الْوَكِيلِ أو أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ شيئا في الذِّمَّةِ وَلَوْ مع الْأَمْرِ بِصَرْفِ ما دَفَعَ إلَيْهِ في الثَّمَنِ فَفَعَلَ وقد تَلِفَ الْمَدْفُوعُ له في يَدِهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ أو قَبْلَهُ لم يَنْفَسِخْ أَيْ الْعَقْدُ وَلِمَنْ يَقَعُ أَيْ الْعَقْدُ فيه خِلَافٌ قِيلَ لِلْوَكِيلِ وَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ وَقِيلَ لِلْمُوَكِّلِ وَيَلْزَمُهُ مِثْلُ الْمَدْفُوعِ وَقِيلَ يُقَالُ له إنْ أَرَدْتَهُ فَادْفَعْ مِثْلَ الْمَدْفُوعِ وَإِلَّا فَيَقَعُ عن الْوَكِيلِ وَعَلَيْهِ الثَّمَنُ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ بَعْضِ الْمَرَاوِزَةِ جَرَى عليها الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ وَأَمَّا طَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ فَالْوَكِيلُ يَنْعَزِلُ بِتَلَفِ الْمَدْفُوعِ سَوَاءٌ أَقَالَ اشْتَرِ بِعَيْنِهِ أَمْ لَا كما مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَمِنْ ثَمَّ زَادَ في الرَّوْضَةِ
قُلْت كَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَقَطَعَ في الْحَاوِي بِأَنَّهُ إذَا قال اشْتَرِ في الذِّمَّةِ أو بِعَيْنِهِ فَتَلِفَ انْفَسَخَتْ الْوَكَالَةُ وَانْعَزَلَ فإذا اشْتَرَى بَعْدَهُ وَقَعَ لِلْوَكِيلِ انْتَهَى وَقَطَعَ بِهِ أَيْضًا الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وابن الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا وَصَرَّحُوا إلَّا ابْنَ الصَّبَّاغِ بِأَنَّهُ لو كان التَّلَفُ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ أَيْضًا كَنَظِيرِهِ في الْقِرَاضِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ عَيْنُ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَلَوْ تَصَرَّفَ لِنَفْسِهِ إلَى آخِرِهِ لَكِنَّهُ كَأَصْلِهِ جَرَى في تِلْكَ على طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ فَرْعٌ الْمَقْبُوضُ لِلْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ يَضْمَنُهُ الْوَكِيلُ سَوَاءٌ أَتَلِفَ في يَدِهِ أَمْ في يَدِ مُوَكِّلِهِ لِوَضْعِ يَدِهِ عليه بِغَيْرِ إذْنٍ شَرْعِيٍّ وفي نُسْخَةٍ يَضْمَنُهُ الْوَكِيلُ إنْ تَلِفَ في يَدِهِ وَيَرْجِعُ إذَا غَرِمَ على الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ قَرَارَ الضَّمَانِ عليه كما مَرَّ وَاسْتَشْكَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِيمَا إذَا تَلِفَ في يَدِ الْوَكِيلِ فقال لَا وَجْهَ له بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ له لِأَنَّ الشِّرَاءَ الْفَاسِدَ غَيْرُ مَأْذُونٍ فيه وَلَوْ أَذِنَ فيه فَلَا عِبْرَةَ بِالْإِذْنِ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَيُجَابُ بِأَنَّ فَاسِدَ كل عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ في الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ وَبِأَنَّ يَدَهُ فِيمَا وُكِّلَ فيه كَيَدِ مُوَكِّلِهِ لِأَنَّهُ أَمِينُهُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ شَامِلَةٌ لِمَسْأَلَتَيْ الِاسْتِحْقَاقِ السَّابِقَتَيْنِ فَرْعٌ وَكِيلُ الْمُسْتَقْرِضِ كَوَكِيلِ الْمُشْتَرِي فَيُطَالَبُ وَيَرْجِعُ بَعْدَ الْغُرْمِ على الْمُوَكِّلِ الْحُكْمُ الرَّابِعُ الْجَوَازُ من الْجَانِبَيْنِ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ إنَابَةٌ فَلَا تَلْزَمُ لِلْإِضْرَارِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْعَزْلُ إنْ لم يَكُنْ عَقْدُ الْوَكَالَةِ بِاسْتِئْجَارٍ فَإِنْ كان بِاسْتِئْجَارٍ بِأَنْ عُقِدَتْ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فَهُوَ لَازِمٌ لَا يَقْبَلُ الْعَزْلَ وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّنْبِيهِ عليه نعم إنْ عُقِدَتْ بِلَفْظِ الْوَكَالَةِ وَشُرِطَ فيها جُعْلٌ مَعْلُومٌ قال في الْأَصْلِ أَمْكَنَ تَخْرِيجُهُ على أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِصِيَغِ الْعُقُودِ أو بِمَعَانِيهَا وَهَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ نَقَلَهُمَا الرُّويَانِيُّ وَجْهَيْنِ وَصَحَّحَ مِنْهُمَا الْأَوَّلَ على الْقَاعِدَةِ الْغَالِبَةِ في ذلك وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَالتَّرْجِيحُ فيه من زِيَادَتِهِ وَإِنْ قال الْوَكِيلُ عَزَلْت نَفْسِي أو فَسَخْت الْوَكَالَةَ أو خَرَجْت منها أو نَحْوَهُ كَأَبْطَلْتُهَا أو عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ أو فَسَخَهَا بِقَوْلِهِ فَسَخْتهَا أو نَقَضْتهَا أو أَزَلْتهَا أو صَرَفْتهَا أو رَفَعْتهَا أو نَحْوَهَا وَعَلِمَ الْوَكِيلُ بِالْعَزْلِ أو الْفَسْخِ وَكَذَا إنْ لم يَعْلَمْ بِهِ انْعَزَلَ وَإِنْ كانت صِيغَةُ الْمُوَكِّلِ صِيغَةَ أَمْرٍ كَ بِعْ وَأَعْتِقْ لِدَلَالَةِ كُلٍّ من ذلك عليه وَلَا يُشْتَرَطُ في انْعِزَالِهِ بِعَزْلِهِ نَفْسَهُ عِلْمُ الْمُوَكِّلِ كما شَمِلَهُ كَلَامُهُ وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ وَإِنَّمَا لم يَشْتَرِطْ فِيمَا ذُكِرَ عِلْمُ الْآخَرِ لِأَنَّهُ رَفْعُ عَقْدٍ لَا يُحْتَاجُ فيه إلَى الرِّضَا فَلَا يُحْتَاجُ فيه إلَى الْعِلْمِ كَالطَّلَاقِ وَقِيَاسًا على ما لو جُنَّ أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ غَائِبٌ بِخِلَافِ انْعِزَالِ الْقَاضِي لَا يَحْصُلُ إلَّا بِعِلْمِهِ لِتَعَلُّقِ الْمَصَالِحِ الْكُلِّيَّةِ بِهِ وَبِخِلَافِ النَّسْخِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِبُلُوغِ الْخَبَرِ لِأَنَّهُ تَكْلِيفٌ
وهو يَعْتَمِدُ الْعِلْمَ إذْ لَا تَكْلِيفَ بِمُحَالٍ بِخِلَافِ الْعَزْلِ وَفَرَّقَ السُّبْكِيُّ
____________________
(2/278)
بِأَنَّ الِاعْتِدَادَ بِالْعِبَادَةِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَاَللَّهُ تَعَالَى شَرَطَ الْعِلْمَ في الْأَحْكَامِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ بِالْمُسْتَحِيلِ وَالْعُقُودُ حَقٌّ لِلْمُوَكِّلِ ولم يَشْتَرِطْ الْعِلْمَ وَلَا يُصَدَّقُ مُوَكِّلُهُ بَعْدَ التَّصَرُّفِ في قَوْلِهِ كُنْت عَزَلْته إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَيَنْبَغِي له أَنْ يُشْهِدَ على عَزْلِهِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَصُورَتُهُ إذَا أَنْكَرَ الْوَكِيلُ الْعَزْلَ فَإِنْ وَافَقَهُ لَكِنْ قال كان بَعْدَ التَّصَرُّفِ فَهُوَ كَدَعْوَى الزَّوْجِ تَقَدُّمَ الرَّجْعَةِ على انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ مَعْرُوفٌ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ في اخْتِلَافِ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ انْتَهَى وَظَاهِرٌ أَنَّ هذا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّالِثِ كَالْمُشْتَرِي من الْوَكِيلِ فَلَا يُصَدَّقُ الْمُوَكِّلُ في حَقِّهِ مُطْلَقًا وَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ في يَدِهِ بَعْدَ عَزْلِهِ لم يَضْمَنْهُ وَلَوْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ لِلْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِعَزْلِهِ قال الرُّويَانِيُّ في الْحِلْيَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَهُ لِبَقَاءِ الْأَمَانَةِ وقال في الْبَحْرِ نَقْلًا عن بَعْضِهِمْ إنَّهُ يَضْمَنُهُ كَالْوَكِيلِ إذَا قَتَلَ بَعْدَ الْعَفْوِ تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَهَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّاشِيِّ وَالْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِمَا وهو الْأَوْجَهُ وَيَنْعَزِلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَبِالْحَجْرِ عليه بِسَفَهٍ أو فَلَسٍ أو رِقٍّ أو جُنُونٍ فِيمَا لَا يَنْفُذُ منه وَبِالْإِغْمَاءِ لِزَوَالِ الْأَهْلِيَّةِ
قال ابن الرِّفْعَةِ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمَوْتَ ليس بِانْعِزَالٍ بَلْ تَنْتَهِي الْوَكَالَةُ بِهِ كَالنِّكَاحِ وَتَقَدَّمَ في الْحَجِّ أَنَّ الْوَكِيلَ في رَمْيِ الْجِمَارِ لَا يَنْعَزِلُ بِإِغْمَاءِ الْمُوَكِّلِ وَكَلَامُهُ كَأَصْلِهِ قد يُوهِمُ أَنَّهُ لو حُجِرَ عليه بِسَفَهٍ بَعْدَ تَوَكُّلِهِ في قَبُولِ نِكَاحٍ لَا يَصِحُّ قَبُولُهُ لِأَنَّهُ لَا يَنْفُذُ منه وَلَيْسَ مُرَادًا وَيَنْعَزِلُ أَيْضًا بِالْفِسْقِ فِيمَا الْعَدَالَةُ شَرْطٌ فيه وَبِخُرُوجِ ما وُكِّلَ بِبَيْعِهِ أو بِالشِّرَاءِ بِهِ عن الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ كَالْهِبَةِ مع الْقَبْضِ وَكَذَا بِتَزْوِيجِ الْجَارِيَةِ وَالْإِجَارَةِ لِإِشْعَارِهِمَا بِالنَّدَمِ على الْبَيْعِ وَخَرَجَ بِالْجَارِيَةِ الْعَبْدُ لَا بِالتَّوْكِيلِ وَكِيلٌ آخَرُ وَلَا بِالْعَرْضِ على الْبَيْعِ كما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ وفي انْعِزَالِهِ بِطَحْنِ الْحِنْطَةِ الْمُوَكِّلِ بِبَيْعِهَا أَيْ بِطَحْنِ الْمُوَكِّلِ لها وَجْهَانِ قال الْمُتَوَلِّي أَصْلُهُمَا ما لو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هذه الْحِنْطَةَ فَأَكَلَهَا بَعْدَ الطَّحْنِ وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ الِانْعِزَالِ وَوَجَّهَهُ الرَّافِعِيُّ بِبُطْلَانِ اسْمِ الْحِنْطَةِ وَإِشْعَارِ طَحْنِهَا بِالْإِمْسَاكِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُمَا عِلَّتَانِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَرْكِيبِ الْعِلَّةِ وَاقْتَصَرَ في الرَّوْضَةِ على الْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لو لم يُصَرِّحْ بِاسْمِ الْحِنْطَةِ كَأَنْ قال وَكَّلْتُك في بَيْعِ هذا لم يَكُنْ عَزْلًا وَقَضِيَّةُ الثَّانِي خِلَافُهُ وهو الْأَوْجَهُ قال الزَّرْكَشِيُّ قال ابن كَجٍّ وَيَنْعَزِلُ بِالرَّهْنِ مع الْقَبْضِ وَكَذَا بِالْكِتَابَةِ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ وقال الْبُلْقِينِيُّ الْأَقْرَبُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ وَالتَّدْبِيرَ وَتَعْلِيقَ الْعِتْقِ عَزْلٌ وَلَوْ رَدَّهَا أَيْ رَدَّ الْوَكِيلُ الْوَكَالَةَ ارْتَدَّتْ بِخِلَافِ الْمُبَاحِ له طَعَامٌ إذَا رَدَّ الْإِبَاحَةَ لَا تَرْتَدُّ
وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْلِ أَنَّ هذا مَقْطُوعٌ بِهِ قال ابن الرِّفْعَةِ وَكَلَامُ الْمُهَذَّبِ يَقْتَضِي ارْتِدَادَهَا قال الزَّرْكَشِيُّ وَبِهِ صَرَّحَ في الذَّخَائِرِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَعَلَّهُ الْأَظْهَرُ وَلَوْ وَكَّلَ عَبْدَهُ في تَصَرُّفٍ وَلَوْ بِصِيغَةِ عَقْدٍ كَ وَكَّلْتُكَ ثُمَّ أَعْتَقَهُ أو بَاعَهُ أو كَاتَبَهُ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ انْعَزَلَ لِأَنَّ إذْنَ سَيِّدِهِ له اسْتِخْدَامٌ لَا تَوْكِيلٌ وقد زَالَ مِلْكُهُ عنه وَلِهَذَا لو قال قبل عِتْقِهِ عَزَلْت نَفْسِي لَغَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لَا عبد غَيْرِهِ فَلَا يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ لَكِنَّ الْعَبْدَ أَيْ عَبْدَ غَيْرِهِ وَإِنْ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ يَعْصِي بِهِ إنْ لم يَسْتَأْذِنْ مُشْتَرِيَهُ فيه لِأَنَّ مَنَافِعَهُ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً له وَلَوْ جَحَدَ أَحَدُهُمَا الْوَكَالَةَ عَامِدًا وَلَا غَرَضَ له في الْجَحْدِ من خَوْفِ ظَالِمٍ أو نَحْوِهِ فَهُوَ عَزْلٌ لِأَنَّ الْجَحْدَ حِينَئِذٍ رَدٌّ لها وَإِلَّا بِأَنْ نَسِيَهَا أو جَحَدَهَا لِغَرَضٍ كما لو أَنْكَرَ الْوَكِيلُ الْوَكَالَةَ حين ادَّعَى عليه بِحَقٍّ على مُوَكِّلِهِ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِقَبُولِهِ لها فَلَا عَزْلَ وَتَسْوِيَتُهُ بين جَحْدَيْ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ في التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ تَبِعَ فيه الرَّوْضَةُ لَكِنَّهُ أَطْلَقَ كَأَصْلِهِ في بَابِ التَّدْبِيرِ أَنَّ جَحْدَ
____________________
(2/279)
الْمُوَكِّلِ عَزْلٌ وَحَمَلَهُ ابن النَّقِيبِ على ما هُنَا وَالرَّافِعِيُّ لَمَّا ذَكَرَ التَّفْصِيلَ في جَحْدِ الْوَكِيلِ قال وَأَوْرَدَ في النِّهَايَةِ قَرِيبًا منه في جَحْدِ الْمُوَكِّلِ انْتَهَى وَاَلَّذِي في النِّهَايَةِ في بَابِ التَّدْبِيرِ كما في الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا حِكَايَةُ وَجْهَيْنِ في أَنَّ جَحْدَ الْمُوَكِّلِ عَزْلٌ أو لَا أَصَحُّهُمَا لَا وَأَشْهَرُهُمَا نعم
ثُمَّ أَبْدَى التَّفْصِيلَ احْتِمَالًا وَبِالْأَشْهَرِ جَزَمَ ابن عبد السَّلَامِ في مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ وقال في النِّهَايَةِ إنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ انْتَهَى وَعَلَيْهِ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَقْوَى على رَفْعِ الْوَكَالَةِ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ غَالِبًا وَلِأَنَّ مُعْظَمَ الْحَظِّ فيها له وَبِأَنَّ جَحْدَ الْوَكِيلِ قد يَجِبُ حِفْظًا لِمَالِ مُوَكِّلِهِ فَجُعِلَ عُذْرًا في الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ جَحْدِ الْمُوَكِّلِ الْمَالِكِ وَأُلْحِقَ بِهِ جَحْدُ الْمُوَكِّلِ النَّائِبِ عن غَيْرِهِ وَإِنْ عَزَلَ الْمُوَكِّلُ أَحَدَ وَكِيلَيْهِ مُبْهَمًا لم يَتَصَرَّفَا أَيْ لم يَتَصَرَّفْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَوْ تَصَرَّفَ لم يَنْفُذْ حتى يُبَيِّنَ يَعْنِي يُعَيِّنَ لِلشَّكِّ في أَهْلِيَّتِهِ مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ إنْ وَكَّلَهُ بِبَيْعٍ فَبَاعَ ثُمَّ فُسِخَ الْبَيْعُ بِعَيْبٍ أو غَيْرِهِ لم يَبِعْ ثَانِيًا كما مَرَّ بَيَانُهُ قبل بَابِ حُكْمِ الْمَبِيعِ قبل قَبْضِهِ مع زِيَادَةِ تَقْيِيدٍ فَلَوْ اُقْتُصِرَ على ما هُنَاكَ كان أَوْلَى مع سَلَامَتِهِ من التَّكْرَارِ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ شَرْطُ الْخِيَارِ لِمُبَايَعَةٍ أَيْ مُعَاقَدَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ مُوَكِّلِهِ وَلَهُ شَرْطُهُ لِنَفْسِهِ وَلِلْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ مُوَكِّلَهُ وَإِنْ أَمَرَهُ بِاشْتِرَاطِهِ أَيْ الْخِيَارِ لم يَنْعَقِدْ بِعَقْدِهِ مُطْلَقًا لِمُخَالَفَتِهِ أَمْرَهُ فَإِنْ أَمَرَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ أو شِرَائِهِ لم يَعْقِدْ على بَعْضِهِ وفي نُسْخَةٍ لم يَنْعَقِدْ في بَعْضِهِ لِضَرَرِ التَّبْعِيضِ وَإِنْ فُرِضَتْ فيه غِبْطَةٌ نعم إنْ قَدَّرَ الثَّمَنَ وَبَاعَ الْبَعْضَ بِمَا قَدَّرَهُ ولم يُعَيِّنْ الْمُشْتَرِيَ قال الزَّرْكَشِيُّ صَحَّ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فيه عُرْفًا فَلِأَنَّ من رضي بِبَيْعِ الْجَمِيعِ بِمِائَةٍ رضي بِبَيْعِ الْبَعْضِ بِمِائَةٍ وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عن الْمُتَوَلِّي وَالْقَاضِي وَذَكَرَهُ في الْمُهِمَّاتِ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ لِلْقِيمَةِ فقال يُسْتَثْنَى ما إذَا بَاعَ الْبَعْضَ بِقِيمَةِ الْجَمِيعِ فإنه يَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ في تَصْحِيحِهِ وابن الرِّفْعَةِ في الْكِفَايَةِ انْتَهَى وهو جَرْيٌ على الْغَالِبِ وَإِلَّا فَلَوْ كانت قِيمَةُ الْجَمِيعِ أَلْفًا وقال بِعْهُ بِأَلْفَيْنِ فَبَاعَ بَعْضَهُ بِأَلْفٍ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُهُمَا الصِّحَّةَ أو أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ أَيْ بِالْعَبْدِ ثَوْبًا فَاشْتَرَا ه بِبَعْضِهِ جَازَ لِأَنَّ من رضي بِشِرَاءِ الثَّوْبِ بِجَمِيعِ الْعَبْدِ فَبِبَعْضِهِ أَشَدُّ رِضًا نعم إنْ عَيَّنَ الْبَائِعَ لم يَجُزْ ذلك لِقَصْدِهِ مُحَابَاتَهُ فَإِنْ قال بِعْ هذه الْأَعْبُدَ أو اشْتَرِهِمْ فَرَّقَ هُمْ في عُقُودٍ وَجَمَعَ هُمْ في عَقْدٍ أَيْ جَازَ له ذلك إذْ لَا ضَرَرَ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لو كان الْأَحَظُّ في أَحَدِهِمَا تَعَيَّنَ وَلِهَذَا قال الرُّويَانِيُّ عليه أَنْ يَفْعَلَ الْأَحَظَّ مِنْهُمَا فَإِنْ عَدَلَ عنه لم يَجُزْ فَإِنْ قال بِعْهُمْ أو اشْتَرِهِمْ صَفْقَةً لم يُفَرِّقْهَا لِمُخَالَفَتِهِ أَمْرَهُ أو قال بِعْهُمْ بِأَلْفٍ لم يَبِعْ وَاحِدًا بِأَقَلَّ من أَلْفٍ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ أَحَدٌ الْبَاقِينَ بِبَاقِي الْأَلْفِ فَلَوْ بَاعَهُ بِأَلْفٍ صَحَّ وقد يَلْحَقُ بِهِ ما قَدَّمْتُهُ قُبَيْلَ الرُّكْنِ الثَّانِي ثُمَّ له بَيْعُ الْبَاقِينَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَالتَّصْرِيحُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ قال له اُطْلُبْ حَقِّي من زَيْدٍ فَمَاتَ زَيْدٌ لم يُطَالِبْ وَارِثَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ أو اُطْلُبْ حَقِّي الذي على زَيْدٍ طَالَبَهُمْ أَيْ وَرَثَتَهُ وَلَوْ قال طَالَبَهُ كان أَنْسَبَ بِمَا قَبْلَهُ فَإِنْ لم يَمُتْ جَازَ له الْقَبْضُ من وَكِيلِهِ كَيْفَ كان لِأَنَّ دَفْعَ وَكِيلِهِ كَدَفْعِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ تَجُوزُ له مُطَالَبَتُهُ وَإِنْ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ مُؤَجَّلًا فَبَاعَ فَعَلَيْهِ بَيَانُ الْغُرْمِ لِئَلَّا يَكُونَ مُضَيِّعًا لِحَقِّهِ لَا مُطَالَبَتَهُ فَلَا تَلْزَمُهُ وَلَوْ بَعْدَ الْأَجَلِ بَلْ لَا تَجُوزُ إلَّا بِإِذْنٍ وَإِنْ قال أَعْطِ هذا الذَّهَبَ صَائِغًا فَأَعْطَاهُ ثُمَّ امْتَنَعَ من تَنْبِيهٍ بَعْدَ مُطَالَبَةِ الْمُوَكِّلِ له بِتَبْيِينِهِ صَارَ ضَامِنًا له حتى لو بَيَّنَهُ بَعْدَ ذلك وكان قد تَلِفَ في يَدِ الصَّائِغِ ضَمِنَهُ قال الْأَذْرَعِيُّ وفي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ إنْ كان قد تَلِفَ قبل الْمُطَالَبَةِ وَالِامْتِنَاعِ بِلَا تَعَدٍّ ولم يَضْمَنْ وَلَوْ قال بِعْ عَبْدَك من زَيْدٍ بِأَلْفٍ عَلَيَّ لم يَصِحَّ الْتِزَامُهُ لِأَنَّهُ ضَمَانُ ما لم يَجِبْ وَلَا جَرَى سَبَبُ وُجُوبِهِ فَلَوْ بَاعَ على ذلك لم يَصِحَّ لِاشْتِرَاطِ الثَّمَنِ على غَيْرِ مَالِكِ الْمَبِيعِ نعم إنْ تَوَلَّى الْآمِرُ الْعَقْدَ صَحَّ لَكِنْ إنْ تَوَلَّاهُ بِوِلَايَةٍ أو وَكَالَةٍ وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْمُشْتَرِي له وَإِلَّا وَقَعَ له وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ فِيهِمَا وَلَهُ الرُّجُوعُ بِهِ في الْأُولَى نَقَلَ ذلك في الرَّوْضَةِ عن الْمَاوَرْدِيِّ إلَّا اسْتِحْقَاقَ الرُّجُوعِ فَسَكَتَ عنه لِعِلْمِهِ مِمَّا مَرَّ أو قال بِعْهُ منه بِأَلْفٍ وأنا أَدْفَعُهُ لَك فَهَذَا وَعْدٌ لَا يَلْزَمُ فَلَوْ بَاعَ صَحَّ وَلَا يَلْزَمُ الْآمِرَ شَيْءٌ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ أو قال اشْتَرِ لي عَبْدَ فُلَانٍ بِثَوْبِك هذا مَثَلًا فَفَعَلَ مَلَكَهُ الْآمِرُ وَيُقَدَّرُ انْتِقَالُ الْمِلْكِ إلَيْهِ في الثَّوْبِ قَرْضًا قال في الْمُهِمَّاتِ وَلَا يَكْفِي هُنَا نِيَّةُ الْمُوَكِّلِ بَلْ لَا بُدَّ من التَّصْرِيحِ بِهِ فَلَوْ اقْتَصَرَ على النِّيَّةِ وَقَعَ لِلْوَكِيلِ كما في الْأَصْلِ في الشَّرْطِ الثَّالِثِ من شُرُوطِ الْمَبِيع وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا ثَمَّ لَكِنْ شَمِلَتْ عِبَارَتُهُ فيه ما ليس مُرَادًا كما بَيَّنْتُهُ ثَمَّ وَرَجَعَ الْمَأْمُورُ على الْآمِرِ بِقِيمَةِ الثَّوْبِ
____________________
(2/280)
وَإِنْ لم يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ وَإِنَّمَا رَجَعَ بِقِيمَتِهِ مع أَنَّهُ قَرْضٌ لِأَنَّهُ ليس قَرْضًا حَقِيقِيًّا بَلْ تَقْدِيرِيٌّ وَلَيْسَ لِوَكِيلٍ غَرِمَ الثَّمَنَ من مَالِهِ حَبْسُ الْمَبِيعِ لِيَغْرَمَ له مُوَكِّلُهُ وَإِنْ اسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ عليه بِهِ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ ابْتِدَاءً لِلْمُوَكِّلِ وَإِنْ قال الْمَدْيُونُ لِوَكِيلِ غَرِيمِهِ خُذْ هذا وَاقْضِهِ بِهِ صَارَ وَكِيلًا لِلْمَدْيُونِ في قَضَاءِ دَيْنِهِ فَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ ما دَامَ بِيَدِ الْوَكِيلِ وَلَوْ تَلِفَ عِنْدَهُ بَقِيَ الدَّيْنُ على الْمَدْيُونِ أو قال له خُذْ ه عَمَّا تُطَالِبُنِي بِهِ لِغَرِيمِي فَأَخَذَهُ بَرِئَ الْمَدْيُونُ وَلَا اسْتِرْدَادَ له وَكَذَا يَبْرَأُ لو قال له خُذْهُ قَضَاءً لِدَيْنِ غَرِيمِي وفي نُسْخَةٍ خُذْهُ قَضَاءً أَيْ الْغَرِيمَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لو نَازَعَهُ غَرِيمُهُ في إرَادَةِ التَّوْكِيلِ صُدِّقَ وَلَيْسَ مُرَادًا فَقَدْ صَرَّحَ أَصْلُهُ بِأَنَّ الْمُصَدَّقَ فيه الْمَدْيُونُ بِيَمِينِهِ وَإِنْ أَعْطَى شَخْصٌ وَكِيلَهُ شيئا لِيَتَصَدَّقَ بِهِ فَنَوَى التَّصَدُّقَ عن نَفْسِهِ وَقَعَ لِلْآمِرِ وَلَغَتْ النِّيَّةُ وَلَوْ وَكَّلْت أَنْت عَبْدًا يَشْتَرِي لَك نَفْسَهُ أو مَالًا آخَرَ من سَيِّدِهِ صَحَّ كما يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ في الشِّرَاءِ من غَيْرِ سَيِّدِهِ وَلَزِمَهُ التَّصْرِيحُ بِاسْمِك بِأَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت نَفْسِي أو كَذَا مِنْك لِمُوَكِّلِي فُلَانٍ كما يَلْزَمُك التَّصْرِيحُ بِاسْمِهِ إنْ وَكَّلَك في شِرَائِهِ لِنَفْسِهِ بِأَنْ تَقُولَ اشْتَرَيْت عَبْدَك مِنْك له وَإِلَّا بِأَنْ لم يُصَرِّحْ بِالِاسْمِ فِيهِمَا وَقَعَ عَقْدُهُ له لِاقْتِضَاءِ الْعَقْدِ حِينَئِذٍ الْعِتْقَ فَلَا يَنْدَفِعُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ ووقع عَقْدُك لَك لِأَنَّ الْبَائِعَ قد لَا يَرْضَى بِعَقْدٍ يَتَضَمَّنُ الْإِعْتَاقَ قبل تَوْفِيرِ الثَّمَنِ وَصَوَّرَ الْقَفَّالُ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى بِأَنْ يُوَكِّلَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وقال الْبَغَوِيّ لَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِهِ قبل الشِّرَاءِ لِأَنَّ بَيْعَهُ منه لِنَفْسِهِ إذْنٌ له في الشِّرَاءِ وَلَوْ قال أَسْلِمْ لي في كَذَا وَأَدِّ رَأْسَ الْمَالِ من مَالِك وَارْجِعْ عَلَيَّ بِهِ فَفَعَلَ لم يَصِحَّ لِأَنَّ الْإِقْرَاضَ إنَّمَا يَتِمُّ بِالْإِقْبَاضِ ولم يُوجَدْ من الْمُسْتَقْرِضِ قَبْضٌ وَاسْتُشْكِلَ هذا بِالصِّحَّةِ فِيمَا لو قال اشْتَرِ لي عَبْدَ فُلَانٍ بِثَوْبِك هذا وَأُجِيبَ بِأَنَّ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ كَدَيْنِهِ لَا يَصِحُّ الِاسْتِبْدَالُ عنه وَبِأَنَّ الْمُوَكِّلَ هُنَا يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِلدَّيْنِ بِالدَّيْنِ فَلَا يَصِحُّ كما لَا يَصِحُّ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَدَعْوَى أَنَّهُ يُقَدِّرُ دُخُولَهُ في مِلْكِ الْآمِرِ لَا تَصِحُّ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ التَّقْدِيرِيَّةَ لَا تُعْطَى حُكْمَ الْأَشْيَاءِ الْمُحَقَّقَةِ في الْأَشْيَاءِ الْمُضَيَّقِ فيها وَهَذَا كما أَنَّا في بَابِ الرِّبَا لَا نَكْتَفِي بِالْمُمَاثَلَةِ التَّقْدِيرِيَّةِ فَكَذَا هُنَا لَا نَكْتَفِي بِالْقَبْضِ التَّقْدِيرِيِّ وَلِهَذَا لو أَحَالَ الْمُسْلِمُ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ بِرَأْسِ الْمَالِ وَقَبَضَهُ في الْمَجْلِسِ لم يَكْفِ كما مَرَّ وفي النَّفْسِ من ذلك شَيْءٌ وإذا أَبْرَأَ وَكِيلُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ بِلَا إذْنٍ لم يَبْرَأْ أَيْ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ وفي نُسْخَةٍ لم يَبْرَ وَوَجْهُهُ أَنْ يُقَدَّرَ دُخُولُ الْجَازِمِ بَعْدَ إبْدَالِ الْهَمْزَةِ أَلِفًا وَقَوْلُهُ بِلَا إذْنٍ من زِيَادَتِهِ فَلَوْ قال له الْمُسْلَمُ إلَيْهِ لَسْت وَكِيلًا وَالسَّلَمُ لَك وَأَبْرَأْتنِي منه نَفَذَ الْإِبْرَاءُ ظَاهِرًا أو تَعَطَّلَ بِذَلِكَ حَقُّ الْمُسْلِمِ وَغَرِمَ له الْوَكِيلُ بِرَأْسِ الْمَالِ أَيْ قِيمَتَهُ لِلْحَيْلُولَةِ فَلَا يَغْرَمُ بَدَلَ الْمُسْلَمِ فيه كَيْ لَا يَكُونَ اعْتِيَاضًا عنه وَإِنْ قال اشْتَرِ لي طَعَامًا حُمِلَ في كل مَكَان على الْعُرْفِ فيه إنْ كان فيه عُرْفٌ كَالْحِنْطَةِ بِمَكَّةَ أو مِصْرَ فَإِنْ لم يَكُنْ فيه عُرْفٌ كما في طَبَرِسْتَانَ لم يَصِحُّ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ في مَجْهُولٍ وَإِنْ قال أَبْرِي غُرَمَائِي وكان من غُرَمَائِهِ لم يُبْرِ نَفْسَهُ لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ لَا يَدْخُلُ في عُمُومِ أَمْرِ الْمُخَاطِبِ له على الْأَصَحِّ فَلَوْ قال وَإِنْ شِئْت فَأَبْرِ نَفْسَك فَلَهُ ذلك كما لو وُكِّلَ الْمَدْيُونُ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو قال أُعْطِ ثُلُثِي لِلْفُقَرَاءِ أو أَعْطِهِ نَفْسَك إنْ شِئْت لم يُعْطِ نَفْسَهُ لِمَا صَرَّحَ بِهِ من زِيَادَتِهِ بِقَوْلِهِ لِتَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ قَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِ
____________________
(2/281)
بِأَوْ أَنَّ ذلك مَسْأَلَتَانِ وَلَا حَرَجَ وَيُحْتَمَلُ جَعْلُهَا لِلتَّخْيِيرِ فَيَكُونُ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً فَيُوَافِقُ قَوْلَ الْأَصْلِ وَلَوْ قال فَرِّقْ ثُلُثِي على الْفُقَرَاءِ وَإِنْ شِئْت أَنْ تَضَعَهُ في نَفْسِك فَافْعَلْ فَعَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ أَذِنَ له في الْبَيْعِ لِنَفْسِهِ وما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ من الْمَنْعِ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ قال الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ مَرْدُودٌ نَقْلًا وَتَوْجِيهًا أَمَّا النَّقْلُ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ على الْجَوَازِ كما نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ وَرَجَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَأَمَّا التَّوْجِيهُ فَالرَّافِعِيُّ وَجَّهَ الْحُكْمَ ثَمَّ بِتَوْجِيهَيْنِ أَحَدُهُمَا تَضَادُّ الْغَرَضَيْنِ وهو مُنْتَفٍ هُنَا بَلْ فيه وَفَاءٌ بِمَقْصُودِ الْآذِنِ وَالثَّانِي اتِّحَادُ الْمُوجِبِ وَالْقَابِلِ وهو مُنْتَفٍ أَيْضًا لِأَنَّهُ هُنَاكَ تَوْكِيلٌ في صِيغَةِ عَقْدٍ فَيُؤَدِّي إلَى الِاتِّحَادِ وهو مُنْتَفٍ هُنَا وَإِنْ قال بِعْ هذا ثُمَّ هذا لَزِمَهُ التَّرْتِيبُ امْتِثَالًا لِأَمْرِ مُوَكِّلِهِ فَلَوْ عَكَسَ فَسَدَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وكان كَالْعَدَمِ وَصَحَّ الثَّانِي كما لو بَاعَهُ أَوَّلًا وَهَلْ له بَيْعُ الْآخَرِ بَعْدُ فيه نَظَرٌ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَوْجَهُ نعم وَيَسْتَحِقُّ الْوَكِيلُ جُعْلَهُ إنْ شَرَطَ له مُوَكِّلُهُ جُعْلًا وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ أَيْ الثَّمَنُ معه لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بِالْعَمَلِ وقد عَمِلَ وَإِنْ بَلَغَهُ أَنَّ زَيْدًا وَكَّلَهُ وَصَدَّقَ الْمُخْبِرَ تَصَرَّفَ بِالْوَكَالَةِ جَوَازًا وَإِنْ لم يَقْبَلْ الْحَاكِمُ قَوْلَ الْمُخْبِرِ لَا إنْ كَذَّبَ الْمُخْبِرَ فَلَا يَتَصَرَّفُ بِالْوَكَالَةِ وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِمَضْمُونِ الْخَبَرِ وَكَذَا إنْ لم يُصَدِّقْهُ ولم يُكَذِّبْهُ بَلْ تَرَدَّدَ كما أَفَادَهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَإِنْ سَأَلَ الْوَكِيلُ من الْمُوَكِّلِ الْإِشْهَادَ على نَفْسِهِ بِتَوْكِيلِهِ فَإِنْ كان التَّوْكِيلُ حَيْثُ يُضْمَنُ يَعْنِي فِيمَا يَضْمَنُهُ الْوَكِيلُ بِجُحُودِهِ أَيْ الْمُوَكِّلِ الْوَكَالَةَ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَقَبْضِ الْمَالِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ لَزِمَهُ بَعْدَ التَّصَرُّفِ أو إنْ أَرَادَ بَقَاءَ الْوَكَالَةِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ كان التَّوْكِيلُ فِيمَا لَا يَضْمَنُهُ الْوَكِيلُ بِجُحُودِ الْمُوَكِّلِ الْوَكَالَةَ كَإِثْبَاتِ الْحَقِّ وَطَلَبِ الشُّفْعَةِ وَمُقَاسَمَةِ الشَّرِيكِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَإِنْ وَكَّلَهُ في شِرَاءِ جَارِيَةٍ لِيَطَأَهَا لم يَشْتَرِ له من تَحْرُمُ عليه كَأُخْتِهِ وَأُخْتِ مَوْطُوءَتِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمَأْذُونِ فيه وَحُذِفَ من كَلَامِ الرَّوْضَةِ هُنَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيمَا إذَا وَكَّلَهُ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ أَنْ يُعَيِّنَهَا لِذِكْرِهِ له في كِتَابِ النِّكَاحِ الْأَنْسَبِ بِهِ الْبَابُ الثَّالِثِ في الِاخْتِلَافِ في الْوَكَالَةِ وَصِفَتِهَا وَإِنْ اخْتَلَفَا في أَصْلِ الْوَكَالَةِ كَأَنْ قال وَكَّلْتنِي في كَذَا فَأَنْكَرَ أو في صِفَتِهَا كَأَنْ قال وَكَّلْتنِي في الْبَيْعِ نَسِيئَةً أو الشِّرَاءِ بِعِشْرِينَ فقال بَلْ نَقْدًا أو بِعَشَرَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْوَكِيلُ وَلِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَعْرَفُ بِحَالِ الْإِذْنِ الصَّادِرِ منه
فَرْعٌ لو اشْتَرَى الْوَكِيلُ جَارِيَةً بِعِشْرِينَ فقال الْمُوَكِّلُ إنَّمَا أَذِنْت بِعَشَرَةٍ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِمَا مَرَّ وَبَطَلَ الشِّرَاءُ إنْ حَلَفَ الْمُوَكِّلُ وكان الشِّرَاءُ له بِعَيْنِ مَالِهِ وَسَمَّاهُ الْوَكِيلُ في الْعَقْدِ وقال فيه الْمَالُ له وَكَذَا يَبْطُلُ الشِّرَاءُ إنْ نَوَاهُ الْأَوْفَقُ بِكَلَامٍ أَصْلُهُ إنْ لم يُسَمِّهِ في الْعَقْدِ وقال بَعْدَهُ اشْتَرَيْتهَا لِفُلَانٍ وَالْمَالُ له وَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالتَّسْمِيَةِ في الْأُولَى وَبِتَصْدِيقِ الْبَائِعِ في الثَّانِيَةِ أَنَّ الْعَقْدَ لِلْمُوَكِّلِ وَثَبَتَ بِيَمِينِ الْمُوَكِّلِ أَنَّهُ لم يَأْذَنْ في التَّصَرُّفِ على هذا الْوَجْهِ فَتَبْقَى الْجَارِيَةُ على مِلْكِ الْبَائِعِ وَعَلَيْهِ رَدُّ الثَّمَنِ إنْ أَخَذَهُ وَلَا رَيْبَ أَنَّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ على ذلك مُلْحَقَةٌ بِمَا ذُكِرَ وَتَقَدَّمَ في الشَّرْطِ الثَّالِثِ من شُرُوطِ الْمَبِيعِ أَنَّهُ لو اشْتَرَى لِغَيْرِهِ بِثَمَنٍ في ذِمَّةِ الْغَيْرِ بَطَلَ أَيْضًا وَمَحَلُّ الْبُطْلَانِ فِيمَا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ إذَا لم يُوَافِقْ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ على وَكَالَتِهِ بِالْقَدْرِ الْمَذْكُورِ وَإِلَّا فَالْجَارِيَةُ بِاعْتِرَافِ الْبَائِعِ مِلْكٌ لِلْمُوَكِّلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فيه التَّلَطُّفُ الْآتِي نَبَّهَ عليه الْبُلْقِينِيُّ
وَإِنْ كَذَّبَهُ الْبَائِعُ فِيمَا قال بِأَنْ قال لَسْت وَكِيلًا في الشِّرَاءِ الْمَذْكُورِ وَحَلَفَ أَيْ على نَفْيِ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ فَيُحْكَمُ بِالصِّحَّةِ لِلشِّرَاءِ ظَاهِرًا لِلْوَكِيلِ وَيُسَلِّمُ له
____________________
(2/282)
أَيْ لِلْبَائِعِ الْوَكِيلُ الثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ وَيَرُدُّ لِلْمُوَكِّلِ مِثْلَ مَالِهِ الذي سَلَّمَهُ لِلْبَائِعِ وَحُذِفَ من كَلَامِ أَصْلِهِ ما قَدَّرْته بَعْدُ وَحَلَفَ لِقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ الْحَلِفُ على نَفْيِ الْعِلْمِ وَالْحَلِفُ إنَّمَا يَكُونُ على حَسْبِ الْجَوَابِ وهو إنَّمَا أَجَابَ بِالْبَتِّ وَكَيْفَ يَصِحُّ أَيْضًا الِاقْتِصَارُ على تَحْلِيفِهِ على نَفْيِ الْوَكَالَةِ مع أَنَّهُ لو أَنْكَرَهَا وَاعْتَرَفَ بِأَنَّ الْمَالَ لِغَيْرِهِ كان كَافِيًا في إبْطَالِ الْبَيْعِ فَيَنْبَغِي الْحَلِفُ عَلَيْهِمَا كما يُجِيبُ بِهِمَا بَلْ يَكْفِي الْحَلِفُ على الْمَالِ وَحْدَهُ لِمَا ذَكَرْنَا لَكِنْ أُجِيبَ عن الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْإِثْبَاتَ إذَا اسْتَلْزَمَ النَّفْيَ جَازَ أَنْ يَحْلِفَ على نَفْيِ الْعِلْمِ وهو هُنَا كَذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ تَحْلِيفَهُ على الْبَتِّ يَسْتَلْزِمُ مَحْذُورًا وهو تَحْلِيفُهُ على الْبَتِّ في فِعْلِ الْغَيْرِ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَسْت وَكِيلًا فِيمَا ذُكِرَ أَنَّ غَيْرَك لم يُوَكِّلْك وَأُجِيبَ عن الثَّانِي بِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ على نَفْيِ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ خَاصَّةً لِأَنَّهَا على خِلَافِ الْأَصْلِ وَالْمَالُ لِلْوَكِيلِ بِمُقْتَضَى الْأَصْلِ وهو ثُبُوتُ يَدِهِ عليه فلم تُقْبَلْ دَعْوَاهُ أَنَّهُ لِلْغَيْرِ بِمَا يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الْبَائِعِ وَإِنْ كان الشِّرَاءُ له في الذِّمَّةِ ولم يُسَمِّهِ الْوَكِيلُ في الْعَقْدِ بَلْ نَوَاهُ وَقَعَ له أَيْ لِلْوَكِيلِ ظَاهِرًا وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لو صَدَّقَهُ الْبَائِعُ بَطَلَ الشِّرَاءُ كَنَظِيرِهِ الْآتِي وَكَأَنَّهُمْ سَكَتُوا عنه لِأَنَّهُ الْغَالِبُ أَنَّهُ إذَا لم يُسَمِّ الْمُوَكِّلُ فَلَا يُتَصَوَّرُ معه ذلك وَإِنْ سَمَّاهُ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْبَائِعُ في تَسْمِيَتِهِ بَطَلَ الشِّرَاءُ لِاتِّفَاقِهِمَا على أَنَّهُ لِلْغَيْرِ وقد ثَبَتَ بِيَمِينِ ذلك الْغَيْرِ أَنَّهُ لم يَأْذَنْ فيه بِالثَّمَنِ الْمَذْكُورِ
وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُصَدِّقْهُ الْبَائِعُ بَلْ كَذَّبَهُ بِأَنْ قال أنت مُبْطِلٌ في تَسْمِيَتِهِ أو سَكَتَ عن التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ وَقَعَ الشِّرَاءُ له أَيْ لِلْوَكِيلِ ظَاهِرًا ثُمَّ إنْ كان الْوَكِيلُ صَادِقًا فَالْمِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ بَاطِنًا وَلِلْوَكِيلِ عليه الثَّمَنُ أو كان كَاذِبًا وَالشِّرَاءُ في الذِّمَّةِ فَالْمِلْكُ له أو بِالْعَيْنِ فَلِلْبَائِعِ الْمِلْكُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْحَاكِمِ حَيْثُ حَكَمَ بِالشِّرَاءِ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَرْفُقَ بِالْمُوَكِّلِ أَيْ يَتَلَطَّفَ بِهِ فَيَبِيعَهَا أَيْ الْجَارِيَةَ منه أَيْ من الْوَكِيلِ بِالْعِشْرِينِ فإذا قَبِلَ الْبَيْعَ مَلَكَهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كَذَا في الْأَصْلِ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِمَا قِيلَ إنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُهَا ظَاهِرًا فَقَطْ لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ كَذِبِ الْوَكِيلِ فَالْجَارِيَةُ لَيْسَتْ له لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا بَلْ لِلْبَائِعِ فَيَحْتَاجُ فيه الْحَاكِمُ إلَى تَلَطُّفِهِ بِالْبَائِعِ أَيْضًا وَكَذَا فِيمَا لو اشْتَرَى الْوَكِيلُ بِعَيْنِ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ لِأَنَّهُ إنْ كان صَادِقًا في أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِعِشْرِينَ فَالْمِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ وَلَا يَكُونُ بَيْعُ الْمُوَكِّلِ الْمَذْكُورُ إقْرَارًا بِمَا قَالَهُ الْوَكِيلُ وَلَوْ أُخِّرَ هذا عَمَّا بَعْدَهُ كما فَعَلَ الْأَصْلُ لَشَمَلَهُ أَيْضًا لَكِنَّ حُكْمُهُ مَفْهُومٌ من الْأَوَّلِ بِالْأَوْلَى وَلَوْ قال الْمُوَكِّلُ إنْ كُنْت أَذِنْت لَك في شِرَائِهَا بِعِشْرِينَ فَقَدْ بِعْتُكهَا بِعِشْرِينَ فقال الْوَكِيلُ قَبِلْت صَحَّ الشِّرَاءُ وَاحْتُمِلَ هذا التَّعْلِيقُ في الْمَبِيعِ لِلضَّرُورَةِ وَلِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِذَلِكَ من مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ بِعْتُك إنْ كان مِلْكِي وَيُفَارِقُ عَدَمَ صِحَّةِ النِّكَاحِ فِيمَا لو بُشِّرَ بِوَلَدٍ فقال إنْ كان أُنْثَى فَقَدْ زَوَّجْتُكهَا بِاخْتِصَاصِ النِّكَاحِ بِمَزِيدِ احْتِيَاطٍ وَبِأَنَّهُ نَزَعَ عِرْقًا من الْعِبَادَةِ
فَلَوْ امْتَنَعَ الْمُوَكِّلُ من الْإِجَابَةِ أو لم يَرْفُقْ بِهِ الْحَاكِمُ فَقَدْ ظَفِرَ الْوَكِيلُ بِغَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ وهو الْجَارِيَةُ فَلَهُ بَيْعُهَا بِنَفْسِهِ أو بِالْحَاكِمِ وَأَخْذُ حَقِّهِ من ثَمَنِهَا وَكَذَا إنْ اشْتَرَى جَارِيَةً وقال الْمُوَكِّلُ إنَّمَا أَمَرْت بِغَيْرِهَا فَيَأْتِي فيها ما تَقَرَّرَ
فَرْعٌ لو بَاعَ الْوَكِيلُ مُؤَجَّلًا وَزَعَمَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَذِنَ
____________________
(2/283)
له فيه فَأَنْكَرَهُ الْمُوَكِّلُ صُدِّقَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ كما مَرَّ وإذا حَلَفَ الْمُوَكِّلُ أَنَّهُ ما أَذِنَ له وَحَلَفَ الْمُشْتَرِي وقد أَنْكَرَ الْوَكَالَةَ أَنَّهُ ما عَلِمَهُ وَكِيلًا أو لم يَحْلِفْ لَكِنْ نَكَلَ الْمُوَكِّلُ عن الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ عليه من الْمُشْتَرِي قُرِّرَ الْبَيْعُ لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ حَلَفَ الْمُوَكِّلُ حُكِمَ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وإذا قُرِّرَ الْبَيْعُ فِيمَا ذُكِرَ غَرِمَ الْوَكِيلُ لِلْمُوَكِّلِ الْقِيمَةَ عِبَارَةُ الْأَصْلِ قِيمَةَ الْمَبِيعِ أو مثله إنْ كان مِثْلِيًّا وَعِنْدَ الْحُلُولِ لِلْأَجَلِ إذَا لم يَرْجِعْ الْوَكِيلُ عن قَوْلِ الْأَوَّلِ يُطَالَبُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فَلَا يُطَالِبُهُ قَبْلَهُ مُؤَاخَذَةً له بِمُقْتَضَى تَصَرُّفِهِ وَيَسْتَوْفِي منه أَيْ من الثَّمَنِ ما غَرِمَ لِلْمُوَكِّلِ فَإِنْ زَادَ الثَّمَنُ على ما غَرِمَ فَهُوَ مُقِرٌّ بِالزَّائِدِ لِمَنْ لَا يَدَّعِيهِ وهو الْمُوَكِّلُ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ في الْإِقْرَارِ وَإِنْ رَجَعَ الْوَكِيلُ عن قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَصَدَّقَ الْمُوَكِّلَ لم يَأْخُذْ من الْمُشْتَرِي إلَّا أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ من الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ لِأَنَّهُ إنْ كان الثَّمَنُ أَقَلَّ فَهُوَ مُوجَبٌ عَقْدِهِ فَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ فِيمَا يَلْزَمُ فيه زِيَادَةٌ على الْغَيْرِ أو الْقِيمَةُ أَقَلَّ وَهِيَ ما غَرِمَهُ فَلَا يَرْجِعُ إلَّا بِمَا غَرِمَ لِأَنَّهُ قد اعْتَرَفَ آخِرًا بِفَسَادِ الْعَقْدِ وَإِنْ اعْتَرَفَ الْمُشْتَرِي بِالْوَكَالَةِ وَصَدَّقَ الْمُوَكِّلَ في دَعْوَاهُ أَنَّهُ ما أَذِنَ في الْبَيْعِ مُؤَجَّلًا أو كَذَّبَهُ وَحَلَفَ الْمُوَكِّلُ حُكِمَ بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ الْمَبِيعِ فَإِنْ تَلِفَ فَالْمُوَكِّلُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ غَرَّمَ الْوَكِيلَ لِتَعَدِّيهِ وَإِنْ شَاءَ غَرَّمَ الْمُشْتَرِيَ وَقَرَارُ الضَّمَانِ عليه لِحُصُولِ التَّلَفِ في يَدِهِ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ الذي دَفَعَهُ على الْوَكِيلِ وَإِنْ نَكَلَ الْمُوَكِّلُ حَلَفَ الْمُشْتَرِي وَبَقِيَ الْعَقْدُ له صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ
فَصْلٌ لو ادَّعَى الْوَكِيلُ التَّصَرُّفَ كما أَذِنَ الْمُوَكِّلُ وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ تَصَرُّفَهُ فَالْقَوْلُ بَعْدَ عَزْلِهِ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ بِيَمِينِهِ وَكَذَا قَبْلَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّصَرُّفِ وَلِأَنَّ الْوَكِيلَ في الْأُولَى غَيْرُ مَالِكٍ لِلتَّصَرُّفِ وَإِنْ اتَّفَقَا على التَّصَرُّفِ وَلَكِنْ قال الْمُوَكِّلُ عَزَلْتُك قَبْلَهُ وقال الْوَكِيلُ بَلْ بَعْدَهُ فَكَدَعْوَى الْمُطَلِّقِ زَوْجَتَهُ رَجْعِيًّا أَنَّهُ رَاجَعَ قبل الْبَيْنُونَةِ أَيْ قبل انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَهِيَ تُنْكِرُهَا أَيْ تُنْكِرُ الْمُرَاجَعَةَ قبل انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وفي نُسْخَةٍ وَقَالَتْ بَعْدَهَا فَيُقَالُ إنْ اتَّفَقَا على وَقْتِ الْعَزْلِ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ وقال الْوَكِيلُ بِعْت قَبْلَهُ فقال الْمُوَكِّلُ بَعْدَهُ صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ في أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْبَيْعَ قَبْلُ وَإِنْ اتَّفَقَا على وَقْتِ الْبَيْعِ وَاخْتَلَفَا في الْعَزْلِ فَالْمُصَدَّقُ الْوَكِيلُ وَإِنْ لم يَتَّفِقَا على شَيْءٍ بَلْ اقْتَصَرَا على تَقْدِيمِ الْبَيْعِ وَتَأْخِيرِهِ عن الْعَزْلِ صُدِّقَ من سَبَقَ بِالدَّعْوَى وَلَوْ وَقَعَ كَلَامُهُمَا مَعًا صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ وَاسْتُشْكِلَ ذلك بِتَصْدِيقِ الْمُرْتَهِنِ فِيمَا لو أَذِنَ لِلرَّاهِنِ في بَيْعِ الرَّهْنِ فَبَاعَ وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ عن الْإِذْنِ وَاخْتَلَفَا فقال الْمُرْتَهِنُ رَجَعْت قبل الْبَيْعِ وقال الرَّاهِنُ بَلْ بَعْدَهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْوَكِيلَ وَضْعُهُ التَّصَرُّفُ من حَيْثُ الْوَكَالَةُ فَقَوِيَ جَانِبُهُ فَصُدِّقَ في بَعْضِ الْأَحْوَالِ بِخِلَافِ الرَّاهِنِ من حَيْثُ الرَّهْنِيَّةُ ليس وَضْعُهُ ذلك بَلْ وَضْعُهُ وَفَاءُ الدَّيْنِ من الرَّهْنِ أو غَيْرِهِ وما قِيلَ من أَنَّ مَسْأَلَتَنَا لَيْسَتْ شَبِيهَةً بِمَسْأَلَةِ الرَّجْعَةِ لِأَنَّ تِلْكَ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا لم تَتَزَوَّجْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَهُنَا حَصَلَ التَّصَرُّفُ وَتَعَلَّقَ الْحَقُّ بِثَالِثٍ لَا يُؤَثِّرُ لِأَنَّ الْكَلَامَ في الْمُوَكِّلِ مع الْوَكِيلِ لَا فيه مع الْمُشْتَرِي
وَإِنْ قال الْمُوَكِّلُ بِعْت على بِمَعْنَى من زَيْدٍ فَأَنْكَرَ الْوَكِيلُ الْبَيْعَ وَصَدَّقَ زَيْدٌ الْمُوَكِّلَ حُكِمَ بِالْبَيْعِ منه وَإِنْ كَذَّبَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَيْ زَيْدٍ
فَرْعٌ قَوْلُ الْوَكِيلِ وَلَوْ بِجُعْلٍ مَقْبُولٌ بِيَمِينِهِ في دَعْوَى التَّلَفِ وَرَدِّ الْمُعَوَّضِ وَالْعِوَضِ على الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ أَمِينُهُ كما مَرَّ في الْحُكْمِ الثَّانِي وَلِأَنَّهُ إنْ كان بِلَا جُعْلٍ فَقَدْ أُخِذَ الْمَالُ لِمَحْضِ غَرَضِ الْمَالِكِ كَالْمُودَعِ أو بِجُعْلِ فُلَانَةَ إنَّمَا أَخْذُ الْعَيْنِ لِمَنْفَعَةِ الْمَالِكِ وَانْتِفَاعِهِ هو إنَّمَا هو بِالْعَمَلِ فيها لَا بها نَفْسِهَا وفي
____________________
(2/284)
دَعْوَى الرَّدِّ على رَسُولِهِ بَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ رَسُولِهِ بِيَمِينِهِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ تَصْدِيقُ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الرَّدَّ على من لم يَأْتَمِنْهُ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ
فَصْلٌ لو قال الْوَكِيلُ في قَبْضِ الدَّيْنِ قَبَضْته وَتَلِفَ في يَدِي أو دَفَعْته إلَى مُوَكِّلِي فَكَذَّبَهُ الْمُوَكِّلُ حَلَفَ الْمُوَكِّلُ على نَفْيِ الْعِلْمِ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ حَقِّهِ وإذا حَلَفَ طَالَبَ الْغَرِيمَ بِالدَّيْنِ وَلَا رُجُوعَ لِلْغَرِيمِ على الْوَكِيلِ لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ مَظْلُومٌ
وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ وَادَّعَى قَبْضَ الثَّمَنِ وَتَلِفَ في يَدِهِ أو دَفَعَهُ إلَى مُوَكِّلِهِ كما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ فَكَذَّبَهُ الْمُوَكِّلُ فَإِنْ كان اخْتِلَافُهُمَا قبل تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ بِيَمِينِهِ كما في التي قَبْلَهَا أو بَعْدَهُ وَالثَّمَنُ حَالٌّ صُدِّقَ الْوَكِيلُ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ يَدَّعِي خِيَانَتَهُ بِالتَّسْلِيمِ لِلْمَبِيعِ قبل الْقَبْضِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا فَأَشْبَهَ ما لو قال طَالَبْتُك بِرَدِّ الْمَالِ فَامْتَنَعْت مُقَصِّرًا إلَى أَنْ تَلِفَ وقال الْوَكِيلُ لم تُطَالِبْنِي أو لم أُقَصِّرْ بِخِلَافِ ما إذَا أَذِنَ له في إقْبَاضِهِ لِلْمَبِيعِ قَبْلُ أَيْ قبل قَبْضِ الثَّمَنِ أو كان الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا وَأَذِنَ له في قَبْضِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ فَالْمُصَدَّقُ الْمُوَكِّلُ لِعَدَمِ خِيَانَةِ الْوَكِيلِ بِالتَّسْلِيمِ حِينَئِذٍ فإذا وفي نُسْخَةٍ فَإِنْ حَلَفَ فِيمَا صُدِّقَ فيه فَفِي بَرَاءَةِ الْمُشْتَرِي من الثَّمَنِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ نعم لِأَنَّا قَبِلْنَا قَوْلَ الْوَكِيلِ في قَبْضِ الثَّمَنِ فَكَيْفَ نُوجِبُهُ وَنَقَلَهُ ابن الرِّفْعَةِ عن الْقَاضِي قال وهو ما حَكَاهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ عن ابْنِ سُرَيْجٍ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ في بَسِيطِهِ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْبَغَوِيّ لَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبْضِ وَإِنَّمَا قَبِلْنَا قَوْلَ الْوَكِيلِ في حَقِّهِ لِائْتِمَانِهِ إيَّاهُ وَعَلَى نَقْلِ هذا اقْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ فَإِنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ على الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ فَقَطْ أَيْ دُونَ الْمُوَكِّلِ لِإِنْكَارِهِ قَبْضَ الثَّمَنِ وَبِهَذَا فَارَقَ ما مَرَّ في الْعُهْدَةِ من أَنَّ لِلْمُشْتَرِي مُطَالَبَةَ كُلٍّ من الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ بِالثَّمَنِ عِنْدَ خُرُوجِ الْمَبِيعِ مُسْتَحَقًّا فَسَقَطَ ما قِيلَ إنَّ ما هُنَا يُخَالِفُ ما هُنَاكَ
وَلَا رُجُوعَ لِلْوَكِيلِ على الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ بِيَمِينِهِ التي دَفَعَتْ عنه الْغُرْمَ لَا تُثْبِتُ له حَقًّا على غَيْرِهِ وَإِنْ بَانَ الْمَبِيعُ مَعِيبًا وَرَدَّهُ الْمُشْتَرِي على الْمُوَكِّلِ وَغَرَّمَهُ الثَّمَنَ لم يَرْجِعْ بِهِ على الْوَكِيلِ لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ لم يَأْخُذْ شيئا وَكَذَا عَكْسُهُ بِأَنْ رَدَّهُ على الْوَكِيلِ وَغَرَّمَهُ لَا يَرْجِعُ على الْمُوَكِّلِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لم يَأْخُذْ منه شيئا وَلَا يَلْزَمُ من تَصْدِيقِنَا الْوَكِيلَ في الدَّفْعِ عن نَفْسِهِ بِيَمِينِهِ أَنْ نُثْبِتَ له بها حَقًّا على غَيْرِهِ كما مَرَّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ ما ذُكِرَ في مَسْأَلَتَيْ الِاسْتِحْقَاقِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ جَارٍ على الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ وهو ظَاهِرٌ لِاتِّحَادِ الْحُكْمِ وهو عَدَمُ الرُّجُوعِ عَلَيْهِمَا وَإِنْ لم يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي في الثَّانِيَةِ تَغْرِيمٌ على الثَّانِي وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ قُلْنَا بِبَرَاءَةِ الْمُشْتَرِي وَبِأَنَّ مَعِيبًا إلَى آخِرِهِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ لَكِنْ قَدَّمَهُ على الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا وَقَدَّمَ مِنْهُمَا الثَّانِيَةَ
وَالْوَجْهُ في الْأُولَى أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ تَفْرِيعُهَا بِالْأَوَّلِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَيَصِحُّ اخْتِصَاصُ تَفْرِيعِهَا بِهِ نَظَرًا لِجَوَازِ التَّغْرِيمِ عليه لَا على الثَّانِي لَكِنَّ التَّغْرِيمَ ليس هو الْحُكْمُ الْمَطْلُوبُ
وَإِنْ قال الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ قَبَضْت الثَّمَنَ فَادْفَعْهُ لي فَأَنْكَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ قَبْضِهِ وَلَيْسَ لِلْمُوَكِّلِ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي لِاعْتِرَافِهِ بِقَبْضِ وَكِيلِهِ لَكِنْ إنْ تَعَدَّى الْوَكِيلُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ قبل قَبْضِ الثَّمَنِ غَرَّمَهُ الْمُوَكِّلُ قِيمَةَ الْمَبِيعِ لِلْحَيْلُولَةِ فَلَا يُشْكِلُ بِكَوْنِ الْقِيمَةِ قد تَكُونُ أَكْثَرَ من الثَّمَنِ الذي لَا يُسْتَحَقُّ غَيْرُهُ
فَصْلٌ لو وَكَّلَهُ في قَضَاءِ دَيْنِهِ بِمَالٍ دَفَعَهُ له فَقَضَاهُ في غَيْبَتِهِ بِدَعْوَاهُ فَأَنْكَرَ الْغَرِيمُ صُدِّقَ الْغَرِيمُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ لم يَأْتَمِنْ الْوَكِيلَ حتى يَلْزَمَهُ تَصْدِيقُهُ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الدَّفْعِ وإذا حَلَفَ طَالَبَ الْمُوَكِّلَ بِحَقِّهِ لَا الْوَكِيلَ وإذا أَخَذَ منه ضَمِنَ الْوَكِيلُ لِلْمُوَكِّلِ وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُوَكِّلُ في الْقَضَاءِ إذَا لم يَشْهَدْ بِهِ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ لَا إنْ دَفَعَ الْوَكِيلُ بِحَضْرَتِهِ فَلَا يَضْمَنُ له شيئا لِنِسْبَةِ التَّقْصِيرِ حِينَئِذٍ إلَى الْمُوَكِّلِ وَالْقَوْلُ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا في أَنَّهُ دَفَعَ بِحَضْرَتِهِ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ بِيَمِينِهِ في أَنَّهُ لم يَحْضُرْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَضْرَةِ
وَإِنْ أَشْهَدَ الْوَكِيلُ شُهُودًا وَغَابُوا أو مَاتُوا أو جُنُّوا أو أَشْهَدَ وَاحِدًا أو مَسْتُورِينَ
____________________
(2/285)
فَبَانَ فِسْقُهُمْ فَعَلَى ما سَبَقَ في رُجُوعِ الضَّامِنِ على الْأَصِيلِ قال الْمُتَوَلِّي وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ في الْإِشْهَادِ أَمَّا إذَا صَدَّقَهُ الْغَرِيمُ فَلَا ضَمَانَ على الْوَكِيلِ وَلَوْ ادَّعَى وَلِيُّ الْيَتِيمِ وَلَوْ حَاكِمًا كما صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ رَدَّ مَالِهِ إلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لم يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فإذا دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عليهم وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الدَّفْعِ وهو لم يَأْتَمِنْهُ حتى يَلْزَمَهُ تَصْدِيقُهُ وَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِقَيِّمِ الْيَتِيمِ وَالْوَصِيِّ لِسَلَامَتِهِ من إيهَامِ أَنَّ الْجَدَّ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَالْأَبُ مع وَلَدِهِ كَذَلِكَ وَالسَّفِيهُ وَالْمَجْنُونُ كَالْيَتِيمِ وَالرُّشْدُ وَالْإِفَاقَةُ كَالْبُلُوغِ
وَلَوْ امْتَنَعَ من يُقْبَلُ قَوْلُهُ في الرَّدِّ كَالْمُودِعِ وَالْوَكِيلِ وَلَوْ بِجُعْلٍ من التَّسْلِيمِ أَيْ تَسْلِيمِ الْمَالِ لِمَالِكِهِ إلَّا بِالْإِشْهَادِ عليه بِالرَّدِّ لم يَلْزَمْهُ ذلك لِأَنَّ قَوْلَهُ مَقْبُولٌ في الرَّدِّ وَلِلْغَاصِبِ وكل من لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ في الرَّدِّ كَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمَدِينِ الِامْتِنَاعُ من التَّسْلِيمِ حتى يَشْهَدَ الْمَالِكُ على نَفْسِهِ بِالرَّدِّ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ بِالرَّدِّ قال في الْأَصْلِ هذا إنْ كان عليه بَيِّنَةٌ بِالْأَخْذِ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ صَحَّحَ الْبَغَوِيّ الِامْتِنَاعَ وَقَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ بِعَدَمِهِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ ليس له عِنْدِي شَيْءٌ وَيَحْلِفَ عليه انْتَهَى وَبِالْأَوَّلِ قال الْمَرَاوِزَةُ وَالْمَاوَرْدِيُّ مع أَنَّهُ عِرَاقِيٌّ وَعَلَيْهِ جَرَى الْمُصَنِّفُ كَالْمِنْهَاجِ وَأَصْلِهِ فَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَاسْتُشْكِلَ جَوَازُ التَّأْخِيرِ لِلْغَاصِبِ بِوُجُوبِ التَّوْبَةِ على الْفَوْرِ وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ على الرَّدِّ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ زَمَنٌ يَسِيرٌ فَاغْتُفِرَ لِمَا يَتَرَتَّبُ عليه من الْمَصْلَحَةِ
فَصْلٌ من عليه دَيْنٌ أو في يَدِهِ عَيْنٌ لِغَيْرِهِ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا الْأَوْلَى تَسْلِيمُهُ أَيْ أَحَدِهِمَا أو تَسْلِيمُهُمَا لِمَنْ صَدَّقَهُ في دَعْوَاهُ بِأَنَّهُ وَارِثٌ لِلْمُسْتَحَقِّ وَلَا وَارِثَ له غَيْرُهُ أو مُحْتَالٌ منه أو وَصِيٌّ له أو مُوصًى له منه فَلَيْسَ له أَنْ يَطْلُبَ منه بَيِّنَةً لِاعْتِرَافِهِ بِانْتِقَالِ الْحَقِّ إلَيْهِ فَلَا يَمْنَعُهُ حَقَّهُ لَا إنْ أَنْكَرَ ذلك الْأَوْلَى لَا إنْ لم يُصَدِّقْهُ فَلَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ لِلْوَكِيلِ حتى يُقِيمَ بَيِّنَةً بِوَكَالَتِهِ وَإِنْ صَدَّقَهُ عليها لِاحْتِمَالِ إنْكَارِ الْمُسْتَحِقِّ لها لَكِنْ يَجُوزُ له أَنْ يُسَلِّمَهُ إنْ صَدَّقَهُ عليها وَهَذَا مُسَلَّمٌ في الدَّيْنِ لِأَنَّهُ سَلَّمَ مِلْكَهُ أَمَّا في الْعَيْنِ فَلَا لِمَا فيه من التَّصَرُّفِ في مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ سَلَّمَ إلَيْهِ الْحَقَّ وَأَنْكَرَ الْمُسْتَحِقُّ وَكَالَتَهُ فَإِنْ كان عَيْنًا وَبَقِيَتْ أَخَذَهَا أو أَخَذَهَا الدَّافِعُ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ
وإن تَلِفَتْ طَالَبَ بها أَيْ بِبَدَلِهَا من شَاءَ مِنْهُمَا ثُمَّ لَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ بِهِ إذَا غَرِمَهُ لِاعْتِرَافِهِمَا أَنَّ الظَّالِمَ غَيْرُهُمَا فَلَا يَرْجِعُ إلَّا على ظَالِمِهِ إلَّا إنْ قَصَّرَ الْقَابِضُ لها فَتَلِفَتْ وَغَرِمَ الْمُسْتَحَقَّ الدَّافِعُ لها فإنه أَيْ الدَّافِعُ يَرْجِعُ عليه أَيْ على الْقَابِضِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عِنْدَهُ وَالْوَكِيلُ يَضْمَنُ بِالتَّقْصِيرِ وَالْمُسْتَحِقُّ ظَلَمَهُ بِأَخْذِ الْقِيمَةِ منه وَمَالُهُ في ذِمَّةِ الْقَابِضِ فَيَسْتَوْفِيهِ بِحَقِّهِ وزاد صَاحِبُ الْأَنْوَارِ في الِاسْتِثْنَاءِ فقال إلَّا أَنَّ شَرْطَ الضَّمَانِ على الْقَابِضِ لو أَنْكَرَ الْمَالِكُ أو تَلِفَ بِتَفْرِيطِ الْقَابِضِ فَيَرْجِعُ الدَّافِعُ حِينَئِذٍ
وَإِنْ كان الْحَقُّ دَيْنًا لم يُطَالِبْ بِهِ الْمُسْتَحِقُّ إلَّا غَرِيمَهُ فَلَا يُطَالِبُ الْقَابِضَ لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ بِزَعْمِهِ وَالْمَقْبُوضُ ليس حَقَّهُ وَإِنَّمَا هو مَالُ الْمَدْيُونِ فَإِنْ أَلْزَمَ الْغَرِيمَ تَسْلِيمَهُ لِلْمُسْتَحِقِّ ثَانِيًا عِبَارَةُ الْأَصْلِ وإذا غَرِمَهُ فَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ من الْقَابِضِ له إنْ بَقِيَ وَصَارَ لِلْمُسْتَحِقِّ في زَعْمِهِ لِأَنَّهُ مَالُ من ظَلَمَهُ وقد ظَفِرَ بِهِ فَإِنْ تَلِفَ فَإِنْ كان بِلَا تَفْرِيطٍ منه لم يَغْرَمْهُ وَإِلَّا غَرِمَهُ هذا كُلُّهُ إنْ صَرَّحَ بِتَصْدِيقِهِ في دَعْوَاهُ الْوَكَالَةَ كما هو فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُصَرِّحْ بِتَصْدِيقِهِ بَلْ كَذَّبَهُ أو سَكَتَ فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ أَيْ مُطَالَبَتُهُ وَالرُّجُوعُ عليه بِمَا قَبَضَهُ منه دَيْنًا كان أو عَيْنًا وَإِنْ بَانَ الْمُسْتَحِقُّ في صُورَةِ الْوَارِثِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُوصَى له حَيًّا وَطَالَبَهُ أَيْ الْغَرِيمُ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَغَرَّمَهُ رَجَعَ الْغَرِيمُ على الْوَارِثِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُوصَى له بِمَا دَفَعَهُ إلَيْهِمْ لِتَبَيُّنِ كَذِبِهِمْ بِخِلَافِ صُورَةِ الْوَكَالَةِ لَا رُجُوعَ فيها في بَعْضِ صُوَرِهَا كما مَرَّ لِأَنَّهُ صَدَّقَهُ على الْوَكَالَةِ وَإِنْكَارُ الْمُسْتَحِقِّ لَا يَرْفَعُ تَصْدِيقَهُ وَصُدِّقَ الْوَكِيلُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وَكَّلَهُ ثُمَّ جَحَدَ وَهُنَا بِخِلَافِهِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَكَالْوَكَالَةِ في ذلك الْحَوَالَةُ كما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَجَحْدُ الْمُحِيلِ
____________________
(2/286)
الْحَوَالَةَ كَجَحْدِ الْمُوَكِّلِ الْوَكَالَةَ لَا يَخْفَى أَنَّ الدَّافِعَ مُصَدِّقٌ لِلْقَابِضِ على أَنَّ ما قَبَضَهُ صَارَ له بِالْحَوَالَةِ وَأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ ظَلَمَهُ فِيمَا أَخَذَهُ منه فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْجِعَ على الْقَابِضِ فَتُخَالِفُ الْحَوَالَةُ الْوَكَالَةَ في ذلك وَأَنَّ قَوْلَهُ أَوَّلًا وَطَالَبَهُ وَقَوْلَ أَصْلِهِ وَغَرَّمَهُ لَيْسَا على إطْلَاقِهِمَا وَإِنْ كان تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ أَوْلَى بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُمَا في الْعَيْنِ وَإِنْ تَلِفَ أَمَّا في الدَّيْنِ فَيَنْبَغِي رُجُوعُ الْغَرِيمِ على من ذُكِرَ وَإِنْ لم يُطَالِبْهُ الْمُسْتَحِقُّ ولم يُغَرِّمْهُ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ مِلْكُهُ
فَصْلٌ وَإِنْ صَرَّحَ الْوَكِيلُ بِجُحُودِ الْوَكَالَةِ أو الْقَبْضِ من الْمُوَكِّلِ أو الْغَرِيمِ فَأَقَامَ الْمُوَكِّلُ عليه بَيِّنَةً بِمَا يُخَالِفُ جُحُودَهُ ثُمَّ ادَّعَى الرَّدَّ مُطْلَقًا عن تَقْيِيدِهِ بِقَبْلِ الْجُحُودِ أو التَّلَفِ قبل الْجُحُودِ لم يُصَدَّقْ لِمَصِيرِهِ خَائِنًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا حَقَّ لَك عَلَيَّ وَنَحْوِهِ كَقَوْلِهِ ما لَك عِنْدِي شَيْءٌ أو لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُ شَيْءٍ إلَيْك فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ في دَعْوَى الرَّدِّ وَالتَّلَفِ وَتُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ كما يُفْهَمُ بِالْأَوْلَى مِمَّا يَأْتِي إذْ لَا تَنَاقُضَ بين كَلَامَيْهِ فَلَوْ أَقَامَ الْمُصَرِّحُ بِجُحُودِ ما ذُكِرَ بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ سُمِعَتْ لِأَنَّهُ لو صَدَّقَهُ الْمُدَّعِي لَسَقَطَ عنه الضَّمَانُ فَكَذَا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عليه وَلَوْ ادَّعَى بَعْدَ الْجُحُودِ التَّلَفَ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ التَّلَفَ بَعْدَ الْجُحُودِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِئَلَّا يَتَخَلَّدَ في الْحَبْسِ وَلِتَنْقَطِعَ عنه الْمُطَالَبَةُ بِرَدِّ الْعَيْنِ لَكِنْ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ لِخِيَانَتِهِ كما إذَا ادَّعَى الْغَاصِبُ التَّلَفَ وما عَلَّلَ بِهِ هو من زِيَادَتِهِ وما عَلَّلْتُ بِهِ هو ما في الْأَصْلِ وَإِنْ كان الْأَوَّلُ لَازِمًا لِلثَّانِي
فَرْعٌ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْخِيَانَةِ حتى يُبَيِّنَهَا بِأَنْ يُبَيِّنَ ما خَانَ بِهِ كَأَنْ يَقُولَ بِعْت بِعَشَرَةٍ وما دَفَعْت إلَّا خَمْسَةً فَصْلٌ وَلَوْ صَدَّقَ الْمُوَكِّلُ بِقَبْضِ دَيْنٍ أو اسْتِرْدَادِ وَدِيعَةٍ أو نَحْوِهِ مُدَّعِيَ التَّسْلِيمِ إلَى وَكِيلِهِ الْمُنْكِرِ لِذَلِكَ لم يُغَرِّمْهُ أَيْ الْمُوَكِّلُ مُدَّعِيَ التَّسْلِيمِ بِتَرْكِهِ الْإِشْهَادَ وَيُفَارِقُ ما لو تَرَكَ الْوَكِيلُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ الْإِشْهَادَ حَيْثُ يُغَرِّمُهُ الْمُوَكِّلُ بِأَنَّ الْوَكِيلَ يَلْزَمُهُ الِاحْتِيَاطُ لِلْمُوَكِّلِ فإذا تَرَكَهُ غَرِمَ بِخِلَافِ الْغَرِيمِ وَيَجُوزُ عَقْدُ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَنَحْوِهِمَا بِالْمُصَادَفَةِ على الْوَكَالَةِ بِهِ ثُمَّ بَعْدَ الْعَقْدِ إنْ كَذَّبَ الْوَكِيلُ نَفْسَهُ بِأَنْ قال لم أَكُنْ مَأْذُونًا فيه لم يُؤَثِّرْ وَإِنْ وَافَقَهُ الْمُشْتَرِي في مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ على التَّكْذِيبِ لِأَنَّ فيه حَقًّا لِلْمُوَكِّلِ إلَّا إنْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً بِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ لم يَكُنْ مَأْذُونًا له في ذلك الْعَقْدِ فَيُؤَثِّرُ فيه كَالْمُشْتَرِي في ذلك كُلُّ من وَقَعَ الْعَقْدُ له
كِتَابُ الْإِقْرَارِ هو لُغَةً الْإِثْبَاتُ من قَرَّ الشَّيْءُ يَقِرُّ قَرَارًا إذَا ثَبَتَ وَشَرْعًا إخْبَارٌ عن حَقٍّ سَابِقٍ وَيُسَمَّى اعْتِرَافًا أَيْضًا وَالْأَصْلُ فيه قبل الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ على أَنْفُسِكُمْ وَفُسِّرَتْ شَهَادَةُ الْمَرْءِ على نَفْسِهِ بِالْإِقْرَارِ وَقَوْلُهُ أَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ على ذَلِكُمْ إصْرِي قالوا أَقْرَرْنَا وَقَوْلُهُ وَلْيُمْلِلْ الذي عليه الْحَقُّ إلَى قَوْلِهِ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ أَيْ فَلْيُقِرَّ بِالْحَقِّ دَلَّ أَوَّلُهُ على صِحَّةِ إقْرَارِ الرَّشِيدِ على نَفْسِهِ وَآخِرُهُ على صِحَّةِ إقْرَارِ الْوَلِيِّ على مُوَلِّيهِ وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ اُغْدُ يا أُنَيْسٌ إلَى امْرَأَةِ هذا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا وَالْقِيَاسُ لِأَنَّا إذَا قَبِلْنَا الشَّهَادَةَ على الْإِقْرَارِ فَلَأَنْ نَقْبَلَ الْإِقْرَارَ أَوْلَى
وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ في أَرْكَانِهِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ
____________________
(2/287)
@ 288 الْأَوَّلُ الْمُقِرُّ وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ صَبِيٍّ وَزَائِلِ الْعَقْلِ بِعُذْرٍ كَشُرْبِ دَوَاءٍ وَإِكْرَاهٍ على شُرْبِ خَمْرٍ وَإِغْمَاءٍ لِأَنَّ عِبَارَتَهُمَا مُلْغَاةٌ وَسَنَذْكُرُ السَّكْرَانَ أَيْ حُكْمَهُ في كِتَابِ الطَّلَاقِ
تَنْبِيهٌ من قَدَرَ على الْإِنْشَاءِ قَدَرَ على الْإِقْرَارِ وَمَنْ لَا فَلَا كما أَشَارَ إلَيْهِ الْأَصْلُ وَيُسْتَثْنَى من الْأَوَّلِ إقْرَارُ الْوَكِيلِ بِالتَّصَرُّفِ إذَا أَنْكَرَهُ الْمُوَكِّلُ فَلَا يَنْفُذُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ إنْشَاؤُهُ وَمِنْ الثَّانِي إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِالنِّكَاحِ وَالْمَجْهُولِ بِحُرِّيَّتِهِ أو رِقِّهِ وَبِنَسَبِهِ وَالْمُفْلِسِ بِبَيْعِ الْأَعْيَانِ وَالْأَعْمَى بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَالْوَارِثِ بِدَيْنٍ على مُوَرِّثِهِ وَالْمَرِيضِ بِأَنَّهُ كان وَهَبَ وَارِثَهُ وَأَقْبَضَهُ في الصِّحَّةِ فَكُلُّ هَؤُلَاءِ يَصِحُّ إقْرَارُهُمْ بِمَا ذُكِرَ وَلَا يُمْكِنُهُمْ إنْشَاؤُهُ وَسَيَأْتِي بَعْضُ ذلك في كَلَامِهِ قال ابن عبد السَّلَامِ قَوْلُهُمْ من مَلَكَ الْإِنْشَاءَ مَلَكَ الْإِقْرَارَ هو في الظَّاهِرِ أَمَّا في الْبَاطِنِ فَبِالْعَكْسِ أَيْ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَهُ بَاطِنًا فَهُوَ مِلْكُهُ وَلَيْسَ له أَنْ يُقِرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ
وَيُصَدَّقُ الشَّخْصُ في دَعْوَى الْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ الْمُمْكِنِ في الذَّكَرِ وَغَيْرِهِ أو الْحَيْضِ الْمُمْكِنِ في الْأُنْثَى بِلَا يَمِينٍ فِيهِمَا وَإِنْ فُرِضَ ذلك في خُصُومِهِ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا من جِهَتِهِ فَأَشْبَهَ ما لو عَلَّقَ الْعِتْقَ بِمَشِيئَةِ غَيْرِهِ فقال شِئْت وَنُوَزِّعُ في أَنَّهُ إنَّمَا شَاءَ غير الْعِتْقِ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ وَلِأَنَّهُ إنْ كان صَادِقًا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْيَمِينِ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فيها لِأَنَّ يَمِينَ الصَّبِيِّ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ في دَعْوَى الْبُلُوغِ بِالسِّنِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَوْ كان غَرِيبًا لِإِمْكَانِهَا وَلَوْ أَطْلَقَ الْإِقْرَارَ بِالْبُلُوغِ ولم يُعَيِّنْ نَوْعًا فَفِي تَصْدِيقِهِ وَجْهَانِ في فَتَاوَى الْقَاضِي قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْمُخْتَارُ اسْتِفْسَارُهُ وَلَوْ طَلَبَ غَازٍ سَهْمَهُ عن الْمُقَاتَلَةِ وَادَّعَى الْبُلُوغَ بِالِاحْتِلَامِ حَلَفَ وُجُوبًا إنْ اُتُّهِمَ وَأَخَذَ السَّهْمَ فَإِنْ لم يَحْلِفْ لم يَأْخُذْ شيئا كما أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ هُنَا وَصَرَّحَ بِهِ كَأَصْلِهِ في الدَّعَاوَى وَحَكَى فيه أَصْلَهُ هُنَا وَجْهَيْنِ بِلَا تَصْحِيحٍ وَاسْتَشْكَلَ في الْمُهِمَّاتِ تَحْلِيفَهُ لِاسْتِحْقَاقِهِ السَّهْمَ بِعَدَمِ تَحْلِيفِهِ لِثُبُوتِ الْبُلُوغِ وَإِنْ فُرِضَتْ مُخَاصَمَةٌ كما مَرَّ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْكَلَامَ في الْأُولَى في وُجُوبِ الْبُلُوغِ في الْحَالِ وفي الثَّانِيَةِ في وُجُودِهِ فِيمَا مَضَى لِأَنَّ صُورَتَهَا أَنَّ تَنَازُعَ الصَّبِيِّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ في بُلُوغِهِ حَالَةَ الْحَرْبِ
وَإِقْرَارُ الْمُفْلِسِ مَقْبُولٌ فِيمَا يَصِحُّ منه إنْشَاؤُهُ كما سَبَقَ في بَابِهِ وفي نُسْخَةٍ مَقْبُولٌ في النِّكَاحِ وَهِيَ الْمُوَافَقَةُ لِكَلَامِ الْأَصْلِ لَكِنَّ الْأُولَى أَوْلَى لِشُمُولِهَا غير النِّكَاحِ كما سَبَقَ
ثُمَّ لَا إقْرَارُ السَّفِيهِ فَلَا يَصِحُّ بِمَا لَا يَصِحُّ منه إنْشَاؤُهُ كما سَبَقَ في الْحَجْرِ وَيُقْبَلُ إقْرَارُ السَّفِيهَةِ بِالنِّكَاحِ لِمَنْ صَدَّقَهَا كَالرَّشِيدَةِ إذْ لَا أَثَرَ
____________________
(2/288)
لِلسَّفَهِ في النِّكَاحِ من جَانِبِهَا وَسَيَأْتِي فيه في كِتَابِ النِّكَاحِ زِيَادَةُ بَيَانٍ وَيُفَارِقُ إقْرَارُ السَّفِيهَةِ إقْرَارَ السَّفِيهِ بِأَنَّ في إقْرَارِهَا تَحْصِيلَ مَالٍ وفي إقْرَارِهِ تَفْوِيتَ مَالٍ
وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الرَّشِيدِ بِجِنَايَتِهِ في الصِّغَرِ كما لو قَامَتْ بَيِّنَةٌ قال الْبُلْقِينِيُّ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لم يَكُنْ على وَجْهٍ يَسْقُطُ عن الْمَحْجُورِ وَعَلَيْهِ فَإِنْ كان كَذَلِكَ كَالْمُقْتَرَضِ وَالْمَبِيعِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤَاخَذَ بِهِ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْجِنَايَةِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ بِإِتْلَافِهِ مَالًا
وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِمَالٍ وَكَذَّبَهُ الْأَوْلَى ولم يُصَدِّقْهُ السَّيِّدُ اخْتَصَّ أَيْ الْمَالُ أَيْ نَفْسُهُ إنْ لم يَكُنْ عَيْنًا وَبَدَلُهُ إنْ كان عَيْنًا وَلَوْ بَاقِيَةً بِذِمَّتِهِ يُتْبَعُ بِهِ إذَا عَتَقَ لَا بِرَقَبَتِهِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ على الْإِنْشَاءِ وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ إلَّا إنْ كان مَأْذُونًا له وَأَقَرَّ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ وَصَرَّحَ بها الْمَأْذُونُ له قبل الْحَجْرِ عليه فَلَا يَخْتَصُّ بِذِمَّتِهِ بَلْ يُؤَدِّيهِ من كَسْبِهِ وما في يَدِهِ كما مَرَّ في بَابِهِ فَشَمِلَ الْمُسْتَثْنَى منه إقْرَارَ غَيْرِ الْمَأْذُونِ له وَلَوْ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ وَإِقْرَارَ الْمَأْذُونِ له بِمَا لَا تَتَعَلَّقُ بها كَالْقَرْضِ وَإِقْرَارَهُ الْمُطْلَقَ بِأَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لم يُعَيِّنْ جِهَتَهُ وَإِقْرَارَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ عليه بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ أَضَافَهُ إلَى ما قَبْلَهُ فما أَقَرَّ بِهِ فيها مُخْتَصٌّ بِذِمَّتِهِ فَلَا يُقْبَلُ شَيْءٌ منها في حَقِّ سَيِّدِهِ وَإِنَّمَا قُبِلَ إقْرَارُ الْمُفْلِسِ في حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِدَيْنٍ وَجَبَ قبل الْحَجْرِ كما مَرَّ لِأَنَّهُ ثَمَّ يُقْضَى من مَالِهِ وَيُطَالَبُ بِهِ أَيْضًا بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ وهو حَاصِلٌ قَطْعًا عن قُرْبٍ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وما ذُكِرَ في الْإِقْرَارِ الْمُطْلَقِ مَحَلُّهُ كما قال الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ إذَا تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ وَإِلَّا فَلْيُرَاجَعْ لِقَبُولِ إقْرَارِهِ كَنَظِيرِهِ من الْمُفْلِسِ أَمَّا إذَا صَدَّقَهُ السَّيِّدُ فَإِقْرَارُهُ مَقْبُولٌ على سَيِّدِهِ إلَّا إذَا كان غير مَأْذُونٍ له وَأَقَرَّ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ فَيَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ لِتَقْصِيرِ مُعَامَلَةٍ وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ بِمُوجِبِ الْحَدِّ بِكَسْرِ الْجِيمِ كَزِنًا وَشُرْبِ خَمْرٍ وموجب الْقِصَاصِ كَقَتْلٍ وَقَطْعِ طَرَفٍ مَقْبُولٌ منه لِبُعْدِهِ عن التُّهْمَةِ في ذلك فإن كُلَّ نَفْسٍ مَجْبُولَةٌ على حُبِّ الْحَيَاةِ وَالِاحْتِرَازِ عن الْآلَامِ وَلِأَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه قَطَعَ عَبْدًا بِإِقْرَارِهِ وَالدَّعْوَى تَكُونُ عليه فيه أَيْ فِيمَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ وَحَيْثُ أَيْ وما لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ كَالْمَالِ الْمُتَعَلِّقِ بِرَقَبَتِهِ إذَا صَدَّقَهُ السَّيِّدُ فَالدَّعْوَى فيه على السَّيِّدِ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ الْمُتَعَلِّقَ بها الْمَالُ حَقُّهُ إلَّا أَنْ قال الْمُدَّعِي لي بَيِّنَةٌ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَيْهِمَا لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَهَذَا ما نَقَلَهُ في الرَّوْضَةِ هُنَا عن الْبَغَوِيّ وَالرَّاجِحُ أنها لَا تُسْمَعُ على الْعَبْدِ كما ذَكَرَهُ في الدَّعَاوَى نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ سَيَأْتِي فيه ثَمَّ مَزِيدُ كَلَامٍ
فَلَوْ أَقَرَّ بِقِصَاصٍ على نَفْسِهِ ثُمَّ عَفَا الْمُقْتَصُّ بِمَالٍ تَعَلَّقَ الْمَالُ بِرَقَبَتِهِ وَإِنْ كَذَّبَهُ السَّيِّدُ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ بِالْعُقُوبَةِ وَالْمَالُ ثَبَتَ بِالْعَفْوِ وَاحْتِمَالُ تُهْمَةِ الْمُوَاطَأَةِ أَضْعَفَتْهُ الْمُخَاطَرَةُ
وإذا أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ تُوجِبُ الْقَطْعَ قُطِعَ كما مَرَّ ولم يُنْزَعْ الْمَالُ الْمَسْرُوقُ من يَدِهِ وَلَا من يَدِ سَيِّدِهِ إنْ كان فيها كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ إلَّا بِتَصْدِيقِ سَيِّدِهِ فَيُنْزَعُ كما لو قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ فَإِنْ تَلِفَ وَصَدَّقَهُ السَّيِّدُ بِيعَ في الْجِنَايَةِ لِتَعَلُّقِ الْمَالِ بِرَقَبَتِهِ كما لو قَامَتْ عليه بَيِّنَةٌ وَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ فِدَاءَهُ وَلَا يُتْبَعُ بَعْدَ الْعِتْقِ على الْجَدِيدِ بِمَا زَادَ من الْمَالِ عن قِيمَتِهِ إنْ زَادَ إذْ لَا يَجْتَمِعُ التَّعَلُّقُ بِالرَّقَبَةِ مع التَّعَلُّقِ بِالذِّمَّةِ أَمَّا إذَا كَذَّبَهُ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالرَّقَبَةِ بَلْ بِالذِّمَّةِ يُتْبَعُ بِهِ إذَا عَتَقَ كما مَرَّ
وَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ وَأَقَرَّ بِدَيْنِ إتْلَافٍ يَلْزَمُهُ نِصْفُ ما أَقَرَّ بِإِتْلَافِهِ وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ على سَيِّدِهِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ فَيَتَعَلَّقَ نِصْفُ ما أَقَرَّ بِهِ بِجُزْئِهِ الرَّقِيقِ وَإِنْ أَقَرَّ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ فَحَيْثُ صَحَّ تَصَرُّفُهُ قُبِلَ إقْرَارُهُ عليه وَقُضِيَ مِمَّا في يَدِهِ وَإِلَّا فَإِقْرَارُهُ كَإِقْرَارِ الْعَبْدِ كما عُلِمَ ذلك مِمَّا مَرَّ
وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ما لَزِمَ ذِمَّتَهُ في نِصْفِهِ الرَّقِيقِ لَا يَجِبُ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ بِهِ إلَى الْعِتْقِ لِأَنَّهَا إنَّمَا أُخِّرَتْ في كَامِلِ الرِّقِّ لِعَدَمِ مِلْكِهِ وَالْمُبَعَّضُ يَمْلِكُ
فَرْعٌ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ على عَبْدِهِ بِمُوجِبِ عُقُوبَةٍ بِكَسْرِ الْجِيمِ كَقَتْلٍ وَقَطْعِ طَرَفٍ وَزِنًا وَدَيْنِ مُعَامَلَةٍ وَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ
____________________
(2/289)
عليه بِدَيْنِ جِنَايَةٍ وَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ فَلَوْ بِيعَ فيه وَبَقِيَ شَيْءٌ لم يُطَالِبْ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِنْ صَدَّقَهُ وَقَوْلُ الْأَصْلِ أَنَّهُ يُطَالِبُ بِهِ إنْ صَدَّقَهُ إنَّمَا يَأْتِي على الْقَدِيمِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ قبل الْفَرْعِ
وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ بِإِتْلَافٍ لِمَالٍ لِغَيْرِهِ قَبْلَهُ يَلْزَمُهُ بِهِ الْمَالُ لَا سَيِّدَهُ ولو ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ كان جَنَى يَلْزَمُ السَّيِّدَ الْأَقَلُّ من قِيمَتِهِ وَالْأَرْشُ وَالدَّعْوَى على الْعَبْدِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الْعَبْدِ كَدَيْنِ مُعَامَلَةٍ كَالدَّعْوَى بِالْمُؤَجَّلِ فَلَا تُسْمَعُ وَجَعَلَ في الرَّوْضَةِ التَّشْبِيهَ في عَدَمِ سَمَاعِ بَيِّنَتِهِ وَكُلٌّ صَحِيحٌ لِأَنَّ عَدَمَ الْمُطَالَبَةِ في الْحَالِ يَمْنَعُ من سَمَاعِ كُلٍّ مِنْهُمَا كما سَيَأْتِي بَيَانُهُ
فَرْعٌ يُقْبَلُ إقْرَارُ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ بِالنِّكَاحِ وَمُوجِبِ الْعُقُوبَاتِ وَبِالدَّيْنِ وَالْعَيْنِ لِلْأَجْنَبِيِّ كَالصَّحِيحِ وَيُسَاوِي إقْرَارُهُ الْبَيِّنَةَ في الْقَبُولِ وَكَذَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ لِلْوَارِثِ وَيُسَاوِي الْبَيِّنَةَ كَالصَّحِيحِ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مُحِقٌّ وَلَا يَقْصِدُ حِرْمَانَ بَعْضِ الْوَرَثَةِ فإنه انْتَهَى إلَى حَالَةٍ يَصْدُقُ فيها الْكَذُوبُ وَيَتُوبُ فيها الْفَاجِرُ وَالتَّصْرِيحُ بِذَكَرِهِ مُسَاوَاةَ إقْرَارِهِ لِلْبَيِّنَةِ في الْأَجْنَبِيِّ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ كان إقْرَارُهُ له بِهِبَةٍ مَقْبُوضَةٍ له في الصِّحَّةِ فإنه يَصِحُّ لِتَحْصِيلِ الْبَرَاءَةِ بِتَقْدِيرِ صِدْقِهِ وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ أَيْضًا بِهِبَةٍ مَقْبُوضَةٍ في الْمَرَضِ لَكِنَّهُ يَتَوَقَّفُ على إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ كما سَيُعْلَمُ في الْوَصِيَّةِ
وَلَا يُقَدَّمُ فِيمَا لو أَقَرَّ في صِحَّتِهِ بِدَيْنٍ لِإِنْسَانٍ وفي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِآخَرَ إقْرَارُ الصِّحَّةِ على إقْرَارِ الْمَرَضِ بَلْ يَتَسَاوَيَانِ كما لو ثَبَتَا بِالْبَيِّنَةِ وَكَمَا لو أَقَرَّ بِهِمَا في الصِّحَّةِ أو الْمَرَضِ بَلْ لو أَقَرَّ الْوَارِثُ على الْمُوَرِّثِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِدَيْنٍ لِآخَرَ أو أَقَرَّ بِدَيْنٍ عليه لِإِنْسَانٍ ثُمَّ بِدَيْنٍ لِآخَرَ أو حَدَثَ ضَمَانٌ لِإِنْسَانٍ عليه من حَفْرٍ تَعَدَّى بِهِ حَيًّا شَارَكَ صَاحِبَهُ أَيْ كُلٍّ من الدَّيْنِ وَالضَّمَانِ الْغُرَمَاءَ لِأَنَّ الْحَفْرَ فِعْلُ الْمَرِيضِ وَإِقْرَارُ وَارِثِهِ كَإِقْرَارِهِ فَكَأَنَّهُ أَقَرَّ بِالدَّيْنَيْنِ سَوَاءٌ كان الْأَوَّلُ مُسْتَغْرِقًا أَمْ لَا قال الْبُلْقِينِيُّ وَلَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ لِمُشَارِكِهِ في الْإِرْثِ وَهُمَا مُسْتَغْرِقَانِ كَزَوْجَةٍ وَابْنٍ أَقَرَّ لها بِدَيْنٍ على أبيه وَهِيَ مُصَدِّقَةٌ له ضَارَبَتْ بِسَبْعَةِ أَثْمَانِ الدَّيْنِ مع أَصْحَابِ الدُّيُونِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ صَدَرَ مِمَّنْ عِبَارَتُهُ نَافِذَةٌ في سَبْعَةِ أَثْمَانٍ فَعَمِلَتْ عِبَارَتُهُ فيها كَعَمَلِ عِبَارَةِ الْحَائِزِ في الْكُلِّ
وَإِنْ صَدَّقَ الْوَارِثُ فِيمَا لو ادَّعَى إنْسَانٌ أَنَّ الْمُوَرِّثَ أَوْصَى له بِثُلُثِ مَالِهِ مَثَلًا وَآخَرُ بِأَنَّ له عليه دَيْنًا يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ مُدَّعِيَ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ مُدَّعِيَ الدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ أو بِالْعَكْسِ بِأَنْ صَدَّقَ مُدَّعِيَ الدَّيْنِ ثُمَّ مُدَّعِيَ الْوَصِيَّةِ أو صَدَّقَهُمَا مَعًا قُدِّمَ الدَّيْنُ على الْوَصِيَّةِ كما لو ثَبَتَا بِالْبَيِّنَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ في الْأُولَى من زِيَادَتِهِ
وَإِنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِإِنْسَانٍ بِدَيْنٍ وَلَوْ مُسْتَغْرِقًا ثُمَّ لِآخَرَ بِعَيْنٍ قُدِّمَ صَاحِبُهَا كَعَكْسِهِ الْمُصَرَّحِ بِهِ في الْأَصْلِ وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ لَا يَتَضَمَّنُ حَجْرًا في الْعَيْنِ بِدَلِيلِ نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فيها قال في الْمُهِمَّاتِ وَهَذَا يُشْعِرُ بِنُفُوذِ التَّبَرُّعَاتِ من الْمَرِيضِ الذي عليه دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ صُرِّحَ بِعَدَمِ النُّفُوذِ في كِتَابِ الْوَصِيَّةِ وَحِينَئِذٍ فَيُحْمَلُ ما هُنَا على ما لَا تَبَرُّعَ فيه نعم لو قَضَى في مَرَضِهِ دُيُونَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ لم يُزَاحِمْهُ غَيْرُهُ وَإِنْ لم يُوَفِّ الْمَالُ بِجَمِيعِ الدُّيُونِ كما سَيَأْتِي في الْوَصِيَّةِ أو أَقَرَّ بِإِعْتَاقِ أَخِيهِ في الصِّحَّةِ عَتَقَ وَوَرِثَ إنْ لم يَحْجُبْهُ غَيْرُهُ بِنَاءً على صِحَّةِ الْإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ وهو الْأَصَحُّ أو أَقَرَّ بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ في الصِّحَّةِ وَعَلَيْهِ بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ لِتَرِكَتِهِ عَتَقَ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ لَا تَبَرُّعٌ
وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمُكْرَهِ بِمَا أُكْرِهَ عليه لِقَوْلِهِ تَعَالَى إلَّا من أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ جَعَلَ الْإِكْرَاهَ مُسْقِطًا لِحُكْمِ الْكُفْرِ فَبِالْأَوْلَى ما عَدَاهُ وَصُورَةُ إقْرَارِهِ أَنْ يُضْرَبَ لِيُقِرَّ فَلَوْ ضُرِبَ لِيُصَدَّقَ في الْقَضِيَّةِ فَأَقَرَّ حَالَ الضَّرْبِ أو بَعْدَهُ لَزِمَهُ ما أَقَرَّ بِهِ لِأَنَّهُ ليس مُكْرَهًا إذْ الْمُكْرَهُ من أُكْرِهَ على شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُنَا إنَّمَا ضُرِبَ لِيُصَدَّقَ وَلَا يَنْحَصِرُ الصِّدْقُ في الْإِقْرَارِ ولكن يُكْرَهُ إلْزَامُهُ حتى يُرَاجِعَ وَيُقِرَّ ثَانِيًا نَقَلَ في الرَّوْضَةِ ذلك عن الْمَاوَرْدِيِّ ثُمَّ قال وَقَبُولُ إقْرَارِهِ حَالَ الضَّرْبِ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ قَرِيبٌ من الْمُكْرَهِ وَلَكِنَّهُ ليس مُكْرَهًا وَعَلَّلَهُ بِمَا قَدَّمْته ثُمَّ قال وَقَبُولُ
____________________
(2/290)
إقْرَارِهِ بَعْدَ الضَّرْبِ فيه نَظَرٌ إنْ غَلَبَ على ظَنِّهِ إعَادَةُ الضَّرْبِ إنْ لم يُقِرَّ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ ما اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ من عَدَمِ قَبُولِ إقْرَارِهِ في الْحَالَيْنِ وهو الذي يَجِبُ اعْتِمَادُهُ في هذه الْأَمْصَارِ مع ظُلْمِ الْوُلَاةِ وَشِدَّةِ جَرَاءَتِهِمْ على الْعُقُوبَاتِ وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَبَالَغَ فقال وَالصَّوَابُ أَنَّ هذا إكْرَاهٌ
الرُّكْنُ الثَّانِي الْمُقَرُّ له وَشَرْطُهُ أَهْلِيَّةُ الِاسْتِحْقَاقِ لِلْمُقَرِّ بِهِ فَالْإِقْرَارُ لِلدَّابَّةِ كَأَنْ قال لِهَذِهِ الدَّابَّةِ أو لِدَابَّةِ فُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا بَاطِلٌ نعم لو أَضَافَهُ إلَى مُمْكِنٍ كَالْإِقْرَارِ بِمَالٍ من وَصِيَّةٍ وَنَحْوِهَا صَحَّ كما قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قال الزَّرْكَشِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ وَمَحَلُّ الْبُطْلَانِ في الْمَمْلُوكَةِ أَمَّا لو أَقَرَّ لِخَيْلٍ مُسَبَّلَةٍ فَالْأَشْبَهُ الصِّحَّةُ كَالْإِقْرَارِ لِمُقْبَرَةٍ وَيُحْمَلُ على أَنَّهُ من غَلَّةٍ وَقَفَ عليها أو وَصِيَّةٍ لها وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فيه فَلَوْ قال عَلَيَّ لِمَالِكِهَا أَيْ الدَّابَّةِ بِسَبَبِهَا أَلْفٌ مَثَلًا قُبِلَ وَحُمِلَ على أَنَّهُ جَنَى عليها أو اكْتَرَاهَا أو اسْتَعْمَلَهَا مُتَعَدِّيًا وَيَكُونُ الْمُقَرُّ بِهِ مِلْكًا لِمَالِكِهَا حين الْإِقْرَارِ فَإِنْ لم يَقُلْ لِمَالِكِهَا لم يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِهِ لِمَالِكِهَا في الْحَالِ وَلَا لِمَالِكِهَا مُطْلَقًا بِأَنْ كانت بيده فَأَتْلَفَتْ لِإِنْسَانٍ شيئا بَلْ يُسْأَلُ وَيُحْكَمُ بِمُوجِبِ بَيَانِهِ وَتَعْبِيرُ الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ بِسَبَبِهَا أَعَمُّ من تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِمَا ذُكِرَ
وَالْإِقْرَارُ لِلْعَبْدِ إقْرَارٌ لِلسَّيِّدِ حَمْلًا على أَنَّهُ جَنَى عليه أو اكْتَرَاهُ أو اسْتَعْمَلَهُ مُتَعَدِّيًا وَالْإِضَافَةُ إلَيْهِ كَالْإِضَافَةِ في الْهِبَةِ وَسَائِرِ الْإِنْشَاءَاتِ قال الْبُلْقِينِيُّ وَقَضِيَّةُ قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ وهو الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُصْرَفُ لِسَيِّدِهِ ما أُقِرَّ بِهِ له إلَّا إذَا تَحَقَّقَ اسْتِنَادُهُ إلَى أَمْرٍ في حَالِ رِقِّ ذلك السَّيِّدِ فَقَدْ يَكُونُ ثَبَتَ له عليه في حَالِ حُرِّيَّتِهِ وَكُفْرِهِ ثُمَّ اُسْتُرِقَّ فَلَا يَسْقُطُ كما سَيَأْتِي في السِّيَرِ فَكَيْفَ يُصْرَفُ لِسَيِّدِهِ وَكَذَا لو كان بِمُعَامَلَةٍ أو جِنَايَةٍ عليه في حَالِ رِقِّ غَيْرِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ وَلَوْ رَدَّ الْقِنُّ الْإِقْرَارَ وكان مَأْذُونًا له ارْتَدَّ وَإِلَّا فَلَا على ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قال وَيُسْتَثْنَى مِمَّا قَالُوهُ الْمُكَاتَبُ فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ له وَالْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ فَيَكُونُ لِلْمُوصَى له وَالْمَوْقُوفُ فَيَكُونُ لِلْمَوْقُوفِ عليه وَأَمَّا الْمُبَعَّضُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ له بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ بِنِسْبَتَيْ الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ فَيَخْتَصَّ بِذِي النَّوْبَةِ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ ما يَقْتَضِي خِلَافَهُ
وَإِنْ أَقَرَّ لِحَمْلٍ بِشَيْءٍ وَأَسْنَدَهُ إلَى إرْثٍ أو وَصِيَّةٍ أو غَيْرِهِمَا مِمَّا يُمْكِنُ في حَقِّهِ لَزِمَهُ لِأَنَّ ما أَسْنَدَهُ إلَيْهِ مُمْكِنٌ وَكَذَا يَلْزَمُهُ إذَا أَطْلَقَ أَيْ لم يُسْنِدْهُ إلَى شَيْءٍ حَمْلًا على الْجِهَةِ الْمُمْكِنَةِ في حَقِّهِ لَا إنْ أَسْنَدَهُ إلَى جِهَةٍ بَاطِلَةٍ كَالْبَيْعِ وَالْإِقْرَاضِ كَقَوْلِهِ بَاعَنِي بِهِ شيئا أو أَقْرَضَنِيهِ فَلَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّا نَقْطَعُ بِكَذِبِهِ وَهَذَا ما جَزَمَ بِهِ في أَصْلِ الْمِنْهَاجِ وَصَحَّحَهُ في الرَّوْضَةِ قال وَبِهِ قَطَعَ في الْمُحَرَّرِ وَاَلَّذِي في الشَّرْحَيْنِ فيه طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ وَالثَّانِي على الْقَوْلَيْنِ في تَعْقِيبِ الْإِقْرَارِ بِمَا يَرْفَعُهُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَطَرِيقَةُ التَّخْرِيجِ جَزَمَ بها أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَطَرِيقَةُ الْقَطْعِ بِالصِّحَّةِ ذَكَرَهَا الْمَرَاوِزَةُ وما صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ مَمْنُوعٌ ولم أَرَ من قَطَعَ بِإِلْغَاءِ الْإِقْرَارِ وما عَزَاهُ لِلْمُحَرِّرِ بَنَاهُ على ما فَهِمَهُ من قَوْلِ الْمُحَرِّرِ وَإِنْ أَسْنَدَهُ إلَى جِهَةٍ لَا تُمْكِنُ فَلَغْوٌ من أَنَّهُ أَرَادَ فَالْإِقْرَارُ لَغْوٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مُرَادُهُ فَالْإِسْنَادُ لَغْوٌ بِقَرِينَةِ كَلَامِ الشَّرْحَيْنِ وَذَكَرَ مثله صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَالزَّرْكَشِيُّ
____________________
(2/291)
وهو حَسَنٌ
وإذا صَحَّ الْإِقْرَارُ له فِيمَا ذُكِرَ فَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا فَلَا حَقَّ له في الْوَصِيَّةِ وَالْإِرْثِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا أُسْنِدَ إلَيْهِ وَيَكُونُ الْمُقَرُّ بِهِ فِيمَا إذَا أَسْنَدَهُ إلَى ذلك لِلْوَرَثَةِ أَيْ وَرَثَةِ الْمُوَرِّثِ أو الْمُوصِي أو لِغَيْرِهِمْ مِمَّا أُسْنِدَ إلَيْهِ وَإِنْ أَطْلَقَهُ فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ أو انْفَصَلَ حَيًّا لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من وَقْتِ الْإِقْرَارِ اسْتَحَقَّ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا وُجُودَهُ يَوْمَئِذٍ وَقَوْلُهُمْ من وَقْتِ الْإِقْرَارِ صَوَابُهُ كما قال الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ من حِينِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّ وُجُودَ الْحَمْلِ عِنْدَ الْإِقْرَارِ مع عَدَمِهِ عِنْدَ السَّبَبِ لَا يُفِيدُ وَكَذَا لِدُونِ أَرْبَعِ سِنِينَ صَوَابُهُ لِأَرْبَعِ سِنِينَ فَأَقَلَّ إنْ لم تَكُنْ أُمُّهُ فِرَاشًا لِزَوْجٍ أو سَيِّدٍ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُجُودُهُ أو لَا سَبَبَ يُحَالُ عليه بِخِلَافِ ما إذَا كانت فِرَاشًا له لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ وَبِخِلَافِ ما إذَا انْفَصَلَ لِأَكْثَرَ من أَرْبَعِ سِنِينَ لِتَيَقُّنِ عَدَمِهِ يَوْمَئِذٍ فَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى وَاحِدَةً وهو أَيْ الْمُقَرُّ بِهِ إرْثٌ من أَبٍ لها مَثَلًا أُعْطِيت النِّصْفَ أو وَلَدَتْ ذَكَرًا وَاحِدًا أو أَكْثَرَ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُقَرُّ بِهِ إرْثًا أو وَصِيَّةً أو وَلَدَتْ أُنْثَى وَاحِدَةً أو أَكْثَرَ وَالْمُقَرُّ بِهِ وَصِيَّةً فَالْكُلُّ لِلْوَلَدِ وَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى فَهُوَ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ إنْ أَسْنَدَهُ إلَى وَصِيَّةٍ وَأَثْلَاثًا إنْ أَسْنَدَهُ إلَى إرْثٍ وَاقْتَضَتْ جِهَتُهُ ذلك فَإِنْ اقْتَضَتْ التَّسْوِيَةَ كَوَلَدَيْ أُمٍّ سُوِّيَ بَيْنَهُمَا في الثُّلُثِ
وفي مُطْلَقِ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ لِلْحَمْلِ إذَا انْفَصَلَ مَيِّتًا لَا يَسْتَحِقُّ شيئا بَلْ يُسْتَفْهَمُ الْمُقِرُّ عن الْجِهَةِ وَيُحْكَمُ بِمُقْتَضَاهَا قال في الْأَصْلِ قال الْإِمَامُ وَلَيْسَ لِهَذَا الِاسْتِفْهَامِ طَالِبٌ مُعَيَّنٌ وكان الْقَاضِي يَسْتَفْهِمُ حِسْبَةً لِيَصِلَ الْحَقُّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ فَإِنْ مَاتَ الْمُقِرُّ قبل الْبَيَانِ فَكَمَنْ أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ فَرَدَّهُ أَيْ فَيَبْطُلُ كما صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ أَمَّا إذَا انْفَصَلَ حَيًّا لِلْمُدَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ فَالْكُلُّ له ذَكَرًا كان أو أُنْثَى وَإِنْ انْفَصَلَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى فَهُوَ لَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ أو حَيٌّ وَمَيِّتٌ فَالْمَيِّتُ كَالْمَعْدُومِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَصَرَّحَ أَيْضًا بِأَنَّ الْإِقْرَارَ الْمُسْنَدَ إلَى جِهَةٍ بَاطِلَةٍ إذَا قُلْنَا بِصِحَّتِهِ كَالْإِقْرَارِ الْمُطْلَقِ فِيمَا ذُكِرَ أو مُطْلَقِ الْإِقْرَارِ بِالْإِرْثِ وقد وَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى سُئِلَ الْمُقِرُّ عن جِهَةِ الْإِرْثِ وَحُكِمَ بِمُقْتَضَاهَا قَالَهُ الْإِمَامُ وابن الصَّبَّاغِ
وقال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ يُسَوَّى بَيْنَهُمَا نُقِلَ ذلك في الرَّوْضَةِ فَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ لَكِنْ قال الزَّرْكَشِيُّ ما قَالَهُ أبو حَامِدٍ هو الْمَنْصُوصُ في الْأُمِّ ولم يُورِدْ الْبَغَوِيّ وَالْفُورَانِيُّ سِوَاهُ وَوَجَّهَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ الْأَصْلَ التَّسَاوِي حتى يُعْلَمَ سَبَبُ التَّفَاضُلِ فَإِنْ تَعَذَّرَ سُؤَالُهُ سُوِّيَ بَيْنَهُمَا
فَرْعٌ وَإِنْ أَقَرَّ بِحَمْلِ دَابَّةٍ من أَمَةٍ أو بَهِيمَةٍ فَإِنْ أَسْنَدَهُ إلَى وَصِيَّةٍ أو نَحْوِهَا كَوَقْفٍ صَحَّ وَكَذَا إذَا أَطْلَقَ أَيْ لم يُسْنِدْهُ إلَى شَيْءٍ لَا إنْ أَسْنَدَهُ إلَى جِهَةٍ فَاسِدَةٍ لِمَا مَرَّ في الْإِقْرَارِ له وَيَأْتِي فيه ما مَرَّ ثُمَّ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَإِنْ أَطْلَقَ أو أَسْنَدَ إلَى جِهَةٍ بَاطِلَةٍ فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ وَالْخِلَافُ في مَسْأَلَةِ الْإِطْلَاقِ قَوْلَانِ وفي مَسْأَلَةِ الْإِسْنَادِ إلَى فَاسِدٍ طَرِيقَانِ فما قِيلَ إنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ في مَسْأَلَةِ الْإِطْلَاقِ ثُمَّ على الصِّحَّةِ وَهُنَا على الْمَنْعِ لَا يَقْتَضِي اخْتِلَافَ التَّصْحِيحِ وَانْفِصَالِهِ هُنَا لِلْإِمْكَانِ على ما سَبَقَ ثُمَّ وَسُئِلَ عن حَمْلِ الْبَهِيمَةِ أَهْلُ الْخِبْرَةِ بِهِ وَلَوْ أَقَرَّ مع إقْرَارِهِ بِهِ لِوَاحِدٍ بِالْأُمِّ لِآخَرَ جَازَ الْإِقْرَارَانِ
وَإِقْرَارُهُ لِمَسْجِدٍ وَمَقْبَرَةٍ وَنَحْوِهِمَا كَرِبَاطٍ كَإِقْرَارِهِ لِحَمْلٍ إذْ لَهُمَا غَلَّةُ الْوَقْفِ وَنَحْوُهَا كَالْوَصِيَّةِ وَأَفَادَ بِالتَّعْلِيلِ أَنَّ الْإِقْرَارَ لِكَنِيسَةٍ أو بِيعَةٍ بَاطِلٌ بِكُلِّ حَالٍ قال الرُّويَانِيُّ وَلَوْ قال لِهَذَا الْمَيِّتِ عَلَيَّ كَذَا فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُخْتَصَرِ جَوَازُ الْإِقْرَارِ بِتَقْدِيرِ كان له عَلَيَّ
فَصْلٌ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ عَدَمُ تَكْذِيبِ الْمُقَرِّ له الْمُقِرَّ فَلَوْ كَذَّبَهُ فيه بَطَلَ في حَقِّهِ وَتُرِكَ الْمُقَرُّ بِهِ دَيْنًا كان أو عَيْنًا مع الْمُقِرِّ لِأَنَّ يَدَهُ تَدُلُّ على الْمِلْكِ ظَاهِرًا وَالْإِقْرَارُ الطَّارِئُ عَارَضَهُ التَّكْذِيبُ فَسَقَطَ وَمَحَلُّ ذلك إذَا كَذَّبَهُ في الْأَصْلِ فَلَوْ قال له عَلَيَّ أَلْفٌ من ثَمَنِ عَبْدٍ فقال لَا بَلْ من ثَمَنِ أَمَةٍ فَالْأَصَحُّ لُزُومُهُ وَلَا يَضُرُّ التَّحَالُفُ في الْجِهَةِ ثُمَّ إذَا بَطَلَ إقْرَارُهُ بِالتَّكْذِيبِ قال الزَّرْكَشِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ له جَمِيعُ التَّصَرُّفَاتِ خَلَا الْوَطْءَ لِاعْتِرَافِهِ بِتَحْرِيمِ ذلك عليه بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ جَمِيعُ التَّصَرُّفَاتِ حتى يَرْجِعَ
انْتَهَى
____________________
(2/292)
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كان ظَانًّا أَنَّ الْمَالَ لِلْمُقَرِّ له امْتَنَعَ عليه التَّصَرُّفُ وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ وفي نُسْخَةٍ فَلَوْ صَدَّقَهُ بَعْدَ تَكْذِيبِهِ لم يَنْزِعْ ما أَقَرَّ بِهِ من يَدِهِ إلَّا بِإِقْرَارٍ جَدِيدٍ لِأَنَّ نَفْيَهُ عن نَفْسِهِ بِالْمُطَابَقَةِ بِخِلَافِ الْمُقِرِّ فإن نَفْيَهُ له عن نَفْسِهِ بِالِالْتِزَامِ فَكَانَ أَضْعَفَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَكْذِيبَ وَارِثِ الْمُقَرِّ له كَتَكْذِيبِهِ حتى لو أَقَرَّ لِمَيِّتٍ أو لِمَنْ مَاتَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ فَكَذَّبَهُ الْوَارِثُ لم يَصِحَّ أَمَّا في حَقِّ غَيْرِهِ فَيَصِحُّ كما لو أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ على الْمَرْهُونِ وَكَذَّبَهُ الْمَالِكُ فإنه وَإِنْ لم يَصِحَّ في حَقِّ الْمَالِكِ صَحَّ في حَقِّ الْمُرْتَهِنِ حتى يَتَوَثَّقَ بِأَرْشِهَا
وَيَنْزِعُ الْقَاضِي من الْمُقِرِّ عَيْنًا أَقَرَّ بها لِمَجْهُولٍ بِأَنْ قال بِيَدِي مَالٌ لَا أَعْرِفُ مَالِكَهُ وَمُرَادُهُ أَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَالٍ ضَائِعٍ فَهُوَ إقْرَارٌ صَحِيحٌ بِخِلَافِ ما سَيَأْتِي قَرِيبًا من أَنَّهُ لو قال عَلَيَّ مَالٌ لِرَجُلٍ لَا يَكُونُ إقْرَارًا لِفَسَادِ الصِّيغَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ ما هُنَا في الْعَيْنِ وما هُنَاكَ في الدَّيْنِ كما يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ ثُمَّ رَأَيْت السُّبْكِيَّ أَجَابَ بِهِ
وَلَوْ رَجَعَ الْمُقِرُّ في حَالِ إنْكَارِ الْمُقَرِّ له بَلْ أو بَعْدَهُ وقال كَذَبْت في الْإِقْرَارِ أو غَلِطْت فيه صَحَّ رُجُوعُهُ بِنَاءً على أَنَّ الْمَالَ يُتْرَكُ بيده وَهَذَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ بِالتَّكْذِيبِ بَطَلَ الْإِقْرَارُ وَلَوْ أَقَرَّ له بِعَبْدٍ فَرَدَّهُ أَيْ أَنْكَرَهُ لم يُحْكَمْ بِعِتْقِهِ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِرِقِّهِ فَلَا يُرْفَعُ إلَّا بِيَقِينٍ بِخِلَافِ اللَّقِيطِ فإنه مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ بِالدَّارِ فإذا أَقَرَّ وَنَفَاهُ الْمُقَرُّ له بَقِيَ على أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ وَإِنْ أَقَرَّ له بِأَحَدِ الْعَبْدَيْنِ وَعَيَّنَهُ فَرَدَّهُ وَعَيَّنَ الْآخَرَ لم يُصَدَّقْ فِيمَا عَيَّنَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَصَارَ مُكَذِّبًا لِلْمُقِرِّ فِيمَا عَيَّنَهُ له أو أَقَرَّ له بِقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ وَكَذَّبَهُ سَقَطَا وفي نُسْخَةٍ سَقَطَ أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا أو الْإِقْرَارُ في حَقِّهِ وَكَذَا حَدُّ سَرِقَةٍ وفي الْمَالِ ما مَرَّ من أَنَّهُ يُتْرَكُ بِيَدِ الْمُقِرِّ وَإِنْ أَقَرَّتْ له امْرَأَةٌ بِالنِّكَاحِ وَأَنْكَرَ سَقَطَ في حَقِّهِ قال الْمُتَوَلِّي حتى لو رَجَعَ بَعْدُ وَادَّعَى نِكَاحَهَا لم تُسْمَعْ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ نِكَاحًا مُجَدَّدًا وَكَأَنَّهُ اُحْتِيجَ لِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ في صِحَّةِ إقْرَارِ الْمَرْأَةِ بِالنِّكَاحِ تَصْدِيقُ الزَّوْجِ لها فَاحْتِيطَ له بِخِلَافِ غَيْرِهِ
فَرْعٌ لو أَقَامَ من لَزِمَهُ حَقٌّ بَيِّنَةً على إقْرَارِ غَرِيمِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ له وَأَقَامَ الْغَرِيمُ بَيِّنَةً على إقْرَارِهِ الْوَاقِعِ بَعْدَ ذلك أَيْ بَعْدَ إقَامَةِ بَيِّنَتِهِ بِعَدَمِهِ أَيْ الِاسْتِيفَاءِ سُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ وَطَالَبَهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ على إقْرَارِ الْغَرِيمِ بِالِاسْتِيفَاءِ فَقَدْ قَامَتْ أَيْضًا على أَنَّ صَاحِبَهُ كَذَّبَهُ فَيَبْطُلُ حُكْمُ الْإِقْرَارِ وَيَبْقَى الْحَقُّ على من لَزِمَهُ وَلَوْ قال عَلَيَّ مَالٌ لِرَجُلٍ من أَهْلِ الْبَلَدِ أو نَحْوِهِ من الْمَجْهُولِينَ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ مَالٌ لِوَاحِدٍ من بَنِي آدَمَ لم يَصِحَّ الْإِقْرَارُ بِنَاءً على أَنَّهُ لو أَقَرَّ بِشَيْءٍ لِمُعَيَّنٍ فَكَذَّبَهُ لم يُنْزَعْ منه وَلِأَنَّهُ لَا طَالِبَ له فَيَبْقَى بيده فَإِنْ قال رَجُلٌ أنا هو أَيْ الْمُرَادُ بِالْإِقْرَارِ لم يُصَدَّقْ بَلْ الْمُصَدِّقُ الْمُقِرُّ بِيَمِينِهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ له مُعَيَّنًا نَوْعَ تَعْيِينٍ بِحَيْثُ يُتَوَقَّعُ منه الدَّعْوَى وَالطَّلَبُ كَقَوْلِهِ لِأَحَدِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ عَلَيَّ كَذَا
الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْمُقَرُّ بِهِ وَيُشْتَرَطُ فيه أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكًا لِلْمُقِرِّ حين يُقِرُّ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ ليس إزَالَةَ مِلْكٍ بَلْ إخْبَارٌ عن كَوْنِهِ مِلْكًا لِلْمُقَرِّ له فَيَجِبُ تَقْدِيمُ الْمُخْبَرِ عنه على الْخَبَرِ فَإِنْ قال دَارِي أو دَارِي هذه أو ثَوْبِي أو ثَوْبِي هذا لِزَيْدٍ لم يَصِحَّ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَيْهِ تَقْتَضِي الْمِلْكَ له فَيُنَافِي الْإِقْرَارَ بِهِ لِغَيْرِهِ إذْ هو إخْبَارٌ سَابِقٌ عليه كما مَرَّ وَيُحْمَلُ كَلَامُهُ على الْوَعْدِ بِالْهِبَةِ وَلَوْ قال الدَّارُ التي اشْتَرَيْتهَا لِنَفْسِي أو وَرِثْتهَا من أبي مِلْكٌ لِزَيْدٍ لم يَصِحَّ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْإِقْرَارَ فَيَصِحَّ وَكَذَا لو قال دَارِي لِفُلَانٍ وَأَرَادَ الْإِقْرَارَ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْإِضَافَةِ إضَافَةَ سُكْنَى ذَكَرَ ذلك الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ وَاسْتَشْكَلَ الْإِسْنَوِيُّ عَدَمَ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ في الْأُولَيَيْنِ إذْ لم يَرُدَّهُ بِأَنَّ الْمِلْكَيْنِ لم يَتَوَارَدَا على وَقْتٍ وَاحِدٍ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُوَافِقَ لِقَاعِدَةِ الْبَابِ من الْأَخْذِ بِالْيَقِينِ كما سَيَأْتِي عَدَمُ الصِّحَّةِ
قال الْأَذْرَعِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْبَغَوِيّ وَيُتَّجَهُ أَنْ يُسْتَفْسَرَ عِنْدَ إطْلَاقِهِ وَيُعْمَلَ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ دَارِي التي هِيَ مِلْكِي له لِلتَّنَاقُضِ الصَّرِيحِ أو قال مَسْكَنِي أو مَلْبُوسِي لِفُلَانٍ صَحَّ إذْ لَا مُنَافَاةَ لِأَنَّهُ قد يَسْكُنُ وَيَلْبَسُ مِلْكَ غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ أو مَلْبُوسِي من زِيَادَتِهِ وَكَذَا يَصِحُّ إنْ قال هو لِفُلَانٍ وكان مِلْكِي إلَى أَنْ أَقْرَرْت بِهِ لِأَنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ إقْرَارٌ وَآخِرَهُ لَغْوٌ فَيُطْرَحُ آخِرُهُ وَيُعْمَلُ بِأَوَّلِهِ كما لو قال هو له ليس له وَلَوْ عَكَسَ بِأَنْ قال هو مِلْكِي هو لِفُلَانٍ أو هو لي وكان مِلْكَ زَيْدٍ إلَى أَنْ أَقْرَرْت صَحَّ أَيْضًا كما صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وهو إقْرَارٌ بَعْدَ إنْكَارٍ وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ هَكَذَا أَيْ بِأَنَّ زَيْدًا أَقَرَّ بِأَنَّ هذا مِلْكُ عَمْرٍو وكان مِلْكَ زَيْدٍ إلَى أَنْ أَقَرَّ بِهِ لم تُقْبَلْ وَفَارَقَتْ الْمُقِرَّ بِأَنَّهَا تَشْهَدُ على غَيْرِهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا إذَا لم يَتَنَاقَضْ
____________________
(2/293)
وَالْمُقِرُّ يُشْهِدُ على نَفْسِهِ فَيُؤَاخَذُ بِمَا يَصِحُّ من كَلَامِهِ
وَقَوْلُهُ دَيْنِي الذي على زَيْدٍ لِعَمْرٍو بَاطِلٌ لِمَا مَرَّ في قَوْلِهِ دَارِي أو ثَوْبِي لِزَيْدٍ أو قال الدَّيْنُ الذي كَتَبْته على زَيْدٍ لِعَمْرٍو صَحِيحٌ فَلَعَلَّهُ كان وَكِيلًا عنه في الْمُعَامَلَةِ التي أَوْجَبَتْ الدَّيْنَ وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ وَاسْمِي في الْكِتَابِ عَارِيَّةٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَلِهَذَا لم يَذْكُرْهُ في التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِهِ في كَلَامِ الرَّوْضَةِ في بَعْضِ النُّسَخِ لِزِيَادَةِ لَفْظَةِ لي حَيْثُ قال وَلَوْ قال الدَّيْنُ الذي لي على زَيْدٍ لِعَمْرٍو وَاسْمِي في الْكِتَابِ عَارِيَّةٌ فَهُوَ إقْرَارٌ صَحِيحٌ وَقَيَّدَ في التَّهْذِيبِ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِمَا إذَا لم يُعْلَمْ أَنَّهُ لِلْمُقِرِّ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ بِالْكَذِبِ لَا في نَحْوِ صَدَاقٍ وَخُلْعٍ وأرش جِنَايَةٍ عَقِبَ ثُبُوتِهَا لِلْمُقِرِّ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِالصَّدَاقِ في ذِمَّةِ الزَّوْجِ وَلَا إقْرَارُ الزَّوْجِ بِبَدَلِ الْخُلْعِ في ذِمَّةِ الزَّوْجَةِ وَلَا إقْرَارُ الْمَجْنِيِّ عليه بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ عَقِبَ ثُبُوتِ الثَّلَاثَةِ لهم بِحَيْثُ لَا يُحْتَمَلُ جَرَيَانُ نَاقِلٍ وَسَوَاءٌ فِيمَا قَالَهُ الدَّيْنُ وَالْعَيْنُ حتى وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَقَرَّ له هو أو غَيْرُهُ عَقِبَ عِتْقِهِ بِدَيْنٍ أو عَيْنٍ لم يَصِحَّ إذْ أَهْلِيَّةُ الِاسْتِحْقَاقِ لم تَثْبُتْ له إلَّا في الْحَالِ ولم يَجْرِ بَيْنَهُمَا ما يُوجِبُ الْمَالَ قال الْأَذْرَعِيُّ لِمَ لَا يَصِحُّ من غَيْرِ السَّيِّدِ إذَا اُحْتُمِلَ تَصَوُّرُ الْمِلْكِ له قبل الرِّقِّ أَمَّا السَّيِّدُ فَقَدْ يُقَالُ إذَا مَلَكَهُ سَقَطَ دَيْنُهُ عنه وإذا صَحَّ الْإِقْرَارُ بِقَوْلِهِ الدَّيْنُ الذي كَتَبْته على زَيْدٍ لِعَمْرٍو فَطَالَبَ عَمْرٌو زَيْدًا فَأَنْكَرَ فَإِنْ شَاءَ عَمْرٌو أَثْبَتَ أَيْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِإِقْرَارِهِ أَيْ الْمُقِرِّ أَنَّ الدَّيْنَ الذي كَتَبَهُ على زَيْدٍ له يَثْبُتُ على زَيْدٍ أَيْ يُقِيمُ بَيِّنَةً عليه بِالدَّيْنِ الْمُقَرِّ بِهِ وَإِنْ شَاءَ عَكَسَ أَيْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِالدَّيْنِ ثُمَّ بَيِّنَةً بِالْإِقْرَارِ
فَرْعٌ لَا يَنْفُذُ إقْرَارُهُ أَيْ الْمُقِرِّ بِمَا في يَدِ الْغَيْرِ حتى يَصِيرَ في يَدِهِ إذْ يُشْتَرَطُ في الْحُكْمِ بِثُبُوتِ مِلْكِ الْمُقَرِّ له أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِهِ تَحْتَ يَدِ الْمُقِرِّ وَتَصَرُّفِهِ حِسًّا أو شَرْعًا وَإِلَّا كان كَلَامُهُ إمَّا دَعْوَى عن الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ أو شَهَادَةٌ بِغَيْرِ لَفْظِهَا لَكِنَّهُ إذَا حَصَلَ في يَدِهِ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ فَإِنْ كان قال هذا وهو في يَدِ غَيْرِهِ رَهْنُ زَيْدٍ أَيْ مَرْهُونٌ عِنْدَهُ فَحَصَلَ في يَدِهِ بَيْعٌ في دَيْنِ زَيْدٍ عَمَلَا بِإِقْرَارِهِ السَّابِقِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَعُلِمَ منه أَنَّهُ لو أَرَادَ قَضَاءَ الدَّيْنِ من مَوْضِعٍ آخَرَ لم يَلْزَمْ قَبُولُهُ لِأَنَّ الْحَقَّ ليس عليه وَإِنَّمَا هو مُتَعَلِّقٌ بِالْعَيْنِ وَإِنْ قال في عَبْدٍ في يَدِ غَيْرِهِ هو حُرٌّ ثُمَّ اشْتَرَاهُ صَحَّ تَنْزِيلًا لِلْعَقْدِ على قَوْلِ من صَدَّقَهُ الشَّرْعُ وهو الْبَائِعُ لِكَوْنِهِ ذَا يَدٍ أو اسْتِنْقَاذًا لِلْعَبْدِ من أَسْرِ الرِّقِّ وإذا صَحَّ شِرَاؤُهُ نَظَرْت فَإِنْ كان قال أَعْتَقَهُ من كان في يَدِهِ عَتَقَ وكان ذلك الشِّرَاءُ منه فِدَاءً لِلْعَبْدِ لِاعْتِرَافِهِ بِحُرِّيَّتِهِ فَلَا يَثْبُتُ له أَحْكَامُ الشِّرَاءِ وَمِنْ الْبَائِعِ بَيْعًا عَمَلًا بِاعْتِقَادِهِ فَيَثْبُتُ لِلْبَائِعِ لَا لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَانِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ وَالْفَسْخُ بِالْعَيْبِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنَّمَا فَدَاهُ فَلَا يَثْبُتُ له شَيْءٌ من ذلك وَالْبَائِعُ بَاعَ وَثَبَتَ له ذلك فَلَوْ رَدَّ الثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ بِعَيْبٍ فَلَهُ اسْتِرْدَادُ الْعَبْدِ بِخِلَافِ ما لو بَاعَ عَبْدًا وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَرَدَّ الثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ بِعَيْبٍ لَا يَسْتَرِدُّ الْعَبْدَ بَلْ يَأْخُذُ قِيمَتَهُ من الْمُشْتَرِي لِاتِّفَاقِهِمَا على عِتْقِهِ
وَوَلَاؤُهُ فِيمَا ذُكِرَ مَوْقُوفٌ لِأَنَّ الْبَائِعَ لم يَعْتَرِفْ بِعِتْقِهِ وَالْمُشْتَرِيَ لم يُعْتِقْهُ فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ بِلَا وَارِثٍ بِغَيْرِ الْوَلَاءِ وَخَلَّفَ تَرِكَةً فَصَدَّقَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ بِعِتْقِهِ وَرِثَهُ الْبَائِعُ وَرَدَّ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُصَدِّقْهُ
____________________
(2/294)
فَلِلْمُشْتَرِي أَخْذُ قَدْرِ الثَّمَنِ من تَرِكَتِهِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي إنْ كان لِأَنَّهُ إمَّا كَاذِبٌ في حُرِّيَّتِهِ فَكُلُّ الْكَسْبِ له أو صَادِقٌ فَالْكُلُّ لِلْبَائِعِ إرْثًا بِالْوَلَاءِ وقد ظَلَمَهُ بِأَخْذِ الثَّمَنِ منه وَتَعَذَّرَ اسْتِرْدَادُهُ وقد ظَفِرَ بِمَا له قال في الْأَصْلِ قالوا وَيَجُوزُ الرُّجُوعُ في الْمَبْذُولِ فِدْيَةً وَقُرْبَةً كما لو فُدِيَ أَسِيرٌ بِيَدِ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ اسْتَوْلَيْنَا على بِلَادِهِمْ وَوَجَدَ الْبَاذِلُ عَيْنَ مَالِهِ فَلَهُ أَخْذُهُ أَمَّا إذَا كان له وَارِثٌ بِغَيْرِ الْوَلَاءِ فَإِنْ لم يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا فَلَهُ من مِيرَاثِهِ ما يَخُصُّهُ وفي الْبَاقِي ما مَرَّ وَإِلَّا فَجَمِيعُ مِيرَاثِهِ له وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَخْذُ شَيْءٍ منه لِأَنَّهُ بِزَعْمِهِ ليس لِلْبَائِعِ نعم إنْ كان الْبَائِعُ يَرِثُ بِغَيْرِ الْوَلَاءِ كَأَنْ كان أَخًا لِلْعَبْدِ لم يَرِثْ بَلْ يَكُونُ الْحُكْمُ كما لو لم يَكُنْ وَارِثٌ بِغَيْرِ الْوَلَاءِ كما اقْتَضَاهُ التَّعْلِيلُ وَصَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ كان قال هو حُرُّ الْأَصْلِ أو حُرٌّ بِعِتْقِ غَيْرِ من هو في يَدِهِ قبل أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَهُوَ افْتِدَاءٌ منه أَيْضًا وَلَا وَلَاءَ له عليه فَإِنْ مَاتَ وَخَلَّفَ مَالًا وَوَرَثَةً فَمَالُهُ لِوَرَثَتِهِ أو لم يُخَلِّفْ وَرَثَةً فَمَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَخْذُ شَيْءٍ منه لِأَنَّهُ بِزَعْمِهِ ليس لِلْبَائِعِ كما مَرَّ وَإِطْلَاقُهُ الْوَرَثَةَ هُنَا أَوْلَى من تَقْيِيدِ أَصْلِهِ لهم بِغَيْرِ الْوَلَاءِ لِصِدْقِ كَلَامِ أَصْلِهِ حِينَئِذٍ بِمَا إذَا لم يَكُنْ له وَارِثٌ خَاصٌّ أَصْلًا وَبِمَا إذَا كان له ذلك لَكِنَّهُ بِالْوَلَاءِ وَهَذَا الثَّانِي لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ فيه بِأَنَّ الْمَالَ لِبَيْتِ الْمَالِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَفْصَلَ الْمُقِرُّ وَيُعْمَلَ بِمَا يَظْهَرُ من قَوْلِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ صَارَ كَعَتِيقٍ لم يَظْهَرْ له وَارِثٌ بِالْوَلَاءِ نَبَّهَ على ذلك الزَّرْكَشِيُّ
ثُمَّ قال وَقَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَخْذُ شَيْءٍ منه إنَّمَا هو في صُورَةِ حُرِّ الْأَصْلِ أَمَّا في الْأُخْرَى فَإِنْ أَضَافَ إلَى ذلك أَنَّك اشْتَرَيْته وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ أو تَعْلَمُ ولم تَعْمَلْ بِعِلْمِك فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ من تَرِكَتِهِ قَدْرَ الثَّمَنِ إذَا لم يَكُنْ له وَارِثٌ غير الْمُعْتَقِ الْأَوَّلِ وَسَبَقَهُ إلَى ذلك الْبُلْقِينِيُّ لَكِنَّهُ عَبَّرَ بَدَلَ أو لم تَعْلَمْ بِثُمَّ عَلِمْت وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِتَقْيِيدِهِمَا بِقَوْلِهِمَا وَأَنْتَ إلَى آخِرِهِ وَأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ أَقَلَّ الثَّمَنَيْنِ لَا قَدْرَ الثَّمَنِ وَإِنْ مَاتَ قبل الْقَبْضِ أَيْ قَبْضِ الْمُشْتَرِي له اسْتَرَدَّ الثَّمَنَ من الْبَائِعِ إنْ كان سَلَّمَهُ له وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِهِ إنْ لم يَكُنْ سَلَّمَهُ له لِأَنَّهُ لَا حُرِّيَّةَ في زَعْمِهِ وقد تَلِفَ الْمَبِيعُ قبل الْقَبْضِ بِخِلَافِ ما لو اشْتَرَى من يُعْتَقُ عليه فَمَاتَ قبل قَبْضِهِ فإنه يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الثَّمَنُ لِأَنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ عليه بِالِاتِّفَاقِ وَعِتْقُهُ وَقَعَ قَبْضًا وَلَوْ قال إنَّهُ حُرٌّ فَيَنْبَغِي اسْتِفْسَارُهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ حُمِلَ على أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ
فَرْعٌ قال الزَّرْكَشِيُّ لو كان بِيَدِ كُلٍّ من اثْنَيْنِ عَبْدٌ فقال كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ قد أَعْتَقْت عَبْدَك فَأَنْكَرَ ثُمَّ تَبَادَلَا أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ بِالْآخِرِ فَإِنْ قُلْنَا هو فِدَاءٌ صَحَّ أو بَيْعٌ فَحَكَى أبو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ لِاعْتِقَادِهِمَا وُرُودَ الْعَقْدِ على الْحُرِّيَّةِ وَحَكَى أبو سَهْلٍ الْأَبِيوَرْدِيُّ الصِّحَّةَ حَكَاهُ عنه الْمُتَوَلِّي في الصُّلْحِ
انْتَهَى
وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ صِحَّتِهِ وَيَكُونُ فِدَاءٌ من كُلٍّ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ عَبْدَ الْآخَرِ حُرٌّ لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْبَيْعِ عليه
فَرْعٌ لو أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ لِغَيْرِهِ فَاسْتَأْجَرَهَا أو نَكَحَهَا لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ في الْأُولَى ولزمه الْمَهْرُ في الثَّانِيَةِ وَلَيْسَ له اسْتِخْدَامُهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا وَكَذَا ليس له وَطْؤُهَا إلَّا إنْ كان نَكَحَهَا بِإِذْنِهَا وهو أَيْ سَيِّدُهَا عِنْدَهُ وَلِيٌّ بِالْوَلَاءِ أو بِغَيْرِهِ بِأَنْ قال أنت أَعْتَقْتهَا أو أَعْتَقَهَا من انْجَرَّ إلَيْك منه الْوَلَاءُ أو كان أَخَاهَا مَثَلًا قال الْمَاوَرْدِيُّ وَسَوَاءٌ حَلَّتْ له الْأَمَةُ أَمْ لَا أَيْ لِاعْتِرَافِهِ بِحُرِّيَّتِهَا وقال السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تُبَاحُ له الْأَمَةُ لِأَنَّ أَوْلَادَهَا يُسْتَرَقُّونَ كَأُمِّهِمْ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ من زِيَادَتِهِ تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ بِإِذْنِهَا ما لو نَكَحَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا فَلَا يَصِحُّ وَقَضِيَّةُ ما ذُكِرَ صِحَّةُ الْإِجَارَةِ
____________________
(2/295)
قال ابن الرِّفْعَةِ وَفِيهَا نَظَرٌ لِأَنَّهَا لَا تَتَضَمَّنُ الْفِدَاءَ الْمُطْلَقَ وقال السُّبْكِيُّ صِحَّتُهَا من جِهَةِ مُطَالَبَةِ الْمُكْتَرِي بِالْأُجْرَةِ دُونَ حِلِّ انْتِفَاعِهِ لَا مَانِعَ منها وقال الزَّرْكَشِيُّ مُرَادُهُمْ أَنَّهُ فِدَاءٌ من جِهَةِ الْمُكْتَرِي في الْمَنْفَعَةِ الْمَعْقُودِ عليها مُدَّةَ الْإِجَارَةِ فَالْفِدَاءُ كما يَكُونُ في الرَّقَبَةِ يَكُونُ في الْمَنْفَعَةِ
وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّ عَمْرًا غَصَبَ عَبْدًا من زَيْدٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ من عَمْرٍو صَحَّ الشِّرَاءُ اسْتِنْقَاذًا لِمِلْكِ الْغَيْرِ كما يُسْتَنْقَذُ الْحُرُّ وَقَوْلُهُ وَأَخَذَهُ أَيْ الْعَبْدَ زَيْدٌ من زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عن الْأَصْحَابِ قال وَقَالُوا لَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَانِ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يَثْبُتَانِ لِمَنْ يَطْلُبُ بِالشِّرَاءِ مِلْكًا لِنَفْسِهِ أَيْ أو لِمُسْتَنِيبِهِ وقال إنَّهُ حَسَنٌ مُتَّجَهٌ
فَرْعٌ لو أَقَرَّ بِعَبْدٍ في يَدِهِ لِزَيْدٍ وَأَقَرَّ الْعَبْدُ أَنَّهُ لِعَمْرٍو سُلِّمَ لِزَيْدٍ لِأَنَّهُ في يَدِ من يَسْتَرِقُّهُ لَا في يَدِ نَفْسِهِ فَإِنْ أَعْتَقَهُ زَيْدٌ فَوَلَاؤُهُ له لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ فَلَيْسَ لِعَمْرٍو تَسَلُّمُ رَقَبَتِهِ وَلَا التَّصَرُّفُ فيها لِمَا فيه من إبْطَالِ وَلَاءِ زَيْدٍ وَهَلْ أَكْسَابُهُ الْحَاصِلَةُ بَعْدَ عِتْقِهِ لِعَمْرٍو أو لَا فيه وَجْهَانِ وَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّ الْأَكْسَابَ أَيْ اسْتِحْقَاقَهَا فَرْعُ الرِّقِّ ولم يَثْبُتْ فَهِيَ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْعَتِيقِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا هو الْمُرَجَّحُ
الرُّكْنُ الرَّابِعُ الصِّيغَةُ في الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ ظَاهِرًا عَلَيَّ وفي ذِمَّتِي كَقَوْلِهِ لِزَيْدٍ عَلَيَّ أو في ذِمَّتِي كَذَا لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُمَا عُرْفًا لَكِنَّهُمْ قَبِلُوا التَّفْسِيرَ في عَلَيَّ الْوَدِيعَةِ كما سَيَأْتِي وللإقرار بِالْعَيْنِ عِنْدِي وَمَعِي وَلَدَيَّ كَذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهَا لِلْعَيْنِ أنها تُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ على الْوَدِيعَةِ لِأَنَّهَا أَدْنَى الْمَرَاتِبِ حتى وَلَوْ ادَّعَى أنها كانت وَدِيعَةً وَتَلِفَتْ أو رَدَّهَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ صَرَّحَ بِذَلِكَ في الرَّوْضَةِ نَقْلًا عن الْبَغَوِيّ وَأَقَرَّهُ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ لَا مَعْنَى لِاقْتِصَارِهِ على التَّفْسِيرِ الْوَدِيعَةِ بَلْ التَّفْسِيرُ بِالْمَغْصُوبَةِ كَذَلِكَ لم يَقَعْ في مَحَلِّهِ إذْ ليس الْكَلَامُ في التَّفْسِيرِ بَلْ في أَنَّ ذلك عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ على مَاذَا وللإقرار بِهِمَا لِزَيْدٍ كَذَا في قِبَلِي بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ لِصَلَاحِيَّتِهِ لَهُمَا وَهَذَا ما رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ بَحْثًا بَعْدَ نَقْلِهِمَا عن الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لِلدَّيْنِ وَسَبَقَهُمَا إلَى ما بَحْثَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وهو قَوِيٌّ
وَلَكِنْ قال الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَقَدْ نَصَّ في الْأُمِّ على أَنَّهُ كَعَلَيَّ وَرَدَّ عليه الزَّرْكَشِيُّ بِمَا لَا يَصْلُحُ لِلرَّدِّ قال أَعْنِي الْإِسْنَوِيَّ وَلَوْ أتى بِلَفْظٍ يَدُلُّ على الْعَيْنِ وَآخَرَ على الدَّيْنِ كَأَنْ قال له وَمَعِي عَشَرَةٌ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يُرْجَعُ إلَيْهِ في تَفْسِيرِ بَعْضِ ذلك بِالْعَيْنِ وَبَعْضِهِ بِالدَّيْنِ وَقَوْلُ الْأَصْلِ لِفُلَانٍ كَذَا صِيغَةُ إقْرَارٍ وَجَّهَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ اللَّامَ تَدُلُّ لِلْمِلْكِ قال وَمَحَلُّهُ إذَا كان الْمُقَرُّ بِهِ مُعَيَّنًا فَيَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ له إنْ كان بيده وَانْتَقَلَ إلَيْهَا وَإِنْ لم يَكُنْ مُعَيَّنًا فَلَا بُدَّ أَنْ يُضِيفَ إلَيْهِ شيئا من الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قد وَقَعَ في نُسْخَةٍ من الرَّوْضَةِ وَبِهِمَا لِزَيْدٍ كَذَا أو قِبَلِي وفي نُسْخَةٍ وَقِبَلِي بِالْوَاوِ وَلَا يَخْفَى ما فِيهِمَا فَإِنْ قال لي عَلَيْك أَلْفٌ فقال في جَوَابِهِ خُذْهُ أو زِنْهُ أو اسْتَوْفِهِ أو اخْتِمْ عليه أو اجْعَلْهُ في كِيسِك أو هِيَ صِحَاحٌ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ لِأَنَّهُ اسْتِهْزَاءٌ لَا الْتِزَامٌ فَإِنْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ قال في جَوَابِهِ نعم أو بَلَى أو صَدَقْت أو أَجَلْ أو جَيْرِ أو أَيْ بِمَعْنَى نعم فَإِقْرَارٌ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلتَّصْدِيقِ قال في الْأَصْلِ قالوا وَلَوْ قال لَعَمْرِي فَإِقْرَارٌ وَلَعَلَّ الْعُرْفَ يَخْتَلِفُ فيه
انْتَهَى
إلَّا إنْ صَدَّرَ الْإِقْرَارَ بِأَنْ أُدِّيَ أو رُدَّ بِصُورَةِ الِاسْتِهْزَاءِ وَالتَّكْذِيبِ
____________________
(2/296)
كَتَحْرِيكِ الرَّأْسِ تَعَجُّبًا وَإِنْكَارًا فَفِيهَا تَرَدُّدٌ أَيْ خِلَافٌ لِتَعَارُضِ اللَّفْظِ وَالْقَرِينَةِ كما لو قال لي عَلَيْك أَلْفٌ فقال مُسْتَهْزِئًا لَك أَلْفٌ فإن الْمُتَوَلِّيَ حَكَى فيه وَجْهَيْنِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كما في الْمُهِمَّاتِ أَنَّ الْأَصَحَّ اللُّزُومُ فإنه عَقَّبَ ذلك بِقَوْلِهِ وَأَصْلُهُمَا إذَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ ثُمَّ وَصَلَهُ بِمَا يَرْفَعُهُ أَيْ نحو له عَلَيَّ أَلْفٌ من ثَمَنِ خَمْرٍ وَقَوْلُ ابْنِ الْعِمَادِ لم يَقُلْ الْمُتَوَلِّي ثُمَّ وَصَلَهُ بِمَا يَرْفَعُهُ وَإِنَّمَا قال ثُمَّ قَرَنَ بِهِ ما يَرْفَعُهُ أَيْ نحو له عَلَيَّ من ثَمَنِ خَمْرٍ أَلْفٌ فَلَا تَلْزَمُهُ الْأَلْفُ سَهْوٌ إذْ لم يَقُلْ الْمُتَوَلِّي إلَّا ما قُلْنَاهُ وَبِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ لَا يَحْصُلُ ما ادَّعَاهُ لِتَعْبِيرِهِ بِثُمَّ وَقَوْلُهُ في الْجَوَابِ أنا مُقِرٌّ بِهِ أو لَسْت مُنْكِرًا له أو لَا أُنْكِرُ دَعْوَاك أو ما تَدَّعِيهِ إقْرَارٌ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ من ذلك بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا أُنْكِرُ أَنْ تَكُونَ مُحِقًّا لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْمُدَّعَى لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ بِشَيْءٍ آخَرَ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْآتِي في أنا مُقِرٌّ تَقْيِيدُ حُكْمِ أنا مُقِرٌّ بِهِ بِمَا إذَا خَاطَبَهُ فقال أنا مُقِرٌّ لَك بِهِ وَإِلَّا فَيُحْتَمَلُ الْإِقْرَارُ بِهِ لِغَيْرِهِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَسْقَطَهُ في الرَّوْضَةِ وَأَجَابَ عنه السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إلَى الْأَلْفِ التي له أَيْ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ أَرَدْت بِهِ غَيْرَك كما لَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ لِدَرَاهِمَ بِالنَّاقِصَةِ إذَا لم يَصِلْهَا بِالْكَلَامِ وَكَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ تَامَّةً إذْ الْجَوَابُ مُنَزَّلٌ على السُّؤَالِ لَا إنْ تَرَكَ الصِّلَةَ كَقَوْلِهِ أنا مُقِرٌّ أو لَسْت مُنْكِرًا أو الْمَفْعُولَ كَقَوْلِهِ لَا أُنْكِرُ أو قال لَا أُقِرُّ لَك بِهِ وَلَا أُنْكِرُهُ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ بِبُطْلَانِ الدَّعْوَى أو بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالثَّانِيَ وَالثَّالِثَ يَحْتَمِلَانِ عَدَمَ الْإِنْكَارِ لِأَحَدِ هَذَيْنِ وَالرَّابِعَ في مَعْنَى السُّكُوتِ وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الثَّالِثِ من زِيَادَتِهِ
وَكَذَا لو قال أنا أُقِرُّ لَك بِهِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا لِاحْتِمَالِهِ الْوَعْدَ بِالْإِقْرَارِ في ثَانِي الْحَالِ وَفَرَّقَ الْهَرَوِيُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَا أُنْكِرُ ما تَدَّعِيهِ مع احْتِمَالِهِ الْوَعْدَ بِأَنَّ الْعُمُومَ إلَى النَّفْيِ أَسْرَعُ منه إلَى الْإِثْبَاتِ بِدَلِيلِ النَّكِرَةِ فَإِنَّهَا تَعُمُّ في حَيِّزِ النَّفْيِ دُونَ الْإِثْبَاتِ قال الرَّافِعِيُّ وَلَك أَنْ تَقُولَ هَبْ أَنَّ هذا الْفَرْقَ مَتِينٌ لَكِنَّهُ لَا يَنْفِي الِاحْتِمَالَ وَقَاعِدَةُ الْبَابِ الْأَخْذُ بِالْيَقِينِ
انْتَهَى
وَيُفَرَّقُ أَيْضًا بِأَنَّ الْمَفْهُومَ عُرْفًا من لَا أُنْكِرُ ما تَدَّعِيهِ أَنَّهُ إقْرَارٌ بِخِلَافِ أُقِرُّ لَك بِهِ
وَقَوْلُهُ في الْجَوَابِ أَبْرَأْتنِي منه أو قد قَضَيْتُك إقْرَارٌ لِأَنَّهُ قد اعْتَرَفَ بِالشَّغْلِ وَادَّعَى الْإِسْقَاطَ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَعَلَيْهِ بِنِيَّةِ الْإِبْرَاءِ وَالْقَضَاءِ وَكَأَبْرَأْتَنِي منه أَبْرِئْنِي منه في أَنَّهُ إقْرَارٌ بِخِلَافِ أَبْرَأْتنِي أو أَبْرِئْنِي من دَعْوَاك ذَكَرَهُ أبو حَاتِمٍ الْقَزْوِينِيُّ وَالْقَفَّالُ كما لو قال صَالِحْنِي عن دَعْوَاك لَا قَوْلُهُ قد أَقْرَرْت لي بِالْبَرَاءَةِ وَالِاسْتِيفَاءِ مِنِّي فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ لِأَنَّهُ لم يَعْتَرِفْ بِشَيْءٍ وقد في الْمَوْضِعَيْنِ من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا وَلَا قَوْلُهُ أَظُنُّ وَعَسَى وَلَعَلَّ وَأَحْسَبُ وَأُقَدِّرُ لِأَنَّهُ لَا جَزْمَ فيه وَيُحْتَمَلُ الْوَعْدُ بِالْإِقْرَارِ في ثَانِي الْحَالِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ له عَلَيَّ أَلْفٌ فِيمَا أَعْلَمُ أو أَشْهَدُ أو في عِلْمِي أو شَهَادَتِي فإنه إقْرَارٌ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ في عِلْمِ فُلَانٍ أو في قَوْلِهِ كما نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عن رَوْضَةِ الْحُكَّامِ وَقَوْلُهُ بَلَى أو نعم في جَوَابِ أَلَيْسَ لي عَلَيْك كَذَا إقْرَارٌ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْهُمَا وَقِيلَ نعم ليس إقْرَارًا لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلتَّصْدِيقِ فَيَكُونُ مُصَدِّقًا لِلنَّفْيِ الدَّاخِلِ عليه الِاسْتِفْهَامُ بِخِلَافِ بَلَى فإنه لِرَدِّ النَّفْيِ وَنَفْيُ النَّفْيِ إثْبَاتٌ قال ابن عَبَّاسٍ في قَوْله تَعَالَى أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالوا بَلَى لو قالوا نعم كَفَرُوا وَرُدَّ بِأَنَّ النَّظَرَ في الْإِقْرَارِ إلَى الْعُرْفِ وَأَهْلُهُ يَفْهَمُونَ الْإِقْرَارَ بِنَعَمْ فِيمَا ذُكِرَ وقوله في جَوَابِ دَعْوَى عَيْنٍ بيده اشْتَرَيْتهَا وَمَلَكْتهَا أَيْ أو مَلَكْتهَا مِنْك أو من وَكِيلِك إقْرَارٌ لِتَضَمُّنِ ذلك الْمِلْكِ لِلْمُخَاطَبِ عُرْفًا ولم يَنْظُرُوا إلَى احْتِمَالِ كَوْنِ الْمُخَاطَبِ وَكِيلًا في الْبَيْعِ وَلَا إلَى احْتِمَالِ كَوْنِ الْوَكِيلِ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِ الْمُخَاطَبِ لِبُعْدِهِ عن الْمَقَامِ وَالتَّصْرِيحُ بِاشْتَرَيْتُهَا مِنْك وَبِمَلَكْتُهَا من وَكِيلِك من زِيَادَتِهِ لَا قَوْلُهُ مَلَكْتهَا على يَدِك فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ لِأَنَّ مَعْنَاهُ كُنْت وَكِيلًا في تَمْلِيكِهَا
وَنَعَمْ إقْرَارٌ بِالْعَبْدِ لِمَنْ قال اشْتَرِ عَبْدِي كما أَنَّهُ إقْرَارٌ بِهِ لِمَنْ قال أَعْتِقْ عَبْدِي لَا لِمَنْ قال اشْتَرِ هذا الْعَبْدَ لِأَنَّهُ لم يَعْتَرِفْ له إلَّا بِكَوْنِهِ يَمْلِكُ بَيْعَهُ لَا نَفْسَهُ أو قال ما لَك عَلَيَّ أَكْثَرُ من أَلْفٍ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ لِأَنَّ نَفْيَ الزَّائِدِ عليه لَا يُوجِبُ إثْبَاتَهُ وَلَا إثْبَاتَ ما دُونَهُ وَجَوَابُك لِلْمُتَقَاضِي لِلدَّيْنِ كَأَنْ قال لَك اقْضِ الْأَلْفَ الذي لي عَلَيْك بِنَعَمْ أو بِقَوْلِك أَقْضِيك غَدًا أو أَمْهِلْنِي
____________________
(2/297)
يَوْمًا أو حتى أَقْعُدَ أو أَفْتَحَ الْكِيسَ أو نَحْوَهُ أو أَجِدَ الْمِفْتَاحَ مَثَلًا أو نَحْوَهُمَا كَابْعَثْ من يَأْخُذُهُ أو أَمْهِلْنِي حتى أَصْرِفَ الدَّرَاهِمَ أو اُقْعُدْ حتى تَأْخُذَ أو لَا أَجِدُ الْيَوْمَ أو لَا تُدِمْ الْمُطَالَبَةَ أو ما أَكْثَرَ ما تَتَقَاضَى أو وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ كما صَرَّحَ بها أَصْلُهُ إقْرَارٌ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ منها عُرْفًا لَكِنْ ما نَقَلَ الْأَصْلُ هذه الصُّورَةَ قال وَجَمِيعُهَا إقْرَارٌ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ ثُمَّ قال وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فَمُخْتَلِفُونَ فيها وَالْمَيْلُ إلَى مُوَافَقَتِهِ في أَكْثَرِهَا
انْتَهَى
وَالصُّوَرُ التي اقْتَصَرَ عليها الْمُصَنِّفُ وَحَكَمَ عليها بِأَنَّهَا إقْرَارٌ اقْتَصَرَ عليها الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَحَكَمَ عليها بِذَلِكَ وَظَاهِرٌ أَنَّ بَقِيَّةَ الصُّوَرِ كَذَلِكَ إلَّا قَوْلَهُ لَا تُدِمْ الْمُطَالَبَةَ وما أَكْثَرَ ما تَتَقَاضَى فَالظَّاهِرُ كما قال ابن الْعِمَادِ أَنَّهُمَا لَيْسَا بِإِقْرَارٍ لِعَدَمِ صَرَاحَتِهِمَا فيه وَعَلَيْهِمَا يُحْمَلُ مَفْهُومُ كَلَامِ الْأَصْلِ السَّابِقِ هذا وقد قال السُّبْكِيُّ بَعْدَ إيرَادِهِ كَلَامَ الْمِنْهَاجِ وَالْأَشْبَهُ عِنْدِي في غَيْرِ نعم أَنَّهُ ليس بِإِقْرَارٍ وقال في الْأَصْلِ بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ وَمِثْلُهُ أَسْرِجْ دَابَّةَ فُلَانٍ هذه فقال نعم أو أخبرني زَيْدٌ أَنَّ لي عَلَيْك أَلْفًا فقال نعم أو مَتَى تَقْضِي حَقِّي فقال غَدًا وَلَوْ قال كانت لَك أو كان لَك عِنْدِي دَارٌ مَثَلًا فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَرِفُ في الْحَالِ بِشَيْءٍ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَلَا يُنَافِي ذلك ما في الدَّعَاوَى من أَنَّهُ لو قال كان مِلْكُك أَمْسِ كان مُؤَاخَذًا بِهِ لِأَنَّهُ ثَمَّ وَقَعَ جَوَابًا لِلدَّعْوَى وَهُنَا بِخِلَافِهِ فَطُلِبَ فيه الْيَقِينُ وَقَوْلُهُ أو كان لَك عِنْدِي من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ الْقَمُولِيُّ وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ أَصْلِهِ أو كان لَك عَلَيَّ أَلْفٌ لِلِاكْتِفَاءِ بِمَا زَادَهُ وَبِمَا ذَكَرَهُ في الْبَابِ الثَّالِثِ
أو قال أَسْكَنْتُك هذه الدَّارَ حِينًا ثُمَّ أَخْرَجْتُك منها فَهُوَ إقْرَارٌ بِالْيَدِ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِثُبُوتِهَا من قَبْلُ وَادَّعَى زَوَالَهَا وَلَا يُنَافِيهِ ما في الدَّعَاوَى من أَنَّهُ لو قال كان في يَدِك أَمْسِ لم يُؤَاخَذْ بِهِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ له هُنَا بِيَدٍ صَحِيحَةٍ بِقَوْلِهِ أَسْكَنْتُكهَا بِخِلَافِهِ ثُمَّ لِاحْتِمَالِ كَلَامِهِ أَنَّ يَدَهُ كانت من غَصْبٍ أو سَوْمٍ أو نَحْوِهِ وَعَدَلَ عن قَوْلِ أَصْلِهِ دَارِي إلَى قَوْلِهِ الدَّارُ لِقَوْلِ السُّبْكِيّ وَغَيْرِهِ في التَّعْبِيرِ بِدَارِي نَظَرٌ لِأَنَّهُ مع الْإِقْرَارِ لَا يَجْتَمِعَانِ كما لو قال دَارِي لِزَيْدٍ وقد يُجَابُ بِأَنَّ هذا مَحَلُّهُ إذَا أَقَرَّ بِمِلْكٍ أَمَّا بِيَدٍ فَلَا إذْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا أو فَائِدَتُهُ أَنَّهُ لو أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِأَنَّ الْعَيْنَ له قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ وَلَوْ قال مُعْسِرٌ لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ أَيْسَرْت وَأَمْكَنَ اسْتِفْهَامُهُ اُسْتُفْهِمَ أَيْ اُسْتُفْسِرَ فَإِنْ فَسَّرَ بِالتَّأْجِيلِ صَحَّ أو بِالتَّعْلِيقِ لَغَا وَإِلَّا بِأَنْ تَعَذَّرَ اسْتِفْسَارُهُ فَإِقْرَارٌ نُقِلَ تَصْحِيحُهُ في الرَّوْضَةِ عن الْعُدَّةِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ ليس بِإِقْرَارٍ وهو وَاضِحٌ وقد صَرَّحَ بِهِ الْهَرَوِيُّ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْأَصْلَ فَرَاغُ الذِّمَّةِ وقد ذَكَرَ النَّوَوِيُّ في تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ مثله
انْتَهَى
وَمِثْلُهُ لو قال ما أَرَدْت شيئا وَيُصَدَّقُ فيه بِيَمِينِهِ وَقَوْلُهُ لِمَنْ شَهِدَ عليه وَلَوْ وَاحِدًا بِشَيْءٍ هو صَادِقٌ أو عَدْلٌ ليس بِإِقْرَارٍ حتى يَقُولَ فِيمَا شَهِدَ بِهِ قال في الرَّوْضَةِ قُلْت في لُزُومِهِ بِقَوْلِهِ عَدْلٌ يَعْنِي فِيمَا شَهِدَ بِهِ نَظَرٌ وَقَوْلُهُ إذَا شَهِدَا أَيْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ أو شَاهِدَانِ عَلَيَّ بِكَذَا كَأَلْفٍ فَهُمَا صَادِقَانِ لَا صَدَّقْتهمَا إقْرَارٌ وَإِنْ لم يَشْهَدَا عليه لِأَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ صَادِقَيْنِ إلَّا إذَا كان عليه الْأَلْفُ الْآنَ فَيَلْزَمُهُ بِخِلَافِ صَدَقَتِهِمَا لِأَنَّ غير الصَّادِقِ قد يُصَدَّقُ وَلِأَنَّ ذلك وَعْدٌ وَخَرَجَ بِكَذَا ما لو قال ما يَشْهَدُ بِهِ شَاهِدَانِ عَلَيَّ فَهُمَا صَادِقَانِ عَدْلَانِ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ بَلْ تَزْكِيَةٌ وَتَعْدِيلٌ كما نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ في التَّزْكِيَةِ عن الْهَرَوِيِّ وَأَقَرَّهُ كَذَا قَالَهُ في الْمُهِمَّاتِ وَلَوْ لم يَأْتِ بِصِيغَةِ الشَّهَادَةِ بَلْ قال إذَا قال زَيْدٌ إنَّ لِعَمْرٍو عَلَيَّ كَذَا فَهُوَ صَادِقٌ كان الْحُكْمُ كَذَلِكَ ذَكَرَهُ ابن الْعِمَادِ
وَإِنْ قال أَقْرَضْتُك كَذَا فقال كَمْ ثَمَنٌ بِهِ عَلَيَّ أو لَا اقْتَرَضْت مِنْك هذا أَوْلَى من قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَاَللَّهِ لَا اقْتَرَضْت مِنْك غَيْرَهُ فَإِقْرَارٌ قال فيها وَإِنْ قال ما أَعْجَبَ هذا أو نَتَحَاسَبُ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ لَا إنْ قال لِمَنْ قال له لي عَلَيْك كَذَا لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِمَّا لَك بِفَتْحِ اللَّامِ فَلَا شَيْءَ عليه لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَالَهُ اسْتِهْزَاءً أو أَنَّهُ أَرَادَ له عَلَيَّ من الْحُرْمَةِ وَالْكَرَامَةِ أَكْثَرُ مِمَّا لَك بِخِلَافِ ما لو قال أَكْثَرُ من مَالِك بِكَسْرِ اللَّامِ أو له عَلَيَّ مَالٌ أَكْثَرُ من مَالِك أو له عَلَيَّ أَكْثَرُ مِمَّا ادَّعَيْت فَإِقْرَارٌ فيها لِزَيْدٍ
وَسَتَأْتِي الثَّانِيَةُ في الْبَابِ الْآتِي وَالثَّالِثَةُ في الدَّعَاوَى فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ ما هُنَا لِأَنَّهَا مَسَائِلُ مُخْتَلِفَةٌ وَاَلَّتِي هُنَا أَعَادَهَا كَأَصْلِهِ في الدَّعَاوَى وَلَوْ قال لي مَخْرَجٌ من دَعْوَاك فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ ذَكَرَهُ في الرَّوْضَةِ هُنَا وَالْمُصَنِّفُ في الدَّعَاوَى
وَلَوْ كَتَبَ لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفٌ أو كَتَبَهُ غَيْرُهُ فقال لِشُهُودٍ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا
____________________
(2/298)
فيه لَغَا لِأَنَّ الْكِتَابَةَ بِلَا لَفْظٍ لَيْسَتْ إقْرَارًا وَظَاهِرٌ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ في الضَّمَانِ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لم يَنْوِ أَيْضًا وَأَنَّ كِتَابَةَ الْأَخْرَسِ عِنْدَ الْقَرِينَةِ الْمُشْعِرَةِ لَيْسَتْ لَغْوًا وَكَذَا يَلْغُو قَوْلُهُ له عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ مِتَّ أو قَدِمَ زَيْدٌ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عن حَقٍّ سَابِقٍ وَالْوَاقِعُ لَا يُعَلَّقُ وَإِنَّمَا لم يُسْتَفْسَرْ كما مَرَّ في تَعْلِيقِ الْمُعْسِرِ بِيَسَارِهِ لِأَنَّ حَالَ الْمُعْسِرِ يُشْعِرُ بِطَلَبِ الصَّبْرِ عليه الْمُشْعِرِ بِلُزُومِ ما قَالَهُ وَسَيَأْتِي في الْبَابِ الثَّالِثِ أَنَّ مَحَلَّ ما هُنَا إذَا لم يَقْصِدْ التَّأْجِيلَ فَلَوْ قال له عَلَيَّ كَذَا إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لي لَزِمَهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ له عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً وَهَذَا أَخَذَهُ من قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَلَعَلَّ الْأَصَحَّ لُزُومُهُ قال في الْمُهِمَّاتِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَفِي الْأَشْرَافِ لِلْهَرَوِيِّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ على أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ كَقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ
انْتَهَى
وَيُؤَيِّدُهُ تَصْحِيحُهُمْ عَدَمَ انْعِقَادِ النَّذْرِ بِذَلِكَ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْأَمْرِ بِمُجَرَّدِ الْخِبْرَةِ يُنَافِي الِالْتِزَامَ
وَإِنْ لُقِّنَ إقْرَارٌ أو غَيْرُهُ من الْعُقُودِ أو غَيْرِهَا بِغَيْرِ لُغَتِهِ وقال لم أَفْهَمْهُ وَأَمْكَنَ عَدَمُ فَهْمِهِ له بِأَنْ لم يَكُنْ له مع أَهْلِ تِلْكَ اللُّغَةِ اخْتِلَاطٌ حَلَفَ أَيْ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَإِنْ أَقَرَّ ثُمَّ قال أَقْرَرْت صَبِيًّا أو مَجْنُونًا أو مُكْرَهًا وَأَمْكَنَ الصِّبَا أو عَهْدُ الْجُنُونِ أو كانت أَمَارَةٌ على الْإِكْرَاهِ من حَبْسٍ أو تَرْسِيمٍ أو نَحْوِهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِظُهُورِ ما قَالَهُ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ ما كان على ما كان فَإِنْ لم يَكُنْ الصِّبَا ولم يُعْهَدْ الْجُنُونُ ولم تَكُنْ أَمَارَةٌ لم يُصَدَّقْ وَالْأَمَارَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِاعْتِرَافِ الْمُقَرِّ له أو بِالْبَيِّنَةِ أو بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ وَإِكْرَاهُهُ لِزَيْدٍ لَا يَقْدَحُ في إقْرَارِهِ لِغَيْرِهِ لَا إنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ في الصُّوَرِ الثَّلَاثِ بِكَوْنِهِ أَيْ الْمُقِرِّ حِينَئِذٍ أَيْ حين إقْرَارِهِ بَالِغًا في الْأُولَى أو عَاقِلًا في الثَّانِيَةِ أو مُخْتَارًا في الثَّالِثَةِ فَلَا يُصَدَّقُ لِمَا فيه من تَكْذِيبِ الْبَيِّنَةِ وَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَعَمُّ من قَوْلِ أَصْلِهِ إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ وَتَعَرَّضُوا لِبُلُوغِهِ وَصِحَّةِ عَقْلِهِ وَاخْتِيَارِهِ فَادَّعَى الْمُقِرُّ خِلَافَهُ لم يُقْبَلْ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِذَلِكَ أَيْ لِمَا ذُكِرَ من الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ وَالِاخْتِيَارِ وَلَا لِلْحُرِّيَّةِ وَالرُّشْدِ وفي نُسْخَةٍ مع الْحُرِّيَّةِ وَالرُّشْدِ في الشَّهَادَةِ بِذَلِكَ بَلْ يُكْتَفَى بِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُ الشَّهَادَةِ على الْإِقْرَارِ الصَّحِيحِ قال في الْأَصْلِ قال الْأَصْحَابُ وما يُكْتَبُ في الْوَثَائِقِ أَنَّهُ أَقَرَّ طَائِعًا في صِحَّةِ عَقْلِهِ وَبُلُوغِهِ احْتِيَاطٌ فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ من الْمُقِرِّ بِالْإِكْرَاهِ له اُشْتُرِطَ في الشَّهَادَةِ بِهِ تَفْصِيلُهَا لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ ذلك فَرُبَّ شَيْءٍ يَكُونُ إكْرَاهًا عِنْدَ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ وَقُدِّمَتْ بَيِّنَةٌ لِإِكْرَاهٍ على بَيِّنَةِ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ نعم إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ الِاخْتِيَارِ بِأَنَّهُ كان مُكْرَهًا وَزَالَ الْإِكْرَاهُ ثُمَّ أَقَرَّ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ على بَيِّنَةِ الْإِكْرَاهِ لِذَلِكَ قال في الْأَنْوَارِ وَلَوْ قال لي عَلَيْك أَلْفٌ فقال مع مِائَةٍ لم تَجِبْ الْأَلْفُ وَلَا الْمِائَةُ وَلَوْ قال لِزَوْجَتِهِ هذه زَوْجَةُ فُلَانٍ حُكِمَ بِارْتِفَاعِ النِّكَاحِ
الْبَابُ الثَّانِي في الْإِقْرَارِ بِالْمُجْمَلِ أَيْ الْمَجْهُولِ فَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ سَوَاءٌ أَكَانَ ابْتِدَاءً أَمْ جَوَابًا عن دَعْوَى لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عن حَقٍّ سَابِقٍ وَالشَّيْءُ يُخْبَرُ عنه مُفَصَّلًا تَارَةً وَمُجْمَلًا أُخْرَى إمَّا لِلْجَهْلِ بِهِ أو لِثُبُوتِهِ مَجْهُولًا بِوَصِيَّةٍ أو نَحْوِهَا أو لِغَيْرِ ذلك وَيُخَالِفُ الْإِنْشَاءَانِ حَيْثُ لَا تُحْتَمَلُ الْجَهَالَةُ احْتِيَاطًا لِابْتِدَاءِ الثُّبُوتِ وَتَحَرُّزًا عن الْغَرَرِ مِثْلُ له عَلَيَّ شَيْءٌ وَيُفَسِّرُهُ وُجُوبًا بِمَا شَاءَ وَإِنْ لم يُتَمَوَّلْ وَلَوْ حَبَّةَ شَعِيرٍ وَقِمْعَ بَاذِنْجَانَةٍ وَحَدَّ قَذْفٍ وَحَقَّ شُفْعَةٍ وَدِيعَةً وَنَجَسًا يُقْتَنَى كَكَلْبٍ مُعَلَّمٍ أو قَابِلٍ لِلتَّعْلِيمِ وَخَمْرٍ مُحْتَرَمَةٍ لَصُدِّقَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالشَّيْءِ مع كَوْنِهِ
____________________
(2/299)
مُحْتَرَمًا وَعَطَفَ على ما شَاءَ أو على حَبَّةٍ قَوْلَهُ لَا رَدَّ سَلَامٍ وَعِيَادَةً لِمَرِيضٍ فَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِهِمَا لِبُعْدِ فَهْمِهِمَا في مَعْرِضِ الْإِقْرَارِ إذْ لَا مُطَالَبَةَ بِهِمَا إلَّا أَيْ لَكِنْ إنْ قال له عَلَيَّ حَقٌّ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِهِمَا قال الرَّافِعِيُّ وَالتَّوْجِيهُ الْمَذْكُورُ يُنَافِيهِ مع عُسْرِ الْفَرْقِ فإن الْحَقَّ أَخَصُّ من الشَّيْءِ فَكَيْفَ يُقْبَلُ في تَفْسِيرِ الْأَخَصِّ ما لَا يُقْبَلُ في تَفْسِيرِ الْأَعَمِّ وَأَجَابَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْحَقَّ يُطْلَقُ عُرْفًا على ذلك بِخِلَافِ الشَّيْءِ فَيُقَالُ نَفْيُ الْعُرْفِ له على حَقٍّ وَيُرَادُ ذلك وفي الْخَبَرِ حَقُّ الْمُسْلِمِ على الْمُسْلِمِ خَمْسٌ وَذَكَرَ منها عِيَادَةَ الْمَرْضَى وَرَدَّ السَّلَامِ
فَاعْتِبَارُ الْإِقْرَارِ بِمَا يُطَالَبُ بِهِ مَحَلُّهُ إذَا لم يَشِعْ اللَّفْظُ عُرْفًا أو شَرْعًا فِيمَا لَا يُطَالَبُ بِهِ وَأَمَّا ما يَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ كَالْخِنْزِيرِ وما لَا يَنْفَعُ كَجِلْدِ الْكَلْبِ وَالْكَلْبِ الذي لَا يَنْفَعُ وَالْخَمْرِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ فَلَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بها إذْ ليس فيها حَقٌّ وَلَا اخْتِصَاصٌ وَلَا يَلْزَمُ رَدُّهَا وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ كما قال الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ قَبُولُ تَفْسِيرِهِ بِالْخَمْرَةِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ إذَا كان الْمُقَرُّ له ذِمِّيًّا لِأَنَّ على غَاصِبِهَا منه رَدَّهَا عليه إذَا لم يَتَظَاهَرْ بها وَلَا يَضُرُّ في كَوْنِهَا غير مُحْتَرَمَةٍ بِمَعْنَى أنها عُصِرَتْ بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ كَوْنُهَا في حَقِّ الذِّمِّيِّ مُحْتَرَمَةً بِمَعْنَى أَنَّ على غَاصِبِهَا رَدَّهَا فَلَا يُعْتَرَضُ بِأَنَّهَا كُلَّهَا في حَقِّهِ مُحْتَرَمَةٌ وَلَوْ فَسَّرَهُ بِمَيْتَةٍ أو نَحْوِهَا لِمُضْطَرٍّ قال الْقَاضِي لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَثْبُتُ على ذلك وَرَجَّحَ الْإِمَامُ خِلَافَهُ وهو الْأَقْرَبُ
فَرْعٌ لو قال غَصَبْت منه شيئا قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِمَا يُقْبَلُ بِهِ في الصُّوَرِ السَّابِقَةِ بِالْأَوْلَى وَقَيَّدَهُ بِمَا إذَا احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ احْتِرَازًا من تَفْسِيرِهِ بِنَحْوِ حَقِّ الشُّفْعَةِ الْوَدِيعَةِ وَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ إذْ الْغَصْبُ لَا يَقْتَضِي الْتِزَامًا وَثُبُوتَ مَالٍ وَإِنَّمَا يَقْتَضِي الْأَخْذَ قَهْرًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ عَلَيَّ قالوا وَلَوْ قال له عِنْدِي شَيْءٌ وَفَسَّرَهُ بِخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ قُبِلَ لِأَنَّهُ شَيْءٌ مِمَّا عِنْدَهُ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ قالوا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ مُتَبَرِّئٌ من ذلك وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ وَلَوْ قال غَصَبْتُك ما تَعْلَمُ أو غَصَبْتُك كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ لَغَا إذْ قد يُرِيدُ نَفْسَهُ لَكِنَّهُ إنْ قال أَرَدْت غير نَفْسِك فَظَاهِرٌ أَنَّا نَقْبَلُهُ لِأَنَّهُ غِلَظٌ على نَفْسِهِ لَا إنْ قال غَصَبْتُك شيئا ثُمَّ قال أَرَدْت نَفْسَك فَلَا يَلْغُو وَلَا تُقْبَلُ إرَادَتُهُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لو قال غَصَبْتُك شيئا تَعْلَمُهُ وهو ظَاهِرٌ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ما مَرَّ في غَصَبْتُك ما تَعْلَمُ بِأَنَّ شيئا اسْمٌ تَامٌّ ظَاهِرٌ في الْمُغَايَرَةِ بِخِلَافِ ما
فَصْلٌ لو امْتَنَعَ من تَفْسِيرِ الْمُبْهَمِ ولم تُمْكِنْ مَعْرِفَتُهُ بِغَيْرِ مُرَاجَعَتِهِ حُبِسَ لِلتَّفْسِيرِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عليه فإذا امْتَنَعَ منه حُبِسَ كَالْمُمْتَنِعِ من أَدَاءِ الدَّيْنِ وَأَوْلَى لِأَنَّهُ لَا وُصُولَ لِمَعْرِفَتِهِ إلَّا منه بِخِلَافِ الدَّيْنِ إذْ يُمْكِنُ أَدَاؤُهُ بِأَنْ يَبِيعَ الْحَاكِمُ مَالَهُ أَمَّا إذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهُ بِغَيْرِ مُرَاجَعَتِهِ كَقَوْلِهِ له عَلَيَّ من الدَّرَاهِمِ زِنَةُ هذه الصَّنْجَةِ أو قَدْرُ ما بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ فَلَا يُحْبَسُ بَلْ يُرْجَعُ إلَى ما أَحَالَ عليه كما سَيَأْتِي في الْمَسَائِلِ الْمَنْثُورَةِ
وَإِنْ فَسَّرَهُ بِبَعْضِ الْجِنْسِ الْمُدَّعَى بِهِ كَمِائَةٍ وَدَعْوَاهُ أَيْ الْمُقَرِّ له مِائَتَانِ وقال الْمُدَّعِي وهو الْمُقَرُّ له أَرَادَ الْمُقِرُّ بِالْمُبْهَمِ الْمِائَةَ تَثْبُتُ بِاتِّفَاقِهِمَا وَحَلَفَ الْمُقِرُّ على نَفْيِ الزِّيَادَةِ وَهَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِلْعِلْمِ بِهِ من بَابِ الدَّعَاوَى وَمِمَّا يَأْتِي على الْأَثَرِ وَإِنْ قال أَرَادَهُمَا حَلَفَ على نَفْيِ الزِّيَادَةِ وعلى نَفْيِ الْإِرَادَةِ لَهُمَا يَمِينًا وَاحِدَةً لِاتِّحَادِ الدَّعْوَى فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي على الِاسْتِحْقَاقِ لَهُمَا لَا على إرَادَتِهِ أَيْ الْمُقَرِّ لَهُمَا لِأَنَّهُ لَا اطِّلَاعَ له عليها بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ إذَا ادَّعَتْ إرَادَةَ الزَّوْجِ الطَّلَاقَ بِالْكِنَايَةِ وَنَكَلَ عن الْيَمِينِ حَيْثُ تَحْلِفُ مع أنها لَا تَطَّلِعُ عليها وَفَرَّقَ الْإِمَامُ بِأَنَّهَا تَدَّعِي عليه إنْشَاءَ الطَّلَاقِ وَالْمُقَرُّ له لَا يَدَّعِي على الْمُقِرِّ إثْبَاتَ حَقٍّ له فإن الْإِقْرَارَ لَا يُثْبِتُ حَقًّا وَإِنَّمَا هو إخْبَارٌ عن حَقٍّ سَابِقٍ حتى وَلَوْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ له لم يَثْبُتْ له حَقٌّ
وإذا مَاتَ الْمُقِرُّ قبل تَفْسِيرِهِ طُولِبَ بِهِ الْوَارِثُ فَإِنْ امْتَنَعَ وُقِفَتْ التَّرِكَةُ كُلُّهَا إلَّا أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ منها حتى يُفَسِّرَ الْوَارِثُ لِأَنَّهَا وَإِنْ لم تَدْخُلْ في التَّفْسِيرِ مُرْتَهِنَةٌ بِالدَّيْنِ وَلَا يُخَالِفُهُ صِحَّةُ التَّفْسِيرِ بِالسِّرْجِينِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّا لم
____________________
(2/300)
نَتَيَقَّنْ عَدَمَ إرَادَةِ الْمَالِ فَيَمْتَنِعَ التَّصَرُّفُ في الْجَمِيعِ احْتِيَاطًا
فَإِنْ قال الْوَارِثُ لَا أَعْلَمُ قَدْرَ ما أُقِرُّ بِهِ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ له فَلِلْمُقَرِّ له أَنْ يُعَيِّنَ الْمُدَّعَى بِهِ وَيَحْلِفَ عليه وَيَأْخُذَهُ إذْ الْوَارِثُ في تَقْدِيرِ النَّاكِلِ وَأَلْحَقَ الْهَرَوِيُّ الْمَجْنُونَ بِالْمَيِّتِ ثُمَّ حَكَى عن صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّ الْمَوْقُوفَ في حَالِ جُنُونِهِ أَقَلُّ ما يُتَمَوَّلُ
انْتَهَى
الْأَوْجَهُ أَنَّهُ كَالْغَائِبِ وقد نَقَلَ أَعْنِي الْهَرَوِيَّ عن الشَّافِعِيِّ فيه أَنَّ له أَنْ يُعَيِّنَ مِقْدَارًا وَيَحْلِفَ عليه وَعَلَى أَنَّ الْمُقِرَّ أَرَادَهُ بِإِقْرَارٍ وَيَأْخُذُهُ وقد يُتَوَقَّفُ في اشْتِرَاطِ الْحَلِفِ على أَنَّهُ أَرَادَهُ بِإِقْرَارٍ
وإذا ادَّعَى الْمُقَرُّ له زِيَادَةً على ما فَسَّرَ بِهِ الْوَارِثُ فَالْمُصَدَّقُ الْوَارِثُ بِيَمِينِهِ كَالْمُقِرِّ وتكون يَمِينُهُ على نَفْيِ الْإِرَادَةِ أَيْ إرَادَةِ مُوَرِّثِهِ الزِّيَادَةَ لِأَنَّهُ قد يَطَّلِعُ من حَالِ مُوَرِّثِهِ على ما لَا يَطَّلِعُ عليه غَيْرُهُ بِخِلَافِ تَفْسِيرِهِ الْوَصِيَّةَ حَيْثُ أَوْصَى بِمَجْهُولٍ وَفَسَّرَهُ الْوَارِثُ وَزَعَمَ الْمُوصِي له أَنَّهُ أَكْثَرُ مِمَّا فَسَّرَ بِهِ فإنه يَحْلِفُ فيها على نَفْيِ عِلْمِ الِاسْتِحْقَاقِ لِلزِّيَادَةِ لَا على نَفْيِ الْإِرَادَةِ قال في الْأَصْلِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عن حَقٍّ سَابِقٍ وقد يُطَّلَعُ عليه وَالْوَصِيَّةُ إنْشَاءُ أَمْرٍ على الْجَهَالَةِ وَبَيَانُهُ إذَا مَاتَ الْمُوصِي إلَى الْوَارِثِ وَإِنْ فَسَّرَهُ الْمُقِرُّ بِغَيْرِ الْجِنْسِ الْمُدَّعَى بِهِ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ له في الْإِرَادَةِ بِإِقْرَارِهِ لِمَا فُسِّرَ بِهِ فقال هو لي عليه وَلِي عليه معه كَذَا ثَبَتَ الْمُتَّفَقُ عليه وَصُدِّقَ الْمُقِرُّ في نَفْيِ غَيْرِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَيُمْكِنُ أَخْذُهُ من قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ ثُمَّ إنْ لم يَنْفِ إلَى آخِرِهِ وإن قال مع تَصْدِيقِهِ في الْإِرَادَةِ ما دَيْنِي عليه إلَّا غَيْرَهُ فَهُوَ رَدٌّ لِلْإِقْرَارِ وكان مُدَّعِيًا عليه غَيْرَهُ وَإِنْ كَذَّبَهُ في الْإِرَادَةِ بِأَنْ قال إنَّمَا أَرَدْت بِإِقْرَارِك ما ادَّعَيْت أنا حَلَفَ الْمُقِرُّ على نَفْيِ الْمُدَّعَى بِهِ ونفي الْإِرَادَةِ ثُمَّ إنْ لم يَنْفِ الْمُقَرُّ له ما فَسَّرَ بِهِ الْمُقِرُّ ثَبَتَ له وَإِنْ نَفَاهُ بَطَلَ الْإِقْرَارُ هذا إنْ ادَّعَى مع الْإِرَادَةِ الِاسْتِحْقَاقَ
فَلَوْ ادَّعَى الْإِرَادَةَ فَقَطْ بِأَنْ قال ما أَرَدْت بِإِقْرَارِك ما فَسَّرْته بِهِ وَإِنَّمَا أَرَدْت بِهِ كَذَا إمَّا من جِنْسِ الْمُقَرِّ بِهِ أو من غَيْرِهِ لم يُسْمَعْ منه ذلك لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَالْإِرَادَةَ لَا يُثْبِتَانِ حَقًّا له بَلْ الْإِقْرَارُ إخْبَارٌ عن حَقٍّ سَابِقٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَدَّعِيَ الْحَقَّ نَفْسَهُ وهو ما أَرَادَهُ بِقَوْلِهِ حتى يَدَّعِيَ الْمَالَ أَيْ فَيُسْمَعَ فَدَعْوَى الْإِرَادَةِ مع دَعْوَى الِاسْتِحْقَاقِ مَسْمُوعَةٌ وَدَعْوَاهَا وَحْدَهَا غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ كما أَنَّهُ لَا يُسْمَعُ منه دَعْوَى الْإِقْرَارِ بِكَذَا بَلْ عليه أَنْ يَدَّعِيَ الْحَقَّ نَفْسَهُ
فَرْعٌ لو قال الدَّائِنُ اسْتَوْفَيْت من فُلَانٍ أو قال الْمَدْيُونُ قد أَوْفَيْتُك فقال بَلَى ثُمَّ ادَّعَاهُ في الْبَعْضِ صُدِّقَ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ في الْحُكْمِ الثَّانِي من أَحْكَامِ الْكِتَابَةِ
فَصْلٌ لو قال له عَلَيَّ مَالٌ أو مَالٌ عَظِيمٌ أو خَطِيرٌ أو كَثِيرٌ أو كَبِيرٌ أو جَلِيلٌ أو نَفِيسٌ أو نَحْوُهَا أو حَقِيرٌ أو قَلِيلٌ أو خَسِيسٌ أو طَفِيفٌ أو نَحْوُهَا أو أَكْثَرُ من مَالِ فُلَانٍ أو مِمَّا في يَدِهِ أو مِمَّا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ عليه وَكَذَا مِمَّا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ على فُلَانٍ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِأَقَلِّ مُتَمَوَّلٍ قُبِلَ وَإِنْ كَثُرَ مَالُ فُلَانٍ لَصَدَقَ اسْمُ الْمَالِ عليه وَيَكُونُ وَصْفُهُ بِكَوْنِهِ عَظِيمًا وَنَحْوِهِ من حَيْثُ إثْمِ غَاصِبِهِ وَكُفْرِ مُسْتَحِلِّهِ وَبِكَوْنِهِ حَقِيرًا وَنَحْوَهُ من حَيْثُ احْتِقَارُ الناس له أو فَنَاؤُهُ وَبِكَوْنِهِ أَكْثَرَ من كَذَا من حَيْثُ إنَّهُ أَحَلَّ منه أو أَنَّهُ دَيْنٌ لَا يَتَعَرَّضُ لِلتَّلَفِ وَذَلِكَ عَيْنٌ تَتَعَرَّضُ له قال الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ عنه أَصْلُ ما أَبْنِي عليه الْإِقْرَارَ أَنْ أَلْزَمَ الْيَقِينَ وَأَطْرَحَ الشَّكَّ وَلَا أَسْتَعْمِلُ الْغَلَبَةَ قال الشَّيْخُ أبو عَلِيٍّ أَيْ ما غَلَبَ على الناس وَإِلَى ما قَالَهُ يُشِيرُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَصْلُ ما أَبْنِي عليه وَالْمُرَادُ بِالْيَقِينِ في كَلَامِهِ ما يَشْمَلُ الظَّنَّ الْقَوِيَّ وَلِهَذَا قال في مَوْضِعٍ آخَرَ وَلَا أُلْزِمُهُ إلَّا ظَاهِرَ ما أَقَرَّ بِهِ بَيْنَنَا وَإِنْ سَبَقَ إلَى الْقَلْبِ غير ظَاهِرٍ ما قَالَهُ وقال الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ الشَّافِعِيُّ يَلْزَمُ في الْإِقْرَارِ بِالْيَقِينِ وَبِالظَّنِّ الْقَوِيِّ لَا بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ وَالشَّكِّ إذْ الْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَخَرَجَ بِالْمُتَمَوَّلِ قال الْإِمَامُ وهو ما يَسُدُّ مَسَدًّا أو يَقَعُ مَوْقِعًا من جَلْبِ نَفْعِ أو دَفْعِ ضَرَرِ ما ليس مُتَمَوَّلًا كَالْكَلْبِ وَالسِّرْجِينِ وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ لِمُبَايَنَتِهِ اسْمَ الْمَالِ لَكِنَّ تَعْبِيرَهُ بِأَقَلِّ مُتَمَوَّلٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ التَّفْسِيرُ بِمَالٍ مُتَمَوَّلٍ كَتَمْرَةٍ وَحَبَّةِ بُرٍّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُقْبَلُ بِهِ وَكُلُّ مُتَمَوَّلٍ مَالٌ وَلَا يَنْعَكِسُ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَفِيهِ أَنَّهُ يُقْبَلُ التَّفْسِيرُ بِالْمُسْتَوْلَدَةِ لَا بِمَا وُقِفَ عليه وَحَذَفَهُمَا الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ فِيهِمَا أَنْ يَقُولَ عِنْدِي مَالٌ وَالصُّورَةُ إنَّمَا هِيَ فِيمَا لو قال له عَلَيَّ مَالٌ وَلَا يُخَالِفُ ما ذَكَرُوهُ هُنَا من أَنَّ حَبَّةَ الْبُرِّ وَنَحْوَهَا مَالٌ ما ذَكَرُوهُ في الْبَيْعِ من أنها لَا تُعَدُّ مَالًا فَإِنْ كَوْنَهَا لَا تُعَدُّ مَالًا لِعَدَمِ تَمَوُّلِهَا لَا يَنْفِي كَوْنَهَا مَالًا كما يُقَالُ زَيْدٌ لَا يُعَدُّ من الرِّجَالِ وَإِنْ كان رَجُلًا
فَرْعٌ لو قال له عَلَيَّ أَكْثَرُ من مَالِ فُلَانٍ فَالْإِبْهَامُ في الْجِنْسِ
____________________
(2/301)
وَالنَّوْعِ وَالْقَدْرِ أو له عَلَيَّ أَكْثَرُ منه أَيْ من مَالِ فُلَانٍ عَدَا فَالْإِبْهَامُ كَذَلِكَ أَيْ في الْمَذْكُورَاتِ إلَّا في الْقَدْرِ فَلَا إبْهَامَ فيه حتى لو كان مَالُ فُلَانٍ مِائَةَ دِينَارٍ فَفُسِّرَ بِأَكْثَرَ من مِائَةِ دِرْهَمٍ أو غَيْرِهَا قُبِلَ دُونَ ما إذَا فُسِّرَ بِأَقَلَّ منه إلَّا أَنْ يَقُولَ ما عَلِمْت أَنَّ له إلَّا كَذَا مِمَّا يُوَافِقُ ما فُسِّرَ بِهِ فَيُقْبَلُ منه وَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِأَكْثَرَ منه لِأَنَّهُ قد لَا يُطَّلَعُ عليه صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ فَلَوْ لم يَكُنْ لِفُلَانٍ عَدَدٌ لَزِمَ أَقَلُّ مُتَمَوَّلٍ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي عن الْبَغَوِيّ وَلَوْ قال الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ فَالْإِبْهَامُ في الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ كان أَخْصَرَ وَأَوْلَى أو له عَلَيَّ من الذَّهَبِ أَكْثَرُ من مَالِ فُلَانٍ فَالْإِبْهَامُ في النَّوْعِ وَالْقَدْرِ دُونَ الْجِنْسِ أو له عَلَيَّ من صِحَاحِ الذَّهَبِ أَكْثَرُ من مَالِ فُلَانٍ فَالْإِبْهَامُ في الْقَدْرِ فَقَطْ وَإِنْ قال له عَلَيَّ أَكْثَرُ من دَرَاهِمِ فُلَانٍ فَهَلْ يَجِبُ عليه أَدْنَى شَيْءٍ كما لو قال أَكْثَرُ من مَالِ فُلَانٍ أو أَكْثَرُ من عَدَدِهَا بِأَقَلِّ مُتَمَوَّلٍ من أَيِّ جِنْسٍ فُسِّرَ لِذِكْرِهِ الْجَمْعَ فيه وَجْهَانِ اقْتَصَرَ الْأَصْلُ على الثَّانِي وقال كَذَا قَالَهُ في التَّهْذِيبِ
قال وهو يُخَالِفُ ما سَبَقَ من وَجْهَيْنِ
أَحَدُهُمَا إلْزَامُ ذلك الْعَدَدِ وَالثَّانِي إلْزَامُ زِيَادَةٍ لِأَنَّ التَّأْوِيلَ الذي ذَكَرْنَاهُ لِلْأَكْثَرِيَّةِ يَنْفِيهَا جميعا
انْتَهَى
فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَخَذَهُ الْمُصَنِّفُ من هذا الْإِشْكَالِ وَنَقَلَ ابن الرِّفْعَةِ مع كَلَامِ التَّهْذِيبِ عن الْقَاضِي وَالْإِمَامِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِثْلُ عَدَدِهَا إنْ عُرِفَ قَدْرُهَا وَإِلَّا فَثَلَاثَةٌ وهو الْأَوْجُهُ وَلَوْ لم يَكُنْ مع فُلَانٍ شَيْءٌ لَزِمَهُ أَقَلُّ مُتَمَوَّلٍ كما قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَنَقَلَهُ الْقَمُولِيُّ عنه وَأَقَرَّهُ وَلَوْ قال له عَلَيَّ من الدَّرَاهِمِ أَكْثَرُ من دَرَاهِمِهِ وَمَعَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ لَزِمَتْهُ بِلَا زِيَادَةٍ حَمْلًا لِلْأَكْثَرِ على ما مَرَّ وَلَوْ فُسِّرَ بِدُونِهَا لم يُقْبَلْ كما قَالَهُ الْجُمْهُورُ خِلَافًا لِلْجُوَيْنِيِّ وَإِنْ كان ما قَالَهُ هو الْقِيَاسُ كما قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وقال الْبَغَوِيّ في مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ وَزِيَادَةُ أَقَلِّ ما يُتَمَوَّلُ وهو جَارٍ على طَرِيقَتِهِ السَّابِقَةِ وقد ضَعَّفَهُ الْأَصْلُ هُنَا أَيْضًا أو وَمَعَهُ أَكْثَرُ من ثَلَاثَةٍ كَعَشَرَةٍ وقال الْمُقِرُّ ظَنَنْتهَا ثَلَاثَةً أو عَلِمْت أنها أَكْثَرُ وَنَسِيت عِنْدَ الْإِقْرَارِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ منها وَقَوْلُهُ كَأَصْلِهِ وَظَنَنْتهَا ثَلَاثَةً يُوهِمُ أَنَّهُ لو قال وَعَلِمْتهَا أَكْثَرَ من ثَلَاثَةٍ لَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بها وَلَيْسَ كَذَلِكَ قال الْإِسْنَوِيُّ بَلْ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِأَقَلِّ مُتَمَوَّلٍ كما صُرِّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ من زِيَادَتِهِ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ قُلْت ذَاكَ فِيمَا إذَا عُبِّرَ بِالْمُفْرَدِ وَهَذَا فِيمَا إذَا عُبِّرَ بِالْجَمْعِ ثُمَّ قَضِيَّةُ ما ذُكِرَ أَنَّهُ لو لم يَقُلْ ظَنَنْتهَا ثَلَاثَةً وَنَحْوَهُ لَزِمَهُ الْجَمِيعُ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ قال وَلَوْ لم يَكُنْ معه شَيْءٌ لَزِمَهُ أَقَلُّ مُتَمَوَّلٍ من الدَّرَاهِمِ
فَرْعٌ قَوْلُهُ له عَلَيَّ كَذَا مِثْلُ له عَلَيَّ شَيْءٌ فَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهَا بِمَا يُقْبَلُ بِهِ تَفْسِيرُهُ لِأَنَّهَا أَيْضًا مُبْهَمَةٌ وَهِيَ في الْأَصْلِ مُرَكَّبَةٌ من كَافِ التَّشْبِيهِ وَاسْمِ الْإِشَارَةِ ثُمَّ نُقِلَتْ فَصَارَتْ يُكَنَّى بها عن الْعَدَدِ وَغَيْرِهِ وقوله كَذَا كَذَا بِلَا عَطْفٍ تَأْكِيدٌ فَهُوَ كَقَوْلِهِ كَذَا وَمِثْلُهُ شَيْءٌ شَيْءٌ بِلَا عَطْفٍ نعم إنْ نَوَى الِاسْتِئْنَافَ فَهُوَ كما لو عَطَفَ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي فَإِنْ عَطَفَ فقال له عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا أو شَيْءٌ وَشَيْءٌ فَشَيْئَانِ يَلْزَمُهُ التَّفْسِيرُ بِهِمَا مُتَّفِقَيْنِ أو مُخْتَلِفَيْنِ بِحَيْثُ يُقْبَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا في تَفْسِيرِ كَذَا لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ وَيَجِبُ عليه بِقَوْلِهِ له عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمٌ بِالرَّفْعِ على أَنَّهُ عَطْفُ بَيَانٍ أو بَدَلٌ أو خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ دِرْهَمٌ لِكَوْنِ الدِّرْهَمِ تَفْسِيرًا لِمَا أَبْهَمَهُ بِقَوْلِهِ كَذَا وَكَذَا يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ لو نَصَبَ أو خَفَضَ أو سَكَّنَ الدِّرْهَمَ أو كَرَّرَ كَذَا بِلَا عَاطِفٍ في الْأَحْوَالِ الْأَرْبَعَةِ لِذَلِكَ وَلِاحْتِمَالِ التَّأْكِيدِ في الْأَخِيرَةِ الْمُصَرَّحِ بها من زِيَادَتِهِ وَإِنْ اقْتَضَى النَّصْبُ لُزُومَ عِشْرِينَ لِكَوْنِهِ أَوَّلَ عَدَدٍ مُفْرَدٍ يُنْصَبُ الدِّرْهَمُ عَقِبَهُ إذْ لَا نَظَرَ في تَفْسِيرِ الْمُبْهَمِ إلَى الْإِعْرَابِ بِدَلِيلِ الِاتِّفَاقِ على عَدَمِ لُزُومِ مِائَةٍ بِقَوْلِهِ له عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمٍ بِالْخَفْضِ وَلَا يُؤَثِّرُ اللَّحْنُ في الْإِقْرَارِ كما لَا يُؤَثِّرُ في الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ وَمَتَى كَرَّرَهَا وَعَطَفَ بِالْوَاوِ أو بِثُمَّ وَنَصَبَ الدِّرْهَمَ كَقَوْلِهِ له عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا أو كَذَا ثُمَّ كَذَا دِرْهَمًا تَكَرَّرَ الدِّرْهَمُ بِعَدَدِ كَذَا فَيَلْزَمُهُ في كُلٍّ من الْمِثَالَيْنِ دِرْهَمَانِ
____________________
(2/302)
لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمُبْهَمَيْنِ وَعَقَّبَهُمَا بِالدِّرْهَمِ مَنْصُوبًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِمُقْتَضَى الْعَطْفِ غير أَنَّا نُقَدِّرُهُ في صِنَاعَةِ الْإِعْرَابِ تَمْيِيزًا لِأَحَدِهِمَا وَيُقَدَّرُ مِثْلُهُ لِلْآخَرِ وَلِأَنَّ التَّمْيِيزَ وَصْفٌ وهو يَعُودُ إلَى الْمُتَعَاطِفَاتِ قَبْلَهُ لَا إنْ خَفَضَهُ أو رَفَعَهُ أو سَكَّنَهُ فَلَا يَتَكَرَّرُ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ تَمْيِيزًا لِمَا قَبْلَهُ وَإِنْ صَلَحَ فَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِغَيْرِهِ وَالْمَعْنَى في الرَّفْعِ هُمَا دِرْهَمٌ وَالْخَفْضُ مَحْمُولٌ عليه وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَطْفَ بِالْفَاءِ إذَا أَرَادَ بها كَالْعَطْفِ بِالْوَاوِ وَثُمَّ وَلَوْ قال كَذَا بَلْ كَذَا فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَالثَّانِي شَيْئَانِ لِأَنَّهُ لَا يَسُوغُ رَأَيْت زَيْدًا بَلْ زَيْدًا إذَا عَنَى الْأَوَّلَ وَإِنَّمَا يَصِحُّ إذَا عَنَى غَيْرَهُ وَذِكْرُ ثُمَّ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ
فَصْلٌ وَلَوْ قال له عَلَيَّ خَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا فَالْكُلُّ دَرَاهِمُ لِأَنَّهُمَا اسْمَانِ جُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا فَالدِّرْهَمُ تَفْسِيرٌ له أو قال له عَلَيَّ أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ أو أَلْفٌ وَثَوْبٌ فَالْأَلْفُ مُجْمَلٌ فَلَهُ تَفْسِيرُهُ بِغَيْرِ الدِّرْهَمِ أو الثَّوْبِ من الْمَالِ كَأَلْفِ فَلْسٍ كما في عَكْسِهِ وهو دِرْهَمٌ وَأَلْفٌ أو ثَوْبٌ وَأَلْفٌ وَلِأَنَّ الْعَطْفَ إنَّمَا وُضِعَ لِلزِّيَادَةِ ولم يُوضَعْ لِلتَّفْسِيرِ نعم لو قال أَلْفٌ وَدِرْهَمُ فِضَّةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْأَلْفُ أَيْضًا فِضَّةً لِلْعَادَةِ كما نَقَلَهُ الْقَاضِي وَأَقَرَّهُ
وَلَوْ قال له عَلَيَّ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا أو أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا أو أَلْفٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا أو أَلْفٌ وَنِصْفُ دِرْهَمٍ فَالْكُلُّ دَرَاهِمُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدِّرْهَمَ تَمْيِيزًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِكُلٍّ من الْمَذْكُورَاتِ بِمُقْتَضَى الْعَطْفِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لو رَفَعَ الدِّرْهَمَ أو نَصَبَهُ في الْأَخِيرَةِ كان الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَلَا يَضُرُّ فيه اللَّحْنُ وَأَنَّهُ لو رَفَعَهُ أو نَصَبَهُ فيها لَكِنْ مع تَنْوِينَ نِصْفٍ أو رَفْعِهِ أو خَفْضِهِ في بَقِيَّةِ الصُّوَرِ لَزِمَهُ ما عَدَّدَهُ الْعَدَدُ الْمَذْكُورُ وَقِيمَتُهُ دِرْهَمٌ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي في أَلْفِ دِرْهَمٍ مَنُونِينَ مَرْفُوعِينَ أو قال له عَلَيَّ نِصْفٌ وَدِرْهَمٌ فَالنِّصْفُ مُجْمَلٌ كَالْأَلْفِ في له عَلَيَّ أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ أو قال له عَلَيَّ أَلْفٌ وَأَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ أو أَلْفٌ وثلاثة أَثْوَابٍ فَالْكُلُّ دَنَانِيرُ في الْأُولَى أو ثِيَابٌ في الثَّانِيَةِ أو قال له عَلَيَّ أَلْفٌ وَقَفِيرُ حِنْطَةٍ فَالْأَلْفُ مُجْمَلٌ بِخِلَافِهِ في له عَلَيَّ أَلْفٌ وَثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ قال في الْأَصْلِ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ تَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلْكُلِّ وَالْحِنْطَةَ لَا تَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلْأَلْفِ لِأَنَّهُ لَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ أَلْفُ حِنْطَةٍ أو قال له عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ حَالَةَ كَوْنِهِمَا مُنَوَّنَيْنِ مَرْفُوعِينَ وَجَبَ ما عَدَدُهُ أَلْفٌ وَقِيمَتُهُ دِرْهَمٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لو نَصَبَهُمَا أو خَفَضَهُمَا مَنُونِينَ أو رَفَعَ الْأَلْفَ مُنَوَّنًا وَنَصَبَ الدِّرْهَمَ أو خَفَضَهُ أو سَكَّنَهُ أو نَصَبَ الْأَلْفَ مُنَوَّنًا رَفَعَ الدِّرْهَمَ أو خَفَضَهُ أو سَكَّنَهُ كان الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَأَنَّهُ لو رَفَعَ الْأَلْفَ أو نَصَبَهُ أو خَفَضَهُ ولم يُنَوِّنْهُ وَنَصَبَ الدِّرْهَمَ أو رَفَعَهُ أو خَفَضَهُ أو سَكَّنَهُ لَزِمَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَوْ سَكَّنَ الْأَلْفَ وَأَتَى في الدِّرْهَمِ بِالْأَحْوَالِ الْمَذْكُورَةِ احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ وهو إلَى الْأَوَّلِ أَقْرَبُ
فَصْلٌ الْمُعْتَبَرُ في الدَّرَاهِمِ الْمُقَرِّ بها دَرَاهِمُ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كانت دَرَاهِمُ الْبَلَدِ أَكْثَرَ منها وَزْنًا ما لم يُفَسِّرْهَا الْمُقِرُّ بِمَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ كما سَيَأْتِي وَتَقَدَّمَ بَيَانُ مِقْدَارِ الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ في بَابِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
____________________
(2/303)
فَإِنْ فَسَّرَهَا أَيْ الدَّرَاهِمَ التي أَقَرَّ بها بِفُلُوسٍ لم يُقْبَلْ وَيَنْبَغِي كما قال بَعْضُهُمْ قَبُولُ التَّفْسِيرِ بها وَإِنْ فَصَلَهُ عن الْإِقْرَارِ إذَا غَلَبَ التَّعَامُلُ بها بِبَلَدٍ بِحَيْثُ هُجِرَ التَّعَامُلُ بِالْفِضَّةِ وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ عِوَضًا عن الْفُلُوسِ كَالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ في هذا الزَّمَانِ أو بِنَاقِصَةٍ عنها أَيْ عن الدَّرَاهِمِ الْإِسْلَامِيَّةِ كَدِرْهَمٍ شَامِيٍّ أو مَغْشُوشَةٍ وَدَرَاهِمِ الْبَلَدِ أَيْ بَلَدِ الْإِقْرَارِ كَذَلِكَ أَيْ نَاقِصَةٍ أو مَغْشُوشَةٍ قُبِلَ مُتَّصِلًا لِأَنَّ اللَّفْظَ وَالْعُرْفَ يَصْرِفَانِهِ إلَيْهِ وَكَذَا مُنْفَصِلًا حَمْلًا على الْمَعْهُودِ كما في الْمُعَامَلَاتِ فَلَوْ لم يُفَسِّرْهَا وَتَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ قال الْأَذْرَعِيُّ فَالصَّوَابُ وهو الْمَنْقُولُ الْمَنْصُوصُ عليه أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذلك من دَرَاهِمِ الْبَلَدِ كما في الْمُعَامَلَاتِ وَلِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ ولم أَرَ من صَرَّحَ بِخِلَافِهِ وَلَا يُغْتَرُّ بِمَا زَعَمَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَيْ في الْمُهِمَّاتِ من نَقْلِ من يُخَالِفُهُ
انْتَهَى
وَقَضِيَّةُ التَّوْجِيهِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لو كانت دَرَاهِمُ الْبَلَدِ أَكْثَرَ من دَرَاهِمِ الْإِسْلَامِ كان الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَقَضِيَّةُ الثَّانِي خِلَافُهُ أو فَسَّرَهَا بِمَا ذُكِرَ وَدَرَاهِمُ الْبَلَدِ تَامَّةٌ أو نُقْرَةٌ قُبِلَ مُتَّصِلًا لَا مُنْفَصِلًا كَالِاسْتِثْنَاءِ فِيهِمَا وَلِأَنَّ لَفْظَ الدِّرْهَمِ صَرِيحٌ فيه وَضْعًا وَعُرْفًا فَلَا يُقْبَلُ مُنْفَصِلًا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُقَرُّ له أو فَسَّرَهُ أَيْ ما أُقِرَّ بِهِ من الدَّرَاهِمِ وكان الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أو فَسَّرَهَا من الْفِضَّةِ بِجِنْسٍ رَدِيءٍ أو بِدَرَاهِمَ سِكَّتُهَا غَيْرُ جَارِيَةٍ في ذلك الْبَلَدِ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ كما لو قال له عَلَيَّ ثَوْبٌ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِجِنْسٍ رَدِيءٍ أو بِمَا لَا يَعْتَادُ أَهْلُ الْبَلَدِ لُبْسَهُ وَيُخَالِفُ تَفْسِيرَهُ بِالنَّاقِصِ لِرَفْعِ بَعْضِ ما أَقَرَّ بِهِ فيه بِخِلَافِهِ هُنَا وَيُخَالِفُ الْبَيْعَ حَيْثُ يُحْمَلُ على سِكَّةِ الْبَلَدِ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنْشَاءُ مُعَامَلَةٍ وَالْغَالِبُ أنها في كل بَلَدٍ تَقَعُ بِمَا يَرُوجُ فيها وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ عن حَقٍّ سَابِقٍ يُحْتَمَلُ ثُبُوتُهُ بِمُعَامَلَةٍ في غَيْرِ ذلك الْبَلَدِ فَيُرْجَعُ إلَى إرَادَتِهِ
وَقَوْلُهُ له عَلَيَّ دُرَيْهِمٌ بِالتَّصْغِيرِ أو دِرْهَمٌ صَغِيرٌ أو كَبِيرٌ كَدِرْهَمٍ عَارٍ على ذلك وَالْجَمْعُ الْمَوْصُوفُ بِتَصْغِيرٍ أو غَيْرِهِ كَقَوْلِهِ دُرَيْهِمَاتٌ أو دَرَاهِمُ صِغَارٌ أو كِبَارٌ كَالْجَمْعِ الْعَارِي عن ذلك فَيَأْتِي في تَفْسِيرِهِ بِالنَّقْصِ وَغَيْرِهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ وَلَيْسَ التَّقْيِيدُ بِالصِّغَرِ كَالتَّقْيِيدِ بِالنُّقْصَانِ لِأَنَّ لَفْظَ الدِّرْهَمِ صَرِيحٌ في الْوَازِنِ وَالْوَصْفُ بِالصِّغَرِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ في الشَّكْلِ وَأَنْ يَكُونَ بِالْإِضَافَةِ إلَى غَيْرِهِ وَقِسْ بِذَلِكَ الْوَصْفَ بِغَيْرِ الصِّغَرِ
فَرْعٌ يَجِبُ بِقَوْلِهِ له عَلَيَّ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ أو قَلِيلَةٌ ثَلَاثَةٌ كما لو قال له عَلَيَّ دَرَاهِمُ وَلَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِيهَا في الْوَزْنِ بَلْ يَكْفِي أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ زِنَةَ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ ويجب بِقَوْلِهِ له عَلَيَّ أَقَلُّ عَدَدِ الدَّرَاهِمِ دِرْهَمَانِ لِأَنَّ الْعَدَدَ هو الْمَعْدُودُ وَكُلُّ مَعْدُودٍ مُتَعَدِّدٌ فَيَخْرُجُ عنه الْوَاحِدُ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ويجب بِقَوْلِهِ له عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ عَدَدٌ أَنْ تَكُونَ وَازِنَةً بِوَزْنِ الْإِسْلَامِ صِحَاحًا فَلَا يُقْبَلُ مِائَةٌ بِالْعَدَدِ نَاقِصَةُ الْوَزْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَقْدُ الْبَلَدِ عَدَدًا نَاقِصًا فَيُقْبَلُ منه حَمْلًا على الْمَعْهُودِ ويجب في إقْرَارِهِ بِمِائَةٍ عَدَدٌ من الدَّرَاهِمِ الْعَدَدُ فَقَطْ أَيْ دُونَ الْوَزْنِ لِأَنَّهُ لم يَقُلْ مِائَةُ دِرْهَمٍ قال الْإِسْنَوِيُّ وقد تَقَدَّمَ أَنَّ أَقَلَّ الْعَدَدِ اثْنَانِ فَالْقِيَاسُ لُزُومُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ نَاقِصَةٍ إنْ كان عَدَدٌ مَجْرُورًا بِالْإِضَافَةِ كما هو الْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ وَكَذَا إنْ كان مَنْصُوبًا لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْمِائَةِ وَإِنْ كان مَرْفُوعًا فَالْقِيَاسُ أَنَّ الْمِائَةَ مُبْهَمَةٌ وَيَلْزَمُهُ تَفْسِيرُهَا بِمَا لَا تَنْقُصُ قِيمَتُهُ عن دِرْهَمَيْنِ عَدَدًا لَا وَزْنًا كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ في قَوْلِهِ عَلَيَّ أَلْفُ
____________________
(2/304)
دِرْهَمٍ بِرَفْعِهِمَا وَتَنْوِينِهِمَا وَإِنْ كان سَاكِنًا لَزِمَهُ الْأَقَلُّ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَرَدَّ عليه بَعْضُهُمْ ذلك بِشَيْءٍ بَنَاهُ على ما تَوَهَّمَهُ من كَلَامِهِ من أَنَّ عَدَدًا جَمْعٌ وَتَمْيِيزُ الْمِائَةِ لَا يَقَعُ جَمْعًا وما تَوَهَّمَهُ فَاسِدٌ إذْ ليس في كَلَامِهِ ما يَقْتَضِي أَنَّهُ جَمْعٌ وَلَا يَلْزَمُ من دَلَالَتِهِ على أَكْثَرَ من وَاحِدٍ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا بَلْ هو مُفْرَدٌ فَيَصِحُّ كَوْنُهُ تَمْيِيزًا لِلْمِائَةِ كَزَوْجٍ وَشَفْعٍ
فَرْعٌ قَوْلُهُ له عَلَيَّ من دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ لَزِمَهُ بِهِ تِسْعَةٌ إخْرَاجًا لِلطَّرَفِ الْأَخِيرِ وَإِدْخَالًا لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ مَبْدَأُ الِالْتِزَامِ وقوله له عِنْدِي أو بِعْتُك من الْجِدَارِ إلَى الْجِدَارِ يَلْزَمُهُ بِهِ ما بَيْنَهُمَا إخْرَاجًا لِلطَّرَفَيْنِ وَالْفَرْقُ بين هذه وَتِلْكَ أَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ هُنَا السَّاحَةُ وَلَيْسَ الْجِدَارُ منها بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ هذا من زِيَادَتِهِ وَذِكْرُ الْجِدَارِ مِثَالٌ فَالشَّجَرَةُ كَذَلِكَ بَلْ لو قال من هذا الدِّرْهَمِ إلَى هذا الدِّرْهَمِ فَكَذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّ الْقَصْدَ التَّحْدِيدُ لَا التَّعْدِيدُ وقوله له عَلَيَّ ما بين دِرْهَمٍ وَعَشَرَةٍ أو ما بين دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ يَلْزَمُهُ بِهِ ثَمَانِيَةٌ لِأَنَّ ما بَيْنَهُمَا لَا يَشْمَلُهُمَا وقوله له عَلَيَّ دِرْهَمٌ في عَشَرَةٍ يَلْزَمُهُ بِهِ لِمُرِيدِ الْحِسَابِ إذَا فُهِمَ مَعْنَاهُ عَشَرَةٌ لِأَنَّهَا مُوجَبَةٌ بِخِلَافِ ما إذَا لم يُفْهَمْ مَعْنَاهُ وَإِنْ أَرَادَ مَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِهِ إذْ لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ ما لَا يَفْهَمُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا دِرْهَمٌ ويلزم بِهِ لِمُرِيدٍ مَعْنَى مع بِأَنْ قال أَرَدْت مع عَشَرَةِ دَرَاهِمَ له أَحَدَ عَشَرَ لِأَنَّ ذلك هو الْحَاصِلُ بِضَمِّهِمَا وَوَرَدَتْ في بِمَعْنَى مع كما في قَوْله تَعَالَى اُدْخُلُوا في أُمَمٍ أَيْ مَعَهُمْ وَبِمَا فُسِّرَتْ بِهِ الْمَعِيَّةُ انْدَفَعَ ما قِيلَ إنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ دِرْهَمٌ وَيُرْجَعَ في تَفْسِيرِ الْعَشَرَةِ إلَيْهِ كَنَظِيرِهِ في أَلْفٍ وَدِرْهَمٍ ويلزم بِهِ لِمُرِيدِ الظَّرْفِيَّةِ أو الْمُطْلِقِ بِكَسْرِ اللَّامِ بِأَنْ لم يُرِدْ شيئا مِمَّا ذُكِرَ دِرْهَمٌ أَخْذًا بِالْيَقِينِ
فَصْلٌ الظَّرْفُ وَالْمَظْرُوفُ لَا يَتْبَعُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ في الْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ لم يُقِرَّ بِهِ وَالْإِقْرَارُ يَعْتَمِدُ الْيَقِينَ كما مَرَّ فَيَجِبُ بِقَوْلِهِ له عِنْدِي سَيْفٌ في غِمْدٍ وَزَيْتٌ في جَرَّةٍ وَنَحْوِهِمَا الْمَظْرُوفُ لَا الظَّرْفُ وَبِعَكْسِهِ عَكْسُهُ فَيَجِبُ بِقَوْلِهِ له عِنْدِي غِمْدٌ فيه سَيْفٌ وَجَرَّةٌ فيها زَيْتٌ وَنَحْوُهُمَا الظَّرْفُ لَا الْمَظْرُوفُ وَكَذَا الْحُكْمُ في له عِنْدِي فَرَسٌ عليه سَرْجٌ وَعَبْدٌ عليه عِمَامَةٌ وَخَاتَمٌ فيه أو عليه فَصٌّ وَجَارِيَةٌ في بَطْنِهَا حَمْلٌ وَفَرَسٌ في حَافِرِهَا نَعْلٌ وَقُمْقُمَةٌ عليها عُرْوَةٌ وَعَكْسُهُ أَيْ كُلٌّ من الْمَذْكُورَاتِ كَقَوْلِهِ له عِنْدِي سَرْجٌ على فَرَسٍ وَعِمَامَةٌ على عَبْدٍ وَفَصٌّ في خَاتَمٍ وَحَمْلٌ في بَطْنِ جَارِيَةٍ وَنَعْلٌ في حَافِرِ فَرَسٍ وَعُرْوَةٌ على قُمْقُمَةٍ فَتَجِبُ في الصُّورَةِ الْأُولَى الْفَرَسُ وَالْعَبْدُ وَالْخَاتَمُ وَالْجَارِيَةُ وَالْقُمْقُمَةُ لَا السَّرْجُ وَالْعِمَامَةُ وَالْفَصُّ وَالْحَمْلُ وَالنَّعْلُ وَالْعُرْوَةُ وفي صُوَرِ عَكْسِهَا عَكْسُ ذلك
أو قال له عِنْدِي جَارِيَةٌ فَكَانَتْ حَامِلًا
____________________
(2/305)
أو له عِنْدِي خَاتَمٌ فَكَانَ فيه فَصٌّ دخل الْفَصُّ في الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْخَاتَمَ يَتَنَاوَلُهُ فَلَوْ قال لم أُرِدْ الْفَصَّ لم يُقْبَلْ منه لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عن بَعْضِ ما أَقَرَّ بِهِ وَإِنَّمَا لم يَتَنَاوَلْهُ في خَاتَمٍ فيه فَصٌّ لِقَرِينَةِ الْوَصْفِ الْمُوقِعِ في الشَّكِّ لَا الْحَمْلُ في الْأَوْلَى لِأَنَّ الْجَارِيَةَ لَا تَتَنَاوَلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عن حَقٍّ سَابِقٍ كما مَرَّ وَرُبَّمَا كانت الْجَارِيَةُ له دُونَ الْحَمْلِ بِأَنْ كان مُوصًى بِهِ وَلِهَذَا لو قال هذه الدَّابَّةُ لِفُلَانٍ إلَّا حَمْلَهَا صَحَّ وَلَوْ قال بِعْتُكهَا إلَّا حَمْلَهَا لم يَصِحَّ وَالشَّجَرَةُ كَالْجَارِيَةِ وَالثَّمَرَةُ كَالْحَمْلِ فِيمَا ذُكِرَ قال في الْأَنْوَارِ قال الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ وَالضَّابِطُ أَنَّ ما يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ الْبَيْعِ يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِقْرَارِ وما لَا فَلَا إلَّا الثَّمَرَةَ غير الْمُؤَبَّرَةِ وَالْحَمْلَ وَالْجِدَارَ أَيْ فَإِنَّهَا تَدْخُلُ في الْبَيْعِ وَلَا تَدْخُلُ في الْإِقْرَارِ لِبِنَائِهِ على الْيَقِينِ وَبِنَاءِ الْبَيْعِ على الْعُرْفِ فَإِنْ قال له عِنْدِي فَرَسٌ بِسَرْجَةٍ أو عَبْدٌ بِعِمَامَتِهِ لَزِمَ الْمُقِرَّ الْجَمِيعُ وَكَذَا يَلْزَمُهُ الْجَمِيعُ بِقَوْلِهِ له عِنْدِي ثَوْبٌ مُطَرَّزٌ لِأَنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى مع كما مَرَّ وَالطِّرَازُ جُزْءٌ من الْمُطَرَّزِ وَإِنْ رَكِبَ عليه بَعْدَ نَسْجِهِ قال ابن الرِّفْعَةِ وَيَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ عليه طِرَازٌ كَقَوْلِهِ مُطَرَّزٌ
انْتَهَى
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَخَاتَمٍ عليه فَصٌّ وقد يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لَا فَرَسٌ مُسْرَجٌ أو دَارٌ مَفْرُوشَةٌ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْفَرَسُ وَالدَّارُ لِأَنَّهُ لم يُقِرَّ بِالسَّرْجِ وَالْفِرَاشِ وَلَيْسَتَا شَبِيهَتَيْنِ بِمَا قَبْلَهُمَا وَبِقَوْلِهِ له عَلَيَّ أَلْفٌ في هذا الْكِيسِ يَلْزَمُهُ أَلْفٌ وَإِنْ لم يَكُنْ فيه شَيْءٌ لِاقْتِضَاءِ عَلَيَّ اللُّزُومَ وَلَا نَظَرَ إلَى ما عَقِبَهُ بِهِ وَيُتَمِّمُهُ وُجُوبًا لو نَقَصَ ما فيه عن الْأَلْفِ كما أَنَّهُ لو لم يَكُنْ فيه شَيْءٌ لَزِمَهُ الْأَلْفُ
أو قال له عَلَيَّ الْأَلْفُ الذي في الْكِيسِ فَلَا تَتْمِيمَ لو نَقَصَ لِأَنَّهُ لم يَلْتَزِمْ إلَّا ما في الْكِيسِ لِجَمْعِهِ بين التَّعْرِيفِ وَالْإِضَافَةِ إلَى الْكِيسِ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ قد تَقْتَضِي أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لو قال له عَلَيَّ الْأَلْفُ في الْكِيسِ بِتَرْكِ الذي وهو مُحْتَمَلٌ لَكِنَّ الْأَوْجَهَ خِلَافُهُ كَقَوْلِهِ له عَلَيَّ أَلْفٌ في الْكِيسِ وَإِنْ افْتَرَقَا بِالتَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ وَلَا غُرْمَ لو لم يَكُنْ فيه شَيْءٌ لِأَنَّهُ لم يَعْتَرِفْ بِشَيْءٍ في ذِمَّتِهِ أَيْ على الْإِطْلَاقِ وَفُرِّقَ أَيْضًا بين الْمُنَكَّرِ وَالْمُعَرَّفِ بِأَنَّ الْإِخْبَارَ عن الْمُنَكَّرِ الْمَوْصُوفِ في قُوَّةِ خَبَرَيْنِ فَأَمْكَنَ قَبُولُ أَحَدِهِمَا وَإِلْغَاءُ الْآخَرِ وَالْإِخْبَارُ عن الْمُعَرَّفِ الْمَوْصُوفِ يَعْتَمِدُ الصِّفَةَ فإذا كانت مُسْتَحِيلَةً بَطَلَ الْخَبَرُ كُلُّهُ قال السُّبْكِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ في حَالَتَيْ التَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ بين أَنْ تَكُونَ الصِّيغَةُ عَلَيَّ كما فَرَضَهُ الْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ وَأَنْ تَكُونَ عِنْدِي كما فَرَضَهُ الْغَزَالِيُّ لِأَنَّ عِنْدِي وَإِنْ حُمِلَتْ على الْوَدِيعَةِ لَكِنْ لَا بُدَّ من تَحَقُّقِهَا حين الْإِقْرَارِ نعم يَفْتَرِقُ الْحَالُ في أَنَّ في عَلَيَّ إذَا أَلْزَمْنَاهُ الْإِتْمَامَ أو الْجَمْعَ كان إلْزَامَ ضَمَانٍ وفي عِنْدِي يَكُونُ أَمَانَةً وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذلك فِيمَا لو تَلِفَ الْمَوْجُودُ بَعْدَ ذلك بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْمُقَرِّ له بِعَيْنِهِ حتى لو حَجَرَ على الْمُقِرِّ لم يُزَاحِمْهُ الْغُرَمَاءُ فيه انْتَهَى قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لو قال عِنْدِي أَلْفٌ في هذا الْكِيسِ بِالتَّنْكِيرِ ولم يُوجَدْ فيه شَيْءٌ لم يَلْزَمْهُ شَيْءٌ بِخِلَافِ ما إذَا قال عَلَيَّ لِأَنَّهَا الْتِزَامٌ لِلدَّيْنِيَّةِ
فَصْلٌ قال لِفُلَانٍ أَلْفٌ في هذا الْعَبْدِ أو منه أو من ثَمَنِهِ أو فيه فَهُوَ لَفْظٌ مُجْمَلٌ فَيُسْأَلُ وَيُعْمَلُ بِتَفْسِيرِهِ كما بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ وَفَسَّرَهُ بِجِنَايَةٍ صَدَرَتْ منه على فُلَانٍ أو على مَالِهِ أَرْشُهَا أَلْفٌ قُبِلَ وَتَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِرَقَبَتِهِ أو فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ وَصِيٌّ له من ثَمَنِهِ بِأَلْفٍ قُبِلَ وَبِيعَ لِأَجَلِهِ وَتَعَيَّنَ ثَمَنُهُ لِلصَّرْفِ له فَلَيْسَ لِلْمُقِرِّ إمْسَاكُهُ وَدَفْعُ الْأَلْفِ من مَالِهِ امْتِثَالًا لِشَرْطِ الْمُوصِي قال السُّبْكِيُّ كَذَا أَطْلَقُوهُ وقال ابن الصَّبَّاغِ إنْ رضي الْمُقَرُّ له جَازَ وَاَلَّذِي قَالَهُ مُتَعَيَّنٌ وَإِنَّمَا لم يَجُزْ عِنْدَ عَدَمِ الرِّضَا هُنَا وَجَازَ في الْعَبْدِ الْجَانِي مع اشْتِرَاكِهِمَا في التَّعَلُّقِ بِالْعَيْنِ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى له يَثْبُتُ مع حَقِّ الْوَارِثِ يَعْنِي في وَقْتٍ وَاحِدٍ وهو وَقْتُ الْمَوْتِ وَحَقُّ الْمَجْنِيِّ عليه مُتَأَخِّرٌ عن حَقِّ السَّيِّدِ فَكَانَ أَضْعَفَ وَالْفَاضِلُ عن الْأَلْفِ من ثَمَنِ الْعَبْدِ لِلْمُقِرِّ وَلَوْ لم يَبْلُغْ ثَمَنُهُ أَلْفًا لم يَلْزَمْهُ تَتْمِيمُهُ أو فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ أَقْرَضَنِي في ثَمَنِهِ أَلْفًا قُبِلَ وَكَذَا إنْ قال هو رَهْنٌ عِنْدَهُ بِهِ قُبِلَ وَلَزِمَهُ الْأَلْفُ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَإِنْ كان في الذِّمَّةِ فَلَهُ تَعَلُّقٌ ظَاهِرٌ بِالْمَرْهُونِ فَصَارَ كَالتَّفْسِيرِ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَإِنْ قال وَزْنُهَا أَيْ الْأَلْفِ في ثَمَنِهِ ولم آذَنْ فَالْعَبْدُ كُلُّهُ لِلْمُقَرِّ له أو قال وَزَنْت مثله أَيْ أَلْفًا لَكِنَّ له الْعُشْرَ مَثَلًا في الْعَبْدِ بِأَنْ قال وَزَنَ في ثَمَنِ عُشْرِهِ أَلْفًا وَوَزَنْت أنا أَلْفًا في تِسْعَةِ أَعْشَارِهِ قُبِلَ وَإِنْ قال اشْتَرَيْنَاهُ دَفْعَتَيْنِ لِاحْتِمَالِهِ فَيَكُونُ له تِسْعَةُ أَعْشَارِهِ وَلِلْمُقَرِّ له عُشْرُهُ وَلَا نَظَرَ إلَى قِيمَتِهِ وكان الْأَوْلَى بِالْغَايَةِ دَفْعَهُ وفي نُسْخَةٍ إنْ بِدُونِ الْوَاوِ وَهِيَ الْمُوَافِقَةُ لِلْأَصْلِ لَكِنَّ الْأُولَى أَكْثَرُ فَائِدَةً وَإِلَّا بِأَنْ قال وَزَنْت مثله فَقَطْ كان
____________________
(2/306)
الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَإِنْ قال وَزَنْت مِثْلَيْهِ أو نِصْفَهُ مَثَلًا كان الِاشْتِرَاكُ بِحِسَابِهِ فَلَهُ في الْأُولَى ثُلُثَاهُ وَلِلْمُقَرِّ له ثُلُثُهُ وفي الثَّانِيَةِ بِالْعَكْسِ وَإِنْ قال أَعْطَانِي أَلْفًا لِأَشْتَرِيَ له الْعَبْدَ وقد اشْتَرَيْته له فَإِنْ صَدَّقَهُ فَالْعَبْدُ له وَإِنْ كَذَّبَهُ بَطَلَ إقْرَارُهُ في الْعَبْدِ وَلَزِمَهُ الْأَلْفُ التي أَقَرَّ بها هذا كُلُّهُ إذَا لم يَقُلْ عَلَيَّ فَإِنْ قال له عَلَيَّ أَلْفٌ على هذا الْعَبْدِ أو منه أو من ثَمَنِهِ أو فيه فَأَلْفٌ تَلْزَمُهُ بِكُلِّ حَالٍ حتى تَلْزَمَهُ وَإِنْ لم يَبْلُغْ ثَمَنُ الْعَبْدِ أو قِيمَتُهُ أَلْفًا
قال السُّبْكِيُّ لَكِنَّ التَّفْسِيرَ بِالْجِنَايَةِ أو الْوَصِيَّةِ أو الشِّرَاءِ لَا يَجِيءُ هُنَا وهو ظَاهِرٌ لِإِتْيَانِهِ بِعَلَيَّ وَلَوْ قال له عَلَيَّ أَلْفٌ في عَبْدِي قال السُّبْكِيُّ فَهُوَ كما لو قال في هذا الْعَبْدِ قَالَهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ لَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ معه التَّفْسِيرُ بِالْمُشَارَكَةِ أو بِالشِّرَاءِ لِلْمُقَرِّ له
فَرْعٌ قَوْلُهُ له عَلَيَّ دِرْهَمٌ في دِينَارٍ كَأَلْفٍ أَيْ كَقَوْلِهِ له عَلَيَّ أَلْفٌ في هذا الْعَبْدِ فَيَأْتِي فيه ما مَرَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَهُمَا مَعًا فَيَلْزَمَانِهِ فَإِنْ لم يَنْوِ شيئا فَدِرْهَمٌ فَقَطْ يَلْزَمُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ يَأْتِيَانِ في له عَلَيَّ أَلْفٌ في هذا الْعَبْدِ أَيْضًا
فَصْلٌ لو قال له في مِيرَاثِ أبي أَلْفٌ أو له في هذه الدَّارِ نِصْفُهَا فَإِقْرَارٌ في الْأُولَى على الْأَبِ بِأَلْفٍ في الْمِيرَاثِ وفي الثَّانِيَةِ بِنِصْفِ الدَّارِ وَاسْتُشْكِلَتْ الْأُولَى بِأَنَّ قِيَاسَ ما فُسِّرَ بِهِ في له في هذا الْعَبْدِ أَلْفٌ أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ فيها وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ له في مِيرَاثِ أبي أَلْفٌ إقْرَارٌ بِتَعَلُّقِ الْأَلْفِ بِعُمُومِ الْمِيرَاثِ فَلَا يُقْبَلُ منه دَعْوَى الْخُصُوصِ بِتَفْسِيرِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُفَسَّرَ بِجِنَايَتِهِ أو رَهْنِهِ مَثَلًا لو تَلِفَ ضَاعَ حَقُّ الْمُقَرِّ له في الْأَوَّلِ وَانْقَطَعَ حَقُّ تَعَلُّقِهِ بِعَيْنٍ من التَّرِكَةِ في الثَّانِي فَيَصِيرُ كَالرُّجُوعِ عن الْإِقْرَارِ بِمَا يُرْفَعُ كُلُّهُ أو بَعْضُهُ
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لو فُسِّرَ هُنَا بِمَا يَعُمُّ الْمِيرَاثَ وَأَمْكَنَ قُبِلَ وَأَنَّهُ لو قال ثُمَّ وَلَهُ عَبِيدٌ له في هذه الْعَبِيدِ أَلْفٌ وَفُسِّرَ بِجِنَايَةِ أَحَدِهِمْ لم يُقْبَلْ وَخَرَجَ أَحَدُهُمْ لم يُقْبَلْ وَخَرَجَ بِالْأَلْفِ الْجُزْءُ الشَّائِعُ كَقَوْلِهِ له في مِيرَاثِ أبي نِصْفُهُ أو ثُلُثُهُ فَلَا يَكُونُ دَيْنًا على الْأَبِ وَإِلَّا لَتَعَلَّقَ بِجَمِيعِ التَّرِكَةِ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ ثُمَّ قال وَالظَّاهِرُ صِحَّةُ الْإِقْرَارِ بِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَوْصَى له بِذَلِكَ الْجُزْءِ وَقَبِلَهُ وَأَجَازَهُ الْوَارِثُ إنْ كان زَائِدًا على الثُّلُثِ وما قَالَهُ أَوْجَهُ من قَوْلِ السُّبْكِيّ إنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ في مِيرَاثِ أبي نِصْفُهُ كَقَوْلِهِ له في مِيرَاثِي نِصْفُهُ وَأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ له فيه ثُلُثُهُ إقْرَارًا له بِالْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ أو قال له في مِيرَاثِي من أبي أَلْفٌ أو في دَارِي نِصْفُهَا أو في مَالِي أَلْفٌ فَهُوَ وَعْدٌ لِهِبَةٍ لَا يَلْزَمُ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ إذَا لم يُرِدْهُ لِأَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْكُلَّ إلَى نَفْسِهِ لم يَنْتَظِمْ منه الْإِقْرَارُ بِبَعْضِهِ كما لَا يَنْتَظِمُ منه الْإِقْرَارُ بِكُلِّهِ في قَوْلِهِ دَارِي لِفُلَانٍ وَفَارَقَتْ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ما مَرَّ في مِيرَاثِ أبي بِأَنَّهُ في تِلْكَ أَثْبَتَ حَقَّ الْمُقَرِّ له في الْمِيرَاثِ وهو لَا يَحْتَمِلُ التَّبَرُّعَ إذْ لَا تَبَرُّعَ بَعْدَ الْمَوْتِ وفي هذه أَضَافَ الْمِيرَاثَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ جَعَلَ لِلْمُقَرِّ له منه شيئا فَاحْتُمِلَ كَوْنُهُ تَبَرُّعًا وَاسْتَشْكَلَ الْقَاضِي الْفَرْقَ بِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ فَإِضَافَتُهُ إلَى نَفْسِهِ لَا تَمْنَعُ كَوْنَهُ إقْرَارًا على أبيه وَأَجَابَ بِأَنَّ ذلك مَبْنِيٌّ على الْعُرْفِ فَإِنَّهُمْ لَا يُضِيفُونَ إلَى أَنْفُسِهِمْ الْمِيرَاثَ إلَّا في الْمُسْتَقِرِّ
فَإِنْ كان ما ذُكِرَ في الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ بِصِيغَةٍ مُلْزِمَةٍ كَقَوْلِهِ له عَلَيَّ في مِيرَاثِي أَلْفٌ أو له في مَالِي أَلْفٌ بِحَقٍّ لَزِمَنِي أو بِحَقٍّ ثَابِتٍ أو له في دَارِي نِصْفُهَا بِحَقٍّ لَزِمَنِي أو ثَابِتٍ لَزِمَهُ ما أَقَرَّ بِهِ سَوَاءٌ بَلَغَ الْمِيرَاثُ أو الْمَالُ أَلْفًا أو نَقَصَ عنه لِاعْتِرَافِهِ بِلُزُومِهِ له وَبِمَا قَرَّرْته عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ بِحَقٍّ لَزِمَنِي أو ثَابِتٍ قَيْدٌ في الثَّانِيَةِ فَقَطْ
فَرْعٌ في التَّأْكِيدِ وَالْعَطْفِ وَنَحْوِهِمَا التَّكْرَارُ بِلَا عَاطِفٍ تَأْكِيدٌ فَيَلْزَمُهُ بِقَوْلِهِ له عَلَيَّ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ وَإِنْ زَادَ التَّكْرِيرُ دِرْهَمٌ وَبِقَوْلِهِ له عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ ثَلَاثَةٌ لِاقْتِضَاءِ
____________________
(2/307)
الْعَطْفِ التَّغَايُرَ فَإِنْ أَكَّدَ الثَّانِيَ بِالثَّالِثِ فَدِرْهَمَانِ يَلْزَمَانِهِ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ لَا إنْ قال أَرَدْت بِالثَّانِي أو بِالثَّالِثِ تَأْكِيدَ الْأَوَّلِ فَلَا يُقْبَلُ منه لِعَدَمِ اتِّفَاقِ اللَّفْظَيْنِ فِيهِمَا وَتَخَلُّلِ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا في الثَّانِيَةِ وَهَاتَانِ دَاخِلَتَانِ كَحَالَةِ الْإِطْلَاقِ وَحَالَةِ إرَادَةِ الِاسْتِئْنَافِ في أَوَّلِ كَلَامِهِ فَلَا حَاجَةَ لِإِفْرَادِهِمَا بِالذِّكْرِ وَالْعَطْفُ بِثُمَّ كَالْوَاوِ فِيمَا ذُكِرَ لَكِنْ لو قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ بِكُلِّ حَالٍ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ لِاخْتِلَافِ حَرْفِ الْعَطْفِ وَمَتَى قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ مع دِرْهَمٍ أو فَوْقَ دِرْهَمٍ أو تَحْتَ دِرْهَمٍ لي أو معه دِرْهَمٌ أو فَوْقَهُ دِرْهَمٌ أو تَحْتَهُ دِرْهَمٌ وَجَبَ عليه دِرْهَمٌ فَقَطْ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُرِيدُ مع أو فَوْقَ أو تَحْتَ دِرْهَمٍ لي أو معه أو فَوْقَهُ أو تَحْتَهُ دِرْهَمٌ لي أو يُرِيدُ فَوْقَهُ في الْجَوْدَةِ وَتَحْتَهُ في الرَّدَاءَةِ وَمَعَهُ في أَحَدِهِمَا بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في الطَّلَاقِ لِمَا يَأْتِي أو قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ قبل أو قَبْلَهُ أو بَعْدَ أو بَعْدَهُ دِرْهَمٌ فَدِرْهَمَانِ يَلْزَمَانِهِ لِاقْتِضَاءِ الْقَبْلِيَّةَ وَالْبَعْدِيَّةِ الْمُغَايَرَةَ وَتَعَذُّرِ التَّأْكِيدِ وَفَرَّقُوا بين الْفَوْقِيَّةِ وَالتَّحْتِيَّةِ وَبَيْنَ الْقَبْلِيَّةَ وَالْبَعْدِيَّةِ بِأَنَّهُمَا يَرْجِعَانِ إلَى الْمَكَانِ فَيَتَّصِفُ بِهِمَا نَفْسُ الدِّرْهَمِ وَالْقَبْلِيَّةُ وَالْبَعْدِيَّةُ تَرْجِعَانِ إلَى الزَّمَانِ وَلَا يَتَّصِفُ بِهِمَا نَفْسُ الدِّرْهَمِ فَلَا بُدَّ من أَمْرٍ يَرْجِعُ إلَيْهِ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ وَلَيْسَ إلَّا الْوُجُوبُ عليه وَاعْتَرَضَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُمَا تَرْجِعَانِ إلَى الرُّتْبَةِ وَغَيْرِهَا أَيْضًا وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا يَلْزَمُ رُجُوعُهُمَا إلَى الْوُجُوبِ فَقَدْ يُرِيدُ دِرْهَمًا مَضْرُوبًا قبل دِرْهَمٍ وَنَحْوَهُ وَلَوْ سُلِّمَ فَقَدْ يُرِيدُ لِزَيْدٍ دِرْهَمٌ قبل وُجُوبِ دِرْهَمٍ لِغَيْرِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ قبل وَبَعْدَ صَرِيحَانِ أو ظَاهِرَانِ في الزَّمَانِ فَالْحَمْلُ على غَيْرِهِ من الْمَرْتَبَةِ وَغَيْرِهَا بَعِيدٌ وَالْحَمْلُ على غَيْرِ الْوَاجِبِ مُنَافٍ لِعَلَيَّ الْمَوْضُوعَةِ لِلِالْتِزَامِ وَاحْتِمَالُ إرَادَةِ قبل وُجُوبَ دِرْهَمٍ لِغَيْرِهِ مُنَافٍ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ له وَلَيْسَ كُلُّ احْتِمَالٍ مَقْبُولًا
وَمَتَى قال له عَلَيَّ أو عِنْدِي دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ أو دِرْهَمٌ فَقَفِيرُ حِنْطَةٍ وَجَبَ عليه دِرْهَمٌ فَقَطْ إنْ لم يُرِدْ بِالْفَاءِ الْعَطْفَ لِأَنَّهَا تَأْتِي لِغَيْرِهِ فَيُؤْخَذُ بِالْيَقِينِ بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ يَقَعُ طَلْقَتَانِ وَفَرَّقُوا بِأَنَّهُ قد يُرِيدُ فَدِرْهَمٌ لَازِمٌ لي أو أَجْوَدُ منه وَمِثْلُهُ لَا يَنْقَدِحُ في الطَّلَاقِ وَبِأَنَّ الْإِنْشَاءَ أَقْوَى وَأَسْرَعُ نُفُوذًا وَلِهَذَا يَتَعَدَّدُ بِالتَّلَفُّظِ بِهِ في يَوْمَيْنِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ وَاعْتَرَضَ الرَّافِعِيُّ الْفَرْقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ قد يُرِيدُ فَطَالِقٌ مَهْجُورَةٌ أو لَا تُرَاجَعْ أو خَيْرٌ مِنْك أو نَحْوَهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذلك صَرْفٌ لِلصَّرِيحِ عن مُقْتَضَاهُ أَمَّا إذَا أَرَادَ بِالْفَاءِ الْعَطْفَ فَيَلْزَمُهُ في الْأُولَى دِرْهَمَانِ وفي الثَّانِيَةِ دِرْهَمٌ وَقَفِيرُ حِنْطَةٍ كما في الْعَطْفِ بِالْوَاوِ وفي قَوْلِهِ بِعْتُك بِدِرْهَمٍ فَدِرْهَمُ الثَّمَنِ دِرْهَمَانِ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ وَمَنَعَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ الطَّلَاقَ إنْشَاءٌ يُمْكِنُ أَنْ يَعْقُبَ بَعْضُهُ بَعْضًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ إذْ الشَّيْءُ إذَا بِيعَ بِدِرْهَمٍ امْتَنَعَ بَيْعُهُ بِدِرْهَمٍ آخَرَ قال وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لو قال بِعْتُك بِدِرْهَمٍ ثُمَّ بِدِرْهَمٍ لم يَصِحَّ وَنَحْنُ نَلْتَزِمُهُ بِخِلَافِ دِرْهَمٍ وَدِرْهَمٍ لِدَلَالَةِ الْوَاوِ على الْجَمْعِ بِلَا تَرْتِيبٍ وَإِنْ قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمٌ أو لَا بَلْ أو لَكِنْ دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا قَصَدَ الِاسْتِدْرَاكَ فَيَذْكُرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَيُعِيدُ الْأَوَّلَ أو له عَلَيَّ دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمَانِ أو لَا بَلْ أو لَكِنْ دِرْهَمَانِ فَدِرْهَمَانِ يَلْزَمَانِهِ لِتَعَذُّرِ نَفْيِ ما قبل بَلْ أو لَكِنْ لِاشْتِمَالِ ما بَعْدَهَا عليه
وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ نَفْيُ الِاقْتِصَارِ على ما قَبْلَهَا وَإِثْبَاتُ الزِّيَادَةِ عليه كَذَا عَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ وَاسْتَشْكَلَهُ بِأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَلْ طَلْقَتَيْنِ حَيْثُ تَقَعُ الثَّلَاثُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ إنْشَاءٌ فإذا أَنْشَأَ طَلْقَةً ثُمَّ أَضْرَبَ عنها إلَى إنْشَاءِ طَلْقَتَيْنِ لَا يُمْكِنُ إنْشَاءُ إعَادَةِ الْأُولَى مع الثَّانِيَةِ لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ مُحَالٌ وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ فإذا أَخْبَرَ بِالْبَعْضِ ثُمَّ أَضْرَبَ عن الْإِخْبَارِ بِهِ إلَى إخْبَارٍ بِالْكُلِّ جَازَ دُخُولُ الْبَعْضِ في الْكُلِّ هذا إذَا لم يُعَيِّنْ الدِّرْهَمَيْنِ ولم يَخْتَلِفْ الْجِنْسُ فَإِنْ عَيَّنَهُمَا أو اخْتَلَفَ الْجِنْسُ مِثْلُ قَوْلِهِ له عِنْدِي هذا الدِّرْهَمُ بَلْ هَذَانِ الدِّرْهَمَانِ أو دِرْهَمٌ بَلْ دِينَارٌ فَالْكُلُّ يَلْزَمُهُ لِعَدَمِ دُخُولِ ما قبل بَلْ فِيمَا بَعْدَهَا وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عنه وَكَاخْتِلَافِ الْجِنْسِ اخْتِلَافُ النَّوْعِ وَالصِّفَةِ أو قال له عِنْدِي عَشَرَةٌ بَلْ تِسْعَةٌ فَعَشَرَةٌ تَلْزَمُهُ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عن الْأَكْثَرِ لَا يُقْبَلُ وَيَدْخُلُ فيه الْأَقَلُّ أو له عِنْدِي دِرْهَمَانِ بَلْ دِرْهَمٌ أو لَا بَلْ دِرْهَمٌ فَدِرْهَمَانِ تَلْزَمَانِهِ أو قال دِرْهَمٌ وَدِرْهَمَانِ أو قال قَفِيزٌ وَقَفِيزَانِ أو دِينَارٌ بَلْ دِينَارَانِ بَلْ ثَلَاثَةٌ فَثَلَاثَةٌ من الدَّرَاهِمِ وَالْأَقْفِزَةِ وَالدَّنَانِيرِ تَلْزَمُهُ وَلَوْ قال دِينَارٌ بَلْ دِينَارَانِ بَلْ قَفِيزٌ بَلْ قَفِيزَانِ لَزِمَهُ دِينَارَانِ وَقَفِيزَانِ وَلَوْ قال دِينَارٌ وَدِينَارَانِ بَلْ
____________________
(2/308)
قَفِيزٌ وَقَفِيزَانِ لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ وَثَلَاثَةُ أَقْفِزَةٍ كما عُلِمَ من كَلَامِهِ وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ
فَصْلٌ لَا يَتَعَدَّدُ الْمُقَرُّ بِهِ بِالتَّكْرَارِ لِلْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ وَتَعَدُّدُهُ لَا يَقْتَضِي تَعَدُّدَ الْمُخْبَرِ عنه إلَّا إذَا عَرَضَ ما يَمْنَعُ منه فَالْإِقْرَارُ أَمْسِ بِأَلْفٍ وَالْيَوْمَ بِأَلْفٍ يُوجِبُ أَلْفًا فَقَطْ وَإِنْ كَتَبَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا صَكًّا وَأَشْهَدَ عليه فَإِنْ عَزَا أَيْ نَسَبَ كُلًّا مِنْهُمَا أَيْ من الْإِقْرَارَيْنِ لَا أَحَدَهُمَا إلَى سَبَبٍ كَأَلْفٍ من ثَمَنِ عَبْدٍ وَأَلْفٍ من ثَمَنِ جَارِيَةٍ أو وَصْفٍ كَأَلْفٍ صِحَاحٍ وَأَلْفٍ مُكَسَّرَةٍ أو أَلْفٍ حَالَّةٍ وَأَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ تَعَدَّدَ الْمُقَرُّ بِهِ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بِخِلَافِ ما إذَا عَزَا أَحَدَهُمَا إلَى ذلك لِإِمْكَانِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ على الْمُقَيَّدِ وَإِنْ أَقَرَّ أَمْسِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَغَدًا وفي نُسْخَةٍ وَغَدَهُ بِأَلْفٍ دخل الْأَقَلُّ في الْأَكْثَرِ لِأَنَّ من عليه أَلْفٌ يَصِحُّ أَنْ يُخْبِرَ بِأَنَّ عليه خَمْسَمِائَةٍ وَمَنْ اقْتَرَضَ خَمْسَمِائَةٍ ثُمَّ اقْتَرَضَ مِثْلَهَا يَصِحُّ إخْبَارُهُ بِالْأَلْفِ بَعْدَ إخْبَارِهِ بِالْخَمْسِمِائَةِ فَإِنْ قال طَلَّقْت زَوْجَتِي أَمْسِ وَطَلَّقْت هَا الْيَوْمَ أو قَبَضْت مِنْك الْيَوْمَ أَلْفًا وَقَبَضْت مِنْك أَمْسِ أَلْفًا تَعَدَّدَ لِمَا مَرَّ وَإِنْ شَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَلْفٍ أو بِغَصْبِهِ أَمْسِ وَآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ أو بِغَصْبِهِ الْيَوْمَ لُفِّقَتْ شَهَادَتُهُمَا وَأُثْبِتَ الْأَلْفُ وَالْغَصْبُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يُوجِبُ حَقًّا بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا هو إخْبَارٌ عن ثَابِتٍ فَيُنْظَرُ إلَى الْمُخْبَرِ عنه وَإِلَى اتِّفَاقِهِمَا على الْإِخْبَارِ عنه لَا إنْ اخْتَلَفَ الْوَصْفُ أو السَّبَبُ فيها لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ لَكِنْ لِلْمُدَّعِي أَنْ يُعَيِّنَ أَحَدَهُمَا وَيَسْتَأْنِفَ الدَّعْوَى بِهِ وَيَحْلِفَ مع الشَّاهِدِ بِهِ وَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُمَا وَيَحْلِفَ مع كُلٍّ من الشَّاهِدَيْنِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ وَلَا تُلَفَّقُ شَهَادَتُهُمَا في الْإِنْشَاءِ كَالْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْقَرْضِ كَأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَهُ أَمْسِ أو بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ أَنَّهُ بَاعَهُ غَدِهِ أو بِخَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّهُمَا لم يَتَّفِقَا على شَيْءٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ هو إخْبَارًا حتى يُنْظَرَ إلَى الْمَقْصُودِ الْمُخْبَرِ عنه وَنُلَفِّقُهَا في الْإِقْرَارِ لَا إنْ اخْتَلَفَ الْوَصْفُ أو السَّبَبُ كما مَرَّ
وَلَوْ أَقَرَّ يوم السَّبْتِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا طَلْقَةً وَيَوْمَ الْأَحَدِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ لم يَلْزَمْهُ إلَّا طَلْقَتَانِ وَتُلَفَّقُ الشَّهَادَتَانِ في الْإِقْرَارِ كما مَرَّ وَإِنْ اخْتَلَفَ اللُّغَتَانِ كَأَنْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِإِقْرَارِهِ بِأَلْفٍ بِالْعَرَبِيَّةِ وَآخَرُ بِإِقْرَارِهِ بِأَلْفٍ بِالْعَجَمِيَّةِ لَا في الشَّهَادَةِ بِنَفْسِ الْقَذْفِ كَأَنْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِأَنَّهُ قَذَفَ يوم السَّبْتِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَآخَرُ أَنَّهُ قَذَفَ يوم الْأَحَدِ بِالْعَجَمِيَّةِ فَلَا تُلَفَّقُ الشَّهَادَتَانِ لِأَنَّ الْقَذْفَ إنْشَاءٌ وَلَا فِيمَا إذَا شَهِدَ وَاحِدٌ على إقْرَارِهِ أَنَّهُ يوم السَّبْتِ قَذَفَهُ أو أَنَّهُ قَذَفَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْآخَرُ على إقْرَارِهِ أَنَّهُ يوم الْأَحَدِ قَذَفَهُ أو أَنَّهُ قَذَفَهُ بِالْعَجَمِيَّةِ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ شَيْئَانِ مُخْتَلِفَانِ وَلَا يَخْفَى ما في كَلَامِهِ من التَّكْرَارِ كما أَشَرْت إلَى بَعْضِهِ وَلَا تُلَفَّقُ لِذَلِكَ شَهَادَتَا الْإِيفَاءِ وَالْإِبْرَاءِ كَأَنْ شَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّ الْمُدَّعِيَ اسْتَوْفَى دَيْنَهُ من غَرِيمِهِ وَآخَرُ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ نعم إنْ قال الشَّاهِدُ بِالْإِبْرَاءِ أَرَدْت بِهِ الْإِيفَاءَ أَيْ إبْرَاءَهُ بِفِعْلِ الْإِيفَاءِ لُفِّقَتْ الشَّهَادَتَانِ قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ وفي تَلْفِيقِ شَهَادَتَيْ الْإِبْرَاءِ وَالْبَرَاءَةِ تَرَدُّدٌ كَأَنْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِأَنَّ الْمُدَّعِيَ أَبْرَأَهُ وَآخَرُ بِأَنَّهُ بَرِئَ إلَيْهِ منه وَالْمُوَافِقُ لِكَلَامِ أَصْلِهِ أَنْ يَقُولَ شَهَادَتَيْ الْإِيفَاءِ وَالْبَرَاءَةِ ثُمَّ قَضِيَّةُ كَلَامِ أَصْلِهِ تَرْجِيحُ التَّلْفِيقِ حَيْثُ قال وَالْعِبَارَةُ لِلرَّافِعِيِّ قال أبو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ تُلَفَّقُ لِأَنَّ إضَافَةَ الْبَرَاءَةِ إلَى الْمَدْيُونِ عِبَارَةٌ عن إيفَائِهِ وَقِيلَ بِخِلَافِهِ وَيُؤْخَذُ من كَوْنِ الْبَرَاءَةِ بِمَعْنَى الْإِيفَاءِ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْإِبْرَاءِ وَالْبَرَاءَةِ عَيْنُ الْإِيفَاءِ وَالْبَرَاءَةِ فَيَلْزَمُ على تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِالْإِبْرَاءِ بَدَلَ
____________________
(2/309)
الْإِيفَاءِ تَكْرَارٌ مَحْضٌ
فَرْعٌ لو ادَّعَى ثَلَاثِينَ فَشَهِدَ له وَاحِدٌ بها وَآخَرُ بِعِشْرِينَ ثَبَتَتْ الْعِشْرُونَ وَلَهُ الْحَلِفُ مع الشَّاهِدِ الْأَوَّلِ فَلَوْ كانت الدَّعْوَى بِعِشْرِينَ فَشَهِدَ له وَاحِدٌ بها وَآخَرُ بِثَلَاثِينَ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ في الْعَشَرَةِ لِأَنَّهُ شَهِدَ بها قبل أَنْ يُسْتَشْهَدَ فَلَوْ أَعَادَهَا أَيْ الشَّهَادَةَ بِعَشَرَةٍ بَعْدَ الدَّعْوَى بها وَالِاسْتِشْهَادِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ ادَّعَاهَا الْمُدَّعِي في الْمَجْلِسِ التَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ هُنَا
فَرْعٌ له مَسْطُورٌ بِإِقْرَارٍ بِأَلْفَيْنِ اسْتَوْفَى أَلْفًا وَادَّعَى الْآخَرَ فَكَيْفَ يَشْهَدُ الشُّهُودُ وَهُمْ شَهِدُوا بِالْإِقْرَارِ بِالْجَمْعِ فَقِيلَ يَشْهَدُونَ بِأَلْفٍ من أَلْفَيْنِ وَقِيلَ بِإِقْرَارِهِ بِأَلْفٍ من أَلْفَيْنِ لَا بِأَلْفَيْنِ فَإِنْ شَهِدُوا بِهِمَا بَطَلَتْ في الزَّائِدِ وفي الْبَاقِي قَوْلَا تَبْعِيضِ الشَّهَادَةِ قال السُّبْكِيُّ وَهَذَا كُلُّهُ خَبْطٌ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ ليس عَيْنَ الْحَقِّ بَلْ طَرِيقٌ إلَيْهِ وَتُسْمَعُ الشَّهَادَةُ بِهِ إذَا كانت الدَّعْوَى بِالِاسْتِحْقَاقِ أو ضَمَّ إلَيْهِ الدَّعْوَى بِالْإِقْرَارِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا إنْ أَفْرَدَهُ على الْأَصَحِّ الْمَشْهُورِ الذي قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَشْهَدُونَ بِمَا سَمِعُوهُ وَالْحَاكِمُ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُمْ لِأَنَّهَا تَنْفَعُ في الْحَقِّ الْمُدَّعَى بِهِ وَيُرَتَّبُ عليها ما ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي وَلَيْسَ الشَّهَادَةُ بِالْأَلْفَيْنِ شَهَادَةً قبل الِاسْتِشْهَادِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَسْأَلُهُمْ الشَّهَادَةَ بِمَا جَرَى لِكَوْنِهِ طَرِيقًا في إثْبَاتِ دَعْوَاهُ وَلَا يَسْأَلُهُمْ الشَّهَادَةَ بِمَا ادَّعَاهُ وَلَوْ سَأَلَهُمْ ذلك لم يَلْتَفِتُوا إلَيْهِ بَلْ يُعْرِضُونَ عنه إلَى أَنْ يَسْأَلَهُمْ سُؤَالًا صَحِيحًا وَلَقَدْ كُنْت أَسْمَعُ بَعْضَ الْحُكَّامِ يقول لِلشَّاهِدِ اشْهَدْ بِمَا ادَّعَاهُ وَهَذِهِ غَفْلَةٌ صَادِرَةٌ عن مَعْرِفَةِ الْفِقْهِ دُونَ أَسْرَارِهِ
مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ لو قال ما يُنْسَبُ إلَيَّ أو ما في يَدِي لِزَيْدٍ ثُمَّ قال وقد نَازَعَهُ زَيْدٌ في عَيْنٍ هل كانت في يَدِهِ حِينَئِذٍ لم تَكُنْ هذه الْعَيْنُ في يَدِي صُدِّقَ الْمُقِرُّ بِيَمِينِهِ وَعَلَى الْمُقَرِّ له الْبَيِّنَةُ وَكَذَا لو قال ليس لي مِمَّا في يَدِي إلَّا أَلْفُ وَبَاقِيهِ لِزَيْدٍ وَمِثْلُهُ وَارِثُهُ فِيمَا يَظْهَرُ نعم لو قال هذه الدَّارُ وما فيها لِفُلَانٍ ثُمَّ مَاتَ وَتَنَازَعَ وَارِثُهُ وَالْمُقَرُّ له في بَعْضِ الْأَمْتِعَةِ فقال الْوَارِثُ لم يَكُنْ هذا في الدَّارِ يوم الْإِقْرَارِ وَعَاكَسَهُ الْمُقَرُّ له صُدِّقَ الْمُقَرُّ له لِأَنَّهُ أَقَرَّ له بها وَبِمَا فيها وَوَجَدْنَا الْمَتَاعَ فيها فَالظَّاهِرُ وُجُودُهُ فيها يوم الْإِقْرَارِ قَالَهُ الْقَاضِي في فَتَاوِيهِ وَكَالْوَارِثِ في هذا الْمُقِرُّ وَإِنْ قال زَيْدٌ لَا حَقَّ لي فِيمَا في يَدِ عَمْرٍو ثُمَّ قال زَيْدٌ وقد ادَّعَى عَيْنًا في يَدِ عَمْرٍو لم أَعْلَمْ كَوْنَ هذه الْعَيْنِ في يَدِهِ حين الْإِقْرَارِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِاحْتِمَالِ ما قَالَهُ وَإِنْ قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ أو دِينَارٌ لَزِمَهُ أَحَدُهُمَا وَطُولِبَ بِالتَّعْيِينِ لِأَنَّهُ جَزَمَ بِالْإِقْرَارِ وَأَبْهَمَ الْمُقَرَّ بِهِ فَيَلْزَمُهُ تَعْيِينُهُ وَإِنْ قال له عَلَيَّ أَلْفٌ أو على زَيْدٍ لم يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِلشَّكِّ في الْإِخْبَارِ وَإِنْ قال أَنْت طَالِقٌ أو لَا بِإِسْكَانِ الْوَاوِ على سَبِيلِ الْإِقْرَارِ لم تَطْلُقْ لِذَلِكَ أو على سَبِيلِ الْإِنْشَاءِ طَلُقَتْ كما لو قال أَنْت طَالِق طَلَاقًا لَا يَقَعُ عَلَيْك فَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِفْسَارُهُ بِمَوْتٍ أو غَيْرِهِ قال الْإِسْنَوِيُّ قال الْهَرَوِيُّ فَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ على الْإِخْبَارِ حتى لَا يَقَعَ لِلشَّكِّ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ النِّكَاحِ قال وما قَالَهُ ظَاهِرٌ مُنْقَاسٌ أو قال لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَإِلَّا فَلِعَمْرٍو عَلَيَّ أَلْفُ دِينَارٍ لَزِمَتْهُ الدَّرَاهِمُ فَقَطْ وَكَلَامُهُ الْآخَرُ لِلتَّأْكِيدِ أَيْ لِأَنَّ مثله إنَّمَا يُذْكَرُ في مَعْرِضِ النَّذْرِ غَالِبًا وَإِنْ أَقَرَّ لِابْنِهِ وَإِنْ نَزَلَ بِعَيْنٍ فَلَهُ الرُّجُوعُ فيها لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهُ الْهِبَةَ فَنَزَلَ الْإِقْرَارُ عليها لِأَنَّهَا أَضْعَفُ الْمِلْكَيْنِ كما يَنْزِلُ على أَقَلِّ الْمِقْدَارَيْنِ وَتَرْجِيحُ ما قَالَهُ من زِيَادَتِهِ وقد صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ في فَتَاوِيهِ وَفِيهَا أَنَّ الْأُمَّ وَالْجَدَّةَ في ذلك كَالْأَبِ
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا دَعْوَى له على
____________________
(2/310)
زَيْدٍ ثُمَّ خَصَّصَ ذلك في شَيْءٍ كان له إنَّمَا أَرَدْت في عِمَامَتِهِ وَقَمِيصِهِ لَا في دَارِهِ وَبُسْتَانِهِ لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ في الظَّاهِرِ ولكن له تَحْلِيفُهُ أَيْ الْمُقَرِّ له أَنَّهُ ما عَلِمَهُ قَصَدَ ذلك وَيُفَارِقُ قَبُولَ قَوْلِهِ في مَسْأَلَةِ لَا حَقَّ لي السَّابِقَةِ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعِلْمِ فَدَعْوَاهُ له ثَمَّ مُوَافَقَةٌ لِلْأَصْلِ وَبِأَنَّ عَدَمَ الْعِلْمِ غَالِبٌ على الْإِنْسَانِ كَالنِّسْيَانِ وقد أَفْتَى ابن الصَّلَاحِ في مَسْأَلَةِ دَعْوَى نِسْيَانِ عَيْنٍ بِقَبُولِ قَوْلِهِ بِخِلَافِ تَخْصِيصِ الْعَامِّ بِالْإِرَادَةِ في ذلك فَلَا يُقْبَلُ بِلَا قَرِينَةٍ وَلِهَذَا لو قال نِسَائِي طَوَالِقُ أو كُلُّ امْرَأَةٍ لي طَالِقٌ قال أَرَدْت بَعْضَهُنَّ لم يُقْبَلْ ظَاهِرًا بِلَا قَرِينَةٍ على الصَّحِيحِ إنَّمَا لم يَجْرِ ذلك الْخِلَافُ في مَسْأَلَتِنَا لِأَنَّ الْعَامَّ فيها نَصٌّ في إفْرَادِهِ لِوُقُوعِهِ بَعْدَ لَا النَّافِيَةِ لِلْجِنْسِ بِخِلَافِهِ في تَيْنِكَ فإنه ظَاهِرٌ وَلِأَنَّ الْحَقَّ هُنَا لِمَحْضِ حَقِّ الْآدَمِيِّ بِخِلَافِهِ
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هو ما صَوَّبَهُ النَّوَوِيُّ على قَوْلِ الْهَرَوِيِّ الْقِيَاسُ قَبُولُ قَوْلِهِ ثُمَّ قال وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُ وَيُؤْخَذُ منه أَنَّ الْمَحْذُورَ من قَبُولِ قَوْلِهِ إنَّمَا هو إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَأَنَّهُ في مَسْأَلَةِ لَا حَقَّ لي وَنَحْوِهَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِإِقَامَتِهَا وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الْبُلْقِينِيِّ بَلْ هو مُقْتَضَى ما صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ في نَظِيرِ ذلك من الْمُرَابَحَةِ وَعَلَيْهِ يُفَرَّقُ بِمَا قَدَّمْته آنِفًا وَيُحْمَلُ ما أَطْلَقَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ في الْمُرَابَحَةِ وَغَيْرِهَا من مَسَائِلِ الْإِقْرَارِ من عَدَمِ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ لِتَكْذِيبِ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ لها على ما إذَا لم يذكر الْمُدَّعِي تَأْوِيلًا ظَاهِرًا كَإِرَادَةِ ما ذُكِرَ في مَسْأَلَتِنَا وَالْإِشْهَادِ على رَسْمِ الْقَبَالَةِ وَالْجَهْلِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ وَلَوْ مع دَعْوَى ظُهُورِ مُسْتَنَدٍ يَشْهَدُ له بِاسْتِحْقَاقِهِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ إلَّا لِلتَّحْلِيفِ هَكَذَا فُهِمَ
وَإِنْ أَقَرَّ بِمَجْهُولٍ تُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ كَوَزْنِ هذه الصَّنْجَةِ دَرَاهِمَ وَقَدْرِ ما بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ صَحَّ وَيُرْجَعُ إلَى ما أَحَالَ عليه وَكَقَوْلِهِ لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا نِصْفَ ما لِعَمْرٍو عَلَيَّ وَلِعَمْرٍو عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا ثُلُثَ ما لِزَيْدٍ عَلَيَّ فَلِزَيْدٍ سِتُّمِائَةٍ وَلِعَمْرٍو ثَمَانِمِائَةٍ لِأَنَّ سِتَّمِائَةِ أَلْفٍ إلَّا نِصْفَ ثَمَانِمِائَةٍ وَثَمَانِمِائَةِ أَلْفٍ إلَّا ثُلُثَ سِتُّمِائَةٍ وَذَكَرَ الْأَصْلُ لِذَلِكَ ثَلَاثَةَ طُرُقٍ أَوَّلُهَا أَنْ تَفْرِضَ لِزَيْدٍ شيئا وَتَقُولَ لِعَمْرٍو أَلْفٌ إلَّا ثُلُثَ شَيْءٍ فَتُسْقِطُ نِصْفَهُ من أَلْفِ زَيْدٍ يَبْقَى خَمْسُمِائَةٍ وَسُدُسُ شَيْءٍ يَعْدِلُ الشَّيْءَ تُسْقِطُ سُدُسَ شَيْءٍ بمثله تَبْقَى خَمْسَةُ أَسْدَاسِ شَيْءٍ تَعْدِلُ خَمْسَمِائَةٍ فَالشَّيْءُ سِتُّمِائَةٍ وهو ما لِزَيْدٍ وَلِعَمْرٍو ثَمَانِمِائَةٍ ثَانِيهَا أَنْ تَفْرِضَ لِزَيْدٍ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ لِاسْتِثْنَائِهِ الثُّلُثَ مِمَّا له وَتُسْقِطَ ثُلُثَهَا من أَلْفِ عَمْرٍو يَصِيرُ أَلْفًا إلَّا شيئا ثُمَّ تُزِيدُ نِصْفَهُ على ما فُرِضَ لِزَيْدٍ يَصِيرُ معه خَمْسُمِائَةٍ وَشَيْئَانِ وَنِصْفُ شَيْءٍ يَعْدِلُ أَلْفًا فَتَسْقُطُ خَمْسُمِائَةٍ بِمِثْلِهَا تَبْقَى خَمْسُمِائَةٍ تَعْدِلُ شَيْئَيْنِ وَنِصْفَ شَيْءٍ فَالشَّيْءُ مِائَتَانِ فَلِزَيْدٍ سِتُّمِائَةٍ
وَلَك أَنْ تَقُولَ أَخْذًا من الطَّرِيقِ السَّابِقِ بَعْدَ قَوْلِهِمْ يَصِيرُ أَلْفًا إلَّا شيئا ثُمَّ تُسْقِطُ نِصْفَهَا خَمْسَمِائَةٍ إلَّا نِصْفَ شَيْءٍ من أَلْفِ زَيْدٍ يَبْقَى خَمْسُمِائَةٍ وَنِصْفُ شَيْءٍ وَذَلِكَ يَعْدِلُ الْمَفْرُوضَ فَتُسْقِطُ نِصْفَ شَيْءٍ بمثله يَبْقَى شَيْئَانِ وَنِصْفُ شَيْءٍ يَعْدِلُ خَمْسَمِائَةٍ فَالشَّيْءُ مِائَتَانِ فَلِزَيْدٍ سِتُّمِائَةٍ
ثَالِثُهَا أَنْ تَضْرِبَ مَخْرَجَ النِّصْفِ في مَخْرَجِ الثُّلُثِ يَكُونُ سِتَّةً فَتُنْقِصُ منها الْحَاصِلَ من ضَرْبِ أَحَدِ الْجُزْأَيْنِ في الْآخَرِ وهو وَاحِدٌ يَبْقَى خَمْسَةٌ تُسَمِّيهَا الْمَقْسُومَ عليه ثُمَّ تَضْرِبُ ما يَبْقَى من مَخْرَجِ كُلٍّ بَعْدَ إسْقَاطِ جُزْئِهِ في مَخْرَجِ الْآخَرِ فَيَبْقَى من مَخْرَجِ النِّصْفِ وَاحِدٌ تَضْرِبُهُ في ثَلَاثَةٍ بِثَلَاثَةٍ تَضْرِبُهَا في الْأَلْفِ تَحْصُلُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ تَقْسِمُهَا على الْخَمْسَةِ يَخْرُجُ سِتُّمِائَةٍ وَهِيَ ما لِزَيْدٍ وَيَبْقَى من مَخْرَجِ الثُّلُثِ اثْنَانِ تَضْرِبُهُمَا في مَخْرَجِ النِّصْفِ بِأَرْبَعَةٍ تَضْرِبُهَا في الْأَلْفِ تَحْصُلُ أَرْبَعَةُ آلَافٍ تَقْسِمُهَا على الْخَمْسَةِ تَخْرُجُ ثَمَانِمِائَةٍ وَهِيَ ما لِعَمْرٍو وَإِنْ قال لِزَيْدٍ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثُلُثَيْ ما لِعَمْرٍو عَلَيَّ وَلِعَمْرٍو عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ ما لِزَيْدٍ عَلَيَّ فَلِزَيْدٍ سِتَّةٌ وَثُلُثَا وَاحِدٍ وَلِعَمْرٍو خَمْسَةٌ
وَطَرِيقُهُ بِالثَّالِثِ أَنْ تَضْرِبَ الْمَخْرَجَ في الْمَخْرَجِ يَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ ثُمَّ تَضْرِبَ أَحَدَ الْجُزْأَيْنِ في الْآخَرِ وهو اثْنَانِ في ثَلَاثَةٍ بِسِتَّةٍ تُسْقِطُهَا من اثْنَيْ عَشَرَ تَبْقَى سِتَّةٌ ثُمَّ تَضْرِبَ الْبَاقِيَ من مَخْرَجِ كُلٍّ مِنْهُمَا بَعْدَ إسْقَاطِ بَسْطِهِ منه في مَخْرَجِ الْآخَرِ فَيَبْقَى من مَخْرَجِ الثُّلُثِ وَاحِدٌ تَضْرِبُهُ في أَرْبَعَةٍ بِأَرْبَعَةٍ تَضْرِبُهَا في الْعَشَرَةِ بِأَرْبَعِينَ تَقْسِمُهَا على السِّتَّةِ يَخْرُجُ سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ وَهِيَ ما أَقَرَّ بِهِ لِزَيْدٍ ثُمَّ تَضْرِبُ وَاحِدًا وهو الْبَاقِي من مَخْرَجِ الرُّبْعِ في ثَلَاثَةٍ بِثَلَاثَةٍ تَضْرِبُهَا في الْعَشَرَةِ بِثَلَاثِينَ تَقْسِمُهَا على السِّتَّةِ يَخْرُجُ خَمْسَةٌ وَهِيَ ما أَقَرَّ بِهِ لِعَمْرٍو وَهَذَا الطَّرِيقُ لَا يَطَّرِدُ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ الْمَبْلَغُ في الْإِقْرَارَيْنِ كَالْمِثَالِ الذي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ قال لِزَيْدٍ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا نِصْفَ ما لِعَمْرٍو عَلَيَّ وَلِعَمْرٍو عَلَيَّ سِتَّةٌ إلَّا رُبْعَ ما لِزَيْدٍ عَلَيَّ فَلِزَيْدٍ ثَمَانِيَةٌ وَلِعَمْرٍو أَرْبَعَةٌ
وَطَرِيقُهُ بِالْأَوَّلِ أَنْ تَفْرِضَ لِزَيْدٍ شيئا وَتَقُولَ لِعَمْرٍو سِتَّةٌ إلَّا رُبْعَ شَيْءٍ
____________________
(2/311)
فَتُسْقِطَ نِصْفَهُ من الْعَشَرَةِ يَبْقَى سَبْعَةٌ وَثُمُنُ شَيْءٍ يَعْدِلُ الشَّيْءَ فَتُسْقِطَ ثُمُنَ شَيْءٍ بمثله يَبْقَى سَبْعَةُ أَثْمَانِ شَيْءٍ تَعْدِلُ سَبْعَةً فَالشَّيْءُ ثَمَانِيَةٌ وهو ما لِزَيْدٍ وَلِعَمْرٍو أَرْبَعَةٌ وَلَوْ قال لِزَيْدٍ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا نِصْفَ ما لِعَمْرٍو عَلَيَّ وَلِعَمْرٍو عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا رُبْعَ ما لِزَيْدٍ عَلَيَّ فَلِزَيْدٍ خَمْسَةٌ وَخَمْسَةُ أَسْبَاعٍ وَلِعَمْرٍو ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعٍ وَإِنْ قال زَيْدٌ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا نِصْفَ ما لَك على عَمْرٍو وقال عَمْرٌو وَلَك عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا ثُلُثَ ما لَك على زَيْدٍ صَحَّ وَاسْتِخْرَاجُ ذلك ظَاهِرٌ لِمَنْ عَرَفَ الطُّرُقَ السَّابِقَةَ وَخَرِّجْ أنت على ذلك ما شِئْت من الْأَمْثِلَةِ وقد بَسَّطْت الْكَلَامَ على ذلك في شَرْحِ الْبَهْجَةِ تَبَعًا لها مع زِيَادَةٍ
الْبَابُ الثَّالِثُ في تَعْقِيبِ الْإِقْرَارِ بِمَا يُغَيِّرُهُ من اسْتِثْنَاءٍ وَغَيْرِهِ
فَإِنْ قال لَك عَلَيَّ أَلْفٌ من ثَمَنِ خَمْرٍ أو كَلْبٍ أو نَحْوِهِمَا مِمَّا يُبْطِلُ حُكْمَ الْإِقْرَارِ شَرْعًا وَقَدَّمَ الْأَلْفَ عَلَيَّ من ثَمَنِ خَمْرٍ أو نَحْوِهِ لَا إنْ أَخَّرَهُ عنه لَزِمَهُ الْأَلْفُ إنْ انْفَصَلَ وَكَذَا إذَا اتَّصَلَ لِأَنَّهُ عَقَّبَ إقْرَارَهُ بِمَا يَرْفَعُهُ فَأَشْبَهَ ما لو قال له عَلَيَّ أَلْفٌ لَا تَلْزَمُنِي بِخِلَافِ ما إذَا أَخَّرَهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ
وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ في اللُّزُومِ بِذَلِكَ بين الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ وهو ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْكُفَّارَ إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا إنَّمَا نُقِرُّهُمْ على ما نُقِرُّهُمْ عليه لو أَسْلَمُوا وَإِنْ قال مُتَّصِلًا له عَلَيَّ أَلْفٌ من ثَمَنِ عَبْدٍ أو هذا الْعَبْدِ ثُمَّ ادَّعَى مُتَّصِلًا أو مُنْفَصِلًا أَنَّهُ لم يَقْبِضْهُ أَيْ الْعَبْدَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ ما ذَكَرَهُ آخِرًا هُنَا لَا يَرْفَعُ الْأَوَّلَ بِخِلَافِ ثَمَنِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ الْإِقْرَارَ بِالْعَبْدِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ قَبْضِهِ لَا إنْ فَصَلَ قَوْلَهُ من ثَمَنِ عَبْدٍ عن قَوْلِهِ له عَلَيَّ أَلْفٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فيه لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَلَوْ قال أَقْرِضْنِي أَلْفًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لم يَقْبِضْهُ قُبِلَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ ثُمَّ قال هو ثَمَنُ خَمْرٍ وَظَنَنْته يَلْزَمُنِي فَلَهُ تَحْلِيفُهُ أَيْ الْمُقَرَّ له على نَفْيِهِ رَجَاءَ أَنْ يَرُدَّ الْيَمِينَ عليه فَيَحْلِفَ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَإِنْ قال له عَلَيَّ أَلْفٌ قَضَيْته أو لَا يَلْزَمُنِي أو أَلْفٌ لَا لَزِمَهُ الْأَلْفُ لِأَنَّهُ عَقَّبَ إقْرَارَهُ بِمَا يَرْفَعُهُ وَالْأُولَى قَدَّمَهَا لَكِنْ في جَوَابِ لي عَلَيْك أَلْفٌ أو قال له عَلَيَّ أَلْفٌ أو لَا بِإِسْكَانِ الْوَاوِ أو أَلْفٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ أو إنْ لم يَشَأْ اللَّهُ أو إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أو إنْ شِئْت أو شَاءَ فُلَانٌ لم يَلْزَمْهُ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْأَلْفُ على الْمَشِيئَةِ أو تَأَخَّرَ عنها لِأَنَّهُ لم يَجْزِمْ بِالِالْتِزَامِ
وَالْأَوْلَى نَظِيرُ ما مَرَّ من أَنَّهُ لو قال أَنْتِ طَالِقٌ أو لَا على سَبِيلِ الْإِقْرَارِ لم تَطْلُقْ أو قال ابْتِدَاءً كان له عَلَيَّ أَلْفٌ قَضَيْته لم يَلْزَمْهُ لِأَنَّهُ لم يَلْتَزِمْ في الْحَالِ بِشَيْءٍ وَتَقَدَّمَ مِثْلُهُ في الرُّكْنِ الرَّابِعِ وقال السُّبْكِيُّ الذي يَظْهَرُ فيه أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ إقْرَارٌ سَوَاءٌ أَذَكَرَ قَضَيْتُهُ أَمْ لَا أو قال له عَلَيَّ أَلْفٌ إذَا جاء رَأْسُ الشَّهْرِ أو نَحْوُهُ كَإِذَا قَدِمَ زَيْدٌ كما قَدَّمَهُ في الرُّكْنِ الرَّابِعِ لم يَلْزَمْهُ لِمَا مَرَّ وَقِيَاسًا على ما لو قَدَّمَ التَّعْلِيقَ فقال إذَا جاء رَأْسُ الشَّهْرِ أو إذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَلِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا إنْ قَصَدَ التَّأْجِيلَ وَلَوْ بِأَجَلٍ فَاسِدٍ فَيَلْزَمُهُ ما أَقَرَّ بِهِ ولكن من عَقَّبَ إقْرَارَهُ بِذِكْرِ أَجَلٍ صَحِيحٍ مُتَّصِلًا ثَبَتَ الْأَجَلُ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَكُنْ صَحِيحًا كَقَوْلِهِ إذَا قَدِمَ زَيْدٌ وَقَوْلُهُ له عَلَيَّ أَلْفٌ أَقْرَضَنِيهِ مُؤَجَّلًا وما إذَا كان صَحِيحًا لَكِنْ ذَكَرَهُ مُنْفَصِلًا وَفَارَقَ عَدَمُ اللُّزُومِ
____________________
(2/312)
في مَسَائِلِ التَّعْلِيقِ اللُّزُومَ في نَحْوِ قَوْلِهِ له عَلَيَّ أَلْفٌ من ثَمَنِ خَمْرٍ بِأَنَّ دُخُولَ الشَّرْطِ على الْجُمْلَةِ يُصَيِّرُهَا جُزْءًا من الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ فَيَتَغَيَّرُ مَعْنَاهَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ من ثَمَنِ خَمْرٍ لَا يُغَيِّرُ مَعْنَى ما قَبْلَهُ وَإِنَّمَا هو بَيَانُ جِهَتِهِ
فَصْلٌ وإذا قال لِامْرَأَةٍ بِعْتُك أو أَعْتَقْتُك أو خَالَعْتكِ بِكَذَا فلم تَقْبَلِي فقالت بَلْ قَبِلْت صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا لِأَنَّهَا أَعْرَفُ بِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ عَقَّبَ إقْرَارَهُ بِمَا رَفَعَهُ وَلَوْ وَاطَأَ الشُّهُودَ على الْإِقْرَارِ بِمَا ليس عِنْدَهُ أو عليه ثُمَّ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لَزِمَهُ ما أَقَرَّ بِهِ كَقَوْلِهِ له عَلَيَّ أَلْفٌ لَا تَلْزَمُنِي وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وإذا قال له مَعِي أو عِنْدِي أو عَلَيَّ أَلْفٌ وَفَسَّرَهُ وَلَوْ مُنْفَصِلًا بِوَدِيعَةٍ قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ أَمَّا في الْأُولَيَيْنِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا في الثَّالِثَةِ فَلِاحْتِمَالِ إرَادَةِ وُجُوبِ حِفْظِهَا وَالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَالِكِهَا وَلِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَعَدَّى فيها حتى صَارَتْ مَضْمُونَةً عليه وَلِأَنَّ عَلَيَّ قد تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى عِنْدَ فَإِنْ قال الْمُقَرُّ له هو وَدِيعَةٌ لَكِنْ لي عَلَيْك أَلْفٌ آخَرُ دَيْنًا وهو الذي أَرَدْت بِإِقْرَارِك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ بِيَمِينِهِ لِذَلِكَ
وَكَذَا لو قال أَخَذْته منه ثُمَّ فَسَّرَ ه الْوَدِيعَةِ قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ فَإِنْ تَلِفَ وَلَوْ بِدَعْوَاهُ لم يَضْمَنْ كما في سَائِرِ الْوَدَائِعِ وَلِأَنَّ لَفْظَهُ ليس فيه ما يَدُلُّ على ضَمَانٍ وَلَا على دَيْنِيَّةٍ لَا إنْ قال له أَلْفٌ في ذِمَّتِي أو دَيْنٌ عَلَيَّ فَلَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ الْوَدِيعَةِ بَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ له بِيَمِينِهِ إذْ الْعَيْنُ لَا تُوصَفُ بِكَوْنِهَا دَيْنًا أو في الذِّمَّةِ وَإِنْ قال له عِنْدِي أَلْفٌ وَدِيعَةً دَيْنًا أو مُضَارَبَةً دَيْنًا لَزِمَهُ الْأَلْفُ مَضْمُونًا عليه فَلَا يُصَدَّقُ في دَعْوَى الرَّدِّ وَالتَّلَفِ لِأَنَّ كَوْنَهُ دَيْنًا عِبَارَةٌ عن كَوْنِهِ مَضْمُونًا فَإِنْ قال في تَفْسِيرِهِ مُنْفَصِلًا أَرَدْت أَنَّهُ أَوْدَعَنِي أو قَارَضَنِي بِشَرْطِ الضَّمَانِ إنْ تَلِفَ لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ لِأَنَّ شَرْطَ الضَّمَانِ في الْأَمَانَةِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَإِنْ اتَّصَلَ ذلك بِإِقْرَارِهِ قُبِلَ إلْغَاءً لِلضَّمَانِ بهذا الْقَوْلِ كَذَا فَهِمَهُ كَشَيْخِنَا الْحِجَازِيِّ من قَوْلِ أَصْلِهِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ فُسِّرَ مُتَّصِلًا فَفِيهِ قَوْلَا تَبْعِيضِ الْإِقْرَارِ وَلَيْسَ مُوَافِقًا له بَلْ الْمُوَافِقُ له وَكَذَا إنْ اتَّصَلَ فَهُوَ نَظِيرُ ما لو قال من ثَمَنِ خَمْرٍ بَعْدَ قَوْلِهِ له عَلَيَّ أَلْفٌ حَيْثُ قالوا إنْ قَالَهُ مُنْفَصِلًا لم يُقْبَلْ أو مُتَّصِلًا فَكَذَلِكَ على الْأَظْهَرِ
وَإِنْ قال في شَيْءٍ وَهَبْته له وَخَرَّجْت إلَيْهِ منه أو وَمَلَكَهُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لم يَكُنْ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ الْخُرُوجَ إلَيْهِ منه بِالْهِبَةِ نعم إنْ كان بِيَدِ الْمُقَرِّ له كان إقْرَارًا بِالْقَبْضِ كما سَيَأْتِي في بَابِ الْهِبَةِ إلَّا إنْ قال وَأَقْبَضْته له وَأَمْكَنَ فإنه يَكُونُ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ وَإِنْ لم يَكُنْ بِيَدِ الْمُقَرِّ له وَلَوْ قال وَهَبْته له وَقَبَضَهُ بِغَيْرِ رِضَايَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرِّضَا نَصَّ عليه وَالْإِقْرَارُ بِالْقَبْضِ هُنَا كَالْإِقْرَارِ بِهِ في الرَّهْنِ فإذا قال لم يَكُنْ إقْرَارِي عن حَقِيقَةٍ فَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ له أَنَّهُ قَبَضَ الْمَوْهُوبَ وَإِنْ لم يَذْكُرْهُ لِإِقْرَارِهِ تَأْوِيلًا أو قال له عِنْدِي أَلْفٌ عَارِيَّةً ضَمِنَهُ سَوَاءٌ أَصَحَّحْنَا عِبَارَةَ الدَّرَاهِمِ أَمْ لَا لِأَنَّ الْفَاسِدَ كَالصَّحِيحِ في الضَّمَانِ وَمَتَى قال هذه الدَّارُ لَك عَارِيَّةٌ بِالرَّفْعِ أو النَّصْبِ أو الْجَرِّ أو الْإِسْكَانِ كما هو ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أو هِبَةُ عَارِيَّةٍ أو هِبَةُ سُكْنَى بِالْإِضَافَةِ فِيهِمَا فَهِيَ عَارِيَّةٌ بِإِقْرَارِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فيها ولم يَجْعَلْ في الْأُولَى
____________________
(2/313)
إقْرَارًا بِالْمِلْكِ لِاحْتِمَالِهِ الْعَارِيَّةَ وَلَا تَنَافِيَ بين هذه لَك وَعَارِيَّةٍ لِأَنَّ اللَّامَ لِلِاخْتِصَاصِ فإذا قُيِّدَ بِهِ جِهَةٌ صَالِحَةٌ وَرَاءَ الْمِلْكِ حُمِلَ عليها وَإِلَّا فَعَلَى الْمِلْكِ لِأَنَّهُ أَظْهَرُ وُجُوهِ الِاخْتِصَاصِ وإذا أَقَرَّ بِعَقْدٍ كَبَيْعٍ أو غَيْرِهِ وَادَّعَى فَسَادَهُ لم يُصَدَّقْ وَإِنْ قال أَقْرَرْت لِظَنِّي الصِّحَّةَ لِأَنَّ الِاسْمَ يُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ على الصَّحِيحِ وَمَعَ ذلك فَلَهُ التَّحْلِيفُ لِلْمُقَرِّ له لِاحْتِمَالِ ما يَدَّعِيهِ وقد يَخْفَى الْمُفْسِدُ أو يُغْفَلُ عنه فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُقِرُّ وَحُكِمَ بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ
وَإِنْ أَقَرَّ بِإِتْلَافٍ وَأَشْهَدَ على نَفْسِهِ وقال أَشْهَدْت لِعَزْمِي عليه أَيْ على الْإِتْلَافِ لم يُسْمَعْ قَوْلُهُ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في الْقَرْضِ وَنَحْوِهِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ فإنه يُسْمَعُ قَوْلُهُ لِلتَّحْلِيفِ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ بِخِلَافِ ما قَبْلَهُ وَإِنْ قال هذه الدَّارُ لِزَيْدٍ بَلْ أو ثُمَّ لِعَمْرٍو أو غَصَبْتهَا من زَيْدٍ بَلْ من عَمْرٍو أو وَغَصَبَهَا زَيْدٌ من عَمْرٍو وَسَلَّمَهَا لِزَيْدٍ لِسَبْقِ الْإِقْرَارِ له وَغَرِمَ لِعَمْرٍو الْقِيمَةَ وَصَلَ إقْرَارَهُ الثَّانِيَ بِالْأَوَّلِ أو فَصَلَ سَلَّمَهَا لِزَيْدٍ بِنَفْسِهِ أو سَلَّمَهَا له الْحَاكِمُ لِلْحَيْلُولَةِ بِإِقْرَارِهِ الْأَوَّلِ وَالْحَيْلُولَةُ تُوجِبُ الضَّمَانَ كَالْإِتْلَافِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو غَصَبَ عَبْدًا ثُمَّ أَبَقَ عِنْدَهُ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ لِلْحَيْلُولَةِ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لو كان الْمُقَرُّ بِهِ مِثْلِيًّا غَرِمَ الْقِيمَةَ أَيْضًا
فَرْعٌ لو بَاعَ عَيْنًا لِشَخْصٍ قال في الْأَصْلِ وَتَقَابَضَا ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَ الْخِيَارِ الذي لَا يَخُصُّ الْمُشْتَرِيَ بِالْبَيْعِ أَيْ بِبَيْعِهَا لِآخَرَ أو بِالْغَصْبِ أَيْ بِغَصْبِهَا منه لم يَبْطُلْ بَيْعُهُ لِلْأَوَّلِ وَغَرِمَ قِيمَتَهَا لِلْآخَرِ لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا عليه بِتَصَرُّفِهِ وَإِقْبَاضِهِ وَلِأَنَّهُ اسْتَوْفَى عِوَضَهُ وَلِلْعِوَضِ مَدْخَلٌ في الضَّمَانِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو غُرَّ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ فَنَكَحَهَا وَأَحْبَلَهَا ثُمَّ أُجْهِضَتْ بِجِنَايَةٍ يَغْرَمُ الْمَغْرُورُ قِيمَةَ الْجَنِينِ لِمَالِك أُمِّهِ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْغُرَّةَ وَلَوْ أَجْهَضَتْ مَيِّتًا بِلَا جِنَايَةٍ لم يَغْرَمْ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ وَكَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين قَبْضِ الثَّمَنِ وَعَدَمِ قَبْضِهِ وَقَضِيَّةُ الثَّانِي وَكَلَامُ الْأَصْلِ أَنَّ ذلك يَتَقَيَّدُ بِقَبْضِهِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي فَإِنْ لم يُقِرَّ بِهِ أَيْ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِي فَلِلْمُقَرِّ له دَعْوَى الْقِيمَةِ على الْبَائِعِ مع بَقَائِهَا أَيْ الْعَيْنِ في يَدِ الْمُشْتَرِي بِنَاءً على ما تَقَرَّرَ من أَنَّ الْبَائِعَ يَغْرَمُ له الْقِيمَةَ بِإِقْرَارِهِ وَهَذَا مَعْلُومٌ مِمَّا قَبْلَهُ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ على وَجْهِ الْبِنَاءِ لِبَيَانِ الْخِلَافِ في الْمَسْأَلَةِ وَخَرَجَ بَعْدَ الْخِيَارِ الْمَذْكُورِ ما لو أَقَرَّ في زَمَنِهِ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَيُرَدُّ إلَى الْمُشْتَرِي الثَّمَنُ
أو قال هذه الْعَيْنُ التي في تَرِكَةِ مُوَرِّثِي لِزَيْدٍ بَلْ لِعَمْرٍو سُلِّمَتْ لِزَيْدٍ وفي غُرْمِهِ لِعَمْرٍو خِلَافٌ أَيْ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَنَظَائِرِهِ السَّابِقَةِ وَالثَّانِي الْقَطْعُ بِأَنْ لَا غُرْمَ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ هُنَا مَعْذُورٌ لِعَدَمِ كَمَالِ اطِّلَاعِهِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ قال غَصَبْتهَا من زَيْدٍ وَغَصَبْتهَا من عَمْرٍو فَهَلْ هو كَقَوْلِهِ غَصَبْتهَا من زَيْدٍ وَعَمْرٍو حتى تُسَلَّمَ إلَيْهِمَا فيه وَجْهَانِ انْتَهَى وَمَال السُّبْكِيُّ إلَى الْمَنْعِ قال لِأَنَّهُمَا إقْرَارَانِ بِغَصْبَيْنِ مُسْتَقِلَّيْنِ بِخِلَافِ ما إذَا عَطَفَ ولم يُعِدْ الْعَامِلَ فإنه إقْرَارٌ وَاحِدٌ لَهُمَا مَعًا أو قال هذه لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو فَهِيَ نِصْفَانِ وفي نُسْخَةٍ قَسَمْتهَا بَيْنَهُمَا وَمَتَى اُنْتُزِعَتْ عَيْنٌ من يَدِ رَجُلٍ بِيَمِينٍ لِنُكُولِهِ ثُمَّ أَثْبَتَ أَيْ أَقَامَ بها آخَرُ بَيِّنَةً غَرِمَ له الرَّجُلُ الْقِيمَةَ بِنَاءً على أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ وَإِنْ قال غَصَبْتهَا من زَيْدٍ وَهِيَ مِلْكُ عَمْرٍو أو هِيَ مِلْكٌ لِعَمْرٍو وَغَصَبْتهَا من زَيْدٍ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ سُلِّمَتْ لِزَيْدٍ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ له بِالْيَدِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُحِقٌّ فيها وَلَا غُرْمَ عليه لِعَمْرٍو إذْ لَا مُنَافَاةَ هُنَا بين الْإِقْرَارَيْنِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ زَيْدًا مُسْتَأْجِرٌ أو مُرْتَهِنٌ أو مُوصًى له بِالْمَنَافِعِ فَيَكُونُ الْآخِذُ غَاصِبًا منه
قال السُّبْكِيُّ وَفَهِمَ ابن الرِّفْعَةِ من ذلك أَنَّ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ من يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ أو الْمُرْتَهِنِ تُرَدُّ عليه وَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ من الضَّمَانِ قال بَلْ ذلك مُصَرَّحٌ بِهِ في كَلَامِهِمْ قُلْت وَهَذَا صَحِيحٌ وَلَا يُنَافِي قَوْلَنَا إنَّهُمَا لَا يُخَاصَمَانِ على أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
انْتَهَى
ثُمَّ قال وَأَطْلَقُوا في قَوْلِهِ غَصَبْتهَا من زَيْدٍ بَلْ عَمْرٍو غُرْمَ الْقِيمَةِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْغَصْبِ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالْمِلْكِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ فَطَرِيقُ الْجَمْعِ أَنْ يُجْعَلَ التَّصْوِيرُ ثَمَّ فِيمَا إذَا أَقَرَّ بِالْمِلْكِ أو يُقَالُ إطْلَاقُ الْإِقْرَارِ بِالْغَصْبِ يَقْتَضِي الْإِقْرَارَ بِالْمِلْكِ وَهُنَا لم يُطْلَقْ بَلْ ضُمَّ إلَيْهِ الْإِقْرَارُ بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِ وَعَلَى هذا تَتَقَيَّدُ هذه الْمَسْأَلَةُ بِمَا إذَا ذَكَرَهُ مُتَّصِلًا بِكَلَامِهِ
انْتَهَى
وَلَوْ شَهِدَ الْمُقِرُّ بها لِعَمْرٍو لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ أَيْ فَهُوَ فَاسِقٌ وَعَلَى هذا فَقَضِيَّتُهُ
____________________
(2/314)
إنْ شَهِدَ بِذَلِكَ بَعْدَ تَوْبَتِهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ أو قال غَصَبْتهَا من أَحَدِكُمَا وَجَهِلْت ه حَلَفَ لَهُمَا على ذلك أَيْ على جَهْلِهِ بِأَنْ يَحْلِفَ على نَفْيِ الْعِلْمِ إنْ كَذَّبَاهُ وحيث كَذَّبَاهُ وَحَلَفَ لَهُمَا أو صَدَّقَاهُ وُقِفَتْ أَيْ الْعَيْنُ بَيْنَهُمَا حتى يُبَيِّنَ الْمَالِكُ أو يَصْطَلِحَا وإذا عَيَّنَ أَحَدَهُمَا سَلَّمَهَا له وحلف لِلْآخَرِ فَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ وَحَلَفَ الْآخَرُ غَرِمَ له الْقِيمَةَ
فَصْلٌ في الِاسْتِثْنَاءِ الِاسْتِثْنَاءُ وهو إخْرَاجُ ما لَوْلَاهُ لَدَخَلَ فِيمَا قَبْلَهُ بِإِلَّا أو نَحْوِهَا جَائِزٌ في الْإِقْرَارِ وَغَيْرِهِ لِكَثْرَةِ وُرُودِهِ في الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ هذا إنْ اتَّصَلَ بِالْمُسْتَثْنَى منه بِحَيْثُ يُعَدُّ معه كَلَامًا وَاحِدًا ولم يَسْتَغْرِقْهُ كَعَشَرَةٍ إلَّا ثَلَاثَةً أو إلَّا سَبْعَةً فَلَوْ وفي نُسْخَةٍ فَإِنْ فَصَلَهُ بِسُكُوتٍ أو بِأَجْنَبِيٍّ عَمَّا هو فيه وَلَوْ بِقَوْلِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ نعم يُغْتَفَرُ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ بِسَكْتَةِ تَنَفُّسٍ أو عِيٍّ أو تَذَكُّرٍ أو انْقِطَاعِ صَوْتٍ كما نَصَّ عليه في الْأُمِّ وما قَالَهُ من أَنَّ الْفَصْلَ بِأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ يُبْطِلُ الِاسْتِثْنَاءَ تَبِعَ فيه إطْلَاقَ الْأَصْحَابِ وَنَظَرِ الرَّوْضَةِ فإنه لَمَّا ذَكَرَ فيها أَنَّ تَخَلُّلَ الْكَلَامِ الْأَجْنَبِيِّ يُبْطِلُ الِاسْتِثْنَاءَ قال هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وقال صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ إذَا قال عَلَيَّ أَلْفٌ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إلَّا مِائَةً صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ لنا أَنَّهُ فَصْلٌ يَسِيرٌ فَصَارَ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ أَلْفٌ يا فُلَانُ إلَّا مِائَةً وما نَقَلَاهُ فيه نَظَرٌ
انْتَهَى
وَنَظَرُهُ في الْمَقِيسِ عليه ظَاهِرٌ وَأَمَّا في الْمَقِيسِ فَجَوَابُهُ ما قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ أَنَّ قَوْلَهُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ اسْتِدْرَاكٌ لِمَا سَبَقَ منه فَكَانَ مُلَائِمًا لِلِاسْتِثْنَاءِ فَلَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَلَا بُدَّ في الِاسْتِثْنَاءِ من قَصْدِهِ قبل فَرَاغِ الْإِقْرَارِ كما سَيَأْتِي في الطَّلَاقِ وإذا تَقَرَّرَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فيه عَدَمُ الِاسْتِغْرَاقِ فَعَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً بَاطِلٌ لِأَنَّهُ رَفْعٌ لِمَا أَثْبَتَهُ وَعَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً صَحِيحٌ وَإِنْ كان الْمُسْتَثْنَى أَكْثَرَ من نِصْفِ الْمُسْتَثْنَى منه
فَرْعٌ الِاسْتِثْنَاءُ من الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ من الثَّنْيِ وهو الصَّرْفُ وَإِنَّمَا يَكُونُ الصَّرْفُ من الْإِثْبَاتِ إلَى النَّفْيِ وَبِالْعَكْسِ فَإِنْ قال له عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً إلَّا ثَمَانِيَةً لَزِمَهُ تِسْعَةٌ إذْ الْمَعْنَى إلَّا تِسْعَةً لَا تَلْزَمُنِي إلَّا ثَمَانِيَةً تَلْزَمُنِي فَتَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ وَالْوَاحِدُ الْبَاقِي من الْعَشَرَةِ فَإِنْ قال له مع ذلك إلَّا سَبْعَةً وَهَكَذَا إلَى الْوَاحِدِ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ وَطَرِيقُ ذلك وَنَحْوِهِ أَنْ تُسْقِطَ الْأَعْدَادَ الْمَنْفِيَّةَ من الْمُثْبَتَةِ وَالْبَاقِي هو اللَّازِمُ أو تُخْرِجَ الْمُسْتَثْنَى الْأَخِيرَ مِمَّا قَبْلَهُ وما بَقِيَ منه يُخْرَجُ مِمَّا قَبْلَهُ وَهَكَذَا إلَى أَنْ تَنْتَهِيَ إلَى الْأَوَّلِ قال في الْأَصْلِ عَقِبَ الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ ثُمَّ مَعْرِفَةُ الْمُثْبَتِ أَنَّ الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ أَوَّلًا إنْ كان شَفْعًا فَالْأَشْفَاعُ مُثْبَتَةٌ وَالْأَوْتَارُ مَنْفِيَّةٌ وَإِنْ كان وِتْرًا فَبِالْعَكْسِ وَشَرْطُهُ أَنْ تَكُونَ الْأَعْدَادُ الْمَذْكُورَةُ على التَّوَالِي الْمُعْتَادِ إذْ يَتْلُو كُلُّ شَفْعٍ وِتْرًا وَبِالْعَكْسِ وَإِنْ قال ليس له عَلَيَّ شَيْءٌ إلَّا خَمْسَةً لَزِمَتْهُ الْخَمْسَةُ أو قال ليس له عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً لم يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ عَشَرَةً إلَّا خَمْسَةً خَمْسَةٌ فَكَأَنَّهُ قال ليس له عَلَيَّ خَمْسَةٌ بِجَعْلِ النَّفْيِ الْأَوَّلِ مُتَوَجِّهًا إلَى مَجْمُوعِ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى منه وَإِنْ خَرَجَ عن قَاعِدَةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ من النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَيَلْزَمُهُ بِعَشَرَةٍ أَيْ بِقَوْلِهِ له عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً إلَّا خَمْسَةً أو عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً إلَّا عَشَرَةً خَمْسَةٌ وَيَلْغُو ما يَحْصُلُ بِهِ الِاسْتِغْرَاقُ فَلَوْ قال له عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً إلَّا أَرْبَعَةً وَجَبَتْ أَرْبَعَةٌ إذْ الْكَلَامُ بِآخِرِهِ وَآخِرُهُ يُخْرِجُهُ عن الِاسْتِغْرَاقِ لِأَنَّ عَشَرَةً إلَّا أَرْبَعَةً سِتَّةٌ وَيَكُونُ الْمُقَرُّ بِهِ
____________________
(2/315)
في مِثْلِ ذلك الْأَخِيرِ حتى يَكُونَ الْإِقْرَارُ في له عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً إلَّا دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمَيْنِ وَإِلَّا ثَلَاثَةً بِثَلَاثَةٍ وَالتَّصْرِيحُ بِتَرْجِيحِ وُجُوبِ الْأَرْبَعَةِ فِيمَا قَالَهُ من زِيَادَتِهِ هُنَا
أو قال له عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً وَإِلَّا ثَلَاثَةً أو ثَلَاثَةً لَزِمَهُ اثْنَانِ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَيَيْنِ مُسْتَثْنَيَانِ من الْعَشَرَةِ لِلْعَاطِفِ الْمُشْرِكِ وَلَوْ قال له عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا سَبْعَةً وَثَلَاثَةً أو وَإِلَّا ثَلَاثَةً لَزِمَتْهُ ثَلَاثَةٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ وَالثَّانِيَ مِثْلُ الْعَدَدِ الْبَاقِي فَهُوَ الْمُسْتَغْرَقُ وَلَا يُجْمَعُ مُفَرَّقٌ بِالْعَطْفِ في الْمُسْتَثْنَى أو في الْمُسْتَثْنَى منه أو فِيهِمَا إنْ حَصَلَ بِجَمْعِهِ اسْتِغْرَاقٌ أو عَدَمُهُ لِأَنَّ وَاوَ الْعَطْفِ وَإِنْ اقْتَضَتْ الْجَمْعَ لَا تُخْرِجُ الْكَلَامَ عن كَوْنِهِ ذَا جُمْلَتَيْنِ من جِهَةِ اللَّفْظِ الذي يَدُورُ عليه الِاسْتِثْنَاءُ وَهَذَا مُخَصِّصٌ لِقَوْلِهِمْ إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَرْجِعُ إلَى جَمِيعِ الْمَعْطُوفَاتِ لَا إلَى الْأَخِيرِ فَقَطْ فَقَوْلُهُ له عَلَيَّ دِرْهَمَانِ وَدِرْهَمٌ أو دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا يُوجِبُ ثَلَاثَةً لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى منه إذَا لم يُجْمَعْ مُفَرَّقُهُ كان الدِّرْهَمُ الْوَاحِدُ مُسْتَثْنًى من دِرْهَمٍ وَاحِدٍ فَيُسْتَغْرَقُ فَيَلْغُو أو قال له عَلَيَّ ثَلَاثَةٌ إلَّا دِرْهَمًا وَدِرْهَمَيْنِ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى إذَا لم يُجْمَعْ مُفَرَّقُهُ لم يَلْغُ إلَّا ما يَحْصُلُ بِهِ الِاسْتِغْرَاقُ وهو دِرْهَمَانِ وفي عَكْسِهِ بِأَنْ قال له عَلَيَّ ثَلَاثَةٌ إلَّا دِرْهَمَيْنِ وَدِرْهَمًا يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ لِذَلِكَ وَكَذَا لو قال له عَلَيَّ ثَلَاثَةٌ إلَّا دِرْهَمًا وَدِرْهَمًا وَدِرْهَمًا أو قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا وَدِرْهَمًا وَدِرْهَمًا فَثَلَاثَةٌ تَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ إذَا لم يُجْمَعْ مُفَرَّقُ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى منه كان الْمُسْتَثْنَى دِرْهَمًا من دِرْهَمٍ فَيَلْغُو
فَرْعٌ لو قال له عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً أو سِتَّةً لَزِمَهُ أَرْبَعَةٌ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ الزَّائِدَ مَشْكُوكٌ فيه فَصَارَ كَقَوْلِهِ له عَلَيَّ خَمْسَةٌ أو سِتَّةٌ فإنه يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ قال بَعْضُهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هذا مَحَلُّهُ إذَا تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ لِيُوَافِقَ ما قَالُوهُ فِيمَا إذَا قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ أو دِينَارٌ وَفِيمَا إذَا قال أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أو اثْنَتَيْنِ من أَنَّهُ يُعَيِّنُ لَا يُقَالُ بَلْ يَلْزَمُهُ في مَسْأَلَتِنَا خَمْسَةٌ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ عَشَرَةً وَاسْتَثْنَى خَمْسَةً وَشَكَّكْنَا في اسْتِثْنَاءِ الدِّرْهَمِ السَّادِسِ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُخْتَارُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَيَانُ ما لم يُرَدْ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ لَا أَنَّهُ إبْطَالُ ما ثَبَتَ وقوله له عَلَيَّ دِرْهَمٌ غَيْرُ دَانِقٍ كَإِلَّا أَيْ كَقَوْلِهِ له عَلَيَّ دِرْهَمٌ إلَّا دَانِقٌ الْأَوْلَى دَانِقًا فَتَلْزَمُهُ خَمْسَةُ دَوَانِقَ وَلَوْ رَفَعَ غير أو جَرَّهُ أو سَكَّنَهُ فِيمَا يَظْهَرُ وَالْخَطَأُ في الْإِعْرَابِ لَا يُؤَثِّرُ في ذلك
فَرْعٌ وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ من غَيْرِ الْجِنْسِ أَيْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى منه لِوُرُودِهِ في الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي إلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ وَقَوْلُهُ ما لهم بِهِ من عِلْمٍ إلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَنَحْوُهُمَا كَأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا وَتُخْرَجُ قِيمَتُهُ أَيْ الثَّوْبِ من الْأَلْفِ إنْ فُسِّرَ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ دُونَ الْأَلْفِ فَلَوْ فُسِّرَ بِثَوْبٍ تَسْتَغْرِقُ قِيمَتُهُ الْأَلْفَ لَزِمَ الْأَلْفُ لِأَنَّهُ بَيَّنَ ما أَرَادَهُ بِاللَّفْظِ فَكَأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِهِ وهو مُسْتَغْرِقٌ قال السُّبْكِيُّ قال ابن سُرَاقَةَ لو لَزِمَهُ لِرَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَهُ عليه قِيمَةُ عَبْدٍ أو عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَيَخَافُ إنْ أَقَرَّ له جَحَدَهُ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَقُولَ له عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا عَبْدًا أَيْ قِيمَتَهُ أو إلَّا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فإن الْحَاكِمَ يَسْمَعُ إقْرَارَهُ وَيَسْتَفْسِرُهُ فَإِنْ فَسَّرَ بِأَقَلَّ من الْأَلْفِ بِأَنَّ قَوَّمَ ذلك بِدَرَاهِمَ أَقَلَّ من الْأَلْفِ حَلَّفَهُ أَنَّ جَمِيعَ ما عليه ذلك ثُمَّ أَلْزَمَهُ بِالْبَاقِي قال الْأَذْرَعِيُّ وَسَيَأْتِي في الدَّعَاوَى في مَسَائِلِ الظَّفَرِ ما يُنَازِعُ في هذا وَإِنْ قال له عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا شيئا أو عَكَسَ فقال له عَلَيَّ شَيْءٌ إلَّا أَلْفًا فَالْأَلْفُ وَالشَّيْءُ مُجْمَلَانِ فَيُفَسِّرُهُمَا وَيَجْتَنِبُ في تَفْسِيرِهِ الِاسْتِغْرَاقَ وَالتَّصْرِيحُ بِمَسْأَلَةِ الْعَكْسِ من زِيَادَتِهِ
فَإِنْ قال له عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا دِرْهَمًا فَالْأَلْفُ مُجْمَلٌ فَلْيُفَسِّرْهُ بِمَا فَوْقَ الدِّرْهَمِ فَلَوْ فَسَّرَهُ بِمَا قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ فما دُونَ ه لَغَا الِاسْتِثْنَاءُ وَالتَّفْسِيرُ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَكَذَا لو قال له عَلَيَّ شَيْءٌ إلَّا شيئا أو مَالٌ إلَّا مَالًا أو نَحْوَهُ فَكُلٌّ من الْمُسْتَثْنَى منه وَالْمُسْتَثْنَى مُجْمَلٌ فَلْيُفَسِّرْهُمَا فَإِنْ فَسَّرَ الثَّانِيَ بِأَقَلَّ مِمَّا فَسَّرَ بِهِ الْأَوَّلَ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَإِلَّا لَغَا وَقِيلَ الِاسْتِثْنَاءُ في ذلك بَاطِلٌ كَقَوْلِهِ له عَلَيَّ دِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا فَيَلْزَمُهُ أَقَلُّ مُتَمَوَّلٍ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ
فَرْعٌ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ من الْمُعَيَّنِ كما يَصِحُّ من غَيْرِهِ فَلَوْ قال هذا الْخَاتَمُ إلَّا فَصَّهُ لِفُلَانٍ أو هَؤُلَاءِ الْعَبِيدُ له أو غَصَبْتهمْ منه إلَّا وَاحِدًا صَحَّ وَرُجِعَ إلَيْهِ في التَّعْيِينِ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمُرَادِهِ فَإِنْ مَاتُوا بِقَتْلٍ أو بِدُونِهِ إلَّا وَاحِدًا وقال وهو الْمُسْتَثْنَى قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ لِاحْتِمَالِهِ وَقَوْلُهُ هذا الْأَوْلَى هذه الدَّارُ لِفُلَانٍ وَهَذَا الْبَيْتُ منها لي أو لِفُلَانٍ أو هذا الْخَاتَمُ له وَفَصُّهُ لي أو لِفُلَانٍ مَقْبُولٌ لِأَنَّهُ إخْرَاجُ بَعْضِ ما تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ فَكَانَ
____________________
(2/316)
كَالِاسْتِثْنَاءِ
فَرْعٌ لو أَقَرَّ لِوَرَثَةِ أبيه بِمَالٍ وكان هو أَحَدَهُمْ لم يَدْخُلْ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ في عُمُومِ كَلَامِهِ قال السَّرَخْسِيُّ ثُمَّ قال وَهَذَا إنْ أَطْلَقَ فَإِنْ نَصَّ على نَفْسِهِ فَقِيلَ يَكُونُ كما لو وَقَفَ على نَفْسِهِ وَقِيلَ يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا أَوْجَهُ
فَصْلٌ فيه مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِالْإِقْرَارِ لو قال بِعْتُك الْجَارِيَةَ التي في يَدِك بِكَذَا وَسَلَّمْتهَا لَك فَأَدِّ الثَّمَنَ فقال بَلْ زَوَّجْتنِيهَا بِصَدَاقِ كَذَا وهو عَلَيَّ وَحَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ على نَفْيِ ما يَدَّعِيهِ سَقَطَ الثَّمَنُ وَالنِّكَاحُ وَلَا مَهْرَ وَإِنْ وَطِئَهَا ذُو الْيَدِ لِأَنَّهُ وَإِنْ أَقَرَّ بِالْمَهْرِ لِمَنْ كان مَالِكًا فَهُوَ مُنْكِرٌ له وَتُرَدُّ الْجَارِيَةُ إلَى مُدَّعِي الْبَيْعِ ثُمَّ هل يَمْلِكُهَا كَالْمُعَادَةِ لِلْإِفْلَاسِ أَيْ كَالْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ الْمُعَادَةِ إلَى الْبَائِعِ لِإِفْلَاسِ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فَيُفْسَخُ وَلَوْ بِدُونِ الْحَاكِمِ كَأَنْ يَقُولَ اسْتَرْجَعْتهَا أو فَسَخْت الْبَيْعَ وَيَحِلُّ له وَطْؤُهَا وَالتَّصَرُّفُ فيها أَمْ يَكُونُ ظَافِرًا بِمَالِ من ظَلَمَهُ بِزَعْمِهِ أَنَّهُ بَاعَهَا له فَيَبِيعُهَا وَيَسْتَوْفِي حَقَّهُ من ثَمَنِهَا وَيَرُدُّ الْفَاضِلَ لِذِي الْيَدِ إنْ أَخَذَهُ وَإِلَّا فَمَوْقُوفٌ وَلَا يَحِلُّ له وَطْؤُهَا وَجْهَانِ أَقَرَّ بِهِمَا الْأَوَّلُ وَيَنْبَغِي جَرَيَانُهُمَا في رَدِّ الْعَيْنِ فِيمَا لو قال بِعْتُكهَا فقال بَلْ وَهَبْتنِيهَا وَحَلَفَا وَإِنْ نَكَلَ مُدَّعِي الثَّمَنِ عن يَمِينِهِ على نَفْيِ التَّزْوِيجِ حَلَفَ الْآخَرُ وهو ذُو الْيَدِ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ على النِّكَاحِ فَيَحْلِفُ يَمِينًا لِنَفْيِ ما يَدَّعِيهِ الْآخَرُ وَيَمِينًا لِإِثْبَاتِ ما يَدَّعِيهِ هو وَلَا يُكْتَفَى منه بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ يُجْمَعُ فيها بين النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ خِلَافًا لِلْقَاضِي وَحُكِمَ له بِالنِّكَاحِ وَبِرَقَبَتِهَا لِلْآخَرِ فَإِنْ ارْتَفَعَ النِّكَاحُ بِطَلَاقٍ أو غَيْرِهِ حَلَّتْ لِلْبَائِعِ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا إلَّا إنْ كان كَاذِبًا في دَعْوَاهُ فَتَحِلُّ له بَاطِنًا أَيْضًا وَإِنْ نَكَلَ مُدَّعِي الزَّوْجِيَّةِ عن يَمِينِهِ على نَفْيِ الشِّرَاءِ حَلَفَ الْمُدَّعِي لِلثَّمَنِ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ على الشِّرَاءِ فَيَحْلِفُ يَمِينَيْنِ نَظِيرَ ما مَرَّ آنِفًا وَوَجَبَ له الثَّمَنُ وَإِنْ نَكَلَا مَعًا عن الْيَمِينِ قال الرُّويَانِيُّ فَهُوَ نُكُولٌ عن يَمِينِ نَفْيٍ وَإِنْكَارٍ فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا على إثْبَاتِ دَعْوَاهُ فَإِنْ نَكَلَا أَيْضًا لم يُحْكَمْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا ادَّعَى وَحَرُمَتْ على الْوَاطِئِ لِنُكُولِهِ عَمَّا ادَّعَاهُ وَهَلْ تَحْرُمُ على الْمَالِكِ وَجْهَانِ وَإِنْ حَلَفَ الْمَالِكُ وَنَكَلَ الْوَاطِئُ حُكِمَ بِالشِّرَاءِ وَلُزُومِ الثَّمَنِ لِلْوَاطِئِ وَإِنْ حَلَفَ الْوَاطِئُ وَنَكَلَ الْمَالِكُ حُكِمَ بِالتَّزْوِيجِ
فَإِنْ حَلَفَا مَعًا حُكِمَ بِالشِّرَاءِ وَلُزُومِ الثَّمَنِ لِلْوَاطِئِ لِأَنَّ تَزَوُّجَهُ بها لَا يَمْنَعُ جَوَازَ ابْتِيَاعِهَا وزاد على ذلك أَشْيَاءَ وَنَقَلَهَا عنه الْأَذْرَعِيُّ في تَوَسُّطِهِ هذا كُلُّهُ إذَا لم يُوَلِّدْهَا مُدَّعِي النِّكَاحِ فَإِنْ أَوْلَدَهَا مُدَّعِي النِّكَاحِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ وَالْوَلَدُ حُرٌّ لِاعْتِرَافِ الْمَالِكِ بِالْبَيْعِ فَإِنْ كان الْمُسْتَوْلِدُ قد حَلَفَ على نَفْيِ الشِّرَاءِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ لِلْمَالِكِ الْأَقَلُّ من الْمَهْرِ وَالثَّمَنِ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ له بِالْمَهْرِ وهو يَدَّعِي الثَّمَنَ فَالْأَقَلُّ مِنْهُمَا مُتَّفَقٌ عليه أَمْ لَا يَلْزَمُهُ له شَيْءٌ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ الثَّمَنَ عن نَفْسِهِ بِيَمِينِهِ وَالْمَهْرُ الذي يُقِرُّ بِهِ لَا يَدَّعِيهِ الْمَالِكُ وَجْهَانِ قال الْبُلْقِينِيُّ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُسْتَحَقٌّ لِلْمَالِكِ بِكُلِّ حَالٍ وَالِاخْتِلَافُ في الْجِهَةِ لَا يَضُرُّ كما في من شَهِدَ بِأَنَّ مَالِكَ الْعَبْدِ أَعْتَقَهُ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَمَاتَ فإنه يَأْخُذُ من تَرِكَتِهِ قَدْرَ الثَّمَنِ فَكَذَا هُنَا وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ الثَّانِيَ
انْتَهَى
وَنَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ تَصْحِيحَهُ أَيْضًا عن الْمَاوَرْدِيِّ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ كَلَامُ الدَّارِمِيِّ قال في الْأَصْلِ وَهَلْ لِذِي الْيَدِ تَحْلِيفُ الْمَالِكِ على نَفْيِ الزَّوْجِيَّةِ بَعْدَمَا حَلَفَ على نَفْيِ الشِّرَاءِ طَمَعًا في أَنَّهُ يَنْكُلُ فَيَحْلِفُ وَيَثْبُتُ له النِّكَاحُ أو لَا لِأَنَّهُ لو ادَّعَى مِلْكَهَا وَتَزْوِيجَهَا بَعْدَ اعْتِرَافِهِ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِلْآخَرِ لم يُقْبَلْ فَكَيْفَ يَحْلِفُ على ما لو أَقَرَّ بِهِ لم يُقْبَلْ قال الْبُلْقِينِيُّ وَالثَّانِي هو الصَّوَابُ وَلَا وَجْهَ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّا وَإِنْ قُلْنَا إنَّ النُّكُولَ وَالْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْبَيِّنَةِ فإن الْبَيِّنَةَ لو شَهِدَتْ بِأَنَّ مِلْكَهَا بَاقٍ لِلْبَائِعِ لم تُسْمَعْ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لها وكان الْمُصَنِّفُ حَذَفَ هذه سَهْوًا إذْ في كُلٍّ مِنْهُمَا وَمِمَّا قَبْلَهَا وَجْهَانِ فَانْتَقَلَ نَظَرُهُ من وَجْهَيْ تِلْكَ إلَى وَجْهَيْ هذه وَإِنْ نَكَلَ الْمُسْتَوْلِدُ عن الْيَمِينِ على نَفْيِ الشِّرَاءِ وَحَلَفَ الْمَالِكُ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ على الشِّرَاءِ اسْتَحَقَّ الثَّمَنَ ولم تُنْزَعْ أَيْ الْجَارِيَةُ من يَدِهِ فَإِنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ أو زَوْجَتُهُ وَلَهُ وَطْؤُهَا بَاطِنًا وَكَذَا ظَاهِرًا وَنَفَقَتُهَا عليه فَإِنْ مَاتَتْ قبل مَوْتِ الْمُسْتَوْلِدِ مَاتَتْ قِنَّةً وَلِلْبَائِعِ أَخْذُ قَدْرِ الثَّمَنِ من ما تَرَكَتْهُ من أَكْسَابِهَا إنْ لم يَكُنْ أَخَذَهُ قَبْلُ لِأَنَّ الْمُسْتَوْلِدَ يقول إنَّهَا بِأَسْرِهَا
____________________
(2/317)
له وهو يقول إنَّهَا لِلْمُسْتَوْلِدِ وَلَهُ عليه الثَّمَنُ فَيَأْخُذُ حَقَّهُ منها
وَيُوقَفُ الْفَاضِلُ منها لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ أَحَدٌ وَتَعْبِيرُهُ بِالثَّمَنِ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ في أَكْثَرِ النُّسَخِ بِالْقِيمَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ إنْ لم يَكُنْ أَخَذَهُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الدَّارِمِيُّ
وَإِنْ مَاتَتْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُسْتَوْلِدِ لم يَأْخُذْهُ أَيْ الثَّمَنَ من تَرِكَتِهَا لِأَنَّهَا حُرَّةٌ بِزَعْمِهِ لِعِتْقِهَا بِمَوْتِ الْمُسْتَوْلِدِ وَالثَّمَنُ بِزَعْمِهِ عليه فَلَا يَأْخُذُهُ مِمَّا جَمَعْته بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ بَلْ تُوقَفُ تَرِكَتُهَا إنْ لم يَكُنْ لها وَارِثٌ إذْ الْوَلَاءُ لَا يَدَّعِيهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا هذا كُلُّهُ إنْ أَصَرَّا على كَلَامَيْهِمَا فَإِنْ رَجَعَ الْمَالِكُ وَصَدَّقَ صَاحِبَ الْيَدِ لم يَبْطُلْ الِاسْتِيلَادُ وَالْحُرِّيَّةُ لِلْوَلَدِ وَمَلَكَ أَكْسَابَهَا ما دَامَ الْمُسْتَوْلِدُ حَيًّا فإذا مَاتَتْ عَتَقَتْ وَكَانَتْ أَكْسَابُهَا لها وَإِنْ رَجَعَ صَاحِبُ الْيَدِ وَصَدَّقَ الْبَائِعَ لَزِمَهُ الثَّمَنُ وكان الْوَلَاءُ له وإذا أَقَرَّ أَحَدُ الْوَارِثِينَ على التَّرِكَةِ بِدَيْنٍ أو وَصِيَّةٍ بِدَيْنٍ أو عَيْنٍ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ لم يَلْزَمْهُ إلَّا قِسْطُهُ من حِصَّتِهِ من التَّرِكَةِ لِأَنَّهُ لم يُقِرَّ عن نَفْسِهِ بَلْ عن مُوَرِّثِهِ بِحُكْمِ الْخِلَافَةِ عنه فَيَتَقَيَّدُ بِقَدْرِهَا وَكَمَا في إقْرَارِ الشَّرِيكِ في عَبْدٍ بِجِنَايَتِهِ
وَشَمِلَ كَلَامُهُ ما لو أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَنَّهُ أَوْصَى بِرُبْعِ مَالِهِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فإنه يَلْزَمُهُ رُبْعُ ما بيده لِلْمُوصَى له وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ قال الْبُلْقِينِيُّ وَيُسْتَثْنَى من ذلك ما لو كان قد أَقَرَّ بِالدَّيْنِ وَبِأَنَّ التَّرِكَةَ مَرْهُونَةٌ عليه وَهُنَا مَقْبُوضًا قبل مَوْتِ الْمُوَرِّثِ فإنه يَلْزَمُهُ قَضَاءُ جَمِيعِ الدَّيْنِ من حِصَّتِهِ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِتَعَلُّقِ جَمِيعِ الدَّيْنِ بها وما لو كانت التَّرِكَةُ بِيَدِ ثَالِثٍ مُدَّعٍ لها أو ادَّعَى عليه بِدَيْنٍ لِلْمَيِّتِ فَأَقَامَ أَحَدُ الْوَارِثِينَ شَاهِدًا بِالْمُدَّعَى وَحَلَفَ معه وَنَكَلَ الْآخَرُ فإنه يَقْتَضِي من نَصِيبِ الْحَالِفِ جَمِيعَ الدَّيْنِ تَنْزِيلًا لِلنَّاكِلِ مَنْزِلَةَ الْمُعْسِرِ من غُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ الَّذِينَ اقْتَسَمُوا ثُمَّ ظَهَرَ غَرِيمٌ وَأَحَدُ الْآخِذِينَ مُعْسِرٌ وَالْآخَرُ مُوسِرٌ فإنه يَأْخُذُ من الْمُوسِرِ بِنِسْبَةِ أَنَّ الذي في يَدِهِ كُلُّ الْمَالِ كما هو الْأَصَحُّ في بَابِ التَّفْلِيسِ
وَلَا يُجَاوِزُ في الْوَصِيَّةِ ثُلُثَ نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ مَحَلُّهَا فَلَوْ أَقَرَّ بِأَنَّ أَبَاهُ أَوْصَى بِعَشَرَةٍ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ تَعَلَّقَ نِصْفُهَا بِثُلُثِ نَصِيبِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ إذَا كانت الْوَصِيَّةُ بِأَكْثَرَ من الثُّلُثِ وَأَجَازَ الْمُقِرُّ جَاوَزَ فيها ثُلُثَ نَصِيبِهِ وإذا لم يَلْزَمْهُ بِالْإِقْرَارِ إلَّا الْقِسْطُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ على مُوَرِّثِهِ وَلَوْ بَعْدَ إقْرَارِهِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ نعم إنْ كانت الْوَصِيَّةُ التي أَقَرَّ بها بِعَيْنٍ وَخَرَجَتْ بِالْقِسْمَةِ أو نَحْوِهَا لِلْمُقِرِّ أَخَذَهَا الْمُوصَى له وَإِنْ خَرَجَتْ لِلْمُنْكِرِ فَلِلْمُوصَى له أَنْ يُغَرِّمَ الْمُقِرَّ نِصْفَ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عليه بِالْقِسْمَةِ وَإِنْ شَهِدَ الْمُقِرُّ لِلْمُوصَى له وَانْتُزِعَتْ أَيْ الْعَيْنُ من يَدِ الْمُنْكِرِ غَرِمَ لِلْمُنْكِرِ نِصْفَ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ بَانَ أنها مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمُوصَى له فَيَغْرَمُ لِلْمُنْكِرِ ما يُقَابِلُ ما أَخَذَهُ بِالْقِسْمَةِ وكان الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ نِصْفُ الْقِيمَةِ أو الْمِثْلُ وَأَوْلَى منه وَأَخْصَرُ بَدَلَ النِّصْفِ وَلَوْ مَاتَ الْمُنْكِرُ فَوَرِثَهُ الْمُقِرُّ لَزِمَهُ جَمِيعُ الدَّيْنِ لِحُصُولِ جَمِيعِ التَّرِكَةِ في يَدِهِ
فَرْعٌ على إقْرَارِ أَحَدِ الْوَارِثِينَ وَإِنْ خَالَفَهُ حُكْمًا
لو أَقَرَّ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِثَالِثٍ بِنِصْفِ الْأَلْفِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا تَعَيَّنَ ما أَقَرَّ بِهِ في نَصِيبِهِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ مُوَرِّثِهِ كما مَرَّ وَهَذَا فَرْدٌ من أَفْرَادِ قَاعِدَةِ الْحَصْرِ وَالْإِشَاعَةِ وَفِيهَا اضْطِرَابٌ وَالْمُرَجَّحُ في الْخُلْعِ الْإِشَاعَةُ خِلَافَ الْمُرَجَّحِ هُنَا وفي الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ وَالْوَصِيَّةِ وَالصَّدَاقِ وَالْعِتْقِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ فيها تَرْجِيحٌ بَلْ يُخْتَلَفُ بِحَسْبِ اخْتِلَافِ الْأَبْوَابِ وَالْمَآخِذِ كما في الرَّجْعَةِ وَالنَّذْرِ وَنَظَائِرِهِمَا قال وَقَوْلُهُ في الرَّوْضَةِ الْأَفْقَهُ حَمْلُهُ على الْحَصْرِ خِلَافَ ما قَالَهُ في كِتَابِ الْعِتْقِ في الْإِقْرَارِ بِالنِّصْفِ الْمُشْتَرَكِ من أَنَّ الرَّاجِحَ حَمْلُهُ على الْإِشَاعَةِ وقال الْإِسْنَوِيُّ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ إذَا عَلِمْت ذلك عَلِمْت أَنَّ الْفَتْوَى على التَّفْصِيلِ لِقُوَّةِ مُدْرَكِهِ أو على الْإِشَاعَةِ مُطْلَقًا وهو الْحَقُّ لِنَقْلِهِ عن الْأَكْثَرِينَ وَأَمَّا الْمَذْكُورُ هُنَا فَلَا وَجْهَ له وقال الْبُلْقِينِيُّ قَوَاعِدُ الْفِقْهِ تَقْتَضِي تَرْجِيحَ حَمْلِ ما هُنَا على الْإِشَاعَةِ وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ من عَبْدٍ له نَفْسَهُ وَلَوْ بَيْعًا ضِمْنِيًّا كَأَنْ قال له أَعْتَقْتُك على أَلْفٍ أو أَنَّهُ بَاعَ من حُرٍّ أَبَاهُ بِأَلْفٍ فَأَنْكَرَ وَحَلَفَ الْمُدَّعَى عليه عَتَقَ عليه أَيْ على الْمُدَّعِي وَسَقَطَ الْمَالُ لِاعْتِرَافِهِ بِالْحُرِّيَّةِ وَلَوْ ادَّعَى عليه أَلْفًا بِضَمَانٍ فقال بَلْ بِإِتْلَافٍ لَزِمَهُ الْأَلْفُ إذْ لَا يَضُرُّ الِاخْتِلَافُ في الْجِهَةِ كما مَرَّ
وَإِنْ أَقَرَّ بِدَارٍ مُبْهَمَةٍ وَمَاتَ ولم يُعَيِّنْ الْوَارِثُ الدَّارَ كَالْمَوْرُوثِ عَيَّنَهَا الْمُدَّعِي فَإِنْ أَنْكَرَ الْوَارِثُ ذلك وَحَلَفَ أنها غَيْرُ ما أَرَادَ مُوَرِّثُهُ لَزِمَهُ التَّعْيِينُ وَحُبِسَ له إنْ امْتَنَعَ منه حتى يُعَيِّنَ وَإِنْ بَاعَ دَارًا وَادَّعَى أَنَّهُ بَاعَهَا بِغَيْرِ إذْنٍ وهو لَا يَمْلِكُهَا وَأَنَّهَا الْآنَ مِلْكُهُ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ وَإِنْ لم يَكُنْ قال بِعْتُك دَارِي
____________________
(2/318)
أو مِلْكِي أو نَحْوَهُ مِمَّا يَقْتَضِي أَنَّهُ مِلْكُهُ وَإِلَّا لم تُسْمَعْ وَعُدِلَ إلَى ما قَالَهُ عن قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَهِيَ مِلْكُهُ إلَى الْآنَ لِإِيهَامِهِ أَنَّهُ يَدَّعِي أنها الْآنَ مِلْكٌ لِلْمُقَرِّ له وَلَيْسَ مُرَادٌ إذْ لَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ مِلْكَ الْغَيْرِ وَإِنْ قال غَصَبْت دَارَهُ وَلَوْ بِإِسْكَانِ الْهَاءِ وقال أَرَدْت دَارَةَ الشَّمْسِ أو الْقَمَرِ لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ لِأَنَّ غَصْبَ ذلك مُحَالٌ فَلَا تُقْبَلُ إرَادَتُهُ وَإِنْ أَقَرَّ أو أَوْصَى بِثِيَابِ بَدَنِهِ دخل فيه كُلُّ ما يَلْبَسُهُ من قَمِيصٍ وَطَيْلَسَانٍ وَلِحَافٍ وَقَلَنْسُوَةٍ وَغَيْرِهَا حتى الْفَرْوَةِ لَا الْخُفِّ وما اعْتَرَضَ بِهِ في الْمُهِمَّاتِ مِمَّا يَقْتَضِي عَدَمَ دُخُولِ الْفَرْوَةِ وَاللِّحَافِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَهِيَ ما يُغَطِّي الرَّأْسَ من قُبْعٍ وَطَاقِيَّةٍ وَنَحْوِهِمَا رَدُّوهُ عليه وَإِنْ أَقَرَّ الْبَائِعُ بِالْمَبِيعِ في مُدَّةِ الْخِيَارِ لِأَحَدٍ انْفَسَخَ الْبَيْعُ لِأَنَّ له الْفَسْخَ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ ما لو أَقَرَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ لِعَجْزِهِ عن الْفَسْخِ
الْبَابُ الرَّابِعُ في الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ يُشْتَرَطُ صُدُورُهُ من أَهْلِ الْإِقْرَارِ في الْجُمْلَةِ فَيَصِحُّ اسْتِلْحَاقُ السَّفِيهِ وهو قِسْمَانِ الْأَوَّلُ أَنْ يُلْحِقَ الْمَنْسُوبَ بِنَفْسِهِ كَهَذَا ابْنِي أو أنا أَبُوهُ وَإِنْ كان الْأَوَّلُ أَوْلَى لِكَوْنِ الْإِضَافَةِ فيه إلَى الْمُقِرِّ فَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُعْلَمَ نَسَبُهُ من غَيْرِهِ وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ بِهِ لِأَنَّ النَّسَبَ الثَّابِتَ من شَخْصٍ لَا يَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ فَالشَّرْعُ مُكَذِّبٌ له نعم لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ النَّافِي أَنْ يَسْتَلْحِقَ الْمَنْفِيَّ عن فِرَاشِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ كما يُعْلَمُ من بَابِ اللِّعَانِ وَلَا يَجُوزُ اسْتِلْحَاقُ وَلَدِ الزِّنَا كما هو مَعْلُومٌ وَإِنْ يُمْكِنُ كَوْنُهُ منه فَلَوْ كان في سِنٍّ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ منه أو كان قد قُطِعَ ذَكَرُهُ وَأُنْثَيَاهُ من زَمَنٍ يَتَقَدَّمُ على زَمَنِ الْعُلُوقِ بِهِ لم يَثْبُتْ نَسَبُهُ لِأَنَّ الْحِسَّ يُكَذِّبُهُ فَإِنْ قَدِمَتْ كَافِرَةٌ بِطِفْلٍ وَادَّعَاهُ مُسْلِمٌ الْأَوْلَى رَجُلٌ وَأَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمَا بِأَنْ اُحْتُمِلَ أَنَّهُ خَرَجَ إلَيْهَا أو أنها قَدِمَتْ إلَيْهِ قبل ذلك أو أَنَّهُ أَنْفَذَ إلَيْهَا مَاءَهُ فَاسْتَدْخَلَتْهُ لَحِقَهُ فَإِنْ لم يُمْكِنْ اجْتِمَاعُهُمَا لم يَلْحَقْهُ وَإِنْ اسْتَلْحَقَ كَبِيرًا حَيًّا عَاقِلًا فَلَا بُدَّ من تَصْدِيقِهِ أو الْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ ما لو كَذَّبَهُ أو سَكَتَ لِأَنَّ له حَقًّا في نَسَبِهِ وهو أَعْرَفُ بِهِ من غَيْرِهِ
وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاكْتِفَاءِ بِالسُّكُوتِ في الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ بِأَنَّ أَمْرَ النَّسَبِ خَطَرٌ فَإِنْ كَذَّبَهُ أو سَكَتَ وَأَصَرَّ وَلَا بَيِّنَةَ حَلَّفَهُ الْمُدَّعِي فَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي ثَبَتَ النَّسَبُ وَإِنْ حَلَفَ سَقَطَتْ الدَّعْوَى وَكَذَا الْحُكْمُ لو ادَّعَاهُ أَبًا فَكَذَّبَهُ أو سَكَتَ وَلَا بَيِّنَةَ لم يَثْبُتْ الِاسْتِلْحَاقُ وَلَوْ سَقَطَ صَغِيرًا أو ذَا جُنُونٍ وَلَوْ طَرَأَ الْجُنُونُ فلما بَلَغَ الصَّغِيرُ أو أَفَاقَ الْمَجْنُونُ كَذَّبَهُ لم يَنْدَفِعْ النَّسَبُ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ له فَلَا يَنْدَفِعُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ
____________________
(2/319)
بِالْإِقْرَارِ كَالثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ وَكَمَا لو كَذَّبَهُ قبل كَمَالِهِ وَيُفَارِقُ ما لو حُكِمَ بِإِسْلَامِ اللَّقِيطِ بِظَاهِرِ الدَّارِ ثُمَّ بَلَغَ وَاعْتَرَفَ بِالْكُفْرِ حَيْثُ يُقَرُّ عليه بِأَنَّ الْحُكْمَ بِتَبَعِيَّةِ الدَّارِ أَضْعَفُ من الْحُكْمِ بِالنَّسَبِ بِالْإِقْرَارِ
وَلَيْسَ له أَيْ الْمُقَرِّ بِهِ تَحْلِيفُهُ لِأَنَّهُ لو رَجَعَ لم يُقْبَلْ فَلَا مَعْنَى لِتَحْلِيفِهِ وما ذُكِرَ في الْمَجْنُونِ يُخَالِفُهُ ما لو قال لِمَجْنُونٍ هذا أبي حَيْثُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ حتى يُفِيقَ وَيُصَدِّقَهُ قال الرُّويَانِيُّ وما أَدْرِي ما الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يُقَالَ الِابْنُ بَعْدَ الْجُنُونِ يَعُودُ إلَى ما كان عليه في صِبَاهُ بِخِلَافِ الْأَبِ وَإِنْ اسْتَلْحَقَ مَيِّتًا وَلَوْ كَبِيرًا لَحِقَهُ وَوَرِثَهُ هو وَلَا نَظَرَ إلَى تُهْمَةِ الْإِرْثِ لِأَنَّ أَمْرَ النَّسَبِ مَبْنِيٌّ على التَّغْلِيبِ لِعُسْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عليه وَلِهَذَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْإِمْكَانِ وَلِأَنَّهُ أَصْلٌ وَالْإِرْثُ فَرْعٌ وقد ثَبَتَ الْأَصْلُ وَلَا قِصَاصَ عليه إنْ قَتَلَهُ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ فَرْعٌ لو ادَّعَى جَمَاعَةٌ بَالِغًا عَاقِلًا أَيْ نَسَبَهُ لَحِقَ من صَدَّقَهُ لِأَنَّ الشُّرُوطَ قد اجْتَمَعَتْ فيه دُونَ غَيْرِهِ وَسَوَاءٌ صَارَتْ الْأُمُّ فِرَاشًا لهم أَمْ لَا فَإِنْ لم يُصَدِّقْ وَاحِدًا عُرِضَ على الْقَافَةِ كما سَيَأْتِي في مَحَلِّهِ أو صَغِيرًا أو كان الْمُسْتَلْحِقُ بِكَسْرِ الْحَاءِ عَبْدًا أو عَتِيقًا أو امْرَأَةً فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ في بَابِ اللَّقِيطِ
فَرْعٌ لو اسْتَلْحَقَ شَخْصٌ عَبْدَ غَيْرِهِ أو عَتِيقَهُ لم يُقْبَلْ إنْ كان صَغِيرًا أو مَجْنُونًا مُحَافَظَةً على حَقِّ الْوَلَاءِ لِلسَّيِّدِ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْكَبِيرُ الْعَاقِلُ قُبِلَ وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ وَالتَّرْجِيحُ هُنَا من زِيَادَتِهِ أَخْذًا من تَرْجِيحِ الْأَصْلِ له في بَابِ اللَّقِيطِ وَرَجَّحَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَالسُّبْكِيُّ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مُحَافَظَةً على ما مَرَّ لِلسَّيِّدِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْعَبْدُ بَاقٍ على رِقِّهِ لِعَدَمِ التَّنَافِي بين النَّسَبِ وَالرِّقِّ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحُرِّيَّةَ وَالْحُرِّيَّةُ لم تَثْبُتْ أو اسْتَلْحَقَ عَبْدَهُ أَيْ عَبْدًا بيده ولم يُمْكِنْ لُحُوقُهُ بِهِ كَأَنْ كان أَمِنَ منه لَغَا قَوْلُهُ وَإِلَّا بِأَنْ أَمْكَنَ لُحُوقُهُ بِهِ لَحِقَهُ الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ وَالْمُصَدِّقُ له وَعَتَقُوا لَا ثَابِتُ النَّسَبِ من غَيْرِهِ ولا الْمُكَذِّبُ له فَلَا يَلْحَقَانِهِ وَيُعْتَقَانِ مُؤَاخَذَةً له بِاعْتِرَافِهِ بِحُرِّيَّتِهِمَا وَقِيلَ لَا يُعْتَقَانِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَا يَرِثَانِ منه كما لَا يَرِثُ مِنْهُمَا وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَإِنْ اسْتَلْحَقَ بَالِغًا عَاقِلًا وَصَدَّقَهُ ثُمَّ رَجَعَا لم يَسْقُطْ النَّسَبُ لِأَنَّ النَّسَبَ الْمَحْكُومَ بِثُبُوتِهِ لَا يَرْتَفِعُ بِالِاتِّفَاقِ كَالثَّابِتِ بِالْفِرَاشِ وَقِيلَ يَسْقُطُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُ
فَصْلٌ لو قال لِوَلَدِ أَمَتِهِ غَيْرِ الْمُزَوَّجَةِ والمستفرشة له هذا وَلَدِي منها وَلَوْ مع قَوْلِهِ وَلَدَتْهُ في مِلْكِي ثَبَتَ النَّسَبُ بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ لَا الِاسْتِيلَادُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْبَلَهَا بِنِكَاحٍ أو شُبْهَةٍ ثُمَّ مَلَكَهَا وَاسْتُشْكِلَ بِمَا لو أَتَتْ امْرَأَةُ رَجُلٍ بِوَلَدٍ يَلْحَقُهُ فَإِنَّهُمْ قالوا بِاسْتِقْرَارِ الْمَهْرِ مع إنْكَارِ الزَّوْجِ الْوَطْءَ تَمَسُّكًا بِالظَّاهِرِ وهو الْعُلُوقُ بِالْوَطْءِ ولم يَنْظُرُوا إلَى احْتِمَالِ اسْتِدْخَالِ الْمَاءِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعُلُوقَ من الِاسْتِدْخَالِ نَادِرٌ فَوَجَبَ الْمَهْرُ حَمْلًا على الْوَطْءِ الذي يَغْلِبُ على الظَّنِّ حُصُولُ الْحَمْلِ منه وَأَمَّا كَوْنُ الْأَمَةِ في الْمِلْكِ حَالَ عُلُوقِهَا بِالْوَلَدِ فَلَيْسَ ظَاهِرًا حتى يُعْمَلَ بِهِ بَلْ هو وَعَدَمُهُ مُحْتَمَلَانِ على السَّوَاءِ فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ عنها وَرِثَهَا الِابْنُ مع بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ إنْ كَانُوا وَعَتَقَ عليه قَدْرُ ما وَرِثَ منها ولم يَسْرِ إلَى بَقِيَّتِهَا لِدُخُولِ ما وَرِثَهُ في مِلْكِهِ قَهْرًا فَإِنْ قال هذا وَلَدِي عَلِقَتْ بِهِ في مِلْكِي أو اسْتَوْلَدْتهَا بِهِ في مِلْكِي أو قال هو وَلَدِي منها وَلَهَا في مِلْكِي عَشْرُ سِنِينَ مَثَلًا وكان ابْنَ سَنَةٍ ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ لِانْتِفَاءِ الِاحْتِمَالِ نعم لو كان مُكَاتَبًا قبل إقْرَارِهِ لم يَثْبُتْ الِاسْتِيلَادُ حتى يَنْفِيَ احْتِمَالَهُ أَنَّهُ أَحْبَلَهَا زَمَنَ كِتَابَتِهِ لِأَنَّ إحْبَالَ الْمُكَاتَبِ لَا يُثْبِتُ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ كما سَيَأْتِي في مَحَلِّهِ
وَلَوْ كان قَوْلُهُ ذلك في الْمَرَضِ لِأَنَّ إنْشَاءَ الِاسْتِيلَادِ نَافِذٌ فيه كما في الصِّحَّةِ أَمَّا إذَا كانت مُزَوَّجَةً فَيَلْغُو الْإِقْرَارُ وَيَلْحَقُ الْوَلَدُ بِالزَّوْجِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ أو مُسْتَفْرَشَةً له بِأَنْ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا فَيَلْحَقَهُ بِالِاسْتِفْرَاشِ لَا بِالْإِقْرَارِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ
فَرْعٌ لو اسْتَلْحَقَ أَحَدَ وَلَدَيْ أَمَتَيْهِ وَهُمَا مُزَوَّجَتَانِ أو مُسْتَفْرَشَتَانِ له لَغَا الِاسْتِلْحَاقُ لِلُحُوقِ وَلَدِ كل أَمَةٍ بِزَوْجِهَا في الْأُولَى وَلُحُوقِهِمَا بِهِ في الثَّانِيَةِ بِالِاسْتِفْرَاشِ لَا بِالِاسْتِلْحَاقِ
____________________
(2/320)
كما مَرَّ نَظِيرُهُ أو كانت إحْدَاهُمَا غير مُزَوَّجَةٍ أو مُسْتَفْرَشَةٍ دُونَ الْأُخْرَى أو هُمَا غَيْرُ مُزَوَّجَتَيْنِ وَلَا مُسْتَفْرَشَتَيْنِ له لَزِمَهُ التَّعْيِينُ كما لو أَقَرَّ بِطَلَاقِ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ فإذا عَيَّنَ أَحَدَهُمَا رُتِّبَ عليه حُكْمُهُ من نَسَبٍ وَغَيْرِهِ وَلَوْ ادَّعَتْ الْأُخْرَى أنها الْمُسْتَوْلَدَةُ وَوَلَدُهَا الْمُسْتَلْحَقُ أو بَلَغَ الْوَلَدُ وَادَّعَاهُ صُدِّقَ السَّيِّدُ بِيَمِينِهِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَقُضِيَ بِمُقْتَضَى يَمِينِهِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ
وَإِنْ قال هذا وَلَدِي من أَمَتِي وَلَيْسَتْ مُزَوَّجَةً وَلَا مُسْتَفْرَشَةً له ثُمَّ زَادَ من زِنًا لِيَنْفِيَهُ عنه لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ من زِنًا وَإِنْ اتَّصَلَ بِإِقْرَارِهِ فَيَثْبُتْ النَّسَبُ دُونَ الِاسْتِيلَادِ وَهَذَا في حَالَةِ الِاتِّصَالِ ما بَحَثَهُ الْأَصْلُ بَعْدَ نَقْلِهِ عن الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ أَيْضًا وَالْبَحْثُ قَوِيٌّ وما أَجَابَ بِهِ ابن الرِّفْعَةِ عنه فيه نَظَرٌ وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ ولم يُعَيِّنْ عَيَّنَ الْوَرَثَةُ لِأَنَّهُمْ خَلِيفَتُهُ وَتَعْيِينُهُمْ كَإِقْرَارِهِ أَيْ كَتَعْيِينِهِ كما عَبَّرَ بِهِ أَصْلُهُ في ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ وَالنَّسَبِ وَالْإِرْثِ فَإِنْ قالوا لَا نَعْلَمُ كَيْفَ اسْتَوْلَدَ أو لم يَكُنْ له وَارِثٌ كما في الْأَصْلِ فَالْقَائِفُ يُعْرَضُ عليه الْوَلَدَانِ وَيَسْتَدِلُّ بِالْعَصَبَةِ إنْ لم يَكُنْ رَأَى الْمُسْتَلْحَقَ فَإِنْ فُقِدَ الْقَائِفُ أو أَشْكَلَ عليه الْأَمْرُ أو أَلْحَقَهُمَا بِهِ أو نَفَاهُمَا عنه فَالْقُرْعَةُ يُرْجَعُ إلَيْهَا لِيُعْرَفَ بها الْحُرُّ مِنْهُمَا وَلَا يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُمَا لِيَنْتَسِبَا كما أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ
بِخِلَافِ ما لو تَنَازَعَ اثْنَانِ في وَلَدٍ وَلَا قَائِفَ لِأَنَّ الِاشْتِبَاهَ هُنَا في أَنَّ الْوَلَدَ أَيُّهُمَا فَلَوْ اعْتَبَرْنَا الِانْتِسَابَ رُبَّمَا انْتَسَبَا جميعا إلَيْهِ فَدَامَ الْإِشْكَالُ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ أَمَّا النَّسَبُ وَالْإِرْثُ فَلَا يَثْبُتُ كُلٌّ مِنْهُمَا بها لِأَنَّهَا على خِلَافِ الْقِيَاسِ وَإِنَّمَا وَرَدَ الْخَبَرُ بها في الْعِتْقِ فَاقْتَصَرَ عليه وَيَثْبُتُ بها الْوَلَاءُ تَبَعًا لِلْحُرِّيَّةِ لِأَنَّهُ فَرْعُهَا وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَمَحَلُّهُ إذَا لم يَثْبُتْ الِاسْتِيلَادُ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ لَا وَلَاءَ على الْوَلَدِ لِأَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ كما سَيَأْتِي
وَلَا يُوقَفُ نَصِيبُ ابْنٍ بين من خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ لِأَنَّهُ إشْكَالٌ وَقَعَ الْيَأْسُ من زَوَالِهِ فَأَشْبَهَ غَرَقَ الْمُتَوَارِثِينَ إذَا لم تُعْلَمْ مَعِيَّةٌ وَلَا سَبْقٌ وَالِاسْتِيلَادُ يَثْبُتُ بِالْقُرْعَةِ إنْ صَدَرَ من السَّيِّدِ ما يَقْتَضِيهِ بِأَنَّ اعْتَرَفَ بِاسْتِيلَادِهَا في مِلْكِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْحُرِّيَّةُ وَالْقُرْعَةُ عَامِلَةٌ فيها فَكَمَا تُفِيدُ حُرِّيَّةَ الْوَلَدِ تُفِيدُ حُرِّيَّةَ أُمِّهِ وَإِنْ لم يَصْدُرْ منه ما يَقْتَضِيهِ لم يَثْبُتْ
فَرْعٌ حَيْثُ يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فَالْوَلَدُ حُرُّ الْأَصْلِ لَا وَلَاءَ عليه لِأَنَّهُ انْعَقَدَ حُرًّا وَكَذَا إنْ كان قال من وَطْءِ شُبْهَةٍ تَقْتَضِي حُرِّيَّتَهُ فَهُوَ حُرُّ الْأَصْلِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ وَلَدَ الْمُسْتَوْلَدَةِ مُلْحَقٌ بِالْمُقِرِّ دُونَ وَلَدِ الْأُخْرَى هذا إنْ لم تَكُنْ إحْدَاهُمَا فِرَاشًا له كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَيْضًا فَإِنْ كانت كَذَلِكَ فَعَيَّنَ وَلَدَ الْأُخْرَى لَحِقَاهُ جميعا الْمُعَيَّنُ بِالْإِقْرَارِ وَالْآخَرُ بِالْفِرَاشِ
فَرْعٌ لِأَمَتِهِ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ ولم تَكُنْ فِرَاشًا له وَلَا مُزَوَّجَةً قبل وِلَادَتِهِمْ وقال أَحَدُهُمْ وَلَدِي طُولِبَ بِالتَّعْيِينِ فَمَنْ عَيَّنَهُ منهم فَهُوَ نَسِيبٌ حُرٌّ وَارِثٌ فَإِنْ عَيَّنَ الْأَوْسَطَ ولم يَكُنْ إقْرَارُهُ يَقْتَضِي الِاسْتِيلَادَ فَالْآخَرَانِ رَقِيقَانِ وَإِنْ اقْتَضَاهُ بِأَنْ اعْتَرَفَ بِاسْتِيلَادِهَا في مِلْكِهِ لَحِقَهُ الْأَصْغَرُ أَيْضًا دُونَ الْأَكْبَرِ لِلْفِرَاشِ إلَّا إنْ ادَّعَى اسْتِبْرَاءَهَا بَعْدَ وِلَادَةِ الْأَوْسَطِ وَحَلَفَ عليه فإنه لَا يَلْحَقُهُ حِينَئِذٍ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من أَنَّ نَسَبَ مِلْكِ الْيَمِينِ يَنْتَفِي بِالِاسْتِبْرَاءِ
____________________
(2/321)
وَيَكُونُ كَأُمِّهِ فَيُعْتَقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ كَأُمِّهِ لِأَنَّهُ وَلَدُ أُمِّ وَلَدٍ وهو يُعْتَقُ بِذَلِكَ وَإِنْ عَيَّنَ في الشِّقِّ الْأَوَّلِ الْأَكْبَرَ أو الْأَصْغَرَ أو في الثَّانِي الْأَصْغَرَ فَالْآخَرَانِ رَقِيقَانِ وَإِنْ عَيَّنَ في الثَّانِي الْأَكْبَرَ لَحِقَهُ الْآخَرَانِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الِاسْتِبْرَاءَ على ما قَالَهُ لَكِنْ ما قَالَهُ تَبَعًا لِظَاهِرِ كَلَامِ أَصْلِهِ من أَنَّ دَعْوَى الِاسْتِبْرَاءِ في الْمُسْتَوْلَدَةِ يَمْنَعُ اللُّحُوقَ بِالسَّيِّدِ مَبْنِيٌّ على أَنَّ فِرَاشَهُ بها يَزُولُ بِالِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ على الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ لو زَالَ بِهِ لَزَالَ بِالْوِلَادَةِ الدَّالَّةِ على فَرَاغِ الرَّحِمِ قَطْعًا
وَسَيَأْتِي في بَابِهِ أَنَّهُ لو اسْتَبْرَأَهَا ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ لَحِقَهُ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُسْتَوْلَدَةِ فَالْوَجْهُ حَذْفُ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ
وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قبل التَّعْيِينِ عَيَّنَ الْوَارِثُ لِأَنَّهُ خَلِيفَتُهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ التَّعْيِينُ بِأَنْ لم يَكُنْ وَارِثٌ أو كان وقال لَا أَعْلَمُ فَالْقَائِفُ يُعْرَضُونَ عليه لِيُعَيِّنَ فَإِنْ تَعَذَّرَ مَعْرِفَتُهُ بِأَنْ فُقِدَ أو أَشْكَلَ عليه الْأَمْرُ أو أَلْحَقَهُمْ أو اثْنَيْنِ منهم بِهِ أو نَفَاهُمْ عنه فَالْقُرْعَةُ يُرْجَعُ إلَيْهَا لِيُعْرَفَ بها الْحُرُّ منهم ثُمَّ إنْ كان إقْرَارُهُ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِيلَادَ وَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِوَاحِدٍ عَتَقَ وَحْدَهُ ولم يَثْبُتْ نَسَبُهُ وَلَا يُوقَفُ من مِيرَاثِ السَّيِّدِ نَصِيبُ ابْنٍ بين من خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَالْآخَرِينَ لِمَا مَرَّ في مَسْأَلَةِ اسْتِلْحَاقِ أَحَدِ وَلَدَيْ أَمَتَيْهِ وَإِنْ اقْتَضَاهُ أَيْ إقْرَارَهُ الِاسْتِيلَادَ ولم يَدَّعِ الِاسْتِبْرَاءَ قبل وِلَادَةِ الصَّغِيرِ فَالصَّغِيرُ نَسِيبٌ حُرٌّ على كل تَقْدِيرٍ لِأَنَّهُ إمَّا الْمُقَرُّ له أو وَلَدُ الْمُسْتَفْرَشَةِ بِالْوِلَادَةِ فَإِنْ ادَّعَى الِاسْتِبْرَاءَ وَحَلَفَ عليه لم يَثْبُتْ نَسَبُهُ وَيَكُونُ كَأُمِّهِ على ما مَرَّ
وَيَدْخُلُ الصَّغِيرُ في الْقُرْعَةِ وَإِنْ كان حُرًّا بِكُلِّ تَقْدِيرٍ لِيُرَقَّ غَيْرُهُ إنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ له وَإِنْ خَرَجَتْ لِغَيْرِهِ عَتَقَ معه
الْقَسَمُ الثَّانِي في إلْحَاقِ النَّسَبِ بِغَيْرِهِ إلْحَاقُ النَّسَبِ بِغَيْرِهِ مِمَّنْ يَتَعَدَّى النَّسَبُ منه إلَيْهِ كَأَبِيهِ أو جَدِّهِ أو أَخِيهِ جَائِزٌ وَدَلِيلُهُ من السُّنَّةِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ اخْتَصَمَ سَعْدُ بن أبي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ بن زَمْعَةَ في غُلَامٍ فقال سَعْدٌ يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَخِي عُتْبَةَ بن أبي وَقَّاصٍ عَهِدَ إلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ فَانْظُرْ إلَى شَبَهِهِ بِهِ وقال عبد بن زَمْعَةَ هذا أَخِي وُلِدَ على فِرَاشِ أبي من وَلِيدَتِهِ فَنَظَرَ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَى شَبَهِهِ فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ فقال هو لَك يا عبد بن زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وَاحْتَجِبِي منه يا سَوْدَةُ فلم تَرَهُ سَوْدَةُ قَطُّ وفي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ هو أَخُوك يا عبد وَإِنَّمَا أَمَرَ زَوْجَتَهُ سَوْدَةَ بِالِاحْتِجَابِ منه وَإِنْ كان أَخَاهَا شَرْعًا تَوَرُّعًا لِأَجْلِ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ وَمِنْ الْمَعْنَى أَنَّ الْوَارِثَ يَخْلُفُ مُوَرِّثَهُ في حُقُوقِهِ وَالنَّسَبُ من جُمْلَتِهَا فَيَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ في الْإِلْحَاقِ بِنَفْسِهِ وَبِأَنْ يَكُونُ الْمُلْحَقُ بِهِ مَيِّتًا لَا حَيًّا وَلَوْ مَجْنُونًا لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ نَسَبِ الْأَصْلِ مع وُجُودِهِ بِإِقْرَارِ غَيْرِهِ وَأَنْ يَكُونَ الْمُلْحِقُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَارِثًا حَائِزًا لِتَرِكَةِ الْمُلْحَقِ بِهِ وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ كَأَنْ أَقَرَّ بِعَمٍّ وهو حَائِزٌ تَرِكَةَ أبيه الْحَائِزِ تَرِكَةَ جَدِّهِ الْمُلْحَقِ بِهِ فَإِنْ كان قد مَاتَ أَبُوهُ قبل جَدِّهِ فَلَا وَاسِطَةَ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ قال ابن الرِّفْعَةِ وهو يُفْهِمُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمُقِرِّ حَائِزًا لِمِيرَاثِ الْمُلْحَقِ بِهِ لو قُدِّرَ مَوْتُهُ حين الْإِلْحَاقِ
وَكَلَامُهُمْ يَأْبَاهُ لِأَنَّهُمْ قالوا لو مَاتَ مُسْلِمٌ وَتَرَكَ وَلَدَيْنِ مُسْلِمًا وَكَافِرًا ثُمَّ مَاتَ الْمُسْلِمُ وَتَرَكَ ابْنًا مُسْلِمًا وَأَسْلَمَ عَمُّهُ الْكَافِرُ فَحَقُّ الْإِلْحَاقِ بِالْجَدِّ لِابْنِ ابْنِهِ الْمُسْلِمِ لَا لِابْنِهِ الذي أَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَوْ كان كما قِيلَ لَكَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ كَوْنُهُ وَارِثًا حَائِزًا لِأَنَّهُ الْقَائِمُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ وَإِنْ تَعَدَّدَ أو كان امْرَأَةً وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُلْحَقُ بِهِ رَجُلًا لِأَنَّ اسْتِلْحَاقَ الْمَرْأَةِ لَا يَصِحُّ كما سَيَأْتِي في اللَّقِيطِ فَبِالْأَوْلَى اسْتِلْحَاقُ وَارِثِهَا وَإِنْ كان رَجُلًا لِأَنَّهُ خَلِيفَتُهَا جَزَمَ بِهِ ابن الرِّفْعَةِ قال الْإِسْنَوِيُّ وهو وَاضِحٌ وقد جَزَمَ بِهِ ابن اللَّبَّانِ وَنَقَلَ عنه الْعِمْرَانِيُّ في زَوَائِدِهِ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْأُمِّ لَا يَصِحُّ لِإِمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ على الْوِلَادَةِ
____________________
(2/322)
كما في اسْتِلْحَاقِ الْمَرْأَةِ نَقَلَهُ عنه ابن الرِّفْعَةِ وَأَقَرَّهُ فَيَصِحُّ اسْتِلْحَاقُ الْوَارِثِ الْحَائِزِ وَلَوْ نَفَاهُ الْمَيِّتُ الْمُلْحَقُ بِهِ أو وَارِثُهُ كما لو اسْتَلْحَقَهُ قبل مَوْتِهِ بَعْدَمَا نَفَاهُ وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِلْحَاقُ من غَيْرِ وَارِثٍ كَالْقَاتِلِ وَالْكَافِرِ وَالْعَبْدِ وَالْأَجْنَبِيِّ كما لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ عليه بِالْمَالِ وَلَا تُعْتَبَرُ مُوَافَقَتُهُ أَيْ غَيْرِ الْوَارِثِ لِلْمُسْتَلْحَقِ
وَيَصِحُّ إلْحَاقُ الْمُسْلِمِ الْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ وَعَكْسُهُ أَيْ إلْحَاقُ الْكَافِرِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ وَلَا بُدَّ من مُوَافَقَةِ جَمِيعِ من وَرِثَ وَلَوْ بِزَوْجِيَّةٍ وَوَلَاءٍ على الِاسْتِلْحَاقِ لِيَكُونَ الْمُسْتَلْحَقُ حَائِزًا وَيُنْتَظَرُ الصَّغِيرُ أَيْ بُلُوغُهُ وَالْغَائِبُ أَيْ قُدُومُهُ لِيُوَافِقَا على الِاسْتِلْحَاقِ فَإِنْ مَاتَا قبل الْمُوَافَقَةِ فَمُوَافَقَةُ وَارِثِهَا تُعْتَبَرُ وَكَذَا وَارِثُ وَارِثٍ أَنْكَرَ أو سَكَتَ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلَوْ حَلَفَ ابْنَيْنِ مُكَلَّفَيْنِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ أو سَكَتَ ثُمَّ مَاتَ وَخَلَّفَ وَارِثًا اُعْتُبِرَ مُوَافَقَتُهُ نعم إنْ لم يَرِثْ الصَّغِيرُ وَالْغَائِبُ وَالْمُنْكِرُ إلَّا الْمُقِرَّ ثَبَتَ النَّسَبُ وَإِنْ لم يُجَدِّدْ إقْرَارًا لِأَنَّهُ صَارَ حَائِزًا فَالْحِيَازَةُ مُعْتَبَرَةٌ حَالًا أو مَآلًا وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الْغَائِبِ من زِيَادَتِهِ وَكَالصَّغِيرِ فِيمَا ذُكِرَ الْمَجْنُونُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَلَوْ وَرِثَهُ الْمُسْلِمُونَ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يُلْحِقَ النَّسَبَ بِالْمَيِّتِ وله أَنْ يُوَافِقَ فيه غير الْحَائِزِ إنْ وَرِثَ معه كَبِنْتٍ وَأَفَادَ بِذِكْرِ الْإِرْثِ وَالتَّصْرِيحِ بِهِ من زِيَادَتِهِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُصَوَّرَةٌ بِمَا إذَا كان الْمَيِّتُ مُسْلِمًا وهو وَاضِحٌ
فَرْعٌ لو أَقَرَّ الِابْنُ الْحَائِزُ بِأَخٍ مَجْهُولٍ فَأَنْكَرَهُ الْمَجْهُولُ لم يُؤَثِّرْ فيه إنْكَارُهُ لِأَنَّهُ لو أَثَّرَ فيه لَبَطَلَ نَسَبُ الْمَجْهُولِ الثَّابِتِ بِقَوْلِ الْمُقَرِّ له فإنه لم يَثْبُتْ بِقَوْلِ الْمُقِرِّ إلَّا لِكَوْنِهِ حَائِزًا وَلَوْ بَطَلَ نَسَبُ الْمَجْهُولِ لَثَبَتَ نَسَبُ الْمُقِرِّ وَذَلِكَ دَوْرٌ فَلَوْ أَقَرَّا جميعا بِثَالِثٍ فَأَنْكَرَ الثَّالِثُ نَسَبَ الثَّانِي سَقَطَ نَسَبُهُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ نَسَبُ الثَّالِثِ فَاعْتُبِرَ مُوَافَقَتُهُ في ثُبُوتِ نَسَبِ الثَّانِي وَلَوْ أَقَرَّ بِهِمَا أَيْ بِأَخَوَيْنِ مَجْهُولَيْنِ مَعًا فَكَذَّبَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ أو صَدَّقَهُ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى ثَبَتَ نَسَبُهُمَا لِوُجُودِ الْإِقْرَارِ من الْحَائِزِ وَإِنْ صَدَّقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَكَذَّبَهُ الْآخَرُ سَقَطَ الْمُكَذَّبُ بِفَتْحِ الذَّالِ أَيْ نَسَبُهُ دُونَ نَسَبِ الْمُصَدَّقِ إنْ لم يَكُونَا تَوْأَمَيْنِ وَإِلَّا فَلَا أَثَرَ لِتَكْذِيبِ الْآخَرِ لِأَنَّ الْمُقِرَّ بِأَحَدِ التَّوْأَمَيْنِ مُقِرٌّ بِالْآخَرِ
فَرْعٌ لو أَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ الْحَائِزَيْنِ دُونَ الْآخَرِ بِثَالِثٍ لم يَجِبْ على الْمُقِرِّ مُشَارَكَتُهُ في الْإِرْثِ ظَاهِرًا لِأَنَّ الْإِرْثَ فَرْعُ النَّسَبِ ولم يَثْبُتْ كما مَرَّ لَكِنْ تَحْرُمُ عليه أَيْ الْمُقِرِّ بِنْتُهُ أَيْ الْمُقَرِّ بِهِ وَإِنْ لم يَثْبُتْ نَسَبُهَا مُؤَاخَذَةً له بِإِقْرَارِهِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ في أَكْثَرِ نُسَخِهِ وَيُقَاسُ بِالْبِنْتِ ما في مَعْنَاهَا وفي عِتْقِ حِصَّتِهِ أَيْ الْمُقِرِّ إنْ كان الْمُقَرُّ بِهِ من التَّرِكَةِ كَأَنْ قال أَحَدُهُمَا لِعَبْدٍ في التَّرِكَةِ إنَّهُ ابن أَبِينَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نعم مُؤَاخَذَةً له بِإِقْرَارِهِ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ فَرْعُ النَّسَبِ ولم يَثْبُتْ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى الْعِتْقِ وَعَلَيْهِ أَيْ الْمُقِرِّ إذَا كان صَادِقًا مُشَارَكَتُهُ أَيْ الْمُقَرِّ بِهِ بَاطِنًا لِعِلْمِهِ بِاسْتِحْقَاقِهِ بِثُلُثِ ما في يَدِهِ من التَّرِكَةِ فإن حَقَّهُ بِزَعْمِ الْمُقِرِّ شَائِعٌ فِيمَا بيده وَيَدِ الْمُنْكِرِ فَلَهُ الثُّلُثُ من كُلٍّ مِنْهُمَا وَطَرِيقُ التَّصْحِيحِ أَنْ تُعْمِلَ فَرِيضَتَيْ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ ثُمَّ تَنْظُرَ ما بَيْنَهُمَا فَإِنْ تَمَاثَلَتَا اكْتَفَيْت بِإِحْدَاهُمَا أو تَدَاخَلَتَا فَبِأَكْثَرِهِمَا أو تَوَافَقَتَا فَبِالْحَاصِلِ من ضَرْبِ وَفْقِ إحْدَاهُمَا في الْأُخْرَى أو تَبَايَنَتَا فَبِالْحَاصِلِ من ضَرْبِ إحْدَاهُمَا في الْأُخْرَى وَالتَّفَاوُتُ بين حِصَّتَيْ الْمُقِرِّ بِتَقْدِيرَيْ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ لِلْمُقَرِّ له وَكَذَا لو تَعَدَّدَ الْمُقِرُّ وَالْمُقَرُّ له كَابْنٍ وَبِنْتٍ أَقَرَّ الِابْنُ بِبِنْتٍ وَالْبِنْتُ بِابْنٍ فَفَرِيضَةُ الْإِنْكَارِ من ثَلَاثَةٍ وَفَرِيضَةُ إقْرَارِ الِابْنِ من أَرْبَعَةٍ وَفَرِيضَةُ إقْرَارِ الْبِنْتِ من خَمْسَةٍ وَهِيَ مُتَبَايِنَةٌ فَتَصِحُّ من سِتِّينَ فَيَرُدُّ الِابْنُ عَشَرَةً لِلْمُقَرِّ لها وَالْبِنْتُ ثَمَانِيَةً
____________________
(2/323)
لِلْمُقَرِّ له وفي الْمِثَالِ السَّابِقِ فَرِيضَةُ الْإِقْرَارِ من ثَلَاثَةٍ وَفَرِيضَةُ الْإِنْكَارِ من اثْنَيْنِ وَهُمَا مُتَبَايِنَانِ فَتَصِحُّ من سِتَّةٍ ثَلَاثَةٌ لِلْمُنْكِرِ وَاثْنَانِ لِلْمُقِرِّ وَوَاحِدٌ لِلْمُقَرِّ له
وَلَوْ أَقَرَّ بِنَسَبِ من يَحْجُبُهُ كَأَخٍ أَقَرَّ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ ثَبَتَ النَّسَبُ لِأَنَّ الْوَارِثَ الْحَائِزَ في الظَّاهِرِ قد اسْتَلْحَقَهُ لَا الْإِرْثُ لِلدَّوْرِ الْحُكْمِيِّ وهو أَنْ يَلْزَمَ من إثْبَاتِ الشَّيْءِ نَفْيُهُ وَهُنَا يَلْزَمُ من إرْثِ الِابْنِ عَدَمُ إرْثِهِ فإنه لو وَرِثَ لَحَجَبَ الْأَخَ فَيَخْرُجُ عن كَوْنِهِ وَارِثًا فلم يَصِحَّ إقْرَارُهُ فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ الْأَخُ وَالزَّوْجَةُ لم يَرِثْ مَعَهُمَا لِذَلِكَ وَإِنْ خَلَّفَ بِنْتًا أَعْتَقَتْهُ فَأَقَرَّتْ بِأَخٍ لها فَهَلْ يَرِثُ فَيَكُونُ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا أو لَا وَجْهَانِ عَلَّلَهُمَا بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَحْجُبُهَا بَلْ يَمْنَعُهَا عُصُوبَةَ الْوَلَاءِ وَكَأَنَّهُ قال وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نعم لِأَنَّهُ لَا يَحْجُبُهَا حِرْمَانًا وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ يَمْنَعُهَا عُصُوبَةَ الْوَلَاءِ أَيْ الْإِرْثَ بها وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَلَوْ مَاتَ عن بِنْتٍ وَأُخْتٍ فَأَقَرَّتَا بِابْنٍ له سُلِّمَ لِلْأُخْتِ نَصِيبُهَا لِأَنَّهُ لو وَرِثَ لَحَجَبَهَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ
فَرْعٌ لو ادَّعَى مَجْهُولٌ على أَخِي الْمَيِّتِ أَنَّهُ ابن الْمَيِّتِ فَأَنْكَرَ الْأَخُ وَنَكَلَ عن الْيَمِينِ فَحَلَفَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ ثَبَتَ النَّسَبُ ولم يَرِثْ لِمَا مَرَّ في إقْرَارِ الْأَخِ وَلِأَنَّهُ لو وَرِثَ لَبَطَلَ نُكُولُ الْأَخِ وَيَمِينُ الْمُدَّعِي
فَرْعٌ إقْرَارُ الْوَرَثَةِ بِالزَّوْجِيَّةِ بِأَنْ أَقَرُّوا بِزَوْجٍ أو زَوْجَةٍ لِلْمَيِّتِ مَقْبُولٌ فَإِنْ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ فَالتَّوْرِيثُ أَيْ حُكْمُهُ كما مَرَّ في نَظِيرِهِ في النَّسَبِ فَيُشَارِكُ الْمُقَرُّ بِهِ الْمُقِرُّ بَاطِنًا لَا ظَاهِرًا
فَرْعٌ لو أَقَرَّ بِأَخٍ وقال مُنْفَصِلًا أَرَدْت من الرَّضَاعِ لم يُقْبَلْ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَلِهَذَا لو فَسَّرَ بِأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ لم يُقْبَلْ وَاسْتُشْكِلَ بِقَوْلِ الْعَبَّادِيِّ لو شَهِدَ أَنَّهُ أَخُوهُ لَا يُكْتَفَى بِهِ لِأَنَّهُ يُصَدَّقُ بِأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُقِرَّ يَحْتَاطُ لِنَفْسِهِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَلَا يُقِرُّ إلَّا عن تَحْقِيقٍ وَمَنْ أَقَرَّ على أبيه بِالْوَلَاءِ فقال هو عَتِيقُ فُلَانٍ ثَبَتَ عليه الْوَلَاءُ إنْ كان الْمُقِرُّ حَائِزًا قال الْقَفَّالُ ولم تُعْرَفْ له أُمٌّ حُرَّةُ الْأَصْلِ وَإِلَّا فَإِقْرَارُهُ لَغْوٌ وَإِنْ أَقَرَّ اثْنَانِ من ثَلَاثَةِ بَنِينَ بِأَخٍ لهم وَشَهِدَا له عِنْدَ إنْكَارِ الثَّالِثِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا بِشَرْطِهَا لِأَنَّهَا أَوْلَى بِالْقَبُولِ من شَهَادَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ لِأَنَّ عَلَيْهِمَا فيها ضَرَرًا
كِتَابُ الْعَارِيَّةِ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وقد تُخَفَّفُ وَفِيهَا لُغَةٌ ثَالِثَةٌ عَارَةٌ بِوَزْنِ نَاقَةٍ وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُعَارُ وَلِعَقْدِهَا من عَارَ إذَا ذَهَبَ وَجَاءَ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْغُلَامِ الْخَفِيفِ عِيَارٌ لِكَثْرَةِ ذَهَابِهِ وَمَجِيئِهِ وَقِيلَ من التَّعَاوُرِ وهو التَّنَاوُبُ وقال الْجَوْهَرِيُّ كَأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ وَعَيْبٌ وَحَقِيقَتُهَا شَرْعًا إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِمَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ مع بَقَاءِ عَيْنِهِ وَالْأَصْلُ فيها قبل الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ فَسَّرَهُ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ بِمَا يَسْتَعِيرُهُ الْجِيرَانُ بَعْضُهُمْ من بَعْضٍ وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم اسْتَعَارَ فَرَسًا من أبي طَلْحَةَ فَرَكِبَهُ وَخَبَرُ أبي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم اسْتَعَارَ دِرْعًا من صَفْوَانَ بن أُمَيَّةَ يوم حُنَيْنٍ فقال أَغَصْبٌ يا محمد وَرُوِيَ أَغَصْبًا فقال بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ قال الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَكَانَتْ وَاجِبَةً أَوَّلَ الْإِسْلَامِ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ ثُمَّ نُسِخَ وُجُوبُهَا فَصَارَتْ مُسْتَحَبَّةً أَيْ أَصَالَةً وَإِلَّا فَقَدْ تَجِبُ كَإِعَارَةِ الثَّوْبِ لِدَفْعِ حَرٍّ أو بَرْدٍ وَإِعَارَةِ الْحَبْلِ لِإِنْقَاذِ غَرِيقٍ وَالسِّكِّينِ لِذَبْحِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ يُخْشَى مَوْتُهُ وقد تَحْرُمُ كَإِعَارَةِ الصَّيْدِ من الْمُحْرِمِ وَالْأَمَةِ من الْأَجْنَبِيِّ وقد تُكْرَهُ كَإِعَارَةُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ من كَافِرٍ كما سَيَأْتِي
وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ في أَرْكَانِهَا وَهِيَ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ الْمُعِيرُ وَيُشْتَرَطُ فيه صِحَّةُ تَبَرُّعِهِ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَبَرُّعٌ بِالْمَنْفَعَةِ فَلَا تَصِحُّ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ كَصَبِيٍّ وَسَفِيهٍ وَمُفْلِسٍ وَمُكَاتَبٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ويشترط فيه مِلْكُهُ الْمَنْفَعَةَ وَلَوْ بِوَصِيَّةٍ أو وَقْفٍ وَإِنْ لم يَمْلِكْ الْعَيْنَ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَرِدُ على الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ
____________________
(2/324)
وَقَيَّدَ ابن الرِّفْعَةِ جَوَازَ الْإِعَارَةِ من الْمَوْقُوفِ عليه بِمَا إذَا كان نَاظِرًا فَتَصِحُّ الْإِعَارَةُ من الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ لَا من الْمُسْتَعِيرِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لها وَإِنَّمَا أُبِيحَ له الِانْتِفَاعُ وَالْمُسْتَبِيحُ لَا يَمْلِكُ نَقْلَ الْإِبَاحَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الضَّيْفَ لَا يُبِيحُ لِغَيْرِهِ ما قُدِّمَ له فَإِنْ أَذِنَ له الْمَالِكُ صَحَّتْ الْإِعَارَةُ قال الْمَاوَرْدِيُّ ثُمَّ إنْ لم يُسَمِّ من يُعِيرُ له فَالْأَوَّلُ على عَارِيَّتِهِ وهو الْمُعِيرُ من الثَّانِي وَالضَّمَانُ بَاقٍ عليه وَلَهُ الرُّجُوعُ فيها وَإِنْ رَدَّهَا الثَّانِي عليه بَرِئَ وَإِنْ سَمَّاهُ انْعَكَسَتْ هذه الْأَحْكَامُ لَكِنَّ له أَيْ لِلْمُسْتَعِيرِ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ وَبِوَكِيلِهِ كَأَنْ يُرْكِبَ الدَّابَّةَ الْمُسْتَعَارَةَ وَكِيلَهُ في حَاجَتِهِ أو زَوْجَتَهُ أو خَادِمَهُ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ رَاجِعٌ إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْمُبَاشِرِ وَأُورِدَ على قَيْدِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ صِحَّةُ إعَارَةِ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ مع أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ وَصِحَّةُ إعَارَةٍ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ الْمَنْذُورَيْنِ مع خُرُوجِهِمَا عن مِلْكِهِ وَصِحَّةُ إعَارَةِ الْإِمَامِ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ من أَرْضٍ وَغَيْرِهَا مع أَنَّهُ ليس مَالِكًا له وَيُجَابُ عن ذلك بِأَنَّ هذه الْأُمُورَ لَيْسَتْ عَارِيَّةً حَقِيقَةً بَلْ شَبِيهَةٌ بها وَبِأَنَّهُمْ أَرَادُوا هُنَا بِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ ما يَعُمُّ الِاخْتِصَاصَ بها وَالتَّصَرُّفَ فيها لَا بِطَرِيقِ الْإِبَاحَةِ وَعَلَى هذا لَا يَرِدُ ما عليه الْعَمَلُ من إعَارَةِ الصُّوفِيِّ وَالْفَقِيهِ سَكَنَهُمَا بِالرِّبَاطِ وَالْمَدْرَسَةِ وما في مَعْنَاهُمَا
وَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يُعِيرَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ في خِدْمَةٍ لها أُجْرَةٌ أو تَضُرُّ بِهِ الْخِدْمَةُ كما لَا يُعِيرُ مَالَهُ بِخِلَافِ خِدْمَةٍ لَيْسَتْ كَذَلِكَ كَأَنْ يُعِيرَهُ لِيَخْدُمَ من يَتَعَلَّمُ منه كما صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَجْنُونُ وَالْبَالِغُ السَّفِيهُ كَذَلِكَ
الرُّكْنُ الثَّانِي الْمُسْتَعِيرُ وَشَرْطُهُ صِحَّةُ عِبَارَتِهِ وَالتَّبَرُّعِ عليه فَلَا تَصِحُّ لِمَنْ لَا عِبَارَةَ له كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَبَهِيمَةٍ كما لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ منهم وَقَوْلُهُ صِحَّةُ عِبَارَتِهِ مُغَنٍّ عَمَّا بَعْدَهُ وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ عليه بِعَقْدٍ قال في الْمُهِمَّاتِ وَقَضِيَّتُهُ صِحَّةُ اسْتِعَارَةِ السَّفِيهِ فإن الصَّحِيحَ صِحَّةُ قَبُولِهِ الْهِبَةَ وَالْوَصِيَّةَ لَكِنْ كَيْفَ تَصِحُّ اسْتِعَارَتُهُ مع أنها مُضَمَّنَةً لَا جَرَمَ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ بِعَدَمِ صِحَّتِهَا
انْتَهَى
وَقَضِيَّتُهُ صِحَّتُهَا منه وَمِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بِعَقْدِ وَلِيِّهِمَا إذَا لم تَكُنْ مُضَمَّنَةً كَأَنْ اسْتَعَارَ من مُسْتَأْجِرٍ
الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْمُعَارُ وَشَرْطُهُ وُجُودُ الِانْتِفَاعِ الْمُبَاحِ فَلَا يُعَارُ ما لَا يُنْتَفَعُ بِهِ كَحِمَارٍ زَمِنٍ وَلَا ما يُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعًا مُحَرَّمًا كَجَارِيَةٍ لِلتَّمَتُّعِ وَآلَاتِ الْمَلَاهِي مع بَقَاءِ عَيْنِهِ كَعَبْدٍ وَدَارٍ وَثَوْبٍ فَلَا يُعَارُ الْمَطْعُومُ وَنَحْوُهُ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ إنَّمَا هو بِالِاسْتِهْلَاكِ فَانْتَفَى الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ من الْإِعَارَةِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَيَدْخُلُ في الضَّابِطِ ما لو اسْتَعَارَ قَيِّمُ الْمَسْجِدِ أَحْجَارًا أو أَخْشَابًا لِيَبْنِيَ بها الْمَسْجِدَ مع أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كما أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَوَارِيِّ جَوَازُ اسْتِرْدَادِهَا وَالشَّيْءُ إذَا صَارَ مَسْجِدًا لَا يَجُوزُ اسْتِرْدَادُهُ
وَلَا يُعَارُ النَّقْدَانِ إذْ مَنْفَعَةُ التَّزَيُّنِ بِهِمَا وَالضَّرْبِ على طَبْعِهِمَا مَنْفَعَةٌ ضَعِيفَةٌ قَلَّمَا تُقْصَدُ وَمُعْظَمُ مَنْفَعَتِهِمَا في الْإِنْفَاقِ وَالْإِخْرَاجِ إلَّا لِلتَّزَيُّنِ أو الضَّرْبِ على طَبْعِهِمَا فِيمَا يَظْهَرُ بِأَنْ صَرَّحَ بِإِعَارَتِهِمَا لِذَلِكَ أو نَوَاهَا فِيمَا يَظْهَرُ فَتَصِحُّ لِاِتِّخَاذِهِ هذه الْمَنْفَعَةَ مَقْصِدًا وَإِنْ ضَعُفَتْ وَيَنْبَغِي عَوْدُ هذا الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْمَطْعُومِ أَيْضًا وَحَيْثُ لم نُصَحِّحْهَا أَيْ الْعَارِيَّةَ فَجَرَتْ ضُمِنَتْ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ الصَّحِيحَةَ مَضْمُونَةٌ وَلِلْفَاسِدِ حُكْمُ الصَّحِيحِ في الضَّمَانِ وَقَبْضُ مَالِ الْغَيْرِ بِإِذْنٍ منه لِغَيْرِ انْتِفَاعٍ
____________________
(2/325)
أَمَانَةٌ في يَدِهِ وَهَذَا مَعْلُومٌ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ أَصْلُهُ لِأَنَّهُ من جُمْلَةِ تَعْلِيلٍ لِشَيْءٍ وَعِبَارَتُهُ وَقِيلَ لَا ضَمَانَ لِأَنَّ ما جَرَى بَيْنَهُمَا ليس بِعَارِيَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا فَاسِدَةٍ وَمَنْ قَبَضَ مَالَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ لَا لِمَنْفَعَةٍ كان أَمَانَةً وَتَحْرُمُ إعَارَةُ جَارِيَةٍ لِأَجْنَبِيٍّ أَيْ لِخِدْمَتِهِ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَيُفَارِقُ هذا جَوَازَ إجَارَتِهَا وَالْوَصِيَّةِ بِمَنْفَعَتِهَا له على ما دَلَّ عليه عُمُومُ كَلَامِهِمْ بِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ وَالْمُوصَى له يَمْلِكَانِ الْمَنْفَعَةَ فَيُعِيرَانِ وَيُؤَجِّرَانِ لِمَنْ يَخْلُو بها إنْ امْتَنَعَ عَلَيْهِمَا الِانْتِفَاعُ بِأَنْفُسِهِمَا وَالْإِعَارَةُ إبَاحَةٌ له فَقَطْ وإذا لم يَسْتَبِحْ لِنَفْسِهِ لم يَكُنْ له فَائِدَةٌ وَخَرَجَ بِالْأَجْنَبِيِّ الْمَحْرَمُ وفي مَعْنَاهُ الْمَرْأَةُ وَالْمَمْسُوحُ وَزَوْجُ الْجَارِيَةِ وَمَالِكُهَا كَأَنْ يَسْتَعِيرَهَا من مُسْتَأْجِرِهَا أو الْمُوصَى له بِمَنْفَعَتِهَا إذْ لَا مَحْذُورَ في ذلك قال الْإِسْنَوِيُّ وَسَكَتُوا عن إعَارَةِ الْعَبْدِ لِلْمَرْأَةِ وهو كَعَكْسِهِ بِلَا شَكٍّ وَلَوْ كان الْمُسْتَعِيرُ أو الْمُعَارُ خُنْثَى امْتَنَعَ احْتِيَاطًا وَالْمَفْهُومُ من الِامْتِنَاعِ فيه وفي الْأَمَةِ الْفَسَادُ كَالْإِجَارَةِ لِلْمَنْفَعَةِ الْمُحَرَّمَةِ وهو ما بَحَثَهُ الْأَصْلُ في صُورَةِ الْأَمَةِ وَاسْتَشْهَدَ عليه بِإِطْلَاقِ الْجُمْهُورِ وَنَفَى الْجَوَازَ بَعْدَ نَقْلِهِ عن الْغَزَالِيِّ الصِّحَّةَ وَبِهَا جَزَمَ ابن الرِّفْعَةِ وَعَلَّلَهَا بِأَنَّ الْمَنْعَ في ذلك لِغَيْرِهِ كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ وَجَعَلَ فَائِدَةَ الصِّحَّةِ عَدَمَ وُجُوبَ الْأُجْرَةِ
وَقَضِيَّتُهُ وُجُوبُهَا في الْفَاسِدَةِ وهو مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ إنَّ فَاسِدَ الْعُقُودِ كَصَحِيحِهَا في الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ نَبَّهَ على هذا لَا إعَارَةَ صَغِيرَةٍ وَشَوْهَاءَ بِالْمَدِّ أَيْ قَبِيحَةٍ يُؤْمَنُ منه أَيْ من الْأَجْنَبِيِّ عليها أَيْ على كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا تَحْرُمُ لِانْتِفَاءِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ وَهَذَا ما رَجَّحَهُ في الرَّوْضَةِ وَرَجَّحَ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ الْمَنْعَ فِيهِمَا وقال الْإِسْنَوِيُّ الصَّوَابُ الْجَوَازُ في الصَّغِيرَةِ لِجَوَازِ الْخَلْوَةِ بها دُونَ الْكَبِيرَةِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَلْتَحِقُ بِالْمُشْتَهَاةِ الْأَمْرَدُ الْجَمِيلُ لَا سِيَّمَا مِمَّنْ عُرِفَ بِالْفُجُورِ
وَلَوْ اسْتَعَارَ أو اسْتَأْجَرَ وَالِدًا له وَإِنْ عَلَا لِلْخِدْمَةِ أو اسْتَعَارَ أو اسْتَأْجَرَ كَافِرٌ مُسْلِمًا جَازَ إذْ لَا مَانِعَ وَكُرِهَ صِيَانَةً لَهُمَا عن الْإِذْلَالِ نعم إنْ قَصَدَ بِاسْتِعَارَةِ وَالِدِهِ وَاسْتِئْجَارِهِ لِذَلِكَ تَوْفِيرَهُ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِمَا بَلْ هُمَا مُسْتَحَبَّانِ كما قَالَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ في صُورَةِ الِاسْتِعَارَةِ وَكَمَا يُكْرَهُ لِلْكَافِرِ اسْتِعَارَةُ الْمُسْلِمِ وَاسْتِئْجَارُهُ تُكْرَهُ إعَارَتُهُ وَإِجَارَتُهُ له كما مَرَّ في الْبَيْعِ وَتَقَدَّمَ ثُمَّ جَوَازُ اسْتِئْجَارِهِ وَذَكَرَهُ هُنَا مع كَرَاهَتِهِ وَجَوَازُ اسْتِعَارَتِهِ وَكَرَاهَتُهَا من زِيَادَتِهِ وَأَمَّا إجَارَةُ وَإِعَارَةُ الْوَالِدِ نَفْسَهُ لِوَلَدِهِ فَلَيْسَتَا مَكْرُوهَتَيْنِ وَإِنْ كان فِيهِمَا إعَانَةٌ على مَكْرُوهٍ قال الْفَارِقِيُّ لِأَنَّ نَفْسَ الْخِدْمَةِ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ وَإِنَّمَا كانت الْكَرَاهَةُ في جَانِبِ الْوَلَدِ لِمَكَانِ الْوِلَادَةِ فلم تَتَعَدَّ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ إعَارَةِ الصَّيْدِ من الْمُحْرِمِ فإن الْعِبَادَةَ يَجِبُ احْتِرَامُهَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وهو شَامِلٌ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ
فَرْعٌ لو اسْتَعَارَ الْحَلَالُ من الْمُحْرِمِ صَيْدًا لم يُرْسِلْهُ في إحْرَامِهِ فَتَلِفَ في يَدِهِ لم يَضْمَنْهُ له لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ وَعَلَى الْمُحْرِمِ الْجَزَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْإِعَارَةِ إذْ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ فَإِنْ اسْتَعَارَهُ الْمُحْرِمُ منه أَيْ من الْحَلَالِ فَتَلِفَ في يَدِهِ ضَمِنَ الْجَزَاءَ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْقِيمَةَ لِلْحَلَالِ
فَرْعٌ تَجُوزُ إعَارَةُ فَحْلٍ لِلضِّرَابِ وَكَلْبٍ لِلصَّيْدِ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا مُعَاوَضَةٌ وَلَوْ أَعَارَهُ شَاةً أو دَفَعَهَا له وهو ما عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ وَمَلَّكَهُ الدَّرَّ وَالنَّسْلَ منها لم يَصِحَّ شَيْءٌ من الْإِعَارَةِ وَالتَّمْلِيكِ ولم يَضْمَنْ آخِذُهَا الدَّرَّ وَالنَّسْلَ لِأَنَّهُ أَخَذَهُمَا بِهِبَةٍ فَاسِدَةٍ وَيَضْمَنُ الشَّاةَ بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ الْفَاسِدَةِ فَلَوْ أَبَاحَهُمَا له أو اسْتَعَارَ منه الشَّاةَ لِأَخْذِ ذلك أو الشَّجَرَةَ لِيَأْخُذَ ثَمَرَهَا كما في الرَّوْضَةِ جَازَ وكان إبَاحَةً لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَالثَّمَرِ وَإِعَارَةً لِلشَّاةِ وَالشَّجَرَةِ قال في الْأَصْلِ فَعَلَى هذا قد تَكُونُ الْعَارِيَّةُ لِاسْتِفَادَةِ عَيْنٍ وَلَيْسَ من شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ مُجَرَّدَ الْمَنْفَعَةِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ
انْتَهَى
فَالشَّرْطُ في الْعَارِيَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ فيها اسْتِهْلَاكُ الْمُعَارِ لَا أَنْ لَا يَكُونَ فيها اسْتِيفَاءُ عَيْنٍ فَإِنْ شَرَطَ عَلَفَهَا فِيمَا إذَا مَلَّكَهُ دَرَّهَا وَنَسْلَهَا أو أَبَاحَهُمَا له فَذَلِكَ أَيْ الْعَقْدُ الْمَذْكُورُ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ فَاسِدَانِ فَيَضْمَنُ الرِّيعَ من الدَّرِّ وَالنَّسْلِ بِحُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ دُونَ الشَّاةِ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِإِجَارَةٍ فَاسِدَةٍ كَمَنْ أَعْطَى سَقَّاءً شيئا لِيَشْرَبَ فَأَعْطَاهُ كُوزًا فَانْكَسَرَ الْكُوزُ في يَدِهِ فإنه يَضْمَنُ الْمَاءَ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ نعم إنْ كان الْمَاءُ أَكْثَرَ مِمَّا يَشْرَبُهُ لم يَضْمَنْ الزَّائِدَ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ
____________________
(2/326)
صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي لَا الْكُوزَ أَيْ لَا يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِإِجَارَةٍ فَاسِدَةٍ فَإِنْ سَقَاهُ مَجَّانًا فَانْكَسَرَ الْكُوزُ فَعَكْسُهُ أَيْ فَيَضْمَنُ الْكُوزَ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِعَارِيَّةٍ فَاسِدَةٍ لَا الْمَاءَ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِهِبَةٍ فَاسِدَةٍ
فَرْعٌ لو قال أَعِرْنِي دَابَّةً فقال خُذْ إحْدَى دَوَابِّي صَحَّتْ أَيْ الْعَارِيَّةُ فَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمُعَارِ عِنْدَ الْإِعَارَةِ وَخَالَفَ الْإِجَارَةَ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ وَالْغَرَرُ لَا يُحْتَمَلُ فيها
الرُّكْنُ الرَّابِعُ الصِّيغَةُ وَيَكْفِي لَفْظٌ من جَانِبٍ يَدُلُّ على الْإِذْنِ في الِانْتِفَاعِ كَأَعَرْتُكَ أو أَبَحْتُك مَنْفَعَةَ هذا مع فِعْلٍ من الْجَانِبِ الْآخَرِ وَإِنْ تَرَاخَى أَحَدُهُمَا عن الْآخَرِ فَلَوْ قال أَعِرْنِي فَأَعْطَاهُ أو قال له أَعَرْتُك فَأَخَذَ صَحَّتْ أَيْ الْعَارِيَّةُ كما في إبَاحَةِ الطَّعَامِ وَلَا يُشْتَرَطُ اللَّفْظُ من جَانِبِ الْمُعِيرِ بِخِلَافِهِ في الْوَدِيعَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ أَصْلَ وَضْعِ الْيَدِ على مَالِ الْغَيْرِ الضَّمَانُ فَلَا يَزُولُ إلَّا بِلَفْظٍ من جَانِبِهِ الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ فَاحْتِيجَ إلَى لَفْظٍ من جَانِبِ الْمَالِكِ بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ فَإِنَّهَا مَضْمُونَةٌ على وَفْقِ الْأَصْلِ فَاكْتُفِيَ فيها بِلَفْظٍ من أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَأَيْضًا فَالْوَدِيعَةُ مَقْبُوضَةٌ لِغَرَضِ الْمَالِكِ وَغَرَضُهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِلَفْظٍ من جَانِبِهِ وَالْعَارِيَّةُ بِالْعَكْسِ فَاكْتُفِيَ فيها بِلَفْظِ الْمُسْتَعِيرِ وَلَا يَكْفِي الْفِعْلُ من الطَّرَفَيْنِ إلَّا فِيمَا كان عَارِيَّةً ضِمْنًا كَظَرْفِ الْهَدِيَّةِ الْآتِي وَظَرْفِ الْمَبِيعِ إذَا تَسَلَّمَهُ الْمُشْتَرِي منه فَلَوْ رَآهُ عَارِيًّا فَأَلْبَسَهُ قَمِيصًا أو فَرَشَ له مُصَلَّى أو وِسَادَةً أو نَحْوَهُمَا فَجَلَسَ عليه فَهُوَ إبَاحَةٌ لِقَضَاءِ الْعُرْفِ بِهِ وفي نُسْخَةٍ بَدَلُ إبَاحَةٍ عَارِيَّةٌ وهو ما جَرَى عليه الْمُتَوَلِّي بِنَاءً منه على أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فيها اللَّفْظُ قال بِخِلَافِ ما لو دخل فَجَلَسَ على فِرَاشٍ مَبْسُوطٍ لِأَنَّهُ لم يَقْصِدْ بِهِ انْتِفَاعَ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ وَالْعَارِيَّةُ لَا بُدَّ فيها من تَعْيِينِ الْمُسْتَعِيرِ
وَكَلَامُ الْأَصْلِ يَقْتَضِي تَقْرِيرَ الْمُتَوَلِّي على ما قَالَهُ من أَنَّ ذلك عَارِيَّةٌ لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ له وَيَكُونُ مُسْتَثْنًى من اشْتِرَاطِ اللَّفْظِ وَمُسَاوِيًا لِلْإِبَاحَةِ في عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى لَفْظٍ فَكُلٌّ من النُّسْخَتَيْنِ صَحِيحٌ لَكِنَّ الثَّانِيَةَ أَوْلَى وَإِنْ أَكَلَ هَدِيَّةً من ظَرْفِهَا ضَمِنَهُ بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِهَا منه كَأَكْلِ الطَّعَامِ من الْقَصْعَةِ الْمَبْعُوثِ فيها وَإِلَّا فَبِحُكْمِ الْغَصْبِ لَا إنْ كان لها عِوَضٌ وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِالْأَكْلِ منه فَلَا يَضْمَنُهُ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ وَإِنْ لم تَجْرِ الْعَادَةُ بِذَلِكَ ضَمِنَهُ بِحُكْمِ الْغَصْبِ وَهَذَا قد يُسْتَشْكَلُ بِظَرْفِ الْمَبِيعِ إذَا تَسَلَّمَهُ الْمُشْتَرِي فيه حَيْثُ جُعِلَ عَارِيَّةً وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ هُنَا بِالْأَكْلِ من ظَرْفِ الْهَدِيَّةِ قُدِّرَ أَنَّ عِوَضَهَا مُقَابِلٌ لها مع مَنْفَعَةِ ظَرْفِهَا بِخِلَافِهِ في الْبَيْعِ فَكَانَ عَارِيَّةً فيه على الْأَصْلِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَيُؤْخَذُ من كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِيمَا إذَا ضَمِنَهُ أَنَّ الضَّمَانَ يَتَوَقَّفُ على الِاسْتِعْمَالِ فَأَمَّا قَبْلَهُ فَأَمَانَةٌ وَإِنْ كانت بِلَا عِوَضٍ وَصَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ في الْهِبَةِ وَخَالَفَ الْبُلْقِينِيُّ فَرَجَّحَ أَنَّ ذلك هِبَةٌ لِمَنْفَعَةِ الظَّرْفِ لَا إعَارَةٌ له كما أَنَّ هِبَةَ مَنَافِعِ الدَّارِ لَيْسَتْ إعَارَةً لِلدَّارِ على الْأَرْجَحِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّهُ هُنَاكَ وَهَبَ الْمَنَافِعَ بِخِلَافِهِ هُنَا
فَرْعٌ لو قال أَعَرْتُك حِمَارِي لِتُعِيرَنِي كَذَا أو دَابَّتِي لِتَعْلِفَهَا أو على أَنْ تَعْلِفَهَا أو بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَإِجَارَةٌ لَا إعَارَةٌ نَظَرًا لِلْمَعْنَى فَاسِدَةٌ لِلتَّعْلِيقِ في الْأُولَى وَلِجَهْلِ الْعَلَفِ في الثَّانِيَةِ وَالْمُدَّةِ في الثَّالِثَةِ فَيَجِبُ في الثَّلَاثِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ بِعَدَمِ الْقَبْضِ مُدَّةَ الْإِمْسَاكِ وَلَا يَضْمَنُ الْعَيْنَ فَإِنْ قَدَّرَ مع ذِكْرِ الدَّرَاهِمِ في الثَّالِثَةِ مُدَّةً مَعْلُومَةً كَأَنْ قال أَعَرْتُك دَارِي شَهْرًا من الْيَوْمِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَعَارِيَّةٌ فَاسِدَةٌ أو إجَارَةٌ صَحِيحَةٌ وَجْهَانِ قال في الْأَصْلِ مَبْنِيَّانِ على أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِاللَّفْظِ أو الْمَعْنَى قال الْإِسْنَوِيُّ وَقَضِيَّتُهُ تَصْحِيحُ الثَّانِي اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى كما صَحَّحَهُ فيها بِدُونِ ذِكْرِ الْمُدَّةِ وَبِهِ جَزَمَ في الْأَنْوَارِ
فَرْعٌ لو أَعْطَاهُ حَانُوتًا وَدَرَاهِمَ أو أَرْضًا وَبَذْرًا وقال اتَّجَرَ بِالدَّرَاهِمِ فيه أَيْ في الْحَانُوتِ أو ازْرَعْهُ أَيْ الْبَذْرَ فيها أَيْ في الْأَرْضِ لِنَفْسِك فَالْأَرْضُ في الثَّانِيَةِ أو الْحَانُوتُ في الْأُولَى عَارِيَّةٌ وَهَلْ الدَّرَاهِمُ أو الْبَذْرُ قَرْضٌ أو هِبَةٌ وَجْهَانِ قِيَاسُ ما مَرَّ في الْوَكَالَةِ من أَنَّهُ لو قال اشْتَرِ لي عَبْدَ فُلَانٍ بِكَذَا فَفَعَلَ مَلَكَهُ الْآمِرُ وَرَجَعَ عليه الْمَأْمُورُ بِبَدَلِ ما دَفَعَهُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَأَيْت الشَّيْخَ وَلِيَّ الدِّينِ الْعِرَاقِيَّ نَبَّهَ على ذلك وزاد في الْأَنْوَارِ بَعْدَ قَوْلِهِ فيه وَجْهَانِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ في الْقَصْدِ
____________________
(2/327)
الْبَابُ الثَّانِي في أَحْكَامِهَا وَهِيَ ثَلَاثَةٌ
الْأَوَّلُ الضَّمَانُ لها وَلَوْ لِلْأَجْزَاءِ منها لِخَبَرِ أبي دَاوُد وَغَيْرِهِ الْعَارِيَّةُ مَضْمُونَةٌ وَلِأَنَّهُ مَالٌ يَجِبُ رَدُّهُ لِمَالِكِهِ فَيُضْمَنُ عِنْدَ تَلَفِهِ كَالْمَأْخُوذِ بِجِهَةِ السَّوْمِ وَلِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ من الْغَاصِبِ يَسْتَقِرُّ عليه الضَّمَانُ
وَلَوْ كانت الْعَارِيَّةُ أَمَانَةً لَمَّا اسْتَقَرَّ كَالْمُودَعِ من الْغَاصِبِ فَيَضْمَنُهَا إنْ تَلِفَتْ في يَدِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أو أَتْلَفَهَا هو أو غَيْرُهُ وَلَوْ بِلَا تَقْصِيرٍ أو قَرَحَ أَيْ جَرَحَ ظَهْرَهَا بِالِاسْتِعْمَالِ تَعَدِّيًا بِأَنْ حَصَلَ بِاسْتِعْمَالٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فيه فَإِنْ تَلِفَتْ هِيَ أو أَجْزَاؤُهَا بِاسْتِعْمَالٍ مَأْذُونٍ فيه كَاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ الْمُعْتَادِ كُلٌّ مِنْهُمَا لم يَضْمَنْ الْأَجْزَاءَ وَالْعَيْنَ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِسَبَبٍ مَأْذُونٍ فيه فَأَشْبَهَ ما لو قال اُقْتُلْ عَبْدِي وقد يَعْرِضُ لِلْعَارِيَّةِ ما يَمْنَعُ ضَمَانَهَا كَأَنْ اسْتَعَارَ من مُسْتَأْجِرٍ وَنَحْوِهِ وَسَيَأْتِي أو اسْتَعَارَ شيئا لِيَرْهَنَهُ وَتَقَدَّمَ في الرَّهْنِ وَتُضْمَنُ الْعَارِيَّةُ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ لَا بِقِيمَةِ يَوْمِ الْقَبْضِ وَلَا بِأَقْصَى الْقِيَمِ من يَوْمِ الْقَبْضِ إلَى يَوْمِ التَّلَفِ إذْ لو اُعْتُبِرَ أَحَدُهُمَا لَأَدَّى إلَى تَضْمِينِ الْأَجْزَاءِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فيه وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لُزُومُ قِيمَةِ الْعَيْنِ وَإِنْ كانت مِثْلِيَّةً كَخَشَبٍ وَحَجَرٍ وهو ما جَزَمَ بِهِ في الْأَنْوَارِ وَاقْتَضَاهُ بِنَاءُ الرُّويَانِيِّ وَالْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِمَا ضَمَانَ الْمِثْلِيِّ على الْخِلَافِ في الْمُتَقَوِّمِ حَيْثُ قالوا إنْ اعْتَبَرْنَا أَقْصَى الْقِيَمِ أَوْجَبْنَا الْمِثْلَ أو قِيمَةَ يَوْمِ التَّلَفِ وهو الْأَصَحُّ فَالْقِيمَةُ وَخَالَفَ ابن أبي عَصْرُونٍ فَضَمَّنَ الْمِثْلِيَّ بِالْمِثْلِ على الْقِيَاسِ وَجَرَى عليه السُّبْكِيُّ وهو الْأَوْجَهُ وَاقْتِصَارُهُمْ على الْقِيمَةِ جَرَى على الْغَالِبِ من أَنَّ الْعَارِيَّةَ مُتَقَوِّمَةٌ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بين الْمِثْلِيِّ وَالْمُتَقَوِّمِ غَيْرُ قَوِيمٍ وَكَذَا يُضْمَنُ الْمَقْبُوضُ بِالسَّوْمِ بِقِيمَةِ يَوْمِ تَلَفِهِ إنْ كان مُتَقَوِّمًا وَاشْتِرَاطُ كَوْنِهَا أَمَانَةً لَغْوٌ فَلَوْ أَعَارَهُ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ أَمَانَةً لَغَا الشَّرْطُ وَكَانَتْ مَضْمُونَةً ولم يَتَعَرَّضُوا لِصِحَّتِهَا وَلَا لِفَسَادِهَا قال الْإِسْنَوِيُّ وَالْقِيَاسُ تَخْرِيجُهُ على ما إذَا أَقْرَضَهُ صِحَاحًا بِشَرْطِ أَنْ يَرُدَّ عنها مُكَسَّرًا وَنَحْوَ ذلك وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ الصِّحَّةِ وَإِلَيْهِ يُومِئُ تَعْبِيرُهُمْ بِأَنَّ الشَّرْطَ لَغْوٌ
فَرْعٌ لو أَعَارَ عَيْنًا بِشَرْطِ ضَمَانِهَا عِنْدَ تَلَفِهَا بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ قال الْمُتَوَلِّي فَسَدَ الشَّرْطُ دُونَ الْعَارِيَّةِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ وَقْفَةٌ وَلَوْ وَلَدَتْ في يَدِ الْمُسْتَعِيرِ فَالْوَلَدُ أَمَانَةٌ وَلَوْ سَاقَهَا الْمُسْتَعِيرُ فَتَبِعَهَا وَلَدُهَا وَالْمَالِكُ سَاكِتٌ يَنْظُرُ فَالْوَلَدُ أَمَانَةٌ لِأَنَّهُ لم يَأْخُذْهُ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ بَلْ لِتَعَذُّرِ حِفْظِهِ بِدُونِ أُمِّهِ وَذَلِكَ أَمَانَةٌ شَرْعِيَّةٌ كما لو طَيَّرَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا إلَى دَارِهِ فإذا تَمَكَّنَ من رَدِّهِ فلم يَرُدَّهُ ضَمِنَهُ وَقَوْلُهُ يُنْظَرُ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ أَبْدَلَهُ بِقَوْلِهِ يُعْلَمُ كان أَوْلَى
فَرْعٌ مُؤْنَةُ الرَّدِّ لِلْعَارِيَّةِ إنْ كان له مُؤْنَةٌ على الْمُسْتَعِيرِ لِخَبَرِ على الْيَدِ ما أَخَذَتْ حتى تُؤَدِّيَهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ
____________________
(2/328)
على شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَلِأَنَّ الْإِعَارَةَ بِرٌّ وَمَكْرُمَةٌ فَلَوْ لم تُجْعَلْ الْمُؤْنَةُ على الْمُسْتَعِيرِ لَامْتَنَعَ الناس منها وَخَرَجَ بِمُؤْنَةِ الرَّدِّ مُؤْنَةُ الْعَارِيَّةِ فَتَلْزَمُ الْمَالِكَ لَا الْمُسْتَعِيرَ لِأَنَّهَا من حُقُوقِ الْمِلْكِ جَزَمَ بِذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أبو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَاقْتَضَاهُ ما مَرَّ من أَنَّهُ لو قال أَعَرْتُك دَابَّتِي لِتَعْلِفَهَا كان إجَارَةً فَاسِدَةً وَإِنَّمَا يَبْرَأُ من ضَمَانِهَا بِالرَّدِّ لها إلَى الْمَالِكِ أو وَكِيلِهِ فيه أو الْحَاكِمِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ أو حَجْرِهِ عليه بِسَفَهٍ أو فَلَسٍ فَلَوْ رَدَّ الدَّابَّةَ لِلْإِصْطَبْلِ أو الثَّوْبَ وَنَحْوَهُ لِلْبَيْتِ الذي أَخَذَهُ منه لم يَبْرَأْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِهِ الْمَالِكُ أو يُخْبِرَهُ بِهِ ثِقَةٌ كما قَالَهُ الْمُتَوَلِّي هُنَا وَنَقَلَهُ عنه الْأَصْلُ في بَابِ الْغَصْبِ وَأَقَرَّهُ وَكَذَا لَا يَبْرَأُ بِالرَّدِّ إلَى وَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ وَإِنْ لم يَجِدْ الْمَالِكَ أو وَكِيلَهُ بَلْ يَضْمَنَانِ بِالرَّدِّ إلَيْهِمَا لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ فَإِنْ أَرْسَلَاهَا الْمَرْعَى وَتَلِفَتْ فَالْقَرَارُ عَلَيْهِمَا لِحُصُولِ التَّلَفِ في يَدِهِمَا حتى لو غَرِمَا لم يَرْجِعَا على الْمُسْتَعِيرِ وَلَوْ غَرِمَ الْمُسْتَعِيرُ رَجَعَ عَلَيْهِمَا
وَلَوْ اسْتَعَارَ من مُسْتَأْجِرٍ أو نَحْوِهِ كَمُوصًى له بِالْمَنْفَعَةِ فَتَلِفَتْ الْعَيْنُ لم يَضْمَنْ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عنه وهو أَمِينٌ وَلِأَنَّ هذا الِانْتِفَاعَ مُسْتَحَقٌّ على الْمَالِكِ فَأَشْبَهَ انْتِفَاعَ الْمُسْتَأْجِرِ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ من مُسْتَأْجِرٍ إجَارَةً فَاسِدَةً لِأَنَّ مُعِيرَهُ ضَامِنٌ كما جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ فِعْلُ ما ليس له قال وَالْقَرَارُ على الْمُسْتَعِيرِ وَلَا يُقَالُ حُكْمُ الْفَاسِدَةِ حُكْمُ الصَّحِيحَةِ في كل ما تَقْتَضِيهِ بَلْ في سُقُوطِ الضَّمَانِ بِمَا تَنَاوَلَهُ الْإِذْنُ لَا بِمَا اقْتَضَاهُ حُكْمُهَا وَعَلَيْهِ الْمُؤْنَةُ لِلرَّدِّ إنْ رَدَّ على الْمُسْتَأْجِرِ كما في سَائِرِ الْعَوَارِيِّ وَتَجِبُ الْمُؤْنَةُ على الْمَالِكِ إنْ رُدَّ إلَيْهِ كما لو رَدَّ عليه الْمُسْتَأْجِرُ
فَرْعٌ على الْمُسْتَعِيرِ لِلْعَيْنِ من الْغَاصِبِ إنْ تَلِفَتْ في يَدِهِ قَرَارُ ضَمَانِ قِيمَتِهَا يوم التَّلَفِ وَكَذَا قَرَارُ بَدَلِ مَنَافِعَ اسْتَوْفَاهَا لِمُبَاشَرَتِهِ إتْلَافَهَا وَلَا يَضْمَنُ زِيَادَةً كانت في يَدِ الْمُعِيرِ له وَلَا في يَدِهِ إنْ تَلِفَتْ بِنَفْسِهَا قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ التَّالِفَةَ في يَدِهِ أَصْلًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَضْمَنُهَا لَكِنَّ قَرَارَ ضَمَانِهَا على الْمُعِيرِ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَعِيرِ في الْمَنَافِعِ لَيْسَتْ يَدَ ضَمَانٍ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَإِنْ اسْتَعَارَ من مُسْتَأْجِرٍ من غَاصِبٍ ضَمِنَ وَرَجَعَ بِمَا غَرِمَهُ على الْمُسْتَأْجِرِ وَيَرْجِعُ الْمُسْتَأْجِرُ على الْغَاصِبِ
فَرْعٌ لو أَرْكَبَ مَالِكُ دَابَّةٍ دَابَّتَهُ وَكِيلَهُ في حَاجَتِهِ أو حَافِظَ مَتَاعِهِ الذي عليها أو الرَّائِضَ لِيُرَوِّضَهَا أَيْ يُعَلِّمَهَا السَّيْرَ وَتَلِفَتْ في يَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ لم يَضْمَنْ لِأَنَّهُ لم يَرْكَبْهَا إلَّا لِغَرَضِ الْمَالِكِ أو أَرْكَبَهَا مُنْقَطِعًا في الطَّرِيقِ تَقَرُّبًا لِلَّهِ تَعَالَى فَتَلِفَتْ ضَمِنَ سَوَاءٌ الْتَمَسَ الرَّاكِبُ أَمْ ابْتَدَأَهُ الْمُرْكِبُ كَسَائِرِ الْعَوَارِيِّ وَالتَّصْرِيحُ بِلِلَّهِ تَعَالَى من زِيَادَتِهِ وَإِنْ أَرْدَفَهُ أَيْ أَرْكَبهُ معه عليها فَتَلِفَتْ بِغَيْرِ الرُّكُوبِ فَنِصْفُ الضَّمَانِ على الرَّدِيفِ وَإِنْ وَضَعَ مَتَاعَهُ على دَابَّةِ رَجُلٍ وقال له سَيِّرْهَا فَفَعَلَ فَتَلِفَتْ بِغَيْرِ الْوَضْعِ ضَمِنَهَا كَسَائِرِ الْعَوَارِيِّ وَإِنْ كان عليها مَتَاعٌ لِغَيْرِهِ فَتَلِفَتْ بِذَلِكَ ضَمِنَ منها قِسْطَ مَتَاعِهِ أَيْ بِقِسْطِهِ لِأَنَّهُ مُسْتَعِيرٌ منها بِقِسْطِهِ مِمَّا عليها حتى لو كان عليها مِثْلُ مَتَاعِهِ ضَمِنَ نِصْفَهَا وَإِنْ سَيَّرَهَا مَالِكُهَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَيْ الْوَاضِعِ فَتَلِفَتْ لم يَضْمَنْ الْوَاضِعُ لِأَنَّهَا تَحْتَ يَدِ مَالِكِهَا بَلْ يَضْمَنُ الْمَالِكُ مَتَاعَهُ إذْ له طَرْحُهُ عنها وَإِنْ حَمَلَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ مَتَاعَك فَإِنْ كان بِسُؤَالِك فَهُوَ مُعِيرٌ لَك كُلَّ الدَّابَّةِ إنْ لم يَكُنْ عليها شَيْءٌ وَإِلَّا فَبِقَدْرِ مَتَاعِك أو بِسُؤَالِهِ فَهُوَ وَدِيعٌ أو مُسْتَوْدَعٌ مَتَاعَك وَلَا تَدْخُلُ الدَّابَّةُ في ضَمَانِك
قال السُّبْكِيُّ وَلَك أَنْ تَقُولَ لِمَ جَعَلَ ذلك مع سُؤَالِك عَارِيَّةً وَمَعَ سُؤَالِهِ وَدِيعَةً مع أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَصِحُّ بِالِاسْتِيجَابِ وَالْإِيجَابِ ولم نَجِدْ ما يُمَيِّزُ أَحَدَهُمَا عن الْآخَرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْغَرَضُ في الِانْتِفَاعِ في تِلْكَ لِصَاحِبِ
____________________
(2/329)
الْمَتَاعِ فَجُعِلَتْ عَارِيَّةً وفي هذه لم يَتَحَقَّقْ ذلك فَحُمِلَ على الْوَدِيعَةِ
انْتَهَى
وَتُفَارِقُ هذه مَسْأَلَةَ ما لو أَرْكَبَهَا مُنْقَطِعًا بِأَنَّ الدَّابَّةَ ثَمَّ تَحْتَ يَدِ الرَّاكِبِ بِخِلَافِهَا هُنَا
فَرْعٌ وَإِنْ جَاوَزَ الْمُسْتَعِيرُ الْمَكَانَ بِالدَّابَّةِ التي اسْتَعَارَهَا لِيَرْكَبَهَا إلَيْهِ ضَمِنَ أُجْرَةَ ذَهَابِ الْمُجَاوَزَةِ أَيْ مُجَاوَزَتِهَا عنه وَإِيَابِهَا إلَيْهِ لِتَعَدِّيهِ ثُمَّ هل له الْإِيَابُ بها منه إلَى الْمَكَانِ الذي اسْتَعَارَهَا منه أو لَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا لِأَنَّ الْإِذْنَ قد انْقَطَعَ بِالْمُجَاوَزَةِ وَثَانِيهِمَا نعم قال الرَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فيه من جِهَةِ الْمَالِكِ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَتَبِعَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَخْذًا من كَلَامِ الْمُتَوَلِّي قال كما لَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ عن وَكَالَتِهِ بِتَعَدِّيهِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جَائِزٌ قال وَتَعْلِيلُ الرَّافِعِيِّ ذلك بِمَا ذَكَرَ يَقْتَضِي أَنَّهُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا أُذِنَ له في الْإِيَابِ أَيْضًا إذْ لو أَطْلَقَ كان في رُكُوبِهِ في الرُّجُوعِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَقَرَّبَهُمَا من خِلَافِ الْمُعَاطَاةِ في الْبَيْعِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْمَنْعُ كما في الْمُعَاطَاةِ وَإِنْ كان الْمُخْتَارُ فيها خِلَافَهُ لَكِنَّ مَجِيءَ ذلك الِاخْتِيَارِ هُنَا بَعِيدٌ لِاطِّرَادِ الْعُرْفِ ثُمَّ بِخِلَافِهِ هُنَا
وما نَقَلَهُ عن الْمُتَوَلِّي يَقْتَضِي أَنَّ له الْإِيَابَ بها غير رَاكِبٍ لها وهو ظَاهِرٌ فَإِنْ قُلْنَا لَا إيَابَ له بها سَلَّمَهَا إلَى حَاكِمِ الْبَلَدِ الذي اسْتَعَارَ إلَيْهِ فَإِنْ خَالَفَ ضَمِنَ
فَرْعٌ وَإِنْ أَوْدَعَهُ ثَوْبًا ثُمَّ أَذِنَ له في اللُّبْسِ فَلَبِسَ صَارَ عَارِيَّةً فَإِنْ لم يَلْبَسْهُ فَهُوَ بَاقٍ على كَوْنِهِ وَدِيعَةً وَإِنْ اسْتَعَارَ صُنْدُوقًا فَوَجَدَ فيه دَرَاهِمَ مَثَلًا فَهِيَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ كما لو طَيَّرَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا في دَارِهِ فَإِنْ أَتْلَفَهَا وَلَوْ جَاهِلًا بها ضَمِنَهَا بِالْإِتْلَافِ وَبِالتَّلَفِ بِتَقْصِيرِهِ
الْحُكْمُ الثَّانِي التَّسْلِيطُ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ التَّسَلُّطُ لِلْمُسْتَعِيرِ على الِانْتِفَاعِ الْمَأْذُونِ فيه فَإِنْ اسْتَعَارَ أَرْضًا لِزَرْعِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ زَرَعَهُ وَمِثْلُهُ فما دُونَ ه في الضَّرَرِ فَلَوْ قال ازْرَعْ الْبُرَّ فَلَهُ زَرْعُ الشَّعِيرِ وَالْبَاقِلَا وَنَحْوِهِمَا لِأَنَّ ضَرَرَهَا في الْأَرْضِ دُونَ ضَرَرِ الْبُرِّ لَا الذَّرَّةِ وَالْقُطْنِ وَنَحْوِهِمَا لِأَنَّ ضَرَرَهَا فَوْقَ ضَرَرِهِ إلَّا أَنْ يَنْهَاهُ عن غَيْرِ ما عَيَّنَهُ فَلَا يَزْرَعُ غَيْرَهُ اتِّبَاعًا لِنَهْيِهِ فَإِنْ خَالَفَ فَزَرَعَ ما ليس له زَرْعُهُ قَلَعَ الْمُعِيرُ جَوَازًا مَجَّانًا فَلَوْ مَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ فما الذي يَلْزَمُهُ قال في الْمَطْلَبِ يُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إنْ قُلْنَا في نَظِيرِهِ من الْإِجَارَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فَكَذَا هُنَا أو ما زَادَ على الْمُسَمَّى من أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَرْجِعُ عليه هُنَا بِمَا بين زِرَاعَةِ الْبُرِّ وَزِرَاعَةِ الذَّرَّةِ وقد يُقَالُ بَلْ يَرْجِعُ عليه بِجَمِيعِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ اسْتَوْفَى ما كان يَمْلِكُهُ مِمَّا لَا يَقْبَلُ الرَّدَّ بِزِيَادَةٍ وَالْمُسْتَعِيرُ لَا يَمْلِكُ شيئا فَهُوَ بِعُدُولِهِ عن الْجِنْسِ كَالرَّادِّ لِمَا أُبِيحَ له فَلَا يَسْقُطُ بِإِزَائِهِ عنه شَيْءٌ قال الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا الثَّانِي أَرْجَحُ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ في الْكِفَايَةِ وَاقْتَضَاهُ قَوْلُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ فَإِنْ فَعَلَ فَكَالْغَاصِبِ
انْتَهَى
وَبِهِ جَزَمَ في الْأَنْوَارِ مع أَنَّ في مَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ شيئا تَرَكَهُ في الْمَطْلَبِ هُنَا مع أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ في بَابِهِ
أو اسْتَعَارَهَا لِمُطْلَقِ الزِّرَاعَةِ بِأَنْ لم يُبَيِّنْ الْمَزْرُوعَ زَرَعَ ما شَاءَ لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ وَمِثْلُهُ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى لو أَعَارَهَا لِيَزْرَعَ ما شَاءَ لِأَنَّهُ عَامٌّ لَا مُطْلَقٌ وَالْمُرَادُ كما قال الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يَزْرَعَ ما شَاءَ مِمَّا اُعْتِيدَ زَرْعُهُ هُنَاكَ وَلَوْ نَادِرًا حَمْلًا لِلْإِطْلَاقِ على الرِّضَا بِذَلِكَ ولم يَغْرِسْ ولم يَبْنِ من اسْتَعَارَ لِلزَّرْعِ لِأَنَّ الْغِرَاسَ وَالْبِنَاءَ لَيْسَا من نَوْعِهِ وَضَرَرُهُمَا أَكْثَرُ أو اسْتَعَارَ لِلْغِرَاسِ أو لِلْبِنَاءِ زَرَعَ وَإِنْ لم يَكُنْ الزَّرْعُ من نَوْعِهِمَا لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَخَفُّ فَإِنْ نَهَاهُ عنه امْتَنَعَ
أو اسْتَعَارَ لِأَحَدِهِمَا لم يَأْتِ بِالْآخَرِ لِاخْتِلَافِ جِنْسِ الضَّرَرِ إذْ ضَرَرُ الْبِنَاءِ بِظَاهِرِ الْأَرْضِ أَكْثَرُ وَضَرَرُ الْغِرَاسِ بِبَاطِنِهَا أَكْثَرُ لِانْتِشَارِ عُرُوقِهِ وَلَا يَجِبُ التَّصْرِيحُ بِجِهَةِ الِانْتِفَاعِ في
____________________
(2/330)
نَحْوِ بِسَاطٍ لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلْفَرْشِ من كل ما لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ عَادَةً لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا بِالتَّعَيُّنِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ جِهَةُ الِانْتِفَاعِ كَالْأَرْضِ تَصْلُحُ لِلزَّرْعِ وَالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وَكَالدَّابَّةِ لِلرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ وَجَبَ كَالْإِجَارَةِ التَّصْرِيحُ بِالْجِهَةِ أو بِالتَّعْمِيمِ كَقَوْلِهِ انْتَفِعْ بِهِ كَيْفَ شِئْت أو افْعَلْ بِهِ ما بَدَا لَك فَالْإِعَارَةُ في التَّعْمِيمِ صَحِيحَةٌ وَقِيلَ بَاطِلَةٌ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَجَرَى عليه صَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرُهُ
وَعُلِمَ من كَلَامِهِ أَنَّ الْإِعَارَةَ الْمُطْلَقَةَ لِمَا له مَنَافِعُ بَاطِلَةٌ وهو ما صَحَّحَهُ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ صِحَّتَهَا قال وَلَا يَضُرُّ الْجَهْلُ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ فيها ما لَا يُحْتَمَلُ في الْإِجَارَةِ وَيَنْتَفِعُ في صُورَةِ التَّعْمِيمِ بِمَا هو الْعَادَةُ فيه أَيْ في الْمُعَارِ وَقِيلَ يَنْتَفِعُ بِهِ كَيْفَ شَاءَ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ من كَلَامِ الْأَصْلِ فِيمَا فَرَّعَهُ على قَوْلِ الصِّحَّةِ في الْإِعَارَةِ الْمُطْلَقَةِ
الْحُكْمُ الثَّالِثُ الْجَوَازُ لِلْعَارِيَّةِ لِأَنَّهَا إرْفَاقٌ فَلَا يَلِيقُ بها الْإِلْزَامُ فَلِكُلٍّ من الْعَاقِدَيْنِ الرُّجُوعُ فيها وَإِنْ كانت مُؤَقَّتَةً وَالْمُدَّةُ بَاقِيَةٌ لَا في مَقْبَرَةٍ قبل الِانْدِرَاسِ لِلْمَيِّتِ الْمُحْتَرَمِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى منه شَيْءٌ بَعْدَ مُوَارَاتِهِ بِالتُّرَابِ مُحَافَظَةً على حُرْمَتِهِ أَمَّا بَعْدَ انْدِرَاسِهِ أو قَبْلَهُ وَقَبْلَ مُوَارَاتِهِ وَلَوْ بَعْدَ وَضْعِهِ في الْقَبْرِ فَيَجُوزُ الرُّجُوعُ لَكِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ تَرْجِيحُ الْمَنْعِ بَعْدَ وَضْعِهِ في الْقَبْرِ وَصُورَةُ ذلك بَعْدَ الِانْدِرَاسِ إذَا أَذِنَ الْمُعِيرُ في تَكْرَارِ الدَّفْنِ وَإِلَّا فَقَدْ انْتَهَتْ الْعَارِيَّةُ وَذِكْرُ مَنْعِ رُجُوعِ الْمُسْتَعِيرِ من زِيَادَتِهِ وَاسْتَفَدْنَا من مَنْعِ رُجُوعِ الْمُعِيرِ قبل الِانْدِرَاسِ أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ له أَيْضًا وقد صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِأَنَّ الْعُرْفَ غَيْرُ قَاضٍ بِهِ وَالْمَيِّتُ لَا مَالَ له وَلَهُ أَيْ لِلْمُعِيرِ سَقْيُ شَجَرِهَا أَيْ الْمَقْبَرَةِ إنْ أَمِنَ ظُهُورَ شَيْءٍ من الْمَيِّتِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَأْمَنْهُ وَلَوْ أَظْهَرَهُ السَّيْلُ من قَبْرِهِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ تَجِبُ إعَادَتُهُ فيه لِأَنَّهُ قد صَارَ حَقًّا له مُؤَبَّدًا قال ابن الرِّفْعَةِ وقد يُوَجَّهُ بِأَنَّ دَفْنَهُ على الْفَوْرِ وفي تَأْخِيرِهِ إلَى حَفْرِ غَيْرِهِ وَنَقْلِهِ إلَيْهِ تَأْخِيرٌ لِلْوَاجِبِ نعم إنْ كان السَّيْلُ حَمَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ مُبَاحٍ يُمْكِنُ دَفْنُهُ فيه من غَيْرِ تَأْخِيرٍ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْمَنْعُ من ذلك وَعَلَيْهِ أَيْ على الْمُعِيرِ لِوَلِيِّ الْمَيِّتِ مُؤْنَةُ حَفْرِ ما رَجَعَ فيه قبل الدَّفْنِ لِأَنَّهُ الْمُوَرِّطُ له فيه
وفي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ أَنَّ الْمُعِيرَ لو بَادَرَ إلَى زِرَاعَةِ الْأَرْضِ بَعْدَ تَكْرِيبِ الْمُسْتَعِيرِ لها لم تَلْزَمْهُ أُجْرَةُ التَّكْرِيبِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَالْقِيَاسُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا قُلْت وهو احْتِمَالٌ لِلْبَغَوِيِّ أَيْضًا قَالَهُ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ وَيُجَابُ بِأَنَّ الدَّفْنَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالْحَفْرِ بِخِلَافِ الزِّرَاعَةِ فَإِنَّهَا مُمْكِنَةٌ بِدُونِ التَّكْرِيبِ وَلَا يَلْزَمُ الْوَلِيَّ الطَّمُّ لِمَا حَفَرَهُ لِأَنَّهُ حَفَرَ بِالْإِذْنِ وَلَوْ أَعَارَهُ أَرْضًا لِيَحْفِرَ فيها بِئْرًا صَحَّتْ الْإِعَارَةُ فإذا نَبَعَ الْمَاءُ جَازَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَخْذُهُ لِأَنَّ الْمَاءَ يُسْتَبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ نَقَلَهُ في الرَّوْضَةِ عن الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ وقال الْمُتَوَلِّي إنْ قَصَدَ أَنْ يَسْتَقِيَ منها فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ الْمُعِيرُ فَلَهُ مَنْعُهُ من الِاسْتِقَاءِ وَإِنْ أَرَادَ طَمَّهَا وَيَغْرَمُ ما الْتَزَمَهُ من الْمُؤْنَةِ جَازَ أو أَرَادَ تَمَلُّكَهَا بِالْبَدَلِ فَإِنْ كان له فيها عَيْنٌ كَآجُرٍّ وَخَشَبٍ جَازَ كما في الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وَإِلَّا فَإِنْ قُلْنَا الْقُصَارَةُ وَنَحْوُهَا كَالْأَعْيَانِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا أو أَرَادَ التَّقْرِيرَ بِأُجْرَةٍ فَإِنْ كان الِاسْتِقَاءُ يَحْتَاجُ إلَى اسْتِطْرَاقٍ أَيْ أو نَحْوِهِ في مِلْكِهِ وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ في مُقَابَلَةِ الِاسْتِطْرَاقِ أَيْ أو نَحْوِهِ جَازَ أو أَرَادَ أَخْذَ الْعِوَضِ في مُقَابَلَةِ ما يَسْتَفِيدُ من الْمَاءِ فَلَا بُدَّ من شُرُوطِ الْبَيْعِ أو في مُقَابَلَةِ تَرْكِ الطَّمِّ لم يَجُزْ لِأَنَّهُ بَذَلَ الْمَالَ في مُقَابَلَةِ تَرْكِ الضَّرَرِ وَالْإِجَارَةُ مَوْضُوعَةٌ لِجَلْبِ
____________________
(2/331)
النَّفْعِ
وَإِنْ كان الْبِئْرُ بِئْرَ حُشٍّ أو يَجْتَمِعُ فيها مَاءُ الْمَزَارِيبِ فَإِنْ أَرَادَ الطَّمَّ أو التَّمَلُّكَ فَالْأَمْرُ كما ذَكَرْنَا أو التَّقْرِيرُ بِعِوَضٍ فَكَمَا لو صَالَحَهُ عن إجْرَاءِ الْمَاءِ على سَطْحِهِ بِمَالٍ
وَالرُّجُوعُ من الْمُعِيرِ في حَائِطٍ أَعَارَهُ لِوَضْعِ الْجُذُوعِ عليه تَقَدَّمَ جَوَازُهُ مع بَيَانِ فَائِدَتِهِ في الصُّلْحِ وَلَا يَرْجِعُ كُلٌّ من الْعَاقِدَيْنِ في ثَوْبٍ كَفَّنَ فيه الْمُعِيرُ أَجْنَبِيًّا قبل الدَّفْنِ أو بَعْدَهُ أو أَحْرَمَ فيه عَارٍ بِمَكْتُوبَةٍ لِمَا في ذلك من هَتْكِ الْحُرْمَةِ فَتَلْزَمُ الْإِعَارَةُ من جِهَتِهِمَا في هَاتَيْنِ وَفِيمَا لو أَعَارَهُ سَفِينَةً فَطَرَحَ فيها مَالًا وَهِيَ في اللُّجِّيَّةِ وَفِيمَا لو أَعَارَ أَرْضًا لِدَفْنِ مَيِّتٍ كما مَرَّ أو أَعَارَ آلَةً لِسَقْيِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ يُخْشَى هَلَاكُهُ وَمِنْ جِهَةِ الْمُعِيرِ فِيمَا لو قال أَعِيرُوا دَارِي بَعْدَ مَوْتِي لِزَيْدٍ شَهْرًا أو نَذَرَ أَنْ يُعِيرَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً أو أَنْ لَا يَرْجِعَ وَتَلْزَمُ من جِهَةِ الْمُسْتَعِيرِ في إسْكَانِ مُعْتَدَّةٍ وَفِيمَا لو اسْتَعَارَ آلَةَ الِاسْتِقَاءِ لِوُضُوءٍ أو إزَالَةِ نَجَسٍ وقد ضَاقَ الْوَقْتُ وَقَوْلُهُ وَلَا في ثَوْبٍ إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ مع ما زِدْته الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ لَكِنَّهُمْ ذَكَرُوا بَعْضَ ذلك فِيمَا يَلْزَمُ من جِهَةِ الْمُعِيرِ فَقَطْ وَتَبِعْتهمْ في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وما ذَكَرْته هُنَا أَنْسَبُ
وَتَنْفَسِخُ الْعَارِيَّةُ بِمَوْتِ وَاحِدٍ من الْعَاقِدَيْنِ وَجُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ وَحَجْرِ سَفَهٍ من وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ وَبِحَجْرٍ فَلَيْسَ على الْمُعِيرِ فِيمَا يَظْهَرُ وإذا انْفَسَخَتْ أو انْتَهَتْ وَجَبَ على الْمُسْتَعِيرِ إنْ كان حَيًّا أو الْوَرَثَةِ إنْ كان مَيِّتًا رَدُّهَا فَوْرًا وَإِنْ لم يُطَالِبْ الْمُعِيرُ كما لو طَيَّرَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا إلَى دَارِهِ لَكِنَّ الرَّدَّ في تِلْكَ بِالتَّخْلِيَةِ فَإِنْ أَخَّرَهُ الْوَرَثَةُ فَإِنْ كان لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِمْ منه فَهِيَ مَضْمُونَةٌ في تَرِكَةِ الْمُسْتَعِيرِ وَلَا أُجْرَةَ وَإِلَّا فَهِيَ مَضْمُونَةٌ عليهم مع الْأُجْرَةِ
وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ في هذه الْحَالَةِ عليهم وفي الْأُولَى على التَّرِكَةِ وَذِكْرُ مَسْأَلَةِ الْوَرَثَةِ هُنَا وَالْفَوْرِ من زِيَادَتِهِ وفي مَعْنَى مَوْتِهِ جُنُونُهُ وَالْحَجْرُ عليه بِسَفَهِهِ
فَصْلٌ إذَا أَعَارَ غَيْرَهُ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ أو الْغِرَاسِ ولم يذكر مُدَّةً فَلَهُ فِعْلُهُمَا ما لم يَرْجِعْ أَيْ الْمُعِيرُ لَكِنْ لَا يَفْعَلُهُمَا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَغَيْرُ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ في مَعْنَاهُمَا فَإِنْ فَعَلَ عَالِمًا أو جَاهِلًا بِرُجُوعِهِ قَلَعَ مَجَّانًا وَكُلِّفَ تَسْوِيَةَ الْأَرْضِ كَالْغَاصِبِ في حَالَةِ الْعِلْمِ وَكَمَالِكِ ما نَبَتَ بِحَمْلِ السَّيْلِ إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ في حَالَةِ الْجَهْلِ وما بَنَى وَغَرَسَ قبل الرُّجُوعِ من الْمُعِيرِ إنْ لم يُنْقِصْهُ الْقَلْعُ قُلِعَ وَإِنْ نَقَصَهُ فَلَا يُقْلَعُ مَجَّانًا لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ أَيْ لَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ الْقَلْعُ مَجَّانًا وَلَا يَلْزَمُهُ الْقَلْعُ مَجَّانًا ولا التَّسْوِيَةُ لِلْأَرْضِ إلَّا بِاشْتِرَاطٍ لَهُمَا أو لِأَحَدِهِمَا فَيَلْزَمُهُ ما شُرِطَ عليه عَمَلًا بِالشَّرْطِ فَإِنْ امْتَنَعَ من الْقَلْعِ قَلَعَهُ الْمُعِيرُ مَجَّانًا أو بِاخْتِيَارِ الْقَلْعِ
____________________
(2/332)
من الْمُسْتَعِيرِ فَتَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ قال الْإِسْنَوِيُّ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِالْحُفَرِ الْحَاصِلَةِ بِالْقَلْعِ دُونَ الْحَاصِلَةِ بِسَبَبِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ في مُدَّةِ الْعَارِيَّةِ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ بِالِاسْتِعْمَالِ فَأَشْبَهَ انْسِحَاقَ الثَّوْبِ
انْتَهَى
وَفَرَّقَ الزَّرْكَشِيُّ بِإِمْكَانِ عَوْدِ الْأَرْضِ لِمَا كانت بِخِلَافِ الثَّوْبِ وفي تَأْثِيرِ فَرْقِهِ نَظَرٌ فَإِنْ لم يَكُنْ ذلك أَيْ شَيْءٌ من الِاشْتِرَاطِ وَاخْتِيَارِ الْقَلْعِ خُيِّرَ الْمُعِيرُ بين الْقَلْعِ بِضَمَانِ أَيْ مع ضَمَانِ الْأَرْشِ وهو قَدْرُ التَّفَاوُتِ بين قِيمَتِهِ قَائِمًا وَمَقْلُوعًا وَالتَّمَلُّكِ بِالْقِيمَةِ حين التَّمَلُّكِ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مَكْرُمَةٌ فَلَا يَلِيقُ بها مَنْعُ الْمُعِيرِ وَلَا تَضْيِيعَ مَالِ الْمُسْتَعِيرِ فَأَثْبَتَنَا الرُّجُوعَ على الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَإِنَّمَا خَيَّرْنَا الْمُعِيرَ لِأَنَّهُ الْمُحْسِنُ وَلِأَنَّ الْأَرْضَ أَصْلٌ لِمَا فيها وَلَا بُدَّ في اعْتِبَارِ قِيمَتِهِ من مُلَاحَظَةِ كَوْنِهِ مُسْتَحَقَّ الْأَخْذِ فإن قِيمَتَهُ قَائِمًا بهذا التَّقْدِيرِ أَقَلُّ من قِيمَتِهِ قَائِمًا بِدُونِهِ ذَكَرَهُ الْعِمْرَانِيُّ
وَإِنْ طَلَبَ الْمُعِيرُ الْأُجْرَةَ لم يَلْزَمْ الْمُسْتَعِيرَ إجَابَتُهُ بِخِلَافِ ما إذَا اخْتَارَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ السَّابِقَيْنِ تَلْزَمُهُ إجَابَتُهُ فَإِنْ أَبَى كُلِّفَ تَفْرِيغَ الْأَرْضِ كما صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ ليس لِلْمُعِيرِ التَّبْقِيَةُ بِالْأُجْرَةِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ وَاَلَّذِي في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ له ذلك أَيْضًا وهو اخْتِيَارُ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَخَيَّرَهُ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ بين التَّبْقِيَةِ بِالْأُجْرَةِ وَالْقَلْعِ بِالْأَرْشِ وقال الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْبُلْقِينِيِّ ليس في الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ كما زَعَمَهُ الشَّيْخَانِ بَلْ الْكُلُّ مُتَّفِقُونَ على التَّخْيِيرِ بين الثَّلَاثِ وهو ما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمَا في الصُّلْحِ وَغَيْرِهِ وهو قِيَاسُ نَظَائِرِهِ أَيْ كَالشُّفْعَةِ وَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ وَقَوْلُهُمَا في الْإِجَارَةِ إنَّهَا كَالْعَارِيَّةِ لَا يَسْتَلْزِمُ أنها كَهِيَ في اخْتِيَارِ الْخَصْلَتَيْنِ فَقَطْ على ما صَحَّحَاهُ فيها وَإِنْ كان ظَاهِرُهُ ذلك لَكِنَّهُمَا قد يُفَرِّقَانِ بين الْعَارِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ غَيْرَهَا مَلَكَ فيه الْبَانِي وَالْغَارِسُ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ فَسَاغَ إلْزَامُهُمَا بها بِخِلَافِهِمَا في الْعَارِيَّةِ ثُمَّ مَحِلُّ التَّخْيِيرِ إذَا لم يُوقَفْ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ وَإِلَّا قال ابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ فَيَتَعَيَّنُ تَبْقِيَتُهُمَا بِالْأُجْرَةِ وَالزَّرْكَشِيُّ يَتَخَيَّرُ بين ذلك وَبَيْنَ قَلْعِهِمَا بِالْأَرْشِ وَالْمُوَافِقُ لِمَا في الْكِتَابِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْقَلْعُ بِالْأَرْشِ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا لم تُوقَفْ الْأَرْضُ وَإِلَّا فَيَتَخَيَّرُ بين الثَّلَاثِ لَكِنْ لَا يَقْلَعُ بِالْأَرْشِ إلَّا إذَا كان أَصْلَحَ لِلْوَقْفِ من التَّبْقِيَةِ بِالْأُجْرَةِ وَلَا يَتَمَلَّكُ بِالْقِيمَةِ إلَّا إذَا كان في شَرْطِ الْوَقْفِ جَوَازُ تَحْصِيلِ مِثْلِ ذلك الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ من رِيعِهِ وَبِذَلِكَ أَفْتَى ابن الصَّلَاحِ في نَظِيرِهِ من الْإِجَارَةِ قال ابن الرِّفْعَةِ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا في الْغِرَاسِ كما قال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إذَا لم يَكُنْ عليه ثَمَرٌ لم يَبْدُ صَلَاحُهُ وَإِلَّا فَلَا يَتَّجِهُ التَّخْيِيرُ إلَّا بَعْدَ الْجِذَاذِ كما في الزَّرْعِ لِأَنَّ له أَمَدًا يُنْتَظَرُ قال الْإِسْنَوِيُّ وَيُؤْخَذُ من كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا بُدَّ في التَّمَلُّكِ من عَقْدٍ وَلَا يَلْحَقُ بِالشَّفِيعِ وَبِالتَّمَانُعِ بِأَنْ امْتَنَعَ الْمُعِيرُ من التَّخْيِيرِ وَالْمُسْتَعِيرُ من بَذْلِ الْأُجْرَةِ وقد طَلَبَهَا الْمُعِيرُ يُعْرَضُ عنهما إلَى أَنْ يَخْتَارَ الْمُعِيرُ ما له اخْتِيَارُهُ وَلِلْمُعِيرِ حِينَئِذٍ الدُّخُولُ لِلْأَرْضِ وَالِانْتِفَاعُ بها لِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَالِاسْتِظْلَالُ بِالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ لِأَنَّهُ جَالِسٌ في مِلْكِهِ لَا لِلْمُسْتَعِيرِ أَيْ ليس له دُخُولُهَا لِتَفَرُّجٍ أو لَا لِغَرَضٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُعِيرِ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ
فَلَوْ دخل لِسَقْيٍ لِلْغِرَاسِ أو إصْلَاحٍ له أو لِلْبِنَاءِ جَازَ صِيَانَةً لِمِلْكِهِ عن الضَّيَاعِ وَفُهِمَ منه بِالْأَوْلَى جَوَازُ دُخُولِهِ لِأَخْذِ الثِّمَارِ وَفُهِمَ مِمَّا قَالَهُ في الْمُعِيرِ عَدَمُ جَوَازِ الِاسْتِنَادِ إلَى الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وابن الصَّبَّاغِ وَالْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَحَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ بِمَا مَرَّ في الصُّلْحِ من جَوَازِ هذا في جِدَارِ الْأَجْنَبِيِّ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّهُ
____________________
(2/333)
هُنَا في حُكْمِ الْوَدِيعَةِ وَالْمُودَعُ عِنْدَهُ ليس له الِانْتِفَاعُ الْوَدِيعَةِ وَإِنْ لم يَتَضَرَّرْ بِهِ الْمَالِكُ بِخِلَافِهِ في تِلْكَ وَفِيمَا فَرَّقَ بِهِ نَظَرٌ وَالْأَوْلَى حَمْلُ ما هُنَا على ما فيه ضَرَرٌ كما أَشَارَ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الدُّخُولِ إنْ تَعَطَّلَتْ الْمَنْفَعَةُ بِدُخُولِهِ على الْمُعِيرِ فَلَا يُمَكَّنُ من الدُّخُولِ إلَّا بها وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيْعُ ما له من الْآخَرِ بَلْ له بَيْعُهُ لِثَالِثٍ أَيْضًا كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ وَلَا يُؤَثِّرُ في بَيْعِ الْمُسْتَعِيرِ تَمَكُّنُ الْمُعِيرِ من تَمَلُّكِهِ ما له كَتَمَكُّنِ الشَّفِيعِ من تَمَلُّكِ الشِّقْصِ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ جَهِلَ الْحَالَ وَلَهُ حُكْمُ من بَاعَ منه من مُعِيرٍ وَمُسْتَعِيرٍ فِيمَا مَرَّ لَهُمَا وَمَتَى بَاعَاهُمَا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ جَازَ لِلضَّرُورَةِ وَوُزِّعَ الثَّمَنُ على قِيمَةِ الْأَرْضِ مَشْغُولَةً بِالْغَرْسِ بِمَعْنَى الْغِرَاسِ أو الْبِنَاءِ وعلى قِيمَةِ ما فيها وَحْدَهُ فَحِصَّةُ الْأَرْضِ لِلْمُعِيرِ وَحِصَّةُ ما فيها لِلْمُسْتَعِيرِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وقال الْمُتَوَلِّي يُوَزَّعُ كما في الرَّهْنِ كَذَا ذَكَرَهُمَا الْأَصْلُ مُقَدِّمًا كَلَامَ الْمُتَوَلِّي فَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وما بَنَاهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِلَا إذْنٍ قُلِعَ مَجَّانًا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ في بِنَاءِ الْمُشْتَرِي في الْمَشْفُوعِ
فَرْعٌ ليس لِشَرِيكٍ رَجَعَ بَعْدَ الْإِذْنِ في الْبِنَاءِ أو الْغِرَاسِ في الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ إلَّا الْأُجْرَةُ أَيْ إلَّا التَّبْقِيَةُ بها فَلَيْسَ له الْقَلْعُ بِأَرْشِ النَّقْصِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ قَلْعَ بِنَاءِ الْمَالِكِ وَغِرَاسِهِ من مِلْكِهِ وَلَا أَنْ يَتَمَلَّكَ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ لَلَبَّانِي وَالْغَارِسِ في الْأَرْضِ مِثْلَ حَقِّهِ فَإِنْ لم يَرْضَ بها أَيْ بِالْأُجْرَةِ أَعْرَضَ عنهما إلَى أَنْ يَرْضَى وَإِنْ كانت الْعَارِيَّةُ مُقَيَّدَةً بِمُدَّةٍ غَرَسَ الْمُسْتَعِيرُ وَبَنَى جَوَازًا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ أو يَرْجِعَ الْمُعِيرُ وَمَتَى انْقَضَتْ أَيْ الْمُدَّةُ أو رَجَعَ فَالْحُكْمُ كما سَبَقَ في الْعَارِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ
فَصْلٌ وَلَوْ رَجَعَ الْمُعِيرُ قبل إدْرَاكِ الزَّرْعِ بَقَّاهُ وُجُوبًا بِأُجْرَةٍ إلَى الْحَصَادِ أَمَّا تَبْقِيَتُهُ فَلِأَنَّ له أَمَدًا يُنْظَرُ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وَأَمَّا أنها بِالْأُجْرَةِ فَلِأَنَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ له الْمَنْفَعَةَ إلَى وَقْتِ الرُّجُوعِ فَأَشْبَهَ من أَعَارَ دَابَّةً إلَى بَلَدٍ ثُمَّ رَجَعَ في الطَّرِيقِ فإن عليه نَقْلَ مَتَاعِهِ إلَى مَأْمَنٍ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ هذا إنْ لم يُعْتَدْ قَطْعُهُ قبل إدْرَاكِهِ أو اُعْتِيدَ كَالْبَاقِلَاءِ ولم يَبْلُغْ أو إنَّ قَطْعُهُ عَادَةٌ بِخِلَافِ ما لو اُعْتِيدَ قَطْعُهُ وَبَلَغَ ذلك تَحْكِيمًا لِلْعَادَةِ قال ابن الرِّفْعَةِ وَكَذَا لو لم يَنْقُصْ بِالْقَطْعِ أَيْ وَإِنْ لم يُعْتَدْ قَطْعُهُ وَكَذَا تَلْزَمُهُ تَبْقِيَتُهُ بِالْأُجْرَةِ إلَى الْحَصَادِ إنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ ولم يُقَصِّرْ الْمُسْتَعِيرُ بِتَأْخِيرِ الزَّرْعِ كما في الْإِعَارَةِ الْمُطْلَقَةِ سَوَاءٌ أَسْنَدَ عَدَمَ الْإِدْرَاكِ لِعُرُوضِ حَرٍّ أو بَرْدٍ أو مَطَرٍ أَمْ لِقِلَّةِ الْمُدَّةِ التي عَيَّنَهَا أَمْ لَا كَأَكْلِ الْجَرَادِ رُءُوسَ الزَّرْعِ فَيَنْبُتُ ثَانِيًا لَا إنْ قَصَّرَ بِالتَّأْخِيرِ فَلَا يَلْزَمُهُ ذلك فَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ الْقَطْعُ مَجَّانًا وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَكَذَا إنْ قَصَّرَ بِالزَّرْعِ وَإِنْ لم يُقَصِّرْ بِالتَّأْخِيرِ كَأَنْ عَلَا الْأَرْضَ سَيْلٌ أو ثَلْجٌ أو نَحْوُهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ مع الزَّرْعِ ثُمَّ زَرَعَ بَعْدَ نُضُوبِهِ وهو لَا يُدْرَكُ في الْمُدَّةِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ في نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ من الْإِجَارَةِ أَنَّهُ إذَا أَبْدَلَ الزَّرْعَ الْمُعَيَّنَ بِغَيْرِهِ كان كَالتَّقْصِيرِ بِالتَّأْخِيرِ وَيَأْتِي هُنَا أَيْضًا مِثْلُهُ
وَإِنْ أَعَارَهُ أَرْضًا لِفَسِيلٍ أَيْ لِغَرْسِهِ وهو صِغَارُ النَّخْلِ فَإِنْ كان مِمَّا يُعْتَادُ نَقْلُهُ فَكَالزَّرْعِ وَإِلَّا فَكَالْبِنَاءِ قال السُّبْكِيُّ وَسَكَتُوا عن الْبُقُولِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُجَزُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَيُحْتَمَلُ إلْحَاقُ عُرُوقِهِ بِالْغِرَاسِ كما في الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُنْقَلُ أَصْلُهُ فَيَكُونُ كَالْفَسِيلِ الذي يُنْقَلُ
فَرْعٌ لو حَمَلَ السَّيْلُ أو نَحْوُهُ كَهَوَاءٍ حَبَّاتٍ أو نَوًى لِغَيْرِهِ إلَى أَرْضِهِ وَكَذَا لو حَمَلَ إلَيْهَا ما لَا قِيمَةَ له كَحَبَّةٍ أو نَوَاةٍ لم يُعْرِضْ عنها الْمَالِكُ لها لَزِمَهُ رَدُّهَا لِلْمَالِكِ إنْ حَضَرَ وَإِنْ غَابَ فَالْقَاضِي يَرُدُّهَا وَعَدَلَ إلَى هذا عن قَوْلِ أَصْلِهِ لَزِمَهُ رَدُّهَا لِمَالِكِهَا إنْ عَرَفَهُ وَإِلَّا فَيَدْفَعُهَا إلَى الْقَاضِي لِيُفِيدَ أَنَّهُ يَدْفَعُهَا إلَى الْقَاضِي عِنْدَ غَيْبَةِ الْمَالِكِ وَإِنْ عَرَفَهُ وَعِنْدَ حُضُورِهِ إذَا لم يَعْرِفْهُ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَإِنْ نَبَتَ الْأَوْلَى نَبَتَتْ في أَرْضِهِ لم يَمْلِكْهَا وَعَلَى مَالِكِهَا الْقَلْعُ لِأَنَّ مَالِكَ الْأَرْضِ لم يَأْذَنْ فيه فَهُوَ كما لو انْتَشَرَتْ أَغْصَانُ شَجَرَةِ غَيْرِهِ في هَوَاءِ دَارِهِ وعليه التَّسْوِيَةُ لِلْأَرْضِ لِأَنَّ ذلك لِتَخْلِيصِ مِلْكِهِ وَجَزَمَ في الْمَطْلَبِ بِأَنَّهُ لَا أُجْرَةَ عليه لِلْمُدَّةِ التي قبل الْقَلْعِ وَإِنْ كَثُرَتْ لِعَدَمِ الْفِعْلِ منه أَمَّا إذَا أَعْرَضَ عنها مَالِكُهَا وكان مِمَّنْ يَصِحُّ إعْرَاضُهُ فَهِيَ لِمَالِك الْأَرْضِ
____________________
(2/334)
فَصْلٌ في الِاخْتِلَافِ بين الْمَالِكِ وَذِي الْيَدِ لو قال الْمَالِكُ لِدَابَّةٍ مَثَلًا آجَرْتُك هَا وقال الْمُتَصَرِّفُ فيها أَعَرْتنِي هَا صُدِّقَ الْمُتَصَرِّفُ بِيَمِينِهِ إنْ لم تَمْضِ مُدَّةٌ لها أُجْرَةٌ ولم تَتْلَفْ الْعَيْنُ لِأَنَّهُ لم يُتْلِفْ شيئا حتى نَجْعَلَهُ مُدَّعِيًا لِسُقُوطِ بَدَلِهِ وَيَحْلِفُ ما آجَرْتنِي لِتَسْقُطَ عنه الْأُجْرَةُ وَيَرُدُّ الْعَيْنَ إلَى مَالِكِهَا فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَالِكُ يَمِينَ الرَّدِّ وَاسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ وَمَتَى مَضَتْ مُدَّةٌ لها أُجْرَةٌ صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ كما لو أَكَلَ طَعَامَ غَيْرِهِ وقال كُنْت أَبَحْته لي وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤْذَنُ في الِانْتِفَاعِ غَالِبًا بِمُقَابِلٍ وَفَرَّقُوا بين هذه وما لو قال الْغَسَّالُ أو الْخَيَّاطُ فَعَلْت بِالْأُجْرَةِ وَمَالِكُ الثَّوْبِ مَجَّانًا حَيْثُ لَا يُصَدَّقُ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ بَلْ مَالِكُ الثَّوْبِ بِأَنَّ الْعَامِلَ فَوَّتَ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ ثُمَّ ادَّعَى عِوَضًا على الْغَيْرِ وَالْمُتَصَرِّفُ فَوَّتَ مَنْفَعَةَ مَالِ غَيْرِهِ وَطَلَبَ إسْقَاطَ الضَّمَانِ عن نَفْسِهِ فلم يُصَدَّقْ
وَيَحْلِفُ الْمَالِكُ ما أَعَرْتُك بَلْ آجَرْتُك لِيَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ وَلَا يَكْفِي الِاقْتِصَارُ على نَفْيِ الْإِعَارَةِ لِأَنَّهُ لم يُنْكِرْ أَصْلَ الْإِذْنِ حتى يَتَوَصَّلَ إلَى إثْبَاتِ الْمَالِ بِنَفْيِ الْإِذْنِ وَنِسْبَتِهِ إلَى الْغَصْبِ فإذا اعْتَرَفَ بِأَصْلِ الْإِذْنِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمَالُ بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ
وَيَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لَا الْمُسَمَّى لِأَنَّهُمَا لو اتَّفَقَا على الْإِجَارَةِ وَاخْتَلَفَا في الْأُجْرَةِ كان الْوَاجِبُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ فَبِالْأَوْلَى إذَا اخْتَلَفَا في أَصْلِ الْإِجَارَةِ فَلَوْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ لم يَحْلِفْ الْمُتَصَرِّفُ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي إلَّا الْإِعَارَةَ وَهِيَ لَا تَلْزَمُ فَإِنْ تَلِفَتْ فَالرَّاكِبُ مُقِرٌّ بِالْقِيمَةِ لِمُنْكَرٍ لها وهو يَدَّعِي الْأُجْرَةَ إنْ كان التَّلَفُ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لها أُجْرَةٌ فَيُعْطَى قَدْرَهَا أَيْ الْأُجْرَةِ منها أَيْ الْقِيمَةِ بِلَا يَمِينٍ وَيَحْلِفُ لِلزَّائِدِ فِيمَا لو زَادَتْ على الْقِيمَةِ وَمَتَى قال له الْمَالِكُ غَصَبْتنِي فقال بَلْ أَعَرْتنِي وَهُنَاكَ مُدَّةٌ لها أُجْرَةٌ ولم تَتْلَفْ الْعَيْنُ صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ فَلِلْمَالِكِ الْأُجْرَةُ وَإِنْ لم تَمْضِ مُدَّةٌ لها أُجْرَةٌ فَلَا مَعْنَى لِلنِّزَاعِ إذْ لم تَفُتْ الْعَيْنُ وَلَا الْمَنْفَعَةُ فَلَوْ تَلِفَتْ تَلَفًا يُوجِبُ ضَمَانَ الْعَارِيَّةِ فَلَهُ أَخْذُ قِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ بِلَا يَمِينٍ لِأَنَّ الْمُتَصَرِّفَ مُقِرٌّ له بها وَلَا يَأْخُذُ الْأُجْرَةَ فِيمَا إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ لها أُجْرَةٌ ولا الزَّائِدَ على قِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ مِمَّا اقْتَضَاهُ الْغَصْبُ إلَّا بِيَمِينٍ وَلَوْ قال الْمَالِكُ غَصَبْتنِي وقال الرَّاكِبُ آجَرْتنِي صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اسْتِحْقَاقِ الْمَنْفَعَةِ فَيَسْتَرِدُّ الْعَيْنَ إنْ كانت بَاقِيَةً وَلَهُ فِيمَا إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ لها أُجْرَةٌ أَخْذُ الْمُسَمَّى أَيْ قَدْرِهِ بِلَا يَمِينٍ لِأَنَّ الرَّاكِبَ مُقِرٌّ له بِهِ وَيَحْلِفُ لِبَاقِي أُجْرَةِ الْمِثْلِ أَيْ لِلزَّائِدِ على الْمُسَمَّى بَلْ وَلِقِيمَةِ الْعَيْنِ إنْ تَلِفَتْ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ له أَخْذَ ما يُقِرُّ له بِهِ بِلَا يَمِينٍ وَأَخْذَ ما يُنْكِرُهُ بِالْيَمِينِ وَإِنْ قال الرَّاكِبُ آجَرْتنِي وقال الْمَالِكُ أَعَرْتُك صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ لِمَا مَرَّ في التي قَبْلَهَا فَيَسْتَرِدُّ الْعَيْنَ إنْ كانت بَاقِيَةً فَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ حَلَفَ الْآخَرُ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ وَاسْتَوْفَى الْمُدَّةَ وَإِنْ حَلَفَ الْمَالِكُ وَهُنَاكَ مُدَّةٌ لها أُجْرَةٌ فَقَدْ أَقَرَّ له الرَّاكِبُ بِأُجْرَةٍ وهو يُنْكِرُهَا وقد عُرِفَ حُكْمُهُ من بَابِ الْإِقْرَارِ وَإِنْ اخْتَلَفَا في ذلك بَعْدَ التَّلَفِ لِلْعَيْنِ وبعد مُضِيِّ مُدَّةٍ لها أُجْرَةٌ فَإِنْ كانت الْأُجْرَةُ أَكْثَرَ من الْقِيمَةِ أَخَذَ منها قَدْرَ الْقِيمَةِ أو مُسَاوِيَةٍ لها أو أَقَلَّ منها أَخَذَهَا أَيْ الْأُجْرَةَ أَيْ قَدْرَهَا بِلَا يَمِينٍ فَإِنْ نَقَصَتْ أَيْ الْأُجْرَةُ عن الْقِيمَةِ حَلَفَ لِلْبَاقِي
وَلَوْ قال بَدَلَ فَاتَ إلَى آخِرِهِ وَحَلَفَ في الْأَخِيرَةِ لِلْبَاقِي كان أَوْضَحَ وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ التَّلَفِ وَقَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لها أُجْرَةٌ حَلَفَ الْمَالِكُ وَأَخَذَ الْقِيمَةَ لِأَنَّ الرَّاكِبَ أَتْلَفَهَا وَيَدَّعِي مُسْقِطًا وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ
وَإِنْ قال الْمَالِكُ غَصَبْتنِي فقال ذُو الْيَدِ بَلْ أَوْدَعْتنِي صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ وَأَخَذَ الْقِيمَةَ إنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ وَأُجْرَةَ الْمِثْلِ إنْ مَضَتْ مُدَّةٌ لها أُجْرَةٌ قال الْبُلْقِينِيُّ وَجَزَمَ الْهَرَوِيُّ بِأَنَّ الْمُصَدَّقَ ذُو الْيَدِ قال وَيُوَافِقُهُ أَنَّ الصَّحِيحَ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ في الْإِقْرَارِ أَنَّهُ لو قال أَخَذْت منه أَلْفًا وَفَسَّرَهَا الْوَدِيعَةِ وقال الْمُقَرِّ له بَلْ غَصَبْتهَا صُدِّقَ الْمُقِرُّ قال وَمَحَلُّ الْخِلَافِ أَنْ لَا يُوجَدَ اسْتِعْمَالٌ يُخَالِفُ دَعْوَى الْوَدِيعَةِ فَإِنْ وُجِدَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْحَلِفِ وَيَأْخُذُ الْمَالِكُ الْقِيمَةَ عِنْدَ التَّلَفِ وَأُجْرَةَ الْمِثْلِ لِمَا بَعْدَ التَّعَدِّي قال فَلَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ الْإِعَارَةَ وَالْآخَرُ الْوَدِيعَةَ فَيَنْبَغِي الْقَطْعُ بِتَصْدِيقِ مُدَّعِي الْوَدِيعَةِ حتى يَنْتَفِيَ عنه الضَّمَانُ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا على أَنَّهُ وَضَعَ يَدَهُ بِالْإِذْنِ وَاخْتَلَفَا في الْمُضَمَّنِ وَالْأَمَانَةُ هُنَا مَقْصُودَةٌ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وقد أَفْتَى الْبَغَوِيّ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا فَتَلِفَتْ فَادَّعَى الدَّافِعُ الْقَرْضَ وَالْآخَرُ الْوَدِيعَةَ بِأَنَّ الْمُصَدَّقَ الْقَابِضُ وَهَذَا مُتَعَيِّنٌ
انْتَهَى
____________________
(2/335)
وقد يُجَابُ عَمَّا قَالَهُ من مُوَافَقَةِ ما في الْإِقْرَارِ لِكَلَامِ الْهَرَوِيِّ بِأَنَّ الْمِلْكَ هُنَا لم يُعْرَفْ ابْتِدَاءً من قِبَلِ ذِي الْيَدِ بِخِلَافِهِ ثُمَّ وَالْمُعْتَبَرُ في الْإِقْرَارِ الْيَقِينُ غَالِبًا وما بَحَثَهُ في الثَّانِيَةِ جَارٍ على طَرِيقَتِهِ في الْأُولَى وَإِلَّا فَالْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الْجُمْهُورِ تَصْدِيقُ الْمَالِكِ أَيْضًا وَلَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ الْإِجَارَةَ وَذُو الْيَدِ الْغَصْبَ فَإِنْ لم تَتْلَفْ الْعَيْنُ ولم تَمْضِ مُدَّةٌ لها أُجْرَةٌ صُدِّقَ ذُو الْيَدِ بِيَمِينِهِ وَإِنْ مَضَتْ فَالْمَالِكُ مُدَّعٍ لِلْمُسَمَّى وَذُو الْيَدِ مُقِرٌّ له بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنْ لم يَزِدْ الْمُسَمَّى عليها أَخَذَهُ بِلَا يَمِينٍ وَإِلَّا حَلَفَ لِلزَّائِدِ وَإِنْ تَلِفَتْ فَإِنْ لم تَمْضِ مُدَّةٌ لها أُجْرَةٌ فَذُو الْيَدِ مُقِرٌّ بِالْقِيمَةِ لِمُنْكِرِهَا وَإِلَّا فَهُوَ مُدَّعٍ لِلْمُسَمَّى وَذُو الْيَدِ مُقِرٌّ له بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَالْقِيمَةِ فَإِنْ لم يَزِدْ الْمُسَمَّى عَلَيْهِمَا أَخَذَهُ بِلَا يَمِينٍ وَإِلَّا حَلَفَ لِلزَّائِدِ وَلَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ الْإِعَارَةَ وَذُو الْيَدِ الْغَصْبَ فَلَا مَعْنَى لِلنِّزَاعِ فيها إنْ كانت الْعَيْنُ بَاقِيَةً ولم تَمْضِ مُدَّةٌ لها أُجْرَةٌ وَإِنْ مَضَتْ فَذُو الْيَدِ مُقِرٌّ بِالْأُجْرَةِ لِمُنْكِرِهَا وَإِنْ تَلِفَتْ قبل مُضِيِّ مُدَّةٍ لها أُجْرَةٌ فَإِنْ لم يَزِدْ أَقْصَى الْقِيَمِ على قِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ أَخَذَ الْقِيمَةَ بِلَا يَمِينٍ وَإِلَّا فَالزِّيَادَةُ مُقِرٌّ بها ذُو الْيَدِ لِمُنْكِرِهَا وَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ لها أُجْرَةٌ فَالْأُجْرَةُ مُقِرٌّ بها ذُو الْيَدِ لِمُنْكِرِهَا
فَرْعٌ لو رَكِبَ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ الْمُعَارَةَ جَاهِلًا بِرُجُوعِ الْمُعِيرِ لم تَلْزَمْهُ أُجْرَةٌ وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَخْتَلِفُ بِالْجَهْلِ وَعَدَمِهِ وَأَجَابَ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ ذَاكَ عِنْدَ عَدَمِ تَسْلِيطِ الْمَالِكِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ تَسْلِيطِهِ وَبِأَنَّهُ الْمُقَصِّرُ بِتَرْكِ الْإِعْلَامِ قال وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ في الْوَكَالَةِ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ عَقْدٌ وَالْإِعَارَةَ إبَاحَةٌ وَإِذْنٌ وَلَا يُشْكِلُ الْجَوَابُ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ على الْوَكِيلِ إذَا اقْتَصَّ جَاهِلًا بِعَفْوِ الْمُسْتَحِقِّ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِتَوَكُّلِهِ في الْقَوَدِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ إذْ الْعَفْوُ مَطْلُوبٌ فَضَمِنَ زَجْرًا له عن التَّوَكُّلِ فيه وَبِمَوْتِهِ أَيْ الْمُسْتَعِيرِ يَلْزَمُ الْوَارِثَ له الرَّدُّ لِلْعَارِيَّةِ وَإِنْ لم يُطَالِبْهُ الْمُعِيرُ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ عَقْدٌ جَائِزٌ وقد انْفَسَخَتْ بِمَوْتِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُعِيرُ لم يَرْضَ بِيَدِ الْوَارِثِ وَتَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ بِزِيَادَةٍ
كِتَابُ الْغَصْبِ
الْأَصْلُ في تَحْرِيمِهِ قبل الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ أَيْ لَا يَأْكُلُ بَعْضُكُمْ مَالَ بَعْضٍ بِالْبَاطِلِ وَقَوْلِهِ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ وَخَبَرُ من ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ من الْأَرْضِ طُوِّقَهُ من سَبْعَ أَرَضِينَ رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ هو لُغَةً أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا وَقِيلَ أَخْذُهُ ظُلْمًا جَهَارًا وَشَرْعًا الِاسْتِيلَاءُ على حَقِّ الْغَيْرِ عُدْوَانًا وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ من قال هو الِاسْتِيلَاءُ على مَالِ الْغَيْرِ لِأَنَّهُ يُخْرِجُ الْكَلْبَ وَالسِّرْجِينَ وَجِلْدَ الْمَيْتَةِ وَخَمْرَ الذِّمِّيِّ وَسَائِرَ الِاخْتِصَاصَاتِ كَحَقِّ التَّحَجُّرِ وَاخْتَارَ الْإِمَامُ أَنَّهُ الِاسْتِيلَاءُ على مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ وقال لَا حَاجَةَ إلَى التَّقْيِيدِ بِالْعُدْوَانِ بَلْ يَثْبُتُ الْغَصْبُ وَحُكْمُهُ
____________________
(2/336)
بِغَيْرِ عُدْوَانٍ كَأَخْذِهِ مَالَ غَيْرِهِ بِظَنِّهِ مَالَهُ قال في الْأَصْلِ وَالْأَشْبَهُ التَّقْيِيدُ بِهِ وَالثَّابِتُ في هذه الصُّورَةِ حُكْمُ الْغَصْبِ لَا حَقِيقَتُهُ وَأُورِدَ على التَّعْرِيفِ السَّرِقَةُ فإنه صَادِقٌ بها وَلَيْسَتْ غَصْبًا وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا خَرَجَتْ بِالِاسْتِيلَاءِ فإنه يُبْنَى على الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْحَقُّ أنها غَصْبٌ أَيْضًا وَإِنْ كانت من حَيْثُ إنَّهَا سَرِقَةٌ يُرَتَّبُ عليها حُكْمٌ زَائِدٌ على الْغَصْبِ بِشَرْطِهِ وما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ من التَّعْرِيفِ هو ما جَزَمَ بِهِ في أَصْلِ الْمِنْهَاجِ لَكِنْ اخْتَارَ في الرَّوْضَةِ أَنَّهُ الِاسْتِيلَاءُ على حَقِّ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ قَوْلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ذُهُولٌ وَصَوَابُهُ عُدْوَانًا لِمَا قَدَّمَهُ من مُوَافَقَةِ الرَّافِعِيِّ على الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا قَصَدَ الِانْتِقَادَ على من عَبَّرَ بِالْمَالِ قُلْت الظَّاهِرُ أَنَّهُ لم يُذْهَلْ بَلْ قَصَدَ ذلك لِيُدْخِلَ الصُّورَةَ التي قَالَهَا الْإِمَامُ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ وَافَقَ الرَّافِعِيَّ على الْفَرْقِ وَإِنَّمَا نَقَلَ كَلَامَهُ على عَادَتِهِ ثُمَّ اخْتَارَ ذلك وَحِينَئِذٍ فَيَصِحُّ حَمْلُ قَوْلِهِمْ عُدْوَانًا على قَوْلِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَكُونُ ذلك حَقِيقَةَ الْغَصْبِ عِنْدَهُ وَلَا يُؤَثِّرُ عَدَمُ الْإِثْمِ في نَحْوِ صُورَةِ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِثْمَ كما لَا يَسْتَلْزِمُهُ ارْتِكَابُ الْمَنْهِيِّ عنه لِتَوَقُّفِهِ على الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ
وَفِيهِ بَابَانِ
الْأَوَّلُ في الضَّمَانِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَطْرَافٍ الْأَوَّلُ في مُوجِبِ الضَّمَانِ بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ سَبَبُهُ أَيْ في مُوجِبِ دُخُولِ الْمَالِ في ضَمَانِهِ وَلَا يَنْحَصِرُ مُوجِبُهُ في الْغَصْبِ بَلْ الْإِتْلَافُ وَالِاسْتِعَارَةُ وَالِاسْتِيَامُ وَغَيْرُهَا مَضْمُونَةٌ الْأَوْلَى وَالْمُوَافِقُ لِكَلَامِ أَصْلِهِ مُضَمَّنَةٌ وَالْإِتْلَافُ هو التَّفْوِيتُ بِمُبَاشَرَةٍ وَهِيَ ما يُحَصِّلُ الْهَلَاكَ كَالْقَتْلِ أو سَبَبٍ وهو ما يَحْصُلُ الْهَلَاكُ بِهِ كَالْإِكْرَاهِ على الْقَتْلِ أو شَرْطٍ وهو ما لَا يُحَصِّلُهُمَا لَكِنْ يُحَصِّلُ الْهَلَاكَ بِهِ كَحَفْرِ بِئْرٍ عُدْوَانًا وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهَا في الْجِنَايَاتِ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ كَأَصْلِهِ أَرَادَ بِالسَّبَبِ هُنَا ما يَشْمَلُ الشَّرْطَ كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَإِنْ فَتَحَ رَأْسَ زِقٍّ غير مُنْتَصِبٍ فَسَالَ ما فيه بِفَتْحِهِ وَتَلِفَ أو مُنْتَصِبٍ فَسَقَطَ بِفِعْلِهِ كَأَنْ حَرَّكَ الْوِكَاءَ وَجَذَبَهُ أو بِتَقَاطُرِ ما فيه وَابْتِلَالِ أَسْفَلِهِ بِهِ أَيْ بِمَا تَقَاطَرَ منه وَلَوْ كان التَّقَاطُرُ بِإِذَابَةِ شَمْسٍ أو حَرَارَةِ رِيحٍ مع مُرُورِ الزَّمَانِ فَسَالَ ما فيه وَتَلِفَ ضَمِنَ لِأَنَّهُ بَاشَرَ الْإِتْلَافَ في الْأُولَيَيْنِ وَالْإِتْلَافُ نَاشِئٌ عن فِعْلِهِ في الْبَاقِي سَوَاءٌ أَحَضَرَ الْمَالِكُ وَأَمْكَنَهُ التَّدَارُكُ فلم يَفْعَلْ أَمْ لَا كما لو حَرَقَ ثَوْبَهُ أو قَتَلَ عَبْدَهُ وَأَمْكَنَهُ الدَّفْعُ فلم يَفْعَلْ ذَكَرَهُ الْقَمُولِيُّ لَا إنْ أَسْقَطَتْهُ بَعْدَ فَتْحِهِ له رِيحٌ عَارِضَةٌ أو نَحْوُهَا كَزَلْزَلَةٍ وَوُقُوعِ طَائِرٍ أو جُهِلَ الْحَالُ فلم يُعْلَمْ سَبَبُ سُقُوطِهِ فَلَا يَضْمَنُ لِأَنَّ التَّلَفَ لم يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ وَلَيْسَ فِعْلُهُ في الْأُولَى مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ تَحْصِيلُ ذلك الْعَارِضِ وَلِلشَّكِّ في الْمُوجِبِ في الثَّانِيَةِ وَقِيلَ يَضْمَنُ فيها وَالتَّرْجِيحُ فيها من زِيَادَتِهِ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَفَارَقَ حُكْمُ الْأُولَى حُكْمَ إذَابَةِ الشَّمْسِ بِأَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مُحَقَّقٌ فَلِذَلِكَ قد يَقْصِدُهُ الْفَاتِحُ بِخِلَافِ الرِّيحِ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ أَنَّ الرِّيحَ لو كانت هَابَّةً عِنْدَ الْفَتْحِ ضَمِنَ وهو ظَاهِرٌ كما يُؤْخَذُ من الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ وَمِنْ تَفْرِقَتِهِمْ بين الْمُقَارِنِ وَالْعَارِضِ فِيمَا إذَا أَوْقَدَ نَارًا في أَرْضِهِ فَحَمَلَهَا الرِّيحُ إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فَأَتْلَفَتْ شيئا نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ
فَلَوْ أَذَابَهُ آخَرُ غَيْرُ الْفَاتِحِ بِنَارٍ قَرَّبَهَا إلَيْهِ أو نَكَّسَهُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ أَيْ قَلَبَ الزِّقَّ وهو أَيْ ما فيه يَتَقَاطَرُ فَالضَّمَانُ من حِينَئِذٍ أَيْ حين إذَابَتِهِ أو تَنْكِيسِهِ أَيْ ضَمَانُ التَّلَفِ بِهِمَا عليه دُونَ الْفَاتِحِ كَالْحَازِّ مع الْجَارِحِ وَكَذَا يَضْمَنُ بِالسَّبَبِ كَالْمُبَاشَرَةِ وقد مَرَّ مِثْلُهُ في فَتْحِ الزِّقِّ وَمَثَّلَ له هُنَا أَيْضًا بِأَمْثِلَةٍ فقال كما لو أَزَالَ وَرَقَ الْعِنَبِ فَفَسَدَتْ عَنَاقِيدُهُ بِالشَّمْسِ أو ذَبَحَ شَاةَ رَجُلٍ أو حَمَامَتَهُ فَهَلَكَ الْفَرْخُ في الثَّانِيَةِ أو السَّخْلَةُ في الْأُولَى لِفَقْدِ ما يَعِيشَانِ بِهِ وَيُفَارِقُ عَدَمَ الضَّمَانِ فِيمَا لو حَبَسَ الْمَالِكُ عن مَاشِيَتِهِ حتى تَلِفَتْ كما سَيَأْتِي بِأَنَّ التَّالِفَ هُنَا جُزْءٌ أو كَالْجُزْءِ من الْمَذْبُوحِ بِخِلَافِ الْمَاشِيَةِ مع مَالِكِهَا وَبِأَنَّهُ هُنَا أَتْلَفَ غِذَاءَ الْوَلَدِ الْمُتَعَيِّنِ له بِإِتْلَافِ أُمِّهِ بِخِلَافِهِ ثُمَّ أو قَرَّبَ النَّارَ إلَى جَامِدٍ في زِقٍّ مَفْتُوحٍ فَذَابَ وَخَرَجَ وَتَلِفَ
فَرْعٌ لو حَلَّ رِبَاطَ سَفِينَةٍ
____________________
(2/337)
فَغَرِقَتْ بِحَلِّهِ ضَمِنَ أو بِحَادِثِ رِيحٍ أو غَيْرِهِ فَلَا يَضْمَنُ لِمَا مَرَّ فَإِنْ لم يَظْهَرْ حَادِثٌ فَوَجْهَانِ في الضَّمَانِ أَحَدُهُمَا الْمَنْعُ كَالزِّقِّ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الْأَقْرَبُ لِلشَّكِّ في الْمُوجِبِ وَالثَّانِي يَضْمَنُ لِأَنَّ الْمَاءَ أَحَدُ الْمُتْلِفَاتِ
فرع لو فَتَحَ قَفَصًا عن طَائِرٍ الْأَوْلَى طَيَّرَ فَطَارَ في الْحَالِ وَإِنْ لم يُهَيِّجْهُ ضَمِنَ لِأَنَّ طَيَرَانَهُ في الْحَالِ يُشْعِرُ بِتَنْفِيرِهِ وَإِلَّا بِأَنْ وَقَفَ ثُمَّ طَارَ فَلَا يَضْمَنُهُ لِأَنَّ طَيَرَانَهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ يُشْعِرُ بِاخْتِيَارِهِ وَإِنْ أَخَذَتْهُ هِرَّةٌ بِمُجَرَّدِ الْفَتْحِ وَقَتَلَتْهُ وَإِنْ لم تَدْخُلْ الْقَفَصَ أو لم يُعْهَدْ ذلك منها فِيمَا يَظْهَرُ أو طَارَ فَصَدَمَهُ جِدَارٌ فَمَاتَ أو كَسَرَ في خُرُوجِهِ قَارُورَةً أو الْقَفَصَ ضَمِنَ ذلك لِأَنَّهُ نَاشِئٌ من فِعْلِهِ وَلِأَنَّ فِعْلَهُ في الْأُولَى في مَعْنَى إغْرَاءِ الْهِرَّةِ وَقَضِيَّةُ هذا التَّعْلِيلِ أَنَّ مَحِلَّ ذلك إذَا كانت حَاضِرَةً وَإِلَّا فَهُوَ كَعُرُوضِ رِيحٍ بَعْدَ فَتْحِ الزِّقِّ فَلَا يَضْمَنُ وَبِهِ صَرَّحَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ ثُمَّ ما ذُكِرَ من الضَّمَانِ فِيمَا إذَا أَخَذَتْهُ هو ما في الْأَصْلِ عن فَتَاوَى الْقَفَّالِ وهو قِيَاسُ ما يَأْتِي عنه في مَسْأَلَةِ الْحِمَارِ لَكِنَّ قِيَاسَ ما يَأْتِي عن غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ وَمَسْأَلَةُ صَدْمِ الطَّائِرِ جِدَارًا من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَهِيَ دَاخِلَةٌ في قَوْلِهِ فَطَارَ في الْحَالِ ضَمِنَ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَلَوْ أَمَرَ طِفْلًا أو مَجْنُونًا بِإِرْسَالِ طَائِرٍ في يَدِهِ فَأَرْسَلَهُ فَهُوَ كَفَتْحِهِ الْقَفَصَ عنه
____________________
(2/338)
فَيُنْظَرُ هل يَطِيرُ عَقِبَ الْإِرْسَالِ أو لَا
وَحَلُّ رِبَاطِ الْبَهِيمَةِ وَالْعَبْدِ الْمَجْنُونِ وَفَتْحُ بَابِ مَكَانِهِمَا كما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ كَفَتْحِ الْقَفَصِ فِيمَا ذُكِرَ وفي مَعْنَى الْمَجْنُونِ الصَّبِيُّ الذي لَا يُمَيِّزُ لَا الْعَبْدُ الْعَاقِلُ وَلَوْ كان آبِقًا لِأَنَّهُ صَحِيحُ الِاخْتِيَارِ فَخُرُوجُهُ عَقِبَ ما ذُكِرَ مُحَالٌ عليه
وَلَوْ حَلَّ رِبَاطًا عن شَعِيرٍ في جِرَابٍ فَأَكَلَهُ في الْحَالِ حِمَارٌ بِجَنْبِهِ ضَمِنَ كَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن فَتَاوَى الْقَفَّالِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَجَزَمَ الرُّويَانِيُّ بِعَدَمِ ضَمَانِهِ ثُمَّ قال وَفِيهِ وَجْهٌ وَعَدَمُ الضَّمَانِ مَنْسُوبٌ إلَى الْعِرَاقِيِّينَ وقد صَرَّحَ هو كَالْمَاوَرْدِيِّ بِأَنَّهُ لو حَلَّ رِبَاطَ بَهِيمَةٍ فَأَكَلَتْ عَلَفًا وَكَسَرَتْ إنَاءً لم يَضْمَنْ سَوَاءٌ اتَّصَلَ ذلك بِأَكْلٍ أَمْ لَا لِأَنَّهَا الْمُتْلِفَةُ قال وَيَدُلُّ لِذَلِكَ نَصٌّ في الْأُمِّ وَسَبَقَهُ إلَى نَحْوِ ذلك السُّبْكِيُّ لَكِنْ قد يُجَابُ بِأَنَّهُ إنَّمَا لم يَضْمَنْ في تِلْكَ لِأَنَّهُ لم يَتَصَرَّفْ في التَّالِفِ بَلْ في الْمُتْلِفِ عَكْسُ مَسْأَلَتِنَا
فَلَوْ خَرَجَتْ الْبَهِيمَةُ عَقِبَ فَتْحِ الْبَابِ وَلَوْ لَيْلًا فَأَتْلَفَتْ زَرْعًا أو غَيْرَهُ لم يَضْمَنْهُ الْفَاتِحُ إذْ ليس عليه حِفْظُ بَهِيمَةِ الْغَيْرِ عن ذلك وَتَرْجِيحُ عَدَمِ الضَّمَانِ لَيْلًا من زِيَادَتِهِ وَعَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ قال السُّبْكِيُّ وَبِهِ أَفْتَى الْبَغَوِيّ وهو الْأَصَحُّ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْأَذْرَعِيُّ وقال إنَّهُ أَقْرَبُ إلَى نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ
وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ قال الْقَفَّالُ إنْ كان نَهَارًا لم يَضْمَنْ أو لَيْلًا ضَمِنَ كَدَابَّةِ نَفْسِهِ وقال الْعِرَاقِيُّونَ لَا يَضْمَنُ زَادَ في الرَّوْضَةِ قُلْت قَطَعَ ابن كَجٍّ بِمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وفي نُسْخَةٍ من الرَّوْضِ بَدَلُ لم يَضْمَنْهُ ضَمِنَهُ وَهِيَ مُوَافِقَةٌ لِمَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْقَفَّالِ قال ابن الرِّفْعَةِ وَلِمَنْ خَالَفَ الْعِرَاقِيِّينَ أَنْ يَقُولَ ليس تَضْمِينُهُ لِتَرْكِ الْحِفْظِ بَلْ لِلتَّسْلِيطِ على الْإِتْلَافِ وقال الْبُلْقِينِيُّ الصَّوَابُ أَنَّهُ يَضْمَنُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِإِخْرَاجِهَا بِخِلَافِ الْإِنْسَانِ في دَابَّةِ نَفْسِهِ
قال وَسُئِلَتْ عن رَجُلٍ رَكِبَ دَابَّةَ غَيْرِهِ في الْمَرْعَى ثُمَّ نَزَلَ عنها فَجَاءَتْ إلَى الْجُرْنِ فَرَدَّهَا الْحَارِسُ فَرَفَصَتْهُ فَكَسَرَتْ أَسْنَانَهُ ولم يَكُنْ أَحَدٌ مَعَهَا وَذَلِكَ بِالنَّهَارِ فَأَفْتَيْت بِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ على صَاحِبِهَا وَلَا على الذي رَكِبَهَا بِخِلَافِ ما صَوَّبْته هُنَا وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّعَدِّيَ تَمَّ بِالْإِخْرَاجِ بِخِلَافِ من وَجَدَهَا خَارِجَةً وَفِيمَا قَالَهُ وَقْفَةٌ
وَإِنْ رَمَى طَائِرًا وَلَوْ في هَوَاءِ دَارِهِ فَقَتَلَهُ ضَمِنَهُ إذْ ليس له مَنْعُهُ من هَوَاءِ دَارِهِ لَا إنْ نَفَّرَهُ عن جِدَارِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ لِأَنَّ له مَنْعَهُ من جِدَارِهِ وَإِنْ فَتَحَ الْحِرْزَ وَأَخَذَ غَيْرُهُ ما فيه أو حَبَسَ رَجُلًا وَلَوْ ظُلْمًا عن مَاشِيَتِهِ فَهَلَكَتْ جُوعًا أو عَطَشًا بِسَبَبِ حَبْسِهِ وَإِنْ قَصَدَ مَنْعَهُ عنها أو دَلَّ عليها أَيْ الْعَيْنَ اللُّصُوصَ فَلَا ضَمَانَ عليه إذْ لم تَثْبُتْ يَدُهُ على الْمَالِ وَتَسَبُّبُهُ بِالْفَتْحِ في الْأُولَى قد انْقَطَعَ بِالْمُبَاشَرَةِ نعم لو أَخَذَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ وهو أَعْجَمِيٌّ أو مِمَّنْ يَرَى طَاعَةَ آمِرِهِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ لَا على الْآخِذِ كما سَيَأْتِي بَيَانُهُ في الْجِنَايَاتِ وَلَوْ بَنَى دَارًا فَأَلْقَتْ الرِّيحُ فيها ثَوْبًا وَضَاعَ لم يَضْمَنْ كما يُؤْخَذُ من كَلَامِهِ وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ
وَكَذَا لو مَنَعَهُ من سَوْقِ الْمَاءِ إلَى زَرْعِهِ فَتَلِفَ لَا ضَمَانَ عليه كما في حَبْسِ غَيْرِهِ عن مَاشِيَتِهِ وَلَوْ غَصَبَ بَقَرَةً أو هَادِيًا لِلْقَطِيعِ وهو الْمَاشِي أَمَامَهُ فَتَبِعَهُ الْعِجْلُ في الْأُولَى أو الْقَطِيعُ في الثَّانِيَةِ لم يَضْمَنْ التَّابِعَ ما لم تَثْبُتْ يَدُهُ عليه وَهَذَا ما رَجَّحَهُ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَاَلَّذِي في الرَّافِعِيِّ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ يَضْمَنُهُ وَأَعَادَ الْمَسْأَلَةَ في السَّرِقَةِ وَحَكَى فيها وَجْهَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ وَتَبِعَهُ عليه في الرَّوْضَةِ قال في الْمَطْلَبِ وَالرَّاجِحُ الضَّمَانُ وَيَشْهَدُ له قَوْلُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ إذَا كان بيده دَابَّةٌ وَخَلْفَهَا وَلَدُهَا فَأَتْلَفَ شيئا ضَمِنَهُ كما يَضْمَنُ ما تُتْلِفُهُ أُمُّهُ فَلَوْ لم يَكُنْ في يَدِهِ لم يَضْمَنْهُ قال وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِيمَا إذَا غَصَبَ أُمَّ النَّحْلِ فَتَبِعَهَا النَّحْلُ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَجْهًا وَاحِدًا لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِتَبَعِيَّتِهِ لها
انْتَهَى
وما اسْتَشْهَدَ بِهِ لَا شَاهِدَ فيه لِجَوَازِ حَمْلِهِ على ما إذَا وَضَعَ يَدَهُ على الْوَلَدِ كما هو الْغَالِبُ بِقَرِينَةٍ ما نَظَرَ بِهِ
فَرْعٌ لو نَقَلَ صَبِيًّا حُرًّا إلَى مَسْبَعَةٍ
____________________
(2/339)
فَافْتَرَسَهُ سَبُعٌ لم يَضْمَنْ ه وَإِنْ لم يَقْدِرْ على الْحَرَكَةِ إحَالَةً لِلْهَلَاكِ على اخْتِيَارِ الْحَيَوَانِ وَمُبَاشَرَتِهِ وَلِأَنَّ النَّقْلَ الْمَذْكُورَ ليس بِإِهْلَاكٍ ولم يُلْجِئْ السَّبُعَ إلَيْهِ بَلْ غَالِبُ حَالِهِ الْفِرَارُ من الناس نعم إنْ أَلْقَاهُ في زُبْيَتِهِ وهو فيها فَقَتَلَهُ ضَمِنَهُ لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ إلَى قَتْلِهِ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ بِالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ في الْبَالِغِ وَإِنَّمَا خَصَّ الصَّبِيَّ بِالذِّكْرِ لِلْخِلَافِ فيه أَمَّا الرَّقِيقُ فَمَضْمُونٌ بِالْيَدِ وَالْمَسْبَعَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْبَاءِ اسْمٌ لِلْأَرْضِ الْكَثِيرَةِ السِّبَاعِ وَيَجُوزُ ضَمُّ الْمِيمِ وَكَسْرُ الْبَاءِ أَيْ ذَاتُ سِبَاعٍ قَالَهُ ابن سِيدَهْ
فَصْلٌ يَضْمَنُ ذُو الْيَدِ الْعَادِيَةِ الْأَصْلَ وَزَوَائِدَهُ الْمُنْفَصِلَةَ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ وَالْمُتَّصِلَةِ كَالسَّمْنِ وَتَعَلُّمُ الصَّنْعَةِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عُدْوَانًا على الْأَصْلِ مُبَاشَرَةً وَعَلَى الزَّوَائِدِ تَسَبُّبًا إذْ إثْبَاتُهَا على الْأَصْلِ سَبَبٌ لِإِثْبَاتِهَا على زَوَائِدِهِ نعم لو اصْطَادَ الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ صَيْدًا فَفِي الْبَيَانِ عن الصَّيْمَرِيِّ لَا يَضْمَنُهُ الْغَاصِبُ إلَّا أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَبْدِ ثُمَّ إثْبَاتُ الْيَدِ يَكُونُ في الْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ وقد أَخَذَ في بَيَانِ ما يَحْصُلُ بِهِ ذلك مُبْتَدِئًا بِالْمَنْقُولِ فقال بِنَقْلِ الْمَنْقُولِ فَلَا يَكُونُ غَاصِبًا بِدُونِ نَقْلِهِ إلَّا فِيمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَكَذَا لو جَلَسَ على دَابَّةٍ أو فِرَاشٍ ولم يَنْقُلْ فإنه يَكُونُ غَاصِبًا وَإِنْ لم يَقْصِدْ الِاسْتِيلَاءَ كما صَرَّحَ بِهِ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ لِحُصُولِ غَايَةِ الِاسْتِيلَاءِ بِصِفَةِ الِاعْتِدَاءِ نعم إنْ حَضَرَهُ الْمَالِكُ ولم يُزْعِجْهُ لَكِنَّهُ بِحَيْثُ يَمْنَعُهُ التَّصَرُّفَ في ذلك فَقِيَاسُ ما يَأْتِي في نَظِيرِهِ من الْعَقَارِ أَنْ يَكُونَ غَاصِبًا لِنِصْفِهِ فَقَطْ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَكَرُكُوبِ الدَّابَّةِ اسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ ذَكَرَهُ ابن كَجٍّ ثُمَّ ثَنَّى الْمُصَنِّفُ بِالْعَقَارِ في صُوَرٍ فيها أَشْيَاءُ لَيْسَتْ قُيُودًا كما سَأُشِيرُ إلَى بَعْضِهَا فقال أو أَضَافَ إلَى مِلْكِهِ مِلْكًا لِغَيْرِهِ بِبِنَاءٍ وَنَحْوِهِ كَأَنْ اقْتَطَعَ أَرْضًا مُلَاصِقَةً لِأَرْضِهِ وَبَنَى عليها حَائِطًا وَأَضَافَهَا إلَى مِلْكِهِ فَيَكُونُ غَاصِبًا لها لِوُجُودِ الِاسْتِيلَاءِ وَقَوْلُهُ وَنَحْوِهِ من زِيَادَتِهِ أو أَزْعَجَ الْمَالِكَ أَيْ أَخْرَجَهُ عن دَارِهِ وَدَخَلَهَا بِعِيَالِهِ أو بِدُونِهِمْ بِقَرِينَةِ ما يَأْتِي على هَيْئَةِ السَّاكِنِ وَإِنْ لم يَقْصِدْ الِاسْتِيلَاءَ لِأَنَّ وُجُودَهُ يُغْنِي عن قَصْدِهِ أو أَزْعَجَهُ عنها وَإِنْ لم يَدْخُلْهَا إذْ لَا يُعْتَبَرُ في قَبْضِهَا دُخُولُهَا وَالتَّصَرُّفُ فيها أو دخل هَا بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ ولم يَكُنْ مَالِكُهَا فيها فَهُوَ غَاصِبٌ لها وَإِنْ كان ضَعِيفًا وَالْمَالِكُ قَوِيًّا لِوُجُودِ الِاسْتِيلَاءِ وَأَثَرُ قُوَّةِ الْمَالِكِ إنَّمَا هو في سُهُولَةِ النَّزْعِ فَأَشْبَهَ ما لو سَلَبَ قَلَنْسُوَةَ مِلْكٍ فإنه غَاصِبٌ وَإِنْ سَهُلَ على الْمَالِكِ نَزْعُهَا فَإِنْ مَنَعَهُ شيئا منها كَأَنْ سَكَنَ بَيْتًا منها وَمَنَعَهُ منه دُونَ بَاقِيهَا فَغَاصِبٌ له دُونَ الْبَاقِي لِأَنَّهُ الذي اسْتَوْلَى عليه أو شَارَكَهُ في الِاسْتِيلَاءِ فَغَاصِبٌ لِنِصْفِهَا لِاجْتِمَاعِ يَدِهِمَا وَاسْتِيلَائِهِمَا لَا إنْ دخل هَا لَا بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ بَلْ لِيَنْظُرَ هل تَصْلُحُ له أو لِيَتَّخِذَ مِثْلَهَا أو لِنَحْوِهِمَا فَلَا يَكُونُ غَاصِبًا لها وَلَا يَضْمَنُهَا
وَلَوْ تَلِفَتْ وهو فيها بِخِلَافِ ما لو رَفَعَ الْمَنْقُولَ من بَيْنِ يَدَيْ مَالِكِهِ لِذَلِكَ فَتَلِفَ في يَدِهِ فإنه يَضْمَنُهُ لِأَنَّ يَدَهُ عليه حَقِيقَةً فَلَا يَحْتَاجُ في إثْبَاتِ حُكْمِهَا إلَى قَرِينَةٍ وَعَلَى الْعَقَارِ حُكْمِيَّةً فَلَا بُدَّ في تَحْقِيقِهَا من قَرِينَةِ قَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ كَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ قال في الْمُهِمَّاتِ وهو خِلَافُ الْمَعْرُوفِ في رَفْعِ الْمَنْقُولِ فَقَدْ قال
____________________
(2/340)
الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ لَا يَضْمَنُ وفي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ ما يُوَافِقُهُ لَكِنْ لو خَطَا بِهِ خُطُوَاتٍ فَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي يَضْمَنُ وفي فَتَاوِيهِ لَا يَضْمَنُ وَشَرْطُ غَصْبِ الضَّعِيفِ الدَّارَ دُخُولُهُ لها في غَيْبَةِ الْمَالِكِ بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ فَإِنْ دَخَلَهَا في حَضْرَتِهِ وَلَوْ بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ لم يَكُنْ غَاصِبًا لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُسْتَوْلِيًا وَلَا عِبْرَةَ بِقَصْدِ ما لَا يَتَمَكَّنُ من تَحْقِيقِهِ فَلَا يَكُونُ في صُورَةِ الْمُشَارَكَةِ السَّابِقَةِ غَاصِبًا لِلنِّصْفِ فَإِنْ قِيلَ لو نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ في مَفَازَةٍ لَا يُمْكِنُ فيها ذلك اُعْتُبِرَ قَصْدُهُ حتى لَا يَتَرَخَّصَ فَلِمَ خَالَفَ ما هُنَا
قُلْنَا رِعَايَةً لِلْأَصْلِ فِيهِمَا إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ التَّرَخُّصِ وَعَدَمُ الضَّمَانِ وَلِأَنَّ الْإِقَامَةَ في الْمَفَازَةِ ثَمَّ مُمْكِنَةٌ في زَمَانٍ يَسِيرٍ بِخِلَافِ الِاسْتِيلَاءِ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ قال كَالسُّبْكِيِّ وَقِيَاسُ ما ذُكِرَ هُنَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لو انْعَكَسَ الْحَالُ فَكَانَ الْمَالِكُ ضَعِيفًا وَالدَّاخِلُ بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ قَوِيًّا كان غَاصِبًا لِلْجَمِيعِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ الضَّعِيفِ مَوْجُودَةٌ فَلَا مَعْنَى لِإِلْغَائِهَا بِمُجَرَّدِ قُوَّةِ الدَّاخِلِ
انْتَهَى
وقد يُعَارَضُ بمثله في الدَّاخِلِ الضَّعِيفِ بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ
فَصْلٌ يَدُ من تَرَتَّبَتْ يَدُهُ على يَدِ الْغَاصِبِ بِشِرَاءٍ أو غَيْرِهِ ضَامِنَةٌ وَإِنْ جَهِلَ صَاحِبُهَا الْغَصْبَ وكان أَمِينًا كَالْمُودَعِ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ يَدَهُ على مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ من شَاءَ مِنْهُمَا على ما يَأْتِي وَيُسْتَثْنَى الْحَاكِمُ وَنَائِبُهُ لِأَنَّهُمَا نَائِبَانِ عن الْمَالِكِ وَمَنْ انْتَزَعَهُ لِيَرُدَّهُ لِمَالِكِهِ إنْ كان الْغَاصِبُ حَرْبِيًّا أو رَقِيقًا لِلْمَالِكِ وَكَذَا الزَّوْجُ كما سَيَأْتِي وَإِنْ عَلِمَ من تَرَتَّبَتْ يَدُهُ على يَدِ الْغَاصِبِ الْغَصْبَ فَغَاصِبَةٌ يَدُهُ لِوُجُودِ حَدِّ الْغَصْبِ فِيمَا تَرَتَّبَتْ عليه فَيَسْتَقِرُّ عليه ضَمَانُ ما تَلِفَ عِنْدَهُ فَلَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ على الْغَاصِبِ وَلَا يَضْمَنُ ما نَقَصَ من الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ قبل وُقُوعِ يَدِهِ عليه لِأَنَّهُ لم يَنْقُصْ في يَدِهِ فَإِنْ تَلِفَتْ مع الثَّانِي الْجَاهِلِ وَكَانَتْ يَدُهُ في الْأَصْلِ ضَامِنَةً كَالْمُشْتَرِي وَالْمُقْتَرِضِ وَالْمُتَّهِبِ وَالْمُسْتَعِيرِ فَقَرَارُ ضَمَانِ يَدِهِ عليه لِأَنَّهُ دخل في عَقْدِ الْهِبَةِ على التَّمَلُّكِ وفي غَيْرِهَا على الضَّمَانِ بَلْ وَعَلَى التَّمَلُّكِ في بَعْضِهِ فلم يَغُرَّهُ الْغَاصِبُ وَعَدَّهُ الْمُتَّهِبُ مِمَّنْ يَدُهُ يَدَ ضَمَانٍ من تَصَرُّفِهِ وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ ضَمَانٍ وَإِنْ كان الْمُرَجَّحُ أَنَّ قَرَارَ الضَّمَانِ عليه لِمَا قُلْنَا أو كانت غير ضَامِنَةٍ كَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْوَكِيلِ وَالْمُودَعِ فَالْقَرَارُ على الْغَاصِبِ دُونَهُ لِأَنَّهُ دخل على أَنَّ يَدَهُ نَائِبَةٌ عن يَدِ الْغَاصِبِ لَكِنَّهُ طَرِيقٌ في الضَّمَانِ إلَّا الزَّوْجَ فَلَيْسَ طَرِيقًا فيه فَلَوْ تَزَوَّجَ الْمَغْصُوبَةَ من الْغَاصِبِ فَتَلِفَتْ عِنْدَهُ لم يَضْمَنْهَا بِخِلَافِ الْمُودَعِ لِأَنَّ كَوْنَهَا في حِيَالِ الزَّوْجِ ليس كَحُلُولِ الْمَالِ في الْيَدِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُهُ بِمَا إذَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ الْوِلَادَةِ وَإِلَّا فَيَضْمَنُهَا كما لو أَوْلَدَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِشُبْهَةٍ وَمَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ فإنه يَضْمَنُهَا على الْأَصَحِّ كما قَالَهُ الرَّافِعِيُّ في الرَّهْنِ
فَرْعٌ لو أَضَافَهُ أَيْ الْغَاصِبُ غَيْرَهُ طَعَامًا مَغْصُوبًا فَأَكَلَهُ فَقَرَارُ الضَّمَانِ على
____________________
(2/341)
الضَّيْفِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَغْصُوبٌ وَكَذَا إنْ جَهِلَ لِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ وَإِلَيْهِ عَادَتْ مَنْفَعَتُهُ فَإِنْ ضَمِنَهُ لم يَرْجِعْ على الْغَاصِبِ وَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ رَجَعَ عليه وَكَذَا إنْ قال له هو مِلْكِي فَالْقَرَارُ على الْآكِلِ فَلَا يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَهُ على الْغَاصِبِ لَكِنْ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ إنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ لَا يَرْجِعُ عليه لِاعْتِرَافِهِ أَنَّ ظَالِمَهُ غَيْرُهُ فَلَا يَرْجِعُ على غَيْرِ ظَالِمِهِ وإذا قَدَّمَهُ لِعَبْدٍ وَلَوْ بِإِذْنِ مَالِكِهِ فَالْأَكْلُ جِنَايَةٌ منه يُبَاعُ فيها لِتَعَلُّقِ مُوجِبِهَا بِرَقَبَتِهِ فَلَوْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ رَجَعَ على قِيمَةِ الْعَبْدِ لَا إنْ قَدَّمَهُ لِبَهِيمَةٍ فَأَكَلَتْهُ وَضَمِنَ الْغَاصِبُ فإنه لَا يَرْجِعُ على الْمَالِكِ إنْ لم يَأْذَنْ وَإِلَّا رَجَعَ عليه وَمُطِيعُ الْغَاصِبِ في ذَبْحِ الشَّاةِ الْمَغْصُوبَةِ بِأَنْ قال له اذْبَحْهَا فَذَبَحَهَا لَا في قَتْلِهَا جَاهِلًا بِالْغَصْبِ يَرْجِعُ عليه لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَبَحَ له لَا لِنَفْسِهِ وَكَذَا في كل ما اسْتَعَانَ بِهِ الْغَاصِبُ كَطَحْنِ الْحِنْطَةِ وَخَبْزِ الْعَجِينِ وَإِنَّمَا لم يَرْجِعْ عليه في صُورَةِ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ حَرَامٌ بِخِلَافِ الذَّبْحِ وَخَرَجَ بِالْجَاهِلِ الْعَالِمُ فَلَا يَرْجِعُ على الْغَاصِبِ بَلْ الْغَاصِبُ يَرْجِعُ عليه بِمَا ضَمِنَ
فَرْعٌ يَبْرَأُ الْغَاصِبُ من الْمَغْصُوبِ بِإِطْعَامِهِ الْمَالِكَ أو إعَارَتِهِ إيَّاهُ أو بَيْعِهِ أو إقْرَاضِهِ له وَلَوْ كان جَاهِلًا بِأَنَّهُ له لِأَنَّهُ بَاشَرَ أَخْذَ مَالِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَتَمْكِينِهِ أَيْ وَيَبْرَأُ بِتَمْكِينِهِ منه بِالْوَضْعِ بين يَدَيْهِ عَالِمًا بِأَنَّهُ له لَا جَاهِلًا بِهِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ قَابِضًا له في الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَهَذِهِ من زِيَادَتِهِ لَا بِإِيدَاعِهِ وَرَهْنِهِ وَإِجَارَتِهِ وَتَزْوِيجِهِ منه وَالْقِرَاضِ معه فيه جَاهِلًا بِأَنَّهُ له لِأَنَّ التَّسْلِيطَ فيها غَيْرُ تَامٍّ وَكَمَا لَا يَتَقَرَّرُ الضَّمَانُ فيها على الْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ ما إذَا كان عَالِمًا وَكَلَامُهُ في التَّزْوِيجِ شَامِلٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ما لم يَسْتَوْلِدْهَا فَإِنْ اسْتَوْلَدَهَا أَيْ وَتَسَلَّمَهَا بَرِئَ الْغَاصِبُ وَلَا يَبْرَأُ إنْ صَالَ الْمَغْصُوبُ على مَالِكِهِ فَقَتَلَهُ الْمَالِكُ دَفْعًا لِصِيَالِهِ سَوَاءٌ أَعَلِمَ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَمْ لَا لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِذَلِكَ كَإِتْلَافِ الْعَبْدِ نَفْسَهُ وَلِهَذَا لو كان الْعَبْدُ لِغَيْرِهِ لم يَضْمَنْهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرْتَدُّ وَالْبَاغِي كَذَلِكَ إذَا قَتَلَهُ سَيِّدُهُ الْإِمَامُ كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ في الْبَيْعِ وَلَوْ قال الْغَاصِبُ لِلْمَالِكِ أَعْتِقْهُ أو أَعْتِقْهُ عَنْك فَأَعْتَقَهُ وَلَوْ جَاهِلًا بِأَنَّهُ له عَتَقَ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَنْدَفِعُ بِالْجَهْلِ وَبَرِئَ لِانْصِرَافِهِ إلَى جِهَةٍ صَرَفَهُ الْمَالِكُ إلَيْهَا بِنَفْسِهِ وَعَادَتْ مَصْلَحَتُهَا إلَيْهِ وَكَذَا يُعْتَقُ وَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ لو قال لِلْمَالِكِ أَعْتِقْهُ عَنِّي فَأَعْتَقَهُ عنه وَلَوْ جَاهِلًا وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ السُّبْكِيُّ وَيَقَعُ الْعِتْقُ عن الْمَالِكِ لَا عن الْغَاصِبِ على الصَّحِيحِ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالْأَوْجَهُ مَعْنًى أَنَّهُ يَقَعُ عن الْغَاصِبِ وَيَكُونُ ذلك بَيْعًا ضِمْنِيًّا إنْ ذُكِرَ عِوَضٌ وَإِلَّا فَهِبَةٌ بِنَاءً على صِحَّةِ الْبَيْعِ فِيمَا لو بَاعَ مَالَ أبيه ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا وَكَذَا يُعْتَقُ وَيَبْرَأُ إنْ أَمَرَهُ الْمَالِكُ بِعِتْقِهِ بِأَنْ قال أَعْتِقْهُ أو أَعْتِقْهُ عَنْك أو عَنِّي وَمَسْأَلَةُ أَعْتِقْهُ عَنْك في الْمَوْضِعَيْنِ من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهَا الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي قال الْبُلْقِينِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِالْإِعْتَاقِ الْوَقْفُ وَنَحْوُهُ
الطَّرَفُ الثَّانِي في الْمَضْمُونِ الْمَضْمُونُ مَالٌ وَغَيْرُهُ وهو الْحُرُّ أَمَّا الْحُرُّ فَيَضْمَنُ بِالْجِنَايَةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ في الدِّيَاتِ وأما الْمَالُ فَهُوَ أَعْيَانٌ وَمَنَافِعُ فَالْأَعْيَانُ تُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ وَبِالدُّخُولِ تَحْتَ الْيَدِ الْعَادِيَةِ فَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ جُزْءَ الرَّقِيقِ غير الْمُقَدَّرِ وَاجِبُهُ من الْحُرِّ كَذَهَابِ الْبَكَارَةِ وَالْهُزَالِ وَجُرْحِ الْبَدَنِ بِنَقْصِ الْقِيمَةِ كما في سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ قال الْبُلْقِينِيُّ وَاسْتَثْنَى الْمُتَوَلِّي ما إذَا كانت الْجِنَايَةُ فِيمَا يَتَقَدَّرُ كَالْيَدِ وكان النَّاقِصُ أَكْثَرَ من مُقَدَّرِهِ أو مثله فَلَا يُوجِبُ جَمِيعُهُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَزِيدَ على مُوجِبِ الْجِنَايَةِ أو يُسَاوِيهِ بِإِدْخَالِ خَلَلٍ في الْعُضْوِ على نَفْسِ الْعُضْوِ لَكِنَّ الْحَاكِمَ يُوجِبُ فيه حُكُومَةً بِاجْتِهَادِهِ قال وَهَذَا تَفْصِيلٌ لَا بُدَّ منه وَإِطْلَاقُ من أَطْلَقَ يُحْمَلُ عليه وما اسْتَثْنَاهُ إنَّمَا يَأْتِي في غَيْرِ الْغَاصِبِ أَمَّا فيه فَيَضْمَنُ بِالنَّقْصِ مُطْلَقًا وَالْكَلَامُ إنَّمَا هو فيه
ويضمن جُزْأَهُ الْمُقَدَّرَ وَاجِبُهُ من الْحُرِّ كَيَدِ الْعَبْدِ وَلَوْ مُكَاتَبًا وَمُدَبَّرًا وَأُمَّ وَلَدٍ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ من أَرْشِهِ وَنِصْفِ قِيمَتِهِ إنْ جَنَى عليه لِاجْتِمَاعِ السَّبَبَيْنِ فَلَوْ كان النَّاقِصُ بِقَطْعِهَا ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لَزِمَاهُ النِّصْفُ بِالْقَطْعِ وَالسُّدُسُ بِالْيَدِ الْعَادِيَةِ نعم إنْ قَطَعَهَا الْمَالِكُ ضَمِنَ الْغَاصِبُ الزَّائِدَ على النِّصْفِ فَقَطْ نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عن الرُّويَانِيِّ وَالْمُبَعَّضُ يُعْتَبَرُ بِمَا فيه من الرِّقِّ كما ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فَفِي قَطْعِ يَدِهِ مع رُبْعِ الدِّيَةِ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ من رُبْعِ الْقِيمَةِ وَنِصْفِ
____________________
(2/342)
الْأَرْشِ
فَرْعٌ لو قَطَعَ أُصْبُعًا منه زَائِدَةً وَبَرِئَ ولم تَنْقُصْ قِيمَتُهُ قال ابن سُرَيْجٍ لَا شَيْءَ عليه وقال أبو إِسْحَاقَ يَلْزَمُهُ ما نَقَصَ وَيُقَوَّمُ قبل الْبُرْءِ وَالدَّمُ سَائِلٌ لِلضَّرُورَةِ وَإِنْ تَلِفَتْ يَدُهُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَبِمَا نَقَصَ من قِيمَتِهِ يَضْمَنُ لِأَنَّ السَّاقِطَ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قَوَدٌ وَلَا كَفَّارَةٌ وَلَا يُضْرَبُ على الْعَاقِلَةِ بِحَالٍ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْأَمْوَالِ وَلِهَذَا لو كان قَدْرُ النُّقْصَانِ أَكْثَرَ من الْمُقَدَّرِ كان هو الْوَاجِبَ بِالْإِتْلَافِ وَكَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ ما لو جَنَى الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ على يَدِ آخَرَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ قَوَدًا قَالَهُ الْإِمَامُ وَإِنْ أَتْلَفَهَا غَيْرُ غَاصِبٍ له ضَمِنَهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهِ وَإِنْ كان في يَدِ الْغَاصِبِ كما تُضْمَنُ يَدُ الْحُرِّ بِنِصْفِ دِيَتِهِ وَالْمَنَافِعُ الْمُتَقَوِّمَةُ تُضْمَنُ بِالتَّفْوِيتِ كَأَنْ سَكَنَ الدَّارَ وَاسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ وَرَكِبَ الدَّابَّةَ وَكَذَا بِالْفَوَاتِ تَحْتَ الْيَدِ الْعَادِيَةِ كَأَنْ لم يَفْعَلْ ذلك وَذَلِكَ لِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ فَتُضْمَنُ بِالْغَصْبِ كَالْأَعْيَانِ إلَّا مَنْفَعَةَ الْحُرِّ وَالْبُضْعِ فَلَا تُضْمَنُ بِالْفَوَاتِ وَسَيَأْتِيَانِ فَمَنْ غَصَبَ عَيْنًا تُؤَجَّرُ ضَمِنَ مَنْفَعَتَهَا إذَا بَقِيَتْ في يَدِهِ مُدَّةً لها أُجْرَةٌ وَإِنْ لم يَسْتَوْفِهَا كما يَضْمَنُ عَيْنَهَا الْأَوْلَى تَضَمَّنَهَا وَإِنْ لم يُتْلِفْهَا وَالتَّصْرِيحُ بهذا التَّنْظِيرِ من زِيَادَتِهِ حتى لو غَصَبَ الْمِسْكَ وَالْكِتَابَ ضَمِنَ مَنْفَعَتَهُمَا وَتَجِبُ الْأَوْلَى فَتَجِبُ أُجْرَتُهُ أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا وَإِنْ لم يَشُمَّهُ أَيْ الْمِسْكَ ولم يُطَالِعْهُ أَيْ الْكِتَابَ وَيَجِبُ أَعْلَى أُجْرَةِ صَنَائِعِ الْمَغْصُوبِ إذَا كان له صَنَائِعُ فَلَا تَجِبُ أُجْرَةُ الْجَمِيعِ لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِ عَمَلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ في وَقْتٍ وَاحِدٍ قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيُؤْخَذُ منه تَخْصِيصُ ذلك بِمَا لَا يُمْكِنُ الْإِتْيَانُ معه بِصَنْعَةٍ أُخْرَى فَإِنْ أَمْكَنَ كَالْخِيَاطَةِ مع الْحِرَاسَةِ ضَمِنَ الْأُخْرَى أَيْضًا قال وَسَيَأْتِي في صَيْدِ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ ما يُؤَيِّدُهُ وَمَحَلُّ ذلك في غَيْرِ الْحُرِّ أَمَّا الْحُرُّ فَلَا يَضْمَنُ فيه إلَّا أُجْرَةَ مِثْلِ ما اسْتَعْمَلَهُ فيه كما يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي
وَصَرَّحَ بِهِ الْقَفَّالُ في فَتَاوِيهِ وَإِنْ غَصَبَ أَرْضًا تَنْقُصُ بِتَرْكِ الزِّرَاعَةِ لَنَبَتَ الْحَشِيشُ فيها إذَا لم تُزْرَعْ كَأَرْضِ الْبَصْرَةِ فلم يَزْرَعْ هَا فَعَلَيْهِ قَلْعُهُ أَيْ الْحَشِيشِ وَرَدُّهُ مع الْأُجْرَةِ وَأَرْشِ النَّقْصِ التَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الْقَلْعِ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ ذَكَرَ معه الرَّدَّ الذي اقْتَصَرَ عليه أَصْلُهُ كان أَوْلَى أَمَّا إذَا كانت الْعَيْنُ لَا تُؤَجَّرُ كَمَسْجِدٍ وَشَارِعٍ وَمَقْبَرَةٍ فَلَا تُضْمَنُ مَنْفَعَتُهَا إلَّا بِالتَّفْوِيتِ وَأَمَّا الْحُرُّ وَالْبُضْعُ فَلَا تُضْمَنُ مَنْفَعَتُهُمَا إلَّا بِالتَّفْوِيتِ كَأَنْ اسْتَخْدَمَ وَوَطِئَ فَلَا تُضْمَنُ بِالْفَوَاتِ لِأَنَّهُمَا لَا يَدْخُلَانِ تَحْتَ الْيَدِ شَرْعًا فَالْيَدُ في مَنْفَعَةِ الْحُرِّ له وفي بُضْعِ الْحُرَّةِ لها بِدَلِيلِ صِحَّةِ تَزْوِيجِ الْمَغْصُوبَةِ وَدَعْوَى كُلٍّ من اثْنَيْنِ نِكَاحَهَا عليها لَا على الْآخَرِ وَإِنْ كانت عِنْدَهُ وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ تُسْتَحَقُّ اسْتِحْقَاقَ ارْتِفَاقٍ لِلْحَاجَةِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ نَقْلَهَا أَصْلًا بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَنَافِعِ لِأَنَّهَا تُسْتَحَقُّ اسْتِحْقَاقَ مِلْكٍ تَامٍّ وَمَحَلُّ ضَمَانِ تَفْوِيتِ ما ذُكِرَ حَيْثُ لَا رِدَّةَ مُتَّصِلَةٌ بِالْمَوْتِ فَسَيَأْتِي في بَابِهَا أَنَّهُ لو أَكْرَهَ أَمَةً مُرْتَدَّةً على الْوَطْءِ أو مُرْتَدًّا على عَمَلٍ وَمَاتَا على الرِّدَّةِ لَا مَهْرَ لها وَلَا أُجْرَةَ له بِنَاءً على زَوَالِ مِلْكِ الْمُرْتَدِّ أو وَقْفِهِ نعم لو اسْتَأْجَرَ شَخْصٌ الْحُرَّ فَلَهُ تَأْجِيرُهُ يَعْنِي إجَارَتَهُ وَيَسْتَحِقُّ عليه الْحُرُّ الْأُجْرَةَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ له وَلَوْ لم يَسْتَعْمِلْهُ بِنَاءً لِذَلِكَ على الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَإِلَّا فَقَضِيَّةُ كَوْنِ مَنْفَعَةِ الْحُرِّ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ مَنْعُ ذلك كما قال بِهِ الْقَفَّالُ
فَرْعٌ على نَاقِلِ الْحُرِّ صَغِيرًا أو كَبِيرًا قَهْرًا من مَكَانِهِ إلَى مَكَان آخَرَ مُؤْنَةُ رَدِّهِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهَا لِتَعَدِّيهِ هذا إنْ كان له أَيْ لِلْحُرِّ غَرَضٌ في الرُّجُوعِ إلَى مَكَانِهِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عليه نُقِلَ ذلك الْأَصْلُ عن الْمُتَوَلِّي وَذَكَرَ مثله الْقَاضِي في مَوْضِعٍ وقال في آخَرَ لَا تَجِبُ لَكِنْ إذَا كان النَّقْلُ إلَى بَرِّيَّةٍ مُهْلِكَةٍ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى الْعُمْرَانِ يَعْنِي الْمَأْمَنَ حِسْبَةً من حَيْثُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ بَلْ جُمْلَةُ الْمُسْلِمِينَ فيه سَوَاءٌ وَذَكَرَ الْإِمَامُ مثله وَلَوْ غَصَبَ جَارِحَةً أو شَبَكَةً أو قَوْسًا فَاصْطَادَ بها صَيْدًا فَالصَّيْدُ له لَا لِصَاحِبِهَا لِأَنَّهَا آلَاتٌ لِلصَّائِدِ وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ أَيْ أُجْرَةُ مِثْلِهَا لَا في الْكَلْبِ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من أَنَّهُ لَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ بَلْ يَجِبُ رَدُّهُ مع مُؤْنَتِهِ إنْ كان له مُؤْنَةٌ وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا فَاصْطَادَ له صَيْدًا فَالصَّيْدُ لِسَيِّدِهِ لِاسْتِقْلَالِ الْعَبْدِ بِهِ وَلَوْ أَمَرَ عَبْدًا لَا يُمَيِّزُ بِذَلِكَ فَفَعَلَ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الصَّيْدَ لِمَالِكِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ وهو ظَاهِرٌ لِأَنَّ له
____________________
(2/343)
اخْتِيَارًا في الْجُمْلَةِ وَإِنْ كان التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ يَقْتَضِي خِلَافَهُ وَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ أُجْرَتَهُ في زَمَنِ صَيْدِهِ أَيْضًا قال الرَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ لو كان بِيَدِ مَالِكِهِ رُبَّمَا اسْتَعْمَلَهُ في غَيْرِ ما اشْتَغَلَ بِهِ فَلَا تَدْخُلُ الْأُجْرَةُ فِيمَا اكْتَسَبَهُ وَبِمَا قَالَهُ يَنْدَفِعُ إشْكَالُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا إذَا كان أَعْلَى مَنَافِعِ الْعَبْدِ الِاصْطِيَادَ وكان الْمُصَنِّفُ لَمَّا رَأَى الْإِشْكَالَ قَوِيًّا زَادَ لَفْظَةَ له لِيَخْرُجَ ما لو اصْطَادَ لِسَيِّدِهِ أو أَطْلَقَ فَلَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ أُجْرَتَهُ بَلْ تَدْخُلُ فِيمَا ذَكَرَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ وَجَوَابُ الْإِشْكَالِ ما قُلْنَا
فَرْعٌ يَجِبُ أَرْشُ نَقْصِ الْمَغْصُوبِ الْحَاصِلِ بِغَيْرِ كَسَادِ السُّوقِ وَأُجْرَتُهُ وَضَمَانُ جِنَايَتِهِ وَزَوَائِدِهِ وَإِنْ أَبِقَ وَسَلِمَتْ الْقِيمَةُ لِلْحَيْلُولَةِ حَالَةَ إبَاقِهِ لِبَقَاءِ حُكْمِ الْغَصْبِ وَتَكُونُ الْأُجْرَةُ بَعْدَ حُدُوثِ النَّقْصِ أُجْرَةَ نَاقِصٍ بِخِلَافِهَا قبل حُدُوثِهِ فَإِنَّهَا أُجْرَةُ تَامٍّ سَوَاءٌ في وُجُوبِ الْأَرْشِ مع الْأُجْرَةِ حَدَثَ النَّقْصُ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمُوجِبِ لِلْأُجْرَةِ كَأَنْ لَبِسَ الثَّوْبَ فَأَبْلَاهُ أَمْ لَا كَأَنْ غَصَبَ ثَوْبًا أو عَبْدًا فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ كَسُقُوطِ عُضْوِ الْعَبْدِ بِمَرَضٍ لَا يُقَالُ على الشِّقِّ الْأَوَّلِ النُّقْصَانُ نَشَأَ من الِاسْتِعْمَالِ وقد قُوبِلَ الِاسْتِعْمَالُ بِالْأُجْرَةِ فَلَا يَجِبُ له ضَمَانٌ آخَرُ لِأَنَّا نَقُولُ الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ لِلِاسْتِعْمَالِ بَلْ لِفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ على الْمَالِكِ بِدَلِيلِ أنها تَجِبُ وَإِنْ لم يَكُنْ اسْتِعْمَالٌ فَلِمَ يَلْزَمُ ضَمَانَانِ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ
فَصْلٌ لَا يَضْمَنُ أَحَدٌ خَمْرًا وَلَوْ مُحْتَرَمَةً وَخِنْزِيرًا لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ ولكن يَجِبُ رَدُّ الْخَمْرِ الْمُحْتَرَمَةِ وَخَمْرِ ذِمِّيٍّ غَيْرِ مُتَظَاهِرٍ بها شُرْبًا أو بَيْعًا أو غَيْرَهُمَا مع مُؤْنَةِ رَدِّهِمَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ في الثَّانِيَةِ في الْجِزْيَةِ لِاحْتِرَامِهِمَا بِخِلَافِ ما عَدَاهُمَا لَا تُرَدُّ بَلْ تُرَاقُ كما مَرَّ في الرَّهْنِ وَيَجُوزُ كَسْرُ إنَائِهَا إذَا لم يَقْدِرْ على إرَاقَتِهَا إلَّا بِهِ أو كان إنَاؤُهَا ضَيِّقَ الرَّأْسِ وَلَوْ اشْتَغَلَ بِإِرَاقَتِهَا أَدْرَكَهُ الْفُسَّاقُ وَمَنَعُوهُ أو كان يَضِيعُ زَمَانُهُ وَيَتَعَطَّلُ شُغْلُهُ ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ قال وَلِلْوُلَاةِ كَسْرُ آنِيَةِ الْخَمْرِ زَجْرًا وَتَأْدِيبًا دُونَ الْآحَادِ وَالنَّبِيذُ كَالْخَمْرِ في حُكْمِهَا قال الْمَاوَرْدِيُّ إلَّا أَنَّهُ لَا يُرِيقُهُ إلَّا بِأَمْرِ حَاكِمٍ مُجْتَهِدٍ لِئَلَّا يَتَوَجَّهَ عليه الْغُرْمُ فإنه عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ مَالٌ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْحَاكِمَ الْمُقَلِّدَ لِمَنْ يَرَى إرَاقَتَهُ كَالْمُجْتَهِدِ في ذلك وقد قال النَّوَوِيُّ الْحَشِيشَةُ مُسْكِرَةٌ فَعَلَيْهِ يَتَّجِهُ إلْحَاقُهَا بِالْخَمْرِ في عَدَمِ الضَّمَانِ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ
فَرْعٌ وفي نُسْخَةٍ فَصْلٌ يَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ الْقَادِرَ كَسْرُ الْأَصْنَامِ قال في الْأَصْلِ وَالصَّلِيبِ وَآلَاتِ الْمَلَاهِي كَالْبَرْبَطِ وَالطُّنْبُورِ إزَالَةً لِلْمُنْكَرِ إذْ يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بها وَلَا حُرْمَةَ لِصَنْعَتِهَا وَالْأَصْلُ فيه خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ وَاَلَّذِي نَفْسِي بيده لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَقُومَ ابن مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ فَلَا يَلْزَمُ بِكَسْرِهَا شَيْءٌ إذَا كَسَرَهَا كَسْرًا تَصِيرُ بِهِ إعَادَتُهَا في إنَالَةِ الصَّانِعِ التَّعِبِ كَإِحْدَاثِهَا بِأَنْ تَفَصَّلَ لِتَعُودَ كما قبل التَّأْلِيفِ فَلَا يَكْفِي قَطْعُ الْأَوْتَارِ لِأَنَّهَا مُجَاوِرَةٌ لها مُنْفَصِلَةٌ فَلَوْ رَضَّهَا أو أَحْرَقَهَا ضَمِنَ ما سِوَى الْكَسْرِ الْمَشْرُوعِ أَيْ الزَّائِدِ عليه لِأَنَّ رَضَاضَهَا مُتَمَوَّلٌ وَلِزِيَادَتِهِ على ما يَزُولُ بِهِ الِاسْمُ فَعُلِمَ أَنَّهُ ليس له أَنْ يَكْسِرَهَا الْكَسْرَ الْفَاحِشَ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ في الْآحَادِ أَمَّا الْإِمَامُ فَلَهُ ذلك زَجْرًا وَتَأْدِيبًا على ما قَالَهُ الْغَزَالِيُّ في إنَاءِ الْخَمْرِ بَلْ أَوْلَى وَيُعَذَّرُ في كَسْرِ الزَّائِدِ على الْكَسْرِ
____________________
(2/344)
الْمَشْرُوعِ إنْ دُوفِعَ عن كَسْرِهِ لِأَنَّ دَافِعَهُ مُقَصِّرٌ وَلَوْ أَتْلَفَ جِلْدًا غير مَدْبُوغٍ فَادَّعَى الْمَالِكُ أَنَّهُ مُذَكًّى وَالْغَاصِبُ أَنَّهُ مَيْتَةٌ صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِخِلَافِ ما لو أَرَاقَ مَاءَ عِنَبٍ وَاخْتَلَفَا في تَخَمُّرِهِ فإنه يُصَدَّقُ الْمَالِكُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَالِيَّتِهِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِالثَّانِيَةِ ما لو قال الْكَاسِرُ هُنَا لم يُمْكِنْ الْكَسْرُ إلَّا بِالرَّضِّ أو الْإِحْرَاقِ وَخَالَفَهُ الْمَالِكُ فَيُصَدَّقُ الْمَالِكُ قُلْت وَالْأَوْجَهُ إلْحَاقُهُ بِالْأُولَى لِأَنَّ له الْإِقْدَامَ على إزَالَةِ الْمُنْكَرِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ قال الْإِسْنَوِيُّ قال الْإِمَامُ لو أَبْرَزَ خَمْرًا وَزَعَمَ أنها خَمْرُ خَلٍّ لم يُقْبَلْ منه كما قَالَهُ طَوَائِفُ وَلَوْ اطَّلَعْنَا على خَمْرٍ وَمَعَهَا مُخَايِلُ تَشْهَدُ بِأَنَّهَا خَمْرُ خَلٍّ فَالْمَذْهَبُ أَنَّا لَا نَتَعَرَّضُ لها
وَلِلصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَغَيْرِ الْكَامِلِ من امْرَأَةٍ وَمَنْ فيه رِقٌّ أو فِسْقٌ وفي نُسْخَةٍ بَدَلُ هذا وَغَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَكِلَا اللَّفْظَيْنِ يُغْنِي عَمَّا قَبْلَهُ كَسْرُهَا وَيُثَابُ الصَّبِيُّ وَإِنْ كان غير مُكَلَّفٍ على كَسْرِهَا كَالْبَالِغِ قال في الرَّوْضَةِ قال في الْإِحْيَاءِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مَنْعُهُ من ذلك وَلَا من إزَالَةِ سَائِرِ الْمُنْكَرَاتِ كما ليس له مَنْعُ الْبَالِغِ فإنه وَإِنْ لم يَكُنْ مُكَلَّفًا فَهُوَ من أَهْلِ الْقُرْبِ
الطَّرَفُ الثَّالِثُ في قَدْرِ الْبَدَلِ الْوَاجِبِ فَالْمِثْلِيُّ يُضْمَنُ بمثله لِآيَةِ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّالِفِ وَلِأَنَّ الْمِثْلَ كَالنَّصِّ لِأَنَّهُ مَحْسُوسٌ وَالْقِيمَةُ كَالِاجْتِهَادِ وَلَا يُصَارُ لِلِاجْتِهَادِ إلَّا عِنْدَ فَقْدِ النَّصِّ وَالْمِثْلِيُّ ما حَصَرَهُ كَيْلٌ أو وَزْنٌ وَجَازَ السَّلَمُ فيه فَخَرَجَ بِقَيْدِ الْكَيْلِ أو الْوَزْنِ ما يُعَدُّ كَالْحَيَوَانِ أو يُذَرَّعُ كَالثِّيَابِ وَبِجَوَازِ السَّلَمِ فيه الْغَالِيَةُ وَالْمَعْجُونُ وَنَحْوُهُمَا لِأَنَّ الْمَانِعَ من ثُبُوتِ ذلك في الذِّمَّةِ بِعَقْدِ السَّلَمِ مَانِعٌ من ثُبُوتِهِ بِالتَّلَفِ وَالْإِتْلَافِ وَشَمِلَ التَّعْرِيفُ الرَّدِيءَ نَوْعًا أَمَّا الرَّدِيءُ عَيْبًا فَلَيْسَ بِمِثْلِيٍّ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فيه وَأَوْرَدَ الْإِسْنَوِيُّ عليه الْقَمْحَ الْمُخْتَلِطَ بِالشَّعِيرِ فإنه لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فيه مع أَنَّ الْوَاجِبَ فيه الْمِثْلُ فَيَخْرُجُ الْقَدْرُ الْمُحَقَّقُ مِنْهُمَا وَيُجَابُ بِأَنَّ إيجَابَ رَدِّ مِثْلِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ مِثْلِيًّا كما في إيجَابِ رَدِّ مِثْلِ الْمُتَقَوِّمِ في الْقَرْضِ فَالتُّرَابُ وَالنُّحَاسُ وَالْحَدِيدُ وَالتِّبْرُ وَالْمِسْكُ وَالْعَنْبَرُ وَالْكَافُورُ وَالثَّلْجُ وَالْجَمْدُ وَالْقُطْنُ وَلَوْ بِحَبِّهِ خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ وَالْعِنَبُ وَالرُّطَبُ وَالْفَوَاكِهُ الرَّطْبَةُ وَالدَّقِيقُ وَاللَّحْمُ الطَّرِيُّ وَنَحْوُهَا كَالنُّخَالَةِ كما في فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ كُلُّهَا مِثْلِيَّةٌ لِصِدْقِ التَّعْرِيفِ عليها وما ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ من أَنَّ الرُّطَبَ وَالْعِنَبَ مِثْلِيَّانِ تَقَدَّمَ ما فيه في زَكَاةِ الْمُعَشَّرَاتِ لَا الْخُبْزُ وَكُلُّ ما دَخَلَتْهُ النَّارُ لِطَبْخٍ أو قَلْيٍ أو شَيٍّ فَلَيْسَ مِثْلِيًّا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فيه ثُمَّ الْمَاءُ وَالْحُبُوبُ الْجَافَّةُ وَالْخُلُولُ التي ليس فيها مَاءٌ وَالْأَدْهَانُ وَالْأَلْبَانُ وَالسَّمْنُ وَالْمَخِيضُ وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ الْخَالِصَةُ وَنَحْوُهَا مِثْلِيَّةٌ وَكَذَا الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ الْمَغْشُوشَةُ وَالْمُكَسَّرَةُ وَالسَّبِيكَةُ وَلَوْ عَطَفَ الْمَاءَ وَالْمَذْكُورَاتِ بَعْدَهُ بِالْوَاوِ وَقَدَّمَهَا على قَوْلِهِ كُلُّهَا مِثْلِيَّةٌ كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ وَالْمُرَادُ بِالْمَاءِ الْمَاءُ الْبَارِدُ إذْ الْحَارُّ مُتَقَوِّمٌ لِدُخُولِ النَّارِ فيه قَالَهُ في الْمَطْلَبِ وَهَذَا كما قال الْأَذْرَعِيُّ يُطْرَقُ غَيْرُهُ من الْمَائِعَاتِ إذَا حَمِيَتْ بِالنَّارِ
فَصْلٌ لو غَصَبَ مِثْلِيًّا فَتَلِفَ أو أَتْلَفَهُ بِلَا غَصْبٍ وَالْمِثْلُ مَوْجُودٌ فلم يَغْرَمُ حتى عَدَمَ الْمِثْلَ حِسًّا أو شَرْعًا بِأَنْ لم يَجِدْهُ أو وَجَدَهُ بِأَكْثَرَ من ثَمَنِ مِثْلِهِ أو مَنَعَهُ من الْوُصُولِ إلَيْهِ مَانِعٌ فِيمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ من بَلَدِ الْغَصْبِ أو الْإِتْلَافِ لَزِمَهُ أَقْصَى الْقِيَمِ لِلْمَغْصُوبِ أو الْمُتْلَفِ وَقِيلَ لِلْمِثْلِ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ من
____________________
(2/345)
وَقْتِ الْغَصْبِ في الْأَوَّلِ أو وَقْتِ الْإِتْلَافِ في الثَّانِي إلَى وَقْتِ الْإِعْوَازِ لِلْمِثْلِ لِأَنَّ وُجُودَ الْمِثْلِ كَبَقَاءِ الْعَيْنِ في لُزُومِ تَسْلِيمِهِ فَلَزِمَهُ ذلك كما في الْمُتَقَوِّمِ وَلَا نَظَرَ إلَى ما بَعْدَ الْعَدَمِ كما لَا نَظَرَ إلَى ما بَعْدَ تَلَفِ الْمُتَقَوِّمِ
فَإِنْ قال الْمُسْتَحِقُّ أنا أَصْبِرُ عن أَخْذِ الْقِيمَةِ إلَى وُجُودِ الْمِثْلِ أُجِيبَ لِأَنَّ الْحَقَّ له وَلَوْ تَلِفَ الْمِثْلِيُّ أو أَتْلَفَهُ وَالْمِثْلُ مَفْقُودٌ وهو غَاصِبٌ فِيهِمَا فَأَقْصَى الْقِيَمِ من الْغَصْبِ إلَى التَّلَفِ يَلْزَمُ أو وهو غَيْرُ غَاصِبٍ في الثَّانِيَةِ فَقِيمَةُ يَوْمِ التَّلَفِ تَلْزَمُ وَالتَّصْرِيحُ بِمَسْأَلَةِ الْإِتْلَافِ في الْغَصْبِ هُنَا من زِيَادَتِهِ فَلَوْ غَرِمَ الْغَاصِبُ أو الْمُتْلِفُ الْقِيمَةَ لِفَقْدِ الْمِثْلِ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ ثُمَّ وَجَدَ الْمِثْلَ لم يُرْجَعْ إلَيْهِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ لم يَرْجِعْ الْغَارِمُ إلَى دَفْعِهِ مع اسْتِرْدَادِ الْقِيمَةِ وَلَا الْمَالِكُ إلَى أَخْذِهِ مع رَدِّ الْقِيمَةِ لِأَنَّ الْأَمْرَ قد انْفَصَلَ بِالْبَدَلِ كَالْيَسَارِ بَعْدَ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ الْمُرَتَّبَةِ
فَرْعٌ لو غَصَبَ مِثْلِيًّا من بَلَدٍ وَنَقَلَهُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ طُولِبَ بِالرَّدِّ إلَى بَلَدِ الْغَصْبِ عِنْدَ الْعِلْمِ بِهِ لِيَرُدَّهُ كما أَخَذَهُ وَبِالْقِيمَةِ لِلْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِهِ إنْ كان بِمَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ وَإِلَّا فَلَا يُطَالَبُ إلَّا بِالرَّدِّ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا قد يَظْهَرُ فِيمَا إذَا لم يَخَفْ هَرَبَ الْغَاصِبِ أو تَوَارِيهِ وَإِلَّا فَالْوَجْهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بين الْمَسَافَتَيْنِ وَحِينَ يَرُدُّهُ أَيْ الْمَغْصُوبَ يَسْتَرِدُّهَا أَيْ الْقِيمَةَ لِأَنَّ الْأَخْذَ لِلْحَيْلُولَةِ وقد زَالَتْ فَإِنْ تَلِفَ في الْبَلَدِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ طَالَبَهُ بمثله حَيْثُ ظَفِرَ بِهِ في أَيِّ الْبَلَدَيْنِ شَاءَ لِأَنَّهُ كان له مُطَالَبَتُهُ بِرَدِّ الْعَيْنِ فِيهِمَا وَكَذَا يُطَالِبُهُ بِهِ في أَيِّ بُقْعَةٍ شَاءَ من الْبِقَاعِ التي وَصَلَ إلَيْهَا بِهِ في طَرِيقِهِ بَيْنَهُمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ عن شُرَيْحٍ الرُّويَانِيِّ فَإِنْ فُقِدَ الْمِثْلُ أو وُجِدَ بِزِيَادَةٍ على ثَمَنِ مِثْلِهِ أو مَنَعَهُ من الْوُصُولِ إلَيْهِ مَانِعٌ غَرِمَ لِلْمَالِكِ قِيمَتَهُ في أَكْثَرِهِمَا أَيْ الْبَلَدَيْنِ قِيمَةً بَلْ في أَكْثَرِ الْبِقَاعِ التي وَصَلَ إلَيْهَا الْمَغْصُوبُ لِأَنَّهُ كان له مُطَالَبَتُهُ بِالْمِثْلِ فيه وَإِنْ ظَفِرَ بِهِ أَيْ الْغَاصِبُ في بَلَدٍ ولم يَنْقُلْهُ أَيْ الْمَغْصُوبَ إلَيْهِ وهو مِمَّا لَا مُؤْنَةَ في نَقْلِهِ كَالدَّرَاهِمِ الْيَسِيرَةِ وَالطَّرِيقُ آمِنٌ طَالَبَهُ بِالْمِثْلِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِينَئِذٍ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ أَيْ الْغَاصِبَ تَحْصِيلُهُ لِوُجُودِ الضَّرَرِ وَلَوْ اقْتَصَرَ على قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا كان أَوْضَحَ وَأَخْصَرَ وَأَنْسَبَ بِكَلَامِ أَصْلِهِ
وَلَا يَلْزَمُ الْمَالِكَ قَبُولُهُ أَيْ الْمِثْلَ عِنْدَ الْمُؤْنَةِ أو الْخَوْفِ لِمَا فيه من الضَّرَرِ بَلْ يَلْزَمُ الْغَاصِبَ قِيمَةُ بَلَدِ التَّلَفِ لِأَنَّهُ قد تَعَذَّرَ على الْمَالِكِ الرُّجُوعُ إلَى الْمِثْلِ فَيَرْجِعُ إلَى الْقِيمَةِ كَالْفَقْدِ قال في الْأَصْلِ فَإِنْ تَرَاضَيَا على الْمِثْلِ لم يَكُنْ له تَكْلِيفُهُ مُؤْنَةَ النَّقْلِ قال السُّبْكِيُّ كَالْبَغَوِيِّ وَلَوْ أَخَذَ الْمِثْلَ على أَنْ يَغْرَمَ له مُؤْنَةَ لم يَجُزْ ثُمَّ إذَا أَخَذَ منه الْقِيمَةَ لو اجْتَمَعَا في بَلَدِ التَّلَفِ لم يَرْجِعَا إلَى الْمِثْلِ لِمَا مَرَّ فِيمَا إذَا أَخَذَهَا لِفَقْدِ الْمِثْلِ وَشَمِلَ قَوْلُهُ ولم يَنْقُلْهُ إلَيْهِ ما لو نَقَلَهُ إلَى بَلَدٍ وَظَفِرَ بِهِ الْمَالِكُ في بَلَدٍ ثَالِثٍ وَحُكْمُهُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ فيه لَكِنْ فِيمَا لَا مُؤْنَةَ لِنَقْلِهِ
أَمَّا ما لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ فَيَلْزَمُ فيه قِيمَةُ أَكْثَرِ الْبِقَاعِ التي وَصَلَ إلَيْهَا الْمَغْصُوبُ قِيمَةً كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ لَكِنَّهُ عَبَّرَ بِقِيمَةِ أَكْثَرِ الْبَلَدَيْنِ قِيمَةً وَخَرَجَ بِهِ ما لو نَقَلَهُ إلَيْهِ فَيُطَالِبُهُ مَالِكُهُ بمثله في أَيِّ بُقْعَةٍ شَاءَ من الْبِقَاعِ التي وَصَلَ إلَيْهَا الْمَغْصُوبُ كما مَرَّ وَإِنْ وُجِدَ الْمِثْلُ فَحَدَثَ فيه غَلَاءٌ أو رُخْصٌ لم يُؤَثِّرْ في اسْتِحْقَاقِ الْمَالِكِ له فَلَوْ أَتْلَفَ مِثْلِيًّا في وَقْتِ الرُّخْصِ فَلَهُ طَلَبُ الْمِثْلِ في وَقْتِ الْغَلَاءِ وَلَوْ أَتْلَفَهُ في وَقْتِ الْغَلَاءِ وَأَتَى بِهِ في وَقْتِ الرُّخْصِ لَزِمَهُ الْقَبُولُ
نعم إنْ خَرَجَ الْمِثْلُ عن أَنْ يَكُونَ له قِيمَةٌ كَمَنْ غَصَبَ جَمْدًا
____________________
(2/346)
في الصَّيْفِ أو مَاءً في مَفَازَةٍ وَتَلِفَ أو أَتْلَفَهُ هُنَاكَ بِلَا غَصْبٍ فَاجْتَمَعَا أَيْ الْمَالِكُ وَالْغَاصِبُ أو الْمُتْلِفُ في الشِّتَاءِ في الْأُولَى أو على شَطِّ نَهْرٍ في الثَّانِيَةِ لَزِمَهُ قِيمَةُ الْمِثْلِ في الصَّيْفِ في الْأُولَى أو في مِثْلِ تِلْكَ الْمَفَازَةِ في الثَّانِيَةِ ثُمَّ إذَا اجْتَمَعَا في الصَّيْفِ أو في مِثْلِ تِلْكَ الْمَفَازَةِ فَلَا تَرَادَّ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَنَبَّهَ عليه الْأَصْلُ هُنَا
فَصْلٌ لو غَصَبَ حُلِيًّا من ذَهَبٍ وَزْنُهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَقِيمَتُهُ عِشْرُونَ دِينَارًا وَتَلِفَ ضَمِنَ التِّبْرَ بمثله لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ كما مَرَّ وَالصَّنْعَةَ بِقِيمَتِهَا لِأَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ من نَقْدِ الْبَلَدِ وَإِنْ كان من جِنْسِ الْحُلِيِّ وَلَا رِبًا لِاخْتِصَاصِهِ بِالْعُقُودِ وَهَذَا ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْبَغَوِيّ وَنُقِلَ عن الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ وَصَحَّحَهُ لَكِنَّهُ قال إنَّ قَوْلَ الْبَغَوِيّ أَحْسَنُ منه تَرْتِيبًا وَمِنْ هُنَا جَرَى الْمُصَنِّفُ عليه وَيُوَافِقُهُ ما سَيَأْتِي في الدَّعَاوَى فَإِنْ كانت الصَّنْعَةُ مُحَرَّمَةً كَالْإِنَاءِ ضَمِنَهُ بِوَزْنِهِ أَيْ بمثله وَزِنًا كَالسَّبِيكَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا صَنْعَةَ فيه كَالتِّبْرِ
فَصْلٌ لو صَارَ الْمِثْلِيُّ مُتَقَوِّمًا وكذا عَكْسُهُ بِأَنْ صَارَ الْمُتَقَوِّمُ مِثْلِيًّا أو صَارَ الْمِثْلِيُّ مِثْلِيًّا آخَرَ كَجَعْلِهِ الشَّاةَ لَحْمًا مِثَالٌ لِلثَّانِي وَالدَّقِيقَ خُبْزًا مِثَالٌ لِلْأَوَّلِ وَالسِّمْسِمَ شَيْرَجًا مِثَالٌ لِلثَّالِثِ ثُمَّ تَلِفَ عِنْدَهُ أَخَذَ الْمَالِكُ الْمِثْلَ في الثَّلَاثَةِ مُخَيَّرًا في الثَّالِثِ منها بين الْمِثْلَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ أَغْبَطَ أَيْ أَكْثَرَ قِيمَةً فَيُؤْخَذُ هو في الثَّالِثِ وَقِيمَتُهُ في الْأُولَيَيْنِ أَمَّا إذَا صَارَ الْمُتَقَوِّمُ مُتَقَوِّمًا كَحُلِيٍّ صِيغَ من إنَاءٍ غَيْرِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ فَيَجِبُ فيه أَقْصَى الْقِيَمِ كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي في غَيْرِ الْمِثْلِيِّ
فَصْلٌ لو جَنَى على غَيْرِ مِثْلِيٍّ ضَمِنَهُ الْمُتْلِفُ غَيْرُ الْغَاصِبِ بِقِيمَتِهِ يوم التَّلَفِ لِأَنَّهُ بَعْدَهُ مَعْدُومٌ وَضَمَانُ الزَّائِدِ قَبْلَهُ في الْمَغْصُوبِ إنَّمَا كان بِالْيَدِ الْعَادِيَةِ ولم تُوجَدْ هُنَا وَأَمَّا رَدُّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْإِنَاءَ بَدَلَ الْإِنَاءِ الذي كَسَرَتْهُ عَائِشَةُ رضي اللَّهُ عنها فَمَحْمُولٌ على أَنَّ الْإِنَاءَيْنِ كَانَا له صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَرَادَ بهذا الْإِصْلَاحَ وَالْمَعُونَةَ لَا حَقِيقَةَ التَّضْمِينِ هذا إنْ لم يَنْقُصْ بِالْجِنَايَةِ وَإِلَّا كَأَنْ جَنَى على حَيَوَانٍ قِيمَتُهُ مِائَةٌ ثُمَّ مَاتَ وَقِيمَتُهُ خَمْسُونَ فَيَوْمَ أَيْ فَيَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ يوم الْجِنَايَةِ لِأَنَّا إذَا اعْتَبَرْنَا الْأَقْصَى في الْيَدِ الْعَادِيَةِ فَفِي نَفْسِ الْإِتْلَافِ أَوْلَى وَيَضْمَنُ بَعْضَهُ بِمَا نَقَصَ منها أَيْ من قِيمَتِهِ كَأَنْ قَطَعَ يَدَ حَيَوَانٍ فَيَلْزَمُهُ أَرْشُ ما نَقَصَ بِالْقَطْعِ وَهَذَا قَدَّمَهُ الْأَصْلُ في أَوَائِلِ الطَّرَفِ الثَّانِي وَأَمَّا الْغَاصِبُ فَيَضْمَنُ التَّالِفَ غير الْمِثْلِيِّ بِأَكْثَرِ قِيَمِهِ من حِينِ الْغَصْبِ إلَى حِينِ التَّلَفِ لِتَوَجُّهِ الرَّدِّ عليه حَالَ الزِّيَادَةِ فَيَضْمَنُ بَدَلَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِالزِّيَادَةِ بَعْدَ التَّلَفِ كما لَا عِبْرَةَ بِالنَّقْصِ بِالْكَسَادِ وَتَكُونُ قِيمَتُهُ من نَقْدِ بَلَدِ التَّلَفِ لِأَنَّهُ مَحِلُّ وُجُوبِ الضَّمَانِ وَهَذَا مَحْمُولٌ على ما إذَا لم يَنْقُلْهُ وَإِلَّا فَيَتَّجِهُ كما في الْكِفَايَةِ اعْتِبَارُ نَقْدِ الْبَلَدِ أَيْ الذي تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ وهو أَكْثَرُ الْبَلَدَيْنِ قِيمَةً وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عن وَالِدِهِ ما يُقَارِبُهُ عَمَلًا بِمَحِلِّ وُجُوبِ الضَّمَانِ الْحَقِيقِيِّ فَلَوْ غَصَبَهُ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ فَصَارَتْ بِالْغَلَاءِ مِائَتَيْنِ ثُمَّ صَارَتْ بِالرُّخْصِ مِائَةً ثُمَّ صَارَتْ بِالْغَلَاءِ مِائَتَيْنِ ثُمَّ تَلِفَ ثُمَّ صَارَتْ بِالْغَلَاءِ ثَلَثَمِائَةٍ لَزِمَهُ مِائَتَانِ لِأَنَّهُمَا أَقْصَى قِيمَةٍ من غَصْبِهِ إلَى تَلَفِهِ وَلَا أَثَرَ لِلتَّكَرُّرِ أَيْ تَكَرُّرِ غُلُوِّ السِّعْرِ وَرُخْصِهِ حتى لَا يَضْمَنَ كُلَّ زِيَادَةٍ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْأَكْثَرَ وَلَا لِلزِّيَادَةِ في السِّعْرِ بَعْدَ التَّلَفِ لِلْمَغْصُوبِ إذْ لَا وُجُودَ له وَلَوْ قَدَّمَ هذه وَاَلَّتِي قَبْلَهَا على الْمِثَالِ السَّابِقِ كان أَنْسَبَ وَمَحَلُّ الضَّمَانِ بِالْأَكْثَرِ من غَيْرِ نَظَرٍ إلَى التَّكَرُّرِ في الْأَعْيَانِ دُونَ الْمَنَافِعِ كما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَيَضْمَنُ أَيْ الْمَنْفَعَةَ كُلَّ أَيْ في كل مُدَّةٍ بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا فيها
فَصْلٌ لو أَبَقَ الْمَغْصُوبُ أو سُرِقَ الْمِثْلِيُّ بَلْ أو الْمُتَقَوِّمُ أو غَيَّبَهُ الْغَاصِبُ أو ضَاعَ فَلِلْمَالِكِ
____________________
(2/347)
تَضْمِينُ الْغَاصِبِ الْقِيمَةَ في الْحَالِ لِلْحَيْلُولَةِ وَيُعْتَبَرُ فيها أَقْصَى ما كانت من الْغَصْبِ إلَى الْمُطَالَبَةِ وَيَنْبَغِي كما قال الْإِسْنَوِيُّ إذَا زَادَتْ الْقِيمَةُ بَعْدَ هذا أَنْ يُطَالِبَ بِالزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ على مِلْكِهِ وَيَمْلِكُهَا الْمَالِكُ كما يَمْلِكُهَا عِنْدَ التَّلَفِ فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فيها وَلَا يَمْلِكُ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ كما لَا يَمْلِكُ نِصْفَ الْعَبْدِ إذَا قَطَعَ إحْدَى يَدَيْهِ وَغَرِمَ وَالْمُرَادُ كما قال الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ يَمْلِكُهَا مِلْكَ قَرْضٍ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بها على حُكْمِ رَدِّهَا أو رَدِّ بَدَلِهَا عِنْدَ رَدِّ الْعَيْنِ كما سَيَأْتِي وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَقًّا ثَابِتًا في الذِّمَّةِ حتى يَلْزَمَهُ قَبُولُهُ ولهذا لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عنها فَلَوْ ظَفِرَ الْغَاصِبُ بِالْآبِقِ أو الْمَسْرُوقِ فلم يَحْبِسْهُ لِلْقِيمَةِ أَيْ لِاسْتِرْدَادِهَا كما ليس لِلْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا حَبْسُ الْمَبِيعِ لِاسْتِرْدَادِ الثَّمَنِ بَلْ يَرُدُّهُ لِمَالِكِهِ لِأَنَّهُ عَيْنُ حَقِّهِ وَيَسْتَرِدُّ قِيمَتَهُ كما أَنَّ الْمَالِكَ يَرُدُّهَا وَيَسْتَرِدُّهُ فَإِنْ اتَّفَقَا على تَرْكِ التَّرَادِّ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ من نَظِيرِهِ في فَرْعِ غَصْبِ مِثْلِيًّا فَلَا بُدَّ من بَيْعٍ لِيَصِيرَ الْمَغْصُوبُ لِلْغَاصِبِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا أَمَّا لو اتَّفَقَا على ذلك قبل رَدِّهِ قال الزَّرْكَشِيُّ فَجَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ قال الْإِمَامُ وَلَا حَاجَةَ إلَى عَقْدٍ قُلْت وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْقِيمَةَ حِينَئِذٍ على مِلْكِ الْمَالِكِ فَكَفَى فِيمَا ذُكِرَ ذلك بِخِلَافِهَا بَعْدَ رَدِّهِ كما سَيَأْتِي فَلَوْ كانت الْقِيمَةُ بَاقِيَةً بِيَدِ الْمَالِكِ وَلَوْ بِزِيَادَةٍ رَدَّهَا بِزَوَائِدِهَا الْمُتَّصِلَةِ دُونَ الْمُنْفَصِلَةِ
وَتُتَصَوَّرُ زِيَادَتُهَا بِأَنْ يَدْفَعَ عنها حَيَوَانًا فَيُنْتِجَ أو شَجَرًا فَيُثْمِرَ كما قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ أو بِأَنْ يَكُونَا بِبَلَدٍ يَتَعَامَلُ أَهْلُهُ بِالْحَيَوَانِ كما قَالَهُ بَعْضُهُمْ ولم يَجُزْ إبْدَالُهَا بِغَيْرِهَا من غَيْرِ تَرَاضٍ كَنَظَائِرِهِ من الْقَرْضِ وَاللُّقَطَةِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم تَكُنْ بَاقِيَةً وَجَبَ إبْدَالُهَا بِمِثْلِهَا إنْ لم يَكُنْ أَخَذَ عنها مُتَقَوِّمًا وَإِلَّا فَبِقِيمَةِ الْمُتَقَوِّمِ فَإِنْ أَفْلَسَ الْمَالِكُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْغَاصِبُ أَحَقُّ من غَيْرِهِ بِالْقِيمَةِ التي دَفَعَهَا له لِأَنَّهَا عَيْنُ مَالِهِ قال السُّبْكِيُّ وهو أَوْلَى من الْفَلَسِ لِأَنَّهُ ثَمَّ يَحْتَاجُ إلَى اخْتِيَارٍ وَهُنَا بِمُجَرَّدِ عَوْدِ الْمَغْصُوبِ يَنْتَقِضُ الْمِلْكُ في الْقِيمَةِ فِيمَا يَظْهَرُ قُلْت وَبِهِ صَرَّحَ الْمَحَامِلِيُّ في مَجْمُوعِهِ وَلَوْ لم تَكُنْ الْقِيمَةُ بَاقِيَةً قَدَّمَ الْغَاصِبُ بِبَدَلِهَا من ثَمَنِ الْمَغْصُوبِ نَقَلَهُ السُّبْكِيُّ عن النَّصِّ
الطَّرَفُ الرَّابِعُ في الِاخْتِلَافِ وَلَوْ وفي نُسْخَةٍ لو اخْتَلَفَا في تَلَفِ الْمَغْصُوبِ أو في كَوْنِهِ كَاتِبًا أو مُحْتَرِفًا أو في مَالِكِ ثِيَابِ الْعَبْدِ أَهُوَ مَالِكُهُ أو غَاصِبُهُ أو في تَخَلُّلِ الْخَمْرِ الْمُحْتَرَمَةِ قبل تَلَفِهَا بِأَنْ قال صَاحِبُهَا تَلِفَتْ بَعْدَ تَخَلُّلِهَا وقال الْغَاصِبُ بَلْ قَبْلَهُ صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ في الْأُولَى قد يَكُونُ صَادِقًا وَيَعْجِزُ عن الْبَيِّنَةِ فَلَوْ لم يُصَدَّقْ لَأَدَّى إلَى تَخْلِيدِ حَبْسِهِ وَيَدُهُ في الرَّابِعَةِ على الْعَبْدِ وَثِيَابُهُ وَالْأَصْلُ فِيمَا عَدَاهُمَا بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ وَعَدَمُ ما ادَّعَاهُ الْمَالِكُ وإذا حَلَفَ الْغَاصِبُ في الْأُولَى فَلِلْمَالِكِ تَغْرِيمُهُ الْبَدَلَ على الْأَصَحِّ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَا حَاجَةَ كما قال الْأَذْرَعِيُّ إلَى تَقْيِيدِ الْخَمْرِ بِالْمُحْتَرَمَةِ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من أَنَّ الْخَلَّ لِلْمَغْصُوبِ منه فَلَا فَرْقَ بين الْخَمْرَيْنِ وَخَرَجَ بِالْعَبْدِ ما لو غَصَبَ حُرًّا صَغِيرًا مَثَلًا وَاخْتَلَفَ هو وَالْوَلِيُّ في ثِيَابِهِ فإن الْمُصَدَّقَ وَلِيُّهُ فَيُنْتَظَرُ بُلُوغُ الصَّغِيرِ لِيَحْلِفَ بِنَاءً على أَنَّ يَدَ غَاصِبِهِ لَا تَثْبُتُ على ثِيَابِهِ وهو الْأَصَحُّ وَكَذَا يُصَدَّقُ الْغَاصِبُ لو اخْتَلَفَا في قَدْرِ الْقِيمَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ من الزِّيَادَةِ
وَعَلَى مَالِكِهِ الْبَيِّنَةُ وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ الْمَالِكِ بِقِيمَتِهِ إلَّا إنْ قُدِّرَتْ الْقِيمَةُ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ على الْوَصْفِ أَيْ وَصْفِ الْمَغْصُوبِ
____________________
(2/348)
لِيُقَوِّمَهُ الْمُقَوِّمُونَ بِذَلِكَ الْوَصْفِ لِأَنَّ الْمَوْصُوفِينَ بِالصِّفَةِ الْوَاحِدَةِ يَتَفَاوَتُونَ في الْقِيَمِ لِتَفَاوُتِهِمْ في الْمَلَاحَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصْفِ لَكِنْ يَسْتَفِيدُ الْمَالِكُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ على الْوَصْفِ أَنَّهُ إنْ قَدَّرَهَا أَيْ الْقِيمَةَ الْغَاصِبُ بِحَقِيرٍ يُنَافِي مُقْتَضَى الْوَصْفِ لم يُسْمَعْ تَقْدِيرُهُ كما لو أَقَرَّ بِصِفَاتٍ فِيمَا غَصَبَهُ تَقْتَضِي النَّفَاسَةَ ثُمَّ قَدَّرَهُ بِحَقِيرٍ لَا يَلِيقُ بها لم يُسْمَعْ تَقْدِيرُهُ بَلْ يُؤْمَرُ بِالزِّيَادَةِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ حَدًّا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قِيمَةً لِمِثْلِ ذلك الْمَوْصُوفِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ما ذُكِرَ هُنَا من عَدَمِ إثْبَاتِ الْوَصْفِ بِالشَّهَادَةِ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ في الْقَضَاءِ على الْغَائِبِ من أَنَّهُمَا لو شَهِدَا أَنَّهُ غَصَبَ منه عَبْدًا بِصِفَةِ كَذَا فَمَاتَ اسْتَحَقَّ قِيمَتَهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَةَ الْقَبُولِ ثَمَّ أَنَّهُ لَا يُسْمَعُ تَقْدِيرُ الْغَاصِبِ بِحَقِيرٍ يُنَافِي مُقْتَضَى الصِّفَةِ كما تَقَرَّرَ وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ تِلْكَ فِيمَا إذَا ذَكَرَ الشُّهُودُ قِيمَتَهَا وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ فَإِنْ قال الْغَاصِبُ لَا أَعْرِفُهَا أَيْ الْقِيمَةَ أَيْ قَدْرَهَا لَكِنَّهَا دُونَ ما ادَّعَى بِهِ الْمَالِكُ عَلَيَّ لم يُسْمَعْ قَوْلُهُ حتى يُبَيِّنَ قَدْرًا فإذا بَيَّنَهُ حَلَفَ عليه فَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ حَلَفَ الْمَالِكُ على ما ادَّعَاهُ وَاسْتَحَقَّهُ أو قال شُهُودُ الْمَالِكِ هِيَ أَكْثَرُ مِمَّا قَدَّرَ الْغَاصِبُ من غَيْرِ تَقْدِيرٍ سُمِعَتْ شَهَادَتُهُمْ
وَفَائِدَةُ سَمَاعِهَا منهم مع عَدَمِ تَقْدِيرِهِمْ لها ما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَكُلِّفَ أَيْ الْغَاصِبُ الزِّيَادَةَ على ما قَدَّرَهُ إلَى حَدٍّ لَا يَقْطَعُونَ أَيْ الشُّهُودُ بِزِيَادَةٍ عليه وَلَوْ وَصَفَهُ أَيْ الْمَغْصُوبَ الْغَاصِبُ بِعَيْبٍ خِلْقِيٍّ كَالْكَمَهِ وَعَدَمِ الْيَدِ خِلْقَةً وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ وَعَدَمُ ذلك الْعُضْوِ وَالْمَالِكُ يُمْكِنُهُ الْإِثْبَاتُ بِالْبَيِّنَةِ لَا إنْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ وَاخْتَلَفَا في عَيْبٍ حَادِثٍ كَالْعَمَى كَأَنْ قال الْغَاصِبُ كان أَعْمَى أو أَقْطَعَ أو سَارِقًا وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالْغَالِبَ السَّلَامَةُ من ذلك وَتَصْرِيحُهُ بِالتَّقْيِيدِ بِتَلَفِ الْمَغْصُوبِ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ رَدَّهُ الْغَاصِبُ أَعْمَى مَثَلًا وقال هَكَذَا غَصَبْته وقال الْمَالِكُ بَلْ حَدَثَ عِنْدَك صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَمَّا يَزِيدُ على تِلْكَ الصِّفَةِ
وقد يُقَالُ لَا يَتَقَيَّدُ ذلك بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ بَلْ لو تَلِفَ كان الْحُكْمُ كَذَلِكَ أَخْذًا من التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ وَمِنْ مَسْأَلَةِ الطَّعَامِ الْآتِيَةِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْغَاصِبَ في التَّلَفِ قد لَزِمَهُ الْغُرْمُ فَضَعُفَ جَانِبُهُ بِخِلَافِهِ بَعْدَ الرَّدِّ
وَإِنْ أَقَرَّ بِغَصْبِ دَارٍ بِالْكُوفَةِ أو بِجَارِيَةٍ أَيْ بِغَصْبِهَا فقال الْمَالِكُ لَا بَلْ بِالْمَدِينَةِ في الْأُولَى أو غَصَبْت عَبْدًا في الثَّانِيَةِ حَلَفَ الْغَاصِبُ أَنَّهُ لم يَغْصِبْ دَارَ الْمَدِينَةِ وَلَا الْعَبْدَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ غَصْبِهِ لَهُمَا وَسَقَطَتْ دَارُ الْمَدِينَةِ أو الْعَبْدُ أَيْ سَقَطَ بِيَمِينِهِ حَقُّ الْمَالِكِ من كُلٍّ مِنْهُمَا وَدَارُ الْكُوفَةِ أو الْجَارِيَةُ أَيْ وَسَقَطَ حَقُّهُ أَيْضًا من كُلٍّ من هَذَيْنِ بِرَدِّ الْإِقْرَارِ أَمَّا إذَا صَدَّقَهُ الْمَالِكُ على ما أَقَرَّ بِهِ فَيَثْبُتُ وَلَوْ قال الْمَالِكُ لِلْغَاصِبِ وقد غَصَبَ منه طَعَامًا طَعَامِي الذي غَصَبْته جَدِيدٌ وقال الْغَاصِبُ بَلْ عَتِيقٌ صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ غَصْبِ الْجَدِيدِ وَيُفَارِقُ ما مَرَّ من تَصْدِيقِ الْمَالِكِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا في حَادِثٍ بِأَنَّ الْمَغْصُوبَ ثَمَّ مُتَّفِقَانِ على تَعْيِينِهِ بِخِلَافِهِ هُنَا بِقَرِينَةِ مَسْأَلَةِ دَارِ الْكُوفَةِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَالِكُ وَأَخَذَ الْجَدِيدَ وَلَهُ أَخْذُ الْعَتِيقِ لِأَنَّهُ دُونَ حَقِّهِ
فَصْلٌ لو اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ بِاعْتِرَافِ الْمُشْتَرِي أو بِنُكُولِهِ عن يَمِينِ نَفْيِ الْعِلْمِ أَيْ عِلْمِهِ بِاسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ مع يَمِينِ الْمُدَّعِي الْمَرْدُودَةِ لم يَرْجِعْ بِالثَّمَنِ على الْبَائِعِ لِتَقْصِيرِهِ بِاعْتِرَافِهِ مع شِرَائِهِ أو بِنُكُولِهِ وَخَرَجَ بِالْمُشْتَرِي الْبَائِعُ فَلَا يُقْبَلُ اعْتِرَافُهُ على الْمُشْتَرِي وَيَبْقَى الْبَيْعُ بِحَالِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اعْتِرَافُهُ
____________________
(2/349)
بِالِاسْتِحْقَاقِ في زَمَنِ الْخِيَارِ فَيُجْعَلُ فَسْخًا لِلْبَيْعِ ثُمَّ لو عَادَ الْمَبِيعُ إلَى الْبَائِعِ بِإِرْثٍ أو بِغَيْرِهِ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ لِلْمُدَّعِي كما تَقَدَّمَ ذلك في الْإِقْرَارِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا أَيْضًا فَإِنْ اسْتَحَقَّ بِبَيِّنَةٍ أو بِتَصْدِيقِهِمَا أَيْ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي لِلْمُدَّعِي رَجَعَ الْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ إنْ كان بَاقِيًا وَبِبَدَلِهِ إنْ كان تَالِفًا كما سَيَأْتِي في الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ وَإِنْ صَدَّقَاهُ على اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ وكان عَبْدًا وقد أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي لم يَبْطُلْ الْعِتْقُ وَإِنْ وَافَقَهُمَا الْعَبْدُ على اسْتِحْقَاقِهِ لِأَنَّ في عِتْقِهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا سُمِعَتْ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ عليه بِخِلَافِ مُوَافَقَةِ الْمُكَاتَبِ من الْمُشْتَرِي لَهُمَا على اسْتِحْقَاقِهِ لِأَنَّهَا أَيْ الْكِتَابَةَ تَقْبَلُ الْفَسْخَ بِخِلَافِ الْعِتْقِ وَيُفَارِقُ حُكْمُهُ بُطْلَانَ حُرِّيَّةِ اللَّقِيطِ الْمَحْكُومِ بِحُرِّيَّتِهِ بِالدَّارِ إذَا أَقَرَّ بِرِقِّهِ لِإِنْسَانٍ بِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ الْجَعْلِيَّةَ أَقْوَى من الشَّرْعِيَّةِ لَا سِيَّمَا حُرِّيَّةَ الدَّارِ وَلِلْمُدَّعِي في مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ مُطَالَبَتُهُمَا أَيْ مُطَالَبَةُ من صَدَّقَهُ مِنْهُمَا فَيُطَالِبُ الْبَائِعَ إنْ صَدَّقَهُ وَحْدَهُ وَالْمُشْتَرِيَ كَذَلِكَ وَيُطَالِبُهُمَا مَعًا إنْ صَدَّقَاهُ بِالْقِيمَةِ أَيْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَالْقَرَارُ على الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ لِلرِّقِّ لَكِنْ لَا يُطَالَبُ بِفَتْحِ اللَّامِ بِزِيَادَةِ قِيمَتِهِ التي كانت في يَدِ الْبَائِعِ فَإِنْ مَاتَ الْعَتِيقُ وقد اكْتَسَبَ شيئا فَهُوَ لِلْمُدَّعِي لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ آدَمِيٍّ وقد تَوَافَقُوا على أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ له بِخِلَافِ الْعِتْقِ لَكِنْ لَا يُطَالِبُهُ أَيْ الْعَتِيقُ أَيْ وَاضِعُ يَدِهِ على ما اكْتَسَبَهُ بِكَسْبٍ يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ السَّيِّدِ لِأَنَّهُ لم يَأْذَنْ فيه وَإِنْ اخْتَلَفَا أَيْ الْمَالِكُ وَالْغَاصِبُ في رَدِّ الْمَغْصُوبِ حَيًّا بِأَنْ قال الْغَاصِبُ رَدَدْته حَيًّا وقال الْمَالِكُ بَلْ مَاتَ عِنْدَك وَتَعَارَضَتْ بَيِّنَتَانِ لَهُمَا في ذلك سَقَطَتَا وَصُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ فَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءَ الْغَصْبِ وَإِنْ قال إنْسَانٌ غَصَبْنَا من زَيْدٍ أَلْفًا ثُمَّ قال كنا عَشَرَةً وَخَالَفَهُ زَيْدٌ صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِمَّا زَادَ
الْبَابُ الثَّانِي في الطَّوَارِئِ على الْمَغْصُوبِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَطْرَافٍ
الْأَوَّلُ في النَّقْصِ لِلْقِيمَةِ أو الْجُزْءِ أو الصِّفَةِ وَلَا يَضْمَنُ نَقْصَ الْقِيمَة بِالرُّخْصِ كَأَنْ غَصَبَ ما يُسَاوِي عَشْرَةً وَرَدَّهُ بِحَالِهِ وهو يُسَاوِي دِرْهَمًا إلَّا عِنْدَ التَّلَفِ أو ذَهَابِ جُزْءٍ وَصِفَةٍ فَيَضْمَنُ نَقْصَ الْقِيمَةِ بِأَقْصَى الْقِيَمِ وفي اسْتِثْنَاءِ هذا مِمَّا قَبْلَهُ نَوْعُ قَلَاقَةٍ فَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا أو عَبْدًا قِيمَتُهُ من الدَّنَانِيرِ عَشَرَةٌ فَعَادَتْ بِالرُّخْصِ دِينَارًا ثُمَّ تَلِفَ لَزِمَهُ أَقْصَى الْقِيَمِ من الْغَصْبِ إلَى التَّلَفِ كما مَرَّ نَظِيرُهُ وَإِنْ لم يَتْلَفْ بَعْدَ الرُّخْصِ بَلْ عَادَتْ قِيمَتُهُ بِاللُّبْسِ لِلثَّوْبِ أو نِسْيَانِ الصَّنْعَةِ لِلْعَبْدِ إلَى نِصْفِ دِينَارٍ لَزِمَهُ مع رَدِّ ه خَمْسَةٌ لِنِصْفِهِ التَّالِفِ بِاللُّبْسِ أو النِّسْيَانِ لِأَنَّهَا أَقْصَى قِيمَةٍ وَالنَّقْصُ الْبَاقِي وهو أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ سَبَبُهُ الرُّخْصُ وقد مَرَّ أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَيَجِبُ مع الْخَمْسَةِ أُجْرَةُ اللُّبْسِ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ
وَإِنْ عَادَتْ الْعَشَرَةُ التي هِيَ قِيمَةُ الثَّوْبِ أو الْعَبْدِ بِالرُّخْصِ إلَى خَمْسَةٍ وبعده بِاللُّبْسِ أو النِّسْيَانِ إلَى دِينَارَيْنِ وَرَدَّهُ لَزِمَهُ سِتَّةٌ لِأَنَّ الذَّاهِبَ منه بِذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ فَيَغْرَمُهَا بِثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ أَقْصَى الْقِيَمِ وَهِيَ السِّتَّةُ فَلَوْ عَادَتْ الْعَشَرَةُ بِاللُّبْسِ أو النِّسْيَانِ إلَى خَمْسَةٍ ثُمَّ بِالْغَلَاءِ إلَى عِشْرِينَ لَزِمَهُ مع رَدِّهِ خَمْسَةٌ فَقَطْ وَهِيَ الْفَائِتَةُ بِاللُّبْسِ أو النِّسْيَانِ لِامْتِنَاعِ تَأْثِيرِ الزِّيَادَةِ الْحَاصِلَةِ بَعْدَ التَّلَفِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو تَلِفَ الثَّوْبُ كُلُّهُ ثُمَّ زَادَتْ الْقِيمَةُ لم يَغْرَمْ الزِّيَادَةَ وَإِنْ اخْتَلَفَا أَيْ الْمَالِكُ وَالْغَاصِبُ هل حَدَثَ الْغَلَاءُ قبل التَّلَفِ بِاللُّبْسِ أو النِّسْيَانِ أو بَعْدَهُ بِأَنْ قال الْمَالِكُ حَدَثَ قَبْلَهُ وقال الْغَاصِبُ بَلْ بَعْدَهُ صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ الْغَارِمُ كما لو تَلِفَ كُلُّهُ وَاخْتَلَفَا في أَنَّ الْقِيمَةَ زَادَتْ قبل التَّلَفِ أو بَعْدَهُ
فَصْلٌ وَإِنْ نَقَصَتْ الصِّفَةُ فَقَطْ أَيْ دُونَ الْكُلِّ وَالْجُزْءِ كَمَنْ ذَبَحَ شَاةً أو طَحَنَ حِنْطَةً أو نَحْوَهُمَا مِمَّا لَا يَسْرِي إلَى التَّلَفِ رَدَّهَا لِخَبَرِ على الْيَدِ ما أَخَذَتْ حتى تُؤَدِّيَهُ مع الْأَرْشِ وَلَوْ كان قَدَّرَ الْقِيمَةَ كَقَطْعِ يَدَيْ الْعَبْدِ وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ تَرْكُ الْمَغْصُوبِ عِنْدَهُ وَتَغْرِيمُ بَدَلِهِ لِأَنَّهُ عَيْنُ مِلْكِهِ فَإِنْ فَعَلَ بِالْمَغْصُوبِ ما يَسْرِي إلَى التَّلَفِ كَحِنْطَةٍ بَلَّهَا فَتَعَفَّنَتْ أو جَعَلَهَا هَرِيسَةً فَكَالتَّالِفِ لِإِشْرَافِهِ على التَّلَفِ وَلَوْ تُرِكَ بِحَالِهِ لَفَسَدَ فَكَأَنَّهُ تَالِفٌ فَيَغْرَمُ الْبَدَلَ من مِثْلٍ أو قِيمَةٍ وَفَارَقَ نَظِيرَهُ في الْفَلَسِ حَيْثُ جُعِلَ مُشْتَرَكًا بين الْبَائِعِ وَالْمُفْلِسِ ولم يُجْعَلْ كَالتَّالِفِ بِأَنَّا لو لم نُثْبِتْ له الشَّرِكَةَ لَمَا حَصَلَ له تَمَامُ حَقِّهِ بَلْ احْتَاجَ إلَى الْمُضَارَبَةِ وَهُنَا يَحْصُلُ لِلْمَالِكِ تَمَامُ
____________________
(2/350)
الْبَدَلِ وَهَلْ يَمْلِكُهَا أَيْ الْحِنْطَةَ الْغَاصِبُ إتْمَامًا لِلتَّشْبِيهِ بِالتَّالِفِ أو تَبْقَى لِلْمَالِكِ لِئَلَّا يَقْطَعَ الظُّلْمُ حَقَّهُ وَجْهَانِ رَجَّحَ مِنْهُمَا ابن يُونُسَ الْأَوَّلَ وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَإِنْ كان الْمُخْتَارُ عِنْدَهُ ما اسْتَحْسَنَهُ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَنَسَبَهُ الْإِمَامُ إلَى النَّصِّ من أَنَّ الْمَالِكَ يَتَخَيَّرُ بين جَعْلِهَا كَالتَّالِفِ وَبَيْنَ أَخْذِهَا مع أَرْشِ عَيْبٍ سَارٍ أَيْ شَأْنُهُ السِّرَايَةُ وهو أَكْبَرُ من أَرْشِ عَيْبٍ وَاقِفٍ وَلَا يَلْحَقُ بِذَلِكَ مَرَضُ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ إذَا كان سَارِيًا عَسُرَ الْعِلَاجُ كَالسُّلِّ وَالِاسْتِسْقَاءِ لِاحْتِمَالِ الْبُرْءِ بِخِلَافِ عَفَنِ الْحِنْطَةِ أو نَحْوِهِ فإنه يُفْضِي إلَى الْفَسَادِ قَطْعًا
وَلَوْ نَجَّسَ الْغَاصِبُ زَيْتَهُ أَيْ زَيْتَ الْمَالِكِ غَرِمَ له بَدَلَهُ لِأَنَّهُ صَيَّرَهُ كَالتَّالِفِ وَالْمَالِكُ أَحَقُّ بِزَيْتِهِ وَيُفَارِقُ الْحِنْطَةَ فِيمَا مَرَّ بِخُرُوجِهِ عن الْمَالِيَّةِ بِالتَّنَجُّسِ فَصَارَ من الِاخْتِصَاصَاتِ التي لَا قِيمَةَ لها فَلَا مَحْذُورَ في إعَادَتِهَا لِلْمَالِكِ بِخِلَافِ الْحِنْطَةِ لَا تَخْرُجُ بِالْعَفَنِ وَنَحْوِهِ عن الْمَالِيَّةِ فَفِي إعَادَتِهَا لِلْمَالِكِ مَحْذُورٌ وهو الْجَمْعُ بين الْمُبْدَلِ وَالْبَدَلِ في مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَسَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِيمَا لو خَلَطَ الزَّيْتَ أو نَحْوَهُ بِجِنْسِهِ وَلَوْ تَعَفَّنَ الطَّعَامُ بِنَفْسِهِ عِنْدَ الْغَاصِبِ لِطُولِ الْمُدَّةِ أَخَذَهُ الْمَالِكُ مع الْأَرْشِ ولم يُجْعَلْ كَالتَّالِفِ نَظِيرَ ما مَرَّ لِأَنَّ التَّعَفُّنَ هُنَا حَصَلَ بِلَا جِنَايَةٍ بِخِلَافِهِ ثُمَّ وَعَلَى هذا لو صَارَ الْمَغْصُوبُ هَرِيسَةً بِنَفْسِهِ أَخَذَهُ الْمَالِكُ مع الْأَرْشِ
فَصْلٌ في جِنَايَةِ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ وَالْجِنَايَةُ عليه وَبَدَأَ بِبَيَانِ جِنَايَتِهِ فقال وَإِنْ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ بِجِنَايَةٍ مُوجِبَةٍ لِلْمَالِ أو لِلْقِصَاصِ وَعُفِيَ على مَالٍ فَدَاهُ الْغَاصِبُ وُجُوبًا لِأَنَّ جِنَايَةَ الْمَغْصُوبِ مَضْمُونَةٌ عليه بِالْأَقَلِّ من الْأَرْشِ وَقِيمَتِهِ لِأَنَّ الْأَقَلَّ إنْ كان الْقِيمَةَ فَهُوَ الذي دخل في ضَمَانِهِ أو الْمَالَ الْمُتَعَلِّقَ بِرَقَبَتِهِ فَهُوَ الْوَاجِبُ وَإِنْ تَلِفَ في يَدِهِ قبل الْفِدَاءِ غَرِمَ لِلْمَالِكِ أَكْثَرَ الْقِيَمِ من الْغَصْبِ إلَى التَّلَفِ كَسَائِرِ الْمَغْصُوبَاتِ وَغَرِمَ أَيْضًا لِلْمَجْنِيِّ عليه الْأَقَلَّ من الْأَرْشِ وَالْقِيمَةِ أَيْ قِيمَتِهِ يوم الْجِنَايَةِ لِمَا مَرَّ أَنَّ جِنَايَةَ الْمَغْصُوبِ مَضْمُونَةٌ عليه وَلِلْمَجْنِيِّ عليه التَّعَلُّقُ مِمَّا غَرِمَ الْغَاصِبُ لِلْمَالِكِ بِقِيمَتِهِ يوم الْجِنَايَةِ فَقَطْ لِأَنَّ حَقَّهُ كان مُتَعَلِّقًا بِالرَّقَبَةِ يَوْمَئِذٍ فَتَعَلَّقَ بِبَدَلِهَا كَذَلِكَ كما لو أَتْلَفَ الْمَرْهُونَ كانت قِيمَتُهُ رَهْنًا ثُمَّ إذَا أَخَذَ الْمَجْنِيُّ عليه حَقَّهُ من الْقِيمَةِ يَكُونُ لِلْمَالِكِ الرُّجُوعُ على الْغَاصِبِ بِمَا أَخَذَ أَيْ أَخَذَهُ الْمَجْنِيُّ عليه منه لِأَنَّهُ لم يَسْلَمْ له بَلْ أُخِذَ منه بِجِنَايَةٍ مَضْمُونَةٍ على الْغَاصِبِ وَهَذَا كما يَرْجِعُ الْمَالِكُ عليه بِمَا أَخَذَ منه لِلْجِنَايَةِ حين يَرُدُّهُ أَيْ الْمَغْصُوبَ عليه قبل أَنْ يَغْرَمَ لِلْمَجْنِيِّ عليه إذَا بِيعَ في الْجِنَايَةِ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ حين كان مَضْمُونًا عليه وَيُؤْخَذُ من قَوْلِهِ ثُمَّ لِلْمَالِكِ الرُّجُوعُ أَنَّهُ لو طَلَبَ الْمَالِكُ من الْغَاصِبِ الْأَرْشَ قبل أَنْ يَأْخُذَ الْمَجْنِيُّ عليه الْقِيمَةَ منه لَا يُجَابُ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَعَلَّلَهُ بِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَجْنِيَّ عليه يُبَرِّئُ الْغَاصِبَ ثُمَّ ما يَأْخُذُهُ الْمَجْنِيُّ عليه قد يَكُونُ كُلَّ الْقِيمَةِ بِأَنْ كان الْأَرْشُ مِثْلَهَا وقد يَكُونُ بَعْضَهَا بِأَنْ كانت الْقِيمَةُ أَلْفًا وَالْأَرْشُ خَمْسَمِائَةٍ فَلَا يَأْخُذُ إلَّا خَمْسَمِائَةٍ وَلَا يَرْجِعُ الْمَالِكُ إلَّا بِخَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّ الْبَاقِيَ قد سُلِّمَ له وَكَذَا لو كانت قِيمَتُهُ أَلْفًا فَرَجَعَ بِانْخِفَاضِ السِّعْرِ إلَى خَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ جَنَى وَمَاتَ عِنْدَ الْغَاصِبِ
وَلَوْ كان أَرْشُ جِنَايَتِهِ أَكْثَرَ من قِيمَتِهِ يوم الْجِنَايَةِ وَزَادَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَ يَوْمِ الْجِنَايَةِ فَلَيْسَ له أَيْ لِلْمَجْنِيِّ عليه إلَّا ذلك أَيْ قَدْرَ قِيمَتِهِ يوم الْجِنَايَةِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَإِنْ تَخَلَّلَ الْغَصْبُ وَالرَّدُّ لِلْعَبْدِ بين الْجِنَايَةِ وَالْبَيْعِ فيها فَلَا شَيْءَ على الْغَاصِبِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ وهو غَيْرُ مَضْمُونٍ عليه
فَرْعٌ لو جَنَى الْمَغْصُوبُ جِنَايَتَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا تَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ وَالْأُولَى مِنْهُمَا في يَدِ الْمَالِكِ وَالْأُخْرَى في يَدِ الْغَاصِبِ بِيعَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِمَا وَاقْتَسَمَاهُ أَيْ ثَمَنَهُ نِصْفَيْنِ إنْ تَسَاوَى الْأَرْشَانِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَالِكُ على الْغَاصِبِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ إحْدَى الْجِنَايَتَيْنِ وُجِدَتْ وَالْعَبْدُ في ضَمَانِهِ وحينئذ لِلْمَجْنِيِّ عليه أَوَّلًا أَخْذُهَا وَلَا يَرْجِعُ بها الْأَوْلَى أَخَذُهُ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ الْمَالِكُ على الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ أُخِذَ منه بِجِنَايَةٍ غَيْرِ مَضْمُونَةٍ على الْغَاصِبِ وَلَا حَقَّ فيه لِلثَّانِي لِأَنَّ سَبَبَهُ الْغَصْبُ وهو مُتَقَدِّمٌ على حَقِّهِ فَلَا
____________________
(2/351)
يَأْخُذُ مِمَّا وَجَبَ بِهِ شيئا كما لو جَنَى عَبْدٌ على غَيْرِهِ ثُمَّ قُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ جَنَى على آخَرَ ثُمَّ قُتِلَ أو مَاتَ سِرَايَةً فإن أَرْشَ الْيَدِ لَا يَأْخُذُ منه الْمَجْنِيُّ عليه ثَانِيًا شيئا لِوُجُوبِهِ بِالْقَطْعِ الْمُتَقَدِّمِ على الْجِنَايَةِ عليه وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَلِلْمَجْنِيِّ عليه أَوَّلًا إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ قال فيها كَأَصْلِهَا وَلَوْ تَلِفَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْجِنَايَتَيْنِ في يَدِ الْغَاصِبِ فَلِلْمَالِكِ طَلَبُ الْقِيمَةِ منه وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِمَا أَخْذُهَا فإذا أَخَذَاهَا فَلِلْمَالِكِ الرُّجُوعُ بِنِصْفِهَا على الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ أَخَذَ منه نِصْفَهَا بِجِنَايَةٍ في يَدِ الْغَاصِبِ فإذا رَجَعَ بِهِ فَلِلْمَجْنِيِّ عليه أَوَّلًا أَخْذُهُ لِأَنَّهُ بَدَلُ ما تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ قبل الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ
وإذا أَخَذَهُ لم يَكُنْ له الرُّجُوعُ على الْغَاصِبِ مَرَّةً أُخْرَى لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِجِنَايَةٍ غَيْرِ مَضْمُونَةٍ على الْغَاصِبِ وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ ذلك لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا ذُكِرَ وَلَوْ جَنَى في يَدِ الْغَاصِبِ أَوَّلًا ثُمَّ في يَدِ الْمَالِكِ وَهُمَا أَيْ الْجِنَايَتَانِ مُسْتَغْرِقَتَانِ أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَغْرِقَةٌ قِيمَتَهُ بِيعَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِمَا وَقُسِّمَ ثَمَنُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلِلْمَالِكِ الرُّجُوعُ على الْغَاصِبِ بِالنِّصْفِ أَيْ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ لِلْجِنَايَةِ الْمَضْمُونَةِ عليه وَلِلْأَوَّلِ التَّعَلُّقُ بِهِ كما في الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ ثُمَّ إذَا أَخَذَهُ من الْمَالِكِ يَرْجِعُ بِهِ الْمَالِكُ على الْغَاصِبِ مَرَّةً أُخْرَى وَيَسْلَمُ له الْمَأْخُوذُ ثَانِيًا لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَخَذَ تَمَامَ الْقِيمَةِ وَالثَّانِيَ لم يَتَعَلَّقْ حَقُّهُ إلَّا بِالنِّصْفِ وقد أَخَذَهُ وَإِنْ غَصَبَهُ ثَانِيًا في هذه الصُّورَةِ وَقَتَلَهُ أو مَاتَ معه في عِبَارَتِهِ قَلْبٌ فَكَانَ الْأَوْلَى لِيُوَافِقَ أَصْلَهُ أَنْ يَقُولَ وَمَاتَ عِنْدَهُ أو قَتَلَهُ أَيْ بِلَا غَصْبٍ أُخِذَتْ منه الْقِيمَةُ وَقُسِّمَتْ بين الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِمَا ثُمَّ يَرْجِعُ عليه الْمَالِكُ بِالنِّصْفِ لِأَنَّهُ أُخِذَ منه بِسَبَبِ جِنَايَةٍ مَضْمُونَةٍ عليه فَيَأْخُذُهُ منه الْأَوَّلُ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عليه الْمَالِكُ مَرَّةً أُخْرَى وَيُسَلِّمُ له الْمَأْخُوذَ في هذه الْمَرَّةِ وقد غَرِمَ الْغَاصِبُ في هذه قَيِّمَتَيْنِ إحْدَاهُمَا بِالْجِنَايَةِ وَالْأُخْرَى بِالتَّلَفِ
فَصْلٌ وَإِنْ ارْتَدَّ أو قَتَلَ الْمَغْصُوبُ إنْسَانًا فَقُتِلَ وَلَوْ في يَدِ الْمَالِكِ بِرِدَّتِهِ أو قَتْلِهِ لَزِمَ الْغَاصِبَ أَقْصَى قِيمَةٍ من الْغَصْبِ إلَى الْقَتْلِ لِأَنَّ سَبَبَ الْفَوَاتِ حَصَلَ في يَدِهِ وَإِنْ قَطَعَ عُضْوَ غَيْرِهِ أو سَرَقَ فَقُطِعَ بِقَطْعِهِ أو سَرِقَتِهِ في يَدِ الْغَاصِبِ أو غَيْرِهِ كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي غَرِمَ نَقْصَ الْقِيمَةِ كما لو تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَإِنْ كانت الْجِنَايَةُ أو الرِّدَّةُ وَقَعَتْ في يَدِ الْمَالِكِ وَالْعُقُوبَةُ لِمَنْ وَقَعَ منه ذلك في يَدِ الْغَاصِبِ لم يَضْمَنْ كَمَنْ اشْتَرَى مُرْتَدًّا أو سَارِقًا فَقُتِلَ أو قُطِعَ في يَدِهِ لم يَضْمَنْهُ وَالْجِنَايَةُ تَشْمَلُ الْقَتْلَ وَالْقَطْعَ وَالسَّرِقَةَ فَتَعْبِيرُهُ بها أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالسَّرِقَةِ
وَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ في عَكْسِهِ أَيْ فِيمَا إذَا كانت الْجِنَايَةُ أو الرِّدَّةُ في يَدِهِ وَالْعُقُوبَةُ في يَدِ الْمَالِكِ لِأَنَّ سَبَبَ الْفَوَاتِ حَصَلَ في يَدِهِ وَهَذَا يَشْمَلُ بَعْضَ ما مَرَّ أَوَّلَ الْفَصْلِ
ثُمَّ أَخَذَ في بَيَانِ الْجِنَايَةِ عليه فقال وَإِنْ قَتَلَهُ عَبْدٌ عَمْدًا وَاقْتَصَّ الْمَالِكُ منه بَرِئَ الْغَاصِبُ لِأَنَّهُ أَخَذَ بَدَلَ حَقِّهِ وَلَا نَظَرَ مع الْقِصَاصِ إلَى تَفَاوُتِ الْقِيمَةِ كما لَا نَظَرَ في الْأَحْرَارِ إلَى تَفَاوُتِ الدِّيَةِ وَإِنْ قَتَلَهُ حُرٌّ طَالَبَهُمَا أَيْ الْمَالِكَ الْغَاصِبَ وَالْجَانِيَ أَيْ أَيَّهُمَا شَاءَ ولكن قَرَارَ ضَمَانِ قِيمَتِهِ يوم التَّلَفِ أَيْ الْقَتْلِ على الْجَانِي لِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ له وَالزَّائِدُ على قِيمَتِهِ يوم الْقَتْلِ على الْغَاصِبِ بِحُكْمِ الْيَدِ وَإِنْ قَتَلَهُ عَبْدٌ خَطَأً أو شِبْهَ عَمْدٍ أو عَمْدًا وَآلَ الْأَمْرُ إلَى مَالٍ تَعَلَّقَ الْمَالُ بِرَقَبَتِهِ أَيْ الْجَانِي وَبِالْغَاصِبِ فَيَتَخَيَّرُ مَالِكُهُ بَيْنَهُمَا ولكن الْقَرَارَ في رَقَبَتِهِ لِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ وَالزَّائِدُ على قِيمَتِهِ يوم الْقَتْلِ على الْغَاصِبِ بِحُكْمِ الْيَدِ فَلَوْ غَرَّمَهُ الْمَالِكُ ابْتِدَاءً الْقِيمَةَ رَجَعَ بها على سَيِّدِ الْجَانِي إلَّا ما لَا يُطَالَبُ بِهِ إلَّا الْغَاصِبُ وَكَذَا في الْجِرَاحَةِ يُطَالِبُهُمَا والقرار لِبَدَلِهَا الْمُقَدَّرِ وَغَيْرِهِ على الْجَانِي حُرًّا كان أو عَبْدًا لَكِنَّهُ في الْعَبْدِ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وفي النَّقْصِ لِلْقِيمَةِ يَكُونُ النَّقْصُ الزَّائِدُ على الْجِرَاحَةِ الْمُقَدَّرَةِ أَيْ على أَرْشِهَا الْمُقَدَّرِ على الْغَاصِبِ بِخِلَافِ ما ذَهَبَ من الْمَغْصُوبِ كَيَدِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فإن الزَّائِدَ بِتَقْدِيرِ الْجِنَايَةِ عن بِمَعْنَى على نُقْصَانِ الْقِيمَةِ يَسْقُطُ على الْغَاصِبِ يَعْنِي لَا يُطَالَبُ بِهِ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ في الطَّرَفِ الثَّانِي
وَإِنْ لم تَكُنْ أَيْ الْجِرَاحَةُ مُقَدَّرَةً أَيْ أَرْشُهَا مُقَدَّرًا فَالْمُعْتَبَرُ في النَّقْصِ نَقْصُ الْقِيمَةِ بَعْدَ الِانْدِمَالِ فَإِنْ لم يَكُنْ حِينَئِذٍ نَقْصٌ لم يُطَالَبْ بِشَيْءٍ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وفي الْمُطَالَبَةِ بِأَرْشِ الْمُقَدَّرَةِ قبل الِانْدِمَالِ الْقَوْلَانِ في الْجِنَايَةِ على الْحُرِّ وَسَيَأْتِي فيها أَنَّ الْمُرَجَّحَ الْمَنْعُ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِ نَقْصٍ بِسَرَيَانٍ إلَى نَفْسٍ أو شَرِكَةِ جَارِحٍ وَإِنْ قُطِعَتْ يَدُهُ قِصَاصًا أو حَدًّا فَكَالْآفَةِ أَيْ فَهَلْ هو كَذَهَابِهَا بِالْآفَةِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُهُ من حَيْثُ إنَّهُ تَلَفٌ لَا بَدَلَ له أو الْجِنَايَةُ عليه لِأَنَّهُ
____________________
(2/352)
يُشْبِهُهَا من حَيْثُ حُصُولُهُ بِالِاخْتِيَارِ وَجْهَانِ وَالْمُرَادُ هل يَجِبُ على الْغَاصِبِ أَرْشُ النَّقْصِ أو الْأَكْثَرُ منه وَمِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ لِمَا مَرَّ من قَوْلِهِ وَإِنْ قَطَعَ أو سَرَقَ فَقُطِعَ في يَدِ الْغَاصِبِ غَرِمَ نَقْصَ الْقِيمَةِ كما لو تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَرَجَّحَهُ ابن أبي عَصْرُونٍ وهو الصَّوَابُ
فَرْعٌ وَإِنْ قَتَلَ الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ إنْسَانًا ثُمَّ قَتَلَهُ في يَدِ الْغَاصِبِ عَبْدٌ لِآخَرَ أَيْ لِغَيْرِ الْمَغْصُوبِ منه فَاقْتَصَّ منه السَّيِّدُ أَيْ الْمَغْصُوبُ منه سَقَطَ بِهِ الضَّمَانُ عن الْغَاصِبِ وَبَطَلَ حَقُّ وَرَثَةِ الْإِنْسَانِ الْمَقْتُولِ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْجَانِيَ إذَا هَلَكَ ولم يَحْصُلْ له عِوَضٌ يَضِيعُ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عليه وَلَوْ حَذَفَ بَطَلَ كان أَخْصَرَ وَأَوْفَقَ بِعِبَارَةِ الْأَصْلِ حَيْثُ عَبَّرَ في الْمَوْضِعَيْنِ بِالسُّقُوطِ نعم إنْ حَدَثَ فيه أَيْ في الْمَغْصُوبِ عَيْبٌ بَعْدَ الْجِنَايَةِ منه غَرِمَهُ أَيْ أَرْشَ الْعَيْبِ الْغَاصِبُ وَتَعَلَّقَ بِهِ الْوَرَثَةُ أَيْ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ أو حَدَثَ فيه عَيْبٌ قَبْلَهَا فَازَ بِهِ أَيْ بِأَرْشِهِ الْمَالِكُ لِأَنَّ الْجُزْءَ الْمُقَابِلَ لِلْأَرْشِ كان مَفْقُودًا عِنْدَ الْجِنَايَةِ وَإِنْ عَفَا الْمَالِكُ عن الْقِصَاصِ على مَالٍ أو كان الْوَاجِبُ بِالْجِنَايَةِ مَالًا تَعَلَّقَ بِهِ الْوَرَثَةُ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْجَانِي على مُوَرِّثِهِمْ
وإذا أَخَذُوهُ رَجَعَ بِهِ الْمَالِكُ على الْغَاصِبِ ثَانِيًا لِأَنَّهُ أُخِذَ منه بِسَبَبِ جِنَايَةٍ مَضْمُونَةٍ عليه وَيَسْلَمُ له كما مَرَّ نَظِيرُهُ وَإِنْ قَتَلَ الْمَغْصُوبُ غَاصِبَهُ فَقَتَلَهُ وَرَثَتُهُ وَلَوْ بَعْدَ رَدِّهِ لِلْمَالِكِ أو أَخَذُوا الدِّيَةَ من رَقَبَتِهِ غَرِمُوا قِيمَتَهُ لِسَيِّدِهِ من التَّرِكَةِ وَإِنْ عَفَوْا عن الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ سَقَطَ الضَّمَانُ عن الْغَاصِبِ في الْمَالِ وَإِنْ قَتَلَ سَيِّدَهُ وهو في يَدِ الْغَاصِبِ ثُمَّ اقْتَصَّ وَرَثَتُهُ منه رَجَعُوا بِقِيمَتِهِ على الْغَاصِبِ وَإِنْ صَالَ الْمَغْصُوبُ على إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ دَفْعًا عنه فَالضَّمَانُ على الْغَاصِبِ فَقَطْ أَيْ دُونَ الْقَاتِلِ وَلَوْ صَالَ على الْغَاصِبِ فَقَتَلَهُ دَفْعًا عنه فَظَاهِرٌ أَنَّهُ كَتَلَفِهِ بِآفَةٍ فَيَضْمَنُهُ
فَصْلٌ وَإِنْ نَقَلَ تُرَابُ أَرْضِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِكَشْطِ وَجْهِهَا أو حَفْرِ بِئْرٍ أو نَهْرٍ فيها أَجْبَرَهُ الْمَالِكُ على رَدِّهِ إلَى مَحَلِّهِ كما كان قبل نَقْلِهِ من انْبِسَاطٍ وَارْتِفَاعٍ وَلَوْ غَرِمَ عليه أَضْعَافَ قِيمَتِهِ هذا إنْ بَقِيَ وَإِنْ تَلِفَ فَمِثْلُهُ أَيْ فَيَجْبُرُهُ على رَدِّ مِثْلِهِ كما كان هو لِأَنَّ التُّرَابَ مِثْلِيٌّ كما مَرَّ فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّ مِثْلِهِ غَرِمَ الْأَرْشَ فَإِنْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ لم يُطَالِبْ ه الْمَالِكُ بِرَدِّهِ فَلَيْسَ له رَدُّهُ بِغَيْرِ إذْنٍ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ في مِلْكِ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَضِيقَ مِلْكُهُ أو مِلْكُ غَيْرِهِ أو كان الْمَنْقُولُ إلَيْهِ شَارِعًا وَخَشِيَ التَّعَثُّرَ بِهِ أَيْ خَشِيَ منه ضَمَانًا فَلَهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِرَدِّهِ وَإِنْ مَنَعَهُ الْمَالِكُ لِأَنَّ له في ذلك غَرَضًا بِخِلَافِ ما إذَا لم يَكُنْ شَيْءٌ من ذلك كان نَقْلُهُ منها إلَى مَوَاتٍ أو من أَحَدِ طَرَفَيْهَا إلَى الْآخَرِ فَلَا يَسْتَقِلُّ بِرَدِّهِ كما شَمِلَهُ الْمُسْتَثْنَى منه فَلَوْ اسْتَقَلَّ بِرَدِّهِ فَلِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ على نَقْلِهِ ثَانِيًا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ مَنَعَهُ الْمَالِكُ من زِيَادَتِهِ وَكَذَا يَسْتَقِلُّ بِهِ إنْ زَالَ بِهِ نَقْصُ الْأَرْضِ إلَّا إنْ أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ عن الْأَرْشِ فَلَا يَسْتَقِلُّ بِرَدِّهِ إذْ لَا غَرَضَ له فيه وَالتَّصْرِيحُ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الرُّويَانِيُّ وَحَيْثُ كان له غَرَضٌ في رَدِّهِ فَرَدَّهُ فَمَنَعَهُ الْمَالِكُ من بَسْطِهِ لم يَبْسُطْهُ وَإِنْ كان في الْأَصْلِ مَبْسُوطًا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
فَلَوْ كان الْمَحْفُورُ بِئْرًا فَلِلْغَاصِبِ طَمُّهَا بِتُرَابِهَا إنْ بَقِيَ وَبِمِثْلِهِ إنْ تَلِفَ لِيَنْدَفِعَ عنه ضَمَانُ التَّرَدِّي فيها فَإِنْ طَالَبَ ه الْمَالِكُ بِهِ لَزِمَهُ وَإِنْ رضي الْمَالِكُ بِاسْتِدَامَتِهَا فَإِنْ كان لَا ضَرَرَ على الْغَاصِبِ إلَّا خَوْفَ ضَمَانِ من يَقَعُ فيها انْدَفَعَ عنه الضَّمَانُ بِرِضَاهُ ولم يَكُنْ له طَمُّهَا لِخُرُوجِهِ عن أَنْ يَكُونَ جِنَايَةً وَتَعَدِّيًا فَإِنْ مَنَعَهُ من الطَّمِّ ولم يَقُلْ رَضِيت بِبَقَائِهَا فَهَلْ يَكُونُ كَالرِّضَا بِاسْتِدَامَتِهَا لِتَضَمُّنِ مَنْعِهِ له من الطَّمِّ ذلك فَيَنْدَفِعُ عنه ضَمَانُ التَّرَدِّي أو لَا لِعَدَمِ تَصْرِيحِهِ بِالرِّضَا وَجْهَانِ
____________________
(2/353)
أَوْجُهُهُمَا الْأَوَّلُ وهو ما نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ وابن الرِّفْعَةِ عن الْأَصْحَابِ أَمَّا إذَا كان عليه ضَرَرٌ غَيْرُ خَوْفِ ضَمَانِ من يَقَعُ فيها فَلَهُ طَمُّهَا وَإِنْ طَوَى الْغَاصِبُ الْبِئْرَ بِآلَتِهِ فَلَهُ أَخْذُ آلَتِهِ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَلِلْمَالِكِ تَكْلِيفُهُ أَخْذَهَا تَفْرِيغًا لِمِلْكِهِ وَلَوْ تَرَكَهَا له هِبَةً أو إعْرَاضًا إذْ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهَا وَعَلَيْهِ أَيْ الْغَاصِبِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ لِمُدَّةِ الْحَفْرِ وَالرَّدِّ وَإِنْ لم يَبْقَ فيها نَقْصٌ لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا بِسَبَبٍ مُتَعَدٍّ فيه وعليه مَعَهَا أَرْشُ نَقْصٍ إنْ بَقِيَ لِاخْتِلَافِ سَبَبِهِمَا وَحَيْثُ قُلْنَا له الرَّدُّ لِلتُّرَابِ من الشَّارِعِ وَمِلْكِهِ بَلْ وَمِلْكُ غَيْرِهِ فَوَجَدَ في طَرِيقِهِ أو في غَيْرِهِ ولم تَزِدْ مَشَقَّتُهُ على الْأَوْجَهِ من تَرَدُّدٍ نَقَلَهُ الْإِمَامُ عن الْأَئِمَّةِ مَوَاتًا أو نَحْوَهُ وَاقْتَصَرَ في الرَّدِّ عليه أَيْ على رَدِّهِ إلَى الْمَوَاتِ أو نَحْوِهِ إلَّا إنْ طَلَبَ الْمَالِكُ الرَّدَّ له إلَى مَحَلِّهِ فَيَجِبُ رَدُّهُ إلَيْهِ
فَصْلٌ إذَا خَصَى الْغَاصِبُ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ بِأَنْ قَطَعَ أُنْثَيَيْهِ دُونَ ذَكَرِهِ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ بِنَاءً على أَنَّ جِرَاحَ الْعَبْدِ تَتَقَدَّرُ وهو الْجَدِيدُ فَلَوْ قَطَعَ جَمِيعَ ذلك لَزِمَهُ قِيمَتَاهُ إلَّا أَيْ لَكِنْ إنْ حَصَلَ ذلك بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ لَكِنْ إنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِذَلِكَ ضَمِنَ النَّقْصَ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ أَغْلَى الْغَاصِبُ دُهْنًا غَصَبَهُ فَنَقَصَ عَيْنُهُ دُونَ قِيمَتِهِ رَدَّهُ وَغَرِمَ مِثْلَ الذَّاهِبِ لِأَنَّ لِلدُّهْنِ بَدَلًا مُقَدَّرًا وهو الْمِثْلُ فَأَوْجَبْنَاهُ وَإِنْ زَادَتْ الْقِيمَةُ بِالْإِغْلَاءِ حتى جَبَرَتْ النَّقْصَ كَخِصَاءِ الْعَبْدِ أو عَكْسِهِ أَيْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ دُونَ عَيْنِهِ غَرِمَ مع رَدِّهِ الْأَرْشَ لِلنَّقْصِ كَغَيْرِهِ أو نَقَصَا مَعًا غَرِمَ مع رَدِّ الْبَاقِي مِثْلَ الذَّاهِبِ وَنَقْصِ الْقِيمَةِ إنْ كان أَكْثَرَ من قِيمَةِ الذَّاهِبِ كما لو كان صَاعًا يُسَاوِي دِرْهَمًا فَرَجَعَ بِالْإِغْلَاءِ إلَى نِصْفِ صَاعٍ يُسَاوِي أَقَلَّ من نِصْفِ دِرْهَمٍ فَإِنْ لم يَكُنْ نَقْصُ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ فَلَا أَرْشَ وَإِنْ لم يَنْقُصْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَا شَيْءَ غَيْرُ الرَّدِّ
وَإِنْ كان الْمَغْصُوبُ عَصِيرًا فَأَغْلَاهُ فَنَقَصَ عَيْنُهُ دُونَ قِيمَتِهِ لم يَضْمَنْ مِثْلُ الذَّاهِبِ لِأَنَّ الذَّاهِبَ منه مَائِيَّةٌ لَا قِيمَةَ لها وَالذَّاهِبُ من الدُّهْنِ دُهْنٌ مُتَقَوِّمٌ وَفَارَقَ نَظِيرَهُ في الْفَلَسِ حَيْثُ يَضْمَنُ مِثْلَ الذَّاهِبِ لِلْبَائِعِ كَالزَّيْتِ بِأَنَّ ما زَادَ بِالْإِغْلَاءِ ثُمَّ لِلْمُشْتَرِي فيه حِصَّةٌ فَلَوْ لم يَضْمَنْ الْمُشْتَرِي ذلك لَأَجْحَفْنَا بِالْبَائِعِ وَالزَّائِدُ بِالْإِغْلَاءِ هُنَا لِلْمَالِكِ فَانْجَبَرَ بِهِ الذَّاهِبُ
وَكَذَا الرُّطَبُ يَصِيرُ تَمْرًا قال في الْأَصْلِ وَالْعَصِيرُ يَصِيرُ خَلًّا إذَا نَقَصَتْ عَيْنُهُ دُونَ قِيمَتِهِ لَا يُضْمَنُ مِثْلُ الذَّاهِبِ وَأَجْرَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ في اللَّبَنِ إذَا صَارَ جُبْنًا وَنَقَصَ كَذَلِكَ قال ابن الرِّفْعَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْجُبْنَ لَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ حتى تُعْرَفَ نِسْبَةُ نَقْصِهِ من عَيْنِ اللَّبَنِ
انْتَهَى
نعم تُعْرَفُ النِّسْبَةُ بِوَزْنِهِمَا وَيُؤْخَذُ من التَّعْلِيلِ بِأَنَّ الذَّاهِبَ مِمَّا ذُكِرَ مَائِيَّةٌ لَا قِيمَةَ لها أَنَّهُ لو نَقَصَ منه عَيْنُهُ وَقِيمَتُهُ ضَمِنَ الْقِيمَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَضْمَنُ مِثْلَ الذَّاهِبِ كَالدُّهْنِ
فَصْلٌ لو هَزِلَتْ الدَّابَّةُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ في يَدِ الْغَاصِبِ فَنَقَصَتْ قِيمَتُهَا ثُمَّ سَمِنَتْ فَعَادَتْ الْقِيمَةُ لم يَنْجَبِرْ نَقْصُهَا فَيَرُدُّهَا مع أَرْشِ السِّمَنِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْعَائِدَ غَيْرُ الْأَوَّلِ وَعَوْدُ الْحُسْنِ كَعَوْدِ السِّمَنِ لَا كَتَذَكُّرِ الصَّنْعَةِ قَالَهُ الْإِمَامُ وَكَذَا لو كَسَرَ الْغَاصِبُ الْحُلِيَّ أو الْإِنَاءَ فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ ثُمَّ أَعَادَهُ لم يَنْجَبِرْ نَقْصُهُ فَيَرُدُّهُ مع أَرْشِ النَّقْصِ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ صَنْعَةٌ أُخْرَى وهو مُتَبَرِّعٌ بها وَلَوْ نَسِيَ الْمَغْصُوبُ صَنْعَةً فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ ثُمَّ تَذَكَّرَ الصَّنْعَةَ أو تَعَلَّمَهَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ولم يَنْقُصْ عن قِيمَتِهِ الْأُولَى بَلْ سَاوَاهَا أو زَادَ عليها انْجَبَرَتْ أَيْ الصَّنْعَةُ أَيْ نَقْصُهَا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ في الْعُرْفِ شيئا جَدِيدًا بِخِلَافِ السِّمَنِ أَمَّا إذَا نَقَصَ عن قِيمَتِهِ الْأُولَى فَيَضْمَنُ ما بَقِيَ من النَّقْصِ وَيَنْجَبِرُ الْبَاقِي فَلَوْ عَلَّمَهُ سُورَةً أو حِرْفَةً مِرَارًا وهو يَنْسَاهَا في كل مَرَّةٍ ضَمِنَ أَكْثَرَ الْمَرَّاتِ نَقْصًا
وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لو تَذَكَّرَ الصَّنْعَةَ في يَدِ الْمَالِكِ انْجَبَرَتْ أَيْضًا حتى يَسْتَرِدَّ منه الْغَاصِبُ الْأَرْشَ قال في الْمَطْلَبِ
____________________
(2/354)
وهو الذي يَظْهَرُ قال الْإِسْنَوِيُّ وَسَكَتَ يَعْنِي صَاحِبُ الْمَطْلَبِ عن تَعَلُّمِهَا وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْمُتَّجَهُ فيه عَدَمُ الِاسْتِرْدَادِ
لَا بِتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ أُخْرَى وَلَا بِإِحْدَاثِهَا في الْحُلِيِّ أو نَحْوِهِ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى مِمَّا مَرَّ في إعَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا لِأَنَّ ذلك يُعَدُّ في الْعُرْفِ شيئا جَدِيدًا وَلِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ وَلَوْ سَمِنَتْ عِنْدَهُ الدَّابَّةُ فَزَادَتْ قِيمَتُهَا عَمَّا كانت ثُمَّ هَزِلَتْ فَنَقَصَتْ قِيمَتُهَا مَرَّتَيْنِ بِأَنْ سَمِنَتْ بَعْدَ هُزَالِهَا الثَّانِي ثُمَّ هَزِلَتْ ضَمِنَ مع رَدِّهَا أَرْشَ نَقْصِ السَّمْنَيْنِ وَإِنْ كانت قِيمَتُهَا مِائَةً فَبَلَغَتْ بِالسِّمَنِ أَلْفًا ثُمَّ بِتَعَلُّمِ الصَّنْعَةِ أَلْفَيْنِ فَنَسِيَتْهَا أَيْ الصَّنْعَةَ وَهَزِلَتْ أَيْ الدَّابَّةُ فَعَادَتْ قِيمَتُهَا مِائَةً ضَمِنَ مع رَدِّهَا أَلْفًا وَتِسْعَمِائَةٍ لِأَنَّ ذلك أَقْصَى قِيَمِ الذَّاهِبِ منها
وَلَا يُضْمَنُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وهو سِمَنٌ مُفْرِطٌ قَائِمٌ بِجَارِيَةٍ لَا يُنْقِصُ فَوَاتُهُ الْقِيمَةَ إذَا فَاتَ وَلَوْ بِتَفْوِيتِهِ لِأَنَّ السِّمَنَ ليس له بَدَلٌ مُقَدَّرٌ بِخِلَافِ الْأُنْثَيَيْنِ فَلَوْ انْعَكَسَ الْحَالُ بِأَنْ كانت مُعْتَدِلَةً فَسَمِنَتْ في يَدِ الْغَاصِبِ سِمَنًا مُفْرِطًا وَنَقَصَتْ قِيمَتُهَا فإنه يَرُدُّهَا وَلَا شَيْءَ عليه لِأَنَّهَا لم تَنْقُصْ حَقِيقَةً وَلَا عُرْفًا كَذَا نَقَلَهُ في الْكِفَايَةِ عن الطَّبَرِيِّ قال الْإِسْنَوِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ
فَرْعٌ لو تَعَلَّمَتْ الْجَارِيَةُ الْمَغْصُوبَةُ الْغِنَاءَ فَزَادَتْ قِيمَتُهَا ثُمَّ نَسِيَتْهُ لم يَضْمَنْهُ قال في الْأَصْلِ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ كما في كَسْرِ الْمَلَاهِي وهو مَحْمُولٌ على غِنَاءٍ يُخَافُ منه الْفِتْنَةُ لِئَلَّا يُنَافِيَ ما صَحَّحَهُ في الشَّهَادَاتِ من أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَيُفَارِقُ صِحَّةَ بَيْعِهَا فِيمَا لو اشْتَرَاهَا بِأَلْفَيْنِ وَقِيمَتُهَا سَاذَجَةٌ أَلْفٌ كما مَرَّ في بَابِهِ بِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ على نَفْسِهَا لَا على الْغِنَاءِ كما لو اشْتَرَى ما يُسَاوِي دِرْهَمًا بِأَلْفٍ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ فإن الْوَاجِبَ رَدُّ الْعَيْنِ وقد رَدَّهَا وَكَالْجَارِيَةِ فِيمَا ذُكِرَ الْعَبْدُ وما نَقَلَهُ الْأَصْلُ فيه من لُزُومِ تَمَامِ قِيمَتِهِ يُحْمَلُ على ذلك أو أَتْلَفَ دِيكَ الْهِرَاشِ أو كَبْشَ النِّطَاحِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ضَمِنَهُ غير مُهَارِشٍ أو نَاطِحٍ لِأَنَّ ذلك مُحَرَّمٌ
فَرْعٌ مَرَضُ الرَّقِيقِ الْمَغْصُوبِ وَتَمَعُّطُ شَعْرِهِ وَسُقُوطُ سِنِّهِ يَنْجَبِرُ بِعَوْدِهِ كما كان وَلَوْ عَادَ بَعْدَ الرَّدِّ لِلْمَالِكِ لَا سُقُوطُ صُوفِ الشَّاةِ وَوَرَقِ الشَّجَرِ فَلَا يَنْجَبِرَانِ بِعَوْدِهِمَا كما كَانَا لِأَنَّهُمَا مُتَقَوِّمَانِ فَيَغْرَمُهُمَا وَصِحَّةُ الرَّقِيقِ وَشَعْرُهُ وَسِنُّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ وَإِنَّمَا يَغْرَمُ أَرْشَ النَّقْصِ بِفَقْدِهَا وقد زَالَ نَقَلَهُ الْأَصْلُ في الْأَخِيرَيْنِ عن الْبَغَوِيّ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو مُشْكِلٌ وَلَعَلَّ عَوْدَهُمَا أَوْلَى بِعَدَمِ الْجَبْرِ من السِّمَنِ على أَنَّ كَلَامَهُمْ في سُقُوطِ سِنِّ الْمَثْغُورِ في الْجِنَايَاتِ ثُمَّ عَوْدِهَا قد يُنَازَعُ فِيمَا قَالَهُ قال ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الرِّفْعَةِ قال هُنَا وفي مَسْأَلَةِ السِّنِّ نَظَرٌ يُتَلَقَّى من أَنَّ سِنَّ الصَّغِيرِ إذَا قُلِعَ ثُمَّ عَادَ هل تَجِبُ معه حُكُومَةٌ أو لَا
فَصْلٌ لو غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ عِنْدَهُ ضَمِنَهُ عَصِيرًا لِفَوَاتِ مَالِيَّتِهِ وَعَلَيْهِ إرَاقَتُهَا أَيْ الْخَمْرِ إنْ عُصِرَتْ بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ له إرَاقَتُهَا لِاحْتِرَامِهَا كما أَشَارَ إلَيْهِ الْأَصْلُ فَلَوْ عَادَتْ خَلًّا عِنْدَهُ رَدَّهُ لِلْمَالِكِ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ وَإِنَّمَا انْتَقَلَ من صِفَةٍ إلَى أُخْرَى بِالْأَرْشِ أَيْ مع أَرْشِ نَقْصِهِ إنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ عن الْعَصِيرِ لِحُصُولِهِ في يَدِهِ وَاسْتَرَدَّ منه ما غَرِمَ له من الْعَصِيرِ لِوُصُولِهِ إلَى عَيْنِ مَالِهِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَلَوْ غَصَبَ بَيْضَةً فَتَفَرَّخَتْ عِنْدَهُ أو بَذْرًا فَزَرَعَهُ وَنَبَتَ أو بَذْرَ قَزٍّ فَصَارَ قَزًّا أَخَذَهُ الْمَالِكُ لِأَنَّهُ فَرْعُ مِلْكِهِ وَيَغْرَمُ له الْغَاصِبُ أَرْشَ النَّقْصِ إنْ كان لِمَا مَرَّ وَلَوْ أَخَذَ خَمْرًا أو جِلْدَ مَيِّتَةٍ فَتَخَلَّلَتْ أَيْ الْخَمْرَةُ وَدَبَغَهُ أَيْ الْجِلْدَ لَزِمَهُ رَدُّهُمَا أَيْ الْخَلِّ وَالْجِلْدِ لِلْمَالِكِ لِأَنَّهُمَا فَرْعُ ما هو مُخْتَصٌّ بِهِ
وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ إخْرَاجُ الْخَمْرَةِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ وَبِهِ جَزَمَ الْإِمَامُ وَسَوَّى الْمُتَوَلِّي بَيْنَهُمَا وهو أَوْجُهُ إلَّا إنْ أَعْرَضَ الْمَالِكُ عنهما أَيْ عن الْخَمْرِ وَالْجِلْدِ فَلَا يَلْزَمُ الْآخِذَ رَدُّهُمَا وَلَيْسَ
____________________
(2/355)
لِلْمَالِكِ اسْتِرْدَادُهُمَا
فَرْعٌ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا لو غَصَبَ وَثِيقَةً أو سِجِلًّا وَأَتْلَفَهُ ضَمِنَ قِيمَةَ الْكَاغَدِ وَإِنْ بَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَلَوْ مَحَاهُ فَقَطْ فَلَا غُرْمَ عليه إلَّا أَنْ تَنْقُصَ قِيمَةُ الْكَاغَدِ فَيَغْرَمَ نَقْصَهُ وَسَيَأْتِي ذلك في آخِرِ الْوَدِيعَةِ
الطَّرَفُ الثَّانِي في الزِّيَادَةِ وَهِيَ عَيْنٌ وَأَثَرٌ فَالْأَثَرُ لَا حَقَّ لِلْغَاصِبِ فيه لِتَعَدِّيهِ بِهِ بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ وهو كَالْقِصَارَةِ وَالْحِيَاكَةِ وَالْخِيَاطَةِ بِخَيْطٍ لِلْمَالِكِ لَا بِخَيْطٍ لِغَيْرِهِ وَغَزْلِ الْقُطْنِ أو نَحْوِهِ وَضَرْبِ النُّقْرَةِ أَيْ الْفِضَّةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا وَطَحْنِ الْحِنْطَةِ وَضَرْبِ الطِّينِ لِبِنَاءٍ وَذَبْحِ الشَّاةِ وَشَيِّهَا وَلِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ على إعَادَتِهِ كما كان إنْ أَمْكَنَ كَإِعَادَةِ الدَّرَاهِمِ سَبَائِكَ وَاللَّبِنَ طِينًا فَإِنْ لم يُمْكِنْ كَالْقِصَارَةِ فَلَيْسَ له إجْبَارُهُ عليها بَلْ يَأْخُذُهُ بِحَالِهِ مع أَرْشِ نَقْصِهِ إنْ نَقَصَ عَمَّا كان قبل الزِّيَادَةِ وَإِنْ رضي الْمَالِكُ بِهِ أَيْ بِمَا يُمْكِنُ إعَادَتُهُ بِحَالِهِ أُجْبِرَ الْغَاصِبُ على تَسْلِيمِهِ له بِحَالِهِ وعلى غُرْمِ أَرْشِ النَّقْصِ إنْ كان إلَّا أَنْ يَكُونَ له غَرَضٌ في الْإِعَادَةِ كما سَيَأْتِي فَإِنْ نَسَجَ الثَّوْبَ من الْغَزْلِ أو ضَرَبَ النُّقْرَةَ دَرَاهِمَ مَثَلًا كان لِلْمَالِكِ أَخْذُهُ مع أَرْشِ نَقْصِهِ إنْ كان وَلَا يُكَلَّفُ الْغَاصِبُ نَقْصَ النَّسْجِ إلَّا في الْخَزِّ وَنَحْوِهِ فَيُكَلَّفُ نَقْصُهُ إنْ رضي بِهِ الْمَالِكُ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ في الْخَزِّ وَنَحْوِهِ دُونَ غَيْرِهِمَا وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ إنْ رضي بِهِ الْمَالِكُ من زِيَادَتِهِ وَعَلَيْهِ أَرْشُ نَقْصِ الْغَزْلِ إنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِنَقْضِهِ عن قِيمَتِهِ في الْأَصْلِ لَا أَرْشُ نَقْصِ الصَّنْعَةِ
وَهِيَ النَّسْجُ إلَّا إنْ نَقَضَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ له فإنه يَضْمَنُهَا أَيْضًا لِعَدَمِ الْإِذْنِ وَلَوْ خَشِيَ على نَفْسِهِ من بَقَائِهَا ضَرَرًا من تَعْزِيرٍ أو غَيْرِهِ كَمَنْ ضَرَبَ الدَّرَاهِمَ بِغَيْرِ إذْنِ السُّلْطَانِ أو على غَيْرِهِ عِيَارَهُ فَلَهُ إبْطَالُهَا وَإِنْ لم يَرْضَ بِهِ الْمَالِكُ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَخْشَ سَوَاءٌ أَرَضِيَ الْمَالِكُ بِبَقَائِهَا أَمْ سَكَتَ عن الرِّضَا وَالْمَنْعِ وَلَوْ ضَرَبَ الشَّرِيكُ الطِّينَ الْمُشْتَرَكَ لَبِنًا أو السَّبَائِكَ دَرَاهِمَ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَيَجُوزُ له كما أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ أَنْ يَنْقُضَهُ وَإِنْ رضي شَرِيكُهُ بِالْبَقَاءِ لِيَنْتَفِعَ بِمِلْكِهِ كما كان وَأَمَّا الْعَيْنُ فَكَالصَّبْغِ لِلثَّوْبِ وَنُقَدِّمُ عليه صُورَتَيْنِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَيْهِمَا إحْدَاهُمَا أَنْ يَغْصِبَ أَرْضًا فَيَبْنِيَ فيها أو يَغْرِسَ فَيَقْلَعُ مَجَّانًا لِتَعَدِّيهِ وَلَوْ أَرَادَ الْقَلْعَ لم يَكُنْ لِلْمَالِكِ مَنْعُهُ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَتَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ لِلْأَرْضِ وَإِنْ قَلَعَ وفي وُجُوبِ الْأَرْشِ مَعَهَا وَالتَّسْوِيَةِ عليه ما سَبَقَ في نَقْلِ التُّرَابِ فَيَجِبَانِ عليه وَلَوْ أَرَادَ الْمَالِكُ التَّمَلُّكَ لِلْبِنَاءِ أو الْغَرْسِ بِالْقِيمَةِ أو الْإِبْقَاءَ له بِالْأُجْرَةِ لم يَجِبْ إلَيْهِ أَيْ لم يَلْزَمْ الْغَاصِبَ إجَابَتُهُ لِتَمَكُّنِهِ من الْقَلْعِ بِلَا غَرَامَةٍ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ وَإِنْ غَصَبَ من غَيْرِهِ أَرْضَهُ وَبَذْرَهُ وَبَذَرَهَا بِهِ فَلِلْمَالِكِ تَكْلِيفُهُ إخْرَاجَ الْبَذْرِ منها وَأَرْشُ النَّقْصِ وَإِنْ رضي الْمَالِكُ بِهِ أَيْ بِبَقَاءِ الْبَذْرِ في الْأَرْضِ لم يُخْرِجْ ه الْغَاصِبُ منها
الثَّانِيَةُ لو زَوَّقَ الْغَاصِبُ الدَّارَ الْمَغْصُوبَ بِمَا لَا يَتَحَصَّلُ منه شَيْءٌ بِقَلْعِهِ لم يَجُزْ له قَلْعُهُ وَإِنْ رضي بِهِ أَيْ بِبَقَائِهِ الْمَالِكُ وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ عليه كَالثَّوْبِ إذَا قَصَّرَهُ وَهَذَا ما رَجَّحَهُ في الرَّوْضَةِ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَرْجِيحَهُ عن الْبَغَوِيّ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَقْوَى أَنَّ له إجْبَارَهُ لِأَنَّهُ عَيْنُ حَقِّهِ وَلَيْسَ أَثَرًا مَحْضًا كَالْقِصَارَةِ
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُفَصِّلَ فيه كَالْأَثَرِ بين ما يُمْكِنُ قَلْعُهُ وما لَا يُمْكِنُ قَلْعُهُ فَإِنْ تَحَصَّلَ منه شَيْءٌ بِقَلْعِهِ فَلَهُ قَلْعُهُ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ لِلْمَقْلُوعِ قِيمَةٌ أَمْ لَا وَلِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ على قَلْعِهِ وَلَوْ تَرَكَهُ الْغَاصِبُ لِلْمَالِكِ لِيَدْفَعَ عنه كُلْفَةَ الْقَلْعِ فَفِي إجْبَارِهِ على قَبُولِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي في الصَّبْغِ في الْفَرْعِ الْآتِي إذَا ثَبَتَ
____________________
(2/356)
هذا عُدْنَا إلَى الصَّبْغِ فإذا صَبَغَ الْغَاصِبُ الثَّوْبَ الْمَغْصُوبَ بِصَبْغِهِ وكان الْحَاصِلُ تَمْوِيهًا لَا يَحْصُلُ منه بِالِانْصِبَاغِ عَيْنُ مَالٍ فَكَالتَّزْوِيقِ فِيمَا مَرَّ وَإِنْ حَصَلَ منه ذلك ولم يُمْكِنْ فَصْلُهُ اشْتَرَكَا في الثَّوْبِ وَالصَّبْغِ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالٍ انْضَمَّ إلَى مِلْكِ الْمَغْصُوبِ منه بِخِلَافِ نَحْوِ السِّمَنِ وَالْقِصَارَةِ وَالطَّحْنِ فإنه أَثَرٌ مَحْضٌ فَلَوْ كانت قِيمَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَشَرَةً وَصَارَ الثَّوْبُ مَصْبُوغًا يُسَاوِي عِشْرِينَ أو ثَلَاثِينَ فَهِيَ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في الْفَلَسِ فإن الزِّيَادَةَ الْحَاصِلَةَ بِالصَّنْعَةِ لِلْمُفْلِسِ لِأَنَّهُ عَمَلٌ في خَالِصِ مِلْكِهِ ثُمَّ شَرِكَتُهُمَا فِيمَا ذَكَرَ لَيْسَتْ على الْإِشَاعَةِ بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَمْلِكُ ما كان له مع ما يَخُصُّهُ من الزَّائِدِ
وَلَوْ حَصَلَ فِيهِمَا أو في أَحَدِهِمَا نَقْصٌ أو زِيَادَةٌ لِانْخِفَاضِ سِعْرِ أَحَدِهِمَا في النَّقْصِ أو ارْتِفَاعِهِ في الزِّيَادَةِ عُمِلَ بِهِ فَيَكُونُ النَّقْصُ أو الزِّيَادَةُ لَاحِقًا لِمَنْ انْخَفَضَ أو ارْتَفَعَ سِعْرُ مَالِهِ أو حَصَلَ ذلك بِسَبَبِ اجْتِمَاعِهِمَا أَيْ الثَّوْبِ وَالصَّبْغِ أَيْ بِسَبَبِ الْعَمَلِ فَالنَّقْصُ في صُورَتِهِ على الصَّبْغِ لِأَنَّ صَاحِبَهُ هو الذي عَمِلَ وَالزِّيَادَةُ في صُورَتِهَا بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْحَاصِلَةَ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ إذَا أُسْنِدَتْ إلَى الْأَثَرِ الْمَحْضِ تُحْسَبُ لِلْمَغْصُوبِ منه وَإِنْ نَقَصَتْ بِهِ قِيمَةُ الثَّوْبِ عن قِيمَتِهِ بِلَا صَبْغٍ غَرِمَ مع رَدِّهِ الْأَرْشَ لِتَقْصِيرِهِ وَلِلْغَاصِبِ فَصْلُهُ أَيْ الصَّبْغِ عن الثَّوْبِ إنْ أَمْكَنَ وَلَوْ نَقَصَ بِهِ الثَّوْبُ وَرَضِيَ الْمَالِكُ بِإِبْقَائِهِ بِنَاءً على أَنَّ الْمَالِكَ يَجْبُرُهُ عليه وَسَيَأْتِي وَعَلَيْهِ الْأَرْشُ لِلنَّقْصِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ بَلْ يُجْبَرُ عليه أَيْ الْفَصْلِ لو طَلَبَهُ صَاحِبُ الثَّوْبِ كما يُجْبَرُ على قَلْعِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وَقِيلَ لَا يُجْبَرُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَإِنْ تَرَاضَيَا على إبْقَائِهِ في الثَّوْبِ بَقِيَ مُشْتَرَكًا كما سَبَقَ فِيمَا إذَا لم يُمْكِنْ فَصْلُهُ
فَرْعٌ لو وَهَبَ الْغَاصِبُ له أَيْ لِمَالِكِ الثَّوْبِ الصَّبْغَ لم يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ كَالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ بِخِلَافِ نَعْلِ الدَّابَّةِ الْمَرْدُودَةِ بِعَيْبٍ لِأَنَّ الْغَاصِبَ مُتَعَدٍّ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي وَلَوْ بَذَلَ صَاحِبُ الثَّوْبِ لِلْغَاصِبِ قِيمَتُهُ أَيْ الصَّبْغِ لِيَتَمَلَّكَهُ عليه لم يَجِبْ إلَيْهِ سَوَاءٌ أَمْكَنَ فَصْلُهُ أَمْ لَا بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ في الْعَارِيَّةِ لِتَمَكُّنِهِ من الْقَلْعِ مَجَّانًا بِخِلَافِ الْمُعِيرِ وَلِأَنَّ بَيْعَ الْعَقَارِ عَسِرٌ بِخِلَافِ بَيْعِ الثَّوْبِ وَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا الِانْفِرَادَ بِبَيْعِ مِلْكِهِ لِثَالِثٍ لم يَجُزْ إذْ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَحْدَهُ كَبَيْعِ دَارٍ لَا مَمَرَّ لها نعم لو أَرَادَ الْمَالِكُ بَيْعَ الثَّوْبِ لَزِمَ الْغَاصِبَ الْبَيْعُ لِلصَّبْغِ معه لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ وَلَيْسَ له أَنْ يَضُرَّ بِالْمَالِكِ لَا عَكْسَهُ بِأَنْ أَرَادَ الْغَاصِبُ بَيْعَ الصَّبْغِ فَلَا يَلْزَمُ مَالِكَ الثَّوْبِ الْبَيْعُ معه لِئَلَّا يَسْتَحِقَّ الْمُتَعَدِّي بِتَعَدِّيهِ إزَالَةَ مِلْكِ غَيْرِهِ وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلَيْ الْحُكْمَيْنِ أَنَّهُ لو كان الصَّبْغُ لِثَالِثٍ لم يَكُنْ كَالْغَاصِبِ فِيهِمَا وهو مُسَلَّمٌ في الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي بِقَرِينَةِ ما يَأْتِي آخِرَ الْفَرْعِ وَإِنْ كان الصَّبْغُ مَغْصُوبًا من آخَرِ اشْتَرَكَا فيه وفي الثَّوْبِ كما مَرَّ فِيمَا إذَا كان الصَّبْغُ لِلْغَاصِبِ فَإِنْ حَصَلَ في الْمَصْبُوغِ نَقْصٌ بِاجْتِمَاعِهِمَا أَيْ الثَّوْبِ وَالصَّبْغِ أَيْ بِعَمَلِ الْغَاصِبِ اخْتَصَّ النَّقْصُ بِالصَّبْغِ كما سَبَقَ فِيمَا إذَا كان الصَّبْغُ له وَغَرِمَ الْغَاصِبُ لِصَاحِبِ الصَّبْغِ قِيمَةَ صَبْغِهِ وَإِنْ أَمْكَنَ فَصْلُهُ فَلَهُمَا تَكْلِيفُ الْغَاصِبِ الْفَصْلَ وَكَذَا لِصَاحِبِ الثَّوْبِ وَحْدَهُ كما أَنَّ ذلك لِصَاحِبِ الصَّبْغِ وَحْدَهُ أَيْضًا وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ على صَاحِبِ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ فإذا حَصَلَ بِالْفَصْلِ نَقْصٌ فِيهِمَا أو في أَحَدِهِمَا غَرِمَهُ الْغَاصِبُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ لم يُمْكِنْ فَصْلُهُ بِأَنْ كان الْحَاصِلُ تَمْوِيهًا فَكَمَا سَبَقَ في التَّزْوِيقِ وَإِنْ طَيَّرَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا إلَى مَصْبَغَةِ رَجُلٍ مَثَلًا فَانْصَبَغَ اشْتَرَكَا في الْمَصْبُوغِ مِثْلُ ما مَرَّ ولم يُكَلَّفْ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ ولا الْفَصْلَ ولا الْأَرْشَ إنْ حَصَلَ نَقْصٌ إذْ لَا تَعَدِّيَ وَذِكْرُ حُكْمِ بَيْعِ الثَّوْبِ من زِيَادَتِهِ
فَرْعٌ حَيْثُ كان الصَّبْغُ لِمَالِكِ الثَّوْبِ فَالزِّيَادَةُ الْحَاصِلَةُ بِهِ له لَا لِلْغَاصِبِ لِأَنَّهَا أَثَرٌ مَحْضٌ وَالنَّقْصُ على الْغَاصِبِ فَيَغْرَمُ أَرْشَهُ وَلِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ على فَصْلِهِ إنْ أَمْكَنَ وَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ فَصْلُهُ إذَا رضي الْمَالِكُ بِالْإِبْقَاءِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ قال الْإِسْنَوِيُّ وَقِيَاسُهُ كَذَلِكَ فِيمَا إذَا سَكَتَ الْمَالِكُ
فَرْعٌ لو غَصَبَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ وَصَبَغَهُ بِصَبْغٍ له قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَبَلَغَتْ بِاجْتِمَاعِهِمَا
____________________
(2/357)
بِعَمَلِهِ ثَلَاثِينَ فَفَصَلَهُ بِإِذْنِهِ أَيْ الْمَالِكِ غَرِمَ نَقْصَ الثَّوْبِ عن الْعَشَرَةِ أو فَصَلَهُ بِلَا إذْنٍ فَعَنْ أَيْ فَيَغْرَمُ نَقْصَ الثَّوْبِ عن الْخَمْسَةَ عَشَرَ نِصْفِ الثَّلَاثِينَ فَإِنْ عَادَتْ قِيمَتُهُ مَصْبُوغًا عَشَرَةً لِلرُّخْصِ فِيهِمَا أَيْ في الثَّوْبِ وَالصَّبْغِ على نِسْبَةٍ وَاحِدَةٍ فَهُمَا أَيْ الْمَالِكُ وَالْغَاصِبُ فيه أَيْ في الْمَصْبُوغِ سَوَاءٌ كما كان وَلَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ تَفَاوُتَ الْقِيمَةِ مع رَدِّ الْعَيْنِ فَإِنْ فَصَلَهُ بَعْدَ عَوْدِ الْقِيمَةِ إلَى عَشَرَةٍ عُدْوَانًا فَسَاوَى الثَّوْبُ أَرْبَعَةً لَزِمَهُ خُمُسُ الثَّوْبِ من أَقْصَى قِيَمِهِ وهو خَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنْ فَصَلَهُ بِإِذْنٍ من مَالِكِ الثَّوْبِ فَخُمُسُ الْعَشَرَةِ يَلْزَمُهُ
فَصْلٌ وَمَتَى خَلَطَ الْغَاصِبُ الزَّيْتَ أو الشَّيْرَجَ أو نَحْوَهُ بِجِنْسِهِ وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ صَارَ كَالْهَالِكِ لَا مُشْتَرَكًا سَوَاءٌ أَخَلَطَهُ بمثله أَمْ بِأَجْوَدَ أَمْ بِأَرْدَأَ لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ وَمَلَكَهُ الْغَاصِبُ وَلَهُ إبْدَالُهُ أو إعْطَاؤُهُ مِمَّا خَلَطَهُ بمثله أو بِأَجْوَدَ منه لَا بِأَرْدَأَ لِأَنَّهُ دُونَ حَقِّهِ إلَّا بِرِضَاهُ فَلَهُ ذلك وَيَسْقُطُ عنه الْأَرْشُ كما لو أَخَذَ الْأَرْدَأَ من مَحِلٍّ آخَرَ وَقَوْلُهُ بمثله إلَى آخِرِهِ تَنَازَعَهُ إبْدَالُهُ وَإِعْطَاؤُهُ وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ إنْ خَلَطَ الدَّرَاهِمَ بِمِثْلِهَا بِحَيْثُ لَا تَتَمَيَّزُ هَلَاكٌ لَكِنْ جَزَمَ ابن الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ وَالْأَوَّلُ أَوْجُهُ وَالْفَرْقُ بِأَنَّ كُلَّ دِرْهَمٍ مُتَمَيِّزٌ في نَفْسِهِ بِخِلَافِ الزَّيْتِ وَنَحْوِهِ مُنْتَقَضٌ بِالْحُبُوبِ
وَلَوْ غَصَبَ وَرَقًا وَكَتَبَ عليه قُرْآنًا أو غَيْرَهُ كان كَالْهَالِكِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ بِحَالِهِ كَذَا قَالَهُ ابن الصَّبَّاغِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ كَالصَّبْغِ فِيمَا مَرَّ وَكَذَا الْحُكْمُ لو غَصَبَ من اثْنَيْنِ رَقِيقَيْنِ أو نَحْوِهِمَا وَخَلَطَهُمَا فَيَكُونُ الْمَخْلُوطُ كَالْهَالِكِ وَيَمْلِكُهُ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ وهو أَوْفَقُ بِمَا مَرَّ من قَوْلِ الْبُلْقِينِيِّ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شيئا منه وَلَا يَكُونُ كَالْهَالِكِ
وَمِمَّا حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ من أَنَّ فيه وَجْهَيْنِ أَحَدَهُمَا يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا وَالثَّانِيَ يَتَخَيَّرَانِ بين الْقِسْمَةِ وَالْمُطَالَبَةِ بِالْمِثْلِ وَلَوْ اخْتَلَطَا أَيْ الزَّيْتَانِ أو نَحْوُهُمَا بِانْثِيَالٍ بِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ بِانْصِبَابٍ وَنَحْوِهِ كَصَبِّ بَهِيمَةٍ أو بِرِضَاهُمَا أَيْ مَالِكَيْهِمَا فَمُشْتَرَكٌ لِعَدَمِ التَّعَدِّي وَهَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ فَإِنْ كان أَحَدُهُمَا أَرْدَأَ أُجْبِرَ صَاحِبُهُ على قَبُولِ الْمُخْتَلِطِ لِأَنَّ بَعْضَهُ عَيْنُ حَقِّهِ وَبَعْضَهُ خَيْرٌ منه لَا صَاحِبُ الْأَجْوَدِ فَلَا يُجْبَرُ أَخْذًا وَبَذْلًا أَيْ على الْأَخْذِ من الْمُخْتَلِطِ وَالْبَذْلِ منه فَإِنْ أَخَذَ منه على قَوْلِ الشَّرِكَةِ في صُورَةِ الْغَصْبِ فَلَهُ الْأَرْشُ لِلنَّقْصِ لِتَعَدِّي الْغَاصِبِ بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ إذَا خَلَطَ بِالْأَرْدَأِ فإن الْبَائِعَ إذَا رَجَعَ في شَيْءٍ من الْمَخْلُوطِ لَا أَرْشَ له لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ وَإِلَّا بَيْعَ الْمُخْتَلِطِ وَقُسِّمَ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةِ الْقِيمَةِ فَلَوْ كانت قِيمَةُ صَاعِهِ دِرْهَمَيْنِ وَقِيمَةُ صَاعِ الْآخَرِ دِرْهَمًا قُسِّمَ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَإِنْ أَرَادَ قِسْمَةَ عَيْنِ الْمُتَفَاضِلَيْنِ في الْقِيمَةِ على نِسْبَةِ الْقِيمَةِ لم تَجُزْ لِلتَّفَاضُلِ في الْكَيْلِ وَنَحْوِهِ وَقَوْلُهُ هُنَا فَإِنْ كان إلَى آخِرِهِ وَفِيمَا يَأْتِي فَإِنْ اتَّفَقَا إلَى آخِرِهِ إنَّمَا فَرَّعَهُ الْأَصْلُ على قَوْلِ الشَّرِكَةِ في صُورَةِ الْغَصْبِ فَفَرَّعَهُ الْمُصَنِّفُ عليه في صُورَةِ الِانْثِيَالِ وَنَحْوِهِ وهو صَحِيحٌ إلَّا في أَخْذِ الْأَرْشِ كما أَشَرْت إلَيْهِ وَإِنْ خَلَطَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَزَيْتٍ بِشَيْرَجٍ وَدَقِيقِ حِنْطَةٍ بِدَقِيقِ شَعِيرٍ فَهَالِكٌ أَيْ فَكَالْهَالِكِ لِمَا مَرَّ وَلِبُطْلَانِ فَائِدَةِ خَاصِّيَّتِهِ يَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ فَلَوْ لم يَكُنْ قد غُصِبَ وَانْثَالَ على الْآخَرِ فَمُشْتَرَكٌ لِمَا مَرَّ في اخْتِلَاطِ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ
فَإِنْ اتَّفَقَا على قِسْمَتِهِ أو بَيْعِهِ وَقِسْمَةِ الثَّمَنِ بَيْنَهُمَا جَازَ إذْ التَّفَاضُلُ جَائِزٌ مع اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَلَتُّ السَّوِيقِ بِالزَّيْتِ وَنَحْوِهِ كَصَبْغِ الثَّوْبِ فِيمَا مَرَّ وَإِنْ أَمْكَنَ التَّمْيِيزُ كَإِخْرَاجِ الْحِنْطَةِ الْحَمْرَاءِ من السَّمْرَاءِ وَالزَّيْتِ من الْمَاءِ أو من الزَّيْتِ كَأَنْ كان بَيْنَهُمَا حَائِلٌ رَقِيقٌ وَاخْتَلَفَا لَوْنًا وَأُزِيلُ ما بَيْنَهُمَا بِرِفْقٍ وَجَبَ على الْغَاصِبِ التَّمْيِيزُ وَإِنْ شَقَّ لِيَتَمَكَّنَ من الرَّدِّ الْوَاجِبِ عليه فَإِنْ لم يُمْكِنْ إلَّا تَمْيِيزُ بَعْضِهِ وَجَبَ قَالَهُ في الشَّامِلِ وَوَجَبَ عليه أَرْشُ النَّقْصِ إنْ
____________________
(2/358)
حَصَلَ نَقْصٌ فَإِنْ سَرَى الْخَلْطُ إلَى التَّلَفِ فَكَمَا سَبَقَ في مَسْأَلَةِ الْهَرِيسَةِ وَإِنْ غَصَبَ لَوْحًا مَثَلًا وَبَنَى عليه لِنَفْسِهِ أو لِغَيْرِهِ وَجَبَ عليه إخْرَاجُهُ وَرَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ إنْ بَقِيَ له قِيمَةٌ وَيَرُدُّ معه الْأَرْشَ لِلنَّقْصِ إنْ كان وَالْأُجْرَةَ أَيْضًا وَبِتَعَفُّنِهِ إنْ لم تَبْقَ له قِيمَةٌ يَصِيرُ هَالِكًا أَيْ كَالْهَالِكِ فَلَوْ كان اللَّوْحُ في سَفِينَةٍ في الْبَحْرِ لم يُنْزَعْ منها حتى يُؤْمَنَ عليها وعلى ما فيها من نَفْسٍ مُحْتَرَمَةٍ وَمَالٍ مُحْتَرَمٍ وَلَوْ لِلْغَاصِبِ فَيُنْزَعُ منها وَإِنَّمَا لم يُنْزَعْ منها في غَيْرِ ذلك لِأَنَّهَا لَا تَدُومُ في الْبَحْرِ فَيَسْهُلُ الصَّبْرُ إلَى الشَّطِّ أو نَحْوِهِ كَرَقْرَاقٍ بِخِلَافِ هَدْمِ الْبِنَاءِ لِرَدِّ اللَّوْحِ بَلْ يَأْخُذُ الْقِيمَةَ لِلْحَيْلُولَةِ إلَى تَيَسُّرِ النَّزْعِ وَخَرَجَ بِالْمُحْتَرَمِ غَيْرُهُ كَنَفْسِ الْحَرْبِيِّ وَمَالِهِ
فَرْعٌ وَإِنْ خَاطَ شيئا بِمَغْصُوبٍ نَزَعَهُ منه وُجُوبًا وَرَدَّهُ إلَى مَالِكِهِ إنْ لم يَبْلَ فَإِنْ بَلِيَ فَكَالْهَالِكِ لَا من جُرْحِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ يُخَافُ بِهِ أَيْ بِالنَّزْعِ هَلَاكُهُ أو ما يُبِيحُ التَّيَمُّمَ أَيْ لَا يَجُوزُ نَزْعُهُ منه إبْقَاءً لِحُرْمَتِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ في ذلك الشَّيْنُ في غَيْرِ الْآدَمِيِّ بِخِلَافِ الْآدَمِيِّ كما في التَّيَمُّمِ وَلَوْ شَدَّ بِمَغْصُوبٍ جَبِيرَةً كان كما لو خَاطَ بِهِ جُرْحًا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَلَا يُذْبَحُ لِنَزْعِهِ مَأْكُولًا وَلَوْ كان لِلْغَاصِبِ كَغَيْرِ الْمَأْكُولِ وَلِلنَّهْيِ عن ذَبْحِ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ مَأْكَلِهِ وَيَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ أَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِهِ وَإِنْ خِيطَ أَيْ خَاطَ بِهِ الْغَاصِبُ جُرْحًا لِآدَمِيٍّ بِإِذْنِهِ فَالْقَرَارُ عليه وَلَوْ جَهِلَ الْغَصْبَ كَمَنْ قُرِّبَ له الطَّعَامُ الْمَغْصُوبُ فَأَكَلَهُ فإن قَرَارَ الضَّمَانِ عليه وَإِنْ جَهِلَ الْغَصْبَ وَيُنْزَعُ الْخَيْطُ من الْمَيِّتِ وَلَوْ آدَمِيًّا وَإِنَّمَا لم يُنْزَعْ في الْحَيَاةِ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ وينزع من حَيٍّ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ كَكَلْبٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَمُرْتَدٍّ وَكَذَا الزَّانِي الْمُحْصَنُ وَالْمُحَارِبُ وَحَيْثُ لَا يَجُوزُ نَزْعُهُ من الْمُحْتَرَمِ يَجُوزُ غَصْبُهُ له ابْتِدَاءً لِيُخَاطَ بِهِ جُرْحُهُ إنْ لم يُوجَدْ خَيْطٌ حَلَالٌ وَحَيْثُ يَجُوزُ نَزْعُهُ لَا يَجُوزُ غَصْبُهُ لِيُخَاطَ بِهِ الْجُرْحُ وَقَوْلُهُ من الْمُحْتَرَمِ من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ
فَرْعٌ وَإِنْ وَقَعَ فَصِيلٌ في بَيْتٍ أو دِينَارٍ في مَحْبَرَةٍ ولم يَخْرُجْ إلَّا بِكَسْرٍ لِلْمِحْبَرَةِ أو هَدْمٍ لِلْبَيْتِ فُعِلَ ذلك فَإِنْ كان الْوُقُوعُ بِفِعْلِ صَاحِبِهِمَا أَيْ الْبَيْتِ وَالْمَحْبَرَةِ عَمْدًا أو سَهْوًا وَالْمُرَادُ بِتَفْرِيطِهِ فَلَا غُرْمَ على الْمَالِكِ لِلْفَصِيلِ وَالدِّينَارِ وَإِلَّا غَرِمَ الْأَرْشَ لِأَنَّ الْكَسْرَ أو الْهَدْمَ إنَّمَا فُعِلَ لِتَخْلِيصِ مِلْكِهِ وَشَمِلَ هذا ما لو كان الْوُقُوعُ بِتَفْرِيطِهِمَا لَكِنَّ الْأَوْجَهَ ما قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ إنَّمَا يَغْرَمُ النِّصْفَ لِاشْتِرَاكِهِمَا في التَّفْرِيطِ كَالْمُتَصَادَمِينَ
فَرْعٌ وَإِنْ أَدْخَلَتْ بَهِيمَةٌ رَأْسَهَا في قِدْرٍ ولم تَخْرُجْ إلَّا بِكَسْرِهَا كُسِرَتْ لِتَخْلِيصِهَا وَلَا تُذْبَحُ الْمَأْكُولَةُ لِذَلِكَ وَوَجَبَ الْأَرْشُ على مَالِكِهَا إنْ صَحِبَهَا مَالِكُهَا لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ حِفْظِهَا وَإِلَّا فَإِنْ تَعَدَّى مَالِكُ الْقِدْرِ بِوَضْعِ الْقِدْرِ بِمَوْضِعٍ لَا حَقَّ له فيه قال الرُّويَانِيُّ أَوَّلُهُ فيه حَقٌّ لِكَوْنِهِ قَدَرَ على دَفْعِ الْبَهِيمَةِ فلم يَدْفَعْهَا فَلَا أَرْشَ لِكَسْرِهَا على مَالِكِ الْبَهِيمَةِ وَإِلَّا وَجَبَ عليه الْأَرْشُ
وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لو تَعَدَّى كُلٌّ مِنْهُمَا لَزِمَ مَالِكَ الْبَهِيمَةِ الْأَرْشُ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ حُكْمُهُ كما قال الْقَمُولِيُّ حُكْمُ ما مَرَّ عن الْمَاوَرْدِيِّ وَإِنْ ابْتَلَعَتْ بَهِيمَةٌ جَوْهَرَةً لم تُذْبَحْ لِتَخْلِيصِهَا وَإِنْ كانت مَأْكُولَةً بَلْ يَغْرَمُ مَالِكُهَا الْقِيمَةَ أَيْ قِيمَةَ الْجَوْهَرَةِ لِلْحَيْلُولَةِ وَإِنْ ابْتَلَعَتْ ما يَفْسُدُ بِالِابْتِلَاعِ غَرِمَ قِيمَتَهُ لِلْفَيْصُولَةِ هذا إنْ فَرَّطَ في حِفْظِهَا حتى ابْتَلَعَتْ ذلك وَإِنْ ابْتَاعَهَا بِطَعَامٍ مُعَيَّنٍ فَأَكَلَتْهُ قبل قَبْضِهِ بِوَجْهٍ مَضْمُونٍ على الْبَائِعِ اسْتَقَرَّ الْعَقْدُ وَوَقَعَ ذلك قَبْضًا لِلثَّمَنِ بِنَاءً على أَنَّ إتْلَافَ الْمُشْتَرِي قَبْضٌ منه أو بِوَجْهٍ غَيْرِ مَضْمُونٍ عليه انْفَسَخَ الْعَقْدُ كَنَظَائِرِهِ أو أَكَلَتْهُ بَعْدَ قَبْضِهِ لقد أَتْلَفَتْ مَالًا لِلْبَائِعِ فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ
فَرْعٌ لو غَصَبَ لُؤْلُؤَةً وَدَجَاجَةً فَابْتَلَعَتْ الدَّجَاجَةُ اللُّؤْلُؤَةَ يُقَالُ له إنْ لم تَذْبَحْ الدَّجَاجَةَ غَرَّمْنَاك قِيمَةَ اللُّؤْلُؤَةِ وَإِنْ ذَبَحَتْهَا غَرَّمْنَاك أَرْشَ الدَّجَاجَةِ
____________________
(2/359)
فَصْلٌ وَلَوْ أَتْلَفَ شَخْصٌ خُفًّا من زَوْجَيْ خُفٍّ أو غَصَبَهُ وَتَلِفَ في يَدِهِ فَنَقَصَ الثَّانِي وَجَبَ أَرْشُهُ وَقِيمَةُ التَّالِفِ فَإِنْ كانت قِيمَتُهُمَا عَشَرَةً فَبَقِيَتْ قِيمَةُ الثَّانِي ثَلَاثَةً لَزِمَهُ سَبْعَةٌ لِأَنَّهَا الْفَائِتَةُ بِالْإِتْلَافِ وَكَذَا يَلْزَمُهُ سَبْعَةٌ لو غَصَبَهُمَا وَرَدَّ وَاحِدًا وَقِيمَتُهُ ثَلَاثَةٌ وَتَلِفَ الْآخَرُ لِأَنَّ بَعْضَ الْمَغْصُوبِ تَلِفَ وَبَعْضَهُ نَقَصَ وَلَوْ أَتْلَفَهُمَا رَجُلَانِ مَعًا لَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا خَمْسَةٌ إذْ لَا ضَرَرَ على الْمَالِكِ هُنَا بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ لو غَرَّمْنَا الْمُتْلِفَ خَمْسَةً وَإِنْ تَعَاقَبَا في الْإِتْلَافِ لَزِمَ الْأَوَّلَ سَبْعَةٌ وَالثَّانِيَ ثَلَاثَةٌ وَلَا يُتَمَّمُ لِسَارِقِهِ أَيْ أَحَدِهِمَا النِّصَابُ بِالْأَرْشِ فَلَوْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا بِسَرِقَةٍ وَقِيمَتُهُ مع نَقْصِ الْبَاقِي نِصَابٌ لم يُقْطَعْ سَارِقُهُ
الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِيمَا يَتَرَتَّبُ على تَصَرُّفِ الْغَاصِبِ فَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ بِعَيْنِ الْمَغْصُوبِ بَاطِلٌ كُلٌّ مِنْهُمَا وفي الذِّمَّةِ صَحِيحٌ كما مَرَّ أَوَّلَ الْبَيْعِ فَإِنْ نَقَدَهُ عَمَّا اشْتَرَاهُ في الذِّمَّةِ مَلَكَهُ أَيْ ما اشْتَرَاهُ وَلَوْ قال لم يُمْنَعْ مِلْكُهُ كان أَوْلَى لِأَنَّهُ مَلَكَهُ قبل النَّقْدِ ولم يَبْرَأْ من ثَمَنِهِ بِمَا نَقَدَهُ
فَصْلٌ وَإِنْ وَطِئَ الْغَاصِبُ الْأَمَةَ الْمَغْصُوبَةَ جَاهِلَيْنِ بِتَحْرِيمِ الْوَطْءِ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أو بُعْدٍ عن بَلْدَةِ الْإِسْلَامِ وفي نُسْخَةٍ أو بُعْدِ بَلَدٍ عن الْإِسْلَامِ أو عَالِمَيْنِ بِالتَّحْرِيمِ وَأَكْرَهَهَا على الْوَطْءِ أو جَاهِلَةً وَحْدَهَا بِالتَّحْرِيمِ وَجَبَ عليه الْمَهْرُ لِسَيِّدِهَا لَا إنْ طَاوَعَتْهُ عَالِمَةً بِالتَّحْرِيمِ فَلَا مَهْرَ عليه وَلَوْ جَهِلَ التَّحْرِيمَ إذْ لَا مَهْرَ لِلزَّانِيَةِ لِسُقُوطِ الْحُرْمَةِ بِزِنَاهَا فَلَوْ كانت بِكْرًا وَوَجَبَ مَهْرٌ فَمَهْرُ ثَيِّبٍ أَيْ فَيَجِبُ مَهْرُ مِثْلِهَا ثَيِّبًا وَأَرْشُ بَكَارَةٍ لَا مَهْرُ مِثْلِهَا بِكْرًا لِوُجُوبِهِمَا بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَانْفِكَاكِ كُلٍّ مِنْهُمَا عن الْآخَرِ وَتَقَدَّمَ ذلك مع نَظَائِرِهِ في الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَلَا يَسْقُطُ أَرْشُهَا أَيْ أَرْشُ بَكَارَتِهَا بِمُطَاوَعَتِهَا كما لَا يَسْقُطُ أَرْشُ طَرَفِهَا بِإِذْنِهَا في قَطْعِهِ وَيَلْزَمُ الْعَالِمَ بِالتَّحْرِيمِ الْحَدُّ لَا الْمُكْرَهَةَ على الْوَطْءِ كَالْكُرْهِ عليه وَوَطْءُ الْمُشْتَرِي من الْغَاصِبِ لِلْمَغْصُوبَةِ كَوَطْئِهِ أَيْ الْغَاصِبِ في الْحَدِّ وَالْمَهْرِ لَكِنَّ جَهْلَهُ التَّحْرِيمَ بِوَاسِطَةِ جَهْلِهِ بِغَصْبِهِ مُمْكِنٌ مُطْلَقًا عن التَّقْيِيدِ بِمَا مَرَّ من قُرْبِ عَهْدِ الْإِسْلَامِ إلَى آخِرِهِ وَيُطَالَبَانِ أَيْ الْغَاصِبُ وَالْمُشْتَرِي منه أَيْ يُطَالِبُهُمَا الْمَالِكُ بِالْمَهْرِ وَلَوْ تَكَرَّرَ وَطْءُ الْمُكْرَهِ لها الْعَالِمِ بِالتَّحْرِيمِ تَكَرَّرَ الْمَهْرُ لِتَعَدُّدِ الْإِتْلَافِ مع تَعَدُّدِ الشُّبْهَةِ التي هِيَ الْإِكْرَاهُ هُنَا لَا إنْ تَكَرَّرَ وَطْءُ الْجَاهِلِ ولم يُؤَدِّ الْمَهْرَ قبل التَّكَرُّرِ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْمَهْرُ لِأَنَّ الْجَهْلَ شُبْهَةٌ وَاحِدَةٌ مُطَّرِدَةٌ فَأَشْبَهَ الْوَطْءَ في نِكَاحٍ فَاسِدٍ مِرَارًا وَإِنْ وَطِئَهَا مَرَّةً عَالِمًا وَمَرَّةً جَاهِلًا وَجَبَ مَهْرَانِ
فَرْعٌ لو أَحْبَلَهَا الْغَاصِبُ أو الْمُشْتَرِي منه عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ لِلْوَطْءِ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ لِلسَّيِّدِ غَيْرُ نَسِيبٍ لِأَنَّهُ من زِنًا فَلَوْ انْفَصَلَ حَيًّا وَمَاتَ ضَمِنَهُ لِسَيِّدِهِ أو مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ فَبَدَلُهُ لِسَيِّدِهِ أو بِلَا جِنَايَةٍ فَفِي وُجُوبِ ضَمَانِهِ على الْمُحْبِلِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وهو ظَاهِرُ النَّصِّ الْوُجُوبُ لِثُبُوتِ الْيَدِ عليه تَبَعًا لِلْأُمِّ وَالثَّانِي الْمَنْعُ وَبِهِ قال أبو إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ حَيَاتَهُ غَيْرُ مُتَيَقَّنَةٍ وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ في حَمْلِ الْبَهِيمَةِ الْمَغْصُوبَةِ إذَا انْفَصَلَ مَيِّتًا فَإِنْ أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ فَهُوَ قِيمَةُ يَوْمِ الِانْفِصَالِ لو كان حَيًّا ذَكَرَ ذلك الْأَصْلُ وَبِالثَّانِي وهو مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَزَمَ في الْأَنْوَارِ فقال وَمَيِّتًا بِلَا جِنَايَةٍ فَلَا وَكَذَا حَمْلُ الْبَهِيمَةِ وَنَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عن تَرْجِيحِ الرَّافِعِيِّ لَكِنْ رَدَّهُ عليه الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّهُ انْتَقَلَ نَظَرُهُ من
____________________
(2/360)
@ 361 مَسْأَلَةٍ إلَى أُخْرَى
وَإِنْ أَحَبَلَهَا الْغَاصِبُ أو الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ فَهُوَ حُرٌّ نَسِيبٌ لِلشُّبْهَةِ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِمَالِك الْأَمَةِ لِأَنَّهُ فَوَّتَ رِقَّهُ بِظَنِّهِ يوم انْفِصَالِهِ إنْ انْفَصَلَ حَيًّا لِأَنَّ التَّقْوِيمَ قَبْلَهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ
لَا إنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا لِأَنَّا لم نَتَيَقَّنْ حَيَاتَهُ وَأَنَّ الْمُحْبِلَ أَتْلَفَهُ إلَّا إنْ كان انْفِصَالُهُ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ فإنه يَجِبُ على الْجَانِي غُرَّةٌ لِأَنَّ الِانْفِصَالَ عَقِبَ الْجِنَايَةِ يَغْلِبُ على الظَّنِّ أَنَّهُ كان حَيًّا وَمَاتَ بها وَلِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ الْغَاصِبِ أو الْمُشْتَرِي منه لِأَنَّ الْجَنِينَ يُقَوَّمُ له فَيُقَوَّمُ عليه بِعُشْرِ قِيمَةِ الْأُمِّ لِأَنَّ الْجَنِينَ الرَّقِيقَ بِهِ يُضْمَنُ فَيَأْخُذُهُ الْمَالِكُ إنْ سَاوَى قِيمَةَ الْغُرَّةِ وَإِنْ كانت الْغُرَّةُ أَيْ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ فَالزَّائِدُ لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ وَإِنْ كانت أَقَلَّ ضَمِنَ الْغَاصِبُ أو الْمُشْتَرِي منه لِلْمَالِكِ عُشْرَ قِيمَةِ الْأُمِّ كَامِلًا لِأَنَّهُ لَمَّا انْفَصَلَ مُتَقَوِّمًا كان بِمَثَابَةِ ما لو انْفَصَلَ حَيًّا وَلِأَنَّ بَدَلَهُ إنَّمَا نَقَصَ عن الْعُشْرِ بِسَبَبِ الْحُرِّيَّةِ الْحَاصِلَةِ بِظَنِّهِ وَإِنْ مَاتَ الْمُحْبِلُ قبل الْجِنَايَةِ فَالْغُرَّةُ لِأَبِيهِ إنْ كان هو الْوَارِثُ وَهَلْ يَضْمَنُ أَبُوهُ ما كان يَضْمَنُهُ هو لو كان حَيًّا أو لَا وَجْهَانِ وَعَلَى الضَّمَانِ جَرَى الْقَاضِي وَوَجَّهَ الْإِمَامُ الْمَنْعَ بِأَنَّهُ لم يَغْصِبْ ولم يُفَوِّتْ وَلَا أُثْبِتَتْ يَدُهُ على يَدِ غَاصِبٍ وَالْأَوْجَهُ الضَّمَانُ مُتَعَلِّقًا بِتَرِكَةِ الْمُحْبِلِ
وَدَعْوَى الْجَهْلِ مِنْهُمَا بِتَحْرِيمِ وَطْءِ الْمَغْصُوبَةِ لَا تُقْبَلُ إلَّا من قَرِيبِ عَهْدِ بِالْإِسْلَامِ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا دَعْوَى الْجَهْلِ بِهِ بِوَاسِطَةِ جَهْلِهِ بِكَوْنِهَا مَغْصُوبَةً فَتُقْبَلُ من الْمُشْتَرِي مُطْلَقًا كما مَرَّ ذلك فِيمَا إذَا لم يُحْبِلْ
وَيَضْمَنُ الْمُحْبِلُ في حَالَتَيْ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ أَرْشَ نَقْصِ الْوِلَادَةِ فَإِنْ مَاتَتْ بها وَلَوْ بَعْدَ رَدِّهَا لِمَالِكِهَا سَقَطَ كُلُّ أَرْشٍ أَيْ أَرْشِ الْبَكَارَةِ وَأَرْشِ نَقْصِ الْوِلَادَةِ لِدُخُولِهِمَا في الْقِيمَةِ الْمَذْكُورَةِ في قَوْلِهِ وَضَمِنَ الْقِيمَةَ كَالْمَهْرِ وَالْأُجْرَةِ
فَرْعٌ إذْنُ الْمَالِكِ لِلْغَاصِبِ أو لِلْمُشْتَرِي منه بِالْوَطْءِ هل يُسْقِطُ الْمَهْرَ فيه قَوْلَانِ أو يُسْقِطُ قِيمَةَ الْوَلَدِ فيه طَرِيقَانِ رَجَّحَ ابن الْقَطَّانِ عَدَمَ سُقُوطِ الْمَهْرِ وهو قِيَاسُ نَظِيرِهِ في الرَّهْنِ وَقِيَاسُهُ تَرْجِيحُ عَدَمِ سُقُوطِ قِيمَةِ الْوَلَدِ وفي تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِالسُّقُوطِ تَسَمُّحٌ وَالْمُرَادُ هل يَجِبُ ذلك أو لَا
فَصْلٌ فِيمَا يَرْجِعُ بِهِ الْمُشْتَرِي الْجَاهِلُ بِالْغَصْبِ على الْغَاصِبِ إذَا غَرَّمَهُ الْمَالِكُ فَالْمُشْتَرِي يَضْمَنُ أَكْثَرَ الْقِيَمِ في يَدِهِ أَيْ من يَوْمِ الْقَبْضِ إلَى يَوْمِ التَّلَفِ كَالْغَاصِبِ وَلَا يَرْجِعُ عليه إلَّا بِالثَّمَنِ الذي غَرَّمَهُ له وَلَوْ نَقَصَ عنها أَيْ عن الْقِيمَةِ التي يَغْرَمُهَا لِلْمَالِكِ فَلَا يَرْجِعُ عليه بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ التي دَفَعَهَا لِلْمَالِكِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ عَقْدُ ضَمَانٍ فلم يَرْجِعْ على بَائِعِهِ بها وَيَرْجِعُ عليه إذَا غَرِمَ لِلْمَالِكِ بَدَلَ مَنَافِعَ وَفَوَائِدَ لم يَسْتَوْفِهَا بِخِلَافِ ما غَرِمَهُ له من بَدَلِ ما اسْتَوْفَاهُ منها فَلَا يَرْجِعُ بِهِ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ عَادَتْ إلَيْهِ وَلِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِإِتْلَافِهَا وَيَرْجِعُ بِنَقْصِ الْوِلَادَةِ أَيْ بِأَرْشِهِ وَقِيمَةِ الْوَلَدِ الْمُنْعَقِدِ حُرًّا إذَا غَرِمَهُمَا لِلْمَالِكِ لِأَنَّهُ شَرَعَ في الْعَقْدِ على أَنْ لَا يَغْرَمَ شيئا من ذلك
وَقَوْلُ الرَّوْضَةِ لَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ الْمُنْعَقِدِ حُرًّا سَبْقُ قَلَمٍ لَا ما ضَمِنَ له من أَرْشِ عَيْبٍ وَتَلَفِ عُضْوٍ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ كما لَا يَرْجِعُ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ تَلَفِ الْكُلِّ تَسْوِيَةً بين الْجُمْلَةِ وَالْأَجْزَاءِ وَلَوْ قَلَعَ الْمَالِكُ غِرَاسَهُ أَيْ الْمُشْتَرِي وَبِنَاءَهُ رَجَعَ بِالْأَرْشِ على الْغَاصِبِ لِشُرُوعِهِ في الْعَقْدِ على ظَنِّ السَّلَامَةِ وَالضَّرَرُ إنَّمَا جاء بِتَغْرِيرِ الْغَاصِبِ لَا بِنَفَقَةِ عَبْدٍ وَنَحْوِهِ وَخَرَاجِ أَرْضٍ لِأَنَّهُ شَرَعَ في الشِّرَاءِ على أَنْ يَضْمَنَهَا وفي رُجُوعِ الْمُتَّهَبِ منه أَيْ من الْغَاصِبِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ التي غَرِمَهَا لِلْمَالِكِ وَجْهَانِ وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْوَاهِبَ مُتَبَرِّعٌ وَالْبَائِعَ ضَامِنُ سَلَامَةِ الْوَلَدِ بِلَا غُرْمٍ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْمُتَّهِبَ كَالْمُشْتَرِي
فَرْعٌ يُطَالَبُ زَوْجُ مَغْصُوبَةٍ وَطِئَهَا جَاهِلًا بِالْغَصْبِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا أَيْ يُطَالِبُهُ بِهِ مَالِكُهَا وَلَا يَرْجِعُ بِهِ على الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ شَرَعَ فيه على أَنْ يَضْمَنَ الْمَهْرَ وَكَذَا لَا يَرْجِعُ عليه بِأُجْرَتِهَا الْفَائِتَةِ عِنْدَهُ إنْ اسْتَخْدَمَهَا لِأَنَّهُ لم يُسَلِّطْهُ بِالتَّزْوِيجِ على الِاسْتِخْدَامِ فَإِنْ لم يَسْتَخْدِمْهَا رَجَعَ بِأُجْرَتِهَا وَالضَّابِطُ في ذلك أَنَّ ما غَرِمَهُ الشَّخْصُ وقد أُثْبِتَتْ يَدُهُ على يَدِ الْغَاصِبِ جَاهِلًا بِالْغَصْبِ فَإِنْ
____________________
(2/361)
دخل على أَنْ يَضْمَنَهُ كَالنَّفَقَةِ وَالْخَرَاجِ وَالْمَهْرِ لم يَرْجِعْ بِهِ على الْغَاصِبِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ دخل على أَنْ لَا يَضْمَنُهُ كَأُجْرَةِ الْمَنَافِعِ رَجَعَ بِهِ إنْ لم يَسْتَوْفِهِ لَا إذَا اسْتَوْفَاهُ وَلَهُ الرُّجُوعُ عليه بِلَبَنٍ أَيْ بَدَلِ لَبَنِ شَاةٍ رَضَعَتْهُ سَخْلَةُ الْمَالِكِ وَغَرِمَ بَدَلَهُ له لِأَنَّهُ لم يَدْخُلْ فيه على أَنْ يَضْمَنَهُ وَلَا عَادَ نَفْعُهُ إلَيْهِ وَإِنَّمَا غَرَّمَهُ الْمَالِكُ اللَّبَنَ مع أَنَّهُ انْصَرَفَ إلَى سَخْلَةِ الشَّاةِ وَعَادَ نَفْعُهُ لِمَالِكِهَا تَشْبِيهًا بِمَا لو غَصَبَ عَلَفًا وَعَلَفَ بِهِ بَهِيمَةَ مَالِكِهِ
فَلَوْ اسْتَرْضَعَ مُشْتَرِي الْجَارِيَةِ وَلَدَهُ أَيْ أَرْضَعَ منها وَلَدَهُ منها أو من غَيْرِهَا أو غَيْرَهُ أَيْ غير وَلَدِهِ غَرِمَ لِلْمَالِكِ الْأُجْرَةَ ولم يَرْجِعْ بها على الْغَاصِبِ كَالْمَهْرِ وَلَا يَجِبُ بَدَلُ اللَّبَنِ لِأَنَّ لَبَنَ الْآدَمِيَّاتِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَيَرْجِعُ عليه مُسْتَأْجِرٌ لِلْمَغْصُوبِ غَرِمَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِلْمَالِكِ بِالْمُسَمَّى في عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ من الْغَاصِبِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْمَنَافِعِ الْفَائِتَةِ تَحْتَ يَدِهِ وَيَرْجِعُ منها على الْغَاصِبِ بِمَا لم يَسْتَوْفِهِ منها بِخِلَافِ ما اسْتَوْفَاهُ منها
فَرْعٌ ما يَرْجِعُ بِهِ الْمُتَلَقِّي لِلْمَغْصُوبِ من الْغَاصِبِ على الْغَاصِبِ لَا يَرْجِعُ بِهِ الْغَاصِبُ عليه إنْ غَرِمَهُ لِلْمَالِكِ كَقِيمَةِ الْوَلَدِ وَأُجْرَةِ الْمَنَافِعِ الْفَائِتَةِ تَحْتَ يَدِهِ لِأَنَّ الْقَرَارَ عليه وَيَرْجِعُ عليه بِمَا لَا يَرْجِعُ عليه إنْ غَرِمَهُ لِلْمَالِكِ كَقِيمَةِ الْعَيْنِ وَالْأَجْزَاءِ وَالْمَنَافِعِ التي اسْتَوْفَاهَا
مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ لو أَسْنَدَ خَشَبَةً إلَى جِدَارِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنٍ من مَالِكِهِ فَسَقَطَ بِإِسْنَادِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ في الْحَالِ ضَمِنَهُ وضمن ما يَحْدُثُ منه أَيْ من سُقُوطِهِ من تَلَفٍ لِشَيْءٍ بِخِلَافِ ما لو أَسْنَدَهَا إلَيْهِ بِإِذْنِهِ وَكَذَا يَضْمَنُ ما وَقَعَتْ عليه الْخَشَبَةُ التي أَسْنَدَهَا إلَى جِدَارٍ في الْحَالِ وَأَتْلَفَتْهُ وَإِنْ كان الْجِدَارُ مِلْكَهُ بِخِلَافِ ما وَقَعَتْ عليه لَا في الْحَالِ كَفَتْحِ رَأْسِ الزِّقِّ سَوَاءٌ أَكَانَ الْإِسْنَادُ إلَى جِدَارِ غَيْرِهِ بِإِذْنِ مَالِكِهِ أَمْ لَا وَإِنْ غَصَبَ دَارًا وَهَدَمَهَا وَأَتْلَفَ النَّقْضَ فَهَلْ يَضْمَنُ مع النَّقْضِ وما نَقَصَ من قِيمَةِ الْعَرْصَةِ الْأُجْرَةَ أَيْ أُجْرَةَ مِثْلِهَا دَارًا إلَى وَقْتِ الْهَدْمِ أو إلَى وَقْتِ الرَّدِّ وَجْهَانِ جَزَمَ الْمَحَامِلِيُّ وَالْعِمْرَانِيُّ بِالْأَوَّلِ وَبِأَنَّهُ يَضْمَنُ بَعْدَ ذلك أُجْرَةَ مِثْلِهَا عَرْصَةً
وَلَوْ وَلَدَتْ الْأَمَةُ الْمَغْصُوبَةُ رَقِيقًا رَدَّهُمَا وَضَمِنَ أَرْشَ النَّقْصِ الْحَاصِلِ بِالْوِلَادَةِ وَالْغَاصِبُ لِشَابٍّ كَبِرَ عِنْدَهُ أو جَارِيَةٍ نَاهِدٍ تَدَلَّى ثَدْيُهَا أو أَمْرَدَ الْتَحَى أو فَحْلٍ ضَرَبَ أُنْثَى يَضْمَنُ نَقْصَ الشَّابِّ بِالْكِبَرِ وَتَدَلِّيَ أَيْ وَنَقْصَ النُّهُودِ بِتَدَلِّي الثَّدْيِ النَّاهِدِ ونقص الْمُرُودَةِ بِالْتِحَاءِ الْأَمْرَدِ وَنَقْصَ الْفَحْلِ بِالضِّرَابِ وَنَحْوِهِ أَيْ وَنَحْوِ ذلك ثُمَّ الْوَلَدُ الْحَاصِلُ بِضَرْبِ الْفَحْلِ لِمَالِك الْأُمِّ وَإِنْ كان الْغَاصِبَ وَلَا شَيْءَ عليه أَيْ على الْغَاصِبِ لِلْإِنْزَاءِ بِلَا نَقْصٍ لِأَنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِمَالٍ وَإِنْ جَعَلَ الْخَشَبَ الْمَغْصُوبَ بَابًا وَسَمَّرَهُ بِمَسَامِيرَ له وَنَزَعَهَا منه ضَمِنَ نَقْصَ قِيمَتِهِ فَلَوْ بَذَلَهَا لِلْمَغْصُوبِ منه لم يَجِبْ عليه قَبُولُهَا وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَتَنَجَّسَ عِنْدَهُ لم يَجُزْ له تَطْهِيرُهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ وَلَا يُكَلَّفُ تَطْهِيرُهُ فَإِنْ طَهَّرَهُ فَنَقَصَ ضَمِنَ النَّقْصَ أَيْ أَرْشَهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُطَهِّرْهُ فَعَلَيْهِ مُؤْنَتُهُ أَيْ التَّطْهِيرِ وَأَرْشُهُ أَيْ أَرْشُ نَقْصِهِ إنْ نَقَصَ وَتَنْجِيسُ مَائِعٍ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ إهْلَاكٌ فَيَضْمَنُهُ وَإِنْ غَصَبَ شَخْصٌ من الْغَاصِبِ ما غَصَبَهُ فَأَبْرَأَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ الْأَوَّلَ عن ضَمَانِ الْمَغْصُوبِ التَّالِفِ صَحَّ الْإِبْرَاءُ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِقِيمَتِهِ فَهُوَ كَدَيْنٍ عليه أو مَلَّكَهُ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ بَرِئَ وَانْقَلَبَ الضَّمَانُ على الثَّانِي لِلْأَوَّلِ
وَإِنْ بَاعَهُ أَيْ الْمَالِكُ الْمَغْصُوبَ لِغَاصِبِ الْغَاصِبِ أو أَبْرَأَهُ عن الضَّمَانِ لِلْمَغْصُوبِ التَّالِفِ أو وَهَبَهُ له وَأَقْبَضَهُ الْمَوْهُوبَ بِأَنْ أَذِنَ له في قَبْضِهِ وَكَذَا لو أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ بَرِئَ الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ لَا إنْ رَهَنَهُ عِنْدَ الثَّانِي أو زَوَّجَهُ منه أو وَكَّلَهُ بِبَيْعِهِ فَلَا يَبْرَأُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَوْ رَدَّ الْغَاصِبُ الدَّابَّةَ إلَى الْإِصْطَبْلِ أَيْ إصْطَبْلِ مَالِكِهَا وَعَلِمَ بِهِ الْمَالِكُ وَلَوْ بِخَبَرِ ثِقَةٍ بَرِئَ بِخِلَافِ ما قبل عِلْمِهِ وَلَوْ امْتَنَعَ الْمَالِكُ من الِاسْتِرْدَادِ رُفِعَ الْأَمْرُ إلَى الْحَاكِمِ لِيَأْمُرَهُ بِالْقَبْضِ فَإِنْ امْتَنَعَ من الْقَبْضِ نَصَبَ نَائِبًا عنه قال الْخُوَارِزْمِيَّ فَلَوْ لم يَكُنْ ثَمَّ حَاكِمٌ فَوَضَعَهُ بين يَدَيْهِ أو أَلْقَاهُ في حِجْرِهِ
____________________
(2/362)
بَرِئَ من الضَّمَانِ بِخِلَافِ ما لو تَلِفَ الْمَغْصُوبُ فَوَضَعَ بَدَلَهُ بين يَدَيْهِ فلم يَقْبَلُهُ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ غَيْرُ مِلْكِهِ بِخِلَافِ بَدَلِهِ
وَإِنْ شَغَلَ شَخْصٌ بِمَتَاعِهِ بُقْعَةً من الْمَسْجِدِ لَزِمَهُ أُجْرَتُهَا إنْ لم يُغْلِقْهُ فَإِنْ أَغْلَقَهُ لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْكُلِّ كما يَلْزَمُهُ قِيمَةُ أَجْزَائِهِ بِالْإِتْلَافِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي من الْغَاصِبِ ضَمَانُ ما وَلَدَتْهُ الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ حَيًّا وضمان ثِمَارِ الشَّجَرَةِ تَبَعًا لِأَصْلَيْهِمَا فَإِنْ أَكَلَهَا أَيْ الثِّمَارَ يَعْنِي أَتْلَفَهَا لم يَرْجِعْ بِبَدَلِهَا وَإِنْ تَلِفَتْ رَجَعَ بِهِ
كِتَابُ الشُّفْعَةِ بِإِسْكَانِ الْفَاءِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا وَهِيَ لُغَةً الضَّمُّ على الْأَشْهَرِ من شَفَعْت الشَّيْءَ ضَمَمْته فَهِيَ ضَمُّ نَصِيبٍ إلَى نَصِيبٍ وَمِنْهُ شَفْعُ الْأَذَانِ وَشَرْعًا حَقُّ تَمَلُّكٍ قَهْرِيٍّ يَثْبُتُ لَلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ على الْحَادِثِ فِيمَا مَلَكَ بِعِوَضٍ وَالْأَصْلُ فيها خَبَرُ الْبُخَارِيِّ عن جَابِرٍ رضي اللَّهُ عنه قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لم يُقْسَمْ فإذا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ وفي رِوَايَةٍ له في أَرْضٍ أو رَبْعٍ أو حَائِطٍ وفي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قُضِيَ بِالشُّفْعَةِ في كل شِرْكٍ لم يُقْسَمْ رَبْعَةٍ أو حَائِطٍ وَلَا يَحِلُّ له أَنْ يَبِيعَ حتى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ فَإِنْ بَاعَهُ ولم يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَالْمَعْنَى فيه دَفْعُ ضَرَرِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ وَاسْتِحْدَاثِ الْمَرَافِقِ في الْحِصَّةِ الصَّائِرَةِ إلَيْهِ وَالرَّابِعَةُ تَأْنِيثُ الرَّبْعِ وهو الْمَنْزِلُ وَالْحَائِطُ وَالْبُسْتَانُ وَمَفْهُومُ الْخَبَرِ أَنَّهُ إذَا اسْتَأْذَنَ شَرِيكَهُ في الْبَيْعِ فَأَذِنَ له لَا شُفْعَةَ قال في الْمَطْلَبِ ولم يَصِرْ إلَيْهِ أَحَدٌ من أَصْحَابِنَا تَمَسُّكًا بِبَقِيَّةِ الْأَخْبَارِ قال وَالْخَبَرُ يَقْتَضِي إيجَابَ اسْتِئْذَانِ الشَّرِيكِ قبل الْبَيْعِ ولم أَظْفَرْ بِهِ في كَلَامِ أَحَدٍ من أَصْحَابِنَا وَهَذَا الْخَبَرُ لَا مَحِيدَ عنه وقد صَحَّ وقد قال الشَّافِعِيُّ إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَاضْرِبُوا بِمَذْهَبِي عَرْضَ الْحَائِطِ انْتَهَى وقد يُجَابُ بِحَمْلِ عَدَمِ الْحِلِّ في الْخَبَرِ على خِلَافِ الْأَوْلَى وَالْمَعْنَى أَنَّ ذلك لَا يَحِلُّ حِلًّا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ
وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ فِيمَا تَثْبُتُ بِهِ الشُّفْعَةُ وَلَهُ الْأَوْلَى وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ وَالصِّيغَةُ إنَّمَا هِيَ شَرْطٌ لِلْمِلْكِ كما سَيَأْتِي الْأَوَّلُ الْمَأْخُوذُ فَلَا تَثْبُتُ إلَّا في أَرْضٍ وَتَوَابِعِهَا الْمُثَبَّتَةِ فيها لِلدَّوَامِ كَالْبِنَاءِ وَتَوَابِعِهِ الدَّاخِلَةِ في مُطْلَقِ الْبَيْعِ من الْأَبْوَابِ وَالرُّفُوفِ وَالْمَسَامِيرِ وَالْمَفَاتِيحِ وَنَحْوِهَا وَحَجَرَيْ الطَّاحُونَةِ وَالْأَشْجَارِ فَلَا تَثْبُتُ في مَنْقُولٍ غَيْرِ تَابِعٍ لِمَا ذُكِرَ وَإِنْ بِيعَ معه كَأَنْ بَاعَ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ دُونَ الْأَرْضِ لِمَا مَرَّ من الْأَدِلَّةِ وَلِأَنَّهُ لَا يَدُومُ فَلَا يَدُومُ ضَرَرُ الشَّرِكَةِ فيه بِخِلَافِ ما ذَكَرَ وَسَيَأْتِي بَعْضُ ذلك في كَلَامِهِ وَيَأْخُذُهَا أَيْ الشَّفِيعُ الْأَشْجَارَ كما مَرَّ بِثَمَرٍ حَادِثَةٍ بَعْدَ الْبَيْعِ لم تُؤَبَّرْ عِنْدَ الْأَخْذِ لِأَنَّهَا قد تَبِعَتْ الْأَصْلَ في الْبَيْعِ فَتَتْبَعُهُ في الْأَخْذِ كَالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ لَا إنْ أُبِّرَتْ عِنْدَهُ فَلَا يَأْخُذُهَا لِانْتِفَاءِ التَّبَعِيَّةِ وَيَأْخُذُ الثَّمَرَةَ الدَّاخِلَةَ في الْعَقْدِ بِالشَّرْعِ
____________________
(2/363)
أَيْ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَلَوْ لم يَتَّفِقْ الْأَخْذُ لها حتى أُبِّرَتْ لِدُخُولِهَا في مُطْلَقِ الْبَيْعِ وَلِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بها وَزِيَادَتَهَا بِالتَّأْبِيرِ كَالزِّيَادَةِ الْحَاصِلَةِ في الشَّجَرَةِ
وَلَا يَأْخُذُ الدَّاخِلَةَ بِالشَّرْطِ لِانْتِفَاءِ التَّبَعِيَّةِ في مُطْلَقِ الْبَيْعِ فَتَخْرُجُ الثَّمَرَةُ الْمُؤَبَّرَةُ الْمَشْرُوطَةُ أَيْ الْمَشْرُوطُ دُخُولُهَا في الْبَيْعِ عن الْأَرْضِ وَالنَّخِيلِ اللَّتَيْنِ يَأْخُذُهُمَا بِالشُّفْعَةِ بِحِصَّتِهَا من الثَّمَنِ كَالزَّرْعِ الْمَشْرُوطِ دُخُولُهُ في الْبَيْعِ وَالْجِزَّةِ الْأُولَى مِمَّا يَتَكَرَّرُ أَيْ الْجِزَّةِ الظَّاهِرَةِ التي لَا تَدْخُلُ في مُطْلَقِ الْبَيْعِ وَيَبْقَى كُلُّ ما لَا يَأْخُذُ من ثَمَرَةٍ وَزَرْعٍ وَجِزَّةٍ إلَى أَوَانِ الْجِذَاذِ فَإِنْ بَاعَ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ دُونَ الْأَرْضِ الْمُتَخَلِّلَةِ وَلَوْ بِلْآسِ لِلْبِنَاءِ وَالْمُغْرَسِ لِلشَّجَرِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِمَا أَيْ في الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ وَالْآسِ وَالْمُغْرَسِ لِأَنَّ الْأَرْضَ هُنَا تَابِعَةٌ وَالْمَتْبُوعُ مَنْقُولٌ
وَلَا شُفْعَةَ في عُلُوٍّ بِلَا سُفْلٍ ثَابِتٍ كَأَنْ بَاعَ شِقْصًا من غُرْفَةٍ مَبْنِيَّةٍ على سَقْفٍ لَهُمَا أو لِأَحَدِهِمَا أو لِغَيْرِهِمَا إذْ لَا قَرَارَ له وَلَوْ كان السُّفْلُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَالْعُلُوُّ لِأَحَدِهِمَا فَبَاعَهُ أَيْ الْعُلُوَّ وباع نَصِيبَهُ من السُّفْلِ فَالشُّفْعَةُ ثَابِتَةٌ في نَصِيبِهِ من السُّفْلِ لَا في الْعُلُوِّ لِانْتِفَاءِ الشَّرِكَةِ فيه وَلَا حَقَّ لِلشَّفِيعِ فيه هذا من زِيَادَتِهِ وهو تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ وَكَذَا لو اشْتَرَكَا في أَرْضٍ فيها شَجَرٌ لِأَحَدِهِمَا فَبَاعَهُ مع نَصِيبِهِ منها فَالشُّفْعَةُ ثَابِتَةٌ في الْأَرْضِ بِحِصَّتِهَا من الثَّمَنِ لَا في الشَّجَرِ لِذَلِكَ
فَصْلٌ وَلَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِيمَا لَا يُجْبَرُ الشَّرِيكُ فيه على الْقِسْمَةِ إذَا طَلَبَهَا شَرِيكُهُ وهو ما لَا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ الْمُعْتَادَةُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَإِنْ بَقِيَ غَيْرُهَا أَيْ غَيْرُ الْمُعْتَادَةِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لِلتَّفَاوُتِ الْعَظِيمِ بين أَجْنَاسِ الْمَنَافِعِ كَحَمَّامٍ لَا يَنْقَسِمُ حَمَّامَيْنِ لِمَا مَرَّ أَنَّ عِلَّةَ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ دَفْعُ ضَرَرِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ وَاسْتِحْدَاثِ الْمَرَافِقِ في الْحِصَّةِ الصَّائِرَةِ إلَى الشَّفِيعِ كَمِصْعَدٍ وَمَنُورٍ وَبَالُوعَةٍ قال الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الضَّرَرُ وَإِنْ كان وَاقِعًا قبل الْبَيْعِ لو اقْتَسَمَ الشَّرِيكَانِ لَكِنْ كان من حَقِّ الرَّاغِبِ في الْبَيْعِ تَخْلِيصُ شَرِيكِهِ بِبَيْعِهِ منه فإذا لم يَفْعَلْ سَلَّطَهُ الشَّرْعُ على أَخْذِهِ منه فَعُلِمَ أنها لَا تَثْبُتُ لَا فِيمَا يُجْبَرُ الشَّرِيكُ فيه على الْقِسْمَةِ إذَا طَلَبَهَا شَرِيكُهُ وَتَثْبُتُ لِمَالِكِ عُشْرِ الدَّارِ الصَّغِيرَةِ إنْ بَاعَ مَالِكُ تِسْعَةِ الْأَعْشَارِ نَصِيبَهُ لِأَنَّهُ لو طَلَبَ من مَالِكِ الْعُشْرِ الْقِسْمَةَ أُجْبِرَ عليها لَا عَكْسُهُ بِأَنْ بَاعَ مَالِكُ الْعُشْرِ نَصِيبَهُ فَلَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلْآخَرِ لِأَمْنِهِ من الْقِسْمَةِ إذْ لَا فَائِدَةَ فيها فَلَا يُجَابُ طَالِبُهَا
وَلَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ من أَرْضٍ تَنْقَسِمُ وَفِيهَا بِئْرٌ لَا تَنْقَسِمُ وسقى منها ثَبَتَتْ أَيْ الشُّفْعَةُ في الْأَرْضِ دُونَهَا أَيْ الْبِئْرِ بِخِلَافِ الشَّجَرِ الثَّابِتِ في الْأَرْضِ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ في مَحَلِّ الشُّفْعَةِ وَالْبِئْرُ مُبَايِنَةٌ عنه
الرُّكْنُ الثَّانِي الْآخِذُ بِالشُّفْعَةِ فَتَثْبُتُ لَلشَّرِيكِ في رَقَبَةِ الْعَقَارِ وما أُلْحِقَ بِهِ لَا لِلْجَارِ وَلَوْ مُلَاصِقًا لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ السَّابِقِ وَلَا لَلشَّرِيكِ في غَيْرِ رَقَبَةِ الْعَقَارِ كَالشَّرِيكِ في الْمَنْفَعَةِ فَقَطْ كَأَنْ مَلَكَهَا بِوَصِيَّةٍ ولكن لو قَضَى لِلْجَارِ بها حَنَفِيٌّ لم يُنْقَضْ حُكْمُهُ وَلَوْ كان الْقَضَاءُ بها لِشَافِعِيٍّ كَنَظَائِرِهِ في الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ
وَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِذِمِّيٍّ على مُسْلِمٍ وَمُكَاتَبٍ على سَيِّدٍ كَعَكْسِهِمَا
فَرْعٌ لو بَاعَ نَصِيبًا يَنْقَسِمُ من مَمَرٍّ لَا يَنْفُذُ فَلِأَهْلِهِ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ فيه بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُنْقَسِمِ وَبِخِلَافِ النَّافِذِ في الْغَالِبِ لِأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ غَالِبًا وكان يَنْبَغِي تَأْخِيرُ يَنْقَسِمُ عن مَمَرٍّ وَتَعْبِيرُهُ بِ نَصِيبًا أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِنَصِيبِهِ الْمُحْتَاجِ إلَى قَوْلِ الْمُهِمَّاتِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَتَّصِلَ دَارُ الْبَائِعِ بِمِلْكٍ له أو شَارِعٍ وَإِلَّا فَهُوَ كَمَنْ بَاعَ دَارًا أو اسْتَثْنَى منها بَيْتًا وَالْأَصَحُّ فيها الْبُطْلَانُ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِالْبَاقِي وَلِنُقْصَانِ الْمِلْكِ
وَلَوْ بَاعَ دَارًا له مَمَرُّهَا الْمُشْتَرَكُ يَنْقَسِمُ فَلَا شُفْعَةَ لهم أَيْ لِلشُّرَكَاءِ في الدَّارِ لِانْتِفَاءِ الشَّرِكَةِ فيها وَكَذَا لَا شُفْعَةَ لهم في الْمَمَرِّ إنْ لم يُمْكِنْ تَحْصِيلُ مَمَرٍّ آخَرَ أو فَتْحُ بَابٍ لِلدَّارِ إلَى شَارِعٍ أو مِلْكٍ له آخَرَ أو نَحْوِهِمَا لِمَا فيه من إضْرَارِ الْمُشْتَرِي وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ ذلك فَلَهُمْ الشُّفْعَةُ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ في التي قبل هذه
____________________
(2/364)
أَنَّهُ لو اشْتَرَى من له دَارٌ لَا مَمَرَّ لها نَصِيبَ أَحَدِ شَرِيكَيْنِ في مَمَرٍّ ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ وَإِنْ لم يُمْكِنْ الْمُشْتَرِيَ تَحْصِيلُ مَمَرٍّ وهو ظَاهِرٌ لِكَوْنِ الْمَمَرِّ ليس من حُقُوقِ الدَّارِ قبل الْبَيْعِ بِخِلَافِهِ في مَسْأَلَتِنَا وَلِصَحْنِ بُيُوتِ الْخَانِ وَمَجْرَى النَّهْرِ وَبِئْرِ الْمَزْرَعَةِ حُكْمُ الْمَمَرِّ أَيْ الشَّرِكَةُ في صَحْنِ الْخَانِ دُونَ بُيُوتِهِ وفي مَجْرَى الْمَاءِ دُونَ الْأَرْضِ وفي بِئْرِ الْمَزْرَعَةِ دُونَ الْمَزْرَعَةِ كَالشَّرِكَةِ في الْمَمَرِّ فِيمَا مَرَّ
فَرْعٌ لو تَرَافَعَ إلَيْنَا ذِمِّيَّانِ بَعْدَ أَخْذِ الشُّفْعَةِ وَالثَّمَنُ خَمْرٌ أو خِنْزِيرٌ لم نَنْقُضْهَا أو قَبْلَهُ لم نُثْبِتْهَا وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لو كان الثَّمَنُ مُسَلَّمًا لَا نُثْبِتُهَا مُطْلَقًا كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ فِيمَا لو أَصْدَقَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً مُسَلَّمًا ثُمَّ تَرَافَعَا إلَيْنَا
وَلَوْ ارْتَدَّ مُسْتَحِقُّ الشُّفْعَةِ لم تَبْطُلْ لِأَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ وَوُقِفَتْ شُفْعَتُهُ فَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ أُخِذَ بها كما صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ الْإِمَامِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَإِنْ مَاتَ قبل عَوْدِهِ إلَيْهِ شَفَعَ الْإِمَامُ أَيْ أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ لِبَيْتِ الْمَالِ وَيَرُدُّ بِعَيْبٍ أو نَحْوِهِ إنْ كان فَلَوْ اشْتَرَى مُسْلِمٌ شِقْصًا من أَرْضٍ مَعِيبًا أو بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ قبل عَوْدِهِ إلَى الْإِسْلَامِ كان لِلْإِمَامِ رَدُّهُ وَهَذَا جَعَلَهُ الْأَصْلُ نَظِيرًا لِمَا قَبْلَهُ فقال كما لو اشْتَرَى شِقْصًا إلَى آخِرِهِ وَإِنْ ارْتَدَّ الْمُشْتَرِي فَالشَّفِيعُ على شُفْعَتِهِ
فَرْعٌ لو كان لِلْمَسْجِدِ شِقْصٌ من أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ مَمْلُوكٌ له بِشِرَاءٍ أو هِبَةٍ لِيُصْرَفَ في عِمَارَتِهِ ثُمَّ بَاعَ شَرِيكُهُ نَصِيبَهُ فَلِلْمُقِيمِ أَنْ يَشْفَعَ أَيْ يَأْخُذَهُ بِالشُّفْعَةِ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً كما لو كان لِبَيْتِ الْمَالِ شَرِيكٌ في أَرْضٍ فَبَاعَ شَرِيكُهُ نَصِيبَهُ فَلِلْإِمَامِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً
وَلَا شُفْعَةَ لِصَاحِبِ شِقْصٍ من أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ مَوْقُوفٍ عليه إذَا بَاعَ شَرِيكُهُ نَصِيبَهُ وَلَا لِشَرِيكِهِ إذَا بَاعَ شَرِيكٌ آخَرُ نَصِيبَهُ كما أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ لِامْتِنَاعِ قِسْمَةِ الْوَقْفِ عن الْمِلْكِ وَلِانْتِفَاءِ مِلْكِ الْأَوَّلِ عن الرَّقَبَةِ نعم على ما اخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ وَالنَّوَوِيُّ من جَوَازِ قِسْمَتِهِ عنه لَا مَانِعَ من أَخْذِ الثَّانِي
فَرْعٌ لِمَأْذُونٍ له في التِّجَارَةِ لم يَمْنَعْهُ السَّيِّدُ من أَخْذِ الشُّفْعَةِ ولم يُسْقِطْ حَقَّهُ منها أَخْذُ الشُّفْعَةِ فِيمَا إذَا مَلَكَ شِقْصًا من أَرْضٍ ثُمَّ بَاعَ شَرِيكُهُ نَصِيبَهُ وَكَذَا لِسَيِّدِهِ أَخْذُ الشُّفْعَةِ في ذلك وَلَهُ أَيْ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ من الْأَخْذِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَهُ الْإِسْقَاطُ وَإِنْ أَحَاطَتْ بِهِ الدُّيُونُ وكان فيه أَيْ الْأَخْذِ غِبْطَةٌ كما له مَنْعُهُ من سَائِرِ الِاعْتِيَاضَاتِ في الْمُسْتَقْبَلِ
الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْمَأْخُوذُ منه وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِلْكُهُ طَارِئًا على مِلْكِ الْآخِذِ لَازِمًا بِعِوَضٍ فَلَا شُفْعَةَ لِأَحَدِ مُشْتَرِيَيْنِ على الْآخَرِ إنْ اشْتَرَيَا عَقَارًا أو شِقْصًا منه مَعًا لِاسْتِوَائِهِمَا في وَقْتِ حُصُولِ الْمِلْكِ وَلَا في مُدَّةِ الْخِيَارِ في الْبَيْعِ إلَّا إذَا شُرِطَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَقَطْ فَيَأْخُذُهُ منه الشَّفِيعُ في الْحَالِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فيه له حِينَئِذٍ وَالشَّفِيعُ مُتَسَلِّطٌ عليه بَعْدَ اللُّزُومِ فَقَبْلَهُ أَوْلَى بِخِلَافِهِ في الْمُسْتَثْنَى منه الصَّادِقِ بِكَوْنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَلِلْبَائِعِ فَقَطْ فَلَا يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ حتى يَنْقَطِعَ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ من إبْطَالِ حَقِّ الْبَائِعِ وَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ شُرِطَ بَ كان كان أَوْلَى لِيَشْمَلَ خِيَارَ الْمَجْلِسِ أَيْضًا وَيُتَصَوَّرَ انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِهِ بِإِسْقَاطِ الْآخَرِ خِيَارَ نَفْسِهِ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ لَازِمًا لِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ في مُدَّةِ خِيَارِ
____________________
(2/365)
الْمُشْتَرِي وَعَدَمِ ثُبُوتِهَا في مُدَّةِ خِيَارِ الْبَائِعِ أو خِيَارِهِمَا لِعَدَمِ الْمِلْكِ الطَّارِئِ لَا لِعَدَمِ اللُّزُومِ
فَإِنْ بَاعَ الشَّرِيكُ الثَّانِي نَصِيبَهُ بَتًّا أَيْ بَيْعَ بَتٍّ قبل انْقِضَائِهَا أَيْ مُدَّةِ الْخِيَارِ الثَّابِتِ لَهُمَا أو لِلْبَائِعِ فَقَطْ في بَيْعِ الشَّرِيكِ الْأَوَّلِ نَصِيبَهُ لم يَبْقَ لِلثَّانِي وَلَا لِلْمُشْتَرِي منه على الْعَقْدِ الْأَوَّلِ شُفْعَةٌ وَإِنْ طَرَأَ على مِلْكِ الْمُشْتَرِي منه مِلْكُ الْأَوَّلِ لِزَوَالِ مِلْكِ الْبَائِعِ الثَّانِي في الْأُولَى وَتَقَدُّمِ سَبَبِ الشُّفْعَةِ وهو الْبَيْعُ على مِلْكِ الْمُشْتَرِي منه في الثَّانِيَةِ وَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ في الْعَقْدِ الثَّانِي لِمَنْ له الْمِلْكُ في الْأَوَّلِ من الْبَائِعِ إنْ كان الْخِيَارُ له فَقَطْ وَمِنْ الْمُشْتَرِي منه كَذَلِكَ فَإِنْ وُقِفَ الْمِلْكُ بِأَنْ كان الْخِيَارُ لَهُمَا فَالشُّفْعَةُ مَوْقُوفَةٌ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِزَوَالِ الْمِلْكِ فَلَوْ أَخَذَهُ أَيْ الْمَبِيعَ في الْعَقْدِ الثَّانِي بِالشُّفْعَةِ من حُكِمَ له بِالْمِلْكِ مِنْهُمَا في الْأَوَّلِ ثُمَّ فَسَخَ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ لم تَنْفَسِخْ شُفْعَتُهُ كما يُحْكَمُ بِأَنَّ الزَّوَائِدَ الْحَادِثَةَ في مُدَّةِ الْخِيَارِ مِلْكٌ لِمَنْ حُكِمَ له بِالْمِلْكِ
فَصْلٌ لِلشَّفِيعِ الْمَنْعُ أَيْ مَنْعُ من له فَسْخُ الْعَقْدِ من الْفَسْخِ له بِعَيْبِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ إذَا رضي بِأَخْذِهِ أَيْ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ لِأَنَّ حَقَّهُ سَابِقٌ لِثُبُوتِهِ بِالْبَيْعِ وَلِأَنَّ غَرَضَ الْعَاقِدِ اسْتِدْرَاكُ الظُّلَامَةِ وَتَحْصِيلُ الْعِوَضِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِأَخْذِ الشَّفِيعِ وَلِأَنَّ في تَقْدِيمِ الْعَاقِدِ عليه إبْطَالًا لِحَقِّهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَقُدِّمَ وله الْمَنْعُ من الْإِقَالَةِ لِذَلِكَ وَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَلَوْ فَسَخَ الْعَقْدَ قَبْلَهُ بِإِقَالَةٍ أو عَيْبٍ أو إفْلَاسٍ لِذَلِكَ وَيُفْسَخُ الرَّدُّ أو نَقُولُ تَبَيَّنَّا أَنَّ الرَّدَّ كان بَاطِلًا قَالَهُ في الْأَصْلِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَهَذَا التَّرْدِيدُ وَجْهَانِ صَرَّحَ بِهِمَا الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَفَائِدَتُهُمَا كما في الْمَطْلَبِ في الْفَوَائِدِ من الرَّدِّ إلَى الْأَخْذِ انْتَهَى
وَعَلَى الْأَوَّلِ مَشَيْت في شَرْحِ الْبَهْجَةِ تَبَعًا لِشُرَّاحِ الْحَاوِي لَا إنْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِتَلَفِ الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ قبل قَبْضِهِ فَلَا يَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يَأْخُذُ بها لِمَا مَرَّ في الْفَسْخِ وَالِانْفِسَاخُ كَالْفَسْخِ في أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَرْفَعُ الْعَقْدَ من حِينِهِ لَا من أَصْلِهِ
وَالشَّفِيعُ أَوْلَى بِالشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ من مُصَدَّقٍ له زَوْجَتُهُ حَيْثُ يَرْجِعُ فيه أو في نِصْفِهِ لِفُرْقَةٍ بِرِدَّةٍ أو طَلَاقٍ قبل الدُّخُولِ لِسَبْقِ حَقِّ الشَّفِيعِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالْعَقْدِ وَالزَّوْجُ إنَّمَا يَثْبُتُ حَقُّهُ بِالْفُرْقَةِ وَلِأَنَّ حَقَّهُ أَقْوَى من حَقِّ الزَّوْجِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُبْطِلُ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي وَيَأْخُذُ الشِّقْصَ وَالزَّوْجُ لَا يُبْطِلُ تَصَرُّفَ الزَّوْجَةِ وَلَوْ كانت أَيْ الشُّفْعَةُ لِشَفِيعَيْنِ فَالشِّقْصُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَإِنْ تَخَلَّلَ الطَّلَاقُ بين أَخْذَيْهِمَا في النِّصْفِ الْمَشْفُوعِ إنْ وَقَعَتْ الْمُعَاوَضَةُ في النِّصْفِ بِأَنْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا نِصْفَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قبل أَخْذِ الْآخَرِ فَلِلشَّفِيعِ الْآخَرِ النِّصْفُ الْآخَرُ فَهُوَ مُقَدَّمٌ على الزَّوْجِ لِسَبْقِ حَقِّهِ وَقَوْلُهُ في النِّصْفِ مُتَعَلِّقٌ بِأَخْذَيْهِمَا وفي بِمَعْنَى اللَّامِ وَلَوْ تَرَكَ ذلك كان أَعَمَّ وَأَخْصَرَ
والشفيع أَوْلَى بِالشِّقْصِ من بَائِعٍ حَيْثُ يَرْجِعُ فيه لِفَلَسٍ حَصَلَ لِلْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ لِذَلِكَ وَلَا يُخَصُّ حِينَئِذٍ وفي نُسْخَةٍ وَلَا يَخْتَصُّ الْبَائِعُ دُونَ الْغُرَمَاءِ بِالثَّمَنِ بَلْ يُضَارِبُ مَعَهُمْ بِهِ لِأَنَّ حَقَّهُ لَمَّا انْتَقَلَ من الْعَيْنِ إلَى الذِّمَّةِ الْتَحَقَ بِسَائِرِ الْغُرَمَاءِ
وَلَا شُفْعَةَ في مَمْلُوكٍ بِلَا عِوَضٍ كَالْإِرْثِ وَالْهِبَةِ بِلَا ثَوَابٍ وَالْوَصِيَّةِ لِأَنَّ وَضْعَهَا على أَنْ يَأْخُذَ الشَّفِيعُ بِمَا أَخَذَ بِهِ الْمُتَمَلِّكُ وهو مَفْقُودٌ في ذلك وَلِأَنَّ الْوَارِثَ مَقْهُورٌ فلم يَضُرَّ
____________________
(2/366)
الشَّرِيكَ وَلِأَنَّ الْمُتَّهِبَ وَالْمُوصَى له تَقَلَّدَ الْمِنَّةَ من الْوَاهِبِ وَالْمُوصِي بِقَبُولِهِمَا تَبَرُّعَهُمَا فَلَوْ أَخَذَ الشَّفِيعُ لَأَخَذَ عن اسْتِحْقَاقٍ وَتَسَلُّطٍ فَلَا يَكُونُ مُتَقَلِّدًا لِلْمِنَّةِ فَلَوْ اقْتَضَتْ أَيْ الْهِبَةُ ثَوَابًا بِأَنْ ذَكَرَ الْعَاقِدَانِ ثَوَابًا مَعْلُومًا ثَبَتَتْ أَيْ الشُّفْعَةُ وَلَوْ لم يَقْبِضْ الْمَوْهُوبُ لِأَنَّهُ صَارَ بَيْعًا
وَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ إنْ جَعَلَ الشِّقْصَ أُجْرَةً وَكَذَا جُعْلًا بَعْدَ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ مِلْكٌ بِمُعَاوَضَةٍ بِخِلَافِ الْجُعْلِ قبل الْعَمَلِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لم يُمَلِّكْ
وَلَوْ أَقْرَضَهُ الشِّقْصَ وَقُلْنَا بِصِحَّةِ قَرْضِهِ ثَبَتَتْ فيه الشُّفْعَةُ إذَا مَلَكَهُ الْمُقْتَرِضُ كما سَيَأْتِي بِزِيَادَةٍ وَكَذَا لو جَعَلَهُ رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ أو مُتْعَةً أو عِوَضَ خُلْعٍ أو عِوَضًا عن نَجْمِ كِتَابَةٍ وَقُلْنَا بِصِحَّةِ الِاعْتِيَاضِ عنه لِذَلِكَ فَإِنْ عَوَّضَهُ أَيْ الْمُكَاتَبُ الشِّقْصَ عن بَعْضِهَا أَيْ النُّجُومِ ثُمَّ عَجَزَ وَرَقَّ لم تَبْقَ شُفْعَةٌ لِخُرُوجِهِ آخِرًا عن الْعِوَضِ
فَرْعٌ لو قال لِمُسْتَوْلَدَتِهِ إنْ خَدَمْتِ أَوْلَادِي شَهْرًا مَثَلًا بِقَيْدٍ صَرَّحَ بِهِ من زِيَادَتِهِ بِقَوْلِهِ بَعْدَ مَوْتِي فَلَكِ هذا الشِّقْصُ فَخَدَمَتْهُمْ فَلَا شُفْعَةَ فيه لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ مُعْتَبَرَةٌ من الثُّلُثِ كَسَائِرِ الْوَصَايَا وَذِكْرُ الْخِدْمَةِ شَرْطٌ لَا عِوَضٌ قال الْبُلْقِينِيُّ وَتَثْبُتُ في شِقْصٍ أَوْصَى بِهِ لِمَنْ يَحُجُّ عنه وَلَوْ تَطَوُّعًا وَإِنْ شَارَكَ التَّطَوُّعُ صُورَةَ الْمُسْتَوْلَدَةِ في الْخُرُوجِ من الثُّلُثِ لَكِنَّ الْمُقَابَلَةَ هُنَا ظَاهِرَةٌ قُلْتُهُ تَخْرِيجًا انْتَهَى
وَكَأَنَّهُ نَظَرَ في تِلْكَ إلَى أَنَّهُ لَا مُعَاوَضَةَ في الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ لم تَقَعْ لِلْمُوصِي بَلْ لِأَوْلَادِهِ بِخِلَافِ هذه أو نَظَرَ في تِلْكَ إلَى التَّعْلِيقِ وفي هذه إلَى عَدَمِهِ فَعَلَيْهِ لو تَرَكَ التَّعْلِيقَ في تِلْكَ وَأَتَى بِهِ في هذه انْعَكَسَ الْحُكْمُ قال ابن أبي عَصْرُونٍ وَخُصَّتْ أُمُّ الْوَلَدِ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا مَحْرَمٌ لِأَوْلَادِهِ فَجَازَ لها الدُّخُولُ عليهم وَمُبَاشَرَةُ خِدْمَتِهِمْ وقال الْفَارِقِيُّ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا
فَصْلٌ لِقَيِّمٍ لِطِفْلَيْنِ شَرِيكَيْنِ في عَقَارٍ بَاعَ شِقْصَ أَحَدِ الطِّفْلَيْنِ الشُّفْعَةُ أَيْ له الْأَخْذُ بها لِلْآخَرِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قد يَحْتَاجُ إلَى الْبَيْعِ وَالْآخَرَ إلَى الْأَخْذِ لَا لِنَفْسِهِ إنْ كان شَرِيكًا لِمَنْ وَقَعَ الْبَيْعُ عنه لِلتُّهْمَةِ بِالْمُسَامَحَةِ في الْبَيْعِ لِيَعُودَ النَّفْعُ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَا يَبِيعُهُ مَالَ نَفْسِهِ إلَّا إنْ اشْتَرَى من شَرِيكِهِ شِقْصًا من عَقَارٍ لِلطِّفْلِ أو كان الْبَائِعُ أو الْمُشْتَرِي له أَبًا أو جَدًّا فَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ لِنَفْسِهِ إذْ لَا تُهْمَةَ لِانْتِفَاءِ ما ذُكِرَ في الْأُولَى وَلِقُوَّةِ الْوِلَايَةِ وَالشُّفْعَةِ في الثَّانِيَةِ وَكَالْقَيِّمِ فِيمَا ذُكِرَ الْوَصِيُّ وَالْحَاكِمُ وَكَالطِّفْلِ الْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ
فَرْعٌ الْوَكِيلُ وَلَوْ في الْبَيْعِ يَشْفَعُ أَيْ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ لِنَفْسِهِ فَلَوْ وَكَّلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ صَاحِبَهُ في بَيْعِ نَصِيبِهِ فَبَاعَهُ أو وَكَّلَ رَجُلٌ أَحَدَهُمَا في شِرَاءِ الشِّقْصِ فَلِلْوَكِيلِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ أَمَّا في الْأُولَى فَلِأَنَّ الْمُوَكِّلَ نَاظِرٌ لِنَفْسِهِ يُعْتَرَضُ عليه إنْ قَصَّرَ بِخِلَافِ الْمَحْجُورِ عليه لِعَجْزِهِ وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَظَاهِرٌ
وَإِنْ وَكَّلَ شَرِيكٌ شَرِيكَهُ في بَيْعِ نِصْفِ نَصِيبِهِ فَبَاعَ الْوَكِيلُ نِصْفَ الْمُشْتَرَكِ أَيْ نِصْفَ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً بِالْإِذْنِ من الْمُوَكِّلِ له في بَيْعِ نِصْفِ نَصِيبِهِ مع نِصْفِ نَصِيبِ الْمُوَكِّلِ إنْ شَاءَ شَفَعَ الْمُوَكِّلُ أَيْ أَخَذَ نَصِيبَ الْوَكِيلِ بِالشُّفْعَةِ وَكَذَا الْوَكِيلُ أَيْ يَأْخُذُ نَصِيبَ الْمُوَكِّلِ بها وما ذَكَرَ من اعْتِبَارِ الْإِذْنِ وَبَيْعِ النِّصْفَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً هو ما في الْأَصْلِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ ذلك وهو ظَاهِرٌ فَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا اعْتَبَرَ إذْنَهُ في ذلك لِصِحَّةِ بَيْعِ النِّصْفَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً رُدَّ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ
فَرْعٌ لو بَاعَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الشُّرَكَاءِ في عَقَارٍ نَصِيبَهُ من الثَّانِي اشْتَرَكَ الْمُشْتَرِي وَالثَّالِثُ في الشُّفْعَةِ أَيْ في الْأَخْذِ بها لِاسْتِوَائِهِمَا في الشَّرِكَةِ فَإِنْ شَاءَ الثَّالِثُ أَخَذَ نِصْفَ الشِّقْصِ أو تَرَكَهُ فَلَوْ قال له الْمُشْتَرِي خُذْ الْكُلَّ أو اُتْرُكْهُ وقد أَسْقَطْت حَقِّي لَك لم تَلْزَمْهُ الْإِجَابَةُ ولم يَسْقُطْ حَقُّ الْمُشْتَرِي من الشُّفْعَةِ لِأَنَّ مِلْكَهُ اسْتَقَرَّ على النِّصْفِ بِالشِّرَاءِ فَصَارَ كما لو كان لِلشِّقْصِ شَفِيعَانِ حَاضِرٌ وَغَائِبٌ فَأَخَذَ الْحَاضِرُ الْكُلَّ فَحَضَرَ الْغَائِبُ له أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَهُ وَلَيْسَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَقُولَ اُتْرُكْ الْكُلَّ أو خُذْهُ فَقَدْ تَرَكْت حَقِّي وَلَا نَظَرَ إلَى تَشْقِيصِ الصَّفْقَةِ عليه لِأَنَّهُ لَزِمَ بِدُخُولِهِ في هذا الْعَقْدِ
وَلَوْ كانت الْأَرْضُ بين اثْنَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ نَصِيبِهِ لِثَالِثٍ ثُمَّ بَاعَ منه النِّصْفَ الْآخَرَ فَهُوَ كما لو بَاعَهُ أَيْ النِّصْفَ الْآخَرَ من أَجْنَبِيٍّ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ في الْبَابِ الثَّانِي
فَصْلٌ لو بَاعَ الْمَرِيضُ شِقْصًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ بِأَلْفٍ وَالْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ أَجْنَبِيَّانِ
____________________
(2/367)
وَرَدُّ الْوَارِثِ الْبَيْعَ بَطَلَ في بَعْضِ الشِّقْصِ وَصَحَّ في بَعْضِهِ وهو مَجْهُولٌ إذْ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ من الْمَبِيعِ إلَّا وَيَسْقُطُ ما يُقَابِلُهُ من الثَّمَنِ فَتَدُورُ الْمَسْأَلَةُ وَحِسَابُهَا أَنْ يُقَالَ يَصِحُّ الْبَيْعُ في شَيْءٍ من الشِّقْصِ بِنِصْفِ شَيْءٍ يَبْقَى مع الْوَرَثَةِ أَلْفَانِ إلَّا نِصْفَ شَيْءٍ وَذَلِكَ يَعْدِلُ مِثْلَيْ الْمُحَابَاةِ وَهِيَ نِصْفُ شَيْءٍ فَمِثْلَاهَا شَيْءٌ فَتُجْبَرُ وَتُقَابَلُ فَتَعْدِلُ أَلْفَانِ شيئا وَنِصْفًا وَالشَّيْءُ من شَيْءٍ وَنِصْفٍ ثُلُثَاهُ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْبَيْعَ صَحَّ في ثُلُثَيْ الشِّقْصِ فَقَطْ وَقِيمَتُهُ أَيْ ما ذُكِرَ وهو ثُلُثَا الشِّقْصِ أَلْفٌ وَثَلَثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ وهو أَيْ ما ذُكِرَ من ثُلُثَيْ الثَّمَنِ نِصْفُ هذا الْمَبْلَغِ فَتَكُونُ الْمُحَابَاةُ سِتَّمِائَةٍ وَسِتَّةً وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ فَيَبْقَى لِلْوَرَثَةِ ثُلُثُ الشِّقْصِ وَثُلُثَا الثَّمَنِ وَهُمَا أَلْفٌ وَثَلَثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ وَذَلِكَ ضِعْفُ الْمُحَابَاةِ فَيَأْخُذُهُ أَيْ ما صَحَّ فيه الْبَيْعُ وهو ثُلُثَا الشِّقْصِ الشَّفِيعُ بِذَلِكَ أَيْ بِمَا ذُكِرَ من ثُلُثَيْ الثَّمَنِ أَمَّا إذَا مَلَّكَ غَيْرَهُ وَاحْتَمَلَ الثُّلُثُ الْمُحَابَاةَ أو أَجَازَ الْوَرَثَةُ الْبَيْعَ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ في الْجَمِيعِ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِكُلِّ الثَّمَنِ
وَلَوْ كَانَا أَيْ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ وَارِثَيْنِ أو الْمُشْتَرِي وَارِثًا دُونَ الشَّفِيعِ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ في الْجَمِيعِ لِكَوْنِهِ مُحَابَاةً مع الْوَارِثِ وَهِيَ مَرْدُودَةٌ وَلَا شُفْعَةَ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُحَابَاةَ مع الْوَارِثِ إنَّمَا تَبْطُلُ مع الرَّدِّ دُونَ الْإِجَازَةِ فَمِنْ ثَمَّ قال كَأَصْلِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بين الْإِجَازَةِ وَالرَّدِّ كما في الضَّرْبِ السَّابِقِ
وَإِنْ كان الشَّفِيعُ وَارِثًا دُونَ الْمُشْتَرِي صَحَّ الْبَيْعُ في ثُلُثَيْ الشِّقْصِ بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ وَأَخَذَ هُمَا الْوَارِثُ بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ مع الْمُشْتَرِي وهو أَجْنَبِيٌّ وَالشَّفِيعُ يَتَمَلَّكُ على الْمُشْتَرِي وَلَا مُحَابَاةَ معه من الْمَرِيضِ وَلَوْ ذَكَرَ هذا مع الضَّرْبِ الْأَوَّلِ كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ الْأَصْلُ بِالذِّكْرِ لِبَيَانِ الْخِلَافِ فيه
فَصْلٌ وَإِنْ زَعَمَ كُلٌّ من الشَّرِيكَيْنِ في دَارٍ اشْتَرَيَاهَا بِعَقْدَيْنِ أَنَّ شِرَاءَهُ سَابِقٌ وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ على الْآخَرِ وَادَّعَى أَحَدُهُمَا ذلك ابْتِدَاءً أو بِالْقُرْعَةِ بَعْدَ مَجِيئِهِمَا مَعًا وَتَنَازُعِهِمَا في الِابْتِدَاءِ حَلَفَ النَّافِي كما أَجَابَ من نَفَى السَّبْقَ لِشِرَاءِ الْمُدَّعِي أو نَفَى الِاسْتِحْقَاقَ أَيْ اسْتِحْقَاقَهُ لِلشُّفْعَةِ فَلَا يَكْفِيهِ في الْجَوَابِ أَنْ يَقُولَ شِرَائِي سَابِقٌ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ دَعْوَى بَلْ إمَّا أَنْ يَنْفِيَ سَبْقَ شِرَاءِ الْمُدَّعِي أو اسْتِحْقَاقَهُ لِلشُّفْعَةِ أو يَقُولَ لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُ شَيْءٍ إلَيْك كما يُعْلَمُ من قَوْلِهِ وَلَا يَكْفِي الْمُدَّعِيَ أَنْ يَقُولَ شِرَائِي سَابِقٌ بَلْ يَزِيدَ عليه وأنا أَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ لِأَنَّهُ قد يَمْنَعُ من اسْتِحْقَاقِهِ لها مَانِعٌ وفي الْجَوَابِ يَكْفِيهِ أَيْ الْمُجِيبَ أَنْ يَقُولَ لَا يَلْزَمُنِي لَك شَيْءٌ وَإِنْ لم يَقُلْ شِرَائِي سَابِقٌ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَكْفِي إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ حَلَفَ الْمُجِيبُ كما أَجَابَ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ ثُمَّ يَدَّعِي على الْأَوَّلِ بِمَا ذَكَرَ فَإِنْ حَلَفَ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ أَيْضًا فَلَا شُفْعَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمَنْ نَكَلَ مِنْهُمَا عن الْيَمِينِ فَحَلَفَ الْآخَرُ قَضَى له عليه أَيْ على النَّاكِلِ فَلَوْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عليه أَوَّلًا فَحَلَفَ الْمُدَّعِي أَخَذَ ما في يَدِ الْمُدَّعَى عليه وَلَيْسَ لِلنَّاكِلِ بَعْدَ ذلك أَنْ يَدَّعِيَ عليه لِأَنَّهُ لم يَبْقَ له مِلْكٌ يَأْخُذُ بِهِ وَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعِي عن الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ سَقَطَتْ دَعْوَاهُ وَلِخَصْمِهِ أَنْ يَدَّعِيَ عليه وإذا أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِسَبْقِهِ تَعَارَضَتَا وَسَقَطَتَا فَإِنْ عَيَّنَا أَيْ الْمُدَّعِيَانِ مع الْبَيِّنَتَيْنِ وَقْتًا وَاحِدًا حُكِمَ بِأَنْ لَا سَبْقَ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِ الْعَقْدَيْنِ مَعًا فَلَا شُفْعَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا
الْبَابُ الثَّانِي في كَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَالنَّظَرِ فيها في أَطْرَافٍ ثَلَاثَةٍ الْأَوَّلُ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الْمِلْكُ لِلشَّفِيعِ فَيُشْتَرَطُ في حُصُولِهِ له بَعْدَ الرُّؤْيَةِ منه لِلشِّقْصِ وَالْعِلْمِ منه بِالثَّمَنِ كما في الْبَيْعِ أَنْ يَقُولَ تَمَلَّكْت بِالشُّفْعَةِ أو أَخَذْت بها وَنَحْوَهُ كَ اخْتَرْتُ الْأَخْذَ بها وَإِلَّا فَهُوَ من بَابِ الْمُوَاطَأَةِ وَيَجِبُ على الْمُشْتَرِي تَمْكِينُهُ من الرُّؤْيَةِ بِأَنْ لَا يَمْنَعَهُ منها وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْمُشْتَرِي قال الْإِسْنَوِيُّ وَسَبَبُهُ أَنَّهُ قَهْرِيٌّ وَيُتَصَوَّرُ ذلك في الشِّرَاءِ بِالْوَكَالَةِ وفي الْأَخْذِ من الْوَارِثِ وَلَا يَكْفِي في حُصُولِ الْمِلْكِ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَقُولَ أنا مُطَالِبٌ بِالشُّفْعَةِ إذْ الْمِلْكُ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الرَّغْبَةِ فيه وَلَا يَمْلِكُهُ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ بَلْ حتى يَقْبِضَ الْمُشْتَرِي الْعِوَضَ عن الثَّمَنِ الذي بَذَلَهُ لِلْبَائِعِ قَبْضًا كَقَبْضِ الْمَبِيعِ حتى لو امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي من تَسَلُّمِهِ خَلَّى بَيْنَهُمَا
____________________
(2/368)
الشَّفِيعُ أو رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيُلْزِمَهُ التَّسْلِيمَ أو يَقْبِضَ عنه أو حتى يَرْضَى بِذِمَّتِهِ حَيْثُ لَا رِبَا بِنَحْوِ صَفَائِحَ من ذَهَبٍ وَالثَّمَنُ فِضَّةٌ وَلَوْ لم يُسَلِّمْ الشِّقْصَ له لِأَنَّ الْمِلْكَ في الْمُعَاوَضَةِ لَا يَتَوَقَّفُ على الْقَبْضِ فَإِنْ كان فيه رِبًا كَأَنْ بَاعَ شِقْصًا من دَارٍ عليها صَفَائِحُ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ أو عَكْسِهِ الْمَفْهُومِ من لَفْظَةِ نَحْوِ وَجَبَ التَّقَابُضُ في الْمَجْلِسِ حَذَرًا من الرِّبَا كما عُلِمَ من بَابِهِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ وَالثَّمَنُ فِضَّةٌ ما لو كان ذَهَبًا فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ من بَابِ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ أو بِأَنْ يَتَمَلَّكَ عِنْدَ الْقَاضِي وَيَحْكُمَ له بِالشُّفْعَةِ وَإِنْ لم يُسَلِّمْ الْعِوَضَ لِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْمُشْتَرِي حتى كان الْعَقْدُ وَقَعَ له إلَّا أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بين الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ فإذا طَلَبَ وَتَأَكَّدَ طَلَبُهُ بِالْقَضَاءِ وَجَبَ أَنْ يَحْكُمَ له بِالْمِلْكِ لَا إنْ تَمَلَّكَهُ عِنْدَ الشُّهُودِ وَلَوْ عِنْدَ فَقْدِ الْقَاضِي فَلَا يَمْلِكُهُ بِالْإِشْهَادِ عِنْدَهُمْ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ لِقُوَّتِهِ وَقِيلَ يَمْلِكُ بِهِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَقَوْلُهُ يَتَمَلَّكَ مَعْطُوفٌ على يَقْبِضَ فَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ بِأَنْ كان أَوْلَى وَقَوْلِي وَلَوْ عِنْدَ فَقْدِ الْقَاضِي هو ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَكِنْ قال ابن الرِّفْعَةِ وَلَا يَبْعُدُ التَّفْصِيلُ كما في مَسْأَلَةِ هَرَبِ الْجِمَالِ حَيْثُ يَقُومُ الْإِشْهَادُ مَقَامَ الْقَضَاءِ وهو ظَاهِرٌ انْتَهَى وقد يُفَرَّقُ بِأَنَّ الضَّرَرَ هُنَاكَ أَشَدُّ منه هُنَا
وَيَتَوَقَّفُ وُجُوبُ تَسْلِيمِ الشِّقْصِ لِلشَّفِيعِ على تَسْلِيمِ الثَّمَنِ أَيْ عِوَضِهِ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ تَسَلَّمَهُ الْمُشْتَرِي قبل أَدَائِهِ الثَّمَنَ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُؤَخِّرَ حَقَّهُ بِتَأْخِيرِ الْبَائِعِ حَقَّهُ وَيُمْهَلُ الشَّفِيعُ ثَلَاثًا من الْأَيَّامِ إنْ غَابَ مَالُهُ ثُمَّ إنْ انْقَضَتْ ولم يُحْضِرْ الثَّمَنَ يَفْسَخُهُ أَيْ التَّمَلُّكَ الْقَاضِي وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ خِيَارُ مَجْلِسٍ لِمَا مَرَّ في بَابِهِ
فَرْعٌ الشَّفِيعُ يَرُدُّ جَوَازَ الشِّقْصِ بِالْعَيْبِ على الْمُشْتَرِي وَلَا يَتَصَرَّفُ فيه قبل الْقَبْضِ وَلَوْ سَلَّمَ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ قَبَضَهُ الشَّفِيعُ بِالْإِذْنِ من الْمُشْتَرِي وَأَفْلَسَ بِالثَّمَنِ رَجَعَ فيه الْمُشْتَرِي كما في الْبَيْعِ في ذلك كُلِّهِ وَيَتَصَرَّفُ فيه الْمُشْتَرِي بَعْدَ الطَّلَبِ وَقَبْلَ التَّمَلُّكِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِخِلَافِ ما بَعْدَ التَّمَلُّكِ
الطَّرَفُ الثَّانِي فِيمَا يَأْخُذُ بِهِ الشَّفِيعُ فَإِنْ بَاعَ الشَّرِيكُ الشِّقْصَ أو أَسْلَمَهُ أَيْ جَعَلَهُ رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ أو صَالَحَ بِهِ عن دَيْنٍ أو نَجْمِ كِتَابَةٍ أَخَذَهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ في الْأُولَى أو بِمِثْلِ الْمُسْلَمِ فيه في الثَّانِيَةِ أو بِمِثْلِ الدَّيْنِ في الثَّالِثَةِ أو بِمِثْلِ النَّجْمِ في الرَّابِعَةِ إنْ كانت مِثْلِيَّةً وَقُدِّرَ كُلٌّ منها بِمِعْيَارِ الشَّرْعِ فَإِنْ قُدِّرَ بِغَيْرِهِ كَمِائَةِ رِطْلٍ حِنْطَةً أُخِذَ بِهِ أَيْ بمثله وَزْنًا فَإِنْ عُدِمَ الْمِثْلُ وَقْتَ الْأَخْذِ أو كان الْعِوَضُ مُتَقَوِّمًا فَالْقِيمَةُ يَأْخُذُ بها وَاعْتِبَارُهُمْ الْمِثْلَ وَالْقِيمَةَ فِيمَا ذُكِرَ مَقِيسٌ على الْغَصْبِ قال في الْمَطْلَبِ وَيَظْهَرُ أَنَّ الشَّفِيعَ لو مَلَكَ الثَّمَنَ قبل الْأَخْذِ تَعَيَّنَ الْأَخْذُ بِهِ لَا سِيَّمَا الْمُتَقَوِّمَ لِأَنَّ الْعُدُولَ عنه إنَّمَا كان لِتَعَذُّرِهِ وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ لِمَا فيه من التَّضْيِيقِ وَالْمُعْتَبَرُ في الْمُتَقَوِّمِ إذَا بِيعَ بِهِ قِيمَةُ يَوْمِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ وَقْتُ إثْبَاتِ الْعِوَضِ وَاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ وَإِنْ صَالَحَ بِهِ عن دَمٍ أو اسْتَأْجَرَ بِهِ أو أَصْدَقَهُ امْرَأَةً أو خَالَعَ زَوْجَتَهُ عليه أو أَمْتَعَهُ مُطَلَّقَتَهُ أَخَذَهُ بِقِيمَةِ الدِّيَةِ يوم الْجِنَايَةِ من الْأُولَى كَذَا في الْأَصْلِ أَيْضًا وَصَوَابُهُ يوم الصُّلْحِ أو أُجْرَةِ الْمِثْلِ لِمُدَّةِ الْإِجَارَةِ في الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا قِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ أو مَهْرِهِ أَيْ الْمِثْلِ في الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ لِأَنَّ الْبُضْعَ مُتَقَوِّمٌ وَقِيمَتُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ أو مُتْعَتِهِ أَيْ الْمِثْلِ في الْخَامِسَةِ لِأَنَّهَا الْوَاجِبَةُ بِالطَّلَاقِ وَالشِّقْصُ عِوَضُهَا وَيُعْتَبَرُ مَهْرُ الْمِثْلِ أو مُتْعَتُهُ حَالَ النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْإِمْتَاعِ وَذِكْرُ اعْتِبَارِ حَالِ الِامْتِنَاعِ من زِيَادَتِهِ
وَإِنْ أَجْعَلَهُ أَيْ جَعَلَهُ جُعْلًا على عَمَلٍ أو أَقْرَضَهُ أَخَذَهُ بَعْدَ الْعَمَلِ بِأُجْرَتِهِ أَيْ الْعَمَلِ في الْأُولَى وَهِيَ من زِيَادَتِهِ أو بَعْدَ مِلْكِ الْمُسْتَقْرِضِ الشِّقْصَ بِقِيمَتِهِ في الثَّانِيَةِ وَإِنْ
____________________
(2/369)
قُلْنَا الْمُقْتَرِضُ يَرُدُّ الْمِثْلَ الصُّورِيَّ
فَصْلٌ إذَا بَاعَ الشِّقْصَ بِمُؤَجَّلٍ تَخَيَّرَ هو أَيْ الشَّفِيعُ أو وَارِثُهُ بين تَعْجِيلِ الْمَالِ أَيْ عِوَضِ الثَّمَنِ وَيَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ في الْحَالِّ أو يَصْبِرُ إلَى حُلُولِهِ وَيَأْخُذُ بِهِ حَالًّا وَلَوْ تَعَجَّلَ الْحُلُولَ بِمَوْتِ الْمُشْتَرِي فإنه يَتَخَيَّرُ وَلَيْسَ له في ذلك أَنْ يَأْخُذَ بِهِ مُؤَجَّلًا لِأَنَّ الذِّمَمَ تَخْتَلِفُ وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِالتَّأْخِيرِ لِأَنَّهُ تَأْخِيرٌ بِعُذْرٍ وَلَوْ اخْتَارَ الصَّبْرَ إلَى الْحُلُولِ ثُمَّ عَنَّ له أَنْ يُعَجِّلَ الثَّمَنَ وَيَأْخُذَ قال في الْمَطْلَبِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ له ذلك وَجْهًا وَاحِدًا قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وهو ظَاهِرٌ إذَا لم يَكُنْ زَمَنُ نَهْبٍ يَخْشَى منه على الثَّمَنِ الْمُعَجَّلِ الضَّيَاعَ وَلَوْ كان الثَّمَنُ مُنَجَّمًا قال الْمَاوَرْدِيُّ فَالْحُكْمُ فيه كَالْمُؤَجَّلِ حتى يَكُونَ لِلشَّفِيعِ عِنْدَ حُلُولِ النَّجْمِ الْأَوَّلِ تَأْخِيرُ الْأَخْذِ إلَى حُلُولِ الْكُلِّ وَتَعْجِيلُ كل الثَّمَنِ وَلَا يَجُوزُ له عِنْدَ حُلُولِ الْبَعْضِ أَنْ يُعْطِيَهُ وَيَأْخُذَ ما يُقَابِلُهُ لِمَا فيه من تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ على الْمُشْتَرِي قال وَلَوْ رضي الْمُشْتَرِي بِدَفْعِ الشِّقْصِ وَتَأْجِيلِ الثَّمَنِ إلَى مَحِلِّهِ فَأَبَى الشَّفِيعُ إلَّا الصَّبْرَ إلَى الْمَحِلِّ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ على الْأَصَحِّ وَلَيْسَ عليه أَيْ الشَّفِيعِ إعْلَامُهُ أَيْ الْمُشْتَرِي بِالطَّلَبِ إذْ لَا فَائِدَةَ فيه وما وَقَعَ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ من أَنَّهُ يَجِبُ إعْلَامُهُ سَبْقُ قَلَمٍ فَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي في الْمُدَّةِ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ حِينَئِذٍ بِأَيِّ الثَّمَنَيْنِ شَاءَ وَيَكُونُ أَخْذُهُ بِالْأَوَّلِ فَسْخًا لِلْعَقْدِ كما اسْتَنْبَطَهُ في الْمَطْلَبِ من كَلَامِهِمْ خِلَافًا لِمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْأَصْلِ من تَوَقُّفِهِ على الْفَسْخِ أو أَخَّرَ الْأَخْذَ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ وَأَخَذَ بِالْأَوَّلِ وقد يَكُونُ الثَّمَنُ في أَحَدِهِمَا أَقَلَّ أو من جِنْسٍ أَسْهَلَ
فَصْلٌ وَإِنْ اشْتَرَى شِقْصًا وَسَيْفًا مَثَلًا صَفْقَةً وَاحِدَةً أَخَذَهُ أَيْ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِحِصَّتِهِ أَيْ بِمِثْلِ حِصَّتِهِ من الثَّمَنِ مُوَزَّعًا عَلَيْهِمَا بِقِيمَتِهِمَا أَيْ بِاعْتِبَارِهَا فَلَوْ كان الثَّمَنُ مِائَتَيْنِ وَقِيمَةُ الشِّقْصِ ثَمَانِينَ وَقِيمَةُ السَّيْفِ عِشْرِينَ أَخَذَ الشِّقْصَ بِأَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الثَّمَنِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُمَا يوم الْبَيْعِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْمُعَامَلَةِ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ تَفَرَّقَتْ صَفْقَتُهُ لِدُخُولِهِ فيها عَالِمًا بِالْحَالِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لو جَهِلَ الْحَالَ ثَبَتَ له الْخِيَارُ ولم أَرَ من صَرَّحَ بِهِ انْتَهَى وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ جَرَوْا في ذِكْرِ الْعِلْمِ على الْغَالِبِ
فَرْعٌ وَإِنْ تَعَيَّبَتْ الدَّارُ الْمُشْتَرَى بَعْضُهَا أَخَذَ بِالْكُلِّ أَيْ بِكُلِّ الثَّمَنِ أو تَرَكَ كَتَعَيُّبِهَا بِيَدِ الْبَائِعِ وَكَذَا يَأْخُذُ بِكُلِّ الثَّمَنِ أو يَتْرُكُ لو انْهَدَمَتْ بِلَا تَلَفٍ لِشَيْءٍ منها فَإِنْ وَقَعَ تَلَفٌ لِبَعْضِهَا فَبِالْحِصَّةِ من الثَّمَنِ يَأْخُذُ الْبَاقِيَ
فَصْلٌ ما زِيدَ في الثَّمَنِ أو حُطَّ من الثَّمَنِ في مُدَّةِ الْخِيَارِ بِنَوْعَيْهِ فَقَطْ يُلْحَقُ بِالثَّمَنِ كما مَرَّ في بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ فَيُلْحَقُ بِعِوَضِهِ الذي يَأْخُذُ بِهِ الشَّفِيعُ فَإِنْ حُطَّ الْكُلُّ أَيْ كُلُّ الثَّمَنِ فَهُوَ كما لو بَاعَ بِلَا ثَمَنٍ فَلَا شُفْعَةَ لَلشَّرِيكِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ هِبَةً على رَأْيٍ وَيَبْطُلُ على رَأْيٍ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ في مُدَّةِ الْخِيَارِ ما زِيدَ أو حُطَّ بَعْدَهَا فَلَا يُلْحَقُ بِالثَّمَنِ كما مَرَّ فَقَوْلُهُ فَقَطْ تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ
فَصْلٌ لو اشْتَرَى الشِّقْصَ بِعَبْدٍ مَثَلًا ثُمَّ رَدَّ الْبَائِعُ الْعَبْدَ بِعَيْبٍ بَعْدَ أَخْذِ الشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ غَرِمَ له الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الشِّقْصِ لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ فَلَا يَنْقُصُ مِلْكُ الشَّفِيعِ كما لو بَاعَ ثُمَّ اطَّلَعَ على عَيْبٍ فَلَوْ زَادَتْ
____________________
(2/370)
قِيمَتُهُ أو نَقَصَتْ عن قِيمَةِ الْعَبْدِ لم يَرْجِعْ بَاذِلُ الزِّيَادَةِ على صَاحِبِهِ لِأَنَّ الشَّفِيعَ مَلَكَهُ بِالْمَبْذُولِ فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ وَمَتَى عَادَ الشِّقْصُ إلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِشِرَاءٍ أو غَيْرِهِ لم يَلْزَمْ ه رَدُّهُ وَإِنْ طَلَبَهُ الْبَائِعُ وَلَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ اسْتِرْدَادُهُ وَرَدُّ الْقِيمَةِ وَإِنْ طَلَبَهُ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ ما لو غَرِمَ قِيمَةَ الْمَغْصُوبِ لِإِبَاقِهِ فَرَجَعَ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَالِكِ لم يَزُلْ بِخِلَافِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي
وَلَوْ حَدَثَ عِنْدَ الْبَائِعِ عَيْبٌ في الْعَبْدِ الْمَعِيبِ فَأَخَذَ الْأَرْشَ من الْمُشْتَرِي لِلْعَيْبِ الْقَدِيمِ لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ لِلْعَيْبِ الْحَادِثِ فَإِنْ شَفَعَ أَيْ أَخَذَ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ بِقِيمَتِهِ أَيْ الْعَبْدِ سَلِيمًا لم يَرْجِعْ الْمُشْتَرِي عليه وَإِلَّا بِأَنْ أَخَذَ بِقِيمَتِهِ مَعِيبًا رَجَعَ عليه الْمُشْتَرِي بِالْأَرْشِ لِأَنَّ الشِّقْصَ اسْتَقَرَّ عليه بِالْعَبْدِ وَالْأَرْشِ وَوُجُوبُ الْأَرْشِ من مُقْتَضَى الْعَقْدِ لِاقْتِضَائِهِ سَلَامَةَ الْعِوَضِ فَلَوْ رضي الْبَائِعُ بِأَخْذِ الْعَبْدِ مَعِيبًا لَزِمَ الشَّفِيعَ قِيمَتُهُ مَعِيبًا فَإِنْ سَلَّمَ قِيمَتَهُ سَلِيمًا اسْتَرَدَّ قِسْطَ السَّلَامَةِ من الْمُشْتَرِي لِأَنَّ اللَّازِمَ له إنَّمَا هو بَدَلُ الثَّمَنِ بِصِفَاتِهِ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ سَلِيمًا فَلَا يَسْتَرِدُّ ذلك وَلَا تَرْجِيحَ في الْأَصْلِ فَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ ثُمَّ قال وفي التَّتِمَّةِ أَنَّ عَامَّةَ أَصْحَابِنَا على الثَّانِي
وَلِلْمُشْتَرِي رَدُّ الشِّقْصِ بِعَيْبٍ على الْبَائِعِ وَكَذَا لِلشَّفِيعِ رَدُّهُ على الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ سَابِقٍ على الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ سَوَاءٌ أَسَبَقَ الْبَيْعَ أَيْضًا أَمْ لَا وَكَذَا بِعَيْبٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْأَخْذِ بها وَقَبْلَ قَبْضِهِ الشِّقْصَ كما صَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَبَعْدَ أَنْ شَفَعَ الشَّفِيعُ لَا رَدَّ لِلْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ وَلَا أَرْشَ لِأَنَّهُ لم يَيْأَسْ من الرَّدِّ إلَّا إنْ عَادَ الشِّقْصُ إلَيْهِ بِالْعَيْبِ أو غَيْرِهِ وَلَوْ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ في الشِّقْصِ مَنَعَهُ الرَّدَّ الْقَهْرِيَّ ثُمَّ إنْ أَخَذَ الْأَرْشَ من الْبَائِعِ لِلْعَيْبِ الْقَدِيمِ حُطَّ عن الشَّفِيعِ لِأَنَّهُ بَدَلُ صِفَةِ السَّلَامَةِ التي اسْتَحَقَّهَا الشَّفِيعُ كما اسْتَحَقَّهَا الْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ وَلِأَنَّ الثَّمَنَ حِينَئِذٍ هو الْبَاقِي
فَصْلٌ لو قال اشْتَرَيْته بِصُبْرَةٍ من دَرَاهِمَ أو غَيْرِهَا مَجْهُولَةٍ وَكَانَتْ غَائِبَةً لم يُكَلَّفْ الْبَائِعُ إحْضَارَهَا وَلَا الْإِخْبَارَ عن قَدْرِهَا فَإِنْ كانت حَاضِرَةً وُزِنَتْ أو كِيلَتْ لِيَأْخُذَ الشَّفِيعُ بِمِثْلِهَا فَإِنْ تَلِفَتْ أو لم تَتْلَفْ وَتَعَذَّرَ الْعِلْمُ بِقَدْرِهَا تَعَذَّرَتْ الشُّفْعَةُ لِلْجَهْلِ فَلَوْ ادَّعَى الشَّفِيعُ على الْمُشْتَرِي عِلْمَهُ بِقَدْرِ الثَّمَنِ ولم يُعَيِّنْ قَدْرًا لم تُسْمَعْ دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ لم يَدَّعِ حَقًّا له وَلَوْ عَيَّنَ قَدْرًا فقال الْمُشْتَرِي لَا أَعْلَمُ قَدْرَهُ كَفَى وَحَلَفَ كما أَجَابَ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عِلْمِهِ بِهِ وَيُخَالِفُ ما لو ادَّعَى على غَيْرِهِ أَلْفًا فقال لَا أَعْلَمُ كَمْ لَك عَلَيَّ حَيْثُ لَا يَكْفِي ذلك منه إذْ الْمُدَّعَى هُنَا هو الشِّقْصُ لَا الثَّمَنُ الْمَجْهُولُ وَبِتَقْدِيرِ صِدْقِ الْمُشْتَرِي لَا يُمْكِنُهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ فَكَانَ ذلك إنْكَارًا لِوِلَايَةِ الْآخِذِ وَلَا يَكْفِيهِ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمَجْهُولٍ لِأَنَّهُ قد يَعْلَمُهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ أو قال الْمُشْتَرِي لم أَشْتَرِ بِهِ حَلَفَ كَذَلِكَ وَلِلشَّفِيعِ بَعْدَ حَلِفِ الْمُشْتَرِي أَنْ يَزِيدَ في قَدْرِ الثَّمَنِ وَيُحَلِّفَهُ وَهَكَذَا يَفْعَلُ ثَانِيًا وَثَالِثًا وَأَكْثَرَ حتى يَنْكُلَ الْمُشْتَرِي فَيُسْتَدَلَّ بِنُكُولِهِ فَيَحْلِفَ على ما عَيَّنَهُ وَيَشْفَعَ لِأَنَّ الْيَمِينَ قد تَسْتَنِدُ إلَى التَّخْمِينِ كما في جَوَازِ الْحَلِفِ على خَطِّ أبيه إذَا سَكَنَتْ نَفْسُهُ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ نَسِيت قَدْرَ الثَّمَنِ الذي اشْتَرَيْت بِهِ لَا يَكُونُ عُذْرًا له في الِاكْتِفَاءِ بِهِ بَلْ يُطْلَبُ منه جَوَابٌ كَافٍ وَعَدَلَ إلَى ذلك عن قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَعَلَى هذا الْخِلَافِ لو قال نَسِيت فَهُوَ كَالنُّكُولِ لِإِيهَامِهِ أَنَّهُ يُجْعَلُ نَاكِلًا على الصَّحِيحِ حتى تُرَدَّ الْيَمِينُ على الشَّفِيعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هو وَجْهٌ ضَعِيفٌ قال بِهِ ابن سُرَيْجٍ
فَصْلٌ لو خَرَجَ ثَمَنُ الشِّقْصِ الْمُعَيَّنِ بِرَفْعِهِ صِفَةً لِثَمَنٍ مُسْتَحَقًّا بَطَلَ الْبَيْعُ أَيْ بَانَ بُطْلَانُهُ لِأَنَّ أَخْذَ الْعِوَضِ لم يَأْذَنْ فيه الْمَالِكُ أو خَرَجَ بَعْضُهُ كَذَلِكَ بَطَلَ فيه فَقَطْ أَيْ دُونَ الْبَاقِي
____________________
(2/371)
تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ وَكَذَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ كُلُّهَا في الْأُولَى وَبَعْضُهَا في الثَّانِيَةِ لِتَرَتُّبِهَا على الْبَيْعِ وَإِنْ كان الثَّمَنُ في الذِّمَّةِ وَخَرَجَ كَذَلِكَ صَحَّا أَيْ الْبَيْعُ وَالشُّفْعَةُ وَأَبْدَلَ الثَّمَنَ بِمَا يَجِبُ بَدَلُهُ في الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَلِلْبَائِعِ اسْتِرْدَادُ الشِّقْصِ إنْ لم يَكُنْ تَبَرَّعَ بِتَسْلِيمِهِ لِلْحَبْسِ أَيْ لِيَحْبِسَهُ إلَى أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ وَكَذَا لو خَرَجَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ أو الْمَبْذُولُ عَمَّا في الذِّمَّةِ رَدِيئًا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالشُّفْعَةُ وَلِلْبَائِعِ اسْتِرْدَادُ الشِّقْصِ لِلْحَبْسِ وَإِنْ اسْتَحَقَّ ما سَلَّمَهُ الشَّفِيعُ أو خَرَجَ نُحَاسًا لم تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ وَلَوْ كان عَالِمًا بِذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تُسْتَحَقُّ بِمَالٍ مُعَيَّنٍ ولم يُقَصِّرْ في الطَّلَبِ وَلَا فَرْقَ بين الْمُعَيَّنِ كَ تَمَلَّكْتُ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ وَغَيْرِهِ كَ تَمَلَّكْتُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ نعم إنْ شَفَعَ بِالْعَيْنِ احْتَاجَ تَمَلُّكًا جَدِيدًا لَا إنْ شَفَعَ في الذِّمَّةِ أو خَرَجَ ما سَلَّمَهُ رَدِيئًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَمَلُّكٍ جَدِيدٍ فَعُلِمَ أَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَبْطُلُ بِخُرُوجِ ما سَلَّمَهُ رَدِيئًا وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ لِأَنَّ أَدَاءَهُ صَحِيحٌ بِدَلِيلِ ما إذَا رضي بِهِ الْمُشْتَرِي وَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ قَبُولُ الرَّدِيءِ من الشَّفِيعِ وَلَوْ قُبِلَ أَيْ قَبِلَهُ الْبَائِعُ منه
فَصْلٌ لو بَنَى الْمُشْتَرِي أو غَرَسَ أو زَرَعَ في الْمَشْفُوعِ ولم يَعْلَمْ الشَّرِيكُ وهو الشَّفِيعُ بِذَلِكَ ثُمَّ عَلِمَ قَلَعَ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ وَالزَّرْعَ مَجَّانًا لَا بِحَقِّ الشُّفْعَةِ بَلْ لِعُدْوَانِهِ أَيْ الْمُشْتَرِي على شَرِيكِهِ لَا إنْ بَنَى الْمُشْتَرِي في نَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ثُمَّ شَفَعَ أَيْ أَخَذَ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ فَلَا يَقْلَعُ مَجَّانًا لِأَنَّهُ بَنَى في مِلْكِهِ الذي يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فيه وَتَعَلُّقُ حَقِّ الشُّفْعَةِ لَا يُمَكِّنُ من الْقَلْعِ مَجَّانًا كَتَعَلُّقِ حَقِّ الرُّجُوعِ بِالْأَرْضِ الْمَوْهُوبَةِ وَيُتَصَوَّرُ ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ مع أنها تَتَضَمَّنُ غَالِبًا رِضَا الشَّفِيعِ بِتَمَلُّكِ الْمُشْتَرِي بِأَنْ أَظْهَرَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ هِبَةٌ لَا بَيْعٌ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ بَيْعٌ أو أَظْهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ كَثِيرٍ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ بِأَقَلَّ أو ظَنَّهُ أَيْ الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ عِنْدَ الْقِسْمَةِ وَكِيلًا لِلْبَائِعِ فيها أو سَأَلَ الْمُشْتَرِي الْقِسْمَةَ من الْحَاكِمِ في غَيْبَتِهِ أَيْ الشَّفِيعِ وَلَهُ أَيْ لِلْحَاكِمِ إجَابَتُهُ لِذَلِكَ وَلَوْ عَلِمَ بِالشُّفْعَةِ وَسَاغَ الْأَخْذُ بها وَإِنْ صَارَ الشَّرِيكَانِ بِالْقِسْمَةِ جَارَيْنِ لِأَنَّ الْجِوَارَ إنَّمَا يَمْنَعُ في الِابْتِدَاءِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَصَرَّحَ مع الصُّوَرِ السَّابِقَةِ بِصُورَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ لِلشَّفِيعِ وَكِيلٌ بِالْقِسْمَةِ مع شُرَكَائِهِ وَالْمُشْتَرِي منهم فَيُقَاسِمَ الْوَكِيلُ الْمُشْتَرِيَ بِغَيْرِ عِلْمِ الشَّفِيعِ الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ له وَكِيلٌ في الْقِسْمَةِ وفي أَخْذِ الْأَشْقَاصِ بِالشُّفْعَةِ فَيَرَى في شِقْصِ الْحَظِّ في تَرْكِهِ فَيَتْرُكَهُ وَيُقَاسِمَ ثُمَّ يَقْدَمَ الشَّفِيعُ وَيُظْهِرَ له أَنَّ الْحَظَّ في الْأَخْذِ وَلِبِنَائِهِ أَيْ الْمُشْتَرِي حُكْمُ بِنَاءِ الْمُسْتَعِيرِ في أَنَّهُ إذَا لم يَخْتَرْ الْقَلْعَ يُخَيَّرُ الشَّفِيعُ بين الْقَلْعِ وَضَمَانِ الْأَرْشِ وَالتَّمَلُّكِ بِالْقِيمَةِ على ما مَرَّ ثَمَّ وفي غَيْرِ ذلك إلَّا أَنَّهُ أَيْ الْمُشْتَرِيَ لَا يُكَلَّفُ التَّسْوِيَةَ لِلْأَرْضِ إنْ اخْتَارَ الْقَلْعَ لِأَنَّهُ كان مُتَصَرِّفًا في مِلْكِهِ فَإِنْ حَدَثَ في الْأَرْضِ نَقْصٌ فَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ على صِفَتِهِ أو يَتْرُكُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَصَرَّحَ أَيْضًا بِأَنَّ الْغِرَاسَ كَالْبِنَاءِ وهو ظَاهِرٌ وَبِأَنَّ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَخْتَارَ مع ما قَدَّمْتُهُ التَّبْقِيَةَ بِالْأُجْرَةِ وهو خِلَافُ ما مَرَّ له في الْعَارِيَّةِ وَالْمُصَنِّفِ سَالِمٌ من هذا وَيَبْقَى زَرْعُهُ إنْ زَرَعَ إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ بِلَا أُجْرَةٍ لِأَنَّهُ زَرَعَ مِلْكَ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ وَلِلشَّفِيعِ تَأْخِيرُ الشُّفْعَةِ أَيْ الْأَخْذِ بها إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ قَبْلُ وَيَخْرُجُ الثَّمَنُ عن يَدِهِ وفي جَوَازِ التَّأْخِيرِ لِلْآخِذِ بِالشُّفْعَةِ إلَى أَوَانِ جِذَاذِ الثَّمَرَةِ فِيمَا لو كان في الشِّقْصِ
____________________
(2/372)
شَجَرٌ عليه ثَمَرَةٌ لَا تُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ وَجْهَانِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّمَرَةَ لَا تَمْنَعُ من الِانْتِفَاعِ بِالْمَأْخُوذِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ
فَصْلٌ لو وَقَفَ الْمُشْتَرِي الشِّقْصَ أو بَاعَهُ أو تَصَرَّفَ فيه بِغَيْرِ ذلك فَلِلشَّفِيعِ نَقْضُ الْوَقْفِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا شُفْعَةَ فيه كَهِبَةٍ وَإِجَارَةٍ لِسَبْقِ حَقِّهِ فَلَا يَبْطُلُ بِتَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ حَقِّ فَسْخِ الْبَائِعِ بِالْفَلَسِ يَبْطُلُ بِتَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي وَحَقِّ رُجُوعِ الْمُطَلِّقِ قبل الدُّخُولِ إلَى نِصْفِ الصَّدَاقِ يَبْطُلُ بِتَصَرُّفِ الْمَرْأَةِ فيه لِأَنَّهُمَا لَا يَبْطُلَانِ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ يَنْتَقِلَانِ إلَى الْبَدَلِ وَلَا كَذَلِكَ حَقُّ الشَّفِيعِ وَكَذَا له نَقْضُ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ مِمَّا فيه شُفْعَةٌ كَإِصْدَاقٍ لِيَأْخُذَ بها إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ من الثَّانِي كما مَرَّ ذلك في فَصْلِ إذَا بَاعَ بِمُؤَجَّلٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّقْضِ الْفَسْخَ ثُمَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بَلْ الْأَخْذَ بها وَإِنْ لم يَتَقَدَّمْهُ فَسْخٌ كما قَدَّمْتُهُ أَيْضًا في الْفَصْلِ الْمَذْكُورِ وَهَذَا بِخِلَافِ تَصَرُّفِ الْأَبِ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ لِأَنَّ الْأَبَ هو الْوَاهِبُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَرْجِعَ عن تَصَرُّفِهِ بِخِلَافِ الشَّفِيعِ
فَصْلٌ لَا يُصَدَّقُ الْمُشْتَرِي في دَعْوَى عَفْوِ الشَّفِيعِ وَتَقْصِيرِهِ في الطَّلَبِ مع إنْكَارِهِ لِذَلِكَ بَلْ الْمُصَدَّقُ الشَّفِيعُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ حَقِّهِ وَيُصَدَّقُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ في قَدْرِ الثَّمَنِ وقدر قِيمَتِهِ إنْ تَلِفَ وَلَا بَيِّنَةَ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَا بَاشَرَهُ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ما ادَّعَاهُ الشَّفِيعُ فَإِنْ نَكَلَ الْمُشْتَرِي عن الْيَمِينِ وَحَلَفَ الشَّفِيعُ أَخَذَهُ بِمَا حَلَفَ عليه وَتُرَدُّ شَهَادَةُ الْبَائِعِ وَلَوْ لِلشَّفِيعِ يَعْنِي شَهَادَتَهُ له وَلِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ يَشْهَدُ على فِعْلِهِ إنْ شَهِدَ لِأَحَدِهِمَا وَيَشْهَدُ لِحَقِّ نَفْسِهِ إنْ شَهِدَ لِلْمُشْتَرِي فَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً قُضِيَ بها وَلَوْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً تَعَارَضَتَا وَكَأَنَّهُ لَا بَيِّنَةَ لِأَنَّ النِّزَاعَ هُنَا فِيمَا وَقَعَ عليه الْعَقْدُ وَلَا دَلَالَةَ لِلْيَدِ عليه
وَإِنْ اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي في قَدْرِ الثَّمَنِ لَزِمَ الشَّفِيعَ ما ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَإِنْ ثَبَتَ خِلَافُهُ وهو ما ادَّعَاهُ الْبَائِعُ لِاعْتِرَافِ الْمُشْتَرِي بِأَنَّ الْبَيْعَ جَرَى بِذَلِكَ وَالْبَائِعُ ظَالِمٌ بِالزِّيَادَةِ
وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّفِيعِ لِلْبَائِعِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ دُونَ الْمُشْتَرِي وفي نُسْخَةٍ لَا لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ في تَقْلِيلِ الثَّمَنِ
وَإِنْ فُسِخَ الْبَيْعُ بِالتَّحَالُفِ أو نَحْوِهِ أو انْفَسَخَ بَعْدَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ أُقِرَّتْ الشُّفْعَةُ وسلم الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الشِّقْصِ لِلْبَائِعِ وَلَوْ تَحَالَفَا الْأَوْلَى أو قبل الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ بِمَا حَلَفَ عليه الْبَائِعُ لِأَنَّ الْبَائِعَ اعْتَرَفَ بِاسْتِحْقَاقِ الشَّفِيعِ الْأَخْذَ بِذَلِكَ الثَّمَنِ فَيَأْخُذُ حَقَّهُ منه وَالْعُهْدَةُ لِلْمَبِيعِ عليه أَيْ على الْبَائِعِ لِتَلَقِّي الْمِلْكِ منه
وَإِنْ أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي شَرِكَةَ الطَّالِبِ لِلشُّفْعَةِ أو أَنْكَرَ تَقَدُّمَ مِلْكِهِ على مِلْكِهِ حَلَفَ على نَفْيِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ لَا على الْبَتِّ فَهُوَ الْمُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذلك فَإِنْ نَكَلَ الْمُشْتَرِي حَلَفَ الطَّالِبُ على الْبَتِّ وَأَخَذَ بِالشُّفْعَةِ وَإِنْ أَقَامَ الشَّرِيكُ بَعْدَ دَعْوَاهُ بَيِّنَةً على ثَالِثٍ أَنَّهُ
____________________
(2/373)
اشْتَرَى الشِّقْصَ من شَرِيكِهِ الْغَائِبِ وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ عليه الشُّفْعَةَ سُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ وَأَخَذَهُ بها ثُمَّ إنْ أَصَرَّ الْمُشْتَرِي على إنْكَارِهِ الشِّرَاءَ بَقِيَ الثَّمَنُ في يَدِ الْمُدَّعِي وَإِنْ أَقَرَّ سُلِّمَ الثَّمَنُ إلَيْهِ وَيَمْلِكُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ هُنَا وَإِنْ كان الثَّمَنُ في ذِمَّتِهِ ولم يَقْضِ له الْقَاضِي بِالْمِلْكِ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُنَاكَ مُعْتَرِفٌ بِالشِّرَاءِ وَصِحَّةِ الْأَخْذِ وَهُنَا غَيْرُ مُعْتَرِفٍ بِالْمِلْكِ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنْ أَقَامَ الثَّالِثُ مع وُجُودِ بَيِّنَةِ الشَّرِيكِ بَيِّنَةً أَنَّهُ وَرِثَهُ أو اتَّهَبَهُ تَعَارَضَتَا أو على أَنَّهُ أَيْ الْغَائِبَ أَعَارَهُ أو أَوْدَعَهُ له فَلَا مُنَافَاةَ بين دَعْوَاهُ وَدَعْوَى الشَّرِيكِ فَيَقْضِي له بِالشُّفْعَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَعَارَهُ أو أَوْدَعَهُ ثُمَّ بَاعَهُ أو أَنَّهُ غَصَبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ أو الْإِيدَاعِ فَاعْتَمَدَهُ الشُّهُودُ بِخِلَافِ ما إذَا انْقَطَعَ الِاحْتِمَالُ كما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ إلَّا إنْ تَأَخَّرَ تَارِيخُ الْإِيدَاعِ أو الْإِعَارَةِ عن تَارِيخِ الْبَيْعِ وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ أو أَعَارَهُ له وهو مِلْكُهُ فَيُرَاجِعُ الشَّرِيكُ الْغَائِبَ فَإِنْ صَدَّقَهُ أَيْ الثَّالِثُ سَقَطَ حُكْمُ الشِّرَاءِ وَإِنْ قال لَا حَقَّ لي فيه قَضَى بِالشُّفْعَةِ فَلَوْ لم يَكُنْ له بَيِّنَةٌ وَادَّعَى هو عليه أَيْ على الثَّالِثِ الشِّرَاءَ من شَرِيكِهِ الْغَائِبِ وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ عليه الشُّفْعَةَ فَصَدَّقَهُ على ذلك شَفَعَ أَيْ أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ لِتَصَادُقِهِمَا على الشِّرَاءِ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ في نُكَتِهِ وَسَجَّلَ الْقَاضِي أنها ثَبَتَتْ بِتَصَادُقِهِمَا فإذا قَدِمَ الْغَائِبُ فَهُوَ على حَقِّهِ وَلَا يُخَالِفُ هذا ما يَأْتِي في بَابِ الْقِسْمَةِ من أَنَّهُ لو أتى لِلْقَاضِي جَمَاعَةٌ بِأَيْدِيهِمْ دَارٌ وَطَلَبُوا منه قِسْمَتَهَا ولم يُقِيمُوا بَيِّنَةً بِأَنَّهَا مِلْكُهُمْ لم يُجِبْهُمْ لِأَنَّ كُلًّا من الشَّفِيعِ وَالْمُشْتَرِي مُقِرٌّ بِأَنَّ الشِّقْصَ كان لِذَلِكَ الْغَائِبِ فَأَمْكَنَ الْعَمَلُ بِتَصَادُقِهِمَا على انْتِقَالِهِ عنه وهو على حَقِّهِ إذَا قَدِمَ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْقِسْمَةِ فإن الْمَنْعَ من جِهَةِ أنها قد لَا تَكُونُ مِلْكَهُمْ وَيَتَّخِذُونَ قِسْمَتَهَا ذَرِيعَةً لِدَعْوَى الْمِلْكِ
وَإِنْ أَنْكَرَ الشِّرَاءَ كَأَنْ قال لم أَشْتَرِهِ سَوَاءٌ أَقَالَ معه وَرَثَتُهُ أو اتَّهَبْتُهُ أَمْ لَا أو زَعَمَ أَنَّهُ أَيْ الشَّرِيكَ لَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ أو قال لَا يَلْزَمُنِي ذلك يَعْنِي تَسْلِيمَ الشِّقْصِ إلَيْهِ حَلَفَ على ما أَجَابَ فَلَا يَلْزَمُهُ في الْأَخِيرَتَيْنِ نَفْيُ الشِّرَاءِ وَلَا يَكْفِيهِ في الْأُولَى في شِقِّهَا الْأَوَّلِ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ وَقِيلَ يَكْفِيهِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ في هذا من زِيَادَتِهِ فَإِنْ نَكَلَ الثَّالِثُ حَلَفَ الطَّالِبُ وَشَفَعَ أَيْ أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ وَبَقِيَ الثَّمَنُ في يَدِهِ
وَلَوْ اعْتَرَفَ الشَّرِيكُ الْقَدِيمُ وهو الْبَائِعُ وَالشِّقْصُ في يَدِهِ بِالْبَيْعِ من الثَّالِثِ ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ وَأَخَذَ الشِّقْصَ منه بها لِأَنَّ اعْتِرَافَهُ يَتَضَمَّنُ إثْبَاتَ حَقٍّ لِلْمُشْتَرِي وَحَقٍّ لِلشَّفِيعِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الشَّفِيعِ بِإِنْكَارِ الْمُشْتَرِي كما لَا يَبْطُلُ حَقُّ الْمُشْتَرِي بِإِنْكَارِ الشَّفِيعِ وَسُلِّمَ الثَّمَنُ إلَيْهِ أَيْ إلَى الشَّرِيكِ الْقَدِيمِ إنْ لم يَعْتَرِفْ بِقَبْضِهِ وَعَلَيْهِ الْعُهْدَةُ أَيْ عُهْدَةُ الشِّقْصِ لِتَلَقِّي الْمِلْكِ منه وكان الشَّفِيعُ هو الْمُشْتَرِيَ
فَلَوْ امْتَنَعَ من قَبْضِهِ من الشَّفِيعِ فَهَلْ له مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي بِهِ أو لَا وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا نعم لِأَنَّهُ قد يَكُونُ مَالُهُ أَبْعَدَ عن الشُّبْهَةِ وَالرُّجُوعُ عليه بِالدَّرْكِ أَسْهَلُ ثُمَّ إنْ حَلَفَ الْمُشْتَرِي فَلَا شَيْءَ عليه وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْبَائِعُ وَأَخَذَ الثَّمَنَ منه وَكَانَتْ عُهْدَتُهُ عليه فَإِنْ اعْتَرَفَ مع الْبَيْعِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ وَبَقِيَ الثَّمَنُ في يَدِ الشَّفِيعِ وَإِنْ قال الثَّالِثُ اشْتَرَيْته لِغَيْرِي فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ في الدَّعَاوَى قال الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنْ يَأْتِيَ هُنَا جَمِيعُ ما هُنَاكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُعْتَمَدُ ما قَالَهُ أبو الْفَرَجِ الْبَزَّارُ وَالْمُتَوَلِّي من أَنَّ الْمُقَرَّ له إنْ كان حَاضِرًا فَإِنْ وَافَقَ على ذلك انْتَقَلَتْ الْخُصُومَةُ إلَيْهِ وَإِنْ أَنْكَرَ أَخَذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِلَا ثَمَنٍ وَكَذَا يَأْخُذَانِ كان الْمُقَرُّ له غَائِبًا أو مَجْهُولًا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى سَدِّ بَابِ الشُّفْعَةِ وَإِنْ كان طِفْلًا مُعَيَّنًا فَإِنْ كان عليه لِلْمُقِرِّ وِلَايَةٌ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا انْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ عنه
الطَّرَفُ الثَّالِثُ في التَّزَاحُمِ أَيْ تَزَاحُمِ الشُّفَعَاءِ فَالشُّفْعَةُ تَثْبُتُ لِلشُّرَكَاءِ على قَدْرِ الْحِصَصِ من الْمِلْكِ لَا قَدْرِ الرُّءُوسِ لِأَنَّهَا من مَرَافِقِ الْمِلْكِ فَتُقَدَّرُ بِقَدْرِهِ كَكَسْبِ الْمُشْتَرَكِ وَنِتَاجِهِ وَثِمَارِهِ فَلَوْ كانت دَارٌ بين ثَلَاثَةٍ لِوَاحِدٍ نِصْفُهَا وَلِآخَرَ ثُلُثُهَا وَلِآخَرَ سُدُسُهَا فَبَاعَ الْأَوَّلُ حِصَّتَهُ أَخَذَ الثَّانِي سَهْمَيْنِ وَالثَّالِثُ سَهْمًا وَقِيلَ تَثْبُتُ على قَدْرِ الرُّءُوسِ فَيُقْسَمُ النِّصْفُ في الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ بين الشَّرِيكَيْنِ سَوَاءً لِأَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِهَا اسْمُ الشَّرِكَةِ وهو في الْجَمِيعِ سَوَاءٌ
____________________
(2/374)
كَأُجْرَةِ كِتَابَةِ الصَّكِّ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ على كُلٍّ من الْقَوْلَيْنِ وَرَجَّحَ الْأَصْحَابُ الْأَوَّلَ لِمَا مَرَّ وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ لِدَفْعِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ كما مَرَّ لَا لِدَفْعِ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَالْمُؤْنَةُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْحِصَصِ فَأَخَذُوا بِقَدْرِهَا لِأَنَّ كُلًّا يَدْفَعُ عن نَفْسِهِ ما يَلْزَمُهُ بِالْقِسْمَةِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَهَذَا خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فإنه لَمَّا حَكَى الْقَوْلَيْنِ في الْأُمِّ قال وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُمَا في الشُّفْعَةِ سَوَاءٌ وَبِهَذَا الْقَوْلِ أَقُولُ
وَكَذَا تَثْبُتُ على قَدْرِ الْحِصَصِ إنْ وَرِثُوهَا لِأَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ مُوَرِّثِهِ
فَرْعٌ لو مَاتَ مَالِكُ دَارٍ عن ابْنَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا عن ابْنَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَالشُّفْعَةُ تَثْبُتُ لِلْعَمِّ وَالْأَخِ لَا لِلْأَخِ فَقَطْ لِاشْتِرَاكِهِمَا في الْمِلْكِ وَالنَّظَرُ في الشُّفْعَةِ إلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ لَا إلَى سَبَبِ مِلْكِهِ لِأَنَّ الضَّرَرَ الْمُحْوِجَ إلَى إثْبَاتِهَا لَا يَخْتَلِفُ وَكَذَا الْحُكْمُ في كل شَرِيكَيْنِ مَلَكَا بِسَبَبٍ وَغَيْرِهِمَا من الشُّرَكَاءِ مَلَكَ بِسَبَبٍ آخَرَ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِثَالُهُ بَيْنَهُمَا دَارٌ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ أو وَهَبَهُ لِرَجُلَيْنِ ثُمَّ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَالشُّفْعَةُ بين الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لِمَا مَرَّ
وَإِنْ مَاتَ شَخْصٌ عن بِنْتَيْنِ وَأُخْتَيْنِ وَخَلَّفَ دَارًا فَبَاعَتْ إحْدَاهُنَّ هذا أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ إحْدَى الْبِنْتَيْنِ نَصِيبَهَا شَفَعْنَ كُلُّهُنَّ أَيْ الْبَاقِيَاتُ لَا أُخْتُهَا فَقَطْ وَإِنْ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفَ نَصِيبِهِ من زَيْدٍ ثُمَّ بَاقِيَهُ من عَمْرٍو فَإِنْ شَفَعَ الشَّرِيكُ على النَّصِيبِ الْأَوَّلِ أَيْ اسْتَعْلَى عليه بِأَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ انْفَرَدَ بِالثَّانِي لِزَوَالِ مِلْكِ من اشْتَرَاهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَأْخُذْ الْأَوَّلُ بِالشُّفْعَةِ بَلْ عَفَا عنها شَارَكَهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ لِأَنَّ مِلْكَهُ قد سَبَقَ الصَّفْقَةَ الثَّانِيَةَ وَاسْتَقَرَّ بِعَفْوِ الشَّرِيكِ الْقَدِيمِ فَيَسْتَحِقُّ بِهِ وفي نُسْخَةٍ بَدَلَ الْأَوَّلُ في الْآخَرِ أَيْ وَإِلَّا شَارَكَهُ الْأَوَّلُ في الْآخَرِ أَيْ في النَّصِيبِ الثَّانِي
فَصْلٌ لو عَفَا الشَّفِيعُ عن بَعْضِ الشُّفْعَةِ سَقَطَ الْكُلُّ كَالْقِصَاصِ
وَلَوْ عَفَا أَحَدُهُمَا أَيْ أَحَدُ شَفِيعَيْنِ عن حَقِّهِ أَخَذَ الْآخَرُ الْكُلَّ أو تَرَكَ ه لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ ثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ في جَمِيعِ الشِّقْصِ لِوُجُودِ مُقْتَضِيهِ وهو الشَّرِكَةُ وَإِنَّمَا قُسِمَ عِنْدَ التَّزَاحُمِ لِعَدَمِ التَّرْجِيحِ فإذا أَسْقَطَ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ زَالَتْ الزَّحْمَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَخَيَّرْنَاهُ بين الْأَمْرَيْنِ كَالْمُنْفَرِدِ وَلَيْسَ له الِاقْتِصَارُ على أَخْذِ نَصِيبِهِ لِمَا فيه من تَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ على الْمُشْتَرِي
وَلَوْ مَاتَ كُلٌّ من الشَّفِيعَيْنِ عن ابْنَيْنِ فَعَفَا أَحَدُهُمْ عن حَقِّهِ صَارَتْ أَيْ الشُّفْعَةُ لِلثَّلَاثَةِ أَثْلَاثًا
فَرْعٌ لو ادَّعَى الْمُشْتَرِي عَفْوَ الشَّفِيعَيْنِ الْوَارِثَيْنِ فَنَكَلَا عن الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُشْتَرِي وَسَقَطَتْ شُفْعَتُهُمَا أو حَلَفَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ لم يَحْلِفْ الْمُشْتَرِي إذْ لَا فَائِدَةَ له في حَلِفِهِ فإنه وَإِنْ ثَبَتَ عَفْوُ أَحَدِهِمَا أَخَذَ الثَّانِي تَمَامَ الشِّقْصِ وَلِلْحَالِفِ مُخَاصَمَةُ أَخِيهِ فَإِنْ حَلَفَ أَخُوهُ النَّاكِلُ أو صَدَّقَهُ الْحَالِفُ على أَنَّهُ لم يَعْفُ اشْتَرَكَا في الشُّفْعَةِ وَلَا يَمْنَعُ النَّاكِلَ من الْحَلِفِ نُكُولُهُ في جَوَابِ الْمُشْتَرِي أو نَكَلَ أَيْضًا وَحَلَفَ الْآخَرُ أَيْ الْحَالِفُ أَوَّلًا أَخَذَ الْجَمِيعَ بِالشُّفْعَةِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ فَنَكَلَا ما لو حَلَفَا أَيْ على الْبَتِّ فَيَأْخُذَانِ بِالشُّفْعَةِ أَمَّا لو ادَّعَى الْمُشْتَرِي عَفْوَ مُوَرِّثِهِمَا فَإِنَّهُمَا إنَّمَا يَحْلِفَانِ على نَفْيِ الْعِلْمِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
فَصْلٌ لو اسْتَحَقَّهَا ثَلَاثَةٌ كَأَنْ كانت دَارٌ لِأَرْبَعَةٍ بِالسَّوَاءِ فَبَاعَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ وَاسْتَحَقَّهَا الْبَاقُونَ فَحَضَرَ أَحَدُهُمْ أَخَذَ الْكُلَّ أو تَرَكَهُ فَلَيْسَ له أَخْذُ حِصَّتِهِ فَقَطْ لِئَلَّا تَتَبَعَّضَ الصَّفْقَةُ على الْمُشْتَرِي لو لم يَأْخُذْ الْغَائِبَانِ وَلَوْ أَخَّرَ الْأَخْذَ لِحُضُورِهِمَا جَازَ لِعُذْرِهِ في أَنْ لَا يَأْخُذَ ما يُؤْخَذُ منه وَلِأَنَّهُ قد لَا يَقْدِرُ إلَّا على أَخْذِ الْبَعْضِ فَيُؤَخَّرُ لِيُنْظَرَ هل يَأْخُذُ الْغَائِبَانِ فَيَأْخُذُ مَعَهُمَا أو لَا فَإِنْ أَخَذَ الْكُلَّ وَحَضَرَ الثَّانِي نَاصَفَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ كما لو لم يَكُنْ إلَّا شَفِيعَانِ وَيَأْخُذُ الثَّالِثُ إنْ حَضَرَ من كُلٍّ من الْمُتَنَاصَفَيْنِ ثُلُثَ ما في يَدِهِ إنْ شَاءَ فَإِنْ رَدَّ الْأَوَّلُ ما أَخَذَهُ بِعَيْبٍ ثُمَّ حَضَرَ الثَّانِي فَلِلثَّانِي أَخْذُ الْكُلِّ وَإِنْ خَرَجَ الشِّقْصُ مُسْتَحَقًّا بَعْدَ ما ذُكِرَ رَجَعَ الْأَوَّلُ على الْمُشْتَرِي ورجع الثَّانِي على الْأَوَّلِ ورجع
____________________
(2/375)
الثَّالِثُ على الْأَوَّلِ وَالثَّانِي كُلٌّ منهم يَرْجِعُ بِمَا دَفَعَ إلَيْهِ أَيْ إلَى الْمَرْجُوعِ عليه فَيَرْجِعُ الْأَوَّلُ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ وَالثَّانِي بِالنِّصْفِ وَالثَّالِثُ بِالثُّلُثِ كما يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ وَتَسْلِيمَ الثَّمَنِ جَرَى بَيْنَهُمْ كَذَلِكَ وَإِنْ حَضَرَ الثَّالِثُ وَأَرَادَ أَخْذَ ثُلُثِ ما في يَدِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ جَازَ كما يَجُوزُ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ فَقَطْ
وَلَوْ بَنَى الْأَوَّلُ أو غَرَسَ فِيمَا أَفْرَزَهُ له الْحَاكِمُ بِالْقِسْمَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَائِبَيْنِ ثُمَّ حَضَرَا لم يَقْلَعَا عليه الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ مَجَّانًا كما أَنَّ الشَّفِيعَ لَا يَقْلَعُ بِنَاءَ الْمُشْتَرِي وَغِرَاسَهُ مَجَّانًا وَلَوْ حَضَرَ اثْنَانِ فَأَخَذَا الشِّقْصَ وَاقْتَسَمَا مع الْحَاكِمِ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ فَلَهُ الْأَخْذُ وَإِبْطَالُ الْقِسْمَةِ فَإِنْ عَفَا اسْتَمَرَّتْ الْقِسْمَةُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلَوْ حَدَثَتْ معه أَيْ الْأَوَّلِ فَوَائِدُ من أُجْرَةٍ وَثَمَرَةٍ وَغَيْرِهِمَا فَكَالْمُشْتَرِي في أنها تُسَلَّمُ له فَلَا يُزَاحِمُهُ فيها الثَّانِي وَالثَّالِثُ لِحُدُوثِهَا على مِلْكِهِ كما لَا يُزَاحِمُ الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ وَالثَّالِثُ مع الثَّانِي كَالثَّانِي وَالثَّالِثِ مع الْأَوَّلِ وَاعْلَمْ أَنَّ لِلثَّانِي أَخْذَ الثُّلُثِ من الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ الْحَقُّ عليه إذْ الْحَقُّ ثَبَتَ لهم أَثْلَاثًا فَإِنْ حَضَرَ الثَّالِثُ وَأَخَذَ نِصْفَ ما في يَدِ الْأَوَّلِ أو ثُلُثَ ما في يَدِ كُلٍّ من الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وكان الثَّانِي في الثَّانِيَةِ قد أَخَذَ من الْأَوَّلِ النِّصْفَ اسْتَوَوْا في الْمَأْخُوذِ أو أَخَذَ الثَّالِثُ ثُلُثَ الثُّلُثِ الذي في يَدِ الثَّانِي فَلَهُ ضَمُّهُ إلَى ما في يَدِ الْأَوَّلِ وَيَقْتَسِمَانِهِ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمَا فَتَصِحُّ قِسْمَةُ الشِّقْصِ من ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فإنه يَأْخُذُ ثُلُثَ الثُّلُثِ وهو وَاحِدٌ من تِسْعَةٍ يَضُمُّهُ إلَى سِتَّةٍ منها فَلَا يَصِحُّ على اثْنَيْنِ فَتَضْرِبُ اثْنَيْنِ في تِسْعَةٍ فَلِلثَّانِي منها اثْنَانِ في الْمَضْرُوبِ فيها بِأَرْبَعَةٍ تَبْقَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ بين الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا سَبْعَةٌ وإذا كان رُبُعُ الدَّارِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَجُمْلَتُهَا اثْنَانِ وَسَبْعُونَ وَإِنَّمَا كان لِلثَّالِثِ أَخْذُ ثُلُثِ الثُّلُثِ من الثَّانِي لِأَنَّهُ يقول ما من جُزْءٍ الْأَوْلَى منه ثُلُثُهُ
وَإِنْ شَفَعَ الْحَاضِرَانِ ثُمَّ غَابَ أَحَدُهُمَا فَحَضَرَ الثَّالِثُ ولم يُقْضَ له على الْغَائِبِ فَهَلْ يَأْخُذُ نِصْفَ ما في يَدِ الْحَاضِرِ لِأَنَّهُ إذَا غَابَ أَحَدُهُمَا فَكَأَنَّ الْحَاضِرَيْنِ هُمَا الشَّفِيعَانِ فَيُسَوِّي بَيْنَهُمَا أو يَأْخُذُ ثُلُثَهُ لِأَنَّهُ الذي يَسْتَحِقُّهُ منه وَجْهَانِ وَيَنْبَغِي جَوَازُ الْأَمْرَيْنِ
فَإِنْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَغَابَ الْحَاضِرُ وقد أَخَذَ أَيْ الثَّالِثُ منه أَيْ من الْحَاضِرِ النِّصْفَ أَيْ نِصْفَ ما بيده أَخَذَ من هذا الذي حَضَرَ السُّدُسَ وَيَتِمُّ بِذَلِكَ نَصِيبُهُ أو أَخَذَ منه الثُّلُثَ فَالثُّلُثَ يَأْخُذُ من الْحَاضِرِ وَالشِّقْصُ في الْمَسْأَلَةِ يُقْسَمُ على الْأَوَّلِ من اثْنَيْ عَشَرَ لِلْحَاجَةِ إلَى عَدَدٍ له نِصْفٌ وَلِنِصْفِهِ نِصْفٌ وَسُدُسٌ وإذا كان الرُّبُعُ اثْنَيْ عَشَرَ فَالْكُلُّ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَعَلَى الثَّانِي من سِتَّةٍ لِلْحَاجَةِ إلَى عَدَدٍ له نِصْفٌ وَلِنِصْفِهِ ثُلُثٌ وإذا كان الرُّبُعُ سِتَّةً فَالْكُلُّ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَمَّا إذَا قُضِيَ له على الْغَائِبِ فَيَأْخُذُ من كُلٍّ من الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ ثُلُثَ ما بيده
وَلَوْ اسْتَحَقَّهَا اثْنَانِ حَاضِرٌ وَغَائِبٌ فَعَفَا الْحَاضِرُ وَمَاتَ الْغَائِبُ فَلِوَرَثَةِ الْحَاضِرِ أَخْذُ الْكُلِّ بِالشُّفْعَةِ وَإِنْ عَفَا أَوَّلًا لِأَنَّهُ الْآنَ يَأْخُذُ بِحَقِّ الْإِرْثِ
فَصْلٌ إنَّمَا مُنِعَ التَّبْعِيضُ في الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ على الْمُشْتَرِي فَإِنْ اشْتَرَى الشِّقْصَ اثْنَانِ من وَاحِدٍ جَازَ لِلشَّفِيعِ أَخْذِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ إذْ لَا تَفْرِيقَ عليه وَلَوْ بَاعَ اثْنَانِ شِقْصًا لِوَاحِدٍ جَازَ أَخْذُ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ كَتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ من اثْنَيْنِ جَازَ لِلشَّفِيعِ أَخْذُ رُبُعِهِ فما فَوْقَهُ أَرْبَاعًا أَيْ نِصْفَهُ أو ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ أو الْجَمِيعَ وَلَوْ وَكَّلَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ شَرِيكَهُ أَيْ أَحَدَ شَرِيكَيْهِ بِبَيْعِ نَصِيبِهِ فَبَاعَ نَصِيبَهُمَا صَفْقَةً بِالْإِذْنِ في بَيْعِهِ كَذَلِكَ بَلْ أو بِدُونِهِ لم يُفَرِّقْهَا الثَّالِثُ بَلْ يَأْخُذْ الْجَمِيعَ أو يَتْرُكْهُ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْعَاقِدِ لَا بِالْمَعْقُودِ له
وَلَوْ كانت دَارٌ بين اثْنَيْنِ فَوَكَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ في بَيْعِ نِصْفِ نَصِيبِهِ مُطْلَقًا أو مع نَصِيبِ صَاحِبِ صَفْقَةٍ فَبَاعَ كَذَلِكَ فَلِلْمُوَكِّلِ إفْرَادُ نَصِيبِ الْوَكِيلِ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ بِحَقِّ النِّصْفِ الْبَاقِي له لِأَنَّ الصَّفْقَةَ اشْتَمَلَتْ على ما لَا شُفْعَةَ لِلْمُوَكِّلِ فيه وهو مِلْكُهُ وَعَلَى ما فيه شُفْعَةٌ وهو مِلْكُ الْوَكِيلِ فَأَشْبَهَ من بَاعَ شِقْصًا وَثَوْبًا بِمِائَةٍ
وَإِنْ بَاعَ شِقْصَيْنِ من دَارَيْنِ صَفْقَةً جَازَ أَخْذُ أَحَدِهِمَا وَلَوْ اتَّحَدَ فِيهِمَا الشَّفِيعُ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى تَبْعِيضِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ
____________________
(2/376)
الْبَابُ الثَّالِثُ في مُسْقِطَاتِهَا الشُّفْعَةُ أَيْ طَلَبُهَا بِأَنْ يَقُولَ أنا طَالِبٌ أو نَحْوَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ أَيْ عِلْمِ الشَّفِيعِ بِالْبَيْعِ على الْفَوْرِ وَإِنْ تَأَخَّرَ التَّمَلُّكُ لِأَنَّهَا حَقٌّ ثَبَتَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَكَانَ فَوْرِيًّا كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلَا يُكَلَّفُ الشَّفِيعُ بَعْدَ عِلْمِهِ غير الْمُبَادَرَةِ الْمُعْتَادَةِ من عَدْوٍ وَنَحْوِهِ فما يُعَدُّ تَقْصِيرًا في الطَّلَبِ يُسْقِطُ الشُّفْعَةَ وما لَا فَلَا وَلَا يُكَلَّفُ الْإِشْهَادَ على الطَّلَبِ إذَا سَارَ طَالِبًا في الْحَالِ أو وَكَّلَ في الطَّالِبِ فَلَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ بِتَرْكِهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ في الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِأَنَّ تَسَلُّطَ الشَّفِيعِ على الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ أَقْوَى من تَسَلُّطِ الْمُشْتَرِي على الرَّدِّ بِالْعَيْبِ كما لَا يَخْفَى وَلَا يُغْنِيهِ الْإِشْهَادُ عن الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي
فَإِنْ أَخَّرَ طَلَبَ الشُّفْعَةِ بِلَا عُذْرٍ بَطَلَتْ لِتَقْصِيرِهِ وَيُشْتَرَطُ تَوْكِيلُ مَرِيضٍ بِطَلَبِهَا وَإِنْ لَحِقَهُ في التَّوْكِيلِ مِنَّةٌ وَمُؤْنَةٌ إذَا تَعَذَّرَ طَلَبُهُ وتوكيل خَائِفٍ من عَدُوٍّ وَمَحْبُوسٍ غَيْرِ مُقَصِّرٍ بِأَنْ حُبِسَ ظُلْمًا أو بِدَيْنٍ هو مُعْسِرٌ بِهِ عَاجِزٌ عن بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ وهو الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَغَيْرِ الْمَلِيءِ بِخِلَافِ مَرِيضٍ لم يَتَعَذَّرْ طَلَبُهُ وَمَحْبُوسٍ مُقَصِّرٍ كَالْمَلِيءِ فَلَوْ لم يَفْعَلُوا التَّوْكِيلَ أو عَجَزُوا عنه ولم يُشْهِدُوا على الطَّلَبِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُمْ لِتَقْصِيرِهِمْ فَإِنْ غَابَ الْمُشْتَرِي رَفَعَ الشَّفِيعُ أَمَرَهُ إلَى الْقَاضِي وَأَخَذَ بِالشُّفْعَةِ وَلَهُ ذلك أَيْ ما ذُكِرَ من رَفْعِ الْأَمْرِ إلَى الْقَاضِي وَالْأَخْذِ بها مع حُضُورِهِ كَنَظِيرِهِ في الرَّدِّ بِالْعَيْبِ
فَإِنْ فُقِدَ الْقَاضِي من بَلَدِهِ خَرَجَ لِطَلَبِهَا هو أو وَكِيلُهُ عِنْدَ بُلُوغِهِ الْخَبَرَ لَا إنْ كان الطَّرِيقُ مَخُوفًا ولم يَجِدْ رُفْقَةً تُعْتَمَدُ أو كان إذْ ذَاكَ حَرٌّ وَبَرْدٌ مُفْرِطَانِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ بَلْ له التَّأْخِيرُ حتى يَزُولَ ذلك
وَلْيُشْهِدْ رَجُلَيْنِ أو رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ على الطَّلَبِ وُجُوبًا إذَا أَخَّرَهُ لِعُذْرٍ ولم يُمْكِنْهُ التَّوْكِيلُ فَإِنْ أَشْهَدَ رَجُلًا لِيَحْلِفَ معه لم يَكْفِ لِأَنَّ بَعْضَ الْقُضَاةِ لَا يَحْكُمُ بِهِمَا نَقَلَهُ ابن الرِّفْعَةِ عن الرُّويَانِيِّ ثُمَّ قال وَلَا يَبْعُدُ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ على رَأْيٍ قُلْت وهو قِيَاسُ ما قَالَهُ في الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وقال الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الْأَقْرَبُ وَبِهِ جَزَمَ ابن كَجٍّ في التَّجْرِيدِ فَإِنْ عَجَزَ عن الْإِشْهَادِ لم يَجِبْ التَّلَفُّظُ بِالتَّمَلُّكِ كما في نَظِيرِهِ من الرَّدِّ بِالْعَيْبِ
فَإِنْ عَلِمَ الْحَاضِرُ بِالْبَيْعِ وَحَضَرَتْ صَلَاةٌ وَلَوْ نَافِلَةً أو أَكْلٌ أو لُبْسٌ أو قَضَاءُ حَاجَةٍ أو كان في حَمَّامٍ أو لَيْلًا فَأَخَّرَ لِذَلِكَ جَازَ له تَأْخِيرُ الطَّلَبِ إلَى الْفَرَاغِ من ذلك وَلَا يَلْزَمُهُ تَخْفِيفُ الصَّلَاةِ وَالِاقْتِصَارُ على أَقَلَّ ما يُجْزِئُ وَكَحُضُورِ وَقْتِ الْأَرْبَعَةِ الْأُوَلِ وَالِاشْتِغَالِ بها كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ اللُّبْسِ وَاللَّيْلِ من زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عن الرُّويَانِيِّ وَإِنْ لَقِيَهُ في غَيْرِ بَلَدِ الشِّقْصِ فَأَخَّرَ الْأَخْذَ إلَى الْعُودِ إلَى بَلَدِ الشِّقْصِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِاسْتِغْنَاءِ الْآخِذِ عن الْحُضُورِ عِنْدَ الشِّقْصِ
فَصْلٌ وَإِنْ أَخَّرَ الطَّلَبَ ثُمَّ قال لم أُصَدِّقْ مُخْبِرِي وقد أخبره شَاهِدَانِ رَجُلَانِ أو رَجُلٌ
____________________
(2/377)
وَامْرَأَتَانِ وَكَذَا وَاحِدٌ مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ وَلَوْ عَبْدًا أو امْرَأَةً أو جَمْعٌ كَثِيرٌ لَا يُمْكِنُ تَوَاطُؤُهُمْ على الْكَذِبِ وَلَوْ كُفَّارًا بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِأَنَّ شَهَادَةَ الشَّاهِدَيْنِ مَقْبُولَةٌ وَخَبَرُ مَقْبُولِ الرِّوَايَةِ مَقْبُولٌ في الْإِخْبَارِ كما هُنَا وَخَبَرُ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ مُفِيدٌ لِلْعِلْمِ فَكَانَ من حَقِّهِ أَنْ يَعْتَمِدَهُمْ فَلَوْ قال في الْأَوَّلَيْنِ جَهِلْت ثُبُوتَ الْعَدَالَةِ وكان مِثْلُهُ يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عليه لم يَبْعُدْ قَبُولُ قَوْلِهِ لِأَنَّ رِوَايَةَ الْمَجْهُولِ لَا تُسْمَعُ قَالَهُ ابن الرِّفْعَةِ وقال الدَّارِمِيُّ لو قال أخبرني رَجُلَانِ وَلَيْسَا عَدْلَيْنِ عِنْدِي وَهُمَا عَدْلَانِ لم تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ مُحْتَمَلٌ وَخَرَجَ بِمَقْبُولِ الرِّوَايَةِ غَيْرُهُ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَكَفَاسِقٍ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ فَتَسْقُطَ شُفْعَتُهُ لِأَنَّ ما يَتَعَلَّقُ بِالْمُعَامَلَاتِ يَسْتَوِي فيه خَبَرُ الْفَاسِقِ وَغَيْرِهِ إذَا وَقَعَ في النَّفْسِ صِدْقُهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَخَرَجَ بِمَنْ لَا يُمْكِنُ تَوَاطُؤُهُمْ على الْكَذِبِ غَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ
فَرْعٌ وَإِنْ كَذَبَ عليه الْمُخْبِرُ في جِنْسِ الثَّمَنِ كَأَنْ قال إنَّهُ دَرَاهِمُ فَبَانَ دَنَانِيرَ أو في نَوْعِهِ كَأَنْ قال إنَّهُ سَابُورِيٌّ فَبَانَ هَرَوِيًّا أو في زِيَادَتِهِ كَأَنْ قال إنَّهُ أَلْفٌ فَبَانَ خَمْسَمِائَةٍ أو في حُلُولِهِ كَأَنْ قال إنَّهُ حَالٌّ فَبَانَ مُؤَجَّلًا لَا عَكْسِهِمَا كَأَنْ قال إنَّهُ خَمْسُمِائَةٍ فَبَانَ أَلْفًا أو إنَّهُ مُؤَجَّلٌ فَبَانَ حَالًّا أو في قَدْرِ الْمَبِيعِ كَأَنْ قال بَاعَ كُلَّ حِصَّتِهِ فَبَانَ أَنَّهُ بَاعَ بَعْضَهَا أو عَكْسَهُ أو في أَنَّ الْمُشْتَرِيَ زَيْدٌ فَبَانَ عُمَرَ أو منه ما لو قال له الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْته لِنَفْسِي فَبَانَ وَكِيلًا أو أَنَّهُمَا الْأَوْلَى أو أَنَّهُ أَيْ الْمُشْتَرِيَ اثْنَانِ فَبَانَ وَاحِدًا أو عَكْسِهِ أَيْ قال إنَّ الْمُشْتَرِيَ وَاحِدٌ فَبَانَ اثْنَيْنِ أو في قَدْرِ الْأَجَلِ كَأَنْ قال بَاعَ بِمُؤَجَّلٍ إلَى شَهْرٍ فَبَانَ إلَى شَهْرَيْنِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَعَفَا أو تَوَانَى قبل بَيَانِ ما ذُكِرَ لم تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِذَلِكَ بِخِلَافِهِ في قَوْلِهِ لَا عَكْسِهِمَا وَوَجَّهَهُ الرَّافِعِيُّ في الثَّانِيَةِ من صُورَتَيْ لَا عَكْسِهِمَا بِتَمَكُّنِهِ من التَّعْجِيلِ وَلَوْ قال بَاعَ كُلَّهُ بِأَلْفٍ فَبَانَ بَعْضُهُ مَبِيعًا بِهِ بَطَلَ حَقُّهُ لِأَنَّهُ إذَا لم يَرْغَبْ في كُلِّهِ بِأَلْفٍ فَفِي بَعْضِهِ أَوْلَى
فَرْعٌ وَإِنْ بَدَأَهُ أَيْ الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ بِالسَّلَامِ لم يَكُنْ مُقَصِّرًا فَلَا تَبْطُلْ الشُّفْعَةُ لِأَنَّ السَّلَامَ قبل الْكَلَامِ سُنَّةٌ وَكَذَا لو سَأَلَهُ ابْتِدَاءً عن الثَّمَنِ كَأَنْ قال له بِكَمْ اشْتَرَيْت لم يَكُنْ مُقَصِّرًا لِأَنَّهُ إنْ جَهِلَهُ فَلَا بُدَّ من الْبَحْثِ عنه وَإِلَّا فَقَدْ يُرِيدُ تَحْصِيلَ إقْرَارِ الْمُشْتَرِي لِئَلَّا يُنَازِعَهُ فيه أو دَعَا له ابْتِدَاءً بِالْبَرَكَةِ في الصَّفْقَةِ نَحْوُ بَارَكَ اللَّهُ لَك في صَفْقَتِك فَقَدْ يَدْعُو بها لِيَأْخُذَ صَفْقَتَهُ مُبَارَكَةً أو أَخَّرَ الطَّلَبَ لِانْتِظَارِ إدْرَاكِ الزَّرْعِ وَحَصَادِهِ إذْ لَا نَفْعَ قَبْلَهُ أو لِخَلَاصِ الشِّقْصِ الْمَبِيعِ إذَا كان مَغْصُوبًا نَصَّ عليه في الْبُوَيْطِيِّ قال الرُّويَانِيُّ أو أَخَّرَ لِيَعْرِفَ الثَّمَنَ لِأَنَّ له غَرَضًا في أَنْ يَعْرِفَ ما فيه الْحَظُّ له فَإِنْ قال له اشْتَرَيْت رَخِيصًا أو نَحْوَهُ وفي نُسْخَةٍ وَنَحْوَهُ كَقَوْلِهِ بِعْهُ أو هَبْهُ مِنِّي أو من فُلَانٍ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِأَنَّهُ في الْأُولَى فُضُولٌ لَا غَرَضَ فيه وَفِيمَا عَدَاهَا رِضًى بِتَقْرِيرِ الشِّقْصِ في يَدِ الْمُشْتَرِي
فَرْعٌ لو ادَّعَى الشَّفِيعُ وقد أَخَّرَ طَلَبَهُ لِعُذْرٍ بِغَيْبَةٍ أو حَبْسٍ أو مَرَضٍ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ عُلِمَ ذلك الْعُذْرُ وَإِلَّا فَالْمُصَدَّقُ الْمُشْتَرِي أو ادَّعَى الْجَهْلَ بِثُبُوتِهَا أو فَوْرِيَّتِهَا فَكَمَا سَبَقَ في الرَّدِّ بِالْعَيْبِ في أَنَّهُ يُفْصَلُ فيه بين من يَخْفَى عليه ذلك وَبَيْنَ غَيْرِهِ
فَصْلٌ لو بَاعَ الشَّفِيعُ نَصِيبَهُ أو وَهَبَهُ وَلَوْ جَاهِلًا بِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ له أو بِبَيْعِ شَرِيكِهِ أو نَحْوِهِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِزَوَالِ سَبَبِهَا وهو الشَّرِكَةُ وَكَذَا لو بَاعَ الْبَعْضَ أو وَهَبَهُ عَالِمًا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ رضي بِسُقُوطِهَا في الْبَعْضِ فَسَقَطَتْ في الْكُلِّ كما لو عَفَا عن الْبَعْضِ لَا جَاهِلًا لِعُذْرٍ مع بَقَاءِ الشَّرِكَةِ وَلَوْ زَالَ الْبَعْضُ قَهْرًا كَأَنْ مَاتَ الشَّفِيعُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ قبل الْأَخْذِ فَبِيعَ بَعْضُ حِصَّتِهِ في دَيْنِهِ جَبْرًا على الْوَارِثِ وَبَقِيَ بَاقِيهَا له فَاَلَّذِي يَظْهَرُ كما قَالَهُ في الْمَطْلَبِ أَنَّ له الشُّفْعَةَ بِهِ لِانْتِفَاءِ تَخَيُّلِ الْعَفْوِ منه
فَصْلٌ الصُّلْحُ عنها بِمَالٍ كَالصُّلْحِ عن الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَلَا يَصِحُّ وَتَبْطُلُ شُفْعَتُهُ إنْ عَلِمَ بِفَسَادِهِ فَإِنْ صَالَحَهُ عن الشُّفْعَةِ في الْكُلِّ على أَخْذِ الْبَعْضِ بَطَلَ الصُّلْحُ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تُقَابَلُ بِعِوَضٍ وَكَذَا الشُّفْعَةُ إنْ
____________________
(2/378)
عَلِمَ بِبُطْلَانِهِ وَإِلَّا فَلَا هذا من زِيَادَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْأَنْوَارِ وَذَكَرَ فيه الْأَصْلُ أَقْوَالًا ليس فيها شَيْءٌ من ذلك حَيْثُ قال وَلَوْ تَصَالَحَا على أَخْذِ بَعْضِ الشِّقْصِ فَهَلْ يَصِحُّ لِرِضَا الْمُشْتَرِي بِالتَّبْعِيضِ أَمْ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ أَمْ يَبْطُلُ الصُّلْحُ وَيَبْقَى خِيَارُهُ بين أَخْذِ الْجَمِيعِ وَتَرْكِهِ فيه ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ
مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ
لِلْمُفْلِسِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَالْعَفْوُ عنها وَلَا اعْتِرَاضَ عليه لِلْغُرَمَاءِ لِأَنَّ ذلك تَصَرُّفٌ في الذِّمَّةِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحَجْرِ وَلَا يُزَاحِمُ الْمُشْتَرِي الْغُرَمَاءَ بَلْ يَبْقَى ثَمَنُ مُشْتَرَاهُ في ذِمَّةِ الشَّفِيعِ إلَى أَنْ يُوسِرَ وَلَهُ الرُّجُوعُ في مُشْتَرَاهُ إنْ جَهِلَ فَلَسَهُ وَلِلْعَامِلِ في الْقِرَاضِ أَخْذُهَا ثُمَّ إنْ لم يَأْخُذْهَا جَازَ لِلْمَالِكِ أَخْذُهَا وفي نُسْخَةٍ فَإِنْ لم يَأْخُذْ فَلِلْمَالِكِ الْأَخْذُ فَلَوْ اشْتَرَى الْعَامِلُ بِمَالُ الْقِرَاضِ شِقْصًا من شَرِيكِ الْمَالِكِ لم يَشْفَعْ الْمَالِكُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ وَقَعَ له فَلَا يُمْكِنُ الْأَخْذُ من نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ فَإِنْ كان الْعَامِلُ شَرِيكَ الْبَائِعِ في الْمَبِيعِ منه الشِّقْصُ وَاشْتَرَى بِمَالِ الْقِرَاضِ فَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ لِنَفْسِهِ وَلَوْ ظَهَرَ في الْمَالِ رِبْحٌ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ منه شيئا بِالظُّهُورِ وَإِنْ بَاعَ الْمَالِكُ شِقْصَهُ الذي هو من مَالِ الْقِرَاضِ فَلَا شُفْعَةَ لِلْعَامِلِ الذي ليس بِشَرِيكٍ وَلَوْ ظَهَرَ رِبْحٌ لِذَلِكَ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ
وَلِلشَّفِيعِ تَكْلِيفُ الْمُشْتَرِي الْقَبْضَ لِلشِّقْصِ من الْبَائِعِ لِيَأْخُذَهُ منه فَإِنْ كان غَائِبًا نَصَبَ الْحَاكِمُ من يَنُوبُ عنه في ذلك صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَهُ أَيْضًا الْأَخْذُ من الْبَائِعِ وَقِيلَ لَا وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَعُهْدَتُهُ على الْمُشْتَرِي لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ منه سَوَاءٌ أَخَذَهُ منه أَمْ من الْبَائِعِ
وَشَرْطُ الْبَرَاءَةِ من عَيْبِ الشِّقْصِ في الشِّرَاءِ كَعَدَمِهِ فَلِكُلٍّ من الشَّفِيعِ وَالْمُشْتَرِي رَدُّهُ بِالْعَيْبِ بِشَرْطِهِ وَلَا رَدَّ لِشَفِيعٍ عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَإِنْ جَهِلَهُ الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي طَلَبُ الْأَرْشِ لِأَنَّهُ لم يَيْأَسْ من الرَّدِّ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَعَفْوُ الشَّفِيعِ عن الشُّفْعَةِ قبل الْبَيْعِ كَأَنْ قال لِشَرِيكِهِ بِعْ نَصِيبَك وقد عَفَوْت عن الشُّفْعَةِ أو لِغَيْرِهِ اشْتَرِ فَلَا أُطَالِبَك بِالشُّفْعَةِ وَشَرْطُ الْخِيَارِ له أَيْ لِلشَّفِيعِ وَضَمَانُهُ الْعُهْدَةَ لِلْمُشْتَرِي أَيْ كُلٌّ من الثَّلَاثَةِ لَا يَسْقُطُ شُفْعَتُهُ إذْ لم يَصْدُرْ منه ما يَقْتَضِي سُقُوطَهَا وَلِأَنَّ الْعَفْوَ قبل ثُبُوتِ الْحَقِّ لَغْوٌ
وَإِنْ عَفَا بَعْضُ الشُّفَعَاءِ ثُمَّ شَهِدَ على بَعْضِهِمْ أَنَّهُ عَفَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ إلَّا إنْ كان قد شَهِدَ عليه قبل عَفْوِهِ بِأَنْ شَهِدَ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَأَعَادَهَا بَعْدَ عَفْوِهِ فَلَا تُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ وَكَذَا لو شَهِدَ عليه قبل الْعَفْوِ لَا تُقْبَلُ كما أَفْهَمَهُ أَوَّلُ كَلَامِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لِأَنَّهُ يَجُرُّ الشِّقْصَ لِنَفْسِهِ
وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَائِعِ بِعَفْوِ الشَّفِيعِ قبل أَنْ يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ لِأَنَّهُ قد يَقْصِدُ الرُّجُوعَ إلَى الْعَيْنِ بِتَقْدِيرِ الْإِفْلَاسِ وَلَوْ اسْتَوْفَى الثَّمَنَ فَوَجْهَانِ قال في الْأَصْلِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَتَوَقَّعُ الْعَوْدَ إلَى الْعَيْنِ بِسَبَبِ ما انْتَهَى وَجَزَمَ ابن الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِالْقَبُولِ وَرَجَّحَهُ ابن كَجٍّ في تَجْرِيدِهِ
وَتَقَدَّمَ بَيِّنَةُ الْعَفْوِ عن الشُّفْعَةِ على بَيِّنَةِ الْأَخْذِ بها وَلَوْ كان مَعَهَا الْيَدُ فَلَوْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً بِالْعَفْوِ وَالشَّفِيعُ بَيِّنَةً بِالْأَخْذِ وَإِنْ كان الشِّقْصُ بيده قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي لِزِيَادَةِ عِلْمِهَا بِالْعَفْوِ
وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ السَّيِّدِ لِلْمُشْتَرِي بِشِرَاءِ شِقْصٍ فيه شُفْعَةٌ لِمُكَاتَبِهِ وَإِنْ كان في قَبُولِهَا ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ لِمُكَاتَبِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِشَهَادَتِهِ إثْبَاتُ الشِّرَاءِ لِلْمُشْتَرِي وَالشُّفْعَةُ لِمُكَاتَبِهِ إنَّمَا تَثْبُتُ تَبَعًا بِخِلَافِ شَهَادَتِهِ لِمُكَاتَبِهِ لَا تُقْبَلُ بِحَالٍ قال الْإِمَامُ وَهَذَا يَجْرِي في الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ
وَإِنْ بَاعَ شَرِيكُ الْمَيِّتِ نَصِيبَهُ وقد خَلَّفَ الْمَيِّتُ وَارِثًا وَحَمْلًا فَلِلْوَارِثِ أَنْ يَشْفَعَ لَا لِلْحَمْلِ لِأَنَّهُ لَا يُتَيَقَّنُ وُجُودُهُ بَلْ لو انْفَصَلَ حَيًّا بَعْدُ
____________________
(2/379)
أَيْ بَعْدَ شَفْعِ الْوَارِثِ لم يُشَارِكْهُ وفي نُسْخَةٍ لم يُشَارِكْ فَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَأْخُذَ له بِالشُّفْعَةِ
وَإِنْ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِلْمَيِّتِ وَوَرِثَهَا الْحَمْلُ أُخِّرَتْ لِانْفِصَالِهِ فَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ الْأَخْذُ له قبل انْفِصَالِهِ لِأَنَّهُ لَا يُتَيَقَّنُ وُجُودُهُ وَقِيلَ له ذلك وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ اسْتَحَقَّ الشِّقْصَ فَالشَّفِيعُ فِيمَا يَرْجِعُ بِهِ على الْمُشْتَرِي من ثَمَنٍ وَنَقْصِ قِيمَةِ بِنَاءٍ وَغِرَاسٍ وَغَيْرِهِمَا كَأَنْ بَنَى فيه أو غَرَسَ بَعْدَ أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ قَلَعَ الْمُسْتَحِقُّ بِنَاءَهُ وَغِرَاسَهُ كَالْمُشْتَرِي من الْغَاصِبِ فِيمَا يَرْجِعُ بِهِ عليه
وَلِلْوَارِثِ الشُّفْعَةُ وَلَوْ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ التَّرِكَةَ فَلَوْ مَاتَ وَلَهُ شِقْصٌ من دَارٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَوْ مُسْتَغْرِقًا فَبَاعَ الشَّرِيكُ حِصَّتَهُ قبل بَيْعِ الشِّقْصِ في الدَّيْنِ فَلِلْوَارِثِ أَخْذُهُ بِالشُّفْعَةِ بِنَاءً على أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ انْتِقَالَ الْمِلْكِ في التَّرِكَةِ لِلْوَارِثِ
وَإِنْ بَاعَ الْوَرَثَةُ في الدَّيْنِ بَعْضَ دَارِ الْمَيِّتِ لم يَشْفَعُوا وَلَوْ كَانُوا شُرَكَاءَ له فيها لِأَنَّهُمْ إذَا مَلَكُوهَا كان الْمَبِيعُ جُزْءًا من مِلْكِهِمْ فَلَوْ أَخَذُوا بِالشُّفْعَةِ لَأَدَّى الْحَالُ أَنْ يَأْخُذُوا بها ما خَرَجَ من مِلْكِهِمْ فَالْمُرَادُ أَنَّ كُلًّا منهم لَا يَأْخُذُ ما خَرَجَ عن مِلْكِهِ بِمَا بَقِيَ في مِلْكِهِ كما لو وَكَّلَ بِبَيْعِ شِقْصٍ من دَارِهِ ليس له الْأَخْذُ بها لِأَنَّ الْمَبِيعَ مِلْكُهُ وَأَمَّا أَخْذُ كُلٍّ منهم نَصِيبَ الْبَاقِي بِالشُّفْعَةِ فَلَا مَانِعَ منه
فَصْلٌ الْحِيلَةُ في دَفْعِ الشُّفْعَةِ مَكْرُوهَةٌ لِمَا فيها من إبْقَاءِ الضَّرَرِ لَا في دَفْعِ شُفْعَةِ الْجَارِ الذي يَأْخُذُ بها عِنْدَ الْقَائِلِ بها وَهِيَ أَيْ الْحِيلَةُ في دَفْعِهَا مِثْلُ أَنْ يَبِيعَهُ الشِّقْصَ بِأَكْثَرَ من ثَمَنِهِ بِكَثِيرٍ ثُمَّ يَأْخُذَ بِهِ عَرَضًا يُسَاوِي ما تَرَاضَيَا عليه عِوَضًا عن الثَّمَنِ أو يَحُطَّ عن الْمُشْتَرِي ما يَزِيدُ عليه بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ أو أَنْ يَشْتَرِيَ الْبَائِعُ أَوَّلًا الْعَرَضَ الْمَذْكُورَ بِالْكَسْرِ ثُمَّ يُعْطِيَهُ الشِّقْصَ عِوَضًا عَمَّا الْتَزَمَ أو أَنْ يَشْتَرِيَ منه أَيْ من الشِّقْصِ جُزْءًا بِقِيمَةِ الْكُلِّ ثُمَّ يَهَبَهُ الْبَاقِيَ وَهَذِهِ الْحِيَلُ فيها غَرَرٌ فَقَدْ لَا يَفِي صَاحِبُهُ أو أَنْ يَبِيعَ بِمَجْهُولٍ مُشَاهَدٍ وَيَقْبِضَهُ وَيَخْلِطَهُ بِغَيْرِهِ بِلَا وَزْنٍ في الْمَوْزُونِ أو يُنْفِقَهُ أو يَضِيعَ منه أو أَنْ يَهَبَ كُلٌّ من مَالِكِ الشِّقْصِ وَآخِذِهِ لِلْآخَرِ بِأَنْ يَهَبَ له الشِّقْصَ بِلَا ثَوَابٍ ثُمَّ يَهَبَ له الْآخَرُ قَدْرَ قِيمَتِهِ ثُمَّ إنْ خَشِيَا عَدَمَ الْوَفَاءِ بِالْهِبَةِ وَكَّلَا أَمِينَيْنِ لِيَقْبِضَاهُمَا مِنْهُمَا مَعًا بِأَنْ يَهَبَهُ الشِّقْصَ وَيَجْعَلَهُ في يَدِ أَمِينٍ لِيُقَبِّضَهُ إيَّاهُ وَيَهَبَهُ الْآخَرُ قَدْرَ قِيمَتِهِ وَيَجْعَلَهُ في يَدِ أَمِينٍ لِيُقَبِّضَهُ إيَّاهُ ثُمَّ يَتَقَابَضَا في حَالَةٍ وَاحِدَةٍ
كِتَابُ الْقِرَاضِ مُشْتَقٌّ من الْقَرْضِ وهو الْقَطْعُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمَالِكَ قَطَعَ لِلْعَامِلِ قِطْعَةً من مَالِهِ يَتَصَرَّفُ فيها وَقِطْعَةً من الرِّبْحِ وَيُسَمَّى أَيْضًا مُضَارَبَةً لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَضْرِبُ بِسَهْمٍ في الرِّبْحِ وَلِمَا فيه غَالِبًا من السَّفَرِ الْمُسَمَّى ضَرْبًا قال تَعَالَى وإذا ضَرَبْتُمْ في الْأَرْضِ الْآيَةَ وَمُقَارَضَةً وَهِيَ الْمُسَاوَاةُ لِتَسَاوِيهِمَا في الرِّبْحِ وَالْأَصْلُ فيه الْإِجْمَاعُ وَالْحَاجَةُ وَاحْتَجَّ له الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ في الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ من فَضْلِ اللَّهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ليس عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا من رَبِّكُمْ وَبِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم ضَارَبَ لِخَدِيجَةَ بِمَالِهَا إلَى الشَّامِ وَأَنْفَذَتْ معه عَبْدَهَا مَيْسَرَةَ
وَحَقِيقَتُهُ عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ دَفْعَ مَالٍ لِآخَرَ لِيَتَّجِرَ له فيه وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ
الْأَوَّلُ في أَرْكَانِ صِحَّتِهِ الْأَخْصَرُ أَرْكَانُهُ وَهِيَ خَمْسَةٌ رَأْسُ مَالٍ وَعَمَلٌ وَرِبْحٌ وَصِيغَةٌ وَعَاقِدَانِ الْأَوَّلُ رَأْسُ الْمَالِ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ نَقْدًا خَالِصًا مَعْلُومًا مُعَيَّنًا مُسَلَّمًا لِلْعَامِلِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا على
____________________
(2/380)
الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لَا الْمَغْشُوشَةِ وَالْفُلُوسِ وَالْحُلِيِّ وَالتِّبْرِ وَسَائِرِ الْعُرُوضِ كما صَرَّحَ بِهِ بَعْدُ لِأَنَّ في الْقِرَاضِ إغْرَارًا إذْ الْعَمَلُ فيه غَيْرُ مَضْبُوطٍ وَالرِّبْحُ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهِ وَإِنَّمَا جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ فَاخْتَصَّ بِمَا يَرُوجُ بِكُلِّ حَالٍ وَتَسْهُلُ التِّجَارَةُ بِهِ وَلِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ ثَمَنَانِ لَا يَخْتَلِفَانِ بِالْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ إلَّا قَلِيلًا وَلَا يُقَوَّمَانِ بِغَيْرِهِمَا وَالْعُرُوضُ تَخْتَلِفُ قِيمَتُهَا فَلَوْ رَجَعَتْ رَأْسَ مَالٍ لَزِمَ إمَّا أَخْذُ الْمَالِكِ جَمِيعَ الرِّبْحِ أو أَخْذُ الْعَامِلِ بَعْضَ رَأْسِ الْمَالِ وَوَضْعُ الْقِرَاضِ على أَنْ يَشْتَرِكَا في الرِّبْحِ وَيَنْفَرِدَ الْمَالِكُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَجَعَلَ الرَّافِعِيُّ التَّعْلِيلَ الثَّانِيَ أَشْهَرَ وَبَيَّنَهُ وَنَظَرَ فيه بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ
فَإِنْ قَارَضَهُ على عَرَضٍ كَمَنْفَعَةٍ أو على ثَمَنِهِ إنْ بَاعَهُ أو على ما في ذِمَّةِ فُلَانٍ لم يَصِحَّ أَمَّا في الْأُولَى فَلِمَا مَرَّ وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَلِلْجَهْلِ بِالْمِقْدَارِ وَلِتَعْلِيقِ الْعَقْدِ وَأَمَّا في الْأَخِيرَةِ فَقِيَاسًا على الْعَرَضِ بَلْ أَوْلَى
وَلَوْ قَارَضَهُ على أَلْفٍ وَعَيَّنَهُ في الْمَجْلِسِ جَازَ كَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَجَزَمَ بِهِ ابن الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا
وَإِنْ قال لِمَدِينِهِ اعْزِلْ مَالِي الذي في ذِمَّتِك فَعَزَلَهُ ولم يَقْبِضْهُ وَقَارَضَهُ عليه فَاشْتَرَى له أَيْ لِلْقِرَاضِ بِعَيْنِهِ شيئا فَكَالْفُضُولِيِّ يَشْتَرِي بِعَيْنِ مَالِهِ لِلْغَيْرِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ما عَزَلَهُ له بِغَيْرِ قَبْضٍ وَلَوْ اشْتَرَاهُ له في الذِّمَّةِ وَقَعَ الْعَقْدُ لِلْآمِرِ لِأَنَّهُ اشْتَرَى له بِإِذْنِهِ وَقِيلَ لِلْمَأْمُورِ لِأَنَّ الْآمِرَ لم يَمْلِكْ الثَّمَنَ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي وَالْإِمَامُ وكان الرِّبْحُ له أَيْ لِلْآمِرِ لِفَسَادِ الْقِرَاضِ وَلِلْعَامِلِ عليه أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَنَظَائِرِهِ من عُقُودِ الْقِرَاضِ الْفَاسِدَةِ
وَلَوْ أَعْطَاهُ أَلْفَيْنِ وقال قَارَضْتُك وفي نُسْخَةٍ وَقَارَضَهُ على أَحَدِهِمَا لم يَصِحَّ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ كَالْبَيْعِ وَكَذَا لو كان مَجْهُولَ الْقَدْرِ أو الصِّفَةِ وَلَوْ مَرْئِيًّا لِلْجَهْلِ بِالرِّبْحِ وَيُفَارِقُ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ بِأَنَّ الْقِرَاضَ عُقِدَ لِيَفْسَخَ وَيُمَيِّزَ بين رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ بِخِلَافِ السَّلَمِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ عَدَمُ صِحَّةِ الْقِرَاضِ فِيمَا قَالَهُ وَإِنْ عَيَّنَ الْأَلْفَ في الْمَجْلِسِ وهو ظَاهِرٌ لِفَسَادِ الصِّيغَةِ لَكِنْ صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ في غَيْرِ هذا الْكِتَابِ الصِّحَّةَ حِينَئِذٍ
وَيَصِحُّ قِرَاضُهُ على الْوَدِيعَةِ مع الْوَدِيعِ وَكَذَا الْمَغْصُوبُ مع غَاصِبِهِ لِتَعَيُّنِهِمَا في يَدِ الْعَامِلِ بِخِلَافِ ما في الذِّمَّةِ فإنه إنَّمَا يَتَعَيَّنُ بِالْقَبْضِ وَيَبْرَأُ الْعَامِلُ بِإِقْبَاضِهِ لِلْمَغْصُوبِ الْبَائِعَ له منه أَيْ من ضَمَانِ الْغَصْبِ لِأَنَّهُ أَقْبَضَهُ له بِإِذْنِ مَالِكِهِ وَزَالَتْ عنه يَدُهُ وما يَقْبِضُهُ من الْأَعْوَاضِ يَكُونُ أَمَانَةً بيده لِأَنَّهُ لم يُوجَدْ فيه مُضَمَّنٌ وَكَلَامُهُ يَشْمَلُ صِحَّةَ الْقِرَاضِ مع غَيْرِ الْوَدِيعِ وَالْغَاصِبِ بِشَرْطِهِ وهو ظَاهِرٌ وَإِنْ شَرَطَ كَوْنَ الْمَالِ في يَدِ الْمَالِكِ يُوفِي منه ثَمَنَ ما اشْتَرَاهُ الْعَامِلُ أو شَرَطَ عَمَلَهُ معه أو مُرَاجَعَتَهُ في التَّصَرُّفِ لم يَصِحَّ لِفَوَاتِ اسْتِقْلَالِ الْعَامِلِ الذي هو شَرْطٌ في الْقِرَاضِ وَلِأَنَّهُ في الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ قد لَا يَجِدُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ أو لَا يُسَاعِدُهُ على رَأْيِهِ فَيَفُوتُ التَّصَرُّفُ الرَّابِحُ وَكَالْمَالِكِ في ذلك نَائِبُهُ كَمُشْرِفٍ نَصَبَهُ
وَلَوْ شَرَطَ عَمَلَ عَبْدِهِ معه مُعَيَّنًا له لَا شَرِيكًا له في الرَّأْيِ جَازَ كَشَرْطِ إعْطَاءِ بَهِيمَتِهِ له لِيَحْمِلَ عليها لِأَنَّ عَبْدَهُ وَبَهِيمَتَهُ مَالٌ فَجُعِلَ عَمَلُهُمَا تَبَعًا لِلْمَالِ بِخِلَافِ الْمَالِكِ وَبِخِلَافِ عَبْدِهِ إذَا جَعَلَهُ شَرِيكًا في الرَّأْيِ لِمَا مَرَّ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ وَالْبَهِيمَةُ مَعْلُومَيْنِ بِالرُّؤْيَةِ أو الْوَصْفِ وَتَعْبِيرُ أَصْلِهِ بِغُلَامِهِ أَوْلَى لِيَشْمَلَ أَجِيرَهُ الْحُرَّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَعَبْدِهِ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَنْفَعَتِهِ وقد ذَكَرَ مثله الْأَذْرَعِيُّ في الْمُسَاقَاةِ وَإِنْ شَرَطَ له أَيْ لِعَبْدِهِ رِبْحًا جَازَ وَإِنْ لم يَشْرِطْ عَمَلَهُ معه لِرُجُوعِ ما شَرَطَهُ لِعَبْدِهِ إلَيْهِ
فَرْعٌ يَصِحُّ الْقِرَاضُ في الْمَشَاعِ فَلَوْ وفي نُسْخَةٍ فَإِنْ خَلَطَ أَلْفَيْنِ بِأَلْفٍ لِآخَرَ وَشَارَكَهُ بِأَحَدِهِمَا وَقَارَضَهُ بِالْآخَرِ جَازَ لِأَنَّ الْإِشَاعَةَ لَا تَمْنَعُ التَّصَرُّفَ وَتَصَرَّفَا في الثُّلُثَيْنِ أَلْفَيْ
____________________
(2/381)
الشَّرِكَةِ وَانْفَرَدَ الْعَامِلُ بِالثُّلُثِ أَلْفِ الْقِرَاضِ أَيْ بِالتَّصَرُّفِ فيه قال السُّبْكِيُّ وَيَصِحُّ الْقِرَاضُ على غَيْرِ الْمَرْئِيِّ على الْأَقْرَبِ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ قال ابن الرِّفْعَةِ وَالْأَشْبَهُ صِحَّتُهُ على نَقْدٍ أَبْطَلَهُ السُّلْطَانُ
الرُّكْنُ الثَّانِي الْعَمَلُ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ تِجَارَةً وَتَوَابِعَ لها كَنَشْرِ الثِّيَابِ وَطَيِّهَا كما سَيَأْتِي غير مُضَيَّقَةٍ بِالتَّعْيِينِ وَلَا مُؤَقَّتَةٍ بِوَقْتٍ فَإِنْ قَارَضَهُ على أَنْ يَشْتَرِيَ الْحِنْطَةَ وَيَطْحَنَهَا أو أَنْ يَشْتَرِيَ النَّخْلَ لِثَمَرَتِهِ أو شَبَكَةً لِيَصْطَادَ بها وَالْفَوَائِدُ وَالصَّيْدُ بَيْنَهُمَا لم يَصِحَّ لِلِاسْتِغْنَاءِ عن جَهَالَةِ الْعِوَضِ بِالِاسْتِئْجَارِ فَإِنَّهَا أَعْمَالٌ مَضْبُوطَةٌ وَلِأَنَّ ما حَصَلَ من ثَمَرَةِ النَّخْلِ ليس بِتَصَرُّفِ الْعَامِلِ وَإِنَّمَا هو من عَيْنِ الْمَالِ وَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ الصَّيْدُ بِالْفَوَائِدِ كان أَوْلَى وَالصَّيْدُ لِلصَّائِدِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الشَّبَكَةِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلَوْ طَحَنَ الْحِنْطَةَ بِلَا شَرْطٍ لم يَنْفَسِخْ الْقِرَاضُ كما لو زَادَ عَبْدٌ الْقِرَاضَ بِكِبَرٍ أو سِمَنٍ أو تَعَلُّمِ صَنْعَةٍ لَكِنَّ عليه الضَّمَانَ لِتَعَدِّيهِ فَيَغْرَمُ نَقْصَ الدَّقِيقِ إنْ نَقَصَ فَإِنْ بَاعَهُ لم يَضْمَنْ ثَمَنَهُ لِأَنَّهُ لم يَتَعَدَّ فيه ولم يَسْتَحِقَّ أُجْرَةَ الطَّحْنِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عليه لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ وَالرِّبْحُ بَيْنُهُمَا كما شَرَطَا
وَإِنْ عَيَّنَ له التِّجَارَةَ فِيمَا يَنْدُرُ وُجُودُهُ كَيَاقُوتٍ أَحْمَرَ وَخَزٍّ أَدْكَنَ وَخَيْلٍ بَلَقٍ لم يَصِحَّ لِأَنَّهُ تَضْيِيقٌ يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ فَإِنْ لم يَنْدُرْ صَحَّ وَلَوْ كان يَنْقَطِعُ كَالرُّطَبِ لِانْتِفَاءِ التَّضْيِيقِ وَكَذَا إنْ نَدَرَ وكان بِمَكَانٍ يُوجَدُ فيه غَالِبًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ
وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ أو لَا يَبِيعَ إلَّا من زَيْدٍ أو لَا يَشْتَرِيَ إلَّا هذه السِّلْعَةَ لم يَصِحَّ لِلتَّضْيِيقِ على الْعَامِلِ وَلِأَنَّ الشَّخْصَ الْمُعَيَّنَ قد لَا يُعَامِلُهُ وقد لَا يَجِدُ عِنْدَهُ ما يَظُنُّ فيه رِبْحًا وقد لَا يَبِيعُ إلَّا بِثَمَنٍ غَالٍ أو لَا يَشْتَرِي إلَّا بِثَمَنٍ بَخْسٍ وَالسِّلْعَةُ الْمُعَيَّنَةُ قد لَا يَجِدُ فيها رِبْحًا فَإِنْ نَهَاهُ عنهما أَيْ عن شِرَاءِ السِّلْعَةِ وَعَنْ الشِّرَاءِ أو الْبَيْعِ من زَيْدٍ صَحَّ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ شِرَاءُ غَيْرِ هذه السِّلْعَةِ وَالشِّرَاءُ أو الْبَيْعُ من غَيْرِ زَيْدٍ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ إلَّا في سُوقٍ مُعَيَّنٍ صَحَّ بِخِلَافِ الْحَانُوتِ الْمُعَيَّنِ لِأَنَّ السُّوقَ الْمُعَيَّنَ كَالنَّوْعِ الْعَامِّ وَالْحَانُوتَ الْمُعَيَّنَ كَالْعَرَضِ الْمُعَيَّنِ قال وَلَوْ قال قَارَضْتُك ما شِئْت أو ما شِئْت جَازَ لِأَنَّ ذلك شَأْنُ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ
وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ ما يَتَصَرَّفُ فيه بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ لِأَنَّهَا نِيَابَةٌ مَحْضَةٌ وَالْحَاجَةُ تَمَسُّ إلَيْهَا في أَشْغَالٍ خَاصَّةٍ وَالْقِرَاضُ مُعَامَلَةٌ يَتَعَلَّقُ بها غَرَضُ كُلٍّ من الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَمَهْمَا كان الْعَامِلُ أَبْسَطَ يَدًا كانت أَفْضَى إلَى مَقْصُودِهَا وَعَلَيْهِ الِامْتِثَالُ لِمَا عَيَّنَهُ إنْ عَيَّنَ كما في سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ الْمُسْتَفَادَةِ بِالْإِذْنِ فَالْإِذْنُ في الْبَزِّ يَتَنَاوَلُ ما يُلْبَسُ من الْمَنْسُوجِ لَا الْأَكْسِيَةَ وَنَحْوَهَا كَالْبُسُطِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ لِأَنَّ بَائِعَهَا لَا يُسَمَّى بَزَّازًا
وَلَوْ قَارَضَهُ سَنَةً لم يَصِحَّ لِإِخْلَالِ التَّأْقِيتِ بِمَقْصُودِ الْقِرَاضِ فَقَدْ لَا يَجِدُ رَاغِبًا في السَّنَةِ أو نَحْوِهَا وَلِمُخَالَفَتِهِ مُقْتَضَاهُ وقد يَحْتَاجُ الْعَامِلُ إلَى تَنْضِيضِ ما بيده آخِرًا لِيَتَمَيَّزَ رَأْسُ الْمَالِ سَوَاءٌ اقْتَصَرَ على ذلك أَمْ زَادَ على أَنْ لَا أَمْلِكَ الْفَسْخَ قبل انْقِضَائِهَا
أو قَارَضَهُ على مَنْعِهِ من الشِّرَاءِ بَعْدَهَا أَيْ بَعْدَ سَنَةٍ مَثَلًا لَا الْبَيْعِ صَحَّ لِحُصُولِ الِاسْتِرْبَاحِ بِالْبَيْعِ الذي له فِعْلُهُ بَعْدَ الْمُدَّةِ وَلِتَمَكُّنِ الْمَالِكِ من مَنْعِهِ من الشِّرَاءِ
____________________
(2/382)
مَتَى شَاءَ فَجَازَ أَنْ يَتَعَرَّضَ له في الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْمَنْعِ من الْبَيْعِ فِيهِمَا وَمِثْلُهُ الْمَنْعُ من التَّصَرُّفِ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ في الْقِرَاضِ بَيَانُ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ الْمُسَاقَاةِ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا وهو الثَّمَرَةُ يَنْضَبِطُ بِالْمُدَّةِ وَلِأَنَّهُمَا قَادِرَانِ على فَسْخِ الْقِرَاضِ مَتَى أَرَادَا
فَصْلٌ وَإِنْ عَلَّقَ الْقِرَاضَ وَكَذَا تَصَرُّفُهُ كَأَنْ قال إذَا جاء رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ قَارَضْتُك أو قال قَارَضْتُك الْآنَ وَلَا تَتَصَرَّفْ حتى يَنْقَضِيَ الشَّهْرُ بَطَلَ أَمَّا في الْأُولَى فَكَمَا في الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَكَمَا لو قال بِعْتُك وَلَا تَمْلِكْ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ
الرُّكْنُ الثَّالِثُ الرِّبْحُ وَيُشْتَرَطُ اخْتِصَاصُهُمَا بِهِ بِشَرِكَةٍ مَعْلُومَةٍ بِالْأَجْزَاءِ كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ لَا بِالتَّقْدِيرِ كَدِينَارٍ وَدِرْهَمٍ كما سَيَأْتِي
فَإِنْ شَرَطَ إدْخَالَ ثَالِثٍ في الرِّبْحِ ليس بِعَامِلٍ وَلَا مَمْلُوكٍ لِأَحَدِهِمَا بَطَلَ الْعَقْدُ لِأَنَّ الرِّبْحَ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالْمَالِ أو بِالْعَمَلِ وَلَيْسَ لِلثَّالِثِ الْمَذْكُورِ مَالٌ وَلَا عَمَلٌ بِخِلَافِ ما إذَا كان عَامِلًا أو مَمْلُوكًا لِأَحَدِهِمَا فَيَصِحُّ وَيَكُونُ الْقِرَاضُ في الْأُولَى مع اثْنَيْنِ وَالْمَشْرُوطُ لِلْمَمْلُوكِ في الثَّانِيَةِ مَضْمُومٌ إلَى ما شُرِطَ لِسَيِّدِهِ كما مَرَّ
وَإِنْ شَرَطَ الْمَالِكُ إعْطَاءَ الثَّالِثِ من نَصِيبِهِ لَا من نَصِيبِ الْعَامِلِ صَحَّ ولم يَلْزَمْهُ له شَيْءٌ بِخِلَافِ شَرْطِ إعْطَائِهِ من نَصِيبِ الْعَامِلِ لَا يَصِحُّ وما قَالَهُ في الْأُولَى من تَصَرُّفِهِ إذْ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ مُفْسِدٌ في الصُّورَتَيْنِ وَكَلَامُ الْأَصْلِ سَالِمٌ من ذلك لِأَنَّهُ لم يذكر ذلك شَرْطًا في الْأُولَى وَعِبَارَتُهُ وَلَوْ قال نِصْفُ الرِّبْحِ لَك وَنِصْفُهُ لي وَمِنْ نَصِيبِي نِصْفُهُ لِزَوْجَتِي صَحَّ الْقِرَاضُ وَهَذَا وَعْدُ هِبَةٍ لِزَوْجَتِهِ وَلَوْ قال لِلْعَامِلِ لَك كَذَا على أَنْ تُعْطِيَ ابْنَك أو امْرَأَتَك نِصْفَهُ فقال الْقَاضِي أبو حَامِدٍ إنْ ذَكَرَهُ شَرْطًا فَسَدَ الْقِرَاضُ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى
وَظَاهِرٌ أَنَّ هذا شَرْطٌ فَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ فَسَدَ الْقِرَاضُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ غير الشَّرْطِ
وَلَوْ قال خُذْ الْمَالَ وَتَصَرَّفْ فيه وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لَك فَقَرْضٌ صَحِيحٌ أو كُلُّهُ لي فَإِبْضَاعٌ أَيْ تَوْكِيلٌ بِلَا جُعْلٍ كما لو قال أَبْضَعْتُكَ وَلَوْ قال قَارَضْتُكَ وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لَك أو كُلُّهُ لي أو سَكَتَ عن الرِّبْحِ أو قال أَبَضْعَتك وَلَك نِصْفُ الرِّبْحِ أو لَك كُلُّهُ كما صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فَقِرَاضٌ فَاسِدٌ رِعَايَةً لِلَّفْظِ في الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَأُلْحِقَ بها الْأَخِيرَتَانِ وَفَارَقَ ذلك خُذْهُ وَتَصَرَّفْ فيه وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لَك بِأَنَّ اللَّفْظَ ثَمَّ صَرِيحٌ في عَقْدٍ آخَرَ
وَلَوْ قال قَارَضْتُك على أَنَّ لَك أو لي جُزْءًا أو شيئا من الْمَالِ أَيْ الرِّبْحِ أو دِينَارًا مَثَلًا أو النِّصْفَ وَدِينَارًا أو إلَّا دِينَارًا مَثَلًا أو على أَنْ تُولِيَنِي دَابَّةً تَشْتَرِيهَا من رَأْسِ الْمَالِ أَيْ أَنْ تَخُصَّنِي بها أو تَخُصَّنِي بِرُكُوبِهَا أو بِرِبْحِ أَحَدِ الْأَلْفَيْنِ مَثَلًا وَلَوْ كَانَا مَخْلُوطَيْنِ أو على أَنَّك إنْ رَبِحْت أَلْفًا فَلَكَ نِصْفُهُ أو أَلْفَيْنِ فَرُبُعُهُ لَك لم يَصِحَّ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ الرِّبْحِ في الْأُولَيَيْنِ وَلِانْتِفَاءِ الْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّةِ في الثَّلَاثَةِ التَّالِيَةِ لَهُمَا وَبِعَيْنِهَا في الْأَخِيرَةِ وَهِيَ من زِيَادَتِهِ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَرْبَحُ فِيمَا قُدِّرَ فيه إلَّا ذلك الْقَدْرَ فَيَفُوزُ بِهِ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ وَلِأَنَّ الدَّابَّةَ في صُورَتِهَا الثَّانِيَةِ رُبَّمَا تَنْقُصُ بِالِاسْتِعْمَالِ وَيَتَعَذَّرُ عليه التَّصَرُّفُ فيها وَلِأَنَّهُ خَصَّصَ الْعَامِلَ في التي تَلِيهَا بِرِبْحِ بَعْضِ الْمَالِ
فَإِنْ قال قَارَضْتُك كَقِرَاضِ فُلَانٍ وَهُمَا يَعْلَمَانِهِ بِأَنْ يَعْلَمَا الْقَدْرَ الْمَشْرُوطَ له صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا يَصِحُّ لو قال قَارَضْتُك وَالرِّبْحُ بَيْنَنَا وَيَتَنَاصَفَانِهِ لِتَبَادُرِهِ إلَى الْفَهْمِ كما لو قال هذه الدَّارُ بَيْنِي وَبَيْنَ زَيْدٍ يَكُونُ مُقِرًّا بِالنِّصْفِ قال في الْأَنْوَارِ وَلَوْ قال على أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَنَا أَثْلَاثًا فَسَدَ أَيْ لِلْجَهْلِ بِمَنْ له الثُّلُثُ وَمَنْ له الثُّلُثَانِ أو قال قَارَضْتُك وَلَك رُبُعُ سُدُسِ الْعُشْرِ صَحَّ وَإِنْ لم يَعْلَمَا قَدْرَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ لِسُهُولَةِ مَعْرِفَتِهِ كما لو بَاعَهُ مُرَابَحَةً وَجَهِلَا حَالَةَ الْعَقْدِ حِسَابَهُ وَتَعْبِيرُهُ بِرُبُعِ سُدُسِ الْعُشْرِ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِسُدُسِ رُبُعِ الْعُشْرِ لِأَنَّ تَقْدِيمَ أَعْظَمِ الْكَسْرَيْنِ أَوْلَى من تَأْخِيرِهِ
الرُّكْنُ الرَّابِعُ الصِّيغَةُ من إيجَابٍ وَقَبُولٍ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَخْتَصُّ بِمُعَيَّنٍ كَالْبَيْعِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ لِأَنَّهَا مُجَرَّدُ إذْنٍ وَالْجَعَالَةُ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِمُعَيَّنٍ كَ قَارَضْتُكَ
____________________
(2/383)
أو ضَارَبْتُكَ أو عَامَلْتُكَ على أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَنَا نِصْفَيْنِ وَيُشْتَرَطُ فيه الْقَبُولُ فَوْرًا لِمَا ذُكِرَ وَلَوْ في قَوْلِهِ خُذْهُ وَاتَّجِرْ فيه أو اعْمَلْ فيه أو بِعْ وَاشْتَرِ على أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَنَا نِصْفَيْنِ فإنه يُشْتَرَطُ فيه الْقَبُولُ فَوْرًا وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ في قَوْلِهِ وَلَوْ في قَوْلِهِ خُذْهُ وَاتَّجِرْ فيه من زِيَادَتِهِ
وَلَوْ قال قَارَضْتُكَ على أَنَّ نِصْفَ الرِّبْحِ لي سَاكِتًا عن نَصِيبِ الْعَامِلِ لم يَصِحَّ لِأَنَّ الرِّبْحَ فَائِدَةُ رَأْسِ الْمَالِ فَهُوَ لِلْمَالِكِ إلَّا ما يُنْسَبُ منه لِلْعَامِلِ ولم يُنْسَبْ له شَيْءٌ منه أو على أَنَّ نِصْفَ الرِّبْحِ لَك صَحَّ وَتَنَاصَفَاهُ لِأَنَّ ما لم يَنْسُبْهُ لِلْعَامِلِ يَكُونُ لِلْمَالِكِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ سَوَاءٌ سَكَتَ عن نَصِيبِ نَفْسِهِ أو قَدَّرَ لِنَفْسِهِ أَقَلَّ كَأَنْ قال على أَنَّ لَك النِّصْفَ وَلِي السُّدُسَ وَسَكَتَ عن الْبَاقِي وَلَوْ قال قَارَضْتُك على النِّصْفِ أو على الثُّلُثَيْنِ صَحَّ وَالْمَشْرُوطُ لِلْعَامِلِ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَسْتَحِقُّ بِالْمِلْكِ لَا بِالشَّرْطِ
الرُّكْنُ الْخَامِسُ الْعَاقِدَانِ كما في الْبَيْعِ وَهُمَا لِكَوْنِ الْقِرَاضِ تَوْكِيلًا وَتَوَكُّلًا بِعِوَضٍ كَالْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ في أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ التَّوْكِيلِ في الْمَالِكِ وَأَهْلِيَّةُ التَّوَكُّلِ في الْعَامِلِ وَأَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِمَا يَنْعَزِلُ بِهِ الْوَكِيلُ وَلَا يَتَصَرَّفُ إلَّا بِالْمَصْلَحَةِ وَلَا يَصِحُّ الْقِرَاضُ منه وَلَا من الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وفي غَيْرِ ذلك كما سَيَأْتِي
وَيَصِحُّ الْقِرَاضُ من الْوَصِيِّ لِطِفْلٍ وَمَجْنُونٍ وَسَفِيهٍ كما يُوَكِّلُ عَنْهُمْ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْوَلِيِّ كان أَعَمَّ وقد عَبَّرَ بِهِ أَصْلُهُ وقال سَوَاءٌ فيه الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْوَصِيُّ وَالْحَاكِمُ وَأَمِينُهُ ويصح من الْمَرِيضِ وَلَا يُحْسَبُ ما زَادَ على الْأُجْرَةِ أَيْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ من الثُّلُثِ لِأَنَّ الْمَحْسُوبَ منه ما يَفُوتُهُ من مَالِهِ وَالرِّبْحُ ليس بِحَاصِلٍ حتى يَفُوتَهُ وَإِنَّمَا هو شَيْءٌ يُتَوَقَّعُ حُصُولُهُ وإذا حَصَلَ حَصَلَ بِتَصَرُّفِ الْعَامِلِ بِخِلَافِ مُسَاقَاتِهِ يُحْسَبُ فيها ذلك من الثُّلُثِ وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّمَاءَ فيها من عَيْنِ الْمَالِ بِخِلَافِهِ في الْقِرَاضِ
فَصْلٌ وَإِنْ قَارَضَ الْوَاحِدُ اثْنَيْنِ أو قَارَضَاهُ صَحَّ إنْ بَيَّنَ الْوَاحِدُ في الْأُولَى ما يُعْطِي كُلًّا من الِاثْنَيْنِ أو بَيَّنَ كُلٌّ من الِاثْنَيْنِ في الثَّانِيَةِ ما يُعْطِيهِ لِلْوَاحِدِ وَإِنْ تَفَاوَتَ مِثْلُ أَنْ يَشْرِطَ في الْأُولَى لِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ النِّصْفَ وَلِوَاحِدٍ كَذَلِكَ الرُّبُعَ أو يَشْرِطَ في الثَّانِيَةِ أَحَدُ الْمَالِكَيْنِ لِلْعَامِلِ النِّصْفَ ويشرط له الْآخَرُ الرُّبُعَ إنْ عَرَفَ الْعَامِلُ قَدْرَ مَالَيْهِمَا أَيْ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِلَّا فَسَدَ الْقِرَاضُ وَيَقْسِمُ الْمَالِكَانِ ما فَضَلَ من الرِّبْحِ على قَدْرِ نِسْبَةِ الْمَالَيْنِ فإذا شَرَطَا له النِّصْفَ وَمَالُ أَحَدِهِمَا مِائَتَانِ وَمَالُ الْآخَرِ مِائَةٌ اقْتَسَمَا النِّصْفَ الْآخَرَ أَثْلَاثًا فَإِنْ شَرَطَا قِسْمَةَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا على غَيْرِ ذلك إنْ قَدَّرَ نِسْبَةَ الْمَالَيْنِ فَسَدَ الْقِرَاضُ لِمَا فيه من شَرْطِ الرِّبْحِ لِمَنْ ليس بِمَالِكٍ وَلَا عَامِلٍ
تَنْبِيهٌ قال الْإِمَامُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُقَارِضَ الْوَاحِدُ اثْنَيْنِ إذَا أَثْبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ الِاسْتِقْلَالَ فَإِنْ شَرَطَ على كل وَاحِدٍ مُرَاجَعَةَ الْآخَرِ لم يَجُزْ قال في الْأَصْلِ وما أَظُنُّ الْأَصْحَابَ يُسَاعِدُونَهُ عليه قال في الْمُهِمَّاتِ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ فَقَدْ نَقَلَهُ الْإِمَامُ بَعْدَ هذا عن ابْنِ سُرَيْجٍ وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَالْغَزَالِيُّ في بَسِيطِهِ وَغَيْرُهُ وقال في الْمَطْلَبِ إنَّهُ الْمَشْهُورُ انْتَهَى قال الْأَذْرَعِيُّ وَدَعْوَاهُ التَّصْرِيحَ بِالْجَوَازِ فيه تَسَاهُلٌ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَقَالَا ما ظَنَّهُ الرَّافِعِيُّ من عَدَمِ الْمُسَاعَدَةِ مَمْنُوعٌ بَلْ قَوَاعِدُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ تَقْتَضِيهِ فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ
فَصْلٌ وَإِنْ تَصَرَّفَ الْعَامِلُ في مَالِ الْقِرَاضِ وَالْقِرَاضُ فَاسِدٌ صَحَّ لِصِحَّتِهِ في الْقِرَاضِ الصَّحِيحِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ كما في الْوَكَالَةِ الْفَاسِدَةِ وَلَيْسَ كما لو فَسَدَ الْبَيْعُ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ بِالْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ في الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِلْعَامِلِ وَإِنْ لم يَكُنْ رِبْحٌ لِأَنَّهُ عَمِلَ طَمَعًا في الْمُسَمَّى فإذا فَاتَ وَجَبَ رَدُّ عَمَلِهِ عليه وهو مُتَعَذَّرٌ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ كما لو اشْتَرَى شيئا شِرَاءً فَاسِدًا وَقَبَضَهُ فَتَلِفَ تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ إلَّا إنْ شَرَطَ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِلْمَالِكِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ أُجْرَةً لِعَدَمِ طَمَعِهِ في شَيْءٍ وَيُؤْخَذُ من التَّعْلِيلِ وَمِمَّا يَأْتِي في الْمُسَاقَاةِ أَنَّهُ
____________________
(2/384)
لَا يَسْتَحِقُّهَا أَيْضًا فِيمَا مَرَّ إذَا عَلِمَ الْفَسَادَ وَلَوْ لم يَقُلْ له قَارَضْتُكَ بَلْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا مَثَلًا وقال اشْتَرِ بها كَذَا وَلَك نِصْفُ الرِّبْحِ ولم يَتَعَرَّضْ لِلْبَيْعِ لم يَصِحَّ الْقِرَاضُ لِتَعَرُّضِهِ لِلشِّرَاءِ دُونَ الْبَيْعِ تَفْرِيعًا على الْأَصَحِّ من أَنَّ التَّعَرُّضَ لِلشِّرَاءِ لَا يُغْنِي عن التَّعَرُّضِ لِلْبَيْعِ وَيَصِحُّ شِرَاؤُهُ لِلْإِذْنِ له فيه بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالرِّبْحُ فِيمَا اشْتَرَاهُ لِلْمَالِكِ لِأَنَّهُ فَائِدَةُ مَالِهِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ بَعْضَهُ بِالشَّرْطِ في الْعَقْدِ الصَّحِيحِ فَقَوْلُهُ وَلَك نِصْفُ الرِّبْحِ مُسَاوٍ من حَيْثُ الْمَعْنَى لِقَوْلِ أَصْلِهِ بِالنِّصْفِ لِأَنَّ النِّصْفَ يَنْصَرِفُ إلَى الْعَامِلِ إذْ الْمَالِكُ يَسْتَحِقُّ بِالْمَالِ لَا بِالشَّرْطِ كما مَرَّ الْبَابُ الثَّانِي في أَحْكَامِ الْقِرَاضِ
وَهِيَ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ أَنْ يَتَقَيَّدَ التَّصَرُّفُ من الْعَامِلِ بِالْمَصْلَحَةِ كَالْوَكِيلِ فَلَا يُعَامِلُ بِنَسِيئَةٍ بَيْعًا وَلَا شِرَاءً لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَهْلِكُ رَأْسُ الْمَالِ فَتَبْقَى الْعُهْدَةُ مُتَعَلِّقَةً بِالْمَالِكِ وَلَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَلَا يَشْتَرِي شيئا بِثَمَنِ مِثْلِهِ وهو لَا يَرْجُو حُصُولَ رِبْحٍ فيه لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يَقْتَضِيهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا يَشْتَرِي بِغَيْرِ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ وَعَلَيْهِ حَبْسُ الْمَبِيعِ لِلثَّمَنِ أَيْ لِقَبْضِهِ كَالْوَكِيلِ وَيَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ بِالْبَيْعِ نَسِيئَةً إنْ أَذِنَ له في النَّسِيئَةِ وَقِيَاسُ ما مَرَّ في الْوَكَالَةِ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ وَنَحْوِهِ الِاكْتِفَاءُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ وَبِمَسْتُورٍ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ فَإِنْ تَرَكَ الْإِشْهَادَ ضَمِنَ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ من ثِقَةٍ مَلِيءٍ كما مَرَّ في بَيْعِ مَالِ الْمَحْجُورِ وفي الثَّمَنِ أَيْ وفي بَيْعِهِ بِالثَّمَنِ الْحَالِّ لَا يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ في الْبَيْعِ بِالْحَالِّ وَلِأَنَّهُ يَحْبِسُ الْمَبِيعَ إلَى قَبْضِ الثَّمَنِ كما مَرَّ فَإِنْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ قبل قَبْضِهِ أَيْ الثَّمَنِ ضَمِنَ كَالْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ له في ذلك فَلَا يَضْمَنَ لِلْإِذْنِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الْإِذْنِ بِالنَّسِيئَةِ أَنْ يَشْتَرِيَ أو يَبِيعَ سَلَمًا لِأَنَّ عَقْدَ السَّلَمِ أَكْثَرُ غَرَرًا نعم إنْ أَذِنَ له في الشِّرَاءِ سَلَمًا جَازَ أو في الْبَيْعِ سَلَمًا لم يَجُزْ
قال وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وُجُودُ الْحَظِّ غَالِبًا في الشِّرَاءِ وَعَدَمُهُ في الْبَيْعِ وقد يُقَالُ الْأَوْجَهُ جَوَازُهُ في صُورَةِ الْبَيْعِ أَيْضًا لِوُجُودِ الرِّضَا من الْجَانِبَيْنِ قال وَلَوْ شَرَطَ عليه الْبَيْعَ بِالْمُؤَجَّلِ دُونَ الْحَالِّ فَسَدَ الْعَقْدُ وَيَخْتَصُّ الْعَامِلُ دُونَ الْوَكِيلِ بِجَوَازِ الْبَيْعِ بِالْعَرَضِ لِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا الِاسْتِرْبَاحُ وَالْبَيْعُ بِذَلِكَ طَرِيقٌ إلَيْهِ وَاسْتَشْكَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِالْمَنْعِ في الشَّرِيكِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُمْ لم يَمْنَعُوا في الشَّرِيكِ وَإِنَّمَا قالوا لَا يَبِيعُ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَالْمُرَادُ بِنَقْدِ غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ إلَّا أَنْ يَرُوجَ وَبِهِ صَرَّحَ ابن أبي عَصْرُونٍ فَلَا إشْكَالَ وَقِيَاسُ جَوَازِ الْبَيْعِ بِالْعَرَضِ جَوَازُهُ بِنَقْدِ غَيْرِ الْبَلَدِ لَكِنْ جَزَمَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وابن الصَّبَّاغِ وَسُلَيْمٌ وَالرُّويَانِيُّ بِالْمَنْعِ كَالْوَكِيلِ قال ابن الرِّفْعَةِ قال السُّبْكِيُّ وَيُفَارِقُ الْعَرَضَ بِأَنَّهُ لَا يَرُوجُ ثَمَّ فَيَتَعَطَّلَ الرِّبْحُ بِخِلَافِ الْعَرَضِ قُلْت وَيُؤْخَذُ منه أَنَّهُ إنْ رَاجَ جَازَ ذلك وَيُؤَيِّدُهُ كَلَامُ ابْنِ أبي عَصْرُونٍ السَّابِقُ وَكَالْبَيْعِ بِمَا ذُكِرَ الشِّرَاءُ بِهِ صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ في وَسِيطِهِ وابن أبي عَصْرُونٍ ويجوز شِرَاءُ الْمَعِيبِ وَلَوْ بِقِيمَتِهِ مَعِيبًا لِلْمَصْلَحَةِ أَيْ عِنْدَهَا وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا رَدُّهُ بِالْعَيْبِ حِينَئِذٍ لِعِلْمِهِ بِالْعَيْبِ وَلِإِخْلَالِهِ بِالْمَقْصُودِ فَإِنْ جَهِلَهُ أَيْ الْعَامِلُ الْعَيْبَ وَفُقِدَتْ الْمَصْلَحَةُ أَيْ مَصْلَحَةُ الْإِمْسَاكِ وَلَوْ مع فَقْدِ مَصْلَحَةِ الرَّدِّ أَيْضًا فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا رَدُّهُ وَإِنْ رضي بِهِ الْآخَرُ وَإِنَّمَا لم يُؤَثِّرْ رِضَا الْمَالِكِ بِهِ لِأَنَّ الْعَامِلَ صَاحِبُ حَقٍّ في الْمَالِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ
وَفُهِمَ بِالْأَوْلَى أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الرَّدَّ إذَا كانت الْمَصْلَحَةُ تَقْتَضِيهِ بَلْ الْقِيَاسُ وُجُوبُهُ على الْعَامِلِ كَعَكْسِهِ وَتَعْبِيرُهُ كَالْمِنْهَاجِ بِالْمَصْلَحَةِ في هذا الْبَابِ أَوْلَى من تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِالْغِبْطَةِ وَهِيَ الزِّيَادَةُ على الْقِيمَةِ زِيَادَةً لها بَالٌ وَتَعْبِيرُهُ بِفَقْدِ الْمَصْلَحَةِ أَعَمُّ من قَوْلِ أَصْلِهِ وَلَهُ الرَّدُّ إنْ كان فيه غِبْطَةٌ وَإِنْ اخْتَلَفَا فيها أَيْ في الْمَصْلَحَةِ أَيْ في وُجُودِهَا رُفِعَ الْأَمْرُ إلَى الْحَاكِمِ لِيَعْمَلَ بِالْمَصْلَحَةِ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقًّا وَهَذَا مُرَادُ الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ تَنَازَعَا في الرَّدِّ وَتَرْكِهِ عَمِلَ
____________________
(2/385)
بِالْمَصْلَحَةِ وَحَيْثُ يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ لِلْوَكِيلِ فِيمَا مَرَّ في الْوَكَالَةِ يَنْقَلِبُ لِلْعَامِلِ هُنَا وَلَا تَصِحُّ مُعَامَلَتُهُ أَيْ الْمَالِكِ لِعَامِلِهِ كَأَنْ يَشْتَرِيَ منه شيئا من مَالِ الْقِرَاضِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ مَالِهِ بِمَالِهِ كَعَبْدِهِ أَيْ كما لَا تَصِحُّ مُعَامَلَةُ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ له
فَرْعٌ لَا يَشْتَرِي الْعَامِلُ لِلْقِرَاضِ إلَّا بِقَدْرِ مَالِهِ رَأْسَ مَالٍ وَرِبْحًا وَجِنْسًا فَلَوْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ منه لم يَقَعْ ما زَادَ عن جِهَةِ الْقِرَاضِ لِأَنَّهُ لو صَحَّ لَمَلَكَهُ رَبُّ الْمَالِ وَوَجَبَ عليه ثَمَنُهُ مع أَنَّهُ لم يَأْذَنْ في تَمَلُّكِ الزَّائِدِ وَلَا في شَغْلِ ذِمَّتِهِ بِثَمَنِهِ فَإِنْ اشْتَرَى له أَيْ لِلْقِرَاضِ عَبْدًا بِقَدْرِهِ وَلَوْ في ذِمَّتِهِ ثُمَّ اشْتَرَى آخَرَ بِالْمَالِ بَطَلَ الشِّرَاءُ الثَّانِي لِأَنَّ الْمَالَ صَارَ مُسْتَحَقَّ الصَّرْفِ لِلْأَوَّلِ وَوَقَعَ الْأَوَّلُ لِلْمَالِكِ قِرَاضًا فَإِنْ كان قد عَقَدَ الثَّانِيَ في ذِمَّتِهِ وَقَعَ لِلْعَامِلِ حَيْثُ يَقَعُ شِرَاءُ الْوَكِيلِ الْمُخَالِفُ له نعم لو وَقَعَ الثَّانِي بِالْعَيْنِ في زَمَنِ الْخِيَارِ أَيْ له أَوَّلُهُمَا قال في الْمَطْلَبِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَأْتِيَ فيه ما سَبَقَ في بَيْعِ الْمَبِيعِ في زَمَنِ الْخِيَارِ وَالرَّاجِحُ فيه الصِّحَّةُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَاكَ إنَّمَا هو في الْبَائِعِ على نَفْسِهِ أَمَّا الْوَكِيلُ فَلَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قد صَرَّحَ بِهِ فيه وإذا وَقَعَ الْعَقْدُ لِلْعَامِلِ فَإِنْ سَلَّمَ الْمَالَ فيه أَيْ في ثَمَنِهِ ضَمِنَهُ أَيْ دخل في ضَمَانِهِ لِتَعَدِّيهِ وكان الْعَبْدُ الْأَوَّلُ في يَدِهِ أَمَانَةً لِأَنَّهُ لم يَتَعَدَّ فيه فَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ الْمُسَلَّمُ وكان الشِّرَاءُ الْأَوَّلُ بِعَيْنِهِ انْفَسَخَ الشِّرَاءُ لِتَلَفِ الثَّمَنِ قبل قَبْضِهِ أو كان في الذِّمَّةِ فَالثَّمَنُ على الْمَالِكِ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ له وَلَهُ على الْعَامِلِ مِثْلُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ ضَامِنٌ لِلثَّمَنِ فَإِنْ سَلَّمَهُ أَيْ الثَّمَنَ الْعَامِلُ بِالْإِذْنِ من الْمَالِكِ لِيَرْجِعَ بِهِ حَصَلَ التَّقَاصُّ أو سَلَّمَهُ بِلَا إذْنٍ بَرِئَ الْمَالِكُ منه دُونَهُ أَيْ الْعَامِلِ فَيَبْقَى في ذِمَّتِهِ لِلْمَالِكِ وَفَازَ الْمَالِكُ بِالْعَبْدِ فَيَكُونُ مَالَ قِرَاضٍ
فَصْلٌ وَإِنْ اشْتَرَى الْعَامِلُ لِلْقِرَاضِ من يَعْتِقُ على الْمَالِكِ لِكَوْنِهِ بَعْضَهُ أو أَقَرَّ هو بِحُرِّيَّتِهِ أو كان أَمَةً مُسْتَوْلَدَةً له وَبِيعَتْ لِكَوْنِهَا مَرْهُونَةً بِلَا إذْنٍ منه لم يَصِحَّ إنْ اشْتَرَاهُ بِعَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ لِتَضَرُّرِ الْمَالِكِ بِهِ بِتَفْوِيتِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ في شِرَاءِ عَبْدٍ مُطْلَقٍ أَيْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَإِنْ اشْتَرَى لِلْمُوَكِّلِ من يَعْتِقُ عليه فإنه يَصِحُّ وَيَعْتِقُ عن الْمُوَكِّلِ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ أَيْضًا لِقَرِينَةِ قَصْدِ الرِّبْحِ هُنَا وَكَذَا لو اشْتَرَى زَوْجَةً ذَكَرًا أو أُنْثَى بِلَا إذْنٍ منه لَا يَصِحُّ لِتَضَرُّرِ الزَّوْجِ بِهِ بِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ في شِرَاءِ رَقِيقٍ مُطْلَقٍ وَإِنْ كان شِرَاؤُهُ في الذِّمَّةِ وَقَعَ الْعَقْدُ لِلْعَامِلِ وَإِنْ صَرَّحَ بِالسِّفَارَةِ لِلْقِرَاضِ إذْ لَا مَصْلَحَةَ فيه لِلْقِرَاضِ فَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ من مَالِهِ فَإِنْ أَدَّاهُ من مَالِ الْقِرَاضِ ضَمِنَهُ أو اشْتَرَاهُ بِإِذْنٍ صَحَّ وَعَتَقَ على الْمَالِكِ إنْ لم يَظْهَرْ في الْمَالِ رِبْحٌ وَارْتَفَعَ الْقِرَاضُ إنْ اشْتَرَاهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَإِلَّا فَبَاقِيهِ رَأْسُ مَالٍ وَكَذَا إذَا ظَهَرَ فيه رِبْحٌ بِنَاءً على أَنَّ الْعَامِلَ لَا يَمْلِكُ الرِّبْحَ بِالظُّهُورِ وَيَغْرَمُ الْمَالِكُ فِيمَا إذَا ظَهَرَ رِبْحٌ نَصِيبَ الْعَامِلِ من الرِّبْحِ وَكَأَنَّهُ اسْتَرَدَّ طَائِفَةً من الْمَالِ بَعْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ وَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَةً بِإِذْنِهِ صَحَّ وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ وَلَا يَرْتَفِعُ الْقِرَاضُ مُطْلَقًا وَالْحُكْمُ هَكَذَا لو أَعْتَقَ الْمَالِكُ عَبْدًا من مَالِ الْقِرَاضِ فَيَعْتِقُ عليه وَإِنْ ظَهَرَ رِبْحٌ وَيَغْرَمُ لِلْعَامِلِ نَصِيبَهُ من الرِّبْحِ
فَرْعٌ لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ له في التِّجَارَةِ عَبْدًا يَعْتِقُ على سَيِّدِهِ إلَّا بِإِذْنٍ منه فَيَصِحُّ وَيَعْتِقُ عليه كما في الْعَامِلِ فَإِنْ كان على الْمَأْذُونِ له دَيْنٌ فَفِي عِتْقِ الْعَبْدِ تَفْصِيلٌ بين كَوْنِ سَيِّدِهِ مُوسِرًا وَكَوْنِهِ مُعْسِرًا مَرَّ بَيَانُهُ في بَابِ مُعَامَلَاتِ الْعَبِيدِ
فَرْعٌ لو اشْتَرَى الْعَامِلُ لِلْقِرَاضِ أَبَاهُ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ من يَعْتِقُ عليه وَلَوْ في الذِّمَّةِ وَالرِّبْحُ ظَاهِرٌ أو غَيْرُ ظَاهِرٍ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى صَحَّ الشِّرَاءُ ولم يَعْتِقْ عليه لِأَنَّهُ سَفِيرٌ كَالْوَكِيلِ يَشْتَرِي من يَعْتِقُ على مُوَكِّلِهِ وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ كما في الْأَصْلِ وفي نُسْخَةٍ وَلَيْسَ لِكُلٍّ من الْعَامِلِ وَالْمَالِكِ كما في جَوَاهِرِ الْقَمُولِيِّ أَنْ يَنْفَرِدَ عن الْمَالِكِ أو عن الْآخَرِ بِالْكِتَابَةِ لِعَبْدِ الْقِرَاضِ فَلَوْ كَاتَبَا ه مَعًا صَحَّ وَحِينَئِذٍ فَالنُّجُومُ قِرَاضٌ لِأَنَّهَا بَدَلُ مَالِهِ فَإِنْ عَتَقَ وَثَمَّ رِبْحٌ شَارَكَ الْعَامِلُ الْمَالِكَ في الْوَلَاءِ بِالْحِصَّةِ أَيْ بِحِصَّةِ مَالِهِ من الرِّبْحِ وما يَزِيدُ من النُّجُومِ على الْقِيمَةِ رِبْحٌ فَإِنْ لم يَكُنْ ثَمَّ رِبْحٌ فَالْوَلَاءُ لِلْمَالِكِ
الْحُكْمُ الثَّانِي أَنْ لَا يُقَارِضَ الْعَامِلُ غَيْرَهُ فَإِنْ أَذِنَ له الْمَالِكُ فيه لِيُشَارِكَهُ الْغَيْرُ في الْعَمَلِ وَالرِّبْحِ فَفَعَلَ لم يَصِحَّ لِأَنَّ الْقِرَاضَ على خِلَافِ الْقِيَاسِ وَمَوْضُوعُهُ أَنْ يَعْقِدَهُ الْمَالِكُ وَالْعَامِلُ فَلَا يُعَدَّلَ إلَى أَنْ يَعْقِدَهُ عَامِلَانِ إلَّا إنْ صَارَ وَكِيلًا لِلْمَالِكِ في الْقِرَاضِ مع الثَّانِي وَانْسَلَخَ
____________________
(2/386)
من الْقِرَاضِ وَالْمَالُ نَقْدٌ فَيَصِحُّ كما لو قَارَضَهُ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ التَّعْيِينِ أَنْ يُقَارِضَ إلَّا أَمِينًا خَبِيرًا فَإِنْ شَرَطَ الْعَامِلُ الْأَوَّلُ لِنَفْسِهِ شيئا من الرِّبْحِ فَسَدَ الْقِرَاضُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَرْطُ شَيْءٍ منه لِغَيْرِ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْمَالِكِ وَأُجْرَةُ الثَّانِي على الْمَالِكِ لِأَنَّهُ لم يَعْمَلْ مَجَّانًا وَإِنْ قَارَضَ غَيْرَهُ بِلَا إذْنٍ فَسَدَ الْقِرَاضُ وَإِنْ قَصَدَ انْسِلَاخَهُ لِعَدَمِ الْإِذْنِ فَإِنْ اشْتَرَى الثَّانِي حِينَئِذٍ بِعَيْنِهِ أَيْ بِعَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ بَطَلَ الشِّرَاءُ لِصُدُورِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ أو اشْتَرَى في الذِّمَّةِ صَحَّ الشِّرَاءُ وَوَقَعَ لِلْأَوَّلِ وَالرِّبْحُ كُلُّهُ له لِأَنَّ الثَّانِيَ تَصَرَّفَ عنه فَأَشْبَهَ الْوَكِيلَ فَهُوَ في هذا وما قَبْلَهُ كَالْغَاصِبِ إذَا اتَّجَرَ في الْمَغْصُوبِ فإنه إنْ تَصَرَّفَ في عَيْنِهِ فَبَاطِلٌ أو في الذِّمَّةِ وَقَعَ الْعَقْدُ له وَمَلَكَ جَمِيعَ الرِّبْحِ وَعَلَيْهِ لِلثَّانِي أُجْرَةُ عَمَلِهِ لِأَنَّهُ لم يَعْمَلْ مَجَّانًا هذا كُلُّهُ إذَا تَصَرَّفَ الثَّانِي وَرَبِحَ وأما لو تَلِفَ الْمَالُ في يَدِهِ فَالْقَرَارُ إنْ جَهِلَ الْحَالَ على الْأَوَّلِ كَالْمُسْتَوْدِعِ من الْغَاصِبِ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ وَإِنْ عَلِمَ الْحَالَ فَغَاصِبٌ وَلَوْ كان ذِمِّيًّا وَصَرَفَ الْمَالَ في خَمْرٍ أو خِنْزِيرٍ أو أُمِّ وَلَدٍ ضَمِنَ وَإِنْ كان جَاهِلًا لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَخْتَلِفُ في مِثْلِهِ بِذَلِكَ
الْحُكْمُ الثَّالِثُ أَنْ لَا يُسَافِرَ بِهِ الْعَامِلُ وَإِنْ أَمِنَ الطَّرِيقَ وَظَهَرَتْ مَصْلَحَةٌ لِأَنَّ فيه خَطَرًا وَتَعْرِيضًا لِلتَّلَفِ وَلَا يَرْكَبَ الْبَحْرَ من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَسَيَأْتِي قَرِيبًا فَإِنْ فَعَلَ بِلَا إذْنٍ ضَمِنَ الْمَالَ وَإِنْ عَادَ من السَّفَرِ لِتَعَدِّيهِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لو قَارَضَهُ بِمَحَلٍّ لَا يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ كَالْمَفَازَةِ وَاللُّجَّةِ جَازَ له السَّفَرُ بِهِ إلَى مَقْصِدِهِ الْمَعْلُومِ لَهُمَا ثُمَّ ليس له بَعْدَ ذلك أَنْ يُحْدِثَ سَفَرًا أَيْ إلَى غَيْرِ مَحَلِّ إقَامَتِهِ إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ وَإِنْ تَصَرَّفَ فيه في الْمَحَلِّ الذي سَافَرَ إلَيْهِ صَحَّ تَصَرُّفُهُ بِقِيمَةِ بَلَدِ الْقِرَاضِ وَبِأَكْثَرَ منها لَا بِدُونِ ثَمَنِ أَيْ قِيمَةِ بَلَدِ الْقِرَاضِ بِقَدْرٍ لَا يُتَغَابَنُ بمثله فَلَا يَصِحُّ كما لو بَاعَ بِهِ في بَلَدِ الْقِرَاضِ وَلَا يَنْفَسِخُ الْقِرَاضُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا كما صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ أَمَّا إذَا تَصَرَّفَ بِدُونِ ما ذُكِرَ بِقَدْرٍ يُتَغَابَنُ بمثله فَيَصِحُّ وَيَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ الرِّبْحَ أَيْ نَصِيبَهُ منه وَإِنْ تَعَدَّى بِالسَّفَرِ لِلْإِذْنِ له في التَّصَرُّفِ وَيَضْمَنُ الثَّمَنَ الذي بَاعَ بِهِ مَالَ الْقِرَاضِ في سَفَرِهِ فإن سَبَبَ التَّعَدِّي السَّفَرُ وَمُزَايَلَةُ مَكَانِ الْمَالِ وَذَلِكَ شَامِلٌ لِلثَّمَنِ بِخِلَافِ ما إذَا بَاعَ ما تَعَدَّى فيه بِغَيْرِ السَّفَرِ لَا يَضْمَنُ ثَمَنَهُ كما في الْوَكِيلِ وَإِنْ عَادَ الثَّمَنُ من السَّفَرِ فإنه يَضْمَنُهُ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ وهو السَّفَرُ لَا يَزُولُ بِالْعَوْدِ وَإِنْ سَافَرَ بِالْمَالِ بِالْإِذْنِ فَوَجَدَهُ يُبَاعُ رَخِيصًا أَيْ بِأَنْقَصَ مِمَّا يُبَاعُ بِهِ في بَلَدِ الْقِرَاضِ لم يَبِعْ إلَّا إنْ تَوَقَّعَ رِبْحًا فِيمَا يُعْتَاضُ أو كانت مُؤْنَةُ الرَّدِّ أَكْثَرَ من قَدْرِ النَّقْصِ فَلَهُ الْبَيْعُ لِمَا فيه من الْحَظِّ بِخِلَافِ ما خَلَا عن ذلك لِأَنَّهُ مَحْضُ تَخْسِيرٍ وَلَا يُسَافِرُ في الْبَحْرِ إلَّا إنْ نَصَّ له عليه فَلَا يَكْفِي فيه الْإِذْنُ في السَّفَرِ لِخَطَرِهِ نعم إنْ عَيَّنَ له بَلَدًا وَلَا طَرِيقَ له إلَّا الْبَحْرُ كَسَاكِنِ الْجَزَائِرِ التي يُحِيطُ بها الْبَحْرُ كان له أَنْ يُسَافِرَ فيه وَإِنْ لم يَنُصَّ له عليه وَالْإِذْنُ مَحْمُولٌ عليه قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ
فَصْلٌ وَيَتَوَلَّى الْعَامِلُ ما جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ من نَشْرٍ وَطَيٍّ وَنَحْوِهِ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ أَنْ يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ كَذَرْعِ وَوَزْنِ أَمْتِعَةٍ خَفِيفَةٍ لِقَضَاءِ الْعُرْفِ بِهِ بِخِلَافِ وَزْنِ الْأَمْتِعَةِ الثَّقِيلَةِ وَحَمْلِهَا وَيَسْتَأْجِرُ جَوَازًا لِغَيْرِهِ مِمَّا لم تَجْرِ الْعَادَةُ أَنْ يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ من مَالِ الْقِرَاضِ لِأَنَّهُ من تَتِمَّةِ التِّجَارَةِ وَمَصَالِحِهَا فَإِنْ تَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ أو اسْتَأْجَرَ لِمَا يَلْزَمُهُ تَوَلِّيهِ فَلَا شَيْءَ له لِتَبَرُّعِهِ بِذَلِكَ
فَرْعٌ ليس لِلْعَامِلِ التَّصَدُّقُ من مَالِ الْقِرَاضِ وَلَوْ بِكِسْرَةٍ لِأَنَّ الْعَقْدَ لم يَتَنَاوَلْهُ وَلَا النَّفَقَةُ على نَفْسِهِ من مَالِ الْقِرَاضِ وَإِنْ سَافَرَ وَزَادَتْ النَّفَقَةُ بِسَبَبِ السَّفَرِ على نَفَقَةِ الْحَضَرِ لِأَنَّ له نَصِيبًا من الرِّبْحِ فَلَا يَسْتَحِقُّ شيئا آخَرَ وَلِأَنَّهُ قد لَا يَرْبَحُ إلَّا ذلك الْقَدْرَ بَلْ لو شَرَطَهَا أَيْ النَّفَقَةَ في ابْتِدَاءِ الْقِرَاضِ لِنَفْسِهِ من مَالِ الْقِرَاضِ فَسَدَ الْقِرَاضُ لِأَنَّ ذلك يُخَالِفُ مُقْتَضَاهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ على مَالِ الْقِرَاضِ منه لِأَنَّهُ من مَصَالِحِ التِّجَارَةِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ
فَصْلٌ وَيَمْلِكُ الْعَامِلُ حِصَّتَهُ من الرِّبْحِ بِالْقِسْمَةِ لِلْمَالِ ولكن إنَّمَا يَسْتَقِرُّ الْمِلْكُ إذَا كان الْمَالُ نَاضًّا بِالْفَسْخِ مَعَهَا لِبَقَاءِ الْعَقْدِ قبل الْفَسْخِ مع عَدَمِ تَنْضِيضِ الْمَالِ حتى لو حَصَلَ بَعْدَهَا نَقْصٌ
____________________
(2/387)
جُبِرَ بِالرِّبْحِ الْمَقْسُومِ وَكَذَا يَمْلِكُهَا وَيَسْتَقِرُّ الْمِلْكُ لو نَضَّ الْمَالُ وَفُسِخَ الْعَقْدُ بِلَا قِسْمَةٍ لِلْمَالِ لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ وَالْوُثُوقِ بِحُصُولِ رَأْسِ الْمَالِ ويملكها وَيَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ أَيْضًا بِنَضُوضِ رَأْسِ الْمَالِ فَقَطْ وَاقْتِسَامِ الْبَاقِي وَالْفَسْخِ لِذَلِكَ وَكَالْفَسْخِ أَخْذُ الْمَالِكِ رَأْسَ الْمَالِ وَبِهِ عَبَّرَ الْأَصْلُ فَأَبْدَلَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْفَسْخِ لَا بِظُهُورِ الرِّبْحِ أَيْ لَا يَمْلِكُ بِهِ وَإِلَّا لَصَارَ شَرِيكًا في الْمَالِ فَيَشِيعُ النَّقْصُ الْحَادِثُ بَعْدُ في جَمِيعِ الْمَالِ أَصْلًا وَرِبْحًا فلما انْحَصَرَ في الرِّبْحِ دَلَّ على عَدَمِ الْمِلْكِ وَلِأَنَّ الْقِرَاضَ عَقْدٌ جَائِزٌ وَلَا ضَبْطَ لِلْعَمَلِ فيه فَلَا يَمْلِكُ الْعِوَضَ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ كَالْجَعَالَةِ لَكِنْ يَثْبُتُ له بِالظُّهُورِ لِلرِّبْحِ في الْمَالِ حَقٌّ مُؤَكَّدٌ يُورَثُ عنه لِأَنَّهُ وَإِنْ لم يَمْلِكْ ثَبَتَ له حَقُّ التَّمَلُّكِ وَيُقَدَّمُ بِهِ على الْغُرَمَاءِ وَعَلَى مُؤْنَةِ تَجْهِيزِ الْمَالِكِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْعَيْنِ وَيَصِحُّ إعْرَاضُهُ عنه وَلَهُ تَرْكُ الْعَمَلِ بَعْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ كما له تَرْكُهُ قَبْلَهُ وَيَسْعَى في التَّنْضِيضِ وفي نُسْخَةٍ وَيَسْتَحِقُّ التَّنْضِيضَ لِيَأْخُذَهُ أَيْ نَصِيبَهُ من الرِّبْحِ وَيَغْرَمَ له الْمَالِكُ بِإِتْلَافِهِ مَالَ الْقِرَاضِ بِإِعْتَاقٍ أو إيلَادٍ أو غَيْرِهِمَا حِصَّتَهُ من الرِّبْحِ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالْإِتْلَافِ وَلَوْ قبل قِسْمَتِهِ لِتَأَكُّدِ حَقِّهِ في الرِّبْحِ كما مَرَّ وكان الْإِتْلَافُ كَالِاسْتِرْدَادِ وَلَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ على حِصَّتِهِ بِقِسْمَتِهِ أَيْ الْمَالِ عَرَضًا وَلَوْ فَسَخَ الْعَقْدَ إذْ لم يَتِمَّ الْعَمَلُ وَلَا بِقِسْمَةِ الرِّبْحِ قبل الْفَسْخِ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ فَيَرُدُّ مِمَّا أَخَذَهُ جَبْرَ خُسْرَانٍ حَدَثَ وفي نُسْخَةٍ فَيَجْبُرُ بِمَا أَخَذَهُ نُقْصَانًا حَدَثَ
فَرْعٌ يَحْرُمُ على كُلٍّ من الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ وَطْءُ جَارِيَةِ الْقِرَاضِ سَوَاءٌ أَكَانَ في الْمَالِ رِبْحٌ أَمْ لَا إذْ لَا يَتَحَقَّقُ انْتِفَاءُ ظُهُورِ الرِّبْحِ في الْمُتَقَوِّمَاتِ إلَّا بِالتَّنْضِيضِ وَاسْتُشْكِلَتْ الْعِلَّةُ بِمَا يَأْتِي من أَنَّ الْعَامِلَ لو وَطِئَ وَلَا رِبْحَ حُدَّ إنْ كان عَالِمًا فَإِنَّهَا تَقْتَضِي عَدَمَ الْحَدِّ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِعَدَمِ الْحَدِّ عِنْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ إنَّمَا هو شُبْهَةُ الْمِلْكِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ لِانْتِفَاءِ ظُهُورِ الرِّبْحِ ويحرم على كُلٍّ مِنْهُمَا تَزْوِيجُهَا لِأَنَّهُ يَنْقُصُهَا فَيَضُرُّ الْآخَرَ وَلِأَنَّ الْعَامِلَ غَيْرُ مَالِكٍ وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ وَالتَّزْوِيجِ على الْعَامِلِ من زِيَادَتِهِ وَلَيْسَ وَطْءُ الْمَالِكِ فَسْخًا لِلْقِرَاضِ وَلَا مُوجِبًا مَهْرًا وَلَا حَدًّا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَتَرْجِيحُ عَدَمِ إيجَابِ الْمَهْرِ من زِيَادَتِهِ وَاسْتِيلَادُهُ جَارِيَةَ الْقِرَاضِ كَإِعْتَاقِهِ لها فَيَنْفُذُ وَيَغْرَمُ لِلْعَامِلِ حِصَّتَهُ من الرِّبْحِ فَإِنْ وَطِئَهَا الْعَامِلُ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ وَلَا رِبْحَ حُدَّ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ وَإِلَّا فَلَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ وَيَثْبُتُ عليه الْمَهْرُ وَيُجْعَلُ في مَالِ الْقِرَاضِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَقَعُ خُسْرَانٌ فَيُحْتَاجُ إلَى الْجَبْرِ وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي على طَرِيقَةِ الْإِمَامِ لَا على طَرِيقَةِ الْجُمْهُورِ من أَنَّ مَهْرَ الْإِمَاءِ يَخْتَصُّ بِهِ الْمَالِكُ كما سَيَأْتِي نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ لَا الِاسْتِيلَادُ فَلَا يَثْبُتُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ
فَصْلٌ فِيمَا يَقَعُ في مَالِ الْقِرَاضِ من زِيَادَةٍ أو نَقْصٍ ثَمَرَةُ مَالِ الْقِرَاضِ وَنِتَاجُهُ وَمَهْرُ إمَائِهِ وَبَدَلُ مَنَافِعِهِ وَنَحْوُهُ من سَائِرِ الزَّوَائِدِ الْعَيْنِيَّةِ الْحَاصِلَةِ بِغَيْرِ تَصَرُّفِ الْعَامِلِ كَكَسْبِ الرَّقِيقِ وَوَلَدِ الْجَارِيَةِ الرَّقِيقِ يَخْتَصُّ بِهِ أَيْ بِكُلٍّ منها الْمَالِكُ لِأَنَّهُ ليس من فَوَائِدِ التِّجَارَةِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْعَيْنِيَّةِ كَسِمَنٍ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ فَهُوَ مَالُ قِرَاضٍ وَكَذَا الْعَيْنِيَّةُ الْحَاصِلَةُ بِتَصَرُّفِ الْعَامِلِ بِأَنْ اشْتَرَاهَا مع أَصْلِهَا وَإِطْلَاقُهُ الْمَهْرَ أَحْسَنُ من تَقْيِيدِ أَصْلِهِ له بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ لِقَوْلِ الْأَذْرَعِيُّ التَّقْيِيدُ بِهِ ليس مُرَادًا بَلْ يَجْرِي في الْوَطْءِ بِالزِّنَا مُكْرَهَةً أو مُطَاوِعَةً وَهِيَ مِمَّنْ لَا تُعْتَبَرُ مُطَاوَعَتُهَا أو بِالنِّكَاحِ وَنَقْصُو الْمَالِ الْحَاصِلُ بِخُسْرَانٍ وَعَيْبٍ حَادِثٌ فيه وَكَذَا تَلَفُ بَعْضِهِ بَعْدَ التَّصَرُّفِ فيه وَلَوْ كان تَلَفُهُ بِعُدْوَانٍ من أَجْنَبِيٍّ تَعَذَّرَ بَدَلُهُ أَيْ أَخْذُ بَدَلِهِ من الْمُتْلِفِ يُجْبَرُ بِالرِّبْحِ لِأَنَّهُ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ وَلِأَنَّهُ تَصَرَّفَ في رَأْسِ الْمَالِ فَلَا يَأْخُذُ شيئا من الرِّبْحِ حتى يَرُدَّ إلَى الْمَالِكِ مِثْلَ ما تَصَرَّفَ فيه فَإِنْ لم يَتَعَذَّرْ أَخْذُ بَدَلِهِ اسْتَمَرَّ الْقِرَاضُ فيه كما سَيَأْتِي فَلَوْ تَلِفَ أَيْ بَعْضُهُ قبل التَّصَرُّفِ في الْمَالِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لم يُجْبَرْ التَّالِفُ بِالرِّبْحِ بَلْ يَصِيرُ الْبَاقِي رَأْسَ مَالٍ لِأَنَّ الْعَقْدَ لم يَتَأَكَّدْ بِالْعَمَلِ فَإِنْ كان رَأْسُ الْمَالِ أَلْفَيْنِ فَتَلِفَ مِنْهُمَا أَلْفٌ قبل التَّصَرُّفِ فيه صَارَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفًا وَإِنْ تَلِفَ الْكُلُّ أو الْبَعْضُ وَلَوْ بِفِعْلِ الْعَامِلِ قبل التَّصَرُّفِ أو بَعْدَهُ انْفَسَخَ الْقِرَاضُ فيه لِأَنَّ التَّلَفَ إنْ كان بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أو بِإِتْلَافِ الْمَالِكِ فَظَاهِرٌ إذْ لَا بَدَلَ أو بِإِتْلَافِ الْعَامِلِ فَلِأَنَّهُ وَإِنْ وَجَبَ عليه بَدَلُهُ فَلَا يَدْخُلُ في مِلْكِ الْمَالِكِ إلَّا بِقَبْضِهِ منه وَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُ إلَى اسْتِئْنَافِ الْقِرَاضِ وما ذَكَرَ في الْعَامِلِ هو ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ
____________________
(2/388)
عن الْإِمَامِ لَكِنَّهُ بَحَثَ ما جَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ قال ابن الرِّفْعَةِ وهو ما أَوْرَدَهُ ابن يُونُسَ لَكِنَّ الْقَاضِيَ قال بِمَا قال بِهِ الْإِمَامُ وَفَرَّقَ بِأَنَّ له الْفَسْخَ فَجَعَلَ إتْلَافَهُ فَسْخًا كَالْمَالِكِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَنَقَضَهُ ابن الْعِمَادِ بِأَنَّ لِلْمُشْتَرِي في زَمَنِ الْخِيَارِ فَسْخَ الْبَيْعِ وَمَعَ ذلك ليس إتْلَافُهُ فَسْخًا وَيُجَابُ بِأَنَّ وَضْعَ الْبَيْعِ على اللُّزُومِ فلم يَكُنْ إتْلَافُ الْمَبِيعِ فَسْخًا بِخِلَافِ الْقِرَاضِ وَذِكْرُ الِانْفِسَاخِ بِتَلَفِ الْبَعْضِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وهو تَكْرَارٌ فِيمَا إذَا تَلِفَ بِآفَةٍ قبل التَّصَرُّفِ فيه وَغَيْرُ ظَاهِرٍ فِيمَا إذَا تَلِفَ بها بَعْدَهُ لَا بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا يَنْفَسِخُ بِهِ بَلْ يَسْتَمِرُّ الْقِرَاضُ في الْبَدَلِ إذَا أُخِذَ منه وَالْخَصْمُ في الْبَدَلِ هو الْمَالِكُ إنْ لم يَكُنْ في الْمَالِ رِبْحٌ وَهُمَا أَيْ الْمَالِكُ وَالْعَامِلُ إنْ كان فيه رِبْحٌ
فَرْعٌ وَإِنْ قُتِلَ عبد الْقِرَاضِ وقد ظَهَرَ في الْمَالِ رِبْحٌ فَالْقِصَاصُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِهِ فَإِنْ عَفَا الْعَامِلُ عن الْقِصَاصِ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ كما لو عَفَا الْمَالِكُ وَفِيهِ أَيْ كُلٍّ من الْحُكْمَيْنِ إشْكَالٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْتِي على الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَامِلَ يَمْلِكُ الرِّبْحَ بِالظُّهُورِ لَا على الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِهِ وقد يُجَابُ بِأَنَّهُ وَإِنْ لم يَمْلِكْهُ بِهِ ثَبَتَ له بِهِ في الْمَالِ حَقٌّ مُؤَكَّدٌ كما مَرَّ وَالْقِصَاصُ مَبْنِيٌّ على الدَّرْءِ كما سَيَأْتِي وَيَسْتَمِرُّ الْقِرَاضُ في بَدَلِهِ وَلَوْ لم يَكُنْ في الْمَالِ رِبْحٌ فَلِلْمَالِكِ الْقِصَاصُ وَالْعَفْوُ مَجَّانًا
فَرْعٌ وَإِنْ تَلِفَ مَالُ قِرَاضٍ اشْتَرَى بِعَيْنِهِ ثَوْبًا مَثَلًا وَوَقَعَ تَلَفُهُ قبل تَسْلِيمِهِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَالْقِرَاضُ وَلَوْ اشْتَرَاهُ في الذِّمَّةِ وَتَلِفَ مَالُ الْقِرَاضِ قبل الشِّرَاءِ انْقَلَبَ الشِّرَاءُ لِلْعَامِلِ فَيَرْتَفِعُ الْقِرَاضُ وَإِنْ تَلِفَ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَقَعَ لِلْمَالِكِ فَلَوْ كان الْمَالُ أَلْفًا وَتَلِفَ لَزِمَهُ أَلْفٌ آخَرُ وَقِيلَ الشِّرَاءُ لِلْعَامِلِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الثَّمَنُ وَيَرْتَفِعُ الْقِرَاضُ لِأَنَّ إذْنَهُ يَنْصَرِفُ إلَى التَّصَرُّفِ في ذلك الْأَلْفِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِمَا رَجَّحَهُ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ في أَوَّلِ هذا الْبَابِ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ في تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ الثَّانِيَ قال في الْأَصْلِ فَعَلَى الْأَوَّلِ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفٌ أو أَلْفَانِ وَجْهَانِ فَإِنْ قُلْنَا أَلْفٌ فَهَلْ هو الْأَلْفُ الْأَوَّلُ أو الثَّانِي وَجْهَانِ تَظْهَرُ فَائِدَتُهُمَا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْأَلْفَيْنِ في صِفَةِ الصِّحَّةِ وَغَيْرِهَا قال في الْمُهِمَّاتِ وَالرَّاجِحُ من الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَنَّهُ أَلْفَانِ فَقَدْ قال الْبَنْدَنِيجِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَرَجَّحَهُ الْعِمْرَانِيُّ وَمِنْ الْأَخِيرَيْنِ الثَّانِي فَقَدْ جَزَمَ بِهِ سُلَيْمٌ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وابن الصَّبَّاغِ
الْبَابُ الثَّالِثُ في فَسْخِ الْقِرَاضِ وَالِاخْتِلَافِ فيه وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ في فَسْخِهِ وَيَنْفَسِخُ بِفَسْخِ أَحَدِهِمَا وَمَوْتِهِ وَجُنُونِهِ وَإِغْمَائِهِ وَقَوْلِ الْمَالِكِ لِلْعَامِلِ لَا تَتَصَرَّفْ وَاسْتِرْجَاعِهِ الْمَالَ وَإِعْتَاقِهِ وَاسْتِيلَادِهِ له كَالْوَكَالَةِ بِخِلَافِ اسْتِرْدَادِ الْمُوَكِّلِ ما وَكَّلَ في بَيْعِهِ لَا بَيْعِهِ ما اشْتَرَاهُ الْعَامِلُ لِلْقِرَاضِ ولا حَبْسِهِ الْعَامِلَ وَمَنْعِهِ التَّصَرُّفَ لِعَدَمِ دَلَالَةِ ذلك على الْفَسْخِ بَلْ بَيْعُهُ إعَانَةً لِلْعَامِلِ بِخِلَافِ بَيْعِ الْمُوَكِّلِ ما وَكَّلَ في بَيْعِهِ
وَإِنْكَارُهُ الْقِرَاضَ كَإِنْكَارِهِ الْوَكَالَةَ هذا من زِيَادَتِهِ تَبِعَ فيه الْإِسْنَوِيَّ فإنه قال عَقِبَ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ لو قال لَا قِرَاضَ بَيْنَنَا فَوَجْهَانِ أَشْبَهُهُمَا لَا يَنْعَزِلُ ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ قد حَذَفَ النَّوَوِيُّ هذا التَّرْجِيحَ ثُمَّ قال قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ الِانْعِزَالَ وهو مُشْكِلٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَإِنْكَارِ الْوَكَالَةِ فَيُفَرَّقُ بين كَوْنِهِ لِغَرَضٍ أو لَا انْتَهَى وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفِقْهَ ما قَالَهُ النَّوَوِيُّ لِأَنَّ صُورَةَ ذلك في الْوَكَالَةِ أَنْ يُسْأَلَ عنها الْمَالِكُ فَيُنْكِرُهَا وَصُورَتَهُ في الْقِرَاضِ أَنْ يُنْكِرَهُ ابْتِدَاءً حتى لو عَكَسَ انْعَكَسَ الْحُكْمُ
____________________
(2/389)
فَصْلٌ وَالْعَامِلُ بَعْدَ الْفَسْخِ يَبِيعُ مَالَ الْقِرَاضِ جَوَازًا إذَا تَوَقَّعَ رِبْحًا بِأَنْ ظَفِرَ بِسُوقٍ أو رَاغِبٍ كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَلَا يَشْتَرِي لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ مع كَوْنِهِ لَا حَظَّ له فيه فَلَوْ كان رَأْسُ الْمَالِ صِحَاحًا وَمَعَهُ مُكَسَّرَةٌ فَبَاعَهَا بِعَرَضٍ لِيَأْخُذَ بِهِ صِحَاحًا جَازَ إنْ لم يَجِدْ من يُبْدِلُهَا له بِوَزْنِهَا صِحَاحًا وَإِلَّا أَبْدَلَهَا وَلَوْ أَبْدَلَ قَوْلَهُ بِعَرَضٍ بِقَوْلِهِ بِغَيْرِ جِنْسِهَا كان أَعَمَّ وَوَفَّى بِأَصْلِهِ وَعَلَيْهِ تَقَاضِي الدَّيْنِ أَيْ اسْتِيفَاؤُهُ إنْ طَلَبَهُ الْمَالِكُ وكان مَالُ الْقِرَاضِ دَيْنًا وعليه تَنْضِيضُ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ إنْ طَلَبَهُ الْمَالِكُ أَمَّا الزَّائِدُ فَمُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَلَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ تَنْضِيضُهُ كَعَرَضٍ مُشْتَرَكٍ بين اثْنَيْنِ لَا يُكَلَّفُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بَيْعَهُ نعم لو نَقَصَ الْبَاقِي بِالتَّبْعِيضِ كَعَبْدٍ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ كما في الْمَطْلَبِ وُجُوبُ تَنْضِيضِ الْكُلِّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ وُجُوبُ تَقَاضِي جَمِيعِ الدَّيْنِ وَبِهِ صَرَّحَ ابن أبي عَصْرُونٍ وَيُفَارِقُ مَسْأَلَتَنَا بِأَنَّ الْمَالَ فيها حَاصِلٌ بيده بِخِلَافِ الدَّيْنِ وَتَنْضِيضُهُ يَكُونُ بِبَيْعِهِ بِنَقْدِ الْبَلَدِ إنْ كان من جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ فَإِنْ كان من غَيْرِ الْجِنْسِ بَاعَ بِالْأَغْبَطِ منه وَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَإِنْ بَاعَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ حَصَلَ بِهِ رَأْسُ الْمَالِ وَيَجِبُ عليه ذلك أَيْ كُلٌّ من التَّقَاضِي وَالتَّنْضِيضِ وَلَوْ لم يَكُنْ في الْمَالِ رِبْحٌ أو كان وَتَرَكَهُ لِلْمَالِكِ لِيَرُدَّ كما أَخَذَ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْمَالِكَ مَشَقَّةٌ وَمُؤْنَةٌ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لو قال لِلْمَالِكِ تَرَكْت حَقِّي لَك فَلَا تُكَلِّفْنِي الْبَيْعَ لم يَلْزَمْهُ الْإِجَابَةُ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ وَكَمَا يَجِبُ رَدُّ رَأْسِ الْمَالِ إلَى جِنْسِهِ يَجِبُ رَدُّهُ إلَى نَوْعِهِ وَوَصْفِهِ وَلَا يُمْهَلُ بِالتَّنْضِيضِ إلَى زَمَنِ الْغَلَاءِ أَيْ مَوْسِمِ رَوَاجِ الْمَتَاعِ لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ مُعَجَّلٌ وَلَوْ رضي الْمَالِكُ بِأَخْذِ الْعُرُوضِ منه بِالْقِيمَةِ بِأَنْ قال له لَا تَبِعْ وَنَقْسِمُ الْعُرُوضَ بِتَقْوِيمِ عَدْلَيْنِ أو أُعْطِيك قَدْرَ نَصِيبِك نَاضًّا ولم يَزِدْ رَاغِبٌ فيها أُجِيبَ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَتَمَلَّكَ غِرَاسَ الْمُسْتَعِيرِ بِقِيمَتِهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَالْمَالِكُ هُنَا أَوْلَى وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ فَلَوْ حَدَثَ غَلَاءٌ بَعْدَ ذلك أَيْ بَعْدَ الرِّضَا بِأَخْذِ الْمَالِكِ الْعُرُوضَ لم يُؤَثِّرْ فَلَيْسَ لِلْعَامِلِ فيها نَصِيبٌ لِظُهُورِهِ بَعْدَ الْفَسْخِ
فَرْعٌ وَإِنْ مَاتَ الْمَالِكُ أو جُنَّ وَالْمَالُ عَرَضٌ فَلِلْعَامِلِ التَّنْضِيضُ وَالتَّقَاضِي كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَرَثَةِ في مَسْأَلَةِ الْمَوْتِ أو الْوَلِيِّ في مَسْأَلَةِ الْجُنُونِ الْمُصَرَّحِ بها من زِيَادَتِهِ اكْتِفَاءً بِإِذْنِ الْعَقْدِ كما في حَالِ الْحَيَاةِ وَكَالْجُنُونِ الْإِغْمَاءُ الْمَفْهُومُ بِالْأَوْلَى بِخِلَافِ ما لو مَاتَ الْعَامِلُ فإنه لَا يَمْلِكُ وَرَثَتُهُ الْبَيْعَ دُونَ إذْنِ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ لم يَرْضَ بِتَصَرُّفِهِمْ فَإِنْ امْتَنَعَ الْمَالِكُ من الْإِذْنِ في الْبَيْعِ تَوَلَّاهُ أَمِينٌ من جِهَةِ الْحَاكِمِ وَلَا يُقَرِّرُ وَرَثَةُ الْمَالِكِ الْعَامِلَ على الْعَرَضِ كما لَا يُقَرِّرُ الْمَالِكُ وَرَثَةَ الْعَامِلِ عليه لِأَنَّ ذلك ابْتِدَاءُ قِرَاضٍ وهو لَا يَجُوزُ على الْعَرَضِ فَإِنْ نَضَّ الْمَالُ وَلَوْ من غَيْرِ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ جَازَ تَقْرِيرُ الْجَمِيعِ فَيَكْفِي أَنْ تَقُولَ الْوَرَثَةُ أَيْ وَرَثَةُ الْمَالِكِ لِلْعَامِلِ قَرَّرْنَاك على ما كُنْت عليه مع قَبُولِهِ أو يَقُولَ الْمَالِكُ لِوَرَثَةِ الْعَامِلِ قَرَّرْتُكُمْ على ما كان أَبُوكُمْ عليه مع قَبُولِهِمْ لِفَهْمِ الْمَعْنَى وقد يُسْتَعْمَلُ التَّقْرِيرُ لِإِنْشَاءِ عَقْدٍ على مُوجَبِ الْعَقْدِ السَّابِقِ وَكَالْوَرَثَةِ وَلِيُّهُمْ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَكَالْمَوْتِ الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ فَيُقَرِّرُ الْمَالِكُ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ مِنْهُمَا كما هو قَضِيَّةُ الْمَذْهَبِ في الْبَيَانِ ذَكَرَهُ في الرَّوْضَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّ وَلِيَّ الْمَجْنُونِ مِثْلُهُ قبل الْإِفَاقَةِ وَكَذَا يَكْفِي لو قال الْبَائِعُ بَعْدَ الْفَسْخِ أَيْ فَسْخِ الْبَيْعِ لِلْمُشْتَرِي قَرَّرْتُك على الْبَيْعِ فَقَبِلَ بِخِلَافِ النِّكَاحِ لَا يَكْفِي فيه التَّقْرِيرُ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا بُدَّ فيه من لَفْظِ النِّكَاحِ أو التَّزْوِيجِ وَكَ قَرَّرْتُ تَرَكْت وَأَبْقَيْت وَغَيْرُهَا من أَلْفَاظِ الْبَابِ وَيَجُوزُ التَّقْرِيرُ على الْمَالِ النَّاضِّ قبل الْقِسْمَةِ لِجَوَازِ الْقِرَاضِ على الْمَشَاعِ كما مَرَّ فَيَخْتَصُّ الْعَامِلُ بِرِبْحِ نَصِيبِهِ وَيَشْتَرِكَانِ في رِبْحِ نَصِيبِ الْآخَرِ مِثَالُهُ الْمَالُ مِائَةٌ وَرِبْحُهَا مِائَتَانِ مُنَاصَفَةً وَقُرِّرَ الْعَقْدُ كَذَلِكَ أَيْ مُنَاصَفَةً فَالْعَامِلُ شَرِيكٌ لِوَارِثِ الْمَالِ بِمِائَةٍ فَإِنْ بَلَغَ مَالُ الْقِرَاضِ سِتَّمِائَةٍ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا ثَلَثُمِائَةٍ إذْ لِلْعَامِلِ من الرِّبْحِ الْقَدِيمِ مِائَةٌ وَرِبْحُهَا مِائَةٌ وَرَأْسُ الْمَالِ في التَّقْرِيرِ مِائَتَانِ لِلْوَارِثِ وَرِبْحُهُمَا مِائَتَانِ مَقْسُومٌ بَيْنَهُمَا
فَصْلٌ وما اسْتَرَدَّهُ الْمَالِكُ من الْمَالِ بَعْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ أو الْخُسْرَانِ فَالرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ شَائِعٌ فيه لَا يَلْحَقُهُ حُكْمُ الْبَاقِي لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِ الْعَامِلِ على ما يَخُصُّهُ من الرِّبْحِ فَلَا يَسْقُطُ بِمَا يَحْصُلُ من النَّقْصِ بَعْدُ وَالْخَسْرَانُ مُوَزَّعٌ على الْمُسْتَرَدِّ وَالْبَاقِي فَلَا يَجِبُ جَبْرُ حِصَّةِ الْمُسْتَرَدِّ من الْخُسْرَانِ لو رَبِحَ بَعْدُ كما لو اسْتَرَدَّ الْكُلَّ
____________________
(2/390)
بَعْدَ الْخُسْرَانِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ قال في الْمَطْلَبِ وَمَحَلُّ ذلك إذَا اسْتَرَدَّ بِغَيْرِ رِضَا الْعَامِلِ وَإِلَّا فَإِنْ قَصَدَ الْأَخْذَ من الْأَصْلِ اخْتَصَّ بِهِ أو من الرِّبْحِ فَكَذَلِكَ لَكِنْ يَمْلِكُ الْعَامِلُ مِمَّا بيده مِقْدَارَ ذلك على الْإِشَاعَةِ وَإِنْ أَطْلَقَا حُمِلَ على الْإِشَاعَةِ وَهَلْ تَكُونُ حِصَّةُ الْعَامِلِ قَرْضًا أو هِبَةً فيه نَظَرٌ وَالْأَشْبَهُ الْأَوَّلُ نَقَلَهُ عن الْإِسْنَوِيِّ وَأَقَرَّهُ ثُمَّ قال وإذا كان الِاسْتِرْدَادُ بِغَيْرِ رِضَاهُ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ في نَصِيبِهِ وَإِنْ لم يَمْلِكْهُ بِالظُّهُورِ فَإِنْ كان الْمَالُ مِائَةً فَرَبِحَ عِشْرِينَ وَاسْتَرَدَّ الْمَالِكُ عِشْرِينَ فَالرِّبْحُ سُدُسُ الْمَالِ فَسُدُسُ الْمُسْتَرَدِّ رِبْحٌ وهو ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثٌ لِلْعَامِلِ منه دِرْهَمٌ وَثُلُثَانِ إنْ كان الشَّرْطُ مُنَاصَفَةً لَا يُجْبَرُ منه خُسْرَانٌ يَحْدُثُ فَلَوْ عَادَ ما بيده إلَى ثَمَانِينَ لم يَسْقُطْ نَصِيبُ الْعَامِلِ من الدِّرْهَمِ وَالثُّلُثَيْنِ لِتَقَرُّرِهِ بِالِاسْتِرْدَادِ فَلَا يُجْبَرُ بِهِ نَقْصُ غَيْرِ الْمُسْتَرَدِّ لِتَمَيُّزِ الْمُسْتَرَدِّ عن غَيْرِهِ بِالِاسْتِرْدَادِ فَكَأَنَّهُمَا مَالَانِ وَإِنْ حَصَلَ خُسْرَانٌ فَعَادَتْ الْمِائَةُ ثَمَانِينَ وَاسْتَرَدَّ عِشْرِينَ فَالْخُسْرَانُ الْخُمُسُ وهو عِشْرُونَ وَحِصَّةُ الْمُسْتَرَدِّ خَمْسَةٌ لِأَنَّ الْخُسْرَانَ مُوَزَّعٌ على الْمُسْتَرَدِّ وَالْبَاقِي فَالْخَمْسَةُ لَا تُجْبَرُ بِالرِّبْحِ لِتَقَرُّرِهَا بِالِاسْتِرْدَادِ وَإِنَّمَا يُجْبَرُ بِهِ بَاقِي الْخُسْرَانِ وهو خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَصِيرُ رَأْسُ الْمَالِ بَعْدَ الْجَبْرِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ وَالْخَمْسَةُ الزَّائِدَةُ تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ إنْ شَرَطَا الْمُنَاصَفَةَ فَيَحْصُلُ لِلْمَالِكِ سَبْعَةٌ وَسَبْعُونَ وَنِصْفٌ وَلِلْعَامِلِ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ
الطَّرَفُ الثَّانِي في الِاخْتِلَافِ وَالْعَامِلُ كَالْوَدِيعِ في دَعْوَى التَّلَفِ وَالرَّدِّ فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ على ما يَأْتِي في الْوَدِيعَةِ لِأَنَّ الْمَالِكَ ائْتَمَنَهُ وَفَارَقَ الْمُرْتَهِنَ في دَعْوَى الرَّدِّ بِأَنَّهُ قَبَضَ الْعَيْنَ لِمَنْفَعَةِ مَالِكِهَا وَانْتِفَاعُهُ إنَّمَا هو بِالْعَمَلِ وَالْمُرْتَهِنُ قَبَضَ لِمَنْفَعَتِهِ وَلَوْ أَخَذَ الْعَامِلُ ما لَا يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِهِ فَتَلِفَ بَعْضُهُ ضَمِنَهُ لِأَنَّهُ فَرَّطَ بِأَخْذِهِ نَصَّ عليه في الْبُوَيْطِيِّ وَجَرَى عليه الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَصَاحِبَا الْبَحْرِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ وَيَجِيءُ طَرْدُهُ في الْوَكِيلِ وَالْمُودَعِ وَالْوَصِيِّ وَغَيْرِهِمْ من الْأُمَنَاءِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ في قَوْلِهِ لم أَرْبَحْ أو لم أَرْبَحْ إلَّا كَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ معه وَهَذَا فُهِمَ من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ أَقَرَّ بِرِبْحٍ ثُمَّ ادَّعَى غَلَطًا في الْحِسَابِ أو كَذِبًا كَأَنْ قال تَبَيَّنْت أَنْ لَا رِبْحَ أو كَذَبْت فِيمَا قُلْت خَوْفًا من انْتِزَاعِ الْمَالِ من يَدِي لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ رَفْعٌ لِلْإِقْرَارِ وَهَلْ له تَحْلِيفُ الْمَالِكِ أو لَا وَجْهَانِ قال الْمَاوَرْدِيُّ مَحَلُّهُمَا إذَا لم يذكر شُبْهَةً وَإِلَّا فَلَهُ ذلك قَطْعًا انْتَهَى وَأَوْجَهُ الْوَجْهَيْنِ ما جَزَمَ بِهِ ابن سُرَيْجٍ وابن خَيْرَانَ أَنَّ له ذلك لِإِمْكَانِ قَوْلِهِ
فَإِنْ ادَّعَى بَعْدَ ذلك الْأَوْلَى بَعْدَ ذِكْرِ الْكَذِبِ أو بَعْدَ إخْبَارِهِ بِالرِّبْحِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ خَسَارَةً مُمْكِنَةً كَأَنْ عَرَضَ كَسَادٌ أو تَلَفًا لِلْمَالِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِذَلِكَ وهو على أَمَانَتِهِ لِأَنَّهُ لم يَتَعَدَّ في الْمَالِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ في قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ وَصِفَتِهِ الشَّامِلَةِ لِجِنْسِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ في الْمَالِ رِبْحٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ دَفْعِ الزَّائِدِ على ما قَالَهُ وفي أَنَّ مُشْتَرَاهُ لِلْقِرَاضِ وَإِنْ كان خَاسِرًا أو لِنَفْسِهِ وَإِنْ كان رَابِحًا لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِقَصْدِهِ وَلِأَنَّهُ في الثَّانِيَةِ في يَدِهِ وَالْغَالِبُ وُقُوعُ الْأَوَّلِ عِنْدَ ظُهُورِ الْخُسْرَانِ وَالثَّانِي عِنْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ وفي عَدَمِ النَّهْيِ أَيْ نَهْيِ الْمَالِكِ له عن شِرَاءِ ما اشْتَرَاهُ بِأَنْ وَافَقَهُ على الْإِذْنِ في شِرَائِهِ ثُمَّ قال نَهَيْتُك عن شِرَائِهِ بَعْدَ الْإِذْنِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّهْيِ وَعَدَمُ الْخِيَانَةِ فَإِنْ قَامَتْ فِيمَا إذَا قال اشْتَرَيْته لِنَفْسِي بَيِّنَةٌ لِلْمَالِكِ بِشِرَائِهِ بِمَالِ الْقِرَاضِ لم يُحْكَمْ بها لِلْقِرَاضِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ قد يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ بِمَالِ الْقِرَاضِ عُدْوَانًا وَقِيلَ يُحْكَمُ بها له فَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَالْفَارِقِيُّ وَغَيْرُهُمْ كما نَقَلَهُ عَنْهُمْ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ الثَّانِيَ ثُمَّ قال قال الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْقُشَيْرِيُّ وَكُلُّ شِرَاءٍ وَقَعَ بِمَالِ
____________________
(2/391)
الْقِرَاضِ لَا شَكَّ في وُقُوعِهِ وَلَا أَثَرَ لِنِيَّةِ الْعَامِلِ أَيْ لِإِذْنِ الْمَالِكِ له في الشِّرَاءِ
وَإِنْ قال الْعَامِلُ قَارَضْتنِي فقال الْمَالِكُ بَلْ وَكَّلْتُك صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ بِشَيْءٍ فإذا حَلَفَ أَخَذَ الْمَالَ وَرِبْحَهُ وَلَا شَيْءَ عليه لِلْآخَرِ فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ فَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الْعَامِلِ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ وَكَذَا لو قال الْعَامِلُ بَعْدَ تَلَفِ الْمَالِ في يَدِهِ قَارَضْتنِي فقال الْمَالِكُ بَلْ أَقْرَضْتُك صُدِّقَ الْمَالِكُ هذا من زِيَادَتِهِ وَاَلَّذِي أَفْتَيْتُ بِهِ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ وَابْنِ الصَّلَاحِ تَصْدِيقُ الْعَامِلِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا على جَوَازِ التَّصَرُّفِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الضَّمَانِ وَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِمُدَّعَاهُ فَمَنْ تُقَدَّمُ مِنْهُمَا وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا بَيِّنَةُ الْمَالِكِ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ
فَرْعٌ لو قَارَضَهُمَا أَيْ اثْنَيْنِ على النِّصْفِ أَيْ على أَنَّ نِصْفَ الرِّبْحِ له وَالْبَاقِيَ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ فَرَبِحَا وَأَحْضَرَا ثَلَاثَةَ آلَافٍ فقال الْمَالِكُ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفَانِ وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وَحَلَفَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَلْفٌ فَلِلْمُنْكِرِ الْحَالِفِ خَمْسُمِائَةٍ لِأَنَّهَا نَصِيبُهُ بِزَعْمِهِ وَلِلْمَالِكِ أَلْفَانِ عن رَأْسِ الْمَالِ لِاتِّفَاقِهِ مع الْمُعْتَرِفِ عليه وَثُلُثَا خَمْسِمِائَةٍ عن الرِّبْحِ وَالْبَاقِي مِنْهُمَا لِلْمُقِرِّ لِاتِّفَاقِهِمْ على أَنَّ ما يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ من الرِّبْحِ مِثْلَا ما يَأْخُذُهُ كُلٌّ من الْعَامِلَيْنِ وما أَخَذَهُ الْمُنْكِرُ كَالتَّالِفِ وَلَوْ أَحْضَرَا أَلْفَيْنِ أَخَذَ الْمُنْكِرُ رُبُعَ الْأَلْفِ الزَّائِدَ على ما أَقَرَّ بِهِ لِأَنَّهُ نَصِيبُهُ بِزَعْمِهِ وَالْبَاقِي يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
فَصْلٌ فَإِنْ اخْتَلَفَا في قَدْرِ الرِّبْحِ الْمَشْرُوطِ له أَيْ لِلْعَامِلِ تَحَالَفَا كَالْمُتَبَايِعِينَ وإذا تَحَالَفَا فُسِخَ الْعَقْدُ وَاخْتَصَّ الرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ بِالْمَالِكِ وَوَجَبَتْ الْأُجْرَةُ عليه لِلْعَامِلِ وَإِنْ زَادَتْ على مُدَّعَاهُ لِأَنَّ مُقْتَضَى التَّحَالُفِ وَالْفَسْخِ رُجُوعُ كُلٍّ من الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَقِيمَتُهُ وقد رَجَعَ الْمَالُ وَرِبْحُهُ لِلْمَالِكِ وَقِيَاسُهُ رُجُوعُ الْعَمَلِ لِلْعَامِلِ لَكِنَّهُ تَعَذَّرَ فَأَوْجَبْنَا قِيمَتَهُ وَهِيَ الْأُجْرَةُ
تَنْبِيهٌ لو كان الْقِرَاضُ لِمَحْجُورٍ عليه وَمُدَّعَى الْعَامِلِ دُونَ الْأُجْرَةِ فَلَا تَحَالُفَ كَنَظِيرِهِ من الصَّدَاقِ مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ
لو اشْتَرَى الْعَامِلُ وَلَوْ ذِمِّيًّا خَمْرًا أو أُمَّ وَلَدٍ أو نَحْوَهُمَا مِمَّا يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ وسلم الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ ضَمِنَ عَالِمًا بِذَلِكَ أو جَاهِلًا لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَخْتَلِفُ بِالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ
وَلَوْ قَارَضَهُ الْمَالِكُ لِيَجْلِبَ الْمَالَ أَيْ يَنْقُلَهُ من بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَيَشْتَرِيَ من أَمْتِعَتِهِ ثُمَّ يَبِيعَهَا هُنَاكَ أو يَرُدَّهَا إلَى مَحَلِّ الْقِرَاضِ لم يَجُزْ لِأَنَّ نَقْلَ الْمَالِ من بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ عَمَلٌ زَائِدٌ على التِّجَارَةِ فَأَشْبَهَ شَرْطَ الطَّحْنِ وَالْخَبْزِ وَيُخَالِفُ ما لو أَذِنَ له في السَّفَرِ فإن الْغَرَضَ منه نَفْيُ الْحَرَجِ أو قَارَضَهُ على الصَّرْفِ أَيْ أَنْ يُصَارِفَ مع الصَّيَارِفَةِ فَهَلْ يَتَعَيَّنُونَ عَمَلًا بِالشَّرْطِ فَتَفْسُدَ الْمُصَارَفَةُ مع غَيْرِهِمْ لِأَنَّ الْإِذْنَ مُخْتَصٌّ بِطَائِفَةٍ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُمْ أو لَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهُ صِرْفًا لَا مع قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ كَقَوْلِهِ بِعْ في سُوقِ كَذَا فَبَاعَ في آخَرَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ إنْ ذَكَرَ ذلك على وَجْهِ الِاشْتِرَاطِ وَإِلَّا فَالثَّانِي
وَإِنْ قَارَضَهُ على مَالَيْنِ في عَقْدَيْنِ فَخَلَطَهُمَا ضَمِنَ لِتَعَدِّيهِ في الْمَالِ وَكَذَا لو خَلَطَ الْعَامِلُ مَالَ الْقِرَاضِ بِمَالِهِ أو قَارَضَهُ اثْنَانِ فَخَلَطَ مَالَ أَحَدِهِمَا بِمَالُ الْآخَرِ كما فُهِمَ ذلك بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَا يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ عن التَّصَرُّفِ كما نَقَلَهُ الْإِمَامُ عن الْأَصْحَابِ بَلْ إنْ شَرَطَ في الْعَقْدِ الثَّانِي بَعْدَ التَّصَرُّفِ في الْمَالِ الْأَوَّلِ ضَمَّ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ فَسَدَ الْقِرَاضُ في الثَّانِي قال
____________________
(2/392)
في الْأَصْلِ وَامْتَنَعَ الْخَلْطُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَقَرَّ حُكْمُهُ بِالتَّصَرُّفِ رِبْحًا وَخُسْرَانًا وَرِبْحُ كل مَالٍ وَخُسْرَانُهُ يَخْتَصُّ بِهِ وَإِنْ شَرَطَهُ قبل التَّصَرُّفِ صَحَّ وَجَازَ الْخَلْطُ وَكَأَنَّهُ دَفَعَهُمَا إلَيْهِ مَعًا نعم إنْ شَرَطَ الرِّبْحَ فِيهِمَا مُخْتَلِفًا امْتَنَعَ الْخَلْطُ
وَإِنْ أَعْطَاهُ أَلْفًا وقال له شَارِكْنِي بِأَلْفٍ آخَرَ لَك وَاعْمَلْ وَالرِّبْحُ بَيْنَنَا أَثْلَاثًا أَيْ بِأَنْ يَكُونَ الثُّلُثُ له وَالثُّلُثَانِ لِلْعَامِلِ أو عَكْسُهُ لم يَصِحَّ لِمَا فيه من شَرْطِ التَّفَاوُتِ في الرِّبْحِ مع التَّسَاوِي في الْمَالِ وَلَا نَظَرَ إلَى الْعَمَلِ بَعْدَ الشَّرِكَةِ في الْمَالِ فَلَوْ عَمِلَ وَرَبِحَ كان الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَيَكُونُ لِلْعَامِلِ نِصْفُ أُجْرَةِ مِثْلِهِ على الْمَالِكِ
وإذا اشْتَرَى بِأَلْفَيْنِ لِمُقَارِضَيْنِ له عَبْدَيْنِ فَاشْتَبَهَا عليه وَقَعَا له وَغَرِمَ لَهُمَا الْأَلْفَيْنِ لِتَفْرِيطِهِ بِعَدَمِ الْإِفْرَادِ وَقِيلَ يُبَاعُ الْعَبْدَانِ وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ حَصَلَ رِبْحٌ فَهُوَ بَيْنَهُمْ بِحَسَبِ الشَّرْطِ أو خُسْرَانٌ ضَمِنَهُ ما لم يَكُنْ لِانْخِفَاضِ السُّوقِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ ابن أبي عَصْرُونٍ لَا قِيمَتَهُمَا نَفْيٌ لِوَجْهٍ قَائِلٍ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَغْرَمُ قِيمَةَ الْعَبْدَيْنِ كما لو أَتْلَفَهُمَا
وَلَوْ دَفَعَ له مَالًا وقال إذَا مِتُّ فَتَصَرَّفْ فيه بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ قِرَاضًا على أَنَّ لَك نِصْفَ الرِّبْحِ لَغَا فَلَيْسَ له التَّصَرُّفُ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ وَلِأَنَّ الْقِرَاضَ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ لو صَحَّ
وَلَوْ قَارَضَهُ بِنَقْدٍ فَتَصَرَّفَ الْعَامِلُ فيه فَأُبْطِلَ أَيْ فَأَبْطَلَهُ السُّلْطَانُ ثُمَّ انْفَسَخَ الْقِرَاضُ رَدَّ مثله وَإِنْ مَاتَ الْعَامِلُ وَاشْتَبَهَ مَالُ الْقِرَاضِ بِغَيْرِهِ فَكَالْوَدِيعِ يَمُوتُ وَعِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ وَاشْتَبَهَتْ بِغَيْرِهَا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ في بَابِهِ وَإِنْ جَنَى عبد الْقِرَاضِ فَهَلْ يَفْدِيهِ الْعَامِلُ من مَالِ الْقِرَاضِ كَالنَّفَقَةِ عليه أو لَا وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا لَا فَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لو أَبَقَ عبد الْقِرَاضِ فَنَفَقَةُ رَدِّهِ على الْمَالِكِ وَإِنْ كان في الْمَالِ رِبْحٌ بِنَاءً على أَنَّ الْعَامِلَ إنَّمَا يَمْلِكُ حِصَّتَهُ بِالْقِسْمَةِ فَإِنْ مَلَكَاهُ بِالظُّهُورِ فَعَلَيْهِمَا الْفِدَاءُ
كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ مَأْخُوذَةٌ من السَّقْيِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فيها غَالِبًا لِأَنَّهُ أَنْفَعُ أَعْمَالِهَا وَأَكْثَرُهَا مُؤْنَةً وَحَقِيقَتُهَا أَنْ يُعَامِلَ غَيْرَهُ على نَخْلٍ أو شَجَرِ عِنَبٍ لِيَتَعَهَّدَهُ بِالسَّقْيِ وَالتَّرْبِيَةِ على أَنَّ الثَّمَرَةَ لَهُمَا وَالْأَصْلُ فيها قبل الْإِجْمَاعِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ وفي رِوَايَةٍ دَفَعَ إلَى يَهُودِ خَيْبَرَ نَخْلَهَا وَأَرْضَهَا بِشَطْرِ ما يَخْرُجُ منها من ثَمَرٍ أو زَرْعٍ وَالْمَعْنَى فيها أَنَّ مَالِكَ الْأَشْجَارِ قد لَا يُحْسِنُ تَعَهُّدَهَا أو لَا يَتَفَرَّغُ له وَمَنْ يُحْسِنُ وَيَتَفَرَّغُ قد لَا يَمْلِكُ الْأَشْجَارَ فَيَحْتَاجُ ذَاكَ إلَى الِاسْتِعْمَالِ وَهَذَا إلَى الْعَمَلِ وَلَوْ اكْتَرَى الْمَالِكُ لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ في الْحَالِ وقد لَا يَحْصُلُ له شَيْءٌ من الثِّمَارِ وَيَتَهَاوَنُ الْعَامِلُ فَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى تَجْوِيزِهَا
وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ في أَرْكَانِهَا وَهِيَ خَمْسَةٌ الْعَاقِدَانِ وَمُتَعَلَّقُ الْعَمَلِ وَالثِّمَارُ وَالْعَمَلُ وَالصِّيغَةُ الْأَوَّلُ الْعَاقِدَانِ وَشَرْطُهُمَا كما في الْقِرَاضِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَيُسَاقِي الْوَلِيُّ لِلصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ كَنَظِيرِهِ ثَمَّ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وفي مَعْنَى الْوَلِيِّ الْإِمَامُ في بَسَاتِينِ بَيْتِ الْمَالِ وَمَنْ لَا يُعْرَفُ مَالِكُهُ وَكَذَا بَسَاتِينُ الْغَائِبِ فِيمَا يَظْهَرُ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ
الرُّكْنُ الثَّانِي مُتَعَلَّقُ الْعَمَلِ وهو الشَّجَرُ وَلَا تَصِحُّ إلَّا على مَغْرُوسٍ مُعَيَّنٍ مَرْئِيٍّ من النَّخْلِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وشجر الْعِنَبِ لِأَنَّهُ في مَعْنَى النَّخْلِ بِجَامِعِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَتَأَتِّي الْخِرْصِ في ثَمَرَتَيْهِمَا فَجُوِّزَتْ الْمُسَاقَاةُ فِيهِمَا سَعْيًا في تَثْمِيرِهِمَا رِفْقًا بِالْمَالِكِ وَالْعَامِلِ وَالْمَسَاكِينِ لَا غَيْرِهِمَا من الْبُقُولِ وَالزُّرُوعِ وَسَائِرِ الْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ كَالْخَوْخِ وَالْمِشْمِشِ وَغَيْرِ الْمُثْمِرَةِ كَالْخِلَافِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ مع عَدَمِ تَأَتِّي الْخِرْصِ في ثَمَرَتِهَا وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ في تَصْحِيحِهِ صِحَّتَهَا على سَائِرِ الْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ وهو الْقَوْلُ الْقَدِيمُ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ فيها إنْ احْتَاجَتْ إلَى عَمَلٍ وَمَحَلُّ
____________________
(2/393)
الْمَنْعِ إنْ تَفَرَّدَ بِالْمُسَاقَاةِ فَإِنْ سَاقَى عليها تَبَعًا لِنَخْلٍ أو عِنَبٍ صَحَّتْ كَالْمُزَارَعَةِ كما سَيَأْتِي في بَابِهَا وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ صِحَّتِهَا في شَجَرِ الْمُقْلِ وهو ما صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ في الرَّوْضَةِ وقال في الْمُهِمَّاتِ الْفَتْوَى على الْجَوَازِ فَقَدْ نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ كما نَقَلَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ
فَإِنْ سَاقَاهُ على وَدِيٍّ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ صِغَارُ النَّخْلِ وَيُسَمَّى الْفَسِيلَ يَغْرِسُهُ في أَرْضِهِ وتكون الثَّمَرَةُ أو الشَّجَرَةُ الْمَفْهُومَةُ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بها أَصْلُهُ بَيْنَهُمَا لم يَصِحَّ كما لو سَلَّمَهُ الْبَذْرَ لِيَزْرَعَهُ وَلِأَنَّ الْغَرْسَ ليس من عَمَلِ الْمُسَاقَاةِ فَضَمُّهُ إلَيْهَا كَضَمِّ غَيْرِ التِّجَارَةِ إلَى عَمَلِ الْقِرَاضِ فَإِنْ وَقَعَ ذلك وَعَمِلَ الْعَامِلُ وكانت الثَّمَرَةُ مُتَوَقَّعَةً في الْمُدَّةِ فَلَهُ الْأُجْرَةُ أَيْ أُجْرَةُ عَمَلِهِ على الْمَالِكِ وَإِلَّا فَلَا لَا إنْ كان الْغِرَاسُ لِلْعَامِلِ فَلَا أُجْرَةَ له بَلْ يَلْزَمُهُ لِلْمَالِكِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ فَإِنْ كانت الْأَرْضُ لِلْعَامِلِ اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ عَمَلِهِ وَأَرْضِهِ وَإِنْ سَاقَاهُ على أَحَدِ الْحَائِطَيْنِ أو على غَيْرِ الْمَرْئِيِّ لَهُمَا لم يَصِحَّ لِلْجَهْلِ بِالْمَعْقُودِ عليه وَلِأَنَّهُ عَقْدُ غَرَرٍ من حَيْثُ إنَّ الْعِوَضَ مَعْدُومٌ في الْحَالِ وَهُمَا جَاهِلَانِ بِقَدْرِ ما يَحْصُلُ وَبِصِفَاتِهِ فَلَا يَحْتَمِلُ ضَمَّ غَرَرٍ آخَرَ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَأْتِي هُنَا ما مَرَّ في الْقِرَاضِ من الِاكْتِفَاءِ بِالرُّؤْيَةِ وَبِالتَّعْيِينِ في مَجْلِسِ الْعَقْدِ لِأَنَّ ذَاكَ عَقْدٌ جَائِزٌ وَرِبْحُهُ من تَصَرُّفِ الْعَامِلِ وَهَذَا لَازِمٌ وَرِبْحُهُ من عَيْنِ الْأَصْلِ فَاحْتِيطَ له
الرُّكْنُ الثَّالِثُ الثِّمَارُ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا لَهُمَا أَيْ اخْتِصَاصُهُمَا بها شَرِكَةً مَعْلُومَةً بِالْأَجْزَاءِ كما في الْقِرَاضِ فَإِنْ شَرَطَ كُلٌّ مِنْهُمَا جُزْءًا منها أو كُلَّهَا لِثَالِثٍ أو قال له الْمَالِكُ سَاقَيْتُك على أَنْ يَكُونَ لَك نِصْفُهَا أو لي نِصْفُهَا أو لَك أو لي صَاعٌ من الثَّمَرَةِ أو ثَمَرَةُ نَخْلَةٍ من نَخِيلِي أو أَنَّ الثَّمَرَةَ بَيْنَنَا فَكَالْقِرَاضِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ
فَصْلٌ لو سَاقَاهُ على نَوْعٍ كَصَيْحَانِيٍّ بِالنِّصْفِ وعلى نَوْعٍ آخَرَ كَعَجْوَةٍ بِالثُّلُثِ صَحَّ الْعَقْدُ إنْ عَرَفَاهُمَا أَيْ النَّوْعَيْنِ أَيْ قَدْرَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِلَّا فَلَا لِمَا فيه من الْغَرَرِ فإن الْمَشْرُوطَ فيه الْأَقَلُّ قد يَكُونُ أَكْثَرَ قال في الْأَصْلِ وَإِنْ سَاقَاهُ على النِّصْفِ من كُلٍّ مِنْهُمَا جَازَ وَإِنْ جَهِلَا قَدْرَهُمَا قال الرَّافِعِيُّ قال ابن الصَّبَّاغِ وَالْفَرْقُ أَنَّ قَدْرَ حَقِّهِ في هذه مَعْلُومٌ بِالْجُزْئِيَّةِ وَإِنَّمَا الْمَجْهُولُ النَّوْعُ وَالصِّفَةُ وفي تِلْكَ الْقَدْرُ مَجْهُولٌ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ اخْتِلَافِ ثَمَرَةِ النَّوْعَيْنِ في الْقَدْرِ فَيَكُونُ قَدْرُ مَالِهِ من ثَمَرَةِ الْكُلِّ مَجْهُولًا لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ على تَقْدِيرِ نِصْفٍ الْأَكْثَرُ وَثُلُثٍ الْأَقَلُّ وَعَلَى تَقْدِيرٍ بِالْعَكْسِ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ من الثَّانِي
وَإِنْ سَاقَاهُ في نَوْعٍ بِالنِّصْفِ على أَنْ يُسَاقِيَهُ في آخَرَ بِالثُّلُثِ قال في الْأَصْلِ أو على أَنْ يُسَاقِيَهُ الْعَامِلُ على حَدِيقَتِهِ فَسَدَ الْأَوَّلُ لِلشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَكَذَا الثَّانِي لو عَقَدَهُ جَاهِلًا بِفَسَادِ الْأَوَّلِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ في الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ أو قال له سَاقَيْتُك على النِّصْفِ إنْ سَقَى بِالدَّالِيَةِ فَإِنْ سَقَى بِالْمَطَرِ فَبِالثُّلُثِ بَطَلَ الْعَقْدُ لِلْجَهْلِ بِالْعَمَلِ وَالْعِوَضِ
فَرْعٌ لو سَاقَى شَرِيكَهُ الْمُنَاصِفَ له في الشَّرِكَةِ على الثُّلُثَيْنِ فَأَكْثَرَ صَحَّ وقد شَرَطَ له في مَسْأَلَةِ الثُّلُثَيْنِ ثُلُثَ ثَمَرَتِهِ فَكَأَنَّهُ سَاقَاهُ على نِصْفِهِ بِالثُّلُثِ أو سَاقَاهُ على النِّصْفِ فما دُونَهُ فَلَا يَصِحُّ لِخُلُوِّ الْمُسَاقَاةِ عن الْعِوَضِ بَلْ شَرَطَ عليه في مَسْأَلَةِ ما دُونَ النِّصْفِ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ ثَمَرَتِهِ أَيْضًا وَلَا أُجْرَةَ له إذَا عَمِلَ لِأَنَّهُ لم يَطْمَعْ في شَيْءٍ أو سَاقَاهُ على الْكُلِّ بَطَلَ ولكن له عليه الْأُجْرَةُ لِأَنَّهُ عَمِلَ طَامِعًا وَقَيَّدَهُ الْغَزَالِيُّ كَإِمَامِهِ تَفَقُّهًا بِمَا إذَا لم يَعْلَمْ الْفَسَادَ وَالظَّاهِرُ صِحَّةُ مُسَاقَاةِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ على نَصِيبِهِ أَجَنِيبًا
____________________
(2/394)
وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ فَإِنْ شَرَطَ في الْمُسَاقَاةِ مع شَرِيكِهِ مُعَاوَنَتَهُ له في الْعَمَلِ فَسَدَتْ وَإِنْ أَثْبَتَ له زِيَادَةً على النِّصْفِ كما لو سَاقَى أَجْنَبِيًّا بهذا الشَّرْطِ فَإِنْ عَاوَنَهُ واستوى عَمَلُهُمَا فَلَا أُجْرَةَ لَهُمَا أَيْ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا على الْآخَرِ وَلَا إنْ زَادَ عَمَلُ الْمُعَاوِنِ فَلَا أُجْرَةَ له على الْآخَرِ الْمَشْرُوطِ له الزِّيَادَةُ بِخِلَافِ الْآخَرِ إذَا زَادَ عَمَلُهُ له أُجْرَةُ عَمَلِهِ بِالْحِصَّةِ على الْمُعَاوِنِ لِأَنَّهُ لم يَعْمَلْ مَجَّانًا وَإِنْ سَاقَيَا أَيْ الشَّرِيكَانِ ثَالِثًا لم تُشْتَرَطْ مَعْرِفَتُهُ بِحِصَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَّا إنْ تَفَاوَتَا في الْمَشْرُوطِ له فَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بِحِصَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا
فَصْلٌ وفي نُسْخَةٍ فَرْعٌ لو سَاقَى وَاحِدٌ اثْنَيْنِ صَفْقَةً قال في الْأَصْلِ أو صَفْقَتَيْنِ هذا بِالنِّصْفِ وَهَذَا بِالثُّلُثِ جَازَ
فَرْعٌ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وهو مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ حَدِيقَةٌ بين سِتَّةٍ أَسْدَاسًا فَسَاقَوْا رَجُلًا على أَنَّ له من نَصِيبِ وَاحِدٍ عَيَّنُوهُ النِّصْفَ وَمِنْ الثَّانِي الرُّبُعَ وَمِنْ الثَّالِثِ الثُّمُنَ وَمِنْ الرَّابِعِ الثُّلُثَيْنِ وَمِنْ الْخَامِسِ الثُّلُثَ وَمِنْ السَّادِسِ السُّدُسَ فَتَضْرِبُ مَخْرَجَ الْكُسُورِ وهو أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ في عَدَدِ الشُّرَكَاءِ تَبْلُغُ مِائَةً وَأَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ لِكُلٍّ منهم أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ فَلِلْعَامِلِ من نَصِيبِ كُلٍّ ما شُرِطَ له فَيُجْمَعُ له تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ
الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْعَمَلُ وَيُشْتَرَطُ انْفِرَادُ الْعَامِلِ بِالْيَدِ وَالْعَمَلِ في الْحَدِيقَةِ لِيَتَمَكَّنَ من الْعَمَلِ مَتَى شَاءَ كما في الْقِرَاضِ فَلَوْ شَرَطَ الْمَالِكُ دُخُولَ الْبُسْتَانِ أَيْ دُخُولَهُ إيَّاهُ أو شَرَطَ أَحَدُهُمَا مع الْآخَرِ مُعَاوَنَةَ عَبِيدِ الْمَالِكِ الْمُعَيَّنِينَ أَيْ الْمَرْئِيِّينَ أو الْمَوْصُوفِينَ أَيْ مُعَاوَنَتَهُمْ لِلْعَامِلِ وَلَا يَدَ لهم وَلَا تَدْبِيرَ لم يَضُرَّ إذْ لَا يَمْنَعُ ذلك اسْتِقْلَالَ الْعَامِلِ وَتَمَكُّنَهُ من الْعَمَلِ أَمَّا إذَا شَرَطَ أَنَّ لهم يَدًا أو تَدْبِيرًا فَيَضُرُّ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِ الْعَامِلِ وَتَعْبِيرُهُ بِالْعَبِيدِ مُوَافِقٌ لِتَعْبِيرِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ بِهِمْ لَكِنَّ الْأَصْلُ عَبَّرَ بِالْغُلَامِ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو يَشْمَلُ الرَّقِيقَ وَالْأَجِيرَ الْحُرَّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَأَنَّ الْمُرَادَ من يُسْتَحَقُّ مَنْفَعَتُهُ وَإِنْ كان حُرًّا وَنَفَقَتُهُمْ على الْمَالِكِ بِحُكْمِ الْمَلِكِ فَلَوْ شُرِطَتْ عليه جَازَ وكان تَأْكِيدًا وَلَوْ شُرِطَتْ في الثَّمَرَةِ بِغَيْرِ تَقْدِيرِ جُزْءٍ مَعْلُومٍ بِقَرِينَةِ ما يَأْتِي لم يَجُزْ لِأَنَّ ما يَبْقَى يَكُونُ مَجْهُولًا أو شُرِطَتْ على الْعَامِلِ وَقُدِّرَتْ جَازَ لِأَنَّ الْعَمَلَ عليه فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَلْتَزِمَ مُؤْنَةَ من يَعْمَلُ معه وهو كَاسْتِئْجَارِ من يَعْمَلُ معه وَلَوْ لم تُقَدَّرْ جَازَ أَيْضًا فَالْعُرْفُ كَافٍ لِأَنَّهُ يُتَسَامَحُ بمثله في الْمُعَامَلَاتِ وَقِيلَ لَا يَكْفِي بَلْ يَجِبُ تَقْدِيرُهَا لِيَعْرِفَ ما يَدْفَعُ إلَيْهِمْ كُلَّ يَوْمٍ من الْخُبْزِ وَالْأُدْمِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ جَزَمَ أَصْحَابُ الشَّامِلِ وَالْبَحْرِ وَالتَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُمْ وَإِنْ شَرَطَ الْعَامِلُ عَمَلَهُمْ في حَوَائِجِهِ أو اسْتِئْجَارَ مُعَاوِنٍ له بِجُزْءٍ من الثَّمَرَةِ أو من غَيْرِهَا من مَالِ الْمَالِكِ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ بَطَلَتْ أَيْ الْمُسَاقَاةُ لِلشَّرْطِ الْفَاسِدِ أَمَّا في الْأُولَى فَظَاهِرٌ وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ قَضِيَّةَ الْمُسَاقَاةِ أَنْ تَكُونَ الْأَعْمَالُ وَمُؤَنُهَا على الْعَامِلِ وَلِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَ الْحَاصِلِ له وَأَفْهَمَ كَلَامُهُمْ أنها تَصِحُّ إذَا جُعِلَتْ الْأُجْرَةُ من مَالِ الْعَامِلِ وهو ظَاهِرٌ وَإِنْ شُرِطَ الثُّلُثُ لِلْعَامِلِ وَالثُّلُثُ لِلْمَالِكِ وَالثُّلُثُ يُصْرَفُ في نَفَقَةِ عَبِيدِ الْمَالِكِ صَحَّ وَكَأَنَّهُ شُرِطَ لِلْعَامِلِ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ لِلْمَالِكِ هذا مع قَوْلِهِ قَبْلُ وَإِنْ شُرِطَتْ في الثَّمَرَةِ لم يَجُزْ تَوَسُّطٌ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ بَعْدَ نَقْلِهِ عن الْبَغَوِيّ الْمَنْعَ لِمَا مَرَّ ثُمَّ وَعَنْ صَاحِبِ الْإِفْصَاحِ الْجَوَازُ لِأَنَّهُ قد يَكُونُ من صَلَاحِ الْمَالِ
فَصْلٌ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْمُسَاقَاةِ تَقْدِيرُ مُدَّةٍ يُثْمِرُ فيها الشَّجَرُ غَالِبًا لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ من الْمُسَاقَاةِ فَلَوْ قُدِّرَ دُونَهَا بَطَلَتْ الْمُسَاقَاةُ لِخُلُوِّهَا عن الْعِوَضِ وسقطت أُجْرَتُهُ أَيْ لَا يَسْتَحِقُّهَا
____________________
(2/395)
إنْ عَلِمَ أنها لَا تُثْمِرُ في تِلْكَ الْمُدَّةِ كَمَنْ قَدَّرَهَا أَيْ الْمُدَّةَ التي تُثْمِرُ فيها غَالِبًا ولم تُثْمِرْ فإنه لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً كما لو قَارَضَهُ فلم يَرْبَحْ فَإِنْ اسْتَوَى الِاحْتِمَالَانِ أو جَهِلَ الْحَالَ لم تَسْقُطْ أُجْرَتُهُ لِأَنَّهُ عَمِلَ طَامِعًا مع أَنَّ الْمُسَاقَاةَ بَاطِلَةٌ كما لو أَسْلَمَ في مَعْدُومٍ إلَى وَقْتٍ يَحْتَمِلُ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَالْمَرْجِعُ في الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِالشَّجَرِ بِتِلْكَ النَّاحِيَةِ
وَتَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ في الْمُثْمِرَةِ قبل بُدُوِّ الصَّلَاحِ لِبَقَاءِ مُعْظَمِ الْأَعْمَالِ أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا لِفَوَاتِ مُعْظَمِهَا وَلَوْ قَدَّرَ الْمُدَّةَ بِإِدْرَاكِ الثَّمَرَةِ لم يَصِحَّ كَالْإِجَارَةِ فَلَا بُدَّ من تَأْقِيتِهَا بِوَقْتٍ مَعْلُومٍ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ تَأْقِيتُهَا بِخِلَافِ الْقِرَاضِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ منها تَعَهُّدُ الْأَشْجَارِ لِخُرُوجِ الثَّمَرَةِ وَلِحُصُولِهَا غَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَسَهُلَ ضَبْطُهَا بِخِلَافِ الرِّبْحِ في الْقِرَاضِ ليس له وَقْتٌ مَعْلُومٌ فَيُخِلَّ التَّأْقِيتُ بِمَقْصُودِهِ
وإذا سَاقَاهُ أَكْثَرَ من سَنَةٍ صَحَّ كَالْإِجَارَةِ وَإِنْ لم يُبَيِّنْ حِصَّةَ كل سَنَةٍ وَإِنْ فَاوَتَ بين السِّنِينَ في الْجُزْءِ الْمَشْرُوطِ لم يَضُرَّ وَوَقَعَ في الرَّوْضَةِ لم يَصِحَّ وهو تَحْرِيفٌ وَإِنْ شَرَطَ ثَمَرَةَ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ منها أَيْ السِّنِينَ وَالْأَشْجَارِ بِحَيْثُ تُثْمِرُ كُلَّ سَنَةٍ بَطَلَتْ أَيْ الْمُسَاقَاةُ كَأَنْ سَاقَاهُ عَشْرَ سِنِينَ على أَنَّ له ثَمَرَةَ الْعَاشِرَةِ فَقَدْ لَا تُوجَدُ الثَّمَرَةُ إلَّا فيها أو في غَيْرِهَا فَيَفُوتَ على أَحَدِهِمَا نَصِيبُهُ
وَلَوْ سَاقَاهُ عَشْرَ سِنِينَ لِتَكَوُّنِ الثَّمَرَةِ بَيْنَهُمَا ولم تُتَوَقَّعْ إلَّا في الْعَاشِرَةِ جَازَ وَتَكُونُ السِّنِينَ بِمَثَابَةِ الْأَشْهُرِ من السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ وَفَارَقَتْ ما قَبْلَهَا بِأَنَّهُ شُرِطَ له فيها سَهْمٌ من جَمِيعِ الثَّمَرَةِ بِخِلَافِهِ في تِلْكَ فَإِنْ أَثْمَرَ قَبْلَهَا أَيْ الْعَاشِرَةِ فَلَا شَيْءَ فيه أَيْ في الثَّمَرِ لِلْعَامِلِ لِأَنَّهُ لم يَطْمَعْ في شَيْءٍ منه وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ لو سَاقَاهُ إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَالسَّنَةُ الْمُطْلَقَةُ التي يُؤَجَّلُ بها عَرَبِيَّةٌ لِأَنَّهَا الْمُتَبَادِرَةُ من اللَّفْظِ فَإِنْ شَرَطَا رُومِيَّةً أو غَيْرَهَا وَعَرَفَاهَا جَازَ وَإِنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَعَلَى النَّخِيلِ طَلْعٌ أو بَلَحٌ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلِلْعَامِلِ حِصَّتُهُ منه وَعَلَى الْمَالِكِ التَّعَهُّدُ وفي نُسْخَةٍ تَعَهُّدُهُ إلَى الْإِدْرَاكِ أَيْ الْجِذَاذِ كَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ قال الْأَذْرَعِيُّ ولم يَنْقُلْهُ ابن الرِّفْعَةِ إلَّا عن الرَّافِعِيِّ وفي الِانْتِصَارِ وَالْمُرْشِدِ أَنَّ التَّعَهُّدَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الثَّمَرَةَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا وَلَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ أُجْرَةٌ لِتَبْقِيَةِ حِصَّتِهِ على الشَّجَرِ إلَى حِينِ الْإِدْرَاكِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهَا ثَمَرَةً مُدْرَكَةً بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَإِنْ أَدْرَكَ الثَّمَرُ قبل انْقِضَائِهَا أَيْ الْمُدَّةِ لَزِمَ الْعَامِلَ أَنْ يَعْمَلَ الْبَقِيَّةَ بِلَا أُجْرَةٍ وَإِنْ لم يَحْدُثْ الثَّمَرُ إلَّا بَعْدَ الْمُدَّةِ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ
الرُّكْنُ الْخَامِسُ الصِّيغَةُ كَسَائِرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ وَهِيَ سَاقَيْتُك على هذا النَّخْلِ بِكَذَا أو ما في مَعْنَاهُ كَ اعْمَلْ في نَخِيلِي أو تَعَهَّدْهَا أو سَلَّمْتهَا إلَيْك لِتَتَعَهَّدَهَا بِكَذَا فَيَقْبَلُ الْعَامِلُ قال في الْأَصْلِ بَعْدَ نَقْلِهِ هذه الثَّلَاثَةَ عن الْأَصْحَابِ وما قَالُوهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَفْرِيعًا على أَنَّ مثله من الْعُقُودِ يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ أَيْ فَيَكُونُ كِنَايَةً وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَهَابًا إلَى أنها صَرِيحَةٌ انْتَهَى
وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ وَالشَّاشِيِّ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِمْ الْأَوَّلُ وقال ابن الرِّفْعَةِ الْأَشْبَهُ الثَّانِي وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ
فَرْعٌ لو عَقَدَاهَا بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ كَ اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَتَعَهَّدَ نَخِيلِي بِكَذَا من ثَمَرَتِهَا لم يَصِحَّ قالوا لِأَنَّ لَفْظَ الْإِجَارَةِ صَرِيحٌ في عَقْدٍ آخَرَ فَإِنْ أَمْكَنَ تَنْفِيذُهُ في مَحَلِّهِ نَفَذَ
____________________
(2/396)
فيه كما سَيَأْتِي وَإِلَّا فَإِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ وَكَذَا عَكْسُهُ بِأَنْ عَقَدَ الْإِجَارَةِ بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ كَ سَاقَيْتُكَ لِتَتَعَهَّدَ نَخِيلِي بِمِائَةٍ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ لَفْظَ الْمُسَاقَاةِ صَرِيحٌ في عَقْدٍ آخَرَ هذا إذَا قَصَدَا بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ الْمُسَاقَاةَ وَإِلَّا فَحُكْمُهُ ما بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ وُجِدَتْ الْإِجَارَةُ بِشُرُوطِهَا كَأَنْ اسْتَأْجَرَهُ بِنِصْفِ الثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَةِ أو كُلِّهَا مع بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَإِنْ كان نِصْفُهَا في الْأُولَى شَائِعًا وَكَذَا قَبْلَهُ لَكِنْ بِشَرْطِ الْقَطْعِ لِلنِّصْفِ أو الْكُلِّ ولم يَكُنْ أَيْ النِّصْفُ شَائِعًا كَأَنْ شَرَطَ له ثَمَرَةً مُعَيَّنَةً صَحَّ فَإِنْ لم تَكُنْ الثَّمَرَةُ مَوْجُودَةً أو كانت مَوْجُودَةً لَكِنْ شَرَطَ نِصْفًا شَائِعًا لم يَصِحَّ وَإِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ في الثَّانِيَةِ أَمَّا في الْأُولَى فَلِأَنَّ شَرْطَ الْأُجْرَةِ أَنْ تَكُونَ في الذِّمَّةِ أو مَوْجُودَةً مَعْلُومَةً كما سَيَأْتِي وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَلِتَعَذُّرِ قَطْعِ الشَّائِعِ وَحْدَهُ أَيْ بِنَاءً على أَنَّ قِسْمَةَ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ بَيْعٌ لَا إفْرَازٌ وَإِلَّا فَذَلِكَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ قِسْمَتَهَا على الشَّجَرِ خَرْصًا جَائِزٌ وَلَوْ قبل بُدُوِّ الصَّلَاحِ إذَا قُلْنَا إنَّهَا إفْرَازٌ وَهَذَا جَازَ في سَائِرِ نَظَائِرِهِ الْآتِيَةِ وَذِكْرُ النِّصْفِ مِثَالٌ فَسَائِرُ الْأَجْزَاءِ كَذَلِكَ
وَإِنْ قال سَاقَيْتُك بِالنِّصْفِ مَثَلًا لِيَكُونَ أَجْرُهُ لَك لم يَضُرَّ لِسَبْقِ لَفْظِ الْمُسَاقَاةِ
وَلَوْ سَاقَاهُ ولم يُفَصِّلْ الْأَعْمَالَ صَحَّ وَيُحْمَلُ في كل نَاحِيَةٍ على عُرْفِهَا الْغَالِبِ إنْ عَرَفَاهُ إذْ الْمَرْجِعُ فيه إلَى الْعُرْفِ فَإِنْ جَهِلَاهُ أو أَحَدُهُمَا وَجَبَ التَّفْصِيلُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْحَمْلَ الْمَذْكُورَ يَجْرِي وَإِنْ عُقِدَ بِغَيْرِ لَفْظِ الْمُسَاقَاةِ وَبِهِ صَرَّحَ ابن يُونُسَ وهو ظَاهِرٌ لَكِنَّ كَلَامَ الْأَصْلِ قد يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَجْرِي إلَّا في لَفْظِهَا قال الزَّرْكَشِيُّ وَكَلَامُ الْإِمَامِ يُشِيرُ إلَيْهِ حَيْثُ قال فَإِنْ قال خُذْ فَلَا بُدَّ من شَرْحِ الْأَعْمَالِ التي على الْعَامِلِ وَإِنْ قال سَاقَيْتُك فَلَا حَاجَةَ إلَى تَفْصِيلِ الْأَعْمَالِ وَإِنْ قال عَامَلْتُك فَفِي التَّفْصِيلِ تَرَدُّدٌ وَتَبِعَهُ عليه الْغَزَالِيُّ
الْبَابُ الثَّانِي في أَحْكَامِهَا وَيَجْمَعُهَا حُكْمَانِ الْأَوَّلُ ما عَلَيْهِمَا فَكُلُّ ما يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَنْمِيَةِ الثَّمَرَةِ وَيَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ فَهُوَ على الْعَامِلِ كَالسَّقْيِ وَإِصْلَاحِ مَجَارِيهِ أَيْ الْمَاءِ وَالْأَجَاجِينِ التي يَقِفُ فيها الْمَاءُ حَوْلَ الشَّجَرِ وَتَنْقِيَةِ الْأَنْهَارِ وَالْآبَارِ من الطِّينِ وَنَحْوِهِ وَإِدَارَةِ الدُّولَابِ وَفَتْحِ رَأْسِ السَّاقِيَةِ أَيْ الْقَنَاةِ وَسَدِّهَا عِنْدَ السَّقْيِ على ما يَقْتَضِيهِ الْحَالُ وَتَقْلِيبِ الْأَرْضِ بِالْمَسَاحِي وَكِرَابِهَا بِالْمُوَحَّدَةِ أَيْ قَلْبِهَا لِلْحَرْثِ في الزِّرَاعَةِ وَتَقْوِيَتِهَا بِالزِّبْلِ إنْ اُعْتِيدَ وَالتَّلْقِيحِ وَقَطْعِ الْمُضِرِّ بِالشَّجَرِ من الْحَشِيشِ وَنَحْوِهِ كَالْقُضْبَانِ وَالْجَرِيدِ وَصَرْفِهِ عن وُجُوهِ الْعَنَاقِيدِ لِتُصِيبَهَا الشَّمْسُ وَلِيَتَيَسَّرَ قَطْعُهَا عِنْدَ الْإِدْرَاكِ على الْعَامِلِ وَكَذَا التَّعْرِيشُ لِلْعِنَبِ وَحِفْظُ الثَّمَرَةِ على الشَّجَرِ وفي الْبَيْدَرِ عن السَّرِقَةِ وَالشَّمْسِ وَالطُّيُورِ وَالذَّنَابِيرِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ فَوْقَهَا حَشِيشًا أو نَحْوَهُ في الْأُولَتَيْنِ وَأَنْ يَجْعَلَ كُلَّ عُنْقُودٍ في وِعَاءٍ كَقَوْصَرَّةٍ في الْأَخِيرَتَيْنِ وَالْجِدَادُ وَتَجْفِيفُ الثَّمَرِ إنْ اُعْتِيدَ كُلٌّ من التَّعْرِيشِ وما بَعْدَهُ أو شَرَطَ على الْعَامِلِ وَذِكْرُ الشَّرْطِ في غَيْرِ الْأَخِيرِ وَالِاعْتِيَادِ في الْحِفْظِ وَالْجِدَادِ من زِيَادَتِهِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذلك من تَقْيِيدِ الْأَصْلِ تَصْحِيحَ وُجُوبِ التَّجْفِيفِ على الْعَامِلِ بِذَلِكَ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِذَلِكَ ليس من مَحَلِّ الْخِلَافِ إذْ النَّافِي لِوُجُوبِهِ لَا يَسَعُهُ مُخَالَفَةُ الْعَادَةِ أو الشَّرْطِ فَمَحَلُّ التَّصْحِيحِ إنَّمَا هو عِنْدَ انْتِفَائِهِمَا وإذا لَزِمَ التَّجْفِيفُ وَجَبَ تَسْوِيَةُ الْبَيْدَرِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْجَرِينُ وَنَقْلُهَا أَيْ الثَّمَرَةِ إلَيْهِ وَتَقْلِيبُهَا في الشَّمْسِ وَقَوْلُهُ وَصَوْنُهَا عن الشَّمْسِ فيه إقَامَةُ الظَّاهِرِ مَقَامَ الْمُضْمَرِ مع أَنَّهُ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ إنْ اُحْتِيجَ إلَى كُلٍّ من الْمَذْكُورَاتِ وَإِنَّمَا لَزِمَ حِفْظُ الثَّمَرَةِ وَجِدَادُهَا الْعَامِلَ دُونَ الْمَالِكِ كَالْمَذْكُورَانِ قَبِلَهُمَا لِأَنَّهُمَا من صَلَاحِ الثَّمَرَةِ وَالْأَعْيَانُ على الْمَالِكِ لَا على الْعَامِلِ إذْ ليس عليه إلَّا الْعَمَلُ كَطَلْعِ التَّلْقِيحِ وَقَصَبِ التَّعْرِيشِ
____________________
(2/397)
التَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَظُرُوفِ الْعَنَاقِيدِ وَكَذَا الْمِنْجَلُ وَالْمِعْوَلُ بِكَسْرِ مِيمِهِمَا وَالثَّوْرُ وَآلَتُهُ من الْمِحْرَاثِ وَغَيْرِهِ وَالْخَرَاجُ أَيْ خَرَاجُ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ وما لَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ وَيُقْصَدُ بِهِ حِفْظُ الْأُصُولِ كَحَفْرِ الْبِئْرِ وما انْهَارَ أَيْ هُدِمَ مِنْهُمَا وَبِنَاءِ الْحَائِطِ وَنَصْبِ الدُّولَابِ وَالْأَبْوَابِ على الْمَالِكِ لَا على الْعَامِلِ إذْ في تَكْلِيفِهِ إيَّاهُ مع بَقَاءِ أَثَرِهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُسَاقَاةِ إجْحَافٌ بِهِ وَأَمَّا وَضْعُ الشَّوْكِ على الْجِدَارِ وَالتَّرْقِيعُ الْيَسِيرُ الذي يُنْفَقُ في الْجِدَادِ فَبِحَسَبِ الْعَادَةِ من كَوْنِهِمَا على الْمَالِكِ أو الْعَامِلِ وَنَصُّ الْأُمِّ على أَنَّ الثَّانِيَ على الْمَالِكِ يُحْمَلُ على ما إذَا اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ بِهِ وَإِنْ شُرِطَ على أَحَدِهِمَا في الْعَقْدِ ما على الْآخَرِ بَطَلَتْ لِمُخَالَفَتِهِ وَضْعَ الْعَقْدِ وَلَهُ اسْتِئْجَارُهُ عليه وَلَا أُجْرَةَ له إنْ عَمِلَهُ بِلَا إذْنٍ بِخِلَافِ ما إذَا عَمِلَهُ بِالْإِذْنِ فَلَهُ أُجْرَتُهُ وَاسْتَشْكَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ مُجَرَّدَ الْإِذْنِ لَا يَقْتَضِي الْأُجْرَةَ فَالْمُتَّجَهُ تَخْرِيجُهُ على ما إذَا قال اغْسِلْ ثَوْبِي وَالصَّحِيحُ فيه عَدَمُ الْوُجُوبِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ هذا تَابِعٌ لِعَمَلٍ تَجِبُ فيه الْأُجْرَةُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ اغْسِلْ ثَوْبِي وَذِكْرُ مَسْأَلَةِ اسْتِئْجَارِ الْمَالِكِ على ما على الْعَامِلِ وَعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ الْأُجْرَةَ إنْ عَمِلَهُ بِلَا إذْنٍ من زِيَادَتِهِ
الْحُكْمُ الثَّانِي اللُّزُومُ لِلْمُسَاقَاةِ فَهِيَ عَقْدٌ لَازِمٌ كَالْإِجَارَةِ بِجَامِعِ أَنَّ الْعَمَلَ فِيهِمَا في أَعْيَانٍ تَبْقَى بِحَالِهَا بِخِلَافِ الْقِرَاضِ لَا تَبْقَى أَعْيَانُهُ بَعْدَ الْعَمَلِ فَأَشْبَهَ الْوَكَالَةَ ويملك الْعَامِلُ فيها حِصَّتَهُ من الثَّمَرَةِ بِالظُّهُورِ بِخِلَافِ الْقِرَاضِ لِأَنَّ الرِّبْحَ فيه وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ نعم إنْ عُقِدَتْ الْمُسَاقَاةُ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ مَلَكَهَا بِالْعَقْدِ
فَصْلٌ وَإِنْ هَرَبَ الْعَامِلُ أو مَرِضَ أو عَجَزَ بِغَيْرِ ذلك قبل التَّمَامِ لِلْعَمَلِ لم يَبْطُلْ عَمَلُهُ الذي عَمِلَهُ بَلْ يُثْبِتُ الْمَالِكُ عِنْدَ الْحَاكِمِ الْمُسَاقَاةَ وَالْهَرَبَ أو نَحْوَهُ لِيُتَمِّمَ الْعَمَلَ من مَالِهِ بِأَنْ يَكْتَرِيَ منه من يُتَمِّمُهُ لِأَنَّهُ دَيْنٌ عليه فَيَنُوبُ عنه الْحَاكِمُ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ هذا إنْ كان له مَالٌ غَيْرُ الثَّمَرِ وَإِلَّا بَاعَ نَصِيبَهُ أو بَعْضَهُ منه بِقَدْرِ ما يَفِي بِالْأُجْرَةِ وَاكْتَرَى بِهِ إنْ بَدَا صَلَاحُهُ وَإِنْ لم يَبْدُ الصَّلَاحُ وَخَرَجَ الثَّمَرُ أو لم يَخْرُجْ اسْتَقْرَضَ من الْمَالِكِ أو غَيْرِهِ إنْ لم يَجِدْ من يَعْمَلُ بِأُجْرَةٍ مُؤَجَّلَةٍ مُدَّةَ إدْرَاكِ الثَّمَرَةِ لِتَعَذُّرِ بَيْعِ نَصِيبِهِ وَحْدَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى شَرْطِ قَطْعِهِ وَتَعَذُّرِهِ في الشَّائِعِ وَاكْتَرَى بِمَا افْتَرَضَهُ وَيَقْضِيهِ الْعَامِلُ بَعْدَ زَوَالِ مَانِعِهِ أو الْحَاكِمُ من نَصِيبِهِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَإِنْ وَجَدَ من يُتِمُّ الْعَمَلَ بِذَلِكَ اسْتَغْنَى عن الِاقْتِرَاضِ وَحَصَلَ الْغَرَضُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ يَكْتَرِي وَإِنْ كانت الْمُسَاقَاةُ وَارِدَةً على الْعَيْنِ وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمَعِينِ الْيَمَنِيِّ وَالنَّسَائِيُّ الْمَنْعُ في الْوَارِدَةِ على الْعَيْنِ لِتَمَكُّنِ الْمَالِكِ من الْفَسْخِ وَقَوْلُهُمْ اسْتَقْرَضَ وَاكْتَرَى عنه يُفْهِمُ أَنَّهُ ليس له أَنْ يُسَاقِيَ عنه وهو كَذَلِكَ فَإِنْ لم يَكُنْ حَاكِمٌ يَقْدِرُ على مُرَاجَعَتِهِ لِإِثْبَاتِ ما ذُكِرَ بِأَنْ فَقَدَهُ بِالنَّاحِيَةِ أو كان فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى أو حَاضِرًا ولم يُجِبْهُ أو عَجَزَ عن الْإِثْبَاتِ فَعَمِلَ أو اسْتَأْجَرَ من يُتِمُّ الْعَمَلَ وَأَشْهَدَ على الْعَمَلِ أو الِاسْتِئْجَارِ وَشَرَطَ الرُّجُوعَ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ أو بِمَا بَذَلَهُ وَأَشْهَدَ أَنَّهُ عَمِلَ أو بَذَلَ لِيَرْجِعَ أو بِشَرْطِ الرُّجُوعِ رَجَعَ لِلضَّرُورَةِ وَإِلَّا فَلَا يَرْجِعُ لِعَدَمِهَا وَلَوْ عُدِمَ الشُّهُودُ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْحَاكِمُ الْمَالِكَ أو أَذِنَ له في الْإِنْفَاقِ فَأَنْفَقَ لِيَرْجِعَ رَجَعَ كما لو اقْتَرَضَ منه وَالتَّرْجِيحُ في الثَّانِيَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِهِ في الْأُولَى من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ في الثَّانِيَةِ وَكَذَا الْإِسْنَوِيُّ أَخْذًا من نَظِيرِهِ في الْإِجَارَةِ من هَرَبِ الْجَمَّالِ فَلَوْ تَعَذَّرَ الِاسْتِقْرَاضُ وَغَيْرُهُ من الِاكْتِرَاءِ وَالْإِنْفَاقِ وَالْعَمَلِ قبل خُرُوجِ الثَّمَرَةِ فَلَهُ الْفَسْخُ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عليه كَإِبَاقِ الْمَبِيعِ قبل الْقَبْضِ وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِ ما عَمِلَ قبل هَرَبِهِ أو نَحْوِهِ وَلَا يُقَالُ بِتَوْزِيعِ الثِّمَارِ على أُجْرَةِ مِثْلِ جَمِيعِ الْعَمَلِ
____________________
(2/398)
لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَ الْعَقْدِ حتى يَقْتَضِيَ الْعَقْدُ التَّوْزِيعَ فيها وَلَوْ تَطَوَّعَ آخَرُ بِنِيَابَةِ الْعَامِلِ أَيْ بِنِيَابَتِهِ عنه لم يَلْزَمْ الْمَالِكَ إجَابَتُهُ لِأَنَّهُ قد لَا يَأْتَمِنُهُ وَلَا يَرْضَى بِدُخُولِهِ مِلْكَهُ قال في الْأَصْلِ لَكِنْ لو عَمِلَ نِيَابَةً بِغَيْرِ عِلْمِ الْمَالِكِ وَحَصَلَتْ الثَّمَرَةُ سَلِمَ لِلْعَامِلِ نَصِيبُهُ منها كَذَا قَالُوهُ وَلَوْ قِيلَ وُجُودُ الْمُتَبَرِّعِ كَوُجُودِ مُقْرِضٍ حتى يَمْتَنِعَ الْفَسْخُ لَكَانَ قَرِيبًا قال الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ ما قَالُوهُ لِمَا في قَبُولِهِ من الْمِنَّةِ كما لو تَبَرَّعَ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ بِأَدَاءِ ثَمَنِ السِّلْعَةِ من عَيْنِ أَمْوَالِهِمْ لَا يَلْزَمُ الْمَالِكَ الْقَبُولُ انْتَهَى وَكَالتَّبَرُّعِ بِالْعَمَلِ التَّبَرُّعُ بِمُؤْنَتِهِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ شَامِلٌ له دُونَ كَلَامِ أَصْلِهِ أَمَّا لو لم يَقْصِدْ التَّطَوُّعَ عن الْعَامِلِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ لِلْعَامِلِ نَصِيبَهُ كَنَظِيرِهِ في الْجَعَالَةِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَإِنْ تَعَذَّرَ ما ذُكِرَ بَعْدَ خُرُوجِهَا وَقَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لها لم يَفْسَخْ أَيْ الْمَالِكُ لِأَجْلِ الشَّرِكَةِ التَّعْلِيلُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَلَا تُبَاعُ الثَّمَرَةُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ لِتَعَذُّرِ قَطْعِهَا لِلشُّيُوعِ إلَّا إنْ رضي الْمَالِكُ بِبَيْعِ الْجَمِيعِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ أو اشْتَرَاهُ أَيْ الْمَالِكُ نَصِيبَ الْعَامِلِ بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ فَيَصِحُّ الشِّرَاءُ لِأَنَّ لِصَاحِبِ الشَّجَرِ أَنْ يَشْتَرِيَ الثَّمَرَ قبل بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَهَذَا تَبِعَ فيه ما صَحَّحَهُ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ هُنَا لَكِنَّ الْأَصَحَّ في بَابِهِ عَدَمُ الصِّحَّةِ كما مَرَّ وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ هُنَا فَيَصِحُّ على أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ قال الزَّرْكَشِيُّ وما وَقَعَ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ هُنَا سَبْقُ قَلَمٍ وَإِنْ لم يَرْغَبْ أَيْ الْمَالِكُ في ذلك أَيْ في الْبَيْعِ أو الشِّرَاءِ وُقِفَ الْأَمْرُ حتى يَصْطَلِحَا قال الْبَغَوِيّ أو يَبْدُوَ الصَّلَاحُ وفي الْوَقْفِ إلَى الِاصْطِلَاحِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعَامِلَ مُجْبَرٌ على الْعَمَلِ بَعْدَ زَوَالِ مَانِعِهِ
فَصْلٌ وَإِنْ مَاتَ الْمَالِكُ في أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ لم يَنْفَسِخْ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ وَمِثْلُهُ نَاطِرُ الْوَقْفِ وَنَحْوُهُ نعم لو كان الْعَامِلُ الْبَطْنَ الثَّانِيَ وَالْوَقْفُ وَقْفَ تَرْتِيبٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْفَسِخَ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَاسْتَثْنَى أَعْنِي الزَّرْكَشِيَّ مع ذلك الْوَارِثَ أو الْعَامِلُ وَهِيَ أَيْ الْمُسَاقَاةُ وَارِدَةٌ على عَيْنِهِ انْفَسَخَتْ كَالْأَجِيرِ الْمُعَيَّنِ قال السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ إذَا مَاتَ في أَثْنَاءِ الْعَمَلِ الذي هو عُمْدَةُ الْمُسَاقَاةِ فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ أو الْجِدَادِ ولم يَبْقَ إلَّا التَّجْفِيفُ وَنَحْوُهُ فَلَا أو وَارِدَةٌ في ذِمَّتِهِ فَلَا يَنْفَسِخُ كَالْإِجَارَةِ وَلِلْوَارِثِ وَإِنْ لم تَكُنْ تَرِكَةٌ لَا عليه إنْ لم تَكُنْ أَنْ يُتَمِّمَ الْعَمَلَ بِنَفْسِهِ أو بِنَائِبِهِ وَعَلَى الْمَالِكِ تَمْكِينُهُ أَيْ الْوَارِثِ أو نَائِبِهِ من ذلك إنْ كان عَارِفًا بِأَعْمَالِ الْمُسَاقَاةِ أَمِينًا كَلَامُهُ سَالِمٌ من إيهَامِ أَنَّهُ ليس له أَنْ يُتَمِّمَ إذَا لم يَكُنْ تَرِكَةٌ بِخِلَافِ كَلَامِ أَصْلِهِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ عَارِفًا بِأَعْمَالِ الْمُسَاقَاةِ أَمِينًا وَلِمُوَرِّثِهِ تَرِكَةٌ اسْتَأْجَرَ عنه من تَرِكَتِهِ لِأَنَّهُ خَلِيفَتُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ اسْتَأْجَرَ عليه الْحَاكِمُ من تَرِكَتِهِ وَلَا يَسْتَقْرِضُ على الْمَيِّتِ إنْ لم يَكُنْ له تَرِكَةٌ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ خَرِبَتْ بِخِلَافِ الْحَيِّ وَعِنْدَ التَّعَذُّرِ لِإِتْمَامِ الْعَمَلِ فَالْحُكْمُ كما سَبَقَ فِيمَا إذَا تَعَذَّرَ في الْحَيَاةِ
فَرْعٌ لو تَلِفَتْ الثِّمَارُ كُلُّهَا بِجَائِحَةٍ أو غَيْرِهَا كَغَصْبٍ أو لم تُثْمِرْ لم يَنْفَسِخْ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ بَلْ يُتِمُّ الْعَامِلُ الْعَمَلَ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ وَلَا شَيْءَ له كما أَنَّ عَامِلَ الْقِرَاضِ يُكَلَّفُ التَّنْضِيضَ وَإِنْ ظَهَرَ خُسْرَانٌ فَإِنْ تَلِفَ بَعْضُهَا فَلَهُ الْفَسْخُ إنْ سَمَحَ بِتَرْكِ الْبَاقِي لِلْمَالِكِ وَإِلَّا فَيُتِمُّ الْعَمَلَ وَمُرَادُهُ بهذا ما عَبَّرَ عنه أَصْلُهُ بِقَوْلِهِ فَلِلْعَامِلِ أَنْ يَفْسَخَ وَلَا شَيْءَ له وَأَنْ يُجِيزَ وَيُتِمَّ الْعَمَلَ وَيَأْخُذَ نَصِيبَهُ مع أَنَّهُ قد يُقَالُ هذا مُفَرَّعٌ على ضَعِيفٍ فإنه بَعْدَ أَنْ نَقَلَ وُجُوبَ إتْمَامِ الْعَمَلِ على الْعَامِلِ فِيمَا لو تَلِفَتْ الثِّمَارُ كُلُّهَا نَقَلَ عن الْبَغَوِيّ الِانْفِسَاخَ فيها وقال إنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْبَغَوِيّ بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ وَتَكَامُلِ الثِّمَارِ ثُمَّ نَقَلَ عنه التَّخْيِيرَ فِيمَا لو تَلِفَ بَعْضُهَا فَكَيْفَ يَجِبُ إتْمَامُ الْعَمَلِ في تَلَفِ الْكُلِّ وَلَا يَجِبُ في تَلَفِ الْبَعْضِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْعَامِلَ في الْأُولَى لم يَفُتْ عليه شَيْءٌ حَاصِلٌ بِخِلَافِهِ في الثَّانِيَةِ
____________________
(2/399)
فَصْلٌ لو ادَّعَى الْمَالِكُ خِيَانَةَ الْعَامِلِ في الثَّمَرَةِ أو غَيْرِهَا كَالسَّعَفِ لم تُسْمَعْ دَعْوَاهُ حتى يُبَيِّنَهَا أَيْ الْخِيَانَةَ أَيْ قَدْرَ ما حَصَلَ بها فإذا بَيَّنَهُ وَأَنْكَرَ الْعَامِلُ صُدِّقَ الْعَامِلُ بِيَمِينِهِ هذا إذَا قَصَدَ تَغْرِيمَهُ فَإِنْ قَصَدَ رَفْعَ يَدِهِ عن الثَّمَرَةِ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ مَجْهُولَةً وَيُثْبِتَ خِيَانَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ أو بِإِقْرَارِهِ أو بِيَمِينِ الرَّدِّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ يُثْبِتَ مَعْطُوفٌ على يُبَيِّنَهَا وَلَا مَعْنَى له مع أَنَّ هذه اللَّفْظَةَ لَيْسَتْ في بَعْضِ النُّسَخِ وَلَا في الْأَصْلِ فَإِنْ ثَبَتَتْ خِيَانَتُهُ حَفِظَ بِمُشْرِفٍ إنْ أَمْكَنَ حِفْظُهُ بِهِ لِأَنَّهُ الذي أَحْوَجَ إلَى ذلك بِخِيَانَتِهِ وَلَا تُرْفَعُ يَدُهُ لِأَنَّ الْعَمَلَ حَقٌّ عليه وَيُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ بِمَا ذُكِرَ فَتَعَيَّنَ جَمْعًا بين الْحَقَّيْنِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُمْكِنْ حِفْظُهُ بِمُشْرِفٍ اُسْتُؤْجِرَ عليه من يَعْمَلُ عنه لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْعَمَلِ منه وهو حَقٌّ عليه نعم إنْ كانت الْمُسَاقَاةُ على عَيْنِهِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يُسْتَأْجَرُ عنه بَلْ يَثْبُتُ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَرُفِعَتْ يَدُهُ كما لو كان مَالٌ بين شَرِيكَيْنِ تَعَذَّرَتْ قِسْمَتُهُ وَظَهَرَتْ خِيَانَةُ أَحَدِهِمَا فَالْحَاكِمُ يَرْفَعُ يَدَهُ عنه وَأُجْرَتُهُمَا أَيْ الْمُشْرِفِ في الْأُولَى وَالْأَجِيرِ في الثَّانِيَةِ من مَالِهِ أَيْ الْعَامِلِ لِأَنَّ الْعَمَلَ حَقٌّ عليه
فَصْلٌ وَإِنْ اُسْتُحِقَّتْ الْأَشْجَارُ الْمُسَاقَى عليها فَلِلْعَامِلِ الْأُجْرَةُ على الْغَاصِبِ الذي سَاقَاهُ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عليه مَنَافِعَهُ بِعِوَضٍ فَاسِدٍ فَأَشْبَهَ ما لو اسْتَأْجَرَ الْغَاصِبُ من عَمِلَ في الْمَغْصُوبِ عَمَلًا وَهَذَا عِنْدَ جَهْلِهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَمَّا عِنْدَ عِلْمِهِ فَلَا أُجْرَةَ له وَعَبَّرَ الْمِنْهَاجُ بَدَلَ الْأَشْجَارِ بِالثَّمَرِ وهو أَحْسَنُ لِأَنَّ الْمَالِكَ قد يُوصِي بِمَا سَيَحْدُثُ من الثَّمَرِ ثُمَّ يُسَاقِي وَيَمُوتُ وَيَسْتَرِدُّ الْمَالِكُ مع الْأَشْجَارِ الثَّمَرَةَ بِأَرْشِهَا إنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا بِالتَّجْفِيفِ أو غَيْرِهِ فَإِنْ تَلِفَتْ أَيْ الثَّمَرَةُ أو الشَّجَرَةُ بِجَائِحَةٍ أو غَيْرِهَا كَغَصْبٍ طُولِبَ الْغَاصِبُ وَكَذَا الْعَامِلُ بِالْجَمِيعِ أَيْ بِبَدَلِهِ لِثُبُوتِ يَدِ كُلٍّ مِنْهُمَا على ذلك بِخِلَافِ الْأَجِيرِ لِلْعَمَلِ في الْحَدِيقَةِ الْمَغْصُوبَةِ فإن الْمَالِكَ لَا يُطَالِبُهُ وَإِنَّمَا يُطَالِبُ الْغَاصِبَ فَقَطْ لِأَنَّ الْيَدَ عليها في الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هِيَ له لَا لِلْأَجِيرِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ هُنَا وَيَرْجِعُ الْعَامِلُ على الْغَاصِبِ بِمَا غَرِمَهُ لَكِنَّ قَرَارَ ضَمَانِ نَصِيبِهِ عليه فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عليه لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عِوَضًا في مُعَاوَضَةٍ فَأَشْبَهَ الْمُشْتَرِيَ من الْغَاصِبِ
فَصْلٌ لو اخْتَلَفَا في قَدْرِ الْمَشْرُوطِ لِلْعَامِلِ وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا أو لَهُمَا بَيِّنَتَانِ وسقطتا تَحَالَفَا وَفُسِخَ الْعَقْدُ كما في الْقِرَاضِ وَلِلْعَامِلِ على الْمَالِكِ الْأُجْرَةُ لِعَمَلِهِ إنْ فَسَخَ الْعَقْدَ بَعْدَ الْعَمَلِ وَإِنْ لم يُثْمِرْ الشَّجَرُ وَإِلَّا فَلَا أُجْرَةَ له فَإِنْ كان لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ قُضِيَ له بها فَإِنْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ عَمِلَ لِشَرِيكَيْنِ سَاقَيَاهُ على شَجَرِهِمَا الْمُشْتَرَكِ وقال شَرَطْتُمَا إلَيَّ النِّصْفَ وَصَدَّقَهُ وفي نُسْخَةٍ فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ بِأَنْ قال بَلْ شَرَطْنَا له الثُّلُثَ مَثَلًا فَالتَّحَالُفُ يَجْرِي في نَصِيبِ الْمُكَذِّبِ وَأَمَّا نَصِيبُ الْمُصَدِّقِ فَمَقْسُومٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَامِلِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُصَدِّقِ على شَرِيكِهِ وَلَهُ إذْ لَا تُهْمَةَ وَحُكْمُ اخْتِلَافِهِمَا أَيْ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ في قَدْرِ الشَّجَرِ الْمَعْقُودِ عليه وفي رَدِّهِ وفي هَلَاكِهِ كما في الْقِرَاضِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ
فَصْلٌ لو لم يَثِقْ أَحَدُهُمَا بِيَدِ صَاحِبِهِ وَخُرِصَتْ الثِّمَار بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَضَمِنَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ تَمْرًا أو زَبِيبًا جَازَ كُلٌّ من الْخِرْصِ وَالضَّمَانِ كما في الزَّكَاةِ بِنَاءً على أَنَّ الْخِرْصَ تَضْمِينٌ لَا غَيْرُهُ وَإِنْ وَثِقَ بِيَدِ صَاحِبِهِ تُرِكَ الثَّمَرُ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا إنْ جَوَّزْنَا الْقِسْمَةَ أو يَبِيعُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ من الْآخَرِ أو يَبِيعَانِ لِثَالِثٍ فَرْعٌ سَوَاقِطُ السَّعَفِ أَيْ أَغْصَانِ النَّخْلِ وَالْكَرَبِ بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ الْكِرْنَافِ لِلْمَالِكِ وَكَذَا اللِّيفُ كما قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ ذلك بَيْنَهُمَا فَقِيلَ يَجُوزُ لِأَنَّهُ نَمَاءٌ كَالثَّمَرِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ ليس من مَعْهُودِ النَّمَاءِ وَلَا مَقْصُودِهِ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ نَقَلَهُ عن الصَّيْمَرِيِّ وَالْقُنْوُ وَشَمَارِيخُهُ بَيْنَهُمَا
فَصْلٌ لو انْقَطَعَ الْمَاءُ أَيْ مَاءُ الْحَدِيقَةِ لم يُكَلَّفْ الْمَالِكُ رَدَّهُ وَإِنْ أَمْكَنَ كما لَا يُكَلَّفُ الشَّرِيكُ وَالْمُكْرِي الْعِمَارَةَ وَتَلَفُ الثَّمَرِ بِهِ أَيْ بِانْقِطَاعِ الْمَاءِ وَإِنْ أَمْكَنَ رَدُّهُ كَالْجَائِحَةِ أَيْ كَتَلَفِهِ بها وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ
فَصْلٌ لو أَعْطَاهُ دَابَّةً لِيَعْمَلَ عليها أو لِيَتَعَهَّدَهَا وَفَوَائِدُهَا بَيْنَهُمَا لم يَصِحَّ الْعَقْدُ أَمَّا في الْأُولَى
____________________
(2/400)
فَلِأَنَّ الدَّابَّةَ يُمْكِنُ إيجَارُهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى إيرَادِ عَقْدٍ عليها فيه غَرَرٌ وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الْفَوَائِدَ لَا تَحْصُلُ بِعَمَلِهِ أو لِيَعْلِفَهَا من عِنْدِهِ بِنِصْفِ دَرِّهَا فَفَعَلَ ضَمِنَ الْمَالِكُ لِلْآخَرِ الْعَلَفَ وَقَوْلُ الرَّوْضَة بَدَلَ النِّصْفِ سَبْقُ قَلَمٍ وَالْآخَرُ ضَمِنَ لِلْمَالِكِ نِصْفَ الدَّرِّ وهو الْقَدْرُ الْمَشْرُوطُ له لِحُصُولِهِ بِحُكْمِ بَيْعٍ فَاسِدٍ لَا الشَّاةَ الْأَنْسَبُ لَا الدَّابَّةَ أَيْ لَا يَضْمَنُهَا لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقَابَلَةٍ بِعِوَضٍ أو لِيَعْلِفَهَا بِنِصْفِهَا فَفَعَلَ فَالنِّصْفُ الْمَشْرُوطُ مَضْمُونٌ على الْعَالِفِ لِحُصُولِهِ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ دُونَ النِّصْفِ الْآخَرِ
فَصْلٌ لِلْمُسَاقَى لِلْمَالِكِ في ذِمَّتِهِ أَنْ يُسَاقِيَ غَيْرَهُ لِيَنُوبَ عنه فإذا وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ أَيْ ثُمَّ إنْ شَرَطَ له مِثْلَ نَصِيبِهِ أو دُونَهُ فَذَاكَ وَإِنْ شَرَطَ له أَكْثَرَ من نَصِيبِهِ صَحَّ الْعَقْدُ فِيمَا يُقَابِلُ قَدْرَ نَصِيبِهِ دُونَ الزَّائِدِ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ وَلَزِمَهُ أَنْ يُعْطِيَ الثَّانِي لِلزَّائِدِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ فَلَوْ سَاقَاهُ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثَّمَرَةِ صَحَّ في ثُلُثَيْ الْعَمَلِ بِثُلُثَيْ الْأُجْرَةِ وهو قَدْرُ نَصِيبِهِ وَلَزِمَهُ أُجْرَةُ الْعَمَلِ لِلثُّلُثِ الْبَاقِي نعم لو كان الثَّانِي عَالِمًا بِالْحَالِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شيئا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَإِنْ كانت مُسَاقَاتُهُ على عَيْنِهِ وَعَامَلَ غَيْرَهُ انْفَسَخَتْ بِتَرْكِهِ الْعَمَلَ لَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَكَانَتْ الثِّمَارُ كُلُّهَا لِلْمَالِكِ وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ الْأَوَّلِ وَلِلثَّانِي حُكْمُ من عَمِلَ في مَغْصُوبٍ فَلَهُ عليه الْأُجْرَةُ إنْ جَهِلَ الْحَالَ وَإِلَّا فَلَا وَعُلِمَ من آخِرِ كَلَامِهِ أَنَّهُ ليس لِلْعَامِلِ أَنْ يَسْتَنِيبَ وَيُعَامِلَ غَيْرَهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ انْفِسَاخِهَا أنها تَنْفَسِخُ وَإِنْ أَذِنَ الْمَالِكُ لَكِنْ سَيَأْتِي في الْإِجَارَةِ عن فُرُوقِ الشَّيْخِ أبي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ في إجَارَةِ الْعَيْنِ أَنْ يَعْمَلَ الْعَمَلَ عن الْأَجِيرِ نِيَابَةً إلَّا بِإِذْنِ الْمُسْتَأْجِرِ وَقِيَاسُهُ الْجَوَازُ هُنَا بِإِذْنِ الْمَالِكِ انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّ ما هُنَا في عَقْدٍ وما هُنَاكَ في نِيَابَةٍ بِلَا عَقْدٍ
فَصْلٌ بَيْعُ نَخْلِ الْمُسَاقَاةِ أَيْ بَيْعُ الْمَالِكِ له قبل خُرُوجِ الثَّمَرَةِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ لِلْعَامِلِ حَقًّا فيها فَكَأَنَّ الْمَالِكَ اسْتَثْنَى بَعْضَهَا وبيعه بَعْدَهُ صَحِيحٌ وَيَكُونُ الْعَامِلُ مع الْمُشْتَرِي كما كان مع الْبَائِعِ وَلَيْسَ له أَيْ لِلْبَائِعِ بَيْعُ نَصِيبِهِ من الثَّمَرَةِ وَحْدَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ لِتَعَذُّرِ قَطْعِهِ لِشُيُوعِهِ
فَرْعٌ في فَتَاوَى الْقَاضِي إذَا شَرَطَ الْمَالِكُ على الْعَامِلِ أَعْمَالًا تَلْزَمُهُ فَأَثْمَرَتْ الْأَشْجَارُ وَالْعَامِلُ لم يَعْمَلْ بَعْضَ تِلْكَ الْأَعْمَالِ اسْتَحَقَّ من الثَّمَرَةِ بِقَدْرِ ما عَمِلَ فَإِنْ عَمِلَ نِصْفَ ما لَزِمَهُ اسْتَحَقَّ نِصْفَ ما شَرَطَ له
بَابُ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُخَابَرَةِ من الْخَبِيرِ وهو الْأَكَّارُ أَيْ الزَّرَّاعُ وَيُقَالُ من الْخَبَارِ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ وَهِيَ الْأَرْضُ الرِّخْوَةُ زَادَ الْجَوْهَرِيُّ ذَاتُ الْحِجَارَةِ الْمُعَامَلَةُ على الْأَرْضِ بِبَعْضِ ما يَخْرُجُ منها إنْ كان الْبَذْرُ من الْمَالِكِ لها فَهِيَ مُزَارَعَةٌ فَيَضْمَنُ فيها ما تَلِفَ من الزَّرْعِ إذَا صَحَّتْ بِتَرْكِ سَقْيِهَا أَيْ الْأَرْضِ عَمْدًا لِأَنَّهُ في يَدِهِ وَعَلَيْهِ حِفْظُهُ وَهَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في الْإِجَارَةِ أو كان الْبَذْرُ من الْعَامِلِ فَمُخَابَرَةٌ وَهُمَا إنْ أُفْرِدَتَا عن الْمُسَاقَاةِ بَاطِلَتَانِ لِلنَّهْيِ عن الْمُزَارَعَةِ في مُسْلِمٍ وَعَنْ الْمُخَابَرَةِ في الصَّحِيحَيْنِ وَلِأَنَّ تَحْصِيلَ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ مُمْكِنَةٌ بِالْإِجَارَةِ فلم يَجُزْ الْعَمَلُ عليها بِبَعْضِ ما يَخْرُجُ منها كَالْمَوَاشِي بِخِلَافِ الشَّجَرِ فإنه لَا يُمْكِنُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عليها فَجُوِّزَتْ الْمُسَاقَاةُ لِلْحَاجَةِ وَاخْتَارَ في الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِابْنِ الْمُنْذِرِ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَالْخَطَّابِيِّ صِحَّتَهُمَا وَحَمَلَ أَخْبَارَ النَّهْيِ على ما إذَا شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا زَرْعَ قِطْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَلِلْآخَرِ أُخْرَى وإذا بَطَلَتَا فَتَكُونُ الْغَلَّةُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ
____________________
(2/401)
لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِهِ فَإِنْ كان الْبَذْرُ لِلْعَامِلِ فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ عليه أُجْرَتُهَا أو لِلْمَالِكِ فَلِلْعَامِلِ عليه أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ وعمل ما يَتَعَلَّقُ بِهِ من آلَاتِهِ كَالْبَقَرِ وَإِنْ لم يَحْصُلْ من الزَّرْعِ شَيْءٌ أَخْذًا من نَظِيرِهِ في الْقِرَاضِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لم يَرْضَ بِبُطْلَانِ مَنْفَعَتِهِ إلَّا لِيَحْصُلَ له بَعْضُ الزَّرْعِ فإذا لم يَحْصُلْ له وَانْصَرَفَ كُلُّ الْمَنْفَعَةِ إلَى الْمَالِكِ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ أو لَهُمَا فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِ الْآخَرِ بِنَفْسِهِ وَآلَتِهِ في حِصَّتِهِ لِذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَ صِحَّةَ ذلك أَيْ أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ بَيْنَهُمَا على وَجْهٍ مَشْرُوعٍ بِحَيْثُ لَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ بِشَيْءٍ فَلْيَسْتَأْجِرْ الْعَامِلُ من الْمَالِكِ نِصْفَ الْأَرْضِ بِنِصْفِ مَنَافِعِهِ وَمَنَافِعِ آلَتِهِ وفي نُسْخَةٍ الْآلَةِ وَنِصْفِ الْبَذْرِ إنْ كان منه قال في الْأَصْلِ أو يَسْتَأْجِرُهُ بِنِصْفِ الْبَذْرِ وَيَتَبَرَّعُ بِالْعَمَلِ وَالْمَنَافِعِ أو يُقْرِضُ الْمَالِكَ نِصْفَ الْبَذْرِ وَيَسْتَأْجِرُ منه نِصْفَ الْأَرْضِ بِنِصْفِ عَمَلِهِ وَعَمَلِ آلَاتِهِ وَإِنْ كان الْبَذْرُ من الْمَالِكِ اسْتَأْجَرَهُ أَيْ الْمَالِكُ الْعَامِلَ بِنِصْفِ الْبَذْرِ لِيَزْرَعَ له نِصْفَ الْأَرْضِ وَيُعِيرُهُ نِصْفَ الْأَرْضِ الْآخَرَ وَلَوْ قال نِصْفَهَا كان أَحْسَنَ وَأَخْصَرَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَأْجَرَهُ بِنِصْفِ الْبَذْرِ وَنِصْفِ مَنْفَعَةِ تِلْكَ الْأَرْضِ لِيَزْرَعَ له بَاقِيَهُ في بَاقِيهَا قال في الْأَصْلِ وَإِنْ شَاءَ أَقْرَضَ نِصْفَهُ لِلْعَامِلِ وَأُجْرَةُ نِصْفِ الْأَرْضِ بِنِصْفِ عَمَلِهِ وَعَمَلِ آلَتِهِ وَإِنْ كان الْبَذْرُ لَهُمَا أَجَّرَهُ نِصْفَ الْأَرْضِ بِنِصْفِ مَنْفَعَتِهِ ومنفعة آلَتِهِ أو أَعَارَهُ نِصْفَ الْأَرْضِ وَتَبَرَّعَ الْعَامِلُ بِمَنْفَعَةِ بَدَنِهِ وَآلَتِهِ فِيمَا يَخُصُّ الْمَالِكَ أو أَكْرَاهُ نِصْفَهَا بِدِينَارٍ مَثَلًا وَاكْتَرَى الْعَامِلَ لِيَعْمَلَ على نَصِيبِهِ بِنَفْسِهِ وَآلَتِهِ بِدِينَارٍ وَتَقَاصَّا ذَكَرَ ذلك الْأَصْلُ وَنَبَّهَ على أَنَّ الْأَوَّلَ الذي اقْتَصَرَ عليه الْمُصَنِّفُ أَحْوَطُ
وَتَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ وَلَوْ على زَرْعٍ مَوْجُودٍ لَا الْمُخَابَرَةُ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ في الْبَيَاضِ الْمُتَخَلِّلِ بين الشَّجَرِ من نَخِيلٍ وَعِنَبٍ لِعُسْرِ الْإِفْرَادِ وَعَلَى ذلك حَمْلُ مُعَامَلَةِ أَهْلِ خَيْبَرَ السَّابِقَةِ في الْكِتَابِ السَّابِقِ هذا إنْ اتَّحَدَ الْعَقْدُ لِأَنَّ تَعَدُّدَهُ يُزِيلُ التَّبَعِيَّةَ وَشُبِّهَ بِمَا لو أَكْرَاهُ شيئا سَنَةً ثُمَّ أَكْرَاهُ منه سَنَةً أُخْرَى قبل انْقِضَاءِ الْأُولَى واتحد الْعَامِلُ بِأَنْ يَكُونَ عَامِلُ الْمُزَارَعَةِ عَامِلَ الْمُسَاقَاةِ وَاحِدًا كان أو أَكْثَرَ لِأَنَّ اخْتِلَافَهُ يُزِيلُ التَّبَعِيَّةَ وَانْتَفَعَ الشَّجَرُ بِعَمَلِ الْمُزَارَعَةِ بِحَيْثُ عَسُرَ إفْرَادُ الْبَيَاضِ بِالزِّرَاعَةِ فَلَوْ تَيَسَّرَ الْإِفْرَادُ لم تَجُزْ الْمُزَارَعَةُ لِانْتِفَاءِ الْحَاجَةِ وَعَبَّرْت بِالْعُسْرِ تَبَعًا لِلْمِنْهَاجِ وَأَصْلِهِ وهو مُرَادُ الْأَصْلِ بِتَعْبِيرِهِ بِالتَّعَذُّرِ وَلَوْ كَثُرَ الْبَيَاضُ فإن الْمُزَارَعَةَ تَصِحُّ تَبَعًا لِأَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَخْتَلِفُ بِذَلِكَ وَيُشْتَرَطُ تَقْدِيمُ الْمُسَاقَاةِ على الْمُزَارَعَةِ بِأَنْ يَقُولَ سَاقَيْتُكَ وَزَارَعْتُكَ فَلَوْ قال زَارَعْتُك وَسَاقَيْتُكَ أو فَصَلَ بَيْنَهُمَا لم يَصِحَّ لِانْتِفَاءِ التَّبَعِيَّةِ كَمَزْجِ الرَّهْنِ بِالْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ بِهِ وَالْمُعَامَلَةُ تَشْمَلُهَا فَإِنْ قال عَامَلْتُك على هذا النَّخْلِ وَالْبَيَاضِ بِالنِّصْفِ جَازَ وَكَذَا لو جَعَلَ أَحَدَهُمَا أَيْ الْعِوَضَيْنِ أَقَلَّ جَازَ فَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ لِلْعَامِلِ نِصْفَ الثَّمَرَةِ وَرُبُعَ الزَّرْعِ وَعَكْسَهُ لِأَنَّهُمَا في الْمَعْنَى عَقْدَانِ أو شَرَطَ الْبَقَرَ على الْعَامِلِ جَازَ وكان الْمَالِكُ اكْتَرَاهُ وَبَقَرَهُ قال الدَّارِمِيُّ وَيُشْتَرَطُ بَيَانُ ما يَزْرَعُهُ وَفَارَقَ إجَارَةُ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ ما يَزْرَعُهُ فيها بِأَنَّهُمَا هُنَا شَرِيكَانِ في الزَّرْعِ بِخِلَافِهِمَا ثَمَّ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا وَلَوْ على زَرْعٍ مَوْجُودٍ لَا الْمُخَابَرَةُ من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ لَا الْمُخَابَرَةُ فإنه ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ خَابَرَهُ تَبَعًا لم يَصِحَّ كما لو أَفْرَدَهَا وَفَارَقَتْ الْمُزَارَعَةُ بِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ أَشْبَهُ بِالْمُسَاقَاةِ وَوَرَدَ الْخَبَرُ بِصِحَّتِهَا بِخِلَافِ الْمُخَابَرَةِ وَالزَّرْعُ وفي نُسْخَةٍ فَالزَّرْعُ لِلْعَامِلِ وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ لِلْأَرْضِ كما لو كانت الْمُخَابَرَةُ مُفْرَدَةً وَلَا يَخْتَصُّ ذلك بِالزَّرْعِ بَلْ يَجْرِي في الْمُعَامَلَةِ على الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ كما ذَكَرَهُ أَصْلُهُ وَأَشَارَ هو إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَلَهُ حُكْمُ الْمُسْتَعِيرِ في الْقَلْعِ فَيُكَلَّفُ قَلْعَ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ إنْ لم تَنْقُصْ قِيمَتُهُمَا وَإِلَّا لم يُقْلَعَا مَجَّانًا بَلْ يَتَخَيَّرُ مَالِكُ الْأَرْضِ فِيهِمَا كَتَخَيُّرِ الْمُعِيرِ وَيَبْقَى الزَّرْعُ إلَى الْحَصَادِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَصِيلًا فَيُكَلَّفَ قَلْعَهُ وَلَوْ زَرَعَ الْعَامِلُ الْبَيَاضَ بين النَّخْلِ بِغَيْرِ إذْنٍ قَلَعَ زَرْعَهُ مَجَّانًا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَوْ سَاقَاهُ على شَجَرٍ غَيْرِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ تَبَعًا لَهُمَا أَيْ لِلنَّخْلِ
____________________
(2/402)
وَالْعِنَبِ أَيْ لِلْمُسَاقَاةِ عَلَيْهِمَا جَازَ الْعَقْدُ كَالْمُزَارَعَةِ تَبَعًا وَيُؤْخَذُ من التَّشْبِيهِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ في ذلك ما يُعْتَبَرُ في الْمُزَارَعَةِ وَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ يُفْهِمُهُ كِتَابُ الْإِجَارَةِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ ضَمَّهَا وَصَاحِبُ الْمُسْتَعْذَبِ فَتْحَهَا وَهِيَ لُغَةً اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ وَشَرْعًا عَقْدٌ على مَنْفَعَةٍ مَقْصُودَةٍ مَعْلُومَةٍ قَابِلَةٍ لِلْبَذْرِ وَالْإِبَاحَةِ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ فَخَرَجَ بِمَنْفَعَةٍ الْعَيْنُ وَبِمَقْصُودَةٍ التَّافِهَةُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمَا وَبِمَعْلُومَةٍ الْقِرَاضُ وَالْجَعَالَةُ على عَمَلٍ مَجْهُولٍ وَبِقَابِلَةٍ لِمَا ذُكِرَ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ وَبِعِوَضٍ هِبَةُ الْمَنَافِعِ وَالْوَصِيَّةُ بها وَالشَّرِكَةُ وَالْإِعَارَةُ وَبِمَعْلُومٍ الْمُسَاقَاةُ وَالْجَعَالَةُ على عَمَلٍ مَعْلُومٍ بِعِوَضٍ مَجْهُولٍ كَالْحَجِّ بِالرِّزْقِ وَدَلَالَةُ الْكَافِرِ لنا على قَلْعَةٍ بِجَارِيَةٍ منها نعم يَرِدُ عليه بَيْعُ حَقِّ الْمَمَرِّ وَنَحْوِهِ وَالْجَعَالَةُ على عَمَلٍ مَعْلُومٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ وَالْأَصْلُ فيها قبل الْإِجْمَاعِ آيَةُ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الْإِرْضَاعَ بِلَا عَقْدٍ تَبَرُّعٌ لَا يُوجِبُ أُجْرَةً وَإِنَّمَا يُوجِبُهَا ظَاهِرًا الْعَقْدُ فَتَعَيَّنَ وَخَبَرُ الْبُخَارِيِّ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالصِّدِّيقَ رضي اللَّهُ عنه اسْتَأْجَرَا رَجُلًا من بَنِي الدِّيلِ يُقَالُ له عبد اللَّهِ بن الْأُرَيْقِطِ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الْمُزَارَعَةِ وَأَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ وَالْمَعْنَى فيها أَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا إذْ ليس لِكُلِّ أَحَدٍ مَرْكُوبٌ وَمَسْكَنٌ وَخَادِمٌ فَجُوِّزَتْ لِذَلِكَ كما جُوِّزَ بَيْعُ الْأَعْيَانِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ في أَرْكَانِهَا وَهِيَ أَرْبَعَةٌ عَاقِدَانِ وَصِيغَةٌ وَأُجْرَةٌ وَمَنْفَعَةٌ الْأَوَّلُ الْعَاقِدَانِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا إطْلَاقُ التَّصَرُّفِ وَالِاخْتِيَارِ كما في الْبَيْعِ لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ لِلْكَافِرِ اسْتِئْجَارَ الْمُسْلِمِ وَلَيْسَ له شِرَاؤُهُ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ أَنَّ لِلسَّفِيهِ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ لِمَا لَا يُقْصَدُ من عَمَلِهِ كَالْحَجِّ كما له أَنْ يَتَبَرَّعَ بِهِ بَلْ أَوْلَى
وَالثَّانِي الصِّيغَةُ من إيجَابٍ وَقَبُولٍ كما في الْبَيْعِ كَأَجَّرْتُكَ أو أَكْرَيْتُكَ هذه الدَّارَ كَذَا أَيْ شَهْرًا مَثَلًا بِكَذَا أَيْ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ مَثَلًا وَكَذَا مَنْفَعَةُ هذه الدَّارِ فيقول مُتَّصِلًا قَبِلْت أو اكْتَرَيْتُ أو اسْتَأْجَرْتُ وَإِنَّمَا جُوِّزَتْ الْإِجَارَةُ مع الْإِضَافَةِ إلَى الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ بها فَذِكْرُهَا فيها تَأْكِيدٌ كما في بِعْتُك رَقَبَةَ هذا أو عَيْنَهُ وَكَذَا مَلَّكْتُك مَنْفَعَتَهَا شَهْرًا بِكَذَا لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ بِعِوَضٍ لَا بِعْتُك مَنْفَعَتَهَا شَهْرًا بِكَذَا لِأَنَّ لَفْظَ الْبَيْعِ وُضِعَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ فَلَا يُسْتَعْمَلُ في الْمَنْفَعَةِ كما لَا يُسْتَعْمَلُ لَفْظُ الْإِجَارَةِ في الْبَيْعِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً بَلْ قال الْإِسْنَوِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا لِأَنَّ الْإِجَارَةَ صِنْفٌ من الْبَيْعِ وَصَحَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَكَلَفْظِ الْبَيْعِ لَفْظُ الشِّرَاءِ وَإِنْ وفي نُسْخَةٍ فَإِنْ قال في إجَارَةِ الذِّمَّةِ أَلْزَمْت ذِمَّتَك كَذَا كَفَى عن لَفْظِ الْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا وَالْإِجَارَةُ تَكُونُ وَارِدَةً على الْعَيْنِ كَاسْتِئْجَارِ دَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لِرُكُوبٍ أو حَمْلٍ أو شَخْصٍ مُعَيَّنٍ لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ أو نَحْوِهَا وَتَكُونُ وَارِدَةً في الذِّمَّةِ كَاسْتِئْجَارِ دَابَّةٍ مَوْصُوفَةٍ لِرُكُوبٍ أو حَمْلٍ أو إلْزَامِ ذِمَّتِهِ خِيَاطَةَ كَذَا وَقَوْلُهُ وَنَحْوِهِ أَيْ نَحْوِ ما ذُكِرَ من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ مع وُجُودِ الْكَافِ وَاسْتَأْجَرْتُك لِكَذَا إجَارَةَ عَيْنٍ لِلْإِضَافَةِ إلَى الْمُخَاطَبِ كما لو قال اسْتَأْجَرْت هذه الدَّابَّةَ فَذِكْرُ الْعَيْنِ أو النَّفْسِ في اسْتَأْجَرْتُ عَيْنَك أو نَفْسَك لِكَذَا تَأْكِيدٌ وَإِجَارَةُ الْعَقَارِ لَا تَكُونُ في الذِّمَّةِ
____________________
(2/403)
لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فيها بِدَلِيلِ مَنْعِ السَّلَمِ فيه
وَتَقْسِيمُ الْإِجَارَةِ إلَى وَارِدَةٍ على الْعَيْنِ وَوَارِدَةٍ على الذِّمَّةِ لَا يُنَافِي تَصْحِيحَهُمْ الْآتِيَ آخِرَ الْبَابِ أَنَّ مَوْرِدَهَا الْمَنْفَعَةُ لَا الْعَيْنُ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَيْنِ ثَمَّ ما يُقَابِلُ الْمَنْفَعَةَ وَهُنَا ما يُقَابِلُ الذِّمَّةَ
الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْأُجْرَةُ وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُهَا في الْمَجْلِسِ في إجَارَةِ الْعَيْنِ كَالثَّمَنِ في الْبَيْعِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُعَيَّنَةً أَمْ في الذِّمَّةِ وَإِنْ كانت في الذِّمَّةِ أَعْنِي الْأُجْرَةَ فَلَهَا حُكْمُ الثَّمَنِ الذي في الذِّمَّةِ في جَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ ووجوب مَعْرِفَةِ الْجِنْسِ ونفي الْجَهَالَةِ وفي الضَّبْطِ بِالْوَصْفِ وفي التَّعْجِيلِ وَالتَّأْجِيلِ وَالتَّنْجِيمِ وَالتَّصْرِيحِ بِمَعْرِفَةِ الْجِنْسِ وَنَفْيِ الْجَهَالَةِ من زِيَادَتِهِ وَهُمَا مَعْلُومَانِ مِمَّا بَعْدَهُمَا وَإِنْ أَطْلَقَ ذِكْرَ الْأُجْرَةِ عن التَّعْجِيلِ وَالتَّأْجِيلِ فَمُعَجَّلَةٌ كَالثَّمَنِ الْمُطْلَقِ وَيَمْلِكُهَا الْمُكْرِي مِلْكًا مُرَاعًى لَا مُسْتَقِرًّا كما سَيَأْتِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ كما يَمْلِكُ الْمُكْتَرِي الْمَنْفَعَةَ بِذَلِكَ وَلِأَنَّهَا عِوَضٌ في مُعَاوَضَةٍ يَتَعَجَّلُ بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ فَيَتَعَجَّلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَالثَّمَنِ وَاسْتَحَقَّ اسْتِيفَاءَهَا إذَا سَلَّمَ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَالثَّمَنِ
فَرْعٌ لو أَجَّرَ النَّاظِرُ الْوَقْفَ سِنِينَ وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ لم يَجُزْ له دَفْعُ جَمِيعِهَا لِلْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا يُعْطَى بِقَدْرِ ما مَضَى من الزَّمَانِ فَإِنْ دَفَعَ أَكْثَرَ منه فَمَاتَ الْآخِذُ ضَمِنَ النَّاظِرُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ لِلْبَطْنِ الثَّانِي قَالَهُ الْقَفَّالُ في فَتَاوِيهِ وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لو أَجَّرَ الْمَوْقُوفَ عليه لَا يَتَصَرَّفُ في جَمِيعِ الْأُجْرَةِ لِتَوَقُّعِ ظُهُورِ كَوْنِهِ لِغَيْرِهِ بِمَوْتِهِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ لَكِنْ قال ابن الرِّفْعَةِ لِلْمَوْقُوفِ عليه أَنْ يَتَصَرَّفَ في الْجَمِيعِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ في الْحَالِ قال وكان بَعْضُ الْقُضَاةِ الْفُضَلَاءِ يَمْنَعُهُ من ذلك قال السُّبْكِيُّ وَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ بين طُولِ الْمُدَّةِ وَقِصَرِهَا فَإِنْ طَالَتْ بِحَيْثُ يَبْعُدُ احْتِمَالُ بَقَاءِ الْمَوْجُودِ من أَهْلِ الْوَقْفِ مُنِعَ من التَّصَرُّفِ وَإِنْ قَصُرَتْ فَيَظْهَرُ ما قَالَهُ ابن الرِّفْعَةِ انْتَهَى أَمَّا صَرْفُهَا في الْعِمَارَةِ فَلَا مَنْعَ منه بِحَالٍ
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ طَعَامًا إنْ جَازَ السَّلَمُ فيه وَوُصِفَ بِصِفَتِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً كما عُلِمَ أَيْضًا من قَوْلِهِ وَالْجَهَالَةِ وَالضَّبْطِ بِالْوَصْفِ فَلَوْ قال اعْمَلْ كَذَا لِأُرْضِيَك أو أُعْطِيَك شيئا أو بِمِلْءِ كَفِّي دَرَاهِمَ أو نَحْوَهُ لم يَصِحَّ الْعَقْدُ وَكَذَا لو أَجَّرَهُ بِنَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ وَهَذَا لَا يُنَافِيهِ جَوَازُ الْحَجِّ بِالرِّزْقِ لِأَنَّهُ ليس بِإِجَارَةٍ كما اقْتَضَاهُ قَوْلُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالرَّوْضَةِ يَجُوزُ الْحَجُّ بِالرِّزْقِ كما يَجُوزُ بِالْإِجَارَةِ بَلْ هو نَوْعٌ من التَّرَاضِي وَالْمَعُونَةِ كما أَشَارَ إلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَأَمَّا إيجَارُ عُمَرَ أَرْضَ السَّوَادِ بِأُجْرَةٍ مَجْهُولَةٍ فَلِمَا فيه من الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ الْمُؤَبَّدَةِ وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يُعَمِّرَ الدَّارَ وَلَوْ بِأُجْرَتِهَا بِأَنْ أَجَّرَهَا بِعِمَارَتِهَا أو بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ على أَنْ يُعَمِّرَهَا وَلَا يَحْسُبُ ما يُنْفِقُ من الْأُجْرَةِ أو على أَنْ يَصْرِفَ الدَّرَاهِمَ في عِمَارَتِهَا لم يَصِحَّ الْعَقْدُ لِلْجَهْلِ بِمِقْدَارِ الْأُجْرَةِ وَوَجْهُهُ في الْأَخِيرَتَيْنِ أَنَّ الْأُجْرَةَ الدَّرَاهِمُ مع الْعِمَارَةِ أو الصَّرْفِ إلَيْهَا وَذَلِكَ عَمَلٌ مَجْهُولٌ قال ابن الرِّفْعَةِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لو كان الْعَمَلُ مَعْلُومًا صَحَّ وَفِيهِ نَظَرٌ من جِهَةِ أَنَّ هذا كَبَيْعِ الزَّرْعِ على أَنْ يَحْصُدَهُ الْبَائِعُ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَشُرِطَ عَمَلٌ فيه يُقْصَدُ مِثْلُهُ في الْأَمْلَاكِ فَإِنْ فَعَلَ الْمَشْرُوطَ رَجَعَ بِأُجْرَتِهِ وَبِمَا صَرَفَهُ لِأَنَّهُ أَنْفَقَهُ بِالْإِذْنِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَإِنْ أَطْلَقَ الْعَقْدَ عن ذِكْرِ شَرْطِ صَرْفِ الْأُجْرَةِ ثُمَّ أَذِنَ له الْمُؤَجِّرُ بِصَرْفِهَا في الْعِمَارَةِ وَتَبَرَّعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِهِ أَيْ بِالصَّرْفِ جَازَ قال ابن الرِّفْعَةِ ولم يُخْرِجُوهُ على اتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ لِوُقُوعِهِ ضِمْنًا
وَإِنْ اخْتَلَفَا في قَدْرِ الْإِنْفَاقِ فَمَنْ يُصَدَّقُ مِنْهُمَا قَوْلَانِ أَشْبَهُهُمَا في الْأَنْوَارِ الْمُنْفِقُ إنْ ادَّعَى مُحْتَمَلًا وَبِهِ
____________________
(2/404)
جَزَمَ ابن الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الْآذِنَ له ائْتَمَنَهُ على ذلك وإذا حَلَّتْ الْأُجْرَةُ الْمُؤَجَّلَةُ وقد تَغَيَّرَ النَّقْدُ وَجَبَتْ من نَقْدِ يَوْمِ الْعَقْدِ لَا يَوْمِ تَمَامِ الْعَمَلِ وَلَوْ في الْجَعَالَةِ كَنَظِيرِهِ في الْبَيْعِ
فَرْعٌ الْأُجْرَةُ الْمُعَيَّنَةُ كَالْمَبِيعِ الْأَنْسَبُ كَالثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ في الشُّرُوطِ وفي أنها تُمْلَكُ في الْحَالِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ بِصُورَةٍ مَرْئِيَّةٍ كَالْبَيْعِ لَا بِجِلْدِ شَاةٍ قبل سَلْخِهِ إذْ لَا تُعْرَفُ صِفَتُهُ في الرِّقَّةِ وَالثَّخَانَةِ وَغَيْرِهِمَا
فَصْلٌ أَمَّا إجَارَةُ الذِّمَّةِ فَلِلْأُجْرَةِ فيها حُكْمُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ لِأَنَّهَا سَلَمٌ في الْمَنَافِعِ فَيَجِبُ قَبْضُهَا في الْمَجْلِسِ فَلَا يَبْرَأُ منها وَلَا يَسْتَبْدِلُ عنها وَلَا يُحَالُ بها وَلَا عليها وَلَا تُؤَجَّلُ لِئَلَّا تَكُونَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَلَوْ كان الْعَقْدُ وفي نُسْخَةٍ كانت أَيْ الْإِجَارَةُ بِغَيْرِ لَفْظِ السَّلَمِ كَأَنْ كان بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ كَأَنْ قال اسْتَأْجَرْت مِنْك دَابَّةً صِفَتُهَا كَذَا لِتَحْمِلَنِي إلَى مَوْضِعِ كَذَا لِأَنَّهُ سَلَمٌ في الْمَعْنَى كما مَرَّ
فَرْعٌ يَجُوزُ كَوْنُ الْأُجْرَةِ مَنْفَعَةً فَإِنْ أَجَّرَ دَارًا بِمَنْفَعَةِ دَارَيْنِ أو حُلِيَّ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ جَازَ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ في الْمَجْلِسِ إذْ لَا رِبَا في الْمَنَافِعِ وَلَوْ أَعْطَاهُ ثَوْبًا وقال إنْ خِطْتَهُ الْيَوْمَ أو رُومِيًّا فَلَكَ دِرْهَمٌ أو خِطْتَهُ غَدًا أو فَارِسِيًّا فَنِصْفُ دِرْهَمٍ أَيْ إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ أو غَدًا فَنِصْفُ دِرْهَمٍ أو إنْ خِطْته رُومِيًّا فَلَكَ دِرْهَمٌ أو فَارِسِيًّا فَنِصْفُ دِرْهَمٍ لم يَصِحَّ الْعَقْدُ لِلْإِبْهَامِ فَإِنْ خَاطَهُ كَيْفَ اتَّفَقَ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَهَذَا في الثَّانِيَةِ من زِيَادَتِهِ قال في الْأَصْلِ وَالرُّومِيُّ بِغُرْزَتَيْنِ وَالْفَارِسِيُّ بِغُرْزَةٍ
فَصْلٌ لَا يَصِحُّ جَعْلُ الْأُجْرَةِ مِمَّا عَمِلَ فيه الْأَجِيرُ كَالطَّحْنِ أَيْ كَاكْتِرَائِهِ لِلطَّحْنِ وَالرَّضَاعِ بِجُزْءٍ من الدَّقِيقِ وَالرَّقِيقِ الْمُرْتَضِعِ بَعْدَ الْفِطَامِ أو لِسَلْخِ الشَّاةِ بِجِلْدِهَا لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن قَفِيزِ الطَّحَّانِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَفَسَّرُوهُ بِاكْتِرَاءِ الطَّحَّانِ على طَحْنِ الْحِنْطَةِ بِبَعْضِ دَقِيقِهَا وَقِيسَ بِهِ ما في مَعْنَاهُ وَلِأَنَّ الْأُجْرَةَ لَيْسَتْ في الْحَالِ بِالْهَيْئَةِ الْمَشْرُوطَةِ فَهِيَ غَيْرُ مَقْدُورٍ عليها وَلِلْجَهْلِ بها حِينَئِذٍ وَلِاشْتِمَالِ الْعَقْدِ على اسْتِحْقَاقِ كُلٍّ مِنْهُمَا على الْآخَرِ طَحْنَ قَدْرِ الْأُجْرَةِ وَهُمَا مُتَنَافِيَانِ وَلِلْأَجِيرِ إذَا عَمِلَ في ذلك أُجْرَةُ عَمَلِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَيَصِحُّ بِجُزْءٍ منه أَيْ مِمَّا عَمِلَ فيه في الْحَالِ وَلَوْ كانت الْمُرْضِعَةُ في صُورَتِهَا شَرِيكَةً لِلْمُكْتَرِي في الرَّقِيقِ الْمُرْتَضِعِ فَلَا يَضُرُّ وُقُوعُ الْعَمَلِ في الْمُشْتَرَكِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ لو سَاقَاهُ الْآخَرُ وَشَرَطَ له زِيَادَةً من الثَّمَرَةِ جَازَ وَإِنْ وَقَعَ الْعَمَلُ في الْمُشْتَرَكِ وَهَذَا ما مَالَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِمَا عن الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ شَرْطَ الْعَمَلِ أَنْ يَقَعَ في خَالِصِ مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ وَضَعَّفَهُ الْأَصْلُ وَصَحَّحَ ما مَالَا إلَيْهِ وقال ابن النَّقِيبِ إطْلَاقُ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَوْنُهُ أَجِيرًا على شَيْءٍ هو شَرِيكٌ فيه مِثْلُ اطْحَنْ لي هذه الْوَيْبَةَ وَلَك منها رُبُعٌ يَقْتَضِي الْمَنْعَ فَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا ما قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ قال وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ إنْ كان الِاسْتِئْجَارُ على الْكُلِّ لم يَجُزْ وهو مُرَادُ النَّصِّ أو على حِصَّتِهِ فَقَطْ جَازَ كما صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي انْتَهَى
وما اخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ هو التَّحْقِيقُ وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ كَلَامُهُمْ فَيَمْتَنِعُ في قَوْلِهِ اكْتَرَيْتُكَ لِتَطْحَنَ لي هذه الْوَيْبَةَ بِرُبُعِهَا وفي قَوْلِهِ لِشَرِيكِهِ فيها اكْتَرَيْتُكَ بِرُبُعِهَا لِتَطْحَنَ لي حِصَّتِي وَيَجُوزُ في قَوْلِهِ اكْتَرَيْتُكَ بِرُبُعِهَا لِتَطْحَنَ لي بَاقِيَهَا وفي قَوْلِهِ لِشَرِيكِهِ فيها اكْتَرَيْتُكَ بِرُبُعِهَا لِتَطْحَنَ لي بَاقِيَ حِصَّتِي منها فَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ على طَحْنِ الْبُرِّ بِرُبُعِهِ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهُ بِرُبُعِهِ لِيَطْحَنَ له الْبَاقِيَ كما صَوَّرَ بِهِ الْأَصْلُ صَحَّ كما عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ فَإِنْ طَحَنَ الْكُلَّ اقْتَسَمَاهُ دَقِيقًا وَإِلَّا اقْتَسَمَاهُ بُرًّا ثُمَّ أَخَذَ الْأُجْرَةَ وَطَحَنَ الْبَاقِيَ
الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْمَنْفَعَةُ وَلَهَا
____________________
(2/405)
خَمْسَةُ شُرُوطٍ الْأَوَّلُ كَوْنُهَا مُتَقَوِّمَةً لِيَحْسُنَ بَذْلُ الْمَالِ في مُقَابَلَتِهَا كَاسْتِئْجَارِ دَارٍ لِلسُّكْنَى وَالْمِسْكِ وَالرَّيَاحِينِ لِلشَّمِّ لَا اسْتِئْجَارِ تُفَّاحَةٍ لِلشَّمِّ لِأَنَّهَا تَافِهَةٌ لَا تُقْصَدُ له فَهِيَ كَحَبَّةٍ في الْبَيْعِ فَإِنْ كَثُرَ التُّفَّاحُ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ لِأَنَّ منه ما هو أَطْيَبُ من كَثِيرٍ من الرَّيَاحِينِ وَكَوْنُ الْمَقْصُودِ منه الْأَكْلَ دُونَ الرَّائِحَةِ لَا يَقْدَحُ في ذلك وَلَا اسْتِئْجَارِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالطَّعَامِ وَلَوْ لِتَزْيِينِ حَانُوتٍ بِخِلَافِ عَارِيَّتِهَا لِلزِّينَةِ كما مَرَّ في بَابِهَا إذْ مَنْفَعَةُ الزِّينَةِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ فَلَا تُقَابَلُ بِمَالٍ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الشَّجَرَةَ وفي نُسْخَةٍ الشَّجَرَ لِظِلِّهَا أَيْ لِلِاسْتِظْلَالِ بِظِلِّهَا أو الرَّبْطِ بها أو طَائِرًا لِلْأُنْسِ بِصَوْتِهِ كَالْعَنْدَلِيبِ أو لَوْنِهِ كَالطَّاوُسِ جَازَ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمَذْكُورَةَ مَقْصُودَةٌ مُتَقَوِّمَةٌ وَتَرْجِيحُ الْجَوَازِ في الثَّلَاثَةِ من زِيَادَتِهِ لَا بَيَّاعًا على كَلِمَةٍ لَا تَعَبَ فيها وَإِنْ رَوَّجَتْ السِّلْعَةَ إذْ لَا قِيمَةَ لها لَكِنْ إنْ تَعِبَ فيها بِتَرَدُّدٍ أو كَلَامٍ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ ذلك غَيْرُ مَعْقُودٍ عليه فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ بِهِ وقد يُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا كان الْمَعْقُودُ عليه لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ عَادَةً نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ وَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ فِيمَا يَقْتَضِي التَّعَبَ من الْكَلِمَاتِ كما في بَيْعِ الثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَخْتَلِفُ ثَمَنُهُ بِاخْتِلَافِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا أَفْهَمَهُ قَوْلُهُ لَا تَعَبَ فيها وَصُنْعُهُ أَوْلَى من صُنْعِ أَصْلِهِ حَيْثُ جَعَلَ هذا مُفِيدًا لِحُكْمِ ذَاكَ
وَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ في الْهِرَّةِ لِدَفْعِ الْفَأْرِ وَالشَّبَكَةِ وَالْفَهْدِ وَالْبَازِي لِلصَّيْدِ إذْ لِمَنَافِعِهَا قِيمَةٌ لَا في الْكَلْبِ لِصَيْدٍ أو حِرَاسَةِ زَرْعٍ أو مَاشِيَةٍ أو دَرْبٍ أو غَيْرِهِ إذْ لَا قِيمَةَ لِمَنْفَعَتِهِ شَرْعًا وَلِأَنَّ اقْتِنَاءَهُ مَمْنُوعٌ إلَّا لِحَاجَةٍ وما جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عليه كَرُكُوبِ الْبَدَنَةِ الْمُهْدَاةِ
الشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ لَا يَتَضَمَّنَ الْمَنْفَعَةَ بِأَنْ لَا يَتَضَمَّنَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ اسْتِيفَاءَ عَيْنٍ قَصْدًا وَإِنْ تَضَمَّنَ اسْتِيفَاءَهَا تَبَعًا لِضَرُورَةٍ أو حَاجَةٍ كما سَيَأْتِي فَاسْتِئْجَارُ الْبُسْتَانِ لِثَمَرِهِ وَالشَّاةِ لِصُوفِهَا أو نِتَاجِهَا أو لَبَنِهَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تُمْلَكُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ قَصْدًا وَلَوْ اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً وَلَوْ صَغِيرَةً لِلْإِرْضَاعِ الْمُسَمَّى بِالْحَضَانَةِ الصُّغْرَى وإن نَفَى الْحَضَانَةَ الْكُبْرَى جَازَ وَإِنْ لم يَكُنْ اللَّبَنُ مَنْفَعَةً لِلْحَاجَةِ إذْ لو مُنِعَتْ لَاحْتِيجَ إلَى شِرَاءِ اللَّبَنِ كُلَّ دَفْعَةٍ وَفِيهِ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ كَيْفَ وَالشِّرَاءُ إنَّمَا يُمْكِنُ بَعْدَ الْحَلْبِ وَلَا تَتِمُّ تَرْبِيَةُ الطِّفْلِ بِاللَّبَنِ الْمَحْلُوبِ
على أَنَّ اللَّبَنَ في ذلك إنَّمَا هو تَابِعٌ كما ذَكَرَهُ في قَوْلِهِ وَالْعَقْدُ كَائِنٌ على الْإِرْضَاعِ وَاللَّبَنُ تَابِعٌ لِتَعَلُّقِ الْأَجْرِ في الْآيَةِ بِالْإِرْضَاعِ لَا بِاللَّبَنِ وَالِاسْتِئْجَارُ لِلْإِرْضَاعِ مُطْلَقًا يَتَضَمَّنُ اسْتِيفَاءَ اللَّبَنِ وَالْحَضَانَةَ الصُّغْرَى وَهِيَ وَضْعُ الطِّفْلِ في الْحِجْرِ وَإِلْقَامُهُ الثَّدْيَ وَعَصْرُهُ له بِقَدْرِ الْحَاجَةِ أَمَّا الْحَضَانَةُ الْكُبْرَى الْآتِي بَيَانُهَا في الْبَابِ الثَّانِي فَلَا يَشْمَلُهَا الْإِرْضَاعُ بَلْ لَا بُدَّ من النَّصِّ عليها كما سَيَأْتِي وَخَرَجَ بِالْمَرْأَةِ الْبَهِيمَةُ كَاسْتِئْجَارِ الشَّاةِ لِإِرْضَاعِ سَخْلَةٍ أو طِفْلٍ فَلَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ في الْأُولَى وَالْبُلْقِينِيُّ في الثَّانِيَةِ قال بِخِلَافِ اسْتِئْجَارِ الْمَرْأَةِ لِإِرْضَاعِ السَّخْلَةِ فَالظَّاهِرُ صِحَّتُهُ
تَنْبِيهٌ ما قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ من أَنَّ الِاسْتِئْجَارَ على إرْضَاعِ اللِّبَأ مَمْنُوعٌ لِوُجُوبِهِ على الْمَرْأَةِ ضَعِيفٌ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ كما يُعْلَمُ من بَابِ النَّفَقَاتِ
وَيَجُوزُ لِلشَّخْصِ اسْتِئْجَارُ الْقَنَاةِ
____________________
(2/406)
وَهِيَ الْجَدْوَلُ الْمَحْفُورُ لِلزِّرَاعَةِ بِمَائِهَا الْجَارِي إلَيْهَا من النَّهْرِ لِلْحَاجَةِ لَا اسْتِئْجَارُ الْقَرَارِ منها دُونَ الْمَاءِ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَكُونَ أَحَقَّ بِمَائِهَا الذي يَتَحَصَّلُ فيها بِالْمَطَرِ وَالثَّلْجِ في الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ لِمَنْفَعَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ فَأَشْبَهَ ما لو اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَأْخُذَ ما يَتَوَحَّلُ فيها من الصَّيْدِ أو بِرْكَةً مُتَّصِلَةً بِالْبَحْرِ لِيَأْخُذَ منها ما يَدْخُلُ من السَّمَكِ أو شَجَرَةً لِيَأْخُذَ ثَمَرَتَهَا بِخِلَافِ ما لو اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْبِسَ الْمَاءَ فيها حتى يَجْتَمِعَ فيها السَّمَكُ كما سَيَأْتِي أَوَاخِرَ الْبَابِ وَبِخِلَافِ ما لو اسْتَأْجَرَهَا لِيُجْرِيَ فيها مَاءً
ويجوز اسْتِئْجَارُ الْبِئْرِ لِلِاسْتِقَاءِ من مَاءَهَا لِلْحَاجَةِ
لَا اسْتِئْجَارُ الْفَحْلِ لِلضِّرَابِ كما مَرَّ في بَابِ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عنها
الشَّرْطُ الثَّالِثُ الْقُدْرَةُ على تَسْلِيمِ الْمَنْفَعَةِ كما في الْبَيْعِ فَإِجَارَةُ الْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ لِغَيْرِ من هو في يَدِهِ وَلَا يَقْدِرُ على انْتِزَاعِهِ عَقِبَ الْعَقْدِ لَا تَصِحُّ وَكَذَا إجَارَةُ الْأَعْمَى لِلْحِرَاسَةِ بِالْبَصَرِ وَغَيْرِ الْقَارِئِ لِتَعْلِيمِ الْقِرَاءَةِ في إجَارَةِ الْعَيْنِ وَلَوْ اتَّسَعَتْ الْمُدَّةُ لِتَعَلُّمِهِ قبل تَعْلِيمِهِ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ من عَيْنِهِ وَالْعَيْنُ لَا تَقْبَلُ التَّأْجِيلَ بِخِلَافِهَا في إجَارَةِ الذِّمَّةِ لِأَنَّهَا سَلَمٌ في الْمَنَافِعِ كما مَرَّ
وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ قبل السَّقْيِ لها إلَّا أَنْ يَكُونَ لها مَاءٌ يُوثَقُ بِهِ من نَهْرٍ أو عَيْنٍ أو بِئْرٍ أو نَحْوِهَا فَيَصِحُّ لِإِمْكَانِ الزِّرَاعَةِ فيها حِينَئِذٍ قال ابن الرِّفْعَةِ وَمِثْلُهَا الْحَمَّامُ فِيمَا يَظْهَرُ وَكَذَا لو لم يَكُنْ لها مَاءٌ كَذَلِكَ لَكِنْ غَلَبَ حُصُولُهُ فيها من مَطَرٍ مُعْتَادٍ وَنَدَاوَةٍ من ثَلْجٍ كَذَلِكَ فَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُهَا كَاَلَّتِي أَيْ كَاسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ التي تُسْقَى بِمَاءِ مَطَرِ الْجَبَلِ أَيْ بِمَاءِ الْمَطَرِ وَالثَّلْجِ في الْجَبَلِ وَالْغَالِبُ فيها الْحُصُولُ وَإِنَّمَا لم يَصِحَّ فِيمَا عَدَا ذلك لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ على التَّسْلِيمِ وَمُجَرَّدُ الْإِمْكَانِ لَا يَكْفِي كَإِمْكَانِ عَوْدِ الْآبِقِ
وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ قبل انْحِسَارِ الْمَاءِ عنها وَإِنْ سَتَرَهَا عن الرُّؤْيَةِ لِأَنَّ الْمَاءَ من مَصْلَحَتِهَا كَاسْتِتَارِ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ بِالْقِشْرِ هذا إنْ وَثِقَ بِانْحِسَارِهِ وَقْتَ الزِّرَاعَةِ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ وَاعْتُرِضَ على الصِّحَّةِ بِأَنَّ التَّمَكُّنَ من الِانْتِفَاعِ عَقِبَ الْعَقْدِ شَرْطٌ وَالْمَاءُ يَمْنَعُهُ وَأُجِيبَ عنه بِأَنَّ الْمَاءَ من مَصَالِحِ الزَّرْعِ وَبِأَنَّ صَرْفَهُ مُمْكِنٌ في الْحَالِ بِفَتْحِ مَوْضِعٍ يَنْصَبُّ إلَيْهِ فَيَتَمَكَّنُ من الزَّرْعِ حَالًا كَإِيجَارِ دَارٍ مَشْحُونَةٍ بِأَمْتِعَةٍ يُمْكِنُ نَقْلُهَا في زَمَنٍ لَا أُجْرَةَ له وَإِنْ كانت أَيْ الْأَرْضُ على شَطِّ نَهْرٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُغْرِقُهَا وَتَنْهَارُ في الْمَاءِ لم يَصِحَّ اسْتِئْجَارُهَا لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ على تَسْلِيمِهَا وَإِنْ احْتَمَلَهُ ولم يَظْهَرْ جَازَ اسْتِئْجَارُهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالْغَالِبَ السَّلَامَةُ
وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لَا يُوثَقُ بِسَقْيِهَا فَإِنْ كان قال له الْمُؤَجِّرُ أَجَّرْتُكَهَا على أنها أَرْضٌ بَيْضَاءُ لَا مَاءَ لها ولم يَقُلْ لِتَنْتَفِعَ بها فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ من الْبَيَانِ لِجِنْسِ الْمَنْفَعَةِ فما أَطْلَقَهُ الْأَصْلُ هُنَا من الصِّحَّةِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ يَعْرِفُ بِنَفْيِ الْمَاءِ أَنَّ الْإِجَارَةَ لِغَيْرِ الزِّرَاعَةِ مُؤَوَّلٌ كما صَرَّحَ هو بِهِ بَعْدُ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّ ما هُنَا مَحْمُولٌ على ما يَأْتِي وهو في الْحَقِيقَةِ حُمِلَ على أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْجِنْسِ كما يُعْرَفُ من الْمَسَائِلِ التي ذَكَرَهَا هُنَا وَحَذَفَهَا الْمُصَنِّفُ وَبَعْضُهُمْ حَمَلَهُ على أَنَّ الْغَالِبَ في الْأَرْضِ الزِّرَاعَةُ فَجَازَ الْإِطْلَاقُ فيها وَفِيهِ نَظَرٌ
وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ وَأَطْلَقَ دخل فيه الشِّرْبُ بِكَسْرِ الشِّينِ وهو النَّصِيبُ من الْمَاءِ بِخِلَافِ ما لو بَاعَهَا لَا يَدْخُلُ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ هُنَا لَا تَحْصُلُ بِدُونِهِ هذا إنْ اُعْتِيدَ دُخُولُهُ وَإِلَّا بِأَنْ لم يُطْلِقْ أو اضْطَرَبَتْ الْعَادَةُ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ في الْبَابِ الثَّانِي
فَصْلٌ وفي نُسْخَةٍ فَرْعٌ لَا يَصِحُّ إيرَادُ إجَارَةِ الْعَيْنِ على مُسْتَقْبَلٍ كَأَجَرْتك الدَّابَّةَ سَنَةً من غَدٍ أو لِتَخْرُجَ بها غَدًا لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا في الْغَدِ أو نَحْوِهِ غَيْرُ مَقْدُورَةِ التَّسْلِيمِ في الْحَالِ فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْعَيْنِ على أَنْ يُسَلِّمَهَا غَدًا بِخِلَافِ إجَارَةِ الذِّمَّةِ فإنه يَجُوزُ فيها تَأْجِيلُ الْعَمَلِ كما في السَّلَمِ كَأَلْزَمْت ذِمَّتَك حَمْلِي إلَى مَكَّةَ غُرَّةَ شَهْرِ كَذَا بِكَذَا بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَا مَرَّ بِالنِّسْبَةِ لِلْأُجْرَةِ وَفِيمَا يَأْتِي بِالنِّسْبَةِ لِلدَّابَّةِ
فَإِنْ أَطْلَقَ الْإِجَارَةَ
____________________
(2/407)
فَهِيَ حَالَّةٌ كما في السَّلَمِ فَلَوْ أَجَّرَ من زَيْدٍ دَارًا سَنَةً ثُمَّ أَجَّرَهَا في أَثْنَائِهَا السَّنَةَ الْأُخْرَى منه لَا من غَيْرِهِ جَازَ لِاتِّصَالِ الْمُدَّتَيْنِ مع اتِّحَادِ الْمُسْتَأْجِرِ كما لو أَجَّرَهُمَا دَفْعَةً بِخِلَافِ ما لو أَجَّرَهَا من غَيْرِهِ لِعَدَمِ اتِّحَادِ الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنْ فُسِخَتْ الْأُولَى لم يُؤَثِّرْ فَسْخُهَا في الثَّانِيَةِ لِعُرُوضِهِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ في أَثْنَائِهَا ما لو قال أَجَرَتْكهَا سَنَةً فإذا انْقَضَتْ فَقَدْ أَجَرَتْكهَا سَنَةً أُخْرَى لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ الثَّانِي كما لو عَلَّقَ بِمَجِيءِ الشَّهْرِ وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَتْ أَيْ الدَّارُ من الْمُسْتَأْجِرِ سَنَةً فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُؤَجِّرَهَا السَّنَةَ الْأُخْرَى من الثَّانِي لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ الْآنَ لِلْمَنْفَعَةِ
وفي جَوَازِ إيجَارِهَا من الْأَوَّلِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا لِأَنَّهُ الْآنَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لِلْمَنْفَعَةِ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيِّ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْأَصْلِ كما قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَالثَّانِي نعم لِأَنَّ الْمُعَاقَدَةَ وَقَعَتْ بَيْنَهُمَا وقد نَقَلَ الْأَصْلُ كَلَامَ الْبَغَوِيّ وَحَاصِلُهُ الْجَوَازُ من الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ كما تَقَرَّرَ قال وَعَكَسَهُ الْقَفَّالُ في فَتَاوِيهِ وقال السُّبْكِيُّ إنَّهُ أَغْوَصُ وَالزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ أَقْوَى وَلَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي لِمَا أَجَّرَهُ الْبَائِعُ من غَيْرِهِ إيجَارُ ما أَجَّرَهُ الْبَائِعُ من الْغَيْرِ إذْ لَا مُعَاقَدَةَ بَيْنَهُمَا كَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن فَتَاوَى الْقَفَّالِ وهو جَارٍ كما قال الْعِرَاقِيُّ على طَرِيقَتِهِ فِيمَا مَرَّ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ غَيْرِهِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ الْجَوَازُ
وفي جَوَازِ إيجَارِ الْوَارِثِ ما أَجَّرَهُ الْمَيِّتُ من الْمُسْتَأْجِرِ تَرَدُّدٌ لِلْقَفَّالِ أَيْ احْتِمَالَانِ أَحَدُهُمَا الْجَوَازُ وهو الْأَقْرَبُ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ وقال الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الظَّاهِرُ وَالثَّانِي الْمَنْعُ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ وفي نُسْخَةٍ بَدَلَ قَوْلِهِ فَلِلْمَالِكِ إلَى آخِرِهِ فَهَلْ لِلْمَالِكِ أَنْ يُؤَجِّرَهَا مِمَّنْ عَاقَدَهُ أو من الثَّانِي وَجْهَانِ يَجْرِيَانِ في الْوَارِثِ وَالْمُشْتَرِي يُؤَجِّرَانِ الْمُسْتَأْجَرَ من الْمَيِّتِ وَالْبَائِعِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لم يَحْصُلْ فَصْلٌ بين السَّنَتَيْنِ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ قَطْعًا وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ الطَّلْقَ وَالْوَقْفَ نعم لو شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ الْوَقْفَ أَكْثَرَ من ثَلَاثِ سِنِينَ فَأَجَّرَهُ النَّاظِرُ ثَلَاثًا في عَقْدٍ وَثَلَاثًا في عَقْدٍ قبل مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ الثَّانِي وَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ إجَارَةِ الزَّمَانِ الْقَابِلِ من الْمُسْتَأْجِرِ اتِّبَاعًا لِشَرْطِ الْوَاقِفِ لِأَنَّ الْمُدَّتَيْنِ الْمُتَّصِلَتَيْنِ في الْعَقْدَيْنِ في مَعْنَى الْعَقْدِ الْوَاحِدِ وَخَالَفَهُ ابن الْأُسْتَاذِ وقال يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ
فَرْعٌ أَجَّرَ عَيْنًا فَأَجَّرَهَا الْمُسْتَأْجِرُ لِغَيْرِهِ ثُمَّ تَقَايَلَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ الْأَوَّلُ فَالظَّاهِرُ كما قال السُّبْكِيُّ صِحَّةُ الْإِقَالَةِ وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ في الْبَيْعِ بِانْقِطَاعِ عَلَقِهِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ
فَرْعٌ وَإِنْ أَجَّرَهُ الْحَانُوتَ وَنَحْوَهُ مِمَّا يَسْتَمِرُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ عَادَةً أَيَّامَ شَهْرٍ لَا لَيَالِيَهُ أو عَكْسَهُ لم يَجُزْ لِأَنَّ زَمَانَ الِانْتِفَاعِ لَا يَتَّصِلُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَيَكُونَ إجَارَةَ زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ لِأَنَّهُمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِلْإِجَارَةِ يُرَفَّهَانِ في اللَّيْلِ أو غَيْرِهِ كَالْعَادَةِ لِأَنَّهُمَا لَا يُطِيقَانِ الْعَمَلَ دَائِمًا
وَلَوْ أَجَّرَهُ دَابَّةً مُعَاقَبَةً بَيْنَهُمَا لِيَرْكَبَ الْمُكْتَرِي أَوَّلًا صَحَّ سَوَاءٌ أُورِدَتْ الْإِجَارَةُ على الْعَيْنِ أَمْ الذِّمَّةِ لِثُبُوتِ الِاسْتِحْقَاقِ حَالًّا وَالتَّأْخِيرُ الْوَاقِعُ من ضَرُورَةِ الْقِسْمَةِ وَالتَّسْلِيمِ لَا عَكْسُهُ بِأَنْ أَجَّرَهُ مُعَاقَبَةً لِيَرْكَبَ هو أَوَّلًا فَلَا يَصِحُّ في إجَارَةِ الْعَيْنِ لِتَأَخُّرِ حَقِّ الْمُكْتَرِي وَتَعَلُّقِ الْإِجَارَةِ بِالْمُسْتَقْبَلِ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ لِيَرْكَبَ الْمُكْتَرِي أَوَّلًا قَاصِرٌ بَلْ لو سَكَتَ عنه أو قال لِيَرْكَبَ أَحَدُنَا أو نَحْوَهُ صَحَّ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ
وَلَوْ أَجَّرَ اثْنَيْنِ دَابَّةً لِيَتَعَاقَبَا عليها بِالرُّكُوبِ بِأَنْ يَرْكَبَ هذا زَمَنًا وَالْآخَرُ مثله صَحَّ الْعَقْدُ وَيُسْتَحَقُّ الرُّكُوبُ لَهُمَا في الْحَالِ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَقَعَ لَهُمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يَقْتَسِمَانِهِ بِالْمُهَايَأَةِ ويكون التَّأْخِيرُ الْوَاقِعُ من ضَرُورَةِ التَّسْلِيمِ فَإِنْ جَرَتْ لِلْعَقِبِ عَادَةٌ مَضْبُوطَةٌ بِزَمَانٍ أو مَسَافَةٍ فَذَاكَ وَاضِحٌ وَإِلَّا وَجَبَ بَيَانُهَا كَهَذَا يَرْكَبُ يَوْمًا أو فَرْسَخًا وَهَذَا مثله
____________________
(2/408)
وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَطْلُبَ النَّوْبَةَ من رُكُوبٍ وَمَشْيٍ ثَلَاثًا لِمَا في دَوَامِ الْمَشْيِ من التَّعَبِ وَقَضِيَّتُهُ الْجَوَازُ إذَا اتَّفَقْنَا على ذلك وهو ظَاهِرٌ إنْ لم يَكُنْ فيه ضَرَرٌ لِلدَّابَّةِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ كما نَقَلَهُ في الْبَيَانِ عن الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ وَضَرَرُ الْمَاشِي كَضَرَرِ الدَّابَّةِ فِيمَا يَظْهَرُ وَإِنْ تَنَازَعَا أَيْ الْمُسْتَحِقَّانِ لِلرُّكُوبِ في الْبُدَاءَةِ بِهِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ أَطْلَقَا أَيْ اثْنَانِ اسْتِئْجَارَ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُهُمَا حُمِلَ الِاسْتِئْجَارُ على التَّعَاقُبِ وَإِنْ كانت تَحْمِلُهُمَا رَكِبَا جميعا
وَإِنْ اكْتَرَى كُلَّ الدَّابَّةِ إلَى نِصْفِ الْمَسَافَةِ أو نِصْفَ الدَّابَّةِ إلَى كل الْمَسَافَةِ الْأَوْلَى تَعْبِيرُ غَيْرِهِ بِأَنَّهُ لو اكْتَرَى دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا نِصْفَ الْمَسَافَةِ أو نِصْفَهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا صَحَّتْ أَيْ الْإِجَارَةُ مُشَاعَةً كَبَيْعِ الْمُشَاعِ وَيَقْتَسِمَانِ بِالزَّمَانِ أو الْمَسَافَةِ وإذا اقْتَسَمَا فِيمَا تَقَرَّرَ بِالزَّمَانِ قال الْمُتَوَلِّي فَالزَّمَانُ الْمَحْسُوبُ زَمَانُ السَّيْرِ حتى لو نَزَلَ أَحَدُهُمَا لِلِاسْتِرَاحَةِ أو لِعَلْفِ الدَّابَّةِ لم يُحْسَبْ زَمَنُ النُّزُولِ لِأَنَّ نَفْسَ الزَّمَانِ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ
فَرْعٌ اسْتِئْجَارُ ما لَا مَنْفَعَةَ فيه في الْحَالِ مِثْلُ جَحْشٍ لَا يُرْكَبُ الْآنَ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مَوْضُوعَةٌ على تَعْجِيلِ الْمَنَافِعِ بِخِلَافِ الْمُسَاقَاةِ على ما لَا يُثْمِرُ في تِلْكَ السَّنَةِ وَيُثْمِرُ بَعْدَهَا لِأَنَّ تَأَخُّرَ الثِّمَارِ مُحْتَمَلٌ في كل مُسَاقَاةٍ
فَرْعٌ الْعَجْزُ الشَّرْعِيُّ كَالْحِسِّيِّ فَالْإِجَارَةُ لِقَلْعِ سِنٍّ صَحِيحَةٍ بَاطِلٌ لِحُرْمَةِ قَلْعِهَا فَهُوَ مَعْجُوزٌ عنه شَرْعًا وَكَذَا الِاسْتِئْجَارُ لِتَعْلِيمِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالسِّحْرِ وَالْفُحْشِ وَخِتَانِ صَغِيرٍ لَا يَحْتَمِلُ أَلَمَهُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِفَصْدٍ أو حِجَامَةٍ وَقَلْعِ سِنٍّ صَعْبٍ أَلَمُهَا وقال الْأَطِبَّاءُ يَزُولُ أَلَمُهَا بِهِ أَيْ بِقَلْعِهَا جَازَ لِلْحَاجَةِ
فَصْلٌ لو اسْتَأْجَرَهَا أَيْ امْرَأَةً إجَارَةَ عَيْنٍ لِكَنْسِ الْمَسْجِدِ الْيَوْمَ مَثَلًا فَحَاضَتْ انْفَسَخَتْ أَيْ الْإِجَارَةُ لِفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ شَرْعًا فَلَوْ دَخَلَتْ وَكَنَسَتْ عَصَتْ ولم تَسْتَحِقَّ أُجْرَةً وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّعْلِيلِ من زِيَادَتِهِ قال السُّبْكِيُّ وَمَحَلُّ الِانْفِسَاخِ إذَا حَاضَتْ عَقِبَ الْإِجَارَةِ ولم تَزِدْ الْمُدَّةُ على قَدْرِ الْحَيْضِ وَإِلَّا انْفَسَخَتْ في قَدْرِهِ وَفِيمَا عَدَاهُ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ بِخِلَافِ اسْتِئْجَارِهَا في الذِّمَّةِ لِكَنْسِ الْمَسْجِدِ يَجُوزُ لِإِمْكَانِهِ بِغَيْرِهَا أو بَعْدَ الْحَيْضِ وَبِمَا قَالَهُ في الْعَيْنِيَّةِ عُلِمَ أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ عَيْنِ الْحَائِضِ لِذَلِكَ وهو كَذَلِكَ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا كانت مُسْلِمَةً بِخِلَافِ الذِّمِّيَّةِ إذَا أَمِنَتْ التَّلْوِيثَ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من جَوَازِ تَمْكِينِ الْكَافِرِ الْجُنُبِ من الْمُكْثِ في الْمَسْجِدِ
وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِقَلْعِ سِنٍّ وَجِعَةٍ فَبَرِئَتْ انْفَسَخَتْ أَيْضًا لِتَعَذُّرِ الْقَلْعِ فَإِنْ لم تَبْرَأْ وَمَنَعَهُ أَيْ الْمُسْتَأْجِرُ الْأَجِيرَ من قَلْعِهَا لم يُجْبَرْ عليه
وَيَسْتَحِقُّ الْأَجِيرُ الْأُجْرَةَ أَيْ تَسَلُّمَهَا بِالتَّسْلِيمِ لِنَفْسِهِ ومضي مُدَّةِ إمْكَانِ الْعَمَلِ لَكِنَّهَا تَكُونُ غير مُسْتَقِرَّةٍ حتى لو سَقَطَتْ تِلْكَ السِّنُّ أو بَرِئَتْ رَدَّ الْأَجِيرُ الْأُجْرَةَ لِانْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ كَمَنْ مَكَّنَتْ الزَّوْجَ فلم يَطَأْهَا ثُمَّ فَارَقَ هَا فإن الْمَهْرَ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ بِالتَّمْكِينِ غير مُسْتَقِرٍّ وَتَرُدُّ نِصْفَهُ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ قال في الْأَصْلِ وَيُفَارِقُ ذلك ما لو حَبَسَ الدَّابَّةَ مُدَّةَ إمْكَانِ السَّيْرِ حَيْثُ تَسْتَقِرُّ عليه الْأُجْرَةُ لِتَلَفِ الْمَنَافِعِ تَحْتَ يَدِهِ وسيأتي في الْبَابِ الثَّالِثِ عن الْإِمَامِ ما يُخَالِفُهُ أَيْ عَدَمَ الِاسْتِقْرَارِ فِيمَا ذُكِرَ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وما اقْتَضَاهُ قَوْلُهُمْ إنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يُجْبَرُ على قَلْعِ السِّنِّ من أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ لِلْأَجِيرِ لِيَعْمَلَ فيها لَا يُخَالِفُ ما مَرَّ في بَابِ الْمَبِيعِ قبل قَبْضِهِ من أَنَّهُ يَجِبُ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ له عَيْنًا بَلْ تَسْلِيمُهُ له لِيَعْمَلَ فيه أو دَفْعُ الْأُجْرَةِ من غَيْرِ عَمَلٍ
فَصْلٌ لو أَجَّرَتْ حُرَّةٌ نَفْسَهَا إجَارَةَ عَيْنٍ لِإِرْضَاعٍ أو غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ لم يَجُزْ لِأَنَّ أَوْقَاتَهَا مُسْتَغْرَقَةٌ لِحَقِّهِ نعم لو كان غَائِبًا غَيْبَةً بَعِيدَةً أو طِفْلًا فَأَجَّرَتْ نَفْسَهَا لِعَمَلٍ بِمَنْزِلِهَا بِحَيْثُ يُظَنُّ فَرَاغُهَا منه قبل
____________________
(2/409)
تَمَكُّنِهِ من التَّمَتُّعِ بها فَتَتَّجِهُ الصِّحَّةُ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَمَّا بِإِذْنِهِ فَيَجُوزُ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا مُسْتَأْجَرَةً لم يَمْنَعْهَا الْإِيفَاءَ لِمَا الْتَزَمَتْهُ كما لو أَجَّرَتْ نَفْسَهَا بِإِذْنِهِ وَلَيْسَ لِمُسْتَأْجِرِ الْمُرْضِعَةِ أو غَيْرِهَا الْمَفْهُومِ بِالْأَوْلَى مَنْعُ الزَّوْجِ وَطْأَهَا بَعْدَ فَرَاغِهَا أَيْ في أَوْقَاتِهِ وَلَا نَظَرَ إلَى تَوَقُّعِ حَبَلِهَا الذي يَنْقَطِعُ بِهِ اللَّبَنُ أو يَقِلُّ لِأَنَّ حَبَلَهَا مُتَوَهَّمٌ فَلَا يُمْنَعُ بِهِ الْوَطْءُ الْمُسْتَحَقُّ
وَلَهُ تَأْجِيرُ أَيْ إيجَارُ أَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا لِأَنَّ له الِانْتِفَاعَ بها وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا من الْمُكْتَرِي لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ السَّيِّدِ في الِانْتِفَاعِ وَاسْتَثْنَى الْأَذْرَعِيُّ الْمُكَاتَبَةَ فقال يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَالْحُرَّةِ إذْ لَا سَلْطَنَةَ لِلسَّيِّدِ عليها
وَلَهُ اسْتِئْجَارُ زَوْجَتِهِ وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا من زِيَادَتِهِ أَيْ سَوَاءٌ أَذِنَ قبل اسْتِئْجَارِهَا أَمْ لَا وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ حُرَّةً أَمْ أَمَةً حتى لِإِرْضَاعِ وَلَدِهِ وَلَوْ كان منها كما لو اسْتَأْجَرَهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ
وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْوَلَدِ وَالِدَهُ وَلَوْ لِلْخِدْمَةِ كما مَرَّ في بَابِ الْعَارِيَّةِ وَعَكْسُهُ أَيْ وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْوَالِدِ وَلَدَهُ كَغَيْرِهِ
الشَّرْطُ الرَّابِعُ حُصُولُ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ أو نَائِبِهِ فَالْقُرْبَةُ الْمُحْتَاجَةُ لِلنِّيَّةِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لَا يُسْتَأْجَرُ لها إذْ الْقَصْدُ منها امْتِحَانُ الْمُكَلَّفِ بِكَسْرِ نَفْسِهِ بِفِعْلِهَا وَلَا يَقُومُ الْأَجِيرُ مَقَامَهُ في ذلك إلَّا إنْ دَخَلَهَا النِّيَابَةُ كَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَتَفْرِقَةِ الزَّكَاةِ فَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لها لِمَا مَرَّ في بَابَيْ الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَلِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِتَفْرِقَةِ الزَّكَاةِ وَنَحْوِهَا وما لَا نِيَّةَ فيه من الْقُرَبِ إنْ كان فَرْضَ كِفَايَةٍ شَائِعًا في الْأَصْلِ كَالْجِهَادِ فَلَا يُسْتَأْجَرُ له مُسْلِمٌ وَلَوْ عَبْدًا أَيْ لَا يَسْتَأْجِرُهُ الْإِمَامُ وَلَا غَيْرُهُ لِأَنَّهُ يَقَعُ عنه وَلِأَنَّهُ وَإِنْ لم يَتَعَيَّنْ عليه إذَا حَضَرَ الصَّفَّ تَعَيَّنَ عليه قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ هذا إذَا قَصَدَ الْمُسْتَأْجِرُ وُقُوعَ الْجِهَادِ عن نَفْسِهِ فَإِنْ قَصَدَ إقَامَةَ هذا الشِّعَارِ وَصَرْفَ عَائِدَتِهِ إلَى الْإِسْلَامِ فَوَجْهَانِ بَنَاهُمَا الْإِمَامُ في بَابِ الْغَنِيمَةِ على اسْتِئْجَارِ الْآحَادِ لِلْأَذَانِ وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ الصِّحَّةِ وَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ وَسَيَأْتِي ذلك في السِّيَرِ أو كان فَرْضَ كِفَايَةٍ غير شَائِعٍ في الْأَصْلِ كَتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ بِتَكْفِينِهِ وَغُسْلِهِ وَغَيْرِهِمَا وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ جَازَ الِاسْتِئْجَارُ له وَلَوْ تَعَيَّنَ على الْأَجِيرِ قال الرَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِفِعْلِهِ حتى يَقَعَ عنه وَلَا يَضُرُّ عُرُوضُ تَعَيُّنِهِ عليه كَالْمُضْطَرِّ فإنه يَتَعَيَّنُ إطْعَامُهُ مع تَغْرِيمِهِ الْبَدَلَ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ خَبَرَ إنَّ أَحَقَّ ما أَخَذْتُمْ عليه أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ وَمَعْنَى عَدَمِ شُيُوعِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ في الْأَصْلِ في تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ أَنَّ تَجْهِيزَهُ بِالْمُؤَنِ يَخْتَصُّ بِالتَّرِكَةِ ثُمَّ بِمَالِ من تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فَإِنْ لم يَكُنْ فَعَلَى الناس الْقِيَامُ بها وفي تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَنَّ التَّعْلِيمَ بِالْمُؤَنِ يَخْتَصُّ بِمَالِ الْمُتَعَلِّمِ ثُمَّ بِمَالِ من تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فَإِنْ لم يَكُنْ فَعَلَى الناس الْقِيَامُ بها
وَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لِشِعَارٍ غَيْرِ فَرْضٍ كَالْأَذَانِ كما مَرَّ مع زِيَادَةٍ في بَابِهِ وَالْأُجْرَةُ تُؤْخَذُ عليه بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ وَلَا يَبْعُدُ اسْتِحْقَاقُهَا على ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ لَا على رَفْعِ الصَّوْتِ وَلَا على رِعَايَةِ الْوَقْتِ وَلَا على الْحَيْعَلَتَيْنِ كما قِيلَ بِكُلٍّ منها
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ شَخْصٌ آخَرَ لِلْإِمَامَةِ وَلَوْ لِنَافِلَةٍ كَالتَّرَاوِيحِ لم يَصِحَّ لِأَنَّ فَائِدَتَهَا من تَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ لَا تَحْصُلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ بَلْ لِلْأَجِيرِ
فَرْعٌ الِاسْتِئْجَارُ لِلْقَضَاءِ لَا يَجُوزُ لِتَعَذُّرِ ضَبْطِهِ وَلِأَنَّهُ كَالْجِهَادِ في فَرْضِيَّتِهِ على الشُّيُوعِ وَكَذَا الِاسْتِئْجَارُ لِلتَّدْرِيسِ لِذَلِكَ فَلَوْ وفي نُسْخَةٍ فَإِنْ عَيَّنَ أَشْخَاصًا وَمَسَائِلَ
____________________
(2/410)
مَضْبُوطَةً يُعَلِّمُهَا لهم جَازَ وَإِنْ تَعَيَّنَ على الْأَجِيرِ كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ مِثْلُهُ في الِاسْتِئْجَارِ لِلْقَضَاءِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ قد يَشْمَلُهُ وَكَالتَّدْرِيسِ الْإِقْرَاءُ لِشَيْءٍ من الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ كما يُفْهَمُ ذلك مِمَّا سَيَأْتِي وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ في الْأُولَى وَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لِلْمُبَاحَاتِ كَالِاصْطِيَادِ كما جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ وَاقْتَضَاهُ بِنَاءُ غَيْرِهِ له على جَوَازِ التَّوْكِيلِ فيها
الشَّرْطُ الْخَامِسُ مَعْرِفَةُ الْمَعْقُودِ عليه عَيْنًا في إجَارَةِ الْعَيْنِ وَصِفَةً في إجَارَةِ الذِّمَّةِ ومعرفة قَدْرِ الْمَنْفَعَةِ فِيهِمَا وَذَلِكَ كَالْبَيْعِ إلَّا في الْأَخِيرَةِ فإن الْمُعَيَّنَ إذَا بِيعَ تُغْنِي مُشَاهَدَتُهُ عن مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَنَافِعَ ليس لها حُضُورٌ مُحَقَّقٌ وَإِنَّمَا هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالِاسْتِقْبَالِ فَالْمُشَاهَدَةُ لَا يُطَّلَعُ بها على الْغَرَضِ فَإِجَارَةُ أَحَدِ هَذَيْنِ لَا تَصِحُّ وَكَذَا إجَارَةُ ما لم يَرَهُ كَالْبَيْعِ فَإِنْ كان لِلْغَيْرِ مَنَافِعُ كَالْأَرْضِ وَالدَّابَّةِ وَجَبَ التَّبْيِينُ وَإِنْ لم يَكُنْ لها إلَّا مَنْفَعَةٌ كَالْبِسَاطِ فَالْإِجَارَةُ مَحْمُولَةٌ عليها ثُمَّ التَّقْدِيرُ لِلْمَنْفَعَةِ إمَّا بِالزَّمَانِ كَسُكْنَى سَنَةً كَأَنْ يَقُولَ أَجَّرْتُكَهَا لِتَسْكُنَهَا فَلَوْ قال على أَنْ تَسْكُنَهَا لم يَجُزْ قَالَهُ في الْبَحْرِ قال وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لِتَسْكُنَهَا وَحْدَك ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَتُسْتَثْنَى الْإِجَارَةُ لِلْأَذَانِ إذَا اسْتَأْجَرَ له الْإِمَامُ من بَيْتِ الْمَالِ كما مَرَّ في بَابِهِ أو بِالْعَمَلِ مع بَيَانِ مَحَلِّهِ كما سَيَأْتِي كَخِيَاطَةِ هذا الثَّوْبِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ إجَارَةَ عَيْنٍ أَمْ ذِمَّةٍ بِخِلَافِ التَّقْدِيرِ بِالزَّمَانِ لَا يَأْتِي في إجَارَةِ الذِّمَّةِ فَلَوْ قال أَلْزَمْت ذِمَّتَك عَمَلَ الْخِيَاطَةِ شَهْرًا لم يَصِحَّ كما سَيَأْتِي وقد يَتَعَيَّنُ التَّقْدِيرُ بِالزَّمَانِ كما في الْعَقَارِ وَالْإِرْضَاعِ إذْ مَنَافِعُ الْعَقَارِ وَتَقْدِيرُ اللَّبَنِ إنَّمَا تُضْبَطُ بِالزَّمَانِ وَكَمَا في الِاكْتِحَالِ فإن قَدْرَ الدَّوَاءِ لَا يَنْضَبِطُ وَيَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَكَمَا في التَّبْطِينِ وَالتَّجْصِيصِ فإن سُمْكَهُمَا لَا يَنْضَبِطُ رِقَّةً وَثِخَنًا
وقد يَسُوغَانِ أَيْ التَّقْدِيرَانِ أَيْ يَتَأَتَّيَانِ مَعًا كَاسْتِئْجَارِ شَخْصٍ وَدَابَّةٍ فَلْتُقَدَّرْ أَيْ الْمَنْفَعَةُ بِأَحَدِهِمَا كَأَنْ يَكْتَرِيَ الشَّخْصَ لِيَخِيطَ له شَهْرًا خِيَاطَةً مَوْصُوفَةً أو لِيَخِيطَ له هذا الثَّوْبَ وَكَأَنْ يَكْتَرِيَ الدَّابَّةَ لِيَتَرَدَّدَ عليها في حَوَائِجِهِ الْيَوْمَ أو لِيَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَلَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا كَأَنْ اكْتَرَى شَخْصًا لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ بَيَاضَ النَّهَارِ أو دَابَّةً لِرُكُوبِهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا الْيَوْمَ لم يَصِحَّ لِلْغَرَرِ فَقَدْ يَتَقَدَّمُ الْعَمَلُ أو يَتَأَخَّرُ فَهُوَ كما لو أَسْلَمَ في قَفِيزِ بُرٍّ بِشَرْطِ أَنَّ وَزْنَهُ كَذَا لم يَصِحَّ فَقَدْ يَزِيدُ أو يَنْقُصُ فَيَتَعَذَّرُ التَّسْلِيمُ نعم إنْ قَصَدَ التَّقْدِيرَ بِالْعَمَلِ وَذَكَرَ الْيَوْمَ لِلتَّعْجِيلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ وَكَذَا إذَا كان الثَّوْبُ صَغِيرًا مِمَّا يَفْرُغُ عَادَةً في دُونِ الْيَوْمِ ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ وَلَوْ اكْتَرَى عَقَارًا وَجَبَ تَحْدِيدُهُ كما في الْبَيْعِ حَكَاهُ ابن الرِّفْعَةِ عن الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ وَلَوْ اكْتَرَى الدَّابَّةَ لِلرُّكُوبِ شَهْرًا وَجَبَ بَيَانُ النَّاحِيَةِ
وما يُسْتَأْجَرُ غَيْرُ مَحْصُورٍ فَلْنَذْكُرْ منه ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ تَكْثُرُ إجَارَتُهَا لِيُعْرَفَ طَرِيقُ الضَّبْطِ بها ثُمَّ يُقَاسُ عليها غَيْرُهَا
النَّوْعُ الْأَوَّلُ الْآدَمِيُّ يُسْتَأْجَرُ لِعَمَلٍ أو صَنْعَةٍ كَخِيَاطَةٍ فَإِلْزَامُ ذِمَّتِهِ الْخِيَاطَةَ شَهْرًا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لم يُعَيِّنْ عَامِلًا وَلَا مَحَلًّا لِلْعَمَلِ نعم إنْ بَيَّنَ صِفَةَ الْعَمَلِ وَنَوْعَ مَحَلِّهِ صَحَّ كما بَحَثَهُ ابن الرِّفْعَةِ وَصَرَّحَ بِهِ الْقَفَّالُ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بين الْإِشَارَةِ إلَى الثَّوْبِ وَوَصْفِهِ بِخِلَافِ ما لو قال اسْتَأْجَرْتُك لِلْخِيَاطَةِ شَهْرًا أو أَلْزَمْت ذِمَّتَك خِيَاطَةَ هذا الثَّوْبِ أو
____________________
(2/411)
اسْتَأْجَرْتُك لِخِيَاطَتِهِ جَازَ إنْ بَيَّنَ في الْأُولَى الثَّوْبَ وفي الْجَمِيعِ كَوْنَهُ قَمِيصًا أو قَبَاءً أو سَرَاوِيلَ وَطُولَهُ وَعَرْضَهُ وَنَوْعَ الْخِيَاطَةِ أَهِيَ رُومِيَّةٌ أو فَارِسِيَّةٌ هذا إنْ اخْتَلَفَتْ هذه الْأُمُورُ بِاخْتِلَافِ الْعَادَةِ وَإِلَّا بِأَنْ اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ بِنَوْعٍ حُمِلَ الْمُطْلَقُ عليه
فَرْعٌ لو اسْتَأْجَرَهُ لِيُعَلِّمَهُ عَشْرَ آيَاتٍ من سُورَةِ كَذَا لم يَصِحَّ حتى يُعَيِّنَهَا لِتَفَاوُتِهَا في الْحِفْظِ وَالتَّعْلِيمِ صُعُوبَةً وَسُهُولَةً فَلَوْ عَيَّنَ سُورَةً كَامِلَةً أَغْنَى عن ذِكْرِ الْآيَاتِ وحتى يَكُونَ الْمُتَعَلِّمُ مُسْلِمًا أو كَافِرًا يُرْجَى إسْلَامُهُ إذْ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيمُهُ الْقُرْآنَ فَلَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ له فَلَوْ قال لِتُعَلِّمَنِي شَهْرًا مُقْتَصِرًا على التَّقْدِيرِ بِالزَّمَانِ جَازَ اكْتِفَاءً بِبَيَانِ مَحَلِّ الْعَمَلِ مع الْمُدَّةِ وَلَوْ لم يُبَيِّنْ قِرَاءَةَ نَافِعٍ وَغَيْرِهِ إذْ الْأَمْرُ فيها قَرِيبٌ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُعَلِّمُهُ ما شَاءَ من الْقُرْآنِ لَكِنْ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ تَفْرِيعًا على ذلك يُعَلِّمُهُ الْأَغْلَبَ من قِرَاءَةِ الْبَلَدِ كما لو أَصْدَقَهَا دَرَاهِمَ يَتَعَيَّنُ غَالِبُ دَرَاهِمِ الْبَلَدِ
فَرْعٌ لو كان الْمُتَعَلِّمُ يَنْسَى ما يَتَعَلَّمُهُ فَهَلْ عليه أَيْ الْأَجِيرِ إعَادَةُ تَعْلِيمِهِ أو لَا يُرْجَعُ فيه إلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ فَإِنْ لم يَكُنْ عُرْفٌ غَالِبٌ فَالْأَوْجَهُ اعْتِبَارُ ما دُونَ الْآيَةِ فإذا عَلَّمَهُ بَعْضَهَا فَنَسِيَهَا قبل أَنْ يَفْرُغَ من بَاقِيهَا لَزِمَ الْأَجِيرَ إعَادَةُ تَعْلِيمِهَا
فَرْعٌ الْإِجَارَةُ لِلْقِرَاءَةِ على الْقَبْرِ مُدَّةً مَعْلُومَةً أو قَدْرًا مَعْلُومًا جَائِزَةٌ لِلِانْتِفَاعِ بِنُزُولِ الرَّحْمَةِ حَيْثُ يُقْرَأُ الْقُرْآنُ وَكَالِاسْتِئْجَارِ لِلْأَذَانِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَيَكُونُ الْمَيِّتُ كَالْحَيِّ الْحَاضِرِ سَوَاءٌ أَعَقَّبَ الْقِرَاءَةَ بِالدُّعَاءِ أو جَعَلَ أَجْرَ قِرَاءَتِهِ له أَمْ لَا فَتَعُودُ مَنْفَعَةُ الْقِرَاءَةِ إلَى الْمَيِّتِ في ذلك وَلِأَنَّ الدُّعَاءَ يَلْحَقُهُ وهو بَعْدَهَا أَقْرَبُ إجَابَةً وَأَكْثَرُ بَرَكَةً وَلِأَنَّهُ إذَا جَعَلَ أَجْرَهُ الْحَاصِلَ بِقِرَاءَتِهِ لِلْمَيِّتِ فَهُوَ دُعَاءٌ بِحُصُولِ الْأَجْرِ له فَيَنْتَفِعُ بِهِ فَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ إنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ مَحْمُولٌ على غَيْرِ ذلك بَلْ قال السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ بَعْدَ حَمْلِهِ كَلَامَهُمْ على ما إذَا نَوَى الْقَارِئُ أَنْ يَكُونَ ثَوَابُ قِرَاءَتِهِ لِلْمَيِّتِ بِغَيْرِ دُعَاءٍ على أَنَّ الذي دَلَّ عليه الْخَبَرُ بِالِاسْتِنْبَاطِ أَنَّ بَعْضَ الْقُرْآنِ إذَا قَصَدَ بِهِ نَفْعَ الْمَيِّتِ نَفَعَهُ إذْ قد ثَبَتَ أَنَّ الْقَارِئَ لَمَّا قَصَدَ بِقِرَاءَتِهِ نَفْعَ الْمَلْدُوغِ نَفَعَتْهُ وَأَقَرَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ذلك بِقَوْلِهِ وما يُدْرِيكَ أنها رُقْيَةٌ وإذا نَفَعَتْ الْحَيَّ بِالْقَصْدِ كان نَفْعُ الْمَيِّتِ بها أَوْلَى لِأَنَّهُ يَقَعُ عنه من الْعِبَادَاتِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ما لَا يَقَعُ عن الْحَيِّ
فَصْلٌ لَا يَتَقَدَّرُ الرَّضَاعُ في الْإِجَارَةِ له إلَّا بِالْمُدَّةِ إذْ تَقْدِيرُ اللَّبَنِ وما يَسْتَوْفِيهِ الصَّبِيُّ كُلَّ مَرَّةٍ وَضَبْطُ الْمَرَّاتِ إنَّمَا يُضْبَطُ بها وَيَجِبُ تَعْيِينُ الصَّبِيِّ بِالرُّؤْيَةِ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِاخْتِلَافِ حَالِهِ وتعيين مَوْضِعِ الْإِرْضَاعِ أَهُوَ بَيْتُهُ أو بَيْتُهَا لِأَنَّهُ بِبَيْتِهَا أَسْهَلُ وَبِبَيْتِهِ أَشَدُّ وُثُوقًا بِهِ
وَيَتَقَدَّرُ الْحَفْرُ لِبِئْرٍ أو نَحْوِهَا وَضَرْبُ اللَّبِنِ وَالْبِنَاءُ إمَّا بِالزَّمَانِ كَاسْتَأْجَرْتُك لِتَحْفِرَ لي أو تَبْنِيَ لي أو تَضْرِبَ اللَّبِنَ لي شَهْرًا أو بِالْعَمَلِ فَيُبَيِّنُ الْمُسْتَأْجِرُ في الْحَفْرِ لِنَهْرٍ أو بِئْرٍ أو قَبْرٍ طُولَ النَّهْرِ وَالْبِئْرِ وَالْقَبْرِ وَعَرْضَهَا وَعُمْقَهَا
____________________
(2/412)
وَلِيَعْرِفَ الْأَجِيرُ الْأَرْضَ بِالرُّؤْيَةِ لِيَعْرِفَ صَلَابَتَهَا وَرَخَاوَتَهَا لِاخْتِلَافِ الْأَرَاضِي وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ هذه الْأُمُورِ في التَّقْدِيرِ بِالزَّمَانِ لَكِنْ مَرَّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ في الْإِجَارَةِ لِلْخِيَاطَةِ شَهْرًا بَيَانُ الثَّوْبِ وما يُرَادُ منه وَنَوْعُ الْخِيَاطَةِ وقد يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ في الْخِيَاطَةِ بِخِلَافِ الْحَفْرِ فَلَوْ انْتَهَى في الْحَفْرِ إلَى مَوْضِعٍ صُلْبٍ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ لِلْعَمَلِ إنْ عَمِلَ فيه الْمِعْوَلُ وَإِنْ شَقَّ عليه فَإِنْ لم يَعْمَلْ فيه الْمِعْوَلُ أو نَبَعَ الْمَاءُ قبل وُصُولِهِ إلَى الْمَوْضِعِ الْمَشْرُوطِ وَتَعَذَّرَ الْحَفْرُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ في الْبَاقِي لَا في الْمَاضِي فَيُوَزَّعُ الْمُسَمَّى على أُجْرَتَيْهِمَا وَلَا يَجِبُ عليه إخْرَاجُ ما يَنْهَارُ من الْجَوَانِبِ بِخِلَافِ التُّرَابِ الْمَحْفُورِ فَلَوْ شَرَطَ عليه إخْرَاجَ ما يَنْهَارُ لم يَصِحَّ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ مَجْهُولُ الْقَدْرِ وَلَا يَجِبُ عليه رَدُّ التُّرَابِ على الْمَيِّتِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لم يَتَنَاوَلْهُ وَيُبَيِّنُ في اللَّبِنِ إذَا قَدَّرَ بِالْعَمَلِ كما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ الْعَدَدَ وَالْقَالَبَ بِفَتْحِ اللَّامِ طُولًا وَعَرْضًا وَسُمْكًا إنْ لم يَكُنْ مَعْرُوفًا وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّبَيُّنِ فَإِنْ قَدَّرَ بِالزَّمَانِ لم يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ الْعَدَدِ كما صَرَّحَ بِهِ الْفَارِقِيُّ وَغَيْرُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْقَالَبِ أَيْضًا وقد يُتَوَقَّفُ فيه ويبين الْمَوْضِعَ الذي يَضْرِبُ فيه اللَّبِنَ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهِ سَوَاءٌ أَقَدَّرَ بِالزَّمَانِ أَمْ بِالْعَمَلِ وَلَا يَلْزَمُ الْأَجِيرَ إقَامَتُهُ أَيْ اللَّبِنِ لِلتَّخْفِيفِ وَلَا إخْرَاجُهُ من الْأَتُّونِ إنْ اسْتَأْجَرَهُ لِطَبْخِهِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لم يَتَنَاوَلْهُمَا وَيُبَيِّنُ في الْبِنَاءِ على أَرْضٍ أو غَيْرِهَا كَسَقْفٍ الْمَوْضِعَ وَالطُّولَ وَالْعَرْضَ وَالسُّمْكَ إنْ قَدَّرَ بِالْعَمَلِ وما يَبْنِي بِهِ من طِينٍ وَلَبِنٍ أو غَيْرِهِمَا سَوَاءٌ أَقَدَّرَ بِالزَّمَانِ أَمْ بِالْفِعْلِ كما صَرَّحَ بِهِ الْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِذَلِكَ نعم إنْ كان ما يَبْنِي بِهِ حَاضِرًا فَمُشَاهَدَتُهُ تُغْنِي عن تَبْيِينِهِ كما مَرَّ في الصُّلْحِ وَلَا يَتَقَدَّرُ التَّطْيِينُ وَالتَّجْصِيصُ إلَّا بِالزَّمَانِ لِأَنَّ سُمْكَهُمَا لَا يَنْضَبِطُ رِقَّةً وَثِخَنًا
وَتُقَدَّرُ الْمُدَاوَاةُ بِالْمُدَّةِ لَا بِالْبُرْءِ وَالْعَمَلِ لِأَنَّ قَدْرَ الدَّوَاءِ لَا يَنْضَبِطُ وَيَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ فَإِنْ بَرِئَ قبل تَمَامِ الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ أَيْ الْإِجَارَةُ في الْبَاقِي من الْمُدَّةِ لَا في الْمَاضِي منها وَتَعْبِيرُهُ بِالْمُدَاوَاةِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِمُدَاوَاةِ الْعَيْنِ
وَلْيُبَيِّنْ في الرَّعْيِ الْمُدَّةَ وَجِنْسَ الْحَيَوَانِ يَنْبَغِي وَنَوْعَهُ ثُمَّ يَجُوزُ الْعَقْدُ على قَطِيعٍ مُعَيَّنٍ وَعَلَى قَطِيعٍ في الذِّمَّةِ وَلَوْ لم يُبَيِّنْ الْعَدَدَ وَعَقَدَ على قَطِيعٍ في الذِّمَّةِ اُكْتُفِيَ بِالْعُرْفِ فِيمَا يَرْعَاهُ الْوَاحِدُ قال الرُّويَانِيُّ وهو مِائَةُ رَأْسٍ من الْغَنَمِ تَقْرِيبًا وَقِيلَ لَا يُكْتَفَى بِهِ بَلْ يَجِبُ بَيَانُ الْعَدَدِ وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَجَزَمَ بِهِ في الْأَنْوَارِ وَرَجَّحَ الثَّانِيَ الشَّاشِيُّ وابن أبي عَصْرُونٍ وَغَيْرُهُمَا على الْأَوَّلِ فَإِنْ حَصَلَ مِمَّا يُسْتَأْجَرُ لِرَعْيِهِ نِتَاجٌ لَزِمَهُ رَعْيُهُ لَا إنْ عَقَدَ على رَعْيِ حَيَوَانٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يَلْزَمُهُ رَعْيُهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ لم يَتَنَاوَلْهُ أَمَّا إذَا وَرَدَ الْعَقْدُ على عَدَدٍ وَلَوْ في الذِّمَّةِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَعْيُ نِتَاجِهِ
ويبين في النِّسَاخَةِ عَدَدَ الْأَوْرَاقِ وَأَسْطُرَ الصَّفْحَةِ وَقَدْرَ الْقِطْعِ الذي يَكْتُبُ فيه وقدر الْحَوَاشِي قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَا يَبْعُدُ اشْتِرَاطُ رُؤْيَةِ الْمُسْتَأْجِرِ خَطَّ الْأَجِيرِ وَيَجُوزُ التَّقْدِيرُ في النِّسَاخَةِ بِالْمُدَّةِ
فَصْلٌ وفي نُسْخَةٍ فَرْعٌ
وَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَالْحَدِّ وَلِنَقْلِ الْمَيْتَةِ إلَى الْمَزْبَلَةِ أو نَحْوِهَا ولنقل الْخَمْرِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ لِتُرَاقَ بِخِلَافِ نَقْلِهَا من بَيْتٍ إلَى آخَرَ لَا الِاسْتِئْجَارُ لِمُحَرَّمٍ كَالنِّيَاحَةِ وَالزَّمْرِ وَكَمَا يَحْرُمُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ على الْمُحَرَّمِ يَحْرُمُ الْإِعْطَاءُ لها إلَّا لِضَرُورَةٍ كَفَكِّ الْأَسِيرِ وَإِعْطَاءِ الشَّاعِرِ لِئَلَّا يَهْجُوَ وَالظَّالِمِ لِيَدْفَعَ ظُلْمَهُ وَالْجَائِرِ لِيَحْكُمَ بِالْحَقِّ فَلَا يَحْرُمُ الْإِعْطَاءُ عليها
النَّوْعُ الثَّانِي الْعَقَارُ وَلَا يُشْتَرَطُ في إيجَارِ دَارٍ مَعْرِفَةُ من يَسْكُنُ الدَّارَ اكْتِفَاءً بِالْعُرْفِ فَيَسْكُنُ فيها من جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ في مِثْلِهَا وَلَا يَمْنَعُ من دُخُولِ زَائِرٍ وَضَيْفٍ وَإِنْ بَاتَ فيها لَيَالِيَ وَيُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ أَبْنِيَتِهَا لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِاخْتِلَافِهَا وفي نُسْخَةٍ بَدَلَ رُؤْيَةُ مَعْرِفَةُ بها عَبَّرَ الْأَصْلُ وَالْأُولَى أَوْلَى
ويشترط في اسْتِئْجَارِ الْحَمَّامِ مَعْرِفَةُ بُيُوتِهِ الشَّامِلَةِ لِمَسْلَخِ الثِّيَابِ وَبِئْرِ الْمَاءِ التي يُسْتَقَى منها وَمَوْضِعِ الْوُقُودِ بِضَمِّ الْوَاوِ أَيْ الْإِيقَادِ وموضع الْوَقِيدِ وَيُقَالُ الْوَقُودُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَبِهِ عَبَّرَ الْأَصْلُ أَيْ الْحَطَبُ وَالزِّبْلُ وَوَجْهَيْ الدَّسْتِ الذي يُسَخَّنُ فيه الْمَاءُ إنْ أَمْكَنَ رُؤْيَتُهَا كما تُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ وَجْهَيْ الثَّوْبِ وَإِلَّا فَيَكْفِي رُؤْيَةُ ما يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ وَمُنْتَقَعِ الْمَاءِ وهو ما يَجْتَمِعُ فيه الْمَاءُ
____________________
(2/413)
الْخَارِجُ من الْحَمَّامِ وَمَطْرَحِ الرَّمَادِ وَلَا يَدْخُلُ الْوُقُودُ وَالْأُزُرُ وَالْأَوَانِي وما يَتْبَعُهَا كَالْحَبْلِ في إجَارَةِ الْحَمَّامِ وَبَيْعِهِ
فَرْعٌ إذَا قَدَّرَ الْإِجَارَةَ بِمُدَّةٍ تَبْقَى فيها الْعَيْنُ غَالِبًا جَازَ لِإِمْكَانِ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عليه كَالثَّوْبِ يُقَدَّرُ بِسَنَةٍ أو نَحْوِهَا على ما يَلِيقُ بِهِ وَالدَّابَّةِ تُقَدَّرُ بِعَشْرِ سِنِينَ أو نَحْوِهَا وَالْعَبْدِ بِثَلَاثِينَ سَنَةً أو نَحْوِهَا على ما يَلِيقُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَلَوْ أَخَّرَ على ما يَلِيقُ بِهِ إلَى هُنَا كان أَوْلَى وَأَوْفَقَ بِعِبَارَةِ أَصْلِهِ وَالْأَرْضِ وَلَوْ وَقْفًا لم يَشْتَرِطْ لِإِيجَارِهِ مُدَّةً تُقَدَّرُ بِمِائَةِ سَنَةٍ فَأَكْثَرَ وفي نُسْخَةٍ وَأَكْثَرَ قال الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي إلَّا أَنَّ الْحُكَّامَ اصْطَلَحُوا على مَنْعِ إجَارَةِ الْوَقْفِ أَكْثَرَ من ثَلَاثِ سِنِينَ لِئَلَّا يَنْدَرِسَ الْوَقْفُ وما قَالَاهُ هو الِاحْتِيَاطُ كما قَالَهُ في الْأَنْوَارِ وإذا أَجَّرَ شيئا أَكْثَرَ من سَنَةٍ لم يَجِبْ تَقْدِيرُ حِصَّةِ كل سَنَةٍ كما لو جَمَعَ في الْبَيْعِ بين أَعْيَانٍ مُخْتَلِفَةِ الْقِيمَةِ لَا يَجِبُ تَقْسِيطُ الثَّمَنِ عليها وَكَمَا لو أَجَّرَ سَنَةً لَا يَجِبُ تَقْدِيرُ حِصَّةِ كل شَهْرٍ ولكن يُوَزِّعُ لِكُلِّ سَنَةٍ قِيمَةَ مَنْفَعَتِهَا لِيَنْقَطِعَ النِّزَاعُ وَأَوْلَى منه قَوْلُ أَصْلِهِ وَتَوَزَّعَ الْأُجْرَةُ على قِيمَةِ مَنَافِعِ السِّنِينَ
فَرْعٌ لو أَجَّرَهُ شَهْرًا مَثَلًا وَأَطْلَقَ صَحَّ الْعَقْدُ وَجُعِلَ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ من حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ الْمُتَعَارَفُ وقال ابن الرِّفْعَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ من الْآنِ وَبِهِ جَزَمَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا إنْ أَجَّرَهُ شَهْرًا من هذه السَّنَةِ وبقي فيها غَيْرُهُ أَيْ أَكْثَرُ من شَهْرٍ فَلَا يَصِحُّ لِلْإِبْهَامِ وَاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَبْقَ فيها غَيْرُهُ وقوله أَجَّرْتُك من هذه السَّنَةِ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ فَاسِدٌ وَكَذَا لو قال أَجَّرْتُك كُلَّ شَهْرٍ منها أَيْ من هذه السَّنَةِ بِدِرْهَمٍ لِأَنَّهُ لم يُعَيِّنْ فِيهِمَا مُدَّةً لَا إنْ قال أَجَّرْتُك هذه السَّنَةَ كُلُّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ فَيَصِحُّ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْإِجَارَةَ إلَى جَمِيعِ السَّنَةِ بِخِلَافِهِ في الصُّورَةِ السَّابِقَةِ وَلَوْ قال أَجَّرْتُك هذا الشَّهْرَ بِدِينَارٍ وما زَادَ فَبِحِسَابِهِ صَحَّ في الشَّهْرِ الْأَوَّلِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ قال في الْمَجْمُوعُ في بَيْعِ الْغَرَرِ أَجْمَعُوا على جَوَازِ الْإِجَارَةِ شَهْرًا مع أَنَّهُ قد يَكُونُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وقد يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ قال الزَّرْكَشِيُّ لَكِنْ لو أَجَّرَهُ شَهْرًا مُعَيَّنًا بِثَلَاثِينَ دِرْهَمًا كُلَّ يَوْمٍ منه بِدِرْهَمٍ فَجَاءَ الشَّهْرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ بَطَلَ كما لو بَاعَ الصُّبْرَةَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَخَرَجَتْ تِسْعِينَ مَثَلًا وَصِفَةُ الْأَجَلِ من أَنَّ مُطْلَقَ الشَّهْرِ وَالسَّنَةِ يُحْمَلُ على الْعَرَبِيِّ وَمِنْ أَنَّهُ إذَا قَيَّدَ بِالْعَدَدِيَّةِ أو بِالْفَارِسِيَّةِ أو غَيْرِهَا كان الْأَجَلُ ما ذَكَرَهُ وَمِنْ غَيْرِ ذلك مَذْكُورَةٌ في السَّلَمِ
فَرْعٌ وفي نُسْخَةٍ فَصْلٌ
يَجِبُ التَّبْيِينُ في الْأَرْضِ لِمَا تُسْتَأْجَرُ له إنْ صَلَحَتْ بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّهَا لِلزَّرْعِ وَالْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ أو لِاثْنَيْنِ منها فَإِنْ لم يُبَيِّنْهُ لم يَصِحَّ الْعَقْدُ لِأَنَّ مَنَافِعَ هذه الْجِهَاتِ مُخْتَلِفَةٌ وَضَرَرَهَا مُخْتَلِفٌ فَإِنْ لم تَصْلُحْ إلَّا لِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ كَفَى الْإِطْلَاقُ كَأَرْضِ الْأَحْكَارِ فإنه يَغْلِبُ فيها الْبِنَاءُ وَبَعْضِ الْبَسَاتِينِ فإنه يَغْلِبُ فيها الْغِرَاسُ
لَا في الدَّارِ فَلَا يَجِبُ تَبْيِينُ ما تُسْتَأْجَرُ له لِتَقَارُبِ السُّكْنَى وَوَضْعِ الْمَتَاعِ فيها وَيُحْمَلُ الْعَقْدُ على الْمَعْهُودِ منها أَيْ من مِثْلِهَا من سُكْنَاهَا وَوَضْعِ الْمَتَاعِ فيها فَلَا يَسْكُنُهَا لِمَا لَا يَلِيقُ بها وَهَذَا من زِيَادَتِهِ قَيَّدَ بِهِ كَلَامَ الْأَصْحَابِ لِيَنْدَفِعَ عَنْهُمْ اعْتِرَاضُ الْأَصْلِ بِأَنَّ كَلَامَهُمْ يَجُوزُ أَنْ يُمْنَعَ بِأَنَّهَا قد تُسْتَأْجَرُ أَيْضًا لِعَمَلِ الْحَدَّادِينَ وَالْقَصَّارِينَ وَلِطَرْحِ الزِّبْلِ فيها وَذَلِكَ أَكْثَرُ ضَرَرًا فما جَعَلُوهُ مُبْطِلًا في الْأَرْضِ مَوْجُودٌ هُنَا انْتَهَى وَيُؤَيِّدُ التَّقْيِيدَ الْمَذْكُورَ ما يَأْتِي قَرِيبًا عن الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرِهِ أَمَّا إذَا كان يُعْهَدُ من مِثْلِهَا السُّكْنَى لِمَا ذُكِرَ أَيْضًا فَلَا حَجْرَ
____________________
(2/414)
وَلَوْ أَجَّرَهُ الْأَرْضَ لِيَنْتَفِعَ بها كَيْفَ عِبَارَةُ الْأَصْلِ بِمَا شَاءَ صَحَّ بِخِلَافِ ما لو أَجَّرَهُ دَابَّةً لِيُحَمِّلَهَا ما شَاءَ لِلضَّرَرِ وَفَعَلَ ما شَاءَ لِرِضَاهُ بِهِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ عَدَمُ الْإِضْرَارِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِأَنَّ الْأَرَاضِيَ إذَا زُرِعَ فيها شَيْءٌ في سَنَةٍ أُرِيحَتْ منه في أُخْرَى قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ أو لِيَزْرَعَ فيها وَأَطْلَقَ صَحَّ وَزَرَعَ ما شَاءَ وَكَذَا لو أَجَّرَهُ لِيَغْرِسَ أو لِيَبْنِيَ وَأَطْلَقَ صَحَّ وغرس وَبَنَى ما شَاءَ لِتَقَارُبِ الِاخْتِلَافِ في ذلك نعم إنْ أَجَّرَ على غَيْرِهِ بِوِلَايَةٍ أو نِيَابَةٍ لم يَكْفِ الْإِطْلَاقُ لِوُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ في الْبِنَاءِ وَأَطْلَقَ أَيْ عن ذِكْرِ ما يَبْنِي أَمَّا مَوْضِعُ الْبِنَاءِ وَطُولُهُ وَعَرْضُهُ فَلَا بُدَّ من بَيَانِهِ كما سَيَأْتِي وَالتَّصْرِيحُ بِغَرَسَ وَبَنَى ما شَاءَ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ قال أَجَّرْتُك إنْ شِئْت فَاغْرِسْ أو ازْرَعْ صَحَّ لِرِضَاهُ بِأَشَدِّهِمَا ضَرَرًا وَتَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا كما في قَوْلِهِ لِتَنْتَفِعَ كَيْفَ شِئْت لَا إنْ قال أَجَرَتْكهَا لِتَزْرَعَ أو تَغْرِسَ أو فَازْرَعْ وَاغْرِسْ ولم يُبَيِّن الْقَدْرَ أو لِتَزْرَعَ نِصْفًا وَتَغْرِسَ نِصْفًا إنْ لم يَخُصَّ كُلَّ نِصْفٍ بِنَوْعٍ فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ في الثَّلَاثَةِ لِلْإِبْهَامِ لِأَنَّهُ في الْأُولَى جَعَلَ له أَحَدَهُمَا لَا بِعَيْنِهِ حتى لو قال ذلك على مَعْنَى أَنَّهُ يَفْعَلُ أَيَّهُمَا شَاءَ صَحَّ كما نُقِلَ عن التَّقْرِيبِ وفي الثَّانِيَةِ لم يُبَيِّنْ كَمْ يَزْرَعُ وَكَمْ يَغْرِسُ وفي الثَّالِثَةِ لم يُبَيِّنْ الْمَزْرُوعَ وَالْمَغْرُوسَ فَصَارَ كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ وَالْآخَرَ بِخَمْسِمِائَةٍ
فَرْعٌ يُشْتَرَطُ في الْإِيجَارِ لِلْبِنَاءِ بَيَانُ طُولِ الْبِنَاءِ وَعَرْضِهِ وَمَوْضِعِهِ لَا بَيَانُ قَدْرِ ارْتِفَاعِهِ إلَّا في الْبِنَاءِ على سَقْفٍ أو جِدَارٍ اسْتَأْجَرَهُ له فَيُشْتَرَطُ بَيَانُهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَرْضَ تَحْمِلُ كُلَّ شَيْءٍ بِخِلَافِ السَّقْفِ وَالْجِدَارِ
النَّوْعُ الثَّالِثُ الدَّوَابُّ وَهِيَ تُسْتَأْجَرُ لِلرُّكُوبِ وَلِغَيْرِهِ وَيُشْتَرَطُ في إجَارَتِهَا لِلرُّكُوبِ إجَارَةُ عَيْنٍ أو ذِمَّةٍ لِيَنْتَفِيَ الْغَرَرُ مَعْرِفَةُ الرَّاكِبِ وَلَوْ بِالْوَصْفِ التَّامِّ لِلْجُثَّةِ قِيلَ بِأَنْ يَصِفَهُ بِالضَّخَامَةِ أو بِالنَّحَافَةِ وَرَجَّحَهُ الْحَاوِي الصَّغِيرُ وَقِيلَ بِالْوَزْنِ ولم يُرَجِّحْ الْمُصَنِّفُ مِنْهُمَا شيئا كَالْأَصْلِ وَإِنَّمَا لم يَكْتَفُوا بِالْوَصْفِ في الرَّضِيعِ لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي على الْمَقَاصِدِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ ولم يَشْتَرِطُوا مع رُؤْيَةِ الرَّاكِبِ امْتِحَانَهُ بِالْيَدِ فإن الْعَادَةَ لم تَجْرِ فيه بِذَلِكَ فَإِنْ كان الرَّاكِبُ مُجَرَّدًا أَيْ ليس معه ما يَرْكَبُ عليه حَمَلَهُ الْمُؤَجِّرُ على ما يَلِيقُ بِدَابَّتِهِ من سَرْجٍ أو إكَافٍ أو زَامِلَةٍ أو غَيْرِهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ أو كان معه مَحْمِلٌ أو سَرْجٌ أو إكَافٌ أو نَحْوُهُ وَجَبَ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ رُؤْيَتُهُ مع امْتِحَانِهِ الزَّامِلَةَ بِالْيَدِ كما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْبَغَوِيّ وَأَقَرَّهُ ثُمَّ أَلْحَقَ بها الْمَحْمِلَ وَالْعُمَارِيَّةَ لَكِنْ رَدَّ ابن الرِّفْعَةِ الْإِلْحَاقَ بِأَنَّ الزَّوَامِلَ قد يُجْعَلُ دَاخِلَهَا شَيْءٌ ثَقِيلٌ من الثِّيَابِ فَلَا تُحِيطُ الرُّؤْيَةُ بِوَزْنِهِ تَخْمِينًا بِخِلَافِ الْمَحْمِلِ وَالْعُمَارِيَّةِ وقد يُتَوَقَّفُ فِيمَا رَدَّ بِهِ أو وَصْفُهُ بِضِيقِهِ أو سَعَتِهِ وَوَزْنِهِ لِإِفَادَتِهِمَا التَّخْمِينَ كَالرُّؤْيَةِ هذا إنْ لم يَتَمَاثَلْ كُلٌّ من هذه الْأَشْيَاءِ في الْعَادَةِ وَإِلَّا كَفَى الْإِطْلَاقُ وَحُمِلَ على الْمُعْتَادِ كَالنَّقْدِ وَالْإِكَافِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا يُقَالُ لِلْبَرْذَعَةِ وَلِمَا فَوْقَهَا وَلِمَا تَحْتَهَا
وَيُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ وِطَاءٍ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وهو ما يُفْرَشُ في الْمَحْمِلِ وَنَحْوِهِ لِيُجْلَسَ عليه أو وَصْفُهُ سَوَاءٌ أَشُرِطَ في الْعَقْدِ أَمْ لَا إذْ لَا بُدَّ منه في الْمَحْمِلِ وَكَذَا الْغِطَاءُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وهو ما يُسْتَظَلُّ بِهِ وَيُتَوَقَّى بِهِ من الشَّمْسِ وَالْمَطَرِ وَيُشْتَرَطُ فيه ذلك إنْ شُرِطَ في الْعَقْدِ إلَّا إنْ اطَّرَدَ فيه عُرْفٌ فَيَكْفِي الْإِطْلَاقُ وَيُحْمَلُ على الْعُرْفِ وَيَأْتِي مِثْلُهُ في الْوِطَاءِ كما صَرَّحَ بِهِ الْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُ قال صَاحِبُ الْعُدَّةِ وإذا شَرَطَ الْمَحْمِلَ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يُبَيِّنَ كَوْنَهُ مَكْشُوفًا أو مُغَطًّى لِأَنَّهُ إذَا كان مُغَطًّى يَقَعُ فيه الرِّيحُ فَيَثْقُلُ فَإِنْ كان لِلْمَحْمِلِ ظَرْفٌ من لِبَدٍ أو أُدُمٍ فَكَالْغِطَاءِ فِيمَا ذُكِرَ وَإِنْ شَرَطَ الْمَعَالِيقَ أَيْ حَمْلَهَا وَهِيَ ما يَرْتَفِقُ بِهِ الْمُسَافِرُ كَالْقِدْرِ وَالْإِدَاوَةِ لِلْمَاءِ وَالسُّفْرَةِ اُشْتُرِطَ رُؤْيَةٌ أو وَصْفٌ وَوَزْنٌ لها فَلَوْ شَرَطَ حَمْلَهَا مُطْلَقًا من غَيْرِ رُؤْيَةٍ وَلَا وَصْفٍ وَوَزْنٍ لم يَصِحَّ الْعَقْدُ لِاخْتِلَافِ الْفَلَسِ في مَقَادِيرِهَا وَإِنْ لم يَشْرِطْ حَمْلَهَا لم يَسْتَحِقَّ لِذَلِكَ وقد لَا يَكُونُ لِلرَّاكِبِ مَعَالِيقُ
فَرْعٌ وفي نُسْخَةٍ فَصْلٌ وَإِنْ اسْتَأْجَرَ لِلرُّكُوبِ دَابَّةً مُعَيَّنَةً اُشْتُرِطَ فيه الرُّؤْيَةُ كَالْبَيْعِ أو لِلرُّكُوبِ في الذِّمَّةِ ذَكَرَ وُجُوبًا الْجِنْسَ لِلدَّابَّةِ كَفَرَسٍ أو
____________________
(2/415)
بَغْلٍ وَالنَّوْعَ لها كَعَرَبِيَّةٍ أو بِرْذَوْنٍ وَالْأُنُوثَةَ وَالذُّكُورَةَ وَصِفَةَ سَيْرِهَا كَبَحْرٍ أو قَطُوفٍ وَقَدْرَهُ أَيْ سَيْرِهَا كُلَّ يَوْمٍ مَكَانًا أو زَمَانًا لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِذَلِكَ لَكِنْ لَا يَتَقَيَّدُ اعْتِبَارُ ذِكْرِ قَدْرِ السَّيْرِ بِإِجَارَةِ الذِّمَّةِ كما يُؤْخَذُ من كَلَامِ أَصْلِهِ وَمَحَلُّ اعْتِبَارِهِ إنْ لم يَكُنْ في طَرِيقِهِ مَنَازِلُ مُعْتَادَةٌ وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِمَا وَحُمِلَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِمَا وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ كُلَّ يَوْمٍ مَكَانًا أو زَمَانًا من زِيَادَتِهِ وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ التَّقْدِيرِ بِالزَّمَانِ وَالْعَمَلِ مَعًا وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنْ زَادَا في يَوْمٍ عن الْمَشْرُوطِ أو نَقَصَا عنه فَلَا جُبْرَانَ من الْيَوْمِ الثَّانِي بِزِيَادَةٍ أو نَقْصٍ بَلْ يَسِيرَانِ على الشَّرْطِ وَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا ذلك أَيْ زِيَادَةً أو نَقْصًا لِخَوْفٍ أُجِيبَ إنْ غَلَبَ على الظَّنِّ الضَّرَرُ بِهِ أو لِخِصْبٍ أو لِخَوْفٍ ولم يَغْلِبْ على الظَّنِّ الضَّرَرُ بِهِ فَلَا يُجَابُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُجَابَ طَالِبُ النَّقْصِ لِلْخِصْبِ حَيْثُ لَا عَلَفَ وقد يَدْخُلُ في الْخَوْفِ انْتَهَى
فَرْعٌ وَيُتَّبَعُ فِيمَا يَأْتِي الشَّرْطُ في الْمَشْرُوطِ وَإِنْ خَالَفَ الْعُرْفَ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ شَرْطٌ فَالْعُرْفُ يُتَّبَعُ في سَيْرِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ الْأَنْسَبُ أو النَّهَارِ وفي النُّزُولِ في الْقُرَى أو الصَّحْرَاءِ وفي سُلُوكِ أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ إذَا كان لِلْمَقْصِدِ طَرِيقَانِ فَإِنْ اُعْتِيدَ سُلُوكُهُمَا مَعًا وَجَبَ الْبَيَانُ فَإِنْ أَطْلَقَ لم يَصِحَّ الْعَقْدُ إلَّا إنْ تَسَاوَيَا من سَائِرِ الْوُجُوهِ فَيَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ كَنَظِيرِهِ في النُّقُودِ في الْمُعَامَلَةِ بها
فَصْلٌ لَا بُدَّ في الْحَمْلِ أَيْ في إيجَارِ الدَّابَّةِ له إجَارَةُ عَيْنٍ أو ذِمَّةٍ من رُؤْيَةِ الْمَحْمُولِ إنْ لم يَكُنْ في ظَرْفٍ أو امْتِحَانِهِ بِالْيَدِ إنْ كان في ظَرْفٍ لِاخْتِلَافِ تَأْثِيرِهِ وَضَرَرِهِ وَذِكْرُهُ الِامْتِحَانَ بِالْيَدِ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ هذا إنْ حَضَرَ فَإِنْ غَابَ قَدَّرَهُ بِكَيْلٍ في الْمَكِيلِ أو وَزْنٍ في الْمَوْزُونِ وَالْوَزْنُ في كل شَيْءٍ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَخْصَرُ وَيُشْتَرَطُ فيه أَيْضًا ذِكْرُ الْجِنْسِ لِلْمَحْمُولِ لِاخْتِلَافِ تَأْثِيرِهِ في الدَّابَّةِ كما في الْحَدِيدِ وَالْقُطْنِ فإنه يَتَثَاقَلُ بِالرِّيحِ نعم لو قال أَجَرَتْكهَا لِتَحْمِلَ عليها مِائَةَ رِطْلٍ مِمَّا شِئْت بَلْ وَبِدُونٍ مِمَّا شِئْت كما نَقَلَهُ الْإِمَامُ عن قَطْعِ الْأَصْحَابِ وَالْأَصْلِ عن حُذَّاقِ الْمَرَاوِزَةِ صَحَّ الْعَقْدُ وَيَكُونُ رِضًا منه بِأَضَرِّ الْأَجْنَاسِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْوَزْنِ يُغْنِي عن ذِكْرِ الْجِنْسِ مع أَنَّ الْأَصْلَ إنَّمَا ذَكَرَهُ لِبَيَانِ مَحَلِّ عَدَمِ الْخِلَافِ وَحَسَبَ من الْمِائَةِ الظَّرْفَ كَقَوْلِهِ أَجَرَتْكهَا لِتَحْمِلَ عليها مِائَةَ رِطْلٍ حِنْطَةً بِظَرْفِهَا فإنه يَصِحُّ لِزَوَالِ الْغَرَرِ بِذِكْرِ الْوَزْنِ وَيَحْسُبُ منها ظَرْفَهَا وَإِنْ لم يذكر وَزْنَهُ فَإِنْ قال لِتَحْمِلَ عليها مِائَةَ رِطْلٍ حِنْطَةً أو مِائَةَ قَفِيزٍ حِنْطَةً كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ لم يَحْسُبْ الظَّرْفَ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِيمَا قَبْلَهُ فَتُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بِالرُّؤْيَةِ أو بِالْوَصْفِ إنْ كان يَخْتَلِفُ وَإِلَّا كَأَنْ كان ثَمَّ غَرَائِرُ مُتَمَاثِلَةٌ اطَّرَدَ الْعُرْفُ بِاسْتِعْمَالِهَا حُمِلَ الْعَقْدُ عليها أو قال لِتَحْمِلَ عليها ما شِئْت أو لِتَحْمِلَ عليها مِائَةَ صَاعٍ مِمَّا شِئْت لم يَصِحَّ لِلْإِضْرَارِ بها بِخِلَافِ مِائَةِ رِطْلٍ مِمَّا شِئْت كما مَرَّ لِأَنَّ اخْتِلَافَ التَّأْثِيرِ بَعْدَ الِاسْتِوَاءِ في الْوَزْنِ يَسِيرٌ بِخِلَافِ الْكَيْلِ وَأَيْنَ ثِقَلُ الْمِلْحِ من ثِقَلِ الذُّرَةِ
وَلَوْ قال اسْتَأجَرْتُكَهَا لِتَحْمِلَ عليها صَاعًا وفي نُسْخَةٍ لِحَمْلِ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ من هذه الصُّبْرَةِ على أَنْ تَحْمِلَ منها كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ أو على أَنَّ ما زَادَ فَبِحِسَابِهِ لم يَصِحَّ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ شَرْطُ عَقْدٍ في عَقْدٍ وَكَذَا لو قال لِتَحْمِلَ من هذه الصُّبْرَةِ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو لِتَحْمِلَ عليها هذه الصُّبْرَةَ وَهِيَ عَشَرَةُ آصُعٍ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَإِنْ زَادَ ذلك فَبِحِسَابِهِ صَحَّ الْعَقْدُ في الْعَشَرَةِ فَقَطْ أَيْ دُونَ الزِّيَادَةِ الْمَشْكُوكِ فيها وَلَوْ قال لِتَحْمِلَ هذه الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ أو صَاعًا منها بِدِرْهَمٍ وما زَادَ فَبِحِسَابِهِ صَحَّ كما لو بَاعَ كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
فَرْعٌ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ جِنْسِ الدَّابَّةِ وَصِفَتِهَا في الْحَمْلِ أَيْ في إيجَارِهَا له إجَارَةَ ذِمَّةٍ بِخِلَافِ ما مَرَّ فيها في الرُّكُوبِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا تَحْصِيلُ الْمَتَاعِ في الْمَوْضِعِ الْمَشْرُوطِ فَلَا يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ بِحَالِ حَامِلِهِ إلَّا في الْإِجَارَةِ لِلزُّجَاجِ أَيْ حَمْلِ الزُّجَاجِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُسْرِعُ انْكِسَارُهُ كَالْخَزَفِ فَيُشْتَرَطُ ذلك لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِالْحَامِلِ وَكَذَا إذَا كان بِالطَّرِيقِ وَحْلٌ أو طِينٌ قَالَهُ الْقَاضِي قال في الْأَصْلِ ولم يَنْظُرُوا في سَائِرِ الْمَحْمُولَاتِ إلَى تَعَلُّقِ الْغَرَضِ بِكَيْفِيَّةِ سَيْرِ الدَّابَّةِ سُرْعَةً وَبُطْئًا وَقُوَّةً وَضَعْفًا وَلَوْ نَظَرُوا إلَيْهَا لم يَكُنْ بَعِيدًا قال ابن الرِّفْعَةِ وَلَعَلَّ عَدَمَ ذلك أَنَّ الْمَنَازِلَ تَجْمَعُهُمْ وَالْعَادَةُ تُبَيِّنُ ذلك وَالضَّعْفُ في الدَّابَّةِ عَيْبٌ وَكَأَنَّهُ لم يَنْظُرْ إلَى الْبُطْءِ وَعَدَمِهِ وَلِلنَّظَرِ فيه مَجَالٌ وَيُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ في الْمُؤَجَّرَةِ لِلرُّكُوبِ
فَرْعٌ وَتُقْسَمُ الْأُجْرَةُ في حَمْلِ الصُّبْرَةِ
____________________
(2/416)
على صِيعَانِهَا كَتَقْسِيمِ الثَّمَنِ عليها في الْبَيْعِ وقد سَبَقَ ثَمَّ بَيَانُهُ ضِمْنًا لَا صَرِيحًا وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ
فَصْلٌ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ أَيْ شَخْصًا لِسَقْيِ حَائِطٍ من بِئْرٍ بِدَلْوٍ أو نَحْوِهَا في الذِّمَّةِ أو على دَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ اُشْتُرِطَ لِلصِّحَّةِ مَعْرِفَةُ الدُّولَابِ وَالدَّلْوِ وموضع الْبِئْرِ وَعُمْقِهَا بِالْمُشَاهَدَةِ لها أو وَصْفِ ما تَنْضَبِطُ هِيَ بِهِ لَا مَعْرِفَةُ جِنْسِ الدَّابَّةِ في الْإِجَارَةِ لِذَلِكَ في الذِّمَّةِ وفي الْإِجَارَةِ له على الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ تُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهَا كما في الرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ وَتَتَقَدَّرُ الْمَنْفَعَةُ في ذلك بِالزَّمَانِ كَأَنْ يَقُولَ لِتَسْقِيَ بِهَذِهِ الدَّلْوِ من هذه الْبِئْرِ الْيَوْمَ قال ابن الرِّفْعَةِ وَيُشْتَرَطُ أَيْ حِينَئِذٍ في إجَارَةِ الذِّمَّةِ ذِكْرُ جِنْسِ الدَّابَّةِ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهِ سُرْعَةً وَبُطْئًا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أو بِالدِّلَاءِ أَيْ بِعَدَدِهَا وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ أو بِالْعَمَلِ كَأَنْ يَقُولَ لِتَسْقِيَ خَمْسِينَ دَلْوًا من هذه الْبِئْرِ بِهَذِهِ الدَّلْوِ لَا بِالْأَرْضِ لِاخْتِلَافِ رَيِّهَا بِكَيْفِيَّةِ حَالِهَا وَبِحَرَارَةِ الْهَوَاءِ وَبُرُودَتِهِ وَأَعَادَ هُنَا التَّقْدِيرَ بِالزَّمَانِ أو بِالْعَمَلِ لِيَعْطِفَ عليه قَوْلَهُ لَا بِالْأَرْضِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا قَدَّرَ بِالزَّمَانِ لَا تُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْأَرْضِ وهو ظَاهِرٌ وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ في الْحِرَاثَةِ بِعَدَمِ اخْتِلَافِ الْعَمَلِ في السَّقْيِ بِاخْتِلَافِ الْأَرْضِ صَلَابَةً وَرَخَاوَةً بِخِلَافِهِ في الْحِرَاثَةِ
وَيُشْتَرَطُ في الْحِرَاثَةِ أَيْ في الِاسْتِئْجَارِ لها مَعْرِفَةُ الْأَرْضِ بِالرُّؤْيَةِ أو الْوَصْفِ لِاخْتِلَافِهَا صَلَابَةً وَرَخَاوَةً قال في الْأَصْلِ وَتُقَدَّرُ الْمَنْفَعَةُ بِالزَّمَانِ بِأَنْ يَقُولَ لِتَحْرُثَ في هذه الْأَرْضِ الشَّهْرَ أو بِالْعَمَلِ بِأَنْ يَقُولَ لِتَحْرُثَ هذه الْقِطْعَةَ أو إلَى مَوْضِعِ كَذَا منها فَإِنْ وَرَدَتْ أَيْ الْإِجَارَةُ لِلْحَرْثِ على الْعَيْنِ أو في الذِّمَّةِ لَكِنْ قَدَّرَ الْحَرْثَ فيها بِزَمَانٍ وَجَبَ مَعْرِفَةُ الدَّابَّةِ لِاخْتِلَافِ الْعَمَلِ بِاخْتِلَافِ حَالِهَا لَا إنْ قَدَّرَ بِالْأَرْضِ فَلَا يَجِبُ مَعْرِفَتُهَا
ويشترط في الدِّيَاسَةِ وَالطَّحْنِ أَيْ الِاسْتِئْجَارِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَعْرِفَةُ جِنْسِ ما يُدَاسُ وَيُطْحَنُ لِاخْتِلَافِ الْعَمَلِ قال ابن الرِّفْعَةِ وَهَذَا بَيِّنٌ إذَا كانت الْإِجَارَةُ مُقَدَّرَةً بِالْعَمَلِ لَا بِالزَّمَانِ وَعَدَلَ الْمُصَنِّفُ عن تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالدِّيَاسِ إلَى قَوْلِهِ الدِّيَاسَةِ لِيَسْلَمَ من التَّسَامُحِ فَقَدْ قال الْمُطَرِّزِيُّ الدِّيَاسَةُ في الطَّعَامِ إنْ تُوطَأَ بِقَوَائِمِ الدَّوَابِّ وَأَمَّا الدِّيَاسُ فَهُوَ صَقْلُ السَّيْفِ وَاسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ إيَّاهُ في مَوْضِعِ الدِّيَاسَةِ تَسَامُحٌ أو وَهْمٌ
ا ه
وفي اشْتِرَاطِ مَعْرِفَةِ الدَّابَّةِ لِلدِّيَاسَةِ أو الطَّحْنِ ما مَرَّ في الْحِرَاثَةِ من التَّفْصِيلِ السَّابِقِ وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَكُلُّ ما يَتَفَاوَتُ بِهِ الْغَرَضُ وَلَا يُتَسَامَحُ بِهِ في الْمُعَامَلَةِ يُشْتَرَطُ تَعْرِيفُهُ
فَصْلٌ
الْمَعْقُودُ عليه في الْإِجَارَةِ هو الْمَنْفَعَةُ لَا الْعَيْنُ الْمُسْتَوْفَى منها الْمَنْفَعَةُ لِأَنَّهَا التي تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ وَيُتَصَرَّفُ فيها وَلَيْسَتْ الْعَيْنُ كَذَلِكَ وَقِيلَ هو الْعَيْنُ الْمَذْكُورَةُ لِإِضَافَةِ اللَّفْظِ إلَيْهَا غَالِبًا وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَعْدُومَةٌ وَمَوْرِدُ الْعَقْدِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ ذلك لَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ عَيْنًا أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ وَإِنْ كانت مَعْدُومَةً فَمُلْحَقَةٌ بِالْمَوْجُودَةِ وَلِهَذَا صَحَّ الْعَقْدُ عليها وَجَازَ أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ دَيْنًا وَلَوْلَا إلْحَاقُهَا بِالْمَوْجُودَةِ لَكَانَ ذلك في مَعْنَى بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ قال في الْأَصْلِ وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ ذلك خِلَافًا مُحَقَّقًا لِأَنَّ من قال بِالثَّانِي لَا يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْعَيْنَ تُمْلَكُ بِالْإِجَارَةِ كما تُمْلَكُ بِالْبَيْعِ وَمَنْ قال بِالْأَوَّلِ لَا يَقْطَعُ النَّظَرَ عن الْعَيْنِ بِالْكُلِّيَّةِ وقال ابن الرِّفْعَةِ بَلْ هو خِلَافٌ مُحَقَّقٌ فَفِي الْبَحْرِ وَجَّهَ أَنَّ حُلِيَّ الذَّهَبِ لَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ بِالذَّهَبِ وَحُلِيَّ الْفِضَّةِ لَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ بها وَلَا يَظْهَرُ له وَجْهٌ إلَّا التَّخْرِيجَ على الْوَجْهِ الثَّانِي وَذَكَرَ زِيَادَتَهُ على ذلك وقال غَيْرُهُ وَأَيْضًا الْخِلَافُ
____________________
(2/417)
في بَيْعِ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ يُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ على ذلك فَإِنْ قُلْنَا مَوْرِدُهَا الْعَيْنُ لم يَصِحَّ إيرَادُ عَقْدٍ آخَرَ عليها أو الْمَنْفَعَةُ جَازَ
الْبَابُ الثَّانِي في أَحْكَامِ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ فِيمَا يَقْتَضِيهِ لَفْظُ الْعَقْدِ وَضْعًا أو عُرْفًا فَعَلَى الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلْحَضَانَةِ حِفْظُ الصَّبِيِّ وَتَعَهُّدُهُ بِغَسْلِ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ وَثِيَابِهِ وَتَطْهِيرِهِ من النَّجَاسَاتِ وَتَدْهِينِهِ وَتَكْمِيلِهِ وَإِضْجَاعِهِ في الْمَهْدِ وَنَحْوِهِ وَرَبْطِهِ وَتَحْرِيكِهِ لِلنَّوْمِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِاقْتِضَاءِ اسْمِ الْحَضَانَةِ عُرْفًا لِذَلِكَ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ من الْحِضْنِ بِكَسْرِ الْحَاءِ وهو ما تَحْتَ الْإِبْطِ وما يَلِيهِ وَلَا يَسْتَتْبِعُ وَاحِدٌ من الْإِرْضَاعِ وَالْحَضَانَةِ الْآخَرَ في الْإِجَارَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُفْرَدُ بِالْعَقْدِ كَسَائِرِ الْمَنَافِعِ وَلَوْ عَقَدَ عَلَيْهِمَا فَانْقَطَعَ اللَّبَنُ انْفَسَخَ الرَّضَاعُ بِمَعْنَى الْإِرْضَاعِ أَيْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فيه لَا الْحَضَانَةُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَقْصُودٌ وَيَسْقُطُ قِسْطُ الْإِرْضَاعِ من الْأُجْرَةِ وَعَلَى الْمُرْضِعَةِ الْفِدَاءُ بِمَا يُدِرُّهَا أَيْ يُدِرُّ لَبَنَهَا وَتُطَالَبُ بِهِ أَيْ وَلِلْمُكْتَرِي أَنْ يُطَالِبَهَا بِمَا يُدِرُّ لَبَنَهَا قال ابن الرِّفْعَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قُلْت وَالصَّيْمَرِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إنَّ له مَنْعَهَا من أَكْلِ ما يَضُرُّ بِاللَّبَنِ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُهُمْ في النَّفَقَاتِ لِلزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ من تَنَاوُلِ ما يَضُرُّ بها
وَالْمُعْتَمَدُ في حِبْرِ النُّسَّاخِ وَخَيْطِ الْخَيَّاطِ وَصِبْغِ الصَّبَّاغِ وَذَرُورِ الْكَحَّالِ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وهو ما يُذَرُّ في الْعَيْنِ وَطَلْعِ التَّلْقِيحِ الْعُرْفُ فَإِنْ اخْتَلَفَ أو لم يَكُنْ عُرْفٌ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَجَبَ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ ذِكْرُهُ أَيْ كُلٍّ من الْمَذْكُورَاتِ وَلَا يَجِبُ تَقْدِيرُهُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ كَاللَّبَنِ فَإِنْ لم نُوجِبْهُ أَيْ ذِكْرَهُ بِأَنْ لم يَخْتَلِفْ الْعُرْفُ فَشَرَطَهُ بِلَا تَقْدِيرٍ بَطَلَ الْعَقْدُ لِأَنَّ اللَّفْظَ عِنْدَ تَرَدُّدِ الْعَادَةِ وَعَدَمِ التَّقْيِيدِ يَلْتَحِقُ بِالْمُجْمَلِ بِخِلَافِ ما إذَا قَدَّرَهُ وما ذُكِرَ من اتِّبَاعِ الْعُرْفِ هو ما صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ في شَرْحَيْهِ وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ في الْمُحَرَّرِ وُجُوبُ ذلك على الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْإِجَارَةِ وَأَمْرُ اللَّبَنِ وَنَحْوِهِ على خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلضَّرُورَةِ وَاسْتَدْرَكَ في الْمِنْهَاجِ عليه بِالْأَوَّلِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّ التَّرَدُّدَ في ذلك إذَا كان الْعَقْدُ على الذِّمَّةِ فَإِنْ كان على الْعَيْنِ لم يَجِبْ غَيْرُ نَفْسِ الْعَمَلِ وَقَطَعَ ابن الرِّفْعَةِ فِيمَا إذَا كان على مُدَّةٍ وَجَوَّزَ التَّرَدُّدَ فِيمَا إذَا كان على عَمَلٍ وَكَالْمَذْكُورَاتِ فِيمَا ذُكِرَ قَلَمُ النُّسَّاخِ وَمِرْوَدُ الْكَحَّالِ وَإِبْرَةُ الْخَيَّاطِ وَنَحْوُهَا
فَصْلٌ وَإِنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا فَحَدَثَ فيها عَيْبٌ يَنْقُصُ الْمَنْفَعَةَ كَمَيْلِ جِدَارٍ وَكَسْرِ سَقْفٍ وَتَعَسُّرِ فَتْحِ غَلْقٍ أو قَارَنَ الْعَيْبُ الْعَقْدَ كَأَنْ أَجَّرَ دَارًا لَا بَابَ لها وَلَا مِيزَابَ ولم يَعْلَمْ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّ ذلك مُخِلٌّ بِالِانْتِفَاعِ إلَّا إنْ بُودِرَ إلَى إصْلَاحِهِ فَلَا خِيَارَ له أَمَّا إذَا عَلِمَ بِالْمُقَارِنِ فَلَا خِيَارَ له مُطْلَقًا وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ مع عِلْمِهِ بِهِ مُوَطِّنٌ نَفْسَهُ على أَنَّ الْمُؤَجِّرَ يُزِيلُهُ وَالضَّرَرُ يَتَجَدَّدُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَفِي إلْزَامِهِ الْبَقَاءَ مع مُصَابَرَةِ الضَّرَرِ عُسْرٌ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ وَأَيُّ فَرْقٍ بين هذا وَبَيْنَ امْتِلَاءِ الْخَلَاءِ ابْتِدَاءً فإنه يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُكْتَرِي كما سَيَأْتِي ولم يَخُصُّوهُ بِحَالَةِ الْجَهْلِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْآخَرَ مَحْمُولٌ على حَالَةِ الْجَهْلِ فَلَا إشْكَالَ وَلَوْ وَكَفَ أَيْ قَطَرَ سَقْفُ الْبَيْتِ من الْمَطَرِ لِتَرْكِ التَّطْيِينِ فَلَهُ الْخِيَارُ لِمَا مَرَّ فَإِنْ انْقَطَعَ الْمَطَرُ ولم يَحْدُثْ بِسَبَبِهِ نَقْصٌ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ سَقَطَ خِيَارُهُ وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ على الْإِصْلَاحِ لِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ وَلَوْ قَلَّ كَتَعَسُّرِ فَتْحِ الْغَلْقِ لِمَا فيه من إلْزَامِ عَيْنٍ لم يَتَنَاوَلْهَا الْعَقْدُ وَقِيلَ يُجْبَرُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ غُصِبَتْ
____________________
(2/418)
الْعَيْنُ الْمُعَيَّنَةُ وَقَدَرَ الْمَالِكُ على الِانْتِزَاعِ لها لَزِمَهُ كما بَحَثَهُ في الرَّوْضَةِ هُنَا بَعْدَ ذِكْرِهِ خِلَافًا لَا تَرْجِيحَ فيه مُصَدَّرًا بِالْقَوْلِ بِعَدَمِ لُزُومِ انْتِزَاعِهَا وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ما بَحَثَهُ هُنَا يُخَالِفُ ما يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ من أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ عنها الْحَرِيقَ وَالنَّهْبَ وَغَيْرَهُمَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ ما هُنَاكَ فِيمَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ أو فِيمَا لَا يَقْدِرُ على انْتِزَاعِهِ إلَّا بِكُلْفَةٍ وما هُنَا بِخِلَافِهِ فَلَزِمَهُ ذلك لِكَوْنِهِ من تَمَامِ التَّسْلِيمِ أو لِعَدَمِ الْكُلْفَةِ هذا وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ اللُّزُومِ وهو ما نَقَلَهُ الْإِمَامُ عن الْأَكْثَرِ وَنَقَلَ مُقَابِلَهُ عن بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ فَإِنْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ كانت أَيْ الْعَيْنُ في الذِّمَّةِ ولم يَنْتَزِعْهَا من الْغَاصِبِ أَبْدَلَ بها غَيْرَهَا
فَرْعٌ وَالْمِفْتَاحُ أَيْ مِفْتَاحُ الْغَلْقِ الْمُثَبَّتِ يَجِبُ على الْمُؤَجِّرِ تَسْلِيمُهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ لِيَتَمَكَّنَ من الِانْتِفَاعِ وَلِأَنَّهُ تَابِعٌ لِغَلْقِهِ وَالْمُسْتَأْجِرُ أَمِينٌ عليه فَلَا يَضْمَنُهُ بِتَلَفِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ وَإِنْ ضَاعَ منه ولم يُبْدِلْهُ الْمَالِكُ له ثَبَتَ له الْفَسْخُ فَإِبْدَالُهُ من وَظِيفَةِ الْمَالِكِ وَلَا يُجْبَرُ عليه وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُسْتَأْجِرُ الْقُفْلَ الْمَنْقُولَ وَمِفْتَاحَهُ وَإِنْ اُعْتِيدَ الْقَفْلُ وَالْفَتْحُ بِهِمَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ دُخُولِ الْمَنْقُولِ في الْعَقْدِ على الْعَقَارِ وَلَا يَثْبُتُ له بِمَنْعِهِ مِنْهُمَا الْفَسْخُ لِمَا قُلْنَا
فَصْلٌ تَنْظِيفُ الْأَتُّونِ من الرَّمَادِ وَالدَّارِ من كُنَاسَةٍ حَدَثَتْ بِفِعْلِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا بِهُبُوبِ الرِّيَاحِ على الْمُسْتَأْجِرِ في الدَّوَامِ وَالِانْتِهَاءِ لِحُصُولِ ذلك بِفِعْلِهِ بِخِلَافِ الْحَادِثَةِ بِهُبُوبِ الرِّيَاحِ لِأَنَّهَا لم تَحْصُلْ بِفِعْلِهِ وَبِخِلَافِ الْمَوْجُودَةِ في الِابْتِدَاءِ فَإِنَّهَا على الْمُؤَجِّرِ وَذِكْرُ حُكْمِ الِانْتِهَاءِ في الرَّمَادِ من زِيَادَتِهِ أَخْذًا له من حُكْمِ الْكُنَاسَةِ بِحَسَبِ ما فَهِمَهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْلِهِ أَنَّهُ كَحُكْمِ رَمَادِ الْحَمَّامِ وَسَيَأْتِي وَفَسَّرُوا الْكُنَاسَةَ بِمَا يَسْقُطُ من الْقُشُورِ وَالطَّعَامِ وَنَحْوِهِمَا وَتَفْرِيغُ الْحَشِّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا أَيْ السُّنْدَاسِ وَالْبَالُوعَةِ وَمُنْتَقَعِ وفي نُسْخَةٍ وَمُسْتَنْقَعِ الْحَمَّامِ من وَظِيفَةِ الْمَالِكِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً لَا في الدَّوَامِ فإنه من وَظِيفَةِ الْمُسْتَأْجِرِ ما لم تَنْقَضِ الْمُدَّةُ لِحُصُولِ ما فيها بِفِعْلِهِ وَفَارَقَ حُكْمُ الِانْتِهَاءِ هُنَا حُكْمَهُ فِيمَا قَبْلَهُ بِأَنَّ الْحَادِثَ هُنَا مع انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ضَرُورِيٌّ بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَكَسْحُ أَيْ كَنْسُ ثَلْجِ السَّطْحِ لَا الْعَرْصَةِ في الدَّوَامِ على الْمَالِكِ لِأَنَّهُ كَعِمَارَةِ الدَّارِ بِخِلَافِ كَنْسِ الْعَرْصَةِ فإنه على الْمُسْتَأْجِرِ وَإِنْ كَثُفَ لِلتَّسَامُحِ بِهِ عُرْفًا وَتَعْبِيرُ أَصْلِهِ بِالْمُؤَجِّرِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِالْمَالِكِ قال ابن الرِّفْعَةِ وما قَالُوهُ في ثَلْجِ السَّطْحِ مَحَلُّهُ في دَارٍ لَا يَنْتَفِعُ سَاكِنُهَا بِسَطْحِهَا كما لو كانت جَمَلُونَاتٍ وَإِلَّا فَيَظْهَرُ أَنَّهُ كَالْعَرْصَةِ قال وَلَوْ كان التُّرَابُ أو الرَّمَادُ أو الثَّلْجُ الْخَفِيفُ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ إزَالَتَهُ على الْمُؤَجِّرِ إذْ بِهِ يَحْصُلُ التَّسْلِيمُ التَّامُّ وَهَلْ رَمَادُ الْحَمَّامِ في الِانْتِهَاءِ كما دَلَّ عليه كَلَامُ أَصْلِهِ كَمُسْتَنْقَعِهِ فَيَكُونَ نَقْلُهُ من وَظِيفَةِ الْمَالِكِ أو كَالْكُنَاسَةِ فَيَكُونَ من وَظِيفَةِ الْمُسْتَأْجِرِ وَجْهَانِ أَفْقَهُهُمَا عِنْدَ ابْنِ الرِّفْعَةِ الثَّانِي وَتَقْيِيدُهُ بِرَمَادِ الْحَمَّامِ من تَصَرُّفِهِ بِنَاءً على ما فَهِمَهُ فِيمَا مَرَّ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْلِهِ عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِذَلِكَ وهو ظَاهِرٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِ ما ذُكِرَ على الْمَالِكِ وَالْمُسْتَأْجِرِ إجْبَارَهُ عليه بَلْ أَنَّهُ من وَظِيفَتِهِ كما عَبَّرَ بِهِ في بَعْضِ الصُّوَرِ حتى إذَا تَرَكَ الْمَالِكُ ما عليه ثَبَتَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ أو الْمُسْتَأْجِرُ ما عليه وَتَعَذَّرَ انْتِفَاعُهُ فَلَا خِيَارَ له
فَرْعٌ يُمْنَعُ الْمُسْتَأْجِرُ دَارًا لِلسُّكْنَى من طَرْحِ التُّرَابِ وَالرَّمَادِ في أَصْلِ حَائِطِ الدَّارِ ومن رَبْطِ الدَّابَّةِ فيها أَيْ في الدَّارِ نعم إنْ اُعْتِيدَ رَبْطُهَا فيها فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ من ذلك كما قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ لَا من وَضْعِ الْأَمْتِعَةِ فيها وَلَوْ كانت من ما يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ بِالْفَأْرِ وَنَحْوِهِ كَالْأَطْعِمَةِ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ وفي نُسْخَةٍ بَدَلَ الْفَسَادُ الْفَأْرُ
فَصْلٌ لو اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ وَلَهَا شِرْبٌ مَعْلُومٌ لم يَدْخُلْ شِرْبُهَا في الْعَقْدِ إلَّا بِشَرْطٍ أو عُرْفٍ مُطَّرَدٍ فَإِنْ اضْطَرَبَ الْعُرْفُ فيه بِأَنْ كانت تُكْرَى وَحْدَهَا تَارَةً وَمَعَ الشِّرْبِ أُخْرَى أو اسْتَثْنَى الشِّرْبَ لم يَصِحَّ الْعَقْدُ لِلِاضْطِرَابِ في الْأَوَّلِ وَكَمَا لو اسْتَثْنَى مَمَرَّ الدَّارِ في بَيْعِهَا في الثَّانِي إلَّا إنْ وُجِدَ شِرْبٌ غَيْرُهُ فَيَصِحُّ مع الِاضْطِرَابِ وَالِاسْتِثْنَاءِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ بِالِاغْتِنَاءِ عن شِرْبِهَا وَذِكْرُ الثَّانِيَةِ من زِيَادَتِهِ وَكَلَامُ الْأَصْلِ في الْأُولَى يَقْتَضِي الصِّحَّةَ وهو مَحْمُولٌ على ما إذَا وُجِدَ لِلْأَرْضِ شِرْبٌ آخَرُ كما تَقَرَّرَ
فَإِنْ عَيَّنَ الزَّرْعَ في اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ له وَانْقَضَتْ الْمُدَّةُ قبل إدْرَاكِ الزِّرَاعَةِ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ إدْرَاكِهِ
____________________
(2/419)
لِتَقْصِيرٍ في الزِّرَاعَةِ بِالتَّأْخِيرِ لها أو بِزَرْعٍ آخَرَ أَبْطَأَ إدْرَاكًا مِمَّا عَيَّنَ أو بِزَرْعِهِ ثَانِيًا بَدَلَ ما أَكَلَهُ الْجَرَادُ وَنَحْوُهُ قَلَعَ ما زَرَعَهُ مَجَّانًا وَسَوَّى الْأَرْضَ كَالْغَاصِبِ لَكِنْ لَا يَقْلَعُ قبل مُضِيِّ الْمُدَّةِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ في الْحَالِ له وَلَهُ أَيْ لِلْمُؤَجِّرِ مَنْعُهُ من زَرْعِ الْأَبْطَأِ إدْرَاكًا مُطْلَقًا عن التَّقْيِيدِ بِضِيقِ الْوَقْتِ وَهَذَا قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ قال الْإِمَامُ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ قِيَاسُ الْمَرَاوِزَةِ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ منه فإن الْمَنْفَعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ وَلَا ضَرَرَ على الْمُؤَجِّرِ فإن له الْقَلْعَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ قال وَلَيْسَ لِمَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَجْهٌ وَيُجَابُ بِأَنَّ له وَجْهًا وهو أَنَّ الْأَبْطَأَ أَكْثَرُ ضَرَرًا على الْأَرْضِ لَا من زَرْعِ الْمُعَيَّنِ في الْعَقْدِ أَيْ وَلَا ما لَا يُسَاوِيهِ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ فَقَدْ يَقْصِدُ الْقَصِيلَ وَإِنْ تَأَخَّرَ الْإِدْرَاكُ لِعُذْرٍ كَحَرٍّ أو بَرْدٍ أو مَطَرٍ أو أَكْلِ الْجَرَادِ لِبَعْضِهِ بِأَنْ أَكَلَ رَأْسَهُ فَنَبَتَ ثَانِيًا فَتَأَخَّرَ لِذَلِكَ بَقِيَ الزَّرْعُ بِالْأُجْرَةِ إلَى الْحَصَادِ وَإِنْ قُدِّرَ الزَّرْعُ بِمُدَّةٍ لَا يُدْرِكُ فيها كَأَنْ اسْتَأْجَرَ لِزِرَاعَةِ الْحِنْطَةِ شَهْرَيْنِ وَشَرَطَ الْقَلْعَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ صَحَّ الْعَقْدُ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ الْقَصِيلَ ثُمَّ إنْ تَرَاضَيَا على الْإِبْقَاءِ مَجَّانًا أو بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ جَازَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو شَرَطَ الْإِبْقَاءَ فَسَدَ الْعَقْدُ لِلتَّنَاقُضِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْقِيتِ وَلِجَهَالَةِ مُدَّةِ الْإِدْرَاكِ وإذا فَسَدَ فَلِلْمَالِكِ مَنْعُهُ من الزِّرَاعَةِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ زَرَعَ لم يَقْلَعْ مَجَّانًا لِلْإِذْنِ وَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِجَمِيعِ الْمُدَّةِ وَإِنْ لم يَشْتَرِطْ شيئا في الْعَقْدِ من قَلْعٍ وَإِبْقَاءٍ صَحَّ الْعَقْدُ لِأَنَّ التَّأْقِيتَ لِحَصْرِ الْمَعْقُودِ عليه في مَنْفَعَةِ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَبَقِيَ الزَّرْعُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِلزَّائِدِ فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ على الْقَلْعِ لِأَنَّ الْعَادَةَ فيه الْإِبْقَاءُ وإذا قُلْنَا بِالْإِبْقَاءِ قال في الْأَصْلِ قال أبو الْفَرَجِ السَّرَخْسِيُّ لَزِمَ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ إذَا شَرَطَ الْإِبْقَاءَ بَعْدَ الْمُدَّةِ وَكَأَنَّهُ صَرَّحَ بِمُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ وَهَذَا حَسَنٌ انْتَهَى وَسَأَذْكُرُ في الْفَصْلِ الْآتِي ما يُحْمَلُ عليه كَلَامُ الْأَصْحَابِ فَإِنْ اسْتَأْجَرَ مُدَّةً لِلزِّرَاعَةِ مُطْلَقًا فَزَرَعَ وَحَصَلَ التَّأْخِيرُ لِلْإِدْرَاكِ بِتَقْصِيرٍ أو غَيْرِهِ فَكَالْمُعَيَّنِ فِيمَا مَرَّ إلَّا أَنَّهُ يُمْنَعُ أَيْ يَمْنَعُهُ الْمَالِكُ من زَرْعٍ يَتَعَذَّرُ إدْرَاكُهُ في الْمُدَّةِ فَإِنْ زَرَعَ لم يَقْلَعْ إلَى انْقِضَائِهَا
فَصْلٌ وَإِنْ قَدَّرَ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ في اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ لَهُمَا بِمُدَّةٍ وَشَرَطَ الْقَلْعَ صَحَّ الْعَقْدُ وإذا بَنَى أو غَرَسَ قَلَعَ وُجُوبًا الْبِنَاءَ أو الْغِرَاسَ بَعْدَ الْمُدَّةِ وَلَا أَرْشَ عَلَيْهِمَا أَيْ على الْمَالِكِ لِنَقْصِ الْبِنَاءِ أو الْغِرَاسِ وَلَا على الْمُسْتَأْجِرِ لِنَقْصِ الْأَرْضِ وَلَا تَسْوِيَتَهَا لِتَرَاضِيهِمَا بِالْقَلْعِ وَلَوْ شَرَطَ الْإِبْقَاءَ لِذَلِكَ بَعْدَهَا أو أَطْلَقَ الْعَقْدَ عن شَرْطِ الْقَلْعِ وَالْإِبْقَاءِ صَحَّتْ أَيْ الْإِجَارَةُ أَمَّا في الثَّانِيَةِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا في الْأُولَى فَلِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي الْإِبْقَاءَ فَلَا يَضُرُّ شَرْطُهُ قال في الْأَصْلِ وَيَتَأَيَّدُ بِهِ كَلَامُ السَّرَخْسِيِّ في الزَّرْعِ قُلْت الْعَاقِدُ ثَمَّ مُقَصِّرٌ بِالتَّضْيِيقِ لِقُدْرَتِهِ على الْإِيجَارِ مُدَّةً يُدْرِكُ فيها الزَّرْعُ بِخِلَافِهِ هُنَا فَلَا يَلْزَمُهُ من الصِّحَّةِ هُنَا الصِّحَّةُ ثَمَّ وَيُلْحَظُ في تَعْلِيلِي الْفَسَادَ فِيمَا إذَا شَرَطَ الْإِبْقَاءَ ثَمَّ تَقْصِيرُ الْعَاقِدِ أَيْضًا وَقَضِيَّةُ الصِّحَّةِ في الْأُولَى أَنَّهُ لَا يَقْلَعُ مَجَّانًا وهو ما نُقِلَ عن الْعِرَاقِيِّينَ ثُمَّ مَحَلُّهَا إذَا لم يَشْرِطْ الْإِبْقَاءَ على التَّأْبِيدِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَقْلَعُ أَصْلًا فَإِنْ شَرَطَهُ كَذَلِكَ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِتَضَمُّنِهَا إلْزَامَ الْمُكْرِي التَّأْبِيدَ قَالَهُ الْإِمَامُ وَلَا أُجْرَةَ عليه أَيْ على الْمُسْتَأْجِرِ في الصُّورَتَيْنِ بَعْدَ الْمُدَّةِ لِأَنَّ ذلك في حُكْمِ الْعَارِيَّةِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ فَإِنْ رَجَعَ الْمُؤَجِّرُ فَلَهُ حُكْمُ الْعَارِيَّةِ بَعْدَ الرُّجُوعِ وَقَبْلَهُ بَعْدَ الْمُدَّةِ وَتَفْصِيلُهُ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ الْقَلْعُ بِلَا نَقْصٍ فَعَلَ وَإِلَّا فَإِنْ اخْتَارَهُ الْمُسْتَأْجِرُ
____________________
(2/420)
فَلَهُ ذلك لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَأَرْشُ نَقْصِهَا لِتَصَرُّفِهِ في أَرْضِ الْغَيْرِ بِالْقَلْعِ بَعْدَ خُرُوجِهَا من يَدِهِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا وَعَلَى هذا لو قَلَعَ قبل الْمُدَّةِ لَزِمَهُ التَّسْوِيَةُ لِعَدَمِ الْإِذْنِ وَإِنْ لم يَخْتَرْهُ لم يَقْلَعْ الْمُؤَجِّرُ مَجَّانًا لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ لم يَشْتَرِطْ قَلْعَهُ وَيَتَخَيَّرُ كَمُعِيرٍ رَجَعَ في عَارِيَّتِهِ وَإِذْ آلَ الْأَمْرُ إلَى الْقَلْعِ فَهُوَ على الْمُسْتَأْجِرِ فَيُبَاشِرُهُ أو يَبْذُلُ مُؤْنَتَهُ لِأَنَّهُ شَغَلَ الْأَرْضَ فَلْيُفْرِغْهَا وإذا عَيَّنَ الْمُؤَجِّرُ خَصْلَةً مِمَّا يَتَخَيَّرُ فيه في الْعَارِيَّةِ فَأَبَاهَا الْمُسْتَأْجِرُ كُلِّفَ الْقَلْعَ مَجَّانًا لِيَرُدَّ الْأَرْضَ كما أَخَذَهَا وَفَاسِدُ الْإِجَارَةِ يُوجِبُ على الْمُسْتَأْجِرِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ التَّصْرِيحُ بهذا هُنَا من زِيَادَتِهِ ثُمَّ هو أَيْ فَاسِدُ الْإِجَارَةِ كَصَحِيحِهَا في التَّخْيِيرِ لِلْمَالِكِ وفي مَنْعِ الْقَلْعِ مَجَّانًا
فَصْلٌ وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِزِرَاعَةِ جِنْسٍ أو نَوْعٍ مُعَيَّنٍ زَرَعَ مثله وَدُونَهُ في الضَّرَرِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عليه مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ وَالْمَزْرُوعَ طَرِيقٌ في الِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَتَعَيَّنُ كما أَنَّهُ إذَا كان له حَقٌّ على غَيْرِهِ يَتَخَيَّرُ بين أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِنَفْسِهِ وَأَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِغَيْرِهِ لَا ما فَوْقَهُ كما في الْعَارِيَّةِ فَالْحِنْطَةُ فَوْقَ الشَّعِيرِ ضَرَرًا وَالذُّرَةُ وَالْأُرْزُ فَوْقَهُمَا أَيْ فَوْقَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ ضَرَرًا لِأَنَّ لِلذُّرَةِ عُرُوقًا غَلِيظَةً تَنْتَشِرُ في الْأَرْضِ وَتَسْتَوْفِي قُوَّتَهَا وَالْأُرْزُ يَحْتَاجُ إلَى السَّقْيِ الدَّائِمِ وهو يُذْهِبُ قُوَّةَ الْأَرْضِ وَلَوْ قال لِتَزْرَعَ هذه الْحِنْطَةَ صَحَّ الْعَقْدُ وَإِنْ احْتَمَلَ تَلَفَهَا كَالِاسْتِئْجَارِ لِإِرْضَاعِ هذا الصَّبِيِّ وَالْحَمْلِ على هذه الدَّابَّةِ وَلَهُ إبْدَالُهَا بِمِثْلِهَا أو دُونَهَا وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَلَوْ نَهَاهُ في الِاسْتِئْجَارِ لِزَرْعِ الْحِنْطَةِ عن زَرْعِ غَيْرِهَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَاهَا
وَلَوْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ عليها في طَرِيقٍ فَلَهُ إبْدَالُ الطَّرِيقِ بمثله لَا أَصْعَبَ منه كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلْقُطْنِ أَيْ لِحَمْلِهِ لم يَحْمِلْ عليها الْحَدِيدَ وَكَذَا عَكْسُهُ أَيْ من اسْتَأْجَرَ لِحَمْلِ الْحَدِيدِ لم يَحْمِلْ الْقُطْنَ لِأَنَّ الْحَدِيدَ يَجْتَمِعُ ثِقَلُهُ في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَالْقُطْنُ لِخِفَّتِهِ يَأْخُذُ من ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرَ
فَرْعٌ وَإِنْ أَجَّرَهُ أَرْضًا لِلْحِنْطَةِ أَيْ لِزَرْعِهَا فَزَرَعَ فيها ذُرَةً وَحَصَدَهَا وَتَخَاصَمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَهُوَ أَيْ الْمُؤَجِّرُ بِالْخِيَارِ بين أَخْذِ أُجْرَةِ مِثْلِ زَرْعِ الذُّرَةِ وأخذ الْمُسَمَّى مع بَدَلِ زِيَادَةِ ضَرَرِ الذُّرَةِ أَيْ مع بَدَلِ النَّقْصِ الزَّائِدِ بِزِرَاعَتِهَا على ضَرَرِ زَرْعِ الْحِنْطَةِ لِأَنَّ لِلصُّورَةِ شَبَهًا بِزِرَاعَةِ الْغَاصِبِ في أَنَّهُ زَرَعَ ما لَا يَسْتَحِقُّهُ وَمُوجَبُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَشَبَهًا بِمَا إذَا اكْتَرَى دَابَّةً إلَى مَكَان وَجَاوَزَهُ في أَنَّهُ اسْتَوْفَى وزاد في الضَّرَرِ وَمُوجَبُهُ الْمُسَمَّى وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمَا زَادَ فَخَيَّرْنَاهُ بَيْنَهُمَا نعم لو كان وَلِيًّا أو نَاظِرًا تَعَيَّنَ أَخْذُهُ بِالْأَحَظِّ مِثَالُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْحِنْطَةِ خَمْسُونَ وَلِلذُّرَةِ سَبْعُونَ وكان الْمُسَمَّى أَرْبَعِينَ فَبَدَلُ النَّقْصِ عِشْرُونَ وَإِنْ تَخَاصَمَا قبل حَصْدِهَا وَقَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ قَلَعَ الْمُؤَجِّرُ إنْ شَاءَ ثُمَّ إنْ أَمْكَنَ الْمُسْتَأْجِرَ في الْمُدَّةِ زِرَاعَةُ الْحِنْطَةِ زَرَعَهَا وَإِلَّا فَلَهُ مَنْعُهُ منها وَلَزِمَهُ جَمِيعُ الْأُجْرَةِ أَيْ لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ لِجَمِيعِ الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ الْمُفَوِّتُ لِمَقْصُودِ الْعَقْدِ على نَفْسِهِ هذا إنْ لم يَمْضِ على بَقَاءِ الذُّرَةِ مُدَّةٌ تَتَأَثَّرُ بها الْأَرْضُ وَإِنْ مَضَتْ تَخَيَّرَ بين أَخْذِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وبين أَخْذِ قِسْطِهَا من الْمُسَمَّى مع بَدَلِ النُّقْصَانِ وَلَهُ قَلْعُ الذُّرَةِ وإذا اخْتَارَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ قال الْمَاوَرْدِيُّ فَلَا بُدَّ من فَسْخِ الْإِجَارَةِ وَلَا يَضْمَنُ الْمُسْتَأْجِرُ الْأَرْضَ
____________________
(2/421)
بِعُدُولِهِ إلَى زَرْعِهَا بِالذُّرَةِ قال الزَّرْكَشِيُّ لَكِنَّ ظَاهِرَ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ يَضْمَنُهَا لِقَوْلِهِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ
وَتَخَيَّرَ أَيْضًا إنْ أَجَّرَهُ دَارًا لِيَسْكُنَ فيها فَأَسْكَنَ فيها حَدَّادًا أو قَصَّارًا أو أَجَّرَهُ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عليها قُطْنًا فَحَمَلَ عليها بِقَدْرِهِ حَدِيدًا وَكَذَا كُلُّ ما لَا يَتَمَيَّزُ فيه الْمُسْتَحَقُّ عَمَّا زَادَ وَقِيَاسُ ما مَرَّ من أَنَّ الْأَرْضَ لَا تُضْمَنُ أَنَّهُ هُنَا لَا يَسْتَحِقُّ مع الْأُجْرَةِ إذَا اخْتَارَهَا في مَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ الْأَرْشَ وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ كما في الْمَغْصُوبِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَرْضِ بِأَنَّهَا أَسْرَعُ تَعَيُّبًا من الْأَرْضِ
فَإِنْ تَمَيَّزَ الْمُسْتَحَقُّ عَمَّا زَادَ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عليها خَمْسِينَ مَنًّا فَحَمَلَ عليها مِائَةً أو إلَى مَوْضِعٍ فَجَاوَزَهُ تَعَيَّنَ مع الْمُسَمَّى لِلزَّائِدِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِتَعَدِّيهِ بِهِ وَمَتَى عَدَلَ عن الْجِنْسِ الْمُعَيَّنِ كَغَرْسٍ وكانت الْإِجَارَةُ لِلزَّرْعِ فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ تَلْزَمُهُ لِتَصَرُّفِهِ فيه بِمَا لَا يَسْتَحِقُّهُ فَرْعٌ على الْمُسْتَأْجِرِ إذَا حَصَدَ ما زَرَعَهُ وَلَوْ بِالْإِذْنِ بَعْدَ الْمُدَّةِ قَلْعُ أُصُولِ زَرْعِهِ من الْأَرْضِ تَفْرِيغًا لِمِلْكِ غَيْرِهِ عن مِلْكِهِ
فَصْلٌ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ إجَارَةُ عَيْنٍ أو ذِمَّةٍ لَزِمَ الْمُؤَجِّرَ ما يَتَوَقَّفُ عليه الرُّكُوبُ كَالْإِكَافِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَالْبَرْذَعَةِ وَهِيَ بِالْمُعْجَمَةِ ما يُحْشَى وَيُعَدُّ لِلرُّكُوبِ عليه لَكِنْ فَسَّرَهَا الْجَوْهَرِيُّ بِالْحِلْسِ الذي يُلْقَى تَحْتَ الرَّحْلِ وَالْبُرَةِ بِضَمِّ الْبَاءِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَهِيَ حَلْقَةٌ تُجْعَلُ في أَنْفِ الْبَعِيرِ من صُفْرٍ أو غَيْرِهِ وَنَحْوِهِ أَيْ نَحْوِ كُلٍّ منها كَالْخِطَامِ وَالْحِزَامِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ من الرُّكُوبِ التَّامِّ بِدُونِهَا وَالْعَادَةُ مُطَّرِدَةٌ بِكَوْنِهَا على الْمُؤَجِّرِ وَيُتَّبَعُ في سَرْجِ الْفَرَسِ الْمُؤَجَّرَةِ الْعُرْفُ في مَوْضِعِ الْإِجَارَةِ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ وَالْمَحْمِلُ وَالْحَبْلُ الذي يُشَدُّ بِهِ الْمَحْمِلُ على الْبَعِيرِ وَالْغِطَاءُ وَالْوِطَاءُ وَالْمِظَلَّةُ وَتَوَابِعُهَا على الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهَا تُرَادُ لِكَمَالِ الِانْتِفَاعِ وهو غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالْإِجَارَةِ وَالْعَادَةُ مُطَّرِدَةٌ بِكَوْنِهَا على الْمُسْتَأْجِرِ وَالشَّدُّ لِلْمَحْمِلِ على الْبَعِيرِ على الْمُؤَجِّرِ وَكَذَا شَدُّ أَحَدِ الْمَحْمِلَيْنِ إلَى الْآخَرِ وَحَلُّ الْحَبْلِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لِلْعُرْفِ وَحَبْلُهُمَا الذي يُشَدُّ بِهِ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ وَهُمَا على الْبَعِيرِ أو الْأَرْضِ على الْمُسْتَأْجِرِ لِذَلِكَ وَقَيَّدَ الْأَصْلُ لُزُومَ الشَّدِّ وَالْحَلِّ بِإِجَارَةِ الذِّمَّةِ هذا إذَا أَطْلَقَا الْعَقْدَ فَإِنْ اكْتَرَى الدَّابَّةَ عُرْيًا كَأَنْ قال له اكْتَرَيْت مِنْك هذه الدَّابَّةَ الْعَارِيَّةَ فَقَبِلَ فَلَا شَيْءَ عليه من الْآلَاتِ قال الْجَوْهَرِيُّ يُقَالُ اعْرَوْرَيْتُ الْفَرَسَ رَكِبْتُهُ عُرْيًا وَفَرَسٌ عُرْيٌ ليس عليه سَرْجٌ وَوِعَاءُ الْمَحْمُولِ وَآلَةُ الِاسْتِقَاءِ في إجَارَةِ الدَّابَّةِ في الذِّمَّةِ لَا الْعَيْنِ على الْمُؤَجِّرِ لِأَنَّهَا إذَا وَرَدَتْ على الْعَيْنِ فَلَيْسَ عليه إلَّا تَسْلِيمُ الدَّابَّةِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ في عَمَلِهَا من بَرْذَعَةٍ وَنَحْوِهَا أو في الذِّمَّةِ فَقَدْ الْتَزَمَ النَّقْلَ فَلْيُهَيِّئْ أَسْبَابَهُ وَالْعَادَةُ مُؤَيِّدَةٌ له فَإِنْ اضْطَرَبَتْ الْعَادَةُ اُشْتُرِطَ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ الْبَيَانُ
فَصْلٌ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ مَعْرِفَةُ الزَّادِ بِرُؤْيَتِهِ أو وَزْنِهِ كَسَائِرِ الْمَحْمُولَاتِ قال الْأَذْرَعِيُّ أو بِامْتِحَانِهِ بِالْيَدِ فِيمَا يَظْهَرُ كما في الزَّامِلَةِ وَنَحْوِهَا لَا مَعْرِفَةُ قَدْرِ ما يُؤْكَلُ منه كُلَّ يَوْمٍ عَمَلًا بِالْعُرْفِ وَلَهُ إبْدَالُهُ أَيْ ما نَفَذَ من الزَّادِ بِأَكْلٍ أو غَيْرِهِ بمثله وَلَوْ لم يَخَفْ غَلَاءً في الْمَنَازِلِ الْمُسْتَقْبَلَةِ أو لم يَنْفُذْ كُلُّهُ منه كَسَائِرِ الْمَحْمُولَاتِ إذَا بَاعَهَا أو تَلِفَتْ نعم إنْ شَرَطَ عَدَمَ إبْدَالِهِ اتَّبَعَ الشَّرْطَ قال السُّبْكِيُّ وَلَوْ شَرَطَ قَدْرًا فلم يَأْكُلْ منه فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ليس لِلْمُؤَجِّرِ مُطَالَبَتُهُ بِنَقْصِ قَدْرِ أَكْلِهِ اتِّبَاعًا لِلشَّرْطِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ له ذلك لِلْعُرْفِ لِأَنَّهُ لم يُصَرِّحْ بِحَمْلِ الْجَمِيعِ في جَمِيعِ الطَّرِيقِ وَهَذَا هو الذي أَمِيلُ إلَيْهِ انْتَهَى وَالْأَفْقَهُ الْأَوَّلُ وَعَلَى مُلْتَزِمِ الرُّكُوبِ الدَّلِيلُ وَالْبَذْرَقَةُ وَالسَّائِقُ وَالْقَائِدُ لِلدَّابَّةِ أَيْ مُؤَنُهُمْ كَالْوِعَاءِ وعليه إعَانَةُ الرَّاكِبِ وَالنَّازِلِ في رُكُوبِهِ وَنُزُولِهِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ النَّقْلَ وَالتَّبْلِيغَ وَلَا يَتِمَّانِ إلَّا بِذَلِكَ وَتُعْتَبَرُ فيه الْعَادَةُ في الْإِعَانَةِ وَتَحْصُلُ الْإِنَاخَةُ لِلْبَعِيرِ لِلْمَرْأَةِ وَالْعَاجِزِ بِمَرَضٍ أو غَيْرِهِ وَإِنْ كان قَوِيًّا حَالَ الْعَقْدِ لِصُعُوبَةِ النُّزُولِ وَالرُّكُوبِ مع قِيَامِ الْبَعِيرِ وَلِخَوْفِ تَكَشُّفِ الْمَرْأَةِ وَتَقْرِيبُ الدَّابَّةِ من نَشَزٍ بِفَتْحِ الشِّينِ وَبِالزَّايِ أَيْ وَبِتَقْرِيبِهَا له من مُرْتَفَعٍ لِيَسْهُلَ عليه الرُّكُوبُ وَإِيقَافُهَا لِنُزُولِهِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَأَدَاءِ الْفَرْضِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَتَهَيَّأُ عليها كَوُضُوءٍ وإذا نَزَلَ لِذَلِكَ انْتَظَرَهُ الْمُلْتَزِمُ لِيَفْرُغَ منه وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ ما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ وَلَوْ بِنَائِبِهِ مَعَهَا لِسَوْقِهَا وَتَعَهُّدِهَا وَلَا يَلْزَمُهُ أَيْ الْمُسْتَأْجِرَ قَصْرٌ وَلَا جَمْعٌ وَلَا تَأْخِيرُ الْوَقْتِ لِيَنَالَ فَضِيلَةَ أَضْدَادِهَا وَلَا الْمُبَالَغَةُ في التَّخْفِيفِ لِمَا نَزَلَ له وَلَيْسَ له التَّطْوِيلُ وَلَا إيقَافُهَا أَيْ
____________________
(2/422)
الدَّابَّةِ لِنَافِلَةٍ وَأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنَحْوِهَا لِإِمْكَانِهِمَا على الدَّابَّةِ وَتَعْبِيرُهُ في الْمَوْضِعَيْنِ بِإِيقَافِهَا لُغَةٌ رَدِيئَةٌ وَالْفَصِيحُ وَقْفُهَا كما عَبَّرَ بِهِ أَصْلُهُ وَعَلَيْهِ في الْتِزَامِ الْحَمْلِ الرَّفْعُ وَالْحَطُّ لِلْحِمْلِ وَالْحِفْظُ لِلْمَتَاعِ في الْمَنَازِلِ كَالْوِعَاءِ وَلَوْ آجَرَهُ عَيْنَ الدَّابَّةِ فَالْوَاجِبُ عليه التَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِمَّا مَرَّ لِأَنَّهُ لم يَلْتَزِمْ سِوَى تَسْلِيمِهَا
فَرْعٌ وَلْيَتَوَسَّطْ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ بين شَدَّيْنِ لِلْمَحْمِلِ أو نَحْوِهِ وَجُلُوسَيْنِ يَضُرُّ أَحَدُهُمَا بِالرَّاكِبِ وَالْآخَرُ بِالدَّابَّةِ فَلَوْ اخْتَلَفَا في الرَّحْلِ أَمَكْبُوبًا أو مُسْتَلْقِيًا أو في كَيْفِيَّةِ الْجُلُوسِ اُعْتُبِرَ الْوَسَطُ وَالْمَكْبُوبُ قِيلَ جَعْلُ مُقَدَّمِ الْمَحْمِلِ أو الزَّامِلَةِ أَوْسَعَ من الْمُؤَخَّرِ وَالْمُسْتَلْقِي عَكْسُهُ وَقِيلَ الْمَكْبُوبُ أَنْ يُضَيَّقَ الْمُقَدَّمُ وَالْمُؤَخَّرُ جميعا وَالْمُسْتَلْقِي أَنْ يُوَسَّعَا جميعا وَعَلَى التَّفْسِيرَيْنِ الْمَكْبُوبُ أَسْهَلُ على الدَّابَّةِ وَالْمُسْتَلْقِي أَسْهَلُ على الرَّاكِبِ ذَكَرَ ذلك الْأَصْلُ وَلَيْسَ له النَّوْمُ عليها فَلِلْمُؤَجِّرِ مَنْعُهُ منه لِأَنَّ النَّائِمَ يَثْقُلُ فَلَا يُحْتَمَلُ في غَيْرِ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ وَعَلَى الْقَوِيِّ النُّزُولُ عن الدَّابَّةِ إنْ اُعْتِيدَ في الْعِقَابِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ جَمْعُ عَقَبَةٍ أَيْ في الْعَقَبَاتِ الصَّعْبَةِ لِإِرَاحَةِ الدَّابَّةِ فَلَا يَلْزَمُهُ النُّزُولُ فيها إنْ لم يُعْتَدْ وَلَا في غَيْرِهَا وَإِنْ اُعْتِيدَ لَا على الضَّعِيفِ كَالشَّيْخِ الْعَاجِزِ وَالْمَرْأَةِ وَذَوِي الْمَنْصِبِ الذي يُخِلُّ الْمَشْيُ بِمُرُوءَتِهِمْ عَادَةً إلَّا بِالشَّرْطِ لِلنُّزُولِ أو لِعَدَمِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فيه ما ذُكِرَ بَلْ يُتَّبَعُ فيه الشَّرْطُ
فَرْعٌ وَإِنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِلرُّكُوبِ عليها إلَى بَلَدٍ أَوْصَلَهُ الْعُمْرَانَ إنْ لم يَكُنْ سُورٌ وَإِلَّا أَوْصَلَهُ السُّورَ لَا الْمَنْزِلَ قال الْمَاوَرْدِيُّ إلَّا إنْ كان الْبَلَدُ صَغِيرًا تَتَقَارَبُ أَقْطَارُهُ فَيُوصِلُهُ الْمَنْزِلَ أو لِلرُّكُوبِ إلَى مَكَّةَ لم يُتِمَّ الْحَجَّ عليها لِأَنَّ الْعَقْدَ لم يَتَنَاوَلْهُ أو لِلرُّكُوبِ لِلْحَجِّ رَكِبَ إلَى مِنًى ثُمَّ إلَى عَرَفَةَ ثُمَّ إلَى مُزْدَلِفَةَ ثُمَّ إلَى مِنًى ثُمَّ إلَى مَكَّةَ لِلْإِفَاضَةِ أَيْ طَوَافِهَا وَكَذَا يَرْكَبُهَا من مَكَّةَ رَاجِعًا إلَى مِنًى لِلرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ بها لِأَنَّ الْحَجَّ لم يَفْرُغْ وَإِنْ كان قد تَحَلَّلَ وَتَعْبِيرُ الْأَصْلِ بَدَلَ الْمَبِيتِ بِالطَّوَافِ سَهْوٌ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَيْ أَحَدِ الْمُتَكَارِيَيْنِ فِرَاقُ الْقَافِلَةِ بِتَقَدُّمٍ أو تَأَخُّرٍ إلَّا بِرِضَا الْآخَرِ لِمَا فيه من الْوَحْشَةِ
فَرْعٌ وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ في الْمُسْتَقْبَلِ بِتَلَفِ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ فَلَا تُبْدَلُ لِفَوَاتِ الْمَعْقُودِ عليه وَلَهُ الْفَسْخُ إنْ تَعَيَّبَتْ بِعَشَوَانٍ أَيْ بِعَدَمِ إبْصَارِهَا بِاللَّيْلِ وَلَفْظُ عَشَوَانٍ لَا أَحْفَظُهُ وَاَلَّذِي في الصِّحَاحِ الْعَشَا مَقْصُورٌ مَصْدَرُ الْأَعْشَى وهو الذي لَا يُبْصِرُ بِاللَّيْلِ وَيُبْصِرُ بِالنَّهَارِ وَعَرَجٍ مُعَوِّقٍ لها عن السَّيْرِ مع الْقَافِلَةِ وَنَحْوِهِ كَتَعَثُّرِهَا تَعَثُّرًا غير مُعْتَادٍ وَهَذَا الْفَسْخُ على التَّرَاخِي كما سَيَأْتِي لَا مُجَرَّدِ خُشُونَةِ مَشْيٍ وَخَالَفَ ابن الرِّفْعَةِ فَجَعَلَهُ عَيْبًا وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ قال وَبِهِ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ في عَيْبِ الْمَبِيعِ انْتَهَى
وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَعْدُودَ ثَمَّ ليس مُجَرَّدَ الْخُشُونَةِ بَلْ خُشُونَةً يُخْشَى منها السُّقُوطَ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْمُرَادُ بِالْعَيْبِ هُنَا ما يُؤَثِّرُ في الْمَنْفَعَةِ تَأْثِيرًا يَظْهَرُ بِهِ تَفَاوُتٌ في الْأُجْرَةِ لَا في الْقِيمَةِ لِأَنَّ مَوْرِدَ الْعَقْدِ الْمَنْفَعَةُ والدابة الْمُلْتَزَمَةُ في الذِّمَّةِ يُبْدِلُهَا الْمُؤَجِّرُ لِلتَّلَفِ وَالتَّعَيُّبِ أَيْ لِأَحَدِهِمَا لِيَتَمَكَّنَ من اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عليه في الْأُولَى وَكَمَا في الْمُسْلَمِ فيه في الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عليه في الذِّمَّةِ بِصِفَةِ السَّلَامَةِ وَهَذَا غَيْرُ سَلِيمٍ فإذا لم يَرْضَ بِهِ رَجَعَ إلَى ما ثَبَتَ في الذِّمَّةِ نعم لو عَجَزَ عن إبْدَالِهَا فَالظَّاهِرُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ لَا إبْدَالَهَا بَعْدَ تَسْلِيمِهَا عن الْمُلْتَزَمَةِ في الذِّمَّةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُكْتَرِي لِأَنَّ له فيها حَقًّا إذْ لِلْمُكْتَرِي تَأْجِيرُهَا أَيْ إجَارَتُهَا بَعْدَ قَبْضِهَا وله الِاعْتِيَاضُ عن مَنْفَعَتِهَا لِأَنَّهُ وَقَعَ عن حَقٍّ في عَيْنٍ لَا قبل قَبْضِهَا عَمَّا الْتَزَمَهُ له الْمُكْرِي لِأَنَّهَا أَيْ الْإِجَارَةَ كَالسَّلَمِ وهو لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ فيه
____________________
(2/423)
فَصْلٌ يَجُوزُ في إجَارَتَيْ الْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ إبْدَالُ الْمُسْتَوْفَى لِلْمَنْفَعَةِ وَالْمَحْمُولِ بمثله طُولًا وَقِصَرًا وَضَخَامَةً وَنَحَافَةً وَغَيْرَهَا أَيْ بِمِثْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا أو دُونَهُ الْمَفْهُومِ بِالْأَوْلَى إذْ لَا ضَرَرَ فيه وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُؤَجِّرَ لِغَيْرِهِ ما اسْتَأْجَرَهُ قال الْخُوَارِزْمِيَّ فَلَوْ شَرَطَ عليه الْمُؤَجِّرُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمَنْفَعَةَ بِنَفْسِهِ لم يَصِحَّ كما لو بَاعَهُ شيئا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ قال ابن الرِّفْعَةِ وقد يُفَرَّقُ بِأَنَّ لِلْمُؤَجِّرِ غَرَضًا بِأَنْ لَا يَكُونَ عَيْنُ مَالِهِ إلَّا تَحْتَ يَدِ من يَرْضَاهُ بِخِلَافِ الْبَائِعِ نعم ليس له إبْدَالُ الْحَمْلِ بِالْإِرْكَابِ وَلَا عَكْسِهِ وَإِنْ قال أَهْلُ الْخِبْرَةِ لَا يَتَفَاوَتُ الضَّرَرُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لَا إبْدَالُ الْمُسْتَوْفَى منه بِغَيْرِهِ في إجَارَةِ الْعَيْنِ كَالدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ وَالدَّارِ وَالْأَجِيرِ الْمُعَيَّنِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلَا يَجُوزُ كما لَا يَجُوزُ إبْدَالُ الْمَبِيعِ بَلْ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِهِ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ بِتَعَيُّبِهِ بِخِلَافِهِ في إجَارَةِ الذِّمَّةِ كما مَرَّ ذلك وَلَا إبْدَالُ الْمُسْتَوْفَى بِهِ بِغَيْرِهِ في إجَارَتَيْ الْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ كَالثَّوْبِ الْمُعَيَّنِ في الْخِيَاطَةِ وَالصَّبِيِّ الْمُعَيَّنِ في الرَّضَاعِ أو التَّعَلُّمِ كَالْمُسْتَوْفَى منه وَقِيلَ يَجُوزُ إبْدَالُهُ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ لِلِاسْتِيفَاءِ كَالرَّاكِبِ لَا مَعْقُودٌ عليه وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْإِمَامِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْأَوَّلُ عن الْعِرَاقِيِّينَ وَنَقَلُوهُ عن النَّصِّ وَلَا تَرْجِيحَ في الْأَصْلِ فَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَعَلَيْهِ جَرَى الْأَصْلُ في الْخُلْعِ وَجَرَى عليه الْبُلْقِينِيُّ وَذَكَرَ أَنَّ الثَّانِيَ ليس بِمُعْتَمَدٍ في الْفَتْوَى قال وقد جَزَمَ الرَّافِعِيُّ في الْكَلَامِ على ما يُعْتَبَرُ تَعْيِينُهُ في الرَّضَاعِ بِأَنَّهُ يَجِبُ تَعْيِينُ الصَّبِيِّ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِاخْتِلَافِهِ وما وَجَبَ تَعْيِينُهُ لَا يَجُوزُ إبْدَالُهُ كَالدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ لَكِنَّ الذي رَجَّحَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَالشَّرْحُ الصَّغِيرُ وَالْمُصَنِّفُ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ الثَّانِي وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ إبْدَالُ الْمُسْتَوْفَى فيه كَأَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ في طَرِيقٍ فَلَهُ إبْدَالُ الطَّرِيقِ بمثله
فَصْلٌ
ليس له النَّوْمُ لَيْلًا في ثَوْبٍ اسْتَأْجَرَهُ لِلُّبْسِ قال الرَّافِعِيُّ عَمَلًا بِالْعَادَةِ نعم لَا يَلْزَمُهُ نَزْعُ الْإِزَارِ كَذَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ وقال الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ التَّحْتَانِيِّ كما يُفْهِمُهُ تَعْلِيلُ الرَّافِعِيِّ انْتَهَى وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْأَوَّلُ فَطَرِيقُهُ إذَا أَرَادَ النَّوْمَ فيه أَنْ يَشْتَرِطَهُ وَيَنَامُ فيه نَهَارًا وَلَوْ في غَيْرِ الْقَيْلُولَةِ سَاعَةً أو سَاعَتَيْنِ لَا أَكْثَرَ النَّهَارِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ لَا في الْقَمِيصِ الْفَوْقَانِيِّ أَيْ لَا يَنَامُ فيه وَلَا يَلْبَسُهُ كُلَّ وَقْتٍ بَلْ إنَّمَا يَلْبَسُهُ عِنْدَ التَّجَمُّلِ في الْأَوْقَاتِ التي جَرَتْ الْعَادَةُ فيها بِالتَّجَمُّلِ كَحَالِ الْخُرُوجِ إلَى السُّوقِ وَنَحْوِهِ وَدُخُولِ الناس عليه وَيَنْزِعُهُ في أَوْقَاتِ الْخَلْوَةِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ وَإِنْ اسْتَأْجَرَ إزَارًا لِيَتَّزِرَ بِهِ فَلَهُ الِارْتِدَاءُ بِهِ لِأَنَّ ضَرَرَ الِارْتِدَاءِ دُونَ ضَرَرِ الِاتِّزَارِ لَا عَكْسُهُ أَيْ ليس له الِاتِّزَارُ بِمَا اسْتَأْجَرَهُ لِلِارْتِدَاءِ لِأَنَّهُ أَضَرُّ بِالثَّوْبِ من الِارْتِدَاءِ أو اسْتَأْجَرَ قَمِيصًا لِلُبْسِهِ مُنِعَ من الِاتِّزَارِ بِهِ لِذَلِكَ لَا من الِارْتِدَاءِ وَلَهُ التَّعَمُّمُ بِكُلٍّ من الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ وَالْقَمِيصِ لِأَنَّ ضَرَرَهُ دُونَ ضَرَرِ الِاتِّزَارِ وَالِارْتِدَاءِ وَالتَّقَمُّصِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ لِلُّبْسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ دَخَلَتْ اللَّيَالِي الْمُشْتَمِلَةُ عليها أو يَوْمًا وَأَطْلَقَ فَمِنْ أَيْ فَمُدَّتُهُ من وَقْتِهِ أَيْ وَقْتِ الْعَقْدِ إلَى مِثْلِهِ أو قال يَوْمًا كَامِلًا فَمِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ أو اسْتَأْجَرَ لِلُّبْسِ نَهَارًا فَمِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ أو من طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ أَخْذًا من قَوْلِهِمْ لو قال أَنْت طَالِقٌ في نَهَارِ شَهْرِ كَذَا طَلُقَتْ بِطُلُوعِ فَجْرِ أَوَّلِ يَوْمٍ منه وما تَقَرَّرَ من التَّفْصِيلِ بين إطْلَاقِ الْيَوْمِ وَوَصْفِهِ بِكَامِلٍ يَأْتِي في النَّهَارِ وَصُورَةُ ذلك في إجَارَةِ الْعَيْنِ أَنْ يُؤَجِّرَهَا أَوَّلَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ
الطَّرَفُ الثَّانِي في حُكْمِ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْأَجِيرِ في الْأَمَانَةِ وَالضَّمَانِ فَيَدُ الْمُسْتَأْجِرِ على الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ يَدُ أَمَانَةٍ فَلَا يَضْمَنُ ما تَلِفَ منها بِلَا تَقْصِيرٍ إذْ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاؤُهُ مَنْفَعَتَهَا الْمُسْتَحَقَّةَ له إلَّا بِإِثْبَاتِ يَدِهِ عليها كَالنَّخْلَةِ الْمُبْتَاعِ ثَمَرَتُهَا بِخِلَافِ ظَرْفِ الْمَبِيعِ وَلَوْ
____________________
(2/424)
بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ تَبَعًا لها فَلَا يَلْزَمُهُ الرَّدُّ لها بَلْ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَالِكِ إذَا طَلَبَ كَالْوَدِيعَةِ فَإِنْ وفي نُسْخَةٍ فإذا انْفَسَخَتْ أَيْ الْإِجَارَةُ بِسَبَبٍ ولم يُعْلِمْ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَالِكَ بِالِانْفِسَاخِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ ضَمِنَهَا وَمَنَافِعَهَا لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ إعْلَامِهِ فَإِنْ أَعْلَمَهُ بِهِ أو لم يُعْلِمْهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِهِ أو كان هو عَالِمًا بِهِ لم يَضْمَنْ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَلَا تَقْصِيرَ منه وَإِنْ حَمَلَ قِدْرًا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ اسْتِئْجَارِهَا لِلرَّدِّ على دَابَّةٍ فَانْكَسَرَ بِعَثْرَتِهَا وفي نُسْخَةٍ بِتَعَثُّرِهَا فَإِنْ كان لَا يَسْتَقِلُّ بِحَمْلِهِ لم يَضْمَنْ وَإِلَّا ضَمِنَ لِتَقْصِيرِهِ إذْ الْعَادَةُ أَنَّ الْقِدْرَ لَا تُرَدُّ بِالدَّابَّةِ مع اسْتِقْلَالِ الْمُسْتَأْجِرِ أو حَمَّالٍ بِهِ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى من هذا أَيْ إنْ لم يَجِدْ حَمَّالًا ما لو كان من ذَوِي الْهَيْئَاتِ مِمَّنْ لَا يَلِيقُ الْحَمْلُ بِحَالِهِ فَلَا يَضْمَنُ وَالْقِدْرُ مُؤَنَّثٌ وَالْمُصَنِّفُ ذَكَّرَهَا وَالْأَصْلُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَلَوْ تَرَكَ الِانْتِفَاعَ بِالدَّابَّةِ وَقْتَهُ أَيْ وَقْتَ الِانْتِفَاعِ بها كَالنَّهَارِ فَتَلِفَتْ بِسَبَبٍ كَانْهِدَامِ سَقْفٍ لو انْتَفَعَ بها فيه لَسَلِمَتْ ضَمِنَ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ اسْتِعْمَالِهِ لها بِخِلَافِ ما إذَا تَلِفَتْ بِمَا لَا يُعَدُّ مُقَصِّرًا فيه كَأَنْ انْهَدَمَ عليها السَّقْفُ في لَيْلٍ لم تَجْرِ الْعَادَةُ بِاسْتِعْمَالِهَا فيه وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الضَّمَانَ بِذَلِكَ ضَمَانُ جِنَايَةٍ لَا ضَمَانُ يَدٍ وَإِلَّا لَضَمِنَ بِتَلَفِهِ بِمَا لَا يُعَدُّ مُقَصِّرًا فيه لَكِنْ تَرَدَّدَ فيه السُّبْكِيُّ فقال وَهَلْ هو ضَمَانُ جِنَايَةٍ حتى لو لم تَتْلَفُ لم يَضْمَنْ أو ضَمَانُ يَدٍ حتى تَصِيرَ مَضْمُونَةً عليه الْأَقْرَبُ الثَّانِي وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ قال وَسَكَتُوا عَمَّا لو سَافَرَ بها فَتَلِفَتْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فيها التَّفْصِيلُ فَيُقَالَ إنْ سَافَرَ في وَقْتٍ لم تَجْرِ الْعَادَةُ بِالسَّيْرِ فيه فَتَلِفَتْ بِآفَةٍ أو بِغَصْبٍ ضَمِنَ وَلَوْ تَرَكَ الِانْتِفَاعَ بها وَقْتَهُ لِمَرَضٍ أو خَوْفٍ عَرَضَ له فَتَلِفَتْ بِذَلِكَ فَالظَّاهِرُ الذي اقْتَضَاهُ التَّعْلِيلُ السَّابِقُ عَدَمُ الضَّمَانِ كما بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ في الْخَوْفِ أَخْذًا من كَلَامِ الْإِمَامِ وَلَوْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ غُصِبَتْ أَيْ الدَّابَّةُ من الْمُسْتَأْجِرِ لم يَضْمَنْ هَا وَلَوْ تَخَلَّفَ عن رُفْقَةٍ له غُصِبَتْ دَوَابُّهُمْ وسعوا في الِاسْتِرْدَادِ لها من الْغَاصِبِ بِنَاءً على أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الرَّدُّ
وَيَدُ الْأَجِيرِ على ما اُسْتُؤْجِرَ لِحِفْظِهِ أو لِلْعَمَلِ فيه كَالرَّاعِي وَالْخَيَّاطِ وَالصَّبَّاغِ يَدُ أَمَانَةٍ وَلَوْ كان مُشْتَرَكًا وهو الْمُلْتَزِمُ لِلْعَمَلِ في ذِمَّتِهِ إذْ ليس أَخْذُهُ الْعَيْنَ لِغَرَضِهِ خَاصَّةً فَأَشْبَهَ عَامِلَ الْقِرَاضِ وَسُمِّيَ مُشْتَرَكًا لِأَنَّهُ إنْ الْتَزَمَ الْعَمَلَ لِجَمَاعَةٍ فَذَاكَ أو لِوَاحِدٍ فَقَطْ فَيُمْكِنُهُ أَنْ يَلْتَزِمَهُ لِغَيْرِهِ فَكَأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بين الناس وَقَسِيمُهُ الْمُنْفَرِدُ وهو من أَجَّرَ نَفْسَهُ لِعَمَلٍ لِغَيْرِهِ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْبَلَ مثله لِآخَرَ ما دَامَتْ إجَارَتُهُ وهو أَوْلَى من الْمُشْتَرَكِ بِكَوْنِ يَدِهِ يَدَ أَمَانَةٍ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ مُخْتَصَّةٌ بِالْمُسْتَأْجِرِ في الْمُدَّةِ فَيَدُهُ كَيَدِ الْوَكِيلِ مع الْمُوَكِّلِ فَلَوْ تَعَدَّى الْأَجِيرُ فِيمَا ذُكِرَ أو فَرَّطَ فيه ضَمِنَ بِأَقْصَى الْقِيَمِ له من وَقْتِ التَّعَدِّي إلَى وَقْتِ التَّلَفِ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ أو فَرَّطَ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ تَرَكَهُ لَشَمِلَهُ التَّعَدِّي كما شَمِلَهُ في قَوْلِهِ وَالتَّعَدِّي مِثْلُ أَنْ يُسْرِفَ في الْإِيقَادِ لِلْخُبْزِ أو يُلْصِقَهُ أَيْ الْخُبْزَ قبل وَقْتِهِ أَيْ وَقْتِ إلْصَاقِهِ أو يَتْرُكَهُ في التَّنُّورِ فَوْقَ الْعَادَةِ حتى يَحْتَرِقَ وَيُصَدَّقُ الْأَجِيرُ بِيَمِينِهِ فِيمَا لو اخْتَلَفَا في التَّعَدِّي أو التَّفْرِيطِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُمَا وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ من الضَّمَانِ إلَّا إنْ قال عَدْلَانِ خَبِيرَانِ إنَّ هذا سَرَفٌ فَلَا يُصَدَّقُ بَلْ يُعْمَلُ بِقَوْلِهِمَا
وَلَوْ ضَرَبَ الْأَجِيرُ الصَّبِيَّ لِلتَّأْدِيبِ وَالتَّعْلِيمِ فَمَاتَ فَمُتَعَدٍّ لِأَنَّ ذلك مُمْكِنٌ بِغَيْرِ الضَّرْبِ ثُمَّ الْأَجِيرُ إنْ لم يَنْفَرِدْ بِالْيَدِ كَمَنْ يَعْمَلُ لِلْإِنْسَانِ في بَيْتِهِ أو يَكُونُ الْمُسْتَأْجِرُ عِنْدَهُ حَالَةَ الْعَمَلِ ثُمَّ يَحْمِلُهُ أَيْ ما عَمِلَ فيه إلَى بَيْتِهِ لم يَضْمَنْ قَطْعًا وفي نُسْخَةٍ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كان مُنْفَرِدًا أَمْ مُشْتَرَكًا لِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ إلَيْهِ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا اسْتَعَانَ بِهِ الْمَالِكُ في شُغْلِهِ كما يَسْتَعِينُ بِالْوَكِيلِ فَإِنْ انْفَرَدَ بِالْيَدِ لم يَضْمَنْ أَيْضًا كما شَمِلَ الْقِسْمَيْنِ كَلَامُهُ السَّابِقُ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ ثُمَّ الْأَجِيرُ إلَى آخِرِهِ
فَرْعٌ وَإِنْ خَتَنَ الْأَجِيرُ حُرًّا أو فَصَدَهُ أو حَجَمَهُ بِلَا تَقْصِيرٍ وَكَذَا إنْ كان الْمَفْعُولُ بِهِ ذلك عَبْدًا وَلَا تَقْصِيرَ فَمَاتَ أو بَزَغَ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالزَّايِ وَالْمُعْجَمَةِ أَيْ شَرَطَ دَابَّةً بِلَا تَقْصِيرٍ فَمَاتَتْ لم يَضْمَنْ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْيَدِ على الْحُرِّ وَلِعَدَمِ التَّفْرِيطِ في غَيْرِهِ
فَصْلٌ لو دَفَعَ ثَوْبًا إلَى قَصَّارٍ وَنَحْوِهِ كَخَيَّاطٍ وَغَسَّالٍ بِلَا اسْتِئْجَارٍ أَيْ بِغَيْرِ ذِكْرِ ما يَقْتَضِي أُجْرَةً لِيَقْصُرَهُ أو لِيَخِيطَهُ أو لِيَغْسِلَهُ فَقَصَرَهُ أو خَاطَهُ أو غَسَلَهُ فَالثَّوْبُ أَمَانَةٌ في يَدِهِ وَلَا أُجْرَةَ له وَلَوْ كان مَعْرُوفًا بِذَلِكَ الْعَمَلِ بِأَجْرٍ أو قال له اُقْصُرْهُ أو خِطْهُ أو نَحْوَهُ لِعَدَمِ الْتِزَامِهَا كما لو قال
____________________
(2/425)
أَطْعِمْنِي فَأَطْعَمَهُ لَا ضَمَانَ عليه قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَشْبَهُ أَنَّ عَدَمَ اسْتِحْقَاقِهِ الْأُجْرَةَ مَحَلُّهُ إذَا كان حُرًّا مُكَلَّفًا مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ فَلَوْ كان عَبْدًا أو مَحْجُورًا عليه بِسَفَهٍ أو نَحْوِهِ اسْتَحَقَّهَا إذْ لَيْسُوا من أَهْلِ التَّبَرُّعِ بِمَنَافِعِهِمْ الْمُقَابَلَةِ بِالْأَعْوَاضِ وَاسْتُثْنِيَ عَامِلُ الْمُسَاقَاةِ إذَا عَمِلَ ما ليس من أَعْمَالِهَا بِإِذْنِ الْمَالِكِ فإنه يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ كما مَرَّ في بَابِهَا وَعَامِلُ الزَّكَاةِ فإنه يَسْتَحِقُّ الْعِوَضَ وَإِنْ لم يُسَمِّ وقال بَعْضُهُمْ لَا تُسْتَثْنَى هذه لِأَنَّ الْأُجْرَةَ ثَابِتَةٌ له بِنَصِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ مُسَمَّاةٌ شَرْعًا وَإِنْ لم يُسَمِّهَا الْإِمَامُ حين بَعَثَهُ بِخِلَافِ دَاخِلٍ الْحَمَّامَ بِلَا إذْنٍ من الْحَمَّامِيِّ فإنه يَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ إنْ لم يَجْرِ لها ذِكْرٌ لِأَنَّ الْقَصَّارَ أَيْ أو نَحْوَهُ صَرَفَ مَنْفَعَتَهُ لِغَيْرِهِ وَالدَّاخِلَ لِلْحَمَّامِ اسْتَوْفَاهَا يَعْنِي مَنْفَعَةَ الْحَمَّامِ بِسُكُوتِهِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ من زِيَادَتِهِ بِلَا إذْنٍ الدَّاخِلُ بِإِذْنٍ فإن الْحَمَّامِيَّ فيه كَالْأَجِيرِ كما قالوا بِهِ فِيمَنْ دخل سَفِينَةً بِإِذْنِ صَاحِبِهَا حتى أتى السَّاحِلَ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَمَسْأَلَةُ السَّفِينَةِ ذَكَرَهَا الْأَصْلُ وَصَرَّحَ فيها بِأَنَّهُ إذَا دَخَلَهَا بِلَا إذْنٍ لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ قال في الْمَطْلَبِ وَلَعَلَّهُ فِيمَا إذَا لم يَعْلَمْ بِهِ مَالِكُهَا حين سَيَّرَهَا وَإِلَّا فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كما لو وَضَعَ مَتَاعَهُ على دَابَّةِ غَيْرِهِ فَسَيَّرَهَا مَالِكُهَا فإنه لَا أُجْرَةَ على مَالِكِهِ وَلَا ضَمَانَ وَلَوْ قال لِغَسَّالٍ مَثَلًا وقد أَعْطَاهُ ثَوْبًا اغْسِلْهُ وأنا أُرْضِيكَ قال الْأَذْرَعِيُّ أو وَلَا تَرَى مِنِّي إلَّا ما يَسُرُّك أو حتى أُحَاسِبَك أو وَلَا يَضِيعُ حَقُّك أو نَحْوَهَا فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ مُسْتَحَقَّةٌ لِأَنَّهُ لم يَتَبَرَّعْ بِالْعَمَلِ
فَرْعٌ ما يَأْخُذُهُ الْحَمَّامِيُّ أُجْرَةُ الْحَمَّامِ وَالْآلَةِ من سَطْلٍ وَإِزَارٍ وَنَحْوِهِمَا وَحِفْظِ الْمَتَاعِ نعم إنْ كان مع الدَّاخِلِ الْآلَةُ وَمَنْ يَحْفَظُ الْمَتَاعَ كان ما يَأْخُذُهُ الْحَمَّامِيُّ أُجْرَةَ الْحَمَّامِ فَقَطْ لَا ثَمَنُ الْمَاءِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْبُوطٍ فَلَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ فَهُوَ أَيْ الْحَمَّامِيُّ مُؤَجِّرٌ لِلْآلَةِ وَأَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ في الْأَمْتِعَةِ فَلَا يَضْمَنُهَا كَسَائِرِ الْأُجَرَاءِ وَالْآلَةُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ على الدَّاخِلِ لِأَنَّهُ مُسْتَأْجِرٌ لها
فَصْلٌ
لو اُسْتُؤْجِرَ في قِصَارَةِ ثَوْبٍ أو في صَبْغِهِ بِصِبْغٍ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ فَقَصَرَهُ أو صَبَغَهُ وَانْفَرَدَ بِالْيَدِ فَتَلِفَ في يَدِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أو بِإِتْلَافِهِ بَعْدَ الْقِصَارَةِ وَالصَّبْغِ سَقَطَتْ أُجْرَتُهُ كما في تَلَفِ الْمَبِيعِ قبل قَبْضِهِ بِنَاءً على أَنَّ الْقِصَارَةَ في مَسْأَلَتِهَا عَيْنٌ لَا إنْ لم يَنْفَرِدْ بِالْيَدِ بِأَنْ عَمِلَ في مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ أو بِحَضْرَتِهِ حتى تَلِفَ فَلَا تَسْقُطُ أُجْرَتُهُ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ عليه فَوَقَعَ الْعَمَلُ فيه مُسَلَّمًا أَوَّلًا فَأَوَّلًا فَإِنْ أَتْلَفَهُ وَانْفَرَدَ بِالْيَدِ ضَمِنَهُ غير مَقْصُورٍ أو مَصْبُوغٍ مع الصِّبْغِ وَسَقَطَتْ أُجْرَتُهُ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ بِنَاءً على أَنَّ إتْلَافَ الْبَائِعِ كَالْآفَةِ وَإِنْ لم يَنْفَرِدْ بِالْيَدِ ضَمِنَهُ مَقْصُورًا أو مَصْبُوغًا ولم تَسْقُطْ أُجْرَتُهُ وَمَتَى أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ وَانْفَرَدَ الْأَجِيرُ بِالْيَدِ فَلِلْمَالِكِ الْفَسْخُ وَالْإِجَازَةُ لِلْإِجَارَةِ كما في إتْلَافِهِ الْمَبِيعَ قبل الْقَبْضِ فَإِنْ أَجَازَ لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ وَعَلَى الْأَجْنَبِيِّ له قِيمَتُهُ أَيْ الثَّوْبِ مَقْصُورًا أو مَصْبُوغًا وَإِنْ فَسَخَ فَلَا أُجْرَةَ عليه وَطَالَبَ هو الْأَجْنَبِيَّ بِقِيمَتِهِ غير مَقْصُورٍ أو مَصْبُوغٍ مع بَدَلِ الصِّبْغِ وَلِلْأَجِيرِ تَغْرِيمُ الْأَجْنَبِيِّ أُجْرَةَ الْقِصَارَةِ أو الصِّبْغِ فِيمَا يَظْهَرُ وَخَرَجَ بِصِبْغِ صَاحِبِ الثَّوْبِ ما لو اسْتَأْجَرَهُ لِيَصْبُغَ بِصِبْغِ نَفْسِهِ فَصَبَغَهُ بِهِ ثُمَّ تَلِفَ في يَدِهِ فإنه وَإِنْ كان الْحُكْمُ كما مَرَّ لَكِنْ تَسْقُطُ قِيمَةُ الصِّبْغِ
فَرْعٌ لو قَصَرَ الثَّوْبَ ثُمَّ جَحَدَهُ ثُمَّ أتى بِهِ اسْتَقَرَّتْ الْأُجْرَةُ أو جَحَدَهُ ثُمَّ قَصَرَهُ لَا لِنَفْسِهِ بَلْ لِجِهَةِ الْإِجَارَةِ أو أَطْلَقَ ثُمَّ أتى بِهِ اسْتَقَرَّتْ أَيْضًا وَمَسْأَلَةُ الْإِطْلَاقِ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ قَصَرَهُ لِنَفْسِهِ سَقَطَتْ لِأَنَّهُ عَمِلَ لِنَفْسِهِ وَيُفَارِقُ ما لو صَرَفَ الْأَجِيرُ الْحَجَّ لِنَفْسِهِ
____________________
(2/426)
حَيْثُ لَا تَسْقُطُ أُجْرَتُهُ بِأَنَّ الْحَجَّ بَعْدَ انْعِقَادِهِ عن الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَقْبَلُ الصَّرْفَ فَنِيَّةُ الصَّرْفِ مُلْغَاةٌ بِخِلَافِ الْقِصَارَةِ فَإِنَّهَا تَقْبَلُ الصَّرْفَ وما لو قال مَالِكُ الْمَعْدِنِ لِغَيْرِهِ ما اسْتَخْرَجْته منه هو لَك أو اسْتَخْرِجْ لِنَفْسِكَ حَيْثُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ لِأَنَّهُ ثَمَّ جَعَلَ له شيئا طَمِعَ فيه ولم يَحْصُلْ له بِخِلَافِهِ هُنَا
فَصْلٌ وَالْمُسْتَأْجِرُ يَضْمَنُ ما اسْتَأْجَرَهُ بِالتَّعَدِّي فيه فَإِنْ نَامَ في الثَّوْبِ الذي اسْتَأْجَرَهُ لِلُّبْسِ بِاللَّيْلِ أو نَقَلَ فيه تُرَابًا أو أَلْبَسَهُ من دُونَهُ حِرْفَةً كَعِصَارِ أو دَبَّاغٍ أو أَسْكَنَ الْبَيْتَ أَضَرَّ منه كَحَدَّادٍ وَنَحْوِهِ كَقَصَّارٍ ضَمِنَ أَيْ دخل في ضَمَانِهِ لِتَعَدِّيهِ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ وَنَحْوِهِ أو ضَرَبَ الدَّابَّةَ فَوْقَ الْعَادَةِ قال في الْأَصْلِ وَعَادَةُ الضَّرْبِ تَخْتَلِفُ في حَقِّ الرَّاكِبِ وَالرَّائِضِ وَالرَّاعِي فَكُلٌّ تُرَاعَى فيه عَادَةُ أَمْثَالِهِ
وَيَحْتَمِلُ في الْأَجِيرِ لِلرِّيَاضَةِ وَلِلرَّعْيِ ما لَا يَحْتَمِلُ في الْمُسْتَأْجِرِ لِلرُّكُوبِ أو كَبَحَهَا بِالْمُوَحَّدَةِ وَيُقَالُ بِالْمِيمِ بَدَلَهَا وَبِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ كَذَلِكَ أَيْ جَذَبَهَا بِاللِّجَامِ لِتَقِفَ فَوْقَ الْعَادَةِ أو أَرْكَبَهَا أَثْقَلَ منه ضَمِنَ أَيْضًا لَا إنْ مَاتَتْ بِالضَّرْبِ الْمُعْتَادِ أو بِإِرْكَابِهِ من هو مِثْلُهُ أو دُونَهُ فَلَا يَضْمَنُ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ
بِخِلَافِ مَوْتِ الزَّوْجَةِ وَالصَّبِيِّ بِضَرْبِهِمَا لِلتَّأْدِيبِ فإنه يَضْمَنُهُمَا لِإِمْكَانِ تَأْدِيبِهِمَا بِغَيْرِهِ وَمَسْأَلَةُ الصَّبِيِّ من زِيَادَتِهِ هُنَا وقد قَدَّمَهَا كَأَصْلِهِ قبل فَرْعٍ وَإِنْ خَتَنَ الْأَجِيرُ حُرًّا وَالْقَرَارُ لِلضَّمَانِ على الْمُسْتَعْمِلِ الثَّانِي إنْ عَلِمَ الْحَالَ وَإِلَّا فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ كانت يَدُ الثَّانِي يَدَ أَمَانَةٍ كَالْمُسْتَأْجِرِ فَإِنْ كانت يَدَ ضَمَانٍ كَالْمُسْتَعِيرِ فَالْقَرَارُ عليه كما أَوْضَحُوهُ في الْغَصْبِ نَبَّهَ عليه في الْمُهِمَّاتِ وَإِنْ أَرْكَبَهَا مثله فَتَعَدَّى بِمُجَاوَزَةِ الضَّرْبِ أو بِغَيْرِهِ اُخْتُصَّ هو بِالضَّمَانِ لِتَعَدِّيهِ فَلَا ضَمَانَ على الْمُرْكِبِ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ وَإِنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِمِائَةِ رِطْلٍ حِنْطَةً فَحَمَلَ وَزْنَهَا شَعِيرًا أو عَكْسَهُ ضَمِنَ لِأَنَّ الشَّعِيرَ أَخَفُّ فما أَخَذَهُ من ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرُ وَالْحِنْطَةُ يَجْتَمِعُ ثِقَلُهَا في مَحَلٍّ وَاحِدٍ سَوَاءٌ أَتَلِفَتْ بِذَلِكَ السَّبَبِ أَمْ بِغَيْرِهِ لِأَنَّ يَدَهُ صَارَتْ يَدَ عُدْوَانٍ وَقِسْ على الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ ما يُشْبِهُهُمَا وَيُبْدِلُ بِالْقُطْنِ الصُّوفَ وَالْوَبَرَ لِأَنَّهُمَا مِثْلُهُ في الْحَجْمِ لَا الْحَدِيدَ ويبدل بِالْحَدِيدِ الرَّصَاصَ وَالنُّحَاسَ لِأَنَّهُمَا مِثْلُهُ في الْحَجْمِ لَا الْقُطْنَ وَمَسْأَلَتُنَا عَدَمُ جَوَازِ الْإِبْدَالِ من زِيَادَتِهِ هُنَا وقد قَدَّمَهَا كَأَصْلِهِ في فَصْلٍ
وَإِنْ اسْتَأْجَرَ لِزِرَاعَةِ جِنْسٍ أو اكْتَرَاهَا لِقَفِيزِ شَعِيرٍ فَحَمَلَ قَفِيزًا حِنْطَةً ضَمِنَ لِأَنَّهَا أَثْقَلُ لَا عَكْسُهُ فَلَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ أَخَفُّ وَمِقْدَارُهُمَا في الْحَجْمِ سَوَاءٌ وَالْقَفِيزُ مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ يَسَعُ اثْنَيْ عَشَرَ صَاعًا أو اكْتَرَاهَا لِيَرْكَبَ بِسَرْجٍ فَرَكِبَ عُرْيًا أو عَكْسَهُ ضَمِنَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَضَرُّ بها وَالثَّانِيَ زِيَادَةٌ على الْمَشْرُوطِ أو لِيَرْكَبَ بِسَرْجٍ فَرَكِبَ بِإِكَافٍ ضَمِنَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلَ السَّرْجِ أو أَخَفَّ منه وَزْنًا وَضَرَرًا أو عَكْسَهُ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَثْقَلَ من الْإِكَافِ أو لِيَحْمِلَ عليها بِإِكَافٍ فَحَمَلَ بِسَرْجٍ ضَمِنَ لِأَنَّهُ يَشُقُّ عليها لَا عَكْسُهُ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا إنْ كان أَثْقَلَ من السَّرْجِ
فَرْعٌ وَإِنْ زَادَ من اكْتَرَى دَابَّةً لِحَمْلِ مِقْدَارٍ سَمَّاهُ فَوْقَ ما يَقَعُ من التَّفَاوُتِ بين الْكَيْلَيْنِ أو الْوَزْنَيْنِ بِأَنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِتِسْعَةِ آصُعٍ فَكَالَ عَشَرَةً وَحَمَلَهَا عليها وَسَيَّرَهَا بِنَفْسِهِ وَلَوْ بِنَائِبِهِ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلزَّائِدِ مع الْمُسَمَّى لِتَعَدِّيهِ بِخِلَافِ ما لو زَادَ ما يَقَعُ بِهِ التَّفَاوُتُ بين الْكَيْلَيْنِ أو الْوَزْنَيْنِ لِأَنَّهُ يُتَسَامَحُ بِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ ما لو اكْتَرَى مَكَانًا لِوَضْعِ أَمْتِعَةٍ فيه فَزَادَ عليها فإنه إنْ كان أَرْضًا فَلَا شَيْءَ عليه لِعَدَمِ الضَّرَرِ وَإِنْ كان غُرْفَةً فَطَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُخَيَّرُ الْمُؤَجِّرُ بين الْمُسَمَّى وَأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِلزَّائِدِ وَبَيْنَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لِلْكُلِّ
وَثَانِيهِمَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا له الْمُسَمَّى وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلزَّائِدِ وَالثَّانِي أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْكُلِّ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عن الْجُرْجَانِيِّ وَالرُّويَانِيِّ وَقِيَاسُ ما مَرَّ في مَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ من الطَّرِيقِ الثَّانِي فَإِنْ قُلْت قِيَاسُ ما مَرَّ فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِزَرْعِ حِنْطَةٍ فَزَرَعَ ذُرَةً من أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بين أُجْرَةِ مِثْلِ الذُّرَةِ وَالْمُسَمَّى مع أُجْرَةِ الزَّائِدِ من ضَرَرِ الذُّرَةِ أَنْ يُقَالَ بمثله في هذه وفي مَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ قُلْت الْفَرْقُ أَنَّهُ ثَمَّ عَدَلَ عن الْمُعَيَّنِ أَصْلًا فَسَاغَ الْخُرُوجُ عن الْمُسَمَّى بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِهِ هُنَا
فَإِنْ تَلِفَتْ أَيْ الدَّابَّةُ معه وَصَاحِبُهَا غَائِبٌ ضَمِنَهَا مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَتَلِفَتْ بِالْحَمْلِ أَمْ بِغَيْرِهِ لِتَعَدِّيهِ أو حَاضِرٌ وَيَدُهُ عليها وَتَلِفَتْ بِالْحَمْلِ لَا بِغَيْرِهِ ضَمِنَ الْعُشْرَ أَيْ عُشْرَ قِيمَتِهَا لِأَنَّهُ قِسْطُ الزَّائِدِ كما في الْجَلَّادِ وَفَارَقَ ما لو جَرَحَ نَفْسَهُ جِرَاحَاتٍ وَجَرَحَهُ غَيْرُهُ جِرَاحَةً وَاحِدَةً أو جَرَحَهُ
____________________
(2/427)
وَاحِدٌ جِرَاحَاتٍ وَآخَرُ جِرَاحَةً وَاحِدَةً حَيْثُ لم يُقَسَّطْ بَلْ يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ على صَاحِبِ الْجِرَاحَةِ الْوَاحِدَةِ بِأَنَّ التَّوْزِيعَ هُنَا مُتَيَسَّرٌ بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ لِأَنَّ نِكَايَاتِهَا لَا تَنْضَبِطُ وَلَا مَعْنَى لِرِعَايَةِ مُجَرَّدِ الْعَدَدِ أَمَّا إذَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ الْحَمْلِ فَيَضْمَنُ عِنْدَ انْفِرَادِهِ بِالْيَدِ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ بِالْيَدِ لَا عِنْدَ انْفِرَادِهِ بها لِأَنَّهُ ضَامِنٌ بِالْجِنَايَةِ
وَإِنْ حَمَّلَهَا الْمُؤَجِّرُ مَغْرُورًا من الْمُكْتَرِي كَأَنْ سَلَّمَهُ الْآصُعَ غير عَالِمٍ بِأَنَّهَا عَشَرَةٌ وقال له هِيَ تِسْعَةٌ كَاذِبًا وَتَلِفَتْ الدَّابَّةُ بها وَجَبَ ضَمَانُ الْعُشْرِ أَيْضًا على الْمُكْتَرِي كما لو حَمَّلَهَا بِنَفْسِهِ لِأَنَّ إعْدَادَ الْمَحْمُولِ وَتَسْلِيمَهُ إلَى الْمُؤَجِّرِ بَعْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ كَالْإِلْجَاءِ إلَى الْحَمْلِ شَرْعًا فَكَانَ كَشَهَادَةِ شُهُودِ الْقِصَاصِ
وَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ وقال له الْمُسْتَأْجِرُ احْمِلْ هذه الزِّيَادَةَ فَأَجَابَهُ فَقَدْ أَعَارَهُ إيَّاهَا لِحَمْلِ الزِّيَادَةِ فَلَا أُجْرَةَ لها فَلَوْ تَلِفَتْ أَيْ الدَّابَّةُ تَحْتَ الْحِمْلِ ضَمِنَ الْمُسْتَأْجِرُ الْعُشْرَ أَيْضًا لِأَنَّ ضَمَانَ الْعَارِيَّةِ لَا يَجِبُ بِالْيَدِ خَاصَّةً بَلْ بِالِارْتِفَاقِ أَيْضًا فَزِيَادَةُ الِارْتِفَاقِ بِالْمَالِكِ لَا تُوجِبُ سُقُوطَ الضَّمَانِ
وَإِنْ لم يَأْمُرْهُ الْمُسْتَأْجِرُ بِالْحَمْلِ فَحَمَّلَهَا وهو عَالِمٌ كما هو الْفَرْضُ فَذِكْرُهُ هذا إيضَاحٌ فَهُوَ كما لو كَالَ الزِّيَادَةَ بِنَفْسِهِ وَحَمَّلَهَا فَلَا أُجْرَةَ له فيها أَيْ في حَمْلِهَا سَوَاءٌ أَغَلَّطَ في الْكَيْلِ أو الْوَزْنِ أو تَعَمَّدَ وَسَوَاءٌ جَهِلَ الْمُسْتَأْجِرُ الزِّيَادَةَ أو عَلِمَ بها وَسَكَتَ لِأَنَّهُ لم يَأْذَنْ له في نَقْلِ الزِّيَادَةِ وَلَا يَضْمَنُ الْمُسْتَأْجِرُ الْبَهِيمَةَ إنْ تَلِفَتْ إذْ لَا يَدَ وَلَا تَعَدِّيَ وَلَهُ طَلَبُ الْمُؤَجِّرِ أَيْ مُطَالَبَتُهُ بِرَدِّ الزِّيَادَةِ إلَى مَكَانِهَا الْمَنْقُولَةِ هِيَ منه وَلَا يَرُدُّهَا اسْتِقْلَالًا بَلْ لَا بُدَّ من إذْنِ الْمُسْتَأْجِرِ في رَدِّهَا فَلَوْ اسْتَقَلَّ بِرَدِّهَا قال الْأَذْرَعِيُّ فَالظَّاهِرُ أَنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ تَكْلِيفَهُ رَدَّهَا إلَى الْمَكَانِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ أَوَّلًا
وَيُطَالِبُ أَيْ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ مُطَالَبَتُهُ بِالْبَدَلِ لها في الْحَالِ لِلْحَيْلُولَةِ كما لو أَبَقَ الْمَغْصُوبُ من يَدِ الْغَاصِبِ فَلَوْ غَرِمَ له بَدَلَهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَكَانِهَا اسْتَرَدَّهُ وَرَدَّهَا إلَيْهِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَوْ كَالَهُ أَيْ ما ذُكِرَ من الْآصُعِ الْمُؤَجِّرُ وَحَمَّلَهُ الْمُسْتَأْجِرُ وهو عَالِمٌ بِالزِّيَادَةِ فَكَمَا لو كَالَ بِنَفْسِهِ وَحَمَّلَ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ حَمْلِهَا وَالضَّمَانُ لِأَنَّهُ لَمَّا عَلِمَهَا كان من حَقِّهِ أَنْ لَا يُحَمِّلَهَا فَإِنْ جَهِلَ هَا فَكَأَكْلِ الْمَالِكِ طَعَامَهُ الْمَغْصُوبَ جَاهِلًا فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ حَمْلِهَا وَالضَّمَانُ أَيْضًا لِأَنَّهُ نَقَلَ مِلْكَ نَفْسِهِ وفي نُسْخَةٍ بَدَلَ وهو وَالْمُؤَجِّرُ وهو ما في أَصْلِ الرَّوْضَةِ من زِيَادَتِهِ فَعَلَيْهَا لَا أُجْرَةَ وَلَا ضَمَانَ في الصُّورَتَيْنِ فَلَا خِلَافَ في الْمَعْنَى لَكِنَّ الْأُولَى أَوْلَى وَهِيَ الْمُوَافِقَةُ لِكَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَلِمَنْ نَقَلَاهَا عنه وهو الْمُتَوَلِّي بَلْ قال الْعِرَاقِيُّ إنَّهَا الصَّوَابُ وَلَوْ كَالَهُ الْمُسْتَأْجِرُ وَحَمَّلَهُ وَالدَّابَّةُ وَاقِفَةٌ ثُمَّ سَيَّرَهَا الْمُؤَجِّرُ فَكَحَمْلِ الْمُؤَجِّرِ عليها فَلَا أُجْرَةَ له إنْ كان عَالِمًا إلَّا إنْ كان مَغْرُورًا
وَإِنْ كَالَهُ أَجْنَبِيٌّ وَحَمَّلَهُ بِلَا إذْنٍ في حَمْلِ الزِّيَادَةِ فَهُوَ غَاصِبٌ لِلزَّائِدِ وَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ لِلْمُؤَجِّرِ وَالرَّدُّ له إلَى الْمَكَانِ الْمَنْقُولِ منه إنْ طَالَبَهُ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ وعليه ضَمَانُ الْبَهِيمَةِ على ما ذَكَرْنَاهُ في الْمُسْتَأْجِرِ من التَّفْصِيلِ بين غَيْبَةِ صَاحِبِهَا وَحَضْرَتِهِ على ما مَرَّ وَإِنْ حَمَّلَهُ بَعْدَ كَيْلِ الْأَجْنَبِيِّ أَحَدُ الْمُتَكَارِيَيْنِ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ بين الْغُرُورِ وَعَدَمِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا في الزِّيَادَةِ أو قَدْرِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الزِّيَادَةِ وَإِنْ ادَّعَى الْمُؤَجِّرُ أَنَّ الزِّيَادَةَ له وَالدَّابَّةُ في يَدِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ التِّسْعَةَ صَارَتْ مَضْمُونَةً عليه بِالْخَلْطِ وَإِنْ لم يَدَّعِهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا تُرِكَتْ في يَدِ من هِيَ في يَدِهِ حتى يَظْهَرَ مُسْتَحِقُّهَا وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ أُجْرَتُهَا ذَكَرَ ذلك الْأَصْلُ إلَّا ما اسْتَثْنَيْته من ضَمَانِ التِّسْعَةِ فَالْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَخَرَجَ بِقَيْدِ كَوْنِ الدَّابَّةِ في يَدِهِ ما لو كانت مع ما عليها في يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ
فَرْعٌ وَإِنْ كان أَيْ وُجِدَ الْمَحْمُولُ على الدَّابَّةِ نَاقِصًا عن الْمَشْرُوطِ نَقْصًا يُؤَثِّرُ بِأَنْ كان فَوْقَ ما يَقَعُ بِهِ التَّفَاوُتُ بين الْكَيْلَيْنِ أو الْوَزْنَيْنِ وقد كَالَهُ الْمُؤَجِّرُ حَطَّ قِسْطَهُ من الْأُجْرَةِ إنْ كانت أَيْ الْإِجَارَةُ في الذِّمَّةِ لِأَنَّهُ لم يَفِ بِالشُّرُوطِ أو لم تَكُنْ كَذَلِكَ بَلْ كانت إجَارَةَ عَيْنٍ لَكِنْ لم يَعْلَمْ الْمُسْتَأْجِرُ النَّقْصَ فَإِنْ عَلِمَهُ لم يُحَطَّ شَيْءٌ من الْأُجْرَةِ لِأَنَّ التَّمْكِينَ من الِاسْتِيفَاءِ قد حَصَلَ وَذَلِكَ كَافٍ في تَقْرِيرِ الْأُجْرَةِ فَهُوَ كما لو كَالَ الْمُسْتَأْجِرُ بِنَفْسِهِ وَنَقَصَ أَمَّا النَّقْصُ الذي لَا يُؤَثِّرُ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ
فَرْعٌ وَلَوْ ارْتَدَفَ مع الْمُكْتَرِيَيْنِ لِدَابَّةٍ رَكِبَاهَا ثَالِثٌ عُدْوَانًا ضَمِنَ الثُّلُثَ إنْ تَلِفَتْ تَوْزِيعًا على رُءُوسِهِمْ لَا على قَدْرِ أَوْزَانِهِمْ لِأَنَّ الناس لَا يُوزَنُونَ غَالِبًا وَعَلَى كُلٍّ من الْآخَرَيْنِ الثُّلُثُ إنْ لم يَكُنْ مَالِكُهَا مَعَهُمَا وَتَمَكَّنَا من نُزُولِهِمَا أو إنْزَالِ الرَّدِيفِ ولم يَفْعَلَا حتى تَلِفَتْ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا قَالَهُ ابن الرِّفْعَةِ
____________________
(2/428)
تَفَقُّهًا وَلَوْ سَخَّرَ رَجُلًا وَبَهِيمَتَهُ فَمَاتَتْ في يَدِ صَاحِبِهَا قبل اسْتِعْمَالِهَا فَلَا ضَمَانَ على الْمُسَخَّرِ لِأَنَّهَا في يَدِ صَاحِبِهَا أَمَّا بَعْدَ اسْتِعْمَالِهَا فَهِيَ مُعَارَةٌ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ في الْعَارِيَّةِ في آخِرِ فَرْعِ لو أَرْكَبَ دَابَّتَهُ وَكِيلَهُ
فَصْلٌ وَمَتَى دَفَعَ ثَوْبًا إلَى خَيَّاطٍ لِيَقْطَعَهُ وَيَخِيطَهُ فَخَاطَهُ قَبَاءً ثُمَّ اخْتَلَفَا فِيمَا أَذِنَ فيه الْمَالِكُ فقال الْخَيَّاطُ خِطْته قَبَاءً بِأَمْرِك فَلِي الْأُجْرَةُ فقال الْمَالِكُ إنَّمَا أَمَرْتُك بِقَمِيصٍ أَيْ بِقَطْعِهِ قَمِيصًا صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ كما لو اخْتَلَفَا في أَصْلِ الْإِذْنِ فَيَحْلِفُ أَنَّهُ ما أَذِنَ له في قَطْعِهِ قَبَاءً وَهَذَا كما لو قال دَفَعْت هذا الْمَالَ إلَيْك وَدِيعَةً فقال بَلْ رَهْنًا أو هِبَةً وَلِأَنَّ الْخَيَّاطَ مُعْتَرِفٌ بِأَنَّهُ أَحْدَثَ في الثَّوْبِ نَقْصًا وَادَّعَى أَنَّهُ مَأْذُونٌ له فيه وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَلِأَنَّهُ يَدَّعِي أَنَّهُ أتى بِالْعَمَلِ الذي اسْتَأْجَرَهُ عليه وَالْمَالِكُ يُنْكِرُهُ فَأَشْبَهَ ما لو اسْتَأْجَرَهُ لِحَمْلِ مَتَاعٍ وقال الْأَجِيرُ حَمَلْت وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ وَقِيلَ إنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَرُدَّ بِأَنَّهُمَا لم يَخْتَلِفَا في عَقْدِ الْإِجَارَةِ بَلْ في الْإِذْنِ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ في دَفْعِ الثَّوْبِ بِلَا عَقْدٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الشَّيْخَيْنِ حَكَيَا طَرِيقَةً أَنَّهُ إنْ جَرَى بَيْنَهُمَا عَقْدٌ تَعَيَّنَ التَّحَالُفُ وَإِلَّا فَالْقَوْلَانِ وَالْوَجْهُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا جَرَى عَقْدٌ أَنْ يَأْذَنَ له في الْقَطْعِ أو لَا ثُمَّ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ على الْخِيَاطَةِ ثُمَّ بَعْدَ الْخِيَاطَةِ يَخْتَلِفَانِ في كَيْفِيَّةِ الْعَقْدِ وفي الْإِذْنِ الْوَاقِعِ قَبْلَهُ وَالتَّحَالُفُ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا في كَيْفِيَّةِ الْعَقْدِ فَقَطْ وَاسْتَحَقَّ على الْخَيَّاطِ الْأَرْشَ لِثُبُوتِ قَطْعِهِ قَبَاءً بِغَيْرِ إذْنٍ فَقِيلَ هو ما بين قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَمَقْطُوعًا لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لم يَأْذَنْ في قَطْعِهِ قَبَاءً وَصَحَّحَهُ ابن أبي عَصْرُونٍ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ ابن الرِّفْعَةِ تَصْحِيحَهُ عن الْإِمَامِ وقال الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الْأَصَحُّ فإن الْأَصْحَابَ بَنَوْا الْخِلَافَ على أَصْلَيْنِ يَقْتَضِيَانِ ذلك وَقِيلَ ما بين قِيمَتِهِ مَقْطُوعًا لِلْقَمِيصِ أو لِلْقَبَاءِ لِأَنَّ أَصْلَ الْقَطْعِ مَأْذُونٌ فيه وَهَذَا قَوِيٌّ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وقال لَا يُتَّجَهُ غَيْرُهُ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ ما بين قِيمَتِهِ مَقْطُوعًا قَمِيصًا وَمَقْطُوعًا قَبَاءً وَهِيَ أَوْلَى لِأَنَّ بين لَا تَدْخُلُ إلَّا على مُتَعَدِّدٍ لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ يَسْتَعْمِلُونَ في ذلك أو كَثِيرًا وَسَقَطَتْ الْأُجْرَةُ عن الْمَالِكِ إذْ بِيَمِينِهِ صَارَ عَمَلُ الْخَيَّاطِ غير مَأْذُونٍ فيه وَلَهُ أَيْ لِلْخَيَّاطِ نَزْعُ خَيْطِهِ كَالصِّبْغِ وَعَلَيْهِ أَرْشُ النَّزْعِ إنْ حَصَلَ بِهِ نَقْصٌ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وله مَنْعُ الْمَالِكِ من شَدِّ خَيْطٍ فيه أَيْ في خَيْطِ الْخَيَّاطِ يَجُرُّهُ في الدُّرُوزِ مَكَانَهُ إذَا نُزِعَ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ في مِلْكِ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَاهُ
فَرْعٌ وَإِنْ وفي نُسْخَةٍ فَصْلٌ وَلَوْ قال له إنْ كان هذا الثَّوْبُ يَكْفِينِي قَمِيصًا فَاقْطَعْهُ فَقَطَعَهُ ضَمِنَ الْأَرْشَ إنْ لم يَكْفِهِ لِأَنَّ الْإِذْنَ مَشْرُوطٌ بِمَا لم يُوجَدْ لَا إنْ قال له في جَوَابِهِ هو يَكْفِيك فقال له اقْطَعْ فَلَا يَضْمَنُ وَإِنْ لم يَكْفِهِ لِأَنَّ الْإِذْنَ مُطْلَقٌ
فَصْلٌ وَإِنْ اخْتَلَفَا في الْأُجْرَةِ أو الْمُدَّةِ أو الْمَنْفَعَةِ أو قَدْرِ الْمَنْفَعَةِ هل هِيَ عَشَرَةُ فَرَاسِخَ أو خَمْسَةٌ أو في قَدْرِ الْمُسْتَأْجَرِ هل هو كُلُّ الدَّارِ أو بَيْتٌ منها تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ أَيْ الْإِجَارَةُ كما في الْبَيْعِ وَوَجَبَ على الْمُسْتَأْجِرِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمَا اسْتَوْفَاهُ
الْبَابُ الثَّالِثُ في الطَّوَارِئِ الْمُوجِبَةِ لِلْفَسْخِ وَالِانْفِسَاخِ وَهِيَ قِسْمَانِ الْأَوَّلُ ما يَقْتَضِي الْخِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ وهو ما يَنْقُصُ مَنْفَعَةَ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ نَقْصًا يُؤَثِّرُ في تَفَاوُتِ الْأُجْرَةِ كَمَرَضِهَا أَيْ الْعَيْنِ وَانْهِدَامِ بَعْضِ دَعَائِمِ الدَّارِ وَاعْوِجَاجِهَا أَيْ الدَّعَائِمِ أو بَعْضِهَا وَتَغَيُّرِ الْبِئْرِ بِحَيْثُ يَمْنَعُ الشُّرْبَ منه وَإِنْ كان بِتَعَدِّيهِ لِفَوَاتِ تَمَامِ الْمَنْفَعَةِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذلك سَابِقًا لِلْعَقْدِ أو الْقَبْضِ أَمْ حَادِثًا بيده لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمُسْتَقْبَلَةَ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ فَالْعَيْبُ قَدِيمٌ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهَا وَإِنَّمَا يَتَصَرَّفُ فيها لِلْحَاجَةِ لَكِنْ إنْ قَبِلَ الْعَيْبُ الْإِصْلَاحَ في الْحَالِ وَبُودِرَ إلَيْهِ فَلَا فَسْخَ كما مَرَّ قال في الْأَصْلِ ثُمَّ إنْ ظَهَرَ الْعَيْبُ قبل مُضِيِّ مُدَّةٍ لها أُجْرَةٌ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ وَلَا شَيْءَ عليه وَلَهُ أَنْ يُجْبَرَ بِجَمِيعِ الْأُجْرَةِ أو في أَثْنَائِهَا فَالْوَجْهُ ما ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْفَسْخَ في جَمِيعِهَا فَهُوَ كما لو اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ وَجَدَ بِالْبَاقِي عَيْبًا وَأَرَادَ الْفَسْخَ فِيهِمَا فَإِنْ أَرَادَ الْفَسْخَ فِيمَا بَقِيَ منها فَهُوَ كما لو أَرَادَ الْفَسْخَ في الْعَبْدِ الْبَاقِي وَحْدَهُ وَحُكْمُهُمَا
____________________
(2/429)
مَذْكُورٌ في الْبَيْعِ وَأَطْلَقَ الْجُمْهُورُ الْقَوْلَ بِأَنَّ له الْفَسْخَ انْتَهَى وَعَلَى الْإِطْلَاقِ جَرَى الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَنَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ بَلْ صَرَّحَ بِمُقْتَضَاهُ جَمَاعَاتٌ منهم الْمَاوَرْدِيُّ وَالْعِمْرَانِيُّ وَكَذَا الشَّيْخَانِ في الْكَلَامِ على فَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ وَعَلَى ما إذَا أَجَّرَ أَرْضًا فَغَرِقَتْ بِسَيْلٍ وَوَجَّهَهُ ابن الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الْأَصْلَ يَقْتَضِي مَنْعَ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهَا بَيْعُ مَعْدُومٍ وَإِنَّمَا جُوِّزَتْ لِلْحَاجَةِ فَاغْتُفِرَ فيها الْفَسْخُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَهَذَا هو الْمُفْتَى بِهِ وَحَيْثُ امْتَنَعَ الْفَسْخُ على الْمُسْتَأْجِرِ كَأَنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ ولم يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ فَلَهُ الْأَرْشُ وهو التَّفَاوُتُ بين أُجْرَةِ مِثْلِهِ سَلِيمًا وَمَعِيبًا وَتُبْدَلُ الْعَيْنُ الْمَعِيبَةُ في إجَارَةِ الذِّمَّةِ وَلَا فَسْخَ فيها نعم إنْ عَجَزَ عن إبْدَالِهَا فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ كما مَرَّ وَلَوْ قُيِّدَتْ بِمُدَّةٍ وَانْقَضَتْ انْفَسَخَتْ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ
فَصْلٌ وَإِنْ مَرِضَ مُسْتَأْجِرُ الدَّابَّةِ إجَارَةَ عَيْنٍ أو ذِمَّةٍ أو تَلِفَ مَتَاعُهُ أو مَرِضَ الْمُؤَجِّرُ وَعَجَزَ عن الْخُرُوجِ مع الدَّابَّةِ أو نَحْوَهَا من الْأَعْذَارِ لم تَنْفَسِخْ أَيْ الْإِجَارَةُ في الْبَاقِي من الْمُدَّةِ إذْ لَا خَلَلَ في الْمَعْقُودِ عليه بَلْ في غَيْرِهِ وَكَذَا لَا يَنْفَسِخُ في الْبَاقِي إنْ هَلَكَ الزَّرْعُ في الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ بِجَائِحَةٍ من نَحْوِ سَيْلٍ أو جَرَادٍ أو شِدَّةِ حَرٍّ أو بَرْدٍ وَلَا يُحَطُّ شَيْءٌ من الْأُجْرَةِ لِأَنَّ الْجَائِحَةَ لَحِقَتْ مَالَهُ لَا مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ فَأَشْبَهَ احْتِرَاقَ الْبَزِّ في الدُّكَّانِ الْمُكْرَى لَا إنْ تَلِفَتْ الْأَرْضُ بِجَائِحَةٍ أَبْطَلَتْ قُوَّةَ الْإِنْبَاتِ فَتَنْفَسِخُ في الْبَاقِي فَلَوْ تَلِفَ الزَّرْعُ قبل تَلَفِ الْأَرْضِ وَتَعَذَّرَ إبْدَالُهُ قبل الِانْفِسَاخِ بِتَلَفِهَا لم يَسْتَرِدَّ من الْمُسَمَّى لِمَا قبل التَّلَفِ شيئا لِأَنَّهُ لو بَقِيَتْ صَلَاحِيَّةُ الْأَرْضِ لم يَكُنْ لِلْمُسْتَأْجِرِ فيها نَفْعٌ بَعْدَ فَوَاتِ الزَّرْعِ وَقِيلَ يَسْتَرِدُّ لِأَنَّ بَقَاءَ الْأَرْضِ على صِفَتِهَا مَطْلُوبٌ فإذا زَالَتْ ثَبَتَ الِانْفِسَاخُ وَالتَّرْجِيحُ مع التَّصْرِيحِ بِالتَّقْيِيدِ بِتَعَذُّرِ الْإِبْدَالِ من زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ من كَلَامِ الْقَمُولِيِّ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَخَرَجَ بِمَا قبل التَّلَفِ الْمَزِيدِ على الْأَصْلِ ما بَعْدَهُ فَيَسْتَرِدُّ ما يُقَابِلُهُ من الْمُسَمَّى لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ فيه أو تَلَفِ الزَّرْعِ بَعْدَ تَلَفِهَا أَيْ تَلَفِ الْأَرْضِ اسْتَرَدَّ حِصَّةَ ما بَعْدَ تَلَفِهَا لِأَنَّهُ لو بَقِيَتْ الْأَرْضُ لَاسْتَحَقَّ الْمَنْفَعَةَ وَتَقْيِيدُهُ بِمَا بَعْدَ تَلَفِهَا من زِيَادَتِهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَرِدُّ حِصَّةَ ما قَبْلَهُ الْأَصَحُّ كما في جَوَاهِرِ الْقَمُولِيِّ أَخْذًا من كَلَامِ الْإِمَامِ خِلَافُهُ لِأَنَّ أَوَّلَ الزِّرَاعَةِ غَيْرُ مَقْصُودٍ ولم يُسْلَمْ إلَى الْآخَرِ هَكَذَا أَفْهَمَ هذا الْمَقَامُ كما لَخَّصَهُ الْقَمُولِيُّ مع أَنَّ عِبَارَةَ الْأَصْلِ في ذلك غَيْرُ مُخْلَصَةٍ
الْقِسْمُ الثَّانِي ما يَقْتَضِي الِانْفِسَاخَ وهو فَوَاتُ الْمَنْفَعَةِ بِالْكُلِّيَّةِ إمَّا شَرْعًا وقد بَيَّنَّاهُ في الشَّرْطِ الثَّالِثِ وَإِمَّا حِسًّا كَمَنْ أَجَّرَ دَابَّةً مُعَيَّنَةً فَتَلِفَتْ وَلَوْ بِفِعْلِ الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنَّهَا تَنْفَسِخُ في الْبَاقِي لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْمَنْفَعَةِ فيه وَفَارَقَ إتْلَافُهُ هُنَا إتْلَافَ الْمُشْتَرِي في الْبَيْعِ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَرِدُ على الْعَيْنِ فإذا أَتْلَفَهَا الْمُشْتَرِي صَارَ قَابِضًا وَالْإِجَارَةُ تَرِدُ على الْمَنَافِعِ وَالْمَنَافِعُ الْمُسْتَقْبَلَةُ مَعْدُومَةٌ لَا يُتَصَوَّرُ إتْلَافُهَا فإذا أَتْلَفَ مَحَلَّهَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ في الْبَاقِي فَقَطْ أَيْ لَا في الْمَاضِي إنْ كان له أُجْرَةٌ لِاسْتِقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَكُنْ له أُجْرَةٌ فَإِنَّهَا تَنْفَسِخُ فيه أَيْضًا بَلْ لَا خِيَارَ له فيه أَيْ في الْمَاضِي الذي له أُجْرَةٌ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ اُسْتُهْلِكَتْ وَقِيلَ له الْخِيَارُ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَعْقُودِ عليه لم يَسْلَمْ له وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَلَهُ من الْمُسَمَّى قِسْطُ الْمَاضِي من الْمُدَّةِ مُوَزَّعًا على قِيمَةِ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لَا على الزَّمَانِ لِأَنَّ ذلك يَخْتَلِفُ فَرُبَّمَا تَزِيدُ أُجْرَةُ شَهْرٍ على أُجْرَةِ شَهْرٍ لِكَثْرَةِ الرَّغَبَاتِ في ذلك الشَّهْرِ فإذا كانت الْمُدَّةُ سَنَةً وَمَضَى نِصْفُهَا وَأُجْرَةُ مِثْلِهِ ضِعْفُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ في النِّصْفِ الْبَاقِي وَجَبَ من الْمُسَمَّى ثُلُثَاهُ وَإِنْ كان بِالْعَكْسِ فَثُلُثُهُ وَالْعِبْرَةُ بِتَقْوِيمِ الْمَنْفَعَةِ حَالَةَ الْعَقْدِ لَا بِمَا بَعْدَهُ قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَكَالدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ الْأَجِيرُ الْمُعَيَّنُ وَخَرَجَ بِهِمَا ما في الذِّمَّةِ فَإِنَّهُمَا إذَا قُبِضَا وَتَلِفَا أُبْدِلَا وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ لِأَنَّهَا لم تَرِدْ على الْعَيْنِ كما مَرَّ
فَرْعٌ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِانْهِدَامِ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَلَوْ بِهَدْمِ الْمُسْتَأْجِرِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْمَنْفَعَةِ فَتَنْفَسِخُ بِالْكُلِّيَّةِ إنْ وَقَعَ ذلك قبل الْقَبْضِ أو بَعْدَهُ وَقَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ
____________________
(2/430)
لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ وَإِلَّا فَتَنْفَسِخُ في الْبَاقِي منها دُونَ الْمَاضِي كما لو اشْتَرَى عَبْدَيْنِ وَقَبَضَ أَحَدَهُمَا وَتَلِفَ الْآخَرُ قبل قَبْضِهِ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فيه فَقَطْ فَيَجِبُ هُنَا قِسْطُ ما مَضَى من الْمُسَمَّى بِتَوْزِيعِهِ على أُجْرَةِ ما مَضَى وما بَقِيَ من الْمُدَّةِ لَا على الْمُدَّتَيْنِ كما مَرَّ نَظِيرُهُ في الدَّابَّةِ وَخَرَجَ بِانْهِدَامِهَا انْهِدَامُ بَعْضِهَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بَلْ إنْ أَمْكَنَ إصْلَاحُهُ في الْحَالِ وَأَصْلَحَهُ فَلَا خِيَارَ وَإِلَّا فَلَهُ الْخِيَارُ كما مَرَّ في الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ في بَاقِي الْمُدَّةِ بِقِسْطِهِ مِمَّا مَضَى من الْمُسَمَّى بِانْقِطَاعِ مَاءِ الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلزِّرَاعَةِ وَلَهَا مَاءٌ مُعْتَادٌ لِلْعَيْبِ وَإِنَّمَا لم يَثْبُتْ بِهِ الِانْفِسَاخُ لِبَقَاءِ اسْمِ الْأَرْضِ مع إمْكَانِ زِرَاعَتِهَا بِغَيْرِ الْمَاءِ الْمُنْقَطِعِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا لم تُمْكِنْ زِرَاعَتُهَا بِغَيْرِهِ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ وهو ظَاهِرٌ وَسَيَأْتِي نَظِيرُهُ في انْقِطَاعِ مَاءِ الْحَمَّامِ إلَّا إنْ أَبْدَلَهُ الْمُؤَجِّرُ مَاءً من مَكَان آخَرَ وَوَقْتُ الزِّرَاعَةِ بَاقٍ ولم تَمْضِ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ فَلَا خِيَارَ له لِزَوَالِ مُوجِبِهِ كما لو بَادَرَ لِإِصْلَاحِ الدَّارِ فَإِنْ انْقَضَى وَقْتُ الزِّرَاعَةِ فَلَا إبْدَالَ وَإِنْ غُصِبَتْ الْعَيْنُ أو أَبَقَ الرَّقِيقُ أو نَدَّتْ الدَّابَّةُ في إجَارَةِ الْعَيْنِ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ لم تَنْقَضِ الْمُدَّةُ ولم يُبَادِرْ الْمُؤَجِّرُ لِانْتِزَاعِ الْعَيْنِ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ وَإِنَّمَا لم تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ لِبَقَاءِ عَيْنِ الْمَعْقُودِ عليه فَإِنْ أَجَازَ الْعَقْدَ وَالتَّقْدِيرُ بِالْعَمَلِ اسْتَوْفَاهُ حين يَقْدِرُ على الْعَيْنِ أو وَالتَّقْدِيرُ بِالزَّمَانِ انْفَسَخَتْ أَيْ الْإِجَارَةُ فِيمَا انْقَضَى منه فَتَسْقُطُ حِصَّتُهُ من الْمُسَمَّى وَاسْتَعْمَلَ الْعَيْنَ في الْبَاقِي فَإِنْ لم يَنْفَسِخْ فَانْقَضَتْ الْمُدَّةُ انْفَسَخَتْ أَيْ الْإِجَارَةُ وَخَرَجَ بِإِجَارَةِ الْعَيْنِ إجَارَةُ الذِّمَّةِ فَلَا خِيَارَ فيها وَلَا انْفِسَاخَ بَلْ على الْمُؤَجِّرِ الْإِبْدَالُ كما مَرَّ فَإِنْ امْتَنَعَ اُسْتُؤْجِرَ عليه قال الْأَذْرَعِيُّ وَكَأَنَّهُ عِنْدَ يَسَارِهِ بِذَلِكَ دُونَ إعْسَارِهِ بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُسْتَأْجِرُ وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُرْتَهِنِ مُخَاصَمَةُ الْغَاصِبِ إذْ لَا مِلْكَ لَهُمَا وَلَا نِيَابَةَ كَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُودَعِ
فَرْعٌ يُقْبَلُ إقْرَارُ الْمَالِكِ وفي نُسْخَةٍ الْمُؤَجِّرِ بِالْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ لِغَيْرِ مُسْتَأْجِرِهَا لِأَنَّهُ مَالِكٌ غَيْرُ مُتَّهَمٍ في الْإِقْرَارِ وَيُخَالِفُ إقْرَارُ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ يُصَادِفُ مِلْكَ غَيْرِهِ وَلَا يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الْمُسْتَأْجِرِ من الْمَنْفَعَةِ وَإِنْ كانت الْعَيْنُ في يَدِ الْمُقَرِّ له لِأَنَّهُ بِالْإِجَارَةِ أَثْبَتَ له الْحَقَّ في الْمَنْفَعَةِ فَلَا يُمَكَّنُ من رَفْعِهِ
فَصْلٌ الْإِجَارَةُ وَإِنْ وَرَدَتْ على الذِّمَّةِ تَنْفَسِخُ بِتَلَفِ الْمُسْتَوْفَى بِهِ الْمُعَيَّنِ كَالرَّضِيعِ في الرَّضَاعِ وَالثَّوْبِ في الْخِيَاطَةِ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِالْعَيْنِ لَا بِتَلَفِ الْعَاقِدَيْنِ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ كَالْبَيْعِ وَكَمَا لو زَوَّجَ أَمَتَهُ ثُمَّ مَاتَ بَلْ إنْ مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ خَلَفَهُ وَارِثُهُ في اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ أو الْمُؤَجِّرُ تُرِكَتْ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ عِنْدَ الْمُسْتَأْجِرِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَأَمَّا انْفِسَاخُهَا بِمَوْتِ الْأَجِيرِ الْمُعَيَّنِ فَلِأَنَّهُ مَوْرِدُ الْعَقْدِ لَا لِأَنَّهُ عَاقِدٌ فَلَوْ وفي نُسْخَةٍ فَإِنْ امْتَنَعَ
____________________
(2/431)
الْمُسْتَأْجِرُ لِلْخِيَاطَةِ من تَمْكِينِهِ من الْخِيَاطَةِ بِأَنْ لم يُسَلِّمْهُ الثَّوْبَ لم يُكَلَّفْ تَمْكِينَهُ منها لِأَنَّهُ قد يَسْنَحُ له غَرَضٌ في الِامْتِنَاعِ لَكِنْ بِتَسْلِيمِ الْأَجِيرِ نَفْسَهُ له ومضي مُدَّةِ إمْكَانِ الْعَمَلِ تَسْتَقِرُّ أُجْرَتُهُ قَالَهُ الْإِمَامُ قال في الْأَصْلِ وَلَيْسَ لِلْأَجِيرِ فَسْخُ الْإِجَارَةِ لِاسْتِقْرَارِ الْأُجْرَةِ له وَقَوْلُهُ قَالَهُ الْإِمَامُ وَفَاءً بِمَا وَعَدَ بِهِ في الشَّرْطِ الثَّالِثِ وَالثَّوْبُ مَحْبُوسٌ حَيْثُ اسْتَقَرَّتْ الْأُجْرَةُ لِتَسْلِيمِهَا فَيَمْتَنِعُ على الْمُسْتَأْجِرِ بَيْعُهُ قبل تَسْلِيمِهَا هذا من زِيَادَتِهِ هُنَا وقد قَدَّمَهُ كَأَصْلِهِ في بَابِ حُكْمِ الْمَبِيعِ قبل الْقَبْضِ فَإِنْ الْتَزَمَ عَمَلًا في الذِّمَّةِ وَمَاتَ وَلَهُ تَرِكَةٌ اُسْتُؤْجِرَ منها لِتَوْفِيَةِ ما الْتَزَمَهُ لِأَنَّهُ دَيْنٌ عليه وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ له تَرِكَةٌ فَإِنْ لم يُتِمَّهَا أَيْ الْإِجَارَةَ أَيْ عَمَلَهَا الْوَارِثُ ثَبَتَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ لِمَوْتِ الْمُلْتَزِمِ مُفْلِسًا وَإِلَّا اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ وَالْمُوصَى له بِالدَّارِ أَيْ بِمَنْفَعَتِهَا كما عَبَّرَ بها الرَّافِعِيُّ إذَا أَجَّرَهَا وقد أَوْصَى له بها مُدَّةَ حَيَاتِهِ تَنْفَسِخُ إجَارَتُهُ بِمَوْتِهِ لِانْتِهَاءِ حَقِّهِ بِمَوْتِهِ وما قِيلَ من أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَنْفَعَةِ إبَاحَةٌ لها لَا تَمْلِيكٌ فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهَا مَرْدُودٌ بِأَنَّ ذَاكَ مَحَلُّهُ كما سَيَأْتِي في الْوَصِيَّةِ بِأَنْ يَنْتَفِعَ بِالدَّارِ لَا بِمَنْفَعَتِهَا كما هُنَا وما ذُكِرَ من الِانْفِسَاخِ بِمَوْتِهِ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِرُجُوعِ الْمَنْفَعَةِ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي وَإِنَّمَا رَجَعَتْ إلَيْهِمْ بِمَوْتِهِ بِخِلَافِ الْعَيْنِ الْمُوصَى بها مُدَّةَ حَيَاتِهِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْعَيْنِ فلما أَوْصَى بها وَحْدَهَا وَغَيَّاهَا بِمُدَّةٍ وَانْقَضَتْ اسْتَتْبَعَتْهَا الْعَيْنُ بِخِلَافِ الْعَيْنِ الْمَتْبُوعَةِ لها
فَصْلٌ وَإِنْ هَرَبَ الْمُكْرِي لِجِمَالٍ بِجِمَالِهِ وَالْإِجَارَةُ في الذِّمَّةِ اكْتَرَى الْحَاكِمُ عنه من مَالِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْإِجَارَةِ وَالْهَرَبِ وَتَعَذُّرِ إحْضَارِهِ وَطَلَبِ الْمُسْتَأْجِرِ منه ذلك لَا الْمُسْتَأْجِرُ فَلَا يَكْتَرِي عنه وَلَوْ بِإِذْنِهِ أَيْ الْحَاكِمِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ وَكِيلًا في حَقِّ نَفْسِهِ ثُمَّ إنْ لم يَجِدْ له الْحَاكِمُ مَالًا اقْتَرَضَ عليه من بَيْتِ الْمَالِ أو من الْمُسْتَأْجِرِ أو غَيْرِهِ وَاكْتَرَى عليه وَكَذَا يَأْخُذُ من مَالِهِ ثُمَّ يَقْتَرِضُ لِلْإِنْفَاقِ عليها أَيْ على الْجِمَالِ إنْ لم يَهْرُبْ الْمُكْرِي بها فَإِنْ وَثِقَ بِالْمُسْتَأْجِرِ دَفَعَهُ إلَيْهِ لِيُنْفِقَ عليها منه وَإِلَّا دَفَعَهُ إلَى من يَثِقُ بِهِ سَوَاءٌ في هذا وَفِيمَا يَأْتِي إجَارَةُ الْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ ثُمَّ إنْ لم يَجِدْ مَالًا يَقْتَرِضُهُ أو لم يَرَ الِاقْتِرَاضَ بَاعَ منها بِقَدْرِ الْحَاجَةِ لِيُنْفِقَ عليها من ثَمَنِهِ إنْ لم يَهْرُبْ بها نعم إنْ كان فيها فَضْلٌ عن حَاجَةِ الْمُسْتَأْجِرِ بَاعَ الْحَاكِمُ منها قبل الِاقْتِرَاضِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ في إجَارَةِ الذِّمَّةِ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ في بَيْعِهَا وَالِاكْتِرَاءِ لِلْمُسْتَأْجِرِ بِبَعْضِ الثَّمَنِ فَلَهُ ذلك جَزْمًا حَيْثُ يَجُوزُ له بَيْعُ مَالِ الْغَائِبِ بِالْمَصْلَحَةِ وَتَبْقَى أَيْ الْجِمَالُ بِيَدِ الْمُسْتَأْجِرِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَإِنْ تَعَذَّرَ ذلك كُلُّهُ أَيْ الْأَخْذُ من مَالِهِ وَالِاقْتِرَاضُ وَالِاكْتِرَاءُ عليه وَيَكْفِي أَنْ يُقَالَ تَعَذَّرَ الِاكْتِرَاءُ فَسَخَ الْمُسْتَأْجِرُ الْإِجَارَةَ أو صَبَرَ حتى تَحْضُرَ الْجِمَالُ كما لو انْقَطَعَ الْمُسْلَمُ فيه عِنْدَ الْمَحَلِّ هذا في الصُّورَةِ الْأُولَى وَهِيَ ما إذَا هَرَبَ بِالْجِمَالِ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ ما إذَا لم يَهْرُبْ بها لِوُجُودِ الْمَعْقُودِ عليه لَكِنْ إنْ تَعَذَّرَ فيها الْأَخْذُ وَالِاقْتِرَاضُ وَبَيْعُ بَعْضِهَا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بين الْفَسْخِ وَالصَّبْرِ وقد صَرَّحَ الْأَصْلُ في إجَارَةِ الْعَيْنِ بِذَلِكَ في الْأُولَى وإذا أَذِنَ الْحَاكِمُ لِلْمُسْتَأْجِرِ في الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ لِيُنْفِقَ عليها من مَالِهِ وَيَرْجِعَ على الْمُكْرِي جَازَ كما لو اقْتَرَضَ منه ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَلِأَنَّهُ مَحَلُّ ضَرُورَةٍ وَيُصَدَّقُ في إنْفَاقِ قَدْرٍ مُعْتَادٍ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَإِنْ لم يَكُنْ ثَمَّ حَاكِمٌ أو كان لَكِنْ عَسُرَ إثْبَاتُ الْوَاقِعَةِ عِنْدَهُ فَأَنْفَقَ عليها وَأَشْهَدَ على ما أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ على الْمُكْرِي رَجَعَ عليه كَنَظِيرِهِ في الْمُسَاقَاةِ فَإِنْ اخْتَلَفَا في قَدْرِ ما أَنْفَقَ صُدِّقَ الْمُنْفِقُ وَيَحْفَظُهَا أَيْ الْجِمَالَ الْحَاكِمُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ أو يَبِيعُ منها بِقَدْرِ ما اقْتَرَضَ فَإِنْ خَشِيَ أَنْ تَأْكُلَ نَفْسَهَا لو بَاعَ بَعْضَهَا بَاعَ الْكُلَّ فَصْلٌ وَإِنْ سَلَّمَ الْمُؤَجِّرُ الْعَيْنَ وَكَذَا الْأَجِيرُ الْحُرُّ نَفْسَهُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ أو عَرَضَهَا عليه فَامْتَنَعَ من تَسَلُّمِهَا اسْتَقَرَّتْ الْأُجْرَةُ عليه بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أو الْعَمَلِ بِحَسَبِ ما ضُبِطَتْ بِهِ الْمَنْفَعَةُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْإِجَارَةُ إجَارَةَ عَيْنٍ أَمْ ذِمَّةٍ وَإِنْ لم يَسْتَعْمِلْهَا لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ سَوَاءٌ أَتَرَكَ اسْتِعْمَالَهَا
____________________
(2/432)
اخْتِيَارًا أو لِخَوْفِ الطَّرِيقِ أو لِمَرَضٍ وَلَيْسَ له رَدُّهَا بِغَيْرِ رِضَا الْمُؤَجِّرِ إلَى تَيَسُّرِ الْعَمَلِ وَلَا الْفَسْخُ بِذَلِكَ وَيَسْتَقِرُّ بِذَلِكَ أَيْ بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أو الْعَمَلِ في الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ سَوَاءٌ انْتَفَعَ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ أَقَلَّ من الْمُسَمَّى أَمْ لَا وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَهْرِ في النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْوَطْءِ إذْ الْيَدُ لَا تَثْبُتُ على مَنَافِعِ الْبُضْعِ
فَرْعٌ وَإِنْ حَبَسَ الْمُؤَجِّرُ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ لِقَبْضِ الْأُجْرَةِ أو غَيْرِهِ حتى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ انْفَسَخَتْ أَيْ الْإِجَارَةُ لِفَوَاتِ الْمَعْقُودِ عليه قبل قَبْضِهِ أو حتى انْقَضَى بَعْضُهَا ثُمَّ سَلَّمَهَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ في الْمَاضِي وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ في الْبَاقِي كما لو تَلِفَ بَعْضُ الْمَبِيعِ قبل قَبْضِهِ وَلَا يُبْدَلُ زَمَانٌ بِزَمَانٍ وَلَوْ قُدِّرَتْ أَيْ الْإِجَارَةُ بِالْعَمَلِ كَأَنْ أَكْرَى دَابَّةً لِلرُّكُوبِ إلَى بَلَدٍ فلم يُسَلِّمْهَا حتى مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ فيها الْمُضِيُّ لم تَنْفَسِخْ لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَنْفَعَةِ لَا بِالزَّمَانِ ولم يَتَعَذَّرْ اسْتِيفَاؤُهَا كَاَلَّتِي في الذِّمَّةِ فَإِنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ فِيمَا إذَا لم يُسَلِّمْ ما تُسْتَوْفَى منه الْمَنْفَعَةُ حتى مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ فيها تَحْصِيلُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ تَأَخَّرَ إيفَاؤُهُ وَلَا يَثْبُتُ فيها أَيْ الْإِجَارَةِ فِيمَا إذَا لم يُسَلِّمْ الْعَيْنَ حتى مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ فيها ما ذُكِرَ خِيَارٌ كما لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي إذَا امْتَنَعَ الْبَائِعُ من تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ مُدَّةً ثُمَّ سَلَّمَهُ
فَصْلٌ لو أَجَّرَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ مَثَلًا من الْمَوْقُوفِ عليهم الْوَقْفَ مُدَّةً من الْبَطْنِ الثَّانِي أو من غَيْرِهِ ثُمَّ مَاتَ قبل تَمَامِهَا وَكُلُّ بَطْنٍ له النَّظَرُ مُدَّةَ اسْتِحْقَاقِهِ انْفَسَخَتْ أَيْ الْإِجَارَةُ بِمَعْنَى أَنَّا نَتَبَيَّنُ بُطْلَانَهَا لَا فِيمَا مَضَى من الْمُدَّةِ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَعْدَ مَوْتِهِ لِغَيْرِهِ وَلَا وِلَايَةَ له عليه وَلَا نِيَابَةَ إذْ الْبَطْنُ الثَّانِي لَا يَتَلَقَّى من الْأَوَّلِ بَلْ من الْوَاقِفِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ في حَقِّ من بَعْدَهُ وَلَا تَنْفَسِخُ إجَارَةُ النَّاظِرِ بِمَوْتِهِ وَلَا بِمَوْتِ غَيْرِهِ من الْبُطُونِ لِأَنَّهُ نَاظِرٌ لِلْجَمِيعِ
فَرْعٌ وَإِنْ أَجَّرَ الْوَلِيُّ الطِّفْلَ أو مَالَهُ مُدَّةً يَبْلُغُ في أَثْنَائِهَا بِالسِّنِّ بَطَلَتْ إجَارَتُهُ بِمَعْنَى أَنَّا نَتَبَيَّنُ بُطْلَانَهَا في الزَّائِدِ على مُدَّةِ الْبُلُوغِ بِهِ لِانْقِطَاعِ وِلَايَتِهِ عنه فيه نعم إنْ بَلَغَ سَفِيهًا لم تَبْطُلْ لِبَقَاءِ الْوِلَايَةِ عليه وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ أَنَّ الصَّبِيَّ لو غَابَ مُدَّةً يَبْلُغُ فيها بِالسِّنِّ ولم يَعْلَمْ وَلِيُّهُ أَبَلَغَ رَشِيدًا أَمْ لَا لم يَكُنْ له التَّصَرُّفُ في مَالِهِ اسْتِصْحَابًا لِحُكْمِ الصِّغَرِ وَإِنَّمَا يَتَصَرَّفُ الْحَاكِمُ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ فَلَوْ بَلَغَ فيها بِالِاحْتِلَامِ لم تَنْفَسِخْ في الزَّائِدِ على مُدَّةِ الْبُلُوغِ بِهِ لِأَنَّهُ كان وَلِيًّا حين تَصَرُّفِهِ وقد بَنَاهُ على الْمَصْلَحَةِ فَلْيَلْزَمْ كما لو زَوَّجَهُ أو بَاعَ مَالَهُ وَفَارَقَتْ ما قَبْلَهَا بِأَنَّ بُلُوغَهُ بِالسِّنِّ له أَمَدٌ مَعْلُومٌ فَالْمُؤَجِّرُ مُقَصِّرٌ بِالزِّيَادَةِ عليه بِخِلَافِ بُلُوغِهِ بِالِاحْتِلَامِ وَاسْتُشْكِلَتْ بِالِانْفِسَاخِ في مَسْأَلَةِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَيُجَابُ بِأَنَّ تَصَرُّفَ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ إنَّمَا هو بِإِذْنِ الْوَاقِفِ وقد قَصَرَهُ على شَيْءٍ فَلَا يَتَجَاوَزُهُ بِخِلَافِ تَصَرُّفِ الْوَلِيِّ وَلَا خِيَارَ له إذَا بَلَغَ كما لو زَوَّجَ بِنْتَهُ ثُمَّ بَلَغَتْ لَا خِيَارَ لها وَإِفَاقَةُ الْمَجْنُونِ الذي أَجَّرَ الْوَلِيُّ مَالَهُ كَالْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ فَلَا تَنْفَسِخُ في الزَّائِدِ
فَصْلٌ وَإِنْ أَجَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ في مُدَّةِ الْإِجَارَةِ نَفَذَ عِتْقُهُ لِأَنَّ إعْتَاقَ الْمَغْصُوبِ وَالْآبِقِ نَافِذٌ فَهَذَا أَوْلَى وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ لِأَنَّهُ أَزَالَ مِلْكَهُ عن الْمَنَافِعِ مُدَّتَهَا قبل عِتْقِهِ فَالْإِعْتَاقُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ ما كان مِلْكًا له وَلِأَنَّهُ أَجَّرَ مِلْكَهُ ثُمَّ طَرَأَ ما يُزِيلُهُ فَأَشْبَهَ ما إذَا أَجَّرَ ثُمَّ مَاتَ ولم يَثْبُتْ لِلْعَبْدِ خِيَارٌ بِعِتْقِهِ لِأَنَّ سَيِّدَهُ تَصَرَّفَ في خَالِصِ مِلْكِهِ فَلَا يُنْقَضُ وَلَا رُجُوعَ له على السَّيِّدِ بِأُجْرَةٍ لِمَا بَعْدَ عِتْقِهِ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ في مَنَافِعِهِ حين كانت مُسْتَحَقَّةَ له بِعَقْدٍ لَازِمٍ فَصَارَ كما لو زَوَّجَ أَمَتَهُ وَاسْتَقَرَّ مَهْرُهَا ثُمَّ عَتَقَتْ لَا تَرْجِعُ
____________________
(2/433)
بِشَيْءٍ لِمَا يَسْتَوْفِيهِ الزَّوْجُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَا نَفَقَةَ له على السَّيِّدِ لِانْتِفَاءِ مُوجِبِهَا وَيُنْفَقُ عليه من بَيْتِ الْمَالِ حتى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ كَسَائِرِ الْأَحْرَارِ الْعَاجِزِينَ لَا من مَالِ سَيِّدِهِ فَلَوْ فَسَخَ فيها أَيْ في الْمُدَّةِ الْمُسْتَأْجِرُ الْإِجَارَةَ بِعَيْبٍ ظَهَرَ بِالْعَبْدِ بَعْدَ عِتْقِهِ مَلَكَ الْعَتِيقُ مَنَافِعَ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَقِلًّا وَقِيلَ هِيَ لِلسَّيِّدِ وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ من زِيَادَةِ النَّوَوِيِّ وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ الْآتِيَ في صُورَةِ الْبَيْعِ قُبَيْلَ فَصْلٍ فيه مَسَائِلُ من أنها لِلْبَائِعِ وَإِنْ شَرِكَ بَيْنَهُمَا الْمُتَوَلِّي في الْبِنَاءِ الْآتِي ثَمَّ وَأَخَذَ منه الْإِسْنَوِيُّ تَرْجِيحَ أنها لِلسَّيِّدِ بِأَنَّ الْعِتْقَ لَمَّا كان مُتَقَرَّبًا بِهِ وَالشَّارِعُ مُتَشَوِّقًا إلَيْهِ كانت مَنَافِعُ الْعَتِيقِ له نَظَرًا لِمَقْصُودِ الْمُعْتِقِ من كَمَالِ تَقَرُّبِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِمَا لَا يَشْفِي وَإِنْ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ له فَأَعْتَقَهُ الْوَارِثُ في الْمُدَّةِ فَلَا شَيْءَ له عليه كَمُوَرِّثِهِ وَإِجَارَتُهُ أُمَّ الْوَلَدِ كَإِجَارَةِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ فَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ في الْمُدَّةِ لَا فِيمَا مَضَى وَفُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَبْدِ فِيمَا إذَا أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ في الْمُدَّةِ بِأَنَّ الْعَبْدَ مَلَكَ نَفْسَهُ بِتَمْلِيكِ السَّيِّدِ فَاخْتُصَّ السَّيِّدُ بِمَا كان على مِلْكِهِ وَأُمَّ الْوَلَدِ مَلَكَتْ نَفْسَهَا بِالْمَوْتِ من غَيْرِ تَمْلِيكِهِ قال ابن الرِّفْعَةِ وَلَوْ كان إيجَارُهَا قبل اسْتِيلَادِهَا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أنها كَالْعَبْدِ لِتَقَدُّمِ اسْتِحْقَاقِ الْمَنْفَعَةِ على سَبَبِ الْعِتْقِ وَكَذَا الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِالصِّفَةِ التي لَا يُعْلَمُ وُقُوعُهَا في الْمُدَّةِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ فِيمَا تَقَرَّرَ فيه لَكِنَّ وُجُودَهَا يَعْنِي وُجُودَ الصِّفَةِ التي يُعْلَمُ وُقُوعُهَا في الْمُدَّةِ كَبُلُوغِ الصَّبِيِّ بِالسِّنِّ فيها فَلَا يُؤَجِّرُهُ مُدَّةً تُوجَدُ الصِّفَةُ فيها كما لَا يُؤَجِّرُ الصَّبِيَّ مُدَّةً يَبْلُغُ فيها بِالسِّنِّ وَكَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ الْمُدَبَّرُ
فَصْلٌ لَا تَصِحُّ مُكَاتَبَةُ الْعَبْدِ الْمُؤَجَّرِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ التَّصَرُّفُ لِنَفْسِهِ قال الْقَاضِي وَلَوْ أَجَّرَ الْمُكَاتَبُ نَفْسَهُ ثُمَّ عَجَّزَهُ سَيِّدُهُ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ لِأَنَّهُ أَجَّرَ نَفْسَهُ بِحُكْمِ مِلْكِ نَفْسِهِ وقد بَطَلَ أَيْ فَزَالَ أَثَرُهُ لِذَلِكَ مع ضَعْفِ مِلْكِهِ وَإِنْ أَجَّرَ دَارًا بِعَبْدٍ ثُمَّ قَبَضَهُ وَأَعْتَقَهُ ثُمَّ انْهَدَمَتْ أَيْ الدَّارُ فَالرُّجُوعُ إلَى قِيمَتِهِ ثَابِتٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَيْ يَرْجِعُ على الْمُعْتِقِ بِقَدْرِ ما بَقِيَ من الْمُدَّةِ من قِيمَةِ الْعَبْدِ
فَصْلٌ بَيْعُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَهِبَتُهَا وَالْوَصِيَّةُ بها من الْمُسْتَأْجِرِ لها صَحِيحٌ لِوُرُودِهَا على خَالِصِ حَقِّهِ كَبَيْعِ الزَّوْجَةِ وَكَمَا لو بَاعَ الْمَغْصُوبُ من الْغَاصِبِ وَلِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ فيه شَرْعِيٌّ لَا لَفْظِيٌّ فَيَجْتَمِعُ الْمِلْكُ وَالْإِجَارَةُ فَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَنَافِعَ أَوَّلًا مِلْكًا مُسْتَقِرًّا فَلَا يَبْطُلُ بِمَا يَطْرَأُ من مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَإِنْ تَبِعَتْهَا الْمَنَافِعُ لَوْلَا الْمِلْكُ الْأَوَّلُ كما لو مَلَكَ ثَمَرَةً غير مُؤَبَّرَةٍ ثُمَّ اشْتَرَى الشَّجَرَةَ لَا يَبْطُلُ مِلْكُ الثَّمَرَةِ وَإِنْ دَخَلَتْ في الشِّرَاءِ لو لم يَمْلِكْهَا أَوَّلًا فَإِنْ انْفَسَخَ أَحَدُهُمَا بِفَسْخٍ أو بِدُونِهِ بَقِيَ الْآخَرُ فَلَوْ أَجَّرَهُ الْعَيْنَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا منه كما يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ الْعَيْنَ مِمَّنْ اشْتَرَاهَا منه وَلَوْ قبل التَّسْلِيمِ فإنه يَصِحُّ إجَارَتُهَا كَذَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ من زِيَادَتِهِ وَاَلَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ عَدَمُ صِحَّتِهَا كَنَظِيرِهِ في الْبَيْعِ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْدُ وَوَافَقَهُ النَّوَوِيُّ نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ وهو كما قال لَكِنَّهُ تَسَمَّحَ في نِسْبَةِ التَّصْرِيحِ إلَيْهِمَا وَإِنْ كُنْت تَبِعْته في شَرْحِ الْبَهْجَةِ فَإِنَّهُمَا لم يُصَرِّحَا بِذَلِكَ وَإِنَّمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمَا وَهَذَا الْمُقْتَضَى هو الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ كما قَالَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ أَجَّرَهَا أَبُوهُ منه أَيْ أَجَّرَ الْأَبُ عَيْنًا من ابْنِهِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَوَرِثَهُ الْآخَرُ لم تَنْفَسِخْ أَيْ الْإِجَارَةُ بِنَاءً على أنها تَجْتَمِعُ مع الْمِلْكِ وَتَظْهَرُ الْفَائِدَةُ أَيْ فَائِدَةُ عَدَمِ الِانْفِسَاخِ حين يَسْتَغْرِقُ الدَّيْنُ التَّرِكَةَ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ شَيْءٌ من الدَّيْنِ وَذِكْرُ الِاسْتِغْرَاقِ ليس بِقَيْدٍ في ظُهُورِ الْفَائِدَةِ
____________________
(2/434)
وَمَسْأَلَةُ مَوْتِ الِابْنِ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ خَلَّفَ الْمُؤَجِّرُ ابْنَيْنِ أَحَدُهُمَا غَيْرُ مُسْتَأْجِرٍ وَالْآخَرُ مُسْتَأْجِرٌ فَالرَّقَبَةُ بَيْنَهُمَا بِالْإِرْثِ وَالْإِجَارَةُ مُسْتَمِرَّةٌ فَالْمُسْتَأْجِرُ وَرِثَ نَصِيبَهُ بِمَنَافِعِهِ وَالْآخَرُ وَرِثَ نَصِيبَهُ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ
وَبَيْعُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَهِبَتُهَا وَالْوَصِيَّةُ بها لِغَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ صَحِيحٌ أَيْضًا وَإِنْ لم يَأْذَنْ الْمُسْتَأْجِرُ لِمَا مَرَّ فيه نعم إنْ كانت الْإِجَارَةُ لِعَمَلٍ مُقَدَّرٍ بِمُدَّةٍ كَأَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ إلَى بَلَدِ كَذَا فَعَنْ أبي الْفَرَجِ الزَّازِ يَمْتَنِعُ الْبَيْعُ قَوْلًا وَاحِدًا لِجَهَالَةِ مُدَّةِ السَّيْرِ ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَيُقَاسُ بِالْبَيْعِ ما في مَعْنَاهُ وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَا ذُكِرَ كما لَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِبَيْعِ الْأَمَةِ الزَّوْجَةِ وَتُتْرَكُ الْعَيْنُ بِيَدِ الْمُسْتَأْجِرِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ في فَسْخِ الْبَيْعِ إنْ جَهِلَ الْإِجَارَةَ بِخِلَافِ ما إذَا عَلِمَهَا نعم لو قال عَلِمْتهَا وَلَكِنْ ظَنَنْت أَنَّ لي أُجْرَةَ ما يَحْدُثُ على مِلْكِي من الْمَنْفَعَةِ فَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ له إنْ كان مِمَّنْ يَشْتَبِهُ عليه ذلك وَالشَّاشِيُّ بِالْمَنْعِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى وَلَوْ فُسِخَتْ أَيْ الْإِجَارَةُ بِعَيْبٍ أو إقَالَةٍ أو عَرَضَ ما تَنْفَسِخُ بِهِ فَالْمَنْفَعَةُ لِبَقِيَّةِ الْمُدَّةِ تَثْبُتُ لِلْبَائِعِ لَا لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لم يَمْلِكْ مَنَافِعَ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَلِأَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ من حِينِهِ لَا من أَصْلِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَخَالَفَ الْبُلْقِينِيُّ فَصَحَّحَ تَبَعًا لِابْنِ الْحَدَّادِ أنها لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَعُودُ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ
فَصْلٌ فيه مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ الْأَوَّلِ لو أَلْزَمَ ذِمَّتَهُ نَسْجَ ثَوْبٍ على أَنْ يَنْسِجَهُ بِنَفْسِهِ لم يَصِحَّ الْتِزَامُهُ لِأَنَّهُ غَرَرٌ فإنه رُبَّمَا يَمُوتُ قبل النَّسْجِ فَأَشْبَهَ السَّلَمَ في شَيْءٍ مُعَيَّنٍ
وَالْأُجْرَةُ في الْإِجَارَةِ إنْ كانت نَقْدًا تَكُونُ من نَقْدِ بَلَدِ الْعَقْدِ كَنَظَائِرِهِ قال الْأَذْرَعِيُّ فَلَوْ عَقَدَ بِبَادِيَةٍ نَائِيَةٍ عن الْعُمْرَانِ فَهَلْ يَعْتَبِرُ نَقْدَ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهَا أو يَجِبُ تَعْيِينُهُ الْأَقْرَبَ الْأَوَّلَ فَإِنْ وَقَعَتْ فَاسِدَةً فَمَوْضِعُ إتْلَافِ الْمَنْفَعَةِ يُعْتَبَرُ في أُجْرَةِ الْمِثْلِ نَقْدًا وَوَزْنًا
وَتَصِحُّ إجَارَةُ مُصْحَفٍ وَكِتَابٍ لِمُطَالَعَتِهِمَا وَالْقِرَاءَةِ مِنْهُمَا
لَا إجَارَةُ بِرْكَةٍ لِصَيْدِ سَمَكٍ منها فَلَا تَصِحُّ كَاسْتِئْجَارِ الْأَشْجَارِ لِلثِّمَارِ وَتَصِحُّ إجَارَتُهَا لِحَبْسِ ما فيها حتى يَجْتَمِعَ فيه السَّمَكُ ثُمَّ يَصْطَادَ منه
وتصح إجَارَةُ دَابَّةٍ لِسَيْرِ فَرْسَخَيْنِ مَثَلًا إنْ بَيَّنَ الْجِهَةَ وَلَهُ إبْدَالُهَا أَيْ الْجِهَةِ بِمِثْلِهَا سُهُولَةً وَصُعُوبَةً كما مَرَّ في الْبَابِ الثَّانِي
وَإِنْ اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا مَثَلًا على أَنَّ مُدَّةَ تَعَطُّلِهَا بِسَبَبِ الْعِمَارَةِ وَنَحْوِهَا مَحْسُوبَةٌ على الْمُسْتَأْجِرِ بِمَعْنَى انْحِصَارِ الْإِجَارَةِ في الْبَاقِي أو على الْمُؤَجِّرِ بِمَعْنَى اسْتِيفَاءِ مِثْلِهَا بَعْدَ الْمُدَّةِ لم تَصِحَّ لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ في الْأُولَى وَجَهَالَةِ آخِرِهَا في الثَّانِيَةِ
وَكَذَا لَا تَصِحُّ لو أَجَّرَ حَانُوتًا خَرَابًا على أَنْ يَعْمُرَهُ الْمُسْتَأْجِرُ بِمَالِهِ وما أَنْفَقَهُ مَحْسُوبٌ له من أُجْرَتِهِ لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ وَلِأَنَّهُ عِنْدَ الْإِجَارَةِ غَيْرُ مُنْتَفِعٍ بِهِ وفي نُسْخَةٍ بَدَلَ قَوْلِهِ وَإِنْ اسْتَأْجَرَ إلَى آخِرِهِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ بَيْتًا على أَنْ يَعْتَاضَ عن مُدَّةِ عِمَارَتِهِ أو على أَنْ تُحْسَبَ عليه وَهِيَ مَجْهُولَةٌ لم تَصِحَّ أو مَعْلُومَةٌ صَحَّ فيها وَفِيمَا بَعْدَهَا فَقَطْ وَقَوْلُهُ في هذه النُّسْخَةِ صَحَّ صَوَابُهُ بَطَلَ كما عَبَّرَ بِهِ الْمُتَوَلِّي
وَلَوْ أَعَارَهُ شيئا لِيُؤَجِّرَهُ فَأَجَّرَهُ لم يَصِحَّ عَقْدُ الْإِعَارَةِ لِفَسَادِ الشَّرْطِ وَلَا عَقْدُ الْإِجَارَةِ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يُؤَجِّرُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ الْمَنْفَعَةَ
وَإِنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِشِرَاءِ شَيْءٍ مَوْصُوفٍ صَحَّ أو لِشِرَاءِ مُعَيَّنٍ لم يَصِحَّ لِأَنَّ رَغْبَةَ مَالِكِهِ في الْبَيْعِ غَيْرُ مَظْنُونَةٍ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لو ظُنَّتْ رَغْبَتُهُ صَحَّ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ الصِّحَّةَ أو لِبَيْعِهِ أَيْ الْمُعَيَّنِ صَحَّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَجِدُ رَاغِبًا فيه لَا لِبَيْعِهِ من شَخْصٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يَصِحُّ أو لِلتَّظَلُّمِ وَعَيَّنَ الْبَلَدَ وَالْمُدَّةَ أَيْ أو اسْتَأْجَرَهُ لِيَخْرُجَ إلَى السُّلْطَانِ مَثَلًا لِيَتَظَلَّمَ عنه وَيَسْعَى في نَفْعِهِ عِنْدَهُ وَعَيَّنَ بَلْدَةَ وَمُدَّةَ الْإِجَارَةِ
____________________
(2/435)
صَحَّ لِلْعِلْمِ بِالْمُدَّةِ وَإِنْ كان في الْعَمَلِ جَهَالَةٌ كما لو اسْتَأْجَرَهُ يَوْمًا لِيُخَاصِمَ غُرَمَاءَهُ وَلَهُ اسْتِعْمَالُهُ أَيْ الْأَجِيرِ فِيمَا مَشَقَّتُهُ مِثْلُهُ أَيْ مِثْلُ ما اسْتَأْجَرَهُ له
وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ أَرْضٍ مَسْتُورَةٍ بِالزَّرْعِ أو غَيْرِهِ ما عَدَا الْمَاءَ لِوُجُودِ ما يَمْنَعُ رُؤْيَتَهَا وَلَيْسَ من مَصَالِحِهَا وَلِمَا في ذلك من تَأَخُّرِ التَّسْلِيمِ وَالِانْتِفَاعِ عن الْعَقْدِ وَمُشَابَهَتِهِ إجَارَةَ زَمَانٍ مُسْتَقْبَلٍ
وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ دَارٍ مَشْحُونَةٍ بِالْأَمْتِعَةِ لِأَنَّهَا إجَارَةُ مُدَّةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ إلَّا إنْ أَمْكَنَ تَفْرِيغُهَا في مُدَّةٍ لَا أُجْرَةَ لِمِثْلِهَا فَتَصِحُّ وَلَوْ كانت أَيْ الدَّارُ بَعِيدَةً عن مَحَلِّ الْإِجَارَةِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ قَبْضُهَا إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ جَازَ لِلْحَاجَةِ
وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْخِدْمَةِ وَلَوْ مُطْلَقًا عن ذِكْرِ وَقْتِهَا وَتَفْصِيلِ أَنْوَاعِهَا صَحَّ وَحُمِلَ الْإِطْلَاقُ على الْعُرْفِ في الْمُسْتَأْجَرِ وَالْأَجِيرِ رُتْبَةً وَذُكُورَةً وَأُنُوثَةً وَمَكَانًا وَوَقْتًا وَغَيْرَهَا
وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْقِيَامِ على ضَيْعَةٍ قام عليها لَيْلًا وَنَهَارًا كَالْعَادَةِ أَيْ على عَادَةِ الْعَمَلِ الْمُسْتَأْجَرِ له
أو اسْتَأْجَرَهُ لِلْخَبْزِ بَيَّنَ أَنَّهُ أَيْ ما يَخْبِزُهُ أَرْغِفَةٌ أو أَقْرَاصٌ غِلَاظٌ أو رِقَاقٌ وَأَنَّهُ يَخْبِزُ في فُرْنٍ أو تَنُّورٍ وَحَطَبُ الْخَبَّازِ كَحِبْرِ النُّسَّاخِ فَيُعْتَبَرُ فيه الْعُرْفُ وَسَائِرُ آلَاتِ الْخَبْزِ على الْأَجِيرِ إنْ كانت إجَارَةَ ذِمَّةٍ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَلَيْسَ على الْأَجِيرِ إلَّا تَسْلِيمُ نَفْسِهِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
فَصْلٌ فيه ما يَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ الثَّانِي
زَمَنُ الطَّهَارَةِ والصلاة الْمَكْتُوبَةِ وَلَوْ جُمُعَةً وَالرَّاتِبَةِ مُسْتَثْنًى في الْإِجَارَةِ لِعَمَلِ مُدَّةٍ فَلَا تَنْقُصُ من الْأُجْرَةِ شَيْءٌ فَلَوْ صلى ثُمَّ قال كُنْت مُحْدِثًا قال الْقَفَّالُ لَا نَمْنَعُهُ من الْإِعَادَةِ لَكِنْ يَسْقُطُ من الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ وَنَمْنَعُهُ من الثَّالِثَةِ لِأَنَّهُ مُتَعَنِّتٌ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَلْزَمُهُ تَمْكِينُهُ من الذَّهَابِ إلَى الْمَسْجِدِ لِلْجَمَاعَةِ في غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَلَا شَكَّ فيه عِنْدَ بُعْدِهِ عنه فَإِنْ كان بِقُرْبِهِ جِدًّا فَفِيهِ احْتِمَالٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامُهُ مِمَّنْ يُطِيلُ الصَّلَاةَ فَلَا وَعَلَى الْأَجِيرِ أَنْ يُخَفِّفَ الصَّلَاةَ مع إتْمَامِهَا ثُمَّ مَحَلُّ تَمْكِينِهِ من الذَّهَابِ إلَى الْجُمُعَةِ إذَا لم يَخْشَ على عَمَلِهِ الْفَسَادَ وهو ظَاهِرٌ وَكَذَا سَبْتُ الْيَهُودِ مُسْتَثْنًى إنْ اُعْتِيدَ لهم وَحُكْمُ النَّصَارَى في يَوْمِ الْأَحَدِ كَذَلِكَ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ قال وَهَلْ يُلْحَقُ بِذَلِكَ بَقِيَّةُ أَعْيَادِهِمَا فيه نَظَرٌ لَا سِيَّمَا التي تَدُومُ أَيَّامًا وَالْأَقْرَبُ الْمَنْعُ لِعَدَمِ اشْتِهَارِهَا في عُرْفِ الْمُسْلِمِينَ وَجَهْلِ أَكْثَرِ الناس لها وَالذِّمِّيُّ مُفَرِّطٌ بِعَدَمِ اسْتِثْنَائِهَا
وَالْأَجِيرُ لِحَمْلِ الْحَطَبِ إلَى الدَّارِ لَا يُطْلِعُهُ السَّقْفَ أَيْ لَا يُكَلَّفُ صُعُودَ السَّطْحِ بِهِ وفي وُجُوبِ إدْخَالِهِ له الدَّارَ وَالْبَابُ ضَيِّقٌ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا نعم لِلْعُرْفِ وَثَانِيهِمَا لَا بَلْ تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْإِدْخَالَ قال الْإِسْنَوِيُّ وَوَجْهُ الْإِفْسَادِ تَعَارُضُ الْعُرْفِ وَاللَّفْظِ قال وَالتَّقْيِيدُ بِالضَّيِّقِ لَا فَائِدَةَ له عِنْدَ تَأَمُّلِ التَّعْلِيلِ بِالْعُرْفِ
وَعَلَى الْأَجِيرِ لِغَسْلِ الثِّيَابِ أُجْرَةُ من يَحْمِلُهَا إلَيْهِ لِأَنَّ حَمْلَهَا إلَيْهِ من تَمَامِ الْغَسْلِ إلَّا إنْ شُرِطَ خِلَافُهُ أَيْ بِأَنْ شُرِطَتْ الْأُجْرَةُ على الْمُسْتَأْجِرِ فَتَلْزَمُهُ
وَلَا أُجْرَةَ لِلْمَسَافَةِ إلَى شَجَرٍ اُسْتُؤْجِرَ لِقَطْعِهِ في ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا من الْعَمَلِ
وَلِمُسْتَأْجِرِ الدَّابَّةِ لِحَمْلِ مَتَاعٍ مُقَدَّرٍ مَنْعُ الْمُؤَجِّرِ من تَعْلِيقِ شَيْءٍ عليها من مِخْلَاةٍ أو سُفْرَةٍ أو غَيْرِهَا لِاسْتِحْقَاقِهِ جَمِيعَ مَنْفَعَتِهَا وَلَوْ أَكْرَى دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى بَلَدٍ فَرَكِبَهَا إلَيْهِ فَرُجُوعُهُ بها كَالسَّفَرِ الْوَدِيعَةِ فَلَيْسَ له أَنْ يَرْجِعَ بها إلَى الْمَكَانِ الذي سَارَ منه بَلْ يُسَلِّمُهَا إلَى وَكِيلِ الْمَالِكِ إنْ كان وَإِلَّا فَإِلَى الْحَاكِمِ فَإِنْ لم يَكُنْ حَاكِمٌ فَإِلَى أَمِينٍ فَإِنْ لم يَجِدْ أَمِينًا رَجَعَ بها أو اسْتَصْحَبَهَا إلَى حَيْثُ يَذْهَبُ لِلضَّرُورَةِ وَلَوْ اسْتَعَارَهَا لِيَرْكَبَهَا إلَى بَلَدٍ فَرَكِبَهَا إلَيْهِ رَدَّهَا إلَى الْمَكَانِ الذي سَارَ منه وَلَوْ رَاكِبًا
____________________
(2/436)
لها لِأَنَّ الرَّدَّ لَازِمٌ له فَالْإِذْنُ يَتَنَاوَلُهُ بِالْعُرْفِ وَالْمُسْتَأْجِرُ لَا رَدَّ عليه
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِنَقْلِ حِنْطَةٍ مَثَلًا يَوْمًا مِرَارًا من مَوْضِعِ كَذَا إلَى دَارِهِ فَرَكِبَ هَا في رُجُوعِهِ ضَمِنَ أَيْ دَخَلَتْ في ضَمَانِهِ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهَا لِلْحَمْلِ لَا لِلرُّكُوبِ
وَإِنْ جَاوَزَ الْمُسْتَأْجِرُ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ الْمَكَانُ الذي اسْتَأْجَرَهَا لِلرُّكُوبِ إلَيْهِ فَإِنْ جَاوَزَ ه قَدْرَ رُجُوعٍ يَسْتَحِقُّهُ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا ذَهَابًا وَإِيَابًا لم يَضْمَنْ هَا وَلَا يَلْزَمُهُ لِمَا جَاوَزَ أُجْرَةٌ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ قَدْرَ تِلْكَ الْمَسَافَةِ ذَهَابًا وَإِيَابًا بِنَاءً على أَنَّهُ يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى مِثْلِ الطَّرِيقِ الْمُعَيَّنِ وَإِلَّا بِأَنْ جَاوَزَهُ بِلَا اسْتِحْقَاقٍ ضَمِنَهَا بِأَقْصَى الْقِيَمِ من حِينِ جَاوَزَ إنْ لم يَكُنْ مَالِكُهَا مَعَهَا وَتَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلزَّائِدِ وَلَا يَبْرَأُ عن ضَمَانِهَا بِرَدِّهَا إلَى ذلك الْمَكَانِ الذي جَاوَزَهُ وَإِنْ كان مَالِكُهَا مَعَهَا نَظَرْت فَإِنْ تَلِفَتْ تَحْتَهُ بِتَوَالِي التَّعَبَيْنِ الْحَاصِلَيْنِ بِالسَّفَرِ لَزِمَهُ الْقِسْطُ تَوْزِيعًا على الْمَسَافَتَيْنِ كما مَرَّ فِيمَا لو حَمَلَ أَكْثَرَ من الْمَشْرُوطِ وَإِنْ لم تَتْلَفْ بِذَلِكَ بِأَنْ خَرَجَ من الْمَكَانِ بَعْدَ زَوَالِ التَّعَبِ فَتَلِفَتْ بِالتَّعَبِ الْحَادِثِ أو تَلِفَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ كَوُقُوعِهَا في بِئْرٍ ضَمِنَ الْكُلَّ وَإِنْ تَلِفَتْ بَعْدَ نُزُولِهِ عنها وَقَبْضِ الْمَالِكِ لها فَلَا ضَمَانَ عليه وَإِنْ رَجَعَ من نِصْفِ الْمَسَافَةِ التي اسْتَأْجَرَ الدَّابَّةَ لِيَرْكَبَهَا فيها لِأَخْذِ شَيْءٍ نَسِيَهُ مَثَلًا فَقَدْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَاسْتَقَرَّتْ الْأُجْرَةُ لِأَنَّ الطَّرِيقَ لَا تَتَعَيَّنُ سَوَاءٌ أَرَجَعَ رَاكِبًا أَمْ مَاشِيًا كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ فَتَقْيِيدُ الْأَصْلِ بِالرُّكُوبِ مِثَالٌ إذْ الْعِبْرَةُ بِمُضِيِّ مُدَّةٍ يُمْكِنُ فيها الْوُصُولُ إلَى الْمَوْضِعِ سَارَ أو لم يَسِرْ رَكِبَ أو لم يَرْكَبْ بِقَرِينَةِ ما مَرَّ
وما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ وَقَفَ بِالدَّابَّةِ يَوْمًا مَثَلًا في الْبَيْتِ أو في الطَّرِيقِ ثُمَّ سَارَ أو تَرَدَّدَ في الطَّرِيقِ لِيَسْتَقِيَ مَثَلًا حُسِبَ من الْمُدَّةِ فَيَتْرُكُ الرُّكُوبَ إذَا قَرُبَ من مَقْصِدِهِ بِقَدْرِ ذلك
وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَ وَيَعُودَ رَاكِبًا اسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ رَاكِبًا عَمَلًا بِالشَّرْطِ وَإِنْ وَقَفَ أَيْ أَقَامَ في مَقْصِدِهِ ولم يُقَدِّرْ مُدَّةَ مَقَامِهِ فيه أَكْثَرَ من وُقُوفِ أَيْ إقَامَةِ مُدَّةِ الْمُسَافِرِينَ حُسِبَتْ أَيْ الْأَكْثَرِيَّةُ من الْمُدَّةِ فَإِنْ لم يُقِمْ أَكْثَرَ من ذلك لم تُحْسَبْ فَيَرْكَبُ في رُجُوعِهِ
وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِكَتْبِ صَكٍّ في بَيَاضٍ وَكَتَبَهُ غَلَطًا خَارِجًا عن الْعُرْفِ بِحَيْثُ لَا يُفْهَمُ معه الْكَلَامُ أو بِلُغَةٍ أُخْرَى غَيْرِ التي عَيَّنَهَا له أو غَيَّرَ النَّاسِخُ تَرْتِيبَ الْكِتَابِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْبِنَاءُ عليه سَقَطَتْ أُجْرَتُهُ وَضَمِنَ نُقْصَانَ الْوَرَقِ وَإِنْ أَمْكَنَ الْبِنَاءُ بِأَنْ كان الْمَكْتُوبُ عَشَرَةَ أَبْوَابٍ فَكَتَبَ الْبَابَ الْأَوَّلَ آخِرًا مُنْفَصِلًا بِحَيْثُ يُبْنَى عليه اسْتَحَقَّ بِقِسْطِهِ من الْأُجْرَةِ
وَلَوْ تَرَكَ الْعَامِلُ السَّقْيَ في الْمُسَاقَاةِ الصَّحِيحَةِ مُتَعَمِّدًا فَفَسَدَ الشَّجَرُ ضَمِنَ لِأَنَّهُ في يَدِهِ وَعَلَيْهِ حِفْظُهُ
وَإِنْ هَلَكَتْ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ وَلَوْ بَعْدَ الرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ بِسَبَبِ تَعَدِّي الْمُسْتَأْجِرِ عليها ضَمِنَ
فَصْلٌ فيه ما يَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ الثَّالِثِ وَإِنْ تَلِفَ ثَوْبٌ اُسْتُؤْجِرَ لِخِيَاطَتِهِ وقد خَاطَ الْأَجِيرُ نِصْفَهُ مَثَلًا اسْتَحَقَّ النِّصْفَ من الْمُسَمَّى هذا إنْ كان الْعَمَلُ في مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ أو بِحَضْرَتِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَقَعُ الْعَمَلُ مُسَلَّمًا وَإِلَّا فَلَا يَسْتَحِقُّ شيئا كما مَرَّ ذلك في فَصْلِ اُسْتُؤْجِرَ في قِصَارَةِ ثَوْبٍ لَا إنْ تَلِفَتْ جَرَّةٌ حَمَلَهَا الْأَجِيرُ نِصْفَ الطَّرِيقِ فَلَا يَسْتَحِقُّ شيئا من الْأُجْرَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخِيَاطَةَ تَظْهَرُ على الثَّوْبِ فَوَقَعَ الْعَمَلُ مُسَلَّمًا بِظُهُورِ أَثَرِهِ وَالْحَمْلُ لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ على الْجَرَّةِ فَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ في وُجُوبِ الْقِسْطِ وُقُوعُ الْعَمَلِ مُسَلَّمًا وَظُهُورُ أَثَرِهِ على الْمَحَلِّ
وَغَرَقُ الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ بِسَيْلٍ أو ما نَبَعَ منها أو نَحْوِهِ ولم يَتَوَقَّعْ انْحِسَارَهُ في مُدَّةِ الْإِجَارَةِ كَانْهِدَامِ الدَّارِ في أَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ بِهِ فَإِنْ تَوَقَّعَ انْحِسَارَهُ في الْمُدَّةِ فَكَغَصْبِهَا في انْفِسَاخِ ما مَضَى شيئا فَشَيْئًا وفي ثُبُوتِ الْخِيَارِ بِهِ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَإِنْ أَجَازَ سَقَطَ من الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ ما كان الْمَاءُ عليها وَإِنْ غَرِقَ بَعْضُهَا كَنِصْفِهَا بَعْدَ نِصْفِ الْمُدَّةِ مَثَلًا انْفَسَخَ الْعَقْدُ فيه وَلَهُ الْخِيَارُ في الْبَاقِي في بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ فَإِنْ فَسَخَ وَكَانَتْ أُجْرَةُ الْمُدَّةِ لَا تَتَفَاوَتُ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمُسَمَّى لِلْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ وَإِنْ أَجَازَ فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمُسَمَّى النِّصْفُ لِلْمَاضِي وَالرُّبُعُ لِلْبَاقِي وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَعْطِيلِ مَاءِ الرَّحَى وَالْبِئْرِ وَالنَّهْرِ إذَا لم يُمْكِنْ تَحْصِيلُ مَاءٍ من مَحَلٍّ آخَرَ كَانْهِدَامِ الدَّارِ بِجَامِعِ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ
فَإِنْ اسْتَأْجَرَ طَاحُونَيْنِ مُتَفَاوِتَيْ الْأُجْرَةِ وَنَقَصَ الْمَاءُ فَبَقِيَ ما يُدِيرُ أَحَدَهُمَا ولم يَنْفَسِخْ لَزِمَهُ أُجْرَةُ أَكْثَرِهِمَا قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ
____________________
(2/437)
بِمَا إذَا كان يَكْفِي إدَارَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِلَّا فَقَدْ يَكْفِي الْقَلِيلَةَ الْأُجْرَةِ دُونَ الْأُخْرَى فَكَيْفَ يَلْزَمُهُ ذلك
وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِنَسْجِ غَزْلٍ غَيْرِ مُسَدًّى ثَوْبًا عَشَرَةَ أَذْرُعٍ في عَرْضٍ مَعْلُومٍ فَجَعَلَ سَدَاهُ بِالْفَتْحِ أَحَدَ عَشَرَ أو تِسْعَةً لم يَسْتَحِقَّ شيئا لِلْمُخَالَفَةِ أَيْ لِأَنَّهُ لَمَّا بَلَغَ طُولُ الطَّاقَةِ الْأُولَى من الْغَزْلِ عَشَرَةً كان من حَقِّهِ أَنْ يَعْطِفَهَا لِيَعُودَ إلَى ما بَدَأَ منه فلما لم يَفْعَلْ كان مُخَالِفًا فَإِنْ جَعَلَ السَّدَى عَشَرَةً وَاللُّحْمَةَ بِالضَّمِّ يَعْنِي وَنَسَجَ منها في السَّدَى تِسْعَةً اسْتَحَقَّ الْقِسْطَ من الْأُجْرَةِ لِأَنَّهُ لو أَرَادَ أَنْ يَنْسِجَ عَشَرَةً لَتَمَكَّنَ منه وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ كَذَلِكَ وَالْغَزْلُ مُسَدًّى وَدَفَعَ إلَيْهِ من اللُّحْمَةِ ما يَحْتَاجُهُ فَحَابَاهُ في الْعَرْضِ الْمَشْرُوطِ أَطْوَلَ اسْتَحَقَّ الْمُسَمَّى فَقَطْ أو أَقْصَرَ فَقِسْطُهُ منه أَيْ من الْمُسَمَّى وَإِنْ زَادَ في الْعَرْضِ أو نَقَصَ منه وَالطُّولُ بِحَالِهِ أو أَطْوَلَ فَإِنْ كان ذلك لِمُخَالَفَةِ الْقَدْرِ الْمَشْرُوطِ من الصَّفَاقَةِ وَالرِّقَّةِ لم يَسْتَحِقَّ شيئا من الْمُسَمَّى لِتَفْرِيطِهِ بِالْمُخَالَفَةِ وَإِلَّا بِأَنْ أتى بِالْمَشْرُوطِ اسْتَحَقَّ الْمُسَمَّى إذْ الْخَلَلُ في الثَّانِيَةِ من السَّدَى وزاد في الْأُولَى خَيْرًا
وَإِنْ رضي الْمُسْتَأْجِرُ بِعَيْبٍ مُتَوَقَّعٍ زَوَالُهُ لم يَنْقَطِعْ خِيَارُهُ لِأَنَّ الضَّرَرَ يَتَجَدَّدُ بِتَعَذُّرِ قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ فَهُوَ كما لو تَرَكَتْ الْمُطَالَبَةَ بَعْدَ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أو الْفَسْخِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْإِعْسَارِ لها الْعَوْدُ إلَيْهِ فَالْخِيَارُ في الْإِجَارَةِ في ذلك على التَّرَاخِي وَإِلَّا بِأَنْ لَا يُتَوَقَّعَ زَوَالُهُ انْقَطَعَ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ عَيْبٌ وَاحِدٌ وقد رضي بِهِ
وَإِنْ اسْتَبْدَلَ الْمُسْتَأْجِرُ عن الْمَنْفَعَةِ في إجَارَةِ الْعَيْنِ لَا إجَارَةِ الذِّمَّةِ بَعْدَ وفي نُسْخَةٍ قبل الْقَبْضِ جَازَ كما لو أَجَّرَ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ لِلْمُؤَجِّرِ بَعْدَ قَبْضِهَا على النُّسْخَةِ الْأُولَى وَقَبْلَهُ على الثَّانِيَةِ وَعَلَى ما مَرَّ له تَبَعًا لِتَصْحِيحِ النَّوَوِيِّ من أَنَّ ذلك جَائِزٌ وَلَوْ قبل الْقَبْضِ لَكِنَّ الْمَذْكُورَ هُنَا في الْأَصْلِ تَقْيِيدُ الْجَوَازِ بِمَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ فَالنُّسْخَةُ الْأُولَى هِيَ الْمُعْتَمَدَةُ وَالْحُكْمُ في إجَارَةِ الذِّمَّةِ بِعَدَمِ الْجَوَازِ مُطْلَقًا الْمَعْلُومِ بِالصَّرِيحِ مع مَفْهُومٍ أَوْلَى إنَّمَا يَأْتِي عليها دُونَ الثَّانِيَةِ وَالْكَلَامُ هُنَا في الِاسْتِبْدَالِ عن الْمَنْفَعَةِ أَمَّا عن الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ فَتَقَدَّمَ في الْبَابِ الثَّانِي في فَرْعِ وَتَنْفَسِخُ بِتَلَفِ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ
وَضَمَانُ الْعُهْدَةِ من شَخْصٍ لِلْمُسْتَأْجِرِ جَائِزٌ وَيَرْجِعُ عليه عِنْدَ ظُهُورِ الِاسْتِحْقَاقِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ تَوَجَّهَ الْحَبْسُ على أَجِيرِ الْعَيْنِ ولم يُمْكِنْ الْعَمَلُ في الْحَبْسِ أَخْرَجَهُ الْقَاضِي منه مُدَّتَهُ أَيْ الْعَمَلِ تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ كما يُقَدَّمُ الْمُرْتَهِنُ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ مَقْصُودٌ في نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْحَبْسِ فَيُخْرِجُهُ منه مُسْتَوْثِقًا عليه مُدَّةَ الْعَمَلِ إنْ رَآهُ كَأَنْ خَافَ هَرَبَهُ وَخَرَجَ بِأَجِيرِ الْعَيْنِ أَجِيرُ الذِّمَّةِ فَيُطَالَبُ بِتَحْصِيلِ الْعَمَلِ بِغَيْرِهِ فَإِنْ امْتَنَعَ حُبِسَ بِالْحَقَّيْنِ وَبِعَدَمِ إمْكَانِ الْعَمَلِ في الْحَبْسِ إمْكَانُهُ فيه فَلَا يَخْرُجُ منه بَلْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا قال السُّبْكِيُّ وَعَلَى قِيَاسِ ما ذُكِرَ لو اُسْتُعْدِيَ على من وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ على عَيْنِهِ وكان حُضُورُهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ يُعَطِّلُ حَقَّ الْمُسْتَأْجِرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْضُرَ
وَيَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ لَا الْمُؤَجِّرَ ما يَلْزَمُ الْوَدِيعَ من دَفْعِ ضَرَرٍ عن الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ من حَرِيقٍ وَنَهْبٍ وَغَيْرِهِمَا إذَا قَدَرَ على ذلك من غَيْرِ خَطَرٍ بِخِلَافِ الْمُؤَجِّرِ لَا يَلْزَمُهُ ذلك نعم إنْ كان مُؤَجِّرًا بِوِلَايَةٍ على مَحْجُورٍ عليه أو على وَقْفٍ أو نَحْوِهِ لَزِمَهُ الدَّفْعُ لَكِنَّ ذلك لِحَقِّ الْمُوَلَّى عليه لَا لِحَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ وَتَقَدَّمَ أَوَائِلَ الْبَابِ الثَّانِي فِيمَا لو غُصِبَتْ الْعَيْنُ ما قد يُخَالِفُ هذا وَتَقَدَّمَ جَوَابُهُ وَالْكَلَامُ عليه ثَمَّ
فَإِنْ وَقَعَتْ الدَّارُ الْمُؤَجَّرَةُ على مَتَاعِ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَا ضَمَانَ على الْمُؤَجِّرِ أَيْ لَا يَلْزَمُهُ بَدَلُهُ وَلَا أُجْرَةُ تَخْلِيصِهِ
وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِبِنَاءٍ فلما أَكْمَلَهُ انْهَدَمَ وكان الْخَلَلُ في الصَّنْعَةِ لَا في الْآلَةِ ضَمِنَ وَالرُّجُوعُ في ذلك إلَى أَهْلِ الْعُرْفِ فَإِنْ قالوا هذه الْآلَةُ قَابِلَةٌ لِلْعَمَلِ الْمُحْكَمِ وهو الْمُقَصِّرُ لَزِمَهُ غَرَامَةُ ما تَلِفَ
وَمَنْ أَكْرَهَ رَجُلًا على غُسْلِ مَيِّتٍ ليس له تَرِكَةٌ وَلَا في بَيْتِ الْمَالِ سَعَةٌ لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ له لِأَنَّهُ مِمَّا يُسْتَأْجَرُ عليه إلَّا إنْ أَكْرَهَهُ عليه الْإِمَامُ فَلَا يَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ لِأَنَّ غُسْلَهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فإذا فَعَلَهُ بِأَمْرِ الْإِمَامِ وَقَعَ عن
____________________
(2/438)
الْفَرْضِ أَمَّا إذَا كان له تَرِكَةٌ فَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ في تَرِكَتِهِ أو لم تَكُنْ وفي بَيْتِ الْمَالِ سَعَةٌ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ فَيَسْتَحِقُّ الْمُكْرَهُ الْأُجْرَةَ وَهَذَا إنَّمَا هو في الْمُسْتَثْنَى دُونَ الْمُسْتَثْنَى منه وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ فِيهِمَا وقد تَخَلَّصَ من ذلك جَمَاعَةٌ من مُخْتَصِرِي الرَّوْضَةِ بِقَوْلِهِمْ لو أَكْرَهَهُ بَعْضُ الرَّعِيَّةِ على غُسْلِ مَيِّتٍ لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ أو الْإِمَامُ وَلِلْمَيِّتِ تَرِكَةٌ وَجَبَتْ فيها وَإِلَّا فَفِي بَيْتِ الْمَالِ إنْ وَسِعَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ
وَلِلْأَبِ اسْتِئْجَارُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ لِإِسْقَاطِ نَفَقَتِهِ عنه كما يَشْتَرِي مَالَهُ
كِتَابُ الْجَعَالَةِ بِتَثْلِيثِ الْجِيمِ كما قَالَهُ ابن مَالِكٍ وَغَيْرُهُ وَاقْتَصَرَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ على كَسْرِهَا وَهِيَ لُغَةً اسْمٌ لِمَا يُجْعَلُ لِلْإِنْسَانِ على فِعْلِ شَيْءٍ وَكَذَا الْجُعْلُ وَالْجَعِيلَةُ وَشَرْعًا الْتِزَامُ عِوَضٍ مَعْلُومٍ على عَمَلٍ مُعَيَّنٍ مَعْلُومٍ أو مَجْهُولٍ وَالْأَصْلُ فيها قبل الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى وَلِمَنْ جاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وكان مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ كَالْوَسْقِ وَشَرْعُ من قَبْلَنَا شَرْعٌ لنا إذَا وَرَدَ ما يُؤَيِّدُهُ وهو هُنَا خَبَرُ الذي رَقَاهُ الصَّحَابِيُّ بِالْفَاتِحَةِ على قَطِيعٍ من الْغَنَمِ كما في الصَّحِيحَيْنِ عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وهو الرَّاقِي كما رَوَاهُ الْحَاكِمُ وقال صَحِيحٌ على شَرْطِ مُسْلِمٍ وَالْقَطِيعُ ثَلَاثُونَ رَأْسًا من الْغَنَمِ وَأَيْضًا الْحَاجَةُ قد تَدْعُو إلَيْهَا فَجَازَتْ كَالْمُضَارَبَةِ وَالْإِجَارَةِ
وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ الصِّيغَةُ الدَّالَّةُ على الْإِذْنِ في الْعَمَلِ بِعِوَضٍ يَلْتَزِمُهُ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَافْتَقَرَتْ إلَى صِيغَةٍ تَدُلُّ على الْمَطْلُوبِ كَالْإِجَارَةِ فَلَوْ عَمِلَ أَحَدٌ بِلَا صِيغَةٍ فَلَا شَيْءَ له وَإِنْ كان مَعْرُوفًا بِرَدِّ الضَّوَالِّ لِعَدَمِ الِالْتِزَامِ له بِشَيْءٍ فَوَقَعَ عَمَلُهُ تَبَرُّعًا وَدَخَلَ الْعَبْدُ في ضَمَانِهِ كما جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وقال الْإِمَامُ فيه الْوَجْهَانِ في الْأَخْذِ من الْغَاصِبِ بِقَصْدِ الرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ وَالْأَصَحُّ فيه الضَّمَانُ وَلَا يَلْزَمُ من جَوَازِ الرَّدِّ عَدَمُ الضَّمَانِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظًا لِمَا فيه من التَّضْيِيقِ في مَحَلِّ الْحَاجَةِ وَعَلَيْهِ قال الْقَمُولِيُّ لو قال لِغَيْرِهِ إنْ رَدَدْت عَبْدِي فَلَكَ دِينَارٌ فقال أَرُدُّهُ بِنِصْفِ دِينَارٍ فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِاسْتِحْقَاقِ الدِّينَارِ وقد يَنْقَدِحُ فيه خِلَافٌ كما في الْخُلْعِ وَالصِّيغَةُ كَقَوْلِهِ من رَدَّ عَبْدِي أو عَبْدَ فُلَانٍ فَلَهُ كَذَا وَاحْتَمَلَ إبْهَامَ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَهْتَدِي الْقَائِلُ إلَى تَعْيِينِ الرَّاغِبِ فَإِنْ رَدَّهُ من سَمِعَهُ لَا غَيْرُهُ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ على الْقَائِلِ لِأَنَّهُ الْمُلْتَزِمُ له سَوَاءٌ أَسَمِعَهُ بِوَاسِطَةٍ أَمْ بِدُونِهَا نعم لو قال إنْ رَدَّ عَبْدِي من سمع نِدَائِي فَلَهُ كَذَا فَرَدَّهُ من عَلِمَ بِنِدَائِهِ ولم يَسْمَعْهُ لم يَسْتَحِقَّ شيئا وَإِنْ عَمِلَ طَامِعًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَيْسَ الْتِزَامُ غَيْرِ الْمَالِكِ هُنَا كَالْتِزَامِ الثَّمَنِ في بَيْعِ غَيْرِهِ وَالثَّوَابِ على هِبَةِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُمَا عِوَضَا تَمْلِيكٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُوبُهُمَا على غَيْرِ من حَصَلَ له الْمِلْكُ وَلَيْسَ الْجُعْلُ عِوَضَ تَمْلِيكٍ وَاسْتَشْكَلَ ابن الرِّفْعَةِ هذه بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ بهذا الْقَوْلِ وَضْعُ يَدِهِ على الْآبِقِ فَكَيْفَ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَأُجِيبَ عنه بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الْإِذْنِ في ذلك لِأَنَّ الْمَالِكَ رَاضٍ بِهِ قَطْعًا أو بِأَنَّ صُورَةَ ذلك أَنْ يَأْذَنَ الْمَالِكُ لِمَنْ شَاءَ في الرَّدِّ أَمَّا من لم يَسْمَعْهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ شيئا لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَلَوْ رَدَّهُ من أخبره ثِقَةٌ بِالْتِزَامِ الْمَالِكِ فَلَا شَيْءَ له على الثِّقَةِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَصَدَّقَهُ أَمْ لَا لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ وَلَا على الْمَالِكِ إنْ كَذَّبَهُ لِذَلِكَ لَا إنْ صَدَّقَهُ عَمَلًا بِتَصْدِيقِهِ وَخَرَجَ بِالثِّقَةِ غَيْرُهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ عليه الرَّادُّ شيئا وَلَا على الْمَالِكِ وَإِنْ صَدَّقَهُ كما لو رَدَّهُ غير عَالِمٍ بِإِذْنِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ أَنْكَرَ الْمَالِكُ الْخَبَرَ لم تُقْبَلْ شَهَادَةُ الثِّقَةِ عليه لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ في تَرْوِيجِ قَوْلِهِ وَإِنْ قال إنْ رَدَّهُ زَيْدٌ فَلَهُ كَذَا فَرَدَّهُ عَمْرٌو أو زَيْدٌ قبل عِلْمِهِ بِالِالْتِزَامِ لم
____________________
(2/439)
يَسْتَحِقَّ شيئا لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ شَيْءٍ لِعَمْرٍو وَعَدَمِ سَمَاعِ زَيْدٍ أو رَدَّهُ عبد زَيْدٍ بَعْدَ عِلْمِ زَيْدٍ بِالِالْتِزَامِ اسْتَحَقَّ زَيْدٌ الْجُعْلَ لِأَنَّ يَدَ عَبْدِهِ كَيَدِهِ كَزَيْدٍ أَيْ كما لو رَدَّهُ زَيْدٌ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مُكَاتَبَهُ وَمُبَعَّضَهُ في نَوْبَتِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ قَدَّرَ الرَّدَّ بِشَهْرٍ مَثَلًا لم يَصِحَّ كما في الْقِرَاضِ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْمُدَّةِ مُخِلٌّ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ فَقَدْ لَا يَظْفَرُ بِهِ فيها فَيَضِيعُ سَعْيُهُ وَلَا يَحْصُلُ الْغَرَضُ
الرُّكْنُ الثَّانِي الْمُتَعَاقِدَانِ وفي نُسْخَةٍ الْمُتَعَامِلَانِ وَيُشْتَرَطُ في الْمُلْتَزِمِ لِلْجُعْلِ مَالِكًا أو غَيْرَهُ نُفُوذُ التَّصَرُّفِ بِأَنْ يَكُونَ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ كما في الْإِجَارَةِ فَلَا يَصِحُّ بِالْتِزَامِ صَبِيٍّ أو مَجْنُونٍ أو مَحْجُورٍ عليه بِسَفَهٍ ويشترط في الْعَامِلِ الْمُعَيَّنِ أَهْلِيَّةُ الْعَمَلِ فَيَدْخُلُ فيه الْعَبْدُ وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ بِإِذْنٍ وَغَيْرُهُ كما قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ في الْعَبْدِ إذَا لم يَأْذَنْ سَيِّدُهُ وَيَخْرُجُ عنه الْعَاجِزُ عن الْعَمَلِ كَصَغِيرٍ لَا يَقْدِرُ عليه لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ مَعْدُومَةٌ فَأَشْبَهَ اسْتِئْجَارَ الْأَعْمَى لِلْحِفْظِ كَذَا قَالَهُ ابن الْعِمَادِ وقال الْأَذْرَعِيُّ كان الْمُرَادُ أَهْلِيَّةَ الْتِزَامِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ إمْكَانَهُ أَمَّا إذَا كان مُبْهَمًا فَيَكْفِي عِلْمُهُ بِالنِّدَاءِ قال الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا لو قال من جاء بِآبِقِي فَلَهُ دِينَارٌ فَمَنْ جاء بِهِ اسْتَحَقَّ من رَجُلٍ أو امْرَأَةٍ أو صَبِيٍّ أو عَبْدٍ عَاقِلٍ أو مَجْنُونٍ إذَا سمع النِّدَاءَ أو عَلِمَ بِهِ لِدُخُولِهِمْ في عُمُومِ قَوْلِهِ من جاء وَخَالَفَ في السِّيَرِ فقال لَا يَسْتَحِقُّ الصَّبِيُّ وَلَا الْعَبْدُ إذَا قام بِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ
الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْعَمَلُ فَتَصِحُّ الْجَعَالَةُ على عَمَلٍ مَعْلُومٍ أو مَجْهُولٍ لِلْحَاجَةِ كما في عَمَلِ الْقِرَاضِ بَلْ أَوْلَى وزاد قَوْلَهُ عَسُرَ عَمَلُهُ لِإِخْرَاجِ ما لم يَعْسُرْ فَيُعْتَبَرُ ضَبْطُهُ إذْ لَا حَاجَةَ إلَى احْتِمَالِ جَهَالَةِ الْجَعَالَةِ في بِنَاءِ حَائِطٍ يَذْكُرُ مَوْضُوعَهُ وَطُولَهُ وَعَرْضَهُ وَارْتِفَاعَهُ وما يُبْنَى بِهِ وفي الْخِيَاطَةِ يُعْتَبَرُ وَصْفُ الثَّوْبِ وَالْخِيَاطَةِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي وابن يُونُسَ وابن الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ وَكَلَامُ غَيْرِهِمْ يَقْتَضِيهِ وَسَوَاءٌ في الْعَمَلِ الْوَاجِبُ وَغَيْرُهُ فَلَوْ حُبِسَ ظُلْمًا فَبَذَلَ مَالًا لِمَنْ يَتَكَلَّمُ في خَلَاصِهِ بِجَاهِهِ أو بِغَيْرِهِ جَازَ نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ في فَتَاوِيهِ عن جَمَاعَةٍ منهم الْقَاضِي فَإِنْ سمع النِّدَاءَ وهو أَيْ الْمَالُ الْمَطْلُوبُ رَدُّهُ في يَدِهِ فَرَدَّهُ وفي الرَّدِّ كُلْفَةٌ كَالْآبِقِ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ في رَدِّهِ كُلْفَةٌ كَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ لَا كُلْفَةَ في رَدِّهَا فَلَا يَسْتَحِقُّ شيئا لِأَنَّ ما لَا كُلْفَةَ فيه لَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ وَشَمِلَ كَلَامُهُ كَغَيْرِهِ ما لو كان الْمَالُ في يَدِهِ بِجِهَةٍ تُوجِبُ الرَّدَّ كَالْغَصْبِ وَالْعَارِيَّةِ وَقَضِيَّتُهُ الِاسْتِحْقَاقُ بِالرَّدِّ إذَا كان فيه كُلْفَةٌ وَتَعْلِيلُ عَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ في قَوْلِهِ الْآتِي لَا إنْ كان في يَدِهِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ وَإِنْ جَعَلَ لِمَنْ دَلَّهُ عليه جُعْلًا فَدَلَّهُ عليه اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ تَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ بِالْبَحْثِ عنه لَا إنْ كان في يَدِهِ أَيْ يَدِ من دَلَّ عليه فَلَا يَسْتَحِقُّ
____________________
(2/440)
شيئا لِأَنَّ ذلك وَاجِبٌ عليه شَرْعًا فَلَا يَأْخُذُ عليه عِوَضًا وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لو كان الدَّالُّ غير مُكَلَّفٍ اسْتَحَقَّ أو جَعَلَ لِمَنْ أخبره بِكَذَا جُعْلًا فَأَخْبَرَهُ بِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ شيئا لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فيه إلَى عَمَلٍ إلَّا إنْ تَعِبَ وَصُدِّقَ في إخْبَارِهِ وكان لِلْمُسْتَخْبِرِ غَرَضٌ في الْمُخْبَرِ بِهِ فَيَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ آخِرَ الْبَابِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَكَلَامُ الْقَاضِي كَالنَّاطِقِ بِالْفَرْقِ بين أَنْ تَلْحَقَهُ مَشَقَّةٌ في ذلك أَمْ لَا
الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْجُعْلُ يُشْتَرَطُ وفي نُسْخَةٍ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَعْلُومًا كَالْأُجْرَةِ في الْإِجَارَةِ فَلَوْ كان مَجْهُولًا كَثَوْبٍ أو خَمْرًا أو مَغْصُوبًا فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ تَجِبُ لِفَسَادِ الْعَقْدِ بِجَهْلِ الْجُعْلِ أو بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ أو بِعَدَمِ الْقُدْرَةِ على تَسْلِيمِهِ كما في الْإِجَارَةِ وَوَجْهُ فَسَادِهِ بِالْجَهْلِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى احْتِمَالِهِ فيه كَالْإِجَارَةِ بِخِلَافِهِ في الْعَمَلِ وَالْعَامِلِ وَلِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يَرْغَبُ في الْعَمَلِ مع جَهْلِهِ بِالْجُعْلِ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْعَقْدِ وَيُسْتَثْنَى من ذلك مَسْأَلَةُ الْعِلْجِ وَسَتَأْتِي في السِّيَرِ فَإِنْ قال من رَدَّهُ فَلَهُ ثِيَابُهُ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ اسْتَحَقَّهَا أو مَجْهُولَةٌ فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ وَحَذَفَ قَوْلَ أَصْلِهِ نَقْلًا عن الْمُتَوَلِّي وَلَوْ وَصَفَهَا بِمَا يُفِيدُ الْعِلْمَ اسْتَحَقَّهَا لِقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ فإنه خِلَافُ الصَّحِيحِ فَقَدْ تَقَرَّرَ في الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الشَّيْءَ الْمُعَيَّنَ لَا يُغْنِي وَصْفُهُ عن رُؤْيَتِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ انْتَهَى وَالْأَوْجَهُ قَوْلُ الْأَصْلِ وَبِهِ جَزَمَ في الْأَنْوَارِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ تِلْكَ الْعُقُودَ عُقُودٌ لَازِمَةٌ بِخِلَافِ الْجَعَالَةِ فَاحْتِيطَ لها ما لم يُحْتَطْ لِلْجَعَالَةِ وَكَذَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لو قال من رَدَّهُ فَلَهُ رُبُعُهُ مَثَلًا وَقِيلَ يَسْتَحِقُّ الْمَشْرُوطَ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَقَرَّبَ الرَّافِعِيُّ ذلك من اسْتِئْجَارِ الْمُرْضِعَةِ بِحُرٍّ من الرَّقِيقِ الرَّضِيعِ بَعْدَ الْفِطَامِ ولم يَرْتَضِهِ ابن الرِّفْعَةِ قال لِأَنَّ الْأُجْرَةَ الْمُعَيَّنَةَ تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ فإذا جُعِلَتْ جُزْءًا من الرَّقِيقِ بَعْدَ الْفِطَامِ اقْتَضَى عَدَمَ الْمِلْكِ في الْحَالِ أو تَأْجِيلَهُ وَكِلَاهُمَا مُمْتَنِعٌ وَهُنَا إنَّمَا يَحْصُلُ الْمِلْكُ بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ فَلَا مُخَالَفَةَ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَلَا وَجْهَ إلَّا الصِّحَّةُ إنْ عَلِمَ بِالْعَبْدِ وَمَكَانِهِ وَإِلَّا فَيَظْهَرُ أَنَّهُ مَوْضِعُ الْخِلَافِ وَيَكُونُ مَأْخَذُهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ في هذا الْعَقْدِ بِحَالِهِ أو بِحَالِ الرَّدِّ كما ذَكَرْنَا فِيمَا إذَا تَغَيَّرَ النَّقْدُ ا ه وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّهُ خَصَّصَ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ وَنَازَعَهُ في الْمَأْخَذِ
فَصْلٌ لو قال من رَدَّ عَبْدِي من بَلَدِ كَذَا فَلَهُ دِينَارٌ فَرَدَّهُ سَامِعٌ من نِصْفِ الطَّرِيقِ الْمُتَسَاوِيَةِ سُهُولَةً وَحُزُونَةً اسْتَحَقَّ النِّصْفَ من الْجُعْلِ أو من ثُلُثِهَا اسْتَحَقَّ الثُّلُثَ لِأَنَّ كُلَّ الْجُعْلِ في مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ فَبَعْضُهُ في مُقَابَلَةِ الْبَعْضِ أو قال من رَدَّ الْعَبْدَيْنِ من كَذَا فَلَهُ دِينَارٌ فَرَدَّهُمَا سَامِعٌ من نِصْفِ الْمَسَافَةِ الْمُتَسَاوِيَةِ سُهُولَةً وَحُزُونَةً أو رَدَّ أَحَدَهُمَا من جَمِيعِهَا اسْتَحَقَّ النِّصْفَ عَمَلًا بِالتَّوْزِيعِ على الْعَمَلِ أو قال لِاثْنَيْنِ إنْ رَدَدْتُمَا الْعَبْدَيْنِ فَلَكُمَا كَذَا فَرَدَّهُمَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَهُ النِّصْفُ أو رَدَّ أَحَدُهُمَا وَاحِدًا من الْعَبْدَيْنِ فَلَهُ الرُّبُعُ بِذَلِكَ فِيهِمَا أو رَدَّ الْعَبْدَ من مَكَان أَبْعَدَ مِمَّا عَيَّنَ فَالزَّائِدُ هَدَرٌ لَا جُعْلَ له لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ
قال السُّبْكِيُّ وَلَوْ قال أَيُّ رَجُلٍ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ دِرْهَمٌ فَرَدَّهُ اثْنَانِ قُسِّطَ الدِّرْهَمُ بَيْنَهُمَا على الْأَقْرَبِ عِنْدِي
وَإِنْ قال لِزَيْدٍ رُدَّهُ وَلَك كَذَا فَأَعَانَهُ آخَرُ في رَدِّهِ بِعِوَضٍ أو مَجَّانًا فَالْكُلُّ لِزَيْدٍ فَقَدْ يَحْتَاجُ لِلْمُعَاوَنَةِ وَغَرَضُ الْمُلْتَزِمِ الْعَمَلُ بِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ فَلَا يُحْمَلُ على قَصْرِ
____________________
(2/441)
الْعَمَلِ على الْمُخَاطَبِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُعَاوِنِ إلَّا إنْ الْتَزَمَ له زَيْدٌ أُجْرَةً فَيَسْتَحِقُّهَا وَإِنْ عَمِلَ الْآخَرُ أَيْ الْمُعَاوِنُ لِنَفْسِهِ أو لِلْمَالِكِ أو مُطْلَقًا فِيمَا يَظْهَرُ فَلَا شَيْءَ له وَلِزَيْدٍ النِّصْفُ إنْ اسْتَوَيَا عَمَلًا لِأَنَّهُ عَمِلَ نِصْفَ الْعَمَلِ وَقَوْلُهُ لِنَفْسِهِ من زِيَادَتِهِ قال في الْأَصْلِ وَلَوْ شَارَكَهُ اثْنَانِ في الرَّدِّ فَإِنْ قَصَدَا إعَانَتَهُ فَلَهُ تَمَامُ الْجُعْلِ أو الْعَمَلُ لِلْمَالِكِ فَلَهُ ثُلُثُهُ أو وَاحِدٌ إعَانَتَهُ وَالْآخَرُ الْعَمَلَ لِلْمَالِكِ فَلَهُ ثُلُثَاهُ وَهَذَا مَعْلُومٌ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
وَإِنْ قال من يَرُدَّ عَبْدِي فَلَهُ دِينَارٌ فَرَدَّهُ اثْنَانِ اقْتَسَمَاهُ لِأَنَّهُمَا يُوصَفَانِ بِالْأَوَّلِيَّةِ في الرَّدِّ وَإِنْ قال لِكُلٍّ من ثَلَاثَةٍ رُدَّهُ وَلَك دِينَارٌ فَرَدُّوهُ فَلِكُلٍّ منهم ثُلُثُهُ وفي نُسْخَةٍ ثُلُثُ ما شَرَطَ له تَوْزِيعًا على الرُّءُوسِ
قال في الْأَصْلِ قال الْمَسْعُودِيُّ هذا إذَا عَمِلَ كُلٌّ منهم لِنَفْسِهِ أَمَّا لو قال أَحَدُهُمْ أَعَنْت صَاحِبِي فَلَا شَيْءَ له وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ ما شَرَطَ له وَاثْنَانِ منهم أَعَنَّا صَاحِبَنَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا وَلَهُ جَمِيعُ الْمَشْرُوطِ فَإِنْ شَارَكَهُمْ رَابِعٌ فَلَا شَيْءَ له فَإِنْ كان قَصَدَ الْمَالِكَ بِالْعَمَلِ أو قَصَدَ أَخْذَ الْجُعْلِ منه فَلِكُلٍّ من الثَّلَاثَةِ رُبُعٌ من الْمَشْرُوطِ فَإِنْ أَعَانَ أَحَدَهُمْ فَلِلْمُعَاوَنِ بِفَتْحِ الْوَاوِ النِّصْفُ وَلِلْآخَرَيْنِ النِّصْفُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّبُعُ أو أَعَانَ اثْنَيْنِ منهم فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا رُبُعٌ وَثُمُنٌ من الْمَشْرُوطِ وَلِلثَّالِثِ رُبُعٌ منه وَإِنْ أَعَانَ الْجَمِيعَ فَلِكُلٍّ منهم الثُّلُثُ كما لو لم يَكُنْ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
فَإِنْ شَرَطَ الْمَالِكُ لِأَحَدِهِمْ جُعْلًا مَجْهُولًا كَثَوْبٍ مع شَرْطِهِ لِكُلٍّ من الْآخَرَيْنِ دِينَارًا فَرَدُّوهُ فَلَهُ ثُلُثُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَلَهُمَا ثُلُثَا الْمُسَمَّى وَتَوْكِيلُ الْعَامِلِ الْمُعَيَّنِ غَيْرَهُ في الرَّدِّ كَوَكِيلِ الْوَكِيلِ فَيَجُوزُ له أَنْ يُوَكِّلَهُ فِيمَا يَعْجِزُ عنه أو لَا يَلِيقُ بِهِ كما يَسْتَعِينُ بِهِ وتوكيل غَيْرِ الْمُعَيَّنِ بَعْدَ سَمَاعِهِ النِّدَاءَ غَيْرَهُ كَالتَّوْكِيلِ في الِاحْتِطَابِ وَالِاسْتِقَاءِ وَنَحْوِهِمَا فَيَجُوزُ
فَصْلٌ الْجَعَالَةُ جَائِزَةٌ من الْجَانِبَيْنِ قبل تَمَامِ الْعَمَلِ لِأَنَّهَا تَعْلِيقُ اسْتِحْقَاقٍ بِشَرْطٍ كَالْوَصِيَّةِ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ فيها مَجْهُولٌ كَالْقِرَاضِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهَا لَازِمَةٌ بَعْدَهُ لِلُّزُومِ الْجُعْلِ فَلَا انْفِسَاخَ وَلَا فَسْخَ فَلَوْ فَسَخَهَا الْمَالِكُ في أَثْنَاءِ الْعَمَلِ لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْعَامِلِ فِيمَا عَمِلَ لِئَلَّا يَحْبِطَ سَعْيُهُ بِفَسْخِ غَيْرِهِ وَرُبَّمَا عَبَّرَ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ عن ذلك بِأَنَّهُ ليس له الْفَسْخُ حتى يَضْمَنَ أَيْ يَلْتَزِمَ لِلْعَامِلِ أُجْرَةَ مِثْلِ ما عَمِلَ وَإِنَّمَا لم يَجِبْ قِسْطُ ما عَمِلَ من الْمُسَمَّى لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ بِالْفَسْخِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى بِالْفَرَاغِ من الْعَمَلِ فَكَذَا بَعْضُهُ وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِمَا قُلْنَا وَاسْتُشْكِلَ لُزُومُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ بِمَا لو مَاتَ الْمَالِكُ في أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ حَيْثُ تَنْفَسِخُ وَيَجِبُ الْقِسْطُ من الْمُسَمَّى وَأَيُّ فَرْقٍ بين الْفَسْخِ وَالِانْفِسَاخِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُلْتَزِمَ ثَمَّ لم يَتَسَبَّبْ في إسْقَاطِ الْمُسَمَّى وَالْعَامِلُ ثَمَّ تَمَّمَ الْعَمَلَ بَعْدَ الِانْفِسَاخِ ولم يَمْنَعْهُ الْمَالِكُ منه بِخِلَافِهِ هُنَا وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ قبل رَدِّهِ قال ابن الرِّفْعَةِ يَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ لَا أُجْرَةَ لِلْعَامِلِ إذَا رَدَّهُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِنْ لم يَعْلَمْ لِحُصُولِ الرُّجُوعِ ضِمْنًا وَالْأَوْجَهُ أَنَّ له الْأُجْرَةَ تَنْزِيلًا لِإِعْتَاقِهِ مَنْزِلَةَ فَسْخِهِ وَخَرَجَ بِأَثْنَاءِ الْعَمَلِ ما لو فَسَخَهَا قبل الشُّرُوعِ في الْعَمَلِ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ أو فَسَخَهَا الْعَامِلُ فَلَا شَيْءَ له لِأَنَّهُ امْتَنَعَ بِاخْتِيَارِهِ ولم يَحْصُلْ غَرَضُ الْمَالِكِ سَوَاءٌ أَوَقَعَ ما عَمِلَهُ مُسَلَّمًا أَمْ لَا نعم لو زَادَ الْمَالِكُ في الْعَمَلِ ولم يَرْضَ الْعَامِلُ بِالزِّيَادَةِ فَفَسَخَ لِذَلِكَ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في آخِرِ الْمُسَابَقَةِ لِأَنَّ الْمَالِكَ هو الذي أَلْجَأَهُ لِذَلِكَ قال الْإِسْنَوِيُّ وَقِيَاسُهُ كَذَلِكَ إذَا نَقَصَ من الْجُعْلِ
ا ه
وَفِيهِ نَظَرٌ وَإِنْ كان الْحُكْمُ صَحِيحًا لِأَنَّ النَّقْصَ فَسْخٌ كما سَيَأْتِي وهو فَسْخٌ من الْمَالِكِ لَا من الْعَامِلِ
وَإِنْ عَمِلَ الْعَامِلُ شيئا بَعْدَ الْفَسْخِ
____________________
(2/442)
وَلَوْ جَاهِلًا بِهِ فَلَا شَيْءَ له لَكِنْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ بِأَنَّ له الْمُسَمَّى إذَا كان جَاهِلًا وهو مُعَيَّنٌ أو لم يُعْلِنْ الْمَالِكَ بِالْفَسْخِ وَاسْتَحْسَنَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَالتَّصْرِيحُ بِحُكْمِ الْجَاهِلِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ
فَرْعٌ وَتَنْفَسِخُ الْجَعَالَةُ بِالْمَوْتِ وَالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ لِأَحَدِ الْمُتَعَامِلَيْنِ فَإِنْ مَاتَ الْمَالِكُ بَعْدَ الشُّرُوعِ في الْعَمَلِ فَرَدَّهُ إلَى وَرَثَتِهِ وفي نُسْخَةٍ وَارِثِهِ وَجَبَ قِسْطُهُ أَيْ قِسْطُ ما عَمِلَهُ في الْحَيَاةِ من الْمُسَمَّى وَإِنْ مَاتَ الْعَامِلُ فَرَدَّهُ وَارِثُهُ اسْتَحَقَّ الْقِسْطَ أَيْضًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ
فَرْعٌ وَإِنْ زَادَ الْمَالِكُ أو نَقَصَ في الْجُعْلِ أو غَيَّرَ جِنْسَهُ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ قبل الشُّرُوعِ في الْعَمَلِ وَسَمِعَهُ الْعَامِلُ اُعْتُبِرَ النِّدَاءُ الْأَخِيرُ فَلِلْعَامِلِ ما ذُكِرَ فيه وَجَازَ ذلك قِيَاسًا على الثَّمَنِ في زَمَنِ الْخِيَارِ فَلَوْ لم يَسْمَعْهُ الْعَامِلُ أو كان بَعْدَ الشُّرُوعِ في الْعَمَلِ وَقَبْلَ الْفَرَاغِ منه وَتَمَّمَ الْعَمَلَ وقد سمع الْأَوَّلَ أَيْضًا وَجَبَ له أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِأَنَّ النِّدَاءَ الثَّانِيَ فَسْخٌ لِلْأَوَّلِ وَالْفَسْخُ من الْمَالِكِ في أَثْنَاءِ الْعَمَلِ يَقْتَضِي الرُّجُوعَ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَلَوْ عَمِلَ من سمع النِّدَاءَ الْأَوَّلَ خَاصَّةً وَمَنْ سمع الثَّانِيَ اسْتَحَقَّ الْأَوَّلُ نِصْفَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَالثَّانِي نِصْفَ الْمُسَمَّى الثَّانِي وَالْمُرَادُ بِالسَّمَاعِ الْعِلْمُ وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ فِيمَا قَالَهُ في الْأُولَى لِجَمِيعِ الْعَمَلِ وفي الثَّانِيَةِ لِعَمَلِهِ قبل النِّدَاءِ الثَّانِي أَمَّا عَمَلُهُ بَعْدَهُ فَفِيهِ قِسْطُهُ من مُسَمَّاهُ لَا لِلْمَاضِي خَاصَّةً وَلَا يُنَافِيهِ ما مَرَّ أَنَّهُ لو عَمِلَ شيئا بَعْدَ الْفَسْخِ لَا شَيْءَ له لِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا إذَا فَسَخَ بِلَا بَدَلٍ بِخِلَافِ هذا وَإِنْ رَدَّ آبِقًا لم يَحْبِسْهُ لِلِاسْتِيفَاءِ لِلْجُعْلِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ بِالتَّسْلِيمِ وَكَذَا لَا يَحْبِسُهُ لِاسْتِيفَاءِ ما أَنْفَقَهُ عليه بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَعِبَارَتُهُ شَامِلَةٌ له بِخِلَافِ عِبَارَةِ أَصْلِهِ وَإِنْ هَرَبَ منه في الطَّرِيقِ بَلْ أو في دَارِ الْمَالِكِ قبل تَسْلِيمِهِ له أو مَاتَ أو غُصِبَ أو تَرَكَهُ الْعَامِلُ فَلَا شَيْءَ له وَإِنْ حَضَرَ الْآبِقُ لِأَنَّهُ لم يَرُدَّهُ بِخِلَافِ ما لو اكْتَرَى من يَحُجَّ عنه فَأَتَى بِبَعْضِ الْأَعْمَالِ وَمَاتَ حَيْثُ يَسْتَحِقُّ من الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ ما عَمِلَ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَقْصُودَ من الْحَجِّ الثَّوَابُ وقد حَصَلَ بِبَعْضِ الْعَمَلِ وَهُنَا لم يَحْصُلْ شَيْءٌ من الْمَقْصُودِ وَبِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَازِمَةٌ تَجِبُ الْأُجْرَةُ فيها بِالْعَقْدِ شيئا فَشَيْئًا وَالْجَعَالَةَ جَائِزَةٌ لَا يَثْبُتُ فيها شَيْءٌ إلَّا بِالشَّرْطِ ولم يُوجَدْ وَإِنْ خَاطَ نِصْفَ الثَّوْبِ فَاحْتَرَقَ أو تَرَكَهُ أو بَنَى بَعْضَ الْحَائِطِ فَانْهَدَمَ أو تَرَكَهُ أو لم يَتَعَلَّمْ الصَّبِيُّ لِبَلَادَتِهِ فَلَا شَيْءَ له كما لو طَلَبَ الْآبِقَ فلم يَجِدْهُ وَمَحَلُّهُ فِيمَا عَدَا الْأَخِيرَةَ إذَا لم يَقَعْ الْعَمَلُ مُسَلَّمًا وَإِلَّا فَلَهُ أُجْرَةُ ما عَمِلَ بِقِسْطِهِ من الْمُسَمَّى بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ أو مَاتَ الصَّبِيُّ في أَثْنَاءِ التَّعْلِيمِ وَجَبَ لِلْعَامِلِ الْقِسْطُ من الْمُسَمَّى لِوُقُوعِهِ مُسَلَّمًا بِالتَّعْلِيمِ مع ظُهُورِ أَثَرِ الْعَمَلِ على الْمَحَلِّ بِخِلَافِ رَدِّ الْآبِقِ وَإِنْ مَنَعَهُ أَبُوهُ من تَمَامِ التَّعْلِيمِ أو الْمَالِكُ لِلْمَالِ من تَمَامِ الْعَمَلِ وَجَبَ له عليه أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمَا عَمِلَهُ لِأَنَّ الْمَنْعَ فَسْخٌ أو كَالْفَسْخِ وَالثَّانِيَةُ من زِيَادَتِهِ
فَصْلٌ وَإِنْ اخْتَلَفَا في شَرْطِ الْجُعْلِ فقال الْعَامِلُ شَرَطْت لي جَعْلًا وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ أو قال شَرَطْته على عَبْدٍ آخَرَ أو في الرَّدِّ فقال أنا رَدَدْته وقال الْمَالِكُ بَلْ جاء بِنَفْسِهِ أو رَدَّهُ غَيْرُك صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ وَعَدَمُ الشَّرْطِ أو في قَدْرِ الْمَشْرُوطِ كَكَوْنِهِ دِرْهَمًا أو دِرْهَمَيْنِ أو في كَوْنِهِ على رَدِّ عَبْدٍ أو عَبْدَيْنِ وقد رَدَّ أَحَدَهُمَا تَحَالَفَا وَفُسِخَ الْعَقْدُ وَوَجَبَ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كما لو اخْتَلَفَا في الْإِجَارَةِ وَصُورَةُ ذلك أَنْ يَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ فَرَاغِ الْعَمَلِ وَالتَّسْلِيمِ نعم يُتَصَوَّرُ قبل الْفَرَاغِ فِيمَا إذَا وَجَبَ لِلْعَامِلِ قِسْطُ ما عَمِلَهُ
فَرْعٌ لو قال بِعْهُ بِكَذَا أو اعْمَلْ كَذَا وَلَك عَشَرَةٌ من الدَّرَاهِمِ وَأَتَيَا بِمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ إجَارَةً وَجَعَالَةً فَإِنْ ضَبَطَ الْعَمَلَ فَإِجَارَةٌ وَإِلَّا فَجَعَالَةٌ كَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ
____________________
(2/443)
عن بَعْضِ التَّصَانِيفِ وَصَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هذا من الْإِمَامِ تَفْرِيعٌ على اخْتِيَارِهِ بِأَنَّ الْعَمَلَ في الْجَعَالَةِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا لَكِنْ صَحَّحَ الشَّيْخَانِ خِلَافَهُ
فَرْعٌ يَدُ الْعَامِلِ على ما يَقَعُ في يَدِهِ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ يَدُ أَمَانَةٍ فَإِنْ خَلَّاهُ بِتَفْرِيطٍ كَأَنْ خَلَّاهُ بِمَضْيَعَةٍ ضَمِنَ لِتَقْصِيرِهِ وَإِنْ خَلَّاهُ بِلَا تَفْرِيطٍ كَأَنْ خَلَّاهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ لم يَضْمَنْ وَإِنْ أَنْفَقَ عليه مُدَّةَ الرَّدِّ فَمُتَبَرِّعٌ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ له الْحَاكِمُ أو يَشْهَدَ عِنْدَ فَقْدِهِ لِيَرْجِعَ وَمَنْ وَجَدَ مَرِيضًا عَاجِزًا عن السَّيْرِ بِبَادِيَةٍ أو نَحْوِهَا لَزِمَهُ الْمُقَامُ معه لَا إنْ خَافَ على نَفْسِهِ أو نَحْوِهَا فَلَا يَلْزَمُهُ ذلك وإذا أَقَامَ معه فَلَا أُجْرَةَ له وَلَوْ مَاتَ الْمَرِيضُ أو غُشِيَ عليه لَزِمَهُ إنْ كان أَمِينًا حَمْلُ مَالِهِ إلَى وَرَثَتِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ أَمِينًا لم يَلْزَمْهُ الْحَمْلُ وَإِنْ جَازَ له وَلَا يَضْمَنُهُ في الْحَالَيْنِ وَلَيْسَ حُكْمُ الْمَغْشِيِّ عليه حُكْمَ الْمَيِّتِ كما قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ إذْ لَا عِبْرَةَ بِوَرَثَتِهِ في حَيَاتِهِ بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَرِيضِ كما أَفَادَهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ
وَالْحَاكِمُ يَحْبِسُ الْآبِقَ إذْ وَجَدَهُ انْتِظَارًا لِسَيِّدِهِ فَإِنْ أَبْطَأَ سَيِّدُهُ بَاعَهُ الْحَاكِمُ وَحَفِظَ ثَمَنَهُ فإذا جاء سَيِّدُهُ فَلَيْسَ له غَيْرُ الثَّمَنِ وَإِنْ سَرَقَ الْآبِقُ قُطِعَ كَغَيْرِهِ
خَاتِمَةٌ قال الزَّرْكَشِيُّ لو تَوَلَّى وَظِيفَةً وَأُكْرِهَ على عَدَمِ مُبَاشَرَتِهَا أَفْتَى الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْمَعْلُومَ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِأَنَّهَا جَعَالَةٌ وهو لم يُبَاشِرْ
كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وما يُذْكَرُ معه الْأَصْلُ فيه قبل الْإِجْمَاعِ أَخْبَارٌ كَخَبَرِهِ من عَمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بها رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَخَبَرِ من أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ له وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ هو مُسْتَحَبٌّ لِخَبَرِ من أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَلَهُ فيها أَجْرٌ وما أَكَلَتْ الْعَوَافِي منها فَهُوَ صَدَقَةٌ رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ ابن حِبَّانَ وَالْمَوَاتُ الْأَرْضُ التي لم تُعْمَرْ أو عُمِرَتْ جَاهِلِيَّةً وَلَا هِيَ حَرِيمٌ لِمَعْمُورٍ كما يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي وَلَا يُشْتَرَطُ في نَفْيِ الْعِمَارَةِ التَّحَقُّقُ بَلْ يَكْفِي عَدَمُ تَحَقُّقِهَا بِأَنْ لَا يُرَى أَثَرُهَا وَلَا دَلِيلَ عليها من أُصُولِ شَجَرٍ وَنَهْرٍ وَجُدُرٍ وَآثَارِ أَوْتَادٍ وَنَحْوِهَا وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ في الْأَرْضِ الْمَوَاتِ وَنَحْوِهَا فَإِنْ كانت بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ فَلِلْمُسْلِمِ وَلَوْ غير مُكَلَّفٍ تَمَلُّكُهَا بِالْإِحْيَاءِ وَإِنْ لم يَأْذَنْ له فيه الْإِمَامُ اكْتِفَاءً بِإِذْنِ الشَّارِعِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ اسْتِئْذَانُهُ خُرُوجًا من الْخِلَافِ وَلَوْ كان بِالْأَرْضِ أَثَرُ عِمَارَةِ جَاهِلِيَّةٍ لم يُعْرَفْ مَالِكُهَا فَكَذَلِكَ أَيْ فَلِلْمُسْلِمِ تَمَلُّكُهَا بِالْإِحْيَاءِ وَإِنْ لم تَكُنْ مَوَاتًا كَالرِّكَازِ وَلِخَبَرِ عَادِيُّ الْأَرْضِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ثُمَّ هِيَ لَكُمْ مِنِّي أَيْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أو كان بها أَثَرُ عِمَارَةٍ إسْلَامِيَّةٍ فَأَمْرُهَا إلَى الْإِمَامِ في حِفْظِهَا أو بَيْعِهَا وَحِفْظِ ثَمَنِهَا إلَى ظُهُورِ مَالِكِهَا من مُسْلِمٍ أو ذِمِّيٍّ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِيمَا لو كانت بِبِلَادِ الْكُفْرِ فَإِنَّهَا كَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ أَمَّا إذَا عُرِفَ مَالِكُهَا فَهِيَ له أو لِوَارِثِهِ وَلَا تُمَلَّكُ بِالْإِحْيَاءِ نعم إنْ أَعْرَضَ عنها الْكَافِرُ قبل الْقُدْرَةِ عليه مُلِّكَتْ بِالْإِحْيَاءِ قَالَهُ ابن الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَإِنْ أَحْيَا ذِمِّيٌّ أَرْضًا مَيْتَةً
____________________
(2/444)
بِدَارِنَا وَلَوْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ نُزِعَتْ منه فَلَا يَمْلِكُهَا لِمَا فيه من الِاسْتِعْلَاءِ وَلِخَبَرِ الشَّافِعِيِّ السَّابِقِ وَلَا أُجْرَةَ عليه لِأَنَّ الْأَرْضَ لَيْسَتْ مِلْكَ أَحَدٍ وهو سَاكِنٌ في دَارِنَا بِالْأُجْرَةِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ فَلَوْ نَزَعَهَا منه مُسْلِمٌ وَأَحْيَاهَا وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ مَلَكَهَا إذْ لَا أَثَرَ لِفِعْلِ الذِّمِّيِّ فَإِنْ بَقِيَ له فيها عَيْنٌ نَقَلَهَا وَلَا يَضُرُّ بَعْدَ نَقْلِهَا بَقَاءُ أَثَرِ عِمَارَةٍ فَلَوْ زَرَعَهَا الذِّمِّيُّ وَزَهِدَ فيها أَيْ تَرَكَهَا تَبَرُّعًا صَرَفَ الْإِمَامُ الْغَلَّةَ في الْمَصَالِحِ أَيْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ تَمَلُّكُهَا أَيْ الْغَلَّةِ لِأَنَّهَا مِلْكٌ لِلْمُسْلِمِينَ
فَرْعٌ لِلذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ الشَّامِلِ لِلْمُعَاهَدِ الِاصْطِيَادُ وَالِاحْتِشَاشُ وَالِاحْتِطَابُ بِدَارِنَا وَنَقْلُ تُرَابٍ لَا ضَرَرَ فيه عَلَيْنَا من مَوَاتٍ بِدَارِنَا لِأَنَّهَا تُخَلَّفُ وَلَا نَتَضَرَّرُ بها وَلِأَنَّ مِثْلَ ذلك يُعْرِضُ عنه الْمُسْلِمُ بِخِلَافِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ فَلَا يَفُوتُ عَلَيْنَا وَلِأَنَّهُمَا بِالْإِحْيَاءِ يَصِيرَانِ مَالِكَيْنِ لِأَصْلِ دَارِنَا وَهُمَا لَيْسَا بِأَصْلِيَّيْنِ فيها بِخِلَافِهِمَا في هذه الْأَشْيَاءِ أَمَّا الْحَرْبِيُّ فَلَيْسَ له شَيْءٌ من ذلك قال الْمُتَوَلِّي إلَّا أَنَّهُ إذَا أَخَذَهُ مَلَكَهُ وَإِنْ كانت أَيْ الْأَرْضُ الْمَوَاتُ بِبَلَدِ الْكُفَّارِ فَلِلْكَافِرِ إحْيَاؤُهَا لِأَنَّهَا من حُقُوقِ دَارِهِمْ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْنَا في إحْيَائِهَا فَمَلَكُوهَا بِهِ كَالِاصْطِيَادِ وَكَذَا لِلْمُسْلِمِ إحْيَاؤُهَا إنْ لم يَذِبُّوا بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّهَا أَيْ يَدْفَعُونَا عنها كَمَوَاتِ دَارِنَا وَلَا يَمْلِكُهَا بِالِاسْتِيلَاءِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لهم حتى تُمَلَّكَ عليهم فَإِنْ ذَبُّوا عنها لم يَمْلِكْهَا بِالْإِحْيَاءِ كَالْمَعْمُورِ من بِلَادِهِمْ وَكَمَا لَا يَمْلِكُهَا بِالِاسْتِيلَاءِ لِمَا مَرَّ لَكِنَّهُ يَصِيرُ بِهِ أَحَقَّ كَالْمُتَحَجِّرِ كما سَيَأْتِي وإذا اسْتَوْلَيْنَا عليها وَهُمْ يَذِبُّونَ عنها فَالْغَانِمُونَ أَحَقُّ بِأَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا أَيْ بِإِحْيَائِهَا وَأَهْلُ الْخُمُسِ بِالْخُمُسِ أَيْ بِإِحْيَائِهِ وَكَذَا بَعْضُ كُلٍّ من الْغَانِمِينَ وَأَهْلِ الْخُمُسِ أَحَقُّ بِالْبَاقِي إنْ أَعْرَضَ عنه بَعْضٌ أَيْ الْبَعْضُ الْآخَرُونَ كَرُّ حُكْمِ بَعْضِ أَهْلِ الْخُمُسِ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ أَعْرَضَ كُلُّ الْغَانِمِينَ عن إحْيَاءِ ما يَخُصُّهُمْ فَأَهْلُ الْخُمُسِ أَحَقُّ بِهِ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاؤُهُمْ فَكَانُوا أَحَقَّ بِهِ اخْتِصَاصًا كَالْمُتَحَجِّرِ وَإِنْ تَرَكَ الْإِحْيَاءَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَلَكَهُ من أَحْيَاهُ من الْمُسْلِمِينَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ قال في الرَّوْضَةِ في تَصَوُّرِ إعْرَاضِ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ أَشْكَالٌ فَيُتَصَوَّرُ في الْيَتَامَى أَنَّ أَوْلِيَاءَهُمْ لم يَرَوْا لهم حَظًّا في الْإِحْيَاءِ وَنَحْوُهُ في الْبَاقِينَ قال الْأَذْرَعِيُّ وكان مُرَادُهُ بِالْبَاقِينَ الْمَحْجُورِينَ منهم أو أَنَّ الْإِمَامَ يَنُوبُ مَنَابَهُمْ في ذلك وهو بَعِيدٌ في مُطْلَقِي التَّصَرُّفِ أو تُصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ بِمَا إذَا كَانُوا مَحْصُورِينَ يُمْكِنُ أَنْ يَصْدُرَ مُنَّهُمْ الْإِعْرَاضُ كَالْغَانِمِينَ انْتَهَى فَإِنْ صَالَحْنَاهُمْ على أَنَّ الْبَلَدَ لنا وَهُمْ يَسْكُنُونَ بِجِزْيَةٍ فَالْمُتَحَجِّرُ على الْمَوَاتِ أَهْلُ الْفَيْءِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ فَالْمَعْمُورُ منها فَيْءٌ وَمَوَاتُهَا الذي كَانُوا يَذِبُّونَ عنه مُتَحَجَّرٌ لِأَهْلِ الْفَيْءِ على الْأَصَحِّ وَيَحْبِسُهُ أَيْ يَحْفَظُهُ الْإِمَامُ لهم فَلَا يَكُونُ فَيْئًا في الْحَالِ أو صَالَحْنَاهُمْ على أَنَّ الْبَلَدَ لهم فَالْمُتَحَجَّرُ في ذلك الْمَوَاتِ لهم تَبَعًا لِلْمَعْمُورِ كما أَنَّ تَحَجُّرَ مَوَاتِ دَارِنَا لنا تَبَعًا لِلْمَعْمُورِ وَإِنْ وفي نُسْخَةٍ فَإِنْ فَنِيَ الذِّمِّيُّونَ فَكَنَائِسُهُمْ في دَارِ الْإِسْلَامِ فَيْءٌ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ التي فَنُوا عنها وَلَا وَارِثَ لهم
فَصْلٌ يَمْلِكُ الْمُحْيِي وَالْمُشْتَرِي منه الْحَرِيمَ أَيْ حَرِيمَ الْمَعْمُورِ وَإِنْ لم يَكُنْ فيه إحْيَاءٌ تَبَعًا له لِأَنَّهُ من مَرَافِقِهِ كما يَمْلِكُ عَرْصَةَ الدَّارِ بِبِنَاءِ الدَّارِ وَإِنْ لم يُوجَدْ في الْعَرْصَةِ إحْيَاءٌ فَلَا يَمْلِكُهُ غَيْرُهُمَا بِالْإِحْيَاءِ لَكِنْ لَا يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ كَشِرْبِ الْأَرْضِ بِنَاءً على مَنْعِ بَيْعِ ما يَنْقُصُ قِيمَةَ غَيْرِهِ فَإِنْ حَفَرَا أَيْ اثْنَانِ بِئْرًا لِتَكُونَ لِأَحَدِهِمَا وَلِلْآخِرِ الْحَرِيمُ لم يَجُزْ فَالْحَرِيمُ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْبِئْرِ وَلِلْآخَرِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمَا عَمِلَ
فَرْعٌ في بَيَانِ الْحَرِيمِ الْحَرِيمُ ما يَتِمُّ بِهِ الِانْتِفَاعُ وَإِنْ حَصَلَ أَصْلُ الِانْتِفَاعِ بِدُونِهِ فَحَرِيمُ الْقَرْيَةِ مُرْتَكَضُ الْخَيْلِ وَنَحْوِهَا وَمَلْعَبُ الصِّبْيَانِ التَّصْرِيحُ بِهِ من زِيَادَتِهِ وَالنَّادِي وهو مُجْتَمَعُ الْقَوْمِ لِلْحَدِيثِ وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ مُجْتَمَعُ النَّادِي فَلَفْظُ النَّادِي يُطْلَقُ على الْمَجْلِسِ الذي يَجْتَمِعُونَ فيه
____________________
(2/445)
يَنْدُونَ أَيْ يَتَحَدَّثُونَ وَعَلَى أَهْلِهِ الْمُجْتَمَعِينَ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُحْمَلُ تَعْبِيرُ الرَّوْضَةِ بِمُجْتَمَعِ أَهْلِ النَّادِي وَمُنَاخُ الْإِبِلِ بِضَمِّ الْمِيمِ مَوْضِعُ إنَاخَتِهَا وَمُطَّرَحُ الْكُنَاسَاتِ وَالْمَرْعَى الْمُسْتَقِلُّ وَالْمُحْتَطَبُ أَعْنِي الْقَرِيبَيْنِ من الْقَرْيَةِ بِخِلَافِ الْبَعِيدَيْنِ عنها عِنْدَ الْإِمَامِ دُونَ الْبَغَوِيّ كما حَكَى الْخِلَافَ بِقَوْلِهِ
وفي الْبَعِيدِ مِنْهُمَا تَرَدُّدٌ وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ قَوْلَ الْبَغَوِيّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ
قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحِلُّهُ إذَا لم يَفْحُشْ بُعْدُهُ عن الْقَرْيَةِ وكان بِحَيْثُ يُعَدُّ من مَرَافِقِهَا وَالِاسْتِقْلَالُ مُعْتَبَرٌ في الْمُحْتَطَبِ أَيْضًا كما أَفَادَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ أَمَّا إذَا لم يَسْتَقِلَّ كُلٌّ من الْمَذْكُورَيْنِ وَلَكِنْ كان يُرْعَى فيه أو يُحْتَطَبُ منه عِنْدَ خَوْفِ الْبُعْدِ فَلَيْسَ بِحَرِيمٍ وَمِنْ حَرِيمِ الْقَرْيَةِ مُرَاحُ الْغَنَمِ وَالطَّرِيقُ وَمَسِيلُ الْمَاءِ وَحَرِيمُ الدَّارِ الْمَبْنِيَّةِ في الْمَوَاتِ مُطَّرَحُ الْكُنَاسَاتِ وَنَحْوِهَا كَالتُّرَابِ وَالرَّمَادِ وَالثَّلْجِ بِبَلَدٍ يَكْثُرُ فيه وَالْمَمَرُّ صَوْبَ الْبَابِ وَإِنْ انْعَطَفَ فَلَيْسَ الْمُرَادُ منه اسْتِحْقَاقَهُ قُبَالَةَ الْبَابِ على امْتِدَادِ الْمَوَاتِ بَلْ لِغَيْرِهِ إحْيَاءُ ما في قُبَالَةِ الْبَابِ إذَا أَبْقَى له مَمَرًّا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ وَخَرَجَ بِالْمَوَاتِ الدَّارُ الْمُلَاصِقَةُ لِلدُّورِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا
وَهَلْ فِنَاءُ الْجُدْرَانِ أَيْ جُدْرَانِ الدَّارِ وهو ما حَوَالَيْهَا من الْخَلَاءِ الْمُتَّصِلِ بها حَرِيمٌ لها أو لَا وَجْهَانِ كَلَامُ الْأَصْلِ يَمِيلُ إلَى تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ وَنَقَلَهُ ابن الرِّفْعَةِ عن النَّصِّ وَالزَّرْكَشِيُّ عن الْأَكْثَرِينَ وَعَلَى الثَّانِي لو أَرَادَ مُحْيٍ أَنْ يَبْنِيَ بِجَنْبِهَا لم يَلْزَمْهُ أَنْ يُبْعِدَ عن فِنَائِهَا لَكِنْ يُمْنَعُ من حَفْرِ بِئْرٍ بِقُرْبِهَا ومن سَائِرِ ما يَضُرُّ بها كَإِلْصَاقِ جِدَارِهِ أو زِبْلِهِ بها لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ بِمَا يَضُرُّ مِلْكَ غَيْرِهِ
وَحَرِيمُ الْبِئْرِ الْمَحْفُورَةِ في الْمَوَاتِ مُطَّرَحُ تُرَابِهَا وَسَائِرِ ما يَخْرُجُ منها وَمُتَرَدَّدُ النَّواَزِحِ منها من آدَمِيٍّ أو بَهِيمَةٍ وَمُجْتَمَعُ الْمَاءِ لِسَقْيِ الْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ من حَوْضٍ وَنَحْوِهِ وَالتَّقْدِيرُ في كل ذلك غَيْرُ مَحْدُودٍ بَلْ بِالْحَاجَةِ أَيْ بِحَسْبِهَا وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ اخْتِلَافَ رِوَايَاتِ الحديث في التَّحْدِيدِ على اخْتِلَافِ الْقَدْرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ بِذَلِكَ يُقَاسُ حَرِيمُ النَّهْرِ الْمَحْفُورِ في الْمَوَاتِ وَحَرِيمُ بِئْرِ الْقَنَاةِ ما يَنْقُصُ مَاؤُهَا أو يَنْهَارُ أَيْ يَسْقُطُ تُرَابُهَا بِحَفْرٍ في جَانِبِهَا بِخِلَافِ نَظِيرِهِ الْآتِي فِيمَا لو حَفَرَ بِمِلْكِهِ بِئْرًا لِسَبْقِ مِلْكِهِ على الْحَفْرِ بِخِلَافِ الْمَوَاتِ فإنه إنَّمَا يَمْلِكُ بِفَرَاغِ الْعَمَلِ ثُمَّ ما عُدَّ حَرِيمًا مَحِلُّهُ إذَا انْتَهَى الْمَوَاتُ إلَيْهِ فَإِنْ كان ثَمَّ مِلْكٌ قبل تَمَامِ حَدِّ الْحَرِيمِ فَالْحَرِيمُ إلَى انْتِهَاءِ الْمَوَاتِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وما لَا مَوَاتَ حَوْلَهُ لَا حَرِيمَ له كَالدُّورِ الْمُتَلَاصِقَةِ إذْ لَا أَوْلَوِيَّةَ لِبَعْضِهَا على بَعْضٍ أَمَّا الْمُتَلَاصِقُ بَعْضُهَا بِأَنْ تَكُونَ طَرَفَ الدُّورِ فَلَهَا حَرِيمٌ من خَارِجِ الْقَرْيَةِ
فَرْعٌ لو اتَّخَذَ دَارِهِ الْمُتَلَاصِقَةَ بِالْمَسَاكِنِ حَمَّامًا أو طَاحُونَةً أو حَانُوتَ حَدَّادٍ وَأَحْكَمَ جُدْرَانَهُ بِحَيْثُ تَلِيقُ بِمَا يَقْصِدُهُ أو اتَّخَذَهَا مَدْبَغَةً جَازَ وَإِنْ تَضَرَّرَ جَارُهُ بِالرَّائِحَةِ وَانْزِعَاجِ السَّمْعِ وَأَفْضَى ذلك إلَى تَلَفٍ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ في خَالِصِ مِلْكِهِ وفي مَنْعِهِ إضْرَارٌ بِهِ فَلَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ بِأَنْ أَضَرَّتْ النَّدَاوَةُ وَالدَّقُّ الْحَاصِلَانِ بِمُخَالَفَتِهِ بِجِدَارِ الْجَارِ مُنِعَ وَضَمِنَ ما تَلِفَ بِهِ لِتَعَدِّيهِ وَبِذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِمَّا يَضُرُّ الْمِلْكَ دُونَ الْمَالِكِ وَاسْتَثْنَى
____________________
(2/446)
بَعْضُهُمْ مِمَّا ذُكِرَ ما لو كان له دَارٌ في سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ فَلَيْسَ له أَنْ يَجْعَلَهَا مَسْجِدًا وَلَا حَمَّامًا وَلَا خَانًا وَلَا سَبِيلًا إلَّا بِإِذْنِ الشُّرَكَاءِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَوْ حَفَرَ بِمِلْكِهِ بَالُوعَةً تُفْسِدُ بِئْرَ جَارِهِ جَازَ لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْفَرْعِ وَكُرِهَ لَتَضَرُّرِ جَارِهِ بِهِ أو حَفَرَ بِمِلْكِهِ بِئْرًا يَنْقُصُ مَاءَ بِئْرِ جَارِهِ جَازَ لِمَا مَرَّ
وَإِنْ كان لِدَارِهِ حَرِيمٌ فَلَهُ الْمَنْعُ لِغَيْرِهِ من الْحَفْرِ فيه كما يَمْنَعُهُ الْحَفْرَ في دَارِهِ
فَرْعٌ مَوَاتُ الْحَرِيمِ يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ كما أَنَّ مَعْمُورَهُ يُمْلَكُ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ لَا عَرَفَاتٌ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةُ فَلَا تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوُقُوفِ وَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ بها وَإِنْ لم يَضِقْ بِهِ الْمَوْقِفُ وَالْمَرْمَى وَالْمَبِيتُ كَسَائِرِ الْمَوَاضِعِ التي يَتَعَلَّقُ بها حُقُوقُ الْمُسْلِمِينَ عُمُومًا أو خُصُوصًا كَالْمَسَاجِدِ وَالطُّرُقِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَالْمُتَّجَهُ الْمَنْعُ من الْبِنَاءِ بِمُزْدَلِفَةُ وَلَوْ قُلْنَا بِمَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ من اسْتِحْبَابِ الْمَبِيتِ بها لِكَوْنِهِ مَطْلُوبًا حِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُحَصَّبُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْحَجِيجِ إذَا نَفَرُوا أَنْ يَبِيتُوا بِهِ
فَصْلٌ من شَرَعَ في الْإِحْيَاءِ لِمَوَاتٍ من حَفْرِ أَسَاسٍ وَجَمْعِ تُرَابٍ وَنَحْوِهِمَا ولم يُتِمَّهُ أو نَصَبَ عليه عَلَامَةً لِلْإِحْيَاءِ من نَصْبِ أَحْجَارٍ أو غَرْزِ خَشَبٍ أو قَصَبٍ أو جَمْعِ تُرَابٍ أو نَحْوِهَا صَارَ مُتَحَجِّرًا لَا مَالِكًا فَوَارِثُهُ وَمَنْ نَقَلَهُ إلَيْهِ أَحَقُّ بِهِ أَيْ مُسْتَحِقٌّ له دُونَ غَيْرِهِ كَهُوَ لِخَبَرِ أبي دَاوُد من سَبَقَ إلَى ما لم يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ له وَلِأَنَّ الْإِحْيَاءَ إذَا أَفَادَ الْمِلْكَ وَجَبَ أَنْ يُفِيدَ الشُّرُوعُ فيه الْأَحَقِّيَّةَ كَالسَّوْمِ مع الشِّرَاءِ وَإِنَّمَا لم يَمْلِكْهُ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ الْإِحْيَاءُ ولم يُوجَدْ وَلَوْ تَحَجَّرَ فَوْقَ كِفَايَتِهِ أو ما يَعْجِزُ عنه أَيْ عن إحْيَائِهِ فَلِغَيْرِهِ إحْيَاءُ الزَّائِدِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَغِلَ بِالْعِمَارَةِ عَقِبَ التَّحَجُّرِ فَإِنْ تَحَجَّرَ ولم يَعْمُرْ بِلَا عُذْرٍ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِالْإِحْيَاءِ أو بِرَفْعِ يَدِهِ عنه لِأَنَّهُ ضَيَّقَ على الناس في حَقٍّ مُشْتَرَكٍ فَيُمْنَعُ من ذلك كما لو وَقَفَ في شَارِعٍ وَأَمْهَلَهُ مُدَّةً قَرِيبَةً يَسْتَعِدُّ فيها لِلْعِمَارَةِ بِحَسَبِ ما يَرَاهُ إنْ امْتَهَلَ أَيْ إنْ اسْتَمْهَلَهُ بِعُذْرٍ فَإِنْ مَضَتْ الْمُهْلَةُ أَيْ مُدَّتُهَا ولم يَعْمُرْ بَطَلَ حَقُّهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ بِلَا مُهْلَةٍ وهو ما بَحَثَهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ لَكِنَّهُ خِلَافُ مَنْقُولِهِ الذي جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ من أَنَّهُ يَبْطُلُ بِذَلِكَ لِأَنَّ التَّحَجُّرَ ذَرِيعَةٌ إلَى الْعِمَارَةِ وَهِيَ لَا تُؤَخَّرُ عنه إلَّا بِقَدْرِ تَهْيِئَةِ أَسْبَابِهَا وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ تَحَجُّرُ من لَا يَقْدِرُ على تَهْيِئَةِ الْأَسْبَابِ كَمَنْ تَحَجَّرَ لِيَعْمُرَ في قَابِلٍ وَكَفَقِيرٍ تَحَجَّرَ لِيَعْمُرَ إذَا قَدَرَ فَوَجَبَ إذَا أَخَّرَ وَطَالَ الزَّمَانُ أَنْ يَعُودَ مَوَاتًا كما كان وقال السُّبْكِيُّ يَنْبَغِي إذَا عَرَفَ الْإِمَامُ أَنَّهُ لَا عُذْرَ له في الْمُدَّةِ انْتَزَعَهَا منه في الْحَالِ وَكَذَا إنْ لم تَطُلْ الْمُدَّةُ وَعَلِمَ منه أَنَّهُ مُعْرِضٌ عن الْعِمَارَةِ وَلَوْ بَادَرَ أَجْنَبِيٌّ فَأَحْيَا مُتَحَجَّرًا لِآخَرَ وَلَوْ قبل بُطْلَانِ حَقِّهِ أو مع إقْطَاعِ السُّلْطَانِ له أو بَعْدَ شُرُوعِهِ في الْعِمَارَةِ مَلَكَهُ وَإِنْ لم يَأْذَنْ له السُّلْطَانُ لِأَنَّهُ حَقَّقَ سَبَبَ الْمِلْكِ وإن أَثِمَ بِذَلِكَ كما لو دخل في سَوْمِ أَخِيهِ اشْتَرَطَ وَكَمَا لو عَشَّشَ الطَّائِرُ في مِلْكِهِ وَأَخَذَ الْفَرْخَ غَيْرُهُ أو تَوَحَّلَ ظَبْيٌ في أَرْضِهِ أو وَقَعَ الثَّلْجُ فيها وَأَخَذَهُ غَيْرُهُ فَإِنْ كان لِلْأَوَّلِ بِنَاءٌ وَآلَاتٌ لم يَجُزْ لِلثَّانِي التَّصَرُّفُ فيها بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَوْ بَاعَهَا أَيْ الْأَرْضَ الْمُتَحَجِّرَةَ
____________________
(2/447)
الْمُتَحَجِّرُ لها لم يَصِحَّ لِعَدَمِ مِلْكِهِ لها وَحَقُّ التَّمَلُّكِ لَا يُبَاعُ كَحَقِّ الشَّفِيعِ فَإِنْ أَحْيَاهَا الْمُشْتَرِي وَلَوْ بَعْدَ الْحُكْمِ بِفَسْخِ الْبَيْعِ مَلَكَهَا كَغَيْرِ الْمُشْتَرِي وَلَا يَصِحُّ تَحَجُّرُ عَاجِزٍ عن الْإِحْيَاءِ لِأَنَّهُ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ
فَرْعٌ إقْطَاعُ الْإِمَامِ الْمَوَاتَ لَا لِتَمْلِيكِ رَقَبَتِهِ كَالتَّحَجُّرِ فَلَا يُقْطِعُهُ ما يَعْجِزُ عنه وَيَصِيرُ الْمُقْطَعُ أَحَقَّ بِمَا أَقْطَعَهُ له لِتَظْهَرَ فَائِدَةُ الْإِقْطَاعِ وَيَأْتِي فيه سَائِرُ أَحْكَامِ التَّحَجُّرِ نعم قال الزَّرْكَشِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى هُنَا ما أَقْطَعَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَا يَمْلِكُهُ الْغَيْرُ بِإِحْيَائِهِ قِيَاسًا على أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ ما حَمَاهُ أَمَّا إذَا أَقْطَعَهُ لِتَمْلِيكِ رَقَبَتِهِ فَيَمْلِكُهُ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ في بَابِ الرِّكَازِ وَالْأَصْلُ في الْإِقْطَاعِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ أَرْضًا من أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ وَخَبَرُ التِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَقْطَعَ وَائِلَ بن حُجْرٌ أَرْضًا بِحَضْرَمَوْتَ وَهَلْ يَلْتَحِقُ الْمُنْدَرِسُ الضَّائِعُ بِالْمَوَاتِ في جَوَازِ الْإِقْطَاعِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا في الْبَحْرِ نعم بِخِلَافِ الْإِحْيَاءِ وقد يُقَالُ هذا يُنَافِي ما مَرَّ من جَعْلِهِ كَالْمَالِ الضَّائِعِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُشَبَّهَ لَا يُعْطَى حُكْمَ الْمُشَبَّهِ بِهِ من جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ هذا مُقَيِّدٌ لِذَاكَ
فَصْلٌ الْإِحْيَاءُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْغَرَضِ منه وَيُرْجَعُ فيه إلَى الْعُرْفِ فَالزَّرِيبَةُ أَيْ فَالْإِحْيَاءُ لِزَرِيبَةِ الدَّوَابِّ أو الْحَطَبِ أو غَيْرِهِمَا يَحْصُلُ بِالتَّحْوِيطِ بِالْبِنَاءِ بِآجُرٍّ أو لَبِنٍ أو طِينٍ أو قَصَبٍ أو خَشَبٍ أو غَيْرِهَا بِحَسَبِ الْعَادَةِ وَنَصْبِ الْبَابِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَسْقِيفٍ وَلَا يَكْفِي نَصْبُ سَعَفٍ أو أَحْجَارٍ بِغَيْرِ بِنَاءٍ نعم لو حَوَّطَ بِذَلِكَ إلَّا طَرْفًا فَبِالْبِنَاءِ فَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ عن الْقَاضِي أَنَّهُ يَكْفِي وَعَنْ شَيْخِهِ الْمَنْعَ فِيمَا عَدَا مَحَلَّ الْبِنَاءِ قال الْخُوَارِزْمِيَّ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شيئا بِذَلِكَ والإحياء لِلسُّكْنَى يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَتَسْقِيفِ شَيْءٍ من الْمُحْيَا لِيَتَهَيَّأَ لِلسُّكْنَى وَلِيَقَعَ عليه اسْمُ الْمَسْكَنِ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ حَفَرَ قَبْرًا في مَوَاتٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إحْيَاءٌ لِتِلْكَ الْبُقْعَةِ وَتَمَلَّكَهُ كما لو بَنَى فيها ولم يَسْكُنْ بِخِلَافِ ما لو حَفَرَ قَبْرًا في أَرْضٍ سُبِّلَتْ مَقْبَرَةً فإنه لَا يَخْتَصُّ بِهِ إذْ السَّبْقُ فيها بِالدَّفْنِ لَا بِالْحَفْرِ وَلَا كَذَلِكَ الْإِحْيَاءُ
قال وَيَأْتِي في إحْيَاءِ الْمَسْجِدِ ما مَرَّ بِخِلَافِ مُصَلَّى الْعِيدِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فيه التَّسْقِيفُ والإحياء لِلزِّرَاعَةِ يَحْصُلُ بِجَمْعِ التُّرَابِ وَنَحْوِهِ كَنَصْبِ قَصَبٍ وَحَجَرٍ وَشَوْكٍ حَوْلَهَا أَيْ الْمَزْرَعَةِ الْمَفْهُومَةِ من الزِّرَاعَةِ لِيَتَمَيَّزَ الْمُحْيَا عن غَيْرِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّحْوِيطِ بِالْبِنَاءِ فإن مُعْظَمَ الْمَزَارِعِ بَارِزَةٌ وَتَسْوِيَتِهَا بِطَمِّ الْمُنْخَفِضِ وَكَسْحِ الْمُسْتَعْلِي وَحَرْثِهَا إنْ لم تُزْرَعْ إلَّا بِهِ وَتَلْيِينِ تُرَابِهَا وَلَوْ بِمَاءٍ يُسَاقُ إلَيْهَا لِتَتَهَيَّأَ لِلزِّرَاعَةِ وَتَرْتِيبِ الْمَاءِ لها بِحَفْرِ بِئْرٍ أو نَهْرٍ أو قَنَاةٍ أو بِلَا حَفْرٍ كما صَحَّحَهُ في الصَّغِيرِ حَيْثُ لم يَكْفِهَا مَاءُ السَّمَاءِ إذْ لَا تَتَهَيَّأُ الْأَرْضُ لِلزِّرَاعَةِ بِدُونِهِ بِخِلَافِ ما إذَا كَفَاهَا وَلَوْ لم تُزْرَعْ فإن ذلك يَكْفِي لِأَنَّ الزِّرَاعَةَ اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَةٍ
وهو خَارِجٌ عن حَدِّ الْإِحْيَاءِ وَكَمَا لَا يُشْتَرَطُ في إحْيَاءِ الْمَسْكَنِ أَنْ يَسْكُنَهُ فَإِنْ لم يُمْكِنْ تَرْتِيبُهُ أَيْ الْمَاءِ كَأَرْضٍ بِجَبَلٍ لَا يُمْكِنُ سَوْقُ الْمَاءِ إلَيْهَا وَلَا يُصِيبُهَا إلَّا مَاءُ السَّمَاءِ فَفِي تَمَلُّكِهَا بِدُونِهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا إذْ لَا مَدْخَلَ لِلْإِحْيَاءِ فيها وَثَانِيهِمَا نعم فَيَحْصُلُ بِالْحَرْثِ وَجَمْعِ التُّرَابِ على الْأَطْرَافِ كَسَائِرِ الْمَزَارِعِ التي تُسْقَى بِمَاءِ السَّمَاءِ وَهَذَا ما اقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحَهُ وَنَقَلَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ عن سَائِرِ الْأَصْحَابِ وَاسْتَثْنَى مع ذلك أَرَاضِيَ الْبَطَائِحِ وَهِيَ بِنَاحِيَةِ الْعِرَاقِ غَلَبَ عليها الْمَاءُ فَلَا يُشْتَرَطُ لِإِحْيَائِهَا تَرْتِيبُ الْمَاءِ بَلْ يُشْتَرَطُ حَبْسُهُ عنها ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا
وَيُشْتَرَطُ في إحْيَاءِ الْبُسْتَانِ غَرْسُ الْبُسْتَانِ لِيَقَعَ عليه اسْمُهُ وَبِهَذَا فَارَقَ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الزَّرْعِ في إحْيَاءِ الْمَزْرَعَةِ وَيُفَارِقُهُ أَيْضًا بِأَنَّ الْغَرْسَ يَدُومُ فَأَشْبَهَ بِنَاءَ الدَّارِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ وَبِأَنَّ الزَّرْعَ يَسْبِقُهُ تَقْلِيبُ الْأَرْضِ وَحَرْثُهَا فَجَازَ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ وَالْغَرْسَ لَا يَسْبِقُهُ شَيْءٌ يَقُومُ مَقَامَهُ ذَكَرَ ذلك الرَّافِعِيُّ وَيَكْفِي غَرْسُ بَعْضِهِ كما صَحَّحَهُ في الْبَسِيطِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْوَجْهُ اشْتِرَاطُ غَرْسِ ما يُسَمَّى بِهِ بُسْتَانًا ويشترط تَحْوِيطُهُ وَتَهْيِئَتُهُ أَيْ تَهْيِئَةُ مَائِهِ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ كَالْعَادَةِ فِيهِمَا وَنَصْبِ الْبَابِ وَيُشْتَرَطُ في إحْيَاءِ الْبِئْرِ خُرُوجُ الْمَاءِ وَطَيُّ الْبِئْرِ الرَّخْوَةِ أَرْضُهَا بِخِلَافِ الصُّلْبَةِ وفي إحْيَاءِ بِئْرِ الْقَنَاةِ إجْرَاءُ الْمَاءِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ خُرُوجُ الْمَاءِ وَجَرَيَانُهُ وَهِيَ أَوْضَحُ وَإِنْ حَفَرَ نَهْرًا مُمْتَدًّا إلَى النَّهْرِ الْقَدِيمِ بِقَصْدِ التَّمَلُّكِ لِيُجْرِيَ فيه الْمَاءَ مَلَكَهُ وَلَوْ لم يُجْرِهِ كما لَا يُشْتَرَطُ السُّكْنَى في إحْيَاءِ الْمَسْكَنِ
وَلَوْ
____________________
(2/448)
شَرَعَ في الْإِحْيَاءِ لِنَوْعٍ فَأَحْيَاهُ لِنَوْعٍ آخَرَ بِأَنْ أتى بِمَا يُقْصَدُ بِهِ نَوْعٌ آخَرُ مَلَكَهُ حتى لو حَوَّطَ الْبُقْعَةَ مَلَكَهَا وَإِنْ قَصَدَ الْمَسْكَنَ لِأَنَّهُ مِمَّا يُمْلَكُ بِهِ الزَّرِيبَةُ لو قَصَدَهَا وَهَذَا احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ثُمَّ قال وَمُخَالَفَتُهُ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ صَرِيحَةٌ لِمَا فيه من الِاكْتِفَاءِ بِأَدْنَى الْعِمَارَاتِ أَبَدًا فما لَا يَفْعَلُهُ عَادَةً إلَّا الْمُتَمَلِّكُ كَبِنَاءِ الدَّارِ وَاِتِّخَاذِ الْبُسْتَانِ يُفِيدُ الْمِلْكَ وَإِنْ لم يَقْصِدْ وما يَفْعَلُهُ الْمُتَمَلِّكُ وَغَيْرُهُ كَحَفْرِ بِئْرٍ في مَوَاتٍ وَكَزَرْعِ قِطْعَةٍ منه اعْتِمَادًا على مَاءِ السَّمَاءِ إنْ انْضَمَّ إلَيْهِ قَصْدًا أَفَادَ الْمِلْكَ وَإِلَّا فَلَا
فَصْلٌ في الْحِمَى لِلْإِمَامِ وَنَائِبِهِ أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَحْمِيَ لِخَيْلِ الْجِهَادِ وَالضَّوَالِّ وَمَوَاشِي الصَّدَقَةِ وَالضُّعَفَاءِ الْعَاجِزِينَ عن النُّجْعَةِ مَوَاتًا لِتَرْعَى فيه بِأَنْ يَمْنَعَ الناس من الرَّعْيِ فيه حَيْثُ لَا يُضَيِّقُ على الناس بِأَنْ يَكُونَ قَلِيلًا من كَثِيرٍ بِحَيْثُ يَكْفِي بَقِيَّةَ الناس لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَمَى النَّقِيعَ لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ رَوَاهُ ابن حِبَّانَ في صَحِيحِهِ وقال في الْأَصْلِ حَمَاهُ لِإِبِلِ الصَّدَقَةِ وَنَعَمِ الْجِزْيَةِ وَخَيْلِ الْمُجَاهِدِينَ وَالْأَوَّلَانِ مُدْرَجَانِ في الْخَبَرِ وَخَرَجَ بِالْإِمَامِ وَنَائِبِهِ أَيْ في الْحِمَى غَيْرُهُمَا وَلَوْ كان عَامِلًا لِلزَّكَاةِ فَلَيْسَ له أَنْ يَحْمِيَ وَبِمَا بَعْدَهُ ما إذَا حَمَى لِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنْ لم يَقَعْ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُ الْبُخَارِيِّ لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَسَيَأْتِي ذلك في النِّكَاحِ وَحِمَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يُغَيَّرُ وَلَوْ اُسْتُغْنِيَ عنه لِأَنَّهُ نَصٌّ وهو لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ فَمَنْ بَنَى فيه أو زَرَعَ أو غَرَسَ قُلِعَ وَيُغَيَّرُ حِمَى غَيْرِهِ من الْأَئِمَّةِ رِعَايَةً لِلْمَصْلَحَةِ بِأَنْ ظَهَرَتْ فيه بَعْدَ ظُهُورِهَا في الْحِمَى وَلَيْسَ من نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ لَكِنْ لَا يحيى بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ لِمَا فيه من الِاعْتِرَاضِ على تَصَرُّفِ الْإِمَامِ وَحُكْمِهِ فَإِنْ أُحْيِيَ بِإِذْنِهِ مَلَكَهُ الْمُحْيِي وكان الْإِذْنُ في الْإِحْيَاءِ نَقْضًا أو بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا وَلْيَنْصِبْ عليه الْإِمَامُ أو نَائِبُهُ أَمِينًا يُدْخِلُ فيه دَوَابَّ الضُّعَفَاءِ لَا دَوَابَّ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ قَوِيٌّ وَالْقَوِيُّ يُمْنَعُ من إدْخَالِ دَوَابِّهِ كما أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ رَعَاهُ قَوِيٌّ مُنِعَ منه ولم يَغْرَمْ شيئا قال في الرَّوْضَةِ وَلَيْسَ هذا مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ في الْحَجِّ أَنَّ من أَتْلَفَ شيئا من نَبَاتِ النَّقِيعِ ضَمِنَهُ على الْأَصَحِّ وَلَا يُعَزَّرُ قال ابن الرِّفْعَةِ وَلَعَلَّهُ فِيمَنْ جَهِلَ التَّحْرِيمَ وَإِلَّا فَلَا رَيْبَ في التَّعْزِيرِ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ الْمَاءَ الْمُعَدَّ لِشُرْبِ الْخَيْلِ وَالْمَوَاشِي الْمَذْكُورَةِ أو يَعْتَاضَ عن رَعْيِ الْحِمَى وَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ هذا أَوْلَى من قَوْلِ الرَّوْضَةِ عن الرَّعْيِ في الْحِمَى أو الْمَوَاتِ
الْبَابُ الثَّانِي في الْمَنَافِعِ الْمُشْتَرَكَةِ من جَلَسَ لِلْمُعَامَلَةِ مَثَلًا في شَارِعٍ ولم يُضَيِّقْ على الْمَارَّةِ لم يُمْنَعْ وَإِنْ تَقَادَمَ عَهْدُهُ أو لم يَأْذَنْ فيه الْإِمَامُ كما لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ في الْإِحْيَاءِ لِاتِّفَاقِ الناس عليه في سَائِرِ الْأَعْصَارِ وفي مَنْعِ الذِّمِّيِّ من ذلك وَجْهَانِ رَجَّحَ مِنْهُمَا ابن الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ عَدَمَ الْمَنْعِ لِأَنَّ ضَرَرَهُ لَا يَتَأَبَّدُ وَلَهُ أَيْ الْجَالِسِ لِلْمُعَامَلَةِ
____________________
(2/449)
التَّظْلِيلُ على مَوْضِعِ جُلُوسِهِ بِمَا لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ من ثَوْبٍ وَبَارِيَة وَنَحْوِهِمَا لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ لَا الْبِنَاءُ لِدَكَّةٍ أو لِمَا يُظَلَّلُ بِهِ أو لِغَيْرِهِمَا وَهَذَا أَوْلَى من اقْتِصَارِ الْأَصْلِ على بِنَاءِ الدَّكَّةِ قال الْخُوَارِزْمِيَّ وَهَلْ له وَضْعُ سَرِيرٍ فيه احْتِمَالَانِ وَيَخْتَصُّ الْجَالِسُ بِمَكَانِهِ وَمَكَانِ مَتَاعِهِ وَآلَتِهِ وَمُعَامِلِيهِ وَقَوْلُهُ وَآلَتِهِ من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِدُخُولِهِ في مَتَاعِهِ وَلَا يُضَيَّقُ عليه أَيْ ليس لِغَيْرِهِ أَنْ يُضَيِّقَ عليه في الْمَكَانِ بِحَيْثُ يَضُرُّ بِهِ في الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَالْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ فَيَمْنَعَ أَيْ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ وَاقِفًا بِقُرْبِهِ إنْ مَنَعَ رُؤْيَةَ مَتَاعِهِ أو وُصُولَ الْوَاصِلِينَ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ الْمُعَامِلِينَ إلَيْهِ قال في الرَّوْضَةِ وَلَيْسَ له مَنْعُ من قَعَدَ لِبَيْعِ مِثْلِ مَتَاعِهِ إذَا لم يُزَاحِمْهُ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ من الْمَرَافِقِ الْمَذْكُورَةِ وَلَوْ أَقْطَعَهُ إيَّاهُ الْإِمَامُ ارْتِفَاقًا جَازَ أَيْ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُقْطِعَ بُقْعَةً من الشَّارِعِ لِمَنْ يَرْتَفِقُ فيها بِالْمُعَامَلَةِ لِأَنَّ له نَظَرًا وَاجْتِهَادًا في أَنَّ الْجُلُوسَ فيه مُضِرٌّ أو لَا وَلِهَذَا يُزْعِجُ من رَأَى جُلُوسَهُ مُضِرًّا لَا إنْ أَقْطَعَهُ بِعِوَضٍ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ وَلَا لِغَيْرِهِ من الْوُلَاةِ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّنْ يَرْتَفِقُ بِالْجُلُوسِ وَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ في الشَّوَارِعِ عِوَضًا بِلَا خِلَافٍ وَلَا إنْ أَقْطَعَهُ تَمْلِيكًا وَإِنْ فَضَلَ عن حَاجَةِ الطُّرُوقِ وَمِنْ هُنَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ منه وما يَفْعَلُهُ وُكَلَاءُ بَيْتِ الْمَالِ من بَيْعِ ما يَزْعُمُونَ أَنَّهُ فَاضِلٌ عن حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ الْمِلْكِ وهو مُنْتَفٍ وَلَوْ جَازَ ذلك لَجَازَ بَيْعُ الْمَوَاتِ وَلَا قَائِلَ بِهِ نَبَّهَ عليه السُّبْكِيُّ وَإِنْ سَبَقَ اثْنَانِ إلَى مَكَان منه أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْمَزِيَّةِ فَإِنْ كان أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا فَهُوَ أَحَقُّ قَطْعًا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ
فَرْعٌ لو قام الْمُعَيَّنُ وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ من مَكَانِهِ لِيَعُودَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَكَانِهِ ما لم يَمْضِ زَمَنٌ يَنْقَطِعُ فيه عنه إلَافُهُ لِلْمُعَامَلَةِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ من قام من مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَلِأَنَّ الْغَرَضَ من تَعَيُّنِ الْمَكَانِ أَنْ يُعْرَفَ فَيُعَامَلَ فَإِنْ مَضَى ذلك بَطَلَ حَقُّهُ وَإِنْ تَرَكَ فيه شيئا من مَتَاعِهِ أو كان جُلُوسُهُ فيه بِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَكَذَا الْمَجَالِسُ الْمُعَيَّنَةُ بِأَسْوَاقٍ يُجْتَمَعُ لها في وَقْتٍ من كل أُسْبُوعٍ أو كل شَهْرٍ أو كل سَنَةٍ يَأْتِي فيها التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ وإذا لم يَنْقَطِعْ حَقُّهُ بِقِيَامِهِ منه فَإِنْ جَلَسَ غَيْرُهُ فيه مُدَّةَ غَيْبَتِهِ الْقَصِيرَةِ وَهِيَ التي غَابَ عنه زَمَنًا لَا يَنْقَطِعُ عنه فيه إلَافُهُ وَلَوْ مُعَامِلًا إلَى أَنْ يَعُودَ جَازَ لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ مَنْفَعَةُ الْمَوْضِعِ في الْحَالِ وَمَنْ ضَيَّقَ الشَّارِعَ بِآلَةِ بِنَاءٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا وَضَعَهُ ارْتِفَاقًا لِيَنْقُلَهَا شيئا فَشَيْئًا وكان يَضُرُّ الْمَارَّةَ ضَرَرًا ظَاهِرًا مُنِعَ وَإِلَّا فَلَا وَإِلَّا انْتَقَلَ منه إلَى مَكَان آخَرَ أو تَرَكَ الْمُعَامَلَةَ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو كان جُلُوسُهُ فيه لِلِاسْتِرَاحَةِ أو نَحْوِهَا وَانْتَقَلَ منه وَلَوْ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ إلَيْهِ بَطَلَ حَقُّهُ بِقِيَامِهِ
فَصْلٌ من جَلَسَ في الْمَسْجِدِ لِتَدْرِيسٍ لِعُلُومٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِالشَّرِيعَةِ وَإِفْتَاءٍ فيها وَإِقْرَاءٍ لِقُرْآنٍ أو حَدِيثٍ وسماع دَرْسٍ بين يَدَيْ مُدَرِّسٍ فَكَجَالِسٍ بِمَقْعَدِ سُوقٍ فِيمَا مَرَّ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِمُفَارَقَتِهِ الْمَوْضِعَ لِأَنَّ له غَرَضًا في مُلَازَمَتِهِ لِيَأْلَفَهُ الناس وَهَذَا ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن أبي عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ وَالْغَزَالِيِّ وقال إنَّهُ أَشْبَهُ بِمَأْخَذِ الْبَابِ وَنُقِلَ عن الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهُ يَبْطُلُ حَقُّهُ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى سَوَاءً الْعَاكِفُ فيه وَالْبَادِ زَادَ النَّوَوِيُّ قُلْت وهو ما حَكَاهُ في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ عن جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَحَقُّ فَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَصْحَابَهُ من الْجُمْهُورِ زَادَ الْأَذْرَعِيُّ وقال يَعْنِي الْمَاوَرْدِيَّ إنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ أَحَقُّ ليس بِصَحِيحٍ
وقال في الْبَحْرِ إنَّهُ غَلَطٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ما حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ هو الْمَذْهَبُ الْمَنْقُولُ وهو ما ارْتَضَاهُ الْإِمَامُ كَأَبِيهِ قال وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ إنَّ أَصْحَابَنَا قالوا إنَّهُ أَحَقُّ بِهِ وإذا حَضَرَ لم يَكُنْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقْعُدَ فيه الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَخَذَهُ من كَلَامِ
____________________
(2/450)
الرَّافِعِيِّ مُسَلَّمًا وَالْمَنْقُولُ ما قَدَّمْنَاهُ وما قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ وَالْغَزَالِيُّ تَفَقُّهٌ لَا نَقْلٌ كما أَشَارَ إلَيْهِ ابن الرِّفْعَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَزَالِيِّ وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا وَعَلَى ما قَالَاهُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ في الْجَوَامِعِ الْعِظَامِ انْتَهَى وَالْمَاوَرْدِيُّ مُخَالِفٌ في مَجَالِسِ الْأَسْوَاقِ أَيْضًا كما نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ وَالْأَوْجَهُ خِلَافُ قَوْلِهِ في الْمَوْضِعَيْنِ وهو ما جَزَمَ بِهِ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ أو جَلَسَ فيه لِلصَّلَاةِ وَاسْتِمَاعٍ لِحَدِيثٍ أو وَعْظٍ وَقَامَ من مَوْضِعِهِ أَيْ فَارَقَهُ بِلَا عُذْرٍ بَطَلَ حَقُّهُ فما لم يُفَارِقْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ حتى لو اسْتَمَرَّ إلَى وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى فَحَقُّهُ بَاقٍ لِخَبَرِ أبي دَاوُد من سَبَقَ إلَى ما لم يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ له
وَإِنَّمَا لم يَسْتَمِرَّ حَقُّهُ مع الْمُفَارَقَةِ كَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُعَامَلَةِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَقَاعِدِ وَالصَّلَاةَ بِبِقَاعِ الْمَسْجِدِ لَا تَخْتَلِفُ قال الرَّافِعِيُّ وَلَك أَنْ تَمْنَعَهُ بِأَنَّ ثَوَابَ الصَّلَاةِ في الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَكْثَرُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لو تَرَكَ له مَوْضِعَهُ من الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ لَزِمَ عَدَمُ اتِّصَالِ الصَّفِّ وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى نُقْصَانِهَا فإن تَسْوِيَةَ الصَّفِّ من تَمَامِهَا وَلَوْ أَمْكَنَ مَجِيئُهُ في أَثْنَائِهَا لم يَجْبُرْ ذلك الْخَلَلَ الْوَاقِعَ في أَوَّلِهَا أو قام منه لِعُذْرٍ كَقَضَاءِ حَاجَةٍ أو تَجْدِيدِ وُضُوءٍ وَاجَابَةِ دَاعٍ وَرُعَافٍ وَعَادَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَإِنْ لم يَتْرُكْ إزَارَهُ أو نَحْوَهُ فيه حتى تُقْضَى صَلَاتُهُ أو مَجْلِسُهُ الذي يَسْتَمِعُ فيه لِعُمُومِ خَبَرِ مُسْلِمٍ إذَا قام أحدكم من مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ
نعم إنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ في غَيْبَتِهِ وَاتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ فَالْوَجْهُ سَدُّ الصَّفِّ مَكَانَهُ لِمَصْلَحَةِ تَمَامِ الصُّفُوفِ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى من حَقِّ السَّبْقِ في الصَّلَاةِ ما لو قَعَدَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَلَيْسَ أَهْلًا لِلِاسْتِخْلَافِ أو كان ثَمَّ من هو أَحَقُّ منه بِالْإِمَامَةِ فَيُؤَخَّرُ وَيَتَقَدَّمُ الْأَحَقُّ مَوْضِعَهُ لِخَبَرِ لِيَلِيَنِّي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَوْ نَوَى اعْتِكَافَ أَيَّامٍ في الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ لِمَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ له في الِاعْتِكَافِ عَادَ لِمَوْضِعِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ وَالظَّاهِرُ أَنْ خُرُوجَهُ لِغَيْرِ ذلك نَاسِيًا كَذَلِكَ وَإِنْ نَوَى اعْتِكَافًا مُطْلَقًا فَهُوَ أَحَقُّ بِمَوْضِعِهِ ما لم يَخْرُجْ من الْمَسْجِدِ صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ
فَرْعٌ وَيُمْنَعُ نَدْبًا من الْجُلُوسِ لِمُبَايَعَةٍ وَحِرْفَةٍ في الْمَسْجِدِ إذْ حُرْمَتُهُ تَأْبَى اتِّخَاذَهُ حَانُوتًا وَتَقَدَّمَ في بَابِ الِاعْتِكَافِ أَنَّ تَعَاطِيَ ذلك فيه مَكْرُوهٌ ويمنع من ارْتِفَاقٍ بِحَرِيمِهِ ضَارٍّ بِأَهْلِهِ وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ الْإِذْنُ فيه فَإِنْ لم يَضُرَّ بِأَهْلِهِ جَازَ الِارْتِفَاقُ الْمَذْكُورُ وَالْإِذْنُ فيه وَهَلْ يُشْتَرَطُ فيه إذْنُ الْإِمَامِ أو لَا وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الْمَنْعُ وَيُمْنَعُ اسْتِطْرَاقُ حِلَقِ الْفُقَهَاءِ وَالْقُرَّاءِ تَوْقِيرًا لها وَإِطْلَاقُهُ ذلك أَوْلَى من تَقْيِيدِ الْأَصْلِ له بِالْمَسْجِدِ وَهَلْ يَتَرَتَّبُ أَيْ يَجْلِسُ الْمُدَرِّسُ وَالْمُفْتِي في كِبَارِ الْمَسَاجِدِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فيه وَالْإِذْنُ فيه مُعْتَادٌ أو لَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وهو الْأَوْجَهُ لَا وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْمَاوَرْدِيِّ لِمَا في ذلك من الِافْتِيَاتِ على الْإِمَامِ بِمُخَالَفَةِ الْعَادَةِ وَثَانِيهمَا نعم إذْ الْمَسَاجِدُ لِلَّهِ تَعَالَى
فَصْلٌ من سَبَقَ إلَى مَكَان من رِبَاطٍ مُسَبَّلٍ وَنَحْوِهِ كَخَانِقَاهْ وَفِيهِ شُرِطَ من يَدْخُلُهُ وَخَرَجَ منه لِحَاجَةٍ كَشِرَاءِ طَعَامٍ فَهُوَ بَاقٍ على حَقِّهِ سَوَاءٌ أَخَلَّفَ فيه غَيْرَهُ أو مَتَاعَهُ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ أَدَخَلَهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَمْ لَا بِخِلَافِ ما إذَا خَرَجَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ من سَبَقَ إلَى آخِرِهِ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ في الدُّخُولِ إلَى إذْنِ النَّاظِرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِلْعُرْفِ كما أَفْتَى بِهِ ابن الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ قال ابن الْعِمَادِ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ على ما إذَا جَعَلَ الْوَاقِفُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُسْكِنَ من شَاءَ وَيَمْنَعَ من شَاءَ وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَى إذْنِهِ بَلْ كُلُّ من سَبَقَ إلَى السُّكْنَى فَهُوَ أَحَقُّ بها وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ مَنْعُهُ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهَا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَفِيمَا قَالَهُ وَقْفَةٌ لِمَا فيه من الِافْتِيَاتِ على النَّاظِرِ وَإِنْ سَكَنَ بَيْتًا منه وَغَابَ ولم تَطُلْ غَيْبَتُهُ عُرْفًا ثُمَّ عَادَ فَهُوَ بَاقٍ على حَقِّهِ وَإِنْ سَكَنَهُ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ أَلِفَهُ مع سَبْقِهِ إلَيْهِ وَلَا يُمْنَعُ
____________________
(2/451)
غَيْرُهُ من سُكْنَاهُ فيه مُدَّةَ غَيْبَتِهِ على أَنْ يُفَارِقَهُ إذَا حَضَرَ ذَكَرَهُ في الرَّوْضَةِ فَإِنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ بَطَلَ حَقُّهُ وَلِكُلٍّ من غَيْرِ سُكَّانِ الْمَدَارِسِ من الْفُقَهَاءِ وَالْعَوَامِّ دُخُولُ الْمَدَارِسِ وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالنَّوْمُ فيها وَنَحْوُ ذلك مِمَّا جَرَى الْعُرْفُ بِهِ لَا السُّكْنَى فَلَيْسَتْ لهم إلَّا لِفَقِيهٍ منهم فَلَهُ أَنْ يَسْكُنَهَا مُطْلَقًا لِلْعُرْفِ أو لِغَيْرِهِ فَلَهُ ذلك بِشَرْطِ الْوَاقِفِ لَا بِدُونِ شَرْطِهِ
فَرْعٌ النَّازِلُونَ بِمَوْضِعٍ في الْبَادِيَةِ في غَيْرِ مَرْعَى الْبَلَدِ لَا يُمْنَعُونَ منه بَلْ هُمْ أَحَقُّ بِهِ وَبِمَا حَوَالَيْهِ بِقَدْرِ ما يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ لِمَرَافِقِهِمْ ولم يُزَاحَمُوا بِفَتْحِ الْحَاءِ على الْمَرَاعِي وَالْمَرَافِقِ إنْ ضَاقَتْ بِخِلَافِ ما إذَا اتَّسَعَتْ لِانْتِفَاءِ الْإِضْرَارِ بِهِمْ وإذا رَحَلُوا بَطَلَ اخْتِصَاصُهُمْ وَإِنْ بَقِيَ أَثَرُ الْخِيَامِ وَنَحْوِهَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ من زِيَادَتِهِ في غَيْرِ مَرْعَى الْبَلَدِ مَرْعَاهُ فَيُمْنَعُونَ من النُّزُولِ فيه فَإِنْ اسْتَأْذَنُوا الْإِمَامَ في اسْتِيطَانِهَا أَيْ الْبَادِيَةِ ولم يَضُرَّ نُزُولُهُمْ بِالسَّابِلَةِ أَيْ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ رَاعَى الْأَصْلَحَ في نُزُولِهِمْ بها وَمَنْعِهِمْ وَنَقْلِ غَيْرِهِمْ إلَيْهَا وَإِنْ نَزَلُوا بها بِغَيْرِ إذْنِهِ وَهُمْ غَيْرُ مُضِرِّينَ بِالسَّابِلَةِ لم يَمْنَعْهُمْ من ذلك كما لَا يَمْنَعُ من أَحْيَا مَوَاتًا بِغَيْرِ إذْنِهِ إنْ ظَهَرَ في مَنْعِهِمْ مَصْلَحَةٌ فَلَهُ مَنْعُهُمْ وَلَيْسَ كَالْإِحْيَاءِ لِأَنَّ الْمُحْيِيَ مَلَكَ بِهِ كَذَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وإذا لم يَمْنَعْهُمْ دَبَّرَهُمْ بِمَا يَرَاهُ صَلَاحًا لهم وَنَهَاهُمْ عن وفي نُسْخَةٍ وَيَمْنَعُهُمْ من إحْدَاثِ زِيَادَةٍ إلَّا بِإِذْنِهِ أَمَّا إذَا ضَرَّ نُزُولُهُمْ بِالسَّابِلَةِ فَيَمْنَعُهُمْ قبل النُّزُولِ وَبَعْدَهُ
فَصْلٌ لو طَالَ مُقَامُ الْمُرْتَفِقِ في شَارِعٍ وَنَحْوِهِ كَمَسْجِدٍ لم يُزْعَجْ لِخَبَرِ أبي دَاوُد السَّابِقِ وَلِأَنَّهُ أَحَدُ الْمُرْتَفِقِينَ وقد ثَبَتَ له الْيَدُ بِالسَّبْقِ فَلَا تُزَالُ إلَّا في الرُّبُطِ الْمَوْقُوفَةِ على الْمُسَافِرِينَ فَلَا يُزَادُونَ على مُدَّةِ السَّفَرِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا سَوَاءٌ أَعَيَّنَهَا الْوَاقِفُ أَمْ أَطْلَقَ إلَّا لِخَوْفٍ أو مَطَرٍ فَيُزَادُونَ إلَى زَوَالِ ذلك وَهَذَا من زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ مِمَّا سَيَأْتِي عن الْأَصْلِ وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ نَحْوَهُ وَلَا يُزَادُونَ على الْمُدَّةِ الْمَشْرُوطَةِ من الْوَاقِفِ لِلْجَمِيعِ أَيْ لِلْمُسَافِرِينَ وَغَيْرِهِمْ وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ عن التَّقَيُّدِ بِالْمُدَّةِ وَبِالْمُسَافِرِينَ يُعْمَلُ بِالْعُرْفِ فِيمَا وَقَفَهُ فَيُقِيمُ الطَّالِبُ في الْمَدْرَسَةِ الْمَوْقُوفَةِ على طَلَبَةِ الْعِلْمِ حتى يَنْقَضِيَ غَرَضُهُ أو يَتْرُكَ التَّعَلُّمَ وَالتَّحْصِيلَ فَيُزْعَجَ وَيُؤْخَذُ منه أَنَّهُ إذَا نَزَلَ في مَدْرَسَةٍ أَشْخَاصٌ لِلِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ وَحُضُورِ الدَّرْسِ وَقُرِّرَ لهم من الْجَامِكِيَّةِ ما يَسْتَوْعِبُ قَدْرَ ارْتِفَاعِ وَقْفِهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْزِلَ زِيَادَةً عليهم بِمَا يَنْقُصُ ما قُرِّرَ لهم من الْمَعْلُومِ لِمَا في ذلك من الْإِضْرَارِ بِهِمْ ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ قال في الْأَصْلِ وَلَا يُمَكَّنُ من الْإِقَامَةِ في رُبُطِ الْمَارَّةِ إلَّا لِمَصْلَحَتِهَا أو لِخَوْفٍ يَعْرِضُ أو أَمْطَارٍ تَتَوَاتَرُ وَلِلْخَانِقَاهْ حُكْمُ الشَّارِعِ فِيمَا مَرَّ إذْ لَا يُمْكِنُ فيها الضَّبْطُ بِنَحْوِ ما ذُكِرَ وَقَافُ الْخَانْقَاهْ مُبْدَلَةٌ من الْكَافِ لِقَوْلِ جَمَاعَةٍ منهم الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ الدَّمِيرِيِّ الْخَانِكَاهْ بِالْكَافِ وَهِيَ بِالْعَجَمِيَّةِ دِيَارُ الصُّوفِيَّةِ
الْبَابُ الثَّالِثُ في الْأَعْيَانِ الْخَارِجَةِ من الْأَرْضِ وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ في الْمَعَادِنِ وَهِيَ الْبِقَاعُ التي أَوْدَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى شيئا من الْجَوَاهِرِ الْمَطْلُوبَةِ وقد تُطْلَقُ على الْجَوَاهِرِ التي فيها وَمِنْهُ قَوْلُهُ وَهِيَ قِسْمَانِ الْأَوَّلُ الْمَعَادِنُ الظَّاهِرَةُ وَهِيَ ما خَرَجَ بِلَا عِلَاجٍ وَإِنَّمَا الْعِلَاجُ في تَحْصِيلِهِ كَالنِّفْطِ بِكَسْرِ النُّونِ أَفْصَحُ من فَتْحِهَا وهو ما يُرْمَى بِهِ وقال الْجَوْهَرِيُّ هو دُهْنٌ وَأَحْجَارِ الرَّحَى وَالْبِرَامِ بِكَسْرِ الْبَاءِ جَمْعُ بُرْمَةٍ وهو حَجَرٌ تُعْمَلُ منه الْقُدُورُ وَالْكِبْرِيتِ وهو عَيْنٌ تُجْرِي مَاءً فإذا جَمَدَ صَارَ كِبْرِيتًا وَالْقَارِ وهو الزِّفْتُ وَيُقَالُ له الْقِيرُ وَالْمِلْحِ الْمَائِيِّ وَكَذَا الْجَبَلِيُّ إنْ لم يُحْوِجُ إلَى حَفْرٍ وَتَعَبٍ وَالْجِصُّ وَالْمَدَرُ وَأَحْجَارُ النُّورَةِ الثَّانِي الْمَعَادِنُ الْبَاطِنَةُ وَهِيَ الْمَبْثُوثَةُ في بَاطِنِ الْأَرْضِ الْمُحْتَاجَةُ إلَى عِلَاجٍ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالْحَدِيدِ وَلِقِطْعَةِ ذَهَبٍ أَبْرَزَهَا السَّيْلُ أو أتى
____________________
(2/452)
بها حُكْمُ الْمَعْدِنِ الظَّاهِرِ وَلَا يُمْلَكَانِ بِالْإِحْيَاءِ لَهُمَا وَإِنْ زَادَ بِهِ النِّيلُ وَلَا يَثْبُتُ فِيهِمَا اخْتِصَاصٌ بِالتَّحَجُّرِ بَلْ هُمَا مُشْتَرَكَانِ بين الناس كَالْمَاءِ الْجَارِي وَالْكَلَأِ وَالْحَطَبِ وإذا أَقْطَعَ الْإِمَامُ من الْمَعَادِنِ الْبَاطِنَةِ رَجُلًا ما أَيْ شيئا يَقْدِرُ عليه جَازَ كَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَرَادَ إقْطَاعَ مِلْحِ مَأْرِبٍ أو أَقْطَعَهُ فلما قِيلَ له إنَّهُ كَالْمَاءِ لِمَعْدٍ امْتَنَعَ منه فَدَلَّ على أَنَّ الْبَاطِنَ يَجُوزُ إقْطَاعُهُ وَالْخَبَرُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وابن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ لَا الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ وَكَالْمَاءِ الْجَارِي وَنَحْوِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هذا في إقْطَاعِ التَّمْلِيكِ أَمَّا إقْطَاعُ الْإِرْفَاقِ فَيَجُوزُ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يُضَيِّقُ على غَيْرِهِ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ
فَرْعٌ أَمَّا الْبِقَاعُ التي تُحْفَرُ بِقُرْبِ السَّاحِلِ وَيُسَاقُ الْمَاءُ إلَيْهَا فَيَنْعَقِدُ فيها مِلْحًا فَيَجُوزُ إحْيَاؤُهَا وَإِقْطَاعُهَا كما في إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَإِقْطَاعِهِ وإذا مَلَكَهَا رَجُلٌ بِذَلِكَ مَلَكَ ما فيها
فَرْعٌ يُقَدَّمُ في الْمَعْدِنَيْنِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ بِالسَّبْقِ إنْ لم يَتَّسِعْ مَكَانُهُمَا ثُمَّ إنْ لم يَكُنْ سَبْقٌ قُدِّمَ عِنْد التَّشَاحِّ بِالْقُرْعَةِ وَإِنْ كان أَحَدُ مُتَشَاحَّيْنِ يَأْخُذُ لِلتِّجَارَةِ وَالْآخَرُ لِلْحَاجَةِ فَلَوْ كان أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا فَالظَّاهِرُ كما قال الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ كَتَظْهِيرِهِ فِيمَا مَرَّ في مَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ وَيَأْخُذُ الْمُقَدَّمُ قَدْرَ حَاجَتِهِ عُرْفًا بِالنِّسْبَةِ لِأَمْثَالِهِ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بين الناس كَالْمَاءِ الْجَارِي وَنَحْوِهِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُقَدَّمِ بِالْقُرْعَةِ فَلَوْ زَادَ على قَدْرِ الْحَاجَةِ أُزْعِجَ إنْ زُوحِمَ لِأَنَّ عُكُوفَهُ عليه كَالْمُتَحَجِّرِ الْمَانِعِ من الْأَخْذِ وَفَرَّقَ الرَّافِعِيُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ بِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى نَيْلِ الْمَعَادِنِ فَإِنْ لم يُزَاحَمْ لم يُزْعَجْ أَمَّا إذَا اتَّسَعَ مَكَانُهُمَا فَكُلٌّ من جَانِبِهِ
تَنْبِيهٌ قال ابن الرِّفْعَةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمُقَدَّمُ أَحَقَّ بِذَلِكَ ما دَامَ في ذلك الْمَكَانِ فَإِنْ انْصَرَفَ فَغَيْرُهُ مِمَّنْ سَبَقَ أَوْلَى ما لم يَنْصَرِفْ أَيْضًا
فَرْعٌ من أَحْيَا أَرْضًا وَفِيهَا مَعْدِنٌ بَاطِنٌ لم يَعْلَمْ بِهِ مَلَكَهُ لِأَنَّهُ من أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وقد مَلَكَهَا بِالْإِحْيَاءِ وَإِنْ عَلِمَ بِهِ حَالَ الْإِحْيَاءِ فإنه يَمْلِكُهُ أَيْضًا كما لو لم يَعْلَمْ بِهِ وَقِيلَ لَا يَمْلِكُهُ لِفَسَادِ الْقَصْدِ وفي نُسْخَةٍ لَا إنْ عَلِمَ بِهِ حَالَ الْإِحْيَاءِ فَيُوَافِقُ الثَّانِيَ وَبِالْجُمْلَةِ فَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَرَجَّحَ في الْكِفَايَةِ الْأَوَّلَ وَأَقَرَّ النَّوَوِيُّ عليه صَاحِبَ التَّنْبِيهِ وَخَرَجَ بِالْبَاطِنِ الظَّاهِرُ فَلَا يَمْلِكُهُ بِالْإِحْيَاءِ إنْ عَلِمَهُ لِظُهُورِهِ من حَيْثُ إنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى عِلَاجٍ أَمَّا بُقْعَةُ الْمَعْدِنَيْنِ فَلَا يَمْلِكُهَا بِإِحْيَائِهَا مع عِلْمِهِ بِهِمَا لِفَسَادِ قَصْدِهِ لِأَنَّ الْمَعْدِنَ لَا يُتَّخَذُ دَارًا وَلَا بُسْتَانًا وَلَا مَزْرَعَةً أو نَحْوَهَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَيْسَ لِمَالِكِهِ أَيْ الْمَعْدِنِ الْبَاطِنِ بَيْعُهُ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ النَّيْلُ وهو مُتَفَرِّقٌ في طَبَقَاتِ الْأَرْضِ مَجْهُولُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ فَهُوَ كَبَيْعِ قَدْرٍ مَجْمُوعٍ من تُرَابِ الْمَعْدِنِ وَفِيهِ النَّيْلُ وَكَالْبَيْعِ الْهِبَةُ قال في الْبَحْرِ لَكِنْ تَرْتَفِعُ يَدُهُ بها لَا بِهِ لِأَنَّ رَفْعَ يَدِهِ بِهِ كان مَشْرُوطًا بِعِوَضٍ ولم يَحْصُلْ بِخِلَافِ رَفْعِ يَدِهِ بها انْتَهَى وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ فَإِنْ قال مَالِكُهُ لِرَجُلٍ ما اسْتَخْرَجْتَهُ منه فَهُوَ لي فَاسْتَخْرَجَ منه شيئا فَلَا أُجْرَةَ له كما لو قال لِغَيْرِهِ اغْسِلْ ثَوْبِي فَغَسَلَهُ لَا أُجْرَةَ له أو قال له ما اسْتَخْرَجْتَهُ منه فَهُوَ بَيْنَنَا فَاسْتَخْرَجَ منه شيئا فَلَهُ أُجْرَةُ النِّصْفِ لِأَنَّ نِصْفَ عَمَلِهِ وَقَعَ لِلْمَالِكِ وهو غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ بِهِ أو قال ما اسْتَخْرَجْتَهُ لَك منه كَذَا أو لَك الْكُلُّ فَلَهُ أُجْرَتُهُ لِأَنَّ عَمَلَهُ وَقَعَ لِلْمَالِكِ وهو غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ بِهِ وَالْحَاصِلُ مِمَّا اسْتَخْرَجَهُ في الْجَمِيعِ أَيْ جَمِيعِ الصُّوَرِ لِلْمَالِكِ لِأَنَّهُ هِبَةُ مَجْهُولٍ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْعَقْدَ فَاسِدٌ بِخِلَافِ ما لو عَيَّنَ كَأَنْ قال إنْ اسْتَخْرَجْت منه كَذَا فَقَدْ جَعَلْت لَك عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فإنه يَصِحُّ كما قَالَهُ في الْمَطْلَبِ لِأَنَّهُ جَعَالَةٌ صَحِيحَةٌ
الطَّرَفُ الثَّانِي الْمِيَاهُ وَهِيَ قِسْمَانِ مُخْتَصَّةٌ بِبَعْضِ الناس وَغَيْرُهَا
____________________
(2/453)
فَغَيْرُ الْمُخْتَصَّةِ كَالْأَوْدِيَةِ وَالْأَنْهَارِ وَالسُّيُولِ فَالنَّاسُ فيها سَوَاءٌ لِخَبَرِ الناس شُرَكَاءُ في ثَلَاثَةٍ في الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ رَوَاهُ ابن مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَإِنْ ضَاقَ الْمُشْرِعُ على اثْنَيْنِ مَثَلًا وقد جَاءَا مَعًا قُدِّمَ الْعَطْشَانُ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ ثُمَّ إنْ اسْتَوَيَا في الْعَطَشِ أو في غَيْرِهِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَلَيْسَ لِلْقَارِعِ أَنْ يُقَدِّمَ دَوَابَّهُ على الْآدَمِيِّينَ بَلْ إذَا ارْتَوَوْا اُسْتُؤْنِفَتْ الْقُرْعَةُ بين الدَّوَابِّ وَلَا يُحْمَلُ على الْقُرْعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ ثُمَّ إنْ جَاءَا مُتَرَتِّبِينَ قُدِّمَ السَّابِقُ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِيًا لِدَوَابِّهِ وَالْمَسْبُوقُ عَطْشَانًا فَيُقَدَّمُ الْمَسْبُوقُ كما يُفِيدُهُ كَلَامُ الْأَصْلِ وَمَنْ حَازَ منه شيئا في إنَاءٍ أو حَوْضٍ مَلَكَهُ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ مُزَاحَمَتُهُ فيه كما لو احْتَطَبَ فَلَوْ أَعَادَ ما حَازَهُ منه إلَيْهِ لم يَصِرْ شَرِيكًا فيه بِالِاتِّفَاقِ نَقَلَهُ في الْبَيَانِ في بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَإِنْ دخل الْمَاءُ أَيْ شَيْءٌ منه مِلْكَهُ لم يَجُزْ لِغَيْرِهِ الدُّخُولُ إلَيْهِ بِلَا إذْنٍ منه لِامْتِنَاعِ دُخُولِ مِلْكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَوْ أَخَذَهُ رَجُلٌ وَلَوْ بَعْدَ دُخُولِهِ مِلْكَهُ بِلَا إذْنٍ مَلَكَهُ وإذا خَرَجَ من مِلْكِهِ أَخَذَهُ من شَاءَ نعم إنْ حَوَّطَ عليه الْمَالِكُ كَأَنْ كان في دَارٍ وَأَغْلَقَ عليه بَابَهَا قال الزَّرْكَشِيُّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ قال وَيَشْهَدُ له ما لو دخل صَيْدٌ إلَى مِلْكِهِ وَأَغْلَقَ عليه الْبَابَ فإنه يَمْلِكُهُ وقد أَشَارَ إلَى ذلك صَاحِبُ الْبَيَانِ
فَرْعٌ وَلَوْ تَزَاحَمُوا على سَقْيِ الْأَرْضِ التي لهم بِهِ أَيْ بِالْمَاءِ غَيْرِ الْمُخْتَصِّ وَضَاقَ عَنْهُمْ وَبَعْضُهُمْ أَوَّلٌ سَقَى الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ فَيَحْبِسُ كُلُّ وَاحِدٍ الْمَاءَ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بِذَلِكَ رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالْأَوْلَى التَّقْدِيرُ بِالْحَاجَةِ في الْعَادَةِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَرْضِ وَبِاخْتِلَافِ ما فيها من زَرْعٍ وَشَجَرٍ وَبِوَقْتِ الزِّرَاعَةِ وَوَقْتِ السَّقْيِ وَهَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْمَاوَرْدِيِّ بَعْدَ نَقْلِهِ ما قَبْلَهُ عن الْجُمْهُورِ ثُمَّ يُرْسِلُهُ الْأَوَّلُ إلَى الثَّانِي وَهَكَذَا وَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ الْمُحْيِي قبل الثَّانِي وَهَكَذَا لَا الْأَقْرَبُ إلَى النَّهْرِ وَعَبَّرُوا بِذَلِكَ جَرْيًا على الْغَالِبِ من أَنَّ من أَحْيَا بُقْعَةً يَحْرِصُ على قُرْبِهَا من الْمَاءِ ما أَمْكَنَ لِمَا فيه من سُهُولَةِ السَّقْيِ وَخِفَّةِ الْمُؤْنَةِ وَقُرْبِ عُرُوقِ الْغِرَاسِ من الْمَاءِ وَمِنْ هُنَا يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ إلَى النَّهْرِ إنْ أَحْيَوْا دُفْعَةً أو جُهِلَ السَّابِقُ وَلَا يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِالْإِقْرَاعِ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَإِنْ انْخَفَضَ بَعْضٌ من أَرْضِ الْأَعْلَى بِحَيْثُ يَأْخُذُ فَوْقَ الْحَاجَةِ قبل سَقْيِ الْمُرْتَفِعِ منها أَفْرَدَ كُلًّا مِنْهُمَا بِسَقْيٍ بِأَنْ يَسْقِيَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ يَسُدَّهُ ثُمَّ يَسْقِيَ الْآخَرُ فَإِنْ احْتَاجَ الْأَوَّلُ إلَى السَّقْيِ مَرَّةً أُخْرَى قُدِّمَ أَمَّا إذَا اتَّسَعَ الْمَاءُ فَيَسْقِي كُلٌّ منهم مَتَى شَاءَ وَلَوْ تَنَازَعَ مُتَحَاذِيَانِ بِأَنْ تَحَاذَتْ أَرْضَاهُمَا أو أَرَادَ شَقَّ النَّهْرِ من مَوْضِعَيْنِ مُتَحَاذِيَيْنِ فَالْقُرْعَةُ مُعْتَبَرَةٌ إذْ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا على الْآخَرِ قال الْأَذْرَعِيُّ وكان ذلك فِيمَا إذَا أَحْيَيَا دَفْعَةً أو جُهِلَ أَسْبَقُهُمَا وَإِنْ أَرَادَ شَخْصٌ إحْيَاءَ أَرْضٍ مَوَاتٍ أَقْرَبَ إلَى رَأْسِ النَّهْرِ فَإِنْ ضَيَّقَ على السَّابِقِ مُنِعَ من الْإِحْيَاءِ وَإِلَّا فَلَا التَّقْيِيدُ بِالْأَقْرَبِيَّةِ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَوْ أَرَادَ إحْيَاءَ مَوَاتٍ وَسَقْيَهُ من هذا النَّهْرِ فَإِنْ ضَيَّقَ على السَّابِقِينَ مُنِعَ لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوا أَرْضَهُمْ بِمَرَافِقِهَا وَالْمَاءُ من أَعْظَمِ مَرَافِقِهَا وَإِلَّا فَلَا مَنْعَ وَقَضِيَّتُهَا أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْأَقْرَبِيَّةِ وَأَنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِإِرَادَةِ سَقْيِ ذلك من النَّهْرِ وهو ظَاهِرٌ وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ لِئَلَّا يَصِيرَ ذلك ذَرِيعَةً إلَى اسْتِحْقَاقِهِ السَّقْيَ قَبْلَهُمْ أو مَعَهُمْ
فَرْعٌ وَعِمَارَةُ هذه الْأَنْهَارِ من بَيْتِ الْمَالِ وَلِكُلٍّ من الناس بِنَاءُ قَنْطَرَةٍ عليها يَمُرُّونَ عليها وبناء رَحًى عليها إنْ كانت أَيْ الْأَنْهَارُ
____________________
(2/454)
في مَوَاتٍ أو في مِلْكِهِ فَإِنْ كانت بين الْعُمْرَانِ فَالْقَنْطَرَةُ أَيْ بِنَاؤُهَا فيه كَحَفْرِ الْبِئْرِ لِلْمُسْلِمِينَ في الشَّارِعِ فَيَجُوزُ مُطْلَقًا إنْ كان الْعُمْرَانُ وَاسِعًا وَبِإِذْنِ الْإِمَامِ إنْ كان ضَيِّقًا وَالرَّحَى يَجُوزُ بِنَاؤُهَا فيه أَيْضًا إنْ لم تَضُرَّ بِالْمُلَّاكِ وَإِلَّا فَلَا كَإِشْرَاعِ الْجَنَاحِ في الشَّارِعِ فِيهِمَا
فَصْلٌ في حُكْمِ مَاءِ الْأَنْهَارِ وَالسَّوَاقِي الْمَمْلُوكَةِ وَمَنْ أَخَذَ من الْوَادِي مَاءً في نَهْرٍ حَفَرَهُ في مِلْكِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْمَاءِ ما دَامَ فيه في تَعْبِيرِهِ بِالْأَخْذِ نَظَرٌ فإنه بِأَخْذِهِ يَمْلِكُهُ وَالْمُرَادُ ما عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ أَنْ يَحْفِرَ نَهْرًا يَدْخُلُ فيه الْمَاءُ من الْوَادِي فَالْمَاءُ بَاقٍ على إبَاحَتِهِ لَكِنَّ مَالِكَ النَّهْرِ أَحَقُّ بِهِ كَالسَّيْلِ يَدْخُلُ في مِلْكِهِ وَلِغَيْرِهِ الشُّرْبُ وَسَقْيُ الدَّوَابِّ وَالِاسْتِعْمَالُ منه وَلَوْ بِدَلْوٍ وَمَنْ حَفَرَ نَهْرًا فَوْقَهُ أَيْ فَوْقَ نَهْرِهِ فَإِنْ كان يُضَيِّقُ عليه مُنِعَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ حَفَرَ النَّهْرَ جَمَاعَةٌ اشْتَرَكُوا فيه أَيْ في مِلْكِهِ بِقَدْرٍ عَمَلِهِمْ وفي نُسْخَةٍ أَعْمَالِهِمْ فَإِنْ شَرَطُوهَا أَيْ شَرِكَةَ النَّهْرِ بَيْنَهُمْ على قَدْرِ مِلْكِهِمْ من الْأَرْضِ فَلْيَكُنْ الْعَمَلُ كَذَلِكَ أَيْ عَمَلُ كُلٍّ منهم على قَدْرِ أَرْضِهِ فَإِنْ زَادَ أَحَدُهُمَا في الْعَمَلِ فَمُتَبَرِّعٌ إلَّا إنْ أُكْرِهَ أَيْ أَكْرَهَهُ الْبَاقُونَ على زِيَادَةِ الْعَمَلِ أو شَرَطُوا له عِوَضًا فإنه يَرْجِعُ عليهم بِأُجْرَةِ الزَّائِدِ وفي نُسْخَةٍ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِلزَّائِدِ وَلَا يُقَدَّمُ الْأَعْلَى هَاهُنَا على الْأَسْفَلِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَكُنْ النَّهْرُ مَمْلُوكًا كما مَرَّ لِاسْتِوَائِهِمْ هُنَا في الْمِلْكِيَّةِ فَإِنْ اقْتَسَمُوهُ أَيْ الْمَاءَ مُيَاوَمَةً أو نَحْوَهَا جَازَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ وَلِكُلٍّ منهم الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ فَإِنْ رَجَعَ وقد أَخَذَ نَوْبَتَهُ ولم يَأْخُذْ الْآخَرُ نَوْبَتَهُ فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا أَيْ أُجْرَةُ نَوْبَتِهِ من النَّهْرِ لِلْمُدَّةِ التي أَخَذَ هو فيها نَوْبَتَهُ وَسَنَذْكُرُ قِسْمَةَ الْمَاءِ نَفْسِهِ قال في الْأَصْلِ إنْ اقْتَسَمُوا النَّهْرَ وكان عَرِيضًا جَازَ وَلَا إجْبَارَ فيه كما في الْجِدَارِ الْحَائِلِ وَيُمْنَعُ أَحَدُهُمْ من تَوْسِيعِ فَمِ النَّهْرِ ومن تَضْيِيقِهِ ومن تَقْدِيمِ رَأْسِ السَّاقِيَةِ التي يَجْرِي فيها الْمَاءُ إلَى أَرْضِهِ وَمِنْ تَأْخِيرِهِ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ومن إجْرَاءِ ما يَمْلِكُهُ فيه أَيْ في النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ وَمِنْ بِنَاءِ قَنْطَرَةٍ وَرَحًى عليه ومن غَرْسِ شَجَرٍ على حَافَّتِهِ إلَّا بِرِضَاهُمْ أَيْ الْبَاقِينَ كما في سَائِرِ الْأَمْلَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ وَلِأَنَّهُمْ قد يَتَضَرَّرُونَ بِذَلِكَ بِخِلَافِ ما لو قَدَّمَ بَابَ دَارِهِ إلَى رَأْسِ السُّدَّةِ الْمُنْسَدَّةِ لِأَنَّهُ ثَمَّ يَتَصَرَّفُ في جِدَارِهِ وَهُنَا في الْحَافَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَعِمَارَتُهُ أَيْ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ تَنْقِيَةً وَغَيْرَهَا يَقُومُ بها الشُّرَكَاءُ بِحَسَبِ الْمِلْكِ وَلَوْ كان الْمُحْتَاجُ منه إلَى الْعِمَارَةِ مُسْتَقِلًّا عن بَعْضِهِمْ لِاشْتِرَاكِهِمْ وَانْتِفَاعِهِمْ بِهِ وَكَمَا في سَائِرِ الْأَمْلَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ وَقِيلَ لَا تَلْزَمْهُ الْعِمَارَةُ في الْمُسْتَقْبَلِ عنه لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فيه لِلْبَاقِينَ وَالتَّرَجُّحُ فيه من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ
فَرْعٌ كُلُّ أَرْضٍ وُجِدَ في يَدِ أَهْلِهَا نَهْرٌ لَا تُسْقَى أَيْ الْأَرْضُ إلَّا منه ولم يُدْرَ أَنَّهُ حُفِرَ أو انْخَرَقَ حُكِمَ لهم بِمِلْكِهِ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ يَدٍ وَانْتِفَاعٍ فَلَا يُقَدَّمُ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ فَلَوْ رَأَيْنَا لها سَاقِيَةً منه ولم نَجِدْ لها شِرْبًا من مَوْضِعٍ آخَرَ حَكَمْنَا عِنْدَ التَّنَازُعِ بِأَنَّ لها شِرْبًا منه عَمَلًا بِالظَّاهِرِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَوْ تَنَازَعُوا في قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ منه جَعَلْنَاهُ على قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ من الْأَرْضِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الشَّرِكَةَ بِحَسَبِ الْمِلْكِ وَقِيلَ يُجْعَلُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ لِأَنَّهُ في أَيْدِيهِمْ وَصَحَّحَ في الرَّوْضَةِ الْأَوَّلَ وقال الْبُلْقِينِيُّ بَلْ الْأَصَحُّ بِمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ الثَّانِي وَأَطَالَ في بَيَانِهِ
الْقِسْمُ الثَّانِي الْمِيَاهُ الْمُخْتَصَّةُ بِبَعْضِ الناس وَهِيَ مِيَاهُ الْآبَارِ وَالْقَنَوَاتِ فَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا في مَوَاتٍ لِلتَّمَلُّكِ أو في مِلْكِهِ أو انْفَجَرَ فيه عَيْنٌ كما صَرَّحَ بِهِمَا الْأَصْلُ مَلَكَهَا وملك مَاءَهَا إذْ الْمَاءُ يُمْلَكُ وهو نَمَاءُ مِلْكِهِ كَالثَّمَرَةِ وَاللَّبَنِ لَكِنْ يَجِبُ عليه بَذْلُ الْفَاضِلِ منه عن شُرْبِهِ لِشُرْبِ غَيْرِهِ من الْآدَمِيِّينَ وَعَنْ مَاشِيَتِهِ وَزَرْعِهِ لِمَاشِيَةِ غَيْرِهِ وَلَوْ أَقَامَ
____________________
(2/455)
غَيْرُهُ ثَمَّ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لَا تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ الْكَلَأَ أَيْ من حَيْثُ إنَّ الْمَاشِيَةَ إنَّمَا تَرْعَى بِقُرْبِ الْمَاءِ فإذا مَنَعَ من الْمَاءِ فَقَدْ مَنَعَ من الْكَلَأِ وَالْمُرَادُ بِالْمَاشِيَةِ هُنَا الْحَيَوَانَاتُ الْمُحْتَرَمَةُ هذا إنْ كان هُنَاكَ كَلَأٌ مُبَاحٌ يُرْعَى ولم يَجِدْ مَاءً مَبْذُولًا له هو أَعَمُّ من قَوْلِ أَصْلِهِ مَاءً مُبَاحًا ولم يُحْرِزْهُ في إنَاءٍ أو نَحْوِهِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ بَذْلُهُ وَلَا يَجِبُ بَذْلُ فَضْلِ الْكَلَأِ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَخْلَفُ في الْحَالِ وَيُتَمَوَّلُ في الْعَادَةِ وَزَمَنُ رَعْيِهِ يَطُولُ فَيَطُولُ الْمُكْثُ في أَرْضِهِ بِخِلَافِ الْمَاءِ وَحَيْثُ لَزِمَهُ بَذْلُ الْمَاءِ لِلْمَاشِيَةِ لَزِمَهُ أَنْ يُمَكِّنَهَا من وُرُودِ الْبِئْرِ إنْ لم يُضَرَّ بِهِ فَإِنْ أَضَرَّ بِهِ وُرُودُهَا لم يَلْزَمْهُ تَمْكِينُهَا واستقى لها أَيْ جَازَ لِلرُّعَاةِ اسْتِقَاءُ فَضْلِ الْمَاءِ لها وَقَوْلُهُ وَحَمَلَ لها من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَلَا يَجِبُ بَذْلُهُ لِزَرْعِ الْغَيْرِ كَسَائِرِ الْمَمْلُوكَاتِ بِخِلَافِ الْمَاشِيَةِ كما مَرَّ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ وَإِنْ حَفَرَهَا في مَوَاتٍ لِلِارْتِفَاقِ أَيْ لِارْتِفَاقِهِ بها اُخْتُصَّ بها وَبِمَائِهَا كَالْمَالِكِ ما لم يَرْتَحِلْ لِخَبَرِ من سَبَقَ إلَى ما لم يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ له فإذا ارْتَحَلَ صَارَتْ الْبِئْرُ كَالْمَحْفُورَةِ لِلْمَارَّةِ فَإِنْ عَادَ فَكَغَيْرِهِ وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ كَالْمَالِكِ على أَنَّهُ يَجِبُ بَذْلُ الْفَاضِلِ عن شُرْبِهِ لِشُرْبِ غَيْرِهِ وَعَنْ مَاشِيَتِهِ وَزَرْعِهِ لِمَاشِيَةِ غَيْرِهِ لَا زَرْعِهِ بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ أو حَفَرَهَا لِلْمَارَّةِ فَهُوَ كَأَحَدِهِمْ وَكَذَا لو لم يَقْصِدْ شيئا أو لَا يَصِحَّ بَيْعُ ما وَجَبَ بَذْلُهُ وَإِنْ صَحَّ بَيْعُ الطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ لِلنَّهْيِ عن بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَا يَجِبُ على من وَجَبَ عليه الْبَذْلُ إعَارَةُ آلَةِ الِاسْتِقَاءِ من دَلْوٍ وَحَبْلٍ وَنَحْوِهِمَا وَإِنَّمَا يَجِبُ عليه التَّخْلِيَةُ وَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْحَبْلِ وَيُشْتَرَطُ في بَيْعِ الْمَاءِ التَّقْدِيرُ بِكَيْلٍ أو وَزْنٍ لَا بِرِيِّ الْمَاشِيَةِ أو الزَّرْعِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَوَازِ الشُّرْبِ من مَاءِ السِّقَاءِ بِعِوَضٍ أَنَّ الِاخْتِلَافَ في شُرْبِ الْآدَمِيِّ أَهْوَنُ منه في شُرْبِ الْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ
فَرْعٌ الشُّرْبُ وَسَقْيُ الدَّوَابِّ من الْجَدَاوِلِ وَالْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ إذَا كان السَّقْيُ لَا يَضُرُّ بِمَالِكِهَا جَائِزٌ إقَامَةً لِلْإِذْنِ الْعُرْفِيِّ مَقَامَ اللَّفْظِيِّ قَالَهُ ابن عبد السَّلَامِ
فَصْلٌ الْقَنَاةُ كَالْبِئْرِ في مِلْكِ مَاءَهَا وفي وُجُوبِ الْبَذْلِ وَغَيْرِهِمَا إلَّا أَنَّ حَفْرَهَا لِمُجَرَّدِ الِارْتِفَاقِ لَا يَكَادُ يَقَعُ فَإِنْ مَلَكَهَا جَمَاعَةٌ وَأَرَادُوا قِسْمَةَ الْمَاءِ عُرِّضَتْ فيه وَأَرْضُهُ مُسْتَوِيَةٌ خَشَبَةٌ مُسْتَوِيَةٌ عُلُوًّا وَسُفْلًا فيها ثُقْبٌ مُتَسَاوِيَةٌ أو مُتَفَاوِتَةٌ بِمَقَادِيرِ الْحُقُوقِ فَيَجُوزُ تَسَاوِيهَا مع تَفَاوُتِ الْحُقُوقِ لَكِنْ لِذِي الثُّلُثِ مَثَلًا ثُقْبَةٌ وَلِذِي الثُّلُثَيْنِ ثُقْبَتَانِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لِأَنَّ ذلك طَرِيقٌ إلَى اسْتِيفَاءِ كل أَحَدٍ حَقَّهُ وَيَصْنَعُ كُلٌّ منهم بِمَائِهِ ما شَاءَ كَأَنْ يَسُوقَهُ في سِيَاقِهِ إلَى أَرْضِهِ أو يُدِيرَ رَحًى في أَرْضِهِ بِمَا صَارَ له لَكِنْ لَا يَسُوقُهُ لِأَرْضٍ أَجْنَبِيَّةٍ أَيْ ليس لها شِرْبٌ من النَّهْرِ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ لها شِرْبًا لم يَكُنْ وَاعْلَمْ أَنَّ الِاحْتِيَاجَ إلَى الْقِسْمَةِ بِتَعْرِيضِ الْخَشَبَةِ الْمَذْكُورَةِ مَحَلُّهُ عِنْدَ ضِيقِ الْمَاءِ وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا وَلَا يَتَصَرَّفُ في الْمَاءِ قبل الْقِسْمَةِ بِسَوْقِهِ في سَاقِيَةٍ أو نَصْبِ رَحًى عليه أو غَيْرِهِمَا وَلِكُلٍّ منهم الرُّجُوعُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ مَتَى شَاءَ كما مَرَّ في النَّهْرِ إنْ اقْتَسَمُوا مُهَايَأَةً قال في الْأَصْلِ وَاَلَّذِينَ يَسْقُونَ أَرَاضِيَهُمْ من أَوْدِيَةٍ مُبَاحَةٍ وَلَوْ تَرَاضَوْا بِمُهَايَأَةٍ فَهِيَ مُسَامَحَةٌ من الْأَوَّلِينَ بِتَقْدِيمِ الْآخِرِينَ وَلَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ فَمَنْ رَجَعَ منهم فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُمَكَّنُ من سَقْيِ أَرْضِهِ
فَصْلٌ مَاءُ الْبِئْرِ وَالْقَنَاةِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مُنْفَرِدًا عنهما لِأَنَّهُ يَزِيدُ شيئا فَشَيْئًا وَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ فَيَتَعَذَّرُ التَّسْلِيمُ وَلِأَنَّهُ مَجْهُولٌ نعم إنْ بَاعَهُ بِشَرْطِ أَخْذِهِ الْآنَ صَحَّ وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَاقْتَضَاهُ التَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ فَلَوْ بَاعَ صَاعًا من مَاءٍ بِئْرٍ أو قَنَاةٍ رَاكِدٍ لَا جَارٍ صَحَّ لِقِلَّةِ زِيَادَتِهِ فَلَا تَضُرُّ كَالرَّطْبَةِ أَيْ كَبَيْعِ الْقَتِّ في الْأَرْضِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَإِنَّمَا لم يَصِحَّ في الْجَارِي لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَبْطُ الْعَقْدِ بِمِقْدَارٍ مَضْبُوطٍ لِعَدَمِ وُقُوفِهِ فَإِنْ اشْتَرَى الْبِئْرَ وَمَاءَهَا الظَّاهِرَ أو جُزْأَهَا الْأَوْلَى أو جُزْأَهُمَا الشَّائِعَ وقد عَرَفَ عُمْقَهَا فِيهِمَا صَحَّ وما يَنْبُعُ في الثَّانِيَةِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا كَالظَّاهِرِ بِخِلَافِ ما لو اشْتَرَاهَا أو جُزْأَهَا الشَّائِعَ دُونَ الْمَاءِ أو أَطْلَقَ لَا يَصِحُّ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الْمَاءَانِ وَلَوْ وفي نُسْخَةٍ وَمَتَى بَاعَ مَاءَ الْقَنَاةِ مع قَرَارِهِ وَالْمَاءُ جَارٍ بَطَلَ الْبَيْعُ في الْجَمِيعِ لَا في الْمَاءِ فَقَطْ لِلْجَهَالَةِ وفي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا خِلَافُهُ عَمَلًا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَرُدَّ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ من
____________________
(2/456)
أَنَّ ما لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا كان مَجْهُولًا وَبِيعَ مع غَيْرِهِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ في الْجَمِيعِ بِنَاءً على أَنَّ الْإِجَازَةَ بِالْقِسْطِ وَالتَّقْسِيطُ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِلْجَهَالَةِ أو وهو وَاقِفٌ وَعَرَفَ الْعُمْقَ صَحَّ الْبَيْعُ إذْ لَا مَانِعَ
فَرْعٌ وَإِنْ سَقَى زَرْعَهُ بِمَغْصُوبٍ ضَمِنَ الْمَاءَ الْمَغْصُوبَ بِبَدَلِهِ وَهَذَا أَوْلَى من قَوْلِ الْأَصْلِ بِقِيمَتِهِ لِأَنَّ الْمَاءَ مِثْلِيٌّ وَإِنْ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ في حَالَةٍ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا في التَّيَمُّمِ وَيُمْكِنُ مَجِيئُهَا هُنَا وَالْغَلَّةُ له لِأَنَّهُ الْمَالِكُ لِلْبَذْرِ فَإِنْ تَحَلَّلَ من صَاحِبِ الْمَاءِ مع غُرْمِ بَدَلِهِ كان الطَّعَامُ أَيْ الْغَلَّةُ أَطْيَبَ له مِمَّا لو غَرِمَ الْبَدَلَ فَقَطْ وَإِنْ أَضْرَمَ أَيْ أَشْعَلَ نَارَهُ في حَطَبٍ مُبَاحٍ لم يَمْنَعْ أَحَدًا النَّفْعَ أَيْ الِانْتِفَاعَ بها فَإِنْ مَلَكَهُ أَيْ الْحَطَبَ الْمَذْكُورَ فَلَهُ الْمَنْعُ من الِانْتِفَاعِ بها أَيْ بِالْأَخْذِ منها وَنَحْوِهِ أَمَّا الِاصْطِلَاءُ أو الِاسْتِصْبَاحُ بها أو منها فَلَا مَنْعَ منه
كِتَابُ الْوَقْفِ هو لُغَةً الْحَبْسُ يُقَالُ وَقَفْت كَذَا أَيْ حَبَسْته وَيُقَالُ أَوْقَفْته في لُغَةٍ رَدِيئَةٍ وَشَرْعًا حَبْسُ مَالٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مع بَقَاءِ عَيْنِهِ بِقَطْعِ التَّصَرُّفِ في رَقَبَتِهِ على مَصْرِفٍ مُبَاحٍ وَجَمْعُهُ وُقُوفٌ وَأَوْقَافٌ وَالْأَصْلُ فيه خَبَرُ مُسْلِمٍ إذَا مَاتَ ابن آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا من ثَلَاثٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له
وَالصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ مَحْمُولَةٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ على الْوَقْفِ كما قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لَا على الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ لِنُدْرَتِهَا وفي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه أَصَابَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ فقال له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنْ شِئْت حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بها فَتَصَدَّقَ بها عُمَرُ على أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ وهو أَوَّلُ وَقْفٍ في الْإِسْلَامِ على الْمَشْهُورِ وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ في أَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ في أَرْكَانِهِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ الْوَاقِفُ وَشَرْطُهُ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ فَيَصِحُّ من كَافِرٍ وَلَوْ لِمَسْجِدٍ وَإِنْ لم يَعْتَقِدْهُ قُرْبَةً اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِنَا وَمِنْ مُبَعَّضٍ لَا من مُكَاتَبٍ وَمُفْلِسٍ وَمُوَلًّى عليه وَلَوْ بِمُبَاشَرَةِ وَلِيِّهِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْإِمَامَ فَيَصِحُّ وَقْفُهُ من بَيْتِ الْمَالِ على مُعَيَّنٍ وَجِهَةٍ كما أَفْتَى بِهِ ابن الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ تَبَعًا لِجَمْعٍ لَكِنْ قال السُّبْكِيُّ الذي أَرَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقْفُهُ على مُعَيَّنٍ وَلَا على طَوَائِفَ مَخْصُوصَةٍ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فيه
الرُّكْنُ الثَّانِي الْمَوْقُوفُ وهو كُلُّ عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ مَمْلُوكَةٍ تَقْبَلُ النَّقْلَ من مِلْكِ شَخْصٍ إلَى مِلْكِ آخَرَ وَيَحْصُلُ منها مع بَقَاءِ عَيْنهَا فَائِدَةٌ حَالًا وَمَآلًا كَثَمَرَةٍ أو مَنْفَعَةٍ تُسْتَأْجَرُ لها غَالِبًا كَسُكْنَى وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ من زِيَادَتِهِ غَالِبًا عن الرَّيَاحِينِ وَنَحْوِهَا فإنه لَا يَصِحُّ وَقْفُهَا كما سَيَأْتِي مع أنها تُسْتَأْجَرُ لِأَنَّ اسْتِئْجَارَهَا نَادِرٌ وَلَا غَالِبٌ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُ مَطْعُومٍ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ في اسْتِهْلَاكِهِ وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُهُ وَيَصِحُّ وَقْفُ الْعَقَارِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْمُشَاعِ كَنِصْفِ دَارٍ وَنِصْفِ عَبْدٍ لِأَنَّ عُمَرَ وَقَفَ مِائَةَ سَهْمٍ من خَيْبَرَ مُشَاعًا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ
وَلَا يَسْرِي الْوَقْفُ من جُزْءٍ إلَى جُزْءٍ كما لَا يَسْرِي إلَيْهِ أَيْ إلَى الْجُزْءِ الْمَوْقُوفِ الْعِتْقُ وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ في الْجُزْءِ الْمَرْهُونِ حَيْثُ يَسْرِي إلَيْهِ الْعِتْقُ بِأَنَّ الْمَرْهُونَ قَابِلٌ لِلْإِعْتَاقِ بِخِلَافِ الْمَوْقُوفِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ صِحَّةُ وَقْفِ الْمُشَاعِ مَسْجِدًا وَبِهِ صَرَّحَ ابن الصَّلَاحِ وقال يَحْرُمُ الْمُكْثُ فيه على الْجُنُبِ تَغْلِيبًا لِلْمَنْعِ وَتَجِبُ الْقِسْمَةُ لِتَعَيُّنِهَا طَرِيقًا قال
السُّبْكِيُّ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهَا مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ الْمَعْرُوفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فيه نَقْلٌ صَرِيحٌ بِخُصُوصِهِ وَأَفْتَى الْبَارِزِيُّ بِجَوَازِ الْمُكْثِ فيه ما لم يُقْسَمْ
____________________
(2/457)
وَقَدَّمْت في كِتَابِ الِاعْتِكَافِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فيه ويصح وَقْفُ الْأَشْجَارِ وَالْمَنْقُولَاتِ كَعَبِيدٍ وَثِيَابٍ وَدَوَابَّ لِرِيعِهَا من ثَمَرَةٍ وَصُوفٍ وَوَبَرٍ وَكَسْبٍ وَلُبْسٍ وَرُكُوبٍ وَغَيْرِهَا
ويصح وَقْفُ عَبْدٍ وَجَحْشٍ صَغِيرَيْنِ وَزَمِنٍ يُرْجَى زَوَالُ زَمَانَتِهِ وَإِنْ لم تَكُنْ الْمَنْفَعَةُ مَوْجُودَةً في الْحَالِ كما يَجُوزُ نِكَاحُ رَضِيعَةٍ ووقف حُلِيٍّ لِلُبْسٍ لَا وَقْفُ النَّقْدَيْنِ كما لَا تَصِحُّ إجَارَتُهُمَا قال في الْأَصْلِ وَحَكَى الْإِمَامُ أَنَّهُمْ أَلْحَقُوا وَقْفَهُمَا لِيُصَاغَ مِنْهُمَا الْحُلِيُّ بِوَقْفِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ وَتَرَدَّدَ هو فيه ولا الرَّيَاحِينِ الْمَشْمُومَةِ لِسُرْعَةِ فَسَادِهَا وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ مَحَلَّهُ في الرَّيَاحِينِ الْمَحْصُودَةِ وَأَنَّهُ يَصِحُّ في الْمَزْرُوعَةِ لِلشَّمِّ لِأَنَّهَا تَبْقَى مُدَّةً وَنَبَّهَ عليه النَّوَوِيُّ في شَرْحِ الْوَسِيطِ فقال الظَّاهِرُ الصِّحَّةُ في الْمَزْرُوعَةِ وقال الْخُوَارِزْمِيَّ وابن الصَّلَاحِ يَصِحُّ وَقْفُ الْمَشْمُومِ الدَّائِمِ نَفْعُهُ كَالْعَنْبَرِ وَالْمِسْكِ وَلَا أُمِّ وَلَدٍ وَمُكَاتَبٍ لِأَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ النَّقْلَ لِأَنَّهُمَا قد حَلَّهُمَا حُرْمَةُ الْعِتْقِ فَالْتَحَقَا بِالْحُرِّ
وَيَصِحُّ وَقْفُ الْمُدَبَّرِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ كما في بَيْعِهِمَا لَكِنْ يَعْتِقَانِ لو وُجِدَتْ أَيْ الصِّفَةُ وَيَبْطُلُ وَقْفُهُمَا لِتَقَدُّمِ سَبَبِ عِتْقِهِمَا على وَقْفِهِمَا وَهَذَا ما في الْأَصْلِ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ تَفْرِيعًا على أَنَّ الْمِلْكَ في الْوَقْفِ لِلْوَاقِفِ أو لِلَّهِ تَعَالَى
وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْفُورَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ في بَسِيطِهِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ إنَّمَا يَعْتِقُ على الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْوَاقِفِ فَقَطْ وقد نَسَبَ ابن الرِّفْعَةِ الْبَغَوِيّ إلَى انْفِرَادِهِ بِمَا ذَكَرَهُ فَعَلَى ما ذَكَرَهُ غَيْرُهُ لَا يَبْطُلُ الْوَقْفُ وَلَا يَصِحُّ من الْحُرِّ وَقْفُ نَفْسِهِ لِأَنَّ رَقَبَتَهُ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ ولا وَقْفُ الْمَلَاهِي لِحُرْمَةِ الِانْتِفَاعِ بها فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ وَلَا وَقْفُ كَلْبِ صَيْدٍ أو غَيْرِهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَلَا وَقْفُ أَحَدِ عَبْدَيْهِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ وَفَارَقَ الْعِتْقَ بِأَنَّهُ أَنْفَذُ بِدَلِيلِ سِرَايَتِهِ وَتَعْلِيقِهِ وَلَا وَقْفُ مَنْفَعَةٍ دُونَ عَيْنٍ سَوَاءٌ أَمَلَكَهَا مُؤَقَّتًا كَالْمُسْتَأْجِرِ أَمْ مُؤَبَّدًا كَالْمُوصَى له بِالْمَنْفَعَةِ لِانْتِفَاءِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ
وَحِكْمَتُهُ أَنَّ الْوَقْفَ يَسْتَدْعِي أَصْلًا يُحْبَسُ لِتُسْتَوْفَى مَنْفَعَتُهُ على مَمَرِّ الزَّمَانِ وَلِأَنَّ الْوَقْفَ يُشْبِهُ التَّحْرِيرَ وَمِلْكُ الْمَنْفَعَةِ لَا يُفِيدُ وِلَايَةَ التَّحْرِيرِ
وَلَا وَقْفُ عَبْدٍ مَثَلًا في الذِّمَّةِ أَيْ ذِمَّتِهِ أو ذِمَّةِ غَيْرِهِ كما لَا يَصِحُّ عِتْقُهُ وَلِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ الْحَمْلِ وَإِنْ صَحَّ عِتْقُهُ نعم إنْ وَقَفَ الْحَامِلَ صَحَّ فيه تَبَعًا لِأُمِّهِ وَيَصِحُّ وَقْفُ الْمَغْصُوبِ إذْ ليس فيه إلَّا الْعَجْزُ عن صَرْفِ مَنْفَعَتِهِ إلَى جِهَةِ الْوَقْفِ في الْحَالِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ ويصح وَقْفُ الْعُلُوِّ وَحْدَهُ من دَارٍ أو نَحْوِهَا وَلَوْ مَسْجِدًا ووقف الْفَحْلِ لِلضِّرَابِ بِخِلَافِ إجَارَتِهِ له لِأَنَّ الْوَقْفَ قُرْبَةٌ يُحْتَمَلُ فيها ما لَا يُحْتَمَلُ في الْمُعَاوَضَاتِ وَلَوْ وَقَفَ ما لم يَرَهُ أو وَقَفَ الْمُؤَجِّرُ أَرْضُهُ التي أَجَّرَهَا أو الْوَارِثُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ مُدَّةً أو الْمُسْتَأْجِرُ لِأَرْضٍ بِنَاءَهُ أو غِرَاسَهُ الذي بَنَاهُ أو غَرَسَهُ فيها صَحَّ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَمْلُوكٌ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ في الْجُمْلَةِ مع بَقَاءِ عَيْنِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَقْفُ في الْأَخِيرَةِ قبل انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أَمْ
____________________
(2/458)
بَعْدَهُ كما صَرَّحَ بِهِ ابن الصَّلَاحِ
وما ذَكَرَ من صِحَّةِ وَقْفِ ما لم يَرَهُ يَقْتَضِي صِحَّةَ وَقْفِ الْأَعْمَى وَمَسْأَلَةُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ مُدَّةً من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بها الرَّافِعِيُّ وَخَرَجَ بها وَقْفُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ أَبَدًا أو مُطْلَقًا فَلَا يَصِحُّ إذْ لَا مَنْفَعَةَ فيه لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمُوصَى له
فَإِنْ قَلَعَ الْبِنَاءَ أو الْغِرَاسَ بَقِيَ وَقْفًا كما كان إنْ نَفَعَ فَلَوْ لم يَنْفَعْ فَهَلْ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْوَاقِفِ أو لِلْمَوْقُوفِ عليه وَجْهَانِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَالصَّحِيحُ غَيْرُهُمَا وهو شِرَاءُ عَقَارٍ أو جُزْءٍ من عَقَارٍ وهو قِيَاسُ النَّظَائِرِ الْمَذْكُورَةِ في آخِرِ الْبَابِ وَذَكَرَ الْأَذْرَعِيُّ نَحْوَهُ فقال يَقْرُبُ أَنْ يُقَالَ يُبَاعُ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ من جِنْسِهِ ما يُوقَفُ مَكَانَهُ وَأَرْشُ النَّقْصِ الْحَاصِلِ بِقَلْعِ الْبِنَاءِ أو الْغِرَاسِ الْمَوْقُوفِ كَالْوَقْفِ أَيْ يُسْلَكُ له مَسْلَكُهُ فَيُشْتَرَى بِهِ شَيْءٌ وَيُوقَفُ على تِلْكَ الْجِهَةِ
الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْمَوْقُوفُ عليه وهو قِسْمَانِ مُعَيَّنٌ وَغَيْرُهُ فَالْأَوَّلُ الْمُعَيَّنُ من شَخْصٍ أو جَمَاعَةٍ وَيُشْتَرَطُ صِحَّةُ تَمَلُّكِهِ بِأَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا حَالَ الْوَقْفِ أَهْلًا لِتَمَلُّكِ الْمَوْقُوفِ من الْوَاقِفِ لِأَنَّ الْوَقْفَ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ إنْ قُلْنَا بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ وَتَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ إنْ لم نَقُلْ بِهِ وَاعْتَبَرُوا إمْكَانَ تَمْلِيكِ الْمَوْقُوفِ لَا مَنْفَعَتِهِ لِيَدْخُلَ في عَدَمِ الصِّحَّةِ وَقْفُ الرَّقِيقِ الْمُسْلِمِ وَالْمُصْحَفِ على الْكَافِرِ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ على ذِمِّيٍّ كَالْوَصِيَّةِ له وَالتَّصَدُّقُ عليه قال الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُعَاهَدُ وَالْمُسْتَأْمَنُ كَالذِّمِّيِّ إنْ حَلَّ بِدَارِنَا ما دَامَ فيها فإذا رَجَعَ صُرِفَ إلَى من بَعْدَهُ لَا على مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ لِأَنَّهُمَا لَا دَوَامَ لَهُمَا وَالْوَقْفُ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ فَكَمَا لَا يُوقَفُ ما لَا دَوَامَ له لَا يُوقَفُ على من لَا دَوَامَ له وَاعْتَرَضَهُ في الْبَيَانِ بِالزَّانِي الْمُحْصَنِ فإنه يَصِحُّ الْوَقْفُ عليه مع أَنَّهُ مَقْتُولٌ وفي الْكِفَايَةِ بِأَنَّ وَقْفَ ما لَا دَوَامَ له لَا يَبْقَى له أَثَرٌ بَعْدَ فَوَاتِهِ وإذا مَاتَ الْمَوْقُوفُ عليه أَوَّلًا انْتَقَلَ إلَى من بَعْدَهُ فَمَقْصُودُ الْوَقْفِ من الدَّوَامِ حَاصِلٌ وَلَمَّا كان الِاعْتِرَاضَانِ قَوِيَّيْنِ عَلَّلَ السُّبْكِيُّ بِانْتِفَاءِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ فِيمَنْ هو مَقْتُولٌ لِكُفْرِهِ ولا على جَنِينٍ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَمَلُّكِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِقْبَالِ وَالْوَقْفُ تَسْلِيطٌ في الْحَالِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ كما سَيَأْتِي ولا على عَبْدِهِ لِأَنَّهُ ليس أَهْلًا لِلْمِلْكِ وَأَمَّا صِحَّةُ الْوَقْفِ على الْأَرِقَّاءِ الْمَوْقُوفِينَ على خِدْمَةِ الْكَعْبَةِ وَنَحْوِهَا كما سَيَأْتِي فَلِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ الْجِهَةُ فَهُوَ كَالْوَقْفِ على عَلْفِ الدَّوَابِّ في سَبِيلِ اللَّهِ وَالْكَلَامُ هُنَا في الْوَقْفِ على مُعَيَّنٍ وَلَا على عبد غَيْرِهِ إنْ قَصَدَهُ لِمَا مَرَّ وَإِنْ أَطْلَقَ صَحَّ الْوَقْفُ وَوَقَعَ لِسَيِّدِهِ وَإِنْ اسْتَقَلَّ هو بِالْقَبُولِ على الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِهِ كما في الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَفَارَقَ نَظِيرَهُ الْآتِيَ في الْبَهِيمَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَهْلًا لِلْمِلْكِ بِحَالٍ بِخِلَافِ الْعَبْدِ فإنه أَهْلٌ له بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ وَغَيْرِهِ في قَوْلٍ أَمَّا الْمُبَعَّضُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كانت مُهَايَأَةً وَصَدَرَ الْوَقْفُ عليه يوم نَوْبَتِهِ فَكَالْحُرِّ أو يوم نَوْبَةِ سَيِّدِهِ فَكَالْعَبْدِ وَإِنْ لم تَكُنْ مُهَايَأَةً وُزِّعَ على الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَعَلَى هذا يُحْمَلُ إطْلَاقُ ابْنِ خَيْرَانَ صِحَّةَ الْوَقْفِ عليه قال الزَّرْكَشِيُّ فَلَوْ أَرَادَ مَالِكُ الْبَعْضِ أَنْ يَقِفَ نِصْفَهُ الرَّقِيقَ على نِصْفِهِ الْحُرِّ فَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ كما لو أَوْصَى بِهِ لِنِصْفِهِ الْحُرِّ
فَرْعٌ لو وَقَفَ على مُكَاتَبِ غَيْرِهِ صَحَّ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ فَإِنْ عَجَزَ بَانَ الْوَقْفُ مُنْقَطِعَ الِابْتِدَاءِ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من أَنَّهُ يَسْتَرْجِعُ منه ما أَخَذَهُ وَإِنْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ وقد قَيَّدَهُ أَيْ الْوَقْفَ عليه بِمُدَّةِ الْكِتَابَةِ بَانَ مُنْقَطِعَ الِانْتِهَاءِ فَيَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ وَيَنْتَقِلُ الْوَقْفُ إلَى من بَعْدَهُ فَإِنْ لم يُقَيِّدْهُ بِذَلِكَ بَلْ أَطْلَقَهُ دَامَ اسْتِحْقَاقُهُ وفي مَعْنَى التَّقْيِيدِ ما لو عَبَّرَ بِمُكَاتَبِ فُلَانٍ وما ذَكَرَ من صِحَّةِ الْوَقْفِ عليه نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْمُتَوَلِّي بَعْدَ نَقْلِهِ عن الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ
____________________
(2/459)
خِلَافَهُ كَالْوَقْفِ على الْقِنِّ فَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَبِمَا رَجَّحَهُ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَخَرَجَ بِغَيْرِهِ الْمَزِيدِ على أَصْلِهِ ما لو وَقَفَ على مُكَاتَبِ نَفْسِهِ فَلَا يَصِحُّ كما لو وَقَفَ على نَفْسِهِ كما جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وهو نَظِيرُ ما مَرَّ في إعْطَاءِ الزَّكَاةِ له وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ على بَهِيمَةٍ وَلَوْ أَطْلَقَ أو وَقَفَ على عَلْفِهَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا لِلْمِلْكِ كما في الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ لها فَإِنْ قَصَدَ بِهِ مَالِكَهَا فَهُوَ وَقْفٌ عليه وَهَذَا في غَيْرِ الْمَوْقُوفَةِ أَمَّا الْمَوْقُوفَةُ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ على عَلْفِهَا كما سَيَأْتِي قال الْغَزَالِيُّ وَيَصِحُّ الْوَقْفُ على حَمَامِ مَكَّةَ وهو مُسْتَثْنًى من قَوْلِهِمْ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ على الْوُحُوشِ وَلَا على الطُّيُورِ الْمُبَاحَةِ
فَرْعٌ وَلَوْ وَقَفَ على نَفْسِهِ أو على الْفُقَرَاءِ على أَنْ يَأْخُذَ مَعَهُمْ من رِيعِ الْوَقْفِ لم يَصِحَّ أَمَّا في الْأُولَى فَلِتَعَذُّرِ تَمْلِيكِ الْإِنْسَانِ مِلْكَهُ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ حَاصِلٌ وَيَمْتَنِعُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَلِلشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَأَمَّا قَوْلُ عُثْمَانَ رضي اللَّهُ عنه في وَقْفِهِ بِئْرَ رُومَةَ دَلْوِي فيها كَدِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ على سَبِيلِ الشَّرْطِ بَلْ إخْبَارٌ بِأَنَّ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِوَقْفِهِ الْعَامِّ كَالصَّلَاةِ بِمَسْجِدٍ وَقَفَهُ وَالشُّرْبِ من بِئْرٍ وَقَفَهَا وَالِانْتِفَاعِ بِكِتَابٍ وَقَفَهُ لِلْقِرَاءَةِ فَلَوْ وَقَفَ على الْمُسْلِمِينَ أو على الْفُقَرَاءِ فَافْتَقَرَ فَلَهُ التَّنَاوُلُ مَعَهُمْ لِأَنَّهُ لم يَقْصِدْ نَفْسَهُ وَإِنَّمَا وُجِدَتْ فيه الْجِهَةُ التي وَقَفَ عليها وَكَالْفُقَرَاءِ الْعُلَمَاءُ وَنَحْوُهُمْ إذَا اتَّصَفَ بِصِفَتِهِمْ وَأَفْهَمَ تَعْبِيرُهُ كَغَيْرِهِ بِالْفَاءِ أَنَّهُ لو كان فَقِيرًا حَالَةَ الْوَقْفِ لَا يَأْخُذْ منه لَكِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْخُوَارِزْمِيَّ أَنَّهُ يَأْخُذُ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ النَّظَرَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ صَحَّ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لها من جِهَةِ الْعَمَلِ لَا من جِهَةِ الْوَقْفِ فَإِنْ شَرَطَ النَّظَرَ بِأَكْثَرَ منها لم يَصِحَّ الْوَقْفُ لِأَنَّهُ وَقْفٌ على نَفْسِهِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَلَوْ وَقَفَ وَقْفًا لِيُحَجَّ عنه منه جَازَ وَلَا يَكُونُ وَقْفًا على نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شيئا من غَلَّتِهِ فَإِنْ ارْتَدَّ لم يَجُزْ صَرْفُهُ في الْحَجِّ وَصُرِفَ إلَى الْفُقَرَاءِ فَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ أُعِيدَ الْوَقْفُ إلَى الْحَجِّ عنه وَلَوْ وَقَفَ على أَحَدِ هَذَيْنِ لم يَصِحَّ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمَوْقُوفِ عليه
الْقِسْمُ الثَّانِي غَيْرُ الْمُعَيَّنِ وهو الْجِهَةُ الْعَامَّةُ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَإِنْ كان أَيْ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ مَعْصِيَةً كَالسِّلَاحِ لِلْقُطَّاعِ أَيْ كَوَقْفِ السِّلَاحِ على قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَوَقْفِ كُتُبِ التَّوْرَاةِ أو الْإِنْجِيلِ وَالْوَقْفِ على الْكَنَائِسِ التي لِلتَّعَبُّدِ لم يَصِحَّ وَلَوْ كان الْوَقْفُ من ذِمِّيٍّ لِأَنَّهُ أَعَانَةٌ على مَعْصِيَةٍ وَسَوَاءٌ فيه إنْشَاءُ الْكَنَائِسِ وَتَرْمِيمُهَا مَنَعْنَا التَّرْمِيمَ أو لم نَمْنَعْهُ وَقَيَّدَهُ ابن الرِّفْعَةِ بِمَنْعِهِ قال السُّبْكِيُّ وهو وَهْمٌ
____________________
(2/460)
فَاحِشٌ لِاتِّفَاقِهِمْ على أَنَّ الْوَقْفَ على الْكَنَائِسِ بَاطِلٌ وَإِنْ كانت قَدِيمَةً قبل الْبَعْثَةِ فإذا لم نُصَحِّحْ الْوَقْفَ عليها وَعَلَى قَنَادِيلِهَا وَحُصُرِهَا فَكَيْفَ نُصَحِّحُهُ على تَرْمِيمِهَا فَنُبْطِلُهُ أَيْ الْوَقْفَ على كَنَائِسِ أَهْلِ الذِّمَّةِ إنْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا وَإِنْ أَنْفَذَهُ حَاكِمُهُمْ لَا ما وَقَفُوهُ قبل الْمَبْعَثِ على كَنَائِسِهِمْ الْقَدِيمَةِ فَلَا نُبْطِلُهُ بَلْ نُقِرُّهُ حَيْثُ نُقِرُّهَا أو كان قُرْبَةً أَيْ جِهَةً يَظْهَرُ فيها الْقُرْبَةُ كَالْوَقْفِ على الْمَسَاكِينِ صَحَّ لِعُمُومِ أَدِلَّةِ الْوَقْفِ وَيَصِحُّ على من يَمْلِكُ وَإِنْ لم تَظْهَرْ فيه قُرْبَةٌ كَالْأَغْنِيَاءِ لِأَنَّ الْمَرْعِيَّ في الْوَقْفِ على الْجِهَةِ التَّمْلِيكُ كما في الْمُعَيَّنِ وَالْوَصِيَّةِ لَا جِهَةُ الْقُرْبَةِ إلَّا أَنْ تَضْمَنَ إعَانَةً على الْمَعْصِيَةِ كَالْيَهُودِ وسائر الْفُسَّاقِ كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عليهم وَهَذَا ما قال الْأَصْلُ فيه إنَّهُ الْأَحْسَنُ بَعْدَ قَوْلِهِ الْأَشْبَهُ بِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ صِحَّةُ الْوَقْفِ عليهم كَالْأَغْنِيَاءِ
فَصْلٌ لو وَقَفَ على سَبِيلِ الْبِرِّ أو الْخَيْرِ أو الثَّوَابِ فَلْيُعْطَ أَقْرِبَاءُ الْوَاقِفِ ثُمَّ إنْ لم يُوجَدْ فَلْيُعْطَ أَهْلُ الزَّكَاةِ غَيْرُ الْعَامِلِينَ وَالْمُؤَلَّفَةِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي أو وَقَفَ على سَبِيلِ اللَّهِ فَالْغُزَاةُ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الزَّكَاةِ يُعْطَوْنَ فَإِنْ جَمَعَ بين سَبِيلِ اللَّهِ وَسَبِيلِ الْبِرِّ أو سَبِيلِ الثَّوَابِ كما عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ وَسَبِيلِ الْخَيْرِ فَثُلُثٌ يُعْطَى لِلْغُزَاةِ وَثُلُثٌ لِأَقَارِبِهِ أَيْ الْوَاقِفِ وَثُلُثٌ لِبَاقِي أَصْنَافِ الزَّكَاةِ غَيْرِ الْعَامِلِينَ وَالْمُؤَلَّفَةِ وَخَالَفَ هذا ما مَرَّ لِأَنَّ كُلًّا من اللَّفْظَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ عِنْدَ انْفِرَادِهِ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَقَارِبِ فإذا جَمَعَ بَيْنَهُمْ أَشْعَرَ بِتَغَايُرِهِمَا فَحُمِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا على غَيْرِ ما حُمِلَ عليه الْآخَرُ كما في لَفْظَيْ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ وَيَصِحُّ الْوَقْفُ على أَكْفَانِ الْمَوْتَى وَمُؤْنَةِ الْغَالِّينَ وَالْحَفَّارِينَ وَعَلَى شِرَاءِ الْأَوَانِي لِمَنْ تَكَسَّرَتْ عليه صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ قال ابن الرِّفْعَةِ في غَيْرِ الْأَخِيرَةِ لَكِنَّ الذي يَظْهَرُ أَنَّ ذلك يُصْرَفُ لِمَنْ لم يَجِبْ ذلك في مَالِهِ أو وَقَفَ على الْفُقَهَاءِ فَمَنْ حَصَّلَ في عِلْمِ الْفِقْهِ شيئا يَهْتَدِي بِهِ إلَى الْبَاقِي وَإِنْ قَلَّ يُعْطَى أو على الْمُتَفَقِّهَةِ فَالْمُشْتَغِلُ بِهِ أَيْ بِالْفِقْهِ مُبْتَدِئُهُ وَمُنْتَهِيهِ يُعْطَى أو على الصُّوفِيَّةِ فَالنُّسَّاكُ الزَّاهِدُونَ أَيْ فَيُعْطَى الْمُشْتَغِلُونَ بِالْعِبَادَةِ في غَالِبِ الْأَوْقَاتِ الْمُعْرِضُونَ عن الدُّنْيَا وَإِنْ مَلَكَ أَحَدُهُمْ دُونَ النِّصَابِ وَلَا عِبَارَةُ أَكْثَرِ نُسَخِ الْأَصْلِ أو لَا يَفِي دَخْلُهُ بِخُرْجِهِ وَلَوْ خَاطَ وَنَسَجَ أَحْيَانًا في غَيْرِ حَانُوتٍ وَكَذَا إنْ دَرَسَ أو وَعَظَ أو كان قَادِرًا على الْكَسْبِ أو لم يُلْبِسْهُ الْخِرْقَةَ شَيْخٌ فَلَا يَقْدَحُ شَيْءٌ منها في كَوْنِهِ صُوفِيًّا بِخِلَافِ الثَّرْوَةِ الظَّاهِرَةِ وَيَكْفِي فيه مع ما مَرَّ التَّزَيِّي بِزِيِّهِمْ أو الْمُخَالَطَةُ وَيَصِحُّ الْوَقْفُ على الْأَرِقَّاءِ الْمَوْقُوفِينَ لِخِدْمَةِ الْكَعْبَةِ وَنَحْوِهَا كَقَبْرِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ كَالْوَقْفِ على عَلْفِ الدَّوَابِّ الْمُرْصَدَةِ في سَبِيلِ اللَّهِ هذا النَّظِيرُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ على الدَّارِ وَإِنْ قال على عِمَارَتِهَا لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ إلَّا إنْ قال وَقَفْتُ هذا على هذه الدَّارِ لِطَارِقِيهَا لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عليه حَقِيقَةً طَارِقُوهَا وَهُمْ يَمْلِكُونَ وَإِلَّا إنْ كانت مَوْقُوفَةً لِأَنَّ حِفْظَ عِمَارَتِهَا قُرْبَةٌ فَهُوَ كَالْوَقْفِ على مَسْجِدٍ أو رِبَاطٍ وَيَصِحُّ الْوَقْفُ على الْمُؤَنِ التي تَقَعُ في الْبَلَدِ من جِهَةِ السُّلْطَانِ أو غَيْرِهِ لَا على عِمَارَةِ الْقُبُورِ لِأَنَّ الْمَوْتَى صَائِرُونَ إلَى الْبِلَى فَلَا يَلِيقُ بِهِمْ الْعِمَارَةُ نعم يَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ كَنَظِيرِهِ في الْوَصِيَّةِ ذَكَرَهُ
____________________
(2/461)
الْإِسْنَوِيُّ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ على ما حَمَلَهُ عليه صَاحِبُ الذَّخَائِرِ ثَمَّ من عِمَارَتِهَا بِبِنَاءِ الْقِبَابِ وَالْقَنَاطِرِ عليها على وَجْهٍ مَخْصُوصٍ يَأْتِي ثُمَّ لَا بِبِنَائِهَا نَفْسِهَا لِلنَّهْيِ عنه وَإِنْ وَقَفَ بَقَرَةً في بِمَعْنَى على الرِّبَاطِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا من نَزَلَهُ أو لِيُبَاعَ نَسْلُهَا وَيُصْرَفَ ثَمَنُهُ في مَصَالِحِهِ صَحَّ وَإِنْ أَطْلَقَ فَلَا يَصِحُّ وَإِنْ كنا نَعْلَمُ أَنَّهُ يُرِيدُ ذلك لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِاللَّفْظِ نَقَلَهُ في الرَّوْضَةِ هُنَا عن الْقَفَّالِ وَنَقَلَهُ عنه الرَّافِعِيُّ أَوَاخِرَ الْبَابِ مع نَظِيرِهِ فِيمَا لو وَقَفَ شيئا على مَسْجِدٍ كَذَا ولم يُبَيِّنْ جِهَةَ مَصْرِفِهِ لَكِنَّهُ قال عَقِبَهُمَا وَمُقْتَضَى إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ صِحَّةُ الْوَقْفِ زَادَ النَّوَوِيُّ وَبِهِ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ قال الْإِسْنَوِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ الْمَذْكُورَ عَائِدٌ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ بِخِلَافِ كَلَامِ النَّوَوِيِّ فإنه فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وقال الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ ما قَالَهُ الْقَفَّالُ بَنَاهُ على طَرِيقَتِهِ من أَنَّهُ إذَا وَقَفَ شيئا على مَسْجِدٍ كَذَا لَا يَصِحُّ حتى يُبَيِّنَ جِهَةَ مَصْرِفِهِ وَطَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ تُخَالِفُهُ انْتَهَى وقد جَرَى الْمُصَنِّفُ فيه على الصِّحَّةِ كما سَيَأْتِي فَالْمُعْتَمَدُ هُنَا الصِّحَّةُ أَيْضًا
الرُّكْنُ الرَّابِعُ الصِّيغَةُ وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ اللَّفْظُ كَالْعِتْقِ بَلْ أَوْلَى وَكَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ وفي مَعْنَاهُ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةُ وَكِتَابَتُهُ مع نِيَّتِهِ بَلْ وَكِتَابَةُ النَّاطِقِ مع نِيَّتِهِ كَالْبَيْعِ بَلْ أَوْلَى وَصَرِيحُهُ الْوَقْفُ وَالتَّحْبِيسُ وَالتَّسْبِيلُ أَيْ الْمُشْتَقُّ منها كَ وَقَفْتُ كَذَا أو حَبَّسْتُهُ أو سَبَّلْتُهُ أو أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ أو مُحَبَّسَةٌ أو مُسَبَّلَةٌ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا وَاشْتِهَارِهَا فيه شَرْعًا وَعُرْفًا وَقَوْلُهُ حَرَّمْتُ وَأَبَّدْتُ دَارِي لِلْمَسَاكِينِ أو دَارِي مُحَرَّمَةٌ أو مُؤَبَّدَةٌ كِنَايَةٌ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ وَالتَّأْبِيدَ لَا يُسْتَعْمَلَانِ مُسْتَقِلَّيْنِ وَإِنَّمَا يُؤَكَّدُ بِهِمَا شَيْءٌ من الْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ
وَالصَّدَقَةُ أَيْ اللَّفْظُ الْمُشْتَقُّ منها صَرِيحٌ إنْ وُصِفَتْ بِلَفْظٍ مِمَّا سَبَقَ كَقَوْلِهِ تَصَدَّقْت بهذا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً أو مُحَبَّسَةً أو مُسَبَّلَةً أو مُحَرَّمَةً أو مُؤَبَّدَةً أو وُصِفَتْ بِحُكْمٍ من أَحْكَامِ الْوَقْفِ كَلَا أَيْ كَقَوْلِهِ تَصَدَّقْت بهذا صَدَقَةً لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ لِانْصِرَافِهِ إلَى ذلك عن التَّمْلِيكِ الْمَحْضِ الذِّمِّيِّ اشْتَهَرَ اسْتِعْمَالُهُ فيه وَتَعْبِيرُهُ كَأَصْلِهِ وَغَيْرِهِ بِالْوَاوِ مَحْمُولٌ على التَّأْكِيدِ بِقَرِينَةِ الْمَعْنَى وَإِلَّا فَأَحَدُ الْوَصْفَيْنِ كان كما رَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ ابن الرِّفْعَةِ قال السُّبْكِيُّ وَقِيَاسُهُ الِاكْتِفَاءُ بِقَوْلِهِ لَا يُورَثُ وَإِنَّمَا أُلْحِقَ ذلك بِالصَّرِيحِ مع أَنَّهُمْ لم يُلْحِقُوا الْكِنَايَةَ بِهِ في غَيْرِ هذا اللَّفْظِ آخَرَ كما صَرَّحُوا بِهِ في الطَّلَاقِ لِأَنَّ تَصَدَّقْت وَحْدَهُ صَرِيحٌ في إزَالَةِ الْمِلْكِ تَطَوُّعًا أو وَقْفًا مع إطْلَاقِ الشَّارِعِ الصَّدَقَةَ على الْوَقْفِ وَاللَّفْظُ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ الثَّانِي بِخِلَافِ نَظِيرِهِ من الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ أو كانت أَيْ الصَّدَقَةُ على جِهَةٍ عَامَّةٍ كَتَصَدَّقْتُ بهذا على الْفُقَرَاءِ وَنَوَى الْوَقْفَ وَيُؤْخَذُ من اعْتِبَارِهِ النِّيَّةَ أَنَّ هذه الصِّيغَةَ كِنَايَةٌ وهو كَذَلِكَ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ على الْجِهَةِ الْعَامَّةِ يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ لَكِنَّ عَطْفَهُ لها على ما قَبْلَهَا يَقْتَضِي أنها صَرِيحٌ وَلَيْسَ مُرَادًا أَمَّا إذَا كانت الصَّدَقَةُ على مُعَيَّنٍ وَاحِدٍ أو جَمَاعَةٍ فَهُوَ صَرِيحٌ في التَّمْلِيكِ الْمَحْضِ فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً في الْوَقْفِ وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ أَنَّهُ كِنَايَةٌ فيه وَهَذَا في الظَّاهِرِ أَمَّا في الْبَاطِنِ فَيَصِيرُ وَقْفًا صَرَّحَ بِهِ الْمَرْعَشِيُّ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ فَرْعٌ لو قال جَعَلْت هذا الْمَكَانَ مَسْجِدًا صَارَ بِهِ مَسْجِدًا وَلَوْ لم يَقُلْ لِلَّهِ ولم يَأْتِ بِشَيْءٍ من الْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِإِشْعَارِهِ بِالْمَقْصُودِ وَاشْتِهَارِهِ فيه وَوَقَفْته لِلصَّلَاةِ كِنَايَةٌ في وَقْفِهِ مَسْجِدًا فَيَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ جَعْلِهِ مَسْجِدًا وَأَمَّا كَوْنُهُ وَقْفًا بِذَلِكَ فَصَرِيحٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ
____________________
(2/462)
لَا إنْ بَنَى بِنَاءً وَلَوْ على هَيْئَةِ الْمَسْجِدِ وقال أَذِنْت في الصَّلَاةِ فيه فَلَا يَصِيرُ بِذَلِكَ مَسْجِدًا وَإِنْ صلى فيه وَنَوَى جَعْلَهُ مَسْجِدًا قال في الْكِفَايَةِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبِنَاءُ بِمَوَاتٍ فَيَصِيرَ مَسْجِدًا بِالْبِنَاءِ وَالنِّيَّةِ لِأَنَّ الْفِعْلَ مع النِّيَّةِ يُغْنِي عن الْقَوْلِ أَيْ فِيمَا بَنَى في مَوَاتٍ قال السُّبْكِيُّ الْمَوَاتُ لم يَدْخُلْ في مِلْكِ من أَحْيَاهُ مَسْجِدًا وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ لِلَّفْظِ لِإِخْرَاجِ ما كان في مِلْكِهِ عنه وَصَارَ لِلْبِنَاءِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ تَبَعًا قال الْإِسْنَوِيُّ وَقِيَاسُ ذلك إجْرَاؤُهُ في غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَيْضًا من الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ وَغَيْرِهِمَا وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ في إحْيَاءِ الْمَوَاتِ يَدُلُّ له انْتَهَى وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لو قال أَذِنْت في الِاعْتِكَافِ فيه صَارَ بِذَلِكَ مَسْجِدًا لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصِحُّ إلَّا في مَسْجِدٍ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ
فَصْلٌ لو وَقَفَ على مُعَيَّنِينَ لَا على جِهَةٍ عَامَّةٍ وَمَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ كَرِبَاطٍ اُشْتُرِطَ قَبُولٌ لِلْوَقْفِ مُتَّصِلٌ بِالْإِيجَابِ كما في الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ كَائِنٌ من الْبَطْنِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَهَذَا ما رَجَّحَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ عن تَصْحِيحِ الْإِمَامِ وَآخَرِينَ وَمُقَابِلُهُ عن الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيِّ قال الْمَاوَرْدِيُّ وهو ظَاهِرُ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ منهم النَّوَوِيُّ في الرَّوْضَةِ في السَّرِقَةِ وَنَقَلَهُ في شَرْحِ الْوَسِيطِ عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَعَلَّلَهُ ابن الصَّلَاحِ بِأَنَّ الْمِلْكَ فيه يَزُولُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَالْعِتْقِ يَعْنِي يَنْفَكُّ عن اخْتِصَاصِ الْآدَمِيِّينَ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ من زِيَادَتِهِ فَقَطْ أَيْ دُونَ الْبَطْنِ الثَّانِي وما بَعْدَهُ يُغْنِي عنه قَوْلُهُ وَأَمَّا الثَّانِي وما بَعْدَهُ فَلَا يُشْتَرَطُ إلَّا عَدَمُ رَدِّهِمْ لَا قَبُولُهُمْ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُمْ لَا يَتَّصِلُ بِالْإِيجَابِ قال الرَّافِعِيُّ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ الْأَحْسَنُ ما ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي بِنَاءُ ذلك على كَيْفِيَّةِ تَلَقِّيهِمْ الْوَقْفَ فَإِنْ قُلْنَا يَتَلَقَّوْنَهُ من الْوَاقِفِ وهو الْأَصَحُّ اُشْتُرِطَ قَبُولُهُمْ وَإِنْ لم يَتَّصِلْ اسْتِحْقَاقُهُمْ بِالْإِيجَابِ كما في الْوَصِيَّةِ أو من الْبَطْنِ الْأَوَّلِ فَلَا كَالْمِيرَاثِ قال السُّبْكِيُّ الذي يَتَحَصَّلُ من كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُمْ وَإِنْ شَرَطْنَا قَبُولَ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَأَنَّهُ يَرْتَدُّ بِرَدِّهِمْ كما يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْأَوَّلِ على الصَّحِيحِ فِيهِمَا وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا اسْتَحْسَنَهُ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ رَدُّوا فَمُنْقَطِعُ الْوَسَطِ التَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ فَإِنْ رَدَّ الْأَوَّلُ بَطَلَ الْوَقْفُ قَطْعًا كَالْوَصِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ فَلَوْ رَجَعَ بَعْدَ الرَّدِّ لم يَعُدْ له وَقَوْلُ الرُّويَانِيِّ يَعُودُ له إنْ رَجَعَ قبل حُكْمِ الْحَاكِمِ بِهِ لِغَيْرِهِ مَرْدُودٌ كما بَيَّنَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَمَّا لو وَقَفَ على جِهَةٍ عَامَّةٍ أو مَسْجِدٍ أو نَحْوِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فيه الْقَبُولُ لِتَعَذُّرِهِ قال الرَّافِعِيُّ لم يَجْعَلُوا الْحَاكِمَ نَائِبًا في الْقَبُولِ كما جَعَلُوهُ نَائِبًا عن الْمُسْلِمِينَ في اسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ وَالْأَمْوَالِ وَلَوْ صَارُوا إلَيْهِ لَكَانَ قَرِيبًا وَأُجِيبَ بِأَنَّ تِلْكَ نِيَابَةٌ في الِاسْتِيفَاءِ وَالْحِفْظِ وَلِلْإِمَامِ وِلَايَةٌ على أَهْلِ الرُّشْدِ فيه وَهُنَا في التَّمَلُّكِ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ هذه الْوِلَايَةُ عليهم وَبِأَنَّ اسْتِيفَاءَ ما ذُكِرَ لَا بُدَّ له من مُبَاشِرٍ فَلِذَلِكَ جُعِلَ نَائِبًا فيه بِخِلَافِ هذا وَقَوْلُهُ جَعَلْته لِلْمَسْجِدِ كِنَايَةُ تَمْلِيكٍ لَا وَقْفٍ وَلَفْظُ كِنَايَةُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ في بَابِ الْهِبَةِ فَيُشْتَرَطُ قَبُولُ الْقَيِّمِ وَقَبْضُهُ كما لو وُهِبَ شَيْءٌ لِصَبِيٍّ وَمِنْ هُنَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ الْمَوْقُوفِ
الطَّرَفُ الثَّانِي في شُرُوطِهِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ التَّأْبِيدُ كَالْوَقْفِ على الْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ لَا يَنْقَرِضُ قبل قِيَامِ السَّاعَةِ أو على من يَنْقَرِضُ كَأَوْلَادِ زَيْدٍ ثُمَّ على الْفُقَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمَسَاجِدِ وَالرُّبُطِ وَالْقَنَاطِرِ كَالْفُقَرَاءِ وَلَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ أَيْ الْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ لَا يَنْقَرِضُ
____________________
(2/463)
بَلْ يَكْفِي من كل نَوْعٍ ثَلَاثَةٌ كما في الْوَصِيَّةِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَلَوْ وَقَفَ شيئا سَنَةً بَطَلَ كَالْهِبَةِ نعم إنْ عَقَّبَهُ بِمَصْرِفٍ آخَرَ كَأَنْ وَقَفَ على أَوْلَادِهِ سَنَةً ثُمَّ على الْفُقَرَاءِ صَحَّ وَرُوعِيَ فيه شَرْطُ الْوَاقِفِ نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عن الْخُوَارِزْمِيَّ ثُمَّ ما ذَكَرَ مَحَلُّهُ فِيمَا لَا يُضَاهِي التَّحْرِيرَ أَمَّا ما يُضَاهِيهِ كَقَوْلِهِ جَعَلْته مَسْجِدًا سَنَةً فَيَصِحُّ مُؤَبَّدًا كما لو ذَكَرَ فيه شَرْطًا فَاسِدًا قَالَهُ الْإِمَامُ وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ وَمُنْقَطِعُ الْآخِرِ كَالْوَقْفِ على عَقِبِهِ صَحِيحٌ وَإِنْ كان الْمَوْقُوفُ عَقَارًا لِمُصَادَفَتِهِ مَصْرِفًا صَحِيحًا يُبْنَى عليه بِخِلَافِ مُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ وَيَكُونُ بَعْدَهُمْ وَقْفًا لِلْأَقْرَبِ رَحِمًا إلَى الْوَاقِفِ يوم انْقِرَاضِهِمْ وَمِثْلُهُ ما إذَا لم يُعْرَفْ أَرْبَابُ الْوَقْفِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ على الْأَقَارِبِ أَفْضَلُ لِمَا فيه من صِلَةِ الرَّحِمِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَعُودُ مِلْكًا لِأَنَّ وَضْعَ الْوَقْفِ على الدَّوَامِ وَلِأَنَّهُ صَرَفَ مَالَهُ إلَى جِهَةِ قُرْبَةٍ فَلَا يَرْجِعُ مِلْكًا كما لو نَذَرَ هَدْيًا إلَى مَكَّةَ فَرَدَّهُ فُقَرَاؤُهَا وَيَخْتَصُّ بِهِ وُجُوبًا كما صَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيَّ وَغَيْرُهُ فُقَرَاؤُهُمْ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْقُرْبَةُ وَالثَّوَابُ وَسَنُوَضِّحُ الْأَقْرَبَ وما يَتَعَلَّقُ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى في الْوَصِيَّةِ له فَإِنْ عُدِمَتْ أَقَارِبُهُ أو كان الْوَاقِفُ الْإِمَامَ وَوَقَفَ من بَيْتِ الْمَالِ صُرِفَ الرِّيعُ إلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِ نَصُّ الْبُوَيْطِيِّ في الْأَوْلَى وقال سُلَيْمٌ الرَّازِيّ وابن الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ فيها يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَقِيَاسُ اعْتِبَارِ بَلَدِ الْمَالِ في الزَّكَاةِ اعْتِبَارُ بَلَدِ الْوَقْفِ حتى يَخْتَصَّ بِفُقَرَائِهِ وَمَسَاكِينِهِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ
الشَّرْطُ الثَّانِي التَّنْجِيزُ فَإِنْ عَلَّقَهُ كَوَقَفْتُ دَارِي إذَا جاء رَأْسُ الشَّهْرِ أو قَدِمَ فُلَانٌ بَطَلَ كَالْهِبَةِ وَمَحَلُّهُ فِيمَا لَا يُضَاهِي التَّحْرِيرَ أَمَّا ما يُضَاهِيهِ كَ جَعَلْتُهُ مَسْجِدًا إذَا جاء رَمَضَانُ فَيَنْبَغِي صِحَّتُهُ ذَكَرَهُ ابن الرِّفْعَةِ وَإِنْ وَقَفَ على من سَيُولَدُ له مَثَلًا أو على مَسْجِدٍ سَيُبْنَى أو على وَارِثِهِ في الْمَرَضِ ولم تُجِزْ الْوَرَثَةُ وَقْفَهُ أو على زَيْدٍ وَرَدَّهُ ثُمَّ على الْفُقَرَاءِ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ على زَيْدٍ ثُمَّ على الْفُقَرَاءِ فَرَدَّهُ زَيْدٌ فَهُوَ مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ وهو بَاطِلٌ لِانْقِطَاعِ أَوَّلِهِ وَصَحَّحَ في تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ الصِّحَّةَ فِيمَا عَدَا الرَّدَّ عَمَلًا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَالْمَعْرُوفُ كما في الْمُهِمَّاتِ الْأَوَّلُ وَمُنْقَطِعُ الْوَسَطِ كَ وَقَفْتُ على زَيْدٍ ثُمَّ على الْعَبْدِ نَفْسِهِ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ جَائِزٌ كَمُنْقَطِعِ الْآخِرِ فَيُصْرَفُ في الْوَسَطِ أَيْ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْأَوَّلِ لِأَقْرِبَاءِ الْوَاقِفِ مِثْلُ ما مَرَّ في مُنْقَطِعِ الْآخِرِ فَإِنْ قال وَقَفْته على زَيْدٍ ثُمَّ على رَجُلٍ ثُمَّ على الْفُقَرَاءِ فَهُوَ بَعْدَ زَيْدٍ لِلْفُقَرَاءِ لَا لِأَقْرَبِ الناس إلَى الْوَاقِفِ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ أَمَدِ الِانْقِطَاعِ وَهَذَا أَخَذَهُ من تَفْرِيعِ الْأَصْلِ له على الْقَوْلِ بِصِحَّةِ مُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ
الشَّرْطُ الثَّالِثُ الْإِلْزَامُ لِلْوَقْفِ فَمَتَى شَرَطَ الْخِيَارَ فيه لِنَفْسِهِ أو لِغَيْرِهِ أو شَرَطَ عَوْدَهُ إلَيْهِ بِوَجْهٍ ما كَأَنْ شَرَطَ أَنْ يَبِيعَهُ بَطَلَ كَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ لَكِنْ أَفْتَى الْقَفَّالُ بِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ على الْغَلَبَةِ وَالسِّرَايَةِ ذَكَرَ ذلك الْأَصْلُ قال السُّبْكِيُّ وما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ من بُطْلَانِ الْعِتْقِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَكَذَا يَبْطُلُ لو شَرَطَ لِنَفْسِهِ أَنْ يَزِيدَ فيه أو يَنْقُصَ منه من شَاءَ أو يُقَدِّمَ وَيُؤَخِّرَ من شَاءَ إذَا وَضَعَ الْوَقْفَ على اللُّزُومِ
____________________
(2/464)
فَصْلٌ لو شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ الْوَقْفُ أَصْلًا أو أَكْثَرَ من سَنَةٍ مَثَلًا صَحَّ الْوَقْفُ وَلَزِمَ الشَّرْطُ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْمَصْلَحَةِ وَالظَّاهِرُ كما في الْمَطْلَبِ جَوَازُ الْإِعَارَةِ أَفْتَى ابن الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ أَكْثَرَ من سَنَةٍ وَلَا يُورَدَ عَقْدٌ على عَقْدٍ فَخَرِبَ ولم تُمْكِنْ عِمَارَتُهُ إلَّا بِإِيجَارِهِ سِنِينَ يَصِحُّ إيجَارُهُ سِنِينَ بِعُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ لِأَنَّ الْمَنْعَ حِينَئِذٍ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِهِ وهو مُخَالِفٌ لِمَصْلَحَةِ الْوَقْفِ وَوَافَقَهُ السُّبْكِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ إلَّا في اعْتِبَارِ التَّقْيِيدِ بِعُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَرَدَّاهُ عليه وَقَالَا يَنْبَغِي الْجَوَازُ في عَقْدٍ وَاحِدٍ قُلْت بَلْ الذي يَنْبَغِي ما أَفْتَى بِهِ ابن الصَّلَاحِ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَلَوْ وَقَفَ مَسْجِدًا أو مَقْبَرَةً على الشَّافِعِيَّةِ أو الْحَنَفِيَّةِ مَثَلًا صَحَّ وَتَخَصَّصَ بِهِمْ كَالْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ رِعَايَةً لِلشَّرْطِ وَقَطْعًا لِلنِّزَاعِ في إقَامَةِ الشَّعَائِرِ
الشَّرْطُ الرَّابِعُ بَيَانُ الْمَصْرِفِ وإذا لم يُبَيِّنْهُ كَأَنْ قال وَقَفْت هذا وَاقْتَصَرَ عليه بَطَلَ الْوَقْفُ كَقَوْلِهِ بِعْت دَارِي بِعَشَرَةٍ أو وَهَبْتُهَا ولم يَقُلْ لِمَنْ وَلِأَنَّهُ لو قال وَقَفْت على جَمَاعَةٍ لم يَصِحَّ لِجَهَالَةِ الْمَصْرِفِ فإذا لم يذكر الْمَصْرِفَ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَصِحَّ وَيُفَارِقُ ما لو قال أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي حَيْثُ يَصِحُّ وَيُصْرَفُ لِلْمَسَاكِينِ بِأَنَّ غَالِبَ الْوَصَايَا لهم فَحُمِلَ الْمُطْلَقُ عليه وَبِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مَبْنِيَّةٌ على الْمُسَاهَلَةِ حَيْثُ تَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ وَالنَّجِسِ وَغَيْرِهِمَا بِخِلَافِ الْوَقْفِ فِيهِمَا وَكَالْوَصِيَّةِ ما لو نَذَرَ هَدْيًا أو صَدَقَةً ولم يُبَيِّنْ الْمَصْرِفَ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ قال السُّبْكِيُّ وَمَحَلُّ الْبُطْلَانِ إذَا لم يَقُلْ لِلَّهِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ لِخَبَرِ أبي طَلْحَةَ هِيَ صَدَقَةٌ لِلَّهِ ثُمَّ يُعَيِّنُ الْمَصْرِفَ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ
فَصْلٌ فيه مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ لو وَقَفَ على اثْنَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ ثُمَّ على الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَخَذَ الْآخَرُ لَا الْفُقَرَاءُ الْجَمِيعَ إذْ شَرْطُ الِانْتِقَالِ إلَيْهِمْ انْقِرَاضُهَا جميعا ولم يُوجَدْ وَالصَّرْفُ إلَى من ذَكَرَهُ الْوَاقِفُ أَوْلَى وَذَكَرَ الْأَصْلُ احْتِمَالًا فقال وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْوَقْفَ في نَصِيبِ الْمَيِّتِ صَارَ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ فَيُصْرَفُ مَصْرِفَهُ وَمَحَلُّ ذلك إذَا لم يَفْصِلْ فَإِنْ فَصَلَ فقال وَقَفْت على كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفَ هذا فَهُوَ وَقْفَانِ ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ أَيْ فَلَا يَكُونُ نَصِيبُ الْمَيِّتِ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ بَلْ يَحْتَمِلُ انْتِقَالَهُ لِلْأَقْرَبِ إلَى الْوَاقِفِ أو لِلْفُقَرَاءِ وهو الْأَقْرَبُ إنْ قال ثُمَّ على الْفُقَرَاءِ فَإِنْ قال ثُمَّ من بَعْدِهِمَا على الْفُقَرَاءِ فَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ أو وَقَفَ عَلَيْهِمَا وَسَكَتَ عَمَّنْ يُصْرَفُ إلَيْهِ بَعْدَهُمَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَهَلْ نَصِيبُهُ لِلْآخَرِ أَمْ لِأَقْرِبَاءِ الْوَاقِفِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا أَنَّهُ لِلْآخَرِ وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَصَحَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَلَوْ وَقَفَ على زَيْدٍ ثُمَّ عَمْرٍو ثُمَّ بَكْرٍ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ عَمْرٌو قبل زَيْدٍ ثُمَّ مَاتَ زَيْدٌ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ لَا شَيْءَ لِبَكْرٍ وَيَنْتَقِلُ الْوَقْفُ من زَيْدٍ إلَى الْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُ رَتَّبَهُ بَعْدَ
____________________
(2/465)
عَمْرٍو وَعَمْرٌو بِمَوْتِهِ أَوَّلًا لم يَسْتَحِقَّ شيئا فلم يَجُزْ أَنْ يَتَمَلَّكَ بَكْرٌ عنه شيئا وقال الْقَاضِي في فَتَاوِيهِ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى بَكْرٍ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْفُقَرَاءِ مَشْرُوطٌ بِانْقِرَاضِهِ كما لو وَقَفَ على وَلَدِهِ ثُمَّ وَلَدِ وَلَدِهِ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ وَلَدُ الْوَلَدِ ثُمَّ الْوَلَدُ يَرْجِعُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَيُوَافِقُهُ فَتْوَى الْبَغَوِيّ في مَسْأَلَةٍ طَوِيلَةٍ حَاصِلُهَا أَنَّهُ إذَا مَاتَ وَاحِدٌ من ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ في وَقْفِ التَّرْتِيبِ قبل اسْتِحْقَاقِهِ لِلْوَقْفِ لِحَجْبِهِ بِمَنْ فَوْقَهُ يُشَارِكُ وَلَدُهُ من بَعْدَهُ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا هو الْأَقْرَبُ وَلَوْ وَقَفَ على زَيْدٍ وَالْأَشْرَافِ الْمُقِيمِينَ بِبَلَدِ كَذَا فَأَقَامَ زَيْدٌ بِتِلْكَ الْبَلَدِ وكان شَرِيفًا اسْتَحَقَّ مَعَهُمْ جُزْءًا مُضَافًا لِمَا معه أَفْتَى بِهِ ابن رَزِينٍ قال لِأَنَّ تَخْصِيصَهُ الْمُقِيمِينَ يَقْتَضِي اسْتِيعَابَهُمْ قال وَبِهَذَا فَارَقَ ما لو أَوْصَى لِزَيْدٍ بِدِينَارٍ وَلِلْفُقَرَاءِ بِشَيْءٍ آخَرَ وكان زَيْدٌ فَقِيرًا حَيْثُ لَا يَأْخُذُ مَعَهُمْ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْفُقَرَاءِ لم تَثْبُتْ لِزَيْدٍ اسْتِحْقَاقًا خَاصًّا وَلِلْوَصِيِّ حِرْمَانُهُ وَإِعْطَاءُ غَيْرِهِ
وَيَجُوزُ الْوَقْفُ على ذَوِي الْقُرْبَى أَيْ أَقَارِبِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَوْلُهُ دَارِي وَقْفٌ أو وَقَفْت دَارِي على الْمَسَاكِينِ بَعْدَ مَوْتِي وَصِيَّةٌ الْمُرَادُ أَنَّهُ وَقْفٌ بَعْدَ مَوْتِهِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْوَصِيَّةِ فَلَهُ الرُّجُوعُ وَلِلْإِمَامِ فيه كَلَامٌ ذَكَرْته مع ما فيه في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَإِنْ قال وَقَفْتهَا لِيُصْرَفَ من غَلَّتِهَا كُلَّ شَهْرٍ إلَى فُلَانٍ كَذَا ولم يَرُدَّ عليه فَوَجْهَانِ في صِحَّةِ الْوَقْفِ وَعَدَمِهِ قال الْأَذْرَعِيُّ أَصَحُّهُمَا الصِّحَّةُ فَإِنْ صَحَّحْنَا صَرْفَ الْفَاضِلِ إلَى الْوَاقِفِ أو إلَى قَرَابَتِهِ أو إلَى الْمَسَاكِينِ فيه ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَقْرَبُهَا الثَّانِي وَإِنْ وَقَفَهَا على زَيْدٍ وَالْفُقَرَاءِ فَهُوَ كَأَحَدِهِمْ في جَوَازِ إعْطَائِهِ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ لَكِنْ لَا يُحْرَمُ كما في نَظِيرِهِ من الْوَصِيَّةِ وَإِنْ وَقَفَهَا على الْمَسْجِدِ أو نَحْوِهِ كَالرِّبَاطِ صَحَّ وَلَوْ لم يُبَيِّنْ الْمَصْرِفَ من عِمَارَتِهِ أو دُهْنِ سِرَاجِهِ أو نَحْوِهِمَا وكان مُنْقَطِعَ الْآخِرِ إنْ اقْتَصَرَ عليه وَيُحْمَلُ على مَصَالِحِهِ وَإِنْ قال جَعَلْت دَارِي خَانْقَاهْ لِلْغُزَاةِ ولم يُبَيِّنْ آخِرَهُ لم يَصِحَّ كَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن فَتَاوَى الْقَفَّالِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَاَلَّذِي فيها وَقَفْت قال وَعَدَمُ الصِّحَّةِ بِنَاءٌ على طَرِيقَتِهِ أَيْ من اشْتِرَاطِ بَيَانِ آخِرِ الْمَوْقُوفِ عليه لِيَتَأَبَّدَ الْوَقْفُ وَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ خِلَافًا له وَأَمَّا صِيغَةُ جَعَلْت فلم أَرَهَا في فَتَاوِيهِ وَلَا شَكَّ أنها كِنَايَةٌ
الْبَابُ الثَّانِي في أَحْكَامِ الْوَقْفِ وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ في أَحْكَامِهِ اللَّفْظِيَّةِ وَالْأَصْلُ فيها أَنَّ شُرُوطَ الْوَاقِفِ مَرْعِيَّةٌ ما لم يَكُنْ فيها ما يُنَافِي الْوَقْفَ فَقَوْلُهُ وَقَفْت على أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي يَقْتَضِي التَّشْرِيكَ بَيْنَهُمْ في الِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ لَا لِلتَّرْتِيبِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِمْ من عَدَاهُمْ من الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ فَمَنْ دُونَهَا إلَّا أَنْ يَقُولَ أَبَدًا أو ما تَنَاسَلُوا أو نَحْوَهُ وَلَوْ قال مع ذلك بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ فإنه يَقْتَضِي التَّشْرِيكَ لِأَنَّ هذا لِمَزِيدِ التَّعْمِيمِ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ الْأَصْلُ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ وَالْمَنْقُولُ عن الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لِلتَّرْتِيبِ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِابْنِ يُونُسَ قال وَعَلَيْهِ هو لِلتَّرْتِيبِ بين الْبَطْنَيْنِ فَقَطْ فَيَنْتَقِلُ بِانْقِرَاضِ الثَّانِي لِمَصْرِفٍ آخَرَ إنْ ذَكَرَهُ الْوَاقِفُ وَإِلَّا فَمُنْقَطِعُ الْآخِرِ وقال الْإِسْنَوِيُّ ما صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ مَرْدُودٌ نَقْلًا وَبَحْثًا فَإِنْ قال بَدَلَ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى أو الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ أو الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ أو نَحْوِهَا بِالْجَرِّ بَدَلًا مِمَّا قَبْلَهَا أو قال وَقَفْت على أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِي ما تَنَاسَلُوا تَرَتَّبُوا لِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عليه فَلَا يَأْخُذُ بَطْنٌ وَهُنَاكَ من الْبَطْنِ الْأَوَّلِ أَيْ من بَطْنٍ أَقْرَبَ منه أَحَدٌ وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ ما تَنَاسَلُوا بِالْأَخِيرَةِ مع أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فيها بَلْ إنْ ذَكَرَهُ فيها وفي الْبَقِيَّةِ لم يَكُنْ الْوَقْفُ وَالتَّرْتِيبُ خَاصَّيْنِ
____________________
(2/466)
بِالطَّبَقَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَإِلَّا اخْتَصَّا بِهِمَا فَإِنْ جاء بِثُمَّ لِلْبَطْنِ الثَّانِي وَالْوَاوِ فِيمَا بَعْدَهُ من الْبُطُونِ كَأَنْ قال وَقَفْت على أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِي فَالتَّرْتِيبُ له دُونَهُمْ عَمَلًا بِثُمَّ فيه وَبِالْوَاوِ فِيهِمْ وَإِنْ عَكَسَ بِأَنْ جاء بِالْوَاوِ في الْبَطْنِ الثَّانِي وَبِثُمَّ فِيمَا بَعْدَهُ كَأَنْ قال وَقَفْت على أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِي انْعَكَسَ الْحُكْمُ أَيْ كان التَّرْتِيبُ لهم دُونَهُ
فَرْعٌ وَإِنْ جَمَعَهُمْ بِالْوَاوِ كَأَنْ قال وَقَفْت على أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي ثُمَّ قال وَمَنْ مَاتَ منهم فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ اخْتَصَّ وَلَدُهُ بِنَصِيبِهِ وَشَارَكَ الْبَاقِينَ فِيمَا عَدَاهُ وَلَوْ قال وَقَفْت على أَوْلَادِي أو بَنِيَّ أو بَنَاتِي لم يَدْخُلْ مَعَهُمْ أَوْلَادُهُمْ لِعَدَمِ صِدْقِ اللَّفْظِ عليهم حَقِيقَةً إذْ يُقَالُ فِيهِمْ لَيْسُوا أَوْلَادَهُ بَلْ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ فَإِنْ قُلْت هَلَّا قِيلَ بِدُخُولِهِمْ على قَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ في اسْتِعْمَالِهِ اللَّفْظَ في حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ قُلْنَا شَرْطُهُ إرَادَةُ الْمُتَكَلِّمِ له وَكَلَامُنَا هُنَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَإِنْ لم يَكُنْ لِلْوَاقِفِ غَيْرُهُمْ حُمِلَ اللَّفْظُ عليهم لِوُجُودِ الْقَرِينَةِ وَصِيَانَةً لِكَلَامِ الْمُكَلَّفِ عن الْإِلْغَاءِ فَلَوْ حَدَثَ له وَلَدٌ فَالظَّاهِرُ الصَّرْفُ له لِوُجُودِ الْحَقِيقَةِ وَإِنَّهُ يُصْرَفُ لهم معه كَالْأَوْلَادِ في الْوَقْفِ عليهم وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ وَلَوْ وَقَفَ على الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ دخل مَعَهُمْ الْخُنْثَى لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ وَالِاشْتِبَاهُ إنَّمَا هو في الظَّاهِرِ لَكِنَّهُ إنَّمَا يُعْطَى الْمُتَيَقَّنُ فِيمَا إذَا فُوضِلَ بين الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي إلَى الْبَيَانِ لَا إنْ وَقَفَ على أَحَدِهِمَا فَلَا يَدْخُلُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ من الصِّنْفِ الْآخَرِ
قال الْإِسْنَوِيُّ وَهَذَا يُوهِمُ أَنَّ الْمَالَ يُصْرَفُ إلَى من عَيَّنَهُ من الْبَنِينَ أو الْبَنَاتِ وهو غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّا لَا نَتَيَقَّنُ اسْتِحْقَاقَهُمْ لِنَصِيبِ الْخُنْثَى بَلْ يُوقَفُ نَصِيبُهُ إلَى الْبَيَانِ كما في الْمِيرَاثِ وقد صَرَّحَ بِهِ ابن الْمُسْلِمِ وَلَوْ قال وَقَفْت على بَنِي تَمِيمٍ دخل نِسَاؤُهُمْ أَيْ بَنَاتُ تَمِيمٍ لِأَنَّهُ يُعَبَّرُ بِهِ عن الْقَبِيلَةِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَلَا يَدْخُلُ مع الْمَذْكُورِينَ الْوَلَدُ الْمَنْفِيُّ لِخُرُوجِهِ عن كَوْنِهِ وَلَدًا حتى يُسْتَلْحَقَ فَيَدْخُلَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ من الرِّيعِ الْحَاصِلِ قبل اسْتِحْقَاقِهِ وَبَعْدَهُ حتى يَرْجِعَ بِمَا يَخُصُّهُ في مُدَّةِ النَّفْيِ وَالنَّسْلُ وَالْعَقِبُ وَالذُّرِّيَّةُ وَأَوْلَادُ الْأَوْلَادِ أَيْ كُلٌّ منها يَشْمَلُ أَوْلَادَ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ وَإِنْ بَعُدُوا في غَيْرِ الْأَخِيرَةِ لِصِدْقِ اللَّفْظِ عليهم قال تَعَالَى وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُد إلَى أَنْ ذَكَرَ عِيسَى وَلَيْسَ هو إلَّا وَلَدُ الْبِنْتِ
وَكَذَا الْحَمْلُ مَشْمُولٌ لِكُلٍّ منها لِصِدْقِ الِاسْمِ عليه فَيُوقَفُ نَصِيبُهُ إلَّا في الْأَخِيرَةِ وَهِيَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ فَلَا يَشْمَلُهُ لِأَنَّهُ قبل انْفِصَالِهِ لَا يُسَمَّى وَلَدًا لَكِنَّهُ يَأْخُذُ من ثَمَرَةٍ خَرَجَتْ بَعْدَ الِانْفِصَالِ كما في الْوَلَدِ الْحَادِثِ عُلُوقُهُ بَعْدَ الْوَقْفِ وَإِنْ قال وَقَفْت على من يُنْسَبُ إلَيَّ من أَوْلَادِ أَوْلَادِي لم يَدْخُلْ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ لِأَنَّهُمْ لَا يُنْسَبُونَ إلَيْهِ بَلْ إلَى آبَائِهِمْ قال تَعَالَى اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ وَأَمَّا خَبَرُ إنَّ ابْنِي هذا سَيِّدٌ في حَقِّ الْحَسَنِ بن عَلِيٍّ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ من الْخَصَائِصِ كما ذَكَرُوهُ في النِّكَاحِ بِدَلِيلِ ما كان مُحَمَّدٌ
____________________
(2/467)
أَبَا أَحَدٍ من رِجَالِكُمْ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ دُخُولُ أَوْلَادِ الْبَنِينَ سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَاقِفُ رَجُلًا أَمْ امْرَأَةً وهو في الْمَرْأَةِ مُشْكِلٌ بِقَوْلِهِمْ في النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ إنَّهُ لَا مُشَارَكَةَ بين الْأُمِّ وَالِابْنِ في النَّسَبِ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذُكِرَ الِانْتِسَابُ في الْمَرْأَةِ هُنَا لِبَيَانِ الْوَاقِعِ لَا لِلْإِخْرَاجِ فَيَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ أَيْضًا وَإِلَّا يَلْزَمُ إلْغَاءُ الْوَقْفِ أَصْلًا فَالْعِبْرَةُ فيها بِالنِّسْبَةِ اللُّغَوِيَّةِ لَا الشَّرْعِيَّةِ وَيَكُونُ كَلَامُ الْفُقَهَاءِ مَحْمُولًا على وَقْفِ الرَّجُلِ
وَالْعَشِيرَةُ كَالْقَرَابَةِ في حُكْمِ الْوَقْفِ وَغَيْرِهِ وَمُطْلَقُ الْقَرَابَةِ يَأْتِي ذِكْرُهَا في الْوَصِيَّةِ قال الرَّافِعِيُّ وَالْعِتْرَةُ الْعَشِيرَةُ على الْأَصَحِّ وقال النَّوَوِيُّ أَكْثَرُ من جَعَلَهُمْ عَشِيرَةً خَصَّهُمْ بِالْأَقْرَبِينَ وَنَقَلَ فيه عِبَارَاتِ جَمْعٍ من أَهْلِ اللُّغَةِ ثُمَّ قال وَمُقْتَضَى ما قَالُوهُ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِمْ ذُرِّيَّتُهُ وَعَشِيرَتُهُ الْأَدْنَوْنَ وهو الظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ وَتَوَقَّفَ فِيمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وقال بَلْ الْأَظْهَرُ ما رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وهو الْأَقْرَبُ إلَى الْعُرْفِ وَالْحَادِثُونَ بَعْدَ الْوَقْفِ يُشَارِكُونَ الْمَوْجُودِينَ عِنْدَهُ لِصِدْقِ الِاسْمِ عليهم وَالْمَوْلَى اسْمٌ لِلْأَعْلَى وهو من له الْوَلَاءُ وَالْأَسْفَلِ وهو من عليه الْوَلَاءُ فَلَوْ اجْتَمَعُوا اشْتَرَكُوا لِتَنَاوُلِ الِاسْمِ لهم وَلَوْ قال فَلَوْ اجْتَمَعَا اشْتَرَكَا كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ وَلَوْ لم يُوجَدْ إلَّا أَحَدُهُمَا اخْتَصَّ الْوَقْفُ بِهِ فَلَوْ طَرَأَ الْآخَرُ بَعْدُ قال ابن النَّقِيبِ فَيَظْهَرُ عِنْدَ من يُشْرِكُ أَنْ يَدْخُلَ كما لو وَقَفَ على الْإِخْوَةِ ثُمَّ حَدَثَ آخَرُ وَرُدَّ بِأَنَّ إطْلَاقَ الْمَوْلَى على كُلٍّ مِنْهُمَا من الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ وقد دَلَّتْ الْقَرِينَةُ وَهِيَ الِانْحِصَارُ في الْوُجُودِ على أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ فَصَارَ الْمَعْنَى الْآخَرُ غير مُرَادٍ وَأَمَّا مع عَدَمِ الْقَرِينَةِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِمَا احْتِيَاطًا أو عُمُومًا على خِلَافٍ في ذلك مُقَرَّرٍ في الْأُصُولِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ على الْإِخْوَةِ فإن الْحَقِيقَةَ وَاحِدَةٌ وَإِطْلَاقُ الِاسْمِ على كل وَاحِدٍ من حَيِّزِ الْمُتَوَاطِئِ فَمَنْ صَدَقَ عليه هذا الِاسْمُ اسْتَحَقَّ من الْوَقْفِ إلَّا أَنْ يُقَيِّدَ الْوَاقِفُ بِالْمَوْجُودِينَ حَالَ الْوَقْفِ فَيُتَّبَعَ تَقْيِيدُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ التَّسْوِيَةُ بين الْمَوْلَى وَالْمَوَالِي وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وابن الصَّبَّاغِ لَكِنْ قال الْإِمَامُ لَا يُتَّجَهُ التَّشْرِيكُ في الْإِفْرَادِ وَيَنْقَدِحُ مُرَاجَعَةُ الْوَاقِفِ
فَصْلٌ يُرَاعَى شَرْطُ الْوَاقِفِ في ما شَرَطَ من التَّسْوِيَةِ وَالتَّفَاضُلِ وَالتَّخْصِيصِ بِوَصْفٍ وَزَمَانٍ وَمَكَانٍ وَلَوْ اقْتَصَرَ على الْوَصْفِ كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ فَإِنْ قال وَقَفْت على فُقَرَاءِ الْأَبْنَاءِ وَأَرَامِلِ الْبَنَاتِ أُعْطِيَ الْفُقَرَاءُ وَمَنْ افْتَقَرَ من الْأَبْنَاءِ بَعْدَ غِنَاهُ وَالْأَرْمَلَةُ من الْبَنَاتِ وَمَنْ تَطَلَّقَتْ مِنْهُنَّ أو فَارَقَتْ بِفَسْخٍ أو وَفَاةٍ لِصِدْقِ الِاسْمِ على هَؤُلَاءِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ من لم تَتَزَوَّجْ أَصْلًا أَرْمَلَةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الذي نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ أنها التي فَارَقَهَا زَوْجُهَا وفي الْوَصِيَّةِ من الرَّوْضَةِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَشَرْطُهَا على ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ في الْوَصِيَّةِ الْفَقْرُ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وهو كما قال وَإِنْ تَوَقَّفَ الْأَذْرَعِيُّ في الِاقْتِضَاءِ الْمَذْكُورِ لَا الرَّجْعِيَّةُ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ فَلَيْسَتْ أَرْمَلَةً أو قال وَقَفْت على أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ إلَّا من تَزَوَّجَتْ أو اسْتَغْنَتْ مِنْهُنَّ فَتَزَوَّجَتْ أو اسْتَغْنَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ خَرَجَتْ عن الِاسْتِحْقَاقِ ولم يَعُدْ اسْتِحْقَاقُهَا بِالطَّلَاقِ وَالْفَقْرِ لِأَنَّهَا لم تَخْرُجْ بِهِ عن كَوْنِهَا تَزَوَّجَتْ أو اسْتَغْنَتْ وَلِأَنَّ غَرَضَ الْوَاقِفِ أَنْ تَفِيَ له أُمُّ وَلَدِهِ وَلَا يَخْلُفَهُ عليها أَحَدٌ فَمَنْ تَزَوَّجَتْ لم تَفِ وَبِذَلِكَ فَارَقَتْ هذه ما قَبْلَهَا وَلَوْ خَصَّصَ الْوَاقِفُ كُلَّ وَاحِدٍ من الْمَوْقُوفِ عليه بِغَلَّةِ سَنَةٍ جَازَ وَاتُّبِعَ عَمَلًا بِشَرْطِهِ
فَرْعٌ لو وَقَفَ على أَوْلَادِهِ ثُمَّ قال فَإِنْ انْقَرَضُوا هُمْ وَأَوْلَادُهُمْ فَعَلَى الْفُقَرَاءِ فَمُنْقَطِعُ الْوَسَطِ وَحُكْمُهُ ما مَرَّ لِأَنَّهُ لم يَجْعَلْ لِأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ شيئا وَإِنَّمَا شَرَطَ انْقِرَاضَهُمْ
____________________
(2/468)
لِاسْتِحْقَاقِ الْفُقَرَاءِ
فَرْعٌ وَلَوْ وَقَفَ على أَرْبَعَةٍ أَنَّ من مَاتَ منهم وَلَهُ أَوْلَادٌ فَنَصِيبُهُ لِأَوْلَادِهِ وَإِلَّا فَلِأَهْلِ الْوَقْفِ فَمَاتَ منهم ثَلَاثَةٌ أَعْقَبَ منهم اثْنَانِ فَقَطْ فَنَصِيبُ الثَّالِثِ بين الرَّابِعِ وَبَيْنَ عَقِبِهِمَا أَيْ الِاثْنَيْنِ على الرُّءُوسِ وَإِنْ قال وَقَفْت على أَوْلَادِي وَمَنْ سَيُولَدُ لي على ما أُفَصِّلُهُ فَفَصَّلَهُ على الْمَوْجُودِينَ وَجَعَلَ نَصِيبَ من مَاتَ منهم بِلَا عَقِبٍ لِمَنْ سَيُولَدُ له جَازَ وَأُعْطِيَ من وُلِدَ له نَصِيبَ من مَاتَ منهم بِلَا عَقِبٍ فَقَطْ أَيْ دُونَ شَيْءٍ آخَرَ وَلَا يُؤَثِّرُ فيه قَوْلُهُ وَقَفْت على أَوْلَادِي وَمَنْ سَيُولَدُ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ بَعْدَهُ بَيَانٌ له
فَرْعٌ وَإِنْ وَقَفَ على سُكَّانِ بَلَدٍ فَغَابَ أَحَدُهُمْ سَنَةً مَثَلًا ولم يَبِعْ دَارِهِ وَلَا اسْتَبْدَلَ بها أُخْرَى أُعْطِيَ حَقَّهُ من الْوَقْفِ وَلَا يَبْطُلُ بِغَيْبَتِهِ فَإِنْ بَاعَهَا أو اسْتَبْدَلَ بها أُخْرَى بَطَلَ حَقُّهُ نعم إنْ اسْتَمَرَّ سَاكِنًا في دَارِهِ بَعْدَ بَيْعِهَا أو اسْتِبْدَالِهَا بِأُجْرَةٍ أو بِغَيْرِهَا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عليه أَنَّهُ سَاكِنٌ بِالْبَلَدِ وَقَوْلُهُ وَقَفْت عليه إنْ سَكَنَ هُنَا أَيْ مَكَانًا مُعَيَّنًا ثُمَّ بَعْدَهُ على الْفُقَرَاءِ مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْفُقَرَاءَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّونَ بَعْدَ انْقِرَاضِهِ وَاسْتِحْقَاقُهُ مَشْرُوطٌ بِشَرْطٍ قد يَتَخَلَّفُ وَلَفْظُ الْأَوَّلِ من زِيَادَتِهِ وقال السُّبْكِيُّ الذي يَظْهَرُ الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ وَاحْتِمَالُ الِانْقِطَاعِ ليس كَتَحَقُّقِهِ وَعُرُوضُ إعْرَاضِهِ عن السَّكَنِ كَرَدِّ الْمُسْتَحِقِّ غَلَّةَ الْوَقْفِ بَعْدَ صِحَّتِهِ
فَصْلٌ الِاسْتِثْنَاءُ وَالصِّفَةُ يَلْحَقَانِ الْجَمِيعَ في مِثْلِ قَوْلِهِ وَقَفْت على أَوْلَادِي وَأَحْفَادِي وَإِخْوَتِي الْمُحْتَاجِينَ أو إلَّا الْأَغْنِيَاءَ منهم أو إلَّا من يَفْسُقُ منهم فَتُشْتَرَطُ الْحَاجَةُ أو عَدَمُ الْغِنَى أو الْفِسْقُ في الْجَمِيعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ اشْتِرَاكُ الْمُتَعَاطِفَاتِ في جَمِيعِ الْمُتَعَلِّقَاتِ وَالْحَاجَةُ هُنَا مُعْتَبَرَةٌ بِجَوَازِ أَخْذِ الزَّكَاةِ كما أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَتَنْقَدِحُ مُرَاجَعَةُ الْوَاقِفِ إنْ أَمْكَنَتْ فَإِنْ عَطَفَ جُمَلًا أو مُفْرَدَاتٍ بِثُمَّ كَ وَقَفْتُ دَارِي على أَوْلَادِي ثُمَّ حَبَسَتْ ضَيْعَتِي على أَقَارِبِي ثُمَّ سَبَّلْت بُسْتَانِي على عُتَقَائِي الْمُحْتَاجِينَ أو إلَّا من يَفْسُقُ منهم أو فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِكَلَامٍ طَوِيلٍ كَ وَقَفْتُ على أَوْلَادِي على أَنَّ من مَاتَ منهم وَأَعْقَبَ فَنَصِيبُهُ بين أَوْلَادِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِلَّا فَنَصِيبُهُ لِمَنْ في دَرَجَتِهِ فإذا انْقَرَضُوا صُرِفَ إلَى إخْوَتِي الْمُحْتَاجِينَ أو إلَّا من يَفْسُقُ منهم اخْتَصَّتْ بِهِمَا أَيْ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَالصِّفَةِ الْجُمْلَةُ الْأَخِيرَةُ فَالشَّرْطُ في عَوْدِهِمَا لِلْجَمِيعِ الْعَطْفُ بِالْوَاوِ وَأَنْ لَا يَتَخَلَّلَ كَلَامٌ طَوِيلٌ وَنَقَلَهَا الْأَصْلُ عن الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ وَجَزَمَ في الْمِنْهَاجِ وَأَصْلِهِ بِأَوَّلِهِمَا لَكِنْ قال الزَّرْكَشِيُّ ما نُقِلَ عن الْإِمَامِ إنَّمَا هو احْتِمَالٌ له وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ وقد صَرَّحَ هو في الْبُرْهَانِ بِأَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ الْعَوْدُ إلَى الْجَمِيعِ وَإِنْ كان الْعَطْفُ بِثُمَّ قال فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْوَاوِ بَلْ الضَّابِطُ وُجُودُ عَاطِفٍ جَامِعٍ بِالْوَضْعِ كَالْوَاوِ وَالْفَاءِ وَثُمَّ بِخِلَافِ بَلْ وَلَكِنْ وَغَيْرِهِمَا وقد صَرَّحَ بِذَلِكَ ابن الْقُشَيْرِيِّ في الْأُصُولِ وقال السُّبْكِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين الْعَطْفِ بِالْوَاوِ وَثُمَّ انْتَهَى وَاعْلَمْ أَنَّ عَوْدَ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْحَمْلِ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْعَطْفِ فَقَدْ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ في الْأَيْمَانِ أَنَّهُ يَعُودُ إلَيْهَا بِلَا عَطْفٍ حَيْثُ قال قال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ لو قال إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْت طَالِقٌ عَبْدِي حُرٌّ لم تَطْلُقْ ولم يَعْتِقْ وَتَقْدِيمُ الصِّفَةِ على الْمُتَعَاطِفَاتِ كَتَأْخِيرِهَا عنها في عَوْدِهَا إلَى الْجَمِيعِ كَ وَقَفْتُ على فُقَرَاءِ أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي وَإِخْوَتِي وَكَذَا الِاسْتِثْنَاءُ كَ وَقَفْتُ لَا على من فَسَقَ على أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي قال الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَسَكَتُوا عن حُكْمِ الصِّفَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ وَالظَّاهِرُ اخْتِصَاصُهَا بِمَا وَلِيَتْهُ انْتَهَى وَالْمُعْتَمَدُ أنها كَغَيْرِهَا وَمِثْلُهَا الِاسْتِثْنَاءُ
فَرْعٌ الْبَطْنُ الثَّانِي وَمَنْ بَعْدَهُ يَتَلَقَّوْنَ الْوَقْفَ
____________________
(2/469)
من الْوَاقِفِ لَا من الْبَطْنِ الْأَوَّلِ
الطَّرَفُ الثَّانِي في الْأَحْكَامِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَحُكْمُ الْوَقْفِ اللُّزُومُ في الْحَالِ فَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عنه سَوَاءٌ أَحَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ أَسَلَّمَهُ لِلْمَوْقُوفِ عليه أَمْ لَا كَالْعِتْقِ وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى ما بَعْدَ الْمَوْتِ بِأَنْ قال دَارِي وَقْفٌ على الْفُقَرَاءِ بَعْدَ مَوْتِي فَأَنَّهُ لَازِمٌ حَالَ كَوْنِهِ وَقْفًا وَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَصَوَّرَ الْإِسْنَوِيُّ ذلك أَيْضًا بِأَنْ يُنَجِّزَ الْوَقْفَ وَيُعَلِّقَ الْإِعْطَاءَ على الْمَوْتِ قال فإن صَاحِبَ الْبَيَانِ ذَكَرَ ما حَاصِلُهُ جَوَازُهُ كما في الْوَكَالَةِ انْتَهَى وَعَلَيْهِ فَرِيعُهُ قبل الْمَوْتِ يَنْبَغِي صَرْفُهُ لِصَالِحِ الْوَقْفِ خَاصَّةً وَيَنْتَقِلُ مِلْكُهُ أَيْ الْوَقْفِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ كان على مُعَيَّنٍ أَيْ يَنْفَكُّ عن اخْتِصَاصِ الْآدَمِيِّ كَالْعِتْقِ فَلَا يَمْلِكُهُ الْوَاقِفُ وَلَا الْمَوْقُوفُ عليه بِدَلِيلِ امْتِنَاعِ تَصَرُّفِهِمَا فيه
وَجَعْلُ الْبُقْعَةِ مَسْجِدًا أو مَقْبَرَةً تَحْرِيرٌ لها كَتَحْرِيرِ الرَّقَبَةِ في أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا انْتَقَلَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كما شَمِلَهُ كَلَامُهُ السَّابِقُ وفي أَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ كَالْحُرِّ وفي أَنَّهُ لو مُنِعَ أَحَدُ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمَا بِغَلْقٍ أو غَيْرِهِ ولم يَنْتَفِعْ بِهِمَا لَا أُجْرَةَ عليه وَالْأَمْرُ أَنَّ الْأَخِيرَانِ ذَكَرُوهُمَا في الْمَسْجِدِ وَمِثْلُهُ فِيمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ الْمَقْبَرَةُ وَالرِّبَاطُ وَالْمَدْرَسَةُ وَنَحْوُهَا وَلَعَلَّهُ أَشَارَ بِالتَّحْرِيرِ إلَى ما ذَكَرْنَاهُ من الْأُمُورِ وَإِلَّا فَالْأَمْرُ الْأَوَّلُ قد عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ كما أَشَرْت إلَيْهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فيه
فَصْلٌ الْفَوَائِدُ مِلْكٌ لِلْمَوْقُوفِ عليه فَيَتَصَرَّفُ فيها تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ لِأَنَّ ذلك هو الْمَقْصُودُ من الْوَقْفِ وَهِيَ كَالدَّرِّ وَالصُّوفِ وَالثَّمَرَةِ لَا الْأَغْصَانِ فَلَيْسَتْ له إلَّا الْأَغْصَانَ من شَجَرِ خِلَافٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُعْتَادُ قَطْعُهُ لِأَنَّهَا كَالثَّمَرَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَمْلُوكَ من فَوَائِدِ الْمَدَارِسِ وَنَحْوِهَا إنَّمَا هو الِانْتِفَاعُ لَا الْمَنْفَعَةُ وَسَيَأْتِي شَيْءٌ منه وَالْحَمْلُ الْمُقَارِنُ لِلْوَقْفِ كَالْأُمِّ في كَوْنِهِ وَقْفًا مِثْلَهَا بِنَاءً على أَنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ الصُّوفُ وَنَحْوُهُ والحمل الْحَادِثُ كَالدَّرِّ فَيَكُونُ مِلْكًا لِلْمَوْقُوفِ عليه وَلَوْ وَقَفَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ فَفَوَائِدُهَا من دَرٍّ وَنَحْوِهِ لِلْوَاقِفِ لَا لِلْمَوْقُوفِ عليه لِأَنَّهَا لم تَدْخُلْ في الْوَقْفِ
فَرْعٌ الْحَيَوَانُ الْمَوْقُوفُ لِلْإِنْزَاءِ لَا يُحْرَثُ عليه أَيْ لَا يَحْرُثُ عليه الْوَاقِفُ وَلَا غَيْرُهُ وَالْمُرَادُ لَا يُسْتَعْمَلُ في غَيْرِ الْإِنْزَاءِ مِمَّا يَنْقُصُ مَنْفَعَتَهُ الْمَوْقُوفَ لها نعم لو عَجَزَ عن الْإِنْزَاءِ فَالظَّاهِرُ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ الْوَاقِفِ له في غَيْرِهِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالَهُ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالثَّوْرِ الْمَوْقُوفِ لِلْإِنْزَاءِ وَإِنْ قُطِعَ بِمَوْتِ الدَّابَّةِ الْمَوْقُوفَةِ الْمَأْكُولَةِ ذُبِحَتْ جَوَازًا لِلضَّرُورَةِ وَفَعَلَ الْحَاكِمُ بِلَحْمِهَا ما رَآهُ مَصْلَحَةً بِنَاءً على أَنَّ الْمِلْكَ فيها يَنْتَقِلُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ يُبَاعُ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ دَابَّةٌ من جِنْسِهَا وَتُوقَفُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا في الْأَنْوَارِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْأَوْلَى بِالتَّرْجِيحِ الثَّانِي وَجَرَيْت عليه في شَرْحِ الْبَهْجَةِ فَإِنْ لم يُقْطَعْ بِمَوْتِهَا لم يَجُزْ ذَبْحُهَا وَإِنْ خَرَجَتْ عن الِانْتِفَاعِ كما لَا يَجُوزُ إعْتَاقُ الْعَبْدِ الْمَوْقُوفِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا حَيَّةً وهو ما صَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ لَكِنْ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ بِالْجَوَازِ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ فَإِنْ مَاتَتْ فَالْمَوْقُوفُ عليه أَحَقُّ بِجِلْدِهَا نعم إنْ خَصَّهُ الْوَاقِفُ بِبَعْضِ مَنَافِعِهَا كَدَرِّهَا أو صُوفِهَا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا حَقَّ له في جِلْدِهَا فَلَوْ دَبَغَهُ هو أو غَيْرُهُ أو انْدَبَغَ بِنَفْسِهِ فِيمَا يَظْهَرُ عَادَ وَقْفًا
فَصْلٌ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ له بِالْوَقْفِ الْمُطْلَقِ يَسْتَوْفِيهَا بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ بِإِجَارَةٍ وَإِعَارَةٍ من نَاظِرٍ لِأَنَّ ذلك مَقْصُودُ الْوَاقِفِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْوَاقِفُ نَفْيَ شَيْءٍ فَيُتَّبَعُ نعم لِلنَّاظِرِ مَنْعُهُ من السُّكْنَى لِلدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ عليه لِيُؤَجِّرَهَا لِلْعِمَارَةِ إنْ اقْتَضَاهَا الْحَالُ لِأَنَّهُ لو لم يَمْنَعْهُ لَأَدَّى ذلك إلَى الْخَرَابِ أَمَّا الْمَوْقُوفَةُ لِيُعْطَى الْمُؤَذِّنُ مَثَلًا أُجْرَتَهَا فَلَا يَسْكُنُهَا أو لِيَسْكُنَهَا فَ لَا يُؤَجِّرُهَا عَمَلًا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُعِيرُهَا وَعَلَيْهِ عَمَلُ الناس وَعَنْ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ لَمَّا وَلِيَ دَارَ الحديث وَبِهَا قَاعَةٌ لِلشَّيْخِ لم يَسْكُنْهَا وَأَسْكَنَهَا غَيْرَهُ لَكِنَّ قَوْلَ الْأَصْلِ ليس له أَنْ يُسْكِنَهَا غَيْرَهُ بِأُجْرَةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا صَرِيحٌ في الْمَنْعِ وهو الْمُعْتَمَدُ
____________________
(2/470)
فَصْلٌ مَهْرُ الْأَمَةِ الْمَوْقُوفَةِ إذَا وُطِئَتْ مُكْرَهَةً أو بِشُبْهَةٍ أو نِكَاحَ مِلْكٍ لِلْمَوْقُوفِ عليه كَاللَّبَنِ وَالثَّمَرَةِ لِأَنَّهُ من الْفَوَائِدِ وَوَطْؤُهَا من الْوَاقِفِ وَالْمَوْقُوفِ عليه وَالْأَجْنَبِيِّ حَرَامٌ لِعَدَمِ مِلْكِهِمْ أو لِأَنَّ مِلْكَ الْأَوَّلَيْنِ نَاقِصٌ لم يَحْدُثْ نُقْصَانُهُ بِوَطْءٍ سَابِقٍ وَخَرَجَ بهذا الْقَيْدِ وَطْءُ أُمِّ الْوَلَدِ وما ذَكَرَهُ يُغْنِي عنه قَوْلُهُ وهو أَيْ الْوَطْءُ من الْأَجْنَبِيِّ وَالْوَاقِفِ وَالْمَوْقُوفِ عليه كَوَطْءِ أَمَةِ الْغَيْرِ في أَحْكَامِهِ وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِبَعْضِهَا لَكِنْ لَا مَهْرَ على الْمَوْقُوفِ عليه بِحَالٍ لِأَنَّهُ لو وَجَبَ لَوَجَبَ له وَلَا قِيمَةَ وَلَدِهَا الْحَادِثِ بِتَلَفِهِ أو بِانْعِقَادِهِ حُرًّا لِأَنَّهُ أَيْ وَلَدَ الْمَوْقُوفَةِ مِلْكٌ له وَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ حَيْثُ لَا شُبْهَةَ كَالْوَاقِفِ وَالْأَجْنَبِيِّ وَلَا أَثَرَ لِمِلْكِهِ الْمَنْفَعَةَ كما لو وَطِئَ الْمُوصَى له بِالْمَنْفَعَةِ الْأَمَةَ وَهَذَا مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ وما ذُكِرَ من لُزُومِ الْحَدِّ له وَلِلْمُوصَى له بِمَنْفَعَةِ الْأَمَةِ فيه كَلَامٌ يَأْتِي في الْوَصِيَّةِ
فَرْعٌ يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ الْمَوْقُوفَةِ تَحْصِينًا لها وَقِيَاسًا على الْإِجَارَةِ وَوَلِيُّهَا السُّلْطَانُ لِأَنَّ الْمِلْكَ فيها لِلَّهِ تَعَالَى وَإِذْنُ الْمَوْقُوفِ عليه له شَرْطٌ في صِحَّةِ تَزْوِيجِهَا لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بها وَلَا يَلْزَمُهُ الْأُذُنُ في تَزْوِيجِهَا وَإِنْ طَلَبَتْهُ منه لِأَنَّ الْحَقَّ له فَلَا يُجْبَرُ عليه وَلَيْسَ لِأَحَدٍ إجْبَارُهَا عليه أَيْضًا كَالْعَتِيقَةِ وَلَا يَحِلُّ له نِكَاحُهَا وَإِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ فيها لِلَّهِ تَعَالَى احْتِيَاطًا بَلْ لو وُقِفَتْ عليه زَوْجَتُهُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ إنْ قَبِلَ الْوَقْفَ على الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ الْقَبُولِ وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَعَلَيْهِ لو رَدَّ بَعْدَ ذلك اتَّجَهَ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِ الْفَسْخِ وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَلَا يَحِلُّ لِلْوَاقِفِ نِكَاحُهَا أَيْضًا
فَصْلٌ النَّظَرُ في الْوَقْفِ لِمَنْ شَرَطَهُ الْوَاقِفُ له من نَفْسِهِ أو غَيْرِهِ سَوَاءٌ أَفَوَّضَهُ في الْحَيَاةِ أَمْ أَوْصَى بِهِ لِأَنَّهُ الْمُتَقَرِّبُ بِصَدَقَتِهِ فَيُتَّبَعُ شَرْطُهُ فيه كما يُتَّبَعُ في مَصَارِفِهِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَشْرِطْهُ لِأَحَدٍ فَلِلْحَاكِمِ لَا لِلْوَاقِفِ وَلَا لِلْمَوْقُوفِ عليه لِأَنَّهُ النَّاظِرُ الْعَامُّ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ في الْوَقْفِ لِلَّهِ تَعَالَى
فَرْعٌ يُشْتَرَطُ في النَّاظِرِ الْأَمَانَةُ وَالْكِفَايَةُ في التَّصَرُّفِ وَإِنْ كان الْوَقْفُ على مُعَيَّنِينَ رُشَدَاءَ لِأَنَّ النَّظَرَ وِلَايَةٌ كما في الْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ وَعَبَّرَ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ بَدَلَ الْأَمَانَةِ بِالْعَدَالَةِ وَهِيَ أَخَصُّ منها كما أَشَارَ إلَيْهِ ابن الرِّفْعَةِ في اللَّقِيطِ حَيْثُ قال لم يَعْتَبِرْ الشَّيْخُ الْعَدَالَةَ بَلْ الْأَمَانَةَ قال السُّبْكِيُّ وَيُعْتَبَرُ في مَنْصُوبِ الْحَاكِمِ الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى في مَنْصُوبِ الْوَاقِفِ بِالظَّاهِرَةِ كما في الْأَبِ وَإِنْ افْتَرَقَا في وُفُورِ شَفَقَةِ الْأَبِ وَخَالَفَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَاعْتَبَرَ فيه الْبَاطِنَةَ أَيْضًا فَإِنْ اخْتَلَّتْ إحْدَاهُمَا نُزِعَ الْوَقْفُ منه أَيْ نَزَعَهُ منه الْحَاكِمُ فَإِنْ زَالَ الِاخْتِلَالُ عَادَ نَظَرُهُ إنْ كان مَشْرُوطًا في الْوَقْفِ مَنْصُوصًا عليه بِعَيْنِهِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وفي فَتَاوِيهِ وَكَلَامُ الْإِمَامِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ وَإِنْ كان هو أَيْ الْمَشْرُوطُ له النَّظَرُ الْوَاقِفَ فإنه يُشْتَرَطُ فيه الْأَمَانَةُ وَالْكِفَايَةُ وَيُنْزَعُ الْوَقْفُ منه إنْ اخْتَلَّتْ إحْدَاهُمَا
وَلِقَبُولِهِ أَيْ الْمَشْرُوطِ له النَّظَرُ حُكْمُ قَبُولِ الْوَكِيلِ بِجَامِعِ اشْتِرَاكِهِمَا في التَّصَرُّفِ وفي جَوَازِ الِامْتِنَاعِ مِنْهُمَا بَعْدَ قَبُولِهِمَا فَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ لَفْظًا
فَرْعٌ وَعَلَى النَّاظِرِ الْعِمَارَةُ وَالْإِجَارَةُ وَجَمْعُ الْغَلَّةِ وَحِفْظُهَا وَحِفْظُ الْأُصُولِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَقِسْمَتُهَا على الْمُسْتَحِقِّينَ سَوَاءٌ أَشَرَطَهَا الْوَاقِفُ عليه
____________________
(2/471)
أَمْ أَطْلَقَ وَمِنْ وَظِيفَتِهِ تَنْزِيلُ الطَّلَبَةِ أَيْضًا كما صَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُ ابْنِ عبد السَّلَامِ تَنْزِيلُهُمْ لِلْمُدَرِّسِ لَا لِلنَّاظِرِ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِأَحْوَالِهِمْ وَمَرَاتِبِهِمْ قال الزَّرْكَشِيُّ مَحْمُولٌ على عُرْفِ زَمَانِهِ أو على ما إذَا كان النَّاظِرُ جَاهِلًا بِمَرَاتِبِهِمْ قال في الْأَصْلِ وَلِلْوَاقِفِ تَفْوِيضُ بَعْضِ هذه الْأُمُورِ لِوَاحِدٍ وَالْبَعْضِ لِآخَرَ وَإِنْ جَعَلَهُ أَيْ النَّظَرَ لِعَدْلَيْنِ من أَوْلَادِهِ وَلَيْسَ فِيهِمْ إلَّا عَدْلٌ وَاحِدٌ نَصَبَ الْحَاكِمُ بَدَلَ الْمَعْدُومِ عَدْلًا آخَرَ وَلِلنَّاظِرِ من غَلَّةِ الْوَقْفِ ما شَرَطَهُ له الْوَاقِفُ وَإِنْ زَادَ على أُجْرَةِ الْمِثْلِ وكان ذلك أُجْرَةَ عَمَلِهِ نعم إنْ شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ تَقَيَّدَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ كما مَرَّ فَإِنْ عَمِلَ بِلَا شَرْطٍ فَلَا شَيْءَ له كما عُلِمَ من بَابِ الْإِجَارَةِ فَلَوْ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى حَاكِمٍ لِيُقَرِّرَ له أُجْرَةً فَهُوَ كما إذَا تَبَرَّمَ الْوَلِيُّ بِحِفْظِ مَالِ الطِّفْلِ وَرَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيُثْبِتَ له أُجْرَةً قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ قال الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ في تَحْرِيرِهِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَأْخُذُ مع الْحَاجَةِ إمَّا قَدْرَ نَفَقَتِهِ كما رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ ثَمَّ أو الْأَقَلَّ من نَفَقَتِهِ وَأُجْرَةِ مِثْلِهِ كما رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وقد يُقَالُ التَّشْبِيهُ بِالْوَلِيِّ إنَّمَا وَقَعَ في حُكْمِ الرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ لَا مُطْلَقًا فَلَا يَقْتَضِي ما قَالَهُ وكان مُرَادُهُمْ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِتَقْرِيرِ الْحَاكِمِ على أَنَّ الظَّاهِرَ هُنَا أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُقَرِّرَ له أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَإِنْ كانت أَكْثَرَ من النَّفَقَةِ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ النَّفَقَةُ ثَمَّ لِوُجُوبِهَا على فَرْعِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ وَلِيًّا على مَالِهِ أَمْ لَا بِخِلَافِ النَّاظِرِ فَإِنْ شَرَطَ له عُشْرَ الْغَلَّةِ أُجْرَةً لِعَمَلِهِ جَازَ ثُمَّ إنْ عَزَلَهُ بَطَلَ اسْتِحْقَاقُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا كان في مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ وَسُومِحَ في ذلك تَبَعًا لِرِيعِ الْمُسْتَحِقِّينَ وَإِلَّا فَالْأُجْرَةُ لَا تَكُونُ من شَيْءٍ مَعْدُومٍ وَإِنْ لم يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِهِ أُجْرَةً اسْتَحَقَّ وَلَا يَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ له بِعَزْلِهِ له لِأَنَّهُ وُقِفَ عليه فَهُوَ كَأَحَدِ الْمَوْقُوفِ عليهم وَصُورَةُ نُفُوذِ عَزْلِهِ أَنْ يَشْرِطَ لِنَفْسِهِ النَّظَرَ وَتَوْلِيَةَ غَيْرِهِ عنه بِعُشْرِ الْغَلَّةِ ثُمَّ يُوَلِّيَهُ بِهِ
فَرْعٌ ليس لِلنَّاظِرِ أَخْذُ شَيْءٍ من مَالِ الْوَقْفِ على وَجْهِ الضَّمَانِ فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَهُ وَلَا يَجُوزُ له إدْخَالُ ما ضَمِنَهُ فيه أَيْ في مَالِ الْوَقْفِ إذْ ليس له اسْتِيفَاؤُهُ من نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ وَإِقْرَاضُهُ إيَّاهُ أَيْ مَالَ الْوَقْفِ كَإِقْرَاضِ مَالِ الصَّبِيِّ وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ في بَابِهِ
فَرْعٌ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَعْزِلَ من وَلَّاهُ وَيَنْصِبَ غَيْرَهُ حَيْثُ كان النَّظَرُ له كما يَعْزِلُ الْمُوَكِّلُ وَكِيلَهُ وَيَنْصِبُ غَيْرَهُ وكان الْمُتَوَلِّي نَائِبًا عنه فما قِيلَ من أَنَّهُ إنَّمَا يَعْزِلُهُ بِسَبَبٍ وَإِلَّا فَلَيْسَ له عَزْلُهُ فَإِنْ عَزَلَهُ لم يَنْعَزِلْ بَعِيدٌ لَا من شَرَطَ نَظَرَهُ أو تَدْرِيسَهُ أو فَوَّضَهُ أَيْ كُلًّا مِنْهُمَا إلَيْهِ حَالَ الْوَقْفِ فَلَيْسَ له عَزْلُهُ وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ كما لو وَقَفَ على أَوْلَادِهِ الْفُقَرَاءِ لَا يَجُوزُ تَبْدِيلُهُمْ بِالْأَغْنِيَاءِ وَلِأَنَّهُ لَا نَظَرَ له بَعْدَ شَرْطِهِ النَّظَرَ في الْأُولَى لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ من جَعَلَ له ذلك بَعْدَ تَمَامِ الْوَقْفِ فإن له عَزْلَهُ كما مَرَّ في مَسْأَلَةِ النَّظَرِ لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ في تَفْوِيضِ التَّدْرِيسِ بِمَا إذَا كانت جُنْحَةً ثُمَّ ما ذَكَرَهُ في التَّفْوِيضِ تَبِعَ فيه الْبَغَوِيّ وَبَحَثَ الرَّافِعِيُّ فيه جَوَازَ عَزْلِهِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ لِعَدَمِ صِيغَةِ الشَّرْطِ بَلْ لو عَزَلَ النَّاظِرُ الثَّابِتُ له النَّظَرُ بِالشَّرْطِ نَفْسَهُ أو فُسِّقَ فَتَوْلِيَةُ غَيْرِهِ إلَى الْحَاكِمِ لَا إلَى الْوَاقِفِ إذْ لَا نَظَرَ له بَعْدَ أَنْ جَعَلَ النَّظَرَ في حَالَ الْوَقْفِ لِغَيْرِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِمَسْأَلَةِ الْفِسْقِ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ
____________________
(2/472)
شَرَطَ النَّظَرَ حَالَ الْوَقْفِ لِزَيْدٍ بَعْدَ انْتِقَالِ الْوَقْفِ من عَمْرٍو إلَى الْفُقَرَاءِ فَعَزَلَ زَيْدٌ نَفْسَهُ من النَّظَرِ أو اسْتَنَابَ فيه غَيْرَهُ قبل انْتِقَالِ الْوَقْفِ من عَمْرٍو إلَى الْفُقَرَاءِ لم يَصِحَّ كُلٌّ من الْعَزْلِ وَالِاسْتِنَابَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ نَاظِرٍ في الْحَالِ وَلَا يَمْلِكُ الْوَاقِفُ عَزْلَ زَيْدٍ في الْحَالِ وَلَا بَعْدَهُ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّعْلِيلِ من زِيَادَتِهِ
وَإِنْ جَعَلَ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ من أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ فَأَثْبَتَ كُلٌّ منهم أَنَّهُ الْأَرْشَدُ اشْتَرَكُوا في النَّظَرِ بِلَا اسْتِقْلَالٍ إنْ وُجِدَتْ الْأَهْلِيَّةُ فِيهِمْ لِأَنَّ الْأَرْشَدِيَّةَ قد سَقَطَتْ بِتَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ فيها وَبَقِيَ أَصْلُ الرُّشْدِ فَصَارَ كما لو قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِرُشْدِ الْجَمِيعِ من غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَحِكْمَةُ التَّشْرِيكِ لِعَدَمِ الْمَزِيَّةِ وَأَمَّا عَدَمُ الِاسْتِقْلَالِ فَكَمَا لو أَوْصَى إلَى اثْنَيْنِ مُطْلَقًا وَإِنْ وُجِدَتْ الْأَرْشَدِيَّةُ في بَعْضٍ منهم اخْتَصَّ بِالنَّظَرِ عَمَلًا بِالْبَيِّنَةِ وَيَدْخُلُ فيه أَيْ في الْأَرْشَدِ من أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ أَيْ الْأَرْشَدُ منهم لِصِدْقِهِ بِهِ وَالنَّاظِرُ في أَمْكِنَةٍ إنْ أَثْبَتَ أَهْلِيَّةَ النَّظَرِ له في مَكَان منها ثَبَتَ كَوْنُهُ أَهْلًا في سَائِرِهَا من جِهَةِ الْأَمَانَةِ لَا الْكِفَايَةِ فَلَا يَثْبُتُ كَوْنُهُ أَهْلًا من جِهَتِهَا حتى يُثْبِتَ أَيْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بها أَيْ بِأَهْلِيَّتِهِ لِلنَّظَرِ في كُلٍّ منها أَيْ من الْأَمْكِنَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ نَصَبَ الْوَاقِفُ الذي شَرَطَ لِنَفْسِهِ النَّظَرَ وَنَصَبَ غَيْرَهُ بَدَلَهُ إذَا أَرَادَ نَاظِرًا ثُمَّ مَاتَ الْوَاقِفُ لم يُبْدَلْ بِغَيْرِهِ وَيُجْعَلُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَالْوَصِيِّ في عَدَمِ جَوَازِ إبْدَالِهِ له بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إبْدَالُهُ قبل الْمَوْتِ
فَصْلٌ نَفَقَةُ الْمَوْقُوفِ وَمُؤَنُ تَجْهِيزِهِ وَعِمَارَتُهُ من حَيْثُ شُرِطَتْ أَيْ شَرَطَهَا الْوَاقِفُ من مَالِهِ أو من مَالِ الْوَقْفِ وَإِلَّا فَمِنْ مَنَافِعِهِ أَيْ الْمَوْقُوفِ كَكَسْبِ الْعَبْدِ وَغَلَّةِ الْعَقَارِ فإذا تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهُ فَالنَّفَقَةُ وَمُؤَنُ التَّجْهِيزِ لَا الْعِمَارَةُ من بَيْتِ الْمَالِ كَمَنْ أَعْتَقَ من لَا كَسْبَ له أَمَّا الْعِمَارَةُ فَلَا تَجِبُ على أَحَدٍ حِينَئِذٍ كَالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ لِصِيَانَةِ رُوحِهِ وَحُرْمَتِهِ
فَصْلٌ لو جُعِلَ النَّظَرُ لِلْمَوْقُوفِ عليهم اشْتَرَكُوا فيه فَلَيْسَ لِأَحَدٍ منهم أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالتَّصَرُّفِ وَلَوْ أَجَّرَ النَّاظِرُ الْوَقْفَ فَزَادَتْ الْأُجْرَةُ أو ظَهَرَ طَالِبٌ بِزِيَادَةٍ بَعْدَ ذلك لم يُنْقَضْ عَقْدُ الْإِجَارَةِ وَلَوْ أَجَّرَهُ سِنِينَ لِأَنَّ الْعَقْدَ جَرَى بِالْغِبْطَةِ في وَقْتِهِ فَأَشْبَهَ ما إذَا بَاعَ الْوَلِيُّ مَالَ طِفْلِهِ ثُمَّ ارْتَفَعَتْ الْقِيمَةُ بِالْأَسْوَاقِ أو ظَهَرَ طَالِبٌ بِالزِّيَادَةِ
فَصْلٌ لو انْدَرَسَ شَرْطُ الْوَاقِفِ وَجُهِلَ التَّرْتِيبُ بين أَرْبَابِ الْوَقْفِ أو الْمَقَادِيرُ بِأَنْ لم يُعْلَمْ هل سَوَّى الْوَاقِفُ بَيْنَهُمْ أو فَاضَلَ قُسِمَتْ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَإِنْ تَنَازَعُوا في شَرْطِهِ وَلَا بَيِّنَةَ وَلِأَحَدِهِمْ يَدٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِاعْتِضَادِ دَعْوَاهُ بِالْيَدِ وَقَوْلُهُ بِيَمِينِهِ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ كان الْوَاقِفُ حَيًّا عُمِلَ بِقَوْلِهِ بِلَا يَمِينٍ كما صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وزاد فَقَالَا إذَا مَاتَ الْوَاقِفُ يُرْجَعُ إلَى وَارِثِهِ فَإِنْ لم يَكُنْ وكان له نَاظِرٌ من جِهَةِ الْوَاقِفِ رُجِعَ إلَيْهِ لَا إلَى الْمَنْصُوبِ من جِهَةِ الْحَاكِمِ فَإِنْ وُجِدَا واختلفا فَهَلْ يُرْجَعُ إلَى الْوَارِثِ أو إلَى النَّاظِرِ وَجْهَانِ رَجَّحَ مِنْهُمَا الْأَذْرَعِيُّ الثَّانِيَ فَلَوْ فُقِدَ الْوَاقِفُ وَمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِمَّنْ ذُكِرَ وَلَا يَدَ لِوَاحِدٍ منهم على الْمَوْقُوفِ أو كان في أَيْدِيهِمْ سُوِّيَ بَيْنَهُمْ وَلَوْ جُهِلَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْوَقْفِ صُرِفَ لِأَقْرِبَاءِ الْوَاقِفِ وَقَوْلُهُ ثُمَّ لِلْمَصَالِحِ من زِيَادَتِهِ
فَصْلٌ وَإِنْ قُتِلَ الْعَبْدُ الْمَوْقُوفُ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتَصَّ من قَاتِلِهِ بِشَرْطِهِ كَعَبِيدِ بَيْتِ الْمَالِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ وَجَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ في نَفْسٍ وَلَا طَرَفٍ لِمَا فيه من اسْتِهْلَاكِ الْوَقْفِ قال السُّبْكِيُّ وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ جَمْعٍ عَدَّدَهُمْ فَلْيُعْتَقَدْ تَصْحِيحُهُ وَتَبِعَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَإِنْ وَجَبَ بِالْجِنَايَةِ عليه قِيمَةٌ أو أَرْشٌ اشْتَرَى الْحَاكِمُ بِالْبَدَلِ مثله لِيُجْعَلَ وَقْفًا مَكَانَهُ مُحَافَظَةً على غَرَضِ الْوَاقِفِ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَشِقْصًا من عَبْدٍ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى غَرَضِهِ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةَ حَيْثُ لَا يَشْتَرِي بِقِيمَتِهَا شِقْصَ شَاةٍ
____________________
(2/473)
لِتَعَذُّرِ التَّضْحِيَةِ فَإِنْ تَعَذَّرَ الشِّقْصُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ذَكَرَهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ أَحَدُهَا يَبْقَى الْبَدَلُ بِحَالِهِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَبْقَى إلَى أَنْ يَتَمَكَّنَ من شِرَاءِ شِقْصٍ ثَانِيهَا يَكُونُ مِلْكًا لِلْمَوْقُوفِ عليه ثَالِثُهَا يَكُونُ لِأَقْرَبِ الناس إلَى الْوَاقِفِ فَلَوْ زَادَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ على ثَمَنِ مِثْلِهِ أَخَذَ بِالزَّائِدِ شِقْصًا من عَبْدٍ لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْءٍ من الْمَوْقُوفِ وَخَرَجَ بِالْحَاكِمِ الْوَاقِفُ وَالْمَوْقُوفُ عليه وَكَذَا الْجَانِي لِأَنَّ من ثَبَتَ في ذِمَّتِهِ شَيْءٌ ليس له اسْتِيفَاؤُهُ من نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا ما له بهذا تَعَلُّقٌ
فَرْعٌ لَا يُشْتَرَى صَغِيرٌ عن كَبِيرٍ وَلَا ذَكَرٌ عن أُنْثَى وَكَذَا عَكْسُهُمَا لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبُطُونِ من أَهْلِ الْوَقْفِ وَلَا يَصِيرُ الْمُشْتَرَى وَقْفًا حتى يُوقِفَهُ الْفَصِيحُ يَقِفَهُ الْحَاكِمُ وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَبْنِيِّ في عِمَارَةِ الْجُدْرَانِ الْمَوْقُوفَةِ وَتَرْمِيمِهَا حَيْثُ يَصِيرُ وَقْفًا بِالْبِنَاءِ لِجِهَةِ الْوَقْفِ بِأَنَّ الْعَبْدَ الْمَوْقُوفَ قد فَاتَ بِالْكُلِّيَّةِ وَالْأَرْضَ الْمَوْقُوفَةَ بَاقِيَةٌ وَالطِّينَ وَالْحَجَرَ الْمَبْنِيَّ بِهِمَا كَالْوَصْفِ التَّابِعِ وما ذَكَرَ من أَنَّ الْحَاكِمَ هو الذي يَتَوَلَّى الشِّرَاءَ وَالْوَقْفَ مَحَلُّهُ إذَا لم يَكُنْ لِلْوَقْفِ نَاظِرٌ خَاصٌّ وَإِلَّا فَهُوَ الذي يَتَوَلَّاهُمَا كما هو الْمَفْهُومُ من كَلَامِهِمْ فِيمَنْ يَتَوَلَّى أَمْرَ الْوَقْفِ كَذَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَالْمُعْتَمَدُ الْإِطْلَاقُ بِنَاءً على أَنَّ الْمَوْقُوفَ مِلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى كما مَرَّ
فَرْعٌ وَإِنْ جَنَى الْمَوْقُوفُ جِنَايَةً تُوجِبُ قِصَاصًا اُقْتُصَّ منه وإذا اُقْتُصَّ منه فإن الْوَقْفَ كما لو مَاتَ وَمَتَى وَجَبَ بِجِنَايَتِهِ مَالٌ أو قِصَاصٌ وعفي عنه عليه أَيْ على مَالٍ فَدَاهُ الْوَاقِفُ لِأَنَّهُ مَنَعَ من بَيْعِهِ كَأُمِّ الْوَلَدِ إذَا جَنَتْ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ من قِيمَتِهِ وَالْأَرْشِ فَلَا يَتَعَلَّقُ الْمَالُ بِرَقَبَتِهِ لِتَعَذُّرِ بَيْعِهِ وَلَهُ أَنْ تَكَرَّرَتْ الْجِنَايَةُ منه حُكْمُ أُمِّ الْوَلَدِ في عَدَمِ تَكَرُّرِ الْفِدَاءِ وَسَائِرِ أَحْكَامِهَا فَإِنْ مَاتَ الْوَاقِفُ ثُمَّ جَنَى الْعَبْدُ فَمِنْ أَيْ فَهَلْ يُفْدَى من كَسْبِ الْعَبْدِ أو بَيْتِ الْمَالِ كَالْحُرِّ الْمُعْسِرِ الذي لَا عَاقِلَةَ له وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ كما أَنَّ الْعِمَارَةَ من رِيعِ الْمَوْقُوفِ لَا من تَرِكَةِ الْوَاقِفِ لِأَنَّهَا انْتَقَلَتْ إلَى الْوَارِثِ وَقِيلَ من تَرِكَتِهِ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَمْنُوعٌ من بَيْعِهِ بِسَبَبٍ صَدَرَ منه في الْحَيَاةِ فَلَزِمَهُ ضَمَانُ جِنَايَتِهِ في مَالِهِ وَتَرْجِيحُ أَنَّهُ ليس من التَّرِكَةِ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ لم يَسْقُطْ الْفِدَاءُ وَإِنْ لم يَطُلْ الْفَصْلُ لِأَنَّ تَضْمِينَ الْوَاقِفِ كان بِسَبَبِ كَوْنِهِ مَانِعًا من الْبَيْعِ بِالْوَقْفِ وهو مَوْجُودٌ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْقِنِّ فإن الْأَرْشَ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ فإذا مَاتَ فَلَا أَرْشَ وَلَا فِدَاءَ
فَصْلٌ لو تَعَطَّلَتْ الْمَنْفَعَةُ التي لِلْمَوْقُوفِ بِسَبَبٍ غَيْرِ مَضْمُونٍ كَشَجَرَةٍ جَفَّتْ أو قَلَّمَتْهَا الرِّيحُ ولم يُمْكِنْ إعَادَتُهَا إلَى مَغْرِسِهَا قبل جَفَافِهَا لم يَبْطُلْ الْوَقْفُ لِبَقَاءِ عَيْنِ الْمَوْقُوفِ وَلَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ لو اُنْتُفِعَ بها بِإِيجَارٍ أو غَيْرِهِ مع بَقَاءِ عَيْنِهَا إدَامَةً لِلْوَقْفِ وَإِلَّا بِأَنْ لم يُمْكِنْ الِانْتِفَاعُ بها إلَّا بِاسْتِهْلَاكِهَا بِإِحْرَاقٍ أو نَحْوِهِ صَارَتْ مِلْكًا لِلْمَوْقُوفِ عليه لَكِنَّهَا لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ بَلْ يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهَا كَأُمِّ الْوَلَدِ وَلَحْمِ الْأُضْحِيَّةَ وَهَذَا التَّفْصِيلُ صَحَّحَهُ ابن الرِّفْعَةِ وَالْقَمُولِيُّ وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ عن اخْتِيَارِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ لَكِنْ اقْتَصَرَ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرُ على قَوْلِهِ وَإِنْ جَفَّتْ الشَّجَرَةُ لم يَنْقَطِعْ الْوَقْفُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مِلْكًا بِحَالٍ وهو الْمُعْتَمَدُ الْمُوَافِقُ لِلدَّلِيلِ وَكَلَامِ الْجُمْهُورِ على أَنَّ عَوْدَهُ مِلْكًا مع الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْوَقْفُ مُشْكِلٌ
وَالْحُصُرُ الْمَوْهُوبَةُ أو الْمُشْتَرَاةُ لِلْمَسْجِدِ تُبَاعُ لِلْحَاجَةِ لَا الْحُصُرُ الْمَوْقُوفَةُ كَسَائِرِ الْمَوْقُوفَاتِ فَلَوْ ذَهَبَ جَمَالُهَا وَنَفْعُهَا بِيعَتْ إذَا كانت الْمَصْلَحَةُ في بَيْعِهَا لِئَلَّا تَضِيعَ وَتُضَيِّقَ الْمَكَانَ بِلَا فَائِدَةٍ
____________________
(2/474)
كَالْحُصُرِ في ذلك نُحَاتَةُ الْخَشَبِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَكَذَا يُبَاعُ جِذْعُهُ الْمُنْكَسِرُ إنْ تَعَذَّرَ جَعْلُهُ بَابًا وَنَحْوَهُ وَجِدَارُ دَارِهِ الْمُنْهَدِمِ كَذَلِكَ أَيْ يَجُوزُ بَيْعُهُ إنْ تَعَذَّرَ بِنَاؤُهُ وَتَعْبِيرُهُ بِالْجِدَارِ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالدَّارِ وَالْمُشْرِفُ من الْجِذْعِ أو غَيْرِهِ على التَّلَفِ كَالتَّالِفِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَيُشْتَرَى بِمَا بِيعَ بِهِ مِثْلُهُ وما ذَكَرَهُ من جَوَازِ بَيْعِ هذه الْأَشْيَاءِ هو ما صَحَّحَهُ الْأَصْلُ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَاَلَّذِي أَفْتَيْت بِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وهو ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْجُمْهُورِ وَصَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ كما لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَرْضِ الْمَسْجِدِ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بها في سَقِيفَةٍ أو طَبْخِ جِصٍّ أو آجُرٍّ لِلْمَسْجِدِ وَالتَّقْيِيدُ على الْأَوَّلِ بِدَارِ الْمَسْجِدِ من زِيَادَتِهِ وَخَرَجَ بِهِ الدَّارُ الْمَوْقُوفَةُ على غَيْرِهِ فَلَا تُبَاعُ وَبِهِ صَرَّحَ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَارِقًا بِأَنَّ الْمَوْقُوفَةَ على غَيْرِهِ يَتَعَلَّقُ بها حَقُّ الْبُطُونِ الْمُتَأَخِّرَةِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَدَارُ الْمَسْجِدِ مَوْقُوفَةٌ عليه وَحْدَهُ فَلَا تَنْتَقِلُ عنه إلَى غَيْرِهِ وَالْمَقْصُودُ بها مَصْلَحَتُهُ فإذا تَعَذَّرَ الِانْتِفَاعُ بها وَكَانَتْ الْمَصْلَحَةُ له في بَيْعِهَا جَازَ وَلَا مَصْلَحَةَ لِلْبَطْنِ الثَّانِي في بَيْعِهَا لِمَصْلَحَةِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وفي فَرْقِهِ نَظَرٌ وَكَلَامُ الْأَصْلِ يَقْتَضِي جَوَازَ بَيْعِهَا مُطْلَقًا وَنَقَلَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ عن الْأَكْثَرِينَ مَنْعَ بَيْعِهَا وقال السُّبْكِيُّ إنَّهُ الْحَقُّ لِأَنَّ الْأَرْضَ مَوْجُودَةٌ وهو كما قال إذْ جَوَازُ الْبَيْعِ يُؤَدِّي إلَى مُوَافَقَةِ الْقَائِلِينَ بِالِاسْتِبْدَالِ لَكِنْ في اسْتِدْلَالِهِ بِأَنَّ الْأَرْضَ مَوْجُودَةٌ نَظَرٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْقَائِلَ بِجَوَازِ الْبَيْعِ إنَّمَا يَقُولُهُ في الْبِنَاءِ خَاصَّةً كما أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِتَعْبِيرِهِ بِالْجِدَارِ وَإِنْ تَعَطَّلَ مَسْجِدٌ بِتَعْطِيلِ الْبَلَدِ أو انْهَدَمَ لم يُنْقَضْ فَلَا يَبْطُلُ وَقْفُهُ وَلَا يَعُودُ مِلْكًا بِحَالٍ لِإِمْكَانِ الصَّلَاةِ فيه وَلِإِمْكَانِ عَوْدِهِ كما كان وَكَالْعَبْدِ إذَا عَتَقَ ثُمَّ زَمِنَ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَتُصْرَفُ غَلَّةُ وَقْفِهِ حِينَئِذٍ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَبِهِ جَزَمَ الرُّويَانِيُّ في الْبَحْرِ وقال في مَحَلٍّ آخَرَ إنَّهُ مُنْقَطِعُ الْآخِرِ أَيْ فَتُصْرَفُ غَلَّتُهُ لِأَقْرَبِ الناس إلَى الْوَاقِفِ وَحَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ في فَتَاوِيهِ وَجْهًا وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهَا تُصْرَفُ إلَى عِمَارَةِ مَسْجِدٍ آخَرَ وَمَصَالِحِهِ لَكَانَ أَقْرَبَ ثُمَّ رَأَيْت الْمُتَوَلِّيَ قال يُصْرَفُ لِأَقْرَبِ الْمَسَاجِدِ إلَيْهِ وقال الْإِمَامُ يُحْفَظُ لِتَوَقُّعِ عَوْدِهِ وهو قِيَاسُ ما يَأْتِي في غَلَّةِ وَقْفِ الثَّغْرِ فَلَوْ خِيفَ عليه نَقْضٌ نُقِضَ وَبَنَى الْحَاكِمُ بِهِ أَيْ بِنِقْضِهِ مَسْجِدًا آخَرَ إنْ رَأَى ذلك وَإِلَّا حَفِظَهُ وبناؤه بِقُرْبِهِ أَوْلَى لَا أَيْ بَنَى بِهِ مَسْجِدًا لَا بِئْرًا كَعَكْسِهِ أَيْ كَبِئْرٍ خَرِبَتْ فإن الْحَاكِمَ يَبْنِي بِنِقْضِهَا بِئْرًا أُخْرَى لَا مَسْجِدًا وَيُرَاعِي غَرَضَ الْوَاقِفِ ما أَمْكَنَ أَمَّا إذَا لم يُخَفْ عليه النَّقْضُ فَلَا يُنْقَضُ
فَرْعٌ غَلَّةُ وَقْفِ الثَّغْرِ وهو الطَّرَفُ الْمُلَاصِقُ من بِلَادِنَا بِلَادَ الْكُفَّارِ إذَا اتَّسَعَتْ خِطَّةُ الْإِسْلَامِ حَوْلَهُ وَحَصَلَ فيه الْأَمْنُ تُحْفَظُ أَيْ يَحْفَظُهَا النَّاظِرُ في زَمَنِ الْأَمْنِ لِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ ثَغْرًا وَيَدَّخِرُ من زَائِدِ غَلَّةِ الْمَسْجِدِ على ما يَحْتَاجُ إلَيْهِ ما يَعْمُرُهُ بِتَقْدِيرِ هَدْمِهِ وَيَشْتَرِي له بِالْبَاقِي عَقَارًا وَيَقِفُهُ لِأَنَّهُ أَحْفَظُ له لَا بِشَيْءٍ من الْمَوْقُوفِ على عِمَارَتِهِ لِأَنَّ الْوَاقِفَ وَقَفَ عليها وَتُقَدَّمُ عِمَارَةٌ على حَقِّ الْمَوْقُوفِ عليهم لِمَا في ذلك من حِفْظِ الْوَقْفِ وَيَجُوزُ إنْ اُحْتِيجَ إلَى النَّقْلِ نَقْلُ قَنْطَرَةٍ مَوْقُوفٍ عليها عُطِّلَ الْوَادِي مَكَانَهَا فَلَوْ وَقَفَ على قَنْطَرَةٍ فَأُغْرِقَ الْوَادِي وَتَعَطَّلَتْ الْقَنْطَرَةُ وَاحْتِيجَ إلَى قَنْطَرَةٍ أُخْرَى جَازَ نَقْلُهَا إلَى مَحَلِّ الْحَاجَةِ
فَصْلٌ فيه مَسَائِلُ وَإِنْ وَقَفَ على قَبِيلَةٍ كَالطَّالِبِيِّينَ أَجْزَأَ ثَلَاثَةٌ منهم قال في الْأَصْلِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ من أَوْلَادِ عَلِيٍّ وَالثَّانِي من أَوْلَادِ جَعْفَرٍ وَالثَّالِثُ من أَوْلَادِ عَقِيلٍ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ فَإِنْ قال وَقَفْت على أَوْلَادِ عَلِيٍّ وَجَعْفَرٍ وَعَقِيلٍ اُشْتُرِطَ ثَلَاثَةٌ من كُلٍّ منهم وفي دُخُولِ مَقَرِّ شَجَرَةٍ وَجِدَارٍ وَقَفَهُمَا في وَقْفِهِمَا وَجْهَانِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَرَأَيْت من صَحَّحَ دُخُولَهُمَا وَالْأَشْبَهُ الْمَنْعُ وَنُقِلَ تَصْحِيحُهُ
____________________
(2/475)
في الْأُولَى عن فَتَاوَى الْقَفَّالِ
وَيُصْرَفُ الْمَوْقُوفُ أَيْ رِيعُ الْمَوْقُوفِ على الْمَسْجِدِ وَقْفًا مُطْلَقًا أو على عِمَارَتِهِ في الْبِنَاءِ وَالتَّجْصِيصِ الْمُحْكَمِ وَالسُّلَّمِ وَالْبَوَارِيِّ لِلتَّظَلُّلِ بها وَالْمَكَانِسِ لِيُكْنَسَ بها وَالْمَسَاحِي لِيُنْعَلَ بها التُّرَابُ وفي ظُلَّةٍ تَمْنَعُ إفْسَادَ خَشَبِ الْبَابِ بِمَطَرٍ وَنَحْوِهِ إنْ لم تَضُرَّ بِالْمَارَّةِ لِأَنَّ ذلك كُلَّهُ لِحِفْظِ الْعِمَارَةِ وفي أُجْرَةِ الْقَيِّمِ لَا الْمُؤَذِّنِ وَإِمَامٍ وَحُصُرٍ وَدُهْنٍ لِأَنَّ الْقَيِّمَ بِحِفْظِ الْعِمَارَةِ بِخِلَافِ الْبَاقِي على ما يَأْتِي إلَّا الْأُولَى لَا إنْ كان الْوَقْفُ لِمَصَالِحِهِ أَيْ الْمَسْجِدِ فَيُصْرَفُ من رِيعِهِ في ذلك لَا في التَّزْوِيقِ وَالنَّقْشِ بَلْ لو وَقَفَ عَلَيْهِمَا لم يَصِحَّ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عنه وما ذَكَرَهُ من أَنَّهُ لَا يُصْرَفُ لِلْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ في الْوَقْفِ الْمُطْلَقِ هو مُقْتَضَى ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْبَغَوِيّ لَكِنَّهُ نَقَلَ بَعْدَهُ عن فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ يُصْرَفُ لَهُمَا وهو الْأَوْجَهُ كما في الْوَقْفِ على مَصَالِحِهِ وَكَمَا في نَظِيرِهِ من الْوَصِيَّةِ لِلْمَسْجِدِ وَلَا يُصْرَفُ لِحَشِيشِ السَّقْفِ ما عُيِّنَ لِحَشِيشِ الْحُصُرِ ولا عَكْسُهُ وَالْمَوْقُوفُ على أَحَدِهِمَا لَا يُصْرَفُ إلَى اللُّبُودِ وَلَا عَكْسُهُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَيُصَدَّقُ النَّاظِرُ في إنْفَاقٍ مُحْتَمَلٍ أَيْ في قَدْرِ ما أَنْفَقَهُ عِنْدَ الِاحْتِمَالِ فَإِنْ اتَّهَمَهُ الْحَاكِمُ حَلَّفَهُ قَالَهُ الْقَفَّالُ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ إنْفَاقُهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْعِمَارَةِ وفي مَعْنَاهُ الصَّرْفُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ من الْجِهَاتِ الْعَامَّةِ بِخِلَافِ إنْفَاقِهِ على الْمَوْقُوفِ عليه الْمُعَيَّنِ فَلَا يُصَدَّقُ فيه لِأَنَّهُ لم يَأْتَمِنْهُ نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ
وَلِأَهْلِ الْوَقْفِ الْمُهَايَأَةُ في الْمَوْقُوفِ لَا قِسْمَتُهُ وَإِنْ قُلْنَا الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ لِمَا فيه من تَغْيِيرِ شَرْطٍ لَا وَاقِفٍ وَلِمَا فيه من إبْطَالِ حَقِّ من بَعْدَهُمْ وَلَا تَغْيِيرُهُ عن هَيْئَتِهِ كَجَعْلِ الْبُسْتَانِ دَارًا أو حَمَّامًا إلَّا إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ الْعَمَلَ بِالْمَصْلَحَةِ فَيَجُوزُ التَّغْيِيرُ بِحَسَبِهَا عَمَلًا بِشَرْطِهِ قال السُّبْكِيُّ وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ في غَيْرِ ذلك أَيْضًا بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا لَا يُغَيِّرُ مُسَمَّى الْوَقْفِ وَأَنْ لَا يُزِيلَ شيئا من عَيْنِهِ بَلْ يَنْقُلَ نِقْضَهُ من جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ وَأَنْ تَكُونَ فيه مَصْلَحَةٌ لِلْوَقْفِ وَعَلَيْهِ فَفَتْحُ شُبَّاكِ الطَّيْبَرِسِيَّةِ في جِدَارِ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ لَا يَجُوزُ إذْ لَا مَصْلَحَةَ لِلْجَامِعِ فيه وَكَذَا فَتْحُ أَبْوَابِ الْحَرَمِ لِأَنَّهُ إنَّمَا هو لِمَصْلَحَةِ السُّكَّانِ وَإِنْ انْقَلَعَتْ أَشْجَارُهُ أَيْ الْوَقْفِ أو انْهَدَمَ بِنَاؤُهُ أُجِّرَتْ بِمَعْنَى أو أُجِّرَتْ أَرْضُهُ لِمَا لَا يُرَادُ دَوَامُهُ كَزَرْعِهَا وَضَرْبِ خِيَامٍ فيها أو لِمَا يُرَادُ دَوَامُهُ كَغَرْسٍ وَشُرِطَ قَلْعُهُ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ وَغُرِسَتْ أَيْ الْأَرْضُ أو بُنِيَتْ بِأُجْرَتِهَا الْحَاصِلَةِ بِإِيجَارِهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ
وَلِلنَّاظِرِ الِاقْتِرَاضُ في عِمَارَةِ الْوَقْفِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أو الْإِنْفَاقُ عليها من مَالِهِ لِيَرْجِعَ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُقْرِضَهُ من بَيْتِ الْمَالِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَيْسَ له الِاقْتِرَاضُ دُونَ إذْنِهِ أَيْ الْإِمَامِ هذا تَصْرِيحٌ بِمَا فُهِمَ مِمَّا قَبْلَهُ قال الْبُلْقِينِيُّ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُ الْحَاكِمِ في الِاقْتِرَاضِ لَا سِيَّمَا في الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ وَمَالَ إلَيْهِ غَيْرُهُ تَشْبِيهًا لِلنَّاظِرِ بِوَلِيِّ الْيَتِيمِ فإنه يَقْتَرِضُ دُونَ إذْنِ الْحَاكِمِ
وَالْوَقْفُ أَمَانَةٌ في يَدِ الْمَوْقُوفِ عليه فَإِنْ اسْتَعْمَلَ كُوزَ الْمَاءِ الْمُسَبَّلَ في غَيْرِهِ أَيْ غَيْرِ ما وُقِفَ له فَتَلِفَ ضَمِنَ لِتَعَدِّيهِ بِخِلَافِ ما إذَا اسْتَعْمَلَهُ فيه فَتَلِفَ بِلَا تَعَدٍّ وَإِنْ انْكَسَرَ الْمِرْجَلُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَبِالْجِيمِ أَيْ الْقِدْرُ بِلَا تَعَدٍّ فَإِنْ تَطَوَّعَ بِأَنْ تَطَوَّعَ هو أو غَيْرُهُ بِإِصْلَاحِهِ فَذَاكَ وَإِلَّا أُعِيدَ صَغِيرًا بِبَعْضِهِ وَأُنْفِقَ الْبَاقِي منه على إصْلَاحِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ اتِّخَاذُهُ مِرْجَلًا فَقَصْعَةً أو مِغْرَفَةً أو نَحْوَهَا اُتُّخِذَ وَلَا حَاجَةَ إلَى إنْشَاءِ وَقْفِهِ فإنه عَيْنُ الْمَوْقُوفِ وَكُلُّ ما كان أَقْرَبَ إلَيْهِ كان أَوْلَى فَإِنْ تَعَذَّرَ اتِّخَاذُ شَيْءٍ من نَوْعِهِ اُسْتُعْمِلَ فِيمَا يُمْكِنُ
وَيَدْخُلُ في الْوَقْفِ على الْفُقَرَاءِ الْفُقَرَاءُ الْغُرَبَاءُ وَأَهْلُ الْبَلَدِ أَيْ فُقَرَاءُ أَهْلِهَا
____________________
(2/476)
وَالْمُرَادُ بَلَدُ الْوَقْفِ كَنَظِيرِهِ في الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ لِأَنَّ أَطْمَاعَهُمْ تَتَعَلَّقُ بِبَلَدِ الْوَقْفِ لَا مَكْفِيٌّ بِأَبٍ أو زَوْجٍ وَيَدْخُلُ فيه أَرْبَابُ صَنَائِعَ تَكْفِيهِمْ وَلَا مَالَ لهم فَيُعْطَوْنَ من مَالِ الْوَقْفِ وَإِنْ لم يُعْطَوْا من الزَّكَاةِ قال السُّبْكِيُّ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ ثَمَّ بِالْحَاجَةِ لَا بِالْفَقْرِ وَلَا حَاجَةَ بِهِمْ إلَى الزَّكَاةِ وَهُنَا بِاسْمِ الْفَقْرِ وهو مَوْجُودٌ فِيهِمْ بِدَلِيلِ خَبَرِ لَا حَقَّ فيها أَيْ الزَّكَاةِ لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ يَكْتَسِبُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَكْفِيِّ بِأَبٍ أو زَوْجٍ بِأَنَّ الِاكْتِسَابَ فيه مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ بِخِلَافِ الْأَخْذِ من الْآخَرِينَ على أَنَّ الْمَاوَرْدِيَّ وَالرُّويَانِيَّ وَغَيْرَهُمَا سَوَّوْا بين الْجَمِيعِ في الدُّخُولِ
وَلَوْ نَبَتَتْ شَجَرَةٌ بِمَقْبَرَةٍ فَثَمَرَتُهَا مُبَاحَةٌ لِلنَّاسِ تَبَعًا لِلْمَقْبَرَةِ وَصَرْفُهَا إلَى مَصَالِحِ الْمَقْبَرَةِ أَوْلَى من تَبْقِيَتِهَا لِلنَّاسِ لَا ثَمَرَةُ شَجَرَةٍ غُرِسَتْ لِلْمَسْجِدِ فيه فَلَيْسَتْ مُبَاحَةً بِلَا عِوَضٍ بَلْ يَصْرِفُ الْإِمَامُ عِوَضَهَا لِمَصَالِحِهِ أَيْ الْمَسْجِدِ وَتَقْيِيدُهُ بِالْإِمَامِ من زِيَادَتِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لم يَكُنْ نَاظِرٌ خَاصٌّ وَإِنَّمَا خَرَجَتْ الشَّجَرَةُ عن مِلْكِ غَارِسِهَا هُنَا بِلَا لَفْظٍ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ لِلْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ وَخَرَجَ بِغَرْسِهَا لِلْمَسْجِدِ غَرْسُهَا مُسَبَّلَةً لِلْأَكْلِ فَيَجُوزُ أَكْلُهَا بِلَا عِوَضٍ وَكَذَا أَنْ جُهِلَتْ نِيَّتُهُ حَيْثُ جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ وَتُقْلَعُ الشَّجَرَةُ منه إنْ رَآهُ الْإِمَامُ بَلْ إنْ جَعَلَ الْبُقْعَةَ مَسْجِدًا وَفِيهَا شَجَرَةٌ فَلِلْإِمَامِ قَلْعُهَا وَإِنْ أَدْخَلَهَا الْوَاقِفُ في الْوَقْفِ بِأَنْ جَعَلَ الْأَرْضَ مَسْجِدًا وَوَقَفَ الشَّجَرَةَ وَلَا تَدْخُلُ فيه اسْتِتْبَاعًا لِأَنَّهَا لَا تُجْعَلُ مَسْجِدًا وما مَرَّ في بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ مَحَلُّهُ في وُقُوفِ الْأَرْضِ غير مَسْجِدٍ فَيَلْزَمُ الْوَاقِفَ هُنَا تَفْرِيغُ الْأَرْضِ كما في فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ وما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عنها من لُزُومِهِ له سَهْوٌ
وَيَجُوزُ وَقْفُ سُتُورٍ لِجُدْرَانِ الْمَسْجِدِ قال الْغَزَالِيُّ سَوَاءٌ أَكَانَتْ حَرِيرًا أَمْ لَا وما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ ثُمَّ قال وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِيءَ فيه الْخِلَافُ في النَّقْشِ وَالتَّزْوِيقِ وَفِيهِ مَيْلٌ إلَى عَدَمِ الْجَوَازِ وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عن فَتْوَى غَيْرِ الْغَزَالِيِّ ثُمَّ قال وهو الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ لِمَا فيه من إضَاعَةِ الْمَالِ بِأَمْرٍ مُبْتَدَعٍ وَلِشَغْلِ قَلْبِ الْمُصَلِّي وَلَعَلَّ الْفِتْنَةَ بِهِ أَشَدُّ من كَثِيرٍ من النَّقْشِ وَالتَّزْوِيقِ وَقِيَاسُ الْمَسْجِدِ على الْكَعْبَةِ بَعِيدٌ فَإِنْ وَقَفَ على دُهْنٍ لِإِسْرَاجِ الْمَسْجِدِ بِهِ أُسْرِجَ كُلَّ اللَّيْلِ إنْ لم يَكُنْ مُغْلَقًا مَهْجُورًا بِأَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ من فيه من مُصَلٍّ وَنَائِمٍ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّهُ أَنْشَطُ له فَإِنْ كان مُغْلَقًا مَهْجُورًا لم يُسْرَجْ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ وقال ابن عبد السَّلَامِ يَجُوزُ إيقَادُ الْيَسِيرِ من الْمَصَابِيحِ فيه احْتِرَامًا له وَتَنْزِيهًا عن وَحْشَةِ الظُّلْمَةِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ الْإِغْلَاقُ قَيْدًا بَلْ يَكْفِي أَنْ لَا يُتَوَقَّعَ حُضُورُ أَحَدٍ يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ انْتِفَاعًا جَائِزًا
كِتَابُ الْهِبَةِ
أَيْ مُطْلَقِهَا وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ هِبَةٌ وَهَدِيَّةٌ وَصَدَقَةٌ وَالْأَصْلُ فيها قبل الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عن شَيْءٍ منه نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا وَقَوْلُهُ وَآتَى الْمَالَ على حُبِّهِ الْآيَةَ وَأَخْبَارٌ صَحِيحَةٌ كَخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ الْآتِي في الْكَلَامِ على الرُّجُوعِ فيها وَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ أَيْ ظِلْفَهَا وَخَبَرِ الْبُخَارِيِّ لو دُعِيتُ إلَى كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ وَلَوْ أُهْدِيَ إلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ وَالْكُرَاعُ قِيلَ كُرَاعُ الْغَمِيمِ وهو وَادٍ بين مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ أَمَامَ عُسْفَانَ بِثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ جَبَلٌ أَسْوَدُ في طَرَفِ الْحَرَّةِ وَاسْتَبْعَدَ ذلك الْإِمَامُ وَالْقَاضِي وَرَجَّحَا أَنَّهُ كُرَاعُ الْغَنَمِ أَيْ طَرَفُ رِجْلِهَا كما أَنَّ ذِرَاعَهَا طَرَفُ يَدِهَا وهو أَكْثَرُ لَحْمًا من الْكُرَاعِ وَأَهْلُ الْعُرْفُ يُعَبِّرُونَ بِالْكَارِعِ وَيُطْلِقُونَهُ عَلَيْهِمَا مَعًا الْهِبَةُ بِلَا ثَوَابٍ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ في الْحَيَاةِ هذا تَعْرِيفٌ لِمُطْلَقِ الْهِبَةِ لَا لِلْهِبَةِ
____________________
(2/477)
التي هِيَ أَحَدُ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ وَلَوْ قَدَّمَهُ على قَوْلِهِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ كان أَوْلَى وَأُورِدَ عليه ما لو أَهْدَى لِغَنِيٍّ من لَحْمِ أُضْحِيَّةٍ أو هَدْيٍ أو عَقِيقَةٍ فإنه هِبَةٌ وَلَا تَمْلِيكَ فيه وما لو وَقَفَ شيئا فإنه تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ وَلَيْسَ بِهِبَةٍ وَيُجَابُ عن الْأَوَّلِ بِمَنْعِ أَنَّهُ لَا تَمْلِيكَ فيه بَلْ فيه تَمْلِيكٌ لَكِنْ يُمْنَعُ من التَّصَرُّفِ فيه بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ كما عُلِمَ من بَابِ الْأُضْحِيَّةَ وَأُجِيبَ عن الثَّانِي بِأَنَّهُ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ وَإِطْلَاقُهُمْ التَّمْلِيكَ إنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ الْأَعْيَانَ
ثُمَّ بَعْدَمَا تَقَرَّرَ من أَنَّ مُطْلَقَ الْهِبَةِ ما ذُكِرَ وَأَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ فَأَحَدُ أَنْوَاعِهَا الْهَدِيَّةُ وَهِيَ تَمْلِيكُ ما يُحْمَلُ أَيْ يُبْعَثُ غَالِبًا بِلَا عِوَضٍ إلَى الْمُهْدَى إلَيْهِ إكْرَامًا له لِلْعُرْفِ وَأَدْخَلَ بِقَوْلِهِ غَالِبًا بِالتَّقْرِيرِ الْمَذْكُورِ ما يُهْدَى بِلَا بَعْثٍ بِأَنْ نَقَلَهُ الْمُهْدِي قال السُّبْكِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِكْرَامَ ليس شَرْطًا وَالشَّرْطُ هو النَّقْلُ قال الزَّرْكَشِيُّ وقد يُقَالُ احْتَرَزُوا بِهِ عن الرِّشْوَةِ وَمِنْهَا أَيْ الْهَدِيَّةِ الْهَدْيُ الْمَنْقُولُ إلَى الْحَرَمِ وَلَا يَقَعُ اسْمُ الْهَدِيَّةِ على الْعَقَارِ لِامْتِنَاعِ نَقْلِهِ فَلَا يُقَالُ أَهْدَى إلَيْهِ دَارًا وَلَا أَرْضًا بَلْ على الْمَنْقُولِ كَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ وَاسْتُشْكِلَ ذلك بِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا في بَابِ النَّذْرِ بِمَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قالوا لو قال لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ هذا الْبَيْتَ أو الْأَرْضَ أو نَحْوَهُمَا مِمَّا لَا يُنْقَلُ صَحَّ وَبَاعَهُ وَنَقَلَ ثَمَنَهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْهَدْيَ وَإِنْ كان من الْهَدِيَّةِ لَكِنَّهُمْ تَوَسَّعُوا فيه بِتَخْصِيصِهِ بِالْإِهْدَاءِ إلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ وَبِتَعْمِيمِهِ في الْمَنْقُولِ وَغَيْرِهِ وَلِهَذَا لو نَذَرَ الْهَدْيَ انْصَرَفَ إلَى الْحَرَمِ ولم يُحْمَلْ على الْهَدِيَّةِ إلَى فَقِيرٍ
وثاني الْأَنْوَاعِ الصَّدَقَةُ وَهِيَ تَمْلِيكُ ما يُعْطَى بِلَا عِوَضٍ لِلْفَقِيرِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ لِلْمُحْتَاجِ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْحَاجَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ كما نَبَّهَ عليه السُّبْكِيُّ أَخْذًا من كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وقال إنَّ كَوْنَهَا لِمُحْتَاجٍ هو أَظْهَرُ أَنْوَاعِ الصَّدَقَةِ وَالْغَالِبُ منها فَلَا مَفْهُومَ له قال وَلَوْ مَلَّكَ شَخْصًا لِحَاجَتِهِ من غَيْرِ اسْتِحْضَارِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ صَدَقَةً أَيْضًا فَيَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ على أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا الْحَاجَةِ أو قَصْدِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَلْزَمُهُمْ أَنَّهُ لو مَلَّكَ غَنِيًّا من غَيْرِ قَصْدِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ لَا يَكُونُ صَدَقَةً وهو ظَاهِرٌ
وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ الْهِبَةُ وَهِيَ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ خَالٍ عَمَّا ذُكِرَ في الْأَوَّلَيْنِ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَالِاسْمُ يَنْصَرِفُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَيْهِ فَكُلُّ هَدِيَّةٍ وَصَدَقَةٍ وَهِبَةٍ بِالْمَعْنَى الْأَخِيرِ هِبَةٌ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَلَا عَكْسَ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ له فَتَصَدَّقَ عليه أو أَهْدَى له أو وَهَبَهُ بِالْمَعْنَى الْأَخِيرِ حَنِثَ لَا إنْ عَكَسَ وَتَجْتَمِعُ الْأَرْبَعَةُ فِيمَا لو مَلَّكَهُ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ وَنَقَلَهُ إلَيْهِ إكْرَامًا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَلَا يَخْفَى عَلَيْك بَعْدَ مَعْرِفَةِ ما تَقَرَّرَ ما في كَلَامِهِ من الْقُصُورِ عن الْمُرَادِ وَإِيهَامِ غَيْرِهِ وَالْكُلُّ أَيْ كُلٌّ منها مُسْتَحَبٌّ وَإِنْ كانت الصَّدَقَةُ أَفْضَلَ وصرفه إلَى الْجِيرَانِ وَالْأَقَارِبِ أَفْضَلُ منه إلَى غَيْرِهِمْ وَلَا يَحْتَقِرُ الْمُهْدِي وَلَا الْمُهْدَى إلَيْهِ الْقَلِيلَ فَيَمْتَنِعَ الْأَوَّلُ من إهْدَائِهِ وَالثَّانِي من قَبُولِهِ لِخَبَرِ لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ بِالْبَرَكَةِ وَنَحْوِهَا بِأَنْ يَدْعُوَ الْمُهْدَى إلَيْهِ لِلْمُهْدِي ثُمَّ يَدْعُوَ له الْآخَرُ
وفي الْكِتَابِ بَابَانِ الْأَوَّلُ في أَرْكَانِهَا وَهِيَ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي الْعَاقِدَانِ وَأَمْرُهُمَا وَاضِحٌ مِمَّا مَرَّ في الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَيُعْتَبَرُ في الْمُمَلِّكِ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ وفي الْمُتَمَلِّكِ أَهْلِيَّةُ الْمِلْكِ وَالثَّالِثُ الصِّيغَةُ فَالْإِيجَابُ الْمُتَّصِلُ بِهِ الْقَبُولُ عَادَةً شَرْطٌ مع الْقَبُولِ في الْهِبَةِ كَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ بِخِلَافِ صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ وَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ بِلَا قَبُولٍ لِأَنَّهَا إسْقَاطٌ وَمِنْ صَرِيحِ الْإِيجَابِ وَهَبْت وَمَنَحْت وَمَلَّكْت بِلَا ثَمَنٍ وَمِنْ صَرِيحِ الْقَبُولِ قَبِلْت وَرَضِيتُ وَيُسْتَثْنَى من اعْتِبَارِهِمَا الْهِبَةُ الضِّمْنِيَّةُ كَأَنْ قال لِغَيْرِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك
____________________
(2/478)
عَنِّي فَفَعَلَ وَلَا يُشْتَرَطَانِ في الْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَلَوْ في غَيْرِ الطُّعُومِ بَلْ يَكْفِي الْبَعْثُ من الْمُمَلِّكِ وَالْقَبْضُ من الْمُتَمَلِّكِ كما جَرَى عليه الناس في الْأَعْصَارِ وَلِهَذَا كَانُوا يَبْعَثُونَهُمَا على أَيْدِي الصِّبْيَانِ الَّذِينَ لَا تَصِحُّ عُقُودُهُمْ فَإِنْ قُلْت هذا كان إبَاحَةً لَا هَدِيَّةً قُلْنَا لو كان إبَاحَةً لَمَا تَصَرَّفُوا فيه تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ ليس كَذَلِكَ
فَرْعٌ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا أَيْ الصِّيغَةِ كَقَوْلِهِ إذَا جاء رَأْسُ الشَّهْرِ وَهَبْتُكَ هذا وَلَا تَوْقِيتُهَا كَ وَهَبْتُكَ هذا سَنَةً كَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ وفي الرُّقْبَى كَلَامٌ يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ يَأْتِي وَيَقْبَلُ الْهِبَةَ لِلصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ ليس له أَهْلِيَّةُ الْقَبُولِ وَلِيُّهُ وَلَوْ وَصِيًّا أو قَيِّمًا فَإِنْ لم يَقْبَلْ له انْعَزَلَ الْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ وَأَثِمَا لِتَرْكِهِمَا الْحَظَّ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْجَدِّ لِكَمَالِ شَفَقَتِهِمَا وَذِكْرُ الْقَيِّمِ من زِيَادَتِهِ ويقبلها لِلْعَبْدِ أَيْ عبد غَيْرِ الْوَاهِبِ أو عَبْدِهِ الْمُكَاتَبِ نَفْسُهُ فَإِنْ وَهَبَ لِلصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ وَلِيُّ غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ قَبِلَ له الْحَاكِمُ وَإِنْ كان أَبًا أو جَدًّا تَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ وَهَلْ يَصِحُّ قَبُولُ بَعْضِ الْمَوْهُوبِ أو قَبُولُ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ لَعَلَّهُ مُحَرَّفٌ من الشَّخْصَيْنِ نِصْفَهُ أَيْ نِصْفَ ما وُهِبَ لَهُمَا وَجْهَانِ كَالْبَيْعِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ في الثَّانِيَةِ في الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَيُؤْخَذُ منه تَرْجِيحُ الْمَنْعِ فِيهِمَا وَجَرَى عليه الْإِسْنَوِيُّ وَالْفَرْقُ بِأَنَّ الْبَيْعَ مُعَاوَضَةٌ بِخِلَافِ الْهِبَةِ غَيْرُ قَادِحٍ وَإِنْ كان مُنْقَدِحًا وَإِنْ غَرَسَ شَجَرًا وقال عِنْدَهُ أَيْ عِنْدَ غَرْسِهِ أَغْرِسُهُ لِطِفْلِي لم يَمْلِكْهُ وَلَوْ قال جَعَلْته صَارَ مِلْكَهُ لِأَنَّ هِبَتَهُ له لَا تَقْتَضِي قَبُولًا بِخِلَافِ ما لو جَعَلَهُ لِبَالِغٍ هذا إنْ اكْتَفَيْنَا بِأَحَدِ الشِّقَّيْنِ من الْوَالِدِ فَإِنْ لم نَكْتَفِ بِهِ وهو الْأَصَحُّ لم يَصِرْ مِلْكَهُ فَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ صَارَ مِلْكَهُ إلَى آخِرِهِ كان أَوْلَى بِطَرِيقَتِهِ وَلَوْ عَمِلَ دَعْوَةً بِالْفَتْحِ أَفْصَحُ من الضَّمِّ أَيْ وَلِيمَةً لِخِتَانِ وَلَدِهِ فَالْهَدَايَا الْمَحْمُولَةُ إلَيْهِ الْمُطْلَقَةُ عن ذِكْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
قال السُّبْكِيُّ أو عن قَصْدِهِ مِلْكٌ لِلْأَبِ لِأَنَّ الناس يَقْصِدُونَ التَّقَرُّبَ إلَيْهِ وَلِأَنَّهُ الذي اتَّخَذَ الدَّعْوَةَ وَالْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ وَلَيْسَ الظَّرْفُ الْمَبْعُوثُ فيه الْهَدِيَّةُ هَدِيَّةً إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ في مِثْلِهَا بِرَدِّهِ بَلْ هو أَمَانَةٌ في يَدِ الْمُهْدَى إلَيْهِ كَالْوَدِيعَةِ لِلْعُرْفِ فَإِنْ تَنَاوَلَ منه واقتضت الْعَادَةُ ذلك أَيْ تَنَاوُلَهُ منه فَعَارِيَّةٌ فَيَجُوزُ تَنَاوُلُهُ منه وَيَضْمَنُهُ بِحُكْمِهَا وَقَيَّدَهُ في بَابِهَا بِمَا إذَا لم يُقَابَلْ بِعِوَضٍ وَإِلَّا فَهُوَ أَمَانَةٌ في يَدِهِ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ وَتَقَدَّمَ ثَمَّ زِيَادَةٌ على ما هُنَا وَإِلَّا بِأَنْ لم تَقْتَضِ الْعَادَةُ تَنَاوُلَهُ منه وَجَبَ تَفْرِيغُهُ سَوَاءٌ اقْتَضَتْ عَدَمَ تَنَاوُلِهِ أَمْ اضْطَرَبَتْ وَهَذَا الثَّانِي من زِيَادَتِهِ وَكَلَامُ الْأَصْلِ فيه مُتَدَافِعٌ أَمَّا إذَا لم تَجْرِ الْعَادَةُ بِرَدِّهِ كَقَوْصَرَّةِ تَمْرٍ فَهُوَ هَدِيَّةٌ أَيْضًا لِلْعُرْفِ وَمَحَلُّهُ إذَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِعَدَمِ رَدِّهِ كما قَيَّدَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ اضْطَرَبَتْ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ أَمَانَةٌ فَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ وَبِهِ صَرَّحَ ابن عبد السَّلَامِ لِلشَّكِّ في الْمُبِيحِ ثُمَّ إذَا لم يَكُنْ الظَّرْفُ هَدِيَّةً قال الْقَاضِي يُسْتَحَبُّ له رَدُّهُ حَالًا لِخَبَرِ اسْتَبِقُوا الْهَدَايَا بِرَدِّ الظُّرُوفِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالِاسْتِحْبَابُ الْمَذْكُورُ حَسَنٌ وفي جَوَازِ حَبْسِهِ بَعْدَ تَفْرِيغِهِ نَظَرٌ
إلَّا أَنْ يَعْلَمَ رِضَا الْمُهْدِي بِهِ وَهَلْ يَكُونُ إبْقَاؤُهَا فيه مع إمْكَانِ تَفْرِيغِهِ على الْعَادَةِ مُضَمِّنًا لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فيه لَا لَفْظًا وَلَا عُرْفًا أو لَا في كَلَامِ الْقَاضِي ما يُفْهِمُ الْأَوَّلَ وهو مَحَلُّ نَظَرٍ وَأَمَّا الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ فَلَا أَعْرِفُ له أَصْلًا
فَائِدَةٌ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عن عَمَّارِ بن يَاسِرٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان لَا يَأْكُلُ هَدِيَّةً حتى يَأْمُرَ صَاحِبَهَا أَنْ يَأْكُلَ منها لِلشَّاةِ التي أُهْدِيَتْ إلَيْهِ يَعْنِي الْمَسْمُومَةَ بِخَيْبَرَ وهو أَصْلٌ لِمَا يَعْتَادُهُ الْمُلُوكُ في ذلك حتى يَلْتَحِقَ بِهِمْ من في مَعْنَاهُمْ وَالْكِتَابُ إنْ لم يَشْتَرِطْ كَاتِبُهُ الْجَوَابَ أَيْ كِتَابَتَهُ على ظَهْرِ هَدِيَّةٍ لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فَإِنْ اشْتَرَطَهَا كَأَنْ كَتَبَ فيه وَاكْتُبْ الْجَوَابَ على ظَهْرِهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَيْهِ وَلَوْ أَعْطَاهُ دَرَاهِمَ وقال اشْتَرِ لَك بها عِمَامَةً أو اُدْخُلْ بها الْحَمَّامَ أو نحو ذلك تَعَيَّنَتْ لِذَلِكَ مُرَاعَاةً لِغَرَضِ الدَّافِعِ هذا إنْ قَصَدَ سَتْرَ رَأْسِهِ بِالْعِمَامَةِ وَتَنْظِيفَهُ بِدُخُولِهِ الْحَمَّامَ لِمَا رَأَى بِهِ من كَشْفِ الرَّأْسِ وَشَعَثِ الْبَدَنِ وَوَسَخِهِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَقْصِدْ ذلك بِأَنْ قَالَهُ على سَبِيلِ التَّبَسُّطِ الْمُعْتَادِ
____________________
(2/479)
فَلَا تَتَعَيَّنُ لِذَلِكَ بَلْ يَمْلِكُهَا أو يَتَصَرَّفُ فيها كَيْفَ شَاءَ
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا في الشِّقَّيْنِ لَكِنَّهُ في الْأَوَّلِ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ فيها في الْجِهَةِ الْمَأْذُونِ فيها كَالْغَنِيِّ الْمُهْدَى إلَيْهِ من لَحْمِ الْأُضْحِيَّةَ وَهَذَا أَوْجَهُ من قَوْلِ السُّبْكِيّ الْوَجْهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا في الْأَوَّلِ قبل صَرْفِهَا فِيمَا عُيِّنَتْ له أَمَّا إذَا لم يَقْصِدْ شيئا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ كَالشِّقِّ الْأَوَّلِ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ كَالثَّانِي وَكَذَا لو طَلَبَ الشَّاهِدُ من الْمَشْهُودِ له مَرْكُوبًا لِيَرْكَبَهُ في أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَأَعْطَاهُ أُجْرَتَهُ أَيْ الْمَرْكُوبِ فَيَأْتِي فيها التَّفْصِيلُ السَّابِقُ على ما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ وَالْأَصْلُ حَكَى فيها وَجْهَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ أَحَدُهُمَا يَتَعَيَّنُ صَرْفُهَا فِيمَا ذُكِرَ وَثَانِيهِمَا له صَرْفُهَا في جِهَةٍ أُخْرَى قال
الْإِسْنَوِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ له صَرْفَهَا إلَى جِهَةٍ أُخْرَى كما ذَكَرُوهُ في بَابِهِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ما قَبْلَهَا أَنَّ الشَّاهِدَ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمَرْكُوبِ فَلَهُ التَّصَرُّفُ فيها كَيْفَ شَاءَ وَالْمَذْكُورُ هُنَا من بَابِ الصَّدَقَةِ وَالْبِرِّ فَرُوعِيَ فيه غَرَضُ الدَّافِعِ وَإِنْ وَهَبَ له دِرْهَمًا بِشَرْطِ أَنْ يَشْتَرِيَ له بِهِ خُبْزًا فَيَأْكُلَهُ لم تَصِحَّ الْهِبَةُ لِأَنَّهُ لم يُطْلِقْ له التَّصَرُّفَ قَالَهُ الْقَاضِي وَيُفَارِقُ اشْتَرِ لَك بهذا عِمَامَةً بِأَنَّهُ عَقْدٌ مُسْتَقِلٌّ عُقِّبَ بِشَرْطٍ يُخَالِفُ مُقْتَضَاهُ بِخِلَافِ ذَاكَ فإنه وُضِعَ على الْخُصُوصِ من أَوَّلِ أَمْرِهِ وَإِنْ أَعْطَاهُ كَفَنًا لِأَبِيهِ فَكَفَّنَهُ في غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ له إنْ كان قَصَدَ التَّبَرُّكَ بِأَبِيهِ لِفِقْهٍ أو وَرَعٍ قال السُّبْكِيُّ أو قَصَدَ الْقِيَامَ بِفَرْضِ التَّكْفِينِ ولم يَقْصِدْ التَّبَرُّعَ على الْوَارِثِ
قال الْأَذْرَعِيُّ وهو ظَاهِرٌ إذَا عُلِمَ قَصْدُهُ فَإِنْ لم يَقْصِدْ ذلك لم يَلْزَمْهُ رَدُّهُ بَلْ يَتَصَرَّفُ فيه كَيْفَ شَاءَ إنْ قَالَهُ على سَبِيلِ التَّبَسُّطِ الْمُعْتَادِ وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ في اشْتَرِ لَك بهذا عِمَامَةً وما يُحَصِّلُ خَادِمُ الصُّوفِيَّةِ لهم من السُّوقِ وَغَيْرِهِ يَمْلِكُهُ دُونَهُمْ لِأَنَّهُ ليس بِوَلِيٍّ لهم وَلَا وَكِيلٍ عَنْهُمْ ولكن وَفَاؤُهُ لهم مُرُوءَةٌ منه أَيْ الْمُرُوءَةُ تَقْتَضِي الْوَفَاءَ لهم بِمَا تَصَدَّى له
فَإِنْ لم يَفْعَلْ أَيْ يَفِ فَلَهُمْ مَنْعُهُ من إظْهَارِ الْجَمْعِ لهم وَالْإِنْفَاقِ عليهم وما ذَكَرَ من أَنَّهُ يَمْلِكُ دُونَهُمْ أَفَادَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ على الْغَالِبِ من أَنَّ الدَّافِعَ يَقْصِدُهُ دُونَهُمْ وَلَوْ لِأَجْلِهِمْ كَمَنْ يَطْلُبُ شيئا لِعِيَالِهِ فَيُعْطَاهُ لِأَجْلِهِمْ فإنه يَمْلِكُهُ ثُمَّ يُنْفِقُهُ عليهم إنْ شَاءَ فَإِنْ قَصَدَهُمْ معه أو دُونَهُ فَالْمِلْكُ مُشْتَرَكٌ في الْأُولَى وَمُخْتَصٌّ بِهِمْ في الثَّانِيَةِ إنْ كان وَكِيلًا عَنْهُمْ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ إذَا لم يَقْصِدْ أَحَدًا كان الْمِلْكُ له دُونَهُمْ وَيَجُوزُ قَبُولُ هَدِيَّةِ الْكَافِرِ لِلِاتِّبَاعِ وقبول ما يَحْمِلُهُ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ منها كما مَرَّ في الْبَيْعِ وَيَحْرُمُ على الْعُمَّالِ قَبُولُ هَدَايَا رَعَايَاهُمْ على تَفْصِيلٍ يَأْتِي في بَابِ الْقَضَاءِ
فَصْلٌ لو قال أَعُمْرَتك هذا الْعَبْدَ أو هذه الدَّارَ ما عِشْت أو حَيِيت أو بَقِيت أو نَحْوَهَا فإذا مِتّ فَهُوَ وفي نُسْخَةٍ فَهِيَ لِوَرَثَتِك أو لِعَقِبِك منهم فَهَذِهِ هِيَ الْهِبَةُ بِعَيْنِهَا لَكِنَّهُ طَوَّلَ الْعِبَارَةَ فَتَصِحُّ وَلَا يَعُودُ الْمَوْهُوبُ إلَى الْوَاهِبِ بِحَالٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ من أَعْمَرَ عُمْرَى له وَلِعَقِبِهِ فَإِنَّهَا لِلَّذِي أُعْطِيَهَا لَا تَرْجِعُ إلَى الذي أَعْطَاهَا لِأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فيه الْمَوَارِيثُ وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا قال أَعُمْرَتك هذا أو جَعَلْتُهُ لَك عُمُرَك وَاقْتَصَرَ عليه لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ الْعُمْرَى مِيرَاثٌ لِأَهْلِهَا وَلِأَنَّ مِلْكَ كل أَحَدٍ يَتَقَدَّرُ بِحَيَاتِهِ وَلَيْسَ في جَعْلِهِ له مُدَّةَ حَيَاتِهِ ما يُنَافِي انْتِقَالَهُ إلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَهُ بَلْ هو شَرْطُ الِانْتِقَالِ فَإِنْ زَادَ عليه فَإِنْ مِتّ صَارَ الْعَبْدُ حُرًّا أو عَادَ إلَيَّ أو إلَى وَرَثَتِي إنْ مِتّ صَحَّ عَقْدُ الْهِبَةِ لِصِدْقِهِ عليها وَلَغَا الشَّرْطُ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَلِأَنَّهُ لم يَشْرِطْ عليه شيئا إنَّمَا شَرَطَ الْحُرِّيَّةَ أو الْعَوْدَ إلَيْهِ أو إلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَحِينَئِذٍ قد صَارَ الْمِلْكُ لِلْوَرَثَةِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ في كَلَامِهِ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ وَحُكْمُهَا وَاحِدٌ وَوُجِدَ التَّصْرِيحُ بها في بَعْضِ النُّسَخِ وَتَصِحُّ الرُّقْبَى وَصُورَتُهَا أَنْ يَقُولَ وَهَبْتهَا لَك عُمُرَك فَإِنْ مِتَّ قَبْلِي عَادَتْ إلَيَّ أو إلَى زَيْدٍ وَإِنْ مِتُّ قَبْلَك اسْتَقَرَّتْ لَك وَيَلْغُو الشَّرْطُ أو يقول أَرْقَبْتُك هذه الدَّارَ أو جَعَلْتُهَا لَك رُقْبَى أَخْذًا بِإِطْلَاقِ خَبَرِ أبي دَاوُد لَا تُعْمِرُوا وَلَا تُرْقِبُوا فَمَنْ أَرْقَبَ شيئا أو أَعْمَرَهُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ وَالنَّهْيُ لِلْإِرْشَادِ أَيْ لَا تُعْمِرُوا شيئا طَمَعًا في عَوْدِهِ إلَيْكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مِيرَاثٌ فَلَوْ وَقَّتَ الْوَاهِبُ بِعُمُرِ نَفْسِهِ أو أَجْنَبِيٍّ كَأَنْ قال جَعَلْتهَا لَك عُمُرِي أو عُمُرَ فُلَانٍ فَسَدَتَا أَيْ الصِّيغَتَانِ لِخُرُوجِهِمَا عن اللَّفْظِ الْمُعْتَادِ وَلِمَا فِيهِمَا من تَأْقِيتِ الْمِلْكِ لِجَوَازِ مَوْتِهِ أو مَوْتِ فُلَانٍ قبل مَوْتِ الْمَوْهُوبِ له بِخِلَافِ قَوْلِهِ عُمُرَك لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَمْلِكُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ كما مَرَّ فَلَا تَأْقِيتَ فيه
تَنْبِيهٌ الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى كَانَا عَقْدَيْنِ في الْجَاهِلِيَّةِ فَالْعُمْرَى من الْعُمُرِ
____________________
(2/480)
وَمِنْهُ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فيها أَيْ أَسْكَنَكُمْ مُدَّةَ أَعْمَارِكُمْ وَالرُّقْبَى من الرُّقُوبِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَرْقُبُ مَوْتَ صَاحِبِهِ
فَرْعٌ لو جَعَلَ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ دَارِهِ لِلْآخَرِ عُمُرَهُ على أَنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَهُ عَادَتْ إلَى صَاحِبِ الدَّارِ أو غَيْرِهِ صَحَّتْ أَيْ الصِّيغَةُ لِمَا مَرَّ وَهِيَ رُقْبَى من الْجَانِبَيْنِ وَلَوْ بَاعَ بِصُورَةِ الْعُمْرَى فقال مَلَّكْتُكَهَا بِعِشْرَةِ عُمُرِكَ لم يَصِحَّ لِتَطَرُّقِ الشَّرْطِ إلَى جَهَالَةِ الثَّمَنِ وَقِيلَ تَصِحُّ كَالْعُمْرَى وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ ابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ بَلْ قَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا أَيْ الْعُمْرَى وفي نُسْخَةٍ تَعْلِيقُ الْعُمْرَى كَقَوْلِهِ إذَا مَاتَ فُلَانٌ أو قَدِمَ أو جاء رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ أَعْمَرْتُكَ هذه الدَّارَ أو فَهِيَ لَك عُمُرَك فَإِنْ عَلَّقَهَا بِمَوْتِهِ فقال إذَا مِتّ فَهَذِهِ الدَّارُ لَك عُمُرَك فإذا مِتّ فَهِيَ لِوَرَثَتِك أو اقْتَصَرَ على فَهَذِهِ الدَّارُ لَك عُمُرَك أو زَادَ عليه فقال فإذا مِتّ عَادَتْ إلَيَّ أو إلَى وَرَثَتِي إنْ مِتّ فَوَصِيَّةٌ تُعْتَبَرُ من الثُّلُثِ وَلَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ حُكْمُ الْعَقْدِ الْمُنَجَّزِ في الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ فَتَصِحُّ
الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْمَوْهُوبُ فما جَازَ بَيْعُهُ من الْأَعْيَانِ جَازَتْ هِبَتُهُ وَأَوْلَى لِأَنَّ بَابَهَا أَوْسَعُ وما لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَمَجْهُولٍ وَضَالٍّ فَلَا يَجُوزُ هِبَتُهُ بِجَامِعِ أنها تَمْلِيكٌ في الْحَيَاةِ وَهَذَا في الْغَالِبِ وقد يَخْتَلِفَانِ كما لو اخْتَلَطَتْ ثَمَرَةُ الْبَائِعِ بِثَمَرَةِ الْمُشْتَرِي لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَيَجُوزُ هِبَتُهَا لِلْآخَرِ وَكَالْأُضْحِيَّةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ من لَحْمِهَا وَيَجُوزُ هِبَتُهُ وَكَالْمَوْصُوفِ في الذِّمَّةِ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا تَجُوزُ هِبَتُهُ كما أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ في الصُّلْحِ وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ وَكَحَبَّتَيْ الْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا على ما في الْمِنْهَاجِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا وَتَجُوزُ هِبَتُهُمَا لِانْتِفَاءِ الْمُقَابِلِ فيها لَكِنْ قال ابن النَّقِيبِ إنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ أو وَهْمٌ فَفِي الرَّافِعِيِّ في تَعْرِيفِ اللُّقَطَةِ أَنَّ ما لَا يُتَمَوَّلُ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ وَزَبِيبَةٍ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ ما في الْمِنْهَاجِ
إذْ لَا مَحْذُورَ في الْمُتَصَدِّقِ بِتَمْرَةٍ أو شِقِّهَا كما نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ فَكَذَا الْهِبَةُ انْتَهَى وقد يُقَالُ التَّصَدُّقُ بِذَلِكَ بِمَعْنَى نَقْلِ الْيَدِ عنه لَا تَمْلِيكِهِ لِعَدَمِ تَمَوُّلِهِ فَلَا يَدُلُّ على صِحَّةِ هِبَتِهِ بِمَعْنَى تَمْلِيكِهِ وقد مَالَ الْإِمَامُ إلَى أنها بِمَعْنَى نَقْلِ الْيَدِ وإذا تَقَرَّرَ أَنَّ ما جَازَ بَيْعُهُ جَازَتْ هِبَتُهُ فَتَجُوزُ هِبَةُ أَرْضٍ مَزْرُوعَةٍ مع زَرْعِهَا وهبة أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَلَوْ قبل بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَلَوْ بِلَا شَرْطِ قَطْعٍ ذِكْرُ عَدَمِ شَرْطِ الْقَطْعِ من زِيَادَتِهِ وهو إنْ صَحَّ إنَّمَا يَصِحُّ في هِبَةِ الزَّرْعِ وَحْدَهُ وتجوز هِبَةُ مُشَاعٍ وَإِنْ كان لَا يَنْقَسِمُ كَعَبْدٍ وهبة مَغْصُوبٍ لِقَادِرٍ على انْتِزَاعِهِ فَإِنْ لم يَقْدِرْ عليه فَوَجْهَانِ رَجَّحَ مِنْهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ الْمَنْعَ كَالْبَيْعِ
فَإِنْ وَكَّلَ الْمُتَّهِبُ لِلْعَيْنِ الْمُسْتَعَارَةِ أو الْمَغْصُوبَةِ الْمُسْتَعِيرَ أو الْغَاصِبَ لها في الْقَبْضِ من نَفْسِهِ وَقَبِلَ الْوَكَالَةَ بِأَنْ لم يَرُدَّهَا صَحَّ أو إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ يَتَأَتَّى فيها الْقَبْضُ قال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ مَلَكَهُ وَبَرِئَا أَيْ الْمُسْتَعِيرُ وَالْغَاصِبُ من الضَّمَانِ وَقَاعِدَتُهُمْ في الْقَبْضِ من عَدَمِ جَوَازِ اتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ تُخَالِفُهُ وَأَجَابَ ابن الرِّفْعَةِ بِأَنَّهَا لَا تُخَالِفُهُ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ في قَبْضٍ يَتَوَقَّفُ على إقْبَاضِ مُقْبِضٍ بِأَنْ يَكُونَ الْحَقُّ في الذِّمَّةِ لَا مُعَيَّنًا قال الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لو وَكَّلَ الْوَاهِبُ في الْقَبْضِ من نَفْسِهِ صَحَّ وَجَزَمَ في الِاسْتِقْصَاءِ بِالْبُطْلَانِ لِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ انْتَهَى
وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ ليس ذلك من الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَأْذَنَ الْوَاهِبُ لِلْمُتَّهِبِ في الْقَبْضِ مِمَّنْ ذُكِرَ وَيُوَكِّلَهُ الْمُتَّهِبُ في الْقَبْضِ لَا أَنْ يَأْذَنَ الْوَاهِبُ لِمَنْ ذُكِرَ في الْإِقْبَاضِ وَيُوَكِّلَهُ الْمُتَّهِبُ في الْقَبْضِ وَلَوْ وَهَبَ مَرْهُونًا وَكَلْبًا وَلَوْ مُعَلَّمًا وَخَمْرًا وَلَوْ مُحْتَرَمَةً وَجِلْدَ مَيْتَةٍ قبل دَبْغِهِ لم يَصِحَّ كَالْبَيْعِ وَهِبَةُ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ إبْرَاءٌ له منه لَا تَحْتَاجُ قَبُولًا نَظَرًا لِلْمَعْنَى وَتَرْكُهُ له كِنَايَةُ
____________________
(2/481)
إبْرَاءٍ وَقِيلَ صَرِيحُهُ وَهِبَتُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ بَاطِلَةٌ لِعَجْزِهِ عن تَسْلِيمِهِ لِأَنَّ ما يُقْبَضُ من الْمَدِينِ عَيْنٌ لَا دَيْنٌ وَتَمْلِيكُ الْمِسْكِينِ الدَّيْنَ اللَّازِمَ لِمَنْ عليه زَكَاةٌ وَلَوْ كان الدَّيْنُ على غَيْرِهِ أَيْ غَيْرِ الْمِسْكِينِ عن الزَّكَاةِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ ذلك فِيمَا عليه إبْدَالٌ وهو لَا يَجُوزُ فيها وَفِيمَا على غَيْرِهِ تَمْلِيكٌ وهو لَا يَجُوزُ أَيْضًا كما مَرَّ
فَصْلٌ الْمَوْهُوبُ له لَا يَمْلِكُ الْهِبَةَ الصَّادِقَةَ بِأَنْوَاعِهَا إلَّا إذَا قَبَضَ هَا فَلَا يَمْلِكُهَا بِالْعَقْدِ وَإِلَّا لَمَا قال أبو بَكْرٍ في مَرَضِهِ لِعَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها فِيمَا نَحَلَهَا في صِحَّتِهِ من عِشْرِينَ وَسْقًا وَدِدْتُ أَنَّكِ حُزْتِهِ أو قَبَضْتِهِ وَإِنَّمَا هو الْيَوْمَ مَالُ الْوَارِثِ وَرَوَى الْحَاكِمُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَهْدَى إلَى النَّجَاشِيِّ ثُمَّ قال لِأُمِّ سَلَمَةَ إنِّي لَأَرَى النَّجَاشِيَّ قد مَاتَ وَلَا أَرَى الْهَدِيَّةَ التي أَهْدَيْت إلَيْهِ إلَّا سَتُرَدُّ فإذا رُدَّتْ إلَيَّ فَهِيَ لَكِ فَكَانَ كَذَلِكَ وفي رِوَايَةٍ أَنَّهُ أَهْدَى إلَى النَّجَاشِيِّ مِسْكًا فَمَاتَ قبل أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ فَقَسَمَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بين نِسَائِهِ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إرْفَاقٍ كَالْقَرْضِ فَلَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ بِالْإِذْنِ فيه إنْ لم يَقْبِضْهُ الْوَاهِبُ فَلَوْ قَبَضَ بِلَا إذْنٍ وَلَا إقْبَاضٍ لم يَمْلِكْهُ وَدَخَلَ في ضَمَانِهِ سَوَاءٌ أَقَبَضَهُ في مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَمْ بَعْدَهُ وَلَا بُدَّ من إمْكَانِ السَّيْرِ إلَيْهِ إنْ كان غَائِبًا كما مَرَّ في الرَّهْنِ فَالزِّيَادَةُ الْحَادِثَةُ من الْمَوْهُوبِ قبل الْقَبْضِ مِلْكٌ لِلْوَاهِبِ لِبَقَائِهِ على مِلْكِهِ وقد سَبَقَ بَيَانُ الْقَبْضِ في بَابِ الْمَبِيعِ قبل الْقَبْضِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَكْفِي هُنَا الْإِتْلَافُ كما سَيَأْتِي وَلَا الْوَضْعُ بين يَدَيْهِ بِلَا إذْنِهِ وفي نُسْخَةٍ بِلَا إذْنٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَقِّ الْقَبْضِ كَقَبْضِ الْوَدِيعَةِ فَاعْتُبِرَ تَحْقِيقُهُ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ فَجُعِلَ التَّمْكِينُ منه قَبْضًا وَقَوْلُهُ بِلَا إذْنِهِ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قبل الْقَبْضِ لم يَنْفَسِخْ عَقْدُ الْهِبَةِ لِأَنَّهُ يُؤَوَّلُ إلَى اللُّزُومِ كَالْبَيْعِ بِخِلَافِ نَحْوِ الشَّرِكَةِ وَالْوَكَالَةِ وَكَالْمَوْتِ الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ لَكِنْ لَا يَقْبِضَانِ إلَّا بَعْدَ الْإِفَاقَةِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَظَاهِرٌ أَنَّ لِمَوْلَى الْمُتَّهِبِ الْقَبْضَ قَبْلَهَا في الْجُنُونِ وَقَامَ الْوَارِثُ أَيْ وَارِثُ الْوَاهِبِ في الْإِقْبَاضِ وَالْإِذْنِ في الْقَبْضِ وَوَارِثُ الْمُتَّهِبِ في الْقَبْضِ مَقَامَهُ أَيْ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فَإِنْ رَجَعَ الْوَاهِبُ أو وَارِثُهُ في الْإِذْنِ في الْقَبْضِ أو مَاتَ هو أو الْمُتَّهِبُ قبل الْقَبْضِ فِيهِمَا بَطَلَ الْإِذْنُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جُنُونُ الْوَاهِبِ وَإِغْمَاؤُهُ وَالْحَجْرُ عليه كَذَلِكَ
فَرْعٌ وَإِنْ مَاتَ الْمُهْدِي أو الْمُهْدَى إلَيْهِ قبل الْقَبْضِ فَلَيْسَ لِلرَّسُولِ إيصَالُهَا أَيْ الْهَدِيَّةِ إلَى الْمُهْدَى إلَيْهِ أو وَارِثِهِ إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ وَهَذَا عُلِمَ مِمَّا قبل الْفَرْعِ
فَرْعٌ قَبْضُ الْمُشَاعِ يَحْصُلُ بِقَبْضِ الْجَمِيعِ مَنْقُولًا كان أو غَيْرَهُ فَإِنْ كان مَنْقُولًا وَمَنَعَ منه أَيْ من الْقَبْضِ الشَّرِيكُ فيه وَوَكَّلَهُ الْمَوْهُوبُ له في الْقَبْضِ له جَازَ فَيَقْبِضُهُ له الشَّرِيكُ فَإِنْ امْتَنَعَ الْمَوْهُوبُ له من تَوْكِيلِهِ أَيْ الشَّرِيكِ قَبَضَ له الْحَاكِمُ وَلَوْ بِنَائِبِهِ وَيَكُونُ في يَدِهِ لَهُمَا لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ في ذلك عَلَيْهِمَا أَمَّا إذَا لم يَمْنَعْ الشَّرِيكُ من الْقَبْضِ بِأَنْ رضي بِتَسْلِيمِ نَصِيبِهِ أَيْضًا إلَى الْمَوْهُوبِ له فَقَبَضَ الْجَمِيعَ فَيَحْصُلُ الْمِلْكُ وَيَكُونُ نَصِيبُهُ تَحْتَ يَدِ الْمَوْهُوبِ له وَدِيعَةً
فَرْعٌ ليس الْإِتْلَافُ من الْمُتَّهِبِ لِلْمَوْهُوبِ قَبْضًا
____________________
(2/482)
بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي إذَا أَتْلَفَ الْمَبِيعَ لِمَا مَرَّ في الْفَصْلِ السَّابِقِ وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَتْلَفَ مِلْكَهُ بِخِلَافِ الْمُتَّهِبِ سَوَاءٌ أَتْلَفَهُ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ أَمْ لَا كما صَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيَّ وهو قَضِيَّةُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا إنْ أَذِنَ له في الْأَكْلِ أو الْعِتْقِ عنه فَأَكَلَهُ أو أَعْتَقَهُ أو أَمَرَ الْمُتَّهِبُ الْوَاهِبَ بِإِعْتَاقِهِ فَأَعْتَقَهُ عنه كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَيَكُونُ قَبْضًا وَيُقَدَّرُ أَنَّهُ مَلَكَهُ قبل الِازْدِرَادِ وَالْعِتْقِ وَيَصِحُّ بَيْعُ الْوَاهِبِ لِلْمَوْهُوبِ قبل الْقَبْضِ وَإِنْ ظَنَّ لُزُومَ الْهِبَةِ وَحُصُولَ الْمِلْكِ بِالْعَقْدِ وَتَبْطُلُ الْهِبَةُ وَلَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ وَلَيْسَ الْإِقْرَارُ بِالْهِبَةِ وَلَوْ مع الْمِلْكِ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ لِلْمَوْهُوبِ لِجَوَازِ أَنْ يَعْتَقِدَ لُزُومَهَا بِالْعَقْدِ وَالْإِقْرَارُ يُحْمَلُ على الْيَقِينِ إلَّا إنْ قال وَهَبْته له وَخَرَجْت منه إلَيْهِ فَيَكُونُ إقْرَارًا لِأَنَّهُ نَسَبَ إلَى نَفْسِهِ ما يُشْعِرُ بِالْإِقْبَاضِ وَهَذَا إنْ كان في يَدِ الْمُتَّهِبِ وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا كما مَرَّ بَيَانُهُ في الْبَابِ الثَّالِثِ من كِتَابِ الْإِقْرَارِ وَقَوْلُهُ وَهَبْته له وَأَقْبَضْته له إقْرَارٌ بِالْجَمِيعِ أَيْ بِالْهِبَةِ وَالْقَبْضِ
الْبَابُ الثَّانِي في حُكْمِ الْهِبَةِ في الرُّجُوعِ وَالثَّوَابِ وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ في الرُّجُوعِ وَيُكْرَهُ لِلْوَالِدِ وَإِنْ عَلَا أَنْ يَهَبَ لِأَحَدِ وَلَدَاهُ أَكْثَرَ من الْآخَرِ وَلَوْ ذَكَرًا لِلنَّهْيِ عن ذلك في خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ وَلِئَلَّا يُفْضِيَ ذلك إلَى الْعُقُوقِ وَفَارَقَ الْإِرْثَ بِأَنَّ الْوَارِثَ رَاضٍ بِمَا فَرَضَ اللَّهُ له بِخِلَافِ هذا وَبِأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى إنَّمَا يَخْتَلِفَانِ في الْمِيرَاثِ بِالْعُصُوبَةِ أَمَّا بِالرَّحِمِ الْمُجَرَّدَةِ فَهُمَا سَوَاءٌ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ من الْأُمِّ وَالْهِبَةُ لِلْأَوْلَادِ أُمِرَ بها صِلَةً لِلرَّحِمِ نعم إنْ تَفَاوَتُوا حَاجَةً قال ابن الرِّفْعَةِ فَلَيْسَ في التَّفْضِيلِ وَالتَّخْصِيصِ الْمَحْذُورُ السَّابِقُ وإذا ارْتَكَبَ التَّفْضِيلَ الْمَكْرُوهَ فَالْأَوْلَى أَنْ يُعْطِيَ الْآخَرِينَ ما يَحْصُلُ بِهِ الْعَدْلُ وَلَوْ رَجَعَ جَازَ بَلْ حَكَى في الْبَحْرِ اسْتِحْبَابَهُ قال الْإِسْنَوِيُّ وَيُتَّجَهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ جَوَازِهِ أو اسْتِحْبَابِهِ في الزَّائِدِ ويكره أَنْ يَرْجِعَ في عَطِيَّتِهِمْ إنْ عَدَلَ بَيْنَهُمْ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ كَأَنْ يَكُونُوا عَقَقَةً أو يَسْتَعِينُونَ بِمَا أَعْطَاهُ لهم في مَعْصِيَةٍ وَأَصَرُّوا عليها بَعْدَ إنْذَارِهِ لهم بِالرُّجُوعِ فَلَا يُكْرَهُ رُجُوعُهُ فيها كَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ قال الْإِسْنَوِيُّ وهو مَرْدُودٌ بَلْ الْقِيَاسُ في الثَّانِيَةِ اسْتِحْبَابُ الرُّجُوعِ إنْ لم يَكُنْ وَاجِبًا وَأَمَّا الْعَاقُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ زَادَهُ الرُّجُوعُ عُقُوقًا كُرِهَ أو أَزَالَهُ اُسْتُحِبَّ أو لم يَفِدْ شيئا مِنْهُمَا أُبِيحَ وَيَحْتَمِلُ اسْتِحْبَابَ عَدَمِهِ وَالْعَدْلُ في هِبَةِ الْوَلَدِ وَالِدَيْهِ أَنْ يُسَوِّيَ بين الْوَالِدَيْنِ كَعَكْسِهِ بَلْ أَوْلَى فَإِنْ فَضَّلَ أَحَدَهُمَا فَالْأُمُّ أَوْلَى لِخَبَرِ إنَّ لها ثُلُثَيْ الْبِرِّ قال الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْإِخْوَةَ وَنَحْوَهُمْ لَا يَجْرِي فِيهِمْ هذا الْحُكْمُ قال ابن الرِّفْعَةِ وَيَحْتَمِلُ طَرْدَهُ لِلْإِيحَاشِ وقد يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَحْذُورَ في الْأَوْلَادِ عَدَمُ الْبِرِّ وهو وَاجِبٌ قال وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ مَطْلُوبَةٌ لَكِنْ دُونَ طَلَبِهَا بين الْأَوْلَادِ
فَصْلٌ لِلْأَبِ وَكَذَا سَائِرُ الْأُصُولِ من الْجِهَتَيْنِ وَلَوْ مع اخْتِلَافِ الدِّينِ لَا غَيْرِهِمْ كَالْإِخْوَةِ
____________________
(2/483)
الرُّجُوعُ وَلَوْ كان قد أَسْقَطَهُ من دُونِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِالرُّجُوعِ في الْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ لِلْوَلَدِ سَوَاءٌ أَقَبَضَهَا الْوَلَدُ أَمْ لَا غَنِيًّا كان أو فَقِيرًا صَغِيرًا أو كَبِيرًا لِخَبَرِ لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أو يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فيها إلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ وَالْوَالِدُ يَشْمَلُ كُلَّ الْأُصُولِ إنْ حُمِلَ اللَّفْظُ على حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ وَإِلَّا أُلْحِقَ بِهِ بَقِيَّةُ الْأُصُولِ بِجَامِعِ أَنَّ لِكُلٍّ وِلَادَةً كما في النَّفَقَةِ وَحُصُولِ الْعِتْقِ وَسُقُوطِ الْقَوَدِ وَأَمَّا خَبَرُ من وَهَبَ هِبَةً فَهُوَ أَحَقُّ بها ما لم يُثَبْ منها فَيُحْمَلُ على الْأُصُولِ وَخُصُّوا بِذَلِكَ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ عَنْهُمْ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِمْ فَلَا يَرْجِعُونَ إلَّا لِحَاجَةٍ أو مَصْلَحَةٍ وَعَبْدِهِ أَيْ وَلِعَبْدِ الْوَلَدِ غَيْرِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ الْهِبَةَ لِعَبْدِ الْوَلَدِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَهِبَةِ اثْنَيْنِ لِوَلَدٍ تَنَازَعَا فيه ثُمَّ أُلْحِقَ بِأَحَدِهِمَا كَذَا قَالَهُ ابن الرِّفْعَةِ وَهِبَتُهُ لِمُكَاتَبِ نَفْسِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ لَا في الْإِبْرَاءِ لِوَلَدِهِ عن دَيْنِهِ أَيْ لَا يَرْجِعُ فيه سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهُ إسْقَاطٌ أَمْ تَمْلِيكٌ إذْ لَا بَقَاءَ لِلدَّيْنِ فَأَشْبَهَ ما لو وَهَبَهُ شيئا فَتَلِفَ وَلَا في الْهِبَةِ من اثْنَيْنِ لِوَلَدٍ تَنَازَعَا فيه أَيْ لَا رُجُوعَ لِوَاحِدٍ منها فِيهِمَا لِعَدَمِ ثُبُوتِ كَوْنِ الْوَلَدِ له فَلَوْ أُلْحِقَ الْوَلَدُ بِإِحْدَاهُمَا رَجَعَ عليه في هِبَتِهِ له لِثُبُوتِ ذلك وَإِنْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ ثُمَّ مَاتَ ولم يَرِثْهُ الْوَلَدُ لِمَانِعٍ قام بِهِ وَإِنَّمَا وَرِثَهُ جَدُّ الْوَلَدِ لم يَرْجِعْ في الْهِبَةِ الْجَدُّ الْحَائِزُ لِلْمِيرَاثِ لِأَنَّ الْحُقُوقَ لَا تُورَثُ وَحْدَهَا إنَّمَا تُورَثُ بِتَبَعِيَّةِ الْمَالِ وهو لَا يَرِثُهُ
فَرْعٌ يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ في الْمَوْهُوبِ بِزَوَالِ مِلْكِ الْوَلَدِ عنه بِتَلَفٍ أو بَيْعٍ أو غَيْرِهِ صِيَانَةً لِمِلْكِ غَيْرِهِ وَلِعَدَمِ بَقَاءِ سَلْطَنَتِهِ عليه وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ امْتِنَاعُ الرُّجُوعِ بِالْبَيْعِ وَإِنْ كان الْبَيْعُ من أبيه الْوَاهِبِ وهو ظَاهِرٌ وَلَوْ عَادَ إلَيْهِ بِإِرْثٍ أو غَيْرِهِ فإنه يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ لِأَنَّ مِلْكَهُ الْآنَ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ منه حتى يُزِيلَهُ بِالرُّجُوعِ فيه ويمتنع الرُّجُوعُ فيه بِرَهْنٍ مَقْبُوضٍ بِأَنْ رَهَنَهُ الْوَلَدُ من غَيْرِهِ وَأَقْبَضَهُ لِعَدَمِ بَقَاءِ سَلْطَنَتِهِ عليه وَصِيَانَةً لِمِلْكِ غَيْرِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى منه ما لو كان الْأَبُ هو الْمُرْتَهِنَ فَلَهُ الرُّجُوعُ لِأَنَّ الْمَانِعَ منه في صُورَةِ الْأَجْنَبِيِّ وهو إبْطَالُ حَقِّهِ مُنْتَفٍ هُنَا وَلِهَذَا صَحَّحُوا بَيْعَهُ من الْمُرْتَهِنِ دُونَ غَيْرِهِ
وَخَرَجَ بِالْمَقْبُوضِ غَيْرُهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ فيه لِبَقَاءِ سَلْطَنَةِ الْوَلَدِ عليه وَبِجِنَايَةٍ من الْمَوْهُوبِ أَوْجَبَتْ تَعَلُّقَ الْأَرْشِ بِهِ كما في الرَّهْنِ الْمَقْبُوضِ وَبِحَجْرِ فَلَسٍ على الْوَلَدِ كَالرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ لَا بِحَجْرِ سَفَهٍ عليه لِأَنَّهُ لم يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ وَلَوْ جُنَّ الْأَبُ لم يَصِحَّ رُجُوعُهُ حَالَ جُنُونِهِ وَلَا رُجُوعَ لِوَلِيِّهِ بَلْ إذَا أَفَاقَ كان له الرُّجُوعُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ ويمتنع الرُّجُوعُ بِاسْتِيلَادٍ لِلْمَوْهُوبَةِ لِعَدَمِ بَقَاءِ سَلْطَنَةِ الْوَلَدِ عليها لَا وَطْءٍ لها إذْ لَا مَانِعَ ويمتنع الرُّجُوعُ بِكِتَابَةٍ لِلْمَوْهُوبِ كَالرَّهْنِ الْمَقْبُوضِ لَا تَدْبِيرٍ وَتَزْوِيجٍ وَإِجَارَةٍ وَزِرَاعَةٍ وَتَعْلِيقِ عِتْقٍ بِصِفَةٍ لِبَقَاءِ وِلَايَةِ الْوَلَدِ عليه وَلَا بِفَسْخِهَا أَيْ الْوَالِدِ الْإِجَارَةَ إنْ رَجَعَ بَلْ تَبْقَى بِحَالِهَا كَالتَّزْوِيجِ وَيُمَكَّنُ الْوَالِدُ من فِدَاءِ الْجَانِي لِيَرْجِعَ فيه لَا من فِدَاءِ الْمَرْهُونِ بِأَنْ يَبْذُلَ قِيمَتَهُ لِيَرْجِعَ فيه لِمَا فيه من إبْطَالِ تَصَرُّفِ الْمُتَّهِبِ نعم له أَنْ يَفْدِيَهُ بِكُلِّ الدَّيْنِ لِأَنَّ له أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ لَكِنْ بِشَرْطِ رِضَا الْغَرِيمِ
وَلَوْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ شيئا فَوَهَبَ ه الْوَلَدُ لِلْجَدِّ ثُمَّ الْجَدُّ لِوَلَدِ وَلَدِهِ فَالرُّجُوعُ ثَابِتٌ لِلْجَدِّ فَقَطْ أَيْ لَا لِوَلَدِهِ وَيَرْجِعُ الْوَاهِبُ في مَرْهُونٍ وَمُكَاتَبٍ انْفَكَّا عن الرَّهْنِ وَالْكِتَابَةِ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ فيها لِبَقَاءِ الْوِلَايَةِ فِيهِمَا وفي عَصِيرٍ تَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ إذْ الْمِلْكُ الثَّابِتُ في الْخَلِّ سَبَبُهُ تَمَلُّكُ الْعَصِيرِ فَكَأَنَّهُ الْمِلْكُ الْأَوَّلُ بِعَيْنِهِ وَمَتَى ارْتَدَّ الْوَلَدُ فَالرُّجُوعُ مَوْقُوفٌ على عَوْدِهِ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَسْلَمَ صَحَّ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ وَهَبَ وَلَدَهُ شيئا ووهبه الْوَلَدُ لِوَلَدِهِ فَلَا رُجُوعَ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمِلْكَ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ منه
____________________
(2/484)
فَصْلٌ يَرْجِعُ في الْمَوْهُوبِ بِالزَّوَائِدِ الْمُتَّصِلَةِ غَيْرِ الْحَمْلِ الْحَادِثِ كَسِمَنٍ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ لِأَنَّهَا تَتْبَعُ الْأَصْلَ بِخِلَافِ الْحَمْلِ الْحَادِثِ لَا يَرْجِعُ فيه لِحُدُوثِهِ على مِلْكِ الْمُتَّهِبِ لَا بِالزَّوَائِدِ الْمُنْفَصِلَةِ غَيْرِ وَلَدِ الْحَمْلِ الْقَدِيمِ كَالْوَلَدِ الْحَادِثِ لَا يَرْجِعُ فيه لِحُدُوثِهِ على مِلْكِ الْمُتَّهِبِ لَا بِالزَّوَائِدِ الْمُنْفَصِلَةِ غَيْرِ وَلَدِ الْحَمْلِ الْقَدِيمِ كَالْوَلَدِ الْحَادِثِ وَالْكَسْبِ بَلْ تَبْقَى لِلْمُتَّهِبِ لِذَلِكَ بِخِلَافِ وَلَدِ الْحَمْلِ الْقَدِيمِ يَرْجِعُ فيه لِأَنَّهُ من جُمْلَةِ الْمَوْهُوبِ بِنَاءً على أَنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ وفي جَعْلِ وَلَدِ الْحَمْلِ الْقَدِيمِ من الزَّوَائِدِ تَسَمُّحٌ وَالْإِضَافَةُ فيه إضَافَةٌ بَيَانِيَّةٌ وَهَلْ يَرْجِعُ في الْأُمِّ قبل الْوَضْعِ لِلْحَمْلِ الْحَادِثِ أَمْ عليه الصَّبْرُ إلَى الْوَضْعِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا في تَعْلِيقِ الْقَاضِي الْأَوَّلُ وَلَهُ أَجَابَ ابن الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ
وَلَوْ زَرَعَ الْوَلَدُ الْحَبَّ أو تُفَرِّخُ الْبَيْضُ فَلَا رُجُوعَ فيه لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ صَارَ مُسْتَهْلَكًا قال في الْأَصْلِ قال الْبَغَوِيّ هذا إذَا ضَمَّنَّا الْغَاصِبَ بِذَلِكَ وَإِلَّا فَقَدْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فَيَرْجِعُ وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ الرُّجُوعِ وَبِهِ جَزَمَ الْبُلْقِينِيُّ وَاخْتَارَهُ الزَّرْكَشِيُّ وهو قِيَاسُ ما قَالُوهُ في الْفَلَسِ وَإِنْ صَبَغَ الْوَلَدُ الثَّوْبَ شَارَكَهُ أَيْ شَارَكَ وَالِدَهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ في الثَّوْبِ بِالصَّبْغِ وَلَوْ قَصَرَهُ أو كان حِنْطَةً فَطَحَنَهَا أو غَزْلًا فَنَسَجَهُ وَزَادَتْ قِيمَتُهُ فَكَذَلِكَ أَيْ فَيُشَارِكُهُ في الزَّائِدِ فَإِنْ لم تَزِدْ قِيمَتُهُ فَلَا شَرِكَةَ قال الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ في تَعَلُّمِ الصَّنْعَةِ الصَّحِيحُ أَنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ شَرِيكًا فيها كَالْقِصَارَةِ كما ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ في بَابِ الْفَلَسِ على خِلَافِ ما جَزَمَا بِهِ هُنَا من أَنَّهُ كَالسِّمَنِ وَالْمُصَنِّفُ تَرَكَهُ هُنَا لِذَلِكَ لَكِنْ أَجَابَ عنه الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ ما هُنَا تَعَلُّمٌ لَا مُعَالَجَةَ لِلسَّيِّدِ فيه وما هُنَاكَ تَعْلِيمٌ فيه مُعَالَجَةٌ منه
وَيَتَخَيَّرُ الْوَالِدُ بَعْدَ رُجُوعِهِ في الْأَرْضِ الْمَوْهُوبَةِ وقد غَرَسَ فيها الْوَلَدُ أو بَنَى في الْغَرْسِ أو الْبِنَاءِ بين قَلْعِهِ بِأَرْشٍ أو تَمَلُّكِهِ بِقِيمَةٍ أو تَبَعِيَّتِهِ بِأُجْرَةٍ قال في الْأَصْلِ كَالْعَارِيَّةِ لَكِنَّهُ صَحَّحَ فيها في بَابِهَا التَّخْيِيرَ بين الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ فَلْيُؤَوَّلْ قَوْلُهُ كَالْعَارِيَّةِ على التَّشْبِيهِ في مُطْلَقِ التَّخْيِيرِ مع أَنَّهُ تَقَدَّمَ ثَمَّ مَنْعُ ما صَحَّحَهُ وَأَنَّ الْمَنْقُولَ وَالْقِيَاسَ التَّخْيِيرُ بين الثَّلَاثِ
فَرْعٌ يَحْصُلُ الرُّجُوعُ في الْهِبَةِ بِ رَجَعْتُ في الْهِبَةِ وَأَبْطَلْتُهَا وَنَقَضْتُهَا وَنَحْوِهِ كَ ارْتَجَعْتُ الْمَوْهُوبَ وَاسْتَرْدَدْته وَرَدَدْته إلَى مِلْكِي وَكُلُّهَا صَرَائِحُ وَالْكِنَايَةُ كَ أَخَذْتُهُ وَقَبَضْته فَلَوْ بَاعَ الْوَالِدُ أو أَتْلَفَ أو وَهَبَ أو وَقَفَ أو أَعْتَقَ أو وَطِئَ أو اسْتَوْلَدَ الْمَوْهُوبَ لم يَكُنْ رُجُوعًا لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِلْوَلَدِ بِدَلِيلِ نُفُوذِ تَصَرُّفَاتِهِ فيه فَلَا يَنْفُذُ فيه تَصَرُّفُ الْوَالِدِ وَيُخَالِفُ الْبَيْعَ في زَمَنِ الْخِيَارِ بِأَنَّ الْمِلْكَ فيه ضَعِيفٌ بِخِلَافِ مِلْكِ الْوَلَدِ لِلْمَوْهُوبِ فَيَلْزَمُهُ بِالْإِتْلَافِ وَالِاسْتِيلَادِ الْقِيمَةُ وَبِالْوَطْءِ الْمَهْرُ وَتَلْغُو الْبَقِيَّةُ وَتَحْرُمُ بِهِ الْأَمَةُ على الْوَلَدِ لِأَنَّهَا مَوْطُوءَةُ وَالِدِهِ وتحرم مَوْطُوءَتُهُ أَيْ مَوْطُوءَةُ الْوَلَدِ التي وَطِئَهَا الْوَالِدُ عَلَيْهِمَا مَعًا وَهَذَا وما قَبْلَهُ من زِيَادَتِهِ وَهُمَا مَعْلُومَانِ من بَابِ مَوَانِعِ النِّكَاحِ وَالْمَوْهُوبُ بَعْدَ الرُّجُوعِ فيه من غَيْرِ اسْتِرْدَادٍ له أَمَانَةٌ في يَدِ الْوَلَدِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ في يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ فَسْخِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَخَذَهُ بِحُكْمِ الضَّمَانِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الرُّجُوعِ بِشَرْطٍ كَقَوْلِهِ إذَا جاء رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ رَجَعْت لِأَنَّ الْفَسْخَ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَلَوْ اتَّفَقَا أَيْ الْمُتَوَاهِبَانِ على فَسْخِهَا أَيْ الْهِبَةِ بِأَنْ تَفَاسَخَاهَا حَيْثُ لَا رُجُوعَ فيها فَهَلْ تَنْفَسِخُ كما لو تَقَايَلَا أو لَا تَنْفَسِخُ كَالْخُلْعِ فيه وَجْهَانِ قَضِيَّةُ ذلك كما قال الزَّرْكَشِيُّ صِحَّةُ الْإِقَالَةِ وقال ابن الرِّفْعَةِ كَلَامُ الْقَاضِي يَقْتَضِي امْتِنَاعَهَا وَبِهِ وَبِامْتِنَاعِ التَّفَاسُخِ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ فقال وَلَوْ تَقَايَلَا في الْهِبَةِ أو تَفَاسَخَا حَيْثُ لَا رُجُوعَ لم تَنْفَسِخْ
الطَّرَفُ الثَّانِي في الثَّوَابِ على الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا وهو لَا يَلْزَمُ بِمُطْلَقِ الْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ إذْ لَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ وَلَا الْعَادَةُ وَلَوْ وَقَعَ ذلك من الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى كما في إعَارَتِهِ له إلْحَاقًا لِلْأَعْيَانِ بِالْمَنَافِعِ وَكَمَا لَا يَلْزَمُ بِذَلِكَ لَا يَلْزَمُ بِالصَّدَقَةِ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى فَإِنْ أَثَابَهُ الْمُتَّهِبُ على ذلك فَهِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ لِلْأَبِ الرُّجُوعُ فيها إذَا كان هو الْمُثِيبَ وَعَكَسَ في الرَّوْضَةِ فقال حتى لو وَهَبَ لِابْنِهِ فَأَعْطَاهُ الِابْنُ ثَوَابًا لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الرُّجُوعِ وَكُلٌّ صَحِيحٌ وإذا قَيَّدَهَا الْمُتَعَاقِدَانِ بِثَوَابٍ مَعْلُومٍ لَا مَجْهُولٍ صَحَّ الْعَقْدُ بَيْعًا نَظَرًا لِلْمَعْنَى فإنه مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ مَعْلُومٍ كَالْبَيْعِ بِخِلَافِ ما إذَا
____________________
(2/485)
قَيَّدَهَا بِمَجْهُولٍ لَا يَصِحُّ لِتَعَذُّرِهِ بَيْعًا وَهِبَةً وَتَثْبُتُ فيه أَيْ في عَقْدِ الْهِبَةِ بِثَوَابٍ مَعْلُومٍ أَحْكَامُهُ أَيْ الْبَيْعِ كَالْخِيَارِ وَالشُّفْعَةِ وَاللُّزُومِ قبل الْقَبْضِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَأْتِي بِالْعَقْدِ لَا الْقَبْضِ لِلْمَوْهُوبِ كَالْبَيْعِ فَلَا رُجُوعَ لِلْأَبِ فيه وَيَجْتَنِبُ فيه الرِّبَا وفي نُسْخَةٍ الزِّيَادَةُ أَيْ الْمُفَاضَلَةُ في الرِّبَوِيِّ وَيَرُدُّ الثَّوَابَ بِالْعَيْبِ الذي ظَهَرَ فيه ثَمَّ إنْ كان في الذِّمَّةِ طَالَبَ بِسَلِيمٍ أو مُعَيَّنًا رَجَعَ إلَى عَيْنِ الْمَوْهُوبِ إنْ كان بَاقِيًا وَإِلَّا طَالَبَ بِبَدَلِهِ وَيَسْتَرِدُّ الْمُثِيبُ ثَوَابَهُ إنْ خَرَجَ الْمَوْهُوبُ مُسْتَحَقًّا بِنَاءً في ذلك كُلِّهِ على أَنَّ الْعَقْدَ الْمَذْكُورَ بَيْعٌ وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ مُسْتَحَقًّا تَخَيَّرَ بين أَنْ يَرْجِعَ بِقِسْطِهِ من الثَّوَابِ وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ وَيَرْجِعَ بِجَمِيعِ الثَّوَابِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَلَوْ اخْتَلَفَا في ذِكْرِ الْبَدَلِ صُدِّقَ الْمُتَّهِبُ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا على أَنَّهُ مِلْكُهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ ذِكْرِ الْبَدَلِ
فَصْلٌ فيه مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِالْكِتَابِ لو وَهَبَ له مَنَافِعَ دَارٍ فَهَلْ الدَّارُ عَارِيَّةٌ له فَلَا يَمْلِكُ مَنَافِعَهَا أو لَا فَتَكُونُ أَمَانَةً وَيَمْلِكَ مَنَافِعَهَا بِقَبْضِهَا وهو اسْتِيفَاؤُهَا لَا بِقَبْضِ الدَّارِ فيه وَجْهَانِ قال الزَّرْكَشِيُّ أَرْجَحُهُمَا الْأَوَّلُ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَجَّحَ ابن الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ الثَّانِيَ
وَلَوْ فَسَدَتْ الْهِبَةُ لم يَضْمَنْ الْمَقْبُوضَ بها أَيْ لم يَضْمَنْهُ الْمُتَّهِبُ لِأَنَّهُ دخل فيها على أَنْ لَا يَكُونَ مَضْمُونًا عليه بها كما في الْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْمِلْكُ بِالْقَبْضِ فيها وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ فَإِنْ جَدَّدَ له الْوَاهِبُ الْهِبَةَ بَعْدَ فَسَادِهَا وهو يَعْتَقِدُ صِحَّةَ الْأُولَى فَكَمَنْ بَاعَ مَالَ أبيه وهو يَظُنُّهُ حَيًّا فَبَانَ مَيِّتًا فَتَصِحُّ كما تَصِحُّ فِيمَا لو اعْتَقَدَ فَسَادَهَا وَقَوْلُهُ لِغَيْرِهِ كَسَوْتُك هذا الثَّوْبَ كِنَايَةٌ في الْهِبَةِ فَلَوْ قال الْوَاهِبُ لم أُرِدْهَا صُدِّقَ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِلْعَارِيَّةِ فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا في الْهِبَةِ بَلْ كِنَايَةً بِخِلَافِ ما إذَا قال مَنَحْتُك هذا فَقَبِلَ وَأَقْبَضَهُ له فإنه صَرِيحٌ فيها هذا ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْعُرْفُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ لِعَدَمِ الشُّيُوعِ
وَإِنْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ عَيْنًا وَأَقْبَضَهُ إيَّاهَا في الصِّحَّةِ فَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لِبَاقِي الْوَرَثَةِ أَنَّ أَبَاهُ قد رَجَعَ فِيمَا وَهَبَ له مُطْلَقًا بِأَنْ لم تَذْكُرْ ما رَجَعَ فيه لم تُسْمَعْ شَهَادَتُهَا فَلَا تُنْزَعُ بها الْعَيْنُ منه لِاحْتِمَالِ أنها لَيْسَتْ من الْمَرْجُوعِ فيه وَلَوْ اخْتَلَفَا أَيْ الْمُتَّهِبُ وَبَاقِي الْوَرَثَةِ هل كانت أَيْ الْهِبَةُ في مَرَضِ الْوَاهِبِ أو في صِحَّتِهِ بِأَنْ ادَّعَى الْمُتَّهِبُ أنها كانت في الصِّحَّةِ وَبَاقِي الْوَرَثَةِ أنها كانت في الْمَرَضِ صُدِّقَ الْمُتَّهِبُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّحَّةُ وَقَوْلُهُ بِيَمِينِهِ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ تَصَدَّقَ عليه غَيْرُهُ بِثَوْبٍ فَظَنَّهُ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ أو أَعَارَهُ له مَلَكَهُ اعْتِبَارًا بِنِيَّةِ الدَّافِعِ فَلَوْ رَدَّهُ عليه الْمَدْفُوعُ له لم يَحِلَّ له أَخْذُهُ لِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ عنه فَإِنْ أَخَذَهُ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَيْهِ
وَأَفْضَلُ الْبِرِّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِمَا وَفِعْلِ ما يَسُرُّهُمَا من الطَّاعَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى وَغَيْرِهَا مِمَّا ليس بِمَنْهِيٍّ عنه قال تَعَالَى وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا الْآيَةَ وقال ابن عُمَرَ كان تَحْتِي امْرَأَةٌ وَكُنْت أُحِبُّهَا وكان عُمَرُ يَكْرَهُهَا فقال لي طَلِّقْهَا فَأَبَيْت فَأَتَى عُمَرُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فذكر ذلك له فقال لي النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم طَلِّقْهَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَذِكْرُ أَفْضَلِيَّةِ الْبِرِّ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَمِنْ بِرِّهِمَا الْإِحْسَانُ إلَى صَدِيقِهِمَا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ إنَّ من أَبَرِّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وُدِّ أبيه وَمِنْ الْكَبَائِرِ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ بِنَصِّ الحديث وفي نُسْخَةٍ عُقُوقُ كُلٍّ مِنْهُمَا وهو أَنْ يُؤْذِيَهُمَا أَذًى ليس بِهَيِّنٍ ما لم يَكُنْ ما آذَاهُمَا بِهِ وَاجِبًا كما ذَكَرَهُ في الرَّوْضَةِ وَصِلَةُ الرَّحِمِ أَيْ الْقَرَابَةِ مَأْمُورٌ بها وَهِيَ فِعْلُك مع قَرِيبِك ما تُعَدُّ بِهِ وَاصِلًا غير مُنَافِرٍ وَمُقَاطِعٍ له وَتَكُونُ صِلَتُهُمَا بِالْمَالِ وَقَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَالزِّيَارَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَةِ بِالسَّلَامِ وَنَحْوِهَا وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُ وَفَاءِ الْوَعْدِ قال تَعَالَى وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدْتُمْ وقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وقال وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إنَّ الْعَهْدَ
____________________
(2/486)
كان مَسْئُولًا وتتأكد كَرَاهَةُ خِلَافِهِ أَيْ الْوَعْدِ قال تَعَالَى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لَا تَفْعَلُونَ وَرَوَى الشَّيْخَانِ خَبَرَ آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إذَا حَدَّثَ كَذَبَ وإذا وَعَدَ أَخْلَفَ وإذا اُؤْتُمِنَ خَانَ زَادَ مُسْلِمٌ في رِوَايَةٍ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ وَإِنَّمَا لم يَجِبْ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ ولم يَحْرُمْ إخْلَافُهُ لِأَنَّهُ في مَعْنَى الْهِبَةِ وَهِيَ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ كِتَابُ اللُّقَطَةِ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِهَا وَيُقَالُ لُقَاطَةٌ بِضَمِّ اللَّامِ وَلَقَطٌ بِفَتْحِهِمَا بِلَا هَاءٍ وَهِيَ لُغَةً الشَّيْءُ الْمَلْقُوطُ وَيُقَالُ اللُّقَطَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ اسْمٌ لِلْمُلْتَقِطِ بِكَسْرِهَا أَيْضًا وَشَرْعًا ما وُجِدَ من حَقٍّ ضَائِعٍ مُحْتَرَمٍ لَا يَعْرِفُ الْوَاجِدُ مُسْتَحِقَّهُ وَالْأَصْلُ فيها قبل الْإِجْمَاعِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عن زَيْدِ بن خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سُئِلَ عن لُقَطَةِ الذَّهَبِ أو الْوَرِقِ فقال اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ لم تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِقْهَا وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ فَإِنْ جاء صَاحِبُهَا يَوْمًا من الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إلَيْهِ وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بها وَسَأَلَهُ عن ضَالَّةِ الْإِبِلِ فقال مَالَكَ وَلَهَا دَعْهَا فإن مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حتى يَلْقَاهَا رَبُّهَا وَسَأَلَهُ عن الشَّاةِ فقال خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لك أو لِأَخِيكَ أو لِلذِّئْبِ وَفُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَالِ الضَّائِعِ بِأَنَّ الضَّائِعَ ما يَكُونُ مُحْرَزًا بِحِرْزِ مِثْلِهِ كَالْمَوْجُودِ في مُودَعِ الْحُكْمِ وَغَيْرِهِ من الْأَمَاكِنِ الْمُغْلَقَةِ ولم يُعْرَفْ مَالِكُهُ وَاللُّقَطَةَ ما وُجِدَ ضَائِعًا بِغَيْرِ حِرْزٍ وفي الْفَرْقِ نَظَرٌ يُتَلَقَّى مِمَّا يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ وفي الِالْتِقَاطِ مَعْنَى الْأَمَانَةِ وَالْوِلَايَةِ من حَيْثُ إنَّ الْمُلْتَقِطَ أَمِينٌ فِيمَا الْتَقَطَهُ وَالشَّرْعُ وَلَّاهُ حِفْظَهُ كَالْوَلِيِّ في مَالِ الطِّفْلِ وَفِيهِ مَعْنَى الِاكْتِسَابِ من حَيْثُ إنَّ له التَّمَلُّكَ بَعْدَ التَّعْرِيفِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْمُغَلَّبِ مِنْهُمَا
وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ في أَرْكَانِهَا وَهِيَ ثَلَاثَةٌ الْتِقَاطٌ وَمُلْتَقِطٌ بِكَسْرِ الْقَافِ وَمُلْتَقَطٌ بِفَتْحِهَا الْأَوَّلُ الِالْتِقَاطُ وَلَا يَجِبُ وَإِنْ غَلَبَ على ظَنِّهِ ضَيَاعُ اللُّقَطَةِ وَأَمَانَةُ نَفْسِهِ كما لَا يَجِبُ قَبُولُ الْوَدِيعَةِ بَلْ يُكْرَهُ لِفَاسِقٍ لِئَلَّا تَدْعُوَهُ نَفْسُهُ إلَى الْخِيَانَةِ وَيُسْتَحَبُّ لِأَمِينٍ يَثِقُ بِنَفْسِهِ لِمَا فيه من الْبِرِّ وَالْإِشْهَادُ بِالِالْتِقَاطِ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ كما في الْوَدِيعَةِ إذَا قَبِلَهَا وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَأْمُرْ بِهِ في خَبَرِ زَيْدٍ وَأَجَابُوا عن الْأَمْرِ بِالْإِشْهَادِ في خَبَرِ أبي دَاوُد من الْتَقَطَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ أو ذَوِي عَدْلٍ وَلَا يَكْتُمْ وَلَا يُغَيِّبْ بِحَمْلِهِ على الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بين الْأَخْبَارِ وَيُشْهِدُ مع ذلك نَدْبًا على بَعْضِ الصِّفَاتِ أَيْ صِفَاتِ اللُّقَطَةِ لِيَكُونَ في الْإِشْهَادِ فَائِدَةٌ وَلَا يَسْتَوْعِبُهَا لِئَلَّا يَتَوَصَّلَ كَاذِبٌ إلَيْهَا بَلْ يَصِفُهَا لِلشُّهُودِ بِأَوْصَافٍ تَحْصُلُ بِالْإِشْهَادِ بها فَائِدَةٌ ومع ذلك لَا يَحْرُمُ اسْتِيعَابُهَا بَلْ يُكْرَهُ كما نَقَلَهُ الْقَمُولِيُّ عن الْإِمَامِ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ ثُمَّ مَحَلُّ اسْتِحْبَابِ الْإِشْهَادِ إذَا لم يَكُنْ السُّلْطَانُ ظَالِمًا بِحَيْثُ إنَّهُ إذَا عَلِمَ بها أَخَذَهَا وَإِلَّا فَيَمْتَنِعُ الْإِشْهَادُ وَكَذَا التَّعْرِيفُ كما جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ في نُكَتِهِ
الرُّكْنُ الثَّانِي الْمُلْتَقِطُ وَالْمُغَلَّبُ
____________________
(2/487)
فيها أَيْ اللُّقَطَةِ بِمَعْنَى الِالْتِقَاطِ وفي نُسْخَةٍ فيه الِاكْتِسَابُ لَا الْوِلَايَةُ لِأَنَّهُ مَآلُ الْأَمْرِ وَمَقْصُودُهُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ مِمَّا فَرَّعَهُ كَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ فَيَصِحُّ الْتِقَاطُ ذِمِّيٍّ وَفَاسِقٍ وَمُرْتَدٍّ إنْ قُلْنَا لَا يَزُولُ مِلْكُهُ وهو الْأَصَحُّ كَاصْطِيَادِهِمْ وَاحْتِطَابِهِمْ وَتُنْزَعُ اللُّقَطَةُ منهم وَتُسَلَّمُ إلَى عَدْلٍ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلْحِفْظِ لِعَدَمِ أَمَانَتِهِمْ قال في الْأَنْوَارِ وَأُجْرَةُ الْعَدْلِ في بَيْتِ الْمَالِ وَيُجْعَلُ عليهم مُشْرِفٌ في التَّعْرِيفِ فَإِنْ تَمَّ التَّعْرِيفُ تَمَلَّكُوا اللُّقَطَةَ وَلَا يَصِحُّ الْتِقَاطُ عَبْدٍ بِلَا إذْنٍ وَلَوْ الْتَقَطَ لِسَيِّدِهِ لِأَنَّهُ ليس أَهْلًا لِلْمِلْكِ وَلَا لِلْوِلَايَةِ وَلَا يُعَرِّضُ سَيِّدَهُ لِلْمُطَالَبَةِ بِبَدَلِ اللُّقَطَةِ لِوُقُوعِ الْمِلْكِ له بِخِلَافِ اتِّهَابِهِ فإنه لَا بَدَلَ فيه وَيَضْمَنُهَا في رَقَبَتِهِ كَالْغَصْبِ فَإِنْ كانت أَيْ الْمُلْتَقِطَةُ مُسْتَوْلَدَةً ضَمِنَ السَّيِّدُ اللُّقَطَةَ وَإِنْ لم يَعْلَمْ الْتِقَاطَهَا لِأَنَّ جِنَايَتَهَا عليه فَلَوْ انْتَزَعَهَا منه أَيْ من الْعَبْدِ أَجْنَبِيٌّ صَارَ مُلْتَقِطًا لِأَنَّ يَدَهُ إذَا لم تَكُنْ يَدَ الْتِقَاطٍ كان الْحَاصِلُ فيها ضَائِعًا
وَسَقَطَ عن رَقَبَةِ الْعَبْدِ الضَّمَانُ لِوُصُولِهَا إلَى نَائِبِ الْمَالِكِ شَرْعًا وَإِنْ عَلِمَ السَّيِّدُ الْتِقَاطَ الْعَبْدِ لها وَانْتَزَعَهَا منه فَكَذَلِكَ أَيْ صَارَ مُلْتَقِطًا وَسَقَطَ عن الْعَبْدِ الضَّمَانُ لِذَلِكَ وَكَذَا الْحُكْمُ إنْ اسْتَحْفَظَ بها بِزِيَادَةِ الْبَاءِ أَيْ إنْ اسْتَحْفَظَهُ إيَّاهَا السَّيِّدُ وهو أَمِينٌ أَيْ يَدُهُ كَيَدِهِ فَهُوَ كما لو الْتَقَطَهَا ابْتِدَاءً وَاسْتَعَانَ بِهِ في تَعْرِيفِهَا وَإِنْ اسْتَحْفَظَهُ إيَّاهَا وهو غَيْرُ أَمِينٍ أو أَهْمَلَهُ من غَيْرِ أَنْ يَسْتَحْفِظَهُ إيَّاهَا ضَمِنَ السَّيِّدُ مع الْعَبْدِ لِتَعَدِّيهِمَا فَيَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ بِالْعَبْدِ وَبِسَائِرِ أَمْوَالِ السَّيِّدِ حتى لو هَلَكَ الْعَبْدُ لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ وَلَوْ أَفْلَسَ السَّيِّدُ قُدِّمَ مَالِكُ اللُّقَطَةِ في الْعَبْدِ على سَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ رَأَى عَبْدَهُ يُتْلِفُ مَالًا لِغَيْرِهِ ولم يَمْنَعْهُ ضَمِنَ مع الْعَبْدِ لِتَعَدِّيهِمَا وَلَوْ قال بَدَلَ هذا كما لو رَآهُ يُتْلِفُ مَالًا ولم يَمْنَعْهُ كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ فَإِنْ أَذِنَ له في الِالْتِقَاطِ صَحَّ الِالْتِقَاطُ كما لو أَذِنَ له في قَبُولِ الْوَدِيعَةِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يُفِيدُهُ أَهْلِيَّةُ الْوِلَايَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ
وَهَلْ الْإِذْنُ في الِاكْتِسَابِ مُطْلَقًا إذْنٌ في الِالْتِقَاطِ أو لَا فيه وَجْهَانِ قال الزَّرْكَشِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ على الْخِلَافِ في أَنَّ الْأَكْسَابَ النَّادِرَةَ هل تَدْخُلُ في الْمُهَايَأَةِ وَالْأَصَحُّ الدُّخُولُ وَلَوْ عَتَقَ عَبْدٌ مُلْتَقِطٌ بِلَا إذْنٍ من سَيِّدِهِ فَكَأَنَّهُ الْتَقَطَ حِينَئِذٍ فَلَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ بَعْدَ التَّعْرِيفِ
فَرْعٌ وَيَصِحُّ الْتِقَاطُ مُكَاتَبٍ صَحِيحِ الْكِتَابَةِ وَمُبَعَّضٍ وَصَبِيٍّ لِأَنَّ كُلًّا منهم يَمْلِكُ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُبَعَّضُ مُسْتَقِلَّانِ بِالتَّمَلُّكِ وَالتَّصَرُّفِ كَالْحُرِّ بِخِلَافِ فَاسِدِ الْكِتَابَةِ فإنه كَالْقِنِّ وَشَرَطَ الْإِمَامُ في صِحَّةِ الْتِقَاطِ الصَّبِيِّ التَّمْيِيزَ قال الْأَذْرَعِيُّ وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ فَإِنْ تَمَلَّكَهَا الْمُكَاتَبُ بَعْدَ تَعْرِيفِهَا وَتَلِفَتْ فَبَدَلُهَا في كَسْبِهِ وَهَلْ يُقَدَّمُ بِهِ الْمَالِكُ لها على الْغُرَمَاءِ أو لَا فيه وَجْهَانِ الظَّاهِرُ مِنْهُمَا الثَّانِي قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي جَرَيَانُهُمَا في الْحُرِّ الْمُفْلِسِ أو الْمَيِّتِ فَلَوْ عَجَّزَ نَفْسَهُ قبل التَّمَلُّكِ لِلُّقَطَةِ لم يَأْخُذْهَا السَّيِّدُ لِأَنَّ الْتِقَاطَ الْمُكَاتَبِ لَا يَقَعُ لِلسَّيِّدِ وَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَإِنْ كان الْتِقَاطُهُ اكْتِسَابًا لِأَنَّ له يَدًا كَالْحُرِّ فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ وَلَا لِغَيْرِهِ أَخْذُهَا منه بَلْ يَحْفَظُهَا الْحَاكِمُ لِلْمَالِكِ وَهِيَ بين السَّيِّدِ وَمُبَعَّضٍ الْتَقَطَهَا فَيُعَرِّفَانِهَا وَيَتَمَلَّكَانِهَا بِحَسَبِ الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ كَشَخْصَيْنِ الْتَقَطَاهَا فَلَوْ تَنَاوَبَا فَلِصَاحِبِ أَيْ فَهِيَ لِصَاحِبِ النَّوْبَةِ بِنَاءً على أَنَّ الْكَسْبَ النَّادِرَ يَدْخُلُ في الْمُهَايَأَةِ وهو الْأَصَحُّ بِخِلَافِ زَكَاةِ الْفِطْرِ لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْبَدَنِ كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ الْمُتَّفَقِ على عَدَمِ دُخُولِهِ فيها وَالْمُرَادُ صَاحِبُ النَّوْبَةِ حَالَةَ الِالْتِقَاطِ لها لَا حَالَةَ تَمَلُّكِهَا فَلَوْ تَنَازَعَا فقال السَّيِّدُ وَجَدْتهَا في يَوْمِي وقال الْمُبَعَّضُ بَلْ في يَوْمِي صُدِّقَ الْمُبَعَّضُ كما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهَا في يَدِهِ وَيَنْزِعُهَا الْوَلِيُّ من الصَّبِيِّ الذي الْتَقَطَهَا وَيُعَرِّفُهَا لَا من مَالِ الصَّبِيِّ بَلْ يَرْفَعُ
____________________
(2/488)
الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَبِيعَ جُزْءًا منها لِمُؤْنَةِ التَّعْرِيفِ وَالْقِيَاسُ لُزُومُهَا لِلصَّبِيِّ لِمَا سَيَأْتِي من أنها تَلْزَمُ الْمُتَمَلِّكَ وَلَعَلَّ هذا مُسْتَثْنًى من ذَاكَ وَيَتَمَلَّكُ له الْوَلِيُّ إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ في تَمَلُّكِهِ له حَيْثُ يَقْتَرِضُ أَيْ حَيْثُ يَجُوزُ الِاقْتِرَاضُ له لِأَنَّ تَمَلُّكَهُ إيَّاهَا له في مَعْنَى الِاقْتِرَاضِ له فَإِنْ لم يُرِدْ ذلك حَفِظَهَا أو سَلَّمَهَا لِلْقَاضِي فَإِنْ قَصَّرَ في انْتِزَاعِهَا منه فَتَلِفَتْ أو أَتْلَفَهَا الصَّبِيُّ ضَمِنَ الْوَلِيُّ كما لو قَصَّرَ في حِفْظِ ما احْتَطَبَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَلِيُّهُ الْحَاكِمَ فَالْأَشْبَهُ عَدَمُ ضَمَانِهِ كَذَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُقَصِّرْ في انْتِزَاعِهَا ضَمِنَ الصَّبِيُّ بِالْإِتْلَافِ لَا التَّلَفِ بِلَا تَقْصِيرٍ منه كما لو أَوْدَعَ مَالًا فَأَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ وَإِنْ تَلِفَ في يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ فَيُعَرِّفُ الْوَلِيُّ لُقَطَةً تَالِفَةً ضَمِنَهَا مُتْلِفُهَا وَيَتَمَلَّكُ لِلصَّبِيِّ الْقِيمَةَ إنْ رَأَى في تَمَلُّكِهِ لها مَصْلَحَةً وَهَذَا بَعْدَ قَبْضِ الْحَاكِمِ لها أَمَّا ما في الذِّمَّةِ فَلَا يُمْكِنُ تَمَلُّكُهُ لِلصَّبِيِّ وَالسَّفِيهُ وَالْمَجْنُونُ كَالصَّبِيِّ في حُكْمِ الِالْتِقَاطِ لَكِنَّ السَّفِيهَ يَصِحُّ تَعْرِيفُهُ قال الزَّرْكَشِيُّ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ بِخِلَافِهِمَا
الرُّكْنُ الثَّالِثُ في الْمُلْتَقَطِ بِفَتْحِ الْقَافِ الْمُنَاسِبُ حَذْفُ في وهو نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا جَمَادٌ وَكَلُّهُ يُلْتَقَطُ وَلَوْ غير مَالٍ كَجِلْدِ مَيْتَةٍ فإنه يُلْتَقَطُ لِلِاخْتِصَاصِ وَثَانِيهِمَا حَيَوَانٌ فَمِنْهُ الرَّقِيقُ عَبْدًا كان أو أَمَةً وَيُلْتَقَطُ لِلتَّمَلُّكِ منه غَيْرُ الْمُمَيِّزِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ لَا الْمُمَيِّزِ لِأَنَّهُ يَصِلُ إلَى مَالِكِهِ بِالدَّلَالَةِ إلَّا إنْ وَجَدَهُ وَقْتَ نَهْبٍ أو نَحْوِهِ كَغَرَقٍ أو حَرِيقٍ فَيَجُوزُ الْتِقَاطُهُ لِلتَّمَلُّكِ صِيَانَةً له عن الضَّيَاعِ فَإِنْ كانت أَيْ اللُّقَطَةُ أَمَةً وَوُجِدَ فيها الشَّرْطُ السَّابِقُ فَتَمَلُّكُهَا كَاقْتِرَاضِهَا أَيْ فَيَجُوزُ الْتِقَاطُهَا لِلتَّمَلُّكِ حَيْثُ يَجُوزُ اقْتِرَاضُهَا بِأَنْ كانت لَا تَحِلُّ له كَمَحْرَمٍ وَمَجُوسِيَّةٍ وَيَمْتَنِعُ حَيْثُ يَمْتَنِعُ بِأَنْ كانت تَحِلُّ له أَمَّا الْتِقَاطُ الرَّقِيقِ لِلْحِفْظِ فَجَائِزٌ مُطْلَقًا لَا الْمُمَيِّزِ في زَمَنِ الْأَمْنِ وَيُنْفِقُ على الرَّقِيقِ الْمُلْتَقَطِ مُدَّةَ حِفْظِهِ من كَسْبِهِ وما بَقِيَ من كَسْبِهِ يُحْفَظُ معه وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ له كَسْبٌ فَعَلَى ما سَيَأْتِي في غَيْرِ الرَّقِيقِ من الْحَيَوَانِ فَلَوْ بِيعَ وقال الْمَالِكُ بَعْدَ ظُهُورِهِ كُنْت أَعْتَقْتُهُ أَبْطَلْنَا الْبَيْعَ لِأَنَّهُ لم يُصَادِفْ مَحَلَّهُ وَمِثْلُهُ سَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ الْمُزِيلَةِ لِلْمِلْكِ كَالْبَيْعِ كما سَيَأْتِي قُبَيْلَ الصَّدَاقِ
وما سِوَاهُ من الْحَيَوَانِ إنْ امْتَنَعَ من صِغَارِ السِّبَاعِ بِقُوَّتِهِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْحَمِيرِ أو بِعَدْوِهِ كَالْأَرَانِبِ وَالظِّبَاءِ الْمَمْلُوكَةِ أو بِطَيَرَانِهِ كَالْحَمَامِ امْتَنَعَ الْتِقَاطُهُ في الْأَمْنِ لِلتَّمَلُّكِ من الْمَفَاوِزِ لِخَبَرِ زَيْدٍ السَّابِقِ وَيُقَاسُ بِمَا فيه نَحْوُهُ وَلِأَنَّهُ مَصُونٌ بِالِامْتِنَاعِ عن أَكْثَرِ السِّبَاعِ مُسْتَغْنٍ بِالرَّعْيِ إلَى أَنْ يَجِدَهُ مَالِكُهُ لِتَطَلُّبِهِ له لَا من الْبُلْدَانِ وَالْقُرَى أو قَرِيبٍ مِنْهُمَا فَيَجُوزُ الْتِقَاطُهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَضِيعُ بِعَدَمِ وِجْدَانِهِ ما يَكْفِيهِ وَبِامْتِدَادِ الْيَدِ الْخَائِنَةِ إلَيْهِ لِعُمُومِ طُرُوقِ الناس بِالْعُمْرَانِ بِخِلَافِهِ في الْمَفَازَةِ وَلَا في وَقْتِ نَهْبٍ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَوَجَدَهُ بِمَفَازَةٍ أَمْ غَيْرِهَا وَلَوْ وَجَدَ بَعِيرًا مُقَلَّدًا أَيَّامَ مِنًى الْتَقَطَهُ وَنَادَى عليه فَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ أَيَّامِ مِنًى نَحَرَهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَأْذِنَ الْحَاكِمَ فَفَائِدَةُ الْتِقَاطِهِ من الْمَفَازَةِ نَحْرُهُ لَا تَمَلُّكُهُ لِمَا مَرَّ من مَنْعِ الْتِقَاطِ الْحَيَوَانِ منها لِتَمَلُّكِهِ وَلِكُلٍّ من الناس وَلَوْ غير الْحَاكِمِ الِالْتِقَاطُ لِلْحِفْظِ صَوْنًا عن الضَّيَاعِ فَلَوْ الْتَقَطَ الْمُمْتَنِعَ من صِغَارِ السِّبَاعِ لِلتَّمَلُّكِ في مَفَازَةٍ آمِنَةٍ ضَمِنَهُ وَلَا يَبْرَأُ بِرَدِّهِ إلَى مَكَانِهِ
ثُمَّ إنْ سَلَّمَهُ إلَى الْحَاكِمِ بَرِئَ كما في الْغَصْبِ وما لَا يَمْتَنِعُ من صِغَارِ السِّبَاعِ كَالْكَسِيرِ وَالْفُصْلَانِ وَالْغَنَمِ يُلْتَقَطُ لِلتَّمَلُّكِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءً أَوَجَدَهُ بِمَفَازَةٍ أَمْ لَا فَإِنْ شَاءَ عَرَّفَهُ وَتَمَلَّكَهُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ وَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ وَتَمَلَّكَ ثَمَنَهُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ لِلْمُلْتَقَطِ وَلَهُ أَكْلُهُ إنْ كان مَأْكُولًا في الْحَالِ مُتَمَلِّكًا
____________________
(2/489)
له بِقِيمَتِهِ إنْ وَجَدَهُ في الْمَفَازَةِ لَا في الْعُمْرَانِ لِسُهُولَةِ الْبَيْعِ فيه بِخِلَافِهِ في الْمَفَازَةِ فَقَدْ لَا يَجِدُ فيها من يَشْتَرِي وَيَشُقُّ النَّقْلُ إلَى الْعُمْرَانِ وَالْخَصْلَةُ الْأُولَى من الثَّلَاثِ عِنْدَ اسْتِوَائِهَا في الْأَحَظِّيَّةِ أَوْلَى من الثَّانِيَةِ وَالثَّانِيَةُ من الثَّالِثَةِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَا يَجِبُ التَّعْرِيفُ في الثَّالِثَةِ كما لَا يَجِبُ فِيمَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ على الظَّاهِرِ عِنْدَ الْإِمَامِ قال لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فيه في الصَّحْرَاءِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ يَقْتَضِيهِ وَكَلَامُ غَيْرِهِمْ يَقْتَضِي خِلَافَهُ على أَنَّ تَعْلِيلَ الْإِمَامِ يُنَافِي ظَاهِرَ قَوْلِهِمْ لَا يَجِبُ التَّعْرِيفُ فَوْرًا وَسَيَأْتِي كَلَامُ الْإِمَامِ مع زِيَادَةٍ ثُمَّ تَخْيِيرُهُ بين الثَّلَاثِ ليس تَشَهِّيًا بَلْ عليه فِعْلُ الْأَحَظِّ كما بَحَثَهُ في الْمُهِمَّاتِ
أَمَّا غَيْرُ الْمَأْكُولِ كَالْجَحْشِ فَلَهُ فيه الْخَصْلَتَانِ الْأُولَيَانِ لَا التَّمَلُّكُ في الْحَالِ فَلَا يَتَمَلَّكُهُ إلَّا بَعْدَ تَعْرِيفِهِ وَإِنَّمَا اعْتَبَرُوا صِغَارَ السِّبَاعِ فَقَطْ لِكَثْرَتِهَا وَلِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ من كِبَارِهَا ضَالَّةٌ
فَرْعٌ لو أَمْسَكَهُ أَيْ الْمُلْتَقِطُ وَأَرَادَ الْإِنْفَاقَ عليه لِيَرْجِعَ اُشْتُرِطَ إذْنُ الْحَاكِمِ فيه إنْ وَجَدَهُ ثَمَّ فَإِنْ لم يَجِدْهُ أَشْهَدَ كَنَظَائِرِهِ وَلَوْ أَرَادَ بَيْعَ كُلِّهَا أَيْ اللُّقَطَةِ في الْحَالِ حَيْثُ جَازَ بِأَنْ كان بَيْعُهَا أَحَظَّ من إبْقَائِهَا ولم يَجِدْ ثَمَّ حَاكِمًا اسْتَقَلَّ بِهِ وَإِنْ وَجَدَهُ اسْتَأْذَنَهُ قال الْإِمَامُ وَيَجُوزُ بَيْعُ جُزْءِ الْحَيَوَانِ لِنَفَقَةِ بَاقِيهِ كَبَيْعِ كُلِّهِ وَحَكَى عن شَيْخِهِ احْتِمَالًا أَنَّهُ يَمْتَنِعُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَسْتَغْرِقَ نَفْسَهُ وَبِهِ قَطَعَ أبو الْفَرَجِ الزَّازُ ذَكَرَ ذلك الْأَصْلُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالثَّانِي هو الْأَوْجَهُ وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ في الْبَابِ الْآتِي قُبَيْلَ الْحُكْمِ الثَّالِثِ وَلَا يَسْتَقْرِضُ على الْمَالِكِ لِذَلِكَ قال الرَّافِعِيُّ لَكِنَّهُ يُخَالِفُ ما مَرَّ في هَرَبِ الْجِمَالِ وَنَحْوِهِ وَفَرَّقَ النَّوَوِيُّ بِتَعَذُّرِ الْبَيْعِ أَيْ تَعَسُّرِهِ ثَمَّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُكْتَرِي بِخِلَافِهِ هُنَا فَيَمْتَنِعُ الْإِضْرَارُ بِالْمَالِكِ بِلَا ضَرُورَةٍ
فَرْعٌ الضَّالَّةُ إذَا حَصَلَتْ في يَدِ الْحَاكِمِ يَسِمُهَا وَنِتَاجَهَا بِسِمَةِ الضَّوَالِّ وَيُسَرِّحُهَا في الْحِمَى إنْ كان فَلَوْ لم يَكُنْ حِمًى بَاعَهَا كُلَّهَا وفي بَيْعِ بَعْضِهَا ما مَرَّ وَيَتَأَنَّى بِبَيْعِهَا أَيَّامًا بِحَسَبِ ما يَرَاهُ إنْ تَوَقَّعَ وُصُولَ الْمَالِكِ أَيْ مَجِيئِهِ في طَلَبِهَا على قُرْبٍ بِأَنْ عَرَفَ أنها من نَعَمِ بَنِي فُلَانٍ
وَلَوْ الْتَقَطَ كَلْبًا يُقْتَنَى عَرَّفَهُ سَنَةً أو ما يَلِيقُ بِهِ ثُمَّ اخْتَصَّ بِهِ فَإِنْ ظَهَرَ صَاحِبُهُ أَخَذَهُ إنْ وَجَدَهُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ له وَتُعَرَّفُ الْخَمْرُ الْمُحْتَرَمَةُ هذا من زِيَادَتِهِ هُنَا وهو مُكَرَّرٌ فإنه ذَكَرَهُ بَعْدُ
فَصْلٌ لَا يُلْتَقَطُ إلَّا ما ضَاعَ بِسُقُوطٍ أو غَفْلَةٍ عنه أو نَحْوِهِمَا وكان في أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ كَمَوَاتٍ وَشَارِعٍ وَمَسْجِدٍ وفي بَلَدٍ فيه مُسْلِمُونَ بِأَنْ يَكُونَ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ أو بِدَارِ الْحَرْبِ وَفِيهَا مُسْلِمُونَ وَخَرَجَ بِمَا قَالَهُ ما بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ أَلْقَى هَارِبٌ أو الرِّيحُ ثَوْبًا في حِجْرِهِ مَثَلًا أو خَلَّفَ مُوَرِّثُهُ وَدِيعَةً وَجَهِلَ الْمَالِكُ كَذَلِكَ لم يَتَمَلَّكْهُ بَلْ يُحْفَظُ لِأَنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ وما وُجِدَ في أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ فَلِذِي الْيَدِ فيها فَلَا يُؤْخَذُ لِتَمَلُّكِهِ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ
فَإِنْ لم يَدَّعِهِ ذُو الْيَدِ فَلِمَنْ كان ذَا يَدٍ قَبْلَهُ وَهَكَذَا إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْمُحْيِي ثُمَّ إذَا لم يَدَّعِهِ الْمُحْيِي يَكُونُ لُقَطَةً كما مَرَّ بِمَا فيه مع جَوَابِهِ في زَكَاةِ الرِّكَازِ وما وُجِدَ في دَارِ الْحَرْبِ وَلَا مُسْلِمَ فيها فَغَنِيمَةٌ الْخُمُسُ منها لِأَهْلِهِ وَالْبَاقِي لِلْوَاجِدِ
تَنْبِيهٌ قال الْقَفَّالُ وإذا وَجَدَ دِرْهَمًا في بَيْتِهِ لَا يَدْرِي أَهُوَ له أو لِمَنْ دخل بَيْتَهُ فَعَلَيْهِ تَعْرِيفُهُ لِمَنْ يَدْخُلُ بَيْتَهُ كَاللُّقَطَةِ أَيْ الْمَوْجُودَةِ في غَيْرِ بَيْتِهِ مِمَّا مَرَّ
الْبَابُ الثَّانِي في أَحْكَامِ الِالْتِقَاطِ الصَّحِيحِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ في الْأَمَانَةِ وَالضَّمَانِ الْأَوْلَى حَذْفُ في وَيَخْتَلِفُ ذلك بِقَصْدِ الْآخِذِ فَإِنْ أَخَذَهَا لِلْحِفْظِ فَهِيَ أَمَانَةٌ في يَدِهِ لِأَنَّهُ يَحْفَظُهَا لِلْمَالِكِ فَأَشْبَهَ الْمُودَعَ فَإِنْ بَدَا له أَنْ يَتَمَلَّكَهَا عَرَّفَهَا من حِينَئِذٍ وَلَا يَعْتَدُّ بِمَا سَبَقَ من تَعْرِيفِهِ لها فَإِنْ سَلَّمَهَا لِلْحَاكِمِ لَزِمَهُ الْقَبُولُ وَكَذَا لو أَخَذَهَا لِلتَّمَلُّكِ ثُمَّ سَلَّمَهَا له لَزِمَهُ الْقَبُولُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ بِخِلَافِهِ في الْوَدِيعَةِ لِقُدْرَتِهِ على الرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ ثَمَّ وما رُوِيَ عن ثَابِتِ بن الضَّحَّاكِ أَنَّهُ وَجَدَ بَعِيرًا ضَالًّا فَعَرَّفَهُ ثُمَّ ذَكَرَهُ لِعُمَرَ بن الْخَطَّابِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعَرِّفَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فقال له ثَابِتٌ إنَّهُ شَغَلَنِي عن صَنْعَتِي قال عُمَرُ أَرْسِلْهُ حَيْثُ وَجَدْتَهُ حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ على ضَالَّةٍ لَا يَحِلُّ الْتِقَاطُهَا فَإِنْ الْتَقَطَهَا بِنِيَّةِ الْخِيَانَةِ
____________________
(2/490)
فَهُوَ غَاصِبٌ فَيَضْمَنُهَا ضَمَانَ الْمَغْصُوبِ كَالْمُودَعِ فَلَوْ أَرَادَ بَعْدَ ذلك التَّعْرِيفَ لِلتَّمَلُّكِ لها لم يَجُزْ كَالْغَاصِبِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ فَلَوْ عَرَّفَ بَعْدَ ذلك وَأَرَادَ التَّمَلُّكَ لم يَكُنْ له ذلك لَكِنْ لو سَلَّمَهَا لِلْحَاكِمِ بَرِئَ من الضَّمَانِ كما هو شَأْنُ الْغَاصِبِ وَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ لَكِنْ بِالْوَاوِ كان أَوْلَى وَأَوْفَقَ بِأَصْلِهِ وَإِنْ أَخَذَهَا لِلتَّمَلُّكِ فَهِيَ أَمَانَةٌ في يَدِهِ وَلَوْ بَعْدَ السَّنَةِ حتى يَتَمَلَّكَ كَالْمُودَعِ وَيُفَارِقُ الْمُسْتَلِمَ بِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ لِحَظِّ آخِذِهِ حين أَخَذَهُ بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ فإذا تَمَلَّكَهَا فَلَيْسَتْ أَمَانَةً بَلْ يَضْمَنُهَا كَالْقَرْضِ فَلَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ الْأَخْذِ لِحِفْظٍ أو تَمَلُّكٍ قَصْدَ خِيَانَةٍ لم يَضْمَنْ بِمُجَرَّدِ الْقَصْدِ كَالْمُودَعِ أو أَحْدَثَ خِيَانَةً ضَمِنَ لِتَحَقُّقِهَا فَلَوْ أَقْلَعَ عنها وَعَرَّفَ اللُّقَطَةَ لِيَتَمَلَّكَهَا جَازَ لِأَنَّ الْتِقَاطَهُ في الِابْتِدَاءِ وَقَعَ مُفِيدًا لِلتَّمَلُّكِ فَلَا يَبْطُلُ حُكْمُهُ بِطُرُوِّ تَفْرِيطِهِ وَإِنْ أَخَذَهَا ولم يَقْصِدْ شيئا من حِفْظٍ أو تَمَلُّكٍ أو خِيَانَةٍ أو قَصَدَ وَاحِدًا منها وَنَسِيَ ه لم يَضْمَنْ وَلَهُ التَّمَلُّكُ بِشَرْطِهِ
الْحُكْمُ الثَّانِي في التَّعْرِيفِ لِلُّقَطَةِ الْأَوْلَى حَذْفُ في كما في نُسْخَةٍ وَيَنْبَغِي لِمُلْتَقِطِهَا قال ابن الرِّفْعَةِ أَيْ يَجِبُ وقال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَيْ يُنْدَبُ أَنْ يُحِيطَ عِلْمًا بِالْعِفَاصِ أَيْ الْوِعَاءِ وَالْوِكَاءِ أَيْ الْخَيْطِ الذي يُشَدُّ بِهِ وَالْجِنْسِ أَيْ ذَهَبٍ أَمْ غَيْرِهِ وَالنَّوْعِ أَهَرَوِيَّةٌ أَمْ غَيْرُهَا وَالْقَدْرِ بِوَزْنٍ أو كَيْلٍ أو عَدَدٍ لِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِسَائِلِهِ عن لُقَطَةِ الذَّهَبِ أو الْوَرِقِ اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً وَقِيسَ بِمَعْرِفَةِ خَارِجِهَا فيه مَعْرِفَةُ دَاخِلِهَا وَذَلِكَ لِيَعْرِفَ صِدْقَ مُدَّعِيهَا وَلِئَلَّا تَخْتَلِطَ بِمَالِهِ وَيُنْدَبُ كَتْبُهَا أَيْ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَأَنَّهُ الْتَقَطَهَا من مَوْضِعِ كَذَا في وَقْتِ كَذَا وَيَجِبُ التَّعْرِيفُ سَنَةً وَلَوْ قَصَدَ بِأَخْذِهَا الْحِفْظَ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَيُقَاسُ بِمَا فيه غَيْرُهُ وَلِئَلَّا يَكُونَ عَدَمُ التَّعْرِيفِ كِتْمَانًا مَفْتُونًا لِلْحَقِّ على صَاحِبِهِ وَالْمَعْنَى في كَوْنِهَا سَنَةً أنها لَا تَتَأَخَّرُ فيها الْقَوَافِلُ وَتَمْضِي فيها الْأَزْمِنَةُ الْأَرْبَعَةُ وما قَالَهُ من وُجُوبِ التَّعْرِيفِ فِيمَا إذَا الْتَقَطَ لِلْحِفْظِ هو ما صَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَجَعَلَهُ في الرَّوْضَةِ الْأَقْوَى وَالْمُخْتَارَ وَصَحَّحَهُ في شَرْحِ مُسْلِمٍ وَاَلَّذِي أَوْرَدَهُ الْأَكْثَرُونَ عَدَمُ وُجُوبِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ لِتَحَقُّقِ شَرْطِ التَّمَلُّكِ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ وهو ما أَوْرَدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْفُورَانِيُّ
وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لو الْتَقَطَ اثْنَانِ لُقَطَةً عَرَّفَ كُلٌّ مِنْهُمَا سَنَةً قال ابن الرِّفْعَةِ وهو الْأَشْبَهُ لِأَنَّهُ في النِّصْفِ كَمُلْتَقِطٍ وَاحِدٍ وقال السُّبْكِيُّ بَلْ الْأَشْبَهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُعَرِّفُهَا نِصْفَ سَنَةٍ لِأَنَّهُمَا لُقَطَةٌ وَاحِدَةٌ وَالتَّعْرِيفُ من كُلٍّ مِنْهُمَا لِكُلِّهَا لَا لِنِصْفِهَا وَإِنَّمَا تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ التَّمَلُّكِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا ظَاهِرٌ وقد قالوا يَبْنِي الْوَارِثِ على تَعْرِيفِ مُوَرِّثِهِ نعم لو أَقَامَا مُعَرِّفًا وَاحِدًا أو أَذِنَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ فَلَا تَرَدُّدَ فِيمَا رَآهُ وَيُسْتَثْنَى من وُجُوبِ التَّعْرِيفِ بَلْ من جَوَازِهِ ما قَدَّمْته عن نُكَتِ النَّوَوِيِّ أَوَّلَ الْكِتَابِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَالِبُ الرِّوَايَاتِ مُصَرِّحٌ بِتَأْخِيرِ التَّعْرِيفِ عن التَّعَرُّفِ كما صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ وفي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَرِّفْهَا ثُمَّ اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا وَهِيَ تَدُلُّ على عَكْسِ ذلك فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ هذا تَعَرُّفٌ آخَرُ عِنْدَ إرَادَةِ التَّمَلُّكِ فَيُنْدَبُ له حِينَئِذٍ أَنْ يَتَحَقَّقَ أَمْرَهَا قبل التَّصَرُّفِ فيها
وَلَا يُشْتَرَطُ الْفَوْرُ لِلتَّعْرِيفِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ تَعْرِيفُ سَنَةٍ مَتَى كان وَلَا الْمُوَالَاةُ فَلَوْ فَرَّقَ
____________________
(2/491)
السَّنَةَ كَأَنْ عَرَّفَ شَهْرَيْنِ وَتَرَكَ شَهْرَيْنِ وَهَكَذَا جَازَ لِأَنَّهُ عَرَّفَ سَنَةً وَكَمَا لو نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ وَقَيَّدَهُ الْإِمَامُ بِمَا إذَا لم يُؤَدِّ ذلك إلَى نِسْيَانِ النُّوَبِ السَّابِقَةِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ قَطْعًا وَبِأَنْ يُبَيِّنَ في التَّعْرِيفِ زَمَنَ الْوِجْدَانِ حتى يَكُونَ ذلك في مُقَابَلَةِ ما جَرَى من التَّأْخِيرِ الْمَنْسِيِّ وَلَا يَجِبُ الِاسْتِيعَابُ لِلسَّنَةِ بَلْ يُعَرِّفُ على الْعَادَةِ فَيُنَادِيَ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ في طَرَفَيْهِ في الِابْتِدَاءِ لِلتَّعْرِيفِ ثُمَّ في كل يَوْمٍ مَرَّةً ثُمَّ في كل أُسْبُوعٍ مَرَّتَيْنِ أو مَرَّةً ثُمَّ في الشَّهْرِ أَيْ في كل شَهْرٍ كَذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يُنْسَى أَنَّهُ تَكْرَارُ لِمَا مَضَى فَالْمُدَدُ الْمَذْكُورَةُ تَقْرِيبَاتٌ كما قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَيُسْتَحَبُّ في التَّعْرِيفِ ذِكْرُ بَعْضِ الْأَوْصَافِ لِلُّقَطَةِ كَالْجِنْسِ أو الْعِفَاصِ أو الْوِكَاءِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الظَّفَرِ بِالْمَالِكِ وَلَا يَسْتَوْفِيهَا لِئَلَّا يَعْتَمِدَهَا كَاذِبٌ فَلَوْ اسْتَوْفَاهَا ضَمِنَ لِأَنَّهُ قد يَرْفَعُهُ إلَى مُلْزَمِ الدَّفْعِ بِالصِّفَاتِ فَعُلِمَ أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِيفَاؤُهَا وَبِهِ صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ وقال بَعْدَ اعْتِرَاضِهِ على نَقْلِ الْأَصْلِ عن الْإِمَامِ إنَّهُ لَا يَكْفِي ذِكْرُ الْجِنْسِ بِأَنَّ الْإِمَامَ لم يَقُلْهُ وَإِنَّمَا قال لَا يَخْتَصُّ الْبَيَانُ بِذِكْرِ الْجِنْسِ بَلْ يَكْفِي ذِكْرُ غَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ في بَسِيطِهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَشْهُورُ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَكْفِي ذِكْرُ الْجِنْسِ وَأَنَّهُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عليه وهو الْمَنْصُوصُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ في أَكْثَرِ النُّسَخِ يُوَافِقُهُ
فَرْعٌ وَمَنْ وفي نُسْخَةٍ من قَصَدَ التَّمَلُّكَ وَلَوْ بَعْدَ الْتِقَاطِهِ لِلْحِفْظِ أو مُطْلَقًا فَمُؤْنَةُ التَّعْرِيفِ الْوَاقِعِ بَعْدَ قَصْدِهِ عليه تَمَلَّكَ أَمْ لَا لِأَنَّ التَّعْرِيفَ سَبَبٌ لِتَمَلُّكِهِ وَلِأَنَّ الْحَظَّ له وَمَنْ قَصَدَ الْحِفْظَ وَلَوْ بَعْدَ الْتِقَاطِهِ لِلتَّمَلُّكِ أو مُطْلَقًا فَهِيَ أَيْ مُؤْنَةُ التَّعْرِيفِ على بَيْتِ الْمَالِ إنْ كان فيه سَعَةٌ أو على الْمَالِكِ إنْ لم تَكُنْ فيه سَعَةٌ بِأَنْ يَقْتَرِضَ عليه الْحَاكِمُ منه أو من غَيْرِهِ أو يَأْمُرَهُ بِصَرْفِهَا لِيَرْجِعَ كما في هَرَبِ الْجِمَالِ وَإِنَّمَا لم تَجِبْ على الْمُلْتَقِطِ لِأَنَّ الْحَظَّ لِلْمَالِكِ فَقَطْ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ وُجُوبَهَا على بَيْتِ الْمَالِ إنْفَاقٌ لَا إقْرَاضٌ على الْمَالِكِ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو الْأَقْرَبُ لَكِنَّ كَلَامَ ابْنِ الرِّفْعَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إقْرَاضٌ حَيْثُ قال فَإِنْ رَأَى أَنْ يُقْرِضَ أُجْرَةَ التَّعْرِيفِ من بَيْتِ الْمَالِ فَتَكُونَ دَيْنًا في ذِمَّتِهِ أو يَبِيعَ جُزْءًا منها أو يَسْتَقْرِضَ من الْآحَادِ أو من الْمُلْتَقِطِ فَعَلَ
فَرْعٌ التَّعْرِيفُ يَكُونُ في الْأَسْوَاقِ وَمَجَامِعِ الناس وَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ من الْجَمَاعَاتِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ ذلك أَقْرَبُ إلَى وُجُودِ صَاحِبِهَا لَا فيها أَيْ الْمَسَاجِدِ كما لَا تُطْلَبُ اللُّقَطَةُ فيها وَيَجُوزُ تَعْرِيفُهَا في الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ وَلِأَنَّهُ مَجْمَعُ الناس وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى كَذَلِكَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ تَحْرِيمُ التَّعْرِيفِ في بَقِيَّةِ الْمَسَاجِدِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْمَنْقُولُ الْكَرَاهَةُ وقد جَزَمَ بِهِ في شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ بَلْ الْمَنْقُولُ وَالصَّوَابُ التَّحْرِيمُ لِلْأَحَادِيثِ الظَّاهِرَةِ فيه وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَعَلَّ النَّوَوِيَّ لم يُرِدْ بِإِطْلَاقِ الْكَرَاهَةِ كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ قال أَعْنِي الْأَذْرَعِيَّ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ التَّحْرِيمِ أو الْكَرَاهَةِ إذَا وَقَعَ ذلك بِرَفْعِ الصَّوْتِ كما أَشَارَتْ إلَيْهِ الْأَحَادِيثُ أَمَّا لو سَأَلَ الْجَمَاعَةَ في الْمَسْجِدِ
____________________
(2/492)
بِدُونِ ذلك فَلَا تَحْرِيمَ وَلَا كَرَاهَةَ
وَيَجِبُ التَّعْرِيفُ في بَلَدِ اللُّقَطَةِ أَيْ مَحَلِّهَا وَلْيُكْثِرْ منه حَيْثُ وَجَدَهَا أَيْ في مَكَانِ وُجُودِهِ لها لِأَنَّ طَلَبَ الشَّيْءِ في مَكَانِهِ أَكْثَرُ فَإِنْ سَافَرَ أَيْ أَرَادَ سَفَرًا اسْتَنَابَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ من يَحْفَظُهَا وَيُعَرِّفُهَا وَإِلَّا بِأَنْ سَافَرَ بها أو اسْتَنَابَ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ مع وُجُودِهِ ضَمِنَ لِتَقْصِيرِهِ وَلَوْ الْتَقَطَ في الصَّحْرَاءِ وَهُنَاكَ قَافِلَةٌ تَبِعَهَا وَعَرَّفَ فيها إذْ لَا فَائِدَةَ في التَّعْرِيفِ في الْأَمَاكِنِ الْخَالِيَةِ وَإِلَّا فَفِي بَلَدٍ يَقْصِدُهَا قَرُبَتْ أَمْ بَعُدَتْ سَوَاءٌ أَقَصَدَهَا ابْتِدَاءً أَمْ لَا حتى لو قَصَدَ بَعْدَ قَصْدِهِ الْأَوَّلِ بَلْدَةً أُخْرَى وَلَوْ بَلْدَتَهُ التي سَافَرَ منها لَزِمَهُ التَّعْرِيفُ فيها وَلَا يُكَلَّفُ الْعُدُولَ عنها إلَى أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَى ذلك الْمَكَانِ وَيَتَوَلَّى التَّعْرِيفَ بِنَفْسِهِ أو بِنَائِبِهِ وَلَا يُجْزِئُ وفي نُسْخَةٍ وَلَا يَكْفِي تَعْرِيفُ شَخْصٍ مَشْهُورٍ بِالْخَلَاعَةِ وَالْمُجُونِ إذْ لَا تَحْصُلُ بِهِ فَائِدَةُ التَّعْرِيفِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا غير مَشْهُورٍ بِذَلِكَ قال ابن الرِّفْعَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فيه الْأَمَانَةُ إذَا حَصَلَ الْوُثُوقُ بِقَوْلِهِ قال الْجَوْهَرِيُّ وَالْمُجُونُ أَنْ لَا يُبَالِيَ الْإِنْسَانُ بِمَا صَنَعَ وقد مَجَنَ بِالْفَتْحِ يَمْجُنُ مُجُونًا وَمَجَانَةً
فَصْلٌ ما لَا يُتَمَوَّلُ لِقِلَّةٍ كَحَبَّةِ بُرٍّ وَزَبِيبَةٍ لَا يُعَرَّفُ وَيَسْتَبِدُّ بِهِ وَاجِدُهُ فَعَنْ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يُعَرِّفُ زَبِيبَةً فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ وقال إنَّ من الْوَرَعِ ما يَمْقُتُ اللَّهُ عليه وَرُوِيَ ما يَمْقُتُهُ اللَّهُ وَعَلَى ذلك حُمِلَ قَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم في التَّمْرَةِ الْمُلْقَاةِ لَوْلَا أَخْشَى أَنْ تَكُونَ من تَمْرِ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَإِنْ تُمُوِّلَ فَالْقَلِيلُ منه لَا يُعَرَّفُ سَنَةً بَلْ يُعَرَّفُ إلَى أَنْ يُظَنَّ إعْرَاضُ صَاحِبِهِ عنه غَالِبًا لِأَنَّهُ لَا يَدُومُ فَاقِدُهُ على طَلَبِهِ سَنَةً بِخِلَافِ الْكَثِيرِ وَيَخْتَلِفُ ذلك بِاخْتِلَافِ الْمَالِ قال الرُّويَانِيُّ فَدَانَقُ الْفِضَّةِ يُعَرَّفُ في الْحَالِ وَدَانَقُ الذَّهَبِ يُعَرَّفُ يَوْمًا أو يَوْمَيْنِ أو ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْقَلِيلُ الْمُتَمَوَّلُ ما يُظَنُّ أَنَّ فَاقِدَهُ لَا يُكْثِرُ الْأَسَفَ عليه وَلَا يَطُولُ طَلَبُهُ له غَالِبًا لِأَنَّ ذلك دَلِيلٌ على حَقَارَتِهِ
فَرْعٌ الْتِقَاطُ السَّنَابِلِ في وَقْتِ الْحَصَادِ إنْ عُلِمَ إعْرَاضُ الْمَالِكِ عنها أو رِضَاهُ بِأَخْذِهَا جَازَ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُ جَوَازِهِ بِأَهْلِ الزَّكَاةِ كَالْفُقَرَاءِ لِأَنَّهَا تَعَلَّقَتْ بِجَمِيعِ السَّنَابِلِ وَالْمَالِكُ مَأْمُورٌ بِجَمْعِهَا وَإِخْرَاجِ ما لِأَهْلِهَا قال وَلَعَلَّ إطْلَاقَهُمْ مَحْمُولٌ على ما لَا زَكَاةَ فيه أو على ما لو كانت أُجْرَةُ جَمْعِهَا تَزِيدُ على ما يَحْصُلُ منها
ا ه
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هذا الْقَدْرَ مُغْتَفَرٌ كما جَرَى عليه السَّلَفُ وَالْخَلَفُ مع أَنَّ في آخِرِ كَلَامِهِ نَظَرًا وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هُنَا ما يَشْمَلُ الظَّنَّ وما يَفْسُدُ كَبُقُولٍ وَرُطَبٍ لَا يَتَتَمَّرُ وَهَرِيسَةٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُسْرِعُ فَسَادُهُ فَلِلْمُلْتَقِطِ بَيْعُهُ ثُمَّ يُعَرِّفُهُ لِيَتَمَلَّكَ ثَمَنَهُ وَلَهُ تَمَلُّكُهُ في الْحَالِ ثُمَّ أَكْلُهُ مع غُرْمِ قِيمَتِهِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَوَجَدَهُ بِصَحْرَاءَ أَمْ بِعُمْرَانٍ لِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلْهَلَاكِ فَيَتَخَيَّرُ فيه كَالْغَنَمِ وَإِنَّمَا جَازَ أَكْلُهُ في الْعُمْرَانِ لِأَنَّهُ مِمَّا يُسْرِعُ فَسَادُهُ بِخِلَافِ الْغَنَمِ وَنَحْوِهَا وَلَا يَجِيءُ الْإِمْسَاكُ هُنَا لِتَعَذُّرِهِ وَبَيْعُهُ يَكُونُ كما سَبَقَ من أَنَّهُ يَبِيعُهُ اسْتِقْلَالًا إنْ لم يَجِدْ حَاكِمًا وَبِإِذْنِهِ إنْ وَجَدَهُ ثُمَّ بَعْدَ أَكْلِهِ يُعَرِّفُهُ إنْ وَجَدَهُ في غَيْرِ الصَّحْرَاءِ
كما أَنَّهُ إذَا بَاعَ يُعَرِّفُ فَإِنْ وَجَدَهُ في الصَّحْرَاءِ لم يَجِبْ تَعْرِيفُهُ كما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الظَّاهِرِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فيه في الصَّحْرَاءِ قال الْأَذْرَعِيُّ لَكِنَّ الذي يُفْهِمُهُ إطْلَاقُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَجِبُ أَيْضًا قال وَلَعَلَّ مُرَادَ الْإِمَامِ أنها لَا تُعَرَّفُ بِالصَّحْرَاءِ لَا مُطْلَقًا وَالْمُرَادُ بِغَيْرِ الصَّحْرَاءِ الشَّارِعُ وَالْمَسْجِدُ وَنَحْوُهُمَا لِأَنَّهَا مع الْمَوَاتِ مَحَالُّ اللُّقَطَةِ وَلَا يَجِبُ إفْرَازُ قِيمَتِهِ الْمَغْرُومَةِ من مَالِهِ لِأَنَّ ما في الذِّمَّةِ لَا يُخْشَى تَلَفُهُ نعم لَا بُدَّ من إفْرَازِهَا عِنْدَ تَمَلُّكِهَا لِأَنَّ تَمَلُّكَ الدَّيْنِ لَا يَصِحُّ قَالَهُ الْقَاضِي فَإِنْ فَعَلَ أَيْ أَفْرَزَهَا أَيْ اسْتِقْلَالًا إنْ لم يَجِدْ حَاكِمًا وَبِإِذْنِهِ إنْ وَجَدَهُ فَالْمُفْرَزُ أَمَانَةٌ في يَدِهِ لَا يُضْمَنُ إلَّا بِتَفْرِيطٍ فيه وفي نُسْخَةٍ بِالتَّفْرِيطِ وَيَتَمَلَّكُهُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ كما يَتَمَلَّكُ نَفْسَ اللُّقَطَةِ وَكَمَا يَتَمَلَّكُ الثَّمَنَ إذَا بَاعَ الطَّعَامَ وَهَذَا يَقْتَضِي صَيْرُورَةَ الْمُفْرَزِ مِلْكًا لِمَالِكِ اللُّقَطَةِ وَلِهَذَا لو تَلِفَ بِلَا تَفْرِيطٍ سَقَطَ حَقُّهُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَالْمُعْتَبَرُ في قِيمَةِ الْمَأْخُوذِ قِيمَةُ يَوْمِ الْأَخْذِ لَا قِيمَةُ يَوْمِ الْأَكْلِ إنْ قَصَدَ الْأَكْلَ وَإِلَّا بِأَنْ قَصَدَ التَّعْرِيفَ فَيَوْمِ الْأَكْلِ لَا يَوْمِ الْأَخْذِ
وَيَعْمَلُ بِالْمَصْلَحَةِ في رُطَبٍ يَتَتَمَّرُ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُمْكِنُ إبْقَاؤُهُ بِالْمُعَالَجَةِ من بَيْعٍ وَتَجْفِيفٍ فَإِنْ كانت الْمَصْلَحَةُ في بَيْعِهِ رُطَبًا بِيعَ أو في تَجْفِيفِهِ وَتَبَرَّعَ بِهِ الْوَاجِدُ أو غَيْرُهُ جَفَّفَهُ وَإِلَّا بِيعَ بَعْضُهُ لِتَجْفِيفِ الْبَاقِي إنْ سَاوَى مُؤْنَةَ التَّجْفِيفِ تَحْصِيلًا لِلْمَصْلَحَةِ بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ حَيْثُ يُبَاعُ كُلُّهُ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ
____________________
(2/493)
تَتَكَرَّرُ فَتُؤَدِّي إلَى أَنْ يَأْكُلَ نَفْسَهُ وَمُؤْنَتُهُ أَيْ التَّجْفِيفِ أو نَحْوِهِ على الْمَالِكِ التَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ
الْحُكْمُ الثَّالِثُ التَّمَلُّكُ لِلُّقَطَةِ الْمَمْلُوكَةِ وَتُمْلَكُ بِاللَّفْظِ بَعْدَ تَمَامِ التَّعْرِيفِ غَنِيًّا كان الْمُلْتَقِطُ أو فَقِيرًا لِأَنَّهُ تَمَلُّكُ مَالٍ بِبَدَلٍ فَافْتَقَرَ إلَى لَفْظٍ كَالتَّمَلُّكِ بِالشِّرَاءِ كَ تَمَلَّكْتُ وَلَوْ لم يَتَصَرَّفْ فيها كَالْقَرْضِ وَعَلَى قِيَاسِ ذلك يَخْتَارُ نَقْلَ الِاخْتِصَاصِ إلَيْهِ في غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ كما قَالَهُ ابن الرِّفْعَةِ وَتَكْفِي إشَارَةُ الْأَخْرَسِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَكَذَا الْكِنَايَةُ مع النِّيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَلَدَ اللُّقَطَةِ كَاللُّقَطَةِ إنْ كانت حَامِلًا بِهِ عِنْدَ الْتِقَاطِهَا أو انْفَصَلَ منها قبل تَمَلُّكِهَا وَإِلَّا مَلَكَهُ تَبَعًا لِأُمِّهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ من قال إنَّهُ يُمْلَكُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ لِأُمِّهِ أَيْ وَتَمَلُّكِهَا
فَرْعٌ لَا يَلْتَقِطُ أَحَدٌ بِحَرَمِ مَكَّةَ لُقَطَةً إلَّا لِلْحِفْظِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ إنَّ هذا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهُ إلَّا لِمُنْشِدٍ أَيْ لِمُعَرِّفٍ على الدَّوَامِ وَإِلَّا فَسَائِرُ الْبِلَادِ كَذَلِكَ فَلَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَكَّةَ مَثَابَةٌ لِلنَّاسِ يَعُودُونَ إلَيْهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَرُبَّمَا يَعُودُ مَالِكُهَا أو نَائِبُهُ لِطَلَبِهَا وَالْمُرَادُ بِحَرَمِ مَكَّةَ الْحَرَمُ الْمَكِّيُّ فَيَشْمَلُ مَكَّةَ مع أنها مَفْهُومَةٌ بِالْأَوْلَى وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ مَكَّةَ وَحَرَمِ مَكَّةَ وَتَجِبُ عليه الْإِقَامَةُ بِهِ لِيُعَرِّفَهَا أو يَدْفَعَهَا أَيْ أو دَفَعَهَا إلَى الْحَاكِمِ لِيُعَرِّفَهَا وقد يَجِيءُ هذا أَيْ التَّخْيِيرُ في كل ما اُلْتُقِطَ لِلْحِفْظِ وَإِنْ لم يَكُنْ بِحَرَمِ مَكَّةَ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَخَرَجَ بِحَرَمِ مَكَّةَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ فَهُوَ كَسَائِرِ الْبِلَادِ في حُكْمِ اللُّقَطَةِ كما صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ صَاحِبِ الِانْتِصَارِ أَنَّهُ كَحَرَمِ مَكَّةَ كما في حُرْمَةِ الصَّيْدِ وَجَرَى عليه الْبُلْقِينِيُّ لِخَبَرِ أبي دَاوُد في الْمَدِينَةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمَنْ أَشَادَ بها بِالْمُعْجَمَةِ ثُمَّ بِالْمُهْمَلَةِ أَيْ رَفَعَ صَوْتَهُ بها
الْحُكْمُ الرَّابِعُ وُجُوبُ الرَّدِّ لها أو لِبَدَلِهَا وَلَوْ بَعْدَ التَّمَلُّكِ إنْ أَثْبَتَ أَيْ أَقَامَ بها الْمَالِكُ حُجَّةً وَإِلَّا لم يَجِبْ الرَّدُّ بَلْ لَا يَجُوزُ إنْ لم يَصِفْهَا وَمَتَى وَصَفَهَا وإن أَقَامَ شَاهِدًا بها ولم يَحْلِفْ معه لم يَجِبْ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ فَإِنْ قال له يَلْزَمُك تَسْلِيمُهَا إلَيَّ فَلَهُ إذَا لم يَعْلَمْ صِدْقَهُ الْحَلِفُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذلك وَلَوْ قال تَعْلَمُ أنها مِلْكِي فَلَهُ الْحَلِفُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ لِأَنَّ الْوَصْفَ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لَكِنْ يَجُوزُ له بَلْ يُسْتَحَبُّ كما نُقِلَ عن النَّصِّ الدَّفْعُ إلَيْهِ إنْ ظَنَّ صِدْقَهُ في وَصْفِهِ لها عَمَلًا بِظَنِّهِ وَلَا يَجِبُ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ فَيَحْتَاجُ إلَى حُجَّةٍ فَإِنْ لم يَظُنَّ صِدْقَهُ لم يَجُزْ ذلك وَلَوْ وَصَفَهَا جَمَاعَةٌ وَادَّعَاهَا كُلٌّ لِنَفْسِهِ لم تُسَلَّمْ لهم كما قَالَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَكَذَا لو أَقَامَ كُلٌّ منهم بَيِّنَةً كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَيَجِبُ الدَّفْعُ إلَيْهِ إنْ عَلِمَ صِدْقَهُ وَيَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ أَيْ الضَّمَانُ لَا إنْ أَلْزَمَهُ تَسْلِيمَهَا إلَيْهِ بِالْوَصْفِ حَاكِمٌ يَرَى ذلك كَمَالِكِيٍّ وَحَنْبَلِيٍّ فَلَا تَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ في التَّسْلِيمِ وَإِنْ سَلَّمَهَا أو سَلَّمَ بَدَلَهَا إلَى الْوَاصِفِ بِاخْتِيَارِهِ لَا بِإِلْزَامِ الْحَاكِمِ له ثُمَّ تَلِفَتْ عِنْدَهُ أَيْ الْوَاصِفِ وَأَثْبَتَ أَيْ أَقَامَ بها آخَرُ حُجَّةً وَغَرِمَ الْمُلْتَقِطُ بَدَلَهَا رَجَعَ الْمُلْتَقِطُ بِمَا غَرِمَهُ على الْوَاصِفِ إنْ سَلَّمَ اللُّقَطَةَ له أو غَرِمَ له الْبَدَلَ عنها كما هو الْفَرْضُ ولم يُقِرَّ له الْمُلْتَقِطُ بِالْمِلْكِ لِحُصُولِ التَّلَفِ عِنْدَهُ وَلِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ سَلَّمَهُ بِنَاءً على ظَاهِرٍ وقد بَانَ خِلَافُهُ فَإِنْ أَقَرَّ له بِالْمِلْكِ لم يَرْجِعْ عليه مُؤَاخَذَةً له بِإِقْرَارِهِ وَلِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ الْوَاصِفِ أَيْضًا بها أو بِبَدَلِهَا إنْ قَبَضَهَا من الْمُلْتَقِطِ بِعَيْنِهَا لَا إنْ قَبَضَ منه ثَمَنَهَا يَعْنِي بَدَلَهَا لِأَنَّ الْحَاصِلَ عِنْدَهُ مَالُ الْمُلْتَقِطِ لَا مَالُهُ وَلَا يَرْجِعُ الْوَاصِفُ في الْأُولَى على الْمُلْتَقِطِ بِمَا غَرِمَهُ لِحُصُولِ التَّلَفِ عِنْدَهُ بِلَا تَغْرِيرٍ وَلِأَنَّهُ يَزْعُمُ ظُلْمَ الْمَالِكِ فَلَا يَرْجِعُ على غَيْرِ ظَالِمِهِ أَمَّا إذَا كانت اللُّقَطَةُ بَاقِيَةً عِنْدَ الْوَاصِفِ فَتُنْزَعُ منه وَتُدْفَعُ لِلْمَالِكِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ تُوجِبُ الدَّفْعَ فَقُدِّمَتْ على الْوَصْفِ الْمُجَرَّدِ
فَرْعٌ لو شَهِدَ لِمُدَّعِي اللُّقَطَةِ فَاسِقَانِ فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ إلْزَامُ الْمُلْتَقِطِ التَّسْلِيمَ لها وَلَوْ اعْتَرَفَ هو بِعَدَالَتِهِمَا لِأَنَّ التَّعْدِيلَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكْفِي فيه اعْتِرَافُ الْخَصْمِ
فَصْلٌ وَإِنْ ظَهَرَ الْمَالِكُ بَعْدَ التَّمَلُّكِ لِلُّقَطَةِ وَهِيَ تَالِفَةٌ رَدَّ مِثْلَهَا إنْ كانت مِثْلِيَّةً أو قِيمَةَ يَوْمِ التَّمَلُّكِ إنْ كانت مُتَقَوِّمَةً لِأَنَّهُ يَوْمُ دُخُولِهَا في ضَمَانِهِ وَضَمَانُهَا ثَابِتٌ في ذِمَّتِهِ من يَوْمِ التَّلَفِ وَلَوْ كانت بَاقِيَةً ولم يَتَعَلَّقْ بها حَقٌّ لَازِمٌ تَعَيَّنَ رَدُّهَا لِمَالِكِهَا فَلَيْسَ لِلْمُلْتَقِطِ إلْزَامُهُ أَخْذَ بَدَلِهَا ما دَامَتْ في مِلْكِهِ كما في الْقَرْضِ بَلْ أَوْلَى وَلِخَبَرِ زَيْدٍ السَّابِقِ وَيَلْزَمُ الْمُلْتَقِطَ رَدُّهَا إلَيْهِ قبل طَلَبِهِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في الْوَدِيعَةِ مع
____________________
(2/494)
غُرْمِ الْأَرْشِ لِأَنَّ جَمِيعَهَا مَضْمُونٌ عليه فَكَذَا بَعْضُهَا إنْ نَقَصَتْ وفي نُسْخَةٍ تَعَيَّبَتْ بَعْدَ التَّمَلُّكِ فَلَوْ أَرَادَ الْمَالِكُ بَدَلَهَا وَالْمُلْتَقِطُ رَدَّهَا مع الْأَرْشِ أُجِيبَ الْمُلْتَقِطُ لِأَنَّ الْعَيْنَ النَّاقِصَةَ مع الْأَرْشِ كَالتَّامَّةِ وَيَتَعَيَّنُ رَدُّهَا بِالزَّوَائِدِ الْمُتَّصِلَةِ وَإِنْ حَدَثَتْ بَعْدَ التَّمَلُّكِ تَبَعًا لِلْأَصْلِ بَلْ لو حَدَثَتْ قَبْلَهُ ثُمَّ انْفَصَلَتْ رَدَّهَا كَنَظِيرِهِ من الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَغَيْرِهِ فَلَوْ الْتَقَطَ حَائِلًا فَحَمَلَتْ قبل تَمَلُّكِهَا ثُمَّ وَلَدَتْ رَدَّ الْوَلَدَ مع الْأُمِّ لَا بِالزَّوَائِدِ الْمُنْفَصِلَةِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ التَّمَلُّكِ لِحُدُوثِهَا على مِلْكِ الْمُلْتَقِطِ وَتَقَدَّمَ في الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَنَّ الْحَمْلَ الْحَادِثَ بَعْدَ الشِّرَاءِ كَالْمُنْفَصِلِ فَيَكُونُ الْحَادِثُ هُنَا بَعْدَ التَّمَلُّكِ لِلْمُلْتَقِطِ وَإِنْ جاء الْمَالِكُ وقد بِيعَتْ أَيْ اللُّقَطَةُ فَلَهُ الْفَسْخُ لِلْبَيْعِ في زَمَنِ الْخِيَارِ لِاسْتِحْقَاقِهِ الرُّجُوعَ لِعَيْنِ مَالِهِ مع بَقَائِهِ وَقِيلَ ليس له الْفَسْخُ لِأَنَّ خِيَارَ الْعَقْدِ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ الْعَاقِدُ دُونَ غَيْرِهِ وَهَذَا جَزَمَ بِهِ ابن الْقَطَّانِ وَالْأَوَّلُ صَحَّحَهُ صَاحِبُ الِانْتِصَارِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ قال في الْأَصْلِ بَعْدَ نَقْلِ الْوَجْهَيْنِ عن الشَّاشِيِّ كما ذُكِرَ وَجَعَلَهُمَا ابن كَجٍّ في أَنَّهُ يُجْبَرُ الْمُلْتَقِطُ على الْفَسْخِ وَيَجُوزُ فَرْضُهُمَا في الِانْفِسَاخِ قال الرَّافِعِيُّ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ بِثَمَنِ مِثْلِهِ وَطَلَبَ في الْمَجْلِسِ بِزِيَادَةٍ وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ انْفِسَاخِهِ إنْ لم يُفْسَخْ لَكِنْ يُؤَيِّدُ ما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ إنَّ لِلْبَائِعِ الرُّجُوعَ في الْمَبِيعِ إذَا بَاعَهُ الْمُشْتَرِي وَحُجِرَ عليه بِالْفَلَسِ في زَمَنِ الْخِيَارِ لَا إنْ شُرِطَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ كَالْبَائِعِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ أَمَّا إذَا ظَهَرَ الْمَالِكُ قبل تَمَلُّكِهَا فَإِنْ كانت تَالِفَةً بِلَا تَقْصِيرٍ فَلَا شَيْءَ له أو بَاقِيَةً أَخَذَهَا بِزَوَائِدِهَا الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ دُونَ أَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ بِلَا تَقْصِيرٍ من الْمُلْتَقِطِ
فَصْلٌ فيه مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِالْكِتَابِ وَإِنْ أَخَذَهَا اثْنَانِ فَتَرَكَ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ منها لِلْآخَرِ لم يَسْقُطْ إذْ ليس له نَقْلُ حَقِّهِ إلَى الْآخَرِ كما لَا يَجُوزُ لِلْمُلْتَقِطِ نَقْلُ حَقِّهِ إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ ذلك وِلَايَةٌ أَثْبَتَهَا الشَّرْعُ لِلْوَاحِدِ وَالْوِلَايَاتُ لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ وَإِنْ أَثْبَتَ أَيْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ الْمُلْتَقِطُ ولم يَسْبِقْ تَارِيخٌ لِإِحْدَاهُمَا تَعَارَضَتَا فَتَكُونُ في يَدِهِمَا يُعَرِّفَانِهَا ثُمَّ يَتَمَلَّكَانِهَا فَإِنْ سَبَقَ لِإِحْدَاهُمَا تَارِيخٌ حُكِمَ بها وَلَوْ سَقَطَتْ من الْمُلْتَقِطِ لها فَالْتَقَطَهَا آخَرُ فَالْأَوَّلُ أَوْلَى بها منه لِسَبْقِهِ وَالْمَأْمُورُ بِالِالْتِقَاطِ فِيمَا لو تَمَاشَى اثْنَانِ فَأَرَى أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لُقَطَةً وَأَمَرَهُ بِالْتِقَاطِهَا بِصِيغَةِ هَاتِهَا أو نَحْوِهَا إنْ أَخَذَهَا فَهِيَ له إلَّا إنْ قَصَدَ بها الْآمِرَ وَحْدَهُ أو مع نَفْسِهِ فَتَكُونُ لِلْآمِرِ أو لَهُمَا بِنَاءً على جَوَازِ التَّوْكِيلِ بِالِاصْطِيَادِ وَنَحْوِهِ وَهَذَا لَا يُخَالِفُ ما مَرَّ في الْوَكَالَةِ من عَدَمِ صِحَّتِهَا في الِالْتِقَاطِ لِأَنَّ ذَاكَ في عُمُومِ الِالْتِقَاطِ وَهَذَا في خُصُوصِ لُقَطَةٍ وُجِدَتْ فَالْأَمْرُ بِأَخْذِهَا اسْتِعَانَةٌ مُجَرَّدَةٌ على تَنَاوُلِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَيَشْمَلُ الْمُسْتَثْنَى منه ما إذَا لم يَقْصِدْ نَفْسَهُ وَلَا غَيْرَهُ وهو من زِيَادَتِهِ وَإِنْ رَآهَا مَطْرُوحَةً فَدَفَعَهَا بِرِجْلِهِ مَثَلًا لِيَعْرِفَهَا جِنْسًا أو قَدْرًا وَتَرَكَهَا حتى ضَاعَتْ لم يَضْمَنْهَا لِأَنَّهَا لم تَحْصُلْ في يَدِهِ وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ ضَمَانِهَا وَإِنْ تَحَوَّلَتْ عن مَكَانِهَا بِالدَّفْعِ وهو ظَاهِرٌ وَلَا يُنَافِي ضَمَانَ ما تَتْلَفُ بها حِينَئِذٍ كَالتَّلَفِ بِالْحَجَرِ الْمُدَحْرَجِ لِأَنَّ الضَّمَانَ ثَمَّ إنَّمَا هو لِمَا يَتْلَفُ بها لَا لها وَعَلَى قِيَاسِهِ لَا يَضْمَنُ الْمُدَحْرِجُ الْحَجَرَ الذي دَحْرَجَهُ وَلَوْ دَفَعَهَا لِلْحَاكِمِ وَتَرَكَ تَعْرِيفَهَا وَتَمَلُّكَهَا ثُمَّ اسْتَقَالَ أَيْ طَلَبَ من الْحَاكِمِ إقَالَتَهُ منها لِيُعَرِّفَهَا وَيَتَمَلَّكَهَا مُنِعَ من ذلك لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ وَإِنْ أَخَذَ خَمْرًا أَرَاقَهَا صَاحِبُهَا فَتَخَلَّلَتْ عِنْدَهُ مَلَكَهَا بِلَا تَعْرِيفٍ لها لِأَنَّ مُرِيقَهَا أَسْقَطَ حَقَّهُ منها وَقِيلَ هِيَ لِمُرِيقِهَا كما لو غَصَبَ بها فَتَخَلَّلَتْ عِنْدَهُ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ هُنَا أَسْقَطَ حَقَّهُ بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ هُنَا وَصَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ في الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ وفي الْغَصْبِ وَقَبْلَ التَّخَلُّلِ لها عليه إذَا جَمَعَهَا إرَاقَتُهَا إلَّا إنْ عَلِمَ أنها مُحْتَرَمَةٌ فَيُعَرِّفُهَا كَالْكَلْبِ الْمُحْتَرَمِ
كِتَابُ اللَّقِيطِ وَيُسَمَّى مَلْقُوطًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُلْقَطُ وَمَنْبُوذًا أَيْضًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ نُبِذَ وَيُسَمَّى دَعِيًّا أَيْضًا وَالْأَصْلُ فيه قَوْله تَعَالَى وَافْعَلُوا الْخَيْرَ وَقَوْلُهُ وَتَعَاوَنُوا على الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وما رَوَاهُ مَالِكٌ أَنَّ سُنَيْنًا أَبَا جَمِيلَةَ رضي اللَّهُ عنه وَجَدَ مَنْبُوذًا فَجَاءَ بِهِ إلَى عُمَرَ فقال له ما حَمَلَكَ على أَخْذِ هذه النَّسَمَةِ فقال وَجَدْتُهَا ضَائِعَةً فَأَخَذْتُهَا فقال عَرِيفُهُ وَاسْمُهُ سِنَانٌ يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ فقال عُمَرُ أَكَذَلِكَ قال نعم فقال اذْهَبْ بِهِ فَهُوَ حُرٌّ لَك وَلَاؤُهُ أَيْ تَرْبِيَتُهُ
____________________
(2/495)
وَحَضَانَتُهُ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ أَيْ في بَيْتِ الْمَالِ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَنَفَقَتُهُ في بَيْتِ الْمَالِ
وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ في الْأَرْكَانِ وَأَحْكَامِ الِالْتِقَاطِ فَالْأَرْكَانُ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ الِالْتِقَاطُ وَالْتِقَاطُ الْمَنْبُوذِ فَرْضُ كِفَايَةٍ حِفْظًا لِلنَّفْسِ الْمُحْتَرَمَةِ عن الْهَلَاكِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا الناس جميعا إذْ بِإِحْيَائِهَا أَسْقَطَ الْحَرَجَ عن الناس فَأَحْيَاهُمْ بِالنَّجَاةِ من الْعَذَابِ وَفَارَقَ اللُّقَطَةَ حَيْثُ لم يَجِبْ الْتِقَاطُهَا بِأَنَّ الْمُغَلَّبَ عليها الِاكْتِسَابُ وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهِ فَاسْتَغْنَى بِذَلِكَ عن الْوُجُوبِ كَالنِّكَاحِ وَالْوَطْءِ فيه فَلَوْ لم يَعْلَمْ بِالْمَنْبُوذِ إلَّا وَاحِدٌ لَزِمَهُ أَخْذُهُ فَلَوْ لم يَلْتَقِطْهُ حتى عَلِمَ بِهِ غَيْرُهُ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمَا كما لو عَلِمَا مَعًا أو على الْأَوَّلِ أَبْدَى ابن الرِّفْعَةِ فيه احْتِمَالًا قال السُّبْكِيُّ وَاَلَّذِي يَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا وَمَتَى الْتَقَطَ الْمَنْبُوذَ وَجَبَ الْإِشْهَادُ عليه أَيْ على الْتِقَاطِ الْمُلْتَقِطِ له وَإِنْ كان ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ خَوْفًا من أَنْ يَسْتَرِقَّهُ وَفَارَقَ الْإِشْهَادَ على اللُّقَطَةِ بِأَنَّ الْغَرَضَ منها الْمَالُ وَالْإِشْهَادُ في التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ مُسْتَحَبٌّ وَمِنْ اللَّقِيطِ حِفْظُ حُرِّيَّتِهِ وَنَسَبِهِ فَوَجَبَ الْإِشْهَادُ كما في النِّكَاحِ وَبِأَنَّ اللُّقَطَةَ يَشِيعُ أَمْرُهَا بِالتَّعْرِيفِ وَلَا تَعْرِيفَ في اللَّقِيطِ ووجب الْإِشْهَادُ على ما معه تَبَعًا له وَلِئَلَّا يَتَمَلَّكَهُ وَقَيَّدَ الْمَاوَرْدِيُّ وُجُوبَ الْإِشْهَادِ عليه وَعَلَى ما معه بِالْمُلْتَقِطِ بِنَفْسِهِ أَمَّا من سَلَّمَهُ الْحَاكِمَ له فَالْإِشْهَادُ مُسْتَحَبٌّ له قَطْعًا وهو ظَاهِرٌ فَيَجُوزُ الِانْتِزَاعُ لِلَّقِيطِ وما معه منه إنْ لم يُشْهِدْ وَالْمُنْتَزِعُ منه وَمِمَّنْ يَأْتِي الْحَاكِمُ
الرُّكْنُ الثَّانِي اللَّقِيطُ وهو كُلُّ صَبِيٍّ مَنْبُوذٍ لَا كَافِلَ له مَعْلُومٌ وَلَوْ مُمَيِّزًا لِحَاجَتِهِ إلَى التَّعَهُّدِ فَلَوْ وُجِدَ الْكَافِلُ له وَلَوْ مُلْتَقِطًا أو فُقِدَ النَّبْذُ وَجَبَ رَدُّهُ إلَى الْكَافِلِ في الْأُولَى أو الْقَاضِي في الثَّانِيَةِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ كَافِلِهِ فَيُسَلِّمُهُ إلَى من يَقُومُ بِهِ كما يَقُومُ بِحِفْظِ مَالِ الْغَائِبِينَ وَلَوْ قَدَّمَ الثَّانِيَةَ على الْأُولَى كان أَوْفَقَ بِالضَّابِطِ وَخَرَجَ بِالصَّبِيِّ الْبَالِغُ لِاسْتِغْنَائِهِ عن الْحِفْظِ نعم الْمَجْنُونُ كَالصَّبِيِّ وَإِنَّمَا ذَكَرُوا الصَّبِيَّ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ
الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْمُلْتَقِطُ وَيُشْتَرَطُ فيه تَكْلِيفٌ وَحُرِّيَّةٌ وَرُشْدٌ وَإِسْلَامٌ وَعَدَالَةٌ وَلَوْ مَسْتُورَةً على ما يَأْتِي لِأَنَّهُ وِلَايَةٌ تَثْبُتُ على الْغَيْرِ بِالِاخْتِيَارِ فَاعْتُبِرَ فيه ذلك كَسَائِرِ الْوِلَايَاتِ فَلَا يَصِحُّ من غَيْرِ مُكَلَّفٍ وَلَا من عَبْدٍ وَمِثْلُهُ الْأَمَةُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أو تَقْرِيرِهِ له على الْتِقَاطِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ وَيَكُونُ السَّيِّدُ هو الْمُلْتَقِطَ وَالْعَبْدُ نَائِبَهُ في الْأَخْذِ وَالتَّرْبِيَةِ إذْ يَدُهُ كَيَدِهِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَأْذَنْ له ولم يُقِرَّهُ على الْتِقَاطِهِ اُنْتُزِعَ اللَّقِيطُ من الْعَبْدِ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ تَبَرُّعٌ وَلَيْسَ له أَهْلِيَّتُهُ وَلَا تَصِحُّ من مُكَاتَبٍ وَإِنْ أَذِنَ له سَيِّدُهُ لِذَلِكَ إلَّا لِسَيِّدٍ قال له الْتَقِطْهُ لي فَيَكُونُ السَّيِّدُ هو الْمُلْتَقِطَ وفي مُبَعَّضٍ الْتَقَطَ في نَوْبَتِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا كما قال الرُّويَانِيُّ عَدَمُ الصِّحَّةِ لِذَلِكَ وَلَا يَصِحُّ الْتِقَاطُهُ أَيْضًا في نَوْبَةِ سَيِّدِهِ وَإِلَّا إذَا لم تَكُنْ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ وَيُنْزَعُ اللَّقِيطُ من سَفِيهٍ مَحْجُورٍ عليه كما في الْأَصْلِ وَإِنْ كان عَدْلًا ومن فَاسِقٍ وَكَافِرٍ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْتِقَاطِهِمْ لَكِنَّ مَحَلَّ الْأَخِيرَةِ في اللَّقِيطِ الْمَحْكُومِ بِإِسْلَامِهِ لِأَنَّهُ لَا يَلِيهِ بِخِلَافِ الْمَحْكُومِ بِكُفْرِهِ وَسَيَأْتِي وَكَذَا من لم يُخْتَبَرْ حَالُهُ وَظَاهِرُهُ الْأَمَانَةُ فَيُنْزَعُ منه إنْ سَافَرَ أَيْ أَرَادَ السَّفَرَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَسْتَرِقَّهُ وَيُرَاقَبُ في الْحَضَرِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ سِرًّا لَا جَهْرًا لِئَلَّا يَتَأَذَّى فَإِنْ وَثِقَ بِهِ فَكَعَدْلٍ فَلَا يُنْزَعُ منه وَلَا يُرَاقَبُ وَلِلْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ الْتِقَاطُ كَافِرٍ أَمَّا في الْأُولَى فَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ رُبَّمَا كان سَبَبًا لِإِسْلَامِهِ وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَلِمَا بين الْكَافِرَيْنِ من الْمُوَالَاةِ وَظَاهِرٌ أَنَّ لِلذِّمِّيِّ وَنَحْوِهِ الْتِقَاطَ الْحَرْبِيِّ بِخِلَافِ الْعَكْسِ
فَصْلٌ وَإِنْ تَنَازَعَا أَيْ اثْنَانِ في لَقِيطٍ قبل أَخْذِهِ اخْتَارَ الْحَاكِمُ جَعْلَهُ في يَدِ من شَاءَ وَلَوْ غَيْرَهُمَا إذْ لَا حَقَّ لَهُمَا قبل الْأَخْذِ أو تَنَازَعَا فيه بَعْدَ الْأَخْذِ وَهُمَا أَهْلٌ لِلِالْتِقَاطِ فَالسَّابِقُ مِنْهُمَا بِالْأَخْذِ أَحَقُّ فَلَا أَحَقِّيَّةَ بِالْوُقُوفِ عليه فَإِنْ اسْتَوَيَا سَبْقًا قُدِّمَ الْغَنِيُّ لِأَنَّهُ قد يُوَاسِيهِ بِمَالِهِ وَلِأَنَّ الْفَقِيرَ قد يَشْغَلُهُ طَلَبُ الْقُوتِ عن الْحَضَانَةِ لَا الْأَغْنَى فَلَا يُقَدَّمُ على الْغَنِيِّ نعم لو كان أَحَدُهُمَا بَخِيلًا وَالْآخَرُ جَوَادًا فَقِيَاسُ تَقَدُّمِ الْغَنِيِّ أَنْ يُقَدَّمَ الْجَوَادُ لِأَنَّ حَظَّ الطِّفْلِ عِنْدَهُ أَكْثَرُ وقدم ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ
____________________
(2/496)
بِالِاخْتِبَارِ على فَقِيرٍ في مَسْأَلَةِ الْغَنِيِّ وعلى مَسْتُورٍ في مَسْأَلَةِ الْعَدَالَةِ احْتِيَاطًا لِلَّقِيطِ ثُمَّ إذَا اسْتَوَيَا في الصِّفَاتِ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَا يُهَايَأُ بَيْنَهُمَا لِلْإِضْرَارِ بِاللَّقِيطِ وَلَا يُتْرَكُ في يَدَيْهِمَا لِتَعَذُّرِ أو تَعَسُّرِ الِاجْتِمَاعِ على الْحَضَانَةِ وَلَا يَخْرُجُ عنهما لِمَا فيه من إبْطَالِ حَقِّهِمَا وَلَا يُقَدَّمُ مُسْلِمٌ على ذِمِّيٍّ الْأَوْلَى على كَافِرٍ في لَقِيطٍ كَافِرٍ وَالْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ سَوَاءٌ في الِالْتِقَاطِ فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْحَضَانَةِ تُقَدَّمُ الْأُمُّ فيها على الْأَبِ لِأَنَّ الْمَرْعِيَّ فيها الشَّفَقَةُ وَهِيَ في الْأُمِّ أَتَمُّ وَلَوْ اخْتَارَ اللَّقِيطُ أَحَدَهُمَا فإنه يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَلَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا بِاخْتِيَارِ اللَّقِيطِ له وَلَوْ مُمَيِّزًا بِخِلَافِ تَخْيِيرِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ بين أَبَوَيْهِ لِتَعْوِيلِهِمْ ثَمَّ على الْمَيْلِ النَّاشِئِ عن الْوِلَادَةِ وهو مَعْدُومٌ هُنَا قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْوَجْهُ تَقْدِيمُ الْبَصِيرِ على الْأَعْمَى وَالسَّلِيمِ على الْمَجْذُومِ وَالْأَبْرَصِ إنْ قِيلَ بِأَهْلِيَّتِهِمْ لِلِالْتِقَاطِ وَلَوْ آثَرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَيْ تَرَكَ حَقَّهُ له قبل الْقُرْعَةِ لَا بَعْدُ جَازَ فَيَنْفَرِدُ بِهِ الْآخَرُ كَالشَّفِيعَيْنِ بِخِلَافِهِ بَعْدَ الْقُرْعَةِ لَا يَجُوزُ كما ليس لِلْمُنْفَرِدِ نَقْلُ حَقِّهِ إلَى غَيْرِهِ
فَصْلٌ وَأَمَّا أَحْكَامُهُ أَيْ الِالْتِقَاطِ فَعَلَى الْمُلْتَقِطِ منها حِفْظُ اللَّقِيطِ وَرِعَايَتُهُ أَيْ تَرْبِيَتُهُ لِأَنَّ ذلك مَقْصُودُ الِالْتِقَاطِ لَا نَفَقَتُهُ وَحَضَانَتُهُ الْمُفَصَّلَةُ في الْإِجَارَةِ لِأَنَّ فِيهِمَا مَشَقَّةً وَمُؤْنَةً كَثِيرَةً فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ هُنَا وَحَضَانَتُهُ على الْمُلْتَقِطِ حِفْظُهُ وَتَرْبِيَتُهُ لَا الْحَضَانَةُ الْمَذْكُورَةُ فَإِنْ عَجَزَ عن حِفْظِهِ وَرِعَايَتِهِ لِأَمْرٍ عَرَضَ فَالْقَاضِي أَيْ فَيُسَلِّمُهُ له وَلَهُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ لِتَبَرُّمٍ أو غَيْرِهِ وَلَوْ قَدَرَ على ذلك أَيْضًا فَتَقْيِيدُ الْأَصْلِ ذلك بِالتَّبَرُّمِ جَرَى على الْغَالِبِ وَيَحْرُمُ عليه نَبْذُهُ وَرَدُّهُ إلَى ما كان بِالِاتِّفَاقِ
فَرْعٌ لو نَقَلَهُ بِسُكْنَى أو غَيْرِهَا كَتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ من بَادِيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ وَإِنْ بَعُدَتْ أو من قَرْيَةٍ أو بَادِيَةٍ إلَى بَلَدٍ وَإِنْ بَعُدَ جَازَ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الْآتِيَةِ في قَوْلِهِ لَا عَكْسُهُ أَيْ لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ من قَرْيَةٍ أو بَلَدٍ إلَى بَادِيَةٍ وَإِنْ قَرُبَتْ وَلَا من بَلَدٍ إلَى قَرْيَةٍ كَذَلِكَ لِخُشُونَةِ عَيْشِهِمَا وَفَوَاتِ الْعِلْمِ بِالدِّينِ وَالصَّنْعَةِ فِيهِمَا نعم لو قَرُبَتَا بِحَيْثُ يَسْهُلُ الْمُرَادُ مِنْهُمَا جَازَ النَّقْلُ إلَيْهِمَا لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَهُ نَقْلُهُ من قَرْيَةٍ وَبَلَدٍ إلَى مِثْلِهِمَا لِتَقَارُبِهِمَا في الْمَعِيشَةِ وَتَعَلُّمِ الْعُلُومِ وَالصَّنَائِعِ وَمِثْلُهُ نَقْلُهُ من بَادِيَةٍ إلَى مِثْلِهَا وَمَحَلُّ جَوَازِ نَقْلِهِ عِنْدَ أَمْنِ الطَّرِيقِ وَالْمَقْصِدِ وَتَوَاصُلِ الْأَخْبَارِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ وَجَدَهُ بَدَوِيٌّ في حِلَّةٍ من بَادِيَةٍ وَأَهْلِيٌّ حِلَّتُهُ مُسْتَقِرُّونَ بِأُخْرَى أُقِرَّ في يَدِهِ لِأَنَّهَا كَبَلَدٍ أو قَرْيَةٍ وَكَذَا لو تَنَقَّلُوا أَيْ كَانُوا يَنْتَقِلُونَ من مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ لِلنُّجْعَةِ لِأَنَّ أَطْرَافَ الْبَادِيَةِ كَمَحَالِّ الْبَلَدِ الْوَاسِعِ وَيُقَدَّمُ في الْتِقَاطِ لَقِيطِ بَلَدٍ أو قَرْيَةٍ بَلَدِيٌّ أو قَرَوِيٌّ مُقِيمٌ بها على ظَاعِنٍ يَظْعَنُ بِهِ مِنْهُمَا إلَى بَادِيَةٍ أو قَرْيَةٍ وَذِكْرُ حُكْمِ الْقَرْيَةِ من زِيَادَتِهِ لَا على ظَاعِنٍ يَظْعَنُ بِهِ إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى بَلْ يَسْتَوِيَانِ بِنَاءً على أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُنْفَرِدَةِ نَقْلُهُ إلَى بَلَدِهِ وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ تَقْدِيمَ قَرَوِيٍّ مُقِيمٍ بها أَيْ بِالْقَرْيَةِ على بَلَدِيٍّ ظَاعِنٍ عنها وَإِنَّمَا يَجُوزُ نَقْلُهُ إذَا لم يُعَارِضْهُ مُعَارِضٌ وما قَالَهُ لَازِمٌ فِيمَا قَبْلَهَا لَا جَرَمَ جَعَلَهَا الرَّافِعِيُّ مِثْلَهَا وما اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ صَرَّحَ بِهِ ابن كَجٍّ كما نَقَلَهُ هو عنه لَكِنَّ مَنْقُولَ الْأَصْحَابِ في الصُّوَرِ الثَّلَاثِ أَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ كما نَقَلَهُ هو تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ وَيُقَدَّمُ حَضَرِيٌّ على بَدَوِيٍّ إنْ وَجَدَاهُ بِهَلَكَةٍ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ من نَقْلِهِ منها وَيَسْتَوِيَانِ فيه إنْ وَجَدَاهُ بِحِلَّةٍ أو قَبِيلَةٍ أو نَحْوِهِمَا وَإِنْ كان الْبَدَوِيُّ مُنْتَجِعًا بِنَاءً على أَنَّهُ يُقَرُّ في يَدِهِ لو كان مُنْفَرِدًا
فَرْعٌ وَيُحْكَمُ بِمِلْكِهِ أَيْ اللَّقِيطِ لِلِبَاسِهِ وَمِهَادِهِ الْمَفْرُوشِ تَحْتَهُ وَدِثَارِهِ الْمُغَطَّى بِهِ من لِحَافٍ وَغَيْرِهِ ولمال مَرْبُوطٍ فيها كَحُلِيٍّ وَدَرَاهِمَ أو مَرْبُوطٍ عليه كَكِيسٍ مَرْبُوطٍ بِوَسَطِهِ وَالدَّنَانِيرِ الْمَنْثُورَةِ عليه وَفَوْقَ فِرَاشِهِ وَتَحْتَهُ أَيْ تَحْتَ بَدَنِهِ أو فِرَاشِهِ وَدَارٍ أو خَيْمَةٍ وُجِدَ هو فيها وَحْدَهُ وَلَا يُعْرَفُ لها مُسْتَحِقٌّ وَسَائِرِ ما يُوجَدُ تَحْتَ يَدِهِ وَاخْتِصَاصِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ له يَدًا وَاخْتِصَاصًا كَالْبَالِغِ وَالْأَصْلُ الْحُرِّيَّةُ ما لم يُعْرَفْ غَيْرُهَا وَخَرَجَ بِوَحْدِهِ ما لو كان في الدَّارِ لَقِيطَانِ أو لَقِيطٌ وَغَيْرُهُ فَتَكُونُ لَهُمَا وفي الْحُكْمِ له بِمِلْكِ الْبُسْتَانِ الذي وُجِدَ فيه وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نعم كَالدَّارِ وَثَانِيهِمَا لَا لِأَنَّ سُكْنَى الدَّارِ تَصَرُّفٌ وَالْحُصُولُ في الْبُسْتَانِ ليس تَصَرُّفًا وَلَا سُكْنَى وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا كان يُسْكَنُ عَادَةً يَكُونُ كَالدَّارِ
____________________
(2/497)
قال في الرَّوْضَةِ وَطَرَدَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ الْوَجْهَيْنِ في الضَّيْعَةِ وهو بَعِيدٌ وَيَنْبَغِي الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ له بها وَحَكَى الْوَجْهَيْنِ فيها الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا قال الْأَذْرَعِيُّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بها الْمَزْرَعَةُ التي لم تَجْرِ عَادَةٌ بِسُكْنَاهَا لَا مَالٍ وُجِدَ وَلَوْ بِقُرْبِهِ عُرْفًا بِحَيْثُ يُعَدُّ مُسْتَوْلِيًا عليه فَلَا يُحْكَمُ بِمِلْكِهِ له نعم إنْ حُكِمَ بِإِنَّ الْمَكَانَ له كَدَارٍ فَهُوَ له مع الْمَكَانِ كما صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ في نُكَتِهِ بِخِلَافِ الْمَوْجُودِ بِقُرْبِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ فإنه يُحْكَمُ بِمِلْكِهِ له لِأَنَّ له رِعَايَةً وَلَا يُحْكَمُ له بِمَالٍ مَدْفُونٍ تَحْتَهُ كما في الْبَالِغِ إذْ لَا يُقْصَدُ بِالدَّفْنِ الضَّمُّ إلَى اللَّقِيطِ نعم إنْ حُكِمَ بِأَنَّ الْمَكَانَ له فَهُوَ له مع الْمَكَانِ كما صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ شَهِدَتْ له بِهِ رُقْعَةٌ مَكْتُوبَةٌ وُجِدَتْ في يَدِهِ فإنه لَا يُحْكَمُ له بِهِ لِمَا مَرَّ وَهَذَا هو الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ وَصَحَّحَ الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ له بِقَرِينَةِ الرُّقْعَةِ قال الْإِمَامُ لَيْتَ شِعْرِي مَاذَا يقول من عَوَّلَ على الرُّقْعَةِ لو دَلَّتْ على دَفِينٍ بَعِيدٍ قال النَّوَوِيُّ مُقْتَضَاهُ أَنْ يَجْعَلَهُ لِلَّقِيطِ فإن الِاعْتِمَادَ إنَّمَا هو عليها لَا على كَوْنِهِ تَحْتَهُ انْتَهَى قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَحْسُنُ أَنْ يُفَرَّقَ بين الدِّفْنِ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ إذْ الْحَدَاثَةُ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّهُ دُفِنَ له كَالْمَوْجُودِ تَحْتَ فِرَاشِهِ على وَجْهِ الْأَرْضِ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا وُجِدَتْ الرُّقْعَةُ في نَفْسِ الدِّفْنِ يُقْضَى له بِهِ لِقُوَّةِ الْقَرِينَةِ أو يَكُونُ فيه خِلَافٌ مُرَتَّبٌ وَأَوْلَى بِأَنَّهُ له وَيَجِبُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ لو وُجِدَ خَيْطٌ مُتَّصِلٌ بِالدَّفِينِ مَرْبُوطٌ بِبَعْضِ بَدَنِهِ أو ثِيَابِهِ يُقْضَى له بِهِ وَلَا شَكَّ فيه إذَا انْضَمَّتْ الرُّقْعَةُ إلَيْهِ وهو أَيْ اللَّقِيطُ مع الرَّاكِبِ لِدَابَّةٍ مَرْبُوطَةٍ في وَسَطِهِ كَالْقَائِدِ مع الرَّاكِبِ لها فَتَكُونُ لِلرَّاكِبِ فَقَطْ لِتَمَامِ الِاسْتِيلَاءِ وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ عن ابْنِ كَجٍّ أنها بَيْنَهُمَا قال الْأَذْرَعِيُّ وهو وَجْهٌ وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْيَدَ لِلرَّاكِبِ كما مَرَّ آخِرَ الصُّلْحِ فما صَنَعَهُ الْمُصَنِّفُ حَسَنٌ
فَرْعٌ نَفَقَةُ اللَّقِيطِ وَحَضَانَتُهُ أَيْ مُؤْنَتُهُمَا من مَالِهِ الثَّابِتِ له بِمَا مَرَّ أو من غَيْرِهِ مِثْلِ مَوْقُوفٍ على اللُّقَطَاءِ أو مَوْقُوفٍ عليه أو مُوصًى له أو لهم بِهِ أو مَوْهُوبٍ له لِغِنَاهُ بِذَلِكَ وَيَقْبَلُ له الْقَاضِي من ذلك ما يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُعْرَفْ له مَالٌ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ من سَهْمِ الْمَصَالِحِ بِلَا رُجُوعٍ كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ لِخَبَرِ أبي جَمِيلَةَ السَّابِقِ وَقِيَاسًا على الْبَالِغِ الْمُعْسِرِ بَلْ أَوْلَى فإذا عُدِمَ بَيْتُ الْمَالِ بِإِنْ لم يَكُنْ فيه مَالٌ أو ثَمَّ ما هو أَهَمُّ كَسَدِّ ثَغْرٍ يَعْظُمُ ضَرَرُهُ لو تُرِكَ أو حَالَتْ الظَّلَمَةُ دُونَهُ افْتَرَضَ عليه الْإِمَامُ من أَغْنِيَاءِ بَلَدِهِ ذَكَرَ أَغْنِيَاءَ بَلَدِهِ ليس لِكَوْنِهِ قَيْدًا بَلْ لِأَنَّهُ الْأَيْسَرُ فَإِنْ تَعَذَّرَ الِافْتِرَاضُ قَسَّطَهَا أَيْ النَّفَقَةَ على الْأَغْنِيَاءِ قَرْضًا وَجَعَلَ نَفْسَهُ منهم فَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِيعَابُهُمْ لِكَثْرَتِهِمْ فَعَلَى من رَآهُ منهم يُقَسِّطُهَا بِاجْتِهَادِهِ فَإِنْ اسْتَوَوْا في اجْتِهَادِهِ تَخَيَّرَ فَلَوْ ظَهَرَ له سَيِّدٌ أو قَرِيبٌ رَجَعَ عليه وَاعْتِبَارُ الْقَرِيبِ نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عن الرَّافِعِيِّ ثُمَّ قال وهو غَرِيبٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ
وَالْمُصَنِّفُ حَذَفَهُ لِهَذَا لَكِنْ أَجَابَ عنه الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِنَّ النَّفَقَةَ وَقَعَتْ قَرْضًا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَالْحَاكِمُ إذَا اقْتَرَضَ النَّفَقَةَ على من تَلْزَمُهُ ثَبَتَ الرُّجُوعُ بها وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ كما صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ في بَابِهَا وَلَوْ سُلِّمَ ما قَالَهُ فَالْفَرْقُ أَنَّ اللَّقِيطَ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ من تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فإذا بَانَ له قَرِيبٌ وَأَنْفَقْنَا عليه رَجَعْنَا بها عليه من غَيْرِ فَرْضِ الْقَاضِي لِلضَّرُورَةِ وقد ذَكَرُوا في اللِّعَانِ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى اثْنَانِ نَسَبَ مَوْلُودٍ وَوَزَّعْنَا النَّفَقَةَ عَلَيْهِمَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ ابن أَحَدِهِمَا رَجَعَ الْآخَرُ عليه بِمَا أَنْفَقَ وقد صَرَّحَ بِالرُّجُوعِ على الْقَرِيبِ جَمْعٌ منهم الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالْعُدَّةِ أو ظَهَرَ له مَالٌ أو اكْتَسَبَهُ فَالرُّجُوعُ عليه فَإِنْ لم يَظْهَرْ له شَيْءٌ من ذلك وَلَا كَسْبَ له فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ الرُّجُوعُ من سَهْمِ الْمَصَالِحِ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ الْإِنْفَاقُ عليه منه ابْتِدَاءً وَجَبَ الْقَضَاءُ منه ثَانِيًا وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ إذَا لم يَظْهَرْ مَالٌ وَلَا كَسْبَ له تَبَيَّنَّ أَنَّ النَّفَقَةَ لم تَكُنْ قَرْضًا فَلَا رُجُوعَ بها على بَيْتِ الْمَالِ وَيُجَابُ بِأَنَّ كَلَامَهُمْ مَحَلُّهُ إذَا لم نَعْلَمْ أَنَّهُ لَا شَيْءَ له من ذلك فَإِنْ عَلِمْنَاهُ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ كما لو افْتَقَرَ رَجُلٌ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ على الْأَغْنِيَاءِ بِالْإِنْفَاقِ عليه لَا رُجُوعَ عليه إذَا أَيْسَرَ كما صَرَّحَ بِهِ في الْأَنْوَارِ
هذا إنْ لم يَبْلُغْ اللَّقِيطُ فَإِنْ بَلَغَ فَمِنْ سَهْمِ الْمَسَاكِينِ الشَّامِلِينَ لِلْفُقَرَاءِ أَيْ من سَهْمِ الْمَسَاكِينِ أو الْفُقَرَاءِ أو الْغَارِمِينَ بِحَسَبِ
____________________
(2/498)
ما يَرَاهُ لَا من سَهْمِ الْمَصَالِحِ هذا تَقْرِيرُ كَلَامِهِ وهو سَهْوٌ نَشَأَ من تَقْدِيمِهِ بَيْتَ الْمَالِ وَزِيَادَتِهِ فَإِنْ بَلَغَ وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ فَإِنْ لم يَكُنْ شَيْءٌ من ذلك قَضَى من سَهْمِ الْمَسَاكِينِ وَالْغَارِمِينَ أَيْ لَا من سَهْمِ الْمَصَالِحِ لِاغْتِنَائِهِ بِذَلِكَ وَإِنْ حَصَلَ في بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ قبل بُلُوغِهِ وَيَسَارِهِ قَضَى منه لَكِنْ في تَقْيِيدِهِ هذا بِقَبْلِ بُلُوغِهِ نَظَرٌ وَاسْتُشْكِلَ ما ذُكِرَ في الْمِسْكِينِ وَالْفَقِيرِ بِأَنَّهُمَا لَا يُقْضَى دَيْنُهُمَا من ذلك وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُصْرَفُ إلَيْهِمَا قَدْرُ كِفَايَتِهِمَا أو ما فَوْقَهَا فَيَمْلِكَانِ الْمَصْرُوفَ وإذا مَلَكَاهُ صُرِفَ الْفَاضِلُ عن قَدْرِ كِفَايَتِهِمَا إلَى الدَّيْنِ
تَنْبِيهٌ لو كان ثَمَّ وَقْفٌ على الْفُقَرَاءِ هل يُنْفَقُ على اللَّقِيطِ منه مُقَدَّمًا على بَيْتِ الْمَالِ وَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَوْقُوفِ على اللُّقَطَاءِ أو لَا
قال السُّبْكِيُّ فيه احْتِمَالَانِ عِنْدِي أَظْهَرُهُمَا الثَّانِي لِأَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِصِفَةِ الْفَقْرِ ولم يَتَحَقَّقْ قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَعَلَّ الْأَوَّلَ أَرْجَحُ إذْ لَا يُشْتَرَطُ في الصَّرْفِ إلَى من ظَاهِرُهُ الْفَقْرُ تَحَقُّقُهُ بَلْ يَكْفِي ظَاهِرُ الْحَالِ وَلِلْقَاضِي أَنْ يَأْذَنَ لِلْمُلْتَقِطِ في الْإِنْفَاقِ على اللَّقِيطِ من مَالِ نَفْسِهِ إذَا اُحْتِيجَ لِلِاقْتِرَاضِ له لِيَرْجِعَ بِهِ وَمِثْلُهُ وَاجِدُ الضَّالَّةِ كما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن تَصْحِيحِ الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ وَلَوْ كان له أَيْ اللَّقِيطِ مَالٌ اسْتَقَلَّ الْمُلْتَقِطُ بِحِفْظِهِ أَيْ من غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى إذْنِ الْحَاكِمِ كَحِفْظِهِ اللَّقِيطَ بَلْ أَوْلَى وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ في الْعَدْلِ الذي يَجُوزُ إيدَاعُ مَالِ الْيَتِيمِ عِنْدَهُ نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا يُخَاصِمُ لو نُوزِعَ فيه إلَّا بِوِلَايَةٍ من الْقَاضِي كَالْمُودَعِ وَيُنْفِقُ عليه منه بِإِذْنِ الْقَاضِي إنْ وَجَدَهُ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْمَالِ لَا تَثْبُتُ لِقَرِيبٍ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَالْأَجْنَبِيُّ أَوْلَى قال الرَّافِعِيُّ وَاتِّحَادُ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ لَا يَتَحَقَّقُ هُنَا بَلْ هو كَقَيِّمِ الْيَتِيمِ يَأْذَنُ له الْقَاضِي في الْإِنْفَاقِ عليه من مَالِهِ فَإِنْ اسْتَقَلَّ بِالْإِنْفَاقِ عليه منه ضَمِنَ كما لو أَنْفَقَ وَدِيعَةَ يَتِيمٍ كانت عِنْدَهُ عليه اسْتِقْلَالًا نعم إنْ كان مَالُهُ طَعَامًا فَقَدَّمَهُ له فَأَكَلَهُ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ كما في نَظِيرِهِ من الْغَصْبِ بَلْ أَوْلَى وَلَوْ أَذِنَ الْقَاضِي لِغَيْرِ الْمُلْتَقِطِ في الْإِنْفَاقِ عليه منه بِالْمَعْرُوفِ فَأَسْرَفَ ضَمِنَ الزَّائِدَ أو قَتَّرَ عليه مُنِعَ منه وَإِنْ كان قد سَلَّمَهُ أَيْ ما أَنْفَقَ على اللَّقِيطِ إلَى الْمُلْتَقِطِ فَقَرَارُ ضَمَانِ الزَّائِدِ على الْمُلْتَقِطِ لِحُصُولِ التَّلَفِ في يَدِهِ وَنَزَعَهُ أَيْ مَالَ اللَّقِيطِ الْحَاكِمُ من الْمُلْتَقِطِ إنْ شَاءَ بِقَرِينَةِ ما قَدَّمَهُ من أَنَّ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِحِفْظِ مَالِ اللَّقِيطِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ في دَعْوَى إنْفَاقٍ عليه بِالْإِذْنِ لِقَدْرٍ لَائِقٍ بِالْحَالِ إذَا نُوزِعَ فيه فَإِنْ ادَّعَى فَوْقَهُ أَيْ اللَّائِقِ ضَمِنَ الزَّائِدَ عليه لِأَنَّهُ مُقِرٌّ على نَفْسِهِ بِتَفْرِيطِهِ لَكِنْ لو ادَّعَى إنْفَاقَ عَيْنٍ صُدِّقَ لِتَنْقَطِعَ الْمُطَالَبَةُ بها ثُمَّ يَضْمَنُ كَالْغَاصِبِ إذَا ادَّعَى التَّلَفَ وَإِنْ وفي نُسْخَةٍ وإذا لم يَكُنْ ثَمَّ قَاضٍ أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ عليه منه لِلضَّرُورَةِ فَلَا يَجِبُ دَفْعُهُ إلَى أَمِينٍ لِيُنْفِقَ عليه وَأَشْهَدَ وُجُوبًا بِالْإِنْفَاقِ كُلَّ مَرَّةٍ كما نَقَلَهُ ابن الرِّفْعَةِ عن الْقَاضِي مُجَلِّيٍّ وَفِيهِ حَرَجٌ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ فَإِنْ لم يُشْهِدْ مع الْإِمْكَانِ ضَمِنَ
الْبَابُ الثَّانِي في أَحْكَامِ اللَّقِيطِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ في الْإِسْلَامِ فَإِنْ وُجِدَ اللَّقِيطُ في دَارِ الْإِسْلَامِ بِأَنْ يَسْكُنَهَا الْمُسْلِمُونَ وَإِنْ كان فيها أَهْلُ ذِمَّةٍ أو كانت لِلْإِسْلَامِ بِأَنْ فَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ وَأَقَرُّوهَا بِيَدِ الْكُفَّارِ أو كَانُوا يَسْكُنُونَهَا ثُمَّ جَلَّاهُمْ الْكُفَّارُ عنها وَفِيهَا مُسْلِمٌ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اللَّقِيطُ وَلَدَهُ وَلَوْ نَفَاهُ أو كان تَاجِرًا أو أَسِيرًا حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ وفي مُسْنَدِ أَحْمَدَ خَبَرُ الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عليه وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَعْطُوفَةَ على دَارِ الْإِسْلَامِ لَيْسَتْ دَارَ إسْلَامٍ وَلَيْسَ مُرَادًا فَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْلُ بِإِنَّ الْجَمِيعَ دَارُ إسْلَامٍ وَكَذَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لِذَلِكَ لو وُجِدَ في دَارٍ كُفْرٍ وَفِيهَا مُسْلِمٌ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَلَدَهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ فيها مُسْلِمٌ فَكَافِرٌ إذْ لَا مُسْلِمَ يَحْتَمِلُ إلْحَاقَهُ بِهِ وَلَا أَثَرَ لِعَابِرِي السَّبِيلِ من الْمُسْلِمِينَ كما لَا أَثَرَ لِلْمَحْبُوسِينَ في الْمَطَامِيرِ فَإِنْ كَانُوا أَيْ أَهْلُ الْبُقْعَةِ
____________________
(2/499)
مِلَلًا مُخْتَلِفَةً جُعِلَ من أَقْرَبِهِمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَإِنْ ادَّعَى ذِمِّيٌّ أو نَحْوُهُ نَسَبَهُ لَحِقَهُ وَتَبِعَهُ في الْكُفْرِ وَارْتَفَعَ ما كنا ظَنَنَّاهُ إذْ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ ضَعِيفَةٌ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ كُفْرُ وَلَدِ الْكَافِرِ لَكِنْ إنْ لم تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ لم يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ وَإِنْ لَحِقَهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ من مُسْلِمَةٍ وَلِأَنَّهُ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ فَلَا يُغَيَّرُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى كما في إسْلَامِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَيُحَالُ بَيْنَهُمَا كما لو وَصَفَ الْمُمَيِّزُ الْإِسْلَامَ ثُمَّ إذَا بَلَغَ وَوَصَفَ الْكُفْرَ قُرِّرَ لَكِنَّهُ يُهَدَّدُ لَعَلَّهُ يُسْلِمُ وَيُنْفَقُ على اللَّقِيطِ الْمَحْكُومِ بِكُفْرِهِ إذَا لم يَكُنْ له مَالٌ من بَيْتِ الْمَالِ إذْ لَا وَجْهَ لِتَضْيِيعِهِ وَلِأَنَّهُ قد يَنْفَعُنَا بِالْجِزْيَةِ إذَا بَلَغَ هذا ما صَحَّحَهُ في الْأَصْلِ لَكِنْ قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ بَلْ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الْمَنْعُ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ مَصْرُوفٌ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ الْمُشْرِكِينَ فَعَلَيْهِ إنْ تَبَرَّعَ أَحَدٌ بِنَفَقَتِهِ فَذَاكَ وَإِلَّا جَمَعَ الْإِمَامُ أَغْنِيَاءَ أَهْلِ الذِّمَّةِ الَّذِينَ وُجِدَ بين أَظْهُرِهِمْ وَقَسَّطَ نَفَقَتَهُ عليهم قَرْضًا يَرْجِعُونَ بها
فَصْلٌ يَصِحُّ الْإِسْلَامُ أَيْ مُبَاشَرَتُهُ من مُكَلَّفٍ بِالنُّطْقِ لِلنَّاطِقِ وَالْإِشَارَةِ لِلْعَاجِزِ عن النُّطْقِ لَا من مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ وَلَوْ مُمَيِّزًا كَسَائِرِ الْعُقُودِ قالوا وَلَا تُقَاسُ صِحَّتُهُ من الْمُمَيِّزِ على صِحَّةِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ منه لِأَنَّهَا تَقَعُ منه نَفْلًا وَالْإِسْلَامُ لَا يُتَنَفَّلُ بِهِ وَأَمَّا صِحَّةُ إسْلَامِ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه مع صِغَرِهِ فَأُجِيبَ عنها بِأَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا صَارَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالْبُلُوغِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ في عَامِ الْخَنْدَقِ أَمَّا قَبْلَهَا فَكَانَتْ مَنُوطَةً بِالتَّمْيِيزِ وإذا لم نُصَحِّحْ إسْلَامَهُ فَلَا نَمْنَعُهُ من الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا من الْعِبَادَاتِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَخْذًا من كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَيَدْخُلُ الْمُمَيِّزُ بِهِ أَيْ بِإِسْلَامِهِ مُبَاشَرَةً الْجَنَّةَ قَطْعًا إذَا أَسَرَّهُ كما أَظْهَرَهُ وَيُعَبَّرُ عنه بِصِحَّةِ إسْلَامِهِ بَاطِنًا لَا ظَاهِرًا أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخِرَةِ دُونَ الدُّنْيَا وفي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ إذَا مَاتُوا ولم يَتَلَفَّظُوا بِالْإِسْلَامِ خِلَافٌ والأصح أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ أَيْضًا كما مَرَّ وَيُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبَوَيْهِ وَأَهْلِهِ الْكُفَّارِ اسْتِحْبَابًا لِئَلَّا يَفْتِنُوهُ وَطَمَعًا في أَنْ يَثْبُتَ بَعْدَ الْبُلُوغِ على ما وَصَفَهُ فَإِنْ بَلَغَ كَافِرًا بِأَنْ وَصَفَ الْكُفْرَ بَعْدَ بُلُوغِهِ هُدِّدَ وَطُولِبَ بِالْإِسْلَامِ فَإِنْ أَصَرَّ رُدَّ إلَيْهِمَا
فَصْلٌ وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ صَغِيرٍ وَذِي جُنُونٍ وَلَوْ طَرَأَ جُنُونُهُ في الْكِبَرِ تَبَعًا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ وَكَذَا لِسَائِرِ أُصُولِهِ وَإِنْ لم يَكُونُوا وَارِثِينَ كَجَدٍّ أو جَدَّةٍ لِأَبٍ أو أُمٍّ وَإِنْ كان الْأَقْرَبُ حَيًّا سَوَاءٌ أَسْلَمُوا قبل الْعُلُوقِ أَمْ بَعْدَهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جُزْءٌ من مُسْلِمٍ وَلَوْ بِوَسَطٍ وَلِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ لِلْفَرْعِيَّةِ وَهِيَ لَا تَخْتَلِفُ بِمَا ذُكِرَ فَإِنْ قُلْتَ إطْلَاقُ ذلك يَقْتَضِي إسْلَامَ جَمِيعِ الْأَطْفَالِ بِإِسْلَامِ جَدِّهِمْ آدَمَ عليه السَّلَامُ قُلْت أَجَابَ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الْكَلَامَ في جَدٍّ يُعْرَفُ النَّسَبُ إلَيْهِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ بَيْنَهُمَا التَّوَارُثُ وَبِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ في الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ حُكْمٌ جَدِيدٌ لِخَبَرِ وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ
فَصْلٌ في تَبَعِيَّةِ السَّابِي وَإِنْ سَبَى مُسْلِمٌ لَا ذِمِّيٌّ صَبِيًّا أو مَجْنُونًا دُونَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِلسَّابِي لِأَنَّهُ له عليه وِلَايَةٌ وَلَيْسَ معه من هو أَقْرَبُ إلَيْهِ منه فَتَبِعَهُ كَالْأَبِ قال الْإِمَامُ وَكَأَنَّ السَّابِيَ لَمَّا أَبْطَلَ حُرِّيَّتَهُ قَلَبَهُ قَلْبًا كُلِّيًّا فَعُدِمَ عَمَّا كان وَافْتُتِحَ له وُجُودٌ تَحْتَ يَدِ السَّابِي وَوِلَايَتِهِ فَأَشْبَهَ تَوَلُّدَهُ
____________________
(2/500)
بين الْأَبَوَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ وَسَوَاءٌ أَكَانَ السَّابِي عَاقِلًا أَمْ مَجْنُونًا بَالِغًا أَمْ صَغِيرًا بِخِلَافِ ما لو سَبَاهُ ذِمِّيٌّ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لِأَنَّ كَوْنَ الذِّمِّيِّ من أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ لم يُؤَثِّرْ فيه وَلَا في أَوْلَادِهِ فَكَيْفَ يُؤَثِّرُ في مُسَبَّبِهِ وَلِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الدَّارِ إنَّمَا تُؤَثِّرُ في حَقِّ من لَا يُعْرَفُ حَالُهُ وَلَا نَسَبُهُ نعم هو على دِينِ سَابِيهِ كما ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ سَبَاهُ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فَإِنْ سُبِيَ مع أَحَدِ أَبَوَيْهِ في جَيْشٍ وَاحِدٍ تَبِعَهُ في دِينِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَ سَابِيهِمَا لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْأَصْلِ أَقْوَى من تَبَعِيَّةِ السَّابِي فَكَانَ أَوْلَى بِالِاسْتِتْبَاعِ وَلَا يُؤَثِّرُ مَوْتُ الْأَصْلِ بَعْدُ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ إنَّمَا تَثْبُتُ في ابْتِدَاءِ السَّبْيِ وَإِنْ سَبَى الذِّمِّيُّ الصَّبِيَّ أو الْمَجْنُونَ وَبَاعَهُ أو بَاعَهُ السَّابِي الْمُسْلِمُ وَلَوْ دُونَ أَبَوَيْهِ من مُسْلِمٍ فِيهِمَا لم يَتْبَعْهُ أَيْ الْمُشْتَرِيَ لِفَوَاتِ الْوَقْتِ أَيْ وَقْتِ التَّبَعِيَّةِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَثْبُتُ ابْتِدَاءً كما مَرَّ ولم تَثْبُتْ وَالتَّصْرِيحُ بِمَسْأَلَةِ بَيْعِ السَّابِي الْمُسْلِمِ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ بَلَغَ الْمَحْكُومُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِلسَّابِي أو لِلْأَبَوَيْنِ كَافِرًا بِأَنْ وَصَفَ الْكُفْرَ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَمُرْتَدٌّ لَا كَافِرٌ أَصْلِيٌّ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِإِسْلَامِهِ مَجْزُومٌ بِهِ لِكَوْنِهِ على عِلْمٍ مِنَّا بِحَقِيقَةِ الْحَالِ بِخِلَافِهِ في تَابِعِ الدَّارِ كما سَيَأْتِي لِبِنَائِهِ على ظَاهِرِهَا
فإذا أَعْرَبَ عن نَفْسِهِ بِالْكُفْرِ تَبَيَّنَ خِلَافُ ما ظَنَنَّاهُ كما لو بَلَغَ وَأَقَرَّ بِالرِّقِّ يُقْبَلُ وَإِنْ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ بِنَاءً على الظَّاهِرِ كما سَيَأْتِي وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ ضَعِيفَةٌ وَلَا تُنْقَضُ الْأَحْكَامُ الْجَارِيَةُ عليه قبل الْحُكْمِ بِرِدَّتِهِ من إرْثٍ وَغَيْرِهِ من الْأَحْكَامِ حتى لَا يَرُدَّ ما أَخَذَهُ من تَرِكَةِ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ وَلَا يَأْخُذَ من تَرِكَةِ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ ما حَرَمْنَاهُ منه وَلَا يُحْكَمَ بِأَنَّ إعْتَاقَهُ عن الْكَفَّارَةِ لم يَقَعْ مُجْزِئًا لِأَنَّهُ كان مُسْلِمًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا بِخِلَافِ ما إذَا قُلْنَا إنَّهُ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقَبْلَ الْإِفْصَاحِ بِشَيْءٍ لم يُنْقَضْ ما حُكِمَ بِهِ من أَحْكَامِ إسْلَامِهِ في الصِّبَا لِذَلِكَ بِخِلَافِ ما إذَا قُلْنَا إنَّهُ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ وَإِنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِلدَّارِ فَبَلَغَ وَأَفْصَحَ بِالْكُفْرِ فَأَصْلِيٌّ لَا مُرْتَدٌّ فَيُقَرُّ على كُفْرِهِ وَيُنْقَضُ ما أَمْضَيْنَاهُ من أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ من إرْثِهِ من قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ وَمَنْعِ إرْثِهِ من قَرِيبِهِ الْكَافِرِ وَجَوَازِ إعْتَاقِهِ عن الْكَفَّارَةِ إنْ كان رَقِيقًا وَنَحْوِ ذلك مِمَّا جَرَى في الصِّغَرِ أو بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقَبْلَ الْإِفْصَاحِ بِالْكُفْرِ وَإِنْ لم يُفْصِحْ بِشَيْءٍ منه أَيْ من الْكُفْرِ أُمْضِيَتْ عليه الْأَحْكَامُ أَيْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ الْجَارِيَةُ في الصِّبَا أو بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقَبْلَ الْإِفْصَاحِ كما في الْمَحْكُومِ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَبِيهِ
الْحُكْمُ الثَّانِي الْجِنَايَةُ منه وَعَلَيْهِ فَإِنْ جَنَى اللَّقِيطُ الْمَحْكُومُ بِإِسْلَامِهِ خَطَأً أو شِبْهَ عَمْدٍ فَمُوجَبُهَا بِفَتْحِ الْجِيمِ في بَيْتِ الْمَالِ إذْ ليس له عَاقِلَةٌ خَاصَّةٌ وَمَالُهُ إذَا مَاتَ مَصْرُوفٌ إلَيْهِ أو عَمْدًا وهو بَالِغٌ عَاقِلٌ اُقْتُصَّ منه بِشَرْطِهِ وَإِلَّا بِأَنْ لم يَكُنْ بَالِغًا عَاقِلًا فَالدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ في مَالِهِ كَضَمَانِ ما أَتْلَفَهُ بِنَاءً على أَنَّ عَمْدَهُ عَمْدٌ ثُمَّ إنْ لم يَكُنْ له مَالٌ فَهِيَ في ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَجِدَ فَإِنْ كان مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ فَتَرِكَتُهُ فَيْءٌ فَلَا تَكُونُ جِنَايَتُهُ في بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ قُتِلَ خَطَأً أو شِبْهَ عَمْدٍ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحُرِّيَّةِ تُوضَعُ في بَيْتِ الْمَالِ كما أَنَّ ما عليه يُؤْخَذُ منه وَأَرْشُ طَرَفٍ له يَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ له وَإِنْ كان غير مُكَلَّفٍ وَإِنْ قُتِلَ عَمْدًا فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَعْفُوَ عن قَاتِلِهِ على مَالٍ إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ في الْعَفْوِ وَإِلَّا الْتَحَقَ بِالْحُدُودِ الْمُتَحَتِّمَةِ لَا مَجَّانًا لِأَنَّهُ على خِلَافِ مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ وله أَنْ يَقْتَصَّ من قَاتِلِهِ قبل الْبُلُوغِ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ مَعْصُومٌ لَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقَبْلَ الْإِفْصَاحِ بِالْإِسْلَامِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ منه فَلَا يَقْتَصُّ له صِيَانَةً لِلدَّمِ مع احْتِمَالِ الْكُفْرِ وَلِأَنَّ حُكْمَ التَّبَعِيَّةِ بَطَلَ بِالْبُلُوغِ ولم يَثْبُتْ الْإِسْلَامُ بِالِاسْتِقْلَالِ فَكَانَ شُبْهَةً في دَرْءِ الْقِصَاصِ بَلْ تَجِبُ دِيَتُهُ لِأَنَّهُ قد سَبَقَ الْحُكْمُ بِإِسْلَامِهِ وَحُرِّيَّتِهِ ولم يَثْبُتْ الْكُفْرُ بَعْدَهُ وَفَارَقَ عَدَمَ إيجَابِ الْقِصَاصِ بِأَنَّ حَقْنَ الدَّمِ يُحْتَاطُ له ما لَا يُحْتَاطُ لِلْمَالِ وما ذُكِرَ من أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ له هو ما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ كما في الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ في تَصْحِيحِهِ وَصَوَّبَهُ في الْمُهِمَّاتِ وهو مُوَافِقٌ لِمَا صَحَّحُوهُ من أَنَّهُ لَا قِصَاصَ بِقَتْلِ الْمَحْكُومِ بِإِسْلَامِهِ بِتَبَعِيَّةِ غَيْرِ الدَّارِ فِيمَا ذُكِرَ بَلْ أَوْلَى كما قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ
____________________
(2/501)
وَغَيْرُهُ وَبِنَاءَ الْأَصْلِ الْخِلَافَ فيه على الْخِلَافِ في قَتْلِهِ قبل الْبُلُوغِ لَا يَلْزَمُ منه الِاتِّحَادُ في التَّصْحِيحِ وَإِنْ كان ظَاهِرُهُ ذلك فَالتَّصْحِيحُ فيه من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَيَقْتَصُّ لِنَفْسِهِ في الطَّرَفِ بِقَيْدٍ صَرَّحَ بِهِ من زِيَادَتِهِ بِقَوْلِهِ إنْ أَفْصَحَ بِالْإِسْلَامِ بَعْدَ بُلُوغِهِ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ في الْقِصَاصِ له وَلِلْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ ذلك لِلْإِمَامِ لِأَنَّ اللَّقِيطَ قد يُرِيدُ التَّشَفِّيَ وقد يُرِيدُ الْعَفْوَ فَلَا يُفَوَّتُ عليه بِخِلَافِهِ إذَا لم يُفْصِحْ بِالْإِسْلَامِ وَتَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ كَنَظِيرِهِ في قِصَاصِ النَّفْسِ فَيَجْلِسُ قَاطِعُ طَرَفِهِ قبل الْبُلُوغِ له إلَى الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ من الْجُنُونِ إنْ كان مَجْنُونًا وَيَأْخُذُ الْوَلِيُّ وَلَوْ حَاكِمًا لَا وَصِيٌّ الْأَرْشَ لِمَجْنُونٍ فَقِيرٍ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ وَلَيْسَ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ غَايَةٌ تُنْتَظَرُ وَإِنَّمَا لم يَأْخُذْهُ الْوَصِيُّ لِأَنَّ الْأَخْذَ إسْقَاطٌ وَلَيْسَ هو لِلْوَصِيِّ لَا لِمَجْنُونٍ غَنِيٍّ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ وَلَا صَبِيٍّ فَقِيرٍ أو غَنِيٍّ لِأَنَّ لِزَوَالِ الصِّبَا غَايَةً مُنْتَظَرَةً وَلِعَدَمِ الْحَاجَةِ في الْغِنَى فَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ فَقِيرٍ كان أَوْلَى فَلَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ بَعْدَ أَخْذِ الْوَلِيِّ الْأَرْشَ وَرَدَّهُ لِيَقْتَصَّ مُنِعَ لِمَا مَرَّ من أَنَّ أَخْذَ الْمَالِ عَفْوٌ وَكَمَا لو عَفَا الْوَلِيُّ عن شُفْعَةِ الصَّبِيِّ لِلْمَصْلَحَةِ فَبَلَغَ وَأَرَادَ الْأَخْذَ
الْحُكْمُ الثَّالِثُ النَّسَبُ لِلَّقِيطِ وهو كَسَائِرِ الْمَجْهُولِينَ فَمَنْ اسْتَلْحَقَ اللَّقِيطَ لَحِقَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا قَافَةٍ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقٍّ فَأَشْبَهَ ما لو أَقَرَّ بِمَالٍ وَلِأَنَّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ على النَّسَبِ مِمَّا يَعْسُرُ وَلَوْ لم نُثْبِتْهُ بِالِاسْتِلْحَاقِ لَضَاعَ كَثِيرٌ من الْأَنْسَابِ وقد سَبَقَتْ شُرُوطُ الِاسْتِلْحَاقِ في كِتَابِ الْإِقْرَارِ وَلَا فَرْقَ فيه بين الْمُلْتَقِطِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ كان الْمُسْتَلْحِقُ له كَافِرًا فإنه يَلْحَقُهُ كَالْمُسْلِمِ لِاسْتِوَائِهِمَا في الْجِهَاتِ الْمُثْبِتَةِ لِلنَّسَبِ وَكَذَا عَبْدٌ أَقَرَّ وَلَوْ بِأَخٍ أو عَمٍّ كَالْحُرِّ وَسَوَاءٌ صَدَّقَهُ السَّيِّدُ فِيمَا اسْتَلْحَقَ أو كَذَّبَهُ فيه لِأَنَّهُ كَالْحُرِّ في أَمْرِ النَّسَبِ لِإِمْكَانِ الْعُلُوقِ منه بِنِكَاحٍ أو وَطْءِ شُبْهَةٍ وَلَا عِبْرَةَ بِإِضْرَارِ السَّيِّدِ بِانْقِطَاعِ الْإِرْثِ عنه لو أَعْتَقَهُ بِدَلِيلِ أَنَّ من اسْتَلْحَقَ ابْنًا وَلَهُ أَخٌ يُقْبَلُ اسْتِلْحَاقُهُ وما ذَكَرَهُ من اللُّحُوقِ بِإِقْرَارِهِ بِأَخٍ أو عَمٍّ هو ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْلِهِ حَيْثُ أَجْرَى فيه خِلَافَ اسْتِلْحَاقِ الْعَبْدِ مع تَكْذِيبِ سَيِّدِهِ له لَكِنَّهُ خِلَافُ ما صَرَّحُوا بِهِ في الْإِقْرَارِ وما هُنَاكَ هو الْمُعْتَمَدُ وَلَا يَلْزَمُ من إجْرَاءِ الْخِلَافِ في شَيْءٍ الِاتِّحَادُ في التَّصْحِيحِ على أَنَّ ما هُنَا مَنَعَهُ الْبُلْقِينِيُّ قال لِأَنَّهُ يَلْحَقُ النَّسَبُ بِغَيْرِهِ وَشَرْطُهُ أَنْ يَصْدُرَ من وَارِثٍ جَائِزٍ قال وَلَعَلَّهُ يُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا كان حَالَةَ مَوْتِ الْجَدِّ حُرًّا ثُمَّ اُسْتُرِقَّ لِكُفْرِهِ وَحِرَابَتِهِ فإذا أَقَرَّ بِهِ لَحِقَ الْمَيِّتَ وَلَا يُسَلَّمُ اللَّقِيطُ إلَى الْعَبْدِ لِعَجْزِهِ عن نَفَقَتِهِ إذْ لَا مَالَ له وعن حَضَانَتِهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَفَرَّغُ لها وَإِنْ كان الْمُسْتَلْحِقُ له عَتِيقًا فَأَوْلَى من الْعَبْدِ بِأَنْ يَلْحَقَهُ لِاسْتِقْلَالِهِ بِالنِّكَاحِ وَالتَّسَرِّي وَمَحَلُّهُ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ في الْوَلَدِ أَمَّا في الْأَخِ وَنَحْوِهِ فَلَا يُقْبَلُ لِمَا فيه من الْإِضْرَارِ بِالْمَوْلَى وهو ما جَزَمَ بِهِ في التَّنْبِيهِ وقال الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْأَظْهَرُ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ فَهُوَ وَالْعَبْدُ في ذلك سَوَاءٌ وَإِنْ اسْتَلْحَقَ حُرٌّ عَبْدَ غَيْرِهِ وهو بَالِغٌ عَاقِلٌ فَصَدَّقَهُ لَحِقَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا فيه من قَطْعِ الْإِرْثِ الْمُتَوَهَّمِ بِالْوَلَاءِ وَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ وهو صَغِيرٌ أو مَجْنُونٌ لم يَلْحَقْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كما مَرَّ في الْإِقْرَارِ وَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ أَيْ اللَّقِيطَ مُلْتَقِطُهُ اُسْتُحِبَّ سُؤَالُهُ عن السَّبَبِ كَأَنْ يُقَالَ له من أَيْنَ هو لَك فَرُبَّمَا يَتَوَهَّمُ أَنَّ الِالْتِقَاطَ يُفِيدُ النَّسَبَ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي وُجُوبُهُ إذَا كان مِمَّنْ يَجْهَلُ ذلك احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ
فَرْعٌ لو اسْتَلْحَقَتْهُ امْرَأَةٌ بِلَا بَيِّنَةٍ لم يَلْحَقْهَا وَإِنْ كانت خَلِيَّةً لِإِمْكَانِهَا إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ بِالْوِلَادَةِ من طَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ أو بِبَيِّنَةٍ لَحِقَهَا وَكَذَا يَلْحَقُ زَوْجَهَا إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَتُهَا بِوَضْعِهِ على فِرَاشِهِ وَأَمْكَنَ الْعُلُوقُ منه وَلَا يَنْتَفِي عنه إلَّا بِلِعَانٍ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم تَشْهَدْ بِذَلِكَ أو شَهِدَتْ بِهِ لَكِنْ لم يُمْكِنْ الْعُلُوقُ منه فَلَا يَلْحَقُهُ أَمَّا الْخُنْثَى فَيَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ على الْأَصَحِّ عِنْدَ الْقَاضِي أبي الْفَرَجِ الزَّازِ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ له وَالْأَمَةُ في الِاسْتِلْحَاقِ كَالْحُرَّةِ فَيَصِحُّ بِالْبَيِّنَةِ لَكِنْ لَا يُحْكَمُ بِرِقِّ الْوَلَدِ لِمَوْلَاهَا بِاسْتِلْحَاقِهَا لِاحْتِمَالِ انْعِقَادِهِ حُرًّا بِوَطْءِ شُبْهَةٍ
فَصْلٌ وَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ أو حُرٌّ وَعَبْدٌ تَسَاوَيَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَهْلٌ لِلِاسْتِلْحَاقِ لو انْفَرَدَ فَلَا مَزِيَّةَ وَلَا تَقْدِيمَ لِبَيِّنَةٍ بِيَدٍ لِأَنَّ الْيَدَ إنَّمَا تَدُلُّ على الْمِلْكِ لَا على النَّسَبِ فَإِنْ اسْتَلْحَقَ اللَّقِيطَ ذُو يَدٍ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ آخَرُ لم يُلْتَفَتْ إلَيْهِ لِثُبُوتِ النَّسَبِ من الْأَوَّلِ مُعْتَضِدًا بِالْيَدِ إلَّا إنْ كان الْأَوَّلُ هو الْمُلْتَقِطَ
____________________
(2/502)
فإن حُكْمَهُ سَيَأْتِي قَرِيبًا في فَرْعِ أَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِأَحَدِهِمَا وَإِنْ لم يَسْتَلْحِقْهُ ذُو الْيَدِ إلَّا وقد اسْتَلْحَقَهُ آخَرُ اسْتَوَيَا فَلَا يُقَدَّمُ بِهِ ذُو الْيَدِ إذْ الْغَالِبُ من حَالِ الْأَبِ أَنْ يَذْكُرَ نَسَبَ وَلَدِهِ وَيُشْهِرَهُ فإذا لم يَفْعَلْ صَارَتْ يَدُهُ كَيَدِ الْمُلْتَقِطِ في أنها لَا تَدُلُّ على النَّسَبِ فَتُعْتَمَدُ الْبَيِّنَةُ في تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا بِهِ فَإِنْ لم تَكُنْ بَيِّنَةٌ أو كان لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ وتعارضتا وَأَسْقَطْنَاهُمَا فَالْقَائِفُ يُعْرَضُ هو مَعَهُمَا عليه فَبِأَيِّهِمَا أَلْحَقَهُ لَحِقَهُ فَإِنْ عُدِمَ بِأَنْ لم يُوجَدْ على دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كما ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ في الْعَدَدِ عن الرُّويَانِيِّ أو تَحَيَّرَ أو أَلْحَقَهُ بِهِمَا أو نَفَاهُ عنهما انْتَظَرْنَا بُلُوغَهُ فَمَنْ انْتَسَبَ إلَيْهِ مِنْهُمَا لَحِقَ بِهِ لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا رَجُلًا لَا يَدْرِي أَيُّهُمَا أَبَاهُ فقال عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه اتَّبِعْ أَيَّهُمَا شِئْتَ وَلِأَنَّ طَبْعَ الْوَلَدِ يَمِيلُ إلَى وَالِدِهِ وَيَجِدُ بِهِ ما لَا يَجِدُ بِغَيْرِهِ فَلَا يَكْفِي انْتِسَابُهُ وهو صَبِيٌّ وَلَوْ مُمَيِّزًا بِخِلَافِهِ في الْحَضَانَةِ فإنه يُخَيَّرُ بين أَبَوَيْهِ لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ فيها لَا يُلْزِمُ بَلْ له الرُّجُوعُ عن الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ ليس من أَهْلِ الْأَقْوَالِ الْمُلْزِمَةِ بِخِلَافِ ما هُنَا كما سَيَأْتِي وَاعْتَبَرْنَا فيه مَيْلَ طَبْعِهِ الْجِبِلِّيِّ فَلَا يَكْفِي فيه مُجَرَّدُ التَّشَهِّي وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عن انْتِسَابِهِ لِأَحَدِهِمَا وَيُنْفِقَانِ عليه مُدَّةَ الِانْتِظَارِ وَالْقَرَارُ على من لَحِقَهُ النَّسَبُ فإذا انْتَسَبَ إلَى أَحَدِهِمَا رَجَعَ الْآخَرُ عليه بِمَا أَنْفَقَ إنْ أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ كما قَيَّدَهُ الرَّافِعِيُّ في الْبَابِ الثَّانِي من الْعِدَدِ فَإِنْ فُقِدَ الْمَيْلُ منه وُقِفَ أَمْرُهُ فَإِنْ انْتَسَبَ إلَى ثَالِثٍ وَصَدَّقَهُ لَحِقَهُ ثُمَّ بَعْدَ انْتِسَابِهِ لِأَحَدِهِمَا أو الثَّالِثِ مَتَى وُجِدَ قَوْلُ قَائِفٍ بِأَنْ أَلْحَقَهُ بِغَيْرِهِ أُبْطِلَ الِانْتِسَابُ لِأَنَّ إلْحَاقَهُ حُجَّةٌ أو حُكْمٌ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لو أَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِوَاحِدٍ ثُمَّ انْتَسَبَ بَعْدَ بُلُوغِهِ لِآخَرَ امْتَنَعَ نَقْلُهُ وهو ظَاهِرٌ وَإِنْ ذَكَرَ فيه في الْكِفَايَةِ وَجْهَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ أو وُجِدَتْ الْبَيِّنَةُ بَعْدَ الِانْتِسَابِ وَالْإِلْحَاقِ أَبْطَلَتْهُمَا لِأَنَّهَا حُجَّةٌ في كل خُصُومَةٍ بِخِلَافِهِمَا
فَرْعٌ لو تَنَازَعَتْ امْرَأَتَانِ لَقِيطًا أو مَجْهُولًا وَأَقَامَتَا بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا وَعُرِضَ مَعَهُمَا على الْقَائِفِ فَلَوْ أَلْحَقَهُ بِإِحْدَاهُمَا لَحِقَهَا ولحق زَوْجَهَا أَيْضًا فَإِنْ لم تَكُنْ بَيِّنَةٌ لم يُعْرَضْ على الْقَائِفِ لِمَا مَرَّ أَنَّ اسْتِلْحَاقَ الْمَرْأَةِ إنَّمَا يَصِحُّ مَعَهَا
فَرْعٌ لو أَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ بِالْآخَرِ لم يُنْقَلْ إلَيْهِ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ نعم من ادَّعَى لَقِيطًا اسْتَلْحَقَهُ مُلْتَقِطُهُ عُرِضَ معه على الْقَائِفِ فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِهِ عُرِضَ مع الْمُلْتَقِطِ فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِهِ أَيْضًا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهِ أَيْ بِقَوْلِهِ فَيُوقَفُ وَإِنْ نَفَاهُ عنه فَهُوَ لِلْمُدَّعِي
فَصْلٌ لو ادَّعَى كُلٌّ من اثْنَيْنِ وَاللَّقِيطُ بِيَدِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ الْمُلْتَقِطُ له قُدِّمَ ذُو الْيَدِ مع يَمِينِهِ لِأَنَّهَا تَشْهَدُ له فَإِنْ اسْتَوَيَا إمَّا في الْيَدِ وإما في عَدَمِهَا فَحَلَفَا أو نَكَلَا جَعَلَهُ الْحَاكِمُ عِنْدَ أَحَدِهِمَا أو غَيْرِهِمَا بِحَسَبِ ما يَرَاهُ هذا من تَصَرُّفِهِ وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ أَنَّهُمَا إنْ اسْتَوَيَا في عَدَمِ الْيَدِ جَعَلَهُ الْحَاكِمُ عِنْدَ من يَرَاهُ مِنْهُمَا أو من غَيْرِهِمَا أو فيها وَحَلَفَا أو نَكَلَا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ خُصَّ بِهِ وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً عُمِلَ بها فَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً وَقَيَّدَتَا بِتَارِيخَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَالْأَسْبَقُ تَارِيخًا مِنْهُمَا مُقَدَّمٌ بِهِ كما في الْمَالِ وَإِنْ وَقَعَ في الْأَصْلِ هُنَا ما يُخَالِفُهُ سَوَاءٌ أَكَانَ بِيَدِهِمَا أَمْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا أو لَا وَلَا فَلَوْ كان بِيَدِ أَحَدِهِمَا وَأَقَامَ بَيِّنَةً وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ كان بيده وَانْتَزَعَهُ منه قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الِانْتِزَاعِ فَإِنْ لم يَكُنْ سَبْقٌ بِأَنْ أَطْلَقَتَا أو أَرَّخَتَا بِتَارِيخٍ وَاحِدٍ أو أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا وَأَطْلَقَتْ الْأُخْرَى سَقَطَتَا وكان لَا بَيِّنَةَ وَيُفَارِقُ ما لو اسْتَلْحَقَاهُ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ حَيْثُ لَا يُقَدَّمُ بِالْيَدِ كما مَرَّ وَلَا بِتَقَدُّمِ التَّارِيخِ بِأَنْ أَقَامَهَا أَحَدُهُمَا بِأَنَّهُ بيده مُنْذُ سَنَةٍ وَالْآخَرُ بِأَنَّهُ بيده مُنْذُ شَهْرٍ بِأَنَّ الْيَدَ وَتَقَدُّمَ التَّارِيخِ يَدُلَّانِ على الْحَضَانَةِ دُونَ النَّسَبِ
الْحُكْمُ الرَّابِعُ الْحُرِّيَّةُ وَالرِّقُّ لِلَّقِيطِ فَمَنْ ادَّعَى رِقَّهُ وهو صَغِيرٌ أو ادَّعَى رِقَّ صَغِيرٍ مَجْهُولٍ رِقًّا وَحُرِّيَّةً وَلَا يَدُلُّهُ عليه فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْحُرِّيَّةُ فَلَا يُتْرَكُ إلَّا بِحُجَّةٍ وَيُخَالِفُ دَعْوَى النَّسَبِ لِأَنَّ في قَبُولِهَا مَصْلَحَةً لِلصَّغِيرِ وَإِثْبَاتَ حَقٍّ له وَهُنَا في الْقَبُولِ إضْرَارٌ بِهِ وَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ نَسَبَهُ لَا نَسَبَ له في الظَّاهِرِ فَلَيْسَ في الْقَبُولِ تَرْكُ أَمْرٍ ظَاهِرٍ وَالْحُرِّيَّةُ مَحْكُومٌ بها ظَاهِرًا وَكَذَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ إنْ كانت له يَدٌ وَكَانَتْ يَدَ الْتِقَاطٍ لِذَلِكَ وَيُخَالِفُ الْمَالَ فإنه مَمْلُوكٌ وَلَيْسَ في دَعْوَاهُ تَغْيِيرُ صِفَةٍ له بِخِلَافِ اللَّقِيطِ وَإِلَّا
____________________
(2/503)
أَيْ وَإِنْ لم تَكُنْ يَدُهُ يَدَ الْتِقَاطٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَوْ كان الصَّغِيرُ مُمَيِّزًا مُنْكِرًا عَمَلًا بِالظَّاهِرِ من حَالِ الْمُدَّعِي الذي لم يُعْرَفْ اسْتِنَادُ يَدِهِ إلَى سَبَبٍ لَا يَقْتَضِي الْمِلْكَ وَلَا بُدَّ من يَمِينِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لِخَطَرِ شَأْنِ الْحُرِّيَّةِ فَلَوْ بَلَغَ الصَّغِيرُ وَادَّعَى الْحُرِّيَّةَ لم يُقْبَلْ منه إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ قد حُكِمَ بِرِقِّهِ فَلَا يُرْفَعُ ذلك الْحُكْمُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ولكن له تَحْلِيفُ السَّيِّدِ وَلَوْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِغَيْرِ السَّيِّدِ لم يُقْبَلْ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَالْبَالِغُ الْمَجْنُونُ كَالصَّغِيرِ فِيمَا ذُكِرَ وَإِفَاقَتُهُ كَبُلُوغِهِ
فَرْعٌ لو رَأَى شَخْصٌ في يَدِ إنْسَانٍ صَغِيرًا يَسْتَخْدِمُهُ وَيَنْسُبُهُ هو أو غَيْرُهُ إلَى مِلْكِهِ بِأَنْ سَمِعَهُ الرَّائِي يقول هو عَبْدِي أو سمع الناس يَقُولُونَ هو عَبْدُهُ وَشَهِدَ له بِالْمِلْكِ جَازَ له ذلك وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَإِلَّا فَلَا وَفَارَقَ كما في الْمُهِمَّاتِ سَائِرَ الْأَعْيَانِ حَيْثُ يَجُوزُ فيها الشَّهَادَةُ بِمُجَرَّدِ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ الطَّوِيلَيْنِ بِأَنَّ الِاسْتِخْدَامَ يَقَعُ في الْأَحْرَارِ كَثِيرًا كَالْأَوْلَادِ بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ في أَعْيَانِ أَمْوَالِ الْغَيْرِ فإنه قَلِيلٌ فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَإِنْ ادَّعَى نِكَاحَ صَغِيرَةٍ تَحْتَهُ لم يُحْكَمْ بِهِ في الصِّغَرِ وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ في دَعْوَى الرِّقِّ كما مَرَّ بِأَنَّ الْيَدَ في الْجُمْلَةِ دَالَّةٌ على الْمِلْكِ وَيَجُوزُ أَنْ يُولَدَ الْمَمْلُوكُ مَمْلُوكًا بِخِلَافِ النِّكَاحِ فإنه طَارٍ بِكُلِّ حَالٍ فَيُحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ فَلَوْ بَلَغَتْ ولم تُمَكِّنْهُ طَائِعَةً وَأَنْكَرَتْ نِكَاحَهُ قُبِلَ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فَلَوْ حَلَفَتْ بَانَ أَنْ لَا نِكَاحَ كما صَرَّحَ بِهِ في نُسْخَةٍ وإذا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ لِمُلْتَقِطٍ أو غَيْرِهِ بِمِلْكِ صَغِيرٍ لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهَا حتى تُبَيِّنَ سَبَبَ الْمِلْكِ من إرْثٍ وَشِرَاءٍ وَنَحْوِهِمَا لِئَلَّا يَكُونَ اعْتِمَادُهَا على ظَاهِرِ الْيَدِ وَتَكُونَ يَدَ الْتِقَاطٍ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ لِأَنَّ أَمْرَ الرِّقِّ خَطَرٌ
وَكَذَا لَا تُقْبَلُ دَعْوَى الْمُدَّعِي حتى يُبَيِّنَ سَبَبَ الْمِلْكِ في الْمَدْعُوِّ بِذَلِكَ وَقِيلَ يُقْبَلُ كُلٌّ من الشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى مُطْلَقًا كما في سَائِرِ الْأَمْلَاكِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ ابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ فَإِنْ شَهِدَتْ بِأَنَّهُ وَلَدَتْهُ أَمَتُهُ أو أَنَّهُ وَلَدُ أَمَتِهِ كَفَى وَإِنْ لم تَذْكُرْ الْمِلْكَ أَيْ أنها وَلَدَتْهُ مَمْلُوكًا له أو في مِلْكِهِ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْعِلْمُ بِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا لم تَسْتَنِدْ إلَى ظَاهِرِ الْيَدِ وقد حَصَلَ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ وَلَدَ أَمَتِهِ مِلْكُهُ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ ذلك وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ في تَصْحِيحِهِ على وَفْقِ ما يَأْتِي في الدَّعَاوَى وَفَرَّقَ ابن الرِّفْعَةِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ ما هُنَا في اللَّقِيطِ أَيْ أو نَحْوِهِ وَالْمَقْصُودُ فيه مَعْرِفَةُ الرِّقِّ من الْحُرِّيَّةِ وَالشَّهَادَةُ بِأَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ تُعَرِّفُ رِقَّهُ في الْغَالِبِ لِأَنَّ ما تَلِدُهُ الْأَمَةُ مَمْلُوكٌ وَوِلَادَتَهَا لِلْحُرِّ نَادِرَةٌ فلم يُعَوَّلْ على ذلك وَالْقَصْدُ بِمَا في الدَّعَاوَى تَعْيِينُ الْمَالِكِ لِأَنَّ الرِّقَّ مُتَّفَقٌ عليه وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِكَوْنِ أَمَتِهِ وَلَدَتْهُ قال في الْمُهِمَّاتِ وَفِيهِ نَظَرٌ قال ابن الْعِمَادِ وَالْفَرْقُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْيَدَ نَصٌّ في الدَّلَالَةِ على الْمِلْكِ فَاشْتُرِطَ في زَوَالِهَا ذِكْرُ ذلك بِخِلَافِ الْحُكْمِ بِحُرِّيَّةِ الدَّارِ فإنه ظَاهِرٌ
وَالرِّقُّ مُحْتَمَلٌ وَلِهَذَا اُخْتُلِفَ في وُجُوبِ الْقَوَدِ على قَاتِلِهِ لِاحْتِمَالِ الرِّقِّ وإذا اُكْتُفِيَ بِالشَّهَادَةِ الْمَذْكُورَةِ فَيَكْفِي شَهَادَةُ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ أَنَّهُ وَلَدَتْهُ أَمَتُهُ أو أَنَّهُ وَلَدُ أَمَتِهِ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بِالْوِلَادَةِ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ ضِمْنًا شَهِدَتْ بِهِ أَيْضًا أَمْ لَا كَثُبُوتِ النَّسَبِ في ضِمْنِ الشَّهَادَةِ بِالْوِلَادَةِ
فَرْعٌ وَمَتَى شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالْيَدِ لِمُدَّعِي رِقِّ اللَّقِيطِ أَنَّهُ كان في يَدِهِ قبل الْتِقَاطِ الْمُلْتَقِطِ سُمِعَتْ وَثَبَتَتْ يَدُهُ ثُمَّ يُصَدَّقُ في دَعْوَاهُ الرِّقَّ لِمَا مَرَّ أَنَّ ذَا الْيَدِ على الصَّغِيرِ إذَا لم يُعْرَفْ أَنَّ يَدَهُ عن الْتِقَاطٍ يُصَدَّقُ في دَعْوَى الرِّقِّ وَقَوْلُهُ أَنَّهُ إلَى آخِرِهِ بَدَلٌ من الْيَدِ وَلَا تُسْمَعُ هذه الدَّعْوَى من الْمُلْتَقِطِ إلَّا إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ على سَبَبِ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ إذَا اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ الْتَقَطَهُ فَكَأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْحُرِّيَّةِ ظَاهِرًا فَلَا تُزَالُ إلَّا عن تَحْقِيقٍ وَقِيلَ الْمُلْتَقِطُ كَغَيْرِهِ فِيمَا ذُكِرَ وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ من زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ عن ابْنِ كَجٍّ عن النَّصِّ وإذا بَلَغَ اللَّقِيطُ وَقَامَتْ بَيِّنَةٌ بِرِقِّهِ فَهُوَ عَبْدٌ فَإِنْ لم يَكُنْ تَصَرَّفَ قبل ذلك تَصَرُّفًا يَقْتَضِي نُفُوذُهُ الْحُرِّيَّةَ كَبَيْعٍ وَنِكَاحٍ فَذَاكَ وَإِنْ كان قد تَصَرَّفَ قَبْلَهُ ذلك التَّصَرُّفَ فَكَعَبْدٍ تَصَرَّفَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَيُنْقَضُ حتى يُسْتَرَدَّ ما قَبَضَهُ من زَكَاةٍ وَمِيرَاثٍ وما أُنْفِقَ عليه من بَيْتِ الْمَالِ وَيَتَعَلَّقُ ما أُنْفِقَ عليه من بَيْتِ الْمَالِ بِرَقَبَتِهِ وَكَذَا ما أَتْلَفَهُ بِغَيْرِ رِضَا مُسْتَحِقِّهِ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَإِنْ لم تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِرِقِّهِ لَكِنْ أَقَرَّ هو بِالرِّقِّ قَبِلْنَا إقْرَارَهُ إنْ لم يَسْبِقْ منه اعْتِرَافٌ بِالْحُرِّيَّةِ ولم يُكَذِّبْهُ الْمُقَرُّ له ولم يَتَصَرَّفْ كَسَائِرِ الْأَقَارِيرِ وَمَتَى سَبَقَ منه اعْتِرَافٌ بِالْحُرِّيَّةِ أو بِالرِّقِّ لَكِنْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ له صَارَ حُرًّا فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالرِّقِّ لِلْمُنَاقَضَةِ وَلَا الْتِزَامُهُ في الْأُولَى بِإِقْرَارِهِ الْأَوَّلِ أَحْكَامَ الْأَحْرَارِ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهَا وَلِأَنَّ
____________________
(2/504)
الْحُكْمَ بها بِظَاهِرِ الدَّارِ قد تَأَكَّدَ بِاعْتِرَافِهِ فَلَا يُقْبَلُ ما يُنَاقِضُهُ كما لو بَلَغَ وَأَفْصَحَ بِالْإِسْلَامِ ثُمَّ وَصَفَ الْكُفْرَ لَا يُقْبَلُ منه وَيُجْعَلُ مُرْتَدًّا قال الْبُلْقِينِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ ذلك بِمَا إذَا لم يَكُنْ في جَوَابِ خُصُومَةٍ وَإِلَّا لم يُؤَثِّرْ كما لو قال الْمُشْتَرِي لِمُدَّعِي مِلْكِ ما اشْتَرَاهُ على وَجْهِ الْخُصُومَةِ هو مِلْكِي وَمِلْكُ بَائِعِي فَلَهُ الرُّجُوعُ على الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لِلْمُدَّعِي وَكَمَا لو أَنْكَرَ شَخْصٌ الضَّمَانَ على وَجْهِ الْخُصُومَةِ فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ بِضَمَانِهِ بِالْإِذْنِ فَلَهُ الرُّجُوعُ إذَا أَدَّى وَكَمَا لو أَنْكَرَ الزَّوْجُ الْقَذْفَ فَقَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ اللِّعَانُ انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّ الْأَصْحَابَ لم يَعْتَبِرُوا هذا الْقَيْدَ بِدَلِيلِ مَسْأَلَتِنَا فإن دَعْوَى رِقِّهِ مع الْإِنْكَارِ خُصُومَةٌ وَمَعَ ذلك أَثَرٌ وَبِالْفَرْقِ بين مَسْأَلَتِنَا وما اسْتَشْهَدَ بِهِ بِأَنَّ ما اسْتَشْهَدَ بِهِ فيه بَيِّنَةٌ فَاضْمَحَلَّ بها الْإِقْرَارُ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فإذا الْأَوْلَى فَلَوْ عَادَ الْمُكَذِّبُ له وَصَدَّقَهُ أو ادَّعَاهُ غَيْرُهُ وَصَدَّقَهُ لم يُلْتَفَتْ إلَيْهِ أَمَّا في الْأُولَى فَلِأَنَّهُ لَمَّا كَذَّبَهُ ثَبَتَتْ حُرِّيَّتُهُ بِالْأَصْلِ فَلَا يَعُودُ رَقِيقًا وَأَمَّا في الثَّانِي فَلِأَنَّ إقْرَارَهُ الْأَوَّلَ تَضَمَّنَ نَفْيَ الْمِلْكِ عن نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ فإذا نَفَاهُ الْأَوَّلُ خَرَجَ عن كَوْنِهِ مَمْلُوكًا أَيْضًا وَصَارَ حُرًّا بِالْأَصْلِ وَالْحُرِّيَّةُ مَظِنَّةُ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْعِبَادِ فَلَا سَبِيلَ إلَى إبْطَالِهَا بِالْإِقْرَارِ الثَّانِي بِخِلَافِ نَظِيرِهِ من الْمَالِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ قِيمَةُ نَفْسِهِ لِلثَّانِي وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إقْرَارِ الْمَرْأَةِ بِالنِّكَاحِ لِزَيْدٍ ثُمَّ لِعَمْرٍو بِأَنَّ إقْرَارَهُ ليس هو الْمُفَوِّتَ لِحَقِّ الثَّانِي بَلْ الْمُفَوِّتُ له الْأَصْلُ مع تَكْذِيبِ الْأَوَّلِ له بِخِلَافِ إقْرَارِ الْمَرْأَةِ وَإِنْ سَبَقَ منه تَصَرُّفٌ يَقْتَضِي نُفُوذُهُ الْحُرِّيَّةَ قُبِلَ إقْرَارُهُ في أَصْلِ الرِّقِّ وفي حُكْمِهِ الْمُسْتَقْبَلِ مُطْلَقًا وَاسْتُشْكِلَ بِمَا لو بَاعَ عَيْنًا ثُمَّ ادَّعَى أنها وَقْفٌ أو مِلْكٌ لِغَيْرِهِ فإنه لَا يُقْبَلُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بها وَيُجَابُ بِأَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ إنَّمَا هو بِاعْتِبَارِ الْمَاضِي وَأَمَّا في الْمَاضِي فَيُقْبَلُ فِيمَا يَضُرُّ بِهِ لَا بِغَيْرِهِ كما لو أَقَرَّ بِمَالٍ على نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ فإنه يُقْبَلُ عليه لَا على غَيْرِهِ
فُرُوعٌ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ لو نَكَحَ ثُمَّ أَقَرَّ بِالرِّقِّ فَإِنْ كان أُنْثَى لم يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ بَلْ يَسْتَمِرُّ وَيَصِيرُ كَالْمُسْتَوْفَى الْمَقْبُوضِ لِأَنَّ انْفِسَاخَهُ يَضُرُّ الزَّوْجَ فِيمَا مَضَى سَوَاءٌ أَكَانَ الزَّوْجُ مِمَّنْ يَحِلُّ له نِكَاحُ الْإِمَاءِ أَمْ لَا كَالْحُرِّ إذَا وَجَدَ الطَّوْلَ بَعْدَ نِكَاحِ الْأَمَةِ لَكِنْ لِلزَّوْجِ الْخِيَارُ في فَسْخِ النِّكَاحِ إنْ شُرِطَتْ الْحُرِّيَّةُ فيه لِفَوَاتِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ ما إذَا لم تُشْرَطْ وَإِنْ تُوُهِّمَتْ فَإِنْ فَسَخَ بَعْدَ الدُّخُولِ بها لَزِمَهُ لِلْمُقَرِّ له الْأَقَلُّ من الْمُسَمَّى وَمَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ الزَّائِدَ مِنْهُمَا يَضُرُّ الزَّوْجَ وَلِأَنَّ الْأَقَلَّ إنْ كان هو الْمُسَمَّى فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهَا عليه بِالزَّائِدِ أو الْمَهْرَ فَقَدْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُقَرِّ له فَلَا يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ منه وَإِنْ فُسِخَ قبل الدُّخُولِ فَلَا شَيْءَ عليه وَإِنْ أَجَازَ لَزِمَهُ الْمُسَمَّى لِأَنَّهُ الذي لَزِمَهُ بِزَعْمِهِ وَلَا تَجُوزُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ قبل الدُّخُولِ وَإِنْ كان قد سَلَّمَهُ إلَيْهَا أَجْزَأَهُ فَلَا يُطَالَبُ بِهِ ثَانِيًا فَلَوْ طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ وَلَوْ بَعْدَ الْإِجَازَةِ سَقَطَ الْمُسَمَّى لِأَنَّ الْمُقَرَّ له يَزْعُمُ فَسَادَ النِّكَاحِ فإذا لم يَكُنْ دُخُولٌ وَجَبَ أَنْ لَا يُطَالِبَ بِشَيْءٍ وَأَوْلَادُهَا الْحَاصِلُونَ من الزَّوْجِ قبل الْإِقْرَارِ أَحْرَارٌ لِظَنِّهِ حُرِّيَّتَهَا وَلَا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُمْ لِأَنَّ قَوْلَهَا غَيْرُ مَقْبُولٍ في إلْزَامِهِ والحادثون بَعْدَهُ أَرِقَّاءُ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا عَالِمًا بِرِقِّهَا وَلِأَنَّ الْعُلُوقَ مَوْهُومٌ فَلَا يُجْعَلُ مُسْتَحَقًّا بِالنِّكَاحِ بِخِلَافِ الْوَطْءِ وَتُسَلَّمُ إلَى الزَّوْجِ تَسْلِيمَ الْحَرَائِرِ أَيْ لَيْلًا وَنَهَارًا وَإِنْ تَضَرَّرَ الْمُقَرُّ له بِذَلِكَ لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ الزَّوْجُ وَتَخْتَلَّ مَقَاصِدُ النِّكَاحِ وَيُخَالَفَ أَمْرُ الْوَلَدِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مَوْهُومٌ وَلَوْ طَلَّقَهَا بَائِنًا أو رَجْعِيًّا وَلَوْ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِالرِّقِّ اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ لِأَنَّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ حَقُّ الزَّوْجِ وَلَهُ الرَّجْعَةُ فيها إنْ كان الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا لِأَنَّهَا فِيمَا إذَا طَلَّقَ قبل الْإِقْرَارِ قد ثَبَتَتْ بِالطَّلَاقِ فَلَيْسَ له إسْقَاطُهَا بِالْإِقْرَارِ وَالنِّكَاحُ بِالْعَكْسِ أَثْبَتَ له حَقَّ الرَّجْعَةِ في ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ وَتَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ كَالْأَمَةِ أَيْ بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ سَوَاءٌ أَقَرَّتْ قبل مَوْتِ الزَّوْجِ أَمْ بَعْدَهُ في الْعِدَّةِ لِعَدَمِ تَضَرُّرِهِ بِنُقْصَانِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا وَجَبَتْ قبل الدُّخُولِ فَقُبِلَ قَوْلُهَا في نَقْصِهَا وَإِنْ كان الْمُقِرُّ بِالرِّقِّ ذَكَرًا انْفَسَخَ النِّكَاحُ إذْ لَا ضَرَرَ على الزَّوْجَةِ وَلَزِمَهُ الْمُسَمَّى إنْ دخل بها أو نِصْفُهُ إنْ لم يَدْخُلْ بها لِأَنَّ سُقُوطَ ذلك يَضُرُّهَا وَحِينَئِذٍ يُؤَدِّيهِ مِمَّا في يَدِهِ أو من كَسْبِهِ في الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ ثُمَّ إنْ لم يُوجَدْ فَهُوَ بَاقٍ في
____________________
(2/505)
ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَعْتِقَ
الْفَرْعُ الثَّانِي تُقْتَضَى دُيُونُهُ التي عليه وَقْتَ إقْرَارِهِ بِالرِّقِّ مِمَّا في يَدِهِ بِنَاءً على أَنَّ إقْرَارَهُ لَا يُقْبَلُ فِيمَا يَضُرُّ بِغَيْرِهِ في الْمَاضِي فَلَا تُقْضَى من كَسْبِهِ لِأَنَّ الدُّيُونَ لَا تَتَعَلَّقُ بِكَسْبِ الْعَبْدِ بَعْدَ الْحَجْرِ عليه فِيمَا أُذِنَ له فيه بِخِلَافِ الْمَهْرِ فَإِنْ نُقِضَ عنها ما في يَدِهِ تَعَلَّقَ بَاقِيهَا بِذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَعْتِقَ كما تَكُونُ جَمِيعُهَا كَذَلِكَ إذَا لم يُوجَدْ بيده مَالٌ فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ قَضَاءِ دُيُونِهِ مِمَّا في يَدِهِ شَيْءٌ فَلِلْمُقَرِّ له وَلَا يَبْطُلُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ الْكَائِنَانِ قبل إقْرَارِهِ بِالرِّقِّ بِنَاءً على ما ذُكِرَ بَلْ يُسَلِّمُ في صُورَةِ شِرَائِهِ مِمَّا في يَدِهِ حين الْإِقْرَارِ ثَمَنَ ما اشْتَرَاهُ إنْ لم يَكُنْ سَلَّمَهُ وَإِلَّا فَقَدْ تَمَّ الْعَقْدُ وسلم الْمَبِيعَ لِلْمُقَرِّ له وَإِنْ لم يَكُنْ معه شَيْءٌ رَجَعَ الْبَائِعُ في الْمَبِيعِ إنْ كان بَاقِيًا فَإِنْ تَلِفَ لَزِمَ ذِمَّتَهُ إلَى أَنْ يَعْتِقَ كما أَنَّهُ إذَا أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي وَالْمَبِيعُ تَالِفٌ يَكُونُ الثَّمَنُ في ذِمَّتِهِ يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْيَسَارِ وَيَسْتَوْفِي الْمُقَرُّ له بِالرِّقِّ ثَمَنَ ما بَاعَهُ الْمُقِرُّ إنْ لم يَكُنْ اسْتَوْفَاهُ فَإِنْ كان اسْتَوْفَاهُ لم يُطَالِبْ الْمُشْتَرِيَ بِهِ ثَانِيًا
الْفَرْعُ الثَّالِثُ لو جَنَى على غَيْرِهِ عَمْدًا ثُمَّ أَقَرَّ بِالرِّقِّ اُقْتُصَّ منه حُرًّا كان الْمَجْنِيُّ عليه أو عَبْدًا لِأَنَّهُ لم يَفْضُلْهُ وَلِأَنَّ ذلك إنَّمَا يَضُرُّ بِهِ فَيُقْبَلُ وَيُقْتَصُّ منه وَإِنْ جَنَى خَطَأً أو شِبْهَ عَمْدٍ فَالْأَرْشُ يُقْضَى مِمَّا في يَدِهِ قال في الْأَصْلِ كَذَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَالْقِيَاسُ الْمَنْعُ لِأَنَّ الْأَرْشَ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا في يَدِ الْجَانِي حُرًّا كان أو عَبْدًا وَأَجَابَ عنه الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ الرِّقَّ لَمَّا أَوْجَبَ الْحَجْرَ عليه اقْتَضَى التَّعَلُّقَ بِمَا في يَدِهِ كَالْحُرِّ إذَا حُجِرَ عليه بِالْفَلَسِ فَلَوْ لم نُعَلِّقْهُ بِمَا في يَدِهِ لِأَضَرَّ بِالْمَجْنِيِّ عليه فَإِنْ لم يَكُنْ معه شَيْءٌ فَبِرَقَبَتِهِ يَتَعَلَّقُ الْأَرْشُ وَالزَّائِدُ منه على قِيمَتِهِ في بَيْتِ الْمَالِ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَإِنْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ بَعْدَمَا قُطِعَتْ يَدُهُ مَثَلًا عَمْدًا اُقْتُضَّ من الْعَبْدِ فَقَطْ أَيْ دُونَ الْحُرِّ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَقْبُولٌ فِيمَا يَضُرُّ بِهِ وَتَكُونُ جِنَايَةُ الْحُرِّ كَالْخَطَأِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ أو بَعْدَمَا قُطِعَتْ يَدُهُ خَطَأً وَجَبَ على قَاطِعِهَا الْأَقَلُّ من نِصْفَيْ الْقِيمَةِ وَالدِّيَةِ لِأَنَّ قَبُولَ قَوْلِهِ في الزَّائِدِ إضْرَارٌ بِالْجَانِي
فَرْعٌ لو ادَّعَى شَخْصٌ رِقَّ اللَّقِيطِ فَأَنْكَرَ كَوْنَهُ له لَا الرِّقَّ بِأَنْ قال لَسْتُ بِرَقِيقٍ لَك ثُمَّ أَقَرَّ له بِالرِّقِّ قُبِلَ إذْ لَا يَلْزَمُ من هذه الصِّيغَةِ الْحُرِّيَّةُ بَلْ تَدُلُّ على أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ ما إذَا أَنْكَرَ الرِّقَّ بِأَنْ قال لَسْتُ بِرَقِيقٍ ثُمَّ أَقَرَّ له لِاسْتِلْزَامِ ذلك الْحُرِّيَّةَ وَلِلْمُدَّعِي لِرِقِّهِ تَحْلِيفُهُ إنْ أَنْكَرَ كَوْنَهُ له رَجَاءَ أَنْ يُقِرَّ وَإِنْ كان أَنْكَرَ أَصْلَ الرِّقِّ ثُمَّ أَقَرَّ له لم يُقْبَلْ هذا تَكْرَارٌ مع قَوْلِهِ لَا الرِّقَّ وَإِنَّمَا أَعَادَهُ لِيُرَتِّبَ عليه قَوْلَهُ لم يُحَلَّفْ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ لِطَلَبِ الْإِقْرَارِ وَإِقْرَارُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ
فَصْلٌ إذَا قَذَفَ شَخْصٌ لَقِيطًا كَبِيرًا أو جَنَى عليه جِنَايَةً تُوجِبُ قِصَاصًا وَادَّعَى أَنَّهُ رَقِيقٌ فَأَنْكَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ اللَّقِيطِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ فَيَجِبُ الْحَدُّ على الْقَاذِفِ في الْأُولَى وَالْقِصَاصُ على الْجَانِي في الثَّانِيَةِ وَخَرَجَ بِالْكَبِيرِ وهو قَيْدٌ في الْأُولَى فَقَطْ الصَّغِيرُ فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ بَلْ يُعَزَّرُ كما سَيَأْتِي في بَابِهِ وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَلَا فَرْقَ بين الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ لَكِنْ تَقَدَّمَ في الْحُكْمِ الثَّانِي أَنَّهُ إنَّمَا يُقْتَصُّ لِلْكَبِيرِ إذَا أَفْصَحَ بِالْإِسْلَامِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَمَتَى كان اللَّقِيطُ قَاذِفًا وَادَّعَى الرِّقَّ حُدَّ حَدَّ الْأَحْرَارِ لِعَدَمِ قَبُولِ إقْرَارِهِ فِيمَا يَضُرُّ بِغَيْرِهِ في الْمَاضِي إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمَقْذُوفُ فَيُحَدَّ حَدَّ الْأَرِقَّاءِ
____________________
(2/506)
بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ قال الشَّيْخُ الْإِمَامُ وَالْحَبْرُ الْهُمَامُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ زَيْنُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ أبو يحيى زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ الشَّافِعِيُّ فَسَحَ اللَّهُ تَعَالَى في قَبْرِهِ وَأَعَادَ عَلَيْنَا وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ من بَرَكَاتِهِ وَبَرَكَاتِ عُلُومِهِ في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ على سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وسلم كِتَابُ الْفَرَائِضِ هِيَ جَمْعُ فَرِيضَةٍ بِمَعْنَى مَفْرُوضَةٍ أَيْ مُقَدَّرَةٍ لِمَا فيها من السِّهَامِ الْمُقَدَّرَةِ فَغَلَبَتْ على غَيْرِهَا وَالْفَرْضُ لُغَةً التَّقْدِيرُ
____________________
(3/2)
وَشَرْعًا هُنَا نَصِيبٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا لِلْوَارِثِ وَالْأَصْلُ فيه آيَاتُ الْمَوَارِيثِ وَالْأَخْبَارُ الْآتِيَةُ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فما بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ وَوَرَدَ في الْحَثِّ على تَعَلُّمِهَا وَتَعْلِيمِهَا أَخْبَارٌ منها خَبَرُ تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهُ وَرُوِيَ وَعَلِّمُوهَا الناس فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ وَإِنَّ الْعِلْمَ سَيُقْبَضُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ حتى يَخْتَلِفَ اثْنَانِ في الْفَرِيضَةِ فَلَا يَجِدَانِ من يَقْضِي بها رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ
وَرَوَى ابن مَاجَهْ وَغَيْرُهُ خَبَرَ تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ فإنه من دِينِكُمْ وَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ وَإِنَّهُ أَوَّلُ عِلْمٍ يُنْزَعُ من أُمَّتِي وَسُمِّيَ نِصْفًا لِتَعَلُّقِهِ بِالْمَوْتِ الْمُقَابِلِ لِلْحَيَاةِ وَقِيلَ النِّصْفُ بِمَعْنَى الصِّنْفِ قال الشَّاعِرُ إذَا مِتُّ كان الناس نِصْفَانِ شَامِتٌ وَآخَرُ مُثْنٍ بِاَلَّذِي كنت أَصْنَعُ وَقِيلَ غَيْرُ ذلك كما بَيَّنْتُهُ في غَيْرِ هذا الْكِتَابِ
وَفِيهِ أَبْوَابٌ عَشَرَةٌ الْأَوَّلُ في بَيَانِ الْوَرَثَةِ وَقَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ وَأَسْبَابِ التَّوْرِيثِ وَيُقَدَّمُ عليه أَنَّهُ يَبْدَأُ من التَّرِكَةِ وُجُوبًا بِحَقٍّ تَعَلَّقَ بِعَيْنٍ منها تَقْدِيمًا لِصَاحِبِ التَّعَلُّقِ كما في الْحَيَاةِ كَمَرْهُونٍ ورقيق جَانٍ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ جِنَايَةً تُوجِبُ مَالًا مُتَعَلِّقًا بِرَقَبَتِهِ أو قَوَدًا وَعُفِيَ بِمَالٍ وَمَالِ زَكَاةٍ وَمَبِيعٍ اشْتَرَاهُ قبل مَوْتِهِ بِثَمَنٍ في الذِّمَّةِ وَمَاتَ مُفْلِسًا لَا مُوسِرًا ولم يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ كَكِتَابَةٍ وَذَلِكَ لِتَعَلُّقِ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَالزَّكَاةِ وَحَقِّ فَسْخِ الْبَائِعِ بِالْمَرْهُونِ وَالْجَانِي وَالْمَالِ الذي وَجَبَتْ فيه الزَّكَاةُ وَالْمَبِيعُ سَوَاءٌ أَحُجِرَ على الْمُشْتَرِي قبل مَوْتِهِ أَمْ لَا وَلَيْسَتْ صُوَرُ التَّعَلُّقِ مُنْحَصِرَةً في الْمَذْكُورَاتِ كما أَشَارَ إلَيْهِ بِالْكَافِ في أَوَّلِهَا وَالْحَاصِرُ لها التَّعَلُّقُ بِالْعَيْنِ
فَمِنْهَا سُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ عن الْوَفَاةِ كما سَيَأْتِي في بَابِهَا وَمِنْهَا الْمُكَاتَبُ إذَا أَدَّى نُجُومَ الْكِتَابَةِ وَمَاتَ سَيِّدُهُ قبل الْإِيتَاءِ وَالْمَالُ أو بَعْضُهُ بَاقٍ كما سَيَأْتِي في بَابِهِ وَذَكَرْت صُوَرًا أُخْرَى مع إشْكَالٍ لِلسُّبْكِيِّ في صُورَتَيْ الزَّكَاةِ وَمَبِيعِ الْمُفْلِسِ وَالْجَوَابُ عنه في مَنْهَجِ الْوُصُولِ ثُمَّ يَبْدَأُ منها بِمُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ وَتَجْهِيزِ مُمَوَّنِهِ كما مَرَّ في الْمُفْلِسِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى ذلك كَالْمَحْجُورِ عليه بِالْفَلَسِ بَلْ أَوْلَى لِانْقِطَاعِ كَسْبِهِ بِالْمَعْرُوفِ بِحَسَبِ يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ وَلَا عِبْرَةَ
____________________
(3/3)
بِمَا كان عليه في حَيَاتِهِ من إسْرَافِهِ وَتَقْتِيرِهِ ثُمَّ تُقْضَى منها دُيُونُهُ التي لَزِمَتْهُ لِلَّهِ تَعَالَى أو لِآدَمِيٍّ أَوْصَى بها أَمْ لَا لِأَنَّهَا حُقُوقٌ وَاجِبَةٌ عليه وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْوَصِيَّةِ عليها ذِكْرًا في قَوْله تَعَالَى من بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بها أو دَيْنٍ فَلِكَوْنِهَا قُرْبَةً وَالدَّيْنُ مَذْمُومٌ غَالِبًا وَلِكَوْنِهَا مُشَابِهَةً لِلْإِرْثِ من جِهَةِ أَخْذِهَا بِلَا عِوَضٍ وَشَاقَّةً على الْوَرَثَةِ وَالدَّيْنُ نُفُوسُهُمْ مُطْمَئِنَّةٌ إلَى أَدَائِهِ فَقُدِّمَتْ عليه بَعْثًا على وُجُوبِ إخْرَاجِهَا وَالْمُسَارَعَةِ إلَيْهِ وَلِهَذَا عَطَفَ بِأَوْ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا في الْوُجُوبِ عليهم وَلِيُفِيدَ تَأَخُّرُ الْإِرْثِ عن أَحَدِهِمَا كما يُفِيدَ تَأَخُّرُهُ عنهما بِمَفْهُومِ الْأَوْلَى ثُمَّ تُقْضَى وَصَايَاهُ وما أُلْحِقَ بِهِ من عِتْقٍ عُلِّقَ بِالْمَوْتِ وَتَبَرُّعٍ نُجِّزَ في مَرَضِ الْمَوْتِ أو الْمُلْحَقِ بِهِ من ثُلُثِ الْبَاقِي وَقُدِّمَتْ على الْإِرْثِ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ وَتَقْدِيمًا لِمَصْلَحَةِ الْمَيِّتِ كما في الْحَيَاةِ وَمِنْ لِلِابْتِدَاءِ فَتَدْخُلُ الْوَصَايَا بِالثُّلُثِ وَبِبَعْضِهِ وَالْبَاقِي من التَّرِكَةِ لِلْوَرَثَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ يَتَسَلَّطُونَ عليه بِالتَّصَرُّفِ لِيَصِحَّ تَأَخُّرُهُ عن بَقِيَّةِ الْحُقُوقِ وَإِلَّا فَتَعَلُّقُهَا بِالتَّرِكَةِ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ كما مَرَّ في الرَّهْنِ وَلَهُمْ إمْسَاكُهَا وَالْقَضَاءُ لِمَا على الْمَيِّتِ من الْمَالِ من غَيْرِهِ أَيْ الْمَتْرُوكِ وَالْأُولَى من غَيْرِهَا وقد سَبَقَ بَيَانُهُ في الرَّهْنِ
فَصْلٌ أَسْبَابُ التَّوْرِيثِ أَرْبَعَةٌ بِالِاسْتِقْرَاءِ قَرَابَةٌ وَهِيَ الرَّحِمُ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهَا وَنِكَاحٌ صَحِيحٌ وَلَوْ بِلَا وَطْءٍ وَوَلَاءٌ وهو عُصُوبَةٌ سَبَبُهَا نِعْمَةُ الْعِتْقِ مُبَاشَرَةً أو سِرَايَةً كما سَيَأْتِي في مَحَلِّهِ وَجِهَةُ الْإِسْلَامِ فَالْمُسْلِمُونَ عَصَبَةُ من لَا وَارِثَ له جَائِزٌ منهم لِخَبَرِ أنا وَارِثُ من لَا وَارِثَ له أَعْقِلُ عنه وَأَرِثُهُ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ ابن حِبَّانَ وهو صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَرِثُ لِنَفْسِهِ بَلْ يَصْرِفُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَلِأَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ عنه كَالْعَصَبَةِ من الْقَرَابَةِ فَيَضَعُ الْإِمَامُ تَرِكَتَهُ أو بَاقِيَهَا في بَيْتِ الْمَالِ إرْثًا لِتَعَذُّرِ إيصَالُهَا لِجَمِيعِهِمْ أو يَخُصُّ بها من يَرَى منهم لِأَنَّهُ اسْتِحْقَاقٌ بِصِفَةٍ وَهِيَ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ فَصَارَ كَالْوَصِيَّةِ لِقَوْمٍ مَوْصُوفِينَ غَيْرِ مَحْصُورِينَ فإنه لَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ وَكَالزَّكَاةِ فإن لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ زَكَاةَ شَخْصٍ وَيَدْفَعَهَا إلَى وَاحِدٍ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ له في أَنْ يَفْعَلَ ما فيه مَصْلَحَةٌ فَيُعْطِي ذلك من شَاءَ من الْمُسْلِمِينَ لَا الْمُكَاتَبِينَ وَلَا كل من فيه رِقٌّ ولا الْكُفَّارِ ولا الْقَاتِلِ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِوَارِثِينَ فَإِنْ أَسْلَمُوا أو عَتَقُوا بَعْدَ مَوْتِهِ جَازَ إعْطَاؤُهُمْ وَكَذَا من وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِهِ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ لِمَا مَرَّ من أَنَّهُ اسْتِحْقَاقٌ بِصِفَةٍ فَلَا يُعْتَبَرُ في وُجُودِهَا الِاقْتِرَانُ كما لو أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ فإنه يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى من طَرَأَ فَقْرُهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ فَأُعْطِيَ منه أَيْ من الْمَتْرُوكِ شيئا بِالْوَصِيَّةِ جَازَ أَنْ يُعْطَى منه أَيْضًا بِالْإِرْثِ فَيُجْمَعُ بين الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ الْمُعَيَّنِ لَا يُعْطَى من الْوَصِيَّةِ شيئا بِلَا إجَازَةٍ لِغِنَاهُ بِوَصِيَّةِ الشَّرْعِ في قَوْله تَعَالَى يُوصِيكُمْ اللَّهُ في أَوْلَادِكُمْ عن وَصِيَّةِ غَيْرِهِ فَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ نَاسِخَةٌ لِوَصِيَّةِ الْمَرِيضِ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِإِجَازَةٍ وَأَمَّا كُلُّ وَاحِدٍ من آحَادِ الْمُسْلِمِينَ فلم يَتَحَقَّقْ فيه وَصِيَّةُ الشَّرْعِ حتى يَمْتَنِعَ بِسَبَبِهَا وَصِيَّةُ الْمَرِيضِ
فَصْلٌ الْفُرُوضُ الْمُقَدَّرَةُ في كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى سِتَّةٌ النِّصْفُ وَالرُّبْعُ وَالثُّمُنُ وَالثُّلُثَانِ وَالثُّلُثُ وَالسُّدُسُ وَعَبَّرَ عنها في الْبَابِ التَّاسِعِ من زِيَادَتِهِ بِالنِّصْفِ وَنِصْفِهِ وَنِصْفِ نِصْفِهِ وَالثُّلُثَيْنِ وَنِصْفِهِمَا وَنِصْفِ نِصْفِهِمَا وَالضَّابِطُ الْأَخْصَرُ الرُّبُعُ وَالثُّلُثُ وَضِعْفُ كُلٍّ وَنِصْفُ كُلٍّ وَلَهُمْ لَفْظَانِ آخَرَانِ ذَكَرْتُهُمَا مع فَوَائِدَ في غَيْرِ هذا الْكِتَابِ فَالنِّصْفُ فَرْضُ خَمْسَةٍ الزَّوْجُ بِشَرْطِهِ الْآتِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إنْ لم يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ وَوَلَدُ الِابْنِ كَالْوَلَدِ إجْمَاعًا أو لَفْظُ الْوَلَدِ يَشْمَلُهُمَا إعْمَالًا له في حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ وَالْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ بِشَرْطِهِمَا الْآتِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى في الْبِنْتِ وَإِنْ كانت وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَبِنْتُ الِابْنِ كَالْبِنْتِ بِمَا مَرَّ في وَلَدِ الِابْنِ وَالْأُخْتُ لِلْأَبَوَيْنِ وَالْأُخْتُ لِلْأَبِ بِشَرْطِهِمَا الْآتِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَهُ أُخْتٌ
____________________
(3/4)
فَلَهَا نِصْفُ ما تَرَكَ وَالْمُرَادُ غَيْرُ الْأُخْتِ لِلْأُمِّ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ لها السُّدُسَ
وَالرُّبُعُ فَرْضُ اثْنَيْنِ الزَّوْجُ بِشَرْطِهِ الْآتِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ كان لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ وَالزَّوْجَةُ فما فَوْقَهَا بِشَرْطِهَا الْآتِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إنْ لم يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ وَوَلَدُ الِابْنِ كَالْوَلَدِ في هذا وما قَبْلَهُ بِمَا مَرَّ وقد تَرِثُ الْأُمُّ الرُّبُعَ فَرْضَا في حَالٍ يَأْتِي فَيَكُونُ الرُّبُعُ لِثَلَاثَةٍ
وَالثُّمُنُ فَرْضٌ صِنْفٌ وَاحِدٌ لِلزَّوْجَةِ الْأَنْسَبُ الزَّوْجَةُ فما فَوْقَهَا بِشَرْطِهِ الْآتِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ كان لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ وَوَلَدُ الِابْنِ كَالْوَلَدِ بِمَا مَرَّ
وَالثُّلُثَانِ فَرْضُ أَرْبَعٍ وَهُنَّ اللَّوَاتِي لِوَاحِدَتِهِنَّ النِّصْفُ أَيْ ثِنْتَانِ فَأَكْثَرُ من الْبَنَاتِ أو بَنَاتِ الِابْنِ أو الْأَخَوَاتِ لِأَبَوَيْنِ أو لِأَبٍ بِشَرْطِهِنَّ الْآتِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى في الْبَنَاتِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا ما تَرَكَ وفي الْأَخَوَاتِ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ نَزَلَتْ في سَبْعِ أَخَوَاتٍ لِجَابِرِ بن عبد اللَّهِ لَمَّا مَرِضَ وَسَأَلَ عن إرْثِهِنَّ منه كما في الصَّحِيحَيْنِ فَدَلَّ على أَنَّ الْمُرَادَ منها الْأُخْتَانِ فَأَكْثَرُ وَقِيسَ بِالْأُخْتَيْنِ الْبِنْتَانِ وَبِنْتَا الِابْنِ وَبِالْأَخَوَاتِ أو الْبَنَاتِ بَنَاتُ الِابْنِ بَلْ هُنَّ دَاخِلَاتٌ في لَفْظِ الْبَنَاتِ على الْقَوْلِ بِإِعْمَالِ اللَّفْظِ في حَقِيقَتِهِ وَمَجَازٌ على أَنَّهُ قِيلَ أَنَّ فَوْقَ صِلَةٌ كما في قَوْلِهِ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَعَلَيْهِ فَالْآيَةُ تَدُلُّ على الْبِنْتَيْنِ وَيُقَاسُ بِهِمَا بِنْتَا الِابْنِ أو هُمَا دَاخِلَتَانِ كما مَرَّ وَبِالْأَخَوَاتِ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الِابْنِ
وَالثُّلُثُ فَرْضُ ثَلَاثَةٍ الْأُمِّ بِشَرْطِهَا الْآتِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ لم يَكُنْ له وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ الْآيَةَ وَوَلَدُ الِابْنِ كَالْوَلَدِ بِمَا مَرَّ وَأَوْلَادِهَا اثْنَانِ فَأَكْثَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ كان رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أو أُخْتٌ الْآيَةَ وَالْمُرَادُ أَوْلَادُ الْأُمِّ بِدَلِيلِ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ وَلَهُ أَخٌ أو أُخْتٌ من أُمٍّ وَهِيَ وَإِنْ لم تَتَوَاتَرْ لَكِنَّهَا كَالْخَبَرِ في الْعَمَلِ بها على الصَّحِيحِ لِأَنَّ مِثْلَ ذلك إنَّمَا يَكُونُ تَوْفِيقًا وَالْجَدِّ في بَعْضِ أَحْوَالِهِ مع الْأُخْوَة وَالْأَخَوَاتِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ وَيَكُونَ الثُّلُثُ أَحَظَّ له من الْمُقَاسَمَةِ كَأَنْ يَكُونَ معه ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ فَأَكْثَرَ كما سَيَأْتِي بَيَانُهُ
وَالسُّدُسُ فَرْضُ سَبْعَةٍ لِلْأُمِّ بِشَرْطِهَا الْآتِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ الْآيَةُ وَقَوْلُهُ فَإِنْ كان له إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ وَالْجَدَّةِ من قِبَلِ الْأُمِّ أو الْأَبِ بِشَرْطِهَا الْآتِي لِخَبَرِ أبي دَاوُد وَغَيْرِهِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْطَى الْجَدَّةَ السُّدُسَ
وَرَوَى الْحَاكِمُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ قَضَى بِهِ لِلْجَدَّتَيْنِ وَالْأَبِ وَالْجَدِّ بِشَرْطِهِمَا الْآتِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ الْآيَةُ وَالْجَدُّ كَالْأَبِ بِمَا مَرَّ في الْوَلَدِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ حَالِهِ مع الْإِخْوَةِ في فَرْضِ السُّدُسِ له وَبِنْتِ الِابْنِ فَأَكْثَرُ مع الْبِنْتِ أو مع بِنْتِ ابْنٍ أَقْرَبُ منها لِقَضَائِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِذَلِكَ في بِنْتِ الِابْنِ مع الْبِنْتِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عن ابْنِ مَسْعُودٍ وَقِيسَ عليها الْبَاقِي وَلِأَنَّ الْبَنَاتِ ليس لَهُنَّ أَكْثَرُ من الثُّلُثَيْنِ فَالْبِنْتُ وَبَنَاتُ الِابْنِ أَوْلَى بِذَلِكَ وَالْأُخْتِ لِلْأَبِ فَأَكْثَرُ مع الْأُخْتِ لِلْأَبَوَيْنِ كما في بَنَاتِ الِابْنِ مع الْبِنْتِ وَوَاحِدِ وَلَدِ الْأُمِّ ذَكَرًا كان أو أُنْثَى أو خُنْثَى لِمَا مَرَّ في آيَتِهِ
فَصْلٌ في بَيَانِ الْمَجْمَعِ على تَوْرِيثِهِمْ من الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَلَهُمْ في عَدِّهِمَا طَرِيقَانِ خَلْطُهُمَا وَتَمْيِيزُهُمَا وَلَهُمْ في كُلٍّ مِنْهُمَا عِبَارَتَانِ بَسْطٌ وَإِيجَازٌ وقد سَلَكَ كَأَصْلِهِ طَرِيقَ التَّمْيِيزِ بِعِبَارَةِ الْبَسْطِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى الضَّبْطِ فقال وَالْوَارِثُونَ من الرِّجَالِ خَمْسَةَ عَشَرَ الِابْنُ وَابْنُهُ وَإِنْ سَفُلَ بِتَثْلِيثِ الْفَاءِ وَالْأَبُ وَأَبُوهُ وَإِنْ عَلَا بِخِلَافِ أبي الْأُمِّ فإنه من ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالْأَخُ لِلْأَبَوَيْنِ والأخ لِلْأَبِ وَابْنَاهُمَا وَالْأَخُ لِلْأُمِّ وَالْعَمُّ لِلْأَبَوَيْنِ والعم لِلْأَبِ وهو أَيْ الْعَمُّ أَخُو الْأَبِ أو الْجَدُّ وَإِنْ عَلَا بِخِلَافِ الْأَخِ فإن الْمُرَادَ بِهِ أَخُو الْمَيِّتِ فَقَطْ وَابْنَاهُمَا أَيْ الْعَمُّ لِلْأَبَوَيْنِ وَالْعَمُّ لِلْأَبِ وَالزَّوْجُ وَالْمُعْتَقُ
وَالْوَارِثَاتُ من النِّسَاءِ عَشْرٌ الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَإِنْ سَفُلَ وَالْأُمُّ وَالْجَدَّتَانِ أَيْ الْجَدَّةُ لِلْأَبِ وَالْجَدَّةُ لِلْأُمِّ وَإِنْ عَلَتَا وَالْأُخْتُ لِلْأَبَوَيْنِ والأخت لِلْأَبِ وَالْأُخْتُ لِلْأُمِّ وَالزَّوْجَةُ وَالْمُعْتَقَةُ وَالْمُرَادُ بِالْمُعْتَقِ ذُو الْوَلَاءِ مُبَاشَرَةً أو سِرَايَةً وَبِالْمُعْتَقَةِ ذَاتُ الْوَلَاءِ كَذَلِكَ وَلَوْ سَلَكَ طَرِيقَ التَّمْيِيزِ بِعِبَارَةِ الْإِيجَازِ لَقَالَ وَالْوَارِثُونَ من الرِّجَالِ عَشَرَةٌ الْأَبُ وَأَبُوهُ وَإِنْ عَلَا وَالِابْنُ وَابْنُهُ وَإِنْ سَفُلَ وَالْأَخُ مُطْلَقًا وَابْنُهُ لِغَيْرِ الْأُمِّ وَالْعَمُّ وَابْنُهُ لِغَيْرِ الْأُمِّ وَالزَّوْجُ وَذُو الْوَلَاءِ
وَمِنْ النِّسَاءِ سَبْعٌ الْأُمُّ
____________________
(3/5)