ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ في الْبَاقِي كما لو أَوْصَى لِابْنِ زَيْدٍ وَابْنِ عَمْرٍو وَلَيْسَ لِعَمْرٍو ابْنٌ أو لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو ابْنَيْ بَكْرٍ ولم يَكُنْ له إلَّا ابْنٌ اسْمُهُ زَيْدٌ يَكُونُ النِّصْفُ لِلْمَوْجُودِ وَيَبْطُلُ الْبَاقِي وَلَوْ أَضَافَ الْحَائِطَ كَأَنْ قال وَحَائِطُ الْمَسْجِدِ الْفُلَانِيِّ أو حَائِطُ دَارِ زَيْدٍ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ له وَصُرِفَ النِّصْفُ في عِمَارَتِهِ كما ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ
____________________
(3/55)
أو أَوْصَى لِزَيْدٍ وَالْمَلَائِكَةِ أو الرِّيَاحِ أو الْحِيطَانِ أو نَحْوِهَا أُعْطِيَ أَقَلُّ مُتَمَوَّلٍ كما لو أَوْصَى له وَلِلْفُقَرَاءِ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فِيمَا زَادَ عليه وَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ وَلِلَّهِ فَلِزَيْدٍ النِّصْفُ ثُمَّ الْبَاقِي يُصْرَفُ في وُجُوهِ الْخَيْرِ وَالْقُرْبِ لِأَنَّهَا مَصْرَفُ الْحُقُوقِ الْمُضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى هذا ما صَحَّحَهُ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ في الشَّرْحِ الْكَبِيرِ عن تَصْحِيحِ الْأُسْتَاذِ أبي مَنْصُورٍ وَذَكَرَ في الصَّغِيرِ أَنَّ الْأَقْوَى صَرْفُ الْبَاقِي لِلْفُقَرَاءِ وَلَوْ أَوَصَى بِثُلُثِهِ لِلَّهِ تَعَالَى صُرِفَ في وُجُوهِ الْبِرِّ على ما ذَكَرَ وَقَوْلُهُ وَإِنْ لم يَقُلْ لِلَّهِ تَعَالَى صُرِفَ لِلْمَسَاكِينِ من زِيَادَتِهِ هُنَا وقد ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في الْوَقْفِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِعَدَمِ ذِكْرِ الْمُوصَى له الذي هو رُكْنٌ من أَرْكَانِ الْوَصِيَّةِ
الْقِسْمُ الثَّانِي الْأَحْكَامُ الْمَعْنَوِيَّةُ وَإِنْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدٍ له سَنَةً غير مُعَيَّنَةٍ صَحَّ ذلك وَيُعَيِّنُ الْوَارِثُ السَّنَةَ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ يَحْمِلُ الْإِطْلَاقَ على سَنَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِمَوْتِهِ لَا سِيَّمَا إذَا كان الْمُوصَى له مُضْطَرًّا إلَى من يَخْدُمُهُ لِمَرَضٍ أو زَمَانَةٍ وَعَلِمَ الْمُوصِي وَقَصَدَ إعَانَتَهُ أما ( ( ( وأما ) ) ) إحَالَةُ الْأَمْرِ على تَعْيِينِ الْوَارِثِ فَلَيْسَ بِالْوَاضِحِ قال لَكِنْ يَشْهَدُ له قَوْلُ الْقَاضِي لو أَوْصَى بِثَمَرَةِ هذا الْبُسْتَانِ سَنَةً ولم يُعَيِّنْهَا فَتَعْيِينُهَا إلَى الْوَارِثِ وَيَجُوزُ التَّقْدِيرُ في الْوَصِيَّةِ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ بِمُدَّةِ حَيَاةِ زَيْدٍ وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ هذا الْعَامَ فَإِنْ لم يُثْمِرْ فَالْقَابِلُ أَيْ فَبِثَمَرَةِ الْعَامِ الْقَابِلِ وَتَصِحُّ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ هذا الْعَامِ وَإِنْ مَرِضَ فَبِخِدْمَةِ الْعَامِ الْقَابِلِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَيَمْلِكُ الْمُوصَى له الْمَنْفَعَةَ الْمُوصَى بها بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَيْسَتْ الْوَصِيَّةُ بها مُجَرَّدَ إبَاحَةٍ كما في الْوَصِيَّةِ بِالْأَعْيَانِ وَتُوَرِّثُ الْمَنْفَعَةُ عنه كَسَائِرِ حُقُوقِهِ وَلَهُ إجَارَتُهَا وَإِعَارَتُهَا وَالْوَصِيَّةُ بها وَلَوْ تَلَفَ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ في يَدِهِ لم يَضْمَنْهُ كما لَا يَضْمَنُ الْمُسْتَأْجِرُ وَلَيْسَ عليه مُؤْنَةُ الرَّدِّ
نعم قَوْلُهُ أَوْصَيْتُ لك بِمَنَافِعِهِ أَيْ بِأَنْ تَنْتَفِعَ بِهِ حَيَاتَكَ أو بِأَنْ تَسْكُنَ هذه الدَّارَ أو بِأَنْ يَخْدُمَكَ هذا الْعَبْدُ إبَاحَةً لَا تَمْلِيكَ فَلَيْسَ له الْإِجَارَةُ وفي الْإِعَارَةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا كما قال الْإِسْنَوِيُّ الْمَنْعُ فَقَدْ جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ في نَظِيرِهِ من الْوَقْفِ وَالتَّصْرِيحُ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ في الْأَخِيرَتَيْنِ من زِيَادَتِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَوْصَيْتُ لك بِسُكْنَاهَا أو بِخِدْمَتِهِ أو بِمَنَافِعِهِ فَلَيْسَ بِإِبَاحَةٍ بَلْ تَمْلِيكٌ وَيُفَارِقُ ما مَرَّ بِأَنَّهُ ثَمَّ عَبَّرَ بِالْفِعْلِ وَأَسْنَدَهُ إلَى الْمُخَاطَبِ فَاقْتَضَى قُصُورَهُ على مُبَاشَرَتِهِ بِخِلَافِهِ هُنَا وَقَوْلُهُ أو بِمَنَافِعِهِ من زِيَادَتِهِ هُنَا وَقَوْلُهُ لِلْوَصِيِّ أَطْعِمْ زَيْدًا رِطْلَ خُبْزٍ من مَالِي تَمْلِيكٌ له كَإِطْعَامِ الْكَفَّارَةِ وقوله له اشْتَرِ خُبْزًا وَاصْرِفْهُ لِجِيرَانِي إبَاحَةٌ كَذَا نَقَلَهُمَا الْأَصْلُ عن فَتَاوَى الْقَفَّالِ ولم أَرَهُمَا فيها وَكَذَا قال الْأَذْرَعِيُّ قال وَلَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا إذْ لَا يُقْصَدُ بِذَلِكَ إلَّا التَّمْلِيكُ وفي جَعْلِ الْمُصَنِّفِ ذلك تَمْلِيكًا وَإِبَاحَةً تَسَمُّحٌ وَإِنَّمَا هو مُقْتَضٍ لَهُمَا كما أَفَادَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ
فَصْلٌ لِلْمُوصَى له بِالْمَنَافِعِ إثْبَاتُ الْيَدِ على الْأَعْيَانِ الْمُوصَى له بِمَنَافِعِهَا وله الْأَكْسَابُ الْمُعْتَادَةُ من احْتِطَابٍ وَاحْتِشَاشٍ وَاصْطِيَادٍ وَنَحْوِهَا لِأَنَّهَا إبْدَالُ مَنَافِعِهِ وَكَذَا له الْمَهْرُ الْحَاصِلُ بِوَطْءِ شُبْهَةِ أو نِكَاحٍ لِأَنَّهُ من نَمَاءِ الرَّقَبَةِ كَالْكَسْبِ وَقِيلَ إنَّهُ لِوَارِثِ الْمُوصِي لِأَنَّهُ بَدَلُ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ وَهِيَ لَا يُوصَى بها وَلَا يُسْتَحَقُّ بَدَلُهَا بِالْوَصِيَّةِ وَهَذَا هو الْأَشْبَهُ في الْأَصْلِ وَالْأَظْهَرُ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَحَكَى في الْأَصْلِ الْأَوَّلِ عن قَطْعِ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْبَغَوِيِّ وَصَحَّحَهُ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ
وقال في الْمُهِمَّاتِ إنَّهُ الرَّاجِحُ نَقْلًا لَا الْأَكْسَابَ النَّادِرَةَ كَالْهِبَةِ وَاللُّقَطَةِ لِأَنَّهَا لَا تُقْصَدُ بِالْوَصِيَّةِ وَلِلْوَلَدِ الذي أَتَتْ بِهِ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهَا من نِكَاحٍ أو زِنًا حُكْمُ أُمِّهِ في أَنَّ الرَّقَبَةَ لِلْوَارِثِ وَمَنْفَعَتُهَا لِلْمُوصَى له لِأَنَّهُ جُزْءٌ منها وَفَارَقَ وَلَدَ الْمَوْقُوفَةِ حَيْثُ كان مِلْكًا لِلْمَوْقُوفَةِ أُمُّهُ عليه بِأَنَّ الْمِلْكَ ثَمَّ أَقْوَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ على قَوْلٍ فَقَوِيَ الِاسْتِتْبَاعُ بِخِلَافِهِ هُنَا كَذَا قِيلَ وهو مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْمُوصَى له بِالْمَنْفَعَةِ أَبَدًا قِيلَ فيه أَنَّهُ يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ أَيْضًا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ فَالْأَوْلَى أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْوَاقِفَ أَخْرَجَ الْعَيْنَ عن مِلْكِهِ بِالْوَقْفِ على الْأَصَحِّ وَالْمُوصِي لم يُخْرِجْهَا وَإِنَّمَا أَخْرَجَ الْمَنْفَعَةَ لَكِنَّ الْمَنْفَعَةَ اسْتَتْبَعَتْ الْعَيْنَ على الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ
وَيَحْرُمُ عليه وَطْءُ الْمُوصَى له بِمَنْفَعَتِهَا فَلَوْ وَطِئَهَا فَأَوْلَدَهَا فَالْوَلَدُ حُرٌّ
____________________
(3/56)
نَسِيبٌ وَلَا حَدَّ على الْوَاطِئِ لِلشُّبْهَةِ كَذَا صَحَّحَهُ الْأَصْلُ هُنَا وَجَزَمَ في الْوَقْفِ بِأَنَّهُ يَحُدُّ وَقَاسَ عليه ما صَحَّحَهُ من حَدِّ الْمَوْقُوفِ عليه وما صَحَّحَهُ هُنَا قال ابن الرِّفْعَةِ إنَّهُ الصَّحِيحُ وَالْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ أَوْجَهُ انْتَهَى
وَالْوَجْهُ التَّسْوِيَةُ بين الْبَابَيْنِ أو وُجُوبُ الْحَدِّ في الْوَصِيَّةِ دُونَ الْوَقْفِ قال الْأَذْرَعِيُّ هذا كُلُّهُ فِيمَا لو أَوْصَى له بِمَنْفَعَتِهَا أَبَدًا أَمَّا لو أَوْصَى له بها مُدَّةً فَالْوَجْهُ وُجُوبُ الْحَدِّ عليه كَالْمُسْتَأْجَرِ وَلَا اسْتِيلَادَ بِإِيلَادِهِ لها لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْوَلَدِ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من أَنَّ الْوَلَدَ الْمَمْلُوكَ ليس كَالْكَسْبِ وَيَشْتَرِي بها عَبْدٌ وَيَكُونُ مِثْلَهَا أَيْ مِثْلَ الْأَمَةِ في أَنَّ رَقَبَتَهُ لِلْوَارِثِ وَمَنْفَعَتَهُ لِلْمُوصَى له وَقِيلَ الْقِيمَةُ لِلْوَارِثِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ الْعَبْدِ بِالرَّقِيقِ كان أَوْلَى لِيُفِيدَ أَنَّ الْوَلَدَ إنَّ كان ذَكَرًا اشْتَرَى بِقِيمَتِهِ عَبْدًا أو أُنْثَى اشْتَرَى بِقِيمَتِهَا أَمَةَ
وَالْمُوصَى له بِمَنْفَعَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَخِدْمَةِ عَبْدٍ وَكَسْبِهِ وَسُكْنَى دَارٍ وَغَلَّتِهَا لَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهَا وَبِسُكْنَى دَارٍ لَا يَسْتَحِقُّ فيها عَمَلَ الْحَدَّادِينَ وَالْقَصَّارِينَ إلَّا أَنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ فِيمَا يَظْهَرُ
فَرْعٌ لِمَالِكِ الْمَنْفَعَةِ السَّفَرُ بِالْعَبَدِ الْمُوصَى له بِمَنْفَعَتِهِ لِئَلَّا يَخْتَلَّ عليه الِانْتِفَاعُ بِهِ وَلَيْسَ كَزَوْجِ الْأَمَةِ فإن الْمَنْفَعَةَ ثَمَّ لِلسَّيِّدِ وَنَفَقَتُهُ الشَّامِلَةُ لِلْكِسْوَةِ وَنَحْوِهَا وَفِطْرَتُهُ على الْوَارِثِ وَلَوْ كان الْإِيصَاءُ بِالْمَنْفَعَةِ مُؤَبَّدًا لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلرَّقَبَةِ فَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ فَخَلَاصُهُ أَنْ يَعْتِقَهُ وَلَوْ أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهِ لِشَخْصٍ وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ كان كَالْوَارِثِ فِيمَا ذُكِرَ وَعَلَفُ الْبَهِيمَةِ كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلِلْوَارِثِ إعْتَاقُهُ لِأَنَّ رَقَبَتَهُ له لَا إعْتَاقُهُ عن كَفَّارَةٍ لِعَجْزِهِ عن الْكَسْبِ لِنَفْسِهِ فَأَشْبَهَ الزَّمِنَ نعم إنْ كانت الْوَصِيَّةُ مُؤَقَّتَةً بِمُدَّةٍ قَرِيبَةٍ فَيَظْهَرُ الْجَوَازُ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ قال وَمِثْلُ إعْتَاقِهِ عن الْكَفَّارَةِ إعْتَاقُهُ عن النَّذْرِ بِنَاءً على أَنَّهُ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ وَتَبْقَى مَنَافِعُهُ مُسْتَحَقَّةً لِلْمُوصَى له كما كانت كما لو أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمُسْتَأْجَرَ وَلَا يَرْجِعُ الْعَتِيقُ على الْمُعْتِقِ بِقِيمَتِهَا أَيْ الْمَنْفَعَةِ وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ كِتَابَتُهُ لِأَنَّ أَكْسَابَهُ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْغَيْرِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَلَوْ أَوْصَى بِمَا تَحْمِلُهُ الْأَمَةُ فَأَعْتَقَهَا الْوَارِثُ وَتَزَوَّجَتْ بِحُرٍّ أو بِرَقِيقِ وعتق كان أَوْلَادُهَا أَرِقَّاءَ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عن بَعْضِهِمْ ثُمَّ قال وَالصَّوَابُ انْعِقَادُهُمْ أَحْرَارٌ وَيَغْرَمُ الْوَارِثُ قِيمَتَهُمْ لِأَنَّهُ بِالْإِعْتَاقِ فَوَّتَهُمْ على الْمُوصَى له وقد يَتَوَقَّفُ فِيمَا قَالَهُ وفي الدَّارِ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهَا لَا يُجْبَرُ أَحَدُهُمَا على الْعِمَارَةِ لها وَلَا يُمْنَعُ منها بِخِلَافِ النَّفَقَةِ يُجْبَرُ عليها الْوَارِثُ كما مَرَّ لِحُرْمَةِ الزَّوْجِ وَكَعِمَارَةِ الدَّارِ سَقْيُ الْبُسْتَانِ الْمُوصَى بِثِمَارِهِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَلَوْ بَاعَهُ أَيْ الْمُوصِي بِمَنْفَعَتِهِ من مَالِكِ الْمَنْفَعَةِ لَا من غَيْرِهِ جَازَ وَإِنْ كان بَهِيمَةً أو جَمَادًا إذْ لَا فَائِدَةَ لِغَيْرِهِ فيه تَقْصِدُ بِالْبَيْعِ غَالِبًا بِخِلَافِهِ هو لِاجْتِمَاعِ الرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ في مِلْكِهِ إلَّا ما قُدِّرَ الْإِيصَاءُ فيه بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَلَهُ حُكْمُ الْمُسْتَأْجَرِ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ مُطْلَقًا وَمَحَلُّ الْمَنْعِ إذَا لم يَجْتَمِعَا على الْبَيْعِ من غَيْرِهِمَا فَإِنْ اجْتَمَعَا فَالْقِيَاسُ الصِّحَّةُ وقد حَكَى الدَّارِمِيّ فيه وَجْهَيْنِ وَلَوْ أَرَادَ صَاحِبُ الْمَنْفَعَةِ بَيْعَهَا فَقِيَاسُ ما سَبَقَ الصِّحَّةُ من الْوَارِثِ دُونَ غَيْرِهِ وَبِهِ جَزَمَ الدَّارِمِيُّ نَبَّهَ على ذلك الزَّرْكَشِيُّ وَسَيَأْتِي تَصْوِيرُ بَيْعِ الْمَنْفَعَةِ وَكَذَا ما أَوْصَى بِبَعْضِ مَنَافِعِهِ كَالنَّتَاجِ أَيْ كَالْحَيَوَانِ الْمُوصَى بِنَتَاجِهِ يَجُوزُ بَيْعُهُ مُطْلَقًا لِبَقَاءِ بَعْضِ مَنَافِعِهِ وَفَوَائِدِهِ كَالصُّوفِ وَاللَّبَنِ وَالظَّهْرِ وَصُورَةُ بَيْعِهِ أَنْ يَبِيعَهُ حَائِلًا لِأَنَّ بَيْعَهُ حَامِلًا بَاطِلٌ لِكَوْنِ الْحَمْلِ حِينَئِذٍ مُسْتَثْنَى شَرْعًا وَلَا يُشْكَلُ ذلك بِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْأَشْجَارِ الْمُسَاقَى عليها لِأَنَّ الْحَقَّ ثَمَّ مُتَعَلَّقٌ بِعَيْنِهَا بِخِلَافِهِ هُنَا
فَصْلٌ وَيَحْرُمُ على الْوَارِثِ وَطْءَ الْأَمَةِ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهَا إنْ كانت مِمَّنْ تَحْبَلُ لِمَا فيه من خَوْف
____________________
(3/57)
الْهَلَاكِ بِالطَّلْقِ وَالنُّقْصَانِ وَالضَّعْفِ بِالْوِلَادَةِ وَالْحَمْلِ بِخِلَافِ ما إذَا كانت مِمَّنْ لَا تَحْبَلُ هذا ما صَحَّحَهُ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ لَكِنْ حَاصِلُ كَلَامِ الرَّافِعِي كما في الْمُهِمَّاتِ تَصْحِيحُ التَّحْرِيمِ وَإِنْ كانت مِمَّنْ لَا تَحْبَلُ كما في وَطْءِ الرَّاهِنِ الْمَرْهُونَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَرْقٌ بِأَنَّ الرَّاهِنَ هو الذي حَجَرَ على نَفْسِهِ وَبِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ من رَفْعِ الْعَلَقَةِ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ فِيهِمَا وَوَافَقَ الْأَذْرَعِيُّ ما في الرَّوْضَةِ بِزِيَادَةِ قَيْدٍ هو مُرَادٌ فقال وَاَلَّذِي يَظْهَرُ من حَيْثُ الْفِقْهِ أَنَّهُ إذَا أَمِنَ حَبَلَهَا ولم يُعَطِّلْ زَمَنَ الْوَطْءِ ما يَسْتَحِقُّهُ الْمُوصَى له من الْمَنْفَعَةِ جَازَ الْوَطْءُ وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ وَطِئَ فَأَوْلَدَهَا فَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ وَلَا حَدَّ عليه لِلشُّبْهَةِ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَيَشْتَرِي بها مثله لِتَكُونَ رَقَبَتُهُ لِلْوَارِثِ وَمَنْفَعَتُهُ لِلْمُوصَى له كما لو وَلَدَتْ رَقِيقًا وَتُعْتَقُ أُمُّهُ بِالِاسْتِيلَادِ الْمُرَادُ أنها تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْوَارِثِ وَتُعْتَقُ بِمَوْتِهِ مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ وَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ لِلْمُوصَى له بِنَاءً على أَنَّ الْمَهْرَ الْحَاصِلَ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ له لَا لِلْوَارِثِ
فُرِّعَ يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ وَمَنْ يُزَوِّجُهُ قال في الْوَسِيطِ أَمَّا الْعَبْدُ فَيَظْهَرُ اسْتِقْلَالُ الْمُوصَى له بِهِ لِأَنَّ مَنْعَ الْعَقْدِ لِلتَّضَرُّرِ بِتَعَلُّقِ الْحُقُوقِ بِالْأَكْسَابِ وهو الْمُتَضَرِّرُ وَأَمَّا الْأَمَةُ فَيُزَوِّجُهَا الْوَارِثُ على الْأَصَحِّ لِمُلْكِهِ الرَّقَبَةَ لَكِنْ لَا بُدَّ من رِضَا الْمُوصَى له لِمَا فيه من تَضَرُّرِهِ
فَصْلٌ وَإِنْ قُتِلَ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ قَتْلًا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فَاقْتَصَّ الْوَارِثُ من قَاتِلِهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ أَيْ انْتَهَتْ كما لو مَاتَ أو انْهَدَمَتْ الدَّارُ وَبَطَلَتْ مَنَافِعُهَا وَلَوْ وَجَبَ مَالٌ بِالْعَفْوِ عن الْقِصَاصِ أو بِجِنَايَةٍ تُوجِبُهُ اشْتَرَى بِهِ مثله أَيْ مِثْلُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ وَلَوْ كان الْقَاتِلُ أَحَدُهُمَا أَيْ الْوَارِثُ أو الْمُوصَى له لِتَكُونَ رَقَبَتُهُ لِلْوَارِثِ وَمَنْفَعَتُهُ لِلْمُوصَى له إذْ الْقِيمَةُ بَدَلُ الرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ فَتُقَامُ مَقَامَهُمَا فَإِنْ لم يُمْكِنْ شِرَاءُ مِثْلِهِ اُشْتُرِيَ شِقْصٌ كما في الْوَقْفِ وَلَوْ قُطِعَ طَرَفُهُ فَالْأَرْشُ لِلْوَارِثِ لِأَنَّ الْمُوصَى بِهِ بَاقٍ يَنْتَفِعُ بِهِ وَمَقَادِيرُ الْمَنْفَعَةِ لَا تَنْضَبِطُ وَتَخْتَلِفُ بِالْمَرَضِ وَالْكِبَرِ فَكَانَ حَقُّ الْمُوصَى له بَاقٍ بِحَالِهِ وَلِأَنَّ الْأَرْشَ بَدَلٌ عن الْعَيْنِ
وَإِنْ جَنَى الرَّقِيقُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ على غَيْرِهِ عَمْدًا اُقْتُصَّ منه وَبَطَلَ حَقُّ الْوَارِثِ وَالْمُوصَى له إنْ جَنَى على النَّفْسِ كَمَوْتِهِ أو خَطَأً أو شِبْهَ عَمْدٍ أو عُفِيَ على مَالٍ تَعَلَّقَ الْمَالُ بِرَقَبَتِهِ فَيُبَاعُ في الْجِنَايَةِ إنْ لم يُفْدِيَاهُ وَبَطَلَ حَقُّهُمَا قال في الْكِفَايَةِ وَيَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ على بَيْعِ قَدْرِ الْأَرْشِ إلَّا إذَا لم يُمْكِنْ بَيْعُ الْبَعْضِ فَيُبَاعُ الْكُلُّ وَبِمَا بَحَثَهُ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَلَوْ زَادَ الثَّمَنُ على الْأَرْشِ اُشْتُرِيَ بِالزَّائِدِ مِثْلُهُ وَإِنْ فَدَيَاهُ أو أَحَدُهُمَا أو غَيْرُهُمَا عَادَ كما كان من كَوْنِ الرَّقَبَةِ لِلْوَارِثِ وَالْمَنْفَعَةِ لِلْمُوصَى له وَتَجِبُ الْإِجَابَةُ لِطَالِبِ الْفِدَاءِ مِنْهُمَا لِظُهُورِ غَرَضِهِ أو فَدَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَقَطْ بِيعَ في الْجِنَايَةِ نَصِيبُ الْآخَرِ وَاسْتَشْكَلَهُ الْأَصْلُ بِأَنَّهُ إنْ فُدِيَتْ الرَّقَبَةُ فَكَيْفَ تُبَاعُ الْمَنَافِعُ وَحْدَهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ بَيْعَهَا وَحْدَهَا مَعْقُولٌ قد قالوا بِهِ في بَيْعِ حَقِّ الْبِنَاءِ على السَّطْحِ وَنَحْوِهِ بِأَنَّهَا تُبَاعُ وَحْدَهَا بِالْإِجَارَةِ
فَصْلٌ في كَيْفِيَّةِ حِسَابِ الْمَنْفَعَةِ من الثُّلُثِ وَالْمُعْتَبَرُ من الثُّلُثِ فِيمَا أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهِ مُؤَبَّدًا كَبُسْتَانٍ أَوْصَى بِثَمَرَتِهِ مُؤَبَّدًا وَلَوْ بِحَيَاةِ الْمُوصَى له قِيمَةُ الرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ لِتَفْوِيتِ الْيَدِ كما لو بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمُؤَبَّدَةَ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهَا لِأَنَّ مُدَّةَ عُمْرِهِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ فَتَعَيَّنَ تَقْوِيمُ الرَّقَبَةِ بِمَنَافِعِهَا مِثَالُهُ أَوْصَى بِمَنْفَعَةِ عَبْدٍ قِيمَتُهُ بِمَنَافِعِهِ مِائَةٌ وَبِدُونِهَا عَشْرَةٌ فَالْمُعْتَبَرُ من الثُّلُثِ الْمِائَةُ لَا التِّسْعُونَ فَيُعْتَبَرُ في نُفُوذِ الْوَصِيَّةِ أَنْ يَكُونَ له مِائَتَانِ وَلَوْ أَوْصَى بها أَيْ بِمَنْفَعَةِ عَبْدٍ مَثَلَا مُدَّةً قَوِّمَ بِمَنْفَعَتِهِ ثُمَّ مَسْلُوبِ مَنَافِعِ تِلْكَ الْمُدَّةِ فما نَقَصَ حُسِبَ من الثُّلُثِ فَلَوْ أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهِ سَنَةً وَقِيمَتُهُ بِمَنْفَعَتِهِ مِائَةٌ وَبِدُونِهَا تِلْكَ السَّنَةِ تِسْعُونَ حُسِبَتْ الْعَشَرَةُ من الثُّلُثِ فَلَوْ أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ وَنَقَصَ قِيمَتُهُ مَسْلُوبُ مَنْفَعَتِهِ تِلْكَ الْمُدَّةِ عن قِيمَتِهِ بها نِصْفُ الْقِيمَةِ وكان الْعَبْدُ كُلَّ الْمَالِ رُدَّتْ الْوَصِيَّةُ في مِقْدَارِ سُدُسِ الْعَبْدِ بِمَنَافِعِهِ وهو ثُلُثُ الْمَنْفَعَةِ الْمُوصَى بها في الْمُدَّةِ وَقِيلَ يَنْقُصُ من آخِرِ الْمُدَّةِ سُدُسُهَا وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ لِأَنَّ قِيمَةَ الْمَنَافِعِ
____________________
(3/58)
تَخْتَلِفُ بِالْأَوْقَاتِ وَلَوْ أَوَصَى بِهِ أَيْ بِعَبْدٍ مَثَلًا دُونَ مَنْفَعَتِهِ لم يُحْسَبْ أَيْ الْعَبْدُ من الثُّلُثِ لِجَعْلِنَا الرَّقَبَةَ الْخَالِيَةَ عن الْمَنْفَعَةِ كَالتَّالِفَةِ وَلَوْ غُصِبَ الْمُوصَى بِمَنَافِعِهِ فَأُجْرَتُهُ عن مُدَّةِ الْغَصْبِ لِلْمُوصَى له لَا لِلْوَارِثِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في الْمُؤَجَّرِ لِأَنَّهَا هُنَا بَدَلُ حَقِّهِ بِخِلَافِهَا ثَمَّ فإن الْإِجَارَةِ تَنْفَسِخُ في تِلْكَ الْمُدَّةِ فَتَعُودُ الْمَنَافِعُ إلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ
فَرْعٌ لو أَوْصَى لِزَيْدٍ من أُجْرَةِ دَارِهِ مَثَلًا كُلُّ سَنَةٍ بِدِينَارٍ ثُمَّ جَعَلَهُ بَعْدَهُ لِوَارِثِ زَيْدٍ أو لِلْفُقَرَاءِ وَالْأُجْرَةُ في كل سَنَةٍ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مَثَلًا اُعْتُبِرَ من الثُّلُثِ قَدْرُ التَّفَاوُتِ بين قِيمَتِهَا أَيْ الدَّارِ أَيْ قِيمَتِهَا مع خُرُوجِ الدِّينَارِ منها وقيمتها سَالِمَةً عن خُرُوجِهِ منها وَاعْتِبَارُ هذه الْوَصِيَّةِ من الثُّلُثِ كَاعْتِبَارِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ مُدَّةً مَعْلُومَةً لِبَقَاءِ بَعْضِ الْمَنَافِعِ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ ثُمَّ إنْ خَرَجَتْ الْوَصِيَّةُ من الثُّلُثِ لَا يَجُوزُ لِلْوَارِثِ بَيْعُ شَيْءٍ منها أَيْ الدَّارِ أَيْ بَيْعُ بَعْضِهَا وَتَرْكُ ما حُصِّلَ منه دِينَارٌ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ تَخْتَلِفُ فَقَدْ تَنْقُصُ فَتَعُودُ إلَى دِينَارِ أو أَقَلَّ فَيَكُونُ الْجَمِيعُ لِلْمُوصَى له هذا إنْ أَرَادَ بَيْعَ بَعْضِهَا على أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ لِلْمُشْتَرِي أو أَطْلَقَ فَإِنْ بَاعَهَا مُسَاوِيَةً الْمَنْفَعَةَ فَقَدْ بَيَّنَّا في بَيْعِ الْوَارِثِ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ من مَالِكِهَا أَيْ الْمَنْفَعَةِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِعُشْرِ الْأُجْرَةِ كُلُّ سَنَةٍ فإن له أَيْ الْوَارِثِ بَيْعُ تِسْعَةَ الْأَعْشَارِ لِلْإِشَاعَةِ وَإِنْ لم يَخْرُجْ من الثُّلُثِ فَالزَّائِدُ على الثُّلُثِ رَقَبَةٌ وَأُجْرَةٌ تَرِكَةٌ يَتَصَرَّفُ فيه الْوَارِثُ كَيْفَ شَاءَ لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ فيه وإذا أَوْصَى له بِدِينَارٍ كُلَّ سَنَةٍ صَحَّتْ أَيْ الْوَصِيَّةُ في السَّنَةِ الْأُولَى بِدِينَارِ فَقَطْ أَيْ لَا فِيمَا بَعْدَهَا إذْ لَا يُعْرَفُ قَدْرُ الْمُوصَى بِهِ في الْمُسْتَقْبَلِ لِيَخْرُجَ من الثُّلُثِ
فَرْعٌ لو انْهَدَمَتْ الدَّارُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهَا وَأَعَادَهَا أَحَدُهُمَا أو غَيْرُهُمَا بِآلَتِهَا عَادَ الْحُكْمُ من كَوْنِ رَقَبَةِ الدَّارِ لِلْوَارِثِ وَمَنْفَعَتِهَا لِلْمُوصَى له
فَصْلٌ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِحَجِّ التَّطَوُّعِ بِنَاءً على صِحَّةِ النِّيَابَةِ فيه وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِهِ إنْ عَجَزَ الثُّلُثُ أو ما يَخُصُّهُ أَيْ الْحَجَّ منه أَيْ من الثُّلُثِ عن أُجْرَةِ الْحَجِّ وَيَحُجُّ عنه لو أَطْلَقَ الْوَصِيَّةَ بِهِ من الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ كما لو قُيِّدَ بِهِ وَحَمْلًا على أَقَلِّ الدَّرَجَاتِ وَلِأَنَّهُ الذي اسْتَقَرَّ وُجُوبُهُ في الشَّرْعِ وَإِنْ شَرَطَهُ أَيْ الْحَجَّ عنه من دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَعَجَزَ الثُّلُثُ عنه فَمِنْ حَيْثُ أَمْكَنَ فَإِنْ لم يَعْجَزْ فَمِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَدُوَيْرَةُ أَهْلِهِ مِثَالٌ فَسَائِرُ الْأَمْكِنَةِ التي هِيَ أَبْعَدُ من الْمِيقَاتِ كَذَلِكَ وَإِنْ جَعَلَ ثُلُثَهُ لِلْحَجِّ وَالتُّسْعَ لِحَجِيجٍ حِجَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ صُرِفَ فيها فَإِنْ فَضَلَ منه ما يُعْجِزُ عن حَجَّةٍ فَهُوَ لِلْوَارِثِ وَإِنْ جَعَلَهُ لِحَجَّةٍ وهو أَكْثَرُ من الْأُجْرَةِ فَلْيَكُنْ الْأَجِيرُ أَجْنَبِيًّا لَا وَارِثًا لِلْمُحَابَاةِ بِالزَّائِدِ بِخِلَافِ ما إذَا كان قَدْرَهَا أو دُونَهَا
وَالْحَجُّ الْوَاجِبُ وَلَوْ بِالنَّذْرِ يَجِبُ من رَأْسِ الْمَالِ سَوَاءٌ أَوْصَى بِهِ أَمْ لَا أَضَافَهُ إلَى رَأْسِ الْمَالِ أَمْ أَطْلَقَ لِلُزُومِهِ له كَالزَّكَاةِ وَسَائِرِ الدُّيُونِ
قال ابن الرِّفْعَةِ وَمَحَلُّهُ في النُّذُورِ إذَا الْتَزَمَهُ في الصِّحَّةِ فَإِنْ الْتَزَمَهُ في الْمَرَضِ فَمِنْ الثُّلُثِ قَطْعًا قَالَهُ الْفُورَانِيُّ وَنَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عن الْإِمَامِ وقال يَنْبَغِي الْفَتْوَى بِهِ وَيَحُجُّ عنه من الْمِيقَاتِ لِأَنَّهُ لو كان حَيًّا لم يَلْزَمْهُ إلَّا هذا وَلِهَذَا لو مَاتَ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ من مَالِهِ إلَّا أَقُلَّ الْخِصَالِ لَا إنْ أَوْصَى بِهِ من الثُّلُثِ أو من دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ فَيَمْتَثِلُ كما لو أَوْصَى بِقَضَاءِ دَيْنِهِ من ثُلُثِهِ فَيُزَاحِمُ الْوَصَايَا لِأَنَّ الْمُوصِيَ عَلَّقَهُ وَكَأَنَّهُ قَصَدَ الرِّفْقَ بِالْوَرَثَةِ
وَلَوْ ازْدَحَمَتْ الْوَصَايَا التي منها الْوَصِيَّةُ بِالْحَجِّ لم يُقَدَّمْ الْحَجُّ وَإِنْ كان وَاجِبًا بَلْ يُزَاحِمُهَا بِالْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ فَإِنْ لم يَفِ الْحَاصِلُ منها تَمَّمَ من رَأْسِ الْمَالِ كما لو قال اقْضُوا دَيْنِي من ثُلُثِي فلم يَفِ الثُّلُثُ بِهِ وَحِينَئِذٍ تَدُورُ الْمَسْأَلَةُ لِتَوَقُّفِ مَعْرِفَةِ ما يُتَمِّمُ بِهِ على مَعْرِفَةِ ثُلُثِ الْبَاقِي لِتُصْرَفَ حِصَّةُ الْوَاجِبِ منه وَمَعْرِفَةِ ثُلُثِ الْبَاقِي على مَعْرِفَةِ ما يُتَمِّمُ بِهِ فَيُسْتَخْرَجُ بِمَا يَذْكُرُهُ في قَوْلِهِ وَإِنْ أَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ من الثُّلُثِ وَالْأُجْرَةُ لها مِائَةٌ وَأَوْصَى لِزَيْدٍ
____________________
(3/59)
بِمِائَةٍ وَالتَّرِكَةُ ثَلَثُمِائَةٍ وَزَّعْنَا الثُّلُثَ على الْوَصِيَّتَيْنِ وَنُتَمِّمُ الْحَجَّ من رَأْسِ الْمَالِ فَيَنْقُصُ الثُّلُثُ وَتَدُورُ الْمَسْأَلَةُ كما عُرِفَ فَطَرِيقُهُ أَنْ يُفْرَضَ ما يُتَمِّمُ بِهِ أُجْرَةَ الْحَجِّ شيئا يَبْقَى ثَلَثُمِائَةٍ إلَّا شيئا انْزَعْ منها ثُلُثَهَا وهو مِائَةٌ إلَّا ثُلُثَ شَيْءٍ اقْسِمْهُ بين الْحَجِّ وَزَيْدٍ نِصْفَيْنِ فَنَصِيبُ الْحَجِّ خَمْسُونَ إلَّا سُدُسَ شَيْءٍ فَيَضُمُّ الشَّيْءُ الْمَنْزُوعُ إلَيْهِ يَبْلُغُ خَمْسِينَ وَخَمْسَةَ أَسْدَاسِ شَيْءٍ يَعْدِلُ مِائَةً وَذَلِكَ تَمَامُ الْأُجْرَةِ فَأَسْقِطْ خَمْسِينَ بِخَمْسِينَ يَبْقَى خَمْسَةُ أَسْدَاسِ شَيْءٍ في مُقَابَلَةِ خَمْسِينَ وإذا كان خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الشَّيْءِ خَمْسِينَ كان الشَّيْءُ سِتِّينَ فَعُلِمَ أَنَّ ما نَزَعْتَهُ سِتُّونَ
وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ فَانْزَعْ سِتِّينَ من رَأْسِ الْمَالِ ثُمَّ خُذْ ثُلُثَ الْبَاقِي وهو ثَمَانُونَ اقْسِمْهُ بين الْوَصِيَّتَيْنِ يَحْصُلُ لِصَاحِبِ الْوَصِيَّةِ أَرْبَعُونَ وَلِلْحَجِّ أَرْبَعُونَ فَهِيَ من السِّتِّينَ التي نَزَعْتَهَا من رَأْسِ الْمَالِ تَمَامَ أُجْرَةِ الْحَجِّ وَإِنْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عنه تَطَوُّعًا أو حَجَّةَ الْإِسْلَامِ من ثُلُثِهِ بِمِائَةٍ وما بَقِيَ منه لِزَيْدٍ وَأَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِعَمْرٍو ولم يُجِزْ الْوَرَثَةُ ما زَادَ على الثُّلُثِ فَلِعَمْرٍو نِصْفَ الثُّلُثِ
إذْ الثُّلُثُ مَقْسُومٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَصِيَّتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ ثُمَّ يُصْرَفُ من الْبَاقِي مِائَةٌ لِلْحَجِّ فَإِنْ فَضَلَ منه شَيْءٌ فَلِزَيْدٍ فَلَوْ كان الثُّلُثُ ثَلَاثُمِائَةٍ كان لِعَمْرٍو مِائَةٌ وَخَمْسُونَ وَالْبَاقِي بين الْحَجِّ وَزَيْدٍ لِلْحَجِّ مِائَةٌ وَلِزَيْدٍ خَمْسُونَ لِأَنَّهُ لم يُوصَ له إلَّا بِمَا يَزِيدُ على مِائَةِ الْحَجِّ وَلَوْ كان الثُّلُثُ مِائَتَيْنِ فما دُونَ هُمَا قُسِّمَ بين عَمْرٍو وَالْحَجِّ نِصْفَيْنِ بِمُعَادَّةِ زَيْدٍ على عَمْرٍو وَلَا شَيْءَ لِزَيْدٍ إذْ لم يَفْضُلُ من الْحَجِّ شَيْءٌ وَالْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ فِيمَا ذُكِرَ وَفِيمَا يَأْتِي
فَرْعٌ لِلْوَرَثَةِ أو الْأَجْنَبِيِّ إسْقَاطُ فَرْضِ الْحَجِّ عن الْمَيِّتِ من غَيْرِ التَّرِكَةِ وَإِنْ لم يُوصِ بِذَلِكَ أو لم يَأْذَنِ الْوَارِثُ لِلْأَجْنَبِيِّ فيه كَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ في الصَّوْمِ في بَابِهِ وَلَوْ حَجَّ عنه الْوَارِثُ أو الْأَجْنَبِيُّ تَطَوُّعًا بِلَا وَصِيَّةٍ لم يَصِحُّ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ على الْمَيِّتِ
وَأَدَاءُ الزَّكَاةِ عنه وَالدَّيْنُ كَالْحَجِّ الْوَاجِب في ذلك وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَسَنَذْكُرُهَا في الْأَيْمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهِ تَعَالَى فُرِّعَ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ من وَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ يَنْفَعُ الْمَيِّتَ وَكَذَا يَنْفَعُهُ الْوَقْفُ وَالصَّدَقَةُ عنه وَبِنَاءُ الْمَسَاجِدِ وَحَفْرُ الْآبَارِ وَنَحْوِهَا عنه كما يَنْفَعُهُ ما فَعَلَهُ من ذلك في حَيَاتِهِ وَلِلْإِجْمَاعِ وَالْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ في بَعْضِهَا كَخَبَرِ إذَا مَاتَ ابن آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا من ثَلَاثٍ
صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له وَخَبَرُ سَعْدِ بن عُبَادَةَ قال يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ أَفَتَصَدَّقُ عنها قال نعم
قال أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ
قال سَقْيُ الْمَاءِ رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ
وقال تَعَالَى وَاَلَّذِينَ جَاءُوا من بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لنا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ أَثْنَى عليهم بِالدُّعَاءِ لِلسَّابِقِينَ
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى وَأَنْ ليس لِلْإِنْسَانِ إلَّا ما سَعَى فَعَامٌّ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ وَقِيلَ مَنْسُوخٌ بِهِ وَكَمَا يَنْتَفِعُ الْمَيِّتُ بِذَلِكَ يَنْتَفِعُ الْمُتَصَدِّقُ وَلَا يَنْقُصُ من أَجْرِ الْمُتَصَدِّقِ شَيْءٌ وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ له أَنْ يَجْعَلَ صَدَقَتَهُ أَيْ يَنْوِيَ بها عن أَبَوَيْهِ
وفي جَوَازِ التَّضْحِيَةِ عن الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ وَبِهِ جَزَمَ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَعِبَارَتِهِ وَلَا تَضْحِيَةَ عن الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا عن مَيِّتٍ إنْ لم يُوصِ بها على الْأَصْلِ في الْعِبَادَاتِ
وَثَانِيهِمَا الْجَوَازُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم ضَحَّى عن أَزْوَاجِهِ بِالْبَقَرِ وَخَبَرُ أَحْمَدَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان إذَا ضَحَّى اشْتَرَى كَبْشَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فإذا صلى وَخَطَبَ الناس أتى بِأَحَدِهِمَا وهو قَائِمٌ في مُصَلَّاهُ فَذَبَحَهُ بِنَفْسِهِ بِالْمُدْيَةِ ثُمَّ يقول اللَّهُمَّ هذا عن أُمَّتِي جميعا من شَهِدَ لك بِالتَّوْحِيدِ وَشَهِدَ لي بِالْبَلَاغِ ثُمَّ يُؤْتَى بِالْآخَرِ فَيَذْبَحُهُ بِنَفْسِهِ وَيَقُولُ هذا عن مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ فَيُطْعِمُهُمَا جميعا الْمَسَاكِينَ وَيَأْكُلُ هو وَأَهْلُهُ مِنْهُمَا وَلِلْأَوَّلِ أَنْ يَجْعَلَ ذلك مُسْتَثْنًى إذْ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَحْكَامٌ تَخُصُّهُ وقد ذَكَرْنَا الْقِرَاءَةَ على الْقَبْرِ أَيْ
____________________
(3/60)
حُكْمُهَا في الْإِجَارَةِ وَذَكَرْتُ ثَمَّ زِيَادَةً تَتَعَلَّقُ بها وَلَا يُصَلَّى عنه إلَّا رَكْعَتَا الطَّوَافِ فَيُصَلِّيهِمَا من يَحُجُّ عنه تَبَعًا لِلطَّوَافِ كما مَرَّ في بَابِهِ وقد ذَكَرْنَا الصَّوْمَ عنه في بَابِهِ وفي الصَّوْمِ عن مَرِيضٍ مَأْيُوسٍ من بُرْئِهِ وَجْهَانِ قال في الْأَصْلِ تَشْبِيهًا بِالْحَجِّ وَقَضِيَّتُهُ الْجَوَازُ
فَصْلٌ وَلَوْ وَرِثَ من يُعْتَقُ عليه أو وُهِبَ له أو أُوصِيَ له بِهِ في الْمَرَضِ عَتَقَ عليه من رَأْسِ الْمَالِ وَإِنْ لم يَكُنْ له مَالٌ غَيْرُهُ أو كان عليه دَيْنٌ مُسْتَغْرَقٌ أو كان مَحْجُورًا عليه بِفَلْسٍ لِأَنَّهُ لم يَبْذُلْ في مُقَابَلَتِهِ مَالًا وَزَوَالُ الْمِلْكِ حَصَلَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ
وَقِيلَ يُعْتَقُ من الثُّلُثِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ عنه بِلَا عِوَضٍ فَأَشْبَهَ ما لو أَعْتَقَ عَبْدًا مَلَكَهُ في مَرَضِهِ وَرَجَّحَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ
قال الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَصَحُّ ما هُنَا وَيَشْهَدُ له نَصُّهُ في الْأُمِّ أَنَّ الْمَحْجُورَ عليها بِالْفَلَسِ لو أَصْدَقَتْ أَبَاهَا عَتَقَ عليها ولم يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ منه شَيْءٌ لِأَنَّهُ يُعْتَقُ سَاعَةَ يَتِمُّ مِلْكُهَا عليه وَلَوْ اشْتَرَاهُ فيه أَيْ في مَرَضِهِ وهو مَدْيُونٌ صَحَّ الشِّرَاءُ إذْ لَا خَلَلَ فيه وَبِيعَ في الدَّيْنِ فَلَا يُعْتَقُ عليه لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ مَدْيُونًا صَحَّ الشِّرَاءُ أَيْضًا وعتق أَيْ اُعْتُبِرَ عِتْقُهُ من الثُّلُثِ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَهُ بِالِاخْتِيَارِ وَبَذَلَ في مُقَابِلَتِهِ مَالًا فَإِنْ خَرَجَ كُلُّهُ من الثُّلُثِ عَتَقَ كُلُّهُ من الثُّلُثِ وَإِلَّا فَقَدْرُ الثُّلُثِ
وَلَوْ اشْتَرَاهُ وَحُوبِيَ بِثَمَنِهِ كَأَنْ اشْتَرَاهُ بِخَمْسِينَ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ فَقَدْرُهَا أَيْ الْمُحَابَاةُ هِبَةٌ فَحِينَئِذٍ يُعْتَقُ قَدْرُهَا من رَأْسِ الْمَالِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْغُرَمَاءُ وَعَلَى ما رَجَّحَهُ الْمِنْهَاجُ يُعْتَقُ من الثُّلُث وَمَتَى حَكَمْنَا بِعِتْقِهِ من الثُّلُثِ لم يَرِثْ منه
قالوا لِأَنَّهُ لو وَرِثَ منه لَكَانَ عِتْقُهُ تَبَرُّعًا على الْوَارِث فَيَبْطُلُ لِتَعَذُّرِ إجَازَتِهِ لِتَوَقُّفِهَا على إرْثِهِ الْمُتَوَقَّفِ على عِتْقِهِ الْمُتَوَقَّفِ عليها فَيَتَوَقَّفُ كُلٌّ من إجَازَتِهِ وَإِرْثِهِ على الْآخَرِ فَيَمْتَنِعُ إرْثُهُ أو من رَأْسِ الْمَالِ وَرِثَ منه إذْ لَا يَتَوَقَّفُ عِتْقُهُ على إجَازَتِهِ
فَصْلٌ وَلَوْ قال لِعَبْدِهِ أَوْصَيْتُ لَك بِرَقَبَتِكَ اُشْتُرِطَ في صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ قَبُولُهُ لِاقْتِضَاءِ الصِّيغَةِ ذلك كَقَوْلِهِ لِعَبْدِهِ مَلَّكْتُكَ نَفْسَكَ فإنه يُشْتَرَطُ فيه الْقَبُولُ في الْمَجْلِسِ وَمَقْصُودُ هذه الْوَصِيَّةِ الْإِعْتَاقُ لَا إنْ قال أَعْتِقُوهُ بَعْدَ مَوْتِي فَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ لِأَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى حَقًّا مُؤَكَّدًا في الْعِتْقِ فَكَانَ كَالْوَصِيَّةِ لِلْجِهَاتِ الْعَامَّةِ وَإِنْ وَهَبَ لِعَبْدِهِ نَفْسَهُ اُشْتُرِطَ لِصِحَّةِ الْهِبَةِ الْقَبُولُ في الْحَالِ كَسَائِرِ الْهِبَاتِ إلَّا إنْ نَوَى بِذَلِكَ عِتْقَهُ فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ كما لو أَعْتَقَهُ لَا يُقَالُ بَلْ يَنْبَغِي اشْتِرَاطُهُ لِأَنَّ ذلك صَرِيحٌ في بَابِهِ وَوَجَدَ نَفَاذًا في مَوْضُوعِهِ كَمَنْ قال تَصَدَّقْتُ عَلَيْكَ بِذَلِكَ وَنَوَى الْوَقْفَ فإنه لَا يَكُونُ وَقْفَا لِأَنَّا نَقُولُ ذلك إذَا اخْتَلَفَ الْمُقْتَضَيَانِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ لِأَنَّ مَقْصُودَ هذه الْهِبَةِ الْإِعْتَاقُ
فَصْلٌ وَإِنْ أَمَرَ بِإِعْتَاقِ بَعْضِ عَبْدِهِ أو عَلَّقَ عِتْقَ بَعْضِ عَبْدِهِ بِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَأَنْ قال إذَا مِتُّ فَأَعْتِقُوا ثُلُثَ عَبْدِي أو ثُلُثُ عَبْدِي حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَمَاتَ عَتَقَ منه ذلك الْبَعْضُ بِالْإِعْتَاقِ في الْأُولَى وَبِدُونِهِ في الثَّانِيَةِ ولم يَسْرِ إلَى الْبَاقِي لِأَنَّهُ ليس بِمَالِكٍ له عِنْدَ الْعِتْقِ وَلَا مُوسِرٍ بِقِيمَتِهِ لِكَوْنِهِ مَيْتًا بِخِلَافِ عِتْقِهِ الْبَعْضَ من عَبْدِهِ في الْمَرَضِ وَالثُّلُثُ يَحْتَمِلُهُ فإنه يَسْرِي إلَى الْبَاقِي لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلْبَاقِي وَلَوْ قال الْمَرِيضُ لِعَبِيدِهِ الثَّلَاثَةِ وَلَا مَالَ له غَيْرُهُمْ وَقِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ أَعْتَقْتُكُمْ أو ثُلُثُ كُلٍّ مِنْكُمْ حُرٌّ أو أَثْلَاثُكُمْ أَحْرَارٌ عَتَقَ منهم وَاحِدٌ بِالْقُرْعَةِ وَلَا يُقْتَصَرُ الْعِتْقُ على ثُلُثِ كُلٍّ منهم حَذَرًا من التَّشْقِيصِ في عَبْدِهِ لِأَنَّ إعْتَاقَ بَعْضِ عَبْدِهِ كَإِعْتَاقِ كُلِّهِ وَإِنْ عَلَّقَهُ أَيْ عِتْقَ ثُلُثِ عَبِيدِهِ بِمَوْتِهِ كَأَنْ قال ثُلُثُ كُلٍّ مِنْكُمْ حُرٌّ أو أَثْلَاثُكُمْ أَحْرَارٌ بَعْدَ مَوْتِي عَتَقَ من كُلٍّ منهم ثُلُثُهُ وَلَا قُرْعَةَ إذْ لَا سِرَايَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ كما مَرَّ لَكِنْ لو زَادَ ما أَعْتَقَهُ على الثُّلُثِ كَأَنْ قال نِصْفكُمْ حُرٌّ بَعْد مَوْتِي أُقْرِعَ لِرَدِّ الزِّيَادَةِ لَا لِلسَّرَايَةِ كما نَبَّهَ عليه بِقَوْلِهِ
وَلَوْ قال لِلثَّلَاثَةِ نِصْفُ كُلٍّ مِنْكُمْ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي ولم يُجِزْ الْوَرَثَةُ ذلك أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ بِسَهْمِ رِقٍّ وَسَهْمَيْ حُرِّيَّةٍ وفي نُسْخَةٍ عِتْقٍ فَمَنْ أَصَابَهُ الرِّقُّ رَقَّ وَعَتَقَ نِصْفُ كُلٍّ من الْآخَرِينَ وَلَا يَسْرِي وَلَوْ أَعْتَقَ الْأَنْصَافَ في مَرَضِهِ فَمَنْ عَتَقَ منه شَيْءٌ سَرَى إلَى بَاقِيهِ إلَى أَنْ يَتِمَّ الثُّلُثُ فَيَقْرَعُ بَيْنَهُمْ بِسَهْمَيْ رِقٍّ وَسَهْمِ عِتْقٍ فَمَنْ خَرَجَ له سَهْمُ الْعِتْقِ عَتَقَ كُلُّهُ وهو ثُلُثُ الْمَالِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ أَوْصَى بِعِتْقِ نِصْفِ غَانِمٍ وَثُلُثِ سَالِمٍ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ وَلَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا لِرَدِّ الزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ قد أَعْتَقَ خَمْسَةَ
____________________
(3/61)
أَسْدَاسِ عَبْدٍ وَلَيْسَ له إلَّا إعْتَاقُ أَرْبَعَةِ أَسْدَاسِهِ فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ لِغَانِمٍ عَتَقَ نِصْفُهُ وعتق سُدْسُ سَالِمٍ لِيَتِمَّ الثُّلُثُ وَإِلَّا بِأَنْ خَرَجَ الْعِتْقُ لَسَالِمٍ عَتَقَ من كل مِنْهُمَا ثُلُثُهُ وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَهُمَا مَعًا في مَرَضِهِ كَأَنْ قال نِصْفُ كُلٍّ مِنْكُمَا حُرٌّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ قَرَعَ أَيْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ بِالْحُرِّيَّةِ عَتَقَ ثُلُثَاهُ وَرَقَّ الْبَاقِي منه مع جَمِيعِ الْآخَرِ كَمَنْ أَعْتَقَ نِصْفَهُ أَوَّلًا في أَنَّهُ يُعْتَقُ ثُلُثَاهُ فَلَوْ قال نِصْفُ غَانِمٍ حُرٌّ وَثُلُثُ سَالِمٍ حُرٌّ عَتَقَ ثُلُثَا غَانِمٍ وَلَا قُرْعَةَ
فَصْلٌ لو أَعْتَقَ أَمَةً حَامِلًا بَعْدَ مَوْتِهِ أو قَبْلَهُ تَبِعَهَا الْحَمْلُ وَلَوْ اسْتَثْنَاهُ كَأَنْ قال هِيَ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِي إلَّا جَنِينَهَا أو دُونَ جَنِينِهَا لِأَنَّهُ كَعُضْوٍ منها وَالْعِتْقُ لَا يَثْبُتُ في بَعْضِ الْأَعْضَاءِ دُونَ بَعْضٍ وَلِأَنَّ الْأُمَّ تَسْتَتْبِعُ الْحَمْلَ كما في الْبَيْعِ قال الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الْمَعْنَى أَقْوَى لِأَنَّ الْأَوَّلَ يُشْكِلُ بِمَا إذَا أَعْتَقَ الْحَمْلَ لَا يَعْتِقُ الْأُمَّ وَلَوْ كان كَعُضْوٍ منها لَعَتَقَتْ هذا إنْ كان الْحَمْلُ مِلْكَهُ وَإِلَّا فَلَا يَتْبَعُهَا لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْمِلْكَ يَمْنَعُ الِاسْتِتْبَاعَ
فَصْلٌ مَتَى أُوصِيَ له بِثُلُثِ عَبْدٍ مَثَلًا مُعَيَّنٍ فَاسْتُحِقَّ ثُلُثَاهُ فَلِلْمُوصَى له الثُّلُثُ الْبَاقِي لَا ثُلُثَهُ فَقَطْ إذْ الْمَقْصُودُ إرْفَاقُ الْمُوصَى له وَقِيلَ له ثُلُثُهُ وَصَحَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَنَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عن النَّصِّ وَاعْتَمَدَهُ هذا إنْ احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ وَإِلَّا فَلَهُ ما يَحْتَمِلُهُ الثُّلُثُ وَإِنْ قال أَعْطُوا فُلَانًا أَحَدَ أَثْلَاثِهِ أَيْ الْعَبْدُ فَاسْتُحِقَّ ثُلُثَاهُ نَفَذَتْ وَصِيَّتُهُ في الثُّلُثِ الْبَاقِي إنْ احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ وَإِلَّا فَفِيمَا يَحْتَمِلُهُ الثُّلُثُ الْبَاقِي وَالتَّصْرِيحُ بهذا الْقَيْدِ من زِيَادَتِهِ وَحُكْمُ هذه مَعْلُومٌ مِمَّا قَبْلَهَا
قال في الْأَصْلِ وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ صُبْرَةٍ فَتَلَفَ ثُلُثَاهَا فَلَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي أَيْ لَا الْبَاقِي وَإِنْ احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنَاوَلَتْ التَّالِفَ كما تَنَاوَلَتْ الْبَاقِيَ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في الِاسْتِحْقَاقِ
فَصْلٌ نَقْلُ الْمُوصَى بِهِ لِلْمَسَاكِينِ من بَلَدِ الْمَالِ إلَى مَسَاكِينَ بَلَدٍ آخَرَ جَائِزٌ كما مَرَّ مع بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الزَّكَاةِ في بَابِهَا هذا إنْ لم يُخَصِّصْ الْمُوصِي فُقَرَاءَ بَلَدٍ فَإِنْ كانت أَيْ الْوَصِيَّةُ لِفُقَرَاءِ بَلَدٍ مُعَيَّنٍ وَلَا فَقِيرَ بها بَطَلَتْ كما لو أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانِ وَلَا وَلَدَ له
الْقِسْمُ الثَّالِثُ في الْمَسَائِلِ الْحِسَابِيَّةِ لو أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ الِابْنِ الْحَائِزِ وَأَجَازَ الْوَصِيَّةَ أُعْطِيَ النِّصْفَ لِاقْتِضَائِهَا أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ مِنْهُمَا نَصِيبٌ وَأَنْ يَكُونَ النَّصِيبَانِ مِثْلَيْنِ فَتَلْزَمُ التَّسْوِيَةُ وَإِنْ رَدَّ الْوَصِيَّةَ رُدَّتْ إلَى الثُّلُثِ وَلَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ ما كان نَصِيبًا له كانت وَصِيَّةً بِجَمِيعِ الْمَالِ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ لم يَجْعَلْ لِابْنِهِ نَصِيبًا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ أو أَوْصَى له بِنَصِيبٍ كَنَصِيبِ أَحَدِ أَبْنَائِهِ وَلَهُ أَبْنَاءٌ فَهُوَ كَابْنٍ آخَرَ مَعَهُمْ فَلَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَالْوَصِيَّةُ بِالرُّبْعِ أو أَرْبَعَةً فَبِالْخُمْسِ وَهَكَذَا وَضَابِطُهُ أَنْ تُصَحَّحَ الْفَرِيضَةُ بِدُونِ الْوَصِيَّةِ وَيُزَادَ فيها مِثْلُ ما لِلذُّكُورِ من سَهْمٍ أَيْ مِثْلُ نَصِيبِ الْمُوصَى بِمِثْلِ نَصِيبِهِ
فَإِنْ كانت له بِنْتٌ وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِهَا فَالْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ من اثْنَيْنِ لو لم تَكُنْ وَصِيَّةً فَيُزَادُ عليها سَهْمٌ لِلْمُوصَى له أو كان له بِنْتَانِ فَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ إحْدَاهُمَا فَهِيَ أَيْ الْوَصِيَّةُ بِالرُّبْعِ لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ كانت من ثَلَاثَةٍ لَوْلَا الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا سَهْمٌ فَزِيدَ لِلْمُوصَى له سَهْمٌ يَبْلُغُ أَرْبَعَةً وَإِنْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِهِمَا مَعًا فَالْوَصِيَّةِ بِخُمْسَيْ الْمَالِ لِأَنَّهَا أَيْ الْفَرِيضَةَ من ثَلَاثَةٍ لَوْلَا الْوَصِيَّةُ وَنُصِيبهُمَا منها اثْنَانِ فَتَزِيدُ على الثَّلَاثَةِ سَهْمَيْنِ مِثْلُ نَصِيبِهِمَا تَبْلُغُ خَمْسَةً وَلَوْ أَوْصَى بِنَصِيبِ بِنْتٍ أَيْ بمثله وَلَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ وَأَخٌ فَالْوَصِيَّةُ بِسَهْمَيْنِ من أَحَدَ عَشَرَ لِأَنَّهَا من تِسْعَةٍ لَوْلَا الْوَصِيَّةُ وَنَصِيبُ كل بِنْتٍ مِنْهُمَا سَهْمَانِ فَتُزِيدُهُمَا على التِّسْعَةِ تَبْلُغُ أَحَدَ عَشَرَ وَكَذَا لو أَوْصَى وَلَهُ ثَلَاثُ بَنِينَ وَثَلَاثُ بَنَاتٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ فَالْوَصِيَّةُ بِسَهْمَيْنِ من أَحَدَ عَشَرَ وَلَوْ أَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنِهِ صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ كما لو أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِهِ أَيْ ابْنِهِ إذْ الْمَعْنَى بِمِثْلِ نَصِيبِهِ وَمِثْلُهُ في الِاسْتِعْمَالِ كَثِيرٌ كَيْفَ وَالْوَصِيَّةُ وَارِدَةٌ على مَالِ الْمُوصِي إذْ ليس لِلِابْنِ نَصِيبٌ قبل مَوْتِهِ وَإِنَّمَا الْغَرَضُ التَّقْدِيرُ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ بَعْدَهُ وَقِيلَ يَبْطُلُ لِوُرُودِهَا على حَقِّ الْغَيْرِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ في الْأَصْلِ في بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وفي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ هُنَا وَلَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ وَلَا ابْنَ له وَارِثٌ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ إذْ لَا نَصِيبَ لِلِابْنِ بِخِلَافِ ما لو أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ وَلَا ابْنٍ له تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ كما في التَّهْذِيبِ وَالْكَافِي وَكَأَنَّهُ قال بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِ لي لو كان
فَرْعٌ
____________________
(3/62)
لو أَوْصَى وَلَهُ ابْنٌ أو ابْنَانِ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ ثَانٍ أو ثَالِثٍ لو كان فَهِيَ بِالثُّلُثِ في الْأُولَى كما لو كان له ابْنَانِ وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا وَبِالرُّبُعِ في الثَّانِيَةِ كما لو كان له ثَلَاثَةُ بَنِينَ وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ وَكَذَا الْحُكْمُ لو قال أَوْصَيْتُ له بِنَصِيبِ ابْنٍ ثَانٍ أو ثَالِثٍ لو كان ولم يَقُلْ مِثْلَ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِيمَا لو أَضَافَ إلَى وَارِثٍ مَوْجُودِ وَلَوْ أَوْصَى وَلَهُ ثَلَاثَةُ بَنِينَ بِمِثْلِ نَصِيبِ بِنْتٍ لو كانت فَالْوَصِيَّةُ بِالثُّمُنِ لِأَنَّهَا من سَبْعَةٍ لَوْلَا الْوَصِيَّةُ وَنَصِيبُ الْبِنْتِ منها سَهْمٌ فَتَزِيدُ على السَّبْعَةِ وَاحِدًا تَبْلُغُ ثَمَانِيَةً وَإِنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ أَوْلَادِهِ أو وَرَثَتِهِ أُعْطِيَ كَأَقَلِّهِمْ نَصِيبًا لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ فَزِدْ على مَسْأَلَتِهِمْ لَوْلَا الْوَصِيَّةُ مِثْلُ سَهْمِ أَقَلِّهِمْ ثُمَّ اقْسِمْ فَلَوْ كان له ابْنٌ وَبِنْتٌ فَالْوَصِيَّةُ بِالرُّبُعِ فَيُقَسَّمُ الْمَالُ كما يُقَسَّمُ بين ابْنِ وَبِنْتَيْنِ أو أَوْصَى بِضِعْفِ نَصِيبِ ابْنِهِ وَلَهُ ابْنٌ وَاحِدٌ فَالْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثَيْنِ لِأَنَّ ضِعْفَ الشَّيْءِ عِبَارَةٌ عن قَدْرِ الشَّيْءِ وَمِثْلِهِ أو قال أَوْصَيْتُ له بِضِعْفِ نَصِيبِ أَحَدِ أَوْلَادِي أو وَرَثَتِي أُعْطِيَ مِثْلَ نَصِيبِ أَقَلِّهِمْ نَصِيبًا فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةَ بَنِينَ فَالْوَصِيَّةُ بِخُمْسَيْ التَّرِكَةِ وَلَوْ أَوْصَى بِضِعْفَيْ نَصِيبِ ابْنِهِ وَلَهُ ابْنٌ وَاحِدٌ فَالْوَصِيَّةُ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْمَالِ لِأَنَّ ضِعْفَ الشَّيْءِ عِبَارَةٌ عن قَدْرِهِ وَمِثْلَيْهِ وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِهِ
فَصْلٌ لو أَوْصَى بِنَصِيبٍ من مَالِهِ أو بِجُزْءٍ أو حَظٍّ أو قِسْطٍ أو شَيْءٍ أو قَلِيلٍ أو كَثِيرٍ أو عَظِيمٍ أو سَهْمٍ أو نَحْوِهَا فَالتَّفْسِيرُ له يُرْجَعُ فيه إلَى الْوَارِثِ وَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِأَقَلِّ مُتَمَوَّلٍ كما في الْإِقْرَارِ لِوُقُوعِ هذه الْأَلْفَاظِ على الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَلَوْ ادَّعَى الْمُوصَى له زِيَادَةً على ذلك حَلَفَ الْوَارِثُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ إرَادَتَهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عِلْمِهِ وَلَوْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ إلَّا شيئا قُبِلَ التَّفْسِيرُ من وَارِثِهِ وكونه بِأَقَلِّ مُتَمَوَّلِ وَحُمِلَ الشَّيْءُ الْمُسْتَثْنَى على الْأَكْثَرِ لِيَقَعَ التَّفْسِيرُ بِالْأَقَلِّ وَكَذَا الْحُكْمُ لو قال أَعْطُوهُ ثُلُثَ مَالِي إلَّا قَلِيلًا
فَرْعٌ لو قال أَعْطُوهُ من وَاحِدٍ إلَى عَشَرَةٍ أو وَاحِدًا في عَشَرَةٍ فَكَمَا في الْإِقْرَارِ فَيُعْطَى في الْأُولَى تِسْعَةٌ وفي الثَّانِيَةِ عَشَرَةً إنْ أَرَادَ الْمُوصِي الْحِسَابَ وَأَحَد عَشَرَ إنْ أَرَادَ الْمَعِيَّةَ وَوَاحِدًا إنْ أَرَادَ الظَّرْفَ أو أَطْلَقَ أَوَ قال أَعْطُوهُ أَكْثَرَ مَالِي أو مُعْظَمُهُ أو عَامَّتُهُ فَالْوَصِيَّةُ بِمَا فَوْقَ النِّصْفِ لِأَنَّ اللَّفْظَ ظَاهِرٌ فيه وَالظَّاهِرُ أَنَّ غَالِبَ مَالِي كَذَلِكَ أو أَعْطُوهُ أَكْثَرَ مَالِي وَنِصْفَهُ أَيْ نِصْفَ أَكْثَرِهِ فَبِمَا أَيْ فَالْوَصِيَّةُ بِمَا فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ بِأَنْ يَزِيدَ الْوَارِثُ عليها شيئا وَنِصْفَهُ كما سَيَأْتِي إيضَاحُهُ في بَابِ الْكِتَابَةِ في الْوَصِيَّةِ بِوَضْعِ النُّجُومِ أو أَعْطُوهُ أَكْثَرَ مَالِي وَمِثْلَهُ فَالْوَصِيَّةُ بِالْكُلِّ أو زُهَاءَ أَلْفٍ بِضَمِّ الزَّايِ وَالْمَدِّ فِيمَا فَوْقَ نِصْفِهِ وَاسْتُشْكِلَ أَيْ اسْتَشْكَلَهُ في الرَّوْضَةِ لِأَنَّ زُهَاءَ أَلْفِ مَعْنَاهُ لُغَةً قَدْرُهُ أَيْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ أَلْفٌ
وَيُجَابُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ قَدْرُهُ تَقْرِيبًا لَا تَحْدِيدًا من زَهَوْتِهِ بِكَذَا أَيْ حَزَرْتَهُ حَكَاهُ الصَّاغَانِيُّ قُلِبَتْ الْوَاوُ هَمْزَةً لِتَطَرُّفِهَا إثْرَ أَلِفٍ زَائِدَةٍ كما في كِسَاءٍ أو أَعْطُوهُ دَرَاهِمَ أو دَنَانِيرَ حُمِلَ على ثَلَاثَةٍ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ من غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ كما في الْبَيْعِ فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ التَّفْسِيرُ بِغَيْرِهِ
فَإِنْ لم يَكُنْ غَالِبٌ فَسَّرَهُ الْوَارِثُ
وَقَوْلُهُ أَعْطُوهُ كَذَا دِرْهَمًا وَنَحْوَهُ كَكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا أو مِائَةً وَدِرْهَمًا أو أَلْفًا وَدِرْهَمًا أو مِائَةً وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا كما في الْإِقْرَارِ بِذَلِكَ وقد مَرَّ بَيَانُهُ فيه وقوله كَذَا كَذَا من دَنَانِيرِي يَلْزَمُ بِهِ دِينَارٌ وقوله كَذَا وَكَذَا منها يَلْزَمُ بِهِ دِينَارَانِ أو كَذَا كَذَا من دِينَارِي فَحَبَّةٌ أو كَذَا وَكَذَا منه فَحَبَّتَانِ وَالْحِسَابُ فَنٌّ طَوِيلٌ وَلِذَا جَعَلُوهُ عِلْمًا بِرَأْسِهِ وَأَفْرَدُوهُ بِالتَّدْرِيسِ وَالتَّصْنِيفِ فَالْحَوَالَةُ في هذا الْمُخْتَصَرِ تَكُونَ على مُصَنَّفَاتِهِ وَإِنْ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ هُنَا
الْبَابُ الثَّالِثُ في الرُّجُوعِ عن الْوَصِيَّةِ
تَصِحُّ في التَّبَرُّعِ الْمُعَلَّقِ وَلَوْ في الصِّحَّةِ بِالْمَوْتِ كَقَوْلِهِ إذَا مِتَّ فَأَعْطُوا فُلَانًا كَذَا أو فَأَعْتِقُوا عَبْدِي لَا الْمُنَجَّزِ وَلَوْ في الْمَرَضِ الرُّجُوعُ عنه وَعَنْ بَعْضِهِ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ لم يَتَّصِلْ بِهِ الْقَبْضُ فَكَانَ كَالْهِبَةِ وَلِأَنَّ الْقَبُولَ في الْوَصِيَّةِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَكُلُّ عَقْدٍ لم يَقْتَرِنْ بِإِيجَابِهِ الْقَبُولُ فَلِلْمُوجِبِ فيه الرُّجُوعُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عن عُمَرَ وَعَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنهما يُغَيِّرُ الرَّجُلُ من وَصِيَّتِهِ ما شَاءَ وَإِنَّمَا لم يَرْجِعْ في الْمُنَجَّزِ وَإِنْ كان مُعْتَبَرًا من الثُّلُثِ حَيْثُ جَرَى في الْمَرَضِ كَالْمُعَلَّقِ بِالْمَوْتِ لِأَنَّ الْمُقْتَضِي لِلرُّجُوعِ
____________________
(3/63)
في الْوَصِيَّةِ كَوْنُ التَّمْلِيكِ لم يَتِمُّ لِتَوَقُّفِهِ على الْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالتَّبَرُّعُ الْمُنَجَّزُ عَقْدٌ تَامٌّ بِإِيجَابِ وَقَبُولِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ من وَجْهٍ وَيَحْصُلُ الرُّجُوعُ بِالْقَوْلِ كَنَقَضْتُ الْوَصِيَّةَ وَأَبْطَلْتُهَا أو رَجَعْتُ فيها وَفَسَخْتُهَا وَهِيَ أَيْ الْعَيْنُ الْمُوصَى بها حَرَامٌ على الْمُوصَى له كما لو حَرَّمَ طَعَامَهُ على غَيْرِهِ بَعْدِ إبَاحَتِهِ له لم يَكُنْ له أَكْلُهُ أو هِيَ لَوَرَثَتِي بَعْدِي أو مِيرَاثٌ عَنِّي لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ مِيرَاثًا إلَّا إذَا انْقَطَعَ تَعَلُّقُ الْمُوصَى له عنها قال الرَّافِعِيُّ وكان يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بِبُطْلَانِ نِصْفِ الْوَصِيَّةِ حَمْلًا على التَّشْرِيكِ بين الْوَارِثِ وَالْمُوصَى له كما سَيَأْتِي فِيمَا لو أَوْصَى بِشَيْءٍ لِزَيْدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِعَمْرٍو أَنَّ الْوَصِيَّةَ الثَّانِيَةَ تَشْرِيكٌ انْتَهَى
وَيُجَابُ بِأَنَّهَا إنَّمَا كانت تَشْرِيكًا ثَمَّ لِمُشَارَكَتِهَا الْأُولَى في التَّبَرُّعِ بِخِلَافِ ما هُنَا الْمُعْتَضَدْ بِقُوَّةِ الْإِرْثِ الثَّابِتِ قَهْرًا ثُمَّ رأيت ابْنَ الرِّفْعَةِ فَرَّقَ بِنَحْوِ ذلك لَا
قَوْلُهُ هِيَ تَرِكَتِي فَلَيْسَ رُجُوعًا لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ من التَّرِكَةِ وَإِنْكَارُهُ الْوَصِيَّةَ إنْ سُئِلَ عنها رُجُوعٌ قال الرَّافِعِيُّ على ما مَرَّ في جَحْدِ الْوَكَالَةِ وَصَحَّحَ الْأَصْلُ خِلَافَهُ في التَّدْبِيرِ وَعَلَّلَهْ بِأَنَّ كُلًّا منها وَمِنْ التَّدْبِيرِ عَقْدٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ عَرْضُ شَخْصَيْنِ فَلَا يَرْتَفِعُ بِإِنْكَارِ أَحَدِهِمَا قال الْإِمَامُ وَاَلَّذِي ذَهَبِ إلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَظَاهِرُ النَّصِّ أَنَّهُ رُجُوعٌ لَكِنْ عَدَمُهْ عَزَاهُ الرَّافِعِيُّ في تَذْنِيبِهِ لِلْأَكْثَرِينَ في نَظِيرِهِ من التَّدْبِيرِ وقال الْبُلْقِينِيُّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ ليس بِرُجُوعٍ وَذَكَرَ الْأَصْلُ في التَّدْبِيرِ أَنَّ قَوْلَهُ ليس هذا الْمُوصَى بِهِ رُجُوعٌ لَا قَوْلُهُ في جَوَابِ السُّؤَالِ عن الْوَصِيَّةِ لَا أَدْرِي فَلَيْسَ رُجُوعًا وَالتَّصَرُّفُ في الْمُوصَى بِهِ بِمُعَاوَضَةٍ كَبَيْعٍ وَإِنْ حَصَلَ بَعْدَهُ فَسْخٌ وَلَوْ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ أو هِبَةٍ أو رَهْنٍ وَلَوْ بِلَا قَبْضٍ فِيهِمَا أو كِتَابَةٍ أو تَدْبِيرٍ أو تَعْلِيقِ عِتْقٍ بِصِفَةٍ أو نَحْوِهَا رُجُوعٌ لِظُهُورِ قَصْدِ الصَّرْفِ عن الْمُوصَى له وَكَذَا يَحْصُلُ الرُّجُوعُ بِالْعَرْضِ عليها لِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى الرُّجُوعِ وَهَذَا مِمَّا تُخَالِفُ فيه الْوَصِيَّةُ التَّدْبِيرَ كما نَصَّ عليه في الْأُمِّ وما ذُكِرَ في الْهِبَةِ مَحَلُّهُ في الصَّحِيحَةِ
أَمَّا الْفَاسِدَةُ فَحَكَى فيها الْمَاوَرْدِيُّ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ ثَالِثُهَا إنْ اتَّصَلَ بها الْقَبْضُ كانت رُجُوعًا وَإِلَّا فَلَا
قال في الْكِفَايَةِ وَكَلَامُهُ يُفْهِمُ طَرْدُهَا في الرَّهْنِ الْفَاسِدِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ رُجُوعٌ فِيهِمَا كَالْعَرْضِ على ما مَرَّ بَلْ أَوْلَى
وَالْوَصِيَّةُ بِالتَّصَرُّفِ في الْمُوصَى بِهِ مِثْلُ قَوْلِهِ إذَا مِتُّ فَبِيعُوهُ وَكَذَا التَّوْكِيلُ فيه وَالِاسْتِيلَادُ لِلْأَمَةِ أَيْ كُلٌّ منها رُجُوعٌ لِمَا مَرَّ لَا الْوَطْءُ لِلْأَمَةِ وَلَوْ أَنْزَلَ وَلَا أَثَرَ لِظُهُورِ قَصْدِ الْإِيلَادِ لِأَنَّهُ قد يُنْزِلُ وَلَا تَحْبَلُ وَيُفَارِقُ الْعَرْضَ على ما ذُكِرَ بِأَنَّ إفْضَاءَ الْعَرْضِ إلَيْهِ أَقْرَبُ من إفْضَاءِ الْوَطْءِ إلَى الْوَلَدِ وَالْإِقْرَارُ بِحُرِّيَّتِهِ أَيْ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِهِ وَغَصْبِهِ أَيْ أو بِغَصْبِهِ له رُجُوعٌ
فَرْعٌ لو أَوْصَى بِهِ لِزَيْدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِعَمْرٍو اشْتَرَكَا فيه فَلَا يَكُونُ رُجُوعًا في الْجَمِيعِ لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ التَّشْرِيكِ دُونَ الرُّجُوعِ فَلَيْسَ ذلك من مُقْتَضَى اللَّفْظِ كما في قَوْلِهِ أَوْصَيْتُ بِهِ لَكُمَا بَلْ من جِهَةِ أَنَّهُ لَمَّا أَوْصَى بِهِ لِلثَّانِي بَعْدَمَا أَوْصَى بِهِ لِلْأَوَّلِ كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُشْرِكَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ مَلَّكَ كُلًّا مِنْهُمَا جَمِيعَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وهو مُتَعَذِّرٌ فَيُضَارَبَانِ فيه فَإِنْ رَدَّهُ أَحَدُهُمَا كان الْجَمِيعُ لِلْآخَرِ
وَإِنْ قال أَوْصَيْتُ بِهِ لَكُمَا فَرَدَّ أَحَدُهُمَا فَلِلْآخَرِ النِّصْفُ فَقَطْ لِأَنَّهُ الذي أَوْجَبَهُ له الْمُوصِي صَرِيحًا بِخِلَافِهِ في التي قَبْلَهَا كما عُرِفَ وَإِنْ أَوْصَى بِهِ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ بِنِصْفِهِ لِلثَّانِي وَقَبِلَا اقْتَسَمَاهُ أَرْبَاعًا إذْ النِّصْفُ لِلْأَوَّلِ وقد شَرَّكَهُ مع الثَّانِي في النِّصْفِ الْآخَرِ وَهَذَا تَبِعَ فيه الْإِسْنَوِيَّ حَيْثُ غَلَّطَ الْأَصْلَ في قَوْلِهِ اقْتَسَمَاهُ أَثْلَاثًا وَرَدَّ ما قَالَهُ بِأَنَّ ما في الْأَصْلِ هو الْمُعْتَمَدُ الْجَارِي على قَاعِدَةِ الْبَابِ إذْ نِسْبَةُ النِّصْفِ إلَى مَجْمُوعِ الْوَصِيَّتَيْنِ الثُّلُثُ وَعَلَيْهِ لو أَوْصَى لِلْأَوَّلِ بِالْكُلِّ وَلِلثَّانِي بِالثُّلُثِ اقْتَسَمَاهُ أَرْبَاعًا
إذْ نِسْبَةُ الثُّلُثِ إلَى الْمَجْمُوعِ الرُّبُعُ فَإِنْ رَدَّهُ الثَّانِي فَالْكُلُّ لِلْأَوَّلِ أو رَدَّهُ الْأَوْلُ فَالنِّصْفُ لِلثَّانِي وَإِنْ أَوْصَى بِهِ
____________________
(3/64)
لِزَيْدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِعِتْقِهِ فَيُقَدَّمُ الْعِتْقُ وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ الْأُولَى لِكَوْنِ الثَّانِيَةِ رُجُوعًا عنها أو يُقَسِّمُ بِأَنْ يَعْتِقَ نِصْفَهُ وَيَدْفَعَ إلَى زَيْدٍ الْبَاقِيَ وَجْهَانِ كَلَامُ الْأَصْلِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الْأَوَّلِ وَنَصَّ عليه في الْأُمِّ كما نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَإِنَّمَا كانت الثَّانِيَةُ رُجُوعًا بِخِلَافِهَا فِيمَا مَرَّ أَوَّلَ الْفَرْعِ لِأَنَّهَا هُنَا لَيْسَتْ من جِنْسِ الْأُولَى وَكَذَا عَكْسُهُ بِأَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِزَيْدٍ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ قال في الْأَصْلِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُصْرَفَ إلَى الْمُوصَى له على الْأَوَّلِ وَأَنْ يُنَصَّفَ على الثَّانِي
فَصْلٌ قَوْلُهُ أَوْصَيْتُ لِزَيْدٍ بِمَا أَوْصَيْتُ بِهِ لِعَمْرٍو رُجُوعٌ لِظُهُورِهِ فيه وَفَارِقُ ما مَرَّ أَوَّلَ الْفَرْعِ السَّابِقِ بِأَنَّهُ ثَمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَسِيَ الْوَصِيَّةَ الْأُولَى فَاسْتُصْحِبْنَاهَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ بِخِلَافِهِ هُنَا وَإِنْ قال في شَيْءٍ بِيعُوهُ وَاصْرِفُوا ثَمَنَهُ إلَى الْمَسَاكِينِ ثُمَّ قال بِيعُوهُ وَاصْرِفُوا ثَمَنَهُ إلَى الرِّقَابِ اشْتَرَكُوا في الثَّمَنِ لِأَنَّ الْوَصِيَّتَيْنِ مُتَّفِقَتَانِ على الْبَيْعِ وَإِنَّمَا الزَّحْمَةُ في الثَّمَنِ نعم إنْ كان الْمُوصِي ذَاكِرًا لِلْأُولَى صُرِفَ الْجَمِيعُ إلَى الرِّقَابِ على الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَيَأْتِي مِثْلُهُ في نَظَائِرِهِ وقد صَرَّحَ هو بِهِ في بَعْضِهَا وَفَارِقُ اشْتِرَاكِهِمَا فِيمَا ذَكِرَ ما لو أَوْصَى بِشَيْءٍ لِلْفُقَرَاءِ ثُمَّ أَوْصَى بِبَيْعِهِ وَصَرْفِ ثَمَنِهِ لِلْمَسَاكِينِ حَيْثُ كانت الْوَصِيَّةُ الثَّانِيَةُ رُجُوعًا بِأَنَّهَا في مَسْأَلَتِنَا من جِنْسِ الْأُولَى بِخِلَافِهَا ثُمَّ نَبَّهَ عليه الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ
وَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِدَارٍ أو بِخَاتَمٍ ثُمَّ أَوْصَى لِعَمْرٍو بِأَبْنِيَتِهَا أو بِفَصِّهِ فَالْعَرْصَةُ وَالْخَاتَمُ لِزَيْدٍ وَالْأَبْنِيَةُ وَالْفَصُّ مُشْتَرَكَانِ بَيْنَهُمَا فَإِنْ أَوْصَى لِعَمْرٍو بِسُكْنَاهَا لَا بِأَبْنِيَتِهَا قال بَعْضُهُمْ اُخْتُصَّ عَمْرٌو بِالْمَنْفَعَةِ وَاسْتُشْكِلَ أَيْ اسْتَشْكَلَهُ الْأَصْلُ فقال وكان يَحْتَمِلُ أَنْ يَشْتَرِكَا في الْمَنْفَعَةِ كَالْأَبْنِيَةِ وَالْفَصِّ وَفَرَّقَ ابن الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَعْدُومَةٌ وَالْأَبْنِيَةُ وَالْفَصُّ مَوْجُودَانِ وَبِأَنَّهُمَا مُنْدَرِجَانِ تَحْتَ اسْمِ الدَّارِ وَالْخَاتَمِ فَهُمَا بَعْضُ الْمُوصَى بِهِ بِخِلَافِ الْمَنْفَعَةِ
فَرْعٌ هذا كُلُّهُ في الْمُعَيَّنَةِ أَيْ في الْوَصِيَّةِ بِمُعَيَّنٍ أَمَّا إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ ثُمَّ بَاعَ مَثَلًا أَمْلَاكَهُ أو هَلَكَتْ لم يَكُنْ ذلك رُجُوعًا عن الْوَصِيَّةِ وَتَعَلَّقَتْ بِالْحَادِثِ له من الْمَالِ بَعْدَ ذلك إذْ لَا إشْعَارَ له بِهِ وَثُلُثُ الْمَالِ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَوْجُودِ عِنْدَهُ حَالَ الْوَصِيَّةِ بَلْ الْعِبْرَةُ بِمَا يَمْلِكُهُ حَالَ الْمَوْتِ زَادَ أَمْ نَقَصَ أَمْ تَبَدَّلَ وَلَا يَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِالْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ
فَرْعٌ طَحْنُ الْحِنْطَةِ وَبَدْرِهَا وَعَجْنُ الدَّقِيقِ وَذَبْحُ الشَّاةِ وَخَبْزُ الْعَجِينُ وَإِحْضَانُ الْبِيضِ الدَّجَاجَ أو نَحْوُهُ لِيَتَفَرَّخَ وَدَبْغُ الْجِلْدِ رُجُوعٌ عن الْوَصِيَّةِ لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا زَوَالُ الِاسْمِ قبل اسْتِحْقَاقِ الْمُوصَى له فَكَانَ كَالتَّلَفِ
وَالثَّانِي الْإِشْعَارُ بِالْإِعْرَاضِ عن الْوَصِيَّةِ وَيُعْزَى الْأَوَّلُ مِنْهُمَا إلَى النَّصِّ وَالثَّانِي إلَى أبي إِسْحَاقَ قال الرَّافِعِيُّ وَلَيْسَ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ بِبُطْلَانِ الِاسْمِ وَاضِحًا كُلَّ الْوُضُوحِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْعَصِيرَ الْمَرْهُونَ إذَا تَخَمَّرَ وَتَخَلَّلَ قبل الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ فيه على رَأْيٍ بَلْ يَكُونُ الْخَلُّ مَرْهُونًا مع بُطْلَانِ الِاسْمِ وَالرَّهْنُ قبل الْقَبْضِ مع الْوَصِيَّةِ مُتَقَارِبَانِ ثُمَّ قَضِيَّتُهُ أَنْ يُفَرِّقَ بين قَوْلِهِ أَوْصَيْتُ بهذا الطَّعَامِ وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ أَوْصَيْتُ بهذا أو أَوْصَيْتُ بِمَا في هذا الْبَيْتِ
انْتَهَى
قال في الْأَصْلِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ خَبْزُ الْعَجِينِ رُجُوعًا فإن الْعَجِينَ يَفْسُدُ لو تُرِكَ فَلَعَلَّهُ قَصَدَ إصْلَاحَهُ وَحِفْظَهُ على الْمُوصَى له قال وَلَك أَنْ تَقُولَ قِيَاسُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنْ لَا يَكُونَ الدَّبْغُ رُجُوعًا لِبَقَاءِ الِاسْمِ وَكَذَا الْإِحْضَانُ إلَى أَنْ يَتَفَرَّخَ وَعَلَيْهِمَا يَنْبَنِي ما لو حَصَلَ
____________________
(3/65)
ذلك بِغَيْرِ إذْنِهِ فَقِيَاسُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ رُجُوعٌ وَقِيَاسُ الثَّانِي الْمَنْعُ
هذا وقد رأيت الْأَصْحَابَ يُعَلِّلُونَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا
فَالْأَوْجَهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَعْلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ
وَلَوْ طَبَخَ الْمُوصِي اللَّحْمَ أو شَوَاهُ أو جَعَلَهُ وهو لَا يَفْسُدُ قَدِيدًا أو جَعَلَ الْخُبْزَ فَتِيتًا أو حَشَا بِالْقُطْنِ فِرَاشًا أو جُبَّةً أو غَزَلَهُ أو نَسَجَ الْغَزْلَ فَرُجُوعٌ لِإِشْعَارِ ذلك بِالصَّرْفِ عن الْوَصِيَّةِ وَلِأَنَّ الْقَدِيدَ لَا يُسَمَّى لَحْمًا على الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا يُسَمَّى لَحْمٌ قَدِيدٌ وَلَوْ تَمْرٌ أَيْ جَفَّفَ رُطَبًا أو قَدَّدَ لَحْمًا قد يَفْسُدُ فَلَا يَكُونُ رُجُوعًا في الْأَشْبَهِ من وَجْهَيْنِ لِأَنَّ ذلك صَوْنٌ لِلرُّطَبِ وَاللَّحْمِ عن الْفَسَادِ فَلَا يُشْعِرُ بِتَغْيِيرِ الْقَصْدِ وَيُفَارِقُ خُبْزَ الْعَجِينِ على الْمَنْقُولِ بِأَنَّ فيه مع صَوْنِهِ عن الْفَسَادِ تَهْيِئَتَهُ لِلْأَكْلِ بِخِلَافِ ما هُنَا وَمُقَابِلُ الْأَشْبَهِ أَنَّ ذلك رُجُوعٌ لِزَوَالِ الِاسْمِ
فَرْعٌ هَدْمُ الدَّارِ الْمُبْطِلِ لِاسْمِهَا رُجُوعٌ عن الْوَصِيَّةِ في النَّقْضِ أَيْ الْمَنْقُوضِ من طُوبٍ وَخَشَبٍ وَكَذَا في الْعَرْصَةِ لِظُهُورِ ذلك في الصَّرْفِ عن جِهَةِ الْوَصِيَّةِ وَانْهِدَامُهَا وَلَوْ بِهَدْمِ غَيْرِهِ يُبْطِلُهَا في النَّقْضِ بِبُطْلَانِ الِاسْمِ كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فَقَطْ أَيْ لَا في الْعَرْصَةِ وَالِاسْمِ إنْ بَقِيَ لِبَقَائِهِمَا بِحَالِهِمَا وَذِكْرُ حُكْمِ الِاسْمِ من زِيَادَتِهِ وما ذُكِرَ من الصِّحَّةِ في الْعَرْصَةِ الْمُلْحَقِ بها الِاسْمِ هو ما صَحَّحَهُ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن تَصْحِيحِ الْمُتَوَلِّي وقال الرُّويَانِيُّ إنَّ الْقَوْلَ بِبَقَائِهَا في الْعَرْصَةِ غَلَطٌ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ على أَنَّهُ لو أَوْصَى بِدَارٍ فَذَهَبَ السَّيْلُ بها بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى دَارًا
قال الْأَذْرَعِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ ذلك وَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ الْبُطْلَانُ في الْجَمِيعِ هذا إنْ بَطَلَ الِاسْمُ وإلا بَطَلَ الْإِيصَاءُ في نَقْضِ الْمُنْهَدِم منها فَقَطْ
وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ فيه أَيْضًا
وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ من زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ ابن الرِّفْعَةِ عن النَّصِّ وَقَطَعَ الْجُمْهُورُ وَلَا أَثَرَ لِانْهِدَامِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ وَإِنْ زَالَ اسْمُهَا بِذَلِكَ لِاسْتِقْرَارِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ وَبَقَاءِ اسْمِ الدَّارِ يَوْمَئِذٍ
فَرْعٌ قَطْعُ الثَّوْبِ قَمِيصًا وَصَبْغُهُ وَقِصَارَتُهُ أَيْ كُلٌّ منها إذَا صَدَرَ من الْمُوصِي رُجُوعٌ عن الْوَصِيَّةِ بِهِ لِظُهُورِهِ في الصَّرْفِ عن جِهَتِهَا لَا غُسْلُهُ كَتَعْلِيمِ الْعَبْدِ وَلَا نَقْلُهُ من مَكَانِهِ إلَى بُعْدٍ أَيْ مَكَان بَعِيدِ عن مَكَانِ الْمُوصَى له وَلَوْ بِلَا عُذْرِ وَلَا خِيَاطَتُهُ وهو مَقْطُوعٌ حين الْوَصِيَّةِ بِهِ إذْ لَا إشْعَارَ لِكُلٍّ منها بِالرُّجُوعِ وَجَعْلُ الْخَشَبِ بَابًا كَالثَّوْبِ أَيْ كَجَعْلِهِ قَمِيصًا فَيَكُونُ رُجُوعًا
فَرْعٌ لو أَوْصَى بِصَاعِ حِنْطَةٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ خَلَطَهُ بِمَا يَتَعَذَّرُ تَمْيِيزُهُ منه فَهُوَ رُجُوعٌ وَإِنْ خُلِطَ بِأَرْدَأَ منها لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ عن إمْكَانِ التَّسْلِيمِ وَكَذَا إنْ كان الصَّاعُ من صُبْرَةٍ وَخَلَطَهَا بِأَجْوَدَ منها فإنه رُجُوعٌ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْحَادِثَةَ لم تَتَنَاوَلْهَا الْوَصِيَّةُ وَلَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُهَا بِدُونِهَا لَا مِثْلِهَا أَيْ لَا إنْ خَلَطَهَا بِمِثْلِهَا لِأَنَّ الْمُوصَى بِهِ شَائِعٌ مَخْلُوطٌ بِغَيْرِهِ فَلَا تَضُرُّ زِيَادَةُ خَلْطِهِ وَلَا يَخْتَلِفُ بِهِ الْغَرَضُ وَأَرْدَأَ أَيْ وَلَا إنْ خَلَطَهَا بِأَرْدَأَ منها لِأَنَّ تَغْيِيرَ الْمُوصَى بِهِ بِالنُّقْصَانِ بِخَلْطِهِ بِالْأَرْدَإِ تَعْيِيبٌ فَلَا يُؤَثِّرُ وَإِنْ خَلَطَهَا غَيْرُهُ أو اخْتَلَطَتْ بِنَفْسِهَا وَلَوْ بِأَجْوَدَ فَوَجْهَانِ أَوْجَهُهَا أَخْذًا مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ ليس بِرُجُوعٍ وَالزِّيَادَةُ الْحَاصِلَةُ بِالْجَوْدَةِ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ فَتَدْخُلُ في الْوَصِيَّةِ وما ذَكَرَهُ لم يَذْكُرْهُ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَسْأَلَةَ اخْتِلَاطِهَا بِنَفْسِهَا فقال وَلَوْ اخْتَلَطَتْ بِنَفْسِهَا بِالْأَجْوَدِ فَعَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ في نَظَائِرِهِ قال الرُّويَانِيُّ وَلَوْ بَلَّهَا بِالْمَاءِ كان رُجُوعًا أو أَوْصَى بِصَاعٍ حِنْطَةٍ ولم يَصِفْهَا ولم يُعَيِّنْ الصَّاعَ أَعْطَاهُ الْوَارِثُ مِمَّا شَاءَ من حِنْطَةِ التَّرِكَةِ إنْ كان قال من حِنْطَتِي وَإِلَّا فَمِنْ أَيِّ حِنْطَةٍ شَاءَ وَلَا أَثَرَ لِلْخَلْطِ فَلَوْ وَصَفَهَا وقال من حِنْطَتِي الْفُلَانِيَّةِ فَالْوَصْفُ مَرْعِيٌّ فَإِنْ بَطَلَ بِالْخَلْطِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ
فَرْعٌ لو أَوْصَى بِمَنْفَعَةِ عَبْدِهِ مَثَلَا سَنَةً ثُمَّ أَجَّرَهُ سَنَةً وَمَاتَ فَوْرًا أَيْ عَقِبَ الْإِجَارَةِ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ لِلْمُوصَى له مَنْفَعَةُ السَّنَةِ الْأُولَى فإذا انْصَرَفَتْ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ أو مَاتَ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَطَلَ النِّصْفُ الْأَوَّلُ أَيْ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فيه وَلَوْ حَبَسَهُ أَيْ الْعَبْدَ الْوَارِثَ السَّنَةَ بِلَا عُذْرٍ غَرِمَ لِلْمُوصَى له الْأُجْرَةَ وَلَا أَثَرَ لِانْقِضَائِهَا أَيْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ قبل مَوْتِهِ أو معه في بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا
وَلَيْسَ التَّزْوِيجُ وَالْخِتَانُ وَالتَّعْلِيمُ وَالِاسْتِخْدَامُ وَالْإِعَارَةُ وَالْإِجَارَةُ لِلْمُوصَى بِهِ وَالرُّكُوبُ لِلْمَرْكُوبِ وَاللُّبْسُ لِلثَّوْبِ وَالْإِذْنُ لِلرَّقِيقِ في التِّجَارَةِ رُجُوعًا إذْ لَا إشْعَارَ لها بِهِ بَلْ هِيَ إمَّا انْتِفَاعٌ وَلَهُ الْمَنْفَعَةُ وَالرَّقَبَةُ قبل مَوْتِهِ وَإِمَّا اسْتِصْلَاحٌ مَحْضٌ وَرُبَّمَا قَصَدَ بِهِ إفَادَةَ الْمُوصِي
____________________
(3/66)
له قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ لو أَوْصَى لِزَيْدٍ بِأَمَةٍ لِيَتَسَرَّى بها ثُمَّ زَوَّجَهَا كان رُجُوعًا وَلَوْ بَنَى أو غَرَسَ في أَرْضٍ أَوْصَى بها فَرُجُوعٌ لِأَنَّ ذلك لِلدَّوَامِ فَيَشْعُرُ بِأَنَّهُ قَصَدَ إبْقَاءَهَا لِنَفْسِهِ نعم إنْ كان ذلك في بَعْضِهَا كان رُجُوعًا فيه دُونَ الْبَاقِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ لَا إنْ زَرَعَ فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ كَلُبْسِ الثَّوْبِ نعم إنْ كان الْمَزْرُوعُ مِمَّا تَبْقَى أُصُولُهُ دَائِمًا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَالْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمْ في بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ أَنَّهُ كَالْغِرَاسِ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلدَّوَامِ وَكَذَا إنْ عَمَّرَ بُسْتَانًا مَثَلًا أَوْصَى بِهِ فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ لَا إنْ غَيَّرَ بِذَلِكَ اسْمُهُ كَأَنْ جَعَلَهُ خَانًا أو لم يُغَيِّرْهُ لَكِنْ أَحْدَثَ فيه بَابًا من عِنْدِهِ فَيَكُونُ رُجُوعًا
فَرْعٌ لو أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِائَةٍ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ بِمِائَةٍ أُخْرَى مُعَيَّنَةٍ اسْتَحَقَّهُمَا لِتَمْيِيزِ كل مِنْهُمَا عن الْأُخْرَى وَإِنْ أَطْلَقَهُمَا أو إحْدَاهُمَا فَمِائَةٌ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنَةُ فَلَوْ أَوْصَى له بِمِائَةٍ ثُمَّ بِخَمْسِينَ فَخَمْسُونَ فَقَطْ لِأَنَّهُ رُبَّمَا قَصَدَ تَقْلِيلَ حَقِّهِ فَيُؤْخَذُ بِالْيَقِينِ أو عَكْسُهُ بِأَنْ أَوْصَى له بِخَمْسِينَ ثُمَّ بِمِائَةٍ فَمِائَةٌ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنَةُ فَلَوْ وَجَدْنَا الْوَصِيَّتَيْنِ ولم نَعْلَمْ الْمُتَأَخِّرَةَ مِنْهُمَا لم نَدْفَعْ إلَّا الْمُتَيَقَّنَ وهو خَمْسُونَ لِاحْتِمَالِ تَأَخُّرِ الْوَصِيَّةِ بها وَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِائَةٍ وَلِعَمْرٍو بِمِائَةٍ ثُمَّ قال لِآخَرَ أَشْرَكْتُكَ مَعَهُمَا أُعْطِيَ نِصْفَ ما بِيَدِهِمَا
الْبَابُ الرَّابِعُ في الْإِيصَاءِ الْإِيصَاءُ وَالْوَصِيَّةُ إثْبَاتُ تَصَرُّفٍ مُضَافٍ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ يُقَالُ أَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِكَذَا وَأَوْصَيْتُ إلَيْهِ وَوَصَّيْتُهُ إذَا جَعَلْتُهُ وَصِيًّا وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقَالَ أَيْضًا أَوْصَيْتُهُ وقد أَوْصَى ابن مَسْعُودٍ فَكَتَبَ وَصِيَّتِي إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَى الزُّبَيْرِ وَابْنِهِ عبد اللَّهِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَيَنْبَغِي أَيْ يُنْدَبُ الْإِيصَاءُ في قَضَاءِ الْحُقُوقِ من دُيُونٍ وَوَدَائِع وَعَوَارٍ وَغَيْرِهَا وفي تَنْفِيذِ الْوَصَايَا إنْ كانت وَأَمْرِ الْأَطْفَالِ وَنَحْوِهِمْ بِالْإِجْمَاعِ وَاتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَاسْتِبَاقًا لِلْخَيْرَاتِ بَلْ قال الْأَذْرَعِيُّ يَظْهَرُ أَنَّهُ يَجِبُ على الْآبَاءِ الْوَصِيَّةُ في أَمْرِ الْأَطْفَالِ وَنَحْوِهِمْ إذَا لم يَكُنْ لهم جَدٌّ أَهْلٌ لِلْوِلَايَةِ إلَى ثِقَةٍ كَافٍ وَجِيهٍ إذَا وَجَدَهُ وَغَلَبَ على ظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ تَرَكَ الْوَصِيَّةَ اسْتَوْلَى على مَالِهِ خَائِنٌ من قَاضٍ أو غَيْرِهِ من الظَّلَمَةِ إذْ يَجِبُ عليه حِفْظُ مَالِ وَلَدِهِ عن الضَّيَاعِ قال وَيَصِحُّ الْإِيصَاءُ على الْحَمْلِ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ
وَالْمُرَادُ الْحَمْلُ الْمَوْجُودُ حَالَةَ الْإِيصَاءِ وَيَجِبُ الْإِيصَاءُ في رَدِّ الْمَظَالِمِ وَقَضَاءِ حُقُوقٍ عَجَزَ عنها في الْحَالِ ولم يَكُنْ بها شُهُودٌ كما مَرَّ مع زِيَادَةٍ في أَوَّلِ هذا الْكِتَابِ مُسَارَعَةً لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَجُمْلَةً عَجَزَ عنها في الْحَالِ صِفَةً لَرَدِّ الْمَظَالِمِ وَقَضَاءِ حُقُوقٍ بِجَعْلٍ أَلْ في الْمَظَالِمِ لِلْجِنْسِ فَإِنْ لم يُوصِ أَيْ الْمَيِّتُ أَحَدًا بها على تَفْصِيلٍ يَأْتِي بَيَانُهُ فَأَمْرُهَا إلَى الْقَاضِي فَلَهُ أَنْ يُنَصِّبَ من يَقُومُ بها
وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ وَصِيٌّ وَمُوصٍ وَمُوصًى فيه وَصِيغَةٌ
الْأَوَّلُ الْوَصِيُّ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ حَالَ مَوْتِ الْمُوصِي حُرًّا مُكَلَّفًا كَافِيًا في التَّصَرُّفِ الْمُوصَى بِهِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ على الطِّفْلِ وَلَوْ أَعْمَى وَيُوَكَّلُ الْأَعْمَى فِيمَا لَا يُتَمَكَّنُ من مُبَاشَرَتِهِ فَلَا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ إلَى من فيه رِقٌّ وَإِنْ أَذِنَ له سَيِّدُهُ لِأَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ في مَال ابْنِهِ فَلَا يَصْلُحُ وَصِيًّا لِغَيْرِهِ كَالْمَجْنُونِ وَلِأَنَّهُ يَسْتَدْعِي فَرَاغًا وهو مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ وَلَا إلَى غَيْرِ مُكَلَّفٍ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ لِنَفْسِهِ فَكَيْفَ يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ وَلِأَنَّ في الْإِيصَاءِ مَعْنَى الْأَمَانَةِ وَمَعْنَى الْوَكَالَةِ من حَيْثُ إنَّهُ يَعْتَمِدُ تَفْوِيضًا من الْغَيْرِ وَمَعْنَى الْوِلَايَةِ من حَيْثُ إنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ لِلْعَاجِزِ وَغَيْرِ الْمُكَلَّفِ ليس أَهْلًا لِذَلِكَ وَلَا إلَى غَيْرِ كَافٍ فِيمَا ذُكِرَ لَسَفَهٍ أو هَرِمٍ أو غَيْرِهِ لِمُنَافَاتِهِ الْمَقْصُودَ وَلَا إلَى من لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِكُفْرٍ على ما يَأْتِي أو فِسْقٍ أو عَدَاوَةٍ أو نَحْوِهَا لِلتُّهْمَةِ وَإِنَّمَا لم يَجُزْ الْإِيصَاءُ إلَى الْفَاسِقِ كما في الْوَكَالَةِ لِأَنَّهُ في حَقِّ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ حتى لو كانت في حَقِّ غَيْرِهِ لم تَصِحَّ وَقَوْلُهُ تُقْبَلُ إلَى آخِرِهِ لم يَذْكُرْهُ الْأَصْلُ قَيْدًا لِمَا قَبْلَهُ بَلْ ذَكَرَ بَدَلَهُ الْإِسْلَامُ وَالْعَدَالَةُ أَيْ الظَّاهِرَةُ وَعَدَمُ الْعَدَاوَةِ لِلطِّفْلِ
____________________
(3/67)
ثُمَّ ذَكَر أَنَّ جَمَاعَةً حَصَرُوا الشُّرُوطَ كُلَّهَا فِيمَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ على الطِّفْلِ وقد يُقَالُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَنْقُوضٌ بِالْكَافِرِ وَاعْتُبِرَتْ شُرُوطُ الْوَصِيِّ حَالَ الْمَوْتِ لَا حَالَ الْإِيصَاءِ وَلَا حَالَ الْقَبُولِ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ إنَّمَا تَدْخُلُ بِالْمَوْتِ لِأَنَّهُ وَقْتُ تَسَلُّطِهِ على الْقَبُولِ فَهُوَ كَالْوَصِيَّةِ وَكَالشَّاهِدِ تُعْتَبَرُ صِفَاتُهُ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَيُؤْخَذُ من ذلك ما قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ لو أَوْصَى إلَى غَيْرِ الْجَدِّ في حَيَاةِ الْجَدِّ وهو بِصِفَةِ الْوِلَايَةِ ثُمَّ زَالَتْ وِلَايَتُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ بِأَنْ مَاتَ أو فَسَقَ أو جُنَّ صَحَّ فَلَوْ أَوْصَى إلَى مُسْتَوْلَدَتِهِ وَمُدَبَّرِهِ جَازَ بِنَاءً على أَنَّ الْعِبْرَةَ في الشُّرُوطِ بِحَالِ الْمَوْتِ
وَيَصِحُّ الْإِيصَاءُ من الذِّمِّيِّ إلَى ذِمِّيٍّ عَدْلٍ في دِينِهِ على ذِمِّيٍّ كما يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا لِأَوْلَادِهِ وَإِلِي مُسْلِمٍ كما تَصِحُّ شَهَادَتُهُ عليه وقد ثَبَتَتْ له الْوِلَايَةُ عليه فإن الْإِمَامَ يَلِي تَزْوِيجَ الذِّمِّيَّاتِ لَا عَكْسُهُ أَيْ لَا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ من الْمُسْلِمِ إلَى ذِمِّيٍّ إذْ لَا وِلَايَةَ لِكَافِرٍ على مُسْلِمٍ وَلِتُهْمَتِهِ قال تَعَالَى لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً من دُونِكُمْ وَاسْتَنْبَطَ الْإِسْنَوِيُّ من اشْتِرَاطِ عَدَمِ الْعَدَاوَةِ اشْتِرَاطَ كَوْنِ الْوَصِيِّ الذِّمِّيِّ من مِلَّةِ الْمُوصَى عليه حتى لَا تَصِحَّ وَصِيَّةُ النَّصْرَانِيِّ إلَى الْيَهُودِيِّ أو الْمَجُوسِيِّ وَبِالْعَكْسِ لِلْعَدَاوَةِ وَرَدَّهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّهُ لو صَحَّ ذلك لَمَا جَازَتْ وَصِيَّةُ ذِمِّيٍّ إلَى مُسْلِمٍ وقد يُرَدُّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْعَدَاوَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ لَا الدِّينِيَّةُ قال الْإِسْنَوِيُّ وَلَوْ أَوْصَى ذِمِّيٌّ إلَى مُسْلِمِ وَجَعَلَ له أَنْ يُوصِيَ فَالْمُتَّجَهُ جَوَازُ إيصَائِهِ إلَى الذِّمِّيِّ وَاسْتَبْعَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَاعْتَرَضَهُ ابن الْعِمَادِ بِأَنَّ الْوَصِيَّ يَلْزَمُ النَّظَرَ بِالْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ وَالتَّفْوِيضِ إلَى الْمُسْلِمِ أَرْجَحُ في نَظَرِ الشَّرْعِ من الذِّمِّيِّ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لو كان لِمُسْلِمِ وَلَدٌ بَالِغٌ سَفِيهٌ ذِمِّيٌّ فَلَهُ أَنْ يُوصِيَ عليه ذِمِّيًّا وَكَالذِّمِّيِّ فِيمَا ذَكَرَ الْمُعَاهِدُ وَالْمُسْتَأْمَنُ
فَرْعٌ سُئِلَ ابن الصَّلَاحِ عن أَمْوَالِ أَيْتَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا كانت بِأَيْدِيهِمْ هل على الْحَاكِمِ الْكَشْفُ عليهم فَأَجَابَ بِالْمَنْعِ ما لم يَتَرَافَعُوا إلَيْهِ ولم يَتَعَلَّقْ بها حَقُّ مُسْلِمٍ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَبِمَا تَقَرَّرْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ في الْوَصِيِّ الذُّكُورَةُ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً لِأَنَّ عُمَرَ أَوْصَى إلَى حَفْصَةَ رضي اللَّهُ عنهما رَوَاهُ أبو دَاوُد وعليه لو صَلُحَتْ الْأُمُّ لِلْوَصَايَا فَهِيَ أَوْلَى من غَيْرِهَا لِأَنَّهَا أَشْفَقُ
فَرْعٌ لو فَسَقَ الْوَلِيُّ وَصِيًّا كان أو غَيْرَهُ بِتَعَدٍّ في الْمَالِ أو بِسَبَبٍ آخَرَ انْعَزَلَ وَكَذَا الْقَاضِي لِزَوَالِ الْأَهْلِيَّةِ وَمَسْأَلَةُ الْقَاضِي أَعَادَهَا في الْأَقْضِيَةُ لَا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ فَلَا يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ لِحُدُوثِ الْفِتَنِ وَاضْطِرَابِ الْأَحْوَالِ بِانْعِزَالِهِ وَلِتَعَلُّقِ الْمَصَالِحِ الْكُلِّيَّةِ بِوِلَايَتِهِ لَكِنْ يُسْتَبْدَلُ بِهِ غَيْرُهُ إنْ أُمِنَتْ الْفِتْنَةُ وَيَجُوزُ نَصْبُ الْفَاسِقِ ابْتِدَاءً لِلضَّرُورَةِ وَبِالتَّوْبَةِ من الْفِسْقِ تَعُودُ وِلَايَةُ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا وِلَايَةُ غَيْرِهِمَا لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا شَرْعِيَّةٌ وَوِلَايَةُ غَيْرِهِمَا مُسْتَفَادَةٌ من التَّفْوِيضِ فإذا ارْتَفَعَتْ لم تَعُدْ إلَّا بِوِلَايَةٍ جَدِيدَةٍ
وَإِنْ لَزِمَ الْوَصِيُّ ضَمَانَ الْمَالِ لِلْمُوصَى عليه كَأَنْ أَتْلَفَهُ لم يَبْرَأْ منه إلَّا بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْقَاضِي ثُمَّ يَرُدُّهُ الْقَاضِي إلَيْهِ إنْ وَلَّاهُ بِخِلَافِ الْأَبِ إذَا لَزِمَهُ ذلك فإنه يَبْرَأُ منه وَإِنْ لم يُسَلِّمْهُ إلَى الْقَاضِي فإنه يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ
فَرْعٌ تَصَرُّفُ الْوَلِيُّ الْمَعْزُولُ يَعْنِي الْمُنْعَزِلُ كما عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ بَاطِلٌ كَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَا وِلَايَةَ له فَإِنْ أَدَّى وهو مُنْعَزِلٌ حَقًّا لِصَاحِبِهِ كَمَغْصُوبٍ وَعَوَارٍ أو قَضَى دَيْنًا من جِنْسِهِ إنْ كان في التَّرِكَةِ لم يَنْقَضِ لِأَنَّ أَخْذَ الْمُسْتَحَقِّ له كَافٍ
فَرْعٌ لو جُنَّ أو أُغْمِيَ على وَلِيٍّ غَيْرِ الْأَصْلِ وَالْإِمَامِ الْأَعْظَمِ انْعَزَلَ ولم تَعُدْ وِلَايَتُهُ بِالْإِفَاقَةِ من ذلك لِأَنَّهُ يَلِي بِالتَّفْوِيضِ كَالْوَكِيلِ بِخِلَافِ الْأَصْلِ تَعُودُ وِلَايَتُهُ وَإِنْ انْعَزَلَ لِأَنَّهُ يَلِي بِلَا تَفْوِيضٍ وَبِخِلَافِ الْإِمَامِ كَذَلِكَ لِلْمَصْلَحَةِ الْكُلِّيَّةِ فَإِنْ أَفَاقَ الْإِمَامُ وقد وَلِيَ آخَرُ بَدَلَهُ نَفَذَ تَوَلَّيْتُهُ إنْ لم يَخَفْ فِتْنَةً وَإِلَّا فَلَا فَيُوَلِّي الْأَوَّلَ وَإِنْ ضَعُفَ مَنْصُوبُ الْقَاضِي عن الْكِفَايَةِ لِمَرَضٍ أو غَيْرِهِ عَزَلَهُ لِأَنَّهُ الذي وَلَّاهُ أو ضَعُفَ الْوَصِيُّ عن ذلك ضَمَّ إلَيْهِ من يُعِينُهُ على التَّصَرُّفِ وَلَا يَعْزِلُهُ
قال الرَّافِعِي وَمَنْصُوبُ الْأَبِ يُحْفَظُ ما أَمْكَنَ
الرُّكْنُ الثَّانِي الْمُوصِي وَشَرْطُهُ الْحُرِّيَّةُ وَالتَّكْلِيفُ فَإِنْ أَوْصَى بِأَطْفَالٍ وَمَجَانِينَ أَيْ عليهم فَلْيَكُنْ مع ذلك وَلِيَا عليهم بِالشَّرْعِ لَا بِالتَّفْوِيضِ كَأَبٍ أو جَدٍّ أَيْ أَبٍ وَإِنْ عَلَا وَكَالْأَطْفَالِ السُّفَهَاءِ الَّذِينَ بَلَغُوا كَذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ على هَؤُلَاءِ من غَيْرِ الْوَلِيِّ وَلَوْ أُمًّا وَأَخًا لِأَنَّهُ لَا يَلِي أَمْرَهُمْ فَكَيْفَ يُنِيبُ فيه
وَلَيْسَ لِوَصِيٍّ أَنْ يُوصِيَ غَيْرَهُ بِلَا إذْنٍ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لم يَرْضَ بِغَيْرِهِ وَلِأَنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بِالتَّفْوِيضِ فَلَا يَمْلِكُ التَّفْوِيضُ إلَى غَيْرِهِ كَالْوَكِيلِ فَإِنْ أَذِنَ له في الْإِيصَاءِ عن نَفْسِهِ أو عن الْوَصِيِّ مُطْلَقًا صَحَّ لَكِنَّهُ في الثَّالِثَةِ إنَّمَا يُوصِي عن
____________________
(3/68)
الْمُوصِي كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغ وَغَيْرِهِمَا فإذا قال له أَوْصِ بِتَرِكَتِي من شِئْت أو فُلَانًا كما فُهِمَ بِالْأُولَى فَأَوْصَى بها صَحَّ لِأَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُوصِيَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ في الْوِصَايَةِ كما في الْوَكَالَةِ وَلِأَنَّ نَظَرَهُ لِلْأَطْفَالِ بَعْدَ الْمَوْتِ يُتَّبَعُ بِدَلِيلِ اتِّبَاعِ شَرْطِهِ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَى أَنْ يَبْلُغَ أَمْنَهُ وفي نَظَائِرِهِ وَلَوْ لم يُضِفْ التَّرِكَةَ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ قال أَوْصِ من شِئْتَ فَأَوْصَى شَخْصًا لم يَصِحُّ الْإِيصَاءُ
وَلَوْ قال لِوَصِيِّهِ أَوْصَيْتُ إلَى من أَوْصَيْتُ إلَيْهِ إنْ مِتَّ أَنْت أو إذَا مِتَّ أَنْت فَوَصِيَّتُكَ وَصِيَّتِي لم يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُوصَى إلَيْهِ مَجْهُولٌ وَالْمَنْصُوبُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ يُطَالِبُ الْوَرَثَةَ بِقَضَائِهِ أو تَسْلِيمِ التَّرِكَةِ لِتُبَاعَ في الدَّيْنِ تَبْرِئَةً لِذِمَّةِ الْمُوصِي وَكَقَضَاءِ الدَّيْنِ قَضَاءُ الْوَصَايَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ عَيَّنَ الْمُوصِي لِغَرِيمِهِ عَبْدًا عِوَضًا عن دَيْنِهِ تَعَيَّنَ له فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ إمْسَاكُهُ لِأَنَّ في أَعْيَانِ الْأَمْوَالِ أَغْرَاضًا وَكَذَا لو أَمَرَ بِبَيْعِهِ له أَيْ غَرِيمُهُ أَيْ لِأَجَلِهِ بِأَنْ قال بِعْهُ وَاقْضِ الدَّيْنَ من ثَمَنِهِ فَيَتَعَيَّنُ لِأَنَّهُ قد يَكُونُ أَطْيَبُ وَأَبْعَدُ عن الشُّبْهَةِ
فَإِنْ لم يُوصِ الْأَبُ أَحَدًا فَالْجَدُّ أَوْلَى من الْحَاكِمِ بِقَضَاءِ الدُّيُونِ وَأَمْرُ الْأَوْلَادِ وَنَحْوِهِمَا إلَّا في تَنْفِيذِ الْوَصَايَا فَالْحَاكِمُ أَوْلَى وَلَمَّا ذَكَرَ الْأَصْلُ ذلك قال كَذَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وقال الْأَذْرَعِيُّ إنَّ قَوْلَ الْبَغَوِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ الْجَدُّ أَوْلَى بِقَضَاءِ الدُّيُونِ وَهُمْ منهم فَقَدْ قال الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ الذي يَسْتَمِدُّ منه الْبَغَوِيّ أَنَّ ذلك إلَى الْحَاكِمِ دُونَ الْجَدِّ
وَلِلْأَبِ الْوَصِيَّةُ إلَى غَيْرِ الْجَدِّ في حَيَاتِهِ وهو بِصِفَةِ الْوِلَايَةِ وَيَكُونُ أَوْلَى من الْجَدِّ إلَّا في أَمْرِ الْأَطْفَالِ أو نَحْوِهِمْ فَلَيْسَ له ذلك لِأَنَّهُ وَلِيٌّ شَرْعِيٌّ فَلَيْسَ له نَقْلُ الْوِلَايَةِ عنه كَوِلَايَةِ التَّزْوِيجِ قال الزَّرْكَشِيُّ فَلَوْ كان الْجَدُّ غَائِبًا وَأَرَادَ الْأَبُ الْإِيصَاءَ بِالتَّصَرُّفِ عليهم إلَى حُضُورِهِ فَقِيَاسُ ما قَالُوهُ في تَعْلِيقِ الْوَصِيَّةِ على الْبُلُوغِ الْجَوَازُ وَيَحْتَمِلُ الْمَنْعَ لِأَنَّ الْغَيْبَةَ لَا تَمْنَعُ حَقَّ الْوِلَايَةِ
الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْمُوصَى فيه وهو التَّصَرُّفَاتُ الْمَالِيَّةُ الْمُبَاحَةُ كَتَنْفِيذِ الْوَصَايَا وَقَضَاءِ الْحُقُوقِ وَلَوْ أَعْيَانًا كَغُصُوبٍ وَوَدَائِعَ وَأُمُورُ الْأَطْفَالِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَمْوَالِهِمْ لَا تَزْوِيجُهُمْ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَتَغَيَّرُ بِلُحُوقِ الْعَارِ بِهِمْ فَيَتَوَلَّاهُ من يَعْتَنِي بِدَفْعِ الْعَارِ عَنْهُمْ فَإِنْ لم يَكُنْ فَمَنْ له النَّظَرُ الْعَامُ وهو الْإِمَامُ وَلِأَنَّهُمْ إنْ كَانُوا بَالِغِينَ لم يَجُزْ الْإِيصَاءُ في حَقِّهِمْ أو صِغَارًا فَغَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا يُزَوِّجُهُمْ وَلَا تَزْوِيجُ أَرِقَّائِهِمْ لِأَنَّ وِلَايَةَ تَزْوِيجِهِمْ تَبَعٌ لِلْوِلَايَةِ على تَزْوِيجِ مَالِكِيهِمْ فإذا امْتَنَعَ الْمَتْبُوعُ فَالتَّابِعُ أَوْلَى
وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ في مَعْصِيَةِ كَعِمَارَةِ بَيْعِ التَّعَبُّدِ وَكَنَائِسِهِ لِعَدَمِ الْإِبَاحَةِ وفي نُسْخَةٍ في بَعْدِ قَوْلِهِ أَوَّلًا وهو يُنَاسِبُهَا ما هُنَا لَكِنْ الْأُولَى أَوْلَى وَأَوْفَقُ بِكَلَامِ الْأَصْلِ
الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ كما في الْوَكَالَةِ كَأَوْصَيْتُ إلَيْكَ أو فَوَّضْتُ إلَيْكَ أو أَقَمْتُكَ مَقَامِي وفي الِاكْتِفَاءِ من الْوَصِيِّ بِالْعَمَلِ قَبُولًا أَيْ عن
____________________
(3/69)
قَبُولِهِ ما مَرَّ في الْوَكَالَةِ فَيُكْتَفَى بِهِ وَهَلْ قَوْلُهُ وَلَّيْتُكَ كَذَا بَعْدَ مَوْتِي كَأَوْصَيْتُ إلَيْكَ أَيْ هل تَنْعَقِدُ الْوِصَايَةُ بِلَفْظِ الْوِلَايَةِ كَالْمِثَالِ الْمَذْكُورِ أو لَا وَجْهَانِ رَجَّحَ مِنْهُمَا الْأَذْرَعِيُّ الِانْعِقَادَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ في بَابِهِ ولم يَجِدْ نَفَاذًا في مَوْضُوعِهِ وَلَوْ رَدَّ الْوِصَايَةَ أو قَبِلَ هَا قبل الْمَوْتِ لم يُؤْثِرْ كما في الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ فَلَوْ قَبِلَ في الْأُولَى بَعْدَ الْمَوْتِ صَحَّتْ أو رَدَّ في الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ لَغَتْ وَتَصِحُّ مُؤَقَّتَةً وَمُعَلَّقَةً كَأَوْصَيْتُ إلَيْكَ إلَى أَنْ يَقْدَمَ زَيْدٌ أو تَمُوتَ أَنْت فَإِنْ قَدِمَ زَيْدٌ أو مِتَّ فَهُوَ الْوَصِيُّ لِأَنَّ الْوَصَايَا تَحْتَمِلُ الْجَهَالَاتِ وَالْأَخْطَارِ وَكَذَا التَّأْقِيتُ وَالتَّعْلِيقُ وَلِأَنَّ الْإِيصَاءَ كَالْإِمَارَةِ وقد أَمَّرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم زَيْدًا على سَرِيَّةٍ وقال إنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ وَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بن رَوَاحَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالْمِثَالُ الْمَذْكُورُ فيه التَّأْقِيتُ وَالتَّعْلِيقُ
قال الْأَذْرَعِيُّ فَلَوْ قَدِمَ زَيْدٌ وهو غَيْرُ أَهْلٍ فَهَلْ تَبْقَى وِلَايَةُ الْوَصِيِّ وَيَكُونُ الْمُرَادُ إنْ قَدِمَ أَهْلًا لِذَلِكَ أو لَا وَتَكُونُ وِلَايَتُهُ مُغَيَّاةً بِذَلِكَ فَتَنْتَقِلُ إلَى الْحَاكِمِ لم أَرَ فيه شيئا انْتَهَى
وَالظَّاهِرُ الثَّانِي قال وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرِّقَ بين الْجَاهِلِ بِالْوَصِيَّةِ إلَى غَيْرِ الْمُتَأَهِّلَ لها وَغَيْرِهِ
فَرْعٌ لو اقْتَصَرَ على قَوْلِهِ أَوْصَيْتُ إلَيْك أو أَقَمْتُكَ مَقَامِي في أَمْرِ أَطْفَالِي ولم يذكر التَّصَرُّفَ فَلَهُ التَّصَرُّفُ في الْمَالِ وَالْحِفْظِ له اعْتِمَادًا على الْعُرْفِ أو اقْتَصَرَ على قَوْلِهِ أَوْصَيْتُ إلَيْكَ أو أَقَمْتُكَ مَقَامِي فَبَاطِلَةٌ لِعَدَمِ بَيَانِ ما بِهِ الْإِيصَاءُ كما في الْوَكَالَةِ وَتَصِحُّ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ من الْعَاجِزِ عن النُّطْقِ كَالْأَخْرَسِ دُونَ الْقَادِرِ عليه
فَرْعٌ الْوَصِيُّ في أَمْرٍ لَا يَتَعَدَّاهُ عَمَلَا بِالْإِذْنِ كما في الْوَكِيلِ وَالْحَاكِمِ وَلِأَنَّ الْوَصِيَّ أَمِينٌ فَلَا تَثْبُتُ أَمَانَتُهُ في غَيْرِ الْمُؤْتَمَنِ فيه كَالْمُودَعِ
فَرْعٌ لو أَوْصَى إلَى اثْنَيْنِ ولم يَجْعَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الِانْفِرَادَ بِالتَّصَرُّفِ بَلْ شَرَطَ اجْتِمَاعَهُمَا فيه أو أَطْلَقَ كَأَنْ قال أَوْصَيْتُ إلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو أو إلَيْكُمَا لم يَسْتَقِلَّ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ عَمَلًا بِالشَّرْطِ في الْأَوَّلِ وَاحْتِيَاطًا في الثَّانِي بَلْ لَا بُدَّ من اجْتِمَاعِهِمَا فيه بِأَنْ يَصْدُرَ عن رَأْيِهِمَا كما سَيَأْتِي إلَّا بِرَدِّ الْأَعْيَانِ لِمُسْتَحَقِّيهَا كَالْمَغْصُوبِ وَالْوَدَائِعِ وَالْأَعْيَانِ الْمُوصَى بها وَقَضَاءِ دَيْنٍ من جِنْسِهِ إنْ كان في التَّرِكَةِ فَلِأَحَدِهِمَا الِاسْتِقْلَالُ بِذَلِكَ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ يَسْتَقِلُّ بِالْأَخْذِ في ذلك فَلَا يَضُرُّ اسْتِقْلَالُ أَحَدِهِمَا وَقَضَيْتُهُ أَنَّهُ يُبَاحُ له ذلك وَأَنَّ الْمَدْفُوعَ يَقَعُ مَوْقِعَهُ فَسَلَّمَ الرَّافِعِيُّ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ على عَادَتِهِ فَسَلِمَ الْأَصْلُ أَنَّهُ أَيْ الْمَدْفُوعُ يَقَعُ الْمَوْقِعَ فَلَا يُنْقَضُ وَأَمَّا أَنَّهُ يُبَاحُ له ذلك فلم يَكَدْ يُسَلِّمُهُ فإنه قال أَمَّا جَوَازُ الْإِقْدَامِ على الِانْفِرَادِ فَلَيْسَ بِبَيِّنٍ فَإِنَّهُمَا إنَّمَا يَتَصَرَّفَانِ بِالْوِصَايَةِ فَلْيَكُنْ بِحَسْبِهَا قال وفي كَلَامِهِمْ ما هو كَالصَّرِيحِ فِيمَا قُلْتُهُ
فَإِنْ قال أَوْصَيْتُ إلَى كُلٍّ مِنْكُمَا أو قال كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا وَصِيِّي أو أَنْتُمَا أَوْصِيَائِي الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ وَصِيَّايَ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الِانْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ قال الْأَذْرَعِيُّ وفي الْأَخِيرَةِ نَظَرٌ وَلَوْ ضَعُفَ أَحَدُهُمَا عن التَّصَرُّفِ انْفَرَدَ الْآخَرُ بِهِ كما لو مَاتَ أو جُنَّ أو فَسَقَ أو لم يَقْبَلْ الْوِصَايَةَ وَلِلْإِمَامِ نَصْبُ من أَيْ شَخْصٍ يُعِينُ الْآخَرَ فَإِنْ تَعَيَّنَ اجْتِمَاعَهُمَا على التَّصَرُّفِ وَاسْتَقَلَّ أَحَدُهُمَا بِهِ لم يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ وَضَمِنَ ما أَنْفَقَ على الْأَوْلَادِ أو غَيْرِهِمْ وَعَلَى الْحَاكِمِ نَصْبُ آخَرَ إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أو جُنَّ أو فَسَقَ أو غَابَ أو لم يَقْبَلْ الْوِصَايَةَ لِيَتَصَرَّفَ مع الْمَوْجُودِ وَلَيْسَ له جَعْلُ الْآخَرِ مُسْتَقِلًّا في التَّصَرُّفِ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لم يَرْضَ بِرَأْيِهِ وَحْدَهُ بِخِلَافِ ما إذَا شَرَطَ اسْتِقْلَالَ من بَقِيَ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ بَعْدَ مَوْتِ صَاحِبِهِ أو جُنُونِهِ أو غَيْرِهِمَا مِمَّا ذُكِرَ فإنه لَا يَنْصِبُ بَدَلَهُ بَلْ يَسْتَقِلُّ بِهِ الثَّانِي كما أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الِاسْتِقْلَالَ فِيمَا لو شَرَطَهُ أو لَا وَلَوْ مَاتَا مَثَلًا جميعا لَزِمَهُ أَيْ الْحَاكِمُ نَصَبَ اثْنَيْنِ
____________________
(3/70)
مَكَانَهُمَا وَلَا يَكْتَفِي بِوَاحِدٍ اتِّبَاعًا لِرَأْيِ الْمُوصِي وإذا تَعَيَّنَ اجْتِمَاعُ الِاثْنَيْنِ فَلَا يَصْدُرُ تَصْرِفٌ إلَّا بِرَأْيِهِمَا وَإِنْ لم يُبَاشِرَاهُ فَيُوَكِّلَانِ ثَالِثًا أو يَأْذَنُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ فيه وَإِنْ جَعَلَ الْمَالِكُ أَحَدَهُمَا مُشْرِفًا على الْآخَرِ لم يَتَصَرَّفْ الْآخَرُ إلَّا بِإِذْنِهِ قال الْعَبَّادِيُّ لو قال الْمُوصِي اعْمَلْ بِرَأْيِ فُلَانٍ أو بِعِلْمِهِ أو بِحَضْرَتِهِ جَازَ أَنْ يُخَالِفَهُ فَيَعْمَلَ بِدُونِ أَمْرِهِ فَإِنْ قال له لَا تَعْمَلْ إلَّا بِأَمْرِ فُلَانٍ أو إلَّا بِعِلْمِهِ أو إلَّا بِحَضْرَتِهِ فَلَيْسَ له الِانْفِرَادُ لِأَنَّهُمَا وَصِيَّانِ
فَصْلٌ لو أَوْصَى إلَى زَيْدٍ ثُمَّ أَوْصَى إلَى عَمْرٍو لم يَنْعَزِلْ زَيْدٌ إلَّا أَنْ قال أَوْصَيْتُ إلَى عَمْرٍو فِيمَا أَوْصَيْتُ فيه إلَى زَيْدٍ فَيَنْعَزِلُ زَيْدٌ كَنَظِيرِهِ في الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ ثُمَّ إذَا لم يَنْعَزِلْ زَيْدٌ لَا يَسْتَقِلُّ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ بَلْ لَا بُدَّ من اجْتِمَاعِهِمَا فيه لِأَنَّهُمَا شَرِيكَانِ كَذَا صَحَّحَهُ الْأَصْلُ وَنُقِلَ عن الْبَغَوِيّ مُقَابِلُهُ وَضَعَّفَهُ لَكِنْ صَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ إلَّا أَنْ انْفَرَدَ بِالْقَبُولِ فَيَسْتَقِلُّ بِهِ حِينَئِذٍ كَنَظِيرِهِ في الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ وَإِنْ قال لِزَيْدٍ ضَمَمْتُ إلَيْكَ عُمْرَا أو لِعَمْرٍو ضَمَمْتُكَ إلَى زَيْدٍ وَقَبْلًا اشْتَرَكَا قال في الْأَصْلِ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ زَيْدٌ وَصِيٌّ وَعَمْرٌو مُشْرِفٌ عليه وَلَوْ قَبِلَ زَيْدٌ وَحْدَهُ اسْتَقَلَّ بِالتَّصَرُّفِ لِأَنَّهُ أَفْرَدَهُ بِالْوِصَايَةِ إلَيْهِ قال الرَّافِعِيُّ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ على عَادَتِهِ قال في الْأَصْلِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ضَمَّ عَمْرٍو إلَيْهِ يَمْنَعُ اسْتِقْلَالَهُ لِأَنَّ الضَّمَّ كما يُشْعِرُ بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِالْمَضْمُومِ يُشْعِرُ بمثله في الْمَضْمُومِ إلَيْهِ فَلْيَصِرْ عَمْرٌو مُشْرِفًا على زَيْدٍ وَيَجُوزُ جَعْلُ قَوْلِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ رَاجِعًا إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ فُيُوفِي بِكَلَامِ الْأَصْلِ أو قَبِلَ عَمْرٌو وَحْدَهُ فَلَا يَسْتَقِلَّ بِهِ بَلْ يَضُمُّ الْقَاضِي إلَيْهِ آخَرَ لِأَنَّهُ لم يُفَرِّدْهُ بِالْوِصَايَةِ بَلْ ضَمَّهُ إلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الشَّرِكَة
فَرْعٌ لو اخْتَلَفَ الْوَصِيَّانِ في التَّصَرُّفِ بِأَنْ قال كُلٌّ أنا أَتَصَرَّفُ فَإِنْ كَانَا مُسْتَقِلَّيْنِ نَفَذَ تَصَرُّفُ السَّابِقِ مِنْهُمَا وَقِيلَ يَتَصَرَّفُ كُلٌّ مِنْهُمَا في نِصْفِ الْمُوصَى فيه إنْ كان مِمَّا يَنْقَسِمُ وَإِلَّا تَرَكَ بَيْنَهُمَا حتى يَتَصَرَّفَا فيه إذْ ليس أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى من الْآخَرِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ أو كَانَا غير مُسْتَقِلَّيْنِ أُلْزِمَا الْعَمَلَ بِالْمَصْلَحَةِ التي رَآهَا الْحَاكِمُ وَإِنْ امْتَنَعَا من ذلك لم يَنْعَزِلَا فَيُنَوَّبُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَالْمَعْرُوفُ فَيُنِيبُ من أَنَابَ الْحَاكِمُ عنهما اثْنَيْنِ أَمِينَيْنِ أو أَنَابَ وَاحِدًا أَمِينًا إنْ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا من ذلك وَإِنْ اخْتَلَفَا في تَعْيِينِ من تَصْرِفُ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ من الْفُقَرَاءِ أو غَيْرِهِمْ عَيَّنَ الْحَاكِمُ من يَرَاهُ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْوَصِيَّانِ في الْحِفْظِ قَسَمَهُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ تَنَازَعَا في النِّصْفِ الْمَقْسُومِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا وَلَوْ لم يَكُونَا مُسْتَقِلَّيْنِ بِالتَّصَرُّفِ وَيَتَصَرَّفَانِ مَعًا في الْكُلِّ بِأَنْ يَتَصَرَّفَ كُلٌّ مِنْهُمَا مع صَاحِبِهِ فِيمَا بيده وَيَدِ صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ إذَا كان الْمَالُ بِيَدِهِمَا كان النِّصْفُ بِيَدِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَجَازَ أَنْ يُعَيِّنَ ذلك النِّصْفَ هذا إذَا انْقَسَمْ الْمُوصَى فيه
فَإِنْ لم يَنْقَسِمْ جَعَلَهُ الْحَاكِمُ تَحْتَ يَدِهِمَا كَأَنْ يَجْعَلَاهُ في بَيْتٍ وَيُقْفِلَانِهِ وَإِنْ تَرَاضَيَا بِنَائِبٍ لَهُمَا في الْحِفْظِ فَذَاكَ وَاضِحٌ وَإِلَّا حُفِّظَهُ الْقَاضِي هذا أَيْ ما ذُكِرَ من التَّفْصِيلِ في وَصِيِّ التَّصَرُّفِ إذَا اخْتَلَفَا في الْحِفْظِ إلَى وَقْتِ التَّصَرُّفِ أَمَّا وَصِيَّا الْحِفْظِ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِحَالِ
فَصْلٌ لِلْمُوصِي الرُّجُوعُ عن الْوَصِيَّةِ مَتَى شَاءَ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ مَتَى شَاءَ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ جَائِزَةٌ من
____________________
(3/71)
الطَّرَفَيْنِ كَالْوَكَالَةِ هذا إنْ لم تَتَعَيَّنْ عليه الْوَصِيَّةُ ولم يَغْلِبْ على ظَنِّهِ تَلَفُ الْمَالِ بِاسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ من قَاضٍ وَغَيْرِهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ له ذلك قال الْإِسْنَوِيُّ وَعَلَى هذا لو لم يَقْبَلْ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ فيه نَظَرٌ يَحْتَمِلُ اللُّزُومَ لِقُدْرَتِهِ على دَفْعِ الظَّالِمِ بِذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ انْتَهَى
وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا في الدَّفْعِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَوْ غَلَبَ على ظَنِّ الْمُوصِي أَنَّ عَزْلَهُ لِوَصِيِّهِ مُضَيِّعٌ لِمَا عليه من الْحُقُوقِ أو الْأَمْوَالِ أو لِأَوْلَادِهِ بِاسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ أو خُلُوِّ النَّاحِيَةِ عن حَاكِمٍ أَمِينٍ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ له عَزْلُهُ
وَيَقْضِي الْوَصِيُّ دَيْنَ الصَّبِيِّ وَغُرْمَهُ الذي لَزِمَهُ وَزَكَاتَهُ وَكَفَّارَةُ قَتْلِهِ نعم لو كان لَا يَرَى وُجُوبَ الزَّكَاةِ في مَالِهِ كَالْحَنَفِيِّ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَحْبِسَ زَكَاتَهُ حتى يَبْلُغَ فَيُخْبِرَهُ بِذَلِكَ وَلَا يُخْرِجُهَا فَيُغَرِّمَهُ الْحَاكِمُ كما مَرَّ بَيَانُهُ في أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ وَالْمُصَنِّفُ جَعَلَ ما عَدَا الدَّيْنِ مُغَايِرًا له وَالْأَصْلُ جَعْلُهُ دَاخِلًا فيه حَيْثُ قال وَيَقْضِي الدُّيُونَ التي على الصَّبِيِّ من الْغَرَامَاتِ وَالزَّكَوَاتِ وَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالْأَمْرُ في ذلك سَهْلٌ وَيُنْفِقُ عليه وَعَلَى من يُمَوِّنُهُ بِالْمَعْرُوفِ وهو تَرْكُ الْإِسْرَافِ وَالتَّقْتِيرِ فَإِنْ أَسْرَفَ ضَمِنَ الزِّيَادَةَ وَهَذِهِ تَقَدَّمَتْ مع زِيَادَةٍ في كِتَابِ الْحَجْرِ وَيَشْتَرِي له خَادِمًا إنْ لَاقَ بِهِ وَاحْتَاجَ إلَيْهِ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى أَكْثَرَ من خَادِمٍ زِيدَ بِحَسْبِ الْحَاجَةِ
فَرْعٌ يَقْبَلُ قَوْلَ الْوَصِيِّ بِيَمِينِهِ إذَا نَازَعَهُ الْوَلَدُ بَعْدَ كَمَالِهِ في دَعْوَى التَّلَفِ وَالْإِنْفَاقِ عليه وَعَلَى مُمَوِّنِهِ وَعَدَمِ الْإِسْرَافِ في الْإِنْفَاقِ عليهم بِأَنْ ادَّعَى ما يَلِيقُ بِحَالِهِمْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخِيَانَةِ وَلِعُسْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ في الْأَخِيرَيْنِ لَا إنْ عَيَّنَ قَدْرَ ما ادَّعَاهُ من الْإِنْفَاقِ وَكَذَّبَهُ الْحِسُّ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَلْ يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَلَدِ في الزَّائِدِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ في تَارِيخِ مَوْتِ الْأَبِ كَأَنْ قال مَاتْ من سِتِّ سِنِينَ وقال الْوَلَدُ من خَمْسٍ وَاتَّفَقَا على الْإِنْفَاقِ من يَوْمِ مَوْتِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَوْتِ في الْوَقْتِ الذي يَدَّعِيهِ وَلِسُهُولَةِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ على الْمَوْتِ وَمِثْلُهُ ما لو نَازَعَ الْوَلَدُ الْوَالِدَ أو الْوَصِيُّ أو الْقَيِّمُ في أَوَّلِ مُدَّةِ مِلْكِهِ لِلْمَالِ الذي أُنْفِقَ عليه منه وَلَا في دَعْوَى رَدِّ الْمَالِ إلَيْهِ بَعْدَ كَمَالِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَأَشْهِدُوا عليهم وَلَوْ قبل قَوْلِهِ لِمَا اُحْتِيجَ إلَى الْإِشْهَادِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرَّدِّ لِسُهُولَةِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عليه
ولا في بَيْعِهِ لِحَاجَةٍ أو غِبْطَةٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُمَا وَاسْتِمْرَارُ مِلْكِهِ وَتَقَدَّمَ هذا مع زِيَادَةٍ في كِتَابِ الْحَجْرِ وَقَيِّمُ الْحَاكِمِ كَالْوَصِيِّ فِيمَا ذُكِرَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَكَذَا الْأَبُ وَالْجَدُّ إلَّا في دَعْوَى الْبَيْعِ لِمَا ذُكِرَ فَيَصْدُقَانِ بِيَمِينِهِمَا لِوُفُورِ شَفَقَتَهُمَا كما مَرَّ في كِتَابِ الْحَجْرِ أَيْضًا وَأَمَّا الْحَاكِمُ فقال الْقَمُولِيُّ إنَّهُ كَالْوَصِيِّ وقال السُّبْكِيُّ مَرَّةً إنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ إنْ كان بَاقِيًا على وِلَايَتِهِ وَإِلَّا فَفِيهِ نَظَرٌ وَإِطْلَاقُ صَاحِبِ التَّنْبِيهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَالْوَصِيِّ وفي كَلَامِ الْجُرْجَانِيُّ إشَارَةٌ إلَيْهِ ثُمَّ قال مَرَّةً أُخْرَى في فَتْوَى بَعْدَ ذِكْرِهِ ما قَالَهُ في الْمَرَّةِ الْأُولَى وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لي الْآنَ وهو الْحَقُّ أَنَّهُ يَقْبَلُ قَوْلَهُ وَإِنْ لم يَبْقَ على وِلَايَتِهِ لِأَنَّهُ حين تَصَرَّفَ كان نَائِبَ الشَّرْعِ وَأَمِينَهُ مِثْلُهُ انْتَهَى فَعِنْدَهُ يَقْبَلُ قَوْلُهُمَا بِلَا يَمِينٍ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ بِدُونِهَا كَالْأَبِ وَالْجَدِّ وَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ مَجْنُونًا أو سَفِيهًا اسْتَمَرَّتْ وِلَايَةُ الْوَصِيِّ كما مَرَّ في الْحَجْرِ
فَصْلٌ يَدْفَعُ الْوَصِيُّ لِلْمُبَذِّرِ نَفَقَةَ يَوْمٍ بِيَوْمٍ أو نَفَقَةَ أُسْبُوعٍ بِأُسْبُوعٍ على ما يَرَاهُ وَيَكْسُوهُ كِسْوَةَ مِثْلِهِ فَإِنْ كان يُتْلِفُهَا هَدَّدَهُ ثُمَّ إنْ ارْتَدَعَ فَذَاكَ وَإِلَّا قَصَرَهُ في الْبَيْتِ على إزَارٍ وَإِنْ خَرَجَ كَسَاهُ وَوَكَّلَ بِهِ من يُرَاقِبُهُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالِاقْتِصَارُ على الْإِزَارِ في الْبَيْتِ يَتَمَشَّى في وَقْتِ الْحَرِّ أَمَّا في وَقْتِ
____________________
(3/72)
الْبَرْدِ فَبَعِيدٌ فإنه يُؤَدِّي إلَى هَلَاكِهِ فَيَلْبِسُهُ ما يَدْفَعُ عنه ضَرَرَ الْبَرْدِ وَيُرَاقَبُ في الْبَيْتِ كما يُرَاقَبُ حَالَ خُرُوجِهِ
فَصْلٌ وَلَا يُزَوِّجُ الْوَصِيُّ الطِّفْلَ وَإِنْ أُوصِيَ له بِذَلِكَ لِمَا مَرَّ وَلَا يُبَايِعُهُ بِأَنْ يَبِيعَ ما له لِنَفْسِهِ وَعَكْسُهُ وَلَوْ بِأَكْثَرَ من ثَمَنِ الْمِثْلِ في الْأُولَى وَبِدُونِهِ في الثَّانِيَةِ وَهَذِهِ تَقَدَّمَتْ مع زِيَادَةٍ في كِتَاب الْحَجْرِ وَلَا يَبِيعُ مَالَ صَبِيٍّ لِصَبِيٍّ يَلِيَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْجَدِّ لِقُوَّةِ وِلَايَتِهِمَا وقد أَفْتَى الْأَذْرَعِيُّ تَفَقُّهًا بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ أَنْ يَشْتَرِيَ من الْوَصِيِّ الْآخَرِ إنْ كان كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَقِلًّا لَكِنْ أَطْلَقَ الْقَاضِي أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ من مَالِ الطِّفْلِ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ حتى يَبِيعَ منه فَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ على غَيْرِ ما أَفْتَى بِهِ الْأَذْرَعِيُّ وقد جَرَى عليه الزَّرْكَشِيُّ في الْخَادِمِ وَتَقْبَلُ شَهَادَتُهُ على الطِّفْلِ لَا له بِمَالِ كما في شَهَادَة الْوَلَدِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ له بِمَالٍ وُصِّيَ إلَيْهِ بِتَفْرِقَةِ ثُلُثِهِ فَقَطْ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لِنَفْسِهِ وِلَايَةً وَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ لَا بِلَوْ لَكَانَ أَنْسَبَ بِقَوْلِ الْأَصْلِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ له بِمَالٍ وَإِنْ كان وَصِيًّا في تَفْرِقَةِ الثُّلُثِ فَقَطْ قال في الْأَصْلِ وَيَجُوزُ لِمَنْ هو وَصِيٌّ في مَالٍ مُعَيَّنٍ أَنْ يَشْهَدَ بِغَيْرِهِ
مَسَائِلُ وفي نُسْخَةٍ فَصْلٌ مَسَائِلُهُ مَنْثُورَةٌ لِلْوَصِيِّ التَّوْكِيلُ الْمُعْتَادُ أَيْ أَنْ يُوَكَّلَ فِيمَا لم تَجْرِ الْعَادَةُ بِمُبَاشَرَتِهِ لِمِثْلِهِ كَالْوَكِيلِ قال ابن الرِّفْعَةِ هذا وَجْهٌ وَاَلَّذِي حَكَاهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ عن الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ مُطْلَقًا وَبِهِ جَزَمَ الْمَحَامِلِيُّ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو الْمَذْهَبُ في الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ في النِّكَاحِ في كَلَامِهِ على تَوْكِيلِ الْوَلِيِّ في التَّزْوِيجِ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِالْوِلَايَةِ كَالْأَبِ وَالْحَاكِمِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ وَأَطَالَ في بَيَانِ ذلك وَذَكَرَ نَحْوَهُ الزَّرْكَشِيُّ ثُمَّ قال وَبِالْجُمْلَةِ فَالصَّوَابُ نَقْلًا وَمَعْنَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا وَلَا يُخَالِطُ الطِّفْلَ بِالْمَالِ إلَّا في الْمَأْكُولِ كَالدَّقِيقِ وَاللَّحْمِ لِلطَّبْخِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا بُدَّ منه لِلْإِرْفَاقِ وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْله تَعَالَى وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَتَقَدَّمَ هذا في كِتَابِ الْحَجْرِ وَلَا يَسْتَقِلُّ بِقِسْمَةِ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهَا إنْ كانت بَيْعًا فَلَيْسَ له تُوَلِّي الطَّرَفَيْنِ وَإِنْ كانت إفْرَازُ حَقٍّ فَلَيْسَ له أَنْ يَقْبِضَ لِنَفْسِهِ من نَفْسِهِ
وَلَوْ بَاعَ له شيئا حَالًا لم يَلْزَمْهُ الْإِشْهَادُ فيه بِخِلَافِ ما إذَا كان مُؤَجَّلًا وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَالِ من زِيَادَتِهِ هُنَا وقد ذَكَرُهُ كَالرَّوْضَةِ في آخَرِ الْبَابِ الْأَوَّلِ من أَبْوَابِ الرَّهْنِ وَلَوْ فَسَقَ الْوَلِيُّ قبل انْقِضَاءِ الْخِيَارِ هل يَبْطُلُ الْبَيْعُ أو لَا وَجْهَانِ قال الْأَذْرَعِيُّ أَشْبَهَهُمَا الثَّانِي وهو قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ في جُنُونِ الْعَاقِدِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الزَّرْكَشِيُّ فقال الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بَلْ يَقُومُ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ وَيَفْعَلُ الْأَحَظَّ لِلْمُوَلَّى عليه
وَيُقَارِضُ بِمَالِهِ ثِقَةً وَلَوْ مُسَافِرٌ إنْ أَمِنَ الطَّرِيقَ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ قد تَقْتَضِي ذلك وَالْوَلِيُّ مَأْمُورٌ بها وَهَذِهِ تَقَدَّمَتْ مع زِيَادَةٍ في كِتَابِ الْحَجْرِ
وَلَوْ قال أَوْصَيْتُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَى زَيْدٍ حُمِلَ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ على التَّبَرُّكِ لِظُهُورِ الْمُرَادِ فَتَكُونُ الْوِصَايَةُ إلَى زَيْدٍ وَقِيلَ إلَى زَيْدِ وَالْحَاكِمِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَقْتَضِيهِ وَفَارِقُ نَظِيرِهِ في الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ حَيْثُ تَصِحُّ في النِّصْفِ لِزَيْدٍ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَالِ لِلَّهِ تَعَالَى وَصِيَّةٌ صَحِيحَةٌ وَيَصْرِفُهَا في وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْقُرُبَاتِ فإذا شَرَكَ بَيْنَهَا وَبَيْن جِهَةٍ أُخْرَى صَحَّ الْقَوْلُ بِالتَّنْصِيفِ وَأَمَّا الْوِصَايَةُ بِالْأَوْلَادِ إلَيْهِ تَعَالَى فَلَيْسَ لها جِهَةٌ صَحِيحَةٌ فَتَعَيَّنَ إرَادَةُ التَّفْوِيضِ إلَيْهِ تَعَالَى وَالتَّبَرُّكِ بِهِ
قال الزَّرْكَشِيُّ فَلَوْ أتى بَدَلَ الْوَاوِ بِثُمَّ فَالْمُتَّجَهُ أَنَّ الْوِصَايَةَ لِزَيْدٍ قَطْعًا وفي وَصِيَّةِ الشَّافِعِيِّ وَجَعَلَ محمد بن إدْرِيسَ
____________________
(3/73)
إنْفَاذَ ما كان من وَصَايَاهُ إلَى اللَّهِ عز وجل ثُمَّ إلَى عبد اللَّهِ بن عبد الْحَكَمِ الْقُرَشِيِّ إلَى آخِرِهِ
وَإِنْ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِرَجُلٍ لم يَذْكُرْهُ وقال قد سَمَّيْتُهُ لِوَصِيِّ فَسَمَّاهُ وَصِيُّهُ على وَجْهِ الْإِخْبَارِ فَلِلْوَرَثَةِ تَكْذِيبُهُ فَلَوْ شَهِدَ له الْوَصِيُّ بِذَلِكَ وَحَلَفَ معه اسْتَحَقَّ الْمُوصَى بِهِ بِشَرْطِهِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَإِنْ سَمَّاهُ الْمُوصِي لِوَصِيَّيْنِ له أَعْطَى من عَيَّنَّاهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا في التَّعْيِينِ هل تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ أَمْ يَحْلِفُ كُلٌّ من الْمُعَيَّنِينَ مع شَاهِدِهِ قَوْلَانِ فَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ بَيْنَهُمَا كما قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَاسْتَشْكَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ الْمُوصِيَ إنَّمَا جَعَلَهَا لِوَاحِدٍ فَقِسْمَتُهَا بَيْنَهُمَا خِلَافُ قَوْلِهِ وَقَوْلُ الْوَصِيَّيْنِ وَقَوْلُ الْمُوصَى له قال وَقَضِيَّةُ ما سَيَأْتِي في كِتَابِ الدَّعَاوَى تَرْجِيحُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ
وَإِنْ خَافَ الْوَصِيُّ على الْمَالِ من اسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ فَلَهُ تَخْلِيصُهُ بِشَيْءٍ منه وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ من الْمُصْلِحِ
قال الْأَذْرَعِيُّ وَمِنْ هذا ما لو عَلِمَ أَنَّهُ لو لم يَبْذُلْ شيئا لِقَاضِي سُوءٍ لَانْتَزَعَ منه الْمَالَ وَسَلَّمَهُ لِبَعْضِ خَوَنَتِهِ وَأَدَّى ذلك إلَى اسْتِئْصَالِهِ وَيَجِبُ أَنْ يَتَحَرَّى في أَقَلِّ ما يُمْكِنُ أَنْ يَرْضَى بِهِ الظَّالِمُ وَالظَّاهِرُ تَصْدِيقُهُ إذَا نَازَعَهُ الْمَحْجُورُ عليه بَعْدَ رُشْدِهِ في بَذْلِ ذلك وَإِنْ لم تَدُلَّ الْقَرَائِنَ عليه قال وَيَقْرُبُ من هذا قَوْلُ ابْنِ عبد السَّلَامِ يَجُوزُ تَعْيِيبُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالسَّفِيهِ وَالْمَجْنُونِ لِحِفْظِهِ إذَا خِيفَ عليه الْغَصْبُ كما في قِصَّةِ الْخَضِرِ عليه السَّلَامُ قال أَعْنِي الْأَذْرَعِيَّ فَلَوْ نَازَعَهُ الْمَحْجُورُ عليه بَعْدَ رُشْدِهِ في أَنَّهُ لم يَفْعَلْهُ لِهَذَا الْغَرَضِ فَهَلْ يُصَدَّقُ يَنْظُرُ إنْ دَلَّتْ الْحَالُ على صِدْقِهِ فَنَعَمْ وَإِلَّا فَلَا وَفِيهِ احْتِمَالٌ انْتَهَى وَالْأَوْجَهُ التَّسْوِيَةُ بين هذا وما قَالَهُ آنِفًا في أَنَّهُ لَا فَرْقَ لِأَنَّ ذلك لَا يَعْلَمُ إلَّا منه غَالِبًا
وَإِنْ قال الْمُوصِي لِوَصِيِّهِ بِعْ أَرْضِي الْفُلَانِيَّةِ وَأَعْتِقْ عَنِّي رَقَبَةً من ثَمَنِهَا وَحَجَّ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَأَحُجَّ عَنِّي منه فَبَاعَهَا وَزَّعَ الثَّمَنَ عَلَيْهِمَا أَيْ على قِيمَةِ الرَّقَبَةِ وَأُجْرَةِ الْحَجِّ فَإِنْ عَجَزَ الثَّمَنُ عنهما وَأَمْكَنَ تَنْفِيذُهَا أَيْ الْوَصِيَّةَ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ نَفَذَهَا فيه وَرَدَّ الْفَاضِلَ لِلْوَرَثَةِ كما لو أَوْصَى لِكُلٍّ من زَيْدٍ وَعَمْرٍو بِعَشْرَةٍ وكان ثُلُثُهُ عَشْرَةً فَرَدَّ أَحَدُهُمَا دَفِعَتِ الْعَشَرَةُ إلَى الْآخَرِ أو أَمْكَنَ تَنْفِيذُهَا في كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا على انْفِرَادِهِ كَأَنْ قال أَحِجُّوا عَنِّي وَاعْتِقُوا عَنِّي عَبْدًا من ثُلُثِي وَاحْتَاجَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى مِائَةٍ مَثَلًا ولم يَفِ الثُّلُثُ إلَّا بِأَحَدِهِمَا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا وَلَا يُوَزِّعُ إذْ لو وَزَّعَ لم يَحْصُلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا
كِتَابُ الْوَدِيعَةِ
تُقَالَ على الْإِيدَاعِ وَعَلَى الْعَيْنِ الْمُودَعَةِ من وَدَعَ الشَّيْءَ يَدَعُ إذَا سَكَنَ لِأَنَّهَا سَاكِنَةٌ عِنْدُ الْمُودَعِ وَقِيلَ من قَوْلِهِمْ فُلَانٌ في دَعَةٍ أَيْ رَاحَةٍ لِأَنَّهَا في رَاحَةٍ الْمُودَعِ وَمُرَاعَاتِهِ وَالْأَصْلُ فيها قبل الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا وَقَوْلُهُ فَلْيُؤَدِّ الذي ائْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَخَبَرُ أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى من ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ من خَانَكَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال حَسَنٌ غَرِيبٌ وَالْحَاكِمُ وقال على شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً بَلْ ضَرُورَةً إلَيْهَا وَهِيَ تَوْكِيلٌ بِالْحِفْظِ لِمَمْلُوكٍ أو مُخْتَصِّ
وَقَبُولُهَا مُسْتَحَبٌّ لِلْأَمِينِ الْقَادِرِ على حِفْظِهَا لِأَنَّهُ من التَّعَاوُنِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَاجِبٌ عليه عِنْد عَدَمِ غَيْرِهِ كَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ بِالْأُجْرَةِ فَالْوَاجِبُ أَصْلُ الْقَبُولِ دُونَ إتْلَافِ مَنْفَعَتِهِ وَمَنْفَعَةِ حِرْزِهِ في الْحِفْظِ بِلَا عِوَضٍ وَقَضَيْتُهُ أَنَّ له أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةَ الْحِفْظِ كما يَأْخُذُ أُجْرَةَ الْحِرْزِ وَمَنَعَهُ الْفَارِقِيُّ وابن أبي عَصْرُونٍ لِأَنَّهُ صَارَ وَاجِبًا عليه فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْوَاجِبَاتِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْأَوَّلِ وقد تُؤْخَذُ الْأُجْرَةُ على الْوَاجِبِ كما في سَقْيِ اللُّبَا فَإِنْ لم يَفْعَلْ أَيْ يَقْبَلْ عَصَى لَتَرْكِهِ الْوَاجِبَ بِلَا عُذْرٍ ولم يَضْمَنْ إنْ تَلِفَتْ لِأَنَّهُ لم يَلْتَزِمْ حِفْظَهَا
أو أُكْرِهَ على قَبُولِهَا فَفَعَلَ وَتَلِفَتْ بِلَا تَقْصِيرٍ منه لم يَضْمَنْ كما لو قَبَضَهَا مُخْتَارًا وَأَوْلَى وقبولها أَيْ أَخْذُهَا حَرَامٌ على الْعَاجِزِ عن حِفْظِهَا لِأَنَّهُ يَعْرِضُهَا لِلتَّلَفِ
قال ابن الرِّفْعَةِ وَمَحِلُّهُ إذَا لم يَعْلَمْ الْمَالِكُ بِحَالِهِ وَإِلَّا فَلَا تَحْرِيمَ قال الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْوَجْهُ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِمَا إمَّا على الْمَالِكِ فَلِإِضَاعَتِهِ مَالَهُ
____________________
(3/74)
وَأَمَّا على الْمُودَعِ فَلِإِعَانَتِهِ على ذلك وَعِلْمُ الْمَالِكُ بِعَجْزِهِ لَا يُبِيحُ له الْقَبُولَ وَمَعَ ذلك فَالْإِيدَاعُ صَحِيحٌ الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ وَأَثَرُ التَّحْرِيمِ مَقْصُورٌ على الْإِثْمِ لَكِنْ لو كان الْمُودِعُ وَكِيلًا أو وَلِيَّ يَتِيمِ حَيْثُ يَجُوزُ له الْإِيدَاعُ فَهِيَ مَضْمُونَةٌ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ قَطْعًا
وَفِيمَنْ لَا يَثِقُ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ فيها وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَحْرُمُ عليه قَبُولُهَا
وَالثَّانِي يُكْرَهُ وَبِهِ جَزَمَ في أَصْلِ الْمِنْهَاجِ لَكِنْ عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْبَلَهَا
قال الْأَذْرَعِيُّ وَبِالتَّحْرِيمِ أَجَابَ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ
وهو الْمُخْتَار
قال وَلِيَكُنْ مَحَلُّ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا أَوْدَعَ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ مَالَ نَفْسِهِ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ قَبُولُهَا منه جَزْمًا
قال ابن الرِّفْعَةِ وَيَظْهَرُ أَنَّ هذا إذَا لم يَعْلَمْ الْمَالِكُ الْحَالَ وإلا فَلَا تَحْرِيمَ وَلَا كَرَاهَةَ وَفِيهِ ما مَرَّ قال في الْأَصْلِ وَلَا يَصِحُّ إيدَاعُ الْخَمْرِ وَنَحْوِهَا أَيْ الْخَمْرِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا اخْتِصَاصَ فيه أَمَّا ما فيه اخْتِصَاصٌ كَجِلْدِ مَيْتَةٍ لم يُدْبَغْ وَزِبْلٍ وَكَلْبٍ مُحْتَرَمٍ فَيَجُوزُ إيدَاعُهُ كَالْمَالِ كما صَرَّحَ بِهِ الْبَارِزِيُّ وَشَمِلَهُ قَوْلُ الْوَسِيطِ الْوَدِيعَةُ كُلُّ ما تَثْبُتُ عليه الْيَدُ الْحَافِظَةُ وَمَنَعَ ابن الرِّفْعَةِ وَالْقَمُولِيُّ أَنَّ ذلك كَالْمَالِ قَالَا لِأَنَّ حُكْمَ الْوَدِيعَةِ الْأَمَانَةُ وَالضَّمَانُ بِالتَّقْصِيرِ وَهَذَا لَا يُضْمَنُ إذَا تَلِفَ وَهَذَا خِلَافٌ لَفْظِيٌّ إذْ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ كَالْمَالِ لَا يُرِيدُ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِتَلَفِهِ كَالْمَالِ بَلْ يُرِيدُ أَنَّهُ يَصِحُّ إيدَاعُهُ وَيَجِبُ رَدَّهُ ما دَامَ بَاقِيًا كما في الْمَالِ غَيْرِ الْمُتَمَوَّلِ فإنه كَذَلِكَ مع أَنَّهُ إذَا تَلِفَ لَا يُضْمَنُ
فَصْلٌ يُشْتَرَطُ لِلْإِيدَاعِ الْإِيجَابُ الْمُرَادُ بِالشَّرْطِ ما لَا بُدَّ منه إذْ الْإِيجَابُ رُكْنٌ لِلْإِيدَاعِ
وَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ الْعَاقِدَانِ الْوَدِيعَةُ وَالصِّيغَةُ فَلَا بُدَّ من صِيغَةٍ دَالَّةٍ على الِاسْتِحْفَاظِ كَأَوْدَعْتُكَ هذا الْمَالَ وَاحْفَظْهُ وَنَحْوِهِ كَاسْتَحْفَظْتُكَ وَأَنَبْتُكَ في حِفْظِهِ وهو وَدِيعَةٌ عِنْدَكَ لِأَنَّهَا عَقْدٌ كَالْوَكَالَةِ لَا إذْنٌ مُجَرَّدٌ في الْحِفْظِ وَلَوْ عَلَّقَهَا كَأَنْ قال إذَا جاء رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ أَوْدَعْتُكَ هذا فَكَالْوَكَالَةِ فَلَا تَصِحُّ حتى يَسْقُطَ الْمُسَمَّى إنْ كَانْ وَيَرْجِعُ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَيَصِحُّ الْحِفْظُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كما يَصِحُّ التَّصَرُّفُ ثَمَّ حِينَئِذٍ وَالْقِيَاسَ على الْوَكَالَةِ هو ما بَحَثَهُ الْأَصْلُ بَعْدَ نَقْلِهِ عن قَطْعِ الرُّويَانِيِّ الْجَوَازَ ويشترط الْقَبُولُ من الْوَدِيعِ وَلَوْ بِالْقَبْضِ كما في الْوَكَالَةِ بَلْ أَوْلَى لِبُعْدِهَا عن مُشَابَهَةِ الْعُقُودِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا تَفْتَقِرُ الْوَدِيعَةُ إلَى عِلْمِ الْوَدِيعِ بِمَا فيها بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ لِمَا يَلْزَمُهُ من تَعْرِيفِهَا
فَإِنْ لم يُوجِبْ الْمَالِكُ له بَلْ وَضَعَ مَالَهُ بين يَدَيْهِ سَوَاءٌ أَقَالَ له قبل ذلك أُرِيدُ أَنْ أُودِعَكَ أَمْ لَا أو أَوْجَبَ له حين وَضَعَهُ بَيْن يَدَيْهِ وَرَدَّ هو ضَمِنَ بِالْقَبْضِ إنْ قَبَضَ إلَّا إنْ كان مُعَرَّضًا لِلضَّيَاعِ فَقَبَضَهُ حِسْبَةً صَوْنًا له عن الضَّيَاعِ فَلَا يَضْمَنُ لَا بِالتَّضْيِيعِ له بِأَنْ ذَهَبَ فَتَرَكَهُ فَلَا يَضْمَنُ وَإِنْ أَثِمَ بِهِ إنْ كان ذَهَابُهُ بَعْدَ غَيْبَةِ الْمَالِكِ كما يَعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَخَرَجَ بِرَدِّهِ ما لو قَبِلَ وَلَوْ بِقَوْلِهِ ضَعْهُ فإنه إيدَاعٌ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ
وقال الْمُتَوَلِّي لَا حتى يَقْبِضَهُ وَذَهَابُ الْوَدِيعِ مع تَرْكِهِ الْوَدِيعَةِ وَالْمَالِكُ حَاضِرٌ كَالرَّدِّ لها فَلَا ضَمَانَ
فَصْلٌ وَدِيعُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْعَبْدِ ضَامِنٌ لِوَدِيعَتِهِمْ لِأَنَّ شَرْطَ مُوجِبِهَا إطْلَاقُ التَّصَرُّفِ كَقَابِلِهَا فَهُوَ مُقَصِّرٌ بِالْأَخْذِ مِمَّنْ ليس أَهْلًا لِلْإِيدَاعِ وَلَا يَزُولُ ضَمَانُهُ إلَّا بِرَدِّهَا إلَى مَالِكِ أَمْرِهِمْ فَلَوْ خَشِيَ ضَيَاعَهَا في يَدِهِمْ فَأَخَذَهَا منهم حِسْبَةً صَوْنًا لها عن الضَّيَاعِ فَلَا ضَمَانَ عليه كما لو أَخَذَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا من جَارِحَةٍ لِيَتَعَهَّدَهُ فَتَلِفَ لَا يَضْمَنُهُ كما مَرَّ في بَابِهِ وَضَمَانُ الْوَدِيعَةِ التي أَوْدَعَهَا مَالِكُهَا لِصَبِيِّ أو عَبْدٍ يَلْزَمُ الصَّبِيَّ وَرَقَبَةَ الْعَبْدِ بِالْإِتْلَافِ مِنْهُمَا لها لِعَدَمِ تَسْلِيطِهِمَا عليه كما لو أَتْلَفَا مَالَ غَيْرِهِمَا بِلَا اسْتِيدَاعٍ وَلَا تَسْلِيطٍ وَقِيلَ يَلْزَمُ الضَّمَانُ في مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ ذِمَّتَهُ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ فيها من زِيَادَتِهِ لَا بِالتَّقْصِيرِ إذْ ليس عَلَيْهِمَا حِفْظُهَا لِعَدَمِ صِحَّةِ الْتِزَامِهِمَا فَهُوَ كما لو تَرَكَهَا عِنْدَ غَيْرِهِمَا بِلَا اسْتِيدَاعٍ فَتَلِفَتْ وَالسَّفِيهُ الْمَحْجُورُ عليه كَالصَّبِيِّ فِيمَا ذَكَرَ
وَوَلَدُ الْوَدِيعَةِ كَأُمِّهِ فَيَكُونُ وَدِيعَةً بِنَاءً على أنها عَقْدٌ
____________________
(3/75)
وَقِيلَ ليس بِوَدِيعَةٍ بَلْ أَمَانَةٌ شَرْعِيَّةٌ في يَدِهِ يَجِبُ رَدُّهَا في الْحَالِ اعْتِبَارًا بِعَقْدِ الرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَقَالَا لَا فَائِدَةَ لِلْخِلَافِ
قلت وقد يُقَالُ بَلْ له فَائِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ الْعَيْنَ يَجِبُ رَدُّهَا على الثَّانِي حَالًا وَعَلَى الْأَوَّلِ إنَّمَا يَجِبُ بَعْدَ الطَّلَبِ
فَصْلٌ وَأَحْكَامُهَا أَيْ الْوَدِيعَةِ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ الْجَوَازُ من الْجَانِبَيْنِ فَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَإِغْمَائِهِ وَجُنُونِهِ وَحَجْر السَّفَهِ وَالْجُحُودِ الْمُضَمَّنِ وَنَقْلِ الْمِلْكِ عن الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا كَالْوَكَالَةِ وَلَوْ عَزَلَ الْوَدِيعُ نَفْسَهُ أو عَزَلَهُ الْمَالِكُ انْفَسَخَتْ بِنَاءً على أنها عَقْدٌ وَبَقِيَ الْمَالُ في يَدِهِ أَمَانَةً شَرْعِيَّةً كَالثَّوْبِ الذي طَيَّرَتْهُ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ ولزمه الرَّدُّ وَإِنْ لم يَطْلُبُ منه فَإِنْ أَخَّرَ ه بِلَا عُذْرٍ ضَمِنَ
الْحُكْمُ الثَّانِي الْأَمَانَةُ لِأَنَّ الْوَدِيعَ يَحْفَظُهَا لِلْمَالِكِ فَيَدُهُ كَيَدِهِ وَلَوْ ضَمِنَ لَرَغِبَ الناس عن قَبُولِ الْوَدَائِعِ وإنما يَضْمَنُ بِالتَّقْصِيرِ وَلَهُ أَيْ لِلتَّقْصِيرِ أَسْبَابٌ ثَمَانِيَةٌ أَحَدُهَا إيدَاعُهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا بِلَا عُذْرٍ عِنْدَ غَيْرِهِ وَلَوْ عِنْدَ الْقَاضِي لِأَنَّ الْمَالِكَ لم يَرْضَ بِيَدِ غَيْرِهِ وَأَمَانَتِهِ وَلَا عُذْرَ وَاسْتَثْنَى السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ ما لو طَالَتْ غَيْبَةُ الْمَالِكِ فَأَوْدَعَهَا الْوَدِيعُ الْقَاضِيَ وَلَهُ الِاسْتِعَانَةُ في حِفْظِهَا وَعَلَفِهَا وَسَقْيِهَا وَلَوْ بِأَجْنَبِيٍّ وَنَظَرُهُ بَاقٍ عليها كَالْعَادَةِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ فَإِنْ كانت بِمَخْزَنِهِ فَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ وَاسْتَحْفَظَ عليها ثِقَةً يَخْتَصُّ بِهِ وهو يُلَاحِظُ بها في عَوْدَاتِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ قَطَعَ نَظَرُهُ عنها ولم يُلَاحِظْهَا فَفِي تَضْمِينِهِ تَرَدُّدٌ عن الْإِمَامِ وَصَرَّحَ الْفُورَانِيُّ بِالْمَنْعِ وقال إنَّهُ الذي يُشْعِرُ بِهِ فَحْوَى كَلَامِ الْأَئِمَّةِ وَإِنْ كانت في غَيْرِ مَسْكَنِهِ ولم يُلَاحِظْ هَا ضَمِنَ لِتَقْصِيرِهِ أَمَّا إذَا اُسْتُحْفِظَ غير ثِقَةٍ أو من لَا يَخْتَصُّ بِهِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ
فَرْعٌ يَجِبُ رَدُّهَا إلَى الْمَالِكِ أو وَكِيلِهِ عِنْدَ خَوْفٍ عليها كَالْحَرِيقِ وَاسْتِهْدَامِ الْحِرْزِ ولم يَجِدْ حِرْزًا غَيْرَهُ يَنْقُلُهَا إلَيْهِ أو عِنْدَ سَفَرٍ ثُمَّ إنْ تَعَذَّرَ وُصُولُهُ إلَيْهِمَا رَدَّهَا إلَى الْقَاضِي لِأَنَّهُ نَائِبٌ عن كل غَائِبٍ وَيَلْزَمُهُ الْقَبُولُ مِمَّنْ سَافَرَ وَإِنْ كان سَفَرُهُ لَا لِحَاجَةٍ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْغَائِبِينَ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَيَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ على نَفْسِهِ بِقَبْضِهَا وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الدَّيْنِ مِمَّنْ هو عليه وَلَا الْمَغْصُوبِ من غَاصِبِهِ لِلْغَائِبِ فِيهِمَا لِأَنَّ بَقَاءَ كُلٍّ مِنْهُمَا أَحْفَظُ لِمَالِكِهِ لِأَنَّهُ يَبْقَى مَضْمُونًا له وَلِأَنَّ الدَّيْنَ في الذِّمَّةِ لَا يَتَعَرَّضُ لِلتَّلَفِ وإذا تَعَيَّنَ تَعَرَّضَ له وَلِأَنَّ من في يَدِهِ الْعَيْنُ يَثْقُلُ عليه حِفْظُهَا ثُمَّ إنْ لم يَجِدْ قَاضِيًا رَدَّهَا إلَى أَمِينٍ لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ بِتَأْخِيرِ السَّفَرِ وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ عليه بِقَبْضِهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ أَوْجَهُهُمَا اللُّزُومُ وَالتَّرْتِيبُ فِيمَا ذُكِرَ وَاجِبٌ فَإِنْ تَرَكَهُ بِلَا عُذْرٍ بِأَنْ رَدَّهَا إلَى الْقَاضِي أو أَمِينٍ مع إمْكَانِ رَدِّهَا إلَى الْمَالِكِ أو وَكِيلِهِ أو رَدَّهَا إلَى أَمِينٍ مع إمْكَانِ رَدِّهَا إلَى الْقَاضِي ضَمِنَ لِعُدُولِهِ عن الْأَقْوَى
قال الْفَارِقِيُّ وَهَذَا في غَيْرِ زَمَانِنَا أَمَّا فيه فَلَا يَضْمَنُ بِرَدِّهَا إلَى ثِقَةٍ مع
____________________
(3/76)
وُجُودِ الْحَاكِمِ لِمَا ظَهَرَ من فَسَادِ الْحُكَّامِ فَإِنْ دَفَنَهَا بِحِرْزٍ وَسَافَرَ ضَمِنَ لِأَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلضَّيَاعِ لَا إنْ أَعْلَمَ بها أَمِينًا سَاكِنًا بِالْمَكَانِ حَيْثُ يَجُوزُ إيدَاعُهُ فَلَا يَضْمَنُ لِأَنَّ إعْلَامَهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ إيدَاعِهِ وَخَرَجَ بِالْحَيْثِيَّةِ ما لو أَوْدَعَهَا عِنْد وُجُودِ الْحَاكِمِ فَيَضْمَنُ
السَّبَبُ الثَّانِي السَّفَرُ بها فَيَضْمَنُ الْمُقِيمُ الْوَدِيعَةَ بِالسَّفَرِ بها وَإِنْ قَصُرَ وكان الطَّرِيقُ آمِنًا لِتَقْصِيرِهِ بِالسَّفَرِ الذي حِرْزُهُ دُونَ حِرْزِ الْحَضَرِ إلَّا إنْ عُدِمَ من ذَكَرْنَاهُ من الْمَالِكِ وَوَكِيلِهِ وَالْحَاكِمِ وَالْأَمِينِ على التَّرْتِيبِ السَّابِقِ وَسَافَرَ بها في طَرِيقٍ آمِنٍ فَيَجُوزُ السَّفَرُ بها وَلَا ضَمَانَ عليه لِئَلَّا يَنْقَطِعَ الْوَدِيعُ مع عُذْرِهِ عن مَصَالِحِهِ وَيَنْفِرُ الناس عن قَبُولِ الْوَدَائِعِ بَلْ يَجِبُ عليه السَّفَرُ بها حِينَئِذٍ إنْ خَافَ عليها من نَحْوِ حَرِيقِ أو إغَارَةٍ لِئَلَّا تَضِيعَ وَقَوْلُهُ على التَّرْتِيبِ من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ هو مُضِرٌّ إنْ عُلِّقَ بِعَدَمٍ لَا بِذَكَرْنَاهُ فَإِنْ حَدَثَ في الطَّرِيقِ خَوْفٌ أَقَامَ بها فَإِنْ فُوجِئَ بِأَنْ هَجَمَ عليه قُطَّاعُ الطَّرِيقِ فَطَرَحَهَا بِمَضْيَعَةٍ لِيَحْفَظَهَا فَضَاعَتْ ضَمِنَ وَكَذَا لو دَفَنَهَا خَوْفًا منهم عِنْدِ إقْبَالِهِمْ ثُمَّ أُضِلَّ مَوْضِعَهَا كما قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إذَا كان من حَقِّهِ أَنْ يَصْبِرَ حتى تُؤْخَذَ منه فَتَصِيرَ مَضْمُونَةً على آخِذِهَا وَلَوْ أَوْدَعَ هَا مُسَافِرًا فَسَافَرَ بها أو مُنْتَجِعًا فَانْتَجَعَ بها فَلَا ضَمَانَ لِرِضَا الْمَالِكِ بِهِ وَلَوْ إذَا قَدِمَ من سَفَرِهِ أَنْ يُسَافِرَ بها ثَانِيًا لِرِضَا الْمَالِكِ بِهِ ابْتِدَاءً إلَّا إذَا دَلَّتْ قَرِينَةٌ على أَنَّ الْمُرَادَ إحْرَازُهَا بِالْبَلَدِ فَيَمْتَنِعُ ذلك ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَمُجَلِّي وَغَيْرُهُمَا وقال الْإِمَامُ اللَّائِقُ بِالْمَذْهَبِ الْمَنْعُ
السَّبَبُ الثَّالِثُ تَرْكُ الْإِيصَاءِ بها فَعَلَى ذِي مَرَضٍ مَخُوفٍ أو حَبْسٍ لَقَتْلٍ إنْ تَمَكَّنَ من الرَّدِّ وَالْإِيدَاعِ وَالْوَصِيَّةِ الرَّدُّ لها إلَى الْمَالِكِ أو وَكِيلِهِ ثُمَّ إنْ عَجَزَ عن الرَّدِّ إلَيْهِمَا فَعَلَيْهِ الْوَصِيَّةُ بها إلَى الْحَاكِمِ ثُمَّ إنْ عَجَزَ فَعَلَيْهِ الْوَصِيَّةُ إلَى أَمِينٍ وَإِنْ كان الْمُوصَى إلَيْهِ وَارِثًا وَعَطَفَ على الْوَصِيَّةِ قَوْلَهُ أو الدَّفْعُ إلَيْهِمَا أَيْ إيدَاعًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ بين الْوَصِيَّةِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَالْإِيدَاعُ عِنْدَهُ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ لِأَنَّ وَقْتَ الْمَوْتِ غير مَعْلُومٍ وَيَدَهُ مُسْتَمِرَّةٌ على الْوَدِيعَةِ ما دَامَ حَيًّا فَإِنْ تَرَكَ ذلك ضَمِنَ لِأَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلْفَوَاتِ إذْ الْوَارِثُ يَعْتَمِدُ ظَاهِرَ الْيَدِ وَيَدَّعِيهَا لِنَفْسِهِ وَكَذَا لو أَوْصَى إلَى فَاسِقٍ أو أَوْدَعَهُ وَمَحَلُّ الضَّمَانِ بِغَيْرِ إيصَاءٍ وَإِيدَاعٍ إذَا تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ على ما صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَمَالَ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ لِأَنَّ الْمَوْتَ كَالسَّفَرِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الضَّمَانُ إلَّا بِهِ وقال الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْمَرَضِ يَصِيرُ ضَامِنًا لها حتى لو تَلِفَتْ بِآفَةٍ في مَرَضِهِ أو بَعْدَ صِحَّتِهِ
____________________
(3/77)
ضَمِنَهَا كَسَائِرِ أَسْبَابِ التَّقْصِيرَاتِ وَيُؤَيِّدُهُ ما سَيَأْتِي أَوَّلَ السَّبَبِ الرَّابِعِ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا في غَيْرِ الْقَاضِي أَمَّا الْقَاضِي إذَا مَاتَ ولم يُوجَدْ مَالُ الْيَتِيمِ في تَرِكَتِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ وَإِنْ لم يُوصِ بِهِ لِأَنَّهُ أَمِينُ الشَّرْعِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأُمَنَاءِ وَلِعُمُومِ وِلَايَتِهِ قَالَهُ ابن الصَّلَاحِ قال وَإِنَّمَا يَضْمَنُ إذَا فَرَّطَ
قال السُّبْكِيُّ وَهَذَا تَصْرِيحٌ منه بِأَنَّ عَدَمَ إيصَائِهِ ليس تَفْرِيطًا وَإِنْ مَاتَ عن مَرَضٍ وهو الْأَوْجُهُ
وَظَاهِرٌ أَنَّ الْكَلَامَ في الْقَاضِي الْأَمِينِ وَنُقِلَ التَّصْرِيحُ بِهِ عن الْمَاوَرْدِيِّ وَظَاهِرٌ كما قال الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ كُلَّ حَالَةٍ تُعْتَبَرُ الْوَصِيَّةُ فيها من الثُّلُثِ كَوُقُوعِ الطَّاعُونِ بِالْبَلَدِ حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ فِيمَا ذَكِرَ أَمَّا إذَا لم يَتَمَكَّنْ مِمَّا ذُكِرَ بِأَنْ مَاتَ فَجْأَةً أو قُتِلَ غِيلَةً فَلَا يَضْمَنُ بِتَرْكِ ما ذُكِرَ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ وَالْوَصِيَّةُ هُنَا الْإِعْلَامُ بها وَالْأَمْرُ بِرَدِّهَا مع بَقَائِهَا في يَدِهِ وَمَعَ وُجُوبِ الْإِشْهَادِ عليه عِنْدَ إيصَاءِ الْوَارِثِ أو غَيْرِهِ صَوْنًا له عن الْإِنْكَار وَيَجِبُ تَمْيِيزُهَا في الْوَصِيَّةِ بِإِشَارَةٍ أو صِفَةٍ
فَإِنْ قال هِيَ ثَوْبٌ ولم يَصِفْهُ ضَمِنَ هَا وَلَوْ لم يُخْلِفْ ثَوْبًا لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ التَّمْيِيزِ فَيُضَارِبُ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ بِقِيمَتِهَا مع الْغُرَمَاءِ بِخِلَافِ ما إذَا مَيَّزَهَا لَا يَضْمَنُهَا وَإِنْ لم تُوجَدْ في التَّرِكَةِ إذْ لَا تَقْصِيرَ منه وَلَوْ خَلَفَهُ أَيْ ثَوْبًا لم يَتَعَيَّنْ كَوْنُهُ لها أَيْ لِلْوَدِيعَةِ لِاحْتِمَالِ أنها تَلِفَتْ وَالْمَوْجُودُ غَيْرُهَا بَلْ يَجِبُ قِيمَتُهُ في التَّرِكَةِ كما لو وَجَدَ فيها أَكْثَرَ من ثَوْبٍ فَإِنْ لم يُوصِ بها وَادَّعَى الْوَارِثُ التَّلَفَ لها وقال إنَّمَا لم يُوصِ بها لَعَلَّهُ أَيْ تَلَفَهَا كان بِغَيْرِ تَقْصِيرِ وَادَّعَى صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ تَقْصِيرَهُ فَالظَّاهِرُ بَرَاءَةُ ذِمَّتَهِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَجْزِمْ الْوَارِثُ بِالتَّلَفِ بِأَنْ قال عَرَفْتُ الْإِيدَاعَ لَكِنْ لم أَدْرِ كَيْفَ كان الْأَمْرُ وأنا أُجَوِّزُ أنها تَلِفَتْ على حُكْمِ الْأَمَانَةِ فلم يُوصِ بها لِذَلِكَ فَيَضْمَنُهَا لِأَنَّهُ لم يَدْعُ مُسْقِطًا وَلَا أَثَرَ لِخَطِّ الْمَيِّتِ أَيْ كِتَابَتُهُ على شَيْءٍ هذا وَدِيعَةُ فُلَانٍ أَوْفِي جَرِيدَتَهُ لِفُلَانِ عِنْدِي كَذَا وَدِيعَةً إنْ أَنْكَرَ الْوَارِثُ فَلَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ بِذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَتَبَهُ هو أو غَيْرُهُ تَلْبِيسًا أو اشْتَرَى الشَّيْءَ وَعَلَيْهِ الْكِتَابَةُ فلم يَمْحُهَا أو رَدَّ الْوَدِيعَةَ بَعْدَ كِتَابَتِهَا في الْجَرِيدَةِ ولم يَمْحُهَا وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ ذلك بِإِقْرَارِهِ أو إقْرَارِ مُورِثِهِ أو وَصِيَّتِهِ أو بِبَيِّنَةٍ
فَصْلُ يَجُوزُ نَقْلُهَا من حِرْزٍ إلَى مِثْلِهِ أو فَوْقَهُ الْمَفْهُومُ بِالْأَوْلَى وَلَوْ في قَرْيَةٍ أُخْرَى لَا سَفَرَ بَيْنَهُمَا وَلَا خَوْفَ وَلَا نَهْيَ من الْمَالِكِ كما سَيَأْتِي إذْ لَا يَتَفَاوَتُ الْغَرَضُ بِذَلِكَ فَهُوَ كما لو اكْتَرَى أَرْضًا لِزَرْعِ حِنْطَةٍ له أَنْ يَزْرَعَ ما ضَرَرُهُ مِثْلَ ضَرَرِهَا وَدُونَهُ لَا نَقْلُهَا إلَى حِرْزٍ دُونَهُ وَإِنْ كان حِرْزُ مِثْلِهَا إلَّا إنْ اتَّحَدَتْ الدَّارُ الْمُشْتَمِلَةُ على الْحِرْزَيْنِ فَلَا ضَمَانَ إلَّا أَنْ يَنْقُلَهَا بِنِيَّةِ التَّعَدِّي وَكَالدَّارِ الْخَانِ وَيُسْتَثْنَى مع ما اسْتَثْنَاهُ ما لو نَقَلَهَا بِظَنِّ الْمِلْكِ فَلَا ضَمَانَ بِخِلَافِ ما لو انْتَفَعَ بها ظَانًّا مِلْكَهَا فَتَلِفَتْ أَمَّا إذَا نَقَلَهَا لِسَفَرٍ أو خَوْفٍ فَلَا ضَمَانَ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ في السَّبَبِ الثَّانِي وَسَيَأْتِي حُكْمُ ما إذَا عَيَّنَ الْمَالِكُ الْحِرْزَ وَهَذَا الْفَصْلُ جَعَلَهُ الْأَصْلُ سَبَبًا من أَسْبَابِ التَّقْصِيرِ فَعَدَّ الْأَسْبَابَ تِسْعَةً
السَّبَبُ الرَّابِعُ تَرْكُ دَفْعِ الْهَلَاكِ عن الْوَدِيعَةِ فَيَجِبُ على الْوَدِيعِ دَفْعُ مُهْلَكَاتِهَا على الْعَادَةِ وَإِنْ أَوْدَعَهُ حَيَوَانًا ولم يَنْهَهُ عن إطْعَامِهِ فلم يُطْعِمْهُ حتى مَضَتْ مُدَّةٌ يَمُوتُ مِثْلُهُ فيها صَارَ مَضْمُونًا عليه وَإِنْ لم يَمُتْ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ حِفْظَهُ فَعَلَيْهِ الْقِيَامُ بِهِ بِمَا يَصُونُهُ عن التَّلَفِ وَالْعَيْبِ لَا إنْ مَاتَ دُونَهَا أَيْ الْمُدَّةُ فَلَا يَضْمَنُهُ إلَّا إنْ كان بها الْأَوْلَى بِهِ جُوعٌ سَابِقٌ وَعَلِمَهُ فَيَضْمَنُ الْقِسْطَ لَا الْجَمِيعَ وَإِنْ لم يَعْلَمْهُ فَلَا ضَمَانَ وَتَرْجِيحُ التَّقْسِيطِ من زِيَادَتِهِ وَالْأَوْجَهُ مُقَابِلُهُ وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْلِ حَيْثُ شَبَّهَهُ بِمَا لو اكْتَرَى بَهِيمَةً فَحَمَلَهَا أَكْثَرَ مِمَّا شَرَطَ فإنه يَضْمَنُ الْجَمِيعَ إذَا لم يَكُنْ مَالِكُهَا مَعَهَا وَيُؤَيِّدُهُ ما لو جَوَّعَ إنْسَانًا وَبِهِ جُوعٌ سَابِقٌ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ مع عِلْمِهِ بِالْحَالِ فَمَاتَ فإنه يَضْمَنُ الْجَمِيعَ وَتَخْتَلِفُ الْمُدَّةُ بِاخْتِلَافِ الْحَيَوَانَاتِ وَالْمَرْجِعُ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ بها
وَإِنْ نَهَاهُ عن إطْعَامِهِ لم يَضْمَنْ لِلْإِذْنِ في إتْلَافِهِ فَهُوَ كما لو قال اُقْتُلْ دَابَّتِي فَقَتَلَهَا نعم إنْ كان مِلْكًا لِغَيْرِهِ كَأَنْ أُودِعَ لِوَلِيٍّ حَيَوَانَ مَحْجُورِهِ
قال الزَّرْكَشِيُّ فَيُشْبِهُ أَنَّ نَهْيَهُ كَالْعَدَمِ وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَقَيَّدَهُ بِعِلْمِ الْوَدِيعِ بِالْحَالِ
____________________
(3/78)
وَيُعْصَى بِطَاعَتِهِ أَيْ الْمَالِكِ بِتَرْكِ الْإِطْعَامِ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ وَإِنْ مَنَعَهُ من إطْعَامِهِ لِعِلَّةٍ بِهِ تَقْتَضِي الْمَنْعَ كَقُولَنْجَ فَأَطْعَمَهُ وَالْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فَمَاتَ ضَمِنَ وَيَرْجِعُ بِالْإِنْفَاقِ عليه بِالْإِذْنِ له فيه وَلَوْ من الْحَاكِمِ على الْمَالِكِ وَتَفَارِيعُهُ من الِافْتِرَاضِ على الْمَالِكِ أو بَيْعِ جُزْءٍ من الْحَيَوَانِ أو إيجَارِهِ وَصَرْفِ الْأُجْرَةِ في مُؤْنَتِهِ وَنَحْوِ ذلك كما مَرَّ في هَرَبِ الْجَمَّالِ وَعَلَفِ الضَّالَّةِ وَنَفَقَةِ اللَّقِيطِ وَنَحْوِهِمَا وَلَوْ أَخْرَجَهَا الْأَوْلَى أَخْرَجَهُ في الْأَمْنِ لِلسَّقْيِ وَالْعَلَفِ من دَارِهِ وَلَوْ في يَدِ غَيْرِهِ وكان أَمِينًا لم يَضْمَنْ وَإِنْ كان يَعْلِفُ وَيُسْقَى دَوَابَّهُ فيها لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ اسْتِنَابَةٌ لَا إيدَاعٌ فَإِنْ أَخْرَجَهَا في الْخَوْفِ أو في الْأَمْنِ لَكِنْ مع غَيْرِهِ أَمِينٌ ضَمِنَ وَهَلْ يَضْمَنُ نَخْلًا وفي نُسْخَةٍ نَخِيلًا اسْتَوْدَعَهَا لم يَأْمُرْهُ بِسَقْيِهَا فَتَرَكَهُ كَالْحَيَوَانِ أو لَا وَجْهَانِ صَحَّحَ مِنْهُمَا الْأَذْرَعِيُّ الثَّانِيَ وَفَرَّقَ بِحُرْمَةِ الرُّوحِ قال وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَا تَشْرَبُ بِعُرُوقِهَا وَفِيمَا إذَا لم يَنْهَهُ عن سَقْيِهَا
فَرْعٌ يَجِبُ على الْوَدِيعِ نَشْرُ الصُّوفِ وَنَحْوِهِ وَلُبْسُهُ إنْ احْتَاجَ الصُّوفُ لِنَشْرِهِ لِلرِّيحِ لَدَفْعِ الدُّودِ أو لِلُبْسِهِ لِتَعْبَقَ بِهِ رَائِحَةُ الْآدَمِيِّ فَتَدْفَعَ الدُّودَ فَإِنْ لم يَفْعَلْ فَفَسَدَ ضَمِنَ سَوَاءٌ أَمَرَهُ الْمَالِكُ أَمْ سَكَتَ نعم إنْ لم يَعْلَمْ بِهِ كَأَنْ كان في صُنْدُوقٍ مُقْفَلٍ لم يَضْمَنْ فَلَوْ كان ما يَحْتَاج إلَى لُبْسِهِ لَا يَلِيقُ بِهِ لِضَيِّقِهِ أو صِغَرِهِ أو نَحْوِهِمَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْبَسُهُ من يَلِيقُ بِهِ لُبْسُهُ بهذا الْقَصْدِ قَدْرَ الْحَاجَةَ وَيُلَاحِظُهُ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ قال وَكَنَشْرِ الصُّوفِ تَمْشِيَةُ الدَّابَّةِ وَتَسْيِيرُهَا الْمُعْتَادُ عِنْدَ الْخَوْفِ عليها من الزَّمَانَةِ لِطُولِ وُقُوفِهَا وَلَوْ فَتَحَ قُفْلًا عن صُنْدُوقٍ فيه صُوفٌ أو نَحْوُهُ لِذَلِكَ أَيْ لِنَشْرِهِ أو لُبْسِهِ لم يَضْمَنْ وَلَوْ نَهَاهُ عن ذلك لَكِنْ يُكْرَهُ امْتِثَالُهُ
السَّبَبُ الْخَامِسُ الِانْتِفَاعُ وَالِانْتِفَاعُ بِالرُّكُوبِ وَغَيْرِهِ مُضَمَّنٌ لِتَعَدِّيهِ لَا رُكُوبُهَا لِلسَّقْيِ لِأَنَّهُ ليس بِانْتِفَاعٍ وَإِنَّمَا فَعَلَهُ لِمَصْلَحَةِ الْمَالِكِ هذا إنْ لم تَنْعَقِدْ ولم تُنَسَّقْ بِغَيْرِ الرُّكُوبِ وَإِلَّا فَيَضْمَنُهَا لِتَعَدِّيهِ حِينَئِذٍ قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَوْ رَكِبَهَا خَوْفًا عليها من ظَالِمٍ وَهَرَبَ بها فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَلَا ضَمَانَ إذْ لَا تَعَدِّيَ وَإِخْرَاجُهَا أَيْ الْوَدِيعَةِ يَعْنِي أَخْذُهَا وَإِنْ لم يُخْرِجْهَا من الْحِرْزِ لِلِانْتِفَاعِ بها مُضَمِّنٌ وَإِنْ لم يَنْتَفِعْ بها لِأَنَّ إخْرَاجَهَا بهذا الْقَصْدِ خِيَانَةٌ لَا مُجَرَّدُ نِيَّةِ الْخِيَانَةِ وَلَوْ بَعْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ لم يُحْدِثْ فِعَلًا بها إلَّا إذَا نَوَاهَا عِنْدَ الْقَبْضِ لِلْوَدِيعَةِ كما في الِالْتِقَاطِ وَلَوْ فَتَحَ قُفْلًا عن صُنْدُوقٍ فيه وَدِيعَةٌ أو خَتْمًا عن كِيسِ كَذَلِكَ لَا رِبَاطًا أو خَرَقَ الْكِيسَ عنها لَا من فَوْقِ الْخَتْمِ أو أَوْدَعَهُ دَرَاهِمَ مَثَلًا مَدْفُونَةً فَنَبَشَهَا ضَمِنَ وَإِنْ لم يَأْخُذْ شيئا لِأَنَّهُ هَتَكَ الْحِرْزَ بِخِلَافِ ما لو فَتَحَ الرِّبَاطَ الذي شَدَّ بِهِ رَأْسَ الْكِيسِ لِأَنَّ الْقَصْدَ منه مَنْعُ الِانْتِشَارِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَكْتُوبًا عليه وَبِخِلَافِ خَرْقِ الْكِيسِ من فَوْقِ الْخَتْمِ لَا يَضْمَنُ إلَّا نُقْصَانَ الْخَرْقِ نعم إنْ خَرَقَهُ مُتَعَمِّدًا ضَمِنَ جَمِيعَ الْكِيسِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي آخِرَ الْفَصْلِ الْآتِي وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ ضَمِنَ أَنَّهُ يَضْمَنُ الصُّنْدُوقَ وَالْكِيسَ أَيْضًا وهو أَحَدُ وَجْهَيْنِ في الْأَصْلِ بِلَا تَرْجِيحٍ
ثَانِيهِمَا الْمَنْعُ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ الْخِيَانَةَ فِيهِمَا وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُمَا من الْوَدِيعَةِ وَهَلْ يَضْمَنُ بِالْعَدِّ أو الْوَزْنِ لِلدَّرَاهِمِ وَالذَّرْعِ لِلثِّيَابِ لِلْمَعْرِفَةِ بِهِمَا لِأَنَّ ذلك
____________________
(3/79)
نَوْعُ تَصَرُّفٍ أو لَا لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَرَادَ بِهِ الِاحْتِيَاطَ وَجْهَانِ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ بِالثَّانِي وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِذَلِكَ في اللُّقَطَةِ وَهِيَ أَمَانَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَهَذِهِ أَوْلَى
فَرْعٌ وَإِنْ خَانَ في الْوَدِيعَةِ بِسَبَبِ من أَسْبَابِ التَّقْصِيرِ ثُمَّ رَجَعَ عن الْخِيَانَةِ لم يَبْرَأْ من الضَّمَانِ كما لو رَدَّ السَّارِقُ الْمَسْرُوقَ إلَى مَكَانِهِ إلَّا بِالْإِيدَاعِ ثَانِيًا فَيَبْرَأُ من ذلك وَلَوْ لم يَرُدَّهَا قَبْلَهُ إلَى مَالِكِهَا وَلَوْ أَبْرَأَهُ عن الضَّمَانِ بَعْدَ الْخِيَانَةِ لَا قَبْلَهَا صَارَ أَمِينًا وَبَرِئَ لِأَنَّ التَّضْمِينَ حَقُّ الْمَالِكِ وقد أَسْقَطَهُ فَهُوَ كما لو حَفَرَ بِئْرًا عُدْوَانًا في مِلْكِ غَيْرِهِ ثُمَّ أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ عن ضَمَانِ الْحَفْرِ بِخِلَافِ ما لو أَبْرَأهُ عنه قَبْلَهَا كَأَنْ قال أَوْدَعْتُكَ فَإِنْ خُنْت ثُمَّ تَرَكْتَ الْخِيَانَةَ عُدْتَ أَمِينًا لي فَخَانَ ثُمَّ تَرَكَ الْخِيَانَةَ لَا يَصِيرُ أَمِينًا لِأَنَّهُ إسْقَاطُ ما لم يَجِبْ وَتَعْلِيقٌ لِلِاسْتِثْمَانِ الثَّانِي
فَرْعٌ لو قال له خُذْهُ يَوْمًا وَدِيعَةً وَيَوْمًا غير وَدِيعَةٍ فَوَدِيِعَةٌ أَبَدًا أو خُذْهُ يَوْمًا وَدِيعَةً وَيَوْمًا عَارِيَّةً فَوَدِيعَةٌ في الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَعَارِيَّةٌ في الْيَوْمِ الثَّانِي ولم يَعُدْ بَعْدَهَا أَيْ الْعَارِيَّةُ أَيْ يَوْمُهَا وَدِيعَةٌ أَبَدًا قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ عَكَسَ الْأُولَى فقال خُذْهُ يَوْمًا غير وَدِيعَةٍ وَيَوْمًا وَدِيعَةً
فَالْقِيَاسُ أنها أَمَانَةٌ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَلَيْسَتْ عَقْدَ وَدِيعَةٍ
وَلَوْ عَكَسَ الثَّانِيَةَ فَالْقِيَاسُ أنها في الْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَارِيَّةً وفي الثَّانِي أَمَانَةً
فَصْلٌ لو خَلَطَهَا بِمَالٍ فلم تَتَمَيَّزْ عنه بِسُهُولَةٍ ضَمِنَ هَا وَلَوْ خَلَطَهَا بِأَجْوَدَ منها أو بِمَالِ الْمَالِكِ لِأَنَّ ذلك خِيَانَةً نعم إنْ خَلَطَهَا سَهْوًا فَلَا ضَمَانَ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَمَّا إذَا تَمَيَّزَتْ كَأَنْ كانت دَرَاهِمَ فَخَلَطَهَا بِدَنَانِير فَلَا ضَمَانَ إلَّا أَنْ يَحْصُلَ نَقْصٌ بِالْخَلْطِ فَيَضْمَنَ وَإِنْ أَخَذَ منها وَهِيَ دَرَاهِمُ دِرْهَمًا وَرَدَّ بَدَلَهُ إلَيْهَا لم يَمْلِكْهُ الْمَالِك إلَّا بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ولم يَبْرَأْ من ضَمَانِهِ ثُمَّ إنْ لم يَتَمَيَّزْ عنها ضَمِنَ الْجَمِيعَ لَخَلْطِهِ الْوَدِيعَةَ بِمَالِ نَفْسِهِ وَإِنْ تَمَيَّزَ عنها فَالْبَاقِي غَيْرُ مَضْمُونٍ عليه وَإِنْ تَمَيَّزَ عن بَعْضِهَا لِمُخَالَفَتِهِ له بِصِفَةٍ كَسَوَادٍ وَبَيَاضٍ وَسِكَّةٍ ضَمِنَ مَالًا يَتَمَيَّزُ خَاصَّةً قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فَلَوْ رَدَّهُ بِعَيْنِهِ إلَيْهَا لم يَضْمَنْ سِوَاهُ من بَقِيَّةِ الدَّرَاهِمِ وَإِنْ تَلِفَتْ كُلُّهَا أو لم يَتَمَيَّزْ هو عنها لِاخْتِلَاطِهِ بها لِأَنَّ هذا الْخَلْطَ كان حَاصِلًا قبل الْأَخْذِ وَإِنْ تَلِفَ نِصْفُهَا ضَمِنَ نِصْفَهُ أَيْ نِصْفَ الدِّرْهَمِ فَقَطْ هذا كُلُّهُ إذَا لم يَفُضَّ خَتْمًا أو قُفْلًا على الدَّرَاهِمِ فَإِنْ فَضَّهُ ضَمِنَ الْجَمِيعَ بِنَاءً على أَنَّ الْفَضَّ يَقْتَضِي الضَّمَانَ
وَلَوْ قَطَعَ الْوَدِيعُ لِدَابَّةٍ يَدَهَا أو أَحْرَقَ بَعْضَ الثَّوْبِ الْمُودَعِ عِنْدَهُ خَطَأً ضَمِنَهُ أَيْ الْمُتْلِفُ لِتَفْوِيتِهِ دُونَ الْبَاقِي لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ فيه أو عَمْدًا أو شَبَهَهُ ضَمِنَهُمَا جميعا لِتَعَدِّيهِ وَلَا يُخَالِفُ ذلك تَسْوِيَتَهُمْ الْخَطَأَ بِالْعَمْدِ في الضَّمَانِ لِأَنَّ مَحَلَّهَا في ضَمَانِ الْإِتْلَافِ كما في الْبَعْضِ الْمُتْلَفِ في مَسْأَلَتِنَا لَا في ضَمَانِ التَّعَدِّي كما في الْبَاقِي فيها إذْ لَا تَعَدِّيَ فيه
السَّبَبُ السَّادِسُ الْمُخَالَفَةُ في الْحِفْظِ لِلْوَدِيعَةِ وَإِنْ خَالَفَهُ في وَجْهِ الْحِفْظِ بِأَنْ أَمَرَهُ بِحِفْظِهَا على وَجْهٍ مَخْصُوصٍ فَعَدَلَ إلَى آخَرَ وَتَلِفَتْ بِسَبَبِ الْمُخَالَفَةِ ضَمِنَ وَكَانَتْ الْمُخَالَفَةُ تَقْصِيرًا لِتَأْدِيَتِهَا إلَى التَّلَفِ وَإِلَّا بِأَنْ تَلِفَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ فَلَا يَضْمَنُ فَإِنْ كانت الْوَدِيعَةُ في صُنْدُوقٍ وقال له لَا تَرْقُدْ على الصُّنْدُوقِ فَرَقَدَ عليه وَانْكَسَرَ بِهِ أَيْ بِثِقَلِهِ وَتَلِفَ ما فيه بِذَلِكَ ضَمِنَ لِلْمُخَالَفَةِ وَكَذَا يَضْمَنُ لو سُرِقَ ما فيه في الصَّحْرَاءِ من جَانِبٍ كان يَرْقُدُ فيه إنْ لم يَرْقُدْ عليه لِأَنَّهُ إذَا رَقَدَ عليه فَقَدْ أَخْلَى جَانِبَ الصُّنْدُوقِ وَرُبَّمَا لَا يَتَمَكَّنُ السَّارِقُ من الْأَخْذِ إذَا كان بِجَانِبِهِ بِخِلَافِ ما لو سُرِقَ في الصَّحْرَاءِ من غَيْر الْجَانِبِ الْمَذْكُورِ أو في بَيْتٍ مُحْرَزٍ وَلَوْ من الْجَانِبِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ زَادَ احْتِيَاطًا ولم يَحْصُلْ التَّلَفُ بِفِعْلِهِ وَلَوْ قال له لَا تُقْفِلْ عليها أو لَا تَجْعَلْ عليها قُفْلَيْنِ أو ادْفِنْهَا في بَيْتِكَ وَلَا تَبْنِ عليها فَخَالَفَ في ذلك لم يَضْمَنْ لِذَلِكَ وَلَا يَرْجِعُ بِالْبِنَاءِ أَيْ بِبَدَلِهِ عِنْدَ رَدِّهِ الْوَدِيعَةَ كَأُجْرَةِ النَّقْلِ لها لِلضَّرُورَةِ فَلَا يَرْجِعُ بها على الْمَالِكِ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ وَإِنْ قال له ارْبِطْ الدَّرَاهِمَ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَضَمِّهَا في كُمِّكَ فَأَمْسَكَهَا
____________________
(3/80)
بيده فَإِنْ تَلِفَتْ أَيْ سَقَطَتْ بِنَوْمٍ أو نِسْيَانٍ ضَمِنَ إذْ لو رَبَطَهَا لم تَضِعْ بهذا السَّبَبِ فَالتَّلَفُ حَصَلَ بِالْمُخَالَفَةِ أو تَلِفَتْ بِغَصْبٍ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّ الْيَدَ أَحْرَزُ من الرَّبْطِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَصْبِ وَالرَّبْطَ أَحْرَزُ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّلَفِ بِالسُّقُوطِ وَإِنْ وفي نُسْخَةٍ فَإِنْ لم يَرْبِطْهَا في كُمِّهِ بَلْ جَعْلَهَا في جَيْبِهِ لم يَضْمَنْ لِأَنَّهُ أَحْرَزُ إلَّا إنْ كان وَاسِعًا غير مَزْرُورٍ فَيَضْمَنُ أو قال له اجْعَلْهَا في جَيْبِكَ فَرَبَطَ هَا في الْكُمِّ ضَمِنَ لِأَنَّ الْجَيْبَ أَحْرَزُ منه كما مَرَّ وَإِنْ امْتَثَلَ أَمْرَهُ وَرَبَطَهَا في الْكُمِّ لم يُكَلَّفْ معه إمْسَاكُهَا بِالْيَدِ بَلْ إنْ كان الرَّبْطُ من خَارِجِ الْكُمِّ فَأَخَذَهَا الطُّرَّارُ أَيْ الْقَاطِعُ مَأْخُوذٌ من طُرَّ الثَّوْبُ بِضَمِّ الطَّاءِ أَيْ قُطِعَ ضَمِنَ لِأَنَّ فيه إظْهَارُهَا وَتَنْبِيهُ الطُّرَّارِ وَإِغْرَاؤُهُ عليها لِسُهُولَةِ قَطْعِهِ أو حَلِّهِ عليه حِينَئِذٍ لَا إنْ اسْتَرْسَلَتْ بِانْحِلَالِ الْعُقْدَةِ وَضَاعَتْ وقد احْتَاطَ في الرَّبْطِ فَلَا يَضْمَنُ لِأَنَّهَا إذَا انْحَلَّتْ بَقِيَتْ الْوَدِيعَةُ في الْكُمِّ أو كان الرَّبْطُ من دَاخِلِهِ فَبِالْعَكْسِ فَيَضْمَنُهَا إنْ اسْتَرْسَلَتْ لِتَنَاثُرِهَا بِالِانْحِلَالِ لَا إنْ أَخَذَهَا الطُّرَّارُ لِعَدَمِ تَنْبِيهِهِ
وَاسْتَشْكَلَ الرَّافِعِيُّ ذلك بِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مُطْلَقُ الرَّبْطِ وقد أتى بِهِ فَلَا يُنْظَرُ إلَى جِهَةِ التَّلَفِ بِخِلَافِ ما إذَا عَدَلَ عن الْمَأْمُورِ بِهِ إلَى غَيْرِهِ فَحَصَل بِهِ التَّلَفُ وَبِأَنَّهُ لو قال احْفَظْ الْوَدِيعَةَ في هذا الْبَيْتِ فَوَضَعَهَا في زَاوِيَةٍ منه فَانْهَدَمَتْ عليه لَا يَضْمَنُ وَلَا يُقَالُ لو كانت في زَاوِيَةٍ أُخْرَى لَسَلِمَتْ
وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الرَّبْطَ ليس كَافِيًا على أَيْ وَجْهٍ فُرِضَ بَلْ لَا بُدَّ من تَضَمُّنِهِ الْحِفْظَ وَلِهَذَا لو رَبَطَ رَبْطًا غير مُحْكَمٍ ضَمِنَ وَإِنْ كان لَفْظُ الرَّبْطِ يَشْمَلُ الْمُحَكَّمَ وَغَيْرُهُ وَلَفْظُ الْبَيْتِ مُتَنَاوِلٌ لِكُلٍّ من زَوَايَاهُ وَالْعُرْفُ لَا يُخَصِّصُ مَوْضِعًا منه وَإِنْ لم يَأْمُرْهُ بِرَبْطِهَا في كُمِّهِ بِإِمْسَاكِهَا في يَدِهِ فَالْحُكْمُ كما لو أَمَرَهُ فِيمَا سَبَقَ وَإِنْ أَوْدَعَهُ إيَّاهَا فَوَضَعَهَا في الْكُمِّ بِلَا رَبْطٍ فَسَقَطَتْ وَهِيَ خَفِيفَةٌ لَا يَشْعُرُ بها ضَمِنَ لِتَفْرِيطِهِ في الْإِحْرَازِ أو وَهِيَ ثَقِيلَةٌ يَشْعُرُ بها فَلَا يَضْمَنُهَا أو وَضَعَهَا في كَوْرِ عِمَامَتِهِ بِلَا رَبْطٍ فَضَاعَتْ ضَمِنَ هذا إذَا أَوْدَعَهُ في السُّوقِ مَثَلًا ولم يَعُدْ إلَى بَيْتِهِ فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ لَزِمَهُ إحْرَازُهَا فيه وَلَا يَكُونُ ما ذُكِرَ حِرْزًا لها حِينَئِذٍ لِأَنَّ بَيْتَهُ أَحْرَزُ فَلَوْ خَرَجَ بها في كُمِّهِ أو جَيْبِهِ أو يَدِهِ ضَمِنَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لَكِنْ سَيَأْتِي في كَلَامِ الْأَصْلِ ما يُؤْخَذُ منه أَنَّهُ يَرْجِعُ في ذلك إلَى الْعَادَةِ
وَإِنْ أَعْطَاهُ إيَّاهَا في السُّوقِ وقال له احْفَظْهَا في بَيْتِكَ لَزِمَهُ الذَّهَابُ بها إلَى بَيْتِهِ فَوْرًا وَحَفِظَهَا فيه أو أَعْطَاهَا له في الْبَيْتِ وقال له احْفَظْهَا فيه لَزِمَهُ الْحِفْظُ فيه فَوْرًا فَإِنْ أَخَّرَ فِيهِمَا الْحِفْظَ فيه بِلَا مَانِعٍ ضَمِنَ لِتَفْرِيطِهِ وَإِنْ لم يَحْفَظْ هَا فيه وَرَبَطَهَا في كُمِّهِ أو شَدَّهَا في عَضُدِهِ لَا مِمَّا يَلِي أَضْلَاعَهُ وَخَرَجَ بها أو لم يَخْرُجْ بها وَأَمْكَنَ إحْرَازُهَا في الْبَيْتِ ضَمِنَ لِأَنَّ الْبَيْتَ أَحْرَزُ من ذلك بِخِلَافِ ما إذَا شَدَّهَا في عَضُدِهِ مِمَّا يَلِي أَضْلَاعَهُ لِأَنَّهُ أَحْرَزُ من الْبَيْتِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا حَصَل التَّلَفُ في زَمَنِ الْخُرُوجِ لَا من جِهَةِ الْمُخَالَفَةِ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ
قال في الْأَصْلِ وفي تَقْيِيدِهِمْ الصُّورَةَ بِمَا إذَا قال احْفَظْهَا في الْبَيْتِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لو لم يَقُلْ ذلك جَازَ له أَنْ يَخْرُجَ بها مَرْبُوطَةً وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ فيه إلَى الْعَادَةِ
وَإِنْ أَوْدَعَهُ دَابَّةً وقال له اجْعَلْهَا في بَيْتِكَ فَوَضَعَهَا في حِرْزٍ آخَرَ مِثْلِ بَيْتِهِ أو أَحْرَزَ منه كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى
____________________
(3/81)
فَمَاتَتْ فَجْأَةً أو بِمَرَضٍ أو نَحْوِهِ لم يَضْمَنْ حَمْلًا لِتَعْيِينِهِ على اعْتِبَارِ الْحِرْزِيَّةِ عِنْدَ التَّخْصِيصِ الذي لَا غَرَضَ فيه كما لو اكْتَرَى أَرْضًا لِزَرْعِ حِنْطَةٍ له أَنْ يَزْرَعَ ما ضَرَرُهُ مِثْلُ ضَرَرِهَا وَدُونَهُ بِخِلَافِ ما لو وَضَعَهَا في حِرْزٍ دُونَ بَيْتِهِ فإنه يَضْمَنُ وَإِنْ كان حِرْزُ مِثْلِهَا وَإِنْ انْهَدَمَ عليها الْحِرْزُ الْمُمَاثِلُ لِبَيْتِهِ أو الْأَحْرَزُ منه ضَمِنَ لِلْمُخَالَفَةِ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بها وَإِنْ سُرِقَتْ منه فَكَذَلِكَ وَإِنْ نَهَاهُ عن النَّقْلِ لها فَنَقَلَ ضَمِنَ وَإِنْ كان الْمَنْقُولُ إلَيْهِ أَحْرَزَ لِصَرِيحِ الْمُخَالَفَةِ إلَّا إنْ وَقَعَ خَوْفٌ من غَرَقٍ أو حَرِيقٍ أو نَحْوِهِ فَلَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجُوزُ نَقْلُهَا بَلْ يَجِبُ إلَى حِرْزٍ لِمِثْلِهَا وَيَتَعَيَّنُ مِثْلُهُ أَيْ حِرْزٌ مِثْلُ الْحِرْزِ الْأَوَّلِ إنْ وَجَدَ وَإِلَّا فَلَا يَتَعَيَّنُ
فَلَوْ تَرَكَ النَّقْلَ في ذلك ضَمِنَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَصَدَ بِالنَّهْيِ نَوْعًا من الِاحْتِيَاطِ إلَّا أَنْ قال له لَا تَنْقُلْهَا وَإِنْ وَقَعَ خَوْفٌ فَلَا يَنْقُلُهَا وَإِنْ وَقَعَ خَوْفٌ وَلَا يَضْمَنُ بِتَرْكِ نَقْلِهَا حِينَئِذٍ كما لو قال له أَتْلِفْ مَالِي فَأَتْلَفَهُ لَكِنْ لو نَقَلَ حِينَئِذٍ لم يَضْمَنْ لِأَنَّهُ قَصَدَ الصِّيَانَةَ وَقَوْلُهُ لَكِنْ من زِيَادَتِهِ وَلَا مَحَلَّ له فَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَهُ كَأَصْلِهِ بِالْوَاوِ كان أَوْلَى وَإِنْ اخْتَلَفَا في وُقُوعِ الْخَوْفِ أَثْبَتَ أَيْ أَقَامَ بِهِ الْوَدِيعُ بَيِّنَةً إنْ لم يَعْرِفْ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ عَرَفَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَإِنْ لم تَكُنْ بَيِّنَةٌ صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُقُوعِهِ وَلَا يُخْرِجُهَا من بَيْتِ الْمَالِ إنْ أُحْرِزَتْ فيه إلَّا لِضَرُورَةٍ
فَرْعُ لو عَيَّنَ الْمَالِكُ لها ظَرْفًا من ظُرُوفِهِ فَنَقَلَهَا الْوَدِيعُ منه إلَى غَيْرِهِ منها لم يَضْمَنْ لِأَنَّ الظَّرْفَ وَالْمَظْرُوفَ وَدِيعَتَانِ وَلَيْسَ فيه إلَّا حِفْظُ أَحَدِهِمَا في حِرْزٍ وَالْأُخْرَى في آخَرَ إلَّا إنْ كان الثَّانِي دُونَ الْمُعَيَّنِ فَيَضْمَنُ وَإِنْ كانت الظُّرُوفُ لِلْوَدِيعِ فَكَالْبُيُوتِ فِيمَا ذَكَر فيها وَلَوْ نَهَاهُ عن دُخُولِ أَحَدٍ عليها أو الِاسْتِعَانَةِ على حِفْظِهَا بِحَارِسٍ أو عن الْإِخْبَارِ بها فَخَالَفَهُ فيه ضَمِنَ إنْ أَخَذَهَا الدَّاخِلُ عليها وَالْحَارِسُ لها أو تَلِفَتْ بِسَبَبِ الْإِخْبَارِ بها وَإِنْ لم يُعَيِّنْ مَوْضِعَهَا وَإِنَّ أَخَذَهَا غَيْرُ من ذُكِرَ أو تَلِفَتْ لَا بِسَبَبِ الْإِخْبَارِ فَلَا ضَمَانَ
وَقَوْلُ الْعَبَّادِيِّ وَلَوْ سَأَلَهُ رَجُلٌ هل عِنْدَكَ لِفُلَانٍ وَدِيعَةٌ فَأَخْبَرَهُ ضَمِنَ لِأَنَّ كَتْمَهَا من حِفْظِهَا مَحْمُولٌ على الضَّمَانِ بِالْأَخْذِ لِسَبَبٍ آخَرَ
وَإِنْ أَمَرَهُ وقد أَوْدَعَهُ خَاتَمًا بِوَضْعِ الْخَاتَمِ في خِنْصَرِهِ فَجَعَلَهَا في بِنَصْرِهِ لم يَضْمَنْ لِأَنَّهُ أُحْرِزَ لِكَوْنِهِ أَغْلَظَ إلَّا إنْ جَعَلَهَا في أَعْلَاهُ أو في وَسَطِهِ كما قَالَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ أو انْكَسَرَتْ لِغِلَظِهَا أَيْ الْبِنْصِرِ فَيَضْمَنُ لِأَنَّ أَسْفَلَ الْخِنْصَرِ أَحْفَظُ من أَعَلَى الْبِنْصِرِ وَوَسَطِهِ في غَيْرِ الْأَخِيرَةِ وَلِلْمُخَالَفَةِ في الْأَخِيرَة وَالتَّعْلِيلُ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَإِنْ قال اجْعَلْهُ في الْبِنْصِرِ فَجَعَلَهُ في الْخِنْصَرِ فَإِنْ كان لَا يَنْتَهِي إلَى أَصْلِ الْبِنْصِرِ فَاَلَّذِي فَعَلَهُ أَحْرَزُ فَلَا ضَمَانَ وَإِلَّا ضَمِنَ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وقال الرُّويَانِيُّ لو قال احْفَظْهُ في بِنْصَرِكَ فَحَفِظَهُ في خِنْصَرِهِ ضَمِنَ لِأَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ لَبِسَهُ في الْبِنْصِرِ كان في الْخِنْصَرِ وَاسِعًا انْتَهَى وَيُؤْخَذُ من تَعْلِيلِهِ أَنْ ما قَالَهُ جَرَى على الْغَالِبِ فَلَا يُنَافِي ما قَبْلَهُ وَلَوْ قال له احْفَظْ هذا في يَمِينِكَ فَجَعَلَهُ في يَسَارِهِ ضَمِنَ وَبِالْعَكْسِ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ الْيَمِينَ أَحْرَزُ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ أَكْثَرُ غَالِبًا نَقَلَهُ الْعِجْلِيّ قال الْأَذْرَعِيُّ لَكِنْ لو هَلَكَ لِلْمُخَالَفَةِ ضَمِنَ قال وَقَضَيْتُهُ ما قَالَهُ أَنَّهُ لو كان أَعْسَرَ انْعَكَسَ الْحُكْمُ وَأَنَّهُ لو كان يَعْمَلُ بِهِمَا على السَّوَاءِ كَانَا سَوَاءً
وَلَوْ لم يَأْمُرْهُ في إيدَاعِ الْخَاتَمِ بِشَيْءٍ فَوَضَعَهَا في الْخِنْصَرِ لَا غَيْرِهَا ضَمِنَ وَإِنْ لم يَجْعَلْ فَصَّهَا إلَى ظَهْرِ الْكَفِّ لِأَنَّهُ لَبِسَهَا أَيْ اسْتَعْمَلَهَا بِلَا ضَرُورَةٍ بِخِلَافِ ما لو وَضَعَهَا في غَيْرِهَا لِأَنَّ ذلك لَا يُعَدُّ اسْتِعْمَالًا إلَّا إنْ قَصَدَ بِلُبْسِهَا فيها الْحِفْظَ فَلَا يَضْمَنُ وَقَضِيَّتُهُ تَصْدِيقُهُ في دَعْوَاهُ أَنَّهُ لَبِسَهَا لِلْحِفْظِ لَكِنْ قد يُقَالُ قِيَاسُ ما مَرَّ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا في وُقُوعِ الْخَوْفِ تَصْدِيقُ الْمَالِكِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْقَصْدَ لَا يَعْلَمُ إلَّا منه بِخِلَافِ وُقُوعِ الْخَوْفِ وَالْبِنْصِرِ مُؤَنَّثٌ وقد اسْتَعْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ مُذَكَّرًا وَمُؤَنَّثًا وَالْخَاتَمُ مُذَكَّرٌ وقد اسْتَعْمَلَهُ مُؤَنَّثًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ حَلَقَةٌ وَغَيْرُ الْخِنْصَرِ لِلْمَرْأَةِ في حِفْظِهَا لِلْخَاتَمِ كَالْخِنْصَرِ لِأَنَّهَا قد تَتَخَتَّمُ في غَيْرِهِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَالْخُنْثَى يُحْتَمَلُ إلْحَاقُهُ بِالرَّجُلِ إذَا لَبِسَ الْخَاتَمَ في غَيْرِ خِنْصَرِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الضَّمَانِ وَيَحْتَمِلُ مُرَاعَاةَ الْأَغْلَظِ هُنَا وهو الْتِحَاقُهُ بِالْمَرْأَةِ كما غَلَّظْنَا في إيجَابِ الزَّكَاةِ فَأَلْحَقْنَاهُ بِالرَّجُلِ
السَّبَبُ السَّابِعُ التَّضْيِيعُ لها لِأَنَّ الْوَدِيعَ مَأْمُورٌ بِحِفْظِهَا في حِرْزِ مِثْلِهَا وَبِالتَّحَرُّزِ عن أَسْبَابِ التَّلَفِ فَيَضْمَنُهَا بِهِ أَيْ بِالتَّضْيِيعِ وَلَوْ نَاسِيًا لها وَذَلِكَ كَإِتْلَافِهِ
____________________
(3/82)
لها أو انْتِفَاعُهُ بها أو وَضْعُهُ لها في غَيْرِ حِرْزِ مِثْلِهَا وَلَوْ خَطَأً أو غَلَطًا وَإِنْ لم يَكُنْ مُتَعَدِّيًا في الْخَطَأِ وَنَحْوِهِ وَإِنْ أُخِذَتْ منه قَهْرًا لم يَضْمَنْ إذْ لَا تَقْصِيرَ منه وَإِنْ أُعْلِمَ بها هو لَا غَيْرُهُ من مَصَادِرِ الْمَالِكِ وَعُيِّنَ له مَوْضِعُهَا فَضَاعَتْ بِذَلِكَ ضَمِنَ لِمُنَافَاةِ ذلك الْحِفْظِ بِخِلَافِ ما إذَا أَعْلَمَهُ بها غَيْرُهُ لِأَنَّهُ لم يَلْتَزِمْ حِفْظَهَا وَبِخِلَافِ ما إذَا ضَاعَتْ بِغَيْرِ ذلك أو بِهِ ولم يُعَيِّنْ مَوْضِعَهَا
وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَلَوْ أَعْلَمَهُ بها كَرْهًا لَكِنْ نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عن مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ حِينَئِذٍ كَالْمُحْرِمِ إذَا دَلَّ على صَيْدٍ لَا يَضْمَنُهُ تَقْدِيمًا لِلْمُبَاشَرَةِ
وقال غَيْرُهُ يَضْمَنُ لِأَنَّهُ بِالدَّلَالَةِ مُضَيَّعٌ لها
وقال السُّبْكِيُّ وَهَذَا يَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ لِلْيَدِ وَالْتِزَامُ الْحِفْظِ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ
وقال الزَّرْكَشِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمَاوَرْدِيِّ أَنْ لَا يَكُونَ قَرَارُ الضَّمَانِ عليه لَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ ضَامِنًا أَصْلًا
قال في الِاسْتِقْصَاءِ لو أُكْرِهَ حتى دَلَّ عليها فَهُوَ على الْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ أَكْرَهَ حتى سَلَّمَهَا بِنَفْسِهِ
وَلَوْ أُكْرِهَ على تَسْلِيمِهَا له فَسَلَّمَهَا ضَمِنَ لِتَسْلِيمِهِ وَالْقَرَارُ لِلضَّمَانِ على الْمُكْرِهِ لِأَنَّهُ الْمُسْتَوْلِي عليها عُدْوَانًا فإذا ضَمِنَ الْمَالِكُ الْوَدِيعَ رَجَعَ على الْمُكْرِهِ وَيَجِبُ على الْوَدِيعِ إنْكَارُهَا عن الظَّالِمِ وَالِامْتِنَاعُ من إعْلَامِهِ بها جَهْدَهُ فَإِنْ تَرَكَ ذلك مع الْقُدْرَةِ ضَمِنَ وَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ على ذلك لِمَصْلَحَةِ حِفْظِهَا قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَجِبُ أَنْ يُوَرِّي إذَا أَمْكَنَتْهُ التَّوْرِيَةُ وكان يَعْرِفُهَا لِئَلَّا يَحْلِفَ كَاذِبًا
قال وَيَتَّجِهُ وُجُوبُ الْحَلِفِ إذَا كانت الْوَدِيعَةُ رَقِيقًا وَالظَّالِمُ يُرِيدُ قَتْلَهُ أو الْفُجُورَ بِهِ قال وَأَطْلَقَ الْغَزَالِيُّ في وَسِيطِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عليه الْحَلِفُ كَاذِبًا لِأَنَّ الْكَذِبَ ليس مُحَرَّمًا لَعَيْنِهِ وَيُكَفِّرُ عن يَمِينِهِ لِأَنَّهُ كَاذِبٌ فيها وَإِنْ حَلَّفَهُ بِالطَّلَاقِ أو الْعِتْقِ مُكْرَهًا عليه أو على اعْتِرَافِهِ فَحَلَفَ حَنِثَ لِأَنَّهُ فَدَى الْوَدِيعَةَ بِزَوْجَتِهِ أو رَقِيقِهِ وَإِنْ اعْتَرَفَ بها وَسَلَّمَهَا ضَمِنَ لِأَنَّهُ فَدَى زَوْجَتَهُ أو رَقِيقَهُ بها وَإِنْ أَعْلَمَ اللُّصُوصَ بِمَكَانِهَا فَضَاعَتْ بِذَلِكَ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ضَمِنَ لِمُنَافَاةِ ذلك الْحِفْظِ لَا إنْ أَعْلَمَهُمْ بِأَنَّهَا عِنْدَهُ من غَيْرِ تَعْيِينِ مَكَانِهَا فَلَا يَضْمَنُ بِذَلِكَ
السَّبَبُ الثَّامِنُ الْجُحُودُ لها وَجُحُودُهَا عن مَالِكِهَا بَعْدَ الطَّلَبِ منه لها لَا قَبْلَهُ خِيَانَةٌ فَيَضْمَنُهَا بِخِلَافِ جُحُودِهَا قَبْلَهُ وَلَوْ بِحَضْرَةِ الْمَالِكِ لِأَنَّ إخْفَاءَهَا أَبْلَغُ في حِفْظِهَا فَلَوْ قال له مَالِكُهَا بِلَا طَلَبٍ لها لي عِنْدَكِ وَدِيعَةٌ فَأَنْكَرَ أو سَكَتَ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لم يَضْمَنْ لِأَنَّهُ لم يُمْسِكْهَا لِنَفْسِهِ وقد يَكُونُ له في الْجُحُودِ غَرَضٌ صَحِيحٌ كَانْ يُرِيدَ بِهِ زِيَادَةَ الْحِفْظِ بِخِلَافِهِ بَعْدَ طَلَبِهَا كما تَقَرَّرَ نعم إنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ على أَنَّ له غَرَضًا صَحِيحًا كَأَنْ أَمَرَ الظَّالِمُ مَالِكَهَا بِطَلَبِهَا من الْوَدِيعِ فَطَلَبَهَا منه وهو يُحِبُّ جُحُودَهَا فَجَحَدَهَا حِفْظًا لها فَلَا ضَمَانَ كما قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ
فَلَوْ قال بَعْدَ الْجُحُودِ الْمُضْمَنِ كنت غَلِطْت أو نَسِيتُ لم يَبْرَأْ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمَالِكُ
فَرْعٌ
وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ على الْجَاحِدِ لِلْوَدِيعَةِ بِإِيدَاعِهَا عِنْدَهُ أو أَقَرَّ بها وَادَّعَى التَّلَفَ أو الرَّدَّ لها قَبْلَهُ أَيْ الْجُحُودِ نَظَرْتَ في صِيغَةِ جُحُودِهِ فَإِنْ قال في جُحُودِهِ لَا شَيْءَ أو لَا وَدِيعَةَ لَك عِنْدِي صُدِّقَ بِيَمِينِهِ في دَعْوَاهُ إذْ لَا تَنَاقَضَ بين كَلَامَيْهِ نعم إنْ اعْتَرَفَ بَعْدَ الْجُحُودِ بِأَنَّهَا كانت بَاقِيَةً يَوْمَهُ لم يُصَدَّقْ في دَعْوَى الرَّدِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أو قال لم تَرُدَّ عَنِّي لم يُصَدَّقْ في الرَّدِّ لِتَنَاقُضِ كَلَامَيْهِ وَظُهُورِ خِيَانَتِهِ لَكِنْ لو سَأَلَ التَّحْلِيفَ لِلْمَالِكِ
____________________
(3/83)
أو أَقَامَ بَيِّنَةً على التَّلَفِ أو الرَّدِّ قُبِلَ منه لِاحْتِمَالِهِ أَنَّهُ نَسِيَ ثُمَّ تَذَكَّرَ كما لو قال الْمُدَّعِي لِشَيْءٍ لَا بَيِّنَةَ لي ثُمَّ أتى بِبَيِّنَةٍ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ قال في الْأَصْلِ وقد حَكَيْنَا في الْمُرَابَحَةِ فِيمَا إذَا قال اشْتَرَيْتُ بِمِائَةٍ ثُمَّ قال بَلْ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ إنَّ الْأَصْحَابَ فَرَّقُوا بين أَنْ يَذْكُرَ وَجْهًا مُحْتَمَلًا في الْغَلَطِ وَأَنْ لَا يَذْكُرَهُ ولم يَتَعَرَّضُوا لِمِثْلِهِ هُنَا وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا مُتَّجِهَةٌ وَفَرَّقَ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ ما قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ ثَمَّ مُعَارِضٌ لِمَا أَخْبَرَ بِهِ فَاحْتِيجَ إلَى التَّأْوِيلِ لِيَجْتَمِعَ الْكَلَامَانِ وَإِنْكَارُ الْوَدِيعَةِ غَيْرُ ما قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ من تَلَفِهَا فلم يَحْتَجْ إلَى ذِكْرٍ مُحْتَمَلٍ الْوَدِيعَةُ أَصْلُهَا ثَابِتٌ بِتَوَافُقِهِمَا وقد قَامَتْ الْبَيِّنَةُ على تَلَفِ الْعَيْنِ قبل الْجُحُودِ فَتَسْمَعُ على الْأَصَحِّ وَلَا ضَمَانَ حِينَئِذٍ انْتَهَى وَالْأُولَى أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ مَبْنَى الْوَدِيعَةِ على الْأَمَانَةِ وَالْقَصْدِ بِالدَّعْوَى فيها بِمَا ذُكِرَ دَفْعُ الضَّمَانِ فَسُمِعَتْ الْبَيِّنَةُ فيها مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَافْتَقَرَ سَمَاعُهَا فيه إلَى تَأْوِيلٍ وَإِنْ ادَّعَى التَّلَفَ بَعْدَهُ أَيْ الْجُحُودِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَضَمِنَ الْبَدَلَ لِخِيَانَتِهِ بِالْجُحُودِ كَالْغَاصِبِ سَوَاءٌ أَقَالَ في جُحُودِهِ لَا شَيْءَ لَك عِنْدِي أَمْ قال لم تُودِعْنِي وَإِنْ ادَّعَى الرَّدَّ بَعْدَهُ لم يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ
الْحُكْم الثَّالِثُ رَدَّهَا عِنْدَ بَقَائِهَا على مَالِكِهَا الرَّدُّ لها عليه وهو أَهْلُ لِلْقَبْضِ وَاجِبٌ بَعْدَ الطَّلَبِ منه لها لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ وَالْمُرَادُ بِهِ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَالِكِهَا لَا أَنَّهُ يَجِبُ عليه مُبَاشَرَةُ الرَّدِّ وَتَحَمُّلِ مُؤْنَتِهِ بَلْ ذلك على الْمَالِكِ أَمَّا إذَا لم يَكُنْ مَالِكُهَا أَهْلًا لِلْقَبْضِ كَأَنْ حُجِرَ عليه بِسَفَهٍ أو كان نَائِمًا فَوَضَعَهَا في يَدِهِ فَلَا يَكْفِي في الرَّدِّ بَلْ لَا يَجُوزُ وَيَضْمَنُ فَإِنْ أَخَّرَهُ بَعْدَ الطَّلَبِ ضَمِنَ لِتَقْصِيرِهِ لَا إنْ أَخَّرَهُ بِعُذْرٍ كَاحْتِيَاجِهِ إلَى الْخُرُوجِ مِمَّا هو فيه وهو في ظَلَامٍ الْوَدِيعَةُ بِخِزَانَتِهِ لَا يَتَأَتَّى فَتْحُهَا إذْ ذَاكَ أو في حَمَّامٍ أو مَطَرٍ أو على طَعَامٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَطُولُ زَمَنُهُ غَالِبًا كَصَلَاةٍ وَقَضَاءِ حَاجَةٍ وَطَهَارَةٍ وَمُلَازَمَةِ غَرِيمٍ يَخَافُ هَرَبَهُ فَلَا يَضْمَنُ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ وَلَهُ أَنْ يُنْشِئَ ما يَتَأَتَّى إنْشَاؤُهُ من ذلك كَالتَّطْهِيرِ وَالْأَكْلِ وَالصَّلَاةِ التي دخل وَقْتُهَا إذَا كانت الْوَدِيعَةُ بَعِيدَةً عن مَجْلِسِهِ
فَرْعٌ إذَا أَوْدَعَاهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لم يُعْطِ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ وَإِنْ طَلَبَهَا إلَّا بِالْحَاكِمِ بِأَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَيْهِ لِيَقْسِمَهُ وَيَدْفَعَ إلَيْهِ حِصَّتَهُ منه إنْ انْقَسَمَ وَذَلِكَ لِاتِّفَاقِهِمَا على الْإِيدَاعِ فَكَذَا في الِاسْتِرْدَادِ وَإِنْ قال له مَالِكُهَا أَعْطِ الْوَدِيعَةَ وَكِيلِي فُلَانًا وَتَمَكَّنَ من إعْطَائِهَا له ضَمِنَ بِالتَّأْخِيرِ وَلَوْ لم يُطَالِبْهُ الْوَكِيلُ بها لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ بِالرَّدِّ إلَيْهِ فَكَأَنَّهُ عَزَلَهُ فَيَصِيرُ ما بيده كَالْأَمَانَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُ الرَّدِّ على طَلَبٍ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَتَمَكَّنْ لَا يَضْمَنُ وَكَذَا يَضْمَنُ بِتَأْخِيرِ الرَّدِّ مع التَّمَكُّنِ وَإِنْ لم يُطَالِبْهُ الْمَالِكُ من وَجَدَ ضَالَّةً وقد عَرَّفَ مَالِكَ الضَّالَّةِ ومن وَجَدَ ما طَيَّرَتْهُ الرِّيحُ إلَى دَارِهٍ لِأَنَّ الْأَمَانَاتِ الشَّرْعِيَّةِ تَنْتَهِي بِالتَّمَكُّنِ من الرَّدِّ وَلَا يَسْتَمِرُّ إلَى الطَّلَبِ وَالْوَاجِبُ عليه الْإِعْلَامُ لِحُصُولِ الْمَالِ بيده إنْ لم يَعْلَمْهُ وَبِحُصُولِهِ في الْحِرْزِ الْفُلَانِيِّ إنْ عِلْمَهُ
وَإِنْ أَخَّرَهُ أَيْ الْإِعْطَاءَ عن وَكِيلٍ حتى يُشْهِدَ عليه بِالْقَبْضِ لم يَضْمَنْ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ في عَدَمِ الرَّدِّ عليه أو أَخَّرَهُ بِلَا عُذْرٍ لِيُعْطِيَ وَكِيلًا آخَرَ لِلْمَالِكِ وقد قال له أَعْطِهَا أَحَدَ وُكَلَائِي ضَمِنَ لِتَقْصِيرِهِ فَإِنْ قال مع ذلك وَلَا تُؤَخِّرَ فَأَخَّرَ عَصَى أَيْضًا وَقَضَيْتُهُ أَنَّهُ لَا يُعْصَى بِدُونِ هذا الْقَوْلِ وَفِيهِ في الْأَصْلِ وَجْهَانِ وَعَدَمُ الْعِصْيَانِ ظَاهِرٌ كما يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ فَإِنْ قال له أَعْطِ من شِئْتَ منهم لم يَعْصِ بِالتَّأْخِيرِ لِيُعْطِيَ آخَرَ وفي الضَّمَانِ وَجْهَانِ
____________________
(3/84)
قال الْأَذْرَعِيُّ أَشْبَهَهُمَا الْمَنْعُ
فَرْعٌ
لو أَمَرَهُ الْمَالِكُ بِإِعْطَاءِ الْوَدِيعَةِ وَكِيلَهُ أو أَمَرَ من دَفَعَ هو إلَيْهِ مَالَهُ بِإِيدَاعِ مَالِهِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ على الْوَكِيلِ وَالْوَدِيعِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمَا كما لو أَمَرَهُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ أَوَّلًا لِأَنَّ قَوْلَ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ مَقْبُولٌ في الرَّدِّ وَالتَّلَفِ فَلَا يَقْتَضِي الْإِشْهَادَ وَلِأَنَّ الْوَدَائِعَ حَقُّهَا الْإِخْفَاءُ بِخِلَافِ قَضَاءِ الدَّيْنِ
وَجْهَانِ قال ابن الرِّفْعَةِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي وهو مُقْتَضَى كَلَامِ النَّوَوِيِّ في تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ فإنه أَقَرَّ صَاحِبَهُ عليه فَإِنْ أَوْجَبْنَاهُ فَتَرَكَهُ فَالضَّمَانُ على ما ذَكَرْنَاهُ في كِتَابِ الْوَكَالَةِ في التَّوْكِيلِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَيَضْمَنُ إنْ دَفَعَ في غَيْبَةِ الْمَالِكِ دُونَ ما إذَا دَفَعَ بِحَضْرَتِهِ
فَصْلٌ يُصَدَّقُ الْوَدِيعُ بِيَمِينِهِ في دَعْوَى التَّلَفِ وَإِنْ وَقَعَ نِزَاعُهُ مع وَارِثِ الْمَالِكِ لِأَنَّ الْمَالِكَ ائْتَمَنَهُ وَلِأَنَّ التَّلَفَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالِاخْتِيَارِ فَقَدْ لَا تُسَاعِدُ عليه الْبَيِّنَةُ وَمِنْ ثَمَّ قبل قَوْلِ غَيْرِ الْأَمِينِ بِيَمِينِهِ في دَعْوَاهُ التَّلَفَ وَلَا يَلْزَمُهُ بَيَانُ السَّبَبِ لِلتَّلَفِ فَإِنْ بَيَّنَهُ وكان ظَاهِرًا كَمَوْتِ الْحَيَوَانِ وَالنَّهْبِ وَالْحَرِيقِ وَالْغَارَةِ لَا الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَنَحْوهِمَا وَعَلِمَ بِالْمُشَاهَدَةِ أو الِاسْتِفَاضَةِ وَعَمَّ ولم يَحْتَمِلْ سَلَامَتَهَا أَيْ الْوَدِيعَةِ صُدِّقَ بِلَا يَمِينِ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ يُغْنِيهِ عنها بِخِلَافِ الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَنَحْوِهِمَا من الْأَسْبَابِ الْخَفِيَّةِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِيَمِينٍ لِمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ ولم يَحْتَمِلْ سَلَامَتَهَا قَيْدٌ مَعْلُومٌ من قَوْلِهِ وَعَمَّ خَرَجَ بِهِ ما لو عَمَّ ظَاهِرًا لَا يَقِينًا فَيَحْلِفُ لِاحْتِمَالِ سَلَامَتِهَا أو لم يَعُمَّ أو جَهِلَ عُمُومَهُ فَاحْتَمَلَ سَلَامَتهَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ في التَّلَفِ بِهِ لِاحْتِمَالِهِ
وَقَوْلُهُ أو لم يَعُمَّ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ لم يَعْلَمْ السَّبَبَ أَثَبْتَهُ بِالْبَيِّنَةِ ثُمَّ حَلَفَ على التَّلَفِ بِهِ وَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ حَلَفَ الْمَالِكَ على نَفْيِ الْعِلْمِ بِالتَّلَفِ وَاسْتُحِقَّ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَكَذَا يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ في دَعْوَى الرَّدِّ على من ائْتَمَنَهُ وَإِنْ أَشْهَدَ عليه بِالْإِيدَاعِ أو وَقَعَ النِّزَاعُ مع وَارِثِ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ فَإِنْ مَاتَ قبل الْحَلِفِ نَابَ عنه وَارِثُهُ وَانْقَطَعَتْ الْمُطَالَبَةُ بِحَلِفِهِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ لَا على وَارِثِهِ لِأَنَّهُ لم يَأْتَمِنْهُ فَإِنْ مَاتَ الْمَالِكُ فَعَلَى الْوَدِيعِ الرَّدُّ إلَى وَرَثَتِهِ إنْ لم يَعْلَمُوا الْوَدِيعَةِ وَإِلَّا فَبَعْدَ طَلَبِهِمْ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلَوْ تَلِفَتْ في يَدِهِ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ من رَدِّهَا وَعَدَمِ عِلْمِهِمْ بها ضَمِنَهَا ثُمَّ إنْ لم يَجِدْهُمْ رَدَّهَا إلَى الْحَاكِمِ
قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَوْ مَاتَ الْمَالِكُ مَحْجُورًا عليه بِفَلَسٍ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ ليس لِلْوَدِيعِ رَدُّهَا على الْوَرَثَةِ الرُّشَدَاءِ بَلْ يُرَاجِعُ الْحَاكِمُ وَكَذَا لو كانت رَهْنًا عِنْدَ عَدْلٍ وَإِنْ مَاتَ الْوَدِيعُ فَعَلَى وَارِثِهِ رَدُّهَا إلَى مَالِكِهَا أو غَيْرِهِ مِمَّنْ ذَكَرَ فَلَوْ أَخَّرَا أَيْ الْوَدِيعُ وَوَارِثُهُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ منه ضَمِنَا وَلَوْ ادَّعَى التَّلَفَ لها قبل التَّمَكُّنِ من رَدِّهَا صُدِّقَا بِيَمِينِهِمَا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُمَا وَإِنْ ادَّعَى وَارِثُ الْوَدِيعِ رَدَّهَا إلَى مَالِكِهَا لم يُصَدَّقْ لِأَنَّهُ لم يَأْتَمِنْهُ أو ادَّعَى رَدَّ مُوَرِّثِهِ لها أو تَلَفَهَا عِنْدَهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ حُصُولِهَا في يَدِهِ وَلَا يُصَدِّقُ مُلْتَقَطٌ لِشَيْءٍ ولا من أَلْقَتْ الرِّيحُ عليه ثَوْبًا في الرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ لِأَنَّهُ لم يَأْتَمِنْهُمَا وَالْأَصْلُ عَدَمُ الرَّدِّ
وَإِنْ أَوْدَعَ الْوَدِيعُ الْوَدِيعَةَ أَمِينًا عِنْدَ سَفَرِهِ فَادَّعَى الْأَمِينُ رَدَّهَا إلَيْهِ لَا إلَى الْمَالِكِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ بِخِلَافِ الْمَالِكِ قال في الْأَصْلِ كَذَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَفِيهِ ذَهَابٌ إلَى أَنَّ لِلْوَدِيعِ إذَا عَادَ من السَّفَرِ أَنْ يَسْتَرِدّهَا وَبِهِ صَرَّحَ الْعَبَّادِيُّ وَغَيْرُهُ
ثُمَّ نُقِلَ عن الْإِمَامِ ما يُخَالِفُهُ تَرَكْتُهُ لِأَنَّهُ خِلَافُ ما في نِهَايَتِهِ كما نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ
وَالْأَوَّلُ هو ما عليه عَامَّةُ الْأَصْحَابِ فِيمَا لو أَوْدَعَهُ شيئا وَوَكَّلَهُ في إجَارَتِهِ فَأَجَّرَهُ وَانْقَطَعَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ حَيْثُ يَعُودُ وَدِيعَةً نَقَلَهُ عَنْهُمْ الْخُوَارِزْمِيَّ ثُمَّ قال وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنْ أَوْدَعَهُ أَيْ الْأَمِينُ إيَّاهَا بِتَعْيِينِ الْمَالِكِ له فَبِالْعَكْسِ فَيُصَدَّقُ إنْ ادَّعَى الرَّدَّ إلَى الْمَالِكِ لَا إلَى من أَوْدَعَهُ وَإِنْ ادَّعَى الْوَدِيعُ أَنَّهُ أَوْدَعَهَا
____________________
(3/85)
زَيْدًا بِتَعْيِينِ أَيْ بِإِذْنِ الْمَالِكِ له فَصَدَّقَهُ زَيْدٌ في الدَّفْعِ وَأَنْكَرَ الْمَالِكَ الْإِذْنَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ وَلَهُ مُطَالَبَتُهُمَا بِالْقِيمَةِ لها لِلْفَيْصُولَةِ إنْ فَاتَتَ أو الرَّدِّ لها إنْ كانت بَاقِيَةً أو الْقِيمَةِ لها لِلْحَيْلُولَةِ ثُمَّ إنْ غَابَتْ فإذا حَضَرَتْ وقد غُرِمَ الْوَدِيعُ قِيمَتَهَا أَخَذَ الْوَدِيعَةَ وَرَدَّهَا إلَى الْمَالِكِ وَاسْتَرَدَّ منه الْقِيمَةَ وَلَا رُجُوعَ لِأَحَدِهِمَا على الْآخَرِ بِمَا غَرِمَهُ لَزَعْمِهِ أَنَّ الظَّالِمَ له هو الْمَالِكُ أَمَّا إذَا كَذَّبَهُ زَيْدٌ فَيَصْدُقُ بِيَمِينِهِ وَيَخْتَصُّ الْغُرْمُ بِالْوَدِيعِ وَذَكَرَ مُطَالَبَةَ الْمَالِكِ الْأَمِينِ بِالْقِيمَةِ لِلْحَيْلُولَةِ من زِيَادَتِهِ فَلَوْ اعْتَرَفَ الْمَالِكُ بِالْإِذْنِ في الْإِيدَاعِ من زَيْدٍ وَأَنْكَرَ الدَّفْعَ له فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ وَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ أَيْ بِالدَّفْعِ زَيْدٌ لِأَنَّ الْوَدِيعَ يَدَّعِي الرَّدَّ على من لم يَأْتَمِنْهُ وَكَمَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُ زَيْدٍ على الْمَالِكِ في الرَّدِّ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عليه في التَّلَفِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِمَا أَيْ بِالْإِذْنِ وَالدَّفْعِ وَأَنْكَرَ الْإِشْهَادَ بِالْإِيدَاعِ وَزَيْدٌ يُنْكِرُ الدَّفْعَ فَلَا ضَمَانَ على الْوَدِيعِ بِنَاءً على عَدِمَ وُجُوبِ الْإِشْهَادِ بِالْإِيدَاعِ وهو الْأَصَحُّ كما قَدَّمْتُهُ عن ابْنِ الرِّفْعَةِ وَتَرْجِيحُ عَدَمِ الضَّمَانِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ تَرْجِيحُهُ هذا الذي قَدَّمْتُهُ عن ابْنِ الرِّفْعَةِ وَلَوْ اتَّفَقُوا جميعا على دَفْعِهَا إلَى الْأَمِينِ وَادَّعَى الْأَمِينُ رَدَّهَا على الْمَالِكِ أو تَلَفَهَا في يَدِهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ قال الْمَالِكُ له أَوْدِعْهَا أَمِينًا ما أَيْ لم يُعَيِّنْهُ فَفَعَلَ وَادَّعَى الْأَمِينُ التَّلَفَ لها صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لَا إنْ ادَّعَى الرَّدَّ لها على الْمَالِكِ فَلَا يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ لم يَأْتَمِنْهُ
فَصْلٌ وَلَوْ تَنَازَعَ الْوَدِيعَةَ اثْنَانِ بِأَنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أنها مِلْكُهُ فَصَدَّقَ الْوَدِيعُ أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ فَلِلْآخَرِ تَحْلِيفُهُ بِنَاءً على أَنَّهُ لو أَقَرَّ لِزَيْدٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ لِعَمْرٍو يَغْرَمُ لِعَمْرٍو فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَتْ دَعْوَى الْآخَرِ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْآخَرُ وَغَرِمَ له الْقِيمَةَ وَقِيلَ تُوقَفُ الْوَدِيعَةُ بَيْنَهُمَا إلَى أَنْ يَصْطَلِحَا وَقِيلَ تُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا كما لو أَقَرَّ لَهُمَا فَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ في بَابِ الْإِقْرَارِ وَإِنْ صَدَّقَهُمَا فَالْيَدُ لَهُمَا وَالْخُصُومُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا قُضِيَ له وَلَا خُصُومَةَ لِلْآخَرِ مع الْوَدِيعِ لِنُكُولِهِ وَإِنْ نَكَلَا أو حَلَفَا جُعِلَ بَيْنَهُمَا وَحُكْمُ كُلٍّ مِنْهُمَا في النِّصْفِ الْآخَرِ كَالْحُكْمِ في الْجَمِيعِ في حَقِّ غَيْرِ الْمُقَرِّ له وقد بَيَّنَّاهُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَإِنْ قال هِيَ لِأَحَدِكُمَا وَأُنْسِيتُهُ وَكَذَّبَاهُ في النِّسْيَانِ ضَمِنَ كَالْغَاصِبِ لِتَقْصِيرِهِ بِنِسْيَانِهِ وَإِنْ صَدَّقَاهُ عليه فَلَا ضَمَانَ وَالْغَاصِبُ فِيمَا لو ادَّعَى عليه اثْنَانِ غَصْبَ مَالٍ في يَدِهِ إذَا قال هو لِأَحَدِكُمَا وَأُنْسِيتُهُ فَحَلَفَ لِأَحَدِهِمَا على الْبَتِّ أَنَّهُ لم يُغْصَبْهُ تَعَيَّنَ الْمَغْصُوبُ لِلْآخَرِ بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ قال هو وَدِيعَةً عِنْدِي وَلَا أَدْرِي أَ هو لَكُمَا أَمْ لِأَحَدِكُمَا أَمْ لِغَيْرِكُمَا حَلَفَ على نَفْيِ الْعِلْمِ إنْ ادَّعَيَاهُ وَتُرِكَ في يَدِهِ لِمَنْ يُثْبِتُ أَيْ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ بِهِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا تَحْلِيفُ الْآخَرِ لِأَنَّهُ لم يَثْبُتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدٌ وَلَا اسْتِحْقَاقٌ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ
فَصْلٌ مَسَائِلُهُ مَنْثُورَةٌ
لو تَعَدَّى الْوَدِيعُ في الْوَدِيعَةِ ثُمَّ بَقِيَتْ في يَدِهِ مُدَّةً لَزِمَهُ أُجْرَتُهَا
وَإِنْ رَبَطَ عِبَارَةَ الْأَصْلِ وَإِنْ تَرَكَ عِنْدَ صَاحِبِ الْخَانِ مَثَلًا حِمَارًا وقال له احْفَظْهُ كَيْ لَا يَخْرُجَ فَلَاحَظَهُ فَخَرَجَ في بَعْضِ غَفَلَاتِهِ لم يَضْمَنْ لِأَنَّهُ لم يُقَصِّرْ في الْحِفْظِ الْمُعْتَادِ
وَإِنْ احْتَرَقَ مَنْزِلُهُ فَبَادَرَ بِإِخْرَاجِ مَالِهِ منه قبل إخْرَاجِ الْوَدِيعَةِ منه فَاحْتَرَقَتْ لم يَضْمَنْ كما لو قَدَّمَ وَدِيعَةً على أُخْرَى نعم إنْ أَمْكَنَ إخْرَاجُهُمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً قال الْأَذْرَعِيُّ فَالظَّاهِرُ الضَّمَانُ
وقال ابن الرِّفْعَةِ في الْمَنْظَرِ بها وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كان ما قَدَّمَهُ من الْوَدَائِعِ هو الذي يُمْكِنُ الِابْتِدَاءُ بِهِ أَمَّا إذَا أَمْكَنَ الِابْتِدَاءُ بِغَيْرِهِ فَيَخْرُجُ على ما إذَا قال اُقْتُلْ أَحَدَ الرَّجُلَيْنِ بِخِلَافِ ما قَدَّمَهُ من مَالِهِ على الْوَدِيعَةِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِ أَنَّهُ لو كان مَالُهُ أَسْفَلَ الْوَدَائِعِ فَنَحَّاهَا وَأَخْرَجَ مَالَهُ لم يَضْمَنْ لَكِنْ قال الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَضْمَنُ حِينَئِذٍ إذَا حَصَلَ التَّلَفُ بِسَبَبِ التَّنْحِيَةِ
وَإِنْ ادَّعَى الْوَارِثُ عِلْمَ الْوَدِيعِ بِمَوْتِ الْمَالِك وَطَلَبَ منه الْوَدِيعَة فَلَهُ تَحْلِيفُهُ على
____________________
(3/86)
نَفْيِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْوَارِثُ وَأَخَذَهَا وَإِنْ قال الْوَدِيعُ حَبَسْتُهَا عِنْدِي لِأَنْظُرَ هل أَوْصَى بها مَالِكُهَا أو لَا فَهُوَ مُتَعَدِّ ضَامِنٌ
وَإِنْ عَرَفَ الْمُلْتَقِطُ لِشَيْءٍ الْمَالِكَ له فلم يُخْبِرْهُ بِهِ حتى تَلِفَ أو عَزَلَ قَيِّمٌ لِطِفْلِ أو لِنَحْوِهِ أو لِمَسْجِدٍ نَفْسِهِ ولم يُخْبِرْ الْحَاكِمَ بِمَا تَحْتَ يَدِهِ حتى تَلِفَ أو أَخَّرَ الْقَيِّمُ بَيْعَ وَرَقِ فِرْصَادٍ لِطِفْلٍ وَنَحْوِهِ حتى مَضَى وَقْتُهُ ضَمِنَ لَا إنْ ارْتَقَبَ بِتَأْخِيرِ بَيْعِهِ نَفَاقًا بِالْفَتْحِ أَيْ رَوَاجًا له فَرَخَّصَ فَلَا يَضْمُنُ قال في الْأَصْلِ وَكَذَا قَيِّمُ الْمَسْجِدِ في أَشْجَارِهِ وَهَذَا شَبِيهٌ بِتَعْرِيضِ الثَّوْبِ الذي يُفْسِدُهُ الدُّودُ لِلرِّيحِ
وَإِنْ بَعَثَ رَسُولًا لِقَضَاءِ حَاجَةٍ وأعطاه خَاتَمَهُ أَمَارَةً لِمَنْ يَقْضِي له الْحَاجَةَ وقال له رُدَّهُ عَلَيَّ بَعْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فَوَضَعَهُ بَعْدَ قَضَائِهَا في حِرْزٍ لِمِثْلِهِ ولم يَرُدَّهُ لم يَضْمَنْ إذْ لَا يَجِبُ عليه إلَّا التَّخْلِيَةُ لَا الرَّدُّ بِمَعْنَى النَّقْلِ وَتَحَمُّلِ مُؤْنَتِهِ
وَلَوْ لم يُسْتَحْفَظْ دَاخِلَ الْحَمَّامِ الْحَمَّامِيُّ لِحِفْظِ ثِيَابِهِ لم يَلْزَمْهُ حِفْظُ الثِّيَابِ فَلَوْ ضَاعَتْ لَا ضَمَانَ عليه وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ نَامَ أو قام من مَكَانِهِ وَلَا نَائِبَ له ثَمَّ وهو ظَاهِرٌ
أَمَّا إذَا اسْتَحْفَظَهُ وَقَبِلَ منه فَيَلْزَمُهُ الْحِفْظُ
وَإِنْ أَوْدَعَهُ قَبَالَةً بِفَتْحِ الْقَافِ أَيْ وَرَقَةً مَكْتُوبَةً فيها الْحَقُّ الْمُقَرُّ بِهِ وَتَلِفَتْ بِتَقْصِيرِهِ كَأَنْ قال لَا نَدْفَعُهَا إلَى زَيْدٍ حتى يُعْطِيَكَ دِينَارًا فَدَفَعَهَا قبل أَنْ يُعْطِيَهُ ضَمِنَ قِيمَةَ الْكَاغِدِ مَكْتُوبًا الْأَوْلَى وَالْأَخْصَرُ قِيمَتُهَا مَكْتُوبَةً وَأُجْرَةُ الْكِتَابَةِ إنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ بَيَانُ مَأْخَذِ قِيمَتِهَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا إلَى مُنْشِئِهَا الْكِتَابَةُ بِالْأُجْرَةِ فَذَاكَ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ ظَاهِرًا من إيجَابِ قِيمَتِهَا مَكْتُوبَةً مع الْأُجْرَةِ فَمَمْنُوعٌ بَلْ قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ لَا وَجْهَ له فإن الْقِبْلَةَ له مُتَقَوِّمَةٌ فإذا تَلِفَتْ لَزِمَ قِيمَتُهَا وَلَا نَظَرَ لِأُجْرَةِ الْكِتَابَةِ وَلَوْ صَحَّ هذا لَلَزِمَ أَنَّهُ لو أَتْلَفَ على غَيْرِهِ ثَوْبًا مُطَرَّزًا غَرِمَ قِيمَتَهُ وَأُجْرَةَ التَّطْرِيزِ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ وَالْغَاصِبُ إنَّمَا يَغْرَمُ الْقِيمَةَ فَقَطْ كما أَجَابَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ فَالصَّوَابُ لُزُومُهَا فَقَطْ انْتَهَى
خَاتِمَةٌ قال ابن الْقَاصِّ وَغَيْرُهُ كُلُّ مَالٍ تَلِفَ في يَدِ أَمِينٍ من غَيْرِ تَعَدٍّ لَا ضَمَانَ عليه إلَّا فِيمَا إذَا اسْتَسْلَفَ السُّلْطَانُ لِحَاجَةِ الْمَسَاكِينِ زَكَاةً قبل حَوْلِهَا فَتَلِفَتْ في يَدِهِ فَيَضْمَنُهَا لهم أَيْ في بَعْضِ صُوَرِهَا الْمُقَرَّرَةِ في مَحَلِّهَا
قال الزَّرْكَشِيُّ وَيُلْتَحَقُ بها ما لو اشْتَرَى عَيْنًا وَحَبَسَهَا الْبَائِعُ على الثَّمَنِ ثُمَّ أَوْدَعَهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَتَلِفَتْ فَإِنَّهَا من ضَمَانِهِ وَيَتَقَرَّرُ عليه الثَّمَنُ كِتَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ الْمَشْهُورُ تَغَايُرُهُمَا كما يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي وَقِيلَ يَقَعُ اسْمُ كُلٍّ مِنْهُمَا على الْآخَرِ إذَا أَفْرَدَ فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا افْتَرَقَا كَالْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ وَقِيلَ اسْمُ الْفَيْءِ يَقَعُ على الْغَنِيمَةِ دُونَ الْعَكْسِ وَمِنْ هَذَيْنِ قَوْلُهُمْ يُسَنُّ وَسْمُ نَعَمِ الْفَيْءِ وَالْأَصْلُ فِيهِمَا قَوْله تَعَالَى ما أَفَاءَ اللَّهُ على رَسُولِهِ وَقَوْلُهُ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ من شَيْءٍ الْآيَتَيْنِ وَسُمِّيَ الْأَوَّلُ فَيْئًا لِرُجُوعِهِ من الْكُفَّارِ إلَى الْمُسْلِمِينَ يُقَالُ فَاءَ أَيْ رَجَعَ وَالثَّانِي غَنِيمَةٌ لِأَنَّهُ فَضْلٌ وَفَائِدَةٌ مَحْضَةٌ وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ الْفَيْءُ وهو ما أُخِذَ من الْكُفَّارِ بِلَا قِتَالٍ وَلَا إيجَافٍ أَيْ إسْرَاعِ خَيْلٍ أو رِكَابٍ أو نَحْوِهِمَا من جِزْيَةٍ وَعُشُورٍ مَشْرُوطَةٍ عليهم من تِجَارَاتِهِمْ إذَا دَخَلُوا دَارَنَا وَتَرِكَةِ مُرْتَدٍّ وَذِمِّيٍّ لَا وَارِثَ له
____________________
(3/87)
أو ما هَرَبُوا عنه لِخَوْفٍ أو غَيْرِهِ كَضُرٍّ أَصَابَهُمْ أو صُولِحُوا عليه بِلَا قِتَالٍ أو نَحْوِهَا فَيُخَمَّسُ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ لِآيَةِ ما أَفَاءَ اللَّهُ على رَسُولِهِ وَشَمِلَ تَعْبِيرُهُ بِمَا أُخِذَ ما فيه اخْتِصَاصٌ فَهُوَ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْمَالِ الْمَأْخُوذِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ أُخِذَ من الْكُفَّارِ صَيْدُ دَارِ الْحَرْبِ وَحَشِيشُهُ وَنَحْوُهُمَا فَإِنَّهَا كَمُبَاحِ دَارِنَا وَبِقَوْلِهِ وَلَا إيجَافٍ نَحْوِ السَّرِقَةِ مِمَّا فيه إسْرَاعٌ فإنه غَنِيمَةٌ لَا فَيْءٌ فَصْلٌ وَيُقْسَمُ خُمُسُهُ أَيْ الْفَيْءِ على خَمْسَةِ أَسْهُمٍ فَالْقِسْمَةُ من خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمٌ من الْخَمْسَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يُنْفِقُ منه على مَصَالِحِهِ وما فَضَلَ منه يَصْرِفُهُ في السِّلَاحِ وَسَائِرِ الْمَصَالِحِ وَإِضَافَتُهُ لِلَّهِ في الْآيَةِ لِلتَّبَرُّكِ بِالِابْتِدَاءِ بِاسْمِهِ وَمَصْرِفُهُ أَيْ السَّهْمِ الْمَذْكُورِ بَعْدَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ كَسَدِّ الثُّغُورِ وَعِمَارَةِ الْحُصُونِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْمَسَاجِدِ وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَالْأَئِمَّةِ لِأَنَّ بها تُحْفَظُ الْمُسْلِمُونَ وَلِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَالِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلْيَكُنْ الصَّرْفُ لِلْمَصَالِحِ بِتَقْدِيمِ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ منها وُجُوبًا قال في التَّنْبِيهِ وَأَهَمُّهَا سَدُّ الثُّغُورِ السَّهْمُ الثَّانِي لِذَوِي الْقُرْبَى لِلْآيَةِ وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ دُونَ بَنِي عبد شَمْسٍ وَبَنْيِ نَوْفَلٍ وَإِنْ كان الْأَرْبَعَةُ أَوْلَادَ عبد مَنَافٍ لِاقْتِصَارِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْقِسْمَةِ على بَنِي الْأَوَّلَيْنِ مع سُؤَالِ بَنِي الْأَخِيرَيْنِ له رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلِأَنَّهُمْ لم يُفَارِقُوهُ في جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ حتى أَنَّهُ لَمَّا بُعِثَ بِالرِّسَالَةِ نَصَرُوهُ وَذَبُّوا عنه بِخِلَافِ بَنِي الْأَخِيرَيْنِ بَلْ كَانُوا يُؤْذُونَهُ وَالْعِبْرَةُ بِالِانْتِسَابِ إلَى الْآبَاءِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَمَّا من يُنْسَبُ منهم إلَى الْأُمَّهَاتِ فَلَا شَيْءَ له لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يُعْطِ الزُّبَيْرَ وَعُثْمَانَ مع أَنَّ أُمَّ كُلٍّ مِنْهُمَا هَاشِمِيَّةٌ
وَاسْتَثْنَى السُّبْكِيُّ أَوْلَادَ بَنَاتِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كَأُمَامَةَ بِنْتِ أبي الْعَاصِ من بِنْتِهِ زَيْنَبَ وَعَبْدِ اللَّهِ بن عُثْمَانَ من بِنْتِهِ رُقَيَّةَ
فَإِنَّهُمْ من ذَوِي الْقُرْبَى بِلَا شَكٍّ قال ولم أَرَهُمْ تَعَرَّضُوا لِذَلِكَ فَيَنْبَغِي الضَّبْطُ بِقَرَابَةِ هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ لَا بَنِيهِمَا وَأَجَابَ عنه بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمَذْكُورِينَ تَوَفَّيَا صَغِيرَيْنِ ولم يَكُنْ لَهُمَا عَقِبٌ فَلَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِمَا انْتَهَى على أَنَّ ما ضَبَطَ بِهِ السُّبْكِيُّ وَإِنْ دخل فيه ما أَرَادَهُ دخل فيه غَيْرُ الْمُرَادِ لِأَنَّ قَرَابَةَ هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ أَعَمُّ من فُرُوعِهِمَا على الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ
لَا مَوَالِيهِمْ فَلَا شَيْءَ لهم وَيُفَضَّلُ بِالذُّكُورَةِ فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ ما لِأُنْثَيَيْنِ لِأَنَّهُ عَطِيَّةٌ من اللَّهِ يُسْتَحَقُّ بِقَرَابَةِ الْأَبِ كَالْإِرْثِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخُنْثَى كَالْأُنْثَى وَلَا يُوقَفُ شَيْءٌ وقد يَتَوَقَّفُ في عَدَمِ وَقْفِ شَيْءٍ وَيَعُمُّهُمْ بِالْعَطَاءِ وُجُوبًا كَالْمِيرَاثِ وَلِلْآيَةِ وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ فَقِيرٌ وَحَاضِرٌ بِمَوْضِعِ الْفَيْءِ وَكَبِيرٌ وَقَرِيبٌ لِعُمُومِ الْآيَةِ وقد أَعْطَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْعَبَّاسَ وكان غَنِيًّا نعم يُجْعَلُ ما في كل إقْلِيمٍ لِسَاكِنِهِ فَإِنْ عَدِمَهُ بَعْضُ الْأَقَالِيمِ بِأَنْ لم يَكُنْ في بَعْضِهَا شَيْءٌ أو لم يَسْتَوْعِبْهُمْ السَّهْمُ بِأَنْ لم يَفِ بِمَنْ فيه إذَا وُزِّعَ عليهم نَقَلَ إلَيْهِمْ حَاجَتَهُمْ إذْ لَا تَعْظُمُ فيه الْمَشَقَّةُ عِبَارَةُ الْأَصْلِ قَدْرُ الْحَاجَةِ أَيْ بِقَدْرِ ما يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْإِمَامُ في التَّسْوِيَةِ بين الْمَنْقُولِ إلَيْهِمْ وَغَيْرِهِمْ وَالتَّعْبِيرُ بِحَاجَتِهِمْ يَفُوتُ هذا الْمَعْنَى بَلْ يَقْتَضِي خِلَافَهُ فَإِنْ كان الْحَاصِلُ يَسِيرًا لَا يَسُدُّ مَسَدًّا بِالتَّوْزِيعِ قُدِّمَ الْأَحْوَجُ فَالْأَحْوَجُ وَلَا يَسْتَوْعِبُ لِلضَّرُورَةِ وَتَصِيرُ الْحَاجَةُ مُرَجَّحَةً وَإِنْ لم تَكُنْ مُعْتَبَرَةً في الِاسْتِحْقَاقِ السَّهْمَ الثَّالِثُ لِلْيَتَامَى لِلْآيَةِ وَهُمْ كُلُّ صَغِيرٍ ذَكَرٍ أو أُنْثَى أو خُنْثَى لَا أَب له وَلَوْ كان له أُمٌّ وَجَدٌّ أَمَّا كَوْنُهُ صَغِيرًا فَلِخَبَرِ لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَحَسَّنَهُ النَّوَوِيُّ لَكِنْ ضَعَّفَهُ الْمُنْذِرِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا أَبَ له فَلِلْوَضْعِ وَالْعُرْفِ سَوَاءٌ أَكَانُوا من أَوْلَادِ الْمُرْتَزِقَةِ أَمْ لَا قُتِلَ أَبُوهُمْ في الْجِهَادِ أَمْ لَا وَيُشْتَرَطُ في إعْطَائِهِمْ فَقْرُهُمْ لِإِشْعَارِ لَفْظِ الْيُتْمِ
____________________
(3/88)
بِهِ وَلِأَنَّ اغْتِنَاءَهُمْ بِمَالِ أَبِيهِمْ إذَا مَنَعَ اسْتِحْقَاقَهُمْ فَاغْتِنَاؤُهُمْ بِمَالِهِمْ أَوْلَى بِمَنْعِهِمْ وَيَعُمُّهُمْ بِالْعَطَاءِ وُجُوبًا لِلْآيَةِ وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ كما سَيَأْتِي السَّهْمُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ لِلْمَسَاكِينِ الشَّامِلِينَ لِلْفُقَرَاءِ كما سَيَأْتِي وَابْنِ السَّبِيلِ لِلْآيَةِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُمْ وَيُشْتَرَطُ في ابْنِ السَّبِيلِ الْفَقْرُ صَرَّحَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْمَعَ لِلْمَسَاكِينِ بين سَهْمِهِمْ من الزَّكَاةِ وَسَهْمِهِمْ من الْخُمُسِ وَحَقِّهِمْ من الْكَفَّارَاتِ فَيَصِيرُ لهم ثَلَاثَةُ أَمْوَالٍ قال وإذا اجْتَمَعَ في وَاحِدٍ يُتْمٌ وَمَسْكَنَةٌ أُعْطَى بِالْيُتْمِ دُونَ الْمَسْكَنَةِ لِأَنَّ الْيُتْمَ وَصْفٌ لَازِمٌ وَالْمَسْكَنَةَ زَائِلَةٌ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا كان الْغَازِي من ذَوِي الْقُرْبَى لَا يَأْخُذُ بِالْغَزْوِ بَلْ بِالْقَرَابَةِ فَقَطْ لَكِنْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ في قَسْمِ الصَّدَقَاتِ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِهِمَا وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فيه وهو ظَاهِرٌ
وَالْفَرْقُ بين الْغَزْوِ وَالْمَسْكَنَةِ أَنَّ الْأَخْذَ بِالْغَزْوِ لِحَاجَتِنَا وَبِالْمَسْكَنَةِ لِحَاجَةِ صَاحِبِهَا وَيُعَمَّمُونَ بِالْعَطَاءِ وُجُوبًا كما في ذَوِي الْقُرْبَى وَلِلْآيَةِ لَكِنْ يُفَاضَلُ بين أَفْرَادِهِمْ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ كَالْيَتَامَى لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُمْ بِالْحَاجَةِ وَهِيَ تَتَفَاوَتُ بِخِلَافِ ذَوِي الْقُرْبَى فَإِنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ بِالْقَرَابَةِ كما مَرَّ وَلَا يُعْطَى كَافِرٌ كما في الزَّكَاةِ قال في الْكِفَايَةِ إلَّا من سَهْمِ الْمَصَالِحِ عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ فَرْعٌ يَدْخُلُ الْفُقَرَاءُ هُنَا في اسْمِ الْمَسَاكِينِ كما مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فَرْعٌ من فُقِدَ من الْأَصْنَافِ أُعْطِيَ الْبَاقُونَ نَصِيبَهُ كما في الزَّكَاةِ إلَّا سَهْمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فإنه لِلْمَصَالِحِ كما مَرَّ وَيُصَدَّقُ مُدَّعِي الْمَسْكَنَةِ وَالسَّفَرِ بِلَا بَيِّنَةٍ وَإِنْ اُتُّهِمَ لَا مُدَّعِي الْيُتْمِ ولا مُدَّعِي الْقَرَابَةِ فَلَا يُصَدَّقَانِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَصْلٌ وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ فَهِيَ لِلْمُرْتَزِقَةِ لِعَمَلِ الْأَوَّلِينَ بِهِ وَلِأَنَّهَا كانت له صلى اللَّهُ عليه وسلم كما سَيَأْتِي لِحُصُولِ النُّصْرَةِ بِهِ وَالْمُقَاتِلُونَ بَعْدَهُ هُمْ الْمُرْصَدُونَ لها كما قال وَهُمْ الْمُرْصَدُونَ لِلْجِهَادِ بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ وَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم في حَيَاتِهِ مَضْمُومَةً إلَى خُمُسِ الْخُمُسِ فَجُمْلَةُ ما كان له من الْفَيْءِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ سَهْمًا سَهْمٌ منها لِلْمَصَالِحِ كما مَرَّ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كان يَجُوزُ له أَنْ يَأْخُذَ ذلك لَكِنَّهُ لم يَأْخُذْهُ وَإِنَّمَا كان يَأْخُذُ خُمُسَ الْخُمُسِ كما مَرَّ وَكَمَا سَيَأْتِي في الْخَصَائِصِ وَخَرَجَ بِالْمُرْتَزِقَةِ الْمُتَطَوِّعَةُ الَّذِينَ يَغْزُونَ إذَا نَشِطُوا فَإِنَّمَا يُعْطُونَ من الزَّكَاةِ لَا من الْفَيْءِ عَكْسَ الْمُرْتَزِقَةِ فَيَضَعُ الْإِمَامُ نَدْبًا لِأَسْمَائِهِمْ وَأَرْزَاقِهِمْ دِيوَانًا بِكَسْرِ الدَّالِ على الْمَشْهُورِ أَيْ الدَّفْتَرِ وَأَوَّلُ من وَضَعَهُ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه
وَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ قَوْمٍ من قَبِيلَةٍ أو عَدَدٍ يَرَاهُ الْإِمَامُ عَرِيفٌ أَيْ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ نَصْبُهُ لِيَعْرِضَ عليه أَحْوَالَهُمْ وَيَجْمَعَهُمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ كُلُّ ذلك لِلتَّسْهِيلِ وزاد الْإِمَامُ على ذلك فقال وَيَنْصِبُ الْإِمَامُ صَاحِبَ جَيْشٍ وهو يَنْصِبُ النُّقَبَاءَ وَكُلُّ نَقِيبٍ يَنْصِبُ الْعُرَفَاءَ وَكُلُّ عَرِيفٍ يُحِيطُ بِأَسْمَاءِ الْمَخْصُوصِينَ بِهِ فَيَدْعُو الْإِمَامُ صَاحِبَ الْجَيْشِ وهو يَدْعُو النُّقَبَاءَ وَكُلُّ نَقِيبٍ يَدْعُو الْعُرَفَاءَ الَّذِينَ تَحْت رَايَتِهِ وَكُلُّ عَرِيفٍ يَدْعُو من تَحْتَ رَايَتِهِ
وَيُعْطِي كُلًّا منهم وَإِنْ كان غَنِيًّا قَدْرَ حَاجَتِهِ وَحَاجَةَ من يُمَوِّنُهُ وُجُوبًا من أَوْلَادٍ صِغَارٍ وَكِبَارٍ وَزَوْجَاتٍ وَعَبِيدِ خِدْمَةٍ لِمُعْتَادٍ بها إنْ لم يَكْتَفِ بِوَاحِدٍ أو عَبِيدٍ لِحَاجَةِ الْغَزْوِ أو الْجِهَادِ لَا غَيْرِهِمَا أو لَا عَبِيدَ زِينَةٍ وَتِجَارَةٍ وَعُلِمَ من كَلَامِهِ أَنَّهُ لو نَكَحَ جَدِيدَةً زِيدَ في الْعَطَاءِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ أَمَّا إذَا اكْتَفَى بِعَبْدٍ وَاحِدٍ لِلْخِدْمَةِ فَلَا يُعْطَى لِأَكْثَرَ منه بِخِلَافِ الْأَوْلَادِ يُعْطَى لِحَاجَتِهِمْ وَإِنْ كَثُرُوا إذْ لَا اخْتِيَارَ له في لُزُومِ نَفَقَتِهِمْ وَبِخِلَافِ الزَّوْجَاتِ لِانْحِصَارِهِنَّ في أَرْبَعٍ بِخِلَافِ الْعَبِيدِ وَقَوْلُهُ من نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ أَيْ وَسَائِرِ الْمُؤَنِ مُتَعَلِّقٌ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَيُرَاعِي في مُرُوءَتِهِ وَضِدِّهَا وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَعَادَةِ الْبَلَدِ في الْمَطْعُومِ وما
____________________
(3/89)
يَعْرِضُ من غَلَاءٍ وَرُخْصٍ فَيَكْفِيهِ الْمُؤْنَاتِ لِيَتَفَرَّغَ لِلْجِهَادِ وَالْفَارِسُ من الْمُرْتَزِقَةِ يُعْطَى فَرَسًا إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ ويعطى مُؤْنَتَهُ لَا دَوَابَّ زِينَةٍ أَيْ لَا يُعْطَاهَا وَلَا مُؤْنَتَهَا وَالْأَصْلُ لم يُصَرِّحْ إلَّا بِالثَّانِي حَيْثُ قال وَلَا يُعْطَى أَيْ مُؤْنَةَ الدَّوَابِّ التي يَتَّخِذُهَا زِينَةً وَنَحْوَهَا وَلَا يُزَادُ أَحَدٌ منهم لِنَسَبٍ عَرِيقٍ وَسَبْقٍ في الْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ وَسَائِرِ الْخِصَالِ الْمَرْضِيَّةِ وَإِنْ اتَّسَعَ الْمَالُ بَلْ يَسْتَوُونَ كَالْإِرْثِ وَالْغَنِيمَةِ لِأَنَّهُمْ يُعْطُونَ بِسَبَبِ تَرَصُّدِهِمْ لِلْجِهَادِ وَكُلُّهُمْ مُتَرَصِّدُونَ له وَإِنْ زَادَ ما لِلْمُرْتَزِقَةِ عن حَاجَتِهِمْ قُسِمَ الزَّائِدُ عليهم على قَدْرِ مُؤْنَتِهِمْ لِأَنَّهُ لهم وَإِنْ صُرِفَ منه إلَى الْكُرَاعِ أَيْ الْخَيْلِ أو الْحُصُونِ أو السِّلَاحِ لِيَكُونَ عُدَّةً لهم جَازَ لِأَنَّهُ مَعُونَةٌ لهم وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ مَنْعُ صَرْفِ جَمِيعِ الزَّائِدِ لِذَلِكَ وَأَنَّ صَرْفَهُ لَا يَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ الْمُقَاتِلَةِ لَكِنْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِخِلَافِهِ فقال الذي فَهِمْته من كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِرِجَالِهِمْ حتى لَا يَصْرِفَ منه لِلذَّرَارِيِّ أَيْ الَّذِينَ لَا رَجُلَ لهم قال في الْأَصْلِ وَلَا خِلَافَ في جَوَازِ صَرْفِهِ إلَى الْمُرْتَزِقَةِ عن كِفَايَةِ السَّنَةِ الْقَابِلَةِ فَرْعٌ لِلْإِمَامِ صَرْفُ مَالِ الْفَيْءِ في غَيْرِ مَصْرِفِهِ وَيُعْطِي مُسْتَحِقِّيهِ من غَيْرِهِ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فيه لِأَنَّهُ الْوَلِيُّ عليه بِخِلَافِ الزَّكَاةِ لَا يَجُوزُ له أَنْ يُعْطِيَ مُسْتَحِقِّيهَا إلَّا من نَفْسِ ما حَصَلَ في يَدِهِ من الْمَاشِيَةِ وَالثَّمَرَةِ وَغَيْرِهَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَدِّمَ في الْإِعْطَاءِ وفي إثْبَاتِ الِاسْمِ في الدِّيوَانِ قُرَيْشًا على غَيْرِهِمْ لِخَبَرِ قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلِشَرَفِهِمْ بِالنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهُمْ وَلَدُ النَّضْرِ بن كِنَانَةَ أَحَدِ أَجْدَادِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُقَدِّمُ الْأَقْرَبَ منهم فَالْأَقْرَبَ إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِفَضِيلَةِ الْقُرْبِ إلَيْهِ وهو محمد بن عبد اللَّهِ بن عبد الْمُطَّلِبِ بن هَاشِمِ بن عبد مَنَافِ بن قُصَيِّ بن كِلَابِ بن مُرَّةَ بن كَعْبِ بن لُؤَيِّ بن غَالِبِ بن فِهْرِ بن مَالِكِ بن النَّضْرِ بن كِنَانَةَ فَيُقَدَّمُ منهم بَنُو هَاشِمٍ جَدِّهِ الثَّانِي وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَقِيقِ هَاشِمٍ على سَائِرِ قُرَيْشٍ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم من بَنِي هَاشِمٍ وقد سَوَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْمُطَّلِبِ بِقَوْلِهِ أَمَّا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ فَشَيْءٌ وَاحِدٌ وَشَبَّكَ بين أَصَابِعِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَيُقَدِّمُ منهم من يُدْلِي بِأَبَوَيْنِ إلَى الْمُقَدَّمِ كَبَنِي عبد شَمْسٍ أَخِي هَاشِمٍ لِأَبَوَيْهِ على بَنِي أَخِيهِ نَوْفَلٍ لِأَبِيهِ وَيُقَدَّمُ بَعْدَ من ذَكَرَ بَنُو عبد الْعُزَّى على بَنِي أَخِيهِ عبد الدَّارِ ابْنِ قُصَيٍّ لِمَكَانِ خَدِيجَةَ رضي اللَّهُ عنها منه صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنَّهُمْ أَصْهَارُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهِيَ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بن أَسَدِ بن عبد الْعُزَّى وَتُقَدَّمُ بَنُو زُهْرَةَ بن كِلَابٍ على بَنِي تَيْمٍ لِأَنَّهُمْ أَخْوَالُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وتقدم بَنُو تَيْمٍ على بَنِي أَخِيهِ مَخْزُومٍ لِمَكَانِ عَائِشَةَ وَأَبِيهَا أبي بَكْرٍ رضي اللَّهُ عنها وَعَنْهُ منه صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ يُقَدِّمُ بَنِي مَخْزُومٍ ثُمَّ بَنِي عَدِيٍّ لِمَكَانِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه ثُمَّ بَنِي جُمَحٍ وبني سَهْمٍ التَّسْوِيَةُ بين هَذَيْنِ من زِيَادَتِهِ وَعَلَيْهَا جَرَى جَمَاعَةٌ لَكِنَّ كَلَامَ الْأَصْلِ لَا يَقْتَضِيهَا بَلْ قد يَقْتَضِي عِنْدَ التَّأَمُّلِ تَقْدِيمَ بَنِي جُمَحٍ على بَنِي سَهْمٍ ثُمَّ بَنِي عَامِرٍ ثُمَّ بَنِي الْحَارِثِ ثُمَّ يُقَدِّمُ بَعْدَ قُرَيْشٍ الْأَنْصَارَ لِآثَارِهِمْ الْحَمِيدَةِ في الْإِسْلَامِ وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْأَوْسِ منهم لِأَنَّ منهم أَخْوَالَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْأَنْصَارُ كلهم من الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَهُمَا أَبْنَاءُ حَارِثَةَ بن ثَعْلَبَةَ بن عَمْرِو بن عَامِرٍ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ
ثُمَّ سَائِرَ الْعَرَبِ وَمِنْهُمْ الْمُهَاجِرُونَ الَّذِينَ لَا قَرَابَةَ لهم وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ التَّسْوِيَةُ بين سَائِرِ الْعَرَبِ وَصَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِخِلَافِهِ فقال بَعْدَ الْأَنْصَارِ مُضَرُ ثُمَّ رَبِيعَةُ ثُمَّ وَلَدُ عَدْنَانَ ثُمَّ وَلَدُ قَحْطَانَ فَيُرَتِّبُهُمْ على السَّابِقَةِ كَقُرَيْشٍ فَإِنْ اسْتَوَيَا أَيْ اثْنَانِ في الْقُرْبِ إلَيْهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَبِالسَّبْقِ إلَى الْإِسْلَامِ يُقَدِّمُ ثُمَّ إنْ اسْتَوَيَا فيه قَدَّمَ بِالدِّينِ ثُمَّ إنْ اسْتَوَيَا فيه قَدَّمَ بِالسِّنِّ ثُمَّ إنْ اسْتَوَيَا فيه قَدَّمَ بِالْهِجْرَةِ كما أَفَادَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ عِنْدَ التَّأَمُّلِ الصَّادِقِ ثُمَّ بِالشَّجَاعَةِ ثُمَّ رَأْيُ أَيْ ثُمَّ إنْ اسْتَوَيَا فيها قَدَّمَ بِرَأْيِ وَلِيِّ الْأَمْرِ فَيَتَخَيَّرُ بين أَنْ يُقْرِعَ وَأَنْ يُقَدِّمَ بِرَأْيِهِ
____________________
(3/90)
وَاجْتِهَادِهِ ثُمَّ يُقَدِّمُ بَعْدَ الْعَرَبِ الْعَجَمَ وَالتَّقْدِيمُ فِيهِمْ إنْ لم يَجْتَمِعُوا على نَسَبٍ بِالْأَجْنَاسِ كَالتُّرْكِ وَالْهِنْدِ وَبِالْبُلْدَانِ فَإِنْ كانت لهم سَابِقَةُ الْإِسْلَامِ تَرَتَّبُوا عليها وَإِلَّا فَالْقُرْبُ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ ثُمَّ بِالسَّبْقِ إلَى طَاعَتِهِ فَإِنْ اجْتَمَعُوا على نَسَبٍ اُعْتُبِرَ فِيهِمْ قُرْبُهُ وَبُعْدُهُ كَالْعَرَبِ وَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ السِّنِّ ثُمَّ الْهِجْرَةُ ثُمَّ الشَّجَاعَةُ ثُمَّ رَأْيُ وَلِيِّ الْأَمْرِ كما في الْعَرَبِ وَلَا يَثْبُتُ في الدِّيوَانِ صَبِيٌّ ولا امْرَأَةٌ ولا مَجْنُونٌ وَلَا عَبْدٌ ولا عَاجِزٌ عن الْغَزْوِ كَأَعْمَى وَزَمَنٍ ولا كَافِرٌ ولا أَقْطَعُ لِعَدَمِ كِفَايَتِهِمْ وَإِنَّمَا هُمْ تَبَعٌ لِلْمُقَاتِلِ إذَا كَانُوا في عِيَالِهِ يُعْطِي لهم كما مَرَّ وَإِنَّمَا يُثْبِتُ في الدِّيوَانِ أَسْمَاءَ الرِّجَالِ الْمُكَلَّفِينَ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ الْقَادِرِينَ على الْقِتَالِ الْعَارِفِينَ بِهِ وَيُثْبِتُ فيه الْأَعْرَجَ إنْ كان فَارِسًا لَا رَاجِلًا وَالْأَصَمَّ وَالْأَخْرَسَ لِقُدْرَتِهِمْ على الْقِتَالِ وَيُمَيِّزُ الْمَجْهُولَ بِالْوَصْفِ له فَيَذْكُرُ نَسَبَهُ وَسِنَّهُ وَلَوْنَهُ وَيُحَلِّي وَجْهَهُ بِحَيْثُ يَتَمَيَّزُ عن غَيْرِهِ وَلَا يَسْقُطُ اسْمُهُ أَيْ الْمُقَاتِلِ من الدِّيوَانِ إذَا جُنَّ أو زَمِنَ أو مَرِضَ وَإِنْ طَالَ ذلك إنْ رُجِيَ زَوَالُهُ لِئَلَّا يَرْغَبَ الناس عن الْجِهَادِ وَيَشْتَغِلُوا بِالْكَسْبِ فَإِنَّهُمْ لَا يَأْمَنُونَ من هذه الْعَوَارِضِ فَإِنْ لم يَرْجُ زَوَالَهُ مَحَى اسْمَهُ وَأُعْطَى بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَحَاجَةِ عِيَالِهِ الرَّاهِنَةِ كما يُعْطِي زَوْجَاتِ الْمَيِّتِ وَأَوْلَادَهُ بَلْ أَوْلَى فَرْعٌ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمْ أَيْ الْمُرْتَزِقَةِ اسْتَمَرَّ رِزْقُهُ لِزَوْجَتِهِ يَعْنِي اسْتَمَرَّ رِزْقُ زَوْجَتِهِ أو زَوْجَاتِهِ وَأَوْلَادِهِ الَّذِينَ تَلْزَمُهُ كِفَايَتُهُمْ وَإِنْ كان فِيهِمْ من لَا يُرْجَى أَنْ يَكُونَ من أَهْلِ الْفَيْءِ إذَا بَلَغَ تَرْغِيبًا لِلْمُجَاهِدِينَ إلَى أَنْ تَتَزَوَّجَ هِيَ وَبَنَاتُهُ قال في الْبَيَانِ أو يَسْتَغْنِينَ بِكَسْبٍ قال الزَّرْكَشِيُّ أو بِإِرْثٍ أو هِبَةٍ أو وَصِيَّةٍ وإلى أَنْ يَبْلُغَ الذُّكُورُ مُكْتَسِبِينَ أو رَاغِبِينَ في الْجِهَادِ فَيُثْبِتُ اسْمَهُمْ في الدِّيوَانِ وَعَبَّرَ الْمِنْهَاجُ بِقَوْلِهِ وَيُعْطِي الْأَوْلَادَ حتى يَسْتَقِلُّوا وَهِيَ أَعَمُّ من عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ كَالْأَصْلِ وَالْمُحَرَّرِ وَلَعَلَّ ذِكْرَ الْبُلُوغِ جَرَى على الْغَالِبِ فَإِنْ بَلَغُوا عَاجِزِينَ لِعَمًى أو زَمَانَةٍ أو نَحْوِهِمَا اسْتَمَرَّ رِزْقُهُمْ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ كَالزَّوْجَةِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَكَالْأَوْلَادِ الْأُصُولِ وَسَائِرِ الْفُرُوعِ كما دَلَّ عليه كَلَامُ جَمَاعَةٍ من الْأَئِمَّةِ قال وَلْيَنْظُرْ فِيمَا لو كان من يَلْزَمُهُ كِفَايَتُهُ كَافِرًا هل يُعْطِي بَعْدَهُ الْأَقْرَبُ الْمَنْعُ فَصْلٌ وَلْيَكُنْ وَقْتُ الْعَطَاءِ مَعْلُومًا لَا يَخْتَلِفُ مُسَانَهَةً أو مُشَاهَرَةً أو نَحْوَهُمَا من أَوَّلِ السَّنَةِ أو آخِرِهَا أو وَسَطِهَا أو أَوَّلِ كل شَهْرٍ أو غَيْرِ ذلك بِحَسَبِ ما يَرَاهُ الْإِمَامُ وَالْغَالِبُ أَنَّ الْإِعْطَاءَ يَكُونُ في كل سَنَةٍ مَرَّةً لِئَلَّا يَشْغَلَهُمْ الْإِعْطَاءُ كُلَّ أُسْبُوعٍ أو كُلَّ شَهْرٍ عن الْجِهَادِ وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ وَهِيَ مُعْظَمُ الْفَيْءِ لَا تُؤْخَذُ في السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَمَنْ مَاتَ منهم بَعْدَ جَمْعِ الْمَالِ وتمام الْحَوْلِ فَنَصِيبُهُ لِوَارِثِهِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَازِمٌ له فَيَنْتَقِلُ لِوَارِثِهِ كَالدَّيْنِ وَلَا يَسْقُطُ ذلك بِالْإِعْرَاضِ عنه كَالْإِرْثِ أو مَاتَ قبل تَمَامِ الْحَوْلِ وَبَعْدَ الْجَمْعِ لِلْمَالِ فَقِسْطُهُ لِوَارِثِهِ كَالْأُجْرَةِ في الْإِجَارَةِ أو عَكْسُهُ أَيْ مَاتَ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ وَقَبْلَ جَمْعِ الْمَالِ فَلَا شَيْءَ لِوَارِثِهِ إذْ الْحَقُّ إنَّمَا يَثْبُتُ بِجَمْعِ الْمَالِ وَعُلِمَ من كَلَامِهِ بِالْأَوْلَى ما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ له إذَا مَاتَ قبل تَمَامِ الْحَوْلِ وَقَبْلَ الْجَمْعِ وَذِكْرُ الْحَوْلِ مِثَالٌ فَمِثْلُهُ الشَّهْرُ وَنَحْوُهُ نَبَّهَ عليه الْأَصْلُ فَصْلٌ وَأَمَّا عَقَارُ الْفَيْءِ كَالدُّورِ وَالْأَرَاضِي فَالْإِمَامُ يُوقِفُهُ الْفَصِيحُ يَقِفُهُ وَذَلِكَ لِتَبْقَى الرُّقْبَةُ
____________________
(3/91)
مُؤَبَّدَةً وَيَنْتَفِعُ بِغَلَّتِهَا الْمُسْتَحِقُّ كُلَّ عَامٍ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ فإنه مُعَرَّضٌ لِلْهَلَاكِ وَبِخِلَافِ الْغَنِيمَةِ فَإِنَّهَا بَعِيدَةٌ عن نَظَرِ الْإِمَامِ وَاجْتِهَادِهِ لِتَأَكُّدِ حَقِّ الْغَانِمِينَ وَيَقْسِمُ غَلَّتَهُ كَالْفَيْءِ الْمَنْقُولِ فَيَكُونُ خُمُسُهَا لِلْمَصَالِحِ وَالْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِلْمُرْتَزِقَةِ وَإِنْ رَأَى قِسْمَتَهُ أو بَيْعَهُ وَقِسْمَةَ ثَمَنِهِ جَازَ لَكِنْ لَا يُقْسَمُ سَهْمُ الْمَصَالِحِ بَلْ يُوقَفُ وَتُصْرَفُ غَلَّتُهُ في الْمَصَالِحِ أو يُبَاعُ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ إلَيْهَا فَصْلٌ مَسَائِلُهُ مَنْثُورَةٌ من سَأَلَ إثْبَاتَ اسْمِهِ في الدِّيوَانِ وهو أَهْلٌ لِلْقِتَالِ أُجِيبَ إلَيْهِ إنْ اتَّسَعَ الْمَالُ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يُحْبَسُ الْفَيْءُ لِتَوَقُّعِ نَازِلَةٍ بَلْ يُقْسَمُ الْجَمِيعُ في الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ أَيْ أَغْنِيَائِهِمْ أَمْرُ النَّوَازِلِ أَيْ الْقِيَامُ بِأَمْرِهَا إنْ نَزَلَتْ وَيُرْزَقُ من مَالِ الْفَيْءِ حُكَّامُ الْغَزْوِ وَوُلَاةُ الصَّلَاةِ الَّذِينَ يُقِيمُونَ لِأَهْلِهِ الْجُمُعَاتِ وَالْجَمَاعَاتِ وَمُعَلِّمُو أَحْدَاثَهُمْ الْفِرَاسَةَ بِفَتْحِ الْفَاءِ لُغَةً وَالْفُرُوسِيَّةَ وَالرِّمَايَةَ قد عَطَفَ الْأَصْلُ على وُلَاةِ الصَّلَاةِ وُلَاةَ الْأَحْدَاثِ ثُمَّ قال وَوُلَاةُ الْأَحْدَاثِ قِيلَ هُمْ الَّذِينَ يُعَلِّمُونَ أَحْدَاثَ الْفَيْءِ الْفُرُوسِيَّةَ وَالرَّمْيَ وَقِيلَ هُمْ الَّذِينَ يُنْصَبُونَ في الْأَطْرَافِ لِتَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ وَسُعَاةِ الصَّدَقَاتِ وَعَزْلِهِمْ وَتَجْهِيزِ الْجُيُوشِ إلَى الثُّغُورِ وَحِفْظِ الْبِلَادِ من الْفَسَادِ وَنَحْوِهَا من الْأَحْدَاثِ فَتَرْجِيحُ الْمُصَنِّفِ الْأَوَّلُ من زِيَادَتِهِ وَيُرْزَقُ منه الْعُرَفَاءُ أَيْ عُرَفَاءُ أَهْلِ الْفَيْءِ قال في الْأَصْلِ وَكُلُّ من قام بِأَمْرِ الْفَيْءِ من وَالٍ وَكَاتِبٍ وَجُنْدِيٍّ لَا يَغْتَنِي أَهْلُ الْفَيْءِ عَنْهُمْ هذا إنْ عُدِمَ الْمُتَطَوِّعُونَ بِهَذِهِ الْأَعْمَالِ وَإِلَّا فَلَا يُرْزَقُ عليها غَيْرُهُمْ وَيُشْتَرَطُ في عَامِلِ الْفَيْءِ الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالِاجْتِهَادُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْفَيْءِ وَمَعْرِفَةُ الْحِسَابِ وَالْمِسَاحَةِ بِكَسْرِ الْمِيمِ لِأَنَّ ذلك وِلَايَةٌ وَيَجُوزُ هَاشِمِيٌّ أَيْ كَوْنُهُ هَاشِمِيًّا وَلَا يُشْتَرَطُ الِاجْتِهَادُ لِمَنْ وَلِيَ جِبَايَةَ أَمْوَالِهِ أَيْ الْفَيْءِ بَعْدَ تَقْرِيرِهَا وَيَجُوزُ إرْسَالُ الْعَبْدِ لِجِبَايَةِ مَالٍ خَاصٍّ من الْفَيْءِ لَا اسْتِنَابَةَ فيه لِأَنَّهُ كَالرَّسُولِ الْمَأْمُورِ وَإِنْ كان فيه اسْتِنَابَةٌ بِأَنْ لم يَسْتَغْنِ فيه عنها لم يَجُزْ إرْسَالُهُ لِمَا فيه من الْوِلَايَةِ لَا إرْسَالُ الذِّمِّيِّ لِذَلِكَ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ على الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا إلَّا في الْجِبَايَةِ من أَهْلِ الذِّمَّةِ كَالْجِزْيَةِ وَعُشْرِ تِجَارَاتِهِمْ فَيَجُوزُ إرْسَالُهُ قال تَعَالَى وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَفَسَادُ وِلَايَةِ الْعَامِلِ كَفَسَادِ الْوَكَالَةِ فَيَصِحُّ قَبْضُهُ الْمَالَ حتى يَبْرَأَ الدَّافِعُ إلَيْهِ لِبَقَاءِ الْإِذْنِ إنْ لم يُنْهَ عنه أَيْ عن قَبْضِهِ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ وَإِنْ لم يَعْلَمْ النَّهْيَ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ إسْقَاطُ أَحَدٍ من الدِّيوَانِ بِلَا سَبَبٍ يَقْتَضِيهِ فَإِنْ كان ثَمَّ سَبَبٌ فَلَهُ ذلك وَلَا لِأَحَدٍ اُحْتِيجَ إلَيْهِ إخْرَاجُ نَفْسِهِ منه بِلَا عُذْرٍ له بِخِلَافِ ما إذَا كان له عُذْرٌ أو لم يَحْتَجْ إلَيْهِ وَإِنْ امْتَنَعُوا من قِتَالِ أَكْفَاءٍ لهم سَقَطَتْ أَرْزَاقُهُمْ بِخِلَافِ ما إذَا امْتَنَعُوا من قِتَالِ من يَضْعُفُونَ عنه وَمَنْ جُرِّدَ منهم لِسَفَرٍ أو تَلَفِ سِلَاحِهِ في الْحَرْبِ أُعْطِيَ عِوَضَ السِّلَاحِ وَأُعْطِيَ مُؤْنَةَ السَّفَرِ إنْ لم يَدْخُلْ ذلك في تَقْدِيرِ عَطَائِهِ وَإِلَّا فَلَا وَمَنْ عَجَزَ بَيْتُ الْمَالِ عن عَطَائِهِ بَقِيَ دَيْنًا عليه وَلَا يَغْرَمُهُ وَلِيُّ الْأَمْرِ فَإِنْ لم يَعْجِزْ عنه طَالَبَ بِهِ كَالدَّيْنِ الْبَابُ الثَّانِي في الْغَنِيمَةِ وَهِيَ ما أَخَذْنَاهُ من الْكُفَّارِ الْحَرْبِيِّينَ بِقِتَالٍ أو إيجَافِ الْخَيْلِ أو رِكَابٍ أو نَحْوِهِمَا وَلَوْ بَعْدَ فِرَارِهِمْ أَيْ انْهِزَامِهِمْ في الْقِتَالِ وَلَوْ قبل شَهْرِ السِّلَاحِ حين الْتَقَى الصَّفَّانِ وَمِنْ الْغَنِيمَةِ ما أُخِذَ من دَارِهِمْ اخْتِلَاسًا أو سَرِقَةً أو لُقَطَةً كما ذَكَرَهُ في كِتَابِ السِّيَرِ وَشَمِلَ تَعْبِيرُهُ بِمَا أَخَذْنَاهُ ما فيه اخْتِصَاصٌ فَهُوَ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْمَالِ وَسَيَأْتِي في السِّيَرِ ما يُفْعَلُ في الْكِلَابِ ولم تَحِلَّ الْغَنِيمَةُ إلَّا لنا وقد كانت في أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَاصَّةً يَصْنَعُ فيها ما يَشَاءُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إعْطَاؤُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم من لم يَشْهَدْ بَدْرًا ثُمَّ نُسِخَ بَعْدَ ذلك فَخُمِّسَتْ كَالْفَيْءِ لِآيَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ من شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِخُمُسِهَا حُكْمُ خُمُسِ الْفَيْءِ فَيُخَمَّسُ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ لِلْآيَةِ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِلْغَانِمِينَ أَخْذًا من الْآيَةِ حَيْثُ اقْتَصَرَ فيها بَعْدَ الْإِضَافَةِ إلَيْهِمْ
____________________
(3/92)
على إخْرَاجِ الْخُمُسِ وَعَمَلًا بِفِعْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في أَرْضِ خَيْبَرَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الْغَنِيمَةِ فقال لِلَّهِ خُمُسُهَا وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِلْجَيْشِ فما أَحَدٌ أَوْلَى بِهِ من أَحَدٍ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَطْرَافٍ الْأَوَّلُ النَّفَلُ بِفَتْحِ الْفَاءِ أَشْهَرُ من إسْكَانِهَا وهو أَنْ يَشْتَرِطَ الْأَمِيرُ زِيَادَةً على سَهْمِ الْغَنِيمَةِ لِمَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ في أَمْرٍ مُهِمٍّ كَطَلِيعَةٍ وَدَلِيلٍ أَيْ لِمَنْ يَقُومُ بِمَا فيه نِكَايَةٌ زَائِدَةٌ في الْعَدُوِّ أو تَوَقُّعِ ظَفَرٍ أو دَفْعِ شَرٍّ كَتَقَدُّمٍ على طَلِيعَةٍ وَهَجْمٍ على قَلْعَةٍ وَدَلَالَةٍ عليها وَحِفْظِ مَكْمَنٍ وَتَجْسِيسِ حَالٍ بِشَرْطِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِكَثْرَةِ الْعَدُوِّ وَقِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ مع اقْتِضَاءِ الرَّأْيِ بَعْثَ السَّرَايَا وَحِفْظَ الْمَكَامِنِ وَلِذَلِكَ نَفَلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في بَعْضِ الْغَزَوَاتِ دُونَ بَعْضٍ إمَّا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ أو أَكْثَرَ مُعَيَّنٍ أو غَيْرِهِ كَمَنْ أَيْ كَقَوْلِهِ من فَعَلَ كَذَا فَلَهُ كَذَا فإن بَذَلَهُ من مَالِ الْمَصَالِحِ الْحَاصِلِ عِنْدَهُ في بَيْتِ الْمَالِ فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا أو بَذَلَهُ يَعْنِي شَرْطَهُ مِمَّا سَيَغْنَمُ في هذا الْقِتَالِ أو غَيْرِهِ قُدِّرَ بِجُزْءٍ كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَيُحْتَمَلُ فيه الْجَهَالَةُ لِلْحَاجَةِ
وَلَيْسَ لِقَدْرِهِ ضَبْطٌ بَلْ يَجْتَهِدُ فيه فَيُقَدِّرُهُ بِقَدْرِ الْعَمَلِ وَخَطَرِهِ وقد صَحَّ في التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يُنَفِّلُ في الْبَدْأَةِ الرُّبُعَ وفي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ وَالْبَدْأَةُ السَّرِيَّةُ التي يَبْعَثُهَا الْإِمَامُ قبل دُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ مُقَدِّمَةً له وَالرَّجْعَةُ التي يَأْمُرُهَا بِالرُّجُوعِ بَعْدَ تَوَجُّهِ الْجَيْشِ لِدَارِنَا وَنَقَصَ في الْبَدْأَةِ لِأَنَّهُمْ مُسْتَرِيحُونَ إذْ لم يَطُلْ بِهِمْ السَّفَرُ وَلِأَنَّ الْكُفَّارَ في غَفْلَةٍ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ من وَرَائِهِمْ يَسْتَظْهِرُونَ بِهِ وَالرَّجْعَةُ بِخِلَافِهَا في كل ذلك وهو أَيْ النَّفَلُ من خُمُسِ خُمُسِهَا كما رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ وإذا قال الْأَمِيرُ من أَخَذَ شيئا فَهُوَ له لم يَصِحَّ شَرْطُهُ كَشَرْطِ بَعْضِ الْغَنِيمَةِ لِغَيْرِ الْغَانِمِينَ وَأَمَّا ما نُقِلَ عنه صلى اللَّهُ عليه وسلم من ذلك يوم بَدْرٍ فَأَجَابَ عنه الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ مِمَّا تَكَلَّمُوا في ثُبُوتِهِ وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَغَنَائِمُ بَدْرٍ كانت له خَاصَّةً يَضَعُهَا حَيْثُ يَشَاءُ وما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هو أَحَدُ قِسْمَيْ النَّفَلِ وَالْآخَرَانِ يُنَفِّلُ من صَدَرَ منه في الْحَرْبِ أَثَرٌ مَحْمُودٌ كَمُبَارَزَةٍ وَحُسْنِ إقْدَامٍ زِيَادَةً على سَهْمِهِ بِحَسَبِ ما يَلِيقُ بِالْحَالِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِمَا يَأْتِي في الرَّضْخِ الطَّرَفُ الثَّانِي الرَّضْخُ وهو لُغَةً الْعَطَاءُ الْقَلِيلُ وَشَرْعًا دُونَ سَهْمِ الْغَنِيمَةِ كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وإذا حَضَرَ صَبِيٌّ وَعَبْدٌ وَامْرَأَةٌ وَخُنْثَى وَزَمِنٌ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَمَجْنُونٌ وَإِنْ حَضَرُوا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِ أَمْرِهِمْ وَجَبَ الرَّضْخُ لَا السَّهْمُ لهم لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ في الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ الْبَيْهَقِيُّ مُرْسَلًا وفي الْعَبْدِ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلِأَنَّهُمْ لَيْسُوا من أَهْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ لَكِنَّهُمْ كَثَّرُوا السَّوَادَ فَلَا يُحْرَمُونَ لَكِنَّ الْقِيَاسَ كما قال الْإِمَامُ اعْتِبَارُ نَفْعِهِمْ فَلَا يَرْضَخُ لِمَنْ لَا نَفْعَ فيه كَطِفْلٍ
قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الْمُتَّجَهُ وَيَدُلُّ له نَصٌّ في الْبُوَيْطِيِّ وَكَذَا ذِمِّيٌّ وَذِمِّيَّةٌ حَضَرَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ يَرْضَخُ لَهُمَا إنْ لم يُسْتَأْجَرَا سَوَاءٌ أَقَاتَلَا أَمْ لَا رَوَاهُ في قَوْمٍ من الْيَهُودِ أبو دَاوُد بِلَفْظِ أَسْهَمَ وَحُمِلَ على الرَّضْخِ وَقِيسَ بِهِمْ من في مَعْنَاهُمْ فَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ فَلَيْسَ لَهُمَا إلَّا الْأُجْرَةُ لِأَنَّ طَمَعَهُ فيها دَفَعَهُ عن الْغَنِيمَةِ فَإِنْ حَضَرَا بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ عُزِّرَا إنْ رَأَى الْإِمَامُ تَعْزِيرَهُمَا وَلَا يَرْضَخُ لَهُمَا وَإِنْ أَذِنَ لَهُمَا غَيْرُهُ لِأَنَّهُمَا مُتَّهَمَانِ بِمُوَالَاةِ أَهْلِ دِينِهِمَا وَيُعْتَبَرُ في اسْتِحْقَاقِ الْمُسْلِمِ الرَّضْخَ أَنْ لَا يَكُونَ له سَلَبٌ ذَكَرَهُ في الْكِفَايَةِ وفي اسْتِحْقَاقِ الذِّمِّيِّ له أَنْ لَا يَكُونَ خُرُوجُهُ بِإِكْرَاهِ الْإِمَامِ فَإِنْ أَكْرَهَهُ اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ مِثْلِهِ فَقَطْ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُعَاهَدَ وَالْمُؤَمَّنَ وَالْحَرْبِيَّ إذَا حَضَرُوا بِإِذْنِ الْإِمَامِ حَيْثُ يَجُوزُ له الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ كَالذِّمِّيِّ وَأَمَّا الْمُبَعَّضُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْعَبْدِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنْ كانت مُهَايَأَةً وَحَضَرَ في نَوْبَتِهِ أَسْهَمَ له وَإِلَّا رَضَخَ
ا ه
وَالْأَوْجَهُ الثَّانِي لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ من بَابِ الْإِكْسَابِ فَرْعٌ يُفَاضِلُ الْإِمَامُ في الرَّضْحِ بين أَهْلِهِ بِقَدْرِ النَّفْعِ منهم فَيُرَجِّحُ الْمُقَاتِلَ وَمَنْ قِتَالُهُ أَكْثَرُ على غَيْرِهِ وَالْفَارِسَ على الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةَ التي تُدَاوِي الْجَرْحَى وَتَسْقِي الْعِطَاشَ على التي تَحْفَظُ الرِّحَالَ بِخِلَافِ سَهْمِ الْغَنِيمَةِ فإنه يَسْتَوِي فيه الْمُقَاتِلُ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عليه وَالرَّضْخُ بِالِاجْتِهَادِ فَجَازَ أَنْ يَخْتَلِفَ كَدِيَةِ الْحُرِّ لَمَّا كانت مَنْصُوصًا عليها لم تَخْتَلِفْ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ مُجْتَهَدٌ فيها فَاخْتَلَفَتْ وَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ في قَدْرِ الرَّضْخِ إذْ لم يَرِدْ فيه تَحْدِيدٌ فَرَجَعَ فيه إلَى رَأْيِهِ ولكن لَا يَبْلُغُ بِهِ سَهْمَ رَاجِلٍ وَلَوْ كان الرَّضْخُ لِفَارِسٍ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلسِّهَامِ فَنَقَصَ عن قَدْرِهَا كَالْحُكُومَةِ مع الْأَرْشِ الْمُقَدَّرِ وَقَضِيَّةُ قَوْلِ
____________________
(3/93)
الْأَصْلِ وَإِنْ كان فَارِسًا فَوَجْهَانِ بِنَاءً على أَنَّهُ هل يَجُوزُ أَنْ يَبْلُغَ تَعْزِيرُ الْحُرِّ حَدَّ الْعَبِيدِ أَنَّهُ يَبْلُغُ بِهِ سَهْمَ رَاجِلٍ لَكِنَّهُ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ وَبِالْمَنْعِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وقال الْأَذْرَعِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ الْمَنْعُ وهو الْأَصَحُّ فَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وهو من أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ لِلْغَنِيمَةِ وَلَوْ كان الرَّضْخُ لِذِمِّيٍّ لِأَنَّهُ سَهْمٌ من الْغَنِيمَةِ مُسْتَحَقٌّ بِحُضُورِ الْوَقْعَةِ إلَّا أَنَّهُ نَاقِصٌ فَرْعٌ وَمَنْ زَادَ قِتَالُهُ من الْمُجَاهِدِينَ على قِتَالِ غَيْرِهِ رَضَخَ له مع سَهْمِهِ زِيَادَةً من سَهْمِ الْمَصَالِحِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ رَضَخَ له مع السَّهْمِ كَذَا ذَكَرَهُ الْمَسْعُودِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَمِنْهُمْ من تَنَازَعَ كَلَامُهُ فيه وَقِيلَ يُزَادُ من سَهْمِ الْمَصَالِحِ ما يَلِيقُ بِالْحَالِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُعَبَّرَ عنه هُنَا بِقِيلِ هو ما ذَكَرَهُ قَبْلُ من أَنَّ من صَدَرَ منه أَثَرٌ مَحْمُودٌ زِيدَ على سَهْمِهِ من سَهْمِ الْمَصَالِحِ ما يَلِيقُ بِالْحَالِ قال وما حَكَاهُ عن الْمَسْعُودِيِّ وَالْبَغَوِيِّ غَرِيبٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ يُخَالِفُهُ وَعِبَارَةُ الْبَيَانِ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُفَضِّلَ فَارِسًا على فَارِسٍ وَلَا رَاجِلًا على رَاجِلٍ وَلَا من قَاتَلَ على من لم يُقَاتِلْ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وإذا رَاجَعْت كُتُبَ الْأَصْحَابِ عَلِمْت شُذُوذَ ذلك ثُمَّ قال فَالْوَجْهُ عَدَمُ الرَّضْخِ من الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ لِذَلِكَ وَلِأَنَّ زِيَادَةَ الْقِتَالِ لَا تَكَادُ تَنْضَبِطُ وَكُلُّ أَحَدٍ يَدَّعِي أَنَّ قِتَالَهُ أَزْيَدُ من قِتَالِ غَيْرِهِ وَلِأَنَّ ذلك قد يَجُرُّ فِتْنَةً انْتَهَى وَذَكَرَ نَحْوَهُ الزَّرْكَشِيُّ وقال في الْكِفَايَةِ أَنَّ الْمَشْهُورَ الْمَنْعُ وَالْمُصَنِّفُ لَمَّا رَأَى ذلك رَجَّحَ الْوَجْهَ الثَّانِيَ وَحَذَفَ الْمَوْضِعَ الْأَوَّلَ كما مَرَّ التَّنْبِيهُ عليه لَكِنَّهُ تَسَمَّحَ في عَدَدِ ذلك رَضْخًا فَلَوْ حَذَفَ الْمَوْضِعَ الثَّانِيَ وَذَكَرَ الْأَوَّلَ ثَمَّ لَسَلِمَ من ذلك ثُمَّ ما ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ من غَرَابَةِ ما ذُكِرَ في كَلَامِ الْأَصْلِ ما يَدُلُّ له فَتَأَمَّلْ فَرْعٌ وإذا انْفَرَدَ أَهْلُ الرَّضْخِ بِغَنِيمَةٍ لِانْفِرَادِهِمْ بِغَزْوَةٍ خُمِّسَتْ وَقُسِمَ عليهم الْبَاقِي بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُمُسِ كما يُقْسَمُ الرَّضْخُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِمْ الْأَنْسَبُ نَفْعُهُمْ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ على ما يَقْتَضِيهِ الرَّأْيُ من تَسْوِيَةٍ وَتَفْضِيلٍ وَيَتْبَعُهُمْ صِغَارُ السَّبْيِ في الْإِسْلَامِ فَلَوْ سَبَى مُرَاهِقُونَ أو مَجَانِينُ صِغَارًا حُكِمَ بِإِسْلَامِهِمْ تَبَعًا لهم فَإِنْ حَضَرَهُمْ في الْغَزْوَةِ كَامِلٌ فَالْغَنِيمَةُ له وَيَرْضَخُ لهم وَمَنْ كَمَّلَ منهم في الْحَرْبِ أَسْهَمَ له لَا لِمَنْ كَمَّلَ بَعْدَهَا فَلَا يُسْهَمُ له نعم إنْ بَانَ بَعْدَهَا ذُكُورَةُ الْمُشْكِلِ أَسْهَمَ له نَقَلَهُ ابن الرِّفْعَةِ عن الْبَنْدَنِيجِيِّ وَلَا يُخَمَّسُ ما أَخَذَهُ الذِّمِّيُّونَ من أَهْلِ الْحَرْبِ لِأَنَّ الْخُمُسَ حَقٌّ يَجِبُ على الْمُسْلِمِينَ كَالزَّكَاةِ الطَّرَفُ الثَّالِثُ السَّلَبُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَمَنْ رَكِبَ غَرَرًا من الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ نَاقِصًا كَعَبْدٍ وَصَبِيٍّ وَتَاجِرًا لَا مُخَذِّلًا لهم عن الْقِتَالِ ولا ذِمِّيًّا في قَتْلِ كَافِرٍ مُقْبِلٍ على الْقِتَالِ أو في إزَالَةِ امْتِنَاعِهِ بِأَنْ يُثْخِنَهُ أو يُعْمِيَهُ أو يَقْطَعَ أَطْرَافَهُ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ اسْتَحَقَّ سَلَبَهُ وَكَذَا يَسْتَحِقُّهُ إذَا قَطَعَ طَرَفَيْهِ من يَدَيْهِ أو رِجْلَيْهِ أو يَدِهِ وَرِجْلِهِ دُونَ طَرَفٍ وَاحِدٍ وَلَوْ مع إعْمَاءِ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ أو أَسَرَهُ سَوَاءٌ أَشَرَطَهُ له الْإِمَامُ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ أَكَانَ قِتَالُ الْكَافِرِ معه أَمْ مع غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ وهو ثَابِتٌ في مُسْلِمٍ في خَبَرٍ طَوِيلٍ وَلِأَنَّ ذلك مَسْلُوبٌ من يَدِ الْكَافِرِ وَطَمَعُ الْقَاتِلِ وَمَنْ في مَعْنَاهُ يَمْتَدُّ إلَيْهِ غَالِبًا وَلِأَنَّ الْأَسْرَ أَصْعَبُ من الْقَتْلِ وَأَبْلَغُ في الْقَهْرِ
أَمَّا الْمُخَذِّلُ وهو من يُكْثِرُ الْأَرَاجِيفَ وَيَكْسِرُ قُلُوبَ الناس وَيُثَبِّطُهُمْ فَلَا شَيْءَ له لَا سَهْمًا وَلَا رَضْخًا وَلَا سَلَبًا وَلَا نَفَلًا لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَكْثَرُ من ضَرَرِ الْمُنْهَزِمِ بَلْ يُمْنَعُ من الْخُرُوجِ لِلْقِتَالِ وَالْحُضُورِ فيه وَيَخْرُجُ من الْعَسْكَرِ إنْ حَضَرَ إلَّا أَنْ يَحْصُلَ بِإِخْرَاجِهِ وَهْنٌ فَيُتْرَكُ وَسَيَأْتِي بَعْضُ ذلك في كَلَامِهِ وَأَمَّا الذِّمِّيُّ بَلْ الْكَافِرُ مُطْلَقًا كما فُهِمَ من كَلَامِهِ بِالْأَوْلَى فَلَا سَلَبَ له وَإِنْ قَاتَلَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَفَارَقَ الصَّبِيَّ وَالْمَرْأَةَ وَالْعَبْدَ بِأَنَّهُمْ أَشْبَهُ بِالْغَانِمِينَ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ بِالْحُضُورِ وَالْكَافِرُ لَا يَأْخُذُ إلَّا على سَبِيلِ الْأُجْرَةِ وَخَرَجَ بِالْمُقْبِلِ على الْقِتَالِ غَيْرُهُ كَصَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ لم يُقَاتِلَا وَمِنْهُ ما ذَكَرَهُ في قَوْلِهِ فَإِنْ قَتَلَهُ نَائِمًا أَيْ أو غَافِلًا عن الْقِتَالِ بِغَيْرِ ذلك كَالْمُشْتَغِلِ بِأَكْلٍ أو أَسِيرًا أو مُثْخَنًا أو بَعْدَ الْهَزِيمَةِ لِلْجَيْشِ أو رَمَاهُ في صَفٍّ بِأَنْ رَمَاهُ من صَفِّنَا إلَى صَفِّهِمْ أو من حِصْنٍ أو من وَرَاءِ صَفِّهِمْ لم يَسْتَحِقَّ السَّلَبَ لِانْتِفَاءِ رُكُوبِ الْغَرَرِ الْمَذْكُورِ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يُعْطِ ابْنَ مَسْعُودٍ سَلَبَ أبي جَهْلٍ لِأَنَّهُ كان قد أَثْخَنَهُ فِتْيَانٌ من الْأَنْصَارِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيَسْتَحِقُّهُ بِقَتْلِهِ مُقْبِلًا على
____________________
(3/94)
الْقِتَالِ وَكَذَا مُدَبَّرًا عنه وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ إذْ لَا تُؤْمَنُ كَرَّتُهُ قال الْقَاضِي وَلَوْ أَغْرَى بِهِ كَلْبًا عَقُورًا فَقَتَلَهُ اسْتَحَقَّ سَلَبَهُ لِأَنَّهُ خَاطَرَ بِرُوحِهِ حَيْثُ صَبَرَ في مُقَابَلَتِهِ حتى عَقَرَهُ الْكَلْبُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَقِيَاسُهُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لو أَغْرَى بِهِ مَجْنُونًا أو عَبْدًا أَعْجَمِيًّا وَإِنْ أَمْسَكَهُ بِحَيْثُ مَنَعَهُ الْهَرَبَ ولم يَضْبِطْهُ فَقَتَلَهُ آخَرُ أو اشْتَرَكَ اثْنَانِ في قَتْلِهِ أو إثْخَانِهِ اشْتَرَكَا في سَلَبِهِ لِانْدِفَاعِ شَرِّهِ بِهِمَا وَهَذَا بِخِلَافِ الْقِصَاصِ فإنه مَنُوطٌ بِالْقَتْلِ نعم إنْ كان أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ كَمُخَذِّلٍ رَدَّ نَصِيبَهُ إلَى الْغَنِيمَةِ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَإِنْ ضَبَطَهُ فَهُوَ أَسِيرُهُ وَقَتْلُ الْأَسِيرِ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ السَّلَبَ كما مَرَّ وَالْجَارِحُ إنْ أَثْخَنَ جَرِيحَهُ فَالسَّلَبُ له وَإِلَّا بِأَنْ لم يُثْخِنْهُ وَذَفَّفَهُ آخَرُ فَلِلْمُذَفِّفِ لِأَنَّهُ الذي رَكِبَ الْغَرَرَ في دَفْعِ شَرِّهِ وَلِلْإِمَامِ قَتْلُ الْأَسِيرِ الْكَامِلِ وَاسْتِرْقَاقُهُ وَالْمَنُّ عليه وَالْفِدَاءُ كما سَيَأْتِي في السِّيَرِ وَلَا حَقَّ لِأَحَدٍ بِخُصُوصِهِ حتى الْآسِرَ الذي عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ وَغَيْرُهُ في رَقَبَةِ أَسِيرِهِ وَلَا فِدَائِهِ فَلَوْ أَرَقَّهُ الْإِمَامُ أو فَدَاهُ فَالرَّقَبَةُ وَالْفِدَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ لَا حَقَّ فِيهِمَا لِآسِرهُ لِأَنَّ اسْمَ السَّلَبِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِمَا فَصْلٌ السَّلَبُ ما عليه أَيْ الْقَتِيلِ وَمَنْ في مَعْنَاهُ من ثِيَابٍ كَرَانٍ وَخُفٍّ وَسِلَاحٍ وَمَرْكُوبٍ يُقَاتِلُ عليه أو مَاسِكًا عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ مُمْسِكًا عَنَانَهُ وهو مُقَاتِلٌ رَاجِلًا وَآلَتِهِ كَسَرْجٍ وَلِجَامٍ وَمِقْوَدٍ بِخِلَافِ الْمُهْرِ التَّابِعِ له لِأَنَّهُ مُنْفَصِلٌ عنه ذَكَرَهُ ابن الْقَطَّانِ في فُرُوعِهِ فَإِنْ لم يَكُنْ السِّلَاحُ معه بَلْ كان مع عَلَّامِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَالْجَنِيبَةِ معه وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ قَالَهُ الْإِمَامُ وَمَرْكُوبٍ وَآلَتِهِ مَعْطُوفَانِ على ما عليه وَمَاسِكًا على يُقَاتِلُ عليه بِجَعْلِهِ حَالًا وَلَوْ جَعَلَهُ صِفَةً وَرَفَعَ مَاسِكًا كان أَوْلَى وَكَذَا لُبْسُ زِينَةٍ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهِ وَتَحْتَ يَدِهِ كَمِنْطَقَةٍ وَسِوَارٍ وكذا جَنِيبَةٌ تَكُونُ أَمَامَهُ أو خَلْفَهُ أو بِجَنْبِهِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُقَادُ معه لِيَرْكَبَهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ بِخِلَافِ التي تُحْمَلُ عليها أَثْقَالُهُ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ في تَقْيِيدِ الْأَصْلِ الْجَنِيبَةَ بِكَوْنِهَا تُقَادُ بين يَدَيْهِ قُصُورًا وَإِيهَامًا وَهِمْيَانٍ وما فيه من النَّفَقَةِ لِأَنَّهُمَا مَسْلُوبَانِ مَأْخُوذَانِ من يَدِهِ
وَإِنْ كَثُرَتْ جَنَائِبُهُ تَخَيَّرَ وَاحِدَةً منها لِأَنَّ كُلًّا منها جَنِيبَةُ قَتِيلِهِ لَا حَقِيبَةٌ مَشْدُودَةٌ على الْفَرَسِ فَلَا يَأْخُذُهَا وَلَا ما فيها من الدَّرَاهِمِ وَالْأَمْتِعَةِ كَسَائِرِ أَمْتِعَتِهِ الْمُخَلَّفَةِ في خَيْمَتِهِ وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ من لِبَاسِهِ وَلَا حِلْيَةِ فَرَسِهِ وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ يَأْخُذُهَا بِمَا فيها لِأَنَّهُ إنَّمَا حَمَلَهَا على فَرَسِهِ لِتَوَقُّعِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا وَالْحَقِيبَةُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ وِعَاءٌ يُجْمَعُ فيه الْمَتَاعُ وَيُجْعَلُ على حَقْوِ الْبَعِيرِ الطَّرَفُ الرَّابِعُ الْقِسْمَةُ لِلْغَنِيمَةِ فَيُعْطِي الْقَاتِلَ السَّلَبَ أَوَّلًا تَفْرِيعًا على الْمَشْهُورِ من أَنَّهُ لَا يُخَمَّسُ ثُمَّ يَخْرُجُ منها الْمُؤَنُ اللَّازِمَةُ كَأُجْرَةِ حَمَّالٍ وَحَارِسٍ وَنَحْوِهِ ثُمَّ يَقْسِمُ الْبَاقِي أَسْهُمًا خَمْسَةً مُتَسَاوِيَةً ثُمَّ يُؤْخَذُ خَمْسُ رِقَاعٍ فَيَكْتُبُ على وَاحِدَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى أو لِلْمَصَالِحِ وَعَلَى الْأَرْبَعِ لِلْغَانِمِينَ وَتُدْرَجُ في بَنَادِقَ مُتَسَاوِيَةٍ وَتُخْلَطُ ويخرج لِأَهْلِ الْخُمُسِ سَهْمٌ بِالْقُرْعَةِ يُجْعَلُ بَيْنَهُمْ على خَمْسَةٍ وَيَقْسِمُ الْأَرْبَعَةَ بين الْغَانِمِينَ أَوَّلًا أَيْ قبل قِسْمَةِ الْخُمُسِ لِأَنَّهُمْ حَاضِرُونَ وَمَحْصُورُونَ وَسَوَاءٌ في ذلك الْمَنْقُولُ وَالْعَقَارُ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَتَكُونُ الْقِسْمَةُ في دَارِ الْحَرْبِ اسْتِحْبَابًا كما فَعَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَتَأْخِيرُهَا بِلَا عُذْرٍ إلَى الْعَوْدِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مَكْرُوهٌ وَيُعْطِي الْإِمَامُ من الْغَنِيمَةِ غَائِبًا حَضَرَ لِلْقِتَالِ قبل انْقِضَائِهِ
____________________
(3/95)
مِمَّا سَيُحَازُ وَإِنْ لم يُقَاتِلْ إنْ كان مِمَّنْ يُسْهَمُ له لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ لَا إنْ حَضَرَ بَعْدَهُ وَلَوْ قبل حِيَازَةِ الْمَالِ أو خِيفَ رُجُوعُ الْكُفَّارِ فَلَا يُعْطِيهِ شيئا لِعَدَمِ شُهُودِ الْوَقْعَةِ وَخَرَجَ بِمَا سَيُحَازُ ما حِيزَ قبل حُضُورِهِ فَلَا شَيْءَ له
فَإِنْ حَاصَرُوا حِصْنًا وَأَشْرَفُوا على فَتْحِهِ فَلَحِقَهُمْ مَدَدٌ شَارَكَهُمْ الْمَدَدُ ما لم يَدْخُلُوا آمِنِينَ بِأَنْ لم يَدْخُلُوهُ أو دَخَلُوهُ خَائِفِينَ بِخِلَافِ ما لو لَحِقَهُمْ مَدَدٌ بَعْدَ دُخُولِهِمْ له آمِنِينَ لَا قبل دُخُولِهِمْ له كَذَلِكَ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُهُ خِلَافَهُ وَلَا حَقَّ لِمُنْهَزِمٍ عن الْقِتَالِ عَادَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ فَإِنْ عَادَ وَأَدْرَكَ الْحَرْبَ فَلَا شَيْءَ له فِيمَا حُزْنَاهُ قَبْلَهُ أَيْ قبل عَوْدِهِ بِخِلَافِ ما حُزْنَاهُ بَعْدَهُ وبخلاف مُتَحَيِّزٍ إلَى فِئَةٍ قَرِيبَةٍ فإنه يُعْطَى لِبَقَائِهِ في الْحَرْبِ مَعْنًى بِخِلَافِ الْمُتَحَيِّزِ إلَى بَعِيدَةٍ
وَإِنْ ادَّعَى التَّحَيُّزَ إلَى فِئَةٍ قَرِيبَةٍ أو التَّحَرُّفَ لِلْقِتَالِ صَدَّقْنَاهُ بِيَمِينِهِ إنْ أَدْرَكَ الْحَرْبَ فَإِنْ حَلَفَ اسْتَحَقَّ من الْجَمِيعِ وَإِنْ نَكَلَ لم يَسْتَحِقَّ إلَّا من الْمَحُوزِ بَعْدَ عَوْدِهِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يُدْرِكْ الْحَرْبَ لَا يَصْدُقُ في ذلك لِأَنَّ الظَّاهِرَ خِلَافُهُ وَلَا حَقَّ لِرَجُلٍ أو فَرَسٍ مَاتَا قبل الْقِتَالِ وَإِنْ دَخَلَا دَارَ الْحَرْبِ لَا إنْ مَاتَا بَعْدَهُ وَلَوْ قبل حِيَازَةِ الْمَالِ فَإِنَّهُمَا يَسْتَحِقَّانِ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من أَنَّ الْغَنِيمَةَ تُمْلَكُ بِانْقِضَاءِ الْقِتَالِ وَلَوْ قبل حِيَازَةِ الْمَالِ وَإِنْ مَاتَا في أَثْنَاءِ الْقِتَالِ بَطَلَ حَقُّ الرَّجُلِ بِمَوْتِهِ لَا حَقُّ الْفَرَسِ بِمَوْتِهِ لِأَنَّ الْفَارِسَ مَتْبُوعٌ فإذا مَاتَ فَاتَ الْأَصْلُ وَالْفَرَسُ تَابِعٌ فإذا مَاتَ جَازَ أَنْ يَبْقَى سَهْمُهُ لِلْمَتْبُوعِ نعم إنْ مَاتَ الْفَارِسُ بَعْدَ حِيَازَةِ الْمَالِ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ منه قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَإِنْ جُرِحَ أو مَرِضَ في أَثْنَاءِ الْقِتَالِ اسْتَحَقَّ نَصِيبَهُ وَلَوْ أَزْمَنَهُ الْجُرْحُ أو الْمَرَضُ لِأَنَّ في إبْطَالِ حَقِّهِ ما يَمْنَعُهُ عن الْجِهَادِ وَلِلِانْتِفَاعِ بِرَأْيِهِ وَدُعَائِهِ وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْعِلَاجِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ في ذلك وَالْمُخَذِّلُ لِلْجَيْشِ عن الْقِتَالِ يُمْنَعُ الْحُضُورُ في الصَّفِّ وَلَا يُرْضَخُ له وَإِنْ حَضَرَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ كما مَرَّ مع زِيَادَةٍ وَلَا يُمْنَعُ الْفَاسِقُ الْحُضُورَ في الصَّفِّ وَإِنْ لم يُؤْمَنْ تَخْذِيلُهُ فَصْلٌ وَإِنْ بَعَثَ الْإِمَامُ سَرَايَا إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَلِكُلِّ سَرِيَّةٍ غُنْمُهَا وَلَا يَشْتَرِكُونَ في الْغُنْمِ إلَّا إنْ تَعَاوَنُوا أو اتَّحَدَ أَمِيرُهُمْ وَالْجِهَةُ فَإِنْ بَعَثَ الْإِمَامُ أو الْأَمِيرُ من دَارِ الْحَرْبِ بِأَنْ كان فيها فَكُلُّهُمْ أَيْ جَيْشُ الْإِمَامِ أو الْأَمِيرِ وَالسَّرِيَّةِ جَيْشٌ وَاحِدٌ فَيَشْتَرِكُونَ فِيمَا غَنِمَهُ كُلٌّ منهم وَلَوْ اخْتَلَفَتْ الْجِهَاتُ الْمَبْعُوثُ إلَيْهَا ولم يَكُنْ الْجَيْشُ مُتَرَصِّدِينَ لِنُصْرَةِ السَّرَايَا بِأَنْ يَكُونُوا بَعِيدِينَ عنه لِاسْتِظْهَارِ كل فِرْقَةٍ بِالْأُخْرَى وقد رُوِيَ أَنَّ جَيْشَ الْمُسْلِمِينَ تَفَرَّقُوا فَغَنِمَ بَعْضُهُمْ بِأَوْطَاسٍ وَأَكْثَرُهُمْ بِحُنَيْنٍ فَشَرِكُوهُمْ وَلَوْ بَعَثَ جَاسُوسًا فَغَنِمُوا أَيْ الْجَيْشُ قبل رُجُوعِهِ لم يَسْقُطْ حَقُّهُ من الْغُنْمِ لِأَنَّهُ فَارَقَهُمْ لِمَصْلَحَتِهِمْ وَخَاطَرَ بِمَا هو أَعْظَمُ من شُهُودِ الْوَقْعَةِ وَلَا يُشَارِكُهُمْ أَيْ السَّرَايَا الْمَبْعُوثِينَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ الْإِمَامُ ولا جَيْشُهُ إنْ كَانُوا في دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ قَصَدَ لُحُوقَهُمْ أو قَرُبَتْ منه دَارُ الْحَرْبِ لِأَنَّ السَّرَايَا كانت تَخْرُجُ من الْمَدِينَةِ على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَتَغْنَمُ فَلَا يُشَارِكُهُمْ الْمُقِيمُونَ بها وَلِأَنَّ إحْدَاهُمَا لَا تَسْتَظْهِرُ بِالْأُخْرَى وَلِأَنَّهُ لَا جَامِعَ ثَمَّ من إمَامٍ أو أَمِيرٍ بِخِلَافِ ما إذَا كان مَعَهُمْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَصْلٌ تُجَّارُ الْعَسْكَرِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ خَرَجَ لِمُعَامَلَةٍ كَالْخَيَّاطِينَ والبزازين وَالْبَقَّالِينَ يُسْهَمُ لهم إنْ قَاتَلُوا لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا الْوَقْعَةَ وَتَبَيَّنَ بِقِتَالِهِمْ أَنَّهُمْ لم يَقْصِدُوا بِخُرُوجِهِمْ مَحْضَ غَيْرِ الْجِهَادِ وَالظَّاهِرُ أَنَّا لو عَلِمْنَا أَنَّهُمْ قَصَدُوا بِخُرُوجِهِمْ مَحْضَ غَيْرِ الْجِهَادِ أَسْهَمْنَا لهم وَإِنْ اقْتَضَى التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ خِلَافَهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُقَاتِلُوا رَضَخَ لهم وَالْإِجْرَاءُ لِغَيْرِ الْجِهَادِ كَسِيَاسَةِ الدَّوَابِّ وَحِفْظِ الْأَمْتِعَةِ يُسْهَمُ لهم إنْ وفي نُسْخَةٍ إذَا حَضَرُوا الصَّفَّ وَقَاتَلُوا كما ذَكَرَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ كَذَلِكَ وَمَحَلُّهُ في أُجَرَاءَ وَرَدَتْ الْإِجَارَةُ على عَيْنِهِمْ فَإِنْ وَرَدَتْ على ذِمَّتِهِمْ أُعْطُوا وَإِنْ لم يُقَاتِلُوا سَوَاءٌ أَتَعَلَّقَتْ بِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ أَمْ لَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يُكْثِرُوا من يَعْمَلُ عَنْهُمْ وَيَحْضُرُوا أَمَّا الْأُجَرَاءُ لِلْجِهَادِ فَإِنْ كَانُوا ذِمِّيِّينَ فَلَهُمْ الْأُجْرَةُ دُونَ السَّهْمِ وَالرَّضْخُ إذْ لم يَحْضُرُوا مُجَاهِدِينَ لِإِعْرَاضِهِمْ عنه بِإِجَارَةٍ أو مُسْلِمِينَ فَلَا أُجْرَةَ لهم لِبُطْلَانِ إجَارَتِهِمْ له لِأَنَّهُمْ بِحُضُورِ الصَّفِّ يَتَعَيَّنُ عليهم وَهَلْ يَسْتَحِقُّونَ السَّهْمَ فيه وَجْهَانِ في الْأَصْلِ أَحَدُهُمَا نعم لِشُهُودِهِمْ الْوَقْعَةَ وَالثَّانِي لَا وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ سَوَاءٌ أَقَاتَلُوا أَمْ لَا لِإِعْرَاضِهِمْ عنه بِالْإِجَارَةِ ولم يَحْضُرُوا مُجَاهِدِينَ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ وَإِنْ أَفْلَتَ أَسِيرٌ
____________________
(3/96)
من يَدِ الْكُفَّارِ أو أَسْلَمَ كَافِرٌ أُسْهِمَ له إنْ حَضَرَ الصَّفَّ وَإِنْ لم يُقَاتِلْ لِشُهُودِهِ الْوَقْعَةَ وَلِقَصْدِ من أَسْلَمَ إعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِسْلَامِ فَيَقْبَحُ حِرْمَانُهُ وَإِنَّمَا يُسْهَمُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِمَّا حِيزَ بَعْدَ حُضُورِهِ فَإِنْ كان هذا الْأَسِيرُ من جَيْشٍ آخَرَ أُسْهِمَ له إنْ قَاتَلَ لِأَنَّهُ قد بَانَ بِقِتَالِهِ قَصْدُهُ لِلْجِهَادِ وَأَنَّ خَلَاصَهُ لم يَتَمَحَّضْ غَرَضًا له فَصَارَ كما لو أَحَاطَ الْكُفَّارُ بِأَهْلِ قَرْيَةٍ لَا يُسْهَمُ لِلْمُقِيمِينَ بها حتى يُقَاتِلُوا لِيَمْتَازَ الْمُجَاهِدُ عن الْمُقِيمِ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ أَحَدُهُمَا وَصَحَّحَهُ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ يُسْهَمُ له لِشُهُودِهِ الْوَقْعَةَ وَثَانِيهِمَا لَا لِعَدَمِ قَصْدِهِ الْجِهَادَ فَصْلٌ يُعْطِي الرَّاجِلَ سَهْمًا وَالْفَارِسَ ثَلَاثَةً سَهْمًا له وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ لِلِاتِّبَاعِ فِيهِمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلَوْ قَاتَلُوا في مَاءٍ أو حِصْنٍ وقد أَحْضَرَ الْفَارِسُ فَرَسَهُ فإنه يُعْطِي الْأَسْهُمَ الثَّلَاثَةَ لِأَنَّهُ قد يَحْتَاجُ إلَى الرُّكُوبِ نَصَّ عليه وَحَمَلَهُ ابن كَجٍّ على ما إذَا كان بِالْقُرْبِ من السَّاحِلِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَخْرُجَ وَيَرْكَبَ وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِإِعْطَائِهِ ذَكَرَ ذلك الْأَصْلُ وَيُغْنِي عنه وَعَنْ الْمُقَيَّدِ بِهِ قَوْلُهُ بَعْدُ وَمَنْ حَضَرَ بِفَرَسٍ إلَى آخِرِهِ
قال الرَّافِعِيُّ وَلَك أَنْ تَقُولَ قَضِيَّةُ التَّوْجِيهِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ يُسْهِمُ لِفَرَسَيْنِ وَأَكْثَرَ لِأَنَّهُ قد يَحْتَاجُ إلَى رُكُوبِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وقد الْتَزَمَ مُؤْنَتَهَا أَيْ وَلَيْسَ مُرَادًا كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي والخيل الْعَرَبِيَّةُ وَالْبَرَاذِينُ وَغَيْرُهُمَا في ذلك سَوَاءٌ لِصَلَاحِيَةِ الْجَمِيعِ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ وَلَا يَضُرُّ تَفَاوُتُهَا كَالرِّجَالِ وفي الصَّحِيحَيْنِ خَبَرُ الْخَيْلُ مَعْقُودٌ في نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ فَأَطْلَقَ لَفْظَ الْخَيْلِ وهو شَامِلٌ لِلْعَتِيقِ وهو عَرَبِيُّ الْأَبَوَيْنِ وَلِلْبِرْذَوْنِ وهو عَجَمِيُّهُمَا وَلِلْهَجِينِ وهو الْعَرَبِيُّ أَبُوهُ فَقَطْ وَلِلْمَقْرِفِ وهو الْعَرَبِيَّةُ أُمُّهُ فَقَطْ نعم يُعْتَبَرُ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا جِذْعًا أو ثَنِيًّا كما سَيَأْتِي في الْمُسَابَقَةِ وَرَاكِبُ الْبَعِيرِ وَالْفِيلِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ رَاجِلٌ أَيْ كَالرَّاجِلِ في أَنَّهُ يُعْطَى سَهْمًا وَاحِدًا لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْحَرْبِ صَلَاحِيَةَ الْخَيْلِ لها بِالْكَرِّ وَالْفَرِّ اللَّذَيْنِ يَحْصُلُ بِهِمَا النُّصْرَةُ غَالِبًا لَكِنْ يُرْضَخُ لها وَيَفْضُلُ الْفِيلُ على الْبَغْلِ وَالْبَغْلُ على الْحِمَارِ
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَفْضُلُ الْبَعِيرُ على الْبَغْلِ بَلْ نُقِلَ عن الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ يُسْهَمُ له لِقَوْلِهِ تَعَالَى فما أَوْجَفْتُمْ عليه من خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ ثُمَّ رَأَيْت في التَّعْلِيقَةِ على الْحَاوِي وَالْأَنْوَارِ تَفْضِيلَ الْبَغْلِ على الْبَعِيرِ ولم أَرَهُ في غَيْرِهِمَا وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْلُغُ بِالرَّضْخِ لها سَهْمُ فَرَسٍ وَلَا يُدْخِلُ الْإِمَامُ دَارَ الْحَرْبِ إلَّا فَرَسًا شَدِيدًا لَا قَحْمًا بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ هَرَمًا ولا أَعْجَفَ أَيْ مَهْزُولًا رَازِحًا بِرَاءٍ وَزَايٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ أَيْ بَيِّنَ الْهُزَالِ وَلَا حَطِمًا أَيْ كَسِيرًا وَلَا ضَرَعًا بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ أَيْ ضَعِيفًا فَلَا يُسْهَمُ لها إذْ لَا غَنَاءَ فيها بِخِلَافِ الشَّيْخِ من الْمُقَاتِلَةِ لِلِانْتِفَاعِ بِرَأْيِهِ وَدُعَائِهِ
قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِالْأَعْجَفِ الْحَرُونُ الْجَمُوحُ وَإِنْ كان شَدِيدًا قَوِيًّا لِأَنَّهُ لَا يَكُرُّ وَلَا يَفِرُّ عِنْدَ الْحَاجَةِ بَلْ يُهْلِكُ رَاكِبَهُ فَإِنْ أَدْخَلَهُ أَيْ شيئا منها أَحَدٌ منهم لم يُسْهَمْ له وَإِنْ لم يَنْهَهُ الْإِمَامُ عن إدْخَالِهِ أو لم يَبْلُغْهُ النَّهْيُ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فيه بَلْ هو كَلٌّ على صَاحِبِهِ بِخِلَافِ الشَّيْخِ لِمَا مَرَّ
وَمَنْ حَضَرَ الصَّفَّ بِفَرَسَيْنِ أَعْطَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَقَطْ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يُعْطِ الزُّبَيْرَ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ وقد حَضَرَ يوم حُنَيْنٍ بِأَفْرَاسٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ حَضَرَ بِفَرَسٍ يَرْكَبُهُ أَسْهَمَ له وَإِنْ لم يُقَاتِلْ عليه ومحله إذَا كان يُمْكِنُهُ رُكُوبُهُ لَا إنْ حَضَرَ معه ولم يَعْلَمْ بِهِ فَلَا يُسْهَمُ له وَلَوْ اسْتَعَارَ فَرَسًا أو اسْتَأْجَرَهُ أو غَصَبَهُ ولم يَحْضُرْ الْمَالِكُ الْوَقْعَةَ فَالسَّهْمُ له لَا لِلْمَالِكِ لِأَنَّهُ الذي أَحْضَرَهُ وَشَهِدَ بِهِ الْوَقْعَةَ وَإِنْ حَضَرَا بِفَرَسٍ لَهُمَا اقْتَسَمَا سَهْمَيْهِ بِحَسَبِ مِلْكَيْهِمَا فَقَوْلُ الْأَصْلِ مُنَاصَفَةً مَحْمُولٌ على ما إذَا كان بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ نَبَّهَ عليه الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ رَكِبَا فَرَسًا وَشَهِدَ الْوَقْعَةَ وَقَوِيَ على الْكَرِّ وَالْفَرِّ بِهِمَا فَأَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ سَهْمَانِ لَهُمَا وَسَهْمَانِ لِلْفَرَسِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَقْوَ على ذلك فَسَهْمَانِ لَهُمَا
قال النَّشَائِيُّ وفي الْفَرْقِ بين هذه وَاَلَّتِي قَبْلَهَا نَظَرٌ لَا سِيَّمَا وقد تَقَرَّرَ أَنَّ الْحَاضِرَ بِهِ كَالرَّاكِبِ انْتَهَى وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْفَرَسَ في الْأُولَى قَوِيَ على الْكَرِّ وَالْفَرِّ بِمَنْ يَرْكَبُهُ بِخِلَافِهِ في الثَّانِيَةِ وَإِنْ ضَاعَ فَرَسُهُ الذي يُرِيدُ الْقِتَالَ عليه أو غُصِبَ منه وَقَاتَلَ عليه غَيْرُهُ وَحَضَرَ الْمَالِكُ الْوَقْعَةَ فَالسَّهْمُ الذي لِلْفَرَسِ له أَيْ لِمَالِكِهِ لِأَنَّهُ شَهِدَ الْوَقْعَةَ ولم يُوجَدْ منه اخْتِيَارُ إزَالَةِ يَدٍ فَصَارَ كما لو كان معه ولم يُقَاتِلْ عليه وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْأَعْمَى وَالزَّمِنَ وَمَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ
____________________
(3/97)
وَالرَّجُلَيْنِ لَا يُسْهَمُ لهم لَكِنْ يُرْضَخُ لهم وَإِنْ شَرَطَ الْإِمَامُ لهم أَيْ لِلْجَيْشِ أَنْ لَا يُخَمِّسَ عليهم لم يَصِحَّ الشَّرْطُ وَيَجِبُ تَخْمِيسُ ما غَنِمُوهُ سَوَاءٌ أَشَرَطَ ذلك لِضَرُورَةٍ أَمْ لَا وَمَنْ اسْتَحَقَّ السَّهْمَ اسْتَحَقَّ السَّلَبَ مع تَمَامِ سَهْمِهِ لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عن ظَاهِرِ النَّصِّ خِلَافًا لِمَنْ نَقَلَ عن الْمَاوَرْدِيِّ ما يُخَالِفُ ذلك كِتَابُ النِّكَاحِ هو لُغَةً الضَّمُّ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَنَاكَحَتْ الْأَشْجَارُ إذَا تَمَايَلَتْ وَانْضَمَّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَشَرْعًا عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ إبَاحَةَ وَطْءٍ بِلَفْظِ إنْكَاحٍ أو تَزْوِيجٍ أو تَرْجَمَتِهِ وهو حَقِيقَةٌ في الْعَقْدِ مَجَازٌ في الْوَطْءِ كما جاء بِهِ الْقُرْآنُ وَالْأَخْبَارُ وَإِنَّمَا حُمِلَ على الْوَطْءِ في قَوْله تَعَالَى حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ حتى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك وَقِيلَ حَقِيقَةٌ في الْوَطْءِ مَجَازٌ في الْعَقْدِ وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَالْأَصْلُ فيه قبل الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَانْكِحُوا ما طَابَ لَكُمْ من النِّسَاءِ وَقَوْلِهِ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا وَخَبَرِ من أَحَبَّ فِطْرَتِي فَلْيَسْتَنَّ بِسُنَّتِي وَمِنْ سُنَّتِي النِّكَاحُ رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ بَلَاغًا وَخَبَرِ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِهَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ قال الْأَطِبَّاءُ وَمَقَاصِدُ النِّكَاحِ ثَلَاثَةٌ حِفْظُ النَّسْلِ وَإِخْرَاجُ الْمَاءِ الذي يَضُرُّ احْتِبَاسُهُ بِالْبَدَنِ وَنَيْلُ اللَّذَّةِ وَهَذِهِ الثَّالِثَةُ هِيَ التي في الْجَنَّةِ إذْ لَا تَنَاسُلَ هُنَاكَ وَلَا احْتِبَاسَ وَفِيهِ أَبْوَابٌ اثْنَا عَشَرَ الْأَوَّلُ في بَيَانِ خَصَائِصِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنَّمَا ذَكَرُوهَا هُنَا لِأَنَّهَا في النِّكَاحِ أَكْثَرُ منها في غَيْرِهِ وَالصِّيغَةُ الْمَذْكُورَةُ مُشْعِرَةٌ بِذِكْرِ جَمِيعِ خَصَائِصِهِ إذْ الْجَمْعُ الْمُضَافُ لِمَعْرِفَةٍ مُسْتَغْرِقٌ وَلَيْسَ مُرَادًا لِمَا سَيَأْتِي وَهِيَ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ أَحَدُهَا الْوَاجِبَاتُ وَخَصَّ بها لِزِيَادَةِ الزُّلْفَى وَالدَّرَجَاتِ فَلَنْ يَتَقَرَّبَ الْمُتَقَرِّبُونَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِ أَدَاءِ ما افْتَرَضَ عليهم قال في الرَّوْضَةِ
قال الْإِمَامُ هُنَا قال بَعْضُ عُلَمَائِنَا الْفَرِيضَةُ يَزِيدُ ثَوَابُهَا على ثَوَابِ النَّافِلَةِ أَيْ الْمُمَاثِلَةِ لها بِسَبْعِينَ دَرَجَةً وَهِيَ الضُّحَى وَالْوِتْرُ وَالْأُضْحِيَّةَ لِخَبَرِ ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ وَلَكُمْ تَطَوُّعٌ النَّحْرُ وَالْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الضُّحَى رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ وَيُؤْخَذُ منه أَنَّ الْوَاجِبَ عليه أَقَلُّ الضُّحَى لَا أَكْثَرُهُ وَقِيَاسُهُ في الْوِتْرِ كَذَلِكَ وَاسْتَشْكَلَ وُجُوبَ الثَّلَاثَةِ عليه بِضَعْفِ الْخَبَرِ وَبِجَمْعِ الْعُلَمَاءِ بين أَخْبَارِ الضُّحَى الْمُتَعَارِضَةِ في سُنِّيَّتِهَا بِأَنَّهُ كان لَا يُدَاوِمُ عليها مَخَافَةَ أَنْ تُفْرَضَ على أُمَّتِهِ فَيَعْجِزُوا عنها وَبِأَنَّهُ قد صَحَّ عنه أَنَّهُ كان يُوتِرُ على بَعِيرِهِ وَلَوْ كان وَاجِبًا عليه لَامْتَنَعَ ذلك وقد يُجَابُ عن الْأَوَّلِ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ اعْتَضَدَ بِغَيْرِهِ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ صَلَاةَ الضُّحَى وَاجِبَةٌ عليه في الْجُمْلَةِ وَعَنْ الثَّالِثِ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صَلَّاهَا على الرَّاحِلَةِ وَهِيَ وَاقِفَةٌ على أَنَّ جَوَازَ أَدَائِهَا
____________________
(3/98)
على الرَّاحِلَةِ من خَصَائِصِهِ أَيْضًا وَالسِّوَاكُ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ بِهِ لِكُلِّ صَلَاةٍ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ وَالْمُشَاوَرَةُ لِذَوِي الْأَحْلَامِ في الْأَمْرِ قال تَعَالَى وَشَاوِرْهُمْ في الْأَمْرِ لَكِنْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ على عَدَمِ وُجُوبِهَا عليه حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ في الْمَعْرِفَةِ عِنْدَ اسْتِئْذَانِ الْبِكْرِ وَتَغْيِيرُ مُنْكَرٍ رَآهُ قال الْغَزَالِيُّ ولم يَعْلَمْ أو يَظُنَّ أَنَّ فَاعِلَهُ يَزِيدُ فيه عِنَادًا مُطْلَقًا عن التَّقْيِيدِ بِعَدَمِ الْخَوْفِ وَمُصَابَرَةُ الْعَدُوِّ وَإِنْ كَثُرَ وَلَوْ زَادَ على الضِّعْفِ وَلَوْ مع الْخَوْفِ لِأَنَّهُ مَوْعُودٌ بِالْعِصْمَةِ وَالنَّصْرِ وَقَضَاءُ دَيْنِ مُسْلِمٍ مَاتَ مُعْسِرًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أنا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ من أَنْفُسِهِمْ فَمَنْ تُوُفِّيَ منهم فَتَرَك دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ وَقَيَّدَهُ الْإِمَامُ بِمَا إذَا اتَّسَعَ الْمَالُ
وَلَا يَجِبُ على الْإِمَامِ بَعْدَهُ قَضَاؤُهُ من مَالِ الْمَصَالِحِ كما جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ يَجِبُ عليه بِشَرْطِ اتِّسَاعِ الْمَالِ وَفَضْلِهِ عن مَصَالِحِ الْأَحْيَاءِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَتَخْيِيرُ نِسَائِهِ بين مُفَارَقَتِهِ طَلَبًا لِلدُّنْيَا وَاخْتِيَارِهِ طَلَبًا لِلْآخِرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى يا أَيُّهَا النبي قُلْ لِأَزْوَاجِك الْآيَتَيْنِ وَلِئَلَّا يَكُونَ مُكْرِهًا لَهُنَّ على الصَّبْرِ على ما آثَرَهُ لِنَفْسِهِ من الْفَقْرِ وَهَذَا لَا يُنَافِي ما صَحَّ أَنَّهُ تَعَوَّذَ من الْفَقْرِ لِأَنَّهُ في الْحَقِيقَةِ إنَّمَا تَعَوَّذَ من فِتْنَتِهِ كما تَعَوَّذَ من فِتْنَةِ الْغِنَى أو تَعَوَّذَ من فَقْرِ الْقَلْبِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ ليس الْغِنَى بِكَثْرَةِ الْعَرَضِ وَإِنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ وَلَمَّا خَيَّرَهُنَّ وَاخْتَرْنَهُ حَرَّمَ اللَّهُ عليه التَّزَوُّجَ عَلَيْهِنَّ وَالتَّبَدُّلَ بِهِنَّ مُكَافَأَةً لَهُنَّ فقال لَا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ من بَعْدُ الْآيَةَ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إنَّا أَحْلَلْنَا لَك الْآيَةَ لِتَكُونَ له الْمِنَّةُ بِتَرْكِ التَّزَوُّجِ عَلَيْهِنَّ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ
وَلَا يُشْتَرَطُ الْجَوَابُ مِنْهُنَّ له فَوْرًا لِمَا في خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ من أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّخْيِيرِ بَدَأَ بِعَائِشَةَ وقال إنِّي ذَاكِرٌ لَك أَمْرًا فَلَا تُبَادِرِينِي بِالْجَوَابِ حتى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك فَلَوْ اخْتَارَتْهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لم يَحْرُمْ عليه طَلَاقُهَا كَلَّمَتْهُ أو كَرِهَتْهُ بِأَنْ اخْتَارَتْ الدُّنْيَا تَوَقَّفَتْ الْفُرْقَةُ على الطَّلَاقِ فَلَا تَحْصُلُ بِاخْتِيَارِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ وَهَلْ قَوْلُهَا اخْتَرْت نَفْسِي طَلَاقٌ وَهَلْ له تَزَوُّجُهَا بَعْدَ الْفِرَاقِ إذَا لم تَكْرَه تَزَوُّجَهُ أو له تَخْيِيرُهُنَّ فِيمَا مَرَّ قبل مُشَاوَرَتِهِنَّ في كُلٍّ من الثَّلَاثَةِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا لَا في الْأُولَى وَتَعُمُّ في الْأَخِيرَتَيْنِ وَذِكْرُهُ الْأَخِيرَةَ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَتَعْبِيرُهُ في الْأُولَى بِالطَّلَاقِ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِقَوْلِهِ صَرِيحٌ في الْفِرَاقِ وَنَسَخَ وُجُوبَ التَّهَجُّدِ عليه كما نَسَخَ وُجُوبَهُ على غَيْرِهِ وَدَلِيلُ وُجُوبِهِ قَوْله تَعَالَى وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَك وَدَلِيلُ النُّسَخِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ لَا وُجُوبَ الْوِتْرِ عليه فلم يُنْسَخْ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْوِتْرَ غَيْرُ التَّهَجُّدِ وهو ما صَرَّحَ الْأَصْلُ بِتَرْجِيحِهِ هُنَا لَكِنَّهُ رَجَحَ فِيمَا مَرَّ في صَلَاةِ التَّطَوُّعِ أَنَّهُ تَهَجَّدَ وَتَقَدَّمَ ثَمَّ الْجَمْعُ بين الْكَلَامَيْنِ النَّوْعُ الثَّانِي الْمُحَرَّمَاتُ عليه وَخُصَّ بها تَكْرِمَةً له إذْ أَجْرُ تَرْكِ الْمُحَرَّمِ أَكْثَرُ من أَجْرِ تَرْكِ الْمَكْرُوهِ وَفِعْلِ الْمَنْدُوبِ وَهِيَ الزَّكَاةُ وَالصَّدَقَةُ نَفْلُهَا وَفَرْضُهَا كَالْكَفَّارَةِ لِمَا مَرَّ في قَسْمِ الصَّدَقَاتِ وَصِيَانَةً لِمَنْصِبِهِ الشَّرِيفِ لِأَنَّهُمَا يُنْبِئَانِ عن ذُلِّ الْآخِذِ وَعِزِّ الْمَأْخُوذِ منه وَأُبْدِلَ بِهِمَا الْفَيْءَ الذي يُؤْخَذُ على سَبِيلِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ الْمُنْبِئُ عن عِزِّ الْآخِذِ وَذُلِّ الْمَأْخُوذِ منه وَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ على الصَّدَقَةِ لَأَغْنَاهُ عَمَّا قَبْلَهَا وَمَعْرِفَةُ الْخَطِّ وَالشَّعْرِ أَيْ تَعَلُّمُهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِك وَقَوْلُهُ وما عَلَّمْنَاهُ الشَّعْرَ وما يَنْبَغِي له وَأَلْحَقَ الْمَاوَرْدِيُّ
____________________
(3/99)
وَالرُّويَانِيُّ بِالْخَطِّ الْقِرَاءَةَ من الْكِتَابِ وَبِتَعَلُّمِ الشَّعْرِ رِوَايَتَهُ وما رُوِيَ من أَنَّهُ خَطَّ حُمِلَ على أَنَّهُ كان يُوحِي أو على أَنَّهُ أَمْرٌ من خَطٍّ فَنُسِبَ إلَيْهِ الْفِعْلُ تَجَوُّزًا أو أَنَّهُ صَدَرَ منه مُعْجِزَةً وما رُوِيَ عنه من الرَّجَزِ كَقَوْلِهِ أنا النبي لَا كَذِبَ أنا ابن عبد الْمُطَّلِبِ مَبْنِيٌّ على قَوْلِ الْأَخْفَشِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الرَّجَزَ ليس بِشَعْرٍ أو أَنَّهُ لم يَقْصِدْهُ بَلْ وَقَعَ مُرَجَّزًا لَا الْأَكْلُ لِثُومٍ وَنَحْوِهِ كَبَصَلٍ وَكُرَّاثٍ فَلَا يَحْرُمُ عليه إذْ لم يَثْبُتْ فيه ما يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ وَإِنَّمَا كُرِهَ أَكْلُهُ لِتَأَذِّي الْمَلَائِكَةِ بِرَائِحَتِهِ وفي مُسْلِمٍ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ صَنَعَ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم طَعَامًا فيه ثُومٌ وفي رِوَايَةٍ أَرْسَلَ إلَيْهِ بِطَعَامٍ من خُضْرَةٍ فيه بَصَلٌ وَكُرَّاثٌ فَرَدَّهُ ولم يَأْكُلْ منه فقال له أَحَرَامٌ هو قال لَا وَلَكِنِّي أَكْرَهُهُ أو الْأَكْلُ مُتَّكِئًا لِمَا مَرَّ وَأَمَّا خَبَرُ الْبُخَارِيِّ أنا لَا آكُلُ وأنا مُتَّكِئٌ فَلَا يَدُلُّ على تَحْرِيمِهِ نعم هذا وما قَبْلَهُ مَكْرُوهَانِ في حَقِّهِ كما في حَقِّ أُمَّتِهِ صَرَّحَ بِهِ في حَقِّهِمْ في الْأَوَّلِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ مُقَيَّدًا بِالنِّيءِ وَبِالثَّانِي الرَّافِعِيُّ قال الْخَطَّابِيُّ وَالْمُتَّكِئُ الْجَالِسُ الْمُعْتَمِدُ على وَطَاءٍ تَحْتَهُ وَأَقَرَّهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَنْكَرَهُ ابن الْجَوْزِيِّ وقال بَلْ هو الْمَائِلُ على جَنْبٍ وَفَسَّرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِالْأَوَّلِ ثُمَّ قال وَلَيْسَ هو الْمَائِلُ على جَنْبٍ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ
وَيَحْرُمُ عليه نَزْعُ لَامَتِهِ أَيْ سِلَاحِهِ قبل الْقِتَالِ لِلْعُدْوَانِ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِخَبَرِ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَلْبَسَ لَامَتِهِ فَيَضَعَهَا حتى يُقَاتِلَ عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَسْنَدَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ ذلك من خَصَائِصِ الْأَنْبِيَاءِ وَمَدُّ الْعَيْنِ إلَى مَتَاعِ الناس أَيْ إلَى ما مَتَّعُوا بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْك الْآيَةَ وَخَائِنَةُ الْأَعْيُنِ وَهِيَ الْإِيمَاءُ بِمَا يُظْهِرُ خِلَافَهُ من مُبَاحٍ من نَحْوِ ضَرْبٍ أو قَتْلٍ وَسُمِّيَ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ لِشَبَهِهِ بِالْخِيَانَةِ بِإِخْفَائِهِ دُونَ الْخَدِيعَةِ في الْحَرْبِ فَلَا تَحْرُمُ عليه لِمَا في الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ كان إذَا أَرَادَ غَزْوَةً وَرَّى بِغَيْرِهَا وَإِمْسَاكُ من كَرِهَتْ نِكَاحَهُ كما هو قَضِيَّةُ وُجُوبِ تَخْيِيرِهِ نِسَاءَهُ وَاحْتَجَّ له بِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِزَوْجَتِهِ الْقَائِلَةِ له أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْك لقد اسْتَعَذْت بِمَعَاذٍ الْحَقِي بِأَهْلِك رُوِيَ أَنَّ نِسَاءَهُ لَقَّنَّهَا أَنْ تَقُولَ له ذلك وَقُلْنَ لها أَنَّهُ كَلَامٌ يُعْجِبُهُ
وَنِكَاحُ كِتَابِيَّةٍ لِأَنَّهَا تَكْرَهُ صُحْبَتَهُ وَلِأَنَّهُ أَشْرَفُ من أَنْ يَضَعَ مَاءَهُ في رَحِمِ كَافِرَةٍ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمُشْرِكَةُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَلِخَبَرِ سَأَلْت رَبِّي أَنْ لَا أُزَوَّجَ إلَّا من كان مَعِي في الْجَنَّةِ فَأَعْطَانِي رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ لَا التَّسَرِّي بها فَلَا يَحْرُمُ قال الْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَسَرَّى بِرَيْحَانَةَ وَكَانَتْ يَهُودِيَّةً من سَبْيِ قُرَيْظَةَ وَاسْتَشْكَلَ بهذا تَعْلِيلَهُمْ السَّابِقَ بِأَنَّهُ أَشْرَفُ من أَنْ يَضَعَ مَاءَهُ في رَحِمِ كَافِرَةٍ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْقَصْدَ بِالنِّكَاحِ أَصَالَةُ التَّوَالُدِ فَاحْتِيطَ له وَبِأَنَّهُ يَلْزَمُ فيه أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ الْمُشْرِكَةُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِخِلَافِ الْمِلْكِ فِيهِمَا وَنِكَاحُ الْأَمَةِ وَلَوْ مُسْلِمَةً لِأَنَّ نِكَاحَهَا مُعْتَبَرٌ لِخَوْفِ الْعَنَتِ وهو مَعْصُومٌ بِفِقْدَانِ مَهْرِ الْحُرَّةِ وَنِكَاحُهُ غَنِيٌّ عن الْمَهْرِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَبِرِقِّ الْوَلَدِ وَمَنْصِبُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُنَزَّهٌ عنه وَالْمَنُّ أَيْ إعْطَاؤُهُ الْعَطَايَا لِيَسْتَكْثِرَ أَيْ لِيَطْلُبَ الْكَثْرَةَ بِالطَّمَعِ في الْعِوَضِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ وَإِنْ فَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ أَيْ لَا تُعْطِ شيئا لِتَأْخُذَ أَكْثَرَ منه وَهَذَا من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ النَّوْعُ الثَّالِثُ التَّخْفِيفَاتُ وَالْمُبَاحَاتُ له وَخُصَّ بها تَوْسِعَةً عليه وَتَنْبِيهًا على أَنَّ ما خُصَّ بِهِ منها لَا يُلْهِيهِ عن طَاعَتِهِ وَإِنْ أَلْهَى غَيْرَهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُبَاحِ هُنَا ما اسْتَوَى طَرَفَاهُ بَلْ ما لَا حَرَجَ في فِعْلِهِ وَلَا في تَرْكِهِ وَهِيَ نِكَاحُ تِسْعٍ لِأَنَّهُ مَأْمُونُ الْجَوْرِ وقد مَاتَ عن تِسْعٍ وَلِأَنَّ غَرَضَهُ نَشْرُ بَاطِنِ الشَّرِيعَةِ وَظَاهِرِهَا وكان أَشَدَّ الناس حَيَاءً فَأُبِيحَ له تَكْثِيرُ النِّسَاءِ لِيَنْقُلْنَ ما يَرَيْنَهُ من أَفْعَالِهِ وَيَسْمَعْنَهُ من أَقْوَالِهِ التي قد يَسْتَحْيِ من الْإِفْصَاحِ بها بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ وَحَرُمَ عليه الزِّيَادَةُ عَلَيْهِنَّ أَيْ التِّسْعِ بِقَوْلِهِ لَا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ من بَعْدُ أَيْ بَعْدَ التِّسْعِ اللَّاتِي اخْتَرْنَك ثُمَّ نُسِخَ فَأُبِيحَ له أَنْ يَنْكِحَ أَكْثَرَ مِنْهُنَّ بِآيَةِ إنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك كما مَرَّ وَالتَّنْبِيهُ على أَنَّ ذلك حَرُمَ ثُمَّ نُسِخَ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَيَنْعَقِدُ نِكَاحُهُ حَالَةَ كَوْنِهِ مُحْرِمًا بِنُسُكٍ لِخَبَرٍ الصَّحِيحَيْنِ عن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نَكَحَ مَيْمُونَةَ وهو مُحْرِمٌ لَكِنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ عن ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهُ كان حَلَالًا وفي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ قالت تَزَوَّجَنِي النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفٍ وقال أبو رَافِعٍ تَزَوَّجَهَا وهو حَلَالٌ وَكُنْت السَّفِيرَ بَيْنَهُمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وقد رَدَّ الشَّافِعِيُّ
____________________
(3/100)
بِذَلِكَ رِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْأُولَى وينعقد نِكَاحُهُ بِلَا وَلِيٍّ وَشُهُودٍ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْوَلِيِّ لِلْمُحَافَظَةِ على الْكَفَاءَةِ وهو فَوْقَ الْأَكْفَاءِ وَاعْتِبَارُ الشُّهُودِ لِأَمْنِ الْجُحُودِ وهو مَأْمُونٌ منه وَالْمَرْأَةُ لو جَحَدَتْ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا بَلْ قال الْعِرَاقِيُّ شَارِحُ الْمُهَذَّبِ تَكْفُرُ بِتَكْذِيبِهِ وينعقد بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَبِمَعْنَاهَا إيجَابًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً الْآيَةَ لَا قَبُولًا بَلْ يَجِبُ لَفْظُ النِّكَاحِ أو التَّزْوِيجِ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى إنْ أَرَادَ النبي أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا وَلَا مَهْرَ عليه لِلْوَاهِبَةِ له نَفْسَهَا وَإِنْ دخل بها كما هو قَضِيَّةُ الْهِبَةِ وَتَجِبُ إجَابَتُهُ إلَى بِمَعْنَى على امْرَأَةٍ رَغِبَ فيها وَيَحْرُمُ على غَيْرِهِ خِطْبَتُهَا ويجب على زَوْجِهَا طَلَاقُهَا لِيَنْكِحَهَا قال الْمَاوَرْدِيُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ
وقال الْغَزَالِيُّ لِقِصَّةِ زَيْدٍ رضي اللَّهُ عنه قال وَلَعَلَّ السِّرَّ فيه من جَانِبِ الزَّوْجِ امْتِحَانُ إيمَانِهِ بِتَكْلِيفِهِ النُّزُولَ عن أَهْلِهِ وَمِنْ جَانِبِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ابْتِلَاؤُهُ بِبَلِيَّةِ الْبَشَرِيَّةِ وَمَنْعُهُ من خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ وَلِذَلِكَ قال تَعَالَى وَتُخْفِي في نَفْسِك ما اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى الناس وَاَللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ وَلَا شَيْءَ أَدْعَى لِحِفْظِ الْبَصَرِ من لَمَحَاتِهِ الِاتِّفَاقِيَّةِ من هذا التَّكْلِيفِ وَهَذَا مِمَّا يُورِدُهُ الْفُقَهَاءُ في نَوْعِ التَّخْفِيفَاتِ وَعِنْدِي أَنَّهُ في حَقِّهِ في غَايَةِ التَّشْدِيدِ إذْ لو كُلِّفَ بِذَلِكَ أَيْ بِمَنْعِ خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ آحَادُ الناس لَمَا فَتَحُوا أَعْيُنَهُمْ في الشَّوَارِعِ وَالطُّرُقَاتِ خَوْفًا من ذلك وَلِذَلِكَ قالت عَائِشَةُ رضي اللَّهُ عنها لو كان صلى اللَّهُ عليه وسلم يُخْفِي آيَةً لَأَخْفَى هذه وَيُجَابُ بِأَنَّ الْآحَادَ غَيْرُ مَعْصُومِينَ فَنُقِلَ عليهم ذلك بِخِلَافِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَهُ تَزْوِيجُ من شَاءَ من النِّسَاءِ لِمَنْ شَاءَ ولو لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ من الْمَرْأَةِ وَوَلِيِّهَا مُتَوَالِيًا الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ من أَنْفُسِهِمْ وَيُزَوِّجُهُ اللَّهُ فَتَحِلُّ له الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ من غَيْرِ تَلَفُّظٍ بِعَقْدٍ كما في قَضِيَّةِ امْرَأَةِ زَيْدٍ فلما قَضَى زَيْدٌ منها وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا وَأُبِيحَ له الْوِصَالُ في الصَّوْمِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الْوِصَالِ فَقِيلَ إنَّك تُوَاصِلُ فقال إنِّي لَسْت مِثْلَكُمْ إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى أَيْ أُعْطَى قُوَّةَ الطَّاعِمِ وَالشَّارِبِ وَصَفِيُّ الْمَغْنَمِ وهو ما يَخْتَارُهُ منه قبل الْقِسْمَةِ من جَارِيَةٍ وَغَيْرِهَا وَمِنْ صَفَايَاهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَا يَخْتَصُّ هذا بِالْمَغْنَمِ بَلْ له ذلك من الْفَيْءِ أَيْضًا قَالَهُ ابن كَجٍّ في
____________________
(3/101)
التَّجْرِيدِ وَخُمُسُ الْخُمُسِ من الْفَيْءِ وَالْمَغْنَمِ كان صلى اللَّهُ عليه وسلم يُنْفِقُ منه في مَصَالِحِهِ وما فَضَلَ جَعَلَهُ في مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُ أَيْضًا مع خُمُسِ الْغَنِيمَةِ سَهْمٌ كَسِهَامِ الْغَانِمِينَ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْفَيْءِ وَإِنْ لم يَأْخُذْهَا كما مَرَّ في كِتَابِ الْفَيْءِ وَيَقْضِي بِعِلْمِهِ وَلَوْ في حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى بِلَا خِلَافٍ وَيَحْكُمُ وَيَشْهَدُ لِوَلَدِهِ وَلِنَفْسِهِ لِأَنَّ الْمَنْعَ من ذلك في حَقِّ الْأُمَّةِ لِلرِّيبَةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ عنه قَطْعًا وَيَحْمِي الْمَوَاتَ لِنَفْسِهِ وَإِنْ لم يَحْمِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَغَيْرِهِ من الْأَئِمَّةِ إنَّمَا يَحْمِي لِنَحْوِ نَعَمِ الصَّدَقَةِ كما مَرَّ في بَابِهِ وَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ له بِمَا ادَّعَاهُ اعْتِمَادًا على دَعْوَاهُ لِقِصَّةِ خُزَيْمَةَ الْآتِيَةِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَيَقْبَلُ هو شَهَادَةَ من شَهِدَ له لِانْتِفَاءِ الرِّيبَةِ عنه قَطْعًا كما مَرَّ وَلِأَنَّهُ قَبِلَ شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ لِنَفْسِهِ وَقِصَّتِهِ في أبي دَاوُد وَالْحَاكِمِ وَصَحَّحَهَا وَخَالَفَ ابن حَزْمٍ فَأَعَلَّهَا وَلَهُ أَخْذُ طَعَامِ غَيْرِهِ وَإِنْ احْتَاجَهُ الْغَيْرُ وَيَجِبُ على الْغَيْرِ إعْطَاؤُهُ له وَبَذْلُ النَّفْسِ دُونَهُ لو قَصَدَهُ ظَالِمٌ بِحَضْرَتِهِ فَيَفْدِي بِمُهْجَتِهِ مُهْجَتَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم فإنه أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ من أَنْفُسِهِمْ
وَلَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ بِالنَّوْمِ وَلَوْ غير مُمَكَّنٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم اضْطَجَعَ وَنَامَ حتى نَفَخَ ثُمَّ قام فَصَلَّى ولم يَتَوَضَّأْ وَمَنْ شَتَمَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أو لَعَنَهُ جَعَلَ اللَّهُ له ذلك قُرْبَةً بِدُعَائِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ اللَّهُمَّ إنِّي اتَّخَذْت عِنْدَك عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ فَإِنَّمَا أنا بَشَرٌ فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ آذَيْته أو شَتَمْته أو لَعَنْته فَاجْعَلْهَا له زَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بها إلَيْك يوم الْقِيَامَةِ وفي رِوَايَةٍ إنِّي اشْتَرَطْت على رَبِّي فَقُلْت إنَّمَا أنا بَشَرٌ أَرْضَى كما يَرْضَى الْبَشَرُ وَأَغْضَبُ كما يَغْضَبُ الْبَشَرُ فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْت عليه من أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ ليس لها بِأَهْلٍ أَنْ تَجْعَلَهَا له طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً وَإِنَّمَا سَاغَ ذلك مع أَنَّهُ ليس أَهْلًا لها لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ ليس أَهْلًا لها في بَاطِنِ الْأَمْرِ لَكِنَّهُ في الظَّاهِرِ يَسْتَوْجِبُهُ بِأَمَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ وهو صلى اللَّهُ عليه وسلم مَأْمُورٌ بِالْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ أو لِأَنَّ ما وَقَعَ منه من ذلك ليس مَقْصُودًا بَلْ هو مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْعَرَبِ من وَصْلِ كَلَامِهَا بِنَحْوِ ذلك كَقَوْلِهِ تَرِبَتْ يَمِينُك وَعَقْرَى حَلْقَى فَخَافَ أَنْ يُسْتَجَابَ في ذلك فَسَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يَجْعَلَ ذلك طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ شَتَمَهُ إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وهو في الرَّافِعِيِّ وَفِيهِ أَنَّ صَاحِبَ التَّلْخِيصِ حَكَى أَنَّ له دُخُولَ الْمَسْجِدِ جُنُبًا قال في الرَّوْضَةِ وقد يَحْتَجُّ له بِخَبَرِ يا عَلِيُّ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُجْنِبَ في هذا الْمَسْجِدِ غَيْرِي وَغَيْرِكَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال حَسَنٌ غَرِيبٌ لَكِنْ في سَنَدِهِ ضَعِيفٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُحَدِّثِينَ قال وَلَعَلَّهُ اعْتَضَدَ بِمَا اقْتَضَى حُسْنَهُ فَظَهَرَ تَرْجِيحُ قَوْلِ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ هذا لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ وَحَمْلُ دُخُولِ الْمَسْجِدِ على الْمُكْثِ بِهِ ليس من الْخَصَائِصِ لِمُشَارَكَةِ عَلِيٍّ له فيه وَحَذَفَ أَيْضًا أَنَّهُ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا بِمَعْنَى أَنَّهُ أَعْتَقَهَا بِلَا عِوَضٍ وَتَزَوَّجَهَا بِلَا مَهْرٍ مُطْلَقًا لِأَنَّ هذه في مَعْنَى الْوَاهِبَةِ نَفْسَهَا له وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا مَهْرَ لها مُطْلَقًا وَحَذَفَ أَيْضًا أَنَّهُ هل كان يَحِلُّ له الْجَمْعُ بين الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أو خَالَتِهَا وَجْهَانِ بِنَاءً على أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ هل يَدْخُلُ في الْخِطَابِ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْبِنَاءِ تَرْجِيحُ الْمَنْعِ فَلَا تَكُونُ من الْخَصَائِصِ إلَّا على وَجْهٍ ضَعِيفٍ وَمُعْظَمُ هذه الْمُبَاحَاتِ لم يَفْعَلْهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنْ كان له فِعْلُهُ وقد صَرَّحْت بِبَعْضِهِ فِيمَا مَرَّ الرَّابِعُ الْفَضَائِلُ وَالْإِكْرَامُ وَهِيَ تَحْرِيمُ مَنْكُوحَاتِهِ على غَيْرِهِ وَلَوْ مُطَلَّقَاتٍ وَلَوْ بِاخْتِيَارِهِنَّ لِفِرَاقِهِ وِفَاقًا لِلْجُمْهُورِ خِلَافًا لِمَا في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَسَوَاءٌ أَكُنَّ مَوْطُوآتٍ أَمْ لَا لِآيَةِ وما كان لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ قِيلَ نَزَلَتْ في طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ فإنه قال إنْ مَاتَ لَأَتَزَوَّجَنَّ عَائِشَةَ وَلِأَنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ قال تَعَالَى وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَلِأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ في الْجَنَّةِ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ في الْجَنَّةِ لِآخِرِ أَزْوَاجِهَا كما قَالَهُ ابن الْقُشَيْرِيِّ وَسَرَارِي أَيْ وَتَحْرِيمُ سَرَارِيهِ أَيْ إمَائِهِ الْمَوْطُوآتِ على غَيْرِهِ إكْرَامًا له بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَوْطُوآتِ وَقِيلَ لَا تَحْرُمُ الْمَوْطُوآتُ أَيْضًا وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِمَا رَجَّحَهُ جَزَمَ الطَّاوُسِيُّ وَالْبَازِرِيُّ مع تَقْيِيدِهِمَا ذلك بِالْمَوْطُوآتِ وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِسَرَارِيهِ لَسَلِمَ من إيهَامِ عَطْفِهِنَّ على مُطَلَّقَاتٍ وَتَفْضِيلُ زَوْجَاتِهِ على سَائِرِ النِّسَاءِ على ما يَأْتِي تَفْضِيلُهُ قال تَعَالَى يا نِسَاءَ النبي لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ من النِّسَاءِ إنْ اتَّقَيْتُنَّ وَثَوَابُهُنَّ وَعِقَابُهُنَّ مُضَاعَفٌ
____________________
(3/102)
قال تَعَالَى يا نِسَاءَ النبي من يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ الْآيَتَيْنِ وَهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ أَيْ مِثْلُهُنَّ لَا في حُكْمِ الْخَلْوَةِ وَالنَّظَرِ وَالْمُسَافَرَةِ وَالظِّهَارِ وَالنَّفَقَةِ وَالْمِيرَاثِ بَلْ في تَحْرِيمِ نِكَاحِهِنَّ وَوُجُوبِ احْتِرَامِهِنَّ وَطَاعَتِهِنَّ إكْرَامًا له وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ فَقَطْ أَيْ يُقَالُ لهم أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ لَا أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنَاتِ وَلَا يُقَالُ لِبَنَاتِهِنَّ أَخَوَاتُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا لِآبَائِهِنَّ وَأُمَّهَاتِهِنَّ أَجْدَادُ الْمُؤْمِنِينَ وَجَدَّاتُهُمْ وَلَا لِإِخْوَتِهِنَّ وَإِخْوَانِهِنَّ أَخْوَالُ الْمُؤْمِنِينَ وَخَالَاتُهُمْ كَهُوَ في الْأُبُوَّةِ أَيْ كما أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَبٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى ما كان مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ من رِجَالِكُمْ فَمَعْنَاهُ ليس أَحَدٌ من رِجَالِكُمْ وَلَدَ صُلْبِهِ وَتَحْرِيمُ سُؤَالِهِنَّ إلَّا من وَرَاءِ حِجَابٍ قال تَعَالَى وإذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَأَسْأَلُوهُنَّ من وَرَاءِ حِجَابٍ وَأَمَّا غَيْرُهُنَّ فَيَجُوزُ أَنْ يُسْأَلْنَ مُشَافَهَةً قال النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ قال الْقَاضِي عِيَاضٌ خُصِّصْنَ بِفَرْضِ الْحِجَابِ عَلَيْهِنَّ بِلَا خِلَافٍ في الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَلَا يَجُوزُ لَهُنَّ كَشْفُ ذلك لِشَهَادَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَلَا إظْهَارُ شُخُوصِهِنَّ وَإِنْ كُنَّ مُسْتَتِرَاتٍ إلَّا لِضَرُورَةِ خُرُوجِهِنَّ لِلْبِرَازِ فَائِدَةٌ ذَكَرَ الْبَغَوِيّ عن الْخَطَّابِيِّ عن سُفْيَانَ بن عُيَيْنَةَ أَنَّهُ قال كان نِسَاءُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في مَعْنَى الْمُعْتَدَّاتِ وَلِلْمُعْتَدَّةِ السُّكْنَى فَجَعَلَ لَهُنَّ سُكْنَى الْبُيُوتِ ما عِشْنَ وَلَا يَمْلِكْنَ رِقَابَهَا وَأَفْضَلُهُنَّ خَدِيجَةُ لِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ وَلِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِعَائِشَةَ حين قالت له قد رَزَقَك اللَّهُ خَيْرًا منها لَا وَاَللَّهِ ما رَزَقَنِي خَيْرًا منها آمَنَتْ بِي حين كَذَّبَنِي الناس وَأَعْطَتْنِي مَالَهَا حين حَرَمَنِي الناس وَسُئِلَ ابن دَاوُد أَيُّهُمَا أَفْضَلُ فقال عَائِشَةُ أَقْرَأَهَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم السَّلَامَ من جِبْرِيلَ وَخَدِيجَةَ أَقْرَأَهَا جِبْرِيلُ من رَبِّهَا السَّلَامَ على لِسَانِ مُحَمَّدٍ فَهِيَ أَفْضَلُ فَقِيلَ له فَمَنْ أَفْضَلُ خَدِيجَةُ أَمْ فَاطِمَةُ فقال إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي وَلَا أَعْدِلُ بِبِضْعَةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَحَدًا ثُمَّ عَائِشَةُ لِخَبَرِ فَضْلُ عَائِشَةَ على النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ على سَائِرِ الطَّعَامِ وَخَبَرِ سَأَلَ عَمْرُو بن الْعَاصِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيُّ الناس أَحَبُّ إلَيْك قال عَائِشَةُ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَهُمَا مَخْصُوصَانِ بِمَا مَرَّ
وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ كُلًّا من خَدِيجَةَ وَعَائِشَةَ أَفْضَلُ من فَاطِمَةَ وَيُخَالِفُهُ ما مَرَّ آنِفًا وقد سُئِلَ السُّبْكِيُّ عن ذلك فقال الذي نَخْتَارُهُ وَنَدِينُ اللَّهَ بِهِ أَنَّ فَاطِمَةَ أَفْضَلُ ثُمَّ أُمُّهَا خَدِيجَةُ ثُمَّ عَائِشَةُ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِمَا تَقَدَّمَ بَعْضُهُ وَبِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِفَاطِمَةَ عِنْدَمَا سَارَّهَا ثَانِيًا عِنْدَ مَوْتِهِ أَمَا تَرْضِينَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إلَّا مَرْيَمَ وَأَمَّا خَبَرُ الطَّبَرَانِيِّ خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ثُمَّ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ ثُمَّ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ ثُمَّ آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ فَأُجِيبُ عنه بِأَنَّ خَدِيجَةَ إنَّمَا فُضِّلَتْ على فَاطِمَةَ بِاعْتِبَارِ الْأُمُومَةِ لَا بِاعْتِبَارِ السِّيَادَةِ وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ أَنَّ مَرْيَمَ أَفْضَلُ من خَدِيجَةَ لِهَذَا الْخَبَرِ وَلِلِاخْتِلَافِ في نُبُوَّتِهَا وَقِيلَ عَائِشَةُ أَفْضَلُ من خَدِيجَةَ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ
وهو صلى اللَّهُ عليه وسلم خَاتَمُ النَّبِيِّينَ قال تَعَالَى وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَلَا يُعَارِضُهُ ما ثَبَتَ من نُزُولِ عِيسَى عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ آخِرِ الزَّمَانِ لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي بِشَرِيعَةٍ نَاسِخَةٍ بَلْ مُقَرِّرَةٌ لِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا صلى اللَّهُ عليه وسلم عَامِلًا بها وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَنَوْعُ الْآدَمِيِّ أَفْضَلُ الْخَلْقِ فَهُوَ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَفْضَلُ الْخَلْقِ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا تُفَضِّلُوا بين الْأَنْبِيَاءِ وَقَوْلُهُ لَا تُفَضِّلُونِي على يُونُسَ وَنَحْوِهِمَا فَأُجِيبُ عنها بِأَنَّهُ نهى عن تَفْضِيلٍ يُؤَدِّي إلَى تَنْقِيصِ بَعْضِهِمْ فإن ذلك كُفْرٌ أو عن تَفْضِيلٍ في نَفْسِ النُّبُوَّةِ التي لَا تَتَفَاوَتُ لَا في ذَوَاتِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَفَاوِتِينَ بِالْخَصَائِصِ وقد قال تَعَالَى فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ منهم من كَلَّمَ اللَّهَ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ أو نهى عن ذلك تَأَدُّبًا وَتَوَاضُعًا أو نهى عنه قبل عِلْمِهِ أَنَّهُ أَفْضَلُ الْخَلْقِ وَلِهَذَا لَمَّا عَلِمَ قال أنا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَتَبِعَ كَأَصْلِهِ وَغَيْرِهِ الْخَبَرَ في التَّعْبِيرِ بِسَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ وَمُرَادُهُمْ أَنَّهُ سَيِّدُ آدَمَ وَوَلَدِهِ وَسَائِرِ الْخَلْقِ كما مَرَّ
وَأَوَّلُ من تَنْشَقُّ عنه الْأَرْضُ يوم الْقِيَامَةِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا خَبَرُ فإذا مُوسَى مُتَعَلِّقٌ بِقَائِمَةِ الْعَرْشِ فَلَا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صُعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي أَمْ كان مِمَّنْ اسْتَثْنَى اللَّهُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَهُ قبل أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ أَوَّلُ من تَنْشَقُّ عنه الْأَرْضُ وأول من يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ وَأَوَّلُ شَافِعٍ
____________________
(3/103)
وأول مُشَفَّعٍ أَيْ من تُجَابُ شَفَاعَتُهُ رَوَاهَا مُسْلِمٌ وَأُمَّتُهُ خَيْرُ الْأُمَمِ لِآيَةِ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ وَشُهَدَاءَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ على الْأُمَمِ بِتَبْلِيغِ الرُّسُلِ إلَيْهِمْ رِسَالَتَهُ لِآيَةِ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا مَعْصُومَةٌ لَا تَجْتَمِعُ على ضَلَالَةٍ وَيُحْتَجُّ بِإِجْمَاعِهَا لِخَبَرِ لَا تَزَالُ من أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ من خَذَلَهُمْ وَلَا من خَالَفَهُمْ حتى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَصُفُوفُهُمْ كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَشَرِيعَتُهُ مُؤَبَّدَةٌ وَنَاسِخَةٌ لِغَيْرِهَا من الشَّرَائِعِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وقد أَمَرَ بِتَرْكِ شَرَائِعِ غَيْرِهِ من الْأَنْبِيَاءِ وَمُعْجِزَتُهُ بَاقِيَةٌ وَهِيَ الْقُرْآنُ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَكِتَابُهُ مُعْجِزٌ مَحْفُوظٌ عن التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ وَأُقِيمَ بَعْدَهُ حُجَّةً على الناس وَمُعْجِزَاتُ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ انْقَرَضَتْ فَعُدُولُ الْمُصَنِّفِ عنها إلَى ما قَالَهُ الْمُفِيدُ لِحَصْرِ بَقَاءِ مُعْجِزَتِهِ في الْقُرْآنِ قد يُقَالُ إنْ أَرَادَ بِهِ الْمُعْجِزَةَ الْكُبْرَى فَمُسَلَّمٌ وَإِلَّا فَمَمْنُوعٌ إذْ له مُعْجِزَاتٌ أُخَرُ بَاقِيَةٌ كَقَوْلِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ من ثَلَاثِينَ كلهم يَزْعُمُ أَنَّهُ رسول اللَّهِ وَقَوْلُهُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَقَوْلُهُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ من مَغْرِبِهَا وَقَوْلُهُ إنَّ أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ على ضَلَالَةٍ وَمِنْهَا ما يَظْهَرُ من كَرَامَاتِ أَحَدٍ من أُمَّتِهِ بِنَاءً على أَنَّ كَرَامَاتِ أَوْلِيَاءِ أُمَّةِ كل نَبِيٍّ مُعْجِزَاتٌ له وهو الْحَقُّ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ مُعْجِزَتَهُ التي ظَهَرَتْ وَبَقِيَتْ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لم تَظْهَرْ بَعْدُ وَإِنَّمَا تَظْهَرُ في الْمُسْتَقْبَلِ وكان سُكُوتُهُ حُجَّةً على جَوَازِ ما رَأَى ولم يُنْكِرْهُ بِخِلَافِ سُكُوتِ غَيْرِهِ
وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ له الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرَابُهَا طَهُورًا وَأُحِلَّتْ له الْغَنَائِمُ رَوَاهَا الشَّيْخَانِ إلَّا قَوْلَهُ وَتُرَابُهَا طَهُورًا فَمُسْلِمٌ وَمَعْنَى اخْتِصَاصِهِ بِمَا عَدَا الْأُولَى أَنَّ أَحَدًا من الْأَنْبِيَاءِ لَا يُشَارِكُهُ فيه وَإِلَّا فَأُمَّتُهُ مُشَارِكَةٌ له فيه ولم يُورَثْ وَتَرِكَتُهُ صَدَقَةٌ على الْمُسْلِمِينَ لَا يَخْتَصُّ بها الْوَارِثُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ ما تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ وَمَعْنَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ أَنَّ أَحَدًا من الْأُمَمِ لَا يُشَارِكُهُ فيه وَإِلَّا فَالْأَنْبِيَاءُ يُشَارِكُونَهُ فيه كما صَرَّحَ بِهِ في الْخَبَرِ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى فَهَبْ لي من لَدُنْك وَلِيًّا يَرِثُنِي وَقَوْلُهُ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُد فَالْمُرَادُ الْإِرْثُ في النُّبُوَّةِ وَالْعِلْمِ وَالدِّينِ
وَأُكْرِمَ بِالشَّفَاعَاتِ الْخَمْسِ يوم الْقِيَامَةِ الْأُولَى الْعُظْمَى في الْفَصْلِ بين أَهْلِ الْمَوْقِفِ حين يَفْزَعُونَ إلَيْهِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ الثَّانِيَةُ في إدْخَالِ خَلْقِ الْجَنَّةِ بِغَيْرِ حِسَابٍ الثَّالِثَةُ في نَاسٍ اسْتَحَقُّوا دُخُولَ النَّارِ فَلَا يَدْخُلُونَهَا الرَّابِعَةُ في نَاسٍ دَخَلُوا النَّارَ فَيَخْرُجُونَ الْخَامِسَةُ في رَفْعِ دَرَجَاتِ نَاسٍ في الْجَنَّةِ وَكُلُّهَا ثَبَتَتْ في الْأَخْبَارِ وَخُصَّ منها بِالْعُظْمَى وَدُخُولِ خَلْقٍ من أَمَتَهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَهِيَ الثَّانِيَةُ قال في الرَّوْضَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خُصَّ بِالثَّالِثَةِ وَالْخَامِسَةِ أَيْضًا قال الْقَاضِي عِيَاضٌ إنَّ شَفَاعَتَهُ لِإِخْرَاجِ من في قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ من إيمَانٍ مُخْتَصَّةٌ بِهِ قال شَيْخُ الْإِسْلَامِ السِّرَاجُ بن الْمُلَقِّنِ وَمِنْ شَفَاعَتِهِ أَنْ يَشْفَعَ لِمَنْ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَمِنْهَا تَخْفِيفُ الْعَذَابِ عَمَّنْ اسْتَحَقَّ الْخُلُودَ في النَّارِ كَأَبِي طَالِبٍ وَهَاتَانِ نَبَّهَ عَلَيْهِمَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وفي الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لِلْقَزْوِينِيِّ أَنَّهُ يَشْفَعُ لِجَمَاعَةٍ من صُلَحَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فَيَتَجَاوَزُ عَنْهُمْ في تَقْصِيرِهِمْ في الطَّاعَاتِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَشْفَعُ في أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ حتى يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ
وَأُرْسِلَ إلَى الْكَافَّةِ من الْإِنْسِ وَالْجِنِّ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَرِسَالَةٌ غَيْرِهِ خَاصَّةٌ وَأَمَّا عُمُومُ رِسَالَةِ نُوحٍ بَعْدَ الطُّوفَان فَلِانْحِصَارِ الْبَاقِينَ فِيمَنْ كان معه في السَّفِينَةِ وهو أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ اتِّبَاعًا وكان لَا يَنَامُ قَلْبُهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي وفي الْبُخَارِيِّ في خَبَرِ الْإِسْرَاءِ عن أَنَسٍ وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ وَيُؤْخَذُ منه أَنَّهُمْ يُشَارِكُونَهُ في هذا قال في الْمَجْمُوعِ في بَابِ الْأَحْدَاثِ فَإِنْ قِيلَ هذا مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَامَ في الْوَادِي عن صَلَاةِ الصُّبْحِ حتى طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَلَوْ كان غير نَائِمِ الْقَلْبِ لَمَا تَرَكَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فَجَوَابُهُ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا وهو الْمَشْهُورُ أَنَّ الْقَلْبَ يَقْظَانُ يُحِسُّ بِالْحَدَثِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ وَيَشْعُرُ بِهِ الْقَلْبُ وَلَيْسَ طُلُوعُ الشَّمْسِ وَالْفَجْرِ من ذلك لِأَنَّهُ إنَّمَا يُدْرَكُ بِالْعَيْنِ وَهِيَ نَائِمَةٌ وَالثَّانِي حَكَاهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ عن بَعْضِ
____________________
(3/104)
أَصْحَابِنَا قال كان لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَوْمَانِ أَحَدُهُمَا يَنَامُ قَلْبُهُ وَعَيْنُهُ وَالثَّانِي عَيْنُهُ دُونَ قَلْبِهِ فَكَانَ نَوْمُ الْوَادِي من النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَيَرَى من خَلْفَهُ كما يَرَى من أَمَامَهُ كما في الصَّحِيحَيْنِ وَالْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فيه مُقَيَّدَةٌ بِحَالَةِ الصَّلَاةِ فَهِيَ مُقَيَّدَةٌ لِقَوْلِهِ لَا أَعْلَمُ ما وَرَاءَ جِدَارِي هذا كَذَا قِيلَ فَإِنْ أَرَادَ قَائِلُهُ أنها مُقَيَّدَةٌ لِمَفْهُومِهِ فَظَاهِرٌ وَإِلَّا فَفِيهِ نَظَرٌ إذْ ليس فيها أَنَّهُ كان يَرَى من وَرَاءِ الْجِدَارِ وَقِيَاسُ الْجِدَارِ على جَسَدِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَاسِدٌ كما لَا يَخْفَى لَكِنْ رُوِيَ أَنَّهُ كان بين كَتِفَيْهِ عَيْنَانِ مِثْلُ سَمِّ الْخِيَاطِ فَكَانَ يُبْصِرُ بِهِمَا وَلَا تَحْجُبُهُمَا الثِّيَابُ وَتَطَوُّعُهُ قَاعِدًا كَقَائِمٍ أَيْ كَتَطَوُّعِهِ قَائِمًا وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ وَتَطَوُّعُ غَيْرِهِ كَذَلِكَ بِلَا عُذْرٍ على النِّصْفِ كما مَرَّ رَوَى ذلك مُسْلِمٌ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ من خَاطَبَهُ بِالسَّلَامِ في نَحْوِ قَوْلِهِ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النبي كما مَرَّ في شُرُوطِ الصَّلَاةِ
وَيَحْرُمُ رَفْعُ الصَّوْتِ فَوْقَ صَوْتِهِ لِآيَةِ لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبي قال شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابن حَجَرٍ وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ في الصَّحِيحِ أَنَّ نِسْوَةً كُنَّ يُكَلِّمْنَهُ عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كان قبل النَّهْيِ انْتَهَى وَذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ احْتِمَالًا فقال يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قبل النَّهْيِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ عُلُوَّ الصَّوْتِ كان بِالْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ لَا بِانْفِرَادِ كُلٍّ مِنْهُنَّ قُلْت وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لم يَبْلُغْهُنَّ النَّهْيُ قال الْقُرْطُبِيُّ وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ رَفْعَهُ عِنْدَ قَبْرِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ويحرم نِدَاؤُهُ من وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ لِآيَةِ إنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَك من وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَيْ حُجُرَاتِ نِسَائِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ونداؤه بِاسْمِهِ كَيَا محمد لِقَوْلِهِ تَعَالَى لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا وَلِمَا فيه من تَرْكِ التَّعْظِيمِ بَلْ يُنَادَى بِوَصْفِهِ كَيَا نَبِيَّ اللَّهِ وَأَمَّا خَبَرُ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا من أَهْلِ الْبَادِيَةِ جاء فقال يا محمد أَتَانَا رَسُولُك فَزَعَمَ لنا أَنَّك تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَك الحديث فَلَعَلَّهُ كان قبل النَّهْيِ عن ذلك أو لم يَبْلُغْهُ النَّهْيُ
قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَحْرُمُ التَّكَنِّي بِكُنْيَتِهِ وَهِيَ أبو الْقَاسِمِ وَلَوْ لِغَيْرِ من اسْمُهُ مُحَمَّدٌ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي وقال مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا
وَالنَّهْيُ عن التَّكَنِّي بِكُنْيَتِهِ على هذا مُخْتَصٌّ بِزَمَنِهِ لِمَا ثَبَتَ في الحديث من سَبَبِ النَّهْيِ وهو أَنَّ الْيَهُودَ تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِهِ وَكَانُوا يُنَادُونَ يا أَبَا الْقَاسِمِ فإذا الْتَفَتَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قالوا لم نَعْنِك إظْهَارًا لِلْإِيذَاءِ وقد زَالَ ذلك الْمَعْنَى
قال في الرَّوْضَةِ وَهَذَا أَقْرَبُ الْمَذَاهِبِ بَعْدَ أَنْ حُكِيَ عن الشَّافِعِيِّ ما قَدَّمْته عنه وَعَنْ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحُ الْمَنْعِ فِيمَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَضَعَّفَهُ وما قال أَنَّهُ أَقْرَبُ أَخْذًا من سَبَبِ النَّهْيِ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ مع أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَاعِدَةِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ بَلْ الْأَقْرَبُ ما رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وقال الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الصَّوَابُ لِمَا فيه من الْجَمْعِ بين خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ السَّابِقِ وَخَبَرِ من تَسَمَّى بِاسْمِي فَلَا يَكْتَنِي بِكُنْيَتِي وَمَنْ تَكَنَّى بِكُنْيَتِي فَلَا يَتَسَمَّى بِاسْمِي رَوَاهُ ابن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَصَحَّحَ الْبَيْهَقِيُّ إسْنَادَهُ
وَأَمَّا تَكْنِيَةُ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه وَلَدَهُ مُحَمَّدَ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ بِذَلِكَ فَرُخْصَةٌ من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كما قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَأَمَّا ما رَوَاهُ أبو دَاوُد عن عَائِشَةَ قالت جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقالت يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي قد وَلَدْت غُلَامًا فَسَمَّيْته مُحَمَّدًا وَكَنَّيْته أَبَا الْقَاسِمِ فَذُكِرَ لي أَنَّكَ تَكْرَهُ ذلك فقال ما الذي أَحَلَّ اسْمِي وَحَرَّمَ كُنْيَتِي أو ما الذي حَرَّمَ كُنْيَتِي وَأَحَلَّ اسْمِي فقال شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابن حَجَرٍ يُشْبِهُ إنْ صَحَّ أَنْ يَكُونَ قبل النَّهْيِ لِأَنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ أَصَحُّ انْتَهَى وَلَا حَاجَةَ في جَوَابِهِ هذا إلَى ما عَلَّلَ بِهِ وَإِنَّمَا لم يَنْهَ عن التَّسْمِيَةِ بِاسْمِهِ مع وُجُودِ الْإِيذَاءِ بِالنِّدَاءِ بِهِ لِأَنَّهُ كان لَا يُنَادَى بِهِ غَالِبًا وَلَوْ نُودِيَ بِهِ لم يَجِبْ إلَّا لِضَرُورَةٍ
وَتَجِبُ إجَابَتُهُ في الصَّلَاةِ على من دَعَاهُ وهو فيها وَلَا تَبْطُلُ بها لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________
(3/105)
لَمَّا نَادَى أَبَا سَعِيدِ بن الْمُعَلَّى فلم يُجِبْهُ لِكَوْنِهِ في الصَّلَاةِ قال له ما مَنَعَك أَنْ تَسْتَجِيبَ وقد سَمِعْت قَوْله تَعَالَى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ وَشَمِلَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ الْإِجَابَةَ بِالْفِعْلِ وَإِنْ كَثُرَ فَتَجِبُ وَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ قال الْإِسْنَوِيُّ وهو الْمُتَّجَهُ
وكان يُتَبَرَّكُ وَيُسْتَشْفَى بِبَوْلِهِ وَدَمِهِ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ أُمَّ أَيْمَنَ شَرِبَتْ بَوْلَهُ فقال إذًا لَا تَلِجُ النَّارُ بَطْنَك لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ وَرَوَى ابن حِبَّانَ في الضُّعَفَاءِ أَنَّ غُلَامًا حَجَمَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فلما فَرَغَ من حِجَامَتِهِ شَرِبَ دَمَهُ فقال وَيْحَك ما صَنَعْت بِالدَّمِ قال غَيَّبْته في بَطْنِي قال اذْهَبْ فَقَدْ أَحْرَزْت نَفْسَك من النَّارِ قال شَيْخُنَا الْمَذْكُورُ آنِفًا وَكَأَنَّ السِّرَّ في ذلك ما صَنَعَهُ الْمَلَكَانِ من غَسْلِهِمَا جَوْفَهُ وَمَنْ زَنَى بِحَضْرَتِهِ أو اسْتَخَفَّ بِهِ كَفَرَ قال في الرَّوْضَةِ وفي الزِّنَا نَظَرٌ وَأَوْلَادُ بَنَاتِهِ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ في الْكَفَاءَةِ وَغَيْرِهَا بِخِلَافِ أَوْلَادِ بَنَاتِ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلْحَسَنِ بن عَلِيٍّ إنَّ ابْنِي هذا سَيِّدٌ وَقَوْلُهُ حين بَالَ عليه وهو صَغِيرٌ لَا تَزْرِمُوا ابْنِي هذا قال في الْأَصْلِ وقال صلى اللَّهُ عليه وسلم كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ يَنْقَطِعُ يوم الْقِيَامَةِ إلَّا سَبَبِي وَنَسَبِي قِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ أُمَّتَهُ يَنْتَسِبُونَ إلَيْهِ يوم الْقِيَامَةِ وَأُمَمَ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَنْتَسِبُونَ إلَيْهِمْ وَقِيلَ يُنْتَفَعُ يَوْمَئِذٍ بِالِانْتِسَابِ إلَيْهِ وَلَا يُنْتَفَعُ بِسَائِرِ الْأَنْسَابِ
وَتَحِلُّ له الْهَدِيَّةُ مُطْلَقًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ من الْحُكَّامِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ عنه دُونَهُمْ وَأُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَمِنْهُ الْقُرْآنُ وَأُوتِيَ الْآيَاتِ الْأَرْبَعِ من آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ من كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ لم يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وكان يُؤْخَذُ عن نَفْسِهِ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ عن الدُّنْيَا عِنْدَ تَلَقِّي الْوَحْيِ وَلَا يَسْقُطُ عنه التَّكْلِيفُ قال في الرَّوْضَةِ وَفَاتَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَكْعَتَانِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَقَضَاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ ثُمَّ وَاظَبَ عَلَيْهِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ وهو مُخْتَصٌّ بِهَذِهِ الْمُدَاوَمَةِ على الْأَصَحِّ وَلَا يَجُوزُ الْجُنُونُ على الْأَنْبِيَاءِ بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ يَجُوزُ عليهم قال الْإِسْنَوِيُّ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ في لَحْظَةٍ أو لَحْظَتَيْنِ قَالَهُ الْقَاضِي عن الدَّارَكِيِّ وَلَا يَجُوزُ الِاحْتِلَامُ عليهم لِأَنَّهُ من الشَّيْطَانِ وَرُؤْيَتُهُ في النَّوْمِ حَقٌّ فإن الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِهِ كما ثَبَتَ ذلك في الصَّحِيحَيْنِ وَلَا يُعْمَلُ بها فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ لِعَدَمِ ضَبْطِ النَّائِمِ لَا لِلشَّكِّ في رُؤْيَتِهِ
وَلَا تَأْكُلُ الْأَرْضُ لُحُومَ الْأَنْبِيَاءِ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ فيه وَالْكَذِبُ عليه عَمْدًا كَبِيرَةٌ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ إنَّ كَذِبًا عَلَيَّ ليس كَكَذِبٍ على أَحَدٍ قال في الرَّوْضَةِ وَلَا يَكْفُرُ فَاعِلُهُ على الصَّحِيحِ وَخَصَائِصُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا تَنْحَصِرُ فِيمَا ذَكَرَهُ فَمِنْهَا ما قَدَّمْته وَمِنْهَا أَنَّ الْمَاءَ الطَّهُورَ نَبَعَ من بَيْنِ أَصَابِعِهِ
____________________
(3/106)
وَأَنَّ له أَنْ يَقْتُلَ بَعْدَ الْأَمَانِ على ما قَالَهُ ابن الْقَاصِّ لَكِنْ غَلَّطُوهُ فيه وَأَنَّهُ صلى بِالْأَنْبِيَاءِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ لِيَظْهَرَ أَنَّهُ إمَامُ الْكُلِّ في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وكان أَبْيَضَ الْإِبْطِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فإنه أَسْوَدُ لِلشَّعْرِ وكان لَا يَجُوزُ عليه الْخَطَأُ إذْ ليس بَعْدَهُ نَبِيٌّ يَسْتَدْرِكُ خَطَأَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ من الْأَنْبِيَاءِ وَيَبْلُغُهُ سَلَامُ الناس بَعْدَ مَوْتِهِ وَيَشْهَدُ لِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ بِالْأَدَاءِ يوم الْقِيَامَةِ وكان إذَا مَشَى في الشَّمْسِ أو الْقَمَرِ لَا يَظْهَرُ له ظِلٌّ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَنَّهُ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ في جَمِيعِ أَعْضَائِهِ وَجِهَاتِهِ نُورًا وَخَتَمَ بِقَوْلِهِ وَاجْعَلْنِي نُورًا وَلَا يَقَعُ منه الْإِيلَاءُ وَلَا الظِّهَارُ لِأَنَّهُمَا حَرَامَانَ وهو مَعْصُومٌ وَيَسْتَحِيلُ اللِّعَانُ في حَقِّهِ وَنَقَلَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ أَنَّهُ كان لَا يَقَعُ عليه الذُّبَابُ وَلَا يَمْتَصُّ دَمَهُ الْبَعُوضُ وَذِكْرُ الْخَصَائِصِ مُسْتَحَبٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قال في الرَّوْضَةِ بَلْ لَا يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ لِئَلَّا يَرَى جَاهِلٌ بَعْضَ الْخَصَائِصِ في الْخَبَرِ الصَّحِيحِ فَيَعْمَلُ بِهِ أَخْذًا بِأَصْلِ التَّأَسِّي فَوَجَبَ بَيَانُهَا لِتُعْرَفَ فَأَيُّ فَائِدَةٍ أَهَمُّ من هذه فَبَطَلَ قَوْلُ من مَنَعَ الْكَلَامَ فيها مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ أَمْرٌ انْقَضَى فَلَا مَعْنَى لِلْكَلَامِ فيها الباب ( ( ( الرابع ) ) ) الثاني ( ( ( الفضائل ) ) ) في مقدمات ( ( ( عيون ) ) ) النكاح ( ( ( المعارف ) ) ) وهو ( ( ( قال ) ) ) للتائق ( ( ( شيخنا ) ) ) أي ( ( ( الأقرب ) ) ) المحتاج ( ( ( عدم ) ) ) له ولو ( ( ( فمن ) ) ) خصيا ( ( ( أفضل ) ) ) القادر ( ( ( خديجة ) ) ) على مؤنه ( ( ( بضعة ) ) ) من المهر ( ( ( النبي ) ) ) وكسوة ( ( ( صلى ) ) ) فصل ( ( ( الله ) ) ) التمكين ( ( ( عليه ) ) ) ونفقة ( ( ( وسلم ) ) ) يومه ( ( ( أحدا ) ) ) أَفْضَلُ من التخلي للعبادة وإن كان متعبدا تحصينا للدين ولما فيه من بقاء النسل وحفظ النسب والاستعانة على المصالح ولخبر الصحيحين يا معشر الشباب من استطاع ( ( ( خديجة ) ) ) منكم ( ( ( أشار ) ) ) الباءة ( ( ( إلى ) ) ) فليتزوج ( ( ( تصحيحه ) ) ) فإنه ( ( ( أيضا ) ) ) أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء بالمد أي قاطع للشهوة
والباءة بالمد لغة الجماع والمراد به هنا ذلك وَقِيلَ مؤن ( ( ( عائشة ) ) ) النكاح والقائل بالأول رده إلى معنى الثاني إذ التقدير عنده من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤن النكاح فليتزوج ومن لم يستطعه لعجزه عنها فعليه بالصوم وإنما قدره بذلك لأن من لم يستطع الجماع لعدم شهوته لا يحتاج إلى الصوم لدفعها وإنما لم يجب لقوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء إذ الواجب لا يعلق بالاستطابة ولقوله مثنى وثلاث ورباع ولا يجب العدد بالإجماع ولقوله أو ما ملكت أيمانكم
والعاجز عن مؤنه يصوم أي الأفضل له أن يترك النكاح ويكسر شهوته بالصوم للخبر السابق والأمر فيه للإرشاد وبالغ النووي في شرح مسلم فقال يكره له النكاح فإن لم تنكسر شهوته إلا بكافور ونحوه تزوج ولا يكسرها بذلك لأنه نوع من الاختصاء وقال البغوي يكره أن يحتال لقطع شهوته والقادر على مؤنه غير التائق ولا علة به إن تخلى للعبادة فهو أي التخلي لها أَفْضَلُ من النكاح ( ( ( خديجة ) ) ) إنْ كان ( ( ( كلف ) ) ) متعبدا ( ( ( فيها ) ) ) اهتماما ( ( ( بالعلم ) ) ) بها ( ( ( فلا ) ) ) وَإِلَّا فالنكاح ( ( ( جاز ) ) ) أفضل ( ( ( كالتفاضل ) ) ) له ( ( ( بين ) ) ) من تركه ( ( ( تنشق ) ) ) لئلا ( ( ( عنه ) ) ) تفضي ( ( ( الأرض ) ) ) به ( ( ( لا ) ) ) البطالة ( ( ( يتأتى ) ) ) إلى ( ( ( هذا ) ) ) الفواحش ( ( ( الاحتمال ) ) ) ويكره ( ( ( في ) ) ) نكاح ( ( ( الحديث ) ) ) عنين ( ( ( لأنه ) ) ) وفي ( ( ( إخبار ) ) ) نسخة ( ( ( عما ) ) ) ويكره ( ( ( يقع ) ) ) لنحو ( ( ( منه ) ) ) عنين ( ( ( يوم ) ) ) وممسوح ( ( ( القيامة ) ) ) وزمن ( ( ( كا ) ) ) ولو واجدين ( ( ( وأول ) ) ) مؤنه ( ( ( من ) ) ) ونكاح ( ( ( يقرع ) ) ) عاجز ( ( ( باب ) ) ) عن مؤنه ( ( ( دخول ) ) ) غير ( ( ( الأنبياء ) ) ) تائق ( ( ( الجنة ) ) ) له ( ( ( هل ) ) ) لانتفاء ( ( ( كل ) ) ) حاجتهم ( ( ( نبي ) ) ) إليه ( ( ( بأمته ) ) ) مع ( ( ( أو ) ) ) التزام ( ( ( الأنبياء ) ) ) العاجز ( ( ( جميعهم ) ) ) ما ( ( ( ثم ) ) ) لا ( ( ( أممهم ) ) ) يقدر ( ( ( فأجاب ) ) ) عليه وخطر ( ( ( وسلم ) ) ) القيام ( ( ( وأن ) ) ) بواجبه ( ( ( أمته ) ) ) فيمن ( ( ( تدخل ) ) ) عداه ( ( ( أول ) ) ) ونص ( ( ( الأمم ) ) ) في الأم ( ( ( الإفراد ) ) ) وغيرها ( ( ( عن ) ) ) على أَنَّ الْمَرْأَةَ التَّائِقَةَ يُنْدَبُ لها النِّكَاحُ وفي مَعْنَاهَا الْمُحْتَاجَةُ إلَى النَّفَقَةِ وَالْخَائِفَةِ من
____________________
(3/107)
اقْتِحَامِ الْفَجَرَةِ يُوَافِقُهُ ما في التَّنْبِيهِ من أَنَّ من جَازَ لها النِّكَاحُ إنْ كانت مُحْتَاجَةً إلَيْهِ اُسْتُحِبَّ لها النِّكَاحُ وَإِلَّا كُرِهَ فما قِيلَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لها ذلك
مُطْلَقًا ليس بِشَيْءٍ فَصْلُ الْبِكْرِ أَيْ نِكَاحُهَا أَوْلَى من نِكَاحِ الثَّيِّبِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن جَابِرٍ هَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُك وَرَوَى ابن مَاجَهْ خَبَرَ عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ فَإِنَّهُنَّ أَعْذَبُ أَفْوَاهًا أَيْ أَلْيَنُ كَلَامًا وَأَنْتَقُ أَرْحَامًا أَيْ أَكْثَرُ أَوْلَادًا وَأَرْضَى بِالْيَسِيرِ إلَّا لِعُذْرٍ كَضَعْفِ آلَتِهِ عن الِافْتِضَاضِ أو احْتِيَاجِهِ لِمَنْ يَقُومُ على عِيَالِهِ فَلَا يَكُونُ نِكَاحُ الْبِكْرُ أَوْلَى وَمِنْهُ ما اتَّفَقَ لِجَابِرٍ فإنه لَمَّا قال له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ما تَقَدَّمَ اعْتَذَرَ له فقال إنَّ أبي قُتِلَ يوم أُحُدٍ وَتَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ فَكَرِهْت أَنْ أَجْمَعَ إلَيْهِنَّ جَارِيَةً خَرْقَاءَ مِثْلَهُنَّ وَلَكِنْ امْرَأَةٌ تَمْشُطُهُنَّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَصَبْت قال في الْإِحْيَاءِ وَكَمَا يُسْتَحَبُّ نِكَاحُ الْبِكْرِ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ إلَّا من بِكْرٍ لم يَتَزَوَّجْ قَطُّ لِأَنَّ النُّفُوسَ جُبِلَتْ على الْإِينَاسِ بِأَوَّلِ مَأْلُوفٍ
وَيُسْتَحَبُّ وَلُودٌ وَدُودٌ لِخَبَرِ تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ يوم الْقِيَامَةِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَيُعْرَفُ كَوْنُ الْبِكْرِ وَلُودًا وَدُودًا بِأَقَارِبِهَا نَسِيبَةٌ لِخَبَرِ تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ بَلْ يُكْرَهُ نِكَاحُ بِنْتِ الزِّنَا وَبِنْتِ الْفَاسِقِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِمَا اللَّقِيطَةُ وَمَنْ لَا يُعْرَفُ أَبُوهَا دَيِّنَةٌ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِحُسْنِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاك أَيْ افْتَقَرْتَ إنْ خَالَفْت ما أَمَرْتُك بِهِ جَمِيلَةٌ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَلِخَبَرِ الْحَاكِمِ خَيْرُ النِّسَاءِ من تَسَرُّ إذَا نَظَرْت وَتُطِيعُ إذَا أَمَرْت وَلَا تُخَالِفُ في نَفْسِهَا وَمَالِهَا قال الْمَاوَرْدِيُّ لَكِنَّهُمْ كَرِهُوا ذَاتَ الْجَمَالِ الْبَارِعِ فَإِنَّهَا تَزْهُو بِجَمَالِهَا
وَكَذَا بَالِغَةٌ كما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ إلَّا لِحَاجَةٍ كَأَنْ لَا يُعِفُّهُ إلَّا غَيْرُهَا أو مَصْلَحَةٍ كَتَزَوُّجِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَائِشَةَ عَاقِلَةٌ قال في الْمُهِمَّاتِ وَيُتَّجَهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَقْلِ هُنَا الْعَقْلُ الْعُرْفِيُّ وهو زِيَادَةٌ على مَنَاطِ التَّكْلِيفِ انْتَهَى وَالْمُتَّجَهُ أَنْ يُرَادَ أَعَمُّ من ذلك قَرَابَةٌ غَيْرُ قَرِيبَةٍ لِضَعْفِ الشَّهْوَةِ في الْقَرِيبَةِ فَيَجِيءُ الْوَلَدُ نَحِيفًا قال الزَّنْجَانِيُّ وَلِأَنَّ من مَقَاصِدِ النِّكَاحِ اشْتِبَاكُ الْقَبَائِلِ لِأَجْلِ التَّعَاضُدِ وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ وهو مَفْقُودٌ في نِكَاحِ الْقَرِيبَةِ وما ذَكَرَهُ كَالرَّوْضَةِ من أَنَّ غير الْقَرِيبَةِ أَوْلَى من الْأَجْنَبِيَّةِ هو مُقْتَضَى كَلَامِ جَمَاعَةٍ لَكِنْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالْبَيَانِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ على أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ له أَنْ يَتَزَوَّجَ من عَشِيرَتِهِ وَلَا يَشْكُلُ ما ذُكِرَ بِتَزَوُّجِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم زَيْنَبَ مع أنها بِنْتُ عَمَّتِهِ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بَيَانًا لِلْجَوَازِ وَلَا بِتَزَوُّجِ عَلِيٍّ فَاطِمَةَ لِأَنَّهَا بَعِيدَةٌ في الْجُمْلَةِ إذْ هِيَ بِنْتُ ابْنِ عَمِّهِ لَا بِنْتُ عَمِّهِ لَا ذَاتُ وَلَدٍ لِغَيْرِهِ فَلَا يُسْتَحَبُّ تَزَوُّجُهَا إلَّا لِمَصْلَحَةٍ كما تَزَوَّجَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أُمَّ سَلَمَةَ وَمَعَهَا وَلَدُ أبي سَلَمَةَ لِلْمَصْلَحَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَكُونَ لها مُطَلِّقٌ يَرْغَبُ في نِكَاحِهَا وَأَنْ لَا تَكُونَ شَقْرَاءَ فَقَدْ أَمَرَ الشَّافِعِيُّ الرَّبِيعَ أَنْ يَرُدَّ الْغُلَامَ الْأَشْقَرَ الذي اشْتَرَاهُ له وقال ما لَقِيت من أَشْقَرَ خَيْرًا وَأَنْ تَكُونَ خَفِيفَةَ الْمَهْرِ وَأَنْ تَكُونَ ذَاتَ خُلُقٍ حَسَنٍ
وَأَنْ يَكْتَفِيَ بِوَاحِدَةٍ أَيْ أَنْ لَا يَزِيدَ عليها من غَيْرِ حَاجَةٍ ظَاهِرَةٍ قال ابن الْعِمَادِ وَيُقَاسُ بِالزَّوْجَةِ في هذا السُّرِّيَّةُ وأن يَتَزَوَّجَ في شَوَّالٍ وَأَنْ يَدْخُلَ فيه فَقَدْ صَحَّ أَنَّ عَائِشَةَ قالت تَزَوَّجَنِي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في شَوَّالٍ وَدَخَلَ بِي في شَوَّالٍ وَأَيُّ نِسَائِهِ كان أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْقِدَ في الْمَسْجِدِ وَأَنْ يَكُونَ يوم جُمُعَةٍ وَأَنْ يَكُونَ أَوَّلَ النَّهَارِ لِخَبَرِ اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي في بُكُورِهَا وأن ( ( ( فصل ) ) ) يَنْظُرَ كُلٌّ من الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ من الْآخَرِ قبل الْخِطْبَةِ وَبَعْدَ عَزْمِهِ على نِكَاحِهِ غير الْعَوْرَةِ الْمُقَرَّرَةِ في شُرُوطِ الصَّلَاةِ فَيَنْظُرُ الرَّجُلُ من الْحُرَّةِ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ وَمِنْ الْأَمَةِ ما عَدَا ما بين السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ كما صَرَّحَ بِهِ ابن الرِّفْعَةِ وقال إنَّهُ مَفْهُومُ كَلَامِهِمْ وَهُمَا يَنْظُرَانِهِ منه
____________________
(3/108)
وَالنَّوَوِيُّ إنَّمَا حَرَّمَ نَظَرَ ذلك بِلَا حَاجَةٍ مع أَنَّهُ ليس بِعَوْرَةٍ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ هُنَا كما سَيَأْتِي فَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالَهُ أَخْذًا من كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَوْلَى من تَعْبِيرِ غَيْرِهِ بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلْمُغِيرَةِ وقد خَطَبَ امْرَأَةً اُنْظُرْ إلَيْهَا فإنه أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا أَيْ تَدُومَ الْمَوَدَّةُ وَالْأُلْفَةُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَبِقَوْلِهِ في خَبَرِ جَابِرٍ إذَا خَطَبَ أحدكم الْمَرْأَةَ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ منها إلَى ما يَدْعُوهُ إلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ قال جَابِرٌ فَخَطَبْت جَارِيَةً وَكُنْت أَتَخْبَأُ لها حتى رَأَيْت منها ما دَعَانِي إلَى نِكَاحِهَا فَتَزَوَّجْتهَا رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ ذلك قبل الْخِطْبَةِ لِأَنَّهُ لو كان بَعْدَهَا لَرُبَّمَا أَعْرَضَ عن مَنْظُورِهِ فَيُؤْذِيهِ وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ بَعْدَ رَغْبَةٍ في نِكَاحِهَا كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ إذْ لَا حَاجَةَ إلَى النَّظَرِ قَبْلَهَا وَالْمُرَادُ بِخَطَبَ في الْخَبَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ رَغِبَ في خِطْبَتِهَا بِدَلِيلِ ما رَوَاهُ أبو دَاوُد وابن حِبَّانَ في صَحِيحِهِ إذَا أَلْقَى في قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا وَقَيَّدَ ابن عبد السَّلَامِ اسْتِحْبَابَ النَّظَرِ بِمَنْ يَرْجُو رَجَاءً ظَاهِرًا أَنَّهُ يُجَابُ إلَى خِطْبَتِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَلِكُلٍّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْآخَرِ
وَإِنْ لم يَأْذَنْ أَيْ الْآخَرُ اكْتِفَاءً بِإِذْنِ الشَّارِعِ وَلِإِطْلَاقِ الْأَخْبَارِ وَلِئَلَّا يَتَزَيَّنَ فَيَفُوتَ غَرَضُهُ سَوَاءٌ خَشِيَ فِتْنَةً أَمْ لَا لِغَرَضِ التَّزَوُّجِ وَلَهُ تَكْرِيرُهُ أَيْ النَّظَرِ إلَيْهِ عِنْدَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ لِتَبَيُّنِ هَيْئَتِهِ فَلَا يَنْدَمُ بَعْدَ نِكَاحِهِ عليه قال الزَّرْكَشِيُّ ولم يَتَعَرَّضُوا لِضَبْطِ التَّكْرَارِ وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيرُهُ بِثَلَاثٍ وفي خَبَرِ عَائِشَةَ الذي تَرْجَمَ عليه الْبُخَارِيُّ الرُّؤْيَةَ قبل الْخِطْبَةِ أَرَيْتُك ثَلَاثَ لَيَالٍ فَإِنْ لم يَتَيَسَّرْ نَظَرُهُ إلَيْهَا بَعَثَ امْرَأَةً أو نَحْوَهَا تَتَأَمَّلُهَا وَتَصِفُهَا له لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعَثَ أُمَّ سُلَيْمٍ إلَى امْرَأَةٍ وقال اُنْظُرِي عُرْقُوبَيْهَا وَشُمِّي عَوَارِضَهَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وفي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ وَشُمِّي مَعَاطِفَهَا وَتَقْيِيدُ الْبَعْثِ بِعَدَمِ التَّيَسُّرِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَيْضًا لَكِنَّ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَ الْكَافِي وَالْبَسِيطِ وَغَيْرَهُمْ أَطْلَقُوا ذلك وَيُؤْخَذُ من الْخَبَرِ أَنَّ لِلْمَبْعُوثِ أَنْ يَصِفَ لِلْبَاعِثِ زَائِدًا على ما يَنْظُرُهُ هو فَيَسْتَفِيدُ بِالْبَعْثِ ما لَا يَسْتَفِيدُهُ بِنَظَرِهِ فَإِنْ لم يُعْجِبْهُ سَكَتَ وَلَا يَقُلْ لَا أُرِيدُهَا لِأَنَّهُ إيذَاءٌ وَحُكْمُ عَدَمِ تَيَسُّرِ نَظَرِهَا إلَيْهِ مَفْهُومٌ مِمَّا قَالَهُ بِالْأَوْلَى وَلَوْ عَبَّرَ بِمَا يَشْمَلُهُمَا كان أَنْسَبَ بِمَا قَبْلَهُ وَخَرَجَ بِالنَّظَرِ الْمَسُّ إذْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَصْلٌ نَظَرُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ فِيمَا يَظْهَرُ لِلنَّاظِرِ من نَفْسِهِ من الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ وَعَكْسِهِ جَائِزٌ وَإِنْ كان مَكْرُوهًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى في الثَّانِيَةِ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا ما ظَهَرَ منها وهو مُفَسَّرٌ بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ كما مَرَّ وَقِيسَ بها الْأُولَى وَهَذَا ما في الْأَصْلِ عن أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ التَّحْرِيمُ وَوَجَّهَهُ الْإِمَامُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ على مَنْعِ النِّسَاءِ من الْخُرُوجِ سَافِرَاتِ الْوُجُوهِ وَبِأَنَّ النَّظَرَ مَظِنَّةُ
____________________
(3/109)
الْفِتْنَةِ وَمُحَرِّكٌ لِلشَّهْوَةِ فَاللَّائِقُ بِمَحَاسِن الشَّرِيعَةِ سَدُّ الْبَابِ وَالْإِعْرَاضُ عن تَفَاصِيلِ الْأَحْوَالِ كَالْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَصَوَّبَ في الْمُهِمَّاتِ الْأَوَّلَ لِكَوْنِ الْأَكْثَرِينَ عليه وقال الْبُلْقِينِيُّ التَّرْجِيحُ بِقُوَّةِ الْمُدْرَكِ وَالْفَتْوَى على ما في الْمِنْهَاجِ انْتَهَى وما نَقَلَهُ الْإِمَامُ من الِاتِّفَاقِ على مَنْعِ النِّسَاءِ أَيْ مَنْعِ الْوُلَاةِ لَهُنَّ مِمَّا ذُكِرَ لَا يُنَافِي ما نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عن الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ على الْمَرْأَةِ سَتْرُ وَجْهِهَا في طَرِيقِهَا وَإِنَّمَا ذلك سُنَّةٌ وَعَلَى الرِّجَالِ غَضُّ الْبَصَرِ عَنْهُنَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا من أَبْصَارِهِمْ لِأَنَّ مَنْعَهُنَّ من ذلك لَا لِأَنَّ السَّتْرَ وَاجِبٌ عَلَيْهِنَّ في ذَاتِهِ بَلْ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ وفي تَرْكِهِ إخْلَالٌ بِالْمُرُوءَةِ كَالْإِصْغَاءِ من الرَّجُلِ لِصَوْتِهَا فإنه جَائِزٌ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ وَصَوْتُهَا ليس بِعَوْرَةٍ على الْأَصَحِّ في الْأَصْلِ وَلِتَشَوُّشِهِ نَدْبًا إذَا أَقْرَعَ بَابَهَا بِأَنْ لَا تُجِيبَ بِصَوْتٍ رَخِيمٍ بَلْ تُغَلِّظُ صَوْتَهَا بِوَضْعِ يَدِهَا عِبَارَةُ الْأَصْلِ بِظَهْرِ كَفِّهَا على الْفَمِ
قال الْجَوْهَرِيُّ وَالتَّشْوِيشُ التَّخْلِيطُ أَمَّا النَّظَرُ وَالْإِصْغَاءُ لِمَا ذُكِرَ عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ أَيْ الدَّاعِي إلَى جِمَاعٍ أو خَلْوَةٍ أو نَحْوِهِمَا فَحَرَامٌ وَإِنْ لم يَكُنْ عَوْرَةً لِلْإِجْمَاعِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ من أَبْصَارِهِنَّ وَقَوْلِهِ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا من أَبْصَارِهِمْ وَأَمَّا نَظَرُ عَائِشَةَ إلَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ في الْمَسْجِدِ بِحَضْرَتِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كما رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَلَيْسَ فيه أنها نَظَرَتْ إلَى وُجُوهِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ وَإِنَّمَا نَظَرَتْ إلَى لَعِبِهِمْ وَحِرَابِهِمْ وَلَا يَلْزَمُ منه تَعَمُّدُ النَّظَرِ إلَى الْبَدَنِ وَإِنْ وَقَعَ بِلَا قَصْدٍ صَرَفَتْهُ في الْحَالِ مع أَنَّ ذلك كان مع أَمْنِ الْفِتْنَةِ وفي التَّحْرِيمِ حِينَئِذٍ خِلَافٌ تَقَدَّمَ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيُلْتَحَقُ بِالْإِصْغَاءِ لِصَوْتِهَا عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ التَّلَذُّذُ بِهِ وَإِنْ لم يَخَفْهَا وَلَوْ نَظَرَ فَرْجَ صَغِيرَةٍ لَا تُشْتَهَى وَغَيْرَ عَوْرَةِ أَمَةٍ منها بِغَيْرِ شَهْوَةٍ جَازَ لِتَسَامُحِ الناس بِنَظَرِ فَرْجِ الصَّغِيرَةِ إلَى بُلُوغِهَا سِنَّ التَّمْيِيزِ وَمَصِيرُهَا بِحَيْثُ يُمْكِنُهَا سَتْرُ عَوْرَتِهَا عن الناس وَأَمَّا ما ذُكِرَ في الْأَمَةِ فَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ حُرْمَةِ نَظَرِ غَيْرِ الْعَوْرَةِ وَكَرِهَ ذلك وَالتَّصْرِيحُ بهذا في الْأُولَى من زِيَادَتِهِ وما ذُكِرَ فِيهِمَا من الْجَوَازِ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ في الْأُولَى وَعِنْدَ النَّوَوِيِّ في الثَّانِيَةِ فَقَدْ جَزَمَ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ في الْأُولَى بِالْحُرْمَةِ قال الرَّافِعِيُّ كَصَاحِبِ الْعُدَّةِ وَغَيْرِهِ اتِّفَاقًا نعم رَدَّ في الرَّوْضَةِ الْجَزْمَ وَالِاتِّفَاقَ بِأَنَّ الْقَاضِيَ جَوَّزَهُ جَزْمًا وَالْمُصَنِّفُ فَهِمَ منه أَنَّهُ رَدَّ الْحُكْمَ فَجَرَى على مُقْتَضَاهُ وَعَلَيْهِ عَمَلُ الناس وَبِمَا في الْمِنْهَاجِ وَأَصْلِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ ثُمَّ قال تَبَعًا لِلْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى فَرْجِ الصَّغِيرِ إلَى التَّمْيِيزِ وقال في الْمِنْهَاجِ في الثَّانِيَةِ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْأَمَةَ كَالْحُرَّةِ وقال في الرَّوْضَةِ أَنَّهُ الْأَرْجَحُ دَلِيلًا وَالْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ في حُرْمَةِ النَّظَرِ فَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ مَنْعُهُ منه كما سَيَأْتِي لِظُهُورِهِ على الْعَوْرَاتِ لَا في حُرْمَةِ الدُّخُولِ على النِّسَاءِ الْأَجَانِبِ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ بَلْ يَجُوزُ بِدُونِهِ إلَّا في دُخُولِهِ عَلَيْهِنَّ في الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ التي يَضَعْنَ فيها ثِيَابَهُنَّ فَلَا بُدَّ من اسْتِئْذَانِهِ في دُخُولِهِ فيها عَلَيْهِنَّ لِآيَةِ لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَاَلَّذِينَ لم يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ وَيَمْنَعُهُ الْوَلِيُّ وُجُوبًا من النَّظَرِ إلَيْهِنَّ كما يَمْنَعُهُ وُجُوبًا من الزِّنَا وَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ وَيَلْزَمُهُنَّ الِاحْتِجَابُ منه كَالْمَجْنُونِ في ذلك وَلِلْمُمَيِّزِ غَيْرِ الْمُرَاهِقِ وَالْمُحَرَّمِ بِنَسَبٍ أو رَضَاعٍ أو مُصَاهَرَةٍ الْخَلْوَةُ وَنَظَرُ ما فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى في الْمُحَرَّمِ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أو آبَائِهِنَّ الْآيَةَ وَلِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ مَعْنَى يَمْنَعُ الْمُنَاكَحَةَ أَبَدًا فَكَانَا كَالرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ وَالْمُمَيِّزُ غَيْرُ الْمُرَاهِقِ في مَعْنَى الْمَحْرَمِ وَأَفَادَ تَعْبِيرُهُ بِمَا ذُكِرَ حُرْمَةَ نَظَرِ السُّرَّةِ
____________________
(3/110)
وَالرُّكْبَةِ على من ذُكِرَ فَهُوَ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِمَا يَقْتَضِي عَكْسَ ذلك وَلَا فَرْقَ في الْمَحْرَمِ بين الْكَافِرِ وَغَيْرِهِ نعم إنْ كان الْكَافِرُ من قَوْمٍ يَعْتَقِدُونَ حِلَّ الْمَحَارِمِ كَالْمَجُوسِ امْتَنَعَ نَظَرُهُ وَخَلْوَتُهُ نَبَّهَ عليه الزَّرْكَشِيُّ كَنَظَرِ بَعْضِ النِّسَاءِ بَعْضًا أَيْ كما يُبَاحُ لِبَعْضِهِنَّ أَنْ يَنْظُرْنَ من بَعْضِهِنَّ ما فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ لِأَنَّهُ ليس بِعَوْرَةٍ مِنْهُنَّ بِالنَّظَرِ إلَيْهِنَّ كَالرِّجَالِ مع الرِّجَالِ أَمَّا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فَحُضُورُهُ كَغَيْبَتِهِ وَيَجُوزُ التَّكَشُّفُ له لِقَوْلِهِ تَعَالَى أو الطِّفْلُ الَّذِينَ لم يَظْهَرُوا على عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَتَحْتَجِبُ مُسْلِمَةٌ عن كَافِرَةٍ وُجُوبًا فَيَحْرُمُ نَظَرُ الْكَافِرَةِ إلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى أو نِسَائِهِنَّ وَالْكَافِرَةُ لَيْسَتْ من نِسَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ وَلِأَنَّهَا رُبَّمَا تَحْكِيهَا لِلْكَافِرِ فَلَا تَدْخُلُ الْحَمَّامَ مع الْمُسْلِمَةِ نعم يَجُوزُ أَنْ تَرَى منها ما يَبْدُو عِنْدَ الْمِهْنَةِ على الْأَشْبَهِ في الْأَصْلِ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو غَرِيبٌ لم أَرَهُ نَصًّا بَلْ صَرَّحَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّهَا مَعَهَا كَالْأَجْنَبِيِّ وَكَذَا رَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وهو ظَاهِرٌ فَقَدْ أَفْتَى النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ على الْمُسْلِمَةِ كَشْفُ وَجْهِهَا لها وهو إنَّمَا يَأْتِي على الْقَوْلِ بِذَلِكَ الْمُوَافِقُ لِمَا في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ في مَسْأَلَةِ الْأَجْنَبِيِّ لَا على ما رَجَّحَهُ هو كَالرَّافِعِيِّ هذا كُلُّهُ في كَافِرَةٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ لِلْمُسْلِمَةِ وَلَا مَحْرَمَ لها أَمَّا هُمَا فَيَجُوزُ لَهُمَا النَّظَرُ إلَيْهَا وَأَمَّا نَظَرُ الْمُسْلِمَةِ لِلْكَافِرَةِ فَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ جَوَازُهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ تَوَقُّفٌ قال ابن عبد السَّلَامِ وَالْفَاسِقَةُ مع الْعَفِيفَةِ كَالْكَافِرَةِ مع الْمُسْلِمَةِ وَنَازَعَهُ فيه الْبُلْقِينِيُّ وَالْمَمْسُوحُ إذَا لم يَبْقَ فيه مَيْلٌ إلَى النِّسَاءِ كما قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَالْمَمْلُوكُ لِلْمَرْأَةِ الْعَدْلُ غَيْرُ الْمُكَاتَبِ كَالْمَحْرَمِ في النَّظَرِ فَيُبَاحُ لِلْأَوَّلِ النَّظَرُ إلَى ما فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ من الْأَجْنَبِيَّاتِ وَلِلثَّانِي ذلك من سَيِّدَتِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى أو التَّابِعِينَ غير أُولِي الْإِرْبَةِ أَيْ الْحَاجَةِ إلَى النِّكَاحِ لَكِنْ قال النَّوَوِيُّ الْمُخْتَارُ في غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ أَنَّهُ الْمُغَفَّلُ في عَقْلِهِ الذي لَا يَكْتَرِثُ لِلنِّسَاءِ وَلَا يَشْتَهِيهِنَّ قَالَهُ ابن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى أو ما مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْجَوَازِ في الْمَمْسُوحِ بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا في حَقِّ الْمُسْلِمَةِ فَإِنْ كان كَافِرًا مُنِعَ على الْأَصَحِّ لِأَنَّ أَقَلَّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ كَالْمَرْأَةِ الْكَافِرَةِ وَتَقْيِيدُ الْمَمْلُوكِ بِالْعَدْلِ من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ منهم الْبَغَوِيّ في تَفْسِيرِهِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَقِيَاسُ الْمَرْأَةِ كَذَلِكَ وَصَرَّحَ بِهِ الْمَهْدَوِيُّ في تَفْسِيرِهِ وهو من الشَّافِعِيَّةِ فَخَرَجَ بِذَلِكَ الْفَاسِقُ
قال ابن الْعِمَادِ وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كان فِسْقُهُ بِالزِّنَا وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِتَحْرِيمِ النَّظَرِ مع قِيَامِ الْمُبِيحِ وهو الْمِلْكُ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ وَبِغَيْرِ الْمُكَاتَبِ الْمُكَاتَبُ فَلَا يُبَاحُ له ما ذُكِرَ كما نَقَلَهُ في الرَّوْضَةِ عن الْقَاضِي وَأَقَرَّهُ وَقَيَّدَهُ الْقَاضِي بِمَا إذَا كان معه وَفَاءٌ لِخَبَرِ أُمِّ سَلَمَةَ إذَا كان مع مُكَاتَبِ إحْدَاكُنَّ وَفَاءٌ فَلْتَحْتَجِبْ منه رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ كَالْقِنِّ وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ كما نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ في الْمَعْرِفَةِ قال الزَّرْكَشِيُّ فَيَجِبُ الْفَتْوَى بِهِ وَأَجَابَ أَعْنِي الشَّافِعِيَّ عن الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ خَاصٌّ بِزَوْجَاتِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَنَّ لَهُنَّ من الْحُرْمَةِ ما ليس لِغَيْرِهِنَّ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يُبَاحُ نَظَرُ الرَّجُلِ
____________________
(3/111)
إلَى مُكَاتَبَتِهِ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ في الْمَمْلُوكِ بِقَوْلِهِ كَالْمَحْرَمِ أَوْلَى من قَوْلِ الْأَصْلِ مَمْلُوكُ الْمَرْأَةِ مَحْرَمٌ لها لَا الْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ وَالْعِنِّينُ وَالْمُخَنَّثُ وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُمْ في بَابِ خِيَارِ النَّقْصِ وَالْهِمُّ بِالْكَسْرِ وهو الشَّيْخُ الْفَانِي فَلَيْسَ لِأَحَدٍ منهم النَّظَرُ إلَى أَجْنَبِيَّةٍ كَغَيْرِهِمْ من الْفُحُولِ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عن أُمِّ سَلَمَةَ خَبَرَ لَا تُدْخِلْنَ هذا عَلَيْكُمْ يَعْنِي الْمُخَنَّثَ وَيَحْرُمُ نَظَرُ الْمَحْرَمِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ بِشَهْوَةٍ بِأَنْ يَلْتَذَّ بِهِ أو بِدُونِهَا لَكِنْ مع خَوْفِ الْفِتْنَةِ فِيمَا يَظْهَرُ ويحرم نَظَرُ الْأَمْرَدِ بِشَهْوَةٍ مُطْلَقًا وَبِدُونِهَا إنْ خَافَ فِتْنَةً بِخِلَافِ ما إذَا أَمِنَهَا كَنَظِيرِهِ فِيمَا قَدَّمَهُ في النَّظَرِ لِلْأَجْنَبِيَّةِ وما ذَكَرَهُ فِيمَا إذَا أَمِنَهَا هو ما جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وزاد عليه في الرَّوْضَةِ قَوْلَهُ أَطْلَقَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى الْأَمْرَدِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَنَقَلَهُ الدَّارَكِيُّ عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَيُؤْخَذُ منه الْحُرْمَةُ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ حَسْبَمَا لِلْبَابِ وَلِأَنَّ النَّظَرَ مَظِنَّةُ الْفِتْنَةِ نعم يُعْتَبَرُ في الْأَمْرَدِ أَنْ يَكُونَ جَمِيلَ الْوَجْهِ كما قَيَّدَهُ بِهِ في فَتَاوِيهِ وَغَيْرِهَا تَبَعًا لِلْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا لم يُؤْمَرْ بِالِاحْتِجَابِ كَالْمَرْأَةِ لِلْمَشَقَّةِ عليه فيه وفي تَرْكِ الْأَسْبَابِ اللَّازِمِ له وَعَلَى غَيْرِهِ غَضُّ الْبَصَرِ
ولم يَعْتَبِرُوا جَمَالَ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الطَّبْعَ يَمِيلُ إلَيْهَا فَضَبَطَ بِالْأُنُوثَةِ وَلَك على قَوْلِ النَّوَوِيِّ هذا مع ما نَقَلَهُ كَالرَّافِعِيِّ عن الْأَكْثَرِينَ من حِلِّ النَّظَرِ إلَى الْمَرْأَةِ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ أَنْ تَقُولَ ما الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَمْرَدِ فَالْمُوَافِقُ لِذَلِكَ ما جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ في هذه وَتَبِعَهُ عليه الْمُصَنِّفُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عليه الْإِطْلَاقُ السَّابِقُ وَإِنْ كان الْأَحْوَطُ ما أَفَادَهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عنه بِأَنَّ لِلْأَمْرَدِ أَمَدًا يَنْتَظِرُ زَوَالَهُ فيه بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ وَعَلَى ما صَحَّحَهُ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ في تِلْكَ من التَّحْرِيمِ لَا سُؤَالٍ وَكَمَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ تَحْرُمُ الْخَلْوَةُ بِهِ قال في الْمَجْمُوعِ في صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ هذا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ فَإِنَّهَا أَفْحَشُ وَأَقْرَبُ إلَى الْمَفْسَدَةِ وَالْأَمْرَدُ الشَّابُّ الذي لم يَنْبُتْ لِحْيَتُهُ وَلَا يُقَالُ لِمَنْ أَسَنَّ وَلَا شَعْرَ بِوَجْهِهِ أَمْرَدُ ويحرم نَظَرُ عَوْرَةِ الرَّجُلِ دُونَ غَيْرِهَا على الرَّجُلِ لِمَا مَرَّ في نَظَرِ بَعْضِ النِّسَاءِ بَعْضًا لَا على نَفْسِهِ فَلَا يَحْرُمُ لَكِنْ يُكْرَهُ كما سَيَأْتِي وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ فَرْعٌ ما حَرُمَ نَظَرُهُ مُتَّصِلًا حَرُمَ نَظَرُهُ مُنْفَصِلًا كَشَعْرِ عَانَةٍ وَلَوْ لِرَجُلٍ وَقُلَامَةِ ظُفْرِ قَدَمِ حُرَّةٍ إبْقَاءً لِحُكْمِهِ قبل انْفِصَالِهِ فَلْيُوَارِهِ وُجُوبًا كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي لِئَلَّا يَنْظُرَ إلَيْهِ أَحَدٌ وَاسْتَبْعَدَ الْأَذْرَعِيُّ الْوُجُوبَ قال وَالْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ في الْحَمَّامَاتِ على طَرْحِ ما يَتَنَاثَرُ من امْتِشَاطِ شُعُورِ النِّسَاءِ وَحَلْقِ عَانَاتِ الرِّجَالِ لَا قُلَامَةِ ظُفْرِ يَدِهَا أَيْ الْحُرَّةِ فَلَا يَحْرُمُ نَظَرُهَا بَعْدَ انْفِصَالِهَا كما قَبْلَهُ وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي على ما قَدَّمَهُ من عَدَمِ تَحْرِيمِ نَظَرِ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ
وَأَمَّا على ما تَقَدَّمَ عن الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ من تَحْرِيمِهِمَا فَيَنْبَغِي حُرْمَةُ ذلك ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ نَبَّهَ على ذلك فقال إنَّمَا يَحْسُنُ التَّفْصِيلُ بين الْقُلَامَتَيْنِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِجَوَازِ النَّظَرِ إلَى الْكَفَّيْنِ أَمَّا من يُحَرِّمُهُ وَمِنْهُمْ النَّوَوِيُّ فَلَا يُتَّجَهُ ذلك على أَنَّهُ في الرَّوْضَةِ قال دُونَ قُلَامَةِ يَدِهَا وَيَدِهِ ورجله أَيْ الرَّجُلِ وما قَالَهُ في قُلَامَةِ يَدِهِ وَرِجْلِهِ إنَّمَا يَأْتِي على عَدَمِ تَحْرِيمِ نَظَرِهَا مُتَّصِلَةً أَمَّا على تَحْرِيمِهِ الشَّامِلِ له ما صَحَّحَهُ من أَنَّ تَحْرِيمَ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ كَتَحْرِيمِ نَظَرِهِ إلَيْهَا فَيَنْبَغِي تَحْرِيمُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ ما قَالَهُ إنَّمَا يَصِحُّ تَفْرِيعُهُ على ما رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ لَا على ما رَجَّحَهُ هو فَإِنْ أُبِينَ من الْأَمَةِ ما ليس بِعَوْرَةٍ منها كَشَعْرِ رَأْسِهَا وَظُفْرِهَا ثُمَّ عَتَقَتْ لم يَحْرُمْ نَظَرُهُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْمُنْفَصِلَ كَالْمُتَّصِلِ لِأَنَّهُ حين انْفَصَلَ لم يَكُنْ عَوْرَةً وَالْعِتْقُ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْمُنْفَصِلِ وَهَذَا بِنَاءً على ما قَدَّمَهُ من جَوَازِ النَّظَرِ إلَى ما عَدَا عَوْرَةِ الْأَمَةِ وَتَقَدَّمَ ما فيه فَرْعٌ لِكُلٍّ من الزَّوْجَيْنِ النَّظَرُ إلَى الْآخَرِ وَلَوْ إلَى الْفَرْجِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِأَنَّهُ مَحَلُّ تَمَتُّعِهِ ولكن يُكْرَهُ نَظَرُهُ أَيْ الْفَرْجِ حتى من نَفْسِهِ يَعْنِي
____________________
(3/112)
يُكْرَهُ نَظَرُهُ من الْآخَرِ وَمِنْ نَفْسِهِ بِلَا حَاجَةٍ وَبَاطِنُهُ أَيْ وَالنَّظَرُ إلَى بَاطِنِهِ أَشَدُّ كَرَاهَةً قالت عَائِشَةُ ما رَأَيْت منه وَلَا رَأَى مِنِّي أَيْ الْفَرْجَ وَخَبَرُ النَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ يُورِثُ الطَّمْسُ أَيْ الْعَمَى كما وَرَدَ كَذَلِكَ رَوَاهُ ابن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ في الضُّعَفَاءِ وَخَالَفَ ابن الصَّلَاحِ فقال إنَّهُ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ وَمَعَ ذلك فَهُوَ مَحْمُولٌ على الْكَرَاهَةِ كما قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَاخْتَلَفُوا في قَوْلِهِ يُورِثُ الْعَمَى فَقِيلَ في النَّاظِرِ وَقِيلَ في الْوَلَدِ وَقِيلَ في الْقَلْبِ وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ الدُّبُرَ وَقَوْلُ الْإِمَامِ وَالتَّلَذُّذُ بِالدُّبُرِ بِلَا إيلَاجٍ جَائِزٌ كَالصَّرِيحِ فيه وَخَالَفَ الدَّارِمِيُّ فقال بِحُرْمَةِ النَّظَرِ إلَيْهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ إلَى عَوْرَةِ زَوْجِهَا إذَا مَنَعَهَا منه بِخِلَافِ الْعَكْسِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّمَتُّعَ بها بِخِلَافِ عَكْسِهِ وَفِيمَا قَالَهُ وَقْفَةٌ
وَالْأَمَةُ كَالزَّوْجَةِ في النَّظَرِ فَلِكُلٍّ منها وَمِنْ سَيِّدِهَا أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْآخَرِ وَلَوْ إلَى الْفَرْجِ مع كَرَاهَةِ نَظَرِهِ لَا الْمُحَرَّمَةِ عليه بِكِتَابَةٍ وَتَزْوِيجٍ وَكُفْرٍ كَتَمَجُّسٍ وَتَوَثُّنٍ وَرِدَّةٍ وَشَرِكَةٍ قال الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَتَبْعِيضٍ وَعِدَّةٍ من غَيْرِهِ وَنَسَبٍ وَرَضَاعٍ وَمُصَاهَرَةٍ فَيَحْرُمُ نَظَرُهُ منها إلَى ما بين السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ دُونَ ما زَادَ لِخَبَرِ إذَا زَوَّجَ أحدكم عَبْدَهُ جَارِيَتَهُ أو أَجِيرَهُ فَلَا يَنْظُرْ إلَى ما بين السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَقِيسَ بِمَا فيه الْبَقِيَّةُ قال الْبُلْقِينِيُّ وما ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ في الْمُشْتَرَكَةِ مَمْنُوعٌ وَالصَّوَابُ فيها وفي الْمُبَعَّضَةِ وَالْمُبَعَّضُ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَيِّدَتِهِ أَنَّهُمْ كَالْأَجَانِبِ وَخَرَجَ بِالْحُرْمَةِ بِمَا ذَكَرَ الْمُحَرَّمَةُ بِعَارِضٍ قَرِيبِ الزَّوَالِ كَحَيْضٍ وَرَهْنٍ فَلَا يَحْرُمُ نَظَرُهُ إلَيْهَا فَرْعٌ ما حَرُمَ نَظَرُهُ حَرُمَ مَسُّهُ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ أَبْلَغُ في اللَّذَّةِ وَأَغْلَظُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو لَمَسَ فَأَنْزَلَ بَطَلَ صَوْمُهُ وَلَوْ نَظَرَ فَأَنْزَلَ لم يَبْطُلْ فَيَحْرُمُ على الرَّجُلِ ذلك فَخْذُ رَجُلٍ بِلَا حَائِلٍ وقد يَحْرُمُ الْمَسُّ دُونَ النَّظَرِ كما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَيَحْرُمُ مَسُّ وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ بَلْ يَحْرُمُ مَسُّ ظَهْرِ أُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَغَمْزُ سَاقِهَا وَغَمْزُهَا إيَّاهُ منه وَإِنْ لم يَحْرُمْ نَظَرُ ذلك هذا إذَا مَسَّ ذلك بِلَا حَاجَةٍ وَلَا شَفَقَةٍ وَإِلَّا جَازَ الْمَسُّ أَيْضًا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ مَسُّ الْمَحَارِمِ في الرَّأْسِ وَغَيْرِهِ مِمَّا ليس بِعَوْرَةٍ وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِيمَا ذُكِرَ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمَسَّ أَبْلَغُ في اللَّذَّةِ وَلِأَنَّ حَاجَةَ النَّظَرِ أَعَمُّ فَسُومِحَ فيه ما لم يُسَامَحْ في الْمَسِّ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَمْسُوحِ وَنَحْوِهِ الْمَسُّ وَإِنْ أُبِيحَ له النَّظَرُ وَكَوَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ كَفَّاهَا وَكَالظَّهْرِ غَيْرُهُ مِمَّا هو في مَعْنَاهُ وَكَالْأُمِّ وَالْبِنْتِ سَائِرِ الْمَحَارِمِ الْمَفْهُومَاتِ بِالْأَوْلَى وَيَحْرُمُ اضْطِجَاعُ رَجُلَيْنِ أو امْرَأَتَيْنِ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ إذَا كَانَا عَارِيَّيْنِ وَإِنْ كان كُلٌّ مِنْهُمَا في جَانِبٍ من الْفِرَاشِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ لَا يُفْضِي الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ في الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إلَى الْمَرْأَةِ في الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَيَجِبُ التَّفْرِيقُ بين ابْنِ عَشْرٍ من السِّنِينَ وَأَبَوَيْهِ وَإِخْوَتِهِ الشَّامِلِينَ لِأَخَوَاتِهِ عُرْفًا في الْمَضْجَعِ وَاحْتَجَّ له الرَّافِعِيُّ بِخَبَرِ مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعٍ وَاضْرِبُوهُمْ عليها وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ في الْمَضَاجِعِ وَلَا دَلَالَةَ فيه كما قال السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ على التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ قالوا بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى من تَحْرِيمِ الْإِفْضَاءِ الْإِفْضَاءُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ لِخَبَرِ لَا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا الرَّجُلُ الرَّجُلَ إلَّا الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ وفي رِوَايَةٍ إلَّا وَلَدًا وَوَالِدًا رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وقال إنَّهُ على شَرْطِ الْبُخَارِيِّ فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تُخَصِّصُ خَبَرَ مُسْلِمٍ السَّابِقَ وَوَجْهُ ذلك قُوَّةُ الْمَحْرَمِيَّةِ بَيْنَهُمَا وَبَعْدَ الشَّهْوَةِ وَكَمَالِ الِاحْتِشَامِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ في مُبَاشَرَةِ غَيْرِ الْعَوْرَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ على أَنَّهُ يُحْتَمَلُ حَمْلُ ذلك على الْوَلَدِ الصَّغِيرِ وما ذَكَرَهُ من اعْتِبَارِ الْعَشْرِ في التَّفْرِيقِ نَازَعَ فيه الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ فَقَالُوا بَلْ الْمُعْتَبَرُ السَّبْعُ لِخَبَرِ إذَا بَلَغَ أَوْلَادُكُمْ
____________________
(3/113)
سَبْعَ سِنِينَ فَفَرِّقُوا بين فُرُشِهِمْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وقال إنَّهُ صَحِيحٌ على شَرْطِ مُسْلِمٍ وَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّ قَوْلَهُ في الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ في الْمَضَاجِعِ رَاجِعٌ إلَى أَبْنَاءِ سَبْعٍ وَأَبْنَاءِ عَشْرٍ جميعا وَيُسْتَحَبُّ تَصَافُحُ الرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ لِخَبَرِ ما من مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إلَّا غُفِرَ لَهُمَا قبل أَنْ يَتَفَرَّقَا رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ نعم يُسْتَثْنَى الْأَمْرَدُ الْجَمِيلُ الْوَجْهُ فَيَحْرُمُ مُصَافَحَتُهُ وَمَنْ بِهِ عَاهَةٌ كَالْأَبْرَصِ وَالْأَجْذَمِ فَتُكْرَهُ مُصَافَحَتُهُ كما قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ وَتُكْرَهُ الْمُعَانَقَةُ وَالتَّقْبِيلُ في الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَلَوْ كان الْمُقَبِّلُ أو الْمُقَبَّلُ صَالِحًا قال رَجُلٌ يا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أو صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي له قال لَا قال أَفَيَلْزَمُهُ وَيُقَبِّلُهُ قال لَا قال فَيَأْخُذُ بيده فَيُصَافِحُهُ قال نعم رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَهُمَا لِقَادِمٍ من سَفَرٍ أو تَبَاعُدِ لِقَاءٍ سُنَّةٌ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ نعم الْأَمْرَدُ الْجَمِيلُ الْوَجْهُ يَحْرُمُ تَقْبِيلُهُ مُطْلَقًا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ في أَذْكَارِهِ ثُمَّ قال وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُعَانَقَتَهُ كَتَقْبِيلِهِ أو قَرِيبَةٍ منه كَتَقْبِيلِ الطِّفْلِ وَلَوْ وَلَدَ غَيْرِهِ شَفَقَةً فإنه سُنَّةٌ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَبَّلَ ابْنَهُ إبْرَاهِيمَ وَشَمَّهُ وَقَبَّلَ الْحُسَيْنَ بن عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الْأَقْرَعُ بن حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ فقال الْأَقْرَعُ إنَّ لي عَشَرَةً من الْوَلَدِ ما قَبَّلْت منهم أَحَدًا فَنَظَرَ إلَيْهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ قال من لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ قَدِمَ نَاسٌ من الْأَعْرَابِ على رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقَالُوا تُقَبِّلُونَ صِبْيَانَكُمْ فقال نعم قالوا لَكِنَّا وَاَللَّهِ ما نُقَبِّلُ فقال أَوَأَمْلِكُ إنْ كان اللَّهُ تَعَالَى نَزَعَ مِنْكُمْ الرَّحْمَةَ رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ فَرْعٌ لَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ وَجْهِ الْمَيِّتِ الصَّالِحِ لِمَا مَرَّ في الْجَنَائِزِ وَيُسْتَحَبُّ تَقْبِيلُ يَدِ الْحَيِّ لِصَلَاحٍ وَنَحْوِهِ من الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ كَزُهْدٍ وَعِلْمٍ وَشَرَفٍ كما كانت الصَّحَابَةُ تَفْعَلُهُ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كما رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَيُكْرَهُ ذلك لِغِنَاهُ وَنَحْوِهِ من الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ كَشَوْكَتِهِ وَوَجَاهَتِهِ عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا لِخَبَرِ من تَوَاضَعَ لِغَنِيٍّ لِغِنَاهُ ذَهَبَ ثُلُثَا دِينِهِ ويكره حَنْيُ الظَّهْرِ مُطْلَقًا لِكُلٍّ من الناس لِمَا مَرَّ في خَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَيُسْتَحَبُّ الْقِيَامُ لِأَهْلِ الْفَضْلِ من عِلْمٍ أو صَلَاحٍ أو شَرَفٍ أو نَحْوِهَا إكْرَامًا لَا رِيَاءً وَإِعْظَامًا أَيْ تَفْخِيمًا قال في الرَّوْضَةِ وقد ثَبَتَتْ فيه أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ وما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَالرَّوْضَةِ من اسْتِحْبَابِ الْمُصَافَحَةِ وما بَعْدَهُ إلَى هُنَا أَعَادَهُ في السِّيَرِ مع زِيَادَةٍ وَوَقَعَ لِلرَّافِعِيِّ بَعْضُ ذلك فَرْعٌ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ كَامْرَأَةٍ مع الرِّجَالِ وَرَجُلٍ مع النِّسَاءُ في حُكْمِ النَّظَرِ أَخْذًا بِالْأَحْوَطِ وَيُفَارِقُ هذا ما مَرَّ في الْجَنَائِزِ أَنَّهُ يُغَسِّلُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ اسْتِصْحَابًا لِحُكْمِ الصِّغَرِ بِضَعْفِ الشَّهْوَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِخِلَافِهَا قَبْلَهُ فَصْلٌ وَيَجُوزُ نَظَرُ وَجْهِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْمُعَامَلَةِ بِبَيْعٍ وَغَيْرِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَتِهَا وعند تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عليها لِذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَنْظُرَ جَمِيعَ وَجْهِهَا كما نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عن جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وقال الْمَاوَرْدِيُّ إنْ أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهَا بِبَعْضِهِ وَجَبَ الِاقْتِصَارُ عليه وَتَكَلُّفُ كَشْفِهِ عِنْدَ الْأَدَاءِ قال في الْأَصْلِ فَإِنْ امْتَنَعَتْ أَمَرَتْ امْرَأَةً بِكَشْفِهِ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ تَرَكَهُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ الْمَرْأَةَ وَسَيَأْتِي في الشَّهَادَةِ أَنَّهُ إذَا خَافَ من النَّظَرِ لِتَحَمُّلِهَا الْفِتْنَةَ إنْ لم يَتَعَيَّنْ عليه لم يَنْظُرْ وَإِلَّا نَظَرَ وَيَلْحَقُ بِالنَّظَرِ لِلشَّهَادَةِ عليها نَظَرُ الْحَاكِمِ لِتَحْلِيفِهَا أو لِلْحُكْمِ عليها قَالَهُ الْجُرْجَانِيُّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّهَادَةَ وَالْحُكْمَ لها كَالشَّهَادَةِ وَالْحُكْمِ عليها
وَيَجُوزُ النَّظَرُ وَاللَّمْسُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ لِلْفَصْدِ وَالْعِلَاجِ كَالْحِجَامَةِ لِلْحَاجَةِ الْمُلْجِئَةِ إلَى ذلك ويجوز بِمَحْضَرِ زَوْجٍ أو مَحْرَمٍ النَّظَرُ من رَجُلٍ إنْ عُدِمَتْ امْرَأَةٌ تُعَالِجُ كَعَكْسِهِ أَيْ كما يَجُوزُ بِمَحْضَرِ زَوْجٍ أو مَحْرَمٍ النَّظَرُ من امْرَأَةٍ إنْ عُدِمَ رَجُلٌ مُعَالِجٌ وَكُلٌّ من الزَّوْجِ وَالْمَحْرَمِ يَتَنَاوَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ أَكَانَ من قِبَلِ الْمُعَالَجِ أَمْ الْمُعَالِجِ ما لم يَجْتَمِعْ رَجُلَانِ مع امْرَأَةٍ لِامْتِنَاعِ الْخَلْوَةِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ اجْتِمَاعِ رَجُلٍ مع امْرَأَتَيْنِ وَلَا يَتَقَيَّدُ ذلك بِالزَّوْجِ وَالْمَحْرَمِ بَلْ السَّيِّدُ وَالْمَمْسُوحُ وَنَحْوُهُمَا كَذَلِكَ وَضَابِطُهُ كما قال الزَّرْكَشِيُّ أَنْ يَكُونَ ثَمَّ من يَمْنَعُ حُصُولَ الْخَلْوَةِ كما ذَكَرُوهُ في الْعَدَدِ وَيَجُوزُ النَّظَرُ من ذِمِّيٍّ لِمُسْلِمَةٍ إنْ عُدِمَ مُسْلِمٌ يُعَالِجُ بِخِلَافِ ما إذَا وُجِدَ وَقَضِيَّةُ ما مَرَّ في نَظَرِ الْكَافِرَةِ أَنْ لَا يَجُوزَ مع وُجُودِ مُسْلِمَةٍ وَيُمْكِنُ إدْرَاجُهَا في كَلَامِهِ وَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى السَّوْأَتَيْنِ إلَّا في حَاجَةٍ لَا يَهْتِكُ
____________________
(3/114)
الْمَرْأَةَ التَّكَشُّفُ مَعَهَا أو يُبِيحُ التَّيَمُّمَ في الْبَدَنِ يَعْنِي وَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى ما سِوَى السَّوْأَتَيْنِ وَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ من الْبَدَنِ إلَّا لِحَاجَةٍ تُبِيحُ التَّيَمُّمَ وَمُطْلَقًا في الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ أَيْ وَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ إلَّا لِمُطْلَقِ الْحَاجَةِ وَلَا يَخْفَى ما في كَلَامِهِ من الْقَلَاقَةِ وَالْإِجْحَافِ وَمُلَخَّصُ الْمُرَادِ منه أَنَّهُ يُعْتَبَرُ في النَّظَرِ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مُطْلَقُ الْحَاجَةِ وفي غَيْرِهِمَا ما عَدَا السَّوْأَتَيْنِ تَأَكُّدُهَا بِأَنْ يَكُونَ ما يُبِيحُ التَّيَمُّمَ كَشِدَّةِ الضَّنَا وفي السَّوْأَتَيْنِ مَزِيدُ تَأْكِيدِهَا بِأَنْ لَا يُعَدَّ التَّكَشُّفُ بِسَبَبِهَا هَتْكًا لِلْمَرْأَةِ وَالضَّبْطِ بِمَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ وَقَضِيَّتُهُ كما قال الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ لو خَافَ شيئا فَاحِشًا في عُضْوٍ بَاطِنٍ امْتَنَعَ النَّظَرُ بِسَبَبِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ وَالثَّدْيِ لِلشَّهَادَةِ في الزِّنَا وَالْوِلَادَةِ في الْأُولَى وفي الرَّضَاعِ في الثَّانِيَةِ لِظُهُورِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَصْلٌ تُسْتَحَبُّ الْخِطْبَةُ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَهِيَ الْتِمَاسُ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَطَبَ عَائِشَةَ بِنْتَ أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَخَطَبَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَيَحْرُمُ التَّصْرِيحُ بها لِمُعْتَدَّةٍ من غَيْرِهِ رَجْعِيَّةً كانت أو بَائِنًا بِطَلَاقٍ أو فَسْخٍ أو مَوْتٍ أو مُعْتَدَّةٍ عن شُبْهَةٍ لِمَفْهُومِ آيَةِ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ من خِطْبَةِ النِّسَاءِ وَلِلْإِجْمَاعِ
وَتَجُوزُ الْخِطْبَةُ تَعْرِيضًا في عِدَّةٍ غَيْرِ رَجْعِيَّةٍ لِهَذِهِ الْآيَةِ وَلِانْقِطَاعِ سَلْطَنَةِ الزَّوْجِ عنها بِخِلَافِ التَّصْرِيحِ لِأَنَّهُ إذَا صَرَّحَ تَحَقَّقَتْ رَغْبَتُهُ فيها فَرُبَّمَا تَكْذِبُ في انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَبِخِلَافِ الرَّجْعِيَّةِ لِأَنَّهَا في مَعْنَى الْمَنْكُوحَةِ أَمَّا الْمُعْتَدَّةُ منه فَلَا يَحْرُمُ عليه خِطْبَتُهَا لَا تَصْرِيحًا وَلَا تَعْرِيضًا لِأَنَّهُ يَحِلُّ له نِكَاحُهَا في عِدَّتِهِ وَالتَّعْرِيضُ ما يَحْتَمِلُ الرَّغْبَةَ في النِّكَاحِ وَغَيْرِهَا كَقَوْلِهِ أَنْتِ جَمِيلَةٌ وَرُبَّ رَاغِبٍ فِيك وَمَنْ يَجِدُ مِثْلَك وَلَسْت بِمَرْغُوبٍ عَنْك وَلَا يَخْفَى التَّصْرِيحُ وهو ما يَقْطَعُ بِالرَّغْبَةِ في النِّكَاحِ كَأُرِيدُ أَنْ أَنْكِحَك وإذا انْقَضَتْ عِدَّتُك نَكَحْتُك وَلَا فَرْقَ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ بين الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَالْكِنَايَةِ وَهِيَ ما يَدُلُّ على الشَّيْءِ بِذِكْرِ لَوَازِمِهِ كَقَوْلِك فُلَانٌ طَوِيلُ النِّجَادِ لِلطَّوِيلِ وَكَثِيرُ الرَّمَادِ لِلْمِضْيَافِ وَمِثَالُهَا هُنَا لِلتَّصْرِيحِ أُرِيدُ أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْك نَفَقَةَ الزَّوْجَاتِ وَأَتَلَذَّذَ بِك وَلِلتَّعْرِيضِ أُرِيدُ أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْك نَفَقَةَ الزَّوْجَاتِ فَكُلٌّ من الثَّلَاثَةِ إنْ أَفَادَ الْقَطْعَ بِالرَّغْبَةِ في النِّكَاحِ فَهُوَ تَصْرِيحٌ أو الِاحْتِمَالُ لها فَتَعْرِيضٌ وَكَوْنُ الْكِنَايَةِ أَبْلَغُ من التَّصْرِيحِ الْمُقَرَّرِ في عِلْمِ الْبَيَانِ لَا يُنَافِي ذلك فَمَنْ قال هُنَا الظَّاهِرُ أنها كَالتَّصْرِيحِ لِأَنَّهَا أَبْلَغُ منه الْتَبَسَ عليه التَّصْرِيحُ هُنَا بِالتَّصْرِيحِ ثَمَّ
وَلِجَوَابِهَا أَيْ الْخِطْبَةِ مِمَّنْ يَعْتَبِرُ إجَابَتَهُ حُكْمُ خِطَابِهِ أَيْ الْخَاطِبِ تَصْرِيحًا وَتَعْرِيضًا فِيمَا ذُكِرَ وَلَوْ قال وَلِجَوَابِهَا حُكْمُهَا كان أَخْصَرَ وَمَعَ ذلك فَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَعَمُّ من قَوْلِ أَصْلِهِ وَحُكْمُ جَوَابِ الْمَرْأَةِ تَصْرِيحًا وَتَعْرِيضًا حُكْمُ الْخِطْبَةِ فَرْعٌ تَحْرُمُ الْخِطْبَةُ على من عَلِمَ بِخِطْبَةِ من صَرَّحَ له بِالْإِجَابَةِ ولم يَأْذَنْ له الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ ولم يَعْرِضْ لِخَبَرِ لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ على خِطْبَةِ أَخِيهِ حتى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أو يَأْذَنَ له الْخَاطِبُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ وَالْمَعْنَى فيه ما فيه من الْإِيذَاءِ وَالتَّقَاطُعِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْأَوَّلُ مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا مُحْتَرَمًا وَذِكْرُ الْأَخِ في الْخَبَرِ جَرَى على الْغَالِبِ وَلِأَنَّهُ أَسْرَعُ امْتِثَالًا وَإِعْرَاضُ الْمُجِيبِ كَإِعْرَاضِ
____________________
(3/115)
الْخَاطِبِ وَسُكُوتُ الْبِكْرِ غَيْرِ الْمُجْبَرَةِ مُلْحَقٌ بِالصَّرِيحِ أَمَّا إذَا لم تُعْلَمْ إجَابَتُهُ كما ذُكِرَ بِأَنْ لم يَجِبْ أو أُجِيبَ ولم يَعْلَمْ بِالْإِجَابَةِ أو عَلِمَ بها ولم يَعْلَمْ كَوْنَهَا بِالصَّرِيحِ كما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ لَا إذَا عَرَضَ له بها كَلَا رَغْبَةَ عَنْك أو عَلِمَ كَوْنَهَا بِالصَّرِيحِ وَأَذِنَ له الْأَوَّلُ أو أَعْرَضَ وَلَوْ بِطُولِ الزَّمَنِ بِحَيْثُ يُعَدُّ مُعْرِضًا أو أَعْرَضَ عنه الْمُجِيبُ فَلَا تَحْرُمُ خِطْبَتُهُ لِسُقُوطِ حَقِّ الْأَوَّلِ في الْأَخِيرَةِ بِأَحْوَالِهَا الثَّلَاثَةِ وَالْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ في الْبَقِيَّةِ وَلِخَبَرِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْآتِي حَيْثُ تَوَارَدَ عليها الْخُطَّابُ ولم يَنْهَ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُتَأَخِّرُ منهم لِمَا لم تُصَرِّحْ بِالْإِجَابَةِ بَلْ أَشَارَ عليها بِغَيْرِهِ وَيُعْتَبَرُ في التَّحْرِيمِ عليه أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِهِ وَأَنْ تَكُونَ الْخِطْبَةُ الْأُولَى جَائِزَةً فَلَوْ حَرُمَتْ كَأَنْ خُطِبَتْ في عِدَّةِ غَيْرِهِ فَلَا تَحْرِيمَ وَالْمُعْتَبَرُ في التَّحْرِيمِ إجَابَتُهَا إنْ كانت غير مُجْبَرَةً أو إجَابَةِ الْوَلِيِّ الْمُجْبَرَ إنْ كانت مُجْبَرَةً أو إجَابَتُهُمَا مَعًا إنْ كان الْخَاطِبُ غير كُفْءٍ أو إجَابَةُ السَّيِّدِ أو السُّلْطَانُ في الْأَمَةِ غَيْرِ الْمُكَاتَبَةِ كِتَابَةً صَحِيحَةً بِالنِّسْبَةِ لِلسَّيِّدِ وفي الْمَجْنُونَةِ الْبَالِغَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلسُّلْطَانِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ وَالْجَدِّ أو إجَابَةُ السَّيِّدِ مع الْمُكَاتَبَةِ كِتَابَةً صَحِيحَةً فَرْعٌ لو خَطَبَ رَجُلٌ خَمْسًا وَلَوْ بِالتَّرْتِيبِ وَصَرَّحَ له بِالْإِجَابَةِ اجْتَنَبْنَ من أَيْ حَرُمَتْ خِطْبَةُ كُلٍّ مِنْهُنَّ حتى يَعْقِدَ بِأَرْبَعٍ أَيْ على أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ أو يَتْرُكَهُنَّ أو بَعْضَهُنَّ لِأَنَّهُ قد يَرْغَبُ في الْخَامِسَةِ فَرْعٌ يُكْرَهُ التَّعْرِيضُ بِالْجِمَاعِ لِمَخْطُوبَةٍ لِقُبْحِهِ وقد يَحْرُمُ بِأَنْ يَتَضَمَّنَ التَّصْرِيحَ بِذِكْرِ الْجِمَاعِ كَقَوْلِهِ أنا قَادِرٌ على جِمَاعِك أو لَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقُك من يُجَامِعُك وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ في الْأُمِّ وَلَوْ قال عِنْدِي جِمَاعٌ يُرْضِي من جُومِعَتْ فَقَدْ عَرَّضَ بِالْخِطْبَةِ تَعْرِيضًا مُحَرَّمًا وَأَنْهَاهُ عنه لِأَنَّهُ قُبْحٌ وَفُحْشٌ قال تَعَالَى وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا أَيْ جِمَاعًا إلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا أَمَّا التَّصْرِيحُ بِهِ لها كَقَوْلِهِ مَكِّنِينِي من جِمَاعِك فَحَرَامٌ لَا التَّصْرِيحُ بِهِ لِلزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ فَلَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُمَا مَحَلُّ تَمَتُّعِهِ
وَتُبَاحُ الْغِيبَةُ لِلتَّحْذِيرِ من فِسْقِ أو ابْتِدَاعِ خَاطِبٍ وَمَخْطُوبَةٍ وَوَالٍ بِأَنْ يُبَيِّنَ
____________________
(3/116)
لِمَنْ له عليه وِلَايَةٌ وَرَاوِي عِلْمٍ بِأَنْ يُبَيِّنَ لِلْأَخْذِ عنه وفي مَعْنَاهُ الشَّاهِدُ وَصَرَّحَ بِهِ الرَّوْضَةُ وللتحذير من عَيْبِ خَاطِبٍ وَمَخْطُوبَةٍ وَمُشْتَرَى بِفَتْحِ الرَّاءِ وتباح الْغِيبَةُ بِاللَّقَبِ لِتَعْرِيفٍ كَالْأَعْمَشِ وَالْأَعْرَجِ إنْ كان مَعْرُوفًا بِهِ وَلَوْ أَمْكَنَ التَّعْرِيفُ بِغَيْرِهِ كان أَوْلَى وَالشَّكْوَى أَيْ وَتُبَاحُ الْغِيبَةُ لِأَجْلِ شَكْوَى ظَالِمٍ عِنْدَ مُنْصِفٍ له كَأَنْ يَقُولَ له ظَلَمَنِي فُلَانٌ وَفَعَلَ بِي كَذَا وتباح الْغِيبَةُ لِفَاسِقٍ أَيْ لِأَجْلِ فِسْقِهِ عِنْدَ من يَمْنَعُهُ كَأَنْ يَقُولَ له فُلَانٌ يَعْمَلُ كَذَا فَازْجُرْهُ عنه وَعِنْدَ مُفْتٍ كَأَنْ يَقُولَ له ظَلَمَنِي فُلَانٌ فَهَلْ له ذلك وما طَرِيقِي في خَلَاصِي منه وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَقُولَ ما تَقُولُ في رَجُلٍ كان من أَمْرِهِ كَذَا وَكُلُّ ذلك لِلنَّصِيحَةِ وَالتَّحْذِيرِ لَا لِإِيذَاءٍ لِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رضي اللَّهُ عنها لَمَّا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَاهَا أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ له وَأَمَّا أبو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عن عَاتِقِهِ انْكِحِي أُسَامَةَ بن زَيْدٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وفي رِوَايَةٍ لِلْحَاكِمِ وَأَمَّا أبو جَهْمٍ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْك من شَقَاشِقِهِ وَلِقَوْلِهِ إذَا اسْتَنْصَحَ أحدكم أَخَاهُ فَلْيَنْصَحْهُ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ وَرَوَى خَبَرَ جَرِيرٍ بَايَعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على النُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ
وَمَنْ تَجَاهَرَ بِمَعْصِيَةٍ كَشُرْبِ خَمْرٍ وَمُصَادَرَةِ الناس وَجِبَايَةِ الْأَمْوَالِ ظُلْمًا ذُكِرَ بها فَقَطْ أَيْ لَا بِغَيْرِهَا إلَّا أَنْ يُوجَدَ لِجَوَازِ ذِكْرِهِ سَبَبٌ آخَرُ قال ابن الْعِمَادِ بَعْدَ قَوْلِهِمْ ذُكِرَ بها قال الْغَزَالِيُّ في الْإِحْيَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُتَجَاهِرُ بها عَالِمًا يَقْتَدِي بِهِ فَيَمْتَنِعُ غَيْبَتُهُ لِأَنَّ الناس إذَا اطَّلَعُوا على زِلَّتِهِ تَسَاهَلُوا في ارْتِكَابِ
____________________
(3/117)
لَك وَبَارَكَ عَلَيْك وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا في خَيْرٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ وكان الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ تَأْخِيرَ قَوْلِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ عن هذا أو تَقْدِيمِهِ على بِالْبَرَكَةِ لِيُوَافِقَ ما في الْأَصْلِ وَيُسْتَحَبُّ لِلزَّوْجِ أَوَّلَ ما يَلْقَى زَوْجَتَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِنَاصِيَتِهَا وَيَقُولَ بَارَكَ اللَّهُ لِكُلٍّ مِنَّا في صَاحِبِهِ وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْجِمَاعِ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ ما رَزَقْتنَا وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينَ لِخَبَرٍ وَرَدَ بِالنَّهْيِ عنه وَلِأَنَّهُ من أَلْفَاظِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالرِّفَاءُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْمَدِّ الِالْتِئَامُ وَالِاتِّفَاقُ من قَوْلِهِمْ رَفَأْت الثَّوْبَ وَيُسْتَحَبُّ لِلْوَلِيِّ عَرْضُ مُوَلِّيَتِهِ على ذَوِي الصَّلَاحِ كما فَعَلَ شُعَيْبٌ بِمُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَعُمَرُ بِعُثْمَانَ ثُمَّ بِأَبِي بَكْرٍ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وَإِحْضَارُ الصَّالِحِينَ لِلْعَقْدِ زِيَادَةً على الْوَلِيِّ وَالشَّاهِدَيْنِ وَأَنْ يَنْوِيَ بِالنِّكَاحِ السُّنَّةَ وَالصِّيَانَةَ لِدِينِهِ وَغَيْرَهُمَا من الْمَقَاصِدِ الشَّرْعِيَّةِ قال النَّوَوِيُّ في فَتَاوِيهِ وَشَرْحِ مُسْلِمٍ إنْ قَصَدَ بِالنِّكَاحِ طَاعَةً من وَلَدٍ صَالِحٍ أو إعْفَافَ نَفْسِهِ أو صِيَانَةَ فَرْجِهِ وَنَحْوَهُ فَهُوَ من أَعْمَالِ الْآخِرَةِ وَيُثَابُ عليه وَإِنْ لم يَقْصِدْ ذلك فَهُوَ من أَعْمَالِ الدُّنْيَا لَا يُثَابُ عليه وَلَا يَأْثَمُ بِهِ الْبَابُ الثَّالِثُ في أَرْكَانِ النِّكَاحِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ الصِّيغَةُ وَهِيَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ أو النِّكَاحِ بِمَعْنَى الْإِنْكَاحِ وَالْمُرَادُ بِلَفْظِ ما اُشْتُقَّ مِنْهُمَا وهو شَرْطٌ فَلَا يَنْعَقِدُ بِغَيْرِهِمَا كَلَفْظِ الْبَيْعِ وَالتَّمْلِيكِ وَالْهِبَةِ وَالْإِحْلَالِ وَالْإِبَاحَةِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ اتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يَنْزِعُ إلَى الْعِبَادَاتِ لِوُرُودِ النَّدْبِ فيه وَالْأَذْكَارُ في الْعِبَادَاتِ تُتَلَقَّى من الشَّرْعِ وَالشَّرْعُ إنَّمَا وَرَدَ بِلَفْظَيْ التَّزْوِيجِ وَالْإِنْكَاحِ وما في الْبُخَارِيِّ من أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم زَوَّجَ امْرَأَةً فقال مَلَّكْتُكهَا بِمَا مَعَك من الْقُرْآنِ فَقِيلَ وَهْمٌ من الرَّاوِي وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ مُعَارَضٌ بِرِوَايَةِ الْجُمْهُورِ زَوَّجْتُكهَا قال الْبَيْهَقِيُّ وَالْجَمَاعَةُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ من الْوَاحِدِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَمَعَ بين اللَّفْظَيْنِ وَأَفَادَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ شَرْطٌ أَنَّهُ ليس من تَتِمَّةِ الرُّكْنِ وَإِنَّمَا هو شَرْطٌ له وَلَوْ نَصَبَهُ كان أَوْلَى لو كان اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ بِالْعَجَمِيَّةِ فإنه يَكْفِي وَإِنْ أَحْسَنَ قَائِلُهَا الْعَرَبِيَّةَ اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى لِأَنَّهُ لَفْظٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إعْجَازٌ فَاكْتَفَى بِتَرْجَمَتِهِ هذا إنْ فَهِمَاهَا بِأَنْ فَهِمَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَلَامَ نَفْسِهِ وَكَلَامَ الْآخَرِ سَوَاءٌ اتَّفَقَتْ اللُّغَتَانِ أَمْ اخْتَلَفَتَا
فَإِنْ فَهِمَهُمَا ثِقَةٌ دُونَهُمَا وَأَخْبَرَهُمَا بِمَعْنَاهَا فَوَجْهَانِ رَجَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ الْمَنْعَ كما في الْعَجَمِيِّ الذي ذَكَرَ لَفْظَ الطَّلَاقِ وَأَرَادَ مَعْنَاهُ وهو لَا يَعْرِفُهُ قال وَصُورَتُهُ أَنْ لَا يَفْهَمَهَا إلَّا بَعْدَ إتْيَانِهِ بها فَلَوْ أَخْبَرَ بِمَعْنَاهَا قَبْلُ صَحَّ إنْ لم يَطُلْ الْفَصْلُ وما قَالَهُ مَأْخُوذٌ من كَلَامِ الْإِمَامِ وَيَنْعَقِدُ أَيْضًا بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ كما سَيَأْتِي في كَلَامِهِ في مَوَانِعِ الْوِلَايَةِ وَالْإِيجَابُ كَزَوَّجْتُكَ وَأَنْكَحْتُك ابْنَتِي فيقول الزَّوْجُ تَزَوَّجْت هَا أو نَكَحْت هَا أو قَبِلْت نِكَاحَهَا أو تَزْوِيجَهَا أو هذا النِّكَاحَ أو التَّزْوِيجَ وَلَوْ قال وَيَقُولُ بِالْوَاوِ كان أَوْلَى إذْ لَا يَجِبُ تَقْدِيمُ الْإِيجَابِ على الْقَبُولِ كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فَلَوْ قال الزَّوْجُ تَزَوَّجْت ابْنَتَك أو نَكَحْتهَا فقال الْوَلِيُّ زَوَّجْتُكهَا أو أَنْكَحْتُكهَا صَحَّ وَلَوْ قال رَضِيت نِكَاحَهَا فَكَقَوْلِهِ قَبِلْت نِكَاحَهَا كما حَكَاهُ ابن هُبَيْرَةَ عن إجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ
وَقَوْلُ السُّبْكِيّ نَقْلُ هذا الْإِجْمَاعِ يَجِبُ التَّوَقُّفُ فيه وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَيْ فَلَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِذَلِكَ فيه نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا اكْتَفَى بِقَبِلْتُ نِكَاحَهَا لِدَلَالَتِهِ على الرَّضَاعِ مع الْإِتْيَانِ بِلَفْظِ النِّكَاحِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَكْتَفِيَ بِرَضِيتُ نِكَاحَهَا
قال الْغَزَالِيُّ في فَتَاوِيهِ وَكَزَوَّجْتُكَ زَوَّجْت لَك أو إلَيْك فَيَصِحُّ لِأَنَّ الْخَطَأَ في الصِّيغَةِ إذَا لم يُخِلَّ بِالْمَعْنَى يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْخَطَأِ في الْإِعْرَابِ لَا قَبِلْت فَقَطْ لِعَدَمِ التَّصْرِيحِ بِوَاحِدٍ من لَفْظَيْ التَّزْوِيجِ وَالْإِنْكَاحِ وَالنِّكَاحُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ لِحَاجَتِهِ
____________________
(3/118)
إلَى مَزِيدِ احْتِيَاطٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وفي قَبِلْتهَا أو قَبِلْت النِّكَاحَ أو التَّزْوِيجَ تَرَدُّدٌ أَيْ خِلَافٌ وَاَلَّذِي نَصَّ عليه في الْأُمِّ وَغَيْرِهَا الصِّحَّةُ في قَبِلْت النِّكَاحَ أو التَّزْوِيجَ دُونَ قَبِلْتهَا وَجَرَى عليه الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَلَا يَنْعَقِدُ بِكِنَايَةٍ إذْ لَا مَطْلَعَ لِلشُّهُودِ على النِّيَّةِ وَالْمُرَادُ الْكِنَايَةُ في الصِّيغَةِ أَمَّا في الْمَعْقُودِ عليه فَيَصِحُّ فإنه لو قال زَوَّجْتُك ابْنَتِي فَقَبِلَ وَنَوَيَا مُعَيَّنَةً صَحَّ كما سَيَأْتِي مع أَنَّ الشُّهُودَ لَا مَطْلَعَ لهم على النِّيَّةِ فَالْكِنَايَةُ مُغْتَفَرَةٌ في ذلك ولا بِ كِتَابَةٍ وفي نُسْخَةٍ وَبِكِتَابَةٍ في غَيْبَةٍ أو حُضُورٍ لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ وقد عَرَفْت أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بها بَلْ لو قال لِغَائِبٍ زَوَّجْتُك ابْنَتِي أو قال زَوَّجْتهَا من فُلَانٍ ثُمَّ كَتَبَ فَبَلَغَهُ الْكِتَابُ أو الْخَبَرُ فقال قَبِلْت لم يَصِحَّ كما صَحَّحَهُ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ في الْأُولَى وَسَكَتَ عن الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا سَقَطَتْ من كَلَامِهِ
وَعَلَّلَ الرَّافِعِيُّ نَقْلًا عن الْبَغَوِيّ عَدَمَ الصِّحَّةِ بِتَرَاخِي الْقَبُولِ عن الْإِيجَابِ وهو مَوْجُودٌ في نَظِيرِهِ من الْبَيْعِ مع أَنَّ كَلَامَ الْأَصْلِ فيه يَقْتَضِي الصِّحَّةَ حَيْثُ نَقَلَهَا عن بَعْضِ الْأَصْحَابِ تَفْرِيعًا على صِحَّةِ الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ وَأَقَرَّهُ وَبِهِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ ثَمَّ وَعَلَيْهِ فَالْفَرْقُ بين الْبَابَيْنِ أَنَّ بَابَ الْبَيْعِ أَوْسَعُ بِدَلِيلِ انْعِقَادِهِ بِالْكِنَايَاتِ وَثُبُوتِ الْخِيَارِ فيه وَجَعَلَ الْإِسْنَوِيُّ الرَّاجِحَ فِيهِمَا عَدَمَ الصِّحَّةِ جَاعِلًا ما صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ هُنَا من عَدَمِ الصِّحَّةِ دَلِيلًا على أَنَّ ما نَقَلَهُ كَالرَّافِعِيِّ ثُمَّ عن بَعْضِ الْأَصَحِّ لِلْأَبِ ضَعِيفٌ وفي الْأَصْلِ لو اسْتَخْلَفَ الْقَاضِي فَقِيهًا في تَزْوِيجِ امْرَأَةٍ لم يَكْفِ الْكِتَابُ بَلْ يُشْتَرَطُ اللَّفْظُ وَلَيْسَ لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ الِاعْتِمَادُ على الْخَطِّ على الصَّحِيحِ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِلِاسْتِغْنَاءِ عنه لِمَا يَأْتِي في كِتَابِ الْقَضَاءِ لَا لِقَوْلِ الْبُلْقِينِيِّ أَنَّهُ ليس بِالْمُعْتَمَدِ لِأَنَّهُ فَرْعٌ من فُرُوعِ الْقَاضِي وَالْقَاضِي يَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَ نَائِبَهُ الْقَضَاءَ بِالْمُشَافَهَةِ وَالْمُرَاسِلَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ عِنْدَ الْغَيْبَةِ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا ثَمَّ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ وَحْدَهَا لَا تُفِيدُ بَلْ لَا بُدَّ من إشْهَادِ شَاهِدَيْنِ على التَّوْلِيَةِ
وَمَتَى قال زَوِّجْنِي فقال الْوَلِيُّ زَوَّجْتُك انْعَقَدَ النِّكَاحُ وَإِنْ لم يَقْبَلْ الزَّوْجُ بَعْدَ ذلك لِوُجُودِ الِاسْتِدْعَاءِ الْجَازِمِ وَلِمَا في الصَّحِيحَيْنِ من أَنَّ الْأَعْرَابِيَّ الذي خَطَبَ الْوَاهِبَةَ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقال له زَوِّجْنِيهَا فقال زَوَّجْتُكهَا بِمَا مَعَك من الْقُرْآنِ ولم يُنْقَلْ أَنَّهُ قال بَعْدَ ذلك قَبِلْت نِكَاحَهَا وَمِثْلُهُ في الِانْعِقَادِ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ تَزَوَّجْ ابْنَتِي فيقول الْخَاطِبُ تَزَوَّجْتهَا وَمِنْ ذلك ما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَمَتَى قالت طَلِّقْنِي أو خَالِعْنِي أو أَعْتِقْنِي أو صَالِحْنِي عن الْقِصَاصِ بِأَلْفٍ فَفَعَلَ انْعَقَدَ وَلَزِمَ الْأَلْفُ وَلَا حَاجَةَ إلَى قَبُولٍ بَعْدَهُ وَلَا يُجْزِئُ زَوَّجْتنِي ابْنَتَك أو تُزَوِّجْنِيهَا أو تَتَزَوَّجُ ابْنَتِي أو تَزَوَّجْتهَا لِأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ في الْبَيْعِ وَلَوْ قال الْمُتَوَسِّطُ لِلْوَلِيِّ زَوَّجْته ابْنَتَك فقال زَوْج تُهَا ثُمَّ قال لِلزَّوْجِ قُلْ قَبِلْت نِكَاحَهَا فقال قَبِلْت نِكَاحَهَا انْعَقَدَ النِّكَاحُ لِوُجُودِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مُرْتَبِطَيْنِ بِخِلَافِ ما لو قَالَا أو أَحَدُهُمَا نعم وَقَوْلُهُ قُلْ من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ قَبِلْت نِكَاحَهَا هو ما قال الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ الذي عَبَّرَ بِهِ الرَّافِعِيُّ في أَكْثَرِ نُسَخِهِ وَأَنَّهُ مُرَادُهُ بِتَعْبِيرِهِ في بَعْضِهَا بِقَبِلْتُ قال وَأَمَّا تَعْبِيرُ الرَّوْضَةِ بِقَبِلْتُهُ فَيُوهِمُ أَنَّ الْهَاءَ تَقُومُ مَقَامَ نِكَاحِهَا وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ
ا ه
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الرَّوْضَةَ مُخْتَصَرَةٌ من النُّسَخِ التي عَبَّرَ فيها بِقَبِلْتُ مع أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ نُسَخَهَا أَيْضًا مُخْتَلِفَةٌ فإن الْأَصْفُونِيَّ وَغَيْرَهُ عَبَّرُوا في مُخْتَصَرِهَا بِقَبِلْتُ نِكَاحَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ عَبَّرُوا بِهِ لِأَنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّهُ مُرَادُ الرَّوْضَةِ فَرْعٌ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فَوْرًا كَالْبَيْعِ فَلَا يَضُرُّ فَصْلٌ يَسِيرٌ وإذا أتى أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ بِأَحَدِ شِقَّيْ الْعَقْدِ فَلَا بُدَّ من إصْرَارِهِ عليه وَبَقَاءِ أَهْلِيَّتِهِ حتى يُوجَدَ الشِّقُّ الْآخَرُ وَكَذَا الْآذِنَةُ في تَزْوِيجِهَا حَيْثُ يُعْتَبَرُ إذْنُهَا فَإِنْ أَوْجَبَ الْوَلِيُّ
____________________
(3/119)
ثُمَّ رَجَعَ عن إيجَابِهِ أو أُغْمِيَ عليه أو جُنَّ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو ارْتَدَّ أو رَجَعَتْ الْآذِنَةُ عن إذْنِهَا أو أُغْمِيَ عليها أو جُنَّتْ أو ارْتَدَّتْ امْتَنَعَ الْقَبُولُ وَذَكَرَ الْأَصْلُ إغْمَاءَهَا دُونَ رُجُوعِهَا وَالْمُصَنِّفُ عَكَسَ ذلك وَالْأَمْرُ قَرِيبٌ فَصْلٌ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ كَقَوْلِهِ وقد أُخْبِرَ بِمَوْلُودٍ إنْ كان الْمَوْلُودُ بِنْتًا فَقَدْ زَوَّجْتُكهَا كَالْبَيْعِ بَلْ أَوْلَى لِاخْتِصَاصِهِ بِمَزِيدِ احْتِيَاطٍ فَإِنْ أُعْلِمَ أَيْ أُخْبِرَ بِحُدُوثِ بِنْتٍ له بِمَوْتِ إحْدَى نِسَاءِ زَيْدٍ مَثَلًا فَصَدَقَ الْمُخْبِرُ ثُمَّ قال لِزَيْدٍ في الثَّانِيَةِ وَلِغَيْرِهِ في الْأُولَى إنْ صَدَقَ الْمُخْبِرُ فَقَدْ زَوَّجْتُكهَا صَحَّ وَلَيْسَ بِتَعْلِيقٍ بَلْ هو تَحْقِيقٌ كَقَوْلِهِ إنْ كُنْت زَوْجَتِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَتَكُونُ إنْ بِمَعْنَى إذْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَخَافُونِ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَالْحُكْمُ الْمَذْكُورُ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْبَغَوِيّ وَصَوَّرَهُ بِالتَّصْدِيقِ الْمَذْكُورِ وَعَبَّرَ عنه بِقَوْلِهِ وما قَالَهُ يَجِبُ فَرْضُهُ فِيمَا إذَا تَيَقَّنَ صِدْقَ الْمُخْبِرِ وَإِلَّا فَلَفْظُ إنْ لِلتَّعْلِيقِ قال السُّبْكِيُّ هو تَعْلِيقٌ وَإِنْ تَيَقَّنَ صِدْقَهُ فَتَفْسُدُ الصِّيغَةُ بِصُورَةِ التَّعْلِيقِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ إنْ حِينَئِذٍ بِمَعْنَى إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَلَك مَنْعُهُ فإنه لَمَّا ذَكَرَ إنْ وقد صَدَقَ وَجَبَ جَعْلُهَا بِمَعْنَى إذْ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ لَا مَعْنَى كما قال الزَّرْكَشِيُّ لِاشْتِرَاطِ الْيَقِينِ بَلْ يَكْفِي الظَّنُّ كما أَفَادَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فَرْعٌ لو قال زَوَّجْتُك ابْنَتِي على أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَك وَيَكُونُ بُضْعُ كُلٍّ مِنْهُمَا صَدَاقَ الْأُخْرَى فقال تَزَوَّجْتهَا وَزَوَّجْتُك ابْنَتِي على ذلك لم يَصِحَّ وهو نِكَاحُ الشِّغَارِ لِلنَّهْيِ عنه في خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ وَتَفْسِيرُهُ بِذَلِكَ مَأْخُوذٌ من آخِرِ الْخَبَرِ الْمُحْتَمَلِ لَأَنْ يَكُونَ من تَفْسِيرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنْ يَكُونَ من تَفْسِيرِ ابْنِ عُمَرَ الرَّاوِي أو من تَفْسِيرِ نَافِعٍ الرَّاوِي عنه فَيَرْجِعُ إلَيْهِ وقد صَرَّحَ الْبُخَارِيُّ بِأَنَّهُ من قَوْلِ نَافِعٍ وَالْمَعْنَى في الْبُطْلَانِ التَّشْرِيكُ في الْبُضْعِ حَيْثُ جُعِلَ مَوْرِدًا لِلنِّكَاحِ وَصَدَاقًا لِلْأُخْرَى فَأَشْبَهَ تَزْوِيجَ وَاحِدَةٍ من اثْنَيْنِ وَقِيلَ التَّعْلِيقُ وَقِيلَ الْخُلُوُّ من الْمَهْرِ وَسُمِّيَ شِغَارًا إمَّا من قَوْلِهِمْ شُغِرَ الْبَلَدُ عن السُّلْطَانِ إذَا خَلَا عنه لِخُلُوِّهِ عن الْمَهْرِ وَقِيلَ لِخُلُوِّهِ عن بَعْضِ الشَّرَائِطِ وَإِمَّا من قَوْلِهِمْ شُغِرَ الْكَلْبُ إذَا رَفَعَ رِجْلَهُ لِيَبُولَ كان كُلًّا مِنْهُمَا يقول لِلْآخَرِ لَا تَرْفَعْ رِجْلَ ابْنَتِي حتى أَرْفَعَ رِجْلَ ابْنَتِك وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ على أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَك اسْتِيجَابٌ قَائِمٌ مَقَامَ قَوْلِهِ زَوِّجْنِي ابْنَتَك وَإِلَّا لَوَجَبَ الْقَبُولُ بَعْدُ
وَكَذَا لَا يَصِحُّ لو ذَكَرَ مع الْبُضْعِ مَالًا كَقَوْلِهِ زَوَّجْتُك بِنْتِي أو أَمَتِي بِأَلْفٍ على أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَك أو أَمَتَك بِأَلْفٍ وَبُضْعُ كُلٍّ مِنْهُمَا صَدَاقُ الْأُخْرَى فيقول الزَّوْجُ تَزَوَّجْت بِنْتَك أو أَمَتَك وَزَوَّجْتُك بِنْتِي أو أَمَتِي على ذلك لِوُجُودِ التَّشْرِيكِ الْمَذْكُورِ فَلَوْ أَسْقَطَ فيها وفي التي قَبْلَهَا وَبُضْعُ كُلٍّ صَدَاقُ الْأُخْرَى صَحَّ النِّكَاحَانِ إذْ ليس فيه إلَّا شَرْطُ عَقْدٍ في عَقْدٍ وهو لَا يُفْسِدُ النِّكَاحَ وَنَصُّهُ في الْأُمِّ على الْبُطْلَانِ ليس فيه أَنَّهُ مع إسْقَاطِ ذلك فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ إسْقَاطِهِ كما قَيَّدَ بِهِ في بَقِيَّةِ نُصُوصِهِ فَثَبَتَ أَنَّهُ مع الْإِسْقَاطِ يَصِحُّ النِّكَاحَانِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الْمُسَمَّى وَلَوْ قال وَبُضْعُ ابْنَتِي صَدَاقُ ابْنَتِك ولم يَزِدْ فَقَبِلَ الْآخَرُ على ذلك صَحَّ الثَّانِي فَقَطْ أَيْ دُونَ الْأَوَّلِ لِجَعْلِ بُضْعِ بِنْتِ الْأَوَّلِ فيه صَدَاقًا لِبِنْتِ الثَّانِي بِخِلَافِ الثَّانِي أو عَكْسَهُ بِأَنْ قال وَبُضْعُ ابْنَتِك صَدَاقُ ابْنَتِي ولم يَزِدْ صَحَّ الْأَوَّلُ فَقَطْ لِمَا عُرِفَ وَلَوْ قال زَوَّجْتُك بِنْتِي على أَنَّ بُضْعَك صَدَاقٌ لها فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الصِّحَّةُ لَكِنْ يَفْسُدُ الصَّدَاقُ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كما لو سُمِّيَ خَمْرًا وَالثَّانِي الْبُطْلَانُ لِتَضَمُّنِ هذا الشَّرْطِ حَجْرًا على الِاسْتِمْتَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّ الصَّدَاقَ مِلْكُ الْمَرْأَةِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمِلْكِ غَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ لِعَدَمِ التَّشْرِيكِ فَرْعٌ يَفْسُدُ الصَّدَاقُ دُونَ النِّكَاحِ فِيمَا إذَا قال زَوَّجْتُك بِنْتِي بِمَنْفَعَةِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ بِمُتْعَةِ أَمَتِك وَنَحْوِهَا كَعَبْدِك لِلْجَهْلِ بِالْمُسَمَّى وَقَوْلُهُ وَنَحْوِهَا من زِيَادَتِهِ وَلَوْ قال لِمَنْ يَحِلُّ له نِكَاحُ الْأَمَةِ زَوَّجْتُك جَارِيَتِي على أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَك بِصَدَاقٍ لها هو رَقَبَةُ الْجَارِيَةِ فَزَوَّجَهُ على ذلك صَحَّ النِّكَاحَانِ لِأَنَّهُ لَا تَشْرِيَك فِيمَا وَرَدَ عليه عَقْدُ النِّكَاحِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ وَالتَّعْوِيضِ في الْأُولَى وَفَسَادِ الْمُسَمَّى في الثَّانِيَةِ إذْ لو صَحَّ الْمُسَمَّى فيها لَزِمَ صِحَّةُ نِكَاحِ الْأَبِ جَارِيَةَ بِنْتِهِ وهو مُمْتَنِعٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَكْسَ التَّصْوِيرِ كَذَلِكَ بِأَنْ قال تَزَوَّجْت بِنْتَك على رَقَبَةِ جَارِيَتِي وَزَوَّجْتُك جَارِيَتِي فَقَبِلَ لِتَقَارُنِ صِحَّةِ الْعَقْدَيْنِ في الْحَالَيْنِ وَخَالَفَ
____________________
(3/120)
الْمُتَوَلِّي فقال في الْأَوَّلِ لَا يَفْسُدُ الْمُسَمَّى في الْجَارِيَةِ بَلْ يُمَلِّكُهَا الْبِنْتَ عن صَدَاقِهَا ثُمَّ قال هذا إذَا سَبَقَ تَزْوِيجُ الْجَارِيَةِ فَإِنْ تَأَخَّرَ لم يَصِحَّ نِكَاحُهَا لِأَنَّ الْمِلْكَ بِالتَّزْوِيجِ انْتَقَلَ إلَى الْبِنْتِ فَلَا يَجُوزُ لِأَبِيهَا أَنْ يَقْبَلَ نِكَاحَ الْجَارِيَةِ وما قَالَهُ مُنْدَفِعٌ بِمَا قَدَّمْته وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ على أَنْ يُزَوِّجَهُ زَيْدٌ ابْنَتَهُ وَالصَّدَاقُ أَيْ وَصَدَاقُ الْبِنْتِ بُضْعُ الْمُطَلَّقَةِ فَزَوَّجَهُ على ذلك صَحَّ التَّزْوِيجُ لِمَا مَرَّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الْمُسَمَّى وَوَقَعَ الطَّلَاقُ على الْمُطَلَّقَةِ قال ابن كَجٍّ وكان ابن الْقَطَّانِ يقول لَا رَجْعَةَ لِلْمُطَلِّقِ وَلَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ على الزَّوْجِ ثُمَّ قال فَرْعٌ لو قال له طَلِّقْ امْرَأَتَك على أَنْ أُطَلِّقَ امْرَأَتِي وَجَعَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا طَلَاقَ هذه بَدَلًا عن طَلَاقِ الْأُخْرَى قال ابن الْقَطَّانِ يَقَعُ الطَّلَاقَانِ إذَا فَعَلَاهُ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الرَّجْعَةُ وَعِنْدِي لَا رَجْعَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ على الْآخَرِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَيْ لِيُوَافِقَ ما قَالَهُ ابن الْقَطَّانِ في التي قَبْلَهَا وهو ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ خُلْعٌ فَاسِدٌ وقد يُوَجَّهُ ما قَالَهُ غَيْرُهُ من ثُبُوتِ الرَّجْعَةِ بِأَنَّهُ خُلْعٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ عِوَضَهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ كَالدَّمِ
وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ على أَنْ يُعْتِقَ زَيْدٌ عَبْدَهُ وَيَكُونُ طَلَاقُهَا عِوَضًا عن وفي نُسْخَةٍ من عِتْقِهِ فَأَعْتَقَهُ على ذلك طَلُقَتْ وفي الْعِتْقِ وَجْهَانِ ثُمَّ في رُجُوعِ الزَّوْجِ على السَّيِّدِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَعَكْسِهِ أَيْ وَرُجُوعُ السَّيِّدِ على الزَّوْجِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ إنْ قُلْنَا يُعْتَقُ وَجْهَانِ الْأَوْجَهُ مِنْهُمَا وَمِنْ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن ابْنِ كَجٍّ نُفُوذُ الْعِتْقِ وَرُجُوعُ كُلٍّ مِنْهُمَا على الْآخَرِ بِمَا ذُكِرَ وهو قِيَاسُ ما مَرَّ عنه آنِفًا فَصْلٌ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وهو الْمُؤَقَّتُ وَلَوْ بِمَعْلُومٍ كَسَنَةٍ بَاطِلٌ كَالْبَيْعِ بَلْ أَوْلَى لِلنَّهْيِ عنه في الصَّحِيحَيْنِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْغَرَضَ منه مُجَرَّدُ التَّمَتُّعِ دُونَ التَّوَالُدِ وَسَائِرُ أَغْرَاضِ النِّكَاحِ وَكَانَتْ رُخْصَةً في أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِلْمُضْطَرِّ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ ثُمَّ حُرِّمَتْ عَامَ خَيْبَرَ ثُمَّ رَخَّصَ فيها عَامَ الْفَتْحِ وَقِيلَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ ثُمَّ حُرِّمَتْ أَبَدًا يَسْقُطُ بِهِ أَيْ بِالْوَطْءِ فيه الْحَدُّ وَلَوْ عَلِمَ فَسَادَهُ لِشُبْهَةِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَلَوْ قال نَكَحْتهَا مُتْعَةً ولم يَزِدْ عليه فَكَذَلِكَ أَيْ بَاطِلٌ يَسْقُطُ بِالْوَطْءِ فيه الْحَدُّ وَيَلْزَمُ وفي نُسْخَةٍ وَيَلْزَمُهُ بِالْوَطْءِ فيه الْمَهْرُ وَالنَّسَبُ وَالْعِدَّةُ كما صَرَّحَ بها الْأَصْلُ وَلَيْسَ من نِكَاحِ الْمُتْعَةِ ما لو قال زَوَّجْتُكهَا مُدَّةَ حَيَاتِك أو عُمُرِك بَلْ هو تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ كَنَظِيرِهِ فِيمَا لو قال وَهَبْتُك أو أَعَمَرْتُك هذه الدَّارَ مُدَّةَ حَيَاتِك أو عُمُرِك الرُّكْنُ الثَّانِي الْمَنْكُوحَةُ وَيُشْتَرَطُ خُلُوُّهَا من الْمَوَانِعِ الْآتِي بَيَانُهَا ويشترط تَعْيِينُ كُلٍّ من الزَّوْجَيْنِ فَزَوَّجْتُك إحْدَى بَنَاتِي أو زَوَّجْت بِنْتِي أَحَدَكُمَا بَاطِلٌ وَلَوْ مع الْإِشَارَةِ كَالْبَيْعِ وَلَا يُشْتَرَطُ الرُّؤْيَةُ وَإِنْ قال زَوَّجْتُك بِنْتِي أو بِعْتُك دَارِي وَلَيْسَ له غَيْرُهَا أو أَشَارَ إلَيْهَا بِأَنْ قال زَوَّجْتُك هذه أو بِعْتُك هذه وَهِيَ حَاضِرَةٌ أو كانت بِنْتُهُ في الدَّارِ وقال زَوَّجْتُك التي في الدَّارِ وَلَيْسَ فيها غَيْرُهَا صَحَّ كُلٌّ من التَّزْوِيجِ وَالْبَيْعِ وَالتَّصْرِيحُ بِمَسْأَلَةِ الْبَيْعِ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ سَمَّى الْبِنْتَ الْمَذْكُورَةَ في صُورَتِهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا وَلَوْ عَمْدًا فِيمَا يَظْهَرُ خِلَافًا لِمَنْ بَحَثَ أَنَّ مَحَلَّهُ في الْخَطَأِ أو غَلِطَ في حُدُودِ الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ في صُورَتِهَا أو قال زَوَّجْتُك هذا الْغُلَامَ وَأَشَارَ إلَى الْبِنْتِ التي يُرِيدُ تَزْوِيجَهَا صَحَّ كُلٌّ من التَّزْوِيجِ وَالْبَيْعِ
أَمَّا فِيمَا لَا إشَارَةَ فيه فَلِأَنَّ كُلًّا من الْبِنْتِيَّةِ وَالدَّارِيَّةِ صِفَةٌ لَازِمَةٌ مُمَيَّزَةٌ فَاعْتُبِرَتْ وَلَغَا الِاسْمُ كما لو أَشَارَ إلَيْهَا وَسَمَّاهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا وَأَمَّا فِيمَا فيه إشَارَةٌ فَتَعْوِيلًا عليها وَبِهِ فَارَقَ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِيمَا لو قال بِعْتُك الدَّارَ التي في الْمَحَلَّةِ الْفُلَانِيَّةِ وَحَدَّدَهَا وَغَلِطَ في حُدُودِهَا كَذَا جَزَمَ بِهِ الْأَصْلُ قال الزَّرْكَشِيُّ وما جَزَمَ بِهِ من الْبُطْلَانِ في هذه مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُمَا إنْ كَانَا رَأَيَاهَا وهو الظَّاهِرُ فَالْوَجْهُ الصِّحَّةُ كما قال الشَّافِعِيُّ في الصُّلْحِ إذَا صَالَحَهُ عن الدَّارِ التي يَعْرِفَانِهَا يَصِحُّ انْتَهَى وما قَالَهُ ظَاهِرٌ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لو قال له بِعْتُك دَارِي وَلَيْسَ له غَيْرُهَا صَحَّ وَإِنْ غَلِطَ في حُدُودِهَا وَالتَّعْبِيرُ بِالدَّارِ دُونَ دَارِي لَا يَنْقَدِحُ بِهِ فَرْقٌ فَإِنْ قال من اسْمُ بِنْتِهِ فَاطِمَةُ زَوَّجْتُك فَاطِمَةَ ولم يَقُلْ ابْنَتِي لم يَصِحَّ التَّزْوِيجُ لِكَثْرَةِ الْفَوَاطِمِ فَلَوْ نَوَيَاهَا صَحَّ عَمَلًا بِمَا نَوَيَاهُ وَاسْتَشْكَلَ تَصْحِيحَهُ لِاشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ فيه
____________________
(3/121)
وَالشُّهُودُ لَا يَطَّلِعُونَ على النِّيَّةِ وَقَدَّمْت أَنَّ الْكِنَايَةَ مُغْتَفَرَةٌ في ذلك على أَنَّ الْخُوَارِزْمِيَّ اعْتَبَرَ في مِثْلِ ذلك أَيْضًا عِلْمَ الشُّهُودِ بِالْمَنْوِيَّةِ وَلَوْ قال وَلَهُ ابْنَتَانِ كُبْرَى وَصُغْرَى زَوَّجْتُك ابْنَتِي الْكُبْرَى وَسَمَّى الْكُبْرَى بِاسْمِ الصُّغْرَى صَحَّ التَّزْوِيجُ في الْكُبْرَى اعْتِمَادًا على الْوَصْفِ بِالْكِبَرِ قال في الْبَحْرِ وَلَوْ قال زَوَّجْتُك بِنْتِي الصَّغِيرَةَ الطَّوِيلَةَ وَكَانَتْ الطَّوِيلَةُ الْكَبِيرَةَ فَالتَّزْوِيجُ بَاطِلٌ لِأَنَّ كِلَا الْوَصْفَيْنِ لَازِمٌ وَلَيْسَ اعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا في تَمْيِيزِ الْمَنْكُوحَةِ أَوْلَى من اعْتِبَارِ الْآخَرِ فَصَارَتْ مُبْهَمَةً وَلَوْ ذَكَرَ الْوَلِيُّ لِلزَّوْجِ اسْمَ وَاحِدَةٍ من بِنْتَيْهِ وَقَصْدُهُمَا الْأُخْرَى صَحَّ التَّزْوِيجُ فِيمَا قَصَدَا هَا وَلَغَتْ التَّسْمِيَةُ وَفِيهِ الْإِشْكَالُ السَّابِقُ وَيَأْتِي فيه ما تَقَدَّمَ ثَمَّ وَمِثْلُ ذلك ما لو لم يذكر اسْمَهَا بَلْ قال زَوَّجْتُك بِنْتِي وَقَصَدَا مُعَيَّنَةً كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ اخْتَلَفَ قَصْدُهُمَا لم يَصِحَّ التَّزْوِيجُ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَبِلَ غير ما أَوْجَبَهُ الْوَلِيُّ وَلَوْ قال الزَّوْجُ قَصَدْنَا الْمُسَمَّاةَ فَالنِّكَاحُ في الظَّاهِرِ مُنْعَقِدٌ عليها كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ خَطَبَ رَجُلَانِ امْرَأَتَيْنِ بِأَنْ خَطَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا امْرَأَةً وَعَقَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَخْطُوبَةِ الْآخَرِ وَلَوْ غَلَطًا صَحَّ النِّكَاحَانِ لِقَبُولِ كُلٍّ مِنْهُمَا ما أَوْجَبَهُ الْوَلِيُّ وَقَوْلُهُ غَلَطًا من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ كما أَشَرْت إلَيْهِ بَلْ يُوهِمُ بِبَادِئِ الرَّأْيِ خِلَافَ الْمُرَادِ الرُّكْنُ الثَّالِثُ الشَّهَادَةُ قال الرَّافِعِيُّ ذُكِرَ في الْوَسِيطِ أَنَّ حُضُورَ الشُّهُودِ شَرْطٌ لَكِنْ تَسَاهَلَ في تَسْمِيَتِهِ رُكْنًا وَبِالْجُمْلَةِ حُضُورُهُمْ مُعْتَبَرٌ في الْأَنْكِحَةِ وَمِنْ ثَمَّ قال الْمُصَنِّفُ لَا بُدَّ أَيْ وَإِنْ كانت الزَّوْجَةُ ذِمِّيَّةً من حُضُورِ ذَكَرَيْنِ سَمِيعَيْنِ يَعْرِفَانِ اللِّسَانَ أَيْ لِسَانَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَلَا يَكْفِي ضَبْطُ اللَّفْظِ التَّرْجِيحُ في هذه من زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ من تَرْجِيحِ الرَّوْضَةِ أَخْذًا من مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ في الْعَقْدِ بِالْعَجَمِيَّةِ وَإِلَّا فَلَا تَرْجِيحَ في الرَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا فيه وَجْهَانِ عن الْعَبَّادِيِّ بَلْ رَجَّحَ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ الِانْعِقَادَ بِذَلِكَ بَصِيرَيْنِ مَقْبُولَيْ الشَّهَادَةِ كما يَأْتِي بَيَانُهُ في بَابِهَا لِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ في صَحِيحِهِ لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ وما كان من نِكَاحٍ على غَيْرِ ذلك فَهُوَ بَاطِلٌ فَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ من لَا وَلِيَّ له وَالْمَعْنَى في اعْتِبَارِهِمَا الِاحْتِيَاطُ لِلْإِبْضَاعِ وَصِيَانَةُ الْأَنْكِحَةِ عن الْجُحُودِ وَنَصَّ على قَوْلِهِ ذَكَرَيْنِ سَمِيعَيْنِ بَصِيرَيْنِ مع دُخُولِهِ في مَقْبُولَيْ الشَّهَادَةِ لِرَفْعِ تَوَهُّمِ قَبُولِ شَهَادَةِ أَضْدَادِهِمْ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأُنْثَى وَالْأَصَمِّ وَالْأَعْمَى مَقْبُولَةٌ في مَحَالَّ مَخْصُوصَةٍ وَهُنَا لَا يُمْكِنُ اسْتِشْهَادُهُمْ لِعَدَمِ تِلْكَ الْمَحَالِّ وَعُلِمَ من كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِالْأَخْرَسِ وَلَا بِذِي الْحِرْفَةِ الدَّنِيئَةِ فَالتَّرْجِيحُ فِيهِمَا من زِيَادَتِهِ وهو مَأْخُوذٌ من كَلَامِ الرَّافِعِيِّ
ويصح بِابْنَيْ أَحَدِهِمَا أَيْ بِحُضُورِ ابْنَيْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أو عَدُوَّيْهِ وَكَذَا ابْنَيْهِمَا أو عَدُوَّيْهِمَا أو ابن أو عَدُوُّ أَحَدِهِمَا مع ابْنِ أو عَدُوِّ الْآخَرِ وَإِنْ تَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ بِشَهَادَتِهِمَا اكْتِفَاءً بِالْعَدَالَةِ وَالْفَهْمِ وَثُبُوتِ الْأَنْكِحَةِ بِقَوْلِهِمَا في الْجُمْلَةِ وَالْجَدُّ من قِبَلِ أَحَدِهِمَا إنْ لم يَكُنْ وَلِيًّا له كَالِابْنِ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ بِهِ مع غَيْرِهِ بِخِلَافِهِ إذَا كان وَلِيًّا له لِأَنَّهُ وَلِيُّ عَاقِدٍ فَلَا يَكُونُ شَاهِدًا كَالزَّوْجِ وَوَكِيلِهِ نَائِبُهُ وقد يَكُونُ الْأَبُ شَاهِدًا أَيْضًا كَأَنْ تَكُونَ بِنْتُهُ كَافِرَةً أو رَقِيقَةً أو ابْنُهُ سَفِيهًا وَأَذِنَ له في النِّكَاحِ لِأَنَّهُ ليس عَاقِدًا وَلَا الْعَاقِدُ نَائِبَهُ وَلَوْ شَهِدَ وَلِيَّانِ كَأَخَوَيْنِ من ثَلَاثَةِ إخْوَةٍ وَالْعَاقِدُ غَيْرَهُمَا من بَقِيَّةِ الْأَوْلِيَاءِ لَا إنْ عَقَدَ بِوَكَالَةٍ مِنْهُمَا أو من أَحَدِهِمَا منه بِمَعْنَى له جَازَ بِخِلَافِ ما إذَا عَقَدَهُ غَيْرُهُمْ بِوَكَالَةٍ مِمَّنْ ذُكِرَ لِمَا مَرَّ وَلَا يَصِحُّ بِمَجْهُولَيْ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ وَلَوْ مع ظُهُورِهِمَا بِالدَّارِ بِأَنْ يَكُونَا بِمَوْضِعٍ يَخْتَلِطُ فيه الْمُسْلِمُونَ بِالْكُفَّارِ وَالْأَحْرَارُ بِالْأَرِقَّاءِ وَلَا غَالِبَ أو يَكُونَا ظَاهِرَيْ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ بِالدَّارِ بَلْ لَا بُدَّ من مَعْرِفَةِ حَالِهِمَا فِيهِمَا بَاطِنًا لِسُهُولَةِ الْوُقُوفِ على ذلك بِخِلَافِ الْعَدَالَةِ وَالْفِسْقِ فَلَوْ عَقَدَ بِمَجْهُولَيْ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ فَبَانَا مُسْلِمَيْنِ حُرَّيْنِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُمَا كَالْخُنْثَيَيْنِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَصِحُّ بِهِمَا إذَا بَانَا ذَكَرَيْنِ وَيَصِحُّ بِسَرِيعَيْ نِسْيَانٍ وفي نُسْخَةٍ النِّسْيَانُ لِاجْتِمَاعِ الشُّرُوطِ حَالًا وَبِمَسْتُورَيْنِ أَيْ
____________________
(3/122)
مَسْتُورَيْ الْعَدَالَةِ وَهُمَا الْمَعْرُوفَانِ بها ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا بِأَنْ عُرِفَتْ بِالْمُخَالَطَةِ دُونَ التَّزْكِيَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ من الْمُسْلِمِينَ الْعَدَالَةُ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يَجْرِي بين أَوْسَاطِ الناس وَالْعَوَامِّ وَلَوْ اعْتَبَرَ فيه الْعَدَالَةَ الْبَاطِنَةَ لَاحْتَاجُوا إلَى مَعْرِفَتِهَا لِيُحْضِرُوا من هو مُتَّصِفٌ بها فَيَطُولُ الْأَمْرُ عليهم وَيَشُقُّ هذا إذَا عَقَدَ بِهِمَا غَيْرُ الْحَاكِمِ فَإِنْ عَقَدَ بِهِمَا الْحَاكِمُ لم يَصِحَّ لِسُهُولَةِ الْكَشْفِ عليه كما جَزَمَ بِهِ ابن الصَّلَاحِ في فَتَاوِيهِ وَالنَّوَوِيُّ في نُكَتِهِ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَاقْتَضَى كَلَامُ الْمُتَوَلِّي تَصْحِيحَ الصِّحَّةِ مُطْلَقًا
وَيَبْطُلُ السَّتْرُ بِتَفْسِيقِ عَدْلٍ في الرِّوَايَةِ فَلَوْ أَخْبَرَ بِفِسْقِ الْمَسْتُورِ عَدْلٌ لم يَصِحَّ بِهِ النِّكَاحُ وَالتَّرْجِيحُ فيه من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَقَوْلُ صَاحِبِ الذَّخَائِرِ الْأَشْبَهُ الصِّحَّةُ فإن الْجَرْحَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ ولم يُوجَدَا يُرَدُّ بِأَنَّهُ ليس الْغَرَضُ إثْبَاتَ الْجَرْحِ بَلْ زَوَالُ ظَنِّ الْعَدَالَةِ وهو حَاصِلٌ بِخَبَرِ الْعَدْلِ وَإِنْ تَحَاكَمَ الزَّوْجَانِ وقد أَقَرَّا بِنِكَاحٍ عُقِدَ بِمَسْتُورَيْنِ في نَفَقَةٍ وَنَحْوِهَا من حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ وَعَلِمَ الْحَاكِمُ بِفِسْقِ شُهُودِ الْعَقْدِ لم يَحْكُمْ بَيْنَهُمَا وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ سَوَاءٌ أَتَرَافَعَا إلَيْهِ أَمْ لَا أو عَلِمَ بِكَوْنِهِمَا مَسْتُورَيْنِ حَكَمَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْحُكْمَ بَيْنَهُمَا هُنَا تَابِعٌ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ كما يَثْبُتُ شَوَّالٌ بَعْدَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا تَبَعًا لِثُبُوتِ رَمَضَانَ بِرُؤْيَةِ عَدْلٍ وَلَا يَقْبَلُهُمَا في إثْبَاتِ النِّكَاحِ وَلَا فَسَادِهِ بَلْ يَتَوَقَّفُ حتى يَعْلَمَ بَاطِنَهُمَا فَرْعٌ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُهُ أَيْ النِّكَاحِ بِقِيَامِ بَيِّنَةٍ بِفِسْقِ الشَّاهِدَيْنِ أو كُفْرِهِمَا أو رِقِّهِمَا أو نَحْوِهَا عِنْدَ الْعَقْدِ أو بِإِقْرَارِ وفي نُسْخَةٍ إقْرَارِ الزَّوْجَيْنِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أو بِعِلْمِ الْحَاكِمِ بِالْفِسْقِ أو بِفِسْقِ الشَّاهِدَيْنِ أو نَحْوِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ أو بِقِيَامِ بَيِّنَةٍ أو إقْرَارِ الزَّوْجَيْنِ أَيْ أو عَلِمَ الْحَاكِمُ بِالْإِحْرَامِ أَيْ بِوُقُوعِ الْعَقْدِ فيه أو في الْعِدَّةِ أو الرِّدَّةِ كما صَرَّحَ بِهِمَا الْأَصْلُ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ في بَعْضٍ وَوُجُودِ الْمَانِعِ في بَعْضٍ وَتَبَيُّنُ فِسْقِ أَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ كَتَبَيُّنِ فِسْقِهِمَا وَقِسْ عليه الْبَقِيَّةَ وإذا تَبَيَّنَ الْبُطْلَانُ فَلَا مَهْرَ إلَّا إنْ دخل بها ولم يَحْكُمْ عليها بِالزِّنَا بِوَطْئِهِ لها فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ قال الْخُوَارِزْمِيَّ وَمَحَلُّ تَبَيُّنِ الْبُطْلَانِ بِاعْتِرَافِهِمَا في حَقِّهِمَا أَمَّا في حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَوَافَقَا على فَسَادِ الْعَقْدِ بِشَيْءٍ من ذلك فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوقِعَا نِكَاحًا بِلَا مُحَلِّلٍ لِلتُّهْمَةِ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَسْقُطُ بِقَوْلِهِمَا قال وَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَةً على ذلك لم يَسْمَعَ قَوْلَهُمَا وَلَا بَيِّنَتَهُمَا وَبِذَلِكَ أَفْتَى الْقَاضِي أَمَّا
____________________
(3/123)
بَيِّنَةُ الْحِسْبَةِ فَتُسْمَعُ كما ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ في تَعْلِيقِهِ قال ابن الرِّفْعَةِ وَقَبُولُ قَوْلِهِمَا مُطَّرِدٌ في الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ الرَّشِيدَةِ أَمَّا السَّفِيهَةُ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهَا في إبْطَالِ ما ثَبَتَ لها من الْمَالِ
قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا كان بَعْدَ الدُّخُولِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ دُونَ الْمُسَمَّى لَا تَبْطُلُ الزِّيَادَةُ بِقَوْلِهَا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْطُلَ حَقُّ السَّيِّدِ بِمُوَافَقَةِ الْأَمَةِ انْتَهَى لَا بِإِقْرَارِ الشَّاهِدَيْنِ بِفِسْقِهِمَا عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَا يُؤَثِّرُ في إفْسَادِهِ كما لَا يُؤَثِّرُ فيه بَعْدَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمَا فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أَيْ بِفِسْقِ الشَّاهِدَيْنِ الزَّوْجُ دُونَهَا أَيْ الزَّوْجَةِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فُرْقَةَ فَسْخٍ لَا فُرْقَةَ طَلَاقٌ فَلَا يُنْقَضُ عَدَدُهُ كما لو أَقَرَّ بِالرَّضَاعِ وَلَا يَسْقُطُ مُسَمَّاهَا وفي نُسْخَةٍ مَهْرُهَا بَلْ عليه نِصْفُهُ إنْ لم يَدْخُلْ بها وَإِلَّا فَكُلُّهُ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عليها في الْمَهْرِ وَتَرِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لو حَلَفَتْ أَنَّهُ عَقَدَ بِعَدْلَيْنِ
وَلَوْ أَقَرَّتْ بِذَلِكَ دُونَهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ بيده وَهِيَ تُرِيدُ رَفْعَهَا وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا ولكن لَا تَرِثُهُ إنْ مَاتَ وَلَا تُطَالِبُهُ بِمَهْرٍ إنْ مَاتَ أو فَارَقَهَا قبل الدُّخُولِ لِإِنْكَارِهَا وَعَدَلَ عن قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَلَا مَهْرَ لها إلَى ما قَالَهُ لِئَلَّا يُرَدَّ عليه ما بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ من أنها لو قَبَضَتْ الْمَهْرَ لَا يُسْتَرَدُّ منها قِيَاسًا على ما يَأْتِي في الرَّجْعَةِ فِيمَا إذَا قال طَلَّقْتهَا بَعْدَ الدُّخُولِ فقالت بَلْ قَبْلَهُ فَإِنْ كانت قَبَضَتْ الْجَمِيعَ فَلَا مُطَالَبَةَ بِشَيْءٍ وَإِنْ لم تَقْبِضْهُ فَلَيْسَ لها إلَّا أَخْذُ النِّصْفِ وَالنِّصْفُ هُنَاكَ كَالْجَمِيعِ هُنَا لَكِنْ أُجِيبُ عن ذلك بِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ في تِلْكَ اتَّفَقَا على حُصُولِ الْمُوجِبِ لِلْمَهْرِ وهو الْعَقْدُ وَاخْتَلَفَا في الْمُقَرِّرِ له وهو الْوَطْءُ وَهُنَا هِيَ تَدَّعِي نَفْيَ السَّبَبِ الْمُوجِبِ له فَلَوْ مَلَّكْنَاهَا شيئا منه لَمَلَكَتْهُ بِغَيْرِ سَبَبٍ تَدَّعِيهِ نعم إنْ وَطِئَهَا طَالَبَتْ بِالْأَقَلِّ من الْمُسَمَّى وَمَهْرِ الْمِثْلِ فَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَتْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَرْعٌ قالت نَكَحْتنِي بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَشُهُودٍ فقال بَلْ بِهِمَا نَقَلَ ابن الرِّفْعَةِ عن الذَّخَائِرِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا لِأَنَّ ذلك إنْكَارٌ لِأَصْلِ الْعَقْدِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو ما نَصَّ عليه في الْأُمِّ فَرْعٌ لو تَابَ الْفَاسِقُ عِنْدَ الْعَقْدِ لم يُلْحَقْ بِالْمَسْتُورِ فَلَا يَصِحُّ بِهِ الْعَقْدُ لِأَنَّ تَوْبَتَهُ حِينَئِذٍ تَصْدُرُ عن عَادَةٍ لَا عن عَزْمٍ مُحَقَّقٍ وَنُدِبَ اسْتِتَابَةُ الْمَسْتُورِ حِينَئِذٍ احْتِيَاطًا فَرْعٌ لَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ على رِضَا الْمَرْأَةِ بِالنِّكَاحِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ رِضَاهَا بِهِ لِأَنَّ رِضَاهَا ليس من نَفْسِ النِّكَاحِ الْمُشْتَرَطِ فيه الْإِشْهَادُ وَإِنَّمَا هو شَرْطٌ فيه لَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ احْتِيَاطًا لِيُؤْمَنَ إنْكَارُهَا وَرِضَاهَا يَحْصُلُ بِإِقْرَارِهَا أو بِبَيِّنَةٍ أو بِإِخْبَارِ وَلِيِّهَا مع تَصْدِيقِ الزَّوْجِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ كَغَيْرِهِ الْحَاكِمَ وَبِهِ أَفْتَى الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ وما قَالَهُ ابن عبد السَّلَامِ وَالْبُلْقِينِيُّ من أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يُزَوِّجُهَا حتى يَثْبُتَ عِنْدَهُ إذْنُهَا لِأَنَّهُ يَلِي ذلك بِجِهَةِ الْحُكْمِ فَيَجِبُ ظُهُورُ مُسْتَنَدِهِ مَبْنِيٌّ على أَنَّ تَصَرُّفَ الْحَاكِمِ حُكْمٌ وقد اضْطَرَبَ فيه كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وقال السُّبْكِيُّ في بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ الصَّحِيحُ عِنْدِي وِفَاقًا لِلْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ أَنَّهُ ليس
____________________
(3/124)
بِحُكْمٍ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَحَبَّ لِلْأَبِ أَنْ يُشْهِدَ أَيْضًا على رِضَا الْبِكْرِ الْبَالِغِ خُرُوجًا من خِلَافِ من يَعْتَبِرُ رِضَاهَا كَالثَّيِّبِ وَلَا يَعْتَبِرُ إحْضَارَ الشَّاهِدَيْنِ بَلْ يَكْفِي سَمَاعُ النِّكَاحِ أَيْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ دُونَ الصَّدَاقِ من شَاهِدَيْنِ حَضَرَا وَلَوْ عَقَدَا النِّكَاحَ بِشَهَادَةِ خُنْثَيَيْنِ فَبَانَا رَجُلَيْنِ صَحَّ وَمِثْلُهُ الْوَلِيُّ كما صَرَّحَ بِهِ ابن الْمُسْلِمِ بِخِلَافِ ما لو اقْتَدَى بِخُنْثَى فَبَانَ رَجُلًا لِأَنَّ جَزْمَ النِّيَّةِ مُؤَثِّرٌ ثَمَّ وَبِخِلَافِ نَظِيرِهِ في الزَّوْجَيْنِ كما جَزَمَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَاقْتَضَى كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ الِاتِّفَاقَ عليه لِأَنَّهُمَا الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ من النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْوَلِيِّ وَالشَّاهِدِ وَإِنْ اشْتَرَكُوا في الرُّكْنِيَّةِ على ما مَرَّ كما أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ من أَرْكَانِ الْحَجِّ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَإِنْ شَارَكَهُ غَيْرُهُ في الرُّكْنِيَّةِ وَلَا يَشْكُلُ على عَدَمِ الصِّحَّةِ ما صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ من الصِّحَّةِ فِيمَا لو تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً يَعْتَقِدُ أَنَّ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةً ثُمَّ بَانَ خَطَؤُهُمَا لِأَنَّ الْمَحْرَمَ يَصِحُّ نِكَاحُهَا في الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ على أَنَّ ما صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ قد جَزَمَ الْأَصْلُ في بَابِ الرِّبَا بِخِلَافِهِ وما قَرَّرْته أَوْجَهُ مِمَّا صَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيِّ من أَنَّ الزَّوْجَيْنِ كَالشَّاهِدِ الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْعَاقِدَانِ كما في الْبَيْعِ وَهُمَا الزَّوْجُ وَالْوَلِيُّ أو النَّائِبُ عن كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا تَعْقِدُ امْرَأَةٌ نِكَاحَهَا بِوِلَايَةٍ وَلَا وَكَالَةٍ سَوَاءٌ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ إذْ لَا يَلِيقُ بِمَحَاسِنِ الْعَادَاتِ دُخُولُهَا فيه لِمَا قُصِدَ منها من الْحَيَاءِ وَعَدَمِ ذِكْرِهِ أَصْلًا وقد قال تَعَالَى الرِّجَالُ قَوَّامُونَ على النِّسَاءِ وَتَقَدَّمَ خَبَرُ لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَرَوَى ابن مَاجَهْ خَبَرَ لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ قال الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ عنه وقَوْله تَعَالَى فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ أَصْرَحُ دَلِيلٍ على اعْتِبَارِ الْوَلِيِّ وَإِلَّا لَمَا كان لِعَضْلِهِ مَعْنًى وَإِنْ وَكَّلَ ابْنَتَهُ مَثَلًا أَنْ تُوَكِّلَ رَجُلًا في نِكَاحِهَا لَا عنها بَلْ عنه أو أَطْلَقَ جَازَ لِأَنَّهَا سَفِيرَةٌ بين الْوَلِيِّ وَالْوَكِيلِ بِخِلَافِ ما لو وَكَّلَتْ عنها وَقِيلَ لَا يَجُوزُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وابن الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ وإذا عُدِمَ الْوَلِيُّ وَالْحَاكِمُ أَيْ عُدِمَا مَعًا كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ فَوَلَّتْ مع خَاطِبِهَا أَمْرَهَا رَجُلًا مُجْتَهِدًا لِيُزَوِّجَهَا منه جَازَ لِأَنَّهُ مُحَكَّمٌ وَالْمُحَكَّمُ كَالْحَاكِمِ
وَكَذَا لو وَلَّتْ معه عَدْلًا جَازَ على الْمُخْتَارِ وَإِنْ لم يَكُنْ مُجْتَهِدًا لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى ذلك وَاشْتِرَاطُهُ كَالرَّوْضَةِ في ذلك عَدَمَ الْحَاكِمِ مَمْنُوعٌ في الْأُولَى فَسَيَأْتِي في الْقَضَاءِ جَوَازُ التَّحْكِيمِ في النِّكَاحِ مع وُجُودِ الْحَاكِمِ وهو الْمُعْتَمَدُ وَمِنْ ثَمَّ قال الْإِسْنَوِيُّ الصَّحِيحُ جَوَازُهُ سَفْرًا وحضرا مع وُجُودِ الْحَاكِمِ وَدُونَهُ
ا ه
فَرْعٌ لو وَطِئَ في نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ كَأَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا ولم يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ وَلَا بِبُطْلَانِهِ لَزِمَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ دُونَ الْمُسَمَّى لِفَسَادِ النِّكَاحِ وَلِخَبَرِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ثَلَاثًا فَإِنْ دخل بها فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ من فَرْجِهَا فَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ من لَا وَلِيَّ له رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وابن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ وَيَسْقُطُ عنه الْحَدُّ سَوَاءٌ أَصَدَرَ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ أَمْ لَا لِشُبْهَةِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ في صِحَّةِ النِّكَاحِ ولكن يُعَزَّرُ بِهِ مُعْتَقِدُ تَحْرِيمِهِ لِارْتِكَابِهِ مُحَرَّمًا لَا حَدَّ فيه وَلَا كَفَّارَةَ وَلَوْ لم يَطَأْ في النِّكَاحِ الْمَذْكُورِ فَزُوِّجَتْ قبل التَّفْرِيقِ بِأَنْ زَوَّجَهَا وَلِيُّهَا قبل تَفْرِيقِ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الْبُطْلَانُ لِأَنَّهَا في حُكْمِ الْفِرَاشِ وَأَصَحُّهُمَا الصِّحَّةُ كما سَيَأْتِي في فَرْعٍ أَوَّلَ الْبَابِ الرَّابِعِ مع زِيَادَةِ قَيْدٍ وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لم تَتَحَلَّلْ له أَيْ لَا يَفْتَقِرُ في صِحَّةِ نِكَاحِهِ لها إلَى تَحَلُّلٍ لِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقَعُ في نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَلَوْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ أو بِبُطْلَانِهِ حَاكِمٌ يَرَاهُ لم
____________________
(3/125)
يُنْقَضْ حُكْمُهُ كَمُعْظَمِ الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فيها فَرْعٌ إذَا تَصَادَقَا أَيْ الزَّوْجَانِ على صُدُورِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا جَازَ وَلَوْ بِلَا بَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ حَقُّهُمَا فَيَثْبُتُ بِتَصَادُقِهِمَا كَالْبَيْعِ وَهَذَا مَعْنَى صِحَّةِ إقْرَارِ الْمَرْأَةِ بِالنِّكَاحِ بَلْ إنْ كان أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ رَقِيقًا اشْتَرَطَ تَصْدِيقَ سَيِّدِهِ أَيْضًا فَيُشْتَرَطُ في إقْرَارِهَا بِهِ أَنْ تَقُولَ زَوَّجَنِي بِهِ وَلِيٌّ بِعَدْلَيْنِ وَرِضَايَ بِكُفْءٍ إنْ اُعْتُبِرَ رِضَاهَا بِأَنْ لَا تَكُونَ مُجْبَرَةً وَهَذَا في إقْرَارِهَا الْمُبْتَدَأِ فَلَا يُنَافِي ما سَيَأْتِي في الدَّعَاوَى من أَنَّهُ يَكْفِي إقْرَارُهَا الْمُطْلَقُ فإن ذَاكَ مَحَلُّهُ في إقْرَارِهَا الْوَاقِعِ في جَوَابِ الدَّعْوَى وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ بِكُفْءٍ على ما في بَعْضِ النُّسَخِ بَدَلٌ من بِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ في إقْرَارِهَا بَلْ إذَا عَيَّنَتْ زَوْجًا نَظَرَ في أَنَّهُ كُفْءٌ أَمْ لَا وَرَتَّبَ عليه حُكْمَهُ فَلَوْ كَذَّبَهَا الْوَلِيُّ وَالشَّاهِدَانِ لم يُؤَثِّرْ لِاحْتِمَالِ النِّسْيَانِ وَالْكَذِبِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ تَصْدِيقِهَا فِيمَا ذُكِرَ حَيْثُ لم يَدُلَّ الْحَالُ على كَذِبِهَا دَلَالَةً ظَاهِرَةً كَأَنْ تُؤَرِّخَ الْإِقْرَارَ بِوَقْتٍ كانت فيه مَنْكُوحَةً أو رَقِيقَةً أو في عِدَّةٍ أو كانت مُحَرَّمَةً أو نَحْوَهَا فَرْعٌ إقْرَارُ الْوَلِيِّ الْمُجْبِرِ بِالنِّكَاحِ لِكُفْءٍ بِعَدْلَيْنِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ كَافٍ وَإِنْ لم تُوَافِقْهُ لِأَنَّ من مَلَكَ الْإِنْشَاءَ مَلَكَ الْإِقْرَارَ ما لم تُوطَأْ فَإِنْ وُطِئَتْ لم يَصِحَّ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ الْآنَ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءً فَلَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِهِ نعم يَنْبَغِي صِحَّةُ إقْرَارِهِ بِنِكَاحِ الْمَجْنُونَةِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ كما يَصِحُّ إقْرَارُ السَّيِّدِ على أَمَتِهِ بِهِ لِذَلِكَ فَلَوْ قال وَهِيَ مَوْطُوءَةٌ كُنْت زَوَّجْتهَا في بَكَارَتِهَا لم يُقْبَلْ وَقَوْلُهُ لِكُفْءٍ مُتَعَلِّقٌ بِإِقْرَارٍ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فيه بَلْ الْأَمْرُ فيه كما مَرَّ نَظِيرُهُ وَإِنْ أَقَرَّتْ لِزَوْجٍ وَالْمُجْبِرُ لِآخَرَ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُعْمَلُ بِإِقْرَارِهَا وَالثَّانِي بِإِقْرَارِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالصَّوَابُ تَقْدِيمُ السَّابِقِ فَإِنْ أَقَرَّا مَعًا فَالْأَرْجَحُ تَقْدِيمُ إقْرَارِ الْمَرْأَةِ لِتَعَلُّقِ ذلك بِبَدَنِهَا وَحَقِّهَا وَلَوْ جُهِلَ فَهَلْ يُتَوَقَّفُ أو يَبْطُلَانِ فيه احْتِمَالَانِ لِصَاحِبِ الْمَطْلَبِ وَنَقَلَ في الْأَنْوَارِ تَرْجِيحَ سُقُوطِ قَوْلِهِمَا فقال لو أَقَرَّتْ لِزَوْجٍ وَالْوَلِيُّ لِآخَرَ فَالْمَقْبُولُ إقْرَارُهُ أَمْ إقْرَارُهَا أَمْ السَّابِقُ أَمْ يَتَسَاقَطَانِ فيه وُجُوهٌ قال في الْمُلَخَّصِ أَصَحُّهُمَا السُّقُوطُ فَرْعٌ قال الْخَاطِبُ لِلْوَلِيِّ زَوَّجْت نَفْسِي بِنْتَك وَقَبِلَ الْوَلِيُّ نُقِلَ فيه أَيْ في انْعِقَادِهِ بهذا خِلَافٌ مَبْنِيٌّ على أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ من الزَّوْجَيْنِ مَعْقُودٌ عليه لِأَنَّ بَقَاءَهُمَا شَرْطٌ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ كَالْعِوَضَيْنِ في الْبَيْعِ أو الْمَعْقُودِ عليه الْمَرْأَةُ فَقَطْ لِأَنَّ الْعِوَضَ من جِهَةِ الزَّوْجِ الْمَهْرُ لَا نَفْسُهُ وَلِأَنَّهُ لَا حَجْرَ عليه في نِكَاحِ غَيْرِهَا مَعَهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّ الزَّوْجَ ليس مَعْقُودًا عليه كما نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن الْأَكْثَرِينَ في بَابِ الطَّلَاقِ في الْكَلَامِ على قَوْلِهِ أنا مِنْك طَالِقٌ فَعَلَيْهِ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ مَعْقُودًا عليه وَلِأَنَّ زَوَّجْت إنَّمَا يَلِيقُ بِالْوَلِيِّ لَا بِالزَّوْجِ الْبَابُ الرَّابِعُ في بَيَانِ الْأَوْلِيَاءِ وَأَحْكَامِهِمْ وَفِيهِ ثَمَانِيَةُ أَطْرَافٍ الطَّرَفُ الْأَوَّلُ في أَسْبَابِ الْوِلَايَةِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ السَّبَبُ الْأَوَّلُ الْأُبُوَّةُ وَهِيَ أَقْوَى الْأَسْبَابِ لِكَمَالِ الشَّفَقَةِ فَلِلْأَبِ وَالْجَدِّ أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَيْثُ لَا يَكُونُ عَدُوًّا ظَاهِرًا
____________________
(3/126)
تَزْوِيجُ الْبِكْرِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا من نَقْدِ الْبَلَدِ من كُفْءٍ لها مُوسِرٍ بِالْمَهْرِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَتْ صَغِيرَةً أَمْ كَبِيرَةً بِغَيْرِ إذْنِهَا لِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيِّ الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا من وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ وَالْبِكْرُ يَسْتَأْمِرُهَا أَبُوهَا حُمِلَتْ على النَّدْبِ وَلِأَنَّهَا لم تُمَارِسْ الرِّجَالَ بِالْوَطْءِ فَهِيَ شَدِيدَةُ الْحَيَاءِ أَمَّا إذَا كان بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ فَلَيْسَ له تَزْوِيجُهَا إلَّا بِإِذْنِهَا بِخِلَافِ غَيْرِ الظَّاهِرَةِ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يَحْتَاطُ لِمُوَلِّيَتِهِ لِخَوْفِ الْعَارِ وَلِغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ الْجَوَازَ
قال الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ في الْإِجْبَارِ أَيْضًا انْتِفَاءُ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ انْتَهَى
وَإِنَّمَا لم يَعْتَبِرْ ظُهُورَ الْعَدَاوَةِ هُنَا كما اُعْتُبِرَ ثَمَّ لِظُهُورِ الْفَرْقِ بين الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ الْمُجْبِرِ بَلْ قد يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَى ما قَالَهُ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَلِيِّ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُزَوِّجَهَا إلَّا مِمَّنْ يَحْصُلُ لها منه حَظٌّ وَمَصْلَحَةٌ لِشَفَقَتِهِ عليها أَمَّا مُجَرَّدُ كَرَاهَتِهَا له فَلَا يُؤَثِّرُ لَكِنْ يُكْرَهُ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا منه كما نَصَّ عليه في الْأُمِّ
لَا الثَّيِّبِ وَإِنْ عَادَتْ بَكَارَتُهَا فَلَا يُزَوِّجُهَا الْأَبُ وَالْجَدُّ إلَّا بِإِذْنِهَا بِالنُّطْقِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَلِأَنَّهَا مَارَسَتْ الرَّجُلَ بِالْوَطْءِ بَالِغَةٍ فَلَا يُزَوِّجُ الصَّغِيرَةَ الثَّيِّبَ حتى تَبْلُغَ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ إذْنِهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ مَجْنُونَةً فَلَهُ تَزْوِيجُهَا قبل الْبُلُوغِ لِلْمَصْلَحَةِ كما سَيَأْتِي وَلَا أَثَرَ لِزَوَالِ الْبَكَارَةِ إلَّا بِوَطْءٍ في الْقُبُلِ وَلَوْ زِنًا وَنَائِمَةٍ وَمَجْنُونَةٍ وَمُكْرَهَةٍ بِخِلَافِ زَوَالِهَا بِغَيْرِ الْوَطْءِ في الْقُبُلِ كَسَقْطَةٍ وَأُصْبُعٍ وَحِدَّةِ طَمْثٍ وَوَطْءٍ في الدُّبُرِ لِأَنَّهَا لم تُمَارِسْ الرِّجَالَ الْوَطْءَ في مَحَلِّ الْبَكَارَةِ وَهِيَ على غَبَاوَتِهَا وَحَيَائِهَا فَهِيَ كَالْأَبْكَارِ وَوَقَعَ لِلنَّوَوِيِّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ ما يُخَالِفُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الْبِكْرَ لو وُطِئَتْ في قُبُلِهَا ولم تَزُلْ بَكَارَتُهَا بِأَنْ كانت غَوْرَاءَ وَهِيَ التي بَكَارَتُهَا دَاخِلَ الْفَرْجِ حُكْمُهَا كَسَائِرِ الْأَبْكَارِ وهو كَنَظِيرِهِ الْآتِي في التَّحْلِيلِ على ما يَأْتِي فيه وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِمْ خِلَافُهُ لِأَنَّهَا مَارَسَتْ الرِّجَالَ بِالْوَطْءِ فَرْعٌ لو الْتَمَسَتْ الْبِكْرُ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ لَا الصَّغِيرَةُ التَّزْوِيجَ من الْأَبِ مَثَلًا بِكُفْءٍ خَطَبَهَا كما في الْأَصْلِ وَعَيَّنَتْهُ بِشَخْصِهِ أو نَوْعِهِ حتى لو خَطَبَهَا أَكْفَاءٌ فَالْتَمَسَتْ منه التَّزْوِيجَ بِأَحَدِهِمْ لَزِمَهُ الْإِجَابَةُ تَحْصِينًا لها كما يَجِبُ إطْعَامُ الطِّفْلِ إذَا اسْتَطْعَمَ فَإِنْ امْتَنَعَ أَثِمَ وَزَوَّجَهَا السُّلْطَانُ كما سَيَأْتِي فَلَوْ زَوَّجَهَا الْأَبُ بِكُفْءٍ غَيْرِهِ وَلَوْ دُونَهُ صَحَّ لِأَنَّهَا مُجْبَرَةٌ فَلَيْسَ لها اخْتِيَارُ الْأَزْوَاجِ وهو أَكْمَلُ نَظَرًا منها بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُجْبِرِ لَا يُزَوِّجُهَا إلَّا مِمَّنْ عَيَّنَتْهُ لِأَنَّ إذْنَهَا شَرْطٌ في أَصْلِ تَزْوِيجِهَا فَاعْتُبِرَ مُعَيَّنُهَا
وَلَوْ عَضَلهَا بِأَنْ امْتَنَعَ من تَزْوِيجِهَا مِمَّنْ عَيَّنَتْهُ فَزَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِهِ ثُمَّ زَوَّجَهَا بِغَيْرِهِ بِلَا إذْنٍ قبل وَطْئِهِ أو وَطْءِ غَيْرِهِ لها في قُبُلِهَا وكان الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ قبل إزَالَةِ بَكَارَتِهَا أو قبل حُكْمِ حَاكِمٍ بِصِحَّتِهِ أَيْ بِصِحَّةِ نِكَاحِهَا بِنَفْسِهَا صَحَّ إنْكَاحُهُ وَإِنْ كان بَعْدَهُمَا أو بَعْدَ أَحَدِهِمَا لم يَصِحَّ إلَّا إذَا أَذِنَتْ له فيه ولم يَحْكُمْ بِالصِّحَّةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُزَوِّجَهَا أَيْ الْبِكْرَ حتى تَبْلُغَ وَتَأْذَنَ وفي نُسْخَةٍ وَتُسْتَأْذَنَ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ اسْتِئْذَانُ الْبَالِغَةِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ هذا إذَا لم تَكُنْ مَصْلَحَةً ظَاهِرَةً وَإِلَّا فَيُسْتَحَبُّ تَزْوِيجُهَا لِئَلَّا تَفُوتَ الْمَصْلَحَةُ وَلِخَبَرِ عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها في الصَّحِيحَيْنِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ وَأَنْ تُسْتَفْهَمَ الْمُرَاهِقَةُ بِأَنْ يَنْظُرَ ما في نَفْسِهَا وَالْمَخْلُوقَةُ ثَيِّبًا أَيْ بِلَا بَكَارَةِ بِكْرٍ فَلَهَا حُكْمُ سَائِرِ الْأَبْكَارِ
وَتُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ الْبَالِغَةُ في دَعْوَى الْبَكَارَةِ بِلَا يَمِينٍ وَلَا يُكْشَفُ حَالُهَا لِأَنَّهَا أَعْلَمُ بِهِ وَكَذَا في دَعْوَى الثُّيُوبَةِ قبل الْعَقْدِ وَإِنْ لم تَتَزَوَّجْ وَلَا تُسْأَلُ عن الْوَطْءِ الذي صَارَتْ بِهِ ثَيِّبًا وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ قَوْلَهُ من زِيَادَتِهِ بِلَا يَمِينِ قَيْدٍ في تَصْدِيقِهَا في دَعْوَى الثُّيُوبَةِ أَيْضًا وَفِيهِ نَظَرٌ لِاقْتِضَائِهِ إبْطَالَ حَقِّ وَلِيِّهَا من الْإِجْبَارِ فِيمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا نُطْقًا وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ من زِيَادَتِهِ قبل الْعَقْدِ دَعْوَاهَا الثُّيُوبَةَ بَعْدَهُ وقد زَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا نُطْقًا فإنه الْمُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ
____________________
(3/127)
لِمَا في تَصْدِيقِهَا من إبْطَالِ النِّكَاحِ مع أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْبَكَارَةِ بَلْ لو شَهِدَتْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ بِثُيُوبَتِهَا عِنْدَ الْعَقْدِ لم يَبْطُلْ لِجَوَازِ إزَالَتِهَا بِإِصْبَعٍ أو نَحْوِهِ أو خُلِقَتْ بِدُونِهَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ لَكِنْ أَفْتَى الْقَاضِي بِخِلَافِهِ السَّبَبُ الثَّانِي الْعَصَبَةُ بِمَعْنَى عُصُوبَةِ من على حَاشِيَةِ النَّسَبِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ أو لِأَبٍ وَبَنِيهِمَا فَلَا يُزَوِّجُونَ حُرَّةً إلَّا بَالِغَةً عَاقِلَةً بِإِذْنِهَا بِكْرًا كانت أو ثَيِّبًا لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا في مَعْنَى الْأَبِ ولم يَرِدْ نَصٌّ في غَيْرِهِ وقد قال صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا تَنْكِحُوا الْيَتَامَى حتى تَسْتَأْمِرُوهُنَّ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالتَّصْرِيحُ بِالْحُرَّةِ من زِيَادَتِهِ وَإِذْنُ الْخَرْسَاءِ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ
قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِكَتْبِهَا قال فَلَوْ لم يَكُنْ لها إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ وَلَا كِتَابَةٌ هل تَكُونُ في مَعْنَى الْمَجْنُونَةِ حتى يُزَوِّجَهَا الْأَبُ وَالْجَدُّ ثُمَّ الْحَاكِمُ دُونَ غَيْرِهِمْ أو لَا لِأَنَّهَا عَاقِلَةٌ لم أَرَ فيه شيئا وَلَعَلَّ الْأَوَّلَ أَوْجَهُ وما قَالَهُ من الِاكْتِفَاءِ بِكَتْبِ من لها إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ ظَاهِرٌ إنْ نَوَتْ بِهِ الْإِذْنَ كما قالوا كِتَابَةُ الْأَخْرَسِ بِالطَّلَاقِ كِنَايَةٌ على الْأَصَحِّ
فَلَوْ اسْتَأْذَنُوا بِكْرًا لِكُفْءٍ وَغَيْرِهِ فَسَكَتَتْ كَفَى سُكُوتُهَا وَإِنْ بَكَتْ ولم تَعْلَمْ أَنَّ ذلك إذْنٌ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا من وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا وإن بَكَتْ بِصِيَاحٍ وَضَرْبِ خَدٍّ لِأَنَّ ذلك يُشْعِرُ بِعَدَمِ الرِّضَاءِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ كَافٍ وَعُلِمَ من كَلَامِهِ أنها لو زُوِّجَتْ بِحَضْرَتِهَا مع سُكُوتِهَا لم يَكْفِ بَلْ لَا بُدَّ معه من اسْتِئْذَانِهَا وهو كَذَلِكَ على الْأَصَحِّ فَرْعٌ لو اُسْتُؤْذِنَتْ بِكْرٌ في التَّزْوِيجِ بِدُونِ الْمَهْرِ أَيْ بِدُونِهِ أَصْلًا أو بِأَقَلَّ من مَهْرِ الْمِثْلِ أو بِغَيْرِ النَّقْدِ أَيْ نَقْدِ الْبَلَدِ فَسَكَتَتْ لم يَكْفِ فيه سُكُوتُهَا لِتَعَلُّقِهِ بِالْمَالِ كَبَيْعِ مَالِهَا أو اُسْتُؤْذِنَتْ في التَّزْوِيجِ بِرَجُلٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَسَكَتَتْ كَفَى فيه سُكُوتُهَا بِنَاءً على أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الزَّوْجِ في الْإِذْنِ وهو الْأَصَحُّ وَكَذَا لو قال لها أَيَجُوزُ أَنْ أُزَوِّجَك أو تَأْذَنِينَ فقالت لِمَ لَا يَجُوزُ أو لِمَ لَا آذَنُ كَفَى لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِرِضَاهَا فَهُوَ أَوْلَى من سُكُوتِهَا وَلَا يَشْكُلُ بِقَوْلِ الْخَاطِبِ أَتُزَوِّجُنِي حَيْثُ لم يَكُنْ اسْتِيجَابًا لِأَنَّ الْعَقْدَ يُعْتَبَرُ فيه اللَّفْظُ فَاعْتُبِرَ فيه الْجَزْمُ وَإِذْنُ الْبِكْرِ يَكْفِي فيه السُّكُوتُ فَكَفَى فيه ما ذُكِرَ مع جَوَابِهَا بِخِلَافِ الثَّيِّبِ لَا بُدَّ من صَرِيحِ إذْنِهَا لِمَا مَرَّ وَالْإِذْنُ منها لِلْوَلِيِّ بِلَفْظِ الْوَكَالَةِ جَائِزٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ وَرُجُوعُهَا عنه أَيْ عن الْإِذْنِ كَرُجُوعِ الْمُوَكِّلِ عن الْوَكَالَةِ فَلَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ بَعْدَ رُجُوعِهَا وَقَبْلَ عِلْمِهِ لم يَصِحَّ كَنَظِيرِهِ في الْوَكَالَةِ فَرْعٌ لو قالت من يُعْتَبَرُ إذْنُهَا في تَزْوِيجِهَا رَضِيت بِمَنْ رَضِيَتْ بِهِ أُمِّي أو بِمَنْ اخْتَارَتْهُ أو بِمَا يَفْعَلُهُ أبي وَهُمْ في ذِكْرِ النِّكَاحِ كَفَى وفي نُسْخَةٍ رَضِيت بِالتَّزْوِيجِ بِمَنْ رَضِيَتْ بِهِ أُمِّي أو بِمَا يَخْتَارُهُ أبي كَفَى وَالْأُولَى أَوْلَى لِمَا لَا يَخْفَى على الْمُتَأَمِّلِ لَا إنْ قالت رَضِيت إنْ رَضِيَتْ أُمِّي أو رَضِيت بِمَا تَفْعَلُهُ أُمِّي فَلَا يَكْفِي لِأَنَّ الْأُمَّ لَا تَعْقِدُ وَلِأَنَّ الصِّيغَةَ الْأُولَى صِيغَةُ تَعْلِيقٍ وَكَذَا لَا يَكْفِي رَضِيت إنْ رضي أبي إلَّا أَنْ تُرِيدَ بِهِ رَضِيت بِمَا يَفْعَلُهُ فَيَكْفِي وَإِنْ أَذِنَتْ بِكْرٌ في تَزْوِيجِهَا بِأَلْفٍ ثُمَّ اُسْتُؤْذِنَتْ كَأَنْ قِيلَ لها أَذِنْت في تَزْوِيجِك بِخَمْسِمِائَةٍ فَسَكَتَتْ فَهُوَ رِضَا أَيْ إذْنٌ بِقَيْدٍ زَادَهُ تَبَعًا لِلْبُلْقِينِيِّ بِقَوْلِهِ إنْ كان مَهْرَ مِثْلِهَا وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ قِيلَ ذلك لِأُمِّهَا وَهِيَ حَاضِرَةٌ فَسَكَتَتْ لم يَكُنْ إذْنًا وما قَالَهُ مَفْهُومٌ من الْفَرْعِ السَّابِقِ السَّبَبُ الثَّالِثُ الْإِعْتَاقُ وَالرَّابِعُ السَّلْطَنَةُ فَالْمُعْتِقُ وَعَصَبَتُهُ يُزَوِّجُونَ كَالْأَخِ لِخَبَرِ الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ رَوَاهُ ابن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ فَيُزَوِّجُونَ الثَّيِّبَ الْبَالِغَةَ بِصَرِيحِ الْإِذْنِ وَلَا يُزَوِّجُونَ الصَّغِيرَةَ وَالسُّلْطَانُ لَا يُزَوِّجُ إلَّا بَالِغَةً بِكُفْءٍ عُدِمَ وَلِيُّهَا الْخَاصُّ أو غَابَ وَلِيُّهَا الْأَقْرَبُ مَسَافَةَ الْقَصْرِ كما سَيَأْتِي أو
____________________
(3/128)
أَرَادَ نِكَاحَهَا لِابْنِ عَمِّهَا وَلَيْسَ لِلْأَبْعَدِ أَنْ يُزَوِّجَهَا لِبَقَاءِ الْأَقْرَبِ على وِلَايَتِهِ وَالتَّزْوِيجُ حَقٌّ عليه فإذا تَعَذَّرَ منه نَابَ عنه السُّلْطَانُ فَإِنْ عَضَلَ الْوَلِيُّ وَلَوْ مُجْبَرًا أَيْ مَنَعَ بَالِغَةً عَاقِلَةً من تَزْوِيجِهَا أَمَرَهُ الْقَاضِي بِهِ فَإِنْ امْتَنَعَ منه أو سَكَتَ بِحَضْرَتِهِ زَوَّجَهَا كما في الْغَائِبِ وَيَأْثَمُ بِالْعَضْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ وَكَذَا يُزَوِّجُهَا إنْ اخْتَفَى أو تَعَزَّزَ أو غَابَ غَيْبَةً لَا يُزَوِّجُ فيها الْقَاضِي وَأَثْبَتَتْ أَيْ أَقَامَتْ بِعَضْلِهِ حِينَئِذٍ بَيِّنَةٌ كما في سَائِرِ الْحُقُوقِ وَلَهُ الِامْتِنَاعُ من التَّزْوِيجِ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ فَلَا يَكُونُ امْتِنَاعُهُ منه عَضْلًا لِأَنَّ له حَقًّا في الْكَفَاءَةِ وَيُؤْخَذُ من التَّعْلِيلِ أنها لو دَعَتْهُ إلَى عِنِّينٍ أو مَجْبُوبٍ بِالْبَاءِ فَامْتَنَعَ كان عَاضِلًا وهو كَذَلِكَ إذْ لَا حَقَّ له في التَّمَتُّعِ وَاعْتَبَرَ الْقَفَّالُ مع الْكَفَاءَةِ أَنْ يَتَبَيَّنَ مَوْضِعَ الصَّلَاحِ لِلْمَرْأَةِ في مُنَاكَحَتِهِ وَاسْتَحْسَنَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ دَعَتْ إلَى رَجُلٍ وَادَّعَتْ كَفَاءَتَهُ وقال الْوَلِيُّ ليس بِكُفْءٍ رُفِعَ إلَى الْقَاضِي فَإِنْ ثَبَتَتْ كَفَاءَتُهُ لَزِمَهُ تَزْوِيجُهَا منه فَإِنْ امْتَنَعَ زَوَّجَهَا الْقَاضِي منه لَا لِنُقْصَانِ الْمَهْرِ أو لِكَوْنِهِ من غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ فَلَيْسَ له الِامْتِنَاعُ من تَزْوِيجِهَا لِأَجْلِهِ لِأَنَّ الْمَهْرَ مَحْضُ حَقِّهَا
وَالسُّلْطَانُ هل يُزَوِّجُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ أو النِّيَابَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْإِمَامُ وَأَفْتَى الْبَغَوِيّ مِنْهُمَا بِالْأَوَّلِ قال لِأَنَّهُ لو كان بِالنِّيَابَةِ لَمَا زَوَّجَ مُوَلِّيَةَ الرَّجُلِ منه وَكَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ يَقْتَضِيهِ فِيمَا إذَا زَوَّجَ لِغَيْبَةِ الْوَلِيِّ وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ أَنَّهُ لو أَرَادَ الْقَاضِي نِكَاحَ من غَابَ عنها وَلِيُّهَا إنْ قُلْنَا بِالْوِلَايَةِ زَوَّجَهُ أَحَدُ نُوَّابِهِ أو قَاضٍ آخَرُ أو بِالنِّيَابَةِ لم يَجُزْ ذلك وَأَنَّهُ إذَا زَوَّجَهَا بِإِذْنِهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ إنْ قُلْنَا بِالْوِلَايَةِ صَحَّ أو بِالنِّيَابَةِ فَلَا وَإِنَّهُ لو كان لها وَلِيَّانِ وَالْأَقْرَبُ غَائِبٌ إنْ قُلْنَا بِالْوِلَايَةِ قُدِّمَ عليه الْحَاضِرُ أو بِالنِّيَابَةِ فَلَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ بَعْضَ الْفُرُوعِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُزَوِّجُ بِالْوِلَايَةِ وَبَعْضَهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ بِالنِّيَابَةِ وَأَنَّ فُرُوعَ الْأَوَّلِ أَكْثَرُ وقد صَحَّحَ الْإِمَامُ في بَابِ الْقَضَاءِ فِيمَا إذَا زَوَّجَ لِلْغَيْبَةِ أَنَّهُ يُزَوِّجُ بِنِيَابَةٍ اقْتَضَتْهَا الْوِلَايَةُ الطَّرَفُ الثَّانِي في تَرْتِيبِ الْأَوْلِيَاءِ فَيُقَدِّمُ الْقَرَابَةَ ثُمَّ الْوَلَاءَ ثُمَّ السَّلْطَنَةَ وَيُقَدِّمُ من الْقَرَابَةِ الْأَبَ ثُمَّ الْجَدَّ وَإِنْ عَلَا ثُمَّ بَقِيَّةَ الْعَصَبَةِ وَتَرْتِيبُهُمْ هُنَا كَالْمِيرَاثِ أَيْ كَتَرْتِيبِهِمْ فيه إلَّا أَنَّ الِابْنَ لَا يُزَوِّجُ أُمَّهُ بِالْبُنُوَّةِ إذْ لَا مُشَارَكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا في النَّسَبِ فَلَا يَعْتَنِي بِدَفْعِ الْعَارِ عن النَّسَبِ وَلِهَذَا لم تَثْبُتْ الْوِلَايَةُ لِلْأَخِ من الْأُمِّ بَلْ يُزَوِّجُ بِالْعُصُوبَةِ أو بِالْوَلَاءِ أو بِالْقَضَاءِ وَلَا يَضُرُّ الْبُنُوَّةَ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لَا مَانِعَةٌ وَالْجَدُّ يُقَدَّمُ على الْأَخِ هُنَا وَإِنْ اسْتَوَيَا في اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ وِلَايَةٌ وَالْجَدُّ أَوْلَى لِزِيَادَةِ شَفَقَتِهِ وَلِهَذَا اخْتَصَّ بِوِلَايَةِ الْمَالِ وَالْأَخُ لِلْأَبَوَيْنِ مُقَدَّمٌ على الْأَخِ لِلْأَبِ كما في الْإِرْثِ وَهَذَا عُلِمَ من قَوْلِهِ وَتَرْتِيبُهُمْ كَالْمِيرَاثِ وَمَتَى كان أَحَدُ الْعَصَبَةِ أو أَحَدُ ذَوِي الْوَلَاءِ الْمُسْتَوِينَ
____________________
(3/129)
أَخًا لِأُمٍّ أو ابْنًا قُدِّمَ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ فَإِنْ اجْتَمَعَا بِأَنْ كان لها ابْنَا ابْنِ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخُوهَا من أُمِّهَا وَالْآخَرُ ابْنُهَا فَالِابْنُ مُقَدَّمٌ لِذَلِكَ وَيُقَدَّمُ عَصَبَةٌ أُعْتِقَ فَلَوْ كان لها ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا مُعْتَقٌ قُدِّمَ الْمُعْتَقُ لِأَنَّهُ أَقْوَى عُصُوبَةً وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لو كان الْمُعْتَقُ ابْنَ عَمٍّ لِأَبٍ وَالْآخَرُ شَقِيقًا قُدِّمَ الشَّقِيقُ وَبِهِ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ فَصْلٌ الْمُعْتَقُ إنْ عُدِمَتْ الْعَصَبَةُ النِّسْبِيَّة وهو رَجُلٌ فَالْوِلَايَةُ له ثُمَّ لِعَصَبَاتِهِ كَتَرْتِيبِ عَصَبَاتِ النَّسَبِ ولكن يُقَدَّمُ الْأَخُ ثُمَّ ابْنُهُ هُنَا على الْجَدِّ قال الْبُلْقِينِيُّ وَيُقَدَّمُ الْعَمُّ على أَبِ الْجَدِّ كما نَصَّ عليه في الْبُوَيْطِيِّ وابن الْمُعْتَقِ يُزَوِّجُ بَعْدَهُ وَيُقَدَّمُ على أَبٍ الْمُعْتَقِ لِأَنَّ التَّعْصِيبَ له وَلَوْ قال كَتَرْتِيبِ الْإِرْثِ لَمَا احْتَاجَ لِهَذَا الِاسْتِدْرَاكِ وَيُزَوِّجُ عَتِيقَةَ الْمَرْأَةِ في حَيَاتِهَا بِإِذْنِهَا من يُزَوِّجُهَا بِالْوِلَايَةِ عليها تَبَعًا لِوِلَايَتِهِ على مُعْتِقَتِهَا وَلَوْ لم تَرْضَ مُعْتِقَتُهَا إذْ لَا وِلَايَةَ لها وَعُلِمَ من كَلَامِهِ ما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهَا ابن الْمُعْتَقَةِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أنها لو كانت كَافِرَةً وَالْمُعْتَقَةُ مُسْلِمَةٌ وَوَلِيُّهَا كَافِرٌ لَا يُزَوِّجُهَا وَأَنَّهَا لو كانت مُسْلِمَةً وَالْمُعْتَقَةُ كَافِرَةٌ وَوَلِيُّهَا كَافِرٌ زَوَّجَهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِيهِمَا فَإِنْ مَاتَتْ زَوَّجَهَا ابْنُهَا ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ أَبُوهَا على تَرْتِيبِ الْعَصَبَةِ أَيْ عَصَبَةِ الْوَلَاءِ وَتَبَعِيَّةُ الْوِلَايَةِ انْقَطَعَتْ بِالْمَوْتِ فَرْعٌ وَإِنْ أَعْتَقَهَا اثْنَانِ اُشْتُرِطَ رِضَاهُمَا فَيُوَكِّلَانِ أو يُوَكِّلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أو يُبَاشِرَانِ مَعًا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إنَّمَا يَثْبُتُ له الْوَلَاءُ على بَعْضِهَا فَكَمَا يُعْتَبَرُ اجْتِمَاعُهُمَا على التَّزْوِيجِ قبل الْعِتْقِ يُعْتَبَرُ بَعْدَهُ وَيُزَوِّجُهَا من أَحَدِهِمَا الْآخَرُ مع السُّلْطَانِ فَإِنْ مَاتَا اُشْتُرِطَ في تَزْوِيجِهَا اثْنَانِ من عَصَبَتِهِمَا وَاحِدٌ من عَصَبَةِ أَحَدِهِمَا وَآخَرُ من عَصَبَةِ الْآخَرِ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا كَفَى مُوَافَقَةُ أَحَدِ عَصَبَتِهِ لِلْآخَرِ وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَوَارِثُهُ الْآخَرُ اسْتَقَلَّ بِتَزْوِيجِهَا وَلَوْ اجْتَمَعَ عَدَدٌ من عَصَبَاتِ الْمُعْتَقِ في دَرَجَةٍ كَبَنِينَ وَإِخْوَةٍ كَانُوا كَالْإِخْوَةِ في النَّسَبِ فإذا زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ بِرِضَاهَا صَحَّ وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْآخَرِينَ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ
فَإِنْ كان الْمُعْتِقُ لها خُنْثَى مُشْكِلًا زَوَّجَهَا أَبُوهُ أو غَيْرُهُ من أَوْلِيَائِهِ بِتَرْتِيبِهِمْ بِإِذْنِهِ لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ فَيَكُونُ قد زَوَّجَهَا وَكِيلُهُ بِتَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِ وَوَلِيُّهَا بِتَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَالْحَاوِي وَالْبَهْجَةِ وَغَيْرِهِمَا وُجُوبُ إذْنِهِ وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُزَوِّجَهَا أَبُوهُ بِإِذْنِهِ انْتَهَى لَكِنْ قال الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ فَلَوْ كان الْأَقْرَبُ خُنْثَى مُشْكِلًا زَوَّجَ الْأَبْعَدُ وَالْخُنْثَى كَالْمَعْقُودِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِإِذْنِهِ وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ قال الْأَذْرَعِيُّ فَلَوْ امْتَنَعَ من الْإِذْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُزَوِّجَ السُّلْطَانُ فَلَوْ عَقَدَ الْخُنْثَى فَبَانَ ذَكَرًا صَحَّ كما مَرَّ فَصْلٌ من بَعْضُهَا حُرٌّ يُزَوِّجُهَا الْمَالِكُ مع الْعَصَبَةِ الْقَرِيبِ ثُمَّ مع مُعْتِقِ الْبَعْضِ ثُمَّ مع عَصَبَتِهِ ثُمَّ مع السُّلْطَانِ وَقَوْلُهُ ثُمَّ عَصَبَتِهِ من زِيَادَتِهِ الطَّرَفُ الثَّالِثُ في مَوَانِعِ الْوِلَايَةِ وَهِيَ الرِّقُّ وما يَسْلُبُ النَّظَرَ وَالْبَحْثُ عن أَحْوَالِ الزَّوْجِ وَالْفِسْقُ وَاخْتِلَافُ الدِّينِ وَالْإِحْرَامُ وقد أَخَذَ في بَيَانِهَا فقال لَا وِلَايَةَ لِرَقِيقٍ كُلِّهِ أو بَعْضِهِ فَأَمَةُ الْمُبَعَّضِ قال الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ لَا تُزَوَّجُ أَصْلًا لِأَنَّ تَزْوِيجَهَا بِلَا آذِنٍ لَا يَجُوزُ وَبَابُ التَّزْوِيجِ مُنْسَدٌّ عليه لِرِقِّهِ وَلَوْ جَازَ التَّزْوِيجُ بِإِذْنِهِ لِكَوْنِهَا لِبَعْضِهِ لَجَازَ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَأَقَرَّهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وقال الْبُلْقِينِيُّ هذا مُفَرَّعٌ على أَنَّ السَّيِّدَ يُزَوِّجُ أَمَتَهُ بِالْوِلَايَةِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ أَنَّهُ يُزَوِّجُ بِالْمِلْكِ زَوَّجَهَا بِهِ
____________________
(3/130)
كَالْمُكَاتَبِ قال وَأَمَّا أَمَةُ الْمُبَعَّضَةِ فَيُزَوِّجُهَا من يُزَوِّجُ الْمُبَعَّضَةَ بِإِذْنِهَا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُزَوِّجُهَا مَالِكُ الْبَعْضِ مع وَاحِدٍ مِمَّا مَرَّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ من يُزَوِّجُهَا لو كَاتَبَ حُرَّةً ولا صَبِيٍّ لِسَلْبِ عِبَارَتِهِ ولا ذِي جُنُونٍ في حَالَتِهِ أَيْ الْجُنُونِ وَلَوْ تَقَطَّعَ لِذَلِكَ وَتَغْلِيبًا لِزَمَنِ الْجُنُونِ في الْمُتَقَطِّعِ قال الْإِمَامُ وإذا قَصَرَ زَمَنُ الْإِفَاقَةِ جِدًّا لم يَكُنْ الْحَالُ حَالَ تَقَطُّعٍ لِأَنَّ السُّكُونَ الْيَسِيرَ لَا بُدَّ منه مع إطْبَاقِ الْجُنُونِ وإذا قَصَرَ زَمَنُ الْجُنُونِ كَيَوْمٍ في سَنَةٍ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَنْقُلُ الْوِلَايَةَ بَلْ يَنْتَظِرُ كَنَظِيرِهِ في الْحَضَانَةِ وَذِي أَلَمٍ يَشْغَلُ عن النَّظَرِ بِالْمَصْلَحَةِ وَلَا لِمُخْتَلٍّ وَلَوْ عَقِبَ إفَاقَتِهِ أَيْ وَلَا وِلَايَةَ لِذِي أَلَمٍ يَشْغَلُهُ عَمَّا ذُكِرَ وَلَا لِمَنْ اخْتَلَّ نَظَرُهُ لِهَرَمٍ أو خَبَلٍ جَبَلِيٍّ أو عَارِضٍ وَلَا لِمَنْ أَفَاقَ من جُنُونِهِ وَبَقِيَتْ آثَارُ خَبَلٍ يَحْمِلُ مِثْلَهَا مِمَّنْ لَا يَعْتَرِيهِ جُنُونٌ على حِدَّةِ خَلْقٍ لِعَجْزِهِمْ عن الْبَحْثِ عن أَحْوَالِ الْأَزْوَاجِ وَمَعْرِفَةِ الْكُفْءِ منهم
وَاعْتَرَضَ الرَّافِعِيُّ الْأَوَّلَ بِأَنَّ سُكُونَ الْأَلَمِ ليس بِأَبْعَدَ من إفَاقَةِ الْمُغْمَى عليه فإذا انْتَظَرْنَا الْإِفَاقَةَ في الْإِغْمَاءِ وَجَبَ أَنْ يَنْتَظِرَ السُّكُونَ هُنَا وَبِتَقْدِيرِ عَدَمِ الِانْتِظَارِ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ لَا الْأَبْعَدُ كما في صُورَةِ الْغَيْبَةِ لِأَنَّ أَهْلِيَّةَ الِانْتِظَارِ بَاقِيَةٌ وَشِدَّةُ الْأَلَمِ الْمَانِعَةُ من النَّظَرِ كَالْغَيْبَةِ وَأَجَابَ في الْمَطْلَبِ عن الْأَوَّلِ بِأَنَّ لِلْإِغْمَاءِ أَمَدًا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ فَجَعَلَ مَرَدًّا بِخِلَافِ سُكُونِ الْأَلَمِ وَإِنْ احْتَمَلَ زَوَالَهُ وَعَنْ الثَّانِي بِمَنْعِ بَقَاءِ الْأَهْلِيَّةِ وَلَيْسَ كَالْغَيْبَةِ لِأَنَّ الْغَائِبَ يَقْدِرُ على التَّزْوِيجِ مَعَهَا وَلَا كَذَلِكَ مع دَوَامِ الْأَلَمِ الْمَذْكُورِ وَلَا مَحْجُورٍ عليه بِسَفَهٍ لِأَنَّهُ لِنَقْصِهِ لَا يَلِي أَمْرَ نَفْسِهِ فَلَا يَلِي أَمْرَ غَيْرِهِ فَإِنْ لم يَحْجُرْ عليه قال الرَّافِعِيُّ فما يَنْبَغِي أَنْ تَزُولَ وِلَايَتُهُ وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالرَّوْضَةِ وهو أَحَدُ وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَرَجَّحَ ابن الرِّفْعَةِ كَالْقَاضِي مُجَلِّي وَغَيْرِهِ مِنْهُمَا زَوَالُهَا وَبِهِ جَزَمَ ابن أبي هُرَيْرَةَ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ لَا فَلَسٍ أَيْ لَا الْمَحْجُورِ عليه بِفَلَسٍ لِكَمَالِ نَظَرِهِ وَالْحَجْرُ عليه لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ لَا لِنَقْصٍ فيه بِخِلَافِ الْمَذْكُورِينَ قَبْلَهُ لَا وِلَايَةَ لهم بَلْ تَكُونُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ وَلَوْ في بَابِ الْوَلَاءِ حتى لو أَعْتَقَ شَخْصٌ أَمَةً وَمَاتَ عن ابْنٍ صَغِيرٍ وَأَخٍ كَبِيرٍ كانت الْوِلَايَةُ لِلْأَخِ كما حَرَّرْته في شَرْحِ الْبَهْجَةِ
وَلَا يُبْطِلُهَا إغْمَاءٌ وَسُكْرٌ بِعُذْرٍ وَلَوْ طَالَ زَمَنُهُمَا لِأَنَّهُمَا قَرِيبَا الزَّوَالِ كَالنَّوْمِ بَلْ تُنْتَظَرُ الْإِفَاقَةُ لِلْمُتَلَبِّسِ بِهِمَا كَالنَّائِمِ نعم إنْ دَعَتْ حَاجَتُهَا إلَى النِّكَاحِ قال الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ يُخَالِفُهُ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ بِعُذْرٍ من زِيَادَتِهِ وَالْأَعْمَى وَالْأَخْرَسُ الْمُفْهِمُ مُرَادُهُ لِغَيْرِهِ بِالْإِشَارَةِ التي لَا يَخْتَصُّ بِفَهْمِهَا فَطِنُونَ يُزَوِّجَانِ كما يَتَزَوَّجَانِ لِقِيَامِ إشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ مَقَامَ النُّطْقِ في سَائِرِ الْأَبْوَابِ وَلِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مع الْعَمَى من الْبَحْثِ عن الْأَكْفَاءِ وَمَعْرِفَتِهِمْ بِالسَّمَاعِ وَإِنَّمَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا لِتَعَذُّرِ الْأَدَاءِ من الْأَخْرَسِ وَالتَّحَمُّلِ من الْأَعْمَى وَلِهَذَا لو تَحَمَّلَ قبل الْعَمَى قُبِلَتْ وَالتَّصْرِيحُ بِأَنَّ لِلْأَخْرَسِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَ الْأَصْلُ مع الْإِشَارَةِ الْكِتَابَةَ فقال بَعْدَ تَصْحِيحِهِ أَنَّ لِلْأَعْمَى أَنْ يَتَزَوَّجَ وَيَجْرِيَ الْخِلَافُ في وِلَايَةِ الْأَخْرَسِ الذي له كِتَابَةٌ أو إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ وَلَا يُنَافِي اعْتِبَارَهُ لها تَرْكُ الْمُصَنِّفِ لها لِأَنَّهُ اعْتَبَرَهُ في وِلَايَتِهِ لَا في تَزْوِيجِهِ وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ إذَا كان كَاتِبًا تَكُونُ الْوِلَايَةُ له فَيُوَكِّلُ بها من يُزَوِّجُ وَالْمُصَنِّفُ نَظَرَ إلَى تَزْوِيجِهِ لَا إلَى وِلَايَتِهِ وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ بها
وَكَذَا يُزَوِّجُ ذُو الْحِرْفَةِ الدَّنِيئَةِ مُطْلَقًا وَيُفَارِقُ عَدَمَ قَبُولِ شَهَادَتِهِ إذَا لم تَلْقَ بِهِ حِرْفَتُهُ بِأَنَّ بَابَ الشَّهَادَةِ أَضْيَقُ كما سَيَتَّضِحُ بِمَا يَأْتِي قَرِيبًا وَالْفَاسِقُ غَيْرُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ تَنْتَقِلُ وِلَايَتُهُ بِفِسْقِهِ إلَى الْأَبْعَدِ لِأَنَّهُ نَقْصٌ يَقْدَحُ في الشَّهَادَةِ
____________________
(3/131)
فَيَمْنَعُ الْوِلَايَةَ كَالرِّقِّ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ النَّوَوِيِّ كَابْنِ الصَّلَاحِ ما أَفْتَى بِهِ الْغَزَالِيُّ بَقَاؤُهَا لِلْفَاسِقِ إنْ كانت تَنْتَقِلُ إلَى حَاكِمٍ مُفَسَّقٍ بِفَتْحِ السِّينِ أَيْ مُرْتَكِبٍ ما يَفْسُقُ بِهِ وَلَا يَنْعَزِلُ بِهِ وَإِنْ لم يَلِ مَالَ وَلَدِهِ أَمَّا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ فَلَا يَقْدَحُ فِسْقُهُ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِهِ فَيُزَوِّجُ بَنَاتِهِ وَبَنَاتِ غَيْرِهِ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ تَفْخِيمًا لِشَأْنِهِ فَعَلَيْهِ إنَّمَا يُزَوِّجُ بَنَاتِهِ إذَا لم يَكُنْ لَهُنَّ وَلِيٌّ غَيْرُهُ كَبَنَاتِ غَيْرَهُ وَيُزَوِّجُ الْفَاسِقُ نَفْسَهُ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَضُرَّ بها وَيُحْتَمَلُ في حَقِّ نَفْسِهِ ما لَا يُحْتَمَلُ في حَقِّ غَيْرِهِ وَلِهَذَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ على نَفْسِهِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ على غَيْرِهِ وَلَا يَفْسُقُ بِالْعَضْلِ لِأَنَّهُ ليس من الْكَبَائِرِ إلَّا إذَا تَكَرَّرَ مَرَّاتٍ قال في الْأَصْلِ أَقَلُّهَا فِيمَا حَكَى بَعْضُهُمْ ثَلَاثٌ وَحِينَئِذٍ فَالْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ وَمَحَلُّهُ إذَا لم تَغْلِبْ طَاعَاتُهُ مَعَاصِيَهُ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي في الشَّهَادَاتِ وَلَوْ تَابَ الْفَاسِقُ لم يُزَوَّجْ في الْحَالِ بَلْ لَا بُدَّ من الِاسْتِبْرَاءِ كَذَا قَاسَهُ الْأَصْلُ على الشَّهَادَاتِ بَعْدَ نَقْلِهِ عن الْبَغَوِيّ أَنَّهُ يُزَوِّجُ في الْحَالِ وَكَذَا ذَكَرَ الْخُوَارِزْمِيَّ وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ نَحْوَهُ في الْعَضْلِ وَوُجِّهَ بِأَنَّ الشَّرْطَ في وَلِيِّ النِّكَاحِ عَدَمُ الْفِسْقِ لَا قَبُولُ الشَّهَادَةِ الْمُعْتَبَرُ فيها الْعَدَالَةُ التي هِيَ مَلَكَةٌ تُحْمَلُ على مُلَازَمَةِ التَّقْوَى وَالِاسْتِبْرَاءُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ وَبِأَنَّهُ بِالتَّزْوِيجِ في الْعَضْلِ زَالَ ما لِأَجْلِهِ عَصَى وَفَسَقَ قَطْعًا بِخِلَافِ تَوْبَتِهِ عن فِسْقٍ آخَرَ لِجَوَازِ بَقَائِهِ عليه بَاطِنًا فَافْتَقَرَ إلَى الِاسْتِبْرَاءِ وَبِأَنَّ فِسْقَ الْوَلِيِّ مَخْصُوصٌ فَتَوْبَتُهُ مَخْصُوصَةٌ كما في الْقَاذِفِ تَوْبَتُهُ أَنْ يَرْجِعَ عن الْقَذْفِ وَيَقُولَ قَذْفِي بَاطِلٌ وأنا كَاذِبٌ في ذلك وَلَا يُزَوِّجُ الْكَافِرُ مُسْلِمَةً إذْ لَا مُوَالَاةَ بَيْنَهُمَا وَكَذَا لَا يُزَوِّجُ مُسْلِمٌ كَافِرَةً لِذَلِكَ إلَّا سَيِّدٌ مُسْلِمٌ فَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ الْكَافِرَةَ أو وَلِيُّهُ أَيْ السَّيِّدِ ذَكَرًا مُطْلَقًا أو أُنْثَى مُسْلِمَةً فَلِوَلِيِّهِ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ الْكَافِرَةَ أو قَاضٍ فَيُزَوِّجُ نِسَاءَ أَهْلِ الذِّمَّةِ إمَّا لِعَدَمِ الْوَلِيِّ الْكَافِرِ لها أو لِسَيِّدِهَا وَإِمَّا لِعَضْلِهِ وَلَا يُزَوِّجُ قَاضِيهِمْ وَالزَّوْجُ مُسْلِمٌ بِخِلَافِ الزَّوْجِ الْكَافِرِ لِأَنَّ نِكَاحَ الْكُفَّارِ صَحِيحٌ وَإِنْ صَدَرَ من قَاضِيهِمْ وَلَوْ تَزَوَّجَ أو زَوَّجَ الْيَهُودِيُّ نَصْرَانِيَّةً أو النَّصْرَانِيُّ يَهُودِيَّةً صَحَّ كَالْإِرْثِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَذِكْرُ الْأُولَى من زِيَادَتِهِ وَكَذَا التَّرْجِيحُ في الثَّانِيَةِ وَجَزَمَ بِهِ فيها الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ قال في الْكِفَايَةِ وَبِهِ قَطَعَ أَصْحَابُنَا وَقَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ بِالْإِرْثِ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِحَرْبِيٍّ على ذِمِّيَّةٍ وَبِالْعَكْسِ وَأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ كَالذِّمِّيِّ وهو ظَاهِرٌ
وَمُرْتَكِبُ الْمُحَرَّمِ الْمُفَسَّقُ في دِينِهِ من أَوْلِيَاءِ الْكَافِرَةِ كَالْفَاسِقِ عِنْدَنَا فَلَا يُزَوِّجُ مُوَلِّيَتَهُ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَرْتَكِبْ ذلك وَإِنْ كان مَسْتُورًا فَيُزَوِّجُهَا كما تَقَرَّرَ وَفَرَّقُوا بين وِلَايَتِهِ وَشَهَادَتِهِ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ لم يَرْتَكِبْ ذلك بِأَنَّ الشَّهَادَةَ مَحْضُ وِلَايَةٍ على الْغَيْرِ فَلَا يُؤَهَّلُ لها الْكَافِرُ وَالْوَلِيُّ في التَّزْوِيجِ كما يَرْعَى حَظَّ مُوَلِّيَتِهِ يَرْعَى حَظَّ نَفْسِهِ أَيْضًا في تَحْصِينِهَا وَدَفْعِ الْعَارِ عن النَّسَبِ فَرْعٌ لِلْمُسْلِمِ تَوْكِيلُ نَصْرَانِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ في نِكَاحِ نَصْرَانِيَّةٍ لِأَنَّهُمَا يَقْبَلَانِ نِكَاحَهَا لِأَنْفُسِهِمَا لَا في نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُمَا نِكَاحُهُمَا بِحَالٍ بِخِلَافِ تَوْكِيلِهِمَا في طَلَاقِهَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمَا طَلَاقُهُمَا بِأَنْ أَسْلَمَتْ كَافِرَةً بَعْدَ الدُّخُولِ فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثُمَّ أَسْلَمَ في الْعِدَّةِ وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ قَدَّمَهَا في الْوَكَالَةِ أَيْضًا وَلِلنَّصْرَانِيِّ وَنَحْوِهِ تَوْكِيلُ مُسْلِمٍ في نِكَاحِ نَصْرَانِيَّةٍ وَنَحْوِهَا لِمَا مَرَّ أَوَّلًا لَا في نِكَاحِ مَجُوسِيَّةٍ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَجُوزُ له نِكَاحُهَا بِحَالٍ فَهُوَ كَالْعَبْدِ لَمَّا لم يَكُنْ أَهْلًا لِلتَّزْوِيجِ لم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا فيه وَلِلْمُعْسِرِ تَوْكِيلُ الْمُوسِرِ في نِكَاحِ الْأَمَةِ لِأَنَّ الْمُوسِرَ من أَهْلِ نِكَاحِهَا في الْجُمْلَةِ وَإِنْ لم يُمْكِنْهُ في الْحَالِ لِمَعْنًى فيه فَهُوَ كَمَنْ له أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ وَكَّلَهُ رَجُلٌ لِيَقْبَلَ له نِكَاحَ امْرَأَةٍ وَلَا وِلَايَةَ لِمُرْتَدٍّ مُطْلَقًا أَيْ لَا على مُسْلِمَةٍ وَلَا مُرْتَدَّةٍ وَلَا غَيْرِهِمَا لِانْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَإِحْرَامُ الْوَلِيِّ
____________________
(3/132)
وَلَوْ حَاكِمًا بِنُسُكٍ وَلَوْ فَاسِدًا كَغَيْبَتِهِ فَيُزَوِّجُ الْحَاكِمُ لَا الْأَبْعَدُ إذْ الْإِحْرَامُ لَا يَسْلُبُ الْوِلَايَةَ لِبَقَاءِ الرُّشْدِ وَالنَّظَرِ وَإِنَّمَا يَمْنَعُ النِّكَاحَ كما يَمْنَعُهُ إحْرَامُ الزَّوْجِ أو الزَّوْجَةِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ في مُدَّةِ الْإِحْرَامِ بين طَوِيلِهَا وَقَصِيرِهَا وَاَلَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا أَنَّ ذلك مَحَلُّهُ في طَوِيلِهَا كما في الْغَيْبَةِ تَنْبِيهٌ لو أَحْرَمَ السُّلْطَانُ أو الْقَاضِي فَلِخُلَفَائِهِ أَنْ يُزَوِّجُوا لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمْ بِالْوِلَايَةِ لَا بِالْوَكَالَةِ جَزَمَ بِذَلِكَ الْخَفَّافُ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ وَقُبِلَ هذا في السُّلْطَانِ دُونَ الْقَاضِي لِأَنَّ خُلَفَاءَهُ لَا يَنْعَزِلُونَ بِمَوْتِهِ وَانْعِزَالِهِ بِخِلَافِ خُلَفَاءِ الْقَاضِي وَمَالَ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ وَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِشَهَادَةِ الْمُحْرِمِ لِأَنَّهُ ليس بِعَاقِدٍ وَلَا مَعْقُودٍ عليه لَكِنْ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَحْضُرَ وَتَصِحُّ رَجْعَتُهُ لِأَنَّهَا اسْتِدَامَةٌ كَالْإِمْسَاكِ في دَوَامِ النِّكَاحِ فَرْعٌ لو أَحْرَمَ وَكِيلُ النِّكَاحِ أو مُوَكِّلُهُ أو الْمَرْأَةُ بِنُسُكٍ لم يَنْعَزِلْ لِبَقَاءِ رُشْدِهِ وَنَظَرِهِ كما مَرَّ فَيُزَوِّجُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ كما فُهِمَ من قَوْلِهِ فَلَا يُزَوِّجُ قبل تَحَلُّلِهِ وَتَحَلُّلِ مُوَكِّلِهِ وَتَحَلُّلِ الْمَرْأَةِ وَلَوْ فَرْعٌ الْمَفْهُومُ كما فَعَلْت كان أَوْلَى وَلَوْ وَكَّلَهُ حَالَةَ كَوْنِ أَحَدِهِمْ مُحْرِمًا أو أَذِنَتْ لِوَلِيِّهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ أَنْ يُزَوِّجَهَا صَحَّ سَوَاءٌ أَقَالَ لِتَزَوُّجٍ بَعْدَ التَّحَلُّلِ أَمْ أَطْلَقَ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ إنَّمَا يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ دُونَ الْإِذْنِ لِأَنَّ شَرْطَ الْعَقْدِ أَيْ صُدُورِهِ في الْإِحْرَامِ فَلَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَلَا الْإِذْنُ وَلَوْ وَكَّلَ حَلَالٌ مُحْرِمًا لِيُوَكِّلَ حَلَالًا في التَّزْوِيجِ جَازَ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ مَحْضٌ نعم إنْ قال له وَكِّلْ عن نَفْسِك قال الزَّرْكَشِيُّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ قَطْعًا كما ذُكِرَ وَأُمَثِّلُهُ فِيمَا إذَا وَكَّلَ الْوَلِيُّ الْمَرْأَةَ لِتُوَكِّلَ عن نَفْسِهَا من يُزَوِّجُهَا انْتَهَى وَالْأَوْجَهُ الصِّحَّةُ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ أَهْلًا لِلتَّزْوِيجِ أَصْلًا بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ فإنه في ذَاتِهِ أَهْلٌ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا عَرَضَ له مَانِعٌ يَزُولُ عن قُرْبٍ وَإِنْ تَزَوَّجَ الْمُصَلِّي نَاسِيًا لِلصَّلَاةِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَنِكَاحُهُ وَكَذَا وَكِيلُ الْمُصَلِّي كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ بِخِلَافِ وَكِيلِ الْمُحْرِمِ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْمُحْرِمِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَعِبَارَةُ الْمُصَلِّي صَحِيحَةٌ فَصْلٌ وَإِنْ غَابَ الْوَلِيُّ مَسَافَةَ الْقَصْرِ لَا دُونَهَا زَوَّجَهَا قَاضِي بَلَدِهَا لَا الْأَبْعَدُ وَلَا قَاضِي غَيْرُ بَلَدِهَا أَمَّا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَا يُزَوِّجُ حتى يُرَاجِعَ الْوَلِيَّ فَيَحْضُرَ أو يُوَكِّلَ كما لو كان مُقِيمًا نعم لو تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ لِفِتْنَةٍ أو خَوْفٍ فَفِي الْجَبَلِيِّ عن الْحِلْيَةِ أَنَّ له أَنْ يُزَوِّجَ بِلَا مُرَاجَعَةٍ وَعَضَّدَهُ في الْكِفَايَةِ بِقَوْلِ الْأَصْحَابِ إنَّ تَعَذُّرَ الْوُصُولِ إلَى مَالِكِ الْوَدِيعَةِ بِمِثْلِ ذلك عِنْدَ إرَادَةِ الْمُودِعِ السَّفَرَ بِمَنْزِلَةِ ما إذَا كان الْمَالِكُ مُسَافِرًا نَقَلَ ذلك الزَّرْكَشِيُّ وَنَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ كَلَامَ الْجَبَلِيِّ ثُمَّ قال فَإِنْ صَحَّ وَجَبَ تَقْيِيدُ إطْلَاقِ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ بِهِ قال وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لو كان في الْبَلَدِ في سِجْنِ السُّلْطَانِ وَتَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ أَنَّ الْقَاضِيَ يُزَوِّجُ وَكَذَا الْمَفْقُودُ الذي لَا يُعْرَفُ مَكَانُهُ وَلَا مَوْتُهُ وَلَا حَيَاتُهُ يُزَوِّجُ عنه الْقَاضِي لِتَعَذُّرِ نِكَاحِهَا من جِهَتِهِ فَأَشْبَهَ ما إذَا عَضَلَ ما لم يُحْكَمْ بِمَوْتِهِ وَإِلَّا زَوَّجَهَا الْأَبْعَدُ وَلَوْ لم تَثْبُتْ أَيْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِغَيْبَةِ الْوَلِيِّ وَبِالْخُرُوجِ عن النِّكَاحِ وَالْعِدَّةِ فإن الْقَاضِيَ يُزَوِّجُهَا لَكِنْ يُسْتَحَبُّ ذلك أَيْ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِذَلِكَ وَلَا يُقْبَلُ فيه إلَّا شَهَادَةُ مُطَّلِعٍ على بَاطِنِ
____________________
(3/133)
أَحْوَالِهَا وفي نُسْخَةٍ بَدَلُ هذا وَيُسْتَحَبُّ تَحْلِيفُهَا على ذلك أَيْ على غَيْبَةِ وَلِيِّهَا وَخُرُوجِهَا عن النِّكَاحِ وَالْعِدَّةِ وَالْأُولَى هِيَ الْمُنَاسِبَةُ لِلْأَصْلِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِقَوْلِهَا لِأَنَّ الرُّجُوعَ في الْعُقُودِ إلَى قَوْلِ أَرْبَابِهَا
قال في الْأَصْلِ بَعْدَ ذِكْرِهِ اسْتِحْبَابَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَعَلَى هذا لو أَلَحَّتْ في الْمُطَالَبَةِ وَرَأَى التَّأْخِيرَ فَهَلْ له ذلك وَجْهَانِ وَهَلْ يُحَلِّفُهَا وُجُوبًا على أنها لم تَأْذَنْ لِلْغَائِبِ إنْ كان مِمَّنْ لَا يُزَوَّجُ إلَّا بِإِذْنٍ وَعَلَى أَنَّهُ لم يُزَوِّجْهَا في الْغَيْبَةِ وَجْهَانِ فَرْعٌ يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي عِنْدَ غَيْبَةِ الْوَلِيِّ الْأَقْرَبِ الْغَيْبَةَ الْمُعْتَبَرَةَ أَنْ يَأْذَنَ لِلْأَبْعَدِ أَنْ يُزَوِّجَ أو يَسْتَأْذِنَهُ لِيُزَوِّجَ فَإِنْ زُوِّجَتْ في غَيْبَتِهِ فَبَانَ الْوَلِيُّ قَرِيبًا من الْبَلَدِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَلَوْ بِقَوْلِهِ كما يُؤْخَذُ من كَلَامٍ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عن فَتَاوَى الْبَغَوِيّ لم يَنْعَقِدْ نِكَاحُهَا لِأَنَّ تَزْوِيجَ الْحَاكِمِ لَا يَصِحُّ مع وُجُودِ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ فَرْعٌ لو زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ لِغَيْبَةٍ ثُمَّ قَدِمَ وقال كُنْت زَوَّجْتهَا في الْغَيْبَةِ قُدِّمَ نِكَاحُ الْحَاكِمِ وَيُفَارِقُ ما لو بَاعَ عَبْدَ الْغَائِبِ لِدَيْنٍ عليه فَقَدِمَ وَادَّعَى بَيْعَهُ حَيْثُ يُقَدَّمُ بَيْعَ الْمَالِكِ بِأَنَّ الْحَاكِمَ في النِّكَاحِ كَوَلِيٍّ آخَرَ وَلَوْ كان لها وَلِيَّانِ فَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا في غَيْبَةِ الْآخَرِ ثُمَّ قَدِمَ وَادَّعَى سَبْقَهُ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ ثُمَّ ادَّعَى الْمُوَكِّلُ سَبْقَهُ فَكَذَلِكَ على الْأَظْهَرِ في النِّهَايَةِ الطَّرَفُ الرَّابِعُ في تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ لِلْعَقْدِ جَوَازًا وَمَنْعًا وَلَوْ تَوَلَّى الْجَدُّ طَرَفَيْ الْعَقْدِ في نِكَاحِ فَرْعَيْهِ كَبِنْتِ ابْنِهِ الصَّغِيرَةِ أو الْكَبِيرَةِ بِابْنِ ابْنٍ آخَرَ مُوَلًّى عليه جَازَ لِقُوَّةِ وِلَايَتِهِ وَعَلَيْهِ الْجَمْعُ بين الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كما في الْبَيْعِ بَلْ أَوْلَى وَشَرَطَ ابن مَعْنٍ وَغَيْرُهُ أَنْ يَقُولَ وَقَبِلْت نِكَاحَهَا بِالْوَاوِ فَلَوْ تَرَكَهَا لم يَصِحَّ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي طَرْدُهُ في الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَلِلْعَمِّ وَنَحْوِهِ كَابْنِهِ وَالْمُعْتِقِ تَزْوِيجُهَا من ابْنِهِ الْبَالِغِ لِأَنَّهُ لم يُوجَدْ تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ لَا من ابْنِهِ الطِّفْلِ فَلَيْسَ له أَنْ يُزَوِّجَهَا منه لِأَنَّهُ نِكَاحٌ لم يَحْضُرْهُ أَرْبَعَةٌ وَلَيْسَ له قُوَّةُ الْجُدُودَةِ وَعَلَيْهِ قال الْبُلْقِينِيُّ الْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الصَّبْرُ إلَى بُلُوغِ الصَّبِيِّ فَيَقْبَلُ بَلْ يَقْبَلُ له أَبُوهُ وَالْحَاكِمُ يُزَوِّجُهَا منه كَالْوَلِيِّ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ مُوَلِّيَتَهُ انْتَهَى وَيُزَوِّجُهَا من ابْنِهِ الْبَالِغِ
وَلَوْ لم تُعَيِّنْهُ الْمَرْأَةُ في الْإِذْنِ وَإِنْ أَرَادَ الْوَلِيُّ كَابْنِ الْعَمِّ نِكَاحَهَا لم يَتَوَلَّ الطَّرَفَيْنِ لِفَقْدِ الْمَعْنَى الذي في الْجَدِّ فَيُزَوِّجُهُ من في دَرَجَتِهِ كَابْنِ عَمٍّ آخَرَ ثُمَّ إنْ لم يَكُنْ زَوَّجَهُ الْقَاضِي وَيُزَوِّجُ الْقَاضِي وَطِفْلُهُ قَاضٍ آخَرَ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ إذَا كانت الْمَرْأَةُ في عَمَلِهِ أو يَسْتَخْلِفُ من يُزَوِّجُهُ إنْ كان له ذلك أَيْ الِاسْتِخْلَافُ وَالْإِمَامُ يُزَوِّجُهُ بَعْضُ قُضَاتِهِ كما يُزَوِّجُ الْقَاضِي خَلِيفَتَهُ وابن الْعَمِّ من الْأَبَوَيْنِ يُزَوِّجُهُ الْقَاضِي لَا ابن عَمٍّ لِأَبٍ وَمَنْ مَنَعَ تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ لَا يُوَكِّلُ من يُزَوِّجُهُ لِأَنَّ فِعْلَ الْوَكِيلِ فِعْلُ الْمُوَكِّلِ وَلَيْسَ ذلك كَتَزْوِيجِ خَلِيفَةِ الْقَاضِي من الْقَاضِي أو الْقَاضِي من الْإِمَامِ فَإِنَّهُمَا يَتَصَرَّفَانِ بِالْوِلَايَةِ لَا بِالْوَكَالَةِ وَلَوْ قالت لِابْنِ الْعَمِّ أو لِمُعْتِقِهَا زَوِّجْنِي من نَفْسِك زَوَّجَهُ الْقَاضِي بهذا الْإِذْنِ كَذَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ عن بَعْضِ الْأَصْحَابِ ثُمَّ قال وَعِنْدِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا إنَّمَا أَذِنَتْ له لَا لِلْقَاضِي زَادَ في الرَّوْضَةِ الصَّوَابُ الْجَوَازُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ فَوِّضْ إلَيَّ من يُزَوِّجُك إيَّايَ قال الْبُلْقِينِيُّ بَلْ الصَّوَابُ
____________________
(3/134)
الْمَنْعُ لِفَسَادِ ظَاهِرِ الْإِذْنِ وقد صَحَّحَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ كما اخْتَارَهُ الْبَغَوِيّ وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ لَا بُدَّ من تَفْوِيضِ الْوَلِيِّ لِلْقَاضِي وهو غَيْرُ ما نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ من أَنَّ الْقَاضِيَ يُزَوِّجُهُ بهذا الْإِذْنِ قُلْت بَلْ الصَّوَابُ ما قَالَهُ النَّوَوِيُّ إذْ مَعْنَى قَوْلِهِ بهذا الْإِذْنِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى إذْنِهَا ثَانِيًا وَقَوْلُهَا زَوِّجْنِي من نَفْسِك لم يُعْمَلْ بِظَاهِرِهِ حتى يَكُونَ فَاسِدًا بَلْ بِمَا قَالَهُ من أَنَّ مَعْنَاهُ فَوِّضْ إلَيَّ من يُزَوِّجُك إيَّايَ وَهَذَا ليس بِإِذْنٍ منها ثَانِيًا حتى يَكُونَ مُغَايِرًا لِقَوْلِهِ بهذا الْإِذْنِ لَا إنْ قالت له زَوِّجْنِي من شِئْت أو زَوِّجْنِي فَلَيْسَ لِلْقَاضِي تَزْوِيجُهُ بها بهذا الْإِذْنِ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ منه التَّزْوِيجُ بِأَجْنَبِيٍّ الطَّرَفُ الْخَامِسُ في التَّوْكِيلِ بِالتَّزْوِيجِ لِلْمُجْبِرِ وهو الْأَبُ وَالْجَدُّ في الْبِكْرِ التَّوْكِيلُ فيه بِلَا إذْنٍ من مُوَلِّيَتِهِ كما يُزَوِّجُهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا وَإِنْ لم يُعَيِّنْ الْمُجْبِرُ في تَوْكِيلِهِ الزَّوْجَ فإنه يَصِحُّ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَغْرَاضُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْوَاجِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّعْيِينَ في التَّوْكِيلِ فَيَمْلِكُ الْإِطْلَاقَ كما في الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَشَفَقَتُهُ تَدْعُوهُ إلَى أَنْ لَا يُوَكِّلَ إلَّا من يَثِقُ بِحُسْنِ نَظَرِهِ وَاخْتِيَارِهِ وَعَلَى الْوَكِيلِ إذَا لم يُعَيِّنْ الزَّوْجَ رِعَايَةُ النَّظَرِ وَالِاحْتِيَاطُ لها فَلَوْ زَوَّجَ بِغَيْرِ كُفْءٍ أو بِأَدْنَى الْخَاطِبَيْنِ الْكُفْأَيْنِ شَرَفًا لم يَصِحَّ التَّزْوِيجُ لِمُخَالَفَتِهِ الِاحْتِيَاطَ الْوَاجِبَ عليه وَلِغَيْرِ الْمُجْبِرِ بِأَنْ كان غير أَبٍ وَجَدٍّ مُطْلَقًا أو أَحَدَهُمَا في الثَّيِّبِ التَّوْكِيلُ أَيْضًا لَكِنْ بَعْدَ الْإِذْنِ له منها في النِّكَاحِ وَالتَّوْكِيلِ أو في التَّوْكِيلِ فَقَطْ أَيْ دُونَ النِّكَاحِ وَكَذَا في النِّكَاحِ وَحْدَهُ أَيْ دُونَ التَّوْكِيلِ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ بِالْوِلَايَةِ فَيَتَمَكَّنُ من التَّوْكِيلِ بِغَيْرِ إذْنٍ كَالْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ هذا إنْ لم يَنْتَهِ عن التَّوْكِيلِ فَإِنْ نَهَتْهُ عنه لم يُوَكِّلْ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُزَوَّجُ بِالْإِذْنِ ولم تَأْذَنْ في تَزْوِيجِ الْوَكِيلِ بَلْ نَهَتْ عنه أَمَّا تَوْكِيلُهُ بِغَيْرِ إذْنِهَا له فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّزْوِيجَ بِنَفْسِهِ
وَلَوْ أَذِنَتْ له في التَّوْكِيلِ فَزَوَّجَ بِنَفْسِهِ جَازَ إذْ يَبْعُدُ مَنْعُهُ مِمَّا له التَّوْكِيلُ فيه وَتَعْيِينُ الزَّوْجِ في إذْنِهَا لِلْوَلِيِّ في نِكَاحِهَا أو في التَّوْكِيلِ بِهِ لَا يُشْتَرَطُ كما لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ في تَوْكِيلِ الْمُجْبِرِ فَيُزَوِّجُهَا الْوَلِيُّ أو الْوَكِيلُ بِكُفْءٍ التَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ فَلَوْ قالت لِوَلِيِّهَا زَوِّجْنِي من شِئْتَ فَزَوَّجَهَا غير كُفْءٍ جَازَ كما لو قالت زَوِّجْنِي من شِئْت كُفُؤًا أو غَيْرَهُ وإذا أَذِنَتْ له أَيْ لِوَلِيِّهَا مُطْلَقًا أَيْ من غَيْرِ تَعْيِينِ زَوْجٍ فَلَهُ التَّوْكِيلُ مُطْلَقًا كَذَلِكَ فَإِنْ عَيَّنَتْهُ في إذْنِهَا له وَجَبَ تَعْيِينُهُ لِلْوَكِيلِ في التَّوْكِيلِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُعَيِّنْ في التَّوْكِيلِ لم يَصِحَّ النِّكَاحُ وَلَوْ زَوَّجَ هَا الْمُعَيَّنُ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ الْمُطْلَقَ مع أَنَّ الْمَطْلُوبَ مُعَيَّنٌ فَاسِدٌ وَهَذَا
كما لو قال وَلِيُّ الطِّفْلِ لِلْوَكِيلِ بِعْ مَالَهُ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ فَبَاعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ لم يَصِحَّ لِفَسَادِ صِيغَةِ التَّفْوِيضِ قال الرَّافِعِيُّ وَلَك أَنْ تُفَرِّقَ بِأَنَّ قَوْلَهُ بِعْ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ إذْنٌ صَرِيحٌ في الْبَيْعِ الْمُمْتَنِعِ شَرْعًا وَقَوْلَهُ وَكَّلْتُك بِتَزْوِيجِهَا لَا تَصْرِيحَ فيه بِالنِّكَاحِ الْمُمْتَنِعِ وَإِنَّمَا هو لَفْظٌ مُطْلَقٌ وَكَمَا يَتَقَيَّدُ بِالْكُفْءِ جَازَ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِالْكُفْءِ الْمُعَيَّنِ وَمَنَعَهُ ابن الرِّفْعَةِ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْكُفْءِ جاء من جِهَةِ اطِّرَادِ الْعُرْفِ الْعَامِّ وهو مَعْمُولٌ بِهِ في الْعُقُودِ بِخِلَافِ التَّقْيِيدِ بِالْمُعَيَّنِ فإنه لو تَقَيَّدَ بِهِ لَكَانَ يَقْرَبُ من التَّقْيِيدِ بِالْعُرْفِ الْخَاصِّ وهو لَا يُؤَثِّرُ على الْمَذْهَبِ أَصْلُهُ مَسْأَلَةُ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَبَيْعُ الْحِصْرِمِ من غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ في بَلْدَةٍ عَادَتُهُمْ فيها قَطْعُهُ حِصْرِمًا وَنَظَائِرُهُ فَرْعٌ لو قالت أَذِنْت لَك في تَزْوِيجِي وَلَا تَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِك فَسَدَ الْإِذْنُ لِأَنَّهَا مَنَعَتْ الْوَلِيَّ وَجَعَلَتْ التَّفْوِيضَ لِلْأَجْنَبِيِّ فَأَشْبَهَ الْإِذْنَ لِلْأَجْنَبِيِّ ابْتِدَاءً فَرْعٌ لو أَمَرَ الْحَاكِمُ قبل أَنْ تَأْذَنَ له الْمَرْأَةُ في تَزْوِيجِهَا وَلَا وَلِيَّ لها غَيْرُهُ رَجُلًا بِتَزْوِيجِهَا فَزَوَّجَهَا بِإِذْنِهَا جَازَ بِنَاءً على أَنَّ اسْتِنَابَةَ الْحَاكِمِ في شُغْلٍ مُعَيَّنٍ كَتَحْلِيفٍ وَسَمَاعِ شَهَادَةٍ تَجْرِي مَجْرَى الِاسْتِخْلَافِ فَصْلٌ في بَيَانِ لَفْظِ الْوَكِيلِ وَلَفْظِ الْوَلِيِّ مع وَكِيلِ الزَّوْجِ في عَقْدِ النِّكَاحِ وَلْيَقُلْ الْوَكِيلُ أَيْ وَكِيلُ الْوَلِيِّ لِلزَّوْجِ زَوَّجْتُك فُلَانَةَ عِبَارَةُ الْأَصْلِ بِنْتَ فُلَانٍ وَكُلٌّ صَحِيحٌ عِنْدَ تَمَيُّزِهَا كما مَرَّ بَيَانُهُ وليقل الْوَلِيُّ لِلْوَكِيلِ أَيْ وَكِيلُ الزَّوْجِ زَوَّجْت بِنْتِي فُلَانًا فيقول الْوَكِيلُ قَبِلْت نِكَاحَهَا له وَمَتَى تَرَكَ لَفْظَةَ له لم يَصِحَّ الْعَقْدُ كما لو قال الزَّوْجُ قَبِلْت ولم يَقُلْ نِكَاحَهَا أو تَزْوِيجَهَا وَمَعَ ذلك فَمَحَلُّ الِاكْتِفَاءِ بِمَا ذُكِرَ في الْأُولَى إذَا عَلِمَ الشُّهُودُ وَالزَّوْجُ الْوَكَالَةَ وفي الثَّانِيَةِ إذَا عَلِمَهَا الشُّهُودُ وَالْوَلِيُّ وَإِلَّا فَيَحْتَاجُ الْوَكِيلُ إلَى التَّصْرِيحِ فِيهِمَا بها فَإِنْ قال الْوَلِيُّ لِلْوَكِيلِ أَيْ وَكِيلُ الزَّوْجِ زَوَّجْتُك بِنْتِي فقال قَبِلْت نِكَاحَهَا
____________________
(3/135)
لِمُوَكِّلِي فَسَدَ الْعَقْدُ لِعَدَمِ التَّوَافُقِ أو قال قَبِلْت نِكَاحَهَا وَسَكَتَ انْعَقَدَ له وَلَا يَقَعُ الْعَقْدُ لِلْمُوَكِّلِ بِالنِّيَّةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ هُنَا بِمَثَابَةِ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ ثَمَّ فَلَا بُدَّ من ذِكْرِهِمَا وَلِأَنَّ الْبَيْعَ يَرِدُ على الْمَالِ وهو يَقْبَلُ النَّقْلَ من شَخْصٍ إلَى آخَرَ فَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ لِلْوَكِيلِ ثُمَّ يَنْتَقِلَ لِلْمُوَكِّلِ وَالنِّكَاحُ يَرِدُ على الْبُضْعِ وهو لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ وَإِنْكَارُ الْمُوَكِّلِ في نِكَاحِهِ لِلْوَكَالَةِ يُبْطِلُ النِّكَاحَ بِالْكُلِّيَّةِ لَا الْبَيْعَ لِوُقُوعِهِ لِلْوَكِيلِ كما مَرَّ في كِتَابِ الْوَكَالَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ وهو وَكِيلُ الْوَلِيِّ زَوَّجْت فُلَانَةَ فُلَانًا وَيَقُولُ الْآخَرُ وهو وَكِيلُ الزَّوْجِ قَبِلْت نِكَاحَهَا له أَيْ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ ذلك لِيَصِحَّ الْعَقْدُ وَلَوْ قال الْوَكِيلُ أَيْ وَكِيلُ الزَّوْجِ قَبِلْت نِكَاحَ فُلَانَةَ مِنْك لِفُلَانٍ فقال وَكِيلُ الْوَلِيِّ زَوَّجْت هَا فُلَانًا صَحَّ لِأَنَّ تَقَدُّمَ الْقَبُولِ على الْإِيجَابِ جَائِزٌ لَا إنْ اقْتَصَرَ وَكِيلُ الْوَلِيِّ على قَوْلِهِ زَوَّجْتهَا فَلَا يَصِحُّ كما لو تَقَدَّمَ على الْقَبُولِ فَرْعٌ وإذا قَبِلَ الْأَبُ أَيْ أَرَادَ أَنْ يَقْبَلَ النِّكَاحَ لِابْنِهِ بِالْوِلَايَةِ فَلْيَقُلْ له الْوَلِيُّ زَوَّجْت فُلَانَةَ بِابْنِك فيقول الْأَبُ قَبِلْت نِكَاحَهَا لِابْنِي فَرْعٌ لَا يُشْتَرَطُ في التَّوْكِيلِ بِقَبُولِ النِّكَاحِ أو إيجَابِهِ ذِكْرُ الْمَهْرِ فَإِنْ لم يَذْكُرْهُ الزَّوْجُ فَيَعْقِدُ له وَكِيلُهُ على من يُكَافِئُهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فما دُونَهُ لَا بِمَا زَادَ عليه لَكِنَّهُ إنْ عَقَدَ بِهِ صَحَّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ قِيَاسًا على نَظِيرِهِ الْآتِي فِيمَا إذَا ذَكَرَ الزَّوْجُ قَدْرًا وَعَلَى نَظِيرِهِ في الْخُلْعِ وَعَلَى ما يَأْتِي في الصَّدَاقِ في وَكِيلِ الْوَلِيِّ خِلَافًا لِمَا في الْأَنْوَارِ من جَزْمِهِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فَإِنْ ذَكَرَ الْمُوَكِّلُ قَدْرًا لم يَصِحَّ الْعَقْدُ بِدُونِهِ من وَكِيلِ الْوَلِيِّ كما لو قال زَوِّجْهَا في يَوْمِ كَذَا أو مَكَانِ كَذَا فَخَالَفَ لم يَصِحَّ إلَّا بِرِضَاهَا فَيَصِحُّ بِدُونِهِ لِأَنَّ الْمَهْرَ حَقُّهَا وَهَذَا من زِيَادَتِهِ هُنَا وما ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ من عَدَمِ الصِّحَّةِ جَارٍ على طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَعَلَيْهَا جَرَى الرَّافِعِيُّ في كِتَابِ الصَّدَاقِ أَمَّا على طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ التي جَرَى عليها النَّوَوِيُّ ثَمَّ فَيَصِحُّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا يَصِحُّ بِفَوْقِهِ أَيْ بِمَا فَوْقَهُ من وَكِيلِ الزَّوْجِ بَلْ يَصِحُّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ على الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ كما قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ خِلَافًا لِمَا في الْأَنْوَارِ من الْجَزْمِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً ولم يُعَيِّنْ الْمَرْأَةَ لم يَصِحَّ التَّوْكِيلُ كما في الْوَكَالَةِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ لم يَصِفْهُ بَلْ أَوْلَى بِخِلَافِ ما لو قال زَوِّجْنِي من شِئْت يَصِحُّ كما مَرَّ في الْوَكَالَةِ لِأَنَّهُ عَامٌّ وما هُنَا مُطْلَقٌ وَدَلَالَةُ الْعَامِّ على أَفْرَادِهِ ظَاهِرَةٌ بِخِلَافِ الْمُطْلَقِ لَا دَلَالَةَ له على فَرْدٍ فَرْعٌ لو قال الْوَلِيُّ لِلْوَكِيلِ زَوِّجْهَا بِشَرْطِ رَهْنٍ أو ضَمِينٍ بِالْمَهْرِ أو لَا تُزَوِّجُهَا إلَّا بهذا الشَّرْطِ فَزَوَّجَ ولم يَمْتَثِلْ شَرْطَهُ لم يَنْعَقِدْ تَزْوِيجُهُ أو قال له زَوِّجْهَا بِكَذَا وَخُذْ بِهِ رَهْنًا أو كَفِيلًا فَزَوَّجَهَا ولم يَأْخُذْ رَهْنًا أو كَفِيلًا انْعَقَدَ التَّزْوِيجُ كما في الْبَيْعِ فِيهِمَا فَرْعٌ لو قال تُزَوِّجُ لي فُلَانَةَ بِعَبْدِك هذا فَفَعَلَ صَحَّ التَّزْوِيجُ وَهَلْ تَمْلِكُهُ أَيْ الْعَبْدَ الْمَرْأَةُ وَجْهَانِ فَإِنْ قُلْنَا تَمْلِكُهُ فَهُوَ قَرْضٌ على الزَّوْجِ أو هِبَةٌ له وَجْهَانِ وَإِنْ قُلْنَا لَا تَمْلِكُهُ فَمَهْرُ الْمِثْلِ وَاجِبٌ لها على الزَّوْجِ قال الزَّرْكَشِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ وَقَضِيَّةُ ما مَرَّ في الْوَكَالَةِ فِيمَا لو قال اشْتَرِ لي عَبْدَ فُلَانٍ بِثَوْبِك هذا تَرْجِيحٌ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَمْلِكُهُ وَأَنَّهُ قَرْضٌ على الزَّوْجِ الطَّرَفُ السَّادِسُ فِيمَا يَلْزَمُ الْوَلِيَّ في التَّزْوِيجِ فَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ الْمُجْبِرَ تَزْوِيجُ الْمَجْنُونَةِ وَالْمَجْنُونِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِتَوَقَانٍ بِأَنْ تَظْهَرَ رَغْبَتُهَا في الرِّجَالِ وَرَغْبَتُهُ في النِّسَاءِ أو اسْتِشْفَاءٍ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ من الْأَطِبَّاءِ وَعِنْدَ حَاجَةِ الْمَجْنُونِ إلَى مُتَعَهِّدٍ ولم يُوجَدْ له مَحْرَمٌ يَقُومُ بِهِ وَمُؤْنَةُ النِّكَاحِ أَخَفُّ من ثَمَنِ جَارِيَةٍ كما سَيَأْتِي في الْبَابِ الْخَامِسِ وَإِنْ دُعِيَ وَلِيٌّ بِأَنْ دَعَتْهُ مُوَلِّيَتُهُ لَا نِكَاحَ لها لَزِمَهُ إجَابَتُهَا وَلَوْ وُجِدَ غَيْرُهُ من الْأَوْلِيَاءِ إعْفَافًا لها وَكَمَا إذَا كان في وَاقِعَةِ شُهُودٍ فَدُعِيَ بَعْضُهُمْ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَرْعٌ دَيْنُ الصَّدَاقِ بِأَنْ كان دَيْنًا لَا عَيْنًا في نِكَاحِ صَبِيٍّ أو مَجْنُونٍ وَاجِبٌ في مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَذِمَّتِهِمَا وَإِنْ لم يَشْرِطْهُ الْأَبُ عَلَيْهِمَا وَلَا يَضْمَنُهُ الْأَبُ بِغَيْرِ ضَمَانٍ كَالثَّمَنِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى لها شيئا فَإِنْ ضَمِنَ لِيَرْجِعَ بِمَا يُؤَدِّيَهُ فَقَصْدُ الرُّجُوعِ هُنَا كَإِذْنِ الْمَضْمُونِ عنه فَإِنْ ضَمِنَ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ وَغَرِمَ رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ ضَمِنَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الِابْنِ فَسَدَ الضَّمَانُ وَالصَّدَاقُ لِفَسَادِ الشَّرْطِ
____________________
(3/136)
كما في نَظِيرِهِ في الضَّمَانِ وَالرَّهْنِ الطَّرَفُ السَّابِعُ في خِصَالِ الْكَفَاءَةِ الْمُعْتَبَرَةِ في النِّكَاحِ لِدَفْعِ الْعَارِ وَالضِّرَارِ وَهِيَ في السَّلَامَةِ من الْعُيُوبِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ وفي الْحُرِّيَّةِ وَالنَّسَبِ وَالدِّينِ وَالصَّلَاحِ وَالْحِرْفَةِ فَمَنْ بِهِ عَيْبٌ مُثْبِتٌ لِلْخِيَارِ لَا عُنَّةَ فَلَيْسَ بِكُفْءٍ لِامْرَأَةٍ وَإِنْ اسْتَوَيَا في مُطْلَقِ الْعَيْبِ سَوَاءٌ اخْتَلَفَا فيه كَرَتْقَاءَ وَمَجْبُوبٍ أَمْ اتَّفَقَا كَأَبْرَصَ وَبَرْصَاءَ وَإِنْ كان ما بها أَكْثَرَ وَأَفْحَشَ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُ صُحْبَةَ من بِهِ ذلك وَالْإِنْسَانُ يَعَافُ من غَيْرِهِ ما لَا يَعَافُ من نَفْسِهِ وَاسْتِثْنَاؤُهُ الْعُنَّةَ تَبِعَ فيه كَالْإِسْنَوِيِّ الْبَغَوِيّ لِأَنَّهَا لَا تَتَحَقَّقُ فَلَا نَظَرَ لها وَنَقَلَهَا عنه الْأَصْلُ ثُمَّ قال وفي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا وَإِطْلَاقُ الْجُمْهُورِ يُوَافِقُهُ انْتَهَى وَوُجِّهَ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ تُبْنَى على الظَّاهِرِ وَلَا تَتَوَقَّفُ على التَّحَقُّقِ قال في الْأَصْلِ وزاد الرُّويَانِيُّ على الْعُيُوبِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ الْعُيُوبَ الْمُنَفِّرَةَ كَالْعَمَى وَالْقَطْعَ وَتَشَوُّهِ الصُّورَةِ وقال هِيَ تَمْنَعُ الْكَفَاءَةَ عِنْدِي وَبِهِ قال بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَهُ الصَّيْمَرِيُّ
وَلَا يُكَافِئُ الْحُرَّةَ أَصْلِيَّةً أو عَتِيقَةً وَلَا من لم يَمَسَّ آبَاءَهَا أو الْأَقْرَبَ إلَيْهَا منهم الرِّقُّ من ليس مِثْلَهَا في النَّسَبِ لِأَنَّهَا تُعَيَّرُ بِهِ وَتَتَضَرَّرُ في الْأُولَى بِأَنَّهُ لَا يُنْفِقُ عليها إلَّا نَفَقَةَ الْمُعَسِّرِينَ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ في النَّسَبِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ قد يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ وَلَا يُكَافِئُ الْعَرَبِيَّةَ وَالْقُرَشِيَّةَ وَالْهَاشِمِيَّةَ إلَّا مِثْلُهَا لِشَرَفِ الْعَرَبِ على غَيْرِهِمْ وَلِأَنَّ الناس تَفْتَخِرُ بِأَنْسَابِهَا أَتَمَّ فَخَارٍ وَلِخَبَرِ قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بَلَاغًا وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ من وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَاصْطَفَى قُرَيْشًا من كِنَانَةَ اصْطَفَى بَنِي هَاشِمٍ من قُرَيْشٍ وَاصْطَفَانِي من بَنِي هَاشِمٍ
وَبَنُو هَاشِمٍ وبنو الْمُطَّلِبِ أَكْفَاءُ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ نَحْنُ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَمَحَلُّهُ في الْحُرَّةِ فَلَوْ نَكَحَ هَاشِمِيٌّ أو مُطَّلِبِيٌّ أَمَةً فَأَتَتْ منه بِبِنْتٍ فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لِمَالِكِ أُمِّهَا فَلَهُ تَزْوِيجُهَا من رَقِيقٍ وَدَنِيءِ النَّسَبِ كما سَيَأْتِي وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ ما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ من أَنَّ مَوَالِيَ كل قَبِيلَةٍ لَيْسُوا أَكْفَاءَ لها وَسَائِرُ الْعَرَبِ أَيْ بَاقِيهِمْ أَكْفَاءُ أَيْ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءُ بَعْضٍ وقال الرَّافِعِيُّ مُقْتَضَى اعْتِبَارِ النَّسَبِ في الْعَجَمِ اعْتِبَارُهُ في غَيْرِ قُرَيْشٍ من الْعَرَبِ لَكِنْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُمْ أَكْفَاءٌ وَجَرَى النَّوَوِيُّ على ما اخْتَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ فقال مُسْتَدْرِكًا على الرَّافِعِيِّ ما ذَكَرَهُ الْجَمَاعَةُ هو مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ وَذَكَرَ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ غير كِنَانَةَ لَا يُكَافِئُهَا وَاسْتَدَلَّ له السُّبْكِيُّ بِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ فَحَصَلَ في كَوْنِهِمْ أَكْفَاءُ وَجْهَانِ وقد نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عن الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُمْ أَكْفَاءُ وَعَنْ الْبَغْدَادِيِّينَ خِلَافَهُ فَتَفْضُلُ مُضَرُ على رَبِيعَةَ وَعَدْنَانُ على قَحْطَانَ اعْتِبَارًا بِالْقُرْبِ منه صلى اللَّهُ عليه وسلم وَتَقَدَّمَ عنه نَظِيرُهُ في قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ وَهَذَا هو الْأَوْجَهُ
قال في الْمُهِمَّاتِ اعْتِبَارُ النَّسَبِ في الْكَفَاءَةِ أَضْيَقُ منه في الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى وَلِهَذَا سَوَّوْا بين قُرَيْشٍ هُنَاكَ ولم يُسَوُّوا بَيْنَهَا هُنَا وقد جَزَمَ الرَّافِعِيُّ ثَمَّ بِأَنَّهُ إذَا لم يُوجَدْ قُرَشِيٌّ بِشَرْطِهِ فَكِنَانِيٌّ فَإِنْ لم يَكُنْ فَرَجُلٌ من وَلَدِ إسْمَاعِيلَ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَجَمِيٌّ فإذا قَدَّمُوا الْكِنَانِيَّ على غَيْرِهِ ثَمَّ ولم يُكَافِئْ بَيْنَهُمَا فَهُنَا أَوْلَى قال وَاسْتِدْرَاكُ النَّوَوِيِّ على الرَّافِعِيِّ عَجِيبٌ فإنه صَحَّحَ اعْتِبَارَ النَّسَبِ في الْعَجَمِ فَأَقَلُّ مَرَاتِبِ غَيْرِ قُرَيْشٍ من الْعَرَبِ إنْ كَانُوا كَالْعَجَمِ فَلَزِمَ اعْتِبَارُهُ فِيهِمْ كما يقول الرَّافِعِيُّ بِلَا شَكٍّ وَاَلَّذِي اغْتَرَّ بِهِ النَّوَوِيُّ إنَّمَا هو نَقَلَ الرَّافِعِيُّ خِلَافَهُ عن جَمَاعَةٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ تِلْكَ الْجَمَاعَةَ مِمَّنْ يقول أَنَّ الْكَفَاءَةَ في غَيْرِ الْعَرَبِ لَا تُعْتَبَرُ وَتُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ في نَسَبِ الْعَجَمِ كَالْعَرَبِ وَحَقُّهُ أَنْ يَقُولَ وَيُعْتَبَرُ في كَفَاءَةِ الْعَجَمِ نَسَبُهُمْ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيُعْتَبَرُ النَّسَبُ في الْعَجَمِ أَيْ فَتَفْضُلُ الْفُرْسُ على النَّبَطِ وَبَنِي إسْرَائِيلَ على الْقِبْطِ وَالِاعْتِبَارُ بِالْأَبِ في غَيْرِ أَوْلَادِ بَنَاتِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَا أَثَرَ لِلْأُمِّ وَلَوْ كانت رَقِيقَةً فَمَنْ أَبُوهُ عَجَمِيٌّ وَأُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ ليس كُفُؤًا لِمَنْ أَبُوهَا
____________________
(3/137)
عَرَبِيٌّ وَأُمُّهَا عَجَمِيَّةٌ وَمَنْ وَلَدَتْهُ رَقِيقَةٌ كُفُؤٌ لِمَنْ وَلَدَتْهُ حُرَّةٌ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْأَبَ في النَّسَبِ وَلَا يُكَافِئُ من أَسْلَمَ أو أَسْلَمَ أَحَدُ آبَاؤُهُ الْأَقْرَبِينَ أَعْرَقَ أَيْ أَقْدَمَ منه في الْإِسْلَامِ فَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ ليس كُفُؤًا لِمَنْ لها أَبٌ أو أَكْثَرُ في الْإِسْلَامِ وَمَنْ له أَبَوَانِ في الْإِسْلَام ليس كُفُؤًا لِمَنْ لها ثَلَاثَةُ آبَاءٍ فيه وَالْفَاسِقُ وَالْمُبْتَدِعُ ليس بِكُفْءٍ لِلْعَفِيفَةِ وَالسُّنِّيَّةِ قال تَعَالَى أَفَمَنْ كان مُؤْمِنًا كَمَنْ كان فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ وفي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ وَمَنْ لَا يُشْهَرُ بِالصَّلَاحِ كُفْءٌ لِلْمَشْهُورَةِ بِهِ اكْتِفَاءً بِمُطْلَقِ الصَّلَاحِ وفي الْحِرَفِ لَا يُكَافِئُ الْكَنَّاسُ وَالْحَجَّامُ وَقَيِّمُ الْحَمَّامِ وَالْحَارِسُ وَالرَّاعِي وَنَحْوُهُمْ بِنْتَ الْخَيَّاطِ وَالْخَيَّاطُ لَا يُكَافِئُ بِنْتَ الْبَزَّازِ وَالتَّاجِرَ وَلَا يُكَافِئُ الْمُحْتَرِفُ بِنْتَ الْقَاضِي وَالْعَالِمَ نَظَرًا لِلْعُرْفِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاَللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ في الرِّزْقِ أَيْ في سَبَبِهِ فَبَعْضُهُمْ يَصِلُ إلَيْهِ بِبَذْلٍ وَمَشَقَّةٍ وَبَعْضُهُمْ بِدُونِهِمَا قال في الْأَصْلِ
وَذَكَرَ في الْحِلْيَةِ أَنَّهُ تُرَاعَى الْعَادَةُ في الْحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ فإن الزِّرَاعَةَ في بَعْضِ الْبِلَادِ أَوْلَى من التِّجَارَةِ وفي بَعْضِهَا بِالْعَكْسِ انْتَهَى وَذَكَرَ في الْبَحْرِ نَحْوَهُ أَيْضًا قال الْأَذْرَعِيُّ وهو حَسَنٌ يَنْبَغِي الْأَخْذُ بِهِ وقد جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا قال في الْأَنْوَارِ وإذا شَكَّ في الشَّرَفِ وَالدَّنَاءَةِ أو في الشَّرِيفِ وَالْأَشْرَفِ أو الدَّنِيءِ وَالْأَدْنَى فَالْمَرْجِعُ عَادَةُ الْبَلَدِ قال الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَشَرَفُ النَّسَبِ من ثَلَاثِ جِهَاتٍ جِهَةِ النُّبُوَّةِ وَجِهَةِ الْعِلْمِ وَجِهَةِ الصَّلَاحِ الْمَشْهُورِ قَالَا وَلَا عِبْرَةَ بِالِانْتِسَابِ إلَى عُظَمَاءِ الدُّنْيَا وَالظُّلْمَةِ الْمُسْتَوْلِينَ على الرِّقَابِ وَإِنْ تَفَاخَرَ الناس بِهِمْ قال في الْأَصْلِ وَكَلَامُ النَّقَلَةِ لَا يُسَاعِدُهُمَا عليه في عُظَمَاءِ الدُّنْيَا كما صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ قال في الْمُهِمَّاتِ وَكَيْفَ لَا يُعْتَبَرُ الِانْتِسَابُ إلَيْهِمْ وَأَقَلُّ مَرَاتِبِ الْإِمْرَةِ أَيْ وَنَحْوِهَا أَنْ تَكُونَ كَالْحِرْفَةِ وَذُو الْحِرْفَةِ الدَّنِيئَةِ لَا يُكَافِئُ النَّفِيسَةَ فَرْعٌ الْمَحْجُورُ عليه بِسَفَهٍ هل هو كُفُؤٌ لِلرَّشِيدَةِ أَمْ لَا لِأَنَّهَا تَتَعَيَّرُ غَالِبًا بِالْحَجْرِ على الزَّوْجِ فيه نَظَرٌ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَوْجَهُ الثَّانِي فَرْعٌ الْحِرَفُ الدَّنِيئَةُ وَالْفِسْقُ في الْآبَاءِ قال الرَّافِعِيُّ من بَحْثِهِ وَتَبِعَهُ في الرَّوْضَةِ أَنَّ الْمُعَرَّقَ فِيهِمَا لَا يُكَافِئُ غير الْمُعَرَّقِ كما في الْإِسْلَامِ لِأَنَّ ذلك مِمَّا يُعَيَّرُ بِهِ الْوَلَدُ وَعِبَارَتُهُمَا فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حَالُ من كان أَبُوهُ صَاحِبَ حِرْفَةٍ دَنِيئَةٍ أو مَشْهُورًا بِالْفِسْقِ مع من أَبُوهَا عَدْلٌ كما ذَكَرْنَاهُ فِيمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ مع من أَبُوهَا مُسْلِمٌ قَالَا وَالْحَقُّ أَنْ يَجْعَلَ النَّظَرَ في حَقِّ الْآبَاءِ دَيْنًا وَسِيرَةً وَحِرْفَةً من حَيِّزِ النَّسَبِ فإن مَفَاخِرَ الْآبَاءِ وَمِثَالَهُمْ هِيَ التي يَدُورُ عليها أَمْرُ النَّسَبِ وَنَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ عن الْهَرَوِيِّ في إشْرَافِهِ أَنَّهُ لَا أَثَرَ له أَيْ لِمَا ذُكِرَ كَوَلَدِ الْأَبْرَصِ وَبِهِ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ منهم الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ قال وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْلِ أَنَّ من أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ من الصَّحَابَةِ ليس كُفُؤًا لِبَنَاتِ التَّابِعِينَ وهو زَلَلٌ وَلَا أَثَرَ لِلْيَسَارِ فيها أَيْ الْكَفَاءَةِ فَالْمُعْسِرُ كُفُؤٌ لِلْمُوسِرَةِ لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ وَلَا يَفْتَخِرُ بِهِ أَهْلُ الْمُرُوآتِ وَالْبَصَائِرِ لَكِنْ لو زَوَّجَ الْوَلِيُّ بِالْإِجْبَارِ
____________________
(3/138)
مُوَلِّيَتَهُ مُعْسِرًا بِغَيْرِ رِضَاهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ لم يَصِحَّ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ بَخَسَ حَقَّهَا كَتَزْوِيجِهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ كَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن فَتَاوَى الْقَاضِي وَمَنَعَهُ الْبُلْقِينِيُّ وقال الزَّرْكَشِيُّ هو مَبْنِيٌّ على اعْتِبَارِ الْيَسَارِ مع أَنَّهُ نَقَلَ عن عَامَّةِ الْأَصْحَابِ عَدَمَ اعْتِبَارِهِ انْتَهَى وهو حَسَنٌ فَرْعٌ لَا اعْتِبَارَ في الْكَفَاءَةِ بِالطُّولِ وَالشَّبَابِ وَالْبَلَدِ وَالْجَمَالِ وَنَحْوِهَا فَالْقَصِيرُ وَالشَّيْخُ وَالْمِصْرِيُّ وَالذَّمِيمُ كُفُؤٌ لِلطَّوِيلَةِ وَالشَّابَّةِ وَالْمَكِّيَّةِ وَالْجَمِيلَةِ
فَرْعٌ لَا يُقَابِلُ بَعْضُ خِصَالِ الْكَفَاءَةِ بَعْضًا أَيْ لَا يُجْبَرُ بَعْضُهُ بِفَضِيلَةٍ فَلَا تُزَوَّجُ حُرَّةٌ عَجَمِيَّةٌ بِرَقِيقٍ عَرَبِيٍّ وَنَحْوِهِ وَلَا سَلِيمَةٌ من الْعُيُوبِ دَنِيئَةٌ بِمَعِيبٍ نَسِيبٍ وَلَا حُرَّةٌ فَاسِقَةٌ بِعَبْدٍ عَفِيفٍ فَصْلٌ وَالْكَفَاءَةُ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ وَالْوَلِيِّ وَاحِدًا كان أو جَمَاعَةً مُسْتَوِينَ في دَرَجَةٍ فَلَا بُدَّ مع رِضَاهَا بِغَيْرِ الْكُفْءِ من رِضَا سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ بِهِ لَا رِضَا أَحَدِهِمْ يَعْنِي لَا يَكْفِي عن رِضَا الْبَاقِينَ لِأَنَّ لهم حَقًّا في الْكَفَاءَةِ فَاعْتُبِرَ رِضَاهُمْ بِتَرْكِهَا كَالْمَرْأَةِ بِخِلَافِ ما إذَا زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ بِكُفْءٍ بِدُونِ مَهْرِ مِثْلِهَا بِرِضَاهَا دُونَ رِضَاهُمْ فإنه يَصِحُّ إذْ لَا حَقَّ لهم في الْمَهْرِ وَلَا عَارَ فَعُلِمَ أَنَّهُ يَصِحُّ النِّكَاحُ بِغَيْرِ كُفْءٍ بِرِضَاهَا وَرِضَاهُمْ لِأَنَّ الْكَفَاءَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم زَوَّجَ بَنَاتِهِ من غَيْرِهِ وَلَا كُفْءَ لَهُنَّ وَلِأَنَّهُ أَمَرَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ بِنِكَاحِ أُسَامَةَ فَنَكَحَتْهُ وهو مولى وَهِيَ قُرَشِيَّةٌ وَإِنَّمَا هِيَ حَقُّ الْمَرْأَةِ وَالْوَلِيِّ وقد رَضِيَا بِتَرْكِهَا إلَّا في إعَادَتِهِ أَيْ النِّكَاحِ لِمُخْتَلِعٍ رَضَوْا بِهِ أَوَّلًا بِأَنْ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ بِهِ بِرِضَاهَا وَرِضَاهُمْ ثُمَّ اخْتَلَعَهَا زَوْجُهَا فَأَعَادَهَا له أَحَدُهُمْ بِرِضَاهَا وَرِضَاهُ دُونَ رِضَى الْبَاقِينَ فإنه يَكْفِي لِرِضَاهُمْ بِهِ أَوَّلًا وَهَذَا قد يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ فَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ لَكِنَّ الذي صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ عَدَمُ الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَدِيدٌ وفي مَعْنَى الْمُخْتَلِعِ الْفَاسِخِ وَالْمُطَلِّقِ رَجْعِيًّا إذَا أَعَادَ زَوْجَتَهُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ وَالْمُطَلِّقُ قبل الدُّخُولِ
وَلَا اعْتِرَاضَ لِلْأَبْعَدِ من الْأَوْلِيَاءِ إذْ لَا حَقَّ له الْآنَ في التَّزْوِيجِ وَإِنْ زُوِّجَتْ الْبِكْرُ بِالْإِجْبَارِ أو الثَّيِّبُ بِإِذْنٍ منها مُطْلَقٍ عن التَّقْيِيدِ بِكُفْءٍ أو بِغَيْرِهِ من غَيْرِ كُفْءٍ لم يَصِحَّ التَّزْوِيجُ لِعَدَمِ رِضَاهَا بِهِ وَلَوْ رَضِيَتْ بِهِ وَالْوَلِيُّ السُّلْطَانُ لم يُزَوِّجْهَا بِهِ لِأَنَّهُ كَالنَّائِبِ عن الْوَلِيِّ الْخَاصِّ فَلَا يَتْرُكُ الْحَظَّ وَخَبَرُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ السَّابِقُ لَا يُنَافِي ذلك إذْ ليس فيه أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم زَوَّجَهَا أُسَامَةَ بَلْ أَشَارَ عليها بِهِ وَلَا يَدْرِي من زَوَّجَهَا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ زَوَّجَهَا وَلِيٌّ خَاصٌّ بِرِضَاهَا على أَنَّ جَمَاعَاتٍ اخْتَارُوا الصِّحَّةَ وَيُسْتَثْنَى مِمَّا ذُكِرَ ما لو كان عَدَمُ الْكَفَاءَةِ لِجَبٍّ أو عُنَّةٍ فَيَصِحُّ تَزْوِيجُهَا من الْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ بِرِضَاهَا وَإِنْ لم يَرْضَ الْوَلِيُّ فَرْعٌ لو أَقَرَّتْ بِنِكَاحٍ لِغَيْرِ كُفْءٍ فَلَا أَثَرَ لِإِنْكَارِ الْوَلِيِّ الرِّضَا منه بِهِ لِأَنَّهُ ليس بِإِنْشَاءِ عَقْدٍ فَهُوَ كما لو أَقَرَّتْ بِالنِّكَاحِ وَأَنْكَرَ الْوَلِيُّ لَا يُقْبَلُ إنْكَارُهُ وَإِنْ زَوَّجَتْ بِوَكَالَةٍ فَأَنْكَرَهَا الْوَلِيُّ وَأَقَرَّتْ بِالنِّكَاحِ قُبِلَ قَوْلُهَا كما لو أَنْكَرَ تَزْوِيجَهَا وَإِنْ سَكَتَتْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا أَيْ بين الزَّوْجَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ لِاعْتِضَادِهِ بِسُكُوتِهَا فَرْعٌ مَتَى زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ أو الْمَجْنُونَ بِذَاتِ عَيْبٍ مُثْبِتٍ لِلْخِيَارِ في النِّكَاحِ لم يَصِحَّ التَّزْوِيجُ لِانْتِفَاءِ الْغِبْطَةِ
____________________
(3/139)
أو زَوَّجَهُ بِسَلِيمَةٍ لَا تُكَافِئُهُ بِجِهَةٍ أُخْرَى صَحَّ التَّزْوِيجُ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يَتَعَيَّرُ بِاسْتِفْرَاشِهِ من لَا تُكَافِئُهُ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ إلَّا الْأَمَةُ في حَقِّ الصَّغِيرِ فَلَا يَصِحُّ تَزْوِيجُهُ بها لِفَقْدِ خَوْفِ الْعَنَتِ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ يَجُوزُ تَزْوِيجُهُ بها بِشَرْطِهِ وَإِنْ زَوَّجَ الْمَجْنُونَ أو الصَّغِيرَ بِعَجُوزٍ أو عَمْيَاءَ أو قُطَعَاءَ لِلْأَطْرَافِ أو بَعْضِهَا أو الصَّغِيرَةَ بِهَرَمٍ أو أَعْمَى أو أَقْطَعَ فَوَجْهَانِ صَحَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ عَدَمَ الصِّحَّةِ في صُوَرِ الْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ وَنَقَلُوهُ عن نَصِّ الْأُمِّ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُزَوِّجُهُمَا بِالْمَصْلَحَةِ وَلَا مَصْلَحَةَ لَهُمَا في ذلك بَلْ فيه ضَرَرٌ عَلَيْهِمَا وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ في الْكَلَامِ على الْكَفَاءَةِ تَصْحِيحُ الصِّحَّةِ في صُوَرِ الصَّغِيرَةِ لِأَنَّ وَلِيَّهَا إنَّمَا يُزَوِّجُهَا بِالْإِجْبَارِ من الْكُفْءِ وَكُلٌّ من هَؤُلَاءِ كُفْءٌ فَالْمَأْخَذُ في هذه وما قَبْلَهَا مُخْتَلِفٌ وَالْخَصِيُّ وَالْخُنْثَى غَيْرُ الْمُشْكِلِ كَالْأَعْمَى فِيمَا ذُكِرَ فَيَصِحُّ تَزْوِيجُ الصَّغِيرَةِ مِنْهُمَا على ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْجُمْهُورِ الْمُشَارُ إلَيْهِ آنِفًا لَا مِثْلُ الْمَجْنُونِ بِالنُّونِ لِيُوَافِقَ ما في الْأَصْلِ وَيَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَكُلٌّ صَحِيحٌ وَإِنْ لم يَحْتَجْ إلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ تَزْوِيجُ الصَّغِيرَةِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِانْتِفَاءِ الْكَفَاءَةِ مع عَدَمِ الرِّضَا كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَكَالصَّغِيرَةِ فِيمَا ذُكِرَ الْكَبِيرَةُ إذَا أَذِنَتْ لِوَلِيِّهَا مُطْلَقًا فَرْعٌ لَا يَصِحُّ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ بِمَنْ بِهِ عَيْبٌ مُثْبِتٌ لِلْخِيَارِ لِلْإِضْرَارِ بها وَيُزَوِّجُهَا جَوَازًا بِغَيْرِ رِضَاهَا وَلَوْ عَرَبِيَّةً من عَرَبِيٍّ دَنِيءِ النَّسَبِ حُرًّا كان أو عَبْدًا وقضيته مع ما مَرَّ من أَنَّ بَعْضَ الْخِصَالِ لَا يَنْجَبِرُ بِبَعْضٍ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهَا إذَا كانت عَرَبِيَّةً من عَجَمِيٍّ وَلَوْ حُرًّا بِخِلَافِ قَوْلِ أَصْلِهِ وَيُزَوِّجُهَا من رَقِيقٍ وَدَنِيءِ النَّسَبِ فإنه يَقْتَضِي أَنَّهُ يُزَوِّجُهَا منه فَيُنَافِي قَوْلَهُ فِيمَا مَرَّ وَالْأَمَةُ الْعَرَبِيَّةُ بِالْحُرِّ الْعَجَمِيِّ على هذا الْخِلَافِ أَيْ الْخِلَافِ في الِانْجِبَارِ كَذَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ فَعُدُولُ الْمُصَنِّفِ عن عِبَارَةِ أَصْلِهِ إلَى ما قَالَهُ لِذَلِكَ وَالْحَقُّ ما في الْأَصْلِ وَلَا مُنَافَاةَ لِأَنَّ الْحَقَّ في الْكَفَاءَةِ في النَّسَبِ لِسَيِّدِهَا لَا لها وقد أَسْقَطَهُ هُنَا بِتَزْوِيجِهِ لها من ذَكَرَ وما مَرَّ مَحَلُّهُ إذَا زَوَّجَهَا غَيْرُ سَيِّدِهَا بِإِذْنٍ أو وِلَايَةٍ على مَالِكِهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى عُدُولِ الْمُصَنِّفِ إلَى ما قَالَهُ بَلْ عُدُولُهُ إلَيْهِ مُوهِمٌ خِلَافَ الْمُرَادِ لَا بِمَنْ لَا يُكَافِئُهَا بِسَبَبٍ آخَرَ أَيْ غير دَنَاءَةِ النَّسَبِ كَعَيْبٍ مُثْبِتٍ لِلْخِيَارِ وَكَدَيْنٍ وَحِرْفَةٍ دَنِيئَةٍ أَيْ لَا يُزَوِّجُهَا بِهِ
إلَّا بِرِضَاهَا وَعَلَيْهَا تَمْكِينُهُ من نَفْسِهَا لِإِذْنِهَا وَلَهُ بَيْعُهَا من الْعَيْبِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَتَعَيَّنُ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَيَلْزَمُهَا تَمْكِينُهُ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِلْكَهُ وإذا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ كَفَاءَةَ الْخَاطِبِ وَأَنْكَرَهَا الْوَلِيُّ رُفِعَ الْأَمْرُ إلَى الْقَاضِي فَإِنْ ثَبَتَتْ كَفَاءَتُهُ أَلْزَمَهُ تَزْوِيجَهَا فَإِنْ امْتَنَعَ زَوَّجَهَا الْقَاضِي بِهِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم تَثْبُتْ كَفَاءَتُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ تَزْوِيجُهَا بِهِ وَإِنْ أَقَرَّتْ بِزَوْجِيَّةِ رَجُلٍ فَسَكَتَ أو عَكْسَهُ بِأَنْ أَقَرَّ بِزَوْجِيَّةِ امْرَأَةٍ فَسَكَتَتْ وَرِثَ السَّاكِتُ من الْمُقِرِّ إذَا مَاتَ لَا عَكْسُهُ أَيْ لَا الْمُقِرُّ من السَّاكِتِ إذَا مَاتَ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُقِرِّ يُقْبَلُ عليه دُونَ غَيْرِهِ قال في الرَّوْضَةِ قال الشَّافِعِيُّ في الْإِمْلَاءِ لو زَوَّجَ أُخْتَهُ فَمَاتَ الزَّوْجُ فَادَّعَى وَارِثُهُ أَنَّ الْأَخَ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا وَأَنَّهَا لَا تَرِثُ فقالت زَوَّجَنِي بِرِضَايَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَتَرِثُ الطَّرَفُ الثَّامِنُ في اجْتِمَاعِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْمُسْتَحَبِّ إذَا اجْتَمَعُوا في دَرَجَةٍ كَإِخْوَةٍ وَأَعْمَامٍ وقد أَذِنَتْ لِكُلٍّ منهم وَلَوْ بِقَوْلِهَا أَذِنْت في فُلَانٍ فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيُزَوِّجْنِي منه أَنْ يَعْقِدَ أَفْضَلُهُمْ بِفِقْهٍ بِبَابِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِشَرَائِط الْعَقْدِ وَنَحْوِهِ كَالْوَرَعِ وَالسِّنِّ لِأَنَّ الْأَوْرَعَ أَشْفَقُ وَأَحْرَصُ على طَلَبِ الْحَظِّ وَالْأَسَنِّ أَخْبَرَ بِالْأُمُورِ لِكَثْرَةِ تَجْرِبَتِهِ بِرِضَا من في دَرَجَتِهِ لِتَجْتَمِعَ الْآرَاءُ وَلَا يَتَأَذَّى بَعْضُهُمْ بِاسْتِئْثَارِ الْبَعْضِ وَلَوْ تَعَارَضَتْ الْخِصَالُ قُدِّمَ نَدْبًا الْأَفْقَهُ ثُمَّ الْأَوْرَعُ ثُمَّ الْأَسَنُّ لِمَا ذُكِرَ فَإِنْ زَوَّجَ الْمَفْضُولُ منهم الْمَرْأَةَ بِرِضَاهَا بِكُفْءٍ صَحَّ وَلَا اعْتِرَاضَ لِلْبَاقِينَ وَلَيْسَتْ هذه الْوِلَايَةُ كَوِلَايَةِ الْقَوَدِ حَيْثُ يُشْتَرَطُ اتِّفَاقُ الْأَوْلِيَاءِ على اسْتِيفَائِهِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ على الدَّرْءِ وَالْإِسْقَاطِ وَالنِّكَاحُ على الْإِثْبَاتِ وَالْإِلْزَامِ وَلِهَذَا لو عَضَلَ وَاحِدٌ منهم زَوَّجَ الْآخَرُونَ وَلَوْ عَفَا وَاحِدٌ عن الْقَوَدِ سَقَطَ حَقُّ الْكُلِّ فَإِنْ تَنَازَعُوا فِيمَنْ يُزَوِّجُهَا وقد أَذِنَتْ لِكُلٍّ منهم فَإِنْ تَعَدَّدَ الْخَاطِبُ اُعْتُبِرَ رِضَاهَا فَتُزَوَّجُ مِمَّنْ تَرْضَاهُ لِأَنَّ إذْنَهَا مُعْتَبَرٌ في أَصْلِ التَّزْوِيجِ
____________________
(3/140)
فَكَذَا في التَّعْيِينِ فَإِنْ رَضِيَتْ بِالْجَمِيعِ أَمَرَ الْقَاضِي بِتَزْوِيجِهَا من الْأَصْلَحِ لها منهم بَعْدَ تَعْيِينِهِ فَإِنْ تَشَاجَرُوا فَهُوَ عَضْلٌ فَيُزَوِّجُ الْقَاضِي الْأَصْلَحَ منهم قَالَهُ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَلَيْهِ حُمِلَ خَبَرُ فَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ من لَا وَلِيَّ له وَإِنْ اتَّحَدَ الْخَاطِبُ فَالْقُرْعَةُ وَاجِبَةٌ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ زَوَّجَهَا كما يَقْرَعُ بين أَوْلِيَاءِ الْقَوَدِ فِيمَنْ يَتَوَلَّاهُ منهم وَلَوْ أَذِنَتْ لِجَمَاعَةٍ من الْقُضَاةِ على أَنْ يَسْتَقِلَّ كُلٌّ منهم بِتَزْوِيجِهَا فَتَنَازَعُوا فِيمَنْ يُزَوِّجُ
قال الزَّرْكَشِيُّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَقْرَعُ لِأَنَّ كُلًّا منهم مَأْذُونٌ له في الِانْفِرَادِ وَلَا حَظَّ له فيه فَلْيُبَادِرْ إلَى التَّصَرُّفِ إنْ شَاءَ بِخِلَافِ الْوَلِيِّ وَأَطْلَقَ ابن كَجٍّ أَنَّ الذي يَقْرَعُ بين الْأَوْلِيَاءِ هو السُّلْطَانُ وقال ابن دَاوُد يُنْدَبُ أَنْ يُقْرِعَ السُّلْطَانُ فَإِنْ أَقْرَعَ غَيْرُهُ جَازَ فَلَوْ خَرَجَتْ لِزَيْدٍ فَزَوَّجَ عَمْرُو صَحَّ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ صَدَرَ من أَهْلِهِ في مَحَلِّهِ وَفَائِدَةُ الْقُرْعَةِ قَطْعُ النِّزَاعِ بَيْنَهُمْ لَا نَفْيُ وِلَايَةِ الْبَعْضِ
فَإِنْ أَذِنَتْ لِوَاحِدٍ منهم لم يُزَوِّجْهَا الْآخَرُ لِعَدَمِ إذْنِهَا له وَالتَّصْرِيحُ بهذا هُنَا من زِيَادَتِهِ وَلَوْ قالت زَوِّجُونِي اُشْتُرِطَ اجْتِمَاعُهُمْ على الْعَقْدِ بِأَنْ يَصْدُرَ عن رَأْيِهِمْ عَمَلًا بِإِذْنِهَا وَلَوْ قالت رَضِيت فُلَانًا زَوْجًا أو رَضِيت أَنْ أُزَوَّجَ أو أَذِنْت لِأَحَدِ أَوْلِيَائِي أو لِأَحَدِ مَنَاصِبِ الشَّرْعِ في تَزْوِيجِي فَلِكُلٍّ منهم تَزْوِيجُهَا أَمَّا في صُورَتَيْ الرِّضَا فَلِأَنَّهُمْ مُتَعَيَّنُونَ شَرْعًا وَالشَّرْطُ رِضَاهَا وقد وُجِدَ وَأَمَّا في صُورَتَيْ الْإِذْنِ فَلِصِدْقِ الْأَحَدِ على الْجَمِيعِ وَهُمَا من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُمَا الْقَمُولِيُّ فَلَوْ عَيَّنَتْ بَعْدَ ذلك أَحَدَهُمْ لم يَنْعَزِلْ الْبَاقُونَ بِنَاءً على أَنَّ مَفْهُومَ اللَّقَبِ ليس بِحُجَّةٍ وَعَلَى أَنَّ إفْرَادَ بَعْضِ الْعَامِّ بِالذِّكْرِ لَا يُخَصِّصُ فَصْلٌ لو أَذِنَتْ لِوَلِيَّيْنِ أَنْ يُزَوِّجَهَا هذا من زَيْدٍ وَهَذَا من عَمْرٍو أو أَطْلَقَتْ الْإِذْنَ أو وَكَّلَ الْمُجْبِرُ رَجُلًا أو رَجُلَيْنِ فَزَوَّجَاهَا مِنْهُمَا وَتَرَتَّبَا أَيْ الْعَقْدَانِ وَعَلِمَ عَيْنَ السَّابِقِ ولم يَنْسَ صَحَّ الْأَوَّلُ وَإِنْ دخل بها الثَّانِي لِخَبَرِ إذَا أَنْكَحَ الْوَلِيَّانِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وقال صَحِيحٌ على شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَإِنَّمَا يُعْلَمُ السَّبْقُ بِالْبَيِّنَةِ أو بِالتَّصَادُقِ أو زَوَّجَاهَا بِهِمَا مَعًا بَطَلَا لِتَدَافُعِهِمَا إذْ ليس أَحَدُهُمَا أَوْلَى من الْآخَرِ مع امْتِنَاعِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَكَذَا يَبْطُلَانِ لو جَهِلَ السَّبْقَ وَالْمَعِيَّةَ لِتَعَذُّرِ إمْضَاءِ الْعَقْدِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالسَّابِقِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ إنْ كان قد سَبَقَ أَحَدُ النِّكَاحَيْنِ فَقَدْ حَكَمْت بِبُطْلَانِهِ لِيَكُونَ نِكَاحُهَا بَعْدُ على يَقِينِ الصِّحَّةِ وَتَثْبُتُ لِلْقَاضِي هذه الْوِلَايَةُ في هذه الْحَالَةِ لِلضَّرُورَةِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ
فَإِنْ تَعَيَّنَ السَّابِقُ ثُمَّ نَسِيَ يُوقَفُ حتى يَتَبَيَّنَ الْحَالُ أو يُطَلِّقَاهَا أو يَمُوتَا أو يُطَلِّقَهَا أَحَدُهُمَا وَيَمُوتَ الْآخَرُ كما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا من مَوْتِ آخِرِهِمَا لِأَنَّا تَحَقَّقْنَا صِحَّةَ الْعَقْدِ وَالْهُجُومَ على رَفْعِهِ أو الْحُكْمُ بِارْتِفَاعِهِ لَا مَعْنَى له وَلَا يُبَالِي بِطُولِ ضَرَرِهَا كَزَوْجَةِ الْمَفْقُودِ وَاَلَّتِي انْقَطَعَ دَمُهَا بِمَرَضٍ فَإِنَّهَا تَصْبِرُ إلَى سِنِّ الْيَأْسِ مع الضَّرَرِ وَمَتَى عَلِمَ السَّبْقَ دُونَ عَيْنِ السَّابِقِ بَطَلَا لِتَعَذُّرِ إمْضَاءِ الْعَقْدِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ السَّابِقِ وَتَقَدَّمَ في نَظِيرِهَا من الْجُمُعَةِ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْحَقَّ هُنَا وَقَعَ لِمَجْهُولٍ فَإِمْضَاؤُهُ مُتَعَذِّرٌ وَهُنَاكَ الْحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى وقد وَقَعَتْ الْأُولَى صَحِيحَةً في عِلْمِهِ تَعَالَى فَامْتَنَعَ إقَامَةُ جُمُعَةٍ أُخْرَى وَلَزِمَ الْجَمِيعَ إعَادَةُ الظُّهْرِ فَمَنْ سَقَطَ عنه الْفَرْضُ في عِلْمِهِ تَعَالَى تَقَعُ عنه هذه نَفْلًا وَالْآخَرُونَ تَقَعُ لهم فَرْضًا لِأَنَّهَا صَارَتْ فَرْضَهُمْ وَالْبُطْلَانُ هُنَا أَيْ فِيمَا إذَا عَلِمَ السَّبْقَ دُونَ السَّابِقِ وَعِنْدَ جَهْلِ السَّبْقِ وَالْمَعِيَّةِ ظَاهِرٌ لَا بَاطِنٌ أَيْ يَقَعُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا ما لم يَفْسَخْهُ الْحَاكِمُ فَإِنْ فَسَخَهُ بَطَلَ بَاطِنًا أَيْضًا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمَّا لم يَحْصُلْ لها الْعِوَضُ عَادَ إلَيْهَا الْمُعَوَّضُ كَالْبَائِعِ إذَا أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِ سِلْعَتِهِ عَادَتْ إلَيْهِ بِفَسْخِ الْحَاكِمِ مِلْكًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا هذا كُلُّهُ إذَا كَانَا كُفُؤَيْنِ فَإِنْ كَانَا غير كُفُؤَيْنِ فَنِكَاحُهُمَا بَاطِلٌ أو أَحَدُهُمَا كُفُؤًا فَنِكَاحُهُ هو الصَّحِيحُ وَإِنْ تَأَخَّرَ وهو مَحْمُولٌ على ما إذَا لم يَرْضَوْا بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَرْعٌ حَيْثُ قُلْنَا بِالتَّوَقُّفِ فَمَاتَ في مُدَّتِهِ أَحَدُهُمَا وَقَفَ من تَرِكَتِهِ مِيرَاثَ زَوْجَةٍ إنْ لم يَكُنْ له غَيْرُهَا وَإِلَّا فَحِصَّتُهَا من الرُّبُعِ أو الثُّمُنِ أو مَاتَتْ هِيَ فَمِيرَاثُ زَوْجٍ يُوقَفُ بَيْنَهُمَا إلَى الْإِصْلَاحِ أو تَبَيَّنَ الْحَالُ كما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ وَلَا يُطَالَبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالْمَهْرِ لِلْإِشْكَالِ وَلَا سَبِيلَ إلَى إلْزَامِ مَهْرَيْنِ وَلَا إلَى قِسْمَةِ مَهْرٍ عَلَيْهِمَا وَهَلْ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا عنهما مُدَّةَ التَّوَقُّفِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نعم لِعَدَمِ التَّمْكِينِ وَالْأَصْلُ الْبَرَاءَةُ وَحَبْسُهَا ليس من جِهَتِهِمَا وَهَذَا ما صَحَّحَهُ
____________________
(3/141)
الْإِمَامُ وَكَلَامُ الْوَسِيطِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ وَثَانِيهِمَا لَا لِصُورَةِ الْعَقْدِ وَعَدَمِ النُّشُوزِ مع حَبْسِهَا وَبِهِ قَطَعَ ابن كَجٍّ وَالدَّارِمِيُّ وَصَحَّحَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ وَاقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحَهُ وَلَوْ قال بَدَلَ قَوْلِهِ تَسْقُطُ كما في الْأَصْلِ كان أَوْلَى وَلْيُنَاسِبْ قَوْلَهُ فَإِنْ أَوْجَبْنَا هَا وُزِّعَتْ عَلَيْهِمَا فَإِنْ تَعَيَّنَ السَّابِقُ مِنْهُمَا رَجَعَ الْآخَرُ عليه بِمَا أَنْفَقَ إلَّا إذَا أَنْفَقَ عليها بِإِذْنِ الْحَاكِمِ فَلَا يَرْجِعُ كَذَا في الْأَصْلِ نَقْلًا عن أبي عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ قال الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وهو سَهْوٌ وَالصَّوَابُ الْعَكْسُ فَلَا يَرْجِعُ إلَّا إذَا أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَلَهَا طَلَبُ الْفَسْخِ لِنِكَاحِهَا إنْ قُلْنَا لَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِمَا لِلضَّرُورَةِ هذا زَادَهُ بَحْثًا وهو ظَاهِرٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ ما بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ من أَنَّ لها الْفَسْخَ في مُدَّةِ التَّوَقُّفِ إنْ لم يَرْجُ زَوَالَ الْإِشْكَالِ لِلضَّرَرِ كَالْعَيْبِ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ صَرِيحٌ أو كَالصَّرِيحِ في خِلَافِهِ فَرْعٌ لو تَدَاعَيَا السَّبْقَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا على الْآخَرِ سَبْقَهُ لم تُسْمَعْ دَعْوَاهُ لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ فَلَيْسَ في يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ما يَدَّعِيهِ الْآخَرُ وَذِكْرُ الْحُرَّةِ جَرَى على الْغَالِبِ وَإِلَّا فَالزَّوْجَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ يَدِ الزَّوْجِ من حَيْثُ الزَّوْجِيَّةُ مُطْلَقًا أو عليها سُمِعَتْ إنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا عِلْمَهَا بِأَنَّهُ السَّابِقُ لِأَنَّ إقْرَارَهَا بِالنِّكَاحِ مَقْبُولٌ لَا إنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا عِلْمَهَا بِالسَّبْقِ لِأَحَدِهِمَا فَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى لِلْجَهْلِ بِالْمُدَّعِي قال السُّبْكِيُّ كَذَا في الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لَكِنَّ نَصَّ الْأُمِّ يَقْتَضِي أنها تُسْمَعُ لِلْحَاجَةِ فَإِنْ أَنْكَرَتْ عِلْمَهَا بِهِ فِيمَا إذَا سُمِعَتْ الدَّعْوَى وَحَلَفَتْ عليه بَقِيَ الْإِشْكَالُ
وفي بَقَاءِ التَّدَاعِي وَالتَّحَالُفِ بَيْنَهُمَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهَا إنَّمَا حَلَفَتْ على نَفْيِ الْعِلْمِ بِالسَّبْقِ وهو لَا يُنَافِي جَرَيَانَ أَحَدِ الْعَقْدَيْنِ على الصِّحَّةِ وَالْمُمْتَنِعُ إنَّمَا هو ابْتِدَاءُ التَّدَاعِي وَالتَّحَالُفِ بَيْنَهُمَا من غَيْرِ رَبْطِ الدَّعْوَى بها وَنَقَلَ الْأَصْلُ هذا عن الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَالْأَوَّلُ بِصِيغَةِ قِيلَ وهو ما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ كما حَكَاهُ جَمَاعَةٌ منهم ابن الرِّفْعَةِ وَصَرَّحَ كَغَيْرِهِ تَفْرِيعًا عليه بِبُطْلَانِ النِّكَاحَيْنِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ قد يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِ الْأَوَّلِ وَكَذَا لو رَدَّتْ عَلَيْهِمَا الْيَمِينَ فَحَلَفَا أو نَكَلَا بَقِيَ الْإِشْكَالُ وَقِيَاسُ ما مَرَّ عن ابْنِ الرِّفْعَةِ أَنْ يُقَالَ فَإِنْ حَلَفَا أو نَكَلَا بَطَلَ نِكَاحُهُمَا كما لو اعْتَرَفَا بِالْإِشْكَالِ وَبِهِ صَرَّحَ الْجُرْجَانِيُّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ وَجَرَيْت عليه في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَقِيَ الْإِشْكَالُ زِيَادَةُ إيضَاحٍ وَإِلَّا بِأَنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ فَيَقْضِي لِلْحَالِفِ بِالنِّكَاحِ وَيَحْلِفَانِ على الْبَتِّ وَالْمَرْأَةُ على نَفْيِ الْعِلْمِ لِأَنَّهُمَا يَحْلِفَانِ على فِعْلِ أَنْفُسِهِمَا بِخِلَافِهَا وَلِأَنَّ الدَّعْوَى عليها بِعِلْمِهَا وَالْيَمِينَ على وَفْقِ الدَّعْوَى
وإذا حَلَفَتْ هل يَكْفِيهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ لَهُمَا كما قال الْقَفَّالُ أَمْ يَجِبُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَمِينٌ وَإِنْ رَضِيَا بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ كما قال الْبَغَوِيّ وَجْهَانِ رَجَّحَ السُّبْكِيُّ مِنْهُمَا الثَّانِيَ وَبِهِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِتَرْجِيحِ الرَّوْضَةِ في نَظِيرِهِ في الْبَابِ السَّادِسِ من أَبْوَابِ الدَّعَاوَى وَيُؤَيِّدُهُ ما ذَكَرُوهُ في اللِّعَانِ من أَنَّهُمَا إذَا ادَّعَيَا عليه مَالًا فَأَنْكَرَهُ يَحْلِفُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَمِينًا
وَلَوْ حَلَّفَهَا الْحَاضِرُ فَهَلْ لِلْغَائِبِ تَحْلِيفُهَا لِتُمَيِّزَ حَقَّ كُلٍّ مِنْهُمَا عن الْآخَرِ أو لَا لِأَنَّ الْوَاقِعَةَ وَاحِدَةٌ وَجْهَانِ وَمَحَلُّهُمَا إذَا حَلَفَتْ أنها لَا تَعْلَمُ سَبْقَهُ وَلَا تَارِيخَ الْعَقْدَيْنِ فَإِنْ اقْتَصَرَتْ على أنها لَا تَعْلَمُ سَبْقَهُ تَعَيَّنَ الْحَلِفُ لِلثَّانِي وَأُجْرِيَ هذا الْخِلَافُ في كل خَصْمَيْنِ يَدَّعِيَانِ شيئا وَاحِدًا وَإِنْ أَقَرَّتْ بِالسَّبْقِ لِأَحَدِهِمَا ثَبَتَ نِكَاحُهُ بِإِقْرَارِهَا وَلِلثَّانِي تَحْلِيفُهَا فَإِنْ نَكَلَتْ عن الْيَمِينِ وَحَلَفَ هو يَمِينَ الرَّدِّ غَرِمَتْ له مَهْرَ مِثْلِهَا وَإِنْ لم يَدْخُلْ بها لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ وَهِيَ لو أَقَرَّتْ له بِالسَّبْقِ بَعْدَ إقْرَارِهَا بِهِ لِلْأَوَّلِ غَرِمَتْ له الْمَهْرَ لِمَا مَرَّ في الْإِقْرَارِ من تَغْرِيمِ الْمُقِرِّ لِعَمْرٍو ما أَقَرَّ بِهِ لِزَيْدٍ بَلْ لو مَاتَ الْمُقَرُّ له الْأَوَّلُ في هذه قال الْمَاوَرْدِيُّ صَارَتْ زَوْجَةً لِلثَّانِي وَتَعْتَدُّ من الْأَوَّلِ عِدَّةَ الْوَفَاةِ إنْ لم يَطَأْهَا وَإِلَّا اعْتَدَّتْ بِأَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُمَا وَمِنْ ثَلَاثَةِ أَقْرَاءِ عِدَّةِ الْوَطْءِ ما لم تَكُنْ حَامِلًا وَالْقِيَاسُ أنها تَرْجِعُ على الثَّانِي بِمَا غَرِمَتْهُ له لِأَنَّهَا إنَّمَا غَرِمَتْهُ لِلْحَيْلُولَةِ أَمَّا إذَا لم يَحْلِفْ يَمِينَ الرَّدِّ فَلَا غُرْمَ له عليها وَإِنْ أَقَرَّتْ بِهِمَا مَعًا فَهُوَ لَغْوٌ فَيُقَالُ لها إمَّا أَنْ تُقِرِّي لِأَحَدِهِمَا أو تَحْلِفِي وَيَصِحُّ إقْرَارُ الْخَرْسَاءِ وَيَمِينُهَا بِالْإِشَارَةِ أَيْ الْمُفْهِمَةِ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ ذلك وَلَا يَمِينَ عليها
____________________
(3/142)
وَالْحَالُ حَالُ الْإِشْكَالِ فَرْعٌ قَوْلُهَا لِأَحَدِهِمَا لم تَسْبِقْ إقْرَارٌ منها لِلثَّانِي أَيْ لِلْآخَرِ إنْ اعْتَرَفَتْ قَبْلَهُ بِالتَّرْتِيبِ أَيْ بِسَبْقِ أَحَدِهِمَا وَإِلَّا فَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَا مَعًا فَلَا تَكُونُ مُقِرَّةً بِسَبْقِ الْآخَرِ فَرْعٌ فَإِنْ لم يَتَعَرَّضَا لِلسَّبْقِ وَلَا لِعِلْمِهَا بِهِ وَادَّعَيَا عليها الزَّوْجِيَّةَ وَفَصَلَا الْقَدْرَ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ لَزِمَهَا الْحَلِفُ الْجَازِمُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنْ تَحْلِفَ أنها لَيْسَتْ زَوْجَتُهُ وَلَا يَكْفِيهَا الْحَلِفُ على نَفْيِ الْعِلْمِ بِالسَّابِقِ وَيَجُوزُ لها ذلك إنْ لم تَعْلَمْ سَبْقَهُ قال في الْأَصْلِ وَهَذَا كما لو ادَّعَى على رَجُلٍ أَنَّ أَبَاهُ أَتْلَفَ كَذَا وَطَلَبَ غُرْمَهُ من التَّرِكَةِ حَلَفَ الْوَارِثُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ أَبَاهُ أَتْلَفَ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّ عليه تَسْلِيمَ كَذَا من التَّرِكَةِ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ وَعَدَمُ الْعِلْمِ يُجَوِّزُ له الْحَلِفَ الْجَازِمَ وَلَهُمْ الْأَوْلَى وَلَهُمَا الدَّعْوَى بِمَا مَرَّ على الْوَلِيِّ الْمُجْبِرِ وَيَحْلِفُ على الْبَتِّ وَلَوْ كانت مُوَلِّيَتُهُ كَبِيرَةً لِصِحَّةِ إقْرَارِهِ بِالنِّكَاحِ لِأَنَّ غير الْمُجْبِرِ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى بِذَلِكَ عليه لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهِ لَا يُقْبَلُ ثُمَّ إنْ حَلَفَ فَلِلْمُدَّعِي مِنْهُمَا تَحْلِيفُ الْبِنْتِ أَيْضًا بَعْدَ الدَّعْوَى عَلَيْهِمَا فَإِنْ نَكَلَتْ حَلَفَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ وَاسْتَحَقَّهَا أَيْ الزَّوْجَةَ أَيْ ثَبَتَ نِكَاحُهُ وَكَذَا إنْ أَقَرَّتْ له وَلَا يَقْدَحُ فيه حَلِفُ الْوَلِيِّ الْبَابُ الْخَامِسُ في تَزْوِيجِ الْمَوْلِيِّ عليه بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَيُقَالُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ في تَهْذِيبِهِ وَلَا يُزَوَّجُ مَجْنُونٌ ولا مُخْتَلٌّ وهو من في عَقْلِهِ خَلَلٌ وفي أَعْضَائِهِ اسْتِرْخَاءٌ وَلَا حَاجَةَ بِهِ إلَى النِّكَاحِ غَالِبًا إلَّا كَبِيرًا الْأَرْجَحُ كَبِيرٌ لِحَاجَةِ شَبَقٍ أَيْ شِدَّةِ شَهْوَةٍ لِلْوَطْءِ بِأَنْ تَظْهَرَ رَغْبَتُهُ في النِّسَاءِ بِدَوَرَانِهِ حَوْلَهُنَّ وَتَعَلُّقِهِ بِهِنَّ وَنَحْوِهِمَا أو رَجَا شِفَاءً بِالْوَطْءِ أو لِخِدْمَةٍ حَيْثُ لَا مَحْرَمَ له يَخْدُمُهُ وكان التَّزْوِيجُ أَرْفَقَ بِهِ من شِرَاءِ خَادِمَةٍ وَاعْتَرَضَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ ذلك لَا يَجِبُ على الزَّوْجَةِ وقد تَمْتَنِعُ منه وَلَوْ وَعَدَتْ بِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ طَبْعَهَا يَدْعُوهَا لِتَعَهُّدِهِ وَخِدْمَتِهِ وَكَأَنَّهُمْ اقْتَصَرُوا على مَحَارِمِهِ لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ يَتَعَاطَوْنَ تَعَهُّدَهُ غَالِبًا وَإِلَّا فَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ في مَعْنَاهُمْ مِثْلُهُمْ وَإِنَّمَا لم يَجُزْ تَزْوِيجُهُمَا في غَيْرِ ما ذُكِرَ لِمَا فيه من لُزُومِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ من غَيْرِ حَاجَةٍ تَدْعُو إلَيْهِ وَيُزَوِّجُهُ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ أَبُوهُ وَإِنْ عَلَا ثُمَّ السُّلْطَانُ لَا الْعَصَبَةُ كَوِلَايَةِ الْمَالِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يُزَوِّجُهُ قال الْبُلْقِينِيُّ وَيُعَضِّدُهُ نَصُّ الْأُمِّ
لَكِنْ في الشَّامِلِ في الْوَصَايَا ما يَقْتَضِي أَنَّهُ يُزَوِّجُهُ وَالسَّفِيهُ عِنْدَ حَاجَتِهِمَا قال وهو الْأَقْرَبُ في الْفِقْهِ لِأَنَّهُ وَلِيُّ الْمَالِ وَإِنَّمَا أَرَادَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إخْرَاجَ الْعَصَبَاتِ لَا إخْرَاجَ الْوَصِيِّ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ وَتَبِعَهُ عليه الزَّرْكَشِيُّ وَاحِدَةٌ فَقَطْ لِانْدِفَاعِ الْحَاجَةِ بها قال الْإِسْنَوِيُّ لَكِنْ قد تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّخْصَ قد لَا تُعِفُّهُ الْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ فَيُسْتَحَبُّ له الزِّيَادَةُ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى مِقْدَارٍ يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْفَافُ وَيُتَّجَهُ مِثْلُهُ في الْمَجْنُونِ وقد أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ في الْكَلَامِ على السَّفِيهِ وقد لَا تَكْفِي الْوَاحِدَةُ أَيْضًا لِلْخِدْمَةِ فَيُزَادُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَلِلْأَبِ ثُمَّ الْجَدِّ لَا غَيْرِهِمَا تَزْوِيجُ الصَّغِيرِ الْعَاقِلِ لَا الْمَمْسُوحِ وَلَوْ بِأَرْبَعٍ لِأَنَّ الْمَرْعِيَّ في نِكَاحِهِ الْمَصْلَحَةُ وقد تَكُونُ له فيه مَصْلَحَةٌ وَغِبْطَةٌ تَظْهَرُ لِلْوَلِيِّ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ الْمَجْنُونِ لَا يُزَوَّجُ لِانْتِفَاءِ حَاجَتِهِ في الْحَالِ وَبَعْدَ الْبُلُوغِ لَا يَدْرِي كَيْفَ يَكُونُ الْأَمْرُ بِخِلَافِ الْعَاقِلِ إذْ الظَّاهِرُ حَاجَتُهُ إلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَا مَجَالَ لِحَاجَةِ تَعَهُّدِهِ وَخِدْمَتِهِ فإن لِلْأَجْنَبِيَّاتِ أَنْ يَقُمْنَ بِهِمَا
وَقَضِيَّةُ هذا أَنَّ ذلك في صَغِيرٍ لم يَظْهَرْ على عَوْرَاتِ النِّسَاءِ أَمَّا غَيْرُهُ فَيُلْحَقُ بِالْبَالِغِ في جَوَازِ تَزْوِيجِهِ لِحَاجَةِ الْخِدْمَةِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَبِخِلَافِ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ كَالْوَصِيِّ وَالْقَاضِي فَلَا يُزَوَّجُ الصَّغِيرُ لِانْتِفَاءِ كَمَالِ شَفَقَتِهِ وَبِخِلَافِ الْمَمْسُوحِ فَلَا يُزَوَّجُ وقد يَتَوَقَّفُ فيه من حَيْثُ الْمَصْلَحَةُ فَرْعٌ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ تَزْوِيجُ الْمَجْنُونَةِ لِلْمَصْلَحَةِ عِنْدَ ظُهُورِهَا في تَزْوِيجِهَا من كِفَايَةِ نَفَقَةٍ وَغَيْرِهَا وَلَوْ صَغِيرَةً ثَيِّبًا أو طَرَأَ جُنُونُهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَا يُعْتَبَرُ في تَزْوِيجِهَا الْحَاجَةُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُفِيدُهَا الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ وَيَغْرَمُ الْمَجْنُونُ وَيُفَارِقُ ذلك امْتِنَاعُ تَزْوِيجِ الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ الْعَاقِلَةِ كما مَرَّ بِأَنَّ لِلْبُلُوغِ غَايَةً مُرْتَقَبَةً فَيُمْكِنُ انْتِظَارُهَا لِلْإِذْنِ بِخِلَافِ الْإِفَاقَةِ ثُمَّ بَعْدَ الْأَبِ وَالْجَدِّ لِلسُّلْطَانِ لَا غَيْرِهِ تَزْوِيجُ الْمَجْنُونَةِ بِشَرْطِ الْكِبَرِ وَالْحَاجَةِ لِلنِّكَاحِ بِظُهُورِ رَغْبَتِهَا فيه أو بِتَوَقُّعِ شِفَائِهَا بِالْوَطْءِ فَلَا يُزَوِّجُهَا بِالْمَصْلَحَةِ كما سَيَأْتِي وَلَا يُزَوِّجُ الصَّغِيرَةَ لِانْتِفَاءِ حَاجَتِهَا
____________________
(3/143)
وَقُدِّمَ على الْأَقْرَبِ لِأَنَّهُ يَلِي ما لها وَنُدِبَ له مُرَاجَعَتُهُ لِأَهْلِهَا في تَزْوِيجِهَا ومراجعة أَهْلِ الْمَجْنُونِ في تَزْوِيجِهِ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ وَلِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ بِمَصْلَحَتِهِمَا وَمِنْ هُنَا قال الْمُتَوَلِّي يُرَاجَعُ الْجَمِيعُ حتى الْأَخُ وَالْعَمُّ لِلْأُمِّ وَالْخَالُ وَقِيلَ تَجِبُ الْمُرَاجَعَةُ قال وَعَلَيْهِ يُرَاجَعُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ من الْأَوْلِيَاءِ لو لم يَكُنْ جُنُونٌ وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وقد جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِمَا يَقْتَضِيهِ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وقال إنَّهُ ظَاهِرُ النَّصِّ وَجَزَمَ الْأَصْلُ في الْكَلَامِ على الْخِطْبَةِ بِمَا حَاصِلُهُ ذلك حَيْثُ قال وَالْمُعْتَبَرُ رَدُّ السُّلْطَانِ وَإِجَابَتُهُ في الْمَجْنُونَةِ فَلَوْ كانت مُرَاجَعَتُهُمْ وَاجِبَةً لَاعْتُبِرَ رَدُّهُمْ وَإِجَابَتُهُمْ ذَكَرَهُ في الْمُهِمَّاتِ
فَلَوْ لم تَحْتَجْ الْمَجْنُونَةُ لِلنِّكَاحِ لم يُزَوِّجْهَا السُّلْطَانُ لِمَصْلَحَةٍ كَكِفَايَةِ النَّفَقَةِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ تَزْوِيجَهَا حِينَئِذٍ يَقَعُ إجْبَارًا وَلَيْسَ هو لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَلَفْظَةُ وَنَحْوُهَا لَا حَاجَةَ إلَيْهَا وَلَا يُزَوَّجُ مُغْمًى عليه تُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ عَادَةً لِكَوْنِهَا تُتَوَقَّعُ فَإِنْ لم تُنْتَظَرْ لِكَوْنِهَا لَا تُتَوَقَّعُ جَازَ تَزْوِيجُهُ كَالْمَجْنُونِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ أَمَّا الْمَغْلُوبُ على عَقْلِهِ بِمَرَضٍ فَتُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ فَإِنْ لم تُتَوَقَّعْ إفَاقَتُهُ فَكَالْمَجْنُونِ ثُمَّ ما ذُكِرَ في الْمَجْنُونِ وَالْمَجْنُونَةِ مَحَلُّهُ في مُطْبَقِي الْجُنُونِ أَمَّا مُتَقَطِّعَاهُ فَهُوَ ما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَمُنْقَطِعُ الْجُنُونِ وَمُنْقَطِعَتُهُ لَا يُزَوَّجَانِ إلَّا حَالَ الْإِفَاقَةِ لِيَأْذَنَا في نِكَاحِهِمَا وَيَبْطُلُ إذْنُهُمَا بِالْجُنُونِ كما يَبْطُلُ بِهِ الْوَكَالَةُ فَيُشْتَرَطُ وُقُوعُ الْعَقْدِ في وَقْتِ الْإِفَاقَةِ فَصْلٌ والسفيه يُزَوِّجُهُ الْوَلِيُّ بِإِذْنِهِ سَيَأْتِي ما يُغْنِي عن هذا مع أَنَّ الْمُنَاسِبَ لِتَفْرِيعِهِ الْآتِي عَقِبَهُ وَالسَّفِيهُ يُزَوَّجُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ فَلَوْ أَذِنَ له الْوَلِيُّ في تَزْوِيجِهِ فَيَتَزَوَّجُ جَازَ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ صَحِيحُ الْعِبَارَةِ وَإِنَّمَا حُجِرَ عليه لِحِفْظِ مَالِهِ ثُمَّ لِلْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُعَيِّنَ له الْمَرْأَةَ فَقَطْ أو الْمَهْرَ فَقَطْ أو يُعَيِّنَهُمَا أو يُطْلِقَ وقد أَخَذَ في بَيَانِهَا فقال فَإِنْ عَيَّنَ له امْرَأَةً بِأَنْ قال تَزَوَّجْ فُلَانَةَ أو قَبِيلَةً بِأَنْ قال تَزَوَّجْ من بَنِي فُلَانٍ لم يَعْدِلْ إلَى غَيْرِهَا وَلَوْ سَاوَتْهَا في الْمَهْرِ أو نَقَصَتْ عنها فيه اعْتِبَارًا بِالْإِذْنِ وَالتَّرْجِيحُ في مَسْأَلَةِ الْمُسَاوَاةِ من زِيَادَتِهِ نعم عُمُومُ عِبَارَةِ الْأَصْلِ في أَوَّلِ كَلَامِهِ يُفِيدُهُ وَيَنْكِحُهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ الْمَأْذُونُ فيه شَرْعًا فما دُونَ ه لِأَنَّهُ حَصَّلَ لِنَفْسِهِ خَيْرًا فَإِنْ زَادَ على مَهْرِ الْمِثْلِ صَحَّ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ لَا يُفْسِدُهُ خَلَلُ الصَّدَاقِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَيْ بِقَدْرِهِ من الْمُسَمَّى الْمُعَيَّنِ مِمَّا عَيَّنَهُ الْوَلِيُّ بِأَنْ قال له أَمْهِرْ من هذا فَأَمْهَرَ منه زَائِدًا على مَهْرِ الْمِثْلِ وَيَلْغُو الزَّائِدُ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ من سَفِيهٍ قال في الْأَصْلِ وقال ابن الصَّبَّاغِ الْقِيَاسُ بُطْلَانُ الْمُسَمَّى وَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ أَيْ في الذِّمَّةِ انْتَهَى
وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَلَا يُنَافِيهِ ما سَيَأْتِي من أَنَّهُ لو نَكَحَ لِطِفْلٍ بِفَوْقِ مَهْرِ الْمِثْلِ أو أَنْكَحَ بِنْتًا لَا رَشِيدَةً أو رَشِيدَةً بِكْرًا بِلَا إذْنٍ بِدُونِهِ فَسَدَ الْمُسَمَّى وَصَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ الْمَعْنَى فَسَدَ مَجْمُوعُ الْمُسَمَّى وَصَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ منه أو لِأَنَّ السَّفِيهَ تَصَرَّفَ في مَالِهِ فَقَصَرَ الْإِلْغَاءَ على الزَّائِدِ بِخِلَافِ الْوَلِيِّ وَإِنْ أَذِنَ له في النِّكَاحِ مُطْلَقًا عن التَّقْيِيدِ بِامْرَأَةٍ أو قَبِيلَةٍ بِأَلْفٍ فَنَكَحَ بِهِ صَحَّ النِّكَاحُ وَلَزِمَهُ الْأَلْفُ إلَّا إنْ كان وفي نُسْخَةٍ يَكُونُ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ من الْأَلْفِ فَتَسْقُطُ الزِّيَادَةُ على مَهْرِ الْمِثْلِ لِمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ وَلَزِمَهُ مَأْخُوذٌ من قَوْلِ الْأَصْلِ فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ بِالْمُسَمَّى قال الْأَذْرَعِيُّ وهو ظَاهِرٌ في رَشِيدَةٍ رَضِيَتْ بِالْمُسَمَّى دُونَ غَيْرِهَا وَإِنْ نَكَحَ بِأَلْفَيْنِ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَكْثَرُ من أَلْفٍ فَسَدَ النِّكَاحُ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لم يَأْذَنْ في الزَّائِدِ
وفي الرَّدِّ إلَى ما عَيَّنَهُ إضْرَارٌ بها لِأَنَّهُ دُونَ مَهْرِ مِثْلِهَا وَإِلَّا بِأَنْ كان مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفًا أو أَقَلَّ فَيَصِحُّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَتَسْقُطُ الزِّيَادَةُ لِمَا مَرَّ وَإِنْ قال له أَنْكِحْ فُلَانَةَ بِأَلْفٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلُّ منه بَطَلَ الْإِذْنُ أَيْ فَلَا يَصِحُّ النِّكَاحُ قال الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَالْقِيَاسُ صِحَّتُهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ كما لو قَبِلَ له الْوَلِيُّ بِزِيَادَةٍ عليه وَإِلَّا بِأَنْ كان مثله أو أَكْثَرَ منه فَيَصِحُّ الْإِذْنُ وَحِينَئِذٍ فَإِنْ نَكَحَ بِأَكْثَرَ من أَلْفٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَكْثَرُ منه أَيْضًا بَطَلَ النِّكَاحُ أو بِالْأَلْفِ أَيْ أو نَكَحَ بِالْأَلْفِ فَيَصِحُّ بِهِ أو نَكَحَ بِأَكْثَرَ منه وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ صَحَّ بِالْأَلْفِ وَسَقَطَتْ الزِّيَادَةُ وَهَذِهِ فُهِمَتْ من قَوْلِهِ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَكْثَرُ أو نَكَحَ بِمَا دُونَهُ صَحَّ النِّكَاحُ بِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذِهِ فِيمَا إذَا كان مَهْرُ الْمِثْلِ أَكْثَرَ من الْأَلْفِ من زِيَادَتِهِ
فَلَوْ لم يُعَيِّنْ امْرَأَةً أو قَبِيلَةً بِأَنْ قال له تَزَوَّجْ ولم يُقَدِّرْ الْمَهْرَ صَحَّ الْإِذْنُ كما في إذْنِ الْعَبْدِ وَيَنْكِحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَأَقَلَّ من
____________________
(3/144)
تَلِيقُ بِهِ فَإِنْ نَكَحَ بِأَكْثَرَ منه صَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ من الْمُسَمَّى وَسَقَطَتْ الزِّيَادَةُ لَا شَرِيفَةً يَسْتَغْرِقُ مَهْرُهَا مَالَهُ أَيْ لَا يَنْكِحُهَا فَإِنْ نَكَحَهَا لم يَصِحَّ بَلْ يَتَقَيَّدُ ذلك بِمُوَافَقَةِ الْمَصْلَحَةِ وَإِنْ قال له انْكِحْ من شِئْت بِمَا شِئْت لم يَصِحَّ الْإِذْنُ لِأَنَّهُ رَفْعٌ لِلْحَجْرِ بِالْكُلِّيَّةِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ في هذه الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا من زِيَادَتِهِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَالْقِيَاسُ في هذه الصِّحَّةُ فِيمَا لو نَكَحَ لَائِقَةً بِهِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فإن لَفْظَ الْوَلِيِّ يَتَنَاوَلُهَا وقد جَمَعَ بين ما يَصِحُّ وما لَا يَصِحُّ فَيَصِحُّ فِيمَا يَصِحُّ وَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ على ذلك
وَإِنْ أَذِنَ لِلسَّفِيهِ في النِّكَاحِ لم يُوَكِّلْ أَيْ لم يُفِدْهُ جَوَازُ التَّوْكِيلِ لِأَنَّهُ لم يَرْفَعْ الْحَجْرَ إلَّا عن مُبَاشَرَتِهِ وَنِكَاحُ السَّفِيهِ يُوَافِقُ نِكَاحَ الْعَبْدِ في هذه وَيُخَالِفُهُ في التي قَبْلَهَا وَفِيمَا لو عَيَّنَ له وَلِيُّهُ قَدْرًا فَزَادَ حَيْثُ لَا تَلْزَمُ الزِّيَادَةَ ذِمَّتُهُ حتى لَا يُطَالَبَ بها بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ وفي نَظِيرِهِ من الْعَبْدِ يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَمَّ لِلسَّيِّدِ وقد أَذِنَ وَذِمَّةُ الْعَبْدِ قَابِلَةٌ لِلِالْتِزَامِ وَهُنَا لِلسَّفِيهِ فَسَقَطَتْ عنه الزِّيَادَةُ حَالًا وَمَآلًا فَرْعٌ وَلَوْ زَوَّجَ الْوَلِيُّ السَّفِيهَ اُشْتُرِطَ إذْنُهُ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ صَحِيحُ الْعِبَارَةِ وَلْيُزَوِّجْهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَأَقَلَّ فإذا زَوَّجَهُ بِأَكْثَرَ من مَهْرِ الْمِثْلِ صَحَّ مَهْرُ الْمِثْلِ لِأَنَّ خَلَلَ الصَّدَاقِ لَا يُفْسِدُ النِّكَاحَ كما مَرَّ فَرْعٌ نِكَاحُ السَّفِيهِ بِلَا إذْنٍ من وَلِيِّهِ بَاطِلٌ وَلَوْ عَضَلَهُ الْوَلِيُّ وَتَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَةُ السُّلْطَانِ كما في الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ قال ابن الرِّفْعَةِ هذا إذَا لم يَنْتَهِ إلَى خَوْفِ الْعَنَتِ وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ صِحَّةُ نِكَاحِهِ
فَإِنْ وَطِئَ فيه فَلَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ وَلَا مَهْرَ لِرَشِيدَةٍ وَإِنْ انْفَكَّ عنه الْحَجْرُ لِأَنَّهَا سَلَّطَتْهُ على بُضْعِهَا فَصَارَ كما لو اشْتَرَى شيئا وَأَتْلَفَهُ لَا ضَمَانَ عليه وَلَا يَضُرُّ جَهْلُهَا بِحَالِهِ لِتَمْكِينِهَا نَفْسَهَا مع تَقَدُّمِ إذْنِهَا وَهَذَا في الظَّاهِرِ أَمَّا في الْبَاطِنِ فَلَهَا عليه مَهْرُ الْمِثْلِ كما نَصَّ عليه في الْأُمِّ وَمَحَلُّ عَدَمِ وُجُوبِ الْمَهْرِ إذَا وَطِئَهَا مُخْتَارَةً كما اقْتَضَاهُ التَّعْلِيلُ السَّابِقُ فَلَوْ وَطِئَهَا مُكْرَهَةً أو نَائِمَةً فَالْأَوْجَهُ وُجُوبُهُ وقد صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ في الْمُكْرَهَةِ وَخَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ من زِيَادَتِهِ لِرَشِيدَةِ الْمَحْجُورِ عليها بِسَفَهٍ أو صِبًا أو جُنُونٍ فَلَهَا عليه مَهْرُ الْمِثْلِ إذْ لَا أَثَرَ لِتَمْكِينِهَا كما لو ابْتَاعَ شيئا من مِثْلِهِ وَأَتْلَفَهُ كما قَالَهُ النَّوَوِيُّ في فَتَاوِيهِ في الْمَحْجُورِ عليها بِسَفَهٍ وَمِثْلُهَا الصَّغِيرَةُ وَالْمَجْنُونَةُ قال الْإِسْنَوِيُّ في تَنْقِيحِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمُزَوَّجَةُ بِالْإِجْبَارِ كَذَلِكَ فإنه لَا تَقْصِيرَ من قِبَلِهَا فَإِنَّهَا لم تَأْذَنْ وَالتَّمْكِينُ وَاجِبٌ عليها هذا وقد قال الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْبُلْقِينِيِّ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا اسْتِثْنَاءَ كَسَائِرِ الْإِتْلَافَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَلِهَذَا لو قال سَفِيهٌ لِآخَرَ اقْطَعْ يَدَيْ فَقَطَعَهُ لم يَلْزَمْهُ شَيْءٌ فَرْعٌ لَا يُزَوَّجُ السَّفِيهُ إلَّا وَاحِدَةً لِأَنَّهُ إنَّمَا يُزَوَّجُ لِحَاجَةِ نِكَاحٍ كَحَاجَةِ الْمَجْنُونِ فِيمَا مَرَّ وَالْحَاجَةُ تَنْدَفِعُ بِوَاحِدَةٍ على ما مَرَّ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ حَاجَتُهُ إلَيْهِ لِأَنَّ تَزْوِيجَهُ بِدُونِهَا إتْلَافٌ لِمَالِهِ بِلَا فَائِدَةٍ وَلَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ في الْحَاجَةِ حتى تَظْهَرَ أَمَارَاتُ الشَّهْوَةِ لِأَنَّهُ قد يَقْصِدُ إتْلَافَ مَالِهِ وَيَصِحُّ طَلَاقُهُ كما مَرَّ في الْحَجْرِ مع زِيَادَةٍ منها ما ذَكَرَهُ هُنَا بِقَوْلِهِ فَإِنْ كان مِطْلَاقًا أَيْ كَثِيرَ الطَّلَاقِ سَرَّى بِجَارِيَةٍ لِأَنَّهُ أَصْلَحُ له إذْ لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ فَإِنْ تَبَرَّمَ منها أُبْدِلَتْ وَإِكْثَارُ الطَّلَاقِ بِأَنْ يُزَوَّجَ على التَّدْرِيجِ ثَلَاثًا فَيُطَلِّقُهُنَّ على ما قَالَهُ الْقَاضِي أو ثِنْتَيْنِ فَيُطَلِّقُهُمَا على ما قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ
وَفَهِمَ الرُّويَانِيُّ أَنَّ تَعَدُّدَ الزَّوْجَةِ ليس مُرَادًا فَعَبَّرَ عن ذلك بِقَوْلِهِ فيه وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُطَلِّقُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَالثَّانِي مَرَّتَيْنِ وما قَالَهُ حَسَنٌ وَالْأَوْجَهُ من وَجْهَيْهِ الْأَوَّلُ فَيَكْتَفِي بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ وَلَوْ من زَوْجَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُسَرِّي ابْتِدَاءً وَيَنْبَغِي كما قال في الْمُهِمَّاتِ جَوَازُ الْأَمْرَيْنِ كما في الْإِعْفَافِ وَيَتَعَيَّنُ ما فيه الْمَصْلَحَةُ قال وقد يُقَالُ إذَا طَلَبَ التَّزْوِيجَ بِخُصُوصِهِ تَعَيَّنَ فَرْعٌ تَزْوِيجُ السَّفِيهِ مُفَوَّضٌ إلَى الْأَبِ ثُمَّ الْجَدِّ ثُمَّ السُّلْطَانُ قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يُزَوِّجُهُ وَنَقَلَ ابن الرِّفْعَةِ عن النَّصِّ أَنَّ له أَنْ
____________________
(3/145)
يُزَوِّجَهُ فَيَتَقَدَّمَ على السُّلْطَانِ وَنَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عن الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ في الْوَصَايَا لَكِنْ حَذَفَهُ النَّوَوِيُّ من الرَّوْضَةِ ثَمَّ وَصَحَّحَ من زِيَادَتِهِ هُنَا أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهُ وَنَقَلَهُ عن جَزْمِ الشَّيْخِ أبي مُحَمَّدٍ وَبِهِ أَفْتَيْت تَبَعًا لِابْنِ الصَّلَاحِ
وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ منهم الْفُورَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَاسْتَشْهَدَ له بِأَنَّهُ لَا يَرَى تَزْوِيجَ الْأَطْفَالِ قال الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ وقد نَصَّ الشَّافِعِيِّ على كُلٍّ من الْمَقَالَتَيْنِ وَلَيْسَ بِاخْتِلَافِ نَصٍّ بَلْ نَصُّهُ على أَنَّهُ يُزَوِّجُهُ مَحْمُولٌ على وَصِيٍّ فَوَّضَ إلَيْهِ التَّزْوِيجَ وَإِقْرَارُهُ بِالنِّكَاحِ إذَا لم يَأْذَنْ له فيه وَلِيُّهُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِإِنْشَائِهِ وَيُفَارِقُ صِحَّةَ إقْرَارِ الْمَرْأَةِ بِأَنَّ إقْرَارَهُ يُفَوِّتُ مَالًا وَإِقْرَارُهَا يُحَصِّلُهُ وَلِلْمُفْلِسِ النِّكَاحُ لِصِحَّةِ عِبَارَتِهِ وَذِمَّتِهِ وَمُؤْنَتُهُ من كَسْبِهِ لَا بِمَا في يَدِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ فَإِنْ لم يَكُنْ له كَسْبٌ فَفِي ذِمَّتِهِ إلَى فَكِّ الْحَجْرِ فَصْلٌ لَا نِكَاحَ لِمَنْ بِهِ رِقٌّ وَإِنْ كُوتِبَ أو بُعِّضَ إلَّا بِإِذْنٍ مُعَيِّنٍ كَأَنْ عَيَّنَ له سَيِّدُهُ امْرَأَةً أو قَبِيلَةً أو مُطْلَقٍ عن ذلك لِخَبَرِ أَيُّمَا مَمْلُوكٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَهُوَ عَاهِرٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَرَوَى أبو دَاوُد فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ لَكِنَّهُ ضَعَّفَهُ إمَّا بِإِذْنِهِ فَيَصِحُّ لِمَفْهُومِ الْخَبَرِ وَلِأَنَّ عِبَارَتَهُ صَحِيحَةٌ وَإِنَّمَا الْمَنْعُ لِرِضَا السَّيِّدِ حتى لو أَذِنَتْ الْمَرْأَةُ لِعَبْدِهَا في النِّكَاحِ فَنَكَحَ صَحَّ وَإِنْ لم تَكُنْ لها عِبَارَةٌ في النِّكَاحِ وَيُعْتَبَرُ الْإِذْنُ من مُلَّاكِهِ وَلَوْ كُفَّارًا فَيَنْكِحُ الْعَبْدُ بِالْإِذْنِ الْمُطْلَقِ حُرَّةً أو أَمَةً وَلَوْ من بَلْدَةٍ غَيْرِ بَلَدِهِ أَيْ الْعَبْدِ لَكِنْ له مَنْعُهُ من الْخُرُوجِ إلَيْهَا فَإِنْ عَيَّنَ له امْرَأَةً وَبَلَدَهَا لم يَعْدِلْ عنها إلَى غَيْرِهَا وَإِنْ سَاوَتْهَا في الْمَهْرِ أو نَقَصَتْ عنها فيه اعْتِبَارًا بِالْإِذْنِ فَإِنْ عَدَلَ لم يَصِحَّ النِّكَاحُ أو عَيَّنَ مَهْرًا فَزَادَ عليه أو زَادَ على مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عن تَعْيِينِ الْمَهْرِ تَعَلَّقَتْ الزِّيَادَةُ بِذِمَّتِهِ يُطَالَبُ بها إذَا عَتَقَ وَيُفَارِقُ عَدَمَ صِحَّةِ ضَمَانِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ بِأَنَّ الْمَالَ هُنَا تَابِعٌ مع وُجُودِ الْإِذْنِ في سَبَبِهِ بِخِلَافِهِ
ثَمَّ قال الْإِمَامُ وَلَوْ صَرَّحَ له بِأَنْ لَا يَنْكِحَ بِأَزْيَدَ مِمَّا عَيَّنَهُ فَالرَّأْيُ عَدَمُ صِحَّةِ النِّكَاحِ كما في السَّفِيهِ أو نَقَصَ عَمَّا عَيَّنَهُ له سَيِّدُهُ أو عن مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ جَازَ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ كُفَّارًا أو بِمَسْأَلَتَيْ الزِّيَادَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَالنَّقْصِ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ نَكَحَ بِالْمُسَمَّى أَيْ بِالْمُعَيَّنِ من مَهْرِهَا دُونَهُ صَحَّ النِّكَاحُ بِهِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في السَّفِيهِ كما مَرَّ وَرُجُوعُ السَّيِّدِ في الْإِذْنِ من غَيْرِ عِلْمِ الْعَبْدِ كَرُجُوعِ الْمُوَكِّلِ عن الْوَكَالَةِ من غَيْرِ عِلْمِ الْوَكِيلِ فَلَا يَصِحُّ النِّكَاحُ فَلَوْ نَكَحَ نِكَاحًا صَحِيحًا وَطَلَّقَ أو انْفَسَخَ النِّكَاحُ لم يَنْكِحْ ثَانِيًا إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ لِأَنَّ الْإِذْنَ لم يَتَنَاوَلْ غير الْأَوَّلِ بِخِلَافِ ما لو نَكَحَ فَاسِدًا لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ فَصْلٌ السَّيِّدُ لَا يُجْبِرُ عَبْدَهُ وَلَوْ صَغِيرًا على النِّكَاحِ لِأَنَّهُ يُلْزِمُ ذِمَّتَهُ عُهْدَةَ الْمَهْرِ وَغَيْرِهِ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ رَفْعَهُ بِالطَّلَاقِ وَيُفَارِقُ الْأَمَةَ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ بُضْعِهِ وَالْأَمَةُ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ بُضْعِهَا فَيُورِدُ الْعَقْدَ على ما يَمْلِكُهُ وَبِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِنِكَاحِهَا بِاكْتِسَابِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ بِخِلَافِهِ في الْعَبْدِ وَيُفَارِقُ الْعَبْدَ الصَّغِيرَ الِابْنُ الصَّغِيرُ بِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ التي يُزَوِّجُ بها ابْنَهُ الصَّغِيرَ تَنْقَطِعُ بِبُلُوغِهِ بِخِلَافِ وِلَايَةِ السَّيِّدِ لَا تَنْقَطِعُ بِبُلُوغِ عَبْدِهِ فإذا لم يُزَوِّجْهُ بها بَعْدَ بُلُوغِهِ مع بَقَائِهَا فَكَذَا قَبْلَهُ كَالثَّيِّبِ الْعَاقِلَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ إجَابَةُ الْعَبْدِ إلَيْهِ أَيْ إلَى نِكَاحِهِ وَلَوْ مُكَاتَبًا أو مُبَعَّضًا كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ لِأَنَّهُ يُشَوِّشُ عليه مَقَاصِدَ الْمِلْكِ وَفَوَائِدَهُ وَيُنْقِصُ الْقِيمَةَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُزَوِّجَ عَبْدَهُ بِأَمَتِهِ إلَّا بِمَهْرٍ كَذَا وَقَعَ في الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِنُسْخَةٍ من الرَّافِعِيِّ وَالصَّوَابُ كما قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ عَدَمُ الِاسْتِحْبَابِ كما هو في بَعْضِ نُسَخِ الرَّافِعِيِّ فَرْعٌ وَيُجْبِرُ السَّيِّدُ الْأَمَةَ بِأَيِّ صِفَةٍ كانت لَا مُكَاتَبَةٍ وَمُبَعَّضَةٍ على النِّكَاحِ لِمَا مَرَّ قبل الْفَرْعِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُبَعَّضَةِ لِأَنَّهُمَا في حَقِّهِ كَالْأَجْنَبِيَّاتِ وَتَقَدَّمَ في أَوَاخِرِ الطَّرَفِ السَّابِعِ ما يُقَيِّدُ ذلك وَلَا يَلْزَمُهُ إجَابَتُهَا إلَيْهِ إذَا طَلَبَتْهُ وَلَوْ كانت مُحَرَّمَةً عليه بِنَسَبٍ
____________________
(3/146)
أو رَضَاعٍ أو غَيْرِهِمَا أو مُكَاتَبَةً أو مُبَعَّضَةً لِمَا مَرَّ قبل الْفَرْعِ وَلِلْمُكَاتَبِ لَا لِسَيِّدِهِ تَزْوِيجُ أَمَتِهِ إذَا أَذِنَ له فيه سَيِّدُهُ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَأْذَنْ له فيه كما في تَبَرُّعِهِ أَمَّا السَّيِّدُ فَلَا يُزَوِّجُهَا كما لَا يُزَوِّجُ عَبْدَهُ لِأَنَّهُ معه كَالْأَجْنَبِيِّ
وَلِلسَّيِّدِ وَطْءُ أَمَةِ مَأْذُونِهِ في التِّجَارَةِ غَيْرِ الْمَدْيُونِ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَلَا مَانِعَ وله تَزْوِيجُهَا وَبَيْعُهَا وَلَوْ لم يَعْزِلْهُ وَلَا نَظَرَ إلَى احْتِمَالِ أَنْ يَحْدُثَ دَيْنٌ وَلَا يَفِي ما بيده بِهِ وَكَبَيْعِهَا هِبَتُهَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَعِتْقُهَا وَوَقْفُهَا وَسَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ فَلَوْ كان الْمَأْذُونُ مَدْيُونًا وَأَرَادَ سَيِّدُهُ شيئا من ذلك اُشْتُرِطَ إذْنُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالْغُرَمَاءِ فَلَوْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِمَا أو بِغَيْرِ إذْنِ أَحَدِهِمَا لم يَصِحَّ لِتَضَرُّرِهِمَا بِهِ أَمَّا الْعَبْدُ فَلِأَنَّ التَّزْوِيجَ يُنْقِصُ قِيمَتَهَا وَبَاقِي الدَّيْنِ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ وَأَمَّا الْغُرَمَاءُ فَلِأَنَّهُمْ لم يَرْضَوْا بِتَأْخِيرِ حُقُوقِهِمْ وَتَعَلُّقِهَا بِذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يُعْتِقَ فَلَوْ وَطِئَ الْأَمَةَ بِغَيْرِ إذْنِ الْغُرَمَاءِ لَزِمَهُ الْمَهْرُ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّهُمْ بِخِلَافِ وَطْئِهِ الْمَرْهُونَةَ وَلَا يُشْكِلُ عليه ما تَقَدَّمَ في مُعَامَلَةِ الْعَبِيدِ من أَنَّ دَيْنَ الْغُرَمَاءِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَهْرِ وَطْءِ الشُّبْهَةِ لِأَنَّ ذلك في الْأَمَةِ الْمَأْذُونَةِ وَهَذَا في أَمَتِهَا
وَالْوَلَدُ حُرٌّ إنْ أَحْبَلَهَا وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إنْ كان مُوسِرًا وَحُكْمُهَا كَالْمَرْهُونَةِ إنْ كان مُعْسِرًا حتى لَا تَصِيرَ أُمَّ وَلَدٍ بَلْ تُبَاعُ في الدَّيْنِ وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إذَا مَلَكَهَا بَعْدُ وَلَوْ قال بَدَلَ قَوْلِهِ وَتَصِيرُ إلَى آخِرِهِ وَحُكْمُ أُمِّ الْوَلَدِ كَالْمَرْهُونَةِ كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ وَكَذَلِكَ حُكْمُ اسْتِيلَادِ الْأَمَةِ الْجَانِيَةِ جِنَايَةً تُوجِبُ مَالًا مُتَعَلِّقًا بِرَقَبَتِهَا وَالْمَوْرُوثَةِ عن مَدْيُونٍ فَيَأْتِي فيه ما ذُكِرَ فَإِنْ لم يَثْبُتْ الِاسْتِيلَادُ في الْحَالِ وَجَبَ قِيمَةُ وَلَدِ أَمَةِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فَقَطْ أَيْ دُونَ الْأَمَةِ الْمَرْهُونَةِ وَالْجَانِيَةِ وَالْمَوْرُوثَةِ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ وَالْمَجْنِيِّ عليه وَرَبِّ الدَّيْنِ الْمُتَعَلِّقِ بِالتَّرِكَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَلَدِ وَإِنَّمَا جَعَلَ الْأَمَةَ الْمَوْرُوثَةَ كَالْمَرْهُونَةِ وَالْجَانِيَةِ مع أَنَّ الْأَصْلَ جَعْلُهَا كَأَمَةِ الْمَأْذُونِ لِأَنَّ ما في الْأَصْلِ إنَّمَا يُتَّجَهُ على الْقَوْلِ بِأَنَّ الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِزَوَائِدِ التَّرِكَةِ وَالْمَذْهَبُ الْمَنْعُ كما نَبَّهَ على ذلك الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ
وَإِنْ أَعْتَقَهَا يَعْنِي أَمَةَ الْمَأْذُونِ الذي عليه دَيْنٌ أو الْأَمَةُ الْمَوْرُوثَةُ فَكَإِعْتَاقِ الْجَانِي فَلَا يَنْفُذُ عِتْقُهَا إنْ كان مُعْسِرًا وَإِلَّا نَفَذَ وَعَلَيْهِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ من الدَّيْنِ وَقِيمَتُهَا وَإِنْ أَذِنَ له الْمَأْذُونُ وَالْغُرَمَاءُ نَفَذَ مُطْلَقًا فَرْعٌ لو زَوَّجَ السَّيِّدُ الْمُوسِرُ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنٍ من جِهَةِ الْمَجْنِيِّ عليه لَا مُعْسِرٌ لم يُؤْذَنْ له من جِهَةِ من ذُكِرَ أَمَتُهُ الْجَانِيَةُ جِنَايَةً تُوجِبُ مَالًا مُتَعَلِّقًا بِرَقَبَتِهَا جَازَ وكان اخْتِيَارًا لِلْفِدَاءِ وَكَذَا الْمُعْسِرُ الْمَأْذُونُ له وَاسْتَشْكَلَ ذلك بِمَنْعِ بَيْعِهَا قبل اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرَّقَبَةَ فَاتَتْ في الْبَيْعِ بِخِلَافِهَا في التَّزْوِيجِ وَلَا يَرِدُ الْعِتْقُ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَيْهِ وَبِأَنَّ التَّزْوِيجَ أَوْسَعُ بِدَلِيلِ تَزْوِيجِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْآبِقَةِ وَإِنْ لم يَصِحَّ بَيْعُهُمَا
فَرْعٌ يُزَوِّجُ السَّيِّدُ أَمَتَهُ وَلَوْ مُحَرَّمَةً عليه كَأُخْتِهِ بِالْمِلْكِ لَا بِالْوِلَايَةِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّمَتُّعَ بها في الْجُمْلَةِ وَالتَّصَرُّفَ فِيمَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءً يَكُونُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ كَاسْتِيفَاءِ سَائِرِ الْمَنَافِعِ فَيُزَوِّجُ الْفَاسِقُ أَمَتَهُ وَكَذَا يُزَوِّجُ الْمُسْلِمُ أَمَتَهُ الْكِتَابِيَّةَ وَسَيَأْتِي حُكْمُ غَيْرِهَا لَا عَكْسُهُ أَيْ ليس لِلْكَافِرِ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ الْمُسْلِمَةَ إذْ لَا يَمْلِكُ التَّمَتُّعَ بها أَصْلًا بَلْ وَلَا سَائِرَ التَّصَرُّفَاتِ فيها سِوَى إزَالَةِ الْمِلْكِ عنها وَكِتَابَتِهَا بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ في الْكَافِرَةِ وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِ في الْوِلَايَةِ آكَدُ وَلِهَذَا تَثْبُتُ له الْوِلَايَةُ على الْكَافِرَاتِ بِالْجِهَةِ الْعَامَّةِ وفي تَزْوِيجِ الْمُسْلِمِ أَمَتَهُ الْمَجُوسِيَّةَ وَالْوَثَنِيَّةَ وَغَيْرَهُمَا مِمَّا عَدَا الْكِتَابِيَّةَ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ وَجَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّمَتُّعَ بها وَالثَّانِي يَجُوزُ وهو ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ
وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أبو عَلِيٍّ وَجَزَمَ بِهِ شُرَّاحُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ لِأَنَّ له بَيْعَهَا وَإِجَارَتَهَا وَعَدَمُ جَوَازِ التَّمَتُّعِ بها لَا يَمْنَعُ ذلك كما في أَمَتِهِ الْمُحَرَّمَةِ كَأُخْتِهِ فَصْلٌ ليس لِلْوَلِيِّ تَزْوِيجُ عبد الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ وَالسَّفِيهِ وَالْمَجْنُونِ لِمَا فيه من انْقِطَاعِ أَكْسَابِهِ وَفَوَائِدِهِ عَنْهُمْ وَلَوْ قال عبد الْمُوَلَّى عليه كان أَعَمَّ وَأَخْصَرَ وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُمْ لِلْمَصْلَحَةِ أَبٌ أو جَدٌّ جَازَ اكْتِسَابًا لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّ ذلك في أَمَةٍ يَجُوزُ لِمَالِكِهَا تَزْوِيجُهَا لو كان كَامِلًا فَلَوْ كانت مَجُوسِيَّةً أو نَحْوَهَا وَقُلْنَا لَا يُزَوِّجُهَا مَالِكُهَا الْمُسْلِمُ فَكَذَا وَلِيُّهُ وَكَذَا لو كان كَافِرًا وأمته مُسْلِمَةٌ لَا يَجُوزُ لِوَلِيِّهِ تَزْوِيجُهَا لَا غَيْرُهُمَا أَيْ غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ أَيْ لَا يَجُوزُ له تَزْوِيجُ أَمَةِ الْمَذْكُورِينَ إذْ لَا يُزَوِّجُ الْوَلِيُّ أَمَتَهُمْ إلَّا إذَا كان وَلِيَّ مَالِهِمْ وَنِكَاحِهِمْ وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ في غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ إلَّا السُّلْطَانَ في أَمَةِ غَيْرِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ من السَّفِيهِ وَالْمَجْنُونِ فَيَجُوزُ له تَزْوِيجُهَا لِأَنَّهُ يَلِي مَالَ مَالِكِهَا وَنِكَاحَهُ بِخِلَافِ أَمَةِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ
____________________
(3/147)
لَا يُزَوِّجُهَا وَإِنْ وَلِيَ مَالَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَلِي نِكَاحَهُمَا وَظَاهِرٌ أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ يُزَوِّجُ السَّفِيهَ وَالْمَجْنُونُ يُزَوِّجُ أَمَتَهُمَا قبل السُّلْطَانِ
وَيُزَوِّجُ الْأَبُ وَإِنْ عَلَا أَمَةَ الثَّيِّبِ الْمَجْنُونَةِ لِأَنَّهُ يَلِي مَالَ مَالِكَتِهَا وَنِكَاحَهَا لَا أَمَةَ الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُ لَا يَلِي نِكَاحَ مَالِكَتِهَا وَإِنْ كانت أَيْ الْأَمَةُ لِسَفِيهٍ اُسْتُؤْذِنَ في نِكَاحِهَا كما يَسْتَأْذِنُ في نِكَاحِهِ كما مَرَّ وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَبِرَ مع ذلك حَاجَتَهُ إلَى النِّكَاحِ فَلَوْ كان غير مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَالْوَلِيُّ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهُ حِينَئِذٍ فَكَذَلِكَ لَا يُزَوِّجُ أَمَتَهُ فيه نَظَرٌ وَيَكْفِي في ذلك أَنَّهُ يَمْلِكُ تَزْوِيجَهُ في الْجُمْلَةِ فَرْعٌ أَمَةُ غَيْرِ الْمَحْجُورِ عليها يُزَوِّجُهَا وَلِيُّ السَّيِّدَةِ تَبَعًا لِوِلَايَتِهِ على سَيِّدَتِهَا بِإِذْنِ السَّيِّدَةِ وَحْدَهَا لِأَنَّهَا الْمَالِكَةُ لها فَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُ الْأَمَةِ لِأَنَّ لِسَيِّدَتِهَا أَنْ تُجْبِرَهَا على النِّكَاحِ وَيُعْتَبَرُ إذْنُ السَّيِّدَةِ نُطْقًا وَإِنْ كانت بِكْرًا لِأَنَّهَا لَا تَسْتَحِي في تَزْوِيجِ أَمَتِهَا
فَصْلٌ لو أَعْتَقَ الْمَرِيضُ أَمَةً وَإِنْ كان لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا فَزَوَّجَهَا وَلِيُّهَا قبل مَوْتِهِ أو بُرْئِهِ من مَرَضِهِ جَازَ لِلْحُكْمِ بِحُرِّيَّتِهَا ظَاهِرًا فَلَا يُمْنَعُ الْعَقْدُ بِالِاحْتِمَالِ وَلِهَذَا لو مَاتَ وَخَرَجَتْ من الثُّلُثِ يُحْكَمُ بِعِتْقِهَا وَيَجُوزُ تَزْوِيجُهَا وَإِنْ احْتَمَلَ ظُهُورُ دَيْنٍ عليه يَمْنَعُ خُرُوجَهَا من الثُّلُثِ وَيُفَارِقُ ذلك تَحْرِيمُ نِكَاحِ أُخْتِ الْمُشْرِكَةِ التي أَسْلَمَ زَوْجُهَا دُونَهَا لِاحْتِمَالِ أنها تُسْلِمُ قبل انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ ثَمَّ بَقَاءُ النِّكَاحِ وَلِهَذَا لو أَسْلَمَتْ في الْعِدَّةِ تَبَيَّنَ دَوَامُهُ وَهُنَا الْمَرِيضُ هو الْمَالِكُ وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ وَنُفُوذُ الْعِتْقِ لَكِنْ إنْ مَاتَ وَعَجَزَ الثُّلُثُ عنها وَرُقَّ بَعْضُهَا بِأَنْ لم تُجِزْ الْوَرَثَةُ بَانَ فَسَادُهُ أَيْ التَّزْوِيجِ فَإِنْ زَوَّجَهَا السَّيِّدُ مِمَّنْ يَحِلُّ له نِكَاحُ الْأَمَةِ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ أو كان هو الْوَلِيُّ صَحَّ مُطْلَقًا عن التَّقْيِيدِ بِمَوْتِهِ وَلِعَدَمِ خُرُوجِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ من الثُّلُثِ لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ خُرُوجِهَا في الْأَوْلَى مَالِكُ ما لم يُعْتِقْ وَنَائِبُ وَلِيِّ ما عَتَقَ وفي الثَّانِيَةِ مَالِكُ ذَاكَ وَوَلِيُّ هذا
الْبَابُ السَّادِسُ في مَوَانِعِ النِّكَاحِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَجْنَاسٍ الْأَوَّلُ الْمَحْرَمِيَّةُ قال في الْأَصْلِ وَهِيَ الْوَصْلَةُ الْمُحَرِّمَةُ لِلنِّكَاحِ أَبَدًا وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ الْأَوَّلُ الْقَرَابَةُ وَيَحْرُمُ بها سَبْعٌ الْأَوَّلُ الْأُمَّهَاتُ أَيْ نِكَاحُهُنَّ وَكَذَا يُقَدَّرُ في الْبَقِيَّةِ وَهُنَّ كُلُّ أُنْثَى وَلَدَتْك أو وَلَدَتْ من وَلَدَك ذَكَرًا كان أو أُنْثَى بِوَاسِطَةٍ أو بِغَيْرِهَا قال في الْأَصْلِ وَإِنْ شِئْت قُلْت كُلُّ أُنْثَى يَنْتَهِي إلَيْهَا نَسَبُك بِالْوِلَادَةِ بِوَاسِطَةٍ أو بِغَيْرِهَا وَدَلِيلُ التَّحْرِيمِ فِيهِنَّ وفي بَقِيَّةِ السَّبْعِ الْآتِيَةِ آيَةُ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ والثاني الْبَنَاتُ وَهُنَّ كُلُّ أُنْثَى وَلَدْتهَا أو وَلَدْت من وَلَدَهَا ذَكَرًا كان أو أُنْثَى بِوَاسِطَةٍ أو بِغَيْرِهَا قال في الْأَصْلِ وَإِنْ شِئْت قُلْت كُلُّ أُنْثَى يَنْتَهِي إلَيْك نَسَبُهَا بِالْوِلَادَةِ بِوَاسِطَةٍ أو بِغَيْرِهَا والثالث الْأَخَوَاتُ وَهُنَّ كُلُّ أُنْثَى وَلَدَهَا أَبَوَاك أو أَحَدُهُمَا والرابع الْعَمَّاتُ وَهُنَّ كُلُّ أُخْتِ ذَكَرٍ وَلَدَكَ بِوَاسِطَةٍ أو بِغَيْرِهَا والخامس الْخَالَاتُ وَهُنَّ أُخْتُ كل أُنْثَى الْأَنْسَبُ بِمَا مَرَّ وَبِكَلَامِ أَصْلِهِ وَهُنَّ كُلُّ أُخْتِ أُنْثَى وَلَدَتْك بِوَاسِطَةٍ أو بِغَيْرِهَا فَأُخْتُ أبي الْأُمِّ عَمَّةٌ لِأَنَّهَا أُخْتُ ذَكَرٍ وَلَدَك بِوَاسِطَةٍ
وَأُخْتُ أُمِّ الْأَبِ خَالَةٌ لِأَنَّهَا أُخْتُ أُنْثَى وَلَدَتْك بِوَاسِطَةٍ والسادس وَالسَّابِعُ بَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَإِنْ بَعُدْنَ لَا من دَخَلَتْ في اسْمِ وَلَدِ الْعُمُومَةِ وَالْخَوْلَةِ فَلَا تَحْرُمُ وَلِضَبْطِ الْمُحَرَّمَاتِ بِالنَّسَبِ وَالرَّضَاعِ عِبَارَتَانِ ذَكَرَهُمَا الْأَصْلُ الْأُولَى تَحْرُمُ نِسَاءُ الْقَرَابَةِ إلَّا من دَخَلَتْ في اسْمِ وَلَدِ الْعُمُومَةِ أو وَلَدِ الْخَوْلَةِ الثَّانِيَةِ يَحْرُمُ على الرَّجُلِ أُصُولُهُ وَفُصُولُهُ وَفُصُولُ أَوَّلِ أُصُولِهِ وَأَوَّلُ فَصْلٍ من كل أَصْلٍ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ أَوَّلِ أُصُولِهِ فَالْأُصُولُ الْأُمَّهَاتُ وَالْفُصُولُ الْبَنَاتُ وَفُصُولُ أَوَّلِ الْأُصُولِ الْأَخَوَاتُ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَالْأُخْتِ وَأَوَّلُ فَصْلٍ من كل أَصْلٍ بَعْدَ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ الْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ وَالْعِبَارَةُ الثَّانِيَةُ لِلْأُسْتَاذِ أبي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَالْأُولَى لِتِلْمِيذِهِ الْأُسْتَاذِ أبي مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيِّ قال في الْأَصْلِ وَهِيَ أَرْجَحُ لِإِيجَازِهَا وَنَصُّهَا على الْإِنَاثِ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ وَلِهَذَا اقْتَصَرَ عليها الْمُصَنِّفُ
فَرْعٌ له نِكَاحُ بِنْتِ من زَنَى بها وَلَوْ كانت من مَاؤُهُ إذْ لَا حُرْمَةَ لِمَاءِ الزِّنَا فَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ عنه شَرْعًا بِدَلِيلِ انْتِفَاءِ سَائِرِ أَحْكَامِ النَّسَبِ عنها سَوَاءٌ أَطَاوَعَتْهُ أُمُّهَا على الزِّنَا أَمْ لَا وَيُكْرَهُ ذلك خُرُوجًا من خِلَافِ من حَرَّمَهَا عليه وإذا لم تَحْرُمْ عليه فَغَيْرُهُ من جِهَتِهِ أَوْلَى وَلَوْ أَرْضَعَتْ الْمَرْأَةُ بِلَبَنِ الزَّانِي صَغِيرَةً فَكَبِنْتِهَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي أَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَحْرُمُ عليها وَعَلَى سَائِرِ مَحَارِمِهَا نِكَاحُ ابْنِهَا من الزِّنَا لِعُمُومِ الْآيَةِ وَلِثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْإِرْثِ بَيْنَهُمَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الِابْنَ
____________________
(3/148)
كَعُضْوٍ منها وَانْفَصَلَ منها إنْسَانًا وَلَا كَذَلِكَ النُّطْفَةُ التي خُلِقَتْ منها الْبِنْتُ بِنِسْبَةٍ لِلْأَبِ وَتَحْرُمُ الْمَنْفِيَّةُ بِاللِّعَانِ على نَافِيهَا وَلَوْ لم يَدْخُلْ بِأُمِّهَا لِأَنَّهَا لَا تَنْتَفِي عنه قَطْعًا بِدَلِيلِ لُحُوقِهَا بِهِ لو أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَلِأَنَّهَا رَبِيبَةٌ في الْمَدْخُولِ بها وَتَتَعَدَّى حُرْمَتُهَا إلَى سَائِرِ مَحَارِمِهِ وفي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عليه بِقَتْلِهِ لها وَالْحَدِّ بِقَذْفِهِ لها وَالْقَطْعُ بِسَرِقَةِ مَالِهَا وَقَبُولِ شَهَادَتِهِ لها وَجْهَانِ نَقَلَهُمَا الْأَصْلُ عن التَّتِمَّةِ أَشْبَهَهُمَا كما قال الْأَذْرَعِيُّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ التَّتِمَّةِ هُنَا نعم وَوَقَعَ في نُسَخِ الرَّوْضَةِ السَّقِيمَةِ ما يَقْتَضِي تَصْحِيحَ مُقَابِلِهِ فَاغْتَرَّ بها الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ فَعَزَوْا تَصْحِيحَهُ إلَى نَقْلِ الشَّيْخَيْنِ له عن التَّتِمَّةِ قال الْبُلْقِينِيُّ وَهَلْ يَأْتِي الْوَجْهَانِ في انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّهَا وَجَوَازِ النَّظَرِ إلَيْهَا وَالْخَلْوَةِ بها أو لَا إذْ لَا يَلْزَمُ من ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ الْمَحْرَمِيَّةُ كما في الْمُلَاعَنَةِ وَأُمِّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَبِنْتِهَا وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي عَدَمُ ثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ انْتَهَى
فَرْعٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مَجْهُولَةَ النَّسَبِ فَاسْتَلْحَقَهَا أَبَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهَا وَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ أَيْ إنْ لم يُصَدِّقْهُ الزَّوْجُ حَكَاهُ الْمُزَنِيّ ثُمَّ قال وَفِيهِ وَحْشَةٌ قال الْقَاضِي في فَتَاوِيهِ وَلَيْسَ لنا من يَطَأُ أُخْتَهُ في الْإِسْلَامِ إلَّا هذا وَقِيسَ بِهِ ما لو تَزَوَّجَتْ مَجْهُولَ النَّسَبِ فَاسْتَلْحَقَهُ أَبُوهَا ثَبَتَ نَسَبُهُ وَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ إنْ لم يُصَدِّقْهُ الزَّوْجُ السَّبَبُ الثَّانِي الرَّضَاعُ وَيَحْرُمُ بِهِ ما يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ لِلْآيَةِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ يَحْرُمُ من الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ من الْوِلَادَةِ وفي رِوَايَةٍ من النَّسَبِ وفي أُخْرَى حَرِّمُوا من الرَّضَاعَةِ ما يَحْرُمُ من النَّسَبِ فَمُرْضِعَتُك وَمُرْضِعَةُ أَبِيك من الرَّضَاعِ وَمُرْضِعَاتُهَا أَيْ وَمُرْضِعَاتُ مُرْضِعَتِك وَمُرْضِعَةُ أَبِيك من الرَّضَاعِ وَمُرْضِعَاتُ من وَلَدَك بِوَاسِطَةٍ أو بِغَيْرِهَا أُمَّهَاتٌ من الرَّضَاعِ وَكَذَا كُلُّ من وَلَدَتْ مُرْضِعَتُك أو ذَا لَبَنِهَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَالْمُرْتَضِعَةُ بِلَبَنِك وَلَبَنِ فُرُوعِك نَسَبًا وَرَضَاعًا بِنْتٌ من الرَّضَاعِ والمرتضعة بِلَبَنِ أَحَدِ أَبَوَيْك من نَسَبٍ أو رَضَاعٍ أُخْتٌ من الرَّضَاعِ وقس على هذا بَقِيَّةَ الْأَصْنَافِ الْمُتَقَدِّمَةِ وقد بَيَّنَهَا الْأَصْلُ فَرْعٌ الرَّضَاعُ كَالنَّسَبِ في التَّحْرِيمِ كما مَرّ قَرِيبًا مع دَلِيلِهِ وَيُسْتَثْنَى منه أُمُّ الْأَخِ وَالْأُخْتِ وَأُمُّ وَلَدِ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ وَجَدَّةُ الْوَلَدِ وَإِنْ عَلَتْ وَأُخْتُهُ وَإِنْ سَفَلَ قال الْجُرْجَانِيُّ وَأُمُّ الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ وَأُمُّ الْخَالِ وَالْخَالَةِ فَإِنَّهُنَّ يَحْرُمْنَ من النَّسَبِ وَلَا يَحْرُمْنَ من الرَّضَاعِ لِأَنَّهُنَّ إنَّمَا حَرُمْنَ في النَّسَبِ لِكَوْنِ الْأُولَى أُمًّا أو مَوْطُوءَةَ أَبٍ وَطْئًا مُحْتَرَمًا وَالثَّانِيَةُ بِنْتًا أو مَوْطُوءَةَ ابْنٍ كَذَلِكَ وَالثَّالِثَةُ أُمًّا أو أُمَّ زَوْجَةٍ أو مَوْطُوءَةً كَذَلِكَ وَالرَّابِعَةُ بِنْتًا أو بِنْتَ مَوْطُوءَةٍ كَذَلِكَ وَكُلٌّ من الْأَخِيرَتَيْنِ جَدَّةٌ أو مَوْطُوءَةُ جَدٍّ كَذَلِكَ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ عَنْهُنَّ في الرَّضَاعِ وزاد بَعْضُهُمْ أَخَ ابْنِ الْمَرْأَةِ وَهِيَ في الْحَقِيقَةِ أُمُّ الْأَخِ
كَذَا اسْتَثْنَى الصُّوَرَ الْمَذْكُورَةَ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ وقال الْمُحَقِّقُونَ لَا اسْتِثْنَاءَ لِأَنَّهُنَّ إنَّمَا حَرُمْنَ في النَّسَبِ لِمَعْنًى آخَرَ لم يُوجَدْ فِيهِنَّ في الرَّضَاعِ كما قَرَرْته وَيُؤْخَذُ من كَلَامِهِ فِيمَا مَرَّ ما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ من أَنَّهُ لَا تَحْرُمُ أُخْتُ الْأَخِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ من نَسَبٍ بِأَنْ كان لِزَيْدٍ أَخٌ لِأَبٍ وَأُخْتٌ لِأُمٍّ فَلِأَخِيهِ نِكَاحُهَا أُمٌّ من رَضَاعٍ بِأَنْ تُرْضِعَ امْرَأَةَ زَيْدٍ أو صَغِيرَةً أَجْنَبِيَّةً منه فَلِأَخِيهِ نِكَاحُهَا السَّبَبُ الثَّالِثُ الْمُصَاهَرَةُ فَيَحْرُمُ بِمُجَرَّدِ عَقْدٍ صَحِيحٍ أُمَّهَاتُ زَوْجَتِك وَإِنْ عَلَوْنَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَزَوْجَاتُ أُصُولِك من أَبٍ وَجَدٍّ وَإِنْ عَلَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آبَاؤُكُمْ من النِّسَاءِ وزوجات فُرُوعِك من ابْنٍ وَحَافِدٍ وَإِنْ سَفَلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ
وَقَوْلُهُ الَّذِينَ من أَصْلَابِكُمْ لِإِخْرَاجِ زَوْجَةِ من تَبَنَّاهُ لَا زَوْجَةِ ابْنِ الرَّضَاعِ لِتَحْرِيمِهَا بِالْخَبَرِ السَّابِقِ وَقُدِّمَ على مَفْهُومِ الْآيَةِ لِتَقَدُّمِ الْمَنْطُوقِ على الْمَفْهُومِ حَيْثُ لَا مَانِعَ وَتَعْبِيرُهُ بِفُرُوعِك أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِابْنِك وَابْنِ ابْنِك أَمَّا الْعَقْدُ الْفَاسِدُ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُرْمَةٌ كما لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حِلُّ الْمَنْكُوحَةِ
____________________
(3/149)
وتحرم بِنْتُ مَدْخُولٍ بها وَإِنْ سَفْلَتَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي في حُجُورِكُمْ من نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ وَذِكْرُ الْحُجُورِ جَرْيٌ على الْغَالِبِ فَإِنْ لم يَدْخُلْ بها لم تَحْرُمْ بِنْتُهَا بِخِلَافِ أُمِّهَا كما مَرَّ وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّجُلَ يُبْتَلَى عَادَةً بِمُكَالَمَةِ أُمِّهَا عَقِبَ الْعَقْدِ لِتَرْتِيبِ أُمُورِهِ فَحَرُمَتْ بِالْعَقْدِ لِيَسْهُلَ ذلك بِخِلَافِ بِنْتِهَا نَسَبًا وَرَضَاعًا مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِ الْمَذْكُورَاتِ فَرْعٌ لَا تَحْرُمُ بِنْتُ زَوْجِ الْأُمِّ أو الْبِنْتُ وَلَا أُمُّهُ وَلَا أُمُّ زَوْجَةِ الْأَبِ أو الِابْنِ وَلَا بِنْتُهَا وَلَا زَوْجَةُ الرَّبِيبِ أو الرَّابِّ لِخُرُوجِهِنَّ عن الْمَذْكُورَاتِ
فَصْلٌ الْوَطْءُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ أو الشُّبْهَةِ في الْحَيَاةِ كَوَطْءِ أَمَتِهِ الْمُحَرَّمِ كَأُخْتِهِ يُثْبِتُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ حتى تَحْرُمَ الْمَوْطُوءَةُ على ابْنِ الْوَاطِئِ وَأَبِيهِ وَتَحْرُمُ عليه أُمُّ الْمَوْطُوءَةِ وَبِنْتُهَا لِصَيْرُورَتِهَا فِرَاشًا بِذَلِكَ وَيُسْتَثْنَى من حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ حِلُّ النَّظَرِ وَالْخَلْوَةِ وَالْمَسِّ وَالْمُسَافَرَةِ فَلَا يَحِلُّ لِلْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ النَّظَرُ إلَى أُمِّ مَوْطُوءَتِهِ وَبِنْتِهَا وَلَا الْخَلْوَةُ وَالْمُسَافَرَةُ بِهِمَا وَلَا مَسُّهُمَا كَالْمَوْطُوءَةِ بَلْ أَوْلَى وَمَشَقَّةُ احْتِجَابِ أُمِّ الْمَوْطُوءَةِ بِنِكَاحٍ أو مِلْكٍ وَبِنْتُهَا في دُخُولِهِ عَلَيْهِمَا مُنْتَفِيَةٌ هُنَا وَالتَّصْرِيحُ بِالْمَسِّ من زِيَادَتِهِ فَلَوْ اخْتَصَّتْ الشُّبْهَةُ بِأَحَدِهِمَا فَالِاعْتِبَارُ في حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِالرَّجُلِ أَيْ بِشُبْهَتِهِ لَا شُبْهَةِ الْمَرْأَةِ كَالنَّسَبِ وَالْعِدَّةِ وَلَا تَثْبُتُ الْمُصَاهَرَةُ بِزِنًا ولا لِوَاطَ بِذَكَرٍ أو أُنْثَى إذْ لَا حُرْمَةَ لِلْمُحْرِمِ وَلَا بِاللَّمْسِ وَلَوْ بِشَهْوَةٍ كما لَا تَثْبُتُ الْعِدَّةُ ولا وَطْءُ ما سِوَى الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ لِمَا ذُكِرَ
وَتَثْبُتُ الْمُصَاهَرَةُ وَالنَّسَبُ وَالْعِدَّةُ فَقَطْ أَيْ دُونَ الْإِحْصَانِ وَالتَّحْلِيلِ وَتَقْرِيرِ الْمَهْرِ وَوُجُوبِهِ لِلْمُفَوِّضَةِ وَثُبُوتُ الرَّجْعَةِ وَالْغُسْلِ وَالْمَهْرِ في صُورَةِ الشُّبْهَةِ بِاسْتِدْخَالِ مَاءِ زَوْجٍ أو سَيِّدٍ أو أَجْنَبِيٍّ بِشُبْهَةٍ لَا بِاسْتِدْخَالِ مَاءِ زِنَا الزَّوْجِ أو السَّيِّدِ أَيْ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ من ذلك وَعِنْدَ الْبَغَوِيّ يَثْبُتُ جَمِيعُ ذلك كما لو وَطِئَ زَوْجَتَهُ يَظُنُّ أَنَّهُ يَزْنِي بها وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَطْءَ في زَوْجَتِهِ بِظَنِّهِ الْمَذْكُورِ ليس بِزِنًا في نَفْسِ الْأَمْرِ بِخِلَافِهِ في مَسْأَلَتِنَا وما ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ من عَدَمِ ثُبُوتِ الرَّجْعَةِ مُخَالِفٌ لِجَزْمِهِمَا بِثُبُوتِهَا في الْكَلَامِ على التَّحْلِيلِ وَعَلَى الْفَسْخِ بِالْعُنَّةِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ قال في الْمُهِمَّاتِ وهو الْأَصَحُّ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عن بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ في التَّحْرِيمِ بِاسْتِدْخَالِ مَاءِ الزَّوْجِ وُجُودُ الزَّوْجِيَّةِ حَالَ الْإِنْزَالِ وَالِاسْتِدْخَالِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ في مَاءِ الْأَجْنَبِيِّ قِيَامُ الشُّبْهَةِ في الْحَالَيْنِ وَالْمُرَادُ من ذلك أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ مُحْتَرَمًا فِيهِمَا
فَرْعٌ طَرَيَان ما يَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ على نِكَاحٍ يَقْطَعُ النِّكَاحَ فَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وتزوج ابْنُهُ ابْنَتِهَا وَزُفَّتَا إلَيْهِمَا بِأَنْ زُفَّتْ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى غَيْرِ زَوْجِهَا فَوَطِئَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْأُخْرَى غَلَطًا انْفَسَخَ النِّكَاحَانِ لِأَنَّ زَوْجَةَ الْأَبِ مَوْطُوءَةُ ابْنِهِ وَأُمُّ مَوْطُوءَتِهِ بِالشُّبْهَةِ وَزَوْجَةُ الِابْنِ مَوْطُوءَةُ أبيه وَبِنْتُ مَوْطُوءَتِهِ بِالشُّبْهَةِ وَلَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا لِمَوْطُوءَتِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَعَلَى السَّابِقِ مِنْهُمَا بِالْوَطْءِ لِزَوْجَتِهِ نِصْفُ الْمُسَمَّى لِأَنَّهُ الذي رَفَعَ نِكَاحَهَا فَهُوَ كما لو طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ وَهَلْ يَلْزَمُ الْآخَرُ وهو الثَّانِي لِزَوْجَتِهِ كَذَلِكَ أَيْ نِصْفُ الْمُسَمَّى فيه أَوْجُهٌ أَحَدُهَا لَا إذْ لَا صُنْعَ له ثَانِيهَا نعم إذْ لَا صُنْعَ لها ثَالِثُهَا وهو الْأَوْجَهُ يَجِبُ لِصَغِيرَةٍ لَا تَعْقِلُ وَمُكْرَهَةٍ وَنَائِمَةٍ كما صَرَّحَ بها الْأَصْلُ لِأَنَّ الِانْفِسَاخَ حِينَئِذٍ غَيْرُ مَنْسُوبٍ إلَيْهَا فَكَانَ كما لو أَرْضَعَتْ زَوْجَتُهُ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ يَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا وَلِلصَّغِيرَةِ نِصْفُ الْمُسَمَّى على الزَّوْجِ وَلَا يَجِبُ لِعَاقِلَةٍ مُطَاوِعَةٍ في الْوَطْءِ وَلَوْ غَلَطًا كما لو اشْتَرَتْ حُرَّةٌ زَوْجَهَا قبل الدُّخُولِ
فَإِنْ أَوْجَبْنَاهُ على الثَّانِي رَجَعَ على السَّابِقِ لِأَنَّهُ فَوَّتَ
____________________
(3/150)
عليه نِكَاحَهَا لَكِنْ يَرْجِعُ بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ لَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا بِمَا غَرِمَ كما في الرَّضَاعِ وَإِنْ وَطِئَا مَعًا فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لِزَوْجَتِهِ نِصْفُ الْمُسَمَّى وَهَلْ يَتَرَاجَعَانِ أَيْ يَرْجِعُ كُلٌّ مِنْهُمَا على الْآخَرِ بِشَيْءٍ أو لَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَرْجِعُ بِنِصْفِ ما كان يَرْجِعُ بِهِ لو انْفَرَدَ وَيُهْدَرُ نِصْفُهُ لِأَنَّهَا حَرُمَتْ بِفِعْلِهِمَا كَنَظِيرِهِ في الِاصْطِدَامِ وَثَانِيهِمَا لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ لِأَنَّ النِّكَاحَ ارْتَفَعَ بِفِعْلِهِمَا جميعا فَيُنْسَبُ الْفِرَاقُ إلَى الزَّوْجِ كما لو اشْتَرَى امْرَأَتَهُ أو خَالَعَهَا وَيُفَارِقُ الِاصْطِدَامَ بِأَنَّ فِعْلَ كُلٍّ مِنْهُمَا هُنَا لو انْفَرَدَ لَحَرُمَتْ بِهِ الزَّوْجَتَانِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَلَوْ أَشْكَلَ الْحَالُ فلم يُعْلَمْ سَبْقٌ وَلَا مَعِيَّةٌ قال ابن الصَّبَّاغِ يَجِبُ لِلْمَوْطُوءَةِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَيَنْفَسِخُ النِّكَاحَانِ وَلَا رُجُوعَ لِأَحَدِهِمَا على الْآخَرِ وَلِزَوْجَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمُسَمَّى وَلَا يَسْقُطُ بِالشَّكِّ
فَرْعٌ وَإِنْ نَكَحَ الشَّخْصُ جَاهِلًا امْرَأَةً وَبِنْتَهَا مُرَتَّبًا فَالثَّانِي من النِّكَاحَيْنِ بَاطِلٌ لِحُصُولِ الْجَمْعِ الْمُحَرَّمِ بِهِ فَإِنْ وَطِئَ الثَّانِيَةَ فَقَطْ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فَنِكَاحُ الْأُولَى بِحَالِهِ لِأَنَّ وَطْءَ الثَّانِيَةِ زِنًا فَلَا أَثَرَ له أو جَاهِلًا بِهِ بَطَلَ نِكَاحُ الْأُولَى لِأَنَّهَا أُمُّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ أو بِنْتُهَا وَلَزِمَ لِلْأُولَى نِصْفُ الْمُسَمَّى لِأَنَّ نِكَاحَهَا ارْتَفَعَ بِصُنْعِ الزَّوْجِ وَحَرُمَتْ عليه أَبَدًا لِمَا مَرَّ وَلِلْمَوْطُوءَةِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَحَرُمَتْ عليه أَبَدًا إنْ كانت هِيَ الْأُمَّ لِأَنَّهَا أُمُّ زَوْجَتِهِ لَا إنْ كانت هِيَ الْبِنْتَ فَلَا تَحْرُمُ أَبَدًا فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا لِأَنَّهَا رَبِيبَةُ امْرَأَةٍ لم يَدْخُلْ بها إلَّا إنْ كان قد وَطِئَ الْأُمَّ فَتَحْرُمُ عليه أَبَدًا لِأَنَّهَا بِنْتُ مَوْطُوءَتِهِ وَإِنْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا وَأُشْكِلَتْ أَيْ الْمَوْطُوءَةُ وَعُرِفَتْ السَّابِقَةُ فَنِكَاحُ السَّابِقَةِ على حَالِهِ نَظَرًا إلَى الْأَصْلِ من اسْتِمْرَارِ صِحَّتِهِ فَإِنْ طَلَّقَهَا أَيْ السَّابِقَةَ حَرُمَ عليه نِكَاحُهَا كَالثَّانِيَةِ نَظَرًا إلَى الْحَالِ وهو الِاشْتِبَاهُ كَاشْتِبَاهِ أُخْتِهِ بِأَجْنَبِيَّةٍ
وَإِنْ عُرِفَتْ الْمَوْطُوءَةُ وَأُشْكِلَتْ السَّابِقَةُ فَنِكَاحُ الْمَوْطُوءَةِ مَوْقُوفٌ فَتُمْنَعُ من نِكَاحِ غَيْرِهِ وَلَهَا الْفَسْخُ لِأَنَّهَا لَا تُنْكَحُ لِلِاشْتِبَاهِ كما في إنْكَاحِ الْوَلِيَّيْنِ وَالْأُخْرَى أَيْ غَيْرُ الْمَوْطُوءَةِ مُحَرَّمَةٌ عليه أَبَدًا لِأَنَّهَا أُمُّ مَوْطُوءَتِهِ أو بِنْتُهَا وَإِنْ أُشْكِلَا بِأَنْ اشْتَبَهَتْ الْمَوْطُوءَةُ وَالسَّابِقَةُ مَعًا وُقِفَا أَيْ النِّكَاحَانِ لِاحْتِمَالِ سَبْقِ الْبِنْتِ وَالدُّخُولِ بِالْأُمِّ فَتَحْرُمَانِ عليه وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ وَلَا تُنْكَحُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ إحْدَاهُمَا مُحَرَّمَةٌ عليه أَبَدًا وَإِنْ وَطِئَهُمَا جميعا مع الْإِشْكَالِ حَرُمَتَا أَبَدًا فَإِنْ بَانَ الْأَمْرُ وَجَبَ لِلثَّانِيَةِ مَهْرُ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ لم يَنْعَقِدْ نِكَاحُهَا سَوَاءٌ أَتَقَدَّمَ وَطْؤُهَا أَمْ تَأَخَّرَ ويجب لِلْأُولَى إنْ وَطِئَهَا أَوَّلًا الْمُسَمَّى وَإِلَّا بِأَنْ وَطِئَهَا ثَانِيًا فَنِصْفُهُ وَمَهْرُ الْمِثْلِ يَجِبَانِ لها أَمَّا النِّصْفُ فَلِارْتِفَاعِ نِكَاحِهَا بِصُنْعِ الزَّوْجِ وَأَمَّا مَهْرُ الْمِثْلِ فَلِأَنَّهُ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ بَعْدَ ارْتِفَاعِ النِّكَاحِ فَصْلٌ لو اخْتَلَطَتْ مَحْرَمٌ بِنِسْوَةٍ حَرُمْنَ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ وَلَا دَخْلَ لِلِاجْتِهَادِ فيه كما مَرَّ في بَابِهِ إلَّا إذَا كُنَّ غير مَحْصُورَاتٍ كَنِسَاءِ بَلْدَةٍ أو قَرْيَةٍ كَبِيرَةٍ فَلَا يَحْرُمْنَ إعْمَالًا لِأَصْلِ الْإِبَاحَةِ مع كَوْنِ الْحَرَامِ مُنْغَمِرًا كما في الِاصْطِيَادِ من صَيُودٍ مُبَاحَةٍ اشْتَبَهَ بها صَيْدٌ مَمْلُوكٌ وَإِلَّا انْحَسَمَ عليه بَابُ النِّكَاحِ فإنه وَإِنْ سَافَرَ إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى لم يَأْمَنْ مُسَافَرَتَهَا إلَيْهَا أَيْضًا وَقَوْلُهُ كَكَثِيرٍ مَحْرَمٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ مِثَالٌ وَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِمُحَرَّمَةٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ كما عَبَّرَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ لِيَشْمَلَ الْمُحَرَّمَةَ بِنَسَبٍ وَرَضَاعٍ وَمُصَاهَرَةٍ وَلِعَانٍ وَنَفْيٍ وَتَوَثُّنٍ وَغَيْرِهَا وَغَيْرُ الْمَحْصُورِ ما تَعَسَّرَ عَدُّهُ على وَاحِدٍ كما ضَبَطَهُ الْإِمَامُ بِذَلِكَ وَقَدَّمْته مع ذِكْرِ ضَابِطٍ لِلْغَزَالِيِّ في بَابِ الِاجْتِهَادِ وقد
____________________
(3/151)
ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ في الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ
الْجِنْسُ الثَّانِي من مَوَانِعِ النِّكَاحِ ما لَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهُ وهو ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ الْأَوَّلُ الْجَمْعُ فَيَحْرُمُ الْجَمْعُ بين امْرَأَتَيْنِ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ أو رَضَاعٌ يَحْرُمُ تَنَاكُحُهُمَا إنْ فُرِضَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا كَالْمَرْأَةِ وَأُخْتِهَا وَعَمَّتِهَا أو خَالَتِهَا وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْ تَجْمَعُوا بين الْأُخْتَيْنِ إلَّا ما قد سَلَفَ وَلِخَبَرِ لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ على عَمَّتِهَا وَلَا الْعَمَّةُ على بِنْتِ أَخِيهَا وَلَا الْمَرْأَةُ على خَالَتِهَا وَلَا الْخَالَةُ على بِنْتِ أُخْتِهَا لَا الْكُبْرَى على الصُّغْرَى وَلَا الصُّغْرَى على الْكُبْرَى رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ وَلِمَا فيه من قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَإِنْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ فإن الطَّبْعَ يَتَغَيَّرُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ صلى اللَّهُ عليه وسلم في خَبَرِ النَّهْيِ عن ذلك بِقَوْلِهِ إنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذلك قَطَعْتُمْ أَرْحَامَهُنَّ كما زَادَهُ ابن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَرُوِيَ بِغَيْرِ هذا اللَّفْظِ أَيْضًا لَا الْمَرْأَةُ وَأُمُّ زَوْجِهَا أو بِنْتُهُ من أُخْرَى لِأَنَّ حُرْمَةَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ حَصَلَتْ بِفَرْضِ أُمِّ الزَّوْجِ ذَكَرًا في الْأُولَى وَبِفَرْضِ بِنْتِهِ ذَكَرًا في الثَّانِيَةِ لَكِنْ ليس بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ وَلَا رَضَاعٌ بَلْ مُصَاهَرَةٌ وَلَيْسَ فيها رَحِمٌ يُحْذَرُ قَطْعُهَا
قال الرَّافِعِيُّ وقد يُسْتَغْنَى عن قَيْدِ الْقَرَابَةِ وَالرَّضَاعِ بِأَنْ يُقَالَ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بين كل امْرَأَتَيْنِ أَيَّتِهِمَا قُدِّرَتْ ذَكَرًا تَحْرُمُ عليه الْأُخْرَى فَتَخْرُجُ هَاتَانِ الصُّورَتَانِ لِأَنَّ أُمَّ الزَّوْجِ مَثَلًا وَإِنْ حَرُمَ عليها زَوْجَةُ الِابْنِ لو قُدِّرَتْ ذَكَرًا لَكِنَّ زَوْجَةَ الِابْنِ لو قُدِّرَتْ ذَكَرًا لَا تَحْرُمُ عليها الْأُخْرَى بَلْ تَكُونُ أَجْنَبِيَّةً عنها وقد يُقَالُ يَرِدُ على ما قَالَهُ السَّيِّدَةُ وَأَمَتُهَا الصِّدْقُ الضَّابِطُ بِهِمَا مع جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ ما قَالُوهُ لِعَدَمِ الْقَرَابَةِ وَالرَّضَاعِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ من التَّحْرِيمِ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ الْمُقْتَضِي لِمَنْعِ النِّكَاحِ فَتَخْرُجُ هذه لِأَنَّ التَّحْرِيمَ فيها قد يَزُولُ وَبِأَنَّ السَّيِّدَةَ لو فُرِضَتْ ذَكَرًا حَلَّ له وَطْءُ أَمَتِهِ بِالْمِلْكِ وَإِنْ لم يَحِلَّ له نِكَاحُهَا ولا بِنْتُ رَجُلٍ وَرَبِيبَتُهُ وَلَا امْرَأَةٌ وَرَبِيبَةُ زَوْجِهَا من امْرَأَةٍ أُخْرَى كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ولا أُخْتُهُ من أُمِّهِ وَأُخْتِهِ من أبيه إذْ لَا تَحْرُمُ الْمُنَاكَحَةُ بِتَقْدِيرِ ذُكُورَةِ أَحَدِهِمَا
وَحَيْثُ حَرُمَ الْجَمْعُ بين امْرَأَتَيْنِ فَإِنْ نَكَحَهُمَا مَعًا بَطَلَتَا أَيْ الْمَرْأَتَانِ أَيْ نِكَاحُهُمَا إذْ ليس تَخْصِيصُ إحْدَاهُمَا بِالْبُطْلَانِ أَوْلَى من الْأُخْرَى وَإِلَّا بِأَنْ نَكَحَهُمَا مُرَتَّبًا بَطَلَتْ الثَّانِيَةُ أَيْ نِكَاحُهَا لِأَنَّ الْجَمْعَ بها حَصَلَ نعم إنْ لم يَعْلَمْ عَيْنَ السَّابِقِ بَطَلَا وَإِنْ عَلِمَ ثُمَّ اشْتَبَهَ وَجَبَ التَّوَقُّفُ كما في إنْكَاحِ الْوَلِيَّيْنِ من اثْنَيْنِ فَإِنْ وَطِئَهَا أَيْ الثَّانِيَةَ جَاهِلًا بِالْحُكْمِ اُسْتُحِبَّ أَنْ لَا يَطَأَ الْأُولَى حتى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمَوْطُوءَةِ وَلَهُ نِكَاحُ أُخْتٍ مُطَلَّقَتِهِ الْبَائِنِ وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا في الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا بَائِنٌ منه فَجَازَ له ذلك كما لو طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ لَا أُخْتِ مُطَلَّقَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ وَلَا أَرْبَعٍ سِوَاهَا في الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا في حُكْمِ الزَّوْجَةِ فَإِنْ ادَّعَى أنها أَخْبَرَتْهُ بِانْقِضَائِهَا وَهِيَ مُنْكِرَةٌ لِذَلِكَ وَأَمْكَنَ انْقِضَاؤُهَا فَلَهُ نِكَاحُ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا لِزَعْمِهِ انْقِضَاءَهَا لَكِنْ لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا إذْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ في إسْقَاطِ حَقِّهَا وَلَوْ وَطِئَهَا حُدَّ لِزَعْمِهِ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا أو طَلَّقَهَا لم يَقَعْ طَلَاقُهُ لِذَلِكَ
وَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِأَنْ كانت أَمَةً فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا لِأَنَّ ذلك الْفِرَاشَ قد انْقَطَعَ فَصْلٌ وَإِنْ اشْتَرَى مَثَلًا أُخْتَيْنِ أو نَحْوَهُمَا من كل امْرَأَتَيْنِ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا في النِّكَاحِ صَحَّ الشِّرَاءُ بِالْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلْوَطْءِ وَلِهَذَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ أُخْتَهُ وَنَحْوَهَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ وإذا لم يَتَعَيَّنْ الشِّرَاءُ لِلْوَطْءِ لم يُفْضِ الْجَمْعُ فيه إلَى التَّقَاطُعِ لَكِنْ إنْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا وَلَوْ في الدُّبُرِ حَرُمَتْ الْأُخْرَى لِئَلَّا يَحْصُلَ الْجَمْعُ الْمَنْهِيُّ عنه فَإِنْ وَطِئَهَا قبل تَحْرِيمِ الْأُولَى لم تَحِلَّ ولم تَحْرُمْ الْأُولَى إذْ الْحَرَامُ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَطَأَ الْأُولَى حتى يَسْتَبْرِئَ الثَّانِيَةَ لِئَلَّا يَجْمَعَ الْمَاءَ في رَحِمِ أُخْتَيْنِ
وَيَبْقَى تَحْرِيمُهَا حتى يُحَرِّمَ الْأُولَى على نَفْسِهِ بِإِزَالَةِ مِلْكٍ كَبَيْعٍ أو إعْتَاقٍ أو هِبَةٍ وَلَوْ لِبَعْضِهَا مع قَبْضٍ بِإِذْنٍ في الْهِبَةِ أو بِإِزَالَةِ حَلٍّ كَتَزْوِيجٍ أو كِتَابَةٍ إذْ لَا جَمْعَ حِينَئِذٍ لَا رَهْنَ وَلَا إحْرَامَ وَعِدَّةٍ وَرِدَّةٍ وَنَحْوِهَا كَحَيْضٍ وَبَيْعٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهَا أَسْبَابٌ عَارِضَةٌ لم تُزِلْ الْمِلْكَ وَلَا الِاسْتِحْقَاقَ وَلَا يَكْفِي لِحِلِّ الْأُخْرَى اسْتِبْرَاؤُهَا أَيْ الْأُولَى ولا تَحْرِيمُهَا بِالْقَوْلِ كَقَوْلِ حَرَّمْتهَا عَلَيَّ لِأَنَّ ذلك لَا يُزِيلُ الْفِرَاشَ فَإِنْ عَادَ حَلُّهَا كَأَنْ بَاعَهَا ثُمَّ رُدَّتْ عليه بِعَيْبٍ أو إقَالَةٍ أو زَوَّجَهَا ثُمَّ طَلُقَتْ أو كَاتَبَهَا ثُمَّ عَجَزَتْ ثُمَّ اسْتَبْرَأَهَا فَإِنْ كان قبل وَطْءِ الثَّانِيَةِ
____________________
(3/152)
تَخَيَّرَ بين أَيَّتِهِمَا شَاءَ لِاسْتِوَائِهِمَا حِينَئِذٍ أو بَعْدَهُ لم يَجُزْ وَطْءُ الْعَائِدَةِ حتى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى لِأَنَّ الْأُخْرَى وَالْحَالَةُ هذه كَالْأُولَى في الْحَالَةِ الْأُولَى
فَرْعٌ لو مَلَكَ أُخْتَيْنِ إحْدَاهُمَا مَجُوسِيَّةٌ أو أُخْتُهُ من رَضَاعٍ أو نَسَبٍ فَوَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ لم تَحْرُمْ عليه الْأُخْرَى لِأَنَّ الْمَوْطُوءَةَ مُحَرَّمَةٌ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ كَأَصْلِهِ بِشُبْهَةٍ لِأَنَّ وَطْأَهُ الْمَذْكُورَ لَا يَكُونُ إلَّا شُبْهَةً وَلَوْ مَلَكَ أُمًّا وفي نُسْخَةٍ أَمَةً وَبِنْتَهَا وَوَطِئَ إحْدَاهُمَا حَرُمَتْ الْأُخْرَى أَبَدًا فَإِنْ وَطِئَ الْأُخْرَى وَلَوْ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ حُرِّمَتَا مَعًا وَالْمَنْكُوحَةُ تُحَرِّمُ وَطْءَ أُخْتِهَا أو عَمَّتِهَا أو خَالَتِهَا الْمَمْلُوكَةِ وَإِنْ سَبَقَ وَطْؤُهَا لِأَنَّ الِاسْتِفْرَاشَ بِالنِّكَاحِ أَقْوَى منه بِالْمِلْكِ إذْ يَتَعَلَّقُ بِهِ الطَّلَاقُ وَالظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ وَاللِّعَانُ وَالْمِيرَاثُ وَغَيْرُهَا وَالْأَقْوَى لَا يَنْدَفِعُ بِالْأَضْعَفِ اللَّاحِقِ وَيَدْفَعُ الْأَضْعَفُ السَّابِقَ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ لو اشْتَرَى زَوْجَتَهُ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ لِأَنَّ ذَاكَ في الْمِلْكِ وَهَذَا في الِاسْتِفْرَاشِ وَالْمِلْكُ نَفْسُهُ أَقْوَى من نَفْسِ النِّكَاحِ وَاسْتِفْرَاشُ النِّكَاحِ أَقْوَى من اسْتِفْرَاشِ الْمِلْكِ
فَصْلٌ الْمُرْتَدَّةُ بَعْدَ الدُّخُولِ ما دَامَتْ في الْعِدَّةِ كَالرَّجْعِيَّةِ فَيَحْرُمُ على زَوْجِهَا نِكَاحُ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا وَأَمَةٍ وَإِنْ حَلَّ له نِكَاحُهَا لِاحْتِمَالِ عَوْدِهَا لِلْإِسْلَامِ وَاسْتِمْرَارِ النِّكَاحِ فَإِنْ بَانَتْ بِثَلَاثٍ أو خُلْعٍ فيها أَيْ في الْعِدَّةِ حَلَّتْ له أُخْتُهَا وَأَرْبَعٌ سِوَاهَا لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ بِذَلِكَ إنْ عَادَتْ لِلْإِسْلَامِ وَبِالرِّدَّةِ إنْ لم تَعُدْ له وَإِنْ أَرْضَعَتْ أُمُّ زَوْجَتِهِ الْمُرْتَدَّةِ أو أُخْتُهَا في الْعِدَّةِ زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ وُقِفَ نِكَاحُ الصَّغِيرَةِ فَإِنْ لم تُسْلِمْ أَيْ الْكَبِيرَةُ في الْعِدَّةِ لم تَحْرُمْ عليه الصَّغِيرَةُ لِتَبِينَ بَيْنُونَةَ الْكَبِيرَةِ بِرِدَّتِهَا وَإِنْ أَسْلَمَتْ فيها حَرُمَتَا كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في نَظِيرِهِ في الرَّضَاعِ أَمَّا الصَّغِيرَةُ فَلِأَنَّهَا اجْتَمَعَتْ في الْأُولَى مع أُخْتِهَا وفي الثَّانِيَةِ مع خَالَتِهَا في النِّكَاحِ وَأَمَّا الْكَبِيرَةُ فَلِأَنَّهَا اجْتَمَعَتْ في الْأُولَى مع أُخْتِهَا وفي الثَّانِيَةِ مع بِنْتِ أُخْتِهَا فيه
وَعَلَيْهِ حِينَئِذٍ لِلْكَبِيرَةِ الْمُسَمَّى وَلِلصَّغِيرَةِ نِصْفُ الْمُسَمَّى وَتَرْجِعُ على الْمُرْضِعَةِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِلْكَبِيرَةِ وَنِصْفِهِ لِلصَّغِيرَةِ النَّوْعُ الثَّانِي في بَيَانِ قَدْرِ الْعَدَدِ الْمُبَاحِ في النِّكَاحِ فَيَحِلُّ لِلْعَبْدِ وَلَوْ مُكَاتَبًا ثِنْتَانِ فَقَطْ لِأَنَّهُ على النِّصْفِ من الْحُرِّ وقد أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ على أَنَّهُ لَا يَنْكِحُ أَكْثَرَ من اثْنَتَيْنِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عن الْحَكَمِ بن عُيَيْنَةَ وَالْمُبَعَّضُ كَالْعَبْدِ كما قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمْ وتحل لِلْحُرِّ أَرْبَعٌ فَقَطْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَانْكِحُوا ما طَابَ لَكُمْ من النِّسَاءِ الْآيَةَ وَقَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِغَيْلَانَ وقد أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ رَوَاهُ ابن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحُوهُ فَإِنْ جَمَعَ خَمْسًا في عَقْدٍ وَاحِدٍ لم يَصِحَّ نِكَاحُهُنَّ إذْ لَا أَوْلَوِيَّةَ لِإِحْدَاهُنَّ على الْبَاقِيَاتِ
فَإِنْ كان فِيهِنَّ أُخْتَانِ اخْتَصَّتَا بِالْبُطْلَانِ دُونَ غَيْرِهِمَا عَمَلًا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَإِنَّمَا بَطَلَ فِيهِمَا مَعًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَلَا أَوْلَوِيَّةَ لِإِحْدَاهُمَا على الْأُخْرَى أو كَانَتَا في سَبْعٍ بَطَلَ الْجَمِيعُ وَكَذَا لو عَقَدَ على أَرْبَعِ أَخَوَاتٍ وَكَالْأُخْتَيْنِ كل اثْنَتَيْنِ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَرْعٌ لو عَقَدَ على سِتٍّ بِثَلَاثٍ أَيْ على ثَلَاثٍ مَعًا وَثِنْتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ وَجُهِلَ السَّابِقُ من الْعُقُودِ فَنِكَاحُ الْوَاحِدَةِ صَحِيحٌ بِكُلِّ تَقْدِيرٍ لِأَنَّهَا لَا تَقَعُ إلَّا أُولَى أو ثَالِثَةٌ أو رَابِعَةٌ فَإِنَّهَا لو تَأَخَّرَتْ عن الْعَقْدَيْنِ كان ثَانِيهِمَا بَاطِلًا فَيَصِحُّ نِكَاحُهَا قال ابن الْحَدَّادِ وَنِكَاحُ الْبَاقِيَاتِ بَاطِلٌ لِأَنَّ كُلًّا من عَقْدَيْ الْفِرْقَتَيْنِ يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ مُتَأَخِّرًا عن الْآخَرِ فَيَبْطُلُ
وَالْأَصْلُ عَدَمُ الصِّحَّةِ وَغَلَّطَهُ الشَّيْخُ أبو عَلِيٍّ فقال أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ صَحِيحٌ وهو السَّابِقُ مِنْهُمَا وَلَا يُعْرَفُ عَيْنُهُ على ما يَأْتِي فيه مع جَوَابِهِ فَيُوقَفُ نِكَاحُ الْخَمْسِ وَيُؤَاخَذُ الزَّوْجُ بِنَفَقَتِهِنَّ مُدَّةَ التَّوَقُّفِ لِأَنَّهُنَّ مَحْبُوسَاتٌ لِأَجْلِهِ وَيُسْأَلُ عن الْبَيَانِ فَإِنْ ادَّعَى سَبْقَ أَحَدِ الْعَقْدَيْنِ وَصَدَّقَهُ أَهْلُهُ من الْفِرْقَتَيْنِ ثَبَتَ وَإِلَّا بِأَنْ لم يَدَّعِ سَبْقًا كَأَنْ قال لَا أَدْرِي أو ادَّعَاهُ ولم يُصَدِّقْهُ أَهْلُهُ فَلَا يَثْبُتُ وَلَهُنَّ طَلَبُ الْفَسْخِ لِلضَّرُورَةِ فَإِنْ رَضِينَ بِالضَّرَرِ ولم يَنْفَسِخْ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّعْلِيلِ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ مَاتَ قبل الْبَيَانِ اعْتَدَّتْ من لم يَدْخُلْ بها عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَمَنْ دخل بها
____________________
(3/153)
الْأَكْثَرُ منها وَمِنْ الْأَقْرَاءِ احْتِيَاطًا وَتُعْطَى الْمُنْفَرِدَةُ رُبْعَ مِيرَاثِهِنَّ من رُبْعٍ أو ثُمُنٍ لِاحْتِمَالِ صِحَّةِ عَقْدِ الثَّلَاثَةِ مَعَهَا ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ مَعَهَا عَقْدَ الثَّلَاثِ فَلَا تَسْتَحِقُّ غير الرُّبْعِ الْمَأْخُوذِ وَيُحْتَمَلُ صِحَّةُ عَقْدِ الثِّنْتَيْنِ فَتَسْتَحِقُّ الثُّلُثَ
وَيُوقَفُ ثُلُثَاهُ أَيْ مِيرَاثُهُنَّ بين الثَّلَاثِ وَالثِّنْتَيْنِ ويوقف نِصْفُ سُدُسِهِ وهو ما بين الثُّلُثِ وَالرُّبْعِ بين الْوَاحِدَةِ وَالثَّلَاثِ إلَى الْبَيَانِ أو الِاصْطِلَاحِ فَالِاصْطِلَاحُ في الثُّلُثَيْنِ بين الثَّلَاثِ وَالثِّنْتَيْنِ وفي نِصْفِ السُّدُسِ بين الْوَاحِدَةِ وَالثَّلَاثِ وَأَمَّا الْمَهْرُ فَلِلْمُنْفَرِدَةِ الْمُسَمَّى وَأَمَّا الْبَوَاقِي فَإِنْ دخل بِهِنَّ قُوبِلَ بين مُسَمَّى الثَّلَاثِ وَمَهْرِ مِثْلِ الثِّنْتَيْنِ وبين عَكْسِهِ وهو مُسَمَّى الثِّنْتَيْنِ وَمَهْرُ مِثْلِ الثَّلَاثِ وَتَأْخُذُ الْأَكْثَرَ من الْقَدْرَيْنِ من الْجَمِيعِ أَيْ جَمِيعِ التَّرِكَةِ احْتِيَاطًا لَهُنَّ وَيُعْطِي كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ الْأَقَلَّ من مُسَمَّاهَا وَمَهْرِ مِثْلِهَا لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَيُوقَفُ الْبَاقِي إلَى الْبَيَانِ أو الِاصْطِلَاحِ مِثَالُهُ مُسَمَّى كل وَاحِدَةٍ مِائَةٌ وَمَهْرُ مِثْلِهَا خَمْسُونَ فَمُسَمَّى الثَّلَاثِ وَمَهْرُ مِثْلِ الثِّنْتَيْنِ أَرْبَعُمِائَةٍ وهو أَكْثَرُ من عَكْسِهِ بِخَمْسِينَ فَنَأْخُذُهَا أَيْ الْأَرْبَعَمِائَةِ من التَّرِكَةِ وَنُعْطِي كُلَّ وَاحِدَةٍ خَمْسِينَ وَيُوقَفُ من الْبَاقِي وهو مِائَةٌ وَخَمْسُونَ مِائَةٌ بين النِّسْوَةِ الْخَمْسِ وَخَمْسُونَ بين الْوَرَثَةِ وَالثَّلَاثِ فَإِنْ بَانَ صِحَّةُ نِكَاحِ الثِّنْتَيْنِ فَالْمِائَةُ لَهُمَا وَالْخَمْسُونَ لِلْوَرَثَةِ أو بَانَ صِحَّةُ نِكَاحِ الثَّلَاثِ فَالْمِائَةُ وَالْخَمْسُونَ لَهُنَّ وَإِنْ لم يَدْخُلْ بِهِنَّ أَيْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ كما عَبَّرَ بِهِ أَصْلُهُ لم يُعْطِهِنَّ في الْحَالِ شيئا وَوَقَفَ أَكْثَرُ الْمُسَمَّيَيْنِ بَعْدَ أَخْذِهِ من التَّرِكَةِ
وهو في مِثَالِنَا ثَلَاثُمِائَةٍ مِائَتَانِ بين الْخَمْسِ وَمِائَةٌ بين الْوَرَثَةِ وَالثَّلَاثِ وَإِنْ دخل بِإِحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ أَخَذْنَا الْأَكْثَرَ من مُسَمَّى الْمَدْخُولِ بِهِنَّ فَقَطْ وَمِنْ مَهْرِ مِثْلِهِنَّ مع مُسَمَّى الْفِرْقَةِ الْأُخْرَى التي لم يَدْخُلْ بها وَأَعْطَيْنَا الْمَوْطُوآتِ الْأَقَلَّ من الْمُسَمَّى وَمَهْرِ مِثْلِهِنَّ وَوُقِفَ الْبَاقِي فَإِنْ دخل بِالثِّنْتَيْنِ في مِثَالِنَا أَخَذَتَا مَهْرَ مِثْلِهِمَا مع مُسَمَّى الثَّلَاثِ وهو أَيْ مَجْمُوعُهُمَا أَرْبَعُمِائَةٍ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ من مُسَمَّاهُمَا وَأَعْطَيْنَاهُمَا مِائَةً كُلَّ وَاحِدَةٍ خَمْسِينَ وَوَقَفْنَا مِائَةً بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الثَّلَاثِ وَمِائَتَيْنِ بين الثَّلَاثِ وَالْوَرَثَةِ فَإِنْ بَانَ صِحَّةُ نِكَاحِ الثِّنْتَيْنِ دَفَعْنَا الْمِائَةَ الْمَوْقُوفَةَ بَيْنَهُمَا إلَيْهِمَا وَالْبَاقِي وهو مِائَتَانِ لِلْوَرَثَةِ أو بَانَ صِحَّةُ نِكَاحِ الثَّلَاثِ فَالْكُلُّ أَيْ الْمَوْقُوفُ وهو الثَّلَثُمِائَةِ لَهُنَّ وَإِنْ دخل بِالثَّلَاثِ فَالْمَأْخُوذُ من التَّرِكَةِ ثَلَثُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ وهو مَهْرُ مِثْلِهِنَّ مع مُسَمَّى الثِّنْتَيْنِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ من مُسَمَّى الثَّلَاثِ فَنُعْطِي كُلًّا مِنْهُنَّ خَمْسِينَ منها
وَالْمَوْقُوفُ مِائَتَانِ وَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ وهو أَنَّا نَقِفُ مِنْهُمَا مِائَةً وَخَمْسِينَ بين الْخَمْسِ وَالْبَاقِي بين الثِّنْتَيْنِ وَالْوَرَثَةِ فَإِنْ بَانَ صِحَّةُ نِكَاحِ الثَّلَاثِ أَعْطَيْنَاهُنَّ مِائَةً وَخَمْسِينَ وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ وَإِنْ بَانَ صِحَّةُ نِكَاحِ الثِّنْتَيْنِ أَعْطَيْنَاهُمَا الْمِائَتَيْنِ فَإِنْ كانت أَيْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَنَكَحَ في عَقْدٍ رَابِعٍ أَرْبَعًا أُخَرَ وَجُهِلَ السَّابِقُ وَالْمَهْرُ كما مَثَّلْنَا من أَنَّ مُسَمَّى كل وَاحِدَةٍ وَمَهْرَ مِثْلِهَا خَمْسُونَ عَمَّ الْإِشْكَالُ الْوَاحِدَةَ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ وُقُوعِ نِكَاحِ الْأَرْبَعِ قبل نِكَاحِ الْوَاحِدَةِ وَقَوْلُهُ وَالْمَهْرُ كما مَثَّلْنَا من زِيَادَتِهِ وَلَيْسَ شَرْطًا في عُمُومِ الْأَشْكَالِ بَلْ في قَدْرِ الْمَأْخُوذِ الْآتِي بَيَانُهُ فَيُوقَفُ إذَا مَاتَ قبل الْبَيَانِ مِيرَاثُ أَرْبَعٍ من رُبْعٍ أو ثُمُنٍ إلَى الْبَيَانِ أو الِاصْطِلَاحِ وَلَا نُعْطِي وَاحِدَةً مِنْهُنَّ شيئا وَأَمَّا الْمَهْرُ فَإِنْ وَطِئَهُنَّ أَخَذْنَا من التَّرِكَةِ الْأَكْثَرَ من مُسَمَّى أَرْبَعٍ مع مَهْرِ مِثْلِ سِتٍّ وَمِنْ مُسَمَّى ثَلَاثٍ مع مَهْرِ مِثْلِ سَبْعٍ وهو أَيْ الْأَكْثَرُ سَبْعُمِائَةٍ وَنُعْطِي كُلَّ وَاحِدَةٍ الْأَقَلَّ من مُسَمَّاهَا وَمَهْرِ مِثْلِهَا
وهو خَمْسُونَ وَيُوقَفُ الْبَاقِي وهو مِائَتَانِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ وَعَدَلَ عن قَوْلِ أَصْلِهِ أَخَذْنَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ الْأَكْثَرَ من مُسَمَّاهَا وَمَهْرِ مِثْلِهَا وَأَعْطَيْنَاهَا أَقَلَّهُمَا وَوَقَفْنَا الْبَاقِيَ إلَى ما قَالَهُ لِيُوَافِقَ ما مَرَّ في نَظِيرِهِ من الْعُقُودِ الثَّلَاثَةِ وَلَوْ عَمِلْنَا بِمَا في الْأَصْلِ لَكَانَ الْمَأْخُوذُ في الْمِثَالِ أَلْفًا فَيَلْزَمُ إدْخَالُ الضَّرَرِ على الْوَرَثَةِ بِمَنْعِهِمْ من التَّصَرُّفِ في ثَلَثِمِائَةٍ بِلَا ضَرُورَةٍ وَإِنْ لم يَدْخُلْ بِهِنَّ أَيْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ كما عَبَّرَ بِهِ أَصْلُهُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ نِكَاحَ الْأَرْبَعِ وَأَنْ يَكُونَ نِكَاحُ الْوَاحِدَةِ مع الثَّلَاثِ أو مع الثِّنْتَيْنِ فَالْمَوْقُوفُ الْأَكْثَرُ من مُسَمَّى الْأَرْبَعِ ومن مُسَمَّى الْوَاحِدَةِ مع مُسَمَّى الثَّلَاثِ أو مع مُسَمَّى الثِّنْتَيْنِ وهو أَرْبَعُمِائَةٍ في مِثَالِنَا وَإِنْ دخل بِبَعْضِهِنَّ أَخَذَ مُسَمَّى من لم يَدْخُلْ بها وَوُقِفَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ وَأَخَذَ لِلْمَدْخُولِ بها الْأَكْثَرَ من الْمُسَمَّى لها وَمَهْرُ مِثْلِهَا وَأُعْطِيَتْ منه الْأَقَلَّ مِنْهُمَا
وَوُقِفَ الْبَاقِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ
____________________
(3/154)
الْوَرَثَةِ وَتَبِعَ في هذا أَصْلَهُ وكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَعْدِلَ عنه أَيْضًا لَا لِيُوَافِقَ ما مَرَّ لِعَدَمِ اطِّرَادِهِ بَلْ لِيُقَلِّلَ الْمَأْخُوذَ فيقول وَإِنْ دخل بِبَعْضِهِنَّ أَخَذَ مُسَمَّى أَرْبَعٍ لِعَدَمِ جَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِنَّ وَمَهْرِ مِثْلِ من عَدَاهُنَّ مِمَّنْ دخل بِهِنَّ فَلَوْ دخل بِثَلَاثٍ أَخَذَ مُسَمَّى أَرْبَعٍ وَمَهْرَ مِثْلِ ثَلَاثٍ وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ نُعْطِي الْمَدْخُولَ بِهِنَّ مِائَةً وَخَمْسِينَ وَتُوقَفُ أَرْبَعُمِائَةٍ وَلَوْ دخل بِسَبْعٍ أَخَذَ مُسَمَّى أَرْبَعٍ وَمَهْرَ مِثْلِ سِتٍّ وَذَلِكَ سَبْعُمِائَةٍ نُعْطِي الْمَدْخُولَ بِهِنَّ نِصْفَهَا وَنُوقِفُ نِصْفَهَا وَلَوْ عَمِلْنَا بِمَا في الْكِتَابِ أُخِذَ أَلْفٌ في الْمِثَالَيْنِ نُعْطِي منه الْمَدْخُولَ بِهِنَّ في الْأَوَّلِ مِائَةً وَخَمْسِينَ وَتُوقَفُ ثَمَانُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ وفي الثَّانِي ثَلَثَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَيُوقَفُ سِتُّمِائَةٍ وَخَمْسُونَ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ السَّابِقُ هو قِيَاسُ ما سَبَقَ قَرِيبًا في أَوَاخِرِ الْبَابِ الرَّابِعِ من أَنَّهُ إذَا وَقَعَ على امْرَأَةٍ عَقْدَانِ وقد جُهِلَ السَّابِقُ بَطَلَ الْعَقْدُ الصَّادِقُ بِالْعَقْدَيْنِ وَالسَّابِقُ مِنْهُمَا قد أُشْكِلَ هُنَا كما مَرَّ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْإِسْنَوِيُّ في الْمُهِمَّاتِ قُلْت يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَعْقُودَ عليه ثَمَّ وَاحِدَةٌ وَالزَّوْجُ مُتَعَدِّدٌ ولم يُعْهَدْ جَوَازُهُ أَصْلًا بَلْ مَمْنُوعٌ منه وَهُنَا بِالْعَكْسِ وقد عُهِدَ جَوَازُهُ فَاغْتُفِرَ فيه ما لم يُغْتَفَرْ في ذَاكَ
النَّوْعُ الثَّالِثُ اسْتِيفَاءُ عَدَدِ الطَّلَاقِ فَإِنْ طَلَّقَ الْعَبْدُ طَلْقَتَيْنِ أو الْحُرِّ ثَلَاثًا في نِكَاحٍ أو أَنْكِحَةٍ قبل الدُّخُولِ أو بَعْدَهُ حَرُمَتْ عليه حتى تَغِيبَ حَشَفَةُ غَيْرِهِ أو قَدْرُهَا من مَقْطُوعِهَا وَلَوْ لم يُنْزِلْ أو بَقِيَ من ذَكَرِهِ بَعْدَ قَطْعِهَا أَكْثَرُ من قَدْرِهَا فَلَا يُشْتَرَطُ تَغْيِيبُ جَمِيعِ الْبَاقِي وَلْتَكُنْ غَيْبَةُ ذلك في قُبُلِهَا لَا في غَيْرِهِ كَدُبُرِهَا كما لَا يَحْصُلُ بِهِ التَّحْصِينُ في نِكَاحٍ صَحِيحٍ لَا في غَيْرِهِ كَنِكَاحٍ فَاسِدٍ وَمِلْكِ يَمِينٍ وَشُبْهَةٍ لِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى عَلَّقَ الْحِلَّ بِالنِّكَاحِ وهو إنَّمَا يَتَنَاوَلُ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ وَإِنْ كان الْغَيْرُ نَائِمًا أو هِيَ نَائِمَةً وَيُحْتَمَلُ شُمُولُ كَلَامِهِ لها بِأَنْ يُقَالَ وَإِنْ كان أَحَدُهُمَا نَائِمًا وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ هذا الْوَطْءَ في ذَاتِهِ يُلْتَذُّ بِهِ وَإِنَّمَا لم يُحِسَّ بِهِ لِعَارِضِ غَيْبَةِ الْعَقْلِ أو عليها أَيْ الْحَشَفَةِ حَائِلٌ كَأَنْ لَفَّ عليها خِرْقَةً فإنه يَكْفِي تَغْيِيبُهَا كما يَكْفِي في تَحْصِينِهَا بِشَرْطِ الِانْتِشَارِ لِلْآلَةِ
وَإِنْ ضَعُفَ الِانْتِشَارُ وَاسْتَعَانَ بِأُصْبُعِهِ أو أُصْبُعِهَا لِيَحْصُلَ ذَوْقُ الْعُسَيْلَةِ الْآتِي في الْخَبَرِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَنْتَشِرْ لِشَلَلٍ أو عُنَّةٍ أو غَيْرِهِمَا فَالْمُعْتَبَرُ الِانْتِشَارُ بِالْفِعْلِ لَا بِالْقُوَّةِ على الْأَصَحِّ كما أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْأَكْثَرِينَ وَصَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَصَاحِبَا الْمُهَذَّبِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ حتى لو أَدْخَلَ السَّلِيمُ ذَكَرَهُ بِأُصْبُعِهِ بِلَا انْتِشَارٍ لم يُحَلِّلْ كَالطِّفْلِ فما قِيلَ من أَنَّ الِانْتِشَارَ بِالْفِعْلِ لم يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مَمْنُوعٌ وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ عليه بِمَا ذُكِرَ إلَى أَنْ تَتَحَلَّلَ تَنْفِيرًا من الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ طَلَّقَهَا أَيْ الثَّالِثَةَ فَلَا تَحِلُّ له من بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ مع خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن عَائِشَةَ جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقالت كُنْت عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي فَتَزَوَّجْت بَعْدَهُ عَبْدَ الرحمن بن الزُّبَيْرِ وَإِنَّمَا معه مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ فقال أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ لَا حتى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك وَالْمُرَادُ بها عِنْدَ اللُّغَوِيِّينَ اللَّذَّةُ الْحَاصِلَةُ بِالْوَطْءِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ الْوَطْءُ نَفْسُهُ سُمِّيَ بها ذلك تَشْبِيهًا له بِالْعَسَلِ بِجَامِعِ اللَّذَّةِ وَقِيسَ بِالْحُرِّ غَيْرُهُ بِجَامِعِ اسْتِيفَاءِ ما يَمْلِكُهُ من الطَّلَاقِ
فَرْعٌ وَتَحِلُّ له بِوَطْءِ كَبِيرٍ وَكَذَا صَغِيرٍ غَيْرِ رَقِيقٍ يَتَأَتَّى منه
____________________
(3/155)
الْوَطْءُ بِخِلَافِ صَغِيرٍ لَا يَتَأَتَّى منه ذلك وَبِخِلَافِ صَغِيرٍ رَقِيقٍ لِأَنَّ نِكَاحَهُ إنَّمَا يَصِحُّ بِالْإِجْبَارِ وهو مُمْتَنِعٌ كما مَرَّ وَكَذَا مَجْنُونٌ وَمُحْرِمٌ بِنُسُكٍ وَخَصِيٌّ وَلَوْ كان صَائِمًا أو كانت حَائِضًا أو صَائِمَةً أو مُظَاهِرًا منها أو صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى أو مُعْتَدَّةً من شُبْهَةٍ وَقَعَتْ في نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ أو مُحْرِمَةً بِنُسُكٍ لِأَنَّهُ وَطْءُ زَوْجٍ في نِكَاحٍ صَحِيحٍ لَكِنْ جَزَمَ في الذَّخَائِرِ بِالْمَنْعِ في الصَّغِيرَةِ التي لَا تُشْتَهَى كَالطِّفْلِ وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ في الْأُمِّ وَصَوَّبَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالْمَعْنَى يَدْفَعُهُ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِذَلِكَ التَّنْفِيرُ مِمَّا مَرَّ وهو حَاصِلٌ بِذَلِكَ بِخِلَافِ غَيْبَةِ حَشَفَةِ الطِّفْلِ لَا إنْ كانت رَجْعِيَّةً وَإِنْ رَاجَعَهَا ولا مُعْتَدَّةً لِرِدَّةٍ منه أو منها وَإِنْ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ في الْعِدَّةِ
وَتُتَصَوَّرُ الْعِدَّةُ بِلَا وَطْءٍ بِأَنْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاسْتَدْخَلَتْهُ وَارْتَدَّتْ الْأُولَى ثُمَّ ارْتَدَّتْ ثُمَّ وَطِئَهَا فَهَذَا الْوَطْءُ لَا يُحَلِّلُ لِوُجُودِهِ في حَالِ ضَعْفِ النِّكَاحِ وَتَحِلُّ ذِمِّيَّةٌ لِمُسْلِمٍ بِوَطْءِ مَجُوسِيٍّ وَوَثَنِيٍّ وَكِتَابِيٍّ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ في نِكَاحٍ نُقِرُّهُمْ عليه عِنْدَ تَرَافُعِهِمْ إلَيْنَا كما يُحَصِّنُونَهَا بِذَلِكَ فَرْعٌ لو نَكَحَهَا على أَنَّ النِّكَاحَ يَنْتَهِي بِالْوَطْءِ بَطَلَ لِأَنَّهُ ضَرْبٌ من نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَعَلَيْهِ حُمِلَ خَبَرُ لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ له رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ وَكَذَا إنْ شَرَطَ طَلَاقَهَا قبل الْوَطْءِ أو بَعْدَهُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَمْنَعُ دَوَامَ النِّكَاحِ فَأَشْبَهَ التَّأْقِيتَ وَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَعَمُّ من قَوْلِ أَصْلِهِ فَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا طَلَّقَهَا قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا على أَنْ يُحِلَّهَا لِلْأَوَّلِ فَفِي الِاسْتِذْكَارِ لِلدَّارِمِيِّ فيه وَجْهَانِ وَجَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالصِّحَّةِ لِأَنَّهُ لم يَشْتَرِطْ الْفُرْقَةَ بَلْ شَرَطَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ
فَلَوْ تَوَاطَآ أَيْ الْعَاقِدَانِ على شَيْءٍ من ذلك قبل الْعَقْدِ ثُمَّ عَقَدَا بِذَلِكَ الْقَصْدِ بِلَا شَرْطٍ كُرِهَ خُرُوجًا من خِلَافِ من أَبْطَلَهُ وَلِأَنَّ كُلَّ ما صَرَّحَ بِهِ أَبْطَلَ إذَا أَضْمَرَهُ كُرِهَ وَمِثْلُهُ لو تَزَوَّجَهَا بِلَا شَرْطٍ وفي عَزْمِهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا إذَا وَطِئَهَا وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ وَتَصْرِيحُ الْمُصَنِّفِ بِالْكَرَاهَةِ فِيمَا قَالَهُ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بها الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ أو نَكَحَهَا على أَنْ لَا يَطَأَهَا وَالتَّصْرِيحُ بِهَذِهِ من زِيَادَتِهِ هُنَا أو على أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا إلَّا نَهَارًا أو إلَّا مَرَّةً مَثَلًا وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ على أَنْ يَطَأَهَا نَهَارًا وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ بَطَلَ النِّكَاحُ إنْ كان الشَّرْطُ منها أَيْ من جِهَتِهَا لِمُنَافَاتِهِ مَقْصُودَ الْعَقْدِ لَا منه لِأَنَّ الْوَطْءَ حَقٌّ له فَلَهُ تَرْكُهُ وَالتَّمْكِينُ حَقٌّ عليها فَلَيْسَ لها تَرْكُهُ قال الرَّافِعِيُّ وَلَك أَنْ تَقُولَ إنَّمَا يَتِمُّ الْعَقْدُ بِمُسَاعِدَةِ غَيْرِ الشَّارِطِ لِلشَّارِطِ وَالْمُسَاعَدَةُ منه تَرْكٌ لِحَقِّهِ وَمِنْهَا مَنْعٌ له فَهَلَّا جُعِلَتْ كَالِاشْتِرَاطِ وَأَجَابَ عنه ابن الرِّفْعَةِ بِأَنَّهَا إذَا جُعِلَتْ كَالِاشْتِرَاطِ فَقَدْ تَعَارَضَ مُقْتَضِيَا الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَيُرَجَّحُ بِالِابْتِدَاءِ لِقُوَّتِهِ وَعَنِيَ بِمُقْتَضَى الصِّحَّةِ شَرْطَ الزَّوْجِ أو مُسَاعَدَتَهُ وفي اقْتِضَائِهِ لها نَظَرٌ إذْ غَايَتُهُ عَدَمُ اقْتِضَائِهِ الْفَسَادَ وَلَا يَلْزَمُ منه اقْتِضَاؤُهُ الصِّحَّةَ
وَأَجَابَ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الِاشْتِرَاطَ إلْزَامٌ وَالْمُسَاعَدَةَ الْتِزَامٌ وَالشَّرْطَ على الْمُلْتَزِمِ لِلْمُلْزَمِ وَلَا عَكْسَ وَرَدَّهُ ابن النَّقِيبِ بِأَنَّ هذا إنْ ظَهَرَ في شَرْطِهَا فَلَا يَظْهَرُ في شَرْطِهِ لِأَنَّ شَرْطَهُ الْتِزَامٌ لَا إلْزَامٌ وَمُسَاعَدَتُهَا بِالْعَكْسِ لِأَنَّ حَقَّ التَّرْكِ من جِهَتِهِ عليه لَا له وَمِنْ جِهَتِهَا بِالْعَكْسِ وقد يُجَابُ بِمَنْعِ ذلك لِأَنَّ شَرْطَهُ وَإِنْ كان الْتِزَامًا نَظَرًا لِلْمَعْنَى فَهُوَ إلْزَامٌ نَظَرًا لِلَّفْظِ بَلْ لِلْمَعْنَى أَيْضًا إذْ فيه إلْزَامُهَا بِعَدَمِ مُطَالَبَتِهَا له بِالْوَطْءِ وَإِنْ قام بِهِ عُنَّةٌ أو نَحْوُهَا هذا وَالْأَوْلَى في الْجَوَابِ عن كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنْ يُقَالَ الْبَادِئُ بِالشَّرْطِ إنْ كان صَاحِبَ الْحَقِّ فَهُوَ تَارِكٌ لِحَقِّهِ ابْتِدَاءً وَالْآخَرُ ليس مَانِعًا له منه وَإِنْ كان غَيْرُ صَاحِبِ الْحَقِّ فَاشْتِرَاطُهُ مُفْسِدٌ لِمَا بَدَأَ بِهِ فَمُسَاعَدَةُ صَاحِبِ الْحَقِّ لَا تُفِيدُ تَمَامَ الْعَقْدِ لِفَسَادِ الشِّقِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ ما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ من التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ هو ما عليه الْجُمْهُورُ وفي الْبَحْرِ أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ في تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ الْفَسَادُ مُطْلَقًا لِلْإِخْلَالِ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ وَجَزَمَ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ بِالْفَسَادِ من غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَيُسْتَثْنَى من ذلك الْمَأْيُوسُ من احْتِمَالِهَا الْوَطْءَ مُطْلَقًا أو حَالًا إذَا شَرَطَ في نِكَاحِهَا على الزَّوْجِ أَنْ لَا يَطَأَهَا مُطْلَقًا أو إلَى الِاحْتِمَالِ فإنه يَصِحُّ لِأَنَّهُ قَضِيَّةُ الْعَقْدِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ
وَيَنْبَغِي كما قال الزَّرْكَشِيُّ فِيمَا إذَا كان الزَّوْجُ مَمْسُوحًا أَنْ يَكُونَ كَهِيَ وَلَوْ تَزَوَّجَ بها على أَنْ لَا تَحِلَّ له لم يَصِحَّ التَّزْوِيجُ لِإِخْلَالِهِ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ وَلِلتَّنَاقُضِ أو على أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْبُضْعَ وَأَرَادَ الِاسْتِمْتَاعَ أو على أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِمْتَاعَ بِالْبُضْعِ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ فَكَشَرْطِ أَنْ لَا يَطَأَ هَا وَإِنْ أَرَادَ مِلْكَ الْعَيْنِ لم يَضُرَّ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ ما إذَا لم يُرِدْ شيئا فَرْعٌ يُقْبَلُ قَوْلُهَا أَيْ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا في التَّحْلِيلِ بِيَمِينِهَا
____________________
(3/156)
عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَإِنْ كَذَّبَهَا الثَّانِي في وَطْئِهِ لها لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ على فَرْجِهَا وَالْوَطْءُ مِمَّا يَعْسُرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عليه لَكِنْ إنْ حَلَفَ الثَّانِي على أَنَّهُ لم يَطَأْهَا لَا يَلْزَمُهُ لها إلَّا نِصْفُ الْمَهْرِ ويقبل قَوْلُهَا أَيْضًا بِيَمِينِهَا في انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ من الثَّانِي عِنْدَ الْإِمْكَانِ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ في انْقِضَائِهَا
وَلَهُ أَيْ الْأَوَّلِ تَزَوُّجُهَا وَإِنْ ظَنَّ كَذِبَهَا لِقَبُولِ قَوْلِهَا وَلَا عِبْرَةَ بِظَنٍّ ليس له مُسْتَنَدٌ شَرْعِيٌّ لَكِنْ يُكْرَهُ خُرُوجًا من خِلَافِ من قال يُمْنَعُ ذلك وَذِكْرُ الْكَرَاهَةِ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بها في الْأَنْوَارِ فَإِنْ كَذَّبَهَا بِأَنْ قال هِيَ كَاذِبَةٌ مَنَعْنَاهُ من تَزَوُّجِهَا إلَّا إنْ قال بَعْدَهُ تَبَيَّنْت صِدْقَهَا فَلَهُ تَزَوُّجُهَا لِأَنَّهُ رُبَّمَا انْكَشَفَ له خِلَافُ ما ظَنَّهُ قال في الرَّوْضَةِ قال إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيِّ وَلَوْ كَذَّبَهَا الزَّوْجُ أَيْ الثَّانِي وَالْوَلِيُّ وَالشُّهُودُ لم تَحِلَّ على الْأَصَحِّ وَخَالَفَهُ الْبُلْقِينِيُّ فَصَحَّحَ الْحِلَّ قال وَبِهِ جَزَمَ أبو الْفَرَجِ الْبَزَّارُ وَاسْتَشْهَدَ له بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ لو ذَكَرَتْ أنها نَكَحَتْ نِكَاحًا صَحِيحًا وَأُصِيبَتْ وَلَا يَعْلَمُ حَلَّتْ له انْتَهَى وفي الْمَطْلَبِ ما يُوَافِقُهُ وَكَذَا إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ وَإِنْ كَذَّبَهَا الثَّانِي لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَفْقَهُ وَأَحْوَطُ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ لَا شَاهِدَ فيه وَلَوْ قالت أنا لم أَنْكِحْ ثُمَّ رَجَعَتْ وَقَالَتْ كَذَبْت بَلْ نَكَحْت زَوْجًا وَوَطِئَنِي وَطَلَّقَنِي وَاعْتَدَدْت وَأَمْكَنَ ذلك وَصَدَّقَهَا الزَّوْجُ فَلَهُ نِكَاحُهَا
وَلَوْ قالت طَلَّقَنِي ثَلَاثًا ثُمَّ قالت كَذَبْت ما طَلَّقَنِي إلَّا وَاحِدَةً أو ثِنْتَيْنِ فَلَهَا التَّزَوُّجُ بِهِ بِغَيْرِ تَحْلِيلٍ قَالَهُ في الْأَنْوَارِ وَوَجْهُهُ أنها لم تَبْطُلْ بِرُجُوعِهَا حَقًّا لِغَيْرِهَا فَرْعٌ وَإِنْ حَرُمَتْ عليه زَوْجَتُهُ الْأَمَةُ بِإِزَالَةِ ما يَمْلِكُهُ عليها من الطَّلَاقِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا قبل التَّحَلُّلِ لم يَحِلَّ له وَطْؤُهَا لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ الْجِنْسُ الثَّالِثُ من مَوَانِعِ النِّكَاحِ الرِّقُّ وَلَا يَجْتَمِعُ الْمِلْكُ وَالنِّكَاحُ لِتَنَاقُضِ حُكْمَيْهِمَا إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَقْتَضِي ما لَا يَقْتَضِيهِ الْآخَرُ فَسَقَطَ الْأَضْعَفُ بِالْأَقْوَى وَأَقْوَاهُمَا الْمِلْكُ لِإِفَادَتِهِ مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ وَالنِّكَاحُ لَا يُفِيدُ إلَّا ضَرْبًا من الْمَنْفَعَةِ فَلَوْ مَلَكَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ أو بَعْضَهُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ لِمَا مَرَّ أَمَّا في مِلْكِهِ لها فَلِأَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ تَقْتَضِي التَّمْلِيكَ وَكَوْنُهَا مِلْكَهُ يَقْتَضِي عَدَمَهُ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ وَلَوْ مَلَّكَهَا الْمِلْكَ نَفْسَهُ
وَأَمَّا في مِلْكِهَا له فَلِأَنَّهَا إذَا مَلَكَتْهُ كان لها أَنْ تُطَالِبَهُ بِالسَّفَرِ إلَى الشَّرْقِ لِأَنَّهُ عَبْدُهَا وهو يُطَالِبُهَا بِالسَّفَرِ معه إلَى الْغَرْبِ لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ وإذا دَعَاهَا إلَى فِرَاشِهِ بِحَقِّ النِّكَاحِ بَعَثَتْهُ في أَشْغَالِهَا بِحَقِّ الْمِلْكِ فَيَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَيَسْقُطُ الْأَضْعَفُ بِالْأَقْوَى وَلَا يَحِلُّ لِلْحُرِّ لَا الْمُبَعَّضِ أَمَةُ غَيْرِ وَلَدِهِ ولا الْمُبَعَّضَةُ إلَّا بِشُرُوطٍ بِخِلَافِ الْمُبَعَّضِ وَكُلُّ من فيه رِقٌّ يَجُوزُ لَهُمَا نِكَاحُ الْأَمَةِ وَالْمُبَعَّضَةِ بِلَا شَرْطٍ مِمَّا يَأْتِي وَبِخِلَافِ أَمَةِ وَلَدِهِ وَكَذَا أَمَةُ مُكَاتَبِهِ لَا يَجُوزُ له نِكَاحُهُمَا مُطْلَقًا كما سَيَأْتِي وَكَذَا أَمَةٌ مَوْقُوفَةٌ عليه أو مُوصًى له بِخِدْمَتِهَا وَالشُّرُوطُ هُنَا بَعْدَ ذلك أَرْبَعَةٌ أَحَدُهَا أَنْ لَا يَكُونَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ تَصْلُحُ لِلتَّمَتُّعِ وَلَوْ كِتَابِيَّةً فَإِنْ كان تَحْتَهُ حُرَّةٌ كَذَلِكَ حَرُمَتْ عليه الْأَمَةُ لِاسْتِغْنَائِهِ حِينَئِذٍ عن إرْقَاقِ وَلَدِهِ وَلِمَفْهُومِ الْآيَةِ الْآتِيَةِ بِالْأُولَى
فَلَوْ كانت تَحْتَهُ حُرَّةٌ لَكِنَّهَا صَغِيرَةٌ لَا تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ أو رَتْقَاءُ أو قَرْنَاءُ أو بَرْصَاءُ أو مَجْذُومَةٌ أو هَرِمَةٌ أو غَائِبَةٌ أو مَجْنُونَةٌ فَكَالْمَعْدُومَةِ لِأَنَّهَا لَا تُغْنِيهِ فَوُجُودُهَا كَالْعَدَمِ فَتَحِلُّ له الْأَمَةُ وَقِيلَ لَا تَحِلُّ
____________________
(3/157)
وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ في الْمِنْهَاجِ تَبَعًا لِلْمُهَذَّبِ وَالْقَاضِي وَبِهِ قَطَعَ ابن الصَّبَّاغِ وَجَمَاعَةٌ من الْعِرَاقِيِّينَ وما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عن الْحَسَنِ مُرْسَلًا من أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى أَنْ تُنْكَحَ الْأَمَةُ على الْحُرَّةِ مَحْمُولٌ على حُرَّةٍ تَصْلُحُ لِلتَّمَتُّعِ الشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ لَا يَقْدِرَ على حُرَّةٍ لِعَدَمِهَا أو فَقْرِهِ أو غَيْبَةِ مَالِهِ فَلَوْ قَدَرَ عليها بِأَنْ وَجَدَهَا رَاضِيَةً بِهِ وَوَجَدَ صَدَاقَهَا فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُهُ من مَسْكَنِهِ وَخَادِمِهِ وَلِبَاسِهِ وَمَرْكُوبِهِ وَنَحْوِهَا حَرُمَتْ عليه الْأَمَةُ لِمَفْهُومِ الْآيَةِ
وَلَوْ كانت الْحُرَّةُ كِتَابِيَّةً لِمَا مَرَّ وَذِكْرُ الْمُؤْمِنَاتِ في الْآيَةِ جَرَى على الْغَالِبِ من أَنَّ الْمُؤْمِنَ إنَّمَا يَرْغَبُ في الْمُؤْمِنَةِ وَمِنْ أَنَّ من عَجَزَ عن مَهْرِ الْمُؤْمِنَةِ عَجَزَ عن مَهْرِ الْكِتَابِيَّةِ لِأَنَّهَا لَا تَرْضَى بِالْمُؤْمِنِ إلَّا بِمَهْرٍ كَثِيرٍ لَا مُعْتَدَّةً عن غَيْرِهِ وَلَا رَتْقَاءَ وَلَا قَرْنَاءَ وَلَا مَجْذُومَةً وَلَا بَرْصَاءَ وَلَا مَجْنُونَةً وَلَا طِفْلَةً فَلَا يَحْرُمُ مَعَهُنَّ نِكَاحُ الْأَمَةِ لِمَا مَرَّ فَإِنْ قَدَرَ على حُرَّةٍ غَائِبَةٍ عن بَلَدِهِ تَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ في قَصْدِهَا أو يَخَافُ الْعَنَتَ مُدَّةَ قَصْدِهَا كما أَشَارَ إلَى ما قَدَّرَتْهُ فِيهِمَا بِقَوْلِهِ دُونَهَا نَكَحَ الْأَمَةَ وَإِلَّا فَلَا وَيَلْزَمُهُ السَّفَرُ لها قال الزَّرْكَشِيُّ وَمَحَلُّهُ إذْ أَمْكَنَ انْتِقَالُهَا معه إلَى وَطَنِهِ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أنها كَالْمَعْدُومَةِ لِمَا في تَكْلِيفِهِ الْمُقَامَ مَعَهَا هُنَاكَ من التَّغَرُّبِ وَالرُّخْصَةُ لَا تَحْتَمِلُ هذا التَّضْيِيقَ انْتَهَى وَضَبَطَ الْإِمَامُ الْمَشَقَّةَ بِأَنْ يَنْسُبَ مُتَحَمِّلَهَا في طَلَبِ الزَّوْجَةِ إلَى الْإِسْرَافِ وَمُجَاوَزَةِ الْحَدِّ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَكَذَا له نِكَاحُ الْأَمَةِ لو وَجَدَهَا أَيْ الْحُرَّةَ بِأَكْثَرَ من مَهْرِ الْمِثْلِ وَإِنْ قَدَرَ عليه كما لَا يَجِبُ شِرَاءُ الْمَاءِ لِلطُّهْرِ بِأَكْثَرَ من ثَمَنِ مِثْلِهِ أو رَضِيَتْ بِلَا مَهْرٍ لِوُجُوبِ مَهْرِهَا عليه بِالْوَطْءِ وَلِأَنَّ لها أَنْ تُطَالِبَهُ بِالْفَرْضِ في الْحَالِ فَتَشْتَغِلَ ذِمَّتُهُ وَلَا قُدْرَةَ له
أو رَضِيَتْ بِإِمْهَالِهِ بِالْمَهْرِ وَإِنْ تَوَقَّعَ قُدْرَتَهُ عليه عِنْدَ الْمَحَلِّ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ تَشْتَغِلُ في الْحَالِ وقد يَعْجِزُ عَمَّا يَتَوَقَّعُهُ أو وَجَدَ من يَسْتَأْجِرُهُ بِأُجْرَةٍ مُعَجَّلَةٍ تَفِي بِصَدَاقِهَا أو من يَبِيعُهُ نَسِيئَةً ما يَفِي بِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو من يُقْرِضُهُ لِأَنَّ الْإِقْرَاضَ لَا يَلْحَقُهُ الْأَجَلُ فَرُبَّمَا يُطْلَبُ منه في الْحَالِ أو من يَهَبُ له مَالًا أو أَمَةً لِعِظَمِ الْمِنَّةِ نعم لو رَضِيَتْ بِدُونِ مَهْرِ مِثْلٍ لها وهو يَجِدُهُ لم تَحِلَّ له الْأَمَةُ لِقُدْرَتِهِ على نِكَاحِ حُرَّةٍ وَالْمِنَّةُ بِالنَّقْصِ فيه قَلِيلَةٌ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالْمُسَامَحَةِ في الْمُهُورِ وَنَظِيرُهُ ما إذْ وَجَدَ الْمَاءَ بِثَمَنٍ بَخْسٍ لَا يَتَيَمَّمُ وَتَحِلُّ الْأَمَةُ لِمَنْ له مَسْكَنٌ وَخَادِمٌ يَحْتَاجُهُمَا ولم تَصْلُحُ الْخَادِمُ لِلتَّمَتُّعِ فَلَا يَلْزَمُهُ بَيْعُهُمَا وَصَرْفُ ثَمَنِهِمَا إلَى مَهْرِ الْحُرَّةِ لَا من له ابْنٌ مُوسِرٌ فَلَا يَحِلُّ له نِكَاحُ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ بِمَالِ ابْنِهِ لِوُجُوبِ إعْفَافِهِ عليه وَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْوَلَدِ فَإِنْ نَكَحَهَا أَيْ الْأَمَةَ حَيْثُ حَلَّتْ له وَأَيْسَرَ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ ثُمَّ أَيْسَرَ
أو نَكَحَ حُرَّةً لم يَنْفَسِخْ نِكَاحُهَا لِأَنَّ الدَّوَامَ أَقْوَى من الِابْتِدَاءِ فَيُغْتَفَرُ فيه ما لَا يُغْتَفَرُ في الِابْتِدَاءِ كما في خَوْفِ الْعَنَتِ وَالْإِحْرَامِ وَالرِّدَّةِ وَالْعِدَّةِ وَالْإِسْلَامِ الشَّرْطُ الثَّالِثُ خَوْفُ الْعَنَتِ وهو الزِّنَا بِأَنْ تَغْلِبَ شَهْوَتُهُ وَتَضْعُفَ تَقْوَاهُ فَإِنْ لم يَغْلِبْ على ظَنِّهِ وُقُوعُ الزِّنَا بَلْ تَوَقَّعَهُ لَا على نُدْرَةٍ فَمَنْ ضَعُفَتْ شَهْوَتُهُ وَلَهُ تَقْوَى أو مُرُوءَةٌ أو حَيَاءٌ يَسْتَقْبِحُ مَعَهَا الزِّنَا لم تَحِلَّ له الْأَمَةُ وَكَذَا لو قَوِيَتْ الشَّهْوَةُ وَالتَّقْوَى لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ الزِّنَا فَلَا يَجُوزُ له أَنْ يَرِقَّ وَلَدَهُ لِقَضَاءِ وَطَرٍ وَكَسْرِ شَهْوَةٍ وَأَصْلُ الْعَنَتِ الْمَشَقَّةُ سُمِّيَ بِهِ الزِّنَا لِأَنَّهُ سَبَبُهَا بِالْحَدِّ في الدُّنْيَا وَالْعُقُوبَةِ في الْآخِرَةِ وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ وقَوْله تَعَالَى وَمَنْ لم يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ إلَى قَوْلِهِ ذلك لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَالطَّوْلُ السَّعَةُ وَالْمُرَادُ بِالْمُحْصَنَاتِ الْحَرَائِرُ
قال الرُّويَانِيُّ بِالْعَنَتِ عُمُومُهُ لَا خُصُوصُهُ حتى لو خَافَ الْعَنَتَ من أَمَةٍ بِعَيْنِهَا لِقُوَّةِ مَيْلِهِ إلَيْهَا ليس له أَنْ يَنْكِحَهَا إذَا كان وَاجِدًا لِلطَّوْلِ وَلَا تَحِلُّ الْأَمَةُ لِمَجْبُوبٍ ذَكَرُهُ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ منه الزِّنَا
____________________
(3/158)
وقال الرُّويَانِيُّ له وَلِلْخَصِيِّ ذلك عِنْدَ خَوْفِ الْوُقُوعِ في الْفِعْلِ الْمُؤْثِمِ لِأَنَّ الْعَنَتَ الْمَشَقَّةُ نَقَلَهُ عنه الْأَصْلُ مع ما قَبْلَهُ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ قال الْقَاضِي وَلَيْسَ لِلْعِنِّينِ ذلك وقال ابن عبد السَّلَامِ يَنْبَغِي جَوَازُهُ لِلْمَمْسُوحِ مُطْلَقًا لِانْتِفَاءِ مَحْذُورِ رِقِّ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ وَهَذَا أَبْلَغُ مِمَّا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ فَإِنْ وَجَدَتْ الْأَمَةُ زَوْجَهَا الْحُرَّ مَجْبُوبًا وَأَرَادَتْ الْفَسْخَ وَادَّعَى الزَّوْجُ حُدُوثَهُ أَيْ الْجَبُّ بَعْدَ النِّكَاحِ وَأَمْكَنَ حُكِمَ بِصِحَّةِ نِكَاحِهِ وَإِنْ كَذَّبَتْهُ لِأَنَّهَا إنْ صَدَّقَتْهُ فَذَاكَ وَإِنْ كَذَّبَتْهُ فَدَعْوَاهَا بَاطِلَةٌ لِأَنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهَا بُطْلَانُ النِّكَاحِ من أَصْلِهِ
وَإِنْ لم يُمْكِنْ حُدُوثُهُ بِأَنْ كان الْمَوْضِعُ مُنْدَمِلًا وقد عُقِدَ النِّكَاحُ أَمْسِ حُكِمَ بِبُطْلَانِ النِّكَاحِ وَمَنْ قَدَرَ على شِرَاءِ أَمَةٍ أو كان قد مَلَكَهَا وَهِيَ صَالِحَةٌ لِلتَّمَتُّعِ لم يَحِلَّ له نِكَاحُ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ خَائِفٍ من الْعَنَتِ فَإِنْ مَلَكَ مَحْرَمًا له كَأُخْتِهِ وَأَعَمُّ منه قَوْلُ أَصْلِهِ أَمَةً غير مُبَاحَةٍ لَزِمَهُ بَذْلُهَا في قِيمَةِ أَمَةٍ أو صَدَاقِ حُرَّةٍ إنْ وَفَّتْ قِيمَتُهَا بِذَلِكَ وَإِلَّا بَذَلَهَا في صَدَاقِ أَمَةٍ الشَّرْطُ الرَّابِعُ كَوْنُ الْأَمَةِ مُسْلِمَةً تُوطَأُ لَا صَغِيرَةً لَا تُوطَأُ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ بها الْعَنَتَ وَيُقَاسُ بها ما في مَعْنَاهَا كَرَتْقَاءَ وَقَرْنَاءَ
وَلَوْ مَلَكَهَا أَيْ الْمُسْلِمَةَ كَافِرٌ فَإِنَّهَا تَكْفِي وَلَا يُؤَثِّرُ كُفْرُ سَيِّدِهَا لِحُصُولِ صِفَةِ الْإِسْلَامِ فيها فَتَحْرُمُ الْأَمَةُ الْكِتَابِيَّةُ وَلَوْ على رَقِيقٍ مُسْلِمٍ أَيْ تَحْرُمُ على مُسْلِمٍ حُرٍّ أو غَيْرِهِ أَمَّا الْحُرُّ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ من فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فيها نُقْصَانٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَثَرٌ في مَنْعِ النِّكَاحِ وَهُمَا الْكُفْرُ وَالرِّقُّ فَلَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ نِكَاحُهَا كَالْحُرَّةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْوَثَنِيَّةِ لِاجْتِمَاعِ نَقْصِ الْكُفْرِ وَعَدَمِ الْكِتَابِ وَأَمَّا غَيْرُ الْحُرِّ فَلِأَنَّ الْمَانِعَ من نِكَاحِهَا كُفْرُهَا فَسَاوَى الْحُرَّ كَالْمُرْتَدَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ لَا على كِتَابِيٍّ حُرٍّ أو غَيْرِهِ أَيْ لَا تَحْرُمُ عليه الْأَمَةُ الْكِتَابِيَّةُ لِاسْتِوَائِهِمَا في الدَّيْنِ وَكَمَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَنْكِحَ الْأَمَةَ الْمُسْلِمَةَ وَيُعْتَبَرُ في جَوَازِ نِكَاحِ الْحُرِّ الْكِتَابِيِّ الْأَمَةَ الْكِتَابِيَّةَ خَوْفَ الْعَنَتِ وَفَقْدِ الْحُرَّةِ كما فَهِمَهُ السُّبْكِيُّ من كَلَامِهِمْ وقال الْبُلْقِينِيُّ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ على عَدَمِ اعْتِبَارِ ذلك قال في الرَّوْضَةِ وَنِكَاحُ الْحُرِّ الْمَجُوسِيِّ أو الْوَثَنِيُّ الْأَمَةَ الْمَجُوسِيَّةَ أو الْوَثَنِيَّةَ كَالْكِتَابِيِّ الْأَمَةَ الْكِتَابِيَّةَ
فَرْعٌ لِلْمُسْلِمِ الْحُرِّ وَطْءُ أَمَتِهِ الْكِتَابِيَّةِ لَا الْمَجُوسِيَّةِ وَنَحْوُهَا كَالنِّكَاحِ في حَرَائِرِهِمْ وفي جَوَازِ نِكَاحِ الْمَحْضَةِ أَيْ خَالِصَةِ الرِّقِّ مع تَيَسُّرِ نِكَاحِ الْمُبَعَّضَةِ تَرَدُّدٌ لِلْإِمَامِ لِأَنَّ إرْقَاقَ بَعْضِ الْوَلَدِ أَهْوَنُ من إرْقَاقِ كُلِّهِ وَعَلَى تَعْلِيلِ الْمَنْعِ الْمَذْكُورِ اقْتَصَرَ الْأَصْلُ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الرَّاجِحُ لِأَنَّ تَخْفِيفَ الرِّقِّ مَطْلُوبٌ وَالشَّرْعُ مُتَشَوِّفٌ لِلْحُرِّيَّةِ قال وما قَالَهُ الْإِمَامُ بَنَاهُ على الْقَوْلِ بِأَنَّ وَلَدَ الْمُبَعَّضَةِ يَنْعَقِدُ مُبَعَّضًا فَإِنْ قُلْنَا يَنْعَقِدُ حُرًّا كما رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ في بَعْضِ الْمَوَاضِعِ امْتَنَعَ نِكَاحُ الْأَمَةِ قَطْعًا فَصْلٌ وَلَدُ الْأَمَةِ من نِكَاحٍ أو شُبْهَةٍ لَا يَقْتَضِي حُرِّيَّتَهُ كَأَنْ اشْتَبَهَتْ على الْوَاطِئِ بِزَوْجَتِهِ الْمَمْلُوكَةِ أو نَكَحَهَا وهو مُوسِرٌ رَقِيقٌ لِمَالِكِهَا وَإِنْ كان الْوَلَدُ من عَرَبِيٍّ تَبَعًا لِأُمِّهِ وَلَوْ قال بَدَلَ أو شُبْهَةٍ أو غَيْرِهِ كان أَوْلَى لِيَشْمَلَ وَلَدَهَا من زِنًا فَصْلٌ لو جَمَعَ عَبْدٌ في عَقْدٍ حُرَّةً وَأَمَةً صَحَّ إذْ لَا مَانِعَ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَكَالْعَبْدِ الْمُبَعَّضُ أو جَمَعَهُمَا حُرٌّ في عَقْدٍ صَحَّ في الْحُرَّةِ دُونَ الْأَمَةِ وَلَوْ كان مِمَّنْ تَحِلُّ له الْأَمَةُ كَأَنْ رَضِيَتْ الْحُرَّةُ بِتَأْجِيلِ الْمَهْرِ أو بِلَا مَهْرٍ عَمَلًا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَلِأَنَّ الْأَمَةَ كما لَا تَدْخُلُ على الْحُرَّةِ لَا تُقَارِنُهَا وَلَيْسَ هذا كَنِكَاحِ الْأُخْتَيْنِ لِأَنَّ نِكَاحَ الْحُرَّةِ أَقْوَى من نِكَاحِ الْأَمَةِ وَالْأُخْتَانِ ليس فِيهِمَا أَقْوَى فَبَطَلَ نِكَاحُهُمَا مَعًا وإذا جَمَعَ رَجُلٌ بين مُسْلِمَةٍ وَمَجُوسِيَّةٍ أو نَحْوِهَا كَوَثَنِيَّةٍ صَحَّ في الْمُسْلِمَةِ دُونَ الْأُخْرَى عَمَلًا بِمَا قُلْنَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ بِنَاءً على أَنَّ من
____________________
(3/159)
نَكَحَ امْرَأَتَيْنِ بِصَدَاقٍ وَاحِدٍ يَجِبُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا ما يَخُصُّ مَهْرَهَا من تَوْزِيعِ الْمُسَمَّى على مَهْرَيْهِمَا وَكَالْجَمْعِ الْمَذْكُورِ وَالْجَمْعِ بَيْنِ أَجْنَبِيَّةٍ وَمَحْرَمٍ أو خَلِيَّةٍ وَمُعْتَدَّةٍ أو مُزَوَّجَةٍ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَيُتَصَوَّرُ الْجَمْعُ بين من تَحِلُّ له وَمَنْ لَا تَحِلُّ له وَإِنْ صَحَّ في الْأُولَى فَقَطْ بِأَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَه وَأَمَتَهُ أو يُوَكِّلَهُ أَيْ الزَّوْجُ لَهُمَا الْوَلِيَّانِ أو يُوَكِّلُ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ الْآخَرَ فيقول الْمُزَوِّجُ زَوَّجْتُك هذه وَهَذِهِ بِكَذَا وَيَقْبَلُ الْمُخَاطَبُ نِكَاحَهُمَا بِذَلِكَ وَإِنْ قال زَوَّجْتُك بِنْتِي هذه بِكَذَا وَزَوَّجْتُك أَمَتِي هذه بِكَذَا فَفَصَّلَ الْمُخَاطَبُ في الْقَبُولِ أَيْضًا بِأَنْ قال قَبِلْت نِكَاحَ بِنْتِك وَقَبِلْت نِكَاحَ أَمَتِك صَحَّ نِكَاحُ الْبِنْتِ قَطْعًا وَكَذَا لو حَصَلَ التَّفْصِيلُ في أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ وَهَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا مَعْلُومَتَانِ من التي قَبْلَهُمَا وَإِنَّمَا ذَكَرَهُمَا الْأَصْلُ لِيُبَيِّنَ بِهِمَا مَحَلَّ الْخِلَافِ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ بِكَذَا في الْمَوْضِعَيْنِ تَصْوِيرٌ لَا تَقْيِيدٌ
وإذا جَمَعَ رَجُلٌ في عَقْدٍ بين أُخْتَيْنِ وَأَمَةٍ تَحِلُّ له صَحَّ النِّكَاحُ في الْأَمَةِ دُونَ الْأُخْتَيْنِ عَمَلًا بِمَا مَرَّ وَمَتَى قال زَوَّجْتُك بِنْتِي وَبِعْتُك هذا الْخَمْرَ بِكَذَا أو زَوَّجْتُك بِنْتِي وَابْنِي أو وَفَرَسِي فَقِبَلَهُمَا صَحَّ نِكَاحُ الْبِنْتِ لِعَدَمِ قَبُولِ الْمَضْمُومِ لِلْبَيْعِ في الْأُولَى وَلِلنِّكَاحِ في الثَّانِيَةِ فَيَلْغُو ذِكْرُهُ وَيَصِحُّ نِكَاحُ الْبِنْتِ فِيهِمَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ بِنَاءً على ما مَرَّ وَإِنْ تَزَوَّجَ حُرٌّ أَمَتَيْنِ في عَقْدٍ بَطَلَ نِكَاحُهُمَا وَإِنْ حَلَّتْ له الْأَمَةُ كَالْأُخْتَيْنِ الْجِنْسُ الرَّابِعُ من مَوَانِعِ النِّكَاحِ الْكُفْرُ فَتَحْرُمُ مُنَاكَحَةُ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ من الْمَجُوسِ وَإِنْ كان لهم شُبْهَةُ كِتَابٍ إذْ لَا كِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ وَلَا نَتَيَقَّنُهُ قَبْلُ فَيُحْتَاطُ ومن الْمُتَمَسِّكِينَ بِصُحُفِ شِيثٍ وَإِدْرِيسَ وَإِبْرَاهِيمَ وَزَبُور دَاوُد ومن سَائِرِ الْكُفَّارِ كَعَبَدَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالصُّوَرِ وَالنُّجُومِ وَالْمُعَطِّلَةِ وَالزَّنَادِقَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ بِخِلَافِ مُنَاكَحَةِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ يَحِلُّ على تَفْصِيلٍ يَأْتِي قال تَعَالَى وَالْمُحْصَنَاتُ من الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ من قَبْلِكُمْ أَيْ حِلٌّ لَكُمْ وقال وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حتى يُؤْمِنَّ فَالْمُرَادُ من الْكِتَابِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ دُونَ سَائِرِ الْكُتُبِ قَبْلَهُمَا لِأَنَّهَا لم تَنْزِلْ بِنُظُمٍ تُدَرَّسُ وَتُتْلَى وَإِنَّمَا أُوحِيَ إلَيْهِمْ مَعَانِيهَا
وَقِيلَ لِأَنَّهَا حِكَمٌ وَمَوَاعِظُ لَا أَحْكَامٌ وَشَرَائِعُ وَفَرَّقَ الْقَفَّالُ بين الْكِتَابِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ غَيْرَهَا اجْتَمَعَ فيه نُقْصَانُ الْكُفْرِ في الْحَالِ وَفَسَادُ الدِّينِ في الْأَصْلِ وَالْكِتَابِيَّةُ فيها نَقْصٌ وَاحِدٌ وهو كُفْرُهَا في الْحَالِ فَصْلٌ في صِفَةِ الْكِتَابِيَّةِ التي يَنْكِحُهَا الْمُسْلِمُ وَهِيَ إسْرَائِيلِيَّةٌ وَغَيْرُهَا وقد أَخَذَ في بَيَانِهَا فقال يَصِحُّ نِكَاحُ الْإِسْرَائِيلِيَّات تِ من الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى إلَّا ما يَأْتِي اسْتِثْنَاؤُهُ وَإِسْرَائِيلُ هو يَعْقُوبُ بن إِسْحَاقَ بن إبْرَاهِيمَ عليهم الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَكَذَا غَيْرُهُنَّ من الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِمَّنْ دخل قَوْمُهَا أَيْ آبَاؤُهَا أَيْ أَوَّلُهُمْ في ذلك الدِّينِ قبل النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ له أو قبل النَّسْخِ وَبَعْدَ التَّبْدِيلِ ولكنهم تَجَنَّبُوا الْمُبَدَّلَ يَصِحُّ نِكَاحُهَا لِتَمَسُّكِهِمْ بِذَلِكَ الدِّينِ حين كان حَقًّا لَا إنْ دَخَلُوا بَعْدَهُمَا أَيْ بَعْدَ نَسْخِهِ وَتَبْدِيلِهِ أو بَعْدَ نَسْخِهِ وَقَبْلَ تَبْدِيلِهِ أو عَكْسِهِ ولم يَتَجَنَّبُوا الْمُبَدَّلَ كما فُهِمَ مِمَّا مَرَّ
فَلَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا لِسُقُوطِ فَضِيلَتِهِ وَحُرْمَتِهِ بِالنَّسْخِ في الْأُولَيَيْنِ وَبِالتَّبْدِيلِ الْمَذْكُورِ وفي الثَّالِثَةِ وَكَذَا لَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا إنْ جُهِلَ الْحَالُ وفي نُسْخَةٍ حَالُهُمْ أَيْ دُخُولُ قَوْمِهَا في ذلك الدِّينِ قبل ما ذُكِرَ أَخْذًا بِالْأَغْلَظِ وَلَوْ جُهِلَ حَالُ آبَاءِ الْإِسْرَائِيلِيَّات تِ في أَنَّهُمْ دَخَلُوا في ذلك الدِّينِ قبل ما ذُكِرَ في غَيْرِ الْإِسْرَائِيلِيَّات تِ أو عُلِمَ دُخُولُهُمْ فيه بَعْدَ تَحْرِيفِهِ وَقَبْلَ نَسْخِهِ لم يَحْرُمْنَ لِشَرَفِ نَسَبِهِنَّ بَلْ لَا يَحْرُمُ مِنْهُنَّ إلَّا من دخل آبَاؤُهَا في ذلك الدِّينِ بَعْدَ دِينِ الْإِسْلَامِ أَيْ بَعْدَ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا صلى اللَّهُ عليه وسلم كما عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ
____________________
(3/160)
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُمْ لو دَخَلُوا في دِينِ الْيَهُودِ بَعْدَ بَعْثَةِ عِيسَى وَقَبْلَ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَلَّتْ مُنَاكَحَتُهُنَّ لِشَرَفِ نَسَبِهِنَّ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في غَيْرِ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ كما مَرَّ
فَرْعٌ من وَافَقَ الْيَهُودَ من السَّامِرَةِ وَهِيَ طَائِفَةٌ منهم أو وَافَقَ النَّصَارَى من الصَّابِئِينَ وَهُمْ طَائِفَةٌ منهم في الْأُصُولِ أَيْ أُصُولِ دِينِهِمْ نَاكَحْنَاهُمْ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ وَإِنْ خَالَفُوهُمْ في الْفُرُوعِ لِأَنَّهُمْ مُبْتَدِعَةٌ فَهُمْ كَمُبْتَدِعَةِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ نعم إنْ كَفَّرَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى حَرُمَتْ مُنَاكَحَتُنَا لهم كما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْإِمَامِ لَا إنْ شَكَكْنَا في مُوَافَقَتِهِمْ لهم في الْأُصُولِ أو عَلِمْنَا مُخَالَفَتَهُمْ لهم فيها كما فُهِمَ بِالْمُخَالَفَةِ مِمَّا مَرَّ وَبِالْأَوْلَى من هُنَا فَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُنَا لهم وَسُمِّيَتْ الْأُولَى سَامِرَةٌ لِنِسْبَتِهَا إلَى أَصْلِهَا السَّامِرِيِّ عَابِدِ الْعِجْلِ وَالثَّانِيَةُ صَابِئَةً قِيلَ لِنِسْبَتِهَا إلَى صَابِئٍ عَمِّ نُوحٍ عليه السَّلَامُ وَقِيلَ لِخُرُوجِهَا من دِينٍ إلَى آخَرَ وَإِطْلَاقُ الصَّابِئَةِ على ما قُلْنَا هو الْمُرَادُ وَتُطْلَقُ أَيْضًا على قَوْمٍ أَقْدَمَ من النَّصَارَى يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ وَيُضِيفُونَ الْآثَارَ إلَيْهَا وَيَنْفُونَ الصَّانِعَ الْمُخْتَارَ وقد أَفْتَى الْإِصْطَخْرِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ بِقَتْلِهِمْ لَمَّا اسْتَفْتَى الْقَاهِرُ الْفُقَهَاءَ فِيهِمْ فَبَذَلُوا له أَمْوَالًا كَثِيرَةً فَتَرَكَهُمْ وَظَاهِرٌ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَلَا ذَبِيحَتُهُمْ وَلَا يُقَرُّونَ بِالْجِزْيَةِ
فَصْلٌ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ ذِمِّيَّةٍ أو حَرْبِيَّةٍ مَكْرُوهٌ لِئَلَّا تَفْتِنَهُ أو وَلَدَهُ ولكن نِكَاحَ الْحَرْبِيَّةِ أَشَدُّ كَرَاهَةً لِأَنَّهَا لَيْسَتْ تَحْتَ قَهْرِنَا وَلِلْخَوْفِ من اسْتِرْقَاقِ الْوَلَدِ حَيْثُ لم يُعْلَمْ أَنَّهُ وَلَدُ مُسْلِمٍ وَلِمَا فيه من تَكْثِيرِ سَوَادِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَيُؤْخَذُ من هَذَيْنِ التَّعْلِيلَيْنِ كَرَاهَةُ نِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ بِدَارِهِمْ أَيْضًا قال الزَّرْكَشِيُّ وَبِهِ صَرَّحَ في الْأُمِّ قال وَذَكَرَ في مَوْضِعٍ آخَرَ كَرَاهَةَ التَّسَرِّي أَيْضًا أَيْ هُنَاكَ قال وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ كَرَاهَةِ الذِّمِّيَّةِ إذَا وَجَدَ مُسْلِمَةً وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ وَلَهَا أَيْ لِلْكِتَابِيَّةِ الْمَنْكُوحَةِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمَةِ الْمَنْكُوحَةِ في النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالْقَسْمِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهَا لِاشْتِرَاكِهِمَا في الزَّوْجِيَّةِ الْمُفْضِيَةِ لِذَلِكَ إلَّا في التَّوَارُثِ كما مَرَّ في بَابِهِ
وَلَهُ أَيْ لِلزَّوْجِ إجْبَارُهَا على الْغُسْلِ من الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ إنْ امْتَنَعَتْ منه لِتَوَقُّفِ حِلِّ الْوَطْءِ عليه ومن الْجَنَابَةِ لِتَوَقُّفِ كَمَالِ التَّمَتُّعِ عليه كما في إزَالَةِ النَّجَاسَةِ نعم إنْ كانت مُتَحَيِّرَةً قال الْأَذْرَعِيُّ فَيَظْهَرُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ لَا تُجْبَرُ على غُسْلِ شَيْءٍ من ذلك وَكَذَا الْمُسْلِمَةُ له إجْبَارُهَا على الْغُسْلِ من ذلك وَإِنْ لم يَدْخُلْ وَقْتُ الصَّلَاةِ كما تُجْبَرُ عليه الْمُسْلِمَةُ الْمَجْنُونَةُ وَيَسْتَبِيحُ بِالْغُسْلِ الْمَذْكُورِ الْوَطْءَ وَإِنْ لم تَنْوِ هِيَ أَيْ الْمُغْتَسِلَةُ لِلضَّرُورَةِ وَتَقَدَّمَ في صِفَةِ الْوُضُوءِ الْكَلَامُ على ذلك مع بَيَانِ حُكْمِ الْمُمْتَنِعَةِ إذَا غَسَّلَهَا حَلِيلُهَا وذكر حُكْمِ الْمُسْلِمَةِ الْعَاقِلَةِ في الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ من زِيَادَتِهِ وله إجْبَارُ زَوْجَتِهِ على إزَالَةِ الْوَسَخِ وَشَعْرِ الْإِبْطِ وَالْعَانَةِ وَالظُّفْرِ لِمَا مَرَّ وَعَلَى اجْتِنَابِ تَنَاوُلِ الْمُؤْذِيَاتِ كَالثُّومِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ وَكَذَا النَّبِيذُ وَغَيْرُهُ مِمَّا يُسْكِرُ وَإِنْ لم تَسْكَرْ بِهِ وَإِنْ اسْتَحَلَّتْهُ الْمُسْلِمَةُ أَيْ اعْتَقَدَتْ حِلَّهُ وَعَلَى غُسْلِ ما تَنَجَّسَ من أَعْضَائِهَا لِيَتَمَكَّنَ من الِاسْتِمْتَاعِ بها بِخِلَافِ ما تَنَجَّسَ من ثِيَابِهَا ولم يَظْهَرْ فيه لَوْنٌ أو رِيحٌ كَرِيهٌ
وَلَهُ مَنْعُهَا من لُبْسِ جِلْدِ مَيْتَةٍ قبل الدِّبَاغِ ولبس ثَوْبٍ كَرِيهٍ أَيْ له رِيحٌ كَرِيهٌ كَأَكْلِ ما له رِيحٌ كَرِيهٌ وله مَنْعُهَا من الْمَسَاجِدِ وَالْجَمَاعَاتِ وَالْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وَكَالزَّوْجِ فِيمَا ذُكِرَ السَّيِّدُ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَلَيْسَ له إجْبَارُ أَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْوَثَنِيَّةِ وَنَحْوِهِمَا على الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الرِّقَّ أَفَادَ هَا الْأَمَانَ من الْقَتْلِ فَأَشْبَهَتْ الْمُسْتَأْمَنَةَ وَلَيْسَ كَالْغُسْلِ فإنه لَا يَعْظُمُ الْأَمْرُ فيه كَتَبْدِيلِ الدِّينِ وَلِأَنَّ غُسْلَهَا غُسْلُ تَنْظِيفٍ لَا غُسْلُ عِبَادَةٍ بِدَلِيلِ أنها إذَا أَسْلَمَتْ لَا تُصَلِّي بِذَلِكَ الْغُسْلِ وَالتَّنْظِيفُ حَقُّ الزَّوْجِ فَجَازَ أَنْ يُجْبِرَهَا عليه وَالْإِسْلَامُ ليس حَقًّا له حتى يُجْبِرَهَا عليه فَصْلٌ من انْتَقَلَ من دِينٍ يُقَرُّ أَهْلُهُ عليه إلَى مِثْلِهِ كَيَهُودِيٍّ أو مَجُوسِيٍّ تَنَصَّرَ أو عَكْسِهِ أو إلَى ما لَا يُقَرُّ عليه كَيَهُودِيٍّ تَوَثَّنَ أو انْتَقَلَ من دِينٍ لَا يُقَرُّ أَهْلُهُ عليه إلَى ما يُقَرُّ عليه كَوَثَنِيٍّ تَهَوَّدَ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى من الضَّرْبِ الْأَوَّلِ
وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لَا يُقْبَلُ منه إلَّا الْإِسْلَامُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ يَبْتَغِ غير الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ منه وَلِأَنَّهُ أَحْدَثَ دِينًا بَاطِلًا بَعْدَ اعْتِرَافِهِ بِبُطْلَانِهِ سَوَاءٌ أَصَرَّ عليه أَمْ عَادَ لِلْأَوَّلِ وَإِنْ كان له فَضِيلَةٌ لِبُطْلَانِهَا بِالِانْتِقَالِ
____________________
(3/161)
عنه وَصَارَ كَالْمُرْتَدِّ لَكِنَّهُ يَبْلُغُ الْمَأْمَنَ كَمَنْ نَبَذَ الْعَهْدَ ثُمَّ هو حَرْبِيٌّ إنْ ظَفِرْنَا بِهِ قَتَلْنَاهُ وَيُفَارِقُ من فَعَلَ ما يُنْتَقَضُ بِهِ عَهْدُهُ من قِتَالٍ وَنَحْوِهِ حَيْثُ يُقْتَلُ وَلَا يُلْحَقُ بِمَأْمَنِهِ بِتَعَدِّي ضَرَرِهِ إلَيْنَا بِخِلَافِ الْمُنْتَقِلِ ضَرَرُهُ على نَفْسِهِ وَذِكْرُ تَبْلِيغِهِ الْمَأْمَنَ في الضَّرْبِ الثَّانِي من زِيَادَتِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَظْهَرُ أَنَّ عَدَمَ قَبُولِ غَيْرِ الْإِسْلَامِ فِيمَا بَعْدَ عَقْدِ الْجِزْيَةِ أَمَّا لو تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ جَاءَنَا وَقَبِلَ الْجِزْيَةَ فإنه يُقِرُّ لِمَصْلَحَةِ قَبُولِهَا ثُمَّ قال تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ كَلَامُهُمْ في الضَّرْبِ الثَّالِثِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لو لم يُسْلِمْ قُتِلَ كَالْمُرْتَدِّ وَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ يَبْقَى على حَالِهِ قبل الِانْتِقَالِ حتى لو كان له أَمَانٌ لم يَتَغَيَّرْ حُكْمُهُ بِذَلِكَ وَإِلَّا قُتِلَ إنْ لم يُسْلِمْ انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ
وإذا تَنَصَّرَتْ أو تَوَثَّنَتْ يَهُودِيَّةٌ أو مَجُوسِيَّةٌ لم تَحِلَّ لِمُسْلِمٍ كَالْمُرْتَدَّةِ فَإِنْ كانت مَنْكُوحَةً له فَهِيَ كَالْمُرْتَدَّةِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا فإذا وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ تَمَجَّسَتْ كِتَابِيَّةٌ تَحْتَ كِتَابِيٍّ لَا يَرَى نِكَاحَهَا فَكَتَمَجُّسِهَا تَحْتَ مُسْلِمٍ فَتَحْصُلُ الْفُرْقَةُ بِشَرْطِهَا أَيْ فَتَتَنَجَّزُ قبل الدُّخُولِ وَتَتَوَقَّفُ على انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بَعْدَهُ فَإِنْ أَسْلَمَا فيها دَامَ النِّكَاحُ وَإِلَّا فَالْفُرْقَةُ من حِينِ التَّمَجُّسِ فَإِنْ رَأْي نِكَاحَهَا أَقْرَرْنَاهُمَا ولا يَحِلُّ لِأَحَدٍ نِكَاحُ الْمُرْتَدَّةِ لَا من الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهَا كَافِرَةٌ لَا تُقِرُّ كَالْوَثَنِيَّةِ وَلَا من الْكُفَّارِ لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الْإِسْلَامِ فيها وَلَا من الْمُرْتَدِّينَ لِأَنَّ الْقَصْدَ من النِّكَاحِ الدَّوَامُ وَهِيَ لَيْسَتْ مُبْقَاةً فَإِنْ ارْتَدَّتْ وَلَوْ مع الزَّوْجِ أو ارْتَدَّ الزَّوْجُ وَحْدَهُ قبل الدُّخُولِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ لِعَدَمِ تَأَكُّدِهِ بِالدُّخُولِ أو بَعْدَهُ وَقَفَتْ الْفُرْقَةُ على انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِنْ جَمَعَهُمَا الْإِسْلَامُ فيها دَامَ النِّكَاحُ وَإِلَّا فَالْفُرْقَةُ من حِينِ الرِّدَّةِ لِأَنَّهَا اخْتِلَافُ دِينٍ طَرَأَ بَعْدَ الْمَسِيسِ فلم يُوجِبْ الْفَسْخَ في الْحَالِ كَإِسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَأُلْحِقَتْ رِدَّتُهُمَا بِرِدَّةِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهَا أَفْحَشُ وَلَيْسَتْ كَإِسْلَامِهِمَا لِأَنَّهُمَا إذَا أَسْلَمَا مُكِّنَا من الْوَطْءِ بِخِلَافِ ما إذَا ارْتَدَّا
وَيَحْرُمُ الْوَطْءُ في مُدَّةِ التَّوَقُّفِ لِتَزَلْزُلِ مِلْكِ النِّكَاحِ بِمَا حَدَثَ وَلَا حَدَّ فيه لِشُبْهَةِ بَقَاءِ أَحْكَامِ النِّكَاحِ لَكِنَّهُ يُعَزَّرُ وَتَجِبُ عِدَّةٌ منه وَهُمَا أَيْ عِدَّةُ الرِّدَّةِ وَعِدَّةُ الْوَطْءِ عِدَّتَا شَخْصٍ وَاحِدٍ كما لو طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثُمَّ وَطِئَهَا في الْعِدَّةِ فَرْعٌ الْمُتَوَلِّدَةُ بين كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ حَرَامٌ وَإِنْ كان الْكِتَابِيُّ الْأَبَ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ كما في الْمُتَوَلِّدِ بين مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمُتَوَلِّدَةِ بين مُسْلِمٍ وَكِتَابِيَّةٍ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عليه وَسَائِرُ الْأَدْيَانِ تَتَقَاوَمُ وَلَا يَعْلُو بَعْضُهَا بَعْضًا وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ هذا في صَغِيرَةٍ أو مَجْنُونَةٍ فَإِنْ بَلَغَتْ عَاقِلَةً ثُمَّ تَبِعَتْ دِينَ الْكِتَابِيِّ مِنْهُمَا أُلْحِقَتْ بِهِ فَيَحِلُّ نِكَاحُهَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ فيها شُعْبَةً من كُلٍّ مِنْهُمَا لَكِنَّا غَلَّبْنَا جَانِبَ التَّحْرِيمِ ما دَامَتْ تَابِعَةً لِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ فإذا بَلَغَتْ وَاسْتَقَلَّتْ وَاخْتَارَتْ دِينَ الْكِتَابِيِّ قَوِيَتْ تِلْكَ الشُّعْبَةُ
وَقِيلَ لَا تُلْحَقُ بِهِ فَلَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا كَالْمُتَوَلِّدَةِ بين مَجُوسِيَّيْنِ وَتَأَوَّلَ قَائِلُهُ النَّصَّ على ما إذَا كان أَحَدُ أَبَوَيْهِ يَهُودِيًّا وَالْآخَرُ نَصْرَانِيًّا فَبَلَغَ وَاخْتَارَ دِينَ أَحَدِهِمَا وَصَحَّحَهُ في الْمُهِمَّاتِ فقال وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْحِلِّ فَقَدْ صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ في أَوَّلِ كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ فَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ نِسْبَةَ التَّصْحِيحِ لِلرَّافِعِيِّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَتَأْوِيلُ النَّصِّ بِمَا ذُكِرَ عَجِيبٌ فَقَدْ صَوَّرَهَا في الْأُمِّ بِأَنَّ أَحَدَ أَبَوَيْهِ نَصْرَانِيٌّ وَالْآخَرَ مَجُوسِيٌّ انْتَهَى وَأَيْضًا فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ الْأَوَّلِ فَبَلَغَ وَاخْتَارَ دِينَ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْحُكْمَ بِدُونِهِ كَذَلِكَ تَتِمَّةٌ قال ابن يُونُسَ من مَوَانِعِ النِّكَاحِ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ فَلَا يَجُوزُ لِلْآدَمِيِّ أَنْ يَنْكِحَ جِنِّيَّةً وَبِهِ أَفْتَى الْبَارِزِيُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاَللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ من أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وابن عبد السَّلَامِ قال لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ على تَسْلِيمِهَا وفي تَعْلِيلِهِ بهذا نَظَرٌ لِأَنَّ
____________________
(3/162)
الْقُدْرَةَ على التَّسْلِيمِ في النِّكَاحِ لَيْسَتْ شَرْطًا في صِحَّتِهِ وَرَوَى ابن أبي الدُّنْيَا مَرْفُوعًا نهى عن نِكَاحِ الْجِنِّ
الْبَابُ السَّابِعُ في نِكَاحِ الْمُشْرِكِ وهو الْكَافِرُ على أَيِّ مِلَّةٍ كان وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْمَجُوسِيَّيْنِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّنْ لَا تَحِلُّ لنا مُنَاكَحَتُهُ من الْكُفَّارِ فَإِنْ كان قبل الْمَسِيسِ تَنَجَّزَتْ الْفُرْقَةُ لِعَدَمِ تَأَكُّدِ النِّكَاحِ بِالدُّخُولِ وَإِلَّا تَوَقَّفَتْ على انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِنْ أَسْلَمَ الْآخَرُ قبل انْقِضَائِهَا اسْتَقَرَّ النِّكَاحُ لِمَا رَوَى أبو دَاوُد أَنَّ امْرَأَةً أَسْلَمَتْ على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَتَزَوَّجَتْ فَجَاءَ زَوْجُهَا فقال يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْت أَسْلَمْت وَعَلِمْت بِإِسْلَامِيِّ فَانْتَزَعَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من زَوْجِهَا الثَّانِي وَرَدَّهَا إلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ وفي مَعْنَى الْمَسِيسِ اسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُسْلِمْ الْآخَرُ قبل انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثَبَتَتْ الْفُرْقَةُ من حِينَئِذٍ أَيْ من حِينِ إسْلَامِ الْأَوَّلِ بِالْإِجْمَاعِ وَهِيَ فُرْقَةُ فَسْخٍ لَا طَلَاقٍ لِأَنَّهُمَا مَغْلُوبَانِ عليها
وَإِنْ أَسْلَمَ الرَّجُلُ وَلَوْ وَثَنِيًّا وَالْمَرْأَةُ حُرَّةٌ كِتَابِيَّةٌ أو أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ مَعًا اسْتَقَرَّ النِّكَاحُ أَمَّا في الْأُولَى فَلِمَا مَرَّ من أَنَّ لِلْمُسْلِمِ نِكَاحَ الْكِتَابِيَّةِ وَخَرَجَ بِالْحُرَّةِ فيها الْأَمَةُ وَبِالْكِتَابِيَّةِ نَحْوُ الْوَثَنِيَّةِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُمَا وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَلِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ أَنَّ رَجُلًا أَسْلَمَ ثُمَّ جَاءَتْ امْرَأَتُهُ مُسْلِمَةً فقال يا رَسُولَ اللَّهِ كانت أَسْلَمَتْ مَعِي فَرَدَّهَا عليه وَلِتَسَاوِيهِمَا في صِفَةِ الْإِسْلَامِ الْمُنَاسِبَةِ لِلتَّقْرِيرِ بِخِلَافِ ما لو ارْتَدَّا مَعًا كما مَرَّ وَالِاعْتِبَارُ في الْمَعِيَّةِ بِآخِرِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ الْإِسْلَامُ لَا بِأَوَّلِهِ وَإِسْلَامُ أَبَوَيْ الزَّوْجَيْنِ الصَّغِيرَيْنِ أو أَحَدُهُمَا كَإِسْلَامِ الزَّوْجَيْنِ أو أَحَدِهِمَا فِيمَا ذُكِرَ وَكَالصَّغِيرَيْنِ الْمَجْنُونَانِ وَإِنْ أَسْلَمَتْ الزَّوْجَةُ الْبَالِغَةُ وأبو زَوْجِهَا الطِّفْلِ مَعًا ولم يَدْخُلْ بها قال الْبَغَوِيّ بَطَلَ النِّكَاحُ لِتَرْتِيبِ إسْلَامِهِ على إسْلَامِ أبيه فَقَدْ سَبَقَتْهُ بِالْإِسْلَامِ
وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ تَرْتِيبَ إسْلَامِهِ على إسْلَامِ أبيه لَا يَقْتَضِي تَقَدُّمًا وَتَأَخُّرًا بِالزَّمَانِ فَلَا يَظْهَرُ تَقَدُّمُ إسْلَامِهَا على إسْلَامِ الزَّوْجِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ قال السُّبْكِيُّ وهو مَبْنِيٌّ على ما صَحَّحُوهُ من كَوْنِ الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ مع مَعْلُولِهَا وَالْمُخْتَارُ عِنْدِي تَقَدُّمُهَا فَيُتَّجَهُ قَوْلُ الْبَغَوِيّ وَكَذَا قال الْبُلْقِينِيُّ ما قَالَهُ الْبَغَوِيّ هو الْفِقْهُ فإن الْحُكْمَ لِلتَّابِعِ مُتَأَخِّرٌ عن الْحُكْمِ لِلْمَتْبُوعِ فَلَا يُحْكَمُ لِلطِّفْلِ بِالْإِسْلَامِ حتى يَصِيرَ الْأَبُ مُسْلِمًا قال الْأَذْرَعِيُّ وما قَالَهُ الْبَغَوِيّ هو ما أَوْرَدَهُ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَالْخُوَارِزْمِيّ قال الْبَغَوِيّ وَإِنْ أَسْلَمَتْ عَقِبَ إسْلَامِ الْأَبِ ولم يَدْخُلْ بها الطِّفْلُ بَطَلَ النِّكَاحُ أَيْضًا لِأَنَّ إسْلَامَ الطِّفْلِ يَحْصُلُ حُكْمًا وَإِسْلَامُهَا يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ وَالْحُكْمِيُّ يَكُونُ سَابِقًا لِلْقَوْلِيِّ فَلَا يَتَحَقَّقُ إسْلَامُهُمَا مَعًا
فَرْعٌ وَطْءُ الْمَوْقُوفِ نِكَاحُهَا على الْإِسْلَامِ في الْعِدَّةِ حَرَامٌ لِتَزَلْزُلِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَالتَّصْرِيحُ بِتَحْرِيمِ الْوَطْءِ من زِيَادَتِهِ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ في الْوَطْءِ في عِدَّةِ الرِّدَّةِ وَالطَّلَاقُ وَالْخُلْعُ وَالظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ منها في الْعِدَّةِ مَوْقُوفٌ كُلٌّ منها فَإِنْ أَسْلَمَ الْآخَرُ في الْعِدَّةِ تَبَيَّنَ وُقُوعُهُ من حِينَئِذٍ أَيْ من حِينِ إيقَاعِهِ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ صَرِيحَ التَّعْلِيقِ فَلَأَنْ يَقْبَلَ تَقْدِيرَهُ أَوْلَى وَتَعْتَدُّ لِلطَّلَاقِ من وَقْتِهِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُسْلِمْ الْآخَرُ في الْعِدَّةِ فَلَا وُقُوعَ لِشَيْءٍ من ذلك لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ قبل إيقَاعِهِ وَإِنْ قَذَفَهَا وَاجْتَمَعَا على الْإِسْلَامِ في الْعِدَّةِ فَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَ الدَّفْعُ الْحَدُّ أو التَّعْزِيرُ وَإِلَّا فَلَا يُلَاعِنُ فَإِنْ حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ بِتَخَلُّفِهِ هو بِالْإِسْلَامِ حُدَّ لِأَنَّهُ قَذْفُ مُسْلِمَةٍ أو بِتَخَلُّفِهَا هِيَ عُزِّرَ لِأَنَّهُ قَذْفُ كَافِرَةٍ
وإذا أَسْلَمَ على وَثَنِيَّةٍ حَرُمَ عليه نِكَاحُ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا في الْعِدَّةِ قال في الْأَصْلِ وَكَذَا لو طَلَّقَهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً في الشِّرْكِ ثُمَّ أَسْلَمَ لم يَنْكِحْ في الْعِدَّةِ أُخْتَهَا أو أَرْبَعًا سِوَاهَا لِأَنَّ زَوَالَ نِكَاحِهَا غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ فَلَا يَنْكِحُ من لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وبينها فَإِنْ نَكَحَ الْمُتَخَلِّفُ أُخْتَ الْمُسْلِمَةِ الْكَافِرَةَ في الْعِدَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَهَا في الْعِدَّةِ تَخَيَّرَ إحْدَاهُمَا كما لو أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ أَسْلَمَتَا معه أو أَسْلَمَا بَعْدَهَا اسْتَقَرَّتْ الْأُخْرَى أَيْ الثَّانِيَةُ فَصْلٌ وَإِنَّمَا نُقِرُّهُمَا بَعْدَ إسْلَامِهِمَا على نِكَاحٍ لم يُقَارِنْهُ مُفْسِدٌ عِنْدَنَا وَإِنْ اعْتَقَدُوا فَسَادَهُ أو قَارَنَهُ مُفْسِدٌ عِنْدَنَا وَاعْتَقَدُوهُ صَحِيحًا مُسْتَمِرًّا ولم يُقَارِنْ الْإِسْلَامَ ما يَمْنَعَ ابْتِدَاءَهُ أَيْ النِّكَاحِ
____________________
(3/163)
بِخِلَافِ ما إذَا قَارَنَهُ مُفْسِدٌ عِنْدَنَا وَاعْتَقَدُوا فَسَادَهُ أو قَارَنَ الْإِسْلَامَ ما يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ فَلَا نُقِرُّهُمَا عليه فَإِنْ نَكَحَ في الْكُفْرِ بِلَا وَلِيٍّ وَلَوْ بِلَا شُهُودٍ أَيْضًا أو ثَيِّبًا بِإِجْبَارٍ أو بِكْرًا بِإِجْبَارِ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ أو رَاجَعَ الرَّجْعِيَّةَ في الْقُرْءِ الرَّابِعِ وَجَوَّزُوهُ بِأَنْ اعْتَقَدُوا امْتِدَادَ الرَّجْعَةِ إلَيْهِ أُقِرَّا عليه أَيْ النِّكَاحِ لِانْتِفَاءِ الْمُفْسِدِ عِنْدَ الْإِسْلَامِ فَنَزَلَ حَالُ الْإِسْلَامِ مَنْزِلَةَ حَالِ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا لم يُعْتَبَرْ حَالَ نِكَاحِ الْكَافِرِ لِلرُّخْصَةِ وَالتَّخْفِيفِ فَلْيُعْتَبَرْ حَالُ الِالْتِزَامِ بِالْإِسْلَامِ لِئَلَّا يَخْلُوَ الْعَقْدُ عن شَرْطِهِ في الْحَالَيْنِ جميعا وَلِخَبَرِ غَيْلَانَ في إسْلَامِهِ على أَكْثَرَ من أَرْبَعٍ إذْ مُقْتَضَاهُ أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ لَا يَجُوزُ له ابْتِدَاؤُهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَا يُقِرُّ عليه لو أَسْلَمَ
وَإِنْ نَكَحَ مَحْرَمًا له كَبِنْتِهِ أو مُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا قبل التَّحَلُّلِ لم يُقَرَّا عليه لِأَنَّهُ قد قَارَنَ الْإِسْلَامَ ما يَمْنَعُ ابْتِدَاءَهُ أَيْ النِّكَاحِ وَإِنْ نَكَحَ مُعْتَدَّةَ غَيْرٍ وَلَوْ عن شُبْهَةٍ كما شَمَلَهُ كَلَامُهُمْ أو نَكَحَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا أو لِأَحَدِهِمَا مُدَّةً فَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ أو الْمُدَّةُ قبل إسْلَامِهِمَا أَيْ إسْلَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا أُقِرَّا على النِّكَاحِ لِانْتِفَاءِ الْمُفْسِدِ عِنْدَ الْإِسْلَامِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم تَنْقَضِ الْعِدَّةُ أو الْمُدَّةُ قبل إسْلَامِهِمَا بِأَنْ انْقَضَتْ مَعَهُمَا أو بَعْدَهُمَا أو بَيْنَهُمَا فَلَا يُقَرَّانِ عليه لِبَقَاءِ الْمُفْسِدِ عِنْدَ الْإِسْلَامِ وَاكْتَفَوْا بِمُقَارَنَةِ الْمُفْسِدِ إسْلَامَ أَحَدِهِمَا تَغْلِيبًا لِلْفَسَادِ نعم الْيَسَارُ وَأَمْنُ الْعَنَتَ إنْ قَارَنَا أو أَحَدُهُمَا النِّكَاحَ في الْكُفْرِ وَاسْتَمَرَّ إلَى إسْلَامِ أَحَدِهِمَا وكان زَائِلًا عِنْدَ إسْلَامِ الْآخَرِ قُرِّرَ النِّكَاحُ كما يُؤْخَذُ من كَلَامِهِ في الْفَصْلِ الْآتِي وَصَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَنَقَلَهُ عن الْأَصْحَابِ
والنكاح الْمُؤَقَّتُ بِمُدَّةٍ كَسَنَةٍ إنْ اعْتَقَدُوهُ مُسْتَمِرًّا أَقْرَرْنَاهُ وَيَكُونُ ذِكْرُ الْوَقْتِ لَغْوًا وَهَذَا كَاعْتِقَادِنَا مُؤَقَّتَ الطَّلَاقِ مُؤَبَّدًا بِخِلَافِ ما إذَا لم يَعْتَقِدُوا اسْتِمْرَارَهُ سَوَاءٌ أَسْلَمَا بَعْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ أَمْ قَبْلَهُ وَكَذَا الْغَصْبُ لو اعْتَقَدَهُ غَيْرُ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِكَاحًا كَأَنْ غَصَبَ حَرْبِيٌّ أو مُسْتَأْمَنٌ امْرَأَةً وَاِتَّخَذَهَا زَوْجَةً وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ غَصْبَهَا نِكَاحًا فَنُقِرُّهُمَا عليه إقَامَةً لِلْفِعْلِ مَقَامَ الْقَوْلِ أَمَّا لو غَصَبَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً وَاِتَّخَذَهَا زَوْجَةً فَلَا نُقِرُّهُمَا عليه وَإِنْ اعْتَقَدُوهُ نِكَاحًا لِأَنَّ على الْإِمَامِ دَفْعَ بَعْضِهِمْ عن بَعْضٍ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ وَقَيَّدَ ابن أبي هُرَيْرَةَ ذلك بِمَا إذَا لم يَتَوَطَّنْ الذِّمِّيُّ دَارَ الْحَرْبِ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْحَرْبِيِّ وهو ظَاهِرٌ إذْ لَا يَجِبُ الدَّفْعُ عنه حِينَئِذٍ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ وَعِلَّتُهُمْ التَّقْرِيرُ فِيمَا لو غَصَبَ الْحَرْبِيُّ ذِمِّيَّةً أو الذِّمِّيُّ حَرْبِيَّةً وَاعْتَقَدُوهُ نِكَاحًا وَبِهِ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ في الثَّانِيَةِ لَكِنْ مُقْتَضَى كَلَامِهِ هُنَا يُخَالِفُهُ وَوَافَقَ الْبُلْقِينِيُّ على ما قُلْنَاهُ في الثَّانِيَةِ وَخَالَفَ في الْأُولَى فقال فيها لَا تَقْرِيرَ أَخْذًا من الْعِلَّةِ لِأَنَّ على الْإِمَامِ أَنْ يَدْفَعَ أَهْلُ الْحَرْبِ عن أَهْلِ الذِّمَّةِ
وقد يُقَالُ فِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ لِأَنَّ هذه الْعِلَّةَ لَيْسَتْ عِلَّتَهُمْ السَّابِقَةَ وَتِلْكَ لَا يُؤْخَذُ منها ما قَالَهُ بَلْ عَكْسُهُ كما تَقَرَّرَ وَيُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ الْأَخْذُ من مَفْهُومِهَا الْأَوْلَوِيِّ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ لِأَنَّ على الْإِمَامِ إلَى آخِرِهِ وَكَالْغَصْبِ فِيمَا ذُكِرَ الْمُطَاوَعَةُ وَلَا يَجِبُ الْبَحْثُ عن نِكَاحِ من أَسْلَمَ أَيْ عن شَرْطِهِ لِأَنَّهُ قد أَسْلَمَ خَلَائِقُ فلم يَسْأَلْهُمْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن شُرُوطِ أَنْكِحَتِهِمْ وَأَقَرَّهُمْ عليها وَلِأَنَّ فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيَّ قال قُلْت يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَسْلَمْت وَتَحْتِي أُخْتَانِ قال اخْتَرْ أَيَّتَهُمَا شِئْتَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ لو وَجَبَ ذلك لَبَحَثَ عن كَيْفِيَّةِ النِّكَاحَيْنِ وَحَكَمَ بِبُطْلَانِهِمَا إنْ جَرَيَا مَعًا وَبِصِحَّةِ الْأَوَّلِ إنْ تَرَتَّبَا وَأَمَّا في حَالِ الْإِسْلَامِ فَالْوَجْهُ الِاحْتِيَاطُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
فَصْلٌ فَإِنْ لم يُقَارِنْ الْمُفْسِدَ الْعَقْدُ بَلْ طَرَأَ بَعْدَهُ قَارَنَ الْإِسْلَامَ كَمَنْ أَسْلَمَ وَوُطِئَتْ زَوْجَتُهُ بِشُبْهَةٍ أو أَحْرَمَ بَعْدَ إسْلَامِهِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ فِيهِمَا في الْعِدَّةِ أو أَسْلَمَتْ وَوُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أو أَحْرَمَتْ بَعْدَ إسْلَامِهَا ثُمَّ أَسْلَمَ فِيهِمَا في الْعِدَّةِ قُرِّرَ نِكَاحُهُمَا وَإِنْ يَجُزْ ابْتِدَاؤُهُ لِأَنَّ عِدَّةَ الشُّبْهَةِ وَالْإِحْرَامِ لَا يَقْطَعَانِ نِكَاحَ الْمُسْلِمِ فَهَذَا أَوْلَى وَلِأَنَّ الْإِمْسَاكَ اسْتِدَامَةٌ فَجَازَ مع ذلك كَالرَّجْعَةِ بَلْ لِلْمُحْرِمِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَخْتَارَ أَرْبَعًا مِمَّنْ أَسْلَمْنَ معه في زَمَنِ إسْلَامِهِ أو في الْعِدَّةِ كما ذُكِرَ وَمَتَى أَسْلَمَ مع حُرَّةٍ تَصْلُحُ لِلتَّمَتُّعِ وَأَمَةٍ تَحْتَهُ وَكَذَا لو أَسْلَمَ مع أَمَةِ وهو مُوسِرٌ أو أَمِنَ الْعَنَتَ بَطَلَ نِكَاحُ الْأَمَةِ في الثَّلَاثِ سَوَاءٌ أَسْلَمَ مَعَهَا في زَمَنِ إسْلَامِهَا أَمْ الْعِدَّةِ إذْ لَا يَجُوزُ له نِكَاحُ أَمَةٍ حِينَئِذٍ وَسَوَاءٌ أَنْكَحَهُمَا في الْأُولَى مَعًا أَمْ مُرَتَّبًا كما في نِكَاحِ الْأُخْتَيْنِ
وَلَوْ أَسْلَمَ مُوسِرٌ ثُمَّ أَعْسَرَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ زَوْجَتُهُ الْأَمَةُ في الْعِدَّةِ اسْتَمَرَّ نِكَاحُهَا وَكَذَا يَسْتَمِرُّ لو أَسْلَمَتْ وهو مُوسِرٌ ثُمَّ أَسْلَمَ وهو مُعْسِرٌ لِانْتِفَاءِ الْمُفْسِدِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا في الْإِسْلَامِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ في بُطْلَانِ نِكَاحِ الْأَمَةِ مُقَارَنَةُ الْيَسَارِ أو أَمْنُ الْعَنَتِ
____________________
(3/164)
إسْلَامَهُمَا مَعًا لِأَنَّ وَقْتَ اجْتِمَاعِهِمَا فيه هو وَقْتُ جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ فإنه إنْ سَبَقَ إسْلَامَهُ فَالْأَمَةُ الْكَافِرَةُ لَا تَحِلُّ له أو إسْلَامُهَا فَالْمُسْلِمَةُ لَا تَحِلُّ لِلْكَافِرِ فَكَانَ اجْتِمَاعُهُمَا في الْإِسْلَامِ شَبِيهًا بِحَالِ ابْتِدَاءِ نِكَاحِ الْأَمَةِ وَاعْتُبِرَ الطَّارِئُ هُنَا دُونَ ما مَرَّ من عِدَّةِ الشُّبْهَةِ وَالْإِحْرَامِ لِأَنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ بَدَلٌ يَعْدِلُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحُرَّةِ وَالْبَدَلُ أَضْيَقُ حُكْمًا من الْأَصْلِ فَجَرَوْا فيه على التَّضْيِيقِ اللَّائِقِ بِهِ وَلِأَنَّ الْمُفْسِدَ في نِكَاحِ الْأَمَةِ الْخَوْفُ من إرْقَاقِ الْوَلَدِ وهو دَائِمٌ فَأَشْبَهَ الْمَحْرَمِيَّةَ وَأَمَّا الْعِدَّةُ وَالْإِحْرَامُ فَيُنْتَظَرُ زَوَالُهُمَا عن قُرْبٍ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَكَذَا إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ وَحَذَفَ من الْأَصْلِ عَكْسَ الْأَوْلَى وهو أَنْ يُسْلِمَ مُعْسِرٌ ثُمَّ يُوسِرَ ثُمَّ تُسْلِمَ هِيَ بِخِلَافِ ما لو أَسْلَمَتْ معه الْحُرَّةُ وَأَسْلَمَتْ الْأَمَةُ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِهَا أو رِدَّتِهَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
فَلَا يَسْتَمِرُّ نِكَاحُهَا وَإِنْ كان عَاجِزًا عن الْحُرَّةِ حِينَئِذٍ إذْ يَكْفِي في دَفْعِهَا اقْتِرَانُ إسْلَامِ الْحُرَّةِ بِإِسْلَامِهِ بِخِلَافِ الْيَسَارِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ اقْتِرَانُهُ بِإِسْلَامِهِ وَإِسْلَامِ الْأَمَةِ جميعا ولم يَمْنَعْ الْيَسَارُ السَّابِقُ إمْسَاكَهَا كما مَرَّ وَفَرَّقُوا بِأَنَّ أَثَرَ نِكَاحِ الْحُرَّةِ بَاقٍ بَعْدَ مَوْتِهَا بِدَلِيلِ إرْثِهَا وَغُسْلِهَا وَلُزُومِ تَجْهِيزِهَا فَكَانَ النِّكَاحُ بَاقٍ بِخِلَافِ الْيَسَارِ وَبِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَسْلَمَتْ وَتَعَيَّنَتْ حُسِبَتْ على الزَّوْجِ ولم يُؤَثِّرْ مَوْتُهَا بِدَلِيلِ ما لو أَسْلَمَ على خَمْسٍ فَأَسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ فَاخْتَارَهَا فَمَاتَتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْبَوَاقِي فَإِنَّمَا يُمْسِكُ ثَلَاثًا مِنْهُنَّ قال الْإِمَامُ وَلِأَنَّ الْحُرَّةَ في الْمَنْعِ أَقْوَى من الْيَسَارِ إذْ غَيْبَتُهَا تَحْتَهُ تَمْنَعُ نِكَاحَ الْأَمَةِ بِخِلَافِ غَيْبَةِ مَالِهِ وَهَذَا وَإِنْ كان على طَرِيقَتِهِ في أَنَّ غَيْبَتَهَا تَمْنَعُ ذلك دُونَ طَرِيقَةِ غَيْرِهِ يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِهِ
وَإِنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَمَةٌ كِتَابِيَّةٌ فَإِنْ أَسْلَمَتْ وَعَتَقَتْ في الْعِدَّةِ قُرِّرَتْ على النِّكَاحِ وَإِلَّا بِأَنْ لم تَكُنْ كِتَابِيَّةً كَأَنْ كانت وَثَنِيَّةً أو كانت كِتَابِيَّةً ولم تُسْلِمْ ولم تُعْتِقْ أو أَسْلَمَتْ وعتقت بَعْدَ الْعِدَّةِ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا من وَقْتِ إسْلَامِهِ وَإِنْ جَازَ له نِكَاحُ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ وَشَمَلَ قَوْلُهُ وَإِلَّا إلَى آخِرِهِ ما لو أَسْلَمَتْ ولم تُعْتَقْ أو عَتَقَتْ في الْعِدَّةِ ولم تُسْلِمْ مع أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا نعم يُعْتَبَرُ في الْأُولَى مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مِمَّنْ يَحِلُّ له نِكَاحُ الْأَمَةِ وَإِنْ أَسْلَمَتْ الزَّوْجَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ ارْتَدَّتْ فَإِنْ لم يُسْلِمْ هو حتى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا التي لِإِسْلَامِهَا بَانَتْ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ أَوَّلًا وَإِنْ أَسْلَمَ في الْعِدَّةِ أَيْ عِدَّةِ الْإِسْلَامِ وَأَسْلَمَتْ قبل انْقِضَاءِ عِدَّةِ الرِّدَّةِ اسْتَمَرَّ النِّكَاحُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم تُسْلِمْ قبل انْقِضَاءِ عِدَّةِ الرِّدَّةِ انْقَطَعَ النِّكَاحُ من وَقْتِ الرِّدَّةِ وَكَذَا حُكْمُ إسْلَامِهِ وَرِدَّتِهِ فَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ ارْتَدَّ
فَإِنْ لم تُسْلِمْ هِيَ حتى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا لِإِسْلَامِهِ بَانَتْ وَإِنْ أَسْلَمَتْ في عِدَّةِ الْإِسْلَامِ وَأَسْلَمَ قبل انْقِضَاءِ عِدَّةِ الرِّدَّةِ اسْتَمَرَّ النِّكَاحُ وَإِلَّا انْقَطَعَ من وَقْتِ الرِّدَّةِ فَإِنْ أَسْلَمَ معه أَكْثَرُ من أَرْبَعٍ ثُمَّ ارْتَدَّ قبل الِاخْتِيَارِ أو أَسْلَمَ على أَكْثَرَ من أَرْبَعٍ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمْنَ في الْعِدَّةِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لم يَصِحَّ اخْتِيَارُهُ مُرْتَدًّا فَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ في الْعِدَّةِ فَلَهُ الِاخْتِيَارُ حِينَئِذٍ فَصْلٌ أَنْكِحَةُ الْكُفَّارِ صَحِيحَةٌ أَيْ مَحْكُومٌ بِصِحَّتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ وَلِقَوْلِهِ وَقَالَتْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَلِخَبَرِ غَيْلَانَ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَسْلَمَ على أَكْثَرَ من الْعَدَدِ الشَّرْعِيِّ حَيْثُ أَمَرَهُمْ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِإِمْسَاكِ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ ولم يَسْأَلْ عن شَرَائِطِ النِّكَاحِ وَلِأَنَّهُمْ لو تَرَافَعُوا إلَيْنَا أو أَسْلَمُوا لَا نُبْطِلُهُ وَالْفَاسِدُ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِالْإِسْلَامِ وَلَا يُقَرَّرُ عليه
فَلَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ في الشِّرْكِ ثَلَاثًا ولم تَتَحَلَّلْ فيه ثُمَّ أَسْلَمَا لم تَحِلَّ له إلَّا بِمُحَلِّلٍ وَإِنْ لم يَعْتَقِدُوهُ طَلَاقًا لِأَنَّا إنَّمَا نَعْتَبِرُ حُكْمَنَا بِخِلَافِ طَلَاقِهِ الْمُسْلِمَةَ لِعَدَمِ صِحَّةِ نِكَاحِهِ لها أَمَّا إذَا تَحَلَّلَتْ في الشِّرْكِ فَتَحِلُّ له وإذا انْدَفَعَ نِكَاحُهَا أَيْ الْكَافِرَةِ قبل الدُّخُولِ بِإِسْلَامِ الزَّوْجِ لَا إسْلَامِهَا اسْتَحَقَّتْ نِصْفَ الْمُسَمَّى الصَّحِيحِ وَإِلَّا بِأَنْ كان الْمُسَمَّى فَاسِدًا فَنِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ تَسْتَحِقُّهُ عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ في التَّسْمِيَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّتْ النِّصْفَ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ من قِبَلِ الزَّوْجِ أَمَّا إذَا انْدَفَعَ بِإِسْلَامِهَا فَلَا شَيْءَ لها لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ من جِهَتِهَا وَإِنْ لم يُسَمِّ لها شيئا فَالْمُتْعَةُ تَسْتَحِقُّهَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُحْرِمَ في ذلك كَغَيْرِهَا وَكَلَامُ أَصْلِهِ يَمِيلُ إلَيْهِ وَنَقَلَهُ عن الْقَفَّالِ وَنَقَلَ عن الْإِمَامِ الْقَطْعَ بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ لها لِأَنَّ الْعَقْدَ لم يَنْعَقِدْ وَهَذَا هو الْمُوَافِقُ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ من أَنَّ ما زَادَ على أَرْبَعٍ لَا مَهْرَ لَهُنَّ إذَا انْدَفَعَ
____________________
(3/165)
نِكَاحُهُنَّ بِاخْتِيَارِ أَرْبَعٍ قبل الدُّخُولِ وَلِمَا سَيَأْتِي أَوَاخِرَ الْبَابِ من أَنَّ الْمَجُوسِيَّ إذَا مَاتَ وَتَحْتَهُ مَحْرَمٌ لم نُوَرِّثْهَا
وَجَرَى على هذا الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَأَتْبَاعُهُ وَغَيْرُهُمْ كما قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ قال وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ أو انْدَفَعَ نِكَاحُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا فَالْمُسَمَّى الصَّحِيحُ تَسْتَحِقُّهُ وَإِلَّا بِأَنْ كان الْمُسَمَّى فَاسِدًا فَمَهْرُ الْمِثْلِ تَسْتَحِقُّهُ وَذَلِكَ لِاسْتِقْرَارِهِ بِالدُّخُولِ فَرْعٌ لو نَكَحَ أُخْتَيْنِ أو أَكْثَرَ من أَرْبَعٍ وَطَلَّقَهُنَّ ثَلَاثًا ثَلَاثًا قبل إسْلَامِهِمْ أَيْ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهِنَّ لم يَنْكِحْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ إلَّا بِمُحَلِّلٍ لِمُصَادَفَةِ طَلَاقِهِنَّ حَالَةَ صِحَّةِ نِكَاحِهِنَّ وَدَفَعَ بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا الثَّانِي احْتِمَالَ إرَادَةِ طَلَاقِ الْمَجْمُوعِ ثَلَاثًا أو طَلَّقَهُنَّ ثَلَاثًا ثَلَاثًا بَعْدَ إسْلَامِهِمْ تَخَيَّرَ أَيْ اخْتَارَ وَاحِدَةً في الْأُولَى وَأَرْبَعًا في الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا أَسْلَمُوا انْدَفَعَ نِكَاحُ ما زَادَ على ذلك وَوَقَعَ الطَّلَاقُ على من اخْتَارَهَا وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَهُنَّ أو بَعْدَهُنَّ وَطَلَّقَهُنَّ بين الْإِسْلَامِيِّينَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا تَخَيَّرَ أَيْضًا في الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُمْسِكُ إلَّا وَاحِدَةً في الْأُولَى وَأَرْبَعًا في الثَّانِيَةِ
وطلقت الْمُخْتَارَةُ وَتَبَيَّنَ الْفَسْخُ في الْبَاقِي من حِينِ أَسْلَمَ الْأَوَّلُ منهم وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ مَسْأَلَةِ طَلَاقِ الْأَكْثَرِ من أَرْبَعٍ بَعْدَ إسْلَامِهِمْ بِفُرُوعِهَا من زِيَادَتِهِ وَلَوْ نَكَحَ حُرَّةً وَأَمَةً وَلَوْ أُخْتَيْنِ وَطَلَّقَهُمَا ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ أَسْلَمُوا لم يَنْكِحْ إحْدَاهُمَا إلَّا بِمُحَلِّلٍ لِمَا مَرَّ وَإِنْ أَسْلَمُوا ثُمَّ طَلَّقَ هُمَا ثَلَاثًا ثَلَاثًا أو أَسْلَمَتَا ثُمَّ طَلَّقَ هُمَا ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ أَسْلَمَ في الْعِدَّةِ أو عَكْسِهِ بِأَنْ أَسْلَمَ ثُمَّ طَلَّقَهُمَا ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ أَسْلَمَتَا فيها تَعَيَّنَتْ الْحُرَّةُ لِلتَّحْلِيلِ وَانْدَفَعَتْ الْأَمَةُ وَلَا يَحْتَاجُ فيها إلَى مُحَلِّلٍ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ الْإِسْلَامُ انْدَفَعَ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَالطَّلَاقُ إنَّمَا يَنْفُذُ في الْمَنْكُوحَةِ وَهِيَ الْحُرَّةُ دُونَ الْأَمَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مُحَلِّلٍ وَمَحَلُّ ذلك في الْأَخِيرَتَيْنِ إذَا دخل الزَّوْجُ بِهِمَا وَإِلَّا تَعَجَّلَتْ الْفُرْقَةُ بِسَبْقِ إسْلَامِهِمَا أو إسْلَامِهِ فَلَا يَلْحَقُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا طَلَاقٌ فَلَا تَحْتَاجَانِ إلَى مُحَلِّلٍ فَلَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا في الْعِدَّةِ دُونَ الْأُخْرَى تَعَيَّنَ الطَّلَاقُ في الْمُسْلِمَةِ فَتَحْتَاجُ إلَى مُحَلِّلٍ دُونَ الْمُتَخَلِّفَةِ فَصْلٌ لو أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ وَالصَّدَاقُ فَاسِدٌ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَلَوْ في الذِّمَّةِ ولم تَقْبِضْهُ الزَّوْجَةُ اسْتَحَقَّتْ مَهْرَ الْمِثْلِ لِتَعَذُّرِ طَلَبِ الْفَاسِدِ في الْإِسْلَامِ وَمَحَلُّ اسْتِحْقَاقِهَا ذلك بَلْ وَاسْتِحْقَاقُهَا الْمُسَمَّى الصَّحِيحُ إذَا لم يَمْنَعْهَا منه زَوْجُهَا قَاصِدًا تَمَلُّكَهُ وَالْغَلَبَةَ عليه فَإِنْ مَنَعَهَا قَاصِدًا ذلك سَقَطَ حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ عن النَّصِّ وَجَرَى عليه الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ قَبَضَتْهُ في الْكُفْرِ فَلَا شَيْءَ لها لِانْفِصَالِ الْأَمْرِ بَيْنَهُمَا وما مَضَى في الْكُفْرِ لَا يُنْقَضُ لِخَبَرِ الْإِسْلَامِ يَجُبُّ ما قَبْلَهُ إلَّا إنْ كان الصَّدَاقُ مُسْلِمًا أو مَمْلُوكًا له كَأَنْ أَصْدَقَهَا حُرًّا مُسْلِمًا اسْتَرَقُّوهُ أو عَبْدًا مُسْلِمًا أو مُكَاتَبَهُ أو أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ أَسْلَمَا بَعْدَ قَبْضِهِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِمَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّا نُقِرُّهُمْ في الْكُفْرِ على الْخَمْرِ وَنَحْوِهَا دُونَ الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ وَنَحْوِهِ مِمَّا ذُكِرَ وَلِأَنَّ الْفَسَادَ في الْخَمْرِ وَنَحْوِهَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَجَازَ الْعَفْوُ عنه وفي الْمُسْلِمِ وَنَحْوِهِ لِحَقِّ الْمُسْلِمِ فَلَا يُعْفَى عنه قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ
وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ ما يَخْتَصُّ بِهِ الْمُسْلِمُ مُطْلَقًا كَذَلِكَ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَائِرُ ما يَخْتَصُّ بِهِ غَيْرُ النَّاكِحِ كَذَلِكَ حتى لو أَصْدَقَهَا خَمْرًا غَصَبَهَا من ذِمِّيٍّ آخَرَ فَقَبَضَتْهَا ثُمَّ أَسْلَمَا أَبْطَلْنَاهُ وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَعُمُومُ كَلَامِهِمْ في بَابِ الصَّدَاقِ يَقْتَضِيهِ وَإِنْ قَبَضَتْ في الْكُفْرِ نِصْفَ الْفَاسِدِ اسْتَحَقَّتْ نِصْفَ مَهْرِ الْمِثْلِ وَيُمْتَنَعُ تَسْلِيمُ الْبَاقِي من الْفَاسِدِ لِمَا مَرَّ وَيُفَارِقُ ما لو كَاتَبَ ذِمِّيٌّ عَبْدَهُ بِعِوَضٍ فَاسِدٍ وَقَبَضَ بَعْضَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ حَيْثُ تَسَلَّمَ بَاقِيهِ بِأَنَّ الْعِتْقَ في الْكِتَابَةِ يَحْصُلُ بِحُصُولِ الصِّفَةِ ثُمَّ يَلْزَمُهُ تَمَامُ قِيمَتِهِ وَلَا يَحُطُّ منها قِسْطَ الْمَقْبُوضِ في الْكُفْرِ لِتَعَلُّقِ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ آخِرِ النُّجُومِ وقد جَرَى في الْإِسْلَامِ فَكَانَ بِمَثَابَةِ ما لو كَاتَبَهُ في الْإِسْلَامِ بِعِوَضٍ فَاسِدٍ يُعْتَقُ بِالصِّفَةِ وَيَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ وَالْمُعْتَبَرُ في تَقْسِيطِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهَا مِمَّا هو مِثْلِيٌّ لو فُرِضَ مَالًا الْكَيْلُ وَلَوْ تَعَدَّدَ الزِّقُّ فَلَوْ أَصْدَقَهَا زِقَّيْ خَمْرٍ فَقَبَضَتْ أَحَدَهُمَا اُعْتُبِرَ في التَّقْسِيطِ الْكَيْلُ لَا الْوَزْنُ وَلَا الْعَدَدُ وَلَا الْقِيمَةُ نعم إنْ زَادَ أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ قِيمَةً لِزِيَادَةِ وَصْفٍ فيه اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ
والمعتبر في الْكِلَابِ وَالْخَنَازِيرِ الْقِيمَةُ بِتَقْدِيرِ الْمَالِيَّةِ عِنْدَ من يَجْعَلُ لَهُمَا قِيمَةً لَا لِعَدَدٍ وَيُفَارِقُ هذا ما في الْوَصِيَّةِ من أَنَّهُ لو لم يَكُنْ له إلَّا كِلَابٌ وَأَوْصَى بِكَلْبٍ يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ لَا الْقِيمَةُ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مَحْضُ تَبَرُّعٍ فَاغْتُفِرَ فيها ما لَا يُغْتَفَرُ في الْمُعَاوَضَاتِ وَلَوْ أَصْدَقَهَا جِنْسَيْنِ فَأَكْثَرَ كَزِقَّيْ خَمْرٍ وَكَلْبَيْنِ وسلم لها الْبَعْضَ في الْكُفْرِ فَالْمُعْتَبَرُ هُنَا الْقِيمَةُ بِتَقْدِيرِ الْمَالِيَّةِ عِنْدَ من ذُكِرَ في الْجَمِيعِ كَتَقْدِيرِ الْحُرِّ عَبْدًا
____________________
(3/166)
في الْحُكُومَةِ نعم لو تَعَدَّدَ الْجِنْسُ وكان مِثْلِيًّا كَزِقِّ خَمْرٍ وَزِقِّ بَوْلٍ وَقَبَضَتْ بَعْضَ كُلٍّ مِنْهُمَا على السَّوَاءِ يَنْبَغِي اعْتِبَارُ الْكَيْلِ
وَإِنْ بَاعَهُ أَيْ بَاعَ كَافِرٌ كَافِرًا أو أَقْرَضَهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمَا أو تَرَافَعَا إلَيْنَا قبل إسْلَامِهِمَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَوْ بِإِجْبَارِ قَاضِيهِمْ عليه لم يُعْتَرَضْ عَلَيْهِمَا لِانْفِصَالِ الْأَمْرِ بَيْنَهُمَا أو أَسْلَمَا أو تَرَافَعَا إلَيْنَا قَبْلَهُ أَيْ قبل الْقَبْضِ أَبْطَلْنَاهُ أَيْ كُلًّا من الْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَإِنْ قَبَضَ دِرْهَمًا من مَالِكِ الدِّرْهَمَيْنِ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ في أَوَاخِرِ بَابِ الرَّهْنِ فَرْعٌ لو دخل بِالْمُفَوِّضَةِ لِبُضْعِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ أو قَبْلَهُ الْمَفْهُومُ بِالْأُولَى وَلَا مَهْرَ لها عِنْدَهُمْ بِحَالٍ فَلَا شَيْءَ لها عليه لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ وَطْأَهَا بِلَا مَهْرٍ وَاسْتَشْكَلَ ذلك بِمَا يَأْتِي في الصَّدَاقِ من أَنَّهُ لو نَكَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً تَفْوِيضًا وَتَرَافَعَا إلَيْنَا حَكَمْنَا لها بِالْمَهْرِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ما هُنَا في الْحَرْبِيَّيْنِ وَفِيمَا إذَا اعْتَقَدَا أَنْ لَا مَهْرَ بِحَالٍ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فِيهِمَا
فَصْلٌ الذِّمِّيَّانِ لَا الْمُعَاهَدَانِ مَتَى تَرَافَعَا إلَيْنَا وَالْمِلَّةُ أَيْ مِلَّتُهُمَا مُخْتَلِفَةٌ كَيَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ وَجَبَ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا وَإِعْدَاءُ الْمُسْتَعِدِّي مِنْهُمَا على خَصْمِهِ أَيْ إعَانَةُ الطَّالِبِ له على إحْضَارِهِ وَإِنْ لم يَرْضَ خَصْمُهُ كَالْحُكْمِ بَيْنَنَا لِأَنَّهُ يَجِبُ على الْإِمَامِ مَنْعُ الظُّلْمِ عن الذِّمِّيِّ كَالْمُسْلِمِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قال ابن عَبَّاسٍ وَهَذِهِ نَاسِخَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أو أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَكَذَا يَجِبُ ذلك إذَا اتَّفَقَتْ مِلَّتُهُمَا كَيَهُودِيَّيْنِ لِمَا ذُكِرَ وَلِمَا صَحَّ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا ولم يَلْتَفِتْ إلَى حُكْمِ دِينِهِمْ وَالْمُعَاهَدُ وَالذِّمِّيُّ كَالذِّمِّيَّيْنِ فِيمَا ذُكِرَ وَيُسْتَثْنَى مِمَّا ذُكِرَ لو تَرَافَعُوا إلَيْنَا في شُرْبِ الْخَمْرِ فَإِنَّهُمْ لَا يُحَدُّونَ وَإِنْ رَضُوا بِحُكْمِنَا لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ أَمَّا الْمُعَاهَدَانِ فَلَا يَجِبُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمْ لم يَلْتَزِمُوا حُكْمَنَا وَلَا الْتَزَمْنَا دَفْعَ بَعْضِهِمْ عن بَعْضٍ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ بِالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُنَا الْحُكْمُ بين حَرْبِيَّيْنِ وَلَا بين حَرْبِيٍّ وَمُعَاهَدٍ قال الْأَذْرَعِيُّ
وَالظَّاهِرُ فِيمَا لو عُقِدَتْ الذِّمَّةُ لِأَهْلِ بَلْدَةٍ في دَارِ الْحَرْبِ أَنَّهُمْ كَالْمُعَاهَدِينَ فإنه لَا يَلْزَمُنَا الدَّفْعُ عَنْهُمْ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ فَرْعٌ لو أَقَرَّ ذِمِّيٌّ بِزِنًا أو سَرِقَةِ مَالٍ وَلَوْ لِذِمِّيٍّ حَدَدْنَاهُ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من وُجُوبِ الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ ثُمَّ عِنْدَ التَّرَافُعِ أَيْ تَرَافُعِهِمَا إلَيْنَا نَحْكُمُ بَيْنَهُمَا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ تَحَاكَمُوا إلَيْنَا في النِّكَاحِ أَقْرَرْنَا لهم ما نُقِرُّ عليه من أَسْلَمَ وَنُبْطِلُ عليهم ما لَا نُقِرُّ عليه من أَسْلَمَ وَنُوجِبُ النَّفَقَةَ في نِكَاحِ من قَرَّرْنَاهُ فَلَوْ نَكَحَ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ وَتَرَافَعَا إلَيْنَا قَرَّرَنَا النِّكَاحَ وَحَكَمْنَا بِالنَّفَقَةِ كما لو أَسْلَمَا وَالْتَزَمَا الْأَحْكَامَ
وَإِنْ نَكَحَ الْمَجُوسِيُّ مَحْرَمًا له ولم يَتَرَافَعَا إلَيْنَا لم نَعْتَرِضْ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ عَرَفُوا من حَالِ الْمَجُوسِ إنَّهُمْ يَنْكِحُونَ الْمَحَارِمَ ولم يَعْتَرِضُوهُمْ فَإِنْ تَرَافَعَا إلَيْنَا في النَّفَقَةِ فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا أَيْ أَبْطَلْنَا نِكَاحَهُمَا وَلَا نَفَقَةَ لِأَنَّهُمَا بِالتَّرَافُعِ أَظْهَرَا ما يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ فَأَشْبَهَ ما لو أَظْهَرَ الذِّمِّيُّ الْخَمْرَ وَلَوْ تَرَافَعُوا أَيْ الْكُفَّارُ إلَيْنَا فيها أَيْ في النَّفَقَةِ كَأَنْ جَاءَنَا كَافِرٌ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ وَطَلَبُوا فَرْضَ النَّفَقَةِ أَعْرَضْنَا عَنْهُمْ ما لم يَرْضَوْا بِحُكْمِنَا وَلَا نُفَرِّقُ بَيْنَهُمْ فَإِنْ رَضُوا بِهِ فَرَّقْنَا بَيْنَهُمْ بِأَنْ نَأْمُرَهُ بِاخْتِيَارِ إحْدَاهُمَا وَيُزَوِّجُ الْحَاكِمُ بِشُهُودٍ مُسْلِمِينَ ذِمِّيًّا بِكِتَابِيَّةٍ لَا وَلِيَّ لها خَاصٌّ بِالْتِمَاسِهِمْ ذلك
فَصْلٌ وَإِنْ أَسْلَمَ كَافِرٌ حُرٌّ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ من أَرْبَعٍ من الْحَرَائِرِ مَدْخُولٍ بِهِنَّ وَأَسْلَمْنَ معه أو أَسْلَمْنَ بَعْدَهُ أو بَعْضُهُنَّ بَعْدَهُ في الْعِدَّةِ وَالْبَعْضُ الْآخَرُ معه أو قَبْلَهُ أو تَخَلَّفْنَ عنه وَهُنَّ كِتَابِيَّاتٌ اخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِهِنَّ وَلَا نَظَرَ إلَى تُهْمَةِ الْإِرْثِ وَيَرِثُ من الْمَيِّتَاتِ الْمُخْتَارَاتِ غَيْرُ الْكِتَابِيَّاتِ وَانْدَفَعَ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْأَرْبَعِ نِكَاحُ الْبَاقِيَاتِ لِخَبَرِ غَيْلَانَ السَّابِقِ سَوَاءٌ أَنَكَحَهُنَّ مَعًا أَمْ مُرَتَّبًا حتى لو اخْتَارَ مِنْهُنَّ الْأَخِيرَاتِ جَازَ لِتَرْكِ الِاسْتِفْصَالِ في الْخَبَرِ وَالتَّصْرِيحِ بِمَسْأَلَةِ إسْلَامِ بَعْضِهِنَّ معه وَبِتَقْيِيدِ
____________________
(3/167)
الْإِرْثِ بِغَيْرِ الْكِتَابِيَّاتِ من زِيَادَتِهِ أَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ إذَا كُنَّ غير كِتَابِيَّاتٍ فَإِنْ أَسْلَمْنَ معه اخْتَارَ أَرْبَعًا أَيْضًا وَإِنْ أَسْلَمَ معه مِنْهُنَّ أَرْبَعٌ فَأَقَلَّ أو كُنَّ مَدْخُولًا بِهِنَّ وَاجْتَمَعَ إسْلَامُهُ وَإِسْلَامُ أَرْبَعٍ فَأَقَلَّ في الْعِدَّةِ تَعَيَّنَ لِلنِّكَاحِ وَلَوْ أَسْلَمَ أَرْبَعٌ ثُمَّ أَسْلَمَ الزَّوْجُ في عِدَّتِهِنَّ وَتَخَلَّفَتْ الْبَاقِيَاتُ حتى انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ من وَقْتِ إسْلَامِ الزَّوْجِ أو مُتْنَ على الشِّرْكِ تَعَيَّنَتْ الْأَوَّلِيَّاتُ
فَإِنْ جُنَّ الزَّوْجُ الذي أَسْلَمَ قبل الِاخْتِيَارِ أو كان صَغِيرًا وَقَفْنَ أَيْ كُلُّهُنَّ أَيْ نِكَاحُهُنَّ أو أَرْبَعٌ مِنْهُنَّ أَيْ اخْتِيَارُهُنَّ حتى يُفِيقَ الْمَجْنُونُ أو يَبْلُغَ الصَّغِيرُ فَيَخْتَارَا إذْ لَا اخْتِيَارَ لَهُمَا قبل ذلك لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمَا وَلَا لِوَلِيِّهِمَا لِأَنَّهُ خِيَارُ شَهْوَةٍ وَالنَّفَقَةُ أَيْ نَفَقَتُهُنَّ كُلُّهُنَّ في مَالِهِمَا لِأَنَّهُنَّ مَحْبُوسَاتٍ لِأَجْلِهِمَا فَرْعٌ لو أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُمٌّ وَبِنْتُهَا نَكَحَهُمَا مَعًا أو مُرَتَّبًا وَكَانَتَا كِتَابِيَّتَيْنِ أو أَسْلَمَتَا وَهُمَا مَدْخُولٌ بِهِمَا حَرُمَتَا أَبَدًا لِأَنَّ وَطْءَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِشُبْهَةٍ يُحَرِّمُ الْأُخْرَى فَبِنِكَاحٍ أَوْلَى بَلْ الْأُمُّ تَحْرُمُ بِالْعَقْدِ على الْبِنْتِ أَيْضًا وَلَهُمَا أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْمُسَمَّى لها الصَّحِيحُ وَإِلَّا بِأَنْ لم يَكُنْ صَحِيحًا فَهُوَ الْمِثْلُ وَإِنْ لم يَدْخُلْ بِهِمَا أَيْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَرُمَتْ الْأُمُّ أَبَدًا فَقَطْ أَيْ دُونَ الْبِنْتِ لِأَنَّ نِكَاحَهَا يُحَرِّمُ الْأُمَّ بِخِلَافِ الْعَكْسِ
وَاسْتَحَقَّتْ أَيْ الْأُمُّ نِصْفَ الْمَهْرِ لِانْدِفَاعِ نِكَاحِهَا بِالْإِسْلَامِ قبل الدُّخُولِ وَقِيلَ لَا شَيْءَ لها بِنَاءً على فَسَادِ أَنْكِحَتِهِمْ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ دخل بِالْبِنْتِ فَقَطْ حَرُمَتْ الْأُمُّ وَحْدَهَا أَبَدًا بِالْعَقْدِ على الْبِنْتِ أو بِالدُّخُولِ عليها دُونَ الْبِنْتِ لِأَنَّهُ لم يَدْخُلْ بِالْأُمِّ وَالْعَقْدُ عليها لَا يُحَرِّمُ الْبِنْتَ وَاسْتَحَقَّتْ الْأُمُّ نِصْفَ الْمَهْرِ أَيْضًا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو دخل بِالْأُمِّ فَقَطْ حَرُمَتْ الْبِنْتُ أَبَدًا بِالدُّخُولِ بِالْأُمِّ وَكَذَا الْأُمُّ بِالْعَقْدِ على الْبِنْتِ وَلَهَا الْمُسَمَّى وَقَوْلُ الْأَصْلِ وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ تَفْرِيعٌ على ضَعِيفٍ وهو بُطْلَانُ أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ تَنْبِيهٌ لو شَكَّ هل دخل بِإِحْدَاهُمَا أَمْ لَا فَهُوَ كما لو لم يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لَكِنَّ الْوَرَعَ تَحْرِيمُهُمَا وَلَوْ شَكَّ في عَيْنِ الْمَدْخُولِ بها بَطَلَ نِكَاحُهُمَا لِتَيَقُّنِ تَحْرِيمِ إحْدَاهُمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فَرْعٌ لو أَسْلَمَ الْحُرُّ مع إمَاءٍ تَحْتَهُ لم يَدْخُلْ بِهِنَّ وكان لَا يَخَافُ الْعَنَتَ حَرُمْنَ إذْ لَا يَجُوزُ له نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ابْتِدَاءً فَلَا يَجُوزُ اخْتِيَارُهَا وَإِنْ دخل بِهِنَّ اخْتَارَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ إنْ حَلَّتْ عِنْدَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهِنَّ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ له نِكَاحُ الْأَمَةِ جَازَ له اخْتِيَارُهَا وَتَقْيِيدُهُ في الْأُولَى بِعَدَمِ الدُّخُولِ وفي الثَّانِيَةِ بِالدُّخُولِ من زِيَادَتِهِ وَلَا وَجْهَ له وَلَوْ قال أَسْلَمَ مع إمَاءٍ اخْتَارَ وَاحِدَةً إنْ حَلَّتْ عِنْدَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهِنَّ وَإِلَّا حَرُمْنَ لَسَلَمَ من ذلك وَوَافَقَ أَصْلَهُ وكان أَخْصَرَ وَمِثْلُ ذلك ما لو أَسْلَمْنَ بَعْدَ إسْلَامِهِ في الْعِدَّةِ فَرْعٌ لو أَسْلَمَ مع وَاحِدَةٍ من الْإِمَاءِ فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَهَا وَأَنْ يَنْتَظِرَ غَيْرَهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا أَيْ التي أَسْلَمَتْ معه فَهُوَ اخْتِيَارٌ لها ضِمْنًا وَتَبِينُ الْبَاقِيَاتُ من وَقْتِ إسْلَامِهِ أَنْ أَصْرَرْنَ على الْكُفْرِ وَمِنْ وَقْتِ تَطْلِيقِهَا إنْ أَسْلَمْنَ في الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ فَحُكْمُ اخْتِيَارِهَا حُكْمُ تَطْلِيقِهَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ لم يَكُنْ اخْتِيَارُهَا صَرِيحًا أو ضِمْنًا وَأَسْلَمَ غَيْرُهَا في الْعِدَّةِ فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ وَاحِدَةً من الْجَمِيعِ وَتَنْدَفِعُ الْبَاقِيَاتُ وَإِنْ فُسِخَ نِكَاحُ الْمُسْلِمَةِ قبل إسْلَامِهِنَّ لم يَنْفُذْ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفْسَخُ الزَّائِدُ وَلَيْسَ في الْحَالِ زِيَادَةٌ فَإِنْ أَضْرَرْنَ لَزِمَ نِكَاحُهَا وَبِنَّ من وَقْتِ إسْلَامِهِ وَإِنْ أَسْلَمْنَ معه أو في الْعِدَّةِ اخْتَارَ من شَاءَ من الْجَمِيعِ وَإِنْ أَسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ معه من ثَلَاثِ إمَاءٍ تَحْتَهُ وهو مُعْسِرٌ خَائِفٌ الْعَنَتَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ أُخْرَى في عِدَّتِهَا وهو مُوسِرٌ ثُمَّ أَسْلَمَتْ أُخْرَى كَذَلِكَ وهو مُعْسِرٌ خَائِفٌ الْعَنَتَ انْدَفَعَتْ الْوُسْطَى لِفَقْدِ الشَّرْطِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهَا وَتَخَيَّرَ في الْأُخْرَيَيْنِ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من أَنَّ الْيَسَارَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ في انْدِفَاعِ النِّكَاحِ إذَا اقْتَرَنَ بِإِسْلَامِهِمَا جميعا كما مَرَّ فَلَوْ كان مُوسِرًا عِنْدَ إسْلَامِ الثَّالِثَةِ أَيْضًا تَعَيَّنَتْ الْأُولَى أو مُوسِرًا عِنْدَ إسْلَامِ الْأُولَى مُعْسِرًا عِنْدَ إسْلَامِ الْأُخْرَيَيْنِ تَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا فَرْعٌ لو أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ حُرَّةٌ وَأَرْبَعُ إمَاءٍ مَثَلًا مَدْخُولٌ بِهِنَّ أَيْ بِالْخَمْسِ وَأَسْلَمْنَ معه أو في الْعِدَّةِ تَعَيَّنَتْ الْحُرَّةُ وَإِنْ تَأَخَّرَ إسْلَامُهَا عن إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِ الْإِمَاءِ إذْ الْقُدْرَةُ على الْحُرَّةِ تَمْنَعُ اخْتِيَارَ الْأَمَةِ وَكَالْحُرَّةِ التي أَسْلَمَتْ الْحُرَّةُ الْكِتَابِيَّةُ وزاد التَّقْيِيدُ بِالدُّخُولِ بِهِنَّ لِيَحْتَرِزَ عَمَّا لو لم يَدْخُلْ بِهِنَّ فَلَا تَتَعَيَّنُ الْحُرَّةُ مُطْلَقًا بَلْ إنْ أَسْلَمَتْ معه وَلَوْ مع إسْلَامِ الْإِمَاءِ أو بَعْضِهِنَّ تَعَيَّنَتْ وَإِنْ أَسْلَمَ معه أَمَةٌ تَعَيَّنَتْ أو أَمَتَانِ فَأَكْثَرُ اخْتَارَ أَمَةً مِمَّنْ أَسْلَمْنَ إلَّا أَنْ تَكُونَ
____________________
(3/168)
الْحُرَّةُ فِيهِمَا كِتَابِيَّةً فَتُعَيَّنَ وَيَعْتَدِدْنَ أَيْ الْإِمَاءُ من حِينِ تَعَيَّنَتْ أَيْ الْحُرَّةُ وهو وَقْتُ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهَا وَإِسْلَامِ الْأَزْوَاجِ وَإِنْ لم يُسْلِمْنَ معه وَلَا في الْعِدَّةِ بِنَّ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ وَإِنْ تَخَلَّفَتْ الْحُرَّةُ عن الْإِسْلَامِ في الْعِدَّةِ لم يَخْتَرْ وَاحِدَةً من الْإِمَاءِ قبل انْقِضَاءٍ فَإِنْ اخْتَارَ وَاحِدَةً حِينَئِذٍ وَأَصَرَّتْ أَيْ الْحُرَّةُ على الْكُفْرِ حتى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أو مَاتَتْ لم يَتَبَيَّنْ صِحَّةُ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُ في غَيْرِ وَقْتِهِ بَلْ يُجَدِّدُهُ وُجُوبًا إنْ حَلَّتْ له الْأَمَةُ
وَإِنَّمَا جَازَ له اخْتِيَارُهَا لِأَنَّهُ لم يَجْتَمِعْ إسْلَامُهُ وَإِسْلَامُ الْحُرَّةِ في الْعِدَّةِ فَكَانَتْ كَالْمَعْدُومَةِ وَإِنْ عَتَقْنَ أَيْ الْإِمَاءُ قبل اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهِنَّ بِأَنْ عَتَقْنَ ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَسْلَمْنَ أو أَسْلَمْنَ وَعَتَقْنَ ثُمَّ أَسْلَمَ أو أَسْلَمَ وَعَتَقْنَ ثُمَّ أَسْلَمْنَ الْتَحَقْنَ بِالْحَرَائِرِ الْأَصْلِيَّاتِ فَإِنْ أَسْلَمَتْ الْحُرَّةُ معه أو في الْعِدَّةِ وَعَتَقَ الْإِمَاءُ ثُمَّ أَسْلَمْنَ في الْعِدَّةِ فَلَهُ اخْتِيَارُ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ أَيْ من الْجَمِيعِ دُونَهَا أَيْ الْحُرَّةِ وَلَوْ أَسْلَمَ وَلَيْسَ تَحْتَهُ إلَّا إمَاءٌ وَتَخَلَّفْنَ وعتقن ثُمَّ أَسْلَمْنَ في الْعِدَّةِ اخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا كَالْحَرَائِرِ الْأَصْلِيَّاتِ وَلَوْ أَسْلَمَ من إمَاءٍ معه أو في الْعِدَّةِ وَاحِدَةٌ ثُمَّ عَتَقَتْ ثُمَّ عَتَقَتْ الْبَاقِيَاتُ ثُمَّ أَسْلَمْنَ اخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ لِتَقَدُّمِ عِتْقِهِنَّ على إسْلَامِهِنَّ وَلَيْسَ له اخْتِيَارُ الْأُولَى لِرِقِّهَا عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْإِسْلَامِيِّينَ فَتَنْدَفِعُ بِالْمُعْتَقَاتِ عِنْدَهُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَالشَّرْطُ فِيمَا ذُكِرَ أَنْ يُعْتَقْنَ قبل اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهِنَّ كما مَثَّلْنَا فإنه حَالَةَ إمْكَانِ الِاخْتِيَارِ كما في الْيَسَارِ وَأَمْنِ الزِّنَا وَيُؤْخَذُ من هذا أَنَّ الْعِتْقَ مع الِاجْتِمَاعِ كَهُوَ قَبْلَهُ
فَلَوْ عَتَقْنَ ثُمَّ أَسْلَمْنَ وَأَسْلَمَ فَكَانَ الْأَوْلَى وَأَسْلَمُوا قبل إسْلَامِ الْحُرَّةِ فَلَهُ اخْتِيَارُهُنَّ ثُمَّ إنْ أَسْلَمَتْ الْحُرَّةُ في الْعِدَّةِ بَانَتْ بِاخْتِيَارِهِ الْأَرْبَعَ وَإِلَّا بَانَتْ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ فَإِنْ لم يَخْتَرْ بِأَنْ أَخَّرَ الِاخْتِيَارَ انْتِظَارًا لِلْحُرَّةِ أَيْ لِإِسْلَامِهَا لَزِمَهُ اخْتِيَارُ ثَلَاثٍ مِنْهُنَّ إذْ لَا مَعْنَى لِتَأْخِيرِ اخْتِيَارِ الْجَمِيعِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ نِكَاحُ ثَلَاثٍ مِنْهُنَّ لَا مَحَالَةَ وَلَهُ انْتِظَارُ إسْلَامِ الْحُرَّةِ لِاخْتِيَارِ الرَّابِعَةِ فَإِنْ أَسْلَمَتْ اخْتَارَهَا أو الرَّابِعَةُ من الْعَتِيقَاتِ وَإِلَّا لَزِمَهُ نِكَاحُ الرَّابِعَةِ من الْعَتِيقَاتِ وما ذَكَرَهُ من لُزُومِ اخْتِيَارِ ثَلَاثٍ مِنْهُنَّ هو ما حَكَاهَا الْأَصْلُ عن ابْنِ الصَّبَّاغِ وَحَكَى قَبْلَهُ مُقَابِلَهُ عن الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ فَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ
وَإِنْ نَكَحَ مُشْرِكٌ أَرْبَعَ إمَاءٍ وَأَسْلَمْنَ معه أو في الْعِدَّةِ إلَّا وَاحِدَةً فَعَتَقَتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ في الْعِدَّةِ تَعَيَّنَتْ كَالْأَصْلِيَّةِ أَيْ كَالْحُرَّةِ الْأَصْلِيَّةِ وَإِنْ أَسْلَمَ معه أَمَتَانِ وَعَتَقَتْ الْأَوْلَى الْمُوَافِقُ لِلْأَصْلِ فَعَتَقَتْ إحْدَاهُمَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْمُتَخَلِّفَتَانِ على الرِّقِّ انْدَفَعَ نِكَاحُهَا لِأَنَّ تَحْتَ زَوْجِهِمَا حُرَّةً عِنْدَ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهِمَا وَاخْتَارَ إحْدَى الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ وَإِنَّمَا لم تَنْدَفِعْ الرَّقِيقَةُ مِنْهُمَا لِأَنَّ عِتْقَ الْأُخْرَى كان بَعْدَ إسْلَامِهَا وَإِسْلَامِهِ فَلَا يُؤَثِّرُ في حَقِّهَا كَذَا جَزَمَ بِهِ الْأَصْلُ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَالْإِمَامُ وابن الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ في تَنْقِيحِهِ وَصَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ تَخْيِيرُهُ بين الْجَمِيعِ قال ابن الصَّلَاحِ وما قَالَهُ الْغَزَالِيُّ سَهْوٌ مَنْشَؤُهُ أَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّهُ لَمَّا كان عِتْقُ الْمُتَقَدِّمَةِ وَاقِعًا قبل اجْتِمَاعِ الزَّوْجِ وَالْمُتَخَلِّفَتَيْنِ في الْإِسْلَامِ الْتَحَقَتْ في حَقِّهِمَا بِالْحَرَائِرِ قال وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ في ذلك بِاجْتِمَاعِ الْعَتِيقَةِ نَفْسِهَا وَالزَّوْجِ في الْإِسْلَامِ لَا بِاجْتِمَاعِ غَيْرِهَا وَالزَّوْجِ وَهَذِهِ الْعَتِيقَةُ كانت عِنْدَ اجْتِمَاعِهَا هِيَ وَالزَّوْجِ في الْإِسْلَامِ رَقِيقَةً فَكَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْإِمَاءِ في حَقِّهَا وَحَقِّ غَيْرِهَا
قال وقد يُتَكَلَّفُ له تَأْوِيلٌ يُرَدُّ بِهِ كَلَامُهُ إلَى مُوَافَقَةِ غَيْرِهِ بِأَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِهِ ما إذَا اخْتَارَ الْمُعْتَقَةَ قبل إسْلَامِ الْمُتَخَلِّفَتَيْنِ لَكِنَّ سِيَاقَهُ يَأْبَى هذا وَنَقَلَ السُّبْكِيُّ ذلك وقال الْأَرْجَحُ ما قَالَهُ الْغَزَالِيُّ من امْتِنَاعِ الْمُتَخَلِّفَتَيْنِ لِاقْتِرَانِ حُرِّيَّةِ إحْدَى الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ بِإِسْلَامِهِمَا وَهِيَ مَانِعَةٌ من ابْتِدَاءِ نِكَاحِ الْأَمَةِ فَيُمْنَعُ التَّقْرِيرُ عَلَيْهِمَا وَلَا نَقُولُ بِانْدِفَاعِهِمَا بِمُجَرَّدِ عِتْقِ تِلْكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُعْتَقَا ثُمَّ يُسْلِمَا وَإِنَّمَا يَنْدَفِعَانِ إذَا أَسْلَمْنَا على الرِّقِّ وَأَطَالَ في بَيَانِ ذلك وَذَكَرْت بَعْضَهُ في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَذَكَرَ مثله الزَّرْكَشِيُّ وَصَوَّبَهُ وَإِنْ عَتَقَتْ الْمُتَقَدِّمَتَانِ يَعْنِي أَمَتَانِ من الْأَرْبَعِ بَعْدَ إسْلَامِهِمَا ثُمَّ عَتَقَتْ الْمُتَخَلِّفَتَانِ ثُمَّ أَسْلَمَتَا انْدَفَعَتْ الْمُتَقَدِّمَتَانِ وَتَعَيَّنَ إمْسَاكُ الْأَخِيرَتَيْنِ قال في الْأَصْلِ وَلَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ عَتَقَتْ ثِنْتَانِ ثُمَّ أَسْلَمَتَا وَأَسْلَمَتْ الْأُخْرَيَانِ ثُمَّ عَتَقَتَا تَعَيَّنَ إمْسَاكُ الْأُولَتَيْنِ وَانْدَفَعَتْ الْمُتَأَخِّرَتَانِ نَظَرًا في جَمِيعِ ذلك إلَى حَالِ اجْتِمَاعِ الْإِسْلَامِيِّينَ كما مَرَّ
فَصْلٌ سَيَأْتِي في الْبَابِ الْآتِي أَنَّ لِأَمَةٍ عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ الْخِيَارَ في فَسْخِ النِّكَاحِ
____________________
(3/169)
فَإِنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ عَتَقَتْ وَالْعَبْدُ كَافِرٌ فَلَهَا الْفَسْخُ لِأَنَّهُ يُلَائِمُ حَالَهَا وَلَا يَلْزَمُهَا الِانْتِظَارُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ حَالُ الزَّوْجِ لِأَنَّهَا لو أَخَّرَتْ الْفَسْخَ إلَى ما بَعْدَ إسْلَامِ الزَّوْجِ كانت عِدَّتُهَا من يَوْمَئِذٍ فَتَدْفَعُ بِالتَّعْجِيلِ طُولَ التَّرَبُّصِ لَا الْإِجَازَةِ لِأَنَّهَا مُعَرَّضَةٌ لِلْبَيْنُونَةِ فَلَا يَلِيقُ بِحَالِهَا اخْتِيَارُ الْإِقَامَةِ وَلِأَنَّهَا مُسْلِمَةٌ فَكَيْفَ تُقِيمُ تَحْتَ كَافِرٍ وَعَطْفُهُ عَتَقَتْ بِثُمَّ على أَسْلَمَتْ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ تَأَخُّرِهِ عنه فِيمَا ذُكِرَ وَلَيْسَ مُرَادًا بِخِلَافِ عَطْفِ أَصْلِهِ له بِالْوَاوِ وَسَيَأْتِي ثَمَّ بَعْدَ فَسْخِهَا إنْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ قبل انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَعِدَّتُهَا عِدَّةُ حُرَّةٍ وَهِيَ من حِينِ الْفَسْخِ وَإِنْ أَصَرَّ على الْكُفْرِ حتى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وقد أَسْلَمَتْ ثُمَّ عَتَقَتْ كما فَرَضَهُ أَوَّلًا فَمِنْ حِينِ أَسْلَمَتْ تَكُونُ عِدَّتُهَا وَيَلْغُو الْفَسْخُ لِحُصُولِ الْفُرْقَةِ قَبْلَهُ لَكِنْ تَعْتَدُّ عِدَّةَ أَمَةٍ لِحُصُولِ عِتْقِهَا بَعْدَ إسْلَامِهَا
وَإِنْ عَتَقَتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَعِدَّةُ حُرَّةٍ تَعْتَدُّ وَلَهَا تَأْخِيرُ الْفَسْخِ إلَى إسْلَامِهِ وَلَا يَبْطُلُ بِهِ خِيَارُهَا كَالرَّجْعِيَّةِ إذَا عَتَقَتْ في الْعِدَّةِ وَالزَّوْجُ رَقِيقٌ ثُمَّ إنْ أَصَرَّ الزَّوْجُ حتى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا سَقَطَ خِيَارُهَا وَعِدَّتُهَا من حِينِ أَسْلَمَتْ وَهِيَ عِدَّةُ أَمَةٍ إنْ أَسْلَمَتْ ثُمَّ عَتَقَتْ وَإِنْ عَتَقَتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَعِدَّةُ حُرَّةٍ وَإِنْ أَسْلَمَ فَلَهَا الْفَسْخُ وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ حُرَّةٍ من حِينِ الْفَسْخِ وَهَذَا عُلِمَ من كَلَامِهِ السَّابِقِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا وَإِنْ أَسْلَمَ هو فَ عَتَقَتْ هِيَ وَتَخَلَّفَتْ عنه فَلَهَا الْفَسْخُ لِتَضَرُّرِهَا بِرِقِّهِ وَلَهَا تَأْخِيرُهُ وَحِينَئِذٍ فَإِنْ أَسْلَمَتْ في الْعِدَّةِ ثُمَّ فُسِخَتْ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ وَفُسِخَتْ اعْتَدَّتْ عِدَّةَ حُرَّةٍ من حِينِ الْفَسْخِ وَمَتَى أَصَرَّتْ على الْكُفْرِ حتى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَعِدَّةُ أَمَةٍ تَعْتَدُّ لَكِنْ من حِينِ أَسْلَمَ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا حُصُولَ الْفُرْقَةِ من حِينَئِذٍ وَإِنْ أَجَازَتْ قبل إسْلَامِهَا لم تَصِحَّ إجَازَتُهَا لِأَنَّهَا مُعَرَّضَةٌ لِلْبَيْنُونَةِ
فَرْعٌ لو أَسْلَمَ عَبْدٌ فَلَيْسَ لِزَوْجَتِهِ الْكَافِرَةِ خِيَارٌ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِرِقِّهِ أَوَّلًا ولم يَحْدُثْ فيها عِتْقٌ حُرَّةً كانت أو أَمَةً وَإِنْ أَسْلَمَتْ عِبَارَةُ الْأَصْلِ سَوَاءٌ أَسْلَمَتْ أَمْ لم تُسْلِمْ إذَا كانت كِتَابِيَّةً قال في الْمُهِمَّاتِ تَسْوِيَتُهُ بين أَنْ تُسْلِمَ وَأَنْ لَا تُسْلِمَ غَلَطٌ لِاقْتِضَائِهِ جَوَازَ نِكَاحِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ وهو مُمْتَنِعٌ قَطْعًا قال الْأَذْرَعِيُّ وقد يُقَالُ يُمْنَعُ الْقِيَاسُ إذْ يُغْتَفَرُ في الدَّوَامِ ما لَا يُغْتَفَرُ في الِابْتِدَاءِ انْتَهَى وَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَمْرَهَا مَوْقُوفٌ على إسْلَامِهَا في الْعِدَّةِ فَإِنْ أَسْلَمَتْ بَقِيَتْ تَحْتَهُ وَإِلَّا تَبَيَّنَّا الْفُرْقَةَ من حِينِ إسْلَامِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هذا مُرَادُ الْأَذْرَعِيِّ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَصْلٌ لو أَسْلَمَ الْعَبْدُ عن بِمَعْنَى على زَوْجَاتٍ حَرَائِرَ أو إمَاءٍ وَأَسْلَمْنَ معه أو في الْعِدَّةِ أو قَبْلَهُ وَأَسْلَمَ هو فيها أو كانت الْحَرَائِرُ كِتَابِيَّاتٍ فَلْيَخْتَرْ مِنْهُنَّ اثْنَتَيْنِ فَقَطْ إذْ الْأَمَةُ في حَقِّهِ كَالْحُرَّةِ
وَالزِّيَادَةُ على الثِّنْتَيْنِ في حَقِّهِ كَالزِّيَادَةِ على الْأَرْبَعِ في حَقِّ الْحُرِّ فَإِنْ عَتَقَ قبل إسْلَامِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ قبل إسْلَامِهِنَّ أَمْ بَعْدَهُ أَمْ معه أو بَعْدَهُ وَقَبْلَ إسْلَامِهِنَّ فَلَهُ حُكْمُ الْأَحْرَارِ فَيَخْتَارُ أَرْبَعَ حَرَائِرَ وَلَا يَخْتَارُ إلَّا أَمَةً بِشَرْطِهَا إذْ الِاعْتِبَارُ بِوَقْتِ الِاخْتِيَارِ وهو فيه حُرٌّ وَإِنْ أَسْلَمَ مِنْهُنَّ وَهُنَّ حَرَائِرُ معه أو في الْعِدَّةِ اثْنَتَانِ ثُمَّ عَتَقَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْبَاقِيَاتُ فيها لم يَخْتَرْ إلَّا اثْنَتَيْنِ إمَّا الْأُولَيَيْنِ وَإِمَّا ثِنْتَيْنِ من الْبَاقِيَاتِ وَإِمَّا وَاحِدَةً مِنْهُمَا وَوَاحِدَةً مِنْهُنَّ لِاسْتِيفَائِهِ عَدَدَ الْعَبِيدِ قبل عِتْقِهِ وإذا اخْتَارَ وَهُنَّ أَرْبَعُ حَرَائِرَ ثِنْتَيْنِ وَفَارَقَ ثِنْتَيْنِ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهُمَا لِأَنَّهُ حُرٌّ وَهُمَا حُرَّتَانِ فَلَوْ كُنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ إمَاءً لم يَخْتَرْ مِنْهُنَّ إلَّا الْأُولَيَيْنِ فَلَا يَخْتَارُ الْأُخْرَيَيْنِ وَلَا وَاحِدَةً مِنْهُمَا لِأَنَّهُ حُرٌّ عِنْدَ إسْلَامِهِمَا فَإِنْ عَتَقَتْ الْمُتَخَلِّفَاتُ بَعْدَ عِتْقِهِ ثُمَّ أَسْلَمْنَ في الْعِدَّةِ اخْتَارَ ثِنْتَيْنِ من الْجَمِيعِ لِأَنَّ الْمُتَخَلِّفَاتِ حَرَائِرُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهِنَّ فَصَارَ كما لو كان تَحْتَهُ أَرْبَعُ حَرَائِرَ وَأَسْلَمَ معه ثِنْتَانِ ثُمَّ عَتَقَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْأُخْرَيَانِ فإنه يَخْتَارُ ثِنْتَيْنِ كَيْفَ شَاءَ
وَقَوْلُهُ ثِنْتَيْنِ من الْجَمِيعِ أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ فَلَهُ اخْتِيَارُهُمَا يَعْنِي الْأُخْرَيَيْنِ وَلَهُ اخْتِيَارُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَاحِدَةٌ من الْأُولَيَيْنِ وَإِنْ أَسْلَمَتْ معه أو في الْعِدَّةِ وَاحِدَةٌ ثُمَّ عَتَقَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْبَاقِيَاتُ فيها فَإِنْ كُنَّ أَيْ جَمِيعُهُنَّ حَرَائِرَ اخْتَارَ أَرْبَعًا لِأَنَّهُ لم يَسْتَوْفِ عَدَدَ الْعَبِيدِ قبل عِتْقِهِ فَكَانَ كَالْحُرِّ بِخِلَافِ ما إذَا أَسْلَمَ معه ثِنْتَانِ ثُمَّ عَتَقَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْبَاقِيَاتُ لم يَخْتَرْ الِاثْنَتَيْنِ كما مَرَّ وَشَبَّهَ ذلك بِمَا إذَا طَلَّقَ الْعَبْدُ زَوْجَتَهُ طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ عَتَقَ لم يَمْلِكْ ثَالِثَةً ولم يَكُنْ له نِكَاحُهَا إلَّا بِمُحَلِّلٍ وَلَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً ثُمَّ عَتَقَ وَنَكَحَهَا أو رَاجَعَهَا مَلَكَ طَلْقَتَيْنِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنَّ حَرَائِرَ فَإِنْ كُنَّ إمَاءً فَوَاحِدَةٌ من الْجُمْلَةِ يَخْتَارُهَا بِشَرْطِهَا ما ذَكَرَهُ من أَنَّهُ يَخْتَارُ وَاحِدَةً من الْجُمْلَةِ
____________________
(3/170)
نَقَلَ معه الْأَصْلُ أَنَّ الْأُولَى تَتَعَيَّنُ من غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِتَرْجِيحٍ فإنه قال بَعْدَ أَنْ صَحَّحَ أَنَّهُ لَا يَخْتَارُ إلَّا وَاحِدَةً فإذا قُلْنَا بِهِ تَعَيَّنَتْ الْأُولَى كَذَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ
قال الْمُتَوَلِّي وَعَلَى طَرِيقَةِ الْقَاضِي يَخْتَارُ وَاحِدَةً من الْجُمْلَةِ وَعَكَسَ الْإِمَامُ فَحَكَى عن الْقَاضِي أَنَّ الْأُولَى تَتَعَيَّنُ وَعَنْ سَائِرِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَخْتَارُ وَاحِدَةً من الْجُمْلَةِ قال وَقَوْلُ الْقَاضِي هَفْوَةٌ منه انْتَهَى وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِشَرْطِهَا من زِيَادَتِهِ وهو إنَّمَا يَأْتِي على مَنْقُولِ الْمُتَوَلِّي أَمَّا على مَنْقُولِ الْإِمَامِ فَإِنَّمَا يَأْتِي فِيمَا إذَا اخْتَارَ غير التي أَسْلَمَتْ معه أَمَّا فيها فَلَا لِرِقِّهِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا في الْإِسْلَامِ ثُمَّ ما ذُكِرَ من أَنَّهُ يَخْتَارُ وَاحِدَةً قال في الْأَصْلِ بَعْدَهُ لَكِنْ قِيَاسُ ما مَرَّ جَوَازُ اخْتِيَارِ ثِنْتَيْنِ لِأَنَّهُ لم يَسْتَوْفِ عَدَدَ الْعَبِيدِ قبل عِتْقِهِ وَأَقُولُ بَلْ قِيَاسُهُ أَنَّهُ لَا يَخْتَارُ إلَّا وَاحِدَةً بِعَيْنِ ما قَالَهُ فَإِنْ عَتَقَ من الْبَوَاقِي ثَلَاثٌ في الْعِدَّةِ ثُمَّ أَسْلَمْنَ فيها اسْتَقَرَّ نِكَاحُهُنَّ لِأَنَّهُ لم يَسْتَوْفِ عَدَدَ الْعَبِيدِ قبل عِتْقِهِ مع نِكَاحِ الْأُولَى لِجَوَازِ إدْخَالِ الْحَرَائِرِ على الْأَمَةِ وَإِنْ كُنَّ إمَاءً وَحَرَائِرَ فَإِنْ أَسْلَمَ معه أَمَةٌ تَعَيَّنَتْ مع الْحَرَائِرِ إنْ لم يَزِدْنَ على ثَلَاثٍ وَإِلَّا فَيَخْتَارُ أَرْبَعًا كَيْفَ شَاءَ مِنْهُنَّ وَمِنْهَا أو حُرَّةً تَعَيَّنَتْ إنْ كانت الْبَاقِيَاتُ إمَاءً وَإِلَّا فَتَتَعَيَّنُ مع الْحَرَائِرِ إنْ لم يَزِدْنَ على ثَلَاثٍ وَإِلَّا فَيَخْتَارُ أَرْبَعًا كَيْفَ شَاءَ
وَإِنْ كان تَحْتَهُ حُرَّتَانِ وَأَمَتَانِ فَأَسْلَمَ معه حُرَّةٌ وَأَمَةٌ ثُمَّ عَتَقَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْمُتَخَلِّفَتَانِ فَلَهُ اخْتِيَارُ الْحُرَّتَيْنِ أو إحْدَاهُمَا والأمة الْأُولَى فَقَطْ أَيْ دُونَ الثَّانِيَةِ لِحُرِّيَّتِهِ عِنْدَ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهَا وفي نِكَاحِهِ حُرَّةً بِخِلَافِهِ عِنْدَ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِ الْأُولَى فَصْلٌ في أَلْفَاظِ الِاخْتِيَارِ وَفُرُوعِهِ وَالِاخْتِيَارُ قَوْلُهُ اخْتَرْتُك أو اخْتَرْت نِكَاحَك أو أَمْسَكْتُك أو أَثْبَتُّك أو حَبَسْتُك على النِّكَاحِ وَنَحْوِهِ كَأَثْبَتْتُ نِكَاحَك أو أَمْسَكْته أو اخْتَرْت حَبْسَك أو عَقْدَك لِمَجِيءِ الِاخْتِيَارِ وَالْإِمْسَاكِ في الحديث وَالْبَاقِي في مَعْنَاهُمَا قال في الْأَصْلِ وَكَلَامُ الْأَئِمَّةِ يَقْتَضِي أَنَّ جَمِيعَ ذلك صَرِيحٌ لَكِنَّ الْأَقْرَبَ أَنْ يَجْعَلَ قَوْلَهُ اخْتَرْتُك وَأَمْسَكْتُك من غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلنِّكَاحِ كِنَايَةً انْتَهَى وَمِثْلُهُمَا أَثْبَتُّك وَإِنْ أَسْلَمَ معه أو في الْعِدَّةِ ثَمَانٍ فَفَسَخَ نِكَاحَ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ كَقَوْلِهِ فَسَخْت نِكَاحَهُنَّ أو اخْتَرْتهنَّ لِلْفَسْخِ أو هُنَّ لِلْفَسْخِ بِغَيْرِ لَفْظِ اخْتَرْت ولم يُرِدْ بِالْفَسْخِ طَلَاقًا اسْتَقَرَّ الْبَاقِيَاتُ أَيْ نِكَاحُهُنَّ وَإِنْ لم يَتَلَفَّظْ فِيهِنَّ بِشَيْءٍ
فَإِنْ أَرَادَ بِالْفَسْخِ الطَّلَاقَ أو طَلَّقَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ حَرُمَ الْجَمِيعُ أَمَّا الْمَذْكُورَاتُ فَلِطَلَاقِهِنَّ لِأَنَّ الطَّلَاقَ اخْتِيَارٌ لِلنِّكَاحِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُخَاطَبُ بِهِ الْمَنْكُوحَةُ وَأَمَّا الْبَاقِيَاتُ فَلِانْدِفَاعِهِنَّ بِالشَّرْعِ وَلَوْ قال لِأَرْبَعٍ أُرِيدُكُنَّ حَصَلَ التَّعْيِينُ بِهِ وَإِنْ لم يَقُلْ معه لِلْبَاقِيَاتِ لَا أُرِيدُكُنَّ وفي نُسْخَةٍ بَعْدَ أُرِيدُكُنَّ وَلِلْبَاقِيَاتِ لَا أُرِيدُكُنَّ وفي أُخْرَى أُرِيدُكُنَّ أو لَا أُرِيدُكُنَّ وَالْكُلُّ صَحِيحٌ لَكِنَّ الْمُنَاسِبَ لِلْأَصْلِ الْأُولَى ثُمَّ الظَّاهِرُ على كل تَقْدِيرٍ أَنَّ أُرِيدُكُنَّ كِنَايَةٌ في الِاخْتِيَارِ لِلنِّكَاحِ لَا صَرِيحٌ وَلَوْ آلَى أو ظَاهَرَ من امْرَأَةٍ فَأَكْثَرَ فَلَيْسَ بِاخْتِيَارٍ لِأَنَّ الظِّهَارَ مُحَرَّمٌ وَالْإِيلَاءَ حَلِفٌ على الِامْتِنَاعِ من الْوَطْءِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا بِالْأَجْنَبِيَّةِ أَلْيَقُ منه بِالْمَنْكُوحَةِ فَإِنْ اخْتَارَهَا أَيْ الْمُوَلِّي أو الْمُظَاهِرُ منها لِلنِّكَاحِ
فَمُدَّةُ الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ بِرَفْعِهِ من وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَيَصِيرُ في الظِّهَارِ عَائِدٌ إنْ لم يُفَارِقْهَا في الْحَالِ أَمَّا إذَا اخْتَارَ غَيْرَهَا فَيَكُونُ الْإِيلَاءُ وَالظِّهَارُ منها لَغْوًا لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ منه وفي نُسْخَةٍ فَمُدَّةُ الْإِيلَاءِ من الِاخْتِيَارِ وَالظِّهَارِ من بَعْدِهِ وَالْمُرَادُ لَا يَخْتَلِفُ لَكِنَّ الْأُولَى أَوْلَى وَأَخْصَرُ وَإِنْ قَذَفَهَا أَيْ امْرَأَةً من نِسَاؤُهُ لم يُلَاعِنْ لِلْحَدِّ أو لِلتَّعْزِيرِ أَيْ لِدَفْعِهِ إلَّا إنْ اخْتَارَهَا فَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لِدَفْعِهِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ زَوْجَةٌ وَلَوْ قال لِوَاحِدَةٍ فَارَقْتُك فَهُوَ فَسْخٌ كَاخْتَرْتُ فِرَاقَك أو لَا أُرِيدُك قال الرُّويَانِيُّ وَلِأَنَّهُ قد يَقَعُ على غَيْرِ الزَّوْجَةِ بِخِلَافِ طَلَّقْتُك قال الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ هذا أَنَّ لَفْظَ الْفِرَاقِ صَرِيحٌ في الْفَسْخِ كما أَنَّهُ صَرِيحٌ في الطَّلَاقِ فَيَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِمَا أَيْ وَيَتَعَيَّنُ في كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْقَرِينَةِ فُرُوعٌ الْأَوَّلُ إنْ اخْتَارَ الْجَمِيعُ لِلنِّكَاحِ أو لِلْفَسْخِ لَغَا لِامْتِنَاعِ الْجَمِيعِ في الْأُولَى وَلِأَنَّ النِّكَاحَ مُقَرَّرٌ في أَرْبَعٍ في الثَّانِيَةِ
أو طَلَّقَهُنَّ وَقَعَ الطَّلَاقُ على أَرْبَعٍ وَأُمِرَ بِالتَّعْيِينِ لَهُنَّ الثَّانِي لو عَلَّقَ الِاخْتِيَارَ لِلنِّكَاحِ وَكَذَا الْفَسْخُ كَأَنْ قال إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَقَدْ اخْتَرْتُك لِلنِّكَاحِ أو لِلْفَسْخِ لَا بِقَصْدِ الطَّلَاقِ بِالْفَسْخِ لَغَا لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّعْيِينِ وَالِاخْتِيَارُ الْمُعَلَّقُ ليس بِتَعْيِينٍ وَلِأَنَّ الِاخْتِيَارَ كَابْتِدَاءِ النِّكَاحِ أو كَاسْتِدَامَتِهِ فَتَعْلِيقُهُ كَتَعْلِيقِ النِّكَاحِ أو الرَّجْعَةِ فَيَلْغُو أَمَّا إذَا قَصَدَ
____________________
(3/171)
بِالْفَسْخِ الطَّلَاقَ فَلَا يَلْغُو وَهَذَا كما أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ السَّابِقُ يُعْلَمُ أَيْضًا من قَوْلِهِ وَلَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ صَحَّ وَحَصَلَ الِاخْتِيَارُ ضِمْنًا وَإِنْ كان مُعَلَّقًا وَيُحْتَمَلُ في الضِّمْنِيِّ ما لَا يُحْتَمَلُ في غَيْرِهِ كما يُحْتَمَلُ تَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ الضِّمْنِيِّ كَأَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي غَدًا على كَذَا
فَلَوْ قال كُلَّمَا أَسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ مِنْكُنَّ فَقَدْ طَلَّقْتهَا صَحَّ لِأَنَّ ذلك تَعْلِيقٌ لِلطَّلَاقِ وهو جَائِزٌ وَالِاخْتِيَارُ حَصَلَ ضِمْنًا إلَّا أَيْ لَكِنْ إنْ قال بَدَلَ فَقَدْ طَلَّقْتهَا فَقَدْ فَسَخْت نِكَاحَهَا فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْفُسُوخَ تَجْرِي مَجْرَى الْعُقُودِ في امْتِنَاعِ قَبُولِ التَّعْلِيقِ وَلِأَنَّ التَّعْلِيقَ لِلْفَسْخِ قبل اسْتِيفَاءِ الْعَدَدِ الْجَائِزِ غَيْرُ جَائِزٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الطَّلَاقَ فَيَصِحُّ فَعُلِمَ أَنَّ الْفَسْخَ كِنَايَةٌ في الطَّلَاقِ وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ ما كان صَرِيحًا في بَابِهِ وَوُجِدَ نَفَاذًا في مَوْضُوعِهِ فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً في غَيْرِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ هذا مُسْتَثْنًى رِعَايَةً لِغَرَضِ من رَغِبَ في الْإِسْلَامِ الثَّالِثُ الْوَطْءُ ليس بِاخْتِيَارٍ لِلْمَوْطُوءَةِ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ كَابْتِدَاءِ النِّكَاحِ أو كَاسْتِدَامَتِهِ كما مَرَّ وَكِلَاهُمَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْقَوْلِ كَالرَّجْعَةِ وَلِلْمَوْطُوءَةِ مع ما اسْتَحَقَّتْهُ قبل هذا الْوَطْءِ الْمَهْرُ أَيْ مَهْرُ الْمِثْلِ بهذا الْوَطْءِ إنْ اخْتَارَ غَيْرَهَا فَإِنْ اخْتَارَهَا فَلَهَا الْمُسَمَّى الصَّحِيحُ إنْ كان وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ
الرَّابِعُ لو حَصَرَ اخْتِيَارَهُ في خَمْسٍ فَأَكْثَرَ مُعَيَّنَاتٍ انْحَصَرَ اخْتِيَارُهُ فِيهِنَّ وهو وَإِنْ لم يَكُنْ تَعْيِينًا تَامًّا لَكِنَّهُ يُفِيدُ ضَرْبًا من التَّعْيِينِ وَيَزُولُ بِهِ بَعْضُ الْإِبْهَامِ ثُمَّ يُؤْمَرُ بِاخْتِيَارِ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ وَيَنْدَفِعُ نِكَاحُ الْبَاقِيَاتِ فَصْلٌ لو أَسْلَمَ على ثَمَانِ وَثَنِيَّاتٍ وَأَسْلَمَ مِنْهُنَّ معه أو في الْعِدَّةِ أَرْبَعٌ فَلَهُ قبل انْقِضَائِهَا فَسْخُ نِكَاحِ الْمُتَخَلِّفَاتِ لِاخْتِيَارِهِنَّ لِلنِّكَاحِ لِأَنَّهُنَّ قد لَا يُسْلِمْنَ فَلَا يَتَحَقَّقُ الِاخْتِيَارُ وَيُفْسَخُ نِكَاحُهُنَّ بِتَعْيِينِ الْأُولَيَاتِ لِلزَّوْجِيَّةِ وَلَهُ اخْتِيَارُ الْمُسْلِمَاتِ وله طَلَاقُهُنَّ فَيَنْقَطِعُ نِكَاحُهُنَّ بِهِ وَنِكَاحُ الْأُخْرَيَاتِ بِالشَّرْعِ لَا الْفَسْخِ أَيْ ليس له فَسْخُ نِكَاحِ الْمُسْلِمَاتِ لِأَنَّ الْفَسْخَ بِمَا ذُكِرَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا زَادَ على أَرْبَعٍ وَعَدَدُ الْمُسْلِمَاتِ لم يَزِدْ على أَرْبَعٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الطَّلَاقَ فَلَهُ ذلك لِمَا مَرَّ أَنَّ الطَّلَاقَ اخْتِيَارٌ وَبِاخْتِيَارِهِنَّ أَيْ الْمُسْلِمَاتِ يَنْدَفِعُ نِكَاحُ الْبَاقِيَاتِ أَيْ يَتَبَيَّنُ انْدِفَاعُهُ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ
قال الْبَغَوِيّ إنْ لم يُسْلِمْنَ في الْعِدَّةِ وَإِلَّا فَبِاخْتِيَارِ الْأُولَيَاتِ وقال الْإِمَامُ لَا فَرْقَ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ وَجَزَمَ بِهِ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَاسْتُشْكِلَ بِمَا مَرَّ من أَنَّهُ لو أَسْلَمَ على إمَاءٍ وَأَسْلَمَ معه مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ فَاخْتَارَهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْبَاقِيَاتُ في الْعِدَّةِ بِنَّ من وَقْتِ اخْتِيَارِ الْأُولَى فَالْمُوَافِقُ له قَوْلُ الْبَغَوِيّ وقد يُجَابُ بِأَنَّ الِاخْتِيَارَ ثَمَّ لم يَنْقَطِعْ لِجَوَازِ أَنْ تُعْتَقَ وَاحِدَةٌ مَثَلًا من الْبَاقِيَاتِ ثُمَّ تُسْلِمَ فَيَخْتَارَهَا أَيْضًا فَكَانَ بِهِ الِاعْتِبَارُ بِخِلَافِهِ هُنَا لِاسْتِيفَائِهِ الْعَدَدَ الشَّرْعِيَّ فَاعْتُبِرَ اخْتِلَافُ الدِّينِ وَإِنْ فُسِخَ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ الْأُوَلِ ولم يُرِدْ الطَّلَاقَ وَأَسْلَمَتْ الْمُتَخَلِّفَاتُ في الْعِدَّةِ اخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ أَيْ من الْجَمِيعِ وَلِكُلٍّ مِنْهُنَّ تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ لم يُرِدْ بِالْفَسْخِ الطَّلَاقَ وَخَرَجَ بِإِسْلَامِ الْمُتَخَلِّفَاتِ ما لو لم يُسْلِمْنَ فَيَتَعَيَّنُ الْأُولَيَاتُ فَإِنْ تَخَلَّفَ الْجَمِيعُ عنه في الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمْنَ بَعْدَهُ وَاحِدَةً وَاحِدَةً في الْعِدَّةِ والحالة أَنَّ كُلَّ من أَسْلَمَتْ فُسِخَ نِكَاحُهَا ولم يُرِدْ الطَّلَاقَ لَغَا الْفَسْخُ في الْأَرْبَعِ الْأُوَلِ وَبَقِيَ نِكَاحُهُنَّ وَنَفَذَ في الْبَاقِيَاتِ لِأَنَّ فَسْخَ نِكَاحِهِنَّ وَقَعَ وَرَاءَ الْعَدَدِ الْكَامِلِ فَنَفَذَ
فَإِنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ صَارَ مُخْتَارًا لِلْأُوَلِ وَقَوْلُهُ وَاحِدَةً وَاحِدَةً مِثَالٌ فَمِثْلُهُ إسْلَامُ ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ أو وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ أو وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ وَوَاحِدَةً وَاحِدَةً أو نَحْوَهَا وَإِنْ أَسْلَمَ معه أو في الْعِدَّةِ من الثَّمَانِ خَمْسٌ فَفُسِخَ نِكَاحُهُنَّ ولم يُرِدْ الطَّلَاقَ وَقَعَ الْفَسْخُ على وَاحِدَةٍ لَا بِعَيْنِهَا فَإِنْ أَسْلَمَ الْبَوَاقِي في الْعِدَّةِ بَعْدَ فَسْخِ نِكَاحِ الْخَمْسِ اخْتَارَ أَرْبَعًا من الْجَمِيعِ فَإِنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ صَارَ مُخْتَارًا لِأَرْبَعٍ مِنْهُنَّ وَبِنَّ بِالطَّلَاقِ وَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ وَإِنْ فَسَخَ نِكَاحَ وَاحِدَةٍ مُبْهَمَةٍ أو ثِنْتَيْنِ مُبْهَمَتَيْنِ من الْخَمْسِ ولم يُرِدْ طَلَاقًا فَعَيَّنَ ثِنْتَيْنِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ في وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَيُعَيِّنُهَا وَلَهُ اخْتِيَارُ الْأُخْرَى مع ثَلَاثٍ وَإِنْ عَيَّنَ وَاحِدَةً اخْتَارَ من الْبَاقِيَاتِ أَرْبَعًا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَصْلٌ الِاخْتِيَارُ وَالتَّعْيِينُ أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا وَاجِبٌ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ على أَكْثَرَ من أَرْبَعٍ وَأَسْلَمْنَ معه أو في الْعِدَّةِ أو كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ لِلْأَمْرِ بِهِ في خَبَرِ غَيْلَانَ السَّابِقِ فَيُطَالِبُهُ بِهِ الْحَاكِمُ وَإِنْ سَكَتْنَ عنه كما اقْتَضَاهُ نَصُّ
____________________
(3/172)
الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ إذْ إمْسَاكُ أَكْثَرَ من أَرْبَعٍ في الْإِسْلَامِ مَمْنُوعٌ فَيَعْصِي بِتَأْخِيرِ ذلك كما يَعْصِي بِتَأْخِيرِ التَّعْيِينِ أو الْبَيَانِ فِيمَا لو طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ مُبْهَمًا أو مُعَيَّنًا وَنَسِيَ عَيْنَهَا كما سَيَأْتِي في بَابِهِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ ما قَالَهُ السُّبْكِيُّ من أَنَّ وُجُوبَ الِاخْتِيَارِ يَتَوَقَّفُ على طَلَبِهِنَّ إزَالَةَ الْحَبْسِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِهِمْ عليه فَيُحْبَسُ له أَيْ لِمَا ذُكِرَ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ فَإِنْ لم يَنْفَعْ فيه الْحَبْسُ عُزِّرَ بِمَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ من الضَّرْبِ وَغَيْرِهِ وَيُكَرِّرُهُ مَرَّاتٍ إلَى أَنْ يَخْتَارَ بِشَرْطِ تَخَلُّلِ مُدَّةٍ يَبْرَأُ بها عن أَلَمِ الْأَوَّلِ وَأَنْفَقَ الزَّوْجُ عَلَيْهِنَّ وُجُوبًا إلَى أَنْ يَخْتَارَ لِأَنَّهُنَّ في حَبْسِهِ قال الْقَاضِي
فَإِنْ قُلْت يَنْبَغِي أَنْ لَا يُنْفِقَ إلَّا على أَرْبَعٍ وَيُوقَفُ بين الْجَمِيعِ كما في الْمِيرَاثِ قُلْنَا الْفَرْقُ أَنَّهُنَّ مُمْتَنِعَاتٌ عن الْأَزْوَاجِ بِسَبَبِهِ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ تَفْرِضُ أنها الْمَنْكُوحَةُ وَالنَّفَقَةُ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ فإن نَصِيبَ الزَّوْجَاتِ لَا يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهِنَّ بَلْ لِلْكُلِّ ما لِلْوَاحِدَةِ قال في الْأَصْلِ قال الْإِمَامُ وإذا حُبِسَ لَا يُعَزَّرُ على الْفَوْرِ فَلَعَلَّهُ يَتَرَوَّى وَأَقْرَبُ مُعْتَبَرٍ فيه مُدَّةُ الِاسْتِنَابَةِ أَيْ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَاعْتَبَرَ الرُّويَانِيُّ في الْإِمْهَالِ الِاسْتِنْظَارَ وَجَرَى عليه الْمُصَنِّفُ فقال فَإِنْ امْتَهَلَ بِمَعْنَى اسْتَمْهَلَ أُمْهِلَ ثَلَاثَةً فَقَطْ لِأَنَّهَا مُدَّةُ التَّرَوِّي شَرْعًا لَا بِالنَّفَقَةِ أَيْ لَا يُمْهَلُ لها لِتَضَرُّرِهِنَّ بِتَأْخِيرِهَا وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَلَا يَخْتَارُ أَحَدٌ من حَاكِمٍ أو غَيْرِهِ عن مُمْتَنِعٍ من الِاخْتِيَارِ وعن مَيِّتٍ بِخِلَافِ الْمُمْتَنِعِ في الْإِيلَاءِ يُطَلِّقُ عليه الْحَاكِمُ لِأَنَّ هذا اخْتِيَارُ شَهْوَةٍ لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ وَلِأَنَّ حَقَّ الْفِرَاقِ فيه ليس لِمُعَيَّنَةٍ وَقَوْلُهُ وَمَيِّتٍ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ فَرْعٌ لو مَاتَ قبل التَّعْيِينِ فَإِنْ كان بَعْدَ الدُّخُولِ بِهِنَّ فَعِدَّةُ الْحَامِلِ بِالْوَضْعِ وَإِنْ كانت من ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ وعدة ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ بِالْأَكْثَرِ من عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ لِاحْتِمَالِ اخْتِيَارِهَا لِلنِّكَاحِ وَلِلْفِرَاقِ فَأَخَذَ بِالْأَحْوَطِ وَإِلَّا بِأَنْ كان قبل الدُّخُولِ فَعِدَّةُ الْوَفَاةِ على كُلٍّ مِنْهُنَّ لِاحْتِمَالِ اخْتِيَارِهَا لِلنِّكَاحِ وَابْتِدَاءُ الْأَقْرَاءِ من وَقْتِ الْإِسْلَامِ أَيْ إسْلَامِهِمَا إنْ أَسْلَمَا مَعًا وَإِلَّا فَمِنْ إسْلَامِ السَّابِقِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ لِاحْتِمَالِ أنها مُفَارِقَةٌ بِالِانْفِسَاخِ وهو يَحْصُلُ من حِينَئِذٍ وَابْتِدَاءُ الْأَشْهُرِ من وَقْتِ مَوْتِهِ وَيُوقَفُ لَهُنَّ مِيرَاثُ الزَّوْجَاتِ من رُبْعٍ أو ثُمُنٍ بِعَوْلٍ أو دُونِهِ حتى يَصْطَلِحْنَ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِعَيْنِ مُسْتَحَقِّهِ فَيُقْسِمُ بَيْنَهُنَّ بِحَسَبِ اصْطِلَاحِهِنَّ بِتَسَاوٍ أو تَفَاوُتٍ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُنَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِنَّ مَحْجُورٌ عليها لِصِغَرٍ أو جُنُونٍ أو سَفَهٍ وَصَالَحَ عنها وَلِيُّهَا فَيُمْتَنَعُ بِدُونِ حِصَّتِهَا من عَدَدِهِنَّ
فَلَوْ كُنَّ ثَمَانِيًا وَفِيهِنَّ صَغِيرَةٌ فَصَالَحَ عنها وَلِيُّهَا عن بِمَعْنَى على الثَّمَنِ لَا على أَقَلَّ منه جَازَ اعْتِبَارًا بِعَدَدِهِنَّ وَتَسَاوِيهِنَّ في ثُبُوتِ الْأَيْدِي بِخِلَافِ ما إذَا صَالَحَ على أَقَلَّ من الثَّمَنِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْحَظِّ لِمُوَلِّيَتِهِ قال الصَّيْمَرِيُّ وَطَرِيقُ الصُّلْحِ لِيَقَعَ على الْإِقْرَارِ أَنْ تَقُولَ كُلٌّ مِنْهُنَّ لِصَاحِبَتِهَا إنَّهَا هِيَ الزَّوْجَةُ ثُمَّ تَسْأَلُهَا تَرْكَ شَيْءٍ من حَقِّهَا هذا إذَا اصْطَلَحْنَ جميعا فَإِنْ طَلَبَ أَرْبَعٌ مِنْهُنَّ فَأَقَلُّ شيئا من الْمَوْقُوفِ بِلَا صُلْحٍ مُنِعْنَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الزَّوْجَاتِ غَيْرُهُنَّ أو طَلَبَهُ خَمْسٌ مِنْهُنَّ أُعْطِينَ رُبْعَ الْمَوْقُوفِ لِعِلْمِنَا أَنَّ فِيهِنَّ زَوْجَةً وَالسِّتُّ إذَا طَلَبْنَهُ أُعْطِينَ نِصْفَهُ أَيْ الْمَوْقُوفِ لِعِلْمِنَا أَنَّ فِيهِنَّ زَوْجَتَيْنِ وَإِنْ طَلَبَهُ سَبْعٌ أُعْطِينَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعٍ وَلَا يَنْقَطِعُ بِهِ أَيْ بِمَا أَخَذْنَهُ حَقُّهُنَّ أَيْ تَمَامُهُ بِنَاءً على أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ في الدَّفْعِ إلَيْهِنَّ أَنْ يُبَرِّئْنَ عن الْبَاقِي وهو ما صَحَّحَهُ الْأَصْلُ لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ أَنَّ فِيهِنَّ من يَسْتَحِقُّ الْمَدْفُوعَ فَكَيْفَ نُكَلِّفُهُنَّ بِدَفْعِ الْحَقِّ إلَيْهِنَّ إسْقَاطَ حَقٍّ آخَرَ إنْ كان وَحَكَى مع ذلك وَجْهًا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِأَنَّهُنَّ إنَّمَا أُعْطِينَ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ
وهو إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْإِبْرَاءِ ولم يُوجَدْ وَنُقِلَ عن ابْنِ كَجٍّ نِسْبَةُ هذا إلَى النَّصِّ وقال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ في الْأُمِّ صَرِيحًا وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَأَتْبَاعُهُ وَكَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ وَنَسَبَهُ في الْبَيَانِ لِلْأَكْثَرِينَ وقال الشَّيْخُ أبو مُحَمَّدٍ إنَّهُ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعِلَّتُهُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ لَا يُمَكَّنُ من شَيْءٍ من التَّرِكَةِ حتى يَحْصُلَ لِصَاحِبِهِ مِثْلُهُ وَإِلَّا فَيَلْزَمُ حِرْمَانُ بَعْضٍ وَإِعْطَاءُ بَعْضٍ وَأَطَالَ في ذلك وَلَوْ كان فِيهِنَّ أَيْ الثَّمَانِ اللَّاتِي أَسْلَمَ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعُ كِتَابِيَّاتٍ وَأَسْلَمَتْ الْبَاقِيَاتُ أو كان تَحْتَهُ مُسْلِمَةٌ وَكِتَابِيَّةٌ فقال إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَمَاتَ ولم يُبَيِّنْ في الصُّورَتَيْنِ لم يُوقَفْ لَهُنَّ شَيْءٌ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُنَّ لِلْإِرْثِ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِنَّ الْكِتَابِيَّاتِ وَاقْتَسَمَ بَاقِي الْوَرَثَةِ الْجَمِيعَ أَيْ
____________________
(3/173)
جَمِيعَ التَّرِكَةِ لِأَنَّ سَبَبَ إرْثِهِمْ مُحَقَّقٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّزَاحُمِ فَرْعٌ لو مَاتَ ذِمِّيٌّ تَحْتَهُ خَمْسٌ فَأَكْثَرُ وَرِثَ الْجَمِيعُ بِنَاءً على صِحَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ وَقِيلَ أَرْبَعٌ فَقَطْ فَيُوقَفُ الْمَوْرُوثُ بَيْنَهُنَّ حتى يَصْطَلِحْنَ وَيُجْعَلُ التَّرَافُعُ إلَيْنَا بِمَثَابَةِ إسْلَامِهِمْ وَقِيلَ إنْ صَحَّحْنَا أَنْكِحَتَهُمْ وَرِثَ الْجَمِيعُ وَإِلَّا فَأَرْبَعٌ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ أو مَاتَ مَجُوسِيٌّ تَحْتَهُ مَحْرَمٌ له لم نُوَرِّثْهَا منه لِأَنَّ هذا ليس بِنِكَاحٍ في سَائِرِ الْأَدْيَانِ وَتَعْبِيرُهُ بِالْمَحْرَمِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِأُمِّهِ أو بِنْتِهِ فَرْعٌ وَمَنْ تَعَيَّنَتْ لِلْفُرْقَةِ بِالزِّيَادَةِ على أَرْبَعٍ فَعِدَّتُهَا مَحْسُوبَةٌ من وَقْتِ الْإِسْلَامِ أَيْ إسْلَامِهِمَا إنْ أَسْلَمَا مَعًا وَإِلَّا فَمِنْ إسْلَامِ السَّابِقِ لَا من وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّ سَبَبَ الْفُرْقَةِ اخْتِلَافُ الدِّينِ فَاعْتُبِرَتْ الْعِدَّةُ من حِينِهِ وَتَقَدَّمَ ما فيه فَصْلٌ تَجِبُ النَّفَقَةُ أَيْ يَسْتَمِرُّ وُجُوبُهَا لِلْمَوْقُوفَةِ أَيْ لِلْمَوْقُوفِ نِكَاحُهَا حَيْثُ كانت قبل إسْلَامِهَا مَجُوسِيَّةً أو وَثَنِيَّةً من حِين أَسْلَمَتْ سَوَاءٌ أَسْلَمَ الزَّوْجُ في الْعِدَّةِ أَمْ لَا لِأَنَّهَا أَحْسَنَتْ وَأَتَتْ بِالْوَاجِبِ عليها فَلَا تَسْقُطُ بِهِ نَفَقَتُهَا وَإِنْ مُنِعَ من التَّمَتُّعِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ الْمَفْرُوضَيْنِ وَلِأَنَّ لِلزَّوْجِ قُدْرَةً على تَقْرِيرِ النِّكَاحِ عليها بِأَنْ يُسْلِمَ فَجُعِلَتْ كَالرَّجْعِيَّةِ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الثَّانِي عَدَمُ اسْتِمْرَارِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ فِيمَا لو تَخَلَّفَ إسْلَامُهُ لِعُذْرٍ من صِغَرٍ أو جُنُونٍ أو إغْمَاءٍ وَدَامَ بِهِ الْمَانِعُ حتى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ ليس مُرَادًا وَيُفَارِقُ ما قَالَهُ سُقُوطُ الْمَهْرِ بِإِسْلَامِهَا قبل الدُّخُولِ بِأَنَّهُ عِوَضُ الْعَقْدِ وهو يَسْقُطُ بِتَفْوِيتِ الْمُعَوَّضِ وَلَوْ مع الْعُذْرِ كما لو أَكَلَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ لِلضَّرُورَةِ وَالنَّفَقَةُ في مُقَابَلَةِ التَّمْكِينِ ولم يَفُتْ لِقُدْرَتِهِ عليه بِإِسْلَامِهِ وَبِمَا قَالَهُ عُلِمَ اسْتِمْرَارُ وُجُوبِهَا فِيمَا لو أَسْلَمَا مَعًا وَبِهِ صَرَّحَ أَصْلُهُ
وَلَوْ تَخَلَّفَتْ الزَّوْجَةُ بِإِسْلَامِهَا عن إسْلَامِ الزَّوْجِ لم تَسْتَحِقَّ عليه نَفَقَةً مُدَّةَ التَّخَلُّفِ وَإِنْ أَسْلَمَتْ في الْعِدَّةِ لِنُشُوزِهَا بِالتَّأْخِيرِ وَهَذَا يَقْتَضِي أنها لو تَخَلَّفَتْ لِصِغَرٍ أو جُنُونٍ أو إغْمَاءٍ ثُمَّ زَالَ وَأَسْلَمَتْ في الْعِدَّةِ اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ ليس مُرَادًا لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِعَدَمِ التَّمْكِينِ وَإِنْ لم يَكُنْ نُشُوزٌ وَلَا تَقْصِيرٌ من الزَّوْجَةِ كما تَسْقُطُ بِحَبْسِهَا ظُلْمًا وَالْقَوْلُ في قَدْرِ مُدَّةِ إسْلَامِهَا كَأَنْ قال لها أَسْلَمْت الْيَوْمَ فقالت بَلْ من عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَلِي عَلَيْك نَفَقَتُهَا قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِمْرَارُ كُفْرِهَا وَبَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ من النَّفَقَةِ نعم لو قال لها أَسْلَمْت قَبْلَك فَلَا نَفَقَةَ لَك مُدَّةَ التَّخَلُّفِ فَادَّعَتْ الْعَكْسَ أَيْ أنها أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ أو معه صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا لِأَنَّ حَقَّهَا كان وَاجِبًا وهو يَدَّعِي مُسْقِطًا كَالنُّشُوزِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ قال في الْوَسِيطِ إلَّا إذَا اتَّفَقَا على أَنَّ إسْلَامَهُ كان أَوَّلَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ فقال أَسْلَمَتْ بَعْدِي وَقَالَتْ بَلْ قَبْلَك فَيُصَدَّقُ هو لِأَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُ كُفْرِهَا
فَرْعٌ على الْمُرْتَدِّ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ الْمَدْخُولِ بها لِأَنَّهَا لم تُحْدِثْ شيئا وَالزَّوْجُ هو الذي أَحْدَثَ الرِّدَّةَ لَا على زَوْجِهَا وَهِيَ مُرْتَدَّةٌ وَإِنْ عَادَتْ إلَى الْإِسْلَامِ في الْعِدَّةِ سَوَاءٌ ارْتَدَّ الزَّوْجُ أَيْضًا أَمْ لَا لِنُشُوزِهَا بِالرِّدَّةِ وَهِيَ أَوْلَى بِذَلِكَ من مُتَأَخِّرَةِ الْإِسْلَامِ لِتَبْدِيلِهَا دِينَهَا فَصْلٌ وَإِنْ اخْتَلَفَا في السَّابِقِ بِالْإِسْلَامِ قبل الدُّخُولِ فَادَّعَتْ سَبْقَ الزَّوْجِ بِهِ لِإِثْبَاتِ نِصْفِ الْمَهْرِ وَادَّعَى هو سَبْقَهَا بِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ نِصْفِ الْمَهْرِ فَإِنْ قالت وقد ادَّعَى سَبْقَهَا لَا أَعْرِفُ السَّابِقَ مِنَّا لم تُطَالِبْ بِشَيْءٍ من الْمَهْرِ فَإِنْ ادَّعَتْ الْعِلْمَ بِذَلِكَ أَيْ بِسَبْقِ إسْلَامِهِ بَعْدُ أَيْ بَعْدَ قَوْلِهَا لَا أَعْرِفُ السَّابِقَ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا وَأَخَذَتْ النِّصْفَ وَإِنْ جُهِلَ السَّبَقُ وَالْمَعِيَّةُ بِاعْتِرَافِهِمَا فَالنِّكَاحُ بَاقٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ
وَإِنْ جُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا لِاتِّفَاقِهِمَا على تَعَاقُبِ الْإِسْلَامِ قبل الدُّخُولِ وَلَا تُطَالِبُهُ بِنِصْفِ الْمَهْرِ إنْ لم تَكُنْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ لِاحْتِمَالِ سَبْقِهَا وَلَا يَسْتَرِدُّهُ هو منها إنْ كانت قد قَبَضَتْهُ أَيْ الْمَهْرَ لِاحْتِمَالِ سَبْقِهِ فَيُقِرُّ النِّصْفَ في يَدِهَا حتى يَتَبَيَّنَ الْحَالُ وَإِنْ اخْتَلَفَا في بَقَاءِ النِّكَاحِ فَادَّعَى هو إسْلَامَهُمَا مَعًا لِيَبْقَى النِّكَاحُ وَأَنْكَرَتْ هِيَ بِأَنْ ادَّعَتْ تَعَاقُبَهُمَا في الْإِسْلَامِ لِتُبْطِلَ النِّكَاحَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ قُلْت وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا في الدَّعَاوَى من أَنَّ الزَّوْجَ هو الْمُدَّعِي وَأَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ
____________________
(3/174)
من يُخَالِفُ قَوْلُهُ الظَّاهِرَ وَالْمُدَّعَى عليه من يُوَافِقُهُ وَقَضِيَّةُ ذلك تَرْجِيحُ أنها الْمُصَدَّقَةُ بِيَمِينِهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهَا أو ادَّعَيَا عَكْسَهُ فَادَّعَتْ إسْلَامَهُمَا مَعًا وَأَنْكَرَ هو فَلَا نِكَاحَ لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ لَا نِكَاحَ وَيَصْدُقُ أَيْضًا في أنها لَا تَسْتَحِقُّ عليه نِصْفَ الْمَهْرِ على ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِهِ هُنَا وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا له في الدَّعَاوَى
وقال الْبُلْقِينِيُّ الصَّوَابُ تَصْدِيقُهَا في أنها تَسْتَحِقُّهُ جَزْمًا وَاسْتَشْهَدَ له بِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْفَصْلِ قال وَجَرَى على ذلك أبو الْفَرَجِ الرَّازِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَنَقَلَ عن الْجُمْهُورِ الْجَزْمَ بِهِ وَإِنْ ادَّعَى بَعْدَ إسْلَامِهِ أَنَّهُ أَسْلَمَ في عِدَّةِ الْمَوْقُوفَةِ أَيْ الْمَوْقُوفِ نِكَاحُهَا وَأَنْكَرَتْ بِأَنْ ادَّعَتْ أَنَّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ انْقِضَائِهَا فَإِنْ اتَّفَقَا على انْقِضَائِهَا في رَمَضَانَ مَثَلًا وَادَّعَى الْإِسْلَامَ أَيْ إسْلَامَهُ قَبْلَهُ وَأَنْكَرَتْ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ كُفْرِهِ أو اتَّفَقَا على أَنَّ الْإِسْلَامَ وَقَعَ في رَمَضَانَ وَادَّعَتْ انْقِضَاءَهَا أَيْ الْعِدَّةَ قَبْلَهُ وَأَنْكَرَ بِأَنْ ادَّعَى انْقِضَاءَهَا بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا وَإِنْ لم يَتَّفِقَا على شَيْءٍ بَلْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا مُجَرَّدَ السَّبْقِ فَاقْتَصَرَ على سَبْقِ إسْلَامِهِ وَاقْتَصَرَتْ على سَبْقِ عِدَّتِهَا صُدِّقَ السَّابِقُ مِنْهُمَا بِالدَّعْوَى لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ أَوَّلًا مَقْبُولٌ فَلَا يُرَدُّ بِمُجَرَّدِ قَوْلٍ آخَرَ وَلِأَنَّ من أَقَرَّ بِشَيْءٍ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ أَنْشَأَهُ حِينَئِذٍ فَدَعْوَى الزَّوْجِ إسْلَامَهُ أَوَّلًا كَأَنَّهُ إنْشَاءُ إسْلَامٍ في الْحَالِ وَدَعْوَاهَا بَعْدَهُ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ أَوَّلًا يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِانْقِضَائِهَا في الْحَالِ فَيَتَأَخَّرُ انْقِضَاؤُهَا عن الْإِسْلَامِ وَدَعْوَاهَا انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا أَوَّلًا يَقْتَضِي الْحُكْمَ في الْحَالِ بِانْقِضَائِهَا وَدَعْوَاهُ بَعْدَهَا إسْلَامَهُ أَوَّلًا كَأَنَّهُ إنْشَاءُ إسْلَامٍ في الْحَالِ فَيَقَعُ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَرْعٌ لو أَقَامَ الزَّوْجُ شَاهِدَيْنِ أَنَّهُمَا أَسْلَمَا حين طَلَعَتْ الشَّمْسُ أو غَرَبَتْ يوم كَذَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَاسْتَمَرَّ النِّكَاحُ أو أَنَّهُمَا أَسْلَمَا مع طُلُوعِ الشَّمْسِ أو غُرُوبِهَا يوم كَذَا لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ الطُّلُوعَ أو الْغُرُوبَ أَيْ وَقْتَهُ يَتَنَاوَلُ حَالَ تَمَامِهِ وَهِيَ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْمَعِيَّةُ لِلطُّلُوعِ أو الْغُرُوبِ تَتَنَاوَلُ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا مُقَارِنًا لِطُلُوعِ أَوَّلِ الْقُرْصِ أو غُرُوبِهِ وَإِسْلَامُ الْآخَرِ مُقَارِنًا لِطُلُوعِ آخِرِهِ أو غُرُوبِهِ
فَرْعٌ لو نَكَحَتْ في الْكُفْرِ زَوْجَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمُوا فَإِنْ نَكَحَتْهُمَا مَعًا أَبْطَلْنَاهُ أَيْ النِّكَاحَ وَإِنْ اعْتَقَدُوا جَوَازَهُ أو مُرَتَّبًا فَهِيَ زَوْجَةٌ لِلْأَوَّلِ فَلَوْ مَاتَ الْأَوَّلُ كَافِرًا وَأَسْلَمَتْ الْأُولَى قَوْلُهُ أَصْلُهُ ثُمَّ أَسْلَمَتْ مع الثَّانِي وَاعْتَقَدُوهُ أَيْ النِّكَاحَ الْمَذْكُورَ صَحِيحًا أَقْرَرْنَاهُ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ أَسْلَمَا دُونَهَا أو الْأَوَّلُ وَحْدَهُ فَظَاهِرٌ أنها لِلْأَوَّلِ إنْ كانت كِتَابِيَّةً الْبَابُ الثَّامِنُ في أَسْبَابِ خِيَارِ النِّكَاحِ وَأَسْبَابُهُ الْمُتَّفَقُ عليها أَرْبَعَةٌ خَرَجَ بِهِ الْمُخْتَلَفُ فيها كَالْإِعْسَارِ بِالْمَهْرِ أو النَّفَقَةِ وَكَأَنْ يَجِدَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ رَفِيقًا وَكَأَنْ لَا تَحْتَمِلَ الْمَرْأَةُ الْوَطْءَ إلَّا بِالْإِفْضَاءِ وَسَتَأْتِي الثَّلَاثَةُ الْأَوَّلُ الْعُيُوبُ وَتَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ إلَى مُشْتَرَكٍ بين الزَّوْجَيْنِ وهو ثَلَاثَةٌ الْبَرَصُ وهو بَيَاضٌ شَدِيدٌ يُبَقِّعُ الْجِلْدَ وَيُذْهِبُ دَمَوِيَّتَهُ وَالْجُذَامُ وهو عِلَّةٌ يَحْمَرُّ منها الْعُضْوُ ثُمَّ يَسْوَدُّ ثُمَّ يَتَقَطَّعُ وَيَتَنَاثَرُ وَيُتَصَوَّرُ ذلك في كل عُضْوٍ لَكِنَّهُ في الْوَجْهِ أَغْلَبُ الْمُسْتَحْكِمَانِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا من أَوَائِلِ الْبَرَصِ وَالْجُذَامِ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ كما صَرَّحَ بِهِ الْجُوَيْنِيُّ قال وَالِاسْتِحْكَامُ في الْجُذَامِ يَكُونُ بِالتَّقَطُّعِ وَتَرَدَّدَ الْإِمَامُ فيه وَجَوَّزَ الِاكْتِفَاءَ بِاسْوِدَادِهِ وَحُكْمِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِاسْتِحْكَامِ الْعِلَّةِ
وَالْجُنُونُ وَإِنْ تَقَطَّعَ وهو زَوَالُ الشُّعُورِ من الْقَلْبِ مع بَقَاءِ الْحَرَكَةِ وَالْقُوَّةِ في الْأَعْضَاءِ وَاسْتَثْنَى الْمُتَوَلِّي منه الْمُتَقَطِّعُ الْخَفِيفُ الذي يَطْرَأُ في بَعْضِ الزَّمَانِ قال الْإِمَامُ ولم يَتَعَرَّضُوا لِاسْتِحْكَامِ الْجُنُونِ وَمُرَاجَعَةِ الْأَطِبَّاءِ في إمْكَانِ
____________________
(3/175)
زَوَالِهِ وَلَوْ قِيلَ بِهِ لَكَانَ قَرِيبًا نَظِيرَ ما مَرَّ في الْبَرَصِ وَالْجُذَامِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْجُنُونَ يُفْضِي إلَى الْجِنَايَةِ على الرُّوحِ لَا الْإِغْمَاءُ بِالْمَرَضِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ كَسَائِرِ الْأَمْرَاضِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَمَحَلُّهُ فِيمَا يَحْصُلُ منه الْإِفَاقَةُ كما هو الْغَالِبُ أَمَّا الدَّائِمُ الْمَيْئُوسُ من زَوَالِهِ فَكَالْجُنُونِ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي لَا بَعْدَهُ أَيْ لَا إنْ بَقِيَ الْإِغْمَاءُ بَعْدَ زَوَالِ الْمَرَضِ أَفَيَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ كَالْجُنُونِ فَيَثْبُتُ بها أَيْ بِالْعُيُوبِ السَّابِقَةِ وَالْآتِيَةِ أَيْ بِكُلٍّ منها الْفَسْخُ لِلنِّكَاحِ وَإِنْ قُلْت فَقَدْ صَحَّ ذلك في الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ وَالْقَرَنِ عن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ عنه وَعَوَّلَ عليه لِأَنَّ مثله لَا يَكُونُ إلَّا تَوْقِيفًا وَلِأَنَّ كُلًّا منها يُخِلُّ بِالتَّمَتُّعِ الْمَقْصُودِ من النِّكَاحِ بَلْ بَعْضُهَا يُفَوِّتُهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنْ اخْتَلَفَا في كَوْنِ شَيْءٍ عَيْبًا فَشَاهِدَانِ خَبِيرَانِ بِالطِّبِّ يُقَيِّمُهُمَا الْمُدَّعِي لِذَلِكَ فَإِنْ لم يُقَيِّمْهُمَا صُدِّقَ الْمُنْكِرُ بِيَمِينِهِ وَإِلَى مُخْتَصٍّ بِهِ أَيْ بِالزَّوْجِ
وهو الْعُنَّةُ أَيْ عَجْزُهُ عن الْوَطْءِ في الْقُبُلِ لِعَدَمِ انْتِشَارِ آلَتِهِ وَإِنْ حَصَلَ ذلك بِمَرَضٍ يَدُومُ وَالْجَبُّ لِذَكَرِهِ أَيْ قَطْعِهِ إنْ يَبْقَ منه قَدْرُ الْحَشَفَةِ كما سَيَأْتِي أو مُخْتَصٌّ بها أَيْ بِالزَّوْجَةِ وهو الرَّتَقُ وَالْقَرَنُ بِفَتْحِ رَائِهِ أَرْجَحُ من إسْكَانِهَا وَهُمَا انْسِدَادُ مَحَلِّ الْجِمَاعِ منها في الْأَوَّلِ بِلَحْمٍ وفي الثَّانِي بِعَظْمٍ وَقِيلَ بِلَحْمٍ يَنْبُتُ فيه وَيَخْرُجُ الْبَوْلُ من ثُقْبَةِ ضَيِّقَةٍ فيه فَإِنْ شَقَّتْ الرَّتَقَ أو شَقَّهُ غَيْرُهَا وَإِنْ أَمْكَنَ الْوَطْءُ بَطَلَ خِيَارُهُ لِزَوَالِ سَبَبِهِ وَلَا تُجْبَرُ هِيَ عليه أَيْ على شَقِّهِ لِتَضَرُّرِهَا بِهِ وَكَالرَّتَقِ في هذا الْقَرَنُ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ جُمْلَةَ الْعُيُوبِ سَبْعَةٌ وَأَنَّهُ يُمْكِنُ في حَقِّ كُلٍّ من الزَّوْجَيْنِ خَمْسَةٌ وما سِوَى هذه السَّبْعَةِ كَالْبَخَرِ وَالصُّنَانِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَالْقُرُوحِ السَّائِلَةِ وَالْعَمَى وَالزَّمَانَةِ وَالْبَلَهِ وَالْخِصَاءِ وَالْإِفْضَاءِ وَكَوْنُهُ أَيْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عِذْيَوْطًا بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْيَاءِ وهو أَنْ يَتَغَوَّطَ عِنْدَ الْجِمَاعِ فَلَا خِيَارَ بها لِأَنَّهَا لَا تُفَوِّتُ مَقْصُودَ النِّكَاحِ بِخِلَافِ نَظِيرِهَا في الْبَيْعِ لِفَوَاتِ الْمَالِيَّةِ وَلَا كَوْنُهُ خُنْثَى وَاضِحًا وَلَوْ بِإِخْبَارِهِ وَلَا عَقِيمًا كَذَلِكَ أَمَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ كما مَرَّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ ما قَالُوهُ في الِاسْتِحَاضَةِ إذَا كانت الْمُسْتَحَاضَةُ حَافِظَةً لِعَادَتِهَا وَإِلَّا فَالْمُتَّجَهُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ إذَا حَكَمَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ بِاسْتِحْكَامِ اسْتِحَاضَتِهَا لِأَنَّ وَطْأَهَا حَرَامٌ وَالْمَمْنُوعُ شَرْعًا كَالْمَمْنُوعِ حِسًّا وَلَا نَظَرَ إلَى تَوَقُّعِ الشِّفَاءِ على نُدْرَةٍ كما لم يَنْظُرُوا إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ فَصْلٌ وَإِنْ وُجِدَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا عَيْبٌ يُثْبِتُ الْخِيَارَ يَثْبُتُ له الْفَسْخُ وَلَوْ اتَّحَدَ عَيْبُهُمَا كَأَنْ كان بِكُلٍّ مِنْهُمَا بَرَصٌ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَعَافُ من غَيْرِهِ ما لَا يَعَافُ من نَفْسِهِ أو كان بِهِ جَبٌّ وَهِيَ رَتْقَاءُ لِفَوَاتِ التَّمَتُّعِ الْمَقْصُودِ من النِّكَاحِ وَهَذَا ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْحَنَّاطِيِّ وَالشَّيْخِ أبي حَامِدٍ وَالْإِمَامِ وَنَقَلَ عن الْبَغَوِيّ أَنَّهُ حَكَى طَرِيقًا آخَرَ أَنَّهُ لَا فَسْخَ قَطْعًا لِأَنَّهُ وَإِنْ فَسَخَ لَا يَصِلُ إلَى الْوَطْءِ
وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عن الدَّارِمِيِّ وَعَنْ النَّصِّ ثُمَّ قال فَبَانَ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ مثله وَلَا يُمْكِنُ الْفَسْخُ في مَجْنُونَيْنِ إلَّا بِتَقَطُّعٍ فَيُمْكِنُهُمَا الْفَسْخُ في زَمَنِ الْإِفَاقَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الْمُسْتَثْنَى من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ ابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ فَرْعٌ لو نَكَحَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ عَالِمًا بِالْعَيْبِ الْقَائِمِ بِالْآخَرِ غير الْعُنَّةِ فَلَا خِيَارَ له كما في الْبَيْعِ وَالْقَوْلُ فِيمَا لو كان بِهِ عَيْبٌ وَادَّعَى على الْآخَرِ عِلْمَهُ بِهِ وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ فَأَنْكَرَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لم يَعْلَمْ بِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عِلْمِهِ بِهِ
فَصْلٌ وَالْعَيْبُ الْحَادِثُ بَعْدَ الْعَقْدِ كَالْمُقَارِنِ له في أَنَّهُ مُثْبِتٌ لِلزَّوْجِ الْفَسْخَ مُطْلَقًا وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْفِرَاقُ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّ الْفَسْخَ يَدْفَعُ عنه التَّشْطِيرَ قبل الدُّخُولِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ ومثبت لها قبل الدُّخُولِ مُطْلَقًا عن تَقْيِيدٍ بِسِوَى الْعُنَّةِ لِتَضَرُّرِهَا بِهِ وَبَعْدَهُ فِيمَا سِوَى الْعُنَّةِ لِذَلِكَ أَمَّا الْعُنَّةُ فَلَا يَثْبُتُ بها الْخِيَارُ لها كما سَيَأْتِي وَيَثْبُتُ لها الْفَسْخُ بِالْجَبِّ وَلَوْ بِفِعْلِهَا وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ لِأَنَّهُ يُورِثُ الْيَأْسَ عن الْوَطْءِ فَرْعٌ لِلْأَوْلِيَاءِ الْفَسْخُ بِالْجُنُونِ غَيْرِ الْحَادِثِ وَإِنْ رَضِيَتْ وَكَذَا بِالْبَرَصِ وَالْجُذَامِ غَيْرِ الْحَادِثَيْنِ لِأَنَّهُمْ يُعَيَّرُونَ بِكُلٍّ منها وَلِأَنَّ الْعَيْبَ قد يَتَعَدَّى إلَيْهَا وَإِلَى نَسْلِهَا وَكَلَامُهُمْ قد يَتَنَاوَلُ النَّسِيبَ وَغَيْرَهُ لَكِنْ في الْبَسِيطِ في الْكَلَامِ على تَزْوِيجِ الْأَمَةِ فَلَوْ تَزَوَّجَتْ من مَعِيبٍ ثُمَّ عَلِمَتْ بِهِ فَلَهَا الْخِيَارُ دُونَ السَّيِّدِ انْتَهَى
____________________
(3/176)
قال الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَيَّرَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عن مِلْكِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَرْجِعَ إلَيْهِ مَعِيبَةً انْتَهَى وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لو تَعَدَّدَ مَالِكُ الْأَمَةِ كان لِكُلٍّ منهم الْخِيَارُ وَإِنْ لم يَتَوَصَّلْ إلَيْهِ إلَّا بِإِبْطَالِ حَقِّ غَيْرِهِ وهو مُحْتَمَلٌ أَمَّا الْحَادِثُ مِمَّا ذُكِرَ فَلَيْسَ لهم الْفَسْخُ بِهِ لِأَنَّ حَقَّهُمْ في الْكَفَاءَةِ في الِابْتِدَاءِ دُونَ الدَّوَامِ وَلِهَذَا لو عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ وَرَضِيَتْ بِهِ لَا فَسْخَ لهم لَا الْجَبَّ وَالْعُنَّةَ أَيْ ليس لِلْوَلِيِّ الْفَسْخُ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا لِانْتِفَاءِ الْعَارِ وَالضَّرَرُ مَقْصُورٌ عليها وَيُجِيبُهَا وُجُوبًا إلَى التَّزْوِيجِ بِصَاحِبِهِمَا أَيْ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ لِذَلِكَ فَإِنْ امْتَنَعَ كان عَاضِلًا بِخِلَافِ صَاحِبِ الْجُنُونِ وَالْبَرَصِ وَالْجُذَامِ
فَصْلٌ خِيَارُ عَيْبِ النِّكَاحِ يَثْبُتُ على الْفَوْرِ كَخِيَارِ عَيْبِ الْبَيْعِ وَلَا يُنَافِيهِ ضَرْبُ الْمُدَّةِ في الْعُنَّةِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَتَحَقَّقُ وَيُشْتَرَطُ في ذلك حُضُورُ الْحَاكِمِ لِيَفْعَلَ في الْعُنَّةِ ما سَيَأْتِي بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَلِأَنَّ الْفَسْخَ بِالْعَيْبِ مُجْتَهَدٌ فيه فَأَشْبَهَ الْفَسْخَ بِالْإِعْسَارِ لَا في خِيَارٍ خَلَفَ الشَّرْطُ فيه أَيْ في النِّكَاحِ أَيْ لَا يُشْتَرَطُ فيه حُضُورُ الْحَاكِمِ كَخِيَارِ عَيْبِ الْمَبِيعِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُمَا لو تَرَاضَيَا بِالْفَسْخِ لِعَيْبٍ لَا يَصِحُّ وَبِهِ جَزَمَ في الْمُحَرَّرِ وَحَكَى فيه الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهَيْنِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ في الْأُمِّ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الصِّحَّةِ وَبِهِ جَزَمَ الصَّيْمَرِيُّ فَلَوْ مَكَّنَتْهُ من الْوَطْءِ فَوَطِئَ أو وَطِئَ بِغَيْرِ تَمْكِينِهَا أو ظَهَرَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبٌ وَادَّعَى عِلْمَهَا بِالْعَيْبِ قبل الْوَطْءِ فَأَنْكَرَتْ أو ادَّعَتْ عِلْمَهُ بِالْعَيْبِ قبل ذلك فَأَنْكَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عِلْمِهِ وَالْفَسْخُ بِالْعَيْبِ وَلَوْ حَادِثًا أو الْغُرُورُ الْآتِي بَيَانُهُ إنْ كان قبل الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ وَلَا مُتْعَةَ لِأَنَّهُ إنْ كان الْعَيْبُ بِهِ فَهِيَ الْفَاسِخَةُ أو بها فَسَبَبُ الْفَسْخِ مَعْنًى وُجِدَ فيها فَكَأَنَّهَا الْفَاسِخَةُ وَلِأَنَّ شَأْنَ الْفَسْخِ تَرَادُّ الْعِوَضَيْنِ أو كان الْفَسْخُ بِمَا ذُكِرَ بَعْدَهُ أَيْ الدُّخُولِ
وَفُسِخَ النِّكَاحُ بِعَيْبٍ مُقَارِنٍ لِلْعَقْدِ أو حَادِثٍ بَعْدَهُ قبل الدُّخُولِ فَمَهْرُ الْمِثْلِ لَا الْمُسَمَّى وَاجِبٌ عليه لِأَنَّهُ تَمَتُّعٌ بِمَعِيبَةٍ وهو إنَّمَا بَذَلَ الْمُسَمَّى بِظَنِّ السَّلَامَةِ فَكَأَنَّ الْعَقْدَ جَرَى بِلَا تَسْمِيَةٍ وَلِأَنَّ قَضِيَّةَ الْفَسْخِ رُجُوعُ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى عَيْنِ حَقِّهِ أو إلَى بَدَلِهِ إنْ تَلِفَ فَيَرْجِعُ الزَّوْجُ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ وهو الْمُسَمَّى وَالزَّوْجَةُ إلَى بَدَلِ حَقِّهَا وهو مَهْرُ مِثْلِهَا لِفَوَاتِ حَقِّهَا بِالدُّخُولِ وَبِمَا تَقَرَّرَ من أَنَّ ما ذُكِرَ صَيَّرَ التَّسْمِيَةَ كَالْعَدَمِ سَقَطَ ما قبل الْفَسْخِ إنْ رُفِعَ الْعَقْدُ من أَصْلِهِ فَالْوَاجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ مُطْلَقًا أو من حِينِهِ فَالْمُسَمَّى كَذَلِكَ وَإِلَّا بِأَنْ فُسِخَ بَعْدَ الدُّخُولِ بِعَيْبٍ حَادِثٍ بَعْدَهُ فَالْمُسَمَّى وَاجِبٌ عليه كما إذَا لم يُفْسَخْ وَلِأَنَّ الدُّخُولَ قَرَّرَهُ قبل وُجُودِ السَّبَبِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّنْظِيرِ الْمَذْكُورِ من زِيَادَتِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ أَيْ بِالْمَهْرِ الذي غَرِمَهُ على من غَرَّهُ لِئَلَّا يَجْمَعَ بين الْعِوَضَيْنِ وَلِأَنَّهُ شَرَعَ في النِّكَاحِ على أَنْ يَقُومَ عليه الْبُضْعُ
فإذا اسْتَوْفَى مَنْفَعَتَهُ تَقَرَّرَ عليه عِوَضُهُ وَالْغَارُّ الْوَلِيُّ أو الزَّوْجَةُ بِأَنْ سَكَتَ عن الْعَيْبِ وَكَانَتْ أَظْهَرَتْ له أَنَّ الزَّوْجَ عَرَفَهُ أو عَقَدَتْ بِنَفْسِهَا وَحَكَمَ بِصِحَّتِهِ حَاكِمٌ فَرْعٌ لو مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ أو قَبْلَهُ وَقَبْلَ الْفَسْخِ فَلَا فَسْخَ لِانْتِهَاءِ النِّكَاحِ وَكَالْمَوْتِ الْبُرْءُ من الْعَيْبِ وَإِنْ طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ ثُمَّ عَلِمَ عَيْبَهَا لم يَسْقُطْ النِّصْفُ من مَهْرِهَا لِأَنَّ الْفُرْقَةَ حَصَلَتْ بِالطَّلَاقِ
وَلَا نَفَقَةَ وَلَا سُكْنَى لِلْمَفْسُوخِ نِكَاحُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ في الْعِدَّةِ إنْ كانت حَائِلًا لِانْقِطَاعِ أَثَرِ النِّكَاحِ بِالْفَسْخِ وَكَذَا لَا نَفَقَةَ لها إنْ كانت حَامِلًا بِنَاءً على أَنَّ نَفَقَةَ الْمُطَلَّقَةِ الْحَامِلِ لها لَا لِلْحَمْلِ كَذَا بَنَوْهُ على هذا وَلَيْسَ الْبِنَاءُ بِمَرَضِيٍّ كما قَالَهُ الْإِمَامُ بَلْ وَجْهُهُ أنها خَرَجَتْ عن مَحَلِّ التَّمَتُّعِ وَإِنَّمَا خَالَفْنَا في الْمُطَلَّقَةِ لِلنَّصِّ كما سَيَأْتِي بَيَانُهُ في النَّفَقَاتِ وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ من خَوَاصِّ النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْفَسْخِ لَكِنَّ مَحَلَّهُ في فَسْخٍ بِمُقَارِنٍ أَمَّا بِعَارِضٍ فَكَالطَّلَاقِ كما سَيَأْتِي ثَمَّ وَالْمَذْهَبُ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في الْعَدَدِ أَنَّ لها السُّكْنَى لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ عن نِكَاحٍ صَحِيحٍ بِفُرْقَةٍ في الْحَيَاةِ فَأَشْبَهَتْ الْمُطَلَّقَةَ تَحْصِينًا لِلْمَاءِ لَا ما ذَكَرَهُ هُنَا من أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ وُجُوبِهَا كَالنَّفَقَةِ فَرْعٌ من رضي بِالْعَيْبِ سَقَطَ خِيَارُهُ كما مَرَّ وَلَوْ زَادَ الْعَيْبُ لِأَنَّ رِضَاهُ بِالْأَوَّلِ رِضًا بِمَا يُتَوَلَّدُ منه لَا إنْ
____________________
(3/177)
حَدَثَ عَيْبٌ آخَرُ فَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِهِ
وَقَيَّدَ الْمُتَوَلِّي وَالْعِمْرَانِيُّ سُقُوطَهُ في الزَّائِدِ بِالْمُنْتَشِرِ في مَحَلِّهِ بِخِلَافِ الزَّائِدِ في مَوْضِعٍ آخَرَ وَنَقَلَهُ في الْبَحْرِ عن نَصِّ الْإِمْلَاءِ ثُمَّ نَقَلَ عن الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا كان الزَّائِدُ بِمَوْضِعٍ آخَرَ أَقْبَحَ مَنْظَرًا كَأَنْ حَدَثَ في الْوَجْهِ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ في الْفَخِذِ فَإِنْ كان مثله كَأَنْ حَدَثَ في يَدِهِ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ في الْيَدِ الْأُخْرَى فَوَجْهَانِ انْتَهَى وَأَقَرَّ بِهِمَا لِكَلَامِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا خِيَارَ وَاسْتَشْكَلَ عَدَمَ اعْتِبَارِ الزِّيَادَةِ هُنَا بِاعْتِبَارِهَا فِيمَا لو زَادَ فِسْقُ الْفَاسِقِ الذي شَرَطَ وَضْعَ الرَّهْنِ عِنْدَهُ حَيْثُ كان لِكُلٍّ من الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ إزَالَةُ يَدِهِ عنه وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرَّهْنَ أَمَانَةٌ فَاحْتِيطَ لها صِيَانَةً لِلْحُقُوقِ وَبِأَنَّ صُورَةَ تِلْكَ أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا بِمَعْصِيَةٍ كَالشُّرْبِ فَيَرْتَكِبُ أُخْرَى كَالزِّنَا فَنَظِيرُهُ هُنَا أَنْ يَحْصُلَ في الْمَعِيبِ عَيْبٌ آخَرُ وَنَحْنُ نَقُولُ بِاعْتِبَارِهِ كما تَقَرَّرَ وفي الثَّانِي نَظَرٌ وَلَوْ فَسَخَ بِعَيْبٍ وَبَانَ أَنْ لَا عَيْبَ بَطَلَ الْفَسْخُ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ حَقٍّ
ومتى أَخَّرَ من له الْخِيَارُ الْفَسْخَ وَادَّعَى الْجَهْلَ بِجَوَازِهِ وَأَمْكَنَ جَهْلُهُ قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ كَنَظِيرِهِ في عِتْقِهَا تَحْتَ عَبْدٍ وَسَيَأْتِي أو الْجَهْلُ بِكَوْنِهِ فَوْرًا وَأَمْكَنَ فَكَذَلِكَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَوَقَعَ في نُسْخَةٍ ذِكْرَ قَوْلِهِ وَأَمْكَنَ بَعْدَ قَوْلِهِ فَوْرًا السَّبَبُ الثَّانِي الْغُرُورُ بِالِاشْتِرَاطِ إذَا شُرِطَ في الْعَقْدِ في أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ حُرِّيَّةٌ أو نَسَبٌ أو جَمَالٌ أو يَسَارٌ وَنَحْوُهَا من صِفَاتِ الْكَمَالِ كَشَبَابٍ وَبَكَارَةٍ أو ضِدِّهَا من صِفَاتِ النَّقْصِ أو كان مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ نَقْصٌ وَلَا كَمَالٌ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو السَّلَامَةُ من الْعُيُوبِ أو إسْلَامُ الْمَنْكُوحَةِ أو إسْلَامُ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ كِتَابِيَّةً فَبَانَ خِلَافُهُ صَحَّ النِّكَاحُ لِأَنَّ تَبَدُّلَ الصِّفَةِ ليس كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ فإن الْبَيْعَ لَا يَفْسُدُ بِخُلْفِ الصِّفَةِ مع تَأَثُّرِهِ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فَالنِّكَاحُ أَوْلَى وإذا صَحَّ النِّكَاحُ فِيمَا ذُكِرَ
فَإِنْ خَرَجَ الْمَوْصُوفُ خَيْرًا مِمَّا شُرِطَ فيه كَأَنْ شَرَطَ في الزَّوْجَةِ أنها ثَيِّبٌ فَخَرَجَتْ بِكْرًا أو كِتَابِيَّةٌ فَخَرَجَتْ مُسْلِمَةً أو أَمَةٌ فَخَرَجَتْ حُرَّةً أو في الزَّوْجِ أَنَّهُ عَبْدٌ فَخَرَجَ حُرًّا فَلَا خِيَارَ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ أو خَرَجَ دُونَهُ كَأَنْ شَرَطَ فيها أنها حُرَّةٌ فَخَرَجَتْ أَمَةً وقد أَذِنَ السَّيِّدُ في نِكَاحِهَا أو فيه أَنَّهُ حُرٌّ فَخَرَجَ عَبْدًا وقد أَذِنَ له السَّيِّدُ في النِّكَاحِ ثَبَتَ لِلْفَائِتِ شَرْطُهُ الْخِيَارُ وَإِنْ كان الْآخَرَ مِثْلُهُ أو فَوْقَهُ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى لِخُلْفِ الشَّرْطِ وَلِلتَّغْرِيرِ إلَّا إذَا كان مثله أو دُونُهُ الْمَفْهُومُ بِالْأَوْلَى في النَّسَبِ الْمَشْرُوطُ فَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِوُجُودِ الْكَفَاءَةِ وَلِانْتِفَاءِ الْعَارِ لَكِنْ اخْتَارَ السُّبْكِيُّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ في هذا أَيْضًا وهو ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ وقال الْبُلْقِينِيُّ إنَّ الشَّافِعِيَّ رَجَّحَهُ في خُلْفِ شَرْطِ نَسَبِ الزَّوْجِ وَمِثْلُهُ خُلْفُ شَرْطِ نَسَبِ الزَّوْجَةِ وَجَرَى في الْأَنْوَارِ على الْأَوَّلِ وَجَعَلَ الْعِفَّةَ كَالنَّسَبِ
وَكَذَا شَرَطَ حُرِّيَّتَهَا وهو عَبْدٌ فَبَانَتْ غير حُرَّةٍ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِتَكَافُئِهِمَا دُونَ ما إذَا كان حُرًّا بِخِلَافِ عَكْسِهِ بِأَنْ شَرَطَتْ حُرِّيَّتَهُ وَهِيَ أَمَةٌ أو حُرَّةٌ كما فُهِمَتْ بِالْأَوْلَى فَبَانَ غير حُرٍّ فإنه يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلتَّغْرِيرِ فِيهِمَا وَلِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ في الثَّانِيَةِ وَالتَّرْجِيحِ في الْأُولَى مِنْهُمَا من زِيَادَتِهِ وهو ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَإِنْ كانت أَمَةً فَفِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَجْهَانِ وَقِيلَ يَثْبُتُ قَطْعًا انْتَهَى لَكِنْ جَزَمَ في الْأَنْوَارِ بِأَنَّهُ لَا خِيَارَ كَنَظِيرِهِ في شَرْطِ حُرِّيَّتِهَا وقال الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الْمُرَجَّحُ وَالْخِيَارُ في مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ الذي شُرِطَتْ حُرِّيَّتُهُ فَبَانَ عَبْدًا وَهِيَ أَمَةٌ لِسَيِّدِهَا دُونَهَا لَا في سَائِرِ الْعُيُوبِ فإنه فيها لها لَا لِسَيِّدِهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ له إجْبَارَهَا على نِكَاحِ عَبْدٍ لَا مَعِيبٍ فَرْعٌ لو شُرِطَتْ الْبَكَارَةُ في الزَّوْجَةِ فَوُجِدَتْ ثَيِّبًا وَادَّعَتْ ذَهَابَهَا عِنْدَهُ فَأَنْكَرَ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا لِدَفْعِ الْفَسْخِ أو ادَّعَتْ افْتِضَاضَهُ لها فَأَنْكَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ لِتَشْطِيرِ الْمَهْرِ إنْ كان شَطْرُهُ أَكْثَرَ من مَهْرِ مِثْلِ ثَيِّبٍ والقول قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا لِدَفْعِ الْفَسْخِ وَقَوْلُهُ إنْ كان أَكْثَرَ من مَهْرِ ثَيِّبٍ من زِيَادَتِهِ وَلَا مَعْنَى له هُنَا فَتَأَمَّلْ فَصْلٌ لو ظَنَّتْهُ كُفُؤًا لها فَأَذِنَتْ في تَزْوِيجِهَا إيَّاهُ فَتَزَوَّجَهَا وَخَرَجَ غير كُفْءٍ فَلَا خِيَارَ لها لِانْتِفَاءِ التَّغْرِيرِ وَهِيَ الْمُقَصِّرَةُ بِتَرْكِ الْبَحْثِ أو الشَّرْطِ إلَّا إنْ خَرَجَ مَعِيبًا فَلَهَا الْخِيَارُ لِمُوَافَقَةِ ما ظَنَّتْهُ
____________________
(3/178)
من السَّلَامَةِ من الْعَيْبِ لِلْغَالِبِ
وَكَذَا إنْ خَرَجَ عَبْدًا وَهِيَ حُرَّةٌ لِذَلِكَ وَلِمَا يَلْحَقُ الْوَلَدَ من الْعَارِ بِرِقِّ الْأَبِ وَلِأَنَّ نَقْصَ الرِّقِّ مُؤَثِّرٌ في حُقُوقِ النِّكَاحِ لِأَنَّ لِسَيِّدِهِ مَنْعَهُ منها لِحَقِّ الْخِدْمَةِ وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا نَفَقَةُ الْمُعْسِرِينَ وَهَذَا ما نَقَلَهُ في الرَّوْضَةِ عن ابْنِ الصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمِنْهَاجِ لَكِنْ نَصَّ في الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ على أَنَّهُ لَا خِيَارَ لها وَجَزَمَ بِهِ في الْأَنْوَارِ كَالْغَزَالِيِّ في وَسِيطِهِ وَبَسِيطِهِ كما لو نَكَحَهَا ظَانًّا حُرِّيَّتَهَا فَخَرَجَتْ أَمَةً وَنَقَلَ الْبُلْقِينِيُّ النَّصَّ وقال إنَّهُ الصَّوَابُ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّهَا قَصَّرَتْ بِتَرْكِ الْبَحْثِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَرَّقَ الْمُصَنِّفُ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ بِقُدْرَةِ الزَّوْجِ على الطَّلَاقِ دُونَ الزَّوْجَةِ لَا إنْ خَرَجَ فَاسِقًا فَلَا خِيَارَ لها وَهَذَا غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِدُخُولِهِ في أَوَّلِ الْفَصْلِ فَرْعٌ إذَا ظَنَّهَا مُسْلِمَةً أو حُرَّةً فَتَزَوَّجَهَا فَخَرَجَتْ كِتَابِيَّةً في الْأُولَى أو أَمَةً أو مُبَعَّضَةً في الثَّانِيَةِ وَهِيَ تَحِلُّ له فَلَا خِيَارَ له فِيهِمَا كما لو اشْتَرَى عَبْدًا يَظُنُّهُ كَاتِبًا فَاخْتَلَفَ ظَنُّهُ وَلِبُعْدِ النِّكَاحِ عن الْخِيَارِ وَضَعْفِ تَأْثِيرِ الظَّنِّ فَصْلٌ التَّغْرِيرُ الْمُؤَثِّرُ في الْفَسْخِ بِخَلْفِ الشَّرْطِ هو الْمَشْرُوطُ في الْعَقْدِ لِأَنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ في الْعَقْدِ إذَا ذُكِرَ فيه لَا قَبْلَهُ أَمَّا التَّغْرِيرُ الْمُؤَثِّرُ في الرُّجُوعِ بِالْمَهْرِ على الْقَوْلِ بِهِ وفي الرُّجُوعِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ فِيمَا يَأْتِي فَلَا يَخْتَصُّ بِالْمُقَارِنِ لِلْعَقْدِ بَلْ السَّابِقِ عليه وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ مِثْلُهُ كما أَطْلَقَهُ الْغَزَالِيُّ وقال الْإِمَامُ إنَّمَا يُؤَثِّرُ إنْ اتَّصَلَ بِالْعَقْدِ وَقَالَهُ الْعَاقِدُ في مَعْرِضِ التَّرْغِيبِ في النِّكَاحِ فَلَوْ لم يَقْصِدْ بِهِ تَحْرِيضَ سَامِعٍ وَزَوَّجَهَا بَعْدَ أَيَّامٍ لِمَنْ سَمِعَهُ فَلَيْسَ بِتَغْرِيرٍ وَإِنْ ذَكَرَهُ لَا في مَعْرِضِ التَّحْرِيضِ وَوَصَلَهُ بِالْعَقْدِ أو في مَعْرِضِهِ وَزَوَّجَهَا بَعْدَ أَيَّامِ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ قال في الْأَصْلِ بَعْدَ ذِكْرِ ذلك وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ الِاتِّصَالُ بِالْعَقْدِ على ما أَطْلَقَهُ الْغَزَالِيُّ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الضَّمَانِ أَوْسَعُ بَابًا فَصْلٌ لو غُرَّ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ وَتَزَوَّجَهَا فَأَوْلَادُهَا الْحَاصِلُونَ منه أَحْرَارٌ ما لم يَعْلَمْ بِرِقِّهَا وَإِنْ كان عَبْدًا أو فَسَخَ الْعَقْدَ لِظَنِّهِ الْحُرِّيَّةَ عِنْدَ حُصُولِهِمْ كما لو وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ يَظُنُّ أنها أَمَتُهُ أو زَوْجَتُهُ الْحُرَّةُ أَمَّا الْحَاصِلُونَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِرِقِّهَا فَأَرِقَّاءٌ وَالْمُرَادُ بِالْحُصُولِ الْعُلُوقُ وَيُعْلَمُ ذلك بِالْوَضْعِ فَإِنْ وَضَعَتْهُمْ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ من وَطْئِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ فَأَحْرَارٌ وَإِلَّا فَأَرِقَّاءٌ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَا بُدَّ من اعْتِبَارِ قَدْرٍ زَائِدٍ لِلْوَطْءِ وَالْوَضْعِ وَيَلْزَمُهُ أَيْ الْمَغْرُورَ وَإِنْ كان مَعْذُورًا قِيمَتُهُمْ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عليه رِقَّهُمْ التَّابِعَ لِرِقِّهَا بِظَنِّهِ حُرِّيَّتَهَا نعم إنْ كان عَبْدًا لِسَيِّدِهَا فَلَا شَيْءَ عليه إذْ لَا يَجِبُ لِلسَّيِّدِ على عَبْدِهِ مَالٌ وَكَذَا إنْ كان الْغَارُّ سَيِّدَهَا لِأَنَّهُ لو غَرِمَ رَجَعَ عليه وَلِأَنَّ السَّيِّدَ هو الذي أَتْلَفَ حَقَّهُ وَشَمَلَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ ما لو كان السَّيِّدُ جَدَّ الْأَوْلَادِ كَأَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ بِابْنِهِ فَيَغْرَمُ له ابْنُهُ قِيمَتَهُمْ يوم الْوِلَادَةِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ أَحْوَالِ إمْكَانِ التَّقْوِيمِ وَالْعَبْدُ الْمَغْرُورُ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ لَا بِرَقَبَتِهِ وَلَا بِكَسْبِهِ قِيمَتُهُمْ كَالْحُرِّ إذْ لَا جِنَايَةَ منه ظَاهِرَةً حتى تَتَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ وَإِنَّمَا أُوهِمَ فَتَوَهَّمَ وَالْحُرِّيَّةُ تَثْبُتُ بِالشَّرْعِ
وَلَيْسَتْ الْقِيمَةُ من لَوَازِمِ النِّكَاحِ حتى تَتَعَلَّقَ بِكَسْبِهِ بِخِلَافِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ ويتعلق بِذِمَّتِهِ وَمَهْرُ مِثْلٍ وَجَبَ لها عليه بِفَسَادِ نِكَاحِهِ أو بِفَسْخِهِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ إذْنِ السَّيِّدِ في النِّكَاحِ الْفَاسِدِ في الْأُولَى وَإِلْحَاقًا لِلْمَفْسُوخِ بِسَبَبٍ مُقَارِنٍ لِلْعَقْدِ بِالْفَاسِدِ في الثَّانِيَةِ وَأَمَّا الْمُسَمَّى إذَا لَزِمَهُ فَيَتَعَلَّقُ بِكَسْبِهِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَزِمَهُ بِعَقْدٍ مَأْذُونٍ فيه كَسَائِرِ الدُّيُونِ التي هِيَ كَذَلِكَ وَيَرْجِعُ الْمَغْرُورُ على الْغَارِّ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ الْمُوقِعُ له في غَرَامَتِهَا وهو لم يَدْخُلْ في الْعَقْدِ على أَنْ يَغْرَمَهَا لَا الْمَهْرُ لِمَا مَرَّ في خِيَارِ الْعَيْبِ مع أَنَّ ما هُنَاكَ شَامِلٌ لِمَا هُنَا وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عليه بِالْقِيمَةِ بَعْدَ
____________________
(3/179)
الْغُرْمِ لها كَالضَّامِنِ فَلَوْ كان الْمَغْرُورُ عَبْدًا لم يَرْجِعْ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَغْرَمُ وَلِلْمَغْرُورِ مُطَالَبَةُ الْغَارِّ بِتَخْلِيصِهِ كَالضَّامِنِ وَيُتَصَوَّرُ التَّغْرِيرُ بِالْحُرِّيَّةِ لِلْأَمَةِ منها أو من الْوَكِيلِ عن السَّيِّدِ في تَزْوِيجِهَا أو مِنْهُمَا وَالْوَلِيُّ كَالْوَكِيلِ أو من السَّيِّدِ في مَرْهُونَةِ زَوْجِهَا السَّيِّدِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ وهو أَيْ السَّيِّدُ مُعْسِرٌ بِالدَّيْنِ الْمُرْتَهَنِ بِهِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ
ذَكَرَهُ كَغَيْرِهِ مُعْتَرِضًا بِهِ على قَوْلِ أَصْلِهِ كَغَيْرِهِ لَا يُتَصَوَّرُ من السَّيِّدِ لِأَنَّهُ إذَا قال زَوَّجْتُك هذه الْحُرَّةَ أو على أنها حُرَّةٌ عَتَقَتْ وَخَرَجَ عن أَنْ يَكُونَ نِكَاحَ غُرُورٍ وَاعْتَرَضَ عليه أَيْضًا بِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ منه فِيمَنْ اسْمُهَا حُرَّةٌ وفي جَانِيَةٍ زَوَّجَهَا سَيِّدُهَا بِإِذْنِ الْمَجْنِيِّ عليه وهو مُعْسِرٌ وَفِيمَا لو أَرَادَ بِالْحُرِّيَّةِ الْعِفَّةَ عن الزِّنَا وفي أَمَةِ السَّفِيهِ إذَا زَوَّجَهَا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وفي أَمَةِ الْمُفْلِسِ إذَا زَوَّجَهَا بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ وفي أَمَةِ الْمُكَاتَبِ وَفِيمَا لو أتى بِالْمَشِيئَةِ سِرًّا أو في أَمَةِ مَرِيضٍ عليه دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ كما لَا يُعْتَقُ عليه بَعْضُهُ إذَا مَلَكَهُ في هذه الْحَالَةِ وَلَا اعْتِبَارَ بِغُرُورِ غَيْرِهَا وَغَيْرِ الْعَاقِدِ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عن الْعَقْدِ فَإِنْ كان الْغَارُّ وَكِيلًا وَغَرِمَ لِلْمَغْرُورِ ما غَرِمَهُ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ لم يَرْجِعْ بِهِ عليها إلَّا إنْ غَرَّتْهُ أَيْ الْوَكِيلَ فَإِنْ غَرَّتْ الزَّوْجَ وَغَرِمَ رَجَعَ عليها بِمَا غَرِمَ لِلسَّيِّدِ وَإِنَّمَا يَرْجِعَانِ أَيْ الْوَكِيلُ في الْأُولَى وَالزَّوْجُ في الثَّانِيَةِ عليها بَعْدَ عِتْقِهَا إنْ لم تَكُنْ مُكَاتَبَةً بِقَرِينَةِ ما يَأْتِي آخِرَ الْفَصْلِ لِعَجْزِهَا في الْحَالِ
وَلَا يَتَعَلَّقُ ذلك بِكَسْبِهَا لِعَدَمِ إذْنِ السَّيِّدِ وَلَا بِرَقَبَتِهَا لِأَنَّهَا لم تُتْلِفْ شيئا وَإِنَّمَا تَسَبَّبَتْ إلَى إثْبَاتِ ظَنٍّ في نَفْسِ الزَّوْجِ وَانْدَفَعَ الرِّقُّ بِظَنِّهِ على مُوجِبِ الْمُعَاقَدَةِ على سَبِيلِ الْإِتْلَافِ وَإِنْ غَرَّتْ الْأَمَةُ وَالْوَكِيلُ مَعًا وَغَرِمَ الزَّوْجُ رَجَعَ بِالنِّصْفِ على الْوَكِيلِ في الْحَالِ وَبِالنِّصْفِ على الْأَمَةِ بَعْدَ عِتْقِهَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ غَرَّتْ الْوَكِيلَ بِأَنْ ذَكَرَتْ له حُرِّيَّتَهَا فَذَكَرَهَا الْوَكِيلُ لِلزَّوْجِ أو لم يَذْكُرْهَا له كما فُهِمَ بِالْأُولَى وَشَافَهَتْ الزَّوْجَ بِذَلِكَ أَيْضًا فَالرُّجُوعُ عليها فَقَطْ أَيْ دُونَ الْوَكِيلِ لِأَنَّهَا لَمَّا شَافَهَتْ الزَّوْجَ خَرَجَ الْوَكِيلُ من الْوَسَطِ فَصُورَةُ تَغْرِيرِهِمَا أَنْ يَذْكُرَا مَعًا وَلَا قِيمَةَ لِلْوَلَدِ إلَّا إنْ انْفَصَلَ حَيًّا أو مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ على أَمَةٍ بِخِلَافِ ما لو انْفَصَلَ مَيِّتًا بِلَا جِنَايَةٍ فَلَا قِيمَةَ له لِعَدَمِ تَيَقُّنِ حَيَاتِهِ وَإِنَّمَا لَزِمَتْ قِيمَتُهُ مع الْجِنَايَةِ لِكَوْنِهِ مَضْمُونًا بِالْغُرَّةِ لِلْمَغْرُورِ كما سَيَأْتِي فَكَمَا يُقَوَّمُ له يُقَوَّمُ عليه كَالْعَبْدِ الْجَانِي إذَا قَتَلَ يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عليه بِقِيمَتِهِ
فَإِنْ كان انْفِصَالُهُ مَيِّتًا بِجِنَايَةِ أَجْنَبِيٍّ فَالْغُرَّةُ على عَاقِلَتِهِ لِلْوَارِثِ وهو الْمَغْرُورُ إنْ كان حُرًّا وَلَا يُتَصَوَّرُ وَارِثٌ من الْغُرَّةِ غَيْرَهُ الْأَوْلَى معه إلَّا جَدَّةُ الْجَنِينِ لِأَمَةٍ إنْ كانت حُرَّةً فَتَرِثُ معه السُّدُسَ وَلَا تَحْجُبُهَا الْأُمَّ لِرِقِّهَا وَلِلسَّيِّدِ على الْمَغْرُورِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ لِأَنَّهُ الذي يَضْمَنُ بِهِ الْجَنِينَ الرَّقِيقَ وَلَوْ زَادَ على قِيمَةِ الْغُرَّةِ لِأَنَّهُ قَدْرُ ما فَوَّتَهُ وَهَذَا كما أَنَّهُ يَضْمَنُ بِقِيمَتِهِ عِنْدَ خُرُوجِهِ حَيًّا وَإِنْ زَادَتْ على الدِّيَةِ أو لم تَحْصُلْ الْغُرَّةُ له بِنَاءً على ما تَقَرَّرَ من أَنَّهُ يَجِبُ الْعُشْرُ وَإِنْ زَادَ على قِيمَةِ الْغُرَّةِ وَإِنْ كان بِجِنَايَةِ الْمَغْرُورِ فَالْغُرَّةُ على عَاقِلَتِهِ لِلْوَرَثَةِ وَيَضْمَنُ الْمَغْرُورُ كما سَبَقَ في جِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ فَيَضْمَنُ لِلسَّيِّدِ عُشْرَ قِيمَةِ الْأُمِّ وَلَوْ زَادَ على قِيمَةِ الْغُرَّةِ وَلَا حَقَّ له في الْغُرَّةِ أَيْ لَا يَرِثُ منها شيئا لِأَنَّهُ قَاتِلٌ وَلَا يَحْجُبُ من بَعْدَهُ من الْعَصَبَاتِ
فَإِنْ كان الْمَغْرُورُ عَبْدًا تَعَلَّقَتْ الْغُرَّةُ بِرَقَبَتِهِ لِلْوَرَثَةِ وَحَقُّ السَّيِّدِ من عُشْرِ الْقِيمَةِ في ذِمَّتِهِ وَإِنْ كان بِجِنَايَةِ عبد الْمَغْرُورِ فَحَقُّ سَيِّدِ الْأَمَةِ على الْمَغْرُورِ وَلَا يَثْبُتُ له شَيْءٌ على عَبْدِهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ شَيْءٌ من الْغُرَّةِ بِرَقَبَتِهِ إنْ كان الْمَغْرُورُ حَائِزَ الْمِيرَاثِ الْجَنِينِ وَإِنْ كان معه لِلْجَنِينِ جَدَّةٌ فَنَصِيبُهَا من الْغُرَّةِ في رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَإِنْ كان بِجِنَايَةِ سَيِّدِ الْأَمَةِ فَالْغُرَّةُ على عَاقِلَتِهِ لِلْوَرَثَةِ وَحَقُّهُ من عُشْرِ الْقِيمَةِ على الْمَغْرُورِ وَإِنْ كان بِجِنَايَةِ عبد سَيِّدِهَا تَعَلَّقَتْ الْغُرَّةُ بِرَقَبَتِهِ وَحَقُّ السَّيِّدِ على الْمَغْرُورِ وَإِنْ بَانَتْ من غُرَّ بِحُرِّيَّتِهَا مُكَاتَبَةً فَفَسَخَ النِّكَاحَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْمَهْرُ وَإِنْ غَرَّتْ كَالْحُرَّةِ الْمَعِيبَةِ وفي نُسْخَةٍ فَلَا مَهْرَ لها إنْ غَرَّتْ وهو ما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمَهْرَ لها فَلَا مَعْنَى لِلْغُرْمِ لها وَالِاسْتِرْدَادِ منها وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي على ضَعِيفٍ وهو الْقَوْلُ بِالرُّجُوعِ بِالْمَهْرِ وَالْوَلَدُ الْحَاصِلُ قبل الْعِلْمِ بِأَنَّهَا مُكَاتَبَةُ حُرٍّ فَيَغْرَمُ الْمَغْرُورُ قِيمَتَهُ لِلسَّيِّدِ وَيَرْجِعُ الْمَغْرُورُ بها على الْوَكِيلِ إنْ غَرَّ أو عليها إنْ غَرَّتْ أو عَلَيْهِمَا إنْ غَرَّا
وهو مَعْلُومٌ من كَلَامِهِ بِجَعْلِ أو مَانِعَةَ خُلُوٍّ بَلْ ذلك كُلُّهُ مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ أَوَّلَ الْفَصْلِ وَتَكُونُ الْقِيمَةُ في كَسْبِهَا لِأَنَّهُ مَلَكَهَا فَإِنْ لم يَكُنْ
____________________
(3/180)
كَسْبٌ فَفِي ذِمَّتِهَا إلَى أَنْ تُعْتَقَ السَّبَبُ الثَّالِثُ الْعِتْقُ فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ في فَسْخِ النِّكَاحِ لِأَمَةٍ عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ أو مُبَعَّضٍ قبل الدُّخُولِ أو بَعْدَهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عن عَائِشَةَ أَنَّ بَرِيرَةَ عَتَقَتْ
فَخَيَّرَهَا رسول اللَّه صلى اللَّهُ عليه وسلم وكان زَوَّجَهَا عَبْدًا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا لِتَضَرُّرِهَا بِالْمَقَامِ تَحْتَهُ من جِهَةِ أنها تَتَعَيَّرُ بِهِ وَأَنَّ لِسَيِّدِهِ مَنْعَهُ عنها وَأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ له على وَلَدِهِ وَغَيْرُ ذلك بِخِلَافِ ما إذَا عَتَقَتْ تَحْتَ حُرٍّ لِأَنَّ الْكَمَالَ الْحَادِثَ لها حَاصِلٌ له فَأَشْبَهَ ما إذَا أَسْلَمَتْ كِتَابِيَّةٌ تَحْتَ مُسْلِمٍ وَيُسْتَثْنَى مِمَّا قَالَهُ ما لو عَتَقَتْ قبل الدُّخُولِ في مَرَضِ مَوْتِ السَّيِّدِ وَكَانَتْ لَا تَخْرُجُ من الثَّالِثِ إلَّا بِمَهْرِهَا فَلَا خِيَارَ لها لِلُزُومِ الدَّوْرِ إذْ لو اخْتَارَتْ الْفَسْخَ سَقَطَ مَهْرُهَا وهو من جُمْلَةِ الْمَالِ فَيَضِيقُ الثُّلُثُ عن الْوَفَاءِ بها فَلَا تُعْتَقُ كُلُّهَا
فَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَهْرُ دَيْنًا أَمْ عَيْنًا بِيَدِ الزَّوْجِ أو بِيَدِ سَيِّدِهَا وهو بَاقٍ أو تَالِفٌ لَا عَكْسُهُ بِأَنْ عَتَقَ الْعَبْدُ وَتَحْتَهُ أَمَةٌ فَلَا خِيَارَ له لِأَنَّهُ ليس في مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عليه فإنه لَا يَتَعَيَّرُ بِاسْتِفْرَاشِ النَّاقِصَةِ وَيُمْكِنُهُ الْخَلَاصُ بِالطَّلَاقِ وَلَا أَثَرَ في ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْكِتَابَةِ لِلْأَمَةِ وَعِتْقُ الْبَعْضِ منها لِبَقَاءِ النُّقْصَانِ وَأَحْكَامِ الرِّقِّ وَيَتَوَقَّفُ خِيَارُ الْعِتْقِ على بُلُوغِ صَبِيَّةٍ وَإِفَاقَةِ مَجْنُونَةٍ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ قَوْلِهِمَا وَلَا يَقُومُ الْوَلِيُّ مَقَامَهُمَا في ذلك لِأَنَّهُ خِيَارُ شَهْوَةٍ وَطَبْعٍ وَلِلزَّوْجِ الْوَطْءُ لِلْعَتِيقَةِ ما لم تَفْسَخْ لِبَقَاءِ النِّكَاحِ فَإِنْ عَتَقَ هو مَعَهَا اسْتَقَرَّ النِّكَاحُ فَلَا خِيَارَ لها
وَكَذَا لو عَتَقَ قبل فَسْخِهَا لِزَوَالِ الضَّرَرِ وَكَمَا في نَظِيرِهِ من الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ زَوَالِهِ وفي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ بَيْعِ ما تَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ وَلَوْ فَسَخَتْ بِنَاءً على بَقَاءِ رِقِّهِ فَبَاتَ خِلَافُهُ فَقِيَاسُ ما مَرَّ في الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ بُطْلَانُ الْفَسْخِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فُرُوعٌ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ لو عَتَقَتْ في عِدَّةِ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَلَهَا في الْعِدَّةِ الْفَسْخُ لِتَقْطَعَ عن نَفْسِهَا تَطْوِيلَ الْعِدَّةِ وَسَلْطَنَةَ الرَّجْعَةِ ولها تَأْخِيرُهُ إلَى الرَّجْعَةِ وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا لِأَنَّهَا بِصَدَدِ الْبَيْنُونَةِ وقد لَا يُرَاجَعُ فَيَحْصُلُ الْفِرَاقُ من غَيْرِ أَنْ يَظْهَرَ من جِهَتِهَا الرَّغْبَةُ عنه لَا أَيْ لها ما ذُكِرَ لَا الْإِجَازَةُ أَيْ لَا تَنْفُذُ منها لِأَنَّهَا مُحْرِمَةٌ صَائِرَةٌ إلَى الْبَيْنُونَةِ فَلَا يُلَائِمُ حَالُهَا الْإِجَازَةَ بِخِلَافِ الْفَسْخِ فإنه يُؤَكِّدُ التَّحْرِيمَ فإذا فَسَخَتْ بَنَتْ على ما مَضَى من الْعِدَّةِ كما لو طَلَّقَ الرَّجْعِيَّةَ وَعِدَّتُهَا عِدَّةُ حُرَّةٍ كما سَيَأْتِي في بَابِهَا
وَمَنْ طَلُقَتْ طَلَاقًا بَائِنًا قبل فَسْخِهَا بِعِتْقٍ أو عَيْبٍ بَطَلَ خِيَارُهَا لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ وَلَيْسَ كَالطَّلَاقِ في الرِّدَّةِ حتى يُوقَفَ لِأَنَّ الِانْفِسَاخَ بها يَسْتَنِدُ إلَى حَالَتِهَا فَيَتَبَيَّنُ عَدَمُ مُصَادَفَةِ الطَّلَاقِ النِّكَاحَ وَالْفَسْخُ بِالْعِتْقِ أو بِالْعَيْبِ لَا يَسْتَنِدُ إلَى ما قَبْلَهُ أَمَّا من طَلُقَتْ رَجْعِيًّا قبل ذلك ولم تَنْقَضِ عِدَّتُهَا فَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ الثَّانِي ليس لِلسَّيِّدِ مَنْعُهَا من الْفَسْخِ قبل الدُّخُولِ لِإِثْبَاتِ حَقِّهِ من الْمَهْرِ لِتَضَرُّرِهَا بِتَرْكِهِ وَمَتَى فَسَخَتْ وقد وَطِئَهَا قبل الْعِتْقِ وَجَبَ الْمُسَمَّى لِاسْتِقْرَارِهِ بِالْوَطْءِ أو بَعْدَهُ وَهِيَ جَاهِلَةٌ بِعِتْقِهَا فَمَهْرُ الْمِثْلِ يَجِبُ لِتَقَدُّمِ سَبَبِ الْفَسْخِ فَكَأَنَّهُ وُجِدَ يوم الْعَقْدِ وَمَهْرُهَا لِلسَّيِّدِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسَمَّى أَمْ مَهْرَ الْمِثْلِ فَسَخَتْ أو اخْتَارَتْ الْمُقَامَ معه وَجَرَى في الْعَقْدِ تَسْمِيَةٌ صَحِيحَةٌ أو فَاسِدَةٌ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالْعَقْدِ إلَّا إذَا كانت مُفَوَّضَةً بِأَنْ زَوَّجَهَا سَيِّدُهَا كَذَلِكَ وَوَطِئَهَا الزَّوْجُ أو فَرَضَ لها بَعْدَ الْعِتْقِ فِيهِمَا فَالْمَهْرُ لها بِنَاءً على أَنَّ مَهْرَ الْمُفَوَّضَةِ يَجِبُ بِالدُّخُولِ أو بِالْفَرْضِ لَا بِالْعَقْدِ
بِخِلَافِ ما إذَا وَطِئَهَا أو فَرَضَ لها قبل الْعِتْقِ فَهُوَ لِلسَّيِّدِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْوَطْءِ أو بِالْفَرْضِ قبل عِتْقِهَا وَمَوْتِ أَحَدِهِمَا كَالْوَطْءِ وَالْفَرْضِ الثَّالِثُ خِيَارُ الْعِتْقِ على الْفَوْرِ كما في خِيَارِ عَيْبِ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ ادَّعَتْ الْجَهْلَ بِالْعِتْقِ وَأَمْكَنَ كَأَنْ كان السَّيِّدُ غَائِبًا وَقْتَ الْعِتْقِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عِلْمِهَا وَظَاهِرُ الْحَالِ يُصَدِّقُهَا وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُمْكِنْ بِأَنْ كانت مع سَيِّدِهَا بِمَكَانٍ وَاحِدٍ وَبَعْدَ خَفَاءِ الْعِتْقِ عليها فَقَوْلُهُ أَيْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ وإذا ادَّعَتْ الْجَهْلَ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عِلْمِهَا وَيُخَالِفُ خِيَارَ عَيْبِ الْبَيْعِ إذَا لم يَكُنْ الْمُدَّعِي قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ ولم يَنْشَأْ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ لِأَنَّهُ مَشْهُورٌ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ وَهَذَا خَفِيٌّ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ أو ادَّعَتْ الْجَهْلَ بِكَوْنِهِ فَوْرًا فَكَذَلِكَ أَيْ فَتُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا كَنَظِيرِهِ من الْعَيْبِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ وَغَيْرِهَا وَقِيلَ لَا تُصَدَّقُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُرْجَانِيِّ وَغَيْرِهِ هُنَا وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِ في كِتَابِ اللِّعَانِ
وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ كَهَؤُلَاءِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين من يَخْفَى عليها ذلك وَمَنْ لَا يَخْفَى بِأَنْ تَكُونَ قَدِيمَةَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ وَخَالَطَتْ أَهْلَهُ
____________________
(3/181)
لَكِنْ قَيَّدَهُ الْبَارِزِيُّ وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ كَالْعَبَّادِيِّ في أَحَدِ قَوْلَيْنِ نَقَلَهُمَا عنه الْأَصْلُ بِمَنْ يَخْفَى عليها ذلك قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَا وَجْهَ له لِأَنَّ كَوْنَ الْخِيَارِ على الْفَوْرِ مِمَّا أُشْكِلَ على الْعُلَمَاءِ فَعَلَى هذه الْمَرْأَةِ أَوْلَى وَنَقَلَ هو وَنَحْوَهُ عن ابْنِ يُونُسَ وَوَجَّهَ الرَّافِعِيُّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ تَصْدِيقِهَا مُطْلَقًا بِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ من عَلِمَ الْخِيَارَ عَلِمَ فَوْرِيَّتَهُ وَبِأَنَّ خِيَارَ النَّقِيصَةِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ وَغَيْرِهِ على الْفَوْرِ فإذا عَلِمْت أَنَّ الْخِيَارَ هُنَا بِسَبَبِ النَّقِيصَةِ أَشْبَهَ أَنْ تَعْلَمَ الْتِحَاقَهُ بِهِ وَفِيمَا قَالَهُ وَقْفَةٌ وَتُفْسَخُ الْعَتِيقَةُ بِلَا مُرَاجَعَةِ حَاكِمٍ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ فَأَشْبَهَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَالشُّفْعَةِ السَّبَبُ الرَّابِعُ الْعُنَّةُ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ بين الْعَجْزِ عن الْوَطْءِ كما مَرَّ بَيَانُهُ وَبَيْنَ الْحَظِيرَةِ الْمُعَدَّةِ لِلْإِبِلِ وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ وَيُعَبَّرُ عنه بِالتَّعْنِينِ وَيَثْبُتُ لِلْمَرْأَةِ بها الْخِيَارُ وَكَذَا بِالْجَبِّ إلَّا إنْ بَقِيَ من الذَّكَرِ ما يُمْكِنُ أَنْ يُولِجَ منه قَدْرَ الْحَشَفَةِ فَأَكْثَرَ وَلَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ الْخِيَارُ فَإِنْ عَجَزَ عن الْوَطْءِ بِهِ أَيْ بِالْقَدْرِ الْمَذْكُورِ أو عَجَزَ عنه لِزَمَانَةٍ وفي نُسْخَةٍ لِزَمَانَتِهِ ضُرِبَتْ له الْمُدَّةُ كَالسَّلِيمِ الْعَاجِزِ لَا يَعْنِي يَثْبُتُ لها الْخِيَارُ لِأَجْلِ ما ذُكِرَ لَا لِلْخِصَاءِ الْقَائِمِ بِزَوْجِهَا سَوَاءٌ أَكَانَ مَوْجُوءَ الْخُصْيَتَيْنِ أَمْ مَسْلُولَهُمَا لِبَقَاءِ آلَةِ الْجِمَاعِ وَقُدْرَتِهِ عليه وَيُقَالُ إنَّهُ أَقْدَرُ عليه لِأَنَّهُ لَا يُنْزِلُ وَلَا يَعْتَرِيهِ فُتُورٌ فَرْعٌ لو وَطِئَهَا في الْقُبُلِ في ذلك النِّكَاحِ ثُمَّ عَنَّ فَلَا خِيَارَ لها لِأَنَّهَا عَرَفَتْ قُدْرَتَهُ وَوَصَلَتْ إلَى حَقِّهَا منه وَالْعَجْزُ بَعْدَهُ لِعَارِضٍ قد يَزُولُ وَإِنْ عَنَّ عن امْرَأَةٍ فَقَطْ أَيْ دُونَ امْرَأَةٍ أُخْرَى له أو عن الْبِكْرِ دُونَ الثَّيِّبِ فَلَهَا الْخِيَارُ لِفَوَاتِ التَّمَتُّعِ وقد يَتَّفِقُ الْأَوَّلُ لِانْحِبَاسِ شَهْوَةٍ عن امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ بِسَبَبِ نَفْرَةٍ أو حَيَاءٍ وَيَقْدِرُ على غَيْرِهَا لِمَيْلٍ أو أُنْسٍ أَمَّا الْعَجْزُ الْمُحَقَّقُ لِضَعْفٍ في الدِّمَاغِ أو الْقَلْبِ أو الْكَبِدِ أو لِخَلَلٍ في نَفْسِ الْآلَةِ فَلَا يَخْتَلِفُ بِالنِّسْوَةِ قال ابن الرِّفْعَةِ وما قَالُوهُ من ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْبِكْرِ يَدُلُّ على أَنَّهُ لَا يَجُوزُ له إزَالَةُ بَكَارَتِهَا بِأُصْبُعِهِ أو نَحْوِهَا إذْ لو جَازَ لم يَكُنْ عَجْزُهُ عن إزَالَتِهَا مُثْبِتًا لِلْخِيَارِ أَيْ لِقُدْرَتِهِ على الْوَطْءِ بَعْدَ إزَالَةِ الْبَكَارَةِ بِذَلِكَ فَرْعٌ لو قالت هو قَادِرٌ على الْوَطْءِ ولكنه يَمْتَنِعُ منه بَطَلَ خِيَارُهَا الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ فَلَا خِيَارَ لها كما لَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ إذَا امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي من تَسَلُّمِ الثَّمَنِ وَلَا لِلْمَرْأَةِ إذَا امْتَنَعَ زَوْجُهَا من الْإِنْفَاقِ عليها مع الْقُدْرَةِ فِيهِمَا فَلَوْ طَالَبَتْهُ بِوَطْءِ مَرَّةٍ لم يَلْزَمْهُ الْوَطْءُ وَإِنْ حَصَلَ لها بِهِ التَّمَتُّعُ وَاسْتِقْرَارُ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ حَقُّهُ وَلَا يُلْزَمُ بِهِ كَسَائِرِ الْوَطَآتِ فَرْعٌ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ في قُبُلِ الثَّيِّبِ وفي قُبُلِ الْبِكْرِ مع إزَالَةِ الْبَكَارَةِ وَطْءٌ كَامِلٌ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْوَطْءِ كُلَّهَا مَنُوطَةٌ بِهِ كَالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْصِينِ وَالْحُدُودِ وَلِأَنَّ الْحَشَفَةَ هِيَ التي تُحِسُّ لَذَّةَ الْجِمَاعِ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ تَغْيِيبَ الْحَشَفَةِ في الْبِكْرِ مع عَدَمِ إزَالَةِ الْبَكَارَةِ لِكَوْنِهَا غَوْرَاءَ ليس وَطْئًا كَامِلًا فَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْغَرَضُ بِخِلَافِ ما إذَا كان عَدَمُ إزَالَتِهَا لِرِقَّةِ الذَّكَرِ فإنه وَطْءٌ كَامِلٌ وَكَذَا قَدْرِهَا أَيْ تَغْيِيبُ قَدْرِهَا من الْمَقْطُوعِ كما في سَائِرِ أَحْكَامِ الْوَطْءِ فَإِنْ أَوْلَجَ ما ذُكِرَ في الْقُبُلِ وَالشُّفْرَانِ مُنْقَلِبَانِ إلَى الْبَاطِنِ بِحَيْثُ يُلَاقِي ما أَوْلَجَهُ ما انْعَكَسَ من الْبَشَرَةِ الظَّاهِرَةِ فَتَرَدُّدٌ لِلْإِمَامِ لِأَنَّ ما أَوْلَجَهُ حَصَلَ في حَيِّزِ الْبَاطِنِ
فَصْلٌ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الْعُنَّةُ بِإِقْرَارِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ أو عِنْدَ شَاهِدَيْنِ وَشَهِدَا بِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ أو بِيَمِينِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ نُكُولِهِ كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَلَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهَا بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لِلشُّهُودِ عليها فَإِنْ أَنْكَرَ عُنَّتَهُ وَحَلَفَ فَلَا مُطَالَبَةَ بِتَحْقِيقِ ما قَالَهُ بِالْوَطْءِ وَيُمْتَنَعُ الْفَسْخُ وَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ حَلَفَتْ وَثَبَتَتْ عُنَّتُهُ وَلَهَا ذلك أَيْ الْحَلِفُ عِنْدَ الظَّنِّ لِعُنَّتِهِ بِالْقَرَائِنِ كما تَحْلِفُ أَنَّهُ نَوَى الطَّلَاقَ بِالْكِنَايَةِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ بها إذْ لَا تَعْرِفُ الشُّهُودُ من ذلك ما تَعْرِفُهُ هِيَ ثُمَّ بَعْدَ ثُبُوتِ عُنَّتِهِ تُضْرَبُ الْمُدَّةُ أَيْ يَضْرِبُهَا الْقَاضِي له بِطَلَبِهَا لِأَنَّ الْحَقَّ لها وَلَوْ بِمَا أَيْ بِقَوْلِهَا أنا طَالِبَةٌ حَقِّي على ما يَجِبُ لي عليه شَرْعًا وَإِنْ جَهِلَتْ تَفْصِيلَ الْحُكْمِ قال الْجُرْجَانِيُّ وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْأَمَةِ على زَوْجِهَا الْحُرِّ عُنَّتَهُ لِلُزُومِ الدَّوْرِ لِأَنَّ سَمَاعَهَا يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ خَوْفِ الْعَنَتِ وَبُطْلَانَ خَوْفِهِ يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ النِّكَاحِ وَبُطْلَانُهُ يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ سَمَاعِ دَعْوَاهَا وَظَاهِرٌ أَنَّ هذا إذَا ادَّعَتْ عنه مُقَارَنَةً لِلْعَقْدِ وَإِلَّا فَتُسْمَعُ دَعْوَاهَا لِانْتِفَاءِ الدَّوْرِ وَالْمُدَّةُ تُضْرَبُ سَنَةً كما فَعَلَهُ عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه
____________________
(3/182)
رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ
وَتَابَعَهُ الْعُلَمَاءُ عليه وَقَالُوا تَعَذُّرُ الْجِمَاعِ قد يَكُونُ لِعَارِضِ حَرَارَةٍ فَيَزُولُ في الشِّتَاءِ أو بُرُودَةٍ فَيَزُولُ في الصَّيْفِ أو يُبُوسَةٍ فَتَزُولُ في الرَّبِيعِ أو رُطُوبَةٍ فَتَزُولُ في الْخَرِيفِ فإذا مَضَتْ السَّنَةُ ولم يَطَأْ عَلِمْنَا أَنَّهُ عَجْزٌ خِلْقِيٌّ حُرًّا كان أو عَبْدًا مُسْلِمًا أو كَافِرًا لِأَنَّ ذلك شُرِعَ لِأَمْرٍ جِبِلِّيٍّ فَأَشْبَهَ الْحَيْضَ وَالرَّضَاعَ فَلَا يَخْتَلِفُونَ في كَوْنِ الْمُدَّةِ سَنَةً ابْتِدَاؤُهَا من وَقْتِ ضَرْبِ الْقَاضِي لها لَا من وَقْتِ إقْرَارِهِ أو حَلِفِهَا لِأَنَّهَا مُجْتَهَدٌ فيها بِخِلَافِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ فَإِنَّهَا من وَقْتِ الْحَلِفِ لِلنَّصِّ فَإِنْ سَكَتَتْ عن ضَرْبِ الْمُدَّةِ فَلِلْقَاضِي تَنْبِيهُهَا إنْ كان سُكُوتُهَا لِجَهْلٍ أو دَهْشَةٍ وَإِنْ انْقَضَتْ أَيْ السَّنَةُ ولم يَطَأْهَا ولم تَعْتَزِلْهُ فيها رَفَعَتْهُ إلَى الْقَاضِي ثَانِيًا فَلَا تُفْسَخْ بِلَا رَفْعٍ إذْ مَدَارُ الْبَابِ على الدَّعْوَى وَالْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ وَالْيَمِينِ فَيُحْتَاجُ إلَى نَظَرِ الْقَاضِي وَاجْتِهَادِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّ الرَّفْعَ ثَانِيًا بَعْدَ السَّنَةِ يَكُونُ على الْفَوْرِ وهو الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ فَإِنْ ادَّعَى بَعْدَ الرَّفْعِ الْإِصَابَةَ في السَّنَةِ وَأَنْكَرَتْهَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِعُسْرِ إقَامَةِ بَيِّنَةِ الْجِمَاعِ
وَالْأَصْلُ السَّلَامَةُ وَدَوَامُ النِّكَاحِ وَلَوْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ حَلَفَتْ هِيَ أَنَّهُ ما أَصَابَهَا وَفَسَخَتْ وَلَهَا هِيَ الْفَسْخُ أَيْضًا بِإِقْرَارِهِ بِذَلِكَ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ امْتَهَلَ فَكَمَا في الْإِيلَاءِ أَيْ فَيُمْهَلُ يَوْمًا فَأَقَلَّ وَلَا تَسْتَقِلُّ هِيَ بِالْفَسْخِ إلَّا بَعْدَ قَوْلِ الْقَاضِي ثَبَتَتْ عُنَّتُهُ أَيْ ثُبُوتًا يَتَرَتَّبُ عليه الْفَسْخُ أو ثَبَتَ حَقُّ الْفَسْخِ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَاخْتَارِي فَتَسْتَقِلُّ بِهِ حِينَئِذٍ كما يَسْتَقِلُّ بِهِ من وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا وَاسْتَشْكَلَ بِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهَا بِالْفَسْخِ بِالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْخِيَارَ ثَمَّ على التَّرَاخِي وَهُنَا على الْفَوْرِ كما مَرَّ فَلَا يَتَوَقَّفُ الْفَسْخُ على إذْنِ الْقَاضِي لها فيه وَقَوْلُهُ فَاخْتَارِي لَا يَقْتَضِي تَوَقُّفَهُ عليه وَإِنَّمَا يَقْتَضِي تَوَقُّفَهُ على تَخْيِيرِهِ لها كَذَا قِيلَ قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ فَاخْتَارِي ليس شَرْطًا بَلْ الْمُرَادُ بِهِ إعْلَامُهَا بِدُخُولِ وَقْتِ الْفَسْخِ حتى لو بَادَرَتْ وَفَسَخَتْ قَبْلَهُ نَفَذَ فَسْخُهَا وَيُؤَيِّدُهُ حَذْفُ الرَّافِعِيِّ له من الشَّرْحِ الصَّغِيرِ فَإِنْ فَسَخَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ وَلَوْ قبل تَنْفِيذِ الْقَاضِي فَسْخَهَا لَغَا الرُّجُوعُ لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ بِالْفَسْخِ فَرْعٌ لو سَافَرَ الزَّوْجُ مُدَّةَ الْإِمْهَالِ الْمَضْرُوبَةِ حُسِبَتْ لِئَلَّا يَتَّخِذَ السَّفَرَ دَافِعًا لِلْمُطَالَبَةِ بِالْفَسْخِ وَمِثْلُهُ حَبْسُهُ وَمَرَضُهُ وَحَيْضُهَا كما صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ النِّفَاسَ كَالْحَيْضِ وَإِنْ اعْتَزَلَتْهُ في الْمُدَّةِ وَلَوْ بِعُذْرٍ كَحَبْسٍ أو مَرِضَتْ فيها مَرَضًا يَمْنَعُ الْوَطْءَ عَادَةً لم تُحْسَبْ لِأَنَّ عَدَمَ الْوَطْءِ حِينَئِذٍ يُضَافُ إلَيْهَا وَاسْتُؤْنِفَتْ سَنَةٌ أُخْرَى إنْ وَقَعَ شَيْءٌ من ذلك في جَمِيعِ الْمُدَّةِ أو بَعْضِهَا أو انْتَظَرَتْ مُضِيَّ مِثْلِ ذلك الْفَصْلِ من السَّنَةِ الْأُخْرَى في صُورَةِ الْبَعْضِ قال ابن الرِّفْعَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِاسْتِلْزَامِهِ الِاسْتِئْنَافَ أَيْضًا لِأَنَّ ذلك الْفَصْلَ إنَّمَا يَأْتِي في سَنَةٍ أُخْرَى قال فَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ انْعِزَالُهَا عنه في غَيْرِ ذلك الْفَصْلِ من قَابِلٍ بِخِلَافِ الِاسْتِئْنَافِ
فَرْعٌ هذا الْفَسْخُ أَيْ الْفَسْخُ بِالتَّعْنِينِ على الْفَوْرِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ كَالْفَسْخِ بِسَائِرِ الْعُيُوبِ وَكَذَا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَلَا يَثْبُتُ لها الْخِيَارُ إلَّا بَعْدَهَا لِأَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا يَثْبُتُ حِينَئِذٍ فَرِضَاهَا بِهِ أَيْ بِالتَّعْنِينِ قبل ضَرْبِ الْقَاضِي الْمُدَّةَ أو في أَثْنَائِهَا لَا يُبْطِلُهُ أَيْ الْفَسْخَ بَعْدَهَا لِسَبْقِهِ ثُبُوتَ الْحَقِّ فَالرِّضَا قَبْلَهُ كَإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ قبل جَرَيَانِ الْبَيْعِ أو بَعْدَهَا أَبْطَلَهُ كما في سَائِرِ الْعُيُوبِ بِخِلَافِ زَوْجَةِ الْمُولِي وَالْمُعْسِرِ بِالنَّفَقَةِ لِتَجَدُّدِ الضَّرَرِ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ وَقَصْدِ الْمُضَارَّةِ وَتَجَدُّدِ النَّفَقَةِ كُلَّ يَوْمٍ وَالْعُنَّةُ عَيْبٌ وَاحِدٌ لَا يُتَوَقَّعُ زَوَالُهَا غَالِبًا فَإِنْ رَضِيَتْ بِهِ بَعْدَ الْمُدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَيُتَصَوَّرُ أَيْ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ من غَيْرِ وَطْءٍ يُزِيلُ الْعُنَّةَ بِاسْتِدْخَالِهَا مَاءَهُ وَبِوَطْئِهَا في الدُّبُرِ ثُمَّ بَعْدُ إنْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا رَاجَعَهَا لم يَعُدْ حَقُّ الْفَسْخِ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ وَاحِدٌ وقد رَضِيَتْ بِعُنَّةِ الزَّوْجِ فيه وَالرَّجْعَةُ في حُكْمِ الِاسْتِدَامَةِ
وإذا بَانَتْ منه بِطَلَاقٍ بَائِنٍ أو فَسْخٍ أو انْقِضَاءِ عِدَّةٍ وَجَدَّدَ نِكَاحَهَا أو تَزَوَّجَتْهُ عَالِمَةً بِعُنَّتِهِ لم تَسْقُطْ مُطَالَبَتُهَا بِالْفَسْخِ لِأَنَّهُ في الْأُولَى نِكَاحٌ جَدِيدٌ فَيَتَوَفَّرُ عليه حُكْمُهُ وفي الثَّانِيَةِ قد يَعُنَّ عن امْرَأَةٍ دُونَ أُخْرَى وَعَنْ نِكَاحٍ دُونَ آخَرَ وإذا فُسِخَتْ بِالْعُنَّةِ فَلَا مَهْرَ لها لِأَنَّهُ فَسْخٌ قبل الدُّخُولِ فَرْعٌ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى
____________________
(3/183)
الْعُنَّةِ على صَبِيٍّ أو مَجْنُونٍ لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ في ضَرْبِ الْمُدَّةِ وَفَسْخِ النِّكَاحِ إقْرَارُهُ أَيْ الزَّوْجِ بِالْعُنَّةِ أو يَمِينُهَا بَعْدَ نُكُولِهِ وَقَوْلُهُمَا سَاقِطٌ وَلِأَنَّهُمَا غَالِبًا لَا يُجَامِعَانِ وَرُبَّمَا يُجَامِعَانِ بَعْدَ الْكَمَالِ فَإِنْ ضُرِبَتْ أَيْ الْمُدَّةُ على عَاقِلٍ فَجُنَّ في أَثْنَائِهَا ثُمَّ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وهو مَجْنُونٌ لم يُطَالَبْ بِالْفَسْخِ حتى يُفِيقَ من جُنُونِهِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ
فَصْلٌ الْقَوْلُ قَوْلُ من يُنْكِرُ الْوَطْءَ من الزَّوْجَيْنِ بِيَمِينِهِ وَإِنْ وَافَقَ على جَرَيَانِ خَلْوَةٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ فَلَوْ ادَّعَى وَطْأَهَا بِتَمْكِينِهَا وَطَلَبَ تَسْلِيمَهَا إلَيْهِ فَأَنْكَرَتْهُ وَامْتَنَعَتْ لِتَسْلِيمِ الْمَهْرِ صُدِّقَتْ أو ادَّعَتْ جِمَاعَهَا قبل الطَّلَاقِ وَطَلَبَتْ جَمِيعَ الْمَهْرِ فَأَنْكَرَهُ صُدِّقَ إلَّا ثَلَاثَةً أَحَدُهَا الْعِنِّينُ في دَعْوَى الْإِصَابَةِ بِأَنْ ادَّعَاهَا وَأَنْكَرَتْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ كما مَرَّ وَلَوْ كان مَقْطُوعَ الذَّكَرِ إنْ بَقِيَ منه ما يُمْكِنُ بِهِ الْوَطْءُ سَوَاءٌ ادَّعَى ذلك قبل الْمُدَّةِ أَمْ بَعْدَهَا فَإِنْ اخْتَلَفَا في إمْكَانِ الْوَطْءِ بِهِ أَيْ بِالْمَقْطُوعِ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا لِزَوَالِ أَصْلِ السَّلَامَةِ وَهَذَا ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ ثُمَّ قال وقال صَاحِبُ الشَّامِلِ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ كما لو ادَّعَتْ جَبَّهُ وَأَنْكَرَ قال الْمُتَوَلِّي وهو الصَّحِيحُ فَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعٌ من النِّسْوَةِ بِبَكَارَتِهَا صُدِّقَتْ بِلَا يَمِينٍ لِدَلَالَةِ الْبَكَارَةِ على صِدْقِهَا
فَإِنْ ادَّعَى عَوْدَهَا بِأَنْ قال بَعْدَ شَهَادَتِهِنَّ أَصَبْتهَا ولم أُبَالِغْ فَعَادَتْ بَكَارَتُهَا وَطَلَبَ يَمِينَهَا حَلَفَتْ أَنَّهُ لم يُصِبْهَا أَوَانَ بَكَارَتِهَا هِيَ الْأَصْلِيَّةُ وَلَهَا الْفَسْخُ بِعُنَّتِهِ بَعْدَ يَمِينِهَا فَإِنْ لم يَدَّعِ شيئا لم تَحْلِفْ وما فُرِّعَ عليه هذا من تَصْدِيقِهَا بِلَا يَمِينٍ هو أَحَدُ وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْأَصْلُ فقال فيه وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وهو ظَاهِرُ النَّصِّ إنْ شَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ إلَى آخِرِهِ وَالثَّانِي وَبِهِ قال أبو عَلِيٍّ وابن الْقَطَّانِ وابن كَجٍّ وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ أنها تُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا لِاحْتِمَالِ عَوْدِ الْبَكَارَةِ لِعَدَمِ الْمُبَالَغَةِ وَإِنْ لم يَدَّعِ الزَّوْجُ شيئا فَلَا بُدَّ من الِاحْتِيَاطِ انْتَهَى وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ لَكِنَّ الْمُرَجَّحَ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ الثَّانِي وفي كَلَامِ الْأَصْلِ ما يُشِيرُ إلَيْهِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وهو الرَّاجِحُ وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ عن نَصِّ الْأُمِّ وَعَلَيْهِ قال ابن الرِّفْعَةِ ظَاهِرُ النَّصِّ أنها لَا تَحْلِفُ إلَّا أَنْ يَطْلُبَ الزَّوْجُ يَمِينَهَا قال وهو الْأَشْبَهُ لِأَنَّ الْخَصْمَ مُتَمَكِّنٌ من الدَّعْوَى فَلَا مَعْنَى لِلِاحْتِيَاطِ له
فَلَوْ نَكَلَتْ عن الْيَمِينِ حَلَفَ وَلَا خِيَارَ لها وَلَوْ نَكَلَ أَيْضًا فَسُخْت بِلَا يَمِينٍ وَيَكُونُ نُكُولُهُ كَحَلِفِهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ بَكَارَتَهَا هِيَ الْأَصْلِيَّةُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَيْسَ هذا مُخَالِفًا الْقَاعِدَةَ أَنَّهُ لَا يَقْضِي بِالنُّكُولِ الْمُجَرَّدِ فَذَاكَ مَحَلُّهُ إذَا نَكَلَ الْمُدَّعِي وكان حَلِفُهُ يُثْبِتُ له حَقًّا أَمَّا لو كان حَلِفُهُ يُسْقِطُ عنه حَقًّا لِلْمُدَّعَى عليه فَإِنَّا نُلْزِمُهُ بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ لَا لِأَنَّهُ قَضَاءٌ بِالنُّكُولِ بَلْ مُؤَاخَذَةٌ له بِإِقْرَارِهِ بِالْعُنَّةِ وَعَدَمُ ظُهُورِ مُقْتَضَى الْوَطْءِ أَيْ وَبِالْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِبَقَاءِ بَكَارَتِهَا وَلَوْ ادَّعَى بَعْدَ الْمُدَّةِ امْتِنَاعَهَا من التَّمْكِينِ فيها وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فَيَحْلِفُ لِأَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُ النِّكَاحِ وَلَوْ قال بَدَلَ فَيَحْلِفُ بِيَمِينِهِ كان أَوْلَى وَيَضْرِبُ له الْقَاضِي بَعْدَ حَلِفِهِ مُدَّةً أُخْرَى وَيُسْكِنُهُمَا بِجَنْبِ قَوْمٍ ثِقَاتٍ يَتَفَقَّدُونَ حَالَهُمَا وَيَعْتَمِدُ الْقَاضِي قَوْلَهُمْ في ذلك
الثَّانِي الْمُولِي وهو كَالْعِنِّينِ في ذلك كُلِّهِ بَلْ في أَكْثَرِهِ وإذا طَلَّقَ عِنِّينٌ أو مُولٍ قبل الْوَطْءِ زَوْجَتَهُ وقد حَلَفَا على الْوَطْءِ فَلَيْسَ لَهُمَا رَجْعَةٌ لِأَنَّهَا الْمُصَدَّقَةُ بِيَمِينِهَا في إنْكَارِهَا الْوَطْءَ لِدَفْعِ رَجْعَتِهَا وَإِنْ صُدِّقَ الْأَوَّلُ لِدَفْعِ الْعُنَّةِ وَالثَّانِي لِدَفْعِ الْمُطَالَبَةِ عنه إذْ لَا يَلْزَمُ من تَصْدِيقِ الشَّخْصِ الدَّفْعُ عن نَفْسِهِ تَصْدِيقَهُ لِإِثْبَاتِ حَقٍّ له على غَيْرِهِ إذْ الْيَمِينُ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ كَالْمُودِعِ عِنْدَهُ عَيْنٌ فإنه يَصْدُقُ في دَعْوَى التَّلَفِ لها بِلَا تَفْرِيطٍ بِيَمِينِهِ ثُمَّ إنْ غَرَّمَهُ مُسْتَحِقٌّ لها بَدَلَهَا فِيمَا لو ظَهَرَتْ مُسْتَحَقَّةً لَا يَرْجِعُ بِهِ الْمُودِعُ عِنْدَهُ على الْمُودَعِ إنْ حَلَفَ الْمُودِعُ أنها لم تَتْلَفْ عِنْدَهُ أَيْ عِنْدَ الْمُودَعِ عِنْدَهُ وهو خَائِنٌ فَإِنْ لم يَحْلِفْ بِأَنْ صَدَقَ بِأَنَّهَا تَلِفَتْ عِنْدَهُ أو سَكَتَ أو قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ رَجَعَ عليه وَكَدَارٍ في يَدِ اثْنَيْنِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا جَمِيعَهَا وقال الْآخَرُ بَلْ هِيَ بَيْنَنَا نِصْفَيْنِ صُدِّقَ الْآخَرُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْيَدَ تَعْضِدُهُ
فإذا بَاعَ مُدَّعِي الْكُلِّ نَصِيبَهُ الذي خَصَّهُ منها من ثَالِثٍ فَالْآخَرُ في أَخْذِ الشُّفْعَةِ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ بِمِلْكِهِ لِنِصْفِ الدَّارِ إنْ أَنْكَرَهُ الثَّالِثُ فَالْجَامِعُ بين الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ أَنَّ الشَّخْصَ قد يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ لِلدَّفْعِ وَلَا يُصَدَّقُ لِإِثْبَاتِ حَقٍّ له على غَيْرِهِ لِمَا قُلْنَاهُ من أَنَّ الْيَمِينَ
____________________
(3/184)
حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ وَقَوْلُهُ وإذا طَلَّقَ عِنِّينٌ إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ هُنَا وقد ذَكَرَ الْأَصْلُ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى في الْإِيلَاءِ وَالرَّافِعِيُّ النَّظِيرَ
ثُمَّ الثَّالِثُ مُطَلَّقَةٌ ادَّعَتْ الْوَطْءَ قبل الطَّلَاقِ لِتَسْتَوْفِيَ الْمَهْرَ وَأَنْكَرَهُ الزَّوْجُ لَا تُصَدَّقُ بَلْ هو الْمُصَدَّقُ لِلْأَصْلِ كما مَرَّ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ مُؤَاخَذَةً لها بِقَوْلِهَا وَلَا نَفَقَةَ لها وَلَا سُكْنَى وَلَهُ نِكَاحُ بِنْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا في الْحَالِ فَإِنْ أَتَتْ بَعْدَ دَعْوَاهَا الْوَطْءَ بِوَلَدٍ يَلْحَقُهُ ظَاهِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا إنْ لم يَنْفِهِ لِتَرْجِيحِ جَانِبِهَا بِالْوَلَدِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَتَقَرَّرُ جَمِيعُ الْمَهْرِ وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَى يَمِينِهَا لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ لَا يُفِيدُ تَحَقُّقَ الْوَطْءِ فَإِنْ نَفَاهُ عنه صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِانْتِفَاءِ الْمُرَجِّحِ وما ذَكَرَهُ آخِرًا هو مَحَلُّ الِاسْتِثْنَاءِ من تَصْدِيقِ النَّافِي وَيُسْتَثْنَى مع ما اسْتَثْنَاهُ أَشْيَاءُ منها ما مَرَّ من أنها إذَا ادَّعَتْ الْبَكَارَةَ الْمَشْرُوطَةَ وَأَنَّهَا زَالَتْ بِوَطْئِهِ فَتُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا لِدَفْعِ الْفَسْخِ وما إذَا ادَّعَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا أَنَّ الْمُحَلِّلَ وَطِئَهَا وَفَارَقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَأَنْكَرَ الْمُحَلِّلُ الْوَطْءَ فَتُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا لِحِلِّهَا لِلْأَوَّلِ لَا لِتَقَرُّرِ مَهْرِهَا لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ في انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَبَيِّنَةُ الْوَطْءِ مُتَعَذِّرَةٌ وما إذَا قال لها وَهِيَ طَاهِرٌ أَنْت طَالِقٌ لِسُنَّةٍ ثُمَّ ادَّعَى وَطْأَهَا في هذا الطُّهْرِ لِيَدْفَعَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ في الْحَالِ وَأَنْكَرَتْهُ فَيُصَدَّقُ هو بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ وما إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِعَدَمِ الْوَطْءِ ثُمَّ اخْتَلَفَا كَذَلِكَ فَهُوَ الْمُصَدَّقُ لِمَا ذُكِرَ وَبِهِ أَجَابَ الْقَاضِي في فَتَاوِيهِ فِيمَا لو عَلَّقَهُ بِعَدَمِ الْإِنْفَاقِ عليها ثُمَّ ادَّعَى الْإِنْفَاقَ فإنه الْمُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ لِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ لَا لِسُقُوطِ النَّفَقَةِ لَكِنْ في فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ في هذه الظَّاهِرُ الْوُقُوعُ الْبَابُ التَّاسِعُ فِيمَا يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ من الِاسْتِمْتَاعِ من زَوْجَتِهِ وَيَمْلِكُ الِاسْتِمْتَاعَ منها بِمَا سِوَى حَلْقَةِ دُبُرِهَا وَلَوْ فِيمَا بين الْأَلْيَتَيْنِ أَمَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِحَلْقَةِ دُبُرِهَا فَحَرَامٌ بِالْوَطْءِ خَاصَّةً لِخَبَرِ إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِ من الْحَقِّ لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ في أَدْبَارِهِنَّ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَصَحَّحَهُ فَرْعٌ الْوَطْءُ في الدُّبُرِ كَالْقُبُلِ أَيْ كَالْوَطْءِ فيه في إفْسَادِ الْعِبَادَةِ وَوُجُوبِ الْغُسْلِ وَالْحَدِّ وَالْكَفَّارَةِ وَالْعِدَّةِ وَثُبُوتِ الرَّجْعَةِ وَالْمُصَاهَرَةِ وَغَيْرِهَا إلَّا في سَبْعَةِ أَحْكَامٍ الْحِلُّ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ وَالتَّحْلِيلُ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ احْتِيَاطًا له وَلِخَبَرِ حتى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك وَالتَّحْصِينُ لِأَنَّهُ فَضِيلَةٌ فَلَا تُنَالُ بِهَذِهِ الرَّذِيلَةِ وَالْخُرُوجُ من الْفَيْئَةِ وَزَوَالُ الْعُنَّةِ إذْ لَا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُ الزَّوْجَةِ وَتَغْيِيرُ إذْنِ الْبِكْرِ في النِّكَاحِ من النُّطْقِ إلَى السُّكُوتِ لِبَقَاءِ الْبَكَارَةِ وَكَوْنُهُ لَا يُوجِبُ إعَادَةَ الْغُسْلِ على الْمَوْطُوءَةِ بِخُرُوجِ مَاءِ الرَّجُلِ منه أَيْ من الدُّبُرِ بِخِلَافِ خُرُوجِهِ من الْقُبُلِ فِيمَنْ قَضَتْ وَطَرَهَا فإنه يُوجِبُ إعَادَةَ الْغُسْلِ عليها وَبَقِيَ ثَامِنَةٌ وَتَاسِعَةٌ وَهُمَا جَعْلُ الزِّفَافِ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَعَدَمُ وُجُوبِ الرَّجْمِ على الْمَفْعُولِ بِهِ وَإِنْ كان مُحْصَنًا كما ذَكَرَهُ في بَابِهِ
وزاد ابن الرِّفْعَةِ عَاشِرَةً نَقَلَهَا عن صَاحِبِ الْمُحِيطِ وَأَقَرَّهُ وَهِيَ وَطْءُ مَمْلُوكَتِهِ الْمُحَرَّمَةِ عليه بِنَسَبٍ أو تَمَجُّسٍ أو نَحْوِهِمَا في الدُّبُرِ فإنه يُوجِبُ الْحَدَّ بِخِلَافِهِ في الْقُبُلِ وَيَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ في وَطْءِ أَمَتِهِ وفي وَطْءِ الشُّبْهَةِ كَوَطْئِهِ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ لِأَنَّ الْمَاءَ قد يَسْبِقُ إلَى الرَّحِمِ من غَيْرِ شُعُورٍ بِهِ وَتَعْبِيرُهُ بِالشُّبْهَةِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ أَمَّا الزَّوْجَةُ فَبِالْفِرَاشِ يَثْبُتُ
____________________
(3/185)
النَّسَبُ فَلَا يَتَوَقَّفُ على الْوَطْءِ بَلْ على إمْكَانِهِ وما ذَكَرَهُ من ثُبُوتِ النَّسَبِ بِالْوَطْءِ في الدُّبُرِ هو ما صَحَّحَهُ الْأَصْلُ هُنَا وَجَزَمَ بِهِ في الطَّلَاقِ لَكِنَّ الذي صَحَّحَهُ في اللِّعَانِ وَالِاسْتِبْرَاءِ كَالْأَكْثَرِينَ عَدَمُ ثُبُوتِهِ بِهِ لِبُعْدِ سَبْقِ الْمَاءِ بِهِ إلَى الرَّحِمِ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْمُصَنِّفُ تَبِعَ أَصْلَهُ في الْمَوَاضِعِ الْمَذْكُورَةِ
وَيَثْبُتُ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ في النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَكُلُّ الْمُسَمَّى في النِّكَاحِ الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ وَطْءٌ في مَحَلِّ الِاسْتِمْتَاعِ وَلَهُ الِاسْتِمْنَاءُ بِيَدِ زَوْجَتِهِ وَجَارِيَتِهِ كما يَسْتَمْتِعُ بِسَائِرِ بَدَنِهِمَا لَا يَدِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا على أَزْوَاجِهِمْ إلَى قَوْلِهِ فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذلك فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ وَهَذَا مِمَّا وَرَاءَ ذلك وَالْعَزْلُ وهو أَنْ يُنْزِلَ بَعْدَ الْجِمَاعِ خَارِجَ الْفَرْجِ تَحَرُّزًا من الْوَلَدِ مَكْرُوهٌ وَإِنْ أَذِنَتْ فيه الْمَعْزُولُ عنها حُرَّةً كانت أو أَمَةً لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى قَطْعِ النَّسْلِ وما ذَكَرَهُ من الْكَرَاهَةِ هو ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن إطْلَاقِ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ وقال قَبْلَهُ الْأَوْلَى تَرْكُهُ
وما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ أَوْلَى فإنه الْمَنْقُولُ عن الْعِرَاقِيِّينَ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ فقال وهو مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا في كل حَالٍ وَخَرَجَ بِالتَّحَرُّزِ عن الْوَلَدِ ما لو عَنَّ له أَنْ يَنْزِعَ ذَكَرَهُ قُرْبَ الْإِنْزَالِ لَا لِلتَّحَرُّزِ عن ذلك فَلَا يُكْرَهُ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْعَزْلَ جَائِزٌ مُطْلَقًا وَاحْتَجُّوا له بِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن جَابِرٍ كنا نَعْزِلُ على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ فَبَلَغَهُ ذلك فلم يَنْهَنَا وَبِأَنَّ حَقَّهَا في الْوَطْءِ خَاصَّةً بِدَلِيلِ الْفَيْئَةِ وَالْعُنَّةِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْوَاطِئِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَطَأَ ثَانِيًا أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَغْسِلَ الْفَرْجَ بين الْوَطْأَتَيْنِ كما مَرَّ في بَابِ الْغُسْلِ وَيَبْعُدُ حِلُّهُ أَيْ تَصَوُّرُ حِلِّ إيقَاعِ الْوَطْأَتَيْنِ في الزَّوْجَاتِ إلَّا بِإِذْنِهِنَّ لِأَنَّ الْقَسْمَ وَاجِبٌ لَهُنَّ وَلَا يَجُوزُ في نَوْبَةٍ وَاحِدَةٍ أَنْ يَأْتِيَ الْأُخْرَى إلَّا بِإِذْنِهَا وَأَمَّا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم طَافَ على نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ فَمَحْمُولٌ على إذْنِهِنَّ إنْ قُلْنَا كان الْقَسْمُ وَاجِبًا عليه وَإِلَّا فَهُنَّ كَالْإِمَاءِ
وفي قَوْلِهِ وَيَبْعُدُ حِلُّهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ قد يُتَصَوَّرُ حِلُّهُ كَأَنْ وَطِئَ وَاحِدَةً آخِرَ نَوْبَتِهَا ثُمَّ الثَّانِيَةَ أَوَّلَ نَوْبَتِهَا أو وَطِئَ الثَّانِيَةَ بَعْدَ مَوْتِ الْأُولَى وَوَطْئِهِ لها فَهُوَ أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذلك في الزَّوْجَاتِ إلَّا بِإِذْنِهِنَّ وَيُبَاحُ ذلك في الْإِمَاءِ وَلَوْ مع زَوْجَةٍ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْقَسْمِ لَهُنَّ وَيُكْرَهُ أَنْ يَطَأَ زَوْجَتَهُ أو جَارِيَتَهُ بِحَضْرَةِ أُخْرَى فإنه دَنَاءَةٌ وَأَنْ يَذْكُرَ ما جَرَى بَيْنَهُمَا لِذَلِكَ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ إنَّ من أَشَرِّ الناس عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يوم الْقِيَامَةِ الرَّجُلُ يُفْضِي إلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا قال في الْمُهِمَّاتِ كَذَا أَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ هُنَا وفي الشَّهَادَاتِ لَكِنْ جَزَمَ في شَرْحِ مُسْلِمٍ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ عليه أَنْ يُظْهِرَ ما جَرَى بَيْنَهُمَا من أُمُورِ الِاسْتِمْتَاعِ وَوَصْفِ تَفَاصِيلِ ذلك قال وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْجِمَاعِ فَيُكْرَهُ ذِكْرُهُ إلَّا لِفَائِدَةٍ انْتَهَى وقد يُجَابُ بِحَمْلِ التَّحْرِيمِ على التَّفْصِيلِ وَالْكَرَاهَةِ على خِلَافِهِ
وَيُسَنُّ مُلَاعَبَةُ الزَّوْجَةِ إينَاسًا وَتَلَطُّفًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ هَلَّا تَزَوَّجْت بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُك إنْ لم يَخَفْ مَفْسَدَةً من ذلك فَإِنْ خَافَهَا لم يُسَنَّ بَلْ قد يُمْتَنَعُ ويسن له أَنْ لَا يُعَطِّلَهَا فَيُسَنُّ له أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهَا وَيُحَصِّنَهَا وَأَدْنَى الدَّرَجَاتِ أَنْ لَا يَتْرُكَهَا لَيْلَةً من أَرْبَعٍ كما سَيَأْتِي في عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَأَنْ لَا يُطِيلَ عَهْدَهَا بِالْجِمَاعِ بِلَا عُذْرٍ لِأَنَّهُ من الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْ يُجَامِعَ عِنْدَ قُدُومِهِ من السَّفَرِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إذَا قَدِمْت فَالْكَيْسَ الْكَيْسَ أَيْ ابْتَغِ الْوَلَدَ قال الْغَزَالِيُّ في الْإِحْيَاءِ وَيُكْرَهُ الْجِمَاعُ في اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ من الشَّهْرِ وَلَيْلَةِ نِصْفِهِ فَيُقَالُ إنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ الْجِمَاعَ فيها وَأَنَّهُ يُجَامِعُ وَيُكْرَهُ أَوَّلَ اللَّيْلِ لِئَلَّا يَنَامَ على غَيْرِ طَهَارَةٍ وأن يُسَمِّيَ اللَّهَ عِنْدَهُ أَيْ عِنْدَ الْجِمَاعِ وَيَدْعُوَ بِالْمَأْثُورِ أَيْ بِالْمَنْقُولِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ ما رَزَقْتنَا كما مَرَّ في صِفَةِ الْوُضُوءِ
وَيَحْرُمُ عليها أَيْ على زَوْجَتِهِ أو جَارِيَتِهِ مَنْعُهُ من اسْتِمْتَاعٍ جَائِزٍ بها تَحْرِيمًا مُغَلَّظًا لِمَنْعِهَا حَقَّهُ مع تَضَرُّرِ بَدَنِهِ بِذَلِكَ وَلَا يَحْرُمُ وَطْءُ الْمُرْضِعِ وَالْحَامِلِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصِفَ لِزَوْجِهَا امْرَأَةً أُخْرَى لِغَيْرِ حَاجَةٍ لِلنَّهْيِ عنه في خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرُ الزَّوْجِ مِثْلُهُ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى الْبَابُ الْعَاشِرُ في وَطْءِ الْأَبِ جَارِيَةَ الِابْنِ وَتَزْوِيجِهِ بها ووجوب إعْفَافِهِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَطْرَافٍ بِعِدَّةِ ما في التَّرْجَمَةِ الْأَوَّلُ في وَطْئِهِ لها فَيَحْرُمُ على الْأَبِ وَطْءُ جَارِيَةِ الِابْنِ مع عِلْمِهِ بِالْحَالِ إجْمَاعًا وَلِآيَةِ وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا
____________________
(3/186)
على أَزْوَاجِهِمْ أو ما مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ وَلِأَنَّهَا مُبَاحَةٌ لِلِابْنِ وَالْفَرْجُ الْوَاحِدُ لَا يُبَاحُ لِاثْنَيْنِ في حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا حَدَّ عليه وَلَوْ مُوسِرًا
وَإِنْ كانت مَوْطُوءَتَهُ أَيْ الِابْنِ وَلَوْ مُسْتَوْلَدَةً لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ فَفِي خَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ في صَحِيحِهِ أنت وَمَالُك لِأَبِيك وَلِشُبْهَةِ الْإِعْفَافِ الذي هو من جِنْسِ ما فَعَلَهُ فَأَشْبَهَ ما لو سَرَقَ مَالَهُ لَا يُقْطَعُ بِهِ وَلِأَنَّ الْوَالِدَ لَا يُقْتَلُ بِوَلَدِهِ فَيَبْعُدُ أَنْ يُرْجَمَ بِوَطْءِ جَارِيَتِهِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ وُجُوبِ الْحَدِّ عليه إذَا وَطِئَهَا في الْقُبُلِ أَمَّا إذَا وَطِئَهَا في الدُّبُرِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ يُحَدُّ كما لو وَطِئَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ الْمُحَرَّمَةَ عليه بِنَسَبٍ أو مُصَاهَرَةٍ أو رَضَاعٍ أو تَمَجُّسٍ في دُبُرِهَا بَلْ هو أَوْلَى وما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ من عَدَمِ وُجُوبِ الْحَدِّ عليه إذَا كانت مُسْتَوْلَدَةً هو ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِهِ في مَوَاضِعَ وَجَرَى عليه الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ لَكِنْ نَقَلَ الْأَصْلُ عن تَجْرِبَةِ الرُّويَانِيِّ عن الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَجِبُ عليه الْحَدُّ قَطْعًا لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَمْلِكَهَا بِحَالٍ وَهَذَا سَاقَهُ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ مَسَاقَ الْأَوْجُهِ الضَّعِيفَةِ وقال الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ طَرِيقَةٌ غَيْرُ مَشْهُورَةٍ فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ بِوَطْئِهَا كَغَيْرِ الْمُسْتَوْلَدَةِ بَلْ يُعَزَّرُ فِيهِمَا كما في ارْتِكَابِ سَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ التي لَا حَدَّ فيها وَلَا كَفَّارَةَ وهو لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا لِحَقِّ الْوَلَدِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ
وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ فيه نَظَرٌ لِأَنَّ الْأَصْحَابَ جَزَمُوا بِأَنَّهُ يُعَزَّرُ بِقَذْفِ وَلَدِهِ لِحَقِّهِ وَالْوَجْهُ ما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَأُجِيبَ عن النَّظَرِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُرَدُّ لو صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ يُعَزَّرُ بِقَذْفِ وَلَدِهِ لِحَقِّهِ وَإِلَّا فَقَدْ يُرَادُ بِهِ التَّعْزِيرُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كما صَرَّحُوا بِهِ فِيمَا لو عَفَا مُسْتَحِقُّ التَّعْزِيرِ عنه على الْأَصَحِّ وَبِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ من عَدَمِ ثُبُوتِ التَّعْزِيرِ لِلْوَلَدِ في وَطْءِ جَارِيَتِهِ عَدَمُ ثُبُوتِهِ في قَذْفِهِ لِأَنَّ لِلْأَبِ شُبْهَةً في مَالِ وَلَدِهِ بِخِلَافِ عِرْضِهِ وَيَجِبُ له عليه بِوَطْئِهِ لها وَلَوْ بِطَوْعِهَا الْمَهْرُ أَيْ مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ كان الْأَبُ كَافِرًا أو مُؤْمِنًا لِلشُّبْهَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ وَكَذَا أَرْشُ بَكَارَتِهَا إنْ كانت بِكْرًا وَافْتَضَّهَا وَغَيْرُ الْمَوْطُوءَةِ لِلِابْنِ تَحْرُمُ على الِابْنِ أَبَدًا لِأَنَّهَا صَارَتْ مَوْطُوءَةَ الْأَبِ وَالْمَوْطُوءَةُ له تَحْرُمُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهَا مَوْطُوءَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَيَسْتَمِرُّ مِلْكُ الِابْنِ عليها ما لم يُوجَدْ من الْأَبِ إحْبَالٌ وَلَا يَغْرَمُ الْأَبُ له بِتَحْرِيمِهِ لها عليه بِوَطْئِهِ قِيمَتَهَا وَإِنْ كان ذِمِّيًّا أو نَحْوَهُ بِخِلَافِ وَطْءِ زَوْجَةِ أبيه أو ابْنِهِ بِشُبْهَةٍ فإنه يَلْزَمُهُ له الْمَهْرُ أَيْ مَهْرُهَا وَالْفَرْقُ بَقَاءُ الْمَالِيَّةِ التي هِيَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ في الْأَمَةِ وَالْفَائِتُ على الِابْنِ إنَّمَا هو مُجَرَّدُ الْحِلِّ وهو غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو اشْتَرَى أَمَةً فَخَرَجَتْ أُخْتَهُ لم يَتَمَكَّنْ من الرَّدِّ وَالْفَائِتُ في الزَّوْجَةِ الْمِلْكُ وَالْحِلُّ جميعا وَلِأَنَّ الْحِلَّ فيها هو الْمَقْصُودُ فَيُقَوَّمُ وَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ أُخْتَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْكِحَهَا وَعَلَى ما ذُكِرَ لو تَزَوَّجَ رَجُلٌ أَمَةَ أَخِيهِ فَوَطِئَهَا أَبُوهُمَا لَزِمَهُ مَهْرَانِ مَهْرٌ لِمَالِكِهَا وَمَهْرٌ لِزَوْجِهَا فَإِنْ أَحْبَلَهَا الْأَبُ الْحُرُّ وَلَوْ مُعْسِرًا أو كَافِرًا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ له عِنْدَ الْعُلُوقِ لِلشُّبْهَةِ التي نَفَتْ الْحَدَّ وَأَوْجَبَتْ الْمَهْرَ وَإِنَّمَا لم يَخْتَلِفْ الْحُكْمُ هُنَا بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ كما في إيلَادِ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ لِأَنَّ الْإِيلَادَ هُنَا إنَّمَا يَثْبُتُ لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ وَشُبْهَةِ الْمِلْكِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فإنه إنَّمَا يَثْبُتُ في حِصَّةِ الشَّرِيكِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عنه فَلَوْ نَفَّذْنَاهُ عِنْدَ الْإِعْسَارِ لَعَلَّقْنَا حَقَّهُ بِذِمَّةِ خَرَابٍ وهو ضَرَرٌ أَيْضًا
وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ فَيَثْبُتُ إيلَادُهَا هُنَا لِلْأَبِ مُطْلَقًا إنْ لم تَكُنْ مُسْتَوْلَدَةَ الِابْنِ فَإِنْ كانت مُسْتَوْلَدَتَهُ لم تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَبِ لِتَعَذُّرِ انْتِقَالِ مِلْكِهَا إلَيْهِ ثُمَّ الْوَلَدُ الْحَاصِلُ منها بِوَطْئِهِ حُرٌّ نَسِيبٌ لَا وَلَاءَ عليه لِلشُّبْهَةِ كما لو وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِشُبْهَةٍ وَيَجِبُ عليه الْمَهْرُ كما مَرَّ لَا إنْ أَنْزَلَ قبل اسْتِكْمَالِ إيلَاجِ الْحَشَفَةِ في
____________________
(3/187)
الْفَرْجِ أو معه فَلَا يَجِبُ لِتَقَدُّمِ الْإِنْزَالِ على مُوجِبِهِ في الْأُولَى وَاقْتِرَانِهِ بِهِ في الثَّانِيَةِ وَكَذَا تَجِبُ قِيمَةُ غَيْرِ الْمُسْتَوْلَدَةِ سَوَاءٌ أَنْزَلَ قبل ذلك أَمْ بَعْدَهُ أَمْ معه لِصَيْرُورَتِهَا أُمَّ وَلَدٍ له كما في الْمُشْتَرَكَةِ بين الْوَاطِئِ وَغَيْرِهِ فإنه يَلْزَمُهُ نِصْفُ قِيمَتِهَا مع نِصْفِ مَهْرِهَا وَالْقَوْلُ في قَدْرِهَا قَوْلُ الْأَبِ لِأَنَّهُ الْغَارِمُ وَلَوْ تَكَرَّرَ وَطْؤُهُ لها مُدَّةً وَاخْتَلَفَتْ قِيمَتُهَا فيها وَلَا يَعْلَمُ مَتَى عَلِقَتْ بِالْوَلَدِ قال الْقَفَّالُ اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهَا في آخِرِ زَمَنٍ يُمْكِنُ عُلُوقُهَا بِهِ فيه وَذَلِكَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ قبل وِلَادَتِهَا لِأَنَّ الْعُلُوقَ من ذلك يَقِينٌ وما قَبْلَهُ مَشْكُوكٌ فيه
قال وَلَا يُؤْخَذُ في ذلك بِقَوْلِ الْقَوَابِلِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْحَامِلِ الْمَبْتُوتَةِ لِأَنَّهَا كانت وَاجِبَةً وما قَالَهُ ظَاهِرٌ إذَا لم يَسْتَوْلِ عليها قبل زَمَنِ الْعُلُوقِ وَإِلَّا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَقْصَى قِيمَتِهَا من اسْتِيلَائِهِ عليها إلَى زَمَنِ الْعُلُوقِ أَمَّا الْمُسْتَوْلَدَةُ فَلَا تَجِبُ عليه قِيمَتُهَا مُطْلَقًا لِعَدَمِ انْتِقَالِهَا إلَيْهِ وَأَمَّا الْوَلَدُ فَلَا تَجِبُ قِيمَتُهُ كما أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ قِيمَةَ أُمِّهِ وهو جُزْءٌ منها فَانْدَرَجَ فيها وَلِأَنَّهُ انْعَقَدَ في مِلْكِهِ وَلِأَنَّ قِيمَتَهُ إنَّمَا تَجِبُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ وَذَلِكَ وَاقِعٌ في مِلْكِهِ وَيَمْلِكُهَا أَيْ غير الْمُسْتَوْلَدَةِ قُبَيْلَ الْعُلُوقِ لِيَسْقُطَ مَاؤُهُ في مِلْكِهِ صِيَانَةً لِحُرْمَتِهِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَجَرَى عليه بَعْضُ شُرَّاحِ الْمِنْهَاجِ وقد حَكَى الْأَصْلُ فيه أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا هذا وَالثَّانِي مع الْعُلُوقِ لِأَنَّهُ عِلَّةُ نَقْلِ الْمِلْكِ وَالْعِلَّةُ تَقْتَرِنُ بِمَعْلُولِهَا وَالثَّالِثُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ وَالرَّابِعُ بَعْدَهَا عِنْدَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ وَكَلَامُ النَّوَوِيِّ في تَنْقِيحِهِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الثَّانِي وَعَلَيْهِ جَرَى الْغَزَالِيُّ في بَسِيطِهِ وَوَسِيطِهِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَجَرَيْت عليه في شَرْحِ الْبَهْجَةِ تَبَعًا لِبَعْضِ شُرَّاحِ الْحَاوِي
فَرْعٌ لو اسْتَوْلَدَ مُوسِرٌ جَارِيَةَ فَرْعِهِ الْمُشْتَرَكَةَ يَعْنِي جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بين فَرْعِهِ وَأَجْنَبِيٍّ نَفَذَ الِاسْتِيلَادُ في الْكُلِّ وَوَلَدُهَا منه حُرٌّ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ وَالْقِيمَةُ لِلْفَرْعِ وَشَرِيكِهِ أو اسْتَوْلَدَهَا مُعْسِرٌ لم يَنْفُذْ الِاسْتِيلَادُ في نَصِيبِ الشَّرِيكِ بَلْ يُرَقُّ بَعْضُ الْوَلَدِ وهو نَصِيبُ الشَّرِيكِ تَبَعًا لِأُمِّهِ وَيَنْفُذُ الِاسْتِيلَادُ في نَصِيبِ الِابْنِ من الْمُبَعَّضَةِ لَا مَحَالَةَ فَرْعٌ فَإِنْ كان الْأَبُ رَقِيقًا أو مُبَعَّضًا وَلَوْ كان كُلٌّ مِنْهُمَا مُكَاتَبًا فَلَا اسْتِيلَادَ بِوَطْئِهِ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَمْلِكُ وَالْمُبَعَّضُ وَالْمُكَاتَبُ لَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ بِإِيلَادِهِمَا أَمَتَهُمَا فَبِإِيلَادِ أَمَةِ وَلَدِهِمَا بِالْأَوْلَى وَلَا حَدَّ لَكِنَّ الْوَلَدَ نَسِيبٌ حُرٌّ لِمَا مَرَّ وَالتَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ لَا حَدَّ على الْمُبَعَّضِ وَالْمُكَاتَبِ وَبِكَوْنِ وَلَدِ الْمُبَعَّضِ نَسِيبًا وَبِكَوْنِ وَلَدِ الْمُكَاتَبِ نَسِيبًا حُرًّا مع تَرْجِيحِ كَوْنِ وَلَدِ الْمُبَعَّضِ حُرًّا كُلُّهُ من زِيَادَتِهِ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي وما جَزَمَ بِهِ من حُرِّيَّةِ وَلَدِ الرَّقِيقِ هو ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن فَتَاوَى الْقَفَّالِ قِيَاسًا على وَلَدِ الْمَغْرُورِ لَكِنْ قال الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ رَقِيقٌ
وقال الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ الرَّاجِحُ وَالْقِيَاسُ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ الْمَغْرُورَ ظَنَّ أنها أَمَتُهُ فَانْعَقَدَ الْوَلَدُ حُرًّا بِخِلَافِ الْعَبْدِ الذي وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ فإنه لَا ظَنَّ يَقْتَضِي حُرِّيَّةَ الْوَلَدِ حتى يَنْزِلَ مَنْزِلَةَ الْمَغْرُورِ وَلَا نَظَرَ إلَى شُبْهَةِ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ وَالِاسْتِدْرَاكُ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَاجِعٌ لِلْمَعْطُوفِ عليه لَا لِلْمَعْطُوفِ وَالْقِيمَةُ لِلْوَلَدِ على الْقَوْلِ بِحُرِّيَّتِهِ في ذِمَّتِهِ أَيْ كُلٍّ من الْمَذْكُورَيْنِ إذْ لَا اخْتِيَارَ له في انْعِقَادِهِ حُرًّا إلَّا أَنَّ الْمُبَعَّضَ يُطَالَبُ بِالْبَعْضِ في الْحَالِ بِقَدْرِ ما فيه من الْحُرِّيَّةِ وَبِالْبَعْضِ الْآخَرِ بَعْدَ عِتْقِهِ بِخِلَافِ الرَّقِيقِ لَا يُطَالَبُ إلَّا بَعْدَ عِتْقِهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ كما مَرَّ وما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ من أَنَّ الْمُكَاتَبَ كَالرَّقِيقِ من زِيَادَتِهِ وَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ يُطَالَبُ بِالْقِيمَةِ في الْحَالِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ كما مَرَّ نَظِيرُهُ في الْمُكَاتَبَةِ الْغَارَّةِ
وَأَمَّا الْمَهْرُ أَيْ مَهْرُ الْمَوْطُوءَةِ فَإِنْ أَكْرَهَهَا الرَّقِيقُ على الْوَطْءِ فَفِي رَقَبَتِهِ كَسَائِرِ الْجِنَايَاتِ وَإِلَّا بِأَنْ طَاوَعَتْهُ فَقَوْلَانِ في أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ أو بِذِمَّتِهِ كما لو وَطِئَ الرَّقِيقُ أَجْنَبِيَّةً بِشُبْهَةٍ قَالَهُ في الْأَصْلِ وَذَكَرَ فيه في تِلْكَ طَرِيقَيْنِ رَجَّحَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُمَا فِيمَا يَأْتِي كَالْأَنْوَارِ تَعَلُّقَهُ بِرَقَبَتِهِ وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ ذلك هُنَا وَبِهِ جَزَمَ في الْأَنْوَارِ فَرْعٌ لو أَوْلَدَ مُكَاتَبَةَ وَلَدِهِ فَهَلْ يَنْفُذُ اسْتِيلَادُهُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَقْبَلُ الْفَسْخَ بِخِلَافِ الِاسْتِيلَادِ أو لَا لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ وَجْهَانِ قال في الْأَصْلِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْبَغَوِيّ الْأَوَّلُ وَقَطَعَ الْهَرَوِيُّ بِالثَّانِي قال الزَّرْكَشِيُّ وَرَجَّحَ الْخُوَارِزْمِيَّ الْأَوَّلَ وَجَزَمَ بِهِ الْقَفَّالُ في فَتَاوِيهِ أو أَوْلَدَ أَمَةَ وَلَدِهِ الْمُزَوَّجَةَ نَفَذَ إيلَادُهُ كَإِيلَادِ السَّيِّدِ لها وَحَرُمَتْ على الزَّوْجِ مُدَّةَ الْحَمْلِ
فَصْلٌ وَالِابْنُ في وَطْءِ جَارِيَةِ الْأَبِ كَالْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ كان بِشُبْهَةٍ كَأَنْ ظَنَّهَا أَمَتَهُ أو زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ فَالْوَلَدُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلْأَبِ أو زَوْجَتُهُ الرَّقِيقَةُ انْعَقَدَ الْوَلَدُ رَقِيقًا وَإِنْ كان عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ حُدَّ لِانْتِفَاءِ شُبْهَتَيْ
____________________
(3/188)
الْإِعْفَافِ وَالْمِلْكِ وَلَيْسَ كَالسَّرِقَةِ حَيْثُ لَا يُقْطَعُ بها لِشُبْهَةِ النَّفَقَةِ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ إنْ أُكْرِهَتْ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ فَرَقِيقٌ لِلْأَبِ غَيْرُ نَسِيبٍ فَلَا يُعْتَقُ عليه كما أَفْهَمَهُ قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الْوَلَدَ الرَّقِيقَ النَّسِيبَ يُعْتَقُ على الْجَدِّ لِدُخُولِهِ في مِلْكِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَيْ الِابْنَ قِيمَتُهُ لِانْعِقَادِهِ رَقِيقًا الطَّرَفُ الثَّانِي في نِكَاحِ جَارِيَةِ الْوَلَدِ فَيَحْرُمُ على الْأَبِ نِكَاحُهَا إلَّا على أَبٍ رَقِيقٍ قالوا لِأَنَّ لِغَيْرِ الرَّقِيقِ فيها شُبْهَةً فَأَشْبَهَتْ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الرَّقِيقِ
فَلَوْ تَزَوَّجَهَا الْأَبُ الرَّقِيقُ ثُمَّ عَتَقَ أو تَزَوَّجَ حُرٌّ أو رَقِيقٌ كما فُهِمَ بِالْأُولَى رَقِيقَةً لِأَجْنَبِيٍّ ثُمَّ مَلَكَهَا ابْنُهُ أَيْ ابن الزَّوْجِ لم يَنْفَسِخْ نِكَاحُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ في النِّكَاحِ الثَّابِتِ الدَّوَامُ وَلِلدَّوَامِ من الْقُوَّةِ ما ليس لِلِابْتِدَاءِ فَلَوْ اسْتَوْلَدَهَا وَلَوْ بَعْدَ عِتْقِهِ في الْأُولَى وَمَلَّكَ ابْنَهُ لها في الثَّانِيَةِ لم يَنْفُذْ اسْتِيلَادُهَا لِأَنَّهُ رضي بِرِقِّ وَلَدِهِ حين نَكَحَهَا وَلِأَنَّ النِّكَاحَ حَاصِلٌ مُحَقَّقٌ فَيَكُونُ وَاطِئًا بِالنِّكَاحِ لَا بِشُبْهَةِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَكُنْ نِكَاحٌ فَرْعٌ وَإِنْ تَزَوَّجَ شَخْصٌ أَمَةً فَمَلَكَهَا مُكَاتَبُهُ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا بِخِلَافِهَا في أَمَةِ ابْنِهِ لِأَنَّ تَعَلُّقَ السَّيِّدِ بِمِلْكِ مُكَاتَبِهِ أَشَدُّ من تَعَلُّقِ الْأَبِ بِمِلْكِ ابْنِهِ فَنَزَّلُوا مِلْكَ مُكَاتَبِهِ مَنْزِلَةَ مِلْكِهِ فَإِنْ قُلْت لو مَلَكَ مُكَاتَبٌ أَبَا سَيِّدِهِ لم يُعْتَقْ عليه ولم يُنَزِّلُوهُ مَنْزِلَةَ مِلْكِهِ قُلْنَا لِأَنَّ الْمِلْكَ قد يَجْتَمِعُ مع الْقَرَابَةِ وَالْمِلْكُ وَالنِّكَاحُ لَا يَجْتَمِعَانِ وَيَنْفُذُ اسْتِيلَادُهُ إذَا أَوْلَدَ أَمَةَ مُكَاتَبِهِ كما سَيَأْتِي إيضَاحُهُ في بَابِ الْكِتَابَةِ
وَيَجُوزُ لِلشَّخْصِ نِكَاحُ أَمَةِ الْوَلَدِ له ونكاح أَمَةِ ابْنٍ له من الرَّضَاعِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْإِعْفَافِ الطَّرَفُ الثَّالِثُ إعْفَافُ الْأَبِ الْحُرِّ وَلَوْ كَافِرًا لَا الْوَلَدِ وَاجِبٌ على ابْنِهِ لِأَنَّهُ من وُجُوهِ حَاجَاتِهِ الْمُهِمَّةِ فَيَجِبُ على ابْنِهِ الْقَادِرِ عليه كَنَفَقَتِهِ وَلِئَلَّا يُعَرِّضَهُ لِلزِّنَا وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ وَلَيْسَ من الْمُصَاحَبَةِ بِالْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بها وَلِأَنَّهُ إذَا احْتَمَلَ لِإِبْقَائِهِ فَوَاتَ نَفْسِ الِابْنِ كما في الْقَوَدِ فَفَوَاتُ مَالِهِ أَوْلَى فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إعْفَافُ الْأُمِّ قال الْإِمَامُ بَلْ لَا يُتَصَوَّرُ إذْ لَا مُؤْنَةَ عليها في النِّكَاحِ وَلَا إعْفَافُ الْأَبِ غَيْرِ الْحُرِّ لِأَنَّ نِكَاحَهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لَا يَصِحُّ وَبِإِذْنِهِ يَقْتَضِي تَعَلُّقَ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ بِكَسْبِهِ وَمَالِ تِجَارَتِهِ إنْ كان له ذلك وَبِذِمَّتِهِ إنْ لم يَكُنْ وَلَا إعْفَافُ الْوَلَدِ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ دُونَ حُرْمَةِ الْأَبِ فَلَوْ قَدَرَ الْأَبُ عليها أَيْ على النَّفَقَةِ دُونَ مُؤْنَةِ الْإِعْفَافِ لَزِمَ الْوَلَدَ إعْفَافُهُ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ
وَلَا إعْفَافَ على بَيْتِ الْمَالِ وَلَا على الْمُسْلِمِينَ كما فُهِمَ بِالْأُولَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَرْعٌ الْبِنْتُ كَالِابْنِ فِيمَا ذُكِرَ كَالنَّفَقَةِ وَالْجَدُّ من جِهَةِ الْأَبِ أو الْأُمِّ كَالْأَبِ فَيَجِبُ إعْفَافُهُ فَإِنْ اجْتَمَعَ أَبَوَانِ وَجَبَ إعْفَافُهُمَا إنْ اتَّسَعَ الْمَالُ أَيْ مَالُ الْوَلَدِ بِأَنْ وَفَّى بِهِمَا وَإِلَّا بِأَنْ لم يَفِ إلَّا بِأَحَدِهِمَا فَأَبٌ الْأَبِ أَوْلَى من أبي الْأُمِّ وَلَوْ بَعُدَ فَيُقَدَّمُ أبو أبي الْأَبِ على أبي الْأُمِّ لِلْعُصُوبَةِ وَأَقْرَبُ الْآبَاءِ من الْعَصَبَةِ أَوْلَى من أَبْعَدِهِمْ فَيُقَدَّمُ الْأَبُ على أبيه فَإِنْ فُقِدَتْ أَيْ الْعُصُوبَةُ فَالْأَقْرَبُ أَوْلَى من الْأَبْعَدِ أَيْضًا فَيُقَدَّمُ أَبٌ الْأُمِّ على أبيه فَلَوْ اسْتَوَيَا في الْقُرْبِ كَأَبِي أَبٍ أُمٍّ وَأَبِي أُمِّ أُمٍّ فَالْقُرْعَةُ يُعْمَلُ بها لِتَعَذُّرِ التَّوْزِيعِ من دُونِ رَفْعٍ إلَى الْحَاكِمِ وَلَوْ اجْتَمَعَ عَدَدٌ مِمَّنْ يَجِبُ عليهم الْإِعْفَافُ فَحُكْمُهُ ما سَيَأْتِي في النَّفَقَاتِ
فَرْعٌ لَا يَجِبُ إعْفَافُ أَبٍ قَادِرٍ على إعْفَافِ نَفْسِهِ وَلَوْ على سُرِّيَّةٍ وَمِنْ كَسْبِهِ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ مُسْتَغْنٍ عن وَلَدِهِ بِخِلَافِ نَظِيرِ الْأَخِيرَةِ في كَسْبِ النَّفَقَةِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تَقُومُ بِدُونِهَا فَلَوْ نَكَحَ في يَسَارِهِ بِمَهْرٍ في ذِمَّتِهِ ثُمَّ أَعْسَرَ قبل دُخُولِهِ وَامْتَنَعَتْ الزَّوْجَةُ حتى تَقْبِضَهُ فقال الْبُلْقِينِيُّ يَجِبُ على وَلَدِهِ دَفْعُهُ لِحُصُولِ الْإِعْفَافِ بِذَلِكَ وَالصَّرْفُ لِلْمَوْجُودَةِ
____________________
(3/189)
أَوْلَى من السَّعْيِ في أُخْرَى قال وَعَلَيْهِ لو نَكَحَ في إعْسَارِهِ ولم يُطَالِبْ وَلَدَهُ بِالْإِعْفَافِ ثُمَّ طَالَبَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُلْزِمَ وَلَدَهُ الْقِيَامَ بِهِ لَا سِيَّمَا إذَا جَهِلَتْ الْإِعْسَارَ وَأَرَادَتْ الْفَسْخَ انْتَهَى وَظَاهِرٌ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ جَمِيعُ ذلك إذَا كان قَدْرَ مَهْرِ مِثْلِ من تَلِيقُ بِهِ وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْإِعْفَافِ الْحَاجَةُ إلَى النِّكَاحِ دُونَ خَوْفِ الْعَنَتِ فَيَحْرُمُ طَلَبُ من لم تَصْدُقْ شَهْوَتُهُ بِأَنْ لم يَضُرَّ بِهِ التَّعَزُّبُ ولم يَشُقَّ عليه الصَّبْرُ نعم إنْ احْتَاجَ لِلنِّكَاحِ لَا لِلتَّمَتُّعِ بَلْ لِلْخِدْمَةِ لِمَرَضٍ أو نَحْوِهِ قال ابن الرِّفْعَةِ وَجَبَ إعْفَافُهُ قال السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وهو صَحِيحٌ إذَا تَعَيَّنَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ لَكِنَّهُ لَا يُسَمَّى إعْفَافًا
وَيُصَدَّقُ من أَظْهَر حَاجَتَهُ إلَى النِّكَاحِ بِلَا يَمِينٍ لِأَنَّ تَحْلِيفَهُ في هذا الْمَقَامِ لَا يَلِيقُ بِحُرْمَتِهِ قال الْأَذْرَعِيُّ فَلَوْ كان ظَاهِرُ حَالِهِ يُكَذِّبُهُ كَذِي فَالِجٍ شَدِيدٍ وَاسْتِرْخَاءٍ فَفِيهِ نَظَرٌ وَيُشْبِهُ أَنْ لَا تَجِبَ إجَابَتُهُ أو يُقَالُ يَحْلِفُ هُنَا لِمُخَالَفَةِ حَالِهِ دَعْوَاهُ وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ نَحْوَهُ فَرْعٌ وَالْإِعْفَافُ أَنْ يُزَوِّجَهُ بِحُرَّةٍ تَلِيقُ بِهِ وَلَوْ كِتَابِيَّةً بِأَنْ يُبَاشِرَ له ذلك بِإِذْنِهِ أو يَأْذَنَ له فيه وَيُعْطِيَهُ الْمَهْرَ فِيهِمَا أو يُمَلِّكَهُ أَمَةً تَحِلُّ له أو يُسَلِّمَ إلَيْهِ الْمَهْرَ في الْحُرَّةِ أو الثَّمَنَ في الْأَمَةِ لِأَنَّ غَرَضَ الْإِعْفَافِ يَحْصُلُ بِكُلٍّ منها وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُسَلِّمَ الْمَهْرَ أو الثَّمَنَ إلَّا بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ أو الشِّرَاءِ وَعُلِمَ بِمَا قَالَهُ أَنَّهُ ليس له أَنْ يُزَوِّجَهُ الْأَمَةَ لِأَنَّ شَرْطَ نِكَاحِهَا الْإِعْسَارُ وهو مُسْتَغْنٍ بِمَالِ وَلَدِهِ فَإِنْ لم يَقْدِرْ إلَّا على مَهْرِ أَمَةٍ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُزَوِّجُهَا له وَالتَّخْيِيرُ بين الْمَذْكُورَاتِ مَحَلُّهُ في الْوَلَدِ الْمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ أَمَّا غَيْرُهُ فَعَلَى وَلِيِّهِ أَنْ لَا يَبْذُلَ إلَّا أَقَلَّ ما تَنْدَفِعُ بِهِ الْحَاجَةُ إلَّا أَنْ يُلْزِمَهُ الْحَاكِمُ بِغَيْرِهِ
وَلَا يَلْزَمُهُ إعْفَافُهُ بِرَفِيعَةٍ بِجَمَالٍ أو شَرَفٍ أو يَسَارٍ وَلَا غَيْرِ سُرِّيَّةٍ أَيْ يُزَوِّجُهُ دُونَ سُرِّيَّةٍ إنْ بَذَلَهَا له لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ دَفْعُ الْحَاجَةِ وَهِيَ تَنْدَفِعُ بِغَيْرِ الرَّفِيعَةِ وَبِالسُّرِّيَّةِ وَكَمَا لَا يَلْزَمُهُ إعْفَافُهُ بِالزَّوْجَةِ دُونَ السُّرِّيَّةِ كَذَلِكَ عَكْسُهُ الْمَفْهُومُ بِالْأُولَى وَلَا تُجْزِئُ شَوْهَاءُ فَلَيْسَ له أَنْ يُهَيِّئَهَا له كما لَا يُطْعِمُهُ طَعَامًا فَاسِدًا وَلِأَنَّهَا لَا تُعِفُّهُ وفي مَعْنَاهَا الْعَجُوزُ وَالْمَعِيبَةُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَكَذَا الْعَمْيَاءُ وَالْعَرْجَاءُ وَذَاتُ الْقُرُوحِ السَّيَالَةِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَنَحْوِهَا وَإِنْ لم يَثْبُتْ الْخِيَارُ فيها لِأَنَّهُ ليس من الْمُصَاحَبَةِ بِالْمَعْرُوفِ وَالتَّعْيِينُ أَيْ تَعْيِينُ الْمَرْأَةِ إلَى الْأَبِ دُونَ الْوَلَدِ إنْ اتَّفَقَا على قَدْرِ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِغَرَضِهِ في قَضَاءِ شَهْوَتِهِ وَلَا ضَرَرَ فيه على الْوَلَدِ وَمِثْلُهُ تَعْيِينُ الْأَمَةِ إذَا اتَّفَقَا على قَدْرِ الثَّمَنِ وَعَلَى الْوَلَدِ نَفَقَتُهَا أَيْ الزَّوْجَةِ أو الْأَمَةِ وَمُؤْنَتُهَا لِأَنَّهُمَا من تَتِمَّةِ الْإِعْفَافِ وَذِكْرُ الْمُؤْنَةِ يُغْنِي عن ذِكْرِ النَّفَقَةِ فَإِنْ أَيْسَرَ الْأَبُ بَعْدَمَا مَلَّكَهُ الْوَلَدُ جَارِيَتَهُ أو ثَمَنَهَا لم يَرْجِعْ الْوَلَدُ عليه في الْجَارِيَةِ أو ثَمَنِهَا لِأَنَّهُ مَلَّكَهُمَا له وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَيْهِمَا فَكَانَا كَنَفَقَةٍ لم يَأْكُلْهَا الْأَبُ فإن الْوَلَدَ لَا يَرْجِعُ عليه بها بَعْدَمَا ذُكِرَ
وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ إنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ إمْتَاعٌ لَا تَمْلِيكٌ لِأَنَّ ذَاكَ مَحَلُّهُ إذَا لم يُمَلِّكْهَا له من لَزِمَتْهُ وَكَتَمَلُّكِ الْأَبِ ما ذُكِرَ تَمْلِيكُهُ الْمَهْرَ كما صَرَّحَ بِهِ ابن الرِّفْعَةِ وَإِنْ كان تَحْتَهُ نَحْوُ عَجُوزٍ وَصَغِيرَةٍ كَرَتْقَاءَ ولم تَنْدَفِعْ بها حَاجَتُهُ وَجَبَ على الْوَالِدِ الْإِعْفَافُ لَا نَفَقَتَانِ فَلَوْ أَعَفَّهُ حِينَئِذٍ لم تَلْزَمْهُ إلَّا نَفَقَةٌ وَاحِدَةٌ وقد قالوا في بَابِهَا لو كان له زَوْجَتَانِ لم يَلْزَمْ الْوَلَدَ إلَّا نَفَقَةٌ وَاحِدَةٌ يُوَزِّعُهَا الْأَبُ عَلَيْهِمَا وهو مُتَنَاوِلٌ لِمَسْأَلَتِنَا لَكِنْ قال ابن الرِّفْعَةِ هُنَا يَظْهَرُ أنها تَتَعَيَّنُ لِلْجَدِيدَةِ لِئَلَّا تُفْسَخَ بِنَقْصِ ما يَخُصُّهَا عن الْمُدِّ وَيَجِبُ عليه الْإِبْدَالُ وَإِنْ تَكَرَّرَ إنْ مَاتَتْ زَوْجَةُ الْأَبِ أو أَمَتُهُ أو فَسَخَتْ زَوْجَتُهُ أو فَسَخَ هو بِعَيْبٍ أو انْفَسَخَ النِّكَاحُ بِرِدَّةٍ وَرَضَاعٍ أَيْ أو رَضَاعٍ كَأَنْ أَرْضَعَتْ التي نَكَحَهَا زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ وَكَذَا لو طَلَّقَ زَوْجَتَهُ بِخُلْعٍ أو غَيْرِهِ أو أَعْتَقَ أَمَتَهُ بِعُذْرٍ فِيهِمَا كَشِقَاقٍ وَنُشُوزٍ وَرِيبَةٍ وَذَلِكَ لِبَقَاءِ حَاجَتِهِ وَعَدَمِ تَقْصِيرِهِ كما لو دَفَعَ إلَيْهِ نَفَقَةً فَسُرِقَتْ منه وَإِلَّا بِأَنْ طَلَّقَ أو أَعْتَقَ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَلَا يَجِبُ الْإِبْدَالُ له لِتَقْصِيرِهِ وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ الرِّدَّةَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ
____________________
(3/190)
بين رِدَّتِهِ وَرِدَّتِهَا
وَالْوَجْهُ كما قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ تَقْيِيدُهُ بِرِدَّتِهَا أَمَّا رِدَّتُهُ فَكَطَلَاقِهِ بِلَا عُذْرٍ بَلْ أَوْلَى وما دَامَتْ أَيْ الزَّوْجَةُ في عِدَّةٍ رَجْعِيَّةٍ لَا يَجِبُ الْإِبْدَالُ فَلَا يَجِبُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَائِهَا أَمَّا الْبَائِنَةُ فَيَجِبُ إبْدَالُهَا بِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ الْبَابُ الْحَادِيَ عَشَرَ في أَحْكَامِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ في نِكَاحِ الْأَمَةِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ تَسْلِيمُهَا لِزَوْجِهَا لَيْلًا وَقْتَ النَّوْمِ لَا ما عَدَاهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْخِدْمَةِ التي هِيَ حَقُّهُ وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ مَنْفَعَتَيْ اسْتِخْدَامِهَا وَالتَّمَتُّعِ بها وقد نَقَلَ الثَّانِيَةَ لِلزَّوْجِ فَبَقِيَ له الْأُخْرَى يَسْتَوْفِيهَا في ما عَدَا ما ذُكِرَ دُونَهُ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الِاسْتِرَاحَةِ وَالتَّمَتُّعِ وَلَا يَشْكُلُ ذلك بِتَحْرِيمِ خَلْوَتِهِ بها لِأَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُهَا وَلَا بِتَحْرِيمِ نَظَرِهِ إلَيْهَا لِأَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا بين السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ كما مَرَّ في النِّكَاحِ وَلَيْسَ له أَنْ يَسْتَخْدِمَ الْمُكَاتَبَةَ لِأَنَّهَا مَالِكَةٌ أَمْرَهَا قال الْأَذْرَعِيُّ وَأَمَّا الْمُبَعَّضَةُ
فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ إذَا كان ثَمَّ مُهَايَأَةٌ فَهِيَ في نَوْبَتِهَا كَالْحُرَّةِ وفي نَوْبَةِ سَيِّدِهَا كَالْقِنَّةِ وَإِلَّا فَكَالْقِنَّةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَقْتُ النَّوْمِ أَيْ عَادَةً من زِيَادَتِهِ أَخْذًا من قَوْلِ الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ وَقْتُ فَرَاغِهَا من الْخِدْمَةِ عَادَةً فَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ في الْبُوَيْطِيِّ أَنَّ وَقْتَ أَخْذِهَا مُضِيُّ ثُلُثِ اللَّيْلِ تَقْرِيبًا وما ذُكِرَ فيها هو بِعَكْسِ الْأَمَةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلْخِدْمَةِ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ سَيِّدَهَا تَسْلِيمُهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ نَهَارًا وَلَيْلًا إلَى وَقْتِ النَّوْمِ دُونَ ما بَعْدَهُ لِيَسْتَوْفِيَ مَنْفَعَتَهَا الْأُخْرَى وَهَذَا من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ هُنَا وَلَوْ كانت أَيْ الْأَمَةُ الْمُزَوَّجَةُ مُحْتَرِفَةً فإنه يَلْزَمُ السَّيِّدَ أَنْ يُسَلِّمَهَا كما ذُكِرَ وَإِنْ قال الزَّوْجُ دَعُوهَا تَحْتَرِفُ له عِنْدِي لِمَا مَرَّ وقد يُرِيدُ السَّيِّدُ اسْتِخْدَامَهَا في غَيْرِ ذلك فَإِنْ قال السَّيِّدُ لَا أُسَلِّمُهَا له إلَّا نَهَارًا أو وَقْتَ النَّوْمِ وَأُخَلِّي له بَيْتًا في دَارِي لم يَلْزَمْ الزَّوْجَ إجَابَتُهُ لِفَوَاتِ غَرَضِ الزَّوْجِ في الْأَوَّلِ وَمَنْعِ الْحَيَاءِ له من الْإِجَابَةِ له في الثَّانِي
قال الْأَذْرَعِيُّ في الْأُولَى نعم إنْ كان الزَّوْجُ مِمَّنْ لَا يَأْوِي إلَى أَهْلِهِ لَيْلًا كَالْحَارِسِ فَقَدْ يُقَالُ يَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ لِأَنَّ نَهَارَهُ كَلَيْلِ غَيْرِهِ فَامْتِنَاعُهُ عِنَادٌ وقال في الثَّانِيَةِ تَعْلِيلُهُمْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لو قال أُخَلِّي له دَارًا بِجِوَارِي لَزِمَهُ الْإِجَابَةُ وَلَيْسَ مُرَادًا فِيمَا أَظُنُّ فَإِنْ سَافَرَ بها السَّيِّدُ لَا الزَّوْجُ جَازَ حَيْثُ لَا يَخْلُو بها وَإِنْ مُنِعَ الزَّوْجُ من التَّمَتُّعِ بها لِأَنَّهُ مَالِكٌ الرَّقَبَةَ وَالْمَنْفَعَةَ فَيُقَدَّمُ حَقُّهُ بِخِلَافِ الزَّوْجِ لَا يَجُوزُ له أَنْ يُسَافِرَ بها مُنْفَرِدًا إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ لِمَا فيه من الْحَيْلُولَةِ الْقَوِيَّةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَيِّدِهَا وَظَاهِرٌ أَنَّ الْأَمَةَ لو كانت مُكْتَرَاةً أو مَرْهُونَةً أو مُكَاتَبَةً كِتَابَةً صَحِيحَةً لم يَجُزْ لِسَيِّدِهَا أَنْ يُسَافِرَ بها إلَّا بِرِضَى الْمُكْتَرِي وَالْمُرْتَهِنِ وَالْمُكَاتَبَةِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْجَانِيَةُ الْمُتَعَلِّقُ بِرَقَبَتِهَا مَالٌ كَالْمَرْهُونَةِ إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ السَّيِّدُ الْفِدَاءَ وإذا سَافَرَ السَّيِّدُ بِأَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ فَإِنْ سَافَرَ مَعَهَا الزَّوْجُ فَذَاكَ وَاضِحٌ وَإِلَّا
____________________
(3/191)
فَلَهُ اسْتِرْدَادُ مَهْرٍ من أَيِّ أَمَةٍ لم يَدْخُلْ بها إنْ كان قد سَلَّمَهُ لِلسَّيِّدِ بِخِلَافِ مَهْرِ من دخل بها لِاسْتِقْرَارِهِ بِالدُّخُولِ قال بَعْضُهُمْ وَمَحَلُّ ذلك إذَا سَلَّمَهُ ظَانًّا وُجُوبَ التَّسْلِيمِ عليه
فَإِنْ تَبَرَّعَ بِهِ لم يَسْتَرِدَّ كما في نَظَائِرِهِ وَيُشْتَرَطُ التَّسْلِيمُ لَيْلًا أَيْ وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ تَسْلِيمِ الْمَهْرِ تَسْلِيمُ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا لَيْلًا لَا نَهَارًا لِأَنَّ التَّسْلِيمَ الذي يَتَمَكَّنُ معه من الْوَطْءِ قد حَصَلَ ويشترط تَسْلِيمُهَا له لَيْلًا وَنَهَارًا لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بِالتَّسْلِيمِ التَّامِّ وهو لَا يَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ وَلَوْ كان التَّسْلِيمُ فِيمَا ذُكِرَ لِلْحُرَّةِ فإنه يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ ما ذُكِرَ ذلك وَمَتَى قَتَلَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ أو قَتَلَتْ نَفْسَهَا وَلَوْ خَطَأً أو وَطِئَهَا السَّيِّدُ وَالزَّوْجُ وَوَلَدُهُ قبل الدُّخُولِ في الثَّلَاثِ سَقَطَ مَهْرُهَا الْوَاجِبُ له لِتَفْوِيتِهِ مَحَلَّ حَقِّهِ قبل تَسْلِيمِهِ وَتَفْوِيتُهَا كَتَفْوِيتِهِ وَإِنْ لم تَكُنْ مُسْتَحِقَّةً له لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِفِعْلِهَا كَأَنْ ارْتَدَّتْ قبل الدُّخُولِ أو أَرْضَعَتْ الزَّوْجَ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِوُقُوعِ ذلك بَعْدَ الدُّخُولِ لِتَقَرُّرِهِ بِهِ وَلَا بِمَوْتِهَا وَلَا بِقَتْلِ الزَّوْجِ وَلَا بِقَتْلِ أَجْنَبِيٍّ لم يَمْلِكْ الْمَهْرَ وَلَا بِقَتْلِ سَيِّدٍ كَذَلِكَ كَالْمُشْتَرِي لِغَيْرِ الْمُفَوِّضَةِ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لم تَحْصُلْ من جِهَةِ الزَّوْجِ وَلَا من جِهَةِ مُسْتَحِقِّ الْمَهْرِ لَا مَهْرُ حُرَّةٍ قَتَلَتْ نَفْسَهَا وَلَوْ قبل الدُّخُولِ فَلَا يَسْقُطُ مَهْرُهَا عن الزَّوْجِ لِأَنَّهُ يَرِثُهَا فَيَغْرَمُ مَهْرَهَا وَلِأَنَّهَا كَالْمُسَلَّمَةِ إلَى الزَّوْجِ بِالْعَقْدِ إذْ له مَنْعُهَا من السَّفَرِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ فِيهِمَا وَلِأَنَّ الْغَرَضَ من نِكَاحِ الْحُرَّةِ الْوَصْلَةُ وقد وُجِدَتْ بِالْعَقْدِ وَمِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ الْوَطْءُ بِدَلِيلِ اشْتِرَاطِ خَوْفِ الْعَنَتِ وَذَلِكَ غَيْرُ حَاصِلٍ قبل الدُّخُولِ
وَإِنْ بِيعَتْ الْمُزَوَّجَةُ فَالْمَهْرُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَسَمَّى في الْعَقْدِ أَمْ لَا صَحِيحًا كان الْمُسَمَّى أو فَاسِدًا دخل بها قبل الْبَيْعِ أو بَعْدَهُ لِلْبَائِعِ إلَّا ما وَجَبَ لِلْمُفَوِّضَةِ بَعْدَ الْبَيْعِ بِفَرْضٍ أو وَطْءٍ أو مَوْتٍ وفي نُسْخَةٍ بِفَرْضٍ أو مَوْتٍ وَنَحْوِهِ أو وَجَبَ لها وَلِغَيْرِهَا بِوَطْءٍ في نِكَاحٍ فَاسِدٍ ثَمَّ مُتْعَةُ أَمَةٍ مُفَوِّضَةٍ طَلُقَتْ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الدُّخُولِ وَالْفَرْضِ فإن كُلًّا من الْمَهْرِ وَالْمُتْعَةِ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَجَبَ بِسَبَبٍ وَقَعَ في مِلْكِهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَثْنَى منه فإن الْمَهْرَ فيه وَجَبَ بِالْعَقْدِ أو بِالْفَرْضِ أو بِالدُّخُولِ وَكُلٌّ منها وَقَعَ في مِلْكِ الْبَائِعِ وَالْمُتْعَةُ الْوَاجِبَةُ بِالْفُرْقَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا كما فُهِمَ بِالْأُولَى وَلَوْ طَلُقَتْ غَيْرُ الْمُفَوِّضَةِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْوَطْءِ فَنِصْفُ الْمَهْرِ لِلْبَائِعِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ عَتَقَتْ أَمَتُهُ الْمُزَوَّجَةُ فَلَهَا فِيمَا ذُكِرَ وَفِيمَا يَأْتِي ما لِلْمُشْتَرِي وَلِمُعْتِقِهَا فِيهِمَا ما لِلْبَائِعِ وَلَا يَحْبِسُهَا الْبَائِعُ لِلْمَهْرِ الْوَاجِبِ له أَيْ لِاسْتِيفَائِهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا وَلَا الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ أَيْ الْمَهْرَ
وَإِنْ وَجَبَ الْمَهْرُ لِلْمُشْتَرِي فَلَهُ الْحَبْسُ لِاسْتِيفَائِهِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَكَذَا الْمُعْتَقَةُ الْوَاجِبُ لها الْمَهْرُ لها حَبْسُ نَفْسِهَا كَذَلِكَ لَكِنْ مُعْتَقَةٌ أَوْصَى لها بِصَدَاقِهَا بِأَنْ أَوْصَى لها بِهِ مَالِكَهُ لَا تَحْبِسُ نَفْسَهَا لِاسْتِيفَائِهِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا له بِالْوَصِيَّةِ لَا بِالنِّكَاحِ وَلَا يَحْبِسُ الْوَارِثُ أُمَّ وَلَدٍ زَوَّجَهَا أَبُوهُ الْأَوْلَى مُوَرِّثُهُ لِصَدَاقِهَا أَيْ لِاسْتِيفَائِهِ وَإِنْ مَلَكَهُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا وَاسْتِحْقَاقُهُ لِلصَّدَاقِ بِالْإِرْثِ لَا بِالنِّكَاحِ وَلَا تَحْبِسُ هِيَ نَفْسَهَا لِأَجْلِهِ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُهُ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَإِنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ من أَمَتِهِ وَدَخَلَ بها بَعْدَ بَيْعٍ أو عِتْقٍ لَهُمَا أو لِأَحَدِهِمَا أو قَبْلَهُ أو لم يَدْخُلْ بها أَصْلًا كما فَهِمَا بِالْأُولَى لم يَلْزَمْهُ أَيْ الزَّوْجَ شَيْءٌ أَيْ مَهْرٌ لِلْبَائِعِ وَلَا لِغَيْرِهِ من مُعْتِقٍ وَمُشْتَرٍ وَعَتِيقِهِ لِأَنَّهُ لم يَثْبُتْ ابْتِدَاءً إذْ لَا يَثْبُتُ لِلسَّيِّدِ على عَبْدِهِ دَيْنٌ فَلَا يَثْبُتُ بَعْدَهُ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ كِتَابَةً صَحِيحَةً يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ لِأَنَّهُ مع السَّيِّدِ في الْمُعَامَلَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ وَأَمَّا الْمُبَعَّضُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِقِسْطِ ما فيه من الْحُرِّيَّةِ نَبَّهَ على ذلك الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ فَصْلٌ وفي نُسْخَةٍ فَرْعٌ لو قال لِأَمَتِهِ أَعْتَقْتُك على أَنْ تَنْكِحِينِي أو لِتَنْكِحِينِي أو على أَنْ أَنْكِحك أو لِأَنْكِحَك أو نَحْوهَا فَقَبِلَتْ فَوْرًا أو قالت له أَعْتِقْنِي على أَنْ أَنْكِحَك أو نَحْوَهُ فَأَعْتَقَهَا فَوْرًا عَتَقَتْ كما لو أَعْتَقَهَا ابْتِدَاءً وَاسْتَحَقَّ عليها الْقِيمَةَ أَيْ قِيمَتَهَا يوم الْعِتْقِ وَإِنْ وَفَّتْ له بِالنِّكَاحِ سَوَاءٌ أَقَالَ مع ذلك وَعِتْقُك صَدَاقُك أَمْ لَا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهَا بِعِوَضٍ لَا مَجَّانًا وَلِهَذَا اُشْتُرِطَ الْقَبُولُ فَوْرًا لَكِنَّهُ عِوَضٌ فَاسِدٌ إذْ لَا يَلْزَمُهَا الْوَفَاءُ بِهِ كما سَيَأْتِي فَصَارَ كما لو أَعْتَقَهَا على خَمْرٍ أو نَحْوِهِ لَكِنْ لو كانت أَمَتُهُ مَجْنُونَةً أو صَغِيرَةً فَأَعْتَقَهَا على أَنْ يَكُونَ عِتْقُهَا صَدَاقَهَا قال الدَّارِمِيُّ عَتَقَتْ وَصَارَتْ أَجْنَبِيَّةً يَتَزَوَّجُهَا كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ وَلَا قِيمَةَ
____________________
(3/192)
لَا الْوَفَاءَ بِالنِّكَاحِ مِنْهُمَا فَلَا يَلْزَمُهُمَا وَلَوْ كانت أَيْ الْأَمَةُ مُسْتَوْلَدَةً إذْ لَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ في الذِّمَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو أَسْلَمَ إلَيْهَا دَرَاهِمَ في نِكَاحِهَا لَغَا
فَإِنْ تَزَوَّجَهَا مُعْتِقُهَا وَأَصْدَقَهَا الْعِتْقَ فَسَدَ الصَّدَاقُ لِأَنَّهَا قد عَتَقَتْ فَلَا يَصْلُحُ عِتْقُهَا صَدَاقًا لِنِكَاحٍ مُتَأَخِّرٍ فَيَجِبُ لها مَهْرُ الْمِثْلِ أو أَصْدَقَهَا الْقِيمَةَ الْوَاجِبَةَ عليها عِوَضَ عِتْقِهَا صَحَّ إلَّا صَدَاقٌ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهَا منها إنْ عَلِمَاهَا لَا إنْ جَهِلَاهَا أو أَحَدُهُمَا فَلَا يَصِحُّ إلَّا صَدَاقٌ كَسَائِرِ الْمَجْهُولَاتِ فَلَهَا عليه مَهْرُ الْمِثْلِ وَعَلَيْهَا له الْقِيمَةُ قال في الْأَصْلِ فَإِنْ أَصْدَقَهَا غير الْقِيمَةِ فَلَهَا ما أَصْدَقَهَا وَلَهُ عليها الْقِيمَةُ وقد يَقَعُ التَّقَاصُّ وَكَذَا لو تَزَوَّجَهَا بِقِيمَةِ عَبْدٍ له أَتْلَفَتْهُ صَحَّ الْإِصْدَاقُ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهَا منها لَا إنْ جَهِلَاهَا أو أَحَدُهَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَوْ قالت له امْرَأَةٌ أَعْتِقْ عَبْدَك على أَنْ أَنْكِحَك أو قال له رَجُلٌ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي على أَنْ أُنْكِحَك ابْنَتِي فَفَعَلَ عَتَقَ الْعَبْدُ ولم يَلْزَمْ الْوَفَاءُ بِالنِّكَاحِ
وَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ أَيْ قِيمَةُ الْعَبْدِ بِنَاءً على ما لو قال أَعْتِقُ عَبْدَك عَنْك على أَلْفٍ عَلَيَّ فإنه يَلْزَمُهُ الْأَلْفُ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في بَابِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ له غَرَضًا في عِتْقِهِ لِلثَّوَابِ لَا ما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ هُنَا من عَدَمِ وُجُوبِهَا وَيُؤْخَذُ من التَّعْبِيرِ في هذه بِعْتُك وفي الثَّانِيَةِ بِعْنِي وَمِنْ تَرْكِهِمَا في الْأُولَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ في لُزُومِ الْقِيمَةِ في الْأُولَيَيْنِ وَالْأَلْفِ في الثَّالِثَةِ بين تَرْكِهِمَا وَذِكْرِ شَيْءٍ مِنْهُمَا وهو كَذَلِكَ لَكِنَّك قد عَلِمْت بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ في قَوْلِهِ كما ذَكَرَهُ إلَى آخِرِهِ تَجَوُّزًا لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ في الثَّالِثَةِ التي حَذَفَهَا هو لَا في الْأُولَيَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا لَكِنَّهُ صَحِيحٌ من حَيْثُ الْمَعْنَى لِأَنَّ الْحُكْمَ بِشَيْءٍ على الْمَبْنِيِّ عليه حُكْمٌ بِهِ على الْمَبْنِيِّ غَالِبًا وَإِنْ قال لِأَمَتِهِ أَعْتَقْتُك على أَنْ تَنْكِحِي زَيْدًا فَقَبِلَتْ فَفِي وُجُوبِ الْقِيمَةِ أَيْ قِيمَتِهَا عليها وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا نعم كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ وقال الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ ظَاهِرٌ قال وما زَعَمَهُ الْإِسْنَوِيُّ من أَنَّ لَفْظَ الرَّافِعِيِّ الْوَجْهَانِ بِالتَّعْرِيفِ وهو يَقْتَضِي تَرْجِيحَ خِلَافِ ذلك كما في التي قَبْلَهَا مَرْدُودٌ فَاَلَّذِي رَأَيْته في نُسَخِ الرَّافِعِيِّ وَجْهَانِ بِلَا تَعْرِيفٍ كَالرَّوْضَةِ انْتَهَى
وَلِي بِهِ أُسْوَةٌ مع أَنَّهُ لو كان كَذَلِكَ فَقَدْ أَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ في تِلْكَ الْوُجُوبُ كما تَقَدَّمَ في الْكَفَّارَةِ وَإِنْ قالت لِعَبْدِهَا أَعْتَقْتُك على أَنْ تَتَزَوَّجَنِي أو نَحْوَهُ عَتَقَ مَجَّانًا وَلَوْ لم يَقْبَلْ لِأَنَّهَا لم تَشْتَرِطْ عليه عِوَضًا وَإِنَّمَا وَعَدَتْهُ وَعْدًا جَمِيلًا وهو أَنْ تَصِيرَ زَوْجَةً له فَكَانَ كما لو قالت له أَعْتَقْتُك على أَنْ أُعْطِيَك بَعْدَ الْعِتْقِ أَلْفًا بِخِلَافِ ما مَرَّ في عَكْسِهِ لِأَنَّ بُضْعَ الْمَرْأَةِ مُتَقَوِّمٌ شَرْعًا فَيُقَابَلُ بِالْمَالِ فَيَلْزَمُهَا له قِيمَةُ نَفْسِهَا فَرْعٌ لو قال لِأَمَتِهِ إنْ كان في عِلْمِ اللَّهِ أَنِّي أَنْكِحُك أو نَحْوَهُ بَعْدَ عِتْقِك فَأَنْت حُرَّةٌ أو إنْ يَسَّرَ اللَّهُ بَيْنَنَا نِكَاحًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ قَبْلَهُ وَنَكَحَتْهُ لم يَصِحَّ النِّكَاحُ وَإِنْ مَضَى بَعْدَ قَوْلِهِ زَمَنٌ يَسَعُ الْعِتْقَ ولم يَعْتِقْ وَذَلِكَ لِلدَّوْرِ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُتَوَقِّفٌ على صِحَّةِ النِّكَاحِ وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ عليه وَلِأَنَّهُ حَالَ الْعَقْدِ شَاكٌّ هل هِيَ حُرَّةٌ أو أَمَةٌ كما لو قال لِأَمَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت حُرَّةٌ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ مَثَلًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا في الْحَالِ لم يَصِحَّ النِّكَاحُ الطَّرَفُ الثَّانِي في نِكَاحِ الْعَبْدِ وَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ كَالْحُرِّ فَإِنْ كان مَأْذُونًا له في التِّجَارَةِ تَعَلَّقَا بِمَا في يَدِهِ من رِبْحٍ حَادِثٍ بَعْدَ مُوجِبِهِمَا كما سَيَأْتِي بَيَانُهُ في غَيْرِ الْمَأْذُونِ وَكَذَا رِبْحٌ قَدِيمٌ وَرَأْسُ مَالٍ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا دَيْنَانِ لَزِمَاهُ بِعَقْدٍ مَأْذُونٍ فيه كَسَائِرِ الدُّيُونِ التي هِيَ كَذَلِكَ وَكَسْبُهُ كَالرِّبْحِ وَرَأْسِ الْمَالِ في ذلك وَغَيْرُ الْمَأْذُونِ له يَتَعَلَّقَانِ بِكَسْبِهِ لِأَنَّهُمَا من لَوَازِمِ النِّكَاحِ وَكَسْبُ الْعَبْدِ أَقْرَبُ شَيْءٍ يَصْرِفُ إلَيْهِمَا وَالْإِذْنُ في النِّكَاحِ إذْنٌ في صَرْفِ كَسْبِهِ إلَى مُؤْنَاتِهِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ الْمَهْرُ بِكَسْبِهِ الْحَدَثَ بَعْدَ النِّكَاحِ في مَهْرٍ حَالٍّ وبعد حُلُولِ مَهْرٍ مُؤَجَّلٍ وَبَعْدَ وَطْءٍ أو فَرْضٍ صَحِيحٍ في مَهْرِ مُفَوِّضَةٍ وَالنَّفَقَةُ
____________________
(3/193)
بِكَسْبِهِ الْحَادِثِ بَعْدَ التَّمْكِينِ وَلَوْ كان الْكَسْبُ نَادِرًا كَالْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ بِخِلَافِ كَسْبِهِ قبل الْمَذْكُورَاتِ لَا يَتَعَلَّقَانِ بِهِ لِأَنَّ الْإِذْنَ لم يَتَنَاوَلْهُ فَإِنْ قُلْت قد اعْتَبَرُوا في ضَمَانِ الْعَبْدِ كَسْبَهُ الْحَاصِلَ بَعْدَ الْإِذْنِ فيه من غَيْرِ تَوَقُّفٍ على وُجُودِ الْمَأْذُونِ فيه وهو الضَّمَانُ وَقِيَاسُهُ هُنَا كَذَلِكَ قُلْت الْفَرْقُ أَنَّ الْمَضْمُونَ ثَمَّ ثَابِتٌ حَالَةَ الْإِذْنِ بِخِلَافِهِ هُنَا
وَلَوْ أَجَّرَ نَفْسَهُ فِيهِمَا أَيْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ جَازَ بِنَاءً على جَوَازِ بَيْعِ الْمُسْتَأْجَرِ وَيُصْرَفُ كَسْبُهُ كُلَّ يَوْمٍ لِلنَّفَقَةِ لِأَنَّهَا ضَرُورِيَّةٌ ثُمَّ إنْ فَضَلَ منه شَيْءٌ صَرَفَهُ لِلْمَهْرِ ثُمَّ إنْ فَضَلَ منه شَيْءٌ صَرَفَهُ لِلسَّيِّدِ وَلَا يَدَّخِرُ منه شيئا لِلنَّفَقَةِ فإذا لم يَكُنْ كَسُوبًا تَعَلَّقَ كُلٌّ من الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ بِذِمَّتِهِ كَالْقَرْضِ لِلُزُومِهِ بِرِضَى مُسْتَحِقِّهِ لَا غَيْرِهَا من رَقَبَتِهِ إذْ لَا جِنَايَةَ وَلَا من ذِمَّةِ سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ لِلْبُضْعِ فَلَا يَلْزَمُ الْبَدَلُ غَيْرَهُ وَعَلَى السَّيِّدِ تَخْلِيَتُهُ لَيْلًا وَقْتَ النَّوْمِ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِزَوْجَتِهِ لِأَنَّهُ مَحَلُّهُ وَلِلْكَسْبِ نَهَارًا لِأَنَّهُ أَحَالَ حُقُوقَ النِّكَاحِ على الْكَسْبِ فَوَجَبَتْ التَّخْلِيَةُ له نعم إنْ كان الِاسْتِخْدَامُ لَيْلًا كَالْحَارِسِ فَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ إلَّا أَنْ يَتَحَمَّلَ عنه وهو مُوسِرٌ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ فَلَا يَلْزَمُهُ تَخْلِيَتُهُ لِلْكَسْبِ
فَلَوْ اسْتَخْدَمَهُ أو حَبَسَهُ بِلَا تَحَمُّلٍ لَزِمَهُ الْأَقَلُّ من أُجْرَةِ مِثْلِ مُدَّةِ الِاسْتِخْدَامِ أو الْحَبْسِ ومن نَفَقَتِهَا مع الْمَهْرِ أَمَّا أَصْلُ اللُّزُومِ فَلِأَنَّهُ لَمَّا أَذِنَ له في التَّصَرُّفِ كَأَنَّهُ أَحَالَ الْمُؤَنَ على كَسْبِهِ فإذا فَوَّتَهُ طُولِبَ بها من سَائِرِ أَمْوَالِهِ كما في بَيْعِ الْجَانِي حَيْثُ صَحَّحْنَاهُ وَأَوْلَى وَأَمَّا لُزُومُ الْأَقَلِّ فَكَمَا في فِدَاءِ الْجَانِي بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ من قِيمَتِهِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَلِأَنَّ أُجْرَتَهُ إنْ زَادَتْ كان له أَخْذُ الزِّيَادَةِ أو نَقَصَتْ لم يَلْزَمْهُ الْإِتْمَامُ وَقِيلَ يَلْزَمَانِهِ وَإِنْ زَادَ على أُجْرَةِ الْمِثْلِ بِخِلَافِ ما إذَا اسْتَخْدَمَهُ أو حَبَسَهُ أَجْنَبِيٌّ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا أُجْرَةُ الْمِثْلِ كما أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ وهو مُتَّفَقٌ عليه لِأَنَّهُ لم يُوجَدْ منه إلَّا تَفْوِيتُ مَنْفَعَةٍ وَالسَّيِّدُ سَبَقَ منه الْإِذْنُ الْمُقْتَضِي لِالْتِزَامِ ما وَجَبَ في الْكَسْبِ ثُمَّ الْمُرَادُ بِالِاسْتِخْدَامِ اسْتِخْدَامُهُ نَهَارًا فإن حَقَّهُ في اسْتِمْتَاعِهِ لَيْلًا لَا بَدَلَ له فَلَوْ اسْتَخْدَمَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا ضَمِنَ زَمَنَ نَهَارِهِ دُونَ لَيْلِهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَلِسَيِّدِهِ إذَا تَحَمَّلَ عنه ما مَرَّ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ وَإِنْ تَضَمَّنَ مَنْعَهُ من الِاسْتِمْتَاعِ لِأَنَّهُ مَالِكُ الرَّقَبَةِ كما يُسَافِرُ بِأَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ وَلِلْعَبْدِ أَنْ يُسَافِرَ بِزَوْجَتِهِ معه
فَإِنْ سَافَرَ بِهِ السَّيِّدُ وَسَافَرَ بها الْعَبْدُ معه فَالْكِرَاءُ في كَسْبِهِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَعَلَيْهِ تَخْلِيَتُهُ حِينَئِذٍ لَيْلًا لِلِاسْتِمْتَاعِ كَالْحَضَرِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَيْسَ اللَّيْلُ بِمُتَعَيِّنٍ بَلْ الْمُرَادُ أَوْقَاتُ الِاسْتِرَاحَةِ لَيْلًا أو نَهَارًا على ما يَقْتَضِيهِ حَالُ السَّفَرِ فَإِنْ امْتَنَعَتْ من السَّفَرِ معه ولم يَمْنَعْ السَّيِّدُ لها إذَا كانت رَقِيقَةً سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا وَإِنْ لم يُطَالِبْهَا الزَّوْجُ بِهِ أَيْ بِالسَّفَرِ معه لم تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا وَعَلَى السَّيِّدِ إنْ لم يَتَحَمَّلْهَا الْأَقَلُّ كما سَبَقَ أَيْ الْأَقَلُّ من أُجْرَةِ مِثْلِ مُدَّةِ السَّفَرِ وَنَفَقَتُهَا مع الْمَهْرِ فَرْعٌ لو أَذِنَ لِعَبْدِهِ في التَّزَوُّجِ فَتَزَوَّجَ لم يَلْزَمْ السَّيِّدَ نَفَقَتُهُ وَلَا مَهْرُ لِأَنَّهُ لم يَلْتَزِمْهُمَا وَإِنْ أَذِنَ له فيه على أَنْ يَضْمَنَ ذلك فإنه لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ ضَمَانُ ما لم يَجِبْ فَإِنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ بِأَمَتِهِ أَنْفَقَ عَلَيْهِمَا بِحُكْمِ الْمِلْكِ
فَإِنْ أَعْتَقَهَا وَأَوْلَادَهَا فَنَفَقَتُهَا في كَسْبِ الْعَبْدِ وَنَفَقَةُ أَوْلَادِهَا عليها ثُمَّ إنْ أَعْسَرَتْ وَجَبَتْ على بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ دُونَهَا فَنَفَقَتُهَا عليه أَيْ على الْعَبْدِ كَحُرٍّ تَزَوَّجَ أَمَةً ونفقة الْأَوْلَادِ على السَّيِّدِ لِأَنَّهُمْ مِلْكُهُ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَالْحُكْمُ في الْأَخِيرَةِ يَجْرِي فِيمَا لو أَعْتَقَهَا دُونَهُ وَدُونَ أَوْلَادِهَا فَصْلٌ لو نَكَحَ الْعَبْدُ بِلَا إذْنٍ وَوَطِئَ قبل التَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ فَلَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ وَتَعَلَّقَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِذِمَّتِهِ لَا بِرَقَبَتِهِ وَلَا كَسْبِهِ وَلَا مَالِ تِجَارَتِهِ لِمَا مَرَّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَمَحَلُّهُ في كَبِيرَةٍ عَاقِلَةٍ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا مُخْتَارَةً
____________________
(3/194)
فَلَوْ كانت حُرَّةً طِفْلَةً أو مَجْنُونَةً أو مُكْرَهَةً فَالْوَجْهُ تَعَلُّقُهُ بِرَقَبَتِهِ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ مَحْضَةٌ وَلِهَذَا وَجَبَ الْمَهْرُ على السَّفِيهِ إذَا نَكَحَهُنَّ بِلَا إذْنٍ وَوَطِئَ وَإِنْ كانت رَقِيقَةً وَسَلَّمَهَا سَيِّدُهَا فَمَوْضِعُ تَأَمُّلٍ انْتَهَى وَالْأَوْجَهُ تَعَلُّقُهُ بِذِمَّتِهِ وَمَتَى نَكَحَ الْعَبْدُ أَمَةً غير مَأْذُونَةٍ وَوَطِئَ تَعَلَّقَ الْمَهْرُ بِرَقَبَتِهِ لَا بِذِمَّتِهِ كما لو أَكْرَهَ أَمَةً أو حُرَّةً على الزِّنَا وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَجَزَمَ بِهِ في الْأَنْوَارِ لَكِنْ رَجَّحَ الزَّرْكَشِيُّ تَعَلُّقَهُ بِذِمَّتِهِ
وَإِنْ أَذِنَ له السَّيِّدُ في النِّكَاحِ فَنَكَحَ نِكَاحًا فَاسِدًا وَدَخَلَ بها قبل التَّفْرِيقِ تَعَلَّقَ الْمَهْرُ بِذِمَّتِهِ لَا بِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ وَمَالِ تِجَارَتِهِ لِمَا مَرَّ وَكَذَا يَتَعَلَّقُ بها الزَّائِدُ على ما قُدِّرَ له جَعْلًا أو شَرْعًا لِذَلِكَ فَإِنْ أَذِنَ له في النِّكَاحِ الْفَاسِدِ أو فَسَدَ الْمَهْرُ فَقَطْ أَيْ دُونَ النِّكَاحِ تَعَلَّقَ الْمَهْرُ بِكَسْبِهِ وَمَالِ تِجَارَتِهِ لِوُجُودِ إذْنِ سَيِّدِهِ قال ابن الرِّفْعَةِ نعم إنْ عَيَّنَ له الْمَهْرَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُتَعَلِّقُ بِالْكَسْبِ أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ من مَهْرِ الْمِثْلِ وَالْمُعَيَّنِ فَرْعٌ لو أَنْكَرَ السَّيِّدُ الْإِذْنَ لِلْعَبْدِ في النِّكَاحِ فَادَّعَتْ أَيْ الزَّوْجَةُ على السَّيِّدِ بِأَنْ قالت أَدَّعِي عليه أَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ مُسْتَحَقٌّ لي بِمَهْرِي وَنَفَقَتِي سُمِعَتْ دَعْوَاهَا قال ابن الرِّفْعَةِ وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَدَّعِيَ على سَيِّدِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَخْلِيَتُهُ لِيَكْتَسِبَ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ فَصْلٌ لو اشْتَرَى الْعَبْدُ زَوْجَتَهُ لِسَيِّدِهِ أو أَجْنَبِيٍّ وَلَوْ بِإِذْنِهِ لم يَنْفَسِخْ نِكَاحُهُ كما يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَ عَبْدَهُ بِأَمَتِهِ وَكَذَا لو اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ وَلَوْ بِإِذْنِهِ أو مَلَّكَهُ ثَمَنَهَا بِنَاءً على أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَإِنْ مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ وَإِنْ اشْتَرَتْ الْمُبَعَّضَةُ أو الْمُبَعَّضُ زَوْجَهُ بِخَالِصِ مَالِهِ وَلَوْ في الذِّمَّةِ أو بِالْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ من كَسْبِهِ بِالْإِذْنِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ في غَيْرِ الْأَخِيرَةِ وَمَلَكَ جُزْءًا منه في الْأَخِيرَةِ وَكَذَا إنْ اشْتَرَاهُ بِالْمُشْتَرَكِ بِلَا إذْنٍ لِأَنَّهُ مَلَكَ جُزْءًا منه بِنَاءً على تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ بِخِلَافِ ما إذَا اشْتَرَاهُ بِخَالِصِ مَالِ السَّيِّدِ بِإِذْنِهِ
فَرْعٌ لو مَلَكَتْ الْحُرَّةُ زَوْجَهَا بِشِرَاءٍ أو غَيْرِهِ قبل الدُّخُولِ بها سَقَطَ الْمَهْرُ كُلُّهُ حتى تَرُدَّهُ إنْ قَبَضَتْهُ لِحُصُولِ الْفُرْقَةِ من قِبَلِهَا كَرِدَّتِهَا أو بَعْدَهُ بَقِيَ الْمَهْرُ في ذِمَّتِهِ وَإِنْ لم يَثْبُتْ لِلسَّيِّدِ على عَبْدِهِ دَيْنٌ ابْتِدَاءً لِأَنَّ الدَّوَامَ أَقْوَى منه فَإِنْ كانت قَبَضَتْهُ لم تَرُدَّ شيئا منه وَكَالْحُرَّةِ الْمُكَاتَبَةُ وَالْمُبَعَّضَةُ وَإِنْ مَلَكَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ أو بَعْضَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بها لَزِمَهُ الْمَهْرُ لِتَقَرُّرِهِ بِالدُّخُولِ أو قَبْلَهُ ولم تَكُنْ مُفَوِّضَةً فَنِصْفُهُ لِحُصُولِ الْفُرْقَةِ هُنَا بِفِعْلِ الزَّوْجِ وَغَيْرِهِ فَغَلَبَ جَانِبُهُ كَالْخُلْعِ وَفِيمَا مَرَّ لَا شَرِكَةَ له في الْفُرْقَةِ وَكَذَا إنْ مَلَكَهَا أو بَعْضَهَا بِالْإِرْثِ يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ إنْ كان ذلك بَعْدَ الدُّخُولِ لِتَقَرُّرِهِ بِهِ وَإِلَّا فَنِصْفُهُ لِحُصُولِ الْفُرْقَةِ لَا بِسَبَبِهَا وَيَصِيرُ الْمَهْرُ أو نِصْفُهُ تَرِكَةً فَإِنْ كان الْوَارِثُ حَائِزًا وَلَا دَيْنَ وَلَا وَصِيَّةَ هُنَاكَ سَقَطَ عنه لِأَنَّ ما كان عليه صَارَ له وَإِلَّا بِأَنْ لم يَكُنْ حَائِزًا أو كان وَهُنَاكَ دَيْنٌ أو وَصِيَّةٌ فَلِغَيْرِهِ من الْوَرَثَةِ وَرَبِّ الدَّيْنِ أو الْوَصِيَّةِ اسْتِيفَاءُ نَصِيبِهِ منه وَإِنْ
____________________
(3/195)
مَلَكَتْ حُرَّةٌ بَعْضَ زَوْجِهَا أو كُلَّهُ بِالْإِرْثِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْمَهْرُ لِتَقَرُّرِهِ بِالدُّخُولِ فَنَصِيبُهَا وهو قِسْطُ ما وَرَثَته منه دَيْنٌ لها على مَمْلُوكِهَا
وَقِسْطُ الزَّائِدِ على نَصِيبِهَا مُتَعَلِّقٌ بِكَسْبِ نَصِيبِ غَيْرِهَا أَيْ بِنَصِيبِ غَيْرِهَا من الْكَسْبِ وَقَوْلُ الْأَصْلِ بِكَسْبِ ما تَرِثُ منه صَوَابُهُ كما نَبَّهَ عليه جَمَاعَةٌ بِكَسْبِ ما لم تَرِثْ منه وَلَوْ كان مِلْكُهَا ذلك قبل الدُّخُولِ فَنِصْفُ الْمَهْرِ وَاجِبٌ لها وَحُكْمُهُ حُكْمُ جَمِيعِهِ فِيمَا ذُكِرَ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَوْ ضَمِنَ السَّيِّدُ عن عَبْدِهِ الصَّدَاقَ لِزَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ أو الْمُكَاتَبَةِ أو الْمُبَعَّضَةِ ثُمَّ بَاعَهَا إيَّاهُ بِهِ قبل الدُّخُولِ بها لم يَصِحَّ الْبَيْعُ بَلْ يَسْتَمِرُّ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ أَيْ تَصْحِيحُ الْبَيْعِ يُؤَدِّي إلَى بُطْلَانِ الثَّمَنِ لِسُقُوطِ صَدَاقِهَا بِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ اللَّازِمِ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ أو بَعْدَ الدُّخُولِ بها صَحَّ الْبَيْعُ لِتَقَرُّرِ الصَّدَاقِ بِالدُّخُولِ وَاسْتَحَقَّتْهُ على السَّيِّدِ بِضَمَانِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِمِلْكِهَا الزَّوْجَ وَانْفِسَاخِ النِّكَاحِ وَاسْتَوْفَتْ أَيْ وَصَارَتْ بِذَلِكَ مُسْتَوْفِيَةً لِصَدَاقِهَا أَمَّا إذَا لم يَضْمَنْهُ السَّيِّدُ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِهِ مُطْلَقًا لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهَا الصَّدَاقَ عليه فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ ما ليس لها عليه عِوَضًا عَمَّا تَسْتَحِقُّهُ من الثَّمَنِ وفي مَعْنَى ضَمَانِ السَّيِّدِ الصَّدَاقَ لها أَنْ يُصَدِّقَ عن عَبْدِهِ عَيْنًا ثُمَّ تَشْتَرِيَهُ الزَّوْجَةُ بها ذَكَرَهُ الْأَصْلُ
وَلَوْ بَاعَهَا إيَّاهُ بِغَيْرِ الصَّدَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ بَقِيَ صَدَاقُهَا بِذِمَّةِ عَبْدِهَا وَإِنْ لم يَثْبُتْ لِلسَّيِّدِ على عَبْدِهِ دَيْنٌ ابْتِدَاءً كما مَرَّ وَعَلَيْهَا لِلْبَائِعِ الثَّمَنُ وقد يَجْرِي التَّقَاصُّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الضَّامِنِ وهو الْبَائِعُ وَإِنْ كانت زَوْجَةُ الْعَبْدِ أَمَةً مَأْذُونَةً أَيْ مَأْذُونًا لها في ابْتِيَاعِهِ فَابْتَاعَتْهُ بِعَيْنِ الصَّدَاقِ أو بِغَيْرِهِ صَحَّ الْبَيْعُ قبل الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَاسْتَمَرَّ النِّكَاحُ فإن الْمِلْكَ لِسَيِّدِهَا ولكن إنْ بَاعَهُ لها بِعَيْنِ الصَّدَاقِ بَرِئَ الْعَبْدُ وَالسَّيِّدُ لِأَنَّ الْأَصِيلَ يَبْرَأُ بِأَدَاءِ الضَّامِنِ وَلَا يَرْجِعُ السَّيِّدُ على الْعَبْدِ وَإِنْ أَذِنَ له في الضَّمَانِ كما لو ضَمِنَ عنه دَيْنًا آخَرَ وَأَدَّاهُ في رِقِّهِ وَإِنْ بَاعَهُ أَيْ الْعَبْدُ الْأَمَةَ الْمَأْذُونَةَ بِغَيْرِ الصَّدَاقِ لم يَسْقُطْ الصَّدَاقُ عن الْعَبْدِ بِنَاءً على ما مَرَّ من أَنَّ من مَلَكَ عَبْدًا له عليه دَيْنٌ لَا يَسْقُطُ بِمِلْكِهِ له فَلِسَيِّدِ الْأَمَةِ على بَائِعِ الْعَبْدِ الصَّدَاقُ وَلِلْبَائِعِ عليه الثَّمَنُ فَالتَّقَاصُّ قد يَجْرِي بَيْنَهُمَا كما سَبَقَ في الْحُرَّةِ فَتَبْرَأُ ذِمَّةُ الْعَبْدِ عن حَقِّ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ بِالتَّقَاصِّ اسْتَوْفَى حَقَّهُ من الْبَائِعِ
فَصْلٌ من الدَّوْرِ الْحُكْمِيِّ أَنْ يَعْتِقَ الْمَرِيضُ أَمَةً هِيَ ثُلُثُ مَالِهِ بِأَنْ كانت قِيمَتُهَا مِائَةً وَلَهُ مِائَتَانِ سِوَاهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا بِمُسَمًّى فَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ لَكِنْ إنْ لم يَجْرِ دُخُولٌ بها فَلَا مَهْرَ وفي نُسْخَةٍ فَيَنْعَقِدُ بِلَا مَهْرٍ إنْ لم يَجُزْ دُخُولٌ لِأَنَّ وُجُوبَهُ يُثْبِتُ على الْمَيِّتِ دَيْنًا يَرِقُّ بِهِ بَعْضُهَا لِعَدَمِ خُرُوجِهَا من الثُّلُثِ فَيَبْطُلُ النِّكَاحُ وَالْمَهْرُ فَإِثْبَاتُهُ يُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِهِ فَيَسْقُطُ وَكَذَا لَا مَهْرَ إنْ دخل بها وَعَفَتْ عن الْمَهْرِ فَإِنْ لم تَعْفُ عنه بَطَلَ الْعِتْقُ في الْبَعْضِ وبطل النِّكَاحُ أَيْ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ ذلك وَاسْتَحَقَّتْ من الْمَهْرِ بِقِسْطِ ما عَتَقَ منها لِمَا أَتْلَفَهُ من بَعْضِهَا فَيُقَالُ فِيمَا لو كانت قِيمَتُهَا مِائَةً وَمَهْرُهَا خَمْسِينَ عَتَقَ منها شَيْءٌ وَلَهَا بِالْمَهْرِ نِصْفُ شَيْءٍ لِأَنَّهُ نِصْفُ قِيمَتِهَا يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ ثَلَثُمِائَةٍ إلَّا شيئا وَنِصْفُ شَيْءٍ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ فَبَعْدَ الْجَبْرِ ثَلَثُمِائَةٍ تَعْدِلُ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ وَنِصْفَ شَيْءٍ فَمِائَةٌ تَعْدِلُ شيئا وَسُدُسَ شَيْءٍ تَبْسُطُهَا أَسْدَاسًا وَتَقْلِبُ الِاسْمَ فَالشَّيْءُ سِتَّةٌ وَالْمِائَةُ سَبْعَةٌ فَالشَّيْءُ سِتَّةُ أَسْبَاعِ الْأَمَةِ ذَكَرَ ذلك الْأَصْلُ في الْوَصِيَّةِ
ثُمَّ لَا تَرِثُ بِالزَّوْجِيَّةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَدَخَلَ بها أَمْ لَا لِأَنَّ عِتْقَهَا وَصِيَّةٌ وَهِيَ لَا تُجَامِعُ الْإِرْثَ فَلَوْ أَثْبَتْنَا الْإِرْثَ لَزِمَ إبْطَالُ الْوَصِيَّةِ وَهِيَ هُنَا الْإِعْتَاقُ وإذا بَطَلَ بَطَلَتْ الزَّوْجِيَّةُ فَيَبْطُلُ الْإِرْثُ كَذَا عَلَّلَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وهو مَبْنِيٌّ على ضَعِيفٍ وهو عَدَمُ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ فَالْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِأَنَّهَا لو وَرِثَتْهُ لَكَانَ عِتْقُهَا تَبَرُّعًا على الْوُرَّاثِ فَيَبْطُلُ لِتَعَذُّرِ إجَازَتِهَا لِتَوَقُّفِهَا على إرْثِهَا الْمُتَوَقِّفِ على عِتْقِهَا الْمُتَوَقِّفِ على إجَازَتِهَا فَيَتَوَقَّفُ كُلٌّ من إجَازَتِهَا وَإِرْثِهَا على الْآخَرِ
____________________
(3/196)
فَيَمْتَنِعُ إرْثُهَا وَلَا يُنَافِي هذا قَوْلَهُمْ الْوَصِيَّةُ تَتَوَقَّفُ على إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ ذَاكَ مَحَلُّهُ في وَصِيَّةٍ تَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ لِكَوْنِ الْقَبُولِ قَائِمًا مَقَامَ إجَازَةِ الْمُوصَى له بِخِلَافِ غَيْرِهَا كَالْعِتْقِ فَلَا بُدَّ فيه من إجَازَةِ الْعَتِيقِ وَإِنْ كانت أَيْ الْأَمَةُ دُونَ الثُّلُثِ فَقَدْ يُمْكِنُ الْمُطَالَبَةُ لها بِالْمَهْرِ لِخُرُوجِهَا من الثُّلُثِ بَعْدَ الدَّيْنِ وقد يُمْكِنُهَا الْمُطَالَبَةُ بِبَعْضِهِ
وَإِنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِ غَيْرِهِ وَقَبَضَ صَدَاقَهَا وَأَنْفَقَهُ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَأَتْلَفَهُ بِإِنْفَاقٍ وَغَيْرِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهَا أو أَوْصَى بِعِتْقِهَا كما في الْأَصْلِ حَالَةَ كَوْنِهِ مَرِيضًا قبل دُخُولٍ لَا بَعْدَهُ وَهِيَ ثُلُثُ مَالِهِ سَقَطَ خِيَارُ عِتْقِهَا لِأَنَّ فَسْخَهَا لِلنِّكَاحِ يُوجِبُ غُرْمَ الْمَهْرِ من التَّرِكَةِ فَيَرِقُّ بَعْضُهَا وَيَبْطُلُ الْخِيَارُ فَإِثْبَاتُ الْخِيَارِ يُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِهِ قال في الْأَصْلِ وَكَذَا الْحُكْمُ لو لم يُتْلِفْهُ وَكَانَتْ الْأَمَةُ ثُلُثَ مَالِهِ مع الصَّدَاقِ وَلَوْ خَرَجَتْ من الثُّلُثِ دُونَ الصَّدَاقِ أو أَنْفَقَ ذلك بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْخِيَارُ وَهَذِهِ الْأَخِيرَةُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لَا بَعْدَهُ وَكَذَا يَسْقُطُ خِيَارُ عِتْقِهَا إنْ أَعْتَقَهَا الْوَارِثُ الْمُعْسِرُ وقد تَلِفَ صَدَاقُهَا وَلَا دَيْنَ على الْمَيِّتِ لِمَا ذُكِرَ وَقَوْلُهُ وَلَا دَيْنَ تَصْوِيرٌ لِصِحَّةِ إعْتَاقِ الْمُعْسِرِ لَا احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا كان عليه دَيْنٌ فَلَوْ كان مُوسِرًا ثَبَتَ لها الْخِيَارُ فَإِنْ فَسَخَتْ لَزِمَهُ بِإِعْتَاقِهِ لها لِسَيِّدِ الْعَبْدِ الْأَقَلُّ من الصَّدَاقِ وَقِيمَةُ الْأَمَةِ كما لو مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ عَبْدٌ فَأَعْتَقَهُ وَارِثُهُ الْمُوسِرُ يَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ من الدَّيْنِ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ
قال في الْأَصْلِ وَلَوْ كان على الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَالْقِيمَةُ التي لَزِمَتْ الْوَارِثَ يُضَارِبُ فيها سَيِّدُ الْعَبْدِ وَالْغُرَمَاءُ وَإِنْ مَاتَ عن أَخٍ وَارِثٍ حَائِزٍ وَعَبْدَيْنِ فَأَعْتَقَهُمَا الْأَخُ ثُمَّ شَهِدَا بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ ثَبَتَ نَسَبُهُ ولم يَرِثْ لِأَنَّهُ بِإِرْثِهِ يَحْجُبُ الْأَخَ فَيَبْطُلُ إعْتَاقُهُ أَيْ الْأَخِ وَشَهَادَتُهُمَا أَيْ الْعَتِيقَيْنِ فَيَبْطُلُ النَّسَبُ وَلَوْ شَهِدَا أَيْ الْعَتِيقَانِ بِبِنْتٍ أو زَوْجَةٍ لِلْمَيِّتِ وَالْأَخُ مُوسِرٌ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ وَرِثَتَا أَيْ الْبِنْتُ وَالزَّوْجَةُ لِكَمَالِ الْعِتْقِ وَقْتَ الشَّهَادَةِ وَإِلَّا بِأَنْ كان الْأَخُ مُعْسِرًا وَقْتَ الْإِعْتَاقِ فَلَا تَرِثَانِ إذْ لو وَرِثَتَا لَرَقَّ نَصِيبُهُمَا وَبَطَلَتْ الشَّهَادَةُ وَإِنْ اشْتَرَى الْمَرِيضُ أَبَاهُ أو ابْنَهُ عِتْق عليه من الثُّلُثُ ولم يَرِثْ لِأَنَّهُ لو وَرِثَ لَكَانَ عِتْقُهُ تَبَرُّعًا على الْوَارِثِ فَيَبْطُلُ لِتَعَذُّرِ إجَازَتِهِ لِتَوَقُّفِهَا على إرْثِهِ الْمُتَوَقِّفِ على عِتْقِهِ الْمُتَوَقِّفِ عليها كما مَرَّ فَلَوْ مَلَكَهُ بِلَا عِوَضٍ كَأَنْ اتَّهَبَهُ أو وَرِثَهُ وَرِثَ منه بِنَاءً على أَنَّهُ يُعْتَقُ من رَأْسِ الْمَالِ لَا من الثُّلُثِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عِتْقُهُ على إجَازَتِهِ
وَإِنْ شَهِدَا أَيْ الْعَتِيقَانِ بِسَفَهِ مُعْتِقِهِمَا وَقْتَ إعْتَاقِهِ لَهُمَا أو بِجَرْحِ شَاهِدَيْ عِتْقِهِمَا أو بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ على الْمُوصِي بِعِتْقِهِمَا التَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ أو شَهِدَا على من أَيِّ زَوْجٍ وَرِثَهُمَا من زَوْجَتِهِ وَأَعْتَقَهُمَا أنها مُطَلَّقَتُهُ يَعْنِي مُفَارَقَةً منه قبل مَوْتِهَا فِرَاقًا بَائِنًا بِطَلَاقٍ أو رِدَّةٍ أو نَحْوِهِمَا لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهَا لو قُبِلَتْ لَرَقَّا وَإِنْ أَقَرَّ الْأَخُ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ لم يَرِثْ وَإِنْ ثَبَتَ نَسَبُهُ كما مَرَّ في الْإِقْرَارِ وَكَذَا إذَا نَكَلَ الْأَخُ عن الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ عليه مِمَّنْ ادَّعَى أَنَّهُ ابن الْمَيِّتِ وَحَلَفَ الِابْنُ تِلْكَ الْيَمِينَ بِنَاءً على أنها كَالْإِقْرَارِ وَالتَّصْرِيحُ بِمَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ هُنَا من زِيَادَتِهِ وَإِنْ وَرِثَهُمَا أَيْ عَبْدَيْنِ أَبُوهُمَا أو ابْنُهُمَا من زَيْدٍ فَعَتَقَا عليه وَمَاتَ وَوَرِثَاهُ فَأَقَرَّا على زَيْدٍ بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ تَرِكَتَهُ لم يُقْبَلْ إقْرَارُهُمَا لِأَنَّهُ لو قُبِلَ لَرَقَّا
وَإِنْ أَعْتَقَ الْمَرِيضُ أَمَةً هِيَ ثُلُثُهُ أَيْ ثُلُثُ مَالِهِ فَادَّعَتْ دَيْنًا لها عليه بِإِجَارَةٍ أو وَطْءِ شُبْهَةٍ أو نَحْوِهِمَا لم تُسْمَعْ دَعْوَاهَا لِأَنَّهَا لو سُمِعَتْ منها لَرَقَّ كُلُّهَا أو بَعْضُهَا وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ في الْمَرَضِ فَشَهِدَا بِمَا يَمْنَعُ عِتْقَهُمَا كَأَنْ أَعْتَقَهُمَا وَهُمَا ثُلُثُ مَالِهِ وَشَهِدَا عليه بِوَصِيَّةٍ أو بِإِعْتَاقٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أو زَكَاةٌ أو بِأَنَّهُ نَكَحَ امْرَأَةً بِكَذَا لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا وَمِنْهُ ما لو كان بِيَدِ عَبْدِهِ مَالٌ فَأَخَذَهُ وَاشْتَرَى بِهِ عَبْدَيْنِ وَأَعْتَقَهُمَا فَشَهِدَا عليه بِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ قبل ذلك وما لو أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ فَادَّعَى عليه غَيْرُهُ أَنَّهُ كان غَصَبَهُمَا منه وَشَهِدَا له لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ في ه ن أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا كما دَلَّ عليه كَلَامُ الْأَصْلِ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تَشْمَلُ مَسَائِلَ تَقَدَّمَتْ آنِفًا فَفِي كَلَامِهِ تَكْرَارٌ وَلَا يَحْكُمُ قَاضٍ أَعْتَقَهُ رَجُلٌ وَرِثَهُ من أَخٍ له مَثَلًا مَقْتُولٍ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِقَتْلِهِ مُرْتَدٍّ أو أَنَّ له ابْنًا لِأَنَّهُ لو حَكَمَ بها لَرَقَّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِمَقْتُولٍ مُعْتَبَرٌ في الثَّانِيَةِ وَلَيْسَ مُرَادًا
وَكَلَامُ الْأَصْلِ سَالِمٌ منه وقال فيها كَذَا ذَكَرُوهُ وكان يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَحْكُمُ بها وَيَثْبُتُ النَّسَبُ دُونَ الْإِرْثِ كما لو أَعْتَقَ الْأَخُ فيها عَبْدَيْنِ وَشَهِدَا بِبُنُوَّةِ الْمُدَّعِي وَمُنِعَ بِأَنَّ الدَّوْرَ ثَمَّ في نَفْسِ شَهَادَةِ عَتِيقِ الْأَخِ بِخِلَافِهِ هُنَا ليس في نَفْسِ الشَّهَادَةِ بَلْ في
____________________
(3/197)
نَفْسِ حُكْمِ الْحَاكِمِ الْعَتِيقِ وَالْإِثْبَاتُ فيه طَرِيقٌ آخَرُ وهو رَفْعُ الْقَضِيَّةِ إلَى حَاكِمٍ آخَرَ يَحْكُمُ بِالشَّهَادَةِ وَيُوَرِّثُ الِابْنَ وَيُرِقُّ الْحَاكِمُ الْعَتِيقَ وَلَا دَوْرَ وَلَوْ أَقَرَّ مَرِيضٌ بِعِتْقِهِ أَيْ بِإِعْتَاقِهِ لِأَخِيهِ في الصِّحَّةِ وَرِثَهُ بِنَاءً على صِحَّةِ الْإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ
فَصْلٌ الْمُبَعَّضُ وَالْمُكَاتَبُ لَا يَتَسَرَّيَانِ وَلَوْ بِإِذْنِ السَّيِّدِ كما مَرَّ بَيَانُهُ مع ما يَتَعَلَّقُ بِالتَّعْبِيرِ بِالتَّسَرِّي وَبِكَلَامِ الْأَصْلِ في مُعَامَلَةِ الْعَبِيدِ الْبَابُ الثَّانِي عَشَرَ في اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ في النِّكَاحِ لو نَكَحَ إحْدَى ابْنَتِي زَيْدٍ بِعَيْنِهَا وَادَّعَتَاهُ مَعًا بِأَنْ قالت كُلٌّ مِنْهُمَا أنا الْمُزَوَّجَةُ وَصَدَّقَ الزَّوْجُ إحْدَاهُمَا ثَبَتَ نِكَاحُهَا لِتَقَارِّهِمَا وحلف لِلْأُخْرَى لِأَنَّ النِّكَاحَ يَنْدَفِعُ بِإِنْكَارِهِ وَالْمَقْصُودُ الْمَهْرُ فَلَا بُدَّ من حَلِفِهِ بِخِلَافِ ما لو ادَّعَى اثْنَانِ نِكَاحَ امْرَأَةٍ فَأَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا لَا تَحْلِفُ لِلْآخَرِ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي عليها مَهْرًا وَإِنَّمَا يَقْصِدُ النِّكَاحَ فإذا نَكَلَ عن الْيَمِينِ وَحَلَفَتْ لَزِمَهُ لها نِصْفُ الْمَهْرِ لِارْتِفَاعِ النِّكَاحِ بِإِنْكَارِهِ قبل الدُّخُولِ وَإِنْ أَنْكَرَتَا بِأَنْ قالت كُلٌّ مِنْهُمَا لَسْت الْمُزَوَّجَةَ بَلْ صَاحِبَتِي وَعَيَّنَ الزَّوْجُ إحْدَاهُمَا لِلنِّكَاحِ فَحَلَفَتْ أنها لَيْسَتْ الزَّوْجَةَ بَطَلَ حَقُّهُ منها أَيْضًا أَيْ كما بَطَلَ حَقُّهُ من الْأُخْرَى بِتَعْيِينِهِ الْأُولَى إلَّا إنْ صَدَّقَهُ الْوَلِيُّ الْمُجْبِرُ فِيمَنْ عَيَّنَهَا فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ منها وَلَا يَضُرُّهُ إنْكَارُهَا وَإِنْ نَكَلَتْ عن الْيَمِينِ وَحَلَفَ هو اسْتَحَقَّهَا وَإِنَّمَا لم يُعْتَبَرْ تَصْدِيقُ الْمُجْبِرِ فِيمَا إذَا ادَّعَتَا النِّكَاحَ مَعًا لِأَنَّهُ إذَا عَيَّنَ إحْدَاهُمَا لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ على الزَّوْجِ
وَإِنْ أَقَرَّتْ إحْدَاهُمَا بِنِكَاحِهَا وَأَقَرَّ الْمُجْبَرُ بِنِكَاحِ الْأُخْرَى عُمِلَ بِإِقْرَارِ السَّابِقِ مِنْهُمَا وَقِيلَ يَبْطُلَانِ جميعا وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وهو مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ من تَصْدِيقِ الزَّوْجِ فَالْعَمَلُ إنَّمَا هو بِإِقْرَارِ من صَدَّقَهُ الزَّوْجُ على أَنَّ ما فَهِمَهُ من التَّصْوِيرِ ليس مُرَادًا وَإِنْ كان في كَلَامِ الرَّوْضَةِ ما يُوهِمُهُ إذْ الْمُرَادُ إنَّمَا هو إذَا تَعَدَّدَ الزَّوْجُ وَاتَّحَدَتْ الْمَرْأَةُ فَأَقَرَّتْ لِزَوْجٍ وَالْمُجْبِرُ لِآخَرَ هل يُقْبَلُ إقْرَارُهَا أو إقْرَارُهُ وَجْهَانِ تَقَدَّمَا مع بَيَانِ الْمُعْتَمَدِ في آخِرِ الْبَابِ الثَّالِثِ وَلَوْ شَهِدَا على رَجُلٍ بِنِكَاحٍ لِامْرَأَةٍ بِمُسَمًّى مَعْلُومٍ وهو مُنْكِرٌ وَغَرِمَ لها نِصْفَهُ ثُمَّ رَجَعَا عن شَهَادَتِهِمَا رَجَعَ هو عَلَيْهِمَا بِمَا غَرِمَهُ لِأَنَّهُمَا السَّبَبُ في تَغْرِيمِهِ فَلَوْ شَهِدَ مَعَهُمَا أَيْ مع شَهَادَتِهِمَا السَّابِقَةِ اثْنَانِ بِالْإِصَابَةِ أو بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ بها وَاثْنَانِ بِالطَّلَاقِ وَحُكِمَ بِمُقْتَضَى الشَّهَادَاتِ وَغَرِمَ لها الْمُسَمَّى ثُمَّ رَجَعُوا كلهم عَمَّا شَهِدُوا بِهِ غَرِمَ له النِّصْفَ الثَّانِي من الْمُسَمَّى أَيْ النِّصْفَ الْمُسْتَقِرَّ بِالدُّخُولِ شُهُودُ الْإِصَابَةِ لِأَنَّهُمْ السَّبَبُ في تَغْرِيمِهِ لَا شُهُودُ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُمْ وَافَقُوا الزَّوْجَ في عَدَمِ النِّكَاحِ وَلِأَنَّهُمْ لم يُفَوِّتُوا عليه شيئا يَزْعُمُهُ وَلِأَنَّهُ إنْ كان ثَمَّ نِكَاحٌ فَقَدْ ارْتَفَعَ بِإِنْكَارِهِ قبل شَهَادَتِهِمْ وَإِنَّمَا يَغْرَمُ شُهُودُ الْإِصَابَةِ إنْ تَأَخَّرَ تَارِيخُ الْإِصَابَةِ عن تَارِيخِ النِّكَاحِ بِأَنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ نَكَحَهَا في الْمُحَرَّمِ وَآخَرَانِ أَنَّهُ أَصَابَهَا في صَفَرٍ أو صَرَّحَا بِوُقُوعِهَا أَيْ الْإِصَابَةِ في النِّكَاحِ فَإِنْ أَطْلَقَا فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمَا لِجَوَازِ وُقُوعِهَا في غَيْرِ النِّكَاحِ من زِنًا أو غَيْرِهِ
وَلَوْ شَهِدَ بِالنِّكَاحِ أَرْبَعَةٌ ثُمَّ شَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمَا الْأُولَى منهم بِالْإِصَابَةِ ثُمَّ رَجَعُوا اخْتَصَّ شُهُودُ الْإِصَابَةِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْغُرْمِ وَشُهُودُ النِّكَاحِ بِرُبْعِهِ إذْ النِّصْفُ الْأَوَّلُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَالثَّانِي مُخْتَصٌّ بِشُهُودِ الْإِصَابَةِ وَإِنْ زُوِّجَتْ امْرَأَةٌ من رَجُلٍ مُعَيَّنٍ بِالْإِذْنِ منها فيه أَيْ في تَزْوِيجِهَا منه وَادَّعَتْ مَحْرَمِيَّةَ الزَّوْجِ لها كَأَنْ قالت هو أَخِي من الرَّضَاعِ أو ادَّعَتْ جُنُونَ الْوَلِيِّ حين زَوَّجَهَا لم تُسْمَعْ دَعْوَاهَا لِأَنَّهَا تُنَاقِضُ ما تَضَمَّنَهُ رِضَاهَا من حِلِّهَا له إلَّا إنْ ادَّعَتْ نِسْيَانًا لِلْمَحْرَمِيَّةِ أو الْجُنُونِ وَنَحْوِهِ كَغَلَطٍ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهَا لِلْعُذْرِ فَيَحْلِفُ لها الزَّوْجُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَحْرَمِيَّتَهُ وَجُنُونَ الْوَلِيِّ فَلَوْ كانت مُجْبَرَةً وَزُوِّجَتْ بِلَا إذْنٍ أو أُذِنَتْ وَلَوْ مُجْبَرَةً في نِكَاحِهَا بِرَجُلٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَادَّعَتْ ذلك فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا لِاحْتِمَالِ قَوْلِهَا ولم تَعْتَرِفْ بِنَقِيضِهِ
فَصَارَ كما لو قَالَتْهُ ابْتِدَاءً لَا أَتَزَوَّجُ بِهِ وَهَذَا كَغَائِبٍ بَاعَ الْحَاكِمُ مَالَهُ بِسَبَبٍ اقْتَضَاهُ فلما حَضَرَ قال قد كُنْت بِعْته فُلَانًا أو أَعْتَقْته أو نَحْوَهُمَا فإنه يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ وَيُنْقَضُ بَيْعُ الْحَاكِمِ
____________________
(3/198)
وَيَرُدُّ الثَّمَنَ على الْمُشْتَرِي وَقَوْلُهُ فُلَانًا من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لَا إنْ بَاعَهُ بِنَفْسِهِ أو بِوَكِيلِهِ ثُمَّ ادَّعَى ذلك فَلَا يُصَدَّقُ وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهُ سَبَقَ منه نَقِيضُهُ نعم إنْ لم يَكُنْ قال في الْأُولَى حين بَاعَهُ وهو مِلْكِي سُمِعَتْ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتُهُ قال الْبُلْقِينِيُّ قَوْلُهُ أو بِوَكِيلِهِ مَحْمُولٌ على تَوْكِيلِ بَيْعٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ يَدَّعِي الْمُوَكِّلُ بَعْدَ بَيْعِ الْوَكِيلِ وَلُزُومِهِ أَنَّهُ كان أَعْتَقَهُ قبل التَّوْكِيلِ أَمَّا لو كانت الْوَكَالَةُ مُطْلَقَةً أو في مُعَيَّنٍ وَادَّعَى عِتْقًا بَعْدَ التَّوْكِيلِ ولم يُقَصِّرْ في تَرْكِ إعْلَامِ الْوَكِيلِ صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ بِيَمِينِهِ
وَلَوْ كانت أَيْ الْمَرْأَةُ بِكْرًا غير مُجْبَرَةٍ فَأَذِنَتْ لِوَلِيِّهَا غَيْرِ الْمُجْبِرِ في تَزْوِيجِهَا من مُعَيَّنٍ بِالسُّكُوتِ ثُمَّ ادَّعَتْ مَحْرَمِيَّةَ الزَّوْجِ لها أو جُنُونَ الْوَلِيِّ سُمِعَتْ دَعْوَاهَا لَكِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ بِيَمِينِهِ وَمِثْلُهَا الْمُجْبَرَةُ إذَا أَذِنَتْ في ذلك وَإِنْ ادَّعَى الْأَبُ أو السَّيِّدُ الْمَحْرَمِيَّةَ بين الزَّوْجَيْنِ لم تُسْمَعْ دَعْوَاهُ لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقُّ الزَّوْجَيْنِ وَإِنْ كان الْوَلِيُّ هو الذي يَعْقِدُهُ وَلِذَلِكَ يَثْبُتُ النِّكَاحُ بِتَقَارِّهِمَا وَإِنْ أَنْكَرَ الْوَلِيُّ أو ادَّعَى السَّيِّدُ بَعْدَ تَزْوِيجِهِ أَمَتَهُ الْعِتْقَ لها قُبِلَ فيه لَا في النِّكَاحِ كما لو آجَرَهُ أَيْ عَبْدَهُ ثُمَّ قال كُنْت أَعْتَقْته قَبْلُ في الْعِتْقِ لَا في الْإِجَارَةِ وَغَرِمَ لِلْعَبْدِ أُجْرَتَهُ أَيْ أُجْرَةَ مِثْلِهِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِإِتْلَافِ مَنَافِعِهِ ظُلْمًا كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا ثُمَّ قال كُنْت غَصَبْته لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ في الْبَيْعِ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِلْمُقَرِّ له أو ادَّعَى سَيِّدُهَا أَنَّهُ زَوَّجَهَا وهو لَا يَمْلِكُهَا أو وَالزَّوْجُ وَاجِدٌ طَوْلَ حُرَّةٍ أو وهو مُحَرَّمٌ أو مَحْجُورٌ عليه بِسَفَهٍ أو صِبًا أو جُنُونٍ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ بِيَمِينِهِ
وَلَوْ عَهِدَ له حَالَ حَجْرٍ أو إحْرَامٍ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِحَّةُ النِّكَاحِ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ جَرَيَانُ الْعَقْدِ صَحِيحًا فَإِنْ ادَّعَى وَرَثَةُ الزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّ الْوَلِيَّ زَوَّجَهَا له بِلَا إذْنٍ منها وَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا لِمَا مَرَّ وَإِنْ قالت امْرَأَةٌ بَعْدَ الدُّخُولِ بها زَوَّجَنِي أَخِي مَثَلًا وأنا كَبِيرَةٌ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وأنا مُعْتَبَرَةُ الْإِذْنِ بِلَا إذْنٍ لم يُسْمَعْ قَوْلُهَا تَنْزِيلًا لِدُخُولِهَا مَنْزِلَةَ رِضَاهَا بِخِلَافِ ما لو قَالَتْهُ قبل تَمْكِينِهَا فَيُسْمَعُ قَوْلُهَا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُهُ كَأَصْلِهِ في آخِرِ الرَّجْعَةِ قَبُولُ قَوْلِهَا وَتَعْبِيرُهُمَا تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ بِالدُّخُولِ جَرَى على الْغَالِبِ وَإِلَّا فَظَاهِرٌ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِتَمْكِينِهَا من الدُّخُولِ وَإِنْ انْتَفَى الدُّخُولُ أو قالت زَوَّجَنِي أَخِي وأنا صَغِيرَةٌ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا وَلَوْ أَقَرَّتْ يَوْمَئِذٍ أَيْ يوم قَوْلِهَا ذلك بِالْبُلُوغِ كما لو أَقَرَّ بِمَالٍ ثُمَّ قال كُنْت صَغِيرًا يوم الْإِقْرَارِ هذا إنْ لم تُمَكِّنْ الزَّوْجَ من نَفْسِهَا بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَإِنْ مَكَّنَتْهُ بَعْدَهُ ثُمَّ قالت ذلك لم تُصَدَّقْ وَالتَّرْجِيحُ فِيمَا ذُكِرَ مع هذا الشَّرْطِ من زِيَادَتِهِ
وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ منهم صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وزاد بَعْدَ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ ولم تَخْلَعْ نَفْسَهَا وَالْعِبْرَةُ في الْحَقِيقَةِ بِمَا لَا يَدُلُّ على الزَّوْجِيَّةِ وَإِنْ وَكَّلَ الْوَلِيُّ في تَزْوِيجِهَا أو الزَّوْجُ في قَبُولِهِ ثُمَّ أَحْرَمَ وَجَرَى الْعَقْدُ وَادَّعَتْ هِيَ أو الْوَلِيُّ وُقُوعَ النِّكَاحِ في الْإِحْرَامِ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ صُدِّقَ الزَّوْجُ بِيَمِينِهِ سَوَاءٌ أَعُهِدَ لِلْمُوَكِّلِ إحْرَامٌ سَابِقٌ أَمْ لَا عَمَلًا بِظَاهِرِ الصِّحَّةِ وَيُفَارِقُ تَصْدِيقَ الْجَانِي إذَا قال كُنْت يوم الْقَتْلِ صَبِيًّا أو مَجْنُونًا وَأَمْكَنَ الصِّبَا وَعُهِدَ الْجُنُونُ بِأَنَّ الْغَالِبَ في الْأَنْكِحَةِ الِاحْتِيَاطُ وَعَقْدُهَا بِشُرُوطِهَا فَصُدِّقَ فيها الزَّوْجُ وَالْقِصَاصُ مِمَّا يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ فَصُدِّقَ فيه الْجَانِي حَيْثُ ظَهَرَ احْتِمَالُ قَوْلِهِ فَرْعٌ لو أَثْبَتَ رَجُلٌ أَيْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ وَأَثْبَتَتْ هِيَ أَيْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً بِنِكَاحِ آخَرَ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الرَّجُلِ لِأَنَّ حَقَّهُ في النِّكَاحِ أَقْوَى منها فإنه الْمُتَصَرِّفُ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا فَكَانَ كَصَاحِبِ الْيَدِ مع غَيْرِهِ
وَإِنْ ادَّعَى مُسْلِمٌ تَحْتَهُ ذِمِّيَّةٌ أو مُسْلِمَةٌ إسْلَامَ زَوْجَتِهِ الذِّمِّيَّةِ أو ارْتِدَادَ الْمُسْلِمَةِ قبل الدُّخُولِ بها وَأَنْكَرَتْ زَوْجَتُهُ ذلك بَطَلَ نِكَاحُهَا بِزَعْمِهِ وفي نُسْخَةٍ لِزَعْمِهِ لِأَنَّهُ زَعَمَ
____________________
(3/199)
أَنَّ الذِّمِّيَّةَ أَسْلَمَتْ وَأَنْكَرَتْ وَصَارَتْ مُرْتَدَّةً بِإِنْكَارِهَا وَحَرُمَتْ وَأَنَّ الْمُسْلِمَةَ ارْتَدَّتْ وَحَرُمَتْ أَمَّا بَعْدَ الدُّخُولِ فَيُوقَفُ النِّكَاحُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وفي نُسْخَةٍ تَصْوِيرُ ذلك مِمَّنْ تَحْتَهُ الزَّوْجَتَانِ وهو الذي في الْأَصْلِ نَقْلًا عن الْبَغَوِيّ حَيْثُ قال إذَا كان تَحْتَهُ مُسْلِمَةٌ وَذِمِّيَّةٌ لم يَدْخُلْ بِهِمَا فقال لِلْمُسْلِمَةِ ارْتَدَدْت وقال لِلذِّمِّيَّةِ أَسْلَمْت فَأَنْكَرَتَا ارْتَفَعَ نِكَاحُهُمَا لِزَعْمِهِ كِتَابُ الصَّدَاقِ هو بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِهَا ما وَجَبَ بِنِكَاحٍ أو وَطْءٍ أو تَفْوِيتِ بُضْعٍ قَهْرًا كَرَضَاعٍ وَرُجُوعِ شُهُودٍ يُقَالُ فيه صَدَقَةٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَتَثْلِيثِ ثَانِيهِ وَبِضَمِّ أَوَّلِهِ أو فَتْحِهِ مع إسْكَانِ ثَانِيهِ فِيهِمَا وَبِضَمِّهِمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِإِشْعَارِهِ بِصِدْقِ رَغْبَةِ بَاذِلِهِ في النِّكَاحِ الذي هو الْأَصْلُ في إيجَابِ الْمَهْرِ وَيُقَالُ له أَيْضًا مَهْرٌ وَنِحْلَةٌ بِكَسْرِ النُّونِ وَضَمِّهَا وَفَرِيضَةٌ وَأَجْرٌ وَطَوْلٌ وَعُقْرٌ وَعَلِيقَةٌ وَعَطِيَّةٌ وَحِبَاءُ وَنِكَاحٌ قال تَعَالَى وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا وَقِيلَ الصَّدَاقُ ما وَجَبَ بِتَسْمِيَةٍ في الْعَقْدِ وَالْمَهْرُ ما وَجَبَ بِغَيْرِ ذلك وَالْأَصْلُ في الْبَابِ قبل الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً وَقَوْلُهُ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَقَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِمُرِيدِ التَّزْوِيجِ الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا من حَدِيدٍ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيُسْتَحَبُّ الْعَقْدُ بِهِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَخْلُ نِكَاحٌ عنه وَلِئَلَّا يُشْبِهَ نِكَاحَ الْوَاهِبَةِ نَفْسَهَا له صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِلْخُصُومَةِ نعم لو زَوَّجَ عَبْدَهُ بِأَمَتِهِ لَا يُسْتَحَبُّ ذِكْرُهُ على الْجَدِيدِ إذْ لَا فَائِدَةَ فيه وَعُلِمَ من اسْتِحْبَابِ الْعَقْدِ بِهِ جَوَازُ إخْلَاءِ النِّكَاحِ عن ذِكْرِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ نعم قد يَجِبُ ذِكْرُهُ لِعَارِضٍ بِأَنْ كانت الْمَرْأَةُ غير جَائِزَةِ التَّصَرُّفِ أو مِلْكًا لِغَيْرِ جَائِزِهِ أو كانت جَائِزَتَهُ وَأَذِنَتْ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا ولم تُفَوِّضْ أو كان الزَّوْجُ غير جَائِزِ التَّصَرُّفِ وَحَصَلَ الِاتِّفَاقُ في هذه على أَقَلِّ من مَهْرِ مِثْلِ الزَّوْجَةِ وَفِيمَا عَدَاهَا على أَكْثَرَ منه ويستحب أَنْ لَا يَنْقُصَ عن عَشَرَةِ دَرَاهِمَ خُرُوجًا من خِلَافِ أبي حَنِيفَةَ وأن لَا يَزِيدَ على خَمْسمِائَةٍ من الدَّرَاهِمِ كَصَدَقَةِ بَنَاتِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَزَوْجَاتِهِ
وَأَمَّا إصْدَاقُ أُمِّ حَبِيبَةَ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ فَكَانَ من النَّجَاشِيِّ إكْرَامًا له صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَدْخُلَ بها حتى يَدْفَعَ إلَيْهَا شيئا من الصَّدَاقِ خُرُوجًا من خِلَافِ من أَوْجَبَهُ فَإِنْ عَقَدَ بِأَدْنَى مُتَمَوَّلٍ جَازَ كما يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا لِخَبَرِ الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا من حَدِيدٍ وَإِلَّا بِأَنْ عَقَدَ بِمَا لَا يُتَمَوَّلُ لِقِلَّتِهِ أو لِعَدَمِ مَالِيَّتِهِ فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ لِخُرُوجِهِ عن الْعِوَضِيَّةِ وَمَثَّلَهُ الصَّيْمَرِيُّ بِالنَّوَاةِ وَالْحَصَاةِ وَقِشْرَةِ الْبَصَلَةِ وَقَمْعِ الْبَاذِنْجَانَةِ وَفِيهِ أَيْ كِتَابِ الصَّدَاقِ سِتَّةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ في أَحْكَامِ الصَّحِيحِ منه وَهِيَ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ في الضَّمَانِ له فَالزَّوْجُ يَضْمَنُ الصَّدَاقَ الْمُعَيَّنَ قبل قَبْضِهِ ضَمَانَ الْعَقْدِ لَا ضَمَانَ الْيَدِ لِأَنَّهُ مِلْكٌ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ فَكَانَ كَالْمَبِيعِ في يَدِ الْبَائِعِ قبل قَبْضِهِ فَلَا يَجُوزُ لها بَيْعُهُ وَلَا غَيْرُهُ من سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ الْمُمْتَنِعَةِ ثَمَّ قبل الْقَبْضِ لِمَا ذُكِرَ وَلَوْ قُلْنَا أَنَّهُ مَضْمُونٌ ضَمَانَ يَدٍ جَازَ ذلك كَالْمُعَارِ وَالْمُسْتَامِ
وَإِنْ تَلِفَ قَبْلَهُ أَيْ قبل قَبْضِهِ بِآفَةٍ انْفَسَخَ عَقْدُ الصَّدَاقِ وَلَوْ عَرَضَهُ عليها فَامْتَنَعَتْ من قَبْضِهِ كَنَظِيرِهِ في الْبَيْعِ وَيَعُودُ أَيْ يُقَدَّرُ عَوْدُهُ إلَى مِلْكِهِ قُبَيْلَ التَّلَفِ حتى لو كان عَبْدٌ أَلْزَمَهُ مُؤْنَةَ تَجْهِيزِهِ كَنَظِيرِهِ في الْبَيْعِ وَيَجِبُ لها عليه
____________________
(3/200)
مَهْرُ الْمِثْلِ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ وَالْبُضْعَ كَالتَّالِفِ فَيَرْجِعُ إلَى بَدَلِهِ وهو مَهْرُ الْمِثْلِ وَإِتْلَافُ ما أَتْلَفَتْ من الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ قبل قَبْضِهِ قَبْضٌ له إذَا كانت أَهْلًا لِلْقَبْضِ فَيَبْرَأُ منه الزَّوْجُ وَتَقَدَّمَ في الْبَيْعِ أَنَّهُ لو كان الْمَبِيعُ عَبْدًا فَقَتَلَهُ الْمُشْتَرِي لِصِيَالِهِ عليه لم يَكُنْ قَبْضًا فَلْيَكُنْ هُنَا كَذَلِكَ وَإِتْلَافُهُ أَيْ الزَّوْجِ لِلصَّدَاقِ كَالْآفَةِ فَيَنْفَسِخُ بِهِ عَقْدُ الصَّدَاقِ وَيَجِبُ لها مَهْرُ الْمِثْلِ كَنَظِيرِهِ في الْبَيْعِ وَمَتَى أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهَا الْخِيَارُ كَنَظِيرِهِ ثَمَّ فَإِنْ أَجَازَتْ عَقْدَ الصَّدَاقِ طَالَبَتْ الْأَجْنَبِيَّ بِالْبَدَلِ من مِثْلٍ أو قِيمَةٍ وَإِنْ فَسَخَتْ طَالَبَتْ الزَّوْجَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ
وَإِنْ أَصْدَقَهَا عَيْنَيْنِ فَتَلِفَتْ إحْدَاهُمَا قبل قَبْضِهَا بِآفَةٍ أو بِإِتْلَافِ الزَّوْجِ انْفَسَخَ عَقْدُ الصَّدَاقِ فيها لَا في الْبَاقِيَةِ وَعَلَيْهِ فَلَهَا الْخِيَارُ فَإِنْ أَجَازَتْ في الْبَاقِيَةِ فَلَهَا قِسْطُ قِيمَةِ التَّالِفِ الْأَوْلَى التَّالِفَةِ من مَهْرِ الْمِثْلِ وَإِنْ فَسَخَتْ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ أَمَّا تَلَفُهَا بِإِتْلَافِ الزَّوْجَةِ فَقَبْضٌ أو بِإِتْلَافِ أَجْنَبِيٍّ فَلَهَا الْخِيَارُ فَإِنْ فَسَخَتْ طَالَبَتْ الزَّوْجَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَإِنْ أَجَازَتْ طَالَبَتْ الْأَجْنَبِيَّ بِالْبَدَلِ كما عُلِمَ ذلك مِمَّا مَرَّ وَإِنْ تَعَيَّبَ الصَّدَاقُ قبل قَبْضِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ أو قَبْلَهُ كَقَطْعِ الْيَدِ فَلَهَا الْخِيَارُ لِلنَّقْصِ سَوَاءٌ أَحَدَثَ بِآفَةٍ أَمْ بِجِنَايَةِ غَيْرِ الزَّوْجَةِ فَإِنْ فَسَخَتْ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَا أَرْشَ لها إنْ أَجَازَتْ بَلْ تَأْخُذُهُ مَعِيبًا كما لو رضي الْمُشْتَرِي بِعَيْبِ الْمَبِيعِ إلَّا أَنْ عَيَّبَهُ أَجْنَبِيٌّ فَلَهَا عليه الْأَرْشُ وَلَيْسَ لها مُطَالَبَةُ الزَّوْجِ
فَرْعَانِ الْأَوَّلُ الِانْهِدَامُ قبل الْقَبْضِ عَيْبٌ فَلَوْ أَصْدَقَهَا دَارًا فَانْهَدَمَتْ في يَدِهِ ولم يَتْلَفْ من نَقْضِهَا شَيْءٌ فَهُوَ عَيْبُ لِأَنَّهُ نَقْصُ صِفَةٍ كَطَرَفِ عَبْدٍ فَتَتَخَيَّرُ فَلَوْ تَلِفَ بَعْضُ النَّقْضِ أو كُلُّهُ بِاحْتِرَاقٍ أو غَيْرِهِ انْفَسَخَ عَقْدُ الصَّدَاقِ فيه لِأَنَّهُ نَقْصُ جِرْمٍ كَأَحَدِ الْعَبْدَيْنِ وَهَذَا وما قَبْلَهُ عُلِمَا مِمَّا مَرَّ الثَّانِي لو أَصْدَقَهَا نَخْلًا وَثَمَرَتَهُ أَيْ رُطَبَهُ فَجَعَلَ قبل قَبْضِهِمَا الرُّطَبَ وَصَقْرَهُ أَيْ السَّائِلِ منه من غَيْرِ طَبْخٍ عِبَارَةُ الْأَصْلِ من غَيْرِ أَنْ يُعْرَضَ على النَّارِ في قَارُورَةٍ له ولم يَنْقُصْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالنَّزْعِ أَيْ بِتَقْدِيرِ نَزْعِهِ منها وَلَا التَّرْكِ له فيها فَلَا خِيَارَ لها بَلْ الزَّوْجُ كَفَاهَا مُؤْنَةَ الْجِذَاذِ وَأَهْلُ الْحِجَازِ يَفْعَلُونَ ذلك اسْتِبْقَاءً لِرُطُوبَةِ الرُّطَبِ وَاسْتِزَادَةً لِحَلَاوَتِهِ وَقَيَّدَ الْقَارُورَةَ بِقَوْلِهِ له لِيَتَأَتَّى ما يَأْتِي من مُسَامَحَةِ الزَّوْجِ بها وَإِنْ نَقَصَ وَصْفُهُ أَيْ كُلٌّ من الرُّطَبِ وَصَقْرِهِ أو أَحَدِهِمَا ثَبَتَ لها الْخِيَارُ فَإِنْ فَسَخَتْ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَإِنْ أَجَازَتْ قَنَعَتْ بِهِمَا وَلَا أَرْشَ
أو نَقَصَ عَيْنَهُ كَأَنْ شَرِبَ الرُّطَبُ شيئا من الصَّقْرِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ في قَدْرِهِ أَيْ الذَّاهِبِ منه وَتَخَيَّرَتْ في الْبَاقِي فَإِنْ فَسَخَتْ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَإِنْ أَجَازَتْ فَلَهَا قِسْطُ الذَّاهِبِ منه فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ نَقْصُ عَيْنِ الصَّقْرِ بِزِيَادَةِ قِيمَةِ الرُّطَبِ وَبِهِ صَرَّحَ أَصْلُهُ وَإِنْ كان يَعِيبُهُ أَيْ الرُّطَبُ الْإِخْرَاجُ من الْقَارُورَةِ دُونَ التَّرْكِ فيها تَخَيَّرَتْ إلَّا إنْ سَمَحَ بها الزَّوْجُ لها هِبَةً أو إعْرَاضًا فَلَا خِيَارَ لها بَلْ تُجْبَرُ على قَبُولِهَا إمْضَاءً لِلْعَقْدِ وإذا فَرَغَ ما فيها أَخَذَهَا الزَّوْجُ فِيمَا إذَا سَمَحَ بِالْإِعْرَاضِ كَالنَّعْلِ في الدَّابَّةِ الْمَبِيعَةِ وَإِنْ تَعَيَّبَ بِالتَّرْكِ فيها دُونَ النَّزْعِ منها طَالَبَتْ بِالنَّزْعِ وَلَا خِيَارَ لها وَإِنْ تَبَرَّعَ عليها بِالْقَارُورَةِ إذْ لَا تُجْبَرُ على قَبُولِهَا لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ فَإِنْ كان الصَّدَاقُ هو النَّخْلُ فَقَطْ وَكَانَتْ الثَّمَرَةُ أَيْ الرُّطَبُ وَصَقْرُهُ لِلْمَرْأَةِ ضَمِنَ الزَّوْجُ نَقْصَ الرُّطَبِ وَالصَّقْرِ لِمَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ الْمُتَعَدِّي وَلَا خِيَارَ لها لِأَنَّ ما نَقَصَ ليس بِصَدَاقٍ
وَإِنْ كان الصَّقْرُ مِلْكًا لِلزَّوْجِ بِأَنْ مَلَكَهُ من رُطَبٍ آخَرَ وكان رُطَبُ النَّخْلِ لِلزَّوْجَةِ ضَمِنَ نَقْصَ الرُّطَبِ وَحْدَهُ إنْ نَقَصَ هذا من زِيَادَتِهِ وَإِنْ كان الرُّطَبُ من الصَّدَاقِ فَإِنْ نَقَصَ بِالنِّزَاعِ فَلَهَا الْخِيَارُ وَإِلَّا فَلَا وَتَأْخُذُ الرُّطَبَ وَالزَّوْجُ الصَّقْرَ وَلَا شَيْءَ له لِمَا تَشَرَّبَهُ الرُّطَبُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَوْ عَيَّبَهُ أَيْ الرُّطَبَ النَّزْعُ من الْقَارُورَةِ لَا التَّرْكُ فيها وَسَمَحَ لها بِالْقَارُورَةِ لم يَلْزَمْهَا الْقَبُولُ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ في إمْضَاءِ الْعَقْدِ هُنَا إلَّا إنْ كان الرُّطَبُ صَدَاقًا وَسَمَحَ بِالْقَارُورَةِ وَحْدَهَا أو بها وَبِالصَّقْرِ إنْ كان الصَّقْرُ له فَيَلْزَمُهَا الْقَبُولُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ في إمْضَاءِ الْعَقْدِ هُنَا فَلَا خِيَارَ لها وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ إنْ كان له لِعِلْمِهِ مِمَّا مَرَّ وَالتَّصْرِيحُ بِمَسْأَلَةِ السَّمَاحِ بِالْقَارُورَةِ وَحْدَهَا من زِيَادَتِهِ وإذا كان الصَّدَاقُ دَيْنًا جَازَ الِاعْتِيَاضُ عنه كَالثَّمَنِ إلَّا إذَا كان صَنْعَةً أَيْ تَعْلِيمُهَا فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عنه كَالْمُسْلَمِ فيه وَمِنْ الصَّنْعَةِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَنَحْوِهِ وَغَايَرَ
____________________
(3/201)
بَيْنَهُمَا الْأَصْلُ تَبَعًا لِلْمُتَوَلِّي
فقال وفي التَّتِمَّةِ لو أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ أو صَنْعَةً لم يَجُزْ الِاعْتِيَاضُ قال الْبُلْقِينِيُّ وفي ذلك نَظَرٌ لِأَنَّهُ لو كان الْمُسْلَمُ فيه لَاعْتُبِرَ تَسْلِيمُ الزَّوْجَةِ في مَجْلِسِ الْعَقْدِ وهو خِلَافُ الِاتِّفَاقِ وما قَالَهُ حَسَنٌ إذْ لَا فَرْقَ في الدَّيْنِ بين الصَّنْعَةِ وَغَيْرِهَا فَالْأَوْجَهُ أنها كَغَيْرِهَا كَالثَّمَنِ وهو ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِ الْمُتَوَلِّي وما قَالَهُ الْمُتَوَلِّي ضَعِيفٌ وقد يُرْشِدُ إلَيْهِ كَلَامُ الْأَصْلِ فَرْعٌ لو زَادَ الصَّدَاقُ في يَدِهِ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَسِمَنٍ وَكِبَرٍ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ تَبِعَتْ الْأَصْلَ أو مُنْفَصِلَةً كَثَمَرَةٍ وَوَلَدٍ وَكَسْبٍ فَمِلْكٌ لِلزَّوْجَةِ كما في الْبَيْعِ وَلَوْ اقْتَصَرَ في الشِّقَّيْنِ على قَوْلِهِ فَمِلْكٌ لِلزَّوْجَةِ كَفَى وإذا تَلِفَتْ أَيْ الزِّيَادَةُ في يَدِهِ لم يَضْمَنْهَا لِأَنَّ يَدَهُ عليها يَدُ أَمَانَةٍ إلَّا إنْ طَلَبَتْهَا منه فَامْتَنَعَ من تَسْلِيمِهَا فَيَضْمَنُهَا
وَلَوْ امْتَنَعَ الْبَائِعُ من تَسْلِيمِ الْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ لِلْمُشْتَرِي فَتَلِفَتْ في يَدِهِ فَكَإِتْلَافِهِ لها فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَالصَّدَاقُ كَالْمَبِيعِ في ذلك وَهَذَا من زِيَادَتِهِ هُنَا وَلَوْ أَبْدَلَ الْعَيْنَ الْمَبِيعَةَ بِالصَّدَاقِ كان أَوْلَى وَأَنْسَبَ وَلَا يَضْمَنُ الزَّوْجُ مَنْفَعَةَ الصَّدَاقِ وَإِنْ اسْتَوْفَاهَا بِرُكُوبٍ أو لُبْسٍ أو اسْتِخْدَامٍ أو نَحْوِهَا أو طَالَبَتْهُ بِالتَّسْلِيمِ فَامْتَنَعَ كما في الْمَبِيعِ قبل قَبْضِهِ وَصَوَّبَ الزَّرْكَشِيُّ ضَمَانَهَا إذَا اسْتَوْفَاهَا أو طَالَبَتْهُ بِالتَّسْلِيمِ فَامْتَنَعَ لِأَنَّهَا حَادِثَةٌ فَهِيَ كَالزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ إذَا امْتَنَعَ الزَّوْجُ من تَسْلِيمِهَا وقد يُفَرَّقُ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ لم يَتَنَاوَلْهَا عَقْدُ الصَّدَاقِ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ الْمَنَافِعِ فَصْلٌ لو أَصْدَقَهَا فَاسِدًا كَأَنْ أَصْدَقَهَا حُرًّا أو خَمْرًا أو مَغْصُوبًا وَجَبَ لها مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ لِتَعَذُّرِ رَدِّ مُقَابِلِهِ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ فَوَجَبَ بَدَلُهُ كما لو ابْتَاعَ بِثَمَنٍ فَاسِدٍ وَتَعَذَّرَ رَدُّ الْمَبِيعِ تَجِبُ قِيمَتُهُ
وَكَذَا يَجِبُ لها ذلك إذَا غَرَّهَا بِأَنَّهُ عَبْدٌ أو عَصِيرٌ هذا في أَنْكِحَتِنَا أَمَّا أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ فَكُلُّ ما اعْتَقَدُوا صِحَّةَ صَدَاقِهِ يَجْرِي عليه حُكْمُ الصَّحِيحِ كما مَرَّ قال الزَّرْكَشِيُّ وَقِيَاسُ ما في الْخُلْعِ من أَنَّهُ لو خَالَعَهَا على غَيْرِ مَقْصُودٍ كَالدَّمِ وَقَعَ رَجْعِيًّا عَدَمُ وُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ في نَظِيرِهِ هُنَا فَتَكُونُ الزَّوْجَةُ كَالْمُفَوِّضَةِ لَكِنْ صَرَّحُوا هُنَا بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بين الْبَابَيْنِ انْتَهَى وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمُغَلَّبَ ثَمَّ من جَانِبِ الْمَرْأَةِ الْمُعَاوَضَةُ فَاعْتُبِرَ كَوْنُ الْعِوَضِ مَقْصُودًا بِخِلَافِ ما هُنَا وَبِأَنَّ مَقْصُودَ النِّكَاحِ الْوَطْءُ وهو مُوجِبٌ لِلْمَهْرِ غَالِبًا بِخِلَافِ الْخُلْعِ فإن مَقْصُودَهُ الْفُرْقَةُ وَهِيَ تَحْصُلُ غَالِبًا بِدُونِ عِوَضٍ الْحُكْمُ الثَّانِي التَّسْلِيمُ لِلْمَهْرِ فَلِكَبِيرَةِ عَاقِلَةٍ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا لِلزَّوْجِ مُطَالَبَةُ الزَّوْجِ نَفْسِهِ أو وَلِيَّهُ بِالْمَهْرِ وَإِنْ كان الزَّوْجُ صَغِيرًا كما في النَّفَقَةِ
وَلَهَا أَيْ لِلْكَبِيرَةِ حَبْسُ نَفْسِهَا حتى يُسَلِّمَ الزَّوْجُ الْمَهْرَ الْمُعَيَّنَ أو الْحَالِّ كَالْبَائِعِ سَوَاءٌ أَخَّرَ تَسْلِيمَهُ لِعُذْرٍ أَمْ لَا وَالْحَبْسُ في الْأَمَةِ لِسَيِّدِهَا أو لِوَلِيِّهِ لَا الْمُؤَجَّلِ وَلَوْ حَلَّ قبل تَسْلِيمِهَا لِوُجُوبِ تَسْلِيمِهَا قبل الْحُلُولِ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِالتَّأْجِيلِ كما في الْبَيْعِ وما ذُكِرَ من الْحَبْسِ مَحَلُّهُ في غَيْرِ ما مَرَّ في أَوَائِلِ الْبَابِ الْحَادِيَ عَشَرَ وَلِوَلِيِّ صَغِيرَةٍ وَمَجْنُونَةٍ تَرْكُ الْحَبْسِ لَهُمَا لِلْمَصْلَحَةِ فَعُلِمَ أَنَّ له حَبْسَهُمَا حتى يُسَلِّمَ الزَّوْجُ الْمَهْرَ وَإِنْ تَنَازَعَا أَيْ الزَّوْجَانِ في الْبُدَاءَةِ بِالتَّسْلِيمِ بِأَنْ قال لَا أُسَلِّمُ الْمَهْرَ حتى تُسَلِّمِي نَفْسَك وَقَالَتْ لَا أُسَلِّمُهَا حتى تُسَلِّمَهُ أُجْبِرَا بِمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ أُمِرَ بِتَسْلِيمِهِ إلَى عَدْلٍ ثُمَّ أُمِرَتْ بِالتَّمْكِينِ فإذا مَكَّنَتْ سَلَّمَ الْعَدْلُ الْمَهْرَ إلَيْهَا وَإِنْ لم يَأْتِهَا الزَّوْجُ لِمَا فيه من فَصْلِ الْخُصُومَةِ قال الْإِمَامُ فَلَوْ هَمَّ بِالْوَطْءِ بَعْدَ أَنْ تَسَلَّمَتْ الْمَهْرَ فَامْتَنَعَتْ فَالْوَجْهُ اسْتِرْدَادُهُ وَاسْتَشْكَلَ ابْنِ الرِّفْعَةِ تَسْلِيمَهُ إلَى عَدْلٍ لِأَنَّهُ إنْ كان نَائِبَهَا فَالْمُجْبِرُ الزَّوْجُ وَإِلَّا فَالزَّوْجَةُ وَأَجَابَ بِأَنَّهُ نَائِبُهَا كما صَرَّحَ بِهِ الْجِيلِيُّ
وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِيمَا إذَا أَخَذَ الْحَاكِمُ الدَّيْنَ من الْمُمْتَنِعِ فإن الْمَأْخُوذَ يَمْلِكُهُ الْغَرِيمُ وَتَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمَأْخُوذِ منه وَمَعَ كَوْنِهِ نَائِبَهَا هو مَمْنُوعٌ من تَسْلِيمِهِ إلَيْهَا وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ من التَّصَرُّفِ فيه قبل تَمْكِينِهَا بِخِلَافِ الْقَوْلِ بِإِجْبَارِ الزَّوْجِ فَإِنَّا إذَا أَجْبَرْنَاهُ أَطْلَقْنَا تَصَرُّفَهَا في الْمَأْخُوذِ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ وَأَجَابَ آخَرُ بِأَنَّهُ نَائِبُهُمَا وَاسْتَشْهَدَ له بِمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ
____________________
(3/202)
الْمَذْكُورِ وهو ظَاهِرٌ وَآخَرُ بِأَنَّهُ نَائِبُهُ وَلَا مَحْذُورَ في إجْبَارِهَا لِزَوَالِ الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِعَدَمِ إجْبَارِهَا وَآخَرُ بِأَنَّهُ نَائِبُ الشَّرْعِ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ بَيْنَهُمَا وَتَجِبُ عليه نَفَقَتُهَا بِقَوْلِهَا إذَا سَلَّمَ الْمَهْرَ مَكَّنَتْ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مُمَكِّنَةٌ فَرْعٌ يَسْقُطُ حَقُّ الْحَبْسِ لِلزَّوْجَةِ بِالْوَطْءِ لها بِتَمْكِينِهَا منه مُخْتَارَةً مُكَلَّفَةً وَلَوْ في الدُّبُرِ كما لو سَلَّمَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ مُتَبَرِّعًا قبل قَبْضِ الثَّمَنِ لَا بِالتَّسْلِيمِ فَقَطْ فَلَهَا بَعْدَهُ حَبْسُ نَفْسِهَا حتى تَقْبِضَ الْمَهْرَ لِأَنَّ الْقَبْضَ في النِّكَاحِ بِالْوَطْءِ دُونَ التَّسْلِيمِ وَلَا بِوَطْئِهَا مُكْرَهَةً وَصَغِيرَةً وَمَجْنُونَةً وَلَوْ بِتَسْلِيمِ الْوَلِيِّ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِتَسْلِيمِهِنَّ نعم لو سَلَّمَ الْوَلِيُّ الصَّغِيرَةَ أو الْمَجْنُونَةَ بِالْمَصْلَحَةِ فَيَنْبَغِي كما في الْكِفَايَةِ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لها وَإِنْ كَمُلَتْ كما لو تَرَكَ الْوَلِيُّ الشُّفْعَةَ لِمَصْلَحَةٍ ليس لِلْمَحْجُورِ عليه الْأَخْذُ بها بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ على الْأَصَحِّ بِخِلَافِ ما لو سَلَّمَهَا بِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ بَلْ الْمَحْجُورُ عليها بِالسَّفَهِ لو سَلَّمَتْ نَفْسَهَا وَرَأَى الْوَلِيُّ خِلَافَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ له الرُّجُوعُ وَإِنْ وُطِئَتْ وَلَوْ امْتَنَعَتْ من تَسْلِيمِ نَفْسِهَا بِلَا عُذْرٍ وقد بَادَرَ بِتَسْلِيمِ الصَّدَاقِ لم يَسْتَرِدَّهُ لِتَبَرُّعِهِ بِالْمُبَادَرَةِ كما لو عَجَّلَ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ لَا يَسْتَرِدُّهُ بَلْ تُجْبَرُ هِيَ على تَسْلِيمِ نَفْسِهَا وَبِالتَّسْلِيمِ أَيْ وَبِتَسْلِيمِهَا نَفْسَهَا له لها قَبْضُ الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَنَظِيرِهِ في الْبَيْعِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ
وَتُمْهَلُ وُجُوبًا بَعْدَ تَسْلِيمِ الصَّدَاقِ لها بِسُؤَالِهَا أو سُؤَالِ وَلِيِّهَا الْإِمْهَالَ لِنَحْوِ تَنْظِيفٍ من وَسَخٍ كَاسْتِحْدَادٍ لِأَنَّ ذلك مُنَفِّرٌ فَإِزَالَتُهُ أَدْعَى إلَى بَقَاءِ النِّكَاحِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا فما دُونَهَا لِأَنَّ الْغَرَضَ من ذلك يَحْصُلُ فيها وَلِأَنَّهَا أَقَلُّ الْكَثِيرِ وَأَكْثَرُ الْقَلِيلِ وَالْمُرَادُ ما يَرَاهُ قَاضٍ منها لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُجْتَهَدٌ فيه طَاهِرًا كانت من حَيْضٍ وَنِفَاسٍ أَمْ لَا فَلَا تُمْهَلُ أَكْثَرَ من ذلك وَخَرَجَ بِنَحْوِ التَّنْظِيفِ الْجِهَازُ وَالسِّمَنُ وَنَحْوُهُمَا فَلَا تُمْهَلُ لها وَكَذَا الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ فَلَا تُمْهَلُ لِانْقِطَاعِهِمَا لِأَنَّ مُدَّتَهُمَا قد تَطُولُ وَيَتَأَتَّى التَّمَتُّعُ مَعَهُمَا بِلَا وَطْءٍ كما في الرَّتْقَاءِ وَهَذَا ما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وقال الزَّرْكَشِيُّ قِيَاسُ ما ذَكَرُوهُ في الْإِمْهَالِ لِلتَّنْظِيفِ أَنْ تُمْهَلَ الْحَائِضُ إذَا لم تَزِدْ مُدَّةُ حَيْضِهَا على مُدَّةِ التَّنْظِيفِ وقد صَرَّحَ بِهِ في التَّتِمَّةِ فَيَخْتَصُّ عَدَمُ إمْهَالِهَا بِمَا إذَا كانت مُدَّةُ الْحَيْضِ تَزِيدُ على ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِلَّا فَتُمْهَلُ انْتَهَى وَكَالْحَيْضِ فِيمَا قَالَهُ النِّفَاسُ هذا مع أَنَّهُ يُمْكِنُ إدْرَاجُهُمَا في قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِنَحْوِ تَنْظِيفٍ فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِأَصْلِهِ وَمُوَافِقًا لِلْمُتَوَلِّي
لَكِنْ يَفُوتُهُ شَرْطٌ أَنْ لَا تَزِيدَ مُدَّتُهُمَا على مُدَّةِ التَّنْظِيفِ وَلَوْ عَلِمَتْ أَنَّهُ يَطَؤُهَا وَلَا يُرَاقِبُ اللَّهَ تَعَالَى فَهَلْ لها أَنْ تَمْتَنِعَ فيه تَرَدُّدٌ لِلْإِمَامِ قال وَلَا يَبْعُدُ تَجْوِيزُ ذلك أو إيجَابُهُ عليها وَيَحْرُمُ وَطْءُ من لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ لِصِغَرٍ أو مَرَضٍ وَهُزَالٍ لِتَضَرُّرِهَا بِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِتَحْرِيمِهِ في الْمَرِيضَةِ من زِيَادَتِهِ وَتُمْهَلُ أَيْ من لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ حتى تُطِيقَ لِمَا مَرَّ وَيُكْرَهُ لِلْوَلِيِّ تَسْلِيمُهَا أَيْ الصَّغِيرَةِ بِقَرِينَةِ ذِكْرِ الْوَلِيِّ فَلَوْ سُلِّمَتْ له صَغِيرَةٌ لَا تُوطَأُ لم يَلْزَمْ ه تَسْلِيمُ الْمَهْرِ كَالنَّفَقَةِ وَإِنْ سَلَّمَهُ عَالِمًا بِحَالِهَا أو جَاهِلًا فَفِي اسْتِرْدَادِهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا لو امْتَنَعَتْ بِلَا عُذْرٍ وقد بَادَرَ الزَّوْجُ إلَى تَسْلِيمِهِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ قَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ عَدَمِ اسْتِرْدَادِهِ
فَرْعٌ لو قال سَلِّمُوا لي من لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ وأنا لَا أَطَؤُهَا حتى تَحْتَمِلَهُ وَجَبَ تَسْلِيمُ الْمَرِيضَةِ له إنْ كان ثِقَةً لِأَنَّهَا مَحَلُّ التَّمَتُّعِ في الْجُمْلَةِ بَلْ لو سَلَّمَتْ نَفْسَهَا له لم يَكُنْ له الِامْتِنَاعُ من تَسَلُّمِهَا كما ليس له أَنْ يُخْرِجَهَا من دَارِهِ إذَا مَرِضَتْ وَتَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ لها لِمَا مَرَّ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُهَا له وَإِنْ كان ثِقَةً لِأَنَّ الْأَقَارِبَ أَوْلَى بِحَضَانَتِهَا وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ من هَيَجَانِ الشَّهْوَةِ وَلَوْ سُلِّمَتْ له كان له الِامْتِنَاعُ من تَسَلُّمِهَا
____________________
(3/203)
لِأَنَّهُ نِكَاحٌ لِلتَّمَتُّعِ لَا لِلْحَضَانَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا وَتَرْجِيحُ وُجُوبِ تَسْلِيمِ الْمَرِيضَةِ دُونَ الصَّغِيرَةِ فِيمَا ذُكِرَ من زِيَادَتِهِ فإنه قد حَكَاهُ الْأَصْلُ عن الْبَغَوِيّ ثُمَّ حُكِيَ عن وَسِيطِ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ رُبَّمَا وَطِئَ فَتَتَضَرَّرُ بِهِ بِخِلَافِ الْحَائِضِ فَإِنَّهَا لَا تَتَضَرَّرُ لو وَطِئَ وَهَذَا ما جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْمُتَوَلِّي وَرَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ وقال أَنَّهُ مُقْتَضَى كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ وَنَصُّ الْمُخْتَصَرُ
وَيَجِبُ عليه نَفَقَةُ النَّحِيلَةِ أَيْ نَحِيفَةِ الْبَدَنِ بِالتَّسْلِيمِ أَيْ بِتَسْلِيمِهَا أو تَسْلِيمِ وَلِيِّهَا له وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ لو كانت نَحِيفَةً بِالْجِبِلَّةِ فَلَيْسَ لها الِامْتِنَاعُ لِهَذَا الْعُذْرِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَوَقَّعِ الزَّوَالِ كَالرَّتْقَاءِ فَإِنْ خَافَتْ الْإِفْضَاءَ لو وُطِئَتْ لِعَبَالَةِ الزَّوْجِ لم يَلْزَمْهَا التَّمْكِينُ من الْوَطْءِ فَيَتَمَتَّعُ بِغَيْرِهِ أو يُطَلِّقُ وَلَا فَسْخَ له بِذَلِكَ بِخِلَافِ الرَّتَقِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْوَطْءَ مُطْلَقًا وَالنَّحَافَةُ لَا تَمْنَعُ وَطْءَ نَحِيفٍ مِثْلِهَا وَلَيْسَتْ بِعَيْبٍ أَيْضًا نعم إنْ أَفْضَاهَا وَطْءُ كل أَحَدِ فَلَهُ الْفَسْخُ على ما سَيَأْتِي في الدِّيَاتِ وَمَنْ أَفْضَى امْرَأَتَهُ بِالْوَطْءِ لم تَعُدْ إلَيْهِ حتى تَبْرَأَ الْبُرْءَ الذي لو عَادَ لم يَخْدِشْهَا وَلَوْ ادَّعَتْ عَدَمَ الْبُرْءِ كَأَنْ قالت لم يَنْدَمِلْ الْجُرْحُ فَأَنْكَرَ هو أو قال وَلِيُّ الصَّغِيرَةِ لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ عُرِضَتْ على أَرْبَعِ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ فِيهِمَا أو رَجُلَيْنِ مَحْرَمَيْنِ لِلصَّغِيرَةِ وَكَالْمُحْرِمِينَ الْمَمْسُوحَانِ أَمَّا إذَا ادَّعَتْ النَّحِيفَةُ بَقَاءَ أَلَمٍ بَعْدَ الِانْدِمَالِ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ فَتُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا منها نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ
وَإِنْ ادَّعَى الْأَبُ بَعْدَ طَلَبِ الزَّوْجِ تَسْلِيمَ زَوْجَتِهِ مَوْتَهَا وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ بِيَمِينِهِ حتى لَا يُسَلِّمَهُ الْمَهْرَ وَيُكَلِّفَهُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ بِمَوْتِهَا وَلَا يَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ تَجْهِيزِهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ وَإِنْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ بِتَعِزَّ امْرَأَةً بِزَبِيدَ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا بِتَعِزَّ اعْتِبَارًا بِمَحَلِّ الْعَقْدِ فَإِنْ طَلَبَهَا إلَى عَدَنَ فَنَفَقَتُهَا من زُبَيْدٍ إلَى تَعْزَ عليها ثُمَّ من تَعْزَ إلَى عَدَنَ عليه وَهَلْ يَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ الطَّرِيقِ من زُبَيْدٍ إلَى تَعْزَ أَمْ لَا قال الْحَنَّاطِيُّ في فَتَاوِيهِ نعم وَحَكَى الرُّويَانِيُّ فيه وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا نعم لِأَنَّهَا خَرَجَتْ بِأَمْرِهِ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّ تَمْكِينَهَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِتَعِزَّ قال وَهَذَا أَقْيَسُ وَأَمَّا من تَعْزَ إلَى عَدَنَ فَعَلَيْهِ
الْحُكْمُ الثَّالِثُ التَّقْرِيرُ فَلَا يَسْتَقِرُّ الْمَهْرُ لِلزَّوْجَةِ إلَّا بِالْوَطْءِ وَلَوْ حَرَامًا كَوُقُوعِهِ في حَيْضٍ أو دُبُرٍ لِاسْتِيفَاءِ مُقَابِلِهِ وَلِأَنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ يُوجِبُهُ ابْتِدَاءً فَوَطْءُ النِّكَاحِ أَوْلَى بِالتَّقْرِيرِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَيْ الزَّوْجِ فيه أَيْ في الْوَطْءِ بِيَمِينِهِ أو بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا في النِّكَاحِ الصَّحِيحِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وَلِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِهِ النِّكَاحُ بِدَلِيلِ التَّوَارُثِ وَإِنَّمَا هو نِهَايَةٌ له وَنِهَايَةُ الْعَقْدِ كَاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عليه بِدَلِيلِ الْإِجَازَةِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ قَتْلَ السَّيِّدِ أَمَتَهُ وَقَتْلَهَا نَفْسَهَا يُسْقِطَانِ الْمَهْرَ وَلَوْ أَعْتَقَ مَرِيضٌ أَمَتَهُ التي لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا وَتَزَوَّجَهَا وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ الْعِتْقَ اسْتَمَرَّ النِّكَاحُ وَلَا مَهْرَ قَالَهُ في الْبَيَانِ وَالْمُرَادُ بِاسْتِقْرَارِ الْمَهْرِ الْأَمْنُ من سُقُوطِهِ كُلِّهِ بِالْفَسْخِ أو سُقُوطِ شَطْرِهِ بِالطَّلَاقِ وَلَا بِالْخَلْوَةِ وَنَحْوِهَا كَاسْتِدْخَالِ مَائِهِ وَالْمُبَاشَرَةِ في غَيْرِ الْفَرْجِ حتى لو طَلَّقَهَا بَعْدَ ذلك لم يَجِبْ إلَّا الشَّطْرُ لِآيَةِ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ من قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ أَيْ تُجَامِعُوهُنَّ وَكَمَا لَا يَلْتَحِقُ ذلك بِالْوَطْءِ في سَائِرِ الْأَحْكَامِ من حَدٍّ وَغُسْلٍ وَغَيْرِهِمَا
الْبَابُ الثَّانِي في حُكْمِ الصَّدَاقِ الْفَاسِدِ وَلِفَسَادِهِ أَسْبَابٌ سِتَّةٌ الْأَوَّلُ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا عَدَمُ الْمَالِيَّةِ فيه مُطْلَقًا أو لِلزَّوْجِ كَخَمْرٍ وَمَغْصُوبٍ وقد سَبَقَ حُكْمُهُ وَلَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدَيْنِ فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا حُرًّا أو مَغْصُوبًا بَطَلَ الصَّدَاقُ فيه وَصَحَّ في الْآخَرِ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ وَتَخَيَّرَتْ فَإِنْ فَسَخَتْ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَإِنْ أَجَازَتْ فَلَهَا مع الْآخَرِ حِصَّةُ الْمَغْصُوبِ من مَهْرِ الْمِثْلِ بِحَسَبِ قِيمَتِهِمَا وثانيهما الْجَهَالَةُ كَأَنْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا أو ثَوْبًا غير مَوْصُوفٍ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ السَّبَبُ الثَّانِي
____________________
(3/204)
@ 205 الشَّرْطُ بِتَفْصِيلٍ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ لم يَتَعَلَّقْ بِهِ غَرَضٌ كَشَرْطِ أَنْ لَا تَأْكُلَ إلَّا كَذَا أو تَعَلَّقَ بِهِ غَرَضٌ لَكِنَّهُ وَافَقَ مُقْتَضَى النِّكَاحِ كَشَرْطِ أَنْ يُنْفِقَ عليها أو يَقْسِمَ لها لم يُؤَثِّرْ في النِّكَاحِ وَلَا في الصَّدَاقِ لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ
وَإِلَّا أَيْ لم يُوَافِقْ مُقْتَضَى النِّكَاحِ فَإِنْ لم يُخِلَّ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ كَشَرْطِ أَنْ لَا يُنْفِقَ أو لَا يَتَزَوَّجَ عليها أو لَا يُسَافِرَ بها أو لَا يَقْسِمَ لها أو أَنْ يُسْكِنَهَا مع ضَرَّتِهَا انْعَقَدَ النِّكَاحُ لِعَدَمِ الْإِخْلَالِ بِمَقْصُودِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَأَثَّرُ بِفَسَادِ الْعِوَضِ فَبِفَسَادِ الشَّرْطِ أَوْلَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ لَا الْمُسَمَّى لِفَسَادِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ إنْ كان لها فلم تَرْضَ بِالْمُسَمَّى وَحْدَهُ وَإِنْ كان عليها فلم يَرْضَ الزَّوْجُ بِبَذْلِ الْمُسَمَّى إلَّا عِنْدَ سَلَامَةِ ما شَرَطَهُ فإذا فَسَدَ الشَّرْطُ وَلَيْسَ له قِيمَةٌ يَرْجِعُ إلَيْهَا وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَإِنْ أَخَلَّ بِهِ كَشَرْطِ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَلَوْ بَعْدَ الْوَطْءِ أو أَنَّ له الْخِيَارَ في النِّكَاحِ أو أنها لَا تَرِثُهُ أو أَنَّهُ لَا يَرِثُهَا أو أَنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ أو على أَنَّ النَّفَقَةَ على غَيْرِ الزَّوْجِ بَطَلَ الْعَقْدُ لِلْإِخْلَالِ الْمَذْكُورِ لَكِنَّ قَوْلَهُ أو لَا تَرِثُهُ إلَى آخِرِ ما زِدْته نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْحَنَّاطِيِّ ثُمَّ قال وفي قَوْلٍ يَصِحُّ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ قال الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَهَذَا هو الْأَصَحُّ وَوَجْهُهُ أَنَّ الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ لَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ لَا بِشَرْطِهِ أَيْ الزَّوْجِ أَنْ لَا يَطَأَهَا فَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ كما سَبَقَ بَيَانُهُ في الْكَلَامِ على التَّحْلِيلِ فَرْعٌ لو نَكَحَهَا بِأَلْفٍ إنْ أَقَامَ بها في الْبَلَدِ وَإِلَّا فَبِأَلْفَيْنِ أو زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدٍ لِغَيْرِهِ على أَنَّ الْأَوْلَادَ لِلسَّيِّدَيْنِ انْعَقَدَ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِمَا مَرَّ قبل الْفَرْعِ
وَكَذَا يَنْعَقِدُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ إنْ شَرَطَ الْخِيَارَ في الصَّدَاقِ لِأَنَّهُ لم يَتَمَحَّضْ عِوَضًا بَلْ فيه مَعْنَى النِّحْلَةِ فَلَا يَلِيقُ بِهِ الْخِيَارُ أو نَكَحَهَا بِأَلْفٍ على أَنَّ لِأَبِيهَا أَلْفًا أو على أَنْ يُعْطِيَهُ أَلْفًا لِأَنَّهُ إنْ لم يَكُنْ من الصَّدَاقِ فَهُوَ شَرْطٌ عُقِدَ في عَقْدٍ وَإِلَّا فَقَدْ جَعَلَ بَعْضَ ما الْتَزَمَهُ في مُقَابَلَةِ الْبُضْعِ لِغَيْرِ الزَّوْجَةِ فَيَفْسُدُ كما في الْبَيْعِ السَّبَبُ الثَّالِثُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ في الِابْتِدَاءِ كَأَنْ أَصْدَقَهَا عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ أو نَكَحَ امْرَأَتَيْنِ مَعًا بِعِوَضٍ وَاحِدٍ كما سَيَأْتِي في الْفَصْلِ الْآتِي بِخِلَافِ تَفْرِيقِهَا في الدَّوَامِ وفي اخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ وَمِنْ تَفْرِيقِهَا في الْأَجِيرِ ما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ فإذا زَوَّجَهُ بِنْتَه وَمَلَّكَهُ أَلْفًا من مَالِهَا بِعَبْدٍ صَحَّ الْمُسَمَّى لِأَنَّ ذلك جَمْعٌ بين عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ في صَفْقَةٍ إذْ بَعْضُ الْعَبْدِ صَدَاقٌ وَبَعْضُهُ مَبِيعٌ وَوَزَّعْنَا الْعَبْدَ على الْأَلْفِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ فَإِنْ كان مَهْرُ الْمِثْلِ أَلْفًا أَيْضًا وَقِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَيْنِ فَنِصْفُ الْعَبْدِ مَبِيعٌ وَنِصْفُهُ صَدَاقٌ قُلْت رُدَّ الْعَبْدُ على الزَّوْجِ بِعَيْبٍ رَجَعَتْ زَوْجَتُهُ عليه بِأَلْفٍ وَلَهَا عليه مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَوْ رَدَّتْ عليه أَحَدَ النِّصْفَيْنِ فَقَدْ جَازَ لِتَعَدُّدِ الْعَقْدِ
فَإِنْ طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ بها رَجَعَ لِلزَّوْجِ نِصْفُ الصَّدَاقِ وهو رُبُعُ الْعَبْدِ فَقَطْ وَإِنْ فُسِخَ النِّكَاحُ بِعَيْبٍ أو نَحْوِهِ رَجَعَ إلَيْهِ الصَّدَاقُ كُلُّهُ وهو نِصْفُ الْعَبْدِ وَإِنْ تَلِفَ الْعَبْدُ قبل الْقَبْضِ له اسْتَرَدَّتْ الْأَلْفَ وَطَالَبَتْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَلَوْ وَجَدَ الزَّوْجُ بِالثَّمَنِ عَيْبًا وَرَدَّهُ اسْتَرَدَّ الْمَبِيعَ وهو نِصْفُ الْعَبْدِ وَيَبْقَى لها النِّصْفُ الْآخَرُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَاشْتَرَى عَبْدَهَا بِأَلْفٍ صَحَّ كُلٌّ من الصَّدَاقِ وَالشِّرَاءِ وَقَسَّطَ الْأَلْفَ على مَهْرِ الْمِثْلِ وَقِيمَةِ الْعَبْدِ فما خَصَّ مَهْرَ الْمِثْلِ فَهُوَ صَدَاقٌ فَإِنْ رَدَّ الْعَبْدَ عليها بِعَيْبٍ اسْتَرَدَّ الزَّوْجُ قِسْطَهُ أَيْ قِسْطَ الْعَبْدِ من الْأَلْفِ وَلَيْسَ لها رَدُّ الْبَاقِي وَالرُّجُوعُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ الْمُسَمَّى صَحِيحٌ هذا إنْ بَقِيَ النِّكَاحُ وَإِنْ الْأَوْلَى فَإِنْ فُسِخَ قبل الدُّخُولِ اسْتَرَدَّ الزَّوْجُ الْجَمِيعَ أَيْ جَمِيعَ الْعِوَضِ فَإِنْ خَرَجَ الْأَلْفُ مُسْتَحَقًّا اسْتَرَدَّتْ الْعَبْدَ وَوَجَبَ لها مَهْرُ الْمِثْلِ فَإِنْ زَوَّجَهُ إيَّاهَا وَمَلَّكَهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ لها بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ بَطَلَ الْبَيْعُ وَالصَّدَاقُ لِأَنَّهُ رِبًا فإنه من قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ
فَإِنْ كان أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ دَنَانِيرَ صِحَاحًا إذْ عَابَتْهُ أَنَّهُ جَمَعَ بين صَدَاقٍ وَصَرْفٍ وهو لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ فَصْلٌ لو نَكَحَ امْرَأَتَيْنِ مَعًا كَأَنْ زَوَّجَهُ بِهِمَا أبو أَبَوَيْهِمَا أو مُعْتِقُهُمَا أو وَكِيلُ وَلِيِّهِمَا أو خَالَعَهُمَا مَعًا على عِوَضٍ وَاحِدٍ فَسَدَ الْعِوَضُ لِلْجَهْلِ بِمَا يَخُصُّ كُلًّا مِنْهُمَا في الْحَالِ كما لو بَاعَ عَبِيدَ جَمْعٍ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ لَا النِّكَاحُ وَالْبَيْنُونَةُ فَلَا يَفْسُدَانِ لِأَنَّ فَسَادَ الْعِوَضِ فِيهِمَا لَا يَقْتَضِي فَسَادَهُمَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مُعَاوَضَةً مَحْضَةً وَرَجَعَ فِيهِمَا إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِكُلٍّ من الْمَرْأَتَيْنِ كما لو أَصْدَقَهُمَا خَمْرًا وَكَذَا يَفْسُدُ الْعِوَضُ
____________________
(3/205)
وَيَرْجِعُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لو زَوَّجَ الْأَبُ ابْنَتَيْهِ من رَجُلَيْنِ بِعِوَضٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَتَا أَيْ الْمُزَوَّجَتَانِ لِوَاحِدٍ بِعِوَضٍ وَاحِدٍ أَمَتَيْنِ لِسَيِّدٍ وَاحِدٍ لم يَفْسُدْ أَيْ الْعِوَضُ لِاتِّحَادِ الْمُسْتَحِقِّ في هذه وَتَعَدُّدِهِ في تِلْكَ
السَّبَبُ الرَّابِعُ أَنْ يَتَضَمَّنَ إثْبَاتُهُ أَيْ الصَّدَاقِ رَفْعَ النِّكَاحِ أو رَفْعَ الصَّدَاقِ فَالْأَوَّلُ مِثَالُهُ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِهِ في نِكَاحِ حُرَّةٍ بِصَدَاقٍ وَالصَّدَاقُ رَقَبَتُهُ فَيَبْطُلُ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ قَارَنَهُ بِمَا يُضَادُّهُ وَيَلْزَمُهُ بُطْلَانُ الصَّدَاقِ لِأَنَّهُ لو صَحَّ لَمَلَكَتْ زَوْجَهَا وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ فَيَرْتَفِعُ الصَّدَاقُ وَكَالْحُرَّةِ الْمُبَعَّضَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ فَإِنْ كانت أَيْ الْمُعَيَّنَةُ لِنِكَاحِ عَبْدِهِ أَمَةً صَحَّ النِّكَاحُ وَالصَّدَاقُ لِأَنَّ الْمَهْرَ لِسَيِّدِهَا لَا لها فَإِنْ طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ أَنَّ من بَاعَ عَبْدًا قد تَزَوَّجَ بِإِذْنِهِ فَطَلَّقَ قبل الدُّخُولِ وَبَعْدَ الْأَدَاءِ لِلْمَهْرِ حُكْمُهُ أَنَّ الْمُسْتَرَدَّ من الْمَهْرِ لِلْمُشْتَرِي كان الْعَبْدُ كُلُّهُ هُنَا لِسَيِّدِ الْأَمَةِ فَإِنْ أَعْتَقَ مَالِكُ الْأَمَةِ الْعَبْدَ ثُمَّ طَلَّقَهَا الْعَبْدُ قبل الدُّخُولِ بها أو ارْتَدَّتْ قَبْلَهُ فَعَلَى الْمُعْتِقِ لِلْعَتِيقِ نِصْفُ قِيمَتِهِ في صُورَةِ الطَّلَاقِ وَجَمِيعُهُ الْأَوْلَى وَجَمِيعُهَا في صُورَةِ الرِّدَّةِ وكان الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ بِقِيمَةِ نِصْفِهِ لَا بِنِصْفِ قِيمَتِهِ لِأَنَّهَا الْوَاجِبَةُ دُونَهُ
وَلَوْ لم يُعْتِقْهُ سَيِّدُ الْأَمَةِ فِيمَا ذَكَرَهُ بَلْ بَاعَهُ كان عليه ذلك أَيْ ما ذُكِرَ من النِّصْفِ وَالْجَمِيعِ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الصَّدَاقَ يَكُونُ أَبَدًا لِمَنْ له الْعَبْدُ يوم الطَّلَاقِ أو الِانْفِسَاخِ وَلَوْ بَاعَ الْأَمَةَ ثُمَّ طَلَّقَهَا الْعَبْدُ أو فَسَخَتْ نِكَاحَهَا بِعَيْبٍ قبل الدُّخُولِ بَقِيَ الْعَبْدُ له أَيْ لِبَائِعِهَا وَلَا شَيْءَ عليه وَمِثَالُ الْقِسْمِ الثَّانِي وهو أَنْ يَتَضَمَّنَ إثْبَاتُ الصَّدَاقِ رَفْعَهُ أَنْ يَكُونَ له أَيْ لِرَجُلٍ وَلَدٌ حُرٌّ من أَمَةٍ يَمْلِكُ بَيْعَهَا كَأَنْ وَلَدَتْهُ منه وَهِيَ في غَيْرِ مِلْكِهِ بِنِكَاحٍ ثُمَّ مَلَكَهَا فَيُعْتَقُ عليه وَلَدُهُ دُونَهَا فَيُزَوِّجُهُ بِامْرَأَةٍ وَيُصْدِقُهَا أُمَّهُ فإن الصَّدَاقَ يَفْسُدُ وَيَجِبُ لِلْمَرْأَةِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَذَلِكَ لِأَنَّا إنْ أَيْ لو صَحَّحْنَاهُ دَخَلَتْ الْأَمَةُ أَوَّلًا في مِلْكِ الِابْنِ وَعَتَقَتْ عليه فَيَمْتَنِعُ انْتِقَالُهَا إلَى الْمَرْأَةِ وَكَذَا لو جَعَلَ أَحَدَ أَبَوَيْهَا صَدَاقًا لها وَمَتَى تَبَرَّعَ الْوَالِدُ عن ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِالصَّدَاقِ أو اشْتَرَى له شيئا في ذِمَّتِهِ وَسَلَّمَهُ عنه ثُمَّ طَلَّقَ قبل الدُّخُولِ أو رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ عَادَ النِّصْفُ أَيْ نِصْفُ الصَّدَاقِ في الْأُولَى أو الثَّمَنُ في الثَّانِيَةِ إلَى الِابْنِ وَلَا رُجُوعَ لِلْأَبِ فيه فَلَوْ تَبَرَّعَ بِهِ أَجْنَبِيٌّ عن الزَّوْجِ أو وَالِدٌ عن ابْنِهِ الْكَبِيرِ عَادَ إلَيْهِمَا لَا إلَى الْمُتَبَرِّعِ عنه
وَتَقَدَّمَ أَوَاخِرَ بَابِ خِيَارِ النَّقْصِ ذلك مع ذِكْرِ الْفَرْقِ بين الْحُكْمَيْنِ وَغَيْرِهِ السَّبَبُ الْخَامِسُ الْوَلِيُّ أَيْ تَفْرِيطُهُ فَإِنْ زَوَّجَ الْمُجْبَرَةَ بِالْإِجْبَارِ بِأَنْ زَوَّجَ بِنْتَه الْمَجْنُونَةَ أو الْبِكْرَ الصَّغِيرَةَ أو الْكَبِيرَةَ بِغَيْرِ إذْنِهَا بِأَقَلَّ من مَهْرِ الْمِثْلِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ بمثله أو قبل النِّكَاحِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ أو الْمَجْنُونِ لَا من مَالِ الْأَبِ بِأَكْثَرَ من مَهْرِ الْمِثْلِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ بمثله بَطَلَ الْمُسَمَّى لِانْتِفَاءِ الْحَظِّ وَالْمَصْلَحَةِ فيه وَصَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ الْمَهْرِ وَلَوْ قَبْلَهُ له بِأَكْثَرَ من مَهْرِ الْمِثْلِ من مَالِ نَفْسِهِ صَحَّ الْمُسَمَّى عَيْنًا كان أو دَيْنًا لِأَنَّ الْمَجْعُولَ صَدَاقًا يَكُنْ مِلْكًا لِلِابْنِ حتى يَفُوتَ عليه وَالتَّبَرُّعُ بِهِ إنَّمَا حَصَلَ في ضِمْنِ تَبَرُّعِ الْأَبِ فَلَوْ أَلْغَى فَاتَ على الِابْنِ وَلَزِمَ مَهْرُ الْمِثْلِ في مَالِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَرَجَّحَ الْمُتَوَلِّي وَالسَّرَخْسِيُّ فَسَادَهُ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ دُخُولَهُ في مِلْكِ الِابْنِ ثُمَّ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِالزَّائِدِ وَأَيَّدَهُ الْأَصْلُ بِمَنْعِهِ إعْتَاقَهُ عنه عَبْدَ
____________________
(3/206)
نَفْسِهِ في كَفَّارَةِ الْقَتْلِ
وَرُدَّ بِأَنَّ له أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَ طِفْلِهِ في كَفَّارَةِ الْقَتْلِ كما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في الْوَصَايَا وَذَكَرَهُ الْقَاضِي هُنَاكَ وَالْبَنْدَنِيجِيّ في الْأَيْمَانِ وإذا جَازَ ذلك في عبد طِفْلِهِ فَفِي عبد نَفْسِهِ أَوْلَى وَالتَّرْجِيحُ في هذا من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ فَصْلٌ لو عَقَدُوا سِرًّا بِأَلْفٍ وأعادوه جَهْرًا بِأَلْفَيْنِ تَجَمُّلًا لَزِمَ الْأَلْفُ أو اتَّفَقُوا على أَلْفٍ سِرًّا ثُمَّ عَقَدُوا بِأَلْفَيْنِ جَهْرًا لَزِمَ الْأَلْفَانِ اعْتِبَارًا بِالْعَقْدِ وَعَلَى هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ حُمِلَ نَصُّ الشَّافِعِيُّ في مَوْضِعٍ على أَنَّ الْمَهْرَ مَهْرُ السِّرِّ وفي آخَرَ على أَنَّهُ مَهْرُ الْعَلَانِيَةِ أو اتَّفَقُوا على تَسْمِيَةِ الْأَلْفِ بِأَلْفَيْنِ بِأَنْ عَبَّرُوا بِهِمَا عنها وَعَقَدُوا بِهِمَا لَزِمَا لِجَرَيَانِ اللَّفْظِ الصَّرِيحِ بِهِمَا أو عَقَدُوا بِهِمَا على أَنْ لَا يَلْزَمَ إلَّا أَلْفٌ صَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِمَا مَرَّ السَّبَبُ السَّادِسُ الْمُخَالَفَةُ لِلْأَمْرِ فَمَتَى قَدَّرْنَ أَيْ لِلْمَرْأَةِ أَلْفًا مَثَلًا فَزَوَّجَهَا الْوَلِيُّ أو وَكِيلُهُ بِدُونِهِ أو بِلَا مَهْرٍ أو بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ أو أَطْلَقَ أو أَطْلَقَتْ الْإِذْنَ بِأَنْ لم تُقَدِّرْ مَهْرًا فَزَوَّجَهَا من ذُكِرَ بِأَقَلَّ من مَهْرِ الْمِثْلِ أو بِلَا مَهْرٍ أو بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ أو أَطْلَقَ صَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ كَسَائِرِ الْأَسْبَابِ الْمُفْسِدَةِ لِلصَّدَاقِ
نعم لو كانت سَفِيهَةً وَسَمَّى دُونَ تَسْمِيَتِهَا لَكِنَّهُ كان زَائِدًا على مَهْرِ الْمِثْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُضَيِّعَ الزَّائِدَ عليها قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ قال وَلَوْ طَرَدَ في الرَّشِيدَةِ لم يَبْعُدْ وَإِنْ قالت لِلْوَلِيِّ أو وَكِيلِهِ زَوِّجْنِيهِ أَيْ الْخَاطِبَ بِمَا شَاءَ فَفَعَلَ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ إنْ جَهِلَ لِلْعَاقِدَيْنِ أو لِأَحَدِهِمَا ما شَاءَهُ الْخَاطِبُ وَإِلَّا فا لْوَاجِبُ الْمُسَمَّى وَمِثْلُهُ ما لو قالت بِمَا شِئْت أو بِمَا شِئْت أنا فَرْعٌ لو قال الْوَلِيُّ لِلْوَكِيلِ زَوِّجْهَا من شَاءَتْ بِمَا عِبَارَةُ الْأَصْلِ بِكَمْ شَاءَتْ فَرَضِيَتْ بِغَيْرِ كُفْءٍ وَمَهْرٍ فَزَوَّجَهَا بِهِ صَحَّ النِّكَاحُ لِرِضَاهَا بِذَلِكَ فَرْعٌ لو قال أنا وَكِيلُ فُلَانٍ الْغَائِبِ مَثَلًا في قَبُولِ نِكَاحِ فُلَانَةَ بِكَذَا فَصَدَّقَهُ الْوَلِيُّ وَالْمَرْأَةُ فَتَزَوَّجَ له وَضَمِنَ الصَّدَاقَ فَإِنْ أَنْكَرَ الْغَائِبُ الْوَكَالَةَ وَحَلَفَ لَزِمَ الْوَكِيلَ نِصْفُ ما ضَمِنَ لِأَنَّ الْمَالَ ثَابِتٌ عَلَيْهِمَا بِزَعْمِهِ فَصَارَ كما لو قال لِزَيْدٍ على عَمْرٍو أَلْفٌ وأنا ضَامِنُهُ فَأَنْكَرَ عَمْرٌو يَجُوزُ لِزَيْدٍ مُطَالَبَةُ الضَّامِنِ
وَإِنْ قال الْوَلِيُّ لِوَكِيلِهِ أَيْ لِمَنْ يُرِيدُ تَوْكِيلَهُ وَكَّلْتُك في تَزْوِيجِ بِنْتِي فُلَانًا لَكِنْ لَا تُزَوِّجْهُ إنْ لم يُكْفَلْ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لم تَصِحَّ الْوَكَالَةُ لِاشْتِرَاطِهِ الْكَفَالَةَ قبل الْعَقْدِ وَحَذَفَ من الْأَصْلِ هُنَا شيئا لِذِكْرِهِ له في الْبَابِ الرَّابِعِ في بَيَانِ الْأَوْلِيَاءِ وَإِنْ قال له زَوِّجْهَا بِأَلْفٍ وَجَارِيَةٍ ولم يَصِفْهَا بَلْ أو وَصَفَهَا فَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ فَقَطْ أو قال له زَوِّجْهَا بِمَجْهُولٍ أو خَمْرٍ فَزَوَّجَهَا بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ أو بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ صَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَقَوْلُهُ في الرَّوْضَةِ لم يَصِحَّ أَيْ النِّكَاحُ تَبِعَ فيه كَالرَّافِعِيِّ طَرِيقَةَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَوَكَّلَ الْأَمْرَ فيه إلَى ما قَرَّرَهُ قَبْلُ من أَنَّ طَرِيقَةَ الْعِرَاقِيِّينَ أَصَحُّ فَعَدَلَ عنه الْمُصَنِّفُ إلَى ما قَالَهُ لِيُوَافِقَ مُرَادَهُ الْبَابُ الثَّالِثُ في التَّفْوِيضِ وهو جَعْلُ الْأَمْرِ إلَى غَيْرِهِ وَيُقَالُ الْإِهْمَالُ وَمِنْهُ لَا يُصْلِحُ الناس فَوْضَى وَسُمِّيَتْ الْمَرْأَةُ مُفَوِّضَةً بِكَسْرِ الْوَاوِ لِتَفْوِيضِهَا أَمْرَهَا إلَى الزَّوْجِ أو إلَى الْوَلِيِّ بِلَا مَهْرٍ أو لِأَنَّهَا أَهْمَلَتْ الْمَهْرَ وَمُفَوَّضَةً بِفَتْحِهَا لِأَنَّ الْوَلِيَّ فَوَّضَ أَمْرَهَا إلَى الزَّوْجِ قال في الْبَحْرِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ في صُورَتِهِ وهو ضَرْبَانِ تَفْوِيضُ مَهْرٍ بِأَنْ تَقُولَ زَوِّجْنِيهِ بِمَا شَاءَ أو بِمَا شِئْت أو بِمَا شِئْت أنا وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ وَتَفْوِيضُ بُضْعٍ وهو أَنْ تَأْذَنَ الرَّشِيدَةُ في تَزْوِيجِهَا بِلَا مَهْرٍ فَيُزَوِّجُهَا نَافِيًا لِلْمَهْرِ أو سَاكِتًا عنه بِخِلَافِ غَيْرِ الرَّشِيدَةِ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ تَبَرُّعٌ وَيُسْتَفَادُ بِتَفْوِيضِ سَفِيهَةٍ إذْنُهَا في النِّكَاحِ وَلَيْسَ سُكُوتُ الْآذِنَةِ عن الْمَهْرِ تَفْوِيضًا لِأَنَّ النِّكَاحَ يُعْقَدُ غَالِبًا بِمَهْرٍ فَيُحْمَلُ الْإِذْنُ على الْعَادَةِ فَكَأَنَّهَا قالت زَوِّجْنِي بِمَهْرٍ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ
____________________
(3/207)
وَبِهِ صَرَّحَ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ
وقال وفي نُسْخَةٍ وَادَّعَى في الْمُهِمَّاتِ أَنَّهُ تَفْوِيضٌ وَأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عليه نَصًّا قَاطِعًا وَلَيْسَ كما ادَّعَى وَالنَّصُّ الذي ذَكَرَهُ ليس قَاطِعًا بَلْ يَحْتَمِلُ جِدًّا كما نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ وَسُكُوتُ السَّيِّدِ عن مَهْرِ غَيْرِ الْمُكَاتَبَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ تَفْوِيضٌ لِأَنَّ سُكُوتَهُ عنه في الْعَقْدِ يُشْعِرُ بِرِضَاهُ بِدُونِهِ بِخِلَافِ إذْنِ الْمَرْأَةِ لِلْوَلِيِّ فإنه مَحْمُولٌ على ما يَقْتَضِيهِ الْعُرْفُ وَالشَّرْعُ من التَّصَرُّفِ لها بِالْمَصْلَحَةِ وَلَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ بِإِذْنِهَا على أَنْ لَا مَهْرَ لها وَإِنْ وَطِئَ صَحَّ النِّكَاحُ كما لو نَقَصَ عن مَهْرِ الْمِثْلِ وَهَلْ تَبْقَى مُفَوِّضَةً وَيُجْعَلُ التَّفْوِيضُ صَحِيحًا بِإِلْغَاءِ النَّفْيِ في الْمُسْتَقْبَلِ أو لَا فَ تَسْتَحِقُّ مَهْرَ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ وَيُجْعَلُ التَّفْوِيضُ فَاسِدًا وَجْهَانِ وَبِالثَّانِي قال أبو إِسْحَاقَ وَصَاحِبَا الْمُهَذَّبِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ كما في سَائِرِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو قَضِيَّةُ إيرَادِ جُمْهُورِ الْعِرَاقِيِّينَ كما قَالَهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ فَهُوَ الْمَذْهَبُ
فَرْعٌ لو نَكَحَهَا على أَنْ لَا مَهْرَ وَلَا نَفَقَةَ لها أو على أَنْ لَا مَهْرَ لها وَتُعْطِيَهُ أَيْ وَتُعْطِيَ زَوْجَهَا أَلْفًا وقد أَذِنَتْ بِذَلِكَ فَمُفَوِّضَةٌ لِأَنَّ ذلك أَبْلَغُ في التَّفْوِيضِ وَإِنْ زَوَّجَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ من نَقْدِ الْبَلَدِ وقد أَذِنَتْ أَنْ تُزَوَّجَ بِلَا مَهْرٍ صَحَّ الْمُسَمَّى أو زَوَّجَهَا بِدُونِهِ فَمُفَوِّضَةٌ فَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ بِالْعَقْدِ قال الزَّرْكَشِيُّ كَذَا تَبِعَ فيه الشَّيْخَانِ الْبَغَوِيّ وهو عَجِيبٌ كما قَالَهُ ابن الرِّفْعَةِ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ على تَسْمِيَةٍ فَاسِدَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ الطَّرَفُ الثَّانِي في حُكْمِهِ أَيْ التَّفْوِيضِ فَلِلْمُفَوِّضَةِ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْوَطْءِ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ لِمَا فيه من حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى نعم لو نَكَحَ في الْكُفْرِ مُفَوِّضَةً ثُمَّ أَسْلَمَا وَاعْتِقَادُهُمْ أَنْ لَا مَهْرَ لِمُفَوِّضَةٍ بِحَالٍ ثُمَّ وَطِئَ فَلَا شَيْءَ لها لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ وَطْئًا بِلَا مَهْرٍ لَا بِالْعَقْدِ إذْ لو وَجَبَ بِهِ لِتَشَطَّرَ بِالطَّلَاقِ قبل الدُّخُولِ كَالْمُسَمَّى الصَّحِيحِ وقد دَلَّ الْقُرْآنُ على أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا الْمُتْعَةُ أو بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا أَيْ الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّهُ كَالْوَطْءِ في تَقْرِيرِ الْمُسَمَّى فَكَذَا في إيجَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ في التَّفْوِيضِ وَلِأَنَّ يَرْوُعَ بِنْتَ وَاشِقٍ نَكَحَتْ بِلَا مَهْرٍ فَمَاتَ زَوْجُهَا قبل أَنْ يَفْرِضَ لها فَقَضَى لها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمَهْرِ نِسَائِهَا وَبِالْمِيرَاثِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ
وقال التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْمُعْتَبَرُ في مَهْرِ الْمِثْلِ في صُورَةِ الْوَطْءِ أَكْثَرُ ما كان من الْعَقْدِ إلَى الْوَطْءِ وَكَذَا في صُورَةِ الْمَوْتِ في وَجْهٍ ومهرها يوم الْمَوْتِ في وَجْهٍ وَيَوْمَ الْوَطْءِ في وَجْهٍ وَوَجْهُ اعْتِبَارِ الْأَكْثَرِ في صُورَةِ الْوَطْءِ أَنَّ الْبُضْعَ دخل بِالْعَقْدِ في ضَمَانِهِ وَاقْتَرَنَ بِهِ الْإِتْلَافُ فَوَجَبَ الْأَكْثَرُ كَالْمَقْبُوضِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ وَيُؤْخَذُ منه أَنَّ الْأَوْجَهَ في صُورَةِ الْمَوْتِ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْأَكْثَرِ وَيَنْبَغِي فيها اعْتِبَارُ يَوْمِ الْعَقْدِ أَنَّ ما ذُكِرَ في صُورَةِ الْوَطْءِ من اعْتِبَارِ الْأَكْثَرِ ما صَحَّحَهُ في الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِهَا هُنَا لَكِنَّهُ صَحَّحَ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ اعْتِبَارَ يَوْمِ الْعَقْدِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ في سِرَايَةِ الْعِتْقِ عن اعْتِبَارِ الْأَكْثَرِينَ وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ لِلزَّوْجِ بِالْفَرْضِ لِمَهْرٍ قبل الْمَسِيسِ وَحَبْسِ نَفْسِهَا له أَيْ لِلْفَرْضِ لِتَكُونَ على بَصِيرَةٍ من تَسْلِيمِ نَفْسِهَا وَكَذَا لها حَبْسُ نَفْسِهَا لِلتَّسْلِيمِ أَيْ تَسْلِيمِ الْمَفْرُوضِ كَالْمُسَمَّى في الْعَقْدِ وَإِنْ طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ وَالْفَرْضِ فَلَا مَهْرَ لها أَيْ فَلَا شَيْءَ لها منه لِعَدَمِ وُجُوبِهِ قبل الطَّلَاقِ
فَرْعٌ الْمَفْرُوضُ
____________________
(3/208)
ما تَرَاضَيَا عليه وَلَوْ مُؤَجَّلًا وَزَائِدٌ على مَهْرِ الْمِثْلِ وَجَاهِلَيْنِ بِقَدْرِهِ كَالْمُسَمَّى ابْتِدَاءً وَلِأَنَّ الْمَفْرُوضَ ليس بَدَلًا عن مَهْرِ الْمِثْلِ لِيَشْتَرِطَ الْعِلْمَ بِهِ بَلْ الْوَاجِبُ أَحَدُهُمَا مُبْهَمًا فَإِنْ امْتَنَعَ الزَّوْجُ من الْفَرْضِ لها أو لم يَتَرَاضَيَا على قَدْرٍ فَرَضَ الْقَاضِي مَهْرَ الْمِثْلِ من نَقْدِ الْبَلَدِ حَالًّا كما في قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ لَا مُؤَجَّلًا وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَإِنْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَنْصِبَهُ الْإِلْزَامُ بِمَالٍ حَالٍّ من نَقْدِ الْبَلَدِ وَلَهَا إذَا فَرَضَهُ حَالًّا تَأْخِيرُهُ أَيْ تَأْخِيرُ قَبْضِهِ لِأَنَّ الْحَقَّ لها وَلَا اعْتِبَارَ بِتَفَاوُتٍ يَسِيرٍ يُحْتَمَلُ مِثْلُهُ في قَدْرِ الْمَهْرِ وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الْقَاضِي بِمَهْرِ الْمِثْلِ حتى لَا يَزِيدَ عليه وَلَا يَنْقُصَ عنه إلَّا بِالتَّفَاوُتِ الْيَسِيرِ لَا رِضَاهُمَا بِمَا فَرَضَهُ الْقَاضِي لِأَنَّ فَرْضَهُ حُكْمٌ منه وَحُكْمُهُ لَا يَتَوَقَّفُ لُزُومُهُ على رِضَا الْخَصْمَيْنِ
وَلَوْ فَرَضَهُ أَجْنَبِيٌّ من مَالِهِ لم يَصِحَّ لِأَنَّهُ خِلَافُ ما يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ فَرْعٌ يَبْطُلُ إبْرَاؤُهَا عن الْمَهْرِ وَإِسْقَاطُ الْفَرْضِ قبل الْفَرْضِ وَلِوَطْءٍ فِيهِمَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ إبْرَاءٌ عَمَّا لم يَجِبْ وَأَمَّا الثَّانِي فَكَإِسْقَاطِ زَوْجَةِ الْمُوَلَّى حَقَّهَا من مُطَالَبَةِ زَوْجِهَا وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عن الْمُتْعَةِ وَلَوْ بَعْدَ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ قبل الطَّلَاقِ إبْرَاءٌ عَمَّا لم يَجِبْ وَبَعْدَهُ إبْرَاءٌ عن مَجْهُولٍ وإذا فَسَدَ الْمُسَمَّى كَأَنْ أَصْدَقَهَا خَمْرًا فَأَبْرَأَتْ عن مَهْرِ الْمِثْلِ وَهِيَ تَعْرِفُهُ صَحَّ الْإِبْرَاءُ وَإِنْ جَهِلَتْهُ لم يَصِحَّ وَلَوْ عَلِمَتْ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ على أَلْفَيْنِ وَتَبَقَّتْ أَلْفًا أَيْ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عن أَلْفٍ فَأَبْرَأَتْهُ أَيْ زَوْجَهَا من أَلْفَيْنِ نَفَذَ إبْرَاؤُهَا وقال في الْأَصْلِ وَلَوْ قَبَضَتْ أَلْفًا وَأَبْرَأَتْهُ من أَلْفٍ إلَى أَلْفَيْنِ فَإِنْ بَانَ مَهْرُهَا أَلْفًا أو فَوْقَهُ إلَى أَلْفَيْنِ فَالْبَرَاءَةُ حَاصِلَةٌ وَإِنْ بَانَ فَوْقَ الْأَلْفَيْنِ لَزِمَتْهُ الزِّيَادَةُ وَحَصَلَتْ الْبَرَاءَةُ من أَلْفَيْنِ وَهَذَا مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ في بَابِ الضَّمَانِ فَلِهَذَا تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ
وَإِنْ أَعْطَاهَا أَيْ دَفَعَ لها زَوْجُهَا أَلْفَيْنِ وَمَلَّكَهَا ما فَوْقَ الْأَلْفِ إلَى أَلْفَيْنِ مَلَكَتْهُ أَيْ مَلَكَتْ ذلك إنْ بَانَ مَهْرُهَا أَلْفًا أو فَوْقَ أَلْفٍ إلَى أَلْفَيْنِ فَإِنْ بَانَ أَقَلَّ من أَلْفٍ رَدَّتْ إلَيْهِ تَكْمِلَةَ الْأَلْفِ أَيْ قَدْرَ التَّفَاوُتِ بين مَهْرِهَا وَالْأَلْفِ لِأَنَّهُ لم يَدْخُلْ في التَّمْلِيكِ وما ذُكِرَ في هذه من صِحَّةِ التَّمْلِيكِ في الْأَلْفَيْنِ جَارٍ على ما صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ من أَنَّهُ يَبْرَأُ عن عَشَرَةٍ فِيمَا لو قال أَبْرَأْته من وَاحِدٍ إلَى عَشَرَةٍ وَأَمَّا على ما صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ من أَنَّهُ يَبْرَأُ من تِسْعَةٍ فَيَنْبَغِي إسْقَاطُ وَاحِدٍ من الْأَلْفَيْنِ فَرْعٌ لو أَبْرَأَهُ من دَيْنٍ ظَانًّا أَنْ لَا دَيْنَ له عليه صَحَّ الْإِبْرَاءُ كما لو بَاعَ مَالَ أبيه ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا وَيَحْصُلُ الْإِبْرَاءُ بِمَعْنَى الْبَرَاءَةِ منها أَيْ الزَّوْجَةِ بِلَفْظِ التَّحْلِيلِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْإِسْقَاطِ وَالْعَفْوِ وَالتَّمْلِيكِ ويحصل الْإِبْرَاءُ منه بِمَا يُمَلِّكُ الْأَعْيَانَ أَيْ بِلَفْظٍ صَالِحٍ لِتَمْلِيكِ الْأَعْيَانِ فَإِنْ تَلِفَتْ أَيْ الْعَيْنُ الْمَدْفُوعَةُ إلَى الزَّوْجَةِ وَصَارَ الْحَاصِلُ دَيْنًا فَبِالْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ منه
فَصْلٌ الْمَفْرُوضُ الصَّحِيحُ يَتَشَطَّرُ بِالطَّلَاقِ قبل الدُّخُولِ كَالْمُسَمَّى ابْتِدَاءً لَا الْمَفْرُوضُ الْفَاسِدُ كَخَمْرٍ فَلَا يَتَشَطَّرُ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ إذْ لَا عِبْرَةَ بِهِ بَعْدَ إخْلَاءِ الْعَقْدِ عن الْمَفْرُوضِ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ فَاسِدِ الْمُسَمَّى في الْعَقْدِ لِعَدَمِ إخْلَاءِ الْعَقْدِ عن الْعِوَضِ فَرْعٌ يُحْكَمُ في ذِمِّيَّةٍ فَوَّضَتْ بُضْعَهَا في نِكَاحِهَا ذِمِّيًّا بِحُكْمِنَا فِينَا عِنْدَ التَّرَافُعِ إلَيْنَا وَالظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِيَحْكُمُ
____________________
(3/209)
فَصْلٌ حَيْثُ أَوْجَبْنَا مَهْرَ الْمِثْلِ فَهُوَ ما يَرْغَبُ بِهِ في مِثْلِهَا عَادَةً من نِسَاءِ عَصَبَاتِهَا وَهُنَّ الْمَنْسُوبَاتُ إلَى من تُنْسَبُ هِيَ إلَيْهِ كَالْأُخْتِ وَبِنْتِ الْأَخِ وَالْعَمَّةِ وَبِنْتِ الْعَمِّ وَإِنْ مُتْنَ فَتُرَاعَى الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى فَتُقَدَّمُ الْأَخَوَاتُ من الْأَبَوَيْنِ ثُمَّ من الْأَبِ ثُمَّ بَنَاتُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ عَمَّاتٌ كَذَلِكَ على تَرْتِيبِ الْإِرْثِ في الْأَقْرَبِيَّةِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ فَإِنْ فُقِدْنَ أَيْ نِسَاءُ عَصَبَاتِهَا أو لم يَنْكِحْنَ أو جُهِلَ مَهْرُهُنَّ فَنِسَاءُ الْأَرْحَامِ تُقَدَّمُ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى من الْجِهَاتِ وَكَذَا من الْجِهَةِ الْوَاحِدَةِ كَجَدَّاتٍ وَخَالَاتٍ
قال الْمَاوَرْدِيُّ وَيُقَدَّمُ من نِسَاءِ الْأَرْحَامِ الْأُمُّ ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأُمِّ ثُمَّ الْجَدَّاتُ ثُمَّ الْخَالَاتُ ثُمَّ بَنَاتُ الْأَخَوَاتِ ثُمَّ بَنَاتُ الْأَخْوَالِ وَعَلَى هذا قال وَلَوْ اجْتَمَعَتْ أُمُّ أَبٍ وَأُمُّ أُمٍّ فَأَوْجُهٌ ثَالِثُهَا التَّسْوِيَةُ ثُمَّ إنْ تَعَذَّرَتْ نِسَاءُ الْأَرْحَامِ اُعْتُبِرَتْ الْأَجَانِبُ أَيْ الْأَجْنَبِيَّاتُ وَتُرَاعَى الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُنَّ في النَّسَبِ لِأَنَّهُ الرُّكْنُ الْأَعْظَمُ لِلْمَهْرِ وفي الْأَمَةِ أَمَةٌ مِثْلُهَا في خِسَّةِ السَّيِّدِ وَشَرَفِهِ وفي الْعَتِيقَةِ عَتِيقَةٌ مِثْلُهَا وفي الْعَرَبِيَّةِ عَرَبِيَّةٌ مِثْلُهَا وفي الْبَدْوِيَّةِ بَدْوِيَّةٌ مِثْلُهَا وفي الْقَرَوِيَّةِ قَرَوِيَّةٌ مِثْلُهَا وَتُعْتَبَرُ الْبَلَدُ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ فَلَوْ كُنَّ بِبَلْدَتَيْنِ وَهِيَ بِأَحَدِهِمَا اُعْتُبِرَ بِمَنْ بِبَلْدَتِهَا لَكِنْ نِسَاؤُهَا أَيْ نِسَاءُ عَصَبَاتِهَا وَإِنْ غِبْنَ عن بَلَدِهَا يُقَدَّمْنَ على نِسَاءِ بَلَدِهَا الْأَجْنَبِيَّاتِ نعم من سَاكَنَهَا مِنْهُنَّ في الْبَلَدِ أَيْ بَلَدِهَا قبل انْتِقَالِهَا إلَى الْأُخْرَى قُدِّمَ عَلَيْهِنَّ إذَا لم يُسَاكِنْهَا في بَلَدِهَا وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ ابن الصَّبَّاغِ وَإِنْ تَفَرَّقْنَ في الْبِلَادِ اُعْتُبِرَ أَقْرَبُهَا إلَى بَلَدِهَا
وَيُرَاعَى مع ذلك الْعِفَّةُ وَالْجَمَالُ وَسَائِرُ الْخِصَالِ الْمَقْصُودَةِ أَيْ الْمُرَغِّبَةِ وَلَوْ يَسَارًا كَبَكَارَةٍ وَفَصَاحَةٍ وَسِنٍّ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا فَإِنْ فَضَّلَتْهُنَّ أو نَقَصَتْ عَنْهُنَّ بِصِفَةٍ من الصِّفَاتِ الْمُرَغِّبَةِ فُرِضَ الْمَهْرُ اللَّائِقُ بِالْحَالِ وَإِنْ سَامَحَتْ امْرَأَةٌ من الْعَصَبَةِ بِبَعْضِ مَهْرِهَا لم يُلْتَفَتْ إلَيْهَا اعْتِبَارًا بِالْغَالِبِ فَلَا يَلْزَمُ الْبَاقِيَاتِ الْمُسَامَحَةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِنَقْصِ نَسَبٍ يُفَتِّرُ الرَّغْبَةَ فَتُعْتَبَرُ الْمُسَامَحَةُ وَإِنْ كُنَّ كُلُّهُنَّ أو غَالِبُهُنَّ يُسَامِحْنَ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ اعْتَبَرْنَاهُ فَلَوْ جَرَتْ عَادَتُهُنَّ بِمُسَامَحَةِ الْعَشِيرَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ خَفَّفْنَا مَهْرَ هذه في حَقِّ الْعَشِيرَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ وَكَذَا لو سَامَحْنَ لِلشَّرِيفِ دُونَ غَيْرِهِ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ حَالًّا من نَقْدِ الْبَلَدِ كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ فَإِنْ اعْتَدْنَ التَّأْجِيلَ في جَمِيعِ الصَّدَاقِ أو بَعْضِهِ نَقَصَ لِلتَّعْجِيلِ بِقَدْرِهِ أَيْ بِقَدْرِ ما يَلِيقُ بِالْأَجَلِ وَيُعْتَبَرُ مَهْرُهَا في النِّكَاحِ الْفَاسِدِ يوم الْوَطْءِ كَالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ لَا يوم الْعَقْدِ إذْ لَا حُرْمَةَ لِلْعَقْدِ الْفَاسِدِ
فَرْعٌ لَا يَتَعَدَّدُ الْمَهْرُ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ أَيْ بِتَعَدُّدِهِ قال الْمَاوَرْدِيُّ إذَا لم يُؤَدَّ الْمَهْرُ قبل التَّعَدُّدِ إلَّا إنْ تَعَدَّدَتْ أَيْ الشُّبْهَةُ كَأَنْ وَطِئَ امْرَأَةً مَرَّةً بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ مَرَّةً أُخْرَى بِنِكَاحٍ آخَرَ فَاسِدٍ أو وَطِئَهَا يَظُنُّهَا زَوْجَتَهُ ثُمَّ عَلِمَ الْوَاقِعَ ثُمَّ ظَنَّهَا مَرَّةً أُخْرَى زَوْجَتَهُ فَوَطِئَهَا أو وَطِئَهَا مَرَّةً يَظُنُّهَا زَوْجَتَهُ وَمَرَّةً أُخْرَى يَظُنُّهَا زَوْجَتَهُ الْأُخْرَى فَيَتَعَدَّدُ الْمَهْرُ لِتَعَدُّدِ سَبَبِهِ لَكِنْ يُعْتَبَرُ أَكْمَلُ الْأَحْوَالِ في الْوَطَآتِ لِأَنَّهُ لو لم يُوجَدْ إلَّا الْوَطْأَةُ الْوَاقِعَةُ في تِلْكَ الْحَالَةِ لَوَجَبَ ذلك الْمَهْرُ فَالْوَطَآتُ الْبَاقِيَةُ إذَا لم تَقْتَضِ زِيَادَةً لَا تُوجِبُ نَقَصَانَا وَيَتَعَدَّدُ الْمَهْرُ بِالْإِكْرَاهِ أَيْ بِتَعَدُّدِهِ إذْ الْمُوجِبُ له الْإِتْلَافُ وقد تَعَدَّدَ بِلَا اتِّحَادِ شُبْهَةٍ كما مَرَّ في الْغَصْبِ وَلَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ بِغَيْرِ إحْبَالٍ أو الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ أو مُكَاتَبَتَهُ مِرَارًا لم يَتَعَدَّد الْمَهْرُ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ عن الْمَاوَرْدِيِّ وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ في الْمُكَاتَبَةِ لِأَنَّ شُبْهَتَيْ الْإِعْفَافِ وَامْلِكْ بِعَمَّانَ الْوَطَآتِ
____________________
(3/210)
الْبَابُ الرَّابِعُ في تَشْطِيرِ الصَّدَاقِ وَفِيهِ أَطْرَافٌ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ في مَوْضِعِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ فَيَعُودُ لِلزَّوْجِ نِصْفُ كُلٍّ من الْمُسَمَّى وَالْمَفْرُوضِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ وَيَبْرَأُ منه إنْ كان دَيْنًا وَلَوْ لم يَخْتَرْهُ أَيْ الزَّوْجُ النِّصْفَ ولم يَقْضِ بِهِ قَاضٍ بِالطَّلَاقِ وَلَوْ خَلَعَا قبل الدُّخُولِ وَإِنْ بَاشَرَتْهُ الزَّوْجَةُ بِتَفْوِيضِهِ أَيْ الطَّلَاقِ إلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ من قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وقد فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ وَقِيسَ بِالطَّلَاقِ غَيْرُهُ من أَنْوَاعِ الْفُرْقَةِ وَلِأَنَّ قَضِيَّةَ ارْتِفَاعِ الْعَقْدِ قبل تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عليه سُقُوطُ كل الْعِوَضِ كما في الْبَيْعِ إلَّا أَنَّ الزَّوْجَةَ كَالْمُسَلَّمَةِ لِزَوْجِهَا بِالْعَقْدِ من وَجْهٍ لِنُفُوذِ تَصَرُّفَاتِهِ التي يَمْلِكُهَا بِالنِّكَاحِ من غَيْرِ تَوَقُّفٍ على قَبْضٍ فَاسْتَقَرَّ لِذَلِكَ بَعْضُ الْعِوَضِ وَسَقَطَ بَعْضُهُ لِعَدَمِ اتِّصَالِهِ بِالْمَقْصُودِ ويعود إلَيْهِ ذلك بِكُلِّ فُرْقَةٍ لَا بِسَبَبٍ منها كَأَنْ ارْتَدَّ وَحْدَهُ أو مَعَهَا كما صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمْ كَالْخُلْعِ وَصَحَّحَ الْفَارِقِيُّ وابن أبي عَصْرُونٍ خِلَافَهُ
وَكَذَا الزَّرْكَشِيُّ في خَادِمِهِ وَالْعِرَاقِيُّ بِحَسَبِ ما فَهِمَا من قَوْلِ الرَّافِعِيِّ في الْمُتْعَةِ وَلَوْ ارْتَدَّا مَعًا فَفِي وُجُوبِهَا وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ في التَّشْطِيرِ وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ فَجَعَلَا التَّصْحِيحَ رَاجِعًا لِلْمَسْأَلَتَيْنِ وَالظَّاهِرُ رُجُوعُهُ لِلْمُتْعَةِ فَقَطْ وَلِهَذَا عَبَّرَ الْقَمُولِيِّ بِقَوْلِهِ وَالْأَصَحُّ أنها لَا تَجِبُ ذَكَرَ في التَّشْطِيرِ وَجْهَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ فَعَزْوُ الزَّرْكَشِيّ في شَرْحِ الْمِنْهَاجِ تَصْحِيحَ التَّشْطِيرِ لِلرَّافِعِيِّ في بَابِ الْمُتْعَةِ وَهْمٌ أو أَرْضَعَتْهُ أُمُّهَا وَنَحْوُهُ كَأَنْ أَرْضَعَتْهَا أُمُّهُ أو بِنْتُهُ أو وَطِئَهَا أَبُوهُ أو ابْنُهُ بِشُبْهَةٍ فَإِنْ كانت أَيْ الْفُرْقَةُ بِسَبَبٍ منها كَإِسْلَامِهَا وَلَوْ تَبَعًا وَرِدَّتِهَا وَفَسْخِهَا بِعَيْبِهِ وَفَسْخِهِ بِعَيْبِهَا وَإِرْضَاعِهَا زَوْجَتَهُ الْأُخْرَى الصَّغِيرَةَ عَادَ إلَيْهِ الْجَمِيعُ لِأَنَّهَا أَتْلَفَتْ الْمُعَوَّضَ قبل التَّسْلِيمِ فَسَقَطَ الْعِوَضُ كما لو أَتْلَفَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ قبل الْقَبْضِ فَإِنْ قُلْت لِمَ جَعَلْتُمْ عَيْبَهَا كَفَسْخِهَا لِكَوْنِهِ سَبَبَ الْفَسْخِ ولم تَجْعَلُوا عَيْبَهُ كَفَسْخِهِ قُلْنَا الزَّوْجُ بَذَلَ الْعِوَضَ في مُقَابَلَةِ مَنَافِعِهَا فإذا كانت مَعِيبَةً فَالْفَسْخُ من مُقْتَضَى الْعَقْدِ إذْ لم تُسَلِّمْ له حَقَّهُ وَالزَّوْجَةُ لم تَبْذُلْ شيئا في مُقَابَلَةِ مَنَافِعِ الزَّوْجِ وَالْعِوَضُ الذي مَلَكَتْهُ سَلِيمٌ فَكَانَ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا فَسْخَ لها إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ أَثْبَتَ لها الْفَسْخَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عنها فإذا اخْتَارَتْهُ لَزِمَهَا رَدُّ الْبَدَلِ كما لو ارْتَدَّتْ
وَكَذَا لو اشْتَرَتْهُ يَعُودُ إلَيْهِ الْجَمِيعُ بِمَعْنَى يَسْقُطُ عنه فَلَوْ اشْتَرَاهَا تَشَطَّرَ الصَّدَاقُ وَلَوْ طَلَّقَهَا على أَنْ لَا تَشْطِيرَ لَغَا الشَّرْطُ كما لو أَعْتَقَ وَنَفَى الْوَلَاءَ فَإِنْ نَقَصَ الصَّدَاقُ في يَدِهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ وَلَوْ بِلَا عُدْوَانٍ ضَمِنَتْ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ عن مُعَاوَضَةٍ كَالْمَبِيعِ في يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْإِقَالَةِ وَلَوْ ادَّعَتْ حُدُوثَهُ أَيْ النَّقْصِ قبل الطَّلَاقِ فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ الطَّرَفُ الثَّانِي في تَغَيُّرِهِ قبل الطَّلَاقِ فَإِنْ تَلِفَ رَجَعَ الزَّوْجُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ لَا قِيمَةِ نِصْفِهِ إنْ كان مُتَقَوِّمًا وَبِنِصْفِ
____________________
(3/211)
مِثْلِهِ إنْ كان مِثْلِيًّا وَإِنَّمَا رَجَعَ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ لَا بِقِيمَةِ النِّصْفِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ منها لِأَنَّ التَّشْقِيصَ عَيْبٌ كَذَا قَالَهُ في الْأَصْلِ هُنَا قبل الْقِسْمِ الثَّالِثِ وقال إنَّ الْغَزَالِيَّ تَسَاهَلَ في تَعْبِيرِهِ بِقِيمَةِ النِّصْفِ انْتَهَى
وَالْحَقُّ أَنَّهُ لم يَتَسَاهَلْ في ذلك بَلْ قَصَدَهُ كَإِمَامِهِ بَلْ قال إمَامُهُ إنَّ في التَّعْبِيرِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ تَسَاهُلًا وَمُرَادُهُمْ قِيمَةُ النِّصْفِ وَمَالَ إلَيْهِ ابن الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالْفُرْقَةِ نِصْفُ الْمَهْرِ وقد تَعَذَّرَ أَخْذُهُ فَتُؤْخَذُ قِيمَتُهُ وَهِيَ قِيمَةُ النِّصْفِ لَا نِصْفُ الْقِيمَةِ وقد أَنْكَرَ في الرَّوْضَةِ في الْوَصَايَا على الرَّافِعِيِّ تَعْبِيرَهُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ بِنَحْوِ ما ذُكِرَ لَكِنَّهُ تَبِعَهُ هُنَا وَصَوَّبَ قَوْلَهُ رِعَايَةً لِلزَّوْجِ كما رُوعِيَتْ الزَّوْجَةُ في ثُبُوتِ الْخِيَارِ لها وقد نَبَّهَ الْأَذْرَعِيُّ على أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَالْجُمْهُورَ قد عَبَّرُوا بِكُلٍّ من الْعِبَارَتَيْنِ وَكَذَا الْغَزَالِيُّ فإنه عَبَّرَ في وَجِيزِهِ بِمَا مَرَّ وفي بَسِيطِهِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَهَذَا منهم يَدُلُّ على أَنَّ مُؤَدَّاهُمَا عِنْدَهُمْ وَاحِدٌ بِأَنْ يُرَادَ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ نِصْفُ قِيمَةِ كُلٍّ من النِّصْفَيْنِ مُنْفَرِدًا لَا مُنْضَمًّا إلَى الْآخَرِ فَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ النِّصْفِ أو بِأَنْ يُرَادَ بِقِيمَةِ النِّصْفِ قِيمَتُهُ مُنْضَمًّا لَا مُنْفَرِدًا فَيَرْجِعُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَإِنْ كان بَاقِيًا بِحَالِهِ فَلَيْسَ لها إبْدَالُهُ وَلَوْ أَدَّاهُ لها عَمَّا في ذِمَّتِهِ من الصَّدَاقِ لِأَنَّهُ عَادَ إلَى مِلْكِ الزَّوْجِ بِالْفُرْقَةِ
وَإِنْ تَغَيَّرَ بِغَيْرِ تَلَفِهِ فَقَدْ يَكُونُ بِنَقْصٍ أو زِيَادَةٍ أو بِهِمَا الْأَوَّلُ النَّقْصُ فَنُقْصَانُ الْوَصْفِ كَالْعَمَى وَالْعَوَرِ في يَدِهَا يَثْبُتُ له الْخِيَارُ بين أَخْذِهِ أَيْ الصَّدَاقِ أو نِصْفِهِ مَعِيبًا كَتَعَيُّبِ الْمَبِيعِ في يَدِ الْبَائِعِ وَأَخْذِ قِيمَتِهِ سَلِيمًا إنْ كان مُتَقَوِّمًا وَأَخْذِ مِثْلِهِ إنْ كان مِثْلِيًّا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عنه فَإِنْ حَدَثَ النَّقْصُ في يَدِهِ قبل قَبْضِهَا له وَرَضِيَتْ بِهِ أَخَذَهُ نَاقِصًا بِلَا أَرْشٍ لِأَنَّهُ نَقْصٌ وهو من ضَمَانِهِ نعم لو حَصَلَ النَّقْصُ بِجِنَايَةٍ وَأَخَذَتْ أَرْشَهَا بَلْ أو لم تَأْخُذْهُ فَلَهُ مع ما ذُكِرَ نِصْفُهُ أَيْ الْأَرْشِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْفَائِتِ فإذا تَلِفَ الْبَعْضُ في يَدِهَا كَأَحَدِ الْعَبْدَيْنِ أَخَذَ هو فِيمَا إذَا تَشَطَّرَ الصَّدَاقُ نِصْفَ الْمَوْجُودِ وَنِصْفَ بَدَلِ الْمَفْقُودِ الثَّانِي الزِّيَادَةِ فَالْمُنْفَصِلَةِ كَالْوَلَدِ وَاللَّبَنِ وَالْكَسْبِ لها سَوَاءٌ أَحَدَثَتْ في يَدِهَا أَمْ في يَدِ الزَّوْجِ وَيَرْجِعُ هو بِنِصْفِ الْأَصْلِ إلَّا في جَارِيَةٍ وَلَدَتْ فَلَا يَرْجِعُ في نِصْفِهَا لِحُرْمَةِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا في بَعْضِ الْأَزْمَانِ فَتُجْعَلُ كَالتَّالِفَةِ فَيَرْجِعُ إلَى قِيمَةِ نِصْفِهَا وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ كَالسِّمَنِ وَالصَّنْعَةِ فَلِلزَّوْجَةِ فيها الْخِيَارُ بين أَنْ تُسَلِّمَهُ أَيْ نِصْفَ الْأَصْلِ زَائِدًا أو أَنْ تُسَلِّمَ قِيمَتَهُ غير زَائِدٍ وَالزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ لَا أَثَرَ لها في الرُّجُوعِ في جَمِيعِ الْأَبْوَابِ لَا هُنَا لِأَنَّ هذا الْعَوْدَ ابْتِدَاءُ تَمَلُّكٍ لَا فَسْخٌ بِخِلَافِ الْعَوْدِ في غَيْرِ الصَّدَاقِ فإنه فَسْخٌ
وهو يَرْفَعُ الْعَقْدَ من أَصْلِهِ أو حِينِهِ فَإِنْ رَفَعَ من أَصْلِهِ فَكَأَنَّهُ لَا عَقْدَ أو من حِينِهِ فَالْفَسْخُ مُشْبِهٌ بِالْعَقْدِ وَالزِّيَادَةُ تَتْبَعُ الْأَصْلَ في الْعَقْدِ فَكَذَا في الْفَسْخِ وَلِهَذَا أَيْ لِكَوْنِ الْعَوْدِ هُنَا ابْتِدَاءَ تَمَلُّكٍ لَا فَسْخًا لو سَلَّمَ عَبْدٌ صَدَاقَ زَوْجَتِهِ من كَسْبِهِ فَعَتَقَ ثُمَّ طَلَّقَ قبل الدُّخُولِ عَادَ النِّصْفُ إلَيْهِ لَا إلَى السَّيِّدِ وَلَوْ حَجَرَ عليها بِفَلَسٍ ثُمَّ طَلُقَتْ اُعْتُبِرَ مع رِضَاهَا رِضَا الْغُرَمَاءِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ انْتَفَى الرِّضَا الْمَذْكُورُ ضَارِبُ الزَّوْجِ مع الْغُرَمَاءِ وَلَوْ عَادَ إلَيْهِ الْكُلُّ أَيْ كُلُّ الصَّدَاقِ نَظَرَتْ فَإِنْ كان بِسَبَبٍ عَارِضٍ كَرِدَّتِهَا وَالرَّضَاعِ فَكَذَلِكَ أَيْ فَيَأْتِي فيه ما مَرَّ في عَوْدِ النِّصْفِ مِمَّا حَدَثَتْ فيه الزِّيَادَةُ أو بِسَبَبٍ مُقَارِنٍ كَعَيْبِ أَحَدِهِمَا أَخَذَهُ بِزِيَادَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ وَكَالْمُقَارِنِ فِيمَا يَظْهَرُ الْعَيْبَ الْحَادِثَ قبل الزِّيَادَةِ لِتَسَلُّطِ الزَّوْجِ على الْفَسْخِ قَبْلَهَا
الثَّالِثُ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ وَهُمَا إمَّا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ كَكِبَرِ الْعَبْدِ فَنَقْصُهُ من حَيْثُ الْحُسْنِ وَالْقِيمَةِ من حَيْثُ إنَّ الصَّغِيرَ يَدْخُلُ على النِّسَاءِ وَلَا يَعْرِفُ الْغَوَائِلَ وَيَقْبَلُ التَّأْدِيبَ وَالرِّيَاضَةَ وَزِيَادَتُهُ من
____________________
(3/212)
حَيْثُ إنَّهُ أَقْوَى على الشَّدَائِدِ وَالْأَسْفَارِ وَأَحْفَظُ لِمَا يُسْتَحْفَظُ وَكِبَرُ الشَّجَرَةِ فَنَقْصُهَا من حَيْثُ إنَّهَا تَقِلُّ ثَمَرَتُهَا وزيادتها من حَيْثُ إنَّهُ يَكْثُرُ حَطَبُهَا وَكَالْحَبَلِ وَلَوْ لِبَهِيمَةٍ فَالزِّيَادَةُ من حَيْثُ تَوَقُّعُ الْوَلَدِ وَالنَّقْصُ لِلضَّعْفِ حَالًّا وَلِلْخَطَرِ مَآلًا خُصُوصًا في الْأَمَةِ وَلِأَنَّهُ يُفْسِدُ لَحْمَ الْمَأْكُولَةِ أو بِسَبَبَيْنِ كَأَنْ اعْوَرَّ الْعَبْدُ وَتَعَلَّمَ صَنْعَةً مَقْصُودَةً فَلِكُلٍّ من الزَّوْجَيْنِ الْخِيَارُ وَإِنْ نَقَصَتْ بها أَيْ بِالزِّيَادَةِ الْقِيمَةُ فَإِنْ تَرَاضَيَا بِالرَّدِّ لِنِصْفِ الْعَيْنِ فَلَا زِيَادَةَ عليه وَإِنْ لم يَتَرَاضَيَا بِهِ فَالْقِيمَةُ خَالِيَةٌ عن الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ وَلَا تُجْبَرُ هِيَ على رَدِّ نِصْفِ الْعَيْنِ لِلزِّيَادَةِ وَلَا هو على قَبُولِهِ لِلنَّقْصِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى ثَبَتَ خِيَارٌ له أو لها لم يَمْلِكْ الزَّوْجُ الْمَهْرَ أو نِصْفَهُ حتى يَخْتَارَ ذُو الِاخْتِيَارِ فَرْعٌ الْحَرْثُ زِيَادَةٌ في أَرْضِ الزَّرْعِ لِأَنَّهُ يُهَيِّئُهَا لِلزَّرْعِ الْمُعَدَّةِ له وهو نَقْصٌ في أَرْضِ الْبِنَاءِ لِأَنَّهُ يُشْعِثُهَا فَإِنْ رضي الزَّوْجُ بِالنَّاقِصَةِ أُجْبِرَتْ على تَسْلِيمِهَا له لِأَنَّهَا دُونَ حَقِّهِ
وَالزَّرْعُ نَقْصٌ في الْأَرْضِ لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِي قُوَّتَهَا غَالِبًا فَإِنْ اتَّفَقَا على رَدِّ نِصْفِ الْعَيْنِ وَتَرْكِ الزَّرْعِ إلَى الْحَصَادِ فَذَاكَ قال الْإِمَامُ وَعَلَيْهِ إبْقَاؤُهُ بِلَا أُجْرَةٍ لِأَنَّهَا زَرَعَتْ مِلْكَهَا الْخَالِصَ وَإِنْ رَغِبَ فيه الزَّوْجُ وَامْتَنَعَتْ أُجْبِرَتْ عليه أو رَغِبَتْ هِيَ فَلَهُ الِامْتِنَاعُ وَيَأْخُذُ الْقِيمَةَ فَلَوْ قالت خُذْ نِصْفَ الْأَرْضِ وَنِصْفَ الزَّرْعِ لم يُجْبَرْ لِأَنَّ الزَّرْعَ ليس من عَيْنِ الصَّدَاقِ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ وَسَيَأْتِي بَعْضُ هذا في كَلَامِهِ فَإِنْ طَلُقَتْ بَعْدَ الْحَصَادِ وَالْعِمَارَةُ لِلْأَرْضِ قَائِمَةٌ بِأَنْ كان بها أَثَرُهَا وَكَانَتْ تَصْلُحُ لِمَا لَا تَصِحُّ له قبل الزَّرْعِ فَزِيَادَةٌ مَحْضَةٌ فَلَيْسَ له الرُّجُوعُ إلَّا بِرِضَاهَا فَصْلٌ الْغِرَاسُ نَقْصٌ في الْأَرْضِ كَالزَّرْعِ فَلَوْ طَلَّقَهَا وَالْأَرْضُ مَزْرُوعَةٌ أو مَغْرُوسَةٌ فَبَادَرَتْ بِالْقَلْعِ فَإِنْ بَقِيَ في الْأَرْضِ نَقْصٌ لِضَعْفِهَا بِهِمَا وهو الْغَالِبُ فَهُوَ على خِيَرَتِهِ وَإِلَّا انْحَصَرَ حَقُّهُ في الْأَرْضِ وَالثَّمَرَةِ بَعْدَ التَّأْبِيرِ أو تَنَاثُرِ نَوْرٍ انْعَقَدَ ثَمَرُهُ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً وَقَبْلَهُمَا مُتَّصِلَةٌ وقد تَقَدَّمَ حُكْمُهَا
وَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ انْعَقَدَ ثَمَرُهُ وقال أو تَنَاثَرَ نَوْرُهَا كان أَخْصَرَ وَأَوْضَحَ فَلَوْ رَضِيَتْ بِتَرْكِ الْمُتَّصِلَةِ لَا الثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ لِلزَّوْجِ أُجْبِرَ على أَخْذِ نِصْفِ النَّخْلِ فَلَيْسَ له طَلَبُ الْقِيمَةِ بِخِلَافِ الْمُؤَبَّرَةِ لِانْفِصَالِهَا وَلَيْسَ له تَكْلِيفُهَا قَطْعَ الْمُؤَبَّرَةِ لِيَرْجِعَ في النِّصْفِ أَيْ نِصْفِ الشَّجَرِ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ في خَالِصِ مِلْكِهَا فَتَتَمَكَّنُ من تَرْبِيَتِهَا وَإِبْقَائِهَا إلَى الْجَدَادِ وَلَا لها تَكْلِيفُهُ الرُّجُوعَ في نِصْفِ الشَّجَرِ وَإِبْقَاءِ ثَمَرَتِهَا إلَى الْجَدَادِ بَلْ له طَلَبُ الْقِيمَةِ لِأَنَّ حَقَّهُ في الشَّجَرِ خَالِيًا وَلِأَنَّ حَقَّهُ ثَبَتَ مُعَجَّلًا فَلَا يُؤَجَّلُ فَإِنْ قالت له ارْجِعْ وأنا أَقْلَعُ الثَّمَرَ عن الشَّجَرِ أو الشَّجَرَ وَالزَّرْعَ عن الْأَرْضِ أو بَادَرَتْ بِقَلْعِ ذلك كما فُهِمَ بِالْأُولَى وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ أُجْبِرَ على الْقَبُولِ إنْ لم يَحْدُثْ بِقَلْعِ ذلك نَقْصٌ في الشَّجَرِ أو الْأَرْضِ ولم يَطُلْ لِقَلْعِهِ مُدَّةٌ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَلِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عليه وَذِكْرُ مَسْأَلَةِ قَلْعِ الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ من زِيَادَتِهِ وَمَتَى بَذَلَتْ له الزَّرْعَ أو الثَّمَرَةَ الْمُؤَبَّرَةَ لِيَرْجِعَ هو في الشَّجَرِ في الثَّانِيَةِ وَالْأَرْضِ في الْأُولَى لم يَلْزَمْهُ الْقَبُولُ وَهَذَا يُغْنِي عن قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ لَا الْمُؤَبَّرَة
وَلَوْ رضي بِتَرْكِ زَرْعِهَا إلَى الْحَصَادِ أو الثَّمَرَةِ إلَى الْجَدَادِ مَجَّانًا لِيَرْجِعَ في نِصْفِ الْأَرْضِ أو الشَّجَرِ أُجْبِرَتْ لِأَنَّ ذلك في يَدِهِمَا كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ وَلِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عليها فيه ثُمَّ بَعْدَ إجْبَارِهَا هُمَا في السَّقْيِ كَشَرِيكَيْنِ في الشَّجَرِ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالثَّمَرِ وقد مَرَّ حُكْمُهُ في بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَلَيْسَ لها تَكْلِيفُهُ التَّأْخِيرَ أَيْ تَأْخِيرَ الرُّجُوعِ إلَى الْحَصَادِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعَيْنَ أو الْقِيمَةَ في الْحَالِ فَلَا يُؤَخَّرُ إلَّا بِرِضَاهُ وَأَرَادَ بِالْحَصَادِ ما يَشْمَلُ الْجَدَادَ فَإِنْ أَخَّرَ بِأَنْ قال أُؤَخِّرُ الرُّجُوعَ إلَى الْحَصَادِ فَلَهَا الِامْتِنَاعُ وَإِنْ بَرَّأَهَا عن الضَّمَانِ بِأَنْ قال أَرْجِعُ وَيَكُونُ نَصِيبِي وَدِيعَةً عِنْدَك وقد أَبْرَأْتُك من ضَمَانِهِ لِأَنَّ نَصِيبَهُ يَكُونُ مَضْمُونًا عليها وَلَا عِبْرَةَ بِالْإِبْرَاءِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ من ضَمَانِ الْعَيْنِ مع بَقَائِهَا بَاطِلٌ كما مَرَّ وَالتَّأْخِيرُ أَيْ وَتَأْخِيرُ الرُّجُوعِ إلَى الْحَصَادِ بِالتَّرَاضِي جَائِزٌ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا وَلَا يَلْزَمُ فَلَوْ بَدَا لِأَحَدِهِمَا الرُّجُوعُ عَمَّا رضي بِهِ جَازَ لِأَنَّ ذلك وَعْدٌ فَلَا يَلْزَمُ وَمِثْلُ ذلك التَّرَاضِي على الرُّجُوعِ في نِصْفِ الشَّجَرِ في الْحَالِّ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ
فَرْعٌ لو أَصْدَقَهَا نَخْلَةً مع ثَمَرَتِهَا مُؤَبَّرَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ ولم يَزِدْ الصَّدَاقَ رَجَعَ في نِصْفِ الْجَمِيعِ وَإِنْ جُدَّتْ
____________________
(3/213)
الثَّمَرَةُ أَيْ قُطِعَتْ لِأَنَّ الْجَمِيعَ صَدَاقٌ وَكَذَا يَرْجِعُ في نِصْفِ الْكُلِّ من أَصْدَقَ زَوْجَتَهُ نَخْلَةً مُطْلِعَةً ثَمَرَتُهَا وَطَلَّقَ هَا وَهِيَ مُطْلِعَةٌ فَإِنْ أَبَّرْتَهَا الْأَوْلَى أَبَّرَتْ ثُمَّ طَلَّقَهَا رَجَعَ في نِصْفِ الشَّجَرَةِ وَكَذَا الثَّمَرَةُ أَيْ نِصْفُهَا كَذَلِكَ إنْ رَضِيَتْ لِأَنَّهَا قد زَادَتْ وَإِلَّا أَخَذَ نِصْفَ الشَّجَرِ مع نِصْفِ قِيمَةِ الطَّلْعِ فَرْعٌ لو أَصْدَقَهَا حَامِلًا هذا أَعَمُّ من قَوْلِ أَصْلِهِ جَارِيَةً حَامِلًا فَطَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ رَجَعَ في نِصْفِهَا حَامِلًا لِأَنَّ الْجَمِيعَ صَدَاقٌ بِنَاءً على أَنَّ الْحَمْلَ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ من الثَّمَنِ
فَإِنْ وَلَدَتْ قبل طَلَاقِهَا فَلَهُ حَقٌّ في نِصْفِ الْوَلَدِ كما لو أَصْدَقَهَا عَيْنَيْنِ لَكِنْ لها الْخِيَارُ فيه لِزِيَادَتِهِ بِالْوِلَادَةِ فَإِنْ سَمَحَتْ بِأَخْذِ الزَّوْجِ نِصْفَهُ مع نِصْفِ أُمِّهِ أَخَذَ نِصْفَهَا وَلَوْ كانت أَيْ الْحَامِلُ جَارِيَةً وَإِنْ لم تَسْمَحْ بِهِ فَلَيْسَ له أَخْذُ نِصْفِ الْأُمِّ إنْ كانت جَارِيَةً بَلْ أَخْذُ نِصْفِ قِيمَتِهَا يوم الِانْفِصَالِ لِحُرْمَةِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا وَقَوْلُهُ يوم الِانْفِصَالِ قَيْدٌ لِاعْتِبَارِ قِيمَةِ الْوَلَدِ فَقَطْ لَا قِيمَتِهِمَا مَعًا عَكْسُ ما أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فيها ذلك لِأَنَّهُ أَوَّلُ وَقْتِ إمْكَانِ التَّقْوِيمِ وَإِنْ لم يَحْرُمْ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا لِكَوْنِهِ مُمَيِّزًا أَخَذَ نِصْفَهَا مع نِصْفِ قِيمَتِهِ لِأَنَّ الْفَرْضَ أنها لم تَسْمَحْ بِنِصْفِهِ فَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا بِالْوِلَادَةِ في يَدِ هَا فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَهَا وَلَا شَيْءَ له معه وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ إلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ أو نَقَصَتْ في يَدِهِ أَخَذَهُ أَيْ نِصْفَهَا نَاقِصًا مع قِيمَةِ نِصْفِهِ
وَإِنْ أَصْدَقَهَا حَائِلًا فَحَمَلَتْ في يَدِهِ وَوَلَدَتْ في يَدِهَا وَنَقَصَتْ قِيمَتُهَا فَهَلْ النَّقْصُ من ضَمَانِهِ وَلَهَا الْخِيَارُ لِأَنَّ السَّبَبَ وُجِدَ في يَدِهِ أَمْ من ضَمَانِهَا وَالْخِيَارُ له لِأَنَّ النَّقْصَ حَصَلَ عِنْدَهَا وَجْهَانِ قال الرَّافِعِيُّ لَا يَخْفَى نَظَائِرُهُمَا أَيْ كَقَتْلِ الْمَبِيعِ بِرِدَّةٍ سَابِقَةٍ على قَبْضِهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ من ضَمَانِهِ وَالْوَلَدُ لها لِحُدُوثِهِ على مِلْكِهَا وَالْقَوْلُ في الْأُمِّ كما مَرَّ فِيمَا إذَا كانت حَامِلًا يوم الْإِصْدَاقِ وَوَلَدَتْ وَطَلَّقَهَا فَرْعٌ لو أَصْدَقَهَا حُلِيًّا فَكَسَرَتْهُ وَأَعَادَتْهُ حُلِيًّا على هَيْئَتِهِ ثُمَّ فَارَقَهَا قبل الدُّخُولِ لم يَرْجِعْ فيه الزَّوْجُ إلَّا بِرِضَاهَا لِزِيَادَتِهِ بِالصَّنْعَةِ عِنْدَهَا وَالْمَوْجُودُ قَبْلَهَا كان مِثْلَهَا لَا عَيْنَهَا أو على هَيْئَةٍ أُخْرَى فَالْحَاصِلُ زِيَادَةٌ من وَجْهٍ وَنَقْصٌ من وَجْهٍ فَإِنْ اتَّفَقَا على الرُّجُوعِ إلَى نِصْفِهِ جَازَ وَإِنْ أَبَى أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ نِصْفُ الْقِيمَةِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَكَذَا نَحْوُ جَارِيَةٍ هَزَلَتْ ثُمَّ سَمِنَتْ عِنْدَهَا كَعَبْدٍ نَسِيَ صَنْعَتَهُ ثُمَّ تَعَلَّمَهَا عِنْدَهَا فَلَا يَرْجِعُ فيه إلَّا بِرِضَاهَا كَذَلِكَ
وَيَرْجِعُ في عَبْدٍ عَمِيَ ثُمَّ أَبْصَرَ عِنْدَهَا كما لو تَعَيَّبَ بِغَيْرِ ذلك في يَدِهَا ثُمَّ زَالَ الْعَيْبُ ثُمَّ فَارَقَهَا فَلَوْ لم تَرْضَ الزَّوْجَةُ في الْحُلِيِّ الْمُعَادِ بِرُجُوعِ الزَّوْجِ رَجَعَ بِنِصْفِ وَزْنِهِ تِبْرًا وَنِصْفِ قِيمَةِ صَنْعَتِهِ وَهِيَ أُجْرَةُ مِثْلِهَا من نَقْدِ الْبَلَدِ وَإِنْ كان من جِنْسِهِ كما في الْغَصْبِ فِيمَا لو أَتْلَفَ حُلِيًّا وَهَذَا وَجْهٌ في الْأَصْلِ وَالْأَصَحُّ فيه أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْحُلِيِّ بِهَيْئَتِهِ التي كانت من نَقْدِ الْبَلَدِ وَإِنْ كان من جِنْسِهِ وَيُفَارِقُ الْغَصْبَ بِأَنَّ الْغَاصِبَ أَتْلَفَ مِلْكَ غَيْرِهِ فَكَلَّفْنَاهُ رَدَّ مِثْلِهِ مع الْأُجْرَةِ وَالْمَرْأَةُ إنَّمَا كَسَرَتْ مِلْكَ نَفْسِهَا وفي مَعْنَى كَسْرِهَا له انْكِسَارُهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ وَلَوْ كان الْمُصَدَّقُ إنَاءَ ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ فَكَسَرَتْهُ وَأَعَادَتْهُ أو لم تُعِدْهُ لم يَرْجِعْ مع نِصْفِهِ بِالْأُجْرَةِ بِنَاءً على الْأَصَحِّ منه أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ لِصَنْعَتِهِ وَلَوْ نَسِيَتْ الْمَغْصُوبَةُ الْغِنَاءَ الذي تَعَلَّمَتْهُ قبل الْغَصْبِ أو بَعْدَهُ لم يَضْمَنْهُ الْغَاصِبُ وَإِنْ صَحَّ شِرَاؤُهَا بِزِيَادَةٍ لِلْغِنَاءِ على قِيمَتِهَا بِلَا غِنَاءٍ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ فَلَا عِبْرَةَ بِفَوَاتِهِ وَتَقَدَّمَ ذلك في الْغَصْبِ مع حَمْلِهِ على غِنَاءٍ يَخَافُ منه الْفِتْنَةَ وَمَعَ الْفَرْقِ بين صِحَّةِ الشِّرَاءِ وَعَدَمِ الضَّمَانِ
فَصْلٌ لو أَصْدَقَهَا أَيْ كَافِرٌ كَافِرَةً خَمْرًا فَتَخَلَّلَتْ في يَدِهِ ثُمَّ أَسْلَمَا أو أَحَدُهُمَا أو تَرَافَعَا إلَيْنَا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ لِأَنَّ الْخَمْرَةَ لَا تَصْلُحُ صَدَاقًا وَلَا عِبْرَةَ بِذِكْرِهَا إذَا لم يَتَّصِلْ بها قَبْضٌ قبل الْإِسْلَامِ أو التَّرَافُعِ أو تَخَلَّلَتْ قال في الْبَيَانِ بِلَا عِلَاجٍ أَيْ بِعَيْنٍ في يَدِهَا قبل الْإِسْلَامِ أو التَّرَافُعِ ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ كُلٍّ من التَّخَلُّلِ وَالْإِسْلَامِ أو التَّرَافُعِ أو ارْتَدَّ بَعْدَهُ رَجَعَ بِنِصْفِ الْخَلِّ إنْ بَقِيَ أو بِمِثْلِ نِصْفِهِ إنْ تَلِفَ لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ وَإِفْرَادُ هذا بِالذِّكْرِ من زِيَادَتِهِ وهو مَعْلُومٌ مِمَّا يَأْتِي وَإِنْ كان الْمُصْدَقُ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَتْهُ بَعْدَمَا قَبَضَتْهُ ثُمَّ أَسْلَمَا أو تَرَافَعَا إلَيْنَا وبعد ذلك طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ رَجَعَ في نِصْفِهِ كما لو تَخَلَّلَ الْخَمْرُ في يَدِهَا
وَهَذَا ما صَحَّحَهُ في الرَّوْضَةِ قال في الْمُهِمَّاتِ إنَّمَا ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ هذا التَّصْحِيحَ بَحْثًا
____________________
(3/214)
فقال ذَكَرْنَا في الْغَصْبِ أَنَّ الْأَصَحَّ كَوْنُ الْجِلْدِ لِلْمَالِكِ لَا لِلْغَاصِبِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ أَظْهَرَ هُنَا أَيْضًا وهو بَحْثٌ ضَعِيفٌ فإن فِعْلَ الْغَاصِبِ مُحَرَّمٌ فَلَا يُؤَثِّرُ في إخْرَاجِ ما اخْتَصَّ بِهِ الْمَالِكُ بِخِلَافِ ما هُنَا وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ في الرَّهْنِ أَنَّهُ إذَا رَهَنَ شَاةً فَمَاتَتْ في يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَدَبَغَ جِلْدَهَا لم يُعَدَّ رَهْنًا لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ حَدَثَتْ بِالْمُعَالَجَةِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ إذَا تَخَلَّلَتْ لَا إنْ تَلِفَ الْجِلْدُ في يَدِهَا قبل الطَّلَاقِ وَبَعْدَ الدَّبْغِ فَلَا يَرْجِعُ لِأَنَّ الْجِلْدَ مُتَقَوِّمٌ وَلَا قِيمَةَ له وَقْتَ الْإِصْدَاقِ وَالْقَبْضِ بِخِلَافِ الْخَلِّ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مِثْلِيٌّ وَإِنْ أَصْدَقَهَا عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ في يَدِهِ ثُمَّ تَخَلَّلَ ثُمَّ أَسْلَمَا أو تَرَافَعَا إلَيْنَا وَجَبَ عليه لها قِيمَةُ الْعَصِيرِ لِتَلَفِهِ قبل قَبْضِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِتَخَلُّلٍ وَفِيهِ نَظَرٌ من زِيَادَتِهِ أَشَارَ بِهِ إلَى قَوْلِ الْمُهِمَّاتِ لَا يَسْتَقِيمُ إيجَابُ قِيمَةِ الْعَصِيرِ فَقَدْ مَرَّ في الرَّهْنِ أَنَّهُ لو جَرَى هذا في يَدِ الْبَائِعِ لم يَبْطُلْ الْبَيْعُ بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي وَحِينَئِذٍ فَتَتَخَيَّرُ الزَّوْجَةُ هُنَا لِأَنَّ الصَّدَاقَ في يَدِ الزَّوْجِ مَضْمُونٌ عليه ضَمَانَ عَقْدٍ بَلْ بَقَاءُ الْعَقْدِ هُنَا أَوْلَى لِأَنَّ الْمُعَامَلَةَ مع كَافِرٍ وَانْقِلَابُهُ خَمْرًا وَقَعَ في الْكُفْرِ أَيْضًا فلم يَخْرُجْ عن الْمَالِيَّةِ عِنْدَهُمْ انْتَهَى
فَعَلَيْهِ إنْ اخْتَارَتْ الْفَسْخَ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَإِلَّا فَالْحِلُّ لَا قِيمَةُ الْعَصِيرِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ إيجَابُهَا تَفْرِيعًا على أَنَّ الصَّدَاقَ مَضْمُونٌ ضَمَانَ يَدٍ وَلَوْ قَبَضَتْهُ خَمْرًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ ثُمَّ أَسْلَمَا أو تَرَافَعَا إلَيْنَا فَلَا رُجُوعَ له لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ وَمَنْعِ إمْسَاكِ الْخَمْرِ في الْإِسْلَامِ فَإِنْ تَخَلَّلَتْ في يَدِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ رَجَعَ في نِصْفِهِ إنْ بَقِيَ أو في مِثْلِهِ إنْ تَلِفَ وَلَوْ بِإِتْلَافِهَا وَإِنْ ارْتَدَّتْ قبل دُخُولٍ بها فَالْقَوْلُ في الْكُلِّ هُنَا من الْخَلِّ وَالْجَدِّ كَالْقَوْلِ في النِّصْفِ هُنَاكَ أَيْ فِيمَا لو طَلَّقَهَا أو ارْتَدَّ قبل الدُّخُولِ فَصْلٌ كُلُّ عَمَلٍ يُسْتَأْجَرُ عليه كَتَعْلِيمِ قُرْآنٍ وَخِيَاطَةٍ وَخِدْمَةٍ وَبِنَاءٍ يَجُوزُ جَعْلُهُ صَدَاقًا كما يَجُوزُ جَعْلُهُ ثَمَنًا فَإِنْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ سُورَةٍ من الْقُرْآنِ أو جُزْءٍ منه بِنَفْسِهِ اُشْتُرِطَ تَعْيِينُهُ أَيْ الْمُصْدَقِ
واشترط عِلْمُ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ بِالْمَشْرُوطِ تَعْلِيمُهُ بِأَنْ يَعْلَمَا عَيْنَهُ وَسُهُولَتَهُ أو صُعُوبَتَهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَعْلَمَا أو أَحَدُهُمَا ذلك وَكَّلَا أو أَحَدُهُمَا من يُعَلِّمُهُ وَلَا يَكْفِي حِينَئِذٍ التَّقْدِيرُ بِالْإِشَارَةِ إلَى الْمَكْتُوبِ في أَوْرَاقِ الْمُصْحَفِ بِأَنْ يُقَالَ تَعَلَّمَهَا من هُنَا إلَى هُنَا إذْ لَا تُعْرَفُ بِهِ سُهُولَتُهُ وَصُعُوبَتُهُ وَاسْتَشْكَلَ بِالِاكْتِفَاءِ بِرُؤْيَةِ الْكَفِيلِ الْمَشْرُوطَ في الْبَيْعِ وَإِنْ جُهِلَتْ حَقِيقَتُهُ من الْإِعْسَارِ وَالْمَطْلِ وَضِدِّهِمَا وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ نَفْسُ الْمَعْقُودِ عليه فَاحْتَطْنَا له وَالْكَفِيلُ تَوْثِقَةٌ لِلْمَعْقُودِ عليه فَخَفَّ أَمْرُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْحَرْفِ الذي يُعَلِّمُهُ لها كَقِرَاءَةِ نَافِعٍ أو أبي عُمَرَ وَكَمَا في الْإِجَارَةِ فَيُعَلِّمُهَا ما شَاءَ على ما اقْتَضَاهُ أَرَادَ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ وَمَنْ تَبِعَهُ وَنَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى الْبَغْدَادِيِّينَ ثُمَّ نُقِلَ عن الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ يُعَلِّمُهَا ما غَلَبَ على قِرَاءَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو حَسَنٌ فَإِنْ عَيَّنَهُ أَيْ كُلٌّ من الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ الْحَرْفَ كَحَرْفِ نَافِعٍ تَعَيَّنَ عَمَلًا بِالشَّرْطِ فَإِنْ خَالَفَ وَعَلَّمَهَا حَرْفَ أبي عُمَرَ فَمُتَطَوِّعٌ بِهِ وَيَلْزَمُهُ تَعْلِيمُ الْحَرْفِ الْمُعَيَّنِ وهو حَرْفُ نَافِعٍ عَمَلًا بِالشَّرْطِ
وَإِنْ أَصْدَقَهَا التَّعْلِيمَ لِقُرْآنٍ أو غَيْرِهِ شَهْرًا جَازَ كما في الِاسْتِئْجَارِ لِلْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهَا لَا تَعْلِيمِ سُورَةٍ في شَهْرٍ فَلَا يَجُوزُ كما في الِاسْتِئْجَارِ لِخِيَاطَةِ هذا الثَّوْبِ الْيَوْمَ وَلَا ما لَا كُلْفَةَ فيه كَتَعْلِيمِ لَحْظَةٍ أو كَلِمَةٍ ك ثُمَّ نَظَرَ كَنَظِيرِهِ في الْإِجَارَةِ
____________________
(3/215)
وَيَصِحُّ الْإِصْدَاقُ بِتَعْلِيمِ الْفَاتِحَةِ وَلَوْ تَعَيَّنَ الزَّوْجُ لِلتَّعْلِيمِ كَأَنْ أَسْلَمَتْ وَلَيْسَ هُنَاكَ غَيْرُهُ كَنَظِيرِهِ في الْإِجَارَةِ لَا بِتَعْلِيمِ الشَّهَادَتَيْنِ في نِكَاحِ كِتَابِيَّةٍ وَلَا بِأَدَاءِ شَهَادَةٍ لها عِنْدَهُ لِعَدَمِ الْكُلْفَةِ فَلَوْ كانت لَا تَتَعَلَّمُ الشَّهَادَتَيْنِ إلَّا بِكُلْفَةٍ أو كان مَحَلُّ الْقَاضِي الْمُؤَدَّى عِنْدَهُ الشَّهَادَةُ بَعِيدًا يَحْتَاجُ فيه إلَى مَرْكُوبٍ فَيَنْبَغِي الصِّحَّةُ كما قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَلَوْ لم يُحْسِنْ الزَّوْجُ التَّعْلِيمَ لِمَا شُرِطَ تَعْلِيمُهُ لم يَجُزْ إصْدَاقُهُ إلَّا في الذِّمَّةِ لِعَجْزِهِ في الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فَيَأْمُرُ فيه غَيْرَهُ بِتَعْلِيمِهَا أو يَتَعَلَّمُ ثُمَّ يُعَلِّمُهَا قال الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا أَمْكَنَهُ ذلك وَإِلَّا فَهُوَ إصْدَاقُ ما لَا يُمْكِنُ الْقِيَامُ بِهِ
وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَتَعَلَّمَ ثُمَّ يُعَلِّمَهَا لم يَصِحَّ لِأَنَّ الْعَمَلَ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِهِ وَالْأَعْيَانُ لَا تُؤَجَّلُ وَلَوْ أَبْدَلَا مَنْفَعَةً بِمَنْفَعَةٍ في عَقْدٍ مُجَدَّدٍ جَازَ كما لو اسْتَأْجَرَ دَارًا أو قَبَضَهَا ثُمَّ اسْتَأْجَرَ بِمَنْفَعَتِهَا دَابَّةً وَظَاهِرٌ أَنَّ هذا في الْمَنْفَعَةِ الْعَيْنِيَّةِ بِخِلَافِ التي في الذِّمَّةِ إذْ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عنها لِامْتِنَاعِهِ في الْمُسْلَمِ فيه وَلَوْ أَرَادَتْ تَعْلِيمَ غَيْرِهَا لم يَلْزَمْهُ أَيْ الزَّوْجَ الْإِجَابَةُ لِاخْتِلَافِ الناس في الْحِفْظِ وَالْفَهْمِ وَإِنْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ عَبْدِهَا أو خِتَانَهُ إنْ وَجَبَ عليها كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ جَازَ لِوُجُوبِ ذلك عليها لَا تَعْلِيمَ وَلَدِهَا فَلَا يَجُوزُ إصْدَاقُهُ لَهُمَا كما لو شَرَطَ الصَّدَاقَ له إلَّا إنْ لَزِمَهَا تَعْلِيمُ الْوَلَدِ فَيَجُوزُ كَالْعَبْدِ وإذا تَعَذَّرَ التَّعْلِيمُ لِبَلَادَةٍ نَادِرَةٍ أو طَلَاقٍ أو عَلَّمَهَا غَيْرُهُ أو مَاتَتْ أو مَاتَ الزَّوْجُ وَالشَّرْطُ أَنْ يُعَلِّمَ بِنَفْسِهِ كما صَرَّحَ بِهِمَا الْأَصْلُ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ كما لو تَلِفَ الصَّدَاقُ قبل الْقَبْضِ وَمَحَلُّهُ في الطَّلَاقِ إذَا وَقَعَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَإِلَّا فَيَجِبُ النِّصْفُ وَقَوْلُهُ أو عَلَّمَهَا عَطْفٌ على تَعَذَّرَ وَجَعَلَهُ الْأَصْلُ مِثَالًا لِلتَّعَذُّرِ فَالْمُوَافِقُ أَنْ يَقُولَ أو تَعْلِيمَ غَيْرِهِ لها
وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا في أَنَّهُ لم يُعَلِّمْهَا وَإِنْ أَحْسَنَتْ التَّعَلُّمَ وَادَّعَتْ حُصُولَهُ من غَيْرِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الصَّدَاقِ وَرُبَّمَا تَعَلَّمَتْ من غَيْرِهِ فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ أَنْ عَلَّمَهَا وَقَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ عليها بِنِصْفِ الْأُجْرَةِ لِلتَّعْلِيمِ كما لو أَصْدَقَهَا عَيْنًا وَأَقْبَضَهَا فَتَلِفَتْ عِنْدَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ يَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَيْنِ أو قَبْلَهُ تَعَذَّرَ التَّعْلِيمُ قال الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُحَرَّمَةً عليه وَلَا يُؤْمَنُ الْوُقُوعُ في التُّهْمَةِ وَالْخَلْوَةُ لِمُحَرَّمَةٍ لو جَوَّزْنَا التَّعْلِيمَ من وَرَاءِ حِجَابٍ من غَيْرِ خَلْوَةٍ وَلَيْسَ سَمَاعُ الحديث كَذَلِكَ فَإِنَّا لو لم نُجَوِّزْهُ لَضَاعَ وَلِلتَّعْلِيمِ بَدَلٌ يَعْدِلُ إلَيْهِ انْتَهَى وَفَارَقَتْ الْأَجْنَبِيَّةَ حَيْثُ يُبَاحُ النَّظَرُ إلَيْهَا لِلتَّعْلِيمِ لِأَنَّ كُلًّا من الزَّوْجَيْنِ قد تَعَلَّقَتْ آمَالُهُ بِالْآخَرِ وَحَصَلَ بَيْنَهُمَا نَوْعُ وُدٍّ فَقَوِيَتْ التُّهْمَةُ فَامْتَنَعَ التَّعْلِيمُ لِقُرْبِ الْفِتْنَةِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيَّةِ فإن قُوَّةَ الْوَحْشَةِ بَيْنَهُمَا اقْتَضَتْ جَوَازَ التَّعْلِيمِ كَذَا نَقَلَهُ ابن الْعِمَادِ عن بَعْضِهِمْ قال وَأَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ
وقال السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ الْمُرَادُ بِالتَّعْلِيمِ الذي يُبِيحُ النَّظَرَ هو التَّعْلِيمُ الْوَاجِبُ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فما هُنَا مَحَلُّهُ في غَيْرِ الْوَاجِبِ وَهَذَا هو الْمُتَّجَهُ وَأَفْهَمَ تَعْلِيلُهُمْ السَّابِقُ أنها لو لم تَحْرُمْ الْخَلْوَةُ بها كَأَنْ كانت صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى أو صَارَتْ مَحْرَمًا له بِرَضَاعٍ أو نَكَحَهَا ثَانِيًا لم يَتَعَذَّرْ التَّعْلِيمُ وَبِهِ جَزَمَ الْبُلْقِينِيُّ وَعُلِمَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعَذُّرِ ما يَشْمَلُ التَّعَسُّرَ وَإِلَّا فَالتَّعْلِيمُ مُمْكِنٌ من وَرَاءِ حِجَابٍ بِحَضْرَةِ من تَزُولُ معه الْخَلْوَةُ وَعَلَى هذا لو تَيَسَّرَ في هذه الْحَالَةِ التَّعْلِيمُ في مَجْلِسٍ كَسُورَةٍ قَصِيرَةٍ فَقَدْ يُقَالُ لَا تَعَذُّرَ وهو ما في النِّهَايَةِ وَصَوَّبَهُ السُّبْكِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ بَقَاءُ التَّعَذُّرِ وَوُجِّهَ بِأَنَّ من تَزُولُ معه الْخَلْوَةُ قد لَا يَرْضَى بِالْحُضُورِ أو يَرْضَى لَكِنْ بِأُجْرَةٍ وَذَلِكَ خِلَافُ قَضِيَّةِ الْعَقْدِ فَيَتَعَذَّرُ التَّعْلِيمُ وَإِنْ أَصْدَقَ كِتَابِيَّةً تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ كُلِّهِ أو بَعْضِهِ صَحَّ إنْ تَوَقَّعَ إسْلَامَهَا وَإِلَّا فَسَدَ لِجَوَازِ تَعْلِيمِهِ لها في الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي خَوْفًا من أَنْ يَصْدُرَ منها ما لَا يَلِيقُ بِحُرْمَتِهِ كَتَعْلِيمِ التَّوْرَاةِ
____________________
(3/216)
لها أو لِمُسْلِمَةٍ فإنه فَاسِدٌ إذْ لَا يَجُوزُ الِاشْتِغَالُ بِهِ لِتَبْدِيلِهِ
أو أَصْدَقَ التَّوْرَاةَ أو الْإِنْجِيلَ كِتَابِيَّةً فَأَسْلَمَا أو تَرَافَعَا إلَيْنَا بَعْدَ التَّعْلِيمِ فَلَا شَيْءَ لها سِوَاهُ أو قَبْلَهُ فَمَهْرُ الْمِثْلِ يَجِبُ لها كما في الْخَمْرِ وَإِنْ أَصْدَقَهَا أَيْ الْمَرْأَةَ تَعْلِيمَ فِقْهٍ أو شِعْرٍ أو نَحْوِهِ مِمَّا ليس بِمُحَرَّمٍ لَا هَجْوٍ أو أَصْدَقَهَا رَدَّ عَبْدِهَا من مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ لَا مَجْهُولٍ جَازَ بِخِلَافِ تَعْلِيمِ الْمَحْجُورِ وَنَحْوِهِ وَرَدِّ عَبْدِهَا من مَوْضِعٍ مَجْهُولٍ كما في الْإِجَارَةِ وإذا صَحَّ الصَّدَاقُ في رَدِّ عَبْدِهَا فَإِنْ طَلَّقَ بَعْدَ رَدِّهِ وَقَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ عليها بِنِصْفِ الْأُجْرَةِ أو قَبْلَهُ رَدَّهُ إلَى نِصْفِ الطَّرِيقِ بِاعْتِبَارِ الْمُؤْنَةِ وَسَلَّمَهُ هُنَاكَ لِحَاكِمٍ وَنَحْوِهِ كَوَلِيٍّ أو وَكِيلٍ وَقَوْلُهُ وَنَحْوِهِ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ لم يَجِدْ هُنَاكَ من يَقْبِضُهُ منه رَدَّهُ إلَيْهَا وَلَهُ عليها نِصْفُ الْأُجْرَةِ إنْ لم يَتَبَرَّعْ بِهِ فَإِنْ عَادَ الْعَبْدُ بِنَفْسِهِ أو رَدَّ أَيْ أو بِرَدِّ غَيْرِهِ أو مَاتَ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لَزِمَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ أَيْ نِصْفُهُ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ أو تَزَوَّجَ هَا على خِيَاطَةِ ثَوْبٍ مَعْلُومٍ
فَإِنْ تَلِفَ الثَّوْبُ أو عَجَزَ هو أَيْ الزَّوْجُ كَأَنْ سَقَطَتْ يَدُهُ أو مَاتَ وَالْعَقْدُ على عَيْنِهِ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ لها لِأَنَّ ذلك بِمَنْزِلَةِ الصَّدَاقِ قبل الْقَبْضِ بِخِلَافِ ما لو كان الْعَقْدُ في ذِمَّتِهِ لِأَنَّ غَيْرَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فَإِنْ طَلَّقَ بَعْدَ الْخِيَاطَةِ وَقَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ عليها بِنِصْفِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ أو قَبْلَهَا خَاطَ نِصْفَهُ إنْ ضُبِطَ فِعْلُ الْخِيَاطَةِ فيه وَإِلَّا فَعَلَيْهِ لها نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ أو أَصْدَقَهَا الْعَفْوَ عن قِصَاصٍ له عليها جَازَ لِأَنَّهُ عِوَضٌ مَقْصُودٌ لَا إنْ أَصْدَقَهَا الْعَفْوَ عن حَدِّ قَذْفٍ وعن شُفْعَةٍ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ ذلك لَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أو وَلَا يَجُوزُ جَعْلُهُ أَيْ الزَّوْجِ طَلَاقَ أُخْرَى أو جَعْلُ بُضْعِ أَمَتِهِ صَدَاقًا لِمَنْكُوحَةٍ فِيهِمَا وَلَوْ قال أو بُضْعٍ كان أَوْلَى فَصْلُ الْخِيَارِ الثَّابِتِ هُنَا لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أو لَهُمَا لِزِيَادَةٍ أو نُقْصَانٍ في الصَّدَاقِ على التَّرَاخِي كَخِيَارِ الْهِبَةِ وَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ الصَّدَاقَ أو نِصْفَهُ قبل أَنْ يَخْتَارَ من له الْخِيَارُ الرُّجُوعَ وَإِلَّا لَمَا كان لِاعْتِبَارِ التَّخْيِيرِ وَالتَّوَافُقِ مَعْنًى
لَكِنْ عِنْدَ مُطَالَبَةِ الزَّوْجِ لها نُكَلِّفُهَا الِاخْتِيَارَ فَلَا تُمَكَّنُ من تَأْخِيرِهِ وَلَيْسَ له في طَلَبِهِ تَعْيِينُ الْعَيْنِ وَلَا الْقِيمَةِ لِأَنَّ التَّعْيِينَ يُنَاقِضُ تَفْوِيضَ الْأَمْرِ إلَيْهَا بَلْ يُطَالِبُهَا بِحَقِّهِ عِنْدَهَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ امْتَنَعَتْ من الِاخْتِيَارِ لم تُحْبَسْ له وَنُزِعَتْ منها الْعَيْنُ وَمُنِعَتْ من التَّصَرُّفِ فيها فَإِنْ أَصَرَّتْ على الِامْتِنَاعِ وكان نِصْفُ الْقِيمَةِ دُونَ نِصْفِ الْعَيْنِ لِلزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ بِيعَ منها أَيْ من الْعَيْنِ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ من الْقِيمَةِ فَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْعُهُ بَاعَ الْقَاضِي الْجَمِيعَ وَتُعْطَى هِيَ الزَّائِدَ على قَدْرِ الْوَاجِبِ فَإِنْ اسْتَوَى نِصْفُ الْعَيْنِ وَنِصْفُ الْقِيمَةِ أَعْطَى نِصْفَ الْعَيْنِ إذْ لَا فَائِدَةَ في الْبَيْعِ ظَاهِرًا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالْإِعْطَاءِ حتى يَقْضِيَ له بِهِ الْقَاضِي وَفِيهِ نَظَرٌ وَإِنْ اسْتَحَقَّ الزَّوْجُ الرُّجُوعَ بِالصَّدَاقِ أو نِصْفِهِ بِأَنْ لم يَزِدْ اسْتَقَلَّ بِهِ وَهَذَا إنَّمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فِيمَا لو دَبَّرَتْ الصَّدَاقَ بِأَنْ كان عَبْدًا فَيَسْتَقِلُّ الزَّوْجُ بِالرُّجُوعِ حَيْثُ قُلْنَا بِهِ
فَرْعٌ حَيْثُ وَجَبَتْ الْقِيمَةُ في الصَّدَاقِ الْمُتَقَوِّمِ لِتَلَفِهِ أو خُرُوجِهِ عن مِلْكِهَا أو زِيَادَةٍ أو نَقْصٍ فيه فَهِيَ الْأَقَلُّ من قِيمَتَيْ يَوْمِ الْإِصْدَاقِ ويوم الْقَبْضِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ على قِيمَةِ يَوْمِ الْإِصْدَاقِ حَادِثَةٌ في مِلْكِهَا لَا تَعَلُّقَ لِلزَّوْجِ بها وَالنَّقْصُ عنها قبل الْقَبْضِ من ضَمَانِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عليها وَقِيَاسُ ما مَرَّ في الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ اعْتِبَارُ الْأَقَلِّ بين الْيَوْمَيْنِ أَيْضًا كما يُؤْخَذُ من التَّعْلِيلِ وَمِنْ تَعْبِيرِ التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ بِالْأَقَلِّ من يَوْمِ الْعَقْدِ إلَى يَوْمِ الْقَبْضِ وَنُقِلَ عن النَّصِّ أَنَّ الْوَاجِبَ قِيمَةُ يَوْمِ الْقَبْضِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَزَعَمَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ الْمُفْتِي بِهِ وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ النَّصَّ مَفْرُوضٌ في الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ الْحَاصِلَيْنِ بين الْقَبْضِ وَالتَّلَفِ وَالْكَلَامُ هُنَا مَفْرُوضٌ في الْحَاصِلِ من ذلك بين الْإِصْدَاقِ وَالْقَبْضِ وَلَوْ تَلِفَ الصَّدَاقُ بَعْدَ الطَّلَاقِ في يَدِهَا ضَمِنَتْهُ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ لِأَنَّ مِلْكَهُ تَلِفَ تَحْتَ يَدِ ضَامِنِهِ كَالْمَبِيعِ التَّالِفِ تَحْتَ يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْفَسْخِ
الطَّرَفُ الثَّالِثُ في حُكْمِ التَّشْطِيرِ لِلصَّدَاقِ بَعْدَ التَّصَرُّفِ من الزَّوْجَةِ فيه فَزَوَالُ مِلْكِهَا عنه بِبَيْعٍ أو غَيْرِهِ لَا إنْ
____________________
(3/217)
عَادَ إلَيْهَا كَتَلَفِهِ فَيَرْجِعُ الزَّوْجُ إلَى نِصْفِ الْبَدَلِ من مِثْلٍ أو قِيمَةٍ بِخِلَافِ ما إذَا عَادَ إلَيْهَا فَلَهُ نِصْفُهُ لِأَنَّ حَقَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْعَيْنِ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِالْبَدَلِ فَالْعَيْنُ أَوْلَى منه وَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِمَا إذَا أَعَادَ إلَيْهَا مع طَلَاقِهَا أو بَعْدَهُ وَقَبْلَ أَخْذِهِ الْبَدَلَ وَالْأَوْلَى وَالتَّرْجِيحُ في الثَّانِيَةِ من زِيَادَتِهِ وَفُهِمَ بِالْأُولَى أنها لو كَاتَبَتْهُ ثُمَّ عَجَّزَ نَفْسَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ كان له الْعَوْدُ في نِصْفِهِ وَعُلِمَ من كَلَامِهِ أَنَّهُ ليس له نَقْضُ تَصَرُّفِهَا بِطَلَاقِهَا قبل الدُّخُولِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ بِخِلَافِ الشَّفِيعِ لِأَنَّ حَقَّهُ كان قبل التَّصَرُّفِ بِخِلَافِ الزَّوْجِ وَكَذَا مَرْهُونٌ إنْ قَبَضَ كَالْمَوْهُوبِ وَمَبِيعٍ بِخِيَارٍ حَكَمْنَا بِانْتِقَالِهِ أَيْ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي بِأَنْ كان الْخِيَارُ له وَحْدَهُ فَيَرْجِعُ الزَّوْجُ إلَى نِصْفِ الْبَدَلِ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ بِذَلِكَ إلَّا في الْمَرْهُونِ فَلِتَعَلُّقِ الْحَقِّ اللَّازِمِ بِهِ بِخِلَافِ مَرْهُونٍ وَمَوْهُوبٍ لم يُقْبَضَا وَمَبِيعٍ بِخِيَارٍ لم يُحْكَمْ فيه بِانْتِقَالِهِ بِأَنْ كان الْخِيَارُ لِلْعَاقِدَيْنِ أو لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ فَلَهُ نِصْفُ الْعَيْنِ لِأَنَّهَا لم تَخْرُجْ عن مِلْكِهَا بِذَلِكَ ولم يَتَعَلَّقْ بها حَقٌّ لَازِمٌ وَذِكْرُ حُكْمِ ما إذَا كان الْخِيَارُ لَهُمَا من زِيَادَتِهِ
ثُمَّ الْإِجَارَةُ وَالتَّزْوِيجُ منها لِلصَّدَاقِ عَيْبٌ لِنَقْصِ الْقِيمَةِ بِهِمَا فَيَتَخَيَّرُ الزَّوْجُ بين رُجُوعِهِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَرُجُوعِهِ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ فَإِنْ صَبَرَ في صُورَةِ الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالتَّزْوِيجِ بِأَنْ قال مع اخْتِيَارِهِ رُجُوعَهُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ في صُورَتِهِ أنا أَصْبِرُ إلَى انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَانْفِكَاكِ الرَّهْنِ وَزَوَالِ الزَّوْجِيَّةِ فَلَهَا الِامْتِنَاعُ لِمَا عليها من خَطَرِ الضَّمَانِ حتى يَقْبِضَ هو الْمُسْتَأْجَرَ وَالْمَرْهُونَ وَالْمُزَوِّجُ وَيُسَلِّمَهَا أَيْ الْعَيْنَ الْمُصَدَّقَةَ لِلْمُسْتَحِقِّ لها لِتَبْرَأَ أَيْ الزَّوْجَةُ من الضَّمَانِ فَلَيْسَ لها الِامْتِنَاعُ حِينَئِذٍ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ وَيَبْقَى الرَّهْنُ في صُورَتِهِ في نِصْفِهَا وما فَسَّرْت بِهِ ضَمِيرَ يُسَلِّمُهَا هو ما في الْأَصْلِ وَيَجُوزُ عَوْدُهُ على الزَّوْجَةِ أَيْ وَيُسَلِّمُهَا أَيْ الصَّدَاقَ أو تُعْطِيهِ مَعْطُوفٌ على يَقْبِضُ أَيْ فَلَهَا الِامْتِنَاعُ لِتُقْبِضَ الزَّوْجَ ما ذُكِرَ إلَى آخِرِهِ أو لِتُعْطِيَهُ نِصْفَ الْقِيمَةِ وَلَوْ وَصَّتْ بِعِتْقِ الْعَبْدِ الْمُصْدَقِ رَجَعَ فيه الزَّوْجُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَيْسَتْ بِحَقٍّ لَازِمٍ
وَكَذَا يَرْجِعُ فيه لو دَبَّرَتْهُ أو عَلَّقَتْ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ وَهِيَ مُعْسِرَةٌ فِيهِمَا لِذَلِكَ لَا مُوسِرَةٌ لِأَنَّهُ قد ثَبَتَ له مع قُدْرَةِ الزَّوْجَةِ على الْوَفَاءِ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ وَالرُّجُوعِ بِقُوَّتِهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَعَدَمُ الرُّجُوعِ فيه لَا يُفَوِّتُ حَقَّ الزَّوْجِ بِالْكُلِّيَّةِ وَتَصْرِيحُهُ بِالتَّرْجِيحِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُعْسِرَةِ في مَسْأَلَةِ التَّعْلِيقِ من زِيَادَتِهِ وإذا رَجَعَ الزَّوْجُ في نِصْفِهِ بَقِيَ النِّصْفُ الْآخَرُ مُدَبَّرًا أو مُعَلَّقًا عِتْقُهُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ في الْمُدَبَّرِ وَلَا يَمْنَعُ التَّدْبِيرُ فَسْخَ الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ وَلَا رُجُوعَ الْأَصْلِ الْوَاهِبِ في هِبَتِهِ لِفَرْعِهِ لِقُوَّةِ الْفَسْخِ وَلِأَنَّ الثَّمَنَ عِوَضٌ مَحْضٌ وَمَنْعُ الرُّجُوعِ في الْوَاهِبِ يُفَوِّتُ الْحَقَّ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ الصَّدَاقِ فِيهِمَا وَلَوْ طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ وهو مُحْرِمٌ وَالصَّدَاقُ صَيْدٌ عَادَ إلَيْهِ نِصْفُهُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَنْشَأُ لِاجْتِلَابِ الْمِلْكِ فَأَشْبَهَ الْإِرْثَ ولم يَلْزَمْ بَلْ لم يَجُزْ إرْسَالُهُ لِلشَّرِكَةِ وَلَوْ ارْتَدَّتْ قبل الدُّخُولِ رَجَعَ الصَّيْدُ إلَى مِلْكِهِ وَلَزِمَهُ إرْسَالُهُ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ من إمْسَاكِ الصَّيْدِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ
فَصْلٌ الْوَلِيُّ لَا يَعْفُو عن صَدَاقٍ لِمُوَلِّيَتِهِ وَلَا عن شَيْءٍ منه مُطْلَقًا أَيْ مُجْبِرًا كان أو غير مُجْبِرٍ قبل الْفُرْقَةِ أو بَعْدَهَا صَغِيرَةً أو كَبِيرَةً عَاقِلَةً أو مَجْنُونَةً بِكْرًا أو ثَيِّبًا دَيْنًا كان الصَّدَاقُ أو عَيْنًا كَسَائِرِ دُيُونِهَا وَحُقُوقِهَا وَاَلَّذِي بيده عُقْدَةُ النِّكَاحِ في قَوْله تَعَالَى إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أو يَعْفُوَ الذي بيده عُقْدَةُ النِّكَاحِ هو الزَّوْجُ يَعْفُو عن حَقِّهِ لِيُسَلِّمَ لها كُلَّ الْمَهْرِ لَا الْوَلِيُّ إذْ لم يَبْقَ بيده بَعْدَ الْعَقْدِ عُقْدَةٌ وَإِنَّمَا هِيَ بِيَدِ الزَّوْجِ لِتَمَكُّنِهِ من رَفْعِهَا بِالْفُرْقَةِ فَإِنْ كان الصَّدَاقُ دَيْنًا في ذِمَّتِهِ أو ذِمَّتِهَا بِأَنْ قَبَضَتْهُ وَتَلِفَ في يَدِهَا فَالتَّبَرُّعُ بِهِ من مُسْتَحِقِّهِ يَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ وَالْعَفْوِ وَالْإِسْقَاطِ وَالتَّرْكِ وَالتَّحْلِيلِ وَالْإِحْلَالِ
____________________
(3/218)
وَالْإِبَاحَةِ وَكَذَا بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَالتَّمْلِيكِ وَلَوْ لم يَحْصُلْ مع ذلك قَبُولٌ من الْمَدِينِ اعْتِمَادًا على حَقِيقَةِ التَّصَرُّفِ وَهِيَ الْإِسْقَاطُ
وَإِنْ كان الصَّدَاقُ عَيْنًا اُشْتُرِطَ في التَّبَرُّعِ بِهِ التَّمْلِيكُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْإِقْبَاضُ إنْ كان حَاضِرًا في يَدِ الْمُتَبَرِّعِ أو إمْكَانُهُ إنْ كان في يَدِهِ أَيْ الْمُتَبَرِّعِ عليه أو في غَيْرِهَا وهو غَائِبٌ وَلَا بُدَّ في ذلك كُلِّهِ من الْإِذْنِ في الْقَبْضِ كما مَرَّ في كِتَابِ الْهِبَةِ وَيُجْزِئُ أَيْ يَكْفِي في التَّبَرُّعِ بِالْعَيْنِ لَفْظُ الْعَفْوِ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ كما يَكْفِي لَفْظُ الْهِبَةِ وَالتَّمْلِيكِ لَا لَفْظُ الْإِبْرَاءِ وَنَحْوِهِ كَالْإِسْقَاطِ الطَّرَفُ الرَّابِعُ فِيمَنْ وَهَبَتْ صَدَاقَهَا لِزَوْجِهَا ثُمَّ طَلُقَتْ قبل الدُّخُولِ فإذا أَصْدَقَهَا عَيْنًا وَوَهَبَتْهَا له ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ رَجَعَ عليها بِنِصْفِ الْبَدَلِ من مِثْلٍ أو قِيمَةٍ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَهَا قبل الطَّلَاقِ عن غَيْرِ جِهَتِهِ فَأَشْبَهَ لو مَلَكَهَا من أَجْنَبِيٍّ وَلِأَنَّهَا صَرَفَتْهَا بِتَصَرُّفِهَا إلَى جِهَةِ مَصْلَحَتِهَا فَأَشْبَهَ ما لو وَهَبَتْهَا من أَجْنَبِيٍّ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْهِبَةُ بِلَفْظِهَا أَمْ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ أو الْعَفْوِ وَإِنَّمَا اُسْتُعْمِلَ الْعَفْوُ في هِبَةِ الْمَهْرِ مع أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ في هِبَةِ غَيْرِهِ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ
وَلَوْ شَرَطَتْ في هِبَتِهَا له أَنْ لَا يَرْجِعَ في الْبَدَلِ إنْ طَلَّقَ فَسَدَتْ الْهِبَةُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ فَرْعٌ إذَا وَهَبَتْهُ نِصْفَ الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ رَجَعَ عليها بِنِصْفِ الْبَاقِي وَبَدَلِ رُبُعِ الْكُلِّ لِأَنَّ الْهِبَةَ وَرَدَتْ على مُطْلَقِ النِّصْفِ فَيُشِيعُ فِيمَا أَخْرَجَتْهُ وما أَبْقَتْهُ وَمَتَى كان الصَّدَاقُ دَيْنًا فَأَبْرَأَتْهُ منه أو وَهَبَتْهُ له ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ لم يَرْجِعْ عليها بِشَيْءٍ بِخِلَافِ هِبَةِ الْعَيْنِ وَالْفَرْقُ أنها في الدَّيْنِ لم تَأْخُذْ منه مَالًا ولم تَتَحَصَّلْ على شَيْءٍ بِخِلَافِهَا في هِبَةِ الْعَيْنِ فَإِنْ سَلَّمَهُ أَيْ الدَّيْنَ أَيْ بَذَلَهُ لها ثُمَّ وَهَبَتْهُ له ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ فَكَالْمُعَيَّنِ أَيْ فَكَهِبَةِ الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ في عَقْدِ النِّكَاحِ وقد مَرَّ بَيَانُهُ وَإِنْ أَبْرَأَتْهُ من النِّصْفِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ فَهَلْ يَسْقُطُ عنه نِصْفُ الْبَاقِي أَمْ يَلْزَمُهُ لها الْبَاقِي فَلَا يَسْقُطُ عنه شَيْءٌ منه فَيَكُونُ ما أَبْرَأَتْهُ منه مَحْسُوبًا عن حَقِّهِ كَأَنَّهَا عَجَّلَتْهُ وَجْهَانِ
أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي أَخْذًا مِمَّا رَجَّحُوهُ في هِبَةِ نِصْفِ الْعَيْنِ على الْقَوْلِ بِأَنَّ هِبَتَهَا كُلَّهَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَوَقَعَ في الرَّوْضَةِ التَّعْبِيرُ بِالنِّصْفِ الْبَاقِي بِأَلْ قال في الْمُهِمَّاتِ وهو غَلَطٌ وَصَوَابُهُ نِصْفُ الْبَاقِي كما في الرَّافِعِيِّ وَبِهِ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ كما رَأَيْت وَلَوْ وَهَبَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ عَيْبًا فَرَدَّهُ طَالَبَ بِالْبَدَلِ كَنَظِيرِهِ في الصَّدَاقِ وَأَبْرَاؤُهُ أَيْ الْبَائِعِ الْمُشْتَرِيَ في ذلك عن ثَمَنٍ في الذِّمَّةِ كَالْإِبْرَاءِ عن صَدَاقٍ في الذِّمَّةِ فَلَا رُجُوعَ بِالثَّمَنِ وَإِنْ حَصَلَ فَسْخٌ وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ ذِكْرُ ذلك في نِصْفِ الثَّمَنِ وَنِصْفِ الصَّدَاقِ وَالْأَمْرُ سَهْلٌ فَلَوْ أَبْرَأَهُ عن عُشْرِ الثَّمَنِ وَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ عَيْبًا أَرْشُهُ الْعُشْرُ وَتَعَذَّرَ رَدُّهُ بِحُدُوثِ عَيْبٍ عِنْدَهُ طَالَبَ الْبَائِعُ بِالْأَرْشِ وَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ ما أُبْرِئَ عنه وَمَتَى شَهِدُوا له أَيْ لِشَخْصٍ بِعَيْنٍ ادَّعَاهَا على غَيْرِهِ ثُمَّ وَهَبَهَا لِلْمُدَّعَى عليه وَرَجَعَ الشُّهُودُ بَعْدَ ذلك عن شَهَادَتِهِمْ لم يَغْرَمُوا لِأَنَّ الْمُدَّعَى عليه لَا يقول بِحُصُولِ الْمِلْكِ بِالْهِبَةِ بَلْ يَزْعُمُ دَوَامَ الْمِلْكِ السَّابِقِ بِخِلَافِهِ في هِبَةِ الصَّدَاقِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فيه زَالَ حَقِيقَةً وَعَادَ بِالْهِبَةِ
فَصْلٌ لو خَالَعَهَا قبل الدُّخُولِ على غَيْرِ الصَّدَاقِ اسْتَحَقَّهُ وَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَإِنْ خَالَعَهَا على الصَّدَاقِ كُلِّهِ صَحَّ في نَصِيبِهَا فَقَطْ أَيْ دُونَ نَصِيبِهِ لَكِنْ له الْخِيَارُ إنْ جَهِلَ التَّشْطِيرَ وإذا الْأَوْلَى فإذا فُسِخَ عِوَضُ الْخُلْعِ رَجَعَ عليها بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَإِلَّا فَنِصْفُهُ فَإِنْ خَالَعَهَا على النِّصْفِ الْبَاقِي لها بَعْدَ الْفُرْقَةِ صَارَ الْكُلُّ أَيْ كُلُّ الصَّدَاقِ له نِصْفُهُ بِعِوَضِ الْخُلْعِ وَنِصْفُهُ بِالتَّشْطِيرِ وَمَتَى أَطْلَقَ بِأَنْ لم يُقَيِّدْ بِالنِّصْفِ الْبَاقِي لها أو غَيْره وَقَعَ الْعِوَضُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ وَكَأَنَّهُ خَالَعَ على نِصْفِ نَصِيبِهَا وَنِصْفِ نَصِيبِهِ فَيَصِحُّ في نِصْفِ نَصِيبِهَا فَقَطْ فَلَهَا عليه رُبُعُ الْمُسَمَّى وَلَهُ عليها ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ بِحُكْمِ التَّشْطِيرِ وَعِوَضِ الْخُلْعِ وَنِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ بِحُكْمِ ما فَسَدَ من الْخُلْعِ فَرْعٌ لو خَالَعَهَا على أَنْ لَا تَبِعَةَ له عليها في الْمَهْرِ صَحَّ وَمَعْنَاهُ على ما يَبْقَى لها منه
الْبَابُ الْخَامِسُ في الْمُتْعَةِ هِيَ اسْمٌ لِلْمَالِ الذي يَجِبُ على الرَّجُلِ دَفْعُهُ لِامْرَأَتِهِ بِمُفَارَقَتِهِ إيَّاهَا وَيَسْتَوِي فيها الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ وَالْحُرُّ
____________________
(3/219)
وَالْعَبْدُ وَالْمُبَعَّضُ وَالْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ وَالْمُبَعَّضَةُ وَالْمُسْلِمَةُ وَالذِّمِّيَّةُ وَلَا تَجِبُ بِالْمَوْتِ لِأَنَّهَا مُتَفَجِّعَةٌ لَا مُسْتَوْحِشَةٌ وَلَا لِفُرْقَةٍ بِطَلَاقٍ وَنَحْوِهِ قبل الدُّخُولِ إلَّا لِمُفَوِّضَةٍ لم تَسْتَحِقَّ مَهْرًا بِأَنْ لم يُفْرَضْ لها شَيْءٌ فَتَجِبُ لها الْمُتْعَةُ قال تَعَالَى لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ ما لم تَمَسُّوهُنَّ أو تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ وَلِأَنَّ الْمُفَوِّضَةَ لم يَحْصُلْ لها شَيْءٌ فَتَجِبُ لها مُتْعَةٌ لِلْإِيحَاشِ بِخِلَافِ من وَجَبَ لها الشَّطْرُ بِتَسْمِيَةٍ أو بِفَرْضٍ في التَّفْوِيضِ فَلَا مُتْعَةَ لها لِأَنَّهُ لم يَسْتَوْفِ مَنْفَعَةَ بُضْعِهَا فَيَكْفِي شَطْرُ مَهْرِهَا لِلْإِيحَاشِ وَالِابْتِذَالِ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى لم يَجْعَل لها سِوَاهُ بِقَوْلِهِ فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ وَتَجِبُ لِلْمَدْخُولِ بها بِالطَّلَاقِ وَإِنْ فَوَّضَهُ إلَيْهَا لِعُمُومِ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَخُصُوصِ فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وكان صلى اللَّهُ عليه وسلم قد دخل بِهِنَّ وَلِأَنَّ الْمَهْرَ في مُقَابَلَةِ مَنْفَعَةِ بُضْعِهَا وقد اسْتَوْفَاهَا الزَّوْجُ فَيَجِبُ لِلْإِيحَاشِ مُتْعَةٌ
وتجب بِكُلِّ فُرْقَةٍ منه أو من أَجْنَبِيٍّ كَطَلَاقِ وَوَطْءِ أبيه أو ابْنِهِ زَوْجَتَهُ بِشُبْهَةٍ وَإِرْضَاعِ أُمِّهِ أو بِنْتِهِ زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ لَا فُرْقَةَ منها كَالْفَسْخِ منها بِعَيْبِهِ وَلَا فُرْقَةٍ بِسَبَبٍ منها كَرِدَّتِهَا وَعِتْقِهَا وَعَيْبِهَا وَإِسْلَامِهَا وَإِسْلَامِ أَبِ صَغِيرَةٍ فَلَا مُتْعَةَ لها كما لَا يَجِبُ لها نِصْفُ الْمَهْرِ قبل الدُّخُولِ وَلِانْتِفَاءِ الْإِيحَاشِ وَكَذَا لو ارْتَدَّا مَعًا لَا مُتْعَةَ لها كَذَلِكَ وَتُفَارِقُ التَّشْطِيرَ بِأَنَّ مِلْكَهَا لِلصَّدَاقِ سَابِقٌ على الرِّدَّةِ بِخِلَافِ الْمُتْعَةِ وَمِثْلُ ذلك ما لو سُبِيَا مَعًا فَفِي الْبَحْرِ عن الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ الذي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ فِرَاقٌ من جِهَتِهَا لِأَنَّهَا تُمْلَكُ بِالْحِيَازَةِ بِخِلَافِ الزَّوْجِ قال فَإِنْ كان صَغِيرًا فَيَحْتَمِلُ أَنَّ لها الْمُتْعَةَ أو اشْتَرَاهَا الزَّوْجُ فَلَا مُتْعَةَ لها وَإِنْ اسْتَدْعَى الزَّوْجُ شِرَاءَهَا لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالْفِرَاقِ فَتَكُونُ لِلْمُشْتَرِي فَلَوْ أَوْجَبْنَاهَا له لَأَوْجَبْنَاهَا له على نَفْسِهِ فلم تَجِبْ بِخِلَافِ الْمَهْرِ فإنه يَجِبُ بِالْعَقْدِ فَوَجَبَ لِلْبَائِعِ
وَتَجِبُ الْمُتْعَةُ لِسَيِّدِ الزَّوْجَةِ الْأَمَةِ في كَسْبِ الْعَبْدِ كَالْمَهْرِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لو زَوَّجَ أَمَتَهُ عَبْدَهُ ثُمَّ فَارَقَهَا لَا مُتْعَةَ كما لَا مَهْرَ فَصْلٌ الْمُسْتَحَبُّ في فَرْضِ الْمُتْعَةِ ثَلَاثُونَ دِرْهَمًا أو ما قِيمَتُهُ ذلك وَأَنْ لَا تَبْلُغَ نِصْفَ الْمَهْرِ أَيْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَلَوْ بَلَغَتْهُ أو جَاوَزَتْهُ جَازَ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ قال الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا تَزِيدُ على مَهْرِ الْمِثْلِ ولم يَذْكُرُوهُ لِوُضُوحِهِ قُلْت وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ كما شَمِلَهُ كَلَامُهُمْ وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ اسْتِحْبَابِ أَنْ لَا تَبْلُغَ نِصْفَ الْمَهْرِ من زِيَادَتِهِ وَيُجْزِئُ مُتَمَوَّلٌ تَرَاضِيًا عليه كما في الْمَهْرِ فَلَوْ تَنَازَعَا في قَدْرِهَا فَعَلَى قَدْرِ حَالَيْهِمَا من يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ وَنَسَبِهَا وَصِفَاتِهَا تُقَدَّرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَتِّعُوهُنَّ على الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ بِتَقْدِيرِ الْحَاكِمِ بِاجْتِهَادِهِ
الْبَابُ السَّادِسُ في الِاخْتِلَافِ في الصَّدَاقِ فَإِنْ اخْتَلَفَا أَيْ الزَّوْجَانِ أو وَارِثَاهُمَا أو أَحَدُهُمَا وَوَارِثُ الْآخَرِ في قَدْرِ الصَّدَاقِ وكان مُدَّعَى الزَّوْجِ الْأَقَلَّ كَأَنْ قالت له نَكَحْتنِي بِأَلْفٍ فقال بِخَمْسِمِائَةٍ أو في صِفَتِهِ الشَّامِلَةِ لِجِنْسِهِ كَأَنْ قالت بِأَلْفِ دِينَارٍ فقال بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أو قالت بِأَلْفٍ صَحِيحَةٍ فقال بِمُكَسَّرَةٍ تَحَالَفَا كما في الْبَيْعِ سَوَاءٌ اخْتَلَفَا قبل الدُّخُولِ أَمْ بَعْدَهُ قبل انْقِطَاعِ الزَّوْجِيَّةِ أو بَعْدَهُ فَيَحْلِفَانِ على الْبَتِّ في النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ إلَّا الْوَارِثَ في النَّفْيِ فَإِنَّمَا عليه نَفْيُ أَيْ الْحَلِفُ على نَفْيِ الْعِلْمِ على الْقَاعِدَةِ في الْحَلِفِ على فِعْلِ الْغَيْرِ فيقول وَارِثُ الزَّوْجِ وَاَللَّهِ لَا أَعْلَمُ أَنَّ مُوَرِّثِي نَكَحَهَا بِأَلْفٍ إنَّمَا نَكَحَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ وَيَقُولُ وَارِثُ الزَّوْجَةِ وَاَللَّهِ لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ نَكَحَ مُوَرِّثَتِي بِخَمْسِمِائَةٍ إنَّمَا نَكَحَهَا بِأَلْفٍ ثُمَّ نَفْسَخُ الصَّدَاقَ
____________________
(3/220)
وَيَجِبُ لها مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَوْ زَادَ على ما ادَّعَتْ لِمَصِيرِ الصَّدَاقِ بِالتَّحَالُفِ مَجْهُولًا فَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا مُسَمًّى وكان فَوْقَ مَهْرِ مِثْلِ الزَّوْجَةِ فِيمَا إذَا ادَّعَتْهُ أو دُونَهُ فِيمَا إذَا ادَّعَاهُ الزَّوْجُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ التَّسْمِيَةَ ولم يَدَّعِ تَفْوِيضًا تَحَالَفَا لِتَضَمُّنِ ذلك اخْتِلَافَهُمَا في الْقَدْرِ لِأَنَّ الْمُنْكِرَ يقول الْوَاجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَالْآخَرَ يَدَّعِي أَكْثَرَ منه أو دُونَهُ على ما عُرِفَ وَكَذَا يَتَحَالَفَانِ وَإِنْ لم يَكُنْ مُدَّعَى الزَّوْجَةِ أَكْثَرَ من مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ كان من غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِأَعْيَانِ الْأَمْوَالِ ذَكَرَهُ ابن الرِّفْعَةِ وَإِنْ ادَّعَاهُ أَيْ التَّفْوِيضَ فَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّسْمِيَةِ من جَانِبٍ وَعَدَمُ التَّفْوِيضِ من جَانِبٍ فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا على نَفْيِ مُدَّعَى الْآخَرِ تَمَسُّكًا بِالْأَصْلِ وَكَمَا لو اخْتَلَفَا في عَقْدَيْنِ فإذا حَلَفَتْ وَجَبَ لها مَهْرُ الْمِثْلِ نعم إنْ كانت هِيَ الْمُدَّعِيَةُ لِلتَّفْوِيضِ وَكَانَتْ دَعْوَاهَا قبل الدُّخُولِ فَظَاهِرٌ كما قِيلَ إنَّ دَعْوَاهَا لَا تُسْمَعُ لِأَنَّهَا لَا تَدَّعِي على الزَّوْجِ شيئا في الْحَالِ غَايَتُهُ أَنَّ لها أَنْ تُطَالِبَ بِالْفَرْضِ
وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا التَّفْوِيضَ وَالْآخَرُ السُّكُوتَ عن الْمَهْرِ صُدِّقَ الْآخَرُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّفْوِيضِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَيَأْتِي فيه ما قَدَّمْته آنِفًا وإذا حَكَمْنَا بِالتَّحَالُفِ فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا وَنَكَلَ الْآخَرُ حَكَمْنَا لِلْحَالِفِ وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً حَكَمْنَا بها وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ بِقَدْرِهِ أَيْ الْمَهْرِ فَيَتَعَارَضَانِ حتى يَتَسَاقَطَا فَيَتَحَالَفَا أو تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ لِزِيَادَةِ عِلْمِهَا وَجْهَانِ قال الْأَذْرَعِيُّ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا الْأَوَّلُ وَنَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ وَبِهِ جَزَمَ في الْأَنْوَارِ وَلَوْ ادَّعَتْ النِّكَاحَ وَمَهْرَ الْمِثْلِ فَاعْتَرَفَ بِالنِّكَاحِ وَأَنْكَرَ الْمَهْرَ أو سَكَتَ عنه ولم يَدَّعِ تَفْوِيضًا وَلَا إخْلَاءَ النِّكَاحِ عن ذِكْرِ الْمَهْرِ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ طُولِبَ بِالْبَيَانِ لِمَهْرٍ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَقْتَضِيهِ مَثَلًا فَلِلْقَاضِي في قَوْلِهِ أنها تَحْلِفُ وَيَثْبُتُ لها الْمَهْرُ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا طُولِبَ بِبَيَانِهِ لِيَتَحَالَفَا إنْ ادَّعَتْ زِيَادَةً على ما بَيَّنَهُ فَإِنْ أَصَرَّ على الْإِنْكَارِ حَلَفَتْ يَمِينَ الرَّدِّ أنها تَسْتَحِقُّ عليه مَهْرَ مِثْلِهَا وَقَضَى لها بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا ابْتِدَاءً لِأَنَّ النِّكَاحَ قد يُعْقَدُ بِأَقَلِّ مُتَمَوَّلٍ فَلَا يَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا يَتَوَجَّهُ التَّحَالُفُ أَيْضًا لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عن حَلِفِ كُلٍّ مِنْهُمَا على إثْبَاتِ مُدَّعَاهُ وَنَفْيِ مُدَّعَى الْآخَرِ وَالْفَرْضُ أَنَّ الزَّوْجَ لم يَدَّعِ قَدْرًا
وَإِنْ ادَّعَتْ عليه مع النِّكَاحِ مُسَمَّى قَدْرِ الْمَهْرِ فقال لَا أَدْرِي أو سَكَتَ كُلِّفَ الْبَيَانَ لِمَهْرٍ لِمَا مَرَّ أَنَّ النِّكَاحَ يَقْتَضِيهِ فَإِنْ أَصَرَّ على الْإِنْكَارِ حَلَفَتْ يَمِينَ الرَّدِّ وَقُضِيَ لها بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَقَوْلُهُ كُلِّفَ الْبَيَانَ فَهِمَهُ من كَلَامِ الْأَصْلِ مع حَذْفِ شَيْءٍ منه وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فإنه قال بَعْدَ التَّصْوِيرِ الْمَذْكُورِ قال الْإِمَامُ ظَاهِرُ ما ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا قال وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَحْلِفُ على نَفْيِ ما ادَّعَتْهُ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَقُضِيَ لها ثُمَّ حُكِيَ عن الْقَاضِي على قِيَاسِ ما مَرَّ له أَنَّهُ لو قال يَعْنِي بَعْدَ دَعْوَاهَا عليه النِّكَاحَ وَأَنَّ هذا الْوَلَدَ عَلِقَتْ بِهِ منه فيه هذا وَلَدِي منها لَزِمَهُ لها مَهْرُ الْمِثْلِ إذَا حَلَفَتْ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْوَطْءِ ظَاهِرٌ أو قِيَاسُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُكَلَّفُ الْبَيَانَ إذَا أَنْكَرَ فَإِنْ أَصَرَّ حَلَفَتْ انْتَهَى فَتَكْلِيفُهُ الْبَيَانَ إنَّمَا هو في التي حَذَفَهَا كَاَلَّتِي ذَكَرَهَا أَوَّلًا لَا في التي ذَكَرَهَا ثَانِيًا وَفَارَقَتْهُمَا بِأَنَّ الْمُدَّعَى فيها مَعْلُومٌ فَكَانَتْ كَنَظَائِرِهَا بِخِلَافِهِ فِيهِمَا لَكِنَّهُ جَزَمَ كَأَصْلِهِ فيها في بَابِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ لها الْمَهْرُ لِإِقْرَارِهِ بِمَا يَقْتَضِيهِ وَهَذَا هو الْحَامِلُ له على حَذْفِهَا هُنَا
وَإِنْ ادَّعَتْ مُسَمًّى على الْوَارِثِ لِلزَّوْجِ فقال لَا أَدْرِي أو سَكَتَ حَلَفَ على نَفْيِ الْعِلْمِ وَوَجَبَ لها مَهْرُ الْمِثْلِ لِأَنَّ تَعَذُّرَ مَعْرِفَةِ الْمُسَمَّى كَعَدَمِهِ وَإِنَّمَا لم يُكَلَّفْ الْبَيَانَ كما في دَعْوَاهَا على الزَّوْجِ لِأَنَّ الزَّوْجَ يُمْكِنُهُ الِاطِّلَاعُ على ما عَقَدَ بِهِ غَالِبًا وَالزَّوْجُ وَوَلِيُّ الصَّغِيرَةِ يَتَحَالَفَانِ لِأَنَّ الْوَلِيَّ هو الْعَاقِدُ وَلَهُ وِلَايَةُ قَبْضِ الْمَهْرِ فَكَانَ اخْتِلَافُهُ مع الزَّوْجِ كَاخْتِلَافِ الْبَالِغَةِ معه وَلِأَنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ في النِّكَاحِ وَالْمَهْرِ فَلَا يَبْعُدُ تَحْلِيفُهُ وَفَائِدَةُ التَّحَالُفِ أَنَّهُ رُبَّمَا يَنْكُلُ الزَّوْجُ فَيَحْلِفُ الْوَلِيُّ فَيَثْبُتُ مُدَّعَاهُ وَلَك أَنْ تَقُولَ هذه الْفَائِدَةُ تَحْصُلُ بِتَحْلِيفِ الزَّوْجِ من غَيْرِ تَحَالُفٍ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَا يُنَافِي ما ذُكِرَ هُنَا من حَلِفِ الْوَلِيِّ ما في
____________________
(3/221)
الدَّعَاوَى من أَنَّهُ لو ادَّعَى دَيْنًا لِمُوَلِّيهِ فَأَنْكَرَ عليه وَنَكَلَ لَا يَحْلِفُ وَإِنْ ادَّعَى مُبَاشَرَةَ سَبَبِهِ لِأَنَّهُ حَلَّفَهُ هُنَاكَ مُطْلَقًا على اسْتِحْقَاقِ مُوَلِّيهِ فَهُوَ حَلِفٌ لِلْغَيْرِ فَلَا يُقْبَلُ النِّيَابَةُ وَهُنَا على أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ هَكَذَا فَهُوَ حَلَفَ على فِعْلِ نَفْسِهِ وَالْمَهْرُ يَثْبُتُ ضِمْنًا
وَإِنَّمَا يَتَحَالَفَانِ إذَا ادَّعَى وَلِيُّ الصَّغِيرَةِ الزِّيَادَةَ على مَهْرِ الْمِثْلِ وَاعْتَرَفَ الزَّوْجُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ دُونَ مَهْرِ الْمِثْلِ فَلَا تَحَالُفَ لِأَنَّهُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِدُونِهِ وَإِنْ نَقَصَ الْوَلِيُّ وَكَذَا إذَا اعْتَرَفَ الزَّوْجُ بِقَدْرٍ يَزِيدُ على مَهْرِ الْمِثْلِ وَادَّعَى الْوَلِيُّ أَكْثَرَ فَلَا تَحَالُفَ لِئَلَّا يَرْجِعَ الْوَاجِبُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ فَيَرْجِعُ في هذا كُلِّهِ الْأَوْلَى فيه إلَى قَوْلِ الزَّوْجِ قال الْبُلْقِينِيُّ كَذَا قَالُوهُ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا بُدَّ من تَحْلِيفِ الزَّوْجِ على نَفْيِ الزِّيَادَةِ رَجَاءَ أَنْ يَنْكُلَ فَيَحْلِفُ الْوَلِيُّ وَيَثْبُتُ مُدَّعَاهُ وَإِنْ حَلَفَ الزَّوْجُ ثَبَتَ ما قَالَهُ وَيُؤْخَذُ من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لو ادَّعَى الْوَلِيُّ مَهْرَ الْمِثْلِ أو أَكْثَرَ وَذَكَرَ الزَّوْجُ أَكْثَرَ من ذلك لم يَتَحَالَفَا بَلْ يُؤْخَذُ بِمَا قَالَهُ الزَّوْجُ وقد نَقَلَ الْأَصْلُ فيها عن الْحَنَّاطِيِّ وَجْهَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ وقال الْإِسْنَوِيُّ لَا وَجْهَ لِلتَّحَالُفِ فيها فَإِنْ نَكَلَ الْوَلِيُّ فَهَلْ يُقْضَى بِيَمِينِ صَاحِبِهِ أو يُنْتَظَرُ بُلُوغُ الصَّبِيَّةِ فَلَعَلَّهَا تَحْلِفُ وَجْهَانِ رَجَّحَ مِنْهُمَا الْإِمَامُ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ الثَّانِيَ
وَتَحْلِفُ صَغِيرَةٌ بَلَغَتْ عَاقِلَةٌ قبل التَّحَالُفِ لِأَنَّهَا من أَهْلِ الْيَمِينِ فَلَا يَحْلِفُ الْوَلِيُّ وَيَجْرِي هذا الْحُكْمُ في اخْتِلَافِ الْمَرْأَةِ مع وَلِيِّ الصَّغِيرِ وفي اخْتِلَافِ وَلِيِّ أَيْ وَلِيِّ الزَّوْجَيْنِ الصَّغِيرَيْنِ وَلَا يَحْلِفُ مُجْبِرُ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ بَلْ هِيَ التي تَحْلِفُ لِأَنَّهَا من أَهْلِ الْيَمِينِ وَكَالْمُجْبِرِ غَيْرُهُ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى بِخِلَافِ الْوَكِيلَيْنِ في الْعَقْدِ الْمَالِيِّ كَالْبَيْعِ فَيَحْلِفَانِ لِأَنَّهُمَا الْعَاقِدَانِ بِخِلَافِ الْمُوَكِّلَيْنِ وَأَمَّا الْوَكِيلُ في عَقْدِ النِّكَاحِ فَكَالْوَلِيِّ فِيمَا ذُكِرَ وَلَا يَحْلِفُ وَلِيُّ الصَّغِيرَةِ فِيمَا لم يُنْشِئْهُ فَلَوْ ادَّعَى على رَجُلٍ أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَهَا فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عليه وَنَكَلَ لم يَحْلِفْ هو يَمِينَ الرَّدِّ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِإِنْشَائِهِ بَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عليه إنْ أَنْكَرَ ولم يَنْكُلْ وَلَا يُقْضَى بِنُكُولٍ منه إنْ نَكَلَ بَلْ يَتَوَقَّفُ حتى يَبْلُغَ الصَّبِيُّ أو الصَّبِيَّةُ وَيَحْلِفُ وَكَالصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ فِيمَا ذُكِرَ الْمَجْنُونُ وَالْمَجْنُونَةُ وَإِنْ أَثْبَتَتْ بِالْبَيِّنَةِ أو بِإِقْرَارِهِ أو بِيَمِينِهَا بَعْدَ نُكُولِهِ أَنَّهُ نَكَحَهَا أَمْسِ بِأَلْفٍ وَالْيَوْمَ بِأَلْفٍ لَزِمَاهُ لِإِمْكَانِ صِحَّةِ الْعَقْدَيْنِ كان بِتَخَلُّلِهِمَا خُلْعٌ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعَرُّضِ لِتَخَلُّلِ الْفُرْقَةِ لِاسْتِلْزَامِ الثَّانِي لها وَلَا لِلْوَطْءِ لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِمْرَارُ الْمُسَمَّى في كل عَقْدٍ إلَى بَيَانِ الْمُسْقِطِ
فَإِنْ ادَّعَى عَدَمَ الْوَطْءِ فِيهِمَا أو في أَحَدِهِمَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْأَصْلِ وَيَشْطُرُ ما ذَكَرَ من الْأَلْفَيْنِ أو أَحَدِهِمَا لِأَنَّ ذلك فَائِدَةُ تَصْدِيقِهِ أو ادَّعَى أَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ تَجْدِيدٌ لِلْأَوَّلِ لَا عَقْدٌ آخَرُ لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وحلفها على نَفْيِ ذلك لِإِمْكَانِهِ وَثَبَتَ له طَلْقَتَانِ بِمَعْنَى أنها تَبْقَى معه بِطَلْقَتَيْنِ وفي عِبَارَتِهِ إجْحَافٌ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ لم يُصِبْهَا في النِّكَاحِ الْأَوَّلِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَلَا يُطَالِبُ من الْمَهْرِ الْأَوَّلِ إلَّا بِالنِّصْفِ وَتَكُونُ معه بِطَلْقَتَيْنِ وَلَوْ ادَّعَى في النِّكَاحِ الثَّانِي الطَّلَاقَ قبل الْإِصَابَةِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَقَنَعَ منه بِنِصْفِ الْمَهْرِ الثَّانِي أَيْضًا وَإِنْ قالت حُرَّةٌ لِمَنْ يَمْلِكُ أَبَوَيْهَا وَنَكَحَهَا بِأَحَدِهِمَا مُعَيَّنًا أَصْدَقْتنِي أُمِّي فقال بَلْ أَبَاك تَحَالَفَا كما في الِاخْتِلَافِ في جِنْسِ الثَّمَنِ وَفَسْخِ عَقْدِ الصَّدَاقِ
وَوَجَبَ لها عليه مَهْرُ الْمِثْلِ لَا إنْ نَكَلَا أو نَكَلَتْ وَحَلَفَ هو فَلَا يَجِبُ لها مَهْرٌ لِأَنَّ من ادَّعَى شيئا وَنَكَلَ عن الْيَمِينِ بَعْدَ الرَّدِّ كان كَمَنْ لم يَدَّعِ شيئا وَعَتَقَ الْأَبُ دُونَ الْأُمِّ في الصُّوَرِ كُلِّهَا بِإِقْرَارِهِ أَيْ بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ بِدُخُولِهِ في مِلْكِ من يُعْتَقُ عليه وَلَا يَلْزَمُهَا قِيمَةُ الْأَبِ لِأَنَّهَا لم تُفَوِّتْهُ عليه كما لو قال لِرَجُلٍ بِعْتُك أَبَاك فَأَنْكَرَ عَتَقَ عليه بِإِقْرَارِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ وَوَقَفَ وَلَاؤُهُ لِأَنَّهُ يقول هو لها وَهِيَ تُنْكِرُ وَلَا تُعْتَقُ الْأُمُّ إلَّا إنْ نَكَلَ وَحَلَفَتْ فَتُعْتَقُ الْأُمُّ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِأَنَّهَا صَدَاقٌ بِيَمِينِ الزَّوْجَةِ وَلَيْسَ عليها قِيمَتُهَا وَإِنْ قال أَصْدَقْتُك أَبَاك وَنِصْفَ أُمِّك فقالت بَلْ أَصَدَقْتنِي كِلَيْهِمَا وَتَحَالَفَا وَفُسِخَ عَقْدُ الصَّدَاقِ فَلَهَا عليه مَهْرُ الْمِثْلِ وَعَلَيْهَا قِيمَةُ الْأَبِ وَنِصْفُ قِيمَةِ الْأُمِّ وَكَذَا قِيمَةُ بَاقِيهَا إنْ كانت مُوسِرَةً لِاتِّفَاقِهِمَا على
____________________
(3/222)
كَوْنِ الْأَبِ وَنِصْفِ الْأُمِّ صَدَاقًا فَعَتَقَا وَبِالتَّحَالُفِ مع الْفَسْخِ رَجَعَا إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ فَغَرِمَتْ قِيمَتَهُمَا لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى رَدِّ الْعِتْقِ فَأَشْبَهَ ما لو اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ اخْتَلَفَا في الثَّمَنِ وَتَحَالَفَا
فَإِنْ حَلَفَ هو وَنَكَلَتْ هِيَ عَتَقَ الْأَبُ وَنِصْفُ الْأُمِّ ولم يَسْرِ الْعِتْقُ إلَى بَاقِيهَا إنْ كانت الزَّوْجَةُ مُعْسِرَةً كما قَيَّدَ بِهِ الْأَصْلُ قال وَلَا شَيْءَ لها وَعَلَيْهَا لِأَنَّا حَكَمْنَا بِيَمِينِهِ أَنَّ الصَّدَاقَ هو الْأَبُ وَنِصْفُ الْأُمِّ أو حَلَفَتْ دُونَهُ عَتَقَا لِحُكْمِنَا بِأَنَّهُمَا صَدَاقٌ وَلَا شَيْءَ عليها وَإِنْ قالت بَعْدَ قَوْلِهِ أَصْدَقْتُك أَبَاك وَنِصْفَ أُمِّك بَلْ أَصَدَقْتنِي الْأُمَّ وَنِصْفَ الْأَبِ وَتَحَالَفَا وَفُسِخَ عَقْدُ الصَّدَاقِ فَلَهَا عليه مَهْرُ الْمِثْلِ وَعِتْقُ نِصْفِ الْأَبِ مَجَّانًا بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ وَنِصْفِ الْأُمِّ بِالسِّرَايَةِ إنْ كانت الزَّوْجَةُ مُوسِرَةً كما في الْأَصْلِ فَتَغْرَمُ قِيمَتَهُ أَيْ نِصْفِ الْأُمِّ وعتق بَاقِيهِمَا بِاتِّفَاقِهِمَا أَيْ الزَّوْجَيْنِ على دُخُولِهِ في مِلْكِ من يُعْتَقُ عليه وَعَلَيْهَا قِيمَةُ ما عَتَقَ من الْأُمِّ وَقِيمَةُ ما اتَّفَقَا عليه من الْأَبِ قال بَعْضُهُمْ وَالْأَوْجَهُ وُجُوبُ قِيمَةِ الْأَبِ كُلِّهِ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَزْعُمُ أَنَّهُ عَتَقَ كُلَّهُ عليها بِدُخُولِهِ في مِلْكِهَا وَالزَّوْجَةُ تَزْعُمُ أَنَّ نِصْفَهُ عَتَقَ عليها بِذَلِكَ وَنِصْفَهُ الْآخَرَ عَتَقَ عليها بِالسِّرَايَةِ فَقَدْ اتَّفَقَا على عِتْقِهِ كُلِّهِ لَكِنْ اخْتَلَفَا في الْجِهَةِ
وَالِاخْتِلَافُ في الْجِهَةِ لَا يَضُرُّ انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّ نِصْفَهُ الْآخَرَ لم يُعْتَقْ بِالسِّرَايَةِ بِإِقْرَارِهِ كَنِصْفِهِ الذي غَرِمَتْ قِيمَتَهُ لَكِنَّهَا لَمَّا لم تُوَافِقْهُ عليه لم تَغْرَمْ قِيمَتَهُ إذْ لَا صُنْعَ منها فيه وَإِنْ أَعْطَاهَا مَالًا فقالت أَعْطَيْتنِيهِ هَدِيَّةً وقال بَلْ صَدَاقًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ الْمُعْطَى من جِنْسِهِ أَيْ الصَّدَاقِ أو اتَّفَقَا على أَنَّهُ لم يَجْرِ لَفْظٌ وَاخْتَلَفَا فِيمَا نَوَاهُ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِكَيْفِيَّةِ إزَالَةِ مِلْكِهِ وَبِنِيَّتِهِ قال في الْأَصْلِ فَإِنْ كان الْمَقْبُوضُ من جِنْسِ الصَّدَاقِ وَقَعَ عنه وَإِلَّا فَإِنْ رَضِيَا بِبَيْعِهِ بِالصَّدَاقِ فَذَاكَ وَإِلَّا اسْتَرَدَّهُ وَأَدَّى الصَّدَاقَ فَإِنْ كان تَالِفًا فَلَهُ الْبَدَلُ عليها وقد يَقَعُ في التَّقَاصِّ انْتَهَى وَالْمُصَنِّفُ تَرَكَهُ لِلْعِلْمِ بِهِ من مَحَلٍّ آخَرَ على أَنَّهُ وُجِدَ في نُسَخِهِ وَإِنْ أَعْطَى غَيْرُ غَرِيمٍ أَيْ من لَا دَيْنَ له عليه شيئا وقال أَعْطَيْتُك إيَّاهُ بِعِوَضٍ وَأَنْكَرَ صُدِّقَ الْمُنْكِرُ بِيَمِينِهِ قال الرَّافِعِيُّ وكان يَجُوزُ أَنْ نُسَوِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ فَيُقَالُ إنَّهُ أَعْرَفُ بِكَيْفَيْهِ إزَالَةِ مِلْكِهِ أو يُقَالُ كما أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا عِوَضَ على الْمُعْطَى له فَالْأَصْلُ أَنْ يَبْقَى الصَّدَاقُ وَلَا يَصِيرَ عِوَضًا عن الْمُعْطَى انْتَهَى
وَيُجَابُ بِأَنَّ الزَّوْجَ مُسْتَقِلٌّ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ وَبِقَصْدِهِ وَبِأَنَّهُ يُرِيدُ إبْرَاءَ الذِّمَّةِ بِخِلَافِ مُعْطِي من لَا دَيْنَ له عليه فِيهِمَا وَتُسْمَعُ دَعْوَى تَسْلِيمِ الصَّدَاقِ إلَى وَلِيِّ صَغِيرَةٍ وَمَجْنُونَةٍ وَسَفِيهَةٍ لَا إلَى وَلِيِّ رَشِيدَةٍ وَلَوْ بِكْرًا فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عليه إلَّا إنْ ادَّعَى إذْنَهَا نُطْقًا فَتُسْمَعُ عليه لِلْإِذْنِ الصَّرِيحِ له في الْقَبْضِ وَإِنْ اخْتَلَفَا في عَيْنِ الْمَنْكُوحَةِ صُدِّقَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِيمَا نَفَاهُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ في عَقْدَيْنِ وَإِنْ كان الِاخْتِلَافُ في قَدْرِهَا كَأَنْ قال لِامْرَأَتَيْنِ تَزَوَّجْتهمَا بِأَلْفٍ فقالت إحْدَاهُمَا بَلْ أنا فَقَطْ بِأَلْفِ تَحَالَفَا لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ في قَدْرِ مَهْرِ الْمُتَّفَقِ على نِكَاحِهَا وَأَمَّا الْأُخْرَى فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ الْأَوْلَى قَوْلُهَا أَيْ في نَفْيِ النِّكَاحِ وَإِنْ أَصْدَقَهَا جَارِيَةً وَوَطِئَهَا عَالِمًا بِالْحَالِ قبل الدُّخُولِ لم يُحَدَّ لِلشُّبْهَةِ أَيْ لِشُبْهَةِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ في أنها هل تَمْلِكُ قبل الدُّخُولِ جَمِيعَ الصَّدَاقِ أو نِصْفَهُ فَقَطْ وَعَلَّلَهُ الْأَصْلُ بهذا وَبِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَخْفَى مِثْلُ ذلك على الْعَوَامّ ثُمَّ بَنَى عَلَيْهِمَا ما لو كان عَالِمًا بِأَنَّهَا تَمْلِكُ جَمِيعَ الصَّدَاقِ بِالْعَقْدِ فَعَلَى الثَّانِي يُحَدُّ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا
قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَيْسَ في كَلَامِهِ تَرْجِيحٌ في هذا الْمَبْنِيِّ وَاَلَّذِي نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فيه الْحَدُّ قال وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ الرَّاجِحَ من التَّعْلِيلَيْنِ الثَّانِي وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ شُبْهَةَ الْعُلَمَاءِ مَوْجُودَةٌ وَإِنْ كان عَالِمًا بِذَلِكَ فَالرَّاجِحُ التَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ الذي اقْتَصَرَ عليه الْمُصَنِّفُ وَلُزُومُ الْحَدِّ مُفَرَّعٌ على التَّعْلِيلِ الثَّانِي أو يُقَالُ لَا يَلْزَمُ من الْبِنَاءِ على شَيْءٍ الِاتِّحَادُ في التَّرْجِيحِ أو بَعْدَهُ حُدَّ وَلَا يُقْبَلُ دَعْوَى جَهْلِ مِلْكِهَا لِلْجَارِيَةِ بِالدُّخُولِ إلَّا من قَرِيبِ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أو مِمَّنْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عن الْعُلَمَاءِ كِتَابُ الْوَلِيمَةِ من الْوَلْمِ وهو الِاجْتِمَاعُ وَهِيَ تَقَعُ على كل طَعَامٍ يُتَّخَذُ لِسُرُورٍ حَادِثٍ من عُرْسٍ وَإِمْلَاكٍ وَغَيْرِهِمَا لَكِنَّ اسْتِعْمَالَهَا مُطْلَقَةً في الْعُرْسِ أَشْهُرُ وفي غَيْرِهِ تُقَيَّدُ فَيُقَالُ وَلِيمَةُ خِتَانٍ أو غَيْرِهِ وَهِيَ لِدَعْوَةِ الْعُرْسِ أَيْ الْإِمْلَاكِ وهو الْعَقْدُ وَلِيمَةٌ وَإِمْلَاكٍ وشندخي وَهِيَ آكَدُهَا أَيْ وَلِيمَةُ الْعُرْسِ آكَدُ الْوَلَائِمِ وَلِلْخِتَانِ
____________________
(3/223)
إعْذَارٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِعْجَامِ الذَّالِ وَلِلْوِلَادَةِ عَقِيقَةٌ وَلِلسَّلَامَةِ من الطَّلْقِ خُرْسٌ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِسِينٍ مُهْمَلَةٍ وَيُقَالُ بِالصَّادِ وَلِلْقُدُومِ من السَّفَرِ نَقِيعَةٌ من النَّقْعِ وهو الْغُبَارُ أو النَّحْرُ أو الْقَتْلُ وَهِيَ ما أَيْ طَعَامٌ يُصْنَعُ له أَيْ لِلْقُدُومِ سَوَاءٌ أَصَنَعَهُ الْقَادِمُ أَمْ صَنَعَهُ غَيْرُهُ له كما أَفَادَهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ في آخِرِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ لَكِنْ الذي في الرَّوْضَةِ هُنَا ذَكَرَ ذلك قَوْلَيْنِ أَظْهَرُهُمَا الثَّانِي لَكِنْ صَوَّبَ الْأَذْرَعِيُّ الْأَوَّلَ وَلِلْبِنَاءِ وَكِيرَةٌ من الْوَكْرِ وهو الْمَأْوَى وَلِلْمُصِيبَةِ وَضِيمَةٌ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَلَيْسَتْ من الْوَلَائِمِ نَظَرًا لِاعْتِبَارِ السُّرُورِ وَعَلَيْهِ مَشَيْت في شَرْحِ الْبَهْجَةِ
لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ وقد يُوَجَّهُ بِأَنَّ اعْتِبَارَ السُّرُورِ إنَّمَا هو في الْغَالِبِ وَبِلَا سَبَبٍ مَأْدُبَةٌ بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا وَلِحِفْظِ الْقُرْآنِ حِذَاقٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَالْكُلُّ مُسْتَحَبٌّ وَدَلِيلُ اسْتِحْبَابِ الْوَلِيمَةِ إخْبَارُ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَوْلَمَ على بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ من شَعِيرٍ وَأَنَّهُ أَوْلَمَ على صَفِيَّةَ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ وَأَقِطٍ وَأَنَّهُ قال لِعَبْدِ الرحمن بن عَوْفٍ وقد تَزَوَّجَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ وَالْأَمْرُ فيه لِلنَّدَبِ قِيَاسًا على الْأُضْحِيَّةِ وَسَائِرِ الْوَلَائِمِ وَلِأَنَّهُ أَمَرَ فيه بِالشَّاةِ وَلَوْ كان الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ لَوَجَبَتْ وَهِيَ لَا تَجِبُ إجْمَاعًا لَا عَيْنًا وَلَا كِفَايَةً قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ اسْتِحْبَابَ وَلِيمَةِ الْخِتَانِ مَحَلُّهُ في خِتَانِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ فإنه يُخْفَى وَيُسْتَحْيَا من إظْهَارِهِ وَيُحْتَمَلُ اسْتِحْبَابُهُ لِلنِّسَاءِ فِيمَا بَيْنَهُنَّ خَاصَّةً قال وَأَطْلَقُوا اسْتِحْبَابَ الْوَلِيمَةِ لِلْقُدُومِ من السَّفَرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّهُ في السَّفَرِ الطَّوِيلِ لِقَضَاءِ الْعُرْفِ بِهِ أَمَّا من غَابَ يَوْمًا أو أَيَّامًا يَسِيرَةً إلَى بَعْضِ النَّوَاحِي الْقَرِيبَةِ فَكَالْحَاضِرِ وَأَقَلُّهَا لِلْمُتَمَكِّنِ شَاةٌ وَلِغَيْرِهِ ما قَدَرَ عليه
قال النَّسَائِيّ وَالْمُرَادُ أَقَلُّ الْكَمَالِ شَاةٌ لِقَوْلِ التَّنْبِيهِ وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَوْلَمَ من الطَّعَامِ جَازَ فَرْعٌ الْإِجَابَةُ إلَى الدَّعْوَةِ في وَلِيمَةِ الْعُرْسِ إنْ لم يَرْضَ صَاحِبُهَا بِالْعُذْرِ أَيْ بِعُذْرِ الْمَدْعُوِّ فَرْضُ عَيْنٍ وفي غَيْرِهَا مُسْتَحَبَّةٌ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إذَا دُعِيَ أحدكم إلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا وَخَبَرِ مُسْلِمٍ شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ تُدْعَى لها الْأَغْنِيَاءُ وَتَتْرُكُ الْفُقَرَاءُ وَمَنْ لم يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ قالوا وَالْمُرَادُ وَلِيمَةُ الْعُرْسِ لِأَنَّهَا الْمَعْهُودَةُ عِنْدَهُمْ وقد يُؤَيَّدُ بِمَا في خَبَرِ مُسْلِمٍ أَيْضًا إذَا دُعِيَ أحدكم إلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ فَلْيُجِبْ لَكِنْ فيه أَيْضًا من دُعِيَ إلَى عُرْسٍ أو نَحْوِهِ فَلْيُجِبْ وفي أبي دَاوُد إذَا دَعَا أحدكم أَخَاهُ فَلْيُجِبْ عُرْسًا كان أو غَيْرَهُ وَقَضِيَّتُهُمَا وُجُوبُ الْإِجَابَةِ في سَائِرِ الْوَلَائِمِ وَبِهِ أَجَابَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ كما قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ
وَيُؤَيِّدُ عَدَمَ وُجُوبِهَا في غَيْرِ الْعُرْسِ أَنَّ عُثْمَانَ بن أبي الْعَاصِ دُعِيَ إلَى خِتَانٍ فلم يُجِبْ وقال لم يَكُنْ يُدْعَى له على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَوَاهُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ أَمَّا إذَا رضي بِعُذْرِهِ الذي اعْتَذَرَ له بِهِ فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ وَيُسْتَثْنَى من وُجُوبِ الْإِجَابَةِ الْقَاضِي لِشُغْلِهِ بِالنَّاسِ وَإِنَّمَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ أو تُسْتَحَبُّ بِشُرُوطٍ منها أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مُسْلِمًا فَلَوْ كان كَافِرًا لم تَجِبْ إجَابَتُهُ
____________________
(3/224)
لِانْتِفَاءِ طَلَبِ الْمَوَدَّةِ معه وَلِأَنَّهُ يُسْتَقْذَرُ طَعَامُهُ لِاحْتِمَالِ نَجَاسَتِهِ وَفَسَادِ تَصَرُّفِهِ ولهذا لَا تُسْتَحَبُّ إجَابَةُ الذِّمِّيِّ كَاسْتِحْبَابِ إجَابَةِ الْمُسْلِمِ فِيمَا يُسْتَحَبُّ فيه إجَابَتُهُ وَيُؤْخَذُ منه أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إجَابَةُ الذِّمِّيِّ وَإِنْ كُرِهَتْ مُخَالَطَتُهُ وَيُعْتَبَرُ في الْوُجُوبِ كَوْنُ الْمَدْعُوِّ مُسْلِمًا أَيْضًا فَلَوْ دَعَا مُسْلِمٌ كَافِرًا لم تَلْزَمْهُ الْإِجَابَةُ
ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَأَنْ لَا يَخُصَّ بِالدَّعْوَةِ الْأَغْنِيَاءَ وَلَا غَيْرَهُمْ بَلْ يَعُمُّ عَشِيرَتَهُ أو جِيرَانَهُ أو أَهْلَ حِرْفَتِهِ وَإِنْ كَانُوا كلهم أَغْنِيَاءَ لِخَبَرِ شَرُّ الطَّعَامِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَعُمَّ جَمِيعَ الناس لِتَعَذُّرِهِ بَلْ لو كَثُرَتْ عَشِيرَتُهُ أو نَحْوُهَا وَخَرَجَتْ عن الضَّبْطِ أو كان فَقِيرًا لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيعَابُهَا فَالْوَجْهُ كما قال الْأَذْرَعِيُّ عَدَمُ اشْتِرَاطِ عُمُومِ الدَّعْوَى بَلْ الشَّرْطُ أَنْ لَا يَظْهَرَ منه قَصْدُ التَّخْصِيصِ وأن لَا يَطْلُبَهُ طَمَعًا في جَاهِهِ أو لِإِعَانَتِهِ على بَاطِلٍ أو خَوْفًا منه لو لم يَحْضُرْهُ بَلْ لِلتَّوَدُّدِ وَالتَّقَرُّبِ وَكَذَا لَا بِقَصْدِ شَيْءٍ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ وَأَنْ يُعَيِّنَ الْمَدْعُوَّ بِنَفْسِهِ أو نَائِبِهِ لَا إنْ نَادَى في الناس كَأَنْ فَتَحَ الْبَابَ وقال لِيَحْضُرَ من أَرَادَ أو قال لِغَيْرِهِ اُدْعُ من شِئْت فَلَا تُطْلَبُ الْإِجَابَةُ من الْمَدْعُوِّ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ حِينَئِذٍ لَا يُورِثُ وَحْشَةً وَأَنْ يَدْعُوَ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ أَيْ فيه فَلَوْ أَوْلَمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ لم تَجِبْ الْإِجَابَةُ إلَّا في الْأَوَّلِ
وَتُسْتَحَبُّ في الثَّانِي ثُمَّ تُكْرَهُ فِيمَا بَعْدَهُ فَفِي أبي دَاوُد وَغَيْرِهِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْوَلِيمَةُ في الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حَقٌّ وفي الثَّانِي مَعْرُوفٌ وفي الثَّالِث رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ نعم لو لم يُمْكِنْهُ اسْتِيعَابُ الناس في الْأَوَّلِ لِكَثْرَتِهِمْ أو صِغَرِ مَنْزِلِهِ أو غَيْرِهِمَا قال الْأَذْرَعِيُّ فَذَلِكَ في الْحَقِيقَةِ كَوَلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ دُعِيَ الناس إلَيْهَا أَفْوَاجًا في يَوْمٍ وَاحِدٍ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ أَوْلَمَ في يَوْمٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الثَّانِيَةَ كَالْيَوْمِ الثَّانِي فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا تَقَدَّمَ عن الْأَذْرَعِيِّ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ فَلَا تُطْلَبُ إجَابَةُ الْمَحْجُورِ عليه لِصِبًا أو جُنُونٍ أو سَفَهٍ وَإِنْ أَذِنَ وَلِيُّهُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِفْظِ مَالِهِ لَا بِإِتْلَافِهِ نعم إنْ اتَّخَذَهَا الْوَلِيُّ من مَالِهِ وهو أَبٌ أو جَدٌّ فَيَظْهَرُ وُجُوبُ الْحُضُورِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَأَنْ لَا يَحْضُرَ هُنَاكَ من يُؤْذِي الْمَدْعُوَّ أو تَقْبُحُ مُجَالَسَتُهُ كَالْأَرَاذِلِ فَإِنْ كان فَهُوَ مَعْذُورٌ في التَّخَلُّفِ لِمَا فيه من التَّأَذِّي في الْأَوَّلِ وَالْغَضَاضَةِ في الثَّانِي
وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مُنْكَرٌ وَلِهَذَا فَرَّعَ عليه قَوْلَهُ فَلَوْ كان مُنْكَرٌ كَفَرْشِ الْحَرِيرِ في دَعْوَةٍ اُتُّخِذَتْ لِلرِّجَالِ وَفَرْشِ جُلُودِ نُمُورٍ بَقِيَ وَبَرُهَا كما قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ وَغَيْرُهُ وَصُورَةُ الْحَيَوَانِ الْمَرْفُوعَةِ كَأَنْ كانت على سَقْفٍ أو جِدَارٍ أو ثِيَابٍ مَلْبُوسَةٍ أو وِسَادَةٍ مَنْصُوبَةٍ لَا صُوَرُ الشَّجَرِ وَالْقَمَرَيْنِ حَرُمَ الْحُضُورُ لِأَنَّ الْحُضُورَ حِينَئِذٍ كَالرِّضَا بِالْمُنْكَرِ وَلِلنَّهْيِ عن ذلك في الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ بِخِلَافِ صُوَرِ الشَّجَرِ وَالْقَمَرَيْنِ لِأَنَّهُ يَحِلُّ تَصْوِيرُهَا كما سَيَأْتِي هذا إنْ لم يَزُلْ أَيْ الْمُنْكَرُ لِأَجْلِهِ أَيْ الْمَدْعُوِّ فَإِنْ كان يَزُولُ لِأَجْلِهِ وَجَبَتْ إجَابَتُهُ إجَابَةً لِلدَّعْوَةِ وَإِزَالَةً لِلْمُنْكَرِ وَأَمَّا مُجَرَّدُ الدُّخُولِ فَكَلَامُ الْأَصْلِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ عَدَمِ تَحْرِيمِهِ حَيْثُ قال وَهَلْ دُخُولُ
____________________
(3/225)
الْبَيْتِ الذي فيه الصُّوَرُ الْمَمْنُوعَةُ حَرَامٌ أو مَكْرُوهٌ وَجْهَانِ وَبِالتَّحْرِيمِ قال الشَّيْخُ أبو مُحَمَّدٍ وَبِالْكَرَاهَةِ قال صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالصَّيْدَلَانِيُّ
وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ في الْوَسِيطِ انْتَهَى وفي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عن الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُمْ مَالُوا إلَى الْكَرَاهَةِ وَصَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ لَكِنْ حَكَى في الْبَيَانِ عن عَامَّةِ الْأَصْحَابِ التَّحْرِيمَ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الدُّخُولِ غَيْرُ مَسْأَلَةِ الْحُضُورِ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَكَصُوَرِ الْحَيَوَانِ في ذلك فُرُشُ الْحَرِيرِ كما يُومِئُ إلَيْهِ كَلَامُ الْأَصْلِ وَلَا بَأْسَ بِصُوَرٍ مَبْسُوطَةٍ كَأَنْ كانت على بُسُطٍ تُدَاسُ أو مَخَادِرَ يُتَّكَأُ عليها أو بِصُوَرٍ مُمْتَهَنَةٍ بِالِاسْتِعْمَالِ لِمَحَلِّهَا كَطَبَقٍ وَقَصْعَةٍ وَكَذَا إنْ كانت مُرْتَفِعَةً لَكِنْ قُطِعَ رَأْسُهَا لِأَنَّ ما يُدَاسُ وَيُطْرَحُ مُهَانٌ مُبْتَذَلٌ وَمَقْطُوعُ الرَّأْسِ لَا يُشْبِهُ حَيَوَانًا فيه رُوحٌ بِخِلَافِ الْمَنْصُوبِ فإنه مُرْتَفِعٌ يُشْبِهُ الْأَصْنَامَ وَإِنْ حَضَرَ الْمُنْكَرَ جَاهِلًا بِهِ نَهَاهُمْ أَيْ مُرْتَكِبِيهِ إزَالَةً لِلْمُنْكَرِ لَا إنْ كَانُوا شَرَبَةَ نَبِيذٍ يَعْتَقِدُونَهُ أَيْ حِلَّهُ فَلَا يَنْهَاهُمْ عنه لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فيه بِخِلَافِ ما إذَا اعْتَقَدُوا تَحْرِيمَهُ كَالْمُنْكَرِ الْمُجْمَعِ على تَحْرِيمِهِ
فَإِنْ أَصَرُّوا على ارْتِكَابِهِمْ الْمُنْكَرَ الْمُحَرَّمَ عليهم خَرَجَ وُجُوبًا فَإِنْ تَعَذَّرَ الْخُرُوجُ كَأَنْ كان لَيْلًا وَخَافَ قَعَدَ كَارِهًا بِقَلْبِهِ وَلَا يَسْتَمِعُ لِمَا يَحْرُمُ اسْتِمَاعُهُ كما لو كان ذلك في جِوَارِ بَيْتِهِ لَا يَلْزَمُهُ التَّحَوُّلُ وَإِنْ بَلَغَهُ الصَّوْتُ وَلَا يَحْرُمُ الدُّخُولُ لِمَكَانِ الْوَلِيمَةِ وفي الْمَمَرِّ صُورَةٌ بَلْ لَا يُكْرَهُ دُخُولُهُ وَلَا دُخُولُ حَمَّامٍ بِبَابِهِ صُوَرٌ لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ عن مَحَلِّ الْحُضُورِ فَكَانَتْ كَالْخَارِجَةِ عن الْمَنْزِلِ وَالتَّصْرِيحُ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ من زِيَادَتِهِ وَلَا بَأْسَ بِتَصْوِيرِ الْقَمَرَيْنِ وَالشَّجَرِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا رُوحَ له لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عن ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا قال له الْمُصَوِّرُ لَا أَعْرِفُ صَنْعَةً غَيْرَهَا قال إنْ لم يَكُنْ بُدٌّ فَصَوِّرْ من الْأَشْجَارِ وما لَا نَفْسَ له وَالتَّصْرِيحُ بِحُكْمِ التَّصْوِيرِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْلُ اقْتَصَرَ على التَّصْرِيحِ بِحُكْمِ الصُّوَرِ
فَرْعٌ وَيَحْرُمُ التَّصْوِيرُ لِلْحَيَوَانِ وَلَوْ في أَرْضٍ وَثَوْبٍ وَإِنْ تُسُومِحَ بِدَوْسِ مُصَوَّرٍ إنْ اتَّفَقَ تَصْوِيرٌ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَعَنَ الْمُصَوِّرِينَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَاسْتَثْنَى لَعِبَ الْبَنَاتِ لِأَنَّ عَائِشَةَ كانت تَلْعَبُ بها عِنْدَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحِكْمَتُهُ تَدْرِيبُهُنَّ أَمْرَ التَّرْبِيَةِ وَلَا أُجْرَةَ له أَيْ لِلتَّصْوِيرِ الْمُحَرَّمِ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ فَصْلٌ إذَا دَعَاهُ جَمَاعَةٌ يُجِيبُ الْأَسْبَقَ ثُمَّ الْأَقْرَبَ رَحِمًا ثُمَّ الْأَقْرَبَ دَارًا كما في الصَّدَقَةِ ثُمَّ بِالْقُرْعَةِ وَعَلَى الصَّائِمِ الْحُضُورُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ إذَا دُعِيَ أحدكم إلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ كان مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ وَإِنْ كان صَائِمًا فَلْيُصَلِّ أَيْ فَلْيَدْعُ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ فَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ وإذا دُعِيَ وهو صَائِمٌ فَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ إنِّي صَائِمٌ حَكَاهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ عن الْأَصْحَابِ
فَإِنْ كان الصَّوْمُ نَفْلًا فَإِفْطَارُهُ لِلْمُجَاوَرَةِ يَعْنِي لِجَبْرِ خَاطِرِ الدَّاعِي أَفْضَلُ من إمْسَاكِهِ وَلَوْ آخِرَ النَّهَارِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا أَمْسَكَ من حَضَرَ معه وقال إنِّي صَائِمٌ قال له يَتَكَلَّفُ لَك أَخُوك الْمُسْلِمُ وَتَقُولُ إنِّي صَائِمٌ أَفْطِرْ ثُمَّ اقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وقد أَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْعِرَاقِيُّونَ الْحُكْمَ وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ تَبَعًا لِلْمَرَاوِزَةِ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا شَقَّ عليه إمْسَاكُهُ وَإِلَّا فَالْمُسْتَحَبُّ إمْسَاكُهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِلْمُجَاوَرَةِ وَلَوْ أَمْسَكَ الْمُفْطِرُ عن الْأَكْلِ لم يَحْرُمْ بَلْ يَجُوزُ له لَكِنْ يُسْتَحَبُّ له الْأَكْلُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَوَقَعَ لِلنَّوَوِيِّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ تَصْحِيحُ وُجُوبِ الْأَكْلِ وَيَحْرُمُ على الصَّائِمِ الْإِفْطَارُ من صَوْمِ فَرْضٍ وَلَوْ تَوَسَّعَ وَقْتُهُ كَنَذْرٍ مُطْلَقٍ وَقَضَاءِ ما فَاتَ من رَمَضَانَ بِعُذْرٍ كما مَرَّ في بَابِهِ وَالْمَرْأَةُ تُجِيبُهَا الْمَرْأَةُ وَكَذَا يُجِيبُهَا الرَّجُلُ لَا مع خَلْوَةٍ مُحَرَّمَةٍ فَلَا يُجِيبُهَا إلَى طَعَامٍ مُطْلَقًا أو مع عَدَمِ الْخَلْوَةِ فَلَا يُجِيبُهَا إلَى طَعَامٍ خَاصٍّ بِهِ كَأَنْ جَلَسَتْ بِبَيْتٍ وَبَعَثَتْ له الطَّعَامَ إلَى بَيْتٍ آخَرَ من دَارِهَا خَوْفَ الْفِتْنَةِ بِخِلَافِ ما إذَا
____________________
(3/226)