بِفَسَادِ عِوَضِهَا وَاقِعَةٍ على الْعَيْنِ لَا الْمَنْفَعَةِ وَلَوْ اسْتَعْقَبَ الْعَقْدَ الْمَذْكُورَ عِتْقًا كَالْبَيْعِ وَلَوْ لِمَنْ يُعْتَقُ على الْمُشْتَرِي كَأَبِيهِ وَابْنِهِ قال صلى اللَّهُ عليه وسلم الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ أَيْ التَّخَايُرَ فإنه مُلْزِمٌ كَتَفَرُّقِهِمَا وقال الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا أو يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَقَوْلُهُ أو يَقُولَ قال في الْمَجْمُوع مَنْصُوبٌ بِأَوْ بِتَقْدِيرِ إلَّا أَنْ أو إلَى أَنْ وَلَوْ كان مَعْطُوفًا لَجَزَمَهُ فقال أو يَقُلْ وَخَرَجَ بِالْمُعَاوَضَةِ غَيْرُهَا كَالْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ وَصُلْحِ الْحَطِيطَةِ وَالْوَقْفِ وَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَبِالْمَحْضَةِ غَيْرُهَا كَالصُّلْحِ عن دَمٍ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ فَلَا خِيَارَ في شَيْءٍ منها لِأَنَّهُ ليس بَيْعًا وَالْخَبَرُ إنَّمَا وَرَدَ في الْبَيْعِ وَسَيَأْتِي بَعْضُ ذلك وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِيَارَ في الْبَيْعِ رُخْصَةٌ شُرِعَ لِلتَّرَوِّي وَدَفْعِ الضَّرَرِ فَهُوَ عَارِضٌ وَالْأَصْلُ لُزُومُهُ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ عَرَضَ بَعْدَ اللُّزُومِ بَلْ بِمَعْنَى أَنَّ الْبَيْعَ من الْعُقُودِ التي يَقْتَضِي وَضْعُهَا اللُّزُومَ لِيَتَمَكَّنَ الْعَاقِدُ من التَّصَرُّفِ فِيمَا أَخَذَهُ آمِنًا من نَقْضِ صَاحِبِهِ عليه أو بِمَعْنَى أَنَّ الْغَالِبَ من حَالَاتِهِ اللُّزُومُ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَالسَّلَمِ أَيْ وَكَالسَّلَمِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالتَّشْرِيكِ وَصُلْحِ الْمُعَاوَضَةِ على غَيْرِ مَنْفَعَةٍ وَلَوْ في عَقْدٍ تَوَلَّى الْأَبُ وَإِنْ عَلَا طَرَفَيْهِ كَبَيْعِ مَالِ نَفْسِهِ لِوَلَدِهِ أو عَكْسِهِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ السَّابِقِ في غَيْرِ الْأَخِيرَتَيْنِ وَأَمَّا في الْأَخِيرَتَيْنِ فَلِأَنَّ الْأَبَ أُقِيمَ مَقَامَ الشَّخْصَيْنِ في صِحَّةِ الْعَقْدِ فَكَذَا في الْخِيَارِ وَلَفْظُ الْخَبَرِ وَرَدَ على الْغَالِبِ فَإِنْ فَارَقَ الْأَبُ مَجْلِسَهُ أو اخْتَارَ لَهُمَا اللُّزُومَ لَزِمَ أو اخْتَارَ لِنَفْسِهِ بَقِيَ الْخِيَارُ لِلْوَلَدِ وَكَذَا بِالْعَكْسِ كما في الْبَسِيطِ وَخَرَجَ بِصُلْحِ الْمُعَاوَضَةِ صُلْحُ الْحَطِيطَةِ لِأَنَّهُ هِبَةٌ أو إبْرَاءٌ وَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ في الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ من الْجَانِبَيْنِ كَالشَّرِكَةِ وَالْقِرَاضِ وَالْوَكَالَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْقَرْضِ وَالْجَعَالَةِ أو من أَحَدِهِمَا كَالْكِتَابَةِ وَالرَّهْنِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بَيْعًا وَلِأَنَّ الْجَائِزَ في حَقِّهِ بِالْخِيَارِ أَبَدًا فَلَا مَعْنَى لِثُبُوتِهِ له وَالْآخَرُ وَطَّنَ نَفْسَهُ على الْغَبْنِ الْمَقْصُودِ دَفْعُهُ بِالْخِيَارِ لَكِنْ لو كان الرَّهْنُ مَشْرُوطًا في بَيْعٍ وَأَقْبَضَهُ قبل التَّفَرُّقِ أَمْكَنَ فَسْخُهُ بِأَنْ يَنْفَسِخَ الْبَيْعُ فَيَنْفَسِخَ وهو تَبَعًا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَلَا يَثْبُتُ في الْوَقْفِ وَالْهِبَةِ كما مَرَّ وَلَإِنْ كانت الْهِبَةُ ذَاتَ ثَوَابٍ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى بَيْعًا كَذَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ هُنَا لَكِنَّ حَاصِلَ كَلَامِهِمَا في بَابِهَا أنها بَيْعٌ وَأَنَّهُ يَثْبُتُ فيها الْخِيَارُ وَحُمِلَ ما هُنَا على الْقَوْلِ بِأَنَّهَا هِبَةٌ وَإِنْ قُيِّدَتْ بِثَوَابٍ مَعْلُومٍ وَهُنَاكَ على الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُقَيَّدَةَ بِثَوَابٍ مَعْلُومٍ بَيْعٌ وَيُؤَيِّدُهُ تَعْلِيلُهُمْ هُنَا بِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى بَيْعًا قال الْأَذْرَعِيُّ وَالصَّوَابُ ما هُنَاكَ فَقَدْ جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وابن الصَّبَّاغِ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَا في الشُّفْعَةِ فَلَا خِيَارَ فِيهِمَا لِلْمُشْتَرِي إذْ الشِّقْصُ مَأْخُوذٌ منه قَهْرًا وَلَا لِلشَّفِيعِ وَإِنْ كانت مُعَاوَضَةً مَحْضَةً إذْ يَبْعُدُ تَخْصِيصُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ بِأَحَدِ الْجَانِبَيْنِ
وَخَالَفَ الرَّافِعِيُّ فَصَحَّحَ في بَابِهَا ثُبُوتَهُ لِلشَّفِيعِ وَاسْتَدْرَكَهُ عليه في الرَّوْضَةِ فَصَحَّحَ الْمَنْعَ وَحَكَاهُ عن الْأَكْثَرِينَ وإذا قُلْنَا بِهِ فَهَلْ مَعْنَاهُ أَنْ يَتَخَيَّرَ في الْمَجْلِسِ بَعْدَ الْأَخْذِ بين رَدِّ الْمِلْكِ وَإِمْسَاكِهِ أو أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ فيه قبل الْأَخْذِ بين الْأَخْذِ وتركه وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا في الْمَجْمُوعِ الْأَوَّلُ فَالْمُرَادُ بِالْمَجْلِسِ مَجْلِسُ التَّمَلُّكِ ولا في الْحَوَالَةِ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ مُعَاوَضَةً لَيْسَتْ على قَوَاعِدِ الْمُعَاوَضَاتِ إذْ لو كانت كَذَلِكَ لَبَطَلَتْ لِامْتِنَاعِ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَلَا في النِّكَاحِ لِأَنَّهُ ليس بَيْعًا وَلِأَنَّهُ وَارِدٌ على مَنْفَعَةٍ فَكَانَ كَالْإِجَارَةِ وَسَيَأْتِي وفي الصَّدَاقِ وَعِوَضِ الْخُلْعِ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ قَدَّرَ اسْتِقْلَالَهُمَا لَا خِيَارَ فِيهِمَا تَبَعًا لِلنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ ولا في الْمُسَاقَاةِ وَالْإِجَارَةِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَتَا من عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ الْمَحْضَةِ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ غَرَرُ وُرُودِهِ على مَعْدُومٍ وَغَرَرُ الْخِيَارِ وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَفُوتُ بِمُضِيِّ الزَّمَنِ فَأَلْزَمْنَا الْعَقْدَ لِئَلَّا يَتْلَفَ جُزْءٌ من الْمَعْقُودِ عليه لَا في مُقَابَلَةِ الْعِوَضِ وَقَضِيَّةُ الْعِلَّةِ الْأُولَى عَدَمُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ في السَّلَمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كما مَرَّ
____________________
(2/47)
وَقَضِيَّةُ كُلٍّ من الْعِلَّتَيْنِ عَدَمُ ثُبُوتِهِ في الْبَيْعِ الْوَارِدِ على مَنْفَعَةٍ كَحَقِّ الْمَمَرِّ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أو صَرِيحُهُ يُخَالِفُهُ قال الْقَفَّالُ وَطَائِفَةٌ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ في إجَارَةِ الْعَيْنِ أَمَّا إجَارَةُ الذِّمَّةِ فَيَثْبُتُ فيها الْخِيَارُ قَطْعًا كَالسَّلَمِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَقِيلَ يَثْبُتُ أَيْضًا في الْإِجَارَةِ الْمُقَدَّرَةِ بِمُدَّةٍ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ في تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ وَالْمَشْهُورُ خِلَافُهُ وإذا اشْتَرَى من يُعْتَقُ عليه فَالْعِتْقُ مَوْقُوفٌ سَوَاءٌ قُلْنَا الْمَالِكُ مَوْقُوفٌ أَمْ لَا حتى يَتَفَرَّقَا أو يَخْتَارَ اللُّزُومَ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ عَتَقَ من حِينِ الشِّرَاءِ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ في شِرَاءِ الْجُمْدِ وَلَوْ بِشِدَّةِ الْحَرِّ بِحَيْثُ يَنْمَاعُ بها لَا في شِرَاءِ الْعَبْدِ نَفْسِهِ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْعِتْقِ كَالْكِتَابَةِ وَالتَّرْجِيحُ فيها وفي التي قَبْلَهَا بِالنِّسْبَةِ لِلشِّرَاءِ في شِدَّةِ الْحَرِّ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ قال الزَّرْكَشِيُّ في الثَّانِيَةِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْعَبْدِ فَقَطْ لِأَنَّهُ من جِهَةِ السَّيِّدِ بَيْعٌ وَمِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ يُشْبِهُ الْفِدَاءَ كما لو أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ دُونَهُ وفي الصُّورَتَيْنِ يَتَبَعَّضُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ ابْتِدَاءً وَيَثْبُتُ في قِسْمَةِ الرَّدِّ فَقَطْ أَيْ دُونَ قِسْمَتَيْ الْإِفْرَازِ وَالتَّعْدِيلِ سَوَاءٌ جَرَتَا بِإِجْبَارٍ أَمْ بِتَرَاضٍ وَسَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهُمَا في حَالَةِ التَّرَاضِي بَيْعٌ أَمْ لَا لِأَنَّهُ لو امْتَنَعَ مِنْهُمَا الشَّرِيكُ أُجْبِرَ عَلَيْهِمَا وَالْإِجْبَارُ يُنَافِي الْخِيَارَ قال الْأَذْرَعِيُّ وَتَرْجِيحُ الشَّيْخَيْنِ ذلك على الْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا بَيْعٌ تَبَعًا فيه تَرْجِيحُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وابن الصَّبَّاغِ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ ثُبُوتُ الْخِيَارِ وَلَوْ شَرَطَا نَفْيَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ بَطَلَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَاهُ فَأَشْبَهَ ما لو شَرَطَ أَنْ لَا يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ وَلَوْ قال لِعَبْدِهِ إنْ بِعْتُك فَأَنْت حُرٌّ فَبَاعَهُ عَتَقَ لِأَنَّ عِتْقَ الْبَائِعِ في مُدَّةِ الْخِيَارِ نَافِذٌ بِخِلَافِ ما لو بَاعَهُ بِشَرْطِ نَفْيِ الْخِيَارِ لَا يُعْتَقُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ فَصْلٌ وَيَنْقَطِعُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ إمَّا بِالتَّخَايُرِ من الْعَاقِدَيْنِ نحو تَخَايَرْنَا الْعَقْدَ أو اخْتَرْنَاهُ أو أَلْزَمْنَاهُ أو أَمْضَيْنَاهُ أو اخْتَرْنَا إبْطَالَ الْخِيَارِ أو إفْسَادَهُ فَلَوْ قال أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ انْقَطَعَ خِيَارُ الْقَائِلِ وَلَوْ لم يَخْتَرْ صَاحِبُهُ لِتَضَمُّنِهِ الرِّضَا بِاللُّزُومِ وَلَوْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا لُزُومَهُ سَقَطَ خِيَارُهُ وَبَقِيَ خِيَارُ الْآخَرِ وَاحْتَمَلَ تَبْعِيضَ الْخِيَارِ لِوُقُوعِهِ دَوَامًا وَالْفَسْخُ مُقَدَّمٌ على الْإِجَازَةِ فَلَوْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا وَأَجَازَ الْآخَرُ قُدِّمَ الْفَسْخُ وَإِنْ تَأَخَّرَ عن الْإِجَازَةِ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْخِيَارِ إنَّمَا قَصَدَ بِهِ التَّمَكُّنَ من الْفَسْخِ دُونَ الْإِجَازَةِ لِأَصَالَتِهَا وَتَبَايُعِهَا في الْعِوَضَيْنِ وَلَوْ رِبَوِيَّيْنِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَهُمَا بَيْعًا ثَانِيًا إجَازَةٌ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ رضي بِلُزُومِهِ وَيَصِحُّ الثَّانِي وَيَثْبُتُ فيه الْخِيَارُ وَلَوْ أَجَازَا في الرِّبَوِيِّ وَتَفَرَّقَا قبل التَّقَابُضِ بَطَلَ الْعَقْدُ وقد سَبَقَ بَيَانُهُ في الرِّبَا عِبَارَةُ الْأَصْلِ هُنَا وَلَوْ أَجَازَا في عَقْدِ الصَّرْفِ قبل التَّقَابُضِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا تَلْغُو الْإِجَارَةُ فَيَبْقَى الْخِيَارُ وَالثَّانِي يَلْزَمُ الْعَقْدُ وَعَلَيْهِمَا التَّقَابُضُ فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَهُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَلَا يَأْثَمَانِ إنْ تَفَرَّقَا عن تَرَاضٍ وَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالْمُفَارَقَةِ أَثِمَ وَرَجَحَ في الْمَجْمُوعِ الثَّانِي
وَإِمَّا بِالتَّفَرُّقِ بِأَبْدَانِهِمَا عن مَجْلِسِ الْعَقْدِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ فَلَوْ أَقَامَا فيه مُدَّةً أو تَمَاشَيَا مَرَاحِلَ فَهُمَا على خِيَارِهِمَا وَإِنْ زَادَتْ الْمُدَّةُ على ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أو أَعْرَضَا عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعَقْدِ وَيَحْصُلُ بِأَنْ يُفَارِقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ من الْمَجْلِسِ وَلَوْ نَاسِيًا أو جَاهِلًا وَإِنْ اسْتَمَرَّ الْآخَرُ فيه لِأَنَّ التَّفَرُّقَ لَا يَتَبَعَّضُ بِخِلَافِ التَّخَايُرِ وكان ابن عُمَرَ رَاوِي الْخَبَرِ إذَا ابْتَاعَ شيئا فَارَقَ صَاحِبَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَى مُسْلِمٌ قام يَمْشِي هُنَيَّةَ ثُمَّ رَجَعَ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ ما رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ إذَا ابْتَاعَ شيئا وهو قَاعِدٌ قام لِيَجِبَ له وَقَضِيَّةُ ذلك حِلُّ الْفِرَاقِ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ صَاحِبُهُ وهو مُشْكِلٌ بِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ وَلَا يَحِلُّ له أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ وقد يُجَابُ بِحَمْلِ الْحِلِّ في الْخَبَرِ على الْإِبَاحَةِ الْمُسْتَوِيَةِ الطَّرَفَيْنِ وَيُعْتَبَرُ في التَّفَرُّقِ الْعُرْفُ فَإِنْ
____________________
(2/48)
كَانَا في سَفِينَةٍ أو دَارٍ أو مَسْجِدٍ صَغِيرٍ كُلٌّ مِنْهُمَا فَبِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا منه أو صُعُودِهِ إلَى السَّطْحِ يَنْقَطِعُ الْخِيَارُ وَإِنْ كَانَا في دَارٍ كَبِيرَةٍ فَبِالْخُرُوجِ من الْبَيْتِ إلَى الصَّحْنِ أو من الصَّحْنِ إلَى الصُّفَّةِ أو الْبَيْتِ وَإِنْ كَانَا في سُوقٍ أو صَحْرَاءَ أو بَيْتِ مُتَفَاحِشِ السِّعَةِ فَبِأَنْ يُولِيَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ظَهْرَهُ وَيَمْشِيَ قَلِيلًا وَلَوْ لم يَبْعُدْ عن سَمَاعِ خِطَابِهِ وَلَا يَحْصُلُ التَّفَرُّقُ بِإِقَامَةِ سِتْرٍ وَلَوْ بِبِنَاءِ جِدَارٍ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمَجْلِسَ بَاقٍ نعم إنْ بَنَيَاهُ أو بُنِيَ بِأَمْرِهِمَا حَصَلَ التَّفَرُّقُ جَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ في بَسِيطِهِ وَالْقَاضِي مَجْلِي وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو الْمُتَّجَهُ لِدَلَالَتِهِ على الْمُفَارَقَةِ وَخَالَفَ وَالِدُ الرُّويَانِيِّ فَصَحَّحَ عَدَمَ الْحُصُولِ بِذَلِكَ فَرْعٌ لو تَنَادَيَا بِالْبَيْعِ من بُعْدٍ ثَبَتَ لَهُمَا الْخِيَارُ وَامْتَدَّ ما لم يُفَارِقْ أَحَدُهُمَا مَكَانَهُ فَإِنْ فَارَقَهُ وَوَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ لو كان الْآخَرُ معه بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ عُدَّ تَفَرُّقًا بَطَلَ خِيَارُهُمَا قال ابن الرِّفْعَةِ هذا إذَا لم يَقْصِدْ جِهَةَ الْآخَرِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْقَطْعُ بِدَوَامِ الْخِيَارِ وَحُكْمُ ما تَبَايَعَا بِالْمُكَاتَبَةِ تَقَدَّمَ في أَوَائِلِ الْبَيْعِ فَرْعٌ وَإِنْ مَاتَ الْعَاقِدَانِ أو أَحَدُهُمَا في الْمَجْلِسِ قام الْوَارِثُ وَلَوْ عَامًا أو الْمُوَكِّلُ أو السَّيِّدُ أَيْ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ أو الْمَأْذُونِ له مَقَامَهُ في ثُبُوتِ الْخِيَارِ له كَخِيَارِ الشَّرْطِ وَالْعَيْبِ سَوَاءٌ فيه عَقْدُ الرِّبَا وَغَيْرُهُ فَإِنْ كان الْوَارِثُ طِفْلًا أو مَجْنُونًا أو مَحْجُورًا عليه بِسَفَهٍ نَصَبَ الْحَاكِمُ من يَفْعَلُ له ما فيه مَصْلَحَتُهُ من فَسْخٍ وَإِجَارَةٍ وَعَجْزُ الْمُكَاتَبِ كَمَوْتِهِ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ فَإِنْ كان الْوَارِثُ مَثَلًا أَيْ وَارِثُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ حَاضِرًا في الْمَجْلِسِ ثَبَتَ له مع الْعَاقِدِ الْآخَرِ الْخِيَارُ وَامْتَدَّا إلَى أَنْ يَتَفَرَّقَا أو يَتَخَايَرَا وَإِنْ كان غَائِبًا وَوَصَلَهُ الْخَبَرُ فَإِلَى أَيْ فَيَثْبُتُ له الْخِيَارُ وَيَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُفَارِقَ مَجْلِسَ الْخَبَرِ لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ مُوَرِّثِهِ فَلْيُثْبِتْ له مِثْلَ ما يَثْبُتُ له هذا ما قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ كما قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَبَنَى طَائِفَةٌ منهم الْمُتَوَلِّي كَيْفِيَّةَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ له على وَجْهَيْنِ في كَيْفِيَّةِ ثُبُوتِهِ لِلْمَعْنَى أَحَدِهِمَا أَنَّ له الْخِيَارَ ما دَامَ في مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَعَلَيْهِ يَكُونُ خِيَارُ الْوَارِثِ في الْمَجْلِسِ الذي يُشَاهِدُ فيه الْمَبِيعَ لِيَتَأَمَّلَهُ وَالثَّانِي يَتَأَخَّرُ خِيَارُهُ إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ مع الْوَارِثِ في مَجْلِسٍ فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْوَارِثِ فَرْعٌ لو وَرِثَهُ جَمَاعَةٌ حُضُورٌ في مَجْلِسِ الْعَقْدِ لم يَنْقَطِعْ خِيَارُهُمْ بِفِرَاقِ بَعْضِهِمْ له بَلْ يَمْتَدُّ حتى يُفَارِقُوهُ كلهم لِأَنَّهُمْ كلهم كَالْمُوَرِّثِ وهو لَا يَنْقَطِعُ خِيَارُهُ إلَّا بِمُفَارَقَةِ جَمِيعِ بَدَنِهِ أو غَائِبُونَ عن الْمَجْلِسِ ثَبَتَ لهم الْخِيَارُ إذَا اجْتَمَعُوا في مَجْلِسٍ وَاحِدٍ كَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْمُتَوَلِّي حَيْثُ قال وَإِنْ كَانُوا غَائِبِينَ قال في التَّتِمَّةِ أَنْ قُلْنَا في الْوَارِثِ الْوَاحِدِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ في مَجْلِسِ مُشَاهَدَةِ الْمَبِيعِ فَلَهُمْ الْخِيَارُ إذَا اجْتَمَعُوا في مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ النِّيَابَةَ لهم كلهم وَلَا حَاجَةَ إلَى تَبْعِيضِ الْخِيَارِ فَجَعَلْنَا الْأَمْرَ مَوْقُوفًا على اجْتِمَاعِهِمْ وَإِنْ قُلْنَا له الْخِيَارُ اجْتَمَعَ هو وَالْعَاقِدُ فَكَذَا لهم الْخِيَارُ إذَا اجْتَمَعُوا بِهِ انْتَهَى بِزِيَادَتِي لِلتَّعْلِيلِ من كَلَامِ الْمُتَوَلِّي وهو إنَّمَا قال ذلك بِنَاءً على ما قَدَّمَهُ في كَيْفِيَّةِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْغَائِبِ الْوَاحِدِ وقد عَرَفْت أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَالْمُوَافِقُ لِلصَّحِيحِ الذي عليه الْأَكْثَرُونَ ثُمَّ أَنْ يَثْبُتَ لهم الْخِيَارُ بِوُصُولِ الْخَبَرِ إلَيْهِمْ وَأَنْ يَنْقَطِعَ بِمُفَارَقَةِ الْمُتَأَخِّرِ فِرَاقُهُ منهم مَجْلِسُهُ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْعَاقِدِ الْبَاقِي ما دَامَ في مَجْلِسِ الْعَقْدِ سَوَاءٌ أَكَانَ لِوَارِثِ الْغَائِبِ وَاحِدٌ أَمْ مُتَعَدِّدٌ نعم إنْ فَارَقَ أَحَدُهُمَا مَجْلِسَهُ دُونَ الْآخَرِ انْقَطَعَ خِيَارُ الْآخَرِ أَخْذًا مِمَّا لو كَانَا في مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِفَسْخِ بَعْضِهِمْ في نَصِيبِهِ أو في الْجَمِيعِ وَلَوْ أَجَازَ الْبَاقُونَ كما لو فَسَخَ الْمُوَرِّثُ في الْبَعْضِ وَأَجَازَ في الْبَعْضِ وَلَا يُبَعَّضُ الْفَسْخُ لِلْإِضْرَارِ بِالْحَيِّ وَلَا يَرِدُ عليه ما لو مَاتَ مُوَرِّثُهُمْ وَاطَّلَعُوا على عَيْبٍ بِالْمَبِيعِ فَفَسَخَ بَعْضُهُمْ لَا يَنْفَسِخُ في الْبَاقِي لِأَنَّ لِلضَّرَرِ ثَمَّ جَابِرًا وهو الْأَرْشُ وَلَا جَابِرَ له هُنَا وَلَوْ أَجَازَ الْوَارِثُ أو فَسَخَ قبل عِلْمِهِ بِمَوْتِ مُوَرِّثِهِ وَقُلْنَا من بَاعَ مَالَ من مُوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ يَصِحُّ قال الْإِمَامُ فَالْوَجْهُ نُفُوذُ فَسْخِهِ دُونَ إجَازَتِهِ لِأَنَّهَا رِضًا وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الرِّضَا مع الْعِلْمِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ وَبِهِ أَجَابَ في الْبَسِيطِ وَلَوْ اشْتَرَى الْوَلِيُّ لِطِفْلِهِ شيئا فَبَلَغَ رَشِيدًا قبل التَّفَرُّقِ لم يَنْتَقِلْ إلَيْهِ الْخِيَارُ وَهَلْ يَبْقَى لِلْوَلِيِّ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا في الْبَحْرِ عن وَالِدِهِ وَأَجْرَاهُمَا في خِيَارِ الشَّرْطِ وَالْأَوْجَهُ بَقَاؤُهُ له مع أَنَّ
____________________
(2/49)
في جَزْمِهِ بِعَدَمِ انْتِقَالِهِ لِلرَّشِيدِ نَظَرًا فَرْعٌ مَتَى حُمِلَ الْعَاقِدُ فَأُخْرِجَ من الْمَجْلِسِ مُكْرَهًا بِغَيْرِ حَقٍّ لم يَنْقَطِعْ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ لم يَفْعَلْ شيئا وَكَذَا إذَا أُكْرِهَ على الْخُرُوجِ منه فَخَرَجَ لم يَنْقَطِعْ خِيَارُهُ وَلَوْ لم يُسَدَّ فَمُهُ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ كَلَا فِعْلٍ وَالسُّكُوتُ عن الْفَسْخِ لَا يَقْطَعُ الْخِيَارَ كما في الْمَجْلِسِ وَهَذَا بِخِلَافِ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ كما مَرَّ لِتَقْصِيرِهِمَا وَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِلرِّبَوِيِّ وهو مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْته في بَابِهِ لَكِنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُهُ كما مَرَّ بَيَانُهُ ثَمَّ فَإِنْ زَايَلَهُ أَيْ فَارَقَهُ الْإِكْرَاهُ في مَجْلِسٍ فَلَهُ الْخِيَارُ فيه حتى يُفَارِقَهُ أو مَارًّا فَحَتَّى يُفَارِقَ مَكَانَهُ الذي زَايَلَهُ في الْإِكْرَاهِ وَلَيْسَ عليه أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَجْلِسِ الْعَقْدِ لِيَجْتَمِعَ مع صَاحِبِهِ وَإِنْ قَصُرَ الزَّمَنُ وَلَوْ لم يَخْرُجْ معه صَاحِبُهُ بَطَلَ خِيَارُهُ لَا أَنْ مُنِعَ من الْخُرُوجِ معه فَلَا يَبْطُلُ وَلَوْ هَرَبَ أَحَدُهُمَا ولم يَتْبَعْهُ الْآخَرُ بَطَلَ خِيَارُهُ كَخِيَارِ الْهَارِبِ وَلَوْ لم يَتَمَكَّنْ منه أَيْ من أَنْ يَتْبَعَهُ لِتَمَكُّنِهِ من الْفَسْخِ بِالْقَوْلِ وَلِأَنَّ الْهَارِبَ فَارَقَ مُخْتَارًا بِخِلَافِ الْمَكْرُوهِ فإنه وَلَوْ لم يَتَمَكَّنْ منه أَيْ من أَنْ يَتْبَعَهُ لِتَمَكُّنِهِ من الْفَسْخِ بِالْقَوْلِ وَلِأَنَّ الْهَارِبَ فَارَقَ مُخْتَارًا بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ فإنه لَا فِعْلَ له وَلَا يَشْكُلُ ذلك بِعَدَمِ حِنْثِهِ فِيمَا لو حَلَفَ لَا يُفَارِقُ غَرِيمَهُ فَفَارَقَهُ غَرِيمُهُ وَأَمْكَنَهُ مُتَابَعَتُهُ فلم يَتْبَعْهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ هُنَا مَنُوطٌ بِالتَّفَرُّقِ وهو يَحْصُلُ بِوُجُودِ الْفُرْقَةِ من كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُنَاكَ مَنُوطٌ بِالْمُفَارَقَةِ من الْحَالِفِ نعم لو قال وَاَللَّهِ لَا نَفْتَرِقُ كان حُكْمُهُ كما هُنَا أَمَّا إذَا تَبِعَهُ فَالْخِيَارُ بَاقٍ ما لم يَتَبَاعَدَا كما حَكَمَاهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ وفي الْكِفَايَةِ عن الْقَاضِي ضَبَطَهُ بِفَوْقِ ما بين الصَّفَّيْنِ وفي الْبَسِيطِ إنْ لَحِقَهُ قبل انْتِهَائِهِ إلَى مَسَافَةٍ يَحْصُلُ بِمِثْلِهَا الْمُفَارَقَةُ عَادَةً فَالْخِيَارُ بَاقٍ وَإِلَّا فَلَا أَثَرَ لِلُحُوقِهِ فَرْعٌ فَإِنْ جُنَّ الْعَاقِدُ أو أُغْمِيَ عليه قام الْوَلِيُّ وَلَوْ عَامًا مَقَامَهُ في الْخِيَارِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ وَالْعَيْبِ وَيَفْعَلُ الْوَلِيُّ ما فيه الْحَظُّ من فَسْخٍ وَإِجَازَةٍ فَلَوْ فَارَقَ الْمَجْنُونُ أو الْمُغْمَى عليه الْمَجْلِسَ لم يُؤَثِّرْ كما صَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ خَرِسَ بِكَسْرِ الرَّاءِ ولم تُفْهَمْ إشَارَتُهُ وَلَا كِتَابَةَ له نَصَبَ الْحَاكِمُ نَائِبًا عنه كما لو جُنَّ وَإِنْ تَأَتَّتْ الْإِجَازَةُ منه بِالتَّفَرُّقِ وَلَيْسَ هو مَحْجُورًا عليه وَإِنَّمَا الْحَاكِمُ نَابَ عنه فِيمَا تَعَذَّرَ منه بِالْقَوْلِ كما يَنُوبُ في الْبَيْعِ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ عن الْمُمْتَنِعِ منه أَمَّا إذَا أَفْهَمَتْ إشَارَتُهُ أو كان له كِتَابَةٌ فَهُوَ على خِيَارِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا في التَّفَرُّقِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُنْكِرِهِ بِيَمِينِهِ وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ لِمُوَافَقَتِهِ الْأَصْلَ وَكَذَا لو ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْفَسْخَ قبل التَّفَرُّقِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ بِيَمِينِهِ لِذَلِكَ وَإِنْ اتَّفَقَا على عَدَمِ التَّفَرُّقِ وَادَّعَى أَحَدُهُمَا الْفَسْخَ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَدَعْوَى الْفَسْخِ فَسْخٌ كما لو اتَّفَقَ الزَّوْجَانِ على بَقَاءِ الْعِدَّةِ وَاخْتَلَفَا في الرَّجْعَةِ فإن دَعْوَى الزَّوْجِ لها رَجْعَةٌ كما سَيَأْتِي في بَابِهَا السَّبَبُ الثَّانِي خِيَارُ الشَّرْطِ وَيَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فما دُونَهَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن ابْنِ عُمَرَ قال ذَكَرَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ يُخْدَعُ في الْبُيُوعِ فقال له من بَايَعْت فَقُلْ له لَا خِلَابَةَ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ بِلَفْظِ إذَا بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ ثُمَّ أنت بِالْخِيَارِ في كل سِلْعَةٍ ابْتَعْتهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ وفي رِوَايَةٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ عن عُمَرَ فَجَعَلَ له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عُهْدَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَسَمَّى الرَّجُلَ في هذه الرِّوَايَةِ حَبَّانَ بن مُنْقِذٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ وفي التي قَبْلَهَا مُنْقِذًا وَالِدُهُ بِالْمُعْجَمَةِ وبه جَزَمَ الْبُخَارِيُّ في تَارِيخِهِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ في مُهِمَّاتِهِ وَبِالْأَوَّلِ جَزَمَ الْبَيْهَقِيُّ وَالنَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ وَهُمَا صَحَابِيَّانِ أَنْصَارِيَّانِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ على قَوْلِهِ لَا خِلَابَةَ وَاَلَّذِي في الْخَبَرِ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ من الْمُشْتَرِي وَقِيسَ بِهِ الْبَائِعُ وَيَصْدُقُ ذلك بِاشْتِرَاطِهِمَا مَعًا وَخَرَجَ بِالثَّلَاثَةِ ما فَوْقَهَا وَشَرْطُ الْخِيَارِ مُطْلَقًا كما سَيَأْتِي لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ على خِلَافِ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ غَرَرٌ فَيَقْتَصِرُ على مَوْرِدِ النَّصِّ وَجَازَ أَقَلُّ منها بِالْأَوْلَى مُعَيَّنًا زَمَنَهُ فَلَا يَصِحُّ مُطْلَقًا وَلَا مَجْهُولًا
وَسَيَأْتِي إنْ لم يَفْصِلْهُ عن الْعَقْدِ فَإِنْ فَصَلَهُ عنه لم يَصِحَّ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِالشَّرْطِ وقد وُجِدَ في الْعَقْدِ وَلِأَنَّ فَصْلَهُ يُؤَدِّي إلَى جَوَازِ الْعَقْدِ بَعْدَ لُزُومِهِ وهو مَمْنُوعٌ وَلِهَذَا لو أَسْقَطَا أَوَّلَ الْمُدَّةِ الْمَشْرُوطَةِ سَقَطَتْ كُلُّهَا كما سَيَأْتِي وَلَوْ شَرَطَاهُ في الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ دُونَ الثَّانِي بَطَلَ الْعَقْدُ لَا فِيمَا يَتْلَفُ في الْمُدَّةِ كَبَقْلٍ شَرَطَ في بَيْعِهِ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَا يَصِحُّ وَلَا في الرِّبَوِيِّ وَالسَّلَمِ فَلَا يَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ فِيهِمَا لِأَنَّ ما شُرِطَ فيه الْقَبْضُ في الْمَجْلِسِ لَا يَحْتَمِلُ الْأَجَلَ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَحْتَمِلَ الْخِيَارَ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ غَرَرًا منه لِمَنْعِهِ الْمِلْكَ أو لُزُومِهِ وَلِمَا في السَّلَمِ من غَرَرِ إيرَادِ عَقْدِهِ على مَعْدُومٍ فَلَا يَضُمُّ إلَيْهِ غَرَرَ الْخِيَارِ وَذَكَرَ حُكْمَ الرِّبَوِيِّ وَالسَّلَمِ من زِيَادَتِهِ هُنَا وقد ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ بَعْدُ أَيْضًا وَالِاقْتِصَارُ عليه ثَمَّ أَوْلَى فَإِنْ أَطْلَقَ شَرْطَ الْخِيَارِ أو ذَكَرَ له مُدَّةً مَجْهُولَةً كَبَعْضِ يَوْمٍ أو إلَى أَنْ يَجِيءَ زَيْدٌ
____________________
(2/50)
بَطَلَ الْعَقْدُ لِلْغَرَرِ وَلَوْ قَالَا إلَى يَوْمٍ أو سَاعَةٍ صَحَّ وَيُحْمَلُ على يَوْمِ الْعَقْدِ فَإِنْ عَقَدَ نِصْفَ النَّهَارِ فَإِلَى مِثْلِهِ وَتَدْخُلُ اللَّيْلَةُ لِلضَّرُورَةِ كَذَا في التَّتِمَّةِ قال ابن الرِّفْعَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ في نَظِيرِهِ من الْإِجَارَةِ لم يَجْعَلْ الْيَوْمَ مَحْمُولًا على يَوْمِ الْعَقْدِ ولم يَظْهَرْ فيه فَرْقٌ بَيْنَهُمَا انْتَهَى وَلَيْسَ كما قال بَلْ ما في الْإِجَارَةِ نَظِيرُ ما هُنَا وَبِتَقْدِيرِ صِحَّةِ ما قَالَهُ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْإِجَارَةَ أَصْلٌ وَالْخِيَارَ تَبَعٌ فَاغْتُفِرَ في مُدَّتِهِ ما لم يُغْتَفَرْ في مُدَّتِهَا
وَوَقْتُ طُلُوعِ الشَّمْسِ مَعْلُومٌ فَيَصِحُّ تَعْيِينُ الْمُدَّةِ بِهِ وَكَذَا طُلُوعُهَا وَقَوْلُ الزُّبَيْرِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ لِاحْتِمَالِ الْغَيْمِ فَلَا تَطْلُعُ بَعِيدٌ إذْ الْغَيْمُ إنَّمَا يَمْنَعُ الْإِشْرَاقَ لَا الطُّلُوعَ وَيَجْتَهِدُ في الْغَيْم وَيَعْمَلُ بِمَا غَلَبَ على الظَّنِّ قال في الْأَصْلِ وَاتَّفَقُوا على أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ إلَى الْغُرُوبِ وَإِلَى وَقْتِ الْغُرُوبِ قال في الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عن الزُّبَيْرِيِّ لِأَنَّ الْغُرُوبَ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا في وَقْتِ سُقُوطِ قُرْصِ الشَّمْسِ أَيْ فَلَا فَرْقَ بين الْغُرُوبِ وَوَقْتِهِ وَيُؤْخَذُ منه الْفَرْقُ على الْمَرْجُوحِ بين الْغُرُوبِ وَالطُّلُوعِ بِأَنَّ الطُّلُوعَ قد يُسْتَعْمَلُ في الْإِشْرَاقِ بِخِلَافِ الْغُرُوبِ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِيمَا مَرَّ وَالْقَائِلُ بِالصِّحَّةِ في الطُّلُوعِ كَالْغُرُوبِ يقول اسْتِعْمَالُهُ في وَقْتِ الطُّلُوعِ أَكْثَرُ فَكَانَ هو الْأَصَحُّ وَلَوْ تَبَايَعَا نَهَارًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ إلَى اللَّيْلِ أو عَكْسِهِ لم يَدْخُلْ فيه اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ كما لو بَاعَ بِأَلْفٍ إلَى رَمَضَانَ لَا يَدْخُلُ رَمَضَانُ في الْأَجَلِ فَرْعٌ وَإِنْ خَصَّصَ الْعَاقِدُ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ مَثَلًا لَا بِعَيْنِهِ بِالْخِيَارِ أو بِزِيَادَةٍ فيه على الْخِيَارِ في الْآخَرِ كَأَنْ شَرَطَ فيه خِيَارَ يَوْمٍ وفي الْآخَرِ يَوْمَيْنِ لم يَصِحَّ الْعَقْدُ فإذا عَيَّنَهُ صَحَّ كَبَيْعِهِ فِيهِمَا وإذا شَرَطَهُ أَيْ الْخِيَارَ فِيهِمَا لم يَكُنْ له رَدُّ أَحَدِهِمَا وَلَوْ تَلِفَ الْآخَرُ كما في رَدِّهِ بِالْعَيْبِ وَإِنْ اشْتَرَيَا عَبْدًا في صَفْقَةٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَلِأَحَدِهِمَا الْفَسْخُ في نَصِيبِهِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلَوْ بَاعَ شيئا على أَنَّهُ إنْ لم يَنْقُدْهُ أَيْ يُعْطِهِ الثَّمَنَ لِثَلَاثٍ من الْأَيَّامِ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا أو إنَّهُ إنْ رَدَّ الثَّمَنَ في الثَّلَاثَةِ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا لم يَصِحَّ كما لو تَبَايَعَا بِشَرْطِ أَنَّهُ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ الْيَوْمَ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَرْعٌ قَوْلُهُ أَيْ الْعَاقِدِ لَا خِلَابَةَ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ عِبَارَةٌ في الشَّرْعِ عن اشْتِرَاطِ خِيَارِ الثَّلَاثِ وَمَعْنَاهَا لُغَةً لَا غَبْنَ وَلَا خَدِيعَةَ فَإِنْ أَطْلَقَاهَا عَالِمَيْنِ لَا جَاهِلَيْنِ وَلَا جَاهِلًا أَحَدَهُمَا بِمَعْنَاهَا صَحَّ أَيْ ثَبَتَ الْخِيَارُ وَإِنْ أَسْقَطَ من شَرَطَ له الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ خِيَارَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بَطَلَ الْكُلُّ قال في الْمَجْمُوعِ وَإِنْ أَسْقَطَ خِيَارَ الثَّالِثِ لم يَسْقُطْ ما قَبْلَهُ أو خِيَارُ الثَّانِي بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى الثَّالِثُ سَقَطَ خِيَارُ الْيَوْمَيْنِ جميعا لِأَنَّهُ كما لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَ خِيَارًا مُتَرَاخِيًا عن الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَبْقِيَ خِيَارًا مُتَرَاخِيًا وَإِنَّمَا أَسْقَطْنَا الْيَوْمَيْنِ تَغْلِيبًا لِلْإِسْقَاطِ لِأَنَّ الْأَصْلَ لُزُومُ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا جَوَّزْنَا خِيَارَ الشَّرْطِ رُخْصَةً فإذا عَرَضَ له خَلَلٌ حُكِمَ بِلُزُومِ الْعَقْدِ فَرْعٌ ابْتِدَاءُ مُدَّةِ الْخِيَارِ الثَّابِتِ بِالشَّرْطِ من الْعَقْدِ لَا من التَّفَرُّقِ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِالشَّرْطِ وقد وُجِدَ في الْعَقْدِ وَلَا بُعْدَ في ثُبُوتِهِ إلَى التَّفَرُّقِ بِجِهَتَيْ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ كما يَثْبُتُ بِجِهَتَيْ الْخَلْفِ وَالْعَيْبِ وَلِأَنَّ التَّفَرُّقَ مَجْهُولٌ فَاعْتِبَارُهُ يُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ كَالْأَجَلِ فإن ابْتِدَاءَهُ من الْعَقْدِ لَا من التَّفَرُّقِ وَإِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ في الْمَجْلِسِ فَمِنْ أَيْ فَابْتِدَاؤُهُ من حِينِ شَرَطَ فَإِنْ شَرَطَ في الْعَقْدِ أو بَعْدَهُ في الْمَجْلِسِ ابْتِدَاءَهُ من التَّفَرُّقِ بَطَلَ الْعَقْدُ لِلْجَهَالَةِ وَإِنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ الْمَشْرُوطَةُ وَهُمَا في الْمَجْلِسِ بَقِيَ خِيَارُهُ أَيْ الْمَجْلِسِ فَقَطْ وَإِنْ تَفَرَّقَا وَالْمُدَّةُ بَاقِيَةٌ فَبِالْعَكْسِ أَيْ فَيَبْقَى خِيَارُ الشَّرْطِ فَقَطْ وَيَجُوزُ إسْقَاطُ الْخِيَارَيْنِ أو أَحَدِهِمَا فَيَسْقُطُ ما أَسْقَطَهُ فِيهِمَا وَيَبْقَى الْآخَرُ في الثَّانِيَةِ فَإِنْ أَطْلَقَا الْإِسْقَاطَ كَأَنْ قَالَا أَلْزَمْنَا الْعَقْدَ أو أَسْقَطْنَا الْخِيَارَ سَقَطَ وَلَهُ أَيْ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ الْفَسْخُ في غَيْبَةِ صَاحِبِهِ كَالْإِجَارَةِ وَالطَّلَاقِ وَبِلَا إذْنِ حَاكِمٍ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مُتَّفَقٌ على ثُبُوتِهِ بِخِلَافِ الْفَسْخِ بِالْعُنَّةِ قال الْخُوَارِزْمِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُشْهِدَ حتى لَا يُؤَدِّيَ إلَى النِّزَاعِ فَصْلٌ يَثْبُتُ خِيَارُ الشَّرْطِ حَيْثُ يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فَهُمَا مُتَلَازِمَانِ لَا في الرِّبَوِيِّ وَالسَّلَمِ فَلَا يَثْبُتُ
____________________
(2/51)
فِيهِمَا خِيَارُ الشَّرْطِ وَإِنْ ثَبَتَ فِيهِمَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ كما مَرَّ بَيَانُهُ فَصْلٌ وَيَجُوزُ لِلْعَاقِدَيْنِ شَرْطُهُ أَيْ الْخِيَارِ لَهُمَا وَلِأَحَدِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ نعم إنْ اسْتَعْقَبَ الْمِلْكَ الْعِتْقُ كَأَنْ اشْتَرَى من يُعْتَقُ عليه وَشَرَطَ الْخِيَارَ له وَحْدَهُ لم يَجُزْ لِعِتْقِهِ عليه فَيَلْزَمُ من ثُبُوتِ الْخِيَارِ عَدَمُ ثُبُوتِهِ ويجوز التَّفَاضُلُ فيه كَأَنْ يَشْرِطَا لِأَحَدِهِمَا خِيَارَ يَوْمٍ وَلِلْآخَرِ خِيَارَ يَوْمَيْنِ أو ثَلَاثَةٍ قال الرُّويَانِيُّ وَلَوْ شَرَطَا خِيَارَ يَوْمٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا في أَثْنَائِهِ فَزَادَ وَارِثُهُ مع الْآخَرِ خِيَارَ يَوْمٍ آخَرَ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ أَشْبَهُهُمَا الْجَوَازُ وَكَذَا يَجُوزُ لِلْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ شَرْطُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ أو الْعَبْدِ الْمَبِيعِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قد تَدْعُو إلَى ذلك لِكَوْنِهِ أَعْرَفَ بِالْمَبِيعِ سَوَاءٌ شَرَطَاهُ لِوَاحِدٍ أَمْ أَحَدَهُمَا لِوَاحِدٍ وَالْآخَرَ لِآخَرَ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَقْرَبُ اشْتِرَاطُ بُلُوغِهِ لَا رُشْدُهُ وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ ما لو شَرَطَاهُ لِكَافِرٍ وَالْمَبِيعُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ أو لِمُحْرِمٍ وَالْمَبِيعُ صَيْدٌ وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ فقال بَعْدَ نَقْلِهِ عن وَالِدِهِ عَدَمُ الْجَوَازِ احْتِمَالًا في الْأُولَى وَجَزْمًا في الثَّانِيَةِ الْأَصَحُّ عِنْدِي الْجَوَازُ فِيهِمَا وَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ معه أَيْ مع شَرْطِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ أو الْعَبْدِ الْمَبِيعِ لِلشَّارِطِ اقْتِصَارًا على الشَّرْطِ وفي مَعْنَى الْعَبْدِ الْأَمَةُ فَلَوْ مَاتَ الْأَجْنَبِيُّ ثَبَتَ الْخِيَارُ له أَيْ لِلشَّارِطِ وَلَوْ اشْتَرَى شيئا على أَنْ يُؤْمِرَا فُلَانًا فَيَأْتِي بِمَا يَأْمُرهُ بِهِ من فَسْخٍ وَإِجَازَةٍ ولم يُقَيِّدْ بِالثَّلَاثِ فما دُونَهَا لم يَصِحَّ كما لو بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ مُطْلَقًا وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ قَيَّدَ بِذَلِكَ صَحَّ وَيَأْتِي بِمَا يَأْمُرهُ بِهِ فُلَانٌ من فَسْخٍ وَإِجَازَةٍ فَإِنْ فَسَخَ ولم يُؤَامِرْهُ لم يَنْفَسِخْ عَمَلًا بِالشَّرْطِ وإذا مَضَتْ الْمُدَّةُ ولم يُؤَامِرْهُ وَآمَرَهُ ولم يُشِرْ عليه بِشَيْءٍ لَزِمَ الْعَقْدُ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ فُلَانًا أَنَّهُ لو لم يُعَيِّنْ أَحَدًا بَلْ قال على أَنْ أُشَاوِرَ كما يَقَعُ كَثِيرًا لم يَكْفِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِي وهو شَارِطٌ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ وَلَوْ شَرَطَ الْوَكِيلُ في الْبَيْعِ أو الشِّرَاءِ الْخِيَارَ لِلْمُوَكِّلِ أو لِنَفْسِهِ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ صَحَّ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ مُوَكِّلَهُ وَإِنْ اشْتَرَطَهُ لِمَنْ يُبَايِعْهُ بِأَنْ شَرَطَهُ وهو وَكِيلٌ في الْبَيْعِ لِلْمُشْتَرِي أو وَكِيلٌ في الشِّرَاءِ لِلْبَائِعِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَلَا يَتَجَاوَزُ الْخِيَارَ من شَرْطِهِ فَلَوْ شَرَطَ لِلْوَكِيلِ لم يَثْبُتْ لِلْمُوَكِّلِ وَبِالْعَكْسِ وَلَوْ أَذِنَ له فيه مُوَكِّلُهُ وَأَطْلَقَ فلم يَقُلْ لي وَلَا لَك فَاشْتَرَطَهُ الْوَكِيلُ وَأَطْلَقَ ثَبَتَ له دُونَ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ مُعْظَمَ أَحْكَامِ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ وَحْدَهُ
وَلَا يَلْزَمُ الْعَقْدُ بِرِضَا الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ الْخِيَارَ مَنُوطٌ بِرِضَا وَكِيلِهِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وفي الرَّوْضَةِ لو حَضَرَ مَجْلِسَ الْعَقْدِ وَمَنَعَ وَكِيلَهُ من الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ لم يُؤَثِّرْ على الْأَرْجَحِ لِأَنَّهُ من لَوَازِمِ السَّبَبِ السَّابِقِ وهو الْبَيْعُ وَكَخِيَارِ الْمَجْلِسِ فِيمَا قَالَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ لِتَلَازُمِهِمَا غَالِبًا كما مَرَّ وَلَا يَفْعَلُ الْوَكِيلُ حَيْثُ ثَبَتَ له الْخِيَارُ إلَّا ما فيه حَظُّ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ الْمَشْرُوطِ له الْخِيَارُ لَا يَلْزَمُهُ رِعَايَةُ الْحَظِّ قال في الْأَصْلِ كَذَا ذَكَرُوهُ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَجْعَلَ شَرْطَ الْخِيَارِ له ائْتِمَانًا وَهَذَا أَظْهَرُ إذَا جَعَلْنَا نَائِبًا عن الْعَاقِدِ يَعْنِي بِنَاءً على أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ له تَوْكِيلٌ أَيْ فَإِنْ جَعَلْنَا تَمْلِيكًا كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ تَخَيَّرَ كَالْمَالِكِ إذَا شَرَطَ له الْخِيَارَ وَمِنْ ثَمَّ قال الْغَزَالِيُّ في فَتَاوِيهِ كما نَقَلَهُ عنه الزَّرْكَشِيُّ لو قال الْأَجْنَبِيُّ عَزَلْت نَفْسِي لم يَنْعَزِلْ تَنْبِيهٌ قال الْبُلْقِينِيُّ لو عَزَلَ الْمُوَكِّلُ
____________________
(2/52)
وَكِيلَهُ في زَمَنِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ قبل التَّفَرُّقِ فَفِي الْبَحْرِ أَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ وَكَذَا لو مَاتَ الْمُوَكِّلُ في الْمَجْلِسِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِبُطْلَانِ الْوَكَالَةِ قبل تَمَامِ الْبَيْعِ وَاسْتَشْكَلَهُ تِلْمِيذُهُ الْعِرَاقِيُّ بِمَوْتِ الْوَكِيلِ فإن الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ وَمَعَ ذلك فَالْبَيْعُ مُسْتَمِرٌّ قَطْعًا وَيَنْتَقِلُ الْخِيَارُ لِلْمُوَكِّلِ على الْأَصَحِّ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ من بُطْلَانِ الْبَيْعِ بِمَوْتِ من يَقَعُ له الْعَقْدُ وَيَنْتَقِلُ إلَيْهِ الْخِيَارُ في الْجُمْلَةِ بُطْلَانُهُ بِمَوْتِ غَيْرِهِ هذا وَفِيمَا قَالَهُ في الْبَحْرِ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا نَظَرٌ فَصْلٌ الْمِلْكُ في الْمَبِيعِ في زَمَنِ الْخِيَارِ لِمَنْ انْفَرَدَ بِالْخِيَارِ من بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فيه وَانْفِرَادِهِ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ بِأَنْ يَخْتَارَ الْآخَرُ لُزُومَ الْعَقْدِ وَلَا بِأَنْ كان الْخِيَارُ لَهُمَا فَمَوْقُوفٌ أَيْ الْمِلْكُ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ بَانَ أَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي من حِينِ الْعَقْدِ وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ لِأَنَّ الْبَيْعَ سَبَبُ زَوَالِهِ إلَّا أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لم يَرْضَ بَعْدُ بِالزَّوَالِ جَزْمًا فَوَجَبَ انْتِظَارُ الْآخَرِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ تَخْصِيصُ ذلك بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ خِيَارُ الْمَجْلِسِ كَذَلِكَ أَيْ كما صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ نَفْسُهُ كَغَيْرِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُمَا لو شَرَطَاهُ لِأَجْنَبِيٍّ مُطْلَقًا أو عنهما كان الْمِلْكُ مَوْقُوفًا أو عن أَحَدِهِمَا كان لِذَلِكَ الْأَحَدِ وَلَا يَخْفَى ما في قَوْلِهِ الْمِلْكُ لِمَنْ انْفَرَدَ بِالْخِيَارِ من الْإِبْهَامِ لِأَنَّ من يَنْفَرِدُ بِهِ قد يَكُونُ أَحَدَ الْعَاقِدَيْنِ وقد يَكُونُ غَيْرَهُمَا وإذا كان أَحَدَهُمَا فَقَدْ يَعْقِدُ لِنَفْسِهِ وقد يَعْقِدُ لِغَيْرِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْكُلَّ كما لَا يَخْفَى وَالثَّمَنُ أَيْ الْمَالِكُ فيه لِلْآخَرِ إنْ انْفَرَدَ صَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ أو مَوْقُوفٌ إنْ كان الْخِيَارُ لَهُمَا وَلَوْ اجْتَمَعَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ لِأَحَدِهِمَا فَهَلْ يَغْلِبُ الْأَوَّلُ فَيَكُونُ الْمِلْكُ مَوْقُوفًا أو الثَّانِي فَيَكُونُ لِذَلِكَ الْأَحَدِ الظَّاهِرُ ما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ الْأَوَّلُ لِأَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ كما قال الشَّيْخَانِ أَسْرَعُ وَأَوْلَى ثُبُوتًا من خِيَارِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ أَقْصَرُ غَالِبًا وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيُّ الظَّاهِرُ الثَّانِي لِثُبُوتِ خِيَارِ الشَّرْطِ بِالْإِجْمَاعِ بَعِيدٌ كما لَا يَخْفَى فَلَوْ حَصَلَتْ زَوَائِدُ مُنْفَصِلَةٌ في زَمَنِ الْخِيَارِ كَلَبَنٍ وَبَيْضٍ وَثَمَرٍ وَمُهْرٍ وَكَسْبٍ فَهِيَ لِمَنْ له الْمِلْكُ وهو من انْفَرَدَ بِالْخِيَارِ وَإِلَّا فَمَوْقُوفَةٌ كَالْبَيْعِ فِيهِمَا أَمَّا الْمُتَّصِلَةُ فَتَابِعَةٌ لِلْأَصْلِ وَالْحَمْلُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْبَيْعِ كَالْأُمِّ في أَنَّهُ مَبِيعٌ لِمُقَابَلَتِهِ بِقِسْطٍ من الثَّمَنِ كما لو بِيعَ مَعَهَا بَعْدَ الِانْفِصَالِ لَا كَالزَّوَائِدِ الْحَاصِلَةِ في زَمَنِ الْخِيَارِ فَهُوَ مع أُمِّهِ كَعَيْنَيْنِ بِيعَتَا مَعًا فَإِنْ فُسِخَ الْبَيْعُ فَهُمَا لِلْبَائِعِ وَإِلَّا فَلِلْمُشْتَرِي بِخِلَافِ ما إذَا حَدَثَ في زَمَنِ الْخِيَارِ فإنه من الزَّوَائِدِ فَرْعٌ وَلِمَنْ له الْمِلْكُ في الْمَبِيعِ بِأَنْ كان الْخِيَارُ له وَحْدَهُ عِتْقُهُ أَيْ اعْتَاقَهُ في زَمَنِ الْخِيَارِ لَا لِلْآخَرِ فَلَيْسَ له إعْتَاقُهُ فَلَوْ أَعْتَقَهُ لم يَنْفُذْ وَلَوْ آلَ الْمِلْكُ إلَيْهِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ له حين إعْتَاقِهِ وَإِنْ كان الْخِيَارُ لَهُمَا وَأَعْتَقَهُ الْبَائِعُ نَفَذَ إعْتَاقُهُ لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ من الْفَسْخِ وَالْإِعْتَاقِ يَتَضَمَّنُهُ فَيَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَيْهِ قَبِيلَهُ أو أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَمَوْقُوفٌ أَيْ الْعِتْقُ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ بَانَ نُفُوذُهُ وَإِلَّا فَلَا فَرْعٌ وَمَتَى وَطِئَهَا أَيْ الْأَمَةَ الْمَبِيعَةَ في زَمَنِ الْخِيَارِ من انْفَرَدَ بِالْخِيَارِ حَلَّ أَيْ الْوَطْءُ لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فيها وَاسْتُشْكِلَ حِلُّ وَطْءِ الْمُشْتَرِي بِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ على الِاسْتِبْرَاءِ وهو غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ في زَمَنِ الْخِيَارِ على الْأَصَحِّ وَأَجَابَ عنه ابن الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِحِلِّ الْوَطْءِ حِلُّهُ الْمُسْتَنِدُ لِلْمِلْكِ لَا لِلِاسْتِبْرَاءِ أَيْ وَنَحْوُهُ كَحَيْضٍ وَإِحْرَامٍ على أَنَّهُ قد لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ زَوْجَتَهُ فَلَا يَحْرُمُ وَطْؤُهَا في زَمَنِ الْخِيَارِ من حَيْثُ الِاسْتِبْرَاءُ وَإِلَّا بِأَنْ كان الْخِيَارُ لَهُمَا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا الْوَطْءُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَلَا حَدَّ على الْوَاطِئِ لِشُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ له الْمِلْكُ مِنْهُمَا في زَمَنِ الْخِيَارِ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَلَا حَدَّ من زِيَادَتِهِ هُنَا ثُمَّ لَا مَهْرَ على الْبَائِعِ بِوَطْئِهِ وَيَنْفُذُ اسْتِيلَادُهُ حَيْثُ أَوْلَدَهَا إنْ كان
____________________
(2/53)
الْخِيَارُ فِيهِمَا له أو لَهُمَا لِأَنَّ وَطْأَهُ في الْأُولَى وَقَعَ في مِلْكِهِ وفي الثَّانِيَةِ يَتَضَمَّنُ الْفَسْخَ فَيَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَيْهِ قَبِيلَهُ بِخِلَافِ ما إذَا كان الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَسَيَأْتِي فَإِنْ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي بِلَا إذْنٍ من الْبَائِعِ وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ دُونَهُ فَوَطْؤُهُ لها حَرَامٌ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَلَا حَدَّ عليه مُطْلَقًا لِشُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ كما مَرَّ وَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ لِلْبَائِعِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ تَمَّ الْبَيْعُ أَمْ لَا لِأَنَّهُ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِشُبْهَةٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَوْلَهُ بِلَا إذْنٍ قَيْدٌ في الْأَخِيرَةِ فَقَطْ وَكَذَا يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ لو كان الْخِيَارُ لَهُمَا ولم يَتِمَّ الْبَيْعُ بِأَنْ فُسِخَ لَا إنْ تَمَّ بِنَاءً على أَنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ فِيهِمَا وَالْوَلَدُ الْحَاصِلُ منه حُرٌّ نَسِيبٌ في الْأَحْوَالِ كُلِّهَا أَيْ فِيمَا إذَا كان الْخِيَارُ له أو لِلْبَائِعِ أو لَهُمَا لِلشُّبْهَةِ وَحَيْثُ يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ لَا يَثْبُتُ اسْتِيلَادُهُ وَإِنْ مَلَكَ الْأَمَةَ بَعْدَ الْوَطْءِ لِانْتِفَاءِ مِلْكِهِ لها حين الْعُلُوقِ وَتَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْوَلَدِ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عليه رِقَّهُ فَإِنْ وَطِئَهَا الْبَائِعُ وَالْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي دُونَهُ فَكَمَا لو وَطِئَ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ دُونَهُ في وُجُوبِ الْمَهْرِ وثبوت الِاسْتِيلَادِ ووجوب الْقِيمَةِ وَسُقُوطِ الْحَدِّ يَعْنِي عَدَمَ وُجُوبِهِ وَذَكَرَهُ من زِيَادَتِهِ هُنَا وَلَوْ قال وَالْحَدُّ كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ فَرْعٌ لو تَلِفَ الْمَبِيعُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ بَعْدَ الْقَبْضِ وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ انْفَسَخَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ يَنْفَسِخُ بِذَلِكَ عِنْدَ بَقَاءِ يَدِهِ فَعِنْدَ بَقَاءِ مِلْكِهِ أَوْلَى وَلِأَنَّ نَقْلَ الْمِلْكِ بَعْدَ التَّلَفِ لَا يُمْكِنُ وَإِنْ كان الْمَبِيعُ مُودَعًا معه فإن الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِتَلَفِهِ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِ الْمُشْتَرِي وَيَرُدُّ أَيْ الْبَائِعُ عليه الثَّمَنَ وَلَهُ في الْمَسْأَلَتَيْنِ على الْمُشْتَرِي الْقِيمَةُ في الْمُتَقَوِّمِ وَالْمِثْلُ في الْمِثْلِيِّ كَضَمَانِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَامِ وَلَوْ كان الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ أو لَهُمَا فَتَلِفَ الْمَبِيعُ بَعْدَ قَبْضِهِ لم يَنْفَسِخْ أَيْ الْبَيْعُ لِدُخُولِهِ في ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ ولم يَنْقَطِعْ الْخِيَارُ كما لَا يَمْتَنِعُ التَّحَالُفُ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ وَيُفَارِقُ امْتِنَاعَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ التَّلَفِ لِأَنَّ الضَّرَرَ ثَمَّ يَنْدَفِعُ بِالْأَرْشِ وَلَزِمَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إنْ تَمَّ الْعَقْدُ وَإِنْ فُسِخَ فَالْقِيمَةُ أو الْمِثْلُ على الْمُشْتَرِي وَاسْتَرَدَّ الثَّمَنَ وَالْقَوْلُ عِنْدَ التَّنَازُعِ في قَدْرِهَا أَيْ الْقِيمَةِ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ الْغَارِمُ لها وَلَوْ أَتْلَفَهُ مُتْلِفٌ وَلَوْ بَعْدَ قَبْضِهِ وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ انْفَسَخَ الْبَيْعُ كما في صُورَةِ التَّلَفِ وَإِنْ كان الْخِيَارُ لَهُمَا أو لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ وَأَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ وَلَوْ قبل الْقَبْضِ لم يَنْفَسِخْ أَيْ الْبَيْعُ لِقِيَامِ الْبَدَلِ اللَّازِمِ له من قِيمَةٍ أو مِثْلِ مَقَامِهِ وقد ذَكَرَ لُزُومَ الْقِيمَةِ له بِقَوْلِهِ وَتَلْزَمُ الْقِيمَةُ لِلْمُشْتَرِي لِفَوَاتِ عَيْنِ الْمَبِيعِ وَالْخِيَارُ بِحَالِهِ وَإِنْ أَتْلَفَهُ الْمُشْتَرِي وَلَوْ قبل الْقَبْضِ وَالْخِيَارُ له أو لَهُمَا اسْتَقَرَّ عليه الثَّمَنُ لِأَنَّهُ بِإِتْلَافِهِ الْمَبِيعَ قَابِضٌ له كما لو أَتْلَفَ الْمَالِكُ الْمَغْصُوبَ في يَدِ الْغَاصِبِ أو أَتْلَفَهُ الْبَائِعُ وَلَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ فَكَتَلَفِهِ بِآفَةٍ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ما إذَا تَلِفَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ما إذَا تَلِفَ قَبْلَهُ وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ الْمَبِيعِ وكان مِمَّا يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ كَعَبْدَيْنِ تَلِفَ أَحَدُهُمَا في زَمَنِ الْخِيَارِ وَلَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ انْفَسَخَ فيه أَيْ في التَّلَفِ دُونَ الْبَاقِي وَإِلَّا بِأَنْ كان الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي أو لَهُمَا فَلَا يَنْفَسِخُ لِدُخُولِ الْمَبِيعِ في ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ فَرْعٌ التَّسْلِيمُ لِلْمَبِيعِ أو الثَّمَنِ في مُدَّةِ الْخِيَارِ لَا يَجِبُ لِاحْتِمَالِ الْفَسْخِ وَلَا يُبْطِلُهُ أَيْ التَّسْلِيمُ الْخِيَارَ فَلَوْ سَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا تَبَرُّعًا لم يَبْطُلْ خِيَارُهُ وَلَا يُجْبَرُ الْآخَرُ على تَسْلِيمِ ما عِنْدَهُ وإذا لم يَبْطُلْ خِيَارُهُ فَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ بِخِلَافِ ما لو سَلَّمَهُ بَعْدَ اللُّزُومِ فَرْعٌ لو اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فيه أَيْ في زَمَنِهِ وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَقَعَ الطَّلَاقُ عليها لِأَنَّهَا مَحَلٌّ له لِبَقَاءِ مِلْكِ الْبَائِعِ عليها وَكَذَا يَقَعُ إنْ فُسِخَ الْبَيْعُ وهو أَيْ وَالْخِيَارُ لَهُمَا لِتَبَيُّنِ بَقَاءِ مِلْكِهِ عليها لَا إنْ تَمَّ الْبَيْعُ لِتَبَيُّنِ أنها لَيْسَتْ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ لِمِلْكِ الزَّوْجِ لها وَإِنْ كان الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَتَمَّ الْبَيْعُ لم يَقَعْ أَيْضًا لِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَتِمَّ الْبَيْعُ بِأَنْ فُسِخَ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وهو ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ في بَابِهِ كَذَلِكَ بِنَاءً على أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ من حِينِهِ وَالثَّانِي يَقَعُ بِنَاءً على أَنَّهُ يَرْفَعُهُ من أَصْلِهِ وَيَحْرُمُ عليه وَطْؤُهَا في زَمَنِ الْخِيَارِ الثَّابِتِ له وَحْدَهُ لِجَهَالَةِ جِهَةِ الْمُبِيحِ له لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَطَأُ بِالْمِلْكِ أو بِالزَّوْجِيَّةِ وإذا اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ وَجَبَ التَّوَقُّفُ احْتِيَاطًا لِلْبُضْعِ بِخِلَافِ ما إذَا كان الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أو لَهُمَا فَيَجُوزُ الْوَطْءُ بِالزَّوْجِيَّةِ لِبَقَائِهَا وزاد
____________________
(2/54)
في الْمَجْمُوعِ على مَنْعِ حِلِّ الْوَطْءِ فِيمَا مَرَّ قال الرُّويَانِيُّ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ اسْتِبْرَاؤُهَا وَجْهَانِ بِنَاءً على جَوَازِ الْوَطْءِ إنْ حَرَّمْنَاهُ لَزِمَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ انْفَسَخَ الْبَيْعُ فَإِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ أو مَوْقُوفٌ فَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ أو لِلْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَنْفَسِخُ لِمِلْكِهِ لها وَالثَّانِي قال وهو ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ مُسْتَقَرٍّ قال الرُّويَانِيُّ وَلَوْ اشْتَرَى مُطَلَّقَتَهُ ثُمَّ رَاجَعَهَا في زَمَنِ الْخِيَارِ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ فَالرَّجْعَةُ بَاطِلَةٌ وَإِنْ فُسِخَ وَقُلْنَا الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ أو مَوْقُوفٌ صَحَّتْ أو لِلْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ انْتَهَى فَصْلٌ يَحْصُلُ الْفَسْخُ بِفَسَخْت الْبَيْعَ وَاسْتَرْجَعْت الْمَبِيعَ وَنَحْوَهُ كَأَزَلْت الْبَيْعَ وَرَفَعْته وَقَوْلُ من له الْخِيَارُ لَا أَبِيعُ إنْ كان بَائِعًا وَلَا أَشْتَرِي إنْ كان مُشْتَرِيًا حتى تَزِيدَ لي أو تَنْقُصَ لي في الثَّمَنِ أو الْأَجَلِ وَامْتِنَاعُ أَيْ مع امْتِنَاعِ الْآخَرِ من ذلك فَسْخٌ لِلْبَيْعِ وَكَذَا طَلَبُ الْبَائِعِ حُلُولَ الثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ وَطَلَبُ الْمُشْتَرِي تَأْجِيلَ الثَّمَنِ الْحَالِّ مع امْتِنَاعِ الْآخَرِ من ذلك وَقَوْلُهُ مِنْهُمَا من زِيَادَتِهِ فَرْعٌ عِتْقُ الْبَائِعِ الرَّقِيقَ الْمَبِيعَ إنْ كان الْخِيَارُ له وَوَطْؤُهُ الْأَمَةِ الْمَبِيعَةِ في قُبُلِهَا أَيْ كُلٌّ منها فَسْخٌ أَيْ مُتَضَمِّنٌ له وَإِنْ لم يَنْوِهِ بِهِ لِإِشْعَارِهِ بِعَدَمِ الْبَقَاءِ على الْبَيْعِ وَظُهُورِ النَّدَمِ وَيُخَالِفُ الرَّجْعَةَ حَيْثُ لَا تَحْصُلُ بِالْوَطْءِ لِأَنَّهَا لِتَدَارُكِ النِّكَاحِ وَابْتِدَاؤُهُ لَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ فَكَذَا تَدَارُكُهُ وَالْفَسْخُ هُنَا لِتَدَارُكِ الْمِلْكِ وَابْتِدَاؤُهُ يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ كَالسَّبْيِ وَالِاحْتِطَابِ فَكَذَا تَدَارُكُهُ وكان الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ إنْ كان له خِيَارٌ لِيَشْمَلَ ما إذَا كان الْخِيَارُ لَهُمَا وَإِنْ يُقَدِّمَ الشَّرْطَ على الْعِتْقِ وَالْوَطْءِ جميعا أو يُؤَخِّرَهُ عنهما لِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِيهِمَا وَكَلَامُ الْأَصْلِ مُوفٍ بِالْغَرَضِ وَلَا يُؤَثِّرُ في كَوْنِ الْوَطْءِ فَسْخًا كَوْنُهُ حَرَامًا فِيمَا إذَا كان الْخِيَارُ لَهُمَا وَالظَّاهِرُ كما قال الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ وَطْأَهُ إنَّمَا يَكُونُ فَسْخًا إذَا عَلِمَ أو ظَنَّ وهو مُخْتَارٌ أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ هِيَ الْمَبِيعَةُ ولم يَقْصِدْ بِوَطْئِهِ الزِّنَا وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ في مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ الْمُنَجَّزِ وَالْمُعَلَّقِ وفي الْمُعَلَّقِ وَجْهَانِ في الْبَحْرِ في بَابِ الرِّبَا وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَشْمَلُ عِتْقَ الْبَعْضِ
وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَكُونُ فَسْخًا في الْجَمِيعِ وَمَعَ كَوْنِ الْعِتْقِ فَسْخًا هو صَحِيحٌ إلَّا إنْكَارُهُ الْبَيْعَ فَلَيْسَ فَسْخًا لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي إزَالَةَ مِلْكٍ وَلَيْسَ بِعَقْدٍ لَازِمٍ بَلْ يُحْتَمَلُ معه التَّرَدُّدُ في الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ ولا مُبَاشَرَتُهُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَلَيْسَتْ فَسْخًا كَالِاسْتِخْدَامِ وَصَحَّحَ الْأَذْرَعِيُّ تَبَعًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ أنها فَسْخٌ لِأَنَّهَا لَا تُبَاعُ إلَّا بِالْمِلْكِ ثُمَّ قال وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ في الْمُبَاحَةِ له لَوْلَا الْبَيْعُ وَكَذَا الْوَطْءُ أَمَّا لو كانت مُحَرَّمَةً عليه بِتَمَجُّسٍ أو غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ فَسْخًا قَطْعًا وَمِنْ هذا وَطْءُ الْخُنْثَى وَاضِحًا وَعَكْسُهُ فَلَوْ اخْتَارَهُ الْمَوْطُوءُ في الثَّانِيَةِ الْأُنُوثَةَ بَعْدَهُ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْوَطْءِ السَّابِقِ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ في بَابِ الْأَحْدَاثِ وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لو اخْتَارَ الْوَاطِئُ في الْأُولَى الذُّكُورَةَ بَعْدَهُ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْوَطْءِ السَّابِقِ ولا الِاسْتِخْدَامُ كَالرُّكُوبِ فَلَيْسَ فَسْخًا لِأَنَّ مَقْصُودَ الْخِيَارِ التَّرَوِّي وَلَا تُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ إلَّا بِالِاسْتِخْدَامِ فَلَوْ جَعَلْنَاهُ فَسْخًا لَفَاتَ الْمَقْصُودُ وَلَوْ تَصَرَّفَ فيه بِبَيْعٍ وَإِجَازَةٍ وَنَحْوِ ذلك كَالتَّزْوِيجِ وَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَلَوْ من فَرْعِهِ مع الْقَبْضِ فِيهِمَا صَحَّ كُلٌّ منها وكان فَسْخًا كَالْعِتْقِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصِّحَّةَ تَتَأَخَّرُ عن الْفَسْخِ فَيُقَدَّرُ الْفَسْخُ قُبَيْلَ التَّصَرُّفِ كما يُقَدَّرُ الْمِلْكُ قُبَيْلَ الْعِتْقِ فِيمَا لو قال لِغَيْرِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِكَذَا فَأَجَابَهُ وَإِذْنُهُ لِلْمُشْتَرِي في الْعِتْقِ وفي التَّصَرُّفِ بِبَيْعٍ أو إجَارَةٍ أو تَزْوِيجٍ أو طَحْنٍ أو غَيْرِهَا
وفي الْوَطْءِ مع تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي وَوَطْئِهِ إجَازَةٌ من الطَّرَفَيْنِ لِدَلَالَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا على اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ وَصَحِيحٌ نَافِذٌ كَالْعِتْقِ وَكَذَا تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي مع الْبَائِعِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَمَّا مُجَرَّدُ الْإِذْنِ له في شَيْءٍ من ذلك فَلَيْسَ إجَازَةً منه كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ قال في الْمَجْمُوعِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالدَّلَالَةِ على الرِّضَا وهو حَاصِلٌ بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ انْتَهَى وَلَا تَخْفَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِذِكْرِ الْعِتْقِ لِشُمُولِ التَّصَرُّفِ له وَلَا لِذِكْرِ النُّفُوذِ لِلِاغْتِنَاءِ عنه بِالصِّحَّةِ وَلِهَذَا تَرَكَ الْأَوَّلَ في طَرَفِ الْمُشْتَرِي وَالثَّانِي في طَرَفِ الْبَائِعِ وَيَثْبُتُ بِالْوَطْءِ أَيْ وَطْءِ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ الِاسْتِيلَادُ لَا مَهْرُ وَلَا قِيمَةُ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ قد تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَطْءَ وَقَعَ في مِلْكِهِ وَإِنْ عَلِمَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ أَيْ بِوَطْءِ الْمُشْتَرِي أو تَصَرُّفِهِ وَسَكَتَ لم يَكُنْ سُكُوتُهُ إجَازَةً منه كما لو سَكَتَ على وَطْءِ أَمَتِهِ لَا يَسْقُطُ بِهِ الْمَهْرُ فَرْعٌ وَطْءُ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ إجَازَةٌ منه وَكَذَا عِتْقُهُ وَتَصَرُّفُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ وَإِنْ لم يَنْفُذْ بِأَنْ كان الْخِيَارُ لَهُمَا لِمَا فيه من إبْطَالِ خِيَارِ الْبَائِعِ بِخِلَافِ
____________________
(2/55)
عَكْسِهِ لِأَنَّ الْفَسْخَ أَقْوَى من الْإِجَارَةِ لِتَقَدُّمِهِ عليها كما مَرَّ وَأَمَّا عِتْقُهُ فَنَافِذٌ إنْ كان الْخِيَارُ له أو لَهُمَا وَتَمَّ الْبَيْعُ وما تَقَرَّرَ في وَطْءِ الْبَائِعِ وَعِتْقِهِ وَتَصَرُّفِهِ غَيْرَهَا يَأْتِي نَظِيرُهُ هُنَا وَلَيْسَ الْعَرْضُ على الْبَيْعِ وَلَا الْإِذْنُ فيه وَلَا الْهِبَةُ وَالرَّهْنُ بِلَا إقْبَاضٍ فِيهِمَا إجَازَةُ من الْمُشْتَرِي وَلَا فَسْخًا من الْبَائِعِ لِمَا مَرَّ في إنْكَارِ الْبَيْعِ وَلَوْ بَاعَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ الْمَبِيعَ في زَمَنِ الْخِيَارِ الثَّابِتِ له أو لَهُمَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ أو لَهُمَا فَقَرِيبٌ من الْهِبَةِ قبل الْقَبْضِ يَعْنِي الْخَالِيَةَ عن الْقَبْضِ كما عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ فَلَا يَكُونُ فَسْخًا وَلَا إجَازَةً بِنَاءً على أَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُ الْبَائِعِ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ وهو الْأَصَحُّ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ التَّصَرُّفُ من الْبَائِعِ فَسْخٌ وَمِنْ الْمُشْتَرِي إجَازَةٌ التَّصَرُّفُ الذي لم يُشْتَرَطْ فيه ذلك فَرْعٌ وَإِنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِجَارِيَةٍ وَالْخِيَارُ لَهُمَا فَأَعْتَقَهُمَا مَعًا في زَمَنِ الْخِيَارِ عَتَقَتْ الْجَارِيَةُ فَقَطْ لِمَا مَرَّ أَنَّ إعْتَاقَ الْبَائِعِ فيه نَافِذٌ مُتَضَمِّنٌ لِلْفَسْخِ وَأَنَّ الْفَسْخَ مُقَدَّمٌ على الْإِجَازَةِ وَإِنَّمَا لم يُعْتَقْ الْعَبْدُ لِأَنَّ فيه إبْطَالَ حَقِّ صَاحِبِهِ من الْخِيَارِ وَلَوْ كان الْخِيَارُ له أَيْ لِمُشْتَرِي الْعَبْدِ وَحْدَهُ عَتَقَ الْعَبْدُ لِأَنَّ اعْتَاقَهُ له إجَازَةٌ وَلِلْجَارِيَةِ فَسْخٌ وَالْإِجَازَةُ إبْقَاءٌ لِلْعَقْدِ وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ وَلِحُصُولِ عِتْقِ الْعَبْدِ بِلَا وَسَطٍ بِخِلَافِ عِتْقِهَا لَا بُدَّ فيه من تَقْدِيرِ تَقَدُّمِ الْفَسْخِ فَقُدِّمَتْ الْإِجَازَةُ هُنَا لِقُوَّتِهَا على أَنَّ اعْتَاقَهُ الْجَارِيَةَ لم يُصَادِفْ مِلْكَهُ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ له بَلْ لِلْبَائِعِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ أو كان الْخِيَارُ لِصَاحِبِهِ أَيْ لِبَائِعِ الْعَبْدِ وَحْدَهُ فَمَوْقُوفٌ أَيْ الْعِتْقُ فَإِنْ فُسِخَ الْبَيْعُ نَفَذَ الْعِتْقُ في الْجَارِيَةِ لِأَنَّهَا مِلْكُ مُعْتِقِهَا حَالَةَ اعْتِقَاقِهَا وَإِلَّا فَفِي الْعَبْدِ وَإِنْ لم يَكُنْ مِلْكَ مُعْتِقِهِ حَالَةَ إعْتَاقِهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لِقُوَّتِهِ وَتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَيْهِ لم يَلْغُ في مِثْلِ ذلك بَلْ وَقْفُ نُفُوذِهِ على تَمَامِ الْبَيْعِ هذا غَايَةُ ما يُوجِبُهُ نُفُوذُ عِتْقِ الْعَبْدِ الْقَائِلِ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا تَبَعًا لِلشَّيْخَيْنِ لَكِنَّ الْأَوْجَهَ عَدَمُ نُفُوذِهِ لِيُوَافِقَ ما قَدَّمُوهُ من أَنَّ الْمُشْتَرِي إذَا أَعْتَقَ الْمَبِيعَ في زَمَنِ الْخِيَارِ الْمَشْرُوطِ لِلْبَائِعِ لم يَنْفُذْ وَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ لِوُقُوعِهِ في مِلْكِ غَيْرِهِ وقد قال الْإِسْنَوِيُّ ما قَالَاهُ هُنَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّهُ كان الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَمِلْكُ الْمَبِيعِ له فَكَيْفَ يَنْفُذُ عِتْقُهُ بِإِعْتَاقِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ أَعْتَقَهُمَا الْبَائِعُ وَالْخِيَارُ لَهُمَا أَوْلَهُ أو لِصَاحِبِهِ فَعَلَى هذا الْقِيَاسِ وَالْعَبْدُ له في عِتْقِهِ كَالْجَارِيَةِ لِلْمُشْتَرِي في عِتْقِهَا وَلَا يَخْفَى تَقْرِيرُهُ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ وَالْعَبْدُ له كَالْجَارِيَةِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ فيه قلافة ( ( ( قلاقة ) ) ) وَلَمَّا فَرَغَ من خِيَارِ التَّرَوِّي أَخَذَ في خِيَارِ النَّقْصِ فقال بَابُ خِيَارِ النَّقْصِ وهو الْمُتَعَلِّقُ بِفَوَاتِ مَقْصُودِ مَظْنُونٍ نَشَأَ الظَّنُّ فيه من الْتِزَامٍ شَرْطِيٍّ أو قَضَاءٍ عُرْفِيٍّ أو تَغْرِيرٍ فِعْلِيٍّ كما قال يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِفَوَاتِ ما يُظَنُّ حُصُولُهُ بِشَرْطٍ أو عُرْفٍ أو تَغْرِيرٍ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ الْأَوَّلُ ما يُظَنُّ حُصُولُهُ بِشَرْطٍ وَفِيهِ غَرَضٌ مَقْصُودٌ فَإِنْ شَرَطَ كَوْنَهُ أَيْ الْمَبِيعَ الرَّقِيقَ كَاتِبًا أو خَبَّازًا أو مُسْلِمًا وَنَحْوَ ذلك من الْأَوْصَافِ الْمَقْصُودَةِ فَبَانَ خِلَافُهُ ثَبَتَ الْخِيَارُ لِفَوَاتِ فَضِيلَةِ ما شَرَطَ وَكَذَا إنْ شَرَطَ كَوْنَهُ كَافِرًا أو فَحْلًا أو مَجْنُونًا أو خَصِيًّا فَبَانَ خِلَافُهُ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ إذْ في الْكَافِرِ مَثَلًا فَوَاتُ كَثْرَةِ الرَّاغِبِينَ إذْ يَشْتَرِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَالْخَصِيُّ بِفَتْحِ الْخَاءِ من قُطِعَ أُنْثَيَيْهِ أو سُلِتَا وَبَقِيَ ذَكَرُهُ لَا إنْ شَرَطَ كَوْنَهُ أَقْلَفَ فَبَانَ مَخْتُونًا فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ إذَا لم يُفْتِ بِذَلِكَ غَرَضٌ مَقْصُودٌ إلَّا أَنْ كان الْأَقْلَفُ مَجُوسِيًّا بين مَجُوسٍ يَرْغَبُونَ فيه بِزِيَادَةٍ فَيَثْبُتُ بِذَلِكَ الْخِيَارُ أو شَرَطَ كَوْنَهَا أَيْ الْأَمَةَ بِكْرًا أو جَعْدَةَ الشَّعْرِ بِإِسْكَانِ عَيْنِ جَعْدَةِ فَبَانَ خِلَافُهُ لِفَوَاتِ فَضِيلَةِ الْبَكَارَةِ وَالتَّجَعُّدِ الدَّالِّ على قُوَّةِ الْبَدَنِ وهو ما فيه الْتِوَاءٌ وَانْعِقَاصٌ لَا الْمُفَلْفَلُ كَشُعُورِ السُّودَانِ لَا عَكْسَهُمَا بِأَنْ شَرَطَ كَوْنَهَا ثَيِّبًا أو سَبْطَةَ الشَّعْرِ بِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا أَيْ مُسْتَرْسِلَتَهُ فَبَانَ خِلَافُهُ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِمَّا شَرَطَهُ فَهُوَ كما لو شَرَطَ كَوْنَهُ فَاسِقًا أو خَائِنًا أو أُمِّيًّا وَأَحْمَقَ أو نَاقِصَ الْخِلْقَةِ فَبَانَ خِلَافُهُ
____________________
(2/56)
وَكَلَامُهُ كَالرَّوْضَةِ يُفْهِمُ اخْتِصَاصَ حُكْمِ التَّجَعُّدِ بِالْأَمَةِ وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ تَشْمَلُ الْعَبْدَ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَشْبَهُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُهُمَا أو شَرَطَ كَوْنَهَا يَهُودِيَّةً أو نَصْرَانِيَّةً فَبَانَتْ مَجُوسِيَّةً وَنَحْوَهُ الْأَوْلَى وَنَحْوَهَا كَوَثَنِيَّةٍ ثَبَتَ الْخِيَارُ لِفَوَاتِ حِلِّ الْوَطْءِ بِخِلَافِ ما لو شَرَطَ كَوْنَهَا يَهُودِيَّةً فَبَانَتْ نَصْرَانِيَّةً أو بِالْعَكْسِ وَيَثْبُتُ أَيْضًا فِيمَا لو شَرَطَ كَوْنَ الْكَافِرِ يَهُودِيًّا أو نَصْرَانِيًّا فَبَانَ مَجُوسِيًّا أو عَكْسَهُ وَبِعَكْسِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ فَرْعٌ قال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ قال أَصْحَابُنَا لو اشْتَرَى ثَوْبًا على أَنَّهُ قُطْنٌ فَبَانَ كَتَّانًا لم يَصِحَّ الشِّرَاءُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَيَكْفِي في الْوَصْفِ الْمَشْرُوطِ ما يَقَعُ عليه الِاسْمُ وَلَا تُشْتَرَطُ فيه النِّهَايَةُ فَفِي شَرْطِ الْكِتَابَةِ يَكْفِي اسْمُهَا وَإِنْ لم تَكُنْ حَسَنَةً فَلَوْ شَرَطَ حُسْنَهَا اُعْتُبِرَ حُسْنُهَا عُرْفًا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَخِيَارُ الْخَلْفِ على الْفَوْرِ فَلَوْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِهَلَاكٍ أو غَيْرِهِ فَلَهُ الْأَرْشُ كما في الْعَيْبِ الْأَمْرُ الثَّانِي ما يُظَنُّ حُصُولُهُ بِالْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ وهو السَّلَامَةُ من الْعَيْبِ الْآتِي ضَابِطُهُ وَيَلْزَمُهُ أَيْ الْبَائِعُ وَغَيْرُهُ عِنْدَ الْعِلْمِ بِهِ بَيَانُهُ أَيْ الْعَيْبِ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ لم يَثْبُتْ الْخِيَارُ له لِخَبَرِ من غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِخَبَرِ الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَحِلُّ لِمَنْ بَاعَ من أَخِيهِ بَيْعًا يَعْلَمُ فيه عَيْبًا إلَّا بَيَّنَهُ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وقال صَحِيحٌ على شَرْطِهِمَا وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ وَكَالْعَيْبِ في ذلك كُلُّ ما يَكُونُ تَدْلِيسًا كَتَلْطِيخِ ثَوْبِ عَبْدِهِ بِمِدَادٍ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ كما قال الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ لَا يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ مَعِيبًا أو بِهِ جَمِيعُ الْعُيُوبِ أو أَبِيعُهُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ من الْعُيُوبِ أو يَقُولَ الْفَقِيهُ عن كِتَابِهِ الْمَغْلُوطِ هو غَيْرُ مُقَابِلٍ أو يَحْتَاجُ إلَى مُقَابَلَةِ بَلْ لَا بُدَّ من بَيَانِ الْعَيْبِ الْمَعْلُومِ بِعَيْنِهِ فَمِنْ الْعُيُوبِ الْخِصَاءُ بِالْمَدِّ وَلَوْ لِبَهِيمَةٍ وَالْجُبُّ لِلذَّكَرِ أَيْ قَطْعَهُ لِلنَّقْصِ الْمُفَوِّتِ لِلْغَرَضِ من الْفَحْلِ فإنه يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ له الْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهَا بِاعْتِبَارٍ آخَرَ ومنها مَرَّةٌ من كُلٍّ من الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْإِبَاقِ من الرَّقِيقِ وَلَوْ صَغِيرًا لِنَقْصِ قِيمَتِهِ بِكُلٍّ منها وَلَوْ تَابَ منها فَإِنَّهَا عُيُوبٌ لِأَنَّ تُهْمَةَ الزِّنَا لَا تَزُولُ وَلِهَذَا لَا يَعُودُ إحْصَانُ الْحُرِّ الزَّانِي بِالتَّوْبَةِ وَعَدُّ السَّرِقَةِ وَالْإِبَاقِ مع التَّوْبَةِ من الْعُيُوبِ من زِيَادَتِهِ قَاسَهُمَا على الزِّنَا وهو مَرْدُودٌ
فَقَدْ قال الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ اقْتَضَضْتُكِ وَغَيْرُهُمْ بِخِلَافِ ما لو شَرِبَ خَمْرًا ثُمَّ تَابَ لَا يُرَدُّ بِهِ لِأَنَّ التَّوْبَةَ تَنْفِي سِمَةَ الشُّرْبِ وَلَا تَنْفِي سِمَةَ الزِّنَا بِدَلِيلِ أَنَّ قَاذِفَ الزَّانِي لَا يُحَدُّ وَسَيَأْتِي في الْمُرْتَدِّ عن الْكِفَايَةِ ما يُؤَيِّدُهُ وَلَا يَمْنَعُ الْمُشْتَرِيَ من الرَّدِّ بِكُلٍّ من الثَّلَاثَةِ وُجُودُهُ عِنْدَهُ ثَانِيًا لِأَنَّ الثَّانِيَ من آثَارِ الْأَوَّلِ وقال الْمُتَوَلِّي إنْ زَادَتْ قِيمَةُ الْمَبِيعِ نَقْصًا بِذَلِكَ فَلَا رَدَّ وَإِلَّا فَلَهُ الرَّدُّ ومنها الْبَخَرُ النَّاشِئُ من تَغَيُّرِ الْمَعِدَةِ لَا من قُلْحِ الْأَسْنَانِ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ لِأَنَّهُ يَزُولُ بِالتَّنْظِيفِ وَالتَّقْيِيدُ بِكَوْنِهِ من الْمَعِدَةِ حَكَاهُ الْقَاضِي مُجَلِّي عن بَعْضِهِمْ ثُمَّ قال وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّ الْبَخَرَ لَا يَكُونُ إلَّا منها وَالصُّنَانُ الْمُسْتَحْكِمُ الْمُخَالِفُ لِلْعَادَةِ دُونَ ما يَكُونُ لِعَارِضِ عَرَقٍ أو حَرَكَةٍ عَنِيفَةٍ أو اجْتِمَاعِ وَسَخٍ وَلَوْ تَرَكَ الْمُسْتَحْكِمَ كما تَرَكَهُ الْقَاضِي مُجَلِّي وَغَيْرُهُ لَكَفَى عنه ما بَعْدَهُ ومنها اعْتِيَادُ ابْنِ سَبْعٍ من السِّنِينَ بَوْلِهِ بِالْفِرَاشِ بِخِلَافِ من دُونَهَا أَيْ تَقْرِيبًا لِقَوْلِ الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مِثْلُهُ يُحْتَرَزُ منه وَالْمَرَضُ وَلَوْ غير مَخُوفٍ نعم إنْ كان قَلِيلًا كَصُدَاعٍ يَسِيرٍ فَفِي الرَّدِّ بِهِ نَظَرٌ قَالَهُ السُّبْكِيُّ ثُمَّ قال وقال ابن يُونُسَ وابن الرِّفْعَةِ إنَّ
____________________
(2/57)
الْمَرَضَ وَإِنْ قَلَّ عَيْبٌ وقال الْعِجْلِيّ إنْ كان الْمَرَضُ يَزُولُ بِالْمُعَالَجَةِ السَّرِيعَةِ فَلَا خِيَارَ كما لو غُصِبَ وَأَمْكَنَ الْبَائِعَ رَدُّهُ سَرِيعًا وهو حَسَنٌ انْتَهَى
وَكَوْنُهُ أَيْ الرَّقِيقُ مَجْنُونًا وَلَوْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ أو مُخَبَّلًا بِالْمُوَحَّدَةِ وهو من في عَقْلِهِ خَبَلٌ أَيْ فَسَادٌ أو أَبْلَهَ وهو من غَلَبَ عليه سَلَامَةُ الصَّدْرِ رَوَى أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْبُلْهُ أَيْ في أَمْرِ الدُّنْيَا لِقِلَّةِ اهْتِمَامِهِمْ بها وَهُمْ أَكْيَاسٌ في أَمْرِ الْآخِرَةِ أو أَشَلَّ أو أَقْرَعُ وهو من ذَهَبَ شَعْرُ رَأْسِهِ بِآفَةٍ أو أَصَمَّ وهو من لم يَسْمَعْ أو أَعْوَرَ وهو من ذَهَبَ بَصَرُ إحْدَى عَيْنَيْهِ أو أَخْفَشَ وهو صَغِيرُ الْعَيْنِ ضَعِيفُ الْبَصَرِ خِلْقَةً وَيُقَالُ هو من يُبْصِرُ بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ وفي الْغَيْمِ دُونَ الصَّحْوِ وَكِلَاهُمَا عَيْبٌ ذَكَرَهُ في الرَّوْضَةِ هُنَا أو أَجْهَرَ وهو لَا يُبْصِرُ في الشَّمْسِ أو أَعْشَى وهو من يُبْصِرُ بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ وفي الصَّحْوِ دُونَ الْغَيْمِ وَالْمَرْأَةُ عَشْوَاءُ أو أَخْشَمَ أو أَبْكَمَ أَيْ أَخْرَسَ أو أَرَتَّ لَا يَفْهَمُ كَلَامَهُ غَيْرُهُ أو فَاقِدَ الذَّوْقِ أو أُنْمُلَةٍ أو الظُّفْرِ أو الشَّعْرِ وَلَوْ عَانَهُ أو في رَقَبَتِهِ لَا في ذِمَّتِهِ فَقَطْ دَيْنٌ أو بَانَ كَوْنُهُ مَبِيعًا في جِنَايَةِ عَمْدٍ لم يَتُبْ منها فَإِنْ تَابَ منها فَوَجْهَانِ في الْأَصْلِ وَقِيَاسُ ما قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ في السَّرِقَةِ وَالْإِبَاقِ أَنَّهُ عَيْبٌ أَيْضًا وَقِيَاسُ ما قَدَّمْته أَنَّهُ ليس بِعَيْبٍ وهو الْأَوْجَهُ وَكَلَامُ الزَّرْكَشِيّ يَمِيلُ إلَيْهِ وَقَوْلُ السُّبْكِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَيْبًا كَالزِّنَا فيه نَظَرٌ أو كَوْنُهُ مُكْثِرًا لِجِنَايَةِ الْخَطَأِ بِخِلَافِ ما إذَا قَلَّ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ الْقَلِيلَ مَرَّةً وَالْكَثِيرَ فَوْقَهَا أو له أُصْبُعُ زَائِدَةٌ أو سِنٌّ شَاغِيَةٌ بِشِينٍ وَغَيْنٍ مُعْجَمَيْنِ أَيْ زَائِدَةٍ يُخَالِفُ نَبْتُهَا نَبْتَةَ بَقِيَّةِ الْأَسْنَانِ أو سِنٌّ مَقْلُوعَةٌ لَا لِكِبَرٍ أو بِهِ قُرُوحٌ أو ثَآلِيلُ كَثِيرَةٌ بِالْمُثَلَّثَةِ وَالْمَدِّ جَمْعُ ثَأْلُولَةٍ أو كَوْنُهُ أَبْهَقَ من الْبَهَقِ وهو بَيَاضٌ يَعْتَرِي الْجِلْدَ يُخَالِفُ لَوْنَهُ وَلَيْسَ من الْبَرَصِ فَعُلِمَ منه حُكْمُ الْبَرَصِ وَالْجُذَامِ كما عُلِمَ من الْمَرَضِ وَمِنْ الضَّابِطِ الْآتِي أو أَبْيَضَ الشَّعْرِ في غَيْرِ سِنِّهِ وَلَا تَضُرُّ حُمْرَتُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَضُرُّ خُضْرَتُهُ قال الرُّويَانِيُّ أو كَوْنُهُ أَعْسَرَ وَفَصَلَ ابن الصَّلَاحِ فقال إنْ كان أَضْبَطَ وهو الذي يَعْمَلُ بِيَدَيْهِ مَعًا فَلَيْسَ بِعَيْبٍ لِأَنَّ ذلك زَائِدَةٌ في الْقُوَّةِ وَإِلَّا فَهُوَ عَيْبٌ وما قَالَهُ مُتَعَيِّنٌ وَمِنْهَا كَوْنُهُ أَيْ الرَّقِيقِ نَمَّامًا أو كَذَّابًا أو سَاحِرًا أو قَاذِفًا لِلْمُحْصَنَاتِ أو مُقَامِرًا أو تَارِكًا لِلصَّلَاةِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ تَرْكِ ما يُقْتَلُ بِهِ منها أو شَارِبًا لِخَمْرٍ أو نَحْوِهِ مِمَّا يُسْكِرُ وَإِنْ لم يَسْكَرْ بِشُرْبِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ في الْمُسْلِمِ دُونَ من يُعْتَادُ ذلك من الْكُفَّارِ فإنه غَالِبٌ فِيهِمْ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ أو مُزَوَّجًا أو خُنْثَى مُشْكِلًا أو وَاضِحًا أو مُخَنَّثًا بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا وهو أَفْصَحُ وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ وهو الذي تُشْبِهُ حَرَكَاتُهُ حَرَكَاتِ النِّسَاءِ خُلُقًا أو تَخَلُّقًا أو مُمَكِّنًا من نَفْسِهِ وَإِنْ كان صَغِيرًا لِأَنَّهُ يَعْتَادُهُ وَيَأْلَفُهُ وَهَذَا يُغْنِي عنه كَوْنُهُ زَانِيًا أو مُرْتَدًّا
قال في الْكِفَايَةِ فَإِنْ تَابَ قبل الْعِلْمِ فَقِيلَ عَيْبٌ وَالْمَذْهَبُ الْمَنْعُ قال السُّبْكِيُّ الْأَوْلَى ما قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ عَيْبٌ وَتَبِعَهُ الْأَذْرَعِيُّ قُلْت وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَأَوْفَقُ بِالْمَنْقُولِ في نَظَائِرِهِ لِأَنَّ التَّوْبَةَ تَجُبُّ ما قَبْلَهَا وَإِنَّمَا خُولِفَ في الزِّنَا لِمَا مَرَّ فيه أو كَوْنُهَا أَيْ الْأَمَةِ رَتْقَاءَ أو قُرَنَاءَ أو مُسْتَحَاضَةً أو يَتَطَاوَلُ طُهْرُهَا فَوْقَ الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ أو لَا تَحِيضُ وَهِيَ في سِنِّهِ أَيْ الْحَيْضِ غَالِبًا بِأَنْ بَلَغَتْ عِشْرِينَ سَنَةً قَالَهُ الْقَاضِي لِأَنَّ ذلك إنَّمَا يَكُونُ لِعِلَّةٍ أو مُزَوَّجَةٍ هذا يُغْنِي عنه قَوْلُهُ فِيمَا مَرَّ مُزَوَّجًا أو حَامِلًا لِأَنَّهُ يَخَافُ من هَلَاكِهَا بِالْوَضْعِ لَا في الْبَهَائِم إذَا لم تَنْقُصْ بِالْحَمْلِ فَلَيْسَ عَيْبًا فيها لِأَنَّ الْغَالِبَ فيها السَّلَامَةُ أو مُعْتَدَّةٍ قال الزَّرْكَشِيُّ قال الْجِيلِيُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً عليه بِنَسَبٍ أو رَضَاعٍ أو مُصَاهَرَةٍ قال وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ أو مُحْرِمَةً
____________________
(2/58)
بِإِذْنٍ من الْبَائِعِ بِخِلَافِ الْمُحْرِمَةِ بِلَا إذْنٍ لِأَنَّ له تَحْلِيلَهَا كَالْبَائِعِ وَكَالْمُحْرِمَةِ وَلَوْ قال أو مُحْرِمًا قبل قَوْلِهِ أو كَوْنِهَا لَشَمِلَهُمَا وَكَذَا كُفْرُ رَقِيقٍ لم يُجَاوِرْهُ كُفَّارٌ كَأَنْ يَكُونَ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ عَيْبٌ لِقِلَّةِ الرَّغْبَةِ فيه فَإِنْ جَاوَرَهُ كُفَّارٌ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ أو كَافِرَةٍ كُفْرُهَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ كَوَثَنِيَّةٍ أو مَجُوسِيَّةٍ وَاصْطِكَاكِ الْكَعْبَيْنِ وَانْقِلَابِ الْقَدَمَيْنِ إلَى الْوَحْشِيِّ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ وَيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ هو ظَهْرُ الرَّجُلِ وَالْيَدُ وَيُقَالُ لِلْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أو الْأَيْسَرِ وَكِلَاهُمَا عَيْبٌ وَسَوَادِ الْأَسْنَانِ
وَكَذَا خُضْرَتُهَا وَزُرْقَتُهَا وَحُمْرَتُهَا فِيمَا يَظْهَرُ وَتَرَاكُمِ الْوَسَخِ الْفَاحِشِ في أُصُولِهَا عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَالْحَفْرُ في الْأَسْنَانِ وهو تَرَاكُمُ الْوَسَخِ الْفَاحِشِ في أُصُولِهَا قال الزَّرْكَشِيُّ وَاَلَّذِي في الصَّحَّاحِ الْحَفْرُ بِالتَّحْرِيكِ فَسَادُ أُصُولِ الْأَسْنَانِ وَهَذَا هو الظَّاهِرُ لِأَنَّ الْوَسَخَ يُمْكِنُ إزَالَتُهُ انْتَهَى وهو حَسَنٌ إلَّا في ضَبْطِ الْحَفْرِ فَفِيهِ في الصَّحَّاحِ التَّسْكِينُ أَيْضًا وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ الْكَثَرُ وَالْكَلَفُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَاللَّامِ الْمُغَيِّرُ لِلْبَشَرَةِ قال في الصَّحَّاحِ الْكَلَف شَيْءٌ يَعْلُو الْوَجْهَ كَالسِّمْسِمِ وَالْكَلَفُ لَوْنٌ بين السَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ وَهِيَ حُمْرَةٌ كَدِرَةٌ تَعْلُو الْوَجْهَ انْتَهَى وَكِلَاهُمَا عَيْبٌ وَذَهَابِ الْأَشْفَارِ من الْأَمَةِ وَكِبَرِ أَحَدِ ثَدْيَيْهَا وَالْخِيلَانِ الْكَثِيرَةِ بِكَسْرِ الْخَاءِ جَمْعُ خَالٍ وهو الشَّامَةُ وَآثَارِ الشِّجَاجِ وَالْقُرُوحِ وَالْكَيِّ الشَّائِنَةِ بِتَقْدِيمِ الْيَاءِ على النُّونِ من شَانَهُ يَشِينُهُ وَهَذَا الْقَيْدُ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ قَطَعَ من فَخِذِهِ أو سَاقِهِ قِطْعَةً يَسِيرَةً ولم يُورِثْ شيئا ولم يُفَوِّتْ غَرَضًا لم يَضُرَّ وَإِلَّا ضَرَّ وَكَوْنُ الدَّابَّةِ جَمُوحًا أَيْ تَمْتَنِعُ على رَاكِبِهَا أو عَضُوضًا أو رَمُوحًا أو نُفُورًا أو تَشْرَبُ لَبَنَهَا قال الْأَذْرَعِيُّ أو لَبَنَ غَيْرِهَا أو تَكُونُ بِحَيْثُ تُسْقِطُ رَاكِبَهَا بِأَنْ يَخَافَ منها سُقُوطَهُ بِخُشُونَةِ الْمَشْيِ أو كَوْنِهَا دَرْدَاءَ بِوَزْنِ صَحْرَاءَ أَيْ سَاقِطَةَ الْأَسْنَانِ لَا لِكِبَرٍ أو قَلِيلَةِ الْأَكْلِ
ومن الْعُيُوبِ اخْتِصَاصُ الدَّارِ بِنُزُولِ الْجُنْدِ فيها بِخِلَافِ ما إذَا كان ما حَوْلَهَا بِمَثَابَتِهَا وَمُجَاوَرَةِ قَصَّارِينَ لها يُؤْذُونَ هَا بِالدَّقِّ أو يُزَعْزِعُونَهَا عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيُزَعْزِعُونَ الْأَبْنِيَةَ فَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِأَوْ يُفِيدُ أَنَّ كِلَاهُمَا عَيْبٌ وهو حَسَنٌ ومنها أَنْ تَظْهَرَ الضَّيْعَةُ مُتَّصِفَةً بِثِقَلِ الْخَرَاجِ فَوْقَ الْعَادَةِ في أَمْثَالِهَا وَإِنْ كنا لَا نَرَى أَصْلَ الْخَرَاجِ في تِلْكَ الْبِلَادِ لِقِلَّةِ الرَّغَبَاتِ فيها ومنها أَنْ تَكُونَ بِقُرْبِ الْأَرْضِ قُرُودٌ تُفْسِدُ الزَّرْعَ وَلَا أَثَرَ لِظَنِّهِ سَلَامَتَهَا أَيْ الْأَرْضِ من خَرَاجٍ مُعْتَادٍ بِأَنْ ظَنَّ أَنْ لَا خَرَاجَ عليها أو أَنَّ عليها خَرَاجًا دُونَ خَرَاجِ أَمْثَالِهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ عَدَمُ سَلَامَتِهَا من ذلك لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِعَدَمِ الْبَحْثِ أَمَّا إذَا زَادَ على عَادَةِ أَمْثَالِهَا فَلَهُ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ومنها نَجَاسَةُ ما يَنْقُصُ بِالْغُسْلِ قال الْأَذْرَعِيُّ أو كان لِغَسْلِهِ مُؤْنَةٌ كما لو اشْتَرَى بُسُطًا كَثِيرَةً فَوَجَدَهَا مُتَنَجِّسَةً لَا تُغْسَلُ إلَّا بِإِجَارَةٍ لها وَقَعَ وَتَشْمِيسُ الْمَاءِ لِقِلَّةِ الرَّغَبَاتِ فيه قال الزَّرْكَشِيُّ وهو قَوِيٌّ إذَا قُلْنَا بِعَدَمِ زَوَالِ الْكَرَاهَةِ فيه إذَا بَرَدَ قال وَعَلَى قِيَاسِهِ فَالْمُسْتَعْمَلُ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ كَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى لِلِاخْتِلَافِ في عَوْدِ طَهُورِيَّتِهِ وَلِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ وَكَذَا الْمَاءُ إذَا وَقَعَ فيه ما لَا نَفْسَ له سَائِلَةً وَغَيْرَهُ من الْمُخْتَلَفِ فيه وَوُجُودُ رَمْلٍ في بَاطِنِ أَرْضِ الْبِنَاءِ أَيْ الْمَطْلُوبَةِ له وَأَحْجَارٍ مَخْلُوقَةٍ في بَاطِنِ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ وَالْغِرَاسِ أَيْ الْمَطْلُوبَةِ لَهُمَا إذَا كانت الْحِجَارَةُ بِحَيْثُ تَضْرِبُهُمَا بِأَنْ تَكُونَ قَرِيبَةً من وَجْهِ الْأَرْضِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أنها إذَا أَضَرَّتْ بِأَحَدِهِمَا لَا تَكُونُ عَيْبًا وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ عَيْبٌ فِيمَا إذَا أَضَرَّتْ بِالْغِرَاسِ دُونَ الزِّرَاعَةِ وَيُقَاسُ بِهِ عَكْسُهُ
أَمَّا الْمَدْفُونَةُ فَإِنْ أَمْكَنَ قَلْعُهَا عن قُرْبٍ بِحَيْثُ لَا تَمْضِي مُدَّةٌ يَكُونُ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ وَإِلَّا فَعَيْبٌ وَالْحُمُوضَةُ في الْبِطِّيخِ إلَّا الرُّمَّانَ عَيْبٌ لِأَنَّهَا لَا تُطْلَبُ في الْبِطِّيخِ أَصْلًا
____________________
(2/59)
وَتُطْلَبُ في الرُّمَّانِ كما يُطْلَبُ فيه الْحُلْوُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْمُرَادُ أنها تَخْرُجُ من نَوْعِ الْحَامِضِ أَمَّا الْخَارِجَةُ من الْحُلْوِ فَعَيْبٌ كَالْبِطِّيخِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَيْبٍ إيضَاحٌ فَرْعٌ لَا رَدَّ بِكَوْنِ الرَّقِيقِ رَطْبَ الْكَلَامِ أو غَلِيظَ الصَّوْتِ أو بِكَوْنِهِ يُعْتَقُ على الْمُوَكِّلِ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَقُ عليه بَعْدَ دُخُولِهِ في مِلْكِهِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ يُعْتَقُ على الْمُشْتَرِي وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَوْلَى وَأَوْلَى مِنْهُمَا مَعًا أَنْ يُقَالَ يُعْتَقُ على من وَقَعَ له الْعَقْدُ فَيَشْمَلُ الْمُوَكِّلَ وَالْمُشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ أو بِكَوْنِهِ سَيِّئَ الْأَدَبِ أو بِكَوْنِهِ وَلَدَ زِنًا أو مُغَنِّيًا أو زَامِرًا أو عَارِفًا بِالضَّرْبِ بِالْعُودِ أو حَجَّامًا أو أَكُولًا أو قَلِيلَ الْأَكْلِ بِخِلَافِ قِلَّةِ أَكْلِ الدَّابَّةِ كما مَرَّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَا يَتَّضِحُ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ فَكَمَا تُؤَثِّرُ قِلَّةُ أَكْلِهَا في قُوَّتِهَا وَعَمَلِهَا كَذَلِكَ قِلَّةُ أَكْلِهِ انْتَهَى وقد يُفَرَّقُ لِأَنَّ قِلَّةَ الْأَكْلِ مَحْمُودَةٌ في الْآدَمِيِّ شَرْعًا وَعُرْفًا بِخِلَافِهِ في الدَّابَّةِ وَلَا بِكَوْنِهَا ثَيِّبًا إلَّا في غَيْرِ أَوَانِهَا أَيْ أَوَانِ ثُيُوبَتِهَا بِأَنْ كانت صَغِيرَةً يُعْهَدُ في مِثْلِهَا الْبَكَارَةُ وَلَا بِكَوْنِهَا عَقِيمًا أَيْ لَا تَحْمِلُ وَلَا بِكَوْنِ الْعَبْدِ عِنِّينًا أَيْ عَاجِزًا عن الْوَطْءِ لِضَعْفٍ يَمْنَعُ الِانْتِشَارَ وَلَا بِكَوْنِهَا مُحَرَّمًا لِلْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ ثَمَّ عَامٌّ فَيُقَلِّلُ الرَّغْبَةَ بِخِلَافِهِ هُنَا وَلَا بِكَوْنِهَا صَائِمَةً لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَمْنَعُ من الْخِدْمَةِ بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ فإن أَعْمَالَهُ تَمْنَعُ من ذلك وَهَذَانِ الْحُكْمَانِ ذَكَرَهُمَا الْأَصْلُ قال الرُّويَانِيُّ وَلَا رَدَّ بِكَوْنِ الْعَبْدِ فَاسِقًا بِالْإِجْمَاعِ قال السُّبْكِيُّ وهو مُقَيَّدٌ بِفِسْقٍ لَا بِكَوْنِ سَبَبِهِ عَيْبًا وَلَيْسَ عَدَمُ الْخِتَانِ عَيْبًا إلَّا في عَبْدٍ كَبِيرٍ فَيَكُونُ عَيْبًا فيه خَوْفًا عليه من الْخِتَانِ بِخِلَافِهِ في الْأَمَةِ الْكَبِيرَةِ لِأَنَّ خِتَانَهَا سَلِيمٌ لَا يَخَافُ عليها منه وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَا بِكَوْنِ الْأَمَةِ مَجْنُونَةً وَلَا بِكَوْنِ الْعَبْدِ مَخْتُونًا أو غير مَخْتُونٍ إلَّا إذَا كان كَبِيرًا يَخَافُ عليه من الْخِتَانِ انْتَهَى وَضَبَطَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالرُّويَانِيُّ الصِّغَرَ هُنَا بِسَبْعِ سِنِينَ فَأَقَلَّ وَغَيْرُهُ بِأَنْ يَكُونَ مَخْتُونًا في الْعَادَةِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا أَحْسَنُ وَكَلَامُ كَثِيرٍ يُفْهِمُ ضَبْطَهُ بِعَدَمِ الْبُلُوغِ وَهَذَا هو الظَّاهِرُ وَلَوْ ظَنَّ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ مَالِكًا فَبَانَ وَكِيلًا وَنَحْوَهُ كَوَلِيٍّ أو وَصِيٍّ لم يَرُدَّ وَلَا نَظَرَ إلَى خَطَرِ فَسَادِ النِّيَابَةِ وَمِنْ الْعُيُوبِ ظُهُورُ مَكْتُوبٍ بِوَقْفِيَّةِ الْمَبِيعِ ولم يَثْبُتْ وَكَذَا شُيُوعُهَا بين الناس وَشِقُّ أُذُنِ الشَّاةِ إنْ مَنَعَ الْإِجْزَاءَ في الْأُضْحِيَّةَ وَلَا مَطْمَعَ في اسْتِيفَاءِ الْعُيُوبِ الْمُثْبِتَةِ لِلرَّدِّ ولكن الضَّابِطَ الْجَامِعَ لها أَنَّ الرَّدَّ يَثْبُتُ بِكُلِّ ما يُنْقِصُ الْعَيْنَ أو الْقِيمَةَ تَنْقِيصًا يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ وَالْغَالِبُ في أَمْثَالِهِ أَيْ الْمَبِيعِ عَدَمُهُ إذْ الْغَالِبُ في الْأَعْيَانِ السَّلَامَةُ فَبَذْلُ الْمَالِ يَكُونُ في مُقَابَلَةِ السَّلِيمِ فإذا بَانَ الْعَيْبُ وَجَبَ التَّمَكُّنُ من التَّدَارُكِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ عن قَطْعِ أُصْبُعٍ زَائِدَةٍ وَفِلْقَةٍ يَسِيرَةٍ من فَخِذِهِ أو سَاقِهِ لَا يُورِثُ شَيْنًا وَلَا يُفَوِّتُ غَرَضًا فَلَا رَدَّ بِهِ كما مَرَّ بِقَوْلِهِ وَالْغَالِبُ إلَى آخِرِهِ عَمَّا لَا يَغْلِبُ فيه ذلك كَلَقْعِ السِّنِّ في الْكِبَرِ وَالثُّيُوبَةِ في أَوَانِهَا في الْأَمَةِ وَإِنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ بِذَلِكَ فَلَا رَدَّ بِشَيْءٍ منه كما مَرَّ وَقَوْلُهُ يُنَقِّصُ بِالتَّشْدِيدِ بِوَزْنِ يُكَلِّمُ بِقَرِينَةِ الْمَصْدَرِ وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَالْفَصِيحُ يُنْقِصُ بِالتَّخْفِيفِ قال تَعَالَى ثُمَّ لم يُنْقِصُوكُمْ شيئا قَاعِدَةٌ الْعَيْبُ سِتَّةُ أَقْسَامٍ في الْبَيْعِ وَالزَّكَاةِ وَالْغُرَّةِ وَالصَّدَاقِ إذَا لم يُفَارِقْ قبل الدُّخُولِ ما مَرَّ وفي الْكَفَّارَةِ ما أَضَرَّ بِالْعَمَلِ إضْرَارًا بَيِّنًا وفي الْأُضْحِيَّةَ وَالْهَدْيُ وَالْعَقِيقَةُ ما نَقَصَ اللَّحْمَ وفي النِّكَاحِ ما نَفَّرَ عن الْوَطْءِ كما هو مُبَيَّنٌ في مَحَلِّهِ وفي الصَّدَاقِ إذَا فَارَقَ قبل الدُّخُولِ ما فَاتَ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ سَوَاءٌ أَكَانَ الْغَالِبُ في أَمْثَالِهِ عَدَمَهُ أَمْ لَا وفي الْإِجَارَةِ ما يُؤَثِّرُ في الْمَنْفَعَةِ تَأْثِيرًا يَظْهَرُ بِهِ تَفَاوُتٌ في الْأُجْرَةِ قال الدَّمِيرِيِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ عَيْبُ الْمَرْهُونِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ما نَقَصَ الْقِيمَةَ فَقَطْ فَصْلٌ إنَّمَا يَثْبُتُ الرَّدُّ لِلْمَبِيعِ بِعَيْبٍ وُجِدَ قبل الْبَيْعِ بِالْإِجْمَاعِ أو بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْقَبْضِ أو بَعْدَهُ وَاسْتَنَدَ إلَى سَبَبٍ سَابِقٍ كما سَيَأْتِي لِأَنَّ الْمَبِيعَ حِينَئِذٍ من ضَمَانِ الْبَائِعِ بِخِلَافِ ما إذَا وُجِدَ بَعْدَهُ ولم يَسْتَنِدْ إلَى ما ذُكِرَ قال ابن الرِّفْعَةِ وَمَحَلُّهُ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ أَمَّا قَبْلَهُ فَالْقِيَاسُ بِنَاؤُهُ على ما لو تَلِفَ حِينَئِذٍ
____________________
(2/60)
هل يَنْفَسِخْ وَالْأَرْجَحُ على ما قَالَهُ الرَّافِعِيُّ إنْ قُلْنَا الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ انْفَسَخَ وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ قُلْنَا يَنْفَسِخُ فَحُدُوثُهُ كَوُجُودِهِ قبل الْقَبْضِ فَالْمُرْتَدُّ يَصِحُّ بَيْعُهُ كَالْمَرِيضِ الْمُشْرِفِ على الْهَلَاكِ كَذَا الْمُتَحَتِّمُ قَتْلُهُ بِالْمُحَارَبَةِ بِأَنْ لم يَتُبْ أو تَابَ بَعْدَ الظَّفْرِ بِهِ يَصِحُّ بَيْعُهُ كَالْمُرْتَدِّ وَلَا قِيمَةَ على مُتْلِفِهِمَا لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْقَتْلَ وَالثَّانِيَةُ نَقَلَهَا الشَّيْخَانِ عن الْقَفَّالِ وَلَعَلَّهُ بَنَاهَا على أَنَّ الْمُغَلَّبَ في قَتْلِ الْمُحَارَبِ مَعْنَى الْحَدِّ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْمُغَلَّبَ فيه مَعْنَى الْقِصَاصِ وَأَنَّهُ لو قَتَلَهُ غَيْرُ الْإِمَامِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَزِمَهُ دِيَتُهُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ قَاتِلَ الْعَبْدِ الْمُحَارَبِ قِيمَتُهُ لِمَالِكِهِ نَبَّهَ على ذلك الْأَذْرَعِيُّ مع أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَنْحَصِرُ فيه الْمُرْتَدُّ بَلْ يَجْرِي في غَيْرِهِمَا كَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَالصَّائِلِ وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ بِأَنْ زَنَى ذِمِّيٌّ ثُمَّ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ اُسْتُرِقَّ فَيَصِحُّ بَيْعُهُمْ وَلَا قِيمَةَ على مُتْلِفِهِمْ
وَخَرَجَ بِالْإِتْلَافِ ما لو غَصَبَ إنْسَانٌ الْمُرْتَدَّ مَثَلًا فَتَلِفَ عِنْدَهُ فإنه يَضْمَنُهُ لِتَعَدِّيهِ على مَالِ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا لم يَضْمَنْ بِالْقَتْلِ لِأَنَّ قَتْلَهُ في حُكْمِ إقَامَةِ الْحَدِّ فَمَنْ ابْتَدَرَ قَتْلَهُ من الْمُسْلِمِينَ كان مُقِيمًا حَدَّ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا يُمَثَّلُ بِعَبْدٍ مَغْصُوبٍ في يَدِ الْغَاصِبِ يقول له مَوْلَاهُ اُقْتُلْهُ فَلَوْ قَتَلَهُ لم يَضْمَنْهُ وَلَوْ تَلِفَ في يَدِهِ ضَمِنَهُ جَزَمَ بِذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ وَنَقَلَهُ عن الْإِمَامِ عن الشَّيْخِ أبي عَلِيٍّ قال ابن الْعِمَادِ فَلَوْ قَتَلَهُ الْغَاصِبُ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ قَتَلَهُ لَا على وَجْهِ الْحَدِّ ضَمِنَهُ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ ضَمَانٌ مُطْلَقًا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ الْقَتْلَ وَإِلَّا فَلْيُقْتَلْ بِمِثْلِ ذلك في غَيْرِ الْغَاصِبِ نعم يَنْبَغِي في تَعَدِّي الْغَاصِبِ بِوَضْعِ يَدِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عليه أُجْرَةُ الْمِثْلِ إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ وَكَمَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُرْتَدِّ وَالْمُتَحَتِّمِ قَتْلَهُ بِالْمُحَارَبَةِ يَصِحُّ بَيْعُ الْجَانِي الْمُتَعَلِّقِ بِرَقَبَتِهِ قِصَاصٌ كما مَرَّ فَلَوْ اشْتَرَاهُمَا شَخْصٌ أو اشْتَرَى الْجَانِي فَقُتِلُوا أَيْ الثَّلَاثَةُ بِالرِّدَّةِ وَالْمُحَارَبَةِ وَالْقِصَاصِ في يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كان جَاهِلًا بها انْفَسَخَ الْبَيْعُ قُبَيْلَ الْقَتْلِ وَاسْتَرَدَّ الْمُشْتَرِي جَمِيعَ الثَّمَنِ وَمُؤْنَةُ التَّجْهِيزِ من الْكَفَنِ وَغَيْرِهِ على الْبَائِعِ لِأَنَّ الْقَتْلَ لِتَقَدُّمِ سَبَبِهِ كَالْمُتَقَدِّمِ
وَإِنْ كان عَالِمًا بها عِنْدَ الْعَقْدِ أو بَعْدَهُ ولم يَفْسَخْ فَهُوَ من ضَمَانِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ من الثَّمَنِ وَمُؤْنَةُ التَّجْهِيزِ عليه لِدُخُولِهِ في الْعَقْدِ على بَصِيرَةٍ وَإِمْسَاكِهِ مع الْعِلْمِ بِحَالِهِ وَإِنْ وَجَبَ عليه أَيْ الرَّقِيقِ قَطْعٌ بِجِنَايَةٍ أو سَرِقَةٍ صَحَّ بَيْعُهُ فَإِنْ قُطِعَ في يَدِ الْمُشْتَرِي ولم يَكُنْ عَالِمًا بِحَالِهِ حتى قُطِعَ فَلَهُ الرَّدُّ وَاسْتِرْدَادُ جَمِيعِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ لِتَقَدُّمِ سَبَبِهِ كَالْمُتَقَدِّمِ وَإِلَّا بِأَنْ كان عَالِمًا بِحَالِهِ فَلَا رَدَّ له وَلَا أَرْشَ فَلَوْ حَدَثَ بِهِ قبل الْقَطْعِ عَيْبٌ امْتَنَعَ الرَّدُّ لِأَنَّهُ بِقَبْضِ مُشْتَرِيهِ صَارَ من ضَمَانِهِ وَتَقْيِيدُهُ بِقَبْلِ الْقَطْعِ من زِيَادَتِهِ وهو مُضِرٌّ إذْ لَا فَرْقَ وَرَجَعَ على الْبَائِعِ بِمَا أَيْ بِنِسْبَةِ ما بين قِيمَتِهِ سَلِيمًا وَأَقْطَعَ إلَى قِيمَتِهِ سَلِيمًا من الثَّمَنِ وَلَهُ رَدُّ مُزَوَّجَةٍ اشْتَرَاهَا جَاهِلًا بِزَوَاجِهَا وَلَوْ افْتَضَّهَا الزَّوْجُ بِالْفَاءِ وَبِالْقَافِ بَعْدَ الْقَبْضِ لِمَا مَرَّ في التي قَبْلَهَا فَلَوْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ رَجَعَ من الثَّمَنِ بِمَا بين قِيمَتِهَا بِكْرًا غير مُزَوَّجَةٍ وَمُزَوَّجَةٍ مُفْتَضَّةٍ وَلَا رَدَّ وَلَا أَرْشَ إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ وَإِنْ جَهِلَ مَرَضَ الْمَبِيعِ فَمَاتَ في يَدِهِ وَجَبَ له الْأَرْشُ وهو ما بين قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَمَرِيضًا بِالْمَرَضِ الذي كان في يَدِ الْبَائِعِ دُونَ الزَّائِدِ في يَدِ الْمُشْتَرِي فَقَطْ أَيْ دُونَ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الرِّدَّةِ لِأَنَّ الْمَرَضَ يَتَزَايَدُ فَهُوَ أَيْ الْمَبِيعُ من ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَالرِّدَّةُ خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ وُجِدَتْ في يَدِ الْبَائِعِ فَإِنْ لم يَمُتْ لَكِنْ زَادَ الْمَرَضُ فَعَلِمَ بِهِ الْمُشْتَرِي امْتَنَعَ الرَّدُّ وَرَجَعَ بِالْأَرْشِ أَيْضًا الْأَمْرُ الثَّالِثُ ما يُظَنُّ حُصُولُهُ بِالتَّغْرِيرِ فَالتَّصْرِيَةُ حَرَامٌ وَهِيَ أَنْ يَتْرُكَ حَلْبَ النَّاقَةِ أو غَيْرِهَا عَمْدًا مُدَّةً قبل بَيْعِهَا لِيُوهِمَ الْمُشْتَرِيَ كَثْرَةَ اللَّبَنِ وَالْأَصْلُ في تَحْرِيمِهَا وَالْمَعْنَى فيه التَّدْلِيسُ وَالضَّرَرُ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ لَا تَصُرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذلك أَيْ النَّهْيِ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا من تَمْرٍ وَتَصُرُّوا بِوَزْنِ تُزَكُّوا من صَرَّ الْمَاءَ في الْحَوْضِ جَمَعَهُ وَيَثْبُتُ بها الْخِيَارُ على الْفَوْرِ إذَا عَلِمَ بها وَلَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ من اشْتَرَى مُصْرَاةً وفي رِوَايَةٍ شَاةً مُصْرَاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَحُمِلَ على الْغَالِبِ من أَنَّ التَّصْرِيَةَ لَا تَظْهَرُ إلَّا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا حَالَةَ نَقْصِ اللَّبَنِ قبل تَمَامِهَا على اخْتِلَافِ الْعَلَفِ أو الْمَأْوَى أو تَبَدُّلِ الْأَيْدِي أو غَيْرِ ذلك هذا إذَا قَصَدَهَا وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَقْصِدْهَا كَأَنْ تَرَكَ حَلْبَ الدَّابَّةِ نَاسِيًا أو لِشَغْلٍ أو تَصَرُّفٍ بِنَفْسِهَا فَوَجْهَانِ في ثُبُوتِ الْخِيَارِ أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ وَالْحَاوِي الصَّغِيرُ لَا لِعَدَمِ التَّدْلِيسِ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْبَغَوِيّ ما قَطَعَ بِهِ
____________________
(2/61)
الْقَاضِي نعم لِحُصُولِ الضَّرَرِ وقد يُؤَيَّدُ الْأَوَّل بِمَا في الْإِبَانَةِ من أَنَّهُ لَا خِيَارَ له فِيمَا إذَا تَجَعَّدَ شَعْرُهُ بِنَفْسِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ التَّصْرِيَةَ تُعْلَمُ غَالِبًا من الْحَلْبِ كُلَّ يَوْمٍ فَالْبَائِعُ مُقَصِّرٌ بِخِلَافِ التَّجَعُّدِ فَإِنْ زَادَ اللَّبَنُ بِقَدْرِ التَّصْرِيَةِ أَيْ بِقَدْرِ ما أَشْعَرَتْ بِهِ وَاسْتَمَرَّ فَلَا خِيَارَ لِزَوَالِ الْمُقْتَضِي له فَرْعٌ لو عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالتَّصْرِيَةِ بَعْدَ الْحَلْبِ رَدَّهَا أَيْ الْمُصْرَاةَ وَلَزِمَهُ صَاعُ تَمْرٍ وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ على قِيمَتِهَا بَدَلَ اللَّبَنِ الْمَوْجُودِ حَالَةَ الْعَقْدِ إنْ تَلِفَ اللَّبَنُ أو لم يَتَرَاضَيَا على رَدِّهِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَلَوْ عَلِمَ بها قبل الْحَلْبِ رَدَّ وَلَا شَيْءَ عليه وَيَتَعَيَّنُ التَّمْرُ وَالصَّاعُ وَلَوْ قَلَّ اللَّبَنُ لِلْخَبَرِ فِيهِمَا وَقَطْعًا لِلنِّزَاعِ في الثَّانِي فَلَا يَخْتَلِفُ قَدْرُ التَّمْرِ بِقِلَّةِ اللَّبَنِ وَكَثْرَتِهِ كما لَا تَخْتَلِفُ غُرَّةُ الْجَنِينِ بِاخْتِلَافِ ذُكُورَةٍ وَأُنُوثَةٍ وَلَا أَرْشِ الْمُوضِحَةِ بِاخْتِلَافِهِمَا صِغَرًا وَكِبَرًا وَبِمَا قَالَهُ عَلِمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يُكَلَّفُ رَدَّ اللَّبَنِ لِأَنَّ ما حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ مِلْكُهُ وقد اخْتَلَطَ بِالْمَبِيعِ وَتَعَذَّرَ تَمْيِيزُهُ فإذا أَمْسَكَهُ كان كَالتَّالِفِ وَأَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ على الْبَائِعِ قَهْرًا وَإِنْ لم يَحْمُضْ لِذَهَابِ طَرَاوَتِهِ وَالْعِبْرَةُ بِغَالِبِ تَمْرِ الْبَلَدِ كَالْفِطْرَةِ فَإِنْ تَرَاضَيَا بِغَيْرِهِ أَيْ بِغَيْرِ صَاعِ تَمْرٍ من مِثْلِيٍّ أو مُتَقَوِّمٍ جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا لَا يَعْدُوهُمَا وفي نُسْخَةٍ وَيَجُوزُ التَّرَاضِي بِغَيْرِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا لو تَرَاضَيَا على الرَّدِّ بِغَيْرِ شَيْءٍ جَازَ فَإِنْ أَعْوَزَهُ التَّمْرُ أَيْ عَدَمَهُ وَالْمُرَادُ تَعَذَّرَ عليه فَقِيمَتُهُ بِالْمَدِينَةِ تَلْزَمُهُ كَذَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عن الْمَاوَرْدِيِّ وَالْمَاوَرْدِيُّ لم يُرَجِّحْ شيئا بَلْ حَكَى وَجْهَيْنِ أَحَدَهُمَا هذا وَثَانِيَهُمَا قِيمَتُهُ في أَقْرَبِ بِلَادِ التَّمْرِ إلَيْهِ قال السُّبْكِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وهو الْأَصَحُّ أَخْذًا من كَلَامِ الشَّافِعِيِّ على أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمَدِينَةِ لَا وَجْهَ له بَلْ يَنْبَغِي اعْتِبَارُ الْحِجَازِ وَكَلَامُ الْإِمَامِ يُشِيرُ إلَيْهِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَمَسْأَلَةُ الْإِعْوَازِ سَاقِطَةٌ من كَثِيرٍ من نُسَخِ الرَّوْضِ وَكَأَنَّهُ لِمَا عَرَفْت وَلَوْ اشْتَرَى مُصْرَاةً بِصَاعٍ من تَمْرٍ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ إنْ شَاءَ وَاسْتَرَدَّ صَاعَهُ قال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الرِّبَا لَا يُؤَثِّرُ في الْفُسُوخِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَاسْتِرْدَادُ الصَّاعِ من الْبَائِعِ ظَاهِرٌ إنْ كان بَاقِيًا بيده فَلَوْ تَلِفَ وكان من نَوْعِ ما لَزِمَ الْمُشْتَرِي رَدَّهُ فَيَخْرُجُ من كَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُمَا يَقَعَانِ في التَّقَاصِّ إنْ جَوَّزْنَاهُ في الْمِثْلِيَّاتِ كما هو الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ لِلرَّافِعِيِّ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ من زِيَادَتِهِ إنْ شَاءَ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ ما ذَكَرَ بَلْ إنْ شَاءَ فَعَلَهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْمُصْرَاةَ وَحْدَهَا وَاكْتَفَى عن رَدِّ الصَّاعِ بِالصَّاعِ الذي وَقَعَ ثَمَنًا وهو ظَاهِرٌ إنْ كان بَاقِيًا أو تَالِفًا وَتَرَاضَيَا أو لم يَتَرَاضَيَا لَكِنْ كان من نَوْعِ ما لَزِمَهُ رَدَّهُ وَقُلْنَا بِالتَّقَاصِّ في غَيْرِ النَّقْدِ من الْمِثْلِيَّاتِ فَرْعٌ لو رَدَّ غير الْمُصْرَاةِ بَعْدَ الْحَلْبِ بِعَيْبٍ فَهَلْ يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيّ وَصَحَّحَهُ ابن أبي هُرَيْرَةَ وَالْقَاضِي وابن الرِّفْعَةِ نعم كَالْمُصْرَاةِ فَيَرُدُّ صَاعَ تَمْرٍ وقال الْمَاوَرْدِيُّ بَلْ قِيمَةَ اللَّبَنِ لِأَنَّ الصَّاعَ عِوَضُ لَبَنِ الْمُصْرَاةِ وَهَذَا لَبَنُ غَيْرِهَا فَإِنْ اخْتَلَفَا في قَدْرِهَا صُدِّقَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَثَانِيهِمَا لَا لِأَنَّهُ قَلِيلٌ غَيْرُ مُعْتَنًى بِجَمْعِهِ بِخِلَافِهِ في الْمُصْرَاةِ وَنَقَلَهُ السُّبْكِيُّ كَغَيْرِهِ عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ قال وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ إنْ لم يَكُنْ لها لَبَنٌ وَقْتَ الشِّرَاءِ أو كان يَسِيرًا كَالرَّشْحِ رَدَّهَا وَلَا شَيْءَ مَعَهَا لِأَنَّ اللَّبَنَ حَدَثَ على مِلْكِهِ وَإِلَّا فَفِيهِ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا قَوْلُ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ يَرُدُّ مَعَهَا الصَّاعَ كَالْمُصْرَاةِ بِجَامِعِ أَنَّ اللَّبَنَ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ من الثَّمَنِ فَرْعٌ لَا يَخْتَصُّ هذا أَيْ خِيَارُ التَّصْرِيَةِ بِالنَّعَمِ بَلْ لو اشْتَرَى أَتَانًا أو جَارِيَةً مُصْرَاةً رَدَّهَا لِأَنَّ لَبَنَهَا مَقْصُودٌ لِلتَّرْبِيَةِ ولكن لَا بَدَلَ لِلَبَنِهَا لِأَنَّ لَبَنَ الْأَتَانِ نَجِسٌ وَلَبَنَ الْجَارِيَةِ لَا يُعْتَاضُ عنه غَالِبًا وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ إنَّ رَدَّ الصَّاعِ جَارٍ في كل مَأْكُولٍ قال السُّبْكِيُّ وهو الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَاسْتَبْعَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ في الْأَرْنَبِ وَالثَّعْلَبِ وَالضَّبُعِ وَنَحْوِهَا وَإِنْ حَبَسَ مَاءِ الْقَنَاةِ أو مَاءِ الرَّحَى وَأَرْسَلَهُ عِنْدَ الْبَيْعِ أو الْإِجَارَةِ تَخْيِيلًا لِكَثْرَتِهِ أو حَمَّرَ وَجْنَةَ الْجَارِيَةِ تَخْيِيلًا لِحُسْنِهَا أو وَرَّمَ وَجْهَهَا لِيَظُنَّ الْمُشْتَرِي سِمَنَهَا أو سَوَّدَ شَعْرَهَا أو جَعَّدَهُ لِيُوهِمَ أَنَّهُ خِلْقَةٌ فَلَهُ الْخِيَارُ كَالتَّصْرِيَةِ بِجَامِعِ التَّلْبِيسِ وَخَرَجَ بِ جَعَّدَهُ ما لو سَبَّطَهُ وَبَانَ جَعْدًا فَلَا خِيَارَ لِأَنَّ الْجُعُودَةَ أَحْسَنُ وَلَا يَخْتَصُّ ذلك بِالْجَارِيَةِ بَلْ الْعَبْدُ كَذَلِكَ وَكَذَا الْخُنْثَى فِيمَا يَظْهَرُ
____________________
(2/62)
وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذلك بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ لِغَالِبِ الناس أَنَّهُ مَصْنُوعٌ حتى لَا يُنْسَبُ الْمُشْتَرِي إلَى تَقْصِيرٍ وَلَوْ لَطَّخَ ثَوْبَهُ أَيْ الرَّقِيقِ بِالْمِدَادِ أو أَلْبَسهُ زِيَّ خَبَّازٍ مَثَلًا لِيُوهِمَ أَنَّهُ كَاتِبٌ أو خَبَّازٌ أو وَرَّمَ ضَرْعَ الشَّاةِ لِيُوهِمَ كَثْرَةَ اللَّبَنِ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي لِتَقْصِيرِهِ حَيْثُ لم يَبْحَثْ فَرْعٌ مَتَى رضي الْمُشْتَرِي بِالْمُصْرَاةِ ثُمَّ وَجَدَ بها عَيْبًا قَدِيمًا رَدَّهَا ورد بَدَلَ اللَّبَنِ مَعَهَا وهو صَاعُ تَمْرٍ كما لو رَدَّهَا بِالتَّصْرِيَةِ فَرْعٌ الْغَبْنُ لَا يُوجِبُ أَيْ يُثْبِتُ الرَّدَّ وَإِنْ فَحُشَ كَمَنْ اشْتَرَى زُجَاجَةً ظَنَّهَا جَوْهَرَةً لِتَقْصِيرِهِ حَيْثُ لم يَبْحَثْ وَإِنَّمَا أَثْبَتَ الرَّدَّ في تَلَقِّي الرُّكْبَانَ كما مَرَّ لِلْخَبَرِ الْوَارِدِ فيه وَتَعْبِيرُهُ بِالْفُحْشِ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالتَّفَاحُشِ إذْ لَا تَفَاعُلَ هُنَا فَرْعٌ وَمَتَى بَاعَ حَيَوَانًا أو غَيْرَهُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ من الْعُيُوبِ فيه بَرِئَ من كل عَيْبٍ بَاطِنٍ في الْحَيَوَانِ خَاصَّةً مَوْجُودٍ فيه حَالَةَ الْعَقْدِ لم يَعْلَمْ بِهِ الْبَائِعُ وَلَا يَبْرَأُ من عَيْبٍ غَيْرِهِ أَيْ غَيْرِ الْعَيْبِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَبْرَأُ عن عَيْبٍ في غَيْرِ الْحَيَوَانِ وَلَا فيه لَكِنْ حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ مُطْلَقًا وَلَا عن عَيْبٍ ظَاهِرٍ في الْحَيَوَانِ عَلِمَهُ الْبَائِعُ أو لَا وَلَا عن عَيْبٍ بَاطِنٍ في الْحَيَوَانِ عَلِمَهُ وَالْأَصْلُ في ذلك ما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ بَاعَ عَبْدًا له بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ بِالْبَرَاءَةِ فقال له الْمُشْتَرِي بِهِ دَاءٌ لم تُسَمِّهِ لي فَاخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ فَقَضَى على ابْنِ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ لقد بَاعَهُ الْعَبْدَ وما بِهِ دَاءٌ بِعِلْمِهِ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَارْتَجَعَ الْعَبْدَ فَبَاعَهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وفي الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ زَيْدُ بن ثَابِتٍ كما أَوْرَدَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كان يقول تَرَكْت الْيَمِينَ لِلَّهِ فَعَوَّضَنِي اللَّهُ عنها دَلَّ قَضَاءُ عُثْمَانَ على الْبَرَاءَةِ في صُورَةِ الْحَيَوَانِ الْمَذْكُورَةِ وقد وَافَقَ اجْتِهَادَهُ فيه اجْتِهَادُ الشَّافِعِيِّ رضي اللَّهُ عنه
وقال الْحَيَوَانُ يَتَغَذَّى في الصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ وَتَحَوُّلُ طِبَاعِهِ فَقَلَّمَا يَنْفَكُّ عن عَيْبٍ خَفِيٍّ أو ظَاهِرٍ أَيْ فَيَحْتَاجُ الْبَائِعُ فيه إلَى شَرْطِ الْبَرَاءَةِ لِيَثِقَ بِلُزُومِ الْبَيْعِ فِيمَا لَا يَعْلَمُهُ من الْخَفِيِّ دُونَ ما يَعْلَمُهُ مُطْلَقًا في حَيَوَانٍ أو غَيْرِهِ لِتَلْبِيسِهِ فيه وما لَا يَعْلَمُهُ من الظَّاهِرِ فِيهِمَا لِنُدْرَةِ خَفَائِهِ عليه أو من الْخَفِيِّ في غَيْرِ الْحَيَوَانِ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ إذْ الْغَالِبُ عَدَمُ تَغَيُّرِهِ بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ وَإِنَّمَا لم يَبْرَأْ مِمَّا حَدَثَ قبل الْقَبْضِ لِانْصِرَافِ الشَّرْطِ إلَى ما كان مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ وَيَصِحُّ الْبَيْعُ مع الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَلَوْ بَطَلَ الشَّرْطُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُؤَكِّدُ الْعَقْدَ وَيُوَافِقُ ظَاهِرَ الْحَالِ وهو السَّلَامَةُ من الْعُيُوبِ وَلِاشْتِهَارِ الْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ بين الصَّحَابَةِ وَعَدَمِ إنْكَارِهِمْ وَهَكَذَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَبْرَأُ الْبَائِعُ مِمَّا ذُكِرَ وَلَوْ بَطَلَ الشَّرْطُ لو قال بِعْتُك هذا على أَنْ لَا تَرُدَّ ه بِعَيْبٍ لِأَنَّهُ في مَعْنَى ما ذُكِرَ وَإِنْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِمَّا يَحْدُثُ من الْعُيُوبِ قبل الْقَبْضِ وَلَا مع الْمَوْجُودِ منها بَطَلَ الْعَقْدُ صَوَابُهُ الشَّرْطُ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِلشَّيْءِ قبل ثُبُوتِهِ أو شَرَطَ الْبَرَاءَةَ من عَيْبٍ مُعَيَّنٍ فَإِنْ كان مِمَّا لَا يُشَاهَدُ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْإِبَاقِ أو يُشَاهَدُ كَالْبَرَصِ وَشَاهَدَهُ الْمُشْتَرِي بَرِئَ لِأَنَّ ذِكْرَهَا إعْلَامٌ بها وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ كان مِمَّا يُشَاهَدُ ولم يُشَاهِدْهُ الْمُشْتَرِي فَلَا يَبْرَأُ كما لو شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مُطْلَقًا لِتَفَاوُتِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ قَدْرِهِ وَمَوْضِعِهِ قال السُّبْكِيُّ وَبَعْضُ الْوَرَّاقِينَ في زَمَنِنَا يَجْعَلُ بَدَلَ شَرْطِ الْبَرَاءَةِ إعْلَامَ الْبَائِعِ الْمُشْتَرِي بِأَنَّ بِالْمَبِيعِ جَمِيعَ الْعُيُوبِ وَرَضِيَ بِهِ وَهَذَا جَهْلٌ لِأَنَّهُ كَذِبٌ وَلَا يُفِيدُ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَا تَكْفِي فِيمَا تُمْكِنُ مُعَايَنَتُهُ حتى يُرِيَهُ إيَّاهُ وَأَمَّا ما لَا تُمْكِنُ مُعَايَنَتُهُ فَذَكَرَهُ مُجْمَلًا بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ كَذِكْرِهِ ما تُمْكِنُ مُعَايَنَتُهُ بِالتَّسْمِيَةِ من غَيْرِ رُؤْيَةٍ فَلَا يُفِيدُ وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ إلْزَامُ الْمُشْتَرِي بِمُقْتَضَى هذا الْإِقْرَارِ لِلْعِلْمِ بِكَذِبِهِ وَبُطْلَانِهِ وإذا وَقَعَ ذلك يَكُونُ حُكْمُهُ كَشَرْطِ الْبَرَاءَةِ فَصْلٌ وَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ في يَدِ الْمُشْتَرِي كَأَنْ مَاتَ الْعَبْدُ أو تَلِفَ الثَّوْبُ أو أُكِلَ الطَّعَامُ أو أَعْتَقَهُ أو وَقَفَهُ أو زَوَّجَهُ أو اسْتَوْلَدَهَا فَعَلِمَ بَعْدَ ذلك بِعَيْبٍ بِهِ يُنْقِصُ قِيمَتَهُ رَجَعَ بِالْأَرْشِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ بِفَوَاتِ الْمَبِيعِ حِسًّا أو شَرْعًا وَهَذَا في غَيْرِ الرِّبَوِيِّ الْمَبِيعِ بِجِنْسِهِ أَمَّا فيه فَسَيَأْتِي وهو أَيْ الْأَرْشُ جُزْءٌ من الثَّمَنِ
____________________
(2/63)
لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَضْمُونٌ على الْبَائِعِ بِهِ فَيَكُونُ جُزْؤُهُ مَضْمُونًا عليه بِجُزْءٍ منه وَلِأَنَّا لو اعْتَبَرْنَاهُ من الْقِيمَةِ كما في الْغَصْبِ لَرُبَّمَا سَاوَى الثَّمَنَ فَيَجْتَمِعُ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْجُزْءُ من الثَّمَنِ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ نِسْبَةَ أَيْ كَنِسْبَةِ ما يُنْقِصُ الْعَيْبُ من الْقِيمَةِ لو كان الْمَبِيعُ سَلِيمًا إلَيْهَا وَيُعْتَبَرُ فيها أَقَلُّ قِيمَتَيْ وَقْتَيْ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ لِأَنَّهَا إنْ كانت وَقْتَ الْعَقْدِ أَقَلُّ فَالزِّيَادَةُ حَدَثَتْ في مِلْكِ الْمُشْتَرِي أو وَقْتَ الْقَبْضِ أَقَلُّ فَالنَّقْصُ من ضَمَانِ الْبَائِعِ فَلَا يَدْخُلُ في التَّقْوِيمِ فَإِنْ كانت بين الْوَقْتَيْنِ أَقَلَّ فَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ كما في الْمِنْهَاجِ وَالدَّقَائِقِ
فَكَلَامُهُ كَأَصْلِهِ مَحْمُولٌ على ما إذَا لم تَكُنْ الْقِيمَةُ بَيْنَهُمَا أَقَلَّ فَيُوَافِقُ ما سَيَأْتِي في الثَّمَنِ لَكِنْ نَظَرَ فيه السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ النَّقْصَ الْحَادِثَ قبل الْقَبْضِ إذَا زَالَ قبل الْقَبْضِ لَا يَتَخَيَّرُ بِهِ الْمُشْتَرِي فَكَيْفَ يَضْمَنُهُ الْبَائِعُ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ من عَدَمِ التَّخْيِيرِ الذي في ثُبُوتِهِ رَفْعُ الْعَقْدِ عَدَمُ الضَّمَانِ الذي ليس في ثُبُوتِهِ ذلك مِثَالُهُ قِيمَتُهُ دُونَ الْعَيْبِ مِائَةٌ وقيمته تِسْعُونَ مع الْعَيْبِ فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا وَاقِعٌ بِالْعُشْرِ فَيَرْجِعُ بِعُشْرِ الثَّمَنِ فإذا ثَبَتَ الْأَرْشُ لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ كان الثَّمَنُ في ذِمَّتِهِ بَرِئَ من قَدْرِ الْأَرْشِ لَكِنْ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ بِهِ فَلَا يَكْفِي الْعِلْمُ بِهِ لِأَنَّهُ كما يَجُوزُ له الرِّضَا بِالْمَعِيبِ بِكُلِّ الثَّمَنِ مع بَقَاءِ الْمَبِيعِ فَكَذَا يَجُوزُ بَعْدَ فَوَاتِهِ فَالتَّرَدُّدُ فِيهِمَا على السَّوَاءِ وَكَمَا لَا بُدَّ من الْمُطَالَبَةِ ثَمَّ بِالْفَسْخِ لَا بُدَّ من الْمُطَالَبَةِ هُنَا بِالْأَرْشِ ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْمُطَالَبَةُ بِهِ على الْفَوْرِ كَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ لَكِنْ ذَكَرَ الْإِمَامُ في بَابِ الْكِتَابَةِ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ له الْفَوْرُ بِخِلَافِ الرَّدِّ ذَكَرَ ذلك الزَّرْكَشِيُّ وَيَسْتَحِقُّ الْأَرْشَ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ بِهِ من عَيْنِ الثَّمَنِ ويستحق الرُّجُوعَ في عَيْنِهِ أَيْ الثَّمَنِ عِنْدَ الْفَسْخِ لِلْبَيْعِ إنْ كان بَاقِيًا في يَدِهِ فِيهِمَا يَعْنِي يَدَ الْبَائِعِ بِقَرِينَةٍ وَلَوْ زَالَ عن مِلْكِهِ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ أو عَيَّنَ بَعْدَ الْعَقْدِ في الْمَجْلِسِ أو غَيْرِهِ عَمَّا في الذِّمَّةِ
وإذا اُعْتُبِرَتْ قِيَمُ الْمَبِيعِ فَإِمَّا أَنْ تَتَّحِدَ قِيمَتَاهُ سَلِيمًا وَقِيمَتَاهُ مَعِيبًا أو يَتَّحِدَا سَلِيمًا وَيَخْتَلِفَا مَعِيبًا وَقِيمَتُهُ وَقْتَ الْعَقْدِ أَقَلُّ أو أَكْثَرُ أو يَتَّحِدَ مَعِيبًا وَيَخْتَلِفَا سَلِيمًا وَقِيمَتُهُ وَقْتَ الْعَقْدِ أَقَلُّ أو أَكْثَرُ أو يَخْتَلِفَا سَلِيمًا وَمَعِيبًا وَقِيمَتُهُ وَقْتَ الْعَقْدِ سَلِيمًا وَمَعِيبًا أَقَلُّ أو أَكْثَرُ أو سَلِيمًا أَقَلُّ وَمَعِيبًا أَكْثَرُ أو بِالْعَكْسِ فَذَلِكَ تِسْعَةُ أَقْسَامٍ لَا تَخْفَى أَمْثِلَتُهَا وقد ذَكَرْتهَا في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وإذا نَظَرْت إلَى قِيمَتِهِ فِيمَا بين الْوَقْتَيْنِ أَيْضًا زَادَتْ الْأَقْسَامُ فإذا تَلِفَ الثَّمَنُ وقد فُسِخَ الْبَيْعُ رُدَّ مِثْلُهُ في الْمِثْلِيِّ وَقِيمَتُهُ في الْمُتَقَوِّم لَكِنْ في الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ وَلَوْ بَعْدَ الْعَقْدِ يَرُدُّ قِيمَتَهُ أَقَلَّ ما كانت من وَقْتِ الْعَقْدِ إلَى وَقْتِ الْقَبْضِ لِأَنَّهَا إنْ كانت وَقْتَ الْعَقْدِ أَقَلُّ فَالزِّيَادَةُ حَدَثَتْ في مِلْكِ الْبَائِعِ أو وَقْتَ الْقَبْضِ أَقَلُّ فَالنَّقْصُ من ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كانت بين الْوَقْتَيْنِ أَقَلَّ فَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ وَقَوْلُهُ في الْمُعَيَّنِ من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ قد يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ لِأَنَّ التَّلَفَ إنَّمَا يَكُونُ في مُعَيَّنٍ وَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عنه أَيْ عن الثَّمَنِ كَالْقَرْضِ قال في الْأَصْلِ وَخُرُوجُهُ عن مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ كَالتَّلَفِ فَإِنْ تَعَيَّبَ بِنَقْصِ وَصْفٍ كَالشَّلَلِ أو زَادَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَالسَّمْنِ أَخَذَهُ له وَعَلَيْهِ أَيْ أَخْذُهُ بِلَا أَرْشٍ له في النَّقْصِ وَلَا عليه في الزِّيَادَةِ نعم إنْ كان النَّقْصُ بِجِنَايَةِ أَجْنَبِيٍّ اُسْتُحِقَّ عليه الْأَرْشُ وَخَرَجَ بِنَقْصِ الْجُزْءِ فَيَسْتَحِقُّ أَرْشَهُ وَالْعَيْبُ إنْ لم يُنْقِصْ الْمَبِيعَ كَالْخِصَاءِ لَا أَرْشَ له لِعَدَمِ نُقْصَانِ الْقِيمَةِ لَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ قبل انْدِمَالِ الْجُرْحِ وَيَجِبَ الْأَرْشُ كَنَظِيرِهِ في الْجِنَايَةِ على الْحُرِّ حَيْثُ لم تُوجِبْ أَرْشًا ولم تَنْقُصْ شيئا بَعْدَ الِانْدِمَالِ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَرْعِيُّ هُنَا الْمَالِيَّةُ ولم يَفُتْ منها شَيْءٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذلك بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَأَنَّا لو لم نَنْظُرْ إلَيْهِ لَأُهْدِرَتْ الْجِنَايَةُ أَصْلًا وَلَوْ اشْتَرَى مَعِيبًا جَاهِلًا بِعَيْبِهِ يُعْتَقُ عليه أو بِشَرْطِ الْعِتْقِ فَأَعْتَقَهُ رَجَعَ بِأَرْشِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَإِنْ كان الْعِتْقُ فَبَذْلُ الثَّمَنِ إنَّمَا كان في مُقَابَلَةِ ما ظَنَّهُ من سَلَامَةِ الْمَبِيعِ فإذا فَاتَ منه جُزْءٌ صَارَ ما قَصَدَ عِتْقَهُ مُقَابَلًا بِبَعْضِ الثَّمَنِ فَرَجَعَ في الْبَاقِي وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ حُصُولُ الْعِتْقِ قبل الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ وَاسْتُشْكِلَ بِمَا في الْوَكَالَةِ من أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا اشْتَرَى من يُعْتَقُ على مُوَكِّلِهِ ثُمَّ عَلِمَ عَيْبَهُ فَلِلْوَكِيلِ رَدُّهُ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَقُ
____________________
(2/64)
على الْمُوَكِّلِ قبل الرِّضَا بِالْعَيْبِ وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَأْذُونَ فيه لِلْوَكِيلِ شِرَاءُ السَّلِيمِ فإذا اشْتَرَى مَعِيبًا لم يُعْتَقْ قبل الرِّضَا بِهِ بِخِلَافِ ما إذَا بَاشَرَ الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ فَصْلٌ إذَا خَرَجَ الْمَعِيبُ عن مِلْكِهِ وَلَوْ بِلَا عِوَضٍ فَلَا رَدَّ في الْحَالِ لِتَعَذُّرِهِ وَلَا أَرْشَ له في الْحَالِ لِأَنَّهُ ما أَيِسَ من الرَّدِّ فإنه قد يَعُودُ إلَيْهِ فَيَرُدُّهُ فَإِنْ تَلِفَ أو عَتَقَ قبل الْعَوْدِ إلَيْهِ رَجَعَ الْأَرْشُ على بَائِعِهِ لِلْيَأْسِ من الرَّدِّ عليه سَوَاءٌ أَرَجَعَ عليه مُشْتَرِيهِ أَمْ لَا وَإِنْ عَادَ إلَيْهِ وَلَوْ بِهِبَةٍ رُدَّ على بَائِعِهِ لِزَوَالِ التَّعَذُّرِ وَلَوْ عَادَ إلَيْهِ بِشِرَاءٍ رَدَّهُ على من شَاءَ مِنْهُمَا أَيْ من بَائِعِهِ الْأَوَّلِ أو الثَّانِي وإذا رَدَّهُ على الثَّانِي فَلَهُ رَدُّهُ عليه وَحِينَئِذٍ يَرُدُّ هو على الْأَوَّلِ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي رَدُّهُ على الْبَائِعِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لم يَمْلِكْ منه فَإِنْ اسْتَرَدَّهُ الْبَائِعُ الثَّانِي وَقَبِلَهُ وقد حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي منه خُيِّرَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ بين اسْتِرْجَاعِهِ منه وبين تَسْلِيمِ الْأَرْشِ له وَلَوْ لم يَقْبَلْهُ الْبَائِعُ الثَّانِي وَطُولِبَ أَيْ وَطَالَبَهُ مُشْتَرِيهِ بِالْأَرْشِ رَجَعَ بِهِ بَائِعُهُ لِأَنَّهُ لو قَبِلَهُ رُبَّمَا لَا يَقْبَلُهُ بَائِعُهُ فَيَتَضَرَّرُ لَكِنْ إنَّمَا يَرْجِعُ بِهِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ أَيْ تَسْلِيمِهِ الْأَرْشَ لِمُشْتَرِيهِ كَذَا في أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ رُبَّمَا يُطَالِبُهُ فَيَبْقَى مُسْتَدْرِكًا لِلظَّلَّامَةِ وَهَذَا كما قال الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ على أَنَّ الْعِلَّةَ فِيمَا إذَا خَرَجَ الْمَعِيبُ عن مِلْكِهِ بِلَا عِوَضٍ اسْتِدْرَاكُ الظَّلَّامَةِ أَمَّا على الصَّحِيحِ من إنَّهَا الْيَأْسُ من الرَّدِّ كما مَرَّ فَيَرْجِعُ سَلَّمَ الْأَرْشَ أَمْ لَا وَلَا نَظَرَ إلَى إمْكَانِ الْعَوْدِ بِزَوَالِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ خِلَافًا لِلشَّيْخِ أبي عَلِيٍّ هذا هو مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فإنه صَحَّحَ جَوَازَ الرُّجُوعِ ثُمَّ نَقَلَ ما تَقَدَّمَ عن أَصْلِ الرَّوْضَةِ عن الشَّيْخِ أبي عَلِيٍّ نَقَلَ الْأَوْجُهَ الضَّعِيفَةَ بِخِلَافِ ما لو تَلِفَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي أو أَعْتَقَهُ أو وَقَفَهُ فإن له أَيْ الْبَائِعِ الثَّانِي الْمُطَالَبَةَ لِبَائِعِهِ بِالْأَرْشِ وَلَوْ أَبْرَأَهُ منه الْمُشْتَرِي الثَّانِي لِلْيَأْسِ من الرَّدِّ بِمَا تَقَرَّرَ عَلِمَ أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بين هذا وَبَيْنَ ما قَبْلَهُ فَرْعٌ لو بَاعَ زَيْدٌ عَمْرًا شيئا ثُمَّ اشْتَرَاهُ منه وَبَانَ بِهِ عَيْبٌ قَدِيمٌ كان بِيَدِ زَيْدٍ فَإِنْ كان الْمَبِيعُ بَاقِيًا وكان زَيْدٌ جَاهِلًا بِعَيْبِهِ فَلَهُ رَدُّهُ على عَمْرٍو وَإِنْ اشْتَرَاهُ منه بِمِثْلِ ما بَاعَهُ بِهِ فَإِنْ قُلْت لَا فَائِدَةَ في رَدِّهِ عليه في الْأَخِيرَةِ لِأَنَّهُ لو رَدَّهُ عليه قُلْنَا رُبَّمَا رضي بِهِ فلم يَرُدَّهُ وَاسْتُشْكِلَ ذلك بِمَا سَيَأْتِي من أَنَّ الْبَيْعَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ من الْبَائِعِ قَالَهُ وَيَلْزَمُ منه امْتِنَاعُ الرَّدِّ وَأُجِيبُ بِأَنَّ ما هُنَاكَ مَحَلُّهُ قبل الْقَبْضِ وَهُنَا بَعْدَهُ وَلَوْ سَلِمَ أَنَّهُ هُنَا قَبْلَهُ أَيْضًا فَلَا يَمْتَنِعُ الرَّدُّ في ذلك وَإِنْ كان فَسْخًا وَيَكُونُ الرَّدُّ فَسْخًا لِلْفَسْخِ وَهَذَا كما أَنَّ الشَّفِيعَ يَفْسَخُ فَسْخَ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ وَيَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ رَدَّهُ زَيْدٌ على عَمْرٍو لِعَمْرٍو رَدُّهُ عليه إنْ كان جَاهِلًا بِخِلَافِ ما إذَا كان عَالِمًا أَمَّا إذَا كَانَا عَالِمَيْنِ فَلَا رَدَّ وَإِنْ كان زَيْدٌ عَالِمًا فَلَا رَدَّ له بَلْ وَلَا لِعَمْرٍ وَلِزَوَالِ مِلْكَهُ وَلَا أَرْشَ له لِأَنَّهُ لم يَيْأَسْ من رَدِّهِ لِتَوَقُّعِ عَوْدِهِ وَلِزَيْدٍ إنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ الْمُطَالَبَةُ بِالْأَرْشِ إنْ تَلِفَ الْمَبِيعُ عِنْدَهُ ثُمَّ لِعَمْرٍو مُطَالَبَتُهُ بِهِ أَيْضًا وَبَعْدَ مُطَالَبَتِهِمَا يَحْصُلُ التَّقَاصُّ فِيمَا تَسَاوَيَا فيه وَالتَّصْرِيحُ بِمُطَالَبَةِ عَمْرٍو من زِيَادَتِهِ وَتَعْبِيرُهُ بِثُمَّ يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَلَيْسَ مُرَادًا بِخِلَافِهِ في التي قَبْلَهَا فَرْعٌ لو عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ وقد تَعَذَّرَ رَدُّهُ لِتَعَلُّقِ حَقٍّ لَازِمٍ بِهِ أو لِغَيْرِهِ كَأَنْ رَهَنَ الْمَبِيعَ عِنْدَ غَيْرِ الْبَائِعِ وَأَقْبَضَهُ أو كَاتَبَهُ كِتَابَةً صَحِيحَةً أو غُصِبَ أو أَبَقَ فَلَا رَدَّ وَلَا أَرْشَ في الْحَالِ لِأَنَّهُ لم يَيْأَسْ من الرَّدِّ نعم إنْ كان الْعَيْبُ في الْآبِقِ غير الْإِبَاقِ فَلَهُ الْأَرْشُ لِأَنَّهُ أَيِسَ من رَدِّهِ وَكَذَا إنْ آجَرَهُ ولم يَرْضَ بِهِ الْبَائِعُ مَسْلُوبُ الْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ فَلَا رَدَّ وَلَا أَرْشَ في الْحَالِ لِمَا مَرَّ فَإِنْ رضي بِهِ مَسْلُوبُهَا رَدَّ عليه وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُ الْمُشْتَرِيَ بِأُجْرَةِ مِثْلِ الْمُدَّةِ وهو مُوَافِقٌ لِنَظَائِرِهِ من الْفَسْخِ بِالْفَلَسِ وَمِنْ رُجُوعِ الْأَصْلِ فِيمَا وَهَبَهُ من فَرْعِهِ وَمِنْ رُجُوعِ الزَّوْجِ في نِصْفِ الصَّدَاقِ وقد طَلَّقَ قبل الدُّخُولِ وَيُفَارِقُ ذلك ما يَأْتِي في التَّحَالُفِ من أَنَّ لِلْبَائِعِ على الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْفَسْخِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ بِأَنَّ الْفَسْخَ
____________________
(2/65)
فِيمَا ذُكِرَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِاخْتِيَارِ من تُرَدُّ الْعَيْنُ إلَيْهِ بِخِلَافِهِ في مَسْأَلَةِ التَّحَالُفِ قال في الْأَصْلِ وَلَوْ عَرَفَ الْعَيْبَ بَعْدَ تَزْوِيجِ الرَّقِيقِ أَيْ من غَيْرِ الْبَائِعِ ولم يَرْضَ الْبَائِعُ بِالْأَخْذِ فَلِلْمُشْتَرِي الْأَرْشُ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ يُرَادُ لِلدَّوَامِ فَالْيَأْسُ حَاصِلٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ قبل الدُّخُولِ إنْ رَدَّك الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَهُ الرَّدُّ كما يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي وَلَوْ رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ وكان الثَّمَنُ عَبْدًا رَجَعَ فيه الْمُشْتَرِي وَلَوْ دَبَّرَهُ الْبَائِعُ لِأَنَّ تَعَلُّقَ التَّدْبِيرِ بِهِ ليس بِلَازِمٍ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ فَصْلٌ وَخِيَارُ النَّقْصِ على الْفَوْرِ بِأَنْ يَرُدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ الْمُعَيَّنَ حَالَ اطِّلَاعِهِ على عَيْبٍ بِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ في الْبَيْعِ اللُّزُومُ فَيَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ بِلَا عُذْرٍ كما سَيَأْتِي وَلَا يَتَوَقَّفُ على حُكْمِ الْقَاضِي بِهِ ولا حُضُورِ الْخَصْمِ وهو الْمَرْدُودُ عليه كما في خِيَارِ الشَّرْطِ فَلْيُبَادِرْ مُرِيدُهُ إلَيْهِ على الْعَادَةِ كَالشَّفِيعِ فَلَا يُكَلَّفُ الْعَدْوَ في الْمَشْيِ وَالرَّكْضَ في الرُّكُوبِ لِيَرُدَّ وَلَوْ عَلِمَهُ وهو يُصَلِّي أو يَأْكُلُ أو يَقْضِي حَاجَتَهُ فَلَهُ تَأْخِيرُهُ حتى يَفْرُغَ وَلَوْ عَلِمَهُ وقد دخل وَقْتُ هذه الْأُمُورِ فَاشْتَغَلَ بها فَلَا بَأْسَ حتى يَفْرُغَ منها وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ في الشُّفْعَةِ وَلَهُ الرَّدُّ إلَيْهِ أَيْ إلَى الْخَصْمِ وَلَوْ بِوَكِيلٍ له إلَى وَكِيلٍ لِلْخَصْمِ وله الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي لِيَفْسَخَ ثُمَّ يَسْتَحْضِرَ الْخَصْمَ وَيَرُدَّ عليه وهو آكَدُ في الرَّدِّ لِأَنَّ الْخَصْمَ رُبَّمَا أَحْوَجَهُ في آخِرِ الْأَمْرِ إلَى الْمُرَافَعَةِ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْإِتْيَانُ إلَيْهِ أَوَّلًا فَاصِلًا لِلْأَمْرِ جَزْمًا قال الرَّافِعِيُّ وَهَذَا ما فَهِمْته من كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَحَاصِلُهُ تَخْيِيرُهُ بين الْأَمْرَيْنِ وَمَحَلُّهُ كما قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ كَابْنِ الرِّفْعَةِ إذَا لم يَلْقَ أَحَدَهُمَا قبل الْآخَرِ
وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الْإِمَامِ الْمَذْهَبُ أَنَّ الْعُدُولَ إلَى الْقَاضِي مع وُجُودِ الْخَصْمِ تَقْصِيرٌ هذا إذَا كان الْخَصْمُ حَاضِرًا بِالْبَلَدِ فَإِنْ كان غَائِبًا عنها وَلَا وَكِيلَ له حَاضِرٌ وَأَثْبَتَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ منه وَتَسْلِيمَ الثَّمَنِ إلَيْهِ وَالْعَيْبَ وَالْفَسْخَ بِهِ وَحَلَفَ على ذلك اسْتِظْهَارًا لِكَوْنِهِ قَضَاءً على غَائِبٍ قَضَى له الثَّمَنَ من مَالِهِ غَيْرِ الْمَبِيعِ إنْ كان له مَالٌ غَيْرُهُ وَإِنَّمَا لم يَقْضِ من الْمَبِيعِ لِلِاعْتِنَاءِ عنه مع طَلَبِ الْمُحَافَظَةِ على بَقَائِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ له حُجَّةً بِيَدَيْهَا إذَا حَضَرَ وَعُدِّلَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ أَيْ وَوُضِعَ الْمَبِيعُ عِنْدَ عَدْلٍ إنْ كان له مَالٌ غَيْرُهُ فَهَذَا الشَّرْطُ مُتَعَلِّقٌ بِقَضَى وَعُدِّلَ وفي نُسْخَةٍ تَقْدِيمُهُ على عُدِّلَ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ له مَالٌ غَيْرُهُ بِيعَ الْمَعِيبُ في الثَّمَنِ لِتَعَيُّنِهِ لِلْقَضَاءِ وَلَا يُنَافِي ذلك ما سَيَأْتِي في بَابِ الْمَبِيعِ قبل الْقَبْضِ من أَنَّ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ الْفَسْخِ حَبْسَ الْمَبِيعِ إلَى اسْتِرْجَاعِ الثَّمَنِ من الْبَائِعِ لِلْفَرْقِ الظَّاهِرِ بين الْبَائِعِ وَالْقَاضِي وَحَذَفَ ما في الْأَصْلِ هُنَا عن الْقَاضِي من أَنَّهُ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ ادَّعَاهُ في وَجْهٍ مُسَخَّرٍ يَنْصِبُهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ ليس بِلَازِمٍ كما صَحَّحَهُ في بَابِ الْقَضَاءِ على الْغَائِبِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ الِاكْتِفَاءُ بِالْغَيْبَةِ عن الْبَلَدِ وَإِنْ قَلَّتْ الْمَسَافَةُ لِأَنَّ في تَكْلِيفِهِ الْخُرُوجَ عنها مَشَقَّةً وقال في الْمَطْلَبِ الْمُرَادُ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَهَلْ يَلْحَقُ بها مَسَافَةَ الْعَدْوَى أو لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فيها الْخِلَافُ في الِاسْتِعْدَادِ وَقَبُولِ شَهَادَةِ الْفَرْعِ
حَكَاهُ عنه الزَّرْكَشِيُّ ثُمَّ قال وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرَّفْعَ إلَى الْحَاكِمِ لِيَفْسَخَ عِنْدَهُ تَكْفِي فيه الْغَيْبَةُ عن الْبَلَدِ وَإِنْ قَلَّتْ أَمَّا الْقَضَاءُ بِهِ وَفَصْلُ الْأَمْرِ فَلَا بُدَّ فيه من شُرُوطِ الْقَضَاءِ على الْغَائِبِ فَلَا يَقْضِي عليه مع قُرْبِ الْمَسَافَةِ وَلَا يُبَاعُ ما له إلَّا لِتَعَزُّزٍ أو تَوَارٍ وقد أَلْحَقَ في الذَّخَائِرِ الْحَاضِرَ بِالْبَلَدِ إذَا خِيفَ هَرَبُهُ بِالْغَائِبِ عنها وَلَوْ
____________________
(2/66)
أَمْكَنَهُ الْإِشْهَادُ على الْفَسْخِ في طَرِيقِهِ إلَى الْقَاضِي أو الْخَصْمِ بِالْبَلَدِ أو حَالَ عُذْرِهِ لَزِمَهُ احْتِيَاطًا وَلِأَنَّ التَّرْكَ يُؤْذِنُ بِالْإِعْرَاضِ وإذا أَشْهَدَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِنْهَاءُ إلَى أَحَدِهِمَا لِلْفَسْخِ لِنُفُوذِهِ وَهَذَا ما اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ منهم ابن النَّقِيبِ فقال وإذا أَشْهَدَ على الْفَسْخِ فَيَنْبَغِي نُفُوذُهُ وَلَا يَحْتَاجُ بَعْدَهُ إلَى إتْيَانِ الْحَاكِمِ وَلَا بَائِعٍ إلَّا لِلْمُطَالَبَةِ لَكِنَّ قَوْلَ الْمِنْهَاجِ حتى يُنْهِيَهُ إلَى الْبَائِعِ أو الْحَاكِمِ يَقْتَضِي إنَّ وُجُوبَ الْإِتْيَانِ بِحَالِهِ وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ الْأَوَّلُ وهو مُقْتَضَى ما في التَّتِمَّةِ انْتَهَى وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَاجِبَ الْإِنْهَاءُ إلَى أَحَدِهِمَا فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْإِشْهَادُ لَزِمَهُ فإذا أَشْهَدَ سَقَطَ وُجُوبُ الْإِنْهَاءِ حتى لَا يَبْطُلَ الْفَسْخُ بِتَأْخِيرِهِ رَدَّ الْمَبِيعِ وَلَا بِاسْتِخْدَامِهِ وَلَا يَكْفِي الْإِشْهَادُ هُنَا على طَلَبِ الْفَسْخِ بِخِلَافِهِ في الشُّفْعَةِ قال السُّبْكِيُّ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إنْشَاءُ الْفَسْخِ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ وفي الشُّفْعَةِ لَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِأُمُورٍ مَقْصُودَةٍ فَلَيْسَ الْمَقْدُورُ في حَقِّهِ إلَّا الْإِشْهَادُ على الطَّلَبِ
وإذا أَشْهَدَ قال الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ يُشْهِدُ اثْنَيْنِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي يُلَوِّحُ بِهِ قال ابن الرِّفْعَةِ وهو احْتِيَاطٌ لِأَنَّ الْوَاحِدَ مع الْيَمِينِ كَافٍ قال السُّبْكِيُّ وهو كما قال قال الزَّرْكَشِيُّ لَكِنْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ في الشُّفْعَةِ بِأَنَّهُ لَا يَكْفِي لِأَنَّ من الْحُكَّامِ من لَا يَحْكُمُ بِهِ فلم يَصِرْ مُسْتَوْثِقًا لِنَفْسِهِ بِالْإِشْهَادِ قال وَالْأَقْرَبُ خِلَافُ ما قَالَهُ بَلْ يَكْتَفِي بِهِ كما هو الْأَصَحُّ في أَدَاءِ الضَّامِنِ وَلَوْ أَشْهَدَ مَسْتُورَيْنِ فَبَانَا فَاسِقَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِهِ على الْأَصَحِّ كما في نَظِيرِهِ من الضَّمَانِ وَلَوْ عَجَزَ عن الشُّهُودِ لم يَلْزَمْهُ التَّلَفُّظُ بِالْفَسْخِ إذْ يَبْعُدُ إيجَابُهُ من غَيْرِ سَامِعٍ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يَتَعَذَّرُ عليه ثُبُوتُهُ فَيَتَضَرَّرُ بِالْمَبِيعِ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَالْبَغَوِيِّ وَعَزَّاهُ الْمُتَوَلِّي لِلْقَفَّالِ وَحْدَهُ وقال إنَّ عَامَّةَ الْأَصْحَابِ على لُزُومِ ذلك لِقُدْرَتِهِ عليه وإذا لَقِيَ الْبَائِعَ فَسَلَّمَ عليه لم يَضُرَّ وَإِنْ اشْتَغَلَ بِمُحَادَثَتِهِ ضَرَّ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّمَلُّكُ أَيْ التَّلَفُّظُ في الشُّفْعَةِ أَيْضًا كما سَيَأْتِي في بَابِهَا وَذِكْرُهُ هُنَا من زِيَادَتِهِ وهو تَكْرَارٌ فَرْعٌ في دَعْوَى الْجَهْلِ بِالرَّدِّ أو بِالْفَوْرِ إنَّمَا تُقْبَلُ بِالْيَمِينِ دَعْوَى جَهْلِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ مِمَّنْ أَسْلَمَ قَرِيبًا وكان مِمَّنْ يَخْفَى عليه ذلك أو نَشَأَ بَعِيدًا عن الْعُلَمَاءِ لِعُذْرِهِ وَتُقْبَلُ بِالْيَمِينِ الدَّعْوَى في جَهْلِ كَوْنِهِ أَيْ الرَّدِّ فَوْرًا من عَامِّيٍّ يَخْفَى مِثْلُهُ عليه لِذَلِكَ فَرْعٌ تَأْخِيرُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِلَا عُذْرٍ تَقْصِيرٌ وَكَذَا الِانْتِفَاعُ بِالْمَبِيعِ مُدَّةَ الْعُذْرِ أو السَّيْرِ لِلرَّدِّ وَإِنْ خَفَّ الِانْتِفَاعُ كَاسْتِدْعَاءِ الشُّرْبِ من الْعَبْدِ أو نَحْوِهِ فإنه تَقْصِيرٌ يَسْقُطُ بِهِ الرَّدُّ وَالْأَرْشُ بِقَيْدٍ زَادَهُ بَحْثًا بِقَوْلِهِ إنْ سَقَاهُ لِإِشْعَارِهِ بِالرِّضَا وَلِأَنَّ فيه تَأْخِيرًا وهو بِمُجَرَّدِهِ يَسْقُطُ الرَّدُّ فَكَيْفَ إذَا اجْتَمَعَا لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ السُّقُوطُ وَإِنْ لم يَسُقْهُ لِذَلِكَ وقال ابن الْعِمَادِ أَنَّهُ الْمُتَّجَهُ فَإِنْ نَاوَلَهُ الْكُوزَ لِيَشْرَبَ بِلَا طَلَبٍ فَتَنَاوَلَهُ منه لم يَضُرَّ لِأَنَّ وَضْعَهُ في يَدٍ كَوَضْعِهِ على الْأَرْضِ لَكِنَّ رَدَّهُ إلَيْهِ وَلَوْ قبل الشُّرْبِ انْتِفَاعٌ فَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَوْلَى من تَقْيِيدِ الْأَصْلِ بِالشُّرْبِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لو خَدَمَهُ بِلَا طَلَبٍ منه لم يَضُرَّ قال الْإِسْنَوِيُّ وهو مُتَّجَهٌ وَمَحَلُّ الْكَلَامِ في ذلك كما قال السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ إذَا لم نُوجِبْ التَّلَفُّظَ بِالْفَسْخِ كَتَرْكِ إبْعَادِ أَيْ نَزْعِ سَرْجِ الدَّابَّةِ أو نَحْوِهِ عنها إذَا لم يَحْصُلْ لها بِنَزْعِهِ ضَرَرٌ فإنه انْتِفَاعٌ وَإِنْ كان مِلْكًا لِلْبَائِعِ أو ابْتَاعَهُ مَعَهَا كما شَمِلَهُمَا كَلَامُهُمْ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَعَذَّرَ غَيْرُ الْفَقِيهِ في الْجَهْلِ بهذا قَطْعًا وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كان لِلْبَائِعِ من زِيَادَتِهِ لَا تَرْكِ اللِّجَامِ وَالْعَذْرَاءِ لِخِفَّتِهِمَا فَلَا
____________________
(2/67)
يُعَدُّ تَرْكُهُمَا وَلَا تَعْلِيقُهُمَا انْتِفَاعًا وَلِأَنَّ الْقَوَدَ يَعْسُرُ بِدُونِهِمَا وَالْعَذَارُ ما على خَدِّ الدَّابَّةِ من اللِّحَامِ أو الْمِقْوَدِ وَلَا يَضُرُّ عَلَفُهَا وَسَقْيُهَا وَحَلْبُهَا في الطَّرِيقِ كما صَرَّحَ بها الْأَصْلُ وَوَجْهُهُ في حَلْبِهَا أَنَّ اللَّبَنَ نَمَاءٌ حَدَثَ في مِلْكِهِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَحْلُبَهَا سَائِرَةً فَإِنْ حَلَبَهَا وَاقِفَةً بَطَلَ حَقُّهُ كما حَكَاهُ في الْبَحْرِ عن الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ السُّبْكِيُّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ وَقْفَةٌ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضُرَّ إذَا لم يَتَمَكَّنْ منه حَالَ سَيْرِهَا أو حَالَ عَلَفِهَا أو سَقْيِهَا أو رَعْيِهَا وَكَالرُّكُوبِ لها وَلَوْ لِلرَّدِّ وَالسَّقْيِ فإنه انْتِفَاعٌ كما لو لَبِسَ الثَّوْبَ لِلرَّدِّ لَا رُكُوبِهَا لِجُمُوحِهَا بِضَمِّ الْجِيمِ بِأَنْ يَعْسُرَ سَوْقُهَا وَقَوْدُهَا وَالْإِنْعَالُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ وَكَإِنْعَالِهَا في الطَّرِيقِ فإنه يُسْقِطُ الرَّدَّ وَالْأَرْشَ إلَّا أَنْ عَجَزَتْ عن الْمَشْيِ لِلْعُذْرِ فَإِنْ عَلِمَ بِهِ أَيْ بِعَيْبِ الدَّابَّةِ أو الثَّوْبِ في الطَّرِيقِ رَاكِبًا لها نَزَلَ عنها لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الرُّكُوبِ رُكُوبٌ أو لَابِسًا له لم يَجِبْ نَزْعُهُ فيها أَيْ في الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَادُ نَزْعُهُ فيها قال في الْمُهِمَّاتِ وَيَتَعَيَّنُ تَصْوِيرُهُ في ذَوِيِ الْهَيْئَاتِ لِأَنَّ غَالِبَ الْمُحْتَرِفَةِ لَا يَمْتَنِعُونَ من ذلك وَيَأْتِي نَحْوُهُ في النُّزُولِ عن الدَّابَّةِ انْتَهَى فَرْعٌ لو صَالَحَهُ الْبَائِعُ بِالْأَرْشِ أَيْ بِجُزْءٍ من الثَّمَنِ أو غَيْرِهِ عن الرَّدِّ لم يَصِحَّ لِأَنَّهُ خِيَارُ فَسْخٍ فَأَشْبَهَ خِيَارَ التَّرَوِّي في كَوْنِهِ غير مُتَقَوِّمٍ ولم يَسْقُطْ الرَّدُّ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَسْقَطَهُ بِعِوَضٍ ولم يُسَلِّمْ إلَّا أَنْ عَلِمَ الْبُطْلَانَ أَيْ بُطْلَانَ الْمُصَالَحَةِ فَيَسْقُطُ الرَّدُّ لِتَقْصِيرِهِ وَلَيْسَ له أَنْ يَمْسِكَ الْمَبِيعَ وَيُطَالِبَ بِالْأَرْشِ وَلَا لِلْبَائِعِ أَنْ يَمْنَعَهُ من الرَّدِّ وَيَدْفَعَ الْأَرْشَ وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَبَقَ قبل قَبْضِهِ فَأَجَازَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ ثُمَّ أَرَادَ الْفَسْخَ قبل عَوْدِهِ فَلَهُ ذلك كما سَيَأْتِي بَيَانُهُ في الْبَابِ الْآتِي فَصْلٌ وَإِنْ حَدَثَ بِالْمَبِيعِ مع الْمُشْتَرِي أَيْ عِنْدَهُ عَيْبٌ آخَرُ بِآفَةٍ أو جِنَايَةٍ وَعَلِمَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا لم يَمْلِكْ الرَّدَّ قَهْرًا لِإِضْرَارِهِ بِالْبَائِعِ وَلَا يُكَلَّفُ الْمُشْتَرِي الرِّضَا بِهِ فَإِنْ اتَّفَقَا على الْفَسْخِ وَالرُّجُوعِ على الْمُشْتَرِي بِأَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ أو على الْإِجَازَةِ وَالرُّجُوعِ على الْبَائِعِ بِأَرْشِ الْقَدِيمِ فَذَاكَ ظَاهِرٌ فَإِنْ قُلْت تَقَدَّمَ أَنَّ أَخْذَ أَرْشِ الْقَدِيمِ بِالتَّرَاضِي مُمْتَنِعٌ قُلْنَا عِنْدَ إمْكَانِ الرَّدِّ يُتَخَيَّلُ أَنَّ الْأَرْشَ في مُقَابَلَةِ سَلْطَنَةِ الرَّدِّ وَهِيَ لَا تُقَابَلُ بِخِلَافِهِ عِنْدَ عَدَمِ إمْكَانِهِ فإن الْمُقَابَلَةَ تَكُونُ عَمَّا فَاتَ من وَصْفِ السَّلَامَةِ في الْمَبِيعِ وَلَوْ لم يَتَّفِقَا على ذلك بِأَنْ طَلَبَهُ أَيْ الْفَسْخَ مع الرُّجُوعِ بِالْأَرْشِ أَحَدُهُمَا وَطَلَبَ الْآخَرُ الْإِجَازَةَ وَالرُّجُوعَ بِأَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ أُجِيبَ طَالِبُهَا أَيْ الْإِجَازَةِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَائِعَ أَمْ الْمُشْتَرِيَ لِتَقْرِيرِهِ الْعَقْدَ وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ بِأَرْشِ الْقَدِيمِ يَسْتَنِدُ إلَى أَصْلِ الْعَقْدِ لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنْ لَا يَسْتَقِرَّ الثَّمَنُ بِكَمَالِهِ إلَّا في مُقَابَلَةِ السَّلِيمِ وَضَمَّ أَرْشُ الْحَادِثِ إدْخَالَ شَيْءٍ جَدِيدٍ لم يَكُنْ في الْعَقْدِ فَكَانَ الْأَوَّلُ أَوْلَى وَاسْتُشْكِلَ هذا بِمَا مَرَّ آنِفًا من أَنَّهُمَا لو تَرَاضَيَا بِالرَّدِّ ضَمَّ أَرْشَ الْحَادِثِ جَازَ وَإِنْ لم يَكُنْ مُسْتَنِدٌ إلَى أَصْلِ الْعَقْدِ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَمَّا كان الْفَسْخُ ثَمَّ بِالتَّرَاضِي احْتَمَلَ فيه هذه الزِّيَادَةَ التَّابِعَةَ وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا أَرْشَ الْحَادِثِ لَا نَنْسُبُهُ إلَى الثَّمَنِ بَلْ يَرُدُّ ما بين قِيمَةِ الْمَبِيعِ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَقِيمَتِهِ مَعِيبًا وَبِالْعَيْبِ الْحَادِثِ بِخِلَافِ أَرْشِ الْقَدِيمِ كما مَرَّ هذا إنْ بَادَرَ الْمُشْتَرِي بِإِعْلَامِ الْبَائِعِ بِالْحَادِثِ مع الْقَدِيمِ لِيَأْخُذَ الْمَبِيعَ بِلَا أَرْشٍ أو يَتْرُكَهُ بِإِعْطَاءِ أَرْشٍ فَإِنْ أَخَّرَ إعْلَامَهُ بِذَلِكَ بِلَا عُذْرٍ بَطَلَ الرَّدُّ وَالْأَرْشُ عن الْقَدِيمِ لِإِشْعَارِ التَّأْخِيرِ بِالرِّضَا بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَادِثُ سَرِيعَ الزَّوَالِ غَالِبًا كَالْحُمَّى وَالرَّمَدِ وَالصُّدَاعِ وَوَجَعِ الْبَطْنِ فإن له التَّأْخِيرَ لِلرَّدِّ في أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِيَرُدَّ سَلِيمًا عن الْحَادِثِ بِلَا أَرْشٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْأَنْوَارِ وَالثَّانِي لَا لِقُدْرَتِهِ على طَلَبِ الْأَرْشِ فَرْعٌ لو زَالَ الْعَيْبُ الْحَادِثُ بَعْدَ أَخْذِ أَرْشٍ أَيْ أَخْذِ الْمُشْتَرِي أَرْشَ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ أو بَعْدَ
____________________
(2/68)
قَضَاءِ الْحَاكِمِ له بِهِ ولم يَأْخُذْهُ لم يَفْسَخْ أَيْ ليس له الْفَسْخُ وَرَدُّ الْأَرْشِ لِانْفِصَالِ الْأَمْرِ بِذَلِكَ فَإِنْ زَالَ قبل أَخْذِهِ أو قَضَاءِ الْقَاضِي بِهِ لِلْمُشْتَرِي أو قَبْلَهُمَا مَعًا فُسِخَ وَلَوْ بَعْدَ التَّرَاضِي على أَخْذِ الْأَرْشِ وَإِنْ زَالَ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ قبل أَخْذِ أَرْشِهِ لم يَأْخُذْهُ وَبَعْدَهُ وَجَبَ رَدُّهُ لِزَوَالِ الْمُقْتَضِي لِأَخْذِهِ فَرْعٌ ما ثَبَتَ بِهِ الرَّدُّ على الْبَائِعِ يَمْنَعُ الرَّدَّ إذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وما لَا يَثْبُتُ بِهِ الرَّدُّ عليه فَلَا يَمْنَعُ الرَّدَّ إذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي إلَّا في الْأَقَلِّ فَيَمْنَعُ الرَّدَّ وَإِنْ كان لَا يُثْبِتُهُ كَالثُّيُوبَةِ في أَوَانِهَا فإنه لَا يَرُدُّ بها مع أَنَّهُ لو اشْتَرَى بِكْرًا فَوَطِئَهَا امْتَنَعَ الرَّدُّ وَكَوُجُودِ الْعَبْدِ غَيْرِ قَارِئٍ أو عَارِفٍ لِصَنْعَتِهِ فإنه لَا يَرُدُّ بِهِ مع أَنَّهُ اشْتَرَاهُ قَارِئًا أو عَارِفًا لِصَنْعَةٍ فَنَسِيَ الْقُرْآنَ أو الصَّنْعَةَ امْتَنَعَ الرَّدُّ وَهَذِهِ في الْأَصْلِ وقد أَخَذَ الْمُصَنِّفُ في بَيَانِ صُوَرٍ يَتَّضِحُ بها ما ذَكَرَهُ من الشِّقَّيْنِ فقال فَوَطْءُ الْمُشْتَرِي الثَّيِّبَ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَإِنْ حَرَّمَهَا بِوَطْئِهِ على الْبَائِعِ لِكَوْنِ الْمُشْتَرِي ابْنَهُ أو أَبَاهُ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لم تَنْقُصْ بِذَلِكَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْوَطْءَ ليس الْمَقْصُودُ بَلْ الْمَقْصُودُ التَّحْرِيمُ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَتَحْرِيمُ الْأَمَةِ الثَّيِّبِ بِوَطْئِهَا على الْبَائِعِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ كما لَا يُثْبِتُهُ وَكَذَا لَا يَمْنَعُهُ إرْضَاعٌ يُحَرِّمُ الصَّغِيرَةَ عليه أَيْ الْبَائِعِ كَأَنْ ارْتَضَعَتْ من أُمِّهِ أو ابْنَتِهِ في يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ بِخِلَافِ التَّزْوِيجِ أَيْ تَزْوِيجِ الْمُشْتَرِي الْأَمَةَ قبل عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ فإنه يَمْنَعُ الرَّدَّ لِنَقْصِهِ الْقِيمَةَ
فَإِنْ عَلَّقَ الزَّوْجُ طَلَاقَهَا بِالرَّدِّ فَرَدَّهَا قبل الدُّخُولِ جَازَ الرَّدُّ لِزَوَالِ الْمَانِعِ بِهِ ولم تَخْلُفْهُ عِدَّةٌ كَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الرُّويَانِيِّ وَالرُّويَانِيُّ نَقَلَهُ عن وَالِدِهِ ثُمَّ قال وَيُحْتَمَلُ مَنْعُ الرَّدِّ لِمُقَارَنَةِ الْعَيْبِ له قال السُّبْكِيُّ وفي ذِهْنِي من كَلَامِ غَيْرِهِ ما يُعَضِّدُهُ وَأَلْحَقَ الْإِسْنَوِيُّ بِمَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ تَزْوِيجَهَا من الْبَائِعِ لِأَنَّهُ بِالرَّدِّ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ قال ولم أَرَهُ مَسْطُورًا قُلْت قد رَأَيْته مَسْطُورًا في التَّتِمَّةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ فيه الرَّدُّ لِمُقَارَنَةِ الْعَيْبِ له وَنَقَلَهُ عنها السُّبْكِيُّ ثُمَّ قال وقد يُرَتَّبُ ذلك على أَنَّ الْعِلَّةَ مع الْمَعْلُولِ فَيَرُدُّ أو قَبْلَهُ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا مَنْعُ الرَّدِّ لِمَا مَرَّ قال الرُّويَانِيُّ وَلِأَنَّ الزَّوْجَ قد يَمُوتُ عَقِبَ الرَّدِّ فَيَلْزَمُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ على الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ أَيْ لِمُصَادَفَتِهِ الْبَيْنُونَةَ فَيُؤَدِّي الرَّدُّ إلَى إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِهِ وَالثَّانِي يَرُدُّ لِزَوَالِ الْمَانِعِ بِالرَّدِّ وَلِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ في مِثْلِ ذلك لَا تُعَدُّ عَيْبًا وَالْأَقْوَى الْمَنْعُ لِمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ انْتَهَى وَمِثْلُهَا مَسْأَلَةُ الْمُتَوَلِّي إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ على نَفْسِهِ في يَدِ الْمُشْتَرِي بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَكَذَا إقْرَارُهُ بِدَيْنِ إتْلَافٍ لَا يَمْنَعُهُ إلَّا أَنْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي فيه فَيَمْنَعُهُ وَعَفْوُ الْمَجْنِيِّ عليه عِنْدَ التَّصْدِيقِ كَزَوَالِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ فَيَمْنَعُ الرَّدَّ بَعْدَ أَخْذِ أَرْشِ الْقَدِيمِ أو بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِهِ وَيَجُوزُ قَبْلَهُمَا وَلَوْ بِالتَّرَاضِي على أَخْذِ الْأَرْشِ فَرْعٌ لو حَدَثَ بِالْمَبِيعِ عَيْبٌ مِثْلَ الْقَدِيمِ كَبَيَاضٍ قَدِيمٍ وَحَادِثٍ في عَيْنِهِ ثُمَّ زَالَ أَحَدُهُمَا وَأَشْكَلَ الْحَالُ وَاخْتَلَفَ فيه الْعَاقِدَانِ فقال الْبَائِعُ الزَّائِلَ الْقَدِيمَ فَلَا رَدَّ وَلَا أَرْشَ وقال الْمُشْتَرِي بَلْ الْحَادِثُ فَلِيَ الرَّدُّ حَلَفَ أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا على ما قَالَهُ وَسَقَطَ الرَّدُّ بِحَلِفِ الْبَائِعِ وَوَجَبَ لِلْمُشْتَرِي بِحَلِفِهِ الْأَرْشُ وَإِنَّمَا وَجَبَ له مع أَنَّهُ إنَّمَا يَدَّعِي الرَّدَّ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ وَإِنَّ الْأَوْلَى فَإِنْ اخْتَلَفَا في قَدْرِهِ وَجَبَ الْأَقَلُّ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَمَنْ نَكَلَ مِنْهُمَا عن الْيَمِينِ قَضَى عليه كما في نَظَائِرِهِ فَرْعٌ لو اشْتَرَى رِبَوِيًّا بِجِنْسِهِ كَأَنْ اشْتَرَى حُلِيَّ ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ بِوَزْنِهِ ذَهَبًا أو فِضَّةً فَبَانَ مَعِيبًا وقد حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ فُسِخَ هو على ما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ وَغَيْرِهِ أو هو أو الْبَائِعُ أو الْحَاكِمُ كما في الْفَسْخِ في التَّحَالُفِ على ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ أو الْحَاكِمِ على ما نَقَلَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ عن الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ وَصَاحِبِ الْعُدَّةِ وَغَيْرِهِمَا لَكِنْ اسْتَبْعَدَهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ هذا رَدُّ عَيْبٍ لَا دَخْلَ لِلْحَاكِمِ فيه وَمَالَ الزَّرْكَشِيُّ إلَى كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ رَدٌّ بِعَيْبٍ وَلَا تَحَالُفَ فيه حتى يَفْسَخَ الْبَائِعُ أو الْحَاكِمُ وَرَدَّهُ أَيْ الْحُلِيَّ بِأَرْشِ الْحَادِثِ وَلَا رِبَا لِأَنَّ الْحُلِيَّ في مُقَابَلَةِ الثَّمَنِ وَهُمَا مُتَمَاثِلَانِ وَالْعَيْبُ الْحَادِثُ مَضْمُونٌ عليه كَعَيْبِ الْمَأْخُوذِ على جِهَةِ السَّوْمِ وَلَوْ كان الْأَرْشُ من جِنْسِهِ أَيْ الْحُلِيِّ فإنه يَجُوزُ رَدُّهُ بِالْأَرْشِ إذْ لو امْتَنَعَ الْجِنْسُ
____________________
(2/69)
لَامْتَنَعَ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ بَيْعُ رِبَوِيٍّ بِجِنْسِهِ مع شَيْءٍ آخَرَ وَلَوْ كان الْحَادِثُ يُنْقِصُ الْوَزْنَ غَرِمَ زِنَتَهُ وَرَدَّ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لم يُنْقِصْ مع ذلك الْقِيمَةَ وَلَا يُمْسِكُ الْحُلِيَّ وَيَأْخُذُ الْأَرْشَ عن الْعَيْبِ الْقَدِيمِ إذْ لو أَخَذَهُ لَنَقَصَ الثَّمَنُ فَيَصِيرُ الْبَاقِي منه مُقَابَلًا بِأَكْثَرَ منه وَذَلِكَ رِبَا وَلَوْ عَلِمَ بِهِ أَيْ بِالْعَيْبِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ تَلَفِ الْحُلِيِّ فَسَخَ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في غَيْرِ الرِّبَوِيِّ لِأَنَّهُ هُنَا لَا يُمْكِنُهُ أَخْذُ الْأَرْشِ عن الْقَدِيمِ وَلَا سَبِيلَ إلَى إسْقَاطِ حَقِّهِ فَفَسَحَ وَاسْتَرَدَّ الثَّمَنَ من الْبَائِعِ وَغَرِمَ له الْقِيمَةَ أَيْ قِيمَةَ الْحُلِيِّ وَلَا يُمْسِكُهَا وَيَأْخُذُ الْأَرْشَ لَلرِّبَا كما مَرَّ في الْحُلِيِّ آنِفًا فَلَوْ أَخَّرَ عنه قَوْلَهُ وَلَا يُمْسِكُ وَيَأْخُذُ الْأَرْشَ لَشَمِلَهُمَا قال ابن يُونُسَ وَمَحَلُّ ما ذُكِرَ إذَا كان الْعَيْبُ بِغَيْرِ غِشٍّ وَإِلَّا فَقَدْ بَانَ فَسَادُ الْبَيْعِ لِاشْتِمَالِهِ على رِبَا الْفَضْلِ وَاعْتَرَضَ ابن الرِّفْعَةِ على تَعْبِيرِ الرَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ بِالْقِيمَةِ بِأَنَّ الْحُلِيَّ مِثْلِيٌّ فَلَا وَجْهَ لِذِكْرِهَا قال الزَّرْكَشِيُّ وقد يُجَابُ بِأَنَّ الْعَيْبَ قد يُخْرِجُهُ عن كَوْنِهِ مِثْلِيًّا على أَنَّ صَاحِبَ الشَّامِلِ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ يَغْرَمُ الْمِثْلَ وَالْقِيمَةَ إنْ لم يَكُنْ له مِثْلٌ وهو الصَّوَابُ انْتَهَى وَسَيَأْتِي في الْغَصْبِ إيضَاحُ ذلك فَرْعٌ وَإِنْ بَانَ الْعَيْبُ وقد أَنْعَلَ الدَّابَّةَ وَالنَّزْعُ لِلنَّعْلِ يَعِيبُهَا فَنَزَعَ بَطَلَ حَقُّهُ من الرَّدِّ وَالْأَرْشِ لِقَطْعِهِ الْخِيَارَ بِتَعْيِيبِهِ بِالِاخْتِبَارِ وَإِنْ سَلَّمَهَا بِنَعْلِهَا أُجْبِرَ الْبَائِعُ على قَبُولِ النَّعْلِ إذْ لَا مِنَّةَ عليه فيه وَلَا ضَرَرَ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي طَلَبُ قِيمَتِهَا فَإِنَّهَا حَقِيرَةٌ في مَعْرِضِ رَدِّ الدَّابَّةِ فَلَوْ سَقَطَتْ اسْتَرَدَّهَا الْمُشْتَرِي لِأَنَّ تَرْكَهَا إعْرَاضٌ لَا تَمْلِيكٌ وَإِنْ لم يَعِبْهَا نَزْعُهَا لم يُجْبَرْ أَيْ الْبَائِعُ على قَبُولِهَا بِخِلَافِ الصُّوفِ يُجْبَرُ على قَبُولِهِ كما قَالَهُ الْقَاضِي لِأَنَّ زِيَادَتَهُ تُشْبِهُ زِيَادَةَ السَّمْنِ بِخِلَافِ النَّعْلِ فَيَنْزِعُهَا وَالْفَرْقُ بين نَزْعِهَا هُنَا وَالْإِنْعَالُ في مُدَّةِ طَلَبِ الْخَصْمِ أو الْحَاكِمِ إنَّ ذَاكَ اشْتِغَالٌ يُشْبِهُ الْحَمْلَ على الدَّابَّةِ وَهَذَا تَفْرِيغٌ وقد ذَكَرَ الْقَاضِي إنَّ اشْتِغَالَهُ بِجَزِّ الصُّوفِ مَانِعٌ من الرَّدِّ بَلْ يَرُدُّ ثُمَّ يَجُزُّ فَرْعٌ وَإِنْ صَبَغَ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ أو قَصَّرَهُ فَزَادَتْ قِيمَتُهُ ثُمَّ عَلِمَ الْعَيْبَ فَإِنْ سَمَحَ لِلْبَائِعِ بِالصَّبْغِ مَثَلًا صَارَ مِلْكًا لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلثَّوْبِ وَلَا تُزَايِلُهُ بِخِلَافِ النَّعْلِ فَلَا يَمْلِكُهَا الْبَائِعُ كما مَرَّ وَلَوْ رَدَّ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ وَطَلَبَ قِيمَةَ الصَّبْغِ أو رَدَّهُ لِيَبْقَ شَرِيكًا لِلْبَائِعِ بِالصَّبْغِ ولم يَرْضَ الْبَائِعُ لم يَجِبْ إلَيْهِ ولكن له الْأَرْشُ عن الْعَيْبِ فَالْمُجَابُ فِيهِمَا الْبَائِعُ وَاسْتَشْكَلَ حُكْمَ الثَّانِيَةِ بِنَظِيرِهَا من الْفَلَسِ وَالْغَصْبِ حَيْثُ جَعَلُوا الْمُفْلِسَ وَالْغَاصِبَ شَرِيكَيْنِ لِلْمَرْدُودِ عليه بِالصَّبْغِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْفَلِسَ وَالْغَاصِبَ مَقْهُورَانِ على الرَّدِّ فَلَا وَجْهَ لِتَضْيِيعِ حَقِّهِمَا بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي هُنَا فإنه الْمُخْتَارُ لِلرَّدِّ فَلَا يَسْتَفِيدُ بِاخْتِيَارِهِ الشَّرِكَةَ وَلَوْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي أَرْشَ الْعَيْبِ وقال الْبَائِعُ رُدَّ الثَّوْبَ لَا غَرِمَ لَك قِيمَةَ الصَّبْغِ أُجِيبَ الْبَائِعُ وَسَقَطَ أَرْشُ الْمُشْتَرِي عن الْعَيْبِ كَعَكْسِهِ السَّابِقِ وَاسْتُشْكِلَ ذلك بِمَا مَرَّ من أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا طَلَبَ التَّقْرِيرَ وَأَرْشَ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَطَلَبَ الْبَائِعُ الْفَسْخَ وَأَرْشَ الْحَادِثِ يُجَابُ الْمُشْتَرِي وَأُجِيبُ بِأَنَّ هذه لَيْسَتْ نَظِيرَ مَسْأَلَتِنَا وَإِنَّمَا نَظِيرُهُمَا أَنْ لَا يَغْرَمَ الْمُشْتَرِي شيئا بِأَنْ يَطْلُبَ الْبَائِعُ الرَّدَّ بِدُونِ أَرْشِ الْحَادِثِ وَهَذِهِ لَا يُجَابُ فيها الْمُشْتَرِي بَلْ الْبَائِعُ كما في مَسْأَلَتِنَا هذا كُلُّهُ إذَا لم يُمْكِنْ فَصْلُ الصَّبْغِ بِغَيْرِ نَقْصٍ في الثَّوْبِ فَإِنْ أَمْكَنَ فَصْلُهُ بِغَيْرِ ذلك فَصَلَهُ وَرَدَّ الثَّوْبَ كما اقْتَضَاهُ تَعْلِيلُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْمَعْنَى يَرُدُّ ثُمَّ يَفْصِلُهُ نَظِيرَ ما مَرَّ في الصُّوفِ فَرْعٌ وما مَأْكُولُهُ في جَوْفِهِ كَالرُّمَّانِ وَالْبِطِّيخِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ إذَا كَسَرَهُ الْمُشْتَرِي كَسْرًا لَا يُعْرَفُ عَيْبُهُ الْقَدِيمُ بِدُونِهِ فَلَهُ رَدُّهُ وَلَا يَمْنَعُ منه ما حَدَثَ لِعُذْرِهِ في تَعَاطِيهِ لِاسْتِكْشَافِ الْعَيْبِ كما في الْمُصْرَاةِ وَلَا أَرْشَ عليه بِسَبَبِهِ لِذَلِكَ وَكَأَنَّ الْبَائِعَ بِالْبَيْعِ سَلَّطَهُ عليه وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ كَسَرَهُ كَسْرًا يُعْرَفُ الْعَيْبُ بِدُونِهِ فَهُوَ عَيْبٌ حَادِثٌ يَمْنَعُ الرَّدَّ لِانْتِفَاءِ عُذْرِهِ وما خَرَجَ من الْمَبِيعِ فَاسِدًا لَا قِيمَةَ له كَبَيْضِ غَيْرِ النَّعَامِ الْمَذَرِ وَالْبِطِّيخِ الشَّدِيدِ التَّغَيُّرِ بِأَنَّ فَسَادَ الْبَيْعِ فيه لِوُرُودِهِ على غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ فَيَخْتَصُّ الْبَائِعُ بِالْقُشُورِ كما يَخْتَصُّ الْمُشْتَرِي بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَيَلْزَمُهُ تَنْظِيفُ الْمَكَانِ منها لِاخْتِصَاصِهَا بِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ إذَا لم يَنْقُلْهَا الْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَيَلْزَمُ بِنَقْلِهَا قَطْعًا وَتُعْرَفُ حُمُوضَةُ الْبِطِّيخِ بِالْغَرْزِ لِشَيْءٍ فيه فَتَقْوِيرُهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَكَذَا التَّقْوِيرُ الْكَبِيرُ إذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهَا بِالصَّغِيرِ وَلَا يُعْرَفُ تَدْوِيدُهُ إلَّا بِالتَّقْوِيرِ وقد يَحْتَاجُ في مَعْرِفَتِهِ الشِّقَّ أَيْ إلَيْهِ وَلَا بُدَّ في مَعْرِفَةِ عَيْبِ الْجَوْزِ من كَسْرِ الْجَوْزِ وَمِثْلُهُ اللَّوْزُ وَنَحْوُهُ وقد تَكْفِي اللَّقْلَقَةُ وفي
____________________
(2/70)
نُسْخَةٍ الْقَلْقَلَةُ وَهِيَ بِمَعْنَاهَا في مَعْرِفَةِ عَيْبِ الْبَيْضِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْحُمُوضَةَ في الرُّمَّانِ لَيْسَتْ عَيْبًا فَلَوْ شَرَطَ فيه الْحَلَاوَةَ فَبَانَ حَامِضًا بِالْغَرْزِ رُدَّ أو بِالشَّقِّ فَلَا فَرْعٌ إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا مَطْوِيًّا وقد جَعَلُوهُ من صُوَرِ بَيْعِ الْغَائِبِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ فَيُخَالِفُ ما قَالُوهُ هُنَا مِمَّا يَأْتِي وَلَعَلَّهُ وفي نُسْخَةٍ فَلَعَلَّهُ أَيْ ما قَالُوهُ هُنَا فِيمَا إذَا سَبَقَتْ رُؤْيَتُهُ أو طَوَى طَاقَيْنِ وهو مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ وَجْهَاهُ كَكِرْنَاسٍ لِمَا مَرَّ أَنَّ رُؤْيَةَ أَحَدِ وَجْهَيْهِ كَافِيَةٌ أو نُشِرَ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً قبل الْبَيْعِ وَمَرَّةً بَعْدَهُ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي لِلْحَاجَةِ فَنَقَصَ بِالنَّشْرِ الْمُطْلِعِ على الْعَيْبِ في الصُّوَرِ الثَّلَاثِ فَلَهُ الرَّدُّ بِلَا أَرْشٍ لِلْعَيْبِ الْحَادِثِ لِمَا مَرَّ في الْفَرْعِ قَبْلَهُ وَمُؤْنَةُ الطَّيِّ عليه إنْ لم يُحْسِنْ طَيَّهُ وَالصُّورَةُ الثَّالِثَةُ في كَلَامِهِ دَاخِلَةٌ في الْأُولَى وَلَفْظَةُ لِلْحَاجَةِ من زِيَادَتِهِ وَهِيَ مُضِرَّةٌ فَصْلٌ لَا يُفْرَدُ بَعْضُ الْمَبِيعِ في صَفْقَةٍ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَهْرًا وَإِنْ زَالَ الْبَاقِي عن مِلْكِهِ فَلَوْ بَاعَ بَعْضَهُ ثُمَّ وَجَدَ الْعَيْبَ لم يَرُدَّ قَهْرًا لِمَا فيه من تَشْقِيصِ الْبَائِعِ عليه وَلَا أَرْشَ له لِلْبَاقِي وَلَا لِلزَّائِلِ لِعَدَمِ الْيَأْسِ من الرَّدِّ وَقِيلَ له الْأَرْشُ الْبَاقِي لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ وَلَا يَنْتَظِرُ عَوْدَ الزَّائِلِ لِيَرُدَّ الْكُلَّ كما لَا يَنْتَظِرُ زَوَالَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ وَصَحَّحَهُ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِنَقْلِ الرَّافِعِيِّ له عن تَصْحِيحِ التَّهْذِيبِ وهو ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْتِي على التَّعْلِيلِ بِاسْتِدْرَاكِ الظَّلَّامَةِ لَا بِعَدَمِ الْيَأْسِ وَأَمَّا تَعَذُّرُ الرَّدِّ فَإِنَّمَا هو في الْحَالِ فَهُوَ كما لو بَاعَ الْجَمِيعَ فَلَا أَرْشَ له قال السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَهَذَا ظَاهِرُ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ وهو الصَّحِيحُ الذي صَرَّحَ بِهِ كَثِيرُونَ وهو مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ بِالْيَأْسِ وما قَالُوهُ هو الْمُعْتَمَدُ الْمُفْتَى بِهِ وَإِنْ تَبِعَتْ الْأَصْلَ في شَرْحِ الْبَهْجَةِ فَعُدُولُ الْمُصَنِّفِ عَمَّا فيه إلَى ما قَالَهُ حَسَنٌ مُتَعَيَّنٌ وَشَمِلَ قَوْلَهُ كَغَيْرِهِ بَاعَ بَعْضَهُ ما لو بَاعَهُ لِلْبَائِعِ فَلَا رَدَّ له وهو ما جَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَجَزَمَ بِهِ السُّبْكِيُّ في شَرْحِ الْمُهَذَّبِ في مَوْضِعٍ ثُمَّ نَقَلَهُ عنهما وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ وَقْتُ الرَّدِّ لم يَرُدَّ كما تَمَلَّكَ وَبِهِ أَفْتَيْت لَكِنْ قال الْقَاضِي له الرَّدُّ على الْمَذْهَبِ إذْ ليس فيه تَبْعِيضٌ على الْبَائِعِ وَاقْتَصَرَ الْإِسْنَوِيُّ على نَقْلِهِ عنه
وَكَذَا السُّبْكِيُّ في شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وفي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ في مَوْضِعٍ آخَرَ ثُمَّ قال وَيَنْبَغِي بِنَاءُ ذلك على أَنَّ الْمَانِعَ الضَّرَرُ فَيَرُدُّ أو اتِّحَادُ الصَّفْقَةِ فَيَتَخَرَّجُ على تَفْرِيقِهَا انْتَهَى وَيُؤَيِّدُ ما قَالَهُ الْقَاضِي ما نَصَّ عليه في الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ من أَنَّ له الرَّدَّ فِيمَا لَا يَنْقُصُ بِتَبْعِيضِهِ وهو أَحَدُ وَجْهَيْنِ في الْأَصْلِ حَيْثُ قال أَمَّا ما لَا يَنْقُصُ بِالتَّبْعِيضِ كَالْحُبُوبِ فَوَجْهَانِ بِنَاءً على أَنَّ الْمَانِعَ ضَرَرُ التَّبْعِيضِ أو اتِّحَادُ الصَّفْقَةِ وإذا اشْتَرَى رَجُلَانِ عَبْدًا من رَجُلٍ فَلِأَحَدِهِمَا رَدُّ نَصِيبِهِ بِالْعَيْبِ لِأَنَّهُ رَدَّ جَمِيعَ ما مَلَكَ وَتَبْطُلُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فَيَخْلُصُ لِلْمُمْسِكِ ما أَمْسَكَ وَلِلرَّادِّ ما اسْتَرَدَّ وَإِنْ وَرِثَاهُ أَيْ ابْنَا الْمُشْتَرِي مَثَلًا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا رَدُّ نَصِيبِهِ لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ وَلِهَذَا لو سَلَّمَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ الثَّمَنِ لم يَلْزَمْ الْبَائِعَ تَسْلِيمُ النِّصْفِ إلَيْهِ وَإِنْ اشْتَرَى رَجُلَانِ عَبْدًا من رَجُلَيْنِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُشْتَرٍ من كُلٍّ من الْبَائِعَيْنِ رُبْعَ الْعَبْدِ لِأَنَّ ذلك أَرْبَعَةُ عُقُودٍ فَلِكُلٍّ أَنْ يَرُدَّ جَمِيعَ ما اشْتَرَاهُ من كُلٍّ عليه وَإِنْ اشْتَرَاهُ ثَلَاثَةٌ من ثَلَاثَةٍ فَكُلٌّ منهم مُشْتَرٍ من كُلٍّ من الْبَائِعِينَ تُسْعَهُ لِأَنَّ ذلك تِسْعَةُ عُقُودٍ فَلِكُلٍّ أَنْ يَرُدَّ جَمِيعَ ما اشْتَرَاهُ من كُلٍّ عليه وَإِنْ اشْتَرَى بَعْضَ عَبْدٍ فَرَهَنَهُ ثُمَّ بَانَ مَعِيبًا فَاشْتَرَى الْبَاقِي ثُمَّ فَدَى الْمَرْهُونَ أَيْ فَكَّهُ فَلَهُ رَدُّهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ فَقَطْ أَيْ دُونَ الْبَاقِي لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ عَالِمًا بِعَيْبِهِ وَتَصْوِيرُهَا بِالرَّهْنِ من زِيَادَتِهِ وهو مِثَالٌ وَالضَّابِطُ ما يَتَعَذَّرُ معه الرَّدُّ حَالًّا كَبَيْعٍ وَهِبَةٍ ثُمَّ يَزُولُ بَعْدَ شِرَاءِ الْبَاقِي فَصْلٌ وَإِنْ اخْتَلَفَا في حُدُوثِهِ وَقِدَمِهِ بِأَنْ قال كُلٌّ لِلْآخَرِ حَدَثَ عِنْدَك وَدَعْوَاهُمَا فيه مُمْكِنَةٌ
____________________
(2/71)
بِأَنْ احْتَمَلَ قِدَمُهُ وَحُدُوثُهُ كَبَرَصٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَيْبِ وَدَوَامُ الْعَقْدِ وَلَا يَثْبُتُ بِيَمِينِهِ حُدُوثُ الْعَيْبِ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا صَلَحَتْ لِلدَّفْعِ عنه فَلَا تَصْلُحُ لِشَغْلِ ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي فَلَوْ فُسِخَ الْبَيْعُ بَعْدَ ذلك بِتَحَالُفٍ مَثَلًا لم يَكُنْ له أَرْشُ الْعَيْبِ وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْلِفَ الْآنَ أَنَّهُ ليس بِحَادِثٍ قَالَهُ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَلَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي وُجُودَ عَيْبَيْنِ في يَدِ الْبَائِعِ فَاعْتَرَفَ بِأَحَدِهِمَا وَادَّعَى حُدُوثَ الْآخَرِ في يَدِ الْمُشْتَرِي كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الرَّدَّ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ بِأَحَدِهِمَا فَلَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ قَالَهُ ابن الْقَطَّانِ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ ابن الْأُسْتَاذِ في شَرْحِ الْوَسِيطِ عن النَّصِّ قال ابن الرِّفْعَةِ وَلَا بُدَّ من يَمِينِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ نَكَلَ لم تُرَدَّ على الْبَائِعِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُرَدُّ إذَا كانت تُثْبِتُ لِلْمَرْدُودِ عليه حَقًّا له هُنَا نعم لَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ وَنَظِيرُهُ ما لو دَفَعَ إلَيْهِ دَابَّةً ثُمَّ اخْتَلَفَا فقال الرَّاكِبُ أَعَرْتنِيهَا وقال الْمَالِكُ بَلْ آجَرْتُكهَا وَمَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ وَصَدَّقْنَا الْمَالِكَ فَنَكَلَ عن الْيَمِينِ لَا تُرَدُّ انْتَهَى
أَمَّا ما لَا يُحْتَمَلُ حُدُوثُهُ بَعْدَ الْبَيْعِ كَأُصْبُعٍ زَائِدَةٍ وَشَيْنِ شَجَّةٍ مُنْدَمِلَةٍ وقد جَرَى الْبَيْعُ أَمْسِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي بِلَا يَمِينٍ وما لَا يُحْتَمَلُ قِدَمُهُ كَشَجَّةٍ طَرِيَّةٍ وقد جَرَى الْبَيْعُ وَالْقَبْضُ من سَنَةٍ مَثَلًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ بِلَا يَمِينٍ فَإِنْ قال في جَوَابِ قَوْلِ الْمُشْتَرِي إنَّ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا كان قبل الْقَبْضِ وَأُرِيدُ رَدَّهُ لَا يَلْزَمُنِي الرَّدُّ أَيْ قَبُولُهُ أو لَا تَسْتَحِقُّ الرَّدَّ عَلَيَّ بهذا الْعَيْبِ أو إنِّي أَقْبِضُهُ وما بِهِ عَيْبٌ وَحَلَفَ كَذَلِكَ أَيْ كَجَوَابِهِ كَفَى لِمُطَابَقَةِ الْحَلِفِ الْجَوَابَ فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ في الْأَخِيرَةِ على أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَسْتَحِقُّ الرَّدَّ عليه لم يَتَمَكَّنْ منه وَلَا يُكَلَّفُ في الْأُولَيَيْنِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِعَدَمِ الْعَيْبِ يوم الْبَيْعِ وَلَا يوم الْقَبْضِ لِجَوَازِ أَنَّهُ أَقْبَضَهُ مَعِيبًا وهو عَالِمٌ بِهِ أو أَنَّهُ رضي بِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَلَوْ نَطَقَ بِهِ صَارَ مُدَّعِيًا مُطَالَبًا بِالْبَيِّنَةِ وَلَوْ تَعَرَّضَ في الْجَوَابِ لِنَفْيِ قِدَمِهِ نَفَاهُ لُزُومًا في الْيَمِينِ لِيُطَابِقَ الْجَوَابَ وَكَذَا في سَائِرِ أَجْوِبَةِ الدَّعَاوَى بَتًّا فَيَحْلِفُ لقد بِعْته وما بِهِ هذا الْعَيْبُ لَا عِلْمًا أَيْ لَا نَفْيَ عِلْمٍ فَلَا يَكْفِيهِ بِعْته وما أَعْلَمُ بِهِ هذا الْعَيْبَ وَلَهُ الْحَلِفُ على الْبَتِّ اعْتِمَادًا على ظَاهِرِ السَّلَامَةِ إنْ لم يَظُنَّ خِلَافَهُ وَإِنْ لم يَخْتَبِرْ الْمَبِيعَ ولم يَعْلَمْ خَفَايَا أَمْرِهِ فَرْعٌ لو اخْتَلَفَا في وُجُودِ الْعَيْبِ أو في صِفَةٍ هل هِيَ عَيْبٌ أو لَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَيْبِ وَدَوَامُ الْعَقْدِ هذا إذَا لم يَعْرِفْ الْحَالَ من غَيْرِهِمَا وَإِلَّا فَحُكْمُهُ ما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَكْفِي أَيْ في مَعْرِفَةِ حَالِهِ إلَّا قَوْلُ عَدْلَيْنِ عَارِفَيْنِ بِذَلِكَ كما جَزَمَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَالْقَفَّالُ وقال في الْمَطْلَبِ أَنَّهُ الْقِيَاسُ وقال الْبَغَوِيّ يَكْفِي وَاحِدٌ ولم يُرَجِّحْ الْأَصْلُ شيئا بَلْ حَكَى الْأَوَّلَ عن التَّتِمَّةِ وَالثَّانِيَ عن التَّهْذِيبِ فَبَيَانُ الرَّاجِحِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ ادَّعَى الْبَائِعَ عِلْمَ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ أو تَقْصِيرَهُ في الرَّدِّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَقَيَّدَهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا إذَا كان مِثْلُ الْعَيْبِ يَخْفَى على الْمُشْتَرِي أَيْ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ فَإِنْ كان لَا يَخْفَى كَقَطْعِ أَنْفٍ أو يَدٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ قال النَّوَوِيُّ في فَتَاوِيهِ لو رضي الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ ثُمَّ قال إنَّمَا رَضِيت بِهِ لِأَنِّي اعْتَقَدْته الْعَيْبَ الْفُلَانِيَّ وقد بَانَ خِلَافُهُ فَإِنْ أَمْكَنَ اشْتِبَاهُهُ بِهِ وكان الْعَيْبُ الذي بَانَ أَعْظَمَ ضَرَرًا فَلَهُ الرَّدُّ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ اشْتَرَى
____________________
(2/72)
شيئا رَأَى فيه شيئا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ عَيْبٌ فقال ظَنَنْت أَنَّهُ ليس بِعَيْبٍ فَإِنْ كان مِمَّنْ يَخْفَى عليه مِثْلُهُ صَدَقَ فَرْعٌ لو اشْتَرَى مَعِيبًا وَقَبَضَهُ سَلِيمًا فَلَا رَدَّ لِأَنَّ مَدَارَ الرَّدِّ على التَّعَيُّبِ عِنْدَ الْقَبْضِ بَلْ مَهْمَا زَالَ الْعَيْبُ قبل الرَّدِّ بَطَلَ الْخِيَارُ لِزَوَالِ مُقْتَضِيهِ فَصْلٌ الْفَسْخُ يَرْفَعُ الْعَقْدَ من حِينِهِ لَا من أَصْلِهِ وَلَوْ قبل الْقَبْضِ لِأَنَّهُ لَا يُسْقِطُ الشُّفْعَةَ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْعَطِفُ حُكْمُهُ على ما قَبْلَهُ فَكَذَا الْفَسْخُ فَرْعٌ وَطْءُ الثَّيِّبِ أو الْغَوْرَاءِ مع بَقَاءِ بَكَارَتِهَا من مُشْتَرٍ أو غَيْرِهِ قبل الْقَبْضِ أو بَعْدَهُ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ كما لَا يَمْنَعُهُ الِاسْتِخْدَامُ إلَّا أَنْ كان الْوَطْءُ زِنًا منها وَلَوْ كان الْوَطْءُ فيه من الْبَائِعِ لِأَنَّهُ عَيْبٌ حَادِثٌ وَافْتِضَاضُ الْبِكْرِ بَعْدَ الْقَبْضِ تَعْيِيبٌ فَيَمْنَعُ الرَّدَّ وقبله جِنَايَةٌ على الْمَبِيعِ فَهُوَ قبل الْقَبْضِ من الْبَائِعِ هَدَرٌ فَلَا شَيْءَ عليه لِأَنَّ جِنَايَتَهُ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ وَمِنْ الْمُشْتَرِي قَبْضٌ لِلْبَكَارَةِ فَقَطْ فَيَسْتَقِرُّ عليه من الثَّمَنِ بِقَدْرِ ما نَقَصَ من قِيمَتِهَا فَإِنْ قَبَضَهَا لَزِمَهُ الثَّمَنُ بِكَمَالِهِ وَإِنْ تَلِفَ قبل قَبْضِهَا لَزِمَهُ قَدْرُ النَّقْصِ من الثَّمَنِ وَمِنْ الْأَجْنَبِيِّ يُوجِبُ الْأَرْشَ إنْ كان افْتِضَاضُهُ بِغَيْرِ وَطْءِ شُبْهَةٍ فَإِنْ كان بِوَطْءِ شُبْهَةٍ لَزِمَهُ مَهْرُ بِكْرٍ مِثْلَهَا بِلَا إفْرَادِ أَرْشٍ وَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي إنْ أَجَازَ الْعَقْدَ وَإِلَّا فَقَدْرُ الْأَرْشِ منه أَيْ الْمَهْرِ لِلْبَائِعِ لِعَوْدِهَا إلَيْهِ نَاقِصَةً وَالْبَاقِي لِلْمُشْتَرِي فَرْعٌ الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ بِالْمَبِيعِ كَالسِّمَنِ وَالتَّعَلُّمِ لِقُرْآنٍ أو غَيْرِهِ تَتْبَعُ الْأَصْلَ في الرَّدِّ لِعَدَمِ إمْكَانِ إفْرَادِهَا وَالْمُنْفَصِلَةُ كَالْأُجْرَةِ وَالْمَهْرِ وَالْكَسْبِ لِلْمُشْتَرِي لِمَا مَرَّ أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ من حِينِهِ لَا من أَصْلِهِ وَلِأَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ من آخَرَ غُلَامًا فَأَقَامَ عِنْدَهُ ما شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَخَاصَمَهُ إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَرَدَّهُ عليه فقال يا رَسُولَ اللَّهِ قد اسْتَعْمَلَ غُلَامِي فقال الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ فَوَائِدَ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي في مُقَابَلَةِ أَنَّهُ لو تَلِفَ كان من ضَمَانِهِ وَأَوْرَدَ عليه الْمَغْصُوبَ وَالْمَبِيعَ قبل قَبْضِهِ فإن كُلًّا مِنْهُمَا لو تَلِفَ تَحْتَ يَدِ ذِي الْيَدِ ضَمِنَهُ وَلَيْسَ له خَرَاجُهُ وَأُجِيبُ عنهما بِأَنَّ الضَّمَانَ هُنَا مُعْتَبَرٌ بِالْمِلْكِ لِأَنَّهُ الضَّمَانُ الْمَعْهُودُ في الْخَبَرِ وَوُجُوبُ الضَّمَانِ على ذِي الْيَدِ فِيمَا ذُكِرَ ليس لِكَوْنِهِ مِلْكَهُ بَلْ لِوَضْعِ يَدِهِ على مِلْكِ غَيْرِهِ بِطَرِيقٍ مُضَمَّنٍ وَعَنْ الثَّانِي أَيْضًا بِقَصْرِ الْخَبَرِ على سَبَبِهِ وهو فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَكَذَا الْوَلَدُ الْمُنْفَصِلُ الْحَادِثُ بَعْدَ الْعَقْدِ فإنه لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ نَقَصَتْ الْأُمُّ بِالْوِلَادَةِ امْتَنَعَ الرَّدُّ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَيَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا أَيْ بين الْأَمَةِ وَوَلَدِهَا إنْ كان في سِنٍّ يَحْرُمُ فيه التَّفْرِيقُ ولم تَنْقُصْ أُمُّهُ بِالْوِلَادَةِ بِالرَّدِّ لِلْحَاجَةِ وَتَقَدَّمَ في آخِرِ الْمَنَاهِي إنَّ هذا وَجْهٌ وَإِنَّ الْأَصَحَّ الْمَنْصُوصَ الْمَنْعُ وَلَا تَصْحِيحَ في الْأَصْلِ هُنَا وَعَلَى الْأَصَحِّ قالوا يَتَعَيَّنُ الْأَرْشُ لِأَنَّ الرَّدَّ كما كَالْمَأْيُوسِ منه وَفِيهِ نَظَرٌ يُعْرَفُ مِمَّا قَدَّمْته فِيمَا إذَا بَاعَ بَعْضَ الْمَبِيعِ وَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرْعٌ لو اشْتَرَى أَمَةً أو بَهِيمَةً حَامِلًا فَوَضَعَتْ فَإِنْ نَقَصَتْ بِالْوِلَادَةِ ثُمَّ بَانَتْ مَعِيبَةً لم يَكُنْ له الرَّدُّ قَهْرًا كَسَائِرِ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ نعم إنْ جَهِلَ الْحَمْلَ وَاسْتَمَرَّ إلَى الْوَضْعِ فَلَهُ الرَّدُّ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْحَادِثَ بِسَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ كَالْمُتَقَدِّمِ نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم تَنْقُصْ بِالْوِلَادَةِ رَدَّهَا لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي بِلَا مَانِعٍ مع الْوَلَدِ كَثَمَرَةٍ لِشَجَرَةٍ اشْتَرَاهَا وَثَمَرَتُهَا غَيْرُ مُؤَبَّرَةٍ ثُمَّ أَبَّرَهَا هو أو غَيْرُهُ أو تَأَبَّرَتْ بِنَفْسِهَا فَإِنَّهَا تُرَدُّ مع الشَّجَرَةِ بِظُهُورِ عَيْبٍ فيها لِأَنَّ الْحَمْلَ فِيمَا ذُكِرَ يَأْخُذُ قِسْطًا من الثَّمَنِ بِنَاءً على أَنَّهُ يُعْلَمُ فَإِنْ وَضَعَتْهُ قبل الْقَبْضِ
____________________
(2/73)
فَلِلْبَائِعِ حَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ وَلَا يُبَاعُ قبل الْقَبْضِ وَيَسْقُطُ من الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ إنْ هَلَكَ قبل الْقَبْضِ كَأُمِّهِ في الثَّلَاثِ بِنَاءً على ما قُلْنَا أَمَّا إذَا بَانَتْ مَعِيبَةً ولم تَضَعْ بَعْدُ فَيَرُدُّهَا حَامِلًا كما عُلِمَ من كَلَامِهِ وإذا حَمَلَتْ بَعْدَ الشِّرَاءِ قبل الْقَبْضِ وَرُدَّتْ بِالْعَيْبِ حَامِلًا فَالْوَلَدُ لِلْمُشْتَرِي لِحُدُوثِهِ في مِلْكِهِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في الْفَلَسِ فإن الْوَلَدَ لِلْبَائِعِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ سَبَبَ الْفَسْخِ ثَمَّ نَشَأَ من الْمُشْتَرِي وهو تَرْكُهُ تَوْفِيَةَ الثَّمَنِ وَهُنَا من الْبَائِعِ وهو ظُهُورُ الْعَيْبِ الذي كان مَوْجُودًا عِنْدَهُ ثُمَّ رَأَيْت من فَرَّقَ بِذَلِكَ وَبِمَا فيه نَظَرٌ وإذا قُلْنَا الْحَمْلُ هُنَا لِلْمُشْتَرِي قال الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ فَلَهُ حَبْسُ أُمِّهِ حتى تَضَعَ وَكَذَا إذَا حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي لِمَا مَرَّ لَكِنَّ حَمْلُ الْأَمَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ يَمْنَعُ الرَّدَّ كُرْهًا لِمَا مَرَّ أَنَّ الْحَمْلَ فيها عَيْبٌ وَكَذَا يَمْنَعُ الرَّدَّ غَيْرُهَا أَيْ حَمْلُ غَيْرِهَا بَعْدَ الْقَبْضِ إنْ نَقَصَ بِهِ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ وَإِنْ أَطْلَعَتْ النَّخْلَةُ في يَدِهِ فَرَدَّهَا بِعَيْبٍ فَلِمَنْ يَكُونُ الطَّلْعُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لِلْبَائِعِ تَبَعًا لِلنَّخْلَةِ وَثَانِيهِمَا لِلْمُشْتَرِي وَصَحَّحَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الْأَقْرَبُ لِأَنَّهُ كَالْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ وَالْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ كَالْحَمْلِ وَالصُّوفُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْعَقْدِ يُرَدُّ مع الْأَصْلِ وَإِنْ جُزَّ لِأَنَّهُ من الْمَبِيعِ وَكَذَا الْحَادِثُ منه بَعْدَهُ أَيْ الْعَقْدِ يُرَدُّ تَبَعًا ما لم يُجَزَّ فَإِنْ جُزَّ لم يُرَدَّ كَالْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ بَلْ قِيَاسُ الْحَمْلِ أَنَّ ما لم يَجُزَّ لَا يُرَدُّ أَيْضًا وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ وَأَلْحَقَ بِهِ اللَّبَنَ الْحَادِثَ وَالْأَوَّلُ وهو ما جَزَمَ بِهِ الْأَصْلُ هو ما في فَتَاوِيهِ وَجَرَى عليه الْخُوَارِزْمِيُّ وهو وَإِنْ وُجِّهَ بِأَنَّهُ كَالسِّمَنِ فَالثَّانِي أَوْجَهُ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابن الرِّفْعَةِ في النَّقْلِ عنه وقال الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ الْأَصْوَبُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالْقِيَاسُ إلْحَاقُ الْبَيْضِ بِالْحَمْلِ قال السُّبْكِيُّ تَفَقُّهًا وَلَوْ جَزَّ الصُّوفَ الذي كان عليها بَعْدَ أَنْ طَالَ ثُمَّ عَلِمَ عَيْبًا صَارَ بِالرَّدِّ بَيْنَهُمَا شَرِكَةً وقد يَقَعُ نِزَاعٌ في مِقْدَارِ ما لِكُلٍّ مِنْهُمَا وهو عَيْبٌ مَانِعٌ من الرَّدِّ بِخِلَافِ الْحَادِثِ من أُصُولِ الْكُرَّاثِ وَنَحْوِهِ التَّابِعَةِ لِلْأَرْضِ في بَيْعِهَا فإنه لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ ليس تَبَعًا لِلْأَرْضِ أَلَا تَرَى أَنَّ الظَّاهِرَ منها في ابْتِدَاءِ الْبَيْعِ لَا يَدْخُلُ فيه فَصْلُ الْإِقَالَةِ وَهِيَ ما يَقْتَضِي رَفْعَ الْعَقْدِ الْمَالِيِّ بِوَجْهٍ مَخْصُوصٍ جَائِزَةٌ وَتُسَنُّ لِنَادِمٍ أَيْ لِأَجْلِهِ لِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ في صَحِيحِهِ من أَقَالَ مُسْلِمًا وفي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ نَادِمًا أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ وَهِيَ فَسْخٌ لَا بَيْعٌ وَإِلَّا لَصَحَّتْ مع غَيْرِ الْبَائِعِ وَبِغَيْرِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَفَرَّعَ على كَوْنِهَا فَسْخًا مَسَائِلَ فقال فَيَجُوزُ تَفْرِيقُ الْمُتَقَايِلَيْنِ أَيْ تَفَرُّقُهُمَا من مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ في الصَّرْفِ قبل التَّقَابُضِ وَلَا تَتَجَدَّدُ بها شُفْعَةٌ وَتَصِحُّ في الْمَبِيعِ وَالْمُسْلَمِ فيه
____________________
(2/74)
وَلَوْ قبل الْقَبْضِ أو بَعْدَ التَّلَفِ لَهُمَا وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْآبِقَ فَتَصِحُّ الْإِقَالَةُ فيه لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ على التَّالِفِ بِخِلَافِ رَدِّهِ بِعَيْبٍ لِأَنَّ الرَّدَّ يُرَدُّ على الْمَرْدُودِ وَلَا مَرْدُودَ وَيَصِحُّ الرُّجُوعُ في الْمَوْهُوبِ الْآبِقِ من يَدِ الْمُتَّهَبِ على الْأَصَحِّ وَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي مثله أَيْ التَّالِفَ في الْمِثْلِيِّ وَقِيمَتَهُ في الْمُتَقَوِّمِ كَنَظَائِرِهِ وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ في الْمَبِيعِ بَعْدَهَا أَيْ الْإِقَالَةِ قبل الْقَبْضِ إلَّا إذَا لم يَكُنْ الْمُشْتَرِي قَبَضَ الثَّمَنَ فَلَا يَنْفُذُ التَّصَرُّفُ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْمُتَوَلِّي في الْبَابِ الْآتِي
وهو الْمُنَاسِبُ لِمَا سَيَأْتِي من أَنَّ لِلْمُشْتَرِي حَبْسَ الْمَبِيعِ لِاسْتِرْدَادِ الثَّمَنِ على ما يَأْتِي فيه وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِقَالَةُ بِتَلَفِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَوْ بِإِتْلَافِهِ أو إتْلَافِ أَجْنَبِيٍّ بَلْ يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِحُكْمِ الْعِوَضِ كَالْمَأْخُوذِ قَرْضًا وَسَوْمًا وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ إنْ كان مُتَقَوِّمًا بِأَقَلَّ قِيمَتَيْ وَقْتَيْ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ لِمَا مَرَّ في نَظِيرِهِ في اعْتِبَارِ الْأَرْشِ وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ إنْ كانت الْقِيمَةُ بين الْوَقْتَيْنِ أَقَلَّ فَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ وَفِيمَا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ من اعْتِبَارِ الْأَقَلِّ نَظَرٌ وَالْوَجْهُ اعْتِبَارُ يَوْمِ التَّلَفِ وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْإِقَالَةِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ فيها رَدٌّ بِعَيْبٍ حَدَثَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي قَبْلَهَا وَعَلَيْهِ لِلْبَائِعِ أَرْشُ الْعَيْبِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَلِلْمُشْتَرِي الْحَبْسُ لِلْمَبِيعِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ لِاسْتِرْدَادِ الثَّمَنِ سَوَاءٌ أَقُلْنَا إنَّهَا فَسْخٌ أَمْ بَيْعٌ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَنَقَلَهُ السُّبْكِيُّ عن الْقَاضِي قال إنْ قُلْنَا بَيْعٌ فَلِلْبَائِعِ الْحَبْسُ أو فَسْخٌ فَكَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلَهُ الْحَبْسُ وَهَذَا يُخَالِفُ ما نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ في الْخِيَارِ عن الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّهُ من أَنَّهُ ليس لِوَاحِدٍ من الْعَاقِدِ بَعْدَ التَّفَاسُخِ في مُدَّةِ الْخِيَارِ الْحَبْسُ بَلْ إذَا طَالَبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لَزِمَ الْآخَرُ الدَّفْعَ إلَيْهِ ثُمَّ ما كان بيده بِخِلَافِ اخْتِلَافِهِمَا في الْبُدَاءَةِ في الْبَيْعِ فإن لِكُلٍّ حَبْسَ ما بيده حتى يَدْفَعَ إلَيْهِ الْآخَرُ لِأَنَّ الْفَسْخَ هُنَا رَفْعُ حُكْمِ الْعَقْدِ وَبَقِيَ التَّسْلِيمُ بِحُكْمِ الْيَدِ وَهِيَ تُوجِبُ الرَّدَّ وَهُنَاكَ التَّسْلِيمُ بِالْعَقْدِ وهو يُوجِبُ التَّسْلِيمَ من الْجَانِبَيْنِ انْتَهَى فَعُلِمَ منه أَنَّهُ لَا حَبْسَ في جَمِيعِ الْفُسُوخِ فَعَلَيْهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْيِيدِ نُفُوذِ تَصَرُّفِ الْبَائِعِ فِيمَا مَرَّ بِكَلَامِ الْمُتَوَلِّي السَّابِقِ وَعَلَيْهِ جَرَى في الْمَجْمُوعِ فإنه لَمَّا ذَكَرَ نُفُوذَ التَّصَرُّفِ سَاقَ فيه كَلَامَ الْمُتَوَلِّي مَسَاقَ الْأَوْجُهِ الضَّعِيفَةِ وَلَفْظُهَا أَيْ الْإِقَالَةِ قَوْلُ الْعَاقِدَيْنِ تَقَايَلْنَا أو تَفَاسَخْنَا أو قَوْلُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ أَقَلْتُك وَنَحْوَهُ فَيَقْبَلُ الْآخَرُ وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا ذِكْرُ الثَّمَنِ وَقَيَّدَهُ السُّبْكِيُّ بِمَا إذَا كان مَعْلُومًا وَأَيَّدَ بِالنَّصِّ الْآتِي لَكِنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ الْآتِيَ يُنَافِيهِ وهو الْمُعْتَمَدُ وَكَلَامُهُمْ فِيمَا يَأْتِي يَقْتَضِيهِ وَلَعَلَّ النَّصَّ مَبْنِيٌّ على أنها بَيْعٌ لَا فَسْخٌ وَإِنْ نَصَّ قَبْلَهُ على أنها فَسْخٌ وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ أَيْ بِذَلِكَ الثَّمَنِ فَإِنْ زَادَ فيه أو نَقَصَ عنه أو شَرَطَ فيها أَجَلًا أو أَخْذَ صِحَاحٍ عن مُكَسَّرَةٍ أو عَكْسَهُ بَطَلَتْ وَبَقِيَ الْعَقْدُ بِحَالِهِ وَتَصِحُّ من الْوَارِثِ لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ الْعَاقِدِ وما أَفْتَى بِهِ ابن الصَّلَاحِ من أَنَّ الْوَرَثَةَ لو اسْتَأْجَرُوا من يُحِجَّ مُوَرِّثَهُمْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ الْوَاجِبَةَ ولم يَكُنْ أَوْصَى بها ثُمَّ تَقَايَلُوا مع الْأَجِيرِ لم تَصِحَّ الْإِقَالَةُ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ لِمُوَرِّثِهِمْ لَا يُنَافِي ذلك لِأَنَّ الْحَقَّ فيه عِنْدَ الْإِقَالَةِ لِمُوَرِّثِهِمْ لَا لهم بِخِلَافِهِ فِيمَا تَقَرَّرَ قال السُّبْكِيُّ نَقْلًا عن الْقَاضِي لو أَقَالَ في مَرَضِ مَوْتِهِ حُسِبَتْ من الثُّلُثِ لِأَنَّهُ في مَرَضِ الْمَوْتِ لو رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ وَقِيمَتُهُ أَضْعَافُ ثَمَنِهِ حُسِبَتْ من الثُّلُثِ كَابْتِدَاءِ الْبَيْعِ بِالْمُحَابَاةِ
وتصح في بَعْضِ الْمَبِيعِ وَالْمُسْلَمِ فيه كما تَصِحُّ في كُلِّهِ قال في الْأَصْلِ في الْأُولَى قال الْإِمَامُ هذا إذَا لم تَلْزَمْ جَهَالَةٌ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ على قَوْلِنَا إنَّهَا بَيْعٌ لِلْجَهْلِ بِحِصَّةِ الْبَعْضِ وَقَضِيَّتُهُ الْجَوَازُ على قَوْلِنَا إنَّهَا فَسْخٌ مع الْجَهْلِ بِالْحِصَّةِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَرُدُّ عليه نَصُّ الشَّافِعِيِّ على أَنَّهُ لَا بُدَّ فيها من الْعِلْمِ بِالْمُقَايِلِ بَعْدَ نَصِّهِ على أنها فَسْخٌ قُلْت وَتَقَدَّمَ ما فيه لَكِنْ إنْ أَقَالَهُ في الْبَعْضِ لِيُعَجِّلَ له الْبَاقِيَ أو عَجَّلَ له بَعْضَ الْمُسْلَمِ فيه لِيُقِيلَهُ في الْبَاقِي فَهِيَ فَاسِدَةٌ كما لو تَقَايَلَا
____________________
(2/75)
بِأَزْيَدَ من الثَّمَنِ وَلَوْ تَقَايَلَا أو تَفَاسَخَا بِعَيْبٍ أو تَحَالُف ثُمَّ اخْتَلَفَا في قَدْرِ الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَكَذَا الْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ إذَا احْتَاجَا إلَى مَعْرِفَتِهِ أَيْ الثَّمَنِ لِتَقْدِيرِ الْأَرْشِ الذي يَرْجِعُ بِهِ الْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ عن الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَإِنْ اخْتَلَفَا في وُجُودِ الْإِقَالَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُنْكِرِهَا بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا وَالزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ قَبْلَهَا لِلْمُشْتَرِي وَالْمُتَّصِلَةُ لِلْبَائِعِ تَبَعًا إلَّا الْحَمْلَ الْحَادِثَ قَبْلَهَا فَقِيَاسُ ما مَرَّ في الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ بَاعَهُ مُؤَجَّلًا وَتَقَايَلَا بَعْدَ الْحُلُولِ لِلْأَجَلِ وَالْقَبْضِ لِلثَّمَنِ اسْتَرَدَّ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ بِلَا مُهْلَةٍ فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَصْبِرَ قَدْرَ الْأَجَلِ وَإِنْ لم يَقْبِضْ أَيْ الْبَائِعُ الثَّمَنَ سَقَطَ عن الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ أَكَانَ حَالًّا أَمْ مُؤَجَّلًا وَبَرِئَا جميعا لِزَوَالِ الْعَلَقَةِ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ في مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ الْأُولَى الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ كَالْمَبِيعِ فِيمَا مَرَّ فَيُفْسَخُ الْبَيْعُ بِعَيْبِهِ كَأَنْ خَرَجَ مَعِيبًا بِخُشُونَةٍ أو سَوَادٍ أو وَجَدَهُ مُخَالِفًا لِسِكَّةِ النَّقْدِ الذي تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ وَإِنْ خَرَجَ كُلُّهُ نُحَاسًا بِضَمِّ النُّونِ أو نَحْوِهِ كَالرَّصَاصِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وقد شَرَطَ كَوْنَهُ فِضَّةً أو ذَهَبًا بَطَلَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ بَانَ أَنَّهُ غَيْرُ ما عَقَدَ عليه أو خَرَجَ بَعْضُهُ نُحَاسًا مَثَلًا وقد شَرَطَ ما ذَكَرَ تَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ فَيَبْطُلُ فِيمَا بَانَ نُحَاسًا وَيَصِحُّ في الْبَاقِي وَتَخَيَّرَ بين الْإِجَازَةِ وَالْفَسْخِ لِلتَّشْقِيصِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ خَرَجَ إلَى هُنَا من زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ من الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ وَغَيْرُ الْمُعَيَّنِ إذَا خَرَجَ على خِلَافِ ما تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ يَسْتَبْدِلُ بِهِ وَإِنْ خَرَجَ نُحَاسًا أو نَحْوَهُ وَلَا يَفْسَخُ بِهِ لِبَقَاءِ حَقِّهِ في الذِّمَّةِ الثَّانِيَةِ لو وَقَعَ الصَّرْفُ على الْعَيْنِ على أنها فِضَّةٌ أو ذَهَبٌ وَخَرَجَ أَحَدُهُمَا أو كِلَاهُمَا نُحَاسًا أو نَحْوَهُ بَطَلَ الْعَقْدُ لِمَا مَرَّ في التي قَبْلَهَا فَالْمُغَلَّبُ فِيهِمَا الْعِبَارَةُ لَا الْإِشَارَةُ وَلَا يَشْكُلُ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ فِيمَا لو بَاعَ قِطْعَةَ أَرْضٍ على أنها مِائَةُ ذِرَاعٍ فَخَرَجَتْ دُونَهَا وَفِيمَا لو قال بِعْتُك فَرَسِي هذا وهو بَغْلٌ
وَفِيمَا لو قال زَوَّجْتُك هذا الْغُلَامَ وَأَشَارَ إلَى ابْنَتِهِ لِأَنَّ الْأُولَى وُجِدَ فيها جِنْسُ الْعِوَضِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا وَالثَّانِيَةَ لَا تُشْبِهُ مَسْأَلَتَنَا لِأَنَّ جُمْلَةَ وهو بَغْلٌ من كَلَامِ الْبَائِعِ فَلَا يُؤَثِّرُ كما لو قال زَوَّجْتُك بِنْتِي هذه وَسَمَّاهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا وَإِنَّمَا تُشْبِهُهَا أَنْ لو قال بِعْتُك فَرَسِي هذا فَبَانَ بَغْلًا وَحِينَئِذٍ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالثَّالِثَةُ لَمَّا كان التَّزْوِيجُ فيها لَا يَقَعُ إلَّا على الْأُنْثَى أَلْغَى وَصْفَ الذُّكُورَةِ وَنَزَلَ الْعَقْدُ على ما يَقْبَلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فإنه يَقَعُ عَلَيْهِمَا فَيَبْطُلُ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ أو خَرَجَ بَعْضُهُ نُحَاسًا أو نَحْوَهُ صَحَّ الْعَقْدُ في الْبَاقِي دُونَهُ بِالْقِسْطِ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَ الْجِنْسُ الرِّبَوِيُّ وَيَتَمَيَّزَ عن الْجِنْسِ الْآخَرِ فَيَبْطُلُ في الْجَمِيعِ لِأَنَّهُ من قَاعِدَةِ مَدِّ عَجْوَةٍ وَلِصَاحِبِهِ أَيْ الْبَاقِي الْخِيَارُ بين الْإِجَازَةِ وَالْفَسْخِ وَإِنْ خَرَجَ كُلُّهُ مَعِيبًا بِخُشُونَةٍ أو نَحْوِهَا أو بَعْضُهُ كَذَلِكَ تَخَيَّرَ ولم يَسْتَبْدِلْ بِهِ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ على عَيْنِهِ فَلَا يَتَجَاوَزُ الْحَقَّ إلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ ما إذَا وَرَدَ على ما في الذِّمَّةِ كما سَيَأْتِي ثُمَّ الْأَحْكَامُ السَّابِقَةُ في الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ لَا تَخْتَصُّ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يَرُدَّ الْعَقْدَ على مُعَيَّنٍ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ وَلَوْ بِغَيْرِ صِيغَةِ الشَّرْطِ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ كَغَيْرِهَا وَإِنْ وَقَعَ الصَّرْفُ على ما في الذِّمَّةِ فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا أو كِلَاهُمَا نُحَاسًا أو نَحْوَهُ قبل التَّفَرُّقِ من الْمَجْلِسِ وَبَعْدَ التَّقَابُضِ اسْتَبْدَلَ بِهِ أو خَرَجَ كَذَلِكَ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ التَّفَرُّقِ بَطَلَ الْعَقْدُ لِعَدَمِ التَّقَابُضِ في الْمَجْلِسِ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ غَيْرُ ما عُقِدَ عليه
أو خَرَجَ كُلُّهُ مَعِيبًا بِخُشُونَةٍ أو نَحْوِهَا أو بَعْضُهُ كَذَلِكَ اسْتَبْدَلَ بِهِ كَالْمُسْلَمِ فيه إذَا خَرَجَ مَعِيبًا لِأَنَّ الْقَبْضَ الْأَوَّلَ صَحِيحٌ إذْ لو رضي بِهِ جَازَ وَالْبَدَلُ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَيَجِبُ أَخْذُ الْبَدَلِ في مَجْلِسِ الرَّدِّ وَإِنْ فَارَقَ مَجْلِسَ الْعَقْدِ قِيَاسًا على أَصْلِهِ في مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَرَأْسُ مَالِ السَّلَمِ كَالصَّرْفِ أَيْ كَعِوَضِهِ فِيمَا مَرَّ فَإِنْ كان رَأْسُ الْمَالِ مُعَيَّنًا وَبَانَ بِهِ عَيْبٌ بَعْدَ تَلَفِهِ سَقَطَ من الْمُسْلَمِ فيه بِقَدْرِ نَقْصِ الْعَيْبِ من قِيمَةِ رَأْسِ الْمَالِ أو كان في الذِّمَّةِ وَعَيَّنَ وَبَانَ بِهِ عَيْبٌ بَعْدَ تَلَفِهِ غَرِمَ التَّالِفَ عِنْدَهُ وَاسْتَبْدَلَ بِهِ سَوَاءٌ تَفَرَّقَا أَمْ لَا وَيَجِبُ أَخْذُ الْبَدَلِ في مَجْلِسِ الرَّدِّ وَلَوْ وَجَدَ أَحَدُ الْمُتَصَارِفَيْنِ أو أَحَدُ مُتَبَايِعَيْ طَعَامٍ بِطَعَامٍ بِمَا أَخَذَهُ عَيْبًا بَعْدَ تَلَفِهِ فَإِنْ وَرَدَ على مُعَيَّنٍ وَالْجِنْسُ مُخْتَلِفٌ فَكَبَيْعِ عَرَضٍ بِنَقْدٍ وَإِنْ كان مُتَّفِقًا فَكَمَا مَرَّ في الْحُلِيِّ أو على ما في الذِّمَّةِ غَرِمَ التَّالِفَ
____________________
(2/76)
عِنْدَهُ وَاسْتَبْدَلَ بِهِ سَوَاءٌ تَفَرَّقَا أَمْ لَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَلَوْ اشْتَرَى شيئا بِمُكَسَّرَةٍ في الذِّمَّةِ وَأَدَّى عنها صِحَاحًا وَفَسَخَ بِعَيْبٍ أو غَيْرِهِ اسْتَرَدَّ الصِّحَاحَ لِأَنَّهَا الْمَدْفُوعَةُ وَمِثْلُهُ الْعَكْسُ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ الثَّالِثَةُ لو بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفٍ ثُمَّ أَخَذَ ثَوْبًا وَرَدَّ عليه الْعَبْدَ بِعَيْبٍ رَجَعَ عليه الْمُشْتَرِي بِالْأَلْفِ لَا بِالثَّوْبِ بِنَاءً على أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ من حِينِهِ وَلِأَنَّ الثَّوْبَ مَمْلُوكٌ بِعَقْدٍ آخَرَ وَبِهَذَا فَارَقَ ما قَبْلَهُ لِأَنَّ الصِّحَاحَ فيه كَالْمُكَسَّرَةِ في وُجُوبِ قَبُولِهَا لِاتِّحَادِهَا مَعَهَا جِنْسًا وَنَوْعًا مع زِيَادَةِ صِفَةٍ لَا تَتَمَيَّزُ وَلَوْ بَانَ الْعَيْبُ بِالثَّوْبِ رَدَّهُ وَرَجَعَ بِالْأَلْفِ لَا بِالْقِيمَةِ وَكَذَا يَرْجِعُ بِالْأَلْفِ لو مَاتَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ قبل الْقَبْضِ بِنَاءً على أَنَّ الِانْفِسَاخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ من حِينِهِ الرَّابِعَةُ لو بَاعَ عَصِيرًا فَبَانَ بِهِ عَيْبٌ وقد صَارَ خَمْرًا تَعَيَّنَ الْأَرْشُ لِلْمُشْتَرِي لِتَعَذُّرِ رَدِّ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ صَارَ كَالتَّالِفِ وما قِيلَ من أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا أَرْشَ لِعَدَمِ الْيَأْسِ من الرَّدِّ لِاحْتِمَالِ عَوْدِ الْخَمْرِ خَلًّا مَمْنُوعٌ لِأَنَّ ذلك مَحَلُّهُ في غَيْرِ تَعَيُّبِ الْمَبِيعِ من بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَنَحْوِهِمَا فَإِنْ تَخَلَّلَ بَعْدَ تَخَمُّرِهِ وَقَبْلَ أَخْذِ الْأَرْشِ فَلِلْبَائِعِ اسْتِرْدَادُهُ وَرَدُّ الثَّمَنِ وَلَا أَرْشَ عليه وَلَا يَضُرُّ الْخُرُوجُ في الْبَيِّنِ عن صِفَةِ الْمَبِيعِ وَإِنْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ من ذِمِّيٍّ خَمْرًا بِدَرَاهِمَ مَثَلًا ثُمَّ أَسْلَمَا أو أَسْلَمَ الْبَائِعُ وَحْدَهُ ثُمَّ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بها أَيْ بِالْخَمْرِ عَيْبًا فَلَا رَدَّ له بَلْ لِلْمُشْتَرِي الْأَرْشُ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ في ذلك وَإِنْ أَسْلَمَ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَلَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَتَمَلَّكُ الْخَمْرَ بَلْ نُزِيلُ يَدَهُ عنها الْخَامِسَةُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ لِلْمَبِيعِ بَعْدَ الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ أو غَيْرِهِ كَالْفَسْخِ بِالْخِيَارِ على الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لِلْمَبِيعِ كما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَيَدُهُ ضَامِنَةٌ وما كان مَضْمُونَ الْعَيْنِ فَهُوَ مَضْمُونُ الرَّدِّ لِخَبَرِ على الْيَدِ ما أَخَذَتْ حتى تُؤَدِّيَهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَكَالْمُشْتَرِي في ذلك كُلُّ من كانت يَدُهُ يَدَ ضَمَانٍ السَّادِسَةُ لو أَوْصَى بِبَيْعِ عَبْدٍ مَثَلًا وَأَنْ يَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ جَارِيَةً وَيُعْتِقَهَا عنه الْوَصِيُّ فَفَعَلَ الْوَصِيُّ ذلك وَرَدَّ عليه الْعَبْدَ بِعَيْبٍ فَلَهُ بَيْعُهُ ثَانِيًا لِرَدِّ الثَّمَنِ أَيْ لِيَرُدَّهُ إلَى الْمُشْتَرِي وَلَوْ فَرَضَ الرَّدَّ لِلْمَبِيعِ بِالْعَيْبِ على وَكِيلٍ لم يَبِعْهُ ثَانِيًا إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ الْمَأْمُورَ وَهَذَا مِلْكٌ جَدِيدٌ فَاحْتَاجَ فيه إلَى إذْنٍ جَدِيدٍ وَيُخَالِفُ الْإِيصَاءَ فإنه تَوْلِيَةٌ وَتَفْوِيضٌ كُلِّيٌّ وَكَذَا لو وَكَّلَ شَخْصٌ في بَيْعٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي مَثَلًا فَامْتَثَلَ وَرَدَّهُ عليه الْمُشْتَرِي لَا يَبِيعُهُ ثَانِيًا إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ بِنَاءً على أَنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ زَالَ وَعَادَ فَهُوَ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَلَوْ بَاعَهُ الْوَصِيُّ ثَانِيًا فِيمَا ذَكَرَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَذَاكَ ظَاهِرٌ وَإِنْ بَاعَهُ بِأَقَلَّ منه فَالْغُرْمُ لِلنَّقْصِ عليه لِأَنَّهُ إنَّمَا أُمِرَ بِشِرَاءِ الْجَارِيَةِ بِثَمَنِ الْعَبْدِ لَا بِالزِّيَادَةِ عليه بَلْ لو مَاتَ الْعَبْدُ في يَدِهِ بَعْدَ الرَّدِّ وَالْحَالَةُ هذه أَيْ عليه إنْ غَرِمَ النَّقْصَ لو بَاعَهُ بِأَقَلَّ من ثَمَنِهِ غَرِمَ جَمِيعَ الثَّمَنِ قال الزَّرْكَشِيُّ لِأَنَّهُ كان من حَقِّهِ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ الْجَارِيَةَ إلَّا بِالْمَبْلَغِ الْأَقَلِّ فَهُوَ بِتَرْكِ الْبَحْثِ مُقَصِّرٌ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ إذَا غَرِمَهُ يَرْجِعُ بِهِ على التَّرِكَةِ وَإِنْ بَاعَهُ بِأَكْثَرَ فَإِنْ كان لِزِيَادَةِ قِيمَتِهِ أو لِرَغْبَةٍ فيه سَلَّمَ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ أَيْ قَدْرَهُ لِلْمُشْتَرِي وَالزِّيَادَةُ لِلْوَرَثَةِ وَإِلَّا بَانَ أَنَّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ بَاطِلٌ لِلْغَبْنِ وَيَبْطُلُ شِرَاءُ الْجَارِيَةِ وَعِتْقُهَا إنْ اشْتَرَاهَا بِعَيْنِ ثَمَنِ الْعَبْدِ وَإِنْ اشْتَرَاهَا في الذِّمَّةِ وَقَعَ الْعَقْدُ له وَعَتَقَتْ عنه ثُمَّ في الْحَالَيْنِ إنْ كان عَالِمًا بِالْغَبْنِ انْعَزَلَ عن الْإِيصَاءِ لِخِيَانَتِهِ كَسَائِرِ الْوِلَايَاتِ فَلَا يُمْكِنُهُ شِرَاءُ جَارِيَةٍ أُخْرَى بِخِلَافِ الْوَكِيلِ وَعَامِلِ الْقِرَاضِ وَنَحْوِهِمَا لَا يَنْعَزِلُونَ بِمِثْلِ ذلك لِأَنَّ كُلًّا منهم يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا وَلِأَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَحْيَاءُ يَحْتَاطُونَ لِأَنْفُسِهِمْ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ فِيهِمَا وَإِلَّا اشْتَرَى جَارِيَةً أُخْرَى بِثَمَنِ الْعَبْدِ وَأَعْتَقَهَا عن الْمُوصِي لِيَخْرُجَ عن الْعُهْدَةِ فَرْعٌ ذَكَرَهُ في الْكِفَايَةِ لو اشْتَرَى الْوَلِيُّ لِطِفْلَةٍ شيئا فَوَجَدَهُ مَعِيبًا فَإِنْ اشْتَرَاهُ بِعَيْنِ مَالِهِ فَبَاطِلٌ أو في الذِّمَّةِ صَحَّ لِلْوَلِيِّ وَلَوْ اشْتَرَاهُ فَتَعَيَّبَ قبل الْقَبْضِ فَإِنْ كان الْحَظُّ في الْإِبْقَاءِ أَبْقَى وَإِلَّا رَدَّ فَإِنْ لم يَرُدَّ بَطَلَ إنْ اشْتَرَاهُ بِعَيْنِ مَالِهِ وَإِلَّا انْقَلَبَ إلَى الْوَلِيِّ كَذَا في التَّتِمَّةِ وَأَطْلَقَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ إنْ كانت قِيمَتُهُ أَكْثَرَ من الثَّمَنِ وَلَا يُطَالَبُ بِالْأَرْشِ لِأَنَّ الرَّدَّ مُمْكِنٌ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ لِلْمَصْلَحَةِ ولم يَفْصِلَا
____________________
(2/77)
بين الْعَيْبِ الْمُقَارَنِ وَالْحَادِثِ انْتَهَى وَعَلَى ما في التَّتِمَّةِ اقْتَصَرَ السُّبْكِيُّ وَلَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِأَلْفٍ مَثَلًا في الذِّمَّةِ فَسَلَّمَهُ عنه أَجْنَبِيٌّ مُتَبَرِّعًا ثُمَّ رَدَّ السِّلْعَةَ بِعَيْبٍ رَدَّ الْبَائِعُ الْأَلْفَ على الْمُشْتَرِي كما صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ لِأَنَّهُ يُقَدِّرُ دُخُولَهُ في مِلْكِهِ فإذا رَدَّ الْمَبِيعَ رَدَّ إلَيْهِ ما قَابَلَهُ وَقِيلَ على الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ الدَّافِعُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وما رَجَّحَهُ هُنَا خَالَفَهُ في بَابِ الصَّدَاقِ حَيْثُ اقْتَضَى كَلَامُهُ أَنْ يَفْصِلَ فيه كَالصَّدَاقِ بين أَنْ يَكُونَ الْمُتَبَرِّعُ أَبًا وَالْمُتَبَرِّعُ عنه صَغِيرًا أَيْ أو نَحْوَهُ فَيَرُدُّ الثَّمَنَ عنه وَأَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ فَيُرَدُّ إلَى الْمُتَبَرِّعِ وَالْأَوْجَهُ ما ذَكَرَهُ هُنَاكَ وَيُمْكِنُ حَمْلُ ما هُنَا عليه وقد جُعِلَ كَأَصْلِهِ في الضَّمَانِ فِيمَا لو ضَمِنَ شَخْصٌ الثَّمَنَ عن الْمُشْتَرِي وَأَدَّاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَرَدَّ الْمَبِيعَ أو غَيْرَهُ أَنَّهُ كَالصَّدَاقِ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ وَخَالَفَ الْوَلِيُّ غَيْرَهُ في ذلك بِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُ لِمُوَلِّيهِ من نَفْسِهِ فَدَفْعُهُ عنه تَمْلِيكٌ له بِخِلَافِ غَيْرِهِ فما دَفَعَهُ وَإِنْ قَدَّرَ دُخُولَهُ في مِلْكِ من دَفَعَهُ عنه الْمَقْصُودُ منه الْإِسْقَاطُ لَا التَّمْلِيكُ وَالْمِلْكُ إنَّمَا قُدِّرَ لِضَرُورَةِ الْإِيفَاءِ وما أَطْلَقَهُ الْحَاوِي الصَّغِيرُ كَالشَّافِعِيِّ في الْإِمْلَاءِ وَأَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ من أَنَّ الرَّدَّ في الصَّدَاقِ لِلزَّوْجِ مَحْمُولٌ على تَفْصِيلِ غَيْرِهِمْ فَإِنْ بَانَتْ أَيْ السِّلْعَةُ مُسْتَحَقَّةً رَدَّ الْأَلْفَ لِلْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنْ لَا ثَمَنَ وَلَا بَيْعَ فَصْلٌ وَأَسْبَابُ الْفَسْخِ لِلْبَيْعِ سَبْعَةٌ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ وَالْخَلْفِ لِلشَّرْطِ الْمَقْصُودِ وَالْعَيْبِ وَالْإِقَالَةِ كما مَرَّ بَيَانُهَا وَالتَّحَالُفُ وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ قبل الْقَبْضِ كما سَيَأْتِي بَيَانُهُمَا وَبَقِيَ من أَسْبَابِ الْفَسْخِ أَشْيَاءُ وَإِنْ عُلِمَتْ من أَبْوَابِهَا وَأَمْكَنَ رُجُوعُ بَعْضِهَا إلَى السَّبْعَةِ فَمِنْهَا إفْلَاسُ الْمُشْتَرِي وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ وَغَيْبَةُ مَالِ الْمُشْتَرِي إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَبَيْعُ الْمَرِيضِ مُحَابَاةً لِوَارِثٍ أو لِأَجْنَبِيٍّ بِزَائِدٍ على الثُّلُثِ ولم يُجِزْهُ الْوَارِثُ وقد جَمَعَ في تَنْقِيحِ اللُّبَابِ أَكْثَرَ الْأَسْبَابِ وَبَيَّنْتُهَا في شَرْحِهِ مع زِيَادَةٍ وَلَوْ وَهَبَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ بَعْدَ قَبْضِهِ لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ عَيْبًا فَهَلْ له رَدُّهُ على الْبَائِعِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا لِخُلُوِّهِ عن الْفَائِدَةِ وَالثَّانِي نعم وَفَائِدَتُهُ الرُّجُوعُ على الْبَائِعِ بِبَدَلِ الثَّمَنِ كَنَظِيرِهِ في الصَّدَاقِ وَبِهِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ وَهِيَ من زِيَادَتِهِ هُنَا وَقَيَّدَ بِبَعْدِ الْقَبْضِ لِأَنَّ الْهِبَةَ قَبْلَهُ لَا تَصِحُّ كما سَيَأْتِي وَذَكَرَ ثَمَّ أَنَّ الْإِبْرَاءَ عن الثَّمَنِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ مع أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَرْجِعُ بِبَدَلِهِ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي وَفَائِدَتُهُ التَّخَلُّصُ عن عُهْدَةِ الْبَيْعِ وَيَجْرِيَانِ في وُجُوبِ الْأَرْشِ على الْبَائِعِ في الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْمَبِيعِ وَقَضِيَّةُ ما مَرَّ وُجُوبُهُ وَهَذَا أَيْضًا من زِيَادَتِهِ وفي الرَّوْضَةِ هُنَا لو اشْتَرَى ثَوْبًا وَقَبَضَهُ وسلم ثَمَنَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِالثَّوْبِ عَيْبًا قَدِيمًا فَرَدَّهُ فَوَجَدَ الثَّمَنَ مَعِيبًا نَاقِصَ الصِّفَةِ بِأَمْرٍ حَدَثَ عِنْدَ الْبَائِعِ أَخَذَهُ نَاقِصًا وَلَا شَيْءَ له بِسَبَبِ النَّقْصِ بَابٌ حُكْمُ الْمَبِيعِ قبل قَبْضِهِ وَبَعْدَهُ وَصِفَةُ الْقَبْضِ الْمَبِيعُ قبل الْقَبْضِ من ضَمَانِ الْبَائِعِ بِمَعْنَى انْفِسَاخِ الْبَيْعِ بِتَلَفِهِ وَثُبُوتِ الْخِيَارِ بِتَعَيُّبِهِ وَبِإِتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ له كما يُعْلَمُ ذلك من كَلَامِهِ حَيْثُ قال فَإِنْ تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَسَقَطَ الثَّمَنُ عن الْمُشْتَرِي لِتَعَذُّرِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ كَالتَّفْرِيقِ قَبْلَهُ في الصَّرْفِ سَوَاءٌ أَعَرَضَهُ الْبَائِعُ عليه فلم يَقْبَلْهُ أَمْ لَا
____________________
(2/78)
قَالَهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ قال السُّبْكِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ إذَا كان مُسْتَمِرًّا بِيَدِ الْبَائِعِ فَإِنْ أَحْضَرَهُ وَوَضَعَهُ بين يَدَيْ الْمُشْتَرِي فلم يَقْبَلْهُ فَالْأَصَحُّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَحْصُلُ الْقَبْضُ وَيَخْرُجُ من ضَمَانِ الْبَائِعِ قال وَكَذَا يَخْرُجُ من ضَمَانِهِ فِيمَا لو اشْتَرَى من مُكَاتِبِهِ أو مُوَرِّثِهِ شيئا ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ نَفْسُهُ أو مَاتَ الْمُوَرِّثُ قبل الْقَبْضِ وإذا أَبْرَأهُ الْمُشْتَرِي عن ضَمَانِ الْمَبِيعِ لو تَلِفَ لم يَبْرَأْ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ عَمَّا لم يَجِبْ وَانْفِسَاخُهُ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ يُقَدِّرُ بِهِ انْتِقَالَ الْمِلْكِ فيه إلَى الْبَائِعِ قُبَيْلَ التَّلَفِ لَا من الْعَقْدِ كَالْفَسْخِ بِالْعَيْبِ فَتَجْهِيزُهُ على الْبَائِعِ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ فيه إلَيْهِ وَزَوَائِدُهُ الْمُنْفَصِلَةُ الْحَادِثَةُ عِنْدَهُ كَثَمَرَةٍ وَلَبَنٍ وَبَيْضٍ وَصُوفٍ وَكَسْبٍ وَرِكَازٍ يَجِدُهُ الْعَبْدُ أو الْأَمَةُ وَمَوْهُوبٍ مُوصًى بِهِ لَهُمَا لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا حَدَثَتْ في مِلْكِهِ وَهِيَ أَمَانَةٌ في يَدِ الْبَائِعِ لِأَنَّ يَدَهُ لم تَحْتَوِ عليه لِتَمَلُّكِهِ كَالْمُسْتَامِ وَلَا لِلِانْتِفَاعِ بِهِ كَالْمُسْتَعِيرِ وَلَا لِلتَّعَدِّي فيه كَالْغَاصِبِ وَسَبَبُ الضَّمَانِ عِنْدَهُمْ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ وَمُرَادُهُمْ بِذَلِكَ ضَمَانُ الْيَدِ فَلَا يَرِدُ ضَمَانُ الْعَقْدِ لَا خِيَارَ بِتَلَفِهَا عِنْدَ الْبَائِعِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَبِيعَةً وَإِتْلَافُ الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ قبل قَبْضِهِ وَلَوْ جَاهِلًا بِهِ قَبْضٌ له لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِلْكَهُ كما في الْمَغْصُوبِ منه إلَّا أَنْ يَكُونَ إتْلَافُهُ لِصِيَالِهِ كما سَيَأْتِي في الْبَابِ أو لِرِدَّتِهِ وَالْمُشْتَرِي الْإِمَامُ كما سَيَأْتِي قبل الدِّيَاتِ بِخِلَافِ ما إذَا كان غير الْإِمَامِ لِأَنَّ ذلك ليس إلَيْهِ وَلَا يَشْكُلُ بِأَنَّ لِلسَّيِّدِ قَتْلَ رَقِيقِهِ الْمُرْتَدِّ كَالْإِمَامِ إذْ بِتَقْدِيرِ الِانْفِسَاخِ بِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ قَتَلَ رَقِيقَ غَيْرِهِ وَلَا بِأَنْ قَتَلَ الْمُرْتَدَّ لَا ضَمَانَ فيه فَكَيْفَ يَكُونُ قَبْضًا مُقَرِّرًا لِلثَّمَنِ لِأَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بين ضَمَّانِي الْقِيمَةِ وَالثَّمَنِ إذْ الْمُرْتَدُّ وَقَاطِعُ الطَّرِيقِ لَا يَضْمَنَانِ بِالْقِيمَةِ وَيَضْمَنَانِ بِالثَّمَنِ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمَوْقُوفُ بِالْعَكْسِ وَيُقَاسُ بِالْمُرْتَدِّ كما في الْمُهِمَّاتِ تَارِكُ الصَّلَاةِ وَقَاطِعُ الطَّرِيقِ وَالزَّانِي الْمُحْصَنُ بِأَنْ زَنَى كَافِرٌ حُرٌّ ثُمَّ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ اُسْتُرِقَّ وَلَوْ قَتَلَهُ الْمُشْتَرِي قِصَاصًا قال ابن الرِّفْعَةِ يَظْهَرُ أَنَّهُ كَالْآفَةِ وَلِكَوْنِ الْحَقِّ له خَالَفَ الْمُرْتَدَّ وفي مَعْنَى إتْلَافِ الْمُشْتَرِي ما لو اشْتَرَى أَمَةً فَوَطِئَهَا أَبَاهُ قبل قَبْضِهَا وَأَحْبَلَهَا لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ وَطْءَ أبيه كَوَطْئِهِ حَيْثُ رَتَّبَ عليه حُكْمَهُ ثُمَّ مَحَلُّ ما ذَكَرَ في إتْلَافِهِ إذَا كان أَهْلًا لِلْقَبْضِ فَلَوْ كان صَبِيًّا أو مَجْنُونًا فَالْقِيَاسُ أَنَّ إتْلَافَهُ ليس بِقَبْضٍ وَعَلَيْهِ الْبَدَلُ وَعَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ وقد يَحْصُلُ التَّقَاصُّ إذَا أَتْلَفَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ أو تَلِفَ في يَدِهِ وَأَمَّا إتْلَافُ الْوَكِيلِ فَكَإِتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ نَبَّهَ على ذلك الزَّرْكَشِيُّ وَلَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِإِتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ الْمَبِيعَ لِقِيَامِ بَدَلِهِ مَقَامَهُ بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بين الْفَسْخِ وَالرُّجُوعِ عليه بِالْقِيمَةِ أو الْمِثْلِ وإذا اخْتَارَ الْفَسْخَ رَجَعَ الْبَائِعُ على الْأَجْنَبِيِّ بِالْبَدَلِ وَفَرَّقَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بين هذا وَبَيْنَ الْإِجَارَةِ حَيْثُ لم يَثْبُتْ فيها الْخِيَارُ بِغَصْبِ الْعَيْنِ الْمُكْتَرَاةِ حتى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ بَلْ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِأَنَّ الْمَعْقُودَ عليه هُنَا الْمَالُ وهو وَاجِبٌ على الْجَانِي فَتَعَدَّى الْعَقْدُ من الْعَيْنِ إلَى بَدَلِهَا بِخِلَافِ الْمَعْقُودِ عليه ثَمَّ فإنه الْمَنْفَعَةُ وَهِيَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ على مُتْلِفِهَا فلم يَتَعَدَّ الْعَقْدُ منها إلَى بَدَلِهَا وحيث أَجَازَ ليس لِلْبَائِعِ طَلَبُ الْقِيمَةِ لِلْحَبْسِ لها في الثَّمَنِ كَالْمُشْتَرِي إذَا أَتْلَفَ الْمَبِيعَ لَا يَغْرَمُ الْقِيمَةَ لِيَحْبِسَهَا الْبَائِعُ وَلِأَنَّ الْحَبْسَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْعَقْدِ حتى يَنْتَقِلَ إلَى الْبَدَلِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ ثُمَّ مَحَلُّ الْخِيَارِ في غَيْرِ الرِّبَوِيِّ وَفِيمَا إذَا كان الْأَجْنَبِيُّ أَهْلًا لِلِالْتِزَامِ ولم يَكُنْ إتْلَافُهُ بِحَقٍّ أَمَّا في الرِّبَوِيِّ أو في غَيْرِهِ لَكِنْ لو كان الْمُتْلِفُ حَرْبِيًّا أو كان إتْلَافُهُ بِحَقٍّ كَقِصَاصٍ فَكَالْآفَةِ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَمَتَى أَتْلَفَهُ الْبَائِعُ أو أَعْتَقَ بَاقِيَهُ الذي
____________________
(2/79)
لم يَبِعْهُ وهو مُوسِرٌ بِالثَّمَنِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ كَالْآفَةِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَغْرِيمُهُ بَدَلَ الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عليه بِالثَّمَنِ أَمَّا لو أَتْلَفَهُ بِآفَةٍ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَوْ في الْخِيَارِ فَلَا انْفِسَاخَ إلَّا إذَا قُلْنَا الْمِلْكُ له فَالصَّحِيحُ انْفِسَاخُهُ بِذَلِكَ فَرْعٌ لو انْقَلَبَ الْعَصِيرُ الْمَبِيعُ خَمْرًا قبل الْقَبْضِ بَطَلَ حُكْمُ الْبَيْعِ فَمَتَى عَادَ خَلًّا عَادَ حُكْمُهُ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ لِأَنَّ الْخَلَّ دُونَ الْعَصِيرِ وَهَذَا الْفَرْعُ مَوْجُودٌ هُنَا في بَعْضِ النُّسَخِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فإنه ذَكَرَهُ تَبَعًا لِلْأَصْلِ في بَابِ الرَّهْنِ وقال الْأَذْرَعِيُّ هُنَا مع نَقْلِهِ هذا عن مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْلِ وَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ تَخَمُّرَ الْعَصِيرِ كَالتَّالِفِ وَإِنْ عَادَ خَلًّا فَرْعٌ لَا أُجْرَةَ على الْبَائِعِ في اسْتِعْمَالِ الْمَبِيعِ قبل الْقَبْضِ بِنَاءً على أَنَّ إتْلَافَهُ كَالْآفَةِ وَلِهَذَا لو أَزَالَ بَكَارَةَ الْأَمَةِ لَا يَلْزَمُهُ غُرْمٌ وَوَافَقَ على ذلك الْغَزَالِيُّ وَلَا يُنَافِيهِ ما أَفْتَى بِهِ من أَنَّهُ إذَا تَعَدَّى بِحَبْسِهِ مُدَّةً لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ لِأَنَّ ذَاكَ مع الِامْتِنَاعِ من الْإِقْبَاضِ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الِانْتِفَاعِ فَمُطْلَقُ التَّعَدِّي لَا يُوجِبُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ فما قِيلَ إنَّ وُجُوبَهَا بِالِانْتِفَاعِ أَوْلَى منه بِالْحَبْسِ فيه نَظَرٌ فَرْعٌ إتْلَافُ الْأَعْجَمِيِّ وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ بِأَمْرِ أَحَدِهِمَا أَيْ الْعَاقِدَيْنِ أو بِأَمْرِ الْأَجْنَبِيِّ كَإِتْلَافِهِ فَإِنْ كان بِأَمْرِ الْبَائِعِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ أو بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي كان قَبْضًا أو بِأَمْرِ الْأَجْنَبِيِّ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي فَلَوْ أَمَرَهُ الثَّلَاثَةُ قال الْإِسْنَوِيُّ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَحْصُلُ الْقَبْضُ في الثُّلُثِ وَالتَّخْيِيرُ في الثُّلُثِ وَالِانْفِسَاخُ في الثُّلُثِ أَمَّا إتْلَافُ الْمُمَيِّزِ بِأَمْرِ وَاحِدٍ منهم فَكَإِتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ بِلَا أَمْرٍ وَقَوْلُهُ وَغَيْرُ الْمُمَيِّزِ أَعَمُّ من قَوْلِ الْأَصْلِ وَالصَّبِيُّ الذي لَا يُمَيِّزُ وَإِذْنُ الْمُشْتَرِي لِلْأَجْنَبِيِّ أو لِلْبَائِعِ في إتْلَافِهِ لَغْوٌ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ فإنه يَبْرَأُ بِذَلِكَ أَيْ بِإِذْنِ الْمَالِكِ في إتْلَافِهِ لِاسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ ثُمَّ وَمَسْأَلَةُ إذْنِ الْمُشْتَرِي لِلْأَجْنَبِيِّ نَقَلَهَا الْأَصْلُ عن الْقَاضِي وَأَقَرَّهُ لَكِنَّ الْقَاضِيَ أَجَابَ مَرَّةً أُخْرَى بِخِلَافِهِ وَبِهِ جَزَمَ الْمُتَوَلِّي فقال وَجِنَايَةُ الْأَجْنَبِيِّ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي كَجِنَايَتِهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ في الْقَبْضِ بِخِلَافِ جِنَايَةِ الْبَائِعِ بِأَمْرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا له في الْقَبْضِ نَقَلَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ ثُمَّ قالوا وَهَذَا أَحْسَنُ لَكِنْ لو كان الْإِتْلَافُ مُحَرَّمًا فَفِيهِ احْتِمَالٌ لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّوْكِيلِ وَإِتْلَافُ عبد الْبَائِعِ وَلَوْ بِإِذْنِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ أَيْ كَإِتْلَافِهِ
وَكَذَا عبد الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ أَجَازَ الْبَيْعَ جُعِلَ قَابِضًا كما لو أَتْلَفَهُ بِنَفْسِهِ فَلَا شَيْءَ له على عَبْدِهِ وَإِنْ فَسَخَ اتَّبَعَ الْبَائِعُ الْجَانِيَ وَإِنَّمَا لم يَلْحَقْ عبد الْبَائِعِ بِعَبْدِ الْمُشْتَرِي في التَّقْيِيدِ بِغَيْرِ الْإِذْنِ لِشِدَّةِ تَشَوُّقِ الشَّارِعِ إلَى بَقَاءِ الْعُقُودِ وَإِنْ أَتْلَفَتْهُ دَابَّتُهُ أَيْ الْمُشْتَرِي كَأَنْ كان عَلَفًا فَأَكَلَتْهُ نَهَارًا انْفَسَخَ الْبَيْعُ أو لَيْلًا فَلَهُ الْخِيَارُ فَإِنْ فَسَخَ طُولِبَ بِمَا أَتْلَفَتْ أَيْ طَالَبَهُ الْبَائِعُ بِبَدَلِ ما أَتْلَفَهُ وَإِنْ أَجَازَ فَقَابِضٌ وإن أَتْلَفَتْهُ بَهِيمَةُ الْبَائِعِ فَهُوَ كَالْآفَةِ وفي نُسْخَةٍ كَإِتْلَافِهِ وَإِنَّمَا لم يُفَرِّقْ فيها بين النَّهَارِ وَاللَّيْلِ كَبَهِيمَةِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ إتْلَافَهَا إنْ لم يَكُنْ بِتَفْرِيطٍ من الْبَائِعِ فَآفَةٌ وَإِنْ كان بِتَفْرِيطٍ منه فَقَدْ مَرَّ أَنَّ إتْلَافَهُ كَالْآفَةِ بِخِلَافِ إتْلَافِ بَهِيمَةِ الْمُشْتَرِي فَنَزَلَ بِالنَّهَارِ مَنْزِلَةَ إتْلَافِ الْبَائِعِ لِتَفْرِيطِهِ بِخِلَافِهِ لَيْلًا فَإِنْ قُلْت إتْلَافُهَا لَيْلًا إمَّا بِتَقْصِيرِ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ قَبْضًا أو لَا فَيَكُونُ كَالْآفَةِ فَيَنْفَسِخُ بِهِ الْبَيْعُ فَلَا وَجْهَ لِتَخْيِيرِهِ قُلْت هو بِتَقْصِيرِهِ وَلَمَّا لم يَكُنْ إتْلَافُهَا صَالِحًا لِلْقَبْضِ خُيِّرَ فَإِنْ أَجَازَ فَقَابِضٌ أو فَسَخَ طَالَبَهُ الْبَائِعُ بِالْبَدَلِ كما تَقَرَّرَ فما قِيلَ إنَّ مَحَلَّ ذلك إذَا لم يَكُنْ مَالِكُهَا وَإِلَّا فَإِتْلَافُهَا مَنْسُوبٌ إلَيْهِ لَيْلًا كان أو نَهَارًا مَرْدُودٌ فإنه مَنْسُوبٌ إلَيْهِ مع تَقْصِيرِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ مَعَهَا وَلَوْ كان مَعَهَا غَيْرُهُ فَإِتْلَافُهَا مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَعَدَلَ الْمُصَنِّفُ عن تَعْبِيرِ الْقَفَّالِ الْمَذْكُورِ في الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ كان الْمَبِيعُ عَلَفًا فَاعْتَلَفَهُ حِمَارُ الْمُشْتَرِي إلَى ما قَالَهُ تَنْبِيهًا على أَنَّ ذلك مِثَالٌ لَا تَقْيِيدٌ فَرْعٌ لو صَالَ الْمَبِيعُ في يَدِ الْبَائِعِ على الْمُشْتَرِي أو غَيْرِهِ
____________________
(2/80)
فَقَتَلَهُ الْمُشْتَرِي دَفْعًا لِصِيَالِهِ لم يَضْمَنْ ثَمَنَهُ لِأَنَّ ذلك ليس قَبْضًا وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ الْمَبِيعُ كما أَنَّهُ لو قَتَلَ عَبْدَهُ الْمَغْصُوبَ دَفْعًا لِصِيَالِهِ لَا يَكُونُ قَبْضًا وَإِنْ عَلِمَ عَبْدَهُ وَتَعْبِيرُهُ بِالْمَبِيعِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْعَبْدِ الْمَبِيعِ فَرْعٌ وَإِتْلَافُ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ إتْلَافًا مُضَمِّنًا في يَدِ مُشْتَرٍ قَبَضَهُ منه عُدْوَانًا بِأَنْ اسْتَحَقَّ الْبَائِعُ حَبْسَهُ كَاسْتِرْدَادِهِ أَيْ يُجْعَلُ مُسْتَرِدًّا له بِالْإِتْلَافِ كما أَنَّ الْمُشْتَرِي قَابِضٌ بِالْإِتْلَافِ وَقِيلَ لَا بَلْ عليه قِيمَتُهُ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي لِاسْتِقْرَارِ الْعَقْدِ بِالْقَبْضِ وَإِنْ كان ظَالِمًا فيه وَلَا تَرْجِيحَ في الْأَصْلِ فَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ لَكِنْ إذَا جُعِلَ مُسْتَرِدًّا له هل يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِنَاءً على أَنَّ إتْلَافَ الْبَائِعِ قبل الْقَبْضِ الْمُعْتَبَرِ كَالْآفَةِ أو يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بين الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ بِنَاءً على أَنَّ إتْلَافَهُ كَإِتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَجْهَانِ وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ الثَّانِي وَاَلَّذِي يَجِيءُ على الصَّحِيحِ من أَنَّ إتْلَافَهُ كَالْآفَةِ تَصْحِيحُ الْأَوَّلِ كما قَالَهُ السُّبْكِيُّ فَرْعٌ وُقُوعُ الدُّرَّةِ وَنَحْوَهَا في الْبَحْرِ إذَا لم يُمْكِنْ إخْرَاجُهَا منه وَانْفِلَاتُ الصَّيْدِ الْمُتَوَحِّشِ وَالطَّيْرِ إذَا لم يُرْجَ عَوْدُهُ قبل قَبْضِهَا تَلَفٌ فَيَنْفَسِخُ بِهِ الْبَيْعُ لِتَعَذُّرِ قَبْضِهَا وَلَوْ غَرِقَتْ الْأَرْضُ بِالْمَاءِ أو سَقَطَتْ عليها صُخُورٌ أو رَكِبَهَا رَمْلٌ قبل قَبْضِهَا فَهُوَ عَيْبٌ لَا تَلَفٌ فَيَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ وَلَا يُنَاقِضُهُ ما في الشُّفْعَةِ من أَنَّ تَغْرِيقَ الْأَرْضِ تَلَفٌ لَا عَيْبٌ حتى لو حَصَلَ في بَعْضِهَا لم يَأْخُذْ الشَّفِيعُ إلَّا بِالْحِصَّةِ وَلَا ما في الْإِجَازَةِ من أَنَّهُ كَانْهِدَامِ الدَّارِ فَيَكُونُ تَلَفًا لِأَنَّ الْأَرْضَ لم تَتْلَفْ وَالْحَيْلُولَةُ لَا تَقْتَضِي الِانْفِسَاخَ كَإِبَاقِ الْعَبْدِ وَإِنَّمَا جُعِلَتْ تَالِفَةً فِيمَا ذُكِرَ أَمَّا في الشُّفْعَةِ فَلِأَنَّ الشَّفِيعَ مُتَمَلِّكٌ وَالتَّالِفُ منها لَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ وَلِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ في الدَّوَامِ ما لَا يُغْتَفَرُ في الِابْتِدَاءِ كما في بَيْعِ الْآبِقِ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا في الْإِجَارَةِ فَلِعَدَمِ التَّمَكُّنِ من الِانْتِفَاعِ لِحَيْلُولَةِ الْمَاءِ وَلَا يُمْكِنُ تَرَقُّبُ زَوَالِهِ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَتْلَفُ وَلَا تُضْمَنُ فَرْعٌ وَإِنْ أَبَقَ الْعَبْدُ أو ضَلَّ أو غُصِبَ قبل الْقَبْضِ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَإِنَّمَا لم يَنْفَسِخْ الْبَيْعُ لِرَجَاءِ الْعَوْدِ فَإِنْ أَجَازَ الْبَيْعَ لم يَبْطُلْ خِيَارُهُ فَلَهُ الْفَسْخُ ما لم يَرْجِعْ أَيْ الْعَبْدُ كما لو انْقَطَعَ الْمُسْلَمُ فيه فَأَجَازَ ثُمَّ أَرَادَ الْفَسْخَ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ كُلَّ سَاعَةٍ فَالْخِيَارُ في ذلك على التَّرَاخِي ولم يَلْزَمْهُ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ قبل عَوْدِ الْعَبْدِ وَإِنْ أَجَازَ فَإِنْ سَلَّمَهُ لم يَسْتَرِدَّهُ ما لم يَفْسَخْ لِتَمَكُّنِهِ من الْفَسْخِ وَلَوْ أَتْلَفَهُ أَيْ الْمَبِيعَ قبل قَبْضِهِ الْأَجْنَبِيُّ فَأَجَازَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ بَطَلَ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ رضي بِمَا في ذِمَّةِ الْأَجْنَبِيِّ فَأَشْبَهَ الْحَوَالَةَ وَهَذَا بَحْثٌ لِلْقَاضِي ذَكَرَهُ الْأَصْلُ بَعْدَ نَقْلِهِ عن الْقَفَّالِ أَنَّ له الْفَسْخَ مِثْلَ ما مَرَّ آنِفًا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرِّضَا في الْحَوَالَةِ بِأَنَّ الرِّضَا فيها وَقَعَ في ضِمْنِ عَقْدٍ بِخِلَافِهِ هُنَا وَإِنْ جَحَدَهُ أَيْ الْمَبِيعَ الْبَائِعُ قبل الْقَبْضِ وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُشْتَرِي فَلَهُ الْخِيَارُ لِلتَّعَذُّرِ أَيْ لِتَعَذُّرِ قَبْضِهِ حَالًّا كما في الْآبِقِ قال الْأَذْرَعِيُّ وفي فَسْخِهِ بِمُجَرَّدِ الْجَحْدِ من غَيْرِ حَلِفٍ وَقْفَةٌ إذَا غَلَبَ على ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ فَرْعٌ لو بَاعَ الْبَائِعُ قبل الْقَبْضِ من آخَرَ وَسَلَّمَهُ وَغَلَبَ عليه بِأَنْ عَجَزَ الْبَائِعُ عن انْتِزَاعِهِ منه وَتَسْلِيمِهِ لِلْأَوَّلِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ كَإِتْلَافِهِ له فَإِنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَوَّلًا عِلْمَ الثَّانِي بِشِرَائِهِ له قَبْلَهُ أو قُدْرَةَ الْبَائِعِ على انْتِزَاعِهِ له من الثَّانِي سُمِعَتْ دَعْوَاهُ عَلَيْهِمَا فَيَحْلِفَانِ فَإِنْ نَكَلَا حَلَفَ هو على ما ادَّعَاهُ وَأَخَذَ الْمَبِيعَ من الثَّانِي في الْأُولَى وَحَبَسَ الْبَائِعَ إلَى أَنْ يُسَلِّمَهُ أو يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِعَجْزِهِ في الثَّانِيَةِ فَصْلٌ وَإِنْ تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ قبل الْقَبْضِ بِآفَةٍ كَحُمَّى وَشَلَلٍ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ كما مَرَّ بِلَا أَرْشٍ له لِقُدْرَتِهِ على الْفَسْخِ وَكَذَا له الْخِيَارُ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ لِأَنَّهَا كَالْآفَةِ كما مَرَّ
____________________
(2/81)
بِخِلَافِ جِنَايَتِهِ كما قال فَإِنْ قَطَعَ الْمُشْتَرِي يَدَهُ مَثَلًا فَيُجْعَلُ قَابِضًا لِبَعْضِ الْمَبِيعِ أَيْ لِمَا قَطَعَهُ حتى يَسْتَقِرَّ عليه ضَمَانُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ إتْلَافَهُ قَبْضٌ وَبِهَذَا فَارَقَ ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِيمَا لو عَيَّبَ الْمُسْتَأْجِرُ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ وما لو جَبَّتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرَ زَوْجِهَا إذْ لَا يُتَخَيَّلُ إنَّ ذلك قَبْضٌ فَإِنْ تَلِفَ الْعَبْدُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ أو قَبْلَهُ بِغَيْرِ الْقَطْعِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ لم يَضْمَنْ الْمُشْتَرِي الْيَدَ بِأَرْشِهَا الْمُقَدَّرِ وَلَا بِمَا يَنْقُصُ من الْقِيمَةِ بَلْ يَضْمَنُهَا بِجُزْءٍ من الثَّمَنِ كما يَضْمَنُ الْجَمِيعَ بِكُلِّ الثَّمَنِ فَيُقَوَّمُ الْعَبْدُ صَحِيحًا ثُمَّ مَقْطُوعًا وَيَعْرِفُ التَّفَاوُتَ فَيَسْتَقِرُّ عليه من الثَّمَنِ مِثْلُ تِلْكَ النِّسْبَةِ فَلَوْ قُوِّمَ صَحِيحًا بِثَلَاثِينَ وَمَقْطُوعًا بَخَمْسَةَ عَشَرَ لَزِمَهُ نِصْفُ الثَّمَنِ وَلَوْ قُوِّمَ مَقْطُوعًا بِعِشْرِينَ لَزِمَهُ ثُلُثُ الثَّمَنِ وَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ ثُمَّ بِالْوَاوِ كما في الْأَصْلِ كان أَوْلَى وَإِنْ قَطَعَهَا أَجْنَبِيٌّ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَيَغْرَمُ الْأَجْنَبِيُّ لِلْمُشْتَرِي إنْ أَجَازَ الْعَقْدَ وَقَبَضَ الْمَبِيعَ أو لِلْبَائِعِ إنْ فَسَخَ الْمُشْتَرِي الْعَقْدَ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَبْدِ فِيهِمَا على الْقِيَاسِ في بَابِ الْجِنَايَاتِ نعم إنْ غَصَبَهُ من الْبَائِعِ ثُمَّ قَطَعَ يَدَهُ لَزِمَهُ أَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ من النِّصْفِ وَالنَّقْصِ فَلَوْ نَقَصَ بِقَطْعِهَا ثُلُثَا الْقِيمَةِ لَزِمَهُ ثُلُثَاهَا كما يُعْلَمُ من بَابِ الْغَصْبِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ وَقَبَضَ ما لو أَجَازَ ولم يَقْبِضْ الْمَبِيعَ فَلَا غُرْمَ على الْأَجْنَبِيِّ لِجَوَازِ مَوْتِ الْعَبْدِ في يَدِ الْبَائِعِ وَانْفِسَاخِ الْبَيْعِ نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عن الْمَاوَرْدِيِّ وَأَقَرَّاهُ وَتَوَقَّفَ فيه الزَّرْكَشِيُّ لِتَحَقُّقِ ثُبُوتِ الْحَقِّ لِلْمُشْتَرِي فَلَا يُتْرَكُ لِأَمْرٍ مُتَوَهَّمٍ قال ثُمَّ مُقْتَضَاهُ إنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْآنَ وقال الْقَاضِي وَالْإِمَامُ لِلْمُشْتَرِي مُطَالَبَةُ الْأَجْنَبِيِّ وَيُلْزِمُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لو غَصَبَ الْمَبِيعَ قبل الْقَبْضِ لم يَمْلِكْ أَحَدُهُمَا الْمُطَالَبَةَ بِهِ انْتَهَى وَإِنْ تَلِفَ سَقْفُ الدَّارِ وَنَحْوَهُ كَبَعْضِ أَبْنِيَتِهَا فَكَتَلَفِ أَحَدِ عَبْدَيْ الصَّفْقَةِ وقد تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فيه وَيَصِحُّ في الْبَاقِي فَكَذَا هُنَا لَا كَالتَّعَيُّبِ بِسُقُوطِ الْيَدِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ السَّقْفَ وَنَحْوَهُ يُمْكِنُ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ بِخِلَافِ الْيَدِ وَنَحْوِهَا فَكَانَتْ كَالتَّعَيُّبِ بِفَوَاتِ وَصْفٍ فَلَا يُقَابِلُ سُقُوطَهَا بِعِوَضٍ فَصْلٌ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَبِيعِ قبل الْقَبْضِ وَلَا الِاشْتِرَاكُ فيه ولا التَّوْلِيَةُ مَنْقُولًا كان أو عَقَارًا وَإِنْ أَذِنَ الْبَائِعُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ لِخَبَرِ من ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حتى يَسْتَوْفِيَهُ قال ابن عَبَّاسٍ وَلَا أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مِثْلُهُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِحَكِيمِ بن حِزَامٍ لَا تَبِيعَنَّ شيئا حتى تَقْبِضَهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وقال إسْنَادُهُ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ وَلِضَعْفِ الْمِلْكِ قبل الْقَبْضِ بِدَلِيلِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ بِالتَّلَفِ قَبْلَهُ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِلَا يَصِحُّ نَصَّ على الْغَرَضِ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِلَا يَجُوزُ وَكَذَا لَا تَصِحُّ الْكِتَابَةُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ كما صَرَّحَ بها الْأَصْلُ وَالرَّهْنُ وَالْإِجَارَةُ وَالْإِقْرَاضُ لِلْمَبِيعِ قبل قَبْضِهِ وَلَا جَعْلُهُ عِوَضًا في نِكَاحٍ أو خُلْعٍ أو صُلْحٍ أو سَلَمٍ أو غَيْرِهَا لِضَعْفِ الْمِلْكِ كما مَرَّ وَلَوْ كان الْبَيْعُ أو غَيْرُهُ مِمَّا ذُكِرَ من الْبَائِعِ فإنه لَا يَصِحُّ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ وَلِضَعْفِ الْمِلْكِ لَكِنَّ مَحَلَّ مَنْعِ الرَّهْنِ منه إذَا رَهَنَ ذلك بِالثَّمَنِ وكان له حَقُّ الْحَبْسِ وَإِلَّا جَازَ على الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ خِلَافًا لِمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ إلَّا أَنْ اشْتَرَاهُ بِمِثْلِ ما بَاعَهُ إذْ هو إقَالَةٌ بِلَفْظِ الْبَيْعِ فَيَصِحُّ نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عن الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ
وَالْمُتَوَلِّي وَإِنْ لم يَجْزِمْ بِهِ لَكِنَّهُ نَقَلَهُ عن بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَنَقَلَ عن آخَرِينَ أَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ فَأَخَذَ الشَّيْخَانِ بِالْأُولَى وقد ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَبَنَاهُمَا على أَنَّ الْعِبْرَةَ في الْعُقُودِ بِاللَّفْظِ أو بِالْمَعْنَى وَالْأَصْحَابُ تَارَةً يَعْتَبِرُونَ اللَّفْظَ وهو الْأَكْثَرُ كما لو قال بِعْتُك هذا بِلَا ثَمَنٍ لَا يَنْعَقِدُ بَيْعًا وَلَا هِبَةً على الصَّحِيحِ وَكَمَا لو قال اشْتَرَيْت مِنْك ثَوْبًا صِفَتُهُ كَذَا بِكَذَا يَنْعَقِدُ بَيْعًا لَا سَلَمًا على الصَّحِيحِ وَتَارَةً يَعْتَبِرُونَ الْمَعْنَى كما لو قال وَهَبْتُك هذا الثَّوْبَ بِكَذَا يَنْعَقِدُ بَيْعًا على الصَّحِيحِ فلم يُطْلِقُوا الْقَوْلَ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ بَلْ يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ بِقُوَّةِ الْمُدْرِكِ كَالْإِبْرَاءِ في أَنَّهُ إسْقَاطٌ أو تَمْلِيكٌ وفي أَنَّ النَّذْرَ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الْوَاجِبِ أو الْجَائِزِ وفي أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ يُزِيلُ الْمِلْكَ أو لَا هذا وقد نُقِلَ في الْأَنْوَارِ كَلَامُ الْمُتَوَلِّي الذي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ قال وقال صَاحِبُ التَّهْذِيبِ في تَعْلِيقِهِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ بَيْعٌ فَلَا يَصِحُّ على ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ثُمَّ كَلَامُهُمْ هُنَا يَقْتَضِي أَنَّ الْإِقَالَةَ تَصِحُّ بِمِثْلِ الثَّمَنِ وَالْمَعْرُوفِ
____________________
(2/82)
بِعَيْنِهِ فَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ هُنَا على ما إذَا كان في الذِّمَّةِ أو كان قد تَلِفَ وَيَنْفُذُ من الْمُشْتَرِي قبل الْقَبْضِ الْعِتْقُ وَالِاسْتِيلَادُ وَالتَّزْوِيجُ وَالْوَقْفُ إنْ لم يَحْتَجْ قَبُولًا وَإِنْ كان لِلْبَائِعِ حَقُّ الْحَبْسِ لِقُوَّةِ الْعِتْقِ وَلِهَذَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْآبِقِ وَيُفَارِقُ إعْتَاقَ الْمَرْهُونِ من الرَّاهِنِ الْمُعْسِرِ بِأَنَّ الرَّاهِنَ حَجَرَ على نَفْسِهِ وَالِاسْتِيلَادُ وَالْوَقْفُ الْمَذْكُورُ في مَعْنَى الْعِتْقِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ الْمُحْتَاجِ إلَى الْقَبُولِ بِأَنْ كان على مُعَيَّنٍ فإنه كَالْبَيْعِ على مُقْتَضَى كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ هُنَا لَكِنَّ الذي اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ في الرَّوْضَةِ في السَّرِقَةِ وَنَقَلَهُ في شَرْحِ الْوَسِيطِ عن النَّصِّ
وهو الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْوَقْفَ على مُعَيَّنٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ فَيَنْفُذُ قبل الْقَبْضِ وَأَمَّا التَّزْوِيجُ فَلِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْقُدْرَةَ على التَّسْلِيمِ لِصِحَّةِ تَزْوِيجِ الْآبِقَةِ وَيَصِحُّ أَيْضًا بَيْعُ الْعَبْدِ من نَفْسِهِ كما بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من أَنَّهُ عَقْدُ عَتَاقَةٍ وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ وَتَدْبِيرُهُ وَإِبَاحَتُهُ لِلْفُقَرَاءِ فِيمَا سَيَأْتِي وَيَصِيرُ الْمُشْتَرِي بِالْإِعْتَاقِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْوَقْفِ قَابِضًا لِلْمَبِيعِ وَإِنْ كان لِلْبَائِعِ حَقُّ الْحَبْسِ لَا بِالتَّزْوِيجِ وَلَا بِوَطْءِ الزَّوْجِ قال الْبَغَوِيّ وَيَحْصُلُ الْقَبْضُ أَيْضًا بِاسْتِيلَادِ أبيه كما مَرَّ فَإِنْ لم يَرْفَعْ الْبَائِعُ يَدَهُ بَعْدَ الْوَقْفِ وَالِاسْتِيلَادِ ضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ لَا بِالثَّمَنِ وَيَصِيرُ الْمُشْتَرِي قَابِضًا أَيْضًا لِصُبْرَةٍ اشْتَرَاهَا جُزَافًا وَأَبَاحَهَا لِلْمَسَاكِينِ إنْ قَبَضُوهَا وَخَرَجَ بِ جُزَافًا ما لو اشْتَرَاهَا مُقَدَّرَةً بِكَيْلٍ أو غَيْرِهِ فَلَا يَصِحُّ قَبْضُهَا إلَّا كَذَلِكَ وَبِقَوْلِهِ من زِيَادَتِهِ إنْ قَبَضُوهَا أَمَّا إذَا لم يَقْبِضُوهَا فَلَا يَكُونُ قَابِضًا وَفَارَقَ صِحَّةَ الْإِبَاحَةِ عَدَمُ صِحَّةِ التَّصَدُّقِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ تَمْلِيكًا بِخِلَافِ التَّصَدُّقِ فَرْعٌ لو بَاعَ عَبْدًا بِثَوْبٍ فَقَبَضَ الثَّوْبَ وَبَاعَهُ ثُمَّ هَلَكَ الْعَبْدُ عِنْدَهُ قبل الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ في الْعَبْدِ لِتَلَفِهِ قبل قَبْضِهِ دُونَ الثَّوْبِ لَا يَنْفَسِخُ فيه وَإِنْ لم يَقْبِضْ الثَّوْبَ مُشْتَرِيهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهِ وَضَمِنَ الْبَائِعُ قِيمَتَهُ لِمُشْتَرِي الْعَبْدَ لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ فَإِنْ تَلِفَ الثَّوْبُ أَيْضًا في يَدِهِ قبل قَبْضِهِ غَرِمَ قِيمَتَهُ لِبَائِعِهِ وهو مُشْتَرِي الْعَبْدَ وَيَرُدُّ ثَمَنَهُ لِمُشْتَرِيهِ منه فَصْلٌ يَصِحُّ بَيْعُ مَالِهِ وهو تَحْتَ يَدِ الْغَيْرِ بِأَمَانَةٍ لِتَمَامِ الْمِلْكِ فيه فإنه لو تَلِفَ تَلِفَ على مِلْكِ مَالِكِهِ وَذَلِكَ كَوَدِيعَةٍ بِيَدِ الْمُودَعِ وَمَالِ شَرِكَةٍ بِيَدِ الشَّرِيكِ أو مَالِ قِرَاضٍ بِيَدِ الْعَامِلِ قال الْقَاضِي بَعْدَ الْفَسْخِ وَالْإِمَامُ قبل أَنْ يَرْبَحَ وَفِيهِمَا نَظَرٌ وما تَحْتَ يَدِ وَكِيلٍ بِبَيْعٍ أو غَيْرِهِ وَمَرْهُونٍ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ انْفِكَاكٍ لِلرَّهْنِ وَمُسْتَأْجَرٍ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ وهو بِيَدِ مُسْتَأْجِرِهِ وما في يَدِ الْقَيِّمِ أَيْ الْقَائِمِ بِأَمْرِ الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ بَعْدَ بُلُوغِ الصَّبِيِّ رَشِيدًا أو رُشْدِ السَّفِيهِ أو إفَاقَةِ الْمَجْنُونِ وَكَسْبِ الْعَبْدِ الْحَاصِلِ بِاحْتِطَابٍ وَغَيْرِهِ وَوَصِيَّةٍ قَبِلَهَا الْعَبْدُ وَالْمُرَادُ ما كَسَبَهُ أو قَبِلَهُ بِالْوَصِيَّةِ ولم يَقْبِضْهُ سَيِّدُهُ وَالْمُوصَى بِهِ لِمَنْ قَبِلَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ ولم يَقْبِضْهُ وَارِثٌ بِمَعْنَى مَوْرُوثٍ يَمْلِكُ الْمَالِكُ بَيْعَهُ ولم يَقْبِضْهُ الْوَارِثُ بِخِلَافِ ما لَا يَمْلِكُ الْمَالِكُ بَيْعَهُ بِأَنْ اشْتَرَاهُ ولم يَقْبِضْهُ وما اشْتَرَاهُ من مُوَرِّثِهِ وَمَاتَ مُوَرِّثُهُ قبل قَبْضِهِ فَلَهُ بَيْعُهُ وَإِنْ كان مُوَرِّثُهُ مَدْيُونًا وَدَيْنُ الْغَرِيمِ في صُورَةِ الدَّيْنِ مُتَعَلِّقٌ بِالثَّمَنِ وَإِنْ كان له أَيْ لِمُوَرِّثِهِ وَارِثٌ آخَرُ لم يَنْفُذْ بَيْعُهُ ذلك في قَدْرِ نَصِيبِ الْآخَرِ منه لو وَرِثَهُ حتى يَقْبِضَهُ وَكَذَا يَصِحُّ بَيْعُ ما كان له تَحْتَ يَدِ غَيْرِهِ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ أو بِالْمِثْلِ لِمَا مَرَّ وَيُسَمَّى ضَمَانُ الْيَدِ كَالْمَفْسُوخِ بِعَيْبٍ أو غَيْرِهِ وهو بَاقٍ بِيَدِ الْمُشْتَرِي وَمَحَلُّهُ بَعْدَ رَدِّ الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لِأَنَّ لِلْمُشْتَرِي حَبْسَهُ إلَى اسْتِرْدَادِ الثَّمَنِ وَمَغْصُوبٍ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ لِقَادِرٍ على انْتِزَاعِهِ كما يَصِحُّ بَيْعُهُ من الْغَاصِبِ وَرَأْسِ مَالِ سَلَمٍ فُسِخَ لِانْقِطَاعِ الْمُسْلَمِ فيه أو غَيْرِهِ وَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ
____________________
(2/83)
لِفَوَاتِ شَرْطٍ أو نَحْوِهِ لَا الْمَضْمُونُ ضَمَانَ عَقْدٍ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ قبل الْقَبْضِ وَكَذَا عِوَضُ النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْقَوَدِ وَنَحْوِهَا كما مَرَّ بَيَانُهُ فَرْعٌ لو أَفْرَزَ له السُّلْطَانُ عَطَاءً يَسْتَحِقُّهُ وَرَضِيَ بِهِ جَازَ بَيْعُهُ قبل الْقَبْضِ لِلرِّفْقِ بِالْجُنْدِ وَلِأَنَّ يَدَ السُّلْطَانِ في الْحِفْظِ يَدُ الْمُفْرَزِ له وَكَذَا يَصِحُّ بَيْعُ أَحَدِ الْغَانِمِينَ لِقَدْرٍ مَعْلُومٍ مِلْكُهُ من الْغَنِيمَةِ شَائِعًا وَمِلْكُ الْغَنِيمَةِ يَحْصُلُ بِاخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ كما سَيَأْتِي في السِّيَرِ وكذا بَيْعُ مَوْهُوبٍ رَجَعَ فيه الْوَلَدُ يَصِحُّ قبل الْقَبْضِ لَا بَيْعُ شِقْصٍ أُخِذَ بِشُفْعَةٍ ولم يُقْبَضْ لِأَنَّ الْأَخْذَ بها مُعَاوَضَةٌ وَلَهُ بَيْعُ مَقْسُومٍ قِسْمَةَ إفْرَازٍ قبل قَبْضِهِ بِخِلَافِ قِسْمَةِ الْبَيْعِ ليس له بَيْعُ ما صَارَ له فيها من نَصِيبِ صَاحِبِهِ قبل قَبْضِهِ وله بَيْعُ ثَمَرٍ على شَجَرٍ مَوْقُوفٍ عليه قبل أَخْذِهِ وَكَذَا سَائِرُ غَلَّاتِ وَقْفٍ حَصَلَتْ لِجَمَاعَةٍ وَعَرَفَ كُلٌّ قَدْرَ حِصَّتِهِ كما نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ لَا بَيْعُ ثَوْبٍ اسْتَأْجَرَ مَالِكُهُ من يَصْبُغُهُ أو يُقَصِّرُهُ فَلَا يَصِحُّ قبل الْعَمَلِ وَلَا بَعْدَهُ قبل أَدَاءِ الْأُجْرَةِ لِأَنَّهُ أَيْ الْأَجِيرَ يَسْتَحِقُّ الْحَبْسَ لها أَيْ لِلْأُجْرَةِ أَيْ لِعَمَلِ ما يَسْتَحِقُّهَا بِهِ في الْأُولَى وَلِاسْتِيفَائِهِ في الثَّانِيَةِ كَذَا جَزَمَ بِهِ الْأَصْلُ وَنَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ ثُمَّ قال قال الْمُتَوَلِّي وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْعَى غَنَمَهُ أو لِيَحْفَظَ مَتَاعَهُ الْمُعَيَّنَ شَهْرًا كان له التَّصَرُّفُ في ذلك الْمَالِ قبل انْقِضَاءِ الشَّهْرِ لِأَنَّ حَقَّ الْأَجِيرِ لم يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِهِ إذْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ في مِثْلِ ذلك الْعَمَلِ انْتَهَى وَهَذَا الِاخْتِلَافُ مَبْنِيٌّ على أَنَّهُ هل يَجُوزُ إبْدَالُ الْمُسْتَوْفَى بِهِ أو لَا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ في بَابِ الْإِجَارَةِ وقد يُفَرَّقُ بِأَنَّ كُلًّا من الصَّبْغِ وَالْقَصَّارَةِ عَيْنٌ فَنَاسَبَ حَبْسَهُ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ بِخِلَافِ الرَّعْيِ وَالْحِفْظِ وَسَوَاءٌ فِيمَا ذُكِرَ أَسَلَّمَ الثَّوْبَ لِلْأَجِيرِ قبل الْبَيْعِ أو لَا فَتَقْيِيدُ الْأَصْلِ ذلك بِتَسْلِيمِهِ مُجَرَّدُ تَصْوِيرٍ وَلِهَذَا حَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ وَقِسْ عليه صَوْغَ الذَّهَبِ وَرِيَاضَةَ الدَّابَّةِ وَنَسْجَ الثَّوْبِ وَنَحْوَهَا وَإِزَالَةُ امْتِنَاعِ الصَّيْدِ قَبْضٌ له حُكْمًا فَبَيْعُهُ إنَّمَا هو بَعْدَ قَبْضِهِ لَا قَبْلَهُ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فيه كما زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ فَرْعٌ له بَيْعُ زَوَائِدِ الْمَبِيعِ كَوَلَدٍ وَثَمَرَةٍ قبل الْقَبْضِ لها بِنَاءً على أنها لَا تَعُودُ إلَى الْبَائِعِ لو عَرَضَ انْفِسَاخٌ فَرْعٌ يَبْطُلُ بَيْعُ الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ وَسَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ فيه قبل الْقَبْضِ وَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِتَلَفِهِ قبل قَبْضِهِ وَرَدَّهُ بِالْعَيْبِ كما في الْمَبِيعِ وما تَقَدَّمَ فيه يَأْتِي هُنَا ثُمَّ الِاعْتِيَاضُ عنه بِأَنْ أَبْدَلَهُ بِجِنْسِهِ أو بِغَيْرِ جِنْسِهِ قبل قَبْضِهِ كَالْبَيْعِ من الْبَائِعِ قبل الْقَبْضِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ كان الِاعْتِيَاضُ عنه بِعَيْنِ الْمَبِيعِ أو بمثله إنْ تَلِفَ أو كان في الذِّمَّةِ فَصْلٌ يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عن كل دَيْنٍ ليس بِثَمَنٍ وَلَا مُثَمَّنٍ كَدَيْنِ قَرْضٍ وَإِتْلَافٍ وَبَدَلِ خُلْعٍ لِاسْتِقْرَارِهِ بِخِلَافِ دَيْنِ الْمُسْلِمِ كما سَيَأْتِي وَإِنْ كان الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا فإنه يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عنه فَيَجُوزُ اسْتِبْدَالُ الْحَالِ عنه وكان صَاحِبُهُ عَجَّلَهُ بِخِلَافِ عَكْسِهِ لِعَدَمِ لُحُوقِ الْأَجَلِ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي خِلَافَهُ وَلَيْسَ مُرَادًا وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَا يَجُوزُ اسْتِبْدَالُ الْمُؤَجَّلِ عن الْحَالِّ وَيَجُوزُ عَكْسُهُ وَكَذَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عن الثَّمَنِ الذي في الذِّمَّةِ وَإِنْ لم يَكُنْ نَقْدًا لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ كُنْت أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ مَكَانَهَا الدَّرَاهِمَ وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ مَكَانَهَا الدَّنَانِيرَ فَأَتَيْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَسَأَلْته عن ذلك فقال لَا بَأْسَ إذَا تَفَرَّقْتُمَا وَلَيْسَ بَيْنَكُمَا شَيْءٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ على شَرْطِ مُسْلِمٍ وَسَوَاءٌ أَقَبَضَ الثَّمَنَ أَمْ لَا فَقَوْلُهُ في الْخَبَرِ وَلَيْسَ بَيْنَكُمَا شَيْءٌ أَيْ من عَقْدِ الِاسْتِبْدَالِ لَا من الْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِقَرِينَةِ رِوَايَةٍ أُخْرَى تَدُلُّ لِذَلِكَ فَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عن الْقَرْضِ بِمَعْنَى الْمُقْرِضِ وَلَوْ لم يَتْلَفْ وَإِنْ كان قبل تَلَفِهِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ في الذِّمَّةِ من حَيْثُ إنَّ لِلْمُقْرِضِ أَنْ يَرْجِعَ في عَيْنِهِ لَا الِاسْتِبْدَالَ عن الثَّمَنِ الذي في الذِّمَّةِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ أو نَوْعِهِ وهو الْمُسْلَمُ فيه وَنَحْوُهُ كَالْبَيْعِ في الذِّمَّةِ إذَا عَقَدَ عليه بِغَيْرِ لَفْظِ السَّلَمِ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مع تَعَيُّنِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قبل قَبْضِهِ فَمَعَ كَوْنِهِ في الذِّمَّةِ أَوْلَى وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّمَنِ بِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ بِانْقِطَاعِهِ لِلِانْفِسَاخِ أو الْفَسْخِ وَبِأَنَّ عَيْنَهُ تُقْصَدُ بِخِلَافِ الثَّمَنِ
____________________
(2/84)
فِيهِمَا هذا كُلُّهُ فِيمَا لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ في الْمَجْلِسِ أَمَّا غَيْرُهُ كَرِبَوِيٍّ بِيعَ بمثله وَرَأْسِ مَالِ سَلَمٍ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عنه إذْ لم يُوجَدْ قَبْضُ الْمَعْقُودِ عليه في الْمَجْلِسِ وقد صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَسَيُعْلَمُ من بَابِ السَّلَمِ فَرْعٌ الثَّمَنُ هو النَّقْدُ إنْ قُوبِلَ بِغَيْرِهِ لِلْعُرْفِ فَإِنْ كَانَا نَقْدَيْنِ أو عَرَضَيْنِ فما الْتَصَقَ بِهِ الْبَاءُ الْمُسَمَّاةُ بِبَاءِ الثَّمَنِيَّةِ هو الثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ ما يُقَابِلُهُ فَلَوْ قال بِعْتُك هذه الدَّرَاهِمَ بِعَبْدٍ وَوَصَفَهُ فَالْعَبْدُ مَبِيعٌ لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عنه وَالدَّرَاهِمُ ثَمَنٌ وَعَدَلَ عن قَوْلِ الْأَصْلِ بهذا الْعَبْدِ إلَى ما قَالَهُ لِيَشْمَلَ الْمُثَمَّنَ في الذِّمَّةِ أو بِعْتُك هذا الثَّوْبَ بِعَبْدٍ وَوَصَفَهُ فَالْعَبْدُ ثَمَنٌ يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عنه لَا عن الثَّوْبِ لِأَنَّهُ مُثَمَّنٌ بَلْ وَمُعَيَّنٌ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لو بَاعَ عَبْدَهُ بِدَرَاهِمَ سَلَمًا كانت ثَمَنًا وَصَحَّ الِاسْتِبْدَالُ عنها لِأَنَّهَا ثَمَنٌ وَقَضِيَّةُ ما مَرَّ قبل الْفَرْعِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِبْدَالُ عنها لِأَنَّهَا مُسْلَمٌ فيها وقد يُجَابُ بِالْتِزَامِ عَدَمِ الصِّحَّةِ وَيُحْمَلُ قَوْلُهُمْ يَصِحُّ الِاسْتِبْدَالُ عن الثَّمَنِ على الْغَالِبِ فَرْعٌ يُشْتَرَطُ في صِحَّةِ الِاسْتِبْدَالِ تَعْيِينُ بَدَلِ الدَّيْنِ في الْمَجْلِسِ سَوَاءٌ اتَّفَقَتْ عِلَّتُهُمَا في الرِّبَا أَمْ لَا لِيَخْرُجَ عن بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لَا في الْعَقْدِ أَيْ لَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ فيه كما لو تَصَارَفَا في الذِّمَّةِ فَلَوْ اتَّفَقَتْ عِلَّتُهُمَا في الرِّبَا كَدَرَاهِمَ عن دَنَانِيرَ أو عَكْسَهُ لم يَكْفِ التَّعْيِينُ في الْمَجْلِسِ عن الْقَبْضِ لِلْبَدَلِ فيه بَلْ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فيه كما دَلَّ عليه الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ حَذَرًا من الرِّبَا بِخِلَافِ ما إذَا لم تَتَّفِقْ عِلَّتُهُمَا في الرِّبَا كَثَوْبٍ عن دَرَاهِمَ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ في الْمَجْلِسِ كما لو بَاعَ ثَوْبًا بِدَرَاهِمَ في الذِّمَّةِ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ الثَّوْبِ فيه وَالِاسْتِبْدَالُ بَيْعُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عليه كما تَقَرَّرَ وهو أَيْ وَبَيْعُهُ من غَيْرِهِ كَأَنْ اشْتَرَى عَبْدَ زَيْدٍ بِمِائَةٍ له على عَمْرٍو جَائِزٌ لِاسْتِقْرَارِهِ كَبَيْعِهِ مِمَّنْ عليه بِشَرْطِ قَبْضِ الْبَدَلِ وَالدَّيْنِ في الْمَجْلِسِ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ في الرَّوْضَةِ وَحَكَاهُ جَمَاعَةٌ عن النَّصِّ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ عَدَمَ جَوَازِهِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ على تَسْلِيمِهِ وَتَبِعَهُ عليه في الْمِنْهَاجِ وَعَلَى الْأَوَّلِ قال في الْمَطْلَبِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَدْيُونُ مَلِيًّا مُقِرًّا وَأَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ حَالًّا مُسْتَقِرًّا وعلم من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُمَا لو تَفَرَّقَا قبل قَبْضِ أَحَدِهِمَا بَطَلَ الْبَيْعُ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ كَالْبَغَوِيِّ قال في الْمَطْلَبِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِ يُخَالِفُهُ وَوَافَقَهُ السُّبْكِيُّ وَاخْتَارَهُ وَبِهِ صَرَّحَ ابن الصَّبَّاغِ في كِتَابِ الْهِبَةِ فقال لَا يَحْتَاجُ فيه إلَى الْقَبْضِ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ جَعَلَهُ كَالْحَوَالَةِ انْتَهَى وَالْأَقْرَبُ حَمْلُهُ على غَيْرِ الرِّبَوِيِّ وما قَالَهُ الْبَغَوِيّ على الرِّبَوِيِّ قال في الْأَصْلِ وَلَوْ كان له دَيْنٌ على إنْسَانٍ وَلِآخَرَ مِثْلُهُ على ذلك الْإِنْسَانِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا مَالَهُ عليه بِمَا لِصَاحِبِهِ لم يَصِحَّ اتَّفَقَ الْجِنْسُ أو اخْتَلَفَ لِنَهْيِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ انْتَهَى رَوَاهُ الْحَاكِمُ على شَرْطِ مُسْلِمٍ وَفَسَّرَ بِبَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ كما وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِهِ في رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وقد يُقَالُ على بَعْدَ عَدَمِ الصِّحَّةِ إذَا لم يُعَيِّنْ الثَّمَنَ في الْمَجْلِسِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ ثُمَّ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ إنْ اتَّفَقَا في عِلَّةِ الرِّبَا فَصْلٌ في بَيَانِ الْقَبْضِ الرُّجُوعُ في حَقِيقَةِ الْقَبْضِ إلَى الْعُرْفِ فيه لِعَدَمِ ما يَضْبِطُهُ شَرْعًا أو لُغَةً كَالْأَحْيَاءِ وَالْحِرْزِ في السَّرِقَةِ فما لم يُنْقَلْ عَادَةً كَالْأَرْضِ وَالثَّمَرَةِ الْمَبِيعَةِ على الشَّجَرَةِ قبل أَوَانِ الْجُذَاذِ كما قَيَّدَ بِهِ الْأَصْلُ فَقَبْضُهُ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي بِلَفْظٍ يَدُلُّ عليها من الْبَائِعِ مع تَسْلِيمِ مِفْتَاحِ الدَّارِ أو نَحْوِهَا مِمَّا له مِفْتَاحٌ وَتَفْرِيغُهَا من مَتَاعٍ وَإِلَّا لم يَحْصُلْ الْقَبْضُ لِكَوْنِ الْمُشْتَرِي لم يَتَمَكَّنْ من الِانْتِفَاعِ بِهِ وَعَدَلَ عن تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِمَتَاعِ الْبَائِعِ إلَى ما قَالَهُ لِيَشْمَلَ مَتَاعَهُ وَمَتَاعَ غَيْرِهِ لَكِنْ
____________________
(2/85)
يُسْتَثْنَى منه مَتَاعُ الْمُشْتَرِي فَالظَّاهِرُ كما قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّفْرِيغُ منه وَلَوْ قال الْمُصَنِّفُ بِالتَّخْلِيَةِ كما في الْأَصْلِ لَكَانَ أَوْلَى إلَّا أَنْ يُفَسِّرَ الْقَبْضَ بِالْإِقْبَاضِ وَعُلِمَ من كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ الْمَبِيعَ وَلَا دُخُولُ الْمُشْتَرِي وَلَا تَصَرُّفُهُ فيه وهو كَذَلِكَ لِأَنَّهُ قد يَشُقُّ لَا تَفْرِيغُ زَرْعٍ من أَرْضٍ مَبِيعَةٍ فَلَا يُشْتَرَطُ بَلْ يَكْفِي مُجَرَّدُ التَّخْلِيَةِ بِخِلَافِ الدَّارِ الْمَشْحُونَةِ بِالْأَمْتِعَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ تَفْرِيغَ الدَّارِ مُتَأَتٍّ في الْحَالِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّخْلِيَةِ قَبْلَهُ بِخِلَافِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ وَيَكْفِي التَّفْرِيغُ بِلَا إعْجَالٍ فَوْقَ الْعَادَةِ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ
وَإِنْ جَمَعَ الْبَائِعُ الْأَمْتِعَةَ التي في الدَّارِ الْمَبِيعَةِ بِمَخْزَنٍ منها وَخَلَّى بين الْمُشْتَرِي وَبَيْنَهَا فما سِوَاهُ أَيْ الْمَخْزَنِ مَقْبُوضٌ فَإِنْ نَقَلَ منه الْأَمْتِعَةَ إلَى مَكَان آخَرَ صَارَ قَابِضًا لِلْجُمْلَةِ وَالْمَخْزَنُ بِفَتْحِ الزَّايِ ما يُخْزَنُ فيه الشَّيْءُ وَلَوْ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَبِيعٍ غَائِبٍ غَيْرِ مَنْقُولٍ أو مَنْقُولٍ في يَدِهِ أَمَانَةً أو مَضْمُونًا وَمَضَى زَمَانٌ يُمْكِنُ فيه الْقَبْضُ بِأَنْ يُمْكِنَ فيه الْوُصُولُ إلَى الْمَبِيعِ وَالتَّخْلِيَةُ في غَيْرِ الْمَنْقُولِ وَالنَّقْلُ في الْمَنْقُولِ كَفَى بِنَاءً على أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْحُضُورُ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ مُضِيُّ الزَّمَنِ لِأَنَّ الْحُضُورَ الذي كنا نُوجِبُهُ وَلَا الْمَشَقَّةَ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بهذا الزَّمَنِ فلما أَسْقَطْنَاهُ لِمَعْنًى آخَرَ ليس مَوْجُودًا في الزَّمَنِ بَقِيَ اعْتِبَارُ الزَّمَنِ وَخَرَجَ بِالْغَائِبِ الْحَاضِرُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي وَلَا أَمْتِعَةَ فيه لِغَيْرِهِ فإنه يَكُونُ مَقْبُوضًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلَا يُفْتَقَرُ فيه وفي الْغَائِبِ إلَى إذْنِ الْبَائِعِ إنْ لم يَكُنْ له حَقُّ الْحَبْسِ وَإِلَّا افْتَقَرَ كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وِفَاقًا لِلشَّيْخَيْنِ خِلَافًا لِلْمُتَوَلِّي هَكَذَا افْهَمْ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا يُخَالِفُهُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ تَبَعًا لِمُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِهِ في الرَّهْنِ غَيْرِ مَنْقُولٍ أو مَنْقُولٍ في يَدِهِ ما لو كان الْمَبِيعُ الْغَائِبُ بِيَدِ غَيْرِ الْمُشْتَرِي فَلَا بُدَّ فيه من التَّخْلِيَةِ أو النَّقْلِ وما يُنْقَلُ من سَفِينَةٍ أو غَيْرِهَا فَبِالنَّقْلِ له رَوَى الشَّيْخَانِ عن ابْنِ عُمَرَ كنا نَشْتَرِي الطَّعَامَ جِزَافًا فَنَهَانَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ نَبِيعَهُ حتى نَنْقُلَهُ من مَكَانِهِ
وَقِيسَ بِالطَّعَامِ غَيْرُهُ فَيَأْمُرُ الْعَبْدَ بِالِانْتِقَالِ من مَوْضِعِهِ وَيَقُودُ الدَّابَّةَ أو يَسُوقُهَا وَلَا يَكْفِي رُكُوبُهَا وَاقِفَةً وَلَا اسْتِعْمَالُ الْعَبْدِ كَذَلِكَ وَلَا وَطْءُ الْجَارِيَةِ لَكِنْ في الرَّافِعِيِّ في الْغَصْبِ لو رَكِبَ الْمُشْتَرِي الدَّابَّةَ أو جَلَسَ على الْفِرَاشِ حَصَلَ الضَّمَانُ ثُمَّ إنْ كان ذلك بِإِذْنِ الْبَائِعِ جَازَ له التَّصَرُّفُ أَيْضًا وَإِنْ لم يَنْقُلْهُ وَإِلَّا فَلَا وَيَكْفِي في قَبْضِ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُتَنَاوَلُ بِالْيَدِ التَّنَاوُلُ وَتَقَدَّمَ أَنَّ إتْلَافَ الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ قَبْضٌ له وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ في الْقِسْمَةِ إلَى قَبْضٍ وَإِنْ جُعِلَتْ بَيْعًا إذْ لَا ضَمَانَ فيها حتى يَسْقُطَ بِالْقَبْضِ وَيُؤْخَذُ من التَّعْبِيرِ بِالنَّقْلِ أَنَّ الدَّابَّةَ مَثَلًا لو تَحَوَّلَتْ بِنَفْسِهَا ثُمَّ اسْتَوْلَى عليها الْمُشْتَرِي لَا يَحْصُلُ الْقَبْضُ وهو مُتَّجَهٌ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَمَحَلُّهُ إذَا اسْتَوْلَى عليها بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ على ما مَرَّ عن الرَّافِعِيِّ فَإِنْ حَوَّلَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ من مَكَانِهٍ في مَكَان لِلْبَائِعِ مِلْكًا أو غَيْرَهُ كَعَارِيَّةٍ بِإِذْنِهِ في التَّحْوِيلِ لِلْقَبْضِ فَهُوَ قَبْضٌ وَكَأَنَّ الْمُشْتَرِي اسْتَعَارَ ما نَقَلَ إلَيْهِ وَإِلَّا بِأَنْ لم يَأْذَنْ أو أَذِنَ في مُجَرَّدِ التَّحْوِيلِ وكان له حَقُّ الْحَبْسِ فَلَا يَكُونُ قَبْضًا مُجَوِّزًا لِلتَّصَرُّفِ فيه لِأَنَّ يَدَ الْبَائِعِ عليه وَعَلَى ما فيه وَلِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يَعُدُّهُ قَبْضًا بَلْ يَضْمَنُهُ أَيْ يَدْخُلُ في ضَمَانِهِ لِاسْتِيلَائِهِ عليه أَمَّا إذَا نَقَلَهُ إلَى مَكَان لَا يَخْتَصُّ بِالْبَائِعِ كَمَسْجِدٍ وَشَارِعٍ وَمِلْكٍ لِلْمُشْتَرِي فَهُوَ قَبْضٌ
____________________
(2/86)
وَإِنْ لم يَأْذَنْ له الْبَائِعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ له حَقُّ الْحَبْسِ فَلَا بُدَّ من إذْنِهِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي وَلَوْ اشْتَرَى الْأَمْتِعَةَ مع الدَّارِ صَفْقَةً فَلَا بُدَّ في صِحَّةِ قَبْضِهَا من نَقْلِهَا كما لو أُفْرِدَتْ وَقِيلَ لَا تَبَعًا لِقَبْضِ الدَّارِ قال الشَّيْخَانِ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وزاد إنَّهُ لو اشْتَرَى صُبْرَةً ثُمَّ اشْتَرَى مَكَانَهَا قَامَتْ التَّخْلِيَةُ فيه مَقَامَ قَبْضِهَا
ا ه
وَتَابَعَهُ الرُّويَانِيُّ وَنَقَلَهُ الْعُمْرَانِيُّ عن الصَّيْمَرِيِّ لَكِنْ ضَعَّفَهُ الشَّاشِيُّ بِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِمِلْكِ مَوْضِعِ الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ لو اشْتَرَى شيئا في دَارِهِ لَا بُدَّ من نَقْلِهِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ هذه لَا قَبْضَ فيها أَصْلًا وَتِلْكَ فيها قَبْضُ الْعَقَارِ فَاسْتَتْبَعَ قَبْضَ الْمَنْقُولِ لَكِنَّهَا تَشْكُلُ بِشِرَاءِ الْمَنْقُولِ مع الدَّارِ صَفْقَةً وقد يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْحُدُوثَ أَقْوَى من الْمَعْنَى هذا وَلَكِنْ ما قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّمَا قَاسَهُ على ما قَالَهُ في مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ قد يُلَوِّحُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ فَيَكُونُ الْأَصَحُّ خِلَافَ ما قَالَهُ وهو ما فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا يَظْهَرُ حَيْثُ تَرَكَهُ فَرْعٌ لو امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي من الْقَبْضِ أُجْبِرَ أَيْ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عليه وَفَائِدَتُهُ مع أَنَّ الْوَضْعَ بين يَدَيْهِ كَافٍ كما سَيَأْتِي خُرُوجُ الْبَائِعِ عن عُهْدَةِ اسْتِقْرَارِ ضَمَانِ الْيَدِ فَإِنْ أَصَرَّ على الِامْتِنَاعِ نَوَّبَ أَيْ أَنَابَ عنه الْحَاكِمُ من يَقْبِضُهُ عنه كَالْغَائِبِ وَإِنْ وَضَعَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ أو الْمَدْيُونُ الدَّيْنَ بين يَدَيْهِ أَيْ من له الْقَبْضُ بِأَمْرِهِ كَفَى وَكَذَا لو سَكَتَ أو نَهَاهُ كَأَنْ قال لَا تُقْبِضنِيهِ أو قال لَا أُرِيدُهُ وَلَا مَانِعَ من أَخْذِهِ له لِوُجُوبِ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ كما في الْغَصْبِ بِخِلَافِ الْإِيدَاعِ فإنه لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَيَدْخُلُ الْمَوْضُوعُ بهذا الْوَضْعِ أَيْضًا في ضَمَانِهِ حتى لو تَلِفَ تَقَرَّرَ عليه الثَّمَنُ لَا إنْ خَرَجَ مُسْتَحَقًّا فَلَا يَضْمَنُهُ لِأَنَّ هذا الْقَدْرَ لَا يَكْفِي لِضَمَانِ الْغَصْبِ بَلْ لَا بُدَّ فيه من الِاسْتِيلَاءِ قال الْإِمَامُ وَلَوْ كان بين الْعَاقِدَيْنِ مَسَافَةُ التَّخَاطُبِ فَأَتَى بِهِ الْبَائِعُ إلَى أَقَلَّ من نِصْفِهَا لم يَكُنْ قَبْضًا أو إلَى نِصْفِهَا فَوَجْهَانِ أو إلَى أَكْثَرَ من نِصْفِهَا كان قَبْضًا قال وَيَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يَضَعَ الْمَبِيعَ من الْمُشْتَرِي على مَسَافَةٍ تَنَالُهُ يَدُهُ من غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى قِيَامٍ وَانْتِقَالٍ وَلَوْ وَضَعَهُ الْبَائِعُ على يَمِينِهِ أو يَسَارِهِ وَالْمُشْتَرِي تِلْقَاءَ وَجْهِهِ لم يَكُنْ قَبْضًا
ا ه
فَرْعٌ وَإِنْ جَعَلَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ في ظَرْفِ الْمُشْتَرِي امْتِثَالًا لِأَمْرِهِ لم يَكُنْ مُقْبِضًا له إذْ لم يُوجَدْ من الْمُشْتَرِي قَبْضٌ وَلَا ضَامِنًا لِلظَّرْفِ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ في مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِهِ وَيَضْمَنُهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ في السَّلَمِ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ في مِلْكِ نَفْسِهِ وَكَذَا لو اسْتَعَارَهُ الْمُشْتَرِي من الْبَائِعِ لِيَجْعَلَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ فيه كَأَنْ قال له أَعِرْنِي ظَرْفَك وَاجْعَلْ الْمَبِيعَ فيه فَفَعَلَ لم يَصِرْ الْمُشْتَرِي قَابِضًا وَلَا ضَامِنًا لِلظَّرْفِ لِأَنَّهُ لم يَحْصُلْ في يَدِهِ وفي بَعْضِ نُسَخِ الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ هو الْبَائِعُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هذه دَاخِلَةٌ في مَسْأَلَةِ جَعْلِهِ الْمَبِيعَ في ظَرْفِ الْمُشْتَرِي بِأَمْرِهِ وَلَا بُدَّ مع النَّقْلِ لَمَّا بِيعَ مِقْدَارٌ بِكَيْلٍ أو وَزْنٍ أو عَدٍّ أو ذَرْعٍ من الْكَيْلِ أو الْوَزْنِ أو الْعَدِّ أو الذَّرْعِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ من ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حتى يَكْتَالَهُ دَلَّ على أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْقَبْضُ فيه إلَّا بِالْكَيْلِ وَلَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ في بَيْعِ الْجُزَافِ إجْمَاعًا فَتَعَيَّنَ فِيمَا قَدَّرَ بِكَيْلٍ وَقِيسَ بِهِ الْبَقِيَّةُ وَذَلِكَ في نَحْوِ بِعْتُك عَشَرَةَ آصُعٍ أو أَرْطَالٍ من هذه الْعِشْرِينَ صَاعًا أو رَطْلًا كُلَّ صَاعٍ أو رَطْلٍ بِدِرْهَمٍ أو بِعْتُك هذه الْأَغْنَامَ كُلَّ رَأْسٍ بِدِرْهَمٍ أو هذا الثَّوْبَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ الْعِشْرِينَ كان أَوْلَى لِإِيهَامِهِ أَنَّ الْعِلْمَ بِكَمِّيَّةِ ذلك شَرْطٌ وَأَنَّ تَفْرِيقَهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ وَلَيْسَ ذلك صَحِيحًا فَإِنْ قَبَضَهُ جُزَافًا أو وَزْنَ ما اشْتَرَاهُ كَيْلًا أو عَكْسَ أو أخبره الْمَالِكُ بِقَدْرِهِ وَصَدَّقَهُ وَقَبَضَ أَيْ أَخَذَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ له لِاسْتِيلَائِهِ عليه لَا قَابِضٌ له قَبْضًا مُجَوِّزًا لِلتَّصَرُّفِ فيه لِعَدَمِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ وَلَوْ تَلِفَ في يَدِهِ فَفِي انْفِسَاخِ الْعَقْدِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا كَأَصْلِهِ في بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ صَحَّحَ الْمُتَوَلِّي مِنْهُمَا الْمَنْعَ لِتَمَامِ الْقَبْضِ وَحُصُولِ الْمَالِ في يَدِهِ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا بَقِيَ مَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ غَيْرِهِ وهو الْأَوْجَهُ تَصْحِيحُ الِانْفِسَاخِ بِخِلَافِ
____________________
(2/87)
ما لو أَتْلَفَهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ إتْلَافَهُ قَبْضٌ وقد ذَكَرَهُ الْأَصْلُ هُنَا أَيْضًا قال في الْكِفَايَةِ وَيُشْتَرَطُ في الْقَبْضِ كَوْنُ الْمَقْبُوضِ مَرْئِيًّا فَإِنْ لم يَرَهُ قال الْإِمَامُ خَرَّجَهُ بَعْضُهُمْ على التَّقَابُضِ جُزَافًا وَرَأَى هو أَنَّهُ كَالْبَيْعِ وَإِنْ تَنَازَعَا فِيمَنْ يَكِيلُ نَصَبَ الْحَاكِمُ كَيَّالًا أَمِينًا يَتَوَلَّاهُ وَيُقَاسُ بِالْكَيْلِ غَيْرُهُ وفي الْأَصْلِ هُنَا زِيَادَةُ حَذَفَهَا الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهَا مَذْكُورَةٌ مع تَفْصِيلٍ فيها في بَابِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَرْعٌ مُؤْنَةُ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ الْمُفْتَقِرِ إلَيْهِمَا الْقَبْضُ على من أَوْفَى بَائِعًا كان أو مُشْتَرِيًا كَمُؤْنَةِ إحْضَارِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ الْغَائِبَيْنِ إلَى مَحَلِّ الْعَقْدِ أَيْ تِلْكَ الْمَحَلَّةَ وَأَمَّا مُؤْنَةُ نَقْلِهِمَا الْمُفْتَقِرُ إلَيْهِ الْقَبْضُ فَعَلَى الْمُسْتَوْفِي على ما دَلَّ عليه كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي كما نَبَّهَ عليه ابن الرِّفْعَةِ وَهَذَا يَنْفَرِدُ عن الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ اللَّذَيْنِ يَحْصُلُ بِهِمَا الْقَبْضُ بِمَا إذَا لم يَفْتَقِرْ ذلك إلَى كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَكَالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ فِيمَا ذُكِرَ الْعَدُّ والذرع ( ( ( و ) ) ) ومؤنة ( ( ( الذرع ) ) ) النَّقْدِ على الْمُسْتَوْفِي لِأَنَّ الْقَصْدَ منه إظْهَارُ عَيْبٍ إنْ كان لِيَرُدَّ بِهِ وَقَيَّدَهُ الْعُمْرَانِيُّ في كِتَابِ الْإِجَارَةِ بِمَا إذَا كان الثَّمَنُ مُعَيَّنًا فَإِنْ كان في الذِّمَّةِ فَعَلَى الْمُوَفِّي وَاسْتَحْسَنَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ قال وَيَشْهَدُ له ما سَيَأْتِي في اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنَّهُ لو اشْتَرَى عَبْدًا وَجَاءَ بِعَبْدٍ مَعِيبٍ لِيَرُدَّهُ فقال الْبَائِعُ ليس هذا الْمَبِيعُ صَدَقَ بِيَمِينِهِ وفي السَّلَمِ يَصْدُقُ الْمُسْلِمُ وَالْفَرْقُ أَنَّ ما في الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِقَبْضٍ صَحِيحٍ بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ قال وَلَوْ أَخْطَأَ النَّقَّادُ فَظَهَرَ بِمَا نَقَدَهُ غِشٌّ وَتَعَذَّرَ الرُّجُوعُ على الْمُشْتَرِي فَلَا ضَمَانَ عليه كَذَا أَطْلَقَهُ صَاحِبُ الْكَافِي وهو ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كان مُتَبَرِّعًا فَإِنْ كان بِأُجْرَةٍ فَيَضْمَنُ وَلَا أُجْرَةَ له كما لو اسْتَأْجَرَهُ لِلنَّسْخِ فَغَلَطَ في حَالِ الْكِتَابَةِ فإنه لَا أُجْرَةَ له وَيَغْرَمُ أَرْشَ الْوَرَقِ انْتَهَى فَرْعٌ لو قال بَكْرٌ لِغَرِيمِهِ لي على زَيْدٍ طَعَامٌ مِثْلُ طَعَامِك فَاكْتَلْهُ وَاقْبِضْهُ لِنَفْسِك أو اُحْضُرْ مَعِي لِأَكْتَالَهُ وَأَقْبِضَهُ أنا لَك فَفَعَلَ فَسَدَ الْقَبْضُ له لِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبَضِ وَلِلنَّهْيِ عن بَيْعِ الطَّعَامِ حتى يُجْرَى فيه الصَّاعَانِ يَعْنِي صَاعَ الْبَائِعِ وَصَاعَ الْمُشْتَرِي رَوَاهُ ابن مَاجَهْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وقال الْبَيْهَقِيُّ رُوِيَ مَوْصُولًا من أَوْجُهٍ إذَا ضُمَّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ قَوِيَ مع ما ثَبَتَ عن ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَضَمِنَهُ الْقَابِضُ لِاسْتِيلَائِهِ عليه لِغَرَضِهِ وَبَرِئَ زَيْدٌ من حَقِّ بَكْرٍ لِإِذْنِهِ في الْقَبْضِ منه في الْأُولَى وَقَبَضَهُ بِنَفْسِهِ في الثَّانِيَةِ وَلَوْ حَذَفَ الِاكْتِيَالَ وَاقْتَصَرَ على الْقَبْضِ فِيمَا مَرَّ وَفِيمَا يَأْتِي كان أَحْسَنَ وَأَخْصَرَ وَإِنْ قال له اقْبِضْهُ لي ثُمَّ لِنَفْسِك أو أَحْضِرْ مَعِي لِأَقْبِضَهُ لي ثُمَّ لَك فَفَعَلَ صَحَّ الْقَبْضُ الْأَوَّلُ إذْ لَا مَانِعَ دُونَ الثَّانِي لِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبَضِ وَضَمِنَهُ الْقَابِضُ وَبَرِئَ زَيْدٌ من حَقِّ بَكْرٍ
فَإِنْ اكْتَالَهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ قَبَضَهُ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ كَالْأَصْلِ بِالْوَاوِ بَدَلَ الْفَاءِ وَثُمَّ لِأَنَّ ذلك ليس مُفَرَّعًا على قَوْلِ بَكْرٍ لِغَرِيمِهِ وَلَا الْقَبْضُ مُتَرَاخِيًا عن الِاكْتِيَالِ أَيْ وَلَوْ اكْتَالَهُ بَكْرٌ وَقَبَضَهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ كَالَهُ له أَيْ لِغَرِيمِهِ وَأَقْبَضَهُ له صَحَّا أَيْ الْقَبْضَانِ لِعَدَمِ اتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمَقْبُوضِ وَلِجَرَيَانِ الصَّاعَيْنِ فَإِنْ زَادَ أو نَقَصَ حين كَالَهُ ثَانِيًا بِمَا يَتَفَاوَتُ بِالْكَيْلِ أَيْ بِقَدْرٍ يَقَعُ بين الْكَيْلَيْنِ لم يُؤَثِّرْ فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ له وَالنَّقْصُ عليه أو بِمَا لَا يَتَفَاوَتُ بين الْكَيْلَيْنِ فَالْكَيْلُ الْأَوَّلُ غَلَطٌ فَيَسْتَدْرِكُ أَيْ فَيَرُدُّ بَكْرٌ الزِّيَادَةَ وَيَرْجِعُ بِالنَّقْصِ وَكَذَا يَصِحُّ الْقَبْضَانِ لو قَبَضَهُ في الْمِكْيَالِ بِأَنْ لم يُخْرِجْهُ منه وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ فيه أَيْ إلَى غَرِيمِهِ في الْمِكْيَالِ لِأَنَّ اسْتِدَامَتَهُ في الْمِكْيَالِ كَابْتِدَاءِ الْكَيْلِ فَإِنْ قال لِغَرِيمِهِ اشْتَرِ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمَ لي مِثْلَ ما تَسْتَحِقُّهُ عَلَيَّ وَاقْبِضْهُ لي ثُمَّ لِنَفْسِك فَفَعَلَ صَحَّ الشِّرَاءُ وَالْقَبْضُ الْأَوَّلُ فَقَطْ أَيْ دُونَ الثَّانِي لِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبَضِ وَلِامْتِنَاعِ كَوْنِهِ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ في حَقِّ نَفْسِهِ أو قال واقبضه لِنَفْسِك فَفَعَلَ فَسَدَ الْقَبْضُ لِأَنَّ حَقَّ الْإِنْسَانِ لَا يَتَمَكَّنُ غَيْرُهُ من قَبْضِهِ لِنَفْسِهِ وَضَمِنَهُ الْغَرِيمُ لِاسْتِيلَائِهِ عليه وَبَرِئَ الدَّافِعُ من حَقِّ الْمُوَكِّلِ لِإِذْنِهِ في الْقَبْضِ منه أو قال اشْتَرِ بها ذلك لِنَفْسِك فَسَدَتْ الْوَكَالَةُ إذْ كَيْفَ يَشْتَرِي بِمَالِ الْغَيْرِ لِنَفْسِهِ وَالدَّرَاهِمُ أَمَانَةٌ بيده لِأَنَّهُ لم يَقْبِضْهَا لِيَتَمَلَّكَهَا وَلَا يَشْكُلُ ذلك بِمَا في الْوَكَالَةِ من أَنَّهُ لو قال لِغَيْرِهِ اشْتَرِ لي من مَالِكِ كَذَا بِكَذَا صَحَّ شِرَاؤُهُ لِلْمُوَكِّلِ لِأَنَّ الْمَدْفُوعَ ثَمَّ قَرْضٌ بِخِلَافِهِ هُنَا لِأَنَّ الْغَرَضَ إيفَاءُ ما على الْمُوَكِّلِ وَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِهَا بَطَلَ أو في الذِّمَّةِ وَقَعَ عنه وَأَدَّى الثَّمَنَ من مَالِهِ وَلَوْ قال لِغَرِيمِهِ اكْتَلْ حَقَّك من صُبْرَتِي لم يَصِحَّ لِأَنَّ الْكَيْلَ أَحَدُ رُكْنَيْ الْقَبْضِ وقد صَارَ نَائِبًا فيه من جِهَةِ الْبَائِعِ مُتَأَصِّلًا لِنَفْسِهِ فَرْعٌ
____________________
(2/88)
لَا يَجُوزُ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُوَكِّلَ في الْقَبْضِ من يَدُهُ يَدُ الْمُقْبَضِ كَعَبْدِهِ وَلَوْ مَأْذُونًا له في التِّجَارَةِ كما لَا يَجُوزُ له أَنْ يُوَكِّلَ فيه الْمُقْبَضَ بِخِلَافِ ابْنِهِ وَأَبِيهِ وَمُكَاتَبِهِ فَيَجُوزُ له تَوْكِيلُهُمْ في الْقَبْضِ وَإِنْ قال لِغَرِيمِهِ وَكِّلْ من يَقْبِضُ لي مِنْك أو قال لِغَيْرِهِ وَكِّلْ من يَشْتَرِي لي مِنْك فَفَعَلَ صَحَّ وَيَكُونُ وَكِيلًا له في التَّوْكِيلِ في الْقَبْضِ أو الشِّرَاءِ منه وَإِنْ وَكَّلَ الْبَائِعُ رَجُلًا في الْإِقْبَاضِ ثُمَّ وَكَّلَهُ الْمُشْتَرِي في الْقَبْضِ لم يَصِحَّ تَوْلِيَتُهُ لَهُمَا مَعًا لِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبَضِ وكان الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ كَأَصْلِهِ بِالْوَاوِ بَدَلَ ثُمَّ فَرْعٌ لِلْأَبِ وَإِنْ عَلَا إذَا اشْتَرَى له من مَالِ مُوَلِّيهِ أو عَكْسَهُ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْقَبْضِ كَالْبَيْعِ أَيْ كما يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْبَيْعِ كما مَرَّ في بَابِهِ وَيَحْتَاجُ النَّقْلُ أَيْ إلَيْهِ كما يَحْتَاجُ إلَى الْكَيْلِ في الْمَكِيلِ وقد يَتَوَلَّى الشَّخْصُ طَرَفَيْ الْقَبْضِ وَالْإِقْبَاضِ في مَسَائِلِ أُخَرَ تَأْتِي مُفَرَّقَةً في مَحَالِّهَا وقد جَمَعَ الزَّرْكَشِيُّ أَكْثَرَهَا هُنَا في الْخَادِمِ فَرْعٌ قَبْضُ الْجُزْءِ الشَّائِعِ بِقَبْضِ الْجَمِيعِ لِأَنَّهُ الْمَقْدُورُ عليه لَكِنْ إنْ كان له شَرِيكٌ لم يَجُزْ ذلك إلَّا بِإِذْنِهِ وَالزَّائِدُ أَمَانَةٌ بيده بِخِلَافِ الزَّائِدِ في عَشَرَةِ دَنَانِيرَ عَدَدًا أَخَذَهَا الدَّائِنُ مِمَّنْ لَزِمَتْهُ فَوَازَنَتْ أَحَدَ عَشَرَ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ وَيُجَابُ طَالِبُ الْقِسْمَةِ إلَيْهَا قبل الْقَبْضِ لِأَنَّا إنْ جَعَلْنَاهَا إفْرَازًا فَظَاهِرٌ أو بَيْعًا فَالرِّضَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فيها إذْ الشَّرِيكُ يُجْبَرُ عليها وإذا لم يُعْتَبَرْ الرِّضَا جَازَ أَنْ يُعْتَبَرَ الْقَبْضُ كَالشُّفْعَةِ وَيُؤْخَذُ من هذا أَنَّهُ لَا يُجَابُ لِقِسْمَةِ الرَّدِّ لِاعْتِبَارِ الرِّضَا فيها فَصْلٌ لِلْمُشْتَرِي الِاسْتِقْلَالُ بِالْقَبْضِ إنْ سَلَّمَ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ كما تَسْتَقِلُّ الزَّوْجَةُ بِقَبْضِ الصَّدَاقِ إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا أو كان الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا لِرِضَا الْبَائِعِ بِالتَّأْخِيرِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُسَلِّمْهُ الثَّمَنَ وكان حَالًّا فَلَا يَسْتَقِلُّ بِقَبْضِهِ وَإِنْ سَلَّمَ بَعْضَهُ فَإِنْ اسْتَقَلَّ بِهِ حِينَئِذٍ لَزِمَهُ الرَّدُّ إذْ لِلْبَائِعِ حَبْسُهُ إنْ خَافَ فَوْتَ الثَّمَنِ حتى يَقْبِضَهُ كُلَّهُ أو يَقْبِضَ عِوَضَهُ إنْ صَالَحَ عنه على مَالٍ وَلِلْمُشْتَرِي أَيْضًا حَبْسُ الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ لِقَبْضِ الْمَبِيعِ كُلَّهُ إنْ خَافَ فَوْتَهُ فإذا وفي نُسْخَةٍ فَإِنْ امْتَنَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا من التَّسْلِيمِ لِلْآخَرِ حتى يُسَلِّمَ له الْآخَرُ وكان الْعَقْدُ لَازِمًا وَالثَّمَنُ مُعَيَّنًا كَالْمَبِيعِ أُجْبِرَا على التَّسْلِيمِ لِاسْتِوَاءِ الطَّرَفَيْنِ بِأَنْ يَأْمُرَهُمَا الْحَاكِمُ بِتَسْلِيمِ ما عَلَيْهِمَا إلَيْهِ أو إلَى عَدْلٍ لِيُسَلِّمَ هو أو الْعَدْلُ كُلًّا مِنْهُمَا حَقَّهُ كما لو كان لِكُلٍّ عِنْدَ الْآخَرَ وَدِيعَةٌ وَتَنَازَعَا في الْبُدَاءَةِ وَلَا تَضُرُّ الْبُدَاءَةُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ
وَإِنْ كان الثَّمَنُ في الذِّمَّةِ ولم يَخَفْ الْبَائِعُ فَوْتَهُ أُجْبِرَ الْبَائِعُ على التَّسْلِيمِ أَوَّلًا لِرِضَاهُ بِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالذِّمَّةِ وَلِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ في الثَّمَنِ بِالْحَوَالَةِ وَالِاعْتِيَاضِ فَأُجْبِرَ على تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ لِيَتَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فيه وَسَيَأْتِي في الْمُفْلِسِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ إذَا بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ بِوِلَايَةٍ أو وَكَالَةٍ لَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ بَلْ لَا يَجُوزُ له ذلك حتى يَقْبِضَ الثَّمَنَ ثُمَّ إذَا أُجْبِرَ الْبَائِعُ أُجْبِرَ الْمُشْتَرِي على تَسْلِيمِ الثَّمَنِ إنْ حَضَرَ في الْمَجْلِسِ وَإِلَّا فَإِنْ غَابَ مَالُهُ عن الْمَجْلِسِ وكان فِيمَا دُونَ
____________________
(2/89)
مَسَافَةِ الْقَصْرِ حُجِرَ عليه فيه أَيْ في الْمَبِيعِ وفي جَمِيعِ أَمْوَالِهِ وَإِنْ كانت وَافِيَةً بِدُيُونِهِ إلَى أَنْ يُسَلِّمَ الثَّمَنَ لِئَلَّا يَتَصَرَّفَ فيه بِمَا يُبْطِلُ حَقَّ الْبَائِعِ وَهَذَا يُسَمَّى بِالْحَجْرِ الْغَرِيبِ قال السُّبْكِيُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَجْرِ الْفَلَسِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ فيه نَقْصُ مَالِهِ مع الْمَبِيعِ عن الْوَفَاءِ أَنَّ الْمُفْلِسَ سَلَّطَهُ الْبَائِعُ على الْمَبِيعِ بِاخْتِيَارِهِ وَرَضِيَ بِذِمَّتِهِ بِخِلَافِهِ هُنَا كَذَا قَالَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَفِيهِ أَنَّ مَسْأَلَتَنَا مُصَوَّرَةٌ بِمَا إذَا سَلَّمَ بِإِجْبَارِ الْحَاكِمِ حتى لو سَلَّمَ مُتَبَرِّعًا لم يَجُزْ الْفَسْخُ إذَا وَفَّى الْمَبِيعَ بِالثَّمَنِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ وَالرَّافِعِيِّ الْإِطْلَاقُ انْتَهَى هذا إنْ لم يَكُنْ مَحْجُورًا عليه بِفَلَسٍ وَإِلَّا لم يَحْجُرْ عليه أَيْضًا هذا الْحَجْرَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لَكِنَّ الْبَائِعَ في هذه يَرْجِعُ في عَيْنِ مَالِهِ بِشَرْطٍ فَلَا يَكُونُ من هذا الْبَابِ وَأَلْزَمَ الْمُشْتَرِي مع الْحَجْرِ عليه التَّسْلِيمَ لِلثَّمَنِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ
وَهَذَا حَجْرٌ يُخَالِفُ حَجْرَ الْفَلَسِ من حَيْثُ إنَّهُ لَا يَرْجِعُ فيه إلَى الْعَيْنِ أَيْ عَيْنِ الْمَبِيعِ وَلَا يَتَوَقَّفُ على ضِيقِ الْمَالِ عن الْوَفَاءِ وَلَا على سُؤَالِ الْغَرِيمِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ الْحَجْرَ لَا يَنْفَكُّ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ بَلْ لَا بُدَّ من فَكِّ الْقَاضِي كما في حَجْرِ الْفَلَسِ وَوَافَقَهُ عليه جَمَاعَةٌ لَكِنْ جَزَمَ الْبُلْقِينِيُّ كَالْإِمَامِ بِخِلَافِهِ فَإِنْ كان الْمُشْتَرِي مُعْسِرًا بِأَنْ لَا يَكُونَ له مَالٌ غَيْرُ الْمَبِيعِ يُمْكِنُهُ الْوَفَاءُ منه سَوَاءٌ كان الْمَبِيعُ أَكْثَرَ من الثَّمَنِ أَمْ لَا وَحَجَرَ عليه فَسَخَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ وَأَخَذَ الْمَبِيعَ وَكَذَا لو كان مَالُهُ على مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَحَجَرَ عليه لِتَعَذُّرِ تَحْصِيلِ الثَّمَنِ وَلَا يُكَلَّفُ الصَّبْرَ إلَى إحْضَارِهِ لِتَضَرُّرِهِ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ فَإِنْ صَبَرَ فَالْحَجَرُ بَاقٍ بِحَالِهِ وَاخْتِلَافُ الْمُكْرِي وَالْمُسْتَأْجِرِ في الِابْتِدَاءِ بِالتَّسْلِيمِ كَذَلِكَ أَيْ كَاخْتِلَافِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي في ذلك وما قِيلَ من أَنَّ اخْتِلَافَ الْمُسْلِمِ وَالْمُسْلَمَ إلَيْهِ كَذَلِكَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْإِجْبَارَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ اللُّزُومِ كما مَرَّ وَالسَّلَمُ إنَّمَا يَلْزَمُ بَعْدَ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ وَالتَّفَرُّقِ من الْمَجْلِسِ وَلَيْسَ له أَيْ لِلْبَائِعِ الْحَبْسُ بِمُؤَجَّلٍ حَلَّ قبل التَّسْلِيمِ لِرِضَاهُ بِتَأْخِيرِهِ أَوَّلًا وما قِيلَ من أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ على أَنَّ له الْحَبْسَ كما نَقَلَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ عن حِكَايَةِ الْمُزَنِيّ رُدَّ بِأَنَّهُ إنَّمَا هو تَخْرِيجٌ لِلْمُزَنِيِّ كما صَرَّحَ بِهِ أبو الطَّيِّبِ نَفْسُهُ
وَحَكَاهُ عنه الرُّويَانِيُّ ثُمَّ قال وَكَمْ من تَخْرِيجٍ لِلْمُزَنِيِّ رَدَّهُ الْأَئِمَّةُ وَجَعَلُوا الْمَذْهَبَ خِلَافَهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجُمْهُورَ على خِلَافِهِ وَلَا يُطَالِبُ الْمُشْتَرِي بِرَهْنٍ وَلَا كَفِيلٍ وَإِنْ كان غَرِيبًا وَلَا اسْتِرْدَادِهِ أَيْ الْمَبِيعِ إنْ سَلَّمَهُ لِلْمُشْتَرِي مُتَبَرِّعًا وَلَوْ عَارِيَّةً لِسُقُوطِ حَقِّهِ بِالتَّسْلِيمِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالْمُرَادُ من الْعَارِيَّةِ نَقْلُ الْيَدِ كما قالوا في إعَارَةِ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ لِلرَّاهِنِ وَإِلَّا فَكَيْفَ تَصِحُّ الْإِعَارَةُ من غَيْرِ مَالِكٍ وقال غَيْرُهُ صُورَتُهَا أَنْ يُؤَجِّرَ عَيْنًا وَيَبِيعَهَا لِغَيْرِهِ ثُمَّ يَكْتَرِيَهَا من الْمُكْتَرِي وَيُعِيرَهَا لِلْمُشْتَرِي قبل الْقَبْضِ إلَّا إنْ أَوْدَعَهُ له فَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ إذْ ليس له في الْإِيدَاعِ تَسْلِيطٌ بِخِلَافِ الْإِعَارَةِ وَتَلَفُهُ في يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْإِيدَاعِ كَتَلَفِهِ في يَدِ الْبَائِعِ قَالَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ في الشُّفْعَةِ وَلَهُ الِاسْتِرْدَادُ أَيْضًا فِيمَا إذَا خَرَجَ الثَّمَنُ زُيُوفًا ذَكَرَهُ ابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَإِنْ اشْتَرَى بِوَكَالَةِ اثْنَيْنِ شيئا وَوَفَّى نِصْفَ الثَّمَنِ عن أَحَدِهِمَا فَلِلْبَائِعِ الْحَبْسُ حتى يَسْتَوْفِيَ الْكُلَّ بِنَاءً على أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْعَاقِدِ أو بَاعَ لَهُمَا أَيْ مِنْهُمَا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفٌ فَأَعْطَى أَحَدُهُمَا الْبَائِعُ النِّصْفَ من الثَّمَنِ سَلَّمَ إلَيْهِ الْبَائِعُ حِصَّتَهُ من الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ سَلَّمَهُ جَمِيعَ ما عليه وهو مَبْنِيٌّ على أَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي وَهَذِهِ غَيْرُ التي في الْأَصْلِ وَكَأَنَّهُ أَبْدَلَهَا بِهَذِهِ لِأَنَّهُ لَا يَرَى بِمَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ فيها مع أَنَّهُ يُمْكِنُ تَقْرِيرُ كَلَامِهِمْ بها وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ فيها وَلَوْ بَاعَ بِوَكَالَةِ اثْنَيْنِ فإذا أَخَذَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا من الثَّمَنِ
____________________
(2/90)
فَعَلَيْهِ تَسْلِيمُ النِّصْفِ كَذَا ذَكَرَهُ في التَّهْذِيبِ وَفِيهِ كَلَامَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَكَ بين اثْنَيْنِ إذَا بَاعَاهُ فَفِي انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا بِأَخْذِ نَصِيبِهِ من الثَّمَنِ وَجْهَانِ فَكَانَ أَخْذُ الْوَكِيلِ لِأَحَدِهِمَا مَبْنِيًّا على ثُبُوتِ الِانْفِرَادِ لو بَاعَا بِأَنْفُسِهِمَا وَالثَّانِي إنَّا إذَا قُلْنَا أَنَّ الِاعْتِبَارَ في تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ وَاتِّحَادِهَا بِالْعَاقِدِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَسْلِيمُ النِّصْفِ على الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أَخَذَ الْبَائِعُ بَعْضَ الثَّمَنِ هل عليه تَسْلِيمُ قِسْطِهِ من الْمَبِيعِ وَفِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرْنَاهُمَا في تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ نَحْوَهُ قال السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَخْرُجُ من ذلك أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ النِّصْفِ على خِلَافِ ما قَالَهُ في التَّهْذِيبِ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْعَقْدِ وَأَنَّ الْبَائِعَ إذَا أَخَذَ بَعْضَ الثَّمَنِ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ قِسْطِهِ انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ من الْبِنَاءِ على مَسْأَلَةِ الِاتِّحَادِ في التَّصْحِيحِ فَيُمْشَى على ما في التَّهْذِيبِ وَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَثْنَاةً مِمَّا اسْتَشْكَلَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ شِرَائِهِ بِوَكَالَةِ اثْنَيْنِ بِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ على الْمُسْلِمِ فيها بِخِلَافِهِ في تِلْكَ بَابُ التَّوْلِيَةِ أَصْلُهَا تَقْلِيدُ الْعَمَلِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ فِيمَا يَأْتِي وَالْإِشْرَاكُ مَصْدَرُ أَشْرَكَهُ أَيْ صَيَّرَهُ شَرِيكًا من اشْتَرَى شيئا وقال لِعَالِمٍ بِالثَّمَنِ قال الزَّرْكَشِيُّ أو لِجَاهِلٍ بِهِ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ قبل قَبُولِهِ وَلَّيْتُك الْعَقْدَ فَقَبِلَ مَلَكَهُ أَيْ الْمَبِيعَ دُونَ زَوَائِدِهِ الْمُنْفَصِلَةِ كَالْمُشْتَرَى بِغَيْرِ تَوْلِيَةٍ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ جِنْسًا وَقَدْرًا وصفة أو بَعْضَهُ إنْ حُطَّ عنه بِضَمِّ الْحَاءِ الْبَعْضُ الْآخَرُ وَلَوْ قبل لُزُومِ الْبَيْعِ أو بَعْدَ التَّوْلِيَةِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ حَطَّ الْبَائِعِ وَوَارِثِهِ وَوَكِيلِهِ وَعِبَارَةُ الشَّيْخَيْنِ إنْ حَطَّ عنه الْبَائِعُ وَلَعَلَّهُ جَرَى على الْغَالِبِ فَإِنْ حَطَّ عنه الْكُلَّ قبل التَّوْلِيَةِ وَلَوْ بَعْدَ اللُّزُومِ أو بَعْدَهَا وَقَبْلَ لُزُومِهَا لم تَصِحَّ التَّوْلِيَةُ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ بَيْعٌ بِلَا ثَمَنٍ وَقَوْلُ السُّبْكِيّ تَبَعًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ إنْ كان الْحَطُّ بَعْدَ اللُّزُومِ أَيْ لِلْبَيْعِ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ فَتُتَّجَهُ الصِّحَّةُ فيه نَظَرًا لِأَنَّ الْحَطَّ في الْمَعْنَى إبْرَاءٌ بَلْ عَبَّرَ عنه الْمُتَوَلِّي بِهِ ولم يَقُولُوا فيه بِذَلِكَ أو بَعْدَهَا وَبَعْدَ لُزُومِهَا صَحَّتْ وَانْحَطَّ الثَّمَنُ عن الْمُتَوَلِّي لِأَنَّهَا وَإِنْ كانت بَيْعًا جَدِيدًا فَخَاصِّيَّتُهَا التَّنْزِيلُ على ما اسْتَقَرَّ عليه الثَّمَنُ الْأَوَّلُ فَهِيَ في حَقِّ الثَّمَنِ كَالْبِنَاءِ وفي حَقِّ نَقْلِ الْمِلْكِ كَالِابْتِدَاءِ حتى تَتَجَدَّدَ فيه الشُّفْعَةُ كما سَيَأْتِي وَيَلْزَمُ التَّوْلِيَةَ جَمِيعُ أَحْكَامِ الْبَيْعِ لَكِنَّ الْعِلْمَ بِالثَّمَنِ يَكْفِي عن ذِكْرِهِ لِأَنَّ خَاصِّيَّتَهَا الْبِنَاءُ على الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وإذا لَزِمَهَا أَحْكَامُ الْبَيْعِ فَتَتَجَدَّدُ بها الشُّفْعَةُ إذَا كان الْمَبِيعُ شِقْصًا مَشْفُوعًا وَعَفَا الشَّفِيعُ وَقَضِيَّةُ كَوْنِهَا بَيْعًا أَنَّ لِلْمَوْلَى مُطَالَبَةَ الْمُتَوَلِّي بِالثَّمَنِ مُطْلَقًا لَكِنْ قال الْإِمَامُ يَنْقَدِحُ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ حتى يُطَالِبَهُ بَائِعُهُ إذَا قُلْنَا يَلْحَقُهُ الْحَطُّ وَتَوَقَّفَ في أَنَّهُ هل لِلْبَائِعِ مُطَالَبَةُ الْمُتَوَلِّي فَرْعٌ يُشْتَرَطُ في التَّوْلِيَةِ كَوْنُ الثَّمَنِ مِثْلِيًّا لِيَأْخُذَ الْمَوْلَى مِثْلَ ما بَذَلَ فَإِنْ اشْتَرَى وفي نُسْخَةٍ اشْتَرَاهُ بِعَرَضٍ لم يَصِحَّ أَنْ يُوَلِّيَهُ أَيْ الْعَقْدَ إلَّا من انْتَقَلَ الْعَرَضُ إلَيْهِ مِلْكًا فَإِنْ قال الْمُشْتَرِي بِالْعَرَضِ قام عَلَيَّ بِكَذَا وقد وَلَّيْتُك الْعَقْدَ بِمَا قام عَلَيَّ وَذَكَرَ الْقِيمَةَ مع الْعَرَضِ كما سَيَأْتِي في الْمُرَابَحَةِ جَازَ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِعَرَضٍ وقال قام عَلَيَّ بِكَذَا وقد وَلَّيْتُك الْعَقْدَ بِمَا قام عَلَيَّ أو وَلَّتْ الْمَرْأَةُ في صَدَاقِهَا بِلَفْظِ الْقِيَامِ أو الرَّجُلُ في عِوَضِ الْخُلْعِ فَوَجْهَانِ فَلَوْ كَذَبَ الْمَوْلَى في إخْبَارِهِ بِالثَّمَنِ فَكَالْكَذِبِ فيه في الْمُرَابَحَةِ وَهَذَا من حَيْثُ الْفَتْوَى حَاصِلُ قَوْلِ الْأَصْلِ فَقِيلَ كَالْكَذِبِ في الْمُرَابَحَةِ وَقِيلَ يَحُطُّ قَوْلًا وَاحِدًا فَرْعٌ قال ابن الرِّفْعَةِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ في التَّوْلِيَةِ بين كَوْنِ الثَّمَنِ حَالًّا وَكَوْنِهِ مُؤَجَّلًا وَفِيمَا إذَا كان مُؤَجَّلًا وَوَقَعَتْ بَعْدَ الْحُلُولِ نَظَرٌ فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَكُونُ الْأَجَلُ في حَقِّ الثَّانِي من وَقْتِهَا وَأَنْ يُقَالَ يَكُونُ من حِينِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ حَالًّا وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ لِأَنَّ الْأَجَلَ من صِفَاتِ الثَّمَنِ وقد شَرَطُوا الْمِثْلِيَّةَ في الصِّفَةِ انْتَهَى فَصْلٌ وَالِاشْتِرَاكُ هو أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِمَنْ مَرَّ في التَّوْلِيَةِ أَشْرَكْتُك في الْمَبِيعِ وهو بَيْعٌ
____________________
(2/91)
فَتَتَرَتَّبُ عليه أَحْكَامُهُ فَإِنْ صَرَّحَ بِالْمُنَاصَفَةِ أو غَيْرِهَا من الْكُسُورِ كَقَوْلِهِ أَشْرَكْتُك في نِصْفِهِ أو ثُلُثِهِ صَحَّ وَكَذَا لو أَطْلَقَ الْإِشْرَاكَ يَصِحُّ وَيُحْمَلُ عليها أَيْ الْمُنَاصَفَةِ كَالْإِقْرَارِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْعَقْدِ لَكِنْ قال الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَلَا بُدَّ في الْإِشْرَاكِ من ذِكْرِ الْبَيْعِ بِأَنْ يَقُولَ أَشْرَكْتُك في بَيْعِ هذا أو في هذا الْعَقْدِ وَلَا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ أَشْرَكْتُك في هذا وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَأَقَرَّهُ وَعَلَيْهِ أَشْرَكْتُك في هذا كِنَايَةٌ وَقَوْلُهُ أَشْرَكْتُك بِالنِّصْفِ أو مُنَاصَفَةً يَقْتَضِي أَنَّهُ بَاعَهُ النِّصْفَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ أو أَشْرَكْتُك في النِّصْفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ بَاعَهُ الرُّبُعَ بِرُبُعِ الثَّمَنِ نعم إنْ قال أَشْرَكْتُك في نِصْفِهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ تَعَيَّنَ النِّصْفُ كما صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ في نُكَتِهِ لِمُقَابَلَتِهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا بِالرُّبُعِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ لِأَنَّ جُمْلَةَ الْمَبِيعِ مُقَابَلَةٌ بِالثَّمَنِ فَنِصْفُهُ بِنِصْفِهِ بَابُ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ من الرِّبْحِ وهو الزَّائِدُ على رَأْسِ الْمَالِ من اشْتَرَى شيئا وقال لِآخَرَ بَعْدَ عِلْمِهِمَا بِالثَّمَنِ وَعِلْمُهُمَا بِهِ شَرْطٌ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مُوَضِّحَةٌ لِمَا قَبْلَهَا بِعْتُكَهُ بِمَا اشْتَرَيْت أو بِرَأْسِ الْمَالِ أو بِمَا قام عَلَيَّ أَيْ بمثله أو نَحْوِهَا وَرِبْحِ ده يازده أو رِبْحِ دِرْهَمٍ لِكُلِّ عَشَرَةٍ أو في أو على كل عَشَرَةٍ صَحَّ بِلَا كَرَاهَةٍ كما في الْأَصْلِ بِزِيَادَةِ دِرْهَمٍ في كل عَشَرَةٍ لِخَبَرِ فإذا اخْتَلَفَتْ هذه الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ وَلِأَنَّهُ ثَمَنٌ مَعْلُومٌ فَكَانَ كَبِعْتُكَ بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ وَرُوِيَ عن ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كان لَا يَرَى بَأْسًا بده يازده وَدَّهُ دوازده وما رُوِيَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ من أَنَّهُ كان يَنْهَى عن ذلك حُمِلَ على ما إذَا لم يُبَيِّنْ الثَّمَنَ وَدَّهُ بِالْفَارِسِيَّةِ عَشَرَةٌ ويازده أَحَدَ عَشَرَ أَيْ كُلُّ عَشَرَةٍ رِبْحُهَا دِرْهَمٌ وَدَّهُ دوازده كُلُّ عَشَرَةٍ رِبْحُهَا دِرْهَمَانِ وَكَمَا تَصِحُّ الْمُرَابَحَةُ تَصِحُّ الْمُحَاطَّةُ لِذَلِكَ وَيُقَالُ لها الْمُوَاضَعَةُ وَالْمُخَاسَرَةُ فَلَوْ قال لِآخَرَ بَعْدَ عِلْمِهِمَا بِالثَّمَنِ بِعْتُك بِمَا اشْتَرَيْت أو بِرَأْسِ الْمَالِ أو نَحْوِهِمَا بِحَطِّ ده يازده أو بِحَطِّ دِرْهَم لِكُلِّ عَشَرَةٍ أو في أو على كل عَشَرَةٍ انْحَطَّ من كل أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ كما أَنَّ الرِّبْحَ في مُرَابَحَةِ ذلك وَاحِدٌ من أَحَدَ عَشَرَ فَلَوْ اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ فَالثَّمَنُ تِسْعُونَ وَعَشَرَةُ أَجْزَاءٍ من أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا من دِرْهَمٍ أو بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ فَالثَّمَنُ مِائَةٌ فَلَوْ قال بِحَطِّ دِرْهَمٍ من كل عَشَرَةٍ فَالْمَحْطُوطُ الْعَاشِرُ لِأَنَّ من تَقْتَضِي إخْرَاجَ وَاحِدٍ من الْعَشَرَة بِخِلَافِ اللَّامِ وفي
وَعَلَى وَالظَّاهِرُ في نَظِيرِهِ من الْمُرَابَحَةِ الصِّحَّةُ بِلَا رِبْحٍ وَيُحْتَمَلُ عَدَمُهَا إلَّا أَنْ يُرِيدَا بِمِنْ التَّعْلِيلُ فَتَكُونُ كَاللَّامِ وَنَحْوِهَا وَلَهُ أَنْ يَضُمَّ إلَى الثَّمَنِ شيئا ثُمَّ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً كما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ قال اشْتَرَيْت بِمِائَةٍ وقد بِعْتُك بِمِائَتَيْنِ وَرِبْحِ دِرْهَمٍ في كُلٍّ أو لِكُلِّ عَشَرَةٍ كان أَنْسَبَ وقد يُؤْخَذُ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لو قال اشْتَرَيْته بِعَشَرَةٍ مَثَلًا وَبِعْتُكَهُ بِأَحَدِ عَشَرَ ولم يَقُلْ مُرَابَحَةً لَا يَكُونُ عَقْدَ مُرَابَحَةٍ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي قال حتى لو كان كَاذِبًا فَلَا خِيَارَ وَلَا حَطَّ وَبِذَلِكَ جَزَمَ في الْأَنْوَارِ لَكِنْ تَوَقَّفَ فيه الْأَذْرَعِيُّ وَكَالْمُرَابَحَةِ في ذلك الْمُحَاطَّةُ تَنْبِيهٌ قد عُلِمَ من اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِالثَّمَنِ أَنَّهُ لو كان الثَّمَنُ دَرَاهِمَ أو حِنْطَةً مُعَيَّنَةً غير مَعْلُومَةِ الْوَزْنِ أو الْكَيْلِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً وهو ما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ في الدَّرَاهِمِ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ عِلْمِهِمَا الْمُرَادُ بِهِ ما يَشْمَلُ الْعِلْمَ بِالْوَزْنِ وَالْكَيْلِ فَصْلٌ لَا يَدْخُلُ بِقَوْلِهِ بِعْت بِمَا اشْتَرَيْت أو بِرَأْسِ الْمَالِ إلَّا الثَّمَنُ وهو ما اسْتَقَرَّ عليه الْعَقْدُ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ من ذلك فَإِنْ قال بِعْت بِمَا قام عَلَيَّ دخل فيه مع الثَّمَنِ أُجْرَةُ الْكَيَّالِ وَالْجَمَّالِ وَالدَّلَّالِ وَالْقَصَّارِ وَسَائِرِ مُؤَنِ الِاسْتِرْبَاحِ كَأُجْرَةِ الْحَارِسِ وَالرَّفَّاءِ وَالْخَتَّانِ وَالْمُطَيِّنِ وَالصَّبَّاغِ وَقِيمَةِ الصَّبْغِ حتى الْمَكْسِ
____________________
(2/92)
وَأُجْرَةُ بَيْتِ الْمَتَاعِ لِأَنَّهَا من مُؤَنِ التِّجَارَةِ لَا ما اسْتَرْجَعَهُ أَيْ الْمَبِيعُ بِهِ إنْ غَصَبَ أو أَبَقَ وَلَا فِدَاءِ الْجِنَايَةِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَا نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَعَلَفٍ وَسَائِسٍ أَيْ مُؤْنَتُهُ وَلَا سَائِرِ ما يُقْصَدُ بِهِ اسْتِبْقَاءُ الْمِلْكِ دُونَ الِاسْتِرْبَاحِ فَلَا يَدْخُلُ وَتَقَعُ في مُقَابَلَةِ الْفَوَائِدِ الْمُسْتَوْفَاةِ من الْمَبِيعِ وَيَدْخُلُ عَلَفُ التَّسْمِينِ وَأُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَثَمَنُ الدَّوَاءِ لِمَرَضِ يَوْمِ الشِّرَاءِ لَا لِلْمَرَضِ الْحَادِثِ بَعْدَهُ لِمَا مَرَّ وَلَا تَدْخُلُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ بِنَفْسِهِ أو مَمْلُوكِهِ وَبَيْتِهِ وما تَطَوَّعَ بِهِ غَيْرُهُ لِأَنَّ الْعَيْنَ إنَّمَا تُعَدُّ قَائِمَةً عليه بِمَا بَذَلَهُ فَإِنْ أَرَادَهَا لِتَدْخُلَ قال اشْتَرَيْته مَثَلًا بِكَذَا وَعَمِلْت فيه بِكَذَا وَيَذْكُرُ الْأُجْرَةَ ثُمَّ يقول وقد بِعْتُكَهُ بِذَلِكَ وَرِبْحِ كَذَا أو قال بِعْتُكَهُ بِكَذَا وَأُجْرَةِ عَمَلِي أو بَيْتِي أو عَمَلِ الْمُتَطَوِّعِ عَنِّي وَهِيَ كَذَا وَرِبْحُ كَذَا فَصْلٌ وَلْيَصَدَّقْ أَيْ الْبَائِعُ وُجُوبًا في إخْبَارِهِ بِقَدْرِ ما اشْتَرَى بِهِ أو ما قام بِهِ الْمَبِيعُ عليه لِأَنَّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ مَبْنِيٌّ على الْأَمَانَةِ لِاعْتِمَادِ الْمُشْتَرِي نَظَرَ الْبَائِعِ وَاسْتِقْصَاءَهُ وَرِضَاهُ لِنَفْسِهِ ما رَضِيَهُ الْبَائِعُ مع زِيَادَةٍ أو حَطٍّ فَإِنْ اشْتَرَى شيئا بِثَمَنٍ وَبَاعَهُ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ وَخَرَجَ عن مِلْكِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ من الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أو أَكْثَرَ منه أَخْبَرَ بِالْأَخِيرِ مِنْهُمَا وَلَوْ كان في لَفْظِ قام عَلَيَّ لِأَنَّ ذلك مُقْتَضَى اللَّفْظِ فَلَوْ بَانَ الْكَثِيرُ من الثَّمَنِ في بَيْعٍ عن مُوَاطَأَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ كما في الْأَصْلِ تَنْزِيهًا وَقِيلَ تَحْرِيمًا فَلَهُ أَيْ الْمُشْتَرِي الْخِيَارُ قال الزَّرْكَشِيُّ الْقَائِلُ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ لم يَقُلْ بِالْكَرَاهَةِ بِالتَّحْرِيمِ كما أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ وهو الذي يَظْهَرُ لِأَنَّ ما أَثْبَتَ الْخِيَارَ يَجِبُ إظْهَارُهُ كَالْعَيْبِ قال وَعَلَيْهِ فَفِي جَزْمِ النَّوَوِيِّ بِالْكَرَاهَةِ مع تَقْوِيَتِهِ الْقَوْلَ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ نَظَرٌ فَرْعٌ الثَّمَنُ ما اسْتَقَرَّ عليه الْعَقْدُ فَيَلْحَقُهُ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ قبل لُزُومِهِ أَيْ الْعَقْدِ فَإِنْ حَطَّ منه بَعْضَهُ بَعْدَ لُزُومِهِ وَبَاعَ بِلَفْظِ ما اشْتَرَيْت لم يَلْزَمْهُ الْحَطُّ وَلَوْ بَاعَ بِلَفْظِ ما قام عَلَيَّ أو رَأْسِ الْمَالِ أَخْبَرَ بِالْبَاقِي فَإِنْ انْحَطَّ الْكُلُّ لم يَنْعَقِدْ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً بِلَفْظِ قام عَلَيَّ أو رَأْسِ الْمَالِ قال الْمُتَوَلِّي لِأَنَّهُ لم يَقُمْ عليه بِشَيْءٍ وَلَا له فيه رَأْسُ الْمَالِ بَلْ بِاشْتَرَيْتُ وَالْحَطُّ لِلْكُلِّ أو لِلْبَعْضِ بَعْدَ جَرَيَانِ الْمُرَابَحَةِ لم يَلْحَقْ من اشْتَرَى بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في التَّوْلِيَةِ وَالْإِشْرَاكِ قال الْقَاضِي لِأَنَّ ابْتِنَاءَهُمَا على الْعَقْدِ الْأَوَّلِ أَقْوَى من ابْتِدَاءِ الْمُرَابَحَةِ عليه بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ الزِّيَادَةَ بِخِلَافِ الْمُرَابَحَةِ فَرْعٌ ما ذُكِرَ من إلْحَاقِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ في الثَّمَنِ جَارٍ في إلْحَاقِ الْأَجَلِ وَالْخِيَارِ وَزِيَادَةِ الْمَبِيعِ وَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَالْمُسْلَمِ فيه وَنُقْصَانِهَا وَكَذَا في الصَّدَاقِ وَنَحْوِهِ على الْقَوْلِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيهِمَا فَرْعٌ وَيُخْبِرُ الْبَائِعُ وُجُوبًا بِالشِّرَاءِ بِالْعَرَضِ وَقِيمَتُهُ حين الشِّرَاءِ مَعًا إنْ اشْتَرَى بِهِ وَلَا يَقْتَصِرُ على ذِكْرِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ يُشَدِّدُ في الْبَيْعِ بِالْعَرَضِ فَوْقَ ما يُشَدِّدُ فيه بِالنَّقْدِ وَلَا يَخْتَصُّ هذا بِبَيْعِهِ بِلَفْظِ الشِّرَاءِ وَرَأْسِ الْمَالِ كما خَصَّهُ الْمُتَوَلِّي بَلْ يَجْرِي في بَيْعِهِ بِلَفْظِ الْقِيَامِ كما قَالَهُ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ وَرَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَلَيْهِ جَرَى الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ وما ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ بَعْدُ في عَبْدٍ هو أُجْرَةٌ أو عِوَضُ خُلْعٍ أو نِكَاحٍ أو صُولِحَ بِهِ عن دَمٍ مَحْمُولٌ على هذا كما سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَالْمُرَادُ بِالْعَرَضِ هُنَا الْمُتَقَوِّمُ فَالْمِثْلِيُّ يَجُوزُ الْبَيْعُ بِهِ مُرَابَحَةً وَإِنْ لم يُخْبِرْ بِقِيمَتِهِ
____________________
(2/93)
كما جَزَمَ بِهِ السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وقال الْمُتَوَلِّي لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا ويخبر بِالشِّرَاءِ بِالدَّيْنِ الذي كان له على الْبَائِعِ الْمُمَاطِلِ أو الْمُعْسِرِ إنْ اشْتَرَى بِهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ في شِرَائِهِ من الْمُمَاطِلِ أو الْمُعْسِرِ أَنْ يَزِيدَ لِلْخَلَاصِ منه لَا إنْ اشْتَرَى بِهِ وهو أَيْ الْبَائِعُ مَلِيءٌ غَيْرُ مُمَاطِلٍ فَلَا يَجِبُ عليه الْإِخْبَارُ بِذَلِكَ لِعَدَمِ اخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهِ هذا إنْ اشْتَرَاهُ بِدَيْنِهِ الْحَالِّ أَمَّا بِدَيْنِهِ الْمُؤَجَّلِ فَيَجِبُ الْإِخْبَارُ بِهِ كما لو اشْتَرَاهُ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُخْبِرُ بِالْأَجَلِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَبِقَدْرِهِ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهِمَا فَرْعٌ وَإِنْ بَاعَ بِلَفْظِ قام عَلَيَّ أو رَأْسِ الْمَالِ أَحَدَ عَيْنَيْ الصَّفْقَةِ مُرَابَحَةً بِالْقِسْطِ من الثَّمَنِ الْمُوَزَّعِ على الْقِيمَتَيْنِ أَيْ قِيمَتَيْهِمَا يوم الشِّرَاءِ جَازَ بِخِلَافِ ما لو بَاعَ بِلَفْظِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ كَاذِبٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ الْحَالَ وَلَوْ اشْتَرَى عَيْنًا فَبَاعَ بَعْضَهَا مُرَابَحَةً بِقِسْطٍ من الثَّمَنِ جَازَ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فَلَوْ قال اشْتَرَيْت نِصْفَهَا أو قام عَلَيَّ بِمِائَةٍ وَبِعْتُكَهُ بها وكان اشْتَرَاهَا بِمِائَتَيْنِ لم يَجُزْ لِلْكَذِبِ في الْأَوَّلِ وَلِلنَّقْصِ بِالتَّشْقِيصِ في الثَّانِي فَيَلْزَمُهُ الْإِخْبَارُ بِالْأَصْلِ فيقول اشْتَرَيْتهَا أو قَامَتْ عَلَيَّ بِمِائَتَيْنِ وَبِعْتُك نِصْفَهَا بِمِائَةٍ قال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَعَلَى ذلك يُحْمَلُ كَلَامُ الْأَصْلِ نعم يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَثْنِيَ منه ما لو اشْتَرَى مِثْلِيًّا كَقَفِيزِ بُرٍّ وَبَاعَ بَعْضَهُ فَيَصِحُّ بِالْقِسْطِ مُطْلَقًا وَإِنْ لم يُبَيِّنْ الْحَالَ كما هو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْلِ إذْ لَا يَنْقُصُ ذلك بِالتَّشْقِيصِ تَنْبِيهٌ قال الْفَزَارِيّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِتَقْوِيمِهِ لِنَفْسِهِ بَلْ يَرْجِعُ إلَى مُقَوِّمَيْنِ عَدْلَيْنِ وقال ابن الرِّفْعَةِ يَكْتَفِي بِذَلِكَ إنْ كان عَارِفًا وَإِلَّا فَهَلْ يَكْفِي عَدْلٌ أو لَا بُدَّ من عَدْلَيْنِ فيه نَظَرٌ وَالْأَشْبَهُ الْأَوَّلُ قال السُّبْكِيُّ وهو صَحِيحٌ نعم لو جَرَى نِزَاعٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي فيه فَلَا بُدَّ من عَدْلَيْنِ فَرْعٌ وَيُخْبِرُ أَيْضًا بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ عِنْدَهُ بِآفَةٍ أو جِنَايَةٍ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ وَلِأَنَّ الْحَادِثَ يَنْقُصُ بِهِ الْمَبِيعُ عَمَّا كان حين الْبَيْعِ فَإِنْ أَخَذَ أَرْشَ عَيْبٍ لِحُدُوثِ آخَرَ وَبَاعَ بِلَفْظِ قام عَلَيَّ حَطَّ الْأَرْشَ أو بِلَفْظِ ما اشْتَرَيْت ذَكَرَ صُورَةَ الْحَالِ أَيْ ما جَرَى بِهِ الْعَقْدُ مع الْعَيْبِ وَأَخْذَهُ الْأَرْشَ لِأَنَّ الْأَرْشَ الْمَأْخُوذَ جُزْءٌ من الثَّمَنِ وَإِنْ أَخَذَ الْأَرْشَ عن جِنَايَةٍ فَهُوَ ما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ فَلَوْ قُطِعَتْ يَدُ الْعَبْدِ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَنَقَصَ ثَلَاثِينَ أو سِتِّينَ مَثَلًا فَأَخَذَ من الْجَانِي نِصْفَ الْقِيمَةِ خَمْسِينَ فَالْمَحْطُوطُ من الثَّمَنِ الْأَقَلُّ من أَرْشِ النَّقْصِ وَنِصْفُ الْقِيمَةِ إنْ بَاعَ بِلَفْظِ قام عَلَيَّ فَإِنْ كان نَقْصُ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ من الْأَرْشِ الْمُقَدَّرِ حَطَّ ما أَخَذَ من الثَّمَنِ ثُمَّ أَخْبَرَ بِقِيَامِهِ عليه بِالْبَاقِي وَبِنَقْصِ الْقِيمَةِ أَيْ وَبِأَنَّهُ نَقَصَ من قِيمَتِهِ كَذَا وَلَوْ قال أَخْبَرَ مع إخْبَارِهِ بِقِيَامِهِ عليه بِالْبَاقِي وَبِنَقْصِ الْقِيمَةِ كان أَوْلَى لِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِالْأَوَّلِ عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ وَإِنْ بَاعَ بِلَفْظِ ما اشْتَرَيْت ذَكَرَ صُورَةَ الْحَالِ أَيْ الثَّمَنِ وَالْجِنَايَةِ فَرْعٌ وَيُخْبِرُ بِالشِّرَاءِ من ابْنِهِ الطِّفْلِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ في شِرَائِهِ من مُوَلِّيهِ أَنْ يَزِيدَ في الثَّمَنِ نَظَرًا له وَتَحَرُّزًا عن التُّهْمَةِ بِخِلَافِ شِرَائِهِ من أبيه وَابْنِهِ الرَّشِيدِ لَا يَجِبُ الْإِخْبَارُ بِهِ كَالشِّرَاءِ من زَوْجَتِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَكَذَا يُخْبِرُ بِالشِّرَاءِ بِالْغَبْنِ لو غَبَنَ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ لَا بِوَطْءِ الثَّيِّبِ وَأَخْذِ مَهْرٍ لها وَاسْتِعْمَالٍ لَا يُؤَثِّرُ في الْمَبِيعِ وأخذ زِيَادَاتٍ مُنْفَصِلَةٍ حَادِثَةٍ كَلَبَنٍ وَوَلَدٍ وَصُوفٍ وَثَمَرَةٍ لِأَنَّهَا لم تَأْخُذْ قِسْطًا من الثَّمَنِ وَيَحُطُّ منه قِسْطَ ما أَخَذَ من لَبَنٍ وَصُوفٍ وَحَمْلٍ وَثَمَرَةٍ وَنَحْوِهَا إذَا كان مَوْجُودًا حَالَ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ أَخَذَ قِسْطًا من الثَّمَنِ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا فُهِمَ من قَوْلِهِ حَادِثَةٍ فَصْلٌ إذَا بَانَ كَذِبُهُ بِزِيَادَةٍ وَلَوْ غَلَطًا كَأَنْ قال اشْتَرَيْته بِمِائَةٍ وَبَاعَهُ مُرَابَحَةً ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِتِسْعِينَ بِإِقْرَارِهِ أو بِبَيِّنَةٍ سَقَطَتْ الزِّيَادَةُ وَرِبْحُهَا لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِاعْتِبَارِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ كما في الشُّفْعَةِ وَلَا خِيَارَ لَهُمَا أَمَّا الْبَائِعُ فَلِتَدْلِيسِهِ وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّهُ إذَا رضي بِالْأَكْثَرِ فَبِالْأَقَلِّ أَوْلَى سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَبِيعُ بَاقِيًا أَمْ تَالِفًا وَبِمَا ذَكَرَ عُلِمَ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ لِأَنَّ التَّغْرِيرَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ كما لو رَوَّجَ عليه مَعِيبًا وَتَعْبِيرُهُ كَالرَّوْضَةِ بِالسُّقُوطِ أَوْلَى
____________________
(2/94)
من تَعْبِيرِ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ بِالْحَطِّ لِأَنَّا نَتَبَيَّنُ أَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا وَقَعَ بِمَا بَقِيَ لَا أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إنْشَاءِ حَطٍّ بِخِلَافِ اسْتِرْجَاعِ أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ فإنه إنْشَاءُ حَطٍّ من الثَّمَنِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْعَقْدَ إذَا وَرَدَ على مَعِيبٍ فَمُوجِبُ الْعَيْبِ الرَّدُّ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عليه فَكَأَنَّ الْأَرْشَ بَدَلٌ عن الرَّدِّ إذَا تَعَذَّرَ قَالَهُ الْإِمَامُ فَإِنْ لم يُبَيِّنْ الْأَجَلَ وَالْعَيْبَ أو شيئا آخَرَ مِمَّا يَجِبُ ذِكْرُهُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ لِتَدْلِيسِ الْبَائِعِ عليه بِتَرْكِ ما وَجَبَ عليه وَعُلِمَ من كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا سُقُوطَ في غَيْرِ الْكَذِبِ بِالزِّيَادَةِ وهو كَذَلِكَ وَيَنْدَفِعُ ضَرَرُ الْمُشْتَرِي بِثُبُوتِ الْخِيَارِ له وقال الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ بِالسُّقُوطِ حتى لو أَخْبَرَ بِالثَّمَنِ حَالًّا أو تَرَكَ الْإِخْبَارَ بِهِ فَبَاعَ بِهِ حَالًّا فَبَانَ مُؤَجَّلًا قُوِّمَ الْمَبِيعُ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا بِذَلِكَ الْأَجَلِ وَسَقَطَ من الثَّمَنِ بِنِسْبَةِ التَّفَاوُتِ في الْقِيمَةِ فَلَوْ قُوِّمَ حَالًّا بِمِائَةٍ وَمُؤَجَّلًا بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ فَالتَّفَاوُتُ جُزْءٌ من أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا من الْقِيمَةِ فَيَسْقُطُ جُزْءٌ من أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا من الثَّمَنِ فَرْعٌ لو غَلِطَ الْبَائِعُ فَنَقَصَ من الثَّمَنِ كَأَنْ قال اشْتَرَيْته بِمِائَةٍ وَبَاعَهُ مُرَابَحَةً ثُمَّ قال غَلِطْت إنَّمَا اشْتَرَيْته بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ كَعَكْسِهِ وَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ لِعُذْرِهِ بِالْغَلَطِ لَا إلْحَاقُ الزِّيَادَةِ وَضَرَرُهُ يَنْدَفِعُ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ له وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُشْتَرِي نَظَرْت فَإِنْ ذَكَرَ لِغَلَطِهِ وَجْهًا مُحْتَمَلًا كَقَوْلِهِ زَوَّرَ عَنِّي وَكِيلِي عِبَارَةُ الْأَصْلِ اشْتَرَاهُ وَكِيلِي وَأَخْبَرْت أَنَّ الثَّمَنَ مِائَةٌ فَبَانَ خِلَافُهُ أو وَرَدَ عَلَيَّ منه كِتَابٌ فَبَانَ مُزَوَّرًا أو رَاجَعْت جَرِيدَتِي فَغَلِطْت من ثَمَنٍ إلَى ثَمَنٍ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ لِلتَّحْلِيفِ أَيْ لِتَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ ذلك لِأَنَّهُ قد يُقِرُّ عِنْدَ عَرْضِ الْيَمِينِ عليه وَكَذَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِأَزْيَدَ مِمَّا غَلِطَ بِهِ كما سُمِعَتْ دَعْوَاهُ لِلتَّحْلِيفِ وَلِأَنَّ ما ذَكَرَهُ يُحَرِّكُ ظَنَّ صِدْقِهِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يذكر لِغَلَطِهِ وَجْهًا مُحْتَمَلًا فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ لِتَكْذِيبِ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ لَهُمَا وَلَوْ ادَّعَى عِلْمَ الْمُشْتَرِي بِصِدْقِهِ حَلَفَ يَمِينَ نَفْيِ الْعِلْمِ لِمَا مَرَّ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ هو على الْبَتِّ وَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ قال الشَّيْخَانِ كَذَا أَطْلَقُوهُ وَقَضِيَّةُ قَوْلِنَا إنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ أَنْ يَعُودَ فيه ما ذَكَرْنَا حَالَةَ التَّصْدِيقِ أَيْ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي قال في الْأَنْوَارِ وهو الْحَقُّ قال وما ذَكَرَاهُ من إطْلَاقِهِمْ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فإن الْمُتَوَلِّي وَالْإِمَامَ وَالْغَزَالِيَّ أَوْرَدُوا أَنَّهُ كَالتَّصْدِيقِ ولم يَتَعَرَّضْ الْكَثِيرُ لِحُكْمِ الرَّدِّ ولم أَجِدْ ثُبُوتَ الْخِيَارِ إلَّا في الشَّامِلِ تَنْبِيهٌ اقْتَصَرُوا في حَالَةِ النَّقْصِ على الْغَلَطِ وَقِيَاسُ ما مَرَّ في الزِّيَادَةِ ذِكْرُ التَّعَمُّدِ وَلَعَلَّهُمْ تَرَكُوهُ لِأَنَّ جَمِيعَ التَّفَارِيعِ لَا تَأْتِي فيه فَرْعٌ الدَّرَاهِمُ في قَوْلِهِ اشْتَرَيْته بِكَذَا وَبِعْتُكَهُ بِهِ وَرِبْحُ دِرْهَمٍ تَكُونُ من نَقْدِ الْبَلَدِ سَوَاءٌ كان الثَّمَنُ منه أَيْ من نَقْدِ الْبَلَدِ أو لَا قال في الْأَصْلِ مع ذلك قَوْلُهُ في الْمُرَابَحَةِ بِعْتُك بِكَذَا يَقْتَضِي كَوْنَ الرِّبْحِ من جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لَكِنْ يَجُوزُ جَعْلُهُ من غَيْرِ جِنْسِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ مُرَادُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ بِالتَّعْيِينِ أَمَّا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَيُحْمَلُ على الْجِنْسِ من نَقْدِ الْبَلَدِ أَيْ كما في الصُّورَةِ التي اقْتَصَرَ عليها الْمُصَنِّفُ فَصْلٌ لو اتَّهَبَ بِشَرْطِ الثَّوَابِ ذَكَرَهُ وَبَاعَ بِهِ مُرَابَحَةً أو اتَّهَبَهُ بِلَا عِوَضٍ أو مَلَكَهُ بِإِرْثٍ أو وَصِيَّةٍ أو نَحْوِهِمَا ذَكَرَ الْقِيمَةَ وَبَاعَ بها مُرَابَحَةً وَلَا يَبِيعُ بِلَفْظِ الْقِيَامِ وَلَا الشِّرَاءِ وَلَا رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّ ذلك كَذِبٌ وَلَهُ أَنْ يَقُولَ في عَبْدٍ هو أُجْرَةٌ أو عِوَضُ خُلْعٍ أو نِكَاحٍ أو صَالَحَ بِهِ عن دَمٍ قام عَلَيَّ بِكَذَا أو يَذْكُرَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ في الْإِجَارَةِ وَمَهْرِهِ في الْخُلْعِ وَالنِّكَاحِ وَالدِّيَةِ في الصُّلْحِ بِأَنْ يَقُولَ قام عَلَيَّ بِمِائَةٍ هِيَ أُجْرَةُ مِثْلِ دَارٍ مَثَلًا أو مَهْرُ مِثْلِ امْرَأَةٍ أو صُلْحٌ عن دِيَةٍ وَبِعْتُكَهُ بها وَلَا يقول اشْتَرَيْت وَلَا رَأْسِ الْمَالِ كَذَا لِأَنَّهُ كَذِبٌ بَابٌ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ التَّرْجَمَةُ بِهِ من زِيَادَتِهِ قال النَّوَوِيُّ في تَحْرِيرِهِ الْأُصُولُ الشَّجَرُ وَالْأَرْضُ وَالثِّمَارُ جَمْعُ ثَمَرٍ وهو جَمْعُ ثَمَرَةٍ وَيَأْتِي
____________________
(2/95)
مع ذلك غَيْرُهُ اللَّفْظُ الْمُتَنَاوِلُ غَيْرَهُ في عَقْدِ الْبَيْعِ سِتَّةٌ الْأَوَّلُ الْأَرْضُ وَمِثْلُهَا الْبُقْعَةُ وَالسَّاحَةُ وَالْعَرْصَةُ فَإِنْ بَاعَهَا أو رَهَنَهَا بِمَا فيها من أَشْجَارٍ وَأَبْنِيَةٍ دَخَلَتْ في الْعَقْدِ وَلَوْ بِقَوْلِهِ بِعْتُك أو رَهَنْتُك الْأَرْضَ بِمَا فيها أو عليها أو بها أو بِحُقُوقِهَا وَإِنْ اسْتَثْنَاهَا كَبِعَّتِك أو رَهَنْتُك الْأَرْضَ دُونَ ما فيها خَرَجَتْ أَيْ لم تَدْخُلْ في الْعَقْدِ وَإِنْ أَطْلَقَ كَبِعْتُكَ أو رَهَنْتُك الْأَرْضَ دَخَلَتْ في الْبَيْعِ لِأَنَّهَا لِلثَّبَاتِ وَالدَّوَامِ في الْأَرْضِ فَأَشْبَهَتْ جُزْأَهَا فَتَتَبَّعَهَا كما في الشُّفْعَةِ وَيُؤْخَذُ منه تَقْيِيدُ الْأَشْجَارِ بِالرَّطْبَةِ فَتَخْرُجُ الْيَابِسَةُ وقد صَرَّحَ بِهِ ابن الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ تَفَقُّهًا وهو قِيَاسُ ما يَأْتِي من أَنَّ الشَّجَرَ لَا يَتَنَاوَلُ غُصْنَهُ الْيَابِسَ وَلَا يَشْكُلُ بِتَنَاوُلِ الدَّارِ ما أُثْبِتَ فيها من وَتَدٍ وَنَحْوِهِ كما سَيَأْتِي لِأَنَّ ذلك أَثْبَتُ فيها لِلِانْتِفَاعِ بِهِ مُثَبَّتًا فَصَارَ كَجُزْئِهَا بِخِلَافِ الشَّجَرَةِ الْيَابِسَةِ نعم إنْ عُرِّشَ عليها عَرِيشٌ لِعِنَبٍ وَنَحْوِهِ أو جُعِلَتْ دِعَامَةً لِجِدَارٍ أو غَيْرِهِ صَارَتْ كَالْوَتَدِ فَتَدْخُلُ في الْبَيْعِ لَا في الرَّهْنِ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَوِيٌّ يَنْقُلُ الْمِلْكَ فَيَسْتَتْبِعُ بِخِلَافِ الرَّهْنِ وَمِنْ ثَمَّ كان الْوَقْفُ وَالْهِبَةُ كَالْبَيْعِ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَصَرَّحَ بِهِ في الثَّانِي الدَّارِمِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا وفي مَعْنَى ذلك الصَّدَقَةُ وَالْوَصِيَّةُ وَنَحْوُهُمَا وَالْعَارِيَّةُ كَالرَّهْنِ وَكَذَا الْإِقْرَارُ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ في بَابِهِ وَلَا يَدْخُلُ في بَيْعِ الْأَرْضِ مَسِيلُ الْمَاءِ وَشِرْبُهَا بِكَسْرِ الشِّينِ أَيْ نَصِيبُهَا من الْقَنَاةِ وَالنَّهْرِ الْمَمْلُوكَيْنِ حتى يَشْرِطَهُ كَأَنْ يَقُولَ بِحُقُوقِهَا وَالْمُرَادُ الْخَارِجُ من ذلك عن الْأَرْضِ أَمَّا الدَّاخِلُ فيها فَلَا رَيْبَ في دُخُولِهِ نَبَّهَ عليه السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَهَذَا بِخِلَافِ ما لو اكْتَرَاهَا لِزَرْعٍ أو غِرَاسٍ فإن ذلك يَدْخُلُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَحْصُلُ بِدُونِهِ فَصْلٌ لَا يَدْخُلُ في بَيْعِ الْأَرْضِ من الزَّرْعِ ما يُؤْخَذُ دَفْعُهُ كَزَرْعٍ يُوهِمُ أَنَّ ما بَعْدَهُ ليس بِزَرْعٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَبُرٍّ وَشَعِيرٍ وَنَحْوِهِ من الْفُجْلِ وَالْجَزَرِ وَقُطْنِ خُرَاسَانَ وَالثُّومِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ قال بِحُقُوقِهَا لِأَنَّهُ ليس لِلدَّوَامِ فَأَشْبَهَ مَنْقُولَاتِ الدَّارِ وَلَهُ أَيْ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ جَهِلَ أَزْدِرَاعَهَا بِأَنْ رَآهَا قَبْلَهُ قال الْأَذْرَعِيُّ أو لم يَشْتَرِهَا الزَّرْعَ لِتَأَخُّرِ انْتِفَاعِهِ نعم إنْ تَرَكَهُ له الْبَائِعُ أو قَصُرَ زَمَنُ التَّفْرِيغِ سَقَطَ خِيَارُهُ كما يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي في الْبَذْرِ أَمَّا الْعَالِمُ بِذَلِكَ فَلَا خِيَارَ له لِتَقْصِيرِهِ نعم إنْ ظَهَرَ أَمْرٌ يَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْحَصَادِ عن وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ فَلَهُ الْخِيَارُ كما قَالَهُ ابن الرِّفْعَةِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ بَيْعَ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ صَحِيحٌ كَبَيْعِ دَارٍ مَشْحُونَةٍ بِأَمْتِعَةٍ وَيَصِحُّ قَبْضُهَا مَزْرُوعَةً فَتَدْخُلُ في ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ قَبْضِ الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ لِتَعَذُّرِ التَّفْرِيغِ هُنَا بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَيَتْرُكُ الزَّرْعَ إلَى أَوَّلِ إمْكَانِ الْحَصَادِ دُونَ نِهَايَتِهِ بِلَا أُجْرَةٍ
____________________
(2/96)
على الْبَائِعِ لِمُدَّةِ بَقَائِهِ كما في بَيْعِ الدَّارِ الْمَشْحُونَةِ بِالْأَمْتِعَةِ وَلِأَنَّ الْبَائِعَ زَرَعَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَلَا يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ قبل أَوَانِهِ وَعَلَيْهِ بَعْدَ الْقَلْعِ تَسْوِيَةُ حُفَرِ الْأَرْضِ الْحَاصِلَةِ بِهِ وَقَلْعُ عُرُوقٍ مُضِرَّةٍ بها كَالذُّرَةِ وَالْقُطْنِ تَشْبِيهًا بِمَا إذَا كان في الدَّار أَمْتِعَةٌ لَا يَتَّسِعُ لها بَابُ الدَّارِ فإنه يُنْقَضُ وَعَلَى الْبَائِعِ ضَمَانُهُ تَنْبِيهٌ عَدَّ الشَّيْخَانِ مِمَّا يُؤْخَذُ دَفْعَةً السِّلْقَ بِكَسْرِ السِّينِ وَاعْتَرَضَهُمَا جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ مِمَّا يُجَزُّ مِرَارًا وَأَجَابَ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّهُ نَوْعَانِ نَوْعٌ يُؤْخَذُ دَفْعَةً وهو ما أَرَادَهُ الشَّيْخَانِ وَنَوْعٌ مِمَّا يُجَزُّ مِرَارًا وهو الْمَعْرُوفُ بِمِصْرَ وَأَكْثَرِ بِلَادِ الشَّامِ فَصْلٌ وما يَتَكَرَّرُ ثَمَرُهُ بِأَنْ يُؤْخَذَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى في سَنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ بَلْ أو أَقَلَّ كما قَالَهُ جَمَاعَةٌ منهم الرُّويَانِيُّ وَنَقَلَهُ عن نَصِّ الْأُمِّ وقال الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ كَالْقُطْنِ الْحِجَازِيِّ وَالنِّرْجِسِ وَالْبَنَفْسَجِ أو يُجَزُّ مِرَارًا كَالْكُرَّاثِ وَالنَّعْنَاعِ وَالْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ وَالْقَتِّ بِالْقَافِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ وهو ما يُقْطَعُ لِلدَّوَابِّ يُسَمَّى الْقُرْطَ وَالرَّطْبَةَ وَالْقَضْبَ بِإِسْكَانِ الْمُعْجَمَةِ فَالْأُصُولُ منه كَالشَّجَرِ فَتَدْخُلُ في بَيْعِ الْأَرْضِ وَالثَّمَرَةُ الظَّاهِرَةُ لِلْبَائِعِ فَلَا تَدْخُلُ فيه بِخِلَافِ الْكَامِنَةِ لِكَوْنِهَا كَجُزْءٍ من الشَّجَرِ فَدَخَلَتْ مَعَهَا في بَيْعِ الْأَرْضِ وَكَذَا الْجِزَّةُ بِكَسْرِ الْجِيمِ الْمَوْجُودَةُ عِنْدَ بَيْعِ الْأَرْضِ الْمُشْتَمِلَةِ على ما يُجَزُّ مِرَارًا لِلْبَائِعِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَوْجُودَةِ وَيُشْتَرَطُ وُجُوبًا على الْبَائِعِ قَطْعُهَا وَإِنْ لم تَبْلُغْ أَوَانَ الْجَزِّ لِئَلَّا تَزِيدَ فَيَشْتَبِهَ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ وزاد هُنَا قَوْلَهُ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ أَيْ التي لَا يَغْلِبُ اخْتِلَاطُهَا فَلَا يُشْتَرَطُ فيها ذلك أَمَّا غَيْرُهَا فَكَالْجِزَّةِ كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ وما ذُكِرَ من اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ هو ما جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ كَالْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ وَاعْتِبَارُ كَثِيرِ وُجُوبِ الْقَطْعِ من غَيْرِ اعْتِبَارِ شَرْطِهِ مَحْمُولٌ على ذلك بِقَرِينَةِ كَلَامِهِمْ الْآتِي آخِرَ الْبَابِ قال في التَّتِمَّةِ إلَّا الْقَصَبَ أَيْ الْفَارِسِيَّ كما صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَالرُّويَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ فَلَا يُكَلَّفُ قَطْعُهُ حتى يَنْفَعَ أَيْ يَكُونَ قَدْرًا يُنْتَفَعُ بِهِ وَشَجَرُ الْخِلَافِ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ كَالْقَصَبِ في ذلك قال السُّبْكِيُّ وفي الِاسْتِثْنَاءِ نَظَرٌ وَالْوَجْهُ التَّسْوِيَةُ إمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ الِانْتِفَاعُ في الْكُلِّ أو لَا يُعْتَبَرُ في الْكُلِّ وهو الْأَقْرَبُ بِخِلَافِ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قبل بُدُوِّ الصَّلَاحِ لِأَنَّهَا مَبِيعَةٌ بِخِلَافِ ما هُنَا قال الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ما ظَهَرَ وَإِنْ لم يَكُنْ مَبِيعًا يَصِيرُ كما لو بَاعَ ذِرَاعًا من ثَوْبٍ يَنْقُصُ بِقَطْعِهِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ ا ه وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْقَبْضَ هُنَا مُتَأَتٍّ بِالتَّخْلِيَةِ وَهُنَاكَ مُتَعَذِّرٌ شَرْعًا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالنَّقْلِ وهو مُتَوَقِّفٌ على الْقَطْعِ الْمُفْضِي إلَى النَّقْصِ نعم يُجَابُ عن كَلَامِ السُّبْكِيّ بِأَنَّ تَكْلِيفَ الْبَائِعِ قَطْعَ ما اسْتَثْنَى يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ من الْوَجْهِ الذي يُرَادُ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَلَا بُعْدَ في تَأْخِيرِ وُجُوبِ الْقَطْعِ حَالًّا لِمَعْنًى بَلْ قد عُهِدَ تَخَلُّفُهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَذَلِكَ في بَيْعِ الثَّمَرَةِ من مَالِكِ الشَّجَرَةِ كما سَيَأْتِي بَيَانُهُ فَرْعٌ لِلْبَذْرِ الْكَامِنِ في الْأَرْضِ حُكْمُ نَابِتِهِ فِيمَا مَرَّ فَيَدْخُلُ في بَيْعِهَا بَذْرُ النَّخْلِ وَالْقَضْبِ بِمُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ أو بِمُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَدُومُ كَنَوَى الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَبِزْرِ الْكُرَّاثِ وَالنَّعْنَاعِ لَا بَذْرَ ما يُؤْخَذُ دَفْعَةً كَبُرٍّ وَشَعِيرٍ بَلْ يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي إنْ جَهِلَ الْبَذْرَ وَيُتْرَكُ بَعْدَ الِاخْتِيَارِ إلَى الْحَصَادِ بِلَا أُجْرَةٍ مِثْلَ ما مَرَّ إلَّا أَنْ تَرَكَهُ له
____________________
(2/97)
الْبَائِعُ أو قَالَهُ أَنَّهُ أَفْرَغَ الْأَرْضَ وقصر زَمَنُ التَّفْرِيغِ بِحَيْثُ لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ فَلَا خِيَارَ له لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ في الْأُولَى وَتَدَارُكِهِ حَالًا في الثَّانِيَةِ كما لو اشْتَرَى دَارًا ثُمَّ رَأَى في سَقْفِهَا خَلَلًا يَسِيرًا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ في الْحَالِ أو كانت مُنْسَدَّةَ الْبَالُوعَةِ فقال الْبَائِعُ أنا أُصْلِحُهُ أَيْ السَّقْفَ وَأُنَقِّيهَا أَيْ الْبَالُوعَةَ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَيَلْزَمُهُ الْقَبُولُ في مَسْأَلَةِ التَّرْكِ وَلَا نَظَرَ لِلْمِنَّةِ وَيُفَارِقُ ما لو قال الْغُرَمَاءُ لَا تُفْسَخُ وَنُقَدِّمُك بِالثَّمَنِ بِأَنَّ الْمِنَّةَ ثَمَّ من أَجْنَبِيٍّ عن الْعَقْدِ فَلَا تُحْتَمَلُ وَبِأَنَّهُ رُبَّمَا يَظْهَرُ غَرِيمٌ آخَرُ فَيُزَاحِمُ الْبَائِعَ فِيمَا أَخَذَهُ فَيَتَضَرَّرُ بِخِلَافِهِمَا هُنَا فَصْلٌ وَتَدْخُلُ الْحِجَارَةُ الْمَخْلُوقَةُ وَالْمُثَبَّتَةُ في الْأَرْضِ في بَيْعِهَا لِأَنَّهَا من أَجْزَائِهَا وقد تَكُونُ عَيْبًا بِالْأَرْضِ فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ إنْ أَضَرَّتْ بِالْغَرْسِ وَالزَّرْعِ إنْ اُشْتُرِيَتْ أَيْ الْأَرْضُ لِذَلِكَ التَّصْرِيحُ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ هُنَا من زِيَادَتِهِ وقد ذَكَرَهُ مع شَرْطِهِ من جَهِلَ الْمُشْتَرِي بَعْدُ مع أَنَّهُ غَيَّرَ هُنَا عِبَارَةَ الْأَصْلِ بِمَا يُفَوِّتُ الْغَرَضَ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ فَإِنْ كانت تَضُرُّ بِالزَّرْعِ وَالْغَرْسِ فَهُوَ عَيْبٌ إنْ كانت الْأَرْضُ تُقْصَدُ لِذَلِكَ وَلَا تَدْخُلُ الْحِجَارَةُ الْمَدْفُونَةُ فيها في بَيْعِهَا كَالْأَقْمِشَةِ وَالْكُنُوزِ وَلِلْمُشْتَرِي الْمُطَالَبَةُ بِقَلْعِهَا وفي نُسْخَةٍ بِنَقْلِهَا تَفْرِيغًا لِمِلْكِهِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ فإنه له أَمَدًا يَنْتَظِرُ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ هُنَا وهو مَعْلُومٌ مِمَّا يَأْتِي ثُمَّ إنْ كان عَالِمًا بها فَلَا خِيَارَ له وَإِنْ ضَرَّ قَلْعُهَا نعم إنْ جَهِلَ ضَرَرَهَا وكان لَا يَزُولُ بِالْقَلْعِ أو تَتَعَطَّلُ بِهِ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ فَلَهُ الْخِيَارُ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي قال ابن الرِّفْعَةِ وهو الذي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يَشْهَدُ له نَبَّهَ عليه الزَّرْكَشِيُّ لَكِنْ يُجْبَرُ الْبَائِعُ على تَفْرِيغِ مِلْكِهِ وَلِلْبَائِعِ التَّفْرِيغُ أَيْضًا بِغَيْرِ رِضَا الْمُشْتَرِي وَلَوْ سَمَحَ له بها لم يَلْزَمْهُ الْقَبُولُ
وعلى تَسْوِيَةِ حُفَرِ الْأَرْضِ الْحَاصِلَةِ بِالْقَلْعِ وَهِيَ كما في الْمَطْلَبِ أَنْ يُعِيدَ التُّرَابَ الْمُزَالَ بِالْقَلْعِ من فَوْقِ الْحِجَارَةِ مَكَانَهُ أَيْ وَإِنْ لم تَسْتَوِ وَلَا أُجْرَةَ لِلْمُشْتَرِي مُدَّةَ الْقَلْعِ وَالتَّفْرِيغِ وَإِنْ طَالَتْ وَلَوْ كان ذلك بَعْدَ الْقَبْضِ لِعِلْمِهِ بِالْحَالِ فَجَعَلَ زَمَنَ قَلْعِهَا مُسْتَثْنًى وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا أَرْشَ له أَيْضًا لِذَلِكَ كما لو اشْتَرَى دَارًا فيها أَقْمِشَةٌ يَعْلَمُهَا فَلَا أُجْرَةَ له مُدَّةَ نَقْلِهَا وَإِنْ طَالَتْ وَإِنْ كان جَاهِلًا وَالْحِجَارَةُ لَا تَضُرُّ الْمُشْتَرِي تَرْكًا وَلَا نَقْلًا بِأَنْ قَصُرَ زَمَنُ الْقَلْعِ وَالتَّسْوِيَةِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ له أُجْرَةٌ ولم تَنْقُصْ الْأَرْضُ بها فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ وَكَذَا لو ضَرَّ تَرْكُهَا وَقَصُرَ زَمَنُ الْقَلْعِ كما يُؤْخَذُ من كَلَامِهِ على الْبَذْرِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا وَلِلْبَائِعِ النَّقْلُ وَإِنْ لم يَأْذَنْ فيه الْمُشْتَرِي وَعَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ وَلِلْمُشْتَرِي إجْبَارُهُ عليه وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ وله عليه أُجْرَةُ مِثْلِ مُدَّةِ النَّقْلِ إنْ كان بَعْدَ الْقَبْضِ سَهْوٌ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لم تَمْضِ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ وَلَهُ الْخِيَارُ إنْ كان الْقَلْعُ يَضُرُّهَا ذَكَّرَ الضَّمِيرَ من زِيَادَتِهِ وَالْأَوْلَى حَذْفُهُ أو تَذْكِيرُهُ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّ له الْخِيَارَ إنْ ضَرَّهُ الْقَلْعُ سَوَاءٌ أَضَرَّ الْأَرْضَ بِأَنْ نَقَصَ قِيمَتَهَا أَمْ لَا بِأَنْ مَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ فَإِنْ أَجَازَ فَلَهُ الْأُجْرَةُ وَالْأَرْشُ إنْ كان النَّقْلُ بَعْدَ الْقَبْضِ كما سَيَأْتِي وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ أنا أَغْرَمُ لَك الْأُجْرَةَ وَالْأَرْشَ لِلْمِنَّةِ
فَلَوْ تَرَكَ له الْحِجَارَةَ وَتَرْكُهَا لَا يَضُرُّ الْمُشْتَرِي سَقَطَ خِيَارُهُ وَإِنْ كان في ذلك مِنَّةٌ وَتُفَارِقُ ما قَبْلَهَا بِأَنَّ الْمِنَّةَ فيها حَصَلَتْ بِمَا هو مُتَّصِلٌ بِالْبَيْعِ يُشْبِهُ جُزْأَهُ بِخِلَافِهَا في تِلْكَ فَإِنْ ضَرَّ تَرْكُهَا فَسَيَأْتِي وَهَذَا التَّرْكُ إعْرَاضٌ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ لَا تَمْلِيكٌ لِلْمُشْتَرِي فَلَهُ أَيْ لِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فيه أَيْ فِيمَا تَرَكَهُ من الْأَحْجَارِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ فيها وَيَعُودُ بِرُجُوعِهِ فيها خِيَارُ الْمُشْتَرِي فَلَوْ وَهَبَهَا له بِشُرُوطِ الْهِبَةِ حَصَلَ الْمِلْكُ فيها لِلْمُشْتَرِي وَلَا رُجُوعَ لِلْبَائِعِ أو بِغَيْرِ شُرُوطِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إعْرَاضٌ كَالتَّرْكِ بِنَاءً على أَنَّهُ إذَا بَطَلَ الْخُصُوصُ بَقِيَ الْعُمُومُ وَالتَّصْرِيحُ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ من زِيَادَتِهِ وهو سَاقِطٌ من بَعْضِ النُّسَخِ وَإِنْ كان التَّرْكُ وَالْقَلْعُ مُضِرَّيْنِ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ سَوَاءٌ جَهِلَ الْأَحْجَارَ أو الْأَوْلَى أَمْ ضَرَرَهَا في
____________________
(2/98)
الشِّقِّ الثَّانِي الْمُقْتَضِي لِعِلْمِهِ بِالْأَحْجَارِ تَسَمُّحٌ وَإِنْ كان الْحُكْمُ صَحِيحًا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كان جَاهِلًا بها وَشَمِلَ كَلَامُهُ فيه ما لو جَهِلَ ضَرَرَ قَلْعِهَا دُونَ ضَرَرِ تَرْكِهَا وَعَكْسَهُ وَعِبَارَةُ الشَّيْخَيْنِ مُخْرِجَةٌ لِلْعَكْسِ فَإِنَّهُمَا قَيَّدَا بِضَرَرِ الْقَلْعِ وَاسْتَدْرَكَهُ النَّشَائِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ عَلَيْهِمَا بِأَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِمَا عَدَمُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ فيه وَمُقْتَضَى كَلَامِ غَيْرِهِمَا ثُبُوتُهُ لِأَنَّهُ قد يَطْمَعُ في أَنَّ الْبَائِعَ يَتْرُكُهَا له فَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ التَّقْيِيدَ لِيُوَافِقَ كَلَامَ غَيْرِهِمَا وَالْأَوْجَهُ ما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمَا إذْ لَا يَصْلُحُ طَمَعُهُ في تَرْكِهَا عِلَّةً لِثُبُوتِ الْخِيَارِ وَلَا يُقَاسُ ثُبُوتُهُ على ثُبُوتِهِ فِيمَا ضَرَّ تَرْكُهَا دُونَ قَلْعِهَا كما مَرَّ لِأَنَّهُ ثَمَّ جَاهِلٌ بها وَهُنَا عَالِمٌ بها
وَلَوْ قال الْبَائِعُ لَا تَفْسَخْ وَأَغْرَمُ لَك أُجْرَةَ مِثْلِ مُدَّةِ النَّقْلِ لم يَسْقُطْ خِيَارُهُ كما لو قال الْبَائِعُ لَا تَفْسَخْ بِالْعَيْبِ لِأَغْرَمَ لَك الْأَرْشَ وَكَذَا لو تَرَكَ له الْأَحْجَارَ لِأَنَّ بَقَاءَهَا مُضِرٌّ كما شَمِلَهُ صَدْرُ كَلَامِهِ وَأَفْهَمَهُ قَوْلُهُ فِيمَا مَرَّ وَتَرْكُهَا لَا يَضُرُّ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا فَإِنْ أَجَازَ الْمُشْتَرِي حَيْثُ ثَبَتَ له الْخِيَارُ لَزِمَ الْبَائِعُ التَّفْرِيغَ وَالتَّسْوِيَةَ سَوَاءٌ أَفْرَغَ قبل الْقَبْضِ أَمْ بَعْدَهُ ولزمه أُجْرَةُ مِثْلِ مُدَّةِ النَّقْلِ أَيْ التَّفْرِيغِ وَأَرْشُ عَيْبٍ إنْ كان أَيْ وُجِدَ بَعْدَ التَّسْوِيَةِ وكان ذلك بَعْدَ الْقَبْضِ لِتَفْوِيتِهِ مَنْفَعَةَ تِلْكَ الْمُدَّةِ لَا قَبْلَهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ حِينَئِذٍ كَالْآفَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُدَّةَ تَفْرِيغِ الْأَرْضِ من الزَّرْعِ كَمُدَّةِ تَفْرِيغِهَا من الْحِجَارَةِ في وُجُوبِ الْأُجْرَةِ وَإِنْ لم يَجِبْ لِمُدَّةِ بَقَائِهِ كما مَرَّ هذا كُلُّهُ إذَا كانت الْأَرْضُ بَيْضَاءَ أو كان فيها غِرَاسٌ عِنْدَ الْبَيْعِ وَبِيعَ مَعَهَا فَإِنْ أَحْدَثَ فيها الْمُشْتَرِي غَرْسًا وهو جَاهِلٌ بِالْأَحْجَارِ ثُمَّ عَلِمَ بها فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْقَلْعِ تَفْرِيغًا لِمِلْكِهِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ مع أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِحَالَةِ الْجَهْلِ وَيَضْمَنُ الْبَائِعُ نَقْصًا حَدَثَ بِهِ أَيْ بِالْقَلْعِ في الْغِرَاسِ وَلَا خِيَارَ له أَيْ لِلْمُشْتَرِي إنْ اخْتَصَّ النَّقْصُ الْمَذْكُورُ بِالْغِرَاسِ لِأَنَّ الضَّرَرَ رَاجِعٌ إلَى غَيْرِ الْمَبِيعِ وَلِأَنَّ الْغِرَاسَ عَيْبٌ في الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ وقد حَدَثَ عِنْدَهُ فَإِنْ نَقَصَتْ الْأَرْضُ أَيْضًا بِالْأَحْجَارِ فَلَهُ الْقَلْعُ لِلْغِرَاسِ
وَالْفَسْخُ إنْ لم يَحْصُلْ بِالْغَرْسِ وَقَلْعُهُ أَيْ الْمَغْرُوسِ نَقْصٌ في الْأَرْضِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ حَصَلَ بِذَلِكَ نَقْصٌ فيها فَهُوَ عَيْبٌ حَدَثَ عِنْدَهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَيُوجِبُ له الْأَرْشَ وَإِنْ أَحْدَثَ الْغَرْسَ عَالِمًا بِالْأَحْجَارِ فَلِلْبَائِعِ قَلْعُهَا وَلَا يَضْمَنُ أَرْشَ نَقْصِ الْغِرَاسِ وَلَوْ كان فَوْقَ الْأَحْجَارِ زَرْعٌ لِأَحَدِهِمَا تُرِكَ إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ لِأَنَّ له أَمَدًا يُنْتَظَرُ بِخِلَافِ الْغِرَاسِ بِلَا أُجْرَةٍ لِمُدَّةِ بَقَائِهِ وإذا قَلَعَهَا الْبَائِعُ بَعْدَ الْحَصَادِ فَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ اللَّفْظُ الثَّانِي الْبُسْتَانُ وَالْبَاعُ بِمَعْنَاهُ وهو أَعْجَمِيٌّ وَالْكَرْمُ وَمِثْلُهَا الْحَدِيقَةُ وَالْجُنَيْنَةُ فَيَدْخُلُ فيه أَيْ في كُلٍّ منها الْأَرْضُ وَالْأَشْجَارُ وَالْحَائِطُ الْمُحِيطُ بِهِ وَكَذَا بِنَاءٌ فيه وَعَرِيشُ قُضْبَانِهِ أَيْ عَرِيشٌ تُوضَعُ عليه قُضْبَانُ الْعِنَبِ وَقِيلَ لَا يَدْخُلُ الْعَرِيشُ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ فيه من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَكَذَا الْغَزَالِيُّ وابن الرِّفْعَةِ وَلَوْ قال هذه الدَّارُ الْبُسْتَانُ دَخَلَتْ الْأَبْنِيَةُ وَالْأَشْجَارُ جميعا أو قال هذا الْحَائِطُ الْبُسْتَانُ أو هذه الْمُحَوَّطَةُ دخل الْحَائِطُ الْمُحِيطُ وما فيه من شَجَرٍ وَبِنَاءٍ ذَكَرَ ذلك الْأَصْلُ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا ذَكَرَ فَرْعٌ اسْمُ الْقَرْيَةِ وَالدَّسْكَرَةِ وَتُقَالُ لِقَصْرٍ حَوْلُهُ بُيُوتٌ وَلِلْقَرْيَةِ وَلِلْأَرْضِ الْمُسْتَوِيَةِ وَلِلصَّوْمَعَةِ وَلِبُيُوتِ الْأَعَاجِمِ يَكُونُ فيها الشَّرَابُ وَالْمَلَاهِي يَدْخُلُ فيه أَيْ في اسْمِهِمَا السُّوَرُ وما فيه من الْأَبْنِيَةِ وَالسَّاحَاتِ بِخِلَافِ الْخَارِجَةِ عنه وَكَذَا تَدْخُلُ الْأَشْجَارُ الْمَغْرُوسَةُ فيها لَا الْمَزَارِعُ وَالْأَشْجَارُ التي
____________________
(2/99)
حَوْلَهَا وَلَوْ قال بِعْتُكهَا بِحُقُوقِهَا لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يَقْتَضِي دُخُولَهَا وَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ من حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الْقَرْيَةَ بِدُخُولِهَا فَإِنْ لم يَكُنْ لها سُوَرٌ دخل ما اخْتَلَطَ بِبِنَائِهَا من الْمَسَاكِنِ وَالْأَبْنِيَةِ كما يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ في صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَذِكْرُ السُّوَرِ وَالتَّقْيِيدُ بِحَوْلِهَا من زِيَادَتِهِ اللَّفْظُ الثَّالِثُ الدَّارُ وَيَدْخُلُ فيه الْأَرْضُ وَالْأَبْنِيَةُ بِأَنْوَاعِهَا حتى الْحَمَّامِ الْمَعْدُودِ من مَرَافِقِهَا وفي نُسْخَةٍ زِيَادَةُ وَالْحَمَّامِ فَهُوَ من ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ وَحَمَلُوا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ لَا يَدْخُلُ الْحَمَّامُ على حَمَّامَاتِ الْحِجَازِ الْمَنْقُولَةِ وَكَذَا يَدْخُلُ شَجَرٌ مَغْرُوسٌ فيه الْأَوْلَى فيها وما أُثْبِتَ فيها لِتَتِمَّتِهَا لِيَبْقَى فيها كَالسَّقْفِ وَالْأَبْوَابِ الْمَنْصُوبَةِ وَالْغِلَاقِ الْمُثَبَّتِ عليها وَنَحْوُهُ من الْحَلْقِ وَالسَّلَاسِلِ وَكَذَا ما أُثْبِتَ فيها وَلَيْسَ منها كَالدِّنَانِ أَيْ الْخَوَابِي وَالْإِجَّانَاتِ وَالرُّفُوفِ الْمُثَبَّتَة وَالسَّلَالِمِ الْمُسَمَّرَةِ أو الْمُطَيَّنَةِ وَالْأَوْتَادِ الْمُثَبَّتَةِ في الْأَرْضِ أو الْجِدَارِ وَالْأَسْفَلِ الْمُثَبَّتِ من الرَّحَى بِأَعْلَاهُ أَيْ معه وَقَدْرُ الْحَمَّامِ وَخَشَبِ الْقَصَّارِ وَمِعْجَنِ الْخَبَّازِ لِثَبَاتِهَا فيها فَصَارَتْ مَعْدُودَةً من أَجْزَائِهَا لَا الْمَنْقُولَاتِ كَالسَّرِيرِ وَالدَّلْوِ وَالْبَكْرَةِ بِإِسْكَانِ الْكَافِ أَشْهَرُ من فَتْحِهَا وَالدَّفَائِنِ وَالرُّفُوفِ الْمَوْضُوعَةِ على الْأَوْتَادِ وَالسَّلَالِمِ التي لم تُسَمَّرْ ولم تُطَيَّنْ وَتَدْخُلُ أَلْوَاحُ الدَّكَاكِينِ وَمِفْتَاحُ الْمِغْلَاقِ الْمُثَبَّتِ وَكُلُّ مُنْفَصِلٍ يَتَوَقَّفُ عليه نَفْعُ مُتَّصِلٍ كَرَأْسِ التَّنُّورِ وَصُنْدُوقِ الْبِئْرِ وَالطَّاحُونِ وَآلَاتِ السَّفِينَةِ فَرْعٌ لَا يَدْخُلُ في بَيْعِ الدَّارِ وَنَحْوِهَا إذَا كان بها بِئْرُ مَاءٍ مَاءُ الْبِئْرِ الْحَاصِلِ حَالَةَ الْبَيْعِ كَالثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ وَمَاءِ الصِّهْرِيجِ فَلَوْ لم يَشْرِطْهُ أَيْ دُخُولَهُ في الْعَقْدِ فَسَدَ الْعَقْدُ لِاخْتِلَاطِهِ بِالْحَادِثِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَحْدَهُ وَلَا بُدَّ من شَرْطِ دُخُولِهِ لِيَصِحَّ الْبَيْعُ وَيَدْخُلُ في بَيْعِ ذلك الْمَعَادِنُ الْبَاطِنَةُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا الظَّاهِرَةُ كَالْمِلْحِ وَالنُّورَةِ وَالْكِبْرِيتِ وَهِيَ أَيْ الظَّاهِرَةُ كَالْمَاءِ الْحَاصِلِ في أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ ما ذَكَرَ وَلَا تَدْخُلُ هِيَ فيه إلَّا بِشَرْطِ دُخُولِهَا وَيَدْخُلُ في بَيْعِ الدَّارِ وَإِنْ لم يَقُلْ بِحُقُوقِهَا حَرِيمُهَا بِشَجَرِهِ الْمَغْرُوسِ فيه إنْ كانت أَيْ الدَّارُ في شَارِعٍ لَا يَنْفُذُ بِالْمُعْجَمَةِ وَإِلَّا فَلَا يَدْخُلَانِ وَكَالدَّارِ الْقَرْيَةُ وَنَحْوُهَا وَلَوْ عَبَّرَ كَأَصْلِهِ بِالطَّرِيقِ كان أَوْلَى لِأَنَّهُ قد يَكُونُ نَافِذًا وقد لَا يَكُونُ وَالشَّارِعُ لَا يَكُونُ إلَّا نَافِذًا اللَّفْظُ الرَّابِعُ الْحَيَوَانَاتُ الشَّامِلَةُ لِلْعَبْدِ وَلِغَيْرِهِ فَتَعْبِيرُهُ بها أَعَمُّ من تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِالْعَبْدِ فَالْعَبْدُ وفي نُسْخَةٍ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ شيئا وَإِنْ مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ كما لَا يَمْلِكُ بِالْإِرْثِ وَلِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ فَأَشْبَهَ الْبَهِيمَةَ وَأَمَّا خَبَرُ من بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ فَأُجِيبُ عنه بِأَنَّ الْإِضَافَةَ فيه لِلِاخْتِصَاصِ لَا لِلْمِلْكِ فَإِنْ بَاعَهُ وما في يَدِهِ من الْمَالِ وَإِنْ مَلَّكَهُ له لَزِمَ في الْمَالِ شُرُوطُ الْمَبِيعِ من نَفْيِ الْجَهَالَةِ وَالرِّبَا وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّهُ مَبِيعٌ كَالْعَبْدِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ اُعْتُبِرَ في الْمَالِ شُرُوطُ الْمَبِيعِ حتى لو كان مَجْهُولًا أو غَائِبًا أو دَيْنًا وَالثَّمَنُ دَيْنٌ أو ذَهَبًا وَالثَّمَنُ ذَهَبٌ لم يَصِحَّ وَيَدْخُلُ في بَيْعِ نَاقَةٍ وَدَابَّةٍ وفي نُسْخَةٍ وَيَدْخُلُ فيه بَرَّةُ النَّاقَةِ وَهِيَ حَلَقَةٌ تُجْعَلُ في أَنْفِهَا وَنَعْلُ الدَّابَّةِ إنْ لم يَكُونَا ذَهَبًا أو فِضَّةً وَإِلَّا فَلَا يَدْخُلَانِ لِلْعُرْفِ فِيهِمَا وَلِحُرْمَةِ اسْتِعْمَالِهِمَا حِينَئِذٍ وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الشَّرْطِ في النَّعْلِ من زِيَادَتِهِ لَا الْعَذَارُ وَالْمِقْوَدُ وَالسَّرْجُ وَاللِّجَامُ فَلَا يَدْخُلُ في بَيْعِ الدَّابَّةِ اقْتِصَارًا على مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَلَا تَدْخُلُ ثِيَابُ الْعَبْدِ في بَيْعِهِ وَلَوْ كانت سَاتِرَةَ الْعَوْرَةِ لِذَلِكَ وَالْأَمَةُ كَالْعَبْدِ كما في شَرْحِ مُسْلِمٍ وَمِثْلُهُمَا الْخُنْثَى اللَّفْظُ الْخَامِسُ الشَّجَرُ وَتَدْخُلُ فيه الْأَغْصَانُ الرَّطْبَةُ لِأَنَّهَا تُعَدُّ من أَجْزَائِهِ بِخِلَافِ الْيَابِسَةِ إذَا كان الشَّجَرُ رَطْبًا لِأَنَّ الْعَادَةَ فيه الْقَطْعُ كَالثَّمَرَةِ وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ أَغْصَانَ شَجَرِ الْخِلَافِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ في مَوْضِعٍ وَصَرَّحَ بِهِ آخَرُ بِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ لِأَنَّهَا تُقْصَدُ لِلْقَطْعِ كَالثَّمَرَةِ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِمَا قَالَهُ الْقَاضِي
____________________
(2/100)
إنَّ الْخِلَافَ نَوْعَانِ ما يُقْطَعُ من أَصْلِهِ فَتَدْخُلُ أَغْصَانُهُ وما يُتْرَكُ سَاقُهُ وَتُؤْخَذُ أَغْصَانُهُ فَلَا تَدْخُلُ وتدخل فيه الْأَوْرَاقُ وَلَوْ من فِرْصَادٍ وَسِدْرٍ وَحِنَّاءٍ التَّرْجِيحُ في وَرَقِ الْحِنَّاءِ من زِيَادَتِهِ وَلَا تَرْجِيحَ فيه في الرَّوْضَةِ بَلْ قال الزَّرْكَشِيُّ الْأَقْرَبُ عَدَمُ الدُّخُولِ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَصَحَّحَهُ ابن الرِّفْعَةِ إذْ لَا ثَمَرَةَ له غَيْرُ الْوَرَقِ قال الْقَمُولِيِّ وَمِثْلُهُ وَرَقُ النِّيلَةِ وتدخل أَيْضًا الْكِمَامُ بِكَسْرِ الْكَافِ وَهِيَ أَوْعِيَةُ الطَّلْعِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ كان ثَمَرُهَا مُؤَبَّرًا لِأَنَّهَا تَبْقَى بِبَقَاءِ الْأَغْصَانِ وَمِثْلُهَا الْعُرْجُونُ فِيمَا يَظْهَرُ خِلَافًا لِمَنْ قال أَنَّهُ لِمَنْ له الثَّمَرَةُ وَالْعُرُوقُ إنْ لم يَشْرِطْ قَطْعَ الشَّجَرِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْأَشْجَارِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَا يَدْخُلُ فيها حِينَئِذٍ الْعُرُوقُ بَلْ تُقْطَعُ عن وَجْهِ الْأَرْضِ بِخِلَافِ شَرْطِ الْقَلْعِ لها أو الْإِطْلَاقِ فإنه يَدْخُلُ فيها الْعُرُوقُ وَإِنْ أَطْلَقَ بِأَنْ لم يَشْرِطْ قَطْعًا وَلَا قَلْعًا وَلَا إبْقَاءً وَجَبَ إبْقَاءُ الشَّجَرِ الرَّطْبِ لَا الْيَابِسِ بَلْ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي تَفْرِيغَ الْأَرْضِ منه لِلْعَادَةِ في ذلك وَإِنْ شَرَطَ قَطْعًا أو قَلْعًا أو إبْقَاءً اتَّبَعَ الشَّرْطَ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ فَقَطْ تَأْكِيدٌ لَلرُّطَب وَالْمَغْرَسُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وهو مَحَلُّ غَرْسِ الشَّجَرِ لَا يَتْبَعُ الشَّجَرَ في بَيْعِهِ ولا في اسْتِثْنَائِهِ من الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ لِأَنَّ اسْمَ الشَّجَرِ لَا يَتَنَاوَلُهُ لَكِنْ يَجِبُ على مَالِكِهِ إبْقَاؤُهَا فيه بِحُكْمِ اسْتِتْبَاعِ الْمَنْفَعَةِ لَا على سَبِيلِ الْمِلْكِ فَلَوْ انْقَلَعَتْ أو قُلِعَتْ لم يَكُنْ لِمَالِكِهَا أَنْ يَغْرِسَ فيه بَدَلَهَا وَلَوْ بَذَلَ مَالِكُهُ أَرْشَ الْقَطْعِ لِمَالِكِهَا وَأَرَادَ قَطْعَهَا فإنه يَجِبُ عليه إبْقَاؤُهَا وَلَا يَجُوزُ له قَطْعُهَا وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ الْقَلْعُ وَهِيَ أَوْلَى وَإِنْ شَرَطَ إبْقَاءَ الْيَابِسَةِ بَطَلَ الْبَيْعُ كما لو اشْتَرَى ثَمَرَةً مُؤَبَّرَةً وَشَرَطَ عَدَمَ قَطْعِهَا عِنْدَ الْجُذَاذِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَحَلُّهُ إذَا لم يَكُنْ له في إبْقَائِهَا غَرَضٌ مَقْصُودٌ وَإِلَّا بِأَنْ كانت مُجَاوِرَةً لِأَرْضِهِ وَقَصَدَ أَنْ يَضَعَ عليها جِذْعًا أو بِنَاءً أو نَحْوَهُ كَعَرِيشٍ فَيُظْهِرُ الصِّحَّةَ كَالْجِدَارِ فَصْلٌ أَمَّا ثَمَرُ الْمَبِيعِ وهو الْمَقْصُودُ منه وَلَوْ مَشْمُومًا كَالْوَرْدِ فَيَتْبَعُ فيه الشَّرْطَ من كَوْنِهِ لِلْبَائِعِ أو لِلْمُشْتَرِي أو الظَّاهِرُ لِلْبَائِعِ وَغَيْرُهُ لِلْمُشْتَرِي أو بِالْعَكْسِ إلَّا أَنَّ غَيْرَهُ في الْعَكْسِ إذَا لم يَنْعَقِدْ لَا يَصِحُّ شَرْطُهُ لِلْبَائِعِ وأما عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَقُلْ أَبِّرْ النَّخْلَ يَعْنِي شُقَّ طَلْعَهُ أو تَشَقَّقَ بِنَفْسِهِ وَلَوْ كان النَّخْلُ الْمَذْكُورُ فُحَّالُهُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ أَيْ ذُكُورُ النَّخْلِ الْمَبِيعِ أو بَرَزَتْ ثَمَرَةُ الْعِنَبِ وَالتِّينِ وَنَحْوِهِ أَيْ نحو كُلٍّ مِنْهُمَا أو تَفَتَّحَ كِمَامُ الْوَرْدِ أو تَنَاثَرَ نُورٌ أَيْ زَهْرٌ نحو رُمَّانٍ وَمِشْمِشٍ انْعَقَدَ أو ظَهَرَ يَاسِمِينَ بِكَسْرِ السِّين وَنَحْوه فَلِلْبَائِعِ وَإِنْ كان قبل ذلك فَلِلْمُشْتَرِي وَالْأَصْلُ في ذلك خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ من بَاعَ نَخْلًا قد أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ مَفْهُومُهُ أنها إذَا لم تُؤَبَّرْ تَكُونُ الثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَشْرِطَهَا الْبَائِعُ وَكَوْنُهَا في الْأَوَّلِ صَادِقٌ بِأَنْ تَشْرِطَهُ له أو يَسْكُتَ عن ذلك وَكَوْنُهَا في الثَّانِي لِلْمُشْتَرِي صَادِقٌ بِذَلِكَ وَأُلْحِقَ بِالنَّخْلِ سَائِرُ الثِّمَارِ وَبِتَأْبِيرِ كُلِّهَا تَأْبِيرِ بَعْضِهَا بِتَبَعِيَّةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرِ لِلْمُؤَبَّرِ لِمَا في تَتْبَعُ من الْعُسْرِ وَالتَّأْبِيرُ وَيُقَال له التَّلْقِيحُ تَشْقِيقُ طَلْعِ الْإِنَاثِ وَذَرِّ طَلْعِ الذُّكُورِ
____________________
(2/101)
فيه لِيَجِيءَ رَطْبُهَا أَجْوَدَ مِمَّا لم يُؤَبَّرْ وَالْعَادَةُ الِاكْتِفَاءُ بِتَأْبِيرِ الْبَعْضِ وَالْبَاقِي يَتَشَقَّقُ بِنَفْسِهِ
وَيَنْبَثُّ رِيحُ الذُّكُورِ إلَيْهِ وقد لَا يُؤَبَّرُ شَيْءٌ وَيَتَشَقَّقُ الْكُلُّ وَالْحُكْمُ فيه كَالْمُؤَبَّرِ اعْتِبَارًا بِظُهُورِ الْمَقْصُودِ وَطَلْعُ الذُّكُورِ يَتَشَقَّقُ بِنَفْسِهِ وَلَا يُشَقَّقُ غَالِبًا وَلَا يُعْتَبَرُ تَشَقُّقُ الْقِشْرِ الْأَعْلَى من نَحْوِ الْجَوْزِ بَلْ هو لِلْبَائِعِ مُطْلَقًا لِاسْتِتَارِهِ بِمَا هو من صَلَاحِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ بِتَشَقُّقِ الْأَعْلَى عنه وَإِنْ أُبِّرَتْ نَخْلَةٌ وَلَوْ ذَكَرًا أو في طَلْعٍ وَاحِدٍ تَبِعَهَا في الْحُكْمِ جَمِيعُ الثَّمَرَةِ الْحَادِثَةِ تَأْبِيرًا وَإِطْلَاعًا إذْ في إفْرَادِ كُلٍّ بِحُكْمِ عُسْرٍ أو ضَرَرٍ مُشَارَكَةٌ وَلِأَنَّهُ من ثَمَرَةِ الْعَامِ ولم يَعْكِسْ لِأَنَّ الْبَاطِنَ سَائِرٌ إلَى الظُّهُورِ وَكَمَا يَتْبَعُ بَاطِنُ الصُّبْرَةِ ظَاهِرَهَا في الرُّؤْيَةِ هذا إنْ اتَّحَدَ في الْمُؤَبَّرِ وَغَيْرِهِ بُسْتَانٌ وَعَقْدٌ وَجِنْسٌ فَإِنْ اخْتَلَفَ شَيْءٌ منها بِأَنْ اشْتَرَى في عَقْدِ نَخْلٍ بُسْتَانَيْنِ وَلَوْ مُتَلَاصِقَيْنِ أو نَخْلًا وَعِنَبًا أو في عَقْدَيْنِ نَخْلًا الْمُؤَبَّرُ من ذلك في أَحَدِهِمَا وَغَيْرُهُ في الْآخِرَةِ فَلَا تَبَعِيَّةَ لِانْقِطَاعِهَا وَاخْتِلَافِ زَمَنِ التَّأْبِيرِ وَانْتِفَاءِ عُسْرِ الْإِفْرَادِ وَضَرَرِ الْمُشَارَكَةِ بِاخْتِلَافِ ذلك بِخِلَافِ اخْتِلَافِ النَّوْعِ لَا يُؤَثِّرُ وَعُلِمَ من كَلَامِهِ أَنَّهُ لو بَاعَ نَخْلَةً وَبَقِيَ ثَمَرُهَا له ثُمَّ خَرَجَ طَلْعٌ آخَرُ كان لِلْبَائِعِ
وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ قال لِأَنَّهُ من ثَمَرَةِ الْعَامِ وَتَشَقُّقِ جَوْزٍ عُطْبٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مع إسْكَانِ ثَانِيهِ وَضَمِّهِ أَيْ قُطْنٍ كما في نُسْخَةٍ يَبْقَى أَصْلُهُ سِنِينَ أَيْ سَنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ لَا تَشَقُّقُ وَرْدٍ كَتَأْبِيرِ النَّخْلِ فَيَتْبَعُ الْمُسْتَتِرُ غَيْرَهُ إنْ اتَّحَدَ فِيهِمَا ما ذَكَرَ بِخِلَافِ تَشَقُّقِ الْوَرْدِ لِأَنَّ ما يَظْهَرُ منه يُجْنَى في الْحَالِ فَلَا يَخَافُ اخْتِلَاطَهُ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن التَّهْذِيبِ وَاَلَّذِي في التَّنْبِيهِ وَأَقَرَّهُ عليه النَّوَوِيُّ في تَصْحِيحِهِ أَنَّ الْجَمِيعَ لِلْبَائِعِ كَالْجَوْزِ وَغَيْرِهِ وقد تَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ في نُسْخَةٍ فقال بَدَلَ لَا تَشَقُّقِ وَرْدٍ وَكَذَا تَفَتُّحُ وَرْدٍ كما في التَّنْبِيهِ كَالْوَرْدِ في ذلك الْيَاسَمِينُ وَنَحْوُهُ وما لَا يَبْقَى من أَصْلِ الْعُطْبِ أَكْثَرَ من سَنَةٍ إنْ بِيعَ قبل تَكَامُلِ قُطْنِهِ لم يَجُزْ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَالزَّرْعِ سَوَاءٌ أَخْرَجَ الْجَوْزَ أَمْ لَا ثُمَّ إنْ لم يُقْطَعْ حتى خَرَجَ الْجَوْزُ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي لِحُدُوثِهِ في مِلْكِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ اكْتِفَاءً بِعُمُومِ قَوْلِهِ وَإِنْ كان قبل ذلك فَلِلْمُشْتَرِي أو بِيعَ بَعْدَ تَكَامُلِهِ نَظَرْت فَإِنْ تَشَقَّقَ جَوْزُهُ صَحَّ الْعَقْدُ لِظُهُورِ الْمَقْصُودِ قال في الْأَصْلِ نَقْلًا عن الْبَغَوِيّ وَدَخَلَ الْقُطْنُ في الْبَيْعِ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ لَا تَدْخُلُ لِأَنَّ الشَّجَرَةَ مَقْصُودَةٌ لِثِمَارِ جَمِيعِ الْأَعْوَامِ وَلَا مَقْصُودَ هُنَا سِوَى الثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَةِ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ حَذَفَهُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ شَيْخَ الْبَغَوِيّ قد جَزَمَ بِعَدَمِ دُخُولِ ذلك وَبِأَنَّهُ لِلْبَائِعِ كَالثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ وَبِهِ جَزَمَ الْمُتَوَلِّي قال الْأَذْرَعِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ ذلك
وَقَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ تَصْحِيحُهُ وهو الْقِيَاسُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَتَشَقَّقْ جَوْزُهُ بَطَلَ الْعَقْدُ لِاسْتِتَارِ قُطْنِهِ بِمَا ليس من صَلَاحِهِ بِخِلَافِ نَحْوِ الْجَوْزِ كما مَرَّ قال الْأَذْرَعِيُّ هذا تَتِمَّةُ كَلَامِ الْبَغَوِيّ وقال الْقَاضِي يَصِحُّ وَلَا يَدْخُلُ الْقُطْنُ وَكُلٌّ بَنَى على أَصْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَالْمُتَوَلِّي مُوَافِقٌ لِلْقَاضِي وَغَيْرِهِ أَيْ غَيْرِ ما ذُكِرَ وفي نُسْخَةٍ وَغَيْرِهِمَا أَيْ غَيْرِ الْقُطْنِ وما قَبْلَهُ وفي أُخْرَى وَغَيْرِهَا أَيْ غَيْرِ الْمَذْكُورَاتِ كَالْقِثَّاءِ وَنَحْوِهِ كَالْبِطِّيخِ لَا يَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا لِأَنَّهَا بُطُونٌ بِخِلَافِ ما مَرَّ في ثَمَرَةِ النَّخْلِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهَا تُعَدُّ حَمْلًا وَاحِدًا وما ظَهَرَ من التِّينِ وَالْعِنَبِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ وَغَيْرُهُ لِلْمُشْتَرِي قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَفِيهِ نَظَرٌ وما تَوَقَّفَ فيه كَالْأَصْلِ صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرُهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّخْلِ بِأَنَّ ثَمَرَةَ النَّخْلِ ثَمَرَةُ عَامٍ وَاحِدٍ وَهِيَ لَا تَحْمِلُ فيه إلَّا مَرَّةً وَالتِّينُ يَحْمِلُ حَمْلَيْنِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَكَانَتْ الْأُولَى لِلْبَائِعِ وَالثَّانِيَةُ لِلْمُشْتَرِي وَبِهِ رُبَّمَا في نَحْوِ الْقِثَّاءِ يُفَرِّقُ أَيْضًا بين النَّخْلِ وَبَيْنَ ما مَرَّ فِيمَا يُجَزُّ مِرَارًا من أَنَّ الْجِزَّةَ الظَّاهِرَةَ لِلْبَائِعِ دُونَ ما عَدَاهَا وَكَالتِّينِ فِيمَا ذَكَرَ الْجُمَّيْزُ وَنَحْوُهُ فَصْلٌ وَلَا يُكَلَّفُ الْبَائِعُ فِيمَا إذَا بَاعَ شَجَرَةً وَبَقِيَتْ له الثَّمَرَةُ قَطْعَ ثَمَرَتِهِ عن الْمَبِيعِ من غَيْرِ شَرْطٍ لِقَطْعِهَا قبل وَقْتِ الْعَادَةِ عَمَلًا بها بِخِلَافِ ما بَعْدَهُ حتى لو كانت الثَّمَرَةُ من نَوْعٍ يُعْتَادُ قَطْعُهُ قبل النُّضْجِ كُلِّفَ الْقَطْعَ على الْعَادَةِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ السَّقْيُ لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ أو غَيْرِهِ وَعِظَمِ الضَّرَرِ لِلشَّجَرِ بِبَقَائِهَا أَيْ الثَّمَرَةِ أو أَصَابَتْهَا آفَةٌ ولم يَبْقَ في تَرْكِهَا فَائِدَةٌ فَيُكَلَّفُ قَطْعَهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عن الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ ما إذَا
____________________
(2/102)
قَلَّ الضَّرَرُ بِبَقَائِهَا وَالتَّرْجِيحُ في الثَّانِيَةِ من زِيَادَتِهِ وَمَالَ إلَيْهِ ابن الرِّفْعَةِ ثُمَّ قال لَكِنَّ ظَاهِرَ نَصِّ الْأُمِّ يُخَالِفُهُ وَلَيْسَ له قَطْعُهَا شيئا شيئا بَعْدَ وَقْتِ الْعَادَةِ وَلَا التَّأْخِيرُ إلَى نِهَايَةِ النُّضْجِ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَمَّا إذَا شَرَطَ على الْبَائِعِ قَطْعَهَا فَيَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يُسَامِحَ الْمُشْتَرِي بِتَرْكِهَا إلَى بُدُوِّ صَلَاحِهَا فَرْعٌ السَّقْيُ لِحَاجَةِ الثِّمَارِ الْمَذْكُورَةِ على الْبَائِعِ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَيُجْبَرُ عليه أو على الْقَطْعِ إنْ تَضَرَّرَ وَالشَّجَرُ بِبَقَاءِ الثِّمَارِ لِامْتِصَاصِهَا رُطُوبَتَهُ أو نَقْصِهَا لِحَمْلِهِ في الْمُسْتَقْبَلِ نَقْصًا كَثِيرًا وَيُمَكَّنُ الْبَائِعُ من الدُّخُولِ لِلْبُسْتَانِ لِسَقْيِ ثِمَارِهِ وَتَعَهُّدِهَا إنْ كان أَمِينًا وَإِلَّا نَصَبَ الْحَاكِمُ أَمِينًا لِلسَّقْيِ وَمُؤْنَتُهُ على الْبَائِعِ وَيَسْقِي بِالْمَاءِ الْمُعَدِّ لِسَقْيِ تِلْكَ الْأَشْجَارِ وَإِنْ كان لِلْمُشْتَرِي فيه حَقٌّ كما نَقَلَهُ في الْمَطْلَبِ عن ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَهُ الْقَمُولِيِّ عن الْمَاوَرْدِيِّ فَلَوْ قال أُرِيدُ أَنْ آخُذَ الْمَاءَ الذي كُنْت أَسْتَحِقُّهُ لِسَقْيِ ثَمَرَتِي فَأَسْقِي بِهِ غَيْرَهَا لم يُمَكَّنْ وَكَذَا لو أَخَذَ ثَمَرَتَهُ قبل جُذَاذِهَا لم يَكُنْ له أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ الذي كان يَسْتَحِقُّهُ إلَى وَقْتِ الْجُذَاذِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ من الْمَاءِ ما فيه صَلَاحُ تِلْكَ الثَّمَرَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا السَّقْيُ إنْ نَفَعَهُمَا لِأَنَّ مَنْعَهُ حِينَئِذٍ سَفَهٌ
وَعِبَارَةُ الْمُهَذَّبِ وَالْوَسِيطِ إنْ لم يَتَضَرَّرْ الْآخَرُ وَيُؤْخَذُ منها عَدَمُ الْمَنْعِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ وَالنَّفْعِ لِأَنَّهُ تَعَنُّتٌ قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وقد يَتَوَقَّفُ فيه إذْ لَا غَرَضَ لِلْبَائِعِ حِينَئِذٍ فَكَيْفَ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ تَمْكِينُهُ لَا إنْ ضَرَّهُمَا مَعًا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا السَّقْيُ إلَّا بِرِضَا الْآخَرِ لِأَنَّهُ يُدْخِلُ عليه ضَرَرًا قال السُّبْكِيُّ وقد يُعْتَرَضُ بِأَنَّهُ وَإِنْ رضي الْآخَرُ فَفِي ذلك إفْسَادُ الْمَالِ لَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّ الْغَيْرِ يَرْتَفِعُ بِالرِّضَا وَيَبْقَى ذلك كَتَصَرُّفِهِ في خَاصِّ مِلْكِهِ انْتَهَى وَلَا يَخْفَى قُوَّةُ الِاعْتِرَاضِ وَلَا يَكْفِي في رَدِّهِ ما ذُكِرَ من الْمَقْصُودِ لَا جَرَمَ ذَكَرَ الْإِسْنَوِيُّ الِاعْتِرَاضَ ولم يُجِبْ عنه وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ تَبِعَهُ حَيْثُ حَذَفَ قَوْلَ الْأَصْلِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا السَّقْيُ إلَّا بِرِضَا الْآخَرِ فَصَارَ الْمَعْنَى فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا السَّقْيُ مُطْلَقًا لَكِنَّهُ قد يُخَالِفُ ما صَرَّحَ بِهِ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ حَيْثُ قال وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا السَّقْيُ لِمِلْكِهِ إنْ لم يَضُرَّ مِلْكَ الْآخَرِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِامْتِنَاعُ وَلَوْ ضَرَّ أَحَدَهُمَا وَنَفَعَ الْآخَرَ وَتَنَازَعَا في السَّقْيِ فَسَخَ الْعَقْدُ أَيْ فَسَخَهُ الْحَاكِمُ كما جَزَمَ بِهِ ابن الرِّفْعَةِ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ إنْ لم يُسَامِحْ الْآخَرُ إذْ ليس أَحَدُهُمَا أَوْلَى من الْآخَرِ فَإِنْ سَامَحَهُ فَلَا فَسْخَ لِزَوَالِ النِّزَاعِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَا يَأْتِي فيه الِاعْتِرَاضُ بِإِفْسَادِ الْمَالِ كما تُوُهِّمَ بَلْ هو إحْسَانٌ وَمُسَامَحَةٌ نعم الْكَلَامُ في مَالِكَيْنِ مُطْلَقِي التَّصَرُّفِ لَا من يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ أَيْ أو لِنَفْسِهِ لَكِنَّ غير مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ ما لو ضَرَّ السَّقْيُ أَحَدَهُمَا وَمَنَعَ تَرْكَهُ حُصُولُ زِيَادَةٍ لِلْآخَرِ لِاسْتِلْزَامِ مَنْعِ حُصُولِهَا له انْتِفَاعُهُ بِالسَّقْيِ وقد ذَكَرَ الْأَصْلُ فيه احْتِمَالَيْنِ لِلْإِمَامِ اللَّفْظُ السَّادِسُ الثِّمَارُ وهو يَتَنَاوَلُ نَوَاهَا وَقَمْعَهَا فَبَيْعُ ما لَا يَغْلِبُ اخْتِلَاطُهُ منها دُونَ الشَّجَرِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ جَائِزٌ وَلَوْ من غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ بِأَنْ يُطْلِقَ أو يَشْرِطَ إبْقَاءَهُ أو قَطْعَهُ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْأُصُولُ لِأَحَدِهِمَا أَمْ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الثَّمَرَةِ قبل بُدُوِّ صَلَاحِهَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَيَجُوزُ بَعْدَ بُدُوِّهِ وهو صَادِقٌ بِكُلٍّ من الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَالْمَعْنَى الْفَارِقُ بَيْنَهُمَا أَمْنُ الْعَاهَةِ بَعْدَهُ غَالِبًا وَقَبْلَهُ تُسْرِعُ إلَيْهِ لِضَعْفِهِ فَيَفُوتُ بِتَلَفِهِ الثَّمَنُ وَبِهِ يُشْعِرُ قَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَرَأَيْت إنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَسْتَحِلُّ أحدكم مَالَ أَخِيهِ لَا بَيْعَهُ مع ما يَحْدُثُ فَغَيْرُ جَائِزٍ لِوُرُودِهِ على مَعْدُومٍ وَيَسْتَحِقُّ بِهِ أَيْ بِالْبَيْعِ لِمَا ذُكِرَ الْإِبْقَاءَ إلَى وَقْتِ الْجُذَاذِ إنْ لم يَشْرِطْ الْقَطْعَ لِلْعُرْفِ فَإِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ لَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ إلَّا أَنْ يُسَامِحَ الْبَائِعُ بِالتَّرْكِ إلَى أَوَانِ الْجُذَاذِ فَإِنْ لم يَتَّفِقْ الْقَطْعُ حَيْثُ لَا مُسَامَحَةَ حتى مَضَتْ مُدَّةٌ فَإِنْ كان الْبَائِعُ طَالَبَهُ بِالْقَطْعِ فلم يَقْطَعْ وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ
وَالشَّجَرَةُ أَمَانَةٌ في يَدِ الْمُشْتَرِي لِتَعَذُّرِ تَسَلُّمِ الثَّمَرَةِ بِدُونِهَا بِخِلَافِ ما لو اشْتَرَى سَمْنًا أو نَحْوَهُ فَقَبَضَهُ في ظَرْفٍ لِلْبَائِعِ فإنه مَضْمُونٌ عليه لِتَمَكُّنِهِ من التَّسَلُّمِ في غَيْرِهِ وَأَمَّا بَيْعُهُ قبل بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَلَا يَجُوزُ لِمَا مَرَّ إلَّا في مُنْتَفِعٍ بِهِ كَحِصْرِمٍ وَبَلَحٍ وَلَوْزٍ
____________________
(2/103)
بِشَرْطِ الْقَطْعِ بِقَيْدٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ مُنَجَّزًا فَيَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ الْمُخَصِّصِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ فَدَخَلَ في الْمُسْتَثْنَى منه ما لَا يُنْتَفَعُ بِهِ كَ كُمَّثْرَى وَسَفَرْجَلٍ وَجَوْزٍ وما يُنْتَفَعُ بِهِ وَبِيعَ بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ أو بِيعَ بِشَرْطِهِ مُعَلَّقًا وَوَجْهُ الْمَنْعِ في الْأَخِيرَةِ تَضَمُّنُ التَّعْلِيقِ التَّبْقِيَةَ وَلَوْ بِيعَ من مَالِكِ الشَّجَرَةِ كَأَنْ بَاعَهَا بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ بَاعَ الثَّمَرَةَ منه أو أَوْصَى بِالثَّمَرَةِ لِإِنْسَانٍ فَبَاعَهَا لِمَالِكِ الشَّجَرَةِ فإنه لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ مُنَجَّزًا لِعُمُومِ الْخَبَرِ وَالْمَعْنَى لَكِنْ لَا يَلْزَمُ الْمَالِكَ الْوَفَاءُ إذْ لَا مَعْنَى لِتَكْلِيفِهِ قَطْعَ ثَمَرِهِ عن شَجَرِهِ وَقِيلَ يَجُوزُ بَيْعُهَا له بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ لِأَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ في مِلْكِهِ فَيُشْبِهُ ما لو اشْتَرَاهُمَا مَعًا وَصَحَّحَهُ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ في الْمُسَاقَاةِ وَالْجُمْهُورُ على الْأَوَّلِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ أَيْ شَرَطَهُ في بَيْعِ ثَمَرَةِ نَخْلَةٍ مَقْطُوعَةٍ لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى عليها فَيَصِيرُ كَشَرْطِ الْقَطْعِ وَلِأَنَّهَا لَا تَنْمُو وَلَا يُغْنِي اعْتِيَادُ الْقَطْعِ عن شَرْطِهِ لِعُمُومِ الْخَبَرِ
وَإِنْ شَرَطَ قَطْعَ الثَّمَرِ وَتَرَكَ عن تَرَاضٍ مِنْهُمَا فَلَا بَأْسَ وَيَكُونُ بُدُوُّ الصَّلَاحِ كَكِبَرِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا ما لَا يَغْلِبُ اخْتِلَاطُهُ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ وَلَوْ بَاعَ الثَّمَرَ مع الشَّجَرِ لم يَجُزْ بِشَرْطِ وفي نُسْخَةٍ شَرْطِ الْقَطْعِ لِمَا فيه من الْحَجْرِ على الْمُشْتَرِي في مِلْكِهِ مع الِاسْتِغْنَاءِ عنه بِالتَّبَعِيَّةِ فَيَجُوزُ بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ لِتَبَعِيَّتِهِ لِمَا تُؤْمَنُ فيه الْعَاهَةُ فَإِنْ فَصَلَ الثَّمَنَ كَأَنْ قال بِعْتُك الشَّجَرَةَ بِدِينَارٍ وَالثَّمَرَةَ بِعَشَرَةٍ وَجَبَ شَرْطُ الْقَطْعِ لِانْتِفَاءِ التَّبَعِيَّةِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ في بَابِ الْمُسَاقَاةِ اسْتِشْهَادًا وَأَسْقَطَهُ من الرَّوْضَةِ وَلَوْ اسْتَثْنَى الْبَائِعُ الثَّمَرَةَ غير الْمُؤَبَّرَةِ لم يَجِبْ شَرْطُ الْقَطْعِ لِأَنَّهُ في الْحَقِيقَةِ اسْتِدَامَةٌ لِمِلْكِهَا فَلَهُ الْإِبْقَاءُ إلَى وَقْتِ الْجُذَاذِ وَلَوْ صَرَّحَ بِشَرْطِ الْإِبْقَاءِ جَازَ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وما ذُكِرَ من عَدَمِ وُجُوبِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَمِنْ جَوَازِ التَّصْرِيحِ بِشَرْطِ الْإِبْقَاءِ هو أَحَدُ نَصَّيْنِ لِلشَّافِعِيِّ كما أَفَادَهُ الْبُلْقِينِيُّ ولم يَطَّلِعْ بَعْضُهُمْ على هذا النَّصِّ فَزَعَمَ أَنَّ الْمَنْصُوصَ خِلَافُهُ فَرْعٌ بُدُوُّ الصَّلَاحِ في شَجَرَةٍ وَلَوْ في حَبَّةٍ يَسْتَتْبِعُ الْكُلَّ إذَا اتَّحَدَ الْبُسْتَانُ وَالْعَقْدُ وَالْجِنْسُ كما في التَّأْبِيرِ وقد مَرَّ فَيَتْبَعُ ما لم يَبْدُ صَلَاحُهُ ما بَدَا صَلَاحُهُ إذَا اتَّحَدَ فِيهِمَا الثَّلَاثَةُ وَاكْتَفَى بِبُدُوِّ صَلَاحِ بَعْضِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى امْتَنَّ عَلَيْنَا فَجَعَلَ الثِّمَارَ لَا تَطِيبُ دَفْعَةً وَاحِدَةً إطَالَةً لِزَمَنِ التَّفَكُّهِ فَلَوْ اعْتَبَرْنَا في الْبَيْعِ طِيبَ الْجَمِيعِ لَأَدَّى إلَى أَنْ لَا يُبَاعَ شَيْءٌ أو تُبَاعَ الْحَبَّةُ بَعْدَ الْحَبَّةِ وفي كُلٍّ مِنْهُمَا حَرَجٌ فَرْعٌ بُدُوُّ الصَّلَاحِ في الْأَشْيَاءِ صَيْرُورَتُهَا إلَى الصِّفَةِ التي تُطْلَبُ فيها غَالِبًا فَفِي الثِّمَارِ ظُهُورُ أَوَّلِ الْحَلَاوَةِ فَفِي غَيْرِ الْمُتَلَوِّنِ بِأَنْ يَتَمَوَّهَ وَيَلِينَ وفي الْمُتَلَوِّنِ بِانْقِلَابِ وفي نُسْخَةٍ بِاخْتِلَافِ اللَّوْنِ كَأَنْ احْمَرَّ أو اصْفَرَّ أو اسْوَدَّ وفي نَحْوِ الْقِثَّاءِ بِأَنْ يُجْنَى مِثْلُهُ غَالِبًا لِلْأَكْلِ وفي الْحُبُوبِ بِاشْتِدَادِهَا وفي وَرَقِ الْفِرْصَادِ وهو التُّوتُ الْأَحْمَرُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا الْأَبْيَضُ لِأَنَّهُ الذي يُبَاعُ لِتَرْبِيَةِ دُودِ الْقَزِّ فَلَوْ عَبَّرَ بِالتُّوتِ لَكَانَ أَقْرَبَ إلَى الْمُرَادِ بِتَنَاهِيهِ وَالْأَصْلُ في ذلك خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عن أَنَسٍ رضي اللَّهُ عنه نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ الثِّمَارِ حتى تُزْهِيَ فَقِيلَ يا رَسُولَ اللَّهِ وَرُوِيَ فَقِيلَ لِأَنَسٍ ما تُزْهِي قال تَحْمَرُّ أو تَصْفَرُّ وَكُلٌّ صَحِيحٌ فإن أَنَسًا رَفَعَهُ مَرَّةً وَتَرَك رَفْعَهُ أُخْرَى مُسْتَنِدًا إلَى ما سَمِعَهُ فَرْعٌ الْبِطِّيخُ وَالْبَاذِنْجَانُ وَنَحْوُهُ أَيْ نحو كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ أَيْ كُلٍّ منها قبل بُدُوِّ الصَّلَاحِ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَإِنْ بِيعَ من مَالِكِ الْأُصُولِ
____________________
(2/104)
لِمَا مَرَّ فَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَلَوْ لِبَعْضِهِ دُونَ الشَّجَرِ أَيْ الْأُصُولِ أو بَاعَ الشَّجَرَ أَيْ الْأُصُولَ دُونَهُ وَغَلَبَ الِاخْتِلَاطُ أَيْ اخْتِلَاطُ حَادِثِهِ بِالْمَوْجُودِ لم يَجُزْ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ لِأَنَّ بَيْعَهُ بِدُونِ ذلك يُفْضِي إلَى تَعَذُّرِ إمْضَاءِ الْعَقْدِ إلَّا إنْ أَمِنَ الِاخْتِلَاطَ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ كما يَجُوزُ بَيْعُ ما لَا يَغْلِبُ اخْتِلَاطُهُ كَذَلِكَ بِأَنْ نَدَرَ أو اسْتَوَى فيه الْأَمْرَانِ أو لم يُعْلَمْ حَالُهُ وَيُشْتَرَطُ الْقَطْعُ أو الْقَلْعُ أَيْ شَرَطَ أَحَدَهُمَا في بَيْعِهِ أَيْ الْأَصْلَ قبل أَنْ يُثْمِرَ كَالزَّرْعِ الْأَخْضَرِ فَلَوْ بَاعَهُ كَذَلِكَ فَاتَّفَقَ بَقَاؤُهُ حتى خَرَجَ الثَّمَرُ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ اكْتِفَاءً بِمَا مَرَّ في فَصْلِ أَمَّا ثَمَرُ الْمَبِيعِ وفي إطْلَاقِهِ الشَّجَرَ على أُصُولِ الْبِطِّيخِ وَنَحْوِهِ تَسَمُّحٌ وقال الْإِمَامُ وَتَبِعَهُ الْغَزَالِيُّ إنْ بَاعَ الْبِطِّيخَ وَنَحْوَهُ مع أُصُولِهِ وَجَبَ شَرْطُ الْقَطْعِ لِتَعَرُّضِهِمَا لِلْعَاهَةِ بِخِلَافِ الشَّجَرِ مع الثَّمَرِ لَا إنْ بَاعَهُمَا مع الْأَرْضِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ فَالْأَرْضُ كَالشَّجَرِ وهو أَيْ ما قَالَهُ الْإِمَامُ من وُجُوبِ شَرْطِ الْقَطْعِ فِيمَا إذَا بَاعَ الْبِطِّيخَ وَنَحْوَهُ مع الْأُصُولِ مُخَالِفٌ لِلْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَهِيَ عَدَمُ وُجُوبِ شَرْطِ قَطْعِ الثَّمَرَةِ في بَيْعِ الْأُصُولِ وَحْدَهَا عِنْدَ أَمْنِ الِاخْتِلَاطِ قال في الْأَصْلِ وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ وُجُوبِ شَرْطِ الْقَطْعِ فِيمَا قَالَهُ الْإِمَامُ قال ابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَعَلَيْهِ جَرَى سَلِيمٌ وَغَيْرُهُ من الْعِرَاقِيِّينَ وهو الْمَنْقُولُ وَالْإِمَامُ لم يُبْدِ الْأَوَّلَ إلَّا تَفَقُّهًا لَا نَقْلًا كما يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ لَفْظِهِ فَرْعٌ لَا يَصِحُّ بَيْعُ نِصْفِ الثَّمَرِ على الشَّجَرِ مُشَاعًا قبل بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَلَوْ بِيعَ من مَالِكِ الشَّجَرِ أو بِشَرْطِ الْقَطْعِ إنْ قُلْنَا الْقِسْمَةُ بَيْعٌ وهو ما جَزَمَ بِهِ في الرِّبَا تَبَعًا لِتَصْحِيحِ أَصْلِهِ لِأَنَّ شَرْطَ الْقَطْعِ لَازِمٌ له وَلَا يُمْكِنُ قَطْعُ النِّصْفِ إلَّا بِقَطْعِ الْكُلِّ فَيَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ بِقَطْعِ غَيْرِ الْمَبِيعِ فَأَشْبَهَ ما إذَا بَاعَ نِصْفًا مُعَيَّنًا من سَيْفٍ أَمَّا إذَا قُلْنَا الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ لِإِمْكَانِ قَطْعِ النِّصْفِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَخَرَجَ بِقَبْلِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ الْبَيْعُ بَعْدَهُ فَيَصِحُّ إنْ لم يَشْرِطْ الْقَطْعَ فَإِنْ شَرَطَهُ فَفِيهِ ما تَقَرَّرَ وَيَصِحُّ بَيْعُهُ أَيْ نِصْفَ الثَّمَرِ مع الشَّجَرِ كُلَّهُ أو بَعْضَهُ وَيَكُونُ الثَّمَرُ تَابِعًا وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين شَرْطِ قَطْعِهِ وَعَدَمِهِ لَا يُقَالُ قِيَاسُ ما مَرَّ فِيمَا لو بَاعَ جَمِيعَ الثَّمَرِ مع الشَّجَرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَرْطُ الْقَطْعِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا قِسْمَةَ ثَمَّ لِأَنَّ الثَّمَرَ كُلَّهُ لِلْمُشْتَرِي بِخِلَافِهِ هُنَا وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ فِيمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ من مَالِكِ الشَّجَرِ من زِيَادَتِهِ وَفَهِمَ الْبُلْقِينِيُّ من كَلَامِ الْأَصْلِ فيه ما يُخَالِفُ ذلك فَاحْذَرْهُ وَلَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَشْتَرِيَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ من الثَّمَرِ قبل بُدُوِّ صَلَاحِهِ بِنَصِيبِهِ من الشَّجَرِ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَغَيْرِ الشَّرِيكِ وَتَصِيرُ كُلُّ الثَّمَرَةِ له وَكُلُّ الشَّجَرِ لِلْآخَرِ فَيَتَعَيَّنُ على الْمُشْتَرِي قَطْعُ جَمِيعِ الثَّمَرَةِ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ الْتَزَمَ قَطْعَ ما اشْتَرَاهُ وَتَفْرِيغُ الشَّجَرِ لِصَاحِبِهِ فَإِنْ اشْتَرَاهَا أَيْ الثَّمَرَةَ أَيْ نَصِيبَ شَرِيكِهِ منها بِغَيْرِ نَصِيبِهِ من الشَّجَرِ لم يَصِحَّ وَإِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ لِتَكْلِيفِ الْمُشْتَرِي قَطْعَ مِلْكِهِ عن مِلْكِهِ الْمُسْتَقِرِّ له قبل الْبَيْعِ وَمِثْلُهُ ما صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ في زَرْعٍ وَأَرْضٍ مُشْتَرِكَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ من الزَّرْعِ لِلْآخَرِ وَالتَّصْرِيحُ بِقَبْلِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَبِغَيْرِ نَصِيبِهِ من زِيَادَتِهِ قال في الْأَصْلِ وَلَوْ كان الشَّجَرُ لِأَحَدِهِمَا وَالثَّمَرُ بَيْنَهُمَا فَاشْتَرَى مَالِكُ الشَّجَرِ نَصِيبَ صَاحِبِهِ من الثَّمَرِ بِنِصْفِ الشَّجَرِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ جَازَ أَيْ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ السَّابِقَةِ ولم يُصَرِّحْ بِهِ الْمُصَنِّفُ اكْتِفَاءً بِفَهْمِهِ من قَوْلِهِ وَلَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ إلَى آخِرِهِ فَرْعٌ لَا يَصِحُّ بَيْعُ زَرْعٍ لم يَشْتَدَّ حَبُّهُ وبيع بُقُولٍ وَإِنْ كانت تُجَزُّ مِرَارًا إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ أو الْقَلْعِ كَالثَّمَرِ قبل بُدُوِّ صَلَاحِهِ أو مع الْأَرْضِ كَالثَّمَرِ مع
____________________
(2/105)
الشَّجَرِ فَإِنْ اشْتَدَّ حَبُّ الزَّرْعِ لم يُشْتَرَطْ الْقَطْعُ وَلَا الْقَلْعُ كَالثَّمَرِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَقِيَاسُ ما مَرَّ من الِاكْتِفَاءِ في التَّأْبِيرِ بِطَلْعٍ وَاحِدٍ وفي بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِحَبَّةٍ وَاحِدَةٍ الِاكْتِفَاءُ هُنَا بِاشْتِدَادِ سُنْبُلَةٍ وَاحِدَةٍ وَكُلُّ ذلك مُشْكِلٌ انْتَهَى فَرْعٌ يُشْتَرَطُ لِبَيْعِ الزَّرْعِ بَعْدَ اشْتِدَادِ حَبِّهِ وَبَيْعِ الثَّمَرِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ ظُهُورُ الْمَقْصُودِ لِيَكُونَ مَرْئِيًّا كَتِينٍ وَعِنَبٍ وَشَعِيرٍ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحِنْطَةِ وَالسِّمْسِمِ وَنَحْوِهِ أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا كَالْعَدَسِ في سُنْبُلِهِ دُونَهُ الْأَوْلَى في سُنْبُلِهَا لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ وَلَا بَيْعُهَا مَعَهَا الْأَوْلَى معه لِيُنَاسِبَ دُونَهُ وَذَلِكَ لِاسْتِتَارِهَا شَبِمَا ليس من صَلَاحِهَا وَأَمَّا خَبَرُ نَهْيِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ السُّنْبُلِ حتى يَبْيَضَّ أَيْ يَشْتَدَّ فَيَجُوزُ بَعْدَ اشْتِدَادٍ فَأُجِيبُ عنه بِحَمْلِهِ على سُنْبُلِ الشَّعِيرِ وَنَحْوِهِ جَمْعًا بين الدَّلِيلَيْنِ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْجَزَرِ وَالْفُجْلِ وَنَحْوِهِ كَالثُّومِ وَالْبَصَلِ في الْأَرْضِ لِاسْتِتَارِ مَقْصُودِهَا وَعَدُّ الْأَصْلِ مَعَهَا السِّلْقَ مَحْمُولٌ على أَحَدِ نَوْعَيْهِ وهو ما يَكُونُ مَقْصُودُهُ مُغَيَّبًا في الْأَرْضِ أَمَّا ما يَظْهَرُ مَقْصُودُهُ على وَجْهِهَا وهو الْمَعْرُوفُ بِأَكْثَرِ بِلَادِ مِصْرَ وَالشَّامِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْبَقْلِ وَيَجُوزُ بَيْعُ وَرَقِهِ الْأَوْلَى وَرَقِهَا أَيْ الظَّاهِرِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَالْبُقُولِ وَيَصِحُّ بَيْعُ الْعِنَبِ وَالتِّينِ وَنَحْوِهِمَا في الشَّجَرِ وَالشَّعِيرِ وَالسَّلْتِ وَكَذَا الذُّرَةُ في السُّنْبُلِ لِعَدَمِ اسْتِتَارِهَا وَالتَّصْرِيحُ بِالذُّرَةِ من زِيَادَتِهِ وَكَذَا الْمَسْتُورُ بِمَا لَا يُزَالُ إلَّا عِنْدَ الْأَكْلِ كَالرُّمَّانِ وَالْعَدَسِ وَكَذَا طَلْعُ النَّخْلِ مع قِشْرِهِ وَالْأُرْزُ في سُنْبُلِهِ
لِاسْتِتَارِهَا بِمَا هو من صَلَاحِهَا وَلَا يُخَالِفُ ما ذُكِرَ في الْعَدَسِ وَالْأُرْزِ عَدَمُ صِحَّةِ السَّلَمِ فِيهِمَا كما سَيَأْتِي في بَابِهِ وَإِنْ أَفْتَى النَّوَوِيُّ بِصِحَّتِهِ في الْأُرْزِ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَعْتَمِدُ الْمُشَاهَدَةَ بِخِلَافِ السَّلَمِ فإنه يَعْتَمِدُ الصِّفَاتِ وَهِيَ لَا تُفِيدُ الْغَرَضَ في ذلك لِاخْتِلَافِ الْقِشْرِ خِفَّةً وَرَزَانَةً وَلِأَنَّ السَّلَمَ عَقْدُ غَرَرٍ فَلَا يَضُمُّ إلَيْهِ غَرَرًا آخَرَ بِلَا حَاجَةٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَلِذَلِكَ جَوَّزَ بَيْعَ الْمَعْجُونَاتِ دُونَ السَّلَمِ فيها وما يُزَالُ أَحَدُ كِمَامَيْهِ أَيْ قِشْرَيْهِ وَيَبْقَى في الْآخَرِ لِلِادِّخَارِ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبَاقِلَا أَيْ الْفُولَ كما مَرَّ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ في قِشْرِهِ الْأَعْلَى لِأَعْلَى الشَّجَرِ وَلِأَعْلَى الْأَرْضِ وَلَوْ رَطْبًا لِاسْتِتَارِهِ بِمَا ليس من صَلَاحِهِ بِخِلَافِهِ في الْأَسْفَلِ نعم يَصِحُّ بَيْعُ قَصَبِ السُّكَّرِ في قِشْرِهِ الْأَعْلَى كما في الِاسْتِقْصَاءِ وَنَقَلَهُ في الْمَطْلَبِ عن الْمَاوَرْدِيِّ وَوُجِّهَ بِأَنَّ قِشْرَهُ الْأَسْفَلَ كَبَاطِنِهِ لِأَنَّهُ قد يُمَصُّ معه فَصَارَ كَأَنَّهُ في قِشْرٍ وَاحِدٍ كَالرُّمَّانِ وما قِيلَ من أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَمَرَ الرَّبِيعَ بِبَغْدَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ له الْبَاقِلَاءَ الرَّطْبَ رُدَّ بِأَنَّ هذا نَصَّهُ في الْقَدِيمِ لِكَوْنِهِ كان بِبَغْدَادَ وَنَصَّ في الْجَدِيدِ على خِلَافِهِ وَبِأَنَّ في صِحَّةِ ذلك تَوَقُّفًا لِأَنَّ الرَّبِيعَ إنَّمَا صَحِبَ الشَّافِعِيَّ بِمِصْرَ لَا بِبَغْدَادَ لَكِنْ قال بِالصِّحَّةِ كَثِيرُونَ وَالْكَتَّانُ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ قال ابن الرِّفْعَةِ يَظْهَرُ جَوَازُ بَيْعِهِ لِأَنَّ ما يُغْزَلُ منه ظَاهِرٌ وَالسَّاسُ في بَاطِنِهِ كَالنَّوَى في التَّمْرِ لَكِنْ هذا لَا يَتَمَيَّزُ في رَأْيِ الْعَيْنِ بِخِلَافِ التَّمْرِ وَالنَّوَى وفي تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ بِالْكِمَامِ تَسَمُّحٌ فإنه كَالْأَكِمَّةِ وَالْأَكْمَامُ الْأَكَامِيمُ جَمْعُ كِمَامَةٍ وَكِمٍّ بِكَسْرِ الْكَافِ وَالْمُرَادُ الْمُفْرَدُ فَلَوْ قال أَحَدُ كِمَامَتَيْهِ أو كِمَّيْهِ كان أَوْلَى وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ لِلِادِّخَارِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَمَعَ الْأَرْضِ من زِيَادَتِهِ أَيْ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ ما ذُكِرَ أَيْضًا مع الْأَرْضِ لِمَا مَرَّ
كما لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْبَذْرِ أو الزَّرْعِ الذي لَا يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ وَلَا يَدْخُلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مع الْأَرْضِ كَالْحِنْطَةِ في سُنْبُلِهَا وَلَا يَصِحُّ في الْأَرْضِ أَيْضًا لِلْجَهْلِ بِأَحَدِ الْمَقْصُودَيْنِ وَتَعَذَّرَ التَّوْزِيعُ أَمَّا إذَا كان يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ بِأَنْ رُئِيَ قبل الْبَيْعِ ولم يَتَغَيَّرْ وَقَدَرَ على أَخْذِهِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِمَا وَكَذَا إنْ كان يَدْخُلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَيَكُونُ ذِكْرُهُ تَأْكِيدًا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي قال السُّبْكِيُّ وَلَك أَنْ تَقُولَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَبَيْعِ الْجَارِيَةِ وَحَمْلِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ رَآهُ قبل ذلك فَيَصِحُّ فَإِنْ أَكَلَ مَالَهُ قَشِرَانِ بِقِشْرِهِ الْأَعْلَى قبل انْعِقَادِ الْأَسْفَلِ كَاللَّوْزِ صَحَّ بَيْعُهُ حِينَئِذٍ فإنه مَأْكُولٌ كُلُّهُ كَالتُّفَّاحِ فَصْلٌ لو بَاعَ الْحِنْطَةَ في سُنْبُلِهَا بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ من الْحِنْطَةِ الْخَالِصَةِ لم يَصِحَّ وَيُسَمَّى بَيْعُ الْمُحَاقَلَةِ من الْحَقْلِ جَمْعُ حَقْلَةٍ وَهِيَ السَّاحَةُ الطَّيِّبَةُ التي لَا بِنَاءَ فيها وَلَا شَجَرَ رَوَى الشَّيْخَانِ عن جَابِرٍ قال نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الْمُحَاقَلَةِ وَفُسِّرَ بِمَا ذُكِرَ وَالْمَعْنَى فيه عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ وَأَنَّ الْمَقْصُودَ من الْمَبِيعِ مَسْتُورٌ بِمَا ليس من صَلَاحِهِ فَلَوْ بَاعَ شَعِيرًا في سُنْبُلِهِ بِحِنْطَةٍ خَالِصَةٍ وَتَقَابَضَا في الْمَجْلِسِ جَازَ لِأَنَّ
____________________
(2/106)
الْمَبِيعَ مَرْئِيٌّ وَالْمُمَاثَلَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ أو بَاعَ زَرْعًا قبل ظُهُورِ الْحَبِّ بِحَبٍّ جَازَ لِأَنَّ الْحَشِيشَ غَيْرُ رِبَوِيٍّ وَيُؤْخَذُ منه أَنَّهُ إذَا كان رِبَوِيًّا كَأَنْ اُعْتِيدَ أَكْلُهُ كَالْحُلْبَةِ يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ بِحَبِّهِ وَبِهِ جَزَمَ الزَّرْكَشِيُّ فَصْلٌ يَصِحُّ بَيْعُ الْعَرَايَا في الرَّطْبِ وَالْعِنَبِ على الشَّجَرِ خَرْصًا وَلَوْ بِخَرْصِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ كما قَالَهُ السُّبْكِيُّ بِقَدْرِهِ من الْيَابِسِ في الْأَرْضِ كَيْلًا هذا مُسْتَثْنَى من بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ الْمَنْهِيِّ عنه في خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ وَفُسِّرَ بِبَيْعِ الرَّطْبِ على الشَّجَرِ بِالتَّمْرِ وَفِيهِمَا عن سَهْلِ بن أبي حَثْمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ وَرَخَّصَ في الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا وَقِيسَ الْعِنَبُ بِالرَّطْبِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا زَكَوِيٌّ يُمْكِنُ خَرْصُهُ وَيُدَّخَرُ يَابِسُهُ وَكَالرَّطْبِ الْبُسْرُ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ كَهِيَ إلَى الرَّطْبِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَبِتَقْيِيدِهِمَا له بِبُدُوِّ صَلَاحِهِ عُلِمَ غَلَطُ من نَقَلَ ذلك بِلَا تَقْيِيدٍ وَأَلْحَقَ بِهِ الْحِصْرِمَ وَقَوْلُهُ في الْأَرْضِ تَبَعًا لِبَعْضِهِمْ من زِيَادَتِهِ وَلَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ وَإِنْ اعْتَبَرَهُ في الْإِرْشَادِ وَشَرْحِهِ فَرَتَّبَ عليه مُقْتَضَاهُ لَا بَيْعُ ذلك بِقَدْرِهِ من الرَّطْبِ لِانْتِفَاءِ حَاجَةِ الرُّخْصَةِ إلَيْهِ وَلَا بَيْعُهُ على الْأَرْضِ بِقَدْرِهِ من الْيَابِسِ لِأَنَّ من جُمْلَةِ مَعَانِي بَيْعِ الْعَرَايَا أَكْلَهُ طَرِيًّا على التَّدْرِيجِ وهو مُنْتَفٍ في ذلك وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ كَيْلًا أَنَّهُ يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ بِقَدْرِهِ يَابِسًا خَرْصًا وهو كَذَلِكَ لِئَلَّا يَعْظُمَ الْغَرَرُ في الْبَيْعِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ بَيْعُ الْعَرَايَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ بِتَقْدِيرِ الْجَفَافِ بمثله
رَوَى الشَّيْخَانِ عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم رَخَّصَ في بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أو في خَمْسَةِ أَوْسُقٍ شَكَّ دَاوُد بن الْحُصَيْنِ أَحَدُ رُوَاتِهِ فَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ بِالْأَقَلِّ لَا إذَا بَلَغَهَا بِتَقْدِيرِ جَفَافِهِ في صَفْقَةٍ وفي نُسْخَةٍ بَلَغَتْهَا أَيْ بَلَغَتْ الْعَرَايَا الْخَمْسَةُ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ في الْجَمِيعِ وَلَا يَخْرُجُ على تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لِأَنَّهُ صَارَ بِالزِّيَادَةِ مُزَابَنَةٌ فَبَطَلَ في الْجَمِيعِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا دُونَهَا بِشَرْطِ التَّقَابُضِ قبل التَّفَرُّقِ فَيُسَلِّمُ الْمُشْتَرِي التَّمْرَ الْيَابِسَ بِالْكَيْلِ وَيُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّخْلِ كما عُلِمَ ذلك من بَابِ الرِّبَا وَإِنْ عَقَدَا وَالتَّمْرُ غَائِبٌ فَأُحْضِرَ أو حَضَرَاهُ وَقُبِضَ قبل التَّفَرُّقِ جَازَ كما لو تَبَايَعَا بُرًّا بِبُرٍّ غَائِبَيْنِ وَتَقَابَضَا قبل التَّفَرُّقِ وَذَكَرَ الْأَصْلُ مع ذلك ما لو غَابَا عن النَّخْلِ وَحَضَرَا عِنْدَهُ فَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ الْقَبْضَ بِالتَّخْلِيَةِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْحُضُورِ كما مَرَّ فَإِنْ جُفِّفَ الرَّطْبُ وَبِأَنْ تَفَاوَتَ لَا يَقَعُ مِثْلُهُ في الْكَيْلِ بَطَلَ الْبَيْعُ وَإِنْ لم يَبِنْ تَفَاوُتٌ كَذَلِكَ بِأَنْ كان قَدْرًا يَقَعُ مِثْلُهُ في الْكَيْلِ أو تَلِفَ بِأَكْلٍ أو غَيْرِهِ لم يَبْطُلْ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْعَرَايَا في سَائِرِ الثِّمَارِ أَيْ بَاقِيهَا كَجَوْزٍ وَلَوْزٍ لِأَنَّهَا مُتَفَرِّقٌ مَسْتُورٌ بِالْأَوْرَاقِ فَلَا يُمْكِنُ خَرْصُهَا وَلَهُ بَيْعُ الْكَثِيرِ أَيْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَأَكْثَرَ في صَفَقَاتٍ كُلُّ صَفْقَةٍ دُونَ خَمْسَةٍ وَتَتَعَدَّدُ الصَّفْقَةُ بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي
وَكَذَا بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ على الْأَصَحِّ كما تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا نَظَرُوا هُنَا إلَى جَانِبِ الْمُشْتَرِي أَكْثَرَ حَيْثُ قَطَعُوا فيه بِالتَّعَدُّدِ دُونَ جَانِبِ الْبَائِعِ عَكْسِ ما قَالُوهُ في الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِأَنَّ الرَّطْبَ هو الْمَقْصُودُ وَالتَّمْرُ تَابِعٌ وَلَوْ بَاعَ رَجُلَانِ لِرَجُلَيْنِ صَفْقَةً جَازَ فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ لَا فِيمَا فَوْقَهُ وَعَبَّرَ الْأَصْلُ بِدُونِ عَشْرَةٍ وهو كما قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ سَبْقُ قَلَمٍ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ هُنَا في حُكْمِ أَرْبَعَةِ عُقُودٍ كما مَرَّ وَلَا يَخْتَصُّ بَيْعُ الْعَرَايَا بِالْفُقَرَاءِ بَلْ يَجْرِي في الْأَغْنِيَاءِ لِإِطْلَاقِ الْأَخْبَارِ فيه وما رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عن زَيْدِ بن ثَابِتٍ أَنَّ رِجَالًا مُحْتَاجِينَ من الْأَنْصَارِ شَكَوْا إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الرُّطَبَ يَأْتِي وَلَا نَقْدَ بِأَيْدِيهِمْ يَبْتَاعُونَ بِهِ رُطَبًا يَأْكُلُونَهُ مع الناس وَعِنْدَهُمْ فَضْلُ قُوتِهِمْ من التَّمْرِ فَرَخَّصَ لهم أَنْ يَبْتَاعُوا الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا من التَّمْرِ أُجِيبُ عنه بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَهَذَا حِكْمَةُ الْمَشْرُوعِيَّةِ ثُمَّ قد يَعُمُّ الْحُكْمُ كما في الرَّمَلِ وَالِاضْطِبَاعِ على أَنَّهُ ليس فيه أَكْثَرُ من أَنَّ قَوْمًا بِصِفَةٍ سَأَلُوا فَرَخَّصَ لهم وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ الرُّخْصَةِ فَقْرَهُمْ أو سُؤَالَهُمْ وَالرُّخْصَةُ عَامَّةٌ فلما أُطْلِقَتْ في أَخْبَارٍ أُخَرَ تَبَيَّنَ أَنَّ سَبَبَهَا السُّؤَالُ كما لو سَأَلَ غَيْرُهُمْ وَأَنَّ ما بِهِمْ من الْفَقْرِ غير مُعْتَبَرٍ إذْ ليس في لَفْظِ الشَّارِعِ ما يَدُلُّ لِاعْتِبَارِهِ وَالْعَرَايَا جَمْعُ عَرِيَّةٍ وَهِيَ لُغَةً النَّخْلَةُ وَوَزْنُهَا فَعِيلَةٌ قال الْجُمْهُورُ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ لِأَنَّهَا عَرِيَتْ بِإِعْرَاءِ مَالِكِهَا أَيْ إفْرَادِهِ لها من بَاقِي النَّخِيلِ فَهِيَ عَارِيَّةٌ وقال آخَرُونَ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ عن عَرَاءٍ يَعْرُوهُ إذَا أَتَاهُ لِأَنَّ مَالِكَهَا يَعْرُوهَا أَيْ يَأْتِيهَا فَهِيَ مَعْرُوَّةٌ وَأَصْلُهَا عَرَيْوَةٌ قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ فَتَسْمِيَةُ الْعَقْدِ بِذَلِكَ على الْقَوْلَيْنِ مَجَازٌ عن أَصْلِ ما عُقِدَ عليه
____________________
(2/107)
فَصْلٌ على من بَاعَ ثَمَرَ شَجَرٍ يَعْتَادُ سَقْيَهُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِغَيْرِ شَرْطِ قَطْعِ السَّقْيِ إلَى أَوَانِ الْجُذَاذِ بِقَدْرِ ما يَنْمُو بِهِ وَيَسْلَمُ من الْفَسَادِ لِأَنَّ السَّقْيَ من تَتِمَّةِ التَّسْلِيمِ الْوَاجِبِ كَالْكَيْلِ في الْمَكِيلِ وَالْوَزْنِ في الْمَوْزُونِ وَتَعْبِيرُ أَصْلِهِ بِقَدْرِ ما يَنْمُو بِهِ وَيَسْلَمُ من الْفَسَادِ أَضْبَطُ من تَعْبِيرِهِ هو بِإِلَى الْجُذَاذِ فَإِنْ شَرَطَ على الْمُشْتَرِي بَطَلَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ خِلَافُ قَضِيَّتِهِ أَمَّا إذَا بَاعَهُ قبل بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَلَا سَقْيَ على الْبَائِعِ لِانْقِطَاعِ الْعَلَقَةِ بَيْنَهُمَا بِاشْتِرَاطِ الْقَطْعِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَقَضِيَّتُهُ كما قال الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ لَا سَقْيَ عليه أَيْضًا فِيمَا لو بَاعَهُ من مَالِكِ الشَّجَرِ وهو ظَاهِرٌ وفي كَلَامِ الرَّوْضَةِ ما يَدُلُّ له وَيَتَسَلَّطُ الْمُشْتَرِي على التَّصَرُّفِ في الثَّمَرَةِ بِتَخْلِيَةِ الْبَائِعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لِحُصُولِ الْقَبْضِ بها وَتَقَدَّمَ في الْقَبْضِ عن الْأَصْلِ ما يُؤْخَذُ منه أَنَّهُ لو بَاعَ الثَّمَرَةَ بَعْدَ أَوَانِ الْجُذَاذِ لم يَحْصُلْ قَبْضُهَا إلَّا بِالنَّقْلِ فَلَا يَتَسَلَّطُ الْمُشْتَرِي عليها قَبْلَهُ وَلَوْ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ وإذا الْأَوْلَى قَوْلُ الْأَصْلِ فَإِنْ تَلِفَتْ كُلُّهَا بِجَائِحَةٍ كَحَرٍّ وَبَرْدٍ وَحَرِيقٍ قبل التَّخْلِيَةِ فَهِيَ من ضَمَانِ الْبَائِعِ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ أو بَعْضُهَا انْفَسَخَ فيه وَخُيِّرَ الْمُشْتَرِي في الْبَاقِي كما مَرَّ في تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ
وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا أَيْضًا أو تَلِفَتْ بِذَلِكَ بَعْدَهَا فَهِيَ من ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ لم يَشْرِطْ قَطْعَهُ لِقَبْضِهِ بِالتَّخْلِيَةِ وَالْأَمْرُ في خَبَرِ مُسْلِمٍ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ مَحْمُولٌ على النَّدْبِ أو على ما قبل التَّخْلِيَةِ جَمْعًا بين الْأَدِلَّةِ وَإِنْ وفي نُسْخَةٍ فَإِنْ تَلِفَتْ من الْعَطَشِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ لِاسْتِنَادِ التَّلَفِ إلَى تَرْكِ السَّقْيِ الْمُسْتَحَقِّ كما في قَتْلِ الْعَبْدِ بِرِدَّةٍ سَابِقَةٍ وَإِنْ تَعَيَّبَتْ بِهِ أَيْ بِالْعَطَشِ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَإِنْ قُلْنَا الْجَائِحَةُ من ضَمَانِهِ لِاسْتِنَادِ التَّعَيُّبِ إلَى تَرْكِ السَّقْيِ الْمُسْتَحَقِّ فَالتَّعَيُّبُ بِتَرْكِهِ كَالْعَيْبِ قبل الْقَبْضِ نعم إنْ تَعَذَّرَ السَّقْيُ بِأَنْ غَارَتْ الْعَيْنُ وَانْقَطَعَ النَّهْرُ فَلَا خِيَارَ له كما صَرَّحَ بِهِ أبو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الْقِيَاسُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ في الْأُمِّ وَالْجُوَيْنِيِّ في السِّلْسِلَةِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُكَلَّفُ تَحْصِيلَ مَاءٍ آخَرَ فَإِنْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ آلَ التَّعَيُّبُ إلَى التَّلَفِ وهو أَيْ وَالْمُشْتَرِي عَالِمٌ بِهِ ولم يَفْسَخْ فَهَلْ يَغْرَمُ له الْبَائِعُ الْبَدَلَ لِعُدْوَانِهِ أَمْ لَا لِتَقْصِيرِ الْمُشْتَرِي بِتَرْكِ الْفَسْخِ مع الْقُدْرَةِ وَجْهَانِ لَا تَرْجِيحَ فِيهِمَا وَالْأَوْجَهُ الثَّانِي لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ هُنَا إمَّا الْيَدُ وقد زَالَتْ أو الْجِنَايَةُ وَتَرْكُ السَّقْيِ ليس بِجِنَايَةٍ مُضَمَّنَةٍ كما لو أَخَذَ مَاءَ غَيْرِهِ بِمَفَازَةٍ فَمَاتَ عَطَشًا لم يَضْمَنْهُ فَإِنْ فَرَّقَ بِأَنَّ السَّقْيَ مُلْتَزِمٌ بِحُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ وَتَرْكُهُ يُؤَدِّي إلَى تَلَفِ الثَّمَرَةِ غَالِبًا بِدَلِيلِ ضَمَانِهَا فِيمَا مَرَّ ضَمَانَ عَقْدٍ قُلْنَا عَارِضَةُ تَقْصِيرِ الْمُشْتَرِي ما ذَكَرَ فَإِنْ كان جَاهِلًا انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَإِنْ قَبَضَ جُزَافًا ما اشْتَرَاهُ مُكَايَلَةً فَتَلِفَ في يَدِهِ فَفِي انْفِسَاخِ الْعَقْدِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نعم لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الْكَيْلِ بَيْنَهُمَا فلم يَحْصُلْ الْقَبْضُ الْمُفِيدُ لِلتَّصَرُّفِ وَالثَّانِي لَا لِوُجُودِ الْقَبْضِ الْمُفْسِدِ لِنَقْلِ الضَّمَانِ وَتَقَدَّمَ في الْكَلَامِ على الْقَبْضِ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ صَحَّحَ الثَّانِيَ وَأَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ غَيْرِهِ وهو الْأَوْجَهُ تَصْحِيحُ الْأَوَّلِ فَرْعٌ لو بَاعَ الثَّمَرَةَ مع الشَّجَرِ فَتَلِفَتْ الثَّمَرَةُ قبل التَّخْلِيَةِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فيها لَا في الشَّجَرِ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ فَرْعٌ لو اشْتَرَى ثَمَرَةً يَغْلِبُ فيها الِاخْتِلَاطُ أَيْ اخْتِلَاطُ حَادِثُهَا بِالْوُجُودِ النَّاشِئِ ذلك من غَلَبَةِ تَلَاحُقِهَا كَتِينٍ وَقِثَّاءَ وَخِيفَ الِاخْتِلَاطُ لم يَصِحَّ الْعَقْدُ وَإِنْ بَدَا صَلَاحُهَا لِتَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَيْ قَطْعِ الثَّمَرَةِ عِنْدَ خَوْفِ الِاخْتِلَاطِ فَيَصِحُّ حِينَئِذٍ فَإِنْ لم يَخَفْ بِأَنْ أَمْكَنَ التَّمْيِيزُ بين اللَّاحِقِ وَالسَّابِقِ صَحَّ الْبَيْعُ فِيمَا بَدَا صَلَاحُهُ بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ فَإِنْ شَرَطَهُ أَيْ قَطْعَهَا فلم تُقْطَعْ أو كانت مِمَّا يَنْدُرُ اخْتِلَاطُهَا أو مِمَّا يَتَسَاوَى فيها الْأَمْرَانِ أو لم يَعْلَمْ حَالَهَا وَاخْتَلَطَتْ في الْأَرْبَعِ بِالْحَادِثَةِ وَلَوْ بَعْدَ الْأُولَى قبل التَّخْلِيَةِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ لِبَقَاءِ عَيْنِ الْمَبِيعِ وَإِمْكَانِ التَّسْلِيمِ
____________________
(2/108)
بِمَا يَأْتِي بَلْ يَثْبُتُ له أَيْ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ وَقَعَ الِاخْتِلَاطُ قبل التَّخْلِيَةِ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ من الْإِبَاقِ هذا إنْ لم يَسْمَحْ له الْبَائِعُ بِالْحَادِثَةِ فَإِنْ سَمَحَ له بها هِبَةً أو إعْرَاضًا فَلَا خِيَارَ له لِزَوَالِ الْمَحْذُورِ قال في شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَيَمْلِكُهَا بِالْإِعْرَاضِ عن السَّنَابِلِ وَإِنَّمَا لم يَمْلِكْ النَّعْلَ بِالْإِعْرَاضِ عنها لِأَنَّ عَوْدَهَا إلَى الْبَائِعِ مُتَوَقَّعٌ وَلَا سَبِيلَ هُنَا إلَى تَمَيُّزِ حَقِّ الْبَائِعِ وَقَضِيَّةُ قَوْلِ الْأَصْلِ يَثْبُتُ له الْخِيَارُ
ثُمَّ إنْ سَمَحَ له الْبَائِعُ سَقَطَ خِيَارُهُ جَوَازُ مُبَادَرَةِ الْمُشْتَرِي لِلْفَسْخِ إلَّا أَنْ يُبَادِرَ الْبَائِعُ وَيَسْمَحَ وَيَسْقُطُ خِيَارُهُ لَكِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ التَّنْبِيهِ أَنَّهُ ليس له الْمُبَادَرَةُ لِذَلِكَ بَعْدَ مُشَاوَرَةِ الْبَائِعِ وهو ما حَكَاهُ في الْمَطْلَبِ عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَرَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالَهُ يَحْتَمِلُ الْأَوَّلَ وَيَحْتَمِلُ الثَّانِيَ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَثْبُتُ له الْخِيَارُ إنْ سَأَلَ الْبَائِعَ لِيَسْمَحَ له فلم يَسْمَحْ قال في الْمُهِمَّاتِ وَمَعْنَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ له أَنَّهُ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ وَيَكُونُ الْحَاكِمُ هو الذي يَفْسَخُ كما صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ منهم الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَنَقَلَهُ ابن الرِّفْعَةِ عنهما وهو مُتَّجَهٌ لِأَنَّهُ لِقَطْعِ النِّزَاعِ لَا لِلْعَيْبِ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُوهِمُ خِلَافَهُ وَيُؤْخَذُ من كَوْنِهِ لِقَطْعِ النِّزَاعِ أَنَّهُ ليس فَوْرِيًّا كَالْفَسْخِ بَعْدَ التَّحَالُفِ انْتَهَى وَرَدَّ بِأَنَّ ما نَقَلَهُ مُفَرَّعٌ على أَنَّ الْحَاكِمَ في بَابِ التَّحَالُفِ هو الذي يَفْسَخُ أَمَّا على الْمَذْهَبِ فَلَا يَفْسَخُ إلَّا الْمُشْتَرِي كما قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَقَضِيَّةُ هذا أَنْ لَا يَنْحَصِرَ الْفَسْخُ هَهُنَا في الْمُشْتَرِي كَنَظِيرِهِ ثَمَّ وَمَالَ إلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَتَقَدَّمَ له نَظِيرُهُ فِيمَا لو اشْتَرَى حُلِيَّ ذَهَبٍ بِوَزْنِهِ ذَهَبًا فَبَانَ مَعِيبًا وَالْأَوْجَهُ ما قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ ما ذُكِرَ ليس عَيْبًا بَلْ هو عَيْبٌ لِصِدْقِ تَعْرِيفِهِ عليه وَلَا دَخْلَ لِلْحَاكِمِ في الرَّدِّ بِهِ بِخِلَافِهِ في بَابِ التَّحَالُفِ الذي لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَهُ وَعَلَى هذا فَالْخِيَارُ على الْفَوْرِ أَمَّا إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَاطُ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي
وهو وَارِدٌ على الْمُصَنِّفِ دُونَ أَصْلِهِ فَإِنْ تَرَاضَيَا بَعْدَ الِاخْتِلَاطِ وَلَوْ قبل التَّخْلِيَةِ لَا كما قَيَّدَهُ الْأَصْلُ بِمَا بَعْدَهَا على قَدْرٍ من الثَّمَرِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْيَدِ بِيَمِينِهِ في قَدْرِ حَقِّ الْآخَرِ وَهَلْ الْيَدُ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ لِلْبَائِعِ أو لِلْمُشْتَرِي أو كِلَيْهِمَا فيه أَوْجُهٌ ثَلَاثَةٌ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحُ الثَّانِي لِبِنَائِهِ له مع الْأَوَّلِ على أَنَّ الْجَوَائِحَ من ضَمَانِ الْبَائِعِ أو الْمُشْتَرِي وَعَلَى الثَّالِثِ يُقْسَمُ الْمُتَنَازَعُ فيه بَيْنَهُمَا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تَحْلِيفُ صَاحِبِهِ كما يُعْرَفُ من بَابِ الدَّعَاوَى وَيَجْرِي هذا الْحُكْمُ في بَيْعِ الْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا من الْمِثْلِيَّاتِ وَمُتَمَاثِلِ الْأَجْزَاءِ حَيْثُ يَخْتَلِطُ بِحِنْطَةِ الْبَائِعِ فَلَا انْفِسَاخَ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ لم يَسْمَحْ له الْبَائِعُ وَوَقَعَ الِاخْتِلَاطُ قبل الْقَبْضِ وَإِلَّا فَلَا خِيَارَ له وَيَأْتِي فيه ما مَرَّ لَكِنَّ الْيَدَ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الْقَبْضِ لِلْمُشْتَرِي لِوُجُودِ الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ لُغَةً وَشَرْعًا وَقِيلَ لِلْبَائِعِ اعْتِبَارًا بِكَوْنِ يَدِهِ كانت ثَابِتَةً قَبْلُ إلَّا وفي نُسْخَةٍ لَا إنْ أَوْدَعَهَا أَيْ الْمُشْتَرِي الْحِنْطَةَ الْبَائِعَ بَعْدَ الْقَبْضِ ثُمَّ اخْتَلَطَتْ فَالْيَدُ له أَيْ لِلْبَائِعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ وَلَوْ اخْتَلَطَ نَحْوُ الثِّيَابِ من الْمُتَقَوِّمَاتِ بِمِثْلِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ انْفَسَخَ لِأَنَّ ذلك يُورِثُ الِاشْتِبَاهَ وهو مَانِعٌ من صِحَّةِ الْعَقْدِ لو فُرِضَ ابْتِدَاءً وفي نَحْوِ الْحِنْطَةِ غَايَةُ ما يَلْزَمُ الْإِشَاعَةُ وَهِيَ غَيْرُ مَانِعَةٍ وَلَوْ اشْتَرَى جَرَّةً من الرَّطْبَةِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَطَالَتْ وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ فَكَاخْتِلَاطِ الثَّمَرِ فِيمَا ذُكِرَ فَرْعٌ فَإِنْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ اشْتَرَى الشَّجَرَةَ وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ لِلْبَائِعِ يَغْلِبُ تَلَاحُقُهَا لم يَصِحَّ إلَّا بِشَرْطِ قَطْعِ الْبَائِعِ ثَمَرَتَهُ عِنْدَ خَوْفِ الِاخْتِلَاطِ فَإِنْ شَرَطَ فلم يَقْطَعْ أو كانت مِمَّا يَنْدُرُ تَلَاحُقُهَا وَجَرَى الِاخْتِلَاطُ كما سَبَقَ في ثِمَارِ الْمُشْتَرِي لم يَنْفَسِخْ بَلْ من سَمَحَ بِحَقِّهِ لِصَاحِبِهِ أُجْبِرَ صَاحِبُهُ على الْقَبُولِ وَإِنْ تَشَاحَّا فُسِخَ الْعَقْدُ بَابُ مُعَامَلَاتِ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ قال ابن حَزْمٍ لَفْظُ الْعَبْدِ يَتَنَاوَلُ الْأَمَةَ قال الْإِمَامُ وَتَصَرُّفَاتُ الرَّقِيقِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ ما لَا يَنْفُذُ وَإِنْ أَذِنَ فيه السَّيِّدُ كَالْوِلَايَاتِ وَالشَّهَادَاتِ وما يَنْفُذُ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَالْعِبَادَاتِ وَالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وما يَتَوَقَّفُ على إذْنِهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ كما قال ليس لِلْعَبْدِ الذي يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ لو كان حُرًّا أَنْ يَتَّجِرَ أو يَتَصَرَّفَ بِبَيْعٍ أو إيجَارٍ أو نَحْوَهُ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عليه لِنَقْصٍ كَالسَّفِيهِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ له لِأَنَّهُ ليس أَهْلًا لِلْمِلْكِ وَلَا لِمَوْلَاهُ بِعِوَضٍ
____________________
(2/109)
في ذِمَّتِهِ لِأَنَّهُ لم يَرْضَ بِهِ وَلَا في ذِمَّةِ الْعَبْدِ لِمَا فيه من حُصُولِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ لِغَيْرِ من يَلْزَمُهُ الْآخَرُ إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَلَهُ ذلك لِصِحَّةِ عِبَارَتِهِ وَارْتِفَاعِ الْمَانِعِ من تَصَرُّفِهِ بِالْإِذْنِ لَا بِسُكُوتِهِ على ذلك كما في نِكَاحِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ قد يُسْتَثْنَى من ذلك ما لو بَاعَ الْمَأْذُونُ مع مَالِهِ فإنه لَا يُشْتَرَطُ تَجْدِيدُ إذْنٍ من الْمُشْتَرِي على الْأَظْهَرِ في النِّهَايَةِ كما قَالَهُ ابن الرِّفْعَةِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِ مَحْجُورِهِ في التِّجَارَةِ إذَا كان ثِقَةً مَأْمُونًا فَإِنْ أَذِنَ له في التِّجَارَةِ دخل فيه لَوَازِمُهَا كَالْمُخَاصَمَةِ في الْعُهْدَةِ وَالنَّشْرِ وَالطَّيِّ لِلثِّيَابِ وَحَمْلِ الْمَتَاعِ إلَى الْحَانُوتِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَيُؤَجِّرُ مَالَ التِّجَارَةِ كَعَبِيدِهَا وَثِيَابِهَا وَدَوَابِّهَا لِعَادَةِ التُّجَّارِ في ذلك وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ من فَوَائِدِ الْمِلْكِ فَيَمْلِكُ الْعَقْدَ عليها كَالصُّوفِ وَاللَّبَنِ لَا نَفْسَهُ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يَتَنَاوَلُ إجْبَارَهَا كما لَا يَتَنَاوَلُ بَيْعَهَا وَلَا يَتَزَوَّجُ لِذَلِكَ وفي تَنَاوُلِهِ الِافْتِرَاضَ تَرَدُّدٌ لِلْقَاضِي وَلَا يُوَكِّلُ أَجْنَبِيًّا كَالْوَكِيلِ لَا يُوَكِّلُ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ فَإِنْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ أَذِنَ له أَنْ يَتَّجِرَ في نَوْعٍ أو زَمَنٍ أو بَلَدٍ لم يُجَاوِزْهُ كَالْوَكِيلِ فَإِنْ لم يَنُصَّ له على شَيْءٍ تَصَرَّفَ في كل الْأَنْوَاعِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْبُلْدَانِ فَإِنْ قال له اتَّجِرْ في هذا الْأَلْفِ لم يَشْتَرِ في ذِمَّتِهِ بِأَكْثَرَ منه أو قال اجْعَلْهُ رَأْسَ مَالِ تِجَارَةٍ أو رَأْسَ مَالِكِ وَاتَّجِرْ اشْتَرَى في ذِمَّتِهِ ما يَعْنِي بِمَا شَاءَ وَلَوْ بِأَكْثَرَ منه وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ له أَنْ يَشْتَرِيَ بِعَيْنِ الْأَلْفِ وفي الذِّمَّةِ وَلَوْ أَذِنَ الْمَأْذُونُ لِعَبْدِهِ الذي اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ في تَصَرُّفٍ مُعَيَّنٍ كَشِرَاءِ ثَوْبٍ جَازَ لِأَنَّهُ يَصْدُرُ عن رَأْيِهِ وَلِأَنَّهُ لَا غِنَى بِهِ عن ذلك وفي مَنْعِهِ منه تَضْيِيقٌ عليه وَهَذَا ما صَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَجَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْبَغَوِيّ مَنْعُهُ لِأَنَّ السَّيِّدَ لم يَرْضَ بِتَصَرُّفِ غَيْرِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْلِ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ فَلِهَذَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ وَإِضَافَةِ عبد التِّجَارَةِ إلَى الْمَأْذُونِ لِتَصَرُّفِهِ فيه لَا في التِّجَارَةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَيَنْعَزِلُ الثَّانِي بِعَزْلِ السَّيِّدِ له وَإِنْ لم يَنْتَزِعْهُ من يَدِ الْأَوَّلِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وهو وَاضِحٌ وَلَا يَتَبَرَّعُ هو أَعَمُّ من قَوْلِ أَصْلِهِ وَلَا يَتَصَدَّقُ وَلَا يَتَّخِذُ دَعْوَةً بِتَثْلِيثِ الدَّالِ كما قَالَهُ ابن مَالِكٍ وَفَتْحُهَا أَشْهَرُ وَهِيَ الطَّعَامُ الْمَدْعُوُّ إلَيْهِ وَلَا يُنْفِقُ على نَفْسِهِ من مَالِ التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ مِلْكُ السَّيِّدِ فَلَا يَفْعَلُ شيئا من ذلك وَإِنْ جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فَعَلَيْهِ الْقِيَاسُ أَنَّهُ يُرَاجِعُ الْحَاكِمَ في غَيْبَةِ سَيِّدِهِ في الْأَخِيرَةِ لَكِنْ قَيَّدَهَا ابن الرِّفْعَةِ بِحَالَةِ اجْتِمَاعِ سَيِّدِهِ معه أَمَّا في غَيْبَتِهِ عنه فَلَهُ الْإِنْفَاقُ على نَفْسِهِ من ذلك قال لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِهِ وَلَا يُعَامِلُ سَيِّدَهُ وَلَا مَأْذُونًا له آخَرَ بِبَيْعٍ أو غَيْرِهِ من الْعُقُودِ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ لِسَيِّدِهِ وَيَدُ رَقِيقِ السَّيِّدِ كَيَدِ السَّيِّدِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ لِمَا مَرَّ فيه وَلَا يَتَّجِرُ في أَكْسَابِهِ
____________________
(2/110)
بِنَحْوِ احْتِطَابٍ وَاصْطِيَادٍ وَقَبُولِ هِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ لِأَنَّهُ لم يَحْصُلْ بِالتِّجَارَةِ وَلَا سَلَّمَهُ له السَّيِّدُ لِيَكُونَ رَأْسَ مَالٍ وَقِيلَ يَتَّجِرُ فيها لِأَنَّهَا من الْأَكْسَابِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ تَبَعًا لِلْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَنْعَزِلُ بِالْإِبَاقِ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ فَلَا يُوجِبُ الْحَجْرَ فَلَهُ التَّصَرُّفُ حتى بِمَحَلِّ الْإِبَاقِ إلَّا إذَا خَصَّ الْإِذْنَ بِغَيْرِهِ وَلَوْ أَذِنَ لِأَمَتِهِ في التِّجَارَةِ فَاسْتَوْلَدَهَا لم تَنْعَزِلْ لِبَقَائِهَا على مِلْكِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ مَنَافِعَهَا وَإِقْرَارُهُ بِدَيْنِ التِّجَارَةِ مَقْبُولٌ كما سَيَأْتِي في بَابِ الْإِقْرَارِ حتى يُقْبَلَ إقْرَارُهُ لِبَعْضِهِ من وَالِدِ وَلَدٍ كَإِقْرَارِ الْمَرِيضِ لَهُمَا وَلَا يَبِيعُ بِنَسِيئَةٍ ولا غَبْنٍ أَيْ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَلَا يُسَافِرُ بِمَالِ التِّجَارَةِ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ كَالْوَكِيلِ في الثَّلَاثَةِ أَمَّا شِرَاؤُهُ بِالنَّسِيئَةِ فَجَائِزٌ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَيُؤْخَذُ من كَلَامِ الْجُرْجَانِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ له أَنْ يَبِيعَ بِالْعَرَضِ كَعَامِلِ الْقِرَاضِ حَيْثُ قال وَيُفَارِقُ الْمَأْذُونُ الْعَامِلَ في ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَحَدِهَا أَنَّ الْخُسْرَانَ على الْمَأْذُونِ يَكُونُ في ذِمَّتِهِ يُتْبَعُ بِهِ إذَا عَتَقَ وفي الْقِرَاضِ على رَبِّ الْمَالِ وَالثَّانِي الرُّجُوعِ بِالْعَهْدِ على الْمَأْذُونِ وفي الْقِرَاضِ على رَبِّ الْمَالِ وَالثَّالِثِ أَنَّ الْمَأْذُونَ إذَا اشْتَرَى من يُعْتَقُ على سَيِّدِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَحَّ الشِّرَاءُ على أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَالْعَامِلُ إذَا اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ إذْنٍ لم يَصِحَّ قَوْلًا وَاحِدًا قال السُّبْكِيُّ وَقَوْلُهُ الْخُسْرَانُ يُتْبَعُ بِهِ إذَا عَتَقَ فيه نَظَرٌ لِأَنَّ السَّيِّدَ وَالْعَبْدَ لَا يَثْبُتُ لِأَحَدِهِمَا على الْآخَرِ شَيْءٌ وَلَا يَعْزِلُ نَفْسَهُ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ حَقٌّ عليه لِسَيِّدِهِ فَلَا يَقْدِرُ على إبْطَالِهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ إذْ الْحَقُّ فيه له وَبِخِلَافِ الْوَكِيلِ إذْ ليس عليه طَاعَةُ مُوَكِّلِهِ وَالرَّقِيقُ عليه طَاعَةُ سَيِّدِهِ وَمَنْ له سَيِّدَانِ اُشْتُرِطَ إذْنُهُمَا كما في النِّكَاحِ فَيَكُونُ مَأْذُونًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَوَكِيلًا له بِإِذْنِ الْآخَرِ وَهَذَا إذَا لم تَكُنْ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ فَإِنْ كانت فَأَذِنَ له أَحَدُهُمَا في نَوْبَتِهِ قال الْقَاضِي في فَتَاوِيهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَبْنِيَ على أَنَّ الْأَكْسَابَ النَّادِرَةَ هل تَدْخُلُ في الْمُهَايَأَةِ وَفِيهِ وَجْهَانِ انْتَهَى وَأَصَحُّهُمَا نعم فَيَكْفِي إذْنُهُ في أَنْ يَتَّجِرَ قَدْرَ نَوْبَتِهِ فَرْعٌ إذَا لم نَعْرِفْ رِقَّ رَجُلٍ فَلَنَا مُعَامَلَتُهُ إذْ الْأَصْلُ وَالْغَالِبُ في الناس الْحُرِّيَّةُ لَا إنْ عَلِمْنَاهُ أَيْ رِقَّهُ وَنُعَامِلُهُ حِفْظًا لِمَالِنَا حتى نَعْلَمَ الْإِذْنَ له بِالْبَيِّنَةِ أو سَمَاعِ السَّيِّدِ أَيْ أو بِسَمَاعِنَا منه الْإِذْنَ له وَكَذَا بِالْإِشَاعَةِ له بين الناس لَا بِقَوْلِهِ أَيْ الرَّقِيقِ وَإِنْ ظَنَنَّا صِدْقَهُ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ وِلَايَةً وَكَمَا لو زَعَمَ الرَّاهِنُ إذْنَ الْمُرْتَهِنِ في بَيْعِ الْمَرْهُونِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَكِيلِ بِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَحْتَاجُ إلَى دَعْوَى الْوَكَالَةِ بَلْ تَجُوزُ مُعَامَلَتُهُ بِنَاءً على ظَاهِرِ الْحَالِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ يَدٍ بِخِلَافِ الرَّقِيقِ وَقَضِيَّةُ ما ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي خَبَرُ عَدْلٍ وَاحِدٍ قال السُّبْكِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْفِي لِحُصُولِ الظَّنِّ بِهِ وَإِنْ لم يَكْفِ عِنْدَ الْحَاكِمِ إلْحَاقًا له بِالشُّفْعَةِ وَكَمَا أَنَّ سَمَاعَهُ من السَّيِّدِ وَالشُّيُوعِ وَقَوْلُ الْوَكِيلِ كَذَلِكَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ الِاكْتِفَاءُ بِالنِّسَاءِ وَبِالْمَرْأَةِ وَبِالْعَبْدِ وَلَكِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْمَطْلَبِ خِلَافُهُ ولم أَرَهُ لِغَيْرِهِ بَلْ اسْتَبْعَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ وقال يَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِخَبَرِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ بَلْ خَبَرُ من يَثِقُ بِهِ من عَبْدٍ وَامْرَأَةٍ بَلْ يَظْهَرُ أَنَّهُ أَوْلَى من شُيُوعٍ لَا يَعْرِفُ أَصْلَهُ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الزَّرْكَشِيُّ ثُمَّ قال وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْبَيِّنَةِ ما تُقَامُ بين يَدَيْ الْحَاكِمِ أو إخْبَارِ عَدْلَيْنِ له الظَّاهِرُ الثَّانِي
فإذا عَامَلَ رَقِيقًا وَجَهِلَ الْإِذْنَ له أو من أَنْكَرَ هو وَكَالَتَهُ فَبَانَ مَأْذُونًا له في الْأُولَى أو وَكِيلًا في الثَّانِيَةِ صَحَّ كَمَنْ بَاعَ مَالَ أبيه ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا وَمِثْلُهُ ما لو عَامَلَ من عُرِفَ سَفَهُهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كان قد انْفَكَّ حَجْرُهُ وَلَا تَصِحُّ مُعَامَلَتُهُ أَيْ الْمَأْذُونِ له وَلَا مُعَامَلَةُ الْوَكِيلِ إنْ قال حَجَرَ عَلَيَّ أَيْ حَجَرَ عَلَيَّ سَيِّدِي أو مُوَكِّلِي وَلَوْ كَذَّبَهُ السَّيِّدُ وَالْمُوَكِّلُ في ذلك بِأَنْ قال لم أَحْجُرْ عليه لِأَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ بِزَعْمِ الْعَاقِدِ فَلَا يُعَامَلُ بِقَوْلِ غَيْرِهِ وَتَكْذِيبُ السَّيِّدِ أو الْمُوَكِّلِ له لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِذْنَ له كما لو قال ابْتِدَاءً لَا أَمْنَعُك من التَّصَرُّفِ لَا يَسْتَلْزِمُ ذلك لِأَنَّ عَدَمَ الْمَنْعِ أَعَمُّ من الْإِذْنِ نعم لو قال كُنْت أَذِنْت له وأنا بَاقٍ
____________________
(2/111)
جَازَتْ مُعَامَلَتُهُ وَإِنْ أَنْكَرَ ذَكَرَ ذلك الزَّرْكَشِيُّ في مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وَيُؤْخَذُ منه أَنْ يَحِلَّ مَنْعَ مُعَامَلَتِهِ فِيمَا إذَا كَذَّبَهُ السَّيِّدُ أَنْ يَكُونَ الْمُعَامِلُ له سمع الْإِذْنَ من غَيْرِ السَّيِّدِ وَإِلَّا جَازَتْ مُعَامَلَتُهُ وهو ظَاهِرٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ حَيْثُ ظَنَّ كَذِبَ الْعَبْدِ جَازَتْ مُعَامَلَتُهُ ثُمَّ إنْ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ بَطَلَتْ وَإِلَّا فَلَا وَذِكْرُ مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَلِمَنْ عَلِمَهُ مَأْذُونًا وَعَامَلَهُ أَنْ لَا يُسَلِّمَ إلَيْهِ الْعِوَضَ حتى يَثْبُتَ أَيْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِالْإِذْنِ خَوْفًا من خَطَرِ إنْكَارِ السَّيِّدِ كما لو صَدَقَ مُدَّعِي الْوَكَالَةَ بِقَبْضِ الْحَقِّ له أَنْ يَمْتَنِعَ من التَّسْلِيمِ حتى يَشْهَدَ بها قال الزَّرْكَشِيُّ يَنْبَغِي تَصْوِيرُهَا بِمَا إذَا عَلِمَ الْإِذْنَ بِغَيْرِ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ عَلِمَهُ بها فَلَيْسَ له الِامْتِنَاعُ لِزَوَالِ الْمَحْذُورِ وَالْأَصْلُ دَوَامُ الْإِذْنِ فَصْلٌ لو خَرَجَ ما بَاعَهُ الْمَأْذُونُ مُسْتَحَقًّا وقد تَلِفَ الْعِوَضُ في يَدِهِ بَلْ أو في غَيْرِهَا طُولِبَ بِبَدَلِهِ وَإِنْ عَتَقَ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ وَلِتَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ عليه قبل عِتْقِهِ وَيُطَالَبُ بِهِ السَّيِّدُ أَيْضًا وَإِنْ كان في يَدِ الْعَبْدِ وَفَاءٌ لِأَنَّ الْعَقْدَ له وَلَا يُنَافِيهِ ما سَيَأْتِي من أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ إذْ لَا يَلْزَمُ من الْمُطَالَبَةِ بِشَيْءٍ ثُبُوتُهُ في الذِّمَّةِ بِدَلِيلِ مُطَالَبَةِ الْقَرِيبِ بِنَفَقَةِ قَرِيبِهِ وَالْمُوسِرِ بِنَفَقَةِ الْمُضْطَرِّ وَاللَّقِيطِ إذَا لم يَكُنْ له مَالٌ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُطَالَبُ لِيُؤَدِّيَ مِمَّا في يَدِ الْعَبْدِ لَا من غَيْرِهِ وَلَوْ مِمَّا كَسَبَهُ الْعَبْدُ بَعْدَ الْحَجْرِ عليه وَصَارَ كَالْوَارِثِ في التَّرِكَةِ يُطَالَبُ بِالْوَفَاءِ بِقَدْرِهَا فَقَطْ ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَفَائِدَةُ مُطَالَبَةِ السَّيِّدِ بِذَلِكَ إذَا لم يَكُنْ في يَدِ الْعَبْدِ مَالٌ احْتِمَالٌ أَنَّهُ يُؤَدِّيهِ لِأَنَّ له بِهِ عَلَقَةً في الْجُمْلَةِ وَإِنْ لم تَلْزَمْ ذِمَّتُهُ فَإِنْ أَدَّاهُ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْعَبْدِ وَإِلَّا فَلَا وَيُطَالَبُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَيْضًا بِثَمَنِ الْمَبِيعِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ مع إلْحَاقِ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ بِهِمَا وَمَسْأَلَةُ الْإِلْحَاقِ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ في كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَمَحَلُّ ذلك في الْبَيْعِ الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ فَالْمَأْذُونُ في الْفَاسِدِ كَغَيْرِ الْمَأْذُونِ فَيَتَعَلَّقُ الثَّمَنُ بِذِمَّتِهِ لَا بِكَسْبِهِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَمِثْلُهُ فِيمَا ذَكَرَ الْمُوَكِّلُ وَرَبُّ مَالِ الْقِرَاضِ فَيُطَالَبَانِ بِذَلِكَ كما يُطَالَبُ بِهِ الْوَكِيلُ وَالْعَامِلُ وَلَوْ بَعْدَ عَزْلِهِمَا سَوَاءٌ أَدَفَعَ رَبُّ الْمَالِ إلَيْهِمَا الثَّمَنَ أَمْ لَا وَلَوْ غَرِمَ الْعَبْدُ ذلك بَعْدَ الْعِتْقِ لم يَرْجِعْ على السَّيِّدِ لِأَنَّ ما غَرِمَهُ مُسْتَحَقٌّ بِالتَّصَرُّفِ السَّابِقِ على عِتْقِهِ وَتَقَدُّمُ السَّبَبِ كَتَقَدُّمِ الْمُسَبَّبِ فَالْمُغَرَّمُ بَعْدَ الْعِتْقِ كَالْمُغَرَّمِ قَبْلَهُ وَهَذَا كما لو أَعْتَقَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الذي آجَرَهُ في أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ لَا يَرْجِعُ عليه بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ لِلْمُدَّةِ التي بَعْدَ الْعِتْقِ فَصْلٌ لو أَعْطَاهُ سَيِّدُهُ أَلْفًا مَثَلًا لِلتِّجَارَةِ فيه فَاشْتَرَى شيئا في ذِمَّتِهِ لَا بِعَيْنِهِ ثُمَّ تَلِفَ الْأَلْفُ قبل تَسْلِيمِهِ لِلْبَائِعِ لم يَنْفَسِخْ عَقْدُهُ بَلْ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ إنْ لم يُوفِهِ السَّيِّدُ وَقِيلَ يَنْفَسِخُ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْإِذْنِ وَإِنَّمَا لم يُطَالَبْ السَّيِّدُ على الْأَوَّلِ بِبَدَلِ الْأَلْفِ كما هو وَجْهٌ كَسَائِرِ دُيُونِ الْمُعَامَلَاتِ لِانْقِطَاعِ الْعَلَقَةِ هُنَا بِتَلَفِ ما دَفَعَهُ من غَيْرِ أَنْ يَخْلُفَهُ شَيْءٌ من كَسْبِ الْمَأْذُونِ وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ في عَامِلِ الْقِرَاضِ وَالْوَكِيلِ حَيْثُ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ في تَصْحِيحِهِ وُقُوعَ الْعَقْدِ لِلْأَوَّلِ وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي وُقُوعَهُ لِلثَّانِي في وَجْهٍ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ بِأَنَّ الْعَبْدَ ليس أَهْلًا لِلْمِلْكِ وَيَدُهُ كَيَدِ سَيِّدِهِ بِخِلَافِ الْعَامِلِ وَالْوَكِيلِ ولم يُرَجِّحْ الْأَصْلُ في مَسْأَلَتَيْهِمَا شيئا بَلْ ولم يَحْكِ ما صَحَّحَهُ هُنَا من التَّخْيِيرِ في مَسْأَلَةِ الْقِرَاضِ وَجْهًا وَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِهِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ كما لو تَلِفَ الْمَبِيعُ قبل الْقَبْضِ وَقَوْلُ الرَّوْضَةِ عن التَّهْذِيبِ وَلَوْ اشْتَرَى الْمَأْذُونُ شيئا بِعَرَضٍ فَتَلِفَ الشَّيْءُ ثُمَّ خَرَجَ الْعَرَضُ مُسْتَحَقًّا فَالْقِيمَةُ في كَسْبِهِ أَمْ على السَّيِّدِ وَجْهَانِ حَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِيُفِيدَ التَّرْجِيحَ فإنه كَنَظَائِرِهِ فَيُطَالَبُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَالْحَقُّ مُتَعَلِّقٌ بِمَا في يَدِ الْعَبْدِ فَصْلٌ تَتَعَلَّقُ دُيُونُ التِّجَارَةِ الْمَأْذُونِ فيها لِلرَّقِيقِ بِمَا في يَدِهِ من مَالِ التِّجَارَةِ الْحَاصِلَةِ قبل الْحَجْرِ عليه أَصْلًا وَرِبْحًا لِأَنَّهَا لَزِمَتْ بِمُعَاوَضَةٍ بِالْإِذْنِ كَالنَّفَقَةِ في النِّكَاحِ وَكَذَا بِأَكْسَابِهِ الْغَالِبَةِ وَالنَّادِرَةِ قبل الْحَجْرِ عليه كَاحْتِطَابٍ وَاصْطِيَادٍ وَقَبُولِ هِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ كما يَتَعَلَّقُ بها الْمَهْرُ وَمُؤَنُ النِّكَاحِ وَلَا تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ لِلُزُومِهَا بِرِضَا مُسْتَحِقِّهَا كَاقْتِرَاضِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَأَرْشِ جِنَايَتِهِ أَيْ وَلَا بِأَرْسِ الْجِنَايَةِ على الْمَأْذُونِ لِأَنَّهُ بَدَلُ رَقَبَتِهِ وَلَا مَهْرِهَا
____________________
(2/112)
أَيْ الْمَأْذُونَةِ إنْ كانت أَمَةً لِأَنَّهُ بَدَلُ بُضْعِهَا وهو لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الدُّيُونُ فَكَذَا بَدَلُهُ وَلَا تَتَعَلَّقُ أَيْضًا بِسَائِرِ أَمْوَالِ السَّيِّدِ كَأَوْلَادِ الْمَأْذُونَةِ وَلَا بِذِمَّةِ السَّيِّدِ وَإِنْ أَعْتَقَهُ أو بَاعَهُ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ أَعْتَقَهُ من زِيَادَتِهِ وَلَا بِكَسْبِهِ أَيْ الْمَأْذُونِ بَعْدَ الْحَجْرِ عليه لِأَنَّهُ ليس مَالُ التِّجَارَةِ وَلَا كَسْبُ الْمَأْذُونِ قبل الْحَجْرِ فَإِنْ تَصَرَّفَ السَّيِّدُ في الْمَالِ الذي بِيَدِ الْمَأْذُونِ بِبَيْعٍ أو غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ أو الْغُرَمَاءِ لم يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّةِ الْعَبْدِ لِلْغُرَمَاءِ ولم يَرْضَ الْجَمِيعُ وَغَرِمَهُ يَعْنِي غَرِمَ بَدَلَ الْمَالِ إنْ لم يَزِدْ على قَدْرِ الدَّيْنِ وَإِلَّا غَرِمَ بِقَدْرِهِ أو تَصَرَّفَ فيه بِإِذْنِهِمْ أَيْ الْعَبْدُ وَالْغُرَمَاءُ جميعا صَحَّ لِارْتِفَاعِ الْمَانِعِ وَتَعَلَّقُوا أَيْ الْغُرَمَاءُ بِذِمَّةِ الْعَبْدِ فَيُطَالِبُونَهُ بَعْدَ عِتْقِهِ لِتَوَجُّهِ مُطَالَبَتِهِ قِبَلَهُ وَلِأَنَّ مُعَامِلَهُ لَمَّا رضي بِمُعَامَلَتِهِ معه فَكَأَنَّهُ رضي بِكَوْنِ الدَّيْنِ في ذِمَّتِهِ إلَى عِتْقِهِ إذَا لم يَكُنْ كَسْبٌ وَلَا مَالُ تِجَارَةٍ كما يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ ما يَفْضُلُ عليه من دُيُونِهَا فَيُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ في يَدِهِ مَالٌ وَقَتَلَهُ السَّيِّدُ فَلَا شَيْءَ لهم بِقَتْلِهِ وَإِنْ فَوَّتَ الذِّمَّةَ كما لو قَتَلَ حُرًّا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ وَلِلسَّيِّدِ بَيْعُ ما في يَدِهِ أَيْ الْمَأْذُونِ حَيْثُ لَا دَيْنَ عليه ولم يُقَدِّمْ عليه حَجْرًا وَكَالْبَيْعِ سَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ فَرْعٌ لَا يَشْتَرِي الْمَأْذُونُ من يُعْتَقُ على سَيِّدِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَوْ خَالَفَ لم يَصِحَّ لِتَضَرُّرِ سَيِّدِهِ بِعِتْقِهِ الْمُتَضَمِّنِ فَوَاتَ الثَّمَنِ بِلَا مُقَابِلٍ فَإِنْ أَذِنَ له صَحَّ الشِّرَاءُ وَهَلْ يُعْتَقُ عليه أو لَا يَنْظُرُ إنْ كان الْعَبْدُ مَدْيُونًا قال في الْأَصْلِ فيه قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا يُعْتَقُ وَالثَّانِي يُعْتَقُ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ وقال الْمُصَنِّفُ من زِيَادَتِهِ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْمُهِمَّاتِ فيه التَّفْصِيلُ في إعْتَاقِ الرَّاهِنِ لِلْمَرْهُونِ بين الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ قال في الْمُهِمَّاتِ وهو ما أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ في بَابِ الْقِرَاضِ وَنَقَلَهُ في الْمَطْلَبِ عن الْأَصْحَابِ فَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَا يُتَّجَهُ غَيْرُهُ وَإِنْ لم يَكُنْ مَدْيُونًا عَتَقَ وَلَوْ بَاعَهُ أَيْ بَاعَ السَّيِّدُ الْمَأْذُونَ أو أَعْتَقَهُ صَارَ مَحْجُورًا عليه لِأَنَّ إذْنَهُ له اسْتِخْدَامٌ وقد خَرَجَ عن أَهْلِيَّتِهِ لَا تَوْكِيلٌ وفي مَعْنَى ذلك كُلُّ ما يُزِيلُ الْمِلْكَ كَهِبَةٍ وَوَقْفٍ وفي كِتَابَتِهِ وَجْهَانِ جَزَمَ في الْأَنْوَار بِأَنَّهَا حَجْرٌ وَالْأَوْجَهُ أَنَّ إجَارَتَهُ كَذَلِكَ وَتَحِلُّ دُيُونُهُ الْمُؤَجَّلَةُ عليه بِمَوْتِهِ كما تَحِلُّ الدُّيُونُ التي على الْحُرِّ بِمَوْتِهِ فَتُؤَدَّى من الْأَمْوَالِ التي كانت في يَدِهِ فَرْعٌ لو أَذِنَ له أَنْ يَتَّجِرَ ولم يُعْطِهِ مَالًا ولم يُعَيِّنْ له نَوْعًا يَتَّجِرُ فيه جَازَ فَيَشْتَرِيَ في ذِمَّتِهِ وَيَبِيعَ كَالْوَكِيلِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ فَصْلٌ لو قَبِلَ الرَّقِيقُ وَلَوْ سَفِيهًا هِبَةً أو وَصِيَّةً بِلَا إذْنٍ صَحَّ وَإِنْ نَهَاهُ سَيِّدُهُ عن الْقَبُولَةِ لِأَنَّهُ اكْتِسَابٌ لَا يَعْقُبُ عِوَضًا كَالِاحْتِطَابِ نعم إنْ كان الْمَوْهُوبُ أو الْمُوصَى بِهِ بَعْضًا لِلسَّيِّدِ تَجِبُ عليه نَفَقَتُهُ حَالَ الْقَبُولِ لِنَحْوِ زَمَانَةٍ أو صِغَرٍ لم يَصِحَّ الْقَبُولُ وَنَظِيرُهُ قَبُولُ الْوَلِيِّ لِمُوَلِّيهِ ذلك وَدَخَلَ مِلْكَ السَّيِّدِ قَهْرًا كَعِوَضِ الْخُلْعِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَيُسَلِّمُ الْمَالَ له لَا لِلرَّقِيقِ وَلَوْ اشْتَرَى أو اقْتَرَضَ بِلَا إذْنٍ لم يَصِحَّ لِمَا عُلِمَ من أَوَّلِ الْبَابِ وَلِلْمَالِكِ اسْتِرْدَادُهُ أَيْ ما ذُكِرَ من الْمَبِيعِ أو الْمُقْرَضِ سَوَاءٌ أَكَانَ بِيَدِ الرَّقِيقِ أَمْ بِيَدِ سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ لم يَخْرُجْ عن مِلْكِهِ وَإِنْ أَتْلَفَهُ الرَّقِيقُ مُطْلَقًا أو تَلِفَ في يَدِهِ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِذِمَّتِهِ فَيُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِرِضَا مُسْتَحِقِّهِ ولم يَأْذَنْ فيه السَّيِّدُ وَضَابِطُ تَعَلُّقِ الْحُقُوقِ بِالرَّقِيقِ أنها إنْ ثَبَتَتْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ أَرْبَابِهَا كَإِتْلَافٍ وَتَلَفٍ بِغَصْبٍ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ أو بِاخْتِيَارِهِمْ كما في الْمُعَامَلَاتِ فَإِنْ كان بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ تَعَلَّقَتْ بِذِمَّتِهِ يُتْبَعُ بها بَعْدَ عِتْقِهِ أو بِإِذْنِهِ تَعَلَّقَتْ بِذِمَّتِهِ وَكَسْبِهِ وَمَالِ تِجَارَتِهِ كما مَرَّ قال ابن الرِّفْعَةِ وَحَيْثُ قُلْنَا تَتَعَلَّقُ بِكَسْبِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَكْتَسِبَ لِلْفَاضِلِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا سَيَأْتِي في الْمُفْلِسِ وَإِنْ قَبَضَهُ منه السَّيِّدُ وَتَلِفَ وَلَوْ في غَيْرِهِ فَلَهُ أَيْ لِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ السَّيِّدِ لِوَضْعِ يَدِهِ وَكَذَا الْعَبْدُ إنْ عَتَقَ لِذَلِكَ وَإِنْ أَدَّى الرَّقِيقُ الثَّمَنَ من مَالِ السَّيِّدِ فَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ لِأَنَّهُ لم يَخْرُجْ عن مِلْكِهِ وَلَا ضَمَانَ على سَيِّدِهِ وَإِنْ رَأَى الْمَبِيعَ مَثَلًا مع عَبْدِهِ فلم يَأْخُذْهُ من الْعَبْدِ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِرِضَا مُسْتَحِقِّهِ ولم يَأْذَنْ هو فيه فَرْعٌ لِلْعَبْدِ تَأْجِيرُ الْمَعْرُوفِ إجَارَةً أو إيجَارَ نَفْسِهِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَكَذَا بَيْعُهَا وَرَهْنُهَا إذْ لَا مَانِعَ وَلَوْ تَوَكَّلَ لِغَيْرِهِ فِيمَا لَزِمَ ذِمَّتَهُ عُهْدَةٌ كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ بِلَا إذْنٍ من سَيِّدِهِ لم يَصِحَّ لِتَعَلُّقِ الْعُهْدَةِ بِالْوَكِيلِ بِخِلَافِهِ فِيمَا يَلْزَمُ ذلك كَطَلَاقٍ وَقَبُولِ نِكَاحٍ فإنه يَصِحُّ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ فِيمَا يَلْزَمُ ذِمَّتَهُ عُهْدَةٌ من زِيَادَتِهِ وهو سَاقِطٌ من بَعْضِ النُّسَخِ
____________________
(2/113)
فَصْلٌ إذَا مَلَّكَهُ أَيْ الْقِنَّ السَّيِّدُ أو غَيْرُهُ الْمَفْهُومُ بِالْأُولَى مَالًا لم يَمْلِكْهُ لِمَا مَرَّ في الْبَابِ قَبْلَهُ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْقِنِّ فَلَا يَمْلِكُونَ شيئا لِذَلِكَ وَإِنْ مَلَكَ الْمُبَعَّضُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ مَالًا فَاشْتَرَى بِهِ جَارِيَةً مَلَكَهَا لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْمِلْكِ ولم يَحِلَّ له وَطْؤُهَا وَلَوْ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّ بَعْضَهُ مَمْلُوكٌ وَالْوَطْءُ يَقَعُ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ لَا بِبَعْضِهِ الْحُرِّ فَقَطْ وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ التَّسَرِّي وَلَوْ بِالْإِذْنِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ وَلِلْخَوْفِ من هَلَاكِ الْأَمَةِ بِالطَّلْقِ وَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ التَّسَرِّي بِالْوَطْءِ كان أَوْلَى لِأَنَّهُ أَخَصُّ منه لِاعْتِبَارِ الْإِنْزَالِ فيه بِخِلَافِ الْوَطْءِ وَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَوْلَى من بِنَاءِ أَصْلِهِ ذلك مع الْإِذْنِ على الْقَوْلَيْنِ في تَبَرُّعِهِ لِإِشْعَارِهِ بِرُجْحَانِ الْجَوَازِ لِأَنَّهُ الصَّحِيحُ في التَّبَرُّعِ بِالْإِذْنِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ الْمَنْعُ كما ذَكَرَهُ في بَابِ الْكِتَابَةِ وَصَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَنَقَلَهُ عن النَّصِّ ثَمَّ وَمَسْأَلَتُنَا الْمُبَعَّضُ وَالْمُكَاتَبُ مَذْكُورَتَانِ في بَابِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ أَيْضًا بَلْ الثَّانِيَةُ مَذْكُورَةٌ أَيْضًا في بَابِ الْكِتَابَةِ بَابُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ أو من يَقُومُ مَقَامَهُمَا هو أَنْ يَخْتَلِفَا أو يَخْتَلِفَ وَارِثَاهُمَا أو أَحَدُهُمَا وَوَارِثُ الْآخَرِ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ في قَدْرِ الثَّمَنِ كَمِائَةٍ وَتِسْعِينَ أو صِفَتِهِ كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ أو جِنْسِهِ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ أو الْخِيَارِ أو الْأَجَلِ أو الرَّهْنِ أو الضَّمِينِ أو قَدْرِ كُلٍّ من الْأَرْبَعَةِ أو غَيْرِ ذلك مِمَّا يَصِحُّ شَرْطُهُ سَوَاءٌ أَكَانَ الْعِوَضَانِ بَاقِيَيْنِ أَمْ لَا قُبِضَا أو لم يُقْبَضَا وَكَذَا إنْ اخْتَلَفَا في قَدْرِ الْمَبِيعِ أو صِفَتِهِ أو جِنْسِهِ بِأَنْ قال الْبَائِعُ بِعْتُك الْعَبْدَ بِأَلْفٍ مَثَلًا فقال الْمُشْتَرِي بَلْ بِعْتنِي بها الْعَبْدَ وَالْجَارِيَةَ فَيَتَحَالَفَانِ بِأَنْ يَحْلِفَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَمِينًا وَاحِدَةً تَجْمَعُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا كما سَيَأْتِي أَمَّا حَلِفُ كُلٍّ مِنْهُمَا فَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ الْيَمِينُ على الْمُدَّعَى عليه وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُدَّعَى عليه كما أَنَّهُ مُدَّعٍ وَاحْتَجَّ له أَيْضًا بِخَبَرِ إذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ فَهُوَ ما يقول رَبُّ السِّلْعَةِ أو يَتَتَارَكَا رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَمَعْنَى التَّتَارُكِ أَنْ يَتْرُكَ كُلٌّ مِنْهُمَا ما يَدَّعِيهِ وَذَلِكَ بِالْفَسْخِ وَأَمَّا أَنَّهُ في يَمِينٍ وَاحِدَةٍ فَلِأَنَّ الدَّعْوَى وَاحِدَةٌ وَمَنْفَى كُلٍّ مِنْهُمَا في ضِمْنٍ مُثْبَتَةٍ فَجَازَ التَّعَرُّضُ في الْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ لِلنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَلِأَنَّهَا أَقْرَبُ لِفَصْلِ الْخُصُومَةِ لَا في زَمَنِ الْخِيَارِ أَيْ خِيَارِ الشَّرْطِ أو الْمَجْلِسِ فَلَا يَتَحَالَفَانِ لِإِمْكَانِ الْفَسْخِ بِالْخِيَارِ كَذَا قَالَهُ الْقَاضِي وَأَجَابَ عنه الْإِمَامُ بِأَنَّ التَّحَالُفَ لم يُوضَعْ لِلْفَسْخِ بَلْ عَرَضَتْ الْيَمِينُ رَجَاءَ أَنْ يُنَكَّلَ الْكَاذِبُ فَيَتَقَرَّرُ الْعَقْدُ بِيَمِينِ الصَّادِقِ ثُمَّ مَالَ إلَى مُوَافَقَتِهِ لَكِنَّ الْجُمْهُورَ كما أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ وَصَرَّحَ بِهِ ابن يُونُسَ وَالنَّشَائِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمْ على أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وقد قال الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بِالتَّحَالُفِ في الْكِتَابَةِ مع جَوَازِهَا من جَانِبِ الرَّقِيقِ وَعَلَى هذا يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِجِهَتَيْنِ فَيَتَحَالَفَانِ مُطْلَقًا إنْ لم يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ فَإِنْ كانت له بَيِّنَةٌ قَضَى له بها كما في سَائِرِ الدَّعَاوَى وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ ولم تُؤَرَّخَا بِتَارِيخَيْنِ تَسَاقَطَتَا وَكَأَنَّهُ لَا بَيِّنَةَ فَيَتَحَالَفَانِ بِخِلَافِ ما إذَا أُرِّخَتَا بِتَارِيخَيْنِ لَا تَحَالُفَ بَلْ يُقْضَى بِمُتَقَدِّمَةِ التَّارِيخِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ أَيْ بَعْدَ اعْتِرَافِهِمَا بها ما إذَا لم يَعْتَرِفَا بها فَلَا تَحَالُفَ بَلْ يَصْدُقُ مُدَّعِي الصِّحَّةَ كما سَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ مع قَيْدِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا في عَيْنِ الْمَبِيعِ فقال الْبَائِعِ بِعْتُك الْعَبْدَ وقال الْمُشْتَرِي بَلْ الْجَارِيَةَ وَاتَّفَقَا على الثَّمَنِ أو اخْتَلَفَا في قَدْرِهِ وَالثَّمَنُ في الذِّمَّةِ لم يَتَحَالَفَا لِأَنَّ الثَّمَنَ ليس بِمُعَيَّنٍ حتى يَرْبُطَ بِهِ الْعَقْدَ
____________________
(2/114)
بَلْ يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا على نَفْيِ ما يَدَّعِي عليه وَلَا فَسْخَ وَتَرْجِيحُهُ عَدَمُ التَّحَالُفِ في ذلك من زِيَادَتِهِ تَبِعَ فيه الْإِسْنَوِيَّ فإنه رَجَّحَهُ مُسْتَنِدًا إلَى نَصٍّ في الْبُوَيْطِيِّ يَدُلُّ له الْتِزَامًا وَلِعَدَمِ التَّحَالُفِ في الِاخْتِلَافِ في قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ في السَّلَمِ مُطَابَقَةً وَلَكِنَّ الْأَصْحَابَ على خِلَافِهِ وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ في مَسْأَلَتِنَا حِكَايَةُ وَجْهَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ أَحَدِهِمَا ما مَرَّ وَالْآخَرِ يَتَحَالَفَانِ كما لو كان الثَّمَنُ مُعَيَّنًا وَاقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ هُنَا تَرْجِيحَهُ صَحَّحَهُ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ هُنَا وَالنَّوَوِيُّ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ في نَظِيرِهِ من الصَّدَاقِ في قَوْلِهِ أَصْدَقْتُك أَبَاك فقالت بَلْ أُمِّي وَتَبِعَهُ عليه الْمُصَنِّفُ ثُمَّ لَكِنْ تِلْكَ تُفَارِقُ ما هُنَا بِأَنَّ الْعِوَضَيْنِ فيها مُعَيَّنَانِ وَإِنْ كانت أَيْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ سُلِّمَتْ الْجَارِيَةُ لِلْمُشْتَرِي عَمَلًا بِبَيِّنَتِهِ فَلَا تَعَارُضَ بين الْبَيِّنَتَيْنِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَثْبَتَتْ عَقْدًا لَا يَقْتَضِي نَفْيَ غَيْرِهِ
قال السُّبْكِيُّ وَهَذَا ظَاهِرٌ على الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّحَالُفِ أَمَّا على الْقَوْلِ بِالتَّحَالُفِ وهو الذي يَقْوَى على مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ فَيُقَوِّي التَّعَارُضَ وَأَطَالَ في ذلك وَأَمَّا الْعَبْدُ فَقَدْ أَقَرَّ الْبَائِعُ بِبَيْعِهِ وَقَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ فَإِنْ كان بِيَدِ الْمُشْتَرِي أَقَرَّ عِنْدَهُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فيه بِمَا شَاءَ قال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ إلَّا بِالْوَطْءِ لو كان أَمَةً وَاسْتَشْكَلَ السُّبْكِيُّ ذلك بِأَنَّهُ كَيْفَ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فيه وهو مُقِرٌّ بِأَنَّهُ ليس مِلْكُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ عليه جَمِيعُ التَّصَرُّفَاتِ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ انْتَهَى وقد يُجَابُ بِأَنَّهُ جَوَّزَ ذلك لِلضَّرُورَةِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا في الظَّاهِرِ أَمَّا في الْبَاطِنِ فَالْحُكْمُ مُحَالٌ على حَقِيقَةِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَإِنْ كان بِيَدِ الْبَائِعِ فَهَلْ يُجْبَرُ مُشْتَرِيهِ على قَبُولِهِ لِإِقْرَارِ الْبَائِعِ له بِهِ أو يُتْرَكُ عِنْدَ الْقَاضِي حتى يَدَّعِيَهُ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ مِلْكَهُ فيه وَجْهَانِ وَبِالثَّانِي جَزَمَ ابن أبي عَصْرُونٍ وقال أبو الْحَسَنِ السُّلَمِيُّ أَنَّهُ الصَّحِيحُ وإذا أَخَذَهُ الْقَاضِي يُنْفِقُ عليه من كَسْبِهِ إنْ كان له كَسْبٌ نعم إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ في بَيْعه وَحِفْظِ ثَمَنِهِ قَالَهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ له كَسْبٌ بِيعَ أَيْ بَاعَهُ إنْ رَآهُ بِأَنْ رَأَى الْحَظَّ في بَيْعِهِ وَحِفْظِ ثَمَنِهِ وَقِيلَ يَبْقَى في يَدِ الْبَائِعِ على قِيَاسِ من أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِشَيْءٍ وهو يُنْكِرُهُ وَقَوْلُهُ حتى يَدَّعِيَهُ من زِيَادَتِهِ
أَمَّا إذَا فَرَّعْنَا على التَّحَالُفِ فَقِيَاسُ ما مَرَّ أَنْ يُقَالَ مَحَلُّهُ إذَا لم تُؤَرَّخْ الْبَيِّنَتَانِ بِتَارِيخَيْنِ وَإِلَّا قَضَى بِمُتَقَدِّمَةِ التَّارِيخِ وَإِنْ كان الثَّمَنُ مُعَيَّنًا تَحَالَفَا كما لو اخْتَلَفَا في جِنْسِ الثَّمَنِ أَمَّا لو اخْتَلَفَا في الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ مَعًا كَأَنْ قال بِعْتُك الْعَبْدَ بِدِرْهَمٍ فقال الْمُشْتَرِي بَلْ الْجَارِيَةَ بِدِينَارٍ فَلَا تَحَالُفَ لِأَنَّهُمَا لم يَتَوَارَدَا على شَيْءٍ وَاحِدٍ بَلْ يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا على نَفْيِ قَوْلِ الْآخَرِ قَالَهُ الْإِمَامُ هُنَا وفي الصَّدَاقِ بِخِلَافِ ما لو اخْتَلَفَا في قَدْرِهِمَا كما مَرَّ تَنْبِيهٌ قال الْإِسْنَوِيُّ وفي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ
____________________
(2/115)
إشَارَةٌ إلَى أَنَّ شَرْطَ التَّحَالُفِ أَنْ يَكُونَ ما يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ أَكْثَرَ وقد صَرَّحَ بِهِ في الِاخْتِلَافِ في الصَّدَاقِ وَالْوَلِيُّ ثَمَّ كَالْبَائِعِ هُنَا قُلْت قد فَرَضَهَا ثُمَّ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَالْوَلِيُّ فَنَظِيرُهُ هُنَا أَنْ يَفْرِضَ في اخْتِلَافِ وَلِيِّ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فَرْعٌ يَجْرِي التَّحَالُفُ في جَمِيعِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ حتى الْقِرَاضِ وَالْجِعَالَةِ وَالصُّلْحِ عن الدَّمِ طَرْدًا لِلْمَعْنَى وَلَا أَثَرَ لِقُدْرَةِ كُلٍّ من الْعَاقِدَيْنِ على الْفَسْخِ في الْأَوَّلَيْنِ بِلَا تَحَالُفٍ لِمَا مَرَّ في كَلَامِ الْإِمَامِ وَلَا لِعَدَمِ رُجُوعِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى عَيْنِ حَقِّهِ في الثَّالِثِ كما سَيَتَّضِحُ ثُمَّ في الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ من سَائِرِ الْعُقُودِ يُفْسَخُ الْعَقْدُ بَعْدَ التَّحَالُفِ كما سَيَأْتِي لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ في الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَبَعْدَ الْفَسْخِ يَرْجِعُ الْعَاقِدُ في غَيْرِ الصَّدَاقِ وما عَطَفَ عليه فِيمَا يَأْتِي إلَى عَيْنِ حَقِّهِ كما سَيَأْتِي وَيَرْجِعُ في الصَّدَاقِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عن الدَّمِ وَالْعِتْقِ بِعِوَضٍ كَكِتَابَةٍ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ في الْأَوَّلَيْنِ وإلى الدِّيَةِ في الصُّلْحِ عن الدَّمِ وَإِلَى الْقِيمَةِ في الْعِتْقِ بِعِوَضٍ فَأَثَرُ الْفَسْخِ في هذه الْأَشْيَاءِ لَا يَظْهَرُ فِيمَا عُقِدَ عليه فَلَا يَرْجِعُ الْبُضْعُ في الصَّدَاقِ لِلزَّوْجَةِ وَلَا في الْخُلْعِ لِلزَّوْجِ وَلَا الدَّمُ لِوَلِيِّهِ في الصُّلْحِ عنه وَلَا الْعَتِيقُ لِلسَّيِّدِ في الْعِتْقِ بِعِوَضٍ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ في بَدَلِهِ كما عُرِفَ وَفَائِدَتُهُ أَيْ التَّحَالُفِ أَيْ طَلَبِهِ في الْقِرَاضِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَجُوزُ فَسْخُهُ بِلَا تَحَالُفٍ تَقْرِيرُ الْعَقْدِ بِالنُّكُولِ من أَحَدِهِمَا بَعْدَ عَرْضِ الْيَمِينِ عليه وَحَلِفِ الْآخَرِ فَرْعٌ لو قال بِعْتُك بِأَلْفٍ فقال بَلْ وَهَبَتْنِي أو رَهَنَتْنِي فَلَا تَحَالُفَ إذْ لم يَتَّفِقَا على عَقْدٍ بَلْ يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ على نَفْيِ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ ثُمَّ يَرُدُّ مُدَّعِي الْبَيْعِ الْأَلْفَ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بها وَيَسْتَرِدُّ الْعَيْنَ بِزَوَائِدِهَا فَيَلْزَمُ الْآخَرَ رَدُّ ذلك إذْ لَا مِلْكَ له وَلَا أُجْرَةَ عليه لِاتِّفَاقِهِمَا على عَدَمِ وُجُوبِهَا وَاسْتُشْكِلَ رَدُّ الزَّوَائِدِ في الْأُولَى مع اتِّفَاقِهِمَا على حُدُوثِهَا في مِلْكِ الرَّادِّ بِدَعْوَاهُ الْهِبَةَ وَإِقْرَارِ الْبَائِعِ له بِالْبَيْعِ فَهُوَ كَمَنْ وَافَقَ على الْإِقْرَارِ له بِشَيْءٍ وَخَالَفَ في الْجِهَةِ وَأُجِيبَ بِمَنْعِ اتِّفَاقِهِمَا على ذلك لِأَنَّ دَعْوَى الْهِبَةِ لَا تَسْتَلْزِمُ الْمِلْكَ لِتَوَقُّفِهَا على الْقَبْضِ بِالْإِذْنِ ولم يُوجَدْ وَالْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ بِمَنْعِ ذلك لِمَا ذُكِرَ بَلْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قد أَثْبَتَ بِيَمِينِهِ نَفْيَ دَعْوَى الْآخَرِ فَتَسَاقَطَتَا وَلَوْ سُلِّمَ عَدَمُ تَسَاقُطِهِمَا فَمُدَّعِي الْهِبَةِ لم يُوَافِقْ الْمَالِكَ على ما أَقَرَّ له بِهِ من الْبَيْعِ فَلَا يَكُونُ كَالْمَسْأَلَةِ الْمُشَبَّهِ بها فَالْعِبْرَةُ بِالتَّوَافُقِ على نَفْسِ الْإِقْرَارِ لَا على لَازِمِهِ
وَإِنْ قال رَهَنْتُك كَذَا بِأَلْفٍ قَرْضًا لَك عَلَيَّ فقال بَلْ بِعْتنِي إيَّاهُ بها صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْبَيْعِ وَيَرُدُّ الْأَلْفَ وَيَسْتَرِدُّ الْعَيْنَ بِزَوَائِدِهَا وَلَا يَمِينَ على الْآخَرِ قال الْمُتَوَلِّي لِأَنَّ الرَّهْنَ جَائِزٌ من جِهَتِهِ وَالْخِيَرَةُ له في قَبُولِهِ وَالْعِمْرَانِيُّ لِأَنَّ الرَّهْنَ زَالَ بِإِنْكَارِهِ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِإِنْكَارِ الْمُرْتَهِنِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلَا رَهْنَ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيه قال السُّبْكِيُّ وفي رَدِّ الْأَلْفِ إلَيْهِ وهو يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَهَا نَظَرٌ قُلْت هو مُدَّعٍ لِاسْتِحْقَاقِ الْعَيْنِ الْمُقَابَلَةِ عِنْدَهُ بِالْأَلْفِ فلما تَعَذَّرَ إبْقَاؤُهَا رَدَّ عليه مُقَابِلَهَا الذي بَذَلَهُ كما هو شَأْنُ تَرَادِّ الْعِوَضَيْنِ عِنْدَ الْفَسْخِ أو نَحْوِهِ ثُمَّ ما تَقَرَّرَ من حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ هو ما نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن الْبَغَوِيّ وَجَزَمَ بِهِ في الرَّوْضَةِ وَجَرَى عليه الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَنَقَلَهُ السُّبْكِيُّ عن الشَّافِعِيِّ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَحْلِفُ كما في التي قَبْلَهَا لَكِنْ تَعَقَّبَ ذلك الْعِمْرَانِيُّ فقال وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَمِينَ على الْآخَرِ وَعَلَّلَهُ بِمَا قَدَّمْته قال وَلَوْ قال رَهَنَتْنِي كَذَا بِأَلْفٍ أَقْبَضْتُكهَا فقال بَلْ بِأَلْفٍ لم أَقْبِضْهَا صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبْضِ فإذا حَلَفَ بَطَلَ الرَّهْنُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِحَقٍّ في الذِّمَّةِ وما قَالَهُ في هذه نَقَلَهُ السُّبْكِيُّ عن الشَّافِعِيِّ وَصَاحِبِ الِاسْتِقْصَاءِ ثُمَّ قال وهو مَحْمُولٌ على ما إذَا أَنْكَرَ الدَّيْنَ جُمْلَةً فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ وَادَّعَى أَنَّ الرَّهْنَ كان قبل ثُبُوتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَخَرَّجَ على اخْتِلَافِهِمَا في الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَيُصَدَّقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ على الْأَصَحِّ فَرْعٌ لو اخْتَلَفَا من غَيْرِ اتِّفَاقٍ على صِحَّةِ عَقْدٍ بِأَنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْفَسَادَ وَالْآخَرُ الصِّحَّةَ صُدِّقَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ بِيَمِينِهِ وَإِنْ كان الْأَصْلُ عَدَمَهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ معه إذْ الظَّاهِرُ من حَالِ الْمُكَلَّفِ اجْتِنَابُهُ الْفَاسِدَ وَقُدِّمَ على الْأَصْلِ لِاعْتِضَادِهِ بِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى انْبِرَامِ الْعُقُودِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمُفْسِدِ في الْجُمْلَةِ وَاسْتُثْنِيَ من ذلك ما إذَا بَاعَ ذِرَاعًا من أَرْضٍ وَهُمَا يَعْلَمَانِ
____________________
(2/116)
ذُرْعَانَهَا فَادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ ذِرَاعًا مُعَيَّنًا وَادَّعَى الْمُشْتَرِي الْإِشَاعَةَ فَالْمُصَدَّقُ الْبَائِعُ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِإِرَادَتِهِ كما مَرَّ وما إذَا اخْتَلَفَا هل وَقَعَ الصُّلْحُ على إنْكَارٍ أو اعْتِرَافٍ فَالْمُصَدَّقُ مُدَّعِي وُقُوعِهِ على الْإِنْكَارِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ كما سَيَأْتِي في بَابِهِ وما إذَا قال الْمُرْتَهِنُ أَذِنْت في الْبَيْعِ بِشَرْطِ رَهْنِ الثَّمَنِ وقال الرَّاهِنُ بَلْ مُطْلَقًا فَالْمُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ كَذَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فيه لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لم يَقَعْ من الْعَاقِدَيْنِ وَلَا من نَائِبِهِمَا وما إذَا قال الْمُشْتَرِي لِمَغْصُوبٍ كُنْت أَظُنُّ الْقُدْرَةَ على تَسَلُّمِهِ وأنا الْآنَ لَا أَقْدِرُ فَهُوَ الْمُصَدَّقُ كما أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ لِاعْتِضَادِهِ بِقِيَامِ الْغَصْبِ وما إذَا قال السَّيِّدُ كَاتَبْتُك وأنا مَجْنُونٌ أو مَحْجُورٌ عَلَيَّ وَعُرِفَ له ذلك فإنه الْمُصَدَّقُ كما سَيَأْتِي في بَابِهِ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الرُّويَانِيِّ هُنَا لو اخْتَلَفَا فِيمَا يَكُونُ وُجُودُهُ شَرْطًا كَبُلُوغِ الْبَائِعِ كَأَنَّهُ بَاعَهُ ثُمَّ قال لم أَكُنْ بَالِغًا حين الْبَيْعِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي وَاحْتَمَلَ ما قَالَهُ الْبَائِعُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْبُلُوغِ وَصَرَّحَ بِهِ في الْأَنْوَارِ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ في الطَّلَاقِ وَالْجِنَايَاتِ يُوَافِقُهُ وَلَوْ قال اشْتَرَيْت ما لم أَرَهُ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ فَفِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ صُدِّقَ الْبَائِعُ قال الرَّافِعِيُّ وَلَا يَنْفَكُّ هذا عن خِلَافٍ قال النَّوَوِيُّ هذه مَسْأَلَةُ اخْتِلَافِهِمَا في مُفْسِدِ الْعَقْدِ وَفِيهَا الْخِلَافُ الْمَعْرُوفُ وَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ وَعَلَيْهِ فَرَّعَهَا الْغَزَالِيُّ وَتَقَدَّمَتْ في الْكِتَابِ آخِرَ الْبَيْعِ وَزَعَمَ في الْمُهِمَّاتِ أَنَّهُ مَرْدُودٌ نَقْلًا وَبَحْثًا فَعَلَيْهِ تُسْتَثْنَى هذه وفي عَكْسِهَا بِأَنْ قال الْمُشْتَرِي رَأَيْته وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ يُصَدَّقُ الْبَائِعُ كما في فَتَاوَى الْبَغَوِيّ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرُّؤْيَةِ وهو مُفَرَّعٌ على ما صَحَّحَهُ من أَنَّ الْمُصَدَّقَ مُدَّعِي الْفَسَادِ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ فَلَوْ قال بِعْتُك بِأَلْفٍ فقال بَلْ بِزِقِّ خَمْرٍ أو بِحُرٍّ أو أَلْفٍ وَزِقِّ خَمْرٍ أو قال شَرْطنَا شَرْطًا فَاسِدًا فَأَنْكَرَ كما صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ صُدِّقَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ لِمَا مَرَّ وَإِنْ قال بِعْتُك بِأَلْفٍ فقال بَلْ بِخَمْسِمِائَةٍ وَزِقِّ خَمْرٍ حَلَفَ الْبَائِعُ على نَفْيِ الْمُفْسِدِ بِأَنْ يَقُولَ لم يُسَمَّ في الْعَقْدِ خَمْرٌ ثُمَّ تَحَالَفَا لِبَقَاءِ النِّزَاعِ في قَدْرِ الثَّمَنِ
____________________
(2/117)
فَصْلٌ لو رَدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ الْمُعَيَّنَ أو الْبَائِعُ الثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ بِعَيْبٍ فَأَنْكَرَ الْمَرْدُودُ عليه كَوْنَهُ مَالِهِ صُدِّقَ الْمُنْكِرُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ فَإِنْ كان الثَّمَنُ أو الْمَبِيعُ فِيمَا ذَكَرَ في الذِّمَّةِ صُدِّقَ الْمُدَّعِي لِلْعَيْبِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ شَغْلِ ذِمَّةِ الْمُنْكِرِ وَيُفَارِقُ ما قَبْلَهُ بِأَنَّ الْمُدَّعِيَ هُنَا لم يَعْتَرِفْ بِقَبْضِ ما وَرَدَ عليه الْعَقْدُ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ شَغْلِ ذِمَّةِ الْمُنْكِرِ وَهُنَاكَ اعْتَرَفَ بِقَبْضِهِ وَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ في سَبَبِ الْفَسْخِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَالْمَبِيعُ في الذِّمَّةِ يَتَنَاوَلُ الْمُسَلَّمَ فيه وَغَيْرَهُ فَهُوَ أَعَمُّ من اقْتِصَارِ الْأَصْلِ على الْمُسَلَّمِ فيه فَرْعٌ وفي نُسْخَةٍ فَصْلٌ لو قَبَضَ الْمَبِيعَ مَثَلًا مَكِيلًا أو مَوْزُونًا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ بِأَنْ اشْتَرَى طَعَامًا كَيْلًا وَقَبَضَهُ بِهِ أو وَزْنًا وَقَبَضَهُ بِهِ أو أَسْلَمَ فيه وَقَبَضَهُ ثُمَّ جاء وَادَّعَى نَقْصًا فَإِنْ كان قَدْرًا يَقَعُ مِثْلُهُ في الْكَيْلِ أو الْوَزْنِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِاحْتِمَالِهِ مع عَدَمِ مُخَالَفَتِهِ الظَّاهِرَ وَإِلَّا فَلَا يُصَدَّقُ لِمُخَالَفَتِهِ الظَّاهِرَ وَعَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا على الْقَبْضِ وَالْقَابِضُ يَدَّعِي الْخَطَأَ فيه فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ كما لو اقْتَسَمَا ثُمَّ جاء أَحَدُهُمَا وَادَّعَى الْخَطَأَ فيه تَلْزَمُهُ الْبَيِّنَةُ وإذا بَاعَهُ أو رَهَنَهُ عَصِيرًا فَوَجَدَهُ خَمْرًا أو وَجَدَ فيه فَأْرَةً مَيِّتَةً وقال هَكَذَا قَبَضْته فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ إنْ أَمْكَنَ صِدْقُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمُفْسِدِ قال في الْأَصْلِ وَلَوْ اخْتَلَفَا في الْقَبْضِ صُدِّقَ الْمُشْتَرِي وَإِنْ وفي نُسْخَةٍ وَلَوْ اخْتَلَفَا في اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ أَيْ الْمَبِيعِ كَاتِبًا مَثَلًا تَحَالَفَا كما لو اخْتَلَفَا في الْأَجَلِ أو اخْتَلَفَا في انْقِضَاءِ الْأَجَلِ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ فَيُصَدَّقُ مُدَّعِيهِ بِيَمِينِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمَا إنْ اتَّفَقَا على قَدْرِ الْأَجَلِ فَهَذَا اخْتِلَافٌ في ابْتِدَائِهِ وَسَيَأْتِي مُفَصَّلًا آخِرَ الْبَابِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فيه تَحَالَفَا كما مَرَّ أَوَّلَهُ وَإِنْ سَكَتَا عن قَدْرِهِ فَرُبَّمَا يَبْقَى النِّزَاعُ إلَى ما لَا نِهَايَةَ له لِجَوَازِ أَنَّهُ كُلَّمَا ادَّعَى الِانْقِضَاءَ مُدَّعِيهِ أَنْكَرَ الْآخَرُ وقد قَرَّرَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ الْمَسْأَلَةَ على ما يُوَافِقُ الْأَوَّلَ لَكِنْ لَا تَكْرَارَ في كَلَامِهِمْ وَلَك أَنْ تَخْتَارَ الْأَخِيرَ وَتَقُولَ يَزُولُ الْمَحْذُورُ فيه بِأَنْ يَذْكُرَ مُدَّعِي الِانْقِضَاءِ قَدْرَ الْأَجَلِ لِيُوَافِقَهُ الْآخَرُ أو يُخَالِفَهُ وَيُرَتَّبُ عليه انْقِطَاعُ النِّزَاعِ نعم إنْ قال نَسِيت قَدْرَهُ اسْتَمَرَّ النِّزَاعُ إلَى أَنْ يَذْكُرَ ما قُلْنَا إلَّا أَنْ يَظْهَرَ لِلْحَاكِمِ أَنَّهُ مُتَعَنِّتٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّرَهُ بِمَا يُؤَجِّلُ بِهِ الْمَعْقُودَ عليه غَالِبًا وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ
فَصْلٌ في كَيْفِيَّةِ التَّحَالُفِ إذَا تَبَادَلَا قال في الْأَصْلِ قال الْإِمَامُ عَرَضًا بِعَرَضٍ فَأَبْدَلَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ عَيْنًا بِعَيْنٍ يَعْنِي مُعَيَّنًا بِمُعَيَّنٍ تَسَاوَيَا في الْبُدَاءَةِ بِالْيَمِينِ أَيْ فَيُتَخَيَّرُ الْحَاكِمُ بِأَنْ يَجْتَهِدَ في الْبُدَاءَةِ بِأَيِّهِمَا قال في الْأَصْلِ وَيَنْبَغِي تَخْرِيجُهُ على أَنَّ الثَّمَنَ مَاذَا وَنَاقَشَهُ في الْمَطْلَبِ بِأَنَّ مَأْخَذَ الْبُدَاءَةِ قُوَّةُ جَانِبٍ على جَانِبٍ كما ذَكَرُوهُ في تَعْلِيلِ الْأَقْوَالِ فِيمَنْ يَبْدَأُ بِهِ وَذَلِكَ مَفْقُودٌ هُنَا وَأُيِّدَ بِأَنَّ الْمُدْرِكَ في التَّسَاوِي تَعْيِينُ الثَّمَنِ كَالْمَبِيعِ وَلِهَذَا إذَا تَنَازَعَا في الْبُدَاءَةِ بِالتَّسْلِيمِ حِينَئِذٍ أُجْبِرَا في الْأَظْهَرِ وقد يُمْنَعُ فَقْدُهُ لِأَنَّ جَانِبَ الْبَائِعِ أَقْوَى لِأَنَّ الْمَبِيعَ هو الْمَقْصُودُ وَإِنْ تَسَاوَى الْعِوَضَانِ فِيمَا ذُكِرَ وَبِمَا بَحَثَهُ الْأَصْلُ صَرَّحَ الْقَاضِي مُجَلِّي وَغَيْرُهُ لَكِنْ ما قَالَهُ الْإِمَامُ أَوْجَهُ وَإِلَّا بِأَنْ بَاعَ مُعَيَّنًا بِمَا في الذِّمَّةِ كما قَيَّدَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ صَدَقَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ بِعَكْسِهِ وَبِبَيْعِ ما في الذِّمَّةِ بِمَا في الذِّمَّةِ بُدِئَ في الْحَلِفِ بِالْبَائِعِ لِأَنَّ جَانِبَهُ أَقْوَى لِأَنَّ الْمَبِيعَ يَعُودُ إلَيْهِ بَعْدَ الْفَسْخِ الْمُتَرَتِّبِ على التَّحَالُفِ وَلِأَنَّ مِلْكَهُ على الثَّمَنِ قد تَمَّ بِالْعَقْدِ وَمِلْكُ الْمُشْتَرِي على الْمَبِيعِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلَيْنِ
وَتَقْيِيدُ الْأَصْلِ بِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْمُشْتَرِي في صُورَةِ الْعَكْسِ وَأَنَّهُمَا يَتَسَاوَيَانِ في التي بَعْدَهَا نَظِيرَ ما قَالَهُ الْإِمَامُ فَلَا يَبْدَأُ بِالْبَائِعِ إلَّا فِيمَا مَرَّ اسْتِحْبَابًا لَا وُجُوبًا لِحُصُولِ الْغَرَضِ مع تَقْدِيمِ الْمُشْتَرِي أَيْضًا فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ يَمِينًا وَاحِدَةً تَجْمَعُ نَفْيًا لِقَوْلِ غَيْرِهِ وَإِثْبَاتًا لِقَوْلِهِ بِأَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ ما بِعْت بِكَذَا وَإِنَّمَا بِعْت بِكَذَا ثُمَّ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ ما اشْتَرَيْت بِكَذَا وَإِنَّمَا اشْتَرَيْت بِكَذَا عَبَّرَ كَأَصْلِهِ بِإِنَّمَا الْمُفِيدَةِ لِلْحَصْرِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ النَّفْيِ فَتَعْبِيرُ الْمِنْهَاجِ كَالشَّاشِيِّ وَغَيَّرَهُ بِقَوْلِهِ وَلَقَدْ أَوْلَى وَتَقْدِيمُ النَّفْيِ على الْإِثْبَاتِ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ يَمِينُ الْمُدَّعَى عليه وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ من إثْبَاتِ قَوْلِهِ نَفْيُ قَوْلِ صَاحِبِهِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ فَلَا فَائِدَةَ لِلتَّعَرُّضِ له بَعْدَ الْإِثْبَاتِ غَيْرُ التَّصْرِيحِ بِهِ وقد يُقَالُ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا أتى بِالْإِثْبَاتِ فَقَطْ اُكْتُفِيَ بِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَكْتَفُونَ في ذلك بِالصَّرِيحِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى أَيْضًا بِقَوْلِهِ ما بِعْت
____________________
(2/118)
إلَّا بِكَذَا وما اشْتَرَيْت إلَّا بِكَذَا لَكِنْ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ بِالِاكْتِفَاءِ بِهِ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ إلَى فَصْلِ الْقَضَاءِ وَيَلْزَمُهُ الِاكْتِفَاءُ أَيْضًا بِإِنَّمَا بِعْت بِكَذَا وَإِنَّمَا اشْتَرَيْت بِكَذَا وقد نَقَلَ ابن الرِّفْعَةِ ما يُوَافِقُ قَوْلَهُ عن نَصِّ الْأُمِّ بَعْدَ مُوَافَقَتِهِ الْجُمْهُورَ وَذَكَرَ نَحْوَهُ السُّبْكِيُّ وزاد فقال وَوَقَعَ في عِبَارَةِ الشَّافِعِيِّ الْإِتْيَانُ بِصِيغَةِ الْحَصْرِ في الْبَائِعِ وَالتَّصْرِيحُ بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ في الْمُشْتَرِي وهو مَحْمُولٌ على قَصْدِ الْمُعَبِّرِ وَبَيَانِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جَائِزٌ ا ه فَيَنْبَغِي الْأَخْذُ بِهِ
وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِيَمِينَيْنِ وَبِهِ يُشْعِرُ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ وَكَلَامُ الْأَصْلِ وَكَثِيرٌ يُشْعِرُ بِالْجَوَازِ كما أَشَرْت إلَيْهِ أَوَّلَ الْبَابِ وهو الْأَوْجَهُ وَالزَّوْجُ في الصَّدَاقِ كَالْبَائِعِ فَيَبْدَأُ بِهِ لِقُوَّةِ جَانِبِهِ بِبَقَاءِ التَّمَتُّعِ له كما قَوِيَ جَانِبُ الْبَائِعِ بِعَوْدِ الْمَبِيعِ إلَيْهِ وَلِأَنَّ أَثَرَ التَّحَالُفِ يَظْهَرُ في الصَّدَاقِ لَا في الْبُضْعِ وهو بَاذِلُهُ فَكَانَ كَبَائِعِهِ فَرْعٌ لو قَدَّمَ الْإِثْبَاتَ على النَّفْيِ جَازَ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ وَلِحُصُولِ الْغَرَضِ بِكُلٍّ من الْأَمْرَيْنِ فَلَوْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا عن النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ عن أَحَدِهِمَا قُضِيَ لِلْحَالِفِ لِتَمَامِ حُجَّتِهِ وَلَوْ نَكَلَا جميعا وَلَوْ عن النَّفْيِ فَقَطْ وُقِفَ أَمْرُهُمَا وَكَأَنَّهُمَا تَرَكَا الْخُصُومَةَ وَهَذَا ما اخْتَارَهُ في الرَّوْضَةِ من وَجْهَيْنِ ثَانِيهِمَا أَنَّهُ كَتَحَالُفِهِمَا وَنَقَلَهُ عن بَسِيطِ الْغَزَالِيِّ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ قال السُّبْكِيُّ وهو ما جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَرَأَيْت في الْأُمِّ في أَبْوَابِ الْكِتَابَةِ ما يَشْهَدُ له قال الْأَذْرَعِيُّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْغَايَةِ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلَ قال الزَّرْكَشِيُّ وَبِهِ جَزَمَ الشَّيْخَانِ في اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ في الصَّدَاقِ لَكِنَّ الْأَقْرَبَ أَنَّهُ كَتَحَالُفِهِمَا لِنَصِّ الْأُمِّ الْمُشَارِ إلَيْهِ قال وَعَلَيْهِ لو أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْجِعَ عن نُكُولِهِ لم يُمَكَّنْ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى لُزُومِ الْعَقْدِ بَعْدَ جَوَازِهِ قال السُّبْكِيُّ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا حَلَفَ أَحَدُهُمَا لَا تُعْرَضُ الْيَمِينُ على الْآخَرِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُعْرَضَ الْمَبِيعُ عليه بِمَا حَلَفَ عليه صَاحِبُهُ فَإِنْ رضي بِهِ لم يَحْلِفْهُ وَإِلَّا حَلَفَهُ قال وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْعَرْضُ الْمَذْكُورُ مُسْتَحَبًّا فَصْلٌ لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِالتَّحَالُفِ من الْمُتَدَاعِيَيْنِ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تَزِيدُ على الْبَيِّنَةِ بَلْ يَعِظُهُمَا الْحَاكِمُ أَيْ يَدْعُوهُمَا إلَى الْمُوَافَقَةِ وَإِنَّ الْأَوْلَى قَوْلُ الْأَصْلِ فَإِنْ سَمَحَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ بِمَا ادَّعَاهُ أَجْبَرَ الْآخَرَ عليه وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَسْمَحْ أَحَدُهُمَا فَسَخَ الْقَاضِي إنْ اسْتَمَرَّ نِزَاعُهُمَا وَإِنْ لم يَسْأَلَاهُ الْفَسْخَ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ بَلْ وَإِنْ أَعْرَضَا عن الْخُصُومَةِ على ما صَحَّحَهُ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ لَكِنْ نَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ عن الْقَاضِي أَنَّهُ ليس له الْفَسْخُ حِينَئِذٍ أو هُمَا أو أَحَدُهُمَا لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِاسْتِدْرَاكِ الظَّلَّامَةِ فَأَشْبَهَ الْفَسْخَ بِالْعَيْبِ فَإِنْ فَسَخَا انْفَسَخَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كَالْإِقَالَةِ وَكَذَا إنْ فَسَخَ الْقَاضِي أو الصَّادِقُ مِنْهُمَا لِتَعَذُّرِ وُصُولِهِمَا إلَى حَقِّهِمَا كما في الْفَسْخِ بِالْإِفْلَاسِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ فِيمَا عَادَ إلَيْهِ وَتَرْجِيحُ الِانْفِسَاخِ بَاطِنًا من زِيَادَتِهِ وَرَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَإِنْ فَسَخَ الْكَاذِبُ لم يَنْفَسِخْ بَاطِنًا لِتَرَتُّبِهِ على أَصْلٍ كَاذِبٍ وَطَرِيقُ الصَّادِقِ إنْشَاءُ الْفَسْخِ إنْ أَرَادَ الْمِلْكَ فِيمَا عَادَ إلَيْهِ وَإِنْ لم يُرِدْهُ فَإِنْ أَنْشَأَ الْفَسْخَ أَيْضًا فَذَاكَ وَإِلَّا فَقَدْ ظَفِرَ بِمَالِ من ظَلَمَهُ فَيَتَمَلَّكُهُ إنْ كان من جِنْسِ حَقِّهِ وَإِلَّا فَيَبِيعُهُ لِيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ من ثَمَنِهِ وَإِنْ تَقَارَّا على الْعَقْدِ بِلَا تَجْدِيدِ عَقْدٍ جَازَ قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ثُمَّ الْفَسْخُ فِيمَا ذُكِرَ ليس فَوْرِيًّا على الْأَشْبَهِ في الْمَطْلَبِ لِبَقَاءِ الضَّرَرِ الْمُحَوِّجِ له وَوَقَعَ في نُسَخِهِ بَدَلَ ما شَرَحْنَا عليه ما يُخَالِفُ بَعْضَهُ فَاجْتَنِبْهُ فَرْعٌ إذَا وَقَعَ الْفَسْخُ لَا يَرُدُّ الْمُشْتَرِي الزَّوَائِدَ الْمُنْفَصِلَةَ قبل الْفَسْخِ وَلَوْ قَبِلَ الْقَبْضَ أَيْ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّهَا لِمَا مَرَّ أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ من حِينِهِ لَا من أَصْلِهِ بِخِلَافِ الْمُتَّصِلَةِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْأَصْلِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ التَّحَالُفَ يَجْرِي عِنْدَ بَقَاءِ الْعِوَضِ وَتَلَفِهِ وَاعْتُرِضَ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ فإنه لَا يَجْرِي بَعْدَ التَّلَفِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرَّدَّ يَعْتَمِدُ الْمَرْدُودَ وَالْفَسْخَ يَعْتَمِدُ الْعَقْدَ وَبِأَنَّ الرَّدَّ يَخْلُفُهُ الْأَرْشُ فَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْفَسْخِ فَلَوْ كان بَاقِيًا بِحَالِهِ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ رَدُّهُ كما عُلِمَ من كَلَامِهِ أو تَالِفًا أو زَائِلًا عن مِلْكِهِ أو تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ كَأَنْ كان مُكَاتَبًا كِتَابَةً صَحِيحَةً غَرِمَ قِيمَتَهُ إنْ كان مُتَقَوِّمًا وَإِنْ زَادَتْ على ثَمَنِهِ وَمِثْلُهُ إنْ كان مِثْلِيًّا وَالْعِبْرَةُ بِقِيمَتِهِ يوم التَّلَفِ أَيْ تَلَفِهِ حَقِيقَةً أو حُكْمًا إذْ مَوْرِدُ الْفَسْخِ الْعَيْنُ لو بَقِيَتْ وَالْقِيمَةُ خَلَفٌ عنها فَلْتُعْتَبَرْ عِنْدَ فَوَاتِ أَصْلِهَا فَلَوْ تَحَالَفَا في عَبْدَيْنِ وقد مَاتَ أَحَدُهُمَا
____________________
(2/119)
أو عَتَقَ رَدَّ الْمُشْتَرِي الْمَوْجُودَ وَقِيمَةَ التَّالِفِ وَفَارَقَ اعْتِبَارَهَا بِمَا ذَكَرَ اعْتِبَارَهَا لِمَعْرِفَةِ الْأَرْشِ بِأَقَلِّ قِيمَتَيْ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ كما مَرَّ بِأَنَّ النَّظَرَ إلَيْهَا ثَمَّ لَا لِتَغْرَمَ بَلْ لِيُعْرَفَ منها الْأَرْشُ وَهُنَا الْمَغْرُومُ الْقِيمَةُ فَكَانَ اعْتِبَارُ حَالَةِ الْإِتْلَافِ أَلْيَقَ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ
وَالْمَعِيبُ بِنَحْوِ أَبَاقٍ وَافْتِضَاضٍ لِبِكْرٍ مِمَّا يُثْبِتُ الْخِيَارَ يَرُدُّهُ بِالْأَرْشِ أَيْ معه وهو ما نَقَصَ من الْقِيمَةِ لِأَنَّ الْكُلَّ مَضْمُونٌ عليه بِجَمِيعِهَا فَبَعْضُهُ بِبَعْضِهَا فَلَوْ تَحَالَفَا في عَبْدٍ وقد سَقَطَتْ يَدُهُ رَدَّهُ مع التَّفَاوُتِ بين قِيمَتِهِ سَلِيمًا وَمَعِيبًا وَوَطْؤُهُ الثَّيِّبَ ليس بِعَيْبٍ فَلَا أَرْشَ له وَكَذَا أَرْشُ وَطْءِ غَيْرِهِ لها إذَا لم يَتَضَمَّنْ عَيْبًا كَأَنْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ منها وَكُلُّ أَرْشٍ وَجَبَ في مَضْمُونٍ بِالْقِيمَةِ فَهُوَ ما نَقَصَ منها أو مَضْمُونٍ بِالثَّمَنِ فِيمَا أَيْ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِمَا نَقَصَ منه يُرَدُّ على ما قَالَهُ في الضَّابِطِ الْأَوَّلِ ما لو قَطَعَ من الرَّقِيقِ ما له أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فإنه يَضْمَنُهُ بِمُقَدَّرِهِ لَا بِمَا نَقَصَ من قِيمَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَاصِبًا فَيَضْمَنُهُ بِالْأَكْثَرِ كما سَيَأْتِي وَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِ أَصْلِهِ ما ضَمِنَ كُلَّهُ بِالْقِيمَةِ فَبَعْضُهُ بِبَعْضِهَا لَسَلِمَ من ذلك لَكِنْ يُسْتَثْنَى من طَرْدِهِ ما لو تَعَيَّبَ الْمُعَجَّلُ في الزَّكَاةِ فإنه لَا أَرْشَ فيه كما مَرَّ وَذَكَرَهُ الْأَصْلُ هُنَا وما لو تَعَيَّبَ الصَّدَاقُ في يَدِ الزَّوْجَةِ وَطَلَّقَهَا فإنه لَا أَرْشَ له إنْ اخْتَارَ الرُّجُوعَ إلَى الشَّطْرِ وما لو رَأَى عَيْبًا بِالْمَبِيعِ فَرَدَّهُ وقد تَعَيَّبَ الثَّمَنُ بِنَقْصٍ وُصِفَ كَشَلَلٍ فإنه لَا أَرْشَ له كما مَرَّ في الْكَلَامِ على الْأَرْشِ مع أَنَّ الثَّلَاثَةَ تُضْمَنُ بِتَلَفِهَا وَمِنْ عَكْسِهِ ما لو اشْتَرَى الْمَغْصُوبَ من غَاصِبِهِ فإنه لو تَعَيَّبَ في يَدِهِ وَغَرِمَ الْأَرْشَ رَجَعَ بِهِ على الْغَاصِبِ
وَلَوْ تَلِفَ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ لَا يَرْجِعُ بها عليه وما لو جَنَى السَّيِّدُ على مُكَاتَبِهِ كَأَنْ قَطَعَ يَدَهُ فَيَلْزَمُهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَلَوْ قَتَلَهُ لم يَغْرَمْ شيئا وَأَمَّا ما قَالَهُ في الضَّابِطِ الثَّانِي فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْأَرْشَ لَا يُعْتَبَرُ بِمَا نَقَصَ من الثَّمَنِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا أَرْشَ إذَا لم يَنْقُصْ الثَّمَنُ عن قِيمَةِ الْمَبِيعِ مَعِيبًا وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ بِنِسْبَةِ ما نَقَصَ من الْقِيمَةِ لو كان سَلِيمًا كما مَرَّ مع أَنَّ الْمُنَاسِبَ لِكَلَامِهِ في الضَّابِطِ الْأَوَّلِ حَذْفُ الْبَاءِ من قَوْلِهِ في الثَّانِي فَبِمَا وَإِنْ رَهَنَهُ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْقِيمَةَ أو انْتَظَرَ الْفِكَاكَ قال الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا يُخَالِفُ ما ذَكَرَ في الصَّدَاقِ من أَنَّهُ لو طَلَّقَهَا قبل الْوَطْءِ وكان الصَّدَاقُ مَرْهُونًا وقال انْتَظِرْ الْفِكَاكَ لِلرُّجُوعِ فَلَهَا إجْبَارٌ على قَبُولِ نِصْفِ الْقِيمَةِ لِمَا عليها من خَطَرِ الضَّمَانِ فَالْقِيَاسُ هُنَا إجْبَارُهُ على أَخْذِ الْقِيمَةِ وهو الذي أَوْرَدَهُ الْمُتَوَلِّي انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ قد حَصَلَ لها كَسْرٌ بِالطَّلَاقِ فَنَاسَبَ جَبْرَهَا بِإِجَابَتِهِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي وإذا أَجَّرَهُ رَجَعَ فيه مُؤَجَّرًا لَا في قِيمَتِهِ بِنَاءً على جَوَازِ بَيْعِ الْمُؤَجَّرِ وَلِلْمُشْتَرِي الْمُسَمَّى في الْإِجَارَةِ وَعَلَيْهِ لِلْبَائِعِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْمُدَّةِ الْبَاقِيَةِ من وَقْتِ الْفَسْخِ إلَى انْقِضَائِهَا وَلَوْ كان الْمُسْتَأْجِرُ الْبَائِعَ فإنه يَرْجِعُ فيه بِنَاءً على أَنَّ بَيْعَ الدَّارِ لِمُسْتَأْجِرِهَا لَا تَنْفَسِخُ بِهِ الْإِجَارَةُ وَلَهُ على الْمُشْتَرِي أُجْرَةُ مِثْلُهُ وَلِلْمُشْتَرِي الْمُسَمَّى وَالتَّلَفُ قد يَكُونُ حَقِيقِيًّا وقد يَكُونُ حُكْمِيًّا بِأَنْ أَزَالَ مِلْكَهُ كَأَنْ وَقَفَ الْمَبِيعَ أو أَعْتَقَهُ أو بَاعَهُ فَتَجِبُ الْقِيمَةُ وَهَذَا مع قَوْلِهِ فَلَوْ كان تَالِفًا إلَى قَوْلِهِ غَرِمَ قِيمَتَهُ مُكَرَّرٌ مع أَنَّهُ لَا يَفِي بِالْغَرَضِ كما يُعْرَفُ مِمَّا قَدَّمْته ثُمَّ وهذه التَّصَرُّفَاتُ صَحِيحَةٌ لِصُدُورِهَا في مَحَلِّهَا
وَالتَّعَيُّبُ أَيْضًا
____________________
(2/120)
قد يَكُونُ حَقِيقِيًّا وقد يَكُونُ حُكْمِيًّا بِأَنَّ الْأَوْلَى كَأَنْ زَوَّجَ الرَّقِيقَ عَبْدًا كان أو أَمَةً فَعَلَيْهِ ما بين قِيمَتِهِ مُزَوَّجًا وَخَلِيًّا وَيَعُودُ إلَى الْبَائِعِ وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَفِيهِ أَنَّهُمَا ما لو اخْتَلَفَا في الْقِيمَةِ أو الْأَرْشِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي أَيْ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وإذا فَسَخَ الْعَقْدَ على الرَّقِيقِ وهو آبِقٌ غَرِمَ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهُ لِلْحَيْلُولَةِ لِتَعَذُّرِ حُصُولِهِ فَلَوْ رَجَعَ الْآبِقُ رَدَّهُ وَاسْتَرَدَّ الْقِيمَةَ لَا الْمَرْهُونَ وَالْمُكَاتَبَ كِتَابَةً صَحِيحَةً إذَا لم يَصْبِرْ الْبَائِعُ إلَى زَوَالِ الرَّهْنِ وَالْكِتَابَةِ فَلَا يَغْرَمُ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهُمَا لِلْحَيْلُولَةِ بَلْ لِلْفَيْصُولَةِ فَوُرُودُ الْفَسْخِ فِيهِمَا على الْقِيمَةِ لَا على الْمَبِيعِ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ تَمَلُّكَهُ لِكَوْنِهِ إبْطَالًا لَهُمَا وَهُمَا لَازِمَانِ من جِهَةِ الرَّاهِنِ وَالسَّيِّدِ فَكَانَا كَالْبَيْعِ وَتَوَقُّعُ زَوَالِهِمَا كَتَوَقُّعِ عَوْدِ الْمَبِيعِ بِخِلَافِ الْإِبَاقِ وَلِذَلِكَ مَنَعَا رُجُوعَ الْبَائِعِ بِالْإِفْلَاسِ ولم يَمْنَعْهُ الْإِبَاقُ وَيَتَحَالَفُ الْوَكِيلَانِ في الْعَقْدِ وَفَائِدَتُهُ الْفَسْخُ لَا الْإِقْرَارُ إذْ لَا فَائِدَةَ في إقْرَارِهِمَا لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ في حَقِّ الْمُوَكِّلَيْنِ
فَصْلٌ لو اخْتَلَفَا في ثَمَنِ عَبْدٍ مَثَلًا وَحَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَعْدَ التَّحَالُفِ أو قَبْلَهُ بِعِتْقِهِ أَنَّهُ الصَّادِقُ فِيمَا ادَّعَاهُ بِأَنْ قال إنْ لم يَكُنْ الْأَمْرُ كما قُلْت فَهُوَ عَتِيقٌ لم يَحْكُمْ بِعِتْقِهِ في الْحَالِ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي وهو صَادِقٌ بِزَعْمِهِ فَإِنْ عَادَ إلَى الْبَائِعِ بِفَسْخٍ أو غَيْرِهِ وهو مُكَذَّبٌ أَيْ بَاقٍ على تَكْذِيبِهِ لِلْمُشْتَرِي وَالتَّصْرِيحُ بهذا الْقَيْدِ من زِيَادَتِهِ عَتَقَ أَيْ حَكَمَ عليه بِعِتْقِهِ ظَاهِرًا مُطْلَقًا لَا بَاطِنًا إنْ كَذَبَ فِيمَا ادَّعَاهُ وَإِنَّمَا عَتَقَ عليه ظَاهِرًا لِاعْتِرَافِهِ بِعِتْقِهِ على الْمُشْتَرِي فَهُوَ كَمَنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَإِنْ صَدَقَ فيه عَتَقَ على الْمُشْتَرِي بَاطِنًا وَوَقْفُ حَالَتَيْ الْكَذِبِ وَالصِّدْقِ وَوَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا إذْ لم يَدَّعِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَإِنْ صَدَّقَهُ أَيْ وَإِنْ صَدَّقَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ كما وُجِدَ في نُسْخَةٍ هَكَذَا نَظَرْت فَإِنْ تَقَدَّمَتْ يَمِينُهُ بِالْعِتْقِ على يَمِينِ الْمُشْتَرِي لم يُعْتَقْ عليه لِتَكْذِيبِهِ إيَّاهُ بِيَمِينِهِ لِتَأَخُّرِهَا فَهُوَ مُقِرٌّ بِحُرِّيَّتِهِ عليه ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ الْإِخْبَارِيِّ وَلَوْ عَبَّرَ كَأَصْلِهِ بِالْوَاوِ كان أَوْلَى إنْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي عَتَقَ عليه وَبَطَلَ الْفَسْخُ إنْ تَفَاسَخَا أَيْ إنْ فُسِخَ الْعَقْدُ وَيَثْبُتُ له الْوَلَاءُ من زِيَادَتِهِ كما لو رُدَّ عَبْدٌ بِعَيْبٍ وَاعْتَرَفَ الْمُشْتَرِي بَعْدَهُ بِعِتْقِهِ بَطَلَ الْفَسْخُ وَأَخَذَ الْأَرْشَ أَيْ أَرْشَ الْعَيْبِ من الْبَائِعِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَحَكَمَ بِعِتْقِهِ قال السُّبْكِيُّ وَمَحَلُّ ذلك إذَا صَدَّقَهُ الْبَائِعُ وَإِلَّا فَلَيْسَ له إبْطَالُ حَقِّهِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ كما لو بَاعَهُ ثُمَّ قال كُنْت أَعْتَقْته فَإِنْ كان الْمَبِيعُ فِيمَا ذَكَرَ بَعْضَ الْعَبْدِ وَعَتَقَ الْبَعْضُ على الْبَائِعِ بِعَوْدِهِ إلَيْهِ لم يُقَوَّمْ وفي نُسْخَةٍ لم يَسْرِ عليه الْبَاقِي لِعَدَمِ مُبَاشَرَتِهِ الْعِتْقَ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَصَلَ بِإِقْرَارِهِ على غَيْرِهِ فَصَارَ كما لو تَرَكَ ابْنَيْنِ وَعَبْدًا فقال أَحَدُهُمَا أَعْتَقَهُ أبي وَأَنْكَرَ الْآخَرُ عَتَقَ نَصِيبُ الْمُقِرِّ وَلَا يُقَوَّمُ عليه الْبَاقِي فَصْلٌ وَلِلْمُشْتَرِي وَطْءُ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ حَالَ النِّزَاعِ وَقَبْلَ التَّحَالُفِ على الْأَصَحِّ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ وفي جَوَازِهِ فِيمَا بَعْدَهُ وَجْهَانِ مُرَتَّبَانِ وَأَوْلَى بِالْمَنْعِ لِإِشْرَافِهِ على الزَّوَالِ وَالْأَوْجَهُ جَوَازُهُ كما اقْتَضَاهُ تَعْلِيلُهُمْ السَّابِقُ بَلْ قَضِيَّتُهُ الْجَوَازُ أَيْضًا بَعْدَ الْفَسْخِ إذَا لم يَزُلْ بِهِ مِلْكُ الْمُشْتَرِي كما في مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ الْمُتَقَدِّمَةِ قبل الْفَصْلِ السَّابِقِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ بِيَمِينِهِ في قَدْرِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ بَعْدَ قَبْضِهِ له إنْ فَسَخَ الْبَيْعَ بِإِقَالَةٍ أو عَيْبٍ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَتَقَدَّمَتْ هذه في الْإِقَالَةِ مع زِيَادَةٍ والقول قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ أَيْضًا في قِيمَةِ التَّالِفِ من أَحَدِ عَبْدَيْ الصَّفْقَةِ إذَا رضي بِرَدِّ الْبَاقِي وَحْدَهُ عليه بِعَيْبٍ لِأَنَّهُ مَلَكَ الثَّمَنَ بِالْبَيْعِ فَلَا رُجُوعَ عليه إلَّا بِمَا أَقَرَّ بِهِ وفي كَوْنِهِ بَاعَ النَّخْلَ مُؤَبَّرًا بِأَنْ ادَّعَى ذلك لِتَكُونَ الثَّمَرَةُ له وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ اشْتَرَاهُ غير مُؤَبَّرٍ لِتَكُونَ له لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مِلْكِهِ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لو قال بِعْتُكهَا مُؤَبَّرَةً فقال بَلْ غير مُطَلَّعَةٍ وَإِنَّمَا اطَّلَعَتْ في مِلْكِي لم يُصَدَّقْ الْبَائِعُ وهو ظَاهِرٌ وَاسْتُشْكِلَتْ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ فيها التَّحَالُفُ كما أَجَابَ بِهِ ابن الْقَطَّانِ وَالصَّيْمَرِيُّ لِاخْتِلَافِهِمَا في قَدْرِ الْمَبِيعِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يقول إنَّهُ الشَّجَرَةُ فَقَطْ وَالْمُشْتَرِي يقول أَنَّهُ الشَّجَرَةُ وَالثَّمَرَةُ وَيُجَابُ بِأَنَّ التَّحَالُفَ إنَّمَا يَأْتِي لو صَحَّ وُرُودُ الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا وَادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ كَذَلِكَ فإن وُرُودَهُ عَلَيْهِمَا فَاسِدٌ وهو إنَّمَا ادَّعَى وُرُودَهُ على الشَّجَرَةِ وَدُخُولِ الثَّمَرَةِ تَبَعًا فَلَا تَحَالُفَ وَيُؤَيِّدُهُ ما نَقَلَهُ الْإِمَامُ عن الشَّيْخِ
____________________
(2/121)
أبي زَيْدٍ أَنَّهُمَا لو اخْتَلَفَا في وَلَدِ الْأَمَةِ الْمَبِيعَةِ فقال الْبَائِعُ وَضَعْته قبل الْعَقْدِ فَهُوَ لي وقال الْمُشْتَرِي بَلْ بَعْدَهُ صُدِّقَ الْبَائِعُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَالْمُسَلَّمِ إلَيْهِ بِيَمِينِهِمَا في بَقَاءِ أَجَلٍ اُخْتُلِفَ في ابْتِدَائِهِ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّهُمَا فإذا ادَّعَى غَرِيمُهُمَا انْقِضَاءَهُ فَقَدْ ادَّعَى اسْتِحْقَاقَ مُطَالَبَتِهِ وَهُمَا يُنْكِرَانِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمَا وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لو اخْتَلَفَ مع غَرِيمِهِ في أَصْلِ الْعَقْدِ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَذَا في صِفَتِهِ وَإِنْ بَاعَ شيئا فَظَهَرَ أَنَّهُ كان لِابْنِهِ أو مُوَكِّلِهِ فَوَقَعَ اخْتِلَافٌ بِأَنْ قال الِابْنُ أو الْمُوَكِّلُ بَاعَ أبي مَالِي في الصِّغَرِ لِنَفْسِهِ مُتَعَدِّيًا أو بَاعَ وَكِيلِي مَالِي مُتَعَدِّيًا وقال الْمُشْتَرِي بَلْ بَاعَهُ لِحَاجَتِك أو بِلَا تَعَدٍّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ لِأَنَّ كُلًّا من الْأَبِ وَالْوَكِيلِ أَمِينٌ فَلَا يُتَّهَمُ إلَّا بِحُجَّةٍ وفي كَلَامِهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ لَا يَخْفَى لَكِنْ قَوْلُهُ بِلَا تَعَدٍّ يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْمَسْأَلَتَيْنِ كِتَابُ السَّلَمِ وَيُقَالُ له السَّلَفُ يُقَالُ أَسْلَمَ وسلم وَأَسْلَفَ وَسَلَّفَ وَسُمِّيَ سَلَمًا لِتَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ في الْمَجْلِسِ وَسَلَفًا لِتَقْدِيمِهِ وَالْأَصْلُ فيه قبل الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ الْآيَةُ فَسَّرَهَا ابن عَبَّاسٍ بِالسَّلَمِ وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ من أَسْلَفَ في شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وهو بَيْعُ شَيْءٍ مَوْصُوفٍ في الذِّمَّةِ بِبَدَلٍ يَجِبُ تَعْجِيلُهُ بِمَجْلِسِ الْبَيْعِ وَأَوْرَدَ عليه أَنَّ اعْتِبَارَ التَّعْجِيلِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ السَّلَمِ لَا رُكْنٌ فيه وَيُجَابُ بِأَنَّ ذلك رَسْمٌ لَا يَقْدَحُ فيه ما ذُكِرَ وَقَضِيَّةُ كَوْنِ السَّلَمِ بَيْعًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إسْلَامُ الْكَافِرِ في الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وهو الْأَصَحُّ في الْمَجْمُوعِ لَكِنْ صَحَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ الْقَطْعَ بِصِحَّتِهِ وَتَبِعَهُ السُّبْكِيُّ وهو بَيْعُ أَيِّ نَوْعٍ منه لَكِنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ بِشُرُوطٍ سِتَّةٍ زَائِدَةٍ على شُرُوطِ الْبَيْعِ غَيْرِ الرُّؤْيَةِ وَقَوْلُهُ وهو بَيْعٌ مُكَرَّرٌ الْأَوَّلُ تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ في الْمَجْلِسِ إذْ لو تَأَخَّرَ لَكَانَ ذلك في مَعْنَى بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ إنْ كان رَأْسُ الْمَالِ في الذِّمَّةِ وَلِأَنَّ السَّلَمَ عَقْدُ غَرَرٍ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ فَلَا يُضَمُّ إلَيْهِ غَرَرٌ آخَرُ وَلَوْ اسْتَوْفَى الْمُسَلَّمَ فيه في الْمَجْلِسِ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ فيه تَبَرُّعٌ وَالتَّبَرُّعُ لَا يُغَيِّرُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَلَا بُدَّ من شَرْطِ حُلُولِ رَأْسِ الْمَالِ كما صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَلَا يُغْنِي عنه شَرْطُ تَسْلِيمِهِ في الْمَجْلِسِ وَيَصِحُّ السَّلَمُ وَالصَّرْفُ وَبَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ وَالْعِوَضَانِ في ذِمَّتِهِ أَيْ الْعَاقِدُ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا في ذِمَّةِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ وَالْآخَرُ في ذِمَّةِ الْآخَرِ وَهُمَا مَوْصُوفَانِ بِصِفَةِ السَّلَمِ ثُمَّ يُعَيِّنُ وَيُسَلِّمُ في الْمَجْلِسِ ما يَجِبُ تَسْلِيمُهُ فيه فَلَوْ تَفَارَقَا قبل الْقَبْضِ بَطَلَ وَكَذَا لو تَخَايَرَا قَبْلَهُ كما مَرَّ نَظِيرُهُ في الرِّبَا وإذا تَفَرَّقَا بَعْدَ قَبْضِ الْبَعْضِ صَحَّ فيه بِقِسْطِهِ كما لو اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قبل الْقَبْضِ وَلَوْ قَبَضَهُ منه الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ في الْمَجْلِسِ وَرَدَّهُ إلَيْهِ عن دَيْنٍ له عليه صَحَّ كُلٌّ من الرَّدِّ وَالْعَقْدِ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في الرِّبَا وَصَحَّحَهُ في الْمُهِمَّاتِ هُنَا لِأَنَّ تَصَرُّفَ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ في مُدَّةِ خِيَارِ الْآخَرِ إنَّمَا يَمْتَنِعُ إذَا كان مع غَيْرِ الْآخَرِ لِأَنَّ صِحَّتَهُ تَقْتَضِي إسْقَاطَ ما ثَبَتَ له من الْخِيَارِ إمَّا معه فَيَصِحُّ وَيَكُونُ ذلك إجَازَةً مِنْهُمَا كما ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ في بَابَيْ الرِّبَا وَالْخِيَارِ
وَاعْتَرَضَ بِهِ في الْمُهِمَّاتِ على ما نَقَلَاهُ هُنَا عن الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّاهُ من عَدَمِ الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ قبل انْبِرَامِ مِلْكِهِ وَتَبِعَهُ عليه الْمُصَنِّفُ حَيْثُ حَذَفَ ذلك وَذَكَرَ بَدَلَهُ الصِّحَّةَ وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ ذَكَرَهُ في الرِّبَا أَنَّهُ ذَكَرَ ما يُؤْخَذُ منه ذلك لَا أَنَّهُ ذَكَرَهُ بِعَيْنِهِ وَأَفْهَم كَلَامُهُ بِالْأَوْلَى ما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَنَّهُ لو قَبَضَ رَأْسَ الْمَالِ ثُمَّ أَوْدَعَهُ عِنْدَ الْمُسَلَّمِ في الْمَجْلِسِ جَازَ وَإِنْ أَسْلَمَ إلَيْهِ ما له في ذِمَّتِهِ أو صَالَحَ عن رَأْسِ الْمَالِ لم يَصِحَّ لِتَعَذُّرِ قَبْضِهِ من نَفْسِهِ في الْأَوْلَى وَلِعَدَمِ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ في الْمَجْلِسِ في الثَّانِيَةِ
____________________
(2/122)
وَيَجُوزُ جَعْلُ الْمَنْفَعَةِ رَأْسَ مَالٍ كَغَيْرِهَا وَتَسْلِيمُهَا بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ وَاكْتَفَى بِهِ وَإِنْ كان الْمُعْتَبَرُ الْقَبْضَ الْحَقِيقِيَّ كما سَيَأْتِي لِأَنَّهُ الْمُمْكِنُ في قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ إذْ قَبْضُهَا بِقَبْضِ الْعَيْنِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لها وَهَذَا من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لو جَعَلَ رَأْسَ الْمَالِ عَقَارًا غَائِبًا وَمَضَى في الْمَجْلِسِ زَمَنٌ يُمْكِنُ فيه الْمُضِيُّ إلَيْهِ وَالتَّخْلِيَةُ صَحَّ لِأَنَّ الْقَبْضَ فيه بِذَلِكَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لو كانت الْمَنْفَعَةُ مُتَعَلِّقَةً بِبَدَنِهِ كَتَعْلِيمِ سُورَةٍ وَخِدْمَةِ شَهْرٍ صَحَّ وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ ولم يَطَّلِعْ عليه الْإِسْنَوِيُّ فَبَحَثَهُ لَكِنَّهُ اسْتَثْنَى منه ما لو سَلَّمَ نَفْسَهُ ثُمَّ أَخْرَجَهَا من التَّسْلِيمِ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ وما اسْتَثْنَاهُ مَرْدُودٌ إذْ لَا يُمْكِنُهُ إخْرَاجُ نَفْسِهِ كما في الْإِجَارَةِ فَرْعٌ لو أَحَالَ الْمُسَلِّمُ الْمُسَلَّمَ إلَيْهِ بِرَأْسِ الْمَالِ وَتَفَرَّقَا لم يَصِحَّ السَّلَمُ وَإِنْ وَفَّاهُ أَيْ رَأْسَ الْمَالِ في الْمَجْلِسِ سَوَاءٌ أَذِنَ فيه الْمُحِيلُ أَمْ لَا لِأَنَّ بِالْحَوَالَةِ يَتَحَوَّلُ الْحَقُّ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عليه فَهُوَ يُؤَدِّيهِ عن جِهَةِ نَفْسِهِ لَا عن جِهَةِ الْمُسَلِّمِ نعم إنْ قَبَضَهُ الْمُسَلِّمُ من الْمُحَالِ عليه أو من الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ بَعْدَ قَبْضِهِ بِإِذْنِهِ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ في الْمَجْلِسِ صَحَّ وَإِنْ أَمَرَهُ الْمُسَلِّمُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ فَفَعَلَ لم يَكْفِ لِصِحَّةِ السَّلَمِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ في إزَالَةِ مِلْكِهِ لَا يَصِيرُ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ لَكِنْ صَارَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ وَكِيلًا لِلْمُسَلِّمِ في قَبْضِ ذلك ثُمَّ السَّلَمُ يَقْتَضِي قَبْضًا آخَرَ وَلَا يَصِحُّ قَبْضُهُ من نَفْسِهِ خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ فَيَأْخُذُهُ منه ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَيْهِ وَهَذَا بِخِلَافِ ما لو كان عِنْدَ غَيْرِهِ مَالٌ كَوَدِيعَةٍ فَأَسْلَمَهُ له في شَيْءٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذلك بَلْ هو كما لو بَاعَهُ مِمَّنْ في يَدِهِ لِأَنَّهُ كان مَمْلُوكًا قبل الْقَبْضِ بِخِلَافِهِ في مَسْأَلَتِنَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ قال السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ في إزَالَةِ مِلْكِهِ لَا يَصِيرُ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ أَنَّهُ لو ادَّعَى الْإِقْبَاضَ لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ وقد قالوا في الْمُسْتَأْجِرِ يُؤْذَنُ له في الْعِمَارَةِ بِالْأُجْرَةِ فَيَدَّعِيهَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ ا ه وقد يُجَابُ بِأَنَّ قَبُولَ قَوْلِهِ ثَمَّ ليس لِكَوْنِهِ وَكِيلًا في إزَالَةِ مِلْكِهِ بَلْ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا له في الْعِمَارَةِ فَلْيُقْبَلْ قَوْلُهُ هُنَا لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا له في الدَّفْعِ فَلَا فَرْقَ بين الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْإِذْنُ في الدَّفْعِ هُنَا كَالْإِذْنِ في الْعِمَارَةِ ثُمَّ وَفِيهِ إذْ الْوَكِيلُ في الدَّفْعِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فيه فَالْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ تِلْكَ اُسْتُثْنِيَتْ لِلْحَاجَةِ فَلَا يُقَاسُ عليها وَإِنْ جَرَتْ الْحَوَالَةُ من الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ عليه أَيْ على رَأْسِ الْمَالِ وَتَفَرَّقَا قبل التَّسْلِيمِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَإِنْ جَعَلْنَا الْحَوَالَةَ قَبْضًا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُنَا الْقَبْضُ الْحَقِيقِيُّ وَلِهَذَا لَا يَكْفِي عِنْدَ الْإِبْرَاءِ نعم إنْ أَمَرَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ الْمُسَلِّمَ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ أَيْ إلَى الْمُحْتَالِ فَفَعَلَ في الْمَجْلِسِ صَحَّ الْقَبْضُ وكان الْمُحْتَالُ وَكِيلًا فيه عن الْمُسَلِّمِ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ على خِلَافِ ما مَرَّ في إحَالَةِ الْمُسَلِّمِ وَالْفَرْقُ ما وَجَّهُوا بِهِ ذَاكَ من أَنَّ الْمُقْبَضَ فيه يُقْبَضُ عن غَيْرِ جِهَةِ السَّلَمِ أَيْ بِخِلَافِهِ هُنَا وَالْحَوَالَةُ في الْمَسْأَلَتَيْنِ بِكُلِّ تَقْدِيرٍ فَاسِدَةٌ لِتَوَقُّفِ صِحَّتِهَا على صِحَّةِ الِاعْتِيَاضِ عن الْمُحَالِ بِهِ وَعَلَيْهِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ في رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَلِأَنَّ صِحَّتَهَا تَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ السَّلَمِ بِغَيْرِ قَبْضٍ حَقِيقِيٍّ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ في الْمَجْلِسِ من زِيَادَتِهِ فَرْعٌ لو كان رَأْسُ الْمَالِ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ قبل الْقَبْضِ لم يَكُنْ قَبْضًا لِأَنَّهُ إنْ لم يَصِحَّ الْعِتْقُ على ما يَأْتِي بَيَانُهُ فَظَاهِرٌ وَإِنْ صَحَّ فَالْمُعْتَبَرُ الْقَبْضُ الْحَقِيقِيُّ ولم يُوجَدْ ثُمَّ إنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ الْقَبْضِ بَانَ صِحَّةُ الْعَقْدِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وفي نُفُوذِ الْعِتْقِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا لو أَعْتَقَ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَ وَقُلْنَا لَا يَنْفُذُ فَانْفَكَّ الرَّهْنُ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَمُقْتَضَاهُ تَصْحِيحُ عَدَمِ النُّفُوذِ وَالصَّحِيحُ النُّفُوذُ كما جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ عبد الْغَفَّارِ الْقَزْوِينِيُّ في عُبَابِهِ وَصَحَّحَهُ شَيْخُنَا أبو عبد اللَّهِ الْحِجَازِيُّ في مُخْتَصَرِ الرَّوْضَةِ وهو ظَاهِرٌ قِيَاسًا على عِتْقِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ قبل قَبْضِهِ وَإِنْ افْتَرَقَا من وَجْهٍ أو تَفَرَّقَا قَبْلَهُ بَطَلَ الْعَقْدُ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ وَلَوْ جَعَلَ رَأْسَ الْمَالِ من يُعْتَقُ على الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ فَقِيَاسُ ما ذَكَرَ الصِّحَّةُ إنْ قَبَضَهُ وَإِلَّا فَلَا فَرْعٌ وَإِنْ فَسَخَ السَّلَمَ اقْتَضَى تَعَيُّنَ رَدِّ رَأْسِ الْمَالِ إلَى الْمُسَلِّمِ وَلَوْ لم يُعَيِّنْ في الْعَقْدِ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ وَإِنْ تَلِفَ فَبَدَلُهُ وهو الْمِثْلُ في الْمِثْلِيِّ وَالْقِيمَةُ في الْمُتَقَوِّمِ وَإِنْ قال الْمُسَلِّمُ أَقْبَضْتُك رَأْسَ الْمَالِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ فقال بَلْ قَبْلَهُ وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ لِأَنَّهَا مع مُوَافَقَتِهَا لِلظَّاهِرِ نَاقِلَةٌ وَالْأُخْرَى مُسْتَصْحَبَةٌ سَوَاءٌ أَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ بِيَدِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ أَمْ بِيَدِ الْمُسَلِّمِ بِأَنْ قال له الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ قَبَضْته قبل التَّفَرُّقِ ثُمَّ أَوْدَعْتَكَهُ أو غَصَبْته مِنِّي فَعِبَارَتُهُ أَوْلَى من تَقْيِيدِ الْأَصْلِ بِالشِّقِّ الْأَوَّلِ فَإِنْ لم تَكُنْ بَيِّنَةٌ صُدِّقَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فَرْعٌ لو أَسْلَمَ دَرَاهِمَ أو دَنَانِيرَ في الذِّمَّةِ حُمِلَ على غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ فَإِنْ لم يَكُنْ غَالِبٌ بِأَنْ اسْتَوَتْ النُّقُودُ بَيْنَهُ أَيْ النَّقْدِ الْمُرَادِ وَإِلَّا لم يَصِحَّ كَالثَّمَنِ في الْمَبِيعِ أو أَسْلَمَ عَرَضًا في الذِّمَّةِ وَجَبَ وَصْفُهُ
____________________
(2/123)
أَيْ ذِكْرُ قَدْرِهِ وَصِفَتِهِ وإذا أَسْلَمَ الْمَالَ الْمُعَيَّنَ من نَقْدٍ أو عَرَضٍ وَلَوْ مِثْلِيًّا جُزَافًا أو كان رَأْسُ الْمَالِ جَوْهَرَةً مُعَيَّنَةً أو في الذِّمَّةِ صَحَّ وَإِنْ لم يَصِحَّ السَّلَمُ في الْجَوْهَرَةِ اكْتِفَاءً بِالْمُعَايَنَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ صِفَتِهِ وَلَا قَدْرِهِ سَوَاءٌ السَّلَمُ الْحَالُّ وَالْمُؤَجَّلُ وَسَوَاءٌ أَعَلِمَ الْعَاقِدَانِ الْقَدْرَ وَالْقِيمَةَ قبل تَفَرُّقِهِمَا أَمْ لَا وما ذُكِرَ في الْمِثْلِيِّ من أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فيه ذلك هو ما صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ قال الْبُلْقِينِيُّ وهو ما اخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ لَكِنْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ على أَنَّ أَحَبَّ الْقَوْلَيْنِ إلَيْهِ الِاشْتِرَاطُ وَالْقَوْلُ فِيمَا إذَا اتَّفَقَ فُسِخَ وَتَنَازَعَا في قَدْرِهِ أَيْ رَأْسِ الْمَالِ قَوْلُ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ غَارِمٌ الشَّرْطُ الثَّانِي كَوْنُ الْمُسَلَّمِ فيه دَيْنًا لِأَنَّهُ الذي وُضِعَ له لَفْظُ السَّلَمِ فَإِنْ قال أَسْلَمْت إلَيْك أَلْفًا في هذا الْعَبْدِ مَثَلًا أو أَسْلَمْت إلَيْك هذا الْعَبْدَ في هذا الثَّوْبِ فَلَيْسَ بِسَلَمٍ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ وَلَا بَيْعًا لِاخْتِلَالِ لَفْظِهِ لِأَنَّ لَفْظَ السَّلَمِ يَقْتَضِي الدَّيْنِيَّةَ وَهَذَا جَرَى على الْقَاعِدَةِ من تَرْجِيحٍ اعْتِبَارًا لِلَّفْظِ وقد يُرَجِّحُونَ اعْتِبَارَ الْمَعْنَى إذَا قَوِيَ كَتَرْجِيحِهِمْ في الْهِبَةِ بِثَوَابٍ مَعْلُومٍ انْعِقَادُهَا بَيْعًا وَالصُّورَةُ الْأُولَى في كَلَامِهِ من زِيَادَتِهِ وإذا قال بِعْتُك بِلَا ثَمَنٍ أو وَلَا ثَمَنَ لي عَلَيْك فَقَبِلَ لم يَكُنْ هِبَةً اعْتِبَارًا بِاللَّفْظِ وَلَا بَيْعًا لِاخْتِلَالِ الصِّيغَةِ بِرَفْعِ آخِرِهَا أَوَّلَهَا وَهَلْ يَضْمَنُهُ الْقَابِلُ بِالْقَبْضِ وَجْهَانِ قال ابن الصَّبَّاغِ إنْ اعْتَبَرْنَا اللَّفْظَ ضَمِنَ أو الْمَعْنَى فَلَا أو قال بِعْتُك وَسَكَتَ عن الثَّمَنِ فَقَبِلَ لم يَكُنْ هِبَةً نَظَرًا لِلَّفْظِ وَلَا بَيْعًا لِعَدَمِ ذِكْرِ الثَّمَنِ فَهُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ فإذا قَبَضَ الْقَابِلُ الْمَبِيعَ ضَمِنَهُ فَيَرُدُّهُ إنْ كان بَاقِيًا وَبَدَلَهُ إنْ كان تَالِفًا وَالسَّلَمُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ الْخَالِي عن لَفْظِ السَّلَمِ كَأَنْ قال اشْتَرَيْت مِنْك ثَوْبًا صِفَتُهُ كَذَا بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ أو بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ في ذِمَّتِي فقال بِعْتُك بِيعَ نَظَرًا لِلَّفْظِ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ وَقِيلَ سَلَمٌ نَظَرًا لِلْمَعْنَى وَنَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ عنه وَعَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَصَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وابن الصَّبَّاغِ وقال الْإِسْنَوِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ ذلك فَلْتَكُنْ الْفَتْوَى عليه وقال الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَالْمُخْتَارُ نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى وَاللَّفْظُ لَا يُعَارِضُهُ إذْ كُلُّ سَلَمٍ بَيْعٌ كما أَنَّ كُلَّ صَرْفٍ بَيْعٌ فَإِطْلَاقُ الْبَيْعِ على السَّلَمِ إطْلَاقٌ على ما يَتَنَاوَلُهُ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ في الْإِجَارَةِ ظَاهِرٌ في تَرْجِيحِهِ لَكِنْ على الْأَوَّلِ يَجِبُ تَعْيِينُ رَأْسِ الْمَالِ في الْمَجْلِسِ إذَا كان في الذِّمَّةِ لِيَخْرُجَ عن بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ لَا الْقَبْضِ في الْمَجْلِسِ فَلَا يَجِبُ وَيَثْبُتُ فيه خِيَارُ الشَّرْطِ وَيَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عنه وَعَلَى الثَّانِي يَنْعَكِسُ ذلك فَصْلٌ يَصِحُّ السَّلَمُ حَالًّا كَالْمُؤَجَّلِ وَأَوْلَى لِبُعْدِهِ عن الْغَرَرِ وَلَا مَانِعَ وَقَوْلُهُ في الْخَبَرِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ أَيْ إنْ كان مُؤَجَّلًا كَنَظِيرِهِ فِيمَا قَبْلَهُ إذْ الْمَعْنَى في كَيْلٍ مَعْلُومٍ إنْ كان مَكِيلًا وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إنْ كان مَوْزُونًا بِدَلِيلِ جَوَازِ السَّلَمِ في الْمَعْدُودِ وَالْمَذْرُوعِ وَمُؤَجَّلًا لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ وَلَوْ أُطْلِقَ عن الْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ فَهُوَ حَالٌّ كَالثَّمَنِ في الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ فَلَوْ كان الْمُسَلَّمُ فيه مَعْدُومًا عِنْدَ الْعَقْدِ لم يَصِحَّ كما يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي وَلَوْ أَلْحَقَا بِهِ أَجَلًا في الْمَجْلِسِ لِحَقٍّ أو ذَكَرَا أَجَلًا ثُمَّ أَسْقَطَاهُ في الْمَجْلِسِ سَقَطَ أو حَذَفَا فيه الْمُفْسِدَ لم
____________________
(2/124)
يَنْحَذِفْ فَلَا يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ صَحِيحًا كما قَدَّمَ ذلك في الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عنها وَأَعَادَهُ الْأَصْلُ هُنَا وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ فَلَا يُؤَقَّتُ بِالْحَصَادِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ وَنَحْوِهِمَا مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَذَكَرَ مَعَهَا وَقْتَهَا أَمْ لَا إذْ ليس لها وَقْتٌ مُعَيَّنٌ وما رُوِيَ من أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم اشْتَرَى من يَهُودِيٍّ شيئا إلَى مَيْسَرَتِهِ فَمَحْمُولٌ إنْ صَحَّ على زَمَنٍ مَعْلُومٍ عِنْدَهُمْ وَلَا بِالشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ وَالْعُطَاسِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ كُلٌّ من الْعَاقِدَيْنِ الْوَقْتَ أَيْ وَقْتَهَا الْمُعَيَّنَ فَيَصِحُّ وَيَجُوزُ التَّأْقِيتُ بِشُهُورِ الرُّومِ مَثَلًا كَتَمُّوزَ وَحُزَيْرَانَ وَأَعْيَادِ كُفَّارٍ كَالنَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ يُطْلَقَانِ على الْوَقْتَيْنِ اللَّذَيْنِ تَنْتَهِي الشَّمْسُ فِيهِمَا إلَى أَوَائِلِ بُرْجَيْ الْمِيزَانِ وَالْحَمَلِ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ كَشُهُورِ الْعَرَبِ هذا إنْ عَرَفَهَا الْمُسْلِمُونَ وَلَوْ عَدْلَيْنِ منهم أو الْمُتَعَاقِدَانِ بِخِلَافِ ما إذَا اخْتَصَّ الْكُفَّارُ بِمَعْرِفَتِهَا إذْ لَا يُعْتَمَدُ قَوْلُهُمْ قال ابن الصَّبَّاغِ إلَّا أَنْ يَبْلُغُوا عَدَدًا يَمْتَنِعُ تَوَاطُؤُهُمْ على الْكَذِبِ وَلَوْ وَقَّتَا بِالنَّفْرِ وَرَبِيعٍ وَالْعِيدِ أَيْ بِوَاحِدٍ منها ولم يُقَيِّدَا بِالْأَوَّلِ وَلَا بِالثَّانِي صَحَّ وَحُمِلَ على الْأَوَّلِ لِتَحَقُّقِ الِاسْمِ بِهِ وَلَوْ قال كَأَصْلِهِ شَهْرُ رَبِيعٍ كان أَوْلَى لِقَوْلِ أَهْلِ اللُّغَةِ لَا يُقَالُ رَبِيعٌ بَلْ شَهْرُ رَبِيعٍ قالوا وَلَا يُضَافُ لَفْظُ شَهْرٍ إلَى شَيْءٍ من الشُّهُورِ إلَّا إلَى رَمَضَانَ وَالرَّبِيعَيْنِ وَيُنَوَّنُ رَبِيعٌ إذَا وُصِفَ بِالْأَوَّلِ أو الثَّانِي وَلَا يُقَالُ بِالْإِضَافَةِ نَبَّهَ عليه النَّوَوِيُّ وَتَقَدَّمَ في كِتَابِ الصَّوْمِ مَالَهُ بِذَلِكَ تَعَلُّقٌ أو وَقَّتَا بِالْقَرِّ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وهو حَادِي عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ صَحَّ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ الْحُجَّاجَ يُقِرُّونَ فيه بِمِنًى وَيَنْفِرُونَ بَعْدَهُ النَّفْرَيْنِ في الثَّانِي عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ وَالتَّأْجِيلُ في الْحَقِيقَةِ بِأَيَّامِهَا لَا بها نَفْسِهَا لِأَنَّهَا قد تَتَقَدَّمُ وقد تَتَأَخَّرُ فَرْعٌ وَالسَّنَةُ الْمُطْلَقَةُ تُحْمَلُ على الْهِلَالِيَّةِ دُونَ غَيْرِهَا لِأَنَّهَا عُرْفُ الشَّرْعِ قال تَعَالَى يَسْأَلُونَك عن الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ فَلَوْ عَقَدَا في آخِرِ يَوْمٍ من الشَّهْرِ وفي مَعْنَاهُ لَيْلَتُهُ فَكُلُّ السَّنَةِ هِلَالِيَّةٌ فَيُكْتَفَى بِمُضِيِّهَا بَعْدَهُ فَلَا يَكْمُلُ الْيَوْمُ مِمَّا بَعْدَهَا فَإِنَّهَا مَضَتْ عَرَبِيَّةً كَوَامِلَ هذا إنْ نَقَصَ الشَّهْرُ الْأَخِيرُ وَإِنْ كَمُلَ انْكَسَرَ الْيَوْمُ الْأَخِيرُ الذي عَقَدَا فيه فَيُكْمَلُ منه الْمُنْكَسِرُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لِتَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْهِلَالِ فيه دُونَ الْبَقِيَّةِ أو عَقَدَا في آخِرِ أَوَّلِ وفي نُسْخَةٍ أو بَعْدَ لَحْظَةٍ من الْمُحْرِمِ وَأُجِّلَ بِسَنَةٍ مَثَلًا فَهُوَ مُنْكَسِرٌ وَحْدَهُ فَيُكْمَلُ من السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَا يُلْغَى الْمُنْكَسِرُ لِئَلَّا يَتَأَخَّرَ ابْتِدَاءُ الْأَجَلِ عن الْعَقْدِ أَمَّا إذَا عَقَدَا أَوَّلَ الشَّهْرِ فَيُعْتَبَرُ الْجَمِيعُ بِالْأَهِلَّةِ تَامَّةً كانت أو نَاقِصَةً وَإِنْ قال الْعَاقِدُ شَمْسِيَّةً وَهِيَ ثَلَثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا وَرُبُعُ يَوْمٍ إلَّا جُزْءًا من ثَلَثِمِائَةِ جُزْءٍ من يَوْمٍ أَوَّلُهَا الْحَمَلُ وَرُبَّمَا جَعَلَ النَّيْرُوزَ أو رُومِيَّةً وَهِيَ ثَلَثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا وَرُبُعُ يَوْمٍ وَقِيلَ غَيْرُ ذلك أو فَارِسِيَّةً وَهِيَ ثَلَثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا كُلُّ شَهْرٍ ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَيُزَادُ في الْآخِرِ خَمْسَةٌ يُسَمُّونَهَا الْمُسْتَرِقَّةَ أو قَمَرِيَّةً وَيُقَالُ لها الْهِلَالِيَّةُ وَالْعَرَبِيَّةُ وَهِيَ كما قال صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرُهُ ثَلَثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَخُمُسُ يَوْمٍ وَسُدُسُهُ وَتَوَقَّفَ الْقَاضِي مُجَلِّي في زِيَادَةِ الْكَسْرَيْنِ وَصَحَّحَ الْجِيلِيُّ أنها ثَلَثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَقَرَّرَ الْفَرْغَانِيُّ زِيَادَةَ الْكَسْرَيْنِ بِأَنَّهُ يَزِيدُ في كل ثَلَاثِينَ سَنَةً أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا فإذا قُسِّطَتْ على السِّنِينَ خَصَّ كُلَّ سَنَةٍ خُمُسُ وَسُدُسُ يَوْمٍ قال وَهَذَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِاجْتِمَاعِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ أَمَّا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَلَا زِيَادَةَ نَقَلَهُ عنه الْقَاضِي مُجَلِّي ثُمَّ قال وهو
____________________
(2/125)
مُنَاقِضٌ لِقَوْلِ الْمُهَذَّبِ في الْهِلَالِيَّةِ انْتَهَى وقد يُقَالُ على بُعْدٍ لَا مُنَاقَضَةَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْهِلَالِيَّةَ تَزِيدُ من حَيْثُ الِاجْتِمَاعِ الْمَذْكُورِ لَا من حَيْثُ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ أو عَدَدِيَّةً وَهِيَ ثَلَثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ يَوْمًا وَهِيَ مَذْكُورَةٌ في الْأَصْلِ صَحَّ وَتَقَيَّدَ بِمَا قَالَهُ وَأَسْمَاءُ شُهُورِ الْفُرْسِ وَالرُّومِ مَذْكُورَةٌ في الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِ فَرْعٌ وَإِنْ قال إلَى الْجُمُعَةِ أو إلَى رَمَضَانَ مَثَلًا حَلَّ الْأَجَلُ بِأَوَّلِ جُزْءٍ منه لِتَحَقُّقِ الِاسْمِ بِهِ وَرُبَّمَا يُقَالُ بِانْتِهَاءِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَبِانْتِهَاءِ شَعْبَانَ وَهُمَا بِمَعْنًى ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فَإِنْ قال يَحُلُّ في يَوْمِ الْجُمُعَةِ أو في رَمَضَانَ مَثَلًا أو إلَى أَوَّلِ رَمَضَانَ أو آخِرِهِ لم يَصِحَّ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ جَعَلَ كُلًّا من الْأَوَّلَيْنِ ظَرْفًا فَكَأَنَّهُ قال في وَقْتٍ من أَوْقَاتِهِ وَالثَّالِثُ يَقَعُ على جَمِيعِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَالرَّابِعُ على جَمِيعِ النِّصْفِ الْآخَرِ وَهَذَا بِخِلَافِ الطَّلَاقِ لِجَوَازِ تَعْلِيقِهِ بِالْمَجَاهِيلِ وَرَدَّ ابن الصَّبَّاغِ الْفَرْقَ بِأَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ في آخِرِهِ لَا في أَوَّلِهِ فلما وَقَعَ في أَوَّلِهِ اقْتَضَى أَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِيه وَاسْتَحْسَنَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَجَابَ عنه إسْمَاعِيلُ الْحَضْرَمِيُّ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّ الطَّلَاقَ لَمَّا قَبِلَ التَّعْلِيقَ بِالْمَجْهُولِ كَقُدُومِ زَيْدٍ قَبْلَهُ بِالْعَامِّ وَتَعَلَّقَ بِأَوَّلِهِ وَالسَّلَمُ لَا يُؤَجَّلُ بِمَجْهُولٍ فَلَا يُؤَجَّلُ بِعَامٍّ قال في الْمَطْلَبِ وَيُفَارِقُ ذلك صِحَّةَ التَّأْجِيلِ بِالنَّفْرِ وَنَحْوِهِ بِأَنَّ اسْمَ النَّفْرِ وُضِعَ لِكُلٍّ من الْأَوَّلِ وَالثَّانِي بِعَيْنِهِ وَدَلَالَتِهِ على كُلٍّ مِنْهُمَا أَقْوَى من دَلَالَةِ لَفْظِ الظَّرْفِ على أَزْمِنَتِهِ فإنه لم يُوضَعْ لِشَيْءٍ منها بَلْ دَلَّ على زَمَنٍ منها مُبْهَمًا وَذَلِكَ أَضْعَفُ مِمَّا وُضِعَ لِعَيْنِهِ فَانْقَطَعَ إلْحَاقُهُ بِهِ انْتَهَى وَالْبَاءُ فِيمَا ذَكَرَ كَفَى فِيمَا يَظْهَرُ ثُمَّ ما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ في إلَى أَوَّلِ رَمَضَانَ أو آخِرِهِ نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عن الْأَصْحَابِ ثُمَّ قَالَا قال الْإِمَامُ الْبَغَوِيّ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ وَيُحْمَلَ على الْجُزْءِ الْأَوَّلِ من كل نِصْفٍ كما في النَّفْرِ قال في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وهو الْأَقْوَى وقال السُّبْكِيُّ إنَّهُ الصَّحِيحُ الذي يَدُلُّ له نَصُّهُ في الْبُوَيْطِيِّ وَصَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَذَكَرَ مثله الْإِسْنَوِيُّ وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَمَّنْ ذَكَرَ وَغَيْرِهِ وَعَنْ نَصِّ الْأُمِّ قال وهو الْأَصَحُّ نَقْلًا وَأَقْوَى دَلِيلًا وقال الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وما عَزَاهُ الشَّيْخَانِ لِلْأَصْحَابِ تَبِعَا فيه الْإِمَامَ وإذا أَسْلَمَ في جِنْسَيْنِ أو أَكْثَرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً إلَى أَجَلٍ أو عَكَسَ بِأَنْ أَسْلَمَ في جِنْسٍ إلَى أَجَلَيْنِ أو أَكْثَرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً صَحَّ بِنَاءً على جَوَازِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ الشَّرْطُ الثَّالِثُ الْقُدْرَةُ على التَّسْلِيمِ لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ وَقْتَ الْوُجُوبِ لِلتَّسْلِيمِ له وَهَذَا كما قال الْأَصْلُ لَا يَخْتَصُّ بِالسَّلَمِ بَلْ يَعُمُّ كُلَّ بَيْعٍ وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِهِ هُنَا مع الِاغْتِنَاءِ عنه بِمَا مَرَّ في الْبَيْعِ لِيُرَتِّبَ عليه الْفُرُوعَ الْآتِيَةَ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وقال غَيْرُهُ الْمَقْصُودُ بَيَانُ مَحَلِّ الْقُدْرَةِ وهو حَالَةُ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ وَتَارَةً تَقْتَرِنُ بِالْعَقْدِ لِكَوْنِ السَّلَمِ حَالًّا وَتَارَةً تَتَأَخَّرُ عنه لِكَوْنِهِ مُؤَجَّلًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ أَيْ لِلْمُعَيَّنِ فإن الْمُعْتَبَرَ اقْتِرَانُ الْقُدْرَةِ فيه بِالْعَقْدِ مُطْلَقًا فَإِنْ أَسْلَمَ فِيمَا يَعْدَمُ فيه أَيْ وَقْتَ الْحُلُولِ كَالرُّطَبِ في الشِّتَاءِ أو فِيمَا يَعِزُّ وُجُودُهُ إمَّا لِقِلَّتِهِ كَالصَّيْدِ حَيْثُ يُفْقَدُ وَاللَّآلِئِ الْكِبَارِ وَهِيَ ما تُطْلَبُ لِلتَّزَيُّنِ لم يَصِحَّ لِأَنَّ السَّلَمَ عَقْدُ غَرَرٍ فَلَا يُحْتَمَلُ إلَّا فِيمَا يُوثَقُ بِهِ وَيَجُوزُ السَّلَمُ في اللَّآلِئِ الصِّغَارِ وَهِيَ ما تُطْلَبُ لِلتَّدَاوِي وَضَبَطَهَا الْجُوَيْنِيُّ بِسُدُسِ دِينَارٍ تَقْرِيبًا وَإِنْ قُصِدَتْ لِلتَّزَيُّنِ إنْ عَمَّ وُجُودُهَا كَيْلًا وَوَزْنًا وَالْمُنَاسِبُ ما في الْأَصْلِ من ذِكْرِ اللَّآلِئِ بَعْدَ قَوْلِهِ أو لِاسْتِقْصَاءِ الْأَوْصَافِ فيه كَالْيَوَاقِيتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالْمَرْجَانِ لِنُدْرَتِهَا بِاسْتِقْصَاءِ أَوْصَافِهَا من ذِكْرِ حَجْمٍ وَشَكْلٍ وَوَزْنٍ وَصَفَاءٍ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ في الْبَلُّورِ لِأَنَّ صِفَتَهُ مَضْبُوطَةٌ بِخِلَافِ الْعَقِيقِ فإن الْحَجَرَ الْوَاحِدَ منه يَخْتَلِفُ
أو نُدْرَةِ اجْتِمَاعِهَا بِضَمِّ النُّونِ مع الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ أو نُدْرَةِ اجْتِمَاعِهِ بِالْوَصْفِ أَيْ الْمَشْرُوطِ
____________________
(2/126)
كَجَارِيَةٍ وَوَلَدِهَا أو أُخْتِهَا وَشَاةٍ وَسَخْلَتِهَا وَكَذَا حَامِلٌ من أَمَةٍ أو غَيْرِهَا فَهُوَ أَوْلَى من تَصْوِيرِ أَصْلِهِ بِالْأَمَةِ وَشَاةٍ لَبُونٍ وَعَبْدٍ وَوَلَدِهِ أو أَخِيهِ وَاسْتَشْكَلَ الرَّافِعِيُّ ذلك بِمَا لو شَرَطَ كَوْنَ الْعَبْدِ كَاتِبًا أو الْجَارِيَةِ مَاشِطَةً حَيْثُ يَصِحُّ مع أَنَّهُ يَنْدُرُ اجْتِمَاعُ ذلك بِالصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةِ وَأَجَابَ عنه في الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ وَالْمَشْطَ يَسْهُلُ تَحْصِيلُهُمَا بِالتَّعَلُّمِ بِخِلَافِ الْوَلَدِيَّةِ وَالْأُخُوَّةِ وَنَحْوِهِمَا أو لِلْبُعْدِ عن مَحَلِّ التَّسْلِيمِ كَكَوْنِهِ بِمَسَافَةٍ لَا يُجْلَبُ مِثْلُهُ منها في الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ لِلْمُعَامَلَةِ بِأَنْ لم يُجْلَبْ أو يُجْلَبُ نَادِرًا أو غَالِبًا لِلْمُعَامَلَةِ بَلْ لِلْهَدِيَّةِ وَنَحْوِهَا لم يَصِحَّ بِخِلَافِ ما إذَا اُعْتِيدَ جَلْبُهُ غَالِبًا لِلْمُعَامَلَةِ فَيَصِحُّ وَهَذَا التَّفْصِيلُ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وقال نَقْلًا عن الْأَئِمَّةِ لَا تُعْتَبَرُ مَسَافَةُ الْقَصْرِ هُنَا وَنَازَعَ الرَّافِعِيُّ في الْإِعْرَاضِ عنها بِمَا يَأْتِي في مَسْأَلَةِ انْقِطَاعِ الْمُسَلَّمِ فيه وَيُفَرَّقُ بِأَنَّهُ لَا مُؤْنَةَ لِنَقْلِهِ على الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ فَحَيْثُ اُعْتِيدَ نَقْلُهُ غَالِبًا لِلْمُعَامَلَةِ من مَحَلٍّ إلَى مَحَلِّ التَّسْلِيمِ صَحَّ وَإِنْ تَبَاعَدَا بِخِلَافِهَا فِيمَا يَأْتِي فَإِنَّهَا لَازِمَةٌ له فَاعْتُبِرَ لِتَخْفِيفِهَا قُرْبُ الْمَسَافَةِ وَاعْتِبَارِي لِمَحَلِّ التَّسْلِيمِ أَوْلَى من اعْتِبَارِ كَثِيرٍ مَحَلَّ الْعَقْدِ وَإِنْ كُنْت تَبِعْتهمْ في شَرْحِ الْبَهْجَةِ
وَكَذَا لو عَسُرَ تَحْصِيلُهُ كَالْقَدْرِ الْكَثِيرِ من الْبَاكُورَةِ وَهِيَ أَوَّلُ الْفَاكِهَةِ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فيه لِعِزَّةِ وُجُودِهِ بِخِلَافِ قَدْرٍ منها لَا يَعْسُرُ تَحْمِيلُهُ فإذا انْقَطَعَ الْمَوْجُودُ أَيْ ما يَعُمُّ وُجُودُهُ بِجَائِحَةٍ بَعْدَ الْعَقْدِ قبل الْحُلُولِ لم يَضُرَّ فَلَوْ عَلِمَ قَبْلَهُ انْقِطَاعَهُ فَلَا خِيَارَ له قَبْلَهُ إذْ لم يَجِئْ وَقْتُ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ أو انْقَطَعَ بَعْدَهُ أو عِنْدَهُ وَلَوْ كان الْحُلُولُ بِمَوْتِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ قبل حُلُولِ الْأَجَلِ ثَبَتَ لِلْمُسَلِّمِ الْخِيَارُ بين الْفَسْخِ وَالصَّبْرِ حتى يُوجَدَ الْمُسَلَّمُ فيه دَفْعًا لِلضَّرَرِ ولم يَنْفَسِخْ أَيْ الْعَقْدُ كما لو أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ أو أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ قبل قَبْضِهِ وَلِأَنَّ الْمُسَلَّمَ فيه يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ وَالْوَفَاءُ في الْمُسْتَقْبَلِ مُمْكِنٌ فَلَوْ وفي نُسْخَةٍ فَإِنْ أَجَازَ الْعَقْدَ لم يَسْقُطْ الْفَسْخُ وَإِنْ أَسْقَطَهُ صَرِيحًا كَزَوْجَتَيْ الْمَوْلَى وَالْمُعْسِرِ إذَا رَضِيَتَا وَكَالْمُشْتَرِي إذَا أَجَازَ الْعَقْدَ عِنْدَ إبَاقِ الْعَبْدِ قبل قَبْضِهِ وَلِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلتَّسْلِيمِ في كل الْأَوْقَاتِ وَالْإِسْقَاطُ إنَّمَا يُؤْثَرُ في الْحَالِ دُونَ ما يَتَجَدَّدُ فَعُلِمَ أَنَّ الْخِيَارَ على التَّرَاخِي وَلَوْ قال له الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ لَا تَصْبِرْ وَخُذْ رَأْسَ مَالِكِ لم يَلْزَمْهُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَيَجِبُ تَحْصِيلُهُ أَيْ الْمُسَلَّمِ فيه بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَإِنْ غَلَا وَلَوْ كان تَحْصِيلُهُ من غَيْرِ الْبَلَدِ أَيْ بَلَدِ التَّسْلِيمِ إلَى دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لِخِفَّةِ الْمُؤْنَةِ بِخِلَافِ ما إذَا زَادَتْ الْمَسَافَةُ على ذلك فَانْقِطَاعُهُ الْمُثْبِتُ لِلْخِيَارِ على ما أَفَادَهُ كَلَامُهُ أَنْ يُفْقَدَ أو يُوجَدَ بِمَحَلٍّ آخَرَ لَكِنَّهُ يَفْسُدُ بِنَقْلِهِ أو لم يُوجَدْ إلَّا عِنْدَ قَوْمٍ لَا يَبِيعُونَهُ أو يَبِيعُونَهُ بِأَكْثَرَ من ثَمَنِ مِثْلِهِ بِخِلَافِ ما إذَا غَلَا سِعْرُهُ
وَقَوْلُ الْأَصْلِ وَلَوْ كَانُوا يَبِيعُونَهُ بِثَمَنٍ غَالٍ وَجَبَ تَحْصِيلُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجِبُ تَحْصِيلُهُ وَإِنْ زَادَ على ثَمَنِ مِثْلِهِ وقد اُسْتُشْكِلَ بِنَظِيرِهِ من الْغَصْبِ فإنه لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهُ حِينَئِذٍ فَهُنَا أَوْلَى وقد جَعَلَ الشَّارِعُ الْمَوْجُودَ بِأَكْثَرَ من قِيمَتِهِ كَالْمَعْدُومِ كما في الرَّقَبَةِ وَمَاءِ الطَّهَارَةِ وَأَجَابَ عنه الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْغُلُوِّ هُنَا ارْتِفَاعُ الْأَسْعَارِ لَا الزِّيَادَةَ على ثَمَنِ الْمِثْلِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَكَلَامُ الْمُتَوَلِّي يُشِيرُ إلَيْهِ وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَجَابَ الزَّرْكَشِيُّ بِمَنْعِ قِيَاسِ السَّلَمِ على الْغَصْبِ لِأَنَّ السَّلَمَ عَقْدٌ وُضِعَ لِطَلَبِ الرِّبْحِ وَالزِّيَادَةِ فَكُلِّفَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ التَّحْصِيلَ لِهَذَا الْغَرَضِ الْمَوْضُوعِ له الْعَقْدُ وَإِلَّا لَانْتَفَتْ فَائِدَتُهُ بِخِلَافِ الْغَصْبِ فإنه بَابُ تَعَدٍّ وَالْمُمَاثَلَةُ مَطْلُوبَةٌ فيه فلم يُكَلَّفْ فيه الزِّيَادَةُ لِآيَةِ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَلِأَنَّ الْمُسَلَّمَ إلَيْهِ الْتَزَمَ التَّحْصِيلَ بِالْعَقْدِ بِاخْتِيَارِهِ وَقَبَضَ الْبَدَلَ فَالزِّيَادَةُ إنَّمَا هِيَ في مُقَابَلَةِ ما حَصَلَ له من النَّمَاءِ الْحَاصِلِ مِمَّا قَبَضَهُ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ الشَّرْطُ الرَّابِعُ بَيَانُ مَحَلٍّ بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ مَكَان تَسْلِيمِ الْمُسَلَّمِ فيه الْمُؤَجَّلِ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ بَيَانُهُ فِيمَا لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ أو كان الْعَقْدُ بِمَكَانٍ لَا يَصْلُحُ لِلتَّسْلِيمِ لِتَفَاوُتِ الْأَغْرَاضِ فِيمَا يُرَادُ من الْأَمْكِنَةِ في ذلك فَإِنْ لم يَكُنْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ وكان الْعَقْدُ بِمَكَانٍ يَصْلُحُ لِلتَّسْلِيمِ لم يُشْتَرَطْ ذلك وَيَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْعَقْدِ
____________________
(2/127)
لِلتَّسْلِيمِ لِلْعُرْفِ وَيَكْفِي في تَعْيِينِهِ أَنْ يَقُولَ تُسَلِّمْهُ لي في بَلْدَةِ كَذَا إلَّا أَنْ تَكُونَ كَبِيرَةً كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ وَيَكْفِي إحْضَارُهُ في أَوَّلِهَا وَلَا يُكَلَّفُ إحْضَارَهُ إلَى مَنْزِلِهِ وَلَوْ قال في أَيِّ الْبِلَادِ شِئْت فَسَدَ وفي أَيِّ مَكَان شِئْت من بَلَدِ كَذَا فَإِنْ اتَّسَعَ لم يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ أو بِبَلَدِ كَذَا وَبِبَلَدِ كَذَا فَهَلْ يَفْسُدُ أو يَصِحُّ وَيَنْزِلُ على تَسْلِيمِ النِّصْفِ بِكُلِّ بَلَدٍ وَجْهَانِ قال الشَّاشِيُّ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ قال في الْمَطْلَبِ وَالْفَرْقُ بين تَسَلُّمِهِ في بَلَدِ كَذَا وَتَسَلُّمِهِ في شَهْرِ كَذَا حَيْثُ لَا يَصِحُّ كما مَرَّ اخْتِلَافُ الْغَرَضِ في الزَّمَانِ دُونَ الْمَكَانِ فَلَوْ عَيَّنَهُ فَخَرِبٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَخَرَجَ عن صَلَاحِيَّةِ التَّسْلِيمِ فَأَقْرَبُ مَكَان وفي نُسْخَةٍ مَوْضِعٌ صَالِحٌ له إلَيْهِ يَتَعَيَّنُ على الْأَقْيَسِ في الرَّوْضَةِ من ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ قال الْإِسْنَوِيُّ لَا بُدَّ أَنْ يُقَالَ مع هذا إنْ كان الصَّالِحُ أَبْعَدَ من الْخَرِبِ اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الزَّائِدِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لم يَقْتَضِهِ وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَاهُ لِغَرَضِ الْمُسْتَحِقِّ فَجَمَعْنَا بين الْمَصْلَحَتَيْنِ كما في نَظَائِرِهِ من الْإِجَارَةِ
وَإِنْ كان أَقْرَبَ فَيُتَّجَهُ تَخْيِيرُ الْمُسَلِّمِ بين أَنْ يَتَسَلَّمَ في الْخَرِبِ وَلَا كَلَامَ وَأَنْ يَتَسَلَّمَ في الصَّالِحِ من غَيْرِ حَطِّ شَيْءٍ من الْأُجْرَةِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا كَلَامٌ عَجِيبٌ إذْ كَيْفَ يُجْبَرُ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ على النَّقْلِ إلَى مَكَان بَعِيدٍ بِالْأُجْرَةِ ولم يَلْتَزِمْ ذلك وَكَيْفَ يُسَلَّمُ في الْمُعَيَّنِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ خَرَجَ عن الصَّلَاحِيَّةِ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ ذلك وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ وقال الرُّويَانِيُّ لو صَارَ الْمُعَيَّنُ مَخُوفًا لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ فيه وَلَيْسَ له تَكْلِيفُهُ النَّقْلَ إلَى مَكَان آخَرَ وَلَهُ أَنْ يَتَخَيَّرَ بين الْفَسْخِ وَالصَّبْرِ وهو أَحَدُ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ وَهَذَا قد رَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ ثُمَّ قال فَلَوْ قال الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ أنا أَفْسَخُ السَّلَمَ لِأُؤَدِّيَ إلَيْهِ رَأْسَ مَالِهِ وَتَبْرَأَ ذِمَّتِي مِمَّا عَلَيَّ فَالْأَرْجَحُ إجَابَتُهُ لَا سِيَّمَا إنْ كان ثَمَّ رَهْنٌ يُرِيدُ فَكَّهُ أو ضَامِنٌ يُرِيدُ خَلَاصَهُ وَهَذَا يُخَالِفُ ما قَدَّمْته عن الْأَصْلِ قبل قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيَجِبُ تَحْصِيلُهُ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ إعَادَةِ ما خَرِبَ بِخِلَافِ ما انْقَطَعَ من الْأَشْيَاءِ التي يُسَلَّمُ فيها وفي السَّلَمِ الْحَالِّ يَتَعَيَّنُ مَوْضِعُ الْعَقْدِ لِلتَّسْلِيمِ مُطْلَقًا عن التَّقْيِيدِ بِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِلتَّسْلِيمِ أو بِأَنَّ لِحَمْلِ الْمُسَلَّمِ فيه مُؤْنَةً لِلْعُرْفِ فَلَا يُشْتَرَطُ فيه التَّعْيِينُ كَالْبَيْعِ وَالتَّصْرِيحُ بِمُطْلَقًا من زِيَادَتِهِ وقد فَسَّرْته بِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ لَكِنْ قال ابن الرِّفْعَةِ في الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ هذا إذَا كان مَوْضِعُ الْعَقْدِ صَالِحًا لِلتَّسْلِيمِ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ وَفِيمَا قَالَهُ وَقْفَةٌ
فَإِنْ عَيَّنَا غَيْرَهُ جَازَ وَتَعَيَّنَ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ لِأَنَّ السَّلَمَ يَقْبَلُ التَّأْجِيلَ فَقُبِلَ شَرْطًا يَتَضَمَّنُ تَأْخِيرَ التَّسْلِيمِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْمُرَادُ بِمَوْضِعِ الْعَقْدِ تِلْكَ النَّاحِيَةُ أَيْ الْمَحَلَّةُ لَا نَفْسَ الْمَوْضِعِ أَيْ مَوْضِعِ الْعَقْدِ وَالثَّمَنُ في الذِّمَّةِ كَالْمُسَلَّمِ فيه والثمن الْمُعَيَّنُ كَالْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ وفي التَّتِمَّةِ كُلُّ عِوَضٍ من نَحْوِ أُجْرَةٍ وَصَدَاقٍ وَعِوَضِ خُلْعٍ مُلْتَزِمٌ في الذِّمَّةِ غَيْرُ مُؤَجَّلٍ له حُكْمُ السَّلَمِ الْحَالِّ إنْ عُيِّنَ لِتَسْلِيمِهِ مَكَانٌ جَازَ وَتَعَيَّنَ وَإِلَّا تَعَيَّنَ مَوْضِعُ الْعَقْدِ لِأَنَّ كُلَّ عِوَضٍ مُلْتَزِمٌ في الذِّمَّةِ يَقْبَلُ التَّأْجِيلَ كَالْمُسَلَّمِ فيه أَيْ فَيُقْبَلُ شَرْطًا يَتَضَمَّنُ تَأْخِيرَ التَّسْلِيمِ كما مَرَّ الشَّرْطُ الْخَامِسُ التَّقْدِيرُ بِالْكَيْلِ فِيمَا يُكَالُ أو الْوَزْنِ فِيمَا يُوزَنُ أو الذَّرْعِ فِيمَا يُذْرَعُ أو الْعَدِّ فِيمَا يُعَدُّ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ مع قِيَاسِ
____________________
(2/128)
ما ليس فيه على ما فيه وَيَجُوزُ السَّلَمُ في الْمَكِيلِ بِالْوَزْنِ وَكَذَا عَكْسُهُ أَيْ في الْمَوْزُونِ بِالْكَيْلِ إنْ أَمْكَنَ كَيْلُهُ كَصِغَارِ اللُّؤْلُؤِ كما مَرَّ وَهَذَا بِخِلَافِ ما مَرَّ في الرِّبَوِيَّاتِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا مَعْرِفَةُ الْقَدْرِ وَثَمَّ الْمُمَاثَلَةُ بِعَادَةِ عَهْدِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كما مَرَّ وَحَمَلَ الْإِمَامُ إطْلَاقَ الْأَصْحَابِ جَوَازَ كَيْلِ الْمَوْزُونِ على ما يُعَدُّ الْكَيْلُ في مِثْلِهِ ضَابِطًا فيه بِخِلَافِ نَحْوِ فُتَاتِ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ لِأَنَّ لِلْقَدْرِ الْيَسِيرِ منه مَالِيَّةً كَثِيرَةً وَالْكَيْلُ لَا يُعَدُّ ضَابِطًا فيه نَقَلَهُ عن الرَّافِعِيِّ وَسَكَتَ عليه ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ في اللَّآلِئِ الصِّغَارِ إذَا عَمّ وُجُودُهَا كَيْلًا وَوَزْنًا قال في الرَّوْضَةِ هذا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عن الْإِمَامِ فَكَأَنَّهُ اخْتَارَ هُنَا ما تَقَدَّمَ من إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوَافِقُهُ وَأَجَابَ عنه الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ ليس مُخَالِفًا له لِأَنَّ فُتَاتَ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَنَحْوِهِمَا إنَّمَا لم يُعَدَّ الْكَيْلُ فيها ضَبْطًا لِكَثْرَةِ التَّفَاوُتِ بِالثِّقَلِ على الْمَحَلِّ أو تَرْكِهِ وفي اللُّؤْلُؤِ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ تَفَاوُتٌ كَالْقَمْحِ وَالْفُولِ فَيَصِحُّ فيه بِالْكَيْلِ فَلَا مُخَالَفَةَ فَالْمُعْتَمَدُ تَقْيِيدُ الْإِمَامِ وَبِهِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ في تَصْحِيحِهِ وَاسْتَثْنَى الْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُ النَّقْدَيْنِ أَيْضًا فَلَا يُسَلَّمُ فِيهِمَا إلَّا وَزْنًا لَا بِهِمَا أَيْ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ مَعًا فَلَوْ أَسْلَمَ في مِائَةٍ صَاعٍ بُرٍّ مَثَلًا على أَنَّ وَزْنَهَا كَذَا لم يَصِحَّ لِأَنَّ ذلك يَعِزُّ وُجُودُهُ وَلَا بِالذَّرْعِ وَالْوَزْنِ في ثَوْبٍ مَوْصُوفٍ لِذَلِكَ وَذِكْرُ مَوْصُوفٍ إيضَاحٌ إذْ الْكَلَامُ فيه وَالْمُعْتَبَرُ في نَحْوِ الْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَالْبُقُولِ وَالْبَيْضِ الْوَزْنُ لِأَنَّ ذلك يَضْبِطُهُ بِهِ فَلَا يَصِحُّ بِالْكَيْلِ لِأَنَّهُ يَتَجَافَى في الْمِكْيَالِ وَلَا بِالْعَدِّ لِكَثْرَةِ التَّفَاوُتِ فيه وَيُفَارِقُ الْبَيْعَ بِأَنَّ الْعُمْدَةَ فيه الْمُعَايَنَةُ وَالْمُرَادُ بِالْبَيْضِ بَيْضُ الدَّجَاجِ وَنَحْوِهِ فما فَوْقَهُ بِخِلَافِ بَيْضِ الْحَمَامِ وَنَحْوِهِ وَإِنْ ذُكِرَ معه أَيْ الْوَزْنِ الْعَدُّ فَسَدَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ معه إلَى ذِكْرِ الْحَجْمِ وَذَلِكَ يُورِثُ عِزَّةَ الْوُجُودِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ لَكِنْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ في الْبُوَيْطِيِّ على الْجَوَازِ وَأُجِيبَ عنه بِحَمْلِهِ على الْوَزْنِ التَّقْرِيبِيِّ وَحَمْلِ غَيْرِهِ على التَّحْدِيدِيِّ أو بِحَمْلِهِ على عَدَدٍ يَسِيرٍ لَا يَتَعَذَّرُ تَحْصِيلُهُ عليه وَحَمْلِ غَيْرِهِ على عَدَدٍ كَثِيرٍ لِتَعَذُّرِ ضَبْطِهِ وَالْمُرَادُ فِيمَا ذِكْرُ الْوَزْنِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ أَمَّا لو أَسْلَمَ في عَدَدٍ من الْبِطِّيخِ مَثَلًا كَمِائَةٍ بِالْوَزْنِ في الْجَمِيعِ دُونَ كل وَاحِدَةٍ فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَصِحُّ السَّلَمُ في نَحْوِ الْجَوْزِ مِمَّا لَا يَتَجَافَى في الْمِكْيَالِ وَيُعَدُّ الْكَيْلُ فيه ضَبْطًا كَلَوْزٍ وَبُنْدُقٍ وَفُسْتُقٍ بِالْكَيْلِ وَكَذَا بِالْوَزْنِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ فيه بِكُلٍّ مِنْهُمَا إنْ لم تَخْتَلِفْ قُشُورُهُ غِلَظًا وَرِقَّةً غَالِبًا وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ في ذلك وَهَذَا اسْتَدْرَكَهُ الْإِمَامُ على إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ الْجَوَازَ وَتَبِعَهُ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ لَكِنَّهُ قال في شَرْحِ الْوَسِيطِ بَعْدَ ذِكْرِهِ له وَالْمَشْهُورُ في الْمَذْهَبِ ما أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ قال في الْمُهِمَّاتِ وَالصَّوَابُ التَّمَسُّكُ بِمَا قَالَهُ في شَرْحِ الْوَسِيطِ لِأَنَّهُ مُسْتَتْبَعٌ لَا مُخْتَصَرٌ وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَةَ كَذَا كان أَوْلَى لِإِيهَامِهَا خِلَافًا فِيمَا بَعْدَهَا دُونَ ما قَبْلَهَا وَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ وَلِإِيهَامِهَا عَوْدَ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ إلَى الْوَزْنِ فَقَطْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كما صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ إنَّمَا يُقْبَلُ الْجَوْزُ وَاللَّوْزُ في قِشْرِهِمَا الْأَسْفَلِ فَقَطْ بَلْ قالوا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِمَا إلَّا في الْقِشْرِ الْأَسْفَلِ وَيُشْتَرَطُ في صِحَّةِ السَّلَمِ في اللَّبِنِ بِكَسْرِ الْبَاءِ ذِكْرُ الْعَدِّ له وَالطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالثَّخَانَةِ لِكُلِّ لَبِنَةٍ وذكر أَنَّهُ من طِينٍ مَعْرُوفٍ وَيُسْتَحَبُّ ذِكْرُ وَزْنِ اللَّبِنَةِ لِأَنَّهَا تُضْرَبُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يَعِزُّ وُجُودُهَا وَالْأَمْرُ في وَزْنِهَا على التَّقْرِيبِ فَرْعٌ يَبْطُلُ السَّلَمُ وَلَوْ كان حَالًّا بِتَعْيِينِ مِكْيَالٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ كَكُوزٍ لَا يُعْرَفُ قَدْرُ ما يَسَعُ لِأَنَّ فيه غَرَرًا لِأَنَّهُ قد يَتْلَفُ قبل قَبْضِ ما في الذِّمَّةِ فَيُؤَدِّي إلَى التَّنَازُعِ وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ الْحَالُّ بِذَلِكَ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ فيه من زِيَادَتِهِ بِخِلَافِ بَيْعِ مِلْئِهِ من هذه الصُّبْرَةِ فإنه يَصِحُّ لِعَدَمِ الْغَرَرِ وَإِنْ عَيَّنَ في الْبَيْعِ أو السَّلَمِ مِكْيَالًا مُعْتَادًا
____________________
(2/129)
بِأَنْ عُرِفَ قَدْرُ ما يَسَعُ جَازَ الْعَقْدُ وَلَغَا تَعْيِينُهُ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ التي لَا غَرَضَ فيها وَيَقُومُ مِثْلُ الْمُعَيَّنِ مَقَامَهُ فَلَوْ شَرَطَا أَنْ لَا يُبَدَّلَ بَطَلَ الْعَقْدُ كما أَفْهَمَهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ في الْمُسَابَقَةِ وَتَعْيِينِ الْمِيزَانِ وَالذِّرَاعِ وَالصَّنْجَةِ في مَعْنَى تَعْيِينِ الْمِكْيَالِ فَلَوْ شَرَطَ الذَّرْعَ بِذِرَاعِ يَدِهِ ولم يَكُنْ مَعْلُومَ الْقَدْرِ لم يَصِحَّ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ قد يَمُوتُ قبل الْقَبْضِ وَلَوْ اخْتَلَفَتْ الْمَكَايِيلُ وَالْمَوَازِينُ وَالذُّرْعَانُ فَلَا بُدَّ من تَعْيِينِ نَوْعٍ منها إلَّا أَنْ يَغْلِبَ نَوْعٌ منها فَيُحْمَلَ الْإِطْلَاقُ عليه كما في أَوْصَافِ الْمُسَلَّمِ فيه وَلَوْ قال أَسْلَمْت إلَيْك في ثَوْبٍ أو في صَاعِ شَعِيرٍ مِثْلَ هذا الثَّوْبِ أو الشَّعِيرِ لم يَصِحَّ لِأَنَّهُ قد يَتْلَفُ الْمُشَارُ إلَيْهِ كما في مَسْأَلَةِ الْكُوزِ أو قال أَسْلَمْت إلَيْك في ثَوْبٍ مِثْلَ ثَوْبٍ قد وُصِفَ قبل ذلك ولم يَنْسَيَا وَصْفَهُ صَحَّ وَفَارَقَتْ ما قَبْلَهَا بِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى الْمُعَيَّنِ لم تَعْتَمِدْ الصِّفَةَ وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ في شَيْءٍ من تَمْرَةِ بُسْتَانٍ ولا ثَمَرَةِ ضَيْعَةٍ ولا ثَمَرَةِ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ لِلْغَرَرِ بِتَوَقُّعِ عَدَمِ تِلْكَ الْبُقْعَةِ بِجَائِحَةٍ فَتَقْطَعُ ثَمَرَتَهَا وَلِأَنَّ التَّعْيِينَ يُنَافِي الدَّيْنِيَّةَ بِتَضْيِيقِ مَحَالِّ التَّحْصِيلِ وَيَجُوزُ في ثَمَرِ نَاحِيَةٍ أو قَرْيَةٍ كَبِيرَةٍ وَلَوْ لم يُفِدْ تَنْوِيعًا في الثَّمَرِ لِأَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ غَالِبًا وَلَا تَتَضَيَّقُ بِهِ الْمَحَالُّ وَالْمُرَادُ بِالْكَبِيرَةِ ما يُؤْمَنُ فيها انْقِطَاعُ ثَمَرِهَا وَبِالصَّغِيرَةِ خِلَافُهُ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ كَجٍّ فِيمَا نَقَلَهُ عن الشَّافِعِيِّ فَالْعِبْرَةُ بِكَثْرَةِ الثِّمَارِ وَقِلَّتِهَا وَالثَّمَرَةُ مِثَالٌ فَغَيْرُهَا مِثْلُهَا الشَّرْطُ السَّادِسُ الْوَصْفُ بِأَنْ يَذْكُرَ الْمُسَلَّمَ فيه في الْعَقْدِ بِمَا يَنْضَبِطُ بِهِ على وَجْهٍ لَا يَعِزُّ وُجُودُهُ فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ إلَّا فِيمَا يَنْضَبِطُ وَصْفًا مع ذِكْرِ ما يَجِبُ ذِكْرُهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَحْتَمِلُ جَهَالَةَ الْمَعْقُودِ عليه وهو عَيْنُ فُلَانٍ لَا يَحْتَمِلُهَا وهو دَيْنٌ أَوْلَى فَلَا يَصِحُّ في الْمُخْتَلَطَاتِ الْمَقْصُودَةِ الْأَرْكَانُ التي لَا تَنْضَبِطُ قَدْرًا وَصِفَةً كَالْهَرِيسَةِ وَالْحَلْوَى وَالْمَعْجُونَاتِ وَالْغَالِيَةِ الْمُرَكَّبَةِ من مِسْكٍ وَعَنْبَرٍ وَعُودٍ وَكَافُورٍ كَذَا في الْأَصْلِ وفي تَحْرِيرِ النَّوَوِيِّ مُرَكَّبَةٌ من دُهْنٍ وَمِسْكٍ وَعَنْبَرٍ وَالتِّرْيَاقِ الْمَخْلُوطِ فَإِنْ كان نَبَاتًا أو حَجَرًا جَازَ الْمُسَلَّمُ فيه وهو بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ أو دَالٍ مُهْمَلَةٍ أو طَاءٍ كَذَلِكَ مَكْسُورَاتٌ وَمَضْمُومَاتٌ فَفِيهِ سِتُّ لُغَاتٍ ذَكَرَهَا النَّوَوِيُّ في دَقَائِقِهِ وَيُقَالُ دَرَّاقٌ وَطَرَّاقٌ وَالْقِسِيِّ الْمُرَكَّبَةِ من خَشَبٍ وَعَظْمٍ وَعَصَبٍ وَالنَّبْلِ أَيْ السِّهَامِ الْعَرَبِيَّةِ بَعْدَ الْخَرْطِ وَالْعَمَلِ عليه الشَّامِلِ لِلْخَرْطِ فَهُوَ من عَطْفِ الْعَامِّ على الْخَاصِّ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنْ كان عليه عَصَبٌ وَرِيشٌ وَنَصْلٌ أو شَيْءٌ منها فَلِلِاخْتِلَاطِ وَلِاخْتِلَافِ وَسَطِهِ وَطَرَفَيْهِ دِقَّةً وَغِلَظًا وَتَعَذُّرِ ضَبْطِهِ وَإِلَّا فَلِلثَّانِي وَالشِّقُّ الْأَوَّلُ هو الْمَقْصُودُ بِالتَّمْثِيلِ لِلْمُخْتَلَطَاتِ
أَمَّا النَّبْلُ قبل الْخَرْطِ وَالْعَمَلِ عليه فَيَجُوزُ السَّلَمُ فيه لِتَيَسُّرِ ضَبْطِهِ وَالْخِفَافِ وَالنِّعَالِ لِاخْتِلَافِ وَجْهَيْهَا وَحَشْوِهَا وَالْعِبَارَةُ لَا تَفِي بِذِكْرِ أَقْدَارِهَا وَأَوْصَافِهَا أَمَّا الْخِفَافُ الْمُتَّخَذَةُ من شَيْءٍ وَاحِدٍ وَمِثْلُهَا النِّعَالُ قال السُّبْكِيُّ فَإِنْ كان من جِلْدٍ وَمَنَعْنَا السَّلَمَ فيه وهو الْأَصَحُّ امْتَنَعَ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ فَيَظْهَرُ جَوَازُهُ إذَا لم يَخْتَلِفْ جِلْدُهُ وَقُطِعَ قِطَعًا مَضْبُوطَةً وَإِنْ كان من غَيْرِ جِلْدٍ فَكَالثِّيَابِ الْمَخِيطَةِ التي جَوَّزَ الصَّيْمَرِيُّ السَّلَمَ فيها فَإِنْ انْضَبَطَتْ أَيْ الْمُخْتَلَطَاتُ الْمَقْصُودَةُ كَالْعَتَّابِيِّ الْمُرَكَّبِ من قُطْنٍ وَحَرِيرٍ وَالْخَزِّ الْمُرَكَّبِ من إبْرَيْسَمٍ وَوَبَرٍ أو صُوفٍ والثوب الْمَعْمُولِ عليه بِالْإِبْرَةِ من غَيْرِ جِنْسِهِ كَإِبْرَيْسَمٍ على قُطْنٍ أو كَتَّانٍ جَازَ لِسُهُولَةِ ضَبْطِهَا
____________________
(2/130)
وَقَيَّدَ الْأَخِيرَةَ بِغَيْرِ الْجِنْسِ لِيَكُونَ مِثَالًا لِلْمُخْتَلَطِ بِغَيْرِهِ لِلِاحْتِرَازِ عن الْمَعْمُولِ عليه من الْجِنْسِ إذْ السَّلَمُ فيه جَائِزٌ بِمَفْهُومِ الْأُولَى وَلَوْ لم يَقْصِدَ الْخَلِيطَ في نَفْسِهِ كَخَلِّ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وهو الْحَاصِلُ من اخْتِلَاطِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْمَاءِ الْغَيْرِ الْمَقْصُودِ في نَفْسِهِ وَالْجُبْنِ وَلَوْ يَابِسًا وَالْأَقِطِ كُلٌّ مِنْهُمَا فيه مع اللَّبَنِ الْمَقْصُودِ الْمِلْحُ وَالْإِنْفَحَةُ من مَصَالِحِهِ وَيَزِيدُ الْأَقِطُ بِيَسِيرٍ دَقِيقٍ وَالسَّمَكُ الْمَمْلُوحُ لم يَضُرَّ لِحَقَارَةِ اخْتِلَاطِهَا فَكُلٌّ منها كَشَيْءٍ وَاحِدٍ لَا الْأَدْهَانُ الْمُطَيَّبَةُ بِطِيبٍ من نَحْوِ بَنَفْسَجٍ وَبَانٍ وَوَرْدٍ بِأَنْ خَالَطَهَا شَيْءٌ من ذلك فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ بها لِأَنَّ الطِّيبَ مَقْصُودٌ وهو لَا يَنْضَبِطُ
فَإِنْ تَرَوَّحَ سِمْسِمُهَا بِالطِّيبِ الْمَذْكُورِ وَاعْتُصِرَ لم يَضُرَّ وَلَا مَخِيضَ فيه مَاءٌ فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فيه لِعَدَمِ انْضِبَاطِ الْحُمُوضَةِ وَلِأَنَّ حُمُوضَتَهُ عَيْبٌ وَفَارَقَ مَاءَ خَلِّ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ بِأَنَّ ذَاكَ لَا غِنَى عنه فإن قِوَامَهُ بِهِ بِخِلَافِ الْمَخِيضِ إذْ لَا مَصْلَحَةَ له فيه أَمَّا الْمَخِيضُ الذي لَا مَاءَ فيه فَيَصِحُّ السَّلَمُ فيه كما سَيَأْتِي وَلَا مَصْلٍ وهو الْحَاصِلُ من اخْتِلَاطِ اللَّبَنِ بِالدَّقِيقِ لِمَا مَرَّ وَلَا كِشْكٍ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ اخْتَلَطَ الشَّيْءُ بِغَيْرِهِ خِلْقَةً كَالشَّهْدِ بِفَتْحِ الشِّينِ وَضَمِّهَا وهو عَسَلٌ مُشَمَّعٌ صَحَّ لِأَنَّ اخْتِلَاطَهُ خِلْقِيٌّ فَأَشْبَهَ النَّوَى في التَّمْرِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وهو الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ في الْأُمِّ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَعَلَّلَهُ في الْأُمِّ بِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ ما فيه من الْعَسَلِ وَالشَّمْعِ لِكَثْرَتِهِ وَقِلَّتِهِ وَثِقَلِهِ وَخِفَّتِهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُخْتَلَطَ الذي يَصِحُّ السَّلَمُ فيه ما كان مُنْضَبِطًا بِأَنْ كان اخْتِلَاطُهُ خِلْقِيًّا كَالشَّهْدِ أو صِنَاعِيًّا وَقُصِدَ بَعْضُ أَرْكَانِهِ سَوَاءٌ اسْتَهْلَكَ الْبَاقِيَ كَالْجُبْنِ وَالْأَقِطِ أَمْ لَا كَخَلِّ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ أو قُصِدَتْ أَرْكَانُهُ كُلُّهَا وَانْضَبَطَتْ كَالْعَتَّابِيِّ وَالْخَزِّ بِخِلَافِ ما لَا يَنْضَبِطُ كَالْمَعَاجِينِ وَالْهَرَائِسِ وَالْأَمْرَاقِ وَالْغَوَالِي وَالْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بِالشَّعِيرِ وَالسَّفِينَةِ فَصْلٌ وَيَجُوزُ السَّلَمُ في الْحَيَوَانِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ في الذِّمَّةِ قَرْضًا في خَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم اقْتَرَضَ بَكْرًا وَقِيسَ عليه السَّلَمُ وَعَلَى الْبَكْرِ غَيْرُهُ من سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَخَبَرُ النَّهْيِ عن السَّلَفِ في الْحَيَوَانِ قال ابن السَّمْعَانِيِّ غَيْرُ ثَابِتٍ وَإِنْ خَرَّجَهُ الْحَاكِمُ فَلْيُذْكَرْ في الرَّقِيقِ النَّوْعُ كَتُرْكِيٍّ أو حَبَشِيٍّ وَكَذَا يُذْكَرُ بِصِنْفِهِ إذَا اخْتَلَفَ كَخَطَابِيٍّ أو رُومِيٍّ ويذكر اللَّوْنَ كَأَبْيَضَ وَأَسْوَدَ مع صِفَتِهِ بِأَنْ يَصِفَ بَيَاضَهُ بِسُمْرَةٍ أو شُقْرَةٍ وَسَوَادَهُ بِصَفَاءٍ أو كُدْرَةٍ إنْ اخْتَلَفَ اللَّوْنُ فَإِنْ لم يَخْتَلِفْ كَزِنْجِيٍّ لم يَجِبْ ذِكْرُهَا ويذكر الذُّكُورَةَ وَالْأُنُوثَةَ أَيْ أَحَدَاهُمَا وَالسِّنَّ كَابْنِ سِتٍّ أو سَبْعٍ من السِّنِينَ أو مُحْتَلِمٍ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِذَلِكَ وفي نُسْخَةٍ أو مُحْتَلِمًا بِالنَّصْبِ عَطْفًا على السِّنِّ وَالْأُولَى أَنْسَبُ بِقَوْلِ الْأَصْلِ الرَّابِعِ السِّنُّ فيقول مُحْتَلِمٌ أو ابن سِتٍّ أو سَبْعٍ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَوَّلُ عَامِ الِاحْتِلَامِ أو وَقْتُهُ وَإِلَّا فَابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً مُحْتَلِمٌ تَقْرِيبًا فَإِنْ حَدَّدَهُ كان شَرْطُ كَوْنِهِ ابْنَ سَبْعٍ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ لم يَجُزْ لِنُدْرَتِهِ
وَيَصْدُقُ الْبَالِغُ في سِنِّهِ وَاحْتِلَامِهِ الْأَنْسَبُ بِكَلَامِ أَصْلِهِ وَغَيْرِهِ وَيَصْدُقُ الرَّقِيقُ في احْتِلَامِهِ وَالرَّقِيقُ الْبَالِغُ في سِنِّهِ وَالسَّيِّدُ الْبَالِغُ في سِنِّ صَغِيرٍ عِلْمُهُ وَتَعْبِيرُهُ بِعِلْمِهِ أَوْلَى من قَوْلِ أَصْله إنْ وُلِدَ في الْإِسْلَامِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ تَصْدِيقِهَا إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ عَاقِلَيْنِ وَإِلَّا بِأَنْ لم يَبْلُغْ الرَّقِيقُ وَلَا عَلِمَ السَّيِّدُ سِنَّهُ فَالنَّخَّاسُونَ بِنُونٍ وَخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَهُمْ بَائِعُو الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ وَأَصْلُهُ من النَّخْسِ وهو الضَّرْبُ بِالْيَدِ على الْكَفَلِ يَرْجِعُ إلَيْهِمْ فَتُعْتَبَرُ ظُنُونُهُمْ وَيُسْتَحَبُّ ذِكْرُ مُفَلَّجِ الْأَسْنَانِ أو غَيْرِهِ وَجَعْدِ الشَّعْرِ أو سَبْطِهِ وَصِفَةُ الْحَاجِبَيْنِ وَلْيَذْكُرْ الْقَدَّ أَيْ كَوْنَهُ طَوِيلًا أو قَصِيرًا أو رَبْعًا الْمَعْرُوفُ رَبْعُهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْبَاءِ وَذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ سِتَّةُ أَشْبَارٍ أو خَمْسَةٍ قال الشَّافِعِيُّ يقول خُمَاسِيٌّ أو سُدَاسِيٌّ فَقِيلَ أَرَادَ بِهِ خَمْسَةَ أَشْبَارٍ أو سِتَّةً وَقِيلَ أَرَادَ خَمْسَ سِنِينَ أو سِتًّا وقال الْجَوْهَرِيُّ يُقَالُ غُلَامٌ رُبَاعِيٌّ وَخُمَاسِيٌّ وَلَا يُقَالُ سُبَاعِيٌّ لِأَنَّهُ إذَا بَلَغَ سَبْعَةَ أَشْبَارٍ صَارَ رَجُلًا لَا سَائِرَ الْأَوْصَافِ التي تُؤَدِّي إلَى عِزَّةِ الْوُجُودِ فَلَا يُشْتَرَطُ وَصْفُ كل عُضْوٍ
____________________
(2/131)
على حِيَالِهِ بِأَوْصَافِهِ الْمَقْصُودَةِ وَإِنْ تَفَاوَتَ بِهِ الْغَرَضُ وَالْقِيمَةُ لِأَنَّ ذلك يُورِثُ عِزَّةً
ولا الْمُلَاحَةُ وَالدَّعَجُ وهو شِدَّةُ سَوَادِ الْعَيْنِ مع سَعَتِهَا وَنَحْوُهُمَا من الْأَوْصَافِ التي يَعْتَنِي بها أَهْلُ الْخِبْرَةِ وَتُرَغِّبُ في الْإِرْقَاءِ كَالْكَحَلِ بِفَتْحَتَيْنِ وهو أَنْ يَعْلُوَ جُفُونَ الْعَيْنِ سَوَادٌ كَالْكُحْلِ من غَيْرِ اكْتِحَالٍ وَتَكَلْثُمِ الْوَجْهِ وهو اسْتِدَارَتُهُ وَسَمْنِ الْجَارِيَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهَا لِتَسَامُحِ الناس بِإِهْمَالِهَا غَالِبًا وَيَعُدُّونَ ذِكْرَهَا اسْتِقْصَاءً وَمُبَالَغَةً وَيَجِبُ في الْأَمَةِ ذِكْرُ الثِّيَابَةَ وَالْبَكَارَةِ أَيْ أَحَدِهِمَا وَلَوْ شَرَطَ كَوْنَهُ أَيْ الرَّقِيقِ يَهُودِيًّا أو كَاتِبًا أو مُزَوَّجًا كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَنَحْوُهَا جَازَ بِخِلَافِ كَوْنِهِ شَاعِرًا لِأَنَّ الشِّعْرَ طَبْعٌ لَا يُمْكِنُ تَعَلُّمُهُ فَيَعِزُّ وُجُودُهُ بِالْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ وَبِخِلَافِ خِفَّةِ الرُّوحِ وَعُذُوبَةِ الْكَلَامِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ لِلْجَهَالَةِ وَكَذَا يَجُوزُ إنْ شَرَطَهُ زَانِيًا أو سَارِقًا أو قَاذِفًا أو نَحْوَهَا لَا كَوْنَهَا مُغَنِّيَةً أو عَوَّادَةً أو نَحْوَهُمَا وَفَرَّقَ بِأَنَّهَا صِنَاعَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَتِلْكَ أُمُورٌ تَحْدُثُ كَالْعَمَى وَالْعَوَرِ قال الرَّافِعِيُّ وَهَذَا فَرْقٌ لَا يَقْبَلُهُ ذِهْنُك وقال الزَّرْكَشِيُّ بَلْ الْفَرْقُ صَحِيحٌ إذْ حَاصِلُهُ أَنَّ الْغِنَاءَ وَالضَّرْبَ بِالْعُودِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالتَّعَلُّمِ وهو مَحْظُورٌ وما أَدَّى إلَى الْمَحْظُورِ مَحْظُورٌ بِخِلَافِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّهَا عُيُوبٌ تَحْدُثُ من غَيْرِ تَعَلُّمٍ فَهُوَ كَالسَّلَمِ في الْعَبْدِ الْمَعِيبِ لِأَنَّهَا أَوْصَافُ نَقْصٍ تَرْجِعُ إلَى الذَّاتِ وَالْعَيْبُ مَضْبُوطٌ فَصَحَّ قال لَكِنْ يُفَرَّقُ بِوَجْهٍ آخَرَ وهو أَنَّ الْغِنَاءَ وَنَحْوَهُ لَا بُدَّ فيه مع التَّعَلُّمِ من الطَّبْعِ الْقَابِلِ لِذَلِكَ وهو غَيْرُ مُكْتَسَبٍ فلم يَصِحَّ كما لو أَسْلَمَ في عَبْدٍ شَاعِرٍ بِخِلَافِ الزِّنَا وَنَحْوِهِ انْتَهَى وَعَلَى الْفَرْقِ الثَّانِي لَا يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْغِنَاءِ مَحْظُورًا أَيْ بِآلَةِ الْمَلَاهِي الْمُحَرَّمَةِ بِخِلَافِهِ على الْأَوَّلِ وَصَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالْجَوَازِ فِيمَا إذَا كان الْغِنَاءُ مُبَاحًا وَوَقَعَ في الرَّوْضَةِ الْقَوَّادَةُ بِالْقَافِ وَصَوَابُهُ كما قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّهُ بِالْعَيْنِ وَلِهَذَا عَدَلَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَالْمُتَّجَهُ إلْحَاقُ الْقَوَّادَةِ بِالْقَافِ بِالزَّانِيَةِ وَنَحْوِهَا فَرْعٌ لو أَسْلَمَ جَارِيَةً صَغِيرَةً في كَبِيرَةٍ جَازَ كَإِسْلَامِ الْإِبِلِ في كَبِيرِهَا فَإِنْ كَبِرَتْ بِكَسْرِ الْبَاءِ أَجْزَأْت عن الْمُسَلَّمِ فيه وَإِنْ وَطِئَهَا كَوَطْءِ الثَّيِّبِ وَرَدَّهَا بِالْعَيْبِ وَتَرْجِيحُ الْأَجْزَاءِ هُنَا من زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ من قَوْلِ الرَّوْضَةِ آخِرَ الْبَابِ لو اتَّفَقَ كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ على صِفَةِ الْمُسَلَّمِ فيه فَأَحْضَرَهُ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَجِبُ قَبُولُهُ وَيَذْكُرُ في الدَّوَابِّ التي يَجُوزُ السَّلَمُ فيها من إبِلٍ وَغَنَمٍ وَخَيْلٍ وَغَيْرِهَا الْجِنْسَ وَالنَّوْعَ مع صِنْفِهِ إنْ اخْتَلَفَ فيقول في بَيَانِ النَّوْعِ بَخَاتِيٌّ أو عِرَابٌ أو من نِتَاجِ بَنِي فُلَانٍ إنْ لم يَعِزَّ وُجُودُهُ أو بَلَدِ بَنَى فُلَانٍ كَذَلِكَ وفي بَيَانِ الصِّنْفِ الْمُخْتَلِفِ أَرْحَبِيَّةٌ أو مُهْرِيَّةٌ أو مُجَيْدِيَّةٌ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِذَلِكَ أَمَّا إذَا عز وُجُودُهُ كَأَنْ نُسِبَ إلَى طَائِفَةٍ يَسِيرَةٍ فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فيه كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ في ثَمَرِ بُسْتَانٍ وَالْبَغْلُ وَالْحِمَارُ يُنْسَبَانِ إلَى الْبَلَدِ أو غَيْرِهِ وَهَذَا مع قُصُورِهِ عن الْغَرَضِ دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ لِتَعْبِيرِهِ فيه بِالدَّوَابِّ وَالْأَصْلُ إنَّمَا أَفْرَدَهُ مع اسْتِيفَاءِ الْغَرَضِ لِتَعْبِيرِهِ أَوَّلًا بِالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ فقال بَعْدَ ذِكْرِهِ ما يَتَعَلَّقُ بِهِمَا وَهَكَذَا الْقَوْلُ في الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وما لَا يَتَبَيَّنُ نَوْعُهُ بِالْإِضَافَةِ إلَى قَوْمٍ يُبَيَّنُ بِالْإِضَافَةِ إلَى بَلَدٍ وَغَيْرِهِ
ويذكر في الدَّوَابِّ الذُّكُورَةَ وَالْأُنُوثَةَ أَيْ إحْدَاهُمَا وَالسِّنَّ كَابْنِ مَخَاضٍ وَابْنِ لَبُونٍ وَاللَّوْنَ كَأَحْمَرَ وَأَسْوَدَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ إنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْقَدِّ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن اتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَكِنْ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ في إرْشَادِهِ بِاشْتِرَاطِهِ وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ قال وَلَيْسَ لِلْإِخْلَالِ بِهِ وَجْهٌ قُلْت بَلْ له وَجْهٌ يُعْرَفُ مِمَّا وَجَّهَ بِهِ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الدَّعَجِ وَنَحْوِهِ وَيُنْدَبُ ذِكْرُ الشِّيَاتِ في غَيْرِ الْإِبِلِ أَيْ أَلْوَانِهِ الْمُخَالِفَةِ لِمُعْظَمِ لَوْنِهِ كَالْأَغَرِّ وَالْمُحَجَّلِ وَاللَّطِيمِ بِفَتْحِ اللَّامِ وهو من الْخَيْلِ ما سَالَتْ غُرَّتُهُ في أَحَدِ شِقَّيْ وَجْهِهِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وقال غَيْرُهُ هو الذي أَحَدُ شِقَّيْهِ أَبْيَضُ كَأَنَّهُ لُطِمَ بِالْبَيَاضِ وقد يُحْمَلُ قَوْلُهُ شِقَّيْهِ على شِقَّيْ وَجْهِهِ فَلَا مُخَالَفَةَ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
____________________
(2/132)
كَأَصْلِهِ جَوَازُ السَّلَمِ في الْإِبَاقِ وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ بِخِلَافِ الْأَعْفَرِ وهو الذي بين الْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِغَيْرِ الْإِبِلِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِالْخَيْلِ فَلَوْ أَسْلَمَ في الطُّيُورِ وَالسَّمَكِ وَلُحُومِهَا جَازَ وَذِكْرُ السَّمَكِ وَلَحْمِهِ مُكَرَّرٌ مع ما يَأْتِي بِزِيَادَةٍ وَيَذْكُرُ في الطُّيُورِ وَالسَّمَكِ وَلُحُومِهَا الْجِنْسَ وَالنَّوْعَ وَالْجُثَّةَ صِغَرًا وَكِبَرًا
وَكَذَا السِّنُّ إنْ عُرِفَ وَيَرْجِعُ فيه لِلْبَائِعِ كما في الرَّقِيقِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ السِّنَّ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْجُثَّةِ كما في الْغَنَمِ وَلِمَا قَالُوهُ من أَنَّ ذِكْرَهَا إنَّمَا اُعْتُبِرَ لِأَنَّ السِّنَّ الذي يُعْرَفُ بِهِ صِغَرُهَا وَكِبَرُهَا لَا يَكَادُ يُعْرَفُ وَالذُّكُورَةَ وَالْأُنُوثَةَ أَيْ إحْدَاهُمَا إنْ أَمْكَنَ تَمْيِيزُهَا وَتَعَلَّقَ بِهِ أَيْ بِذِكْرِهَا غَرَضٌ ويذكر مَوْضِعَ اللَّحْمِ في كَبِيرٍ من الطَّيْرِ أو السَّمَكِ كَالْغَنَمِ وَهَذَا مَحَلُّهُ في الْفَصْلِ الْآتِي ويذكر اللَّوْنَ في الطَّيْرِ كما في الْوَسِيطِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَيَذْكُرُ في السَّمَكِ أَنَّهُ نَهْرِيٌّ أو بَحْرِيٌّ طَرِيٌّ أو مَالِحٌ وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الرَّأْسِ وَالرِّجْلِ من الطَّيْرِ ولا الذَّنَبِ الذي لَا لَحْمَ عليه من السَّمَكَةِ إذَا أَسْلَمَ في لُحُومِهَا كما لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الرِّيشِ وما في الْجَوْفِ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَبُولُ رَأْسِ السَّمَكَةِ لَكِنْ نَصَّ في الْبُوَيْطِيِّ على عَدَمِ لُزُومِهِ وَيَلْزَمُهُ قَبُولُ جِلْدِ الطَّيْرِ وَالسَّمَكِ وَصَغِيرِ الْجِدَاءِ بِخِلَافِ كَبِيرِهَا ذَكَرَهُ في الْكِفَايَةِ وَيَجُوزُ السَّلَمُ في السَّمَكِ وَالْجَرَادِ حَيًّا أو مَيِّتًا حَيْثُ عَمَّ وَيَذْكُرُ في الْحَيِّ الْعَدَدَ وفي غَيْرِهِ الْوَزْنَ وَيَصِفُ كُلَّ جِنْسٍ من الْحَيَوَانِ بِمَا يَلِيقُ بِهِ مِمَّا يُرَادُ هذا تَأْكِيدٌ وَإِيضَاحٌ
فَائِدَةٌ قال الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ في النَّحْلِ وَإِنْ جَوَّزْنَا بَيْعَهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَصْرُهُ بِعَدَدٍ وَلَا كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَأَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ في أَوَزَّةً وَفِرَاخِهَا وفي دَجَاجَةٍ وَفِرَاخِهَا إذَا سَمَّى عَدَدَهَا وَلَا يَتَخَيَّلُ فيه ما قِيلَ في الدَّابَّةِ أو الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا إذْ لَا أَوْصَافَ هُنَا تَخْتَلِفُ وَتُؤَدِّي إلَى عِزَّةِ الْوُجُودِ فَهُوَ كما لو أَسْلَمَ في عَبِيدٍ صِغَارٍ وَأَمَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ منهم وَأَوْلَى وما قَالَهُ في هذه مَرْدُودٌ إذْ يَعِزُّ وُجُودُ الْأُمِّ وَأَوْلَادِهَا بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ التي منها اللَّوْنُ على أَنَّ هذه دَاخِلَةٌ في قَوْلِهِمْ حُكْمُ الْبَهِيمَةِ وَوَلَدِهَا حُكْمُ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا فَصْلٌ يَجُوزُ السَّلَمُ في اللَّحْمِ جَدِيدِهِ وَقَدِيدِهِ وَلَوْ مُمَلَّحًا وَإِنْ كانت عليه عَيْنُ الْمِلْحِ لِأَنَّهُ من مَصْلَحَتِهِ وفي كَلَامِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى لَحْمِ الطَّيْرِ وَالسَّمَكِ مع بَعْضِ صِفَاتِهِ الْآتِيَةِ نَوْعُ تَكْرَارٍ مع ما مَرَّ وفي الشَّحْمِ وَالْكَبِدِ وَنَحْوِهِ كَالْأَلْيَةِ وَالْكُلْيَةِ وَالطِّحَالِ وَيَذْكُرُ جِنْسَ حَيَوَانِهِ وَنَوْعَهُ وَصِنْفَهُ إنْ اخْتَلَفَ وَتَعَلَّقَ بِهِ غَرَضٌ فِيمَا يَظْهَرُ وَكَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ يَمِيلُ إلَيْهِ وَذُكُورَتَهُ وَخِصَاءَهُ وَكَوْنَهُ رَضِيعًا أو جَذَعًا أو ثَنِيًّا وَمَعْلُوفًا وَالْعِبْرَةُ بِأَنْ يُعْلَفَ عَلَفًا يُؤْثَرُ في لَحْمِهِ أو ضِدَّهَا أَيْ أُنُوثَتِهِ وَفُحُولَتِهِ وَكَوْنِهِ فَطِيمًا أو ابْنَ مَخَاضٍ أو ابْنَ لَبُونٍ أو نَحْوَهَا وَرَاعِيًا فَلَوْ كان بِبَلَدٍ لَا يَخْتَلِفُ فيه الرَّاعِي وَالْمَعْلُوفُ قال الْمَاوَرْدِيُّ لم يَلْزَمْ ذِكْرُهُ وَكَوْنَ اللَّحْمِ من الْفَخِذِ بِإِعْجَامِ الذَّالِ وَنَحْوِهِ كَالْكَتِفِ وَالْجَنْبِ وَكَوْنَهُ من سَمِينٍ أو هَزِيلٍ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى من اعْتِبَارِ كَوْنِهِ من رَاعٍ أو مَعْلُوفٍ وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْعِرَاقِيِّينَ وَنَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في الْبُوَيْطِيِّ لَكِنْ
____________________
(2/133)
صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَقِيَاسُ ما يَأْتِي في اللَّبَنِ من اعْتِبَارِ ذِكْرِ نَوْعِ الْعَلَفِ اعْتِبَارُهُ هُنَا أَيْضًا كما صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَيَأْخُذُهُ الْمُسَلِّمُ بِعَظْمٍ مُعْتَادٍ إنْ لم يَشْرِطْ نَزْعَهُ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ منه كَالنَّوَى في التَّمْرِ فَإِنْ شَرَطَهُ جَازَ ولم يَجِبْ قَبُولُهُ وَالْعَجَفُ عَيْبٌ عن عِلَّةٍ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْجَوْهَرِيِّ أَنَّهُ هُزَالٌ فَلَا يَجُوزُ شَرْطُهُ وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ إنْ شَرَطَهُ لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ وَلَا مَدْخَلَ لِلْخِصَاءِ وَالْعَلَفِ وَضِدِّهِمَا في لَحْمِ الصَّيْدِ وَلْيَذْكُرْ ما يُصَادُ بِهِ من أُحْبُولَةٍ أو سَهْمٍ أو جَارِحَةٍ وَإِنَّهَا كَلْبٌ أو فَهْدٌ فَصَيْدُ الْكَلْبِ أَطْيَبُ لِطِيبِ نَكْهَتِهِ وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ في الرُّءُوسِ وَالْأَكَارِعِ وَإِنْ كانت نِيئَةً مُنَقَّاةً من الصُّوفِ وَمَضْبُوطَةً بِالْوَزْنِ لِتَعَذُّرِ ضَبْطِهَا لِمَا فيها من الْأَبْعَاضِ الْمُخْتَلِفَةِ وَيُخَالِفُ السَّلَمَ في الْحَيَوَانِ وَإِنْ اشْتَمَلَ عليها لِأَنَّ الْمَقْصُودَ جُمْلَتُهُ من غَيْرِ تَجْرِيدِ النَّظَرِ إلَى آحَادِ الْأَعْضَاءِ وَيُقَالُ في الْأَكَارِعِ كَوَارِعُ وَأَكْرُعٌ جَمْعُ كُرَاعٍ قال النَّوَوِيُّ وهو من الدَّوَابِّ ما دُونَ كُعُوبِهَا وَالْجَوْهَرِيُّ مُسْتَدَقُّ السَّاقِ وَالشَّائِعُ إطْلَاقُهَا عَلَيْهِمَا مَعًا فَصْلٌ وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ في مَطْبُوخٍ ولا نَاضِجٍ بِالنَّارِ وَلَوْ خُبْزًا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِاخْتِلَافِ تَأْثِيرِهَا فيه وَتَعَذُّرِ الضَّبْطِ وَتَعْبِيرُهُ بِمَطْبُوخٍ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِلَحْمٍ مَطْبُوخٍ فَيَمْتَنِعُ السَّلَمُ في كل مَطْبُوخٍ ولو سُكَّرًا وَفَانِيذًا وَلِبَأً وَدِبْسًا وَهَذَا ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ حَيْثُ شَبَّهَهُ بِالْخُبْزِ وَجَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَاعْتَمَدَهُ في الْمُهِمَّاتِ وَذَكَرَ في الرَّوْضَةِ في ذلك وَجْهَيْنِ وَمَيْلُهُ فيها إلَى الْجَوَازِ وَصَحَّحَهُ في تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ في كل ما دَاخَلَتْهُ نَارٌ لَطِيفَةٌ وَمَثَّلَ بِالْمَذْكُورَاتِ وَعَلَيْهِ يُفَرِّقُ بين بَابَيْ الرِّبَا وَالسَّلَمِ بِضِيقِ بَابِ الرِّبَا لَكِنْ قال الْأَذْرَعِيُّ قَلَّ من وَافَقَهُ على الْفَرْقِ بين الْبَابَيْنِ في هذا الْحُكْمِ وَقَوْلُهُ كَغَيْرِهِ إنَّ نَارَهُ لَطِيفَةٌ خِلَافُ الْمُشَاهَدِ وهو كَلَامُ من لَا عَهْدَ له بِعَمَلِ السُّكَّرِ وَكَذَا نَظَرَ فيه السُّبْكِيُّ ثُمَّ قال لَكِنَّهُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِمْ في الرِّبَا إنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِ الْمَذْكُورَاتِ بِبَعْضٍ وَفِيمَا اسْتَدْرَكَ بِهِ مع ما تَقَدَّمَ في الْفَرْقِ تَنَافٍ إذْ قَضِيَّةُ ذلك أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين الْبَابَيْنِ فما اسْتَدْرَكَ بِهِ ليس بِظَاهِرٍ مع أَنَّهُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ وَصَرَّحَ الْإِمَامُ بِجَوَازِ بَيْعِ الْمَاءِ الْمَغْلِيِّ بمثله وَقِيَاسُهُ جَوَازُ الْمُسَلَّمِ فيه وَاللُّبَابَا بِالْهَمْزِ وَالْقَصْرِ أَوَّلُ ما يُجْلَبُ وَغَيْرُ الْمَطْبُوخِ منه يَجُوزُ السَّلَمُ فيه قَطْعًا وَسَيَأْتِي وَيَصِحُّ السَّلَمُ في الْمَاوَرْدِ لِأَنَّ نَارَهُ لَطِيفَةٌ وَالتَّرْجِيحُ فيه من زِيَادَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وقال الرُّويَانِيُّ إنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدِي وَعِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ ويصح في الْعَسَلِ الْمُصَفَّى بِالنَّارِ لِأَنَّ تَصْفِيَتَهُ بها لَا تُؤَثِّرُ لِأَنَّ نَارَهُ لَطِيفَةٌ لِلتَّمْيِيزِ لَا لِلْعَقْدِ بِخِلَافِهَا في الدِّبْسِ وَالسُّكَّرِ على ما مَرَّ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ فيه من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَجَزَمَ بِهِ في الْأَنْوَارِ وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ إلْحَاقُهُ بِهِمَا فِيمَا مَرَّ أَمَّا الْمُصَفَّى بِالشَّمْسِ فَيَصِحُّ السَّلَمُ فيه قَطْعًا لِعَدَمِ اخْتِلَافِهِ ويصح السَّلَمُ في الشَّمْعِ وَالْآجُرِّ لِمَا مَرَّ نعم يَمْتَنِعُ في الْآجُرِّ الْمَلْهُوجِ وهو الذي لم يَكْمُلْ نُضْجُهُ وَاحْمَرَّ بَعْضُهُ وَاصْفَرَّ بَعْضُهُ نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عن أَصْحَابِنَا قال السُّبْكِيُّ وهو ظَاهِرٌ لِاخْتِلَافِهِ وَيَصِحُّ أَيْضًا في الْقَنْدِ وَالْخَزَفِ وَالْفَحْمِ لِمَا مَرَّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ جَوَازُهُ في الْمَسْمُوطِ لِأَنَّ النَّارَ لَا تَعْمَلُ فيه عَمَلًا له تَأْثِيرٌ فَصْلٌ وَيَذْكُرُ في التَّمْرِ وَالرُّطَبِ وَالْحُبُوبِ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ جِنْسًا التَّصْرِيحُ بِهِ من زِيَادَتِهِ
____________________
(2/134)
وَنَوْعًا كَمَعْقِلِيٍّ أو بَرْنِيِّ وَلَوْنًا وَكِبَرًا أو صِغَرًا وَبَلَدًا كَبَغْدَادِيٍّ وَالْقِيَاسُ ذِكْرُ الصِّنْفِ إنْ اخْتَلَفَ وَكَذَا كَوْنُهَا جَدِيدَةً أو عَتِيقَةً إلَّا في الرُّطَبِ وَيَذْكُرُ أَنَّ الْجَفَافَ على النَّخْلِ أو بَعْدَ الْجِذَاذِ فإن الْأَوَّلَ أَبْقَى وَالثَّانِيَ أَصْفَى قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قال السُّبْكِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُبَيِّنَ عَتِيقَ عَامٍ أو عَامَيْنِ فَإِنْ أَطْلَقَ فَالنَّصُّ الْجَوَازُ وَيَنْزِلُ على مُسَمَّى الْعَتِيقِ وهو قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ وقال الْبَصْرِيُّونَ لَا يَصِحُّ وَيَذْكُرُ لَوْنَ الْعَسَلِ وَبَلَدَهُ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيَذْكُرُ أَنَّهُ جَبَلِيٌّ أو بَلَدِيٌّ وَوَقْتَهُ كَالصَّيْفِيِّ وَالْخَرِيفِيِّ لَا عِتْقَهُ وَحَدَاثَتَهُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بِهِ الْغَرَضُ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَيَذْكُرُ مَرْعَاهُ وَقُوَّتَهُ وَرِقَّتَهُ فَإِنْ رَقَّ لَا لِعَيْبٍ كَحَرٍّ أَخَذَهُ الْمُسَلِّمُ أَيْ لَزِمَهُ قَبُولُهُ بِخِلَافِ ما إذَا رَقَّ لِعَيْبٍ أو كان رَقِيقًا خَلْقُهُ وهو بِخِلَافِ ما شَرَطَهُ فَصْلٌ يُشْتَرَطُ في اللَّبَنِ وَالزُّبْدِ وَالسَّمْنِ ذِكْرُ جِنْسِ حَيَوَانِهِ وَنَوْعِهِ وما كَوْنُهُ من مَرْعًى أو عَلَفٍ مُعَيَّنٍ بِنَوْعِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ أَصْلِهِ اعْتِبَارُ السِّنِّ كَكَوْنِهِ لَبَنَ صَغِيرٍ أو كَبِيرٍ قال الْأَذْرَعِيُّ ولم أَرَ من ذَكَرَهُ فَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ حَذَفَهُ لِذَلِكَ ويذكر لَوْنَ السَّمْنِ وَالزُّبْدِ لَا اللَّبَنِ وَأَمَّا اللَّبَأُ فَيَذْكُرُ فيه ما يَذْكُرُ في اللَّبَنِ وَأَنَّهُ قبل الْوِلَادَةِ أو بَعْدَهَا وَأَنَّهُ أَوَّلُ بَطْنٍ أو ثَانِيهِ أو ثَالِثُهُ وَلِبَأُ يَوْمِهِ أو أَمْسِهِ كَذَا نَقَلَهُ السُّبْكِيُّ عن الْأَصْحَابِ وَيَذْكُرُ في السَّمْنِ أَنَّهُ جَدِيدٌ أو عَتِيقٌ التَّرْجِيحُ فيه من زِيَادَتِهِ وَرَجَّحَهُ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ هل يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْعَتِيقِ وَالْجَدِيدِ وَجْهَانِ قال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ لَا بَلْ الْعَتِيقُ مَعِيبٌ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فيه وقال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ الْمُتَغَيِّرُ هو الْمَعِيبُ لَا كُلُّ عَتِيقٍ فَيَجِبُ بَيَانُهُ قال في الْمُهِمَّاتِ وقد نُقِلَ في الشَّامِلِ عن الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ أَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْبَيَانِ أَنْ تَخْتَلِفَ الْقِيمَةُ وما قَالَهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا هو نَصُّ الشَّافِعِيِّ كما نَقَلَهُ في الشَّامِلِ عن الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ عنه فَتَلَخَّصَ أَنَّهُ مَذْهَبُنَا ا ه وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ على الْمُتَغَيِّرِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَعِيبٌ وَحُمِلَ الْأَوَّلُ على غَيْرِهِ على أَنَّ السُّبْكِيَّ قال وَنَصُّ الشَّافِعِيُّ يَدُلُّ لِمَا قَالَهُ الْقَاضِي
قُلْت فَيَصِيرُ في الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ حَيْثُ اخْتَلَفَ النَّصَّانِ رَجَّحَ الرَّافِعِيُّ مِنْهُمَا أَحَدَهُمَا كما عُرِفَ وَلَا يَصِحُّ في حَامِضِ اللَّبَنِ لِأَنَّ الْحُمُوضَةَ عَيْبٌ فيه إلَّا في مَخِيضٍ لَا مَاءَ فيه فَيَصِحُّ السَّلَمُ فيه وَلَا يَضُرُّ وَصْفُهُ بِالْحُمُوضَةِ لِأَنَّهَا مَقْصُودَةٌ فيه وَاللَّبَنُ الْمُطْلَقُ يُحْمَلُ على الْحُلْوِ وَإِنْ انْعَقَدَ أَيْ جَفَّ فَلَوْ أَسْلَمَ في لَبَنٍ يَوْمَيْنِ أو ثَلَاثَةً فَإِنَّمَا يَجُوزُ إذَا بَقِيَ حُلْوًا في تِلْكَ الْمُدَّةِ قَالَهُ الْأَصْلُ وفي الْأُمِّ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَقُولَ حَلِيبًا أو لَبَنَ يَوْمِهِ قال وَالْحَلِيبُ ما حُلِبَ من سَاعَتِهِ وَيَذْكُرُ طَرَاوَةَ الزُّبْدِ وَضِدَّهَا كَأَنْ يَقُولَ زُبْدُ يَوْمِهِ أو أَمْسِهِ وَيَجُوزُ السَّلَمُ في اللَّبَنِ كَيْلًا وَوَزْنًا وَيُوزَنُ اللَّبَنُ بِرَغْوَتِهِ بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ لِأَنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ في الْمِيزَانِ وَلَا يُكَالُ بها وَيَذْكُرُ نَوْعَ الْجُبْنِ وَبَلَدَهُ وَرُطُوبَتَهُ وَيُبْسَهُ الذي لَا تَغَيُّرَ فيه أَمَّا ما فيه تَغَيُّرٌ فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فيه لِأَنَّهُ مَعِيبٌ وَعَلَيْهِ مَنَعَ الشَّافِعِيُّ السَّلَمَ في الْجُبْنِ الْقَدِيمِ وَالسَّمْنُ يُوزَنُ وَيُكَالُ وَجَامِدُهُ الذي يَتَجَافَى في الْمِكْيَالِ يُوزَنُ كَالزُّبْدِ وَاللِّبَأِ الْمُجَفَّفِ أَمَّا غَيْرُ الْمُجَفَّفِ فَكَاللَّبَنِ وما نَصَّ عليه في الْأُمِّ من أَنَّهُ يَصِحُّ السَّلَمُ في الزُّبْدِ كَيْلًا وَوَزْنًا يُحْمَلُ على زُبْدٍ لَا يَتَجَافَى في الْمِكْيَالِ فَصْلٌ وَيَذْكُرُ في الصُّوفِ وَالْوَبَرِ وَالشَّعَرِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَيْ في كُلٍّ منها نَوْعَ أَصْلِهِ هذا من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَذُكُورَتَهُ وَأُنُوثَتَهُ أَيْ إحْدَاهُمَا لِأَنَّ صُوفَ الْإِنَاثِ أَنْعَمُ وَاغْتَنَوْا بِذَلِكَ عن ذِكْرِ اللِّينِ وَالْخُشُونَةِ وَبَلَدَهُ وَاللَّوْنَ وَالْوَقْتَ كَخَرِيفِيٍّ أو رَبِيعِيٍّ وَالطُّولَ وَالْقِصَرَ أَيْ أَحَدَهُمَا وَالْوَزْنَ ولم يَذْكُرُوا عِتْقَهُ أو حَدَاثَتَهُ إنْ اخْتَلَفَ بِهِ الْغَرَضُ وقد ذَكَرُوهُ في الْقُطْنِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وقد صَرَّحَ بِذَلِكَ ابن كَجٍّ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَلَا يُقْبَلُ إلَّا مُنَقًّى من بَعْرٍ وَنَحْوِهِ كَشَوْكٍ وَيَجُوزُ شَرْطُ غَسْلِهِ إلَّا إنْ عَيَّبَهُ الْغَسْلُ وفي الْقُطْنِ وَحَلِيجِهِ بِمَعْنَى مَحْلُوجِهِ وَغَزْلِهِ أَيْ في كُلٍّ منها يَذْكُرُ مع النَّوْعِ كما قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ الْبَلَدَ وَاللَّوْنَ وَكَثْرَةَ لَحْمِهِ وَقِلَّتَهُ وَنُعُومَتَهُ وَخُشُونَتَهُ وَدِقَّةَ الْغَزْلِ وَغِلَظَهُ أَيْ أَحَدَ كل مُتَقَابِلَيْنِ في الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ وَكَوْنَهُ عَتِيقًا أو جَدِيدًا إنْ اخْتَلَفَ بِهِ الْغَرَضُ وَكَغَزْلِ الْقُطْنِ
____________________
(2/135)
فِيمَا ذَكَرَ غَزْلَ غَيْرِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ بَعْدُ وَمُطْلَقُ الْقُطْنِ يُحْمَلُ على ذِي الْحَبِّ فإذا أَتَاهُ بِهِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ لِأَنَّهُ كَالنَّوَى في التَّمْرِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَالْمُطْلَقُ يُحْمَلُ على الْجَافِّ وَعَلَى ما فيه الْحَبُّ وَيَجُوزُ السَّلَمُ في حَبِّهِ كما يَجُوزُ فيه وفي حَلِيجِهِ لَا في الْقُطْنِ مع عِبَارَةِ الْأَصْلِ في جَوْزِهِ وَلَوْ بَعْدَ التَّشَقُّقِ لِاسْتِتَارِ الْمَقْصُودِ بِمَا لَا مَصْلَحَةَ فيه بِخِلَافِ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وفي الْإِبْرَيْسَمِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا مع فَتْحِ الرَّاءِ فِيهِمَا وَبِكَسْرِهِمَا مَعًا وهو الْحَرِيرُ يَذْكُرُ الْبَلَدَ وَالدِّقَّةَ وَالْغِلَظَ وَاللَّوْنَ دُونَ خُشُونَتِهِ أو نُعُومَتِهِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا نَاعِمًا قال الْمَاوَرْدِيُّ وَالْعِمْرَانِيُّ وَيَذْكُرُ الطُّولَ أو الْقِصَرَ وَلَا يَجُوزُ في الْقَزِّ بِدُودِهِ أَيْ وَفِيهِ دُودُهُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مَعْرِفَةَ وَزْنِ الْقَزِّ أَمَّا بَعْدَ خُرُوجِ دُودِهِ فَيَجُوزُ فَصْلٌ وَيَذْكُرُ في الثِّيَابِ جِنْسَ الْغَزْلِ كَقُطْنٍ أو كَتَّانٍ وَنَوْعَهُ وَبَلَدَ النَّسْجِ إنْ اخْتَلَفَ بِهِ الْغَرَضُ وَالطُّولَ وَالْعَرْضَ وَالدِّقَّةَ وَالْغِلَظَ وَهُمَا بِالنِّسْبَةِ لِلْغَزْلِ قال في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَالْإِرْشَادُ وَشَرْحُهُ وَالصَّفَاقَةُ وَالرِّقَّةُ وَهُمَا بِالنِّسْبَةِ لِلنَّسْجِ قال السُّبْكِيُّ وقد تُسْتَعْمَلُ الدِّقَّةُ مَوْضِعَ الرِّقَّةِ وَبِالْعَكْسِ وَالنُّعُومَةَ وَالْخُشُونَةَ وَالْمُرَادُ ذِكْرُ أَحَدِ كل مُتَقَابِلَيْنِ في الثَّلَاثَةِ وَيَجُوزُ شَرْطُ الْقِصَارَةِ كَالْخَامِ وَمُطْلَقُهُ يُحْمَلُ على الْخَامِ دُونَ الْمَقْصُورِ لِأَنَّ الْقَصْرَ صِفَةٌ زَائِدَةٌ قال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ فَإِنْ أَحْضَرَ الْمَقْصُورَ كان أَوْلَى وَقَضِيَّتُهُ يَجِبُ قَبُولُهُ قال السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ الْغَرَضُ بِهِ فَلَا يَجِبُ قَبُولُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَذْكُرَ نَسْجَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ إلَّا أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ إضَافَةَ تَعْرِيفٍ من غَيْرِ إرَادَةِ نَسْجِهِ بِنَفْسِهِ فَيَجُوزُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَجُوزُ فِيمَا صَبَغَ غَزْلَهُ قبل النَّسِيجِ كَالْبُرُودِ لَا بَعْدَهُ لِأَنَّ الصَّبْغَ بَعْدَهُ يَسُدُّ الْفُرَجَ فَلَا يَظْهَرُ معه الصَّفَاقَةُ خِلَافُهُ قَبْلَهُ ويجوز السَّلَمُ في الْقُمَّصُ وَالسَّرَاوِيلِ وَنَحْوِهِمَا الْجَدِيدَةِ أَيْ في كُلٍّ منها وَلَوْ مَغْسُولًا إنْ ضَبَطَهُ طُولًا وَعَرْضًا وَسَعَةً وَضِيقًا أَيْ أَحَدَهُمَا وَلَا يَجُوزُ في مَلْبُوسٍ من ذلك مَغْسُولًا أو غَيْرَهُ لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ فَأَشْبَهَ الْجِبَابَ وَالْخِفَافَ الْمُطْبَقَةَ وَالْقَلَانِسَ وَالثِّيَابَ الْمَنْقُوشَةَ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بين ما أَطْلَقَ هُنَا من جَوَازِ السَّلَمِ في الْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلَاتِ وما أَطْلَقَ في الْخُلْعِ من عَدَمِ جَوَازِهِ فِيهِمَا فَصْلٌ وفي الْغَزْلِ يَجُوزُ شَرْطُ صَبْغِهِ أَنْ يُبَيِّنَهُ أَيْ الصَّبْغَ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَيُبَيِّنُ لَوْنَهُ وَكَوْنَهُ في الشِّتَاءِ أو الصَّيْفِ قال وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ في الْكَتَّانِ على خَشَبِهِ وَيَجُوزُ بَعْدَ الدَّقِّ فَيَذْكُرُ بَلَدَهُ وَلَوْنَهُ وَطُولَهُ أو قِصَرَهُ وَنُعُومَتَهُ أو خُشُونَتَهُ وَدِقَّتَهُ أو غِلَظَهُ وَعِتْقَهُ أو حَدَاثَتَهُ إنْ اخْتَلَفَ بِذَلِكَ وفي الْخَشَبِ الذي لِلْحَطَبِ يَذْكُرُ النَّوْعَ وَالْغِلَظَ وَالدِّقَّةُ أَيْ أَحَدَهُمَا وَإِنَّهُ من الشَّجَرَةِ أو من أَغْصَانِهَا وَالْوَزْنَ وَلَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لِرُطُوبَتِهِ وَجَفَافِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لِأَنَّ رُطُوبَتَهُ عَيْبٌ وَيَقْبَلُهُ وَلَوْ مُعْوَجًّا وَمُطْلَقُهُ يُحْمَلُ على الْجَافِّ فَإِنْ كان الْخَشَبُ لِلْبِنَاءِ وَالْقِسِيِّ وَالسِّهَامِ كما صَرَّحَ بها الْأَصْلُ وَالْغِرَاسِ أَيْ لِوَاحِدٍ منها أو نَحْوِهَا كَنَصْبِ السَّكَاكِينِ وَالْأَدْوِيَةِ ذَكَرَ نَوْعَهُ وَعَدَدَهُ وَطُولَهُ وَغِلَظَهُ وَدِقَّتَهُ لَا وَزْنَهُ فَإِنْ ذَكَرَهُ جَازَ بِخِلَافِهِ في الثِّيَابِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَنْحِتَ منه ما يَزِيدُ على الْقَدْرِ الْمَشْرُوطِ مع أَنَّ ذِكْرَهُ مُسْتَحَبٌّ وَتَسْوِيَتُهُ بين الْمَذْكُورَاتِ في ذلك حَسَنَةٌ وَإِنْ كان الْأَصْلُ حَذَفَ من الذي لِلْبِنَاءِ الْعَدَدَ وَمِنْ الذي لِلْقِسِيِّ وَالسِّهَامِ الْعَدَدَ أَيْضًا وَالطُّولَ وَمِنْ الذي لِلْغِرَاسِ الدِّقَّةَ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ في الذي لِلْقِسِيِّ وَالسِّهَامِ على أَنَّهُ يَتَعَرَّضُ لِكَوْنِهِ سَهْلِيًّا أو جَبَلِيًّا وَيُعَيِّنُ أَرْضَهُ لَا في الْمَخْرُوطِ كَبَابٍ مَنْحُوتٍ فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فيه بِقَيْدٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ إنْ لم يَنْضَبِطْ كَأَنْ اخْتَلَفَ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلُهُ فَإِنْ انْضَبَطَ صَحَّ كما في الْوَسِيطِ وَغَيْرِهِ قال في الْمَطْلَبِ وَلَا نِزَاعَ
____________________
(2/136)
فيه قال الْمَاوَرْدِيُّ فَيَذْكُرُ الْجِنْسَ وَالنَّوْعَ وَاللَّوْنَ وَالطُّولَ وَالْعَرْضَ وَالثِّخَنَ وَالصَّنْعَةَ فَرْعٌ وفي الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ أَيْ في كُلٍّ منها يَذْكُرُ الْجِنْسَ التَّصْرِيحُ بِهِ من زِيَادَتِهِ وَالنَّوْعَ وَالْخُشُونَةَ أو النُّعُومَةَ وَاللَّوْنَ وَاللِّينَ أو الْيُبْسَ وَذُكُورَةَ الْحَدِيدِ وَأُنُوثَتَهُ أَيْ إحْدَاهُمَا قال الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَالذَّكَرُ الْفُولَاذُ وَالْأُنْثَى اللِّينُ الذي يُتَّخَذُ منه الْأَوَانِي وَنَحْوُهَا وَالْوَزْنُ في الثَّلَاثَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مَعَادِنُهَا ذَكَرَهَا وما لَا يُوزَنُ بِالْقَبَّانِ لِكِبَرِهِ يُوزَنُ بِالْمَاءِ أَيْ بِالْعَرْضِ عليه بِأَنْ يُوضَعَ في سَفِينَةٍ في الْمَاءِ وَيُعْرَفَ الْقَدْرُ الذي انْتَهَى إلَيْهِ غَوْصُهَا ثُمَّ يُخْرَجَ منها وَيُوضَعَ فيها ما يُوزَنُ كَطَعَامٍ أو رَمْلٍ حتى يَنْزِلَ منها في الْمَاءِ بِقَدْرِ ما نَزَلَ منها أَوَّلًا ثُمَّ يُوزَنُ ما وُضِعَ فيها ثَانِيًا فَيُعْرَفُ قَدْرُ الْمُسَلَّمِ فيه وقد قَدَّمْت الْإِشَارَةَ إلَيْهِ في بَابِ الرِّبَا وَإِنْ وُضِعَ فيها ثَانِيًا الصَّنْجُ لم يَحْتَجْ إلَى وَزْنٍ فَرْعٌ قد يُغْنِي ذِكْرُ النَّوْعِ فِيمَا مَرَّ عن الْجِنْسِ وَالْبَلَدِ وَتَأْخِيرُ هذا إلَى هُنَا أَوْلَى من ذِكْرِ الْأَصْلِ له في السَّلَمِ في الثِّيَابِ فَصْلٌ فيه مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ تَتَعَلَّقُ بِمَا مَرَّ السَّلَمُ في الْمَنَافِعِ كَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ جَائِزٌ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ في الذِّمَّةِ كَالْأَعْيَانِ وَيَجُوزُ إسْلَامُ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ أَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَوْ غير مَضْرُوبَيْنِ فِيهِمَا كَغَيْرِهِمَا لَا إسْلَامُ أَحَدِهِمَا في الْآخَرِ وَلَوْ حَالًّا وَقُبِضَا في الْمَجْلِسِ لِتَضَادِّ أَحْكَامِ السَّلَمِ وَالصَّرْفِ لِأَنَّ السَّلَمَ يَقْتَضِي اسْتِحْقَاقَ قَبْضِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ في الْمَجْلِسِ دُونَ الْآخَرِ وَالصَّرْفُ يَقْتَضِي اسْتِحْقَاقَ قَبْضِهِمَا ما فيه وَتَعْبِيرُهُ بِالنَّقْدَيْنِ أَعَمُّ في الْجُمْلَةِ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ مع أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَصُّ بِهِمَا بَلْ الْمَطْعُومَاتُ كَذَلِكَ وإذا قُلْنَا لَا يَصِحُّ سَلَمًا فَهَلْ يَنْعَقِدُ صَرْفًا يُبْنَى على أَنَّ الْعِبْرَةَ بِصِيَغِ الْعُقُودِ أو بِمَعَانِيهِمَا ثُمَّ مَحَلُّ ذلك إذَا لم يَنْوِيَا بِالسَّلَمِ عَقْدَ الصَّرْفِ وَالْأَصَحُّ لِأَنَّ ما كان صَرِيحًا في بَابِهِ ولم يَجِدْ نَفَاذًا في مَوْضُوعِهِ يَكُونُ كِنَايَةً في غَيْرِهِ وَيَجُوزُ السَّلَمُ في أَنْوَاعِ الْعِطْرِ الْعَامَّةِ الْوُجُودِ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ كَمِسْكٍ وَعَنْبَرٍ وَكَافُورٍ وَعَوْدٍ وَيَذْكُرُ الْوَصْفَ من لَوْنٍ وَنَحْوِهِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَالْوَزْنَ وَالنَّوْعَ فيقول عَنْبَرٌ أَشْهَبُ أو غَيْرُهُ قِطَاعٌ أو فُتَاتٌ ويجوز في الزَّاجِّ أَيْ الْخَالِصِ لَا الْمَغْشُوشِ قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ من الْعِلْمِ بِمِقْدَارِ الْمَقْصُودِ كَاللَّبَنِ الْمَشُوبِ بِالْمَاءِ وَالطِّينَ وَالْجِصَّ بِكَسْرِ الْجِيمِ أَفْصَحُ من فَتْحِهَا أَيْ الْجِبْسَ وَالنُّورَةَ أَيْ الْجِيرَ وَلَوْ بَعْدَ طَبْخِهِمَا وَيَذْكُرُ ما يُمَيِّزُ ذلك من ذِكْرِ أَرْضِهِ وَلَوْنِهِ وَوَزْنِهِ وَأَحْجَارِ كُلٍّ من الرَّحَى وَالْبِنَاءِ وَالْأَوَانِي وَيَذْكُرُ نَوْعَهَا وَطُولَهَا وَعَرْضَهَا وَغِلَظَهَا قال الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَلَوْنَهَا وَكُلَّ ما يَخْتَلِفُ بِهِ الْغَرَضُ وَلَا يَشْتَرِطُ فيها الْوَزْنَ اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرَ وَلَا يَجُوزُ السَّلَم في الْحِبَابِ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُوَحِّدَتَيْنِ جَمْعُ حُبٍّ بِضَمِّهَا وَهِيَ الْخَابِيَةُ وَالْكِيزَانِ وَالطِّسَاسِ بِكَسْرِ الطَّاءِ جَمْعُ طَسٍّ بِفَتْحِهَا وَيُقَالُ فيه طَسْتٌ بِإِبْدَالِ سِينِهِ الْأَخِيرَةِ تَاءً وَالْقَمَاقِمِ وَالطَّنَاجِيرِ جَمْعُ طِنْجِيرٍ بِكَسْرِ الطَّاءِ وهو الدَّسْتُ وَالْمَنَائِرِ بِالْهَمْزِ وَأَصْلُهُ مَنَاوِرُ جَمْعُ مَنَارَةٍ وَالْبِرَامِ بِكَسْرِ الْبَاءِ حِجَارَةٌ تُعْمَلُ منها الْقُدُورُ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ في شَيْءٍ من الْمَذْكُورَاتِ الْمَعْمُولَةِ لِنُدْرَةِ اجْتِمَاعِ الْوَزْنِ مع الصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةِ فَإِنْ صُبَّ شَيْءٌ من أَصْلِهَا الْمُذَابِ في قَالَبٍ بِفَتْحِ اللَّامِ أَفْصَحُ من كَسْرِهَا أو كان أَيْ وُجِدَ سَطْلٌ مُرَبَّعٌ جَازَ السَّلَمُ فيه لِأَنَّ ذلك لَا يَخْتَلِفُ قال السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا يَخْتَصُّ ذلك بِالْمُرَبَّعِ بَلْ الْمُدَوَّرُ كَذَلِكَ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ بَلْ كُلُّ ما لَا يَخْتَلِفُ من ذلك مَضْرُوبًا أو مَنْصُوبًا كما صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَجُوزُ السَّلَمُ في قِطَعِ الْجُلُودِ وَزْنًا
____________________
(2/137)
لِانْضِبَاطِهَا لِأَنَّ جُمْلَتَهَا مَقْصُودَةٌ وما فيها من التَّفَاوُتِ يُجْعَلُ عَفْوًا لَا في الْجُلُودِ على هَيْئَتِهَا لِتَفَاوُتِهَا في الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالْعِبَارَةُ لَا تَفِي بِذَلِكَ وَهَذَا وما قَبْلَهُ من زِيَادَتِهِ على ما في أَكْثَرِ النُّسَخِ وَصَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَيُبَيِّنُ في الْكَاغَدِ وهو الْوَرَقُ الْعَدَدَ وَالنَّوْعَ وَالطُّولَ وَالْعَرْضَ قال الْقَاضِي وَاللَّوْنَ وقال الرُّويَانِيُّ نَقْلًا عن الشَّافِعِيِّ وَالْجَوْدَةَ أو الرَّدَاءَةَ وَالدِّقَّة أو الْغِلَظَ وَالصَّنْعَةَ قال وَلَا بُدَّ مع ذلك من ذِكْرِ الزَّمَانِ كَصَيْفِيٍّ أو شَتْوِيٍّ انْتَهَى لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ في الْمُسَلَّمِ فيه ذِكْرَ الْجُودَةِ أو الرَّدَاءَةِ وَذِكْرُ الْعَرْضِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَيَجُوزُ في الدَّقِيقِ وَيَذْكُرُ فيه ما مَرَّ في الْحَبِّ إلَّا مِقْدَارَهُ وَيَذْكُرُ أَيْضًا أَنَّهُ يُطْحَنُ بِرَحَى الدَّوَابِّ أو الْمَاءِ أو غَيْرِهِ وَخُشُونَةَ الطَّحْنِ أو نُعُومَتَهُ قال ابن الصَّلَاحِ في فَتَاوِيهِ وَيَجُوزُ في النُّخَالَةِ إذَا انْضَبَطَتْ بِالْكَيْلِ ولم يَكْثُرْ تَفَاوُتُهَا فيه بِالِانْكِبَاسِ وَضِدِّهِ وَيَجُوزُ في التِّبْنِ قال الرُّويَانِيُّ وفي جَوَازِهِ في السَّوِيقِ وَالنَّشَاءِ وَجْهَانِ الْمَذْهَبُ الْجَوَازُ كَالدَّقِيقِ لَا في الْعَلَسِ وَالْأُرْزِ إذَا كَانَا في الْقِشْرِ الْأَعْلَى لِاسْتِتَارِهِمَا بِمَا لَا مَصْلَحَةَ فيه وَلَا في الْعَقَارِ لِأَنَّهُ إنْ عَيَّنَ مَكَانَهُ فَالْمُعَيَّنُ لَا يَثْبُتُ في الذِّمَّةِ وَإِلَّا فَمَجْهُولٌ فَرْعٌ قال السُّبْكِيُّ يَجُوزُ السَّلَمُ في قَصَبِ السُّكَّرِ بِالْوَزْنِ وَيُشْتَرَطُ قَطْعُ أَعْلَاهُ الذي لَا حَلَاوَةَ فيه هَكَذَا قال الشَّافِعِيُّ قال الْمُزَنِيّ وأنا أَقُولُ وَقَطْعُ مَجَامِعِ عُرُوقِهِ من أَسْفَلِهِ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ في اشْتِرَاطِ ما ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ على وَجْهَيْنِ فَصْلٌ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ أَيْ إحْدَاهُمَا فِيمَا يُسَلِّمُ فيه وَيُحْمَلُ مُطْلَقُهُ على الْجَيِّدِ لِلْعُرْفِ فَإِنْ شَرَطَ أو أَطْلَقَ حُمِلَ على أَقَلِّ دَرَجَةٍ له كَالصِّفَاتِ فَإِنَّهَا تُحْمَلُ على ذلك فَلَوْ أتى بِمَا يَقَعُ عليه اسْمُ الْوَصْفِ الْمَشْرُوطِ كَفَى وَوَجَبَ قَبُولُهُ لِأَنَّ الرُّتَبَ لَا نِهَايَةَ لها وهو كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ أَنَّهُ كَاتِبٌ أو خَبَّازٌ مَثَلًا وَلَوْ شَرَطَ رَدِئَ النَّوْعِ أو الْأَرْدَأَ جَازَ لِانْضِبَاطِهِمَا فَإِنْ بَيَّنَهُ وكان مُنْضَبِطًا كَقَطْعِ الْيَدِ وَالْعَمَى صَحَّ قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا إنْ شَرَطَ الْأَجْوَدَ لِأَنَّ أَقْصَاهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَصْلُ مَعْرِفَةِ الْعَاقِدَيْنِ الْوَصْفَ وَالْمِكْيَالَ شَرْطٌ فَلَوْ جَهِلَاهُمَا أو أَحَدَهُمَا لم يَصِحَّ الْعَقْدُ وَكَذَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ غَيْرِهِمَا لَهُمَا فَلَوْ جَهِلَهُمَا الناس فَلَا بُدَّ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ من مَعْرِفَةِ عَدْلَيْنِ لِيَرْجِعَ إلَيْهِمَا عِنْدَ التَّنَازُعِ بِخِلَافِ ما قَدَّمْنَاهُ في الْأَجَلِ من الِاكْتِفَاءِ بِمَعْرِفَةِ الْعَاقِدَيْنِ أو مَعْرِفَةِ عَدْلَيْنِ في التَّأْجِيلِ بِنَحْوِ شُهُورِ الرُّومِ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فيه رَاجِعَةٌ إلَى الْأَجَلِ وَهُنَا إلَى الْعُقُودِ عليه فَجَازَ أَنْ يُحْتَمَلَ ثُمَّ ما لَا يُحْتَمَلُ هُنَا قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَضِيَّةُ الِاكْتِفَاءِ بِعَدْلَيْنِ ثُمَّ وَبِهِمَا مع الْعَاقِدَيْنِ هُنَا أَنَّهُ لو عَرَفَ الْوَصْفَ بِدُونِهِمَا ثُمَّ وَمَعَهُمَا هُنَا عَدْلَانِ فَقَطْ كَفَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ قال أبو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ قال الشَّافِعِيُّ وَأَقَلُّ من يَعْرِفُ ذلك عَدْلَانِ من أَهْلِ الصَّنْعَةِ قال أَصْحَابُنَا لم يُرِدْ عَدْلَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُهُمَا لِأَنَّهُ لو كان كَذَلِكَ لم يَجُزْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَمُوتَا أو أَحَدُهُمَا أو يَغِيبَا في وَقْتِ الْمَحَلِّ فَتَتَعَذَّرُ مَعْرِفَتُهُ لَكِنْ الْمُرَادُ أَنْ يُوجَدَ أَبَدًا في الْغَالِبِ مِمَّنْ يَعْرِفُ ذلك عَدْلَانِ أو أَكْثَرُ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ وَكَالْمِكْيَالِ فِيمَا ذَكَرَ الْمِيزَانُ وَالذِّرَاعُ فَصْلٌ وَإِنْ أَدَّى الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ ما عليه من الْمُسَلَّمِ فيه وَجَبَ قَبُولُهُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ وَلَوْ أَجْوَدَ صِفَةً من الْمَشْرُوطِ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ منه عِنَادٌ وَلَا شِعَارَ بِذِلَّةٍ بِأَنَّهُ لم يَجِدْ سَبِيلًا إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ بِغَيْرِهِ وَذَلِكَ يُهَوِّنُ أَمْرَ الْمِنَّةِ وَلِأَنَّ الْجَوْدَةَ لَا يُمْكِنُ فَصْلُهَا فَهِيَ تَابِعَةٌ بِخِلَافِ ما لو أَسْلَمَ إلَيْهِ في خَشَبَةٍ عَشْرَةِ أَذْرُعٍ فَجَاءَ بها أَحَدَ عَشَرَ ذِرَاعًا كما قَالَهُ الْجُرْجَانِيُّ قال الزَّرْكَشِيُّ نعم إذَا كان على الْمُسَلِّمِ ضَرَرٌ في قَبُولِهِ كَأَنْ أَسْلَمَ إلَيْهِ في عَبْدٍ أو أَمَةٍ
____________________
(2/138)
فَجَاءَ بِفَرْعِهِ أو أَصْلِهِ أو زَوْجَتِهِ أو زَوْجِهَا فَلَا يَجِبُ قَبُولُهُ وَإِنْ جاء بِأَخِيهِ أو عَمِّهِ فَوَجْهَانِ وَجْهُ الْمَنْعِ إنَّ من الْحُكَّامِ من يَحْكُمُ بِعِتْقِهِ عليه ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ انْتَهَى وَفِيهِ وَقْفَةٌ لَا أَرْدَأَ من الْمَشْرُوطِ فَلَا يَجِبُ قَبُولُهُ وَإِنْ كان أَجْوَدَ من وَجْهٍ آخَرَ لِأَنَّهُ ليس حَقَّهُ مع تَضَرُّرِهِ بِهِ بَلْ يَجُوزُ قَبُولُهُ إنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ لِأَنَّهُ مُسَامَحَةٌ بِصِفَةٍ كما يَجُوزُ دَفْعُ الْأُجُورِ لِذَلِكَ لَا إنْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ وهو مُمْتَنِعٌ في الْمُسَلَّمِ فيه كما مَرَّ فَلَا يَجُوزُ قَبُولُ جِنْسٍ أو نَوْعِ بَدَلٍ آخَرَ كَبُرٍّ بَدَلَ شَعِيرٍ وَمَعْقِلِيٍّ بَدَلَ بَرْنِيِّ وَبِالْعَكْسِ بِخِلَافِ الْأَجْوَدِ أو الْأَرْدَأِ كما تَقَرَّرَ وَالرُّطَبُ وَالتَّمْرُ وما سُقِيَ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَمَاءِ الْأَرْضِ وَالْعَبْدُ التُّرْكِيُّ وَالْعَبْدُ الْهِنْدِيُّ التَّفَاوُتُ بين كل مُتَقَابِلَيْنِ منها تَفَاوُتُ نَوْعٍ لَا تَفَاوُتَ وَصْفٍ فَلَا يَجِبُ عليه قَبُولُ الْآخَرِ وَلَا يَجُوزُ فَرْعٌ لَا يَقْبِضُ كَيْلًا ما أَسْلَمَ فيه وَزْنًا وَلَا عَكْسُهُ فَإِنْ خَالَفَ لَزِمَهُ الضَّمَانُ لِفَسَادِ الْقَبْضِ كما لو قَبَضَهُ جُزَافًا وَلَا يَنْفُذُ التَّصَرُّفُ فيه كما مَرَّ في الْبَيْعِ وَكَذَا لو اكْتَالَهُ بِغَيْرِ الْكَيْلِ الذي وَقَعَ عليه الْعَقْدُ كَأَنْ بَاعَ صَاعًا فَاكْتَالَهُ بِالْمُدِّ على ما رَجَّحَهُ ابن الرِّفْعَةِ من وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا يُزَلْزِلُ الْمِكْيَالَ وَلَا يَضَعُ الْكَفَّ على جَوَانِبِهِ بَلْ يَمْلَؤُهُ وَيَصُبُّ على رَأْسِهِ بِقَدْرِ ما يَحْمِلُ وَيُسَلِّمُ الْحِنْطَةَ وَنَحْوَهَا نَقِيَّةً من الزُّؤَانِ وَغَيْرِهِ كَالتِّبْنِ وَالْمَدَرِ وَالتُّرَابِ وَالشَّعِيرِ وَالْقَصِيلِ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مع شَيْءٍ منها لَا يَقَعُ مَوْقِعَهُ ولكن قَلِيلُ التُّرَابِ وَدُقَاقُ التِّبْنِ وَغَيْرُهُمَا مِمَّا ذَكَرَ يُحْتَمَلُ في الْمَكِيلِ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ فيه لَا الْوَزْنُ لِظُهُورِهِ فيه وَمَعَ احْتِمَالِهِ في الْكَيْلِ إنْ كان لِإِخْرَاجِ التُّرَابِ وَنَحْوِهِ مُؤْنَةٌ لم يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ كما حَكَاهُ في الرَّوْضَةِ وَأَقَرَّهُ وَيُسَلِّمُ التَّمْرَ جَافًّا وَلَوْ في أَوَّلِ جَفَافِهِ لِأَنَّهُ قبل جَفَافِهِ لَا يُسَمَّى تَمْرًا وَلَا يُجْزِئُ ما تَنَاهَى جَفَافُهُ حتى لم تَبْقَ فيه نَدَاوَةٌ لِأَنَّ ذلك نَقْصٌ ذَكَرَهُ ابن الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُمَا
ويسلم الرُّطَبَ غير مُشَدَّخٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمَفْتُوحَةِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وهو الْبُسْرُ يُعَالِجُ بِالْغَمِّ وَنَحْوِهِ حتى يَتَشَدَّخَ أَيْ يَتَرَطَّبَ وهو الْمُسَمَّى بِالْمَعْمُولِ في بِلَادِ مِصْرَ فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ وَلَا قَبُولُ بُسْرٍ وَلَا مُذَنِّبٍ بِكَسْرِ النُّونِ وهو بُسْرٌ بَدَا التَّرْطِيبُ فيه من قِبَلِ ذَنَبِهِ فَإِنْ عَجَّلَ الْمَدِينُ مُؤَجَّلًا فَامْتَنَعَ الدَّائِنُ وفي نُسْخَةٍ فَامْتَنَعَ الْمُسَلِّمُ من قَبُولِهِ لِغَرَضٍ كَحَيَوَانٍ يُعْلَفُ أَيْ يَحْتَاجُ عَلَفًا أو عَرَضٍ يَحْتَاجُ مَكَانًا لِحِفْظِهِ بِمُؤْنَةٍ كَثِيرَةٍ أو ما يُطْلَبُ أَكْلُهُ طَرِيًّا عِنْدَ مَحَلِّهِ كَثَمَرَةٍ وَلَحْمٍ أو كان مِمَّا يَتَغَيَّرُ على طُولِ الزَّمَانِ كَحِنْطَةٍ أو كان في زَمَنِ نَهْبٍ وَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ في زَمَنِهِ لم يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ لِتَضَرُّرِهِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ امْتَنَعَ لَا لِغَرَضٍ لَزِمَهُ قَبُولُهُ كَالْمُكَاتَبِ يُعَجِّلُ النُّجُومَ لِيُعْتَقَ يُجْبَرُ السَّيِّدُ على قَبُولِهَا سَوَاءٌ أَكَانَ لِلْمُؤَدِّي غَرَضٌ غَيْرُ الْبَرَاءَةِ كَفَكِّ رَهْنٍ أو إبْرَاءِ ضَامِنٍ أو خَوْفِ انْقِطَاعِهِ عِنْدَ الْمَحَلِّ أَمْ لَا لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الْمَدِينِ وقد أَسْقَطَهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وقد ذَكَرَ في بَابِ الْمَنَاهِي أَنَّ الْمَدِينَ إذَا أَسْقَطَ الْأَجَلَ لَا يَسْقُطُ حتى لَا يَتَمَكَّنَ الْمُسْتَحِقُّ من مُطَالَبَتِهِ وكان الْفَرْقُ أَنَّ الْإِسْقَاطَ وَسِيلَةٌ إلَى الطَّلَبِ الْمُؤَدِّي لِلْبَرَاءَةِ وَالدَّفْعُ مُحَصِّلٌ لها نَفْسِهَا فَكَانَ أَقْوَى مع أَنَّ الْأَجَلَ لم يَسْقُطْ في الْمَوْضِعَيْنِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ ما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا تَقَابَلَ غَرَضَاهُمَا يُرَاعَى جَانِبُ الْمُسْتَحِقِّ فَإِنَّهُمْ لم يَنْظُرُوا إلَى غَرَضِ الْمُؤَدِّي إلَّا عِنْدَ عَدَمِ غَرَضِ الْمُسْتَحِقِّ وَيُجْبَرُ الدَّائِنُ على قَبُولِ كل دَيْنٍ حَالٍّ إنْ كان غَرَضُ الْمَدِينِ غير الْبَرَاءَةِ
وَعَلَيْهِ أو على الْإِبْرَاءِ عنه إنْ كان غَرَضُهُ الْبَرَاءَةَ قال السُّبْكِيُّ هذا إنْ أَحْضَرَهُ من هو عليه فَإِنْ تَبَرَّعَ بِهِ غَيْرُهُ فَإِنْ كان عن حَيٍّ لم يَجِبْ الْقَبُولُ لِلْمِنَّةِ وَإِلَّا فَإِنْ كان الْمُتَبَرِّعُ الْوَارِثَ وَجَبَ الْقَبُولُ لِأَنَّهُ يُخَلِّصُ التَّرِكَةَ لِنَفْسِهِ أو غَيْرِهِ فَفِيهِ تَرَدُّدُ جَوَابٍ لِلْقَاضِي وما قَرَّرْت بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هو ما في الْأَصْلِ وما سَلَكَهُ هو تَبِعَ فيه صَاحِبَ الْأَنْوَارِ فَإِنْ أَصَرَّ على الِامْتِنَاعِ
____________________
(2/139)
فِيمَا يُجْبَرُ على قَبُولِهِ قَبَضَ له الْحَاكِمُ فَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدًا له على مَالٍ فَجَاءَ الْعَبْدُ بِالْمَالِ ولم يَقْبَلْهُ أَنَسٌ فَأَتَى الْعَبْدُ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه فَأَخَذَ الْمَالَ منه وَوَضَعَهُ في بَيْتِ الْمَالِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ كان الْمُسَلِّمُ غَائِبًا فَقِيَاسٌ قَبَضَ الْحَاكِمُ عنه عِنْدَ امْتِنَاعِهِ أَنْ يَقْبِضَ له في حَالِ غَيْبَتِهِ فَإِنْ وَجَدَهُ في غَيْرِ مَكَانِ التَّسْلِيمِ وَالدَّيْنُ حَالٌّ طَالَبَهُ بِهِ إنْ لم يَكُنْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ أو كان وَرَضِيَ بِدُونِهَا فَيُجْبَرُ الْمَدِينُ على الْأَدَاءِ لِعَدَمِ الضَّرَرِ وَإِلَّا فَلَا يُطَالِبُهُ بِهِ لِأَنَّهُ لم يَلْتَزِمْ تَسْلِيمَهُ ثَمَّ وَلَا بِالْقِيمَةِ لِلْحَيْلُولَةِ لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عن الْمُسَلَّمِ فيه كما مَرَّ قال الزَّرْكَشِيُّ لَكِنْ له الدَّعْوَى عليه وَإِلْزَامُهُ بِالسَّفَرِ معه إلَى مَكَانِ التَّسْلِيمِ أو بِالتَّوْكِيلِ وَلَا يُحْبَسُ بَلْ له الْفَسْخُ وَاسْتِرْدَادُ رَأْسِ الْمَالِ كما لو انْقَطَعَ الْمُسَلَّمُ فيه وَيُخَالِفُ الْغَاصِبَ وَالْمُتْلَفَ فِيمَا إذَا ظَفِرَ الْمَالِكُ بِهِمَا في غَيْرِ مَحَلِّ الْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ فَإِنَّهُمَا يُطَالِبَانِ بها لَا بِالْمِثْلِ وَلَا يَلْزَمُ الدَّائِنَ في السَّلَمِ وَغَيْرِهِ قَبُولُ مَالِهِ أَيْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ إذَا أَحْضَرَهُ الْمَدِينُ في غَيْرِ مَكَانِ التَّسْلِيمِ لِتَضَرُّرِهِ لَا قَبُولَ غَيْرِهِ بِلَا غَرَضٍ فَيَلْزَمُهُ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ بِخِلَافِ ما إذَا كان له غَرَضٌ كَخَوْفٍ هُنَاكَ وَلَوْ قال وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ إنْ كان له غَرَضٌ كَأَنْ كان لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ كان أَوْضَحَ بَابٌ الْقَرْضُ هو بِفَتْحِ الْقَافِ أَشْهَرُ من كَسْرِهَا يُطْلَقُ اسْمًا بِمَعْنَى الْإِقْرَاضِ وهو تَمْلِيكُ الشَّيْءِ على أَنْ يُرَدَّ بَدَلُهُ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمُقْرِضَ يَقْطَعُ لِلْمُقْتَرِضِ قِطْعَةً من مَالِهِ وَيُسَمِّيهِ أَهْلُ الْحِجَازِ سَلَفًا هو قُرْبَةٌ لِأَنَّ فيه إعَانَةً على كَشْفِ كُرْبَةٍ وفي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عن ابْنِ مَسْعُودٍ من أَقْرَضَ مُسْلِمًا دِرْهَمًا مَرَّتَيْنِ كان له كَأَجْرِ صَدَقَتِهِ مَرَّةً وَاسْتَقْرَضَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ من جَمَاعَةٍ نعم إنْ غَلَبَ على ظَنِّهِ أَنَّ الْمُقْتَرِضَ يَصْرِفُهُ في مَعْصِيَةٍ أو مَكْرُوهٍ لم يَكُنْ قُرْبَةً كما سَيَأْتِي في الشَّهَادَاتِ مع بَيَانِ أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ الِاقْتِرَاضُ لِمَنْ عَلِمَ من نَفْسِهِ الْوَفَاءَ وَإِلَّا لم يَجُزْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْمُقْرَضُ أَنَّهُ عَاجِزٌ عن الْوَفَاءِ وَأَرْكَانُهُ عَاقِدٌ وَمَعْقُودٌ عليه وَصِيغَةٌ كَالْبَيْعِ وَيُشْتَرَطُ كما في الْأَصْلِ كَوْنُ الْمُقْرِضِ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ لِأَنَّ الْقَرْضَ فيه شَائِبَةُ التَّبَرُّعِ وَلَوْ كان مُعَاوَضَةً مَحْضَةً لَجَازَ لِلْوَلِيِّ غَيْرِ الْقَاضِي قَرْضُ مَالِ مُوَلِّيهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا يُشْتَرَطُ في قَرْضِ الرِّبَوِيِّ التَّقَابُضُ في الْمَجْلِسِ وَلَجَازَ في غَيْرِهِ شَرْطُ الْأَجَلِ وَاللَّوَازِمُ بَاطِلَةٌ وَيُشْتَرَطُ له الْإِيجَابُ كَالْبَيْعِ كَأَقْرَضْتُكَ وَأَسْلَفْتُك وَخُذْهُ بِرَدِّ مِثْلِهِ الْأَخْضَرُ بمثله وَمَلَّكْتُكَهُ بِبَدَلِهِ أو خُذْهُ وَاصْرِفْهُ في حَوَائِجِك وَتَقَدَّمَ في الْبَيْعِ أَنَّ خُذْهُ بِكَذَا وَنَحْوَهُ كِنَايَةٌ فيه فَيَأْتِي مِثْلُهُ هُنَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ
____________________
(2/140)
وَغَيْرُهُ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ كَأَقْرَضْتُكَ أَنَّهُ لَا حَصْرَ لِلصِّيَغِ فِيمَا قَالَهُ بِخِلَافِ قَوْلِ أَصْلِهِ وهو أَنْ يَقُولَ أَقْرَضْتُك إلَى آخِرِهِ فَإِنْ لم يذكر الْبَدَلَ بِأَنْ اقْتَصَرَ على مَلَّكْتُكَهُ فَهُوَ هِبَةٌ في الظَّاهِرِ وَالْقَوْلُ في ذِكْرِهِ أَيْ الْبَدَلِ فِيمَا لو اخْتَلَفَا فيه قَوْلُ الْآخِذِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذِكْرِهِ وَالصِّيغَةُ ظَاهِرَةٌ فِيمَا ادَّعَاهُ وَبِهَذَا فَارَقَ ما لو اخْتَلَفَا في كَوْنِ الْعَقْدِ بَيْعًا أو هِبَةً حَيْثُ يَحْلِفُ كُلٌّ على نَفْيِ دَعْوَى الْآخَرِ وَحَكَى في الرَّوْضَةِ وَجْهًا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الدَّافِعِ قال وهو مُتَّجِهٌ أَيْ لِمُوَافَقَتِهِ قَوْلَهُ في الْأَطْعِمَةِ لو قال أَطْعَمْتُك بِعِوَضٍ فقال الْمُضْطَرُّ بِلَا عِوَضٍ صَدَقَ الْمُطْعِمُ في الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِكَيْفِيَّةِ بَذْلِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَكَذَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لِمَا ذُكِرَ نعم الْقَرْضُ الْحُكْمِيُّ كَالْإِنْفَاقِ على اللَّقِيطِ الْمُحْتَاجِ وَإِطْعَامِ الْجَائِعِ وَكِسْوَةِ الْعَارِي لَا يَفْتَقِرُ إلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ وَظَاهِرٌ أَنَّ الِالْتِمَاسَ من الْمُقْرِضِ كَاقْتَرَضَ مِنِّي يَقُومُ مُقَامَ الْإِيجَابِ وَمِنْ الْمُقْتَرِضِ كَأَقْرِضْنِي يَقُومُ مُقَامَ الْقَبُولِ كما في الْبَيْعِ
وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْقَرْضُ فِيمَا يَجُوزُ السَّلَمُ فيه لِصِحَّةِ ثُبُوتِهِ في الذِّمَّةِ بِخِلَافِ ما لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فيه لِأَنَّ ما لَا يَنْضَبِطُ أو يَنْدُرُ وُجُودُهُ يَتَعَذَّرُ أو يَتَعَسَّرُ رَدُّ مِثْلِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ صِحَّةُ إقْرَاضِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمَغْشُوشَةِ لِصِحَّةِ السَّلَمِ فيها بِنَاءً على جَوَازِ الْمُعَامَلَةِ بها في الذِّمَّةِ وَلِأَنَّهَا مِثْلِيَّةٌ لَكِنْ ذَكَرَ الرُّويَانِيُّ في الْبَحْرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إقْرَاضُهَا وَخَالَفَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَاخْتَارَ الْجَوَازَ قال بِخِلَافِ بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ لِأَنَّ الْإِقْرَاضَ جُوِّزَ على خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلْإِرْفَاقِ وَيَجُوزُ رَدُّ الزَّائِدِ وَأَخْذُ النَّاقِصِ بِلَا شَرْطٍ فَلَا يُضَايَقُ فيه كَالرِّبَا وَوَافَقَهُ الزَّرْكَشِيُّ على اخْتِيَارِ الْجَوَازِ وَقَيَّدَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا إذَا عَرَفَ قَدْرَ غِشِّهَا وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ إقْرَاضُهَا لِلْجَهْلِ بها وَاسْتَثْنَى من عَدَمِ جَوَازِ قَرْضِ ما لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فيه جَوَازَ قَرْضِ الْخُبْزِ وَزْنًا لِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ على فِعْلِهِ في الْأَعْصَارِ بِلَا إنْكَارٍ وَهَذَا ما قَطَعَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالْمُسْتَظْهَرَيْ وَغَيْرُهُمَا وَاقْتَضَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ تَرْجِيحَهُ قال في الْمُهِمَّاتِ وَالرَّاجِحُ جَوَازُهُ فَقَدْ اخْتَارَهُ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ قال الْخُوَارِزْمِيَّ وَيَجُوزُ إقْرَاضُهُ عَدَدًا وما نَقَلَهُ ابن الرِّفْعَةِ عن الْأَصْحَابِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ في الشُّفْعَةِ من جَوَازِ إقْرَاضِ جُزْءٍ من دَارٍ فَبَنَى كما قال الزَّرْكَشِيُّ على ضَعِيفٍ وهو أَنَّ الْوَاجِبَ رَدُّ الْقِيمَةِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي أو مَحْمُولٌ كما قال السُّبْكِيُّ على ما إذَا لم يَزِدْ الْجُزْءُ على النِّصْفِ فإن له حِينَئِذٍ مِثْلًا فَيَجُوزُ إقْرَاضُهُ كَغَيْرِهِ وَصَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إقْرَاضُ الْعَقَارِ كما لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فيه
وَيَحْرُمُ إقْرَاضُ الرُّوبَةِ لِاخْتِلَافِهَا بِالْحُمُوضَةِ وَهِيَ بِضَمِّ الرَّاءِ خَمِيرَةٌ من اللَّبَنِ الْحَامِضِ تُلْقَى على الْحَلِيبِ لِيَرُوبَ قال في الرَّوْضَةِ وَذَكَرَ في التَّتِمَّةِ وَجْهَيْنِ في إقْرَاضِ الْخَمِيرِ الْحَامِضِ أَحَدُهُمَا الْجَوَازُ لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِهِ قال السُّبْكِيُّ وَالْعِبْرَةُ بِالْوَزْنِ كَالْخُبْزِ ويحرم إقْرَاضُ جَارِيَةٍ لِمَنْ تَحِلُّ له وَلَوْ غير مُشْتَهَاةٍ وَإِنْ جَازَ السَّلَمُ فيها لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ يَثْبُتُ فيه الرَّدُّ وَالِاسْتِرْدَادُ وَرُبَّمَا يَطَؤُهَا الْمُقْتَرِضُ ثُمَّ يَرُدُّهَا فَيُشْبِهُ إعَارَةَ الْجَوَارِي لِلْوَطْءِ وَلَيْسَ هذا كَالْأَبِ يَهَبُ وَلَدَهُ جَارِيَةً يَحِلُّ له وَطْؤُهَا مع جَوَازِ اسْتِرْجَاعِ الْأَبِ لها لِأَنَّ الْعَقْدَ لَازِمٌ ثَمَّ من قِبَلِ الْمُتَمَلِّكِ بِخِلَافِهِ هُنَا وَلِأَنَّ عَقْدَ الْقَرْضِ مَدْلُولُهُ إعْطَاءُ شَيْءٍ وَالرُّجُوعُ فيه أو في بَدَلِهِ فَكَانَ كَالْإِعَارَةِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ أَمَّا من لَا يَحِلُّ له وَطْؤُهَا لِمَحْرَمِيَّةٍ أو تَمَجُّسٍ أو نَحْوِهِ فَيَجُوزُ إقْرَاضُهَا له وَقَضِيَّةُ
____________________
(2/141)
كَلَامِهِمْ أَنَّ الْأَمَةَ التي لَا تَحِلُّ له في الْحَالِ كَأُخْتِ الزَّوْجَةِ وَعَمَّتِهَا كَذَلِكَ قال الْإِسْنَوِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْمُتَّجِهُ الْمَنْعُ وَكَلَامُ بَعْضِهِمْ يُشْعِرُ بِهِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّهُ يَقْدِرُ على حِلِّ أُخْتِ زَوْجَتِهِ بِأَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ بِخِلَافِ حِلِّ الْمَجُوسِيَّةِ وَنَحْوِهَا وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَيْضًا امْتِنَاعُ إقْرَاضِ الْخُنْثَى لِامْتِنَاعِ السَّلَمِ فيه وهو ظَاهِرٌ وما قِيلَ من جَوَازِ إقْرَاضِهِ لِأَنَّ الْمَانِعَ وهو كَوْنُهُ جَارِيَةً لم يَتَحَقَّقْ قال الزَّرْكَشِيُّ خَطَأٌ قال النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ وَيَجُوزُ إقْرَاضُ الْأَمَةِ لِلْخُنْثَى قال السُّبْكِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قد يَصِيرُ وَاضِحًا فَيَطَؤُهَا وَيَرُدُّهَا وقال الْأَذْرَعِيُّ الْأَشْبَهُ الْمَنْعُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ على الْمُلْتَقِطِ تَمَلُّكُ الْجَارِيَةِ الْمُلْتَقَطَةِ إنْ كانت تَحِلُّ له وَبِهِ صَرَّحَ الْجُرْجَانِيُّ ثُمَّ قال الْأَذْرَعِيُّ وقد يُفَرَّقُ بِأَنَّ ظُهُورَ الْمَالِكِ ثَمَّ بَعِيدٌ
ويحرم إقْرَاضُ مَاءِ الْقَنَاةِ لِلْجَهْلِ بِهِ قال في الرَّوْضَةِ وَلَا يَجُوزُ إقْرَاضُ الْمَنَافِعِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فيها وَيُؤْخَذُ من تَعْلِيلِهِ أَنَّ مَحَلَّهُ في مَنَافِعِ الْعَيْنِ الْمُعَيَّنَةِ أَمَّا التي في الذِّمَّةِ فَيَجُوزُ إقْرَاضُهَا لِجَوَازِ السَّلَمِ فيها كما سَيَأْتِي في الْإِجَارَةِ
فَرْعٌ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْإِقْرَاضِ الْعِلْمُ بِالْقَدْرِ وَالصِّفَةِ لِيَتَأَتَّى أَدَاؤُهُ فَلَوْ أَقْرَضَهُ كَفًّا من الدَّرَاهِمِ لم يَصِحَّ وَلَوْ أَقْرَضَهُ على أَنْ يُسْتَبَانَ مِقْدَارُهُ وَيُرَدُّ مِثْلُهُ صَحَّ ذَكَرَهُ في الْأَنْوَارِ وَذَكَرَ الصِّفَةَ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَيَجُوزُ اقْتِرَاضُ الْمَكِيلِ وَزْنًا وَعَكْسُهُ إنْ لم يَتَجَافَ في الْمِكْيَالِ كَالسَّلَمِ فَصْلٌ وَيَبْطُلُ قَرْضٌ بِشَرْطِ جَرِّ مَنْفَعَةٍ أَيْ يَجُرُّهَا إلَى الْمُقْرِضِ كَشَرْطِ رَدِّ الصَّحِيحِ عن الْمُكَسَّرِ أو رَدِّهِ بِبَلَدٍ آخَرَ أو بَعْدَ شَهْرٍ فيه خَوْفٌ من نَهْبٍ أو نَحْوِهِ وهو أَيْ الْمُقْتَرِضُ مَلِيءٌ لِقَوْلِ فَضَالَةَ بن عُبَيْدٍ رضي اللَّهُ عنه كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا وَالْمَعْنَى فيه أَنَّ مَوْضُوعَ الْقَرْضِ الْإِرْفَاقُ فإذا شَرَطَ فيه لِنَفْسِهِ حَقًّا خَرَجَ عن مَوْضُوعِهِ فَمَنَعَ صِحَّتَهُ وما رُوِيَ من أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ عَبْدَ اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ أَنْ يَأْخُذَ بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ إلَى أَجَلٍ فَمَحْمُولٌ على الْبَيْعِ أو السَّلَمِ إذْ لَا أَجَلَ في الْقَرْضِ كَالصَّرْفِ بِجَامِعِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ فِيهِمَا التَّفَاضُلُ وقد رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِلَفْظِ أَمَرَنِي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ أَشْتَرِيَ بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ إلَى أَجَلٍ وَكَذَا شَرْطُ رَدِّ زِيَادَةٍ في الْقَدْرِ أو الصِّفَةِ وَلَوْ في غَيْرِ الرِّبَوِيِّ فَإِنْ فَعَلَهُ أَيْ الرَّدَّ لِشَيْءٍ من ذلك بِلَا شَرْطٍ في الْعَقْدِ اُسْتُحِبَّ وَلَوْ في الرِّبَوِيِّ ولم يُكْرَهْ أَخْذُهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم اسْتَقْرَضَ بَكْرًا وَرَدَّ رَبَاعِيًّا وقال إنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً وَرُوِيَ وَرَدَّ بَازِلًا وَرُوِيَ وَأُمِرَ بِرَدِّ بكر ( ( ( بكر , ) ) ) وهو الْفَتَى من الْإِبِلِ وَالرُّبَاعِيُ منها بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ ما دخل في السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَالْبَازِلُ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالزَّايِ ما له ثَمَانِ سِنِينَ هذا إنْ اقْتَرَضَ لِنَفْسِهِ فَإِنْ اقْتَرَضَ لِمَحْجُورِهِ أو لِجِهَةِ وَقْفٍ فَلَيْسَ له رَدُّ زَائِدٍ وفي كَرَاهَةِ الْقَرْضِ بِمَعْنَى الْإِقْرَاضِ مِمَّنْ تَعَوَّدَ رَدَّ الزِّيَادَةِ وَجْهَانِ إنْ قَصَدَ ذلك أَيْ إقْرَاضَهُ لِأَجْلِهَا وَقِيَاسُ كَرَاهَةِ نِكَاحِ من عَزَمَ على أَنَّهُ يُطَلِّقُ إذَا وَطِئَ بِغَيْرِ شَرْطٍ كَرَاهَةُ هذا وَإِنْ شَرَطَ أَجَلًا لَا يَجُرُّ مَنْفَعَةً لِلْمُقْرِضِ بِأَنْ لم يَكُنْ له فيه غَرَضٌ أو أَنْ يَرُدَّ الْأَرْدَأَ أو الْمُكَسَّرَ أو أَنْ يُقْرِضَهُ قَرْضًا آخَرَ لَغَا الشَّرْطُ وَحْدَهُ أَيْ دُونَ الْعَقْدِ لِأَنَّ ما جَرَّهُ من الْمَنْفَعَةِ ليس لِلْمُقْرِضِ بَلْ لِلْمُقْتَرِضِ وَالْعَقْدُ عَقْدُ إرْفَاقٍ فَكَأَنَّهُ زَادَ في الْإِرْفَاقِ وَوَعَدَهُ وَعْدًا حَسَنًا وَاسْتَشْكَلَ ذلك بِأَنَّ مثله يُفْسِدُ الرَّهْنَ كما سَيَأْتِي وَيُجَابُ بِقُوَّةِ دَاعِي الْقَرْضِ لِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ بِخِلَافِ الرَّهْنِ وَيُنْدَبُ الْوَفَاءُ بِاشْتِرَاطِ الْأَجَلِ كما في تَأْجِيلِ الدَّيْنِ الْحَالِّ قَالَهُ ابن الرِّفْعَةِ وَغَيَّرَ الْأَجَلَ مِمَّا ذُكِرَ في
____________________
(2/142)
مَعْنَاهُ
وَيَصِحُّ الْإِقْرَاضُ بِشَرْطِ رَهْنٍ وَكَفِيلٍ وَإِشْهَادٍ وَإِقْرَارٍ بِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ لِأَنَّ هذه الْأُمُورَ تَوْثِيقَاتٌ لَا مَنَافِعُ زَائِدَةٌ فَلَهُ إذَا لم يُوفِ الْمُقْتَرِضُ بها الْفَسْخُ على قِيَاسِ ما ذُكِرَ في اشْتِرَاطِهَا في الْبَيْعِ وَإِنْ كان له الرُّجُوعُ بِغَيْرِ شَرْطٍ كما سَيَأْتِي على أَنَّ في التَّوَثُّقِ بها مع إفَادَتِهِ أَمْنَ الْجَحْدِ في بَعْضٍ وَسُهُولَةَ الِاسْتِيفَاءِ في آخِرِ صَوْنِ الْعِرْضِ فإن الْحَيَاءَ وَالْمُرُوءَةَ يَمْنَعَانِهِ من الرُّجُوعِ بِغَيْرِ سَبَبٍ بِخِلَافِ ما إذَا وُجِدَ سَبَبٌ فإن الْمُقْتَرِضَ إذَا امْتَنَعَ من الْوَفَاءِ بِشَيْءٍ من ذلك كان الْمُقْرِضُ مَعْذُورًا في الرُّجُوعِ غير مَلُومٍ لَا بِشَرْطِ رَهْنٍ وَكَفِيلٍ وَإِشْهَادٍ وَإِقْرَارٍ بِدَيْنٍ آخَرَ فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ مَنْفَعَةً وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا أَفْهَمَهُ قَوْلُهُ بِهِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عِلْمُ انْقِسَامِ الشَّرْطِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ مُفْسِدٍ وَفَاسِدٍ غَيْرِ مُفْسِدٍ
وإذا قَبَضَ الْقَرْضَ أَيْ ما اقْتَرَضَهُ مَلَكَهُ وَإِنْ لم يَتَصَرَّفْ فيه كَالْمَوْهُوبِ وَأَوْلَى لِثُبُوتِهِ بِعِوَضٍ وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ بِقَبْضِهِ كُلَّ التَّصَرُّفَاتِ وَلَوْ لم يَمْلِكْهُ لَمَا مَلَكَ التَّصَرُّفَ فيه وَعَتَقَ عليه إنْ كان بَعْضَهُ وَلَزِمَهُ نَفَقَةُ الْحَيَوَانِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لَكِنْ إنْ رَجَعَ الْمُقْرِضُ فيه أَيْ فِيمَا أَقْرَضَهُ وهو مِلْكُهُ أَيْ الْمُقْتَرِضِ جَازَ وَإِنْ كان مُؤَجِّرًا أو مُعَلِّقًا عِتْقَهُ بِصِفَةٍ لِأَنَّ له تَغْرِيمَ بَدَلِهِ عِنْدَ الْفَوَاتِ فَالْمُطَالَبَةُ بِعَيْنِهِ أَوْلَى نعم إنْ بَطَلَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ كان وَجَدَهُ مَرْهُونًا أو مُكَاتَبًا أو مُتَعَلِّقًا بِرَقَبَتِهِ أَرْشُ جِنَايَةٍ فَلَا رُجُوعَ وَلَوْ زَالَ مِلْكُهُ ثُمَّ عَادَ فَوَجْهَانِ وَقِيَاسُ أَكْثَرِ نَظَائِرِهِ الرُّجُوعُ وَبِهِ جَزَمَ الْعِمْرَانِيُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِ قَوْلِ أَصْلِهِ ما دَامَ بَاقِيًا وإذا جَازَ رُجُوعُهُ فَرَجَعَ فيه لَزِمَهُ أَيْ الْمُقْتَرِضَ رَدُّهُ وَلِلْمُقْتَرِضِ رَدُّ ما اقْتَرَضَهُ وَعَلَى الْمُقْرِضِ قَبُولُهُ إلَّا إذَا نَقَصَ فَلَهُ قَبُولُهُ مع الْأَرْشِ أو مِثْلِهِ سَلِيمًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَفِيمَا إذَا وَجَدَهُ مُؤَجَّرًا لَا أَرْشَ له بَلْ يَأْخُذُهُ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّ له فيها أَمَدًا يَنْتَظِرُ فَإِنْ شَاءَ رضي بِذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مثله وَلَوْ زَادَ رَجَعَ في زِيَادَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ دُونَ الْمُنْفَصِلَةِ فَصْلٌ وَأَدَاؤُهُ أَيْ الشَّيْءِ الْمُقْرَضِ صِفَةً وَمَكَانًا وَزَمَانًا كَأَدَاءِ الْمُسْلَمِ فيه فَلَا يَجِبُ قَبُولُ الرَّدِيءِ عن الْجَيِّدِ وَلَا قَبُولُ الْمِثْلِ في غَيْرِ مَكَانِ الْإِقْرَاضِ إنْ كان لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ ولم يَتَحَمَّلْهَا الْمُقْتَرِضُ أو كان الْمَكَانُ مَخُوفًا وَلَا يَلْزَمُ الْمُقْتَرِضَ الدَّفْعُ في غَيْرِ مَكَانِ الْإِقْرَاضِ إلَّا إذَا لم يَكُنْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ أو له مُؤْنَةٌ وَتَحَمَّلَهَا الْمُقْرِضُ كما أَفْهَمَهُ قَوْلُهُ لَكِنْ له مُطَالَبَتُهُ في غَيْرِ بَلَدِ الْإِقْرَاضِ بِقِيمَةِ مَالِهِ أَيْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةً لِجَوَازِ الِاعْتِيَاضِ عنه بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في السَّلَمِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ بمثله إذَا لم يَتَحَمَّلْ مُؤْنَةَ حَمْلِهِ لِمَا فيه من الْكُلْفَةِ وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِمِثْلِ ما لَا مُؤْنَةَ لِحَمْلِهِ وهو كَذَلِكَ فَالْمَانِعُ من طَلَبِ الْمِثْلِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَكَثِيرُ مُؤْنَةِ الْحَمْلِ وَعِنْدَ جَمَاعَةٍ منهم ابن الصَّبَّاغِ كَوْنُ قِيمَةِ بَلَدِ الْمُطَالَبَةِ أَكْثَرَ من قِيمَةِ بَلَدِ الْإِقْرَاضِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَتَصْرِيحُ الْمُصَنِّفِ بِمَا لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِبَلَدِ الْقَرْضِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ التَّمَلُّكِ يوم الْمُطَالَبَةِ لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِحْقَاقِهَا وَيَنْقَطِعُ بها أَيْ بِالْقِيمَةِ حَقُّهُ أَيْ الْمُقْرِضِ لِأَنَّهَا لِلْفَيْصُولَة لَا لِلْحَيْلُولَةِ فَلَوْ اجْتَمَعَا بِبَلَدِ الْإِقْرَاضِ لم يَكُنْ لِلْمُقْرِضِ رَدُّهَا وَطَلَبُ الْمِثْلِ وَلَا لِلْمُقْتَرِضِ اسْتِرْدَادُهَا فَرْعٌ له بَلْ عليه كما يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْأَصْلِ رَدُّ مِثْلِ ما اقْتَرَضَ حَقِيقَةً في الْمِثْلِيِّ وَلَوْ في نَقْدٍ بَطَلَ التَّعَامُلُ بِهِ وَصُورَةٍ في الْمُتَقَوِّمِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم اقْتَرَضَ بَكْرًا وَرَدَّ رَبَاعِيًّا كما مَرَّ في خَبَرِ مُسْلِمٍ وَلِأَنَّهُ لو وَجَبَتْ قِيمَتُهُ لَافْتَقَرَ إلَى الْعِلْمِ بها وَاَلَّذِي يَظْهَرُ كما
____________________
(2/143)
قال ابن النَّقِيبِ اعْتِبَارُ ما فيه من الْمَعَانِي كَحِرْفَةِ الْعَبْدِ وَعَدْوِ الدَّابَّةِ فَإِنْ لم يَتَأَتَّ اُعْتُبِرَ مع الصُّورَةِ مُرَاعَاةُ الْقِيمَةِ وَالْقَوْلُ في الصِّفَةِ أو الْقِيمَةِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فيها قَوْلُ الْمُسْتَقْرِضِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ غَارِمٌ
وَإِنْ قال أَقْرَضْتُك أَلْفًا وَقَبِلَ الْمُقْتَرِضُ وَتَفَرَّقَا ثُمَّ سَلَّمَ إلَيْهِ أَلْفًا فَإِنْ كان قبل طُولِ الْفَصْلِ جَازَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَصَدَ الدَّفْعَ عن الْقَرْضِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ وَعَلَّلَهُ في الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلْمُهَذَّبِ فقال لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْبِنَاءُ مع طُولِ الْفَصْلِ أَمَّا لو قال أَقْرَضْتُك هذه الْأَلْفَ مَثَلًا وَتَفَرَّقَا ثُمَّ سَلَّمَهَا إلَيْهِ فَيَجُوزُ وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ وَلَا كَرَاهَةَ في قَبُولِ هَدِيَّةِ الْمُسْتَقْرِضِ بِغَيْرِ شَرْطٍ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالتَّنَزُّهُ عنه أَوْلَى قبل رَدِّ الْبَدَلِ وَأَمَّا ما رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِمَّا يَدُلُّ على الْحُرْمَةِ فَبَعْضُهُ شَرْطٌ فيه أَجَلٌ وَبَعْضُهُ مَحْمُولٌ على اشْتِرَاطِ الْهَدِيَّةِ في الْعَقْدِ وَإِنْ قال لِغَيْرِهِ خُذْ من ما أَيْ الذي لي مع زَيْدٍ يَعْنِي الذي في جِهَتِهِ أَلْفًا قَرْضًا فَأَخَذَهَا منه وهو أَيْ ما في جِهَةِ زَيْدٍ دَيْنٌ عليه لم يَصِحَّ قَرْضًا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ في إزَالَةِ مِلْكِهِ لَا يَصِيرُ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا ذلك تَوْكِيلٌ بِقَبْضِ الدَّيْنِ فَلَا بُدَّ من قَرْضٍ جَدِيدٍ أو عَيْنٌ كَوَدِيعَةٍ صَحَّ قَرْضًا قال الْقَفَّالُ في فَتَاوِيهِ وَلَوْ قال أَقْرِضْنِي خَمْسَةً وَأَدِّهَا عن زَكَاتِي جَازَ وَهَذَا منه بِنَاءً على ما جَوَّزَهُ من اتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ قال لِغَيْرِهِ اقْتَرِضْ لي مِائَةً وَلَك عَلَيَّ عَشَرَةٌ فَهُوَ جِعَالَةٌ فَلَوْ أَنَّ الْمَأْمُورَ أَقْرَضَهُ مِائَةً من مَالِهِ لم يَسْتَحِقَّ الْعَشَرَةَ وَلَوْ قال لِغَيْرِهِ ادْفَعْ مِائَةً قَرْضًا عَلَيَّ إلَى وَكِيلِي فُلَانٍ فَدَفَعَ ثُمَّ مَاتَ الْآمِرُ فَلَيْسَ لِلدَّافِعِ مُطَالَبَةُ الْآخِذِ لِأَنَّ الْآخِذَ لم يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا هو وَكِيلٌ عن الْآمِرِ وقد انْتَهَتْ وَكَالَتُهُ بِمَوْتِ الْآمِرِ وَلَيْسَ لِلْآخِذِ الرَّدُّ عليه وَلَوْ رَدَّ ضَمِنَ لِلْوَرَثَةِ وَحَقُّ الدَّافِعِ يَتَعَلَّقُ بِتَرِكَةِ الْمَيِّتِ عُمُومًا لَا بِمَا دَفَعَ خُصُوصًا الرَّهْنِ هو لُغَةً الثُّبُوتُ وَمِنْهُ الْحَالَةُ الرَّاهِنَةُ أَيْ الثَّابِتَةُ وقال الْإِمَامُ الِاحْتِبَاسُ وَمِنْهُ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ وَشَرْعًا جَعَلَ عَيْنَ مَالٍ وَثِيقَةً بِدَيْنٍ يَسْتَوْفِي منها عِنْدَ تَعَذُّرِ وَفَائِهِ وَالْأَصْلُ فيه قبل الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ قال الْقَاضِي مَعْنَاهُ فَارْهَنُوا وَاقْبِضُوا لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ جُعِلَ جَزَاءً لِلشَّرْطِ بِالْفَاءِ فَجَرَى مَجْرَى الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَضَرْبَ الرِّقَابِ وَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ يُقَالُ له أبو الشَّحْمِ على ثَلَاثِينَ صَاعًا من شَعِيرٍ لِأَهْلِهِ ثُمَّ قِيلَ إنَّهُ افْتَكَّهُ قبل مَوْتِهِ لِخَبَرِ نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حتى يَقْضِيَ وهو صلى اللَّهُ عليه وسلم مُنَزَّهٌ عن ذلك وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ تُوُفِّيَ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ وَالْخَبَرُ الْأَوَّلُ مَحْمُولٌ على غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ تَنْزِيهًا لهم وَقِيلَ على من لم يُخْلِفْ وَفَاءَ الْوَثَائِقِ بِالْحُقُوقِ ثَلَاثَةٌ شَهَادَةٌ وَرَهْنٌ وَضَمَانٌ فَالشَّهَادَةُ لِخَوْفِ الْجَحْدِ وَالْآخَرَانِ لِخَوْفِ الْإِفْلَاسِ
وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ في أَرْكَانِهِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ الْمَرْهُونُ وَلَهُ شَرْطَانِ الْأَوَّلُ كَوْنُهُ عَيْنًا فَلَا يَصِحُّ رَهْنُ مَنْفَعَةٍ كَسُكْنَى دَارٍ سَنَةً وَإِنْ كان الْمَرْهُونُ بِهِ حَالًا لِأَنَّهَا تَتْلَفُ كُلُّهَا أو بَعْضُهَا فَلَا يَحْصُلُ بها تَوَثُّقٌ وَلَا رَهْنُ دَيْنٍ وَلَوْ مِمَّنْ عليه لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ على تَسْلِيمِهِ وَالْكَلَامُ في إنْشَاءِ الرَّهْنِ كما يُؤْخَذُ من كَلَامِهِ فَلَا يُنَافِي كَوْنَ الْمَرْهُونِ دَيْنًا بِلَا إنْشَاءٍ كما لو جَنَى عليه فإن بَدَلَهُ في ذِمَّةِ الْجَانِي مَحْكُومٌ عليه بِأَنَّهُ رَهْنٌ لِامْتِنَاعِ الْإِبْرَاءِ منه كما سَيَأْتِي
وَيَصِحُّ رَهْنُ الْمَشَاعِ
____________________
(2/144)
كَرَهْنِ الْكُلِّ وَلَوْ عِنْدَ غَيْرِ شَرِيكِهِ وَإِنْ قبل الْقِسْمَةِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَاقِي لِلرَّاهِنِ أَمْ لِغَيْرِهِ وَلَوْ في بَيْتٍ من دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُمَا أَيْ بين اثْنَيْنِ وَلَوْ لم يَأْذَنْ الشَّرِيكُ كَبَيْعِهِ وَالتَّصْرِيحِ بِالتَّصْحِيحِ فِيمَا إذَا لم يَأْذَنْ من زِيَادَتِهِ فَلَوْ خَرَجَ ما رَهَنَهُ من الْبَيْتِ عن مِلْكِهِ بِالْقِسْمَةِ لِلدَّارِ بِأَنْ وَقَعَ في نَصِيبِ شَرِيكِهِ غَرِمَ قِيمَتَهُ رَهْنًا مَكَانَهُ لِأَنَّهُ حَصَلَ له بَدَلُهُ وَبِهَذَا فَارَقَ تَلَفَ الْمَرْهُونِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَرْعٌ قَبْضُ الْمَشَاعِ بِقَبْضِ كُلِّهِ وَتَجْرِي الْمُهَايَأَةُ بين الْمُرْتَهِنِ وَالشَّرِيكِ كَالشَّرِيكَيْنِ أَيْ كَجَرَيَانِهَا بَيْنَهُمَا وَلَا بَأْسَ بِتَبْعِيضِ الْيَدِ بِحُكْمِ الشُّيُوعِ كما لَا بَأْسَ بِهِ لِاسْتِيفَاءِ الرَّاهِنِ الْمَنَافِعَ وَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُ الشَّرِيكِ في الْقَبْضِ إلَّا فِيمَا يُنْقَلُ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ قَبْضُهُ إلَّا بِالنَّقْلِ وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ فَإِنْ امْتَنَعَ وَتَنَازَعَا وَضَعَهُ الْحَاكِمُ عِنْدَ عَدْلٍ يَكُونُ في يَدِهِ لَهُمَا وَيُؤَجِّرُهُ إنْ كان مِمَّا يُؤَجَّرُ وَإِنْ رضي الْمُرْتَهِنُ بِكَوْنِهِ في يَدِ الشَّرِيكِ جَازَ وَنَابَ عنه في الْقَبْضِ فَصْلٌ يَصِحُّ وَيُكْرَهُ رَهْنُ مُصْحَفٍ ورقيق مُسْلِمٍ من كَافِرٍ وَسِلَاحٍ من حَرْبِيٍّ وَجَارِيَةٍ حَسْنَاءَ غَيْرِ صَغِيرَةٍ من أَجْنَبِيٍّ إذْ لَا مَانِعَ من صِحَّتِهِ لَكِنَّ فيه نَوْعَ تَسْلِيطٍ لِلْكَافِرِ على الْمَذْكُورَاتِ فَكُرِهَ لِذَلِكَ وَذِكْرُ الْكَرَاهَةِ في الْأَخِيرَتَيْنِ وَتَصْحِيحُهَا في الْأُولَيَيْنِ من زِيَادَتِهِ وَكَالْمُصْحَفِ كُتُبُ الحديث وَكُتُبُ الْفِقْهِ التي فيها الْأَخْبَارُ وَآثَارُ السَّلَفِ قَالَهُ الْقَمُولِيُّ وَغَيْرُهُ وَكَالسِّلَاحِ الْخَيْلُ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَتُوضَعُ هذه الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا عِنْدَ عَدْلٍ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا في الْبَيْعِ صِحَّةُ الرَّهْنِ في الْأُولَيَيْنِ مع ما يَتَعَلَّقُ بِوَضْعِهِمَا عِنْدَ عَدْلٍ لَا الْجَارِيَةُ الْأُولَى إلَّا الْجَارِيَةَ أَيْ الْمَذْكُورَةَ فَلَا تُوضَعُ عِنْدَهُ كَغَيْرِهِ بَلْ إنْ كان الْمُرْتَهِنُ ثِقَةً وَلَهُ زَوْجَةٌ أو جَارِيَةٌ أو مَحْرَمٌ أو نِسْوَةٌ وفي نُسْخَةٍ أو عِنْدَهُ نِسْوَةٌ أَيْ ثِنْتَانِ فَأَكْثَرُ يُؤْمَنُ مَعَهُنَّ منه عليها تُرِكَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَهُ وَإِلَّا فَعِنْدَ مَحْرَمٍ لها أو امْرَأَةٍ ثِقَةٍ وَلَوْ مُرْتَهِنًا أو عَدْلٍ بِالصِّفَةِ السَّابِقَةِ في الْمُرْتَهِنِ سَوَاءٌ الْمُرْتَهِنُ وَغَيْرُهُ فَإِنْ شَرَطَ وَضْعَهَا عُنِدَ غَيْرِ من ذُكِرَ فَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ لِمَا فيه من الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ قال الْقَاضِي وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّهْنُ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْمَنْعَ ليس لِلْمِلْكِ بَلْ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَالصَّغِيرَةُ غَيْرُ الْمُشْتَهَاةِ كَالْعَبْدِ لَا الْكَبِيرَةُ الْقَبِيحَةُ الْمَنْظَرِ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَلَوْ حَذَفَ فِيمَا مَرَّ حَسَنًا لَاغْتَنَى عن ذِكْرِ هذه وَالْخُنْثَى فِيمَا ذَكَرَ كَالْأُنْثَى لَكِنْ لَا يُوضَعُ عِنْدَ امْرَأَةٍ قال الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا يُوهِمُ أَنَّهُ يُوضَعُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ أو غَيْرِهِ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ في الْجَارِيَةِ وفي الْبَيَانِ إنْ كان صَغِيرًا فَوَاضِحٌ أو كَبِيرًا وُضِعَ عِنْدَ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ له رَجُلًا كان أو امْرَأَةٍ لَا عِنْدَ أَجْنَبِيٍّ وَلَا أَجْنَبِيَّةٍ
الشَّرْطُ الثَّانِي جَوَازُ بَيْعِهِ عِنْدَ الْمَحَلِّ لِيَسْتَوْفِيَ من ثَمَنِهِ فَاسْتِيفَاؤُهُ مَقْصُودُ الرَّهْنِ أو من مَقَاصِدِهِ فَلَا يَصِحُّ رَهْنُ ما لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ نحو أُمِّ وَلَدٍ وَمُكَاتَبٍ وَوَقْفٍ كَأَرْضِ السَّوَادِ وَهِيَ أَرْضُ الْعِرَاقِ سُمِّيَتْ سَوَادًا لِسَوَادِهَا بِالشَّجَرِ وَالزَّرْعِ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا قَدِمُوا لِفَتْحِ الْكُوفَةِ وَأَبْصَرُوا سَوَادَ النَّخْلِ قالوا ما هذا السَّوَادُ وَسَبَبُهُ أَنَّ الْخُضْرَةَ تُرَى من الْبُعْدِ سَوَادًا وَالسَّوَادُ وَإِنْ كان في الْأَصْلِ لِلشَّجَرِ أو غَيْرِهِ لِمَا ذُكِرَ إلَّا أَنَّهُ صَارَ يُطْلَقُ على كل أَرْضِ الْعِرَاقِ لَا غَيْرُهَا غَالِبًا فَصَارَ مُرَادِفًا لِلْعِرَاقِ وهو الْإِقْلِيمُ الْمَعْرُوفُ بِإِقْلِيمِ فَارِسَ فَإِنْ رَهَنَ غَرْسًا وَنَحْوَهُ كَبِنَاءٍ مَمْلُوكًا في سَوَادِ الْعِرَاقِ فَخَرَاجُهُ على الرَّاهِنِ لِأَنَّهُ مَضْرُوبٌ على الْأَرْضِ وَمِثْلُهُ لو صَالَحَ الْإِمَامُ كُفَّارًا على خَرَاجٍ يُؤَدُّونَهُ من أَرَاضِيِهِمْ فَهُوَ كَالْجِزْيَةِ وَالْأَرْضُ مَمْلُوكَةٌ لهم يَصِحُّ رَهْنُهَا وَالْخَرَاجُ على مَالِكِهَا فَإِنْ أَدَّاهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِهِ رَجَعَ بِهِ عليه وَإِنْ لم يَشْرِطْ الرُّجُوعَ وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ له بَلْ هو مُتَبَرِّعٌ فَصْلٌ يَصِحُّ رَهْنُ الْجَارِيَةِ دُونَ وَلَدِهَا الذي لم يُمَيِّزْ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِمَا بَاقٍ فَلَا تَفْرِيقَ وهو لِكَوْنِ قِيمَتِهَا تَنْقُصُ بِتَقْوِيمِهَا حَاضِنَةً كما سَيَأْتِي عَيْبٌ يَفْسَخُ بِهِ الْبَيْعَ الْمَشْرُوطَ فيه الرَّهْنُ إنْ جَهِلَ الْمُرْتَهِنُ
____________________
(2/145)
كَوْنَهَا ذَاتَ وَلَدٍ فَلَوْ اسْتَحَقَّ بَيْعَهَا بِيعَا مَعًا حَذَرًا من التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا الْمَنْهِيِّ عنه فَإِنْ كان هُنَاكَ غُرَمَاءُ لِلْمُفْلِسِ أو لِلْمَيِّتِ وُزِّعَ الثَّمَنُ على قِيمَتِهِمَا لِأَجْلِهِمْ أو لِيَتَصَرَّفَ أَيْ الرَّاهِنُ إنْ لم يَكُنْ هُنَاكَ غُرَمَاءُ في ثَمَنِ الْوَلَدِ لِكَوْنِهِ غير مَرْهُونٍ وَلَوْ أَخَّرَ الشَّرْطَ عن قَوْلِهِ قِيمَتَهُمَا لَسَلِمَ من إيهَامِ أَنَّهُ شَرْطٌ في الْمَعْطُوفِ أَيْضًا فَتَقُومُ وَحْدَهَا حَاضِنَةً له لِأَنَّهَا رُهِنَتْ كَذَلِكَ لَا مُنْفَرِدَةً إيضَاحٌ لِمَا قَبْلَهُ فَيُقَالُ قِيمَتُهَا مَثَلًا مِائَةٌ ثُمَّ تُقَوَّمُ مع الْوَلَدِ فَيُقَالُ قِيمَتُهُمَا مَثَلًا مِائَةٌ وَعِشْرُونَ فَالزِّيَادَةُ بِسَبَبِ الْوَلَدِ وَهِيَ سُدُسُ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ فَقِسْطُ الْجَارِيَةِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الثَّمَنِ وَقِسْطُ الْوَلَدِ سُدُسُهُ وَيَجُوزُ أَيْضًا رَهْنُ الْوَلَدِ وَحْدَهُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَيُقَوَّمُ مَحْضُونًا وَيَأْتِي فيه ما مَرَّ خَلَا الْعَيْبِ لِأَنَّ قِيمَتَهُ لَا تَنْقُصُ بِذَلِكَ بَلْ تَزِيدُ وَإِنْ حَدَثَ الْوَلَدُ بَعْدَ لُزُومِ الرَّهْنِ في أُمِّهِ قُوِّمَتْ غير حَاضِنَةٍ لِأَنَّهَا رُهِنَتْ كَذَلِكَ
وَإِنْ رَهَنَهُ أَرْضًا فَنَبَتَ فيها نَخْلٌ لِلرَّاهِنِ بِأَنْ دَفَنَ نَوَاهُ فيها أو حَمَلَهُ إلَيْهَا سَيْلٌ أو غَيْرُهُ بَعْدَ لُزُومِ الرَّهْنِ لم يَقْلَعْ قَهْرًا فَلَعَلَّهُ يُؤَدِّي الدَّيْنَ من مَحَلٍّ آخَرَ لَكِنْ إنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا بِهِ أَيْ بِالنَّخْلِ وَقْتَ الْبَيْعِ ولم تَفِ بِالدَّيْنِ فَلِلْمُرْتَهِنِ الْقَلْعُ لِيَبِيعَ الْأَرْضَ بَيْضَاءَ إلَّا أَنْ يَرْضَى الرَّاهِنُ بِبَيْعِ النَّخْلِ مَعَهَا أو كان مَحْجُورًا عليه بِفَلَسٍ فَيُبَاعَانِ مَعًا وَلَا قَلْعَ إذْ لَا فَائِدَةَ له وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا فما قَابَلَ الْأَرْضَ يَخْتَصُّ بِهِ الْمُرْتَهِنُ وما قَابَلَ الشَّجَرَ لِلرَّاهِنِ أو الْغُرَمَاءِ فَإِنْ حَصَلَ فيها نَقْصٌ بِسَبَبِهِ فَعَلَى الشَّجَرِ لَا الْأَرْضِ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ في الْأَرْضِ فَارِغَةً وَإِنَّمَا مَنَعَ من الْقَلْعِ لِرِعَايَةِ الرَّاهِنِ أو الْغُرَمَاءِ فَلَا يُهْمِلُ جَانِبَهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَتُقَوَّمُ هُنَا الْأَرْضُ فَارِغَةً لِأَنَّهَا رُهِنَتْ كَذَلِكَ فَإِنْ ارْتَهَنَهَا وَلَزِمَ الرَّهْنُ وقد دَفَنَ فيها النَّوَى أو حَمَلَهُ إلَيْهَا سَيْلٌ أو غَيْرُهُ وكان عَالِمًا أو عَلِمَ بَعْدَ جَهْلِهِ ولم يَفْسَخْ أَيْ الْبَيْعَ الْمَشْرُوطَ فيه الرَّهْنُ قُوِّمَتْ مَشْغُولَةً لِأَنَّهَا رُهِنَتْ كَذَلِكَ فَصْلٌ يَصِحُّ رَهْنُ ما يَسْرُعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ إنْ أَمْكَنَ تَجْفِيفُهُ كَرُطَبٍ وَعِنَبٍ يَتَجَفَّفَانِ وَتَجْفِيفُهُ على الْمَالِكِ أو لَا يُمْكِنُ تَجْفِيفُهُ لَكِنْ رُهِنَ بِدَيْنٍ حَالٍّ أو مُؤَجَّلٍ لَكِنْ يَحِلُّ قبل الْفَسَادِ وَلَوْ احْتِمَالًا بِأَنْ لم يَعْلَمْ أَنَّهُ يَحِلُّ قبل الْفَسَادِ أو بَعْدَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فَسَادِهِ قبل الْحُلُولِ وَتُفَارِقُ صُورَةُ الِاحْتِمَالِ رَهْنَ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ لَا يَعْلَمُ هل تَتَقَدَّمُ أو تَتَأَخَّرُ حَيْثُ لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ كما سَيَأْتِي بِأَنَّ سَبَبَ الْفَسَادِ ثَمَّ وهو التَّعْلِيقُ مَوْجُودٌ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الرَّهْنِ بِخِلَافِهِ هُنَا وَبِأَنَّ عَلَامَةَ الْفَسَادِ هُنَا تَظْهَرُ دَائِمًا بِخِلَافِهَا ثُمَّ قال في الْأَصْلِ ثَمَّ أَيْ بَعْدَ صِحَّةِ رَهْنِهِ إنْ بِيعَ في الدَّيْنِ أو قَضَى من مَوْضِعٍ آخَرَ فَذَاكَ وَإِلَّا بِيعَ وَجُعِلَ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَهَذَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي آخِرَ الْفَصْلِ وَإِلَّا بِأَنْ لم يُمْكِنْ تَجْفِيفُهُ وَرُهِنَ بِمُؤَجَّلٍ يَحِلُّ بَعْدَ فَسَادِهِ أو معه أو لم يَعْلَمْ أَنَّهُ يَحِلُّ معه أو بَعْدَهُ لم يَجُزْ رَهْنُهُ إلَّا إنْ شَرَطَ أَنْ يَبِيعَهُ عِنْدَ خَوْفِ فَسَادِهِ وَأَنْ يَكُونَ ثَمَنُهُ رَهْنًا وَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ حِفْظًا لِلْوَثِيقَةِ وَيَصِيرُ الثَّمَنُ رَهْنًا من غَيْرِ إنْشَاءِ عَقْدٍ وَعُلِمَ من كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ فِيمَا لو شَرَطَ مَنْعَ بَيْعِهِ وَبِهِ جَزَمَ الْأَصْلُ لِمُنَاقَضَتِهِ مَقْصُودَ الرَّهْنِ وَلَا فِيمَا لو لم يَشْرِطْ شيئا وهو ما صَحَّحَهُ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ
وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ عن تَصْحِيحِ الْعِرَاقِيِّينَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِيفَاءُ منه عِنْدَ الْحُلُولِ وَالْبَيْعُ قَبْلَهُ ليس من مُقْتَضَيَاتِ الرَّهْنِ وَقِيلَ يَصِحُّ وَيُبَاعُ عِنْدَ تَعَرُّضِهِ لِلْفَسَادِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ إفْسَادَ مَالِهِ وقال في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ إنَّهُ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ قال الْإِسْنَوِيُّ وهو الْمُفْتَى بِهِ لِنَقْلِ الرَّافِعِيِّ له عن الْأَكْثَرِينَ قال وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لو لم يَشْرِطْ
____________________
(2/146)
رَهْنَ ثَمَنِهِ لم يَصِحَّ وَفِيهِ نَظَرٌ فَلَوْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ في بَيْعِهِ فَفَرَّطَ بِأَنْ تَرَكَهُ أو لم يَأْذَنْ له وَتَرَكَ الرَّفْعَ إلَى الْقَاضِي كما بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ وَقَوَّاهُ النَّوَوِيُّ ضَمِنَ وَعَلَى الْأَوَّلِ قِيلَ سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُرْتَهَنِ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمَالِكِ فَيَنْبَغِي حَمْلُ هذا عليه وَأُجِيبُ بِأَنَّ بَيْعَهُ ثَمَّ إنَّمَا امْتَنَعَ في غَيْبَةِ الْمَالِكِ لِكَوْنِهِ لِلِاسْتِيفَاءِ وهو مُتَّهَمٌ بِالِاسْتِعْجَالِ في تَرْوِيجِ السِّلْعَةِ بِخِلَافِهِ هُنَا فإن غَرَضَهُ الزِّيَادَةُ في الثَّمَنِ لِيَكُونَ وَثِيقَةً له وَإِنْ رَهَنَ ما لَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ فَحَدَثَ قبل الْأَجَلِ ما عَرَّضَهُ لِلْفَسَادِ كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ وَتَعَذَّرَ تَجْفِيفُهَا لم يَنْفَسِخْ الرَّهْنُ وَلَوْ قبل الْقَبْضِ إذْ يُغْتَفَرُ في الدَّوَامِ ما لَا يُغْتَفَرُ في الِابْتِدَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْآبِقَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَوْ أَبَقَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ لم يَنْفَسِخْ فَكَذَا هُنَا بَلْ يُبَاعُ وُجُوبًا وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ حِفْظًا لِلْوَثِيقَةِ فَصْلٌ رَهْنُ الْمُرْتَدِّ وَالْمُحَارِبِ وَالْجَانِي جِنَايَةً تُوجِبُ الْقِصَاصَ لَا الْمَالَ وَلَوْ دِرْهَمًا أو أَقَلَّ صَحِيحٌ كَبَيْعِهِمْ وَتَرْجِيحُ الصِّحَّةِ في مَسْأَلَةِ الْجَانِي من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ في الْمُحَرَّرِ وَالْمِنْهَاجِ قال السُّبْكِيُّ ولم يُفَرِّقُوا فيه بين رَهْنِهِ بِالْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ بَلْ أَطْلَقُوا كما في الْمُرْتَدِّ ولم يَسْلُكُوا بِهِ مَسْلَكَ ما يَسْرُعُ فَسَادُهُ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَوْلَى بِالْفَسَادِ مِمَّا يَسْرُعُ فَسَادُهُ حَيْثُ يَفْسُدُ لِأَنَّ ثَمَنَ ذَاكَ يُجْعَلُ رَهْنًا مَكَانَهُ وهو أَشْبَهُ بِالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ لِكَوْنِهِ حَقًّا لِغَيْرِ الْمُرْتَهِنِ فَكَيْفَ يُقَالُ بِصِحَّةِ رَهْنِهِ وَالصَّحِيحُ في الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ مُحْتَمَلَةِ الْمَنْعِ وَإِنْ قِيلَ هُنَا يَحْتَمِلُ الْعَفْوُ فَهُنَاكَ أَيْضًا يَحْتَمِلُ أَنْ لَا تُوجَدَ الصِّفَةُ انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّ الْغَالِبَ على الناس الْعَفْوُ مع أَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فَلِهَذَا أَطْلَقُوا الصِّحَّةَ وَلِلْمُرْتَهِنِ الْخِيَارُ في فَسْخِ بَيْعٍ شَرَطَ فيه رَهْنَهُ أَيْ كُلٌّ منهم إنْ ارْتَهَنَهُ جَاهِلًا بِعَيْبِهِ وَلَوْ عَفَا عن الْجَانِي بِمَالٍ أو مَجَّانًا لِأَنَّ جِنَايَتَهُ عَيْبٌ وَالْمُرْتَهِنُ مَعْذُورٌ وَذِكْرُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ في مَسْأَلَةِ الْمُحَارَبَةِ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ مَاتَ كُلٌّ منهم فَوَجْهَانِ في كَوْنِ ذلك عَيْبًا في الْحَالِّ أَمْ لَا إنْ قُلْنَا عَيْبٌ فَلَهُ الْخِيَارُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وهو الْقِيَاسُ يَعْتَبِرُ الِابْتِدَاءَ فَيُثْبِتُهُ وَالْآخَرُ يَنْظُرُ إلَى الْحَالِّ فَلَا يُثْبِتُهُ وَإِنْ كان عَالِمًا بِعَيْبِهِ فَلَا خِيَارَ له وَإِنْ قُتِلَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ وَإِنْ عَلِمَ بِالْجِنَايَةِ قبل مَوْتِ الْمَجْنِيِّ عليه فَرَضِيَ ثُمَّ سَرَتْ إلَى النَّفْسِ لم يَثْبُتْ له خِيَارٌ لِرِضَاهُ بِالْعَيْبِ وَإِنْ عَفَا عنه مُسْتَحِقُّ الْقِصَاصِ على مَالٍ وَبَيْعٍ أو لم يَعْفُ عنه وَقُتِلَ بَطَلَ الرَّهْنُ لِفَوَاتِ الْعَيْنِ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ إذَا لم يَبِعْ لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ وهو ظَاهِرٌ وَقِيلَ يَبْطُلُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ لَا إنْ فَدَى أو عَفَا عنه مَجَّانًا فَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَثُبُوتُ الْخِيَارِ وَعَدَمُ ثُبُوتِهِ في ذلك عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَإِنْ ارْتَهَنَ مَرِيضًا وهو جَاهِلٌ بِمَرَضِهِ فَمَاتَ سَقَطَ خِيَارُهُ لِأَنَّ الْمَوْتَ بِأَلَمٍ حَادِثٍ بِخِلَافِ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ فَرْعٌ قال الرُّويَانِيُّ لو جَنَى عَبْدٌ على سَيِّدِهِ ثُمَّ رَهَنَهُ وَجَوَّزْنَاهُ كان رَهْنُهُ إيَّاهُ دَلِيلًا منه على عَفْوِهِ عنه ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا فَرْعٌ رَهْنُ الْمُدَبَّرِ بَاطِلٌ وَلَوْ رُهِنَ بِحَالٍّ لِلْغَرَرِ إذْ قد يَمُوتُ سَيِّدُهُ فَجْأَةً قبل التَّمَكُّنِ من بَيْعِهِ وَلَمَّا كان الْعِتْقُ فيه آكَدَ منه في الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا في جَوَازِ بَيْعِهِ لم يُلْحِقُوهُ بِهِ مُطْلَقًا كما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَمِثْلُهُ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ فَرَهْنُهُ بَاطِلٌ إلَّا إنْ تُيُقِّنَ حُلُولُهُ أَيْ الدَّيْنِ بِأَنْ رُهِنَ بِحَالٍّ أو بِمُؤَجَّلٍ يَحِلُّ قبل وُجُودِهَا أَيْ الصِّفَةِ بِزَمَنٍ يَسَعُ الْمَبِيعَ وَإِلَّا إنْ شَرَطَ بَيْعَهُ قبل وُجُودِهَا كما قَالَهُ ابن أبي عَصْرُونٍ فَيَصِحُّ رَهْنُهُ وَيُبَاعُ فيه أَيْ في الدَّيْنِ فَدَخَلَ في الْمُسْتَثْنَى منه ما إذَا تُيُقِّنَ الْحُلُولُ بَعْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ أو احْتَمَلَ الْأَمْرَانِ أو عُلِمَتْ الْمُقَارَنَةُ أو لم تُعْلَمْ بَلْ كانت مُمْكِنَةً فَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَوْلَى من اقْتِصَارِ أَصْلِهِ على الْأُولَيَيْنِ فَإِذًا الْأُولَى فَإِنْ لم يَبِعْ حتى وُجِدَتْ أَيْ الصِّفَةُ عَتَقَ بِنَاءً على أَنَّ الْعِبْرَةَ في الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ بِحَالِ التَّعْلِيقِ لَا بِحَالِ وُجُودِ الصِّفَةِ وهو ما صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَكَذَا الْقَاضِي في مَوْضِعٍ من الْعِتْقِ وَقِيلَ لَا يَعْتِقُ إنْ كان الرَّاهِنُ مُعْسِرًا بِنَاءً على عَكْسِ ذلك وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَلِلْمُرْتَهِنِ
____________________
(2/147)
الْخِيَارُ بِالْعِتْقِ في فَسْخِ الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فيه الرَّهْنُ إنْ جَهِلَ التَّعْلِيقَ كما في رَهْنِ الْجَانِي وَالتَّصْرِيحُ بهذا الْقِيَاسِ من زِيَادَتِهِ
فَرْعٌ وَإِنْ رَهَنَ الثَّمَرَ مع الشَّجَرِ صَحَّ مُطْلَقًا إلَّا إنْ كان الثَّمَرُ لَا يُجَفَّفُ فَلَهُ حُكْمُ ما يَسْرُعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ فَيَصِحُّ تَارَةً وَيَفْسُدُ أُخْرَى وَيَصِحُّ في الشَّجَرِ مُطْلَقًا وَوَجْهُهُ عِنْدَ فَسَادِهِ في الثَّمَرِ الْبِنَاءُ على تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ كما أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَلَا يَخْفَى تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَإِنْ رَهَنَ الثَّمَرَةَ مُفْرَدَةً فَإِنْ كانت لَا تَتَجَفَّفُ فَهِيَ كما يَتَسَارَعُ فَسَادُهُ فَيَصِحُّ رَهْنُهَا بِحَالٍّ وَبِمُؤَجَّلٍ يَحِلُّ قبل الْفَسَادِ وَلَوْ احْتِمَالًا نعم الظَّاهِرُ أَنَّهُ في الثَّانِيَةِ لو كان الدَّيْنُ يَحِلُّ قبل الْجِذَاذِ وَأَطْلَقَ الرَّهْنَ لَا يَصِحُّ كَنَظِيرِهِ الْآتِي فِيمَا إذَا كانت تَتَجَفَّفُ وَإِنْ كان تَتَجَفَّفُ جَازَ رَهْنُهَا وَلَوْ قبل بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَبِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ لَا يَبْطُلُ بِاجْتِيَاحِهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فإن حَقَّ الْمُشْتَرِي يَبْطُلُ وَلِأَنَّ الْحُلُولَ الْمَعْلُومَ اشْتِرَاطُهُ مِمَّا يَأْتِي قَرِينَةٌ نَازِلَةٌ مَنْزِلَةَ شَرْطِ الْقَطْعِ وَقَوْلُهُ صَحَّ زتد إلَّا إذَا رَهَنَهُ الْأَوْلَى رَهَنَهَا بِمُؤَجَّلٍ يَحِلُّ قبل الْجِذَاذِ وَأَطْلَقَ الرَّهْنَ بِأَنْ لم يَشْرِطْ الْقَطْعَ وَلَا عَدَمَهُ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْعَادَةَ في الثِّمَارِ الْإِبْقَاءُ إلَى الْجِذَاذِ فَأَشْبَهَ ما لو رَهَنَ شيئا على أَنْ لَا يَبِيعَهُ عِنْدَ الْمَحَلِّ إلَّا بَعْدَ أَيَّامٍ
قال السُّبْكِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعَادَةَ لو اُعْتُبِرَتْ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ لَامْتَنَعَ رَهْنُهَا بِالْحَالِّ وَالْفَرْقُ بين الْحُلُولِ الْمُقَارَنِ وَالطَّارِئِ لَا يَظْهَرُ انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ ثَمَّ مُتَمَكِّنٌ من بَيْعِهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ حَالًّا لِحُلُولِ دَيْنِهِ بِخِلَافِهِ هُنَا وَدَخَلَ في الْمُسْتَثْنَى منه ما لو رَهَنَهَا بِحَالٍّ أو بِمُؤَجَّلٍ يَحِلُّ وَقْتَ الْجِذَاذِ أو بَعْدَهُ أو قَبْلَهُ لَكِنْ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَوَقَعَ في نُسَخٍ زِيَادَةٌ على ما شَرَحْت عليه يُوجِبُ إثْبَاتَهَا تَكْرَارًا وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَثْبَتَ الْجَمِيعَ لِيَضْرِبَ على بَعْضِهِ فلم يَتِمَّ له ذلك وَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ على إصْلَاحِهَا من سَقْيٍ وَجَدَادٍ وَتَجْفِيفٍ وَنَحْوِهَا فَإِنْ لم يَكُنْ له شَيْءٌ بَاعَ الْحَاكِمُ جُزْءًا منها وَأَنْفَقَهُ عليها كما سَيَأْتِي في الْبَابِ الثَّالِثِ فَلَوْ أَهْمَلَهَا بِأَنْ تَرَكَ إصْلَاحَهَا بِرِضَى الْمُرْتَهِنِ جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا بِخِلَافِ عَلْفِ الْحَيَوَانِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هذا في الْمُتَرَاهِنَيْنِ لِأَنْفُسِهِمَا الْمُطْلَقَيْ التَّصَرُّفِ أَمَّا لو كَانَا وَلِيَّيْنِ أو أَحَدُهُمَا أو مُكَاتَبَيْنِ أو مَأْذُونَيْنِ أو أَحَدُهُمَا فَلَا عِبْرَةَ بِرِضَا الْوَلِيِّ وَالْعَبْدِ بِمَا فيه الضَّرَرُ بَلْ يُجْبِرُ الْحَاكِمُ الرَّاهِنَ أو هُمَا بِحَسَبِ ما فيه النَّظَرُ لِلْمُوَلَّى عليه وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا مَنْعُ الْآخَرِ من قَطْعِهَا وَقْتَ الْجِذَاذِ بَلْ تُبَاعُ في الدَّيْنِ إنْ حَلَّ وَإِلَّا أَمْسَكَهَا رَهْنًا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْمَنْعُ من قَطْعِهَا قَبْلَهُ أَيْ قبل وَقْتِ الْجِذَاذِ ما لم تَدْعُ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ لِتَضَرُّرِهِ بِقَطْعِهَا وَإِنْ رَهَنَ ثَمَرَةً يَخْشَى اخْتِلَاطَهَا بِالْحَادِثَةِ بَعْدَ الرَّهْنِ اخْتِلَاطًا لَا يَتَمَيَّزُ بِدَيْنٍ حَالٍّ أو مُؤَجَّلٍ يَحِلُّ قبل الِاخْتِلَاطِ
وَلَوْ بَعْدَ خُرُوجِ الثَّمَرَةِ الثَّانِيَةِ وَكَذَا بَعْدَهُ بِشَرْطِ قَطْعِهَا قَبْلَهُ صَحَّ إذْ لَا مَانِعَ وَالْغَرَرُ في الْأَخِيرَةِ يَزُولُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ بِخِلَافِ ما إذَا شَرَطَ عَدَمَ قَطْعِهَا وَإِنْ أَطْلَقَ الرَّهْنَ بِأَنْ لم يَشْرِطْ الْقَطْعَ وَلَا عَدَمَهُ فَقَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَصِحُّ لِخَوْفِ الِاخْتِلَاطِ وَالثَّانِي يَصِحُّ لِإِمْكَانِ الْفَصْلِ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُمَا الْقَوْلَانِ في رَهْنِ ما يَتَسَارَعُ فَسَادُهُ فِيمَا إذَا لم يُعْلَمْ هل يَحِلُّ الدَّيْنُ قبل الْفَسَادِ أو لَا فَيَصِحُّ رَهْنُهَا على الْأَصَحِّ فَإِنْ اخْتَلَطَتْ قبل الْقَبْضِ في صُورَتَيْ شَرْطِ الْقَطْعِ وَالْإِطْلَاقِ حَيْثُ صَحَّ الْعَقْدُ انْفَسَخَ لِعَدَمِ لُزُومِهِ أو بَعْدَهُ لم يَنْفَسِخْ لِلُزُومِهِ بَلْ إنْ اتَّفَقَا على كَوْنِ الْكُلِّ أو الْبَعْضِ كَالنِّصْفِ رَهْنًا فَذَاكَ وَاضِحٌ وَإِلَّا بِأَنْ اخْتَلَفَا في قَدْرِ الْمَرْهُونِ هل هو النِّصْفُ مَثَلًا أو غَيْرُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ في قَدْرِهِ بِيَمِينِهِ كما لو اخْتَلَطَ بُرُّهُ الْمَرْهُونُ بِبُرٍّ آخَرَ له وَلَا عِبْرَةَ بِالْيَدِ هُنَا لِأَنَّهَا إنَّمَا تَدُلُّ على الْمِلْكِ دُونَ الرَّهْنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو قال من بيده الْمَالُ رَهَنْتَنِيهِ وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَإِنْ اخْتَلَطَ بُرُّهُ الْمَرْهُونُ بِبُرِّ الْمُرْتَهِنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ في قَدْرِ الْمُخْتَلِطِ قَالَهُ الدَّارِمِيُّ
فَرْعٌ رَهْنُ ما اشْتَدَّ حَبُّهُ من الزَّرْعِ كَبَيْعِهِ فَإِنْ رُئِيَتْ حَبَّاتُهُ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ رَهَنَهُ مع الْأَرْضِ أو مُنْفَرِدًا وهو بَقْلٌ فَكَرَهْنِ الثَّمَرَةِ مع الشَّجَرِ أو مُنْفَرِدَةً قبل بُدُوِّ الصَّلَاحِ وقد مَرَّ فَصْلٌ من اسْتَعَارَ شيئا لِيَرْهَنَهُ أو وَكَّلَهُ مَالِكُهُ لِيَرْهَنَهُ عن نَفْسِهِ جَازَ لِأَنَّ الرَّهْنَ تَوَثُّقٌ وهو يَحْصُلُ بِمَا لَا يُمْلَكُ بِدَلِيلِ الْإِشْهَادِ وَالْكَفَالَةِ بِخِلَافِ بَيْعِ مِلْكِ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُعَاوَضَةٌ فَلَا يَمْلِكُ الثَّمَنَ من لَا يَمْلِكُ الْمُثَمَّنَ وَشَمَلَ كَلَامُهُ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ فَتَصِحُّ إعَارَتُهَا لِذَلِكَ قال الْإِسْنَوِيُّ وهو الْمُتَّجِهُ وَإِنْ مَنَعْنَا إعَارَتَهَا
____________________
(2/148)
لِغَيْرِ ذلك وكان عَقْدُ الْإِعَارَةِ مع الرَّهْنِ ضَمَانًا لِلدَّيْنِ من الْمُعِيرِ في رَقَبَةِ الرَّهْنِ أَيْ الْمَرْهُونِ لَا إعَارَةَ لِأَنَّهُ كما يَمْلِكُ أَنْ يَلْزَمَ ذِمَّتَهُ دَيْنُ غَيْرِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَ إلْزَامَ ذلك عَيْنُ مَالِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَحَلُّ حَقِّهِ وَتَصَرُّفِهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِلدَّيْنِ بِذِمَّتِهِ حتى لو مَاتَ لم يَحِلَّ الدَّيْنُ وَلَوْ تَلِفَ الْمَرْهُونُ لم يَلْزَمْهُ الْأَدَاءُ فَرْعٌ لو أَذِنَ في رَهْنِ عَبْدِهِ مَثَلًا فَلَهُ الرُّجُوعُ عنه قبل قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ له لِعَدَمِ تَمَامِ الضَّمَانِ وَعَدَمِ لُزُومِ الرَّهْنِ ثُمَّ لِلْمُرْتَهِنِ فَسْخُ بَيْعٍ شَرَطَ فيه الرَّهْنَ إنْ جَهِلَ كَوْنَهُ مُعَارًا أو أَنَّ لِمَالِكِهِ الرُّجُوعَ فيه بِخِلَافِ ما إذَا عَلِمَ ذلك أو رَجَعَ بَعْدَهُ فَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ وَإِلَّا لم يَكُنْ لِهَذَا الرَّهْنِ مَعْنًى إذْ لَا وُثُوقَ بِهِ وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ أَيْ الرَّاهِنِ على فِكَاكِهِ أَيْ الرَّهْنِ وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ كَمَنْ ضَمِنَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا لَا يُطَالَبُ الْأَصِيلُ بِتَعْجِيلِهِ لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ فإذا حَلَّ الدَّيْنُ أو كان حَالًّا وَأَمْهَلَهُ الْمُرْتَهِنُ فَلَهُ أَيْ لِلْمَالِكِ ذلك أَيْ إجْبَارُهُ على فِكَاكِهِ وَيَأْمُرُ الْمَالِكُ الْمُرْتَهِنَ بِالْمُطَالَبَةِ بِدَيْنِهِ لِيَأْخُذَهُ فَيَنْفَكَّ الرَّهْنُ أو يَرُدُّ الرَّهْنَ أَيْ الْمَرْهُونَ إلَيْهِ كما لو ضَمِنَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا وَمَاتَ الْأَصِيلُ فَلِلضَّامِنِ أَنْ يَقُولَ لِلْمَضْمُونِ له طَالِبْ بِحَقِّك أو أَبْرِئْنِي فَإِنْ طَالَبَهُ أَيْ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ وَامْتَنَعَ من فِدَائِهِ أَيْ الْمَرْهُونِ أَيْ فِكَاكِهِ اُسْتُؤْذِنَ الْمَالِكُ في بَيْعِهِ فَقَدْ يُرِيدُ فِدَاءَهُ وَلِأَنَّهُ لو رَهَنَ على دَيْنِ نَفْسِهِ لَوَجَبَ مُرَاجَعَتُهُ فَهُنَا أَوْلَى فَإِنْ لم يَأْذَنْ ولم يُوَفِّ الدَّيْنَ بِيعَ عليه وَإِنْ كان الرَّاهِنُ مُوسِرًا كما لو ضَمِنَ في ذِمَّتِهِ فإنه يُطَالَبُ وَإِنْ كان الْأَصِيلُ مُوسِرًا وَيَرْجِعُ الْمَالِكُ على الرَّاهِنِ بِمَا بِيعَ بِهِ الْمَرْهُونُ كما أَنَّ الضَّامِنَ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّاهُ لَا بِقِيمَتِهِ وَلِأَنَّهُ ثَمَنُ مِلْكِهِ وقد صَرَفَهُ إلَى دَيْنِ الرَّاهِنِ فَيَرْجِعُ بِهِ وَلَوْ زَادَ على الْقِيمَةِ أو نَقَصَ عنها قال في الْأَصْلِ بِقَدْرٍ يَتَغَابَنُ الناس بمثله وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ الْبَيْعَ على الْمَالِكِ إنَّمَا يَكُونُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ الصَّادِقِ بِذَلِكَ وهو كما تَرَى مُفَرَّعٌ على قَوْلِ الضَّمَانِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ عَارِيَّةٌ رَجَعَ بِقِيمَتِهِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ أَنَّ ما يَتَغَابَنُ بِهِ إنَّمَا يُحَطُّ في الْعُقُودِ دُونَ الْإِتْلَافَاتِ وهو فَرْعٌ حَسَنٌ انْتَهَى
فَرْعٌ لو تَلِفَ الْمُعَارُ لِلرَّهْنِ بَعْدَ رَهْنِهِ في يَدِ الْمُرْتَهِنِ أو بِيعَ في جِنَايَةٍ في يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ عليه لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَلَا على الرَّاهِنِ لِأَنَّهُ لم يَسْقُطْ الْحَقُّ عن ذِمَّتِهِ وَمَتَى تَلِفَ في يَدِ الرَّاهِنِ ضَمِنَهُ لِأَنَّهُ مُسْتَعِيرٌ ولم يَتِمَّ عليه حُكْمُ الضَّمَانِ وَلَوْ أَتْلَفَهُ إنْسَانٌ أُقِيمَ بَدَلُهُ مُقَامَهُ كما هو ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمَالِكُ فَكَإِعْتَاقِ الْمَرْهُونِ فَيَنْفُذُ قبل قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ له وَكَذَا بَعْدَهُ إنْ كان الْمَالِكُ مُوسِرًا دُونَ ما إذَا كان مُعْسِرًا وَقِيلَ لَا يَنْفُذُ بَعْدَهُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ
فَرْعٌ يَجِبُ على الْمُسْتَعِيرِ لِلرَّهْنِ أَنْ يُبَيِّنَ لِلْمُعِيرِ جِنْسَ الدَّيْنِ كَكَوْنِهِ ذَهَبًا أو فِضَّةً وَقَدْرَهُ كَعَشَرَةٍ أو مِائَةٍ وَصِفَتَهُ من التَّأْجِيلِ أَصْلًا وَقَدْرًا وَغَيْرَهُ كَحُلُولٍ وَصِحَّةٍ وَكَسْرٍ وَكَذَا يَجِبُ عليه أَنْ يُبَيِّنَ له من يَرْتَهِنُهُ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ وَمَتَى خَالَفَ ما عَيَّنَهُ له بَطَلَ الرَّهْنُ لِلْمُخَالَفَةِ إلَّا إنْ رَهَنَ بِأَقَلَّ مِمَّا عَيَّنَهُ له كَأَنْ عَيَّنَ له أَلْفَ دِرْهَمٍ فَرَهَنَهُ بِمِائَةٍ فَلَا يَبْطُلُ لِرِضَا الْمُعِيرِ بِهِ في ضِمْنِ رِضَاهُ بِالْأَكْثَرِ وَشَمِلَ الْمُسْتَثْنَى منه ما لو رَهَنَهُ بِأَزْيَدَ مِمَّا عَيَّنَهُ فَيَبْطُلُ في الْجَمِيعِ لَا في الزَّائِدِ فَقَطْ لِلْمُخَالَفَةِ كما لو بَاعَ الْوَكِيلُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لَا يَصِحُّ في شَيْءٍ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ قال السُّبْكِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّا لو أَبْطَلْنَا في مَسْأَلَةِ الْغَبْنِ في الْقَدْرِ الذي لَا يُسَاوِي الثَّمَنَ وَحْدَهُ مُلْزَمٌ أَنْ يُبْطِلَ بِإِزَائِهِ من الثَّمَنِ ما يُقَابِلُهُ فَيَبْقَى الْقَدْرُ الذي يُسَاوِي الثَّمَنَ بِأَقَلَّ مِمَّا يُسَاوِي فَيُؤَدِّي إلَى إبْطَالِهِ أَيْضًا فَلِهَذَا لم يَخْرُجْ على تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ بِخِلَافِهِ في مَسْأَلَتِنَا فَالْأَقْرَبُ
____________________
(2/149)
عِنْدِي فيها التَّخْرِيجُ على تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ كما جَرَى عليه صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَنَظَرَهُ بِالْهُدْنَةِ فَلَوْ اسْتَعَارَ لِيَرْهَنَ عِنْدَ وَاحِدٍ فَرَهَنَ عِنْدَ اثْنَيْنِ أو عَكْسُهُ لم يَجُزْ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ إذْ في الْأُولَى قد يَبِيعُ أَحَدُ الْمُرْتَهِنَيْنِ الْمَرْهُونَ دُونَ الْآخَرِ فَيَتَشَقَّصُ الْمِلْكُ على الْمُعِيرِ وفي الثَّانِيَةِ لَا يَنْفَكُّ منه شَيْءٌ بِأَدَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ ما لو رَهَنَهُ من اثْنَيْنِ فإنه يَنْفَكُّ بِأَدَاءِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا ما يَخُصُّهُ من الْمَرْهُونِ وَلَوْ قال أَعِرْنِي كَذَا لِأَرْهَنَهُ بِأَلْفٍ أو عِنْدَ فُلَانٍ فَكَتَقْيِيدِ الْمُعِيرِ تَنْزِيلًا لِلْإِسْعَافِ على الِالْتِمَاسِ وَلَوْ قال له الْمَالِكُ ضَمِنْت ما لِفُلَانٍ عَلَيْك في رَقَبَةِ عَبْدِي من غَيْرِ قَبُولِ غَرِيمِهِ وهو الْمَضْمُونُ له كَفَى وكان كَالْإِعَارَةِ لِلرَّهْنِ
فَرْعٌ وَإِنْ قَضَى الْمُعِيرُ الدَّيْنَ بِمَالِهِ انْفَكَّ الرَّهْنُ وَرَجَعَ بِهِ على الرَّاهِنِ إنْ سَلَمَ أَيْ قَضَى بِالْإِذْنِ أَيْ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ له كما لو أَدَّى دَيْنَ غَيْرِهِ في غَيْرِ ذلك فَإِنْ قُلْت الرَّهْنُ بِالْإِذْنِ كَالضَّمَانِ بِهِ فَيَرْجِعُ وَإِنْ قَضَى بِغَيْرِ الْإِذْنِ أَيْضًا قُلْت مُسَلَّمٌ إنْ قَضَى من ثَمَنِ الْمَرْهُونِ كما مَرَّ أَمَّا إذَا قَضَى من غَيْرِهِ كما هُنَا فَلَا وَحَاصِلُهُ قَصْرُ الرُّجُوعِ فِيهِمَا على مَحَلِّ الضَّمَانِ وهو هُنَا رَقَبَةُ الْمَرْهُونِ وَثَمَّ ذِمَّةُ الضَّامِنِ فَإِنْ أَنْكَرَ الرَّاهِنُ الْإِذْنَ فَشَهِدَ بِهِ الْمُرْتَهِنُ لِلْمُعِيرِ قُبِلَ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَيُصَدَّقُ الرَّاهِنُ في عَدَمِ الْإِذْنِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَمَنْ رَهَنَ عَبْدَهُ من غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ صَحَّ وَرَجَعَ عليه بِمَا بِيعَ بِهِ إنْ بِيعَ أو رَهَنَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَحَّ ولم يَرْجِعْ عليه بِشَيْءٍ وَإِنْ بِيعَ الْعَبْدُ كَنَظِيرِهِ في الضَّمَانِ فِيهِمَا وَالتَّصْرِيحُ بِالْأَوْلَى من زِيَادَتِهِ
الرُّكْنُ الثَّانِي الْمَرْهُونُ بِهِ وَلَهُ شُرُوطٌ ثَلَاثَةٌ بَلْ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ كَوْنُهُ دَيْنًا فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِالْأَعْيَانِ مَضْمُونَةً كانت أو أَمَانَةً كَالْمَغْصُوبِ وَالْمَبِيعِ وَالْمُودَعِ وَالْمَوْقُوفِ وَمَالِ الْقِرَاضِ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الرَّهْنَ في الْمُدَايَنَةِ فَلَا يَثْبُتُ في غَيْرِهَا وَلِأَنَّهَا لَا تُسْتَوْفَى من ثَمَنِ الْمَرْهُونِ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِغَرَضِ الرَّهْنِ عِنْدَ الْبَيْعِ وَتَعْبِيرُهُ بِالْأَعْيَانِ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ الشَّرْطِ الثَّانِي كَوْنُهُ ثَابِتًا فَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِهِ كَالرَّهْنِ بِثَمَنِ ما سَيَشْتَرِيهِ أو بِمَا يَقْتَرِضُهُ لِأَنَّهُ وَثِيقَةُ حَقٍّ فَلَا تَقَدُّمَ عليه كَالشَّهَادَةِ فَلَوْ ارْتَهَنَ قبل ثُبُوتِ الْحَقِّ وَقَبَضَهُ كان مَأْخُوذًا على جِهَةِ سَوْمِ الرَّهْنِ فإذا اسْتَقْرَضَ أو اشْتَرَى منه لم يَصِرْ رَهْنًا إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَيَصِحُّ مَزْجُ الرَّهْنِ بِسَبَبِ ثُبُوتِ الدَّيْنِ كَمَزْجِهِ بِالْبَيْعِ أو الْقَرْضِ بِشَرْطِ تَأَخُّرِ طَرَفَيْ الرَّهْنِ يَعْنِي تَأَخُّرَ أَحَدِهِمَا عن طَرَفَيْ الْآخَرِ وَالْآخَرِ عن أَحَدِهِمَا فَقَطْ فيقول بِعْتُك هذا بِكَذَا أو أَقْرَضْتُك كَذَا وَارْتَهَنْت بِهِ عَبْدَك فيقول الْآخَرُ ابْتَعْت أو اقْتَرَضْت وَرَهَنْت لِأَنَّ شَرْطَ الرَّهْنِ فِيهِمَا جَائِزٌ فَمَزْجُهُ أَوْلَى لِأَنَّ التَّوَثُّقَ فيه آكَدُ لِأَنَّهُ قد لَا يَفِي بِالشَّرْطِ وَاغْتُفِرَ تَقَدُّمُ أَحَدِ طَرَفَيْهِ على ثُبُوتِ الدَّيْنِ لِحَاجَةِ التَّوَثُّقِ قال الْقَاضِي في صُورَةِ الْبَيْعِ وَيُقَدَّرُ وُجُوبُ الثَّمَنِ وَانْعِقَادُ الرَّهْنِ عَقِبَهُ كما لو قال أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي على كَذَا فَأَعْتَقَهُ عنه فإنه يُقَدِّرُ الْمِلْكَ له ثُمَّ يَعْتِقُ عليه لِاقْتِضَاءِ الْعِتْقِ تَقَدُّمَ الْمِلْكِ وَفَرَّقُوا بين جَوَازِ الْمَزْجِ هُنَا وَعَدَمِ جَوَازِهِ في الْكِتَابَةِ مع الْبَيْعِ كَأَنْ قال لِعَبْدِهِ كَاتَبْتُك على أَلْفِ دِرْهَمٍ وَبِعْتُك هذا الثَّوْبَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فقال قَبِلْت الْكِتَابَةَ وَالْبَيْعَ بِأَنَّ الرَّهْنَ من مَصَالِحِ الْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَلِهَذَا جَازَ شَرْطُهُ فِيهِمَا مع امْتِنَاعِ شَرْطٍ عُقِدَ في عَقْدٍ وَلَيْسَ الْبَيْعُ من مَصَالِحِ الْكِتَابَةِ وَبِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَصِيرُ أَهْلًا لِمُعَامَلَةِ سَيِّدِهِ حتى تَتِمَّ الْكِتَابَةُ وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ تَأَخُّرَ طَرَفَيْ الرَّهْنِ عَمَّا ذَكَرَ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ لِيَتَحَقَّقَ سَبَبُ ثُبُوتِ الدَّيْنِ من كُلٍّ من الْعَاقِدَيْنِ فَلَوْ انْتَفَى ذلك لم يَصِحَّ الْعَقْدُ وَعَلَى ما قَرَّرْته هُنَا في قَوْلِهِ بِشَرْطِ تَأَخُّرِ الطَّرَفَيْنِ يُحْمَلُ كَلَامِي في شَرْحِ الْبَهْجَةِ إذْ لَا يَتَأَتَّى تَأَخُّرُ كُلٍّ من طَرَفَيْ الرَّهْنِ عن كُلٍّ من طَرَفَيْ الْآخَرِ
وَلَوْ قال بِعْتُك أو زَوَّجْتُك أو أَجَرْتُك بِكَذَا على أَنْ تَرْهَنَنِي كَذَا فقال الْآخَرُ اشْتَرَيْت أو تَزَوَّجْت أو تَاجَرْتُ يَعْنِي اسْتَأْجَرْت وَرَهَنْت صَحَّ وَإِنْ لم يَقُلْ الْأَوَّلُ بَعْدَهُ ارْتَهَنْت أو قَبِلْت لِتَضَمُّنِ هذا الشَّرْطُ الِاسْتِيجَابَ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ حتى يَقُولَ الْأَوَّلُ ذلك وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ
الشَّرْطُ الثَّالِثُ كَوْنُهُ لَازِمًا فَلَا يَصِحُّ بِدَيْنِ كِتَابَةٍ لِأَنَّ الرَّهْنَ لِلتَّوَثُّقِ وَالْمُكَاتَبُ مُتَمَكِّنٌ من إسْقَاطِ النَّجْمِ مَتَى شَاءَ فَلَا مَعْنَى لِتَوْثِيقِهِ وَلَا بِدَيْنِ جِعَالَةٍ قبل الشُّرُوعِ وَكَذَا بَعْدَهُ قبل الْفَرَاغِ من الْعَمَلِ لِأَنَّ لِعَاقِدَيْهَا فَسْخَهَا فَيَسْقُطُ بِهِ الْجُعْلُ
____________________
(2/150)
وَإِنْ لَزِمَ الْجَاعِلَ بِفَسْخِهِ وَحْدَهُ أُجْرَةُ مِثْلِ الْعَمَلِ وَفَارَقَ الرَّهْنَ بِالثَّمَنِ في زَمَنِ الْخِيَارِ بِأَنَّ مُوجِبَ الثَّمَنِ الْبَيْعُ وقد تَمَّ بِخِلَافِ مُوجِبِ الْجُعْلِ وهو الْعَمَلُ وَبِأَنَّ الثَّمَنَ وَضَعَهُ على اللُّزُومِ كما سَيَأْتِي بِخِلَافِ الْجُعْلِ بَلْ لم يَثْبُتْ شَيْءٌ منه في بَعْضِ صُوَرِهِ أَمَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ فَيَصِحُّ لِلُزُومِ الدَّيْنِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا يُغْنِي عن الثَّابِتِ اللَّازِمُ لِأَنَّ الثُّبُوتَ مَعْنَاهُ الْوُجُودُ في الْحَالِّ وَاللُّزُومُ وَعَدَمُهُ صِفَةٌ لِلدَّيْنِ في نَفْسِهِ لَا يَتَوَقَّفُ صِدْقُهُ على وُجُودِ الدَّيْنِ كما يُقَالُ دَيْنُ الْقَرْضِ لَازِمٌ وَدَيْنُ الْكِتَابَةِ غَيْرُ لَازِمٍ فَلَوْ اقْتَصَرَ على الدَّيْنِ اللَّازِمِ لو رَدَّ عليه ما سَيَقْتَرِضُهُ وَنَحْوَهُ مِمَّا لم يَثْبُتْ وَيَصِحُّ بِالْأُجْرَةِ قبل الِانْتِفَاعِ في إجَارَةِ الْعَيْنِ وَبِالصَّدَاقِ قبل الدُّخُولِ وَإِنْ كَانَا غير مُسْتَقِرَّيْنِ كَالثَّمَنِ قبل قَبْضِ الْمَبِيعِ وَخَرَجَ بِإِجَارَةِ الْعَيْنِ الْمُصَرَّحِ بها من زِيَادَتِهِ الْأُجْرَةُ في إجَارَةِ الذِّمَّةِ لِعَدَمِ لُزُومِهَا
ويصح بِالْمَنْفَعَةِ في إجَارَةِ الذِّمَّةِ لَا بها في إجَارَةِ الْعَيْنِ لِأَنَّهَا في الْأُولَى دَيْنٌ بِخِلَافِهَا في الثَّانِيَةِ ويصح بِالثَّمَنِ قبل قَبْضِ الْمَبِيعِ وبه في مُدَّةِ الْخِيَارِ وَإِنْ كان غير مُسْتَقِرٍّ وَبِمَالِ الْمُسَابَقَةِ لِأَنَّ أَصْلَ هذه الْعُقُودِ اللُّزُومُ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْكَلَامَ في رَهْنِ الثَّمَنِ في مُدَّةِ الْخِيَارِ حَيْثُ قُلْنَا مَلَكَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ لِيَمْلِكَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ كما أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ الْمَرْهُونُ في الثَّمَنِ ما لم تَمْضِ مُدَّةُ الْخِيَارِ لَا بِالدِّيَةِ قبل الْحُلُولِ لِأَنَّهَا لم تَثْبُتْ وَلِهَذَا تَسْقُطُ بِطُرُقِ الْمَوْتِ وَالْجُنُونِ وَبِتَلَفِ الْمَالِ بِخِلَافِهَا بَعْدَ الْحُلُولِ لِثُبُوتِهَا في الذِّمَّةِ وَلَا بِالزَّكَاةِ وَلَوْ بَعْدَ الْحُلُولِ على ما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ أَخْذًا من كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ لِعَدَمِ ثُبُوتِهَا قَبْلَهُ وَلِعَدَمِ الدَّيْنِ بَعْدَهُ لِتَعَلُّقِهَا بِالْعَيْنِ شَرِكَةً وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ الْجَزْمُ بِالْجَوَازِ بَعْدَهُ وهو الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّ الزَّكَاةَ قد تَجِبُ في الذِّمَّةِ ابْتِدَاءً كَزَكَاةِ الْفِطْرِ وَدَوَامًا بِأَنْ يَتْلَفَ الْمَالُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَبِتَقْدِيرِ بَقَائِهِ فَالتَّعَلُّقُ بِهِ ليس على سَبِيلِ الشَّرِكَةِ الْحَقِيقِيَّةِ لِأَنَّ له أَنْ يُعْطِيَ من غَيْرِهَا بِغَيْرِ رِضَا الْفُقَرَاءِ قَطْعًا فَصَارَتْ الذِّمَّةُ كَأَنَّهَا مَنْظُورٌ إلَيْهَا وَيُشْتَرَطُ في الدَّيْنِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا لَهُمَا فَلَوْ جَهِلَاهُ أو أَحَدُهُمَا لم يَصِحَّ كما في الضَّمَانِ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَنَصُّ الْأُمِّ يَشْهَدُ له وَهَذَا قد يُعْلَمُ من قَوْلِهِ
فَرْعٌ ما جَازَ الرَّهْنُ بِهِ جَازَ ضَمَانُهُ وَعَكْسُهُ إلَّا أَنَّ ضَمَانَ رَدِّ الْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ وضمان الْعُهْدَةِ جَائِزٌ لَا الرَّهْنَ بِهِمَا فَلَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الدَّيْنِ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ يُوجِبُ الْحَجْرَ على الرَّاهِنِ في التَّصَرُّفِ وَالضَّمَانُ لَا يُوجِبُهُ على الضَّامِنِ فَيَتَضَرَّرُ الرَّاهِنُ دُونَ الضَّامِنِ وفي مَعْنَى ما اسْتَثْنَى ضَمَانَ إحْضَارِ الْبَدَنِ وقد اسْتَثْنَاهُ الْبُلْقِينِيُّ وَاسْتَثْنَى ابن خَيْرَانَ ما لو ضَمِنَ من دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ فإنه يَجُوزُ بِخِلَافِ الرَّهْنِ بِهِ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عنه وَأَقَرَّهُ
فَرْعٌ يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ بِالدَّيْنِ الْوَاحِدِ رَهْنًا على رَهْنٍ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ تَوْثِقَةٍ ثُمَّ هو كما لو رَهَنَهُمَا مَعًا لَا عَكْسُهُ أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ بِالرَّهْنِ الْوَاحِدِ دَيْنًا على دَيْنٍ مع بَقَاءِ رَهْنِهِ الْأَوَّلِ وَإِنْ وَفَّى بِهِمَا أو كَانَا من جِنْسٍ وَاحِدٍ كما لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ عِنْدَ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ وَالْفَرْقُ بين هذا وما قَبْلَهُ أَنَّ هذا شَغْلٌ مَشْغُولٌ وَذَاكَ شَغْلٌ فَارِغٌ لَكِنْ لو جَنَى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ فَفَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ
____________________
(2/151)
بِالْإِذْنِ من الرَّاهِنِ لِيَكُونَ رَهْنًا بِالْجَمِيعِ أَيْ مَرْهُونًا بِالدَّيْنِ وَالْفِدَاءِ جَازَ لِأَنَّهُ من مَصَالِحِ الرَّهْنِ لِتَضَمُّنِهِ اسْتِبْقَاءَهُ وَلِأَنَّ بِالْجِنَايَةِ صَارَ الرَّهْنُ جَائِزًا فَيَكُونُ كَالْبَيْعِ في زَمَنِ الْخِيَارِ يُزَادُ في الثَّمَنِ وَالْمُثْمَنِ وَمِثْلُهُ لو أَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ على الْمَرْهُونِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ لِعَجْزِ الرَّاهِنِ عن النَّفَقَةِ أو غَيْبَتِهِ لِيَكُونَ مَرْهُونًا بِالدَّيْنِ وَالنَّفَقَةِ كما سَيَأْتِي وَكَذَا لو أَنْفَقَ عليه بِإِذْنِ الْمَالِكِ كما نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عن الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيِّ ثُمَّ قال وَفِيهِ نَظَرٌ إذَا قَدَرَ الْمَالِكُ على الْإِنْفَاقِ إذْ لَا ضَرُورَةَ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ وَسَبَقَهُ إلَى نَحْوِ ذلك السُّبْكِيُّ وَالْأَوْجَهُ حَمْلُ ذلك على ما إذَا عَجَزَ وَإِنْ اعْتَرَفَ الرَّاهِنُ أَنَّهُ مَرْهُونٌ بِعِشْرِينَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ رَهَنَهُ أَوَّلًا بِعَشَرَةٍ ثُمَّ عَشَرَةٍ وَتَنَازَعَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ اعْتِرَافَ الرَّاهِنِ يُقَوِّي جَانِبَهُ وَلِأَنَّهُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ فَإِنْ قال الْمُرْتَهِنُ في جَوَابِهِ فَسَخْنَا الْأَوَّلَ وَارْتَهَنْت مِنْك بِالْجَمِيعِ أَيْ بِالْعِشْرِينَ صَدَقَ الرَّاهِنُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْفَسْخِ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَمَيْلُ الصَّيْدَلَانِيِّ إلَى تَصْدِيقِ الْمُرْتَهِنِ لِاعْتِضَادِهِ بِقَوْلِ الرَّاهِنِ رَهَنَ بِعِشْرِينَ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ لَكِنَّ الْأَقْوَى عِنْدَ الرُّويَانِيِّ الثَّانِي وهو ما رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَعَلَّ الْبَغَوِيّ بَنَى ما صَحَّحَهُ على طَرِيقَتِهِ من تَصْحِيحِ قَوْلِ مُدَّعِي الْفَسَادِ وَعَلَّلَ الرُّويَانِيُّ ما رَجَّحَهُ بِأَنَّ دَعْوَى الرَّاهِنِ أَنَّا عَقَدْنَا ثَانِيًا كَالدَّلِيلِ على حُصُولِ الْفَسْخِ بَيْنَهُمَا وَعَضَّدَهُ بِقَوْلِ الْأَصْحَابِ في الصَّدَاقِ إنَّ الْمَرْأَةَ لو ادَّعَتْ عليه أَنَّهُ نَكَحَهَا يوم الْخَمِيسِ بِأَلْفٍ وَيَوْمَ السَّبْتِ بِأَلْفٍ وَطَلَبَتْ أَلْفَيْنِ وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً بِذَلِكَ لَزِمَهُ الْأَلْفَانِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَنِّي ما طَلَّقْت بَلْ جَدَّدْت النِّكَاحَ وَبِمَا لو قال اشْتَرَيْت مِنْك هذا يَكُونُ إقْرَارًا بِأَنَّهُ كان له من قَبْلُ فَلَوْ شَهِدَا أَيْ شَاهِدَانِ أَنَّهُ رَهَنَ بِأَلْفٍ ثُمَّ بِأَلْفَيْنِ لم تُسْمَعْ شَهَادَتُهُمَا فَلَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ حتى يَقُولَا وَفَسَخَا أَيْ الْمُتَرَاهِنَانِ
وفي نُسْخَةٍ وَفَسَخَ الْأَوَّلُ وَهَذَا رَتَّبَهُ الْبَغَوِيّ كما صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ على ما صَحَّحَهُ فِيمَا مَرَّ قال السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَحْنُ قد ضَعَّفْنَا قَوْلَهُ فِيمَا إذَا سَبَقَ إقْرَارُهُ وفي هذه لم يَسْبِقْ إقْرَارٌ فَلَا وَجْهَ إلَّا تَخْرِيجُهَا على دَعْوَى الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَمَنْ صَدَّقَ مُدَّعِي الْفَسَادِ وهو اخْتِيَارُ الْبَغَوِيّ يُنَاسِبُهُ التَّوَقُّفُ في الْحُكْمِ حتى يُصَرِّحَ الشَّاهِدَانِ بِالْفَسْخِ وَمَنْ صَدَّقَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ وهو الْأَصَحُّ يُنَاسِبُهُ أَنْ يُحْكَمَ هُنَا بِأَنَّهُ رَهَنَ بِأَلْفَيْنِ انْتَهَى وقد يُقَالُ في قَوْلِهِمْ لم يَسْبِقْ في هذه إقْرَارٌ نُظِرَ
فَرْعٌ وَإِنْ رَهَنَ شيئا بِعَشَرَةٍ ثُمَّ بِعَشَرَةٍ لِيَكُونَ رَهْنًا بِهِمَا وَأَشْهَدَ شَاهِدَيْنِ أَنَّهُ مَرْهُونٌ بِعِشْرِينَ فَشَهِدَا بِالْإِقْرَارِ أَيْ بِإِقْرَارِهِ جَازَ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ اتَّجَرَ الْحَالَّ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ فِيمَا إذَا عَرَفَاهُ اعْتَقَدَا جَوَازَهُ أَمْ لَا عَمِلَا بِمَا تَحَمَّلَاهُ وَإِنْ عَلِمَا الْحَالَّ بِالْمُشَاهَدَةِ وَاعْتَقَدَا فَسَادَهُ وَشَهِدَا بِالْعَقْدِ لم يَشْهَدَا إلَّا بِالْعَشَرَةِ أَيْ بِأَنَّهُ مَرْهُونٌ بِعَشَرَةٍ لَا بِعِشْرِينَ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ لم يَشْهَدَا إلَّا بِمَا جَرَى بَاطِنًا فَتَصَدَّقَ بِأَنَّهُ رَهَنَ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ بِعَشَرَةٍ وَإِنْ اعْتَقَدَا صِحَّتَهُ بَيَّنَا الْحَالَّ وَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا بِأَنَّهُ مَرْهُونٌ بِعِشْرِينَ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ إلَى الْحَاكِمِ لَا إلَيْهِمَا ذَكَرَهُ في الرَّوْضَةِ وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يُخَالِفُهُ وفي نُسْخَةٍ بَدَلَ ما ذَكَرَ فَشَهِدَا بِمَا سَمِعَا حُكِمَ بِشَهَادَتِهِمَا وَإِنْ عَلِمَا الْحَالَّ لم يَشْهَدَا إلَّا بِالْعَشَرَةِ فَإِنْ اعْتَقَدَا جَوَازَهُ بَيَّنَا الْحَالَّ وَإِنْ شَهِدَا بِالْإِقْرَارِ جَازَ مُطْلَقًا وَهَذِهِ النُّسْخَةُ وَإِنْ وَافَقَتْ الْأَصْلَ لَكِنَّهُمَا مَعًا مُوهِمَانِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِالْعَقْدِ إذَا سمع إقْرَارَ الْعَاقِدِ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَمُتَعَرِّضَانِ لِجَوَازِ الْحُكْمِ بِمَا سَمِعَهُ الشَّاهِدُ أَنَّ حَالَةَ عَدَمِ عِلْمِهِمَا بِالْحَالِّ وهو مَعْلُومٌ من بَابِهِ مع أَنَّهُمَا لم يَتَكَلَّمَا عليه بِالنِّسْبَةِ لِحَالَةِ عِلْمِهِمَا بِالْحَالِّ بَلْ انْتَقَلَا إلَى بَيَانِ جَوَازِ الشَّهَادَةِ بِالرَّهْنِ وَعَدَمِ جَوَازِهَا وَلَعَلَّهُ عَدَلَ عن هذه النُّسْخَةِ إلَى تِلْكَ لِيَسْلَمَ من الْإِيهَامِ وَلِيَكُونَ الْكَلَامُ في نَوْعٍ وَاحِدٍ مُسْتَوْفًى وهو جَوَازُ الشَّهَادَةِ بِالرَّهْنِ وَعَدَمُ جَوَازِهَا بِهِ على أَنَّ في كَلَامِ الرَّوْضَةِ خَلَلًا يُعْرَفُ بِمُرَاجَعَةِ نُسَخِ الرَّافِعِيِّ الْمُعْتَمَدَةِ وَلَوْ رَهَنَ الْوَارِثُ التَّرِكَةَ الْمُسْتَغْرِقَةَ بَلْ وَغَيْرَ الْمُسْتَغْرِقَةِ لِلدَّيْنِ الذي على مَيِّتِهِ من غَرِيمِ الْمَيِّتِ بِدَيْنٍ آخَرَ لم يَصِحَّ كَالْعَبْدِ الْجَانِي وَتَنْزِيلًا لِلرَّهْنِ الشَّرْعِيِّ مَنْزِلَةَ الرَّهْنِ الْجُعْلِيِّ
الرُّكْنُ الثَّالِثُ الصِّيغَةُ وَيُشْتَرَطُ الْأَوْلَى فَيُشْتَرَطُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ كَالْبَيْعِ وَالْقَوْلُ في الْمُعَاطَاةِ وَالِاسْتِيجَابِ مع الْإِيجَابِ وَالِاسْتِقْبَالِ مع الْقَبُولِ فيه أَيْ في الرَّهْنِ كَالْبَيْعِ وقد مَرَّ بَيَانُهُ وَصُورَةُ الْمُعَاطَاةِ هُنَا أَنْ يَقُولَ أَقْرِضْنِي عَشَرَةً لِأُعْطِيَك ثَوْبِي هذا رَهْنًا فَيُعْطِيهِ الْعَشَرَةَ وَيُقَبِّضُهُ الثَّوْبَ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي
وَالرَّهْنُ قِسْمَانِ رَهْنُ تَبَرُّعٍ وَيُسَمَّى رَهْنًا مُبْتَدَأً وَرَهْنٌ
____________________
(2/152)
مَشْرُوطٌ في عَقْدٍ كَبِعْتُك دَارِي أو أَجَرْتُكهَا بِكَذَا على أَنْ تَرْهَنَنِي بها عَبْدَك فيقول اشْتَرَيْت أو اسْتَأْجَرْت وَرَهَنْت وقد مَرَّ
فَرْعٌ لو شَرَطَ في الرَّهْنِ ما يَقْتَضِيهِ كَبَيْعِهِ أَيْ الرَّهْنِ بِمَعْنَى الْمَرْهُونِ في الدَّيْنِ أو ما فيه مَصْلَحَةٌ لِلْعَقْدِ كَالْإِشْهَادِ بِهِ لم يَضُرَّ لِمَا مَرَّ في الْبَيْعِ وَكَذَا ما لَا غَرَضَ فيه كَأَكْلِ الْهَرِيسَةِ على ما مَرَّ فيه ثَمَّ وما سِوَى ذلك مِمَّا يَنْفَعُ أَحَدَهُمَا وَيَضُرُّ الْآخَرَ كَشَرْطِ الْمَنَافِعِ لِلْمُرْتَهِنِ أو شَرْطِ أَنْ لَا يُبَاعَ يَبْطُلُ بِهِ الرَّهْنُ لِإِخْلَالِ الشَّرْطِ بِالْغَرَضِ منه في الثَّانِي وَلِمَا فيه من تَغْيِيرِ قَضِيَّةِ الْعَقْدِ في الْأَوَّلِ مع بَيْعٍ شَرَطَ فيه الرَّهْنَ الْمَذْكُورَ لِذَلِكَ وَلِأَنَّ الْمَشْرُوطَ اسْتِحْقَاقُهُ يَصِيرُ جُزْءًا من الثَّمَنِ وهو مَجْهُولٌ فَإِنْ قَيَّدَ الْمَنْفَعَةَ الْمَشْرُوطَةَ لِلْمُرْتَهِنِ بِسَنَةٍ مَثَلًا فَهُوَ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ في صَفْقَةٍ وهو جَائِزٌ كما مَرَّ وما قِيلَ من أَنَّ هذا على طَرِيقَةٍ ضَعِيفَةٍ في صُورَةِ اشْتَرَيْت مِنْك هذا الزَّرْعَ بِشَرْطِ أَنْ تَحْصُدَهُ وَالْمَذْهَبُ ثَمَّ الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ يُرَدُّ بِأَنَّهُ إذَا قَيَّدَ الْمَنْفَعَةَ ثَمَّ بِمُدَّةٍ بَطَلَ الْعَقْدُ بِخِلَافِهِ هُنَا
فَرْعٌ لو رَهَنَ الْأَصْلَ من نَحْوِ شَاةٍ أو شَجَرَةٍ أو عَبْدٍ وَشَرَطَ كَوْنَ الْحَادِثِ منه وَمِنْ وَلَدٍ وَثَمَرَةٍ وَكَسْبٍ مَرْهُونًا بَطَلَ الرَّهْنُ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَمَعْدُومٌ وبطل بَيْعٌ شَرَطَ فيه ذلك لِبُطْلَانِ الشَّرْطِ وَتَعْبِيرُهُ بهذا أَعَمُّ من كَلَامِ أَصْلِهِ فإنه فَرَضَ ذلك في إكْسَابِ الْعَبْدِ وَلَوْ أَقْرَضَهُ شيئا بِشَرْطِ رَهْنٍ بِهِ وَتَكُونُ مَنَافِعُهُ أَيْ الرَّهْنِ بِمَعْنَى الْمَرْهُونِ لِلْمُقْرِضِ بَطَلَ الْقَرْضُ لِأَنَّهُ جَرَّ مَنْفَعَةً له وبطل الرَّهْنُ لِبُطْلَانِ ما شَرَطَ فيه وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ أو بِشَرْطِ رَهْنٍ على أَنْ تَكُونَ مَنَافِعُهُ مَرْهُونَةً أَيْضًا بَطَلَ الرَّهْنُ إذْ لَا يَصِحُّ رَهْنُ الْمَنَافِعِ كما مَرَّ لَا الْقَرْضُ لِأَنَّهُ لَا يَجُرُّ بِذَلِكَ نَفْعًا لِلْمُقْرِضِ وَيُفَارِقُ بُطْلَانَ الْبَيْعِ فِيمَا مَرَّ أَوَّلَ الْفَرْعِ بِأَنَّ الْقَرْضَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فَيُغْتَفَرُ فيه ما لَا يُغْتَفَرُ في غَيْرِهِ
فَرْعٌ لو أَقْرَضَهُ أَلْفًا وَشَرَطَ أَنْ يَرْهَنَهُ بِهِ وَبِأَلْفٍ قَدِيمٍ أو بِالْقَدِيمِ فَقَطْ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَالْقَرْضُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ جَرَّ مَنْفَعَةً له وَالرَّهْنُ بِهِ أَيْ بِأَلْفِ الْقَرْضِ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الدَّيْنِ فَإِنْ رَهَنَهُ بِالْأَلْفَيْنِ كما شَرَطَ وقد تَلِفَ أَلْفُ الْقَرْضِ صَحَّ الرَّهْنُ فِيهِمَا لِصَيْرُورَةِ أَلْفِ الْقَرْضِ دَيْنًا وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم تَتْلَفْ أَلْفُ الْقَرْضِ فَفِي الْأَلْفِ الْقَدِيمِ يَصِحُّ الرَّهْنُ كما لو رَهَنَ بِهِ وَحْدَهُ دُونَ أَلْفِ الْقَرْضِ لِأَنَّهُ لم يَمْلِكْهُ وَإِنَّمَا هو مَضْمُونٌ في يَدِهِ وَالْأَعْيَانُ لَا يُرْهَنُ بها كما مَرَّ وَيَكُونُ الْمَرْهُونُ جَمِيعُهُ رَهْنًا بِهِ أَيْ بِالْأَلْفِ الْقَدِيمِ لِأَنَّ الرَّهْنَ بِمَعْنَى الْمَرْهُونِ وَثِيقَةٌ بِكُلِّ جُزْءٍ من الدَّيْنِ وَلَا فَرْقَ في صِحَّةِ الرَّهْنِ بِالْأَلْفِ الْقَدِيمِ بين أَنْ يَعْلَمَ الرَّاهِنُ فَسَادَ الشَّرْطِ وَأَنْ يَظُنَّ صِحَّتَهُ وهو الْأَصَحُّ في الرَّوْضَةِ بِخِلَافِ ما لو أَدَّى دَيْنًا ظَنَّهُ عليه ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ لَا يَصِحُّ الْأَدَاءُ لِأَنَّ أَدَاءَ الدَّيْنِ يَسْتَدْعِي سَبْقَ ثُبُوتِهِ وَصِحَّةُ الرَّهْنِ لَا يَسْتَدْعِي سَبْقَ الشَّرْطِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَبِخِلَافِ ما مَرَّ من عَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ بِهِ بَيْعٌ آخَرُ عِنْدَ ظَنِّ صِحَّةِ الشَّرْطِ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَقْصُودٌ في نَفْسِهِ وَالرَّهْنُ مَقْصُودٌ لِلتَّوَثُّقِ فَهُوَ كَالتَّابِعِ وَيُغْتَفَرُ في التَّابِعِ ما لَا يُغْتَفَرُ في غَيْرِهِ
فَصْلٌ كما لَا يَدْخُلُ الشَّجَرُ وَالْبِنَاءُ في رَهْنِ الْأَرْضِ كما مَرَّ في بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ لَا يَدْخُلُ الْمَغْرِسُ وَالْأَسُّ وَالثَّمَرُ وَلَوْ غير مُؤَبَّرٍ وَالصُّوفُ وَإِنْ لم يَبْلُغْ أَوَانَ الْجَزِّ في رَهْنِ الشَّجَرِ وَالْجِدَارِ وَالْغَنَمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِضَعْفِ الثَّلَاثَةِ عن الِاسْتِتْبَاعِ من حَيْثُ إنَّ الشَّجَرَ وَالْجِدَارَ تَابِعَانِ لِلْمَغْرِسِ وَالْأَسِّ وَإِنَّ الْغَنَمَ لَا يُرَادُ دَوَامُ صُوفِهَا عليها بِخِلَافِ الْأَرْضِ بِالنِّسْبَةِ لِلشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ اللَّذَيْنِ فيها وَكَالصُّوفِ اللَّبَنُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَالْمُرَادُ بِالْأَسِّ هُنَا الْأَرْضُ التي تَحْتَ الْجِدَارِ لَا الْأَسُّ الذي من نَفْسِ الْجِدَارِ كما ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغُصْنُ الْخِلَافِ وَوَرَقُ الْآسِ وهو الْمُرْسِينُ وَالْفِرْصَادُ وهو التُّوتُ الْأَحْمَرُ وَالْمُرَادُ مُطْلَقُ التُّوتِ الشَّامِلِ لِغَيْرِ الْأَحْمَرِ الْمَفْهُومُ بِالْأَوْلَى وَنَحْوُ ذلك مِمَّا يُقْصَدُ غَالِبًا كَوَرَقِ الْحِنَّاءِ وَالسِّدْرِ كَالتَّمْرِ فَلَا يَدْخُلُ في رَهْنِ أَصْلِهَا بِخِلَافِ ما لَا يُقْصَدُ غَالِبًا كَغُصْنِ غَيْرِ الْخِلَافِ فَصْلٌ لو رَهَنَهُ الظَّرْفَ بِمَا فيه كَأَنْ قال رَهَنْتُك هذا الْحُقَّ بِمَا فيه وهو أَيْ ما فيه مَعْلُومٌ يَقْصِدُ بِالرَّهْنِ صَحَّ فِيهِمَا وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ مَعْلُومًا فَفِي الظَّرْفِ يَصِحُّ إنْ كان مَقْصُودًا بِالرَّهْنِ
____________________
(2/153)
بِأَنْ كان له قِيمَةٌ تُقْصَدُ بِهِ وَتَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ أَيْ فَيَصِحُّ في الظَّرْفِ دُونَ الْمَظْرُوفِ وَإِنْ لم يَقْصِدْ أَيْ الظَّرْفَ بِالرَّهْنِ فَالْمَرْهُونُ ما فيه فَقَطْ إنْ عَلِمَ وكان يَقْصِدُ بِالرَّهْنِ وَالتَّصْرِيحِ بِقَوْلِهِ من زِيَادَتِهِ إنْ عَلِمَ لَا بُدَّ منه في الْحُكْمِ لَكِنَّهُ لَا يُنَاسِبُ الْمُقَسَّمَ الذي هو قَوْلُهُ وَإِلَّا وَإِنْ كان ما فيه أَيْ في الظَّرْفِ الذي لَا يُقْصَدُ بِالرَّهْنِ لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ بَطَلَ فِيهِمَا وفي كَلَامِ الرَّوْضَةِ هُنَا خَلَلٌ سَلِمَ منه كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ رَهَنَهُ أَيْ الظَّرْفَ وكان يَقْصِدُ بِالرَّهْنِ دُونَ ما فيه صَحَّ الرَّهْنُ فيه وَإِنْ قَلَّتْ قِيمَتُهُ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ الْمَقْصُودَ بِالرَّهْنِ دُونَ ما فيه فَإِنْ أَطْلَقَ رَهْنَ الظَّرْفِ ولم يَتَعَرَّضْ لِمَا فيه وَمِثْلَهُ أَيْ الظَّرْفِ مِمَّا يَقْصِدُ بِالرَّهْنِ وَحْدَهُ فَهُوَ الْمَرْهُونُ دُونَ ما فيه وَكَذَا لو لم يَقْصِدْ بِالرَّهْنِ إنْ تَمَوَّلَ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَتَمَوَّلْ فَهَلْ يَلْغُو أَيْ الرَّهْنُ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ له أَمْ يَقَعُ على الْمَظْرُوفِ لِأَنَّ ظَرْفَهُ حِينَئِذٍ كَالْعَدَمِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ كما يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ الْأَصْلِ وَيَأْتِي في بَيْعِ الْخَرِيطَةِ مَثَلًا بِمَا فيها أو وَحْدَهَا أو مُطْلَقًا ما تَقَرَّرَ في الرَّهْنِ حَرْفًا بِحَرْفٍ وهو ظَاهِرٌ
الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْعَاقِدَانِ وَشَرْطُهُمَا نُفُوذُ التَّصَرُّفِ كما في الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ لَكِنَّ الرَّهْنَ نَوْعُ تَبَرُّعٍ فَإِنْ صَدَرَ من أَهْلِهِ في مَالِهِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَالشَّرْطُ وُقُوعُهُ على وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ كما قال فَإِنْ رَهَنَ وَلِيٌّ وَلَوْ أَبًا لِمَحْجُورٍ عليه بِصِبًا أو جُنُونٍ أو سَفَهٍ فَشَرْطُهُ الْمَصْلَحَةُ كَأَنْ يَشْتَرِيَ له ما يُسَاوِي مِائَتَيْنِ بِمِائَةٍ نَسِيئَةً وَيَرْهَنَ بها من أَمِينٍ يَجُوزُ إيدَاعُهُ ما يُسَاوِي مِائَةً إذْ الْغِبْطَةُ ظَاهِرَةٌ بِتَقْدِيرِ سَلَامَةِ الْمَرْهُونِ وَإِنْ تَلِفَ كان فِيمَا اشْتَرَاهُ جَابِرًا لَا ما يُسَاوِي أَكْثَرَ من مِائَةٍ حتى لو لم يَرْضَ الْبَائِعُ إلَّا بِرَهْنِ ما يَزِيدُ عليها امْتَنَعَ الشِّرَاءُ إذْ قد يَتْلَفُ الْمَرْهُونُ فَلَا يُوجَدُ جَابِرٌ وَإِنْ كان مِمَّا لَا يَتَغَيَّرُ عَادَةً كَعَقَارٍ فإنه لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَهُ فِيمَا ذُكِرَ بِأَكْثَرَ مِمَّا يُسَاوِي مِائَةً لِأَنَّ الرَّهْنَ يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ كَيْفَ كان وَتَعْبِيرُهُ بِالتَّغَيُّرِ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالتَّلَفِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ من أَمِينٍ يَجُوزُ إيدَاعُهُ غَيْرَهُ فَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ منه إذْ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُتْلِفَ الْمَرْهُونَ أو يَجْحَدَهُ وَهَذَا الْقَيْدُ جَارٍ في بَقِيَّةِ الصُّوَرِ فَلَوْ أَخَّرَهُ عنها كَأَصْلِهِ كان أَوْلَى أو كان يَخَافُ وفي نُسْخَةٍ عَطْفًا على كَأَنْ يَشْتَرِيَ وَمِثْلَ أَنْ يَخَافَ تَلَفَهُ أَيْ تَلَفَ مَالِهِ بِنَهْبٍ أو حَرِيقٍ أو نَحْوِهِ
فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ له عَقَارًا مِمَّنْ لَا يَمْتَدُّ ذلك إلَيْهِ وَيَرْهَنَ بِثَمَنِهِ إنْ اشْتَرَطَ مَالِكُ الْعَقَارِ الرَّهْنَ بِأَنْ لم يَبِعْهُ إلَّا بِشَرْطِ الرَّهْنِ وَتَعَذَّرَ الْإِيفَاءُ لِلثَّمَنِ حَالًّا لِأَنَّ الْإِيدَاعَ حِينَئِذٍ مِمَّنْ لَا يَمْتَدُّ ذلك إلَيْهِ جَائِزٌ فَهَذَا أَوْلَى قال في الْأَصْلِ وَلَوْ اقْتَرَضَ له وَالْحَالَةُ هذه وَرَهَنَ بِهِ لم يَجُزْ قَالَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ لِأَنَّهُ يَخَافُ التَّلَفَ على ما يَقْتَرِضُهُ خَوْفَهُ على ما يَرْهَنُهُ وَلَك أَنْ تَقُولَ إنْ لم يَجِدْ من يَسْتَوْدِعُهُ وَوَجَدَ من يَرْتَهِنُهُ وَالْمَرْهُونُ أَكْثَرُ قِيمَةً من الْقَرْضِ وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ رَهْنُهُ انْتَهَى قال الْبُلْقِينِيُّ ما أَطْلَقَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ هو الصَّوَابُ لِأَنَّ ما يَقْتَرِضُهُ الْوَلِيُّ وَالْحَالَةُ هذه رُبَّمَا امْتَدَّ إلَيْهِ النَّهْبُ لِأَنَّهُ مِمَّنْ يَخَافُ وَالْمَرْهُونُ رُبَّمَا يَتْلَفُ على حُكْمِ الْأَمَانَةِ فَيَبْقَى الدَّيْنُ بِحَالِهِ فَيُؤَدِّي إلَى الضَّرَرِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ إذَا وَقَعَتْ لِمَنْ لَا يَمْتَدُّ إلَيْهِ النَّهْبُ فَإِنَّهَا إذَا تَلِفَتْ على حُكْمِ الْأَمَانَةِ لَا يَبْقَى دَيْنٌ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِمْ ولم يَبِعْهُ إلَّا بِشَرْطِ الرَّهْنِ مِمَّا إذَا بَاعَهُ بِدُونِ ذلك فَيَمْتَنِعُ الرَّهْنُ لِقُدْرَتِهِ على الْإِيدَاعِ الْخَالِي عن تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالْمَالِ وَمِثْلُ أَنْ يَقْتَرِضَ لِمُؤْنَتِهِ أو مُؤْنَةِ من تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى من قَوْلِهِ أو مُؤْنَةِ مَالِهِ كَإِصْلَاحِ ضِيَاعِهِ مُرْتَقِبًا لِغَلَّةٍ وَحُلُولِ دَيْنٍ وَنَفَاقِ مَتَاعٍ كَاسِدٍ بِفَتْحِ النُّونِ أَيْ رَوَاجِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْهَنَ بِمَا اقْتَرَضَهُ لِشَيْءٍ من ذلك وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أو وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَرْتَقِبْ شيئا من ذلك بَاعَ ما يَرْهَنُهُ وَلَا يَقْتَرِضُ
وَلَمَّا فَرَغَ من بَيَانِ الرَّهْنِ له أَخَذَ في بَيَانِ الِارْتِهَانِ له الْمُعْتَبَرِ فيه أَيْضًا الْمَصْلَحَةُ فقال وَلَا يَرْتَهِنُ له إلَّا إنْ تَعَذَّرَ التَّقَاضِي لِدَيْنِهِ مِمَّنْ هو عليه أو بَاعَ مَالَهُ مُؤَجَّلًا فَيَرْتَهِنُ فِيهِمَا وُجُوبًا وَإِنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُ مَالِهِ مُؤَجَّلًا لِغِبْطَةٍ من أَمِينٍ غَنِيٍّ وَبِإِشْهَادٍ وبأجل قَصِيرٍ في الْعُرْفِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِسَنَةٍ وَبِشَرْطِ كَوْنِهِ أَيْ الْمَرْهُونِ وَافِيًا بِالثَّمَنِ فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ مِمَّا ذُكِرَ بَطَلَ الْبَيْعُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ بُطْلَانُهُ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ وَفِيهِ وَجْهَانِ في الرَّوْضَةِ بِلَا تَرْجِيحٍ قال في الْكِفَايَةِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْمَنْعُ وَبِهِ قال الْجُمْهُورُ وَنَقَلَهُ عنه الزَّرْكَشِيُّ وَأَقَرَّهُ وَإِنْ بَاعَ مَالَهُ نَسِيئَةً أو أَقْرَضَهُ لِنَهْبٍ ارْتَهَنَ جَوَازًا إنْ كان قَاضِيًا وَإِلَّا فَوُجُوبًا وَقَوْلُهُ جَوَازًا من زِيَادَتِهِ فَإِنْ خَافَ تَلَفَ الْمَرْهُونِ وَالْحَاكِمُ يَرَى سُقُوطَ الدَّيْنِ بِتَلَفِهِ فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ وَأَوْلَى
____________________
(2/154)
من عِبَارَتِهِ قَوْلُ الْأَصْلِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَرْتَهِنَ إذَا خِيفَ تَلَفُ الْمَرْهُونِ لِأَنَّهُ قد يَتْلَفُ وَيَرْفَعُهُ إلَى حَاكِمٍ يَرَى سُقُوطَ الدَّيْنِ بِتَلَفِ الرَّهْنِ
وَلِمُتَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ في الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وهو الْأَبُ وَالْجَدُّ أَنْ يَرْهَنَ لِلطِّفْلِ وَنَحْوِهِ مَالَهُمَا من نَفْسِهِ وأن يَرْتَهِنَ لَهُمَا مَالَهُ من نَفْسِهِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَحَيْثُ جَازَ الرَّهْنُ وَالِارْتِهَانُ جَازَ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ أَنْ يُعَامِلَا بِهِ أَنْفُسَهُمَا وَيَتَوَلَّيَا الطَّرَفَيْنِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمَا ذلك فَصْلٌ رَهْنُ الْمُكَاتَبِ وَارْتِهَانُهُ كَرَهْنِ الْوَلِيِّ وَارْتِهَانِهِ فِيمَا مَرَّ وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ له في التِّجَارَةِ إنْ أُعْطِيَ مَالًا لها بِأَنْ أَعْطَاهُ له سَيِّدُهُ فَإِنْ اتَّجَرَ بِجَاهِهِ بِأَنْ قال له اتَّجِرْ بِجَاهِك ولم يُعْطِهِ مَالًا فَكَالْمُطْلَقِ أَيْ فَكَمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ فَلَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ في الذِّمَّةِ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا وَالرَّهْنُ وَالِارْتِهَانُ مُطْلَقًا ما لم يَرْبَحْ فَإِنْ رَبِحَ بِأَنْ فَضَلَ في يَدِهِ مَالٌ كان كما لو أَعْطَاهُ مَالًا قال الزَّرْكَشِيُّ نَقْلًا عن نَصِّ الْبُوَيْطِيِّ وَشَرْطُ ذلك أَنْ يَحُدَّ له حَدًّا كَأَنْ يَقُولَ له اشْتَرِ من دِينَارٍ إلَى مِائَةٍ في حُكْمِ الْقَبْضِ وَالطَّوَارِئِ قَبْلَهُ لَا يَلْزَمُ الرَّهْنُ إلَّا بِقَبْضٍ كَقَبْضِ الْمَبِيعِ فِيمَا مَرَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَلَوْ لَزِمَ بِدُونِ الْقَبْضِ لم يَكُنْ لِلتَّقْيِيدِ بِهِ فَائِدَةٌ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَالْهِبَةِ وَلَا تُرَدُّ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ فِيمَا إذَا كان الْمُوصَى له مُعَيَّنًا فَلِلرَّاهِنِ الرُّجُوعُ عنه قبل الْقَبْضِ ثُمَّ من صَحَّ ارْتِهَانُهُ صَحَّ قَبْضُهُ وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فيه ولكن لَا يَسْتَنِيبُ الرَّاهِنَ في الْقَبْضِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى اتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقَبِّضِ وَمِنْهُ عُلِمَ أَنَّهُ لو كان الرَّاهِنُ وَكِيلًا في الرَّهْنِ فَقَطْ أو وَلِيًّا فَرَشَدَ مُوَلِّيهِ أو عَزَلَ هو جَازَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَنِيبَهُ في الْقَبْضِ من الْمَالِكِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ وَلَا يَسْتَنِيبُ رَقِيقَهُ أَيْ الرَّاهِنُ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِهِ سَوَاءٌ الْمُدَبَّرُ وَالْمَأْذُونُ له وَغَيْرُهُمَا وَلَا يُشْكِلُ بِمَا لو وَكَّلَ رَجُلٌ الْعَبْدَ في شِرَاءِ نَفْسِهِ من مَوْلَاهُ حَيْثُ يَصِحُّ مع أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيمَا لو وَكَّلَ مَوْلَاهُ لِأَنَّ شِرَاءَ الْعَبْدِ نَفْسَهُ من سَيِّدِهِ صَحِيحٌ في الْجُمْلَةِ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى الْعِتْقِ فلم يَنْظُرُوا فيه إلَى تَنْزِيلِ الْعَبْدِ مَنْزِلَةَ مَوْلَاهُ إلَّا مُكَاتَبَهُ لِاسْتِقْلَالِهِ بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ كَالْأَجْنَبِيِّ
وَمِثْلُهُ الْمُبَعَّضُ إذَا كان بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ وَوَقَعَ الْقَبْضُ في نَوْبَتِهِ وَإِنْ وَقَعَ التَّوْكِيلُ في نَوْبَةِ السَّيِّدِ ولم يَشْرِطْ فيه الْقَبْضَ في نَوْبَتِهِ فَإِنْ لم يَقْبِضْ الرَّهْنَ الْمَشْرُوطَ في بَيْعٍ فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ لِفَوَاتِ ما شَرَطَهُ كما مَرَّ في الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عنها وَيُشْتَرَطُ في اللُّزُومِ إقْبَاضُ الرَّاهِنِ أو الْإِذْنُ منه في الْقَبْضِ فَإِنْ رَهَنَ الْعَيْنَ من غَاصِبٍ لها أو مُسْتَعِيرٍ أو مُودَعٍ أو وَكِيلٍ صَحَّ كَالْبَيْعِ وَاشْتَرَطَ الْإِذْنَ له من الرَّاهِنِ في الْقَبْضِ لِأَنَّ الْيَدَ كانت عن غَيْرِ جِهَةِ الرَّهْنِ ولم يَقَعْ تَعَرُّضٌ لِلْقَبْضِ عنه واشترط فيه مُضِيَّ مُدَّةِ إمْكَانِهِ كَنَظِيرِهِ في الْبَيْعِ لَكِنَّهُ مُعْتَبَرٌ من وَقْتِ الْإِذْنِ لَا الْعَقْدِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَوْ صَدَرَ الرَّهْنُ من أَبٍ تَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ أَيْ طَرَفَيْ الرَّهْنِ فإنه يُشْتَرَطُ فيه مُضِيُّ الْإِمْكَانِ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَقَصْدُهُ لِلْقَبْضِ كَالْإِذْنِ
____________________
(2/155)
فيه وَاقْتِصَارُهُ على الْقَبْضِ أَوْلَى من ضَمِّ الْأَصْلِ إلَى الْإِقْبَاضِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ في الْإِقْبَاضِ إذْنٌ حتى يُشْتَرَطَ قَصْدُهُ وَكَذَا يَجْرِي ذلك في الْبَيْعِ لِشَيْءٍ مِمَّنْ هو في يَدِهِ لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ التَّصَرُّفِ وَانْتِقَالِ الضَّمَانِ الْإِذْنُ في الْقَبْضِ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ هُنَا فَكَفَى دَوَامُهُ إلَّا فِيمَا يَسْتَحِقُّ حَبْسَهُ بِأَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ حَالًّا ولم يُوَفَّ فَيُشْتَرَطُ الْإِذْنُ فيه قِيلَ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ غَائِبًا وَإِلَّا فَلَا يُعْتَبَرُ الْإِذْنُ بَلْ الْعَقْدُ قَبْضٌ نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ في كِتَابِ الْبَيْعِ عن الْمُتَوَلِّي
وَأَقَرَّهُ زَادَ ابن الرِّفْعَةِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ له حَقَّ الْحَبْسِ فإن يَدَهُ إنْ كانت يَدَ أَمَانَةٍ فَقَدْ أَدَامَهَا وَإِلَّا فَالْبَيْعُ جِهَةُ ضَمَانٍ يُسْقِطُ الْقِيمَةَ انْتَهَى وهو مَبْنِيٌّ على رَأْيِ الْمُتَوَلِّي كما رَأَيْت وهو مَرْدُودٌ كما مَرَّ في الْكَلَامِ على قَبْضِ الْمَبِيعِ وفي نُسَخٍ تَقْدِيمُ قَوْلِهِ وَكَذَا إلَى آخِرِهِ على قَوْلِهِ وَلَوْ من أَبٍ
فَرْعٌ لو ذَهَبَ من ارْتَهَنَ ما بيده لِيَقْبِضَ الرَّهْنَ بِالْفِعْلِ فَوَجَدَهُ قد ذَهَبَ من يَدِهِ وقد أَذِنَ له في الْقَبْضِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَهُ طَلَبُهُ وَأَخْذُهُ حَيْثُ وَجَدَهُ وَقَوْلُهُ كَالرَّوْضَةِ لِيَقْبِضَ الرَّهْنَ ليس شَرْطًا بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ ذَهَبَ إلَيْهِ فَوَجَدَهُ قد ذَهَبَ كما عَبَّرَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَقَوْلُهُ طَلَبَهُ من زِيَادَتِهِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَأْذَنْ له فِيمَا ذَكَرَ فَلَا يَطْلُبُهُ وَلَا يَأْخُذُهُ حتى يَقْبِضَهُ الرَّاهِنُ وَيُجَدِّدَ له الْإِذْنُ لَا يَخْفَى إنْ قَبَضَ الرَّاهِنُ ذلك ليس بِشَرْطٍ فَضْلًا عن اشْتِرَاطِ ضَمِّ تَجْدِيدِ الْإِذْنِ الْمَزِيدِ على الْأَصْلِ إلَيْهِ فَإِنْ قُرِئَ قَوْلُهُ يَقْبِضَهُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَجُعِلَتْ الْوَاوُ في وَيُجَدِّدَ بِمَعْنَى أو زَالَ الْإِشْكَالُ
فَرْعٌ لَا يَبْرَأُ الْغَاصِبُ من ضَمَانِ ما غَصَبَهُ بِالرَّهْنِ منه لِأَنَّهُ وَإِنْ كان عَقْدُ أَمَانَةٍ الْغَرَضُ منه التَّوَثُّقُ وهو لَا يُنَافِي الضَّمَانَ وَكَذَا الْمُسْتَعِيرُ لَا يَبْرَأُ بِالرَّهْنِ منه وَإِنْ مَنَعَهُ الْمُعِيرُ الِانْتِفَاعَ لِمَا قُلْنَا وَلَا يَحْرُمُ عليه انْتِفَاعُهُ بِالْمُعَارِ الذي ارْتَهَنَهُ لِبَقَاءِ الْإِعَارَةِ إلَّا بِالرُّجُوعِ أَيْ بِرُجُوعِ الْمُعِيرِ فيه لِزَوَالِهَا وَلِلْغَاصِبِ إجْبَارُ الرَّاهِنِ على إيقَاعِ يَدِهِ عليه لِيَبْرَأَ من الضَّمَانِ ثُمَّ يَسْتَعِيدَهُ منه بِحُكْمِ الرَّهْنِ وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ إجْبَارُهُ على رَدِّ الْمَرْهُونِ إلَيْهِ لِذَلِكَ أَيْ لِيُوقِعَ يَدَهُ عليه ثُمَّ يَسْتَعِيدُهُ منه الْمُرْتَهِنُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ إذْ لَا غَرَضَ له في بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمُرْتَهِنِ وَلَوْ أُودِعَ الْمَالِكُ الْمَغْصُوبَ من الْغَاصِبِ بَرِئَ من الضَّمَانِ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ ائْتِمَانٌ وهو يُنَافِي الضَّمَانَ فإنه لو تَعَدَّى في الْوَدِيعَةِ لم يَبْقَ أَمِينًا بِخِلَافِ الرَّهْنِ لَا إنْ أَبْرَأَهُ من ضَمَانِهِ وهو أَيْ الْمَغْصُوبُ في يَدِهِ فَلَا يَبْرَأُ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا يَبْرَأُ عنها إذْ الْإِبْرَاءُ إسْقَاطُ ما في الذِّمَّةِ أو تَمْلِيكُهُ وَكَذَا إنْ أَبْرَأَهُ عن ضَمَانِ ما يَثْبُتُ في الذِّمَّةِ بَعْدَ تَلَفِهِ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ عَمَّا لم يَثْبُتْ أو آجَرَهُ إيَّاهُ أو قَارَضَهُ فيه أو وَكَّلَهُ في التَّصَرُّفِ فيه بِبَيْعٍ أو هِبَةٍ أو غَيْرِهِمَا أو زَوَّجَهُ إيَّاهُ فَلَا يَبْرَأُ لِمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ في رَهْنِهِ منه وَظَاهِرٌ أَنَّهُ إنْ تَصَرَّفَ في مَالِ الْقِرَاضِ أو فِيمَا وُكِّلَ فيه بَرِئَ كما سَيَأْتِي في بَابِهِمَا لِأَنَّهُ سَلَّمَهُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ وَزَالَتْ عنه يَدُهُ وَكَالْغَاصِبِ فِيمَا ذُكِرَ كُلُّ من كانت يَدُهُ يَدَ ضَمَانٍ كَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَامِ وَلَوْ قال بَدَلٌ في يَدِهِ بَاقٍ كان أَعَمَّ فَصْلٌ في الطَّوَارِئِ الْمُؤَثِّرَةِ في الْعَقْدِ قبل الْقَبْضِ وَيَحْصُلُ الرُّجُوعُ عن الرَّهْنِ قبل الْقَبْضِ بِتَصَرُّفٍ مُزِيلٍ لِلْمِلْكِ كَبَيْعٍ وَإِعْتَاقٍ وَإِصْدَاقٍ وَهِبَةٍ بِإِقْبَاضٍ لِزَوَالِ مَحَلِّ الرَّهْنِ وَبِرَهْنٍ بِإِقْبَاضٍ وَإِحْبَالٍ وَكِتَابَةٍ لِلرَّقِيقِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِالْعَيْنِ وَقَوْلُهُ وَإِحْبَالٍ أَعَمُّ من قَوْلِ أَصْلِهِ وَالْوَطْءِ مع الْإِحْبَالِ وَقَضِيَّةُ تَقْيِيدِهِمَا الرَّهْنَ بِالْإِقْبَاضِ وَتَقْيِيدِ الْأَصْلِ الْهِبَةَ بِهِ أَنَّهُمَا بِدُونِهِ لَيْسَا رُجُوعًا وهو مُوَافِقٌ لِتَخْرِيجِ الرَّبِيعِ وَاَلَّذِي عليه الْأَصْحَابُ وَنَقَلُوهُ عن النَّصِّ إنَّ ذلك رُجُوعٌ ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَوَّبَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَكَذَا تَدْبِيرٌ لِأَنَّ
____________________
(2/156)
مَقْصُودَهُ الْعِتْقُ وهو مُنَافٍ لِلرَّهْنِ لَا بِتَزْوِيجٍ إذْ لَا تَعَلُّقَ له بِمَوْرِدِ الرَّهْنِ بَلْ رَهْنُ الْمُزَوَّجِ ابْتِدَاءً جَائِزٌ ولا وَطْءَ بِغَيْرِ إحْبَالٍ وَإِنْ أَنْزَلَ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِهِ ليس سَبَبًا لِزَوَالِ مِلْكِهِ وَلَا بِإِجَارَةٍ وَلَوْ حَلَّ الدَّيْنُ الْمَرْهُونُ بِهِ قبل انْقِضَائِهَا بِنَاءً على جَوَازِ رَهْنِ الْمُؤَجَّرِ وَبَيْعِهِ وَقَيَّدَهُ الْفَارِقِيُّ بِمَا إذَا كانت قِيمَتُهُ مُؤَجَّرًا لَا تَنْقُصُ عن قَدْرِ الدَّيْنِ وَإِلَّا كان رُجُوعًا كما لو تَصَرَّفَ بِمَا يُخْرِجُ الْمَرْهُونَ عن أَنْ يُسْتَوْفَى منه الدَّيْنُ كان رُجُوعًا فَكَذَا إذَا كان يَمْنَعُ من اسْتِيفَاءِ بَعْضِهِ وَالظَّاهِرُ ما أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ لِأَنَّ الرَّهْنَ قبل الْقَبْضِ ليس بِلَازِمٍ وَلَا بِمَوْتِ عَاقِدٍ من رَاهِنٍ وَمُرْتَهِنٍ لِأَنَّ مَصِيرَ الرَّهْنِ إلَى اللُّزُومِ فَلَا يَتَأَثَّرُ بِمَوْتِهِ كَالْبَيْعِ في زَمَنِ الْخِيَارِ بَلْ يَقُومُ الْوَارِثُ مُقَامَهُ فَيَقُومُ وَارِثُ الرَّاهِنِ مُقَامَهُ في الْإِقْبَاضِ وَوَارِثُ الْمُرْتَهِنِ مُقَامَهُ في الْقَبْضِ وَلَا بِجُنُونٍ لِلْعَاقِدِ وَلَا بِإِغْمَائِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ كَالْمَوْتِ بَلْ أَوْلَى ولا حَجْرِ سَفَهٍ وَفَلَسٍ بَلْ يَعْمَلُ الْوَلِيُّ أَيْ وَلِيُّ الْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ بِالْمَصْلَحَةِ فَيُجِيزُ له مَالُهُ فِعْلَهُ ابْتِدَاءً فَإِنْ جُنَّ مَثَلًا الرَّاهِنُ وَخَشِيَ الْوَلِيُّ فَسْخَ بَيْعٍ شُرِطَ فيه الرَّهْنُ إنْ لم يُسَلِّمْهُ وَفِيهِ أَيْ في إمْضَائِهِ غِبْطَةٌ أَيْ حَظٌّ كما عَبَّرَ بِهِ أَصْلُهُ سَلَّمَ الرَّهْنَ فَإِنْ لم يَخْشَ فَسْخَهُ أو كان الْحَظُّ فيه أو كان رَهْنَ تَبَرُّعٍ لم يُسَلِّمْهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ ضَرُورَةٌ أو غِبْطَةٌ لِأَنَّهُمَا يُجَوِّزَانِ رَهْنَ مَالِ الْمَجْنُونِ ابْتِدَاءً فَاسْتِدَامَتُهُ أَوْلَى كما عُلِمَ من قَوْلِهِ فَيُجِيزُ مَالُهُ فِعْلَهُ ابْتِدَاءً وَإِنْ جُنَّ الْمُرْتَهِنُ قَبَضَ الْوَلِيُّ الرَّهْنَ فَإِنْ لم يُسَلِّمْهُ الرَّاهِنُ وكان مَشْرُوطًا في بَيْعٍ فَعَلَى الْأَصْلَحِ من فَسْخٍ وَإِجَازَةٍ
فَرْعٌ يَبْطُلُ حُكْمُ الرَّهْنِ لِلْعَصِيرِ وَلَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ بِانْقِلَابِهِ خَمْرًا ما دَامَ خَمْرًا لِخُرُوجِهِ عن الْمَالِيَّةِ فإذا تَخَلَّلَ عَادَ رَهْنًا وَلَوْ قبل الْقَبْضِ كما عَادَ مِلْكًا وَلِلْمُرْتَهِنِ الْخِيَارُ في الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فيه الرَّهْنُ بِانْقِلَابِ الْعَصِيرِ خَمْرًا سَوَاءٌ تَخَلَّلَ أَمْ لَا لِنَقْصِ الْخَلِّ عن الْعَصِيرِ في الْأَوَّلِ وَفَوَاتِ الْمَالِيَّةِ في الثَّانِي هذا إنْ كان قبل الْقَبْضِ لَا إنْ كان بَعْدَهُ لِأَنَّهُ تَخَمَّرَ في يَدِهِ فَلَوْ قَبَضَهُ خَمْرًا وَتَخَلَّلَ اسْتَأْنَفَ الْقَبْضَ لِفَسَادِ الْقَبْضِ الْأَوَّلِ بِخُرُوجِ الْعَصِيرِ عن الْمَالِيَّةِ لَا الْعَقْدِ لِوُقُوعِهِ حَالَ الْمَالِيَّةِ وَلَوْ مَاتَتْ الشَّاةُ الْمَرْهُونَةُ في يَدِ الْمُرْتَهِنِ أو الرَّاهِنِ الْمَفْهُومِ بِالْأَوْلَى فَدَبَغَ الْمَالِكُ جِلْدَهَا لم يَعُدْ رَهْنًا لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ حَدَثَتْ بِالْمُعَالَجَةِ بِخِلَافِ الْخَلِّ فَإِنْ قُلْت قد يَحْدُثُ بها أَيْضًا كَنَقْلِهِ من شَمْسٍ إلَى ظِلٍّ وَعَكْسِهِ قُلْت نَادِرٌ فَأُلْحِقَ بِالْغَالِبِ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ الْمَالِكَ مُضِرٌّ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ كما هو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ كما قَالَهُ السُّبْكِيُّ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من أَنَّهُ لو دَبَغَ جِلْدَ مَيْتَةٍ لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَكُونُ مِلْكًا لِلدَّابِغِ نعم إنْ أَعْرَضَ عنه الْمَالِكُ فَدَبَغَهُ غَيْرُهُ فَهُوَ له وَخَرَجَ عن الرَّهْنِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ وَلَوْ أَبَقَ الْمَرْهُونُ أو تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ وَلَوْ قبل الْقَبْضِ لم يَبْطُلْ الرَّهْنُ لِاغْتِفَارِ ما يَقَعُ في الدَّوَامِ وَتَخَمُّرُ الْمَبِيعِ قبل الْقَبْضِ كَتَخَمُّرِ الْمَرْهُونِ بَعْدَهُ في بُطْلَانِ حُكْمِ الْعَقْدِ وَعَوْدِهِ إذَا عَادَ خَلَّا لَا في عَدَمِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ أَيْضًا وَإِنْ اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ وَكَلَامُ الْأَصْلِ سَالِمٌ من ذلك فَصْلٌ في تَخَلُّلِ الْخَمْرِ وَتَخْلِيلِهَا الْخَمْرُ إنْ قُصِدَ بِعَصِيرِهَا الْخَلُّ فَهِيَ مُحْتَرَمَةٌ لَا تُرَاقُ قال في الْأَصْلِ لِأَنَّ اتِّخَاذَ الْخَلِّ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَنْقَلِبُ الْعَصِيرُ إلَى الْحُمُوضَةِ إلَّا بِتَوَسُّطِ الشِّدَّةِ فَلَوْ لم تُحْتَرَمْ وَأُرِيقَتْ في تِلْكَ الْحَالَةِ لِتَعَذُّرِ اتِّخَاذِ الْخَلِّ وَإِنْ قُصِدَ بِهِ الْخَمْرُ أُرِيقَتْ لِعَدَمِ احْتِرَامِهَا وَلِلْأَمْرِ بِإِرَاقَةِ الْخُمُورِ في خَبَرِ أبي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وهو مَحْمُولٌ على غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ وَتَفْسِيرُ الْمُحْتَرَمَةِ بِمَا ذُكِرَ قَالَهُ الشَّيْخَانِ هُنَا وَقَالَا في الْغَصْبِ هِيَ ما اُتُّخِذَتْ لَا بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ وهو أَعَمُّ وَأَوْجَهُ كما قَدَّمْته في بَابِ النَّجَاسَةِ على أَنَّ كَلَامَهُمَا وَكَلَامَ الْمُصَنِّفِ هُنَا
____________________
(2/157)
مُتَدَافِعَانِ في صُورَةِ عَدَمِ الْقَصْدِ وَحَيْثُ اُعْتُبِرَ الْقَصْدُ فَالْعِبْرَةُ بِالْقَصْدِ الذي يَعْقُبُهُ التَّخَمُّرُ كما يُؤْخَذُ من كَلَامِ الْقَاضِي حتى لو عُصِرَ بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ ثُمَّ قبل التَّخَمُّرِ قُصِدَ اتِّخَاذُهُ خَلًّا كانت مُحْتَرَمَةً لَكِنْ نَظَرَ فيه السُّبْكِيُّ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَزُولُ الْقَصْدُ الْمُقْتَرِنُ بِالْفِعْلِ بِالْقَصْدِ الْمُجَرَّدِ فَإِنْ وَقَعَ في الْخَمْرِ وَلَوْ مُحْتَرَمَةً خَلٌّ أو عَيْنٌ أُخْرَى غَيْرُ خَمْرٍ وَلَوْ حَصَاةً وَنَحْوَهَا مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ في التَّخَلُّلِ ثُمَّ انْقَلَبَتْ خَلًّا لم تَطْهُرْ لِمَا مَرَّ مع زِيَادَةٍ في بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَإِنْ وَقَعَ على الْعَصِيرِ عَيْنٌ فَتَخَمَّرَ وَانْقَلَبَتْ الْخَمْرَةُ خَلًّا نَجَّسَتْ أَيْ الْعَيْنُ الْخَلَّ لِتَنَجُّسِهَا بِالْخَمْرِ وَتَعْبِيرُهُ بِوَقَعَ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِطُرِحَ وَيَحْرُمُ الِاسْتِعْجَالُ لِذَلِكَ أَيْ لِلتَّخَلُّلِ بَعْدَ الِاشْتِدَادِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عن أَنَسٍ قال سُئِلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَتَتَّخِذُ الْخَمْرَ خَلًّا قال لَا وَلِخَبَرِ أبي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال عِنْدِي خُمُورٌ لِأَيْتَامٍ قال أَرِقْهَا قال أَلَا أُخَلِّلُهَا قال لَا فَائِدَةٌ إذَا اسْتَحْكَمَتْ الْخَمْرَةُ الْمُحْتَرَمَةُ وَأَيِسَ أَهْلُ الصَّنْعَةِ من عَوْدِهَا خَلًّا إلَّا بِصُنْعِ آدَمِيٍّ قال ابن الرِّفْعَةِ الْأَشْبَهُ فِيمَا نَظُنُّهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إمْسَاكُهَا وَإِنْ وَقَعَ على الْعَصِيرِ خَلٌّ كَثِيرٌ يَمْنَعُهُ التَّخَمُّرَ لم يَضُرَّ وَالْأَضَرُّ كما قَدَّمَهُ في بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَقَدَّمْت ثَمَّ تَوْجِيهَهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ تَعْبِيرَهُ هُنَا بِالْكَثِيرِ وَثَمَّ بِالْغَالِبِ الْمُعَبَّرِ بِهِ في أَصْلِهِ هُنَا جَرَى على الْغَالِبِ وَأَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا يَمْنَعُ التَّخَمُّرَ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ غَالِبًا أَمْ مَغْلُوبًا أَمْ مُسَاوِيًا وَكَلَامُهُ ثَمَّ كَكَلَامِ أَصْلِهِ هُنَا مُتَدَافِعٌ في حَالَةِ التَّسَاوِي إنْ لم يَجْرِ الْكَلَامُ على الْغَالِبِ الْبَابُ الثَّالِثُ في أَحْكَامِ وفي نُسْخَةٍ حُكْمِ الْمَرْهُونِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَطْرَافٍ الْأَوَّلُ الرَّاهِنُ فَبَيْعُهُ وَرَهْنُهُ وَتَزْوِيجُهُ وَنَحْوُهَا لِلْمَرْهُونِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ منها لِمَا في الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ من تَفْوِيتِ التَّوَثُّقِ وَالرَّهْنِ من زَحْمِ الْمُرْتَهِنِ في مَقْصُودِهِ وَالتَّزْوِيجِ وَنَحْوِهِ من نَقْصِ الْمَرْهُونِ وَتَقْلِيلِ الرَّغْبَةِ فيه وَكَذَا إجَارَةُ له يَحِلُّ الدَّيْنُ الْمَرْهُونُ بِهِ قبل انْقِضَائِهَا بِأَنْ يَكُونَ حَالًّا أو مُؤَجَّلًا يَحِلُّ قبل انْقِضَائِهَا وَإِنْ جَوَّزْنَا بَيْعَ الْمُؤَجَّرِ لِأَنَّهَا تَنْقُصُ الْقِيمَةَ وَإِلَّا بِأَنْ حَلَّ بَعْدَ انْقِضَائِهَا أو معه صَحَّتْ إنْ كان الْمُسْتَأْجِرُ عَدْلًا لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ حَالَةَ الْبَيْعِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ صِحَّتُهَا أَيْضًا إذَا احْتَمَلَ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ وَالْمُقَارَنَةَ أو اثْنَيْنِ منها بِأَنْ يُؤْجِرَهُ على عَمَلٍ مُعَيَّنٍ كَبِنَاءِ حَائِطٍ وَفِيهِ نَظَرٌ نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَإِطْلَاقُ الصِّحَّةِ فِيمَا ذُكِرَ ظَاهِرٌ إذَا لم يُؤَثِّرْ ذلك نَقْصًا في الْقِيمَةِ كَبِنَاءٍ وَغِرَاسٍ أو كانت مُدَّةُ تَفْرِيغِ الْمَأْجُورِ لَا تَمْتَدُّ إلَى ما بَعْدَ الْحُلُولِ بِزَمَنٍ طَوِيلٍ أَمَّا لو كان الْأَمْرُ بِخِلَافِ ذلك فَلَا وما قَالَهُ مَعْلُومٌ من قَوْلِهِمْ ليس لِلرَّاهِنِ الِانْتِفَاعُ بِالْمَرْهُونِ بِمَا يَنْقُصُهُ كما سَيَأْتِي فَلَوْ حَلَّ الدَّيْنُ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ لم تَبْطُلْ الْإِجَارَةُ لِوُقُوعِهَا في الِابْتِدَاءِ على الصِّحَّةِ فَيَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ إلَى انْقِضَائِهَا كما يَصِيرُ الْغُرَمَاءُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِتَسْتَوْفِي الْمُعْتَدَّةُ حَقَّ السُّكْنَى جَمْعًا بين الْحَقَّيْنِ وَيُضَارِبُ مع الْغُرَمَاءِ بِدَيْنِهِ في الْحَالِّ وَبَعْدَ انْقِضَائِهَا يَقْضِي بَاقِي دَيْنِهِ من الرَّهْنِ بِمَعْنَى الْمَرْهُونِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِلْغُرَمَاءِ وَقِيلَ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ بِالْحُلُولِ رِعَايَةً لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ أَسْبَقُ وَيُضَارِبُ الْمُسْتَأْجِرُ بِالْأُجْرَةِ الْمَدْفُوعَةِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وفي نُسْخَةٍ بَدَلَ قَوْلِهِ فَيَصِيرُ إلَى آخِرِهِ بَلْ يُبَاعُ الْمَرْهُونُ لِلْمُرْتَهِنِ وَإِنْ لم يَفِ بِالدَّيْنِ وَضَارَبَ بِبَاقِيهِ مع الْغُرَمَاءِ وهو لَا يُوَافِقُ ما في الْأَصْلِ ولم أَرَ له فيه سَلَفًا وَإِنْ كان له وَجْهٌ
وَمَنْ ارْتَهَنَ شيئا فَلَهُ اسْتِئْجَارُهُ مُطْلَقًا كَعَكْسِهِ أَيْ كما له ارْتِهَانُ مُسْتَأْجِرِهِ فَإِنْ كان
____________________
(2/158)
الِاسْتِئْجَارُ قبل الْقَبْضِ لِلْمَرْهُونِ فَسَلَّمَهُ عن الْإِجَارَةِ لم يَقَعْ عن الرَّهْنِ لِأَنَّ قَبْضَهُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ أو سَلَّمَهُ عن الرَّهْنِ وَأَوْجَبْنَا الْبُدَاءَةَ في التَّسْلِيمِ في الْإِجَارَةِ بِالْمُؤَجَّرِ أو لم نُوجِبْهَا وَوَفَّى الْمُكْتَرِي الْأُجْرَةَ أو كانت مُؤَجَّلَةً وَقَعَ عنهما وَإِلَّا فَلَا يَقَعُ عن الْإِجَارَةِ لِأَنَّ الْقَبْضَ فيها مُسْتَحَقٌّ في الشِّقِّ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَإِنْ سَلَّمَهُ عنهما وَقَعَ عنهما كما أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ بِالْأُولَى وَلَوْ أَطْلَقَ قال الزَّرْكَشِيُّ يَنْبَغِي تَنْزِيلُهُ على الْإِجَارَةِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ
فَرْعٌ إذَا أَعْتَقَ الرَّاهِنُ الْمَالِكُ الْمُوسِرُ مَرْهُونًا مَقْبُوضًا عَتَقَ في الْحَالِّ تَشْبِيهًا لِسِرَايَةِ الْعِتْقِ إلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِسِرَايَتِهِ من نَصِيبِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ إلَى الْآخَرِ لِقُوَّةِ الْعِتْقِ بِالسِّرَايَةِ وَغَيْرِهَا مع بَقَاءِ حَقِّ الْوَثِيقَةِ لِأَنَّهُ يَغْرَمُ الْقِيمَةَ وَتَصِيرُ رَهْنًا كما قال وَغَرِمَ قِيمَتَهُ أَيْ وَقْتَ إعْتَاقِهِ وَتَصِيرُ من حِينِ غُرْمِهَا رَهْنًا أَيْ مَرْهُونَةً من غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى عَقْدٍ وَإِنْ حَلَّ الدَّيْنُ كما عَبَّرَ بِذَلِكَ الْإِمَامُ وهو مُرَادٌ من عَبَّرَ هُنَا وفي الْفَرْعِ الْآتِي بِأَنَّهَا تُجْعَلُ رَهْنًا أو تَصَرَّفَ في قَضَاءِ دَيْنِهِ إنْ حَلَّ وما ذَكَرَهُ من التَّخْيِيرِ فِيمَا إذَا حَلَّ الدَّيْنُ هو الْأَوْجَهُ الْمُوَافِقُ لِبَحْثِ الشَّيْخَيْنِ هُنَا وَلِإِطْلَاقِهِمَا فِيمَا يَأْتِي في أَرْشِ الْبَكَارَةِ لَكِنَّ مَنْقُولَهُمَا هُنَا عن الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلرَّهْنِ في ذلك وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ في نُسْخَةٍ وَتَصَرَّفَ بِالْوَاوِ وَالْمُرَادُ بِالْمُوسِرِ الْمُوسِرُ بِقِيمَةِ الْمَرْهُونِ فَإِنْ أَيْسَرَ بِبَعْضِهَا عَتَقَ الْقَدْرُ الذي أَيْسَرَ بِقِيمَتِهِ قال الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وإذا نَفَّذْنَا إعْتَاقَ الْمُوسِرِ كان إقْدَامُهُ عليه جَائِزًا كما اقْتَضَاهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ انْتَهَى وَاقْتَضَاهُ أَيْضًا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ في بَابِ النَّذْرِ لَكِنْ نُقِلَ عن الْإِمَامِ في بَحْثِ التَّنَازُعِ في جِنَايَةِ الْمَرْهُونِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ إقْدَامُهُ عليه وَلَا يَنْفُذُ عِتْقُ مُعْسِرٍ
وَلَوْ انْفَكَّ الرَّهْنُ بِإِبْرَاءٍ أو غَيْرِهِ لِعَجْزِهِ وَلَوْ اسْتَعَارَ من يَعْتِقُ عليه لِيَرْهَنَهُ فَرَهَنَهُ ثُمَّ وَرِثَهُ هل يَعْتِقُ عليه لِأَنَّهُ عِتْقٌ قَهْرِيٌّ من الشَّرْعِ أو لَا لِتَعَلُّقِ الْوَثِيقَةِ بِهِ أو يُقَالُ إنْ كان مُوسِرًا عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا فيه نَظَرٌ وَلَوْ عَلَّقَهُ أَيْ الرَّاهِنُ الْعِتْقَ بِفَكَاكِ الرَّهْنِ بِفَتْحِ الْفَاءِ أَشْهَرُ من كَسْرِهَا فَانْفَكَّ عَتَقَ إذْ لم يُوجَدْ حَالَ الرَّهْنِ إلَّا التَّعْلِيقُ وهو لَا يَضُرُّ أو عَلَّقَهُ بِصِفَةٍ أُخْرَى فَوُجِدَتْ وقد انْفَكَّ الرَّهْنُ بِأَنْ انْفَكَّ مع وُجُودِهَا أو قَبْلَهُ عَتَقَ أَيْضًا لِمَا مَرَّ أو وُجِدَتْ وهو مَرْهُونٌ فَكَعِتْقِهِ بِمَعْنَى إعْتَاقِهِ فَيَعْتِقُ من الْمُوسِرِ دُونَ الْمُعْسِرِ ثُمَّ وَقْفُهُ أَيْ الرَّاهِنُ لِلْمَرْهُونِ بَاطِلٌ لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ وَإِنْ رَهَنَ نِصْفَ عَبْدٍ ثُمَّ أَعْتَقَ نِصْفَهُ فَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَهُ الْمَرْهُونَ عَتَقَ مع بَاقِيهِ على الْمُوسِرِ دُونَ الْمُعْسِرِ أو أَعْتَقَ نِصْفَهُ غير الْمَرْهُونِ أو أَطْلَقَ عِتْقَ غَيْرِ الْمَرْهُونِ من الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ وَسَرَى إلَى الْمَرْهُونِ على الْمُوسِرِ دُونَ الْمُعْسِرِ لِأَنَّهُ يَسْرِي إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ فَمِلْكُهُ أَوْلَى وَيَنْفُذُ عِتْقُ الْمَرْهُونِ من الْمُوسِرِ عن كَفَّارَتِهِ لَا عن كَفَّارَةِ غَيْرِهِ بِسُؤَالِهِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ إنْ وَقَعَ بِعِوَضٍ وَإِلَّا فَهِبَةً وهو مَمْنُوعٌ مِنْهُمَا وَأَوْرَدَ عليه ما لو مَاتَ الرَّاهِنُ فَانْتَقَلَتْ الْعَيْنُ إلَى وَارِثِهِ فَأَعْتَقَهَا عن مُوَرِّثِهِ وَكَذَا إذَا لم يَرْهَنْهُ وَلَكِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فإنه يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ مَرْهُونًا وَمَعَ ذلك يَجُوزُ إعْتَاقُهُ عن مُوَرِّثِهِ كما هو حَاصِلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ في بَابِ الْوَصِيَّةِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ إعْتَاقَهُ كَإِعْتَاقِهِ وَلَا تُرَدَّانِ لِأَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ مُوَرِّثِهِ فَفِعْلُهُ كَفِعْلِهِ في ذلك وَلِأَنَّ الْكَلَامَ في إعْتَاقِ الرَّاهِنِ نَفْسَهُ وفي الرَّهْنِ الْجُعْلِيِّ لَا غَيْرُهُمَا ثُمَّ ظَاهِرٌ أَنَّ الْإِعْتَاقَ عن الْمُرْتَهِنِ جَائِزٌ كَالْبَيْعِ منه
____________________
(2/159)
فَصْلٌ يَحْرُمُ عليه أَيْ الرَّاهِنِ وَطْءُ مَرْهُونَةٍ وَلَوْ ثَيِّبًا لَا تَحْبَلُ لِخَوْفِ الْحَبَلِ فِيمَنْ تَحْبَلُ وَحَسْمًا لِلْبَابِ في غَيْرِهَا نعم لو خَافَ الزِّنَا لو لم يَطَأْهَا فَلَهُ وَطْؤُهَا فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّهُ كَالْمُضْطَرِّ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَخَرَجَ بِالرَّاهِنِ الزَّوْجُ بِأَنْ رُهِنَتْ زَوْجَتُهُ وَلَوْ بِأَنْ يَكُونَ اسْتَعَارَهَا هو لِلرَّهْنِ لَكِنْ قَيَّدَ الْأَذْرَعِيُّ الْأَخِيرَةَ بِأَنْ تَكُونَ حَامِلًا منه قال فَلَهُ وَطْؤُهَا ما دَامَتْ حَامِلًا وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ وَخَرَجَ بِالْوَطْءِ بَقِيَّةُ التَّمَتُّعَاتِ فَلَا تَحْرُمُ عليه وَبِهِ حَرَّمَ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَجَمَاعَةٌ منهم الرَّافِعِيُّ في الِاسْتِبْرَاءِ وقال الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ بِحُرْمَتِهَا أَيْضًا خَوْفَ الْوَطْءِ وقد يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الثَّانِي على ما إذَا خَافَ الْوَطْءَ وَالْأَوَّلِ على ما إذَا أَمِنَهُ فَإِنْ وَطِئَ الرَّاهِنُ لم يَلْزَمْهُ مع التَّعْزِيرِ بِشَرْطِهِ سِوَى أَرْشِ الْبَكَارَةِ في الْبِكْرِ لِإِتْلَافِهِ جُزْءَ الْمَرْهُونِ فَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُهُ من حَدٍّ وَمَهْرٍ لِأَنَّهُ أَصَابَ مِلْكَهُ وَلِهَذَا لو وَطِئَهَا غَيْرُهُ كان الْمَهْرُ له بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ لو وَطِئَهَا سَيِّدُهَا أو غَيْرُهُ كان الْمَهْرُ لها لِاسْتِقْلَالِهَا ثُمَّ الرَّاهِنِ فِيمَا لَزِمَهُ من الْأَرْشِ يَرْهَنُهُ أو يَقْضِيهِ أَيْ يَقْضِي منه دَيْنَهُ وفي نُسَخٍ أو يُقَبِّضُهُ أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ من دَيْنِهِ فَيُقْرَأُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَإِحْبَالُهُ كَإِعْتَاقِهِ فَيَنْفُذُ من الْمُوسِرِ دُونَ الْمُعْسِرِ
وَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا وَتَكُونُ رَهْنًا أو تُصْرَفُ في قَضَاءِ دَيْنِهِ إنْ حَلَّ وَوَلَدُهُ منها حُرٌّ نَسِيبٌ وَلَا قِيمَةَ عليه كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ثُمَّ إنْ لم يَسْتَغْرِقْهَا الدَّيْنُ فَيُبَاعُ على الْمُعْسِرِ منها بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَإِنْ نَقَصَهَا التَّشْقِيصُ رِعَايَةً لِحَقِّ الْإِيلَادِ وَيَنْفَكُّ الرَّهْنُ عن بَاقِيهَا وَيَسْتَقِرُّ الْإِيلَادُ فيها وَالنَّفَقَةُ على الْمُشْتَرِي وَالْمُوَلِّدِ بِحَسَبِ نَصِيبِهِمَا وَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ ذَكَرَ ذلك الْأَصْلَ بِخِلَافِ غَيْرِهَا من نَحْوِ رَقِيقٍ رُهِنَ بِخَمْسِينَ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وكان لَا يُشْتَرَى نِصْفُهُ إلَّا بِأَرْبَعِينَ وَيُشْتَرَى الْكُلُّ بِمِائَةٍ فَلَا يُبَاعُ منه بِقَدْرِ الدَّيْنِ بَلْ يُبَاعُ كُلُّهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عن الْمَالِكِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَبِهِ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ لَكِنْ لَا يُبَاعُ شَيْءٌ من الْمُسْتَوْلَدَةِ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَضَعَ وَلَدَهُ لِأَنَّهَا حَامِلٌ بِحُرٍّ وبعد أَنْ تَسْقِيَهُ اللُّبَا وَتُوجِدَ مُرْضِعَةً خَوْفًا من أَنْ يُسَافِرَ بها الْمُشْتَرِي فَيَهْلِكُ الْوَلَدُ وَقِيَاسُ ما مَرَّ في إجَارَتِهَا أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُضَارِبَ مع الْغُرَمَاءِ في مُدَّةِ الصَّبْرِ فَإِنْ اسْتَغْرَقَهَا الدَّيْنُ أو عَدَمُ مُشْتَرِي الْبَعْضِ بِيعَتْ كُلُّهَا بَعْدَمَا ذَكَرَ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ في الْأُولَى وَلِلضَّرُورَةِ في الثَّانِيَةِ وإذا بِيعَ بَعْضُهَا أو كُلُّهَا عِنْدَ وُجُودِ مُرْضِعَةٍ فَلَا يُبَالِي بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ حُرٌّ وَلَيْسَ له أَيْ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَهَبَهَا لِلْمُرْتَهِنِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ فإذا مَلَكَهَا بَعْدَ الْبَيْعِ في الدَّيْنِ أو انْفَكَّ الرَّهْنُ عنها بِغَيْرِ بَيْعٍ كما فُهِمَ بِالْأُولَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ نَفَذَ اسْتِيلَادُهُ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ قَوْلٌ يَقْتَضِي الْعِتْقَ في الْحَالِّ فإذا رُدَّ لَغَا وَالْإِيلَادُ فِعْلٌ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ في الْحَالِّ لِحَقِّ الْغَيْرِ فإذا زَالَ حَقُّ الْغَيْرِ ثَبَتَ حُكْمُهُ
فَرْعٌ وَلَوْ مَاتَتْ هذه الْأَمَةُ التي أَوْلَدَهَا الرَّاهِنُ بِالْوِلَادَةِ أو نَقَصَتْ بها وهو مُعْسِرٌ حَالَ الْإِيلَادِ فَأَيْسَرَ طُولِبَ بِقِيمَتِهَا في الْأُولَى وَكَانَتْ رَهْنًا مَكَانَهَا أو بِالْأَرْشِ في الثَّانِيَةِ وكان رَهْنًا مَعَهَا لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ إلَى إهْلَاكِهَا أو نَقْصِهَا بِالْإِحْبَالِ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ وَلَهُ أَنْ يَصْرِفَ ذلك في قَضَاءِ دَيْنِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَمَوْتُ أَمَةِ الْغَيْرِ بِالْوِلَادَةِ من وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ لَا زِنَا وَلَوْ كان الزِّنَا إكْرَاهًا أَيْ بِهِ يُوجِبُ قِيمَةَ الْأَمَةِ لِمَا مَرَّ لَا مَوْتُ حُرَّةٍ بِالْوِلَادَةِ وَلَوْ من شُبْهَةٍ فَلَا يُوجِبُ دِيَةَ الْحُرَّةِ لِأَنَّ الْوَطْءَ سَبَبٌ ضَعِيفٌ
____________________
(2/160)
وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ في الْأَمَةِ لِأَنَّ الْوَطْءَ سَبَبُ الِاسْتِيلَاءِ عليها وَالْعَلُوقُ من آثَارِهِ فَأَدَمْنَا بِهِ الْيَدَ وَالِاسْتِيلَاءَ وَالْحُرَّةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ وَالِاسْتِيلَاءِ أَمَّا الْمَوْتُ بِالْوِلَادَةِ بِالزِّنَا فَلَا يُوجِبُ شيئا لِأَنَّهَا في الزِّنَا لَا تُضَافُ إلَى وَطْئِهِ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَطَعَ نَسَبَ الْوَلَدِ عنه وَلَوْ مَاتَتْ زَوْجَتُهُ بِالْوِلَادَةِ فَلَا ضَمَانَ لِتَوَلُّدِهِ من مُسْتَحَقٍّ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ وَالْوَاجِبُ فِيمَا إذَا أَوْجَبْنَا الْقِيمَةَ قِيمَةُ يَوْمِ وفي نُسْخَةٍ وَقْتِ الْإِحْبَالِ لِأَنَّهُ سَبَبُ التَّلَفِ كما لو جَرَحَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَبَقِيَ ضِمْنًا حتى مَاتَ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ لَزِمَهُ مِائَةٌ
فَصْلٌ لِلرَّاهِنِ انْتِفَاعٌ لَا يَنْقُصُ الرَّهْنَ أَيْ الْمَرْهُونَ كَرُكُوبٍ وَسُكْنَى وَاسْتِخْدَامٍ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ الظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إذَا كان مَرْهُونًا وَلِخَبَرِ الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلُبْسٍ وَإِنْزَاءِ فَحْلٍ لَا يَنْقُصَانِهِ أَيْ الْمَرْهُونَ وَإِنْزَاءٍ على أُنْثَى يَحِلُّ الدَّيْنُ قبل ظُهُورِ حَمْلِهَا أو تَلِدُ قبل حُلُولِهِ لَا إنْ حَلَّ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ ظُهُورِ حَمْلِهَا ولم تَلِدْ قبل الْحُلُولِ فَلَيْسَ له الْإِنْزَاءُ عليها لِامْتِنَاعِ بَيْعِهَا دُونَهُ أَيْ الْحَمْلِ وهو غَيْرُ مَرْهُونٍ وَلَا يُؤَثِّرُ احْتِمَالُ بَيْعِهَا معه بِغَيْرِ تَوْزِيعٍ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لم يَلْتَزِمْهُ وَحَيْثُ أَنْزَى عليها فَظَهَرَ بها حَمْلٌ قبل الْبَيْعِ امْتَنَعَ بَيْعُهَا دُونَهُ قبل الْوَضْعِ أو بَعْدَ الْبَيْعِ فَالظَّاهِرُ تَبَيُّنُ بُطْلَانِهِ وَحَيْثُ أَخَذَ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَ لِلِانْتِفَاعِ الْجَائِزِ فَتَلِفَ في يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ عليه كما صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ في الْبَحْرِ وَلَيْسَ له السَّفَرُ بِهِ وَإِنْ قَصُرَ سَفَرُهُ لِمَا فيه من الْخَطَرِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لو دَعَتْ ضَرُورَةٌ إلَى السَّفَرِ بِهِ كَأَنْ جَلَا أَهْلُ الْبَلَدِ لِخَوْفٍ أو قَحْطٍ أو نَحْوِهِ كان له السَّفَرُ بِهِ وَلَا الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ في الْأَرْضِ الْمَرْهُونَةِ وَلَوْ كان الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا ولم يَلْتَزِمْ قَلْعَهُمَا عِنْدَ فَرَاغِ الْأَجَلِ لِنَقْصِ الْقِيمَةِ بِذَلِكَ قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ
وَيُشْبِهُ أَنْ يُسْتَثْنَى الْبِنَاءُ الْخَفِيفُ على وَجْهِ الْأَرْضِ بِاللَّبِنِ وَنَحْوِهِ كَمِظَلَّةِ النَّاطُورِ لِأَنَّهُ يُزَالُ عن قُرْبٍ كَالزَّرْعِ وَلَا تَنْقُصُ بِهِ الْقِيمَةُ وَلَهُ زِرَاعَةُ ما يُدْرِكُ قبل حُلُولِ الدَّيْنِ أو معه فِيمَا يَظْهَرُ إنْ لم تَنْقُصْ أَيْ الزِّرَاعَةُ قِيمَةَ الْأَرْضِ إذْ لَا ضَرَرَ على الْمُرْتَهِنِ وَإِلَّا بِأَنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا أو كان الزَّرْعُ مِمَّا يُدْرَكُ بَعْدَ الْحُلُولِ فَلَا يَجُوزُ له ذلك لِضَرَرِ الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ حَلَّ الدَّيْنُ في الشِّقِّ الْأَوَّلِ قبل إدْرَاكِهِ أَيْ الزَّرْعِ لِعَارِضٍ تُرِكَ إلَى الْإِدْرَاكِ فَإِنْ بَنَى أو غَرَسَ حَيْثُ مَنَعْنَاهُ لم يَقْلَعْ إلَّا عِنْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْبَيْعِ وهو بَعْدَ الْحُلُولِ إنْ زَادَتْ قِيمَتُهَا أَيْ الْأَرْضِ بِالْقَلْعِ على قِيمَتِهَا بِدُونِهِ في قَضَاءِ دَيْنِ الْغَرِيمِ سَوَاءٌ أَحَصَلَ بِالزِّيَادَةِ وَفَاءُ الدَّيْنِ أَمْ لَا فَعُلِمَ أَنَّهُ إذَا لم يَحِلَّ الدَّيْنُ أو حَلَّ ولم تَزِدْ الْقِيمَةُ بِالْقَلْعِ أو زَادَتْ على ما يَقْضِي الدَّيْنَ لَا يَقْلَعُ إذْ لَا فَائِدَةَ فيه وَلِأَنَّهُ في الْأُولَى رُبَّمَا يَقْضِي الدَّيْنَ من مَحِلٍّ آخَرَ وَمَحِلِّ قَلْعِهِ فِيمَا قَالَهُ إذَا لم يَأْذَنْ الرَّاهِنُ في بَيْعِهِ مع الْأَرْضِ فَإِنْ أَذِنَ في بَيْعِهِ مَعَهَا بِيعَا وَوَزَّعَ الثَّمَنَ كما في رَهْنِ الْأُمِّ دُونَ وَلَدِهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْأَرْضِ بَيْضَاءَ أَكْثَرَ من قِيمَتِهَا مع ما فيها فَيُكَلَّفُ الْقَلْعَ فَإِنْ حُجِرَ عليه أَيْ الرَّاهِنِ بِفَلَسٍ فَقَدْ مَرَّ في فَصْلٍ يَصِحُّ رَهْنُ الْجَارِيَةِ
____________________
(2/161)
أَنَّهُ لَا يَقْلَعُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِمَا في الْأَرْضِ وَأَنَّهُمَا يُبَاعَانِ مَعًا وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَعَلَى ما رَجَّحَهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ جَزَمَ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمْ وفي نُسْخَةٍ بَدَّلَ قَوْلَهُ فَقَدْ مَرَّ فَوَجْهَانِ فَعَلَيْهَا لَا زِيَادَةَ فَصْلٌ الْيَدُ على الْمَرْهُونِ بَعْدَ الْقَبْضِ لِلْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهَا الرُّكْنُ الْأَعْظَمُ في التَّوَثُّقِ وَلِلْمَالِكِ أَخْذُهُ منه عِنْدَ حَاجَتِهِ لِانْتِفَاعِهِ بِهِ بِنَفْسِهِ أو غَيْرِهِ مع بَقَائِهِ إنْ كان له مَنْفَعَةٌ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا وهو معه أَيْ الْمُرْتَهِنِ كَرُكُوبٍ وَخِدْمَةٍ وَسُكْنَى بِخِلَافِ ما إذَا كان يُمْكِنُ ذلك وهو معه كَحِرْفَةٍ لِلْعَبْدِ يُمْكِنُ أَنْ يَعْمَلَهَا في يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَأْخُذُهُ الرَّاهِنُ لِعَمَلِهَا جَمْعًا بين الْحَقَّيْنِ وَلَهُ أَخْذُهُ لِلْخِدْمَةِ كما سَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ في كَلَامِهِ وَبِخِلَافِ ما إذَا كان الِانْتِفَاعُ بِهِ بِتَفْوِيتِهِ كَنَقْدٍ فَلَا يَأْخُذُهُ لِذَلِكَ أَصْلًا وَلَهُ إنْ لم يَثِقْ بِهِ كما في الْأَصْلِ تَكْلِيفُهُ الْإِشْهَادَ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِذَلِكَ أَيْ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ لِئَلَّا يَجْحَدَ الرَّهْنَ لَا كُلَّ مَرَّةٍ لِلْمَشَقَّةِ إنْ كان عَدْلًا ظَاهِرًا وَإِلَّا فَيُكَلِّفُهُ ذلك كُلَّ مَرَّةٍ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَالرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَجِبُ الْإِشْهَادُ على الْعَدْلِ لَكِنْ لَا كُلَّ مَرَّةٍ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمَفْهُومُ من كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عليه أَصْلًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ الرَّافِعِيُّ في آخِرِ كَلَامِهِ نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ وإذا أَشْهَدَ قال الشَّيْخَانِ يُشْهِدُ شَاهِدَيْنِ قال في الْمَطْلَبِ أو رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ لِأَنَّهُ في الْمَالِ وَقَاسَهُ الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدٍ مع الْيَمِينِ كما اكْتَفَى هو بِهِ في الْفَسْخِ بِعَيْبِ الْمَبِيعِ كما مَرَّ وَلَا يُعْطَى الرَّاهِنُ الْجَارِيَةَ إلَّا إنْ أُمِنَ غَشَيَانُهُ لها لِكَوْنِهِ مَحْرَمًا أو ثِقَةً له أَهْلٌ أو نَحْوَهُ بِأَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ زَوْجَةٌ أو أَمَةٌ أو مَحْرَمٌ أو نِسْوَةٌ يُؤْمَنُ مَعَهُنَّ منه عليها كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ في وَضْعِهَا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُؤَجِّرَهُ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ وَأَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ في يَدِ الْمُرْتَهِنِ لم تَزُلْ يَدُهُ وَإِلَّا أُزِيلَتْ فَإِنْ أَرَادَ اسْتِخْدَامَهُ في شَيْءٍ آخَرَ يُحْوِجُ إلَى خُرُوجِهِ من يَدِ الْمُرْتَهِنِ أُجِيبَ وما لَا يَدُومُ اسْتِيفَاءُ مَنَافِعِهِ عِنْدَ الرَّاهِنِ يَرُدُّهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ عِنْدَ الِاكْتِفَاءِ بِمَا انْتَفَعَ بِهِ منه فَيَرُدُّ الْخَادِمَ وَالْمَرْكُوبَ اللَّذَيْنِ يَنْتَفِعُ بِهِمَا في النَّهَارِ لَيْلًا أَيْ في الْوَقْتِ الذي جَرَتْ الْعَادَةُ بِالرَّاحَةِ فيه كما قَالَهُ الْإِمَامُ وابن الرِّفْعَةِ لِزَوَالِ حَاجَتِهِ قال وَإِنَّمَا لم يَرُدَّهُ وَقْتَ الْقَيْلُولَةِ في الصَّيْفِ لِمَا فيه من الْمَشَقَّةِ الظَّاهِرَةِ ويرد الْحَارِسَ الذي يَنْتَفِعُ بِهِ في اللَّيْلِ نَهَارًا لِمَا مَرَّ وَذِكْرُ الْحَارِسِ مِثَالٌ أَمَّا ما يَدُومُ اسْتِيفَاءُ مَنَافِعِهِ فَلَا رَدَّ فيه فَرْعٌ لَا تُزَالُ يَدُ الْبَائِعِ عن الْمَحْبُوسِ بِالثَّمَنِ لِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِهِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ بَلْ يَسْتَكْسِبُ في يَدِهِ لِلْمُشْتَرِي وَتَعْبِيرُهُ بِالْمَحْبُوسِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْعَبْدِ الْمَحْبُوسِ فَرْعٌ فَإِنْ أَذِنَ له الْمُرْتَهِنُ فِيمَا مَنَعَ منه لِأَجْلِهِ نَفَذَ فيه تَصَرُّفُهُ لِأَنَّ الْمَنْعَ كان لِحَقِّهِ وقد زَالَ بِإِذْنِهِ وَإِحْبَالُهُ هو دَاخِلٌ في تَصَرُّفِهِ وَبَطَلَ الرَّهْنُ بِذَلِكَ قال في الذَّخَائِرِ فَلَوْ أَذِنَ له في الْوَطْءِ فَوَطِئَ ثُمَّ أَرَادَ الْعَوْدَ إلَيْهِ مُنِعَ لِأَنَّ الْإِذْنَ يَتَضَمَّنُ أَوَّلَ مَرَّةٍ إلَّا أَنْ تَحْبَلَ من تِلْكَ الْوَطْأَةِ فَلَا مَنْعَ لِأَنَّ الرَّهْنَ قد بَطَلَ قال الْأَذْرَعِيُّ فَإِنْ صَحَّ ما ذَكَرَهُ فَيُقَاسُ بِهِ ما في مَعْنَاهُ مِمَّا يَتَعَاقَبُ قال
____________________
(2/162)
ثُمَّ رَأَيْت كَلَامَ غَيْرِهِ يُفْهِمُ خِلَافَ قَوْلِهِ حَيْثُ قال وَلَوْ كان مِمَّا يَتَكَرَّرُ مع بَقَاءِ الْمِلْكِ كَالْوَطْءِ إذَا أَذِنَ فيه وَوَطِئَ ولم تَحْبَلْ فَلَهُ الرُّجُوعُ أَيْضًا لِيَمْتَنِعَ من الْوَطْءِ بَعْدَهُ فَإِنْ رَجَعَ الْمُرْتَهِنُ عن إذْنِهِ لِلرَّاهِنِ قبل التَّصَرُّفِ وَلَوْ لم يَعْلَمْ الرَّاهِنُ الرُّجُوعَ حتى تَصَرَّفَ بِغَيْرِ إعْتَاقِهِ وَإِيلَادِهِ وهو مُوسِرٌ لم يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ لِخُلُوِّهِ عن الْإِذْنِ وَرُجُوعُ الْمُرْتَهِنِ عن إذْنِهِ جَائِزٌ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لِبَقَاءِ حَقِّهِ كما أَنَّ لِلْمَالِكِ الرُّجُوعَ قبل تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ وَلِلْمُرْتَهِنِ الرُّجُوعُ فِيمَا وَهَبَ الرَّاهِنُ بِإِذْنِهِ في الْهِبَةِ وَلَوْ مع الْقَبْضِ قبل قَبْضِ الْهِبَةِ بِمَعْنَى الْمَوْهُوبِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَتِمُّ بِالْقَبْضِ وَمِثْلُهَا الرَّهْنُ لَا فِيمَا بَاعَ أَيْ لَا يَرْجِعُ فيه في مُدَّةِ الْخِيَارِ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَبْنِيٌّ على اللُّزُومِ وَالْخِيَارُ دَخِيلٌ فيه إنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ في حَقِّ من له الْخِيَارُ وَمَتَى تَصَرَّفَ كَأَنْ أَحْبَلَ أو أَعْتَقَ وَادَّعَى الْإِذْنَ وَأَنْكَرَهُ الْمُرْتَهِنُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ وَبَقَاءُ الرَّهْنِ فَإِنْ حَلَفَ فَهُوَ كما لو تَصَرَّفَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَوْ نَكَلَ حَلَفَ الرَّاهِنُ وكان كما لو تَصَرَّفَ بِإِذْنِهِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْعَتِيقُ وَالْمُسْتَوْلَدَةُ لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْحَقَّ لِأَنْفُسِهِمَا بِخِلَافِهِ في نُكُولِ الْمُفْلِسِ أو وَارِثِهِ حَيْثُ لَا يَحْلِفُ الْغُرَمَاءُ لِأَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ الْحَقَّ لِلْمُفْلِسِ أَوَّلًا وإذا اخْتَلَفَ في ذلك أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ وَوَرِثَهُ الْآخَرُ يَحْلِفُ وَرَثَةُ الْمُرْتَهِنِ على نَفْيِ الْعِلْمِ وَوَرَثَةُ الرَّاهِنِ على الْبَتِّ وَلَا يَثْبُتُ الْإِذْنُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ فَلَا يَثْبُتُ بِغَيْرِهِمَا كَشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ أو شَاهِدٍ وَيَمِينٍ كَالْوَكَالَةِ وَالْوِصَايَةِ
فَرْعٌ لو أَتَتْ أَيْ الْأَمَةُ الْمَرْهُونَةُ بِوَلَدٍ فَادَّعَى الرَّاهِنُ اسْتِيلَادَهَا بِالْإِذْنِ من الْمُرْتَهِنِ صَدَقَ بِلَا يَمِينٍ إنْ اعْتَرَفَ له الْمُرْتَهِنُ بِالْإِذْنِ في الْوَطْءِ وَبِالْوَطْءِ وَبِمُدَّةِ إمْكَانِ الْوِلَادَةِ أَيْ بِمُضِيِّهَا وَبِالْوِلَادَةِ لِأَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِأَنَّ الْوَلَدَ منه لم يُقْبَلْ رُجُوعُهُ فَكَيْفَ يَحْلِفُ عليه وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَعْتَرِفْ له بِمَجْمُوعِ الْأَرْبَعَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَبَقَاءُ الرَّهْنِ
فَرْعٌ إذَا أَذِنَ له في بَيْعِ الرَّهْنِ أَيْ الْمَرْهُونِ فَبَاعَهُ وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ فَلَا شَيْءَ له على الرَّاهِنِ من قِيمَتِهِ لِيَكُونَ رَهْنًا مَكَانَهُ لِبُطْلَانِ الرَّهْنِ أو حَالَ قَضَى حَقَّهُ منه أَيْ من ثَمَنِهِ وَحَمَلَ إذْنَهُ الْمُطْلَقَ على الْبَيْعِ في غَرَضِهِ لِمَجِيءِ وَقْتِهِ وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ فَيَكُونُ الرَّاهِنُ مَحْجُورًا عليه في الثَّمَنِ إلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ فَصُورَتُهُ كما قال الزَّرْكَشِيُّ أَنْ يَأْذَنَ في بَيْعِهِ لِيَأْخُذَ حَقَّهُ أو يُطْلِقَ فَإِنْ قال بِعْهُ وَلَا آخُذُ حَقِّي منه بَطَلَ الرَّهْنُ وإذا أَذِنَ له في الْبَيْعِ أو الْعِتْقِ بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ بِشَرْطِ كَوْنِ أو جَعْلِ الثَّمَنِ في الْبَيْعِ أو الْقِيمَةِ في الْعِتْقِ رَهْنًا بَطَلَ الْبَيْعُ لِفَسَادِ الْإِذْنِ كما سَيَأْتِي سَوَاءٌ أَكَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَمْ مُؤَجَّلًا نعم قال الْإِسْنَوِيُّ لَا وَجْهَ لِلْبُطْلَانِ في الْحَالِّ فِيمَا إذَا شَرَطَ كَوْنَ الثَّمَنِ رَهْنًا لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْإِذْنِ بِخِلَافِهِ فِيمَا إذَا شَرَطَ رَهْنَهُ أو جَعْلَهُ رَهْنًا لِأَنَّ رَهْنَ الْمَرْهُونِ مُحَالٌ وبطل الْإِذْنُ لِفَسَادِ الشَّرْطِ كما لو أَذِنَ بِشَرْطِ أَنْ يَرْهَنَ بِهِ مَالًا آخَرَ وبطل عِتْقُ الْمُعْسِرِ دُونَ عِتْقِ الْمُوسِرِ لِمَا مَرَّ وَكَالْإِذْنِ في الْإِعْتَاقِ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ الْإِذْنُ في الْوَطْءِ بهذا الشَّرْطِ إنْ أَحْبَلَ وَالتَّصْرِيحُ بِبُطْلَانِ عِتْقِ الْمُعْسِرِ من زِيَادَتِهِ في أَكْثَرِ النُّسَخِ
وَكَذَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَالْإِذْنُ لو شَرَطَ أَنْ يُوَفِّيَهُ من الثَّمَنِ وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ لِفَسَادِ الشَّرْطِ لِعَدَمِ لُزُومِ تَعْجِيلِ الْمُؤَجَّلِ بِالشَّرْطِ بِخِلَافِهِ في الْحَالِّ وَاسْتَشْكَلَ الْبُطْلَانُ في ذلك بِالصِّحَّةِ فِيمَا لو وَكَّلَ
____________________
(2/163)
وَكِيلًا بِالْبَيْعِ على أَنَّ له عُشْرَ ثَمَنِهِ مع فَسَادِ الشَّرْطِ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لم يَجْعَلْ لِنَفْسِهِ في مُقَابَلَةِ إذْنِهِ شيئا وَإِنَّمَا شَرَطَ جُعْلًا مَجْهُولًا فَاقْتَصَرَ الْفَسَادُ عليه حتى يَجِبَ أَجْرُ الْمِثْلِ لِلْوَكِيلِ وَهُنَا الْمُرْتَهِنُ شَرَطَ لِنَفْسِهِ في مُقَابَلَةِ إذْنِهِ رَهْنَ الثَّمَنِ أو تَعْجِيلَ الدَّيْنِ فَبِفَسَادِهِ يَفْسُدُ مُقَابِلُهُ لَكِنْ قالوا فِيمَا لو صَالَحَ الرَّاهِنُ عن أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِغَيْرِ الْجِنْسِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ صَحَّ وكان الْمَأْخُوذُ رَهْنًا ولم يَقُولُوا إنَّهُ إذَا شَرَطَ في الصُّلْحِ رَهْنَ الْمُصَالَحِ عليه يَبْطُلُ قال الرَّافِعِيُّ وَالْقِيَاسُ التَّسْوِيَةُ فإن الصُّلْحَ بَيْعٌ قال في الْمَطْلَبِ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْوَثِيقَةِ هُنَاكَ الْبَدَلُ فلم يَكُنْ فَرَّقَ بين الْأَرْشِ وَالْمُصَالَحِ عليه بِخِلَافِهِ هُنَا فإن فيه نَقْلَ وَثِيقَةٍ من عَيْنٍ إلَى عَيْنٍ وهو مُمْتَنِعٌ وَكَيْفَ لَا وَالْمَرَاوِزَةُ يَقُولُونَ إنَّ الْأَرْشَ لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ مَرْهُونًا قبل الْقَبْضِ وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ في الْبَيْعِ انْتَهَى وقد يُقَالُ يُحْمَلُ ما هُنَاكَ على ما هُنَا وَأَوْلَى من ذلك كُلِّهِ أَنْ يُقَالَ ما هُنَاكَ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْإِذْنِ وَلَوْ اخْتَلَفَا في اشْتِرَاطِهِ بِأَنْ قال الْمُرْتَهِنُ أَذِنْت بِشَرْطِ أَنْ تَرْهَنَ الثَّمَنَ أو تُوَفِّيَ منه الدَّيْنَ وهو مُؤَجَّلٌ وقال الرَّاهِنُ بَلْ أَذِنْت مُطْلَقًا
صَدَقَ الْمُرْتَهِنُ بِيَمِينِهِ كما لو اخْتَلَفَا في أَصْلِ الْإِذْنِ وَقَوْلُهُ بِيَمِينِهِ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ كان الِاخْتِلَافُ قبل الْبَيْعِ فَلَيْسَ له الْبَيْعُ أو بَعْدَ الْبَيْعِ وَحَلَفَ الْمُرْتَهِنُ وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي أو أَقَرَّ بِالرَّهْنِ وَصَدَّقَ الرَّاهِنُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَالرَّهْنُ بَاقٍ بِحَالِهِ وَإِنْ أَنْكَرَ أَصْلَ الرَّهْنِ حَلَفَ وَعَلَى الرَّاهِنِ قِيمَتُهُ فَإِنْ أَقَامَ الْمُرْتَهِنُ بَيِّنَةً بِالرَّهْنِ فَهُوَ كَإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي بِالرَّهْنِ فِيمَا ذُكِرَ
فَرْعٌ لو قال الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ اضْرِبْهُ أَيْ الْمَرْهُونَ فَضَرَبَهُ فَمَاتَ لم يَضْمَنْ لِتَوَلُّدِهِ من مَأْذُونٍ فيه كما لو أَذِنَ في الْوَطْءِ فَوَطِئَ وَأَحْبَلَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ له أَدِّبْهُ فإنه إذَا ضَرَبَهُ فَمَاتَ يَضْمَنُهُ لِأَنَّ الْمَأْذُونَ فيه هُنَا ليس مُطْلَقَ الضَّرْبِ بَلْ ضَرْبُ تَأْدِيبٍ وَمِثْلُهُ ما إذَا ضَرَبَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ أو الْإِمَامُ إنْسَانًا تَعْزِيرًا كما سَيَأْتِي في ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ فَصْلٌ التَّرِكَةُ رَهْنٌ أَيْ مَرْهُونَةٌ بِالدَّيْنِ الذي على الْمَيِّتِ وَإِنْ جَهِلَ فَيَسْتَوِي فيه الدَّيْنُ الْمُسْتَغْرَقُ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِلْمَيِّتِ وَأَقْرَبُ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ فَتَصَرُّفُ الْوَرَثَةِ كَتَصَرُّفِ الرَّاهِنِ فَلَا يَنْفُذُ في شَيْءٍ منها قبل وَفَاءِ الدَّيْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الْغَرِيمِ وَلَوْ قَلَّ الدَّيْنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّصَرُّفُ إعْتَاقًا أو إيلَادًا وهو مُوسِرٌ نعم لو لم تَفِ التَّرِكَةُ بِالدَّيْنِ فَوَفَّوْا قَدْرَهَا انْفَكَّتْ عن الرَّهْنِيَّةِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في الرَّهْنِ وَلَوْ أَدَّى بَعْضُهُمْ بِقِسْطِ ما وَرِثَ انْفَكَّ نَصِيبُهُ بِخِلَافِ ما لو رَهَنَ مُوَرِّثُهُمْ فَأَدَّى بَعْضُهُمْ بِالْقِسْطِ كما سَيَأْتِي ذلك قُبَيْلَ الْبَابِ الرَّابِعِ وما ذَكَرَهُ مَحِلُّهُ في دَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ أَمَّا دَيْنُ الْوَارِثِ فقال السُّبْكِيُّ قد غَلِطَ جَمَاعَةٌ في زَمَانِنَا فَظَنُّوا أَنَّهُ يَسْقُطُ منه بِقَدْرِ إرْثِهِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَسْقُطُ منه ما يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ منه لو كان لِأَجْنَبِيٍّ وهو نِسْبَةُ إرْثِهِ من الدَّيْنِ إنْ كان مُسَاوِيًا لِلتَّرِكَةِ أو أَقَلَّ وَمِمَّا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ أَدَاؤُهُ إنْ كان أَكْثَرَ وَيَسْتَقِرُّ له نَظِيرُهُ من الْمِيرَاثِ وَيُقَدِّرُ أَنَّهُ أُخِذَ منه ثُمَّ أُعِيدَ إلَيْهِ عن الدَّيْنِ وَهَذَا سَبَبُ سُقُوطِهِ وَبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ منه وَيَرْجِعُ على بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ بِبَقِيَّةِ ما يَجِبُ أَدَاؤُهُ على قَدْرِ حِصَصِهِمْ وقد يُفْضِي الْأَمْرُ إلَى التَّقَاصِّ إذَا كان الدَّيْنُ لِوَارِثِينَ وَأَطَالَ في بَيَانِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَوْ تَصَرَّفُوا وَلَا دَيْنَ ثُمَّ طَرَأَ دَيْنٌ تَقَدَّمَ سَبَبُهُ على الْمَوْتِ كَسَاقِطٍ في بِئْرٍ حَفَرَهَا الْمَيِّتُ عُدْوَانًا وَكَرَدِّ مَبِيعٍ بِعَيْبٍ أَتْلَفَ الْبَائِعُ ثَمَنَهُ لم يَفْسُدْ تَصَرُّفُهُمْ لِأَنَّهُ كان جَائِزًا لهم ظَاهِرًا بَلْ يُطَالَبُونَ بِمَا طَرَأَ فَإِنْ امْتَنَعُوا من أَدَائِهِ الْأَوْلَى فَإِنْ لم يَسْقُطْ فُسِخَ التَّصَرُّفُ لِيَصِلَ الْمُسْتَحِقُّ إلَى حَقِّهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ
____________________
(2/164)
مَحَلَّ الْفَسْخِ في غَيْرِ إعْتَاقِ الْمُوسِرِ وَإِيلَادِهِ أَمَّا فِيهِمَا فَلَا فَسْخَ كَالْمَرْهُونِ بَلْ أَوْلَى لِطَرَيَانِ التَّعَلُّقِ على التَّصَرُّفِ وَتَعْبِيرُهُ بِطُرُقِ الدَّيْنِ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِظُهُورِهِ
وَلِلْوَارِثِ أَخْذُ التَّرِكَةِ بِقِيمَتِهَا وَقَضَاءُ الدَّيْنِ من مَالِهِ وَالدَّيْنُ أَكْثَرُ من التَّرِكَةِ وَإِنْ أَرَادَ الْغُرَمَاءُ بَيْعَهَا لِتَوَقُّعِ زِيَادَةِ رَاغِبٍ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أنها لَا تَزِيدُ على الْقِيمَةِ وَلِأَنَّ له غَرَضًا صَحِيحًا في ذلك وَلَا ضَرَرَ عليهم فيه بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ الْمُتَبَرِّعِ إذْ لَا حَقَّ له في عَيْنِ التَّرِكَةِ إلَّا إنْ طُلِبَتْ بِزِيَادَةٍ فَلَا يَأْخُذُهَا الْوَارِثُ بِقِيمَتِهَا وَهَذَا من زِيَادَتِهِ أَمَّا إذَا كان الدَّيْنُ أَقَلَّ منها أو مُسَاوِيًا لها فَلَهُ أَخْذُهَا مُطْلَقًا إذْ لَا حَقَّ لِلْغُرَمَاءِ في الزِّيَادَةِ وَيُسْتَثْنَى من جَوَازِ أَخْذِهَا ما إذَا أَوْصَى الْمُوَرِّثُ بِبَيْعِهَا في وَفَاءٍ دَيْنِهِ أو بِدَفْعِهَا لِمَدِينِهِ عِوَضًا عن دَيْنِهِ وما إذَا اشْتَمَلَتْ التَّرِكَةُ على جِنْسِ الدَّيْنِ لِأَنَّ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِأَخْذِهِ وما إذَا تَعَلَّقَ الْحَقُّ بِعَيْنِهَا وما عَدَا الْأَخِيرَةَ يُعْلَمُ من بَابِ الْوَصِيَّةِ وَالْأَخِيرَةُ ذَكَرَهَا في الْكِفَايَةِ في آخِرِ الْقِرَاضِ عن تَصْرِيحِ الرُّويَانِيِّ وَزَوَائِدُهَا أَيْ التَّرِكَةِ كَكَسْبٍ وَنِتَاجٍ حَدَثَا بَعْدَ الْمَوْتِ له أَيْ لِلْوَارِثِ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ في مِلْكِهِ بِنَاءً على ما مَرَّ في الزَّكَاةِ من أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ
الطَّرَفُ الثَّانِي الْمُرْتَهِنُ وَالْيَدُ على الْمَرْهُونِ له كما سَبَقَ شَرَطَا أَيْ الْعَاقِدَانِ وَضْعَهُ عِنْدَ عَدْلٍ أو عَدْلَيْنِ جَازَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قد لَا يَثِقُ بِصَاحِبِهِ وَكَمَا يَتَوَلَّى الْعَدْلُ الْحِفْظَ يَتَوَلَّى الْقَبْضَ أَيْضًا كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَلَوْ عَبَّرَ كَالْأَصْلِ بَدَّلَ عَدْلٍ أو عَدْلَيْنِ بِثَالِثٍ أو اثْنَيْنِ كان أَوْلَى فإن الْفَاسِقَ كَالْعَدْلِ في ذلك لَكِنَّ مَحِلَّهُ فِيمَنْ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ التَّصَرُّفَ التَّامَّ أَمَّا غَيْرُهُ كَوَلِيٍّ وَوَكِيلٍ وَقَيِّمٍ وَمَأْذُونٍ له وَعَامِلِ قِرَاضٍ وَمُكَاتَبٍ حَيْثُ يَجُوزُ لهم ذلك فَلَا بُدَّ من عَدَالَةِ من يُوضَعُ الْمَرْهُونُ عِنْدَهُ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَلَوْ شَرَطَا وَضْعَهُ بَعْدَ اللُّزُومِ عِنْدَ الرَّاهِنِ فَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ كَالصَّرِيحِ في الْمَنْعِ قال لِأَنَّ يَدَهُ لَا تَصْلُحُ لِلنِّيَابَةِ عن غَيْرِهِ إذْ هو مُسْتَقِلٌّ بِالْمِلْكِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ صَاحِبِ الْمَطْلَبِ أَنَّهُ يَصِحُّ فإنه حَمَلَ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ على ابْتِدَاءِ الْقَبْضِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَيْ الْعَدْلَيْنِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِحِفْظِهِ كَنَظِيرِهِ في الْوَكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ فَيَجْعَلَانِهِ في حِرْزٍ لَهُمَا فَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِحِفْظِهِ ضَمِنَ نِصْفَهُ أو سَلَّمَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ ضَمِنَا مَعًا النِّصْفَ إلَّا بِإِذْنٍ من الْعَاقِدَيْنِ فَيَجُوزُ الِانْفِرَادُ فَرْعٌ لِلْعَدْلِ رَدُّهُ إلَيْهِمَا أَيْ إلَى الْعَاقِدَيْنِ أو إلَى وَكِيلِهِمَا وَلَيْسَ له رَدُّهُ إلَى أَحَدِهِمَا بِلَا إذْنٍ فَإِنْ غَابَا وَلَا وَكِيلَ لَهُمَا فَالرَّدُّ كَالْوَدِيعَةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فيها فَإِنْ رَدَّهُ إلَى أَحَدِهِمَا بِلَا إذْنٍ من الْآخَرِ فَتَلِفَ ضَمِنَ أَيْ ضَمِنَهُ لِلْآخَرِ بِبَدَلِهِ وَإِنْ زَادَ على الدَّيْنِ وَرَدَّهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ لِيَكُونَ رَهْنًا مَكَانَهُ وَالْقَرَارُ على الْقَابِضِ لِحُصُولِ التَّلَفِ تَحْتَ يَدِهِ فَإِنْ كان الدَّيْنُ حَالًّا وهو من جِنْسِ الْقِيمَةِ جاء الْكَلَامُ في التَّقَاصِّ إنْ كان الرَّدُّ إلَى الْمُرْتَهِنِ قال الرَّافِعِيُّ فِيمَا إذَا رَدَّهُ لِلرَّاهِنِ وَلِلْعَدْلِ إذَا غَرِمَهُ الْمُرْتَهِنُ تَكْلِيفُ الرَّاهِنِ
____________________
(2/165)
قَضَاءَ الدَّيْنِ لِفَكِّ الْمَأْخُوذِ منه أَمَّا إذَا كان بَاقِيًا فَيُسْتَرَدُّ
وَلَوْ غَصَبَهُ الْمُرْتَهِنُ من الْعَدْلِ أو غُصِبَتْ الْعَيْنُ من مُؤْتَمَنٍ غَيْرِهِ كَمُودَعٍ وَمُسْتَأْجِرٍ وَمُرْتَهِنٍ حَصَلَ بَرَاءَةُ الْغَاصِبِ فِيهِمَا بِالرَّدِّ إلَيْهِمَا أَيْ إلَى الْعَدْلِ في الرَّهْنِ وَالْمُؤْتَمَنِ في غَيْرِهِ من غَيْرِ تَجْدِيدِ إذْنٍ فَلَا يَتَوَقَّفُ حُصُولُهَا على الرَّدِّ على الْمَالِكِ لَا بِرَدِّ اللُّقَطَةِ إلَى الْمُلْتَقِطِ قبل تَمَلُّكِهَا إنْ غُصِبَتْ منه اللُّقَطَةُ لِأَنَّ الْمَالِكَ لم يَأْتَمِنْهُ سَوَاءٌ أَخَذَهَا لِلتَّمَلُّكِ أَمْ لِلْحِفْظِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ في الثَّانِي أو غُصِبَتْ الْعَيْنُ من ضَامِنٍ مَأْذُونٍ له كَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَامِ ثُمَّ رُدَّتْ إلَيْهِ فَوَجْهَانِ لِتَعَارُضِ الضَّمَانِ وَالْإِذْنِ وقد جَزَمَ في الْأَنْوَارِ بِأَنَّهُ يَبْرَأُ وَكَلَامُ الْمَطْلَبِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ حَيْثُ بَنَى ذلك على أَنَّ الْوَكِيلَ هل يَنْعَزِلُ بِالتَّعَدِّي فِيمَا وَكَّلَ فيه وَفِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ
فَرْعٌ لَا يُنْقَلُ الْمَرْهُونُ إلَى عَدْلٍ آخَرَ أو فَاسِقٍ إلَّا إنْ اتَّفَقَا أَيْ الْعَاقِدَانِ على ذلك وَإِنْ حَدَثَ بِهِ أَيْ بِالْعَدْلِ فِسْقٌ وَلَوْ زِيَادَةً فيه وَنَحْوَهُ أَيْ الْفِسْقِ كَضَعْفِهِ عن الْحِفْظِ وَمَوْتِهِ وَحُدُوثِ عَدَاوَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدِهِمَا وَتَنَازَعَا فِيمَنْ يَكُونُ عِنْدَهُ نَقَلَهُ الْحَاكِمُ عِنْدَ من يَرَاهُ قال ابن الرِّفْعَةِ هذا إذَا كان الرَّهْنُ مَشْرُوطًا في بَيْعٍ وَإِلَّا فَيَظْهَرُ أَنْ لَا يُوضَعَ عِنْدَ عَدْلٍ إلَّا بِرِضَا الرَّاهِنِ لِأَنَّ له الِامْتِنَاعَ من أَصْلِ الْإِقْبَاضِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْعَدْلَ لَا يَنْعَزِلُ عن الْحِفْظِ بِالْفِسْقِ قال ابن الرِّفْعَةِ وهو صَحِيحٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ هو الذي وَضَعَهُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ فَيَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ وَلَوْ وَضَعَاهُ عِنْدَ فَاسِقٍ ثُمَّ أَرَادَ أَحَدُهُمَا نَقْلَهُ منه لم يَجُزْ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي لِأَنَّهُ رضي بيده مع الْفِسْقِ لَكِنْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ من الْعِرَاقِيِّينَ وَنَقَلُوهُ عن ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ له رَفْعَ الْأَمْرِ إلَى الْحَاكِمِ فَإِنْ رَآهُ أَهْلًا أَقَرَّهُ بيده وَإِلَّا نَقَلَهُ إلَى غَيْرِهِ وَلَوْ اخْتَلَفَا في تَغَيُّرِ حَالِ الْعَدْلِ قال الدَّارِمِيُّ صُدِّقَ النَّافِي بِلَا يَمِينٍ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ على نَفْيِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ وَإِنْ فَسَقَ الْمُرْتَهِنُ وهو في يَدِهِ فَلِلرَّاهِنِ طَلَبُ نَقْلِهِ وَكَذَا لو مَاتَ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَوْ كان في يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَتَغَيَّرَ حَالُهُ أو مَاتَ كان لِلرَّاهِنِ نَقْلُهُ وَهِيَ أَوْلَى
فَرْعٌ الْقَوْلُ قَوْلُ الْعَدْلِ بِيَمِينِهِ في دَعْوَى الْهَلَاكِ وَالرَّدِّ لِلْمَرْهُونِ كَالْمُودَعِ فَإِنْ أَتْلَفَهُ خَطَأً أو أَتْلَفَهُ غَيْرُهُ وَلَوْ عَمْدًا أُخِذَتْ منه الْقِيمَةُ وَحَفِظَهَا بِالْإِذْنِ الْأَوَّلِ قالوا لِأَنَّ الْمُسْتَحْفِظَ في الشَّيْءِ مُسْتَحْفِظٌ في بَدَلِهِ أو أَتْلَفَهُ عَمْدًا أُخِذَتْ منه الْقِيمَةُ وَوُضِعَتْ عِنْدَ آخَرَ لِتَعَدِّيهِ بِإِتْلَافِ الْمَرْهُونِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَخْذَ الْقِيمَةِ في الْمُتَقَوِّمِ أَمَّا الْمِثْلِيُّ فَيُطَالَبُ بمثله قال وَكَأَنَّ الصُّورَةَ فِيمَا إذَا أَتْلَفَهُ عَمْدًا عُدْوَانًا أَمَّا لو أَتْلَفَهُ مُكْرَهًا أو دَفْعًا لِصِيَالٍ فَيَكُونُ كما لو أَتْلَفَهُ خَطَأً
فَصْلٌ الْمُرْتَهِنُ مُقَدَّمٌ بِثَمَنِ الْمَرْهُونِ في الرَّهْنِ على الْغُرَمَاءِ لِأَنَّ ذلك فَائِدَةُ الرَّهْنِ وَعِنْدَ الْحُلُولِ وَامْتِنَاعِ الرَّاهِنِ من بَيْعِ الْمَرْهُونِ يُجْبَرُ بِالطَّلَبِ أَيْ بِطَلَبِ الْمُرْتَهِنِ بَيْعَهُ الرَّاهِنُ على الْبَيْعِ أو الْإِيفَاءِ لِلدَّيْنِ بِنَفْسِهِ أو وَكِيلِهِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْمُرْتَهِنِ ويجبر الْمُرْتَهِنُ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ من الْإِذْنِ في بَيْعِهِ على الْإِذْنِ لِلرَّاهِنِ فيه أو الْإِبْرَاءِ من الدَّيْنِ بِأَنْ يَقُولَ له الْحَاكِمُ ائْذَنْ في بَيْعِهِ وَخُذْ حَقَّك من ثَمَنِهِ أو أَبْرِئْهُ دَفْعًا لِضَرَرِ
____________________
(2/166)
الرَّاهِنِ فَإِنْ أَصَرَّ أَحَدُهُمَا على الِامْتِنَاعِ أو أَثْبَتَ الْمُرْتَهِنُ أَيْ أَقَامَ حُجَّةً بِالْحَالِ في غَيْبَةِ الرَّاهِنِ بَاعَهُ الْحَاكِمُ وَوَفَّى الدَّيْنَ من ثَمَنِهِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْآخَرِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بَيْعُهُ فَقَدْ يَجِدُ له ما يُوَفِّي الدَّيْنَ من غَيْرِ ذلك وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ إصْرَارِ الْمُرْتَهِنِ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ عِنْدَ الْعَجْزِ عن اسْتِئْذَانِ الْمُرْتَهِنِ وَالْحَاكِمِ فَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فيه الْخِلَافَ في بَيْعِ الْمُرْتَهِنِ عِنْدَ الْعَجْزِ عن الِاسْتِئْذَانِ وَقَضِيَّتُهُ تَصْحِيحُ الصِّحَّةِ فَإِنْ لم يَجِدْ أَيْ الْمُرْتَهِنُ بَيِّنَةً أو لم يَكُنْ ثَمَّ حَاكِمٌ فَالْغَيْبَةُ كَالْجُحُودِ وقد ظَفِرَ بِغَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ فَلَهُ بَيْعُهُ بِنَفْسِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وفي الِاقْتِصَارِ على ذلك نَظَرٌ لِأَنَّهُ إذَا كان الْمَأْخَذُ الظَّفَرَ فَيَنْبَغِي طَرْدُهُ في حَالَةِ الْقُدْرَةِ على الْبَيِّنَةِ بَلْ لو كان من نَوْعِ حَقِّهِ وَصِفَتِهِ فَيَنْبَغِي له أَنْ يَتَمَلَّكَ منه بِقَدْرِ حَقِّهِ وما ذَكَرَهُ في حَالَةِ الْقُدْرَةِ على الْبَيِّنَةِ مَمْنُوعٌ
فَرْعٌ لو بَاعَهُ الْمُرْتَهِنُ في غَيْبَةِ الرَّاهِنِ بِإِذْنِهِ وَدَيْنُهُ حَالٌّ ولم يُقَدِّرْ له الثَّمَنَ لم يَصِحَّ لِأَنَّهُ يَبِيعُهُ لِغَرَضِ نَفْسِهِ فَيُتَّهَمُ في الِاسْتِعْجَالِ وَتَرْكِ الِاحْتِيَاطِ أو بِحُضُورِهِ صَحَّ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ فإن الْأَوْلَى وَإِنْ قال لِلْمُرْتَهِنِ بِعْهُ لي أو لِنَفْسِك ثُمَّ اسْتَوْفِ لي أو لِنَفْسِك أَوْلَى ثُمَّ لِنَفْسِك فَكَمَا سَبَقَ في بَابِ الْمَبِيعِ قبل الْقَبْضِ فَيَصِحُّ ما لِلرَّاهِنِ وَيَبْطُلُ ما لِلْمُرْتَهِنِ وَلَوْ قال بِعْهُ وَأَطْلَقَ صَحَّ الْبَيْعُ كما لو قال لِأَجْنَبِيٍّ بِعْهُ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ هُنَا حُضُورُ الرَّاهِنِ الْبَيْعَ كما مَرَّ فَإِنْ قَبَّضَ الثَّمَنَ لِلرَّاهِنِ فِيمَا ذُكِرَ ثُمَّ نَوَى إمْسَاكَهُ لِنَفْسِهِ لم يَضْمَنْ بَلْ هو أَمَانَةٌ في يَدِهِ أو قَبَّضَهُ لِنَفْسِهِ صَارَ مَضْمُونًا عليه لِأَنَّهُ قَبْضٌ فَاسِدٌ فَلَهُ في الضَّمَانِ حُكْمُ الصَّحِيحِ وَأَذِنَ الْوَارِثُ وَالسَّيِّدُ لِلْغُرَمَاءِ وَالْمَجْنِيِّ عليه في بَيْعِ التَّرِكَةِ وَالْعَبْدِ الْجَانِي أَيْ وَأَذِنَ الْوَارِثُ لِغُرَمَاءِ الْمَيِّتِ في بَيْعِ التَّرِكَةِ وَالسَّيِّدُ لِلْمَجْنِيِّ عليه في بَيْعِ الْجَانِي كَإِذْنِ الرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ في بَيْعِ الْمَرْهُونِ
فَرْعٌ وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَبِيعَ الْعَدْلُ الْمَرْهُونَ عِنْدَ الْمَحِلِّ احْتَاجَ تَجْدِيدَ أَيْ إلَى تَجْدِيدِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كان غَرَضُهُ الْإِبْرَاءَ أو الْمُهْلَةَ لَا تَجْدِيدَ إذْنِ الرَّاهِنِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ هذا ما قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وقال الْإِمَامُ لَا يُشْتَرَطُ إذْنُ الْمُرْتَهِنِ قَطْعًا لِأَنَّ غَرَضَهُ تَوْفِيَةُ الْحَقِّ بِخِلَافِ الرَّاهِنِ أَيْ على وَجْهٍ ضَعِيفٍ كما صَرَّحَ هو بِهِ فَقَدْ يَسْتَبْقِي الْمَرْهُونَ لِنَفْسِهِ فَطَرِيقَتُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَجْدِيدُ إذْنِهِمَا وَبِهَا جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّ الْإِمَامَ فَرَضَ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كَانَا إذْنًا له فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنٍ وَالْعِرَاقِيُّونَ فَرَضُوهُ فِيمَا إذَا أَذِنَ له الرَّاهِنُ فَقَطْ فَيُشْتَرَطُ إذْنُ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ لم يَأْذَنْ قَبْلُ فَهُمَا مَسْأَلَتَانِ وَالرَّافِعِيُّ قال بَعْدَ نَقْلِهِ الطَّرِيقَيْنِ فَتَأَمَّلْ بُعْدَ إحْدَاهُمَا عن الْأُخْرَى قال السُّبْكِيُّ وَأَظُنُّ الْحَامِلَ له على ذلك أَنَّهُ رَأَى كَلَامَ الْعِرَاقِيِّينَ مُصَوَّرًا في الِاشْتِرَاطِ وَالشَّرْطُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْهُمَا وهو مُتَضَمِّنٌ لِلْإِذْنِ وَالْجَوَابُ إنْ أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ في الْبَيْعِ لَا يَصِحُّ قبل الْقَبْضِ بِخِلَافِ الرَّاهِنِ فَرْعٌ يَنْعَزِلُ الْعَدْلُ عن الْوَكَالَةِ في الْبَيْعِ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ وَعَزْلِهِ له لَا إنْ عَزَلَهُ الْمُرْتَهِنُ أو مَاتَ فَلَا يَنْعَزِلُ لِأَنَّهُ وَكِيلُ الرَّاهِنِ فإنه الْمَالِكُ وَإِذْنُ الْمُرْتَهِنِ شَرْطٌ في جَوَازِ التَّصَرُّفِ بَلْ الْأَوْلَى لَكِنْ يَبْطُلُ إذْنُهُ بِعَزْلِهِ وَبِمَوْتِهِ فَإِنْ جَدَّدَهُ له لم يُشْتَرَطْ تَجْدِيدُ تَوْكِيلِ الرَّاهِنِ له لِأَنَّهُ لم يَنْعَزِلْ فَإِنْ جَدَّدَ الرَّاهِنُ إذْنًا له بَعْدَ عَزْلِهِ له اُشْتُرِطَ تَجْدِيدُ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ لِانْعِزَالِ الْعَدْلِ بِعَزْلِ الرَّاهِنِ قال في الْأَصْلِ وَيَلْزَمُ عليه أَنْ يُقَالَ لَا يُعْتَدُّ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ قبل تَوْكِيلِ الرَّاهِنِ وَلَا بِإِذْنِ الْمَرْأَةِ لِلْوَكِيلِ قبل تَوْكِيلِ الْوَلِيِّ إيَّاهُ وَالْكُلُّ مُحْتَمَلٌ انْتَهَى وَيُؤَيِّدُ اللُّزُومَ في الْأُولَى انْعِزَالُ الْعَدْلِ من جِهَةِ الْمُرْتَهِنِ بِعَزْلِ الرَّاهِنِ وَأَمَّا ما اقْتَضَاهُ اللُّزُومُ في الثَّانِيَةِ من اشْتِرَاطِ إذْنِ الْمَرْأَةِ لِوَكِيلِ وَلِيِّهَا فَغَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ يَكْفِي مُجَرَّدُ إذْنِهَا لِوَلِيِّهَا في النِّكَاحِ وَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُهَا لِوَلِيِّهَا في التَّوْكِيلِ وما ذَكَرَهُ في الْمُهِمَّاتِ هُنَا عن الْمَطْلَبِ مَرْدُودٌ عِنْدَ التَّأَمُّلِ الصَّادِقِ وقد قال ابن الْعِمَادِ إنَّهُ قَلِيلُ الْجَدْوَى
فَرْعٌ الثَّمَنُ الذي بَاعَ بِهِ الْعَدْلُ الْمَرْهُونَ في يَدِ الْعَدْلِ من ضَمَانِ الرَّاهِنِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَالْعَدْلُ أَمِينُهُ فما تَلِفَ في يَدِهِ يَكُونُ من ضَمَانِ الْمَالِكِ فَإِنْ تَلِفَ في يَدِهِ قبل تَسْلِيمِهِ لِلْمُرْتَهِنِ وَخَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا
____________________
(2/167)
كان الْعَدْلُ طَرِيقًا في الضَّمَانِ لِلْمُشْتَرِي لَكِنَّ الْقَرَارَ على الرَّاهِنِ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ قبل تَسْلِيمِهِ لِلْمُرْتَهِنِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين تَلَفِهِ بِتَفْرِيطٍ وَغَيْرِهِ لَكِنْ الدَّارِمِيُّ وَالْإِمَامُ فَرَضَا ذلك في تَلَفِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا تَلِفَ بِتَفْرِيطٍ يَضْمَنُ الْعَدْلُ وَحْدَهُ قال السُّبْكِيُّ وهو الْأَقْرَبُ لِأَنَّ سَبَبَ تَضْمِينِ الْمُوَكِّلِ أَنَّهُ أَقَامَ الْوَكِيلَ مُقَامَهُ وَجَعَلَ يَدَهُ كَيَدِهِ فإذا فَرَّطَ الْوَكِيلُ فَقَدْ اسْتَقَلَّ بِالْعُدْوَانِ فَلْيَسْتَقِلَّ بِالضَّمَانِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَالْمُرْتَهِنُ إذَا صَحَّحْنَا بَيْعَهُ كَالْعَدْلِ فِيمَا ذُكِرَ إلَّا إنْ نَصَّبَهُ الْحَاكِمُ لِلْبَيْعِ لِمَوْتِ الرَّاهِنِ أو غَيْبَتِهِ أو نَحْوِهِمَا فَلَا يَكُونُ طَرِيقًا في الضَّمَانِ حَيْثُ لَا تَقْصِيرَ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْحَاكِمِ وَالْحَاكِمُ لَا يَضْمَنُ وَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَعَمُّ من تَقْيِيدِ الرَّوْضَةِ ذلك بِمَوْتِ الرَّاهِنِ وَإِنْ ادَّعَى الْعَدْلُ تَلَفَ الثَّمَنِ في يَدِهِ صَدَقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ نعم إنْ ذَكَرَ سَبَبًا ظَاهِرًا فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْآتِي في الْوَدِيعَةِ وَإِنْ سَلَّمَ الثَّمَنَ لِلْمُرْتَهِنِ بِدَعْوَاهُ ولم يَشْهَدْ عليه وَأَنْكَرَهُ الْمُرْتَهِنُ صَدَقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّسْلِيمِ وإذا غَرِمَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ رَجَعَ عليه أَيْ على الْعَدْلِ وَلَوْ صَدَّقَهُ في التَّسْلِيمِ أو كان قد أَذِنَ له فيه لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ سَوَاءٌ أَكَانَ أَمَرَهُ بِالْإِشْهَادِ أَمْ لَا وإذا رَجَعَ على الْعَدْلِ لَا يَرْجِعُ الْعَدْلُ على الرَّاهِنِ لِأَنَّهُ يقول ظَلَمَنِي الْمُرْتَهِنُ فَلَا يَرْجِعُ على غَيْرِ من ظَلَمَهُ فَإِنْ قال أَشْهَدْت وَغَابُوا أَيْ الشُّهُودُ أو مَاتُوا وَصَدَّقَهُ الرَّاهِنُ لم يَرْجِعْ عليه لِاعْتِرَافِهِ له وَإِلَّا بِأَنْ كَذَّبَهُ فَوَجْهَانِ كَنَظَائِرِهِمَا في الضَّمَانِ وَالْأَصَحُّ الرُّجُوعُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِشْهَادِ وَمَسْأَلَةُ الْغَيْبَةِ من زِيَادَتِهِ
فَرْعٌ لو بَاعَ الْعَدْلُ مُؤَجَّلًا أو بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ أو بِغَبْنٍ لَا يُعْتَادُ لم يَصِحَّ كَسَائِرِ الْوُكَلَاءِ بِخِلَافِ بَيْعِهِ بِغَبْنٍ يُعْتَادُ وَضَمِنَ بِالْإِقْبَاضِ أَيْ بِإِقْبَاضِ الْمَرْهُونِ لِلْمُشْتَرِي لِتَعَدِّيهِ فَإِنْ اسْتَرَدَّهُ لِكَوْنِهِ بَاقِيًا فَلَهُ بَيْعُهُ بِالْإِذْنِ الْأَوَّلِ وَإِنْ صَارَ مَضْمُونًا عليه وإذا بَاعَهُ يَصِيرُ ثَمَنُهُ في يَدِهِ أَمَانَةً لِأَنَّهُ لم يَتَعَدَّ فيه وَإِنْ تَلِفَ الْمَرْهُونُ وهو مع الْمُشْتَرِي الْمَذْكُورِ فَقَرَارُ الضَّمَانِ عليه لِحُصُولِ التَّلَفِ عِنْدَهُ وَالْعَدْلُ طَرِيقٌ في الضَّمَانِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَبِيعُ إلَّا بِثَمَنِ الْمِثْلِ من نَقْدِ الْبَلَدِ حَالًّا قال الْإِسْنَوِيُّ وَالْمُتَّجِهُ إلْحَاقُ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ بِهِ وَرَدَّهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا فَيَجُوزُ بِغَيْرِ ذلك بِخِلَافِ الْعَدْلِ قال وَبِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ لَا بُدَّ من تَقْيِيدِهِ بِمَا إذَا نَقَصَ عن الدَّيْنِ فَإِنْ لم يَنْقُصْ عنه كما لو كان الرَّهْنُ يُسَاوِي مِائَةً وَالدَّيْنُ عَشَرَةً فَبَاعَهُ الْمَالِكُ أو الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِهِ بِالْعَشَرَةِ جَازَ قَطْعًا انْتَهَى وَيُرَدُّ أَوَّلُ كَلَامِهِ بِأَنَّ الْكَلَامَ في كُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدٌ فَرْعٌ وَإِنْ أَبَى أَحَدُهُمَا أَيْ الْمُتَرَاهِنَيْنِ الْبَيْعَ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالْآخَرُ إلَّا بِالدَّنَانِيرِ كَأَنْ قال أَحَدُهُمَا لِلْعَدْلِ بِعْهُ بِالدَّرَاهِمِ وقال الْآخَرُ له بِالدَّنَانِيرِ لم يَبِعْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِاخْتِلَافِهِمَا في الْإِذْنِ قال الزَّرْكَشِيُّ كَذَا أَطْلَقَهُ الشَّافِعِيُّ وَمَحِلُّهُ إذَا كان لِلْمُرْتَهِنِ فيه غَرَضٌ وَإِلَّا كَأَنْ كان حَقُّهُ دَرَاهِمَ وَنَقْدُ الْبَلَدِ دَرَاهِمُ فقال الرَّاهِنُ بِعْ بِالدَّرَاهِمِ وقال الْمُرْتَهِنُ بِعْ بِالدَّنَانِيرِ فَلَا يُرَاعَى خِلَافُهُ وَيُبَاعُ بِالدَّرَاهِمِ قَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أبو الطِّيبِ وَغَيْرُهُمَا وإذا لم يَبِعْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاعَ الْحَاكِمُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ وَأَخَذَ بِهِ حَقَّهُ
____________________
(2/168)
أَيْ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ إنْ لم يَكُنْ من نَقْدِ الْبَلَدِ أو بَاعَ بِجِنْسِ الدَّيْنِ وَإِنْ لم يَكُنْ من نَقْدِ الْبَلَدِ إنْ رَأَى ذلك
فَرْعٌ لو بَاعَ الْعَدْلُ وَلَوْ بِأَكْثَرَ من ثَمَنِ الْمِثْلِ فَزَادَ رَاغِبٌ يُوثَقُ بِهِ زِيَادَةً لَا يَتَغَابَنُ بِمِثْلِهَا بَعْدَ اللُّزُومِ لِلْبَيْعِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَسْتَقِيلَ الْمُشْتَرِي لِيَبِيعَهُ بِالزِّيَادَةِ لِلرَّاغِبِ أو لِلْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ أو زَادَ الرَّاغِبُ في مُدَّةِ الْخِيَارِ فَلْيَفْسَخْ أَيْ الْعَدْلُ الْبَيْعَ وَلْيَبِعْهُ له أو لِلْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ فَلَوْ لم يَفْسَخْ انْفَسَخَ لِأَنَّ زَمَنَ الْخِيَارِ كَحَالَةِ الْعَقْدِ وَلَيْسَ له أَنْ يَبِيعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَهُنَاكَ من يَزِيدُ فَإِنْ بَدَا لِلرَّاغِبِ بِأَنْ رَجَعَ عن الزِّيَادَةِ فَإِنْ كان قبل التَّمَكُّنِ من بَيْعِهِ فَالْبَيْعُ الْأَوَّلُ بِحَالِهِ وَإِلَّا بَطَلَ وَاسْتُؤْنِفَ من غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى إذْنٍ جَدِيدٍ إنْ كان الْخِيَارُ لَهُمَا أو لِلْبَائِعِ لِعَدَمِ انْتِقَالِ الْمِلْكِ وَلَوْ بَاعَهُ على بِمَعْنَى من الرَّاغِبِ من غَيْرِ فَسْخٍ كان فَسْخًا لِلْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَصَحَّ الْبَيْعُ الثَّانِي وَهَذَا أَوْلَى وَأَحْوَطُ لِأَنَّهُ قد يَفْسَخُ فَيَرْجِعُ الرَّاغِبُ
فَصْلٌ مُؤْنَةُ الرَّهْنِ أَيْ مُؤْنَةُ الْمَرْهُونِ التي بها بَقَاؤُهُ على مَالِكِهِ كَأُجْرَةِ رَدِّ الرَّقِيقِ الْهَارِبِ وَأُجْرَةِ سَقْيِ الشَّجَرِ وَنَفَقَةِ الرَّقِيقِ وَكِسْوَتِهِ وَغَيْرِهَا حتى أُجْرَةِ الْحِرْزِ إنْ لم يَتَبَرَّعْ بِهِ من هو في يَدِهِ وَيُجْبَرُ عليها لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ اسْتِبْقَاءً لِلرَّهْنِ وَلِخَبَرِ الرَّهْنُ من رَاهِنِهِ له غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ فَإِنْ غَابَ الْمَالِكُ أو أَعْسَرَ عن الْمُؤَنِ وَلَوْ نَادِرَةً فَكَهَرَبِ الْجَمَّالِ عن جِمَالِهِ الْمُسْتَأْجَرَةِ أو عَجْزِهِ عن مُؤْنَتِهَا فَيُمَوِّنُ الْحَاكِمُ الْمَرْهُونَ من مَالِ مَالِكِهِ في الْأُولَى فَإِنْ لم يَكُنْ له مَالٌ فَمُعْسِرٌ كما في الثَّانِيَةِ فَيَقْتَرِضُ عليه أو يَبِيعُ من الْمَرْهُونِ بِقَدْرِ الْمُؤْنَةِ فَقَوْلُهُ وَيُبَاعُ منه جُزْءٌ لِأُجْرَةِ الْحِرْزِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ مُضِرٌّ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَاصِرٌ على أُجْرَةِ الْحِرْزِ وَأَنَّهُ يُبَاعُ منه ما ذُكِرَ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ كما عُرِفَ وقد أَشَارَ الْأَصْلُ إلَى اسْتِشْكَالِهِ بِقَوْلِهِ كَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَذَكَرَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَائِبِ مَالُ الرَّاهِنِ لَا الرَّاهِنُ وَلَا يَخْفَى ما فيه من أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مع ما بَعْدَهُ مُكَرَّرًا وَأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ إذَا غَابَ مَالُهُ دُونَهُ يُبَاعُ الْجُزْءُ وَيَقْتَرِضُ بِغَيْرِ مُرَاجَعَةِ الرَّاهِنِ وهو مَمْنُوعٌ وَمَتَى أَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ فِيمَا ذُكِرَ على مَرْهُونٍ لَا كَسْبَ له يَكْفِيهِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ لِيَكُونَ رَهْنًا بِالدَّيْنِ وَالنَّفَقَةِ جَازَ كَفِدَاءِ مَرْهُونٍ جَنَى على أَنْ يَكُونَ رَهْنًا بِالدَّيْنِ وَالْفِدَاءِ فَإِنْ فَقَدَ الْحَاكِمُ بِأَنْ تَعَذَّرَ اسْتِئْذَانُهُ وَأَشْهَدَ بِالْإِنْفَاقِ لِيَرْجِعَ كَفَى فَيَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَهُ وَإِنْ لم يَشْهَدْ فَلَا رُجُوعَ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ عليه إعَادَةَ ما تَهَدَّمَ من دَارٍ مَرْهُونَةٍ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ وُجُوبِ ذلك في الدَّارِ الْمُؤَجَّرَةِ بِأَنَّ الْإِنْفَاقَ هُنَا لِحِفْظِ ما تَلِفَ وهو مَوْجُودٌ وَهُنَاكَ لِإِبْدَالِ مَعْدُومٍ وَحِفْظِ الْمَوْجُودِ أَقْرَبُ إلَى مُقْتَضَى الْعَقْدِ من إبْدَالِ مَعْدُومٍ لِأَنَّهُ في حِفْظِ الْمَوْجُودِ لم يُجَدِّدْ لِلْمُسْتَحِقِّ حَقًّا في غَيْرِ ما اسْتَحَقَّهُ لِوُرُودِ الْعَقْدِ عليه بِخِلَافِهِ في الْإِبْدَالِ
وَلِلرَّاهِنِ لَا عليه الْفَصْدُ وَالْحِجَامَةُ وَالْعِلَاجُ بِالْأَدْوِيَةِ وَالْمَرَاهِمِ مع غَلَبَةِ السَّلَامَةِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي لِأَنَّهُ يَحْفَظُ بِذَلِكَ مِلْكَهُ
____________________
(2/169)
وله الْخِتَانُ لِلرَّقِيقِ إنْ لم يَخَفْ منه وَانْدَمَلَ أَيْ وكان يَنْدَمِلُ قبل الْحُلُولِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ منه وَالْغَالِبُ فيه السَّلَامَةُ بِخِلَافِ ما إذَا خِيفَ منه أو لم يَنْدَمِلْ قبل الْحُلُولِ وكان فيه نَقْصٌ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَسَوَاءٌ في جَوَازِ الْخِتَانِ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ كما أَطْلَقَهُ الْجُمْهُورُ وَصَرَّحَ بِهِ كَثِيرُونَ منهم الْمُتَوَلِّي وَسُلَيْمٌ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَأَمَّا عَدُّهُمْ عَدَمُ الْخِتَانِ عَيْبًا في الْكَبِيرِ فَأُجِيبُ عنه بِحَمْلِهِ على كَبِيرٍ يُخَافُ عليه من الْخِتَانِ وَبِأَنَّ التَّعْيِيبَ بِذَلِكَ مُسْتَحَقٌّ كما لو رَهَنَ رَقِيقًا سَارِقًا فإنه يُقْطَعُ في يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ كان عَيْبًا وَلَوْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ في قَطْعِ السِّلْعَةِ وفي الْمُدَاوَاةِ على خَطَرِهِمَا جَازَ ذلك لِأَنَّهُ إصْلَاحٌ بِلَا ضَرَرٍ وَإِلَّا بِأَنْ غَلَبَ التَّلَفُ أو اسْتَوَى الْأَمْرَانِ أو شَكَّ فَلَا يَجُوزُ ذلك لِأَنَّهُ جُرْحٌ يُخَافُ منه فَكَانَ كَجُرْحِهِ بِلَا سَبَبٍ وَيَتَخَيَّرُ بين الْقَطْعِ وَعَدَمِهِ في قَطْعِ الْيَدِ الْمُتَآكِلَةِ أو نَحْوِهَا إنْ جَرَى الْخَطَرَانِ خَطَرُ الْقَطْعِ وَخَطَرُ التَّرْكِ وَغُلِّبَتْ السَّلَامَةُ في الْقَطْعِ على خَطَرِهِ وَإِنْ اسْتَوَى الْخَطَرَانِ أو زَادَ خَطَرُ الْقَطْعِ بِخِلَافِ ما إذَا لم تُغَلَّبْ السَّلَامَةُ لَا يَجُوزُ الْقَطْعُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْمُهَذَّبِ مَنْعَ الْقَطْعِ وَلَوْ كان الْخَطَرُ في التَّرْكِ دُونَ الْقَطْعِ أو لَا خَطَرَ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَهُ الْقَطْعُ كما فُهِمَ بِالْأُولَى وَبِهِ صَرَّحَ في الْأَصْلِ في الْأُولَى وَكَذَا لو كان الْخَطَرُ في الْقَطْعِ دُونَ التَّرْكِ وَغُلِّبَتْ السَّلَامَةُ كما فُهِمَ من قَطْعِ السِّلْعَةِ وَالْمُدَاوَاةِ وَلَوْ قال عَقِبَ قَطْعِ السِّلْعَةِ أو عُضْوٍ مُتَآكِلٍ لَا غِنَى عن قَوْلِهِ وَيَتَخَيَّرُ إلَى آخِرِهِ وَلَشَمَلَ ما لو كان الْخَطَرُ في الْقَطْعِ دُونَ التَّرْكِ وَغُلِّبَتْ السَّلَامَةُ
فَرْعٌ له أَيْضًا نَقْلُ الْمُزْدَحِمِ من النَّخْلِ إذَا قال أَهْلُ الْخِبْرَةِ نَقْلُهَا أَنْفَعُ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وله قَطْعُ الْبَعْضِ منها لِإِصْلَاحِ الْأَكْثَرِ وَالْمَقْطُوعُ منها رَهْنٌ أَيْ مَرْهُونٌ بِحَالِهِ وَكَذَا ما يَجِفُّ منها بِلَا قَطْعٍ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وما يَحْدُثُ من سَعَفٍ وَإِنْ لم يَجِفَّ ومن لِيفٍ وَكَرَبٍ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالرَّاءِ وهو أُصُولُ السَّعَفِ غَيْرُ مَرْهُونٍ كَالثَّمَرَةِ وَفِيمَا كان ظَاهِرًا منها حَالَ الْعَقْدِ خِلَافٌ فَفِي التَّتِمَّةِ مَرْهُونٌ وفي الشَّامِلِ وَتَعْلِيقِهِ الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ لَا وهو الْأَوْجَهُ كَالصُّوفِ بِظَهْرِ الْغَنَمِ كما مَرَّ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ مَشَى على طَرِيقَتِهِ في الصُّوفِ من أَنَّهُ يَدْخُلُ في رَهْنِ الْغَنَمِ
فَرْعٌ له أَيْضًا رَعْيُ الْمَاشِيَةِ في الْأَمْنِ نَهَارًا وَيَرُدُّهَا لَيْلًا إلَى الْمُرْتَهِنِ أو الْعَدْلِ وَلَهُ أَنْ يَنْتَجِعَ أَيْ يَذْهَبَ بها إلَى الْكَلَأِ وَنَحْوِهِ لِعَدَمِ الْكِفَايَةِ لها في مَكَانِهَا وَيَرُدُّهَا لَيْلًا إلَى عَدْلٍ يَتَّفِقَانِ عليه أو يُنَصِّبُهُ الْحَاكِمُ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فَإِنْ أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ الِانْتِجَاعَ بها فَإِنْ كان لِلضَّرُورَةِ بِأَنْ لم يَكُنْ بِالْقُرْبِ ما يَكْفِيهَا لم يَمْنَعْ وَإِلَّا مَنَعَ وَكَذَا لو أَرَادَ نَقْلَ الْمَتَاعِ من بَيْتٍ غَيْرِ مُحَرَّزٍ إلَى مُحَرَّزٍ لم يَمْنَعْ فَإِنْ انْتَجَعَا بها إلَى أَرْضٍ وَاحِدَةٍ فَذَاكَ أو إلَى بَلَدَيْنِ يَعْنِي أَرْضَيْنِ فَلْتَكُنْ أَيْ الْمَاشِيَةُ مع الرَّاهِنِ وَيَتَّفِقَانِ على عَدْلٍ تَبِيتُ عِنْدَهُ أو يُنَصِّبُهُ الْحَاكِمُ كما مَرَّ
فَرْعٌ الرَّهْنُ أَمَانَةٌ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ لِخَبَرِ الرَّهْنُ من رَاهِنِهِ أَيْ من ضَمَانِهِ لَا يَسْقُطُ بِتَلَفِهِ شَيْءٌ من الدَّيْنِ كَمَوْتِ الْكَفِيلِ بِجَامِعِ التَّوَثُّقِ فَإِنْ اسْتَعَارَهُ الْمُرْتَهِنُ أو تَعَدَّى فيه ضَمِنَ كما لو مَنَعَ منه أَيْ من رَدِّهِ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ يَعْنِي بَعْدَ سُقُوطِ الدَّيْنِ وَالْمُطَالَبَةِ الْمَفْهُومَةِ من مَنَعَ فَعُلِمَ أَنَّهُ بَعْدَ سُقُوطِهِ بَاقٍ على أَمَانَتِهِ بيده ما لم يَمْنَعْ من رَدِّهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ
فَرْعٌ لو ارْتَهَنَ بِشَرْطِ أَنْ يَضْمَنَ الْمَرْهُونَ فَسَدَ الرَّهْنُ لِفَسَادِ الشَّرْطِ ولم يَضْمَنْ ما ارْتَهَنَهُ إذْ فَاسِدُ كل عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ في الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّهُ إنْ اقْتَضَى صَحِيحُهُ الضَّمَانَ فَفَاسِدُهُ أَوْلَى أو عَدَمَهُ فَفَاسِدُهُ كَذَلِكَ لِأَنَّ وَاضِعَ الْيَدِ أَثْبَتَهَا بِإِذْنِ الْمَالِكِ ولم يَلْتَزِمْ بِالْعَقْدِ ضَمَانًا فَالْمَقْبُوضُ بِفَاسِدِ بَيْعٍ أو إعَارَةٍ مَضْمُونٌ وَبِفَاسِدِ رَهْنٍ أو هِبَةٍ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَاسْتَثْنَى من الْأَوَّلِ ما لو قال قَارَضْتُك على أَنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ لي فَهُوَ قِرَاضٌ فَاسِدٌ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ أُجْرَةً وما لو قال سَاقَيْتُك على أَنَّ الثَّمَرَةَ كُلَّهَا لي فَهُوَ كَالْقِرَاضِ فَيَكُونُ فَاسِدًا
____________________
(2/170)
وَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ أُجْرَةً وما لو صَدَرَ عَقْدُ الذِّمَّةِ من غَيْرِ الْإِمَامِ فَهُوَ فَاسِدٌ وَلَا جِزْيَةَ فيه على الذِّمِّيِّ وما لو عَرَضَ الْعَيْنَ الْمُكْتَرَاةَ على الْمُكْتَرِي فَامْتَنَعَ من قَبْضِهَا إلَى أَنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ اسْتَقَرَّتْ الْأُجْرَةُ وَلَوْ كانت الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً لم تَسْتَقِرَّ وما لو سَاقَاهُ على وَدِيٍّ مَغْرُوسٍ أو لِيَغْرِسَهُ وَيَتَعَهَّدَهُ مُدَّةً وَالثَّمَرُ بَيْنَهُمَا وَقَدَّرَ مُدَّةً لَا تُتَوَقَّعُ فيها الثَّمَرَةُ فَهُوَ فَاسِدٌ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ أُجْرَةً وَاسْتَثْنَى من الثَّانِي الشَّرِكَةَ فإنه لَا يَضْمَنُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَمَلَ الْآخَرِ مع صِحَّتِهَا وَيَضْمَنُهُ مع فَسَادِهَا وما لو صَدَرَ الرَّهْنُ أو الْإِجَارَةِ من مُتَعَدٍّ كَغَاصِبٍ فَتَلِفَتْ الْعَيْنُ في يَدِ الْمُرْتَهِنِ أو الْمُسْتَأْجِرِ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُهُ وَإِنْ كان الْقَرَارُ على الْمُتَعَدِّي مع أَنَّهُ لَا ضَمَانَ في صَحِيحِ الرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ وَإِلَى هذه الْمَسَائِلِ أَشَارَ الْأَصْحَابُ بِالْأَصْلِ في قَوْلِهِمْ الْأَصْلُ إنَّ فَاسِدَ كل عَقْدٍ إلَى آخِرِهِ هذا كُلُّهُ إذَا صَدَرَ الْعَقْدُ من رَشِيدٍ فَلَوْ صَدَرَ من غَيْرِهِ ما لَا يَقْتَضِي صَحِيحُهُ الضَّمَانَ كان مَضْمُونًا فَرْعٌ لو رَهَنَهُ أَرْضًا وَأَذِنَ له في غَرْسِهَا بَعْدَ شَهْرٍ فَهِيَ قبل الشَّهْرِ أَمَانَةٌ بِحُكْمِ الرَّهْنِ وَبَعْدَهُ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ وَكَذَا لو شَرَطَ كَوْنَهَا مَبِيعَةً بَعْدَ شَهْرٍ فَهِيَ أَمَانَةٌ قبل الشَّهْرِ لِمَا مَرَّ وَمَبِيعَةٌ مَضْمُونَةٌ بَعْدَهُ بِحُكْمِ الْبَيْعِ فَإِنْ غَرَسَ فيها الْمُرْتَهِنُ في الصُّورَتَيْنِ قبل الشَّهْرِ قَلَعَ مَجَّانًا أو بَعْدَهُ لم يَقْلَعْ في الْأُولَى وَلَا في هذه مَجَّانًا لِوُقُوعِهِ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَجَهْلِهِ الْمَعْلُومِ من قَوْلِهِ إلَّا إنْ عَلِمَ فَسَادَ الْبَيْعِ وَغَرَسَ فَيَقْلَعُ مَجَّانًا لِتَقْصِيرِهِ
فَرْعٌ يُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ بِيَمِينِهِ كَالْمُسْتَأْجِرِ وفي نُسْخَةٍ وَالْمُسْتَأْجِرُ في دَعْوَى التَّلَفِ لِلْمَرْهُونِ في يَدِهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ كما مَرَّ نعم إنْ ذَكَرَ سَبَبًا ظَاهِرًا فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْآتِي في الْوَدِيعَةِ لَا دَعْوَى الرَّدِّ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِغَرَضِ نَفْسِهِ كَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُرْتَهِنِ من الْغَاصِبِ يَضْمَنُ لِثُبُوتِ يَدِهِ على ما لم يَأْتَمِنْهُ مَالِكُهُ عليه وَيَرْجِعُ عليه أَيْ على الْغَاصِبِ إنْ جَهِلَ الْغَصْبَ لِتَغْرِيرِهِ إيَّاهُ أَمَّا إذَا عَلِمَ فَهُوَ غَاصِبٌ أَيْضًا قال في الْأَصْلِ وَمِثْلُهُ الْمُسْتَأْجِرُ من الْغَاصِبِ وَالْمُودَعِ وَالْمُضَارِبِ وَوَكِيلِهِ في بَيْعِهِ وَالْمُسْتَعِيرُ منه وَالْمُسْتَامُ يُطَالَبَانِ وَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِمَا الضَّمَانُ لِأَنَّهُمَا ضَامِنَانِ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِعِلْمِهِ من بَابِ الْغَصْبِ
فَرْعٌ لو أَعْطَاهُ كِيسَ دَرَاهِمَ لِيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ منه فَهُوَ أَمَانَةٌ بيده قبل أَنْ يَسْتَوْفِيَ منه كَالْمَرْهُونِ فَإِنْ اسْتَوْفَى منه ضَمِنَ الْجَمِيعَ أَيْ الْكِيسَ وما اسْتَوْفَاهُ لِأَنَّ الْكِيسَ في حُكْمِ الْعَارِيَّةِ وما اسْتَوْفَاهُ أَمْسَكَهُ لِنَفْسِهِ وَالْقَبْضُ الْمَذْكُورُ فَاسِدٌ لِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقَبِّضِ كما لو قال خُذْ هذه الدَّرَاهِمَ فَاشْتَرِ بها جِنْسَ حَقِّك وَأَقْبِضْهُ لي ثُمَّ أَقْبِضْهُ لِنَفْسِك وَإِنْ قال خُذْهُ أَيْ الْكِيسَ بِمَا فيه بِدَرَاهِمِك فَأَخَذَهُ فَكَذَلِكَ أَيْ يَضْمَنُهُ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ وَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا إنْ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْرُ مَالِهِ ولم يَكُنْ سَلَمًا وَلَا قِيمَةَ لِلْكِيسِ وَقَبْلَ ذلك فَيَمْلِكُهُ فَشَمِلَ الْمُسْتَثْنَى منه ما لو كان ما فيه مَجْهُولًا أو أَكْثَرَ من دَرَاهِمِهِ أو أَقَلَّ منها أو مِثْلَهَا وَلِلْكِيسِ قِيمَةٌ أو لَا قِيمَةَ له ولم يَقْبَلْ فَلَا يَمْلِكُهُ لِامْتِنَاعِ ذلك في الرِّبَوِيِّ بَلْ وفي غَيْرِهِ في الْأَخِيرَةِ وَكَلَامُ الْأَصْلِ مُتَدَافِعٌ في مَسْأَلَةِ الْأَقَلِّ أَمَّا غَيْرُ الرِّبَوِيِّ إذَا لم يَكُنْ سَلَمًا فَيَمْلِكُهُ إنْ قَبِلَ وَإِلَّا فَلَا بَلْ يَضْمَنُهُ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي وَإِنْ قال خُذْ هذا الْعَبْدَ بِحَقِّك فَقَبِلَ ولم يَكُنْ سَلَمًا أَيْ مُسْلَمًا فيه مَلَكَهُ كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ بِخِلَافِ ما إذَا كان سَلَمًا لِعَدَمِ صِحَّةِ الِاعْتِيَاضِ عنه وَإِنْ لم يَقْبَلْ وَأَخَذَهُ ضَمِنَ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ
فَصْلٌ وَالْمُرْتَهِنُ في تَصَرُّفِهِ في الْمَرْهُونِ كَالْأَجْنَبِيِّ في أَنَّهُ يُمْنَعُ من التَّصَرُّفِ فيه بِغَيْرِ إذْنٍ سَوَاءٌ التَّصَرُّفُ الْقَوْلِيُّ كَالْعِتْقِ وَالْفِعْلِيُّ كَالرُّكُوبِ إذْ ليس له إلَّا حَقُّ التَّوَثُّقِ وما يَتْبَعُهُ وَوَطْؤُهُ لِلْمَرْهُونَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ وَبِغَيْرِ شُبْهَةِ زِنًا كَوَطْءِ الْمُكْتَرِي فَيُوجِبُ الْحَدَّ وَيُوجِبُ الْمَهْرَ ما لم تَكُنْ مُطَاوِعَةً عَالِمَةً بِالتَّحْرِيمِ وَوَلَدُهَا منه مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ وَغَيْرُ نَسِيبٍ وَلَا يُصَدَّقُ في دَعْوَى الْجَهْلِ بِتَحْرِيمِهِ أَيْ الْوَطْءِ
____________________
(2/171)
إلَّا إنْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عن الْعُلَمَاءِ أو أَسْلَمَ قَرِيبًا فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ قد يَخْفَى عليه قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ عَلَيْهِمَا أو كانت الْمَرْهُونَةُ لِأَبِيهِ أو أُمِّهِ وَادَّعَى أَنَّهُ جَهِلَ تَحْرِيمَ وَطْئِهَا عليه كما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ في الْحُدُودِ وَلَا يُصَدَّقُ في غَيْرِ ذلك نعم يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ إنْ أَذِنَ له الْمَالِكُ في الْوَطْءِ في أَنَّهُ جَاهِلٌ بِتَحْرِيمِهِ وَإِنْ نَشَأَ مُسْلِمًا بين الْعُلَمَاءِ إذْ قد يَخْفَى التَّحْرِيمُ مع الْإِذْنِ فَيَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ عنه ثُمَّ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَالْحُرِّيَّةُ لِلْوَلَدِ وَالْمَهْرُ لِلشُّبْهَةِ إلَّا مَهْرَ مُطَاوِعَةٍ في وَطْئِهَا عَالِمَةٍ بِتَحْرِيمِهِ فَلَا يَثْبُتُ لِأَنَّهُ لَا مَهْرَ لِبَغِيٍّ بِخِلَافِ الْمُكْرَهَةِ وَالْجَاهِلَةِ بِالتَّحْرِيمِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَهْرِ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ حَقُّ الشَّرْعِ فَلَا يُؤَثِّرُ فيه الْإِذْنُ كَالْمُفَوَّضَةِ تَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ بِالدُّخُولِ مع تَفْوِيضِهَا وَتَجِبُ قِيمَةُ الْوَلَدِ الْحَاصِلِ بِوَطْئِهِ لِلرَّاهِنِ لِتَفْوِيتِهِ الرِّقَّ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى منه ما لو كان يَعْتِقُ على الرَّاهِنِ كما سَيَأْتِي في نِكَاحِ الْأَمَةِ وَكَالْوَطْءِ بِالْجَهْلِ فِيمَا ذُكِرَ الْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ كَأَنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ أو أَمَتَهُ وإذا مَلَكَهَا الْمُرْتَهِنُ بَعْدَ إيلَادِهِ لها لم تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ له لِأَنَّهَا عُلِّقَتْ بِهِ في غَيْرِ مِلْكِهِ وَلَوْ كان أَبًا لِلرَّاهِنِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ له بِالْإِيلَادِ كما هو مَعْلُومٌ في النِّكَاحِ فَإِنْ ادَّعَى بَعْدَ الْوَطْءِ أَنَّهُ كان اشْتَرَاهَا أو اتَّهَبَهَا من الرَّاهِنِ وَقَبَضَهَا بِإِذْنِهِ في الثَّانِيَةِ فَحَلَفَ الرَّاهِنُ بَعْدَ إنْكَارِهِ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ له كَأُمِّهِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ الْمُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ما ادَّعَاهُ الْمُرْتَهِنُ فَإِنْ مَلَكَهَا الْمُرْتَهِنُ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ له وَالْوَلَدُ حُرٌّ لِإِقْرَارِهِ كما لو أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عبد غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَكَذَا لو حَلَفَ بَعْدَ نُكُولِ الرَّاهِنِ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فَصْلٌ أَرْشُ الْمَرْهُونِ وَقِيمَتُهُ إنْ ضَمِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْجِنَايَةِ رَهْنٌ أَيْ مَرْهُونٌ بَدَلَ الْمَجْنِيِّ عليه إقَامَةً له مُقَامَهُ وَيُجْعَلُ بِيَدِ من كان الْأَصْلُ بيده كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَوْ كان في ذِمَّةِ الْجَانِي فإنه رَهْنٌ وَإِنْ امْتَنَعَ رَهْنُ الدَّيْنِ ابْتِدَاءً إذْ يَحْتَمِلُ دَوَامًا ما لَا يَحْتَمِلُ ابْتِدَاءً وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ في قِيمَةِ الْمَوْقُوفِ وَقِيمَةِ الْأُضْحِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ حَيْثُ لَا تَصِيرُ الْأُولَى مَوْقُوفَةً وَالثَّانِيَةُ أُضْحِيَّةً بِأَنَّ الْقِيمَةَ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مَرْهُونَةً وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مَوْقُوفَةً وَلَا أُضْحِيَّةً ثُمَّ ما يَشْتَرِي بِقِيمَةِ الْمَوْقُوفِ إنَّمَا يَصِيرُ مَوْقُوفًا بِإِنْشَاءِ وَقْفٍ وما يَشْتَرِي بِقِيمَةِ الْأُضْحِيَّةِ يَصِيرُ أُضْحِيَّةً بِنَفْسِ الشِّرَاءِ إنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ الْقِيمَةِ وَبِنِيَّةِ كَوْنِهِ أُضْحِيَّةً إنْ اشْتَرَى بِمَا في الذِّمَّةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَقْفِ أَنَّ الْوَقْفَ يَحْتَاطُ له بِاشْتِرَاطِ بَيَانِ الْمَصْرِفِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ وَبَيْنَ شِقَّيْ الْأُضْحِيَّةِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى بِعَيْنِ الْقِيمَةِ كانت قَرِينَةً دَالَّةً على رِضَاهُ فَاكْتَفَى بِنِيَّتِهِ الْأُولَى بِخِلَافِ الشِّرَاءِ بِمَا في الذِّمَّةِ ثُمَّ مَحِلُّ كَوْنِ ما ذَكَرَ رَهْنًا في الذِّمَّةِ إذَا كان الْجَانِي غير الرَّاهِنِ وَإِلَّا فَلَا يَصِيرُ مَرْهُونًا إلَّا بِالْغُرْمِ كما يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ فِيمَا إذَا لَزِمَهُ قِيمَةُ ما أَعْتَقَهُ إذْ لَا فَائِدَةَ في كَوْنِهِ مَرْهُونًا في ذِمَّتِهِ بِخِلَافِهِ في ذِمَّةِ غَيْرِهِ وما ذُكِرَ في الْجِنَايَةِ مَحِلُّهُ إذَا نَقَصَتْ الْقِيمَةُ بها ولم يَزِدْ الْأَرْشُ فَلَوْ لم تَنْقُصْ بها كَأَنْ قُطِعَ ذَكَرُهُ وَأُنْثَيَاهُ أو نَقَصَتْ بها وكان الْأَرْشُ زَائِدًا على ما نَقَصَ منها فَازَ الْمَالِكُ بِالْأَرْشِ كُلِّهِ في الْأُولَى وَبِالزَّائِدِ على ما ذُكِرَ في الثَّانِيَةِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ
____________________
(2/172)
وَيُطَالَبُ بِهِ أَيْ بِمَا ذُكِرَ من الْأَرْشِ أو الْقِيمَةِ الرَّاهِنُ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ بِخِلَافِ الْمُرْتَهِنِ لَكِنَّهُ لَا يَقْبِضُهُ وَإِنَّمَا يَقْبِضُهُ من كان الْأَصْلُ بيده قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِنَاءً على أَنَّهُ مَرْهُونٌ في الذِّمَّةِ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْمُطَالَبَةِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْمُخَاصَمَةِ وَلِلْمُرْتَهِنِ الْحُضُورُ عِنْدَ مُطَالَبَةِ الرَّاهِنِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْبَدَلِ ثُمَّ إنْ أَقَرَّ الْجَانِي أو أَقَامَ الرَّاهِنُ بَيِّنَةً أو حَلَفَ بَعْدَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عليه ثَبَتَتْ الْجِنَايَةُ فَإِنْ أَعْرَضَ الرَّاهِنُ عن الْمُطَالَبَةِ أو نَكَلَ لم يَكُنْ الْمُرْتَهِنُ قَائِمًا مُقَامَهُ فَلَا يُطَالَبُ وَلَا يَحْلِفُ كَغُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ
وَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَقْتَصَّ من الْجَانِي على الْمَرْهُونِ في الْعَمْدِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَيَبْطُلُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِيمَا اقْتَصَّ فيه لِفَوَاتِهِ بِلَا بَدَلٍ وللراهن أَنْ يَعْفُوَ عن الْقِصَاصِ مُطْلَقًا عن التَّقْيِيدِ بِمَالٍ وَلَا يَجِبُ مَالٌ بِالْعَفْوِ وَإِنْ أَطْلَقَهُ بِنَاءً على أَنَّ مُطْلَقَهُ لَا يُوجِبُ مَالًا وهو الْأَصَحُّ وَلَوْ أَعْرَضَ عن الْقِصَاصِ وَالْعَفْوِ بِأَنْ سَكَتَ عنهما لم يُجْبَرْ على أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ فَتَأْخِيرُهُ أَوْلَى وَإِنْ كانت أَيْ الْجِنَايَةُ خَطَأً أو عَمْدًا يُوجِبُ مَالًا لِعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ مَثَلًا أو عَفَا على مَالٍ صَارَ الْمَالُ فيها رَهْنًا أَيْ مَرْهُونًا كما مَرَّ ولم يَكُنْ لِلرَّاهِنِ الْعَفْوُ عنه وَلَا التَّصَرُّفُ فيه إلَّا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهِ فَلَوْ صَالَحَ عنه على غَيْرِ جِنْسِهِ لم يَصِحَّ إلَّا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَيَصِحُّ وَيَكُونُ الْمَأْخُوذُ مَرْهُونًا قال في الْأَصْلِ كَذَا نَقَلُوهُ وَاسْتَشْكَلَهُ الرَّافِعِيُّ بِمَا قَدَّمْته مع جَوَابِهِ في فَرْعِ أَذِنَ له في بَيْعِ الرَّهْنِ وقد يَسْتَشْكِلُ بِأَنَّ التَّصَرُّفَ في الْمَرْهُونِ بِمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ يَحْصُلُ بِهِ انْفِكَاكُ الرَّهْنِ وَيُجَابُ بِأَنَّ اطِّرَادَ ذلك إنَّمَا هو في الْأَعْيَانِ بِخِلَافِ ما في الذِّمَمِ لِأَنَّ ما فيها لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِقَبْضِهِ أو قَبْضِ بَدَلِهِ وَإِنْ أَبْرَأَ الْمُرْتَهِنُ الْجَانِيَ لم يَبْرَأْ لِأَنَّهُ ليس بِمَالِكٍ ولم تَسْقُطْ الْوَثِيقَةُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ كما لو وَهَبَ الْمَرْهُونَ لِغَيْرِهِ فَصْلٌ الزَّوَائِدُ الْمُتَّصِلَةُ كَسِمَنٍ وَكِبَرِ شَجَرَةٍ مَرْهُونَةٍ تَبَعًا لِأَصْلِهَا لَا الْمُنْفَصِلَةُ كَثَمَرَةٍ وَلَبَنٍ وَبَيْضٍ وَصُوفٍ وَمَهْرٍ وَكُسْبٍ وَالْحَمْلُ الْمُقَارِنُ لِلْعَقْدِ لَا لِلْقَبْضِ مَرْهُونٌ بِنَاءً على أَنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ وهو الْأَصَحُّ فَتُبَاعُ بِحَمْلِهَا في الدَّيْنِ وَكَذَا إنْ انْفَصَلَ قبل الْبَيْعِ وَقَوْلُهُ لَا لِلْقَبْضِ يُغْنِي عنه ما قَبْلَهُ وَكَذَا قَوْلُهُ لَا الْحَمْلُ الْحَادِثُ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَا تُبَاعُ الْأُمُّ لِلْمُرْتَهِنِ أَيْ لِحَقِّهِ حتى تَلِدَهُ بِقَيْدٍ زَادَهُ تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ بِقَوْلِهِ إنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ ثَالِثٌ بِوَصِيَّةٍ أو حَجْرِ فَلَسٍ أو مَوْتٍ أو تَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِرَقَبَةِ أُمِّهِ دُونَهُ كَالْجَانِيَةِ وَالْمُعَارَةِ لِلرَّهْنِ أو نَحْوِهَا وَذَلِكَ لِتَعَذُّرِ تَوْزِيعِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا تُعْرَفُ قِيمَتُهُ فَإِنْ لم يَتَعَلَّقْ بِهِ أو بها شَيْءٌ من ذلك أُلْزِمَ الرَّاهِنُ بِالْبَيْعِ أو تَوْفِيَةِ الدَّيْنِ ثُمَّ بَعْدَ الْبَيْعِ إنْ تَسَاوَى الثَّمَنُ وَالدَّيْنُ فَذَاكَ وَإِنْ فَضَلَ من الثَّمَنِ شَيْءٌ أَخَذَهُ الْمَالِكُ أو نَقَصَ طُولِبَ بِالْبَاقِي وَلَوْ رَهَنَ نَخْلَةً ثُمَّ أَطْلَعَتْ اسْتَثْنَى طَلْعَهَا عِنْدَ بَيْعِهَا وَلَا يَمْتَنِعُ بَيْعُهَا مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْحَامِلِ كما عُلِمَ من مَجْمُوعِ كَلَامِهِ في هذا الْبَابِ وَبَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَنَبَّهَ عليه الْأَصْلُ هُنَا
فَرْعٌ إذَا ضَرَبَ إنْسَانٌ الْأَمَةَ الْمَرْهُونَةَ فَأَلْقَتْ جَنِينًا حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ الرَّهْنِ فَإِنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَالْوَاجِبُ عليه عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ لِلرَّاهِنِ فَلَا يَكُونُ مَرْهُونًا لِأَنَّهُ بَدَلُ الْوَلَدِ وَلَيْسَ مَرْهُونًا لَكِنْ يُؤْخَذُ منه أَرْشُ نَقْصِ الْأُمِّ هُنَا إنْ نَقَصَتْ فَلَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ آخَرُ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ في بَدَلِ الْجَنِينِ نعم إنْ كان الضَّارِبُ هو الرَّاهِنُ ضَمِنَ النَّقْصَ لِلْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ إنْ كان الْوَلَدُ له فَلَا يَضْمَنُ بَدَلَهُ حتى يَدْخُلَ أَرْشُ النَّقْصِ فيه وَإِنْ كان لِغَيْرِهِ بِأَنْ أَوْصَى بِهِ لِغَيْرِ مَالِكِ الْأُمِّ فَبَدَلُهُ كُلُّهُ لِغَيْرِهِ وَإِذًا الْأَوْلَى قَوْلُ الْأَصْلِ وَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا وَمَاتَ بِالضَّرْبِ وَجَبَ على الضَّارِبِ
____________________
(2/173)
لِلرَّاهِنِ قِيمَتُهُ حَيًّا وَأَرْشُ نَقْصِهَا إنْ نَقَصَتْ وهو مَرْهُونٌ وَلَيْسَ في جَنِينِ الْبَهِيمَةِ الْمَيِّتِ إلَّا أَرْشُ نَقْصِ الْأُمِّ إنْ نَقَصَتْ وَيَكُونُ رَهْنًا لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْئِهَا وهو مَرْهُونٌ وَبِهَذَا فَارَقَ عُشْرَ قِيمَةِ الْأَمَةِ أَمَّا الْحَيُّ إذَا مَاتَ بِالضَّرْبِ فَيَجِبُ فيه مع ذلك قِيمَتُهُ لِلرَّاهِنِ
الطَّرَفُ الثَّالِثُ الْفَكَاكُ لِلرَّهْنِ بِفَتْحِ الْفَاءِ أَشْهَرُ من كَسْرِهَا وَيَقَعُ أَيْ يَحْصُلُ بِفَسْخِ الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ لم يُوَافِقْهُ الرَّاهِنُ لِأَنَّهُ جَائِزٌ من جِهَتِهِ بِخِلَافِ الرَّاهِنِ وَبِتَلَفِ الْمَرْهُونِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لِفَوَاتِهِ بِلَا بَدَلٍ فَإِنْ جَنَى الْمَرْهُونُ على أَجْنَبِيٍّ قُدِّمَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عليه على حَقِّ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَيَّنٌ في الرَّقَبَةِ وَحَقَّ الْمُرْتَهِنِ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّةِ الرَّاهِنِ وَبِالرَّقَبَةِ وَلِأَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عليه مُقَدَّمٌ على حَقِّ الْمَالِكِ فَأَوْلَى أَنْ يَتَقَدَّمَ على حَقِّ الْمُتَوَثِّقِ فَإِنْ اقْتَصَّ منه الْمُسْتَحِقُّ فِيمَا إذَا أَوْجَبَتْ الْجِنَايَةُ قِصَاصًا أو وَجَبَ بها وَلَوْ بِالْعَفْوِ عنها مَالٌ قَدْرُ قِيمَتِهِ بِيعَ لِحَقِّ الْمَجْنِيِّ عليه في الثَّانِيَةِ وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ فيها وَفِيمَا قَبْلَهَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا وَقَعَ فيه الْقِصَاصُ نعم إنْ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ بِأَنْ كان تَحْتَ يَدِ غَاصِبٍ أو نَحْوِهِ لم يَبْطُلْ الرَّهْنُ بَلْ تَكُونُ قِيمَتُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَلَوْ قال وَبِيعَ بَطَلَ كان أَوْضَحَ أو قَدْرُ بَعْضِهَا بِيعَ منه بِقَدْرِهِ وَالْبَاقِي مَرْهُونٌ فَإِنْ تَعَذَّرَ بِيعَ بَعْضُهُ أو نَقَصَ بِالتَّبْعِيضِ قِيمَتُهُ بَاعَ الْكُلَّ وَبَقِيَ الْفَاضِلُ عن الْأَرْشِ رَهْنًا فَإِنْ عَفَا عن الْأَرْشِ أو فَدَاهُ السَّيِّدُ أو غَيْرُهُ بَقِيَ رَهْنًا بِحَالِهِ فَلَوْ بِيعَ في الْجِنَايَةِ وَعَادَ مِلْكُ الرَّاهِنِ فيه لم يَعُدْ رَهْنًا لِانْفِكَاكِهِ بِالْبَيْعِ هذا كُلُّهُ إذَا لم يَأْمُرْهُ السَّيِّدُ بِالْجِنَايَةِ فَإِنْ أَمَرَهُ السَّيِّدُ بِالْجِنَايَةِ وهو مُمَيِّزٌ فَلَا أَثَرَ لِإِذْنِهِ في شَيْءٍ إلَّا في الْإِثْمِ فَيَأْثَمُ بِهِ أو غَيْرُ مُمَيِّزٍ أو أَعْجَمِيٌّ يَعْتَقِدُ وُجُوبَ الطَّاعَةِ لِلسَّيِّدِ في كل ما يَأْمُرُهُ بِهِ فَالْجَانِي هو السَّيِّدُ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ أو الضَّمَانُ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ مَالٌ وَلَا قِصَاصَ كما فُهِمَ بِالْأُولَى لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْآلَةِ في الْفِعْلِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَيْ السَّيِّدِ أنا أَمَرْته بِالْجِنَايَةِ في حَقِّ الْمَجْنِيِّ عليه لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ قَطْعَ حَقِّهِ عن الرَّقَبَةِ بَلْ يُبَاعُ الْعَبْدُ فيها وَعَلَى السَّيِّدِ الْقِيمَةُ لِتَكُونَ رَهْنًا مَكَانَهُ لِإِقْرَارِهِ بِأَمْرِهِ بِالْجِنَايَةِ
فَصْلٌ وَإِنْ جَنَى عَمْدًا على طَرَفِ سَيِّدِهِ أو عَبْدِهِ أَيْ عبد سَيِّدِهِ اقْتَصَّ منه انْتِقَامًا وَزَجْرًا وهو أَحْوَجُ إلَى ذلك من الْأَجَانِبِ فَإِنْ اقْتَصَّ منه بَطَلَ الرَّهْنُ فِيمَا اقْتَصَّ فيه وَلَوْ عَفَا على مَالٍ أو كانت الْجِنَايَةُ خَطَأً أو عَمْدًا يُوجِبُ مَالًا لم يَثْبُتْ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَثْبُتُ له على عَبْدِهِ مَالٌ فَيَبْقَى الرَّهْنُ كما كان وَكَذَا يَقْتَصُّ منه وَلَا يَثْبُتُ مَالٌ إنْ قَتَلَ سَيِّدَهُ أو عَبْدَهُ غير الْمَرْهُونِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لِمَا مَرَّ وَسَيَأْتِي حُكْمُ جِنَايَتِهِ على الْمَرْهُونِ وَالتَّصْرِيحُ بِالْجِنَايَةِ على طَرَفِ عبد سَيِّدِهِ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ جَنَى خَطَأً على طَرَفِ من يَرِثُهُ السَّيِّدُ كَأَبِيهِ أو طَرَفِ مُكَاتَبِهِ يَثْبُتُ الْمَالُ وَلَوْ وَرِثَهُ السَّيِّدُ في الْأُولَى قبل الِاسْتِيفَاءِ أو انْتَقَلَ إلَيْهِ في الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ من الْمُكَاتَبِ بِمَوْتِهِ أو عَجْزِهِ وَلَوْ قال وَلَوْ انْتَقَلَ إلَى السَّيِّدِ لَشَمَلَهُمَا فَيَبِيعُهُ أَيْ الْعَبْدُ فيها أَيْ الْجِنَايَةِ وفي نُسْخَةٍ فيه أَيْ مَالِهَا فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ كما لو كان الْمَجْنِيُّ عليه حَيًّا وَقِيلَ يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ انْتِقَالِهِ إلْحَاقًا لِلِاسْتِدَامَةِ بِالِابْتِدَاءِ في امْتِنَاعِ ثُبُوتِ دَيْنٍ لِلسَّيِّدِ على عَبْدِهِ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وما جَرَى عليه الْمُصَنِّفُ هو ما نَصَّ عليه في الْأُمِّ وَغَيْرِهِ في الْمُوَرِّثِ وَقِيسَ بِهِ الْمُكَاتَبُ
وَاقْتَضَى كَلَامُ الْأَصْلِ تَرْجِيحَهُ لِنَقْلِهِ له عن الْعِرَاقِيِّينَ وَنَقْلِهِ لِلثَّانِي عن تَصْحِيحِ الصَّيْدَلَانِيِّ وَالْإِمَامِ خَاصَّةً وَأَجَابَ الْأَوَّلُ عن دَلِيلِ الثَّانِي بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ في الدَّوَامِ ما لَا يَحْتَمِلُ في الِابْتِدَاءِ أَمَّا إذَا جَنَى عليه عَمْدًا فَيَقْتَصُّ منه فَإِنْ عَفَا على
____________________
(2/174)
مَالٍ ثَبَتَ كما يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا وَإِنْ قَتَلَهُ أَيْ مُوَرِّثُ سَيِّدِهِ أو مُكَاتَبُهُ خَطَأً أو عَمْدًا فَعَفَا السَّيِّدُ على مَالٍ وَجَبَ الْمَالُ بِنَاءً على أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْمُوَرِّثِ ثُمَّ يَتَلَقَّاهُ عنه الْوَارِثُ وَيُقَاسُ بِالْمُوَرِّثِ الْمُكَاتَبُ وَالْجِنَايَةُ على عبد من يَرِثُهُ السَّيِّدُ إذَا مَاتَ الْمُوَرِّثُ كَالْجِنَايَةِ على من يَرِثُهُ السَّيِّدُ وَإِنْ قَتَلَ أَحَدُ عَبْدَيْهِ الْآخَرَ وَهُمَا مَرْهُونَانِ من اثْنَيْنِ فَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا فَلِلسَّيِّدِ الْقِصَاصُ وَيَبْطُلُ الرَّهْنَانِ لِفَوَاتِهِمَا وَإِنْ عَفَا على مَالٍ أو كانت أَيْ الْجِنَايَةُ خَطَأً وَجَبَ الْمَالُ مُتَعَلِّقًا بِرَقَبَةِ الْقَاتِلِ لِحَقِّ مُرْتَهِنِ الْقَتِيلِ لِأَنَّ السَّيِّدَ لو أَتْلَفَ الْمَرْهُونَ لِغُرْمٍ لَحِقَ الْمُرْتَهِنِ فَتَعَلُّقُهُ بِعَبْدِهِ أَوْلَى وَإِنَّمَا وَجَبَ الْمَالُ فِيمَا ذُكِرَ وَإِنْ كان لَا يَثْبُتُ لِلسَّيِّدِ على عَبْدِهِ مَالٌ لِأَجْلِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ ولم يَصِحَّ الْعَفْوُ عنه أَيْ عن الْمَالِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ مُرْتَهِنِ الْقَتِيلِ بِهِ وَلَهُ الْعَفْوُ مُطْلَقًا وَبِلَا مَالٍ وَلَا يَجِبُ مَالٌ كما مَرَّ نَظِيرُهُ فإذا عَفَا كَذَلِكَ صَحَّ وَبَطَلَ رَهْنُ مُرْتَهِنِ الْقَتِيلِ وَبَقِيَ الْقَاتِلُ رَهْنًا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ
فَإِنْ كان الْوَاجِبُ بِالْقَتْلِ أَكْثَرَ من قِيمَةِ الْقَاتِلِ أو مِثْلَهَا بِيعَ وَجُعِلَ ثَمَنُهُ ما لم يَزِدْ على قِيمَةِ الْقَتِيلِ رَهْنًا عِنْدَ مُرْتَهِنِ الْقَتِيلِ فَإِنْ زَادَ جُعِلَ الزَّائِدُ رَهْنًا عِنْدَ مُرْتَهِنِ الْقَاتِلِ وَظَاهِرٌ مِمَّا مَرَّ أَنَّ الْقِيمَةَ رَهْنٌ من حِينِ الْقَتْلِ فَقَوْلُهُ كَأَصْلِهِ وَجُعِلَ ثَمَنُهُ رَهْنًا فيه تَسَمُّحٌ سَلِمَ منه قَوْلُ الْمِنْهَاجِ فَيُبَاعُ وَثَمَنُهُ رَهْنٌ وَإِنَّمَا لم يَكُنْ الْقَاتِلُ نَفْسُهُ رَهْنًا لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ في مَالِيَّتِهِ لَا في عَيْنِهِ وَلِأَنَّهُ قد يَرْغَبُ رَاغِبٌ بِزِيَادَةٍ يَتَوَثَّقُ بها مُرْتَهِنُ الْقَاتِلِ أو كان الْوَاجِبُ أَقَلَّ من قِيمَةِ الْقَاتِلِ بِيعَ منه بِقَدْرِ الْوَاجِبِ وَبَقِيَ الْبَاقِي رَهْنًا وَأَنَّ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْعُ الْبَعْضِ أو نَقَصَهُ التَّشْقِيصُ بِيعَ الْكُلُّ وَجُعِلَ الزَّائِدُ على الْوَاجِبِ عِنْدَ مُرْتَهِنِ الْقَاتِلِ هذا إنْ طَلَبَ مُرْتَهِنُ الْقَتِيلِ الْبَيْعَ وَالرَّاهِنُ نَقَلَ الْقَاتِلَ إلَيْهِ فَإِنْ عَكَسَ أُجِيبَ الرَّاهِنُ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمُرْتَهِنِ في عَيْنِهِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ لو اتَّفَقَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنَانِ على أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ فَهُوَ الْمَسْلُوكُ قَطْعًا فَإِنْ اتَّفَقَ الرَّاهِنُ وَمُرْتَهِنُ الْقَتِيلِ على النَّقْلِ لِلْقَاتِلِ أو لِبَعْضِهِ إلَى الْمُرْتَهِنِ لِيَكُونَ رَهْنًا فَلَيْسَ لِمُرْتَهِنِ الْقَاتِلِ مُنَازَعَتُهُ فيه وَطَلَبُ الْبَيْعِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْإِمَامِ ثُمَّ قال وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ السَّابِقِ بِتَوَقُّعِ رَاغِبٍ أَنَّ له ذلك وَإِنْ كَانَا مَرْهُونَيْنِ بِدَيْنٍ وَاحِدٍ لِوَاحِدٍ فَلَا كَلَامَ في أَنَّ الْوَثِيقَةَ نَقَصَتْ وَلَا جَابِرَ كما لو مَاتَ أَحَدُهُمَا وَقَوْلُهُ لِوَاحِدٍ من زِيَادَتِهِ وهو وَإِنْ لم تَكُنْ له فَائِدَةٌ فِيمَا ذَكَرَ له فَائِدَةٌ فِيمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ أو بِدَيْنَيْنِ له أَيْ لِوَاحِدٍ وَوَجَبَ الْمَالُ مُتَعَلِّقًا بِرَقَبَةِ الْقَاتِلِ
وَاخْتَلَفَا تَأْجِيلًا وَحُلُولًا أو كان أَحَدُهُمَا أَطْوَلَ أَجَلًا من الْآخَرِ فَلَهُ أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ التَّوَثُّقُ لِدَيْنِ الْقَتِيلِ بِالْقَاتِلِ لِأَنَّهُ إنْ كان الْحَالُّ دَيْنَ الْقَتِيلِ فَقَدْ يُرِيدُ اسْتِيفَاءً من ثَمَنِهِ في الْحَالِّ أو دَيْنِ الْقَاتِلِ فَقَدْ يُرِيدُ التَّوَثُّقَ بِهِ في الْمُؤَجَّلِ وَيُطَالَبُ بِالْحَالِّ وَقِيسَ بِهِ اخْتِلَافُهُمَا في قَدْرِ الْأَجَلِ وَلَفْظِهِ له سَاقِطَةٌ من بَعْضِ النُّسَخِ لِفَهْمِهَا مِمَّا مَرَّ وَإِنْ اتَّفَقَا في الْحُلُولِ وَالْأَجَلِ وَقَدْرِهِ وَاسْتَوَى الدَّيْنَانِ الْأَوْلَى وَاسْتَوَيَا أَيْ في الْقَدْرِ فَإِنْ كانت قِيمَةُ الْقَتِيلِ أَكْثَرَ من قِيمَةِ الْقَاتِلِ أو مُسَاوِيَةً لها كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلَا نَقْلَ لِلْوَثِيقَةِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَإِنْ كانت قِيمَةُ الْقَاتِلِ أَكْثَرَ نَقَلَ منه قَدْرَ قِيمَةِ الْقَتِيلِ إلَى دَيْنِ الْقَتِيلِ وَبَقِيَ الْبَاقِي رَهْنًا بِحَالِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَ قَدْرُ الدَّيْنَيْنِ وَتَسَاوَتْ قِيمَةُ الْعَبْدَيْنِ أو كان الْقَتِيلُ أَكْثَرَ قِيمَةً وكان الْمَرْهُونُ فِيهِمَا بِالْأَكْثَرِ من الدَّيْنَيْنِ هو الْقَتِيلُ نُقِلَ التَّوَثُّقُ بِالْقَاتِلِ لِيَصِيرَ ثَمَنُهُ مَرْهُونًا بِالْأَكْثَرِ أو كان الْمَرْهُونُ بِالْأَقَلِّ هو الْقَتِيلُ فَلَا نَقْلَ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ لِأَنَّهُ لو نُقِلَ صَارَ الثَّمَنُ مَرْهُونًا بِالْأَقَلِّ وَإِنْ كانت قِيمَةُ الْقَتِيلِ أَقَلَّ وهو مَرْهُونٌ بِأَكْثَرَ نُقِلَ من الْقَاتِلِ قَدْرُ قِيمَةِ الْقَتِيلِ إلَى الدَّيْنِ الْآخَرِ أو بِأَقَلَّ قال في الْأَصْلِ لَا نَقْلَ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ يُنْقَلُ إنْ كان ثَمَّ فَائِدَةٌ كما إذَا كانت قِيمَةُ الْقَتِيلِ مِائَةً وهو مَرْهُونٌ بِعَشَرَةٍ وَقِيمَةُ الْقَاتِلِ مِائَتَيْنِ وهو مَرْهُونٌ بِعِشْرِينَ فَيُنْقَلُ منه قَدْرُ قِيمَةِ الْقَتِيلِ وهو مِائَةٌ تَصِيرُ مَرْهُونَةً بِعَشَرَةٍ وَيَبْقَى مِائَةٌ مَرْهُونَةٌ بِالْعِشْرِينَ
وَإِنْ لم تَكُنْ فَائِدَةٌ كما إذَا كان الْقَاتِلُ في هذه الصُّورَةِ مَرْهُونًا بِمِائَتَيْنِ فَلَا نَقْلَ لِأَنَّهُ إذَا نَقَلَ بِيعَ منه بِمِائَةٍ وَصَارَتْ مَرْهُونَةً بِعَشَرَةٍ وَتَبْقَى مِائَةٌ مَرْهُونَةٌ بِمِائَتَيْنِ فَمَحِلُّ عَدَمِ النَّقْلِ فِيمَا قَالَهُ الْأَصْلُ في الْأَخِيرَةِ إذَا لم يَنْقُصْ دَيْنُ الْقَاتِلِ عن قِيمَتِهِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْعِبْرَةَ في النَّقْلِ وَعَدَمِهِ بِفَرْضِ الْمُرْتَهِنِ إذْ لَوْلَا حَقُّهُ لَمَا تَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِرَقَبَةِ الْقَاتِلِ وَحَيْثُ قُلْنَا بِالنَّقْلِ لِلْقَاتِلِ أو بَعْضِهِ فَالْمُرَادُ
____________________
(2/175)
بِهِ أَنَّهُ يُبَاعُ وَيَبْقَى ثَمَنُهُ لَا رَقَبَتُهُ مَرْهُونًا لِمَا مَرَّ وَلَا أَثَرَ لِاخْتِلَافِ جِنْسِ الدَّيْنِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ إذَا كَانَا بِحَيْثُ لو قُوِّمَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ سَاوَاهُ كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ وَصَرَّحَ أَيْضًا كَالرَّافِعِيِّ بِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِاخْتِلَافِهِمَا في الِاسْتِقْرَارِ وَعَدَمِهِ بِأَنْ كان أَحَدُهُمَا عَوَّضَ ما يُتَوَقَّعُ رَدُّهُ بِعَيْبٍ أو صَدَاقًا قبل الدُّخُولِ وَحَيْثُ قُلْنَا لَا يُنْقَلُ الْقَاتِلُ فقال الْمُرْتَهِنُ بِيعُوهُ وَضَعُوا ثَمَنَهُ مَكَانَهُ فَإِنِّي لَا آمَنُ جِنَايَتَهُ مَرَّةً أُخْرَى فَتُؤْخَذُ رَقَبَتُهُ فيها وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ فَهَلْ يُجَابُ وَجْهَانِ قال الزَّرْكَشِيُّ الظَّاهِرُ تَرْجِيحُ الْمَنْعِ كَسَائِرِ ما يُتَوَقَّعُ من الْمُفْسِدَاتِ ثُمَّ نُقِلَ عن أبي خَلَفٍ الطَّبَرِيِّ ما حَاصِلُهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ
فَصْلِ وكما ( ( ( تزويج ) ) ) يَنْفَكُّ الرَّهْنُ بِفَسْخِ الْمُرْتَهِنِ وَبِتَلَفِ الْمَرْهُونِ بِآفَةٍ كما مَرَّ يَنْفَكُّ بِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ من الدَّيْنِ بِأَدَاءٍ أو إبْرَاءٍ أو حَوَالَةٍ بِهِ أو عليه أو غَيْرِهَا فَإِنْ اعْتَاضَ عن الدَّيْنِ عَيْنًا انْفَكَّ الرَّهْنُ لِتَحَوُّلِ الْحَقِّ من الذِّمَّةِ إلَى الْعَيْنِ فَإِنْ تَلِفَتْ أَيْ الْعَيْنُ قبل الْقَبْضِ لها عَادَ الْمَرْهُونُ رَهْنًا كما عَادَ الدَّيْنُ لِبُطْلَانِ الِاعْتِيَاضِ قال ابن الرِّفْعَةِ وهو ظَاهِرٌ إذَا قُلْنَا بِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ من أَصْلِهِ لَا من حِينِهِ وَشَاهِدُهُ قَوْلُ الْمُتَوَلِّي إنَّ الْغَاصِبَ لو بَاعَ بِالْوَكَالَةِ ما غَصَبَهُ صَحَّ وَبَرِئَ من الضَّمَانِ فَإِنْ تَلِفَ الْمَبِيعُ قبل قَبْضِهِ كان من ضَمَانِهِ إنْ قُلْنَا بِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ من أَصْلِهِ وَإِنْ قُلْنَا من حِينِهِ فَلَا لِأَنَّ الضَّمَانَ فَرْعُ الْمِلْكِ وَالْمِلْكُ تَجَدُّدٌ انْتَهَى وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الدَّيْنَ الذي هو سَبَبُ الرَّهْنِ عَادَ فَعَادَ مُسَبَّبُهُ وَالْغَصْبُ الذي هو سَبَبُ الضَّمَانِ لم يَعُدْ فلم يَعُدْ مُسَبَّبُهُ وَلَا يَنْفَكُّ شَيْءٌ منه أَيْ من الرَّهْنِ ما بَقِيَ من الدَّيْنِ شَيْءٌ لِلْإِجْمَاعِ كما قَالَهُ ابن الْمُنْذِرِ وَكَحَقِّ حَبْسِ الْمَبِيعِ وَعِتْقِ الْمُكَاتَبِ وَلِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ لِلْكُلِّ وَلِجُزْئِهِ كَالشَّهَادَةِ فَلَا يَنْفَكُّ منه شَيْءٌ ما بَقِيَ من الدَّيْنِ شَيْءٌ إلَّا إنْ تَعَدَّدَ الْعَقْدُ كَأَنْ رَهَنَ نِصْفَ عَبْدٍ في صَفْقَةٍ وَبَاقِيَهُ في أُخْرَى
أو تَعَدَّدَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ كَأَنْ رَهَنَ عَبْدًا من اثْنَيْنِ بِدَيْنَيْهِمَا عليه صَفْقَةً وَاحِدَةً وَإِنْ اتَّحَدَتْ جِهَةُ دَيْنَيْهِمَا كَبَيْعٍ وَإِتْلَافٍ ثُمَّ بَرِئَ عن دَيْنِ أَحَدِهِمَا وَهَذَا يُشْكِلُ بِأَنَّ ما أَخَذَهُ أَحَدُهُمَا من الدَّيْنِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ بَلْ هو مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَكَيْفَ تَنْفَكُّ حِصَّتُهُ من الرَّهْنِ بِأَخْذِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ ما هُنَا مَحِلُّهُ إذَا لم تَتَّحِدْ جِهَةُ دَيْنَيْهِمَا أو إذَا كانت الْبَرَاءَةُ بِالْإِبْرَاءِ لَا بِالْأَخْذِ أو تَعَدَّدَ الْمَدْيُونُ كَأَنْ رَهَنَ اثْنَانِ من وَاحِدٍ بِدَيْنِهِ عَلَيْهِمَا ثُمَّ بَرِئَ أَحَدُهُمَا عَمَّا عليه فَيَنْفَكُّ الرَّهْنُ عنه وَلَوْ اتَّحَدَ الْوَكِيلُ أَيْ وَكِيلُهُمَا قال في الْأَصْلِ قال الْإِمَامُ لِأَنَّ الْمَدَارَ على اتِّحَادِ الدَّيْنِ وَتَعَدُّدِهِ وَمَتَى تَعَدَّدَ الْمُسْتَحِقُّ أو الْمُسْتَحَقُّ عليه تَعَدَّدَ الدَّيْنُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فإن الْعِبْرَةَ فيه بِتَعَدُّدِ الْوَكِيلِ وَاتِّحَادِهِ لِأَنَّهُ عَقْدُ ضَمَانٍ فَنُظِرَ فيه إلَى الْمُبَاشِرِ له بِخِلَافِ الرَّهْنِ فإذا اسْتَعَارَ الْمَدْيُونُ وَإِنْ تَعَدَّدَ عَبْدًا أو عَبْدَيْنِ اسْتَوَتْ قِيمَتُهُمَا من مَالِكَيْنِ لِيَرْهَنَهُ أو لِيَرْهَنَهُمَا من وَاحِدٍ أو أَكْثَرَ فَفَعَلَ ثُمَّ قَضَى النِّصْفَ من الدَّيْنِ قَاصِدًا فَكَاكَ نِصْفِهِ أَيْ الْعَبْدِ أو فَكَاكَ أَحَدِهِمَا أَيْ الْعَبْدَيْنِ أو أَطْلَقَ ثُمَّ جَعَلَهُ عن ذلك انْفَكَّ الرَّهْنُ عنه نَظَرًا إلَى تَعَدُّدِ الْمَالِكِ بِخِلَافِ ما إذَا قَصَدَ الشُّيُوعَ أو أَطْلَقَ ثُمَّ جَعَلَهُ عنهما أو لم يَعْرِفْ حَالَّهُ
وَقَيَّدَ الزَّرْكَشِيُّ الْمَسْأَلَةَ أَخْذًا من كَلَامِ الشَّافِعِيِّ بِأَنْ يَأْذَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا في رَهْنِ نَصِيبِهِ بِنِصْفِ الدَّيْنِ فَيَرْهَنُ الْمُسْتَعِيرُ الْجَمِيعَ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ فَلَوْ قَالَا أَعَرْنَاك الْعَبْدَ لِتَرْهَنَهُ بِدَيْنِك فَلَا يَنْفَكُّ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا رضي بِرَهْنِ الْجَمِيعِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وما قَالَهُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ لو رَهَنَ اثْنَانِ عَبْدَهُمَا بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ على آخَرَ لَا تَنْفَكُّ حِصَّةُ أَحَدِهِمَا بِدَفْعِ شَيْءٍ من الدَّيْنِ لِأَنَّ نَصِيبَ كُلٍّ مِنْهُمَا رَهْنٌ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ لَكِنَّ الْفَرْقَ بين رَهْنِ الْمَالِكِ وَرَهْنِ الْمُسْتَعِيرِ لَائِحٌ وَصِحَّةُ رَهْنِ الْجَمِيعِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ على خِلَافِ إذْنِ الْمَالِكِ مَمْنُوعَةٌ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ وَاسْتَوَتْ قِيمَتُهُمَا مِثَالٌ لَا قَيْدٌ في الْمَسْأَلَةِ وَلِلْمُرْتَهِنِ الْخِيَارُ في الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فيه الرَّهْنُ إنْ جَهِلَ أَنَّ ذلك لِمَالِكَيْنِ لِأَنَّ مُقْتَضَى الرَّهْنِ الْمُطْلَقِ أَنْ لَا يَنْفَكَّ شَيْءٌ منه إلَّا بَعْدَ الْبَرَاءَةِ من الْجَمِيعِ وَلَوْ رَهَنَهُ عَبْدَيْنِ في صَفْقَةٍ وسلم أَحَدَهُمَا له كان مَرْهُونًا بِجَمِيعِ الْمَالِ كما لو سَلَّمَهُمَا وَتَلِفَ أَحَدُهُمَا فَصْلٌ وفي نُسْخَةٍ فَرْعٌ وَإِنْ فَدَى أَحَدُ الْوَارِثِينَ حِصَّتَهُ مِمَّا رَهَنَ أَيْ مِمَّا رَهَنَهُ مُوَرِّثُهُ من زَيْدٍ بِقَضَاءِ نَصِيبِهِ من الدَّيْنِ لم يَنْفَكَّ نَصِيبُهُ من الْمَرْهُونِ كما في الْمُوَرِّثِ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ صَدَرَ ابْتِدَاءً من وَاحِدٍ وَقَضِيَّتُهُ
____________________
(2/176)
حَبْسُ كل الْمَرْهُونِ إلَى الْبَرَاءَةِ من كل الدَّيْنِ أو فَدَى حِصَّتَهُ من التَّرِكَةِ بِقَضَاءِ نَصِيبِهِ من الدَّيْنِ الْمُتَعَلِّقِ بها انْفَكَّ نَصِيبُهُ منها كما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْإِمَامِ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من أَنَّهُ لو أَقَرَّ بِدَيْنٍ على مُوَرِّثِهِ وَأَنْكَرَهُ الْبَاقُونَ لَا يَلْزَمُ بِأَدَاءِ كل الدَّيْنِ من نَصِيبِهِ بَلْ يَقْتَصِرُ على وَفَاءِ حِصَّتِهِ من الدَّيْنِ وَأَيْضًا فَإِنْ تَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِالتَّرِكَةِ أَمَّا كَتَعَلُّقِ الرَّهْنِ فَهُوَ كما لو تَعَدَّدَ الرَّاهِنُ أو كَتَعَلُّقِ الْأَرْشِ بِالْجَانِي فَهُوَ كما لو جَنَى الْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ فَأَدَّى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ يَنْقَطِعُ التَّعَلُّقُ عنه قال في الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ انْفِكَاكُ نَصِيبِهِ إذَا كان ابْتِدَاءُ التَّعَلُّقِ مع ابْتِدَاءِ تَعَلُّقِ الْمُلَّاكِ أَمَّا إذَا كان الْمَوْتُ مَسْبُوقًا بِالْمَرَضِ فَيَكُونُ التَّعَلُّقُ سَابِقًا على مِلْكِ الْوَرَثَةِ فإن لِلدَّيْنِ أَثَرًا بَيِّنًا في الْحَجْرِ على الْمَرِيضِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كما لو رَهَنَهُ الْمُوَرِّثُ زَادَ النَّوَوِيُّ هذا خِلَافُ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ على إطْلَاقِهَا فإنه ليس لِلرَّهْنِ وُجُودٌ فِيمَا إذَا لم يَرْهَنْ التَّرِكَةَ وَلَكِنَّهُ مَاتَ عن دَيْنٍ وَلِلْقُونَوِيِّ اعْتِرَاضٌ على النَّوَوِيِّ ذَكَرْته مع جَوَابِهِ في شَرْحِ الْبَهْجَةِ
فَرْعٌ لو مَاتَ الْمُرْتَهِنُ عن ابْنَيْنِ فَوَفَّى الرَّاهِنُ لِأَحَدِهِمَا نِصْفَ الدَّيْنِ قال ابن الرِّفْعَةِ يَظْهَرُ أَنَّهُ يَنْفَكُّ نَصِيبُهُ وَأَطَالَ في بَيَانِهِ وَنَازَعَهُ السُّبْكِيُّ وَأَطَالَ في الرَّدِّ ثُمَّ ذَكَرَ ما حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ نَصِيبُهُ كما لو وَفَّى مُوَرِّثُهُ بَعْضَ دَيْنِهِ وما قَالَهُ أَوْجَهُ وَأَوْفَقُ بِمَا مَرَّ فِيمَا إذَا مَاتَ الرَّاهِنُ عن ابْنَيْنِ فَإِنْ أَرَادَ الرَّاهِنَانِ الْمَالِكَانِ لِلْمَرْهُونِ أو من انْفَكَّ نَصِيبُهُ مِنْهُمَا قِسْمَةَ مُسْتَوِي الْأَجْزَاءِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ جَازَ تَعَاطِيهَا وَتَعَيَّنَتْ الْإِجَابَةُ لِطَالِبِهَا على الشَّرِيكِ الْآخَرِ وَإِنْ لم يَنْقَسِمْ ما رَهَنَ بِالْأَجْزَاءِ كَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ الْمُخْتَلِفَةِ نَوْعًا وَقِيمَةً كما لو رَهَنَا عَبْدَيْنِ مُشْتَرَكَيْنِ وَانْفَكَّ الرَّهْنُ عن نِصْفِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَأَرَادَ من انْفَكَّ نَصِيبُهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِعَبْدٍ وَيَنْحَصِرَ الرَّهْنُ في عَبْدٍ لم تَلْزَمْ الْإِجَابَةُ وَإِنْ كان أَرْضًا مُخْتَلِفَةَ الْأَجْزَاءِ كَالدَّارِ وَطَلَبَ من انْفَكَّ نَصِيبُهُ الْقِسْمَةَ لَزِمَ الشَّرِيكَ الْإِجَابَةُ بِنَاءً على الْإِجْبَارِ في قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ وَلِلْمُرْتَهِنِ الِامْتِنَاعُ لِضَرَرِ التَّشْقِيصِ بِالْقِسْمَةِ حتى لو رَهَنَ وَاحِدٌ من اثْنَيْنِ وَقَضَى نَصِيبَ أَحَدِهِمَا ثُمَّ أَرَادَ الْقِسْمَةَ لِيَمْتَازَ ما بَقِيَ فيه الرَّهْنُ اُشْتُرِطَ رِضَا الْآخَرِ فَإِنْ قَاسَمَ الْمُرْتَهِنُ وكان بِإِذْنِ الْمَالِكِ أو بِإِذْنِ الْحَاكِمِ عِنْدَ امْتِنَاعِ الْمَالِكِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا الْبَابُ الرَّابِعُ في الِاخْتِلَافِ بين الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَإِنْ اخْتَلَفَا في الرَّهْنِ أَكَانَ أَيْ أُوجِدَ أَمْ لَا أَمْ يَعْنِي أو هو هذا الْعَبْدُ أَمْ الثَّوْبُ أو الْأَرْضُ بِالْأَشْجَارِ أو دُونَهَا أو بِأَلْفٍ أو أَلْفَيْنِ وَلَا بَيِّنَةَ صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ رَهْنِ ما ادَّعَاهُ الْمُرْتَهِنُ فَإِنْ قال الْمَالِكُ لم تَكُنْ الْأَشْجَارُ مَوْجُودَةً عِنْدَ الْعَقْدِ بَلْ أَحْدَثَتْهَا فَإِنْ لم يَتَصَوَّرْ حُدُوثَهَا بَعْدَهُ فَهُوَ كَاذِبٌ وَطُولِبَ بِجَوَابِ الدَّعْوَى فَإِنْ أَصَرَّ على إنْكَارِ الْوُجُودِ لها عِنْدَ الْعَقْدِ جُعِلَ نَاكِلًا وَحَلَفَ الْمُرْتَهِنُ وَإِنْ لم يُصِرَّ عليه وَاعْتَرَفَ بِوُجُودِهَا وَأَنْكَرَ رَهْنَهَا قَبِلْنَا منه إنْكَارَهُ لِجَوَازِ صِدْقِهِ في نَفْيِ الرَّهْنِ وَإِنْ كان قد بَانَ كَذِبُهُ في الدَّعْوَى الْأُولَى وَهِيَ نَفْيُ الْوُجُودِ أَمَّا إذَا تَصَوَّرَ حُدُوثَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ فَإِنْ لم يُمْكِنْ وُجُودُهَا عِنْدَهُ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ أَمْكَنَ وُجُودُهَا وَعَدَمُهُ عِنْدَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ لِمَا مَرَّ فَإِنْ حَلَفَ فَهِيَ كَالْأَشْجَارِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ الرَّهْنِ في الْقَلْعِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ وقد مَرَّ بَيَانُهَا هذا إنْ كان رَهْنَ تَبَرُّعٍ
____________________
(2/177)
فَإِنْ اخْتَلَفَا في رَهْنٍ مَشْرُوطٍ في بَيْعٍ بِأَنْ اخْتَلَفَا في اشْتِرَاطِهِ فيه أو اتَّفَقَا عليه وَاخْتَلَفَا في شَيْءٍ مِمَّا مَرَّ تَحَالُفًا كما سَبَقَ بَيَانُهُ في اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ نعم إنْ اتَّفَقَا على اشْتِرَاطِهِ فيه وَاخْتَلَفَا في أَصْلِهِ فَلَا تَحَالُفَ لِأَنَّهُمَا لم يَخْتَلِفَا في كَيْفِيَّةِ الْبَيْعِ بَلْ يُصَدَّقُ الْمَالِكُ وَلِلْمُرْتَهِنِ الْفَسْخُ إنْ لم يَرْهَنْ فَصْلٌ وَإِنْ ادَّعَى على اثْنَيْنِ أَنَّهُمَا رَهَنَاهُ عَبْدَهُمَا بِمِائَةٍ مَثَلًا وَأَقْبَضَاهُ إيَّاهُ فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا فَنَصِيبُهُ رَهْنٌ بِخَمْسِينَ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكَذِّبِ في نَصِيبِهِ بِيَمِينِهِ ولو شَهِدَ الْمُصَدِّقُ على شَرِيكِهِ الْآخَرِ الْمُكَذِّبِ قَبِلَ في شَهَادَتِهِ لِخُلُوِّهَا عن جَلْبِ نَفْعٍ وَدَفْعِ ضَرَرٍ فَإِنْ شَهِدَ معه آخَرُ أو حَلَفَ الْمُدَّعِي ثَبَتَ رَهْنُ الْجَمِيعِ وَكَذَا لو كَذَّبَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا في حَقِّهِ بِأَنْ زَعَمَ أَنَّهُ ما رَهَنَ نَصِيبَهُ وَأَنَّ شَرِيكَهُ رَهَنَ أو سَكَتَ عن شَرِيكِهِ وَشَهِدَ على الْآخَرِ أَيْضًا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فَرُبَّمَا نَسِيَا وَإِنْ تَعَمَّدَا فَالْكِذْبَةُ الْوَاحِدَةُ لَا تُوجِبُ الْفِسْقَ وَلِهَذَا لو تَخَاصَمَ اثْنَانِ في شَيْءٍ ثُمَّ شَهِدَا في حَادِثَةٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَإِنْ كان أَحَدُهُمَا كَاذِبًا في التَّخَاصُمِ فَيَحْلِفُ مع شَاهِدِهِ أو يُقِيمُ معه شَاهِدًا آخَرَ فَيَثْبُتُ رَهْنُ الْجَمِيعِ وَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ فِيمَا إذَا صَدَّقَاهُ أو كَذَّبَاهُ مُطْلَقًا قال الْإِسْنَوِيُّ وما ذُكِرَ من أَنَّ الْكَذْبَةَ الْوَاحِدَةَ غَيْرُ مُفَسِّقَةٍ مَحِلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ انْضِمَامِ غَيْرِهَا إلَيْهَا أَمَّا هُنَا فَبِتَقْدِيرِ تَعَمُّدِهِ يَكُونُ جَاحِدًا لِحَقٍّ وَاجِبٍ عليه فَيَفْسُقُ بِذَلِكَ وَرُدَّ بِأَنَّ شَرْطَ كَوْنِ الْجَحْدِ مُفَسِّقًا أَنْ تَفُوتَ الْمَالِيَّةُ على الْغَيْرِ وَهُنَا لم يَفُتْ إلَّا حَقُّ الْوَثِيقَةِ قال الْبُلْقِينِيُّ وَمَحِلُّ ذلك إذَا لم يُصَرِّحْ الْمُدَّعِي بِظُلْمِهِمَا بِالْإِنْكَارِ بِلَا تَأْوِيلٍ وَإِلَّا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُ ظَهَرَ منه ما يَقْتَضِي تَفْسِيقَهُمَا انْتَهَى وَلَك أَنْ تَمْنَعَ أَنَّهُ بِذَلِكَ ظَهَرَ منه هذا إذْ ليس كُلُّ ظُلْمٍ خَالٍ عن تَأْوِيلٍ مُفَسِّقًا بِدَلِيلِ الْغِيبَةِ
فَرْعٌ وَإِنْ ادَّعَيَا على وَاحِدٍ أَنَّهُ رَهَنَهُمَا عَبْدَهُ وَأَقْبَضَهُمَا إيَّاهُ وَصَدَّقَ أَحَدُهُمَا فَنِصْفُ الْعَبْدِ مَرْهُونٌ عِنْدَ الْمُصَدِّقِ وَيَحْلِفُ لِلْآخَرِ وقبلت شَهَادَةُ الْمُصَدِّقِ لِلْمُكَذِّبِ بِرَهْنِ النِّصْفِ لِمَا مَرَّ هذا إنْ لم يَكُنْ شَرِيكُهُ فيه أَيْ فِيمَا ادَّعَاهُ فَإِنْ كان شَرِيكُهُ فيه كَأَنْ قَالَا رَهَنْته من مُوَرِّثِنَا أو مِنَّا صَفْقَةً وَاحِدَةً لم تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ له لِلتُّهْمَةِ في دَفْعِ مُزَاحَمَةِ الشَّرِيكِ عن نَفْسِهِ فِيمَا سَلَّمَ له وَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ فِيمَا إذَا صَدَّقَهُمَا أو كَذَّبَهُمَا فَصْلٌ وَإِنْ ادَّعَى اثْنَانِ أَنَّ الشَّرِيكَيْنِ فِيمَا يَصِحُّ رَهْنُهُ كَعَبْدٍ رَهْنَاهُمَا عَبْدًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بِمِائَةٍ مَثَلًا وَأَقْبَضَاهُمَا إيَّاهُ وَصَدَّقَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَاحِدًا من الْمُدَّعِيَيْنِ فَنِصْفُ الْعَبْدِ مَرْهُونٌ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا رُبْعُهُ بِرُبْعِ الْمِائَةِ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَدَّعِي على الِاثْنَيْنِ نِصْفَهُ ولم يُصَدِّقْهُ إلَّا أَحَدُهُمَا وقبلت شَهَادَةُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ على صَاحِبِهِ إذْ لَا مَانِعَ وَكَذَا شَهَادَةُ أَحَدِ الْمُدَّعِيَيْنِ لِلْآخَرِ حَيْثُ لَا شَرِكَةَ كما مَرَّ قبل الْفَصْلِ وَلَوْ صَدَّقَا أَحَدَهُمَا ثَبَتَ ما ادَّعَاهُ وكان له على كُلٍّ مِنْهُمَا رُبْعُ الْمِائَةِ وَنِصْفُ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَرْهُونٌ بِهِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ فِيمَا لو صَدَّقَاهُمَا أو كَذَّبَاهُمَا فَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ زَيْدًا رَهَنَهُ عَبْدَهُ وَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ فَصَدَّقَ أَحَدُهُمَا قَضَى له بِالرَّهْنِ وَيَحْلِفُ زَيْدٌ لِلْمُكَذِّبِ لِأَنَّهُ عِنْدَ إرَادَةِ تَحْلِيفِهِ قد يُقِرُّ أو يَنْكُلُ فَيَحْلِفُ الْمُكَذِّبُ فَيَغْرَمُ له الْقِيمَةَ لِتَكُونَ رَهْنًا عِنْدَهُ وَإِنْ كَذَّبَهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَيَحْلِفُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَمِينًا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ من التَّحْلِيفِ خِلَافُ ما رَجَّحَهُ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَدَلَ عنه إلَى ذلك لِقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ إنَّ ما فيها هُنَا سَهْوٌ أو غَلَطٌ فإن الصَّحِيحَ الْمَذْكُورَ في الْإِقْرَارِ وَالدَّعَاوَى أَنَّهُ يَحْلِفُ وَعَلَّلَهُ بِمَا مَرَّ
قال وَسَبَبُ ذُهُولِهِ أَنَّ الرَّافِعِيَّ قال فيه قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَحْلِفُ قَالَهُ الْبَغَوِيّ فَأَطْلَقَ النَّوَوِيُّ التَّصْحِيحَ من غَيْرِ بَحْثٍ وَإِمْعَانٍ وَلَمَّا نَقَلَ الرَّافِعِيُّ كَلَامَ الْبَغَوِيّ عَقَّبَهُ بِمَا يُرْشِدُ إلَى أَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُهُ حَيْثُ بَنَاهُ على أَنَّ من أَقَرَّ لِزَيْدٍ بِمَا أَقَرَّ بِهِ لِعَمْرٍو هل يَغْرَمُ قال الْأَذْرَعِيُّ وما صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ هو الصَّحِيحُ في الْبَحْرِ وَالْكَافِي وَالْمَنْصُوصُ في الْمُخْتَصَرِ وَالْبُوَيْطِيِّ قالوا لِأَنَّهُ لو رَجَعَ عن إقْرَارِهِ لم يُفِدْ فلم يَكُنْ لِوُجُوبِ الْيَمِينِ عليه وَجْهٌ لَكِنَّ الْمُخْتَارَ دَلِيلًا التَّحْلِيفُ انْتَهَى وَالْمُعْتَمَدُ ما رَجَّحَهُ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَيُفَارِقُ ما في الْإِقْرَارِ وَالدَّعَاوَى بِأَنَّهُ لو لم يَحْلِفْ فِيهِمَا لَبَطَلَ الْحَقُّ أَصْلًا بِخِلَافِ ما هُنَا لِأَنَّ له مَرَدًّا وهو الذِّمَّةُ ولم يَفُتْ إلَّا التَّوَثُّقُ نَبَّهَ عليه ابن الْعِمَادِ وَإِنْ صَدَّقَهُمَا وَلَكِنْ قال في جَوَابِ دَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمَا السَّبْقُ وَإِنَّ الرَّاهِنَ عَالِمٌ بِهِ أَحَدُهُمَا سَبَقَ الْآخَرَ وفي نُسْخَةٍ أَسْبَقَ قَبَضَا وَعَيْنَهُ قَضَى له وَإِنْ كان الْعَبْدُ في يَدِ الْآخَرِ لِأَنَّ الْيَدَ لَا دَلَالَةَ لها على الرَّهْنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ
____________________
(2/178)
الشَّهَادَةُ بها عليه وَيَحْلِفُ لِلْآخَرِ لِمَا مَرَّ وَهَذَا على قِيَاسِ ما مَرَّ له وَأَمَّا على ما مَرَّ عن الرَّوْضَةِ فَلَا يَحْلِفُ له كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهَا وَقَوْلُهُ وَعَيْنَهُ من زِيَادَتِهِ
وَلَوْ قال ولم يَدَّعِيَا سَبْقًا أو ادَّعَاهُ كُلٌّ مِنْهُمَا نَسِيت السَّابِقَ أو رَهَنْت من أَحَدِهِمَا وَنَسِيت فَصَدَّقَاهُ أو كَذَّبَاهُ فَحَلَفَ لَهُمَا أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ السَّابِقَ أو الْآخِذَ تَدَاعَيَا فَإِنْ حَلَفَا أو نَكَلَا بَطَلَ الرَّهْنُ إلَّا إنْ قال عَرَفْت السَّابِقَ وَنَسِيته فَيَتَوَقَّفُ إلَى الْبَيَانِ كما لو زَوَّجَ وَلِيَّانِ ولم يُعْرَفْ السَّابِقُ وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا قَضَى له وَالتَّصْرِيحُ بِالْبُطْلَانِ فِيمَا لو حَلَفَ على نَفْيِ الْعِلْمِ بِتَقْدِيرِ تَكْذِيبِهِمَا له من زِيَادَتِهِ مع ما في عِبَارَتِهِ من الْإِجْحَافِ كما عُلِمَ وَإِنْ رَدَّ الْيَمِينَ عَلَيْهِمَا فَنَكَلَا أو حَلَفَا حُكِمَ بِبُطْلَانِهِ أَيْضًا وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ قَضَى له وَإِنْ اعْتَرَفَ لِهَذَا بِسَبْقِ الْعَقْدِ وَلِهَذَا بِسَبْقِ الْقَبْضِ قَضَى لِلثَّانِي لِأَنَّ الرَّهْنَ إنَّمَا يَلْزَمُ بِالْقَبْضِ كما مَرَّ وَهَذَا يُغْنِي عنه قَوْلُهُ فِيمَا مَرَّ وَلَكِنْ قال أَحَدُهُمَا سَبَقَ قَبَضَا وَعَيْنَهُ قَضَى له
فَرْعٌ لو أَرْسَلَ رَسُولًا بِمَتَاعٍ لِيَقْتَرِضَ له من رَجُلٍ شيئا وَيَرْهَنَ بِهِ الْمَتَاعَ فَفَعَلَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فقال الْمُقْرِضُ اقْتَرَضَ لَك رَسُولُك مِنِّي مِائَةً في الرَّهْنِ فَقَالَا أَيْ الْمُرْسِلُ وَالرَّسُولُ جميعا بَلْ خَمْسِينَ بِأَنْ قال الْمُرْسِلُ لم آذَنْ إلَّا فيها وَصَدَّقَهُ الرَّسُولُ على ذلك حَلَّفَهُمَا على نَفْيِ دَعْوَاهُ لِأَنَّ الْمُرْسِلَ مُدَّعَى عليه بِالْإِذْنِ وَالرَّسُولَ بِالْأَخْذِ فَإِنْ اعْتَرَفَ الرَّسُولُ بِالْمِائَةِ وَادَّعَى تَسْلِيمَهَا إلَى الْمُرْسِلِ فَالْقَوْلُ في نَفْيِ الزِّيَادَةِ قَوْلُ الْمُرْسِلِ وَيَلْزَمُ الرَّسُولَ الْغُرْمُ أَيْ غُرْمُ الزِّيَادَةِ لِلْمُقْرِضِ إلَّا إنْ صَدَّقَهُ الْمُقْرِضُ في الدَّفْعِ إلَيْهِ أَيْ إلَى الْمُرْسِلِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْغُرْمُ فَلَا يَرْجِعُ عليه الْمُقْرِضُ لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ بِزَعْمِهِ قال الرَّافِعِيُّ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ كَذَا ذَكَرُوهُ وَفِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ الرَّسُولَ وَكِيلُ الْمُرْسِلِ وَبِقَبْضِهِ يَحْصُلُ الْمِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ حتى يَغْرَمَ له إنْ تَعَدَّى فيه وَيُسَلِّمُهُ إلَيْهِ إنْ كان بَاقِيًا وَحِينَئِذٍ فَالرُّجُوعُ إنْ كان لِتَعَلُّقِ الْعُهْدَةِ بِالْوَكِيلِ فَلْيَرْجِعْ مُطْلَقًا أو لِأَنَّ لِلْمُقْرِضِ أَخْذَ عَيْنِ الْقَرْضِ فَهَذَا اسْتِرْدَادٌ لَا تَغْرِيمٌ مُطْلَقٌ أو لِغَيْرِ ذلك فلم يَرْجِعْ إذَا لم يُصَدِّقْهُ ولم يُوجَدْ منه تَعَدٍّ قال الزَّرْكَشِيُّ قَوْلُهُ كَذَا ذَكَرُوهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ الْمَنْقُولُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هو احْتِمَالٌ لِابْنِ الصَّبَّاغِ قَطَعَ بِهِ الْمُتَوَلِّي على عَادَتِهِ في جَعْلِهِ احْتِمَالَاتِ ابْنِ الصَّبَّاغِ الْمَذْهَبَ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ ابن الصَّبَّاغِ وَأَطْلَقَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ من الْمَرَاوِزَةِ مُوَافِقٌ لِبَحْثِ الرَّافِعِيِّ من أَنَّهُ يَرْجِعُ على الرَّسُولِ وَإِنْ صَدَّقَهُ في الدَّفْعِ وهو ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ انْتَهَى وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَرِّرَ بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِأَنْ يَحْمِلَ اللُّزُومَ فيه على اللُّزُومِ الْمُسْتَقِرِّ
فَرْعٌ لو ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ الْقَبْضَ بِالْإِذْنِ من الرَّاهِنِ فَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ وقال بَلْ غَصَبْته فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ بِيَمِينِهِ وَإِنْ كان الْمَرْهُونُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ اللُّزُومِ وَالْإِذْنِ وَكَذَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ لو قال أَعَرْتُك أو آجَرْتُك أو آجَرْته من فُلَانٍ فَأَجَرَهُ مِنْك أو نَحْوُهَا لِذَلِكَ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لو قال لم تَقْبِضْهُ عن الرَّهْنِ كَفَى وَإِنْ لم يُعَيِّنْ جِهَةً وَلَوْ جَرَى الْقَبْضُ بَعْدَ الْإِذْنِ وَادَّعَى الرَّاهِنُ الرُّجُوعَ قَبْلَهُ صَدَّقَ الْمُرْتَهِنَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرُّجُوعِ أو أَذِنَ له في قَبْضِهِ وَادَّعَى عَدَمَ الْقَبْضِ صَدَّقَ من هو في يَدِهِ مِنْهُمَا بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْيَدَ وَحْدَهَا في الرَّاهِنِ وَمَعَ الْإِذْنِ في الْمُرْتَهِنِ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ على صِدْقِ صَاحِبِهَا
فَرْعٌ لو أَقَرَّ الرَّاهِنُ بِإِقْبَاضِ لِمَرْهُونٍ غَيْرِ مُمَكَّنٍ كَأَنْ قال رَهَنْته الْيَوْمَ دَارِي بِالشَّامِ وَأَقْبَضْته إيَّاهَا وَهُمَا بِمَكَّةَ لَغَا وَإِنْ شَهِدَ عليه بِإِقْرَارٍ بِقَبْضٍ منه مُمَكَّنٌ فقال أَقْرَرْت بَاطِلًا حَلَفَ له الْمُقَرُّ له أَنَّهُ قَبَضَ منه وَلَوْ لم
____________________
(2/179)
يُذْكَرْ لِإِقْرَارِهِ تَأْوِيلًا وَلَوْ كان الْإِقْرَارُ في مَجْلِسِ الْقَاضِي بَعْدَ الدَّعْوَى عليه لِشُمُولِ الْإِمْكَانِ ذلك وَلِأَنَّ الْوَثَائِقَ في الْغَالِبِ يَشْهَدُ عليها قبل تَحْقِيقِ ما فيها وَالتَّأْوِيلُ كَقَوْلِهِ أَشْهَدْت على رَسْمِ الْقُبَالَةِ أو دُفِعَ إلَيَّ كِتَابٌ على لِسَانِ وَكِيلِي فَتَبَيَّنَ تَزْوِيرُهُ أو أَقَبَضْته بِالْقَوْلِ وَظَنَنْت أَنَّهُ يَكْفِي قَبْضًا وَالتَّرْجِيحُ في صُورَةِ الْإِقْرَارِ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي من زِيَادَتِهِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَوْ لم يُقِمْ بَيِّنَةً بِإِقْرَارِهِ بَلْ أَقَرَّ في مَجْلِسِ الْقَضَاءِ بَعْدَ تَوَجُّهِ الدَّعْوَى عليه فَوَجْهَانِ قال الْقَفَّالُ لَا يُحَلِّفُهُ وَإِنْ ذَكَرَ تَأْوِيلًا لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يُقِرُّ عِنْدَ الْقَاضِي إلَّا عن تَحْقِيقٍ وقال غَيْرُهُ لَا فَرْقَ لِشُمُولِ الْإِمْكَانِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ النَّصِّ وَالْعِرَاقِيِّينَ وَالْمِنْهَاجِ الثَّانِي انْتَهَى وَلَا يَخْتَصُّ ذلك بِمَسْأَلَةِ الرَّهْنِ بَلْ يَجْرِي في غَيْرِهَا كما لو قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِإِقْرَارِهِ لِزَيْدٍ بِأَلْفٍ فقال إنَّمَا أَقْرَرْت وَأَشْهَدْت لِيُقْرِضَنِي ولم يُقْرِضْنِي صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ
فَرْعٌ لو دَفَعَ الْمَرْهُونَ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِغَيْرِ قَصْدِ إقْبَاضِهِ عن الرَّهْنِ هل يَكْفِي عنه وَجْهَانِ في التَّهْذِيبِ أَحَدُهُمَا نعم كَدَفْعِ الْمَبِيعِ وَالثَّانِي لَا بَلْ هو وَدِيعَةٌ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ وَاجِبٌ بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ فَإِنْ قال فِيمَا لو شَهِدُوا على إقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ منه لم أُقِرَّ بِهِ أو شَهِدُوا على أَنَّهُ أَيْ الْمُقِرَّ له قَبَضَ منه لِجِهَةِ الرَّهْنِ فَلَيْسَ له التَّحْلِيفُ لِأَنَّهُ تَكْذِيبٌ لِلشُّهُودِ وَكَذَا لو أَقَرَّ بِإِتْلَافِ مَالٍ ثُمَّ قال أَشْهَدْت عَازِمًا عليه إذْ لَا يُعْتَادُ ذلك
فَصْلٌ الْمُقِرُّ بِالْجِنَايَةِ على الْمَرْهُونِ إنْ صَدَّقَهُ الرَّاهِنُ دُونَ الْمُرْتَهِنِ فَازَ بِالْأَرْشِ أو عَكْسُهُ أَيْ صَدَّقَهُ الْمُرْتَهِنُ دُونَ الرَّاهِنِ صَارَ الْأَرْشُ رَهْنًا فَيَأْخُذُهُ وَيَكُونُ بِيَدِ من كان الْأَصْلُ بيده فَلَوْ اسْتَوْفَى من غَيْرِهِ أو أَبْرَأَ رَدَّهُ إلَى الْمُقِرِّ لَا إلَى الْقَاضِي وَلَا إلَى الرَّاهِنِ كما لو أَقَرَّ بِشَيْءٍ لِآخَرَ وهو يُنْكِرُهُ وَلِأَنَّ الرَّاهِنَ يُنْكِرُهُ ولم يَبْقَ لِلْمُرْتَهِنِ فيه حَقٌّ فَإِنْ اسْتَوْفَى منه لم يَرْجِعْ بِهِ الْمُقِرُّ على الرَّاهِنِ وقد يَسْتَشْكِلُ رَدُّهُ إلَى الْمُقِرِّ بِعَدَمِ رَدِّ ما قَبَضَتْهُ الزَّوْجَةُ من الْمَهْرِ إلَى زَوْجِهَا فِيمَا إذَا ادَّعَى بَعْدَ طَلَاقِهَا وَطْأَهَا وَأَنْكَرَتْهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَهْرَ وَجَبَ بِالْعَقْدِ بِاتِّفَاقِهِمَا عليه وَإِنْ لم يَسْتَقِرَّ إلَّا بِالْوَطْءِ بِخِلَافِ بَدَلِ الْجِنَايَةِ فإنه إنَّمَا يَجِبُ بها ولم يَتَّفِقْ عليها الْخَصْمَانِ أَمَّا لو صَدَّقَاهُ أو كَذَّبَاهُ فَلَا يَخْفَى حُكْمُهُ وَإِنْ أَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ أَنَّ الْمَرْهُونَ جَنَى وَلَوْ بَعْدَ لُزُومِ الرَّهْنِ وَافَقَهُ الْمَرْهُونُ أَوَّلًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ له وَضَرَرَ الْجِنَايَةِ يَعُودُ إلَيْهِ وَالْقَوْلُ في عَكْسِهِ أَيْ فِيمَا لو أَقَرَّ الرَّاهِنُ أَنَّ الْمَرْهُونَ جَنَى بَعْدَ اللُّزُومِ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْجِنَايَةِ وَبَقَاءُ الرَّهْنِ فَإِنْ بِيعَ في الدَّيْنِ فَلَا شَيْءَ على الْمُقِرِّ لِلْمُقِرِّ له في الْحَالَيْنِ أَمَّا في الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ إنْ كَذَبَ في إقْرَارِهِ فَلَا حَقَّ لِغَيْرِهِ وَإِلَّا لم يَصِحَّ بَيْعُ الْمَرْهُونِ فَيَكُونُ الثَّمَنُ على مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَأَمَّا في الثَّانِي فَلِأَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَغْرَمُ جِنَايَةَ الْمَرْهُونِ ولم يُتْلِفْ بِالرَّهْنِ شيئا لِلْمُقِرِّ له لِكَوْنِ الرَّهْنِ سَابِقًا على الْجِنَايَةِ وَلَيْسَ كما لو أَقَرَّ بِجِنَايَةِ أُمِّ الْوَلَدِ حَيْثُ يَغْرَمُ لِلْمُقِرِّ له وَإِنْ سَبَقَ الْإِيلَادُ الْجِنَايَةَ لِأَنَّ السَّيِّدَ يَغْرَمُ جِنَايَةَ أُمِّ الْوَلَدِ ذَكَرَ ذلك الرَّافِعِيُّ
وإذا رَهَنَ أو آجَرَ عَبْدًا ثُمَّ أَقَرَّ الرَّاهِنُ أو الْمُؤَجِّرُ بِجِنَايَةٍ من الْعَبْدِ مُتَقَدِّمَةٍ على اللُّزُومِ أو قال كُنْت غَصَبْته أو بِعْته وَنَحْوُهُ مِمَّا يَمْنَعُ الرَّهْنَ أو الْإِجَارَةَ كَأَعْتَقْتُه وَصَدَّقَهُ الْمُدَّعِي أَيْ الْمُقَرُّ له وَكَذَّبَهُ الْمُرْتَهِنُ أو الْمُسْتَأْجِرُ بِقَرِينَةِ ما يَأْتِي لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ في غَيْرِ الْإِجَارَةِ مُطْلَقًا وَفِيهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَنْفَعَةِ خَاصَّةً صِيَانَةً لِحَقِّ الْغَيْرِ من أَحَدِهِمَا وَلَا حَاجَةَ في صُورَةِ الْعِتْقِ إلَى تَصْدِيقِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْحَقَّ فيه لِلَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْمُقَرِّ له في بَاقِي الصُّوَرِ ذَكَرَهُ ما عَدَا الْفَرْقَ في الْأَصْلِ وَيُقَاسُ بِالْعِتْقِ الْإِيلَادُ وَكَذَا الْوَقْفُ وَيَحْتَمِلُ خِلَافُهُ أَمَّا إذَا لم يُصَدِّقْهُ الْمُقَرُّ له بِأَنْ لم يُعَيِّنْهُ أو عَيَّنَهُ ولم يُصَدِّقْهُ فَالرَّهْنُ أو الْإِجَارَةُ بِحَالِهِ أو صَدَّقَهُ هو وَالْمُرْتَهِنَ أو الْمُسْتَأْجِرَ خَرَجَ عن الرَّهْنِيَّةِ أو الْإِجَارَةِ وَلِلْمُرْتَهِنِ الْمُقْرَضُ كان الرَّهْنُ مَشْرُوطًا في بَيْعٍ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وإذا لم يُقْبَلْ قَوْلُ الرَّاهِنِ أو الْمُؤَجِّرِ فِيمَا ذُكِرَ فَيَحْلِفُ الْمُرْتَهِنُ أو الْمُسْتَأْجِرُ على نَفْيِ الْعِلْمِ بِمَا ادَّعَى بِهِ وَيَسْتَمِرُّ الرَّهْنُ أو الْإِجَارَةُ ثُمَّ يَغْرَمُ الرَّاهِنُ أو الْمُؤَجِّرُ لِلْمُقِرِّ له الْأَقَلَّ من قِيمَتِهِ وَالْأَرْشَ في مَسْأَلَةِ الْجِنَايَةِ وَقِيمَتَهُ في غَيْرِهَا ما عَدَا مَسْأَلَتَيْ الْعِتْقِ وَالْإِيلَادِ وَإِنَّمَا غَرِمَ
____________________
(2/180)
لِلْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّهِ كما لو قَتَلَهُ وَأَمَّا غُرْمُ الْأَقَلِّ فَلِأَنَّهُ اللَّازِمُ في الْفِدَاءِ فإذا نَكَلَ الْمُرْتَهِنُ أو الْمُسْتَأْجِرُ عن الْيَمِينِ حَلَفَ الْمَجْنِيُّ عليه الْأَوْلَى الْمُقَرُّ له وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَقَّ له لَا الرَّاهِنُ وَلَا الْمُؤَجِّرُ وَإِنْ كان الْمِلْكُ لَهُمَا لِأَنَّهُمَا لَا يَدَّعِيَانِ لِأَنْفُسِهِمَا شيئا وَمَسْأَلَةُ الْإِجَارَةِ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْبَيْعِ وَغَيْرِ الْإِجَارَةِ وَالْعِتْقِ الْمَعْلُومَيْنِ من قَوْلِهِ وَنَحْوُهُ من زِيَادَتِهِ وَبِالنِّسْبَةِ لِلثَّلَاثَةِ ذَكَرَهَا الْأَصْلُ بَعْدَ وإذا حَلَفَ الْمُقَرُّ له خَرَجَ الْعَبْدُ عن الرَّهْنِيَّةِ أو الْإِجَارَةِ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْبَيِّنَةِ أو كَالْإِقْرَارِ بِأَنَّهُ كان جَانِيًا في الِابْتِدَاءِ فَلَا يَصِحُّ رَهْنُ شَيْءٍ منه وَلَا إجَارَتُهُ وَسَقَطَ خِيَارُ الْمُرْتَهِنِ في فَسْخِ بَيْعٍ شَرَطَ فيه الرَّهْنَ لِأَنَّ فَوَاتَهُ حَصَلَ بِنُكُولِهِ وَيُفَارِقُ ما مَرَّ عن الْأَصْلِ من عَدَمِ سُقُوطِهِ فِيمَا إذَا صَدَقَ بِأَنَّهُ في تِلْكَ رَجَعَ إلَى الْحَقِّ ظَاهِرًا فَلَا يُعَدُّ مُقَصِّرًا بِخِلَافِهِ هُنَا وَكَأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ ارْتَهَنَهُ جَانِيًا فَسَقَطَ حَقُّهُ من الرَّهْنِ التَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وهو إيضَاحٌ لِمَا قَبْلَهُ فَإِنْ نَكَلَ الْمَجْنِيُّ عليه الْأَوْلَى الْمُقَرُّ له سَقَطَتْ دَعْوَاهُ وَانْتَهَتْ الْخُصُومَةُ فَلَا يَغْرَمُ له الرَّاهِنُ وَلَا الْمُؤَجِّرُ شيئا لِأَنَّ الْحَيْلُولَةَ حَصَلَتْ بِنُكُولِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِمَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ فِيمَا ذُكِرَ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ فَرْعٌ لو أَقَرَّ على عَبْدِهِ بِمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ لم يُقْبَلْ إقْرَارُهُ عليه بِخِلَافِ إقْرَارِ الْعَبْدِ فإنه مَقْبُولٌ وَإِنْ كَذَّبَهُ السَّيِّدُ وَأَضَرَّ ذلك بِهِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ فَإِنْ عَفَا الْمُسْتَحِقُّ على مَالٍ سَقَطَ الْقِصَاصُ بِهِ وَوَجَبَ الْمَالُ وَقَدِمَ بِهِ على حَقِّ الْمُرْتَهِنِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَ فَإِنْ قال السَّيِّدُ جَنَى جِنَايَةً تُوجِبُ الْقِصَاصَ وَعَفَا على مَالٍ فَكَمَا سَبَقَ من إقْرَارِهِ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ الْمَالَ فَيَجِبُ مُتَعَلِّقًا بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ لِحَقِّ الْمَجْنِيِّ عليه وَإِقْرَارُهُ بِالْعِتْقِ وَالِاسْتِيلَادِ كَإِنْشَائِهِ أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا فَيُقْبَلُ من الْمُوسِرِ دُونَ الْمُعْسِرِ لِأَنَّ من مَلَكَ إنْشَاءَ أَمْرٍ قُبِلَ إقْرَارُهُ بِهِ وَمَسْأَلَةُ الِاسْتِيلَادِ زَادَهَا هُنَا مع أنها تَأْتِي قَرِيبًا
فَرْعٌ لو وَطِئَ جَارِيَةً له وَرَهَنَهَا جَازَ وَلَا يَمْنَعُ احْتِمَالُ الْحَمْلِ من التَّصَرُّفِ فيها فَإِنْ رَهَنَهَا ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ منه بِأَنْ أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ من الْوَطْءِ إلَى أَرْبَعِ سِنِينَ لَحِقَهُ وَإِنْ لم يَدَّعِهِ وَلَا يُنَافِي كَوْنُهُ مَرْهُونًا فِيمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ ادَّعَاهُ بِأَنْ قال هذا الْوَلَدُ مِنِّي وَكُنْت وَطِئْتهَا قبل لُزُومِ الرَّهْنِ وَصَدَّقَهُ الْمُرْتَهِنُ على ذلك أو ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ بَطَلَ الرَّهْنُ لِثُبُوتِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فَإِنْ شَرَطَ رَهْنَهَا في بَيْعٍ فَلَهُ الْفَسْخُ لِلْبَيْعِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُصَدِّقْهُ الْمُرْتَهِنُ وَلَا بَيِّنَةَ فَكَإِقْرَارِهِ بِأَنَّهَا كانت مُسْتَوْلِدَةً أو نَحْوِهِ قبل اللُّزُومِ فَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ لِعَدَمِ قَبُولِ قَوْلِهِ كما مَرَّ قال في الْأَصْلِ وَالْوَلَدُ حُرٌّ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِقَوْلِ الْمُهِمَّاتِ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إطْلَاقُهُ إذَا قُلْنَا بِعَدَمِ دُخُولِ الْحَمْلِ الْمُقَارَنِ في رَهْنِ الْأَمَةِ أَمَّا إذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ أَنَّهُ يَدْخُلُ وكان لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من الْعَقْدِ فَهُوَ مَرْهُونٌ كَأُمِّهِ أَمَّا إذَا لم يُمْكِنْ كَوْنُ الْوَلَدِ منه بِأَنْ أَتَتْ بِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ من الْوَطْءِ أو لِأَكْثَرَ من أَرْبَعِ سِنِينَ فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ وَالْوَلَدُ مَمْلُوكٌ له وإذا أَقَرَّ بِاسْتِيلَادِهَا بَعْدَ اللُّزُومِ نَفَذَ إنْ كان مُوسِرًا لَا مُعْسِرًا
فَرْعٌ لو بَاعَ عَبْدًا أو كَاتَبَهُ ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ كَأَنْ غَصَبَهُ أو بَاعَهُ أو نَحْوَهُ مِمَّا يَمْنَعُ الْبَيْعَ وَالْكِتَابَةَ كَالْإِصْدَاقِ لم يُقْبَلْ إقْرَارُهُ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ في مِلْكِ الْغَيْرِ أو ما هو في مَعْنَاهُ وهو مَرْدُودٌ ظَاهِرًا وَيُصَدَّقُ الْمُشْتَرِي وَالْمُكَاتَبُ بِيَمِينِهِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي أَيْ الْمُقَرُّ له لَا الْبَائِعُ وَالسَّيِّدُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ فَإِنْ نَكَلَ فَهَلْ الرَّدُّ على الْمُدَّعِي أَمْ على الْمُقِرِّ الْبَائِعِ قَوْلَانِ
فَصْلٌ لو أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ في الْبَيْعِ فَبَاعَ وقال الْمُرْتَهِنُ رَجَعْت عن الْإِذْنِ فَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ رُجُوعَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرُّجُوعِ وَإِنْ صَدَّقَهُ في رُجُوعِهِ عن الْإِذْنِ لَكِنْ قال رَجَعْت عنه بَعْدَ الْبَيْعِ وقال الْمُرْتَهِنُ بَلْ قَبْلَهُ صُدِّقَ الْمُرْتَهِنُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْبَيْعِ وَالرُّجُوعُ في الْوَقْتِ الْمُدَّعَى إيقَاعُ كُلٍّ مِنْهُمَا فيه فَيَتَعَارَضَانِ وَيَبْقَى الرَّهْنُ فَصْلٌ لو كان عليه لِرَجُلٍ دَيْنَانِ بِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ أو نَحْوُهُ كَكَفِيلٍ فَقَصْدُهُ بِالْقَضَاءِ وَقَعَ عنه وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ وَكَيْفِيَّةِ أَدَائِهِ سَوَاءٌ اخْتَلَفَا في نِيَّتِهِ أَمْ لَفْظِهِ فَالْعِبْرَةُ في جِهَةِ الْأَدَاءِ بِقَصْدِ
____________________
(2/181)
الْمُؤَدِّي حتى يَبْرَأَ بِقَصْدِهِ الْوَفَاءَ وَيَمْلِكُهُ الدَّائِنُ وَإِنْ ظَنَّ الدَّائِنُ إيدَاعَهُ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ وَكَمَا أَنَّ الْعِبْرَةَ في ذلك بِقَصْدِهِ فَكَذَا الْخِيَرَةُ إلَيْهِ فيه ابْتِدَاءً إلَّا فِيمَا لو كان على الْمُكَاتَبِ دَيْنُ مُعَامَلَةٍ فَأَرَادَ الْأَدَاءَ عن دَيْنِ الْكِتَابَةِ وَالسَّيِّدُ الْأَدَاءَ عن دَيْنِ الْمُعَامَلَةِ فَيُجَابُ السَّيِّدُ كما سَيَأْتِي في بَابِ الْكِتَابَةِ وَتُفَارِقُ غَيْرَهَا مِمَّا ذُكِرَ بِأَنَّ دَيْنَ الْكِتَابَةِ فيها مُعَرَّضٌ لِلسُّقُوطِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ قَصْدُ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ عَدَمِ التَّعَرُّضِ لِلْجِهَةِ لِتَقْصِيرِ السَّيِّدِ بِعَدَمِ التَّعْيِينِ ابْتِدَاءً بَلْ لو دَفَعَ ولم يَقْصِدْ وَاحِدًا مِنْهُمَا عَيَّنَهُ أَيْ الْمَدْفُوعُ لِمَا شَاءَ مِنْهُمَا كما في زَكَاةِ الْمَالَيْنِ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ قال في الْأَصْلِ وَإِنْ دَفَعَ عنهما فَسَقَطَ عَلَيْهِمَا أَيْ بِالسَّوِيَّةِ لَا بِالْقِسْطِ أَخْذًا مِمَّا رَجَّحَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ فِيمَا إذَا دَفَعَ ولم يَقْصِدْ شيئا وَقُلْنَا لَا يُرَاجَعُ بَلْ يَقَعُ عنهما فَلَوْ مَاتَ قبل التَّعْيِينِ قام وَارِثُهُ مُقَامَهُ
كما أَفْتَى بِهِ السُّبْكِيُّ فِيمَا إذَا كان بِأَحَدِهِمَا كَفِيلٌ قال فَإِنْ تَعَذَّرَ ذلك جَعَلَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وإذا عَيَّنَ فَهَلْ يَنْفَكُّ الرَّهْنُ من وَقْتِ اللَّفْظِ أو التَّعْيِينِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كما في الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ وَلَوْ تَبَايَعَ مُشْرِكَانِ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ وسلم من الْتَزَمَ الزِّيَادَةَ دِرْهَمًا ثُمَّ أَسْلَمَا فَإِنْ قَصَدَ بِتَسْلِيمِهِ الزِّيَادَةَ لَزِمَ ه الْأَصْلُ وكان الْمَقْبُوضُ عنها في حُكْمِ الْمَقْبُوضِ بِالْمُعَامَلَةِ الْفَاسِدَةِ فِيمَا يَظْهَرُ كما قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أو عَكْسُهُ أَيْ قَصَدَ الْأَصْلَ بَرِئَ فَلَا شَيْءَ عليه أو قَصَدَهُمَا وَزَّعَ عَلَيْهِمَا وَسَقَطَ بَاقِي الزِّيَادَةِ وَلَوْ لم يَقْصِدْ شيئا عَيَّنَهُ لِمَا شَاءَ مِنْهُمَا وَلَوْ سَلَّمَ الْمَدْيُونَ إلَى وَكِيلِ غَرِيمِهِ وَأَطْلَقَ عَيَّنَهُ لِمَا شَاءَ مِنْهُمَا وَلَوْ أَمَرَ هو هذا الْوَكِيلَ بِالتَّسْلِيمِ أَيْ بِتَسْلِيمِهِ ما قَبَضَهُ منه إلَى أَحَدِهِمَا وَعَيَّنَهُ صَارَ وَكِيلًا في الْأَدَاءِ له لَا لِمَنْ وَكَّلَهُ في الْقَبْضِ منه لِانْعِزَالِهِ عن وَكَالَتِهِ بِالْقَبْضِ فَلِلْمَدْيُونِ تَعْيِينُهُ لِلْآخَرِ ما لم يُقَبِّضْهُ الْمُعَيَّنَ الْأَوَّلَ وَيَصِيرُ أَيْضًا وَكِيلًا له فَقَطْ فِيمَا لو أَمَرَهُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِمَا وَلَهُ تَعْيِينُ أَحَدِهِمَا ما لم يُسَلِّمْ كما صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ وَإِنْ تَلِفَ الْمَقْبُوضُ قَبْلَهُ أَيْ قبل التَّسْلِيمِ تَلِفَ مع وَكِيلِهِ في الْأَدَاءِ فَيَكُونُ من ضَمَانِ الْمَدِينِ وَالدَّيْنُ بَاقٍ عليه ثُمَّ إنْ لم يُقَصِّرْ الْوَكِيلُ فَلَا ضَمَانَ عليه وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ لِلْمَدِينِ وَإِنْ أَبْرَأَ الدَّائِنُ الْمَدِينَ من أَحَدِ دَيْنَيْهِ عليه وَبِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ مَثَلًا ثُمَّ اخْتَلَفَا فقال الْمَدِينُ أَبْرَأْتنِي من دَيْنِ الرَّهْنِ فقال الدَّائِنُ بَلْ من الْحَالِيِّ عنه صُدِّقَ الْمُبْرِئُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ فَصْلٌ وَلَوْ قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الْعَصِيرَ الْمَرْهُونَ في ظَرْفٍ أو الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ مَلْفُوفًا بِثَوْبٍ وقال قَبَضْته أَيْ الْعَصِيرَ خَمْرًا أو وَفِيهِ فَأْرَةٌ مَيِّتَةٌ أو قَبَضْت الْعَبْدَ مَيِّتًا فَلِي فَسْخُ الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فيه رَهْنُ ذلك وقال الرَّاهِنُ بَلْ حَصَلَ تَخْمِيرُ الْعَصِيرِ أو وُقُوعُ الْفَأْرَةِ فيه أو مَوْتُ الْعَبْدِ عِنْدَك صُدِّقَ الرَّاهِنُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذلك قبل الْقَبْضِ وَكَذَا يُصَدَّقُ لو قال الْمُرْتَهِنُ رَهَنْته وهو كَذَلِكَ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ وقال الرَّاهِنُ بَلْ حَصَلَ ذلك عِنْدَك فَهُوَ صَحِيحٌ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ في هذه مع ذِكْرِ مَسْأَلَتَيْ
____________________
(2/182)
دَعْوَى الْمُرْتَهِنِ وُجُودُ الْفَأْرَةِ في الْعَصِيرِ وَمَوْتُ الْعَبْدِ عِنْدَ الرَّهْنِ فِيهِمَا وَعِنْدَ الْقَبْضِ في الْأُولَى من زِيَادَتِهِ نعم ذَكَرَ الْأَصْلُ الْأَوْلَى بِالنِّسْبَةِ لِلْبَيْعِ مُعَبِّرًا فيها بِالْمَائِعِ وهو أَعَمُّ من الْعَصِيرِ وَالْأَمْرُ فيه قَرِيبٌ وَلَا يَلْزَمُ الْمُرْتَهِنَ إحْضَارُ الرَّهْنِ أَيْ الْمَرْهُونِ قبل الْقَضَاءِ لِلدَّيْنِ وَلَا بَعْدَهُ بَلْ عليه التَّمْكِينُ منه كَالْمُودَعِ وَعَلَى الرَّاهِنِ مُؤْنَةُ إحْضَارِهِ وَلَوْ لِلْمَبِيعِ في الدَّيْنِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ وَلَوْ رَهَنَ مَعِيبًا وَحَدَثَ بِهِ مع الْمُرْتَهِنِ عَيْبٌ آخَرُ أو مَاتَ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ لم يَلْزَمْ الرَّاهِنَ الْأَرْشُ لِيَكُونَ مَرْهُونًا ولم يَكُنْ له فَسْخُ بَيْعٍ شَرَطَ فيه رَهْنَهُ كما لو جَرَى ذلك في يَدِ الْمُشْتَرِي وَهَذِهِ ذَكَرَهَا كَأَصْلِهِ في بَابِ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عنها وَإِنْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ وسلم أَحَدَهُمَا أو مَاتَ أو تَعَيَّبَ في يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَامْتَنَعَ من تَسْلِيمِ الْآخَرِ لم يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ خِيَارٌ في فَسْخِ الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فيه الرَّهْنُ لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ على حَالِهِ وَتَوَقَّفَ فيه الْأَذْرَعِيُّ كِتَابُ التَّفْلِيسِ هو لُغَةً النِّدَاءُ على الْمُفْلِسِ وَشَهْرُهُ بِصِفَةِ الْإِفْلَاسِ الْمَأْخُوذِ من الْفُلُوسِ التي هِيَ أَخَسُّ الْأَمْوَالِ وَشَرْعًا جَعْلُ الْحَاكِمِ الْمَدْيُونَ مُفْلِسًا يَمْنَعُهُ من التَّصَرُّفِ في مَالِهِ وَالْأَصْلُ فيه ما رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهُ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حَجَرَ على مُعَاذٍ وَبَاعَ مَالَهُ في دَيْنٍ كان عليه وَقَسَّمَهُ بين غُرَمَائِهِ فَأَصَابَهُمْ خَمْسَةَ أَسْبَاعِ حُقُوقِهِمْ فقال لهم النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ليس لَكُمْ إلَّا ذلك ثُمَّ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ وقال لَعَلَّ اللَّهَ يُجْبِرُك وَيُؤَدِّي عَنْك دَيْنَك فلم يَزَلْ بِالْيَمَنِ حتى تُوُفِّيَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُفْلِسُ لُغَةً الْمُعْسِرُ وَيُقَالُ من صَارَ مَالُهُ فُلُوسًا وشرعا من حُجِرَ عليه لِنَقْصِ مَالِهِ عن دَيْنٍ عليه لِآدَمِيٍّ بِخِلَافِ دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقْيِيدُهُ بِالْحَجْرِ وَبِدَيْنِ الْآدَمِيِّ من زِيَادَتِهِ تَبِعَ فيه الْإِسْنَوِيَّ وَرُدَّ بِأَنَّ الْحَجْرَ حُكْمٌ على الْمُفْلِسِ فَلَا يُؤْخَذُ قَيْدًا فيه وَدَيْنُ اللَّهِ إنَّمَا لم يَحْجِزْ بِهِ إذَا لم يَكُ فَوْرِيًّا كَنَذْرٍ مُطْلَقٍ وَكَفَّارَةٍ لم يَعْصِ بِسَبَبِهَا وَمَنْ مَاتَ هَكَذَا أَيْ نَاقِصًا مَالُهُ عن الدَّيْنِ فَلَهُ حُكْمُ الْمَحْجُورِ عليه بِالْفَلَسِ في الرُّجُوعِ إلَى الْأَعْيَانِ كما يَأْتِي بَيَانُهُ لِخَبَرِ أَيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ أو أَفْلَسَ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ إذَا وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ ما لم يَخْلُفُ وَفَاءً رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِمَّنْ مَاتَ ولم يَنْقُصْ مَالُهُ عن ذلك فَلَا رُجُوعَ له لِتَيَسُّرِ أَخْذِ مُقَابِلِ الْعَيْنِ كما في حَالِ الْحَيَاةِ وَلِمَفْهُومِ الْخَبَرِ السَّابِقِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الرُّجُوعَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْإِفْلَاسِ بَلْ لَا بُدَّ معه من الْحَجْرِ أو الْمَوْتِ وَلَا يُحْجَرُ عليه أَيْ على من نَقَصَ مَالُهُ عن ذلك إلَّا الْحَاكِمُ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ وَأَمَّا أَصْلُ الْحَجْرِ فَلِأَنَّ فيه مَصْلَحَةً لِلْغُرَمَاءِ فَقَدْ يَخُصُّ بَعْضَهُمْ بِالْوَفَاءِ فَيَضُرُّ الْبَاقِينَ وقد يَتَصَرَّفُ فيه فَيُضَيِّعُ حَقَّ الْجَمِيعِ قال ابن الرِّفْعَةِ وَهَلْ يَكْفِي في لَفْظِ الْحَجْرِ مَنْعُ التَّصَرُّفِ أو يُعْتَبَرُ أَنْ يَقُولَ حَجَرْت بِالْفَلَسِ إذْ مَنْعُ التَّصَرُّفِ من أَحْكَامِ الْحَجْرِ فَلَا يَقَعُ بِهِ الْحَجْرُ وَجْهَانِ قال في الرَّوْضَةِ وَيَجِبُ على الْحَاكِمِ الْحَجْرُ إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُهُ قال وَقَوْلُ كَثِيرٍ من أَصْحَابِنَا فَلِلْقَاضِي الْحَجْرُ ليس مُرَادُهُمْ أَنَّهُ مَخْبَرٌ فيه أَيْ بَلْ إنَّهُ جَائِزٌ بَعْدَ امْتِنَاعِهِ قبل الْإِفْلَاسِ وهو صَادِقٌ بِالْوَاجِبِ قال السُّبْكِيُّ وهو ظَاهِرٌ إذَا تَعَذَّرَ الْبَيْعُ حَالًا وَإِلَّا فَيَنْبَغِي عَدَمُ وُجُوبِهِ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ بِلَا فَائِدَةٍ وهو مَمْنُوعٌ بَلْ له فَوَائِدُ منها الْمَنْعُ من التَّصَرُّفِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَالْمَنْعُ من التَّصَرُّفِ فِيمَا عَسَاهُ يَحْدُثُ بِاصْطِيَادٍ وَنَحْوِهِ وَلَا يُحْجَرُ إلَّا بِدَيْنٍ لَازِمٍ حَالٌّ زَائِدٌ على مَالِهِ فَلَا حَجْرَ بِالْجَائِزِ كَنُجُومِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ طَلَبَ السَّيِّدُ الْحَجْرَ لِتَمَكُّنِ الْمَدِينِ من إسْقَاطِهِ وَلَا بِالْمُؤَجَّلِ
____________________
(2/183)
وَالْمُسَاوِي لِمَالِهِ وَالنَّاقِصِ عنه كما سَيَأْتِي وَالْمُرَادُ بِمَالِهِ مَالُهُ الْعَيْنِيُّ الْمُتَمَكِّنُ من الْأَدَاءِ منه أَمَّا الْمَنَافِعُ وما لَا يَتَمَكَّنُ من الْأَدَاءِ منه كَمَغْصُوبٍ وَغَائِبٍ فَلَا تُعْتَبَرُ فِيهِمَا زِيَادَةُ الدَّيْنِ عَلَيْهِمَا وَأَمَّا الدَّيْنُ فَيَظْهَرُ اعْتِبَارُهَا فيه إنْ كان حَالًّا على مَلِيءٍ مُقِرٍّ بِهِ نَبَّهَ على ذلك الْإِسْنَوِيُّ وَكَالْإِقْرَارِ الْبَيِّنَةُ قال ابن الرِّفْعَةِ وَلَوْ كان الْمَالُ مَرْهُونًا فلم أَرَ فيه نَقْلًا
وَالْفِقْهُ مَنَعَ الْحَجْرَ إذْ لَا فَائِدَةَ فيه وَرُدَّ بِأَنَّ له فَوَائِدَ بِمِثْلِ ما مَرَّ فَيَقَعُ الْحَجْرُ فيه كَغَيْرِهِ إنْ الْتَمَسَهُ الْغُرَمَاءُ لِأَنَّهُ لَحِقَهُمْ وَهُمْ أَهْلُ رُشْدٍ أو لم يَلْتَمِسُوهُ لَكِنْ كان الدَّيْنُ لِغَيْرِ رَشِيدٍ من صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَحْجُورٍ عليه بِسَفَهٍ لِمَصْلَحَتِهِمْ وَكَذَا لو كان لِمَسْجِدٍ أو جِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْفُقَرَاءِ وَكَذَا لو الْتَمَسَهُ الْمُفْلِسُ أو بَعْضُ الْغُرَمَاءِ إذَا لم يَفِ مَالُهُ
أَيْ الْمُفْلِسُ بِدَيْنِ الْجَمِيعِ وَإِنْ وَفَّى بِدَيْنِهِ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فيه غَرَضًا ظَاهِرًا قال الرَّافِعِيُّ رُوِيَ أَنَّ الْحَجْرَ على مُعَاذٍ كان بِطَلَبِهِ انْتَهَى وفي النِّهَايَةِ أَنَّهُ كان بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ وما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ في الثَّانِيَةِ من اعْتِبَارِ دَيْنِ الْجَمِيعِ هو ما نَقَلَهُ في الرَّوْضَةِ وَقَوَّاهُ وَاَلَّذِي فيها كَأَصْلِهَا قبل ذلك ما في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ اعْتِبَارُ دَيْنِهِ فَقَطْ فقال فَلَوْ الْتَمَسَهُ بَعْضُهُمْ وَدَيْنُهُ قَدْرٌ يُحْجَرُ بِهِ حَجَرَ وَإِلَّا فَلَا
ثُمَّ لَا يَخْتَصُّ أَثَرُ الْحَجْرِ بِالْمُلْتَمِسِ بَلْ يَعُمُّهُمْ وَلَا يُحْجَرُ لِدَيْنِ الْغَائِبِينَ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي مَالَهُمْ في الذِّمَمِ
قال الْفَارِقِيُّ وَمَحَلُّهُ إذَا كان الْمَدْيُونُ ثِقَةً مَلِيًّا وَإِلَّا لَزِمَ الْحَاكِمَ قَبْضُهُ قَطْعًا ذَكَرَهُ في الْمُهِمَّاتِ قال وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ في الْأُمِّ يَدُلُّ على أَنَّ الدَّيْنَ إذَا كان بِهِ رَهْنٌ يَقْبِضُهُ الْحَاكِمُ وَلَوْ كان الْمُفْلِسُ مَحْجُورًا عليه بِالشَّرْعِ كَصَبِيٍّ فَالْمُتَّجَهُ ما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ يُحْجَرُ في مَالِهِ على وَلِيِّهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا حَجْرَ عليه إذَا لم يَكُنْ له مَالٌ وَتَوَقَّفَ فيه الرَّافِعِيُّ فقال قد يُقَالُ يَجُوزُ مَنْعًا له من التَّصَرُّفِ فِيمَا عَسَاهُ يَحْدُثُ بِاصْطِيَادٍ وَنَحْوِهِ قال ابن الرِّفْعَةِ وهو مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَالْقِيَاسِ إذْ ما يَحْدُثُ له إنَّمَا يُحْجَرُ عليه تَبَعًا لِلْمَوْجُودِ وما جَازَ تَبَعًا لَا يَجُوزُ قَصْدًا وَالْمُؤَجَّلُ لَا يُحْجَرُ بِهِ إذْ لَا مُطَالَبَةَ بِهِ في الْحَالِ وقد يَجِدُ ما يَفِي بِهِ عِنْدَ تَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ وَكَذَا لو حَلَّ بَعْضُهُ وكان الْحَالُّ قَدْرًا لَا يُحْجَرُ بِهِ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَلَا يَحِلُّ الْمُؤَجَّلُ بِالْحَجْرِ وَالْجُنُونِ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ مَقْصُودٌ لِلْمَدْيُونِ فَلَا يَفُوتُ عليه وَلِأَنَّهُمَا إذَا لم يَمْنَعَا ابْتِدَاءَ الْأَجَلِ فَدَوَامُهُ أَوْلَى وَوَقَعَ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ تَصْحِيحٌ أَنَّهُ يَحِلُّ بِالْجُنُونِ وهو مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الرَّافِعِيِّ وقال الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ سَهْوٌ فَقَدْ صَحَّحَ في تَنْقِيحِهِ عَدَمَ الْحُلُولِ بِهِ وَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالْمَوْتِ أو بِالرِّدَّةِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ وَيُبَاعُ مَالُ الْمُفْلِسِ أَيْ يَبِيعُهُ الْقَاضِي بِنَفْسِهِ أو نَائِبُهُ وَلَوْ ما اشْتَرَاهُ بِمُؤَجَّلٍ لِخَبَرِ مُعَاذٍ السَّابِقِ وَيُقَسَّمُ ثَمَنُهُ على أَصْحَابِ الْحَالِّ بِنِسْبَةِ دُيُونِهِمْ ولم الْأَوْلَى وَلَا يُدَّخَرْ منه شَيْءٌ لِلْمُؤَجَّلِ وَلَا يُسْتَدَامُ له الْحَجْرُ كما لَا يُحْجَرُ بِهِ فَلَوْ لم يُقَسَّمْ حتى حَلَّ الْمُؤَجَّلُ اُلْتُحِقَ بِالْحَالِّ وَرَجَعَ الْمَالِكُ في الْعَيْنِ إنْ لم تُبَعْ وَمَنْ سَاوَى دَيْنُهُ مَالَهُ أو نَقَصَ عنه كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَلَوْ بِالْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَاةِ لم يُحْجَرْ عليه وَلَوْ لم يَكُنْ كَسُوبًا بَلْ كان يُنْفِقُ من مَالِهِ لِلتَّمَكُّنِ من الطَّلَبِ وَالْوَفَاءِ
فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُشْهِدَ على حَجْرِ الْمُفْلِسِ وَأَنْ يُشَهِّرَ النِّدَاءَ عليه لِتُحْذَرَ مُعَامَلَتُهُ وَيُمْتَنَعُ عليه بِالْحَجْرِ كُلُّ تَصَرُّفٍ مَالِيٍّ مُفَوِّتٍ في الْحَيَاةِ بِالْإِنْشَاءِ مُبْتَدَأٍ كما سَيَتَّضِحُ فَيَصِحُّ نِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ وَاسْتِلْحَاقُهُ النَّسَبَ وَنَحْوَهُ كَقَوَدٍ وَعَفْوٍ عنه وَيَصِحُّ احْتِطَابُهُ وَاتِّهَابُهُ وَالشِّرَاءُ وَالْبَيْعُ في ذِمَّتِهِ إذْ لَا ضَرَرَ في ذلك على الْغُرَمَاءِ بَلْ فيه نَفْعُهُمْ قال الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ وَيَنْفُذُ اسْتِيلَادُهُ أَيْ كَالْمَرِيضِ وَالسَّفِيهِ فَهُوَ مُسْتَثْنًى من الْمَالِيِّ وَشَمِلَ
____________________
(2/184)
كَلَامُهُمْ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ حتى لَا يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ منه قال الْإِسْنَوِيُّ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ قال الْبُلْقِينِيُّ وَتَصِحُّ إجَازَتُهُ لِمَا فَعَلَ مُورِثُهُ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهَا بِنَاءً على أنها تَنْفِيذٌ وهو الْأَصَحُّ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَرَهْنُهُ وَكِتَابَتُهُ وَنَحْوُهَا كَشِرَائِهِ بِالْعَيْنِ وَلَوْ بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِالْأَعْيَانِ كَالرَّهْنِ وَلِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عليه بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ على مُرَاغَمَةِ مَقْصُودِ الْحَجْرِ كَالسَّفِيهِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَجِبُ أَنْ يُسْتَثْنَى من مَنْعِ الشِّرَاءِ بِالْعَيْنِ ما لو دَفَعَ له الْحَاكِمُ كُلَّ يَوْمٍ نَفَقَةً له وَلِعِيَالِهِ فَاشْتَرَى بها فإنه يَصِحُّ جَزْمًا فِيمَا يَظْهَرُ وَأَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ وَيَصِحُّ تَدْبِيرُهُ وَوَصِيَّتُهُ لِعَدَمِ الضَّرَرِ لِتَعَلُّقِ التَّفْوِيتِ بِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ من مُعَامَلَةٍ أو غَيْرِهَا كما لو ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ وَكَإِقْرَارِ الْمَرِيضِ بِدَيْنٍ يَزْحَمُ غُرَمَاءَ الصِّحَّةِ وَلِعَدَمِ التُّهْمَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْفَرْقُ بين الْإِنْشَاءِ وَالْإِقْرَارِ أَنَّ مَقْصُودَ الْحَجْرِ مَنَعَ التَّصَرُّفَ فَأُلْغِيَ إنْشَاؤُهُ وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ وَالْحَجْرُ لَا يَسْلُبُ الْعِبَارَةَ عنه وَيَثْبُتُ عليه الدَّيْنُ بِنُكُولِهِ عن الْحَلِفِ مع حَلِفِ الْمُدَّعِي كَإِقْرَارِهِ فإذا عَزَاهُ أَيْ الدَّيْنَ الْمَقَرَّ بِهِ أَيْ أَسْنَدَهُ إلَى ما قبل الْحَجْرِ وَلَوْ مُعَامَلَةً أو إلَى إتْلَافٍ وَلَوْ بَعْدَ الْحَجْرِ زُوحِمَ بِهِ الْغُرَمَاءُ لَا إنْ أَسْنَدَهُ إلَى مُعَامَلَةٍ بَعْدَ الْحَجْرِ لِتَقْصِيرٍ من مُعَامَلَةٍ ولا إنْ أَطْلَقَ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ بِأَنْ لم يُسْنِدْهُ إلَى مُعَامَلَةٍ أو إتْلَافٍ أو أَسْنَدَهُ إلَى مُعَامَلَةٍ ولم يُسْنِدْهُ إلَى ما قبل الْحَجْرِ وَلَا إلَى ما بَعْدَهُ وَتَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ فَلَا يُزَاحِمُ بِهِ الْغُرَمَاءُ بَلْ يَنْزِلُ الْإِقْرَارُ بِهِ على أَقَلِّ الْمَرَاتِبِ وهو ما بَعْدَ الْحَجْرِ لِأَنَّهُ الْمُحَقَّقُ فَيَبْطُلُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ عن مُعَامَلَةٍ بَعْدِ الْحَجْرِ أَمَّا إذَا لم تَتَعَذَّرْ مُرَاجَعَتُهُ فَيُرَاجَعُ لِأَنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ وفي نُسْخَةٍ وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ إلَى آخِرِهِ أَيْ فَيُزَاحِمُ بِهِ الْغُرَمَاءُ وَهِيَ مُوَافِقَةٌ لِتَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ فِيمَا ذُكِرَ بِمَا قبل الْحَجْرِ وهو سَبْقُ قَلَمٍ وَصَوَابُهُ ما بَعْدَ الْحَجْرِ كما تَقَرَّرَ
وإذا أَقَرَّ بِعَيْنٍ كَقَوْلِهِ غَصَبْتهَا أو اسْتَعَرْتهَا أو اسْتَوْدَعْتهَا سُلِّمَتْ لِصَاحِبِهَا لِصِحَّةِ إقْرَارِهِ بها كما لو أَقَرَّ بِدَيْنِ إتْلَافٍ أو بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ وَأَسْنَدَهُ إلَى ما قبل الْحَجْرِ فَلَوْ طَلَبَ الْغُرَمَاءُ يَمِينَ الْمُقِرِّ له حَلَفَ كما صَرَّحَ بِهِ ابن الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ فِيمَا لو لم يَكُنْ مَحْجُورًا عليه كَذَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَأَقَرَّهُ وَلَوْ اتَّهَبَ مَالًا أو اشْتَرَاهُ في الذِّمَّةِ وهو مَحْجُورٌ عليه دخل في الْحَجْرِ وَقُسِّمَ في الْغُرَمَاءِ أَيْ بَيْنَهُمْ فَيَتَعَدَّى الْحَجْرُ إلَى أَمْوَالِهِ الْحَادِثَةِ بَعْدَهُ لِعُمُومِ مَقْصُودِهِ وهو الْوَفَاءُ قال الْبُلْقِينِيُّ وَمَحَلُّ تَعَدِّيهِ إذَا كان مِلْكُهُ مُسْتَقِرًّا أَمَّا لو وَهَبَ له أَبُوهُ أو ابْنُهُ أو أَوْصَى له بِهِ فَقَبِلَ وَقَبَضَ الْمَوْهُوبُ وهو مَحْجُورٌ عليه بِالْفَلَسِ فإنه يُعْتَقُ وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ تَعَلُّقٌ بِهِ وَكَذَا نَصُّهُ في الْأُمِّ فِيمَا لو أَصَدَقَتْ الْمَحْجُورَةُ إيَّاهَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَعَدِّي الْحَجْرِ إلَى الْحَادِثِ وَلَوْ زَادَ مَالُهُ بِهِ على الدُّيُونِ فَيُحْتَمَلُ حَمْلُهُ على ما إذَا اسْتَمَرَّ على النَّقْصِ اعْتِبَارًا بِالِابْتِدَاءِ وَيُحْتَمَلُ بَقَاؤُهُ على إطْلَاقِهِ إذْ يُغْتَفَرُ في الدَّوَامِ ما لَا يُغْتَفَرُ في الِابْتِدَاءِ
وَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ في فَسْخِ الْبَيْعِ إنْ جَهِلَ الْإِفْلَاسَ لِأَنَّهُ عَيْبٌ بِخِلَافِ ما إذَا عُلِمَ لِتَقْصِيرِهِ وَإِنْ جَنَى جِنَايَةً تُوجِبُ وَلَوْ بِالْعَفْوِ مَالًا وهو مَحْجُورٌ عليه ضُورِبَ أَيْ ضَارَبَ مُسْتَحِقُّ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِالْأَرْشِ إذْ لَا تَقْصِيرَ منه فَيَبْعُدُ تَكْلِيفُهُ الِانْتِظَارَ كَدَيْنٍ حَادِثٍ تَقَدَّمَ مُوجِبُهُ على الْحَجْرِ كَانْهِدَامِ ما آجَرَهُ الْمُفْلِسُ وَقَبَضَ أُجْرَتَهُ وَأَتْلَفَهَا سَوَاءٌ أَحْدَثَ قبل الْقِسْمَةِ أَمْ بَعْدَهَا وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَقَوْلُهُ في الْمَوْضِعَيْنِ وهو مَحْجُورٌ عليه زِيَادَةُ إيضَاحٍ وَمُؤْنَةُ الْمَالِ كَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَالْحَمَّالِ وَكَذَا الْبَيْتُ الذي فيه الْمَالُ مُقَدِّمَةٌ على الْغُرَمَاءِ لِأَنَّهَا لِمَصْلَحَةِ الْحَجْرِ هذا إنْ عَدِمَ مُتَبَرِّعٌ بها ولم يَتَّسِعْ بَيْتُ الْمَالِ وَإِلَّا فَلَا يُصْرَفُ إلَيْهَا من مَالِ الْمُفْلِسِ شَيْءٌ وَلَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ إنْ كان فيه غِبْطَةٌ وَلَيْسَ كما لو بَاعَ بها لِأَنَّ الْفَسْخَ ليس تَصَرُّفًا مُبْتَدَأً فَيُمْنَعُ منه وَإِنَّمَا هو من أَحْكَامِ الْبَيْعِ الذي لم يَشْمَلْهُ الْحَجْرُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ رَدِّهِ حِينَئِذٍ دُونَ لُزُومِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي وَالدَّارِمِيُّ إذْ ليس فيه تَفْوِيتٌ لِحَاصِلٍ وَإِنَّمَا هو امْتِنَاعٌ من الِاكْتِسَابِ وَاسْتُشْكِلَ بِمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن النَّصِّ من أَنَّ من اشْتَرَى في صِحَّتِهِ شيئا ثُمَّ مَرِضَ وَاطَّلَعَ فيه على عَيْبٍ وَالْغِبْطَةُ في رَدِّهِ ولم يَرُدَّ حَسَبَ ما نَقَصَهُ الْعَيْبُ من الثُّلُثِ فَدَلَّ على أَنَّهُ تَفْوِيتٌ
____________________
(2/185)
وَقَضِيَّتُهُ لُزُومِ الرَّدِّ هُنَا وَفَرَّقَ بِأَنَّ حَجْرَ الْمَرَضِ أَقْوَى بِدَلِيلِ أَنَّ إذْنَ الْوَرَثَةِ في تَصَرُّفِ الْمَرِيضِ قبل مَوْتِهِ لَا يُفِيدُ شيئا وَإِذْنُ الْغُرَمَاءِ فِيمَا يَفْعَلُهُ الْمُفْلِسُ يُفِيدُهُ الصِّحَّةَ وَيُفَرَّقُ أَيْضًا بِأَنَّ الضَّرَرَ اللَّاحِقَ لِلْغُرَمَاءِ بِتَرْكِ الرَّدِّ قد يُجْبَرُ بِالْكَسْبِ بَعْدُ بِخِلَافِ الضَّرَرِ اللَّاحِقِ لِلْوَرَثَةِ بِذَلِكَ وَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِرَدِّ ما اشْتَرَاهُ قبل الْحَجْرِ وما اشْتَرَاهُ في الذِّمَّةِ بَعْدَهُ وهو أَوْلَى من كَلَامِ أَصْلِهِ لِقُصُورِهِ على الْأُولَى أَمَّا إذَا كانت الْغِبْطَةُ في الْإِبْقَاءِ فَلَا رَدَّ له لِمَا فيه من تَفْوِيتِ الْمَالِ بِلَا غَرَضٍ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ أَيْضًا إذَا لم يَكُنْ غِبْطَةً أَصْلًا لَا في الرَّدِّ وَلَا في الْإِبْقَاءِ وقد صَرَّحَ الْإِمَامُ بِخِلَافِهِ وَكَلَامُ الْأَصْلِ فيها مُتَدَافِعٌ فَإِنْ حَدَثَ بِالْمَبِيعِ عَيْبٌ آخَرُ عِنْدَ الْمُفْلِسِ اُمْتُنِعَ الرَّدُّ الْقَهْرِيُّ وَوَجَبَ له الْأَرْشُ لِمَا مَرَّ في خِيَارِ النَّقْصِ ولم يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ لِلتَّفْوِيتِ وَلَهُ الْفَسْخُ بِالْخِيَارِ وَالْإِجَازَةِ مُطْلَقًا عن التَّقْيِيدِ بِالْغِبْطَةِ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ وَلِأَنَّهُ ليس تَصَرُّفًا مُبْتَدَأً
فَصْلٌ غُرَمَاءُ الْمَيِّتِ لَا يَحْلِفُونَ إنْ نَكَلَ الْوَارِثُ عن الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ أو يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ أو مع الشَّاهِدِ إذْ ليس لهم إثْبَاتُ حَقِّ غَيْرِهِمْ لِمَصْلَحَتِهِمْ بَلْ إذَا ثَبَتَ تَعَلُّقُ حَقِّهِمْ بِهِ وَكَذَا غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ لَا يَحْلِفُونَ إنْ نَكَلَ عَمَّا ذُكِرَ لِذَلِكَ وَكَلَامُهُ في هذه وَاَلَّتِي قَبْلَهَا أَعَمُّ من كَلَامِ أَصْلِهِ وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ ابْتِدَاءُ الدَّعْوَى إذْ تَرَكَهَا الْوَارِثُ أو الْمُفْلِسُ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ
فَصْلٌ وَلِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْحَالِّ وَلَوْ ذِمِّيًّا مَنْعُ الْمَدْيُونِ الْمُوسِرِ بِالطَّلَبِ من السَّفَرِ الْمَخُوفِ وَغَيْرِهِ بِأَنْ يُشْغِلَهُ عنه بِرَفْعِهِ إلَى الْحَاكِمِ وَمُطَالَبَتِهِ حتى يُوفِيَهُ دَيْنَهُ لِأَنَّ أَدَاءَهُ فَرْضُ عَيْنٍ بِخِلَافِ السَّفَرِ نعم إنْ اسْتَنَابَ من يُؤَدِّيهِ من مَالِهِ الْحَاضِرِ فَلَيْسَ له مَنْعُهُ وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الْمُوسِرِ من زِيَادَتِهِ لَا صَاحِبِ الْمُؤَجَّلِ فَلَيْسَ له مَنْعُهُ من السَّفَرِ وَلَوْ كان السَّفَرُ مَخُوفًا كَجِهَادٍ أو الْأَجَلُ قَرِيبًا إذْ لَا مُطَالَبَةَ بِهِ في الْحَالِّ وَلَا يُكَلَّفُ من عليه الْمُؤَجَّلُ رَهْنًا ولا كَفِيلًا وَلَا إشْهَادًا لِأَنَّ صَاحِبَهُ هو الْمُضَيَّعُ لِحَظِّ نَفْسِهِ حَيْثُ رضي بِالتَّأْجِيلِ من غَيْرِ رَهْنٍ وَكَفِيلٍ وَإِشْهَادٍ وَلَهُ السَّفَرُ صُحْبَتَهُ لِيُطَالِبَهُ عِنْدَ حُلُولِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُلَازِمَهُ مُلَازَمَةَ الرَّقِيبِ لِأَنَّ فيه إضْرَارًا بِهِ
فَصْلٌ يَحْرُمُ حَبْسُ من ثَبَتَ إعْسَارُهُ وَمُلَازَمَتُهُ وَيَجِبُ إنْظَارُهُ حتى يُوسِرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ كان ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ بِخِلَافِ من لم يَثْبُتْ إعْسَارُهُ يَجُوزُ حَبْسُهُ وَمُلَازَمَتُهُ إلَى أَنْ يَثْبُتَ إعْسَارُهُ وَعَلَى الْمُوسِرِ الْأَدَاءُ لِلدَّيْنِ الْحَالِّ فَوْرًا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ إنْ طُولِبَ بِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ إذْ لَا يُقَالُ
____________________
(2/186)
مَطْلُهُ إلَّا إذَا طَالَبَهُ فَدَافَعَهُ فَإِنْ امْتَنَعَ من أَدَائِهِ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِهِ فَإِنْ امْتَنَعَ وَلَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ وهو من جِنْسِ الدَّيْنِ وفي مَنْعِهِ أو من غَيْرِهِ بَاعَ الْحَاكِمُ عليه مَالَهُ إنْ كان في مَحَلِّ وِلَايَتِهِ أو أَكْرَهَهُ بِالتَّعْزِيرِ أَيْ مع التَّعْزِيرِ بِحَبْسٍ أو غَيْرِهِ على الْبَيْعِ وَوَفَّى الدَّيْنَ وَالْمُرَادُ بَيْعُ ما يَفِي بِالدَّيْنِ من مَالِهِ لَا بَيْعُ جَمِيعِهِ مُطْلَقًا أَمَّا إذَا لم يُطَالَبْ بِهِ فَلَا يَجِبُ ذلك وَإِنْ كان سَبَبُ الدَّيْنِ مَعْصِيَةً وَلَا يُنَافِيهِ الْوُجُوبُ في هذه لِلْخُرُوجِ من الْمَعْصِيَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ في الْوُجُوبِ لِلْحُلُولِ وَالتَّخْيِيرِ فِيمَا ذُكِرَ بين الْبَيْعِ وَالْإِكْرَاهِ قال السُّبْكِيُّ يَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي حَقَّهُ بِغَيْرِ تَعْيِينٍ فَلَوْ عَيَّنَ طَرِيقًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لِلْحَاكِمِ فِعْلُ غَيْرِهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُ بِسُؤَالِهِ وَكَلَامُ الْقَفَّالِ الْكَبِيرِ يُشْعِرُ بِهِ
وَلَوْ الْتَمَسَ غَرِيمُ الْمُمْتَنِعِ من الْأَدَاءِ الْحَجْرَ عليه في مَالِهِ أُجِيبُ لِئَلَّا يُتْلَفَ مَالُهُ وَلِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه ولم يُخَالِفْهُ أَحَدٌ أَنَّهُ قال أَلَا إنَّ الْأُسَيْفِعَ أُسَيْفِعَ جُهَيْنَةَ رضي من دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ بِأَنْ يُقَالَ سَبَقَ الْحَاجُّ فَادَّانَ مُعْرِضًا أَيْ عن الْوَفَاءِ فَأَصْبَحَ وقد دِينَ بِهِ أَيْ غَلَبَ عليه فَمَنْ كان له عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَحْضُرْ غَدًا فَإِنَّا بَايَعُوا مَالَهُ وَقَاسَمُوهُ بين غُرَمَائِهِ ثُمَّ إيَّاكُمْ وَالدَّيْنَ فإن أَوَّلَهُ هَمٌّ وَآخِرُهُ حَرْبٌ وَلَيْسَ هذا الْحَجْرُ حَجْرَ فَلَسٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ زِيَادَةُ الدَّيْنِ على مَالِهِ فَإِنْ أَخْفَاهُ بِقَيْدٍ صَرَّحَ بِهِ من زِيَادَتِهِ في نُسْخَةٍ بِقَوْلِهِ وهو مَعْلُومٌ أَيْ بِإِقْرَارٍ أو بَيِّنَةٍ أو غَيْرِهِمَا وَطَلَبَ غَرِيمُهُ حَبْسَهُ حُبِسَ حُجِرَ عليه أَوَّلًا حتى يُظْهِرَهُ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ لِتَوْفِيَةِ الْحَقِّ قال الْمُتَوَلِّي وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ وفي الْبَيْهَقِيّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَبَسَ رَجُلًا أَعْتَقَ شِقْصًا له من عَبْدٍ في قِيمَةِ الْبَاقِي وفي الْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا وَأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ أَيْ مَطْلُ الْقَادِرِ وَيُحِلُّ ذَمَّهُ وَتَعْزِيرَهُ وَحَبْسَهُ فَإِنْ لم يَنْزَجِرْ بِالْحَبْسِ وَرَأَى الْحَاكِمُ ضَرْبَهُ أو غَيْرَهُ فَعَلَ ذلك وَإِنْ زَادَ مَجْمُوعُهُ على الْحَدِّ وَلَا يُعَزِّرْهُ ثَانِيًا حتى يَبْرَأَ من الْأَوَّلِ وقد يُقَالُ في تَعَيُّنِ الْحَبْسِ أَوَّلًا نَظَرٌ بَلْ الْقِيَاسُ خِلَافُهُ كَسَائِرِ التَّعَازِيرِ وَيُجَابُ بِأَنَّ ذَاكَ في تَعْزِيرٍ لِمَحْضِ التَّأْدِيبِ لَا في تَعْزِيرٍ لِتَوْفِيَةِ حَقٍّ امْتَنَعَ من عليه من أَدَائِهِ فَيَتَعَيَّنُ ما عَيَّنَهُ وَهَذَا قَرِيبٌ مِمَّا مَرَّ عن السُّبْكِيّ وَعَلَيْهِ يَلْزَمُ أَنَّهُ لو عَيَّنَ له غير الْحَبْسِ تَعَيَّنَ فَإِنْ ادَّعَى تَلَفَ مَالِهِ وَأَنَّهُ مُعْسِرٌ طُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِتَلَفِهِ قُبِلَتْ وَلَا يَحْلِفُ لِأَنَّ فيه تَكْذِيبَهَا وَكَذَا تُقْبَلُ إنْ أَقَامَهَا وَلَوْ في الْحَالِّ بِإِعْسَارِهِ وَوَقَعَتْ الشَّهَادَةُ بِهِ من خَبِيرٍ بِبَاطِنِهِ بِطُولِ الْجِوَارِ وَكَثْرَةِ الْمُخَالَطَةِ فإن الْأَمْوَالَ تَخْفَى وَإِنَّمَا سُمِعَتْ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِالنَّفْيِ لِلْحَاجَةِ كَشَهَادَةِ أَنْ لَا وَارِثَ وَغَيْرَهُ وَيُعْتَمَدُ قَوْلُهُ أَيْ الشَّاهِدِ بِإِعْسَارِهِ أَنَّهُ خَبِيرٌ بِبَاطِنِهِ وَإِنْ عَرَفَهُ الْحَاكِمُ كَفَى
وَإِنْ ادَّعَى الْمَدْيُونُ الْإِعْسَارَ فَإِنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ في مُقَابَلَةِ مَالٍ كَشِرَاءٍ وَقَرْضٍ فَهُوَ كَدَعْوَى هَلَاكِهِ فَيُطَالَبُ بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ ما وَقَعَتْ عليه الْمُعَامَلَةُ وَإِلَّا بِأَنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ لَا في مُقَابَلَةِ مَالٍ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ سَوَاءٌ أَلْزَمَهُ بِاخْتِيَارِهِ كَضَمَانٍ وَصَدَاقٍ أَمْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَأَرْشِ جِنَايَةٍ وَغَرَامَةِ مُتْلَفٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ وَلَوْ ظَهَرَ غَرِيمٌ آخَرُ قال في الْبَيَانِ لَا يَحْلِفُهُ ثَانِيًا لِثُبُوتِ إعْسَارِهِ بِالْيَمِينِ الْأُولَى وَمَحَلُّ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ إذَا لم يَسْبِقْ منه إقْرَارٌ فَكَالْحَجْرِ فَلَوْ أَقَرَّ بها ثُمَّ ادَّعَى الْإِعْسَارَ فَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِذَهَابِ مَالِهِ
فَرْعٌ يَثْبُتُ الْإِعْسَارُ بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ مُعْسِرٌ لَا يَمْلِكُ إلَّا قُوتَ يَوْمِهِ وَثِيَابَ بَدَنِهِ قال الْبُلْقِينِيُّ هذا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ قد يَكُونُ مَالِكًا لِغَيْرِ ذلك وهو مُعْسِرٌ كَأَنْ يَكُونَ له مَالٌ غَائِبٌ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ فَأَكْثَرَ وَلِأَنَّ قُوتَ يَوْمِهِ قد يُسْتَغْنَى عنه بِالْكَسْبِ وَثِيَابُ بَدَنِهِ قد تَزِيدُ على ما يَلِيقُ بِهِ فَيَصِيرُ مُوسِرًا بِذَلِكَ فَالطَّرِيقُ
____________________
(2/187)
أَنْ يَشْهَدَا أَنَّهُ مُعْسِرٌ عَاجِزٌ الْعَجْزَ الشَّرْعِيَّ عن وَفَاءِ شَيْءٍ من هذا الدَّيْنِ أو ما في مَعْنَى ذلك انْتَهَى وَأَفَادَ تَعْبِيرُهُمْ بِشَاهِدَيْنِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَلَا شَاهِدٌ وَيَمِينٌ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ثَلَاثَةٌ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ لِمَنْ ذَكَرَ له أَنَّ جَائِحَةً أَصَابَتْ مَالَهُ وَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ من الصَّدَقَةِ حتى يَشْهَدَ ثَلَاثَةٌ من ذَوِي الْحِجَا من قَوْمِهِ فَمَحْمُولٌ على الِاحْتِيَاطِ وَلَا يَقْتَصِرَانِ في شَهَادَتِهِمَا بِالْإِعْسَارِ على أَنَّهُ لَا مِلْكَ له حتى لَا تَتَمَحَّضَ شَهَادَتُهُمَا نَفْيًا وَيَجِبُ مع الْبَيِّنَةِ تَحْلِيفُهُ على إعْسَارِهِ بِاسْتِدْعَاءِ الْخَصْمِ أَيْ طَلَبِهِ لِجَوَازِ اعْتِمَادِ الشَّاهِدَيْنِ الظَّاهِرَ فَإِنْ لم يُسْتَدْعَ الْخَصْمُ لم يَحْلِفْ كَيَمِينِ الْمُدَّعَى عليه وَلَهُ تَحْلِيفُ الْغُرَمَاءِ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ إعْسَارَهُ إذَا ادَّعَاهُ عليهم فَإِنْ نَكَلُوا عن الْيَمِينِ حَلَفَ وَثَبَتَ إعْسَارُهُ وَإِنْ حَلَفُوا حُبِسَ وَإِنْ ادَّعَى ثَانِيًا وَثَالِثًا وَهَكَذَا أَنَّهُ بَانَ لهم إعْسَارُهُ حَلَفُوا حتى يَظْهَرَ لِلْحَاكِمِ أَنَّ قَصْدَهُ الْإِيذَاءُ وَعَكْسُهُ لو ثَبَتَ إعْسَارُهُ فَادَّعَوْا بَعْدَ أَيَّامٍ أَنَّهُ اسْتَفَادَ مَالًا وَبَيَّنُوا الْجِهَةَ التي اسْتَفَادَ منها فَلَهُمْ تَحْلِيفُهُ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ قَصْدُ الْإِيذَاءِ وَصَرَّحَ الْأَصْلُ بِقَبُولِ قَوْلِهِ في هذه ما عَدَا الْمُسْتَثْنَى
فَصْلٌ يَأْمُرُ الْقَاضِي وُجُوبًا من يَبْحَثُ أَيْ اثْنَيْنِ يَبْحَثَانِ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ عن حَالِ الْمَحْبُوسِ الْغَرِيبِ الذي لَا تُمْكِنُهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِإِعْسَارِهِ لِيُتَوَصَّلَ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ بِإِعْسَارِهِ إلَى الشَّهَادَةِ بِإِعْسَارِهِ كَيْ لَا يَتَخَلَّدَ حَبْسُهُ فَإِنْ وُجِدَ في يَدِ الْمُعْسِرِ مَالٌ فَأَقَرَّ بِهِ لِرَجُلٍ وَصَدَّقَهُ أَخَذَهُ منه وَلَا حَقَّ فيه لِلْغُرَمَاءِ وَلَا يَحْلِفُ الْمُعْسِرُ أَنِّي ما وَاطَأْته أَيْ الْمُقِرَّ له على الْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ لو رَجَعَ عن إقْرَارِهِ لم يُقْبَلْ وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُقِرُّ له أَخَذَهُ الْغُرَمَاءُ ولم الْأَوْلَى وَلَا يُلْتَفَتْ إلَى إقْرَارِهِ بِهِ لِآخَرَ لِظُهُورِ كَذِبِهِ في صَرْفِهِ عنه وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِغَائِبٍ انْتَظَرَ قُدُومَهُ فَإِنْ صَدَّقَهُ أَخَذَهُ وَإِلَّا أَخَذَهُ الْغُرَمَاءُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الطِّفْلَ وَنَحْوَهُ كَالْغَائِبِ انْتَهَى وَظَاهِرٌ أَنَّهُ إنْ صَدَّقَهُ الْوَلِيُّ فَلَا انْتِظَارَ وَأَنَّ الْمُفْلِسَ لو أَقَرَّ بِذَلِكَ لِمَجْهُولٍ لم يُقْبَلْ منه كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْوَالِدُ ذَكَرٌ أو أُنْثَى لَا يُحْبَسُ بِدَيْنِ الْوَلَدِ كَذَلِكَ وَإِنْ سَفَلَ وَلَوْ صَغِيرًا وَزَمَنًا لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَلَا يُعَاقَبُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَقِيلَ يُحْبَسُ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَلَا فَرْقَ بين دَيْنِ النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا وَكَذَا لَا يُحْبَسُ الْمُكَاتَبُ بِالنُّجُومِ كما يَأْتِي في أَدَبِ الْقَضَاءِ وَكَذَا الذي اُسْتُؤْجِرَ عَيْنُهُ وَتَعَذَّرَ عَمَلُهُ في الْحَبْسِ تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ كَالْمُرْتَهِنِ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ مَقْصُودٌ بِالِاسْتِحْقَاقِ في نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْحَبْسِ ليس مَقْصُودًا في نَفْسِهِ بَلْ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى غَيْرِهِ ذَكَرَهُ في الرَّوْضَةِ في بَابِ الْإِجَارَةِ عن فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّهُ قال السُّبْكِيُّ وَعَلَى قِيَاسِهِ لو اسْتَعْدَى على من اُسْتُؤْجِرَ عَيْنُهُ وكان حُضُورُهُ لِلْحَاكِمِ يُعَطِّلُ حَقَّ الْمُسْتَأْجِرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْضُرَ وَلَا يَعْتَرِضُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ على إحْضَارِ الْمَرْأَةِ الْبَرْزَةِ وَحَبْسِهَا وَإِنْ كانت مُزَوَّجَةً لِأَنَّ لِلْإِجَارَةِ أَمَدًا يُنْتَظَرُ وَيُؤْخَذُ مِمَّا قَالَهُ أَنَّ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ كَالْمُسْتَأْجَرِ إنْ أَوْصَى بها مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَإِلَّا فَكَالزَّوْجَةِ
فَرْعٌ لَا يَأْثَمُ الْمَحْبُوسُ الْمُعْسِرُ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ الْمَفْهُومَةِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَلِلْقَاضِي مَنْعُ الْمَحْبُوسِ منها إنْ اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ وَمِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِالزَّوْجَةِ وَمُحَادَثَةِ الْأَصْدِقَاءِ وَالتَّرْجِيحُ في مَسْأَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ من زِيَادَتِهِ وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَنْوَارِ وَلَا تَرْجِيحَ فيها في الرَّوْضَةِ هُنَا بَلْ نَقَلَ فيها من زِيَادَتِهِ
____________________
(2/188)
عن فَتَاوَى صَاحِبِ الشَّامِلِ الْمَنْعَ من ذلك وَعَنْ فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ أَنَّ الرَّأْيَ فيه لِلْقَاضِي لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ جَزَمَ كَأَصْلِهِ في بَابِ أَدَبِ الْقَضَاءِ بِأَنَّهُ لَا مَنْعَ من ذلك وَبَحَثَ الرَّافِعِيُّ ثَمَّ الْقَوْلَ بِالثَّانِي وقال الْإِسْنَوِيُّ يَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ فَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ في الْبَابَيْنِ على الْحَالَيْنِ لَا من دُخُولِهَا لِحَاجَةٍ كَحَمْلِ طَعَامٍ وله مَنْعُهُ من شَمِّ الرَّيَاحِينِ لِلتَّرَفُّهِ فَإِنْ كان لِحَاجَةِ مَرَضٍ أو نَحْوِهِ جَازَ لَا مَنْعُهُ من عَمَلِ صَنْعَةٍ في الْحَبْسِ وَإِنْ كان مُمَاطِلًا وَنَفَقَتُهُ وَاجِبَةٌ على نَفْسِهِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْحَبْسِ لِأَنَّهَا أُجْرَةُ الْمَكَانِ
وَإِنْ حُبِسَتْ امْرَأَةٌ في دَيْنٍ لم يَأْذَنْ فيه الزَّوْجُ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا مُدَّةَ الْحَبْسِ وَلَوْ ثَبَتَ الدَّيْنُ بِالْبَيِّنَةِ كما لو وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَاعْتَدَّتْ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ وَإِنْ كانت مَعْذُورَةً وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لو أَذِنَ لها في الِاسْتِدَانَةِ لم تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا قال الْأَذْرَعِيُّ ولم أَرَ فيه نَقْلًا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ لو أَذِنَ لها في الْحَجِّ فَلَا نَفَقَةَ لها إنْ لم يَخْرُجْ مَعَهَا انْتَهَى وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لها وَيُفَارِقُ عَدَمَ سُقُوطِهَا فِيمَا لو صَامَتْ أَيَّامًا مُعَيَّنَةً نَذَرَتْ صَوْمَهَا بَعْدَ النِّكَاحِ بِإِذْنِ الزَّوْجِ بِأَنَّ صَوْمَهَا وَجَبَ عليها عَيْنًا مَضِيقًا بِإِذْنِهِ مع النَّذْرِ الذي يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ بِخِلَافِ حَبْسِهَا وَيَخْرُجُ الْمَحْبُوسُ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى عليه من آخَرَ ثُمَّ يُرَدُّ إلَى الْحَبْسِ فَإِنْ لَزِمَهُ حَقٌّ آخَرُ حُبِسَ بِهِمَا ولم يُطْلَقْ بِقَضَاءِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَيَخْرُجُ الْمَجْنُونُ من الْحَبْسِ مُطْلَقًا وَالْمَرِيضُ إنْ لم يَجِدْ مُمَرِّضًا فَإِنْ وَجَدَ مُمَرِّضًا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا في الشَّافِي لِلْجُرْجَانِيِّ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ وَمَنْ ثَبَتَ إعْسَارُهُ أَخْرَجَ بِغَيْرِ إذْنِ الْغَرِيمِ لِزَوَالِ الْمُقْتَضَى
فَصْلٌ وَيُبَادِرُ الْحَاكِمُ نَدْبًا في مَسْأَلَةِ الْمَدِينِ مَحْجُورًا عليه أو مُمْتَنِعًا من الْأَدَاءِ بِبَيْعِ مَالِهِ وَقِسْمَتِهِ أَيْ قِسْمَةِ ثَمَنِهِ بين الْغُرَمَاءِ لِئَلَّا يُطَالَ حَبْسُهُ إنْ حُبِسَ وَمُبَادَرَةً لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَإِيصَالِ الْحَقِّ لِذَوِيهِ وَذَكَرَ حُكْمَ الْمُمْتَنِعِ من زِيَادَتِهِ وَلَا يَسْتَعْجِلُ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَا يُفَرِّطُ في الِاسْتِعْجَالِ فَيُبَاعُ بِبَخْسٍ وَيُسْتَحَبُّ الْبَيْعُ بِحُضُورِ الْمُفْلِسِ وَالرَّاهِنِ فِيمَا إذَا بِيعَ الْمَرْهُونُ وَالْغُرَمَاءُ أو وَكِيلُهُمْ لِأَنَّ ذلك أَنْفَى لِلتُّهْمَةِ وَأَطْيَبُ لِلْقُلُوبِ وَلِيُخْبَرَ الْمُفْلِسَ بِمَا في مَالِهِ من الْعُيُوبِ فَلَا يَرُدُّ وَمِنْ الصِّفَاتِ الْمَطْلُوبَةِ فَتَكْثُرُ فيه الرَّغَبَاتُ وَلِأَنَّ الْغُرَمَاءَ قد يَزِيدُونَ في السِّلْعَةِ وَذَكَرَ وَكِيلُ الْغُرَمَاءِ من زِيَادَتِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَوَلَّى الْبَيْعَ الْمَالِكُ أو وَكِيلُهُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ لِيَقَعَ الْإِشْهَادُ عليه وَلَا يَحْتَاجَ إلَى بَيِّنَةٍ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ بِخِلَافِ ما لو بَاعَ الْحَاكِمُ لَا بُدَّ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ مِلْكُهُ كما قَالَهُ ابن الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَالْقَاضِي وَبَيْعُ الْحَاكِمِ حُكْمٌ بِأَنَّهُ له وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ في الْفَرَائِضِ قَسْمُ الْحَاكِمِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ وَحَكَى السُّبْكِيُّ في ذلك وَجْهَيْنِ وَرَجَّحَ الِاكْتِفَاءَ بِالْيَدِ قال وهو قَوْلُ الْعَبَّادِيِّ وَكَذَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ ثُمَّ قال كَالْأَذْرَعِيِّ وَأَفْتَى ابن الصَّلَاحِ بِمَا يُوَافِقُهُ وَالْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ عليه
____________________
(2/189)
وَيُبَاعُ أَوَّلًا ما يُسْرِعُ فَسَادُهُ وَلَوْ غير مَرْهُونٍ لِئَلَّا يَضِيعَ ثُمَّ الْمَرْهُونُ وَالْجَانِي لِيَتَعَجَّلَ حَقَّ مُسْتَحَقِّيهِمَا فَإِنْ بَقِيَ لِلْمُرْتَهِنِ من دَيْنِهِ شَيْءٌ ضَارَبَ بِهِ سَائِرَ الْغُرَمَاءِ وَإِنْ فَضَلَ عنه شَيْءٌ ضُمَّ إلَى الْمَالِ وَيُقَدَّمُ أَيْضًا بَعْدَمَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ مَالُ الْقِرَاضِ لِيُؤْخَذَ منه الرِّبْحُ الْمَشْرُوطُ وَلَا يَتَقَيَّدُ الْحُكْمُ بِمَا ذَكَرَ بَلْ سَائِرُ ما يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْمَالِ كَذَلِكَ وهو ما يُقَدَّمُ على مُؤَنِ التَّجْهِيزِ ثُمَّ الْحَيَوَانُ لِحَاجَتِهِ إلَى النَّفَقَةِ وَلِكَوْنِهِ عُرْضَةً لِلْهَلَاكِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيُسْتَثْنَى منه الْمُدَبَّرُ فَقَدْ نَصَّ في الْأُمِّ على أَنَّهُ لَا يُبَاعُ حتى يَتَعَذَّرَ الْأَدَاءُ من غَيْرِهِ وهو صَرِيحٌ في أَنَّهُ يُؤَخَّرُ عن الْكُلِّ صِيَانَةً لِلتَّدْبِيرِ عن الْإِبْطَالِ انْتَهَى ثُمَّ الْمَنْقُولَاتُ أَيْ سَائِرُهَا لِخَوْفِ ضَيَاعِهَا ثُمَّ الْعَقَارُ وَإِنَّمَا أُخِّرَ لِأَنَّهُ يُؤْمَنُ عليه من التَّلَفِ وَالسَّرِقَةِ وَلِيُشَهِّرَ بَيْعُهُ فَيَظْهَرَ الرَّاغِبُونَ وَيُبْدَأُ في كل نَوْعٍ منها بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ فَيُقَدَّمُ في الْمَنْقُولَاتِ الْمَلْبُوسُ على النُّحَاسِ وَنَحْوِهِ وفي الْعَقَارِ الْبِنَاءُ على الْأَرْضِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّرْتِيبَ في غَيْرِ ما يُسْرِعُ فَسَادُهُ وَغَيْرِ الْحَيَوَانِ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ وقد تَقْتَضِي الْمَصْلَحَةُ تَقْدِيمَ بَيْعِ الْعَقَارِ أو غَيْرِهِ إذَا خِيفَ عليه من ظَالِمٍ أو نَحْوِهِ فَالْأَحْسَنُ تَفْوِيضُ الْأَمْرِ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ وَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ على الْغَالِبِ قال الْمَاوَرْدِيُّ
وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَالْمَرْهُونُ يُبَاعُ قبل الْجَانِي قال في الْمَطْلَبِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الرَّهْنَ إذَا فَاتَ لم يُبْطِلْ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ بِخِلَافِ الْجَانِي فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ بَيْعَهُ لِذَلِكَ وَيُبَاعُ نَدْبًا كُلُّ شَيْءٍ في سُوقِهِ لِأَنَّ طَالِبَهُ فيه أَكْثَرُ وَالتُّهْمَةُ فيه أَبْعَدُ قال الْإِسْنَوِيُّ وَمَحَلُّهُ كما قال الْمَاوَرْدِيُّ إذَا لم يَكُنْ في نَقْلِهِ مُؤْنَةٌ كَبِيرَةٌ فَإِنْ كانت وَرَأَى الْحَاكِمُ الْمَصْلَحَةَ في اسْتِدْعَاءِ أَهْلِ السُّوقِ إلَيْهِ فَعَلَ قال الزَّرْكَشِيُّ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا ظَنَّ عَدَمَ الزِّيَادَةِ في غَيْرِ سُوقِهِ فَإِنْ بَاعَهُ في غَيْرِهِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ صَحَّ الْبَيْعُ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا يَبِيعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَأَكْثَرَ حَالًّا بِنَقْدِ الْبَلَدِ كَالْوَكِيلِ نعم إنْ رضي الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ بِالْبَيْعِ نَسِيئَةً أو بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ قال الْمُتَوَلِّي جَازَ وَتَوَقَّفَ فيه السُّبْكِيُّ لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ غَرِيمٍ آخَرَ يَطْلُبُ دَيْنَهُ في الْحَالِ وَلَوْ رَأَى الْحَاكِمُ الْمَصْلَحَةَ في الْبَيْعِ بِمِثْلِ حُقُوقِهِمْ جَازَ وَلَوْ بَاعَ بِثَمَنِ مِثْلِهِ ثُمَّ ظَهَرَ رَاغِبٌ بِزِيَادَةٍ فَقِيَاسُ ما ذَكَرُوهُ في عَدْلِ الرَّهْنِ وُجُوبُ الْقَبُولِ في الْمَجْلِسِ وَفَسْخُ الْبَيْعِ وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عن النَّصِّ فَإِنْ كان نَقْدُ الْبَلَدِ غير جِنْسِ دَيْنِهِمْ ولم يَرْضُوا إلَّا بِجِنْسِ دَيْنِهِمْ اشْتَرَاهُ لهم لِأَنَّهُ وَاجِبُهُمْ أو عَاوَضَهُمْ بِهِ إنْ رَضَوْا إلَّا إنْ كان سَلَمًا فَلَا يُعَاوِضُهُمْ وَإِنْ رَضَوْا لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عنه وَلَا يُسَلِّمُ الْحَاكِمُ أو مَأْذُونُهُ ما بِيعَ قبل قَبْضِ الثَّمَنِ فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ كَالْوَكِيلِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِمُؤَجَّلٍ وَإِنْ حَلَّ قبل أَوَانِ الْقِسْمَةِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ بِمُؤَجَّلٍ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ قبل قَبْضِ الثَّمَنِ
فَصْلٌ وَالْأَوْلَى لِلْحَاكِمِ أَنْ يُقَسِّمُ ما نَضَّ يَعْنِي ما قَبَضَهُ من أَثْمَانِ أَمْوَالِهِ على التَّدْرِيجِ لِتَبْرَأَ منه ذِمَّتُهُ وَيَصِلَ إلَيْهِ الْمُسْتَحِقُّ بَلْ إنْ طَلَبَ الْغُرَمَاءُ الْقِسْمَةَ وَجَبَتْ كما يُؤْخَذُ من كَلَامِ السُّبْكِيّ الْآتِي فَإِنْ تَعَسَّرَتْ قِسْمَتُهُ لِقِلَّتِهِ وَكَثْرَةِ الدُّيُونِ فَلَهُ التَّأْخِيرُ لها لِتَجْتَمِعَ وَلَوْ طَالَبُوا بها وَتَبِعَ في مَسْأَلَةِ الْمُطَالَبَةِ بَحْثُ الشَّيْخَيْنِ فَإِنَّهُمَا قَالَا فَإِنْ أَبَوْا التَّأْخِيرَ فَفِي النِّهَايَةِ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُجِيبُهُمْ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ قال السُّبْكِيُّ بَلْ الظَّاهِرُ
____________________
(2/190)
ما في النِّهَايَةِ لِأَنَّ الْحَقَّ لهم فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عِنْدَ الطَّلَبِ إلَّا أَنْ تَظْهَرَ مَصْلَحَةٌ في التَّأْخِيرِ وَلَعَلَّ هذا مُرَادُ الرَّافِعِيِّ بِمُخَالَفَتِهِ إطْلَاقَ النِّهَايَةِ وقد نَقَلَ ابن الرِّفْعَةِ عن الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ مِثْلَ ما في النِّهَايَةِ وَعَنْ الْمَاوَرْدِيِّ خِلَافَهُ ا ه وَالْأَوْجَهُ ما أَفَادَهُ كَلَامُ السُّبْكِيّ من حَمْلِ هذا على ما إذَا ظَهَرَتْ مَصْلَحَةٌ في التَّأْخِيرِ وما في النِّهَايَةِ على خِلَافِهِ فَلَوْ كان الْغَرِيمُ وَاحِدًا سَلَّمَهُ إلَيْهِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا لِأَنَّ إعْطَاءَهُ لِلْمُسْتَحِقِّ أَوْلَى من إقْرَاضِهِ أو إيدَاعِهِ وَيُسْتَثْنَى من الْقِسْمَةِ عليهم الْمُكَاتَبُ إذَا حُجِرَ عليه وَعَلَيْهِ نُجُومٌ وَأَرْشُ جِنَايَةٍ وَدَيْنُ مُعَامَلَةٍ فَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ دَيْنِ الْمُعَامَلَةِ ثُمَّ الْأَرْشِ ثُمَّ النُّجُومِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا حَجْرَ بِالنُّجُومِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَدْيُونِ غَيْرِ الْمَحْجُورِ عليه فإنه يُقَسِّمُ كَيْفَ شَاءَ قال السُّبْكِيُّ وهو ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى صِحَّةِ التَّصَرُّفِ لَكِنْ يَنْبَغِي إذَا اسْتَوَوْا وَطَالَبُوا حَقَّهُمْ على الْفَوْرِ أَنْ تَجِبَ التَّسْوِيَةُ وإذا تَأَخَّرَتْ قِسْمَةُ ما قَبَضَهُ الْحَاكِمُ فَيُقْرِضُهُ أَمِينًا مُوسِرًا قال السُّبْكِيُّ يَرْتَضِيهِ الْغُرَمَاءُ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُ مُمَاطِلٍ فَإِنْ فُقِدَ أَوْدَعَهُ ثِقَةً تَرْتَضِيهِ الْغُرَمَاءُ وَالتَّقْيِيدُ بِالْفَقْدِ من زِيَادَتِهِ وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْقَصْدُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ لَا يَضَعَهُ عِنْدَ نَفْسِهِ لِمَا فيه من التُّهْمَةِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ في هذا الْإِقْرَاضِ رَهْنٌ قال في الْمَطْلَبِ وَلَعَلَّ سَبَبَهُ أَنَّ الْمُوسِرَ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِ وهو إنَّمَا قَبِلَهُ لِمَصْلَحَةِ الْمُفْلِسِ وفي تَكْلِيفِهِ الرَّهْنَ سَدٌّ لها وَبِذَلِكَ خَالَفَ اعْتِبَارَهُ في التَّصَرُّفِ في مَالِ الطِّفْلِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ يُودَعُ عِنْدَهُ أو عَيَّنُوا غير ثِقَةٍ كما أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ السَّابِقُ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَمَنْ رَآهُ الْقَاضِي من الْعُدُولِ أَوْلَى فَإِنْ تَلِفَ معه أَيْ الْمُودِعِ فَمِنْ ضَمَانِ الْمُفْلِسِ وَلَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِ لَا من ضَمَانِ الْحَاكِمِ أو الْمُودِعِ
فَرْعٌ لَا يَلْزَمُ الْغُرَمَاءَ عِنْدَ الْقِسْمَةِ الْإِثْبَاتُ أَيْ إقَامَةُ بَيِّنَةٍ أو إخْبَارٌ من حَاكِمٍ بِنَفْيِ غَيْرِهِمْ أَيْ بِأَنْ لَا غَرِيمَ غَيْرُهُمْ لِاشْتِهَارِ الْحَجْرِ فَلَوْ كان ثَمَّ غَرِيمٌ لَظَهَرَ وَيُخَالِفُ نَظِيرَهُ في الْمِيرَاثِ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ أَضْبَطُ من الْغُرَمَاءِ وَهَذِهِ شَهَادَةٌ على نَفْيٍ يَعْسُرُ مَدْرَكُهَا فَلَا يَلْزَمُ من اعْتِبَارِهَا في الْأَضْبَطِ اعْتِبَارُهَا في غَيْرِهِ قال في الرَّوْضَةِ وَلِأَنَّ الْغَرِيمَ الْمَوْجُودَ تَيَقُّنًا اسْتِحْقَاقُهُ لِمَا يَخُصُّهُ وَشَكَكْنَا في مُزَاحِمِهِ وهو بِتَقْدِيرِ وُجُودِهِ لَا يُخْرِجُهُ عن اسْتِحْقَاقِهِ له في الذِّمَّةِ وَلَا تَتَحَتَّمُ مُزَاحَمَةُ الْغَرِيمِ فإنه لو أَبْرَأَ أو أَعْرَضَ أَخَذَ الْآخَرُ الْجَمِيعَ وَالْوَارِثُ يُخَالِفُهُ في جَمِيعِ ذلك وَعُلِمَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ تَعْبِيرَ الْمُصَنِّفِ بِالْإِثْبَاتِ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ ظَهَرَ غَرِيمٌ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لم تَنْقَضِ الْقِسْمَةُ بَلْ يُشَارِكُهُمْ فِيمَا قَبَضُوهُ بِالْحِصَّةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ مع وُجُودِ الْمُسَوِّغِ لها ظَاهِرًا وَفَارَقَ نَقْضَهَا فِيمَا لو ظَهَرَ بَعْدَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ وَارِثٌ بِأَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ في عَيْنِ الْمَالِ بِخِلَافِ حَقِّ الْغَرِيمِ فإنه في قِيمَتِهِ فَلَوْ قَسَمَ مَالَ الْمُفْلِسِ وهو خَمْسَةَ عَشَرَ على غَرِيمَيْنِ لِأَحَدِهِمَا عِشْرُونَ وَلِلْآخَرِ عَشَرَةُ فَأَخَذَ الْأَوَّلُ عَشَرَةَ وَالْآخَرُ خَمْسَةً ثُمَّ ظَهَرَ غَرِيمٌ له ثَلَاثُونَ رَجَعَ على كُلٍّ مِنْهُمَا بِنِصْفِ ما أَخَذَهُ
فَإِنْ أَعْسَرَ أَحَدُهُمْ جَعَلَ ما أَخَذَهُ كَالْمَعْدُومِ وَشَارَكَ من ظَهَرَ الْبَاقِينَ فَإِنْ أَيْسَرَ رَجَعُوا عليه بِالْحِصَّةِ فَلَوْ أَتْلَفَ أَحَدُ الْغَرِيمَيْنِ في الْمِثَالِ السَّابِقِ ما أَخَذَهُ وكان مُعْسِرًا كان ما أَخَذَهُ الْآخَرُ كَأَنَّهُ كُلُّ الْمَالِ فَلَوْ كان الْمُتْلِفُ آخِذَ الْخَمْسَةِ اسْتَرَدَّ الْحَاكِمُ من آخِذِ الْعَشَرَةِ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِهَا لِمَنْ ظَهَرَ ثُمَّ إذَا أَيْسَرَ الْمُتْلِفُ أَخَذَ منه الْآخَرَانِ نِصْفَ ما أَخَذَهُ وَقَسَمَاهُ بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةِ دَيْنَيْهِمَا وَقِسْ على ذلك وَلَوْ ظَهَرَ الثَّالِثُ وَظَهَرَ لِلْمُفْلِسِ مَالٌ قَدِيمٌ أو حَادِثٌ بَعْدَ الْحَجْرِ صُرِفَ منه إلَيْهِ بِقِسْطِ ما أَخَذَهُ الْأَوَّلَانِ وَالْفَاضِلُ يُقَسَّمُ على الثَّلَاثَةِ نعم إنْ كان دَيْنُهُ حَادِثًا فَلَا مُشَارَكَةَ له في الْمَالِ الْقَدِيمِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الدَّيْنَ إذَا تَقَدَّمَ سَبَبُهُ فَكَالْقَدِيمِ قال في الْكِفَايَةِ وَلَوْ غَابَ غَرِيمٌ وَعَرَفَ قَدْرَ حَقِّهِ قُسِّمَ عليه وَإِنْ لم يَعْرِفْ ولم تُمْكِنْ مُرَاجَعَتُهُ وَلَا حُضُورُهُ رَجَعَ في قَدْرِهِ إلَى الْمُفْلِسِ فَإِنْ حَضَرَ وَظَهَرَ له زِيَادَةٌ فَهُوَ كَظُهُورِ غَرِيمٍ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَإِنْ أَمْكَنَتْ مُرَاجَعَتُهُ وَجَبَ الْإِرْسَالُ إلَيْهِ قال وَلَوْ تَلِفَ بِيَدِ الْحَاكِمِ ما أَفْرَزَ لِلْغَائِبِ بَعْدَ أَخْذِ الْحَاضِرِ حِصَّتَهُ أو إفْرَازِهَا فَعَنْ الْقَاضِي أَنَّ الْغَائِبَ لَا يُزَاحَمُ من قَبْضٍ فَإِنْ ظَهَرَ لِلْمُفْلِسِ وَلَوْ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عنه مَالٌ قَدِيمٌ أَيْ مَوْجُودٌ قَبْلَهُ وَحَدَثَ له قَبْلَهُ أو بَعْدَهُ مَالٌ بِاحْتِطَابٍ أو غَيْرِهِ وَغُرَمَاءُ فَالْقَدِيمُ الْمَذْكُورُ لِلْقُدَمَاءِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ قبل الْفَكِّ وَلِأَنَّا تَبَيَّنَّا بِذَلِكَ بَقَاءَ الْحَجْرِ كما قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ نعم الْحَادِثُ منه بَعْدَ الْحَجْرِ لَا يُشَارِكُ فيه الْغَرِيمُ الْحَادِثُ منهم بَعْدَ حُدُوثِهِ أو معه
____________________
(2/191)
غَيْرَهُ
وَالْحَادِثُ الْمَذْكُورُ لِلْجَمِيعِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَالْمُرَادُ بِالْجَمِيعِ أَرْبَابُ الدُّيُونِ الْمُتَقَدِّمَةِ على حُدُوثِ الْمَالِ أَمَّا إذَا لم يَظْهَرْ له مَالٌ قَدِيمٌ وَحَدَثَ له مَالٌ بَعْدَ التَّلَفِ فَلَا تَعَلُّقَ لِأَحَدٍ بِهِ فَيَتَصَرَّفُ فيه الْمَدِينُ كَيْفَ شَاءَ وَقَوْلُهُ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ أَبْدَلَ بَعْدَ ب قبل وزاد ذلك بَعْدَ وَحَدَثَ له كان أَوْلَى وَأَوْضَحَ
فَرْعٌ لو خَرَجَ ما بَاعَهُ الْمُفْلِسُ قبل الْحَجْرِ مُسْتَحِقًّا وَالثَّمَنُ الْمَقْبُوصُ غَيْرُ بَاقٍ فَكَدَيْنٍ قَدِيمٍ ظَهَرَ من غَيْرِ هذا الْوَجْهِ وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ وهو أَنْ يُشَارِكَ الْمُشْتَرِي الْغُرَمَاءَ من غَيْرِ نَقْضِ الْقِسْمَةِ بِخِلَافِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ فإنه لَا أَثَرَ له لِأَنَّهُ دَيْنٌ حَادِثٌ لم يَتَقَدَّمْ سَبَبُهُ وَبِخِلَافِ ما إذَا كان الثَّمَنُ بَاقِيًا فإنه يَرُدُّهُ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ قَدِيمٌ من زِيَادَتِهِ وإذا اسْتَحَقَّ ما بَاعَهُ الْحَاكِمُ أو أَمِينُهُ قبل الْقِسْمَةِ وَالثَّمَنُ الْمَقْبُوضُ غَيْرُ بَاقٍ قُدِّمَ الْمُشْتَرِي بِبَدَلِهِ على الْغُرَمَاءِ وَلَا يُضَارِبُ بِهِ مَعَهُمْ لِئَلَّا يَرْغَبَ الناس عن شِرَاءِ مَالِ الْمُفْلِسِ فَكَانَ التَّقْدِيمُ من مَصَالِحِ الْحَجْرِ كَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَلَيْسَ الْحَاكِمُ وَلَا أَمِينُهُ طَرِيقًا في الضَّمَانِ لِأَنَّهُ نَائِبُ الشَّرْعِ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ من زِيَادَتِهِ قبل الْقِسْمَةِ بَلْ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ
فَصْلٌ وفي نُسْخَةٍ فَرْعٌ وَيُنْفِقُ الْحَاكِمُ عليه أَيْ على الْمُفْلِسِ وَعَلَى قَرِيبِهِ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ وَزَوْجَتِهِ الْقَدِيمَةِ وَمَمْلُوكِهِ كَأُمِّ وَلَدِهِ من مَالِهِ ما لم يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ آخَرُ كَرَهْنٍ وَجِنَايَةٍ يَوْمًا بِيَوْمٍ نَفَقَةَ الْمُعْسِرِينَ وَيَكْسُوهُمْ بِالْمَعْرُوفِ لِإِطْلَاقِ خَبَرِ ابْدَأْ بِنَفْسِك ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ مع مُنَاسَبَةِ الْحَالِ لِذَلِكَ وفي نُسْخَةٍ وَكِسْوَتُهُمْ فَتُفِيدُ ما أَفَادَهُ كَلَامُ أَصْلِهِ من أَنَّهُ يَكْسُوهُمْ كِسْوَةَ الْمُعْسِرِينَ وَخَرَجَ بِالْقَدِيمَةِ الْمَزِيدَةُ على الْأَصْلِ الْمُتَجَدِّدَةُ في زَمَنِ الْحَجْرِ فَلَا يُنْفِقُ عليها وَفَارَقَتْ الْوَلَدَ الْمُتَجَدِّدَ بِأَنَّهُ لَا اخْتِيَارَ له فيه بِخِلَافِهَا قال الْإِسْنَوِيُّ فَإِنْ قِيلَ لو أَقَرَّ السَّفِيهُ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَأُنْفِقُ عليه من بَيْتِ الْمَالِ فَهَلْ يَكُونُ الْمُفْلِسُ كَذَلِكَ قُلْنَا لَا فإن إقْرَارَ السَّفِيهِ بِالْمَالِ وَبِمَا يَقْتَضِيهِ لَا يُقْبَلُ بِخِلَافِ إقْرَارِ الْمُفْلِسِ فإنه مَقْبُولٌ على الصَّحِيحِ فَغَايَتُهُ هُنَاكَ أَنْ يَكُونَ قد أَقَرَّ بِدَيْنٍ وَإِقْرَارُهُ بِهِ مَقْبُولٌ وَيَجِبُ أَدَاؤُهُ فَبِالْأَوْلَى وُجُوبُ الْإِنْفَاقِ لِأَنَّهُ وَقَعَ تَبَعًا كَثُبُوتِ النَّسَبِ تَبَعًا لِثُبُوتِ الْوِلَادَةِ بِشَهَادَةِ النِّسْوَةِ ا ه وَيُفَارِقُ إقْرَارُهُ بِالنَّسَبِ تَجْدِيدَهُ الزَّوْجَةَ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ وَاجِبٌ بِخِلَافِ التَّزْوِيجِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلْيُنْظَرْ فِيمَا لو اشْتَرَى أَمَةً في ذِمَّتِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ وَأَوْلَدَهَا وَقُلْنَا بِنُفُوذِ إيلَادِهِ هل تَكُونُ نَفَقَتُهَا كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ الْحَادِثَةِ
ا ه
وَالْأَوْجَهُ ما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ لَا لِقُدْرَةِ الزَّوْجَةِ على الْفَسْخِ بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ وما ذُكِرَ من أَنَّهُ يُنْفِقُ نَفَقَةَ الْمُعْسِرِينَ هو الْمُعْتَمَدُ الْمُوَافِقُ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وما قَالَهُ الرُّويَانِيُّ من أَنَّهُ يُنْفِقُ نَفَقَةَ الْمُوسِرِينَ وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ لو أَنْفَقَ نَفَقَةَ الْمُعْسِرِينَ لَمَا أَنْفَقَ على الْقَرِيبِ رُدَّ بِأَنَّ الْيَسَارَ الْمُعْتَبَرَ في نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ غَيْرُ الْمُعْتَبَرِ في نَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَبِأَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ بِخِلَافِ الْقَرِيبِ فَلَا يَلْزَمُ من انْتِفَاءِ الْأَوَّلِ انْتِفَاءُ الثَّانِي وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا في وَلِيِّ الصَّبِيِّ أَنَّهُ لَا يُنْفِقُ على قَرِيبِهِ إلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ فَلْيَكُنْ هُنَا مثله بَلْ أَوْلَى لِمُزَاحَمَةِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَإِنَّمَا يُنْفِقُ عليهم وَيَكْسُوهُمْ من مَالِهِ إنْ لم يَكُنْ له كَسْبٌ لَائِقٌ بِهِ وَإِلَّا فَلَا بَلْ يُنْفِقُ وَيَكْسُو من كَسْبِهِ فَإِنْ فَضَلَ منه شَيْءٌ رُدَّ إلَى الْمَالِ أو نَقَصَ كَمُلَ من الْمَالِ فَإِنْ اُمْتُنِعَ من الْكَسْبِ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمِنْهَاجِ وَالْمَطْلَبِ أَنَّهُ يُنْفِقُ عليه من مَالِهِ وَاخْتَارَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُتَوَلَّى خِلَافُهُ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَالْأَوَّلُ
____________________
(2/192)
أَنْسَبُ بِقَاعِدَةِ الْبَابِ من أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِتَحْصِيلِ ما ليس بِحَاصِلٍ وَيَسْتَمِرُّ الْإِنْفَاقُ وَالْكِسْوَةُ من مَالِهِ حتى تُقَسَّمَ لِأَنَّهُ مُوسِرٌ ما لم يَزُلْ مِلْكُهُ
وَيُبَاعُ مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ وَلَوْ احْتَاجَهُ أَيْ كُلًّا مِنْهُمَا وَمَرْكُوبُهُ وَلَوْ احْتَاجَهُ لِأَنَّ تَحْصِيلَهَا بِالْكِرَاءِ سَهْلٌ بِخِلَافِ ما يَأْتِي فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ وَيُفَارِقُ الْكَفَّارَةُ الْمُرَتَّبَةَ حَيْثُ يَعْدِلُ من لَزِمَتْهُ إلَى الصَّوْمِ وَإِنْ كان له ذلك وَلَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهَا إلَى الْإِعْتَاقِ بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لها بَدَلٌ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ وَالدَّيْنُ بِخِلَافِهِ وَبِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ على الْمُسَاهَلَةِ بِخِلَافِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَقَوْلُهُ وَلَوْ احْتَاجَهُ مُوفٍ بِقَوْلِ أَصْلِهِ وَإِنْ كان مُحْتَاجًا إلَى من يَخْدُمُهُ وَبِمَا فَسَّرْنَاهُ بِهِ يَكُونُ أَعَمَّ منه وَلَوْ قال وَلَوْ احْتَاجَهُمَا كان أَوْلَى وَأَوْلَى منه أَنْ يَقُولَ وَلَوْ احْتَاجَهَا وَيُؤَخِّرُهُ عن قَوْلِهِ وَمَرْكُوبِهِ وَيَتْرُكُ له إنْ كان الْمَتْرُوكُ في مَالِهِ أو يَشْتَرِي له إنْ لم يَكُنْ فيه دُسَتَ ثَوْبٍ لَائِقٍ بِهِ مِمَّا يَعْتَادُهُ من قَمِيصٍ وَسَرَاوِيلَ وَمِنْدِيلٍ وَمُكَعَّبٍ أَيْ مَدَاسٍ قال في أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَمَنْعَلٍ وهو كما قال جَمَاعَةٌ وَهَمٌ وَيُزَادُ جُبَّةً أو ما في مَعْنَاهَا من فَرْوَةٍ في الشِّتَاءِ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى ذلك وَلَا يُؤَخَّرُ غَالِبًا وَذَكَرَ الْمِنْدِيلَ في زِيَادَتِهِ وَيُتْرَكُ له عِمَامَةٌ وَطَيْلَسَانٌ وَخُفٌّ وَدُرَّاعَةٌ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ يَلْبَسُهَا فَوْقَ الْقَمِيصِ أو نَحْوَهُ مِمَّا يَلِيقُ بِهِ إنْ لَاقَتْ أَيْ الْمَذْكُورَاتُ بِهِ لِئَلَّا يَحْصُلَ الْإِرْدَاءُ بِمَنْصِبِهِ وَتُزَادُ الْمَرْأَةُ مِقْنَعَةً وَغَيْرَهَا مِمَّا يَلِيقُ بها قال الْإِسْنَوِيُّ وَسُكُوتُهُمْ عَمَّا يُلْبَسُ على الرَّأْسِ تَحْتَ الْعِمَامَةِ يُشْعِرُ بِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ فيه نَظَرٌ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ إيجَابُهُ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْأَذْرَعِيُّ قال وَيُقَالُ لِمَا تَحْتَهَا الْقَلَنْسُوَةُ وَكَأَنَّهُمْ اكْتَفَوْا بِذِكْرِ الْعِمَامَةِ عن ذِكْرِهِ
ثُمَّ رَأَيْت الْقَاضِيَ ذَكَرَ أَنَّهُ تُتْرَكُ له الْقَلَنْسُوَةُ وهو وَاضِحٌ وَمِثْلُهُ تِكَّةُ السَّرَاوِيلِ ا ه وَيُرَدُّ إلَى اللَّائِقِ بِهِ حَالَ إفْلَاسِهِ أَنْ تَعُودَ قَبْلَهُ الْأَشْرَفُ في اللُّبْسِ أَيْ فَوْقَ ما يَلِيقُ بِهِ لَا أَنْ تَعُودَ قَبْلَهُ التَّقْتِيرُ فَلَا يُرَدُّ إلَى اللَّائِقِ بِهِ بَلْ إلَى ما تَعَوَّدَهُ من التَّقْتِيرِ وَيُتْرَكُ لِعِيَالِهِ من الثَّوْبِ مِثْلُهُ أَيْ مِثْلُ ما تُرِكَ له وَيُبَاعُ الْبُسُطُ وَالْفُرُشُ وَيُتَسَامَحُ في حَصِيرٍ وَلِبْدٍ حَقِيرَيْنِ أَيْ قَلِيلَيْ الْقِيمَةِ وَيُتْرَكُ لهم أَيْضًا قُوتُ يَوْمِ الْقِسْمَةِ وَسُكْنَاهُ وَإِنْ كان بَاقِيهِ بَعْدَهَا لِأَنَّهُ مُوسِرٌ في أَوَّلِهِ بِخِلَافِ ما بَعْدَهُ لِعَدَمِ ضَبْطِهِ وَلِأَنَّ حُقُوقَهُمْ لم تَجِبْ فيه أَصْلًا وَأَلْحَقَ الْبَغَوِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ بِالْيَوْمِ لَيْلَتَهُ أَيْ اللَّيْلَةَ التي بَعْدَهُ ويترك ما يُجَهَّزُ بِهِ من مَاتَ منهم ذلك الْيَوْمَ أو قَبْلَهُ مُقَدَّمًا بِهِ على الْغُرَمَاءِ قال الْعَبَّادِيُّ وَيُتْرَكُ لِلْعَالِمِ كُتُبُهُ وَتَبِعَهُ ابن الْأُسْتَاذِ وقال تَفَقُّهًا يُتْرَكُ لِلْجُنْدِيِّ الْمُرْتَزِقِ خَيْلُهُ وَسِلَاحُهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْمُتَطَوِّعِ بِالْجِهَادِ فإن وَفَاءَ الدَّيْنِ أَوْلَى إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ عليه الْجِهَادُ وَلَا يَجِدُ غَيْرَهُمَا أَمَّا الْمُصْحَفُ فَيُبَاعُ قال السُّبْكِيُّ لِأَنَّهُ مَحْفُوظٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مُرَاجَعَتِهِ وَيَسْهُلُ السُّؤَالُ عن الْغَلَطِ من الْحَفَظَةِ بِخِلَافِ كُتُبِ الْعِلْمِ
فَصْلٌ لَا يُؤْمَرُ مُفْلِسٌ بِكَسْبٍ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْكَسْبُ وَلَا إيجَارُ نَفْسِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ كان ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ أَمَرَ بِإِنْظَارِهِ ولم يَأْمُرْ بِاكْتِسَابِهِ وَلِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في خَبَرِ مُعَاذٍ السَّابِقِ ليس لَكُمْ إلَّا ذلك وَقَاعِدَةُ الْبَابِ لَا يُؤْمَرُ بِتَحْصِيلِ ما ليس بِحَاصِلٍ إلَّا غَاصِبٌ وَنَحْوُهُ مِمَّنْ تَعَدَّى بِسَبَبِ الدَّيْنِ فَيُؤْمَرُ بِالْكَسْبِ وَلَوْ بِإِيجَارِ نَفْسِهِ هذا من زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عن ابْنِ الصَّلَاحِ عن أبي عبد اللَّهِ الْفَرَاوِيِّ
____________________
(2/193)
ثُمَّ قال وهو وَاضِحٌ لِأَنَّ التَّوْبَةَ من ذلك وَاجِبَةٌ وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ في حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ على الرَّدِّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَيْسَ ذلك بِبَعِيدٍ وقد أَوْجَبُوا على الْكَسُوبِ كَسْبَ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ وَجَعَلُوهُ غَنِيًّا بِذَلِكَ انْتَهَى وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ وُجُوبَ ذلك ليس لِإِيفَاءِ الدَّيْنِ بَلْ لِلْخُرُوجِ من الْمَعْصِيَةِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فيه وَلَا يُمْكِنُ من تَفْوِيتِ حَاصِلٍ لِمُنَافَاتِهِ غَرَضَ الْحَجْرِ وَفَرَّعَ على لَا يُؤْمَرُ إلَى آخِرِهِ قَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ تَرْكُ الْقِصَاصِ الْوَاجِبِ له بِجِنَايَةٍ عليه أو على غَيْرِهِ كَرَقِيقِهِ لِلْأَرْشِ أَيْ لِأَجْلِهِ لِأَنَّهُ في مَعْنَى الْكَسْبِ وَلَيْسَ له وَلَا لِوَارِثِهِ الْعَفْوُ عن الْمَالِ الْوَاجِبِ له بِجِنَايَةٍ لِمَا فيه من تَفْوِيتِ الْحَاصِلِ وَلَا الْمُسَامَحَةُ بِصِفَةٍ مَقْصُودَةٍ مَشْرُوطَةٍ في الْمُسْلِمِ فيه أو نَحْوِهِ عِنْدَ التَّقَاضِي له وَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَجِّرَ لهم أَيْ لِأَجْلِهِمْ مُسْتَوْلَدَتَهُ وَمَوْقُوفًا عليه لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْمَالِ مَآلٌ كَالْعَيْنِ بِدَلِيلِ أنها تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ بِخِلَافِ مَنْفَعَةِ الْحُرِّ فَيَصْرِفُ بَدَلَ مَنْفَعَتِهِمَا لِلدَّيْنِ وَيُؤْجَرَانِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَى الْبَرَاءَةِ قال في الْأَصْلِ وَقَضِيَّةُ هذا إدَامَةُ الْحَجْرِ إلَى الْبَرَاءَةِ وهو كَالْمُسْتَبْعَدِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ له كَالْمُسْتَوْلَدَةِ وَالْمَوْقُوفِ قال في الرَّوْضَةِ وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ يُجْبَرُ على إجَارَةِ الْوَقْفِ أَيْ بِأُجْرَةٍ مُعَجَّلَةٍ ما لم يَظْهَرْ تَفَاوُتٌ بِسَبَبِ تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ إلَى حَدٍّ لَا يَتَغَابَنُ بِهِ الناس في غَرَضِ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَالتَّخَلُّصِ من الْمُطَالَبَةِ انْتَهَى وَمِثْلُهُ الْمُسْتَوْلَدَةُ
فَصْلٌ لَا يَفُكُّ هذا الْحَجْرَ إلَّا الْحَاكِمُ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِإِثْبَاتِهِ فَلَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِرَفْعِهِ كَحَجْرِ السَّفَهِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ فَلَا يَنْفَكُّ بِنَفْسِهِ وَإِنْ قُسِّمَتْ أَمْوَالُهُ وَلَا بِاتِّفَاقِ الْغُرَمَاءِ على رَفْعِهِ كما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ رضي الْغُرَمَاءُ لِاحْتِمَالِ غَرِيمٍ آخَرَ فَاعْتُبِرَ نَظَرُ الْحَاكِمِ وما ذُكِرَ من أَنَّهُ لَا بُدَّ من فَكِّهِ له نَصَّ عليه في الْأُمِّ وَلَهُ فيها نَصٌّ آخَرُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَنْفَكُّ بِنَفْسِهِ فَلَوْ بَاعَ الْمُفْلِسُ مَالَهُ من الْغُرَمَاءِ بِدَيْنِهِمْ أو بِبَعْضِهِ أو بِعَيْنٍ أو من غَيْرِهِمْ بِإِذْنِهِمْ لم يَصِحَّ الْبَيْعُ إلَّا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ لِاحْتِمَالِ غَرِيمٍ آخَرَ
فَصْلٌ وَمَنْ وَجَدَ من الْغُرَمَاءِ عِنْدَ الْمُفْلِسِ عَيْنَ مَالِهِ قبل قَبْضِ الثَّمَنِ أو عَيْنَ ما أَقْرَضَ له فَلَهُ الْفَسْخُ لِلْعَقْدِ وَاسْتِرْدَادُ الْعَيْنِ وَلَوْ بِلَا حَاكِمٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ وَوَجَدَ الْبَائِعُ سِلْعَتَهُ بِعَيْنِهَا فَهُوَ أَحَقُّ بها من الْغُرَمَاءِ وَقِيَاسًا على خِيَارِ الْمُسْلِمِ بِانْقِطَاعِ الْمُسْلَمِ فيه وَعَلَى الْمُكْتَرِي بِانْهِدَامِ الدَّارِ بِجَامِعِ تَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ وَلَوْ قَبَضَ بَعْضَ الثَّمَنِ فُسِخَ فِيمَا يُقَابِلُ بَعْضَهُ الْآخَرَ وقد يَجِبُ الْفَسْخُ بِأَنْ يَقَعَ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ التَّصَرُّفُ بِالْغِبْطَةِ كَأَنْ يَكُونَ مُكَاتَبًا أو وَلِيًّا وَالْغِبْطَةُ في الْفَسْخِ وَسَيَأْتِي ضَابِطُ ما يُفْسَخُ فيه وَذَكَرُوا مَسْأَلَةَ الْقَرْضِ هُنَا مع ذِكْرِهِمْ لها في بَابِهِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ في الْعَيْنِ إذَا لم يَتَعَلَّقْ بها حَقُّ غَيْرِهِ من الْغُرَمَاءِ وهو أَيْ الْفَسْخُ على الْفَوْرِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِجَامِعِ دَفْعِ الضَّرَرِ فَإِنْ أَخَّرَهُ جَاهِلًا جَوَازَهُ أَيْ الْفَسْخِ فَوَجْهَانِ هذا لم يُصَرِّحْ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِالْوَجْهَيْنِ في جَهْلِ بُطْلَانِ الصُّلْحِ فِيمَا يَأْتِي وَأَوْجَهُهُمَا أَخْذًا من كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ هذا مِمَّا يَخْفَى غَالِبًا بِخِلَافِ ذَاكَ أَمَّا إذَا كان عَالِمًا بِجَوَازِهِ فَيَبْطُلُ حَقُّهُ لِتَقْصِيرِهِ فَإِنْ صُولِحَ عنه أَيْ الْفَسْخِ بِمَالٍ لم يَصِحَّ الصُّلْحُ وَبَطَلَ حَقُّهُ من الْفَسْخِ في حَقِّ الْعَالِمِ بِبُطْلَانِ الصُّلْحِ لَا في حَقِّ الْجَاهِلِ بِهِ كما في الصُّلْحِ عن الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وقد مَرَّ وَلَوْ حَكَمَ بِمَنْعِ الْفَسْخِ حَاكِمٌ لم يُنْقَضْ حُكْمُهُ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ اجْتِهَادِيَّةٌ وَاسْتُشْكِلَ بِمَا مَرَّ من أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ في الْفَسْخِ إلَى حَاكِمٍ لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا عَارَضَ النَّصَّ أو الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ يُنْقَضُ وقد يُجَابُ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِمَا ذُكِرَ لم يُخَالِفْ النَّصَّ الْمَذْكُورَ إذْ مُفَادُ النَّصِّ أَنَّ الْبَائِعَ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ من غَيْرِهِ وَلَيْسَ
____________________
(2/194)
هو نَصًّا في الْفَسْخِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَحَقُّ بِعَيْنِ مَتَاعِهِ وَأَنَّهُ أَحَقُّ بِثَمَنِهِ وَإِنْ كان الْأَوَّلُ أَظْهَرَ وَالْفَسْخُ أَنْ يَقُولَ فَسَخْت الْبَيْعَ أو نَقَضْته أو رَفَعْته أو نَحْوَهَا وَلَوْ قال رَدَدْت الثَّمَنَ أو فَسَخْت الْبَيْعَ فيه كَفَى في الْفَسْخِ وَإِنْ أَعْتَقَهُ أَيْ مَالَهُ الذي وَجَدَهُ أو بَاعَهُ مَثَلًا لم يَكُنْ فَسْخًا كما لَا يَكُونُ فَسْخًا في الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ وَتَلْغُو هذه التَّصَرُّفَاتُ لِمُصَادَفَتِهَا مِلْكَ الْغَيْرِ
فَرْعٌ لو قال الْغُرَمَاءُ أو الْوَارِثُ أَيْ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ أو وَارِثُهُ لِمَنْ وُجِدَ مَالُهُ عِنْدَهُ نَحْنُ نُقَدِّمُك بِالثَّمَنِ وَلَا تَفْسَخْ لم تَلْزَمْهُ إجَابَتُهُ لِلْمِنَّةِ وَخَوْفِ ظُهُورِ مُزَاحِمٍ فَإِنْ قُلْت ما الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ما لو سَاوَى الدَّيْنُ مَالَهُ وَقُلْنَا يُحْجَرْ بِهِ حَيْثُ يُمْنَعُ الْوَاجِدُ لِمَالِهِ من الْفَسْخِ على الْأَشْبَهِ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ مع وُجُودِ خَوْفِ الْمُزَاحَمَةِ قُلْت في تِلْكَ إذَا ظَهَرَ مُزَاحِمُهُ وَزَاحَمَهُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَفُوتُ عليه بَلْ يَرْجِعُ فِيمَا يُقَابِلُ ما زُوحِمَ بِهِ وَإِنَّمَا مُنِعَ من الرُّجُوعِ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ قد وُجِدَ في الْمَالِ ما يُوَفِّي حَقَّهُ وَكَذَا لَا تَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ إنْ تَبَرَّعَ بِهِ أَحَدُ الْغُرَمَاءِ أو كلهم أو أَجْنَبِيٌّ لِلْمِنَّةِ وَلِمَا في ذلك من إسْقَاطِ حَقِّهِ فَكَانَ كَالزَّوْجَةِ إذَا تَمَكَّنَتْ من فَسْخِ النِّكَاحِ لِإِعْسَارِ الزَّوْجِ بِالنَّفَقَةِ فَتَبَرُّعُ أَجْنَبِيٍّ عنه بها لَا يَلْزَمُهَا الْقَبُولُ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ هذا في الْحَيِّ أَمَّا لو تَبَرَّعَ مُتَبَرِّعٌ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ فَلِلْقَاضِي فيه جَوَابَانِ وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عليه أَنَّهُ يَلْزَمُ رَبَّ الدَّيْنِ الْقَبُولُ أو الْإِبْرَاءُ لِأَنَّهُ في الْمَوْتِ آيِسٌ من الْقَضَاءِ بِخِلَافِهِ في الْحَيَاةِ لَا يُلَاقِي ما نَحْنُ فيه من أَنَّ رَبَّ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ فَإِنْ أَجَابَ الْمُتَبَرِّعِينَ بِالثَّمَنِ وَقَدَّمُوهُ بِهِ ثُمَّ ظَهَرَ غَرِيمٌ آخَرُ لم يُزَاحِمْهُ فِيمَا أَخَذَهُ لِأَنَّهُ في وَجْهٍ لَا يَدْخُلُ في مِلْكِ الْمُفْلِسِ وفي وَجْهٍ يَدْخُلُ فيه لَكِنْ ضِمْنًا وَحُقُوقُ الْغُرَمَاءِ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِمَا دخل في مِلْكِهِ أَصَالَةً أَمَّا لو أَجَابَ غَيْرُ الْمُتَبَرِّعِينَ فَلِلَّذِي ظَهَرَ أَنْ يُزَاحِمَهُ ثُمَّ إنْ كانت الْعَيْنُ بَاقِيَةً فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا يُقَابِلُ ما زُوحِمَ بِهِ لِأَنَّهُ لم يَرْضَ بِتَرْكِ حَقِّهِ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ له كُلَّ الثَّمَنِ ولم يُسَلِّمْ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ حَيْثُ أَخَّرَ حَقَّ الرُّجُوعِ مع احْتِمَالِ ظُهُورِ غَرِيمٍ يُزَاحِمُهُ نَبَّهَ على ذلك في الْمَطْلَبِ وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي أَوْجَهُ وفي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَيْهِ لَكِنَّ الْمُوَافِقَ لِكَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ الْآتِي الْأَوَّلُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ من زِيَادَتِهِ وَقَدَّمُوهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ رُبَّمَا يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ فَلَوْ قال له وَارِثُ الْمُشْتَرِي أنا أُعْطِيك الثَّمَنَ من مَالِي وَلَا تَفْسَخْ لَزِمَ ه الْقَبُولُ لِأَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ الْمُورِثِ فَلَهُ تَخْلِيصُ الْمَبِيعِ وَلِأَنَّهُ يَبْغِي بِذَلِكَ بَقَاءَ مِلْكِهِ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ
فَرْعٌ تَضَمَّنَ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهُ لو قَدَّمَ الْغُرَمَاءُ الْمُرْتَهِنَ بِدَيْنِهِ سَقَطَ حَقُّهُ من الْمَرْهُونِ بِخِلَافِ الْبَائِعِ وَيُفَرِّقُ بِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ آكَدُ لِأَنَّهُ في الْعَيْنِ وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ في بَدَلِهَا وَلَوْ امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي من تَسْلِيمِ الثَّمَنِ أو غَابَ أو مَاتَ وهو مَلِيءٌ في الثَّلَاثِ وَامْتَنَعَ الْوَارِثُ من التَّسْلِيمِ في الْأَخِيرَةِ لم يَرْجِعْ أَيْ الْبَائِعُ في عَيْنِ الْمَبِيعِ لِعَدَمِ عَيْبِ الْإِفْلَاسِ الذي هو مَنَاطُ جِوَارِ الرُّجُوعِ وَلِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ بِالسُّلْطَانِ فَإِنْ فُرِضَ عَجْزٌ فَنَادِرٌ لَا عِبْرَةَ بِهِ بِخِلَافِ ما إذَا كان غير مَلِيءٍ فَيَرْجِعُ فيها وَلَا يَرْجِعُ فيها إنْ انْقَطَعَ جِنْسُ الثَّمَنِ لِأَنَّ له الِاعْتِيَاضَ عنه وَاسْتَشْكَلَهُ في الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّ الْمَعْقُودَ عليه إذَا فَاتَ جَازَ الْفَسْخُ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ منه وقد جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ في فَوَاتِ الْمَبِيعِ وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ إتْلَافَ الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ كَإِتْلَافِ الْمَبِيعِ حتى يَقْتَضِيَ التَّخْيِيرَ وإذا جَازَ الْفَسْخُ لِفَوَاتِ عَيْنِهِ مع إمْكَانِ الرُّجُوعِ إلَى جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ فَالْفَوَاتُ الْجِنْسُ أَوْلَى وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمِلْكَ هُنَا قَوِيٌّ إذْ الْعِوَضُ في الذِّمَّةِ فَبَعْدَ الْفَسْخِ وَهُنَاكَ الْمِلْكُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عليه مُعَيَّنٌ وَأَنَّهُ فَاتَ بِإِتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ قبل الْقَبْضِ فَسَاغَ الْفَسْخُ بَلْ فيها قَوْلٌ أَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ كَالتَّلَفِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ
فَرْعٌ لو كان بِثَمَنِ الْمَبِيعِ ضَمِينٌ مَلِيءٌ لم يَرْجِعْ أَيْ الْبَائِعُ على الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ وَلَوْ كان الضَّمَانُ بِلَا إذْنٍ لِإِمْكَانِ الْوُصُولِ إلَى الثَّمَنِ من الضَّامِنِ فلم يَحْصُلْ التَّعَذُّرُ بِالْإِفْلَاسِ وَلِأَنَّ الْحَقَّ قد ثَبَتَ في ذِمَّتِهِ وَتَوَجَّهَتْ عليه الْمُطَالَبَةُ فَالْوُصُولُ إلَيْهِ منه كَهُوَ من الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الْمُتَبَرِّعِ بِهِ وَاقْتَصَرَ في الرَّوْضَةِ على ما لو ضَمِنَ بِلَا إذْنٍ وَذَكَرَ فيه وَجْهَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ فَالتَّرْجِيحُ فيه وَذَكَرَ حُكْمَ الضَّمَانِ بِالْإِذْنِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا التَّقْيِيدُ بِمَلِيءٍ وقد قَيَّدَ بِهِ وَبِمُقِرٍّ الْأَذْرَعِيُّ ثُمَّ قال فَلَوْ كان مُعْسِرًا أو جَاحِدًا وَلَا بَيِّنَةَ فَيَرْجِعُ لِتَعَذُّرِ الثَّمَنِ بِالْإِفْلَاسِ وَالتَّرْجِيحُ الْمَذْكُورُ هو
____________________
(2/195)
قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَنْوَارِ لَكِنْ قال الزَّرْكَشِيُّ الظَّاهِرُ تَرَجُّحُ الرُّجُوعِ كما في الْمُتَبَرِّعِ وَيَشْهَدُ له قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ في بَابِ الضَّمَانِ لو أَفْلَسَ الضَّامِنُ وَالْأَصِيلُ وَأَرَادَ الْحَاكِمُ بَيْعَ مَالِهِمَا في دَيْنِهِمَا فقال الضَّامِنُ ابْدَأْ بِمَالِ الْأَصِيلِ وقال رَبُّ الدَّيْنِ أَبِيعُ مَالَ أَيِّكُمَا شِئْت بِدَيْنِي فقال الشَّافِعِيُّ إنْ كان الضَّمَانُ بِالْإِذْنِ فَالْمُجَابُ الضَّامِنُ وَإِلَّا فَرَبُّ الدَّيْنِ انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَدْرَكَ هُنَا تَعَذُّرُ أَخْذِ الثَّمَنِ ولم يَتَعَذَّرْ وَثَمَّ شَغْلُ ذِمَّةِ كُلٍّ من الضَّامِنِ وَالْأَصِيلِ مع عَدَمِ الْإِذْنِ في الضَّمَانِ وَكَذَا لَا يَرْجِعُ لو كان بِهِ رَهْنٌ يَفِي بِهِ وَلَوْ مُسْتَعَارًا لِمَا مَرَّ فَإِنْ لم يَفِ بِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا يُقَابِلُ ما بَقِيَ له وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ الرَّهْنِ غَيْرِ الْمُعَارِ من زِيَادَتِهِ وَكَذَا التَّرْجِيحُ في مَسْأَلَةِ الْمُعَارِ مع قَوْلِهِ يَفِي بِهِ وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ
فَصْلٌ له الْفَسْخُ في كل مُعَاوَضَةٍ مَحْضَةٍ لِمَا مَرَّ فَخَرَجَ بِالْمُعَاوَضَةِ الْهِبَةُ وَنَحْوُهَا وَبِالْمَحْضَةِ غَيْرُهَا كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عن الدَّمِ فَلَا فَسْخَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ في مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عليه لِانْتِفَاءِ الْعِوَضِ في الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا وَلِتَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ في الْبَقِيَّةِ نعم لِلزَّوْجَةِ بِإِعْسَارِ زَوْجِهَا بِالْمَهْرِ أو النَّفَقَةِ فَسْخُ النِّكَاحِ كما سَيَأْتِي في بَابِهِ لَكِنْ لَا يَخْتَصُّ ذلك بِالْحَجْرِ فَيَفْسَخُ الْمُسْلِمُ عَقْدَ السَّلَمِ إنْ وَجَدَ رَأْسَ مَالِهِ كما في الْبَيْعِ فَلَوْ فَاتَ بِتَلَفٍ أو نَحْوِهِ لم يَفْسَخْ كما لو فَاتَ الْمَبِيعُ في الْبَيْعِ بَلْ يُضَارِبُ الْغُرَمَاءَ بِقِيمَةِ الْمُسْلَمِ فيه ثُمَّ يَشْتَرِي له منه بِمَا يَخُصُّهُ لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عنه نعم إنْ وَجَدَ في الْمَالِ صَرَفَ إلَيْهِ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ هذا إذَا لم يَنْقَطِعْ الْمُسْلَمُ فيه فَلَوْ انْقَطَعَ الْمُسْلَمُ فيه فَلَهُ الْفَسْخُ لِثُبُوتِهِ حِينَئِذٍ في حَقِّ غَيْرِ الْمُفْلِسِ فَفِي حَقِّهِ أَوْلَى وَكَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وله بَعْدَ الْفَسْخِ الْمُضَارَبَةُ بِرَأْسِ الْمَالِ كَسَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَكَيْفِيَّةُ الْمُضَارَبَةِ إذَا لم يَنْقَطِعْ الْمُسْلَمُ فيه ما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ
فَلَوْ قَوَّمْنَا الْمُسْلَمَ فيه فَكَانَتْ قِيمَتُهُ عِشْرِينَ وَالدُّيُونُ ضِعْفُ الْمَالِ فَأَفْرَزْنَا له أَيْ لِلْمُسْلِمِ من الْمَالِ عَشَرَةً وَرُخِّصَ السِّعْرُ قبل الشِّرَاءِ اشْتَرَى له بها جَمِيعَ حَقِّهِ إنْ وَفَتْ بِهِ وَإِلَّا قَبَضَهُ وَالْفَاضِلُ إنْ كان لِلْغُرَمَاءِ وَإِنَّمَا اشْتَرَى له الْجَمِيعَ اعْتِبَارًا بِيَوْمِ الْقِسْمَةِ لِأَنَّ الْمُفْرَزَ له صَارَ كَالْمَرْهُونِ بِحَقِّهِ وَانْقَطَعَ بِهِ حَقُّهُ من حِصَصِ غَيْرِهِ حتى لو تَلِفَ قبل التَّسْلِيمِ إلَيْهِ لم يَتَعَلَّقْ بِشَيْءٍ مِمَّا عِنْدَ الْغُرَمَاءِ وَبَقِيَ حَقُّهُ في ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ وَلَوْ ارْتَفَعَ السِّعْرُ قبل الشِّرَاءِ فلم يُوجَدْ الْمُسْلَمُ فيه إلَّا بِأَرْبَعِينَ مَثَلًا لم يَزِدْ على ما أُفْرِزَ له فَلَا يُزَاحِمُهُمْ اعْتِبَارًا بِمَا مَرَّ وَإِنْ حَدَثَ لِلْمُفْلِسِ مَالٌ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَزَوَالِ الْحَجْرِ عنه ثُمَّ أُعِيدَ الْحَجْرُ عليه وقد أُعْطِيَ الْمُسْلِمُ قبل زَوَالِ الْحَجْرِ قَدْرًا من الْمُسْلَمِ فيه وَاحْتِيجَ إلَى الْمُضَارَبَةِ ثَانِيًا قَوَّمْنَاهُ أَيْ الْمُسْلَمَ فيه لِيُعْرَفَ قَدْرُ ما يَخُصُّ الْمُسْلِمَ مِمَّا بَقِيَ له منه بِقِيمَةِ وَقْتِ الْحَجْرِ الثَّانِي وَأَخْذِ حِصَّتِهِ من الْمَالِ بِحَسَبِ تِلْكَ الْقِيمَةِ وَإِنْ كان الْمُسْلَمُ فيه عَبْدًا أو ثَوْبًا أو غَيْرَهُ من سَائِرِ الْمُتَقَوِّمَاتِ اشْتَرَى له الْحَاكِمُ أو مَأْذُونُهُ بِحِصَّتِهِ شِقْصًا منه لِلضَّرُورَةِ وَهَذَا دَاخِلٌ فِيمَا مَرَّ وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِي له بَعْضَ الْمُتَقَوِّمِ لِلتَّشْقِيصِ وَلِيُرَتِّبَ عليه قَوْلَهُ فَإِنْ لم يُوجَدْ شِقْصٌ فَلَهُ الْفَسْخُ فَلَوْ تَلِفَ بَعْضُ رَأْسِ الْمَالِ وكان مِمَّا يُفْرَدُ بِالْعَقْدِ كما يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي في الْبَابِ وَبَقِيَ بَعْضُهُ الْآخَرُ رَجَعَ في الْبَاقِي منه وَضَارَبَ بِبَاقِي الْمُسْلَمِ فيه
فَصْلٌ وفي نُسْخَةٍ فَرْعٌ إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً أو أَرْضًا وَأَفْلَسَ قبل تَسْلِيمِ الْأُجْرَةِ الْحَالَّةِ وَمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَلِلْمُؤَجِّرِ الْفَسْخُ تَنْزِيلًا لِلْمَنَافِعِ مَنْزِلَةَ الْأَعْيَانِ في الْبَيْعِ فَإِنْ أَجَازَ الْعَقْدَ أو فُسِخَ في أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ ضَارَبَ الْغُرَمَاءَ بِكُلِّ الْأُجْرَةِ إنْ أَجَازَ أو الْبَعْضَ إنْ فَسَخَ وَيُؤَجِّرُ الْحَاكِمُ على الْمُفْلِسِ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ إنْ كانت فَارِغَةً لِلْغُرَمَاءِ أَيْ لِأَجْلِهِمْ أَمَّا لو كان الْحَالُّ بَعْضَ الْأُجْرَةِ كما في الْإِجَارَةِ الْمُسْتَحَقِّ فيها أُجْرَةٌ كُلَّ شَهْرٍ عِنْدَ مُضِيِّهِ فَلَا فَسْخَ فيها لِأَنَّ شَرْطَهُ كَوْنُ الْعِوَضِ حَالًّا وَالْمُعَوَّضِ بَاقِيًا فَلَا يَأْتِي الْفَسْخُ قبل مُضِيِّ الشَّهْرِ لِعَدَمِ الْحُلُولِ وَلَا بَعْدَهُ لِفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ فَهُوَ كَتَلَفِ الْمَبِيعِ نَبَّهَ عليه ابن الصَّلَاحِ في فَتَاوِيهِ
____________________
(2/196)
نعم لو آجَرَ شيئا بِأُجْرَةٍ بَعْضُهَا حَالٌّ وَبَعْضُهَا مُؤَجَّلٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَفْسَخُ في الْحَالِّ بِالْقِسْطِ وَإِنْ فَسَخَ مُؤَجِّرُ الدَّابَّةِ في أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ أو مُؤَجِّرُ الْأَرْضِ وَهِيَ مَزْرُوعَةٌ فَعَلَيْهِ في الْأُولَى حَمْلُ الْمَتَاعِ من غَيْرِ مَأْمَنٍ إلَى الْمَأْمَنِ لِئَلَّا يَضِيعَ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ يُقَدِّمُ بها على الْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ لِصِيَانَةِ الْمَالِ وَإِيصَالِهِ إلَى الْغُرَمَاءِ فَأَشْبَهَ أُجْرَةَ الْكَيَّالِ
وَيَضَعُهُ وُجُوبًا في الْمَأْمَنِ عِنْدَ الْحَاكِمِ إنْ لم يَجِدْ الْمَالِكَ أو وَكِيلَهُ لِيَحْفَظَ له فَإِنْ وَضَعَهُ عِنْدَ عَدْلٍ بِلَا إذْنِ الْحَاكِمِ فَوَجْهَانِ كَنَظَائِرِهِ في الْوَدِيعَةِ وَغَيْرِهَا فَالْأَصَحُّ الضَّمَانُ وَعَلَيْهِ في الثَّانِيَةِ تَبْقِيَةُ الزَّرْعِ إلَى وَقْتِ الْحَصَادِ إنْ لم يُسْتَحْصَدْ وَلِلْمُؤَجِّرِ أَقَامَ فيه الظَّاهِرَ مَقَامَ الْمُضْمَرِ أَيْ وَلَهُ على الْمُسْتَأْجِرِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ على الْمُدَّةِ الْبَاقِيَةِ يُقَدَّمُ بها على الْغُرَمَاءِ لِمَا مَرَّ هذا إنْ أَرَادَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ إبْقَاءَهُ وَإِلَّا فَإِنْ أَرَادُوا قَطْعَهُ فَذَاكَ وَإِنْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ الْقَطْعَ وَبَعْضُهُمْ الْإِبْقَاءَ وَلِلْمَقْطُوعِ قِيمَةٌ أُجِيبَ مُرِيدُ الْقَطْعِ إذْ لَا يَلْزَمُهُ تَأْخِيرُ حَقِّهِ بِرِضَا غَيْرِهِ وَلِأَنَّ الْمُفْلِسَ ليس عليه تَنْمِيَةُ مَالِهِ لهم وَلَا عليهم الصَّبْرُ إلَى النَّمَاءِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ لِلْمَقْطُوعِ قِيمَةٌ فَلَا يُجَابُ مُرِيدُ الْقَطْعِ بَلْ مُرِيدُ الْإِبْقَاءِ إذْ لَا فَائِدَةَ لِمُرِيدِ الْقَطْعِ فيه أَمَّا إذَا اُسْتُحْصِدَ الزَّرْعُ فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْحَصَادِ وَتَفْرِيغِ الْأَرْضِ فَإِنْ كان الْمُؤَجِّرُ لم يَأْخُذْ الْأُجْرَةَ الْمَاضِيَةَ فِيمَا إذَا كان لِلْمَقْطُوعِ قِيمَةٌ فَهُوَ غَرِيمٌ فَلَهُ طَلَبُ الْقَطْعِ وَحَيْثُ وَجَبَ بَقَاءُ الزَّرْعِ قال في الْأَصْلِ فَالسَّقْيُ وَسَائِرُ الْمُؤَنِ إنْ تَطَوَّعَ بها الْغُرَمَاءُ أو بَعْضُهُمْ أو اتَّفَقُوا عليها بِقَدْرِ دُيُونِهِمْ فَذَاكَ وَإِنْ اتَّفَقَ بَعْضُهُمْ لِيَرْجِعَ اُعْتُبِرَ إذْنُ الْحَاكِمِ أو اتِّفَاقُ الْغُرَمَاءِ وَالْمُفْلِسِ كما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلَيْسَ لِبَعْضِهِمْ أَنْ يُنْفِقَ على الزَّرْعِ لِيَرْجِعَ إلَّا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ أو بِاتِّفَاقِ الْغُرَمَاءِ وَالْمُفْلِسِ وَحِينَئِذٍ يُقَدَّمُ الْمُنْفِقُ بِهِ أَيْ بِمَا أَنْفَقَهُ على بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ لِإِصْلَاحِ الزَّرْعِ
فَلَوْ أَنْفَقُوا عليه بِقَدْرِ دُيُونِهِمْ لِيَرْجِعُوا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ ثُمَّ ظَهَرَ غَرِيمٌ قَدَّمُوا عليه بِمَا أَنْفَقُوا وَقَوْلِي بِإِذْنِ الْحَاكِمِ قُلْته تَفَقُّهًا فَلَا يَكْفِي إذْنُ الْمُفْلِسِ لِقُصُورِ رَأْيِهِ عن رَأْيِ الْحَاكِمِ فَلَوْ أَنْفَقُوا عليه من مَالِ الْمُفْلِسِ بِإِذْنِهِ أو بِإِذْنِ الْحَاكِمِ جَازَ لِحُصُولِ الْفَائِدَةِ له وَلَهُمْ وَإِنْ أَنْفَقَ أَحَدُهُمْ بِإِذْنِ الْمُفْلِسِ فَقَطْ لِيَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقَهُ جَازَ ولزم ذِمَّتَهُ أَيْ الْمُفْلِسِ وَلَا يُضَارِبُ بِهِ الْغُرَمَاءَ لِحُدُوثِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ أو أَنْفَقَ بِإِذْنِ بَاقِي الْغُرَمَاءِ فَقَطْ لِيَرْجِعَ عليهم رَجَعَ عليهم في مَالِهِمْ قال السُّبْكِيُّ وَلِلشَّافِعِيِّ نَصٌّ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْغُرَمَاءَ مَتَى طَلَبُوا إبْقَاءَ الزَّرْعِ وَتَطَوَّعُوا بِالسَّقْيِ أُجِيبُوا لَكِنَّهُ مُؤَوَّلٌ بِمَا إذَا وَافَقَهُمْ الْمُفْلِسُ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ ضَرَرٌ في إدَامَةِ الْحَجْرِ عليه انْتَهَى وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ النَّصَّ فِيمَا إذَا كان لِلْمَقْطُوعِ قِيمَةٌ إذْ لو لم يَكُنْ له قِيمَةٌ وَطَلَبُوا الْإِبْقَاءَ أُجِيبُوا وَإِنْ لم يُوَافِقْهُمْ الْمُفْلِسُ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فَالنَّصُّ إنْ لم يَكُنْ ظَاهِرًا في هذه الْحَالَةِ حُمِلَ عليها فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ
فَصْلٌ يُشْتَرَطُ قَبْضُ عِوَضِ إجَارَةِ الذِّمَّةِ في الْمَجْلِسِ لِأَنَّهَا سَلَمٌ في الْمَنَافِعِ وَبَعْدَ قَبْضِهِ لَا أَثَرَ لِلْفَلَسِ لِقَبْضِ الْمُؤَجِّرِ حَقَّهُ فَلَوْ فُرِضَ الْفَلَسُ في الْمَجْلِسِ وَتَفَرَّقَا وَقَبَضَ الْمُؤَجِّرُ قبل التَّفَرُّقِ بَعْضَ الْعِوَضِ صَحَّ الْعَقْدُ فِيمَا قُبِضَ بِقِسْطِهِ وَبَطَلَ في الْبَاقِي تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ وَإِنْ لم يَقْبِضْ منه شيئا بَطَلَ في الْجَمِيعِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فيه وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ فَلَوْ فُرِضَ الْفَلَسُ في الْمَجْلِسِ فَإِنْ أَثْبَتْنَا خِيَارَ الْمَجْلِسِ فيها اسْتَغْنَى عن هذا الْخِيَارِ وَإِلَّا فَهِيَ كَإِجَارَةِ الْعَيْنِ أَيْ فَلِلْمُؤَجِّرِ الْفَسْخُ
فَصْلٌ وإذا أَفْلَسَ مُؤَجِّرُ الْعَيْنِ فَلَا فَسْخَ لِمُسْتَأْجَرِهَا وَيُقَدَّمُ الْمُسْتَأْجِرُ بِمَنْفَعَتِهَا كما يُقَدَّمُ الْمُرْتَهِنُ بِحَقِّهِ وَتُبَاعُ الْعَيْنُ لِلْغُرَمَاءِ مُؤَجَّرَةً بِطَلَبِهِمْ أو طَلَبِ الْمُفْلِسِ بِنَاءً على جَوَازِ بَيْعِ الْمُؤَجِّرِ وَلَا يُبَالِي بِمَا يَنْقُصُ من ثَمَنِهَا بِسَبَبِ الْإِجَارَةِ إذْ ليس عليهم الصَّبْرُ لِتَنْمِيَةِ الْمَالِ فَإِنْ الْتَزَمَ في ذِمَّتِهِ عَمَلًا كَنَقْلِ مَتَاعٍ إلَى بَلَدٍ ثُمَّ أَفْلَسَ وَالْأُجْرَةُ في يَدِهِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الرُّجُوعُ فيها بِفَسْخِ الْإِجَارَةِ فَإِنْ تَلِفَتْ لم يُفْسَخْ وَضَارَبَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ كَنَظِيرِهِ في السَّلَمِ وَلَا تُسَلِّمُ إلَيْهِ حِصَّتَهُ منها بِالْمُضَارَبَةِ لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عن الْمُسْلَمِ فيه بِنَاءً على أَنَّ إجَارَةِ الذِّمَّةِ سَلَمٌ كما عُلِمَ ذلك من قَوْلِهِ وَحَصَلَ له بَعْضُ الْمَنْفَعَةِ الْمُلْتَزَمَةِ إنْ كانت تَتَبَعَّضُ بِلَا ضَرَرٍ كَحَمْلِ مِائَةِ رِطْلٍ وَإِلَّا بِأَنْ كانت لَا تَتَبَعَّضُ أو تَتَبَعَّضُ بِضَرَرٍ كَقِصَارَةِ ثَوْبٍ وَرِيَاضَةِ دَابَّةٍ وَرُكُوبٍ إلَى بَلَدٍ وَلَوْ نُقِلَ إلَى نِصْفِ الطَّرِيقِ لَبَقِيَ ضَائِعًا فَسَخَ وَضَارَبَ بِالْأُجْرَةِ الْمَبْذُولَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ بِلَا ضَرَرٍ
____________________
(2/197)
من زِيَادَتِهِ فَلَوْ سَلَّمَ له الْمُلْتَزِمُ عَيْنًا لِيَسْتَوْفِيَ منها الْمَنْفَعَةَ الْمُلْتَزَمَةَ فَلَهُ فيها حُكْمُ الْمُعَيَّنَةِ في الْعَقْدِ فَلَا فَسْخَ له وَيُقَدَّمُ بِمَنْفَعَتِهَا قال السُّبْكِيُّ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ يُخَالِفُهُ حَيْثُ قال لو تَكَارَوْا منه حُمُولَةً مَضْمُونَةً يَعْنِي في الذِّمَّةِ وَدَفَعَ إبِلًا بِأَعْيَانِهَا كان له نَزْعُهَا وَإِبْدَالُهَا وَإِنْ أَفْلَسَ وَثَمَّ غُرَمَاءُ غَيْرُهُمْ ضَرَبُوا مَعَهُمْ وَحَاصُّوهُمْ وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ له وَجْهٌ لَكِنْ الذي نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ أَدَقُّ وَأَقْرَبُ إلَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ
فَصْلٌ لو بَاعَ عَيْنًا وَاسْتَوْفَى ثَمَنَهَا وَامْتَنَعَ من تَسْلِيمِهَا أو هَرَبَ فَهَلْ لِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ كما لو أَبَقَ الْمَبِيعُ أو لَا لِأَنَّهُ لَا نَقْصَ في نَفْسِ الْمَبِيعِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا كما قال الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ لَا لِعَدَمِ عَيْبِ الْإِفْلَاسِ كما لو هَرَبَ الْمُشْتَرِي وَإِنْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ الْمُسْتَأْجَرَةُ بَعْدَ إفْلَاسِ الْمُؤَجِّرِ وَالْحَجْرِ عليه وَقَبْضِهِ الْأُجْرَةَ وَلَوْ كان انْهِدَامُهَا بَعْدَ قِسْمَةِ مَالِهِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ وَضَارَبَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالْأُجْرَةِ إنْ لم يَمْضِ بَعْضُ الْمُدَّةِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ مَضَى بَعْضُهَا فَبِمَا بَقِيَ ضَارَبَ وَذِكْرُ الشِّقِّ الْأَوَّلِ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً بِعَبْدٍ وَتَقَابَضَا فَأَفْلَسَ مُشْتَرِي الْجَارِيَةِ وَحُجِرَ عليه وَهَلَكَتْ في يَدِهِ أو وَهَبَهَا وَلَوْ لِبَائِعِهَا فَرَدَّ بَائِعُهَا الْعَبْدَ بِعَيْبٍ ضَارَبَ بِقِيمَتِهَا كَسَائِرِ الْغُرَمَاءِ ولم يُقَدِّمْ عليهم بها وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ أو وَهَبَهَا من زِيَادَتِهِ
فَصْلٌ شَرْطُ الرُّجُوعِ في الْعِوَضِ بَقَاؤُهُ في مِلْكِ الْمُفْلِسِ خَالِيًا عن تَعَلُّقِ حَقٍّ لَازِمٍ وَقْتَ الرُّجُوعِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ مع ما هو مَعْلُومٌ من تَقْدِيمِ الْحَقِّ الْمُتَعَلِّقِ بِالْعَيْنِ فَلَوْ تَلِفَ أو أَتْلَفَ أو بِيعَ أو أُعْتِقَ أو رُهِنَ أو وُهِبَ وَقُبِضَ فِيهِمَا أو وُقِفَ أو جُنَّ أو كُوتِبَ أو أُولِدَ فَلَا رُجُوعَ فَلَيْسَ له فَسْخُ هذه التَّصَرُّفَاتِ بِخِلَافِ الشَّفِيعِ لِسَبْقِ حَقِّهِ عليها نعم لو أَقْرَضَهُ الْمُشْتَرِي لِغَيْرِهِ وَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ ثُمَّ حُجِرَ عليه أو بَاعَهُ وَحُجِرَ عليه في زَمَنِ الْخِيَارِ فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فيه كَالْمُشْتَرِي ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قال الْبُلْقِينِيُّ وَيَتَخَرَّجُ عليه ما لو وَهَبَ الْمُشْتَرِي الْمَتَاعَ لِوَلَدِهِ وَأَقْبَضَهُ له ثُمَّ أَفْلَسَ فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فيه كَالْوَاهِبِ له قال وَيَلْزَمُ على ما قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لو بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لِآخَرَ ثُمَّ أَفْلَسَا وَحُجِرَ عَلَيْهِمَا كان لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ الرُّجُوعُ وَلَا بُعْدَ في الْتِزَامِهِ انْتَهَى وَكَذَا لَا رُجُوعَ لو كان الْعِوَضُ صَيْدًا فَأَحْرَمَ الْبَائِعُ لِأَنَّهُ ليس أَهْلًا لِتَمَلُّكِهِ حِينَئِذٍ قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَوْ كان كَافِرًا فَأَسْلَمَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ كَافِرٌ رَجَعَ على الْأَصَحِّ وَبِهِ جَزَمَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ كما في الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِمَا في الْمَنْعِ منه من الضَّرَرِ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ وَإِنْ دَبَّرَهُ أو زَوَّجَ ه الْمُشْتَرِيَ أو عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ رَجَعَ فيه الْبَائِعُ لِأَنَّ ذلك لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ وَكَذَا يَرْجِعُ فيه لو أَجَّرَ ه الْمُشْتَرِي إنْ رضي بِهِ الْبَائِعُ بِلَا مَنْفَعَةٍ بِنَاءً على جَوَازِ بَيْعِ الْمُؤَجِّرِ وَلَا يَرْجِعُ على الْمُشْتَرِي بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِمَا بَقِيَ من الْمُدَّةِ كما يُفْهِمُهُ كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِخِلَافِهِ في التَّحَالُفِ بَعْدَ الْإِيجَارِ يَرْجِعُ عليه بها لِمَا قَدَّمْته مع نَظَائِرِ الْمَسْأَلَةِ في بَابِ خِيَارِ النَّقْصِ فَرَاجِعْهُ
فَصْلٌ لو زَالَ الْمِلْكُ أَيْ مِلْكُ الْمُشْتَرِي عن الْمَبِيعِ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ وَلَوْ بِعِوَضٍ وَحَجْرُهُ بَاقٍ أو حُجِرَ عليه لم يَرْجِعْ فيه الْبَائِعُ لِتَلَقِّي الْمِلْكِ من غَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ قد تَخَلَّلَتْ حَالَةَ تَمَنُّعِ الرُّجُوعِ فَيُسْتَصْحَبُ حُكْمُهَا كما في نَظِيرِهِ من الْهِبَةِ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ في الرَّوْضَةِ وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ الرُّجُوعُ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ السَّابِقِ وَكَلَامُهُ في الْكَبِيرِ يَقْتَضِيهِ لِأَنَّهُ شَبَّهَهُ بِنَظِيرِهِ من الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الْمُصَحَّحِ فيه الرُّجُوعُ وَيُوَافِقُهُ جَوَازُ الرُّجُوعِ في الصَّدَاقِ بِالطَّلَاقِ وما فَرَّقُوا بِهِ بين الرُّجُوعِ ثَمَّ وَعَدَمِهِ في الْهِبَةِ من أَنَّهُ لَا بُدَّ في الصَّدَاقِ من الرُّجُوعِ إلَى شَيْءٍ
____________________
(2/198)
فَالرُّجُوعُ إلَى عَيْنِ مَالِهِ أَوْلَى بِخِلَافِ الْهِبَةِ وقد يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمِلْكَ في الصَّدَاقِ يَحْصُلُ في الْأَصْلِ بِغَيْرِ رُجُوعٍ وَبِأَنَّ الرُّجُوعَ ثَمَّ لَا يَحْصُلُ بِهِ ضَرَرٌ بِخِلَافِهِ هُنَا فإن فيه ضَرَرًا على بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالرُّجُوعِ لو عَادَ الْمِلْكُ بِعِوَضٍ ولم يُوفُوا الثَّمَنَ إلَى بَائِعِهِ الثَّانِي فَهَلْ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِسَبْقِ حَقِّهِ أو الثَّانِي لِقُرْبِ حَقِّهِ أو يَشْتَرِكَانِ وَيُضَارِبُ كُلٌّ بِنِصْفِ الثَّمَنِ أَيْ إنْ تَسَاوَى الثَّمَنَانِ فيه أَوْجُهٌ في الْأَصْلِ بِلَا تَرْجِيحٍ رَجَّحَ منها ابن الرِّفْعَةِ الثَّانِيَ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وابن كَجٍّ وَغَيْرُهُمَا
وَإِنْ انْفَكَّ الْمَرْهُونُ أو الْجَانِي أو عَجَزَ الْمُكَاتَبُ رَجَعَ الْبَائِعُ فيه كما لو اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي على عَيْبٍ بِالْمَبِيعِ بَعْدَ رَهْنِهِ ثُمَّ انْفَكَّ الرَّهْنُ له الرَّدُّ بِخِلَافِ ما قبل الِانْفِكَاكِ فَلَوْ قال الْبَائِعُ لِلْمُرْتَهِنِ أنا أَدْفَعُ إلَيْك حَقَّك وَآخُذُ عَيْنَ مَالِي فَهَلْ يُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ أو لَا وَجْهَانِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَجِبُ طَرْدُهُمَا في الْمَجْنِيِّ عليه وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ تَرْجِيحُ الْمَنْعِ وَلَوْ كان الْمَبِيعُ شِقْصًا مَشْفُوعًا ولم يَعْلَمْ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ حتى أَفْلَسَ مُشْتَرِي الشِّقْصِ وَحُجِرَ عليه أَخَذَهُ الشَّفِيعُ لَا الْبَائِعُ لِسَبْقِ حَقِّهِ وَثَمَنُهُ لِلْغُرَمَاءِ كُلِّهِمْ يُقَسِّمُ بَيْنَهُمْ بِنِسْبَةِ دُيُونِهِمْ وَإِنْ حَصَلَ في الْمَبِيعِ نَقْصٌ بِتَلَفٍ ما لَا يُفْرَدُ بِعَقْدٍ وَلَا يَتَقَسَّطُ عليه الثَّمَنُ وكان حُصُولُهُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَكَذَا بِجِنَايَةِ الْمُشْتَرِي أو غَيْرِهِ مِمَّنْ لَا يَضْمَنُهَا كَحَرْبِيٍّ أَخَذَهُ الْبَائِعُ مَعِيبًا أو ضَارَبَ الْغُرَمَاءَ بِالثَّمَنِ كما لو تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ بَلْ قَبَضَهُ يَأْخُذُهُ الْمُشْتَرِي مَعِيبًا بِكُلِّ الثَّمَنِ أو بِفَسْخٍ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَسَوَاءٌ أَكَانَ النَّقْصُ حِسِّيًّا كَسُقُوطِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ وَالْعَمَى أو غَيْرِهِ كَنِسْيَانِ حِرْفَةٍ وَتَزْوِيجٍ وَإِبَاقٍ وَزِنًا وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ كَأَصْلِهِ وَلَا يَتَقَسَّطُ عليه الثَّمَنُ أو حَصَلَ النَّقْصُ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ أو الْأَجْنَبِيِّ الذي يَضْمَنُ جِنَايَتَهُ فَلِلْمُفْلِسِ الْأَرْشُ وَلِلْبَائِعِ أَخْذُهُ مَعِيبًا وَيُضَارِبُ بِمِثْلِ نِسْبَةِ ما نَقَصَ من الْقِيمَةِ من الثَّمَنِ إلَيْهَا وَإِنْ كان لِلْجِنَايَةِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ لِأَنَّ الْمُفْلِسَ اسْتَحَقَّ بَدَلًا لِمَا فَاتَ وكان مُسْتَحِقًّا لِلْبَائِعِ لو بَقِيَ فَلَا يَحْسُنُ تَضْيِيعُهُ عليه وَلِأَنَّ كُلَّ مَضْمُونٍ على الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فَجَزَاؤُهُ مَضْمُونٌ بِبَعْضِهِ
وَمَحَلُّهُ في جِنَايَةِ الْبَائِعِ إذَا جَنَى بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنْ جَنَى قَبْلَهُ فَهُوَ من ضَمَانِهِ فَلَا أَرْشَ له فَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَتَانِ أو خَمْسُونَ بِمِائَةٍ فَقَطَعَ الْبَائِعُ أو أَجْنَبِيٌّ إحْدَى يَدَيْهِ فَنَقَصَ عن قِيمَتِهِ ثُلُثَهَا فَعَلَى الْقَاطِعِ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِلْمُفْلِسِ وَلِلْبَائِعِ ثُلُثُ الثَّمَنِ يُضَارِبُ بِهِ وَإِنَّمَا ضَارَبَ بِنِسْبَةِ نَقْصِ الْقِيمَةِ دُونَ التَّقْدِيرِ الشَّرْعِيِّ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ مُخْتَصٌّ بِالْجِنَايَاتِ وَالْأَعْوَاضُ يَتَقَسَّطُ بَعْضُهَا على بَعْضٍ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَلَوْ ضَارَبَ بِالْمُقَدَّرِ لَزِمَ رُجُوعُهُ إلَى الْعَبْدِ مع قِيمَتِهِ أو ثَمَنِهِ فِيمَا إذَا قَطَعَ يَدَيْهِ وهو مُحَالٌ وَقَوْلُهُ من الْقِيمَةِ مُتَعَلِّقٌ بِنَقْصٍ وَقَوْلُهُ من الثَّمَنِ مُتَعَلِّقٌ بِمِثْلِ وَإِنْ تَلِفَ ما يُفْرَدُ بِعَقْدٍ وَيَتَقَسَّطُ عليه الثَّمَنُ كَعَيْنَيْنِ اشْتَرَاهُمَا فَتَلِفَتْ إحْدَاهُمَا في يَدِ الْمُشْتَرِي وَأَفْلَسَ فَلَهُ أَيْ لِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ في الْعَيْنِ الْبَاقِيَةِ بِحِصَّتِهَا من الثَّمَنِ وَالْمُضَارَبَةِ مع الْغُرَمَاءِ بِالْأُخْرَى أَيْ بِحِصَّتِهَا من الثَّمَنِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ له الرُّجُوعُ في الْبَاقِيَةِ مع الْأُخْرَى فلم يَسْقُطْ بِتَلَفِهَا بَلْ لو بَقِيَ جَمِيعُ الْمَبِيعِ وَأَرَادَ الْبَائِعُ الْفَسْخَ في بَعْضِهِ مُكِّنَ منه لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْغُرَمَاءِ من الْفَسْخِ في كُلِّهِ فَكَانَ كما لو رَجَعَ الْأَبُ في بَعْضِ ما وَهَبَ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ قال السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ وَلَا يُلْتَفَتُ هُنَا إلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لِأَنَّ مَالَ الْمُفْلِسِ لَا يَبْقَى بَلْ يُبَاعُ كُلُّهُ فَلَا أَثَرَ لِتَفْرِيقِهَا فيه وَلِأَنَّ الضَّرَرَ على الرَّاجِعِ فَقَطْ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ كَأَصْلِهِ وَيَتَقَسَّطُ عليه الثَّمَنُ نَظِيرَ ما مَرَّ وإذا كان قد قَبَضَ نِصْفَ ثَمَنِهِمَا وَقِيمَتِهِمَا سَوَاءٌ رَجَعَ في نِصْفِهِمَا إنْ بَقِيَا مَعًا وَإِلَّا بِأَنْ بَقِيَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَفِي الْعَيْنِ الْبَاقِيَةِ كُلِّهَا يَرْجِعُ بِالْبَاقِي من الثَّمَنِ لِانْحِصَارِهِ فيها وَيَكُونُ ما قَبَضَهُ في مُقَابَلَةِ التَّالِفَةِ كما لو ارْتَهَنَ عَبْدَيْنِ بِمِائَةٍ وَأَخَذَ خَمْسِينَ وَتَلِفَ أَحَدُهُمَا فَالْبَاقِي مِنْهُمَا مَرْهُونٌ بِالْبَاقِي من الْمِائَةِ بِجَامِعِ أَنَّ له التَّعَلُّقَ بِكُلِّ الْعَيْنِ إنْ بَقِيَ كُلُّ الْحَقِّ فَكَذَا بِالْبَاقِي إنْ بَقِيَ بَعْضُهُ وَأَمَّا خَبَرُ الدَّارَقُطْنِيِّ أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ ولم يَقْبِضْ الْبَائِعُ من ثَمَنِهِ شيئا فَوَجَدَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ فَإِنْ كان قد قَبَضَ من ثَمَنِهِ شيئا فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فَأُجِيبُ عنه بِأَنَّهُ مُرْسَلٌ
فَرْعٌ وَإِنْ أَغْلَى زَيْتًا أو عَصِيرًا فَنَقَصَهُ بِالْإِغْلَاءِ وَأَفْلَسَ فَكَتَلَفِ بَعْضِهِ بِغَيْرِ الْإِغْلَاءِ كما لو انْصَبَّ لَا كَتَعَيُّبِهِ فَلَوْ ذَهَبَ نِصْفُهُ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَضَارَبَ بِنِصْفِهِ أو ذَهَبَ ثُلُثُهُ أَخَذَهُ بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ وَضَارَبَ بِثُلُثِهِ وَوَقَعَ في الْغَصْبِ ما يُخَالِفُ ما ذُكِرَ هُنَا في الْعَصِيرِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ ثَمَّ فَإِنْ أَغْلَى أَرْبَعَةَ أَرْطَالٍ من ذلك قِيمَتُهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ
____________________
(2/199)
فَرَجَعَتْ ثَلَاثَةَ أَرْطَالٍ ضَارَبَ مع رُجُوعِهِ فيها بِرُبُعِ الثَّمَنِ مُطْلَقًا عن تَقْيِيدِهِ بِحَالٍ من الْأَحْوَالِ التي ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ ثُمَّ لو سَاوَتْ أَيْ الْأَرْطَالُ الثَّلَاثَةُ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ وَقُلْنَا الصَّنْعَةُ عَيْنٌ وهو الْأَصَحُّ فَالْمُفْلِسُ شَرِيكٌ بِدِرْهَمٍ وهو الزَّائِدُ على قِيمَةِ الْأَرْطَالِ الْأَرْبَعَةِ قبل الْإِغْلَاءِ كَذَا حَكَاهُ الْأَصْلُ قال الْبَارِزِيُّ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ شَرِيكٌ بِالزَّائِدِ على ما يَخُصُّ ثَلَاثَةَ أَرْطَالٍ من الْقِيمَةِ قبل الْإِغْلَاءِ وهو دِرْهَمَانِ وَرُبُعٌ وهو مُقْتَضَى ما أَوْرَدَهُ في النِّهَايَةِ أو سَاوَتْ ثَلَاثَةً من الدَّرَاهِمِ وَقُلْنَا الصَّنْعَةُ عَيْنٌ فَبِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ دِرْهَمٍ هو شَرِيكٌ لِأَنَّهَا قِسْطُ الرِّطْلِ الذَّاهِبِ وهو ما زَادَ بِالطَّبْخِ في الْبَاقِي وَإِنْ قُلْنَا الصَّنْعَةُ أَثَرٌ فَازَ الْبَائِعُ بِمَا زَادَ بها أو سَاوَتْ دِرْهَمَيْنِ فَلَا أَثَرَ له يَعْنِي لِلنَّقْصِ بَلْ يَكْفِي ما ذُكِرَ من الرُّجُوعِ فيها وَالْمُضَارَبَةُ بِرُبُعِ الثَّمَنِ وَوَقَعَ في نُسَخٍ سُوِّيَتْ بَدَلَ سَاوَتْ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وما قِيلَ إنَّ سُوِّيَتْ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ رَدَّهُ الْأَزْهَرِيُّ بِأَنَّ اللُّغَةَ لم تَرِدْ بِهِ وَانْهِدَامُ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ عَيْبٌ إنْ لم يَتْلَفْ بَعْضُ الْآلَةِ فَيَأْخُذُهَا الْبَائِعُ مَعِيبَةً أو يُضَارِبُ بِثَمَنِهَا فَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ الْآلَةِ أو كُلُّهَا بِاحْتِرَاقٍ أو غَيْرِهِ فَكَتَلَفِ أَحَدِ الْعَيْنَيْنِ فَلَهُ الرُّجُوعُ في الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ وَالْمُضَارَبَةُ بِحِصَّةِ الْآخَرِ منه
فَصْلٌ وَيَرْجِعُ جَوَازًا في الْعَيْنِ بِالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ بها كَالسِّمَنِ وَتَعَلُّمِ الصَّنْعَةِ وَكِبَرِ الشَّجَرِ وَالْحَمْلِ من غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ لها وَكَذَا حُكْمُ الزِّيَادَةِ في جَمِيعِ الْأَبْوَابِ إلَّا الصَّدَاقَ فإن الزَّوْجَ إذَا فَارَقَ قبل الدُّخُولِ لَا يَرْجِعُ في النِّصْفِ الزَّائِدِ إلَّا بِرِضَا الزَّوْجَةِ كما سَيَأْتِي لَا الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ الْحَادِثَةُ كَاللَّبَنِ وَالْوَلَدِ الْحَادِثَيْنِ الْمُنْفَصِلَيْنِ وَالثَّمَرَةِ الْحَادِثَةِ الْمُؤَبَّرَةِ فَلَا يَرْجِعُ فيها مع الْأَصْلِ فَلَوْ كان وَلَدُ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ صَغِيرًا غير مُمَيِّزٍ بِيعَا مَعًا حَذَرًا من التَّفْرِيقِ الْمَمْنُوعِ منه هذا إنْ لم يَبْذُلْ الْبَائِعُ قِيمَتَهُ وَإِلَّا أَخَذَهُ مع أُمِّهِ لِانْتِفَاءِ مَحْذُورِ التَّفْرِيقِ وإذا بِيعَا مَعًا أَخَذَ الْبَائِعُ حِصَّةَ الْأُمِّ وَالْمُفْلِسُ حِصَّةَ الْوَلَدِ فَلَوْ سَاوَتْ مِائَةً وَمَعَ الْوَلَدِ مِائَةً وَعِشْرِينَ فَقِيمَةُ الْوَلَدِ السُّدُسُ فإذا بِيعَا كان سُدُسُ الثَّمَنِ لِلْمُفْلِسِ وَالْبَاقِي لِلْبَائِعِ وَالْعِبْرَةُ في انْفِصَالِ الزِّيَادَةِ بِالِانْفِصَالِ لها وَقْتَ الرُّجُوعِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَالِاعْتِبَارُ في الِانْفِصَالِ بِحَالِ الرُّجُوعِ دُونَ الْحَجْرِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُفْلِسِ بَاقٍ إلَى أَنْ يَرْجِعَ الْبَائِعُ وَلَوْ بَاعَهُ بَذْرًا أو بَيْضًا أو عَصِيرًا أو زَرْعًا أَخْضَرَ فَزُرِعَ الْبَذْرُ وَنَبَتَ وَتَفَرَّخَ الْبَيْضُ وَتَخَلَّلَ الْعَصِيرُ وَلَوْ بَعْدَ تَخَمُّرِهِ وَاشْتَدَّ الْحَبُّ وَأَفْلَسَ رَجَعَ فيه الْبَائِعُ نَبَاتًا في الْأُولَى وَفِرَاخًا في الثَّانِيَةِ وَخَلًّا في الثَّالِثَةِ وَمُشْتَدَّ الْحَبِّ في الرَّابِعَةِ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ من عَيْنِ مَالِهِ أو هِيَ عَيْنُ مَالِهِ اكْتَسَبَتْ صِفَةً أُخْرَى فَأَشْبَهَتْ الْوَدِيَّ إذَا صَارَ نَخْلًا وإذا اشْتَرَاهَا أَيْ الْعَيْنَ حَامِلًا فَوَلَدَتْ أو حَائِلًا فَحَمَلَتْ عِنْدَهُ رَجَعَ فيها الْبَائِعُ مع الْوَلَدِ في الْأُولَى كما لو اشْتَرَى شَيْئَيْنِ بِنَاءً على أَنَّ الْحَمْلَ يُعْرَفُ وهو الْأَظْهَرُ ومع الْحَمْلِ في الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ يَتَّبِعُ في الْبَيْعِ فَكَذَا في الرُّجُوعِ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ الرُّجُوعِ في الرَّدِّ بِالْعَيْبِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَوْ وَضَعَتْ أَحَدَ تَوْأَمَيْنِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ رَجَعَ الْبَائِعُ قبل وَضْعِ الْآخَرِ هل يَكُونُ الْحُكْمُ كما لو لم تَضَعْ شيئا أو يُعْطَى كُلٌّ مِنْهُمَا حُكْمَهُ أو كَيْفَ الْحَالُ وَهَلْ يَفْتَرِقُ الْحَالُ بين أَنْ يَمُوتَ الْمَوْلُودُ أو لَا مع بَقَاءِ حَمْلِ الْمُجْتَنِّ أو لَا فَرْقَ انْتَهَى وَقِيَاسُ الْبَابِ مع ما هو مَعْلُومٌ من تَوَقُّفِ الْأَحْكَامِ على تَمَامِ انْفِصَالِ التَّوْأَمَيْنِ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ من غَيْرِ فَرْقٍ بين الْحَالَيْنِ
فَرْعٌ التَّأْبِيرُ وَعَدَمُهُ في الثَّمَرَةِ كَالْوَضْعِ وَعَدَمِهِ في الْحَمْلِ فإذا كانت على النَّخْلِ الْمَبِيعِ
____________________
(2/200)
عِنْدَ الْبَيْعِ غير مُؤَبَّرَةٍ وَعِنْدَ الرُّجُوعِ كَذَلِكَ أو مُؤَبَّرَةً أو حَدَثَتْ بَعْدَ الْبَيْعِ ولم تَكُنْ مُؤَبَّرَةً عِنْدَ الرُّجُوعِ رَجَعَ فيها مع النَّخْلِ بِخِلَافِ ما إذَا أُبِّرَتْ في الْأَخِيرَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَا هل رَجَعَ الْبَائِعُ قبل التَّأْبِيرِ فَتَكُونُ الثَّمَرَةُ له أو بَعْدَهُ فَتَكُونُ لِلْمُفْلِسِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُفْلِسِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرُّجُوعِ حِينَئِذٍ وَبَقَاءُ الثَّمَرَةِ له وَيَحْلِفُ على نَفْيِ الْعِلْمِ بِسَبْقِ الرُّجُوعِ على التَّأْبِيرِ لَا على نَفْيِ السَّبَقِ فَإِنْ حَلَفَ عليه فَقَدْ زَادَ خَيْرًا قَالَهُ الْقَاضِي فَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ ذلك كما سَيَأْتِي نَظِيرُهُ في مَحَلِّهِ فَإِنْ أَقَرَّ الْبَائِعُ أَنَّ الْمُفْلِسَ لم يَعْلَمْ تَارِيخَ الرُّجُوعِ لم يَحْلِفْ لِأَنَّهُ مُوَافِقُهُ على نَفْيِ عِلْمِهِ فَتَبْقَى الثَّمَرَةُ له وَمَتَى نَكَلَ عن الْيَمِينِ حَلَفَ الْبَائِعُ لَا الْغُرَمَاءُ وَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ كما لو ادَّعَى الْمُفْلِسُ دَيْنًا على غَيْرِهِ وَأَقَامَ شَاهِدًا ولم يَحْلِفْ معه لَا يَحْلِفُ الْغُرَمَاءُ وَأَخَذَهَا أَيْ الْبَائِعُ الثَّمَرَةَ سَوَاءٌ أَجَعَلْنَا الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ أَمْ كَالْبَيِّنَةِ
فَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ فَكَحَلِفِ الْمُفْلِسِ في أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ فيها بِغَيْرِ بَيِّنَةِ هذا إنْ كَذَّبَ الْغُرَمَاءُ الْبَائِعَ كما كَذَّبَهُ الْمُفْلِسُ وَإِنْ صَدَّقَ الْغُرَمَاءُ الْبَائِعَ فَلَا حَقَّ لهم فيها لِأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أنها له فإذا حَلَفَ الْمُفْلِسُ أَخَذَهَا وَلَيْسَ له التَّصَرُّفُ فيها لِلْحَجْرِ وَاحْتِمَالِ غَرِيمٍ آخَرَ ولكن لِلْمُفْلِسِ إجْبَارُهُمْ على أَخْذِهَا إنْ كانت من جِنْسِ حَقِّهِمْ أو على الْإِبْرَاءِ لِذِمَّتِهِ عن قَدْرِهَا كما لو جاء الْمُكَاتَبُ بِالنَّجْمِ فَزَعَمَ السَّيِّدُ أَنَّهُ غَصَبَهُ فَيُقَالُ له خُذْهُ أو أَبْرِئْهُ عنه فَإِنْ أَخَذُوهَا وَلَوْ إجْبَارًا فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا منهم لِإِقْرَارِهِمْ فَلَوْ بَاعَهَا الْحَاكِمُ لهم أَيْ لِأَجْلِهِمْ بِجِنْسِ حَقِّهِمْ وَصَرَفَهُ إلَيْهِمْ لم يَأْخُذْهُ بَائِعُ النَّخْلِ منهم لِأَنَّهُمْ لم يُقِرُّوا له بِهِ بَلْ عليهم رَدُّهُ إلَى مُشْتَرِيهَا أَيْ الثَّمَرَةِ فَإِنْ رَدَّهُ مُشْتَرِيهَا بَلْ أو لم يَرُدَّهُ فِيمَا يَظْهَرُ فَمَالٌ ضَائِعٌ فَلَوْ شَهِدَ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ أو كلهم لِلْبَائِعِ فَإِنْ كان قبل تَصْدِيقِهِ إيَّاهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ أو بَعْدَهُ فَلَا لِمَا مَرَّ أَنَّهُمْ يُجْبَرُونَ على أَخْذِ الثَّمَرَةِ فَهُمْ بِشَهَادَتِهِمْ يَدْفَعُونَ ضَرَرَ أَخْذِهَا وَضَيَاعِهَا بِأَخْذِ الْبَائِعِ لها فَلَوْ لم يُصَدِّقْهُ إلَّا بَعْضُهُمْ لم يُجْبَرْ على الْأَخْذِ منها لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ لِكَوْنِ الْبَائِعِ يَأْخُذُ منه ما أَخَذَ وَالْمُفْلِسُ لَا يَتَضَرَّرُ بِعَدَمِ الصَّرْفِ إلَيْهِ لِإِمْكَانِ الصَّرْفِ إلَى من كَذَّبَ كما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ بَلْ يَخُصُّ بها الْمُكَذِّبِينَ بِخِلَافِ ما إذَا صَدَّقَهُ الْجَمِيعُ وَإِنْ بَقِيَ لهم أَيْ لِلْمُكَذِّبِينَ شَيْءٌ من حُقُوقِهِمْ ضَارَبُوا الْمُصَدِّقِينَ في بَاقِي الْأَمْوَالِ بِبَقِيَّةِ حُقُوقِهِمْ لَا بِجَمِيعِهَا مُؤَاخَذَةً لهم بِزَعْمِهِمْ قال في الْأَصْلِ هذا كُلُّهُ إذَا كَذَّبَ الْمُفْلِسُ الْبَائِعَ فَلَوْ صَدَّقَهُ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْغُرَمَاءُ أَيْضًا قَضَى له وَإِنْ كَذَّبُوهُ وَزَعَمُوا أَنَّهُ أَقَرَّ بِمُوَاطَأَةٍ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ في إقْرَارِهِ بِعَيْنٍ أو دَيْنٍ إنْ قُلْنَا لَا يُقْبَلُ فَلِلْبَائِعِ تَحْلِيفُ الْغُرَمَاءِ أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ رُجُوعَهُ قبل التَّأْبِيرِ زَادَ في الرَّوْضَةِ وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ تَحْلِيفُ الْمُفْلِسِ لِأَنَّ الْمُقِرَّ لَا يَمِينَ عليه فِيمَا أَقَرَّ بِهِ
فَصْلٌ وَمَتَى رَجَعَ الْبَائِعِ في الْأَصْلِ من الشَّجَرِ أو الْأَرْضِ وَبَقِيَتْ الثَّمَرَةُ أو الزَّرْعُ لِلْمُفْلِسِ فَلَهُمْ أَيْ لِلْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ تَرْكُهَا الْأَوْلَى تَرْكُهُ إلَى وَقْتِ الْجُذَاذِ بِلَا أُجْرَةٍ إذْ لَا تَعَدِّيَ منهم وَهَذَا كما لو بَاعَ أَرْضًا مَزْرُوعَةً فإن له تَرْكَ الزَّرْعِ إلَى الْحَصَادِ بِلَا أُجْرَةٍ بِخِلَافِ ما لو اكْتَرَى أَرْضًا وَزَرَعَ فيها ثُمَّ حُجِرَ عليه وَفَسَخَ الْمُكْرِي الْإِجَارَةَ فإنه يَتْرُكُ الزَّرْعَ إلَى الْحَصَادِ بِالْأُجْرَةِ وَالْفَرْقُ بِوَجْهَيْنِ أَشْهَرُهُمَا أَنَّ الْمُكْتَرِيَ دخل في الْإِجَارَةِ لِتَضَمُّنِ الْمَنَافِعِ فَأَلْزَمَ بَدَلَهَا بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي وَأَفْقَهُهُمَا أَنَّ مَوْرِدَ الْبَيْعِ الرَّقَبَةُ وَهِيَ تَحْصُلُ بِالْفَسْخِ وَإِنْ لم تَكُنْ أُجْرَةً وَمَوْرِدُ الْإِجَارَةِ الْمَنَافِعُ فإذا فَاتَتْ هِيَ وَبَدَلُهَا خَلَا الْفَسْخُ عن الْفَائِدَةِ ذَكَرَ ذلك الرَّافِعِيُّ وَالْقَوْلُ في طَلَبِ قَطْعِ مَالِهِ قِيمَةٌ على ما سَبَقَ في فَصْلِ إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً أو أَرْضًا
فَرْعٌ حَيْثُ ثَبَتَ الرُّجُوعُ في الثَّمَرَةِ مع الشَّجَرَةِ فَتَلِفَتْ الثَّمَرَةُ بِجَائِحَةٍ أو أَكْلٍ أو غَيْرِهِمَا أَخَذَ الْبَائِعُ الشَّجَرَةَ بِحِصَّتِهَا من الثَّمَنِ وَضَارَبَ مع الْغُرَمَاءِ بِحِصَّةِ الثَّمَرَةِ منه فَتُقَوَّمُ الشَّجَرَةُ مُثْمِرَةً فَيُقَالُ قِيمَتُهَا مِائَةٌ مَثَلًا وَغَيْرَ مُثْمِرَةٍ فَيُقَالُ قِيمَتُهَا تِسْعُونَ مَثَلًا فَيُضَارِبُ بِعُشْرِ الثَّمَنِ بِنِسْبَةِ ما نَقَصَ من قِيمَتِهَا مُثْمِرَةً إلَيْهَا وَالْمُعْتَبَرُ في الثَّمَرَةِ أَقَلُّ قِيمَتَيْ يَوْمِ الْعَقْدِ ويوم الْقَبْضِ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا بَيْنَهُمَا لِأَنَّ ما نَقَصَ قبل الْقَبْضِ من ضَمَانِ الْبَائِعِ فَلَا يُحْسَبُ على الْمُفْلِسِ وما زَادَ قَبْلَهُ يَزِيدُ في مِلْكِ الْمُفْلِسِ فَلَا تَعَلُّقَ لِلْبَائِعِ بِهِ عِنْدَ التَّلَفِ وَالْمُعْتَبَرُ في الشَّجَرِ أَكْثَرُ الْقِيمَتَيْنِ أَيْ قِيمَتَيْ يَوْمَيْ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ بَيْنَهُمَا من ضَمَانِ الْبَائِعِ فَنُقْصَانُهُ
____________________
(2/201)
وَزِيَادَتُهُ لِلْمُشْتَرِي فما يَأْخُذُهُ الْبَائِعُ يُعْتَبَرُ فيه الْأَكْثَرُ لِيَكُونَ النُّقْصَانُ مَحْسُوبًا عليه كما أَنَّ ما يَبْقَى لِلْمُفْلِسِ وَيُضَارِبُ الْبَائِعُ بِثَمَنِهِ يُعْتَبَرُ فيه الْأَقَلُّ لِيَكُونَ النُّقْصَانُ مَحْسُوبًا عليه أَيْضًا وَقِيلَ الْمُعْتَبَرُ في الشَّجَرِ قِيمَةُ يَوْمِ الْعَقْدِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَهُ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ فَيَفُوزُ بها الْبَائِعُ وَلَا تُحْسَبُ عليه وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ
فَلَوْ كانت قِيمَةُ الشَّجَرِ يوم الْعَقْدِ عِشْرِينَ وقيمة الثَّمَرَةِ فيه عَشَرَةً فَنَقَصَا الْأَوْلَى فَنَقَصَتَا يوم الْقَبْضِ النِّصْفَ ضَارَبَ بِخُمْسِ الثَّمَنِ وَأَخَذَ الشَّجَرَ بِأَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فيه أَكْثَرُ الْقِيمَتَيْنِ وَهِيَ هُنَا عِشْرُونَ وفي الثَّمَرَةِ أَقَلُّهُمَا وَهِيَ هُنَا خَمْسَةٌ وَمَجْمُوعُهُمَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَنِسْبَةُ الْخَمْسَةِ إلَيْهَا خَمْسٌ وَنِسْبَةُ الْعِشْرِينَ إلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ وَإِنْ لم يَنْقُصَا شيئا ضَارَبَ بِالثُّلُثِ من الثَّمَنِ وَأَخَذَ الشَّجَرَ بِثُلُثَيْهِ إذْ مَجْمُوعُ الْقِيمَتَيْنِ ثَلَاثُونَ وَنِسْبَةُ الْعَشَرَةِ إلَيْهَا ثُلُثٌ وَنِسْبَةُ الْعِشْرِينَ إلَيْهَا ثُلُثَانِ وَهَكَذَا سَبِيلُ التَّوْزِيعِ في كل صُورَةٍ تَلِفَ فيها أَحَدُ الْمَبِيعِينَ وَاخْتَلَفَتْ الْقِيمَةُ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ في الْبَاقِي قَالَهُ في الْأَصْلِ وَفِيهِ قال الْإِمَامُ وإذا اعْتَبَرْنَا في الثَّمَرَةِ أَقَلَّ الْقِيمَتَيْنِ فَتَسَاوَتَا لَكِنْ وَقَعَ بَيْنَهُمَا نَقْصٌ فَإِنْ كان لِانْخِفَاضِ السُّوقِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ أو لِعَيْبٍ طَرَأَ وَزَالَ فَكَذَلِكَ على الظَّاهِرِ كما يَسْقُطُ بِزَوَالِهِ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَإِنْ لم يَزُلْ لَكِنْ عَادَتْ قِيمَتُهُ إلَى ما كانت لِارْتِفَاعِ السُّوقِ فَاَلَّذِي أَرَاهُ اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ يوم الْعَيْبِ لِأَنَّ النَّقْصَ من ضَمَانِ الْبَائِعِ وَالِارْتِفَاعُ بَعْدَهُ في مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَجْبُرُهُ قال يَعْنِي الْإِمَامَ وإذا اعْتَبَرْنَا في الشَّجَرِ أَكْثَرَ الْقِيَمِ فَكَانَتْ قِيمَتُهُ يوم الْعَقْدِ مِائَةً وَيَوْمَ الْقَبْضِ مِائَةً وَخَمْسِينَ وَيَوْمَ رُجُوعِ الْبَائِعِ مِائَتَيْنِ أو مِائَةً اُعْتُبِرَ يَوْمُ الرُّجُوعِ وَوَجْهُهُ في الثَّانِيَةِ أَنَّ ما طَرَأَ من الزِّيَادَةِ وَزَالَ ليس ثَابِتًا يوم الْعَقْدِ حتى يَقُولَ إنَّهُ وَقْتُ الْمُقَابَلَةِ وَلَا يوم رُجُوعِ الْبَائِعِ حتى يُحْسَبَ عليه انْتَهَى وَلِلرَّافِعِيِّ فيه كَلَامٌ ذَكَرْته مع ما فيه في شَرْحِ الْبَهْجَةِ
فَصْلٌ وفي نُسْخَةٍ فَرْعٌ لو غَرَسَ الْمُشْتَرِي في الْأَرْضِ أو بَنَى فيها ثُمَّ رَجَعَ يَعْنِي أَرَادَ الْبَائِعُ الرُّجُوعَ فيها فَإِنْ اتَّفَقَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ على الْقَلْعِ لِلْغِرَاسِ أو الْبِنَاءِ قَلَعُوا لِأَنَّ الْحَقَّ لهم لَا يَعْدُوهُمْ وَرَجَعَ فيها الْبَائِعُ وإذا قَلَعُوا لَزِمَ وفي نُسْخَةٍ لَزِمَهُمْ أَرْشُ نَقْصِ الْأَرْضِ من مَالِ الْمُفْلِسِ إنْ نَقَصَتْ بِالْقَلْعِ ولزم تَسْوِيَتُهَا أَيْ تَسْوِيَةُ حَفْرِهَا من مَالِهِ وَهَلْ يُقَدِّمُ الْبَائِعُ على سَائِرِ الْغُرَمَاءِ بِهِ أَيْ بِمُلْزِمٍ في الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّهُ لِتَخْلِيصِ مَالِهِ وَإِصْلَاحِهِ أو يُضَارِبُ بِهِ كَسَائِرِ الْغُرَمَاءِ فيه وَجْهَانِ الْأَكْثَرُونَ على الْأَوَّلِ وَلَيْسَ له أَنْ يُلْزِمَهُمْ أَخْذَ قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ لِيَتَمَلَّكَهُمَا مع الْأَرْضِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ اخْتَلَفُوا بِأَنْ طَلَبَ الْمُفْلِسُ الْقَلْعَ وَالْغُرَمَاءُ أَخْذَ الْقِيمَةِ من الْبَائِعِ لِيَتَمَلَّكَهُ أو بِالْعَكْسِ أو وَقَعَ هذا الِاخْتِلَافُ بين الْغُرَمَاءِ وَطَلَبَ بَعْضُهُمْ الْبَيْعَ وَبَعْضُهُمْ الْقِيمَةَ من الْبَائِعِ عَمِلَ بِالْمَصْلَحَةِ وَعِبَارَتُهُ لِشُمُولِهَا لِلصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ أَوْلَى من عِبَارَةِ الْأَصْلِ وَإِنْ امْتَنَعُوا من الْقَلْعِ لم يُجْبَرُوا عليه لِعَدَمِ التَّعَدِّي ذَكَرَهُ الْأَصْلُ
وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَخْذُ الْأَرْضِ وَحْدَهَا وَإِبْقَاءُ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ لهم لِلضَّرَرِ بِنَقْصِ قِيمَتِهِمَا بِلَا أَرْضٍ بَلْ يَتَخَيَّرُ بين ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ الْمُضَارَبَةِ بِالثَّمَنِ وَتَمَلُّكِ الْجَمِيعِ بِالْقِيمَةِ وَالْقَلْعِ بِالْأَرْشِ لِلنَّقْصِ لِأَنَّ مَالَ الْمُفْلِسِ مَبِيعٌ كُلُّهُ وَالضَّرَرُ يَنْدَفِعُ بِكُلٍّ منها فَأُجِيبَ الْبَائِعُ لِمَا طَلَبَهُ منها بِخِلَافِ ما لو زَرَعَ الْمُشْتَرِي الْأَرْضَ وَرَجَعَ الْبَائِعُ لَا يَتَمَكَّنُ من ذلك لِأَنَّ لِلزَّرْعِ أَمَدًا يُنْتَظَرُ فَسَهُلَ احْتِمَالُهُ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ يُضَارِبُ بِالثَّمَنِ أو يَعُودُ إلَى بَدَلِ قِيمَتِهِمَا أو قَلْعِهِمَا مع غَرَامَةِ أَرْشِ النَّقْصِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَكَتَبَ النَّوَوِيُّ على حَاشِيَةِ الرَّوْضَةِ قَوْلُهُ يَعُودُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لو اُمْتُنِعَ من ذلك ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ مُكِّنَ فَإِنْ رَضُوا بِأَخْذِهِ الْأَرْضَ وَبَاعُوا ما فيها من بِنَاءٍ أو غِرَاسٍ وَامْتَنَعَ هو من بَيْعِ الْأَرْضِ مَعَهُمْ بَعْدَ أَخْذِهِ لها فَتَخَيُّرُهُ بين الْأَخِيرَيْنِ من الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ بَاقٍ فَلَا يُجْبَرُ على بَيْعِهَا مَعَهُمْ لِأَنَّ إفْرَادَ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ بِالْبَيْعِ مُمْكِنٌ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِيمَا لو صَبَغَ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ ثُمَّ حُجِرَ عليه أَمَّا إذَا وَافَقَ على بَيْعِهَا مَعَهُمْ فَظَاهِرٌ وَطَرِيقُ التَّوْزِيعِ ما مَرَّ في الرَّهْنِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِصِحَّةِ هذا الْبَيْعِ وَفِيهِ
____________________
(2/202)
إشْكَالٌ يُعْرَفُ مِمَّا مَرَّ في تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِيمَا إذَا بَاعَا عَبْدَيْهِمَا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ فإن الْأَظْهَرَ الْبُطْلَانُ انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّ ما في الْأَرْضِ تَابِعٌ لها لِأَنَّهَا مَقَرُّهُ وَيُغْتَفَرُ في التَّابِعِ ما لَا يُغْتَفَرُ في الْأَصْلِ مع أَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى بَيْعِ مَالِ الْمُفْلِسِ في الْجُمْلَةِ وإذا امْتَنَعَ من بَيْعِهَا مَعَهُمْ فَبَاعُوا ما فيها ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي منهم الْخِيَارَانِ جَهِلَ حَالَ ما اشْتَرَاهُ
وَإِنْ اشْتَرَى الْأَرْضَ من رَجُلٍ وَالْغِرَاسَ من آخَرَ وَغَرَسَهُ فيها فَلِكُلٍّ من الْبَائِعَيْنِ الرُّجُوعُ فِيمَا بَاعَهُ فَإِنْ رَجَعَا وَأَرَادَ صَاحِبُ الْغِرَاسِ الْقَلْعَ مُكِّنَ منه وَكَذَا إنْ أَرَادَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ وَضَمِنَ أَرْشَ النَّقْصِ فَإِنْ قَلَعَ صَاحِبُ الْغِرَاسِ فَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ حَفْرِ الْأَرْضِ وَأَرْشُ نَقْصِهَا إنْ نَقَصَتْ أو قَلَعَ صَاحِبُ الْأَرْضِ ضَمِنَ أَرْشَ نَقْصِ الْغِرَاسِ إنْ نَقَصَ فَإِنْ أَرَادَ الْقَلْعَ مَجَّانًا فَهَلْ يُجَابُ إلَيْهِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْغِرَاسِ بَاعَهُ مُنْفَرِدًا فَيَأْخُذُهُ كَذَلِكَ أو لَا يُجَابُ لِأَنَّهُ غَرْسٌ مُحْتَرَمٌ كَغَرْسِ الْمُفْلِسِ فيه وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا كما قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ الثَّانِي وَبِهِ جَزَمَ الشَّاشِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقَالَ بمثله في صَاحِبِ الْغِرَاسِ وقد يُجَابُ بِأَنَّ ذَاكَ مَالِكٌ لِلْغِرَاسِ فَلَهُ قَلْعُهُ وَإِنْ قال اقْلَعْهُ مَجَّانًا فإذا قَلَعَهُ ضَمِنَ الْأَرْشَ إنْ حَصَلَ نَقْصٌ بِخِلَافِ صَاحِبِ الْأَرْضِ فإنه ليس مَالِكًا له فَلَا يُمَكَّنُ من الْقَلْعِ إذَا قال أَقْلَعُ مَجَّانًا قال الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ امْتَنَعَ صَاحِبُ الْغِرَاسِ من قَلْعِهِ وَبَذَلَ صَاحِبُ الْأَرْضِ قِيمَتَهُ قَائِمًا لم يَكُنْ لِصَاحِبِ الْغِرَاسِ إقْرَارُهُ بَلْ يَتَخَيَّرُ بين قَلْعِهِ وَأَخْذِ الْقِيمَةِ وَلَوْ امْتَنَعَ صَاحِبُ الْأَرْضِ من بَذْلِ الْقِيمَةِ وَصَاحِبُ الْغِرَاسِ من الْقَلْعِ فَإِنْ رضي صَاحِبُ الْأَرْضِ بِإِقْرَارِهِ كان مُقِرًّا له بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ ما بَقِيَ في أَرْضِهِ فَصْلٌ له أَيْ لِلْبَائِعِ بَعْدَ الْفَسْخِ الرُّجُوعُ في قَدْرِ الْمَبِيعِ من مِثْلِيٍّ كَزَيْتٍ خُلِطَ بمثله وَبِأَرْدَأَ منه أَيْ بِهِمَا مَعًا أو بِأَحَدِهِمَا لِبَقَائِهِ في مِلْكِ الْمُفْلِسِ بِغَيْرِ تَعَلُّقِ حَقٍّ لَازِمٍ بِهِ وَيَكُونُ في صُورَةِ الْأَرْدَأِ مُسَامَحًا بِعَيْبِهِ كَعَيْبِ الْعَبْدِ وَنَحْوِهِ لَا إنْ خُلِطَ بِشَيْءٍ أَجْوَدَ منه فَلَيْسَ له الرُّجُوعُ فيه لِتَعَذُّرِ الرُّجُوعِ في عَيْنِهِ مع تَضَرُّرِ الْمُفْلِسِ فَتَتَعَيَّنُ الْمُضَارَبَةُ بِالثَّمَنِ نعم إذَا قَلَّ الْأَجْوَدُ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ بِهِ زِيَادَةٌ في الْحِسِّ وَيَقَعُ مِثْلُهُ بين الْكَيْلَيْنِ قال الْإِمَامُ فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِالرُّجُوعِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَلَا رُجُوعَ له في ما خُلِطَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ مِثْلُ زَيْتٍ خُلِطَ بِشَيْرَجٍ لِعَدَمِ جَوَازِ الْقِسْمَةِ لِانْتِفَاءِ التَّمَاثُلِ فَهُوَ كَالتَّالِفِ وَلَهُ الْإِجْبَارُ على قِسْمَةِ ما رَجَعَ فيه مع ما خُلِطَ بِهِ كَالْمُشْتَرَكِ الْمِثْلِيِّ لَا على بَيْعِهِ كما لَا يُجْبَرُ الشَّرِيكُ على الْبَيْعِ فَصْلٌ وَإِنْ اشْتَرَى حِنْطَةً فَطَحَنَهَا أو ثَوْبًا فَقَصَّرَهُ أو خَاطَهُ بِخُيُوطٍ منه أو بِخُيُوطٍ اشْتَرَاهَا معه ثُمَّ حُجِرَ عليه فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِيمَا بَاعَهُ وَلَا شَيْءَ له معه إنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ أَيْ قِيمَتُهُ بِالطَّحْنِ أو الْقَصْرِ أو الْخِيَاطَةِ عن قِيمَتِهِ قَبْلَهُ كما في رُجُوعِهِ فِيمَا خُلِطَ بِالْأَرْدَأِ أو سَاوَتْ هَا لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَوْجُودٌ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا شَيْءَ لِلْمُفْلِسِ وَإِنْ زَادَتْ عليها فَالْمُفْلِسُ شَرِيكٌ بِالزِّيَادَةِ إلْحَاقًا لها بِالْعَيْنِ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ بِفِعْلٍ مُحْتَرَمٍ مُتَقَوِّمٍ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ وَيُفَارِقُ سِمَنَ الدَّابَّةِ بِالْعَلَفِ وَكِبَرِ الْوَدِيِّ بِالسَّقْيِ بِأَنَّ الْقَصَّارَ مَثَلًا إذَا قَصَّرَ صَارَ الثَّوْبُ مَقْصُورًا وَالْعَلَفُ وَالسَّقْيُ يُوجَدَانِ كَثِيرًا وَلَا يَحْصُلُ السِّمَنُ وَالْكِبَرُ فَكَانَ الْأَثَرُ فيه غير مَنْسُوبٍ إلَى فِعْلِهِ بَلْ هو مَحْضُ صُنْعِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا يَمْتَنِعُ الِاسْتِئْجَارُ لِتَسْمِينِ الدَّابَّةِ وَتَكْبِيرِ الْوَدِيِّ بِخِلَافِهِ لِلْقِصَارَةِ وَنَحْوِهَا وَكَذَا يَكُونُ الْمُفْلِسُ شَرِيكًا بِالزِّيَادَةِ لو اشْتَرَى دَقِيقًا فَخَبَزَهُ أو لَحْمًا فَشَوَاهُ أو شَاةً فَذَبَحَهَا أو أَرْضًا فَضَرَبَ من تُرَابِهَا لَبِنًا أو عَرْصَةً وَآلَاتِ الْبِنَاءِ فَبَنَى بها دَارًا أو عَلَّمَ الْعَبْدَ الْقُرْآنَ وَالْحِرْفَةَ كَكِتَابَةٍ وَشَعْرٍ مُبَاحٍ وَرِيَاضَةِ دَابَّةٍ وَالضَّابِطُ لِذَلِكَ أَنَّ كُلَّ صَنْعَةٍ يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عليها وَيَظْهَرُ لها أَثَرٌ تُعَدُّ عَيْنًا لَا أَثَرًا فَلَا أَثَرَ لِسِيَاسَةِ الدَّوَابِّ وَحِفْظِهَا في مُشَارَكَةِ الْمُفْلِسِ لِأَنَّهُ وَإِنْ صَحَّ الِاسْتِئْجَارُ لَهُمَا لَا يَظْهَرُ لَهُمَا أَثَرٌ فيها وإذا عُدَّا لِأَثَرِ الْمَذْكُورِ عَيْنًا فَإِنْ كانت قِيمَةُ الثَّوْبِ غير مَقْصُورٍ خَمْسَةً وَمَقْصُورًا سِتَّةً رَجَعَ الْمُفْلِسُ بِسُدُسِ الثَّمَنِ فَإِنْ ارْتَفَعَ السُّوقُ بِقِيمَةِ أَحَدِهِمَا أَيْ الثَّوْبِ وَالْقِصَارَةِ اخْتَصَّ الْأَخذ بِالزِّيَادَةِ أو بِهِمَا أَيْ بِقِيمَتِهِمَا فَبِالنِّسْبَةِ تَكُونُ الزِّيَادَةُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا يَأْتِي في الْفَرْعِ الْآتِي أَيْضًا وَلَوْ قال فَإِنْ ارْتَفَعَتْ أو انْخَفَضَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا بِالسُّوقِ اُخْتُصَّ بِالزِّيَادَةِ أو النَّقْصِ أو قِيمَتِهِمَا فَبِالنِّسْبَةِ كان أَوْلَى وَأَوْفَقَ بِكَلَامِ الْأَصْلِ وَلِلْأَجِيرِ على الْقِصَارَةِ وَنَحْوِهَا حَقُّ الْحَبْسِ لِلثَّوْبِ الْمَقْصُورِ وَنَحْوِهِ بِوَضْعِهِ عِنْدَ عَدْلٍ لِيَسْتَوْفِيَ
____________________
(2/203)
الْأُجْرَةَ كما أَنَّ لِلْبَائِعِ حَبْسَ الْمَبِيعِ لِيَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ بِنَاءً على أَنَّ الْقِصَارَةَ وَنَحْوَهَا عَيْنٌ وَقَيَّدَهُ الْقَفَّالُ في فَتَاوِيهِ بِالْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْبَارِزِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا إذَا زَادَتْ الْقِيمَةُ بِالْقِصَارَةِ وَإِلَّا فَلَا حَبْسَ فَيَأْخُذُهُ الْمَالِكُ كما لو عَمِلَ الْمُفْلِسُ فَإِنْ كان مَحْجُورًا عليه بِالْفَلَسِ ضَارَبَ الْأَجِيرُ بِأُجْرَتِهِ وَإِلَّا طَالَبَهُ بها فَرْعٌ وَإِنْ صَبَغَ الْمُفْلِسُ الثَّوْبَ بِصَبْغِهِ أو لَتَّ السَّوِيقَ ولم تَزِدْ الْقِيمَةُ أَيْ قِيمَتُهُ بِالصَّنْعَةِ على قِيمَتِهِ بِدُونِهَا بِأَنْ نَقَصَتْ عنها أو سَاوَتْهَا وَرَجَعَ الْبَائِعُ فيه فَلَا شَيْءَ لِلْمُفْلِسِ كما لَا شَيْءَ عليه لِلْبَائِعِ وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ على تِلْكَ وَوَفَتْ بِالْقِيمَتَيْنِ كَأَنْ كانت قِيمَتُهُ أَرْبَعَةً وَقِيمَةُ الصَّبْغِ دِرْهَمَيْنِ فَصَارَتْ بَعْدَ الصَّبْغِ سِتَّةً أَخَذَ كُلٌّ من الْمُتَبَايِعَيْنِ حَقَّهُ فَكُلُّ الثَّوْبِ لِلْبَائِعِ وَكُلُّ الصَّبْغِ لِلْمُفْلِسِ كما لو غَرَسَ الْأَرْضَ وَهَذَا ما أَوْرَدَهُ ابن الصَّبَّاغِ في الشَّامِلِ وهو مَعْنَى قَوْلِهِمْ الْمُفْلِسُ شَرِيكٌ بِالصَّبْغِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِمَا بِحَسَبِ قِيمَتِهِمَا لِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ كَخَلْطِ الزَّيْتِ وَعَلَى هذا التَّقْرِيرِ فَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ لم تَفِ قِيمَتُهُ بِالْقِيمَتَيْنِ كَأَنْ صَارَتْ قِيمَتُهُ في مِثَالِنَا خَمْسَةً فَالنَّقْصُ على الصَّبْغِ لِأَنَّهُ هَالِكٌ في الثَّوْبِ وَالثَّوْبُ قَائِمٌ بِحَالِهِ وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَيْهِمَا أَيْ على الْقِيمَتَيْنِ كَأَنْ صَارَتْ قِيمَتُهُ ثَمَانِيَةً فَالزِّيَادَةُ وَالصَّبْغُ لِلْمُفْلِسِ بِنَاءً على أَنَّ الصَّنْعَةَ عَيْنٌ فَيُجْعَلُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلِلْبَائِعِ إمْسَاكُ الثَّوْبِ وَبَذْلُ ما لِلْمُفْلِسِ من قِيمَةِ الصَّبْغِ وَالْقِصَارَةِ وَإِنْ كان قَابِلًا لِلْفَصْلِ كما يَبْذُلُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ إنَّهُ شَرِيكٌ لِأَنَّ أَمْوَالَ الْمُفْلِسِ تُبَاعُ إمَّا لِلْبَائِعِ أو لِغَيْرِهِ
فَإِنْ اشْتَرَى الصَّبْغَ من بَائِعِ الثَّوْبِ أو من آخَرَ أو كان الثَّوْبُ لِلْمُفْلِسِ فَإِنْ لم تَزِدْ قِيمَةُ الثَّوْبِ مَصْبُوغًا على قِيمَتِهِ غير مَصْبُوغٍ كَأَنْ كانت قِيمَتُهُ أَرْبَعَةً فَصَارَتْ بَعْدَ الصَّبْغِ ثَلَاثَةً أو أَرْبَعَةً فَالصَّبْغُ مَفْقُودٌ يُضَارِبُ بِهِ أَيْ بِثَمَنِهِ صَاحِبُهُ وَصَاحِبُ الثَّوْبِ وَاجِدٌ له فَيَأْخُذُهُ وَلَا شَيْءَ له وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ كما مَرَّ وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ مَصْبُوغًا على تِلْكَ ولم تَفِ بِقِيمَتِهِمَا كَأَنْ صَارَتْ خَمْسَةً فَالصَّبْغُ نَاقِصٌ فَإِنْ شَاءَ قَنَعَ بِهِ بَائِعُهُ وَإِنْ شَاءَ ضَارَبَ بِثَمَنِهِ وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَيْهِمَا أَيْ على الْقِيمَتَيْنِ كَأَنْ صَارَتْ ثَمَانِيَةً فَالزِّيَادَةُ وَهِيَ في الْمِثَالِ دِرْهَمَانِ لِلْمُفْلِسِ وَيَجُوزُ له وَلِلْغُرَمَاءِ قَلْعُ الصَّبْغِ إنْ اتَّفَقُوا عليه وَيَغْرَمُونَ نَقْصَ الثَّوْبِ كَالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وَكَذَا يَجُوزُ لِصَاحِبِ الصَّبْغِ الذي اشْتَرَاهُ الْمُفْلِسُ من غَيْرِ صَاحِبِ الثَّوْبِ قَلْعُهُ وَيَغْرَمُ نَقْصَ الثَّوْبِ أَيْضًا التَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ
وَكَذَا يَجُوزُ قَلْعُهُ لِمَالِكِ الثَّوْبِ مع غُرْمِ نَقْصِ الصَّبْغِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَمَحَلُّ ذلك إذَا أَمْكَنَ قَلْعُهُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَإِلَّا فَيُمْنَعُونَ منه نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عن ابْنِ كَجٍّ في الْأُولَى وفي مَعْنَاهُ الْأَخِيرَتَانِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَصَّار لِلثَّوْبِ الذي اسْتَأْجَرَهُ على قَصْرِهِ مُشْتَرِيهِ يُضَارِبُ بِأُجْرَتِهِ تَارَةً وبما نَقَصَ منها أُخْرَى كما سَيَأْتِي وَكَالْقَصَّارِ الصَّبَّاغُ وَنَحْوُهُ مِثَالُهُ ثَوْبٌ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ وَقِيمَةُ أَيْ أُجْرَةُ صَبْغِهِ بِفَتْحِ الصَّادِ أو قِصَارَتِهِ دِرْهَمٌ فَقُوِّمَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَلِصَاحِبِ الثَّوْبِ عَشَرَةٌ وَلِلصَّبْغِ أو الْقِصَارَةِ دِرْهَمٌ وَأَرْبَعَةٌ لِلْمُفْلِسِ هذا إنْ فَسَخَ الصَّبَّاغُ أو الْقَصَّارُ وَإِلَّا ضَارَبَ بِدِرْهَمٍ فَلَوْ كانت الْقِصَارَةُ مَثَلًا أَيْ أُجْرَتُهَا خَمْسَةً وَسَاوَى الثَّوْبَ مَقْصُورًا أَحَدَ عَشْرَةَ فَإِنْ فَسَخَ الْأَجِيرُ الْإِجَارَةَ فَلِلْبَائِعِ عَشَرَةٌ وَلِلْأَجِيرِ دِرْهَمٌ وَيُضَارِبُ بِأَرْبَعَةٍ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَفْسَخْ ضَارَبَ بِخَمْسَةٍ كما يُضَارِبُ بها إذَا لم تَزِدْ الْقِيمَةُ بِالْقِصَارَةِ وَالدِّرْهَمُ لِلْمُفْلِسِ وَالْعَشَرَةُ لِلْبَائِعِ لَا يُقَالُ قَضِيَّةُ كَوْنِ الْقِصَارَةِ عَيْنًا أَنَّ الزَّائِدَ بها لِلْقَصَّارِ كَزِيَادَةِ الْمَبِيعِ الْمُتَّصِلَةِ وَأَنَّ النَّاقِصَ عن الْأَجْرِ يَقْنَعُ بِهِ لِأَنَّ من وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ كَالصَّبْغِ في نَظِيرِ مَسْأَلَتِنَا نَاقِصًا قَنَعَ بِهِ أو ضَارَبَ لِأَنَّا نَقُولُ الْقِصَارَةُ في الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ عَيْنًا تُفْرَدُ بِالْبَيْعِ وَالْأَخْذِ وَالرَّدِّ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ بَلْ صِفَةً تَابِعَةً لِلثَّوْبِ وَلِهَذَا لم نَجْعَلْ الْغَاصِبَ شَرِيكًا لِلْمَالِكِ بها كما جَعَلْنَاهُ شَرِيكًا له إذَا صَبَغَهُ
وَإِنَّمَا شُبِّهَتْ بِالْعَيْنِ من حَيْثُ إنَّ الزِّيَادَةَ الْحَاصِلَةَ بها مُتَقَوِّمَةٌ مُقَابَلَةٌ بِعِوَضٍ فَلَا تَضِيعُ على الْمُفْلِسِ كَالْأَعْيَانِ وَأَمَّا في حَقِّ الْأَجِيرِ فَلَيْسَتْ مَوْرِدَ الْإِجَارَةِ حتى يُرْجَعَ إلَيْهَا بَلْ مَوْرِدُهَا الصَّنْعَةُ وَلَا يُتَصَوَّرُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا فَجُعِلَ الْحَاصِلُ بها لِاخْتِصَاصِهِ بها مُتَعَلَّقَ حَقِّهِ كَالْمَرْهُونِ في حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لِلْمُفْلِسِ مَرْهُونَةٌ بِحَقِّ الْأَجِيرِ فَلَا يَزِيدُ حَقُّهُ بِزِيَادَةِ قِيمَةِ الْمَقْصُورِ وَلَا يَنْقُصُ عنه بِنَقْصِهَا كما هو شَأْنُ الْمَرْهُونِ فَإِنْ قُلْت قَضِيَّةُ كَوْنِهَا مَرْهُونَةً بِحَقِّهِ وَأَنَّ له حَقَّ الْحَبْسِ كما مَرَّ أَنَّهُ لَا يُضَارِبُ
____________________
(2/204)
بِالْأُجْرَةِ سَوَاءٌ أَفَسَخَ أَمْ لَا قُلْت إذَا لم يَفْسَخْ فَهُوَ مُقَصِّرٌ فَسَقَطَ حَقُّهُ إمَّا من الْحَبْسِ وَالرَّهْنِيَّةِ أو من الرَّهْنِيَّةِ فَقَطْ وَبَقِيَ حَقُّ الْحَبْسِ كما هو في حَقِّ حَبْسِ الْمَبِيعِ وَلَا يَزِيدُ حَقُّ الْقَصَّارِ بِزِيَادَةِ رَاغِبٍ بِخِلَافِ صَاحِبِ الصَّبْغِ يَزِيدُ حَقُّهُ بِزِيَادَتِهِ لِأَنَّ الصَّبْغَ مُسْتَحَقٌّ لِلصَّبَّاغِ بِخِلَافِ الْقِصَارَةِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ لِلْقَصَّارِ وَإِنَّمَا هِيَ مَرْهُونَةٌ بِحَقِّهِ فَلَا يَسْتَوْفِي منها زِيَادَةً على ما رُهِنَ بها وهو الْأُجْرَةُ فَلَوْ رَغِبَ رَاغِبٌ في مِثَالِنَا الْمُسَاوِي فيه الثَّوْبُ مَصْبُوغًا أو مَقْصُورًا خَمْسَةَ عَشَرَ فَاشْتَرَاهُ بِثَلَاثِينَ فَلِصَاحِبِ الثَّوْبُ عِشْرُونَ وَلِلصَّبْغِ في صُورَتِهِ دِرْهَمَانِ أو الْقِصَارَةُ في صُورَتِهَا دِرْهَمٌ وَثَمَانِيَةٌ لِلْمُفْلِسِ في الْأُولَى أو تِسْعَةٌ في الثَّانِيَةِ لِمَا مَرَّ آنِفًا وَلَوْ قال الْغُرَمَاءُ لِلْقَصَّارِ أو الصَّبَّاغِ نُقَدِّمُك بِالْأُجْرَةِ وَدَعْنَا نَكُنْ شُرَكَاءَ صَاحِبِ الثَّوْبِ لم يُجْبَرْ صَوَابُهُ أُجْبِرَ على الْقَبُولِ
وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ أُجْبِرَ على الْأَصَحِّ كَالْبَائِعِ إذَا قَدَّمَهُ الْغُرَمَاءُ بِالثَّمَنِ وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا تَقَدَّمَ من تَرْجِيحِ جَوَازِ الْفَسْخِ عِنْدَ تَقْدِيمِهِمْ بِالثَّمَنِ وَبِأَنَّ الرَّافِعِيَّ لم يذكر قَوْلَهُ كَالْبَائِعِ إلَى آخِرِهِ تَعْلِيلًا لِلْإِجْبَارِ بَلْ لِمُقَابِلِهِ وَرَجَّحَ الْإِجْبَارَ بِنَاءً على أَنَّ الْقِصَارَةَ مَمْلُوكَةٌ لِلْمُفْلِسِ مَرْهُونَةٌ بِحَقِّ الْأَجِيرِ وَالْمُرْتَهِنِ ليس له أَنْ يُمْسِكَ الْمَرْهُونَ بَعْدَ أَدَاءِ حَقِّهِ فَصَوَابُ الْعِبَارَةِ أَنْ يَزِيدَ في الرَّوْضَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ على الْأَصَحِّ وَالثَّانِي لَا كَالْبَائِعِ إلَى آخِرِهِ انْتَهَى وَعَلَى الصَّحِيحِ من أَنَّ الْقَصَّارَ يُجْبَرُ دُونَ الْبَائِعِ يُفَرَّقُ بِأَنَّ حَقَّ الْقَصَّارِ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَيْنِ تَعَلُّقَ الرَّهْنِ فإذا أَدَّى حَقَّهُ زَالَ تَعَلُّقَهُ بها فَأُجْبِرَ بِخِلَافِ حَقِّ الْبَائِعِ وما أُجِيبَ بِهِ عن اعْتِرَاضِ الْإِسْنَوِيُّ من أَنَّ ما هُنَا إنَّمَا هو فِيمَا إذَا قال الْغُرَمَاءُ في الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عليه نُقَدِّمُك من مَالِنَا ليس بِشَيْءٍ فَصْلٌ وَإِنْ أَخْفَى رَجُلٌ مَدْيُونٌ مَالِهِ أَيْ بَعْضَهُ كما عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ وَنَقَصَ الْمَوْجُودُ عن دَيْنِهِ فَحُجِرَ عليه وَرَجَعَ الْبَائِعُ في عَيْنِ مَالِهِ وَتَصَرَّفَ الْقَاضِي في بَاقِي مَالِهِ بِبَيْعِهِ وَقِسْمَةِ ثَمَنِهِ بين غُرَمَائِهِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحَجْرُ عليه لم يُنْقَضْ تَصَرُّفُهُ إذْ لِلْقَاضِي بَيْعُ مَالِ الْمُمْتَنِعِ من أَدَاءِ دَيْنِهِ وَصَرْفُهُ في دَيْنِهِ وَرُجُوعُ الْبَائِعِ في الْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ لِامْتِنَاعِ الْمُشْتَرِي من أَدَاءِ الثَّمَنِ مُخْتَلَفٌ فيه وقد حَكَمَ بِهِ الْقَاضِي مُعْتَقِدُ نُفُوذِهِ أَيْ الْحَاكِمُ أَيْ جَوَازُهُ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَعْتَقِدْ ذلك فَيُنْقَضُ تَصَرُّفُهُ وَهَذَا التَّقْيِيدُ من تَفَقُّهِ الشَّيْخَيْنِ فَإِنَّهُمَا قَالَا فإذا حَكَمَ بِهِ الْقَاضِي نَفَذَ كَذَا في التَّتِمَّةِ وَفِيهِ تَوَقُّفٌ لِأَنَّ الْقَاضِيَ رُبَّمَا لَا يَعْتَقِدُ جَوَازَ ذلك انْتَهَى وَسَيَأْتِي في الشَّهَادَاتِ قبل الْبَابِ الثَّانِي ما يُؤَيِّدُ التَّوَقُّفَ فَالْمُعْتَمَدُ التَّقْيِيدُ
كِتَاب الْحَجْرِ هو لُغَةً الْمَنْعُ وَشَرْعًا الْمَنْعُ من التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ وَالْأَصْلُ فيه قَوْله تَعَالَى وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حتى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ الْآيَةَ وَقَوْلُهُ فَإِنْ كان الذي عليه الْحَقُّ سَفِيهًا الْآيَةَ وَالسَّفِيهُ الْمُبَذِّرُ وَالضَّعِيفُ الصَّبِيُّ وَاَلَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ الْمَغْلُوبُ على عَقْلِهِ وَالْحَجْرُ نَوْعَانِ نَوْعٌ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْغَيْرِ كَالْحَجْرِ على الْمُفْلِسِ لِلْغُرَمَاءِ وَالرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ في الْمَرْهُونِ وَالْمَرِيضِ لِلْوَرَثَةِ في ثُلْثَيْ مَالِهِ وَالْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ وَالْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ وَلِلَّهِ تَعَالَى وَالْمُرْتَدِّ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَهَا أَبْوَابٌ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا وَبَعْضُهَا يَأْتِي وَنَوْعٌ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْمَحْجُورِ عليه وهو ثَلَاثَةٌ حَجْرُ الْجُنُونِ وَالصِّبَا وَالسَّفَهِ وَكُلٌّ منها
____________________
(2/205)
أَعَمُّ مِمَّا بَعْدَهُ وقد ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ وَالْمَحْجُورُ عليهم لِمَصْلَحَتِهِمْ ثَلَاثَةٌ الْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ وَالسَّفِيهُ وَيَنْقَطِعُ حَجْرُ الْجُنُونِ الثَّابِتِ بِمُجَرَّدِ الْجُنُونِ بِالْإِفَاقَةِ منه بِغَيْرِ فَكٍّ وَأَلْحَقَ الْقَاضِي بِالْمَجْنُونِ النَّائِمَ وَالْأَخْرَسَ الذي لَا يَفْهَمُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا يَتَخَيَّلُ أَحَدٌ أَنَّ النَّائِمَ يَتَصَرَّفُ عليه وَلِيُّهُ وَأَمَّا الْأَخْرَسُ الْمَذْكُورُ فإنه لَا يَعْقِلُ وَإِنْ احْتَجَّ إلَى إقَامَةِ أَحَدِ مَقَامِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هو الْحَاكِمَ وفي نُسْخَةٍ قبل قَوْلِهِ وَيَنْقَطِعُ فَصْلٌ
وَمَنْ له أَدْنَى تَمْيِيزٍ فَكَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ في الْحَجْرِ عليه في التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ وَيَنْقَطِعُ الْحَجْرُ عن الصَّبِيِّ بِالْبُلُوغِ رَشِيدًا بِغَيْرِ فَكٍّ لِآيَةِ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى وَمِنْهُمْ من قال بِالْبُلُوغِ قال في الْأَصْلِ وَلَيْسَ هذا اخْتِلَافًا مُحَقَّقًا بَلْ من قال بِالْأَوَّلِ أَرَادَ الْإِطْلَاقَ الْكُلِّيَّ وَمَنْ قال بِالثَّانِي أَرَادَ حَجْرَ الصِّبَا وَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّ الصِّبَا سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ بِالْحَجْرِ وَكَذَا التَّبْذِيرُ وَأَحْكَامُهُمَا مُتَغَايِرَةٌ وَمَنْ بَلَغَ مُبَذِّرًا فَحُكْمُ تَصَرُّفِهِ حُكْمُ تَصَرُّفِ السَّفِيهِ لَا حُكْمُ تَصَرُّفِ الصَّبِيِّ انْتَهَى وَالْبُلُوغُ يَحْصُلُ إمَّا بِاسْتِكْمَالِ خَمْسَ عَشْرَةِ سَنَةً قَمَرِيَّةً تَحْدِيدِيَّةً لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ عُرِضْت على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يوم أُحُدٍ وأنا ابن أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فلم يُجِزْنِي ولم يَرَنِي بَلَغْت وَعُرِضْت عليه يوم الْخَنْدَقِ وأنا ابن خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي وَرَآنِي بَلَغْت رَوَاهُ ابن حِبَّانَ وَأَصْلُهُ في الصَّحِيحَيْنِ وَابْتِدَاؤُهَا من انْفِصَالِ جَمِيعِ الْوَلَدِ أو بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ لِإِمْكَانِهِ أَيْ لِوَقْتِ إمْكَانِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وإذا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا وَلِخَبَرِ رُفِعَ الْقَلَمُ عن ثَلَاثٍ عن الصَّبِيِّ حتى يَحْتَلِمَ وَالْحُلُمُ الِاحْتِلَامُ وهو لُغَةً ما يَرَاهُ النَّائِمُ تَقُولُ منه حَلَمَ بِالْفَتْحِ وَاحْتَلَمَ وَتَقُولُ حَلَمْت بِكَذَا وَحَلَمْته أَيْضًا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا خُرُوجُ الْمَنِيِّ في نَوْمٍ أو يَقَظَةٍ بِجِمَاعٍ أو غَيْرِهِ
وَأَقَلُّهُ أَيْ وَقْتِ إمْكَانِهِ تِسْعُ سِنِينَ قَمَرِيَّةً أَيْ اسْتِكْمَالُهَا بِالِاسْتِقْرَاءِ وَالظَّاهِرُ أنها تَقْرِيبٌ كما في الْحَيْضِ وَلَوْ ادَّعَى الْبُلُوغَ بِهِ أو ادَّعَتْ الصَّبِيَّةُ الْبُلُوغَ بِالْحَيْضِ صُدِّقَا بِلَا يَمِينٍ وَلَوْ في خُصُومَةٍ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا من جِهَتِهِمَا وَلِأَنَّهُمَا إنْ صُدِّقَا فَلَا تَحْلِيفَ وَإِنْ كُذِّبَا فَكَيْفَ يَحْلِفَانِ وَاعْتِقَادُ الْمُكَذِّبِ أَنَّهُمَا صَغِيرَانِ نعم إنْ كان من الْغُزَاةِ وَطَلَبَ سَهْمَ الْمُقَاتَلَةِ أو إثْبَاتَ اسْمِهِ في الدِّيوَانِ حَلَفَ عِنْدَ التُّهْمَةِ كما سَيَأْتِي في السِّيَرِ وَإِنْبَاتُ شَعْرِ الْعَانَةِ الْخَشِنِ الذي يَحْتَاجُ في إزَالَتِهِ إلَى حَلْقٍ دَلِيلٌ لِلْبُلُوغِ في حَقِّ الْكُفَّارِ وَمَنْ جُهِلَ إسْلَامُهُ لِخَبَرِ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ قال كُنْت من سَبْيِ بَنِي قُرَيْظَةَ فَكَانُوا يَنْظُرُونَ من أَنْبَتَ الشَّعْرَ قُتِلَ وَمَنْ لم يُنْبِتْ لم يُقْتَلْ وَكَشَفُوا عَانَتِي فَوَجَدُوهَا لم تُنْبِتْ فَجَعَلُونِي في السَّبْيِ رَوَاهُ ابن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالتِّرْمِذِيُّ وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَفَادَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ ذلك ليس بُلُوغًا حَقِيقَةً بَلْ دَلِيلٌ له وَلِهَذَا لو لم يَحْتَلِمْ وَشَهِدَ عَدْلَانِ بِأَنَّ عُمْرَهُ دُونَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً لم يَحْكُمْ بِبُلُوغِهِ بِالْإِنْبَاتِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ دَلِيلٌ لِلْبُلُوغِ بِالسِّنِّ وَحَكَى ابن الرِّفْعَةِ فيه وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا هذا وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ دَلِيلٌ لِلْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَيُتَّجَهُ أَنَّهُ دَلِيلٌ لِلْبُلُوغِ
____________________
(2/206)
بِأَحَدِهِمَا
وَإِنَّمَا يَكُونُ دَلِيلًا في حَقِّ الْخُنْثَى إذَا كان على فَرْجَيْهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لَا في حَقِّ الْمُسْلِمِينَ لِسُهُولَةِ مُرَاجَعَةِ آبَائِهِمْ وَأَقْرِبَائِهِمْ من الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ الْكُفَّارِ وَلِأَنَّهُمْ مُتَّهَمُونَ في الْإِنْبَاتِ فَرُبَّمَا تَعَجَّلَهُ بِدَوَاءٍ دَفْعًا لِلْحَجْرِ وَتَشَوُّفًا لِلْوِلَايَاتِ بِخِلَافِ الْكُفَّارِ فإنه يُفْضِي بِهِمْ إلَى الْقَتْلِ أو ضَرْبِ الْجِزْيَةِ وَهَذَا جَرَى على الْأَصْلِ وَالْغَالِبِ وَإِلَّا فَالْأُنْثَى وَالْخُنْثَى وَالطِّفْلُ الذي تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَةُ أَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ لِمَوْتٍ أو غَيْرِهِ حُكْمُهُمْ كَذَلِكَ وَوَقْتُ إمْكَانِ إنْبَاتِ الْعَانَةِ وَقْتُ إمْكَانِ الِاحْتِلَامِ لَا إنْبَاتُ شَعْرِ الْإِبْطِ وَاللِّحْيَةِ فَلَيْسَ دَلِيلًا لِلْبُلُوغِ لِنُدُورِهِمَا دُونَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَلِأَنَّ إنْبَاتَهُمَا لو دَلَّ على الْبُلُوغِ لَمَا كَشَفُوا الْعَانَةَ في وَقْعَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ لِمَا فيه من كَشْفِ الْعَوْرَةِ مع الِاسْتِغْنَاءِ عنه وَالتَّرْجِيحُ فِيهِمَا مع التَّعْلِيلِ بِمَا قَالَهُ من زِيَادَتِهِ وفي مَعْنَاهُمَا الشَّارِبُ وَثِقَلُ الصَّوْتِ وَنُهُودُ الثَّدْيِ وَنُتُوُّ طَرَفِ الْحُلْقُومِ وَانْفِرَاقُ الْأَرْنَبَةِ وَغَيْرُهَا وَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى الْعَانَةِ لِلشَّهَادَةِ بها عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَةِ الْبُلُوغِ بها لِلضَّرُورَةِ وَتَزِيدُ الْمَرْأَةُ على ما ذُكِرَ من السِّنِّ وَخُرُوجِ الْمَنِيِّ وَنَبَاتِ الْعَانَةِ بِالْحَيْضِ لِوَقْتِ إمْكَانِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَبِالْوِلَادَةِ لِأَنَّهَا مَسْبُوقَةٌ بِالْإِنْزَالِ وَعَبَّرَ الْأَصْلُ بِالْحَبَلِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا ليس بُلُوغًا وَإِنَّمَا الْبُلُوغُ بِالْإِنْزَالِ وَالْوِلَادَةُ الْمَسْبُوقَةُ بِالْحَبَلِ دَلِيلٌ عليه وَلِهَذَا قال وَيَحْكُمُ بِالْبُلُوغِ قَبْلَهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَشَيْءٍ فَلَوْ أَتَتْ الْمُطَلَّقَةُ بِوَلَدٍ يَلْحَقُ الزَّوْجَ حَكَمْنَا بِالْبُلُوغِ لها قبل الطَّلَاقِ
فَرْعٌ لو أَمْنَى الْخُنْثَى من ذَكَرِهِ وَحَاضَ من فَرْجِهِ حَكَمْنَا بِبُلُوغِهِ لِأَنَّهُ ذَكَرٌ أَمْنَى أو أُنْثَى حَاضَتْ لَا إنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا أو كِلَاهُمَا من أَحَدِهِمَا أَيْ أَحَدِ الْفَرْجَيْنِ فَلَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَظْهَرَ من الْآخَرِ ما يُعَارِضُهُ قَالَهُ الْجُمْهُورُ وقال الْإِمَامُ يَنْبَغِي الْحُكْمُ بِبُلُوغِهِ بِأَحَدِهِمَا كما يَحْكُمُ بِالِاتِّضَاحِ بِهِ ثُمَّ يُغَيِّرُ إنْ ظَهَرَ خِلَافُهُ قال في الْأَصْلِ وهو الْحَقُّ وقال الْمُتَوَلِّي إنْ وَقَعَ ذلك مَرَّةً لم يُحْكَمْ بِبُلُوغِهِ وَإِنْ تَكَرَّرَ حَكَمْنَا بِهِ قال النَّوَوِيُّ وهو حَسَنٌ غَرِيبٌ انْتَهَى فَإِنْ قُلْت لَا مُنَافَاةَ بين الْحَيْضِ وَخُرُوجِ الْمَنِيِّ من الذَّكَرِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ من غَيْرِ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ قُلْت ذَاكَ مَحَلُّهُ مع انْسِدَادِ الْأَصْلِيِّ وهو مُنْتَفٍ هُنَا فَرْعٌ الرُّشْدُ إصْلَاحُ الدَّيْنِ وَالْمَالِ حتى من الْكَافِرِ كما فُسِّرَ بِهِ آيَةُ فَإِنْ آنَسْتُمْ منهم رُشْدًا وَيُعْتَبَرُ في رُشْدِ الْكَافِرِ دِينُهُ ثُمَّ بَيَّنَ إصْلَاحَ الدِّينِ بِقَوْلِهِ فَلَا يَرْتَكِبُ مُحَرَّمًا يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ من كَبِيرَةٍ أو إصْرَارٍ على صَغِيرَةٍ وَإِصْلَاحَ الْمَالِ بِقَوْلِهِ وَلَا يُضَيِّعُ الْمَالَ بِإِلْقَائِهِ في بَحْرٍ أو بِصَرْفِهِ في مُحَرَّمٍ أو بِاحْتِمَالِ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ في الْمُعَامَلَةِ وَنَحْوِهَا وهو ما لَا يُحْتَمَلُ غَالِبًا كما سَيَأْتِي في الْوَكَالَةِ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ كَبَيْعِ ما يُسَاوِي عَشَرَةً بِتِسْعَةٍ وَلَيْسَ صَرْفُهُ في الْخَيْرِ كَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ تَبْذِيرًا لِأَنَّ فيه غَرَضًا وهو الثَّوَابُ وَلَا سَرَفَ في الْخَيْرِ كما لَا خَيْرَ في السَّرَفِ وَلَا صَرْفُهُ في الثِّيَابِ وَالْأَطْعِمَةِ النَّفِيسَةِ وَإِنْ لم تَلْقَ بِحَالِهِ وَشِرَاءِ الْجَوَارِي وَالِاسْتِمْتَاعِ بِهِنَّ لِأَنَّ الْمَالَ يُتَّخَذُ لِيُنْتَفَعَ وَيُلْتَذَّ بِهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ ليس بِحَرَامٍ نعم إنْ صَرَفَهُ في ذلك بِطَرِيقِ الِاقْتِرَاضِ له فَحَرَامٌ كما مَرَّ في قِسْمِ الصَّدَقَاتِ
فَرْعٌ لَا بُدَّ من الِاخْتِبَارِ لِرُشْدِ الصَّبِيِّ في الْمَالِ لِيُعْرَفَ رُشْدُهُ وَعَدَمُ رُشْدِهِ فَلْيُخْتَبَرْ وَلَدُ التَّاجِرِ في الْمُمَاكَسَةِ في الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِأَنْ يَنْقُصَ عَمَّا طَلَبَهُ مُعَامِلُهُ أو بِزِيَادَةٍ عليه وَوَلَدُ الزُّرَّاعِ وفي نُسْخَةِ الزَّارِعِ في الْإِنْفَاقِ على الْقُوَّامِ بها
____________________
(2/207)
وَهُمْ الَّذِينَ اُسْتُؤْجِرُوا على الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الزَّرْعِ كَالْحَرْثِ وَالْحَصْدِ وَالْحِفْظِ وَالْمَرْأَةُ في الْقُطْنِ وَالْغَزْلِ أَيْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا من حِفْظٍ أو غَيْرِهِ وَصَوْتُ الْأَطْعِمَةِ عن الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَنَحْوِهِمَا وَحِفْظُ مَتَاعِ الْبَيْتِ وَوَلَدُ الْأَمِيرِ وَنَحْوِهِ في الْإِنْفَاقِ مُدَّةً في خُبْزٍ وَمَاءٍ وَلَحْمٍ وَنَحْوِهَا وَكُلُّ ذلك على الْعَادَةِ في مِثْلِهِ مَرَّاتٍ يَعْنِي مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ فَلَا يَكْفِي مَرَّةً لِأَنَّهُ قد يُصِيبُ فيها اتِّفَاقًا وَكُلٌّ من الْمَذْكُورِينَ وَغَيْرِهِمْ يُخْتَبَرُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ لو قَدَّمَ هذا كَأَصْلِهِ على قَوْلِهِ فَلْيُخْتَبَرْ كان أَوْلَى حتى وفي نُسْخَةٍ بِحَيْثُ يَغْلِبُ على الظَّنِّ بِالرُّشْدِ وَذَلِكَ أَيْ الِاخْتِبَارُ قبل الْبُلُوغِ لِآيَةِ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى وَالْيَتِيمُ إنَّمَا يَقَعُ على غَيْرِ الْبَالِغِ وَلِأَنَّهُ لو كان بَعْدَهُ لَأَدَّى إلَى أَنْ يُحْجَرَ على الْبَالِغِ الرَّشِيدِ إلَى أَنْ يُخْتَبَرَ وهو بَاطِلٌ وَيُسَلِّمَ إلَيْهِ الْمَالَ لِيُمَاكِسَ لَا لِيَعْقِدَ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ فإذا أَرَادَ الْعَقْدَ عَقَدَ الْوَلِيُّ فَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ في يَدِهِ لم يَضْمَنْهُ الْوَلِيُّ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ فَصْلٌ وفي نُسْخَةٍ فَرْعٌ لو بَلَغَ الصَّبِيُّ مُصْلِحًا لِمَالِهِ لَا دَيْنِهِ أو عَكْسُهُ أو غير مُصْلِحٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا كما فُهِمَا بِالْأَوْلَى لم يَنْفَكُّ حَجْرُهُ بَلْ يُسْتَدَامُ وَيَتَصَرَّفُ في مَالِهِ من كان يَتَصَرَّفُ فيه قبل بُلُوغِهِ لِلْمَعْنَى الذي حُجِرَ لِأَجْلِهِ وَلِمَفْهُومِ آيَةِ فَإِنْ آنَسْتُمْ منهم رُشْدًا وَالْإِينَاسُ هو الْعِلْمُ وَالْمُرَادُ بِالْحَجْرِ الْجِنْسُ لَا حَجْرُ الصَّبِيِّ لِانْقِطَاعِهِ بِالْبُلُوغِ على ما مَرَّ وَيُسَمَّى من بَلَغَ كَذَلِكَ بِالسَّفِيهِ الْمُهْمَلِ وهو مَحْجُورٌ عليه شَرْعًا وَإِنْ لم يَحْجُرْ عليه حِسًّا فَلَوْ أَصْلَحَهُمَا من بَلَغَ بِأَنْ بَلَغَ مُصْلِحًا لَهُمَا أو غير مُصْلِحٍ ثُمَّ صَارَ مُصْلِحًا لَهُمَا انْفَكَّ حَجْرُهُ وَدَفَعَ إلَيْهِ مَالَهُ وَلَوْ امْرَأَةً بِلَا حَاكِمٍ لِلْآيَةِ وَلِأَنَّهُ لم يَثْبُتْ بِهِ كَحَجْرِ الْجُنُونِ نعم إنْ أَنْكَرَ وَلِيُّهُ دَعْوَاهُ أَنَّهُ بَلَغَ رَشِيدًا لم يَنْفَكَّ الْحَجْرُ عنه وَلَا يَحْلِفُ الْوَلِيُّ كَالْقَاضِي وَالْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا أَمِينٌ ادَّعَى انْعِزَالَهُ وَلِأَنَّ الرُّشْدَ يُوقَفُ عليه بِالِاخْتِبَارِ فَلَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ آخَذْنَاهُ بِإِقْرَارِهِ بِهِ في رَفْعِ وِلَايَتِهِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ يُعَضِّدُ قَوْلَهُ بَلْ الظَّاهِرُ أَيْضًا لِأَنَّ الْغَالِبَ في قَرِيبِي الْعَهْدِ بِالْبُلُوغِ عَدَمُ الرُّشْدِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ في دَوَامِ الْحَجْرِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِالرُّشْدِ وَلَوْ عَادَ أَيْ صَارَ بَعْدَ رُشْدِهِ مُبَذِّرًا حَجَرَ عليه الْقَاضِي فَلَا يَحْجُرُ عليه غَيْرُهُ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ وَلَا يَعُودُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ في مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ وَإِنَّمَا حُجِرَ عليه لِآيَةِ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ أَيْ أَمْوَالَهُمْ لِقَوْلِهِ وَارْزُقُوهُمْ فيها وَاكْسُوهُمْ وَلِخَبَرِ خُذُوا على أَيْدِي سُفَهَائِكُمْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عن الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا حَجَرَ
____________________
(2/208)
عليه اُسْتُحِبَّ له أَنْ يَرُدَّ أَمْرَهُ إلَى الْأَبِ أو الْجَدِّ فَإِنْ لم يَكُنْ فَسَائِرُ الْعَصَبَاتِ لِأَنَّهُمْ أَشْفَقُ وهو أَيْ الْقَاضِي وَلِيُّهُ دُونَ الْأَبِ وَالْجَدِّ لِأَنَّهُ الذي يُعِيدُ الْحَجْرَ عليه وَلِأَنَّ وِلَايَةَ غَيْرِهِ قد زَالَتْ فَيَنْظُرُ من له النَّظَرُ الْعَامُّ وَلَا يَرْتَفِعُ الْحَجْرُ إلَّا بِهِ أَيْ بِالْقَاضِي كما لَا يَثْبُتُ إلَّا بِهِ وَلَا حَجْرَ بِعَوْدِ الْفِسْقِ بِلَا تَبْذِيرٍ لِأَنَّ الْأَوَّلِينَ لم يَحْجُرُوا على الْفَسَقَةِ وَيُفَارِقُ اسْتِدَامَتَهُ بِالْفِسْقِ الْمُقْتَرِنِ بِالْبُلُوغِ بِأَنَّ الْأَصْلَ ثَمَّ بَقَاؤُهُ وَهُنَا ثَبَتَ الْإِطْلَاقُ وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ وَيُفَارِقُ الْحَجْرُ بِعَوْدٍ التَّبْذِيرَ بِأَنَّ الْفِسْقَ لَا يَتَحَقَّقُ بِهِ إتْلَافُ الْمَالِ وَلَا عَدَمُ إتْلَافِهِ بِخِلَافِ التَّبْذِيرِ وَلَا حَجْرَ بِالْغَبْنِ في تَصَرُّفٍ دُونَ تَصَرُّفٍ لِبُعْدِ اجْتِمَاعِ الْحَجْرِ وَعَدَمِهِ في شَخْصٍ وَاحِدٍ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْإِمَامِ تَرْجِيحُ جَوَازِ الْحَجْرِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَقْرُبُ أَنْ يُقَالَ إنْ كان الْبَعْضُ الذي يُغْبَنُ فيه أَكْثَرَ حُجِرَ عليه مُطْلَقًا أو أَقَلَّ فَلَا مُطْلَقًا وَإِنْ اسْتَوَيَا فَتَرَدُّدٌ وَلَا حَجْرَ بِالشُّحَّةِ على النَّفْسِ مع الْيَسَارِ لِيُنْفِقَ بِالْمَعْرُوفِ لِأَنَّ الْحَقَّ له وَقِيلَ يُحْجَرُ عليه قال الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَائِلُ بِهِ لم يُرِدْ حَقِيقَةَ الْحَجْرِ فإنه صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ من التَّصَرُّفِ وَلَكِنْ يُنْفِقُ عليه بِالْمَعْرُوفِ من مَالِهِ إلَّا أَنْ يَخَافَ عليه إخْفَاءَ مَالِهِ لِشِدَّةِ شُحِّهِ فَيُمْنَعُ من التَّصَرُّفِ فيه لِأَنَّ هذا أَشَدُّ من التَّبْذِيرِ فَصْلٌ وَلَا يَصِحُّ من السَّفِيهِ الْمَحْجُورِ عليه شَرْعًا أو حِسًّا عَقْدٌ مَالِيٌّ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَلَوْ بِغِبْطَةٍ أو في الذِّمَّةِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْكِتَابَةِ وَلَوْ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ أو الْمُوَكِّلِ وَتَقْدِيرِ وفي نُسْخَةٍ أو بِتَقْدِيرِ الْعِوَضِ وفي أُخْرَى وَلَوْ قَدَّرَ الْعِوَضَ لِأَنَّ تَصْحِيحَهَا يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ مَعْنَى الْحَجْرِ وَلِأَنَّهَا إتْلَافٌ أو مَظِنَّةُ الْإِتْلَافِ وَلِلْآيَةِ وَالْخَبَرِ السَّابِقَيْنِ بِخِلَافِ الِاحْتِطَابِ وَنَحْوِهِ وَالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالظِّهَارِ وَنَحْوِهَا كما سَيَأْتِي وَيَصِحُّ قَبُولُهُ الْهِبَةَ لِأَنَّهُ ليس بِتَفْوِيتٍ بَلْ تَحْصِيلٍ لَا قَبُولُهُ الْوَصِيَّةَ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَالِيٌّ وَهَذَا ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ لَكِنْ الذي جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ الصِّحَّةُ أَيْضًا وقال الْإِمَامُ إنَّهُ الذي عليه الْأَكْثَرُونَ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَلِي بِهِمَا أُسْوَةٌ وَعَلَيْهِ قال الْمَاوَرْدِيُّ لَا يَجُوزُ تَسْلِيمُ الْمَوْهُوبِ وَالْمُوصَى بِهِ إلَيْهِ فَإِنْ سَلَّمَهُمَا إلَيْهِ ضَمِنَ الْمُوصَى بِهِ دُونَ الْمَوْهُوبِ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمُوصَى بِهِ بِقَبُولِهِ بِخِلَافِ الْمَوْهُوبِ وَبَحَثَ في الْمَطْلَبِ جَوَازَ تَسْلِيمِ الْمَوْهُوبِ إلَيْهِ إذَا كان ثَمَّ من يَنْتَزِعُهُ منه عَقِبَ تَسَلُّمِهِ من وَلِيٍّ أو حَاكِمٍ
وَيَصِحُّ تَدْبِيرُهُ وَوَصِيَّتُهُ وَقَبْضُهُ دَيْنَهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ كما سَيَأْتِي في الْخُلْعِ وَعَقْدُهُ الْجِزْيَةَ بِدِينَارٍ وَصُلْحُهُ من قَوَدٍ لَزِمَهُ على شَيْءٍ وَلَوْ أَكْثَرَ من الدِّيَةِ صِيَانَةً لِلرُّوحِ وَتَوْكِيلُهُ في قَبُولِ النِّكَاحِ دُونَ إيجَابِهِ وَنِكَاحِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ لِأَنَّ الْمَالَ فيه تَبَعٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا في مَحَالِّهَا قال الْإِمَامُ وَلَوْ امْتَنَعَ الْوَلِيُّ وَعَسِرَتْ مُرَاجَعَتُهُ في الْمَطَاعِمِ وَنَحْوِهَا وَانْتَهَى إلَى الضَّرُورَةِ فَالْوَجْهُ عِنْدِي الْقَطْعُ بِجَوَازِ تَصَرُّفِهِ بِحَسَبِهَا وَيَضْمَنُ الْقَابِضُ من السَّفِيهِ ما قَبَضَهُ منه في مُعَامَلَةٍ أو غَيْرِهَا وَتَلِفَ عِنْدَهُ وَإِنْ كان جَاهِلًا بِحَالِهِ كما في الْقَابِضِ من الصَّبِيِّ لَا هو أَيْ السَّفِيهُ فَلَا يَضْمَنُ ما قَبَضَهُ من غَيْرِهِ إنْ أَقْبَضَهُ له رَشِيدٌ وَتَلِفَ قبل الْمُطَالَبَةِ له بِرَدِّهِ وَلَوْ انْفَكَّ عنه الْحَجْرُ أو كان الْمُقْبِضُ له جَاهِلًا لِأَنَّهُ الْمُضَيِّعُ له وَإِنَّمَا لم يَضْمَنْهُ بَعْدَ انْفِكَاكِ الْحَجْرِ عنه لِأَنَّهُ حَجْرٌ ضُرِبَ لِمَصْلَحَتِهِ فَأَشْبَهَ الصَّبِيَّ لَكِنَّهُ يَأْثَمُ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ لَكِنْ الذي نَصَّ عليه في الْأُمِّ في بَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّهُ يَضْمَنُ بَعْدَ انْفِكَاكِ الْحَجْرِ عنه وهو الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ في الْبَيْعِ في نَظِيرِهِ من الصَّبِيِّ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ أَقْبَضَهُ له غَيْرُ رَشِيدٍ وَتَلِفَ مُطْلَقًا أو رَشِيدٌ وَتَلِفَ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ بِرَدِّهِ وَالِامْتِنَاعِ منه ضَمِنَ كَنَظِيرِهِ في الصَّبِيِّ وَالتَّقْيِيدُ بِ قبل الْمُطَالَبَةِ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الصَّيْدَلَانِيُّ
قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ في مَعْنَى
____________________
(2/209)
الرَّشِيدِ من سَفِهَ بَعْدَ رُشْدِهِ ولم يَتَّصِلْ بِهِ حَجْرُ الْقَاضِي فإن الْأَصَحَّ نُفُوذُ تَصَرُّفَاتِهِ كَالرَّشِيدِ إلَى أَنْ يَحْجُرَ عليه الْقَاضِي وفي مَعْنَاهُ أَيْضًا من حُجِرَ عليه بِسَفَهٍ وَأَذِنَ له وَلِيُّهُ في الْإِقْبَاضِ وَيَلْغُو إقْرَارُهُ بِمَالٍ وَإِنْ أَسْنَدَهُ إلَى ما قبل الْحَجْرِ وَكَذَا بِجِنَايَةِ تَوْجِيهٍ كَالصَّبِيِّ وَلَا يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ بَعْدَ انْفِكَاكِ الْحَجْرِ وَمَحَلُّهُ في الظَّاهِرِ أَمَّا في الْبَاطِنِ فَيَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ حِينَئِذٍ إنْ كان صَادِقًا فيه لَا إقْرَارُهُ بِمَا يُوجِبُ حَدًّا أو قِصَاصًا فَلَا يَلْغُو وَإِنْ عَفَا عن الْقِصَاصِ على مَالٍ لِعَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِالْمَالِ وَلِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَلُزُومِ الْمَالِ في الْعَفْوِ يَتَعَلَّقُ بِاخْتِيَارِ غَيْرِهِ لَا بِإِقْرَارِهِ وَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ في السَّرِقَةِ لِلْقَطْعِ لَا لِلْمَالِ كَالْعَبْدِ ويقبل إقْرَارُهُ في الْوَطْءِ لِلنَّسَبِ لَا لِثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ لِلْمَوْطُوءَةِ وَالنَّفَقَةِ عليه لِلْوَلَدِ بَلْ يُنْفِقُ عليه من بَيْتِ الْمَالِ نعم إنْ ثَبَتَ أنها فِرَاشٌ له وَوَلَدَتْ لِمُدَّةِ الْإِمْكَانِ ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ لَكِنَّهُ في الْحَقِيقَةِ لم يَثْبُتْ بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ ادَّعَى عليه دَيْنَ مُعَامَلَةٍ لَزِمَهُ قبل الْحَجْرِ فَإِنْ لَزِمَهُ بِالْبَيِّنَةِ يَعْنِي أُقِيمَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ ثَبَتَ وَإِلَّا فَلَا بِنَاءً على أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ وَإِقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ لَاغٍ كما مَرَّ
فَصْلٌ يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَرَجْعَتُهُ وَخُلْعُهُ وَلَوْ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَظِهَارُهُ وَنَفْيُهُ النَّسَبَ بِلِعَانٍ أو غَيْرِهِ وَنَحْوُهَا لِأَنَّهَا ما عَدَا الْخُلْعَ لَا تَعَلُّقَ لها بِالْمَالِ الذي حُجِرَ لِأَجْلِهِ وَأَمَّا الْخُلْعُ فَكَالطَّلَاقِ بَلْ أَوْلَى وهو خَاصٌّ بِالرَّجُلِ لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ إطْلَاقَهُ نَفْيَ السَّبَبِ أَوْلَى من تَقْيِيدِ الْأَصْلِ له بِاللِّعَانِ فَإِنْ كان مِطْلَاقًا سَرَّى بِجَارِيَةٍ صَوَابُهُ جَارِيَةً قَالَهُ النَّوَوِيُّ مع أَنَّهُ عَبَّرَ في مَوَاضِعَ بِالْأَوَّلِ إنْ احْتَاجَ إلَى الْوَطْءِ فَإِنْ كَرِهَهَا أُبْدِلَتْ وَسَيَأْتِي في النِّكَاحِ بَيَانُ الْمِطْلَاقِ وَحُكْمُهُ في الْعِبَادَاتِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ الْبَدَنِيَّةِ لَا في صَرْفِ الزَّكَاةِ كَالرَّشِيدِ لِاجْتِمَاعِ الشَّرَائِطِ فيه بِخِلَافِ صَرْفِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ وِلَايَةٌ وَتَصَرُّفٌ مَالِيٌّ نعم إنْ أَذِنَ له الْوَلِيُّ وَعَيَّنَ له الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ صَحَّ صَرْفُهُ كَنَظِيرِهِ في الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَكَمَا يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ تَوْكِيلُهُ فيه قال الْأَذْرَعِيُّ نعم يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذلك بِحَضْرَةِ الْوَلِيِّ أو من يَنُوبُ عنه لِأَنَّهُ قد يُتْلِفُ الْمَالَ إذَا خَلَا بِهِ أو يَدَّعِي صَرْفَهُ كَاذِبًا وَكَالزَّكَاةِ في ذلك الْكَفَّارَةُ وَنَحْوُهَا
وَإِحْرَامُهُ بِالْحَجِّ قد سَبَقَ بَيَانُهُ فيه وَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُ في الذِّمَّةِ بِالْمَالِ لَا بِعَيْنِ مَالِهِ هذا مُقَيِّدٌ لِمَا أَطْلَقَهُ كَأَصْلِهِ في بَابِ النَّذْرِ من أَنَّهُ لَا يَصِحُّ منه نَذْرُ الْقُرَبِ الْمَالِيَّةِ ثُمَّ الظَّاهِرُ كما قال السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّ الْمُرَادَ بِصِحَّةِ نَذْرِهِ فِيمَا ذُكِرَ ثُبُوتُهُ في الذِّمَّةِ إلَى ما بَعْدَ الْحَجْرِ وَيُكَفِّرُ في غَيْرِ الْقَتْلِ كَالْيَمِينِ بِالصَّوْمِ كَالْمُعْسِرِ لِئَلَّا يَضِيعَ مَالُهُ بِخِلَافِ الْقَتْلِ فإن الْوَلِيَّ يَعْتِقُ عنه فيه لِأَنَّ سَبَبَهُ فِعْلٌ وهو لَا يَقْبَلُ الرَّفْعَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَالتَّقْيِيدُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ من زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ من كَلَامِ الْجُورِيُّ بِحَسَبِ ما فَهِمَهُ وَالْأَصْلُ لم يذكر إلَّا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَقَضِيَّةُ التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ في كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ وَقَضِيَّةُ الْفَرْقِ أَنَّهُ يُكَفِّرُ فيها بِالْمَالِ وَالْفَرْقُ ذَكَرَهُ الْجُورِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ عَنْهُمْ السُّبْكِيُّ وَأَقَرَّهُ وَجَزَمَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ ولم يَتَعَرَّضُوا لِكَفَّارَةِ الْجِمَاعِ وَإِنَّمَا فَرَّقُوا بِهِ بين كَفَّارَتَيْ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ قال السُّبْكِيُّ وَكُلُّ ما يَلْزَمُهُ في الْحَجِّ من الْكَفَّارَاتِ الْمُخَيَّرَةِ لَا يُكَفَّرُ عنه إلَّا بِالصَّوْمِ وما كان مُرَتَّبًا يُكَفَّرُ عنه بِالْمَالِ لِأَنَّ سَبَبَهُ فِعْلٌ أَيْ مع تَرَتُّبٍ وَإِلَّا فما قَبْلَهُ سَبَبُهُ فِعْلٌ أَيْضًا وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُكَفَّرُ عنه في كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ بِالْمَالِ وهو الْأَوْجَهُ وفي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بِالصَّوْمِ وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ وَجَعَلَهُ كَالْيَمِينِ لَكِنْ رَدَّهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ الْيَمِينَ تَتَكَرَّرُ عَادَةً
____________________
(2/210)
فَلَا يَلْزَمُ من جَعْلِهِ فيها كَالْمُعْسِرِ جَعْلُهُ كَذَلِكَ في الظِّهَارِ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَأَطَالَ في الِاحْتِجَاجِ له وَسَأَحْكِيهِ عنه في كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ فإذا لم يَصُمْ حتى انْفَكَّ الْحَجْرُ عنه لم يَجْزِهِ أَيْ الصَّوْمُ إنْ كان مُوسِرًا اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْأَدَاءِ فَصْلٌ يَلِي أَمْرَ الصَّبِيِّ وَمَنْ بِهِ جُنُونٌ وَلَوْ طَرَأَ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ أبو الْأَبِ وَإِنْ عَلَا كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ ثُمَّ وَصِيُّهُمَا أَيْ وَصِيُّ من تَأَخَّرَ مَوْتُهُ مِنْهُمَا ثُمَّ الْقَاضِي لِخَبَرِ السُّلْطَانُ وَلِيُّ من لَا وَلِيَّ له رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالْمُرَادُ قَاضِي بَلَدِ الْمَحْجُورِ عليه فَإِنْ كان بِبَلَدٍ وَمَالُهُ بِآخَرَ فَوَلِيُّ مَالِهِ قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ عليه تَرْتَبِطُ بِمَالِهِ كَمَالِ الْغَائِبِينَ لَكِنَّ مَحَلَّهُ في تَصَرُّفِهِ فيه بِالْحِفْظِ وَالتَّعَهُّدِ وَبِمَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ من الْغِبْطَةِ اللَّائِقَةِ إذَا أَشْرَفَ على التَّلَفِ كما سَيَأْتِي بَيَانُهُ قُبَيْلَ كِتَابِ الْقِسْمَةِ قال الْجُرْجَانِيُّ وإذا لم يُوجَدْ أَحَدٌ من الْأَوْلِيَاءِ الْمَذْكُورِينَ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ النَّظَرُ في حَالِ مَحْجُورِهِمْ وَتَوَلِّي حِفْظِهِ له وَيَكْفِي في الْأَبِ وَالْجَدِّ الْعَدَالَةُ الظَّاهِرَةُ وَلَا يُعْتَبَرُ إسْلَامُهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مُسْلِمًا فإن الْكَافِرَ يَلِي مَالَ وَلَدِهِ الْكَافِرِ لَكِنْ إنْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا لم نُقِرَّهُمْ وَنَلِي نَحْنُ أَمْرَهُمْ بِخِلَافِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِوِلَايَةِ الْمَالِ الْأَمَانَةُ وَهِيَ في الْمُسْلِمِينَ أَقْوَى وَالْمَقْصُودُ بِوِلَايَةِ النِّكَاحِ الْمُوَالَاةُ وَهِيَ في الْكَافِرِ أَقْوَى قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا وِلَايَةَ لِلْأُمِّ قِيَاسًا على النِّكَاحِ وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لِسَائِرِ الْعَصَبَةِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ نعم لهم الْإِنْفَاقُ من مَالِ الطِّفْلِ لِتَأْدِيبِهِ وَتَعْلِيمِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ لهم عليه وِلَايَةٌ لِأَنَّهُ قَلِيلٌ فَسُومِحَ بِهِ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ في إحْرَامِ الْوَلِيِّ عن الصَّبِيِّ وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ وَيَتَصَرَّفُ لَهُمَا الْوَلِيُّ بِالْمَصْلَحَةِ وُجُوبًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وَقَوْلُهُ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ من الْمُصْلِحِ وَلَوْ وَجَدَ بِمَا اشْتَرَاهُ عَيْبًا وَبِهِ غِبْطَةٌ أَمْسَكَهُ لِمَا فيه من الْغِبْطَةِ وَيَشْتَرِي الْوَلِيُّ له أَيْ لِمَحْجُورِهِ جَوَازًا بَلْ نَدْبًا كما قال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْعَقَارَ بَلْ هو أَوْلَى من التِّجَارَةِ إذَا حَصَلَ من رِيعِهِ الْكِفَايَةُ هذا إنْ لم يَخَفْ جَوْرًا من سُلْطَانٍ أو غَيْرِهِ أو خَرَابًا لِلْعَقَارِ أو لم يَجِدْ بِهِ ثِقَلُ خَرَاجٍ وَيَبْنِي لَهُمَا عَقَارَهُمَا بِالْآجُرِّ أَيْ الطُّوبِ الْمُحْرَقِ وَالطِّينِ لَا اللَّبِنِ أَيْ الطُّوبِ الذي لم يُحْرَقْ بَدَلَ الْآجُرِّ وَالْجِصِّ أَيْ الْجِبْسِ بَدَلَ الطِّينِ لِأَنَّ اللَّبِنِ قَلِيلُ الْبَقَاءِ وَيَنْكَسِرُ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَى النَّقْضِ بِخِلَافِ الْآجُرِّ وَالْجِصِّ كَثِيرُ الْمُؤْنَةِ وَلَا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ عِنْدَ النَّقْضِ بَلْ يَلْتَصِقُ بِالطُّوبِ فَيُفْسِدُهَا بِخِلَافِ الطِّينِ وَالسَّفِيهُ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ في جَمِيعِ ما تَقَرَّرَ وَاخْتَارَ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ الْبِنَاءَ أَيْ جَوَازَهُ على عَادَةِ الْبَلَدِ كَيْفَ كان وَلَا يَبِيعُ عَقَارَهُ أَيْ عَقَارَ مَحْجُورِهِ إذْ لَا حَظَّ له فيه إلَّا لِثِقَلِ خَرَاجٍ أو خَوْفِ خَرَابٍ وَالتَّصْرِيحُ بِخَوْفِ الْخَرَابِ من زِيَادَتِهِ وما قَبْلَهُ جَعَلَهُ الْأَصْلُ من جُمْلَةِ الْغِبْطَةِ الْآتِيَةِ وَلَهُ بَيْعُهُ لِحَاجَةِ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَنَحْوُهُمَا إنْ لم يَجِدْ قَرْضًا يَنْتَظِرُ معه غَلَّةً من الْعَقَارِ وَنَحْوِهِ تَفِي بِالْقَرْضِ فَإِنْ وَجَدَ قَرْضًا كَذَلِكَ اقْتَرَضَ له وَامْتَنَعَ بَيْعُ الْعَقَارِ وَشَرْطُهُ الْمَذْكُورُ أَخَصُّ من قَوْلِ أَصْلِهِ إذَا لم يَجِدْ من يُقْرِضُهُ أو لم يَرَ الْمَصْلَحَةَ في الْقَرْضِ أو لِغِبْطَةٍ كَزِيَادَةِ الثَّمَنِ الذي أُرِيدَ بَيْعُهُ بِهِ على ثَمَنٍ مِثْلِهِ وهو يَجِدُ مثله بِبَعْضِهِ أو خَيْرًا منه بِكُلِّهِ وَكَالْعَقَارِ فِيمَا ذُكِرَ آنِيَةُ الْقُنْيَةِ من صُفْرٍ وَغَيْرِهِ نَقَلَهُ ابن الرِّفْعَةِ عِنْدَ الْبَنْدَنِيجِيِّ قال وما عَدَاهُمَا لَا يُبَاعُ أَيْضًا إلَّا لِغِبْطَةٍ أو حَاجَةٍ لَكِنْ يَجُوزُ لِحَاجَةٍ يَسِيرَةٍ وَرِبْحٍ قَلِيلٍ لَائِقٍ بِخِلَافِهِمَا قال الرُّويَانِيُّ وَلَوْ تَرَكَ عِمَارَةَ عَقَارِهِ حتى خَرِبَ مع الْقُدْرَةِ أَثِمَ وَهَلْ يَضْمَنُ كما في تَرْكِ عَلَفِ الدَّابَّةِ أو لَا كما في تَرْكِ التَّلْقِيحِ وَجْهَانِ جَارِيَانِ فِيمَا لو تَرَكَ إيجَارَهُ مع الْقُدْرَةِ وَأَوْجَهُهُمَا
____________________
(2/211)
عَدَمُ الضَّمَانِ فِيهِمَا وَيُفَارِقُ تَرْكَ الْعَلَفِ بِأَنَّ فيه إتْلَافَ رُوحٍ بِخِلَافِ ما هُنَا
قال الْقَفَّالُ وَيَضْمَنُ وَرَقَ الْفِرْصَادِ إذَا تَرَكَهُ حتى فَاتَ وَكَأَنَّهُ قَاسَهُ على سَائِرِ الْأَطْعِمَةِ وَلَا يَبِيعُ له بِعَرَضٍ وَنَسِيئَةٍ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ يَرَاهَا فِيهِمَا لِمَا مَرَّ من قَوْله تَعَالَى إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَمِنْ مَصَالِحِ الْعَرَضِ أَنْ يَكُونَ فيه رِبْحٌ وَمِنْ مَصَالِحِ النَّسِيئَةِ أَنْ تَكُونَ بِزِيَادَةٍ أو لِخَوْفٍ عليه من نَهْبٍ أو إغَارَةٍ وَيَشْهَدُ وُجُوبًا على النَّسِيئَةِ وَزِيَادَتِهَا وَيَرْتَهِنُ كَذَلِكَ بِالثَّمَنِ وقال ابن الرِّفْعَةِ يَرْتَهِنُ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً كما في إقْرَاضِ مَالِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وقد يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ ثَمَّ من الْمُطَالَبَةِ مَتَى شَاءَ بِخِلَافِهِ هُنَا وقد يُسْرِعُ من عليه الثَّمَنُ في ضَيَاعِ مَالِهِ وَلَا يَتَمَكَّنُ من مُطَالَبَتِهِ فَاحْتِيجَ إلَى التَّوَثُّقِ بِالرَّهْنِ أَيْ مُطْلَقًا رَهْنًا وَافِيًا بِهِ لِلِاحْتِيَاطِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَفْعَلْ ذلك ضَمِنَ قال السُّبْكِيُّ وَبَطَلَ الْبَيْعُ على الْأَصَحِّ قال وقال الْإِمَامُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ إذَا كان الْمُشْتَرِي مَلِيًّا انْتَهَى وَكَلَامُ الْأَصْلِ دَالٌّ على ذلك وَلَا يُجْزِئُ الْكَفِيلُ عن الِارْتِهَانِ وَلَا يَلْزَمُ الْأَبَ وَالْجَدَّ الِارْتِهَانُ من نَفْسِهِمَا له وَالدَّيْنُ عَلَيْهِمَا كَأَنْ بَاعَا مَالَهُ لِنَفْسِهِمَا نَسِيئَةً لِأَنَّهُمَا أَمِينَانِ في حَقِّهِ وَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَعَمُّ من قَوْلِ الْأَصْلِ وإذا بَاعَ مَالَ وَلَدِهِ لِنَفْسِهِ نَسِيئَةً لَا يَحْتَاجُ إلَى رَهْنٍ من نَفْسِهِ وَيُسَجِّلُ الْقَاضِي بِبَيْعِهِمَا مَالَ وَلَدِهِمَا أَيْ يَحْكُمُ بِصِحَّتِهِ إذَا رَفَعَاهُ إلَيْهِ
وَإِنْ لم يُثْبِتَا أَنَّ بَيْعَهُمَا وَقَعَ بِالْمَصْلَحَةِ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَّهَمَيْنِ في حَقِّ وَلَدِهِمَا وفي وُجُوبِ إثْبَاتِهِمَا أَيْ إقَامَتِهِمَا الْبَيِّنَةَ بِالْعَدَالَةِ لِيُسَجَّلَ لَهُمَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا اكْتِفَاءَ بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ كَشُهُودِ النِّكَاحِ وَالثَّانِي نعم كما يَجِبُ إثْبَاتُ عَدَالَةِ الشُّهُودِ لِيَحْكُمَ قال ابن الْعِمَادِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هو الْأَصَحَّ بِخِلَافِ ما مَرَّ لِأَنَّ ذَاكَ في جَوَازِ تَرْكِ الْحَاكِمِ لَهُمَا على الْوِلَايَةِ وَهَذَا فِيمَا إذَا طَلَبَا منه أَنْ يُسَجِّلَ لَهُمَا بِخِلَافِ الْوَصِيِّ وَالْأَمِينِ فإنه يَجِبُ إقَامَتُهُمَا الْبَيِّنَةَ بِالْمَصْلَحَةِ وَبِعَدَالَتِهِمَا وَالتَّصْرِيحُ بِالْحُكْمِ في عَدَالَتِهِمَا من زِيَادَتِهِ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا بَاعَا مَالَهُ وَلَوْ غير عَقَارٍ بِلَا مَصْلَحَةٍ فَتَلْزَمُهُمَا الْبَيِّنَةُ لَا على الْأَبِ وَالْجَدِّ فَلَا تَلْزَمُهُمَا الْبَيِّنَةُ بَلْ الْبَيِّنَةُ عليه لِأَنَّهُمَا لَا يُتَّهَمَانِ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِمَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا وَقَضِيَّتُهُ قَبُولُ قَوْلِ الْأُمِّ وَإِنْ عَلَتْ إذَا كانت وَصِيَّةً وَكَذَا من في مَعْنَاهَا كَآبَائِهَا وما ذُكِرَ في الْوَصِيِّ وَالْأَمِينِ قال الزَّرْكَشِيُّ مَحَلُّهُ في غَيْرِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ أَمَّا فيها فَالظَّاهِرُ قَبُولُ قَوْلِهِمَا لِعُسْرِ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِمَا وَدَعْوَاهُ على الْمُشْتَرِي من الْوَلِيِّ كَدَعْوَاهُ على الْوَلِيِّ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ عليه إنْ اشْتَرَى من غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا إنْ اشْتَرَى مِنْهُمَا وَسَكَتَ عن دَعْوَاهُ على الْقَاضِي وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ في بَابِ الْإِيصَاءِ
فَرْعٌ لَا يُعَامِلُ الطِّفْلَ وَصِيٌّ هذا أَعَمُّ من قَوْلِ أَصْلِهِ ليس لِلْوَصِيِّ بَيْعُ مَالِهِ لِنَفْسِهِ وَلَا مَالِ نَفْسِهِ له وَالْقَاضِي وَأَمِينُهُ كَالْوَصِيِّ وَالْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهِ كَالطِّفْلِ أَمَّا الْأَبُ وَالْجَدُّ فَلَهُمَا ذلك كما مَرَّ في الْبَيْعِ وَيَأْتِي في الْأُمِّ إذَا كانت وَصِيَّةً وَمَنْ في مَعْنَاهَا ما تَقَدَّمَ
____________________
(2/212)
فِيهِمَا قبل الْفَرْعِ وَلَا يَقْتَصُّ له وَلِيٌّ وَلَوْ أَبًا وَلَا يَعْفُو عن الْقِصَاصِ إذْ قد يَخْتَارُ مَحْجُورُهُ بَعْدَ زَوَالِ حَجْرِهِ غير ما اخْتَارَهُ هو نعم له الْعَفْوُ على الْأَرْشِ في حَقِّ الْمَجْنُونِ الْفَقِيرِ كما سَيَأْتِي في الْجِنَايَاتِ إذْ لَا غَايَةَ لِلْجُنُونِ بِخِلَافِ الصِّبَا وَلَا يُعْتَقُ عنه رَقِيقُهُ في غَيْرِ الْكَفَّارَةِ الْمُرَتَّبَةِ وَلَوْ بِعَرَضٍ وَلَا يُكَاتِبُ ه وَلَا يَهَبُ مَالَهُ بِثَوَابٍ وَلَا غَيْرِهِ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ وَلِأَنَّ الْهِبَةَ وَالْعِتْقَ لَا يَقْصِدُ بِهِمَا الْعِوَضَ نعم إنْ شَرَطَ ثَوَابًا مَعْلُومًا في الْهِبَةِ بِغِبْطَةٍ جَازَتْ بِنَاءً على ما مَرَّ في الْخِيَارِ من أنها إذَا قُيِّدَتْ بِثَوَابٍ مَعْلُومٍ كانت بَيْعًا وَلَا يُدَبِّرُ رَقِيقَهُ وَلَا يُعَلِّقُ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ كما يُؤْخَذُ من مَنْعِهِ من كِتَابَتِهِ وَلَا يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ وَلَا يُخَالِعُهَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ وَلَا بِصَرْفِ مَالِهِ لِلْمُسَابَقَةِ كما سَيَأْتِي في بَابِهَا
وَلَا يُشْتَرَى له ما يُسْرِعُ فَسَادُهُ لِلتِّجَارَةِ وَإِنْ كان مُرْبِحًا وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ له وَلَا يَشْتَرِي له إلَّا من ثِقَةٍ فَقَدْ يَخْرُجُ الْمَبِيعُ مُسْتَحِقًّا قال ابن الرِّفْعَةِ وَلَا يَظْهَرُ جَوَازُ شِرَاءِ الْحَيَوَانِ له لِلتِّجَارَةِ لِغَرَرِ الْهَلَاكِ وَيَأْخُذُ له بِالشُّفْعَةِ عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ في الْأَخْذِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِفِعْلِهَا وَيَتْرُكُ الْأَخْذَ عِنْدَ عَدَمِهَا فيه وَإِنْ عُدِمَتْ في التَّرْكِ أَيْضًا كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ كَغَيْرِهِ قال في الْمَطْلَبِ وَالنَّصُّ يُفْهِمُهُ وَالْآيَةُ تَشْهَدُ له يَعْنِي قَوْله تَعَالَى وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِنْ تَرَكَهَا مع وُجُودِ الْغِبْطَةِ في الْأَخْذِ لَا مع عَدَمِهَا وَبَلَغَ أَيْ الطِّفْلُ أَخَذَهَا لِأَنَّ تَرْكَ الْوَلِيِّ حِينَئِذٍ لم يَدْخُلْ تَحْتَ وِلَايَتِهِ فَلَا يَفُوتُ بِتَصَرُّفِهِ بِخِلَافِ ما إذَا تَرَكَهَا لِعَدَمِ الْغِبْطَةِ وَلَوْ في الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ مَعًا كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ كَغَيْرِهِ فَعِبَارَتُهُ في هذه وَاَلَّتِي قَبْلَهَا أَحْسَنُ من عِبَارَةِ أَصْلِهِ ولم يُعَبِّرْ أَصْلُهُ فِيمَا ذَكَرَ بِالْغِبْطَةِ بَلْ بِالْمَصْلَحَةِ وَهِيَ أَعَمُّ وَلَوْ أَخَذَ الْوَلِيُّ مع الْغِبْطَةِ ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَأَرَادَ الرَّدَّ لم يُمْكِنْ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ بَعْدَ زَوَالِ حَجْرِهِ في أَنَّ الْوَلِيَّ تَرَكَ الْأَخْذَ مع الْغِبْطَةِ فَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ الْبَيِّنَةُ إلَّا على أَبٍ أو جَدٍّ قال إنَّهَا تُرِكَتْ لِغَيْرِ غِبْطَةٍ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عليه كما مَرَّ في بَيْعِ الْعَقَارِ وَلَا أُجْرَةَ لِلْوَلِيِّ وَلَا نَفَقَةَ في مَالِ مَحْجُورِهِ فَإِنْ كان فَقِيرًا وَشُغِلَ بِسَبَبِهِ عن الِاكْتِسَابِ أَخَذَ الْأَقَلَّ من الْأُجْرَةِ وَالنَّفَقَةِ بِالْمَعْرُوفِ قال تَعَالَى وَمَنْ كان غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كان فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ وَكَالْأَكْلِ غَيْرُهُ من بَقِيَّةِ الْمُؤَنِ وَإِنَّمَا خُصَّ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَعَمُّ وُجُوهِ الِانْتِفَاعَاتِ وَمَحَلُّ ذلك في غَيْرِ الْحَاكِمِ أَمَّا الْحَاكِمُ فَلَيْسَ له ذلك لِعَدَمِ اخْتِصَاصِ وِلَايَتِهِ بِالْمَحْجُورِ عليه بِخِلَافِ غَيْرِهِ حتى أَمِينِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَلَهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالْأَخْذِ من غَيْرِ مُرَاجَعَةِ الْحَاكِمِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا نَقَصَ أَجْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْأُمِّ إذَا كانت وَصِيَّةً عن نَفَقَتِهِمْ وَكَانُوا فُقَرَاءَ يُتَمِّمُونَهَا من مَالِ مَحْجُورِهِمْ لِأَنَّهَا إذَا وَجَبَتْ بِلَا عَمَلٍ فَمَعَ الْعَمَلِ أَوْلَى وَلَا يَضْمَنُهُ أَيْ ما أَخَذَهُ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَلِأَنَّهُ بَدَلُ عَمَلِهِ كَالْإِمَامِ إذَا أَخَذَ الرِّزْقَ من بَيْتِ الْمَالِ وَعَلَيْهِ اسْتِمْنَاءُ مَالِهِ قَدْرَ الْمُؤَنِ إنْ أَمْكَنَ بِلَا مُبَالَغَةٍ في ذلك وَلَيْسَ عليه أَنْ يَشْتَرِيَ له إلَّا بَعْدَ اسْتِغْنَائِهِ عن الشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ فَإِنْ لم يَسْتَغْنِ عنه قَدَّمَ نَفْسَهُ وَإِنْ تَضَجَّرَ الْأَبُ وَإِنْ عَلَا فَلَهُ الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي لِيُنَصِّبَ قَيِّمًا بِأُجْرَةٍ من مَالِ مَحْجُورِهِ وَلَهُ ذلك أَيْ أَنْ يُنَصِّبَ غَيْرَهُ بها بِنَفْسِهِ وَسَتَأْتِي زِيَادَةٌ على ذلك في النِّكَاحِ مع أَنَّ الْأَصْلَ إنَّمَا ذَكَرَ قَوْلَهُ وَعَلَيْهِ اسْتِمْنَاءُ مَالِهِ إلَى آخِرِهِ ثَمَّ فَصْلٌ وَلِلْوَلِيِّ خَلْطُ مَالِهِ بِمَالُ الصَّبِيِّ كما سَيَأْتِي في الْإِيصَاءِ أَيْضًا وَمُؤَاكَلَتُهُ لِلْإِرْفَاقِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ هذا إنْ كان لِلصَّبِيِّ فيه حَظٌّ كما قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِلَّا امْتَنَعَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُسَافِرِينَ خَلْطُ أَزْوَادِهِمْ وَإِنْ تَفَاوَتُوا في الْأَكْلِ لِأَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ وَرَدَتْ فيه وَيُنْفِقُ عليه الْوَلِيُّ وَيَكْسُوهُ وُجُوبًا بِالْمَعْرُوفِ وَيُخْرِجُ وُجُوبًا الزَّكَاةَ من مَالِهِ وَأَرْشَ الْجِنَايَةِ وَإِنْ لم يُطْلَبْ ذلك منه وَنَفَقَةُ الْقَرِيبِ إنْ طُلِبَتْ منه لِسُقُوطِهَا بِمُضِيِّ الزَّمَانِ نعم إنْ كان الْقَرِيبُ طِفْلًا أو مَجْنُونًا أو عَاجِزًا عن الْإِرْسَالِ كَزَمِنٍ أَخْرَجَهَا بِلَا طَلَبٍ لَكِنْ إنْ كان له
____________________
(2/213)
وَلِيٌّ خَاصٌّ فَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ طَلَبِهِ وَكَالصَّبِيِّ في ذلك وَفِيمَا يَأْتِي في الْفَرْعِ وَالْفَصْلِ الْآتِيَيْنِ الْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ وَتَقَدَّمَ في أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ أَنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ إخْرَاجِهَا على الْوَلِيِّ إذَا كان مِمَّنْ يَرَى وُجُوبَهَا وفي وُجُوبِ إخْرَاجِهَا وَإِخْرَاجِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِلَا طَلَبٍ نَظَرٌ وقد تَقَدَّمَ في كِتَابِ التَّفْلِيسِ أَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ بِالطَّلَبِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ ذَاكَ ثَبَتَ بِالِاخْتِيَارِ فَتَوَقَّفَ وُجُوبُ أَدَائِهِ على طَلَبِهِ بِخِلَافِ ما هُنَا فَرْعٌ وَيَجُوزُ له السَّفَرُ وَالتَّسْفِيرُ بِمَالِهِ مع ثِقَةٍ وَلَوْ بِلَا ضَرُورَةٍ من نَحْوِ حَرِيقٍ أو نَهْبٍ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ قد تَقْتَضِي ذلك وَالْوَلِيُّ مَأْمُورٌ بها بِخِلَافِ الْمُودِعِ إذَا لم تَكُنْ ضَرُورَةُ هذا إنْ سَافَرَ أو سَفَّرَ بِمَالِهِ في طَرِيقٍ آمِنٍ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ هذا شَرْطٌ في حَالَتَيْ الضَّرُورَةِ وَعَدَمِهَا وَقَضِيَّةُ كَلَامِ أَصْلُهُ هُنَا أَنَّهُ شَرْطٌ في حَالَةِ عَدَمِهَا فَقَطْ قال الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كان الْبَلَدُ أَخْوَفَ جَازَ ذلك أو الطَّرِيقُ فَلَا وَإِنْ اسْتَوَيَا فَتَرَدَّدَ وَالْأَوْجَهُ الْمَنْعُ لَا في بَحْرٍ وَإِنْ غَلَبَتْ سَلَامَتُهُ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ عَدَمِهَا وَلَا يَرْكَبُ بِالصَّبِيِّ الْبَحْرَ وَإِنْ غَلَبَتْ سَلَامَتُهُ كَمَالِهِ هذا من زِيَادَتِهِ تَبِعَ فيه الْإِسْنَوِيَّ وهو قِيَاسٌ حَسَنٌ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِمْ إنَّ وَلِيَّهُ يَمْنَعُ من قَطْعِ سِلْعَتِهِ إنْ لم يَزِدْ خَطَرُ تَرْكِهَا وقد يُفَرَّقُ على بُعْدٍ بِأَنَّهُ إنَّمَا حُرِّمَ ذلك في مَالِهِ لِمُنَافَاتِهِ غَرَضَ وِلَايَتِهِ عليه من حِفْظِهِ وَتَنْمِيَتِهِ بِخِلَافِهِ هو فَيَجُوزُ أَنْ يُرْكِبَهُ الْبَحْرَ إذَا غَلَبَتْ سَلَامَتُهُ كما يَجُوزُ إرْكَابُ نَفْسِهِ وَقَاسَ الْإِسْنَوِيُّ على ما ذُكِرَ أَيْضًا تَحْرِيمَ رُكُوبِ الْحَامِلِ حتى تَضَعَ الْحَمْلَ وَتَسْقِيَهُ اللِّبَأَ بَلْ وَتَفْطِمُهُ إنْ تَعَيَّنَتْ لِلْإِرْضَاعِ وَإِلَّا فَفِيهِ نَظَرٌ قال وَقِيَاسُهُ أَيْضًا تَحْرِيمُ إرْكَابِ الْبَهَائِمِ وَكَذَا الزَّوْجَةُ وَالْأَرِقَّاءُ الْبَالِغُونَ عِنْدَ عَدَمِ رِضَاهُمْ إلَّا إنْ كان الْإِرْكَابُ لِنَقْلِهِمْ من دَارِ الشِّرْكِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَيَجُوزُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالصَّوَابُ عَدَمُ تَحْرِيمِ إرْكَابِ الْبَهَائِمِ وَالْأَرِقَّاءِ عِنْدَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ وَكَذَا رُكُوبُ الْحَامِلِ فَصْلٌ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْقَاضِي إقْرَاضُ مَالِ الصَّبِيِّ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَسَفَرٍ أو نَهْبٍ أَمَّا الْقَاضِي فَلَهُ ذلك مُطْلَقًا لِكَثْرَةِ أَشْغَالِهِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ في الْقَضَاءِ على الْغَائِبِ أَنَّ لِلْأَبِ ذلك كَالْقَاضِي وإذا أَقْرَضَهُ الْقَاضِي أو غَيْرُهُ فَيُقْرِضُهُ وفي نُسْخَةٍ وَيُقْرِضُهُ مَلِيًّا أَمِينًا وَيَأْخُذُ رَهْنًا إنْ رَأَى في أَخْذِهِ مَصْلَحَةً وَإِلَّا تَرَكَهُ وَلَا يُودِعُهُ أَمِينًا إلَّا إنْ عُدِمَ ذلك أَيْ التَّمَكُّنُ من إقْرَاضِهِ فَصْلٌ وَيُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَشْهَدَ على حَجْرِ السَّفِيهِ إذَا حُجِرَ عليه وَإِنْ رَأَى النِّدَاءَ عليه لِيُجْتَنَبَ في الْمُعَامَلَةِ فِعْلٌ وَيُجْبِرُ الصَّبِيَّ وَالسَّفِيهَ على الِاكْتِسَابِ إنْ كان لَهُمَا كَسْبٌ لِيَرْتَفِقَا بِهِ في النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا وَلِلسَّفِيهِ إذَا وَجَبَ له قِصَاصٌ أَنْ يَقْتَصَّ وَأَنْ يَعْفُوَ بِمَالٍ وَبِدُونِهِ بِنَاءً على أَنَّ الْوَاجِبَ بِجِنَايَةِ الْعَمْدِ الْقِصَاصُ عَيْنًا فَإِنْ عَفَا على مَالٍ قَبَضَهُ وَلِيُّهُ لَا هو لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ من التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ كما مَرَّ د
كِتَابُ الصُّلْحِ وما ذُكِرَ معه من التَّزَاحُمِ على الْحُقُوقِ وَالتَّنَازُعِ فيها وَالصُّلْحُ لُغَةً قَطْعُ النِّزَاعِ وَشَرْعًا عَقْدٌ يَحْصُلُ بِهِ ذلك وهو أَنْوَاعٌ صُلْحٌ بين الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ وَبَيْنَ الْإِمَامِ وَالْبُغَاةِ وَبَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ الشِّقَاقِ وَصُلْحٌ في الْمُعَامَلَةِ وهو مَقْصُودُ الْبَابِ وَالْأَصْلُ فيه قبل الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَخَبَرُ الصُّلْحُ جَائِزٌ بين الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أو حَرَّمَ حَلَالًا رَوَاهُ ابن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَالْكُفَّارُ كَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ لِانْقِيَادِهِمْ إلَى الْأَحْكَامِ غَالِبًا وَلَفْظُهُ يَتَعَدَّى لِلْمَتْرُوكِ بِ من وَعَنْ وَلِلْمَأْخُوذِ بِ على وَالْبَاءِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ في أَحْكَامِهِ
____________________
(2/214)
فَلَا يَصِحُّ مع الْإِنْكَارِ أو السُّكُوتِ من الْمُدَّعَى عليه وَلَوْ في صُلْحِ الْحَطِيطَةِ إذْ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ التَّمْلِيكِ مع ذلك لِاسْتِلْزَامِهِ أَنْ يَمْلِكَ الْمُدَّعِي ما لَا يَمْلِكُهُ وَيَتَمَلَّكَ الْمُدَّعَى عليه ما يَمْلِكُهُ وَلَا يَصِحُّ من غَيْرِ سَبْقِ خُصُومَةٍ بَيْنَهُمَا فَلَوْ قال من غَيْرِ سَبْقِهَا صَالِحْنِي عن دَارِك على كَذَا لم يَصِحَّ لِأَنَّ لَفْظَ الصُّلْحِ يَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ خُصُومَةٍ إلَّا إنْ نَوَيَا بِهِ الْبَيْعَ فَيَصِحُّ وَإِنْ لم تَتَقَدَّمْ خُصُومَةٌ فَعُلِمَ أَنَّهُ كِتَابَةٌ
وهو أَيْ الصُّلْحُ نَوْعَانِ الْأَوَّلُ صُلْحُ مُعَاوَضَةٍ وهو بَيْعٌ من الْمُدَّعِي لِلْمُدَّعَى عليه إنْ كان الْعِوَضُ عَيْنًا فَمَنْ خُوصِمَ في دَارٍ وَأَقَرَّ بها لِلْمُدَّعِي ثُمَّ صَالَحَ عنها بِثَوْبٍ وَنَحْوِهِ فَقَدْ اشْتَرَاهَا بِهِ فَتَلْزَمُ فيه أَحْكَامُ الْبَيْعِ كُلُّهَا من الْبُطْلَانِ بِالْغَرَرِ وَالْجَهْلِ وَغَيْرِهِمَا وَلَا حَاجَةَ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَلَوْ قال كَالْغَرَرِ بَلْ لو قال كَالْبُطْلَانِ بِالْغَرَرِ كان أَوْلَى إذْ من أَحْكَامِ الْبَيْعِ أَيْضًا ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ وَالْخِيَارِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَمَنْعِ التَّصَرُّفِ قبل الْقَبْضِ وَحُكْمُ الرِّبَا أَيْ وَيَلْزَمُ فيه أَيْضًا حُكْمُ بَيْعِ الرِّبَوِيِّ وبيع الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ نَصَّ عَلَيْهِمَا مع دُخُولِهِمَا فِيمَا قَبْلَهُمَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَدَمُ دُخُولِهِمَا فيه لِخُرُوجِهِمَا عن سَائِرِ الْبُيُوعِ فَإِنْ كان الْعِوَضُ مَنْفَعَةً وَصَالَحَ عليها مُدَّةً مَعْلُومَةً فَهُوَ إجَارَةٌ فَيَثْبُتُ فيه حُكْمُهَا وَإِنْ صَالَحَ عن دَيْنٍ غَيْرِ دَيْنِ السَّلَمِ صَحَّ وَلَوْ بِدَيْنٍ كَذَلِكَ لَكِنْ بِشَرْطِ تَعْيِينِهِ أَيْ الدَّيْنِ في الْمَجْلِسِ لِيَخْرُجَ عن بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَلَوْ لم يَقْبِضْ في الْمَجْلِسِ فإنه يَصِحُّ إنْ اجْتَنَبَ الرِّبَا بِأَنْ لم يَكُنْ الْعِوَضَانِ رِبَوِيَّيْنِ وَإِلَّا اُشْتُرِطَ الْقَبْضُ فيه أَيْضًا
النَّوْعُ الثَّانِي صُلْحُ الْحَطِيطَةِ فَمَنْ صَالَحَ عن عَيْنٍ أو دَيْنٍ بِالنِّصْفِ أو بِالثُّلُثِ مَثَلًا فَهُوَ في الْعَيْنِ هِبَةٌ لِلْبَعْضِ الْبَاقِي فَيُشْتَرَطُ فيه الْقَبُولُ وَالْقَبْضُ بِالْإِذْنِ فيه وفي الدَّيْنِ إبْرَاءٌ عن الْبَاقِي فَتَثْبُتُ فيه أَحْكَامُهُ وَيَصِحُّ هذا الْإِبْرَاءُ بِلَفْظِ الصُّلْحِ لِأَنَّ خَاصِّيَّتَهُ وَهِيَ سَبْقُ الْخُصُومَةِ قد وُجِدَتْ وَهَذَا مَعْلُومٌ من أَوَّلِ كَلَامِهِ كما عُلِمَ منه صِحَّةُ الْهِبَةِ بِذَلِكَ فَلَوْ قال صَالَحْتُك عن الْأَلْفِ الذي عَلَيْك بِخَمْسِمِائَةٍ صَحَّ وَاشْتَرَطَ الْقَبُولَ لِأَنَّ لَفْظَ الصُّلْحِ يَقْتَضِيهِ بِخِلَافِ لَفْظِ الْإِبْرَاءِ وَنَحْوِهِ كَالْإِسْقَاطِ لَا يُشْتَرَطُ فيه الْقَبُولُ كَ أَبْرَأْتُكَ من خَمْسِمِائَةٍ من الْأَلْفِ الذي عَلَيْكَ أو حَطَطْتهَا عَنْك أو أَسْقَطْتهَا عَنْك وَصَالَحْتُك بِالْبَاقِي وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْبَاقِي هذا أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ قَبْضُ الْبَاقِي في الْمَجْلِسِ فَلَوْ كانت الْخَمْسُمِائَةِ الْمُصَالَحُ بها مُعَيَّنَةً لم يَصِحَّ لِأَنَّ تَعْيِينَهَا يَقْتَضِي كَوْنَهَا عِوَضًا فَيَصِيرُ بَائِعًا لِأَلْفٍ بِخَمْسِمِائَةٍ بِخِلَافِ ما إذَا لم تَكُنْ مُعَيَّنَةً وَهَذَا تَبِعَ فيه كَالْإِسْنَوِيِّ الْإِمَامَ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْلِ الصِّحَّةُ وَأَنَّ ما قَالَهُ الْإِمَامُ ضَعِيفٌ قال الرَّافِعِيُّ عَقِبَهُ وَلِلْأَوَّلِ أَنْ يَمْنَعَهُ وَيَقُولَ الصُّلْحُ منه على بَعْضِهِ إبْرَاءٌ لِلْبَعْضِ وَاسْتِيفَاءٌ لِلْبَاقِي وَعَلَى الصِّحَّةِ جَرَى الْبَغَوِيّ وَالْخُوَارِزْمِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ وَأَمَّا الصُّلْحُ على الْإِنْكَارِ فَلَا يَصِحُّ في الْحَالَيْنِ أَيْ حَالَيْ تَعْيِينِ الْخَمْسِمِائَةِ وَعَدَمِ تَعْيِينِهَا وَهَذَا من زِيَادَتِهِ هُنَا وَكَذَا قَوْلُهُ قَبْلُ فَلَا يَصِحُّ مع الْإِنْكَارِ وَلَوْ في صُلْحِ الْحَطِيطَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِمَا لِأَنَّهُ كَأَصْلِهِ عَقْدٌ فِيمَا يَأْتِي لِلصُّلْحِ على الْإِنْكَارِ فَصْلًا وَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ بِأَلْفِ حَالٍّ أو صَحِيحٍ عن أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ أو مُكَسَّرٍ لِأَنَّهُ وَعْدٌ من الْمَدْيُونِ بِإِسْقَاطِ الْأَجَلِ وَالتَّكْسِيرِ وَهُمَا لَا يَسْقُطَانِ وَلَا عَكْسُهُ أَيْ لَا يَصِحُّ بِأَلْفٍ مُؤَجَّلٍ أو مُكَسَّرٍ عن أَلْفٍ حَالٍّ أو صَحِيحٍ لِأَنَّهُ وَعْدٌ من الدَّائِنِ بِإِلْحَاقِ الْأَجَلِ وَالتَّكْسِيرِ وَهُمَا لَا يَلْحَقَانِ لَكِنْ من عَجَّلَ مُؤَجَّلًا أو أَدَّى صَحِيحًا عن مُكَسَّرٍ جَازَ لِلدَّائِنِ قَبُولُهُ فَيَسْقُطُ الْأَجَلُ وَالتَّكْسِيرُ لِصُدُورِ الْإِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ من أَهْلِهِمَا نعم إنْ ظَنَّ الْمُؤَدِّي صِحَّةَ الصُّلْحِ لم يَسْقُطْ ذلك كما مَرَّ نَظِيرُهُ فِيمَا لو شَرَطَ بَيْعًا في بَيْعٍ وَأَتَى بِالثَّانِي على ظَنِّ الصِّحَّةِ نَبَّهَ عليه ابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ
____________________
(2/215)
وَمَنْ صَالَحَ عن أَلْفٍ حَالٍّ بِخَمْسِمِائَةٍ مُؤَجَّلَةٍ فَلَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ بَلْ هو مُسَامَحَةٌ بِحَطِّ خَمْسِمِائَةٍ وَبِإِلْحَاقِ أَجَلٍ بِالْبَاقِي وَالْأَوَّلُ سَائِغٌ دُونَ الثَّانِي فَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ من الْخَمْسِمِائَةِ لَا التَّأْجِيلُ وفي عَكْسِهِ بِأَنْ صَالَحَ عن أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ بِخَمْسِمِائَةٍ حَالَّةٍ يَبْطُلُ لِأَنَّهُ تَرَكَ بَعْضَ الْمِقْدَارِ لَيَحْصُلَ الْحُلُولُ في الْبَاقِي وَالصِّفَةُ بِانْفِرَادِهَا لَا تُقَابَلُ بِعِوَضٍ وَلِأَنَّ صِفَةَ الْحُلُولِ لَا يَصِحُّ إلْحَاقُهَا بِالْمُؤَجَّلِ وإذا لم يَحْصُلْ ما تَرَكَ من الْقَدْرِ لِأَجْلِهِ لم يَصِحَّ التَّرْكُ
فَرْعٌ لَا يَصِحُّ صُلْحُ الْحَطِيطَةِ وَلَا الصُّلْحُ عن الْقِصَاصِ في نَفْسٍ أو دُونَهَا وَلَا صُلْحُ الْكُفَّارِ عن الْكَفِّ عن دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ على مَالٍ بِلَفْظِ الْبَيْعِ إذْ لَا دَخْلَ له فيها وَلِأَنَّ الْعَيْنَ في الْأُولَى مِلْكُ الْمُدَّعِي فإذا بَاعَهَا بِبَعْضِهَا فَقَدْ بَاعَ مِلْكَهُ بِمِلْكِهِ أو بَاعَ الشَّيْءَ بِبَعْضِهِ وهو مُحَالٌ بِخِلَافِ غَيْرِهَا من بَقِيَّةِ صُوَرِ صُلْحِ الْمُعَاوَضَةِ يَصِحُّ بِلَفْظِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَتَعْبِيرُهُ بِمَالٍ في صُلْحِ الْكُفَّارِ قَاصِرٌ بِخِلَافِ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِشَيْءٍ يَأْخُذُهُ منهم فإنه يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ كَفَكِّ أَسْرَى مِنَّا في أَيْدِيهِمْ وَلَوْ صَالَحَ عن إبِلِ الدِّيَةِ لم يَصِحَّ لِجَهْلِ صِفَتِهَا كما لو أَسْلَمَ في شَيْءٍ لم يَصِفْهُ
فَرْعٌ وَإِنْ تَرَكَ الْوَارِثُ حَقَّهُ لِأَخِيهِ مَثَلًا كَأَنْ قال تَرَكْتُ حَقِّي من التَّرِكَةِ لَك فَقِيلَ لم يَصِحَّ وَحَقُّهُ بِحَالِهِ لِتَعَيُّنِ التَّمْلِيكِ وَالْقَبُولِ في أَعْيَانِهَا وَالْإِبْرَاءِ في دُيُونِهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذلك كِنَايَةً حتى تَصِحَّ مع النِّيَّةِ وَإِنْ صَالَحَ عن أَلْفِ دِرْهَمٍ وَخَمْسِينَ دِينَارًا مُعَيَّنَةً بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ لم يَجُزْ وَإِنْ كانت دَيْنًا له في ذِمَّةِ غَيْرِهِ فَصَالَحَ عنها بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ جَازَ لِاسْتِيفَاءِ الْأَلْفِ وَالِاعْتِيَاضِ عن الذَّهَبِ بِالْأَلْفِ الْآخَرِ أَشَارَ بِهِ إلَى قَوْلِ أَصْلِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا كان الْمَبْلَغُ في الذِّمَّةِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى تَقْدِيرِ الْمُعَاوَضَةِ فيه فَيُجْعَلُ مُسْتَوْفِيًا لِأَحَدِ الْأَلْفَيْنِ وَمُعْتَاضًا عن الدَّنَانِيرِ الْأَلْفِ الْآخَرِ وإذا كان مُعَيَّنًا كان الصُّلْحُ عنه اعْتِيَاضًا فَكَأَنَّهُ بَاعَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَخَمْسِينَ دِينَارًا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وهو من صُوَرِ مُدِّ عَجْوَةٍ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْإِمَامِ السَّابِقَةِ لِأَنَّ الصُّلْحَ فيها صُلْحُ حَطِيطَةٍ فَبَعُدَ فيها الِاعْتِيَاضُ
فَرْعٌ لو صَالَحَهُ عن الدَّارِ الْمُدَّعَاةِ بِسُكْنَاهَا سَنَةً فَعَارِيَّةٌ لها يَرْجِعُ فيها مَتَى شَاءَ وَلَا أُجْرَةَ له كما هو قَضِيَّةُ الْعَارِيَّةِ أو صَالَحَهُ عنها على أَيْ بِشَرْطِ سُكْنَاهَا سَنَةً بِمَنْفَعَةِ عَبْدِهِ سَنَةً فَإِجَارَةٌ بِمَنْفَعَةٍ وقد عُلِمَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ ذَكَرَ من أَقْسَامِ الصُّلْحِ خَمْسَةً الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ وَالْهِبَةَ وَالْإِبْرَاءَ وَالْعَارِيَّةَ وَبَقِيَ منها أَشْيَاءُ أُخَرُ منها السَّلَمُ بِأَنْ يَجْعَلَ الْمُدَّعَى بِهِ رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ وَالْجَعَالَةُ كَصَالَحْتُك من كَذَا على رَدِّ عَبْدِي وَالْخُلْعُ كَصَالَحْتُك من كَذَا على أَنْ تُطَلِّقَنِي طَلْقَةً وَالْمُعَاوَضَةُ عن دَمِ الْعَمْدِ كَصَالَحْتُكَ من كَذَا على ما تَسْتَحِقُّهُ عَلَيَّ أو على ما أَسْتَحِقُّهُ عَلَيْك من الْقِصَاصِ وَالْفِدَاءِ كَقَوْلِهِ لِلْحَرْبِيِّ صَالَحْتُك من كَذَا على إطْلَاقِ هذا الْأَسِيرِ وَالْفَسْخِ كَأَنْ صَالَحَ من الْمُسْلَمِ فيه على رَأْسِ الْمَالِ وَكَأَنَّهُ تَرَكَهَا كَغَيْرِهِ لِأَخْذِهَا من الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ
فَصْلٌ الصُّلْحُ على الْإِنْكَارِ بَاطِلٌ لِمَا مَرَّ وَقِيَاسًا على ما لو أَنْكَرَ الْخُلْعَ وَالْكِتَابَةَ ثُمَّ تَصَالَحَا على شَيْءٍ وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بَعْدَ الْإِنْكَارِ صَحَّ الصُّلْحُ لِثُبُوتِ الْحَقِّ بها كَثُبُوتِهِ بِالْإِقْرَارِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَوَافَقَهُ الْغَزَالِيُّ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ وَاسْتَشْكَلَهُ قَبْلَهُ لِأَنَّ له سَبِيلًا إلَى الطَّعْنِ وَلَوْ ادَّعَى عليه عَيْنًا فقال رَدَدْتهَا إلَيْك ثُمَّ صَالَحَهُ قال الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ إنْ كانت في يَدِهِ أَمَانَةً لم يَصِحَّ الصُّلْحُ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فَيَكُونُ صُلْحًا على إنْكَارٍ وَإِنْ كانت مَضْمُونَةً فَقَوْلُهُ في الرَّدِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ وقد أَقَرَّ بِالضَّمَانِ فَيَصِحُّ الصُّلْحُ وَيُحْتَمَلُ بُطْلَانُهُ فإنه لم يُقِرَّ أَنَّ عليه شيئا وإذا صَالَحَ على الْإِنْكَارِ وكان الْمُدَّعِي مُحِقًّا فَيَحِلُّ له فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَأْخُذَ ما بَذَلَهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وهو صَحِيحٌ في صُلْحِ الْحَطِيطَةِ وَفِيهِ فَرْضُ كَلَامِهِ فَأَمَّا إذَا صَالَحَ على غَيْرِ الْمُدَّعِي فَفِيهِ ما يَأْتِي في مَسْأَلَةِ الظُّفُرِ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ قال وَلَوْ أَنْكَرَ فَصُولِحَ ثُمَّ أَقَرَّ الصُّلْحُ بَاطِلًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إذَا أَقَرَّ بِأَنَّهُ كان مِلْكًا لِلْمَصَالِحِ حين
____________________
(2/216)
الصُّلْحِ فَيَنْبَغِي الصِّحَّةُ لِاتِّفَاقِهِمَا على أَنَّ الْعَقْدَ جَرَى بِشُرُوطِهِ في عِلْمِهِمَا أو في نَفْسِ الْأَمْرِ انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ شَرْطُ صِحَّةِ الصُّلْحِ الْإِقْرَارُ وهو مُنْتَفٍ حَالَ الْعَقْدِ وَلَوْ قال صَالِحْنِي عن الْعَيْنِ التي تَدَّعِيهَا أو الدَّيْنِ الذي تَدَّعِيهِ لم يَكُنْ مُقِرًّا لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ قَطْعَ الْخُصُومَةِ فَالصُّلْحُ بَعْدَهُ صُلْحٌ على إنْكَارٍ وَكَذَا لو قال صَالِحْنِي عن دَعْوَاك الْكَاذِبَةِ أو عن دَعْوَاك بَلْ الصُّلْحُ عن الدَّعْوَى بَاطِلٌ مع الْإِقْرَارِ أَيْضًا لِأَنَّ الدَّعْوَى لَا يُعْتَاضُ عنها وَلَا يَبْرَأُ منها وَإِنْ قال بِعْنِي أو هَبْنِي كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو زَوِّجْنِي هذه أو أَبْرِئْنِي منه أَيْ مِمَّا تَدَّعِيهِ فَإِقْرَارٌ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ في الْتِمَاسِ التَّمَلُّكِ أو قال أَعِرْنِي أو أَجِّرْنِي فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إقْرَارٌ كَقَوْلِهِ بِعْنِي وَالثَّانِي لَا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قد يَسْتَعِيرُ مِلْكَهُ وَيَسْتَأْجِرُهُ من مُسْتَأْجَرِهِ وَمِنْ الْمُوصَى له بِمَنْفَعَتِهِ وَهَذَا أَوْجَهُ نعم يَظْهَرُ أَنَّهُ إقْرَارٌ بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلْمَنْفَعَةِ وَيَصِحُّ إبْرَاءُ الْمُنْكِرِ وَلَوْ بَعْدَ التَّحْلِيفِ لِأَنَّ الْمُبْرِئَ يَسْتَقِلُّ بِالْإِبْرَاءِ لِعَدَمِ افْتِقَارِهِ إلَى الْقَبُولِ فَلَا حَاجَةَ فيه إلَى تَصْدِيقِ الْغَرِيمِ وَلَوْ تَصَالَحَا بَعْدَ التَّحْلِيفِ لم يَجُزْ بِمَعْنَى لم يَحِلَّ ولم يَصِحَّ كما لو تَصَالَحَا قَبْلَهُ وَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَسْتَقِلُّ بِالصُّلْحِ وَلَوْ اخْتَلَفَا هل اصْطَلَحَا عن إقْرَارٍ أو إنْكَارٍ صُدِّقَ الْمُنْكِرُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الصِّحَّةِ
فَصْلٌ وَإِنْ صَالَحَ عن الْمُقِرِّ أَجْنَبِيٌّ عن بَعْضِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ أو عن كُلِّهَا بِعَيْنٍ لِلْمُدَّعَى عليه أو بِعَشَرَةٍ مَثَلًا في ذِمَّتِهِ بِوَكَالَةٍ لِلْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ بِأَخْبَارِهِ صَحَّ الصُّلْحُ عن الْمُوَكِّلِ بِمَا وَكَّلَهُ بِهِ وَصَارَ الْمُصَالَحُ عنه مِلْكًا لِلْمُدَّعَى عليه وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ صَالَحَ عنه بِغَيْرِ وَكَالَةٍ فَلَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْإِذْنِ فيه فَهُوَ شِرَاءُ فُضُولِيٍّ وقد مَرَّ وَتَرَكَ من كَلَامِ أَصْلِهِ هُنَا صُلْحَ الْحَطِيطَةِ الْمُعَبَّرِ عنه فيه بِقَوْلِهِ على نِصْفِ الْمُدَّعِي وَذَكَرَ بَدَلَهُ الصُّلْحَ عن بَعْضِ الْعَيْنِ وَتَعْبِيرُهُ بِعَيْنٍ لِلْمُدَّعَى عليه أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِعَبْدِهِ فَإِنْ كان الْوَكِيلُ صَالَحَ عن الْمُقِرِّ على عَيْنٍ وَالْمَالُ لِلْوَكِيلِ أو على دَيْنٍ في ذِمَّتِهِ فَكَشِرَائِهِ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ بِمَالِ نَفْسِهِ وقد سَبَقَ بَيَانُهُ في الشَّرْطِ الثَّالِثِ من شُرُوطِ الْمَبِيعِ وَبَيَّنْت ثَمَّ أَنَّهُ يَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَقَعُ لِلْآذِنِ وَأَنَّ الْمَدْفُوعَ قَرْضٌ لَا هِبَةٌ وَإِنْ صَالَحَ لِنَفْسِهِ بِعَيْنِ مَالِهِ أو بِدَيْنٍ في ذِمَّتِهِ صَحَّ له وَإِنْ لم يَجْرِ معه خُصُومَةٌ لِأَنَّ الصُّلْحَ تَرَتَّبَ على دَعْوَى وَجَوَابٍ وَإِنْ كان الْمُدَّعَى دَيْنًا فقال الْأَجْنَبِيُّ وَكَّلَنِي الْمُدَّعَى عليه بِمُصَالَحَتِك على نِصْفِهِ أو ثَوْبِهِ هذا فَصَالَحَهُ صَحَّ كما لو كان الْمُدَّعَى عَيْنًا أو على ثَوْبِي هذا لم يَصِحَّ لِأَنَّهُ بَيْعُ شَيْءٍ بِدَيْنِ غَيْرِهِ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ قَبْلَهُ في نَظِيرِهِ من صُوَرِ الْعَيْنِ أَنَّهُ يَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَقَعُ لِلْآذِنِ وقد صَرَّحَ الْإِمَامُ بِأَنَّ الْخَلَاقَ فِيهِمَا سَوَاءٌ انْتَهَى وَالْأَوْجَهُ ما أَشَارَ إلَيْهِ من إلْحَاقِ هذه بِتِلْكَ فَيَصِحُّ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ كَمَنْ ضَمِنَ دَيْنًا وَأَدَّاهُ على أَنَّ الرَّافِعِيَّ لَا تَصْحِيحَ له في هذه وَإِنَّمَا التَّصْحِيحُ فيها من زِيَادَةِ النَّوَوِيِّ وَلَوْ صَالَحَ لِوَكِيلٍ عنه أَيْ عن الدَّيْنِ لِنَفْسِهِ بِعَيْنٍ أو دَيْنٍ في ذِمَّتِهِ لم يَصِحَّ لِأَنَّهُ ابْتِيَاعُ دَيْنٍ في ذِمَّةِ غَيْرِهِ وَهَذَا يُخَالِفُ ما قَدَّمَهُ في بَابِ الْمَبِيعِ قبل قَبْضِهِ من الصِّحَّةِ وَيُوَافِقُ ما صَحَّحَهُ في الْمِنْهَاجِ من عَدَمِهَا كما قَدَّمْته ثَمَّ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ سَالِمَةٌ من ذلك حَيْثُ قال وَلَوْ صَالَحَ لِنَفْسِهِ على عَيْنٍ أو دَيْنٍ في ذِمَّتِهِ فَهُوَ ابْتِيَاعُ دَيْنٍ في ذِمَّةِ الْغَيْرِ وقد سَبَقَ بَيَانُهُ فَإِنْ صَالَحَهُ أَجْنَبِيٌّ عن أَلْفٍ بِخَمْسِمِائَةٍ صَحَّ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنٍ لِأَنَّ قَضَاءَ دَيْنِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ جَائِزٌ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين تَعْيِينِ الْخَمْسِمِائَةِ وَعَدَمِ تَعْيِينِهَا وهو مُؤَيِّدٌ لِمُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِهِ الْمُخَالِفِ لِكَلَامِ الْإِمَامِ الذي جَرَى عليه الْمُصَنِّفُ فِيمَا مَرَّ وَإِنْ صَالَحَهُ عن الْمُنْكَرِ ظَاهِرًا وقال أَقَرَّ عِنْدِي ولم يُظْهِرْهُ خَوْفًا من أَخْذِك له وَوَكَّلَنِي في مُصَالَحَتِك له فَصَالَحَهُ صَحَّ لِأَنَّ دَعْوَى الْإِنْسَانِ الْوَكَالَةَ في الْمُعَامَلَاتِ مَقْبُولَةٌ وَمَحَلُّهُ كما قال الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ إذَا لم يُعِدْ الْمُدَّعَى عليه
____________________
(2/217)
الْإِنْكَارَ بَعْدَ دَعْوَى الْوَكَالَةِ فَلَوْ أَعَادَهُ كان عَزْلًا فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عنه
وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ وقال أَقَرَّ عِنْدِي ما لو اقْتَصَرَ على وَكَّلَنِي في مُصَالَحَتِك له فَلَا يَصِحُّ بِنَاءً على الْأَصَحِّ في أَنَّ قَوْلَهُ صَالِحْنِي عَمَّا تَدَّعِيهِ ليس إقْرَارًا وَبِقَوْلِهِ وَوَكَّلَنِي في مُصَالَحَتِك له ما لو تَرَكَهُ فَهُوَ شِرَاءُ فُضُولِيٍّ فَلَا يَصِحُّ كما مَرَّ فَلَوْ قال أَنْكَرَ الْخَصْمُ وهو مُبْطِلٌ في إنْكَارِهِ فَصَالِحْنِي له بِعَبْدِي هذا لِتَنْقَطِعَ الْخُصُومَةُ بَيْنَكُمَا صَحَّ الصُّلْحُ عن الدَّيْنِ لَا عن الْعَيْنِ إذْ لَا يَتَعَذَّرُ قَضَاءُ دَيْنِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِخِلَافِ تَمْلِيكِهِ الْعَيْنَ أو فَصَالِحْنِي لِنَفْسِي وَالْمُدَّعَى عَيْنٌ فَكَشِرَاءِ الْمَغْصُوبِ فَيُفَرَّقُ بين قُدْرَتِهِ على انْتِزَاعِهِ وَعَدَمِهَا لِمَا مَرَّ في الْبَيْعِ فَإِنْ كان الْمُدَّعَى دَيْنًا فَهُوَ ابْتِيَاعُ دَيْنٍ في ذِمَّةِ غَيْرِهِ وَيُؤْخَذُ من قَوْلِهِ وهو مُبْطِلٌ ما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ من أَنَّهُ لو قال هو مُنْكِرٌ وَلَا أَعْلَمُ صِدْقَك وَصَالَحَهُ لم يَصِحَّ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُصَالَحُ عليه له أَمْ لِلْمُدَّعَى عليه كما لو صَالَحَهُ الْمُدَّعِي وهو مُنْكِرٌ قال وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ على وَرَثَةِ مَيِّتٍ دَارًا من تَرِكَتِهِ فَأَقَرُّوا له جَازَ لهم مُصَالَحَتُهُ فَإِنْ دَفَعُوا لِبَعْضِهِمْ ثَوْبًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ لِيُصَالِحَ عليه جَازَ وكان عَاقِدًا لِنَفْسِهِ وَوَكِيلًا لِلْبَاقِينَ وَلَوْ قالوا لِوَاحِدٍ صَالِحْهُ عَنَّا بِثَوْبِك فَصَالَحَهُ عَنْهُمْ
فَإِنْ لم يُسَمِّهِمْ في الصُّلْحِ وَقَعَ الصُّلْحُ عنه وَإِلَّا فَفِي إلْغَاءِ التَّسْمِيَةِ وَجْهَانِ فَإِنْ لم تَلْغُ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْهُمْ وَهَلْ الثَّوْبُ هِبَةٌ لهم أَمْ قَرْضٌ عليهم وَجْهَانِ وَإِنْ أُلْغِيَتْ فَهَلْ يَصِحُّ الصُّلْحُ كُلُّهُ لِلْعَاقِدِ أو يَبْطُلُ في نَصِيبِ الشُّرَكَاءِ وَيَخْرُجُ نَصِيبُهُ على قَوْلِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَجْهَانِ وَإِنْ صَالَحَهُ بَعْضُهُمْ على مَالِهِ له دُونَ إذْنِ الْبَاقِينَ لِيَتَمَلَّكَ الْجَمِيعُ جَازَ أو على أَنْ تَكُونَ الدَّارُ له وَلَهُمْ لَغَا ذِكْرُهُمْ وَعَادَ الْوَجْهَانِ في أَنَّ الْجَمِيعَ يَقَعُ له أو يَبْطُلُ في نَصِيبِهِمْ وَيَخْرُجُ نَصِيبُهُ على قَوْلِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ
فَصْلٌ وَإِنْ اسْتَوْقَفَ مَالٌ إلَى التَّبَيُّنِ أو اصْطِلَاحُ الْمُتَنَازِعِينَ فيه كَمَالِ وُقِفَ لِزَوْجَتَيْنِ طَلُقَتْ إحْدَاهُمَا وَمَاتَ الزَّوْجُ قبل الْبَيَانِ وَهِيَ بَائِنٌ أو مَالٌ وُقِفَ لِشَخْصَيْنِ عِنْدَ وَدِيعٍ وقد أُشْكِلَ على الْوَدِيعِ مُسْتَحَقُّهُ مِنْهُمَا فَاصْطَلَحَا أَيْ الزَّوْجَتَانِ أو الشَّخْصَانِ على أَنْ يَأْخُذَهُ أَحَدُهُمَا وَيُعْطِيَ الْآخَرُ من غَيْرِهِ لم يَجُزْ لِأَنَّهُ بَيْعٌ له وَشَرْطُهُ تَحَقُّقُ الْمِلْكِ في الْعِوَضَيْنِ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ أو على أَنْ يَتَفَاضَلَا فيه جَازَ لِلضَّرُورَةِ وَلِأَنَّهُ نُزُولٌ عن بَعْضِ الْحَقِّ وَسَيَأْتِي ما له بهذا تَعَلُّقٌ في نِكَاحِ الْمُشْرِكِ
مَسَائِلُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْبَابِ لو صَالَحَهُ بِنَفْسِهِ أو وَكِيلُهُ عن الدَّارِ مَثَلًا على نَحْوِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ فَرَدَّهُ بِعَيْبٍ أو اسْتَحَقَّ لِغَيْرِ الْمُشْتَرِي أو هَلَكَ قبل الْقَبْضِ كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ في تَعْبِيرِهِ بِالِانْفِسَاخِ تَسْمَحُ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِيَةِ فَإِنْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ لِلْعَبْدِ بِتَلَفٍ وَنَحْوِهِ كَتَعَيُّبٍ في يَدِهِ رَجَعَ في جُزْءٍ من الدَّارِ بِقَدْرِ ما نَقَصَ من قِيمَةِ الْعَبْدِ كما لو بَاعَهَا بِعَبْدٍ وَإِنْ كان الْعِوَضُ الْمُصَالَحُ عليه في الذِّمَّةِ بِأَنْ صُولِحَ عليه وَقَبَضَهُ الْمُدَّعِي وَرَدَّهُ بِعَيْبٍ أو اسْتَحَقَّ اُسْتُبْدِلَ بِهِ أَيْ أَخَذَ بَدَلَهُ وَلَا فَسْخَ وَلَا انْفِسَاخَ وَتَعْبِيرُهُ بِالْعِوَضِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ بِالدَّرَاهِمِ
وَإِنْ وَقَفَ أَرْضًا مَسْجِدًا أو غَيْرَهُ وَأَقَرَّ بها لِمُدَّعٍ لها غَرِمَ له الْقِيمَةَ أَيْ قِيمَتَهَا لِإِحَالَتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بِوَقْفِهِ فَإِنْ أَنْكَرَ وَصَالَحَ عنه أَجْنَبِيٌّ جَازَ الصُّلْحُ لِأَنَّهُ بَذْلُ مَالٍ في قُرْبَةٍ وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ على الْوَاقِفِ لِكَوْنِهِ وُقِفَ وَالصُّلْحُ عَمَّا في ذِمَّةِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ جَائِزٌ وَتَعْبِيرُهُ بِوَقْفِ الْأَرْضِ أَنَصُّ في الْمُرَادِ وَأَعَمُّ من تَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ بِبِنَائِهَا مَسْجِدًا
وَإِنْ صَالَحَ مُتْلِفُ الْعَيْنِ مَالِكَهَا بِأَكْثَرَ من قِيمَتِهَا من حَبْسِهَا أو بِمُؤَجَّلٍ لم يَصِحَّ الصُّلْحُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قِيمَةُ الْمُتْلَفِ حَالَّةً فلم يَصِحَّ الصُّلْحُ على أَكْثَرَ منه وَلَا على مُؤَجَّلٍ كَمَنْ غَصَبَ دِينَارًا فَصَالَحَ على أَكْثَرَ منه أو على مُؤَجَّلٍ لِمَا في ذلك من الرِّبَا بِخِلَافِ ما إذَا صَالَحَ بِأَقَلَّ من قِيمَتِهَا كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أو بِأَكْثَرَ من قِيمَتِهَا بِغَيْرِ جِنْسِهَا
وَإِنْ أَقَرَّ له بِمُجْمَلٍ فَصَالَحَهُ عنه وَهُمَا يَعْرِفَانِهِ صَحَّ الصُّلْحُ وَإِنْ لم يُسَمِّهِ أَحَدٌ مِنْهُمَا كما لو قال بِعْتُك الشَّيْءَ الذي أَعْرِفُهُ أنا وَأَنْتَ وَإِنْكَارُ حَقِّ الْغَيْرِ حَرَامٌ فَلَوْ بَذَلَ لِلْمُنْكِرِ مَالًا لِيُقِرَّ بِالْمُدَّعِي فَفَعَلَ لم يَصِحَّ الصُّلْحُ لِبِنَائِهِ على فَاسِدٍ بَلْ بَذْلُهُ أَيْ الْمَالِ لِذَلِكَ وَأَخْذُهُ حَرَامٌ وَهَلْ يَكُونُ بِذَلِكَ مُقِرًّا وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا لَا وَبِهِ جَزَمَ ابن كَجٍّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِشَرْطٍ فَلَوْ وَكَّلَ الْمُنْكِرُ في الصُّلْحِ عنه أَجْنَبِيًّا جَازَ التَّوْكِيلُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ كَالْوَارِثِ يَجْهَلُ أَمْرَ التَّرِكَةِ فَلَهُ التَّوْكِيلُ في الصُّلْحِ لِإِقَالَةِ الشُّبْهَةِ عنه
الْبَابُ الثَّانِي في التَّزَاحُمِ على الْحُقُوقِ
____________________
(2/218)
الطَّرِيقُ النَّافِذُ بِالْمُعْجَمَةِ وَيُعَبَّرُ عنه بِالشَّارِعِ مُبَاحٌ لَا يَمْلِكُ لِأَحَدٍ من الناس فَلِكُلٍّ منهم فَتْحُ بَابٍ من مِلْكِهِ إلَيْهِ كَيْفَ شَاءَ وَلِكُلِّ مُسْلِمٍ التَّصَرُّفُ فيه بِمَا لَا يَضُرُّ الْمَارَّةَ فَلَهُ إشْرَاعُ أَيْ إخْرَاجُ جَنَاحٍ أَيْ رَوْشَنٍ وَسَابَاطٍ فيه أَيْ سَقِيفَةٍ بين حَائِطَيْهِ لَا يَشُقُّ ظَلَامَهُ وَلَا يَضُرُّ الْمَارَّ الْمَاشِيَ الْمُنْتَصِبَ تَحْتَهُ وَعَلَى رَأْسِ الْحُمُولَةِ الْعَالِيَةِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الطَّرِيقُ وَاسِعَةً أَمْ ضَيِّقَةً لَا تَمُرُّ فيها الْقَوَافِلُ وَالْفَوَارِسُ وَسَوَاءٌ أَذِنَ الْإِمَامُ فيه أَمْ لَا لِإِطْبَاقِ الناس على فِعْلِهِ من غَيْرِ إنْكَارٍ وَتَقْيِيدُهُ الظَّلَامَ بِالْمَشَقَّةِ أَخَذَهُ من قَوْلِ الْأَصْلِ وفي التَّتِمَّةِ إنْ انْقَطَعَ الضَّوْءُ كُلُّهُ أَثَرٌ وَإِنْ نَقَصَ فَلَا وَتَصْرِيحُهُ بِالْمُسْلِمِ هُنَا من زِيَادَتِهِ وَكَذَا لَا يَضُرُّ مع ذلك بِالْمَحْمَلِ مع كَنِيسَةٍ أَيْ أَعْوَادٍ مُرْتَفِعَةٍ عليه مُعَدَّةٍ لَأَنْ يُوضَعَ عليها سُتْرَةٌ تَقِي الرَّاكِبَ من الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَتَسْتُرُهُ على الْبَعِيرِ إنْ كانت أَيْ الطَّرِيقُ جَادَّةً أَيْ وَاسِعَةً تَمُرُّ فيها الْقَوَافِلُ وَالْفَوَارِسُ لِأَنَّ ذلك وَإِنْ كان نَادِرًا فَقَدْ يَتَّفِقُ وَالْأَصْلُ في جَوَازِ ذلك أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَصَبَ بيده مِيزَابًا في دَارِ عَمِّهِ الْعَبَّاسِ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ
وقال إنَّ الْمِيزَابَ كان شَارِعًا لِمَسْجِدِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَّا التَّصَرُّفُ فيه بِمَا يَضُرُّ بِالْمَارِّ فَمُمْتَنَعٌ لِخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ وهو حَسَنٌ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ في الْإِسْلَامِ وَلِأَنَّ الْحَقَّ فيه ليس له خَاصَّةً وَلَوْ أَحْوَجَ الْإِشْرَاعُ إلَى وَضْعِ الرُّمْحِ على الْكَتِفِ أَيْ كَتِفِ الرَّاكِبِ بِحَيْثُ لَا يَتَأَتَّى نَصْبُهُ لم يَضُرَّ في جَوَازِ الْإِشْرَاعِ لِأَنَّ وَضْعَهُ على كَتِفِهِ ليس بِعَسِيرٍ وَلَا يَضُرُّ أَيْضًا ضَرَرٌ يُحْتَمَلُ عَادَةً كَعَجْنِ الطِّينِ إذَا بَقِيَ مِقْدَارُ الْمُرُورِ لِلنَّاسِ وَإِلْقَاءُ الْحِجَارَةِ فيه لِلْعِمَارَةِ إذَا تُرِكَتْ بِقَدْرِ مُدَّةِ نَقْلِهَا وَرَبْطُ الدَّوَابِّ فيه بِقَدْرِ حَاجَةِ النُّزُولِ وَالرُّكُوبِ وَقَوْلُهُ يُضِرُّ بِالْمَارِّ بِضَمِّ الْيَاءِ من أَضَرَّ بِهِ إضْرَارًا بِخِلَافِ يَضُرُّهُ من ضَرَّهُ ضَرَرًا فإنه بِفَتْحِهَا وَلَا يُحْدِثُ فيه دَكَّةً بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ مَسْطَبَةً ولا شَجَرَةً وَلَوْ اتَّسَعَ الطَّرِيقُ وَأَذِنَ الْإِمَامُ وَانْتَفَى الضَّرَرُ لِمَنْعِهِمَا الطُّرُوقَ في ذلك الْمَحِلِّ وقد تَزْدَحِمُ الْمَارَّةُ فَيَصْطَكُّونَ بِهِمَا وَلِأَنَّهُ إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ أَشْبَهَ مَوْضِعُهُمَا الْأَمْلَاكَ وَانْقَطَعَ أَثَرُ اسْتِحْقَاقِ الطُّرُوقِ فيه بِخِلَافِ الْأَجْنِحَةِ وَنَحْوِهَا وَاسْتُشْكِلَ التَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ بِجَوَازِ غَرْسِ الشَّجَرَةِ بِالْمَسْجِدِ مع الْكَرَاهَةِ كما مَرَّ في شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَالثَّانِي بِجَوَازِ فَتْحِ الْبَابِ إلَى دَرْبٍ مُنْسَدٍّ إذَا سَمَّرَهُ كما سَيَأْتِي وَأُجِيبَ عن الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ غَرْسِ الشَّجَرَةِ بِالْمَسْجِدِ إذَا كان لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ من الْأَكْلِ من ثِمَارِهَا وَإِنْ غَرَسَهَا لِلْمَسْجِدِ لِيَصْرِفَ رِيعَهَا له فَالْمَصْلَحَةُ عَامَّةٌ أَيْضًا بِخِلَافِ ما هُنَا وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ مِثْلِ ذلك في الشَّارِعِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْحَقَّ في الدَّرْبِ الْمُنْسَدِّ لِخَاصٍّ وَالْخَاصُّ قَائِمٌ على مِلْكِهِ وَحَافِظٌ له بِخِلَافِ الشَّارِعِ فَانْقِطَاعُ الْحَقِّ فيه عِنْدَ طُولِ الْمُدَّةِ أَقْرَبُ
وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ مَنْعُ إحْدَاثِ الدَّكَّةِ وَإِنْ كان بِفِنَاءِ دَارِهِ وَبِهِ جَزَمَ ابن الرِّفْعَةِ وقال السُّبْكِيُّ يَنْبَغِي جَوَازُهُ حِينَئِذٍ عِنْدَ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ لِأَنَّهُ في حَرِيمِ مِلْكِهِ وَلِإِطْبَاقِ الناس عليه من غَيْرِ إنْكَارٍ وَلَوْ انْهَدَمَ جَنَاحُهُ فَسَبَقَهُ جَارُهُ إلَى بِنَاءِ جَنَاحٍ في مُحَاذَاتِهِ وَلَوْ بِحَيْثُ لَا تُمْكِنُ معه إعَادَةُ الْأَوَّلِ أو كان صَاحِبُهُ على عَزْمِ إعَادَتِهِ صَارَ أَحَقَّ بِهِ كما لو قَعَدَ لِاسْتِرَاحَةٍ أو نَحْوِهَا في طَرِيقٍ وَاسِعٍ ثُمَّ انْتَقَلَ عنه يَجُوزُ لِغَيْرِهِ الِارْتِفَاق بِهِ وَيَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ فَإِنْ قُلْت قِيَاسُ اعْتِبَارِ الْإِعْرَاضِ في الْقُعُودِ فيه لِلْمُعَامَلَةِ بَقَاءُ حَقِّهِ هُنَا إلَيْهِ كما بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ قُلْت الْمُعَامَلَةُ لَا تَدُومُ بَلْ الِانْتِقَالُ عنها ثُمَّ الْعَوْدُ إلَيْهَا
____________________
(2/219)
ضَرُورِيٌّ فَاعْتُبِرَ الْإِعْرَاضُ بِخِلَافِ ما هُنَا فَاعْتُبِرَ الِانْهِدَامُ نعم يُسْتَثْنَى من ذلك ما لو بَنَى دَارًا في مَوَاتٍ وَأَخْرَجَ لها جَنَاحًا ثُمَّ بَنَى آخَرُ دَارًا تُحَاذِيهِ وَاسْتَمَرَّ الشَّارِعُ فإن حَقَّ الْأَوَّلِ يَسْتَمِرُّ وَإِنْ انْهَدَمَ جَنَاحُهُ فَلَيْسَ لِجَارِهِ أَنْ يُخْرِجَ جَنَاحَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ لِسَبْقِ حَقِّهِ بِالْأَحْيَاءِ وَلَهُ إخْرَاجُ جَنَاحٍ تَحْتَ جَنَاحِ صَاحِبِهِ إذْ لَا ضَرَرَ أو فَوْقَهُ إنْ لم يَضُرَّ بِالْمَارِّ عليه أَيْ على جَنَاحِ صَاحِبِهِ أو مُقَابِلِهِ إنْ لم يَبْطُلْ انْتِفَاعُهُ أَيْ انْتِفَاعُ صَاحِبِهِ وَمَنْ سَبَقَ إلَى أَكْثَرِ الْهَوَاءِ بِأَنْ أَخَذَ أَكْثَرَ هَوَاءِ الطَّرِيقِ لم يَكُنْ لِلْآخَرِ مَنْعُهُ بِأَنْ يُطَالِبَهُ بِتَقْصِيرِ جَنَاحِهِ وَرَدِّهِ إلَى نِصْفِ الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ سَبَقَ إلَيْهِ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ
فَرْعٌ الطَّرِيقُ ما جُعِلَ عِنْدَ إحْيَاءِ الْبَلَدِ أو قَبْلَهُ طَرِيقًا أو وَقَفَهُ الْمَالِكُ وَلَوْ بِغَيْرِ إحْيَاءٍ كَذَلِكَ وَصَرَّحَ في الرَّوْضَةِ نَقْلًا عن الْإِمَامِ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ في ذلك إلَى لَفْظٍ قال في الْمُهِمَّاتِ وَمَحَلُّهُ فِيمَا عَدَا مِلْكَهُ أَمَّا فيه فَلَا بُدَّ من لَفْظٍ يَصِيرُ بِهِ وَقْفًا على قَاعِدَةِ الْأَوْقَافِ وقد نَبَّهَ عليه مع وُضُوحِهِ ابن الرِّفْعَةِ ا ه وَجَرَى عليه الْمُصَنِّفُ فَاعْتِبَارُ اللَّفْظِ في الْأَخِيرَةِ من زِيَادَتِهِ وَأَمَّا ثِنْيَاتُ الطَّرِيقِ التي يَعْرِفُهَا الْخَوَاصُّ وَيَسْلُكُونَهَا فَتَرَدَّدَ الْجُوَيْنِيُّ في أنها تَصِيرُ طَرِيقًا بِذَلِكَ أو لَا حَكَاهُ عنه الْأَصْلُ وَحَكَاهُ عنه أَيْضًا الْقَمُولِيُّ ثُمَّ قال وقال غَيْرُهُ لَا تَصِيرُ طَرِيقًا بِذَلِكَ وَيَجُوزُ إحْيَاؤُهَا وَهَذَا هو الصَّحِيحُ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْمَوَاتِ لَا يَخْلُو عن ذلك وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي هذا وإذا ثَبَتَ أَنَّ الطَّرِيقَ يَحْصُلُ بِمَا ذُكِرَ فَحَيْثُ وَجَدْنَا طَرِيقًا اعْتَمَدْنَا فيه الظَّاهِرَ وَلَا نَلْتَفِتُ إلَى مُبْتَدَأٍ جَعَلَهُ طَرِيقًا وَلْيُجْعَلْ أَيْ الطَّرِيقُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ إنْ اخْتَلَفُوا عِنْدَ الْإِحْيَاءِ في تَقْدِيرِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ عنه قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عِنْدَ الِاخْتِلَافِ في الطَّرِيقِ أَنْ يُجْعَلَ عَرْضُهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ قال الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَهَذَا التَّحْدِيدُ تَابَعَ فيه النَّوَوِيُّ إفْتَاءَ ابْنِ الصَّلَاحِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ اعْتِبَارُ قَدْرِ الْحَاجَةِ
وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عليه فإن ذلك عُرْفُ الْمَدِينَةِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ أَمَّا إذَا اتَّفَقُوا على شَيْءٍ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقَدَّرُ على الْأَوَّلِ بِالسَّبْعَةِ وَإِنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ في أَقَلَّ منها أو أَكْثَرَ كَأَنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا ثَلَاثَةً وَالْآخَرُ أَرْبَعَةً أو أَحَدُهُمَا تِسْعَةً وَالْآخَرُ عَشَرَةً وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْمَلَ بِمَا اتَّفَقُوا عليه مَعْنًى فَإِنْ كان أَكْثَرَ من سَبْعَةٍ أو من قَدْرِ الْحَاجَةِ على ما مَرَّ لم يُغَيِّرْ أَيْ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَوْلِيَ على شَيْءٍ منه وَإِنْ قَلَّ وَيَجُوزُ إحْيَاءُ ما حَوْلَهُ من الْمَوَاتِ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ بِالْمَارِّ قال في الرَّوْضَةِ وَإِنْ كانت الطَّرِيقُ من أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ يُسَبِّلُهَا مَالِكُهَا فَتَقْدِيرُهَا إلَى خِيرَتِهِ وَالْأَفْضَلُ تَوْسِيعُهَا وَعَنْهُ احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ عِنْدَ الْإِحْيَاءِ وَيُمْنَعُ الذِّمِّيُّ من إشْرَاعِ الْجَنَاحِ في شَارِعِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ جَازَ له اسْتِطْرَاقُهُ كما يُمْنَعُ من إعْلَاءِ بِنَائِهِ على بِنَائِهِمْ وَاسْتِطْرَاقُهُ له ليس على اسْتِحْقَاقِ مِلْكٍ بَلْ إمَّا بِطَرِيقِ التَّبَعِ لِلْمُسْلِمِينَ أو بِمَا بَذَلَهُ من الْجِزْيَةِ إذَا قُلْنَا إنَّهَا في مُقَابَلَةِ سُكْنَى الدَّارِ قَالَهُ في الْمَطَالِبِ وَقَضِيَّةُ ما تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ من الْإِشْرَاعِ في مَحَالِّهِمْ وَشَوَارِعِهِمْ الْمُخْتَصَّةِ بِهِمْ في دَارِ الْمُسْلِمِينَ كما في رَفْعِ الْبِنَاءِ وهو ظَاهِرٌ قال الْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا يَجُوزُ الْإِشْرَاعُ في هَوَاءِ الْمَسْجِدِ وَأَلْحَقَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ ما قَرُبَ منه كَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ وَيَهْدِمُ وُجُوبًا الْجَنَاحَ إنْ فَعَلَ أَيْ إنْ فَعَلَهُ ذِمِّيٌّ أو فَعَلَهُ غَيْرُهُ على وَجْهٍ لَا يَجُوزُ وَهَلْ يَخْتَصُّ هَدْمُهُ بِالْحَاكِمِ أو لَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا في الْمَطْلَبِ وقال الْأَشْبَهُ الْأَوَّلُ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ
فَصْلٌ الطَّرِيقُ غَيْرُ النَّافِذِ مِلْكُ من نَفِدَتْ أَبْوَابُهُمْ إلَيْهِ لَا من لَاصَقَهُ جُدْرَانُهُمْ من غَيْرِ نُفُوذِ أَبْوَابِهِمْ إلَيْهِ لِأَنَّ أُولَئِكَ هُمْ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلِانْتِفَاعِ فَهُمْ الْمُلَّاكُ دُونَ غَيْرِهِمْ لَا يُقَالُ لو كان مِلْكُهُمْ لَمَا جَازَ لِغَيْرِهِمْ دُخُولُهُ
____________________
(2/220)
لِأَنَّا نَقُولُ جَازَ لِأَنَّهُ من الْحَلَالِ الْمُسْتَفَادِ بِقَرِينَةِ الْحَالِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدُّخُولُ إذَا كان فِيهِمْ مَحْجُورٌ عليه لِامْتِنَاعِ الْإِبَاحَةِ منه وَمِنْ وَلِيِّهِ وقد تَوَقَّفَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ في مَسَائِلَ قَرِيبَةٍ من ذلك كَالشُّرْبِ من أَنْهَارِهِمْ انْتَهَى وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ وَإِنْ كان الْوَرَعُ خِلَافَهُ وَمِنْ ذلك ما قَالَهُ الْأَصْحَابُ من أَنَّهُ يَجُوزُ الْمُرُورُ بِمِلْكِ غَيْرِهِ إذَا لم يَصِرْ بِهِ طَرِيقًا لِلنَّاسِ قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ في طَبَقَاتِهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْأَكْثَرِينَ الْجَوَازَ وَظَاهِرُ أَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْمُسَامَحَةِ بِالْمُرُورِ فيه وَشَرِكَةُ كُلٍّ منهم من رَأْسِ السِّكَّةِ إلَى بَابِهِ لَا إلَى آخِرِهَا لِأَنَّ ذلك مَحَلُّ تَرَدُّدِهِ غَالِبًا بِخِلَافِ بَاقِيهَا وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ وَلَا لِمَنْ دَارُهُ بِأَعْلَى السِّكَّةِ بِكَسْرِ السِّينِ وَيُقَالُ لها الدَّرْبُ وَالزُّقَاقُ إشْرَاعُ جَنَاحٍ فيه وَإِنْ لم يَضُرَّ إلَّا بِرِضَاهُمْ جَمِيعِهِمْ في الْأُولَى وَبَاقِيهِمْ في الثَّانِيَةِ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الشَّخْصِ في مِلْكِ غَيْرِهِ وفي الْمُشْتَرَكِ إنَّمَا يَجُوزُ بِرِضَا مَالِكِهِ وَبِرِضَا شَرِيكِهِ كما سَيَأْتِي وَقَوْلُهُ بِأَعْلَى السِّكَّةِ شَامِلٌ لِلْعُلُوِّ الْمُطْلَقِ وَالْعُلُوِّ النِّسْبِيِّ لِيَشْمَلَ جَمِيعَ ما ليس بِأَقْرَبَ إلَى آخِرِهَا مع أَنَّهُ لو لم يَشْمَلْ النِّسْبِيَّ لَفُهِمَ حُكْمُهُ بِالْمُسَاوَاةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُ الْمُكْتَرِي لَكِنْ في الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا عن أبي الْفَضْلِ التَّمِيمِيِّ اعْتِبَارُهُ أَيْضًا إنْ تَضَرَّرَ بِهِ وَبِهِ أَفْتَى الْبَغَوِيّ وَيُقَاسُ بِهِ الْمُوصَى له بِالْمَنْفَعَةِ
وَيَجُوزُ لِلْأَقْرَبِ إلَى آخِرِ السِّكَّةِ إشْرَاعُهُ أَيْ الْجَنَاحِ لِأَنَّهُ في خَالِصِ مِلْكِهِ وَلَهُمْ قِسْمَةُ صَحْنِهِ أَيْ صَحْنِ الطَّرِيقِ غَيْرِ النَّافِذِ كَسَائِرِ الْمُشْتَرَكَاتِ الْقَابِلَةِ لِلْقِسْمَةِ فَإِنْ أَرَادَ الْأَسْفَلُونَ لَا الْأَعْلَوْنَ سَدَّ ما يَلِيهِمْ أو قِسْمَتَهُ جَازَ لِأَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ في مِلْكِهِمْ بِخِلَافِ الْأَعْلَيْنَ وَذِكْرُ مَسْأَلَةِ السَّدِّ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ اتَّفَقُوا على سَدِّ رَأْسِ السِّكَّةِ لم يُمْنَعُوا منه لِذَلِكَ ولم يَفْتَحْهُ بَعْضُهُمْ بِغَيْرِ رِضَا الْبَاقِينَ نعم إنْ سَدَّ بِآلَةِ نَفْسِهِ خَاصَّةً فَلَهُ فَتْحُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ وَيُؤْخَذُ من كَلَامِهِ ما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ أَنَّهُ لو امْتَنَعَ بَعْضُهُمْ من سَدِّهِ لم يَكُنْ لِلْبَاقِينَ السَّدُّ فَإِنْ وَقَفَ أَحَدُهُمْ دَارِهِ مَسْجِدًا أو وُجِدَ ثَمَّ مَسْجِدٌ قَدِيمٌ كما فُهِمَ بِالْأُولَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ شَارَكَهُمْ الْمُسْلِمُونَ في الْمُرُورِ إلَيْهِ فَيُمْنَعُونَ من السَّدِّ وَالْقِسْمَةِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ثُمَّ قال وَعَلَى قِيَاسِهِ لَا يَجُوزُ الْإِشْرَاعُ عِنْدَ الضَّرَرِ وَإِنْ رضي أَهْلُ السِّكَّةِ لِحَقِّ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَمَفْهُومُهُ جَوَازُ الْإِشْرَاعِ الذي لَا يَضُرُّ وَإِنْ لم يَرْضَ أَهْلُهَا وَمَحَلُّهُ إذَا لم يَكُنْ الْمَسْجِدُ حَادِثًا وَإِلَّا فَإِنْ رضي بِهِ أَهْلُهَا فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَهُمْ الْمَنْعُ من الْإِشْرَاعِ إذْ ليس لِأَحَدِ الشُّرَكَاءِ إبْطَالُ حَقِّ الْبَقِيَّةِ من ذلك وَكَالْمَسْجِدِ فِيمَا ذُكِرَ ما سُبِّلَ أو وُقِفَ على جِهَةٍ عَامَّةٍ كَبِئْرٍ وَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ نَبَّهَ على ذلك الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ فَتَحَ أَحَدُهُمْ فيه بَابًا آخَرَ أو مِيزَابًا آخَرَ أَسْفَلَ بَابِهِ أو مِيزَابِهِ مُنِعَ أَيْ مَنَعَهُ من الْمَفْتُوحِ بين بَابِهِ وَرَأْسِ السِّكَّةِ سَوَاءٌ أَسُدَّ الْأَوَّلُ أَمْ لَا لِأَنَّ الْحَقَّ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ من بَابُهُ بين الْمَفْتُوحِ وَرَأْسِ السِّكَّةِ أو مُقَابِلُ الْمَفْتُوحِ كما صَرَّحَ بِالْأُولَى في الْأَصْلِ وَبِالثَّانِيَةِ في الرَّوْضَةِ عن الْإِمَامِ وَتَعَقَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ فيها بِأَنَّ الْمُقَابِلَ لِلْمَفْتُوحِ مُشَارِكٌ في الْقَدْرِ الْمَفْتُوحِ فيه فَلَهُ الْمَنْعُ أو فَتْحُ ما ذُكِرَ أَعْلَى ذلك اُشْتُرِطَ لِجَوَازِهِ سَدُّ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا جَازَ له هذا لِأَنَّهُ تَرَكَ بَعْضَ حَقِّهِ فَإِنْ لم يَسُدَّ الْأَوَّلَ مُنِعَ لِتَضَرُّرِ بَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ بِزِيَادَةِ الزَّحْمَةِ بِانْضِمَامِهِ إلَى الْأَوَّلِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَلَوْ كان له دَارٌ بِوَسَطِ السِّكَّةِ وَأُخْرَى بِآخِرِهَا فَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ دَارُهُ بَيْنَهُمَا مَنْعُهُ من تَقْدِيمِ بَابِ الْمُتَوَسِّطَةِ أَيْ إلَى آخِرِ السِّكَّةِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كان شَرِيكًا في الْجَمِيعِ لَكِنْ شَرِكَتُهُ بِسَبَبِهَا إنَّمَا هو إلَيْهَا خَاصَّةً وقد يَبِيعُ لِغَيْرِهِ فَيَسْتَفِيدُ زِيَادَةَ اسْتِطْرَاقِ
فَرْعٌ له في سِكَّةٍ قِطْعَةُ أَرْضٍ فَبَنَاهَا دُورًا وَفَتَحَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ بَابًا جَازَ قَالَهُ الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ وَلَيْسَ له فَتْحُ بَابٍ بين دَارَيْهِ إنْ كان بَابُهُمَا جميعا أو بَابُ أَحَدِهِمَا الْأَوْلَى إحْدَاهُمَا إلَى طَرِيقٍ غَيْرِ نَافِذٍ أَيْ ليس لِمَنْ له دَارَانِ يُفْتَحَانِ إلَى طَرِيقَيْنِ غَيْرِ نَافِذَيْنِ أو غَيْرِ نَافِذٍ وَشَارِعٍ فَتْحُ بَابٍ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ يُثْبِتُ له من كل طَرِيقٍ غَيْرِ نَافِذٍ مَمَرًّا إلَى الدَّارِ التي لَيْسَتْ بِهِ هذا ما نَقَلَهُ في الرَّوْضَةِ عن الْعِرَاقِيِّينَ عن الْجُمْهُورِ وَفِيهَا عن الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لو أَرَادَ رَفْعَ الْحَائِطِ بَيْنَهُمَا وَجَعْلَهُمَا دَارًا وَاحِدَةً وَتَرَكَ ما بَيْنَهُمَا على حَالِهِمَا جَازَ قَطْعًا انْتَهَى وهو مُرَادُ الرَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ أَمَّا إذَا قَصَدَ
____________________
(2/221)
اتِّسَاعَ مِلْكِهِ وَنَحْوَهُ فَلَا مَنْعَ أَيْ قَطْعًا وَصَحَّحَ في الْمِنْهَاجِ كَالرَّافِعِيِّ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ عَكْسَ ما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مُصَادِفٌ لِلْمِلْكِ وَلَيْسَ لِمَنْ لَا حَقَّ له في السِّكَّةِ إحْدَاثُ جَنَاحٍ أو بَابٍ لِلِاسْتِطْرَاقِ إلَّا بِرِضَا أَهْلِهَا كما مَرَّ وَمَسْأَلَةُ إحْدَاثِ الْجَنَاحِ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا فإنه قَدَّمَهَا فَلَوْ سَمَّرَهُ أَيْ الْبَابَ الذي فَتَحَهُ جَازَ وَالْمُرَادُ أَنَّ فَتْحَهُ لِيُسَمِّرَهُ جَائِزٌ
وَكَذَا فَتْحُهُ لِلِاسْتِضَاءَةِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لِأَنَّ له رَفْعَ جَمِيعِ الْجِدَارِ فَبَعْضُهُ أَوْلَى وَقِيلَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ فَتْحَهُ يُشْعِرُ بِثُبُوتِ حَقِّ الِاسْتِطْرَاقِ فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عليه قال في الرَّوْضَةِ وهو أَفْقَهُ وَمُنِعَ بِمَا مَرَّ من تَعْلِيلِ الْجَوَازِ وَسُمِرَ بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَيَجُوزُ تَشْدِيدُهَا وَلَوْ أَذِنُوا في إحْدَاثِ جَنَاحٍ أو بَابٍ لِمَنْ يَتَوَقَّفُ فَتْحُهُ على إذْنِهِمْ فَلَهُمْ الرُّجُوعُ عن الْإِذْنِ مَتَى شَاءُوا كَالْعَارِيَّةِ نعم لَا يَجُوزُ لِلشُّرَكَاءِ الرُّجُوعُ في مَسْأَلَةِ الْجَنَاحِ بَعْدَ إخْرَاجِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وابن الرِّفْعَةِ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى قَلْعِهِ مَجَّانًا لِوَضْعِهِ بِحَقٍّ وَلَا إلَى قَلْعِهِ مع غُرْمِ الْأَرْشِ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ وهو لَا يُكَلِّفُ ذلك وَلَا إلَى إبْقَائِهِ بِأُجْرَةٍ لِأَنَّ الْهَوَاءَ لَا أُجْرَةَ له وَهَذَا لَا يَرِدُ على كَلَامِ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ على مَسْأَلَةِ فَتْحِ الْبَابِ وَذَلِكَ لَا يَأْتِي فيه وَاقْتَصَرَ أَيْضًا على فَتْحِهِ مِمَّنْ لَا حَقَّ له في السِّكَّةِ وَنُقِلَ فيه عن الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ بِالرُّجُوعِ شَيْءٌ بِخِلَافِ رُجُوعِهِ في أَرْضٍ أَعَارَهَا لِبِنَاءٍ أو غِرَاسٍ فإنه لَا يَقْلَعُ مَجَّانًا قال ولم أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا فَرْقَ وَفَرَّقَ في الْمَطْلَبِ بِأَنَّهُ هُنَا بَنَى في مِلْكِهِ وَالْمَبْنَى بَاقٍ بِحَالِهِ لَا يَزَالُ فَلَا غُرْمَ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ على الْأَرْضِ فإن الْمُعِيرَ يَقْلَعُ فَغَرِمَ الْأَرْشَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الرُّجُوعَ هُنَاكَ يَتَرَتَّبُ عليه الْقَلْعُ وهو خَسَارَةٌ فلم يَجُزْ الرُّجُوعُ مَجَّانًا بِخِلَافِهِ هُنَا لَا يَتَرَتَّبُ عليه خَسَارَةٌ لِعَدَمِ اقْتِضَائِهِ لُزُومَ سَدِّ الْبَابِ وَخَسَارَةُ فَتْحِهِ إنَّمَا تَتَرَتَّبُ على الْإِذْنِ لَا على الرُّجُوعِ مع أَنَّ فَتْحَهُ لَا يَتَوَقَّفُ على الْإِذْنِ وَإِنَّمَا الْمُتَوَقَّفُ عليه الِاسْتِطْرَاقُ
وَيَجُوزُ مُصَالَحَتُهُمْ لِمَنْ يَتَوَقَّفُ فَتْحُهُ على إذْنِهِمْ على بِمَعْنَى عن إحْدَاثِ الْبَابِ بِمَالٍ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِالْأَرْضِ لَا عن إحْدَاثِ الْجَنَاحِ لِأَنَّ الْهَوَاءَ لَا يُبَاعُ مُنْفَرِدًا لِأَنَّهُ تَابِعٌ وَمِنْهُ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ على إحْدَاثِهِ في الشَّارِعِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ في مَبْحَثِهِ وَيَكُونُ الْمُصَالِحُ شَرِيكَهُمْ في السِّكَّةِ بِقَدْرِ ما مَلَكَ بِالْمُصَالَحَةِ فَهِيَ بَيْعٌ إلَّا إنْ قَدَّرَ مُدَّةً فَهِيَ إجَارَةٌ وَالْمُسْتَثْنَى منه صَادِقٌ بِمَا إذَا أَطْلَقُوا وَبِمَا إذَا شَرَطُوا التَّأْبِيدَ وَقَيَّدَ الْأَذْرَعِيُّ الْجَوَازَ فِيهِمَا بِمَا إذَا لم يَكُنْ بِالسِّكَّةِ مَسْجِدٌ أو نَحْوُهُ كَدَارٍ مَوْقُوفَةٍ على مُعَيَّنٍ أو غَيْرِهِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ إذْ الْبَيْعُ لَا يُتَصَوَّرُ في الْمَوْقُوفِ وَحُقُوقِهِ قال وَأَمَّا الْإِجَارَةُ وَالْحَالَةُ هذه فَيُتَّجَهُ فيها تَفْصِيلٌ لَا يَخْفَى على الْفَقِيهِ اسْتِخْرَاجُهُ وَيَجُوزُ لِمَنْ دَارُهُ في آخِرِ السِّكَّةِ تَقْدِيمُ بَابِهِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ وَجَعْلُ ما بَيْنَهُمَا أَيْ بين آخِرِهَا وَبَابِهِ دِهْلِيزًا بِكَسْرِ الدَّالِ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ في مِلْكِهِ وَإِنْ صَالَحَهُ غَيْرُهُ بِمَالٍ لِيُجْرِيَ نَهْرًا في أَرْضِهِ فَهُوَ تَمْلِيكٌ له أَيْ لِلْمُصَالِحِ لِمَكَانِ النَّهْرِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عن إجْرَاءِ الْمَاءِ على السَّقْفِ وعن فَتْحِ بَابٍ إلَى دَارِ الْجَارِ فإنه يَصِحُّ وَلَيْسَ تَمْلِيكًا لِشَيْءٍ من السَّقْفِ وَالدَّارِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا في عَقْدِ الصُّلْحِ عَيْنُ الْإِجْرَاءِ وَالِاسْتِطْرَاقِ مع كَوْنِهِمَا لَا يَقْصِدُ مِنْهُمَا ذلك في ذَاتِهِمَا بِخِلَافِ الْأَرْضِ وَهَذَا لَا يُنَافِي فَرْقَ الْأَصْلِ بين عَدَمِ الْمِلْكِ فِيهِمَا وَالْمِلْكِ في السِّكَّةِ بِالصُّلْحِ عن فَتْحِ بَابٍ فيها بِأَنَّهَا لَا تُرَادُ إلَّا لِلِاسْتِطْرَاقِ فَإِثْبَاتُهُ فيها يَكُونُ نَقْلًا لِلْمِلْكِ بِخِلَافِهِمَا فإنه لَا يَقْصِدُ بِهِمَا الِاسْتِطْرَاقَ وَإِجْرَاءَ الْمَاءِ
وَلَوْ قُرِئَ غَيْرُ بِالْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءُ لم يَحْتَجْ لِلْعِنَايَةِ الْمَذْكُورَةِ وَمُشْتَرِي حَقِّ إجْرَاءِ النَّهْرِ فِيهِمَا أَيْ في السَّقْفِ وَالدَّارِ كَمُشْتَرِي حَقِّ الْبِنَاءِ عَلَيْهِمَا في أَنَّ الْعَقْدَ ليس بَيْعًا مَحْضًا وَلَا إجَارَةً مَحْضَةً بَلْ فيه شَائِبَةُ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ كما سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ هُنَا لَكِنْ في تَعْبِيرِهِ بِالنَّهْرِ تَجَوُّزٌ لِأَنَّ إجْرَاءَ مَائِهِ لَا يَأْتِي في السَّقْفِ كما سَيَأْتِي وَلَوْ قال فيها بِلَا مِيمٍ أَيْ في الْأَرْضِ لَسَلِمَ من ذلك
فَرْعٌ لِلْمَالِكِ إحْدَاثُ الْكَوَّاتِ وَالشَّبَابِيكِ وَلَوْ لِغَيْرِ الِاسْتِضَاءَةِ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ في مِلْكِهِ
____________________
(2/222)
وَالْكَوَّاتُ جَمْعُ كَوَّةٍ بِفَتْحِ الْكَافِ أَفْصَحُ من ضَمِّهَا وَهِيَ الطَّاقَةُ وله حَفْرُ سِرْدَابٍ أَحْكَمَهُ بين دَارَيْهِ تَحْتَ الطَّرِيقِ النَّافِذِ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ لَا تَحْتَ الطَّرِيقِ الْمَسْدُودِ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ في مِلْكِ غَيْرِهِ أو في مُشْتَرَكٍ وهو مَمْنُوعٌ بِغَيْرِ إذْنٍ كما مَرَّ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الطَّرِيقَ يُقَالُ على النَّافِذِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّارِعِ عُمُومٌ مُطْلَقٌ لِأَنَّ الطَّرِيقَ عَامٌّ في الصَّحَارِيِ وَالْبُنْيَانِ وَالنَّافِذِ وَغَيْرِهِ وَالشَّارِعُ خَاصٌّ بِالْبُنْيَانِ وَبِالنَّافِذِ
فَصْلٌ له مَنْعُ جَارِهِ من وَضْعِ جِذْعٍ بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ خَشَبَةٍ وَمِنْ بِنَاءٍ على جِدَارِهِ لِخَبَرِ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ في الْإِسْلَامِ وَلِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْحَاكِمِ في صَحِيحِهِ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ منه وَلِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِمِلْكِ الْغَيْرِ فَأَشْبَهَ الْبِنَاءَ في أَرْضِهِ وَالْحَمْلَ على بَهِيمَتِهِ وَأَمَّا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ لَا يَمْنَعَنَّ أحدكم جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً في جِدَارِهِ فَأُجِيبَ عنه بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ على النَّدْبِ وَبِأَنَّ الضَّمِيرَ في جِدَارِهِ لِجَارِهِ لِقُرْبِهِ أَيْ لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً في جِدَارِ نَفْسِهِ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ من جِهَةِ مَنْعِ الضَّوْءِ وَالْهَوَاءِ وَرُؤْيَةِ الْأَمَاكِنِ الْمُسْتَظْرَفَةِ وَنَحْوِهَا وَخَشَبَةٍ رُوِيَ بِالْإِفْرَادِ مُنَوَّنًا وَالْأَكْثَرُ بِالْجَمْعِ مُضَافًا وَلَوْ أَعَارَهُ له لِذَلِكَ فَلَهُ الرُّجُوعُ قبل الْوَضْعِ وَالْبِنَاءِ وَبَعْدَهُمَا كَسَائِرِ الْعَوَارِيِّ فَيَقْلَعُ ذلك إنْ شَاءَ بِالْأَرْشِ أَيْ مع غُرْمِ أَرْشِ نَقْصِهِ أو يَبْقَى ذلك بِالْأُجْرَةِ كما لو أَعَارَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ وَلَيْسَ له التَّمَلُّكُ لِذَلِكَ بِقِيمَتِهِ بِخِلَافِ من أَعَارَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ فإن له بَعْدَ رُجُوعِهِ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بِقِيمَتِهِ لِأَنَّ الْأَرْضَ أَصْلٌ فَلَا تَتْبَعُ الْبِنَاءَ بَلْ تَسْتَتْبِعُهُ وَالْجِدَارُ تَابِعٌ فَلَا يَسْتَتْبِعُ فَتَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ مَحَلُّهُ بَعْدَ قَوْلِهِ بِخِلَافِ من أَعَارَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ وَلَا يُخَالِفُ ما ذُكِرَ هُنَا ما يَأْتِي في الْعَارِيَّةِ من أَنَّهُ لو أَعَارَ الشَّرِيكُ حِصَّتَهُ من أَرْضٍ لِلْبِنَاءِ ثُمَّ رَجَعَ لَا يَتَمَكَّنُ من الْقَلْعِ مع الْأَرْشِ لِمَا فيه من إلْزَامِ الْمُسْتَعِيرِ تَفْرِيغُ مِلْكِهِ عن مِلْكِهِ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِالْقَلْعِ هُنَا تَوَجَّهَتْ إلَى ما مَلَكَ غَيْرُهُ بِجُمْلَتِهِ وَإِزَالَةُ الظَّرْفِ عن مِلْكِ الْمُسْتَعِيرِ جَاءَتْ بِطَرِيقِ اللَّازِمِ بِخِلَافِ الْحِصَّةِ من الْأَرْضِ فَنَظِيرُ ما هُنَاكَ إعَارَةٌ الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ وَيَجُوزُ الصُّلْحُ على بِمَعْنَى عن وَضَعَهُ أَيْ الْجِذْعَ على الْجِدَارِ بِمَالٍ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِالْجِدَارِ وهو إمَّا بَيْعٌ أو إجَارَةٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمَا بِخِلَافِ الصُّلْحِ عن إشْرَاعِ الْجَنَاحِ لِأَنَّهُ هَوَاءٌ مَحْضٌ أَيْ لِأَنَّهُ صُلْحٌ عن هَوَاءٍ مَحْضٍ وَهَذَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَإِنْ وَجَدْنَاهُ أَيْ الْجِذْعَ مَوْضُوعًا على الْجِدَارِ ولم يُعْلَمْ كَيْفَ وُضِعَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ فَلَا يُنْقَضُ وَيُقْضَى له بِاسْتِحْقَاقِهِ دَائِمًا فَلَوْ سَقَطَ الْجِدَارُ وَأُعِيدَ فَلَهُ إعَادَةُ الْجِذْعِ وَلِمَالِك الْجِدَارِ نَقْضُهُ إنْ كان مُسْتَهْدِمًا وَإِلَّا فَلَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
فَصْلٌ ليس لِلشَّرِيكِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ تَتْرِيبُ الْكُتَّابِ من الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا ولا إحْدَاثُ كَوَّةٍ وَوَتِدٍ فيه بِكَسْرِ التَّاءِ أَشْهَرُ من فَتْحِهَا وَنَحْوِ ذلك مِمَّا يُضَايِقُ فيه عَادَةً كما ليس له الِانْتِفَاعُ بِسَائِرِ الْمُشْتَرَكَاتِ بِغَيْرِ إذْنٍ إمَّا بِالْإِذْنِ فَلَهُ ذلك بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ بِعِوَضٍ في مَسْأَلَةِ الْكَوَّةِ وَإِلَّا كان صُلْحًا عن الضَّوْءِ وَالْهَوَاءِ الْمُجَرَّدِ ذَكَرَهُ ابن الرِّفْعَةِ قال وإذا فَتَحَ بِالْإِذْنِ فَلَيْسَ له السَّدُّ أَيْضًا إلَّا بِهِ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ في مِلْكِ الْغَيْرِ وَلَهُ الِاسْتِنَادُ وَإِسْنَادُ الْمَتَاعِ إلَى جِدَارِ شَرِيكِهِ وَإِلْصَاقُ جِدَارٍ بِهِ إذَا كان كُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَثْقُلُهُ وَنَحْوُ
____________________
(2/223)
ذلك مِمَّا لَا يُضَايَقُ فيه عَادَةً لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فيه وَلَوْ مُنِعَ منه لِأَنَّهُ عِنَادٌ مَحْضٌ وَهَكَذَا جِدَارُ الْغَيْرِ له ذلك فيه وَإِنْ مُنِعَ منه لِمَا ذُكِرَ وهو كَالِاسْتِضَاءَةِ بِسِرَاجِ غَيْرِهِ وَالِاسْتِظْلَالِ بِجِدَارِهِ وَلَهُمَا أَيْ الشَّرِيكَيْنِ قِسْمَتُهُ عَرْضًا في كَمَالِ الطُّولِ وَعَكْسِهِ أَيْ قِسْمَتُهُ طُولًا في كَمَالِ الْعَرْضِ بِالتَّرَاضِي لَا بِالْجَبْرِ فَلَوْ طَلَبَهَا أَحَدُهُمَا وَامْتَنَعَ الْآخَرُ لم يُجْبَرْ لِاقْتِضَاءِ الْإِجْبَارِ الْقُرْعَةَ وَهِيَ مُمْتَنِعَةٌ هُنَا لِأَنَّهَا رُبَّمَا أَخْرَجَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ما يَضُرُّ الْآخَرَ في انْتِفَاعِهِ بِمِلْكِهِ فَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ فَقَطْ تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ وَالِارْتِفَاعُ لِلْجِدَارِ من الْأَرْضِ سَمْكٌ بِفَتْحِ السِّينِ وَالنُّزُولُ منه إلَيْهَا عُمْقٌ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ لَا طُولٌ وَعَرْضٌ له بَلْ طُولُهُ امْتِدَادُهُ من زَاوِيَةِ الْبَيْتِ إلَى زَاوِيَتِهِ الْأُخْرَى مَثَلًا وَعَرْضُهُ هو الْبُعْدُ النَّافِذُ من أَحَدِ وَجْهَيْهِ إلَى الْآخَرِ وكيف يُقَسَّمُ الْجِدَارُ هل يُشَقُّ بِالْمِنْشَارِ أو يُعَلَّمُ بِعَلَامَةٍ كَخَطٍّ فيه وَجْهَانِ الظَّاهِرُ جَوَازُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا نَظَرَ في الْأَوَّلِ إلَى أَنَّ شَقَّ الْجِدَارِ إتْلَافٌ له وَتَضْيِيعٌ لِأَنَّهُمَا يُبَاشِرَانِ الْقِسْمَةَ لِأَنْفُسِهِمَا فَهُوَ كما لو هَدَمَاهُ وَاقْتَسَمَا النَّقْضَ وَيُجْبَرُ على قِسْمَةِ عَرْضِهِ أَيْ الْجِدَارِ قبل بِنَائِهِ أو بَعْدَ هَدْمِهِ إذَا طَلَبَهَا منه شَرِيكُهُ وَلَوْ كانت عَرْضًا في كَمَالِ طُولٍ لِيَخْتَصَّ كُلٌّ مِنْهُمَا فِيمَا إذَا اقْتَسَمَا عَرْضًا في كَمَالِ الطُّولِ بِمَا يَلِيهِ فَلَا يَقْتَسِمَانِ فيه بِالْقُرْعَةِ لِئَلَّا يَخْرُجَ بها لِكُلٍّ مِنْهُمَا ما يَلِي الْآخَرَ بِخِلَافِ ما إذَا اقْتَسَمَا طُولًا في كَمَالِ الْعَرْضِ وَقَوْلُهُ لِيَخْتَصَّ كُلٌّ بِمَا يَلِيهِ من زِيَادَتِهِ وَفَارَقَ ما ذُكِرَ في عَرْصَةِ الْجِدَارِ ما مَرَّ فيه بِأَنَّهَا مُسْتَوِيَةٌ وَيَتَيَسَّرُ قِسْمَتُهَا غَالِبًا بِخِلَافِ الْجِدَارِ
فَصْلٌ لو هَدَمَهُ أَيْ الْجِدَارَ الْمُشْتَرَكَ بين اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ لِاسْتِهْدَامِهِ أو لِغَيْرِهِ وفي نُسْخَةٍ لو هَدَمَهُ أَحَدٌ لَزِمَهُ الْأَرْشُ أَيْ أَرْشُ النَّقْصِ لَا إعَادَةُ الْبِنَاءِ لِأَنَّ الْجِدَارَ ليس مِثْلِيًّا وَعَلَيْهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ في الْبُوَيْطِيِّ وَإِنْ نَصَّ في غَيْرِهِ على لُزُومِ الْإِعَادَةِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ هُنَا وَلَا إجْبَارَ على إعَادَةِ الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ بين الْمِلْكَيْنِ وفي نُسْخَةٍ الْمَالِكَيْنِ وَلَا على إعَادَةِ الْبَيْتِ الْمُشْتَرَكِ إذَا انْهَدَمَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَلَوْ بِهَدْمِ الشَّرِيكَيْنِ له لِاسْتِهْدَامِهِ أو لِغَيْرِهِ كما لَا يُجْبَرُ على زَرْعِ الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ وَلِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ يَتَضَرَّرُ أَيْضًا بِتَكْلِيفِهِ الْعِمَارَةَ نعم يُجْبَرُ في الْأَرْضِ على إجَارَتِهَا على الصَّحِيحِ وَبِهَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ وَذِكْرُ الْبَيْتِ من زِيَادَتِهِ قال في الْأَصْلِ وَيَجْرِي ذلك في النَّهْرِ وَالْقَنَاةِ وَالْبِئْرِ الْمُشْتَرَكَةِ وَاِتِّخَاذِ سُتْرَةٍ بين سَطْحَيْهِمَا وَإِصْلَاحِ دُولَابٍ بَيْنَهُمَا تَشْعَثُ إذَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا من التَّنْقِيَةِ أو الْعِمَارَةِ وَلَا على سَقْيِ النَّبَاتِ من شَجَرٍ وَغَيْرِهِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَصَرَّحَ الْجُورِيُّ بِأَنَّهُ يُجْبَرُ عليه اتِّفَاقًا وَنَقَلَ في الْمَطْلَبِ الْمَقَالَتَيْنِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَوْفَقُ بِكَلَامِهِمْ في أَوَاخِرِ النَّفَقَاتِ كَلَامُ الْقَاضِي وَلَا على إعَادَةِ السُّفْلِ اسْتِقْلَالًا أو مُعَاوَنَةً لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ أَيْ لِيَنْتَفِعَ بِهِ فَلَوْ كان عُلُوُّ الدَّارِ لِوَاحِدٍ وَسُفْلُهَا لِآخَرَ وَانْهَدَمَتْ فَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ إجْبَارُ الثَّانِي على إعَادَةِ السُّفْلِ وَلَا لِلثَّانِي إجْبَارُ الْأَوَّلِ على مُعَاوَنَتِهِ في إعَادَتِهِ وَالسُّفْلُ وَالْعُلُوُّ بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا وَكَسْرِهِ
بَلْ انْتِقَالِيَّةٌ لَا إبْطَالِيَّةٌ لِلشَّرِيكِ في الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ بين الْمِلْكَيْنِ بِنَاؤُهُ بِمَالِهِ أَيْ بِآلَتِهِ فَلَيْسَ لِلْآخَرِ مَنْعُهُ لِأَنَّ له غَرَضًا في وُصُولِهِ إلَى حَقِّهِ بِخِلَافِ بِنَائِهِ بِآلَةِ الْآخَرِ أو بِالْآلَةِ الْمُشْتَرَكَةِ ثُمَّ ما أَعَادَهُ بِآلَتِهِ مِلْكُهُ يَضَعُ عليه ما شَاءَ وَيَنْقُضُهُ إذَا شَاءَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْآخَرِ عليه قبل ذلك بِنَاءٌ كما سَيَأْتِي في كَلَامِهِ قال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وابن الصَّبَّاغِ فَإِنْ قِيلَ أَسَاسُ الْجِدَارِ بَيْنَهُمَا فَكَيْفَ جَوَّزْتُمْ له بِنَاءَهُ بِآلَتِهِ وَأَنْ يَنْفَرِدَ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ يُغَيِّرُ إذْنَ شَرِيكِهِ قُلْنَا لِأَنَّ له حَقًّا في الْحَمْلِ عليه
____________________
(2/224)
فَكَانَ له الْإِعَادَةُ قال في الْأَصْلِ وَلَوْ قال الْآخَرُ لَا تَنْقُضُهُ لَا غُرْمَ لَك نِصْفُ الْقِيمَةِ لم تَلْزَمْهُ إجَابَتُهُ كَابْتِدَاءِ الْعِمَارَةِ وَلَوْ أَنْفَقَ على الْبِئْرِ وَالنَّهْرِ فَلَيْسَ له مَنْعُ الشَّرِيكِ من الِانْتِفَاعِ بِالْمَاءِ بِسَقْيِ الزَّرْعِ وَغَيْرِهِ وَلَهُ مَنْعُهُ من الِانْتِفَاعِ بِالدُّولَابِ وَالْبَكْرَةِ الْمُحْدَثَيْنِ فَإِنْ كان لِشَرِيكِهِ عليه أَيْ الْجِدَارِ الْمُنْهَدِمِ جِذْعُ خُيِّرَ الْبَانِي له بين تَمْكِينِ الشَّرِيكِ من إعَادَتِهِ أَيْ الْجِذْعِ أو نَقْضِ الْوَجْهِ وَنَقْضِ بِنَائِهِ الذي أَعَادَهُ لِيُبْنَى معه الْآخَرُ وَيُعِيدُ جِذْعَهُ
وَلِصَاحِبِ الْعُلْوِ بِنَاؤُهُ أَيْ السُّفْلِ بِمَالِهِ فَقَطْ وَيَكُونُ الْمُعَادُ مِلْكَهُ وَيَأْتِي فيه ما مَرَّ وَقَوْلُهُ فَقَطْ تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ وَلِصَاحِبِ السُّفْلِ السُّكْنَى في الْمُعَادِ لِأَنَّ الْعَرْصَةَ مِلْكُهُ وَلَيْسَ له الِانْتِفَاعُ بِهِ بِفَتْحِ كَوَّةٍ وَغَرْزِ وَتِدٍ وَنَحْوِهِمَا وَلِلْأَعْلَى هَدْمُهُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَكَذَا لِلْأَسْفَلِ هَدْمُهُ إنْ بَنَاهُ أَيْ الْأَعْلَى قبل امْتِنَاعِهِ أَيْ الْأَسْفَلِ من الْبِنَاءِ ما لم يَبْنِ الْأَعْلَى عُلُوَّهُ فَإِنْ بَنَاهُ فَلِلْأَسْفَلِ تَمَلُّكُ السُّفْلِ بِالْقِيمَةِ وَلَيْسَ له هَدْمُهُ أَمَّا إذَا بَنَى السُّفْلَ بَعْدَ امْتِنَاعِ الْأَسْفَلِ فَلَيْسَ له تَمَلُّكُهُ وَلَا هَدْمُهُ لِتَقْصِيرِهِ سَوَاءٌ أَبَنَى عليه الْأَعْلَى عُلُوَّهُ أَمْ لَا رُبَّمَا قَالَهُ كَغَيْرِهِ يُؤْخَذُ أَنَّ له الْبِنَاءَ بِآلَتِهِ وَإِنْ لم يَمْتَنِعْ الْأَسْفَلُ منه وَمِثْلُهُ الشَّرِيكُ في الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ وَنَحْوِهِ وفي ذلك وَقْفَةٌ
فَرْعٌ لو تَعَاوَنَ الشَّرِيكَانِ بِبَدَنِهِمَا أو بِإِخْرَاجِ مَالٍ في الْعِمَارَةِ لِلْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بَعْدَ انْهِدَامِهِ بِنِقْضِهِ بِكَسْرِ النُّونِ وَضَمِّهَا وَشَرَطَا التَّفَاضُلَ بَيْنَهُمَا فيه لم يَجُزْ لِأَنَّهُ شَرْطُ عِوَضٍ من غَيْرِ عِوَضٍ فَلَوْ أَعَادَهُ أَحَدُهُمَا بِهِ أَيْ بِنَقْضِهِ أو بِآلَةِ نَفْسِهِ بِإِذْنِ الْآخَرِ فِيهِمَا لِيَكُونَ له الثُّلُثَانِ منه جَازَ وكان السُّدُسُ الزَّائِدُ في مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ في نَصِيبِ الْآخَرِ في الْأُولَى وَثُلُثِ آلَتِهِ وَعَمَلِهِ في مُقَابَلَةِ سُدُسِ الْعَرْصَةِ في الثَّانِيَةِ هذا إنْ شَرَطَ له السُّدُسَ من النَّقْضِ في الْأُولَى وَمِنْ الْعَرْصَةِ في الثَّانِيَةِ وَلِلْآخَرِ فيها ثُلُثُ الْآلَةِ في الْحَالِ وَعُلِمَتْ الْآلَةُ وعلم وَصْفُ الْجِدَارِ بِالْوَجْهِ إلَّا آتَى بَيَانَهُ فَإِنْ شَرَطَ له ذلك بَعْدَ الْبِنَاءِ أو لم تُعْلَمْ الْآلَةُ أو وَصْفُ الْجِدَارِ ولم يَصِحَّ لِلْجَهْلِ في الْأَخِيرَتَيْنِ وَلِعَدَمِ صِحَّةِ تَأْجِيلِ الْأَعْيَانِ في الْأُولَى
فَصْلٌ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ وَضْعُ الْأَثْقَالِ الْمُعْتَادَةِ على السَّقْفِ الْمَمْلُوكِ لِلْآخَرِ أو الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا وَلِلْآخَرِ التَّعْلِيقُ الْمُعْتَادُ بِهِ كَثَوْبٍ وَلَوْ بِوَتِدٍ يَتِدُهُ فيه وَكَذَا الِاسْتِكَانُ بِهِ كما فُهِمَ بِالْأُولَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لِأَنَّا لو لم نُجَوِّزْ ذلك لِعَظْمِ الضَّرَرِ وَتَعَطَّلَتْ الْمَنَافِعُ بِخِلَافِ الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ وَغَيْرِهِ ليس لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مَثَلًا أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ ما يُضَايَقُ فيه عَادَةً كما مَرَّ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِاتِّبَاعِ الْعُرْفِ وقد يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْأَعْلَى ثَبَتَ له الِانْتِفَاعُ قَطْعًا فَثَبَتَ لِلْأَسْفَلِ ذلك تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا وفي الْجِدَارِ لم يَثْبُتْ لِأَحَدِهِمَا ذلك فلم يَثْبُتْ لِلْآخَرِ تَسْوِيَةٌ بَيْنَهُمَا وفي جَوَازِ غَرْزِ الْوَتِدِ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ فِيمَا يَلِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نعم كَالْأَسْفَلِ وهو الظَّاهِرُ وَالثَّانِي لَا لِنُدُورِ حَاجَتِهِ بِخِلَافِ التَّعْلِيق
فَرْعٌ تَجُوزُ إعَارَةٌ لِعُلُوٍّ من جِدَارٍ وَنَحْوِهِ لِلْبِنَاءِ عليه وَإِجَارَتِهِ لِذَلِكَ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ التي تُعَارُ وَتُؤْجَرُ فَإِنْ بَاعَهُ حَقَّ الْبِنَاءِ أو الْعُلُوِّ بِأَنْ قال له بِعْتُك حَقَّ الْبِنَاءِ أو الْعُلُوِّ لِلْبِنَاءِ عليه بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ اسْتَحَقَّهُ أَيْ حَقَّ الْبِنَاءِ عليه بِخِلَافِ ما إذَا بَاعَهُ وَشَرَطَ أَنْ لَا يَبْنِيَ عليه أو لم يَتَعَرَّضْ لِلْبِنَاءِ عليه لَكِنْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِمَا عَدَا الْبِنَاءَ من مُكْثٍ وَغَيْرِهِ كما صَرَّحَ بِهِ السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وهو أَيْ الْعَقْدُ الْمَذْكُورُ مُتَرَدِّدٌ بين الْبَيْعِ لِكَوْنِهِ مُؤَبَّدًا وَالْإِجَارَةِ لِوُرُودِهِ على الْمَنْفَعَةِ فَلَا تُمْلَكُ بِهِ عَيْنٌ وَإِنْ أَوْهَمَ خِلَافَهُ تَعْبِيرُ الشَّافِعِيِّ وَكَثِيرٌ من أَصْحَابِهِ بِبَيْعِ السَّقْفِ لِلْبِنَاءِ عليه
____________________
(2/225)
فَلَوْ عَقَدَ على ذلك بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ صَحَّ وَتَأَبَّدَ الْحَقُّ إنْ لم يُؤَقَّتْ بِوَقْتٍ وَإِلَّا فَلَا يَتَأَبَّدُ وَيَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْإِجَارَةِ وَجَازَ تَأْبِيدُ هذه الْحُقُوقِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا على التَّأْبِيدِ كَالنِّكَاحِ وَالْعَقْدِ في صُورَةِ الْإِجَارَةِ التي لَا تَأْقِيتَ فيها عَقْدُ إجَارَةٍ اُغْتُفِرَ فيه التَّأْبِيدُ لِمَا ذُكِرَ وَمَنْ هَدَمَ السُّفْلَ مَالِكُهُ أو غَيْرُهُ طُولِبَ بِقِيمَةِ حَقِّ الْبِنَاءِ على الْعُلُوِّ لِلْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّهِ سَوَاءٌ أَبَنَى الْأَعْلَى أَمْ لَا مع غُرْمِ الْأَرْشِ له أَيْ أَرْشِ نَقْصِ الْبِنَاءِ إنْ كان قد بَنَى وَإِلَّا فَلَا أَرْشَ فَإِنْ أُعِيدَ السُّفْلَ اُسْتُعِيدَتْ الْقِيمَةُ لِزَوَالِ الْحَيْلُولَةِ وَلَهُ الْبِنَاءُ إنْ لم يَكُنْ بَنَى وَإِعَادَتُهُ إنْ كان قد بَنَى وَكَذَا لو انْهَدَمَ بِنَفْسِهِ وَأُعِيدَ فَلَا يَنْفَسِخُ هذا الْعَقْدُ بِعَارِضِ هَدْمٍ وَانْهِدَامٍ لِالْتِحَاقِهِ بِالْبُيُوعِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ تَنْبِيهٌ لَا يَغْرَمُ الْهَادِمُ أُجْرَةً لِبِنَاءٍ لِمُدَّةِ الْحَيْلُولَةِ قال الْإِمَامُ لِأَنَّ الْحَقَّ على التَّأْبِيدِ وما يَتَقَدَّرُ لَا يَنْحَطُّ مِمَّا لَا يَتَنَاهَى قال الْإِسْنَوِيُّ وفي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى الْوُجُوبِ فِيمَا إذَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ على مُدَّةٍ وَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأُجْرَةِ لِلْحَيْلُولَةِ إنَّمَا مَحَلُّهُ عِنْدَ قِيَامِ الْعَيْنِ ولم يُصَرِّحُوا بِوُجُوبِ إعَادَةِ الْجِدَارِ على مَالِكِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ هَدَمَهُ مَالِكُهُ عُدْوَانًا فَعَلَيْهِ إعَادَتُهُ وَإِنْ هَدَمَهُ أَجْنَبِيٌّ أو مَالِكُهُ وقد اسْتُهْدِمَ لم تَجِبْ لَكِنْ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ إنْ كان ذلك قبل التَّخْلِيَةِ
فَرْعٌ يُشْتَرَطُ في صِحَّةِ الْإِذْنِ في الْبِنَاءِ بَيَانُ مَكَان الْبِنَاءِ لِيَتَمَيَّزَ عن غَيْرِهِ وَهَذَا أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ يَجِبُ بَيَانُ قَدْرِ الْمَوْضِعِ الْمَبْنِيِّ عليه طُولًا وَعَرْضًا إذْ ليس فيه بَيَانُ مَكَانِ الْبِنَاءِ وَأَمَّا بَيَانُ قَدْرِهِ طُولًا وَعَرْضًا فَمَعْلُومٌ من قَوْلِهِ وَكَذَا سَمْكُهُ أَيْ الْبِنَاءِ وَطُولُهُ وَعَرْضُهُ وَصِفَتُهُ كَكَوْنِهِ مُنَضَّدًا أو خَالِي الْجَوْفِ وَكَوْنُهُ من آجُرٍّ وَجِصٍّ أو من لَبِنٍ وَطِينٍ وَنَحْوِهَا وَكَيْفِيَّةِ السَّقْفِ الْمَحْمُولِ على الْبِنَاءِ كَكَوْنِهِ خَشَبًا أو قَصَبًا أو جَرِيدًا أو إزْجًا لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ سَوَاءٌ كان الْإِذْنُ فيه بِعِوَضٍ أَمْ لَا وَعُلِمَ من كَلَامِهِ ما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِوَزْنِ ما يَبْنِيهِ عليه لِأَنَّ التَّعْرِيفَ في كل شَيْءٍ يَحْسَبُهُ وَتُغْنِي مُشَاهَدَةُ الْآلَةِ عن كل وَصْفٍ هذا كُلُّهُ إذَا أَذِنَ في الْبِنَاءِ على غَيْرِ الْأَرْضِ من جِدَارٍ أو نَحْوِهِ فَإِنْ بَنَى يَعْنِي فَإِنْ أَذِنَ في الْبِنَاءِ على الْأَرْضِ كَفَى بَيَانُ مَكَانِ الْبِنَاءِ لِأَنَّ الْأَرْضَ تَحْمِلُ كُلَّ شَيْءٍ فَلَا يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ إلَّا بِقَدْرِ مَكَانِ الْبِنَاءِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَسَكَنُوا عن حَفْرِ الْأَسَاسِ وَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُ بَيَانِ قَدْرِهِ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهِ فإن الْمَالِكَ قد يَحْفِرُ سِرْدَابًا أو غَيْرَهُ تَحْتَ الْبِنَاءِ لِيَنْتَفِعَ بِأَرْضِهِ وَيَمْنَعُ من ذلك مُزَاحَمَةَ تَعْمِيقِ الْأَسَاسِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إيجَارُ الْأَرْضِ لِلْبِنَاءِ عليها وَلَا بَيْعُ حَقِّ الْبِنَاءِ فيها إلَّا بَعْدَ حَفْرِ الْأَسَاسِ لِيَرَى ما يُؤْجَرُهُ أو يَبِيعُهُ أو يَبِيعُ حُقُوقَهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَجْهُ الْأَرْضِ صَخْرَةً لَا يَحْتَاجُ أَنْ يُحْفَرَ لِلْبِنَاءِ أَسَاسٌ أو يَكُونَ الْبِنَاءُ خَفِيفًا لَا يَحْتَاجُ إلَى أَسَاسٍ وَالْبَحْثُ الْأَخِيرُ مَحَلُّهُ إذَا آجَرَهُ لِيَبْنِيَ على الْأَسَاسِ لَا فِيمَا إذَا آجَرَهُ الْأَرْضَ لِيَبْنِيَ عليها وَيُبَيِّنَ له مَوْضِعَ الْأَسَاسِ وَطُولَهُ وَعَرْضَهُ وَعُمْقَهُ أَخْذًا من كَلَامِ الشَّامِلِ الْآتِي على ما يَأْتِي بَيَانُهُ
فَصْلٌ لو تَنَازَعَا في سُفْلٍ عليه عُلُوٌّ لِلْمُدَّعَى عليه فَأَقَرَّ بِهِ لِلْمُدَّعِي فَاصْطَلَحَا على أَنْ يَبْنِيَ الْمُدَّعِي على الْعُلُوِّ وَيَكُونُ السُّفْلُ لِلْمُدَّعَى عليه فَهُوَ بَيْعٌ لِلسُّفْلِ بِحَقِّ الْبِنَاءِ على الْعُلُوِّ أو ادَّعَى عليه بَيْتًا فَأَقَرَّ له بِهِ وَتَصَالَحَا على أَنْ يَبْنِيَ الْمُقِرُّ على سَطْحِهِ أَيْ الْبَيْتِ فَهُوَ عَارِيَّةٌ له فَصْلٌ يَجُوزُ بَيْعُ حَقِّ إجْرَاءِ مَاءِ الْمَطَرِ لَا غَيْرِهِ من سَطْحِ الْمُشْتَرِي على السَّطْحِ أَيْ سَطْحِ الْبَائِعِ لِيَنْزِلَ الطَّرِيقُ وَإِجَارَتُهُ وَإِعَارَتُهُ كما يَجُوزُ ذلك على الْأَرْضِ هذا إنْ عُرِفَتْ السُّطُوحُ التي يَجْرِي الْمَاءُ منها وَإِلَيْهَا وَمَجْرَى الْمَاءِ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بها وَلَا بَأْسَ بِالْجَهْلِ بِقَدْرِ مَاءِ الْمَطَرِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ وَهَذَا عَقْدٌ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ وَخَرَجَ بِمَاءِ الْمَطَرِ ما صَرَّحَ بِهِ من زِيَادَتِهِ بِقَوْلِهِ لَا غَيْرِهِ كَمَاءِ نَهْرٍ أو عَيْنٍ أُرِيدَ سَقْيُ الْأَرْضِ بِهِ لِمَا سَيَأْتِي في مَاءِ الْغُسَالَةِ فَإِنْ بَنَى على سَطْحِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ ما يَمْنَعُ النُّفُوذَ لِمَاءِ الْمَطَرِ نَقَبَهُ الْمُشْتَرِي وَالْمُسْتَأْجِرُ وَأَجْرَيَا الْمَاءَ فيه لِمِلْكِهِمَا الْمَنْفَعَةَ لَا الْمُسْتَعِيرُ لِأَنَّ بِنَاءَ ذلك رُجُوعٌ في الْعَارِيَّةِ وَلَا يَجِبُ على مُسْتَحِقِّ إجْرَاءِ الْمَاءِ في مِلْكِ غَيْرِهِ مُشَارَكَتُهُ أَيْ الْغَيْرِ في الْعِمَارَةِ له إذَا انْهَدَمَ وَلَوْ بِسَبَبِ الْمَاءِ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْآلَاتِ وَهِيَ لِمَالِكِهَا وَلِأَنَّ الِانْهِدَامَ بِسَبَبِ الْمَاءِ تَوَلَّدَ من مُسْتَحِقٍّ
____________________
(2/226)
وَأَمَّا الْأَرْضُ فَلَا حَاجَةَ في الْعَارِيَّةِ لها إلَى بَيَانٍ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ فيها مَتَى شَاءَ وَالْأَرْضُ تَحْمِلُ ما تَحْمِلُ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِإِجْرَاءِ الْمَاءِ فيها وَجَبَ بَيَانُ مَوْضِعِ السَّاقِيَّةِ وَهِيَ الْمُجْرَاةُ وَطُولُهَا وَعَرْضُهَا وَعُمْقُهَا وَقَدْرُ الْمُدَّةِ إنْ كانت الْإِجَارَةُ مُقَدَّرَةً بها وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ قَدْرِهَا كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ في بَيْعِ حَقِّ الْبِنَاءِ فَإِنْ بَقِيَ الْكَلَامُ على عُمُومِهِ كما هو مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَشْكَلَ بِذَلِكَ قال في الشَّامِلِ وَلَوْ صَالَحَ على أَنْ يُجْرِيَ الْمَاءُ في سَاقِيَةٍ في أَرْضِ غَيْرِهِ فَهِيَ إجَارَةٌ قال في الْأُمِّ وَيَجِبُ تَقْدِيرُ الْمُدَّةِ قال أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يَصِحُّ إذَا كانت السَّاقِيَةُ مَحْفُورَةً وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَمْلِكُ الْحَفْرَ وَلِأَنَّ ذلك إجَارَةٌ لِسَاقِيَةٍ غَيْرِ مَوْجُودَةٍ فَاشْتِرَاطُهُ كَوْنَ السَّاقِيَةِ مَحْفُورَةً إنَّمَا ذُكِرَ في الْعَقْدِ على إجْرَاءِ الْمَاءِ في سَاقِيَةٍ لَا في الْعَقْدِ على إجْرَائِهِ في أَرْضٍ كما صَنَعَ الْأَصْلُ بَلْ وَلَا يُنَاسِبُ ذِكْرَهُ فيه لِأَنَّهُ لَا يُجَامِعُ اشْتِرَاطَ بَيَانِ مَوْضِعِ السَّاقِيَةِ وَطُولِهَا وَعَرْضِهَا وَعُمْقِهَا فَلِهَذَا تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُ الشَّامِلِ إنَّ هذا إجَارَةٌ يُخَالِفُهُ كَلَامُ الْكِفَايَةِ فإنه يَقْتَضِي أَنَّ الْمَعْرُوفَ أَنَّهُ بَيْعٌ قال سَوَاءٌ وَجَّهَ الْعَقْدَ إلَى الْحَقِّ بِأَنْ قال صَالَحْتُك على إجْرَاءِ الْمَاءِ أَمْ إلَى الْعَيْنِ بِأَنْ قال صَالَحْتُك على مُسَبَّلِ الْمَاءِ وَالْأَوْجَهُ فِيمَا إذَا وَجَّهَهُ إلَى الْحَقِّ أَنَّهُ عَقْدٌ فيه شَائِبَةُ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَذَكَرَ الْأَصْلُ أَنَّهُ إنْ بَاعَهَا فَإِنْ قال بِعْتُك مَسِيلَ الْمَاءِ وَجَبَ بَيَانُ طُولِهَا وَعَرْضِهَا لَا عُمْقِهَا أو بِعْتُك حَقَّ مَسِيلِ الْمَاءِ فَكَمَا مَرَّ في بَيْعِ حَقِّ الْبِنَاءِ وكان الْمُصَنِّفُ تَرَكَهُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا مَرَّ
وَلَيْسَ لِلْمُسْتَحِقِّ في الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا دُخُولُ الْأَرْضِ من غَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا إلَّا لِلتَّنْقِيَةِ لِلنَّهْرِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ من أَرْضِهِ ما يُخْرِجَهُ من النَّهْرِ تَفْرِيغًا لِمِلْكِ غَيْرِهِ وَلَيْسَ لِمَنْ أَذِنَ له في إجْرَاءِ مَاءٍ الْمَطَرِ على السَّطْحِ طَرْحُ الثَّلْجِ عليه وَلَا أَنْ يَتْرُكَ الثَّلْجَ حتى يَذُوبَ وَيَسِيلَ إلَيْهِ كما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ وَلَا أَنْ يُجْرِيَ فيه مَاءَ الْغُسَالَاتِ لِأَنَّ ذلك غَيْرُ مَأْذُونٍ فيه بَلْ وَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَيْهِمَا أَيْ على طَرْحِ الثَّلْجِ عليه وَإِجْرَاءِ مَاءِ الْغُسَالَاتِ عليه بِمَالٍ لِأَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إلَيْهِ وَفِيهِمَا جَهَالَةٌ وفي الْأَوَّلِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ وَمَنْ أَذِنَ له في إلْقَاءِ الثَّلْجِ لَا يُجْرِي الْمَطَرَ وَلَا غَيْرَهُ فَرْعٌ لو كان يُجْرِي مَاءً في مِلْكِ غَيْرِهِ فَادَّعَى الْمَالِكُ أَنَّهُ كان عَارِيَّةً قُبِلَ قَوْلُهُ كما أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ
فَرْعٌ الْمُصَالَحَةُ على بِمَعْنَى عن قَضَاءِ الْحَاجَةِ من بَوْلٍ أو غَائِطٍ وَطَرْحِ الْقُمَامَةِ بِضَمِّ الْقَافِ أَيْ الْكُنَاسَةِ وَلَوْ زِبْلًا في مِلْكِ الْغَيْرِ على مَالِ إجَارَةٍ بِشُرُوطِهَا الْقِيَاسُ أَنْ يُقَالَ عَقْدٌ فيه شَائِبَةُ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ أو يُقَالَ بَيْعٌ بِشَرْطِهِ أو إجَارَةٌ بِشَرْطِهَا وَاغْتُفِرَ الْجَهْلُ بِذَلِكَ لِلْحَاجَةِ وَتَعْبِيرُهُ في الْأُولَى بِالْمِلْكِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْحَشِّ وَكَذَا تَكُونُ الْمُصَالَحَةُ على بِمَعْنَى عن الْمَبِيتِ على سَقْفٍ لِغَيْرِهِ بِمَالِ إجَارَةٍ بِشُرُوطِهَا وَفِيهِ ما مَرَّ آنِفًا وَلِمُشْتَرِي الدَّارِ التي اسْتَأْجَرَ أو اشْتَرَى بَائِعُهَا حَقَّ إجْرَاءِ الْمَاءِ على سَطْحِ غَيْرِهَا أو حَقَّ الْمَبِيتِ عليه ما لِبَائِعِهَا من إجْرَاءِ الْمَاءِ لَا الْمَبِيتِ لِأَنَّ الْإِجْرَاءَ من مَرَافِقِ الدَّارِ بِخِلَافِ الْمَبِيتِ فَرْعٌ له تَحْوِيلُ أَغْصَانِ شَجَرَةٍ لِغَيْرِهِ مَالَتْ إلَى هَوَاءِ مِلْكِهِ الْخَاصِّ أو الْمُشْتَرَكِ وقد امْتَنَعَ الْمَالِكُ لها من تَحْوِيلِهَا عن هَوَائِهِ وله قَطْعُهَا وَلَوْ بِلَا إذْنِ قَاضٍ إنْ لم تَتَحَوَّلْ أَيْ لم يُمْكِنْ تَحْوِيلُهَا وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ إنَّ مُسْتَحِقَّ مَنْفَعَةِ الْمِلْكِ بِوَصِيَّةٍ أو وَقْفٍ أو إجَارَةٍ كَمَالِكِ الْعَيْنِ في ذلك مَبْنِيٌّ على أَنَّ مَالِكَ الْمَنْفَعَةِ يُخَاصَمُ وَعُدُولُ الْمُصَنِّفِ إلَى تَعْبِيرِهِ بِهَوَائِهِ عن تَعْبِيرِ أَصْلِهِ
____________________
(2/227)
بِهَوَاءِ مِلْكِهِ قد يُوَافِقُ ما قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عنها أَيْ عن الْأَغْصَانِ أَيْ إبْقَائِهَا بِمَالٍ إنْ لم تَسْتَنِدُ إلَى جِدَارٍ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عن مُجَرَّدِ الْهَوَاءِ وَكَذَا لو اسْتَنَدَتْ إلَى جِدَارٍ وَهِيَ رَطْبَةٌ لِزِيَادَتِهَا فَلَا يُعْرَفُ قَدْرُهَا وَثِقَلُهَا بِخِلَافِ الْيَابِسَةِ وَالْمُرَادُ بِاسْتِنَادِهَا إلَيْهِ اعْتِمَادُهَا عليه بِثِقَلِهَا لَا مُجَرَّدُ اسْتِنَادِهَا إلَيْهِ نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ وَانْتِشَارُ الْعُرُوقِ في أَرْضِهِ كَانْتِشَارِ الْأَغْصَانِ في هَوَاءِ مِلْكِهِ وَكَذَا مَيْلُ الْجِدَارِ إلَى هَوَاءِ الْجَارِ فَيَأْتِي فِيهِمَا ما تَقَرَّرَ في الْأَغْصَانِ قال في الْمَطْلَبِ وَلَيْسَ له إذَا تَوَلَّى الْقَطْعَ وَالْهَدْمَ بِنَفْسِهِ طَلَبُ أُجْرَةٍ على ذلك قال وَلَوْ دخل الْغُصْنُ الْمَائِلُ إلَى هَوَاءِ مِلْكِهِ في بَرْنِيَّةِ وَنَبَتَ فيها أُتْرُجَّةٌ وَكَبِرَتْ قَطَعَ الْغُصْنَ وَالْأُتْرُجَّةَ لِتَسْلَمَ الْبَرْنِيَّةُ لِاسْتِحْقَاقِ قَطْعِهِمَا قبل ذلك قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ثُمَّ قَالَا وَهَذَا بِخِلَافِ ما لو بَلَعَ حَيَوَانُ غَيْرِهِ جَوْهَرَةً له لَا يُذْبَحُ لِأَنَّ له حُرْمَةً الْبَابُ الثَّالِثُ في التَّنَازُعِ مَتَى ادَّعَى شَخْصٌ على اثْنَيْنِ دَارًا في يَدِهِمَا فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا في أَنَّ نَصِيبَهُ له وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ وَصَالَحَهُ الْمُصَدِّقُ بِمَالٍ فَلِلْمُكَذِّبِ الشُّفْعَةُ فيها وَإِنْ مَلَكَاهَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ كَإِرْثٍ وَشِرَاءٍ مَعًا لِأَنَّا حَكَمْنَا في الظَّاهِرِ بِصِحَّةِ الصُّلْحِ وَلَا يَبْعُدُ انْتِقَالُ مِلْكِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَإِنْ مَلَكَا بِسَبَبٍ إلَّا أَنْ صَدَرَ منه أَيْ الْمُكَذِّبِ ما يَقْتَضِي أَنَّ الشَّرِيكَ الْمُصَدِّقَ مَالِكٌ لِنَصِيبِهِ في الْحَالِ فَلَا شُفْعَةَ له لِاعْتِرَافِهِ بِبُطْلَانِ الصُّلْحِ وَاسْتُشْكِلَ ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ فِيمَا ذُكِرَ بِمَا يَأْتِي في الْإِيلَاءِ في دَارٍ بِيَدِ اثْنَيْنِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا جَمِيعَهَا وَالْآخَرُ نِصْفَهَا فَصَدَّقْنَا الثَّانِيَ بِيَمِينِهِ لِلْيَدِ ثُمَّ بَاعَ الْأَوَّلُ نَصِيبَهُ الثَّالِثَ فَأَرَادَ الْآخَرُ أَخْذَهُ بِالشُّفْعَةِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي مِلْكَهُ من أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ وَيَمِينُهُ أَفَادَتْ نَفْيَ ما يَدَّعِيهِ شَرِيكُهُ لَا إثْبَاتَ الْمِلْكِ له وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُنَا لم يُنْكِرْ مِلْكَ الْمُكَذِّبِ وَهُنَاكَ أَنْكَرَهُ لك مُدَّعِي النِّصْفِ فَلَيْسَ لِمُدَّعِيهِ الْأَخْذُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِمِلْكِهِ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الرِّفْعَةِ أَجَابَ بِذَلِكَ
وَإِنْ ادَّعَيَا عليه أَيْ وَإِنْ ادَّعَى اثْنَانِ على ثَالِثٍ مِلْكَ دَارٍ في يَدِهِ بِالْإِرْثِ أو الشِّرَاءِ مَثَلًا مَعًا فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِنِصْفِهَا اشْتَرَكَا أَيْ الْمُدَّعِيَانِ فيه لِأَنَّ كُلًّا من الْمَوْرُوثِ وَالْمُشْتَرِي مُشْتَرِكٌ فَالْخَالِصُ منه مُشْتَرَكٌ كما لو تَلِفَ بَعْضُهُ وَبَقِيَ بَعْضُهُ لَا إنْ كَانَا ادَّعَيَا مع ذلك الْقَبْضَ له بِأَنْ قَالَا وَرِثْنَاهُ أو اشْتَرَيْنَاهُ مَعًا وَقَبَضْنَاهُ ثُمَّ غَصَبْنَاهُ فَلَا مُشَارَكَةَ فيه لِأَنَّهُ إذَا حَصَلَ في يَدِهِمَا كان كُلٌّ مِنْهُمَا قَابِضًا لِحَقِّهِ وَانْقَطَعَ حَقُّهُ عَمَّا في يَدِ الْآخَرِ وَكَذَا لو ادَّعَيَاهُ وَتَعَرَّضَا لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ أو أَطْلَقَا نعم إنْ رُوجِعَ الْمُقِرُّ له في الْأَخِيرَةِ فَادَّعَى اتِّحَادَهُ فَهُوَ كما لو ادَّعَاهُ مع صَاحِبِهِ أَوَّلًا قَالَهُ الْإِمَامُ قال وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ دَفْعَتَيْنِ فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ فإن الشِّرَاءَ يَتَمَيَّزُ عن الشِّرَاءِ تَمْيِيزَ الشِّرَاءِ عن الْهِبَةِ وَالتَّمْيِيزُ هو الْمُعْتَبَرُ وَيُقَاسُ بِمَا قَالَهُ الْإِرْثُ فَلَفْظَةُ مَعًا في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَاجِعَةٌ إلَى الْإِرْثِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّصْرِيحُ بها في الْإِرْثِ من زِيَادَتِهِ وَالْعِبْرَةُ في اتِّحَادِ الْإِرْثِ بِاتِّحَادِ الْمُورَثِ وفي اتِّحَادِ الشِّرَاءِ بِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ قال في الْأَصْلِ وَإِنْ قَالَا اتَّهَبْنَا مَعًا وَقَبَضْنَا مَعًا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ كَالْإِرْثِ
وَالثَّانِي لَا مُشَارَكَةَ وَحَيْثُ شَرِكْنَا بين الِاثْنَيْنِ فَصَالَحَهُ أَيْ الثَّالِثُ الْمُصَدَّقُ بِإِذْنِ الْمُكَذَّبِ بِفَتْحِ ثَالِثِهِمَا بِمَالٍ صَحَّ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ بِإِذْنِهِ بَطَلَ في نَصِيبِ الشَّرِيكِ الْمُكَذَّبِ وَتَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ وَإِنْ أَقَرَّ الثَّالِثُ لِأَحَدِهِمَا بِالْكُلِّ وقد اعْتَرَفَ الْمُقِرُّ له أَنَّهُ بَيْنَهُمَا كما قال
____________________
(2/228)
الْكُلُّ بَيْنَنَا شَارَكَهُ فيه وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَعْتَرِفْ الْمُقِرُّ له بِذَلِكَ بَلْ اقْتَصَرَ على دَعْوَى النِّصْفِ أَخَذَ الْجَمِيعَ إنْ صَدَقَ الْمُقِرُّ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِالْكُلِّ وَلَا يَضُرُّ اقْتِصَارُهُ على دَعْوَى النِّصْفِ أَوَّلًا فَلَعَلَّهُ إنَّمَا ادَّعَاهُ لِكَوْنِ الْبَيِّنَةِ لَا تُسَاعِدُهُ على غَيْرِهِ أو يَخَافُ الْجُحُودَ الْكُلِّيَّ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ تَصْدِيقُ الْمُقِرِّ له الْمُقِرَّ هُنَا مع أَنَّهُ سَيَأْتِي في الْإِقْرَارِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فيه إلَّا عَدَمُ تَكْذِيبِهِ له لِأَنَّ دَعْوَاهُ مع الْآخَرِ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا النِّصْفَ فَاعْتُبِرَ تَصْدِيقُهُ لِرَفْعِ ذلك وَإِنْ لم يُصَدِّقْهُ في النِّصْفِ الْآخَرِ بَلْ أَقَرَّ بِهِ لِصَاحِبِهِ أَخْذُهُ صَاحِبَهُ لِتَعَيُّنِهِ له بِإِسْقَاطِ الْآخَرِينَ حَقَّهُمَا مع أَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمْ وَإِنْ لم يُقِرَّ له أَيْ لِصَاحِبِهِ أَيْضًا بِهِ وَقَفَ النِّصْفُ في يَدِ الْمُدَّعَى عليه كما سَيَأْتِي بَيَانُهُ في الْإِقْرَارِ
وَإِنْ تَدَاعَيَا جِدَارًا بَيْنَهُمَا أَيْ بين مِلْكَيْهِمَا وهو مُتَّصِلٌ بِجِدَارِ أَحَدِهِمَا اتِّصَالًا لَا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ بَعْدَ بِنَاءِ جِدَارِهِ بِأَنْ اتَّصَلَ بِهِ اتِّصَالَ تَدَاخُلٍ لِنِصْفِ لَبِنَاتٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا في الْآخَرِ في جَمِيعِ السَّمْكِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا أو كان له عليه أَزَجٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالزَّايِ وَبِالْجِيمِ أَيْ عَقْدٌ قد أُمِيلَ من أَصْلِهِ قَلِيلًا قَلِيلًا أو بَنَى الْجِدَارَ الذي بَيْنَهُمَا على خَشَبَةٍ طَرَفُهَا في مِلْكِهِ أَيْ مِلْكِ أَحَدِهِمَا فَالْيَدُ له عليه وَعَلَى الْخَشَبَةِ الْمَذْكُورَةِ لِظُهُورِ أَمَارَةِ الْمِلْكِ بِذَلِكَ فَيَحْلِفُ وَيُحْكَمُ له بِالْمِلْكِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ وَلَوْ كان الْجِدَارُ مَبْنِيًّا على تَرْبِيعِ أَحَدِ الْمِلْكَيْنِ زَائِدًا أو نَاقِصًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مِلْكِ الْآخَرِ فَهُوَ كَالْمُتَّصِلِ بِجِدَارِ أَحَدِهِمَا اتِّصَالًا لَا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَأَقَرَّهُ عليه النَّوَوِيُّ في تَصْحِيحِهِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَتَّصِلْ بِهِ كما ذُكِرَ بِأَنْ كان مُنْفَصِلًا عن جِدَارَيْهِمَا أو مُتَّصِلًا بِهِمَا اتِّصَالًا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ أو لَا يُمْكِنُ أو مُتَّصِلًا بِأَحَدِهِمَا اتِّصَالًا لَا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ بِأَنْ وُجِدَ الِاتِّصَالُ في بَعْضِهِ أو أُمِيلَ الْأَزَجُ الذي عليه بَعْدَ ارْتِفَاعِهِ أو بَنَى الْجِدَارَ على خَشَبَةٍ طَرَفَاهَا في مِلْكَيْهِمَا فَلَهُمَا الْيَدُ عليه لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ فَقَوْلُهُ
وَلَوْ اتَّصَلَ بِجِدَارَيْهِمَا فَهُوَ في يَدِهِمَا وَكَذَا إنْ لم يَتَّصِلْ تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ وَلَعَلَّهُمَا نُسْخَتَانِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً قُضِيَ له بِهِ وَإِلَّا حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ على النِّصْفِ الذي يَسْلَمُ له فَإِنْ حَلَفَا أو نَكَلَا جُعِلَ الْجِدَارُ بَيْنَهُمَا بِظَاهِرِ الْيَدِ وَإِنْ حَلَفَ من اُبْتُدِئَ بِيَمِينِهِ وَنَكَلَ الْآخَرُ حَلَفَ الْأَوَّلُ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ وَقُضِيَ له بِالْكُلِّ وَإِنْ نَكَلَ الْأَوَّلُ وَرَغِبَ الثَّانِي في الْيَمِينِ فَقَدْ اجْتَمَعَ عليه يَمِينُ النَّفْيِ لِلنِّصْفِ الذي ادَّعَاهُ الْأَوَّلُ وَيَمِينُ الْإِثْبَاتِ لِلنِّصْفِ الذي ادَّعَاهُ هو فَيَكْفِيهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ يَجْمَعُ فيها النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ كما يُعْلَمُ ذلك في الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ وَلَا تَرْجِيحَ بِالنَّقْشِ بِظَاهِرِ الْجِدَارِ كَالصُّورَةِ وَالْكِتَابَاتِ الْمُتَّخَذَةِ من جِصٍّ أو آجُرٍّ أو غَيْرِهِ وَالطَّاقَاتِ وَالْمَحَارِيبِ التي بِبَاطِنِهِ وَالْجُذُوعِ وَتَوْجِيهِ الْبِنَاءِ أَيْ جَعْلِ أَحَدِ جَانِبَيْهِ وَجْهًا كَأَنْ يُبْنَى بِلَبِنَاتٍ مُقَطَّعَةٍ وَتُجْعَلُ الْأَطْرَافُ الصِّحَاحُ إلَى جَانِبٍ وَمَوْضِعُ الْكَسْرِ إلَى جَانِبٍ وَمَعَاقِدُ الْقِمْطِ بِكَسْرِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَبِضَمِّهِمَا لَكِنَّهُ بِضَمِّهِمَا جَمْعُ قِمَاطٍ وَالْمُرَادُ بِهِ مَعْنَى الْقِمْطِ وهو حَبْلٌ رَقِيقٌ يُشَدُّ بِهِ الْجَرِيدُ وَنَحْوُهُ وَإِنَّمَا لم يُرَجَّحْ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّ كَوْنَ الْجِدَارِ بين الْمِلْكَيْنِ عَلَامَةٌ قَوِيَّةٌ في الِاشْتِرَاكِ فَلَا يُغَيَّرُ بِأَسْبَابٍ ضَعِيفَةٍ مُعْظَمُ الْقَصْدِ بها الزِّينَةُ كَالتَّحْصِيصِ وَالتَّزْوِيقِ وَلِأَنَّ الْجُذُوعَ تُشْبِهُ الْأَمْتِعَةَ فِيمَا لو تَنَازَعَ اثْنَانِ دَارًا بِيَدِهِمَا وَلِأَحَدِهِمَا فيها أَمْتِعَةٌ فإذا حَلَفَا بَقِيَتْ الْجُذُوعُ بِحَالِهَا لِاحْتِمَالِ أنها وُضِعَتْ بِحَقٍّ من إعَارَةٍ أو إجَارَةٍ أو بَيْعٍ أو قَضَاءِ قَاضٍ يَرَى الْإِجْبَارَ على الْوَضْعِ وَاَلَّذِي يَنْزِلُ عليه منها الْإِعَارَةُ لِأَنَّهَا أَضْعَفُ الْأَسْبَابِ فَلِمَالِكِ الْجِدَارِ قَلْعُ الْجُذُوعِ بِالْأَرْشِ أو الْإِبْقَاءُ بِالْأُجْرَةِ وَإِنْ تَنَازَعَ صَاحِبُ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ في سَقْفٍ لَا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ بَعْدَ بِنَاءِ الْعُلُوِّ كَالْأَزَجِ الذي لَا يُمْكِنُ عَقْدُهُ على وَسَطِ الْجِدَارِ بَعْدَ امْتِدَادِهِ في الْعُلُوِّ فَالْيَدُ لِلْأَسْفَلِ عليه وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ أَمْكَنَ إحْدَاثُهُ بِأَنْ يَكُونَ السَّقْفُ عَالِيًا فَيَنْقُبُ وَسَطَ الْجِدَارِ وَتُوضَعُ رَأْسُ الْجُذُوعِ في النَّقْبِ فَلَهُمَا الْيَدُ عليه لِمَا مَرَّ في الْجِدَارِ أو تَنَازَعَا في الدِّهْلِيزِ أو الْعَرْصَةِ فَمِنْ الْبَابِ إلَى الْمَرْقَى مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَدًا وَتَصَرُّفًا بِالِاسْتِطْرَاقِ وَوَضْعُ الْأَمْتِعَةِ وَغَيْرِهَا وَالْبَاقِي لِلْأَسْفَلِ لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ يَدًا وَتَصَرُّفًا وَالسُّلَّمُ الْكَائِنُ في الْمَرْقَى أَيْ مَوْضِعِ الرُّقِيِّ لِلْأَعْلَى وَلَوْ لم يُسَمَّرْ لِعَوْدِ مَنْفَعَتِهِ إلَيْهِ وما قَالَهُ فِيمَا إذَا لم يُسَمَّرْ هو ما نَقَلَهُ ابن
____________________
(2/229)
كَجٍّ عن الْأَكْثَرِينَ وَنَقَلَ عن ابْنِ خَيْرَانَ أَنَّهُ لِلْأَسْفَلِ كَسَائِرِ الْمَنْقُولَاتِ قال في الْأَصْلِ وهو الْوَجْهُ فَإِنْ كان غَيْرُ الْمُسَمَّرِ في بَيْتٍ لِلْأَسْفَلِ فَهُوَ في يَدِهِ أو في غُرْفَةٍ لِلْأَعْلَى فَفِي يَدِهِ وَالْبَيْتُ الذي تَحْتَ الدَّرَجَةِ أَيْ دَرَجَةِ السُّلَّمِ بَيْنَهُمَا فَلَوْ كان تَحْتَهُ مَوْضِعُ حُبٍّ بِضَمِّ الْحَاءِ أَيْ خَابِيَةٍ أو جَرَّةٍ فَلِلْأَعْلَى ما قَالَهُ في الْبَيْتِ وما بَعْدَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا مُطَابِقَ لِأُصَلِّهِ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْأَصْلُ فِيهِمَا إنَّمَا هو في الْمَرْقَى حَيْثُ قال وَإِنْ كان الْمَرْقَى مُثَبَّتًا كَسُلَّمٍ مُسَمَّرٍ فَلِلْأَعْلَى لِعَوْدِ نَفْعِهِ إلَيْهِ وَكَذَا إنْ كان مَبْنِيًّا إذَا لم يَكُنْ تَحْتَهُ شَيْءٌ فَإِنْ كان تَحْتَهُ بَيْتٌ فَهُوَ بَيْنَهُمَا كَسَائِرِ السُّقُوفِ أو مَوْضِعِ حُبٍّ أو جَرَّةٍ فَلِلْأَعْلَى عَمَلًا بِالظَّاهِرِ مع ضَعْفِ مَنْفَعَةِ الْأَسْفَلِ
كِتَابُ الْحَوَالَةِ هِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ أَفْصَحُ من كَسْرِهَا من التَّحَوُّلِ وَالِانْتِقَالِ يُقَالُ حَالَتْ الْأَسْعَارُ إذَا انْتَقَلَتْ عَمَّا كانت عليه وفي الشَّرْعِ عَقْدٌ يَقْتَضِي نَقْلَ دَيْنٍ من ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ وَتُطْلَقُ على انْتِقَالِهِ من ذِمَّةٍ إلَى أُخْرَى وَالْأَصْلُ قبل الْإِجْمَاعِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وإذا أُتْبِعَ أحدكم على مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ بِإِسْكَانِ التَّاءِ في الْمَوْضِعَيْنِ أَيْ فَلْيَحْتَلْ كما رَوَاهُ هَكَذَا الْبَيْهَقِيُّ وَلَهَا سِتَّةُ أَرْكَانٍ مُحِيلٌ وَمُحْتَالٌ وَمُحَالٌ عليه وَدَيْنٌ لِلْمُحْتَالِ على الْمُحِيلِ وَدَيْنٌ لِلْمُحِيلِ على الْمُحَالِ عليه وَصِيغَةٌ وَكُلُّهَا تُؤْخَذُ من كَلَامِهِ الْآتِي وَإِنْ سَمَّى بَعْضَهَا شُرُوطًا يُسْتَحَبُّ قَبُولُهَا على مَلِيءٍ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَصَرْفُهُ عن الْوُجُوبِ الْقِيَاسُ على سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ وَخَبَرُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ منه وَيُشْبِهُ كما قال الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ في اسْتِحْبَابِ قَبُولِهَا على مَلِيءٍ كَوْنُهُ وَفِيًّا وَكَوْنُ مَالِهِ طَيِّبًا لِيُخْرِجَ الْمُمَاطَلَ وَمَنْ في مَالِهِ شُبْهَةٌ وَهِيَ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ وَلِهَذَا لم يُعْتَبَرْ التَّقَابُضُ في الْمَجْلِسِ وَإِنْ كان الدَّيْنَانِ رِبَوِيَّيْنِ فَهِيَ بَيْعٌ لِأَنَّهَا إبْدَالُ مَالٍ بِمَالٍ فإن كُلًّا من الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ يَمْلِكُ بها ما لم يَمْلِكْهُ قَبْلَهَا لَا اسْتِيفَاءَ لِحَقٍّ بِأَنْ يُقَدَّرَ أَنَّ الْمُحْتَالَ اسْتَوْفَى ما كان له على الْمُحِيلِ وَأَقْرَضَهُ الْمُحَالُ عليه وَشُرُوطُهَا ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ رِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ لِأَنَّ لِلْمُحِيلِ إيفَاءَ الْحَقِّ من حَيْثُ شَاءَ فَلَا يَلْزَمُ بِجِهَةٍ وَحَقُّ الْمُحْتَالِ في ذِمَّةِ الْمُحِيلِ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَّا بِرِضَاهُ كما في بَيْعِ الْأَعْيَانِ وَمَعْرِفَةِ رِضَاهُمَا بِالصِّيغَةِ كما سَيَأْتِي وَعَبَّرَ كَغَيْرِهِ هُنَا بِالرِّضَا تَنْبِيهًا على أَنَّهُ لَا يَجِبُ على الْمُحْتَالِ الرِّضَا بِالْحَوَالَةِ وَتَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ لَا الْمُحَالُ عليه فَلَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْحَقِّ وَالتَّصَرُّفِ كَالْعَبْدِ الْمَبِيعِ وَلِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُحِيلِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِغَيْرِهِ كما لو وَكَّلَ غَيْرَهُ بِالِاسْتِيفَاءِ وَالرِّضَا أَيْ الْمُرَادُ بِهِ هو الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ كما في الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْحَوَالَةِ بَلْ هو أو ما يُؤَدِّي مَعْنَاهُ كَ نَقَلْتُ حَقَّك إلَى فُلَانٍ أو جَعَلْت ما أَسْتَحِقُّهُ على فُلَانٍ لَك أو مَلَّكْتُك الدَّيْنَ الذي عليه بِحَقِّك وَقَوْلُهُ أَحِلْنِي كَقَوْلِهِ بِعْنِي فَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِهِ وَظَاهِرُ الْخَبَرِ كما في الْمَطْلَبِ إنْ أَتْبَعْتُك على فُلَانٍ كَأَحَلْتُك عليه قال الْمُتَوَلِّي وَهَلْ تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ إنْ رَاعَيْنَا اللَّفْظَ لم تَنْعَقِدْ أو الْمَعْنَى انْعَقَدَتْ كَالْبَيْعِ بِلَفْظِ السَّلَمِ وَلَوْ قال أَحَلْتُك على فُلَانٍ بِكَذَا ولم يَقُلْ بِالدَّيْنِ الذي لك عَلَيَّ فَهُوَ كِنَايَةٌ كما يُؤْخَذُ من كَلَامِهِمْ أَوَاخِرَ الْبَابِ وَصَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ بِتَصْحِيحِهِ
الشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ الْحَوَالَةُ بِدَيْنٍ مِثْلِيٍّ أو مُتَقَوِّمٍ لَازِمٍ كَالثَّمَنِ في زَمَنِ الْخِيَارِ يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عنه وهو ما عَبَّرَ عنه أَصْلُهُ بِكَوْنِهِ مُسْتَقِرًّا أو بِدَيْنٍ أَصْلُهُ اللُّزُومُ كَالثَّمَنِ في زَمَنِ الْخِيَارِ فَلَا تَصِحُّ بِالْعَيْنِ لِمَا مَرَّ أنها بَيْعُ دَيْنٍ
____________________
(2/230)
بِدَيْنٍ وَلَا بِالدَّيْنِ قبل ثُبُوتِهِ وَلَا بِدَيْنٍ غَيْرِ لَازِمٍ وَلَا أَصْلُهُ اللُّزُومُ كَدَيْنِ الْجَعَالَةِ كما يَأْتِي بَيَانُهُ وَلَا بِمَا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عنه كَدَيْنِ السَّلَمِ كما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ فَلَا تَصِحُّ بِدَيْنِ السَّلَمِ وَلَا عليه وَتَصِحُّ بِثَمَنِ مَبِيعٍ لم يُقْبَضْ بِأَنْ يُحِيلَ بِهِ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ على ثَالِثٍ وَعَلَيْهِ بِأَنْ يُحِيلَ الْبَائِعُ غَيْرَهُ على الْمُشْتَرِي وَلَوْ في مُدَّةِ الْخِيَارِ فِيهِمَا لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى اللُّزُومِ وَالْخِيَارُ عَارِضٌ فيه فَيُعْطَى حُكْمَ اللُّزُومِ وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ اسْتِقْرَارِهِ بِمَعْنَى أَنَّا لَا نَأْمَنُ انْفِسَاخَ الْعَقْدِ فيه بِتَلَفِ مُقَابِلِهِ لِأَنَّا لَا نَعْنِي بِاسْتِقْرَارِهِ هُنَا الْأَمْنَ من ذلك بَلْ جَوَازَ بَيْعِهِ وَيَبْطُلُ الْخِيَارُ في الْحَوَالَةِ بِالثَّمَنِ لِتَرَاضِي عَاقِدِيهَا وَلِأَنَّ مُقْتَضَاهَا اللُّزُومُ فَلَوْ بَقِيَ الْخِيَارُ فَاتَ مُقْتَضَاهَا وَكَذَا في الْحَوَالَةِ عليه يَبْطُلُ في حَقِّ الْبَائِعِ لِرِضَاهُ بها وَلِمُقْتَضَاهَا السَّابِقِ لَا في حَقِّ مُشْتَرٍ لم يَرْضَ بها فَإِنْ رضي بها بَطَلَ في حَقِّهِ أَيْضًا وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ الْخِيَارُ فِيمَا ذُكِرَ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَاسْتُشْكِلَ صِحَّةُ الْحَوَالَةِ في زَمَنِ الْخِيَارِ إذَا كان لِلْبَائِعِ أو لَهُمَا لِأَنَّ الثَّمَنَ لم يَنْتَقِلْ عن مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبَائِعَ إذَا أَحَالَ فَقَدْ أَجَازَ فَوَقَعَتْ الْحَوَالَةُ مُقَارِنَةً لِلْمِلْكِ وَذَلِكَ كَافٍ فَإِنْ قُلْت هذا يُشْكِلُ بِامْتِنَاعِ بَيْعِ الْبَائِعِ الثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ في زَمَنِ الْخِيَارِ إذَا كان له قُلْت لَمَّا تَوَسَّعُوا في بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ تَوَسَّعُوا في بَيْعِهِ فِيمَا ذُكِرَ بِخِلَافِ ذلك فَإِنْ فَسَخَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ في زَمَنِ خِيَارِهِ بَطَلَتْ لِارْتِفَاعِ الثَّمَنِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَكَأَنَّهُ قَاسَهُ على ما فَرَّعَهُ الْأَصْلُ على الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ بُطْلَانِ الْخِيَارِ فِيمَا ذُكِرَ وهو مُخَالِفٌ لِعُمُومِ ما سَيَأْتِي من أَنَّ الْحَوَالَةَ على الثَّمَنِ لَا تَبْطُلُ بِالْفَسْخِ إلَّا أَنْ يُسْتَثْنَى من ذَاكَ الْفَسْخُ بِالْخِيَارِ وهو بَعِيدٌ
وَتَصِحُّ حَوَالَةُ الْمُكَاتِبِ سَيِّدَهُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ لِوُجُودِ اللُّزُومِ من جِهَةِ السَّيِّدِ وَالْمُحَالِ عليه فَيَتِمُّ الْغَرَضُ منها وَلِصِحَّةِ الِاعْتِيَاضِ عنه كما نَصَّ عليه في الْأُمِّ لَكِنْ جَرَى الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ في بَابِ الْكِتَابَةِ على عَدَمِ صِحَّتِهِ فَتَشْكُلُ صِحَّةُ الْحَوَالَةِ بِهِ بِعَدَمِ صِحَّتِهَا بِدَيْنِ السَّلَمِ وقد يُفَرَّقُ بِأَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ لِلْعِتْقِ وَفَرَّقَ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ السَّيِّدَ إذَا احْتَالَ بِمَالُ الْكِتَابَةِ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ أَنْ يَصِيرَ الدَّيْنُ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ إنْ قَبَضَهُ قبل التَّعْجِيزِ فَوَاضِحٌ وَإِلَّا فَهُوَ مَالُ الْمُكَاتَبِ وَصَارَ بِالتَّعْجِيزِ لِلسَّيِّدِ بِخِلَافِ دَيْنِ السَّلَمِ قد يَنْقَطِعُ الْمُسْلَمُ فيه فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يَصِلَ الْمُحْتَالُ إلَى حَقِّهِ لَا حَوَالَةُ السَّيِّدِ غَيْرَهُ عليه أَيْ على مَالِ الْكِتَابَةِ فَلَا تَصِحُّ لِعَدَمِ لُزُومِهِ على الْمُحَالِ عليه إذْ له إسْقَاطُهُ فَلَا يُمْكِنُ إلْزَامُهُ الدَّفْعَ لِلْمُحْتَالِ وَلَوْ أَحَالَ السَّيِّدُ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ على مُكَاتَبِهِ جَازَ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يُجْبَرُ على أَدَائِهِ بِخِلَافِ مَالِ الْكِتَابَةِ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِهَا حَيْثُ قال نَقْلًا عن الْمُتَوَلِّي إنْ قُلْنَا بِبَقَاءِ دَيْنِ الْمُعَامَلَةِ لو عَجَّزَ نَفْسَهُ صَحَّتْ الْحَوَالَةُ عليه وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ أَحَالَ الْمُكَاتَبُ على سَيِّدِهِ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ جَازَ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْحَوَالَةُ بِإِبِلِ الدِّيَةِ وَعَلَيْهَا لَا تَصِحُّ لِلْجَهَالَةِ بِصِفَاتِهَا وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ لِلسَّاعِي وَلَا لِلْمُسْتَحِقِّ بِالزَّكَاةِ مِمَّنْ هِيَ عليه وَلَا عَكْسُهُ وَإِنْ تَلِفَ النِّصَابُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عنها وَلَا الْحَوَالَةُ في الْجَعَالَةِ بِدَيْنِهَا أو عليه قبل التَّمَامِ لِلْعَمَلِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ دَيْنِهَا حِينَئِذٍ بِخِلَافِهِ بَعْدَ التَّمَامِ فَرْعٌ لو أَحَالَ على من لَا دَيْنَ عليه لم تَصِحَّ الْحَوَالَةُ وَلَوْ رضي بها لِعَدَمِ الِاعْتِيَاضِ إذْ ليس عليه شَيْءٌ يَجْعَلُهُ عِوَضًا عن حَقِّ الْمُحْتَالِ فَإِنْ تَطَوَّعَ بِأَدَاءِ دَيْنِ الْمُحِيلِ كان قَاضِيًا دَيْنَ غَيْرِهِ وهو جَائِزٌ
الشَّرْطُ الثَّالِثُ اتِّفَاقُ الدَّيْنَيْنِ جِنْسًا وَقَدْرًا وَحُلُولًا وَتَأْجِيلًا وَصِحَّةً وَتَكَسُّرًا وَجَوْدَةً وَرَدَاءَةً وَلَوْ في غَيْرِ الرِّبَوِيِّ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ لَيْسَتْ على حَقِيقَةِ الْمُعَاوَضَاتِ وَإِنَّمَا هِيَ مُعَاوَضَةُ إرْفَاقٍ جُوِّزَتْ لِلْحَاجَةِ فَاعْتُبِرَ فيها الِاتِّفَاقُ كما في الْقَرْضِ وَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِاتِّفَاقِهِمَا كما يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ في مَسْأَلَةِ الْحَوَالَةِ بِإِبِلِ الدِّيَةِ وَعَلَيْهَا فَلَوْ جَهِلَاهُ أو أَحَدَهُمَا لم تَصِحَّ الْحَوَالَةُ وَإِنْ اتَّفَقَ الدَّيْنَانِ في نَفْسِ الْأَمْرِ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَلَا بُدَّ من عِلْمِهِمَا
____________________
(2/231)
بِحَالِ الْعِوَضَيْنِ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُهُمَا في الرَّهْنِ وَلَا في الضَّمَانِ وهو كَذَلِكَ بَلْ لو أَحَالَهُ بِدَيْنٍ أو على دَيْنٍ بِهِ رَهْنٌ أو ضَامِنٌ انْفَكَّ الرَّهْنُ وَبَرِئَ الضَّامِنُ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ كَالْقَبْضِ بِدَلِيلِ سُقُوطِ حَبْسِ الْمَبِيعِ وَالزَّوْجَةِ فِيمَا إذَا أَحَالَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وَالزَّوْجُ بِالصَّدَاقِ وَيُفَارِقُ الْمُحْتَالُ الْوَارِثَ في نَظِيرِهِ من ذلك بِأَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ مُورَثِهِ فِيمَا ثَبَتَ له من الْحُقُوقِ وَلَوْ شَرَطَ الْعَاقِدُ في الْحَوَالَةِ رَهْنًا أو ضَمِينًا من الْمُحِيلِ أو الْمُحَالِ عليه إلَى أَنْ يَسْقُطَ حَقُّ الْمُحْتَالِ بِقَبْضٍ أو غَيْرِهِ جَازَ هذا من زِيَادَتِهِ وهو تَفْرِيعٌ على أَنَّ الْحَوَالَةَ بَيْعُ عَيْنٍ بِدَيْنٍ كما صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْأَصَحُّ أنها بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ كما مَرَّ وَعَلَيْهِ فَالْأَقْرَبُ كما قال الْأَذْرَعِيُّ عَدَمُ جَوَازِ ذلك وَبِهِ جَزَمَ في الْأَنْوَارِ
فَصْلٌ الْمُحِيلُ يَبْرَأُ بِالْحَوَالَةِ عن دَيْنِ الْمُحْتَالِ وَالْمُحَالُ عليه يَبْرَأُ عن دَيْنِ الْمُحِيلِ وَيَلْزَمُ الدَّيْنَ الْمُحَالَ بِهِ الْمُحَالُ عليه لِلْمُحْتَالِ لِأَنَّ ذلك هو فَائِدَةُ الْحَوَالَةِ وَتَعْبِيرُهُ بِاللُّزُومِ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالتَّحَوُّلِ لِأَنَّهُ يُنَافِي ظَاهِرًا كَوْنَهَا بَيْعًا فإن الْبَيْعَ يَقْتَضِي أَنَّ الذي انْتَقَلَ إلَيْهِ غَيْرُ الذي كان له وَالتَّحَوُّلُ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَوَّلَ بَاقٍ بِعَيْنِهِ لَكِنْ تَغَيَّرَ مَحَلِّهِ فَإِنْ أَفْلَسَ الْمُحَالُ عليه أو مَاتَ مُفْلِسًا أو جَحَدَ الْحَوَالَةَ أو دَيْنَ الْمُحِيلِ وَحَلَفَ فَلَا رُجُوعَ لِلْمُحْتَالِ على الْمُحِيلِ كما لَا رُجُوعَ له فِيمَا لو اشْتَرَى شيئا وَغَبَنَ فيه أو أَخَذَ عِوَضًا عن دَيْنِهِ وَتَلِفَ عِنْدَهُ وَلِأَنَّهُ أَوْجَبَ في الْخَبَرِ اتِّبَاعَ الْمُحَالِ عليه مُطْلَقًا أو لِأَنَّهُ لو كان له الرُّجُوعُ لَمَا كان لِذِكْرِ الْمُلَاءَةِ في الْخَبَرِ فَائِدَةٌ لِأَنَّهُ إنْ لم يَصِلْ إلَى حَقِّهِ رَجَعَ بِهِ فَعُلِمَ بِذَكَرِهَا أَنَّ الْحَقَّ انْتَقَلَ انْتِقَالًا لَا رُجُوعَ بِهِ وَأَنَّ فَائِدَةَ ذِكْرِهَا حِرَاسَةُ الْحَقِّ لَا يُقَالُ بَلْ فَائِدَتُهُ عَدَمُ صِحَّةِ الْحَوَالَةِ على غَيْرِ الْمَلِيءِ لِأَنَّا نَقُولُ تِلْكَ صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ نعم قد يُقَالُ من فَوَائِدِهِ عَدَمُ نَدْبِ قَبُولِهَا حِينَئِذٍ وَيُفَارِقُ عَدَمُ رُجُوعِهِ هُنَا رُجُوعَهُ فِيمَا لو اشْتَرَى شيئا وَأَفْلَسَ بِالثَّمَنِ بِأَنَّ الْعَلَقَةَ ثَمَّ بَاقِيَةٌ في الثَّمَنِ وَهُنَا لَا عَلَقَةَ قال في الْمَطْلَبِ وَلَوْ قَبِلَ الْمُحْتَالُ الْحَوَالَةَ بِغَيْرِ اعْتِرَافٍ بِالدَّيْنِ كان قَبُولُهُ مُتَضَمِّنًا لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الصِّحَّةِ فَيُؤَاخَذُ بِذَلِكَ لو أَنْكَرَ الْمُحَالُ عليه وَهَلْ له تَحْلِيفُ الْمُحِيلِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بَرَاءَتَهُ فيه وَجْهَانِ انْتَهَى وَأَوْجَهُهُمَا نعم فَإِنْ شَرَطَ في الْحَوَالَةِ الرُّجُوعَ بِذَلِكَ أَيْ بِشَيْءٍ منه لم تَصِحَّ الْحَوَالَةُ لِاقْتِرَانِهَا بِشَرْطٍ يُخَالِفُ مُقْتَضَاهَا وَقِيلَ تَصِحُّ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَلَوْ بَانَ الْمُحَالُ عليه مُعْسِرًا فَلَا خِيَارَ لِلْمُحْتَالِ لِمَا مَرَّ وَلَوْ شُرِطَ يَسَارُهُ إذْ لو اخْتَارَ عِنْدَ الشَّرْطِ لَاخْتَارَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِأَنَّ الْإِعْسَارَ نَقْصٌ في الذِّمَّةِ كَالْعَيْبِ في الْمَبِيعِ وَكَذَا لَا خِيَارَ له إنْ بَانَ الْمُحَالُ عليه عَبْدًا لِغَيْرِهِ أَيْ الْمُحِيلِ كما لو بَانَ مُعْسِرًا بَلْ يُطَالِبُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِنْ بَانَ عَبْدًا له لم تَصِحَّ الْحَوَالَةُ وَإِنْ كان له في ذِمَّتِهِ دَيْنٌ قبل مِلْكِهِ له لِسُقُوطِهِ عنه بِمِلْكِهِ فَرْعٌ لو صَالَحَهُ أَيْ الْمُدَّعِيَ أَجْنَبِيٌّ من دَيْنٍ على عَيْنٍ ثُمَّ جَحَدَهُ أَيْ الْأَجْنَبِيُّ الصُّلْحَ قبل قَبْضِهَا وَحَلَفَ رَجَعَ الْمُدَّعِي على صَاحِبِهِ إنْ فُسِخَ الصُّلْحُ كَنَظِيرِهِ في الْبَيْعِ وَيُفَارِقُ الْحَوَالَةَ بِأَنَّ الْحَقَّ فيها صَارَ مَقْبُوضًا قال في الْمُهِمَّاتِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُصَالِحَهُ لِقَطْعِ النِّزَاعِ وَإِنْ كان الْمُدَّعَى عليه مُنْكِرًا إذَا اعْتَرَفَ الْأَجْنَبِيُّ فَإِنْ صَالَحَهُ لِنَفْسِهِ فَهُوَ ابْتِيَاعُ دَيْنٍ من غَيْرِ من عليه وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَعَنْدَ النَّوَوِيِّ في بَعْضِ كُتُبِهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ كما مَرَّ بَيَانُهُ في الْبَيْعِ أَمَّا إذَا صَالَحَهُ من دَيْنٍ على دَيْنٍ فَبَاطِلٌ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ بِغَيْرِ حَوَالَةٍ فَرْعٌ وَإِنْ فُسِخَ الْعَقْدُ أَيْ عَقْدُ الْمَبِيعِ بِعَيْبٍ أو إقَالَةٍ أو تَحَالُفٍ أو غَيْرِهَا وقد أُحِيلَ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ لِارْتِفَاعِ الثَّمَنِ بِانْفِسَاخِ الْعَقْدِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْفَسْخُ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَمَالِ الْحَوَالَةِ أو قَبْلَهُ وَعَادَ الثَّمَنُ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي وَيَرُدُّهُ الْبَائِعُ إلَيْهِ إنْ كان قد قَبَضَهُ وهو بَاقٍ أو بَدَلَهُ إنْ تَلِفَ فَلَا يَرُدُّهُ إلَى الْمُحَالِ عليه فَإِنْ رَدَّهُ إلَيْهِ لم تَسْقُطْ عنه مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْحَقَّ له وقد قَبَضَهُ الْبَائِعُ بِإِذْنِهِ فإذا لم يَقَعْ عن الْبَائِعِ يَقَعُ عنه وَيَتَعَيَّنُ حَقُّهُ فِيمَا قَبَضَهُ الْبَائِعُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ حتى لَا يَجُوزَ إبْدَالُهُ إنْ بَقِيَتْ عَيْنُهُ وَإِبْرَاءُ الْبَائِعِ الْمُحَالِ عليه
____________________
(2/232)
من الدَّيْنِ قبل الْفَسْخِ كَقَبْضِهِ له فِيمَا ذُكِرَ فَلِلْمُشْتَرِي مُطَالَبَتُهُ بِمِثْلِ الْمُحَالِ بِهِ وَإِنْ لم يَقْبِضْهُ فَلَيْسَ له قَبْضُهُ لِأَنَّهُ عَادَ إلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ قَبَضَهُ ضَمِنَ فَلَا يَقَعُ قَبْضُهُ عن الْمُشْتَرِي لِعَدَمِ الْحَوَالَةِ وَالْوَكَالَةِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْبِضُ لِنَفْسِهِ ولم يَبْقَ له حَقٌّ بِخِلَافِ ما إذَا فَسَدَتْ الشَّرِكَةُ وَالْوَكَالَةُ فإن التَّصَرُّفَ يَصِحُّ لِبَقَاءِ الْإِذْنِ فيه لِأَنَّهُ كان في التَّصَرُّفِ عن الْإِذْنِ وَإِذْنُهُ بَاقٍ بِخِلَافِهِ في مَسْأَلَتِنَا فإنه إنَّمَا كان في قَبْضِ الْبَائِعِ عن نَفْسِهِ لَا عن الْإِذْنِ وقد ارْتَفَعَ بِمَا ذُكِرَ وَالتَّصْرِيحُ بِالضَّمَانِ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ أَحَالَ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ على الْمُشْتَرِي لِثَالِثٍ بِزِيَادَةِ اللَّامِ أَيْ ثَالِثًا ثُمَّ فُسِخَ الْعَقْدُ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ لم تَبْطُلْ الْحَوَالَةُ وَإِنْ لم يَقْبِضْ الْمُحْتَالُ مَالَهَا لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِثَالِثٍ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ فَيَبْعُدُ ارْتِفَاعُهَا بِفَسْخٍ يَخْتَصُّ بِالْعَاقِدَيْنِ كما لَا يَفْسَخُ لِذَلِكَ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ في الثَّمَنِ إذَا تَصَرَّفَ فيه ثُمَّ فُسِخَ الْعَقْدُ لَكِنْ لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي على الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ إلَّا بَعْدَ التَّسْلِيمِ أَيْ تَسْلِيمِهِ لِلْمُحْتَالِ بَلْ له مُطَالَبَتُهُ بِطَلَبِ الْقَبْضِ منه لِيَرْجِعَ عليه أَيْ على الْبَائِعِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ قبل التَّسْلِيمِ وَإِنْ كانت الْحَوَالَةُ كَالْقَبْضِ لِأَنَّ الْغُرْمَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْقَبْضِ حَقِيقَةً لَا حُكْمًا وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ بَلْ له مُطَالَبَتُهُ إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ
فَرْعٌ لو أَحَالَهَا زَوْجُهَا بِصَدَاقِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ أو انْفَسَخَ النِّكَاحُ قَبْلَهُ بِرِدَّتِهَا أو بِعَيْبٍ أو بِخُلْفِ شَرْطٍ لم تَبْطُلْ الْحَوَالَةُ بِخِلَافِهَا فِيمَا مَرَّ فِيمَا لو أُحِيلَ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ لِأَنَّ الصَّدَاقَ أَثْبَتُ من غَيْرِهِ وَلِهَذَا لو زَادَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً لم يَرْجِعْ فيه إلَّا بِرِضَاهَا بِخِلَافِ الْمَبِيعِ وَنَحْوِهِ وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عليها بِالنِّصْفِ من الصَّدَاقِ إنْ طَلَّقَ أو الْكُلِّ إنْ انْفَسَخَ النِّكَاحُ
فَرْعٌ لو أَحَالَ الْبَائِعُ عليه أَيْ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِ عَبْدٍ بَاعَهُ منه فَتَصَادَقَ هو وَالْمُشْتَرِي على حُرِّيَّتِهِ إمَّا ابْتِدَاءً أو بِزَعْمِ الْعَبْدِ أَنَّهُ حُرٌّ لم تَبْطُلْ الْحَوَالَةُ لِتَعَلُّقِهَا بِثَالِثٍ فَلِلْمُحْتَالِ أَخْذُ الْمُحَالِ بِهِ من الْمُشْتَرِي وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالْمَأْخُوذِ منه على الْبَائِعِ بَعْدَ الْأَخْذِ منه لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِإِذْنِهِ الذي تَضَمَّنَتْهُ الْحَوَالَةُ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ هُنَا وهو مَتْرُوكٌ في نُسَخٍ اكْتِفَاءً بِمَا سَيَأْتِي إلَّا إنْ صَدَّقَهُمَا الْمُحْتَالُ أو شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِحُرِّيَّتِهِ فَتَبْطُلُ الْحَوَالَةُ بِمَعْنَى أَنَّهُ تَبَيَّنَ بُطْلَانُهُمْ لِأَنَّهُ بَانَ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ أَنْ لَا ثَمَنَ حتى يُحَالَ بِهِ فَيُرَدَّ الْمُحْتَالُ ما أَخَذَهُ على الْمُشْتَرِي وَيَبْقَى حَقُّهُ كما كان وَالْبَيِّنَةُ لِلْعَبْدِ بِأَنْ يُقِيمَهَا هو أو تَشْهَدَ حِسْبَةٌ وَمَحَلُّ إقَامَتِهِ لها إذَا تَصَادَقَ الْعَاقِدَانِ بَعْدَ بَيْعِهِ بِأَنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لِآخَرَ كما صَوَّرَهَا الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ إقَامَتُهُ لها قبل بَيْعِهِ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ بِتَصَادُقِهِمَا وَإِنْ لم يُصَدِّقْ الْمُحْتَالُ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ نَبَّهَ عليه ابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَمِثْلُهُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُقَامُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ قبل الْبَيْعِ لَا لِلْعَاقِدَيْنِ بِأَنْ يُقِيمَاهَا لِعَدَمِ تَصَوُّرِهَا مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا كَذَبَاهَا بِالْبَيْعِ
قال في الْمُهِمَّاتِ وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ في الْأُمِّ خِلَافُهُ إذَا لم يَكُنْ الذي أَقَامَهَا صَرَّحَ بِمِلْكِ الْمَبِيعِ بَلْ اقْتَصَرَ على الْبَيْعِ وَمِمَّنْ قال بِهِ الرُّويَانِيُّ خِلَافُ ما قَالَهُ هُنَا وَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ في الدَّعَاوَى صَرِيحٌ فيه انْتَهَى وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا لم يذكر تَأْوِيلًا فَإِنْ ذَكَرَهُ كَأَنْ قال أَعْتَقْته وَنَسَبْت أو اشْتَبَهَ عَلَيَّ بِغَيْرِهِ فَيَنْبَغِي سَمَاعُهَا قَطْعًا كَنَظِيرِهِ فِيمَا لو قال لَا شَيْءَ لي على زَيْدٍ ثُمَّ ادَّعَى عليه دَيْنًا وَادَّعَى أَنَّهُ كان نَسَبَهُ أو اطَّلَعَ عليه بَعْدُ ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ وَغَيْرَهُ قد بَحَثُوا ذلك وَلَهُمَا تَحْلِيفُ الْمُحْتَالِ إنْ كَذَّبَهُمَا وَلَا بَيِّنَةَ يَمِينٍ نَفَى الْعِلْمَ بِالْحُرِّيَّةِ فَبِقَوْلِ وَاَللَّهِ لَا أَعْلَمُ حُرِّيَّتَهُ لِأَنَّ هذه قَاعِدَةُ الْحَلِفِ على النَّفْيِ الذي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَتَعْبِيرُهُمْ قد يُوهِمُ تَوَقُّفَ الْحَلِفِ على اجْتِمَاعِهِمَا وَالْمُوَافِقُ لِلْقَوَاعِدِ أَنَّهُ يَحْلِفُ لِمَنْ اسْتَحْلَفَهُ مِنْهُمَا أَمَّا الْبَائِعُ فَلِغَرَضِ بَقَاءِ مِلْكِهِ في الثَّمَنِ وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِغَرَضِ دَفْعِ الْمُطَالَبَةِ نعم إذَا حَلَفَهُ أَحَدُهُمَا فَهَلْ لِلثَّانِي تَحْلِيفُهُ أَيْضًا أو لَا لِيَكُونَ خُصُومَتُهُمَا وَاحِدَةً فيه نَظَرٌ نَبَّهَ على ذلك الْإِسْنَوِيُّ وَالْأَوْجَهُ فِيمَا نَظَرٌ فيه أَنَّ لِلثَّانِي تَحْلِيفَهُ لِأَنَّ له حَقًّا فَإِنْ حَلَفَ بَقِيَتْ الْحَوَالَةُ في حَقِّهِ فَلَوْ سَلَّمَ له الْمُشْتَرِي
____________________
(2/233)
ما احْتَالَ بِهِ عليه رَجَعَ بِهِ على الْبَائِعِ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِإِذْنِهِ الذي تَضَمَّنَتْهُ الْحَوَالَةُ
وقال الْبَغَوِيّ لَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ يقول ظَلَمَنِي الْمُحْتَالُ بِمَا أَخَذَهُ وَالْمَظْلُومُ لَا يَرْجِعُ إلَّا على ظَالِمِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَكَذَا ابن الرِّفْعَةِ في الْمَطْلَبِ فَإِنْ نَكَلَ الْمُحْتَالُ عن الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُشْتَرِي على الْحُرِّيَّةِ وَبَطَلَتْ الْحَوَالَةُ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ بِنَاءً على أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَحْلِفُ وقد يُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لَا غَرَضَ له وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يَحْلِفُ وَيُوَجَّهُ بِمَا وَجَّهَ بِهِ ابن الرِّفْعَةِ صِحَّةَ دَعْوَاهُ على الْمُحْتَالِ من أَنَّ له إجْبَارَ من له عليه حَقٌّ على قَبْضِهِ على الصَّحِيحِ فَيُحْضِرُهُ له وَيَدَّعِي عليه اسْتِحْقَاقَ قَبْضِهِ فَيَحْكُمُ بِبُطْلَانِ الْحَوَالَةِ بِالْحُرِّيَّةِ وَكَالْحُرِّيَّةِ فِيمَا ذُكِرَ جَمِيعُ ما يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ هذا كُلُّهُ إذَا وَقَعَ التَّعَرُّضُ لِكَوْنِ الْحَوَالَةِ بِالثَّمَنِ وَإِلَّا فَلَوْ قال الْبَائِعُ الْحَوَالَةُ على الْمُشْتَرِي بِدَيْنٍ آخَرَ لي عليه غير الثَّمَنِ فَإِنْ أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي أَصْلَ الدَّيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ وَإِنْ صَدَّقَهُ وَأَنْكَرَ الْحَوَالَةَ بِهِ فَلَا عِبْرَةَ بِإِنْكَارِهِ بِنَاءً على عَدَمِ اعْتِبَارِ رِضَا الْمُحَالِ عليه وَلَوْ قال الْمُحْتَالُ الْحَوَالَةُ لم تَكُنْ بِالثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِحَّةُ الْحَوَالَةِ وَالْعَاقِدَانِ يَدَّعِيَانِ فَسَادَهَا قَالَهُ الْقَاضِيَانِ أبو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا فَصْلٌ لو قال لَك من له عَلَيْك دَيْنٌ أَحَلْتنِي بِهِ على زَيْدٍ مَثَلًا فَقُلْت بَلْ وَكَّلْتُك لِتَقْبِضَهُ لي فَالْقَوْلُ قَوْلُك بِيَمِينِك لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَقَّيْنِ وَكَذَا لو قُلْت أَرَدْت الْوَكَالَةَ بِقَوْلِي أَحَلْتُك وقد قُلْت أَحَلْتُك بِمِائَةٍ مَثَلًا لِذَلِكَ وَلِأَنَّك أَعْرَفُ بِإِرَادَتِك وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذَ أَنَّ أَحَلْتُك فِيمَا ذُكِرَ كِنَايَةٌ وقد قَدَّمْته فَعَلَيْهِ لو لم تَكُنْ له إرَادَةٌ فَلَا حَوَالَةَ وَلَا وَكَالَةَ لَا إنْ قُلْت أَحَلْتُك بِالْمِائَةِ التي لَك عَلَيَّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ هذا لَا يَحْتَمِلُ إلَّا حَقِيقَةَ الْحَوَالَةِ فَلَوْ حَلَفْت في الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ لم يَسْقُطْ حَقُّهُ عَنْك سَوَاءٌ أَقَبَضَ أَمْ لَا فَلَهُ مُطَالَبَتُك بِحَقِّهِ لِأَنَّهُ إنْ كان وَكِيلًا فَظَاهِرٌ أو مُحْتَالًا فَقَدْ أَحَلْت بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّهِ بِجَحْدِك وَحَلِفِك وَمَنْعِ الْقَبْضِ إنْ لم يَكُنْ قَبَضَ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ انْدَفَعَتْ وَصَارَ مَعْزُولًا عن الْوَكَالَةِ بِإِنْكَارِهِ وَلَك مُطَالَبَةُ زَيْدٍ بِحَقِّك فَإِنْ كان قد قَبَضَ بَرِئَ الْمُحَالُ عليه لِدَفْعِهِ إلَى وَكِيلٍ أو مُحْتَالٍ وَلَزِمَ الْقَابِضَ رَدُّ الْمَقْبُوضِ إلَيْك إنْ كان بَاقِيًا فَإِنْ خَشِيَ امْتِنَاعَك من التَّسْلِيمِ له فَلَهُ في الْبَاطِنِ أَخْذُهُ وَجَحْدُك لِأَنَّهُ ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ من مَالِك وهو يَخْشَى ضَيَاعَهُ وَلَوْ تَلِفَ الْمَقْبُوضُ معه أَيْ مع الْقَابِضِ بِلَا تَفْرِيطٍ منه لم تُطَالِبْهُ أنت إذْ لَا ضَمَانَ عليه لِزَعْمِك الْوَكَالَةَ وَالْوَكِيلُ أَمِينٌ ولم يُطَالِبْك لِزَعْمِهِ الِاسْتِيفَاءَ أو تَلِفَ معه بِتَفْرِيطِ طَالِبَتِهِ لِأَنَّهُ صَارَ ضَامِنًا وَبَطَلَ حَقُّهُ لِزَعْمِهِ اسْتِيفَاءَهُ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَإِنْ قُلْت أَحَلْتُك على زَيْدٍ فقال بَلْ وَكَّلْتنِي لَا قَبْضَ لَك منه فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ سَوَاءٌ جَرَى لَفْظُ الْحَوَالَةِ أو لَا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَقَّيْنِ فَإِنْ حَلَفَ ولم يَقْبِضْ طَالَبَك بِحَقِّهِ وَلَا يَسْقُطُ حَقُّك عن زَيْدٍ لِأَنَّهُ إنْ كان وَكِيلًا فلم يَقْبِضْ فَيَبْقَى حَقُّك أو مُحْتَالًا فَقَدْ ظَلَمَك بِأَخْذِهِ مِنْك إنْ كان قد أَخَذَ وما على زَيْدٍ حَقُّهُ فَلَكَ أَخْذُهُ عِوَضًا عَمَّا ظَلَمَك بِهِ وَقِيلَ يَسْقُطُ حَقُّك عنه لِأَنَّك اعْتَرَفْت بِتَحَوُّلِ ما عليه إلَى غَيْرِك وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ كان قد قَبَضَهُ من زَيْدٍ فَلَهُ أَخْذُهُ
____________________
(2/234)
أَيْ تَمَلُّكُهُ بِحَقِّهِ إنْ كان بَاقِيًا لِأَنَّهُ من جِنْسِ حَقِّهِ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَإِنْ تَلِفَ معه بِلَا تَفْرِيطٍ لم يَضْمَنْ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ أَمِينٌ أو بِتَفْرِيطٍ ضَمِنَ وَتَقَاصَّا أَيْ وَوَقَعَ بَيْنَهُمَا التَّقَاصُّ لِأَنَّ لَك عليه مِثْلَ ما له عَلَيْك
مَسَائِلُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْبَابِ لِلْمُحْتَالِ أَنْ يُحِيلَ غَيْرَهُ على الْمُحَالِ عليه وَأَنْ يَحْتَالَ من الْمُحَالِ عليه على مَدِينِهِ وَكَذَا فُرُوعُهُ أَيْ الْمُحْتَالِ أو كُلٍّ منه وَمِنْ الْمُحَالِ عليه فَلَوْ أَحَلْت زَيْدًا على عَمْرٍو فَأَحَالَ زَيْدٌ بَكْرًا على عَمْرٍو فَأَحَالَ بَكْرٌ آخَرَ على عَمْرٍو أو أَحَلْت زَيْدًا على عَمْرٍو فَأَحَالَهُ عَمْرٌو على بَكْرٍ فَأَحَالَهُ بَكْرٌ على آخَرَ أو أَحَلْت زَيْدًا على عَمْرٍو ثُمَّ ثَبَتَ لِعَمْرٍو عَلَيْك مِثْلَ ذلك الدَّيْنِ فَأَحَالَ زَيْدًا عَلَيْك جَازَ وَلَوْ أَقْرَضْتهمَا أَيْ اثْنَيْنِ مِائَةً مَثَلًا على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسُونَ وَتَضَامَنَا فَأَحَلْت بها لِرَجُلٍ بِزِيَادَةِ اللَّامِ أَيْ رَجُلًا عَلَيْهِمَا على أَنْ يَأْخُذَهَا من أَيِّهِمَا شَاءَ جَازَ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لم يَكُنْ له إلَّا مُطَالَبَةُ وَاحِدٍ فَلَا يَسْتَفِيدُ بِالْحَوَالَةِ زِيَادَةَ صِفَةٍ وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا زِيَادَةَ في الْقَدْرِ وَلَا في الصِّفَةِ وَتَرْجِيحُهُ من زِيَادَتِهِ وَمِمَّنْ رَجَّحَهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَقَوْلُهُ كَأَصْلِهِ على أَنْ يَأْخُذَ من أَيِّهِمَا شَاءَ ليس بِقَيْدٍ بَلْ الْإِطْلَاقُ كَافٍ كما صَوَّرَ بِهِ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وفي الْأَصْلِ لو أَحَالَك أَحَدُهُمَا بِالْمِائَةِ بَرِئَا جميعا أو أَحَلْت على أَحَدِهِمَا بها بَرِئَ الْآخَرُ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ كَالْقَبْضِ أو أَحَلْت عَلَيْهِمَا على أَنْ يَأْخُذَ الْمُحْتَالُ من كل وَاحِدٍ خَمْسِينَ جَازَ وَيَبْرَأُ كُلُّ وَاحِدٍ عَمَّا ضَمِنَ انْتَهَى قال في الْمُهِمَّاتِ وَلَوْ أَحَالَ على أَحَدِهِمَا بِخَمْسِينَ فَهَلْ تَنْصَرِفُ إلَى الْأَصْلِيَّةِ أو تُوَزَّعُ أو يَرْجِعُ إلَى إرَادَةِ الْمُحِيلِ فَإِنْ لم يَرُدَّ شيئا صَرَفَهُ بِنِيَّتِهِ فيه نَظَرٌ وَفَائِدَتُهُ فِكَاكُ الرَّهْنِ الذي بِأَحَدِهِمَا انْتَهَى وَالْقِيَاسُ الرُّجُوعُ إلَى إرَادَتِهِ وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ غَرِيمَهُ الدَّائِنَ أَحَالَ عليه فُلَانًا الْغَائِبَ سُمِعْت وَسَقَطَتْ مُطَالَبَتُهُ له فَإِنْ لم يُقِمْ بَيِّنَةً صُدِّقَ غَرِيمُهُ بِيَمِينِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَهَلْ يُقْضَى بها أَيْ بِالْبَيِّنَةِ لِلْغَائِبِ بِأَنْ ثَبَتَتْ بها الْحَوَالَةُ في حَقِّهِ حتى لَا يَحْتَاجَ إلَى إقَامَةِ بَيِّنَةٍ إنْ قَدَّمَ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وهو قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ لَا إذْ لَا يُقْضَى بِالْبَيِّنَةِ لِلْغَائِبِ وَالثَّانِي وهو احْتِمَالٌ لِابْنِ الصَّبَّاغِ نعم لِأَنَّهُ إذَا قَدَّمَ يَدَّعِي على الْمُحَالِ عليه لَا الْمُحِيلِ وهو مُقِرٌّ له فَلَا حَاجَةَ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ
كِتَابُ الضَّمَانِ هو لُغَةً الِالْتِزَامُ وَشَرْعًا يُقَالُ لِالْتِزَامِ حَقٍّ ثَابِتٍ في ذِمَّةِ الْغَيْرِ أو إحْضَارِ من هو عليه أو عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ وَيُقَالُ لِلْعَقْدِ الذي يَحْصُلُ بِهِ ذلك وَيُسَمَّى الْمُلْتَزِمُ لِذَلِكَ ضَامِنًا وَضَمِينًا وَحَمِيلًا وَزَعِيمًا وَكَافِلًا وَكَفِيلًا وَصَبِيرًا وَقَبِيلًا قال الْمَاوَرْدِيُّ غير أَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِأَنَّ الضَّمِينَ مُسْتَعْمَلٌ في الْأَمْوَالِ وَالْحَمِيلُ في الدِّيَاتِ وَالزَّعِيمُ في الْأَمْوَالِ الْعِظَامِ وَالْكَفِيلُ في النُّفُوسِ وَالصَّبِيرُ في الْجَمِيعِ وَكَالضَّمِينِ فِيمَا قَالَهُ الضَّامِنُ وَكَالْكَفِيلِ الْكَافِلُ وَكَالصَّبِيرِ الْقَبِيلُ قال ابن حِبَّانَ في صَحِيحِهِ وَالزَّعِيمُ لُغَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْحَمِيلُ لُغَةُ أَهْلِ مِصْرَ وَالْكَفِيلُ لُغَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالْأَصْلُ فيه قبل الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ وَقَوْلُهُ وَلِمَنْ جاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وأنا بِهِ زَعِيمٌ وكان حِمْلُ الْبَعِيرِ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ وَشَرْعُ من قَبْلَنَا شَرْعٌ لنا إذَا وَرَدَ في شَرْعِنَا ما يُقَرِّرُهُ وقد وَرَدَ فيه ذلك كَخَبَرِ الزَّعِيمُ غَارِمٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وابن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَخَبَرِ الْحَاكِمِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَحَمَّلَ عن رَجُلٍ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أُتِيَ بِجِنَازَةٍ فقال هل تَرَكَ شيئا قالوا لَا قال هل عليه دَيْنٌ قالوا ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ قال صَلُّوا على صَاحِبِكُمْ قال أبو قَتَادَةَ صَلِّ عليه يا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ فَصَلَّى عليه وَذَكَرْت في شَرْحِ الْبَهْجَةِ ما له بهذا الْخَبَرِ تَعَلُّقٌ وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا في أَرْكَانِهِ وَهِيَ خَمْسَةٌ الْأَوَّلُ الْمَضْمُونُ عنه
____________________
(2/235)
حُرًّا كان أو عَبْدًا مُوسِرًا أو مُعْسِرًا وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ لِجَوَازِ التَّبَرُّعِ بِأَدَاءِ دَيْنِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَمَعْرِفَتِهِ فَيَصِحُّ الضَّمَانُ عن الْمَيِّتِ وَإِنْ لم يَخْلُفْ وَفَاءً لِخَبَرِ أبي قَتَادَةَ السَّابِقِ وَكَذَا يَصِحُّ عَمَّنْ لم يَعْرِفْهُ الضَّامِنُ وَلَوْ بِعَيْنِهِ لِمَا مَرَّ الرُّكْنُ الثَّانِي الْمَضْمُونُ له وهو مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ وَمَعْرِفَتُهُ بِأَنْ يَعْرِفَ الضَّامِنُ عَيْنَهُ شَرْطٌ لِتَفَاوُتِ الناس في اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ تَشْدِيدًا وَتَسْهِيلًا وَأَفْتَى ابن الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ مَعْرِفَةَ وَكِيلِ الْمَضْمُونِ له كَمَعْرِفَتِهِ وابن عبد السَّلَامِ وَغَيْرُهُ بِخِلَافِهِ لَا رِضَاهُ لِأَنَّ الضَّمَانَ مَحْضُ الِالْتِزَامِ لم يُوضَعْ على قَوَاعِدِ الْمُعَاقَدَاتِ وَلَوْ ضَمِنَ أو قَضَى شَخْصٌ دَيْنَ رَجُلٍ أَيْ دَيْنًا على رَجُلٍ بِإِذْنِهِ لَا بِغَيْرِهِ أَيْ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَزِمَ الْغَرِيمَ وهو رَبُّ الدَّيْنِ قَبُولُ الْمَالِ الذي يُؤَدِّيهِ له الشَّخْصُ الْمَذْكُورُ لِأَنَّ ما يُؤَدِّيهِ في حُكْمِ مِلْكِ الْمَضْمُونِ عنه بِخِلَافِ ما إذَا كان ذلك بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلِلْغَرِيمِ أَنْ يَقْبَلَ وَأَنْ يَمْتَنِعَ وَلَهُ في صُورَةِ الضَّمَانِ أَنْ يُطَالِبَ الشَّخْصَ الْمَذْكُورَ وَأَنْ يَتْرُكَهُ الرُّكْنُ الثَّالِثُ الضَّامِنُ وَشَرْطُهُ لِيَصِحَّ ضَمَانُهُ صِحَّةُ الْعِبَارَةِ وَأَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ منه وَالْقَيْدُ الثَّانِي يُغْنِي عن الْأَوَّلِ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ إلَّا السَّكْرَانَ كما سَيَأْتِي وَلَا ضَمَانُ الْمُكْرَهِ وَلَوْ رَقِيقًا بِإِكْرَاهِ سَيِّدٍ وَلَا ضَمَانُ الْمَحْجُورِ عليه بِسَفَهٍ وَلَوْ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ كما سَيَأْتِي وإذا شَرَطَ ذلك فَيَصِحُّ الضَّمَانُ مِمَّنْ اتَّصَفَ بِهِ وَلَوْ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ وَكِتَابَتِهِ عِنْدَ الْقَرِينَة الْمُشْعِرَةِ بِالضَّمَانِ وَإِنْ أَحْسَن الْإِشَارَة بِخِلَافِ ما إذَا لم تَكُنْ له إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ وَلَا كِتَابَةٌ تُشْعِرُ بِالْمُرَادِ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ ثُمَّ إنْ اخْتَصَّ بِفَهْمِ إشَارَتِهِ فَطِنُونَ فَهِيَ كِنَايَةٌ وَإِلَّا فَصَرِيحَةٌ كما يُعْلَمُ من كِتَابِ الطَّلَاقِ وَكَذَا كِتَابَةُ نَاطِقٍ نَوَى بها الضَّمَانَ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ نَوَى من زِيَادَتِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ كِتَابَةَ النَّاطِقِ كِنَايَةٌ وَكِتَابَةُ الْأَخْرَسِ بِالْقَرِينَةِ صَرِيحَةٌ وهو ظَاهِرٌ
فَإِنْ قال ضَمِنْت وأنا صَبِيٌّ أو مَجْنُونٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ أَمْكَنَ صِبَاهُ في الْأُولَى عِنْدَ ضَمَانِهِ أو سَبَقَ له جُنُونٌ في الثَّانِيَةِ وَأَمْكَنَ عِنْدَهُ بِأَنْ عُرِفَ منه ذلك أو أَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً وَإِلَّا صُدِّقَ الْمَضْمُونُ له بِيَمِينِهِ وَفَارَقَ ما إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ ثُمَّ ادَّعَى ذلك حَيْثُ صَدَّقَ الزَّوْجَ كما دَلَّ عليه كَلَامُ الرَّافِعِيِّ قُبَيْلَ الصَّدَاقِ بِأَنَّ الْأَنْكِحَةَ يُحْتَاطُ فيها غَالِبًا وَالظَّاهِرُ أنها تَقَعُ بِشُرُوطِهَا وَيَصِحُّ ضَمَانُ سَكْرَانَ بِمُحَرَّمٍ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ لَا بِمُبَاحٍ كَالْمَجْنُونِ وَلَا يَصِحُّ الضَّمَانُ من مَحْجُورٍ عليه بِسَفَهٍ وَإِنْ أَذِنَ له لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَتَبَرُّعُهُ لَا يَصِحُّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَيَصِحُّ ضَمَانُ الْمُفْلِسِ في الذِّمَّةِ كَشِرَائِهِ فيها وَيُطَالَبُ بِمَا ضَمِنَهُ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ وَالْمَرِيضُ إنْ ضَمِنَ شَخْصًا بِلَا إذْنٍ منه فَمِنْ الثُّلُثِ مُعْتَبَرٌ لِأَنَّ الضَّمَانَ تَبَرُّعٌ كما مَرَّ أو بِإِذْنٍ منه وَوَجَدَ الضَّامِنُ مَرْجِعًا فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ مُعْتَبَرٌ لَا يَرْجِعُ بِهِ أَيْ لَا يَرْجِعُ وَارِثُهُ بِشَيْءٍ منه وَالْمُوَافِقُ لِأَصْلِهِ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ أَيْ لِأَنَّ الضَّامِنَ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى وَلَعَلَّهُ سَقَطَ منه النُّونُ وَالْهَاءُ مع أَنَّهُ لو تَرَكَ مَسْأَلَةَ الْمَرِيضِ كان أَوْلَى لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُهَا مع ما لها بِهِ تَعَلُّقٌ
فَرْعٌ لو ضَمِنَ الْعَبْدُ وَلَوْ مَأْذُونًا له في التِّجَارَةِ بِلَا إذْنٍ من سَيِّدِهِ لم يَصِحَّ ضَمَانُهُ
____________________
(2/236)
لِأَنَّهُ إثْبَاتُ مَالٍ في الذِّمَّةِ بِعَقْدٍ فَأَشْبَهَ النِّكَاحَ وَفَارَقَ صِحَّةَ خُلْعِ الْأَمَةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الضَّمَانِ وَالْأَمَةُ قد تَحْتَاجُ إلَى الْخُلْعِ لِسُوءِ الْعِشْرَةِ أو بِإِذْنٍ منه صَحَّ حتى عن السَّيِّدِ لِأَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا كان لِحَقِّهِ وقد زَالَ بِالْإِذْنِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَهَلْ تُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ السَّيِّدِ قَدْرَ الدَّيْنِ فيه نَظَرٌ وَالْمُتَّجَهُ اشْتِرَاطُهُ بِنَاءً على تَعَلُّقِهِ بِمَالِ السَّيِّدِ لَا بِذِمَّةِ الْعَبْدِ لَا له أَيْ لِسَيِّدِهِ أَيْ لَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ له لِأَنَّهُ يُؤَدِّي من كَسْبِهِ وهو لِسَيِّدِهِ فَهُوَ كما لو ضَمِنَ الْمُسْتَحِقُّ لِنَفْسِهِ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ وَكَلَامُهُ الْآتِي في صِحَّةِ ضَمَانِ الْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ وهو الظَّاهِرُ فَإِنْ عَيَّنَ السَّيِّدُ لِلْأَدَاءِ جِهَةً كَكَسْبِ الْعَبْدِ أو ما في يَدِهِ لِلتِّجَارَةِ تَعَيَّنَتْ لِلْأَدَاءِ لِرِضَا السَّيِّدِ بها وَإِلَّا تَعَلَّقَ غُرْمُ الضَّمَانِ بِحَادِثِ كَسْبِهِ أَيْ بِكَسْبِهِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْإِذْنِ له إنْ لم يَكُنْ مَأْذُونًا له في التِّجَارَةِ وَبِهِ مع مَالِ تِجَارَةٍ في يَدِهِ وَرِبْحِهَا إنْ كان مَأْذُونًا له فيها كما في الْمَهْرِ فَإِنْ قُلْت لِمَ اعْتَبَرُوا في الْكَسْبِ هُنَا حُدُوثَهُ بَعْدَ الْإِذْنِ وَثَمَّ حُدُوثَهُ بَعْدَ النِّكَاحِ قُلْت لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمَضْمُونَ كان مَوْجُودًا حَالَ الضَّمَانِ فَعُلِّقَ بِمَا بَعْدَ الْإِذْنِ بِخِلَافِ الْمَهْرِ وَسَائِرِ مُؤَنِ النِّكَاحِ وَكَلَامُ الْأَصْلِ يَدُلُّ على أَنَّ تَعْيِينَ جِهَةِ الْأَدَاءِ إنَّمَا يُؤَثِّرُ إذَا اتَّصَلَ بِالْإِذْنِ وهو ظَاهِرٌ كَذَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ
فَلَوْ كان الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ له في التِّجَارَةِ مَدْيُونًا فَبِالْفَاضِلِ عن حُقُوقِ الْغُرَمَاءِ يَتَعَلَّقُ ذلك رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَالْمُبَعَّضُ كَالْقِنِّ فِيمَا ذُكِرَ وَمَحَلُّهُ الْمُبَعَّضُ إذَا لم يَجْرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ أو جَرَتْ وَضَمِنَ في نَوْبَةِ سَيِّدِهِ فَإِنْ جَرَتْ مُهَايَأَةٌ صَحَّ الضَّمَانُ في نَوْبَةِ الْمُبَعَّضِ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَيَصِحُّ ضَمَانُ الْمُكَاتَبِ بِالْإِذْنِ من سَيِّدِهِ فَقَطْ أَيْ لَا بِغَيْرِ إذْنِهِ كما في سَائِرِ تَبَرُّعَاتِهِ وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَوْقُوفُ فقال في الْمَطْلَبِ يَنْبَغِي أَنْ يُجْزَمَ بِعَدَمِ صِحَّةِ ضَمَانِهِ إذَا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ إنَّهُ لَا يَصِحُّ عِتْقُهُ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ قال وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ دُونَ مَنْفَعَتِهِ أو بِالْعَكْسِ كَالْقِنِّ لَكِنْ هل الْمُعْتَبَرُ إذْنُ مَالِكِ الرَّقَبَةِ أو الْمَنْفَعَةِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فيه خِلَافٌ يُلْتَفَتُ إلَى أَنَّ ضَمَانَ الْقِنِّ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ أو بِذِمَّتِهِ أو بِكَسْبِهِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهِ أَبَدًا فَلَا سَبِيلَ إلَى التَّعَلُّقِ بِكَسْبِهِ بِإِذْنِ مَالِكِ الرَّقَبَةِ بِمُفْرَدِهِ فَإِمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ إذْنُهُمَا جميعا أو لَا يَصِحُّ انْتَهَى وَالْأَوْجَهُ اعْتِبَارُ إذْنِ الْمُوصَى له بِالْمَنْفَعَةِ بِنَاءً على الشِّقِّ الْأَخِيرِ من كَلَامِ الْمَطْلَبِ ويصح ضَمَانُ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهَا فَرْعٌ لو أَدَّى الْعَبْدُ الضَّامِنُ ما ضَمِنَهُ عن الْأَجْنَبِيِّ بِالْإِذْنِ منه وَمِنْ سَيِّدِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَحَقُّ الرُّجُوعِ له أو قبل عِتْقِهِ فَحَقُّ الرُّجُوعِ لِسَيِّدِهِ أو أَدَّى ما ضَمِنَهُ عن السَّيِّدِ فَلَا رُجُوعَ له
وَإِنْ أَدَّاهُ بَعْدَ عِتْقِهِ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من أَنَّهُ لو أَجَّرَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ في الْمُدَّةِ لَا يَرْجِعُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ لِمَا بَقِيَ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ فِيمَا إذَا أَدَّاهُ بَعْدَ عِتْقِهِ من زِيَادَتِهِ وَفَارَقَتْ هذه ما قَبْلَهَا بِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْعَبْدِ فيها وَقَعَتْ لِلسَّيِّدِ فَكَأَنَّهُ اسْتَوْفَاهَا حَالَ رِقِّهِ كَمَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ بِخِلَافِهَا في تِلْكَ فَإِنَّهَا وَقَعَتْ لِلْأَجْنَبِيِّ فَكَانَ الرُّجُوعُ عليه وَيَضْمَنُ جَوَازًا السَّيِّدُ عن عَبْدِهِ دَيْنًا ثَبَتَ عليه بِمُعَامَلَةٍ كَالْأَجْنَبِيِّ لَا له أَيْ لِعَبْدِهِ أَيْ لَا يَصِحُّ ضَمَانُ سَيِّدِهِ له إلَّا إنْ كان مَأْذُونًا له في مُعَامَلَةٍ وَثَبَتَ عليه بها دَيْنٌ فَيَصِحُّ كَالْأَجْنَبِيِّ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ يُشِيرُ إلَيْهِ وفي نُسْخَةٍ إلَّا إنْ كان عليه دَيْنُ تِجَارَةٍ فَيَصِحُّ وفي تَعْبِيرِهِ فيها كَأَصْلِهِ بِالتِّجَارَةِ قُصُورٌ فَالتَّعْبِيرُ بِالْمُعَامَلَةِ كما عَبَّرْت بها أَوْلَى وَالْحَاصِلُ أَنَّ ضَمَانَهُ له يَصِحُّ إذَا كان عليه دَيْنُ مُعَامَلَةٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَكُنْ عليه دَيْنٌ أو عليه دَيْنٌ بِغَيْرِ مُعَامَلَةٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِمَا فيه في الْأُولَى من تَوْفِيَةِ ما على الْعَبْدِ بِخِلَافِهِ في الْأَخِيرَتَيْنِ فَكَأَنَّهُ ضَمِنَ لِنَفْسِهِ وَلِهَذَا صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا وَفَّى دَيْنَهُ في الْأُولَى بَرِئَ السَّيِّدُ من ضَمَانِهِ لِانْتِفَاءِ فَائِدَةِ بَقَائِهِ الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْحَقُّ الْمَضْمُونُ وَيُشْتَرَطُ في صِحَّةِ ضَمَانِهِ كَوْنُهُ ثَابِتَا لَازِمًا مَعْلُومًا مُعَيَّنًا يَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِهِ
____________________
(2/237)
كما سَيَأْتِي بَيْنَهُمَا فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ دَيْنٍ لم يَجِبْ كَدَيْنِ قَرْضٍ أو بَيْعٍ سَيَقَعُ وَكَذَا نَفَقَةُ ما بَعْدَ الْيَوْمِ لِلزَّوْجَةِ وَخَادِمِهَا وَإِنْ جَرَى سَبَبُ وُجُوبِهَا لِأَنَّهُ تَوْثِقَةٌ فَلَا يَتَقَدَّمُ ثُبُوتَ الْحَقِّ كَالشَّهَادَةِ وَيَكْفِي ثُبُوتُهُ بِاعْتِرَافِ الضَّامِنِ وَإِنْ لم يَثْبُتْ على الْمَضْمُونِ عنه لِمَا سَيَأْتِي في الْإِقْرَارِ أَنَّهُ لو قال شَخْصٌ لِزَيْدٍ على عَمْرٍو أَلْفٌ وأنا ضَامِنُهُ فَأَنْكَرَ عَمْرٌو فَلِزَيْدٍ مُطَالَبَةُ الضَّامِنِ وَيَصِحُّ الضَّمَانُ بِنَفَقَةِ الْيَوْمِ وما قَبْلَهُ لِوُجُوبِهَا فَإِنَّهَا تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ نَفَقَةُ الْمُوسِرِينَ أَمْ الْمُعْسِرِينَ لَا بِنَفَقَةِ الْقَرِيبِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَتْ عن الْيَوْمِ أَمْ غَيْرِهِ لِأَنَّ سَبِيلَهَا سَبِيلُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَلِهَذَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَبِضِيَافَةِ الْغَيْرِ وَالتَّرْجِيحُ في ضَمَانِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ عن الْيَوْمِ من زِيَادَتِهِ وفي كَلَامِ أَصْلِهِ إشَارَةٌ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ وقال بَلْ يَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ لِأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ وفي نُسْخَةٍ لَا نَفَقَةِ الْقَرِيبِ لِمُسْتَقْبَلٍ وَلِيَوْمِهِ وَجْهَانِ فَعَلَيْهَا لَا زِيَادَةَ فَصْلٌ يَصِحُّ ضَمَانُ الْعُهْدَةِ وَيُسَمَّى ضَمَانَ الدَّرَكِ وهو التَّبِعَةُ أَيْ الْمُطَالَبَةُ وَالْمُؤَاخَذَةُ وَإِنْ لم يَكُنْ بِحَقٍّ ثَابِتٍ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ وهو ضَمَانُ الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مَغْصُوبًا أَيْ مُسْتَحَقًّا أو إنْ أُخِذَ بِشُفْعَةٍ سَابِقَةٍ على الْبَيْعِ بِبَيْعٍ آخَرَ وَشَمِلَ قَوْلُهُ مَغْصُوبًا ما تَبَيَّنَ أَنَّهُ أُخِذَ بِشُفْعَةٍ ويصح ضَمَانُ نَقْصِ الصَّنْجَةِ التي وُزِنَ بها الثَّمَنُ وَالرَّدَاءَةِ أَيْ وَضَمَانُ رَدَاءَتِهِ لِلْبَائِعِ وَلَا يَخْتَصُّ ضَمَانُ الْعُهْدَةِ بِالثَّمَنِ بَلْ يَجْرِي في الْمَبِيعِ فَيَضْمَنُهُ لِلْبَائِعِ إنْ خَرَجَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ مُسْتَحَقًّا أو أُخِذَ وَيَضْمَنُ لِلْمُشْتَرِي رَدَاءَتَهُ وَنَقَصَ الصَّنْجَةَ التي يُوزَنُ هو بها وَلَوْ اخْتَلَفَ الضَّامِنُ وَالْبَائِعُ في نَقْصِهَا أَيْ الصَّنْجَةِ صُدِّقَ الضَّامِنُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ أو اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي في نَقْصِهَا صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ ذِمَّةَ الْمُشْتَرِي كانت مَشْغُولَةً بِخِلَافِ الضَّامِنِ فِيمَا ذُكِرَ فَلَوْ حَلَفَ الْبَائِعُ طَالَبَ بِالنَّقْصِ الْمُشْتَرِي لَا الضَّامِنُ إلَّا إذَا اعْتَرَفَ أو قَامَتْ بَيِّنَةٌ وَلَوْ ضَمِنَ عُهْدَةَ فَسَادِ الْبَيْعِ بِغَيْرِ الِاسْتِحْقَاقِ أو عُهْدَةَ الْعَيْبِ أو التَّلَفِ قبل الْقَبْضِ لِلْمَبِيعِ صَحَّ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ وَلَا يَنْدَرِجُ ذلك تَحْتَ ضَمَانِ الْعُهْدَةِ بِأَنْ يَقُولَ ضَمِنْت لَك عُهْدَةَ أو دَرَكَ الثَّمَنِ أو الْمَبِيعِ من غَيْرِ ذِكْرِ اسْتِحْقَاقٍ أو غَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ منه إنَّمَا هو الرُّجُوعُ بِسَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَسُمِّيَ ما ذُكِرَ ضَمَانَ الْعُهْدَةِ لِالْتِزَامِ الضَّامِنِ ما في الْعُهْدَةِ وَهِيَ الصَّكُّ الْمَكْتُوبُ فيه الثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ وَضَمَانُ الدَّرَكِ لِالْتِزَامِهِ الْغُرْمَ عِنْدَ إدْرَاكِ الْمُسْتَحِقِّ عَيْنَ مَالِهِ فُرُوعٌ أَحَدُهَا في كَيْفِيَّةِ ضَمَانِ الْعُهْدَةِ وَكَيْفِيَّتُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّمَنِ أَنْ يَقُولَ لِلْمُشْتَرِي ضَمِنْت لَك عُهْدَةَ الثَّمَنِ أو دَرَكَهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا أو خَلَاصَك منه فَإِنْ قال ضَمِنْت لَك خَلَاصَ الْمَبِيعِ لم يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِتَخْلِيصِهِ إذَا اُسْتُحِقَّ وَإِنْ شَرَطَ في الْبَيْعِ كَفِيلًا بِخَلَاصِ الْمَبِيعِ بَطَلَ الْبَيْعُ لِفَسَادِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ ما لو شَرَطَ كَفِيلًا بِالثَّمَنِ كما مَرَّ وَإِنْ ضَمِنَ الْعُهْدَةَ أَيْ عُهْدَةَ الثَّمَنِ وَخَلَاصَ الْمَبِيعِ مَعًا صَحَّ ضَمَانُ الْعُهْدَةِ لَا ضَمَانُ خَلَاصِ الْمَبِيعِ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ وَلَوْ خَصَّ ضَمَانَ الْعُهْدَةِ بِنَوْعٍ كَخُرُوجِ الْمَبِيعِ مُسْتَحَقًّا فَلَا يُطَالَبُ بِجِهَةٍ أُخْرَى وَإِنْ عَيَّنَ جِهَةً غير جِهَةِ الِاسْتِحْقَاقِ لم يُطَالَبْ عِنْدَ ظُهُورِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ وَإِنْ عَيَّنَ إلَى آخِرِهِ لِدُخُولِهِ فِيمَا قَبْلَهُ الْفَرْعُ الثَّانِي يُشْتَرَطُ أَنْ يَضْمَنَ من بَعْدِ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ الذي يُرَادُ ضَمَانُهُ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ ما دخل في ضَمَانِ الْمَضْمُونِ عنه وَلَزِمَهُ رَدُّهُ بِتَقْدِيرِ ما ذُكِرَ وبعد الْعِلْمِ أَيْ عِلْمِهِ بِهِ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ كما لو لم يَكُنْ قَدْرُهُ في الْمُرَابَحَةِ مَعْلُومًا الْفَرْعُ الثَّالِثُ يَصِحُّ ضَمَانُ عُهْدَةِ الْمُسْلَمِ فيه لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ بَعْدَ الْأَدَاءِ أَيْ أَدَائِهِ لِلْمُسْلَمِ إنْ اسْتَحَقَّ رَأْسَ الْمَالِ الْمُعَيَّنِ فَلَا يَصِحُّ قبل الْأَدَاءِ لِمَا مَرَّ لَا عَكْسُهُ أَيْ لَا يَصِحُّ ضَمَانُ رَأْسِ الْمَالِ لِلْمُسْلَمِ إنْ اسْتَحَقَّ
____________________
(2/238)
الْمُسْلَمَ فيه لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فيه في الذِّمَّةِ وَالِاسْتِحْقَاقُ لَا يُتَصَوَّرُ فيه وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ في الْمَقْبُوضِ وَلَوْ بَانَ في صُورَةِ ضَمَانِ عُهْدَةِ الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي فَسَادُ الْعَقْدِ بِشَرْطٍ أو غَيْرِهِ غَيْرِ الِاسْتِحْقَاقِ أو فُسِخَ الْعَقْدُ بِعَيْبٍ أو وَجَبَ بِهِ أَرْشٌ لِحُدُوثِ ما يَمْنَعُ الرَّدَّ بِهِ كَحُدُوثِ عَيْبٍ عِنْدَهُ أو انْفَسَخَ الْبَيْعُ قبل الْقَبْضِ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ أو نَحْوِهِ لم يُطَالَبْ بِالثَّمَنِ أو الْأَرْشِ ضَامِنُ الْعُهْدَةِ بَلْ الْبَائِعُ وَحْدَهُ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ من ضَمَانِهَا إنَّمَا هو الرُّجُوعُ على الضَّامِنِ بِسَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ كما مَرَّ وَقَيَّدَ الْأَخِيرَةَ بِقَبْلِ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ وَإِلَّا فَبَعْدَ الْقَبْضِ كَذَلِكَ كَالْفَسْخِ بِخِيَارِ شَرْطٍ أو مَجْلِسٍ أو تَقَايُلٍ وَعُلِمَ من كَلَامِهِ فِيمَا مَرَّ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا يُطَالَبُ الضَّامِنُ كَالْبَائِعِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ هُنَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ خُرُوجَهُ مَرْهُونًا أو نَحْوَهُ دَاخِلٌ في خُرُوجِهِ مُسْتَحَقًّا وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُ الْمَبِيعِ مُسْتَحَقًّا طُولِبَ الضَّامِنُ بِقِسْطِ الْمُسْتَحِقِّ من الثَّمَنِ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ سَوَاءٌ أَفَسَخَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ أَمْ أَجَازَهُ الْفَرْعُ الرَّابِعُ لو ضَمِنَ في عَقْدٍ وَاحِدٍ عُهْدَةَ ثَمَنِ الْأَرْضِ وَأَرْشَ نَقْصِ ما يُغْرَسُ وَيُبْنَى فيها إنْ قُلِعَ بِاسْتِحْقَاقِهَا فِيمَا إذَا اشْتَرَاهَا شَخْصٌ وَغَرَسَ فيها أو بَنَى ثُمَّ ظَهَرَتْ مُسْتَحَقَّةً لم يَصِحَّ ضَمَانُ الْأَرْشِ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عِنْدَ ضَمَانِهِ وفي الْعُهْدَةِ قَوْلًا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ وَقَوْلُهُ إنْ قَلَعَ بِاسْتِحْقَاقِهَا تَصْوِيرٌ لِوُجُوبٍ الْأَرْشِ وَلَوْ ضَمِنَ الْأَرْشَ فَقَطْ فَإِنْ كان قبل ظُهُورِ الِاسْتِحْقَاقِ أو بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْقَلْعِ لم يَصِحَّ وَإِنْ كان بَعْدَهُمَا صَحَّ إنْ عُلِمَ قَدْرُهُ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلِ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا مَرَّ وَمِمَّا يَأْتِي وَلَوْ شَرَطَ على الْبَائِعِ بِهِمَا أَيْ بِعُهْدَةِ الْأَرْضِ وَالْأَرْشِ فِيمَا ذُكِرَ كَفِيلًا في الْبَيْعِ فَكَشَرْطِ رَهْنٍ فَاسِدٍ في الْبَيْعِ فَيَبْطُلُ وَقَوْلُهُ بِهِمَا مُتَعَلِّقٌ بِ كَفِيلًا وَلَوْ أَخَّرَهُ عنه كَأَصْلِهِ كان أَوْلَى فَصْلٌ لَا يَصِحُّ ضَمَانُ الدَّيْنِ غَيْرِ اللَّازِمِ إذَا لم يَؤُلْ إلَى اللُّزُومِ كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي كَنُجُومِ الْمُكَاتَبِ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهَا كما لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بها بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لِلتَّوَثُّقِ وَيَصِحُّ الضَّمَانُ عنه بِغَيْرِهَا لِأَجْنَبِيٍّ لَا لِلسَّيِّدِ بِنَاءً على أَنَّ غَيْرَهَا يَسْقُطُ أَيْضًا عن الْمُكَاتَبِ بِعَجْزِهِ وهو الْأَصَحُّ وَيَصِحُّ الضَّمَانُ بِالثَّمَنِ قبل قَبْضِ الْمَبِيعِ وَلَوْ في مُدَّةِ الْخِيَارِ لِأَنَّهُ بَعْدَهَا لَازِمٌ وَقَبْلَهَا آيِلٌ إلَى اللُّزُومِ بِنَفْسِهِ عن قُرْبٍ فَاحْتِيجَ فيه إلَى التَّوَثُّقِ وَأَشَارَ الْإِمَامُ إلَى أَنَّ تَصْحِيحَ الضَّمَانِ مُفَرَّعٌ على أَنَّ الْخِيَارَ لَا يَمْنَعُ نَقْلَ الْمِلْكِ في الثَّمَنِ إلَى الْبَائِعِ أَمَّا إذَا مَنَعَهُ فَهُوَ ضَمَانٌ ما لم يَجِبْ وما أَشَارَ إلَيْهِ هو الْمُتَّجَهُ حتى لو كان الْخِيَارُ لَهُمَا أو لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ لم يَصِحَّ الضَّمَانُ ويصح بِالصَّدَاقِ قبل الدُّخُولِ لِلُزُومِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ مُسْتَقِرًّا وَلَا نَظَرَ فيه وَفِيمَا ضَمِنَ في زَمَنِ الْخِيَارِ إلَى احْتِمَالِ سُقُوطِهِمَا كما لَا نَظَرَ إلَى احْتِمَالِ سُقُوطِ اللَّازِمِ وَالْمُسْتَقِرِّ بِالْإِبْرَاءِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِمَا لَا ضَمَانُ مَالِ الْجَعَالَةِ فَلَا يَصِحُّ وَلَوْ شَرَعَ في الْعَمَلِ كَالرَّهْنِ بِهِ وَضَمَانُ الْمَنْفَعَةِ الثَّابِتَةِ في الذِّمَّةِ كَالْمَالِ فَيَصِحُّ ضَمَانُهَا فَصْلٌ لَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْمَجْهُولِ وَلَا غَيْرُ الْمُعَيَّنِ كَأَحَدِ الدَّيْنَيْنِ وَلَا ما لَا يُتَبَرَّعُ بِهِ كَقِصَاصٍ وَشُفْعَةٍ وَحَدِّ قَذْفٍ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ مَالٍ في الذِّمَّةِ بِعَقْدٍ كَالْبَيْعِ وَبِهِ مع ما مَرَّ أَيْضًا يُعْلَمُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالْجِنْسِ وَالْقَدْرِ وَالصِّفَةِ وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عنه أَيْ عن الْمَجْهُولِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلْمَدِينِ ما في ذِمَّتِهِ لَا إسْقَاطٌ كَالْإِعْتَاقِ فَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُمَا أَيْ الْمُبْرِئِ وَالْمُبْرَأِ بِالدَّيْنِ كما في عَاقِدَيْ الْهِبَةِ وَهَذَا تَبِعَ فيه مُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِهِ هُنَا لَكِنَّهُ تَبِعَ مُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِهِ أو أَخَّرَ الصَّدَاقَ وَتَصْحِيحُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالرَّوْضَةِ في الْوَكَالَةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْمُبْرَأِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَعَلَيْهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ انْتَهَى وهو الْأَوْجَهُ كما لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ على الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ وَإِنْ كان تَمْلِيكًا الْمَقْصُودُ منه الْإِسْقَاطُ نعم إنْ كان الْإِبْرَاءُ في مُقَابَلَةِ طَلَاقٍ اُعْتُبِرَ عِلْمُ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى مُعَاوَضَةٍ فَيَخُصُّ كَلَامَهُمْ بِمَا لَا عِوَضَ فيه قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ على أَنَّهُ في الرَّجْعَةِ من الرَّوْضَةِ قال الْمُخْتَارُ إنَّ كَوْنَ الْإِبْرَاءِ تَمْلِيكًا أو إسْقَاطًا من الْمَسَائِلِ التي لَا يُطْلَقُ فيها تَرْجِيحٌ بَلْ يَخْتَلِفُ الرَّاجِحُ بِحَسَبِ الْمَسَائِلِ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ وَضَعْفِهِ
____________________
(2/239)
وإذا أَرَادَ أَنْ يُبْرِئَ من مَجْهُولٍ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَذْكُرَ عَدَدًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ الدَّيْنُ عليه فَلَوْ كان يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ على مِائَةٍ مَثَلًا فيقول أَبْرَأْتُك من مِائَةٍ وَلَوْ قال أَبْرَأْتُك من الدَّعْوَى ولم يَبْرَأْ وَلَهُ الْعَوْدُ إلَيْهَا وَيَكْفِي في الْإِبْرَاءِ عِلْمُ الْمُوَكِّلِ فَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْوَكِيلِ أَيْضًا كما سَيَأْتِي في بَابِ الْوَكَالَةِ وَإِنْ مَلَّكَهُ أَيْ مَدِينُهُ ما في ذِمَّتِهِ بَرِئَ منه من غَيْرِ نِيَّةٍ أو قَرِينَةٍ وَلَوْ لم يَقْبَلْ كَالْإِبْرَاءِ وَاحْتَجَّ الْمُتَوَلِّي بِذَلِكَ لِكَوْنِ الْإِبْرَاءِ تَمْلِيكًا لِأَنَّهُ لو لم يَكُنْ تَمْلِيكًا لَافْتَقَرَ إلَى نِيَّةٍ أو قَرِينَةٍ كما إذَا قال لِعَبْدِهِ مَلَّكْتُك رَقَبَتَك أو لِزَوْجَتِهِ مَلَّكْتُك نَفْسَكَ فإنه يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وإذا لم يُعْتَبَرْ الْقَبُولُ في الْإِبْرَاءِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ على الْأَصَحِّ في الرَّوْضَةِ وَلَوْ أَبْرَأَ أَحَدَ خَصْمَيْهِ مُبْهَمًا لم يَصِحَّ أو أَبْرَأَ وَارِثٌ عن دَيْنِ مُوَرِّثٍ له لم يَعْلَمْ مَوْتَهُ صَحَّ كما في الْبَيْعِ فِيهِمَا فَرْعٌ لو اسْتَحَلَّ منه من غِيبَةٍ اغْتَابَهَا له ولم يُبَيِّنْهَا له فَأَحَلَّهُ منها فَهَلْ يَبْرَأُ منها لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ كَمَنْ قَطَعَ عُضْوًا من عَبْدٍ ثُمَّ عَفَا سَيِّدُهُ عن الْقِصَاصِ وهو لَا يَعْلَمُ عَيْنَ الْمَقْطُوعِ فإنه يَصِحُّ أَوَّلًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ رِضَاهُ وَلَا يُمْكِنُ الرِّضَا بِالْمَجْهُولِ وَيُفَارِقُ الْقِصَاصَ بِأَنَّ الْعَفْوَ عنه مَبْنِيٌّ على التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ بِخِلَافِ إسْقَاطِ الْمَظَالِمِ وَجْهَانِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ في أَذْكَارِهِ بِالثَّانِي قال لِأَنَّهُ قد يُسَامَحُ بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ وَزَعَمَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُهُ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرَهُ في بَابِ الشَّهَادَاتِ من أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْحَلِيمِيِّ وَغَيْرِهِ الْجَزْمُ بِهِ وَيَصِحُّ ضَمَانُ الْأَرْشِ بِجِنَايَةٍ أو غَيْرِهَا كَالْإِبْرَاءِ عنه وَلَوْ كان الْمَضْمُونُ أو الْمُبْرَأُ عنه إبِلًا حتى إبِلَ الدِّيَةِ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةُ السِّنِّ وَالْعَدَدِ وَلِأَنَّهُ قد اُغْتُفِرَ جَهْلُ صِفَتِهَا في إثْبَاتِهَا في ذِمَّةِ الْجَانِي فَيُغْتَفَرُ في ضَمَانِهَا وَالْإِبْرَاءِ عنها تَبَعًا له وَيَرْجِعُ في صِفَتِهَا إلَى غَالِبِ إبِلِ الْبَلَدِ وَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَبِإِبِلِ الدِّيَةِ وَيَرْجِعُ ضَامِنُهَا إنْ ضَمِنَهَا بِالْإِذْنِ وَغَرِمَهَا بِمِثْلِهَا لَا الْقِيمَةِ كما في الْقَرْضِ وَقِيلَ الْعَكْسُ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ
وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ الدِّيَةِ عن الْعَاقِلَةِ قبل الْحُلُولِ لِأَنَّهَا غَيْرُ ثَابِتَةٍ بَعْدُ وَلَوْ سُلِّمَ ثُبُوتُهَا فَلَيْسَتْ لَازِمَةً وَلَا آيِلَةً إلَى اللُّزُومِ عن قُرْبٍ بِخِلَافِ الثَّمَنِ في مُدَّةِ الْخِيَارِ وَلَوْ ضَمِنَ أو أَبْرَأَ من الدَّيْنِ من دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ أو ما بين دِرْهَمٍ وَعَشَرَةٍ صَحَّ كُلٌّ من الضَّمَانِ وَالْإِبْرَاءِ لِانْتِفَاءِ الْغَرَرِ وَتَعَيَّنَ لِلضَّمَانِ أو لِلْإِبْرَاءِ ما يَلْزَمُ الْمُقِرَّ بِقَوْلِهِ لِزَيْدٍ عَلَيَّ من دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ أو ما بين دِرْهَمٍ وَعَشَرَةٍ فَيَتَعَيَّنُ في الْأُولَى تِسْعَةٌ وفي الثَّانِيَةِ ثَمَانِيَةٌ كما يَأْتِي إيضَاحُهُ في الْإِقْرَارِ لَكِنَّهُ ذُكِرَ تَبَعًا لِأَصْلِهِ في الطَّلَاقِ أَنَّهُ لو قال أَنْتِ طَالِقٌ من وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ وَقَعَ ثَلَاثٌ وَقِيَاسُهُ تَعَيُّنُ الْعَشَرَةِ في الْأُولَى هُنَا وهو مُوَافِقٌ لِمَا عليه الرَّافِعِيُّ هُنَا وَعَلَى ما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلنَّوَوِيِّ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ مَحْصُورٌ في عَدَدٍ فَالظَّاهِرُ اسْتِيفَاؤُهُ بِخِلَافِ الدَّيْنِ الذي يُضْمَنُ وَيُبْرَأُ منه وَإِنْ قال جَاهِلًا بِقَدْرِ الدَّيْنِ ضَمِنْت لَك دَرَاهِمَك التي عليه فَهَلْ يَصِحُّ ضَمَانُهُ في ثَلَاثٍ منها لِدُخُولِهَا في اللَّفْظِ بِكُلِّ حَالٍ وَجْهَانِ قال في الْأَصْلِ كما لو قال أَجَّرْتُك كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ هل يَصِحُّ في الشَّهْرِ الْأَوَّلِ قال وَمِثْلُهُ الْإِبْرَاءُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَقَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ الْمَذْكُورِ تَصْحِيحُ الْمَنْعِ لَكِنَّ كَلَامَهُ في التَّفْوِيضِ في الصَّدَاقِ يَقْتَضِي تَصْحِيحَ الصِّحَّةِ فإنه أَبْطَلَ الْإِبْرَاءَ في غَيْرِ الْمُتَيَقَّنِ وَجَعَلَ الْمُتَيَقَّنَ على وَجْهَيْنِ من تَفْرِيق الصَّفْقَةِ هذا وقد قال الْأَذْرَعِيُّ في الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ وَقْفَةٌ لِأَنَّ من يقول أَقَلُّ الْجَمْعِ اثْنَانِ يقول الْمُتَيَقَّنُ دِرْهَمَانِ فَعَلَيْهِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا دِرْهَمَانِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كان الضَّامِنُ مِمَّنْ يَرَى ذلك وما قَالَهُ يَأْتِي مِثْلُهُ في الْإِبْرَاءِ فَرْعٌ لو ضَمِنَ عنه زَكَاتَهُ صَحَّ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ وَيُعْتَبَرُ الْإِذْنُ عِنْدَ الْأَدَاءِ كما لو أَخْرَجَ عنه غَيْرُهُ زَكَاتَهُ بِلَا ضَمَانٍ قال في الْمُهِمَّاتِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ في الضَّمَانِ عن الْحَيِّ أَمَّا الْمَيِّتُ فَيَجُوزُ أَدَاءُ الزَّكَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ عنه على الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ وَإِنْ انْتَفَى الْإِذْنُ كما ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ في كِتَابِ الْوَصِيَّةِ وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ بين أَنْ يَسْبِقَهُ ضَمَانٌ أَمْ لَا قال ثُمَّ إنْ كانت الزَّكَاةُ في الذِّمَّةِ فَوَاضِحٌ وَإِنْ كانت في الْعَيْنِ فَيَظْهَرُ صِحَّتُهَا أَيْضًا كما أَطْلَقُوهُ
____________________
(2/240)
كَالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ انْتَهَى فَيَجِبُ تَقْيِيدُ الْعَيْنِ هُنَا بِمَا إذَا تَمَكَّنَ من أَدَائِهَا ولم يُؤَدِّهَا وفي مَعْنَى الزَّكَاةِ الْكَفَّارَةُ فَصْلٌ في كَفَالَةِ الْبَدَنِ وَتُسَمَّى أَيْضًا كَفَالَةَ الْوَجْهِ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ من عليه مَالٌ يَصِحُّ ضَمَانُهُ وَلَوْ جَهِلَ قَدْرَهُ أو كان زَكَاةً لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا وَاسْتُؤْنِسَ لها بِقَوْلِهِ تَعَالَى لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حتى تُؤْتُونِي مَوْثِقًا من اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ وَخَرَجَ بِمَنْ عليه مَالٌ يَصِحُّ ضَمَانُهُ التَّكَفُّلُ بِبَدَنِ غَيْرِهِ كَالتَّكَفُّلِ بِبَدَنِ مُكَاتَبٍ لِلنُّجُومِ وَإِنَّمَا لم يَشْتَرِطْ الْعِلْمَ بِقَدْرِ الْمَالِ لِأَنَّهُ تَكَفَّلَ بِالْبَدَنِ لَا بِالْمَالِ وَقَوْلُهُ كَأَصْلِهِ من عليه مَالٌ يُوهِمُ أَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَصِحُّ بِبَدَنِ من عِنْدَهُ مَالٌ لِغَيْرِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ تَصِحُّ وَإِنْ كان الْمَالُ أَمَانَةً كَوَدِيعَةٍ كما شَمِلَهُ قَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي أو اسْتَحَقَّ إحْضَارَهُ وَشَمِلَ كَلَامُهُ ما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ من صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِبَدَنِ الْمَحْبُوسِ وَالْغَائِبِ وَإِنْ تَعَذَّرَ تَحْصِيلُ الْغَرَضِ مِنْهُمَا حَالًا أو بِبَدَنِ من عليه عُقُوبَةٌ لِآدَمِيٍّ كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ لِأَنَّهَا حَقٌّ لَازِمٌ كَالْمَالِ وَلِأَنَّ الْحُضُورَ مُسْتَحَقٌّ عليه لَا بِبَدَنِ من عليه عُقُوبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى لِبِنَاءِ حَقِّهِ تَعَالَى على الدَّرْءِ وَتَعْبِيرُهُ بِالْعُقُوبَةِ في حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ فيه بِالْحَدِّ لِشُمُولِهِ التَّعْزِيرَ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْمَنْعِ حَيْثُ لَا يَتَحَتَّمُ اسْتِيفَاءُ الْعُقُوبَةِ فَإِنْ تَحَتَّمَ
وَقُلْنَا لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالصِّحَّةِ وَالضَّابِطُ لِصِحَّةِ الْكَفَالَةِ صِحَّتُهَا أَيْ وُقُوعِهَا بِالْإِذْنِ من الْمَكْفُولِ مع مَعْرِفَةِ الْكَفِيلِ له إذْ ليس لِأَحَدٍ إلْزَامُ غَيْرِهِ بِالْحُضُورِ إلَى الْحَاكِمِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِخِلَافِ الضَّمَانِ لَا يُشْتَرَطُ فيه إذْنُ الْمَضْمُونِ عنه وَلَا مَعْرِفَتُهُ لِجَوَازِ التَّبَرُّعِ بِأَدَاءِ دَيْنٍ من غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَمَعْرِفَتِهِ كما مَرَّ وَيُعْتَبَرُ مع ما ذُكِرَ مَعْرِفَةُ الْمَكْفُولِ له نَظِيرُ ما مَرَّ في الْمَضْمُونِ له كما أَفَادَهُ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ وَإِنَّمَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِمَنْ أَيْ بِبَدَنِ من لَزِمَهُ إجَابَةٌ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ أو اسْتَحَقَّ إحْضَارَهُ إلَيْهِ عِنْدَ الِاسْتِعْدَادِ لِلْحَقِّ كَدَعْوَى زَوْجِيَّتِهَا أَيْ كَالْكَفَالَةِ بِبَدَنِ امْرَأَةٍ يَدَّعِي رَجُلٌ زَوْجِيَّتَهَا لِأَنَّ الْإِجَابَةَ إلَى ما ذُكِرَ لَازِمَةٌ لها وَلِأَنَّ الْحُضُورَ مُسْتَحَقٌّ عليها وَعَكْسُهُ أَيْ وَكَالْكَفَالَةِ بِبَدَنِ رَجُلٍ تَدَّعِي امْرَأَةٌ زَوْجِيَّتَهُ لِذَلِكَ وَهَذِهِ من زِيَادَتِهِ وَكَذَا الْكَفَالَةُ بها أَيْ بِالْمَرْأَةِ لِمَنْ ثَبَتَتْ زَوْجِيَّتُهُ وَكَذَا عَكْسُهُ فِيمَا يَظْهَرُ كَأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مُولِيًا وتصح بِبَدَنِ آبِقٍ لِمَالِكِهِ وَأَجِيرٍ لِمُسْتَأْجَرِهِ لِمَا ذَكَر وَقَيَّدَهُ الْأَصْلُ بِالْعَيْنِ فَإِنْ اُحْتُرِزَ بِهِ عن الْمُشْتَرَكِ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ أو عن الْمُبْهَمِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا يَأْتِي وببدن من ادَّعَى عليه وَلَوْ أَنْكَرَ لِمَا ذُكِرَ وَلِأَنَّ مُعْظَمَ الْكَفَالَاتِ إنَّمَا يَقَعُ قبل ثُبُوتِ الْحَقِّ وَهَذَا يَشْمَلُ بَعْضَ من تَقَدَّمَ وَكَذَا بِبَدَنِ مَيِّتٍ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ في الْأَخِيرَيْنِ وَالْوَرَثَةِ في الْأَوَّلِ وَلِأَنَّهُ قد يَسْتَحِقُّ إحْضَارَهُمْ لِيَشْهَدَ عليهم أَيْ على صُورَتِهِمْ إذَا تَحَمَّلَ الشُّهُودُ كَذَلِكَ ولم يَعْرِفُوا اسْمَهُمْ وَنَسَبَهُمْ
وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَحَلَّ ذلك في الْمَيِّتِ قبل دَفْنِهِ فَإِنْ دُفِنَ لم تَصِحَّ الْكَفَالَةُ وَإِنْ
____________________
(2/241)
لم يَتَغَيَّرْ كما دَلَّ عليه كَلَامُهُمْ الْآتِي فِيمَا إذَا تَكَفَّلَ بِبَدَنِ الْحَيِّ فَمَاتَ نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُطَالِبُونَ أَيْ الْوَلِيَّ وَالْوَرَثَةَ بِالْإِحْضَارِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَاعْتِبَارُ إذْنِ الْوَرَثَةِ وَمُطَالَبَتُهُمْ بِالْإِحْضَارِ من زِيَادَتِهِ وقد بَحَثَهُ في الْمَطْلَبِ وَدَخَلَ في الْوَرَثَةِ بَيْتُ الْمَالِ وَبَقِيَ ما لو مَاتَ ذِمِّيٌّ عن غَيْرِ وَارِثٍ وَانْتَقَلَ مَالُهُ فَيْئًا لِبَيْتِ الْمَالِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وهو مُحْتَمَلٌ وَأَمَّا السَّفِيهُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اعْتِبَارُ إذْنِهِ وَمُطَالَبَتِهِ دُونَ وَلِيِّهِ وقال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ إذْنُ وَلِيِّهِ لَا إذْنُهُ فَرْعٌ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَكْفُولِ بِبَدَنِهِ مُعَيَّنًا كما في ضَمَانِ الدَّيْنِ فَلَوْ كَفَلَ بِفَتْحِ الْفَاءِ أَفْصَحُ من كَسْرِهَا بِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ مُبْهَمًا أَيْ بِبَدَنِهِ لم تَصِحَّ كما في ضَمَانِ الْمَالِ فَإِنْ قُلْت كَفَّلَ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا فَلِمَ عَدَّاهُ الْمُصَنِّفُ بِغَيْرِهِ قُلْت ذَاكَ بِمَعْنَى عَالٍ وما هُنَا بِمَعْنَى ضَمِنَ وَالْتُزِمَ وَاسْتِعْمَالُ كَثِيرٍ من الْفُقَهَاءِ له مُتَعَدِّيًا بِنَفْسِهِ مُؤَوَّلٌ فإن صَاحِبُ الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ وَغَيْرَهُمَا من أَئِمَّةِ اللُّغَةِ لم يَسْتَعْمِلُوهُ إلَّا مُتَعَدِّيًا بِغَيْرِهِ فَصْلٌ يَصِحُّ ضَمَانُ رَدِّ كل عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ على من هِيَ بيده كَمَغْصُوبٍ أو مَبِيعٍ لم يَقْبِضْ وَمُسْتَعَارٍ كما يَصِحُّ بِالْبَدَنِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الْمَالُ وَيَبْرَأُ الضَّامِنُ بِرَدِّهَا لِلْمَضْمُونِ له وَكَذَا يَبْرَأُ بِتَلَفِهَا فَلَا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا كما لو مَاتَ الْمَكْفُولُ بِبَدَنِهِ لَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ الدَّيْنُ وَلَوْ ضَمِنَ الْقِيمَةَ أَيْ قِيمَةَ الْعَيْنِ إنْ تَلِفَتْ لم يَصِحَّ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يَغْرَمُ قِيمَةَ الْعَيْنِ بِتَلَفِهَا وَلِعَدَمِ ثُبُوتِ الْقِيمَةِ وَمَحَلُّ صِحَّةِ ضَمَانِ الْعَيْنِ إذَا أَذِنَ فيه وَاضِعُ الْيَدِ أو كان الضَّامِنُ قَادِرًا على انْتِزَاعِهَا منه نَقَلَهُ شَارِحُ التَّعْجِيزِ عن الْأَصْحَابِ وَلَوْ تَكَفَّلَ بِعَبْدٍ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ جَازَ كما يَجُوزُ بِبَدَنِ الْحُرِّ وَبِسَائِرِ الْأَعْيَانِ السَّابِقَةِ وَأَمَّا الْعَيْنُ غَيْرُ الْمَضْمُونَةِ على من هِيَ بيده كَالْوَدِيعَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْمُؤَجَّرِ وَلَوْ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهَا لِأَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةِ الْعَيْنِ وَالرَّدِّ وَإِنَّمَا يَجِبُ على الْأَمِينِ التَّخْلِيَةُ فَقَطْ وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ تَسْلِيمِ الْمَرْهُونِ لِلْمُرْتَهِنِ قبل قَبْضِهِ لِأَنَّهُ ضَمَانٌ ما ليس بِلَازِمٍ وَضَمَانُ الْعُهْدَةِ أَيْ عُهْدَةِ الثَّمَنِ وَالثَّمَنُ مُعَيَّنٌ بَاقٍ بِيَدِ الْبَائِعِ ضَمَانُ عَيْنٍ وَتَعْبِيرِي بِعُهْدَةِ الثَّمَنِ أَوْلَى من تَعْبِيرِ الرَّافِعِيِّ بِعُهْدَةِ الْمَبِيعِ وَحَاصِلُ ما ذُكِرَ أَنَّ ضَمَانَ الْعُهْدَةِ يَكُونُ ضَمَانَ عَيْنٍ فِيمَا إذَا كان الثَّمَنُ مُعَيَّنًا بَاقِيًا بِيَدِ الْبَائِعِ وَضَمَانُ ذِمَّةٍ فِيمَا عَدَا ذلك فَإِنْ قُلْت ما الْفَرْقُ بين كَوْنِهِ مُعَيَّنًا وَغَيْرَ مُعَيَّنٍ فإن الضَّمَانَ إنَّمَا يَصِحُّ بَعْدَ قَبْضِ الْبَائِعِ له وإذا قَبَضَ غير الْمُعَيَّنِ تَعَيَّنَ وَلَا أَثَرَ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ في الْعَقْدِ قُلْت بَلْ له أَثَرٌ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَبْطُلُ بِخُرُوجِهِ مُسْتَحَقًّا بِخِلَافِهِ في الْمُعَيَّنِ فَالْمَضْمُونُ هُنَا رَدُّ الْعَيْنِ الْوَاجِبَةِ في الْعَقْد عَيْنًا حتى لو تَعَذَّرَ رَدُّهَا لم يَلْزَمْ الضَّامِنَ بَدَلُهَا كما مَرَّ وَالْمَضْمُونُ ثَمَّ مَالِيَّةُ الْعَيْنِ التي لَيْسَتْ كَذَلِكَ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّهَا حتى لو بَقِيَتْ بِيَدِ الْبَائِعِ وَخَرَجَ الْمُقَابِلُ مُسْتَحَقًّا لم يَلْزَمْ الضَّامِنَ بَدَلُهَا كما صَرَّحَ بِهِ في الْمَطْلَبِ تَفَقُّهًا فَإِنْ ضَمِنَ قِيمَتَهُ بَعْدَ تَلَفِهِ أَيْ الثَّمَنِ بِيَدِ الْبَائِعِ فَكَمَا لو كان في الذِّمَّةِ وَضَمِنَ الْعُهْدَةَ فَيَكُونُ ضَمَانَ ذِمَّةٍ فَصْلٌ وَإِنْ عَيَّنَ الْكَفِيلُ في الْكَفَالَةِ لِإِحْضَارِ الْمَكْفُولِ بِهِ أَيْ لِتَسْلِيمِهِ لِلْمَكْفُولِ له مَكَانًا تَعَيَّنَ وَمَتَى أُطْلِقَ حُمِلَ على مَوْضِعِ الْعَقْدِ كما في السَّلَمِ فِيهِمَا وَكَلَامُهُمْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَوْضِعِ التَّسْلِيمِ وَإِنْ لم يَصْلُحْ له مَوْضِعُ التَّكَفُّلِ كَاللُّجَّةِ أو كان له مُؤْنَةٌ وهو مُخَالِفٌ لِنَظِيرِهِ في السَّلَمِ الْمُؤَجَّلِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ
____________________
(2/242)
وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ أَخْذًا بِمَفْهُومِ كَلَامِهِمْ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ السَّلَمَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَالتَّكَفُّلُ مَحْضُ الْتِزَامٍ فَإِنْ أَحْضَرَهُ في غَيْرِهِ أَيْ في غَيْرِ الْمَوْضِعِ الْمُعَيَّنِ في الْأُولَى وَمَوْضِعِ الْعَقْدِ في الثَّانِيَةِ فَامْتَنَعَ الْمَكْفُولُ له من تَسَلُّمِهِ لِغَرَضٍ كَفَوْتِ حَاكِمٍ أو مُعَيَّنٍ جَازَ امْتِنَاعُهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ امْتَنَعَ لَا لِغَرَضٍ تَسَلَّمَهُ الْحَاكِمُ عنه لِأَنَّ التَّسَلُّمَ حِينَئِذٍ لَازِمٌ له فإذا امْتَنَعَ منه نَابَ عنه الْحَاكِمُ فيه فَإِنْ لم يَكُنْ حَاكِمٌ سَلَّمَهُ إلَيْهِ وَأَشْهَدَ بِهِ شَاهِدَيْنِ وَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِتَسْلِيمِهِ لِلْمَكْفُولِ له مَحْبُوسًا بِحَقٍّ لِإِمْكَانِ إحْضَارِهِ وَمُطَالَبَتِهِ بِالْحَقِّ لَا مَحْبُوسًا بِغَيْرِ حَقٍّ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ وَلَا غير مَحْبُوسٍ مع مُتَغَلِّبٍ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِتَسْلِيمِهِ ويبرأ بِتَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ نَفْسَهُ لِلْمَكْفُولِ له عن جِهَتِهِ بِأَنْ يَقُولَ له سَلَّمْت نَفْسِي إلَيْك عن جِهَةِ الْكَفِيلِ كما يَبْرَأُ الضَّامِنُ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ الدَّيْنَ لَا بِتَسْلِيمِهِ نَفْسَهُ عن غَيْرِهَا أَيْ عن غَيْرِ جِهَةِ الْكَفِيلِ لِأَنَّهُ لم يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ هو وَلَا أَحَدٍ عن جِهَتِهِ حتى لو ظَفِرَ بِهِ الْمَكْفُولُ له وَلَوْ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ وَادَّعَى عليه لم يَبْرَأْ الْكَفِيلُ
وَأَوْلَى مِمَّا عَبَّرَ بِهِ قَوْلُ أَصْلِهِ وَلَوْ لم يُسَلِّمْ نَفْسَهُ عن جِهَةِ الْكَفِيلِ لم يَبْرَأْ الْكَفِيلُ لِتَنَاوُلِهِ ما لو سَلَّمَهُ لَا عن جِهَةِ أَحَدٍ ويبرأ بِتَسْلِيمِ أَجْنَبِيٍّ له إنْ سَلَّمَهُ عن جِهَةِ الْكَفِيلِ وَبِإِذْنِهِ وَلَا يَلْزَمُ الْمَكْفُولَ له قَبُولُهُ إنْ سَلَّمَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْكَفِيلِ وَلَوْ عن جِهَتِهِ لَكِنْ لو قَبِلَ عن جِهَتِهِ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَلَوْ كَفَلَ بِهِ رَجُلَانِ مَعًا أو مُرَتَّبًا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَأَحْضَرَهُ أَحَدُهُمَا أَيْ سَلَّمَهُ لم يَبْرَأْ الْآخَرُ وَإِنْ قال سَلَّمْته عن صَاحِبِي كما لو كان بِالدَّيْنِ رَهْنَانِ فَانْفَكَّ أَحَدُهُمَا لَا يَنْفَكُّ الْآخَرُ وَيُفَارِقُ ما لو قَضَى أَحَدُ الضَّامِنَيْنِ الدَّيْنَ حَيْثُ يَبْرَأُ الْآخَرُ بِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ يُبْرِئُ الْأَصِيلَ وإذا بَرِئَ بَرِئَ كُلُّ ضَامِنٍ وَلَوْ كَفَلَ رَجُلٌ لِرَجُلَيْنِ فَسَلَّمَ إلَى أَحَدِهِمَا لم يَبْرَأْ من حَقِّ الْآخَرِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ تَكَافَلَا أَيْ الْكَفِيلَانِ ثُمَّ أَحْضَرَ أَحَدُهُمَا الْمَكْفُولَ بِهِ بَرِئَ مُحْضِرُهُ من الْكَفَالَتَيْنِ أَيْ كَفَالَتِهِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَالْآخَرُ يَبْرَأُ من الْأُخْرَى أَيْ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ كَفِيلَهُ سَلَّمَ فَقَطْ أَيْ دُونَ الْأُولَى لِأَنَّهُ لم يُسَلِّمْ هو وَلَا أَحَدٌ عن جِهَتِهِ وَإِنْ قال الْمَكْفُولُ له لِلْكَفِيلِ أَبْرَأْتُك من حَقِّي بَرِئَ كما يَبْرَأُ بِالتَّسْلِيمِ أو قال لَا حَقَّ لي على الْأَصِيلِ أو قِبَلَهُ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَبْرَأُ الْأَصِيلُ وَالْكَفِيلُ لِإِقْرَارِهِ الْمَذْكُورِ وَالثَّانِي يُرَاجَعُ فَإِنْ فُسِّرَ بِشَيْءٍ منه نَفْيُ الدَّيْنِ أو نَفْيُ الْوَدِيعَةِ أو الشَّرِكَةِ أو نَحْوِهِمَا قُبِلَ قَوْلُهُ
فَإِنْ كَذَّبَاهُ أو أَحَدُهُمَا في تَفْسِيرِهِ بِنَفْيِ الْوَدِيعَةِ أو نَحْوِهَا حَلَفَ عليه لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ قُلْت وَيُؤَيِّدُهُ ما يَأْتِي في الْإِقْرَارِ من أَنَّهُ لو قال لَا دَعْوَى لي على زَيْدٍ وقال أَرَدْت في عِمَامَتِهِ وَقَمِيصِهِ لَا في دَارِهِ وَبُسْتَانِهِ لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ ظَاهِرًا وَيُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِإِحْضَارِ غَائِبٍ عَلِمَ هو وَالطَّرِيقُ آمِنٌ وَأَمْكَنَهُ إحْضَارُهُ عَادَةً مَكَانَهُ وَلَوْ بَعُدَ بِأَنْ كان بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ فَأَكْثَرَ سَوَاءٌ أَغَابَ بَعْدَ الْكَفَالَةِ أَمْ كان غَائِبًا عِنْدَهَا أو مَاتَ أَيْ الْغَائِبُ وَكَذَا الْحَاضِرُ الْمَفْهُومُ بِالْأَوْلَى ما لم يُدْفَنْ لِيَرَاهُ الشُّهُودُ فَيَشْهَدُونَ على صُورَتِهِ كما لو تَكَفَّلَ ابْتِدَاءً بِبَدَنِ مَيِّتٍ وَيُمْهَلُ الْكَفِيلُ مُدَّةَ إحْضَارِهِ أَيْ الْغَائِبِ ذَهَابًا وَإِيَابًا قال الْإِسْنَوِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ مع ذلك مُدَّةُ إقَامَةِ الْمُسَافِرِينَ
____________________
(2/243)
لِلِاسْتِرَاحَةِ وَتَجْهِيزِ الْمَكْفُولِ وما قَالَهُ ظَاهِرٌ في مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَأَكْثَرَ بِخِلَافِ ما دُونَهَا قال في الْأَصْلِ فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ ولم يَحْضُرْ حُبِسَ قال الْإِسْنَوِيُّ أَيْ إنْ لم يُؤَدِّ الدَّيْنَ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ قال فَلَوْ أَدَّاهُ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ فَالْمُتَّجَهُ أَنَّ له اسْتِرْدَادَهُ وكان وَجْهُهُ أَنَّهُ إنَّمَا غَرِمَهُ لِلْفُرْقَةِ وإذا حُبِسَ أُدِيمَ حَبْسُهُ إلَى أَنْ يَتَعَذَّرَ إحْضَارُ الْغَائِبِ بِمَوْتٍ أو جَهْلٍ بِمَوْضِعِهِ أو إقَامَتِهِ عِنْدَ من يَمْنَعُهُ قَالَهُ في الْمَطْلَبِ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا حَذَفَ ذِكْرَ جَوَازِ الْحَبْسِ اكْتِفَاءً بِمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُهُ في الْفَصْلِ الْآتِي أو لِأَنَّهُ يَرَى خِلَافَهُ تَبَعًا لِجَمْعٍ
فَقَدْ جَزَمَ الرُّويَانِيُّ وَالْعَبَّادِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِالْمَنْعِ قبل حِكَايَتِهِمْ الْجَوَازَ كما قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وقال إنَّ الْمَنْعَ أَقْرَبُ قال وَالْقَائِلُونَ بِالْحَبْسِ قَاسُوهُ على الْمَالِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ فإنه هُنَا في حُكْمِ الْمُعْسِرِ الْمَدْيُونِ وَمِثْلُهُ لَا يُحْبَسُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَادِرٌ على إحْضَارِهِ فَلَوْ مَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ أو تَسَتَّرَ لم يَلْزَمْهُ أَيْ الْكَفِيلَ الْمَالُ لِأَنَّهُ لم يَلْتَزِمْهُ كما لو ضَمِنَ الْمُسْلَمَ فيه فَانْقَطَعَ لَا يُطَالَبُ بِرَأْسِ الْمَالِ بَلْ لو شَرَطَ إلْزَامَهُ وفي نُسْخَةٍ الْتِزَامَهُ إيَّاهُ بَطَلَتْ كَفَالَتُهُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَاهُ وَبَطَلَ الْتِزَامُ الْمَالِ أَيْضًا لِأَنَّهُ صَيَّرَ الضَّمَانَ مُعَلَّقًا قال الْإِسْنَوِيُّ وَلَك أَنْ تَقُولَ هَلَّا بَطَلَ الشَّرْطُ فَقَطْ كما لو أَقْرَضَهُ بِشَرْطِ رَدِّ مُكَسَّرٍ عن صَحِيحٍ أو شَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمَضْمُونِ له أو ضَمِنَ الْمُؤَجَّلَ بِشَرْطِ الْحُلُولِ بِجَامِعِ أَنَّهُ زَادَ خَيْرًا انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَشْرُوطَ في تِلْكَ صِفَةٌ تَابِعَةٌ وفي هذه أَصْلٌ يُفْرَدُ بِعَقْدٍ وَالتَّابِعُ يُغْتَفَرُ فيه ما لَا يُغْتَفَرُ في الْأَصْلِ قال وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ كَفَلْت بِدَيْنِهِ بِشَرْطِ الْغُرْمِ أو على أَنِّي أَغْرَمُ أو نَحْوَهُ فَلَوْ قال كَفَلْت بَدَنَهُ فَإِنْ مَاتَ فَعَلَى الْمَالِ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ وَبَطَلَ الْتِزَامُ الْمَالِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو مَحْمُولٌ على ما إذَا لم يُرِدْ بِهِ الشَّرْطَ أَيْ وَإِلَّا بَطَلَتْ الْكَفَالَةُ أَيْضًا وقد يُمْنَعُ فإنه يَرْجِعُ إلَى الِاخْتِلَافِ في دَعْوَى الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ على ما مَرَّ
وَلَوْ مَاتَ الْمَكْفُولُ له لم تَبْطُلْ أَيْ الْكَفَالَةُ وَبَقِيَ الْحَقُّ لِوَرَثَتِهِ كما في ضَمَانِ الْمَالِ فَإِنْ خَلَّفَ وَرَثَةً وَغُرَمَاءَ وَوَصِيًّا بِتَفْرِيقِ الثُّلُثِ لِمَالِهِ لم يَبْرَأْ أَيْ الْكَفِيلُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْجَمِيعِ وَهَلْ يَكْفِي التَّسْلِيمُ إلَى الْمُوصَى له عن التَّسْلِيمِ إلَى الْوَصِيِّ حتى يَكْفِيَ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ مع الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ قد سَلَّمَ الْمَالَ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَإِنَّمَا الْوَصِيُّ نَائِبٌ أَوَّلًا لِأَنَّ لِلْوَصِيِّ وِلَايَةً على أَهْلِ الْوَصَايَا فَصَارَ كَوَلِيِّ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ لِأَنَّ لِلْمُوصَى له أَنْ يَسْتَقِلَّ بِأَخْذِ ما أُوصِيَ له بِهِ كما يَأْتِي في بَابِ الْإِيصَاءِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَمَحَلُّهُ في الْمُوصَى له الْمَحْصُورِ لَا كَالْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ فَصْلٌ يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَكْفُولِ بِهِ لِمَا مَرَّ في ضَابِطِ الْكَفَالَةِ لَا رِضَا الْمَكْفُولِ له كما لَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَضْمُونِ له فَلَوْ كَفَلَ بِهِ بِلَا إذْنٍ منه لم تَلْزَمْهُ إجَابَتُهُ أَيْ الْكَفِيلِ فَلَيْسَ لِلْكَفِيلِ مُطَالَبَتُهُ وَإِنْ طَالَبَ الْمَكْفُولُ له الْكَفِيلَ كما في ضَمَانِ الْمَالِ بِغَيْرِ إذْنٍ وَقِيلَ تَلْزَمُهُ إجَابَتُهُ فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ إنْ طَالَبَهُ الْمَكْفُولُ له كَأَنْ قال له أَخْرِجْ عن حَقِّي لِأَنَّ ذلك يَتَضَمَّنُ التَّوْكِيلَ فيه وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وما رَجَّحَهُ قال الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الْأَقْرَبُ لِأَنَّهُ لم يُوَجِّهْ أَمْرَهُ بِطَلَبِهِ قال وَتَوْجِيهُ اللُّزُومِ بِتَضَمُّنِ الْمُطَالَبَةِ التَّوْكِيلَ بَعِيدٌ إلَّا إنْ سَأَلَهُ الْمَكْفُولُ له إحْضَارَهُ كَأَنْ قال له أَحْضِرْهُ إلَى الْقَاضِي فإنه إذَا أَحْضَرَهُ بِاسْتِدْعَاءِ الْقَاضِي له يُجِيبُ وُجُوبًا لَا بِسَبَبِ الْكَفَالَةِ بَلْ لِأَنَّهُ وَكِيلُ صَاحِبِ الْحَقِّ في إحْضَارِ من هو عليه
وقد اسْتَدْعَاهُ الْقَاضِي وَعَلَى هذا فَلَا بُدَّ من اعْتِبَارِ مَسَافَةِ الْعَدَوِيِّ وَإِنَّمَا اعْتَبَرْت اسْتِدْعَاءَ الْقَاضِي تَبَعًا لِلْقَاضِي وَابْنِ الرِّفْعَةِ لِأَنَّ رَبَّ الْحَقِّ لو طَلَبَ إحْضَارَ خَصْمِهِ إلَى الْقَاضِي لم يَلْزَمْهُ الْحُضُورُ معه بَلْ يَلْزَمُهُ أَدَاءُ الْحَقِّ إنْ قَدَرَ عليه وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عليه وَالتَّصْرِيحُ بِاعْتِبَارِ إحْضَارِهِ إلَى الْقَاضِي من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَلَا حَبْسَ عليه إنْ لم يُحْضِرْهُ فِيمَا إذَا لم تَلْزَمْهُ الْإِجَابَةُ لِأَنَّهُ حُبِسَ على ما لَا يَقْدِرُ عليه كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فَلَوْ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هذا على الْمُسْتَثْنَى لَوَافَقَ أَصْلَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَصَدَ تَأْخِيرَهُ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ مُطْلَقًا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَتْ الْإِجَابَةُ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مع اسْتِدْعَاءِ الْقَاضِي وقد يُشِيرُ كَلَامُهُ إلَى أَنَّ الْكَفِيلَ بِالْإِذْنِ يُحْبَسُ إنْ لم يُحْضِرْهُ وقد مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ الرُّكْنُ الْخَامِسُ لِلضَّمَانِ الشَّامِلِ لِلْكَفَالَةِ صِيغَةُ لِالْتِزَامِ لِتَدُلَّ على الرِّضَا وَالْمُرَادُ بها ما يُشْعِرُ بِالِالْتِزَامِ فَيَشْمَلُ اللَّفْظَ وَالْكِتَابَةَ وَإِشَارَةَ الْأَخْرَسِ كَضَمِنْتُ ما لك على فُلَانِ أو تَكَفَّلْت بِبَدَنِهِ أو أنا بِإِحْضَارِ بَدَنِهِ أو أنا بِالْمَالِ أو بِإِحْضَارِهِ كما عَبَّرَ بِهِ أَصْلُهُ أو بِإِحْضَارِ الشَّخْصِ كَفِيلٌ أو زَعِيمٌ أو ضَامِنٌ أو حَمِيلٌ أو قَبِيلٌ أو صَبِيرٌ أو ضَمِينٌ أو
____________________
(2/244)
كَافِلٌ وَكُلُّهَا صَرَائِحُ وفي الْأَصْلِ لَفْظَةُ لَك بَعْدَ ضَمِنْت فَحَذَفَهَا الْمُصَنِّفُ لِيُنَبِّهَ على أَنَّ ذِكْرَهَا ليس بِشَرْطٍ وقال الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الظَّاهِرُ وَقَوْلُهُ خَلِّ عنه وَالْمَالُ الذي لَك عليه عَلَيَّ صَرِيحٌ لِأَنَّ على لِلِالْتِزَامِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا هُنَا من زِيَادَتِهِ لَا قَوْلُهُ خَلِّ عنه وَالْمَالُ عِنْدِي وَإِلَيَّ أَيْ أو إلَيَّ أو مَعِي فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ لِاحْتِمَالِهِ غير الِالْتِزَامِ وقد تُسْتَشْكَلُ الثَّلَاثُ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ خَلِّ عن مُطَالَبَتِهِ فَشَرْطٌ فَاسِدٌ وَإِلَّا فَضَمَانٌ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ وهو فَاسِدٌ أَيْضًا كما سَيَأْتِي وَيُؤَيِّدُهُ ما يَأْتِي فِيمَا لو قال أَبْرِئْ الْكَفِيلَ وأنا كَافِلُ الْمَكْفُولِ وقد يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ خَلِّ عن مُطَالَبَتِهِ الْآنَ أَيْ قبل الضَّمَانِ بِخِلَافِ ما لو أَطْلَقَ أو أَرَادَ خَلِّ عنها أَبَدًا لِمُنَافَاتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ بِالْكُلِّيَّةِ وَقَوْلُهُ أُؤَدِّي الْمَالَ وَأُحْضِرُ أَيْ أو أُحْضِرُ الْمَالَ أو الشَّخْصَ وَعْدٌ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لَا تُشْعِرُ بِالِالْتِزَامِ نعم إنْ صَحِبَهُ قَرِينَةُ الْتِزَامٍ فَيَنْبَغِي كما في الْمَطْلَبِ صِحَّتُهُ وَقَوْلُ كَفِيلٍ أَبْرَأَهُ الْمُسْتَحِقُّ ثُمَّ وَجَدَهُ مُلَازِمًا لِلْخَصْمِ خَلِّهِ وأنا بَاقٍ على الْكَفَالَةِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وأنا على ما كُنْت عليه من الْكَفَالَةِ كَافٍ في أَنَّهُ صَارَ كَفِيلًا لِأَنَّهُ إمَّا مُبْتَدِئٌ بِالْكَفَالَةِ بهذا اللَّفْظِ أو مُخْبِرٌ بِهِ عن كَفَالَةٍ وَاقِعَةٍ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ وَيُفَارِقُ ما لو فُسِخَتْ الْكِتَابَةُ فقال السَّيِّدُ أَقْرَرْتُك على الْكِتَابَةِ حَيْثُ لم تَعُدْ الْكِتَابَةُ كما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ الضَّمَانَ مَحْضُ غَرَرٍ وَغَبْنٍ فَكَفَى فيه ذلك من الْمُلْتَزِمِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ وَنَحْوِهَا فَصْلٌ وَيَبْطُلُ الضَّمَانُ وَالْكَفَالَةُ الْوَاقِعَانِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلضَّامِنِ في الْأُولَى وَالْكَفِيلِ في الثَّانِيَةِ لِمُنَافَاتِهِ مَقْصُودَهُمَا وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّ الْمُلْتَزِمَ فِيهِمَا على يَقِينٍ من الْغَرَرِ أَمَّا شَرْطُهُ لِلْمُسْتَحِقِّ فَلَيْسَ بِمُبْطِلٍ لِأَنَّ الْخِيَرَةَ في الْإِبْرَاءِ وَالطَّلَبِ إلَيْهِ أَبَدًا وَشَرْطُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ كَشَرْطِهِ لِلضَّامِنِ ويبطلان بِالتَّوْقِيتِ كَضَمِنْتُ أو كَفَلْت إلَى رَجَبٍ وَالتَّعْلِيقُ بِوَقْتٍ أو غَيْرِهِ كَقَوْلِهِ إذَا جاء رَجَبٌ أو إنْ لم يُؤَدِّ ما لك غَدًا فَقَدْ ضَمِنْت أو كَفَلْت كَالْبَيْعِ فِيهِمَا وَلَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ ضَمِنَ أو كَفَلَ بِشَرْطِ خِيَارٍ مُفْسِدٍ وَبِتَوْقِيتٍ فَكَذَّبَهُ الْمُسْتَحِقُّ صُدِّقَ الْمُسْتَحِقُّ بِيَمِينِهِ بِنَاءً على جَوَازِ تَبْعِيضِ الْإِقْرَارِ وَقَوْلُهُ وَبِتَوْقِيتٍ من زِيَادَتِهِ وَالْوَاوُ فيه بِمَعْنَى أو وَإِنْ قال الضَّامِنُ أو الْكَفِيلُ لَا حَقَّ على من ضَمِنْت أو كَفَلْت بِهِ صُدِّقَ الْمُسْتَحِقُّ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَالْكَفَالَةَ لَا يَكُونَانِ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ أَيْ غَالِبًا وَالتَّرْجِيحُ في أَنَّهُ إنَّمَا يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ من زِيَادَتِهِ وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ فَإِنْ نَكَلَ الْمُسْتَحِقُّ حَلَفَ الضَّامِنُ والكفيل وَبَرِئَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَحْدَهُ أَيْ دُونَ الْمَضْمُونِ عنه وَالْمَكْفُولِ بِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَحْدَهُ من زِيَادَتِهِ وَعُلِمَ من كَلَامِهِ في هذه أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ فِيمَا لو قال الْكَفِيلُ بَرِئَ الْمَكْفُولُ وَأَنْكَرَ الْمَكْفُولُ له وَبِهِ صَرَّحَ أَصْلُهُ وَيَبْطُلُ ما ذُكِرَ بِشَرْطِ زِيَادَةٍ على الْمَالِ لَا الْمُتَبَرَّعِ أَيْ الزِّيَادَةِ من الدَّيْنِ كَأَنْ ضَمِنَ رَجُلًا بِأَلْفٍ وَشَرَطَ لِلْمَضْمُونِ له أَنْ يُعْطِيَهُ كُلَّ شَهْرٍ دِرْهَمًا وَلَا يَحْسِبُهُ من الدَّيْنِ وَلَا حَاجَةَ مع قَوْلِهِ زِيَادَةٍ على الْمَالِ إلَى ما بَعْدَهُ بَلْ لَا وَجْهَ له إذْ ليس لنا زِيَادَةٌ على ذلك لِيُسْتَثْنَى من الدَّيْنِ فَلَوْ قال بِشَرْطِ إعْطَاءِ مَالٍ لَا آخَرَ من الدَّيْنِ لَسَلِمَ من ذلك وتبطل الْكَفَالَةُ بِقَوْلِهِ كَفَلْت بِزَيْدٍ فَإِنْ أَحْضَرْته وَإِلَّا فَبِعَمْرٍو كَفَلْت أَمَّا كَفَالَةُ زَيْدٍ فَلِأَنَّهُ لم يَلْتَزِمْهَا وَكَأَنَّهُ قال كَفَلْت بِبَدَنِ هذا أو ذَاكَ وَأَمَّا كَفَالَةُ عَمْرٍو فَلِتَعْلِيقِهَا وَبِقَوْلِهِ لِلْمَكْفُولِ له أَبْرِئْ الْكَفِيلَ وأنا كَفِيلُ الْمَكْفُولِ لِأَنَّهُ تَكَفَّلَ بِشَرْطِ إبْرَاءِ الْكَفِيلِ وهو فَاسِدٌ وفي نُسْخَةٍ وأنا كَافِلٌ بِالْمَالِ وَكُلٌّ صَحِيحٌ لَكِنَّ الْمُوَافِقَ لِلْأَصْلِ الْأُولَى فَصْلٌ لو نَجَّزَ الْكَفَالَةَ وَأَجَّلَ الْإِحْضَارَ بِمَعْلُومٍ نَحْوُ أنا كَفِيلٌ بِزَيْدٍ أُحْضِرُهُ بَعْدَ شَهْرٍ أو ضَمِنْت إحْضَارَهُ بَعْدَ شَهْرٍ جَازَ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ كما في الْوَكَالَةِ وَلِأَنَّهُ الْتِزَامٌ بِعَمَلٍ في الذِّمَّةِ فَجَازَ مُؤَجَّلًا كَالْعَمَلِ في الْإِجَارَةِ فَإِنْ أَحْضَرَهُ قَبْلَهُ أَيْ قبل الْأَجَلِ فَكَمَا سَبَقَ في الْمَكَانِ الذي شَرَطَ التَّسْلِيمَ فيه وقد مَرَّ وَخَرَجَ بِالْمَعْلُومِ ما لو أَجَّلَ بِمَجْهُولٍ كَالْحَصَادِ فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَلَوْ ضَمِنَ الْحَالَّ مُؤَجَّلًا بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ أو عَكَسَ أَيْ ضَمِنَ الْمُؤَجَّلَ حَالًّا صَحَّ إذْ الضَّمَانُ تَبَرُّعٌ فَيُحْتَمَلُ فيه اخْتِلَافُ الدَّيْنَيْنِ في الصِّفَةِ لِلْحَاجَةِ وَلَزِمَ الْوَفَاءُ في
____________________
(2/245)
@ 246 الْأُولَى بِالتَّأْجِيلِ فَلَا يُطَالَبُ الضَّامِنُ إلَّا كما الْتَزَمَ وَلَا نَقُولُ اُلْتُحِقَ الْأَجَلُ بِالدَّيْنِ الْحَالِّ وَإِنَّمَا ثَبَتَ عليه مُؤَجَّلًا ابْتِدَاءً وَلَا يَبْعُدُ الْحُلُولُ في حَقِّ الْأَصِيلِ دُونَ الْكَفِيلِ كما لو مَاتَ الْأَصِيلُ لَا التَّعْجِيلِ في الثَّانِيَةِ أَيْ لَا يَلْزَمُ الضَّامِنَ الْوَفَاءُ بِهِ كما لو الْتَزَمَ الْأَصِيلُ التَّعْجِيلَ وَلِأَنَّهُ فَرْعُ الْأَصِيلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مثله قال في الْأَصْلِ وَعَلَى هذا هل يَثْبُتُ الْأَجَلُ في حَقِّهِ مَقْصُودًا أُمّ تَبَعًا لِقَضَاءِ حَقِّ الْمُشَابَهَةِ وَجْهَانِ وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُمَا فِيمَا لو مَاتَ الْأَصِيلُ وَالْحَالَةُ هذه
وَرَجَّحَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا يَأْتِي أَنَّهُ يَحِلُّ عليه بِمَوْتِ الْأَصِيلِ فَالرَّاجِحُ الثَّانِي كما قَالَهُ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ في شَرْحِهِ وَعُلِمَ من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ أَنَّهُ لو ضَمِنَ الْحَالَّ حَالًا أو أَطْلَقَ لَزِمَهُ حَالًّا أو الْمُؤَجَّلَ مُؤَجَّلًا بِأَجَلِهِ أو أَطْلَقَ لَزِمَهُ لِأَجَلِهِ أو ضَمِنَ الْمُؤَجَّلَ مُؤَجَّلًا بِأَجَلٍ أَقْصَرَ من الْأَجَلِ الْأَوَّلِ فَكَالْمُؤَجَّلِ أَيْ فَكَضَمَانِ الْمُؤَجَّلِ حَالًّا بَعْدَ مُضِيِّ الْأَقْصَرِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ وَيَحِلُّ عليه الدَّيْنُ بِمَوْتِ الْأَصِيلِ مُطْلَقًا في الْمُنْظَرِ بها وَبَعْدَ مُضِيِّ الْأَقْصَرِ في الْمُنْظَرَةِ وَعُلِمَ من كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لو أَجَّلَ بِأَجَلٍ أَطْوَلَ لَزِمَهُ لِأَجَلِهِ وَأَنَّهُ لو تَكَفَّلَ كَفَالَةً مُؤَجَّلَةً بِبَدَنِ من تَكَفَّلَ بِغَيْرِهِ كَفَالَةً حَالَّةً صَحَّ وهو ظَاهِرٌ وَلَوْ تَكَفَّلَ بِالْبَدَنِ أو النَّفْسِ أو الرُّوحِ أو الْجِسْمِ وَكَذَا بِعُضْوٍ لَا يَبْقَى الشَّخْصُ دُونَهُ كَالرَّأْسِ وَالْقَلْبِ وَالْكَبِدِ وَالدِّمَاغِ أو جُزْءٍ شَائِعٍ كَالرُّبْعِ وَالثُّمُنِ صَحَّ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُ ذلك إلَّا بِتَسْلِيمِ كل الْبَدَنِ فَكَانَ كَالتَّكَفُّلِ بِكُلِّهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُحْتَمَلَ فيه ما لَا يُحْتَمَلُ في الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ لِلْحَاجَةِ لَا ما يَبْقَى الشَّخْصُ دُونَهُ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالْوَجْهِ وَالْعَيْنِ وما نَقَلَهُ في الرَّوْضَةِ عن الْحَاوِي من أَنَّ الْعَيْنَ كَالرَّأْسِ ليس فيه وَلَا يُسَاعِدُهُ عليه الْمَعْنَى نعم إنْ أُرِيدَ بها النَّفْسُ صَحَّ لَكِنَّهُ لَا يُلَائِمُ ما قَرَنَهَا بِهِ من الْأَعْضَاءِ التي لَا يَبْقَى الشَّخْصُ بِدُونِهَا أو التَّرْجِيحُ في الْجُزْءِ الشَّائِعِ وفي التَّفْصِيلِ في الْعُضْوِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَجَزَمَ بِهِ فِيهِمَا في الْأَنْوَارِ وَرَجَّحَهُ في الثَّانِي في التَّنْبِيهِ وَأَقَرَّهُ عليه النَّوَوِيُّ في تَصْحِيحِهِ وَجَزَمَ بِهِ الصَّيْمَرِيُّ وَصَحَّحَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ وَحَكَاهُ في الرَّوْضَةِ عن قَطْعِ الْمَاوَرْدِيِّ الْبَابُ الثَّانِي في أَحْكَامِهِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ مُطَالَبَةُ الْمُسْتَحِقِّ لَهُمَا أَيْ لِلضَّامِنِ وَالْأَصِيلِ بِأَنْ يُطَالِبَهُمَا جميعا أو يُطَالِبَ أَيَّهُمَا شَاءَ بِالْجَمِيعِ أو يُطَالِبَ أَحَدَهُمَا بِبَعْضِهِ وَالْآخَرَ بِبَاقِيهِ أَمَّا الضَّامِنُ فَلِخَبَرِ الزَّعِيمُ غَارِمٌ وَأَمَّا الْأَصِيلُ فَلِأَنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ عليه وَتَعْبِيرُهُ بِالْمُسْتَحِقِّ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْمَضْمُونِ له لِتَنَاوُلِهِ الْوَارِثَ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ أَفْلَسَ الضَّامِنُ وَالْمَضْمُونُ عنه فقال الضَّامِنُ لِلْحَاكِمِ بِعْ أَوَّلًا مَالَ الْمَضْمُونِ عنه وقال الْمَضْمُونُ له أُرِيدُ أَبِيعُ مَالَ أَيِّكُمَا شِئْت قال الشَّافِعِيُّ إنْ كان الضَّمَانُ بِالْإِذْنِ أُجِيبَ الضَّامِنُ وَإِلَّا فَالْمَضْمُونُ له فَلَوْ شَرَطَ في الضَّمَانِ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ بَطَلَتْ صِيغَتُهُ لِمُنَافَاةِ الشَّرْطِ مُقْتَضَاهَا وَإِنْ ضَمِنَ بِهِ أَيْ بِالدَّيْنِ وَالْأَوْلَى ضَمِنَهُ أو كَفَلَ بِالْكَفِيلِ كَفِيلٌ آخَرُ وَبِالْآخَرِ آخَرُ وَهَكَذَا طَالَبَهُمْ الْمُسْتَحِقُّ بِمَا الْتَزَمُوا لِأَنَّ ذلك مُقْتَضَى الِالْتِزَامِ فَإِنْ بَرِئَ الْأَصِيلُ بِإِبْرَاءٍ أو أَدَاءً أو حَوَالَةٍ منه أو من الْمُسْتَحِقِّ أو غَيْرِهَا بَرِءُوا كلهم لِسُقُوطِ الْحَقِّ
____________________
(2/246)
أو بَرِئَ غَيْرُهُ أَيْ غَيْرُ الْأَصِيلِ من الْمُلْتَزِمِينَ بِإِبْرَاءٍ بَرِئَ هو وَمَنْ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ فَرْعُهُ فَيَبْرَأُ بِبَرَاءَتِهِ لَا من قَبْلِهِ لِأَنَّ الْأَصِيلَ لَا يَبْرَأُ بِبَرَاءَةِ فَرْعِهِ لِأَنَّهَا سُقُوطُ تَوْثِقَةٍ فَلَا يَسْقُطُ بها الْحَقُّ كَفَكِّ الرَّهْنِ أَمَّا بَرَاءَتُهُ بِغَيْرِ الْإِبْرَاءِ فَيَبْرَأُ بها من قَبْلِهِ أَيْضًا وَيَحِلُّ الْمُؤَجَّلُ في غَيْرِ ما مَرَّ في الضَّمَانِ الْمُؤَجَّلِ حَالًّا أو مُؤَجَّلًا بِأَقْصَرَ على من مَاتَ مِنْهُمَا وَلَوْ عَبْدًا مَأْذُونًا له لِخَرَابِ ذِمَّتِهِ فَقَطْ أَيْ دُونَ الْآخَرِ لِارْتِفَاقِهِ بِالْأَجَلِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ وَيُسْتَثْنَى مع ما ذَكَرْته ما أَفْتَى بِهِ ابن الصَّلَاحِ من أَنَّهُ لو رَهَنَ مِلْكَهُ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ لِغَيْرِهِ لم يَحِلَّ الدَّيْنُ بِمَوْتِهِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ دَيْنٍ في عَيْنٍ لَا في ذِمَّتِهِ وهو قَضِيَّةُ التَّعْدِيلِ بِخَرَابِ الذِّمَّةِ وَلِلضَّامِنِ بِالْإِذْنِ مُطَالَبَةُ الْمُسْتَحِقِّ بِإِبْرَائِهِ أو طَلَبِ حَقِّهِ من التَّرِكَةِ أَيْ تَرِكَةِ الْأَصِيلِ لِأَنَّهَا قد تَتْلَفُ فَلَا يَجِدُ مَرْجِعًا إذَا غَرِمَ وَلَيْسَ لِوَرَثَةِ ضَامِنٍ سَلَّمُوا الدَّيْنَ من تَرِكَتِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ مُطَالَبَةٌ لِلْمَضْمُونِ عنه قبل الْحُلُولِ لِلدَّيْنِ الْحُكْمُ الثَّانِي في مُطَالَبَةِ الضَّامِنِ الْأَصِيلَ بِالْأَدَاءِ وَعَدَمِهَا مع ما ذُكِرَ مَعَهُمَا لِلضَّامِنِ بِالْإِذْنِ من الْأَصِيلِ الْمُطَالَبَةُ له بِخَلَاصِهِ بِأَنْ يُؤَدِّيَ الْحَقَّ لِمُسْتَحِقِّهِ لِيَبْرَأَ هو بِبَرَاءَتِهِ إنْ طُولِبَ بِهِ كما أَنَّهُ يَغْرَمُهُ إذَا غَرِمَ بِخِلَافِ ما إذَا لم يُطَالِبْ بِهِ ليس له ذلك لِأَنَّهُ لم يَغْرَمْ شيئا وَلَا طُولِبَ بِشَيْءٍ بِخِلَافِ الْمُعِيرِ لِلرَّهْنِ له طَلَبُ فَكِّهِ كما مَرَّ لِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ عنه بِالْحَقِّ وَفِيهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ قال في الْمَطْلَبِ وَلَوْ كان الْأَصِيلُ مَحْجُورًا عليه لِصِبًا فَلِلضَّامِنِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ إنْ طُولِبَ طَلَبُ الْوَلِيِّ بِتَخْلِيصِهِ ما لم يَزُلْ الْحَجْرُ فَإِنْ زَالَ تَوَجَّهَ الطَّلَبُ على الْمَحْجُورِ عليه وَيُقَاسُ بِالصَّبِيِّ الْمَجْنُونُ وَالْمَحْجُورُ عليه بِسَفَهٍ سَوَاءٌ أَكَانَ الضَّمَانُ بِإِذْنِهِمَا قبل الْجُنُونِ وَالْحَجْرِ أَمْ بِإِذْنِ وَلِيِّهِمَا بَعْدُ لَا الْمُطَالَبَةُ بِالْمَالِ لِيَدْفَعَهُ أو بَدَلَهُ لِلْمُسْتَحِقِّ ما لم يُسَلِّمْ وَلَوْ حَبَسَ إذْ لم يَفُتْ عليه قبل تَسْلِيمِهِ شَيْءٌ وَالتَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهِ حُبِسَ أو لم يُحْبَسْ من زِيَادَتِهِ وَفُهِمَ منه بِالْأُولَى أَنَّهُ ليس له حَبْسُ الْأَصِيلِ وَإِنْ حُبِسَ قال في الْمَطْلَبِ وَلَا مُلَازَمَتُهُ إذْ لَا يَثْبُتُ له حَقٌّ على الْأَصِيلِ بِمُجَرَّدِ الضَّمَانِ وفي نُسْخَةٍ وَلَوْ حُبِسَ لم يَحْبِسْهُ وَهِيَ الْمُوَافِقَةُ لِلْأَصْلِ لَكِنَّ الْأُولَى أَكْثَرُ فَائِدَةً وَاسْتُشْكِلَ عَدَمُ جَوَازِ حَبْسِهِ له وَإِنْ حُبِسَ بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ في الْمُطَالَبَةِ بِخَلَاصِهِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ لَا يُبَالِي بها
وَأُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَتَهَا لَا تَنْحَصِرُ في ذلك بَلْ من فَوَائِدِهَا إحْضَارُهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَتَفْسِيقُهُ إذَا امْتَنَعَ بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْوَلَدِ مُطَالَبَةَ وَالِدِهِ بِدَيْنِهِ وَلَيْسَ له حَبْسُهُ أَمَّا إذَا سَلَّمَ فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ وَحَبْسُهُ وَمُلَازَمَتُهُ وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَصِيلُ الْمَالَ بِلَا مُطَالَبَةٍ وَقُلْنَا لَا يَمْلِكُهُ أَيْ وهو الْأَصَحُّ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ وَيَضْمَنُهُ إنْ هَلَكَ كَالْمَقْبُوضِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ فَلَوْ قال له اقْضِ بِهِ ما ضَمِنْت عَنِّي فَهُوَ وَكِيلٌ وَالْمَالُ أَمَانَةٌ في يَدِهِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ في النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ وَلَوْ أَبْرَأَ الضَّامِنُ الْأَصِيلَ أو صَالَحَهُ عَمَّا سَيَغْرَمُ فِيهِمَا أو رَهَنَهُ الْأَصِيلُ شيئا بِمَا ضَمِنَهُ أو كَفَلَ أَيْ أَقَامَ بِهِ كَفِيلًا لم يَصِحَّ لِمَا مَرَّ من أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِلضَّامِنِ عليه حَقٌّ بِمُجَرَّدِ الضَّمَانِ وَعَبَّرَ الْأَصْلُ بَدَلَ كَفَلَ يَضْمَنُ وَكُلٌّ صَحِيحٌ وَلَوْ شَرَطَهُ أَيْ شَرَطَ الضَّامِنُ في ابْتِدَاءِ الضَّمَانِ أَنْ يَرْهَنَهُ الْأَصِيلُ شيئا بِمَا يَضْمَنُهُ أو يُقِيمَ له بِهِ ضَامِنًا فَسَدَ الضَّمَانُ لِفَسَادِ الشَّرْطِ وَشُمُولُ كَلَامِهِ لِشَرْطِ الرَّهْنِ من زِيَادَتِهِ وَقَوْلُهُ أو صَالَحَهُ عَمَّا سَيَغْرَمُ أَعَمُّ من قَوْلِ أَصْلِهِ صَالَحَهُ عن الْعَشَرَةِ التي سَيَغْرَمُهَا على خَمْسَةٍ الْحُكْمُ الثَّالِثُ الرُّجُوعُ وَلَا يَرْجِعُ ضَامِنٌ بِغَيْرِ إذْنٍ من الْأَصِيلِ سَوَاءٌ أَدَّى بِإِذْنِهِ لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالضَّمَانِ ولم يَأْذَنْ فيه أَمْ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِتَبَرُّعِهِ وَلِأَنَّهُ لو كان له الرُّجُوعُ لَمَا صلى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْمَيِّتِ بِضَمَانِ أبي قَتَادَةَ لِبَقَاءِ الْحَقِّ ولا مُتَبَرِّعٍ بِالْأَدَاءِ بِأَنْ أَدَّى بِلَا إذْنٍ لِتَبَرُّعِهِ بِخِلَافِ من أَوْجَرَ طَعَامَهُ لِمُضْطَرٍّ لِوُجُوبِهِ عليه
____________________
(2/247)
إبْقَاءً لِلْمُهْجَةِ فَلَوْ أَدَّيَا أَيْ الضَّامِنُ بِغَيْرِ إذْنٍ وَالْمُتَبَرِّعُ بِالْأَدَاءِ بِالْإِذْنِ رَجَعَ الْمُتَبَرِّعُ لِلْعُرْفِ في الْمُعَامَلَاتِ وَفَارَقَ نَظِيرَهُ في مَسْأَلَةِ الْغَسَّالِ وَنَحْوِهِ بِأَنَّ الْمُسَامَحَةَ في الْمَنَافِعِ أَكْثَرُ منها في الْأَعْيَانِ وَمُرَادُهُ بهذا الْمُتَبَرِّعُ الْمُؤَدِّي بِلَا ضَمَانٍ وَإِلَّا فَالْمَأْذُونُ له غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ فَفِي إطْلَاقِ الْمُتَبَرِّعِ عليه تَجَوُّزٌ لَا الضَّامِنُ أَيْ لَا يَرْجِعُ كما قَدَّمَهُ وَكَأَنَّهُ أَعَادَهُ لِيَسْتَثْنِيَ منه قَوْلَهُ إلَّا إنْ أَدَّى بِشَرْطِ الرُّجُوعِ فَيَرْجِعُ كَغَيْرِ الضَّامِنِ وَلَوْ أَدَّى الْوَلِيُّ دَيْنَ مَحْجُورٍ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ أو ضَمِنَهُ عنه كَذَلِكَ رَجَعَ قَالَهُ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ وَالضَّامِنُ بِالْإِذْنِ يَرْجِعُ وَلَوْ أَدَّى بِلَا إذْنٍ لِأَنَّهُ أَذِنَ في سَبَبِ الْأَدَاءِ نعم إنْ ثَبَتَ الضَّمَانُ بِالْبَيِّنَةِ وهو مُنْكِرٌ كَأَنْ ادَّعَى على زَيْدٍ وَغَائِبٍ أَلْفًا وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ضَمِنَ ما على الْآخَرِ بِإِذْنِهِ فَأَنْكَرَ زَيْدٌ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً وَغَرَّمَهُ لم يَرْجِعْ زَيْدٌ على الْغَائِبِ بِالنِّصْفِ لِكَوْنِهِ مُكَذِّبًا لِلْبَيِّنَةِ فَهُوَ مَظْلُومٌ بِزَعْمِهِ فَلَا يَرْجِعُ على غَيْرِ ظَالِمِهِ كما سَيَأْتِي وَحَيْثُ ثَبَتَ الرُّجُوعُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْقَرْضِ حتى يَرْجِعَ في الْمُتَقَوِّمِ بمثله صُورَةً وَمَحَلُّ رُجُوعِ الضَّامِنِ إذَا أَدَّى من مَالِهِ لَا من سَهْمِ الْغَارِمِينَ كما قَدَّمَهُ في قِسْمِ الصَّدَقَاتِ فَرْعٌ من الْأَدَاءِ أَنْ يُحِيلَ الضَّامِنُ الْمُسْتَحِقَّ على غَيْرِهِ أو يُحَالُ عليه أو يَصِيرَ الْحَقُّ إرْثًا له أو يُصَالِحَ عنه الْمُسْتَحِقَّ بِعِوَضٍ فَيَرْجِعَ بِهِ الضَّامِنُ بِالْإِذْنِ عِنْدَ كُلٍّ منها دُونَ الضَّامِنِ بِغَيْرِ الْإِذْنِ على ما مَرَّ إلَّا في صَيْرُورَتِهِ إرْثًا له فإنه يَرْجِعُ بِهِ مُطْلَقًا لِكَوْنِهِ صَارَ له وهو بَاقٍ في ذِمَّةِ الْأَصِيلِ فَلَوْ صَالَحَ الضَّامِنُ الْمُسْتَحِقَّ عن الْأَلْفِ الْمَضْمُونَةِ بِعَبْدٍ رَجَعَ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ
____________________
(2/248)
من الْأَلْفِ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ يوم الْأَدَاءِ وَقِسْ عليه فَلَوْ صَالَحَهُ عن عَشَرَةِ دَرَاهِمَ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ خَمْسَةٌ أو من خَمْسَةِ دَرَاهِمَ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَلَا يَرْجِعُ إلَّا بِخَمْسَةٍ لِأَنَّهَا الْمَغْرُومَةُ في الْأُولَى وَلِتَبَرُّعِهِ بِالزَّائِدِ عليها في الثَّانِيَةِ وَلَوْ بَاعَهُ الْعَبْدُ بِالدَّيْنِ الذي ضَمِنَهُ رَجَعَ بِالدَّيْنِ على الْأَصِيلِ وَيُقَدَّرُ أَنَّهُ دخل بِالْبَيْعِ في مِلْكِهِ ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى مِلْكِ الْمُسْتَحِقِّ وَفُهِمَ مِمَّا قَالَهُ بِالْأُولَى ما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَنَّهُ لو بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَتَقَاصَّا رَجَعَ بِالْأَلْفِ وما قَالَهُ في الْأُولَى هو ما اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ من وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا الرَّافِعِيُّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ وَلِهَذَا قال السُّبْكِيُّ الْوَجْهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ كما في مَسْأَلَةِ الصُّلْحِ وَإِلَّا فما الْفَرْقُ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الشَّيْخُ نُورُ الدِّينِ الْأَرْدَبِيلِيُّ فِيمَا شَرَحَهُ على الْمِنْهَاجِ وَالْأَمْرُ كما قَالَا انْتَهَى وقد يُفَرَّقُ بِمَا يَأْتِي في مَسْأَلَةِ الصُّلْحِ الْآتِيَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَوْ أَدَّى مُكَسَّرَةً عن صِحَاحٍ رَجَعَ بِالْمُكَسَّرَةِ لِأَنَّهَا التي غَرِمَهَا لَا عَكْسُهُ بِأَنْ أَدَّى صِحَاحًا عن مُكَسَّرَةٍ فَلَا يَرْجِعُ بِالصِّحَاحِ لِتَبَرُّعِهِ بِالزَّائِدِ نعم إنْ تَسَاوَتْ قِيمَتُهُمَا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِالرُّجُوعِ لو صَالَحَهُ أَيْ الْمُسْتَحِقَّ الضَّامِنُ من الدَّيْنِ على الْبَعْضِ منه أو أَدَّى الْبَعْضَ له وَأَبْرَأَهُ الْمُسْتَحِقُّ من الْبَاقِي رَجَعَ بِمَا أَدَّى وَبَرِئَ فِيهِمَا وَبَرِئَ الْأَصِيلُ عن الْبَاقِي في صُورَةِ الصُّلْحِ فَقَطْ أَيْ لَا في صُورَةِ الْبَرَاءَةِ لِأَنَّ بَرَاءَةَ الضَّامِنِ لَا تَسْتَلْزِمُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ وَإِنَّمَا بَرِئَ في تِلْكَ وَإِنْ كان صُلْحُ الْحَطِيطَةِ إبْرَاءً في الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ لَفْظَ الصُّلْحِ يُشْعِرُ بِقَنَاعَةِ الْمُسْتَحِقِّ بِالْقَلِيلِ عن الْكَثِيرِ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي ثُمَّ نَظَرَ فيه بِأَنَّهُ مُسَلَّمٌ فِيمَنْ جَرَى الصُّلْحُ معه لَا مُطْلَقًا وَفَرَّقَ غَيْرُهُمْ بِأَنَّ الصُّلْحَ يَقَعُ عن أَصْلِ الدَّيْنِ وَبَرَاءَةُ الضَّامِنِ إنَّمَا تَقَعُ عن الْوَثِيقَةِ وَلَوْ ضَمِنَ ذِمِّيٌّ لِذِمِّيٍّ عن مُسْلِمٍ دَيْنًا فَصَالَحَ صَاحِبَهُ على خَمْرٍ لَغَا الصُّلْحُ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ أَدَاءَ الضَّامِنِ لِلْمُسْتَحِقِّ يَتَضَمَّنُ إقْرَاضَ الْأَصِيلِ ما أَدَّاهُ وَتَمْلِيكَهُ إيَّاهُ وهو مُتَعَذِّرٌ هُنَا فَلَا يَبْرَأُ الْمُسْلَمُ كما لو دَفَعَ الْخَمْرَ بِنَفْسِهِ وَلَوْ وَهَبَ الْمُسْتَحِقُّ لِلضَّامِنِ ما أَدَّى له رَجَعَ بِهِ كما لو وَهَبَتْ الصَّدَاقَ لِلزَّوْجِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ يَرْجِعُ عليها بِنِصْفِهِ وَلَوْ قال الْمُسْتَحِقُّ لِلضَّامِنِ وَهَبْتُك الدَّيْنَ الذي ضَمِنْته لي كان كَالْإِبْرَاءِ فَلَا رُجُوعَ وَلَوْ ضَمِنَ رَجُلٌ عن الضَّامِنِ وَأَدَّى الدَّيْنَ لِلْمُسْتَحِقِّ فَرُجُوعُهُ إنْ ثَبَتَ له الرُّجُوعُ عليه أَيْ على الضَّامِنِ الْأَوَّلِ لَا على الْأَصِيلِ وَصَرَّحَ الْأَصْلُ بِأَنَّهُ إذَا لم يَثْبُتْ له الرُّجُوعُ على الْأَوَّلِ لم يَثْبُتْ بِأَدَائِهِ الرُّجُوعُ لِلْأَوَّلِ على الْأَصِيلِ لِأَنَّهُ لم يَغْرَمْ وَبِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ له الرُّجُوعُ على الْأَوَّلِ فَرَجَعَ رَجَعَ الْأَوَّلُ على الْأَصِيلِ بِشَرْطِهِ وَبِأَنَّهُ لو ضَمِنَ شَخْصٌ الضَّامِنَ بِإِذْنِ الْأَصِيلِ رَجَعَ عليه كما لو قال لِغَيْرِهِ أَدِّ دَيْنِي فَأَدَّاهُ وَبِأَنَّهُ لو ضَمِنَ عن الْأَصِيلِ بِإِذْنِهِ رَجَعَ من أَدَّى مِنْهُمَا عليه لَا على الْآخَرِ وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا بِبَعْضِ ذلك في بَعْضِ النُّسَخِ فقال في نُسْخَةٍ فَرُجُوعُهُ عليه كَرُجُوعِ الضَّامِنِ الْأَوَّلِ على الْأَصِيلِ فَلَوْ ضَمِنَ الْفَرْعُ بِإِذْنِ الْأَصِيلِ رَجَعَ عليه وفي أُخْرَى يَدُلُّ هذا الْأَخِيرُ فَلَوْ ضَمِنَ الْفَرْعُ عن الْأَصِيلِ بِإِذْنِهِ رَجَعَ عليه أو ضَمِنَ عنهما أَيْ عن الضَّامِنِ وَالْأَصِيلِ بِإِذْنِهِمَا وَأَدَّى رَجَعَ على من شَاءَ مِنْهُمَا بِمَا شَاءَ وَإِنْ ضَمِنَ اثْنَانِ عن رَجُلٍ عَشَرَةً بِأَنْ ضَمِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا خَمْسَةً وَتَضَامَنَا فَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا الْعَشَرَةَ طَالَبَ الْأَصِيلَ بِخَمْسَةٍ وَصَاحِبَهُ بِخَمْسَةٍ وَلَيْسَ له الرُّجُوعُ بِالْجَمِيعِ على أَحَدِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَصِيلُ أَذِنَ له في الضَّمَانِ الْآخَرِ فَيَرْجِعُ عليه بِهِ وَلَوْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ أَدَّى أَحَدُهُمَا خَمْسَةً رَجَعَ على من أَدَّاهَا عنه مِنْهُمَا أو من أَحَدِهِمَا فَرْعٌ لو قَالَا ضَمِنَّا الْعَشَرَةَ فَهَلْ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا ضَامِنًا لِكُلِّهَا كما لو قال رَهَنَّا عَبْدَنَا هذا بِالْأَلْفِ التي لَك على فُلَانٍ فإن حِصَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا رَهْنٌ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ أو لِنِصْفِهَا كَقَوْلِهِمَا اشْتَرَيْنَا عَبْدَك بِالْأَلْفِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْمُتَوَلِّي الْأَوَّلُ وَصَوَّبَهُ السُّبْكِيُّ وَبِهِ أَفْتَيْت لِأَنَّ الضَّمَانَ تَوْثِقَةٌ كَالرَّهْنِ قال الْمُتَوَلِّي وَيُخَالِفُ الشِّرَاءَ لِأَنَّ الثَّمَنَ عِوَضُ الْمِلْكِ فَبِقَدْرِ ما يَحْصُلُ لِلْمُشْتَرِي من الْمِلْكِ يَجِبُ عليه من الثَّمَنِ بِخِلَافِ الضَّمَانِ لَا مُعَاوَضَةَ فيه وقال بِالثَّانِي الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالرُّويَانِيُّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْقَلْبُ إلَيْهِ أَمْيَلُ
____________________
(2/249)
لِأَنَّهُ الْيَقِينُ وَشَغْلُ ذِمَّةِ كل وَاحِدٍ بِالزَّائِدِ مَشْكُوكٌ فيه وَإِنْ ضَمِنَ الثَّمَنَ مَثَلًا لِلْبَائِعِ بِالْإِذْنِ وَأَدَّاهُ له ثُمَّ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ قبل الْقَبْضِ أو بِرَدِّهِ بِعَيْبٍ أو غَيْرِهِمَا رَجَعَ على الْأَصِيلِ بِمَا أَدَّاهُ ورجع الْأَصِيلُ على الْبَائِعِ بِمَا أَخَذَهُ بِأَنْ يَرْجِعَ فيه بِعَيْنِهِ إنْ كان بَاقِيًا وَبِبَدَلِهِ إنْ كان تَالِفًا وَلَيْسَ له أَيْ لِلْبَائِعِ إمْسَاكُهُ أَيْ ما أَخَذَهُ وَرَدُّ بَدَلِهِ كما لو رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ وَعَيَّنَ ثَمَنَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ فَأَرَادَ إمْسَاكَهُ وَرَدَّ مِثْلِهِ وَلِلتَّعْلِيلِ الْآتِي وَلَيْسَ لِلضَّامِنِ مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ بِمَا أَخَذَهُ لِأَنَّ الْأَدَاءَ منه يَتَضَمَّنُ إقْرَاضَ الْمَضْمُونِ عنه ما أَدَّاهُ وَتَمَلَّكَهُ إيَّاهُ
وَإِنْ ضَمِنَ الثَّمَنَ وفي نُسْخَةٍ ضَمِنَهُ بِلَا إذْنٍ وَأَدَّاهُ لِلْبَائِعِ ثُمَّ انْفَسَخَ الْعَقْدُ لم يَرْجِعْ على الْأَصِيلِ وَعَلَى الْبَائِعِ رَدُّهُ ولم يَرِدْ فيه الْخِلَافُ في الصَّدَاقِ الْمُتَبَرَّعِ بِهِ إذَا طَلَّقَ الزَّوْجُ قبل الدُّخُولِ فَيَرُدُّ إلَى الْأَصِيلِ إنْ كان صَغِيرًا أو نَحْوَهُ وَالْمُتَبَرِّعُ أَبًا وَإِلَّا فَإِلَى الْمُتَبَرِّعِ وَتَقَدَّمَ إيضَاحُهُ في أَوَاخِرِ بَابِ خِيَارِ النَّقْصِ أَمَّا إذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ قبل أَدَاءِ الضَّامِنِ فَيَبْرَأُ هو وَالْأَصِيلُ وَإِنْ أَقْرَضَهُمَا مَثَلًا عَشَرَةً وَتَضَامَنَا بِأَنْ ضَمِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ بِالْإِذْنِ منه فَلَهُ مُطَالَبَتُهُمَا جميعا أو من شَاءَ مِنْهُمَا بها فَإِنْ أَدَّاهَا أَحَدُهُمَا بَرِئَا وَطَالَبَ صَاحِبَهُ بِخَمْسَةٍ لِإِذْنِهِ له في ضَمَانِهِ وَإِنْ أَدَّى كُلٌّ مِنْهُمَا خَمْسَةً عن نَفْسِهِ بَرِئَ وَلَا رُجُوعَ له على الْآخَرِ أو أَدَّاهَا عن صَاحِبِهِ تَقَاصَّا وَبَرِئَا وَلَوْ أَدَّى أَحَدُهُمَا خَمْسَةً ولم يَقْصِدْ شيئا من نَفْسِهِ وَصَاحِبِهِ صَرَفَهَا عَمَّنْ شَاءَ مِنْهُمَا وَإِنْ قَصَدَ نَفْسَهُ بَرِئَ مِمَّا عليه وَصَاحِبُهُ من ضَمَانِهِ وَبَقِيَ على صَاحِبِهِ ما كان عليه وَالْمُؤَدِّي ضَامِنٌ له أو قَصَدَ صَاحِبَهُ رَجَعَ بها عليه وَبَقِيَ عليه ما كان عليه وَصَاحِبُهُ ضَامِنٌ له أو قَصَدَهُمَا فَلِكُلٍّ نِصْفُ حُكْمِهِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ وَلَوْ قال الْمُؤَدِّي لها قَصَدْت نَفْسِي فقال له الْمُسْتَحِقُّ بَلْ قَصَدْت صَاحِبَك فَحَلَفَ له الْمُؤَدِّي لم تَسْقُطْ عنه خَمْسَةُ صَاحِبِهِ وَبَرِئَ من خَمْسَتِهِ وَعَبَّرَ الْأَصْلُ بَدَلَ فَحَلَفَ إلَى آخِرِهِ بِقَوْلِهِ صَدَقَ الْمُؤَدِّي بِيَمِينِهِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ مِمَّا عليه لَكِنْ لِرَبِّ الدَّيْنِ مُطَالَبَتُهُ بِخَمْسَةٍ على الصَّحِيحِ لِأَنَّ عليه خَمْسَةً أُخْرَى إمَّا بِالْأَصَالَةِ وَإِمَّا بِالضَّمَانِ
وَإِنْ أَبْرَأَ الْمُسْتَحِقُّ أَحَدَهُمَا عن الْعَشَرَةِ بَرِئَ أَصْلًا وَضَمَانًا وبقي على صَاحِبِهِ خَمْسَةٌ أَيْ الْخَمْسَةُ الْمُتَأَصِّلَةُ عليه وَبَرِئَ من الْأُخْرَى وَإِنْ أَبْرَأهُ عن الْخَمْسَةِ الْمُتَأَصِّلَةِ عليه بَرِئَ منها وَصَاحِبُهُ من ضَمَانِهَا وطالب الْمُسْتَحِقُّ بِالْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ من شَاءَ مِنْهُمَا أو أَبْرَأَهُ عن خَمْسَةِ الضَّمَانِ بَرِئَ منها وَبَقِيَ عليه خَمْسَةُ الْأَصْلِ وَعَلَى صَاحِبِهِ الْجَمِيعُ أَيْ الْأَصْلُ وَالضَّمَانُ وَإِنْ جَعَلَهَا أَيْ الْبَرَاءَةَ من الْخَمْسَةِ عن الْجِهَتَيْنِ أَيْ الْأَصْلِ وَالضَّمَانِ طَالَبَهُ أَيْ الْمُبْرَأُ بِخَمْسَةٍ فَقَطْ لِبَرَاءَتِهِ من نِصْفِ الْأَصْلِ وَنِصْفِ الضَّمَانِ وطالب صَاحِبَهُ بِسَبْعَةٍ وَنِصْفٍ فَقَطْ لِبَرَاءَتِهِ من نِصْفِ الضَّمَانِ فَإِنْ لم يَقْصِدْ شيئا صَرَفَهَا إلَى من شَاءَ مِنْهُمَا وَلَوْ قال الْمُبْرِئُ أَبْرَأْتُك عن الضَّمَانِ فقال بَلْ عن الْأَصْلِ صُدِّقَ الْمُبْرِئُ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ وَتَصْدِيقُ الْمُبْرِئِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ في صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ عِلْمُ الْمُبْرَأِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ لِتَضَمُّنِهِ صِحَّتَهَا مع الْإِبْهَامِ وَالْحُكْمُ في الْأَمْرَيْنِ وَاحِدٌ وَإِنْ ادَّعَى أَلْفًا من ثَمَنِ عَبْدٍ مَثَلًا على حَاضِرٍ وَغَائِبٍ وَأَنَّهُمَا تَضَامَنَا بِالْإِذْنِ أو أَنَّ الْحَاضِرَ فَقَطْ ضَمِنَ بِالْإِذْنِ وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً أو أَقَرَّ الْحَاضِرُ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً لِلْإِثْبَاتِ على الْغَائِبِ فَسَلَّمَ له الْحَاضِرُ الْأَلْفَ رَجَعَ على الْغَائِبِ بِالنِّصْفِ إنْ لم يَحْصُلْ منه تَكْذِيبٌ لِلْبَيِّنَةِ وَإِلَّا كَأَنْ قال ما اشْتَرَيْنَا شيئا فَلَا يَرْجِعُ عليه لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ بِزَعْمِهِ فَلَا يُطَالِبُ غير ظَالِمِهِ فَرْعٌ لو أَدَّى الضَّامِنُ ما ضَمِنَهُ في غَيْبَةِ الْأَصِيلِ ولم يَشْهَدْ بِهِ ولم يُقِرَّ بِهِ الْغَرِيمُ لم يَرْجِعْ وَلَوْ صَدَّقَهُ الْأَصِيلُ لِأَنَّهُ لم يَنْتَفِعْ بِأَدَائِهِ إذْ الطَّلَبُ بِحَالِهِ وَهَذَا يُغْنِي عنه الشِّقُّ الثَّانِي من قَوْلِهِ فَإِنْ كان الْأَدَاءُ بِحُضُورِهِ أَيْ الْأَصِيلِ أو أَقَرَّ الْغَرِيمُ رَجَعَ الضَّامِنُ لِأَنَّ الْأَصِيلَ إذَا كان حَاضِرًا كان أَوْلَى بِالِاحْتِيَاطِ فَالتَّقْصِيرُ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ فَأَشْبَهَ ما لو أَمَرَهُ بِتَرْكِهِ فَتَرَكَهُ وإذا أَقَرَّ الْغَرِيمُ بِالْأَدَاءِ
____________________
(2/250)
سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ عن الْأَصِيلِ فإنه أَقْوَى من الْبَيِّنَةِ وَإِلَّا بِأَنْ لم يَكُنْ الْأَدَاءُ بِحُضُورِ الْأَصِيلِ ولم يُقِرَّ بِهِ الْغَرِيمُ فَلَا رُجُوعَ لِلضَّامِنِ لِأَنَّهُ الْمُقَصِّرُ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ مع كَوْنِ الْأَصْلِ هو ما يَدَّعِيهِ الْأَصْلُ وَكَذَا يَرْجِعُ إنْ أَشْهَدَ وَلَوْ أَشْهَدَ وَاحِدًا لِيَحْلِفَ معه إذْ الشَّاهِدُ مع الْيَمِينِ حُجَّةٌ كَافِيَةٌ وَلَا يَضُرُّ احْتِمَالُ الرَّفْعِ إلَى حَنَفِيٍّ كما لَا يَضُرُّ غَيْبَتُهُ وَلَا مَوْتُهُ لِأَنَّهُ أتى بِمَا عليه أو أَشْهَدَ مَسْتُورَيْنِ فَبَانَا فَاسِقَيْنِ لِإِتْيَانِهِ بِحُجَّةٍ وَلِتَعَذُّرِ اطِّلَاعِهِ على الْبَاطِنِ فَكَانَ مَعْذُورًا فَلَوْ قال أَشْهَدْت بِالْأَدَاءِ شُهُودًا وَمَاتُوا أو غَابُوا أو طَرَأَ فِسْقُهُمْ فَكَذَّبَهُ الْأَصِيلُ في الْإِشْهَادِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَصِيلِ بِيَمِينِهِ فَلَا رُجُوعَ عليه لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَعَدَمُ الْإِشْهَادِ بِخِلَافِ ما إذَا صَدَّقَهُ الْأَصِيلُ يَرْجِعُ لِأَنَّهُ أتى بِمَا عليه وَإِنْ كَذَّبَهُ الشُّهُودُ فَكَمَا لو لم يَشْهَدْ فَلَا يَرْجِعُ بِخِلَافِ ما لو أَقَرَّتْ امْرَأَةٌ بِنِكَاحٍ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ فَكَذَّبَاهَا لَا يَقْدَحُ في إقْرَارِهَا لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِحَقٍّ عليها فلم يَلْغُ بِإِنْكَارِهِمَا وَهَذَا يُرِيدُ أَنْ يُثْبِتَ له حَقًّا وَإِنْ قالوا لَا نَدْرِي وَرُبَّمَا نَسِينَا فَتَرَدَّدَ الْإِمَامُ فيه ثُمَّ رَجَّحَ عَدَمَ الرُّجُوعِ وَجَعَلَهُ أَوْلَى بِذَلِكَ من دَعْوَاهُ مَوْتَ الشَّاهِدِ وَلَا يَكْفِي إشْهَادُ من يُسَافِرُ قَرِيبًا إذْ لَا يُفْضِي إلَى الْمَقْصُودِ وَمَتَى لم يَشْهَدْ بِالْأَدَاءِ فَإِنْ حَلَفَ الْمُسْتَحِقُّ على عَدَمِهِ وَأَخَذَ من الْأَصِيلِ فَذَاكَ وَاضِحٌ أو من الضَّامِنِ مَرَّةً ثَانِيَةً رَجَعَ الضَّامِنُ على الْأَصِيلِ بِأَقَلِّهِمَا لِأَنَّهُ إنْ كان الْأَوَّلَ فَهُوَ مُدَّعَاهُ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ مَظْلُومٌ بِالثَّانِي أو الثَّانِيَ فَهُوَ الْمُبْرِئُ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ من الزَّائِدِ وَكَالضَّامِنِ فِيمَا ذُكِرَ الْمُؤَدِّي بِالْإِذْنِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَصْلٌ ضَمَانُ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ مُعْتَبَرٌ من رَأْسِ الْمَالِ إلَّا إنْ كان الضَّمَانُ عن شَخْصٍ مُعْسِرٍ عِنْدَ مَوْتِ الضَّامِنِ أو حَيْثُ لَا رُجُوعَ فإنه مُعْتَبَرٌ من الثُّلُثِ كما مَرَّ ذلك ما عَدَا مَسْأَلَةَ الْمُعْسِرِ أَوَائِلَ الْبَابِ وَلَا يُعْتَبَرُ مَوْتُ الْمُعْسِرِ وَإِنْ اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ فَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ أَيْ بَعْضُ ما ضَمِنَهُ من الثُّلُثِ صَحِيحٌ فيه فَقَطْ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ وَيَبْطُلُ الضَّمَانُ بِاسْتِغْرَاقِ الدَّيْنِ الذي على الضَّامِنِ وفي نُسْخَةٍ وَيَبْطُلُ بِدَيْنٍ عليه يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ قال في الْمُهِمَّاتِ وَهَذَا مَرْدُودٌ بَلْ الْقَاعِدَةُ تَقْتَضِي صِحَّتَهُ وَيَتَوَقَّفُ تَنْفِيذُهُ على وَقْتِ الْمَوْتِ فَإِنْ حَصَلَتْ الْبَرَاءَةُ من الدَّيْنِ أو مَالٍ آخَرَ أو أَجَازَهُ من الْمُسْتَحِقِّ اسْتَمَرَّتْ صِحَّتُهُ وَإِلَّا حُكِمَ بِبُطْلَانِهِ وما قَالَهُ يَأْتِي فِيمَا ذُكِرَ من الْبُطْلَانِ فِيمَا إذَا لم يَخْرُجْ من الثُّلُثِ إلَّا الْبَعْضُ وَلَعَلَّ ما قَالَهُ هو مُرَادُ من عَبَّرَ بِالْبُطْلَانِ فَإِنْ ضَمِنَ الْمَرِيضُ بِالْإِذْنِ تِسْعِينَ ثُمَّ مَاتَ وَخَلَّفَ مِثْلَهَا وَخَلَّفَ الْأَصِيلُ بَعْدَ مَوْتِهِ نِصْفَهَا خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ فَإِنْ شَاءَ الْغَرِيمُ أَخَذَ تَرِكَةَ الْأَصِيلِ وَأَخَذَ ثُلُثَ تَرِكَةِ الضَّامِنِ وَهِيَ الْأَوْلَى وهو أَيْ ثُلُثُهَا ثَلَاثُونَ وَفَاتَ عليه الْبَاقِي وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَعَلَيْهِ لَا دَوْرَ
وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ من تَرِكَةِ الضَّامِنِ سِتِّينَ وَضَارَبَ بها وَرَثَتَهُ مع الْغَرِيمِ في تَرِكَةِ الْأَصِيلِ فَيَأْخُذُونَ ثَلَاثِينَ وَيَأْخُذُ هو خَمْسَةَ عَشَرَ وَعَلَيْهِ يَلْزَمُ الدَّوْرُ لِأَنَّ بَعْضَ ما يَغْرَمُهُ وَرَثَةُ الضَّامِنِ يَرْجِعُ إلَيْهِمْ من تَرِكَةِ الْأَصِيلِ بِالْمُضَارَبَةِ فَتَزِيدُ تَرِكَةُ الْمَرِيضِ فَيَزِيدُ الْمَغْرُومُ فَيَزِيدُ الرَّاجِعُ وَطَرِيقُ اسْتِخْرَاجِهِ أَنْ يَقُولَ الْمَأْخُوذُ
____________________
(2/251)
شَيْءٌ وَالرَّاجِعُ مِثْلُ نِصْفِهِ إذْ تَرِكَةُ الْأَصِيلِ نِصْفُ تَرِكَةِ الضَّامِنِ فَالْبَاقِي تِسْعُونَ إلَّا نِصْفَ شَيْءٍ يَعْدِلُ مِثْلَ ما فَاتَ بِالضَّمَانِ وهو نِصْفُ شَيْءٍ فَمَثَلًا شَيْءٌ فَالْبَاقِي يَعْدِلُ شيئا فإذا جَبَرْنَا وَقَابَلْنَا عَدَلَتْ تِسْعُونَ شيئا وَنِصْفًا فَيَكُونُ الشَّيْءُ سِتِّينَ فَيَكُونُ دَيْنًا لِوَرَثَةِ الضَّامِنِ على الْأَصِيلِ وقد بَقِيَ لِلْغَرِيمِ ثَلَاثُونَ فَيَتَضَارَبُونَ بِمَالِهِمْ في تَرِكَتِهِ بِسَهْمَيْنِ وَسَهْمٍ وَتَرِكَتُهُ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ يَأْخُذُ منها الْوَرَثَةُ ثَلَاثِينَ وَالْغَرِيمُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَيَتَعَطَّلُ عليه قَدْرُهَا وَيَكُونُ الْحَاصِلُ لِلْوَرَثَةِ سِتِّينَ نِصْفُهَا بَقِيَ عِنْدَهُمْ وَنِصْفُهَا من تَرِكَةِ الْأَصِيلِ وَذَلِكَ مَثَلًا ما فَاتَ عليهم وَيَقَعُ الْفَائِتُ في حَالَتَيْ الدَّوْرِ وَعَدَمِهِ تَبَرُّعًا إذَا لم يَجِدُوا مَرْجِعًا وَإِنْ خَلَّفَ الْأَصِيلُ ثَلَاثِينَ فَأَخَذَهَا الْغَرِيمُ أَعْطَى من تَرِكَةِ الضَّامِنِ ثَلَاثِينَ وَلَا دَوْرَ وَإِنْ أَخَذَ من تَرِكَةِ الضَّامِنِ أَخَذَ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ وَرَجَعَ وَرَثَتُهُ في تَرِكَةِ الْأَصِيلِ بَخَمْسَةَ عَشَرَ وَالْبَاقِي لِلْغَرِيمِ وَعَلَيْهِ يَلْزَمُ الدَّوْرُ وَطَرِيقُ اسْتِخْرَاجِ ذلك أَنْ يُقَالَ الْمَأْخُوذُ شَيْءٌ وَالرَّاجِعُ مِثْلُ ثُلُثِهِ إذْ تَرِكَةُ الْأَصِيلِ ثُلُثُ تَرِكَةِ الضَّامِنِ فَالْبَاقِي تِسْعُونَ إلَّا ثُلُثَيْ شَيْءٍ يَعْدِلُ مِثْلَيْ ما فَاتَ بِالضَّمَانِ وهو ثُلُثَا شَيْءٍ فَمِثْلَاهُ شَيْءٌ وَثُلُثٌ فَالْبَاقِي يَعْدِلُ شيئا وَثُلُثًا فإذا جَبَرْنَا وَقَابَلْنَا عَدَلَتْ تِسْعُونَ شَيْئَيْنِ فَيَكُونُ الشَّيْءُ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ وَيَكُونُ دَيْنًا لِوَرَثَةِ الضَّامِنِ على الْأَصِيلِ
وَيَبْقَى مِثْلُهُ لِلْغَرِيمِ فَيَتَضَارَبُونَ بِمَا لهم في تَرِكَتِهِ بِسَهْمٍ وَسَهْمٍ فَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا مُنَاصَفَةً وَيَكُونُ الْحَاصِلُ لِلْوَرَثَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَمَعَهُمْ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَذَلِكَ مَثَلًا ما فَاتَ عليهم وَيَقَعُ الْفَائِتُ تَبَرُّعًا لِمَا مَرَّ فَإِنْ خَلَّفَ الْأَصِيلُ سِتِّينَ وَأَخَذَهَا الْغَرِيمُ أَخَذَ من تَرِكَةِ الضَّامِنِ ثَلَاثِينَ أو أَخَذَ كُلَّ تَرِكَةِ الضَّامِنِ وَأَخَذَ وَرَثَتُهُ أَيْ الضَّامِنِ كُلَّ تَرِكَةِ الْأَصِيلِ وَيَقَعُ الْبَاقِي تَبَرُّعًا وَلَا دَوْرَ مُطْلَقًا لِوَفَاءِ تَرِكَةِ الْأَصِيلِ بِثُلُثَيْ الدَّيْنِ فَمَحَلُّ لُزُومِ الدَّوْرِ إذَا ضَمِنَ الْمَرِيضُ بِالْإِذْنِ وَأَخَذَ الْغَرِيمُ أَوَّلًا من تَرِكَتِهِ ولم تَفِ تَرِكَةُ الْأَصِيلِ بِثُلُثَيْ الدَّيْنِ تَنْبِيهٌ قد يُقَالُ ما ذَكَرُوهُ من أَنَّ له الْأَخْذَ من تَرِكَةِ الضَّامِنِ أَوَّلًا لِمَا زَادَ على الثُّلُثِ مُخَالِفٌ لِمَا يَأْتِي في الْوَصِيَّةِ من أَنَّ تَسَلُّطَ الْمُوصَى له يَتَوَقَّفُ على تَسَلُّطِ الْوَرَثَةِ على مِثْلَيْ ما تَسَلَّطَ هو عليه فِيمَا لو أَوْصَى له بِعَيْنٍ حَاضِرَةٍ تَخْرُجُ من الثُّلُثِ وَبَاقِي مَالِهِ غَائِبٌ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَرْجِعَ الْمَوْجُودَ هُنَا حَاضِرٌ فَهُوَ كما لو لم يَغِبْ بَاقِي مَالِهِ في تِلْكَ الصُّورَةِ فَرْعٌ بَاعَ من اثْنَيْنِ شيئا وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا ضَامِنًا لِلْآخَرِ بَطَلَ الْبَيْعُ قال السُّبْكِيُّ وَرَأَيْت ابْنَ الرِّفْعَةِ في حِسْبَتِهِ يَمْنَعُ أَهْلَ سُوقِ الرَّقِيقِ من الْبَيْعِ مُسْلِمًا وَمَعْنَاهُ إلْزَامُ الْمُشْتَرِي بِمَا يَلْحَقُ الْبَائِعَ من الدَّلَالَةِ وَغَيْرِهَا قال وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ من هذه الْمَسْأَلَةِ وَلَا يَخْتَصُّ ذلك بِالرَّقِيقِ وَهَذَا إذَا كان مَجْهُولًا فَإِنْ كان مَعْلُومًا فَلَا وَكَأَنَّهُ جَعَلَهُ جُزْءًا من الثَّمَنِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ ضَمَانِ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ لِلْآخَرِ لَا يُمْكِنُ فيها ذلك قال الْأَذْرَعِيُّ لَكِنَّهُ هُنَا شَرَطَ عليه أَمْرًا آخَرَ وهو أَنْ يَدْفَعَ كَذَا إلَى جِهَةِ كَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُبْطِلًا مُطْلَقًا كِتَابُ الشِّرْكَةِ بِكَسْرِ الشِّينِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَحُكِيَ فَتْحُ الشِّينِ وَكَسْرُ الرَّاءِ وَإِسْكَانُهَا وَشِرْكٌ بِلَا هَاءٍ وَهِيَ لُغَةً الِاخْتِلَاطُ وَشَرْعًا ثُبُوتُ الْحَقِّ في شَيْءٍ لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ على جِهَةِ الشُّيُوعِ وَالْأَصْلُ فيها قبل الْإِجْمَاعِ خَبَرُ السَّائِبِ بن يَزِيدَ أَنَّهُ كان شَرِيكَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قبل الْمَبْعَثِ وَافْتَخَرَ بِشَرِكَتِهِ بَعْدَ الْمَبْعَثِ وَخَبَرُ يقول اللَّهُ أنا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ ما لم يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فإذا خَانَهُ خَرَجْت من بَيْنِهِمَا رَوَاهُمَا أبو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُمَا وَالْمَعْنَى أنا مَعَهُمَا بِالْحِفْظِ وَالْإِعَانَةِ فَأَمُدُّهُمَا بِالْمَعُونَةِ في أَمْوَالِهِمَا وَإِنْزَالِ الْبَرَكَةِ في تِجَارَتِهِمَا فإذا وَقَعَتْ بَيْنَهُمَا الْخِيَانَةُ رَفَعْت الْبَرَكَةَ وَالْإِعَانَةَ عنهما وهو مَعْنَى خَرَجْت من بَيْنِهِمَا وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ هو الْحَقُّ الْمُشَاعُ بين مُتَعَدِّدٍ وقد ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ هِيَ كُلُّ حَقٍّ مُشَاعٍ بين عَدَدٍ مُشْتَرَكٍ وَلَا يَخْفَى ما في عِبَارَتِهِ فَلَوْ حَذَفَ لَفْظَ هِيَ لَاسْتَقَامَتْ وَوَافَقَتْ قَوْلَ أَصْلِهِ كُلُّ ثَابِتٍ بين شَخْصَيْنِ فَصَاعِدًا على الشُّيُوعِ يُقَالُ هو مُشْتَرَكٌ ثُمَّ بَيَّنَ الْحَقَّ بِقَوْلِهِ من عَيْنِ مَالٍ وَمَنْفَعَةٍ له أو لِغَيْرِهِ كَمَنْفَعَةِ كَلْبِ صَيْدٍ وَغَيْرِهِ أَيْ غَيْرِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَقَوَدٍ وَحَدِّ قَذْفٍ وَشُفْعَةٍ وَكَلْبِ صَيْدٍ وقد تَحْدُثُ الشِّرْكَةُ قَهْرًا كَالْإِرْثِ أو بِاخْتِيَارٍ كَالشِّرَاءِ وهو أَيْ ما يَحْدُثُ بِالِاخْتِيَارِ من حَيْثُ ابْتِغَاءُ الرِّبْحِ مَقْصُودُ الْبَابِ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ هُنَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَلَا يَصِحُّ من الشِّرْكِ هو إمَّا لُغَةً في الشِّرْكَةِ كما مَرَّ أو بِكَسْرِ الشِّينِ وَفَتْحِ الرَّاءِ جَمْعُ شِرْكَةٍ وفي نُسْخَةٍ من الشِّرْكَةِ أَيْ لَا يَصِحُّ من أَنْوَاعِهَا الْأَرْبَعَةِ الْآتِيَةِ
____________________
(2/252)
إلَّا شِرْكَةَ الْعِنَانِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ من عَنَّ الشَّيْءُ ظَهَرَ إمَّا لِأَنَّهَا أَظْهَرُ الْأَنْوَاعِ أو لِأَنَّهُ ظَهَرَ لِكُلٍّ من الشَّرِيكَيْنِ مَالُ الْآخَرِ أو من عِنَانِ الدَّابَّةِ قال السُّبْكِيُّ وهو الْمَشْهُورُ إمَّا لِاسْتِوَاءِ الشَّرِيكَيْنِ في وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ وَالْفَسْخِ وَاسْتِحْقَاقِ الرِّبْحِ بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ كَاسْتِوَاءِ طَرَفَيْ الْعِنَانِ أو لِمَنْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْآخَرَ التَّصَرُّفَ كما يَشَاءُ كَمَنْعِ الْعِنَانِ الدَّابَّةَ أو لِمَنْعِ الشَّرِيكِ نَفْسَهُ من التَّصَرُّفِ في الْمُشْتَرَكِ وهو مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ في سَائِرِ أَمْوَالِهِ كَمَنْعِ الْآخِذِ لِعِنَانِ الدَّابَّةِ إحْدَى يَدَيْهِ من اسْتِعْمَالِهَا كَيْفَ شَاءَ وَيَدُهُ الْأُخْرَى مُطْلَقَةٌ يَسْتَعْمِلُهَا كَيْفَ شَاءَ وَقِيلَ من عَنَّ الشَّيْءُ عَرَضَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قد عَرَضَ له أَنْ يُشَارِكَ الْآخَرَ وَقِيلَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ من عَنَانِ السَّمَاءِ أَيْ سَحَابِهِ لِأَنَّهَا عَلَتْ كَالسَّحَابِ بِصِحَّتِهَا وَشُهْرَتِهَا وَلِهَذَا اتَّفَقُوا على صِحَّتِهَا وَنَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ عن الْقَاضِي عِيَاضٍ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ أَيْضًا من عَنَّ إذَا ظَهَرَ وَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ وزاد بَعْضُهُمْ رَابِعًا وهو الْعَمَلُ الْأَوَّلُ الْعَاقِدَانِ وَشَرْطُهُمَا أَهْلِيَّةُ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَصَرَّفُ في مَالِهِ بِالْمِلْكِ وفي مَالِ الْآخَرِ بِالْإِذْنِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُوَكِّلٌ وَوَكِيلٌ قال في الْمَطْلَبِ وَمَحَلُّهُ إذَا أَذِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ في التَّصَرُّفِ وَإِلَّا فَيُشْتَرَطُ في الْآذِنِ أَهْلِيَّةُ التَّوْكِيلِ وفي الْمَأْذُونِ له أَهْلِيَّةُ التَّوَكُّلِ حتى يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ أَعْمَى دُونَ الثَّانِي وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ الشِّرْكَةِ لِلْوَلِيِّ في مَالِ مَحْجُورِهِ وَلِلْمُكَاتَبِ قال في الْمَطْلَبِ وقد يُقَالُ بِمَنْعِهَا في الْأُولَى لِاسْتِلْزَامِهَا خَلْطَ مَالِ مَحْجُورِهِ قبل عَقْدِهَا بِلَا مَصْلَحَةٍ نَاجِزَةٍ بَلْ تُورِثُ نَقْصًا وَيَنْبَغِي في الثَّانِيَةِ الْمَنْعُ إنْ كان الْمَأْذُونُ له الْمُكَاتَبَ لِمَا فيه من التَّبَرُّعِ بِعَمَلِهِ قال الْأَذْرَعِيُّ وما ذَكَرَهُ ليس بِالْقَوِيِّ قُلْت بَلْ هو قَوِيٌّ في الثَّانِيَةِ وقال الزَّرْكَشِيُّ في الْأُولَى الْأَقْرَبُ الْجَوَازُ كَالْقِرَاضِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ فيه إخْرَاجَ جُزْءٍ من مَالِ مَحْجُورِهِ وهو الرِّبْحُ بِخِلَافِ الشِّرْكَةِ وَسَيَأْتِي في كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ لو مَاتَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَلَهُ طِفْلٌ وَرَأَى الْوَلِيُّ الْمَصْلَحَةَ في الشِّرْكَةِ اسْتَدَامَهَا وَتُكْرَهُ مُشَارَكَةُ ذِمِّيٍّ وَمَنْ لَا يَحْتَرِزُ من الرِّبَا وَنَحْوِهِ وَإِنْ كان الْمُتَصَرِّفُ مُشَارِكَهُمَا كما نَقَلَهُ ابن الرِّفْعَةِ عن الْبَنْدَنِيجِيِّ لِمَا في أَمْوَالِهِمَا من الشُّبْهَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لو شَارَكَ لِمَحْجُورِهِ اُعْتُبِرَ كَوْنُ الشَّرِيكِ عَدْلًا يَجُوزُ إيدَاعُ مَالِ الْمَحْجُورِ عِنْدَهُ نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ الرُّكْنُ الثَّانِي الصِّيغَةُ وَلَا بُدَّ من لَفْظٍ يَدُلُّ على الْإِذْنِ من كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ في التَّصَرُّفِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِيَحْصُلَ له التَّسَلُّطُ على التَّصَرُّفِ وفي مَعْنَى اللَّفْظِ الْكِتَابَةُ وَإِشَارَةُ الْأَخْرَسِ فَإِنْ قَالَا اشْتَرَكْنَا لم يَكُنْ إذْنًا ولم يَتَصَرَّفْ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَّا في نَصِيبِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ ذلك إخْبَارًا عن حُصُولِ الشِّرْكَةِ في الْمَالِ وَلَا يَلْزَمُ من حُصُولِهَا جَوَازُ التَّصَرُّفِ بِدَلِيلِ الْمَالِ الْمَوْرُوثِ شِرْكَةً نعم إنْ نَوَيَا بِذَلِكَ الْإِذْنَ في التَّصَرُّفِ كان إذْنًا كما جَزَمَ بِهِ السُّبْكِيُّ فَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ أَحَدُهُمَا في نَصِيبِ نَفْسِهِ لم يَصِحَّ الْعَقْدُ لِمَا فيه من الْحَجْرِ على الْمَالِكِ في مِلْكِهِ فَإِنْ قال أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اتَّجِرْ أو تَصَرَّفْ اتَّجَرَ في الْجَمِيعِ فِيمَا شَاءَ وَلَوْ لم يَقُلْ له فِيمَا شِئْت كَالْقِرَاضِ وَلَا يَتَصَرَّفُ الْآخَرُ الْأَوْلَى الْقَائِلُ إلَّا في نَصِيبِهِ ما لم يَأْذَنْ له الْآخَرُ فَيَتَصَرَّفُ في الْجَمِيعِ أَيْضًا وَمَتَى عَيَّنَ له جِنْسًا أو نَوْعًا لم يَتَصَرَّفْ في غَيْرِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَفَرَضَهُ في الْجِنْسِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيمَا عَيَّنَهُ أَنْ يَعُمَّ وُجُودُهُ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ ذَكَرَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْمَالُ الْمَعْقُودُ عليه وَتَجُوزُ الشِّرْكَةُ في الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ مَغْشُوشَةً إنْ رَاجَتْ على الْأَصَحِّ بِخِلَافِهَا في الْقِرَاضِ كما سَيَأْتِي إيضَاحُهُ ثَمَّ وَكَذَا في سَائِرِ الْمِثْلِيَّاتِ كَالْبُرِّ وَالْحَدِيدِ لِأَنَّهَا إذَا اخْتَلَطَتْ بِجِنْسِهَا ارْتَفَعَ مَعَهَا التَّمْيِيزُ فَأَشْبَهَتْ النَّقْدَيْنِ وَمِنْهَا التِّبْرَانِ أَيْ تِبْرُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَتَصِحُّ الشِّرْكَةُ فِيهِمَا فما أَطْلَقَهُ الْأَكْثَرُونَ هُنَا من مَنْعِ الشِّرْكَةِ فِيهِمَا مَبْنِيٌّ على أَنَّهُمَا مُتَقَوِّمَانِ كما نَبَّهَ عليه الْأَصْلُ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْحُلِيِّ وَالسَّبَائِكِ في ذلك لَا في الْمُتَقَوِّمَاتُ غَيْرِ الْمُشَاعَةِ
____________________
(2/253)
بِقَرِينَةِ ما يَأْتِي إذْ لَا يُمْكِنُ الْخَلْطُ فيها فَلَا يَتَحَقَّقُ فيها مَعْنَى الشِّرْكَةِ وَيُشْتَرَطُ خَلْطُ الْمَالَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزَانِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الشِّرْكَةِ لَا كَدَرَاهِمَ سُودٍ خُلِطَتْ بِبِيضٍ وَحِنْطَةٍ حَمْرَاءَ خُلِطَتْ بِبَيْضَاءَ لِإِمْكَانِ التَّمْيِيزِ وَإِنْ كان فيه عُسْرٌ فَإِنْ لم يُخْلَطَا كَذَلِكَ وَتَلِفَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا تَلِفَ عليه فَقَطْ وَتَعَذَّرَتْ الشِّرْكَةُ في الْبَاقِي ويشترط أَنْ يَتَقَدَّمَ الْخَلْطُ على الْعَقْدِ فَإِنْ وَقَعَ بَعْدَهُ وَلَوْ في مَجْلِسِهِ لم يَصِحَّ إذْ لَا اشْتَرَاكَ حَالَ الْعَقْدِ
وَالْوَرَثَةُ شُرَكَاءُ في الْعُرُوضِ وَغَيْرِهَا مِمَّا وَرِثُوهُ وَكَذَا لو تَمَلَّكَهَا جَمَاعَةٌ بِشِرَاءٍ أو غَيْرِهِ فَهُمْ فيها شُرَكَاءُ لِأَنَّ ذلك أَبْلَغُ من الْخَلْطِ إذْ ما من جُزْءٍ فيه إلَّا وهو مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ بِخِلَافِهِ في الْخَلْطِ فإذا انْضَمَّ إلَى ذلك الْإِذْنُ في التَّصَرُّفِ ثُمَّ الْعَقْدِ وَقَوْلُهُ وَغَيْرُهَا من زِيَادَتِهِ وَمَنْ أَرَادَ الشِّرْكَةَ مع غَيْرِهِ في الْعُرُوضِ الْمُتَقَوِّمَةِ بَاعَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ عَرَضِهِ بِنِصْفِ عَرَضِ صَاحِبِهِ وَتَقَابَضَا أو بَاعَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَعْضَ عَرَضِهِ لِصَاحِبِهِ بِثَمَنٍ في الذِّمَّةِ وَتَقَاصَّا كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ وَأَذِنَ بَعْدَ ذلك كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ في التَّصَرُّفِ سَوَاءٌ أَتَجَانَسَ الْعَرَضَانِ أَمْ اخْتَلَفَا وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ التَّقَابُضُ لِيَسْتَقِرَّ الْمِلْكُ وَعَلَيْهِ فَيُعْتَبَرُ أَيْضًا في الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ النِّصْفِ بِالْبَعْضِ كان أَوْلَى وَلَوْ خَلَطَ مَالَيْهِمَا حَالَةَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَجْهُولًا لَكِنَّ مَعْرِفَتَهُ مُمْكِنَةٌ بِمُرَاجَعَةِ حِسَابٍ أو وَكِيلٍ أو غَيْرِهِمَا وَأَذِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ صَحَّ الْعَقْدُ وَلَوْ تَصَرَّفَا قبل الْمَعْرِفَةِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا مع إمْكَانِ مَعْرِفَتِهِ بَعْدُ بِخِلَافِ ما لَا تُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ وَلَوْ اشْتَبَهَ ثَوْبَاهُمَا لم يَكْفِ لِلشِّرْكَةِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلَوْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ خَلَطَا قَفِيزًا مُقَوَّمًا بِمِائَةٍ بِقَفِيزٍ مُقَوَّمٍ بِخَمْسِينَ فَالشِّرْكَةُ أَثْلَاثٌ بِنَاءً على قَطْعِ النَّظَرِ في الْمِثْلِيِّ عن تَسَاوِي الْأَجْزَاءِ في الْقِيمَةِ وَإِلَّا فَلَيْسَ هذا الْقَفِيزُ مِثْلًا لِذَلِكَ الْقَفِيزِ وَإِنْ كان مِثْلِيًّا في نَفْسِهِ وَإِنْ كان لِهَذَا دَنَانِيرُ كَعَشَرَةٍ وَهَذَا دَرَاهِمُ كَمِائَةٍ فَاشْتَرَيَا بِهِمَا شيئا كَعَبْدٍ قُوِّمَ غَيْرُ نَقْدِ الْبَلَدِ مِنْهُمَا بِنَقْدِ الْبَلَدِ وَعُرِفَ التَّسَاوِي وَالتَّفَاضُلُ
فَإِنْ اسْتَوَيَا بِنِسْبَةِ قِيمَةِ الْمُتَقَوِّمِ كَأَنْ كانت الدَّنَانِيرُ من غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَقِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ في الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ فَالشِّرْكَةُ مُنَاصَفَةٌ وَإِلَّا بِأَنْ كانت قِيمَتُهَا مِائَتَيْنِ فَبِالْأَثْلَاثِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِيءَ في هذه الْمَسْأَلَةِ الْقَوْلَانِ فِيمَا لو كان لِكُلٍّ من اثْنَيْنِ عَبْدٌ فَبَاعَاهُمَا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ كَالْمَبِيعِ وقد صَحَّحُوا بُطْلَانَهُ لِأَنَّ حِصَّةَ كُلٍّ من الثَّمَنِ مَجْهُولَةٌ عِنْدَ الْعَقْدِ وَإِنْ كانت تُعْلَمُ بِالتَّقْوِيمِ وَهُنَا كُلٌّ يَجْهَلُ حِصَّتَهُ من الْمَبِيعِ فَيَكُونُ الْأَصَحُّ الْبُطْلَانَ وَهَذَا التَّخْرِيجُ وَاضِحٌ وقد صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْبَيْعَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِعَيْنِ النَّقْدِ وَعَزَاهُ لِلْأَصْحَابِ وَإِلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ من تَقْوِيمِ الْمَبِيعِ فإنه قال إذَا أَرَادَ الْقِيمَةَ نُظِرَ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ فَقَوَّمَا الْمَبِيعَ بِهِ وَقَوَّمَا مَالَ الْآخَرِ بِهِ وَيَكُونُ التَّقْوِيمُ حين صَرْفِ الثَّمَنِ انْتَهَى وَالتَّخْرِيجُ الْمَذْكُورُ ذَكَرَهُ في الشَّامِلِ بَعْدَ نَقْلِهِ عن الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ ما مَرَّ وَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أبو نَصْرٍ وَغَيْرُهُ
وهو الْوَجْهُ فما قَالَهُ
____________________
(2/254)
الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إنَّمَا يَأْتِي على أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ في الْمَسْأَلَةِ الْمُخَرَّجِ عليها وما أُجِيبَ بِهِ من أَنَّ التَّخْرِيجَ ليس بِصَحِيحٍ لِعَدَمِ اتِّحَادِ الْعِلَّةِ لِأَنَّ كُلًّا من الِاثْنَيْنِ هُنَا مُشْتَرٍ نِصْفَ الْعَبْدِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي مِنْهُمَا ثُمَّ ليس مُشْتَرِيًا من كُلٍّ مِنْهُمَا النِّصْفَ من الْعَبْدَيْنِ بَلْ من كُلٍّ مِنْهُمَا عَبْدَهُ وَالثَّمَنُ مَجْهُولٌ فَبَطَلَ الْبَيْعُ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مُنْتَفِيَةٌ هُنَا وَمِنْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَصَوُّرٌ بِأَنَّ الشِّرَاءَ وَقَعَ من وَكِيلِهِمَا لِتَتَّحِدَ الصَّفْقَةُ ليس بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ الشِّرَاءُ مُنَاصَفَةً على ما قَالَهُ الْمُجِيبُ فَلَا تَقْوِيمَ وَشِرَاءُ وَكِيلِ الِاثْنَيْنِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا عُلِمَ ما لِكُلٍّ من مُوَكِّلَيْهِ من الْمَبِيعِ نعم قد يُجَابُ بِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ في جَانِبِ الثَّمَنِ النَّقْدِ ما لَا يُغْتَفَرُ في غَيْرِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَأَمَّا ما أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ من أَنَّ الْبَيْعَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِعَيْنِ النَّقْدَيْنِ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ بَلْ لَا فَرْقَ بين كَوْنِهِ بِالْعَيْنِ وَكَوْنِهِ في الذِّمَّةِ وَأَمَّا شِرْكَةُ الْأَبْدَانِ وَهِيَ أَنْ يَتَّفِقَ مُحْتَرِفَانِ على أَنَّ ما يَكْتَسِبَانِ بِأَبْدَانِهِمَا بَيْنَهُمَا مُتَسَاوِيًا أو مُتَفَاوِتًا مع اتِّفَاقِ الصَّنْعَةِ أو اخْتِلَافِهَا وَشِرْكَةُ الْمُفَاوَضَةِ وَهِيَ أَنْ يَتَّفِقَا على أَنْ يَكُونَ ما يَكْتَسِبَانِ وَيَرْبَحَانِ بِأَبْدَانِهِمَا أو أَمْوَالِهِمَا وما يَلْتَزِمَانِ من غُرْمٍ وَيَحْصُلُ من غُنْمٍ بَيْنَهُمَا وَشِرْكَةُ الْوُجُوهِ وَهِيَ أَنْ يَتَّفِقَ وَجِيهَانِ عِنْدَ الناس لِيَشْتَرِيَا في الذِّمَّةِ بِمُؤَجَّلٍ على أَنَّ ما يَشْتَرِيَانِ بِوُجُوهِهِمَا بِمُؤَجَّلٍ يَكُونُ بَيْنَهُمَا يَبِيعَانِهِ وَيُؤَدِّيَانِ الْأَثْمَانَ وَيَكُونُ الْفَاضِلُ بَيْنَهُمَا أو أَنْ يَتَّفِقَ وَجِيهٌ وَخَامِلٌ على أَنْ يَشْتَرِيَ الْوَجِيهُ في الذِّمَّةِ وَيَبِيعَ الْخَامِلُ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا أو على أَنْ يَعْمَلَ الْوَجِيهُ وَالْمَالُ لِلْخَامِلِ وهو في يَدِهِ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا قال في الْأَصْلِ وَيَقْرُبُ منه ما ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ أَنْ يَدْفَعَ خَامِلٌ مَالًا إلَى وَجِيهٍ لِيَبِيعَهُ بِزِيَادَةٍ وَيَكُونَ له بَعْضُ الرِّبْحِ وَأَشْهَرُ هذه التَّفَاسِيرِ الثَّلَاثَةِ الْأَوَّلُ انْتَهَى وَجَوَابُ أَمَّا قَوْلُهُ فَكُلُّهَا بَاطِلَةٌ لِخُلُوِّهَا عن الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ الذي يَرْجِعُ إلَيْهِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ وَلِكَثْرَةِ الْغَرَرِ فيها لَا سِيَّمَا شِرْكَةُ الْمُفَاوَضَةِ وَلِهَذَا قال الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ عنه إنْ لم تَكُنْ شِرْكَةُ الْمُفَاوَضَةِ بَاطِلَةً فَلَا بَاطِلَ أَعْرِفُهُ في الدُّنْيَا إشَارَةً إلَى كَثْرَةِ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَاتِ فيها وَسُمِّيَتْ مُفَاوَضَةً من قَوْلِهِمْ تَفَاوَضَا في الحديث إذَا شَرَعَا فيه جميعا وَقِيلَ من قَوْلِهِمْ قَوْمٌ فَوْضَى بِفَتْحِ الْفَاءِ أَيْ مُتَسَاوُونَ فَكُلُّ من اكْتَسَبَ شيئا بِشِرَاءٍ أو غَيْرِهِ في الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ بِتَفَاسِيرِ الثَّالِثِ فَهُوَ له يَخْتَصُّ بِرِبْحِهِ وَخُسْرِهِ وَلَا شِرْكَةَ فيه لِلْآخَرِ إلَّا إذَا وُكِّلَ ه وفي نُسْخَةٍ وُكِّلَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَشْتَرِيَ في الذِّمَّةِ لَهُمَا عَيْنًا وَقَصَدَ الْمُشْتَرِي ذلك أَيْ الشِّرَاءَ لَهُمَا فَإِنَّهُمَا يَصِيرَانِ شَرِيكَيْنِ في الْعَيْنِ الْمَأْذُونِ فيها وَإِلَّا إذَا حَصَلَ شَيْءٌ في النَّوْعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ من اكْتِسَابِ الْمُشْتَرِكَيْنِ له مُجْتَمِعَيْنِ فإنه يُقَسَّمُ على أُجْرَةِ الْمِثْلِ لَا بِحَسَبِ الشَّرْطِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ في الْأَوَّلِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُهُ في الثَّانِي وَرُبَّمَا تَقَرَّرَ عِلْمُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَعَمُّ منه في كَلَامِ أَصْلِهِ كما يَعْرِفُهُ الْوَاقِفُ عَلَيْهِمَا وهو حَسَنٌ وَإِنْ كُنْت تَبِعْت الْأَصْلَ في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَقَوْلُهُ ذلك أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ مُوَكِّلُهُ بَلْ هو الْوَجْهُ فَإِنْ أَرَادَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ شِرْكَةَ الْعِنَانِ كَأَنْ قَالَا تَفَاوَضْنَا أو اشْتَرَكْنَا شِرْكَةَ عِنَانٍ جَازَ بِنَاءً على صِحَّةِ الْعُقُودِ بِالْكِنَايَاتِ فَرْعٌ لو أَخَذَ جَمَلًا لِرَجُلٍ وَرَاوِيَةً لِآخَرَ لِيَسْتَقِيَ الْمَاءَ بِاتِّفَاقِهِمْ وَالْحَاصِلُ بَيْنَهُمْ لم يَصِحَّ عَقْدُ الشِّرْكَةِ لِأَنَّهَا مَنَافِعُ أَشْيَاءَ مُتَمَيِّزَةٍ وَالْمَاءُ الْحَاصِلُ بِالِاسْتِقَاءِ لِلْمُسْتَقِي إنْ كان مِلْكَهُ أو مُبَاحًا وَقَصَدَهُ لِنَفْسِهِ أو أَطْلَقَ وَعَلَيْهِ لِكُلٍّ من صَاحِبَيْهِ الْأُجْرَةُ أَيْ أُجْرَةُ مِثْلِ مَالِهِ وَلَوْ قَصَدَ الشِّرْكَةَ بِالِاسْتِقَاءِ في الْمُبَاحِ وفي نُسْخَةٍ في الِاسْتِقَاءِ فَالْمُبَاحُ بَيْنَهُمْ لِجَوَازِ النِّيَابَةِ في تَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ وَقِسْمَتُهُ تَكُونُ على قَدْرِ أَجْرِ أَمْثَالِهِمْ لِحُصُولِهِ بِمَنَافِعَ مُخْتَلِفَةٍ بِلَا تَرَاجُعٍ بَيْنَهُمْ وَقِيلَ على رُءُوسِهِمْ بِالسَّوِيَّةِ اتِّبَاعًا لِلْقَصْدِ
____________________
(2/255)
فَيَرْجِعُ الْمُسْتَقِي على كُلٍّ من صَاحِبَيْهِ بِثُلُثِ أُجْرَةِ مَنْفَعَتِهِ إذْ لم يَصِلْ إلَيْهِ منه إلَّا الثُّلُثُ وَيَرْجِعُ كُلٌّ من صَاحِبَيْهِ بِثُلْثَيْ أُجْرَةِ ما له على صَاحِبهِ وَعَلَى الْمُسْتَقِي وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ جَزَمَ في الْأَنْوَارِ وَإِنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلٌ الْجَمَلَ من وَاحِدٍ وَالرَّاوِيَةَ من آخَرَ وَالْمُسْتَقِي لِاسْتِقَاءِ الْمَاءِ وَالْمَاءُ مُبَاحٌ فَإِنْ اسْتَأْجَرَ كُلًّا منهم في عَقْدٍ صَحَّ الْعَقْدُ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُمْ في عَقْدٍ وَاحِدٍ فَسَدَتْ أَيْ الْإِجَارَةُ كَشِرَاءِ عَبِيدِ جَمْعٍ بِثَمَنِ وَاحِدٍ وعليه لِكُلٍّ منهم أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَالْمَاءُ لِلْمُسْتَأْجِرِ في الصُّورَتَيْنِ وَلَوْ قَصَدَ الْمُسْتَقِي بِهِ نَفْسَهُ وَلَا أَثَرَ لِلْفَسَادِ في الثَّانِيَةِ لِأَنَّ مَنَافِعَهُمْ مَضْمُونَةٌ عليه بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَتَوَقَّفَ فيه الْإِمَامُ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَإِنْ أَلْزَمَ ذِمَّتَهُمْ الِاسْتِقَاءَ بِمَالٍ وفي نُسْخَةٍ بِأَلْفٍ صَحَّ عَقْدُ الْإِجَارَةِ إذْ لَيْسَتْ هُنَا أَعْيَانٌ مُخْتَلِفَةٌ تُفْرَضُ جَهَالَةً في أُجُورِهَا وَإِنَّمَا على كُلٍّ منهم ثُلُثُ الْعَمَلِ وزاد على الرَّوْضَةِ قَوْلَهُ الِاسْتِقَاءُ لِيُوَافِقَ ما في الرَّافِعِيِّ وَلِيَرْفَعَ ما نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ من إيهَامِ صِحَّةِ الْعَقْدِ فِيمَا لو أَلْزَمَ ذِمَّةَ رَجُلٍ جَمَلًا وَآخَرَ رَاوِيَةً وَآخَرَ الِاسْتِقَاءَ مع أَنَّهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُبْطِلَ في إجَارَةِ الْعَيْنِ مَوْجُودٌ فيه وَإِنْ أَلْزَمَ مَالِكُ بُرٍّ فِيمَا لو كان لِرَجُلٍ بَيْتُ رَحَى وَلِآخَرَ حَجَرُهَا وَلِآخَرَ بَغْلٌ يُدِيرُهُ وَآخَرُ يَطْحَنُ فيها ذِمَّةَ الطَّحَّانِ وَمُلَّاكَ بَيْتِ الرَّحَى وحجر الرَّحَى وَالْبَغْلِ طَحْنَ بُرٍّ في عَقْدٍ في الذِّمَّةِ صَحَّ وكان الْمُسَمَّى من الْأُجْرَةِ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا وَيَتَرَاجَعُونَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَمْلُوكَةَ لِكُلٍّ منهم قد اسْتَوْفَى رُبُعَهَا حَيْثُ أَخَذَ رُبُعَ الْمُسَمَّى وَانْصَرَفَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا إلَى أَصْحَابِهِ فَيَأْخُذُ منهم ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنْ اسْتَوَتْ أُجَرُهُمْ حَصَلَ التَّقَاصُّ وَإِلَّا رَجَعَ من زَادَتْ أُجْرَتُهُ بِالزَّائِدِ وَقَوْلُهُ في الذِّمَّةِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وإذا اسْتَأْجَرَ الْأَعْيَانَ أَيْ الطَّحَّانَ وَالْآلَاتِ الْمَذْكُورَةَ
وَكُلُّ وَاحِدٍ منهم في عَقْدٍ وَاحِدٍ صَحَّ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى فيه أو اسْتَأْجَرَهَا مَعًا فَسَدَ الْعَقْدُ كَشِرَاءِ عَبِيدِ جَمْعٍ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ كما مَرَّ وَالْحُكْمُ فيه كما سَبَقَ في مَسْأَلَةِ اسْتِئْجَارِ الْجَمَلِ وَالرَّاوِيَةِ وَالْمُسْتَقِي من أَنَّ لِكُلٍّ عليه أُجْرَةَ مِثْلِهِ وَإِنْ أَلْزَمَ مَالِكُ الْبُرِّ ذِمَّةَ الطَّحَّانِ الطَّحْنَ لَزِمَهُ وَعَلَيْهِ إذَا اسْتَعْمَلَ ما لِأَصْحَابِهِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ إلَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَ منهم إجَارَةً صَحِيحَةً فَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ وَلَوْ اشْتَرَكَ مَالِكُ الْأَرْضِ وَالْبُذُورِ وَآلَةِ الْحَرْثِ مع رَابِعٍ يَعْمَلُ على أَنَّ الْغَلَّةَ بَيْنَهُمْ لم تَصِحَّ شِرْكَةً لِعَدَمِ اخْتِلَاطِ مَالَيْنِ وَلَا إجَارَةً لِعَدَمِ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَالْأُجْرَةِ وَلَا قِرَاضًا إذْ ليس لِوَاحِدٍ منهم رَأْسُ مَالٍ يَرْجِعُ إلَيْهِ عِنْدَ الِانْفِسَاخِ وَيَكُونُ الرِّبْحُ من فَائِدَتِهِ لَا من عَيْنِهِ وَلَا يَصْلُحُ لِغَيْرِهَا فَالزَّرْعُ لِمَالِكِ الْبَذْرِ وَلَهُمْ عليه الْأُجْرَةُ إنْ حَصَلَ من الزَّرْعِ شَيْءٌ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَحْصُلْ منه شَيْءٌ بِأَنْ أَصَابَتْهُ آفَةٌ فَلَا أُجْرَةَ لهم عليه لِأَنَّهُمْ لم يُحَصِّلُوا له شيئا حتى يَسْتَحِقُّوا بَدَلَهُ وَاسْتُشْكِلَ بِاتِّفَاقِهِمْ في الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ على أَنَّ
____________________
(2/256)
الْعَامِلَ حَيْثُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ لَا فَرْقَ بين حُصُولِ رِبْحٍ وَعَدَمِ حُصُولِهِ وَالْمَعْنَى الذي هُنَا مَوْجُودٌ ثَمَّ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذلك وُجِدَ فيه صُورَةُ الْقِرَاضِ وما هُنَا لم يُوجَدْ فيه ذلك وَلَا صُورَةُ شِرْكَةٍ وَلَا إجَارَةٍ بَلْ أَقْرَبُ الْأَشْيَاءِ بِهِ الْجَعَالَةُ الْفَاسِدَةُ وَالْعَامِلُ فيها إنَّمَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ إذَا وُجِدَ فيها الْغَرَضُ وَلَا يَخْفَى ما في هذا الْجَوَابِ فَصْلٌ الشَّرِيكُ كَالْوَكِيلِ في التَّصَرُّفِ فَلَا يُسَافِرُ بِالْمَالِ وَلَا يُبْضِعُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ يَدْفَعُهُ لِمَنْ يَعْمَلُ فيه مُتَبَرِّعًا وَلَا يَبِيعُ نَسِيئَةً وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَلَا يَبِيعُ وَلَا يَشْتَرِي بِغَبْنٍ فَاحِشٍ كما صَرَّحَ بها الْأَصْلُ بِلَا إذْنٍ في الْجَمِيعِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الشِّرْكَةَ في الْحَقِيقَةِ تَوْكِيلٌ وَتَوَكُّلٌ وَمَعَ الْإِذْنِ يَجُوزُ له ذلك نعم لَا يَسْتَفِيدُ رُكُوبَ الْبَحْرِ بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ في السَّفَرِ بَلْ لَا بُدَّ من التَّنْصِيصِ عليه كَنَظِيرِهِ في الْقِرَاضِ وَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ أو بَاعَهُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فِيهِمَا صَحَّ في نَصِيبِهِ فَقَطْ أَيْ دُونَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ عَمَلًا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَانْفَسَخَتْ الشِّرْكَةُ في نَصِيبِهِ وَصَارَ الْمُشْتَرِي في الثَّانِيَةِ وَالْبَائِعُ في الْأُولَى شَرِيكَ شَرِيكِهِ سُمِّيَ الثَّانِي شَرِيكَهُ بِاعْتِبَارِ ما كان وَإِنْ اشْتَرَى بِالْغَبْنِ الْمَذْكُورِ في الذِّمَّةِ اخْتَصَّ الشِّرَاءُ بِهِ فَيَزِنُ الثَّمَنَ من مَالِهِ وَلَا يَضْمَنُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ بِتَصَرُّفِهِ فيه بِالْغَبْنِ ما لم يُسَلِّمْهُ كَنَظِيرِهِ في الْوَكَالَةِ وَمِثْلُهُ التَّصَرُّفُ فيه نَسِيئَةً وَبِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ بِلَا إذْنٍ بِخِلَافِ ما إذَا سَافَرَ بِهِ أو أَبْضَعَهُ بِلَا إذْنٍ فإنه يَضْمَنُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ نعم إنْ عَقَدَ الشِّرْكَةَ بِمَفَازَةٍ فَلَا ضَمَانَ بِالسَّفَرِ بِهِ إلَى مَقْصِدِهِ لِأَنَّ الْقَرِينَةَ قَاضِيَةٌ بِأَنَّ له ذلك وَظَاهِرٌ كما قال الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ لو جَلَا أَهْلُ الْبَلَدِ لِقَحْطٍ أو عَدُوٍّ ولم تُمْكِنْهُ مُرَاجَعَةُ الشَّرِيكِ أَنَّ له السَّفَرَ بِالْمَالِ بَلْ يَجِبُ عليه وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ في الْوَدِيعَةِ فَصْلٌ لِكُلٍّ من الشَّرِيكَيْنِ فَسْخُهَا أَيْ الشِّرْكَةِ مَتَى شَاءَ فَإِنْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا بَطَلَتْ كَالْوَكَالَةِ فِيهِمَا وَانْعَزَلَا أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا عن التَّصَرُّفِ في مَالِ الْآخَر لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ وَإِنْ عَزَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ كَأَنْ قال عَزَلْتُك عن التَّصَرُّفِ أو لَا تَتَصَرَّفْ في نَصِيبِي لم يَنْعَزِلْ الْعَازِلُ بَلْ مُخَاطَبُهُ فَقَطْ إذْ لم يُوجَدْ ما يَقْتَضِي عَزْلَهُ بِخِلَافِ مُخَاطَبِهِ فَصْلٌ تَنْفَسِخُ الشِّرْكَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَجُنُونِهِ وَإِغْمَائِهِ كَالْوَكَالَةِ وَلَا يَنْتَقِلُ الْحُكْمُ في الثَّالِثَةِ عن الْمُغْمَى عليه لِأَنَّهُ لَا يُوَلَّى عليه فإذا أَفَاقَ تَخَيَّرَ بين الْقِسْمَةِ وَاسْتِئْنَافِ الشِّرْكَةِ وَلَوْ بِلَفْظِ التَّقْرِيرِ أو كان الْمَالُ عَرَضًا وَعَلَى وَلِيِّ الْوَارِثِ غَيْرِ الرَّشِيدِ في الْأُولَى وَالْمَجْنُونِ في الثَّانِيَةِ اسْتِئْنَافُهَا لَهُمَا وَلَوْ بِلَفْظِ التَّقْرِيرِ عِنْدَ الْغِبْطَةِ فيها بِخِلَافِ ما إذَا انْتَفَتْ الْغِبْطَةُ فيها فَعَلَيْهِ الْقِسْمَةُ وَذِكْرُ حُكْمِ الْوَلِيِّ في الثَّانِيَةِ من زِيَادَتِهِ أَمَّا إذَا كان الْوَارِثُ رَشِيدًا فَيَتَخَيَّرُ بين الْقِسْمَةِ وَاسْتِئْنَافِ الشِّرْكَةِ إنْ لم يَكُنْ على الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَلَا وَصِيَّةٌ وَإِلَّا فَلَيْسَ له وَلَا لِوَلِيِّ غَيْرِ الرَّشِيدِ اسْتِئْنَافُهَا إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ ما هُنَاكَ من دَيْنٍ وَوَصِيَّةٍ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ لِأَنَّ الْمَالَ حِينَئِذٍ كَالْمَرْهُونِ وَالشِّرْكَةُ في الْمَرْهُونِ بَاطِلَةٌ وَهَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في الْوَارِثِ الرَّشِيدِ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ في وَلِيِّ الْوَارِثِ غَيْرِ الرَّشِيدِ وَكُلٌّ صَحِيحٌ كما تَقَرَّرَ وَلِلْمُعَيَّنِ اسْتِئْنَافُهَا مع الْوَارِثِ أو وَلِيِّهِ وَشَرِيكِهِ إنْ عُرِفَتْ مُشَارَكَتُهُمْ أَيْ الثَّلَاثَةِ فيها أَيْ في وَصِيَّتِهِ أَيْ مَحَلِّهَا بِأَنْ كانت من الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ وفي نُسْخَةٍ أو لِمُعَيَّنٍ فَهُوَ كَأَحَدِ الْوَرَثَةِ أَيْ فَيُفْصَلُ فيه بين كَوْنِهِ رَشِيدًا وَكَوْنِهِ غير رَشِيدٍ وَهَذِهِ مُوَافِقَةٌ لِعِبَارَةِ الْأَصْلِ وَلَا يَخْفَى ما في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في هذا الْمَقَامِ من الْإِجْحَافِ وَيَنْفَسِخُ أَيْضًا بِطُرُقِ الْحَجْرِ بِالسَّفَهِ وَالْفَلَسِ في كل تَصَرُّفٍ لَا يَنْفُذُ مِنْهُمَا كَنَظِيرِهِ في الْوَكَالَةِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْفَسِخَ أَيْضًا بِطُرُقِ الِاسْتِرْقَاقِ وَالرَّهْنِ
____________________
(2/257)
فَصْلٌ الرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ فيها على قَدْرِ الْمَالَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لَا الْأَجْزَاءِ كما مَرَّ بَيَانُهُ شُرِطَ ذلك أَمْ لَا لَا على قَدْرِ الْعَمَلِ وَإِنْ تَفَاوَتَا فيه لِأَنَّا لو جَعَلْنَا شيئا مِنْهُمَا في مُقَابَلَتِهِ لَخَالَفْنَا وَضْعَ الشِّرْكَةِ فَشَرْطُ التَّفَاضُلِ فِيهِمَا مع التَّسَاوِي في الْمَالَيْنِ أو بِالْعَكْسِ يُبْطِلُهَا وَالتَّصَرُّفُ صَحِيحٌ لِلْإِذْنِ وَيُقَسَّمُ الرِّبْحُ على قَدْر الْمَالَيْنِ وَلَوْ شُرِطَ زِيَادَةٌ في الرِّبْحِ لِلْأَكْثَرِ مِنْهُمَا عَمَلًا مُبْهَمًا كان نحو على أَنَّ لِلْأَكْثَرِ مِنَّا عَمَلًا كَذَا أو مُعَيَّنًا نحو على أَنَّ لك كَذَا إنْ كُنْت أَكْثَرَ عَمَلًا مِنِّي بَطَلَ الشَّرْطُ كما لو شُرِطَ التَّفَاوُتُ في الْخُسْرَانِ فإنه يَلْغُو وَيُوَزَّعُ الْخُسْرَانُ على قَدْرِ الْمَالَيْنِ وَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُ قِرَاضًا فإن الْعَمَلَ يَقَعُ ثَمَّ مُخْتَصًّا بِمَالِ الْمَالِكِ وَهُنَا بِمَالَيْهِمَا وَلِأَنَّ الْعَمَلَ في الشِّرْكَةِ لَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ وَبِذَلِكَ فَارَقَ صِحَّةَ الْمُسَاقَاةِ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ بِزِيَادَةٍ في الثَّمَرَةِ وَوَجَبَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أُجْرَةُ عَمَلِهِ على صَاحِبِهِ كما في الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ وَكَذَا يَجِبُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ذلك عِنْدَ فَسَادِ الشِّرْكَةِ بِغَيْرِ ما ذُكِرَ لِبَقَاءِ الْإِذْنِ في التَّصَرُّفِ
فَإِنْ تَسَاوَيَا في أُجْرَةِ الْعَمَلِ وَقَعَ التَّقَاصُّ في الْجَمِيعِ إنْ تَسَاوَيَا في الْمَالِ أَيْضًا وفي بَعْضِهِ إنْ تَفَاوَتَا فيه كَأَنْ كان لِأَحَدِهِمَا أَلْفَانِ وَلِلْآخَرِ أَلْفٌ وَأُجْرَةُ عَمَلِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِائَةٌ فَثُلُثَا عَمَلِ الْأَوَّلِ في مَالِهِ وَثُلُثُهُ على الثَّانِي وَعَمَلُ الثَّانِي بِالْعَكْسِ فَيَكُونُ لِلْأَوَّلِ عليه ثُلُثُ الْمِائَةِ له على الْأَوَّلِ ثُلُثَاهُ فَيَقَعُ التَّقَاصُّ بِثُلُثَيْهَا وَيَرْجِعُ على الْأَوَّلِ بِثُلُثِهَا وَلَوْ اسْتَوَيَا مَالًا لَا عَمَلًا كَأَنْ كان لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَلْفٌ وَسَاوَى عَمَلُ أَحَدِهِمَا مِائَتَيْنِ وَالْآخَرِ مِائَةً وَشُرِطَ زِيَادَةٌ لِمَنْ عَمِلَ مِنْهُمَا أَكْثَرَ قَاصَصَ صَاحِبَهُ بِرُبُعِ أُجْرَةِ عَمَلِهِ وَرَجَعَ عليه بِمَا زَادَ وهو رُبُعُهَا لِأَنَّ نِصْفَ عَمَلِهِ مِائَةٌ وَنِصْفُ عَمَلِ صَاحِبِهِ خَمْسُونَ فَيَبْقَى له بَعْدَ التَّقَاصِّ خَمْسُونَ وَإِنْ شُرِطَتْ الزِّيَادَةُ لِمَنْ عَمِلَ أَقَلَّ فَلَا رُجُوعَ لِلْآخَرِ بِشَيْءٍ لِتَبَرُّعِهِ بِمَا زَادَ من عَمَلِهِ وَكَذَا لو اخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِأَصْلِ التَّصَرُّفِ لَا يَرْجِعُ بِنِصْفِ أُجْرَةِ عَمَلِهِ كما يُعْلَمُ من مَفْهُومِ كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَالْوَجْهُ في قَوْلِهِ التَّقَاصُصِ وَقَاصَصَ الْإِدْغَامُ فَإِنْ شُرِطَتْ أَيْ الزِّيَادَةُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ زَادَ عَمَلُ الْآخَرِ لم يَسْتَحِقَّ شيئا يَرْجِعُ بِهِ على الْأَوَّلِ وَإِنْ تَفَاوَتَا في الْمَالِ لِتَبَرُّعِهِ بِمَا زَادَ من عَمَلِهِ فَلَوْ كان لِأَحَدِهِمَا أَلْفَانِ وَقِيمَةُ عَمَلِهِ مِائَتَانِ وَلِلْآخَرِ أَلْفٌ وَقِيمَةُ عَمَلِهِ مِائَةٌ فَلِصَاحِبِ الْأَكْثَرِ ثُلُثُ الْمِائَتَيْنِ على الْآخَرِ وَلِلْآخَرِ ثُلُثُ الْمِائَةِ عليه وَقَدْرُهُمَا مُتَّفِقٌ فَيَتَقَلَّصَانِ
وَإِنْ كان قِيمَةُ عَمَلِ صَاحِبِ الْأَقَلِّ مِائَتَيْنِ وَالْآخَرِ مِائَةً فَلِصَاحِبِ الْأَقَلِّ ثُلُثُ الْمِائَتَيْنِ على الْآخَرِ وَلِلْآخَرِ ثُلُثُ الْمِائَةِ عليه فَيَبْقَى له بَعْدَ التَّقَاصُّ مِائَةٌ وَهَذِهِ مُسْتَثْنَاةٌ من قَوْلِهِ وَإِنْ تَفَاوَتَا في الْمَالِ وَقَوْلُهُ فَإِنْ شُرِطَتْ إلَخْ من زِيَادَتِهِ وهو مَقْطُوعٌ عن قَوْلِهِ وَلَوْ اسْتَوَيَا مَالًا لِيَصْلُحَ جَعْلُ قَوْلِهِ وَإِنْ تَفَاوَتَا في الْمَالِ غَايَةً له وَكَلَامُ الْأَصْلِ ظَاهِرٌ في أَنَّهُ فَرَضَ الْمَشْرُوطُ له الزِّيَادَةُ مُعَيَّنًا وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ صَالِحٌ له وَلِلْمُبْهَمِ كما تَقَرَّرَ إلَّا الْمَزِيدَةَ فإنه فَرَضَهَا في مُعَيَّنٍ فَصْلٌ يَدُ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدُ أَمَانَةٍ كَالْمُودِعِ في دَعْوَى الرَّدِّ وَالْخِيَانَةِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يَأْتِي في بَابِ الْوَدِيعَةِ وَمِنْهُ لو ادَّعَى التَّلَفَ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ كَحَرِيقٍ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ بِالسَّبَبِ ثُمَّ يُصَدَّقُ في التَّلَفِ بِهِ بِيَمِينِهِ وَيُصَدَّقُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِيَمِينِهِ في تَخْصِيصِهِ وَعَدَمِ تَخْصِيصِهِ بِمَا في يَدِهِ عَمَلًا بها وفي أَنَّ ما اشْتَرَاهُ لِلشِّرْكَةِ أو لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ وَهَذِهِ يُغْنِي عنها ما قَبْلَهَا لَا إنْ ادَّعَى مِلْكَهُ بِالْقِسْمَةِ مع قَوْلِ الْآخَرِ هو بَاقٍ على شَرِكَتِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقِسْمَةِ وَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا مِلْكَ الْعَبْدِ مَثَلًا بِالْقِسْمَةِ وهو في يَدِهِمَا
____________________
(2/258)
أو يَدِ أَحَدِهِمَا بِأَنْ قال كُلٌّ مِنْهُمَا هذا نَصِيبِي من الْمُشْتَرَكِ وَأَنْتَ أَخَذْت نَصِيبك حَلِفًا وإذا حَلَفَا أو نَكَلَا جُعِلَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَإِلَّا بِأَنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَنَكَلَ الْآخَرُ فَلِلْحَالِفِ الْعَبْدُ فَرْعٌ لو ادَّعَى الْمُشْتَرِي من شَرِيكٍ مَأْذُونٍ له في بَيْعِهِ تَسْلِيمَ الثَّمَنِ مع إنْكَارِ الْبَائِعِ فَصَدَّقَهُ شَرِيكُهُ في دَعْوَاهُ سَقَطَ حَقُّهُ عن الْمُشْتَرِي لِاعْتِرَافِهِ بِبَرَاءَتِهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ بِيَمِينِهِ في أَنَّهُ لم يَتَسَلَّمْ شيئا من الثَّمَنِ فَإِنْ حَلَفَ أو رَدَّ الْيَمِينَ على الْمُشْتَرِي فَنَكَلَ أَخْذ حَقَّهُ منه بِيَمِينِهِ في الْأُولَى وَمُؤَاخَذَةً لِلْمُشْتَرِي بِاعْتِرَافِهِ بِلُزُومِ الْحَقِّ له بِالشِّرَاءِ في الثَّانِيَةِ فَلَيْسَ ذلك قَضَاءً بِنُكُولِهِ فيها وَلَا يُشَارِكُهُ فيه صَاحِبُهُ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ ما أَخَذَهُ الْآنَ ظُلْمٌ بَلْ له مُطَالَبَةُ شَرِيكِهِ الْبَائِعَ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ لِزَعْمِهِ أَنَّهُ قَبَضَهُ وَتَحْلِيفِهِ أَنَّهُ ما قَبَضَ من الْمُشْتَرِي إلَّا ما قَبَضَ بِالْخُصُومَةِ الْجَارِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي أَمَّا إذَا حَلَفَ الْمُشْتَرِي الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ فَتَنْقَطِعُ عنه الْمُطَالَبَةُ كما لو أَقَامَ بَيِّنَةً بِالتَّسْلِيمِ أو أَقَرَّ بِهِ الْبَائِعُ فَلَوْ شَهِدَ له شَرِيكُ الْبَائِعِ لم يُقْبَلْ في نَصِيبِهِ لِمَا فيه من جَرِّ مَنْفَعَةٍ له وهو مُطَالَبَتُهُ الْبَائِعَ بِحِصَّتِهِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ هُنَا فَإِنْ نَكَلَ الْبَائِعُ في خُصُومَتِهِ مع صَاحِبِهِ حَلَفَ صَاحِبُهُ وإذا حَلَفَ صَاحِبُهُ غَرِمَ له الْبَائِعُ حِصَّتَهُ ولم يَرْجِعْ بها على الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ شَرِيكَهُ ظَلَمَهُ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُحَلِّفَهُ هُنَا أَيْ في خُصُومَتِهِ مع صَاحِبِهِ
وَإِنْ كان قد نَكَلَ هُنَاكَ أَيْ في خُصُومَتِهِ مع الْمُشْتَرِي لِأَنَّ هذه خُصُومَةٌ أُخْرَى مع آخَرَ وَإِنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ سَلَّمَ الثَّمَنَ إلَى الشَّرِيكِ الذي لم يَبِعْ وَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ مع إنْكَارِ الذي لم يَبِعْ فَإِنْ كان الذي لم يَبِعْ مَأْذُونًا له من الْبَائِعِ في الْقَبْضِ لِلثَّمَنِ فَالْبَائِعُ هُنَا كَصَاحِبِهِ الذي لم يَبِعْ هُنَاكَ أَيْ فِيمَا مَرَّ أَوَّلَ الْفَرْعِ في أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ عن الْمُشْتَرِي لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّ وَكِيلَهُ قَبَضَهُ وفي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الذي لم يَبِعْ بِيَمِينِهِ في أَنَّهُ لم يَتَسَلَّمْ الثَّمَنَ فَإِنْ حَلَفَ أو رَدَّ الْيَمِينَ على الْمُشْتَرِي فَنَكَلَ أَخَذَ حَقَّهُ منه وَلَا يُشَارِكُهُ فيه الْبَائِعُ بَلْ له مُطَالَبَةُ شَرِيكِهِ الذي لم يَبِعْ بِحِصَّتِهِ من الثَّمَنِ وَتَحْلِيفُهُ أَنَّهُ ما قَبَضَ من الْمُشْتَرِي إلَّا ما قَبَضَ بِالْخُصُومَةِ وَإِنْ حَلَفَ الْمُشْتَرِي الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ انْقَطَعَتْ عنه الْمُطَالَبَةُ وَلَوْ شَهِدَ له الْبَائِعُ لم يُقْبَلْ في نَصِيبِهِ فَإِنْ نَكَلَ الذي لم يَبِعْ في خُصُومَتِهِ مع صَاحِبِهِ وَحَلَفَ صَاحِبُهُ غَرِمَ له الذي لم يَبِعْ حِصَّتَهُ ولم يَرْجِعْ بها على الْمُشْتَرِي وَلِلَّذِي لم يَبِعْ أَنْ يَحْلِفَ هُنَا وَإِنْ كان قد نَكَلَ هُنَاكَ لِأَنَّ هذه خُصُومَةٌ أُخْرَى مع آخَرَ فَلَوْ حُذِفَ قَوْلُهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ وَإِنْ كان الذي لم يَبِعْ غير مَأْذُونٍ له في الْقَبْضِ لم يَسْقُطْ حَقُّ الْبَائِعِ عن الْمُشْتَرِي فَيُطَالِبُ ه بِهِ لِأَنَّهُ لم يَعْتَرِفْ بِقَبْضٍ صَحِيحٍ ولم يَسْقُطْ عنه حَقُّ الذي لم يَبِعْ أَيْضًا فَيُطَالِبُهُ بِهِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْقَبْضِ
ثُمَّ إنْ كان الْبَائِع مَأْذُونًا له في الْقَبْضِ لِلثَّمَنِ لم يَكُنْ له قَبْضُ الْجَمِيعِ أَيْ لم يَكُنْ له قَبْضُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ لِأَنَّهُ انْعَزَلَ بِإِقْرَارِهِ على الشَّرِيكِ بِقَبْضِ نَصِيبِهِ فَإِنْ قَبَضَ الْبَائِعُ حَقَّهُ لم يُشَارِكْهُ الشَّرِيكُ فِيمَا قَبَضَهُ لِأَنَّهُ مَعْزُولٌ عن الْوَكَالَةِ بِمَا ذُكِرَ بَلْ يُطَالِبُ الشَّرِيكُ الْمُشْتَرِيَ بِحَقِّ نَفْسِهِ وَقِيلَ له أَنْ يُشَارِكَهُ وَيَأْخُذَ الْبَاقِيَ من الْمُشْتَرِي لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ فَكُلُّ جُزْءٍ من الثَّمَنِ شَائِعٌ بَيْنَهُمَا كما في الْإِرْثِ فَعَلَى هذا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي على الشَّرِيكِ بِقَبْضِهِ الثَّمَنَ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بها شِرْكَةَ صَاحِبِهِ فِيمَا أَخَذَهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ تُقْبَلُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ من تَرْجِيحِ الْأَصْلِ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قَبْضَ نَصِيبِهِ في مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ الْآتِيَةِ وقد يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِمَا يَأْتِي وفي نُسْخَةٍ هُنَا من زِيَادَتِهِ إلَّا إنْ جَدَّدَ لِصَاحِبِهِ وَكَالَةً فإنه يُطَالَبُ بِالْجَمِيعِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ في جَدَّدَ لِلَّذِي لم يَبِعْ وفي فإنه لِلْبَائِعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَائِعَ مُقِرٌّ بِقَبْضِ شَرِيكِهِ الثَّمَنَ فَكَيْف يَتَوَكَّلُ له في قَبْضِ ما ليس له بِزَعْمِهِ فَالْوَجْهُ جَعْلُ الضَّمِيرِ الْأَوَّلِ لِلْبَائِعِ وَالثَّانِي لِلَّذِي لم يَبِعْ وفي التَّعْبِيرِ بِالتَّجَدُّدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَائِعِ مَجَازٌ وَإِنْ كان الْبَائِعُ مَنْهِيًّا عن الْقَبْضِ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ
____________________
(2/259)
مَأْذُونًا له في الْقَبْضِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِلْمُشْتَرِي على الشَّرِيكِ بِقَبْضِهِ الثَّمَنَ كما لو كان مَأْذُونًا له وَلَوْ بَاعَا عَبْدَهُمَا صَفْقَةً أو وَكَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَبَاعَهُ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا قَبْضُ نَصِيبِهِ من الثَّمَنِ كما لو انْفَرَدَ بِالْبَيْعِ فَلَا يُشَارِكُهُ الْآخَرُ فِيمَا قَبَضَهُ
وقد يُقَالُ قِيَاسُ ما قَالُوهُ في الْمُشْتَرَكِ من إرْثٍ وَدَيْنِ كِتَابَةٍ أَنَّهُ يُشَارِكُهُ فيه لِاتِّحَادِهِمَا في الْحَقِّ كما هو وَجْهٌ في الْمَسْأَلَةِ وَيُجَابُ بِمَنْعِ أَنَّ الثَّمَنَ مُشْتَرَكٌ بَلْ كُلٌّ يَمْلِكُ منه نَصِيبَهُ مُنْفَرِدًا وَلَوْ سُلِّمَ فَيُجَابُ بِأَنَّ الِاتِّحَادَ الْمُقْتَضِيَ لِلْمُشَارَكَةِ فِيمَا يُقْبَضُ مَحَلُّهُ إذَا لم يَتَأَتَّ انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِالِاسْتِحْقَاقِ لِنَصِيبِهِ فِيمَا اشْتَرَكَا فيه كما في ذَيْنِك بِخِلَافِ هذه نعم قد تُشْكَلُ هذه بِالْمُشْتَرَكِ بِالشِّرَاءِ مَعًا إذَا ادَّعَيَاهُ وهو في يَدِ ثَالِثٍ فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِنِصْفِهِ فإن الْآخَرَ يُشَارِكُهُ فيه كما مَرَّ في الصُّلْحِ مع أَنَّ شِرَاءَ أَحَدِهِمَا يَتَأَتَّى انْفِرَادُهُ عن شِرَاءِ الْآخَرِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ ثَمَّ نَفْسُ الْمُدَّعِي وَهُنَا بَدَلُهُ فَأُلْحِقَ ذَاكَ بِذَيْنِك وَإِنْ تَأَتَّى الِانْفِرَادُ فيه وَإِنْ أَزَالَ غَاصِبٌ يَدَ أَحَدِهِمَا عنه أَيْ عن الْعَبْدِ أَيْ عن نَصِيبِهِ فيه بِأَنْ نَزَّلَ نَفْسَهُ مَنْزِلَتَهُ فَبَاعَهُ أَيْ الْعَبْدَ الْغَاصِبُ وَالشَّرِيكُ صَحَّ في نَصِيبِ الشَّرِيكِ فَقَطْ لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ بِالْبَائِعِ أَيْ بِتَعَدُّدِهِ وَلَا يَصِحُّ من الْمَغْصُوبِ منه بَيْعُ نَصِيبِهِ إلَّا لِلْغَاصِبِ أو الْقَادِرِ على انْتِزَاعِهِ منه كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ في الْبَيْعِ وَصَرَّحَ بِهِ هُنَا الْأَصْلُ أَيْضًا كِتَابُ الْوَكَالَةِ هِيَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا لُغَةً التَّفْوِيضُ شَرْعًا تَفْوِيضُ شَخْصٍ أَمْرَهُ إلَى آخَرَ فِيمَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ وَالْأَصْلُ فيها قبل الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذه وَقَوْلُهُ اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا وَهَذَا شَرْعُ من قَبْلَنَا وَوَرَدَ في شَرْعِنَا ما يُقَرِّرُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَابْعَثُوا حَكَمًا من أَهْلِهِ الْآيَةَ وَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعَثَ السُّعَاةَ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ وَخَبَرِ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ السَّابِقِ في الْكَلَامِ على بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وقد وَكَّلَ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَمْرَو بن أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ في نِكَاحِ أُمِّ حَبِيبَةَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا فَهِيَ جَائِزَةٌ بَلْ قال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إنَّهَا مَنْدُوبٌ إلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَتَعَاوَنُوا على الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلِخَبَرِ اللَّهُ في عَوْنِ الْعَبْدِ ما دَامَ الْعَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ في أَرْكَانِهَا وَهِيَ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ ما يَجُوزُ فيه التَّوْكِيلُ وَلَهُ شُرُوطٌ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ الْمِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ فَلَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ في طَلَاقِ من سَيَنْكِحُهَا وَتَزْوِيجِ من سَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا وَنَحْوِهِ كَبَيْعِ عَبْدٍ سَيَمْلِكُهُ أو إعْتَاقِ من سَيَمْلِكُهُ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ من مُبَاشَرَةِ ما وُكِّلَ فيه حَالَ التَّوْكِيلِ نعم لو جَعَلَ ما لَا يَمْلِكُهُ تَبَعًا لِمَا يَمْلِكُهُ كَتَوْكِيلِهِ بِبَيْعِ عَبْدِهِ وما سَيَمْلِكُهُ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ لِلرَّافِعِيِّ وَالْمَنْقُولُ عن الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ الصِّحَّةُ كما لو وَقَفَ على وَلَدِهِ الْمَوْجُودِ وَمَنْ سَيَحْدُثُ له من الْأَوْلَادِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ وَأَنْ يُبْتَاعَ بِثَمَنِهِ كَذَا صَحَّ الشَّرْطُ الثَّانِي قَبُولُ النِّيَابَةِ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ إنَابَةٌ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ فِيمَا يَقْبَلُهَا فَلَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ في الشَّهَادَاتِ إلْحَاقًا لها بِالْعِبَادَاتِ لِاعْتِبَارِ أَلْفَاظِهَا مع عَدَمِ تَوَقُّفِهَا على قَبُولٍ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ فيها مَنُوطٌ بِعِلْمِ الشَّاهِدِ وهو غَيْرُ حَاصِلٍ
____________________
(2/260)
لِلْوَكِيلِ وَهَذَا غَيْرُ تَحَمُّلِهَا الْجَائِزَ بِاسْتِرْعَاءٍ أو نَحْوِهِ كما سَيَأْتِي بَيَانُهُ ولا في الْأَيْمَانِ إلْحَاقًا لها بِالْعِبَادَاتِ لِتَعَلُّقِ حُكْمِهَا بِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ ظِهَارًا لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فيه مَعْنَى الْيَمِينِ لِتَعَلُّقِهِ بِأَلْفَاظٍ وَخَصَائِصَ كَالْيَمِينِ قال في الْمَطْلَبِ وَلَعَلَّ صُورَتَهُ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ على مُوَكِّلِي كَظَهْرِ أُمِّهِ أو جَعَلْت مُوَكِّلِي مُظَاهِرًا مِنْك قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَقُولَ مُوَكِّلِي يقول أَنْتِ عليه كَظُهْرِ أُمِّهِ وما ادَّعَى أَنَّهُ الْأَشْبَهُ ظَاهِرٌ أَنَّ الْأَشْبَهَ خِلَافُهُ ولا في النَّذْرِ وَتَعْلِيقُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لِمَا مَرَّ قَبْلَهُ كَذَا جَزَمَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي فيه أَوْجُهًا ثَالِثُهَا إنْ كان التَّعْلِيقُ بِقَطْعِيٍّ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا فإنه يَمِينٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَثٌّ أو مَنْعٌ أو تَحْقِيقُ خَبَرٍ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وفي مَعْنَى التَّعْلِيقِ التَّدْبِيرُ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ قال الْقَاضِي وَعَلَى الْمَنْعِ هل يَصِيرُ بِتَوْكِيلِهِ مُعَلَّقًا وَمُدَبَّرًا وَجْهَانِ وَقَضِيَّةُ تَقْيِيدِهِمْ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ أَنَّهُ يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِتَعْلِيقِ غَيْرِهِمَا كَتَعْلِيقِ الْوِصَايَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيُحْتَمَلُ وهو الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ قَيَّدُوا بِهِ نَظَرًا لِلْغَالِبِ فَلَا يُعْتَبَرُ مَفْهُومُهُ ولا في مُلَازَمَةِ مَجْلِسِ الْخِيَارِ فَلَوْ اصْطَرَفَ اثْنَانِ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يُفَارِقَ الْمَجْلِسَ قبل الْقَبْضِ فَوَكَّلَ وَكِيلًا في مُلَازَمَتِهِ لم يَصِحَّ وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِمُفَارَقَةِ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ التَّعَبُّدَ في الْعَقْدِ مَنُوطٌ بِمُلَازَمَةِ الْعَاقِدِ ولا في الْمَعَاصِي كَالْقَتْلِ وَالْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ لِأَنَّ حُكْمَهَا يَخْتَصُّ بِمُرْتَكِبِهَا لِأَنَّ كُلَّ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ مَقْصُودٌ بِالِامْتِنَاعِ منها ولا في ما لَا يَقْبَلُهَا أَيْ النِّيَابَةَ من الْعِبَادَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ وَالِاعْتِكَافِ لِأَنَّ مُبَاشِرَهَا مَقْصُودٌ بِعَيْنِهِ ابْتِلَاءً بِخِلَافِ ما يَقْبَلُهَا كما سَيَأْتِي وَيَجُوزُ في عُقُودِ الْمُعَامَلَاتِ كَبَيْعٍ وَسَلَمٍ وَصَرْفٍ وَتَوْلِيَةٍ لِلْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ أَوَّلَ الْبَابِ وفي الْفُسُوخِ كَفَسْخِ عَيْبٍ وَإِقَالَةٍ وَتَحَالُفٍ قِيَاسًا على الْعُقُودِ وَالْمُرَادُ الْفَسْخُ الذي ليس على الْفَوْرِ أو على الْفَوْرِ وَحَصَلَ عُذْرٌ لَا يُعَدُّ بِهِ التَّأْخِيرُ بِالتَّوْكِيلِ فيه تَقْصِيرًا وفي الْإِبْرَاءِ وَالْوَصِيَّةِ وَنَحْوِهَا كَالْوَقْفِ وفي ما يَقْبَلُ النِّيَابَةَ من الْعِبَادَاتِ كَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَتَوَابِعِهِمَا وَالصَّدَقَةِ وَتَفْرِقَةِ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَالذَّبَائِحِ كَالْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ وَالْعَقِيقَةِ لِأَدِلَّةٍ مَعْرُوفَةٍ في أَبْوَابِهَا وَمِنْ ذلك تَجْهِيزُ الْمَوْتَى وَحَمْلُهُمْ وَدَفْنُهُمْ نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ قال وفي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ في غُسْلِ الْمَيِّتِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ فِعْلَ الْغَاسِلِ يَقَعُ عن نَفْسِهِ كَالْجِهَادِ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى وفي النِّكَاحِ وَتَنْجِيزِ الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَنَحْوِهَا بِالنَّصِّ في النِّكَاحِ وَبِالْقِيَاسِ عليه في الْبَاقِي لَا في التَّعْيِينِ لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنِّكَاحِ أَيْ لِمَحَالِّهَا مِمَّنْ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ أو أَعْتَقَ إحْدَى إمَائِهِ أو أَسْلَمَ عن بِمَعْنَى على خَمْسٍ أو أَكْثَرَ لِتَعَلُّقِهِ بِالشَّهْوَةِ وَالْمَيْلِ إلَّا إنْ عَيَّنَ له أَيْ لِلْوَكِيلِ التي يَخْتَارُهَا لِلطَّلَاقِ أو الْعَتَاقِ أو اللَّاتِي يَخْتَارُهُنَّ لِلنِّكَاحِ فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى وَيَجُوزُ في الْقَبْضِ لِلْحَقِّ من عَيْنٍ أو دَيْنٍ كَتَوْكِيلِ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ في قَبْضِهَا لهم لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وفي الْإِقْبَاضِ له كَذَلِكَ نعم إنْ كان عَيْنًا يَقْدِرُ على رَدِّهَا بِنَفْسِهِ قال جَمَاعَةٌ منهم الْمُتَوَلِّي لم يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ له فيها وَلِأَنَّهُ ليس له دَفْعُهَا لِغَيْرِ مَالِكِهَا فَلَوْ سَلَّمَهَا لِوَكِيلِهِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا كان مُفَرِّطًا لَكِنَّهَا إذَا وَصَلَتْ إلَى يَدِ مَالِكِهَا خَرَجَ الْمُوَكِّلُ عن
____________________
(2/261)
عُهْدَتِهَا وَصَرَّحَ الْجُورِيُّ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَصِحُّ إذَا كان الْوَكِيلُ من عِيَالِهِ لِلْعُرْفِ وَلَوْ كان الْوَكِيلُ في الْإِقْبَاضِ مُسْلِمًا عن ذِمِّيٍّ في جِزْيَةٍ فإنه يَجُوزُ بِنَاءً على أَنَّ أَخْذَ لَحْيَيْهِ وَضَرْبَ لِهْزِمَتَيْهِ وَنَحْوِهِمَا ليس بِوَاجِبٍ ويجوز في تَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ وَإِحْيَاءِ الْأَوْلَى قَوْلُ الْأَصْلِ كَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ لِأَنَّهُ أَحَدُ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَالشِّرَاءِ فَيَمْلِكُهَا الْمُوَكِّلُ إذَا قَصَدَهُ الْوَكِيلُ له لَا في الِالْتِقَاطِ كما في الِاغْتِنَامِ فَلَوْ وَكَّلَهُ فيه فَالْتَقَطَ كان له دُونَ الْمُوَكِّلِ تَغْلِيبًا لِشَائِبَةِ الْوِلَايَةِ لَا لِشَائِبَةِ الِاكْتِسَابِ وَلَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ في الْإِقْرَارِ بِأَنْ يَقُولَ لِغَيْرِهِ وَكَّلْتُك لِتُقِرَّ عَنِّي لِفُلَانٍ بِكَذَا فيقول الْوَكِيلُ أَقْرَرْت عنه بِكَذَا أو جَعَلْته مُقِرًّا بِكَذَا لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عن حَقٍّ فَلَا يَقْبَلُ التَّوْكِيلَ كَالشَّهَادَةِ لَكِنَّ التَّوْكِيلَ فيه إقْرَارٌ من الْمُوَكِّلِ لِإِشْعَارِهِ بِثُبُوتِ الْحَقِّ عليه وَقِيلَ ليس بِإِقْرَارٍ كما أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْإِبْرَاءِ ليس إبْرَاءً وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا قال وَكَّلْتُك لِتُقِرَّ عَنِّي لِفُلَانٍ بِكَذَا فَلَوْ قال أَقِرَّ عَنِّي لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ له عَلَيَّ كان إقْرَارًا قَطْعًا وَلَوْ قال أَقِرَّ له عَلَيَّ بِأَلْفٍ لم يَكُنْ إقْرَارًا قَطْعًا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ وَيَصِحُّ في الْخُصُومَاتِ من جَانِب الْمُدَّعِي أو الْمُدَّعَى عليه رِضَا الْخَصْمِ أو لَا سَوَاءٌ أَكَانَ في مَالٍ أَمْ عُقُوبَةٍ لِغَيْرِ اللَّهِ بِقَرِينَةِ ما يَأْتِي لِآيَةِ فَابْعَثُوا حَكَمًا من أَهْلِهِ وَلِأَنَّ ذلك تَوْكِيلٌ في خَالِصِ حَقِّهِ فَيُمْكِنُ منه كَالتَّوْكِيلِ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ بِغَيْرِ رِضَا من هو عليه وفي اسْتِيفَاءِ الْعُقُوبَاتِ وَكَذَا الْحُدُودُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ وَلِمَا في الصَّحِيحَيْنِ من قَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في قِصَّةِ مَاعِزٍ اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ وفي غَيْرِهَا وَاغْدُ يا أُنَيْسٌ إلَى امْرَأَةِ هذا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا بَلْ يَتَعَيَّنُ التَّوْكِيلُ في قِصَاصِ الطَّرَفِ وَحَدِّ الْقَذْفِ كما سَيَأْتِي في مَحَلِّهِمَا وَذِكْرُ الْعُقُوبَاتِ يُغْنِي عن ذِكْرِ الْحُدُودِ وَكَأَنَّهُ ذَكَرَهَا وَأَرَادَ بها حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى لِيُرَتِّبَ عليها قَوْلَهُ لَا في إثْبَاتِهَا فَلَا يَصِحُّ لِبِنَائِهَا على الدَّرْءِ نعم قد يَقَعُ إثْبَاتُهَا بِالْوَكَالَةِ تَبَعًا بِأَنْ يَقْذِفَ شَخْصٌ آخَرَ فَيُطَالِبَهُ بِحَدِّ الْقَذْفِ فَلَهُ أَنْ يَدْرَأَهُ عن نَفْسِهِ بِإِثْبَاتِ زِنَاهُ بِالْوَكَالَةِ وَبِدُونِهَا فإذا ثَبَتَ أُقِيمَ عليه الْحَدُّ الشَّرْطُ الثَّالِثُ الْعِلْمُ بِهِ أَيْ بِمَا يَجُوزُ فيه التَّوْكِيلُ بِوَجْهٍ ما أَيْ بِحَيْثُ يَقِلُّ معه الْغَرَرُ لِأَنَّ تَجْوِيزَ الْوَكَالَةِ لِلْحَاجَةِ يَقْتَضِي الْمُسَامَحَةَ فيه فَيَكْفِي أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا من وَجْهٍ يَقِلُّ معه الْغَرَرُ لِلْوَكِيلِ بِخِلَافِ ما إذَا كَثُرَ فَقَوْلُهُ وَكَّلْتُك في كل أُمُورِي أو تَصَرَّفْ في أَمْوَالِي كَيْفَ شِئْت أو نَحْوُهُ كَقَوْلِهِ وَكَّلْتُك في كل قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ من أُمُورِي أو فَوَّضْت إلَيْك جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ بَاطِلٌ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ فيه وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِقَوْلِهِ وَكَّلْتُك في بَيْعِ أَمْوَالِي وَاسْتِيفَاءِ دُيُونِي وَاسْتِرْدَادِ وَدَائِعِي وَمُخَاصَمَةِ خُصَمَائِي وَلَوْ جَهِلَ الْخُصُومَ وما فيه الْخُصُومَةُ وَالْأَمْوَالَ وَالدُّيُونَ وَالْوَدَائِعَ وَمَنْ هِيَ عليه أو عِنْدَهُ لِقِلَّةِ الْغَرَرِ فيه لَا بَيْعِ بَعْضِ مَالِي أو طَائِفَةٍ منه أو سَهْمٍ وَلَا بِعْ هَذَاك أو هذا فَلَا يَجُوزُ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ فيه وَفَارَقَتْ الْأُولَى الصُّوَرَ الْآتِيَةَ على الْأَثَرِ بِأَنَّ الْمُوَكِّلَ فيه هُنَا مُبْهَمٌ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ لَا عُمُومَ فيه وَلَا خُصُوصَ بِخِلَافِهِ ثَمَّ لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ عَامَّةٌ مَخْصُوصَةٌ وَفَارَقَتْ الثَّانِيَةَ قَوْلُهُ بِعْ أَحَدَ عَبِيدِي بِأَنَّ الْعَقْدَ لم يَجِدْ فيها مَوْرِدًا يَتَأَثَّرُ بِهِ لِأَنَّ أو لِلْإِبْهَامِ بِخِلَافِ الْأَحَدِ فإنه صَادِقٌ على كل عَبْدٍ
وَلَوْ قال بِعْ أو هَبْ من مَالِي ما شِئْت أو اقْبِضْ من دُيُونِي ما شِئْت أو أَعْتِقْ أو بِعْ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ في أَوَاخِرِ الْبَابِ الْآتِي من عَبِيدِي من شِئْت
____________________
(2/262)
قال الْقَاضِي أو طَلِّقْ من نِسَائِي من شِئْت صَحَّ في الْبَعْضِ لَا في الْجَمِيعِ فَلَا يَأْتِي الْوَكِيلُ بِالْجَمِيعِ لِأَنَّ من لِلتَّبْعِيضِ لَكِنْ قال الْقَاضِي مع ما مَرَّ عنه وَلَوْ قال طَلِّقْ من نِسَائِي من شَاءَتْ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ كُلَّ من شَاءَتْ الطَّلَاقَ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَشِيئَةَ في هذه مُسْتَنِدَةٌ إلَى كُلٍّ مِنْهُنَّ فَلَا تَصْدُقُ مَشِيئَةُ وَاحِدَةٍ بِمَشِيئَةِ غَيْرِهَا فَكَانَ ذلك في مَعْنَى أَيُّ امْرَأَةٍ شَاءَتْ مِنْهُنَّ الطَّلَاقَ طَلِّقْهَا بِخِلَافِهَا في تِلْكَ فَإِنَّهَا مُسْتَنِدَةٌ إلَى الْوَكِيلِ فَصَدَقَتْ مَشِيئَتُهُ فِيمَا لَا يَسْتَوْعِبُ الْجَمِيعَ فَلَا يَتَمَكَّنُ من مَشِيئَتِهِ فِيمَا يَسْتَوْعِبُهُ احْتِيَاطًا وَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِقَوْلِهِ تَزَوَّجْ لي من شِئْت كما لو قال بِعْ من مَالِي ما شِئْت فَرْعٌ لَا يَكْفِي في شِرَاءِ الرَّقِيقِ قَوْلُهُ اشْتَرِ لي رَقِيقًا حتى يُبَيِّنَ النَّوْعَ كَتُرْكِيٍّ وَهِنْدِيٍّ وَلِلذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ تَقْلِيلًا لِلْغَرَرِ فإن الْأَغْرَاضَ تَخْتَلِفُ بِذَلِكَ وَتَبْيِينُ الْأَثْمَانِ ليس شَرْطًا إذْ تَعَلُّقُ الْغَرَضِ بِعَبْدٍ أو أَمَةٍ من ذلك نَفِيسًا أو خَسِيسًا غَيْرُ بَعِيدٍ وَلَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِقَوْلِهِ اشْتَرِ لي عَبْدًا كما تَشَاءُ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ في الْقِرَاضِ اشْتَرِ من شِئْت من الْعَبِيدِ لِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ الرِّبْحُ وَالْعَامِلُ أَعْرَفُ بِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّوْكِيلِ اسْتِقْصَاءُ الْأَوْصَافِ أَيْ أَوْصَافِ السَّلَمِ وَلَا ما يَقْرُبُ منها
فَإِنْ تَبَايَنَتْ أَوْصَافُ نَوْعِ ذِكْرِ الصِّنْفِ كَحَطَّابِيٍّ وَقَفْجَاقِيٍّ في الرَّقِيقِ هذا كُلُّهُ إذَا لم يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ فيه ذِكْرُ نَوْعٍ وَلَا غَيْرِهِ بَلْ يَكْفِي اشْتَرِ ما شِئْت من الْعُرُوضِ أو ما فيه حَظٌّ كَالْقِرَاضِ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ وَنَقَلَهُ ابن الرِّفْعَةِ عن الْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ وَأَقَرَّهُ وَيُبَيِّنُ في تَوْكِيلِهِ في شِرَاءِ الدَّارِ الْمَحَلَّةَ أَيْ الْحَارَةَ وَالسِّكَّةَ أَيْ الزُّقَاقَ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْبَلَدِ وَنَحْوِهَا من ضَرُورَةِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ وفي شِرَاءِ الْحَانُوتِ السُّوقَ لِيَقِلَّ الْغَرَرُ وَقِسْ على ذلك وإذا عَلِمَ الْمُوَكِّلُ في الْإِبْرَاءِ قَدْرَ الدَّيْنِ صَحَّ التَّوْكِيلُ فيه وَلَوْ جَهِلَهُ الْوَكِيلُ وَالْمَدْيُونُ إذْ لَا فَائِدَةَ في عِلْمِهِمَا بِهِ عَكْسَ الْبَيْعِ في نَحْوِ قَوْلِهِ بِعْ عَبْدِي بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ فإنه يُشْتَرَطُ فيه عِلْمُ الْوَكِيلِ فَقَطْ لِأَنَّ الْعُهْدَةَ تَتَعَلَّقُ بِهِ ثَمَّ وَلَا عُهْدَةَ في الْإِبْرَاءِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَإِنْ قال له أَبْرِهِ عن شَيْءٍ من دَيْنِي أَبْرَأَهُ عن قَلِيلٍ منه أَيْ عن أَقَلِّ ما يَنْطَلِقُ عليه اسْمُ الشَّيْءِ كما عَبَّرَ بِهِ في الرَّوْضَةِ وَيُفَارِقُ عَدَمَ الصِّحَّةِ في نَظِيرِهِ في الْبَيْعِ بِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَقْدُ غَبْنٍ فَتُوُسِّعَ فيه بِخِلَافِ الْبَيْعِ أو أَبْرِهِ عَمَّا شِئْت منه أَيْ من دَيْنِي فَلْيُبْقِ الْوَكِيلُ شيئا منه بَعْدَ إبْرَائِهِ عَمَّا عَدَاهُ وَلَزِمَ منه اغْتِفَارُ جَهْلِ الْمُوَكِّلِ بِقَدْرِ الْمُبْرَأِ إذَا كان جَمِيعُ الدَّيْنِ مَعْلُومًا أو أَبْرِهِ عن الْجَمِيعِ فَأَبْرَاهُ عنه أو عن بَعْضِهِ صَحَّ بِخِلَافِ بَيْعِهِ لِبَعْضِ ما وَكَّلَهُ بِبَيْعِهِ من عَبْدٍ أو نَحْوِهِ لِتَضَمُّنِ التَّشْقِيصِ فيه الْغَرَرَ إذْ لَا يَرْغَبُ عَادَةً في شِرَاءِ الْبَعْضِ نعم إنْ بَاعَهُ بِقِيمَةِ الْجَمِيعِ صَحَّ قَطْعًا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ في تَصْحِيحِهِ وقد يَلْحَقُ بِهِ ما لو بَاعَهُ بِمَا يَنْقُصُ عن قِيمَةِ الْجَمِيعِ بِقَدْرٍ يُقْطَعُ في الْعَادَةِ بِأَنَّهُ يَرْغَبُ في الْبَاقِي بِهِ الرُّكْنُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ الْمُوَكِّلُ وَالْوَكِيلُ وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا صِحَّةُ مُبَاشَرَتِهِمَا الْمُوَكَّلَ فيه أَيْ مُبَاشَرَةُ الْمُوَكِّلِ إيَّاهُ بِمِلْكٍ أو وِلَايَةٍ وَمُبَاشَرَةُ الْوَكِيلِ إيَّاهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُغْمَى عليه وَنَائِمٍ في التَّصَرُّفَاتِ وَلَا تَوْكِيلُ فَاسِقٍ في إنْكَاحِ ابْنَتِهِ وَلَا تَوْكِيلُ امْرَأَةٍ وَمُحْرِمٍ بِضَمِّ الْمِيمِ في نِكَاحٍ وَلَا إنْكَاحٍ إذْ لَا تَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُمْ لِذَلِكَ وَصُورَةُ تَوْكِيلِ الْمُحْرِمِ أَنْ يُوَكَّلَ لِيَعْقِدَ له أو لِمُوَلِّيَتِهِ حَالَ الْإِحْرَامِ فَإِنْ وَكَّلَهُ لِيَعْقِدَ له بَعْدَ التَّحَلُّلِ أو أَطْلَقَ صَحَّ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ دُونَ الْإِذْنِ كما سَيَأْتِي ذلك في النِّكَاحِ وَطَرَدَهُ الْقَاضِي فِيمَا لو وَكَّلَهُ لِيَشْتَرِيَ له هذا الْخَمْرَ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ مَسْأَلَةِ الْمُوَكِّلِ في الْإِحْرَامِ هُنَا من زِيَادَتِهِ وَلَا تَوْكِيلُ عَبْدٍ في إيجَابِهِ أَيْ النِّكَاحِ وَلَوْ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ بِنْتَهُ فَبِنْتُ غَيْرِهِ أَوْلَى وَيَصِحُّ تَوْكِيلُهُ في قَبُولِهِ
____________________
(2/263)
كما يَقْبَلُهُ لِنَفْسِهِ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ من سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ على السَّيِّدِ فيه بِخِلَافِهِ في قَبُولِهِ لِنَفْسِهِ لِمَا فيه من الْتِزَامِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَجُوِّزَ تَوْكِيلُ الْأَعْمَى لِغَيْرِهِ في عَقْدِ بَيْعٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا تُوقَفُ صِحَّتُهُ على الرُّؤْيَةِ كَالْإِجَارَةِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ لِلضَّرُورَةِ فَهُوَ مُسْتَثْنًى من عَكْسِ اعْتِبَارِ صِحَّةِ مُبَاشَرَةِ الْمُوَكِّلِ ما وُكِّلَ فيه وَيُسْتَثْنَى معه صُوَرٌ منها ما لو وَكَّلَ الْمُسْتَحِقُّ لِقِصَاصِ طَرَفٍ أو حَدِّ قَذْفٍ بِاسْتِيفَائِهِ وما لو وَكَّلَ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ من يَقْبِضُ الثَّمَنَ منه مع أَنَّهُ يَمْتَنِعُ قَبْضُهُ من نَفْسِهِ وما لو وَكَّلَتْ امْرَأَةٌ رَجُلًا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ لَا عنها بَلْ عنه أو مُطْلَقًا في إنْكَاحِ مُوَلِّيَتِهِ وما لو وُكِّلَ مُحْرِمٌ بِالنِّكَاحِ لِيَعْقِدَ له بَعْدَ التَّحَلُّلِ أو أَطْلَقَ كما تَقَرَّرَ وَيُسْتَثْنَى من طَرْدِهِ صُوَرٌ منها غَيْرُ الْمُجْبَرِ إذَا أَذِنَتْ له مُوَلِّيَتُهُ في النِّكَاحِ وَنَهَتْهُ عن التَّوْكِيلِ فيه لَا يُوَكَّلُ بِهِ وَالظَّافِرُ بِحَقِّهِ لَا يُوَكِّلُ بِكَسْرِ الْبَابِ أو نَحْوِهِ وَأَخْذِ حَقِّهِ وَيُحْتَمَلُ جَوَازُهُ عِنْدَ عَجْزِهِ وَالْمُسْلِمُ لَا يُوَكِّلُ كَافِرًا في اسْتِيفَاءِ قِصَاصٍ من مُسْلِمٍ وَالْوَكِيلُ لَا يَسْتَقِلُّ بِالتَّوْكِيلِ فِيمَا يَقْدِرُ عليه وَالسَّفِيهُ الْمَأْذُونُ له في النِّكَاحِ ليس له التَّوْكِيلُ بِهِ فإن حَجْرَهُ لم يَرْتَفِعْ إلَّا عن مُبَاشَرَتِهِ وَكَذَا الْعَبْدُ كما سَيَأْتِي في بَعْضِ ذلك وَيُوَكَّلُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ في بَيْعِ مَالِ الطِّفْلِ عن الطِّفْلِ وَعَنْ نَفْسِهِ أَيْ عنهما مَعًا أو عن كُلٍّ مِنْهُمَا وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ في الرَّوْضَةِ نَقْلًا عن الْمَاوَرْدِيِّ ثُمَّ قال في جَوَازِهِ عن الطِّفْلِ نَظَرٌ وَفَائِدَةُ كَوْنِهِ وَكِيلًا عن الطِّفْلِ أَنَّهُ لو بَلَغَ رَشِيدًا لم يَنْعَزِلْ الْوَكِيلُ بِخِلَافِ ما إذَا كان وَكِيلًا عن الْوَلِيِّ وَذِكْرُ الْبَيْعِ وَالطِّفْلِ مِثَالٌ فَكَالْبَيْعِ ما في مَعْنَاهُ وَكَالطِّفْلِ الْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ الْمَحْجُورُ عليه قال الْأَذْرَعِيُّ وما ذُكِرَ هُنَا من تَوْكِيلِ الْوَصِيِّ هو الصَّحِيحُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ في الْوَصَايَا أَنَّهُ لَا يُوَكَّلُ وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ أَيْ فِيمَا يَتَوَلَّاهُ مِثْلُهُ فَعَلَيْهِ يُمْكِنُ حَمْلُ ما هُنَا على ذَاكَ لَكِنَّ الظَّاهِرَ الْإِطْلَاقُ وَتَوْكِيلُ غَيْرِ الْمُجْبَرِ قبل الْإِذْنِ له من مُوَلِّيَتِهِ مَذْكُورٌ في النِّكَاحِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَيَجُوزُ تَوْكِيلُ الصَّبِيِّ الْمُمَيَّزِ الْمَأْمُونِ في إذْنِ الدُّخُولِ أَيْ في الْإِذْنِ فيه وفي إيصَالِ الْهَدِيَّةِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وفي إخْبَارِهِ غَيْرَهُ بِطَلَبِ صَاحِبِ الْوَلِيمَةِ وما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَيْضًا في الْبَيْعِ فَيُوَكِّلُ الصَّبِيُّ غَيْرَهُ فِيهِمَا حَيْثُ يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ التَّوْكِيلُ فِيمَا وُكِّلَ فيه فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ وَكِيلًا وَمُوَكِّلًا فَهُوَ بِالِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ مُسْتَثْنَى من عَكْسِ اعْتِبَارِ صِحَّةِ مُبَاشَرَةِ الْوَكِيلِ وَيُسْتَثْنَى معه تَوْكِيلُ الْمَرْأَةِ بِالطَّلَاقِ وَسَيَأْتِي وَتَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ كَافِرًا بِشِرَاءِ مُسْلِمٍ كما مَرَّ في الْبَيْعِ وَتَوْكِيلُ الْوَلِيِّ امْرَأَةً لِتُوَكِّلَ رَجُلًا في تَزْوِيجِ مُوَلِّيَتِهِ وَتَوْكِيلُ مُعْسِرٍ مُوسِرًا بِنِكَاحِ أَمَةٍ وَتَوْكِيلُ شَخْصٍ بِقَبُولِ نِكَاحِ أُخْتِهِ أو نَحْوِهَا حَيْثُ لم يَتَعَيَّنْ لِلْوِلَايَةِ وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ الرَّقِيقِ وَالسَّفِيهِ وَالْمُفْلِسِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمَا فِيمَا لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ كُلٌّ
____________________
(2/264)
منهم من التَّصَرُّفَاتِ لَا بِإِذْنٍ من السَّيِّدِ وَالْوَلِيِّ وَالْغَرِيمِ لَكِنْ لو وَكَّلَ عَبْدًا لِيَشْتَرِيَ له نَفْسَهُ أو مَالًا آخَرَ من مَوْلَاهُ صَحَّ وَلَيْسَ من لَازِمِ وُجُودِ الْإِذْنِ لِمَنْ ذُكِرَ صِحَّةُ تَصَرُّفِهِ فَلَا يَرِدُ عَدَمُ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ من السَّفِيهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ أَمَّا ما يَسْتَقِلُّ بِهِ أَحَدُهُمْ فَيَصِحُّ تَوْكِيلُهُ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ السَّفِيهِ في قَبُولِ النِّكَاحِ وَإِنْ لم يَسْتَقِلَّ بِهِ كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ في الْعَبْدِ كما أَفَادَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ الْمُفْلِسِ وَلَوْ لَزِمَهُ عُهْدَةً فِيمَا لو وَكَّلَ فيه كما يَصِحُّ شِرَاؤُهُ وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ السَّكْرَانِ بِمُحَرَّمٍ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ بِخِلَافِ السَّكْرَانِ بِمُبَاحٍ كَدَوَاءٍ فإنه كَالْمَجْنُونِ وَيُشْتَرَطُ في الْوَكِيلِ مُطْلَقًا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا فَلَوْ قال أَذِنْت لِكُلِّ من أَرَادَ بَيْعَ دَارِي أَنْ يَبِيعَهَا أو قال لِرَجُلَيْنِ وَكَّلْت أَحَدَكُمَا بِبَيْعِ دَارِي لم يَصِحَّ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في الْحَجِّ وفي وَكِيلِ الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ عَدْلًا كما صَرَّحَ بِهِ ابن الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا فَرْعٌ وَلَوْ وَكَّلَ امْرَأَةً في طَلَاقِ غَيْرِهَا جَازَ وَلَوْ سَفِيهَةً كما يَجُوزُ أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهَا طَلَاقَ نَفْسِهَا قال في الْأَصْلِ قال في التَّتِمَّةِ وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهَا في رَجْعَةِ نَفْسِهَا وَلَا رَجْعَةِ غَيْرِهَا لِأَنَّ الْفَرْجَ لَا يُسْتَبَاحُ بِقَوْلِ النِّسَاءِ ا ه وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى فما مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ من صِحَّةِ التَّوْكِيلِ في الرَّجْعَةِ مَحَلُّهُ في الرَّجُلِ لَا في اخْتِيَارِ فِرَاقِ خَامِسَةِ من أَسْلَمَ بِإِضَافَةِ خَامِسَةٍ إلَى ما بَعْدَهَا بِأَنْ أَسْلَمَ على خَمْسٍ مَثَلًا وَوَكَّلَ امْرَأَةً في اخْتِيَارٍ الْخَامِسَةِ لِلْفِرَاقِ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ اخْتِيَارَهَا الْأَرْبَعَ لِلنِّكَاحِ وهو مُمْتَنِعٌ فَفُهِمَ مِمَّا قَالَهُ بِالْأُولَى ما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَوْكِيلُهَا في الِاخْتِبَارِ لِلنِّكَاحِ وَسَوَاءٌ أَعَيَّنَ لها الْمُوَكِّلُ من تَخْتَارُهَا أَمْ لَا وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى فما مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ من صِحَّةِ التَّوْكِيلِ فِيمَا إذَا عَيَّنَهَا الْمُوَكِّلُ مَحَلُّهُ في تَوْكِيلِ الرَّجُلِ وَتَوْكِيلُ الْمُرْتَدِّ غَيْرَهُ كَتَصَرُّفِهِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ إنْ احْتَمَلَ الْوَقْفَ كَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْوَصِيَّةِ وُقِفَ وَإِنْ لم يَحْتَمِلْهُ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ لم يَصِحَّ وَالتَّوْكِيلُ عَقْدٌ لَا يَحْتَمِلُ الْوَقْفَ على الْجَدِيدِ فَلَا يَصِحُّ مُطْلَقًا وهو أَوْجَهُ من قَوْلِ أَصْلِهِ إنَّهُ يُوقَفُ كَمِلْكِهِ وَمِنْ قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ يَنْبَغِي صِحَّتُهُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْوَقْفَ وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِهِ من أَنَّهُ لو ارْتَدَّ الْمُوَكِّلُ لم يُؤَثِّرْ في التَّوْكِيلِ بَلْ يُوقَفُ كَمِلْكِهِ بِأَنْ يُوقَفَ اسْتِمْرَارُهُ لَكِنْ جَزَمَ ابن الرِّفْعَةِ في الْمَطْلَبِ بِأَنَّ ارْتِدَادَهُ عَزْلٌ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَيْ الْمُرْتَدَّ أَحَدٌ صَحَّ تَصَرُّفُهُ لِوُقُوعِهِ لِغَيْرِهِ وَفُهِمَ منه بِالْأَوْلَى ما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ من أَنَّهُ لو ارْتَدَّ الْوَكِيلُ لم يُؤَثِّرْ في التَّوْكِيلِ وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ كَافِرٍ في نِكَاحِ كِتَابِيَّةٍ وَلَوْ لِمُسْلِمٍ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نِكَاحَهَا لِنَفْسِهِ وَكَذَا في طَلَاقِ مُسْلِمَةٍ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ طَلَاقَهَا كَأَنْ أَسْلَمَتْ كَافِرَةٌ بَعْدَ الدُّخُولِ فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثُمَّ أَسْلَمَ في الْعِدَّةِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ هُنَا وَبِهِ جَزَمَ الْأَصْلُ في بَابِ الْخُلْعِ لَا في نِكَاحِهَا إيجَابًا وَقَبُولًا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ نِكَاحَهَا بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ تَوْكِيلِهِ في شِرَاءِ مُسْلِمٍ أو مُسْلِمَةٍ كما مَرَّ بَيَانُهُ مع الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا في الْبَيْعِ وَكَلَامُهُ أَوْلَى من كَلَامِ أَصْلِهِ لِشُمُولِهِ مَنْعَ التَّوْكِيلِ في الْإِيجَابِ وَلَا في اسْتِيفَاءِ قِصَاصِ مُسْلِمٍ وَلَوْ لِكَافِرٍ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَهُ لِنَفْسِهِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ هُنَا وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ الْمُكَاتَبِ غَيْرَهُ في التَّبَرُّعَاتِ بِلَا إذْنٍ من سَيِّدِهِ وَيَصِحُّ بِالْإِذْنِ كما لو تَبَرَّعَ بِنَفْسِهِ فِيهِمَا وَخَرَجَ بِالتَّبَرُّعَاتِ غَيْرُهَا كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ التي
____________________
(2/265)
تَصِحُّ منه فَيَصِحُّ أَنْ يُوَكِّلَ فيه غَيْرَهُ مُطْلَقًا وَكَذَا لَا يَصِحُّ تَوَكُّلُهُ بِجُعْلٍ لَا يَفِي بِأُجْرَتِهِ لِتَبَرُّعِهِ بِعَمَلِهِ بِخِلَافِ ما إذَا كان يَفِي بها وَهَذَا أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ وَلَوْ وَكَّلَ مُكَاتَبًا بِجُعْلٍ يَفِي بِأُجْرَتِهِ جَازَ وَبِغَيْرِ جُعْلٍ له حُكْمُ تَبَرُّعِهِ الرُّكْنُ الرَّابِعُ الصِّيغَةُ فَيُشْتَرَطُ لِلْوَكَالَةِ الْإِيجَابُ كَوَكَّلْتُكَ بِكَذَا وَفَوَّضْت إلَيْك كَذَا أو ما يَقُومُ مَقَامَهُ كَطَلِّقْ وَبِعْ وَأَعْتِقْ لِأَنَّ الشَّخْصَ مَمْنُوعٌ من التَّصَرُّفِ في حَقِّ غَيْرِهِ إلَّا بِرِضَاهُ وهو لَا يَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ وَيَصِحُّ الْقَبُولُ بِالرِّضَا وَالِامْتِثَالِ لِمَا فُوِّضَ إلَيْهِ وَلَوْ على التَّرَاخِي كَالْوَصِيَّةِ نعم لو وَكَّلَهُ في إبْرَاءِ نَفْسِهِ أو عَرَضَهَا الْحَاكِمُ عليه عِنْدَ ثُبُوتِهَا عِنْدَهُ اُعْتُبِرَ الْقَبُولُ بِالِامْتِثَالِ فَوْرًا ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَهَذَانِ لَا يُسْتَثْنَيَانِ في الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا مَبْنِيٌّ على أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لَا تَوْكِيلٌ كَنَظِيرِهِ في الطَّلَاقِ وَالثَّانِي إنَّمَا اُعْتُبِرَ فيه الْفَوْرُ لِإِلْزَامِ الْحَاكِمِ إيفَاءَ حَقِّ الْغَرِيمِ لَا لِلْوَكَالَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِالِامْتِثَالِ من زِيَادَتِهِ وَأَفَادَ بِهِ مع ما قَبْلَهُ أَنَّ الْقَبُولَ يَحْصُلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَلَوْ لم يَتَلَفَّظْ بِمَا يَدُلُّ على الرِّضَا سَوَاءٌ أَوُجِدَ الرِّضَا أَمْ لَا كَأَنْ أَكْرَهَهُ حتى تَصَرَّفَ له وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ إبَاحَةٌ وَرَفْعُ حَجْرٍ كَإِبَاحَةِ الطَّعَامِ فَلَا يَتَعَيَّنُ فيها الْقَبُولُ بِاللَّفْظِ نعم لو كان لِإِنْسَانٍ عَيْنٌ مُعَارَةٌ أو مُؤَجَّرَةٌ أو مَغْصُوبَةٌ فَوَهَبَهَا لِآخَرَ فَقَبِلَهَا وَأَذِنَ له في قَبْضِهَا ثُمَّ إنَّ الْمَوْهُوبَ له وَكَّلَ في قَبْضِهَا الْمُسْتَعِيرَ أو الْمُسْتَأْجِرَ أو الْغَاصِبَ اُشْتُرِطَ قَبُولُهُ لَفْظًا وَلَا يُكْتَفَى بِالْفِعْلِ وهو الْإِمْسَاكُ لِأَنَّهُ اسْتِدَامَةٌ لِمَا سَبَقَ فَلَا دَلَالَةَ فيه على الرِّضَا بِقَبْضِهِ عن الْغَيْرِ كما سَيَأْتِي في الْهِبَةِ مع ما فيه فَإِنْ رَدَّهَا أَيْ الْوَكِيلُ الْوَكَالَةَ وَنَدِمَ جُدِّدَتْ وُجُوبًا لِأَنَّهَا جَائِزَةٌ تَرْتَفِعُ في الدَّوَامِ بِالْفَسْخِ فَارْتِدَادُهَا بِالرَّدِّ في الِابْتِدَاءِ أَوْلَى
وَلَوْ وَكَّلَهُ ولم يَعْلَمْ صَحَّ التَّوْكِيلُ كما أَنَّ الْعَزْلَ يَنْفُذُ قبل بُلُوغِ الْخَبَرِ لِلْوَكِيلِ وَتَصَرُّفُهُ قبل الْعِلْمِ كَبَيْعِ من ظَنَّ حَيَاةَ أبيه ما له فَبَانَ مَيِّتًا فَيَصِحُّ وَتَكْفِي الْكِتَابَةُ وَالرِّسَالَةُ في الْوَكَالَةِ وَلَوْ عَلَّقَهَا بِشَرْطٍ كَقَوْلِهِ إذَا قَدِمَ زَيْدٌ أو جاء رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ وَكَّلْتُك بِكَذَا أو فَأَنْتَ وَكِيلِي فيه بَطَلَتْ لِلشَّرْطِ وَنَفَذَ تَصَرُّفٌ صَادَفَ الْإِذْنَ فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ في ذلك عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ وَكَذَا حَيْثُ فَسَدَتْ الْوَكَالَةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِذْنُ فَاسِدًا كَقَوْلِهِ وَكَّلْت من أَرَادَ بَيْعَ دَارِي فَلَا يَنْفُذُ التَّصَرُّفُ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ النِّكَاحَ فَيَنْفُذُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ في نَحْوِ إذَا انْقَضَتْ عِدَّةُ بِنْتِي فَقَدْ وَكَّلْتُك بِتَزْوِيجِهَا بِخِلَافِ نَحْوِ وَكَّلْتُك بِتَزْوِيجِهَا ثُمَّ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَلَا يَضُرُّ تَعْلِيقُ التَّصَرُّفِ فَقَطْ كَقَوْلِهِ وَكَّلْتُك بِبَيْعِ عَبْدِي وَبِعْهُ بَعْدَ شَهْرٍ فَتَصِحُّ الْوَكَالَةُ وَلَا يَتَصَرَّفُ إلَّا بَعْدَ الشَّهْرِ
فَرْعٌ لو قال وَكَّلْتُك وَمَتَى أو إذَا أو مَهْمَا عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلِي أو فَقَدْ
____________________
(2/266)
وَكَّلْتُك صَحَّتْ في الْحَالِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ فَلَوْ عَزَلَهُ لم تَنْعَقِدْ أَيْ الْوَكَالَةُ بَلْ تَقَعُ فَاسِدَةً لِلتَّعْلِيقِ إلَّا أَنَّهُ إنْ تَصَرَّفَ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ لِلْإِذْنِ لَا إنْ كَرَّرَ عَزْلَهُ بِأَنْ قال عَزَلْتُك أو أَدَارَهُ كَالْوَكَالَةِ كَأَنْ قال مَتَى أو إذَا أو مَهْمَا عُدْت وَكِيلِي فَأَنْتَ مَعْزُولٌ أو فَقَدْ عَزَلْتُك فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ إمَّا في الْأُولَى فَلِأَنَّ تَعْلِيقَ الْوَكَالَةِ بِمَا ذُكِرَ لَا يَقْتَضِي عَوْدَهَا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِتُقَاوِمَ التَّوْكِيلَ وَالْعَزْلَ وَاعْتِضَادَ الْعَزْلِ بِالْأَصْلِ وهو الْحَجْرُ في حَقِّ الْغَيْرِ فَفَائِدَةُ صِحَّةِ الْوَكَالَةِ مع نُفُوذِ التَّصَرُّفِ في فَاسِدِهَا اسْتِقْرَارُ الْجُعْلِ الْمُسَمَّى إنْ كان بِخِلَافِهِ في الْفَاسِدَةِ فإنه يَسْقُطُ وَتَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كما أَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ في النِّكَاحِ يُفْسِدُ الصَّدَاقَ الْمُسَمَّى وَيُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ وَإِنْ لم يُؤَثِّرْ في النِّكَاحِ وفي نُسْخَةٍ فَإِنْ كَرَّرَ عَزْلَهُ انْعَزَلَ فَفَائِدَةُ فَسَادِ الْوَكَالَةِ سُقُوطُ الْمُسَمَّى وَوُجُوبُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَالْكُلُّ صَحِيحٌ لَكِنَّ الثَّانِيَةَ أَوْفَقُ بِكَلَامِ الْأَصْلِ فَإِنْ قال كُلَّمَا عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلِي تَكَرَّرَ الْإِذْنُ بِتَكَرُّرِ الْعَزْلِ لِاقْتِضَاءِ كُلَّمَا التَّكْرَارَ فَطَرِيقُهُ في أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ الْمَأْذُونِ فيه بِالْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ في عَزْلِهِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عليه عَزْلُ نَفْسِهِ إلَّا إذَا كان قد قال عَزَلْتُك أو عَزَلَك أَحَدٌ عَنِّي فَلَا يَكْفِي التَّوْكِيلُ بِالْعَزْلِ بَلْ يَتَعَيَّنُ ما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ
أو يقول كُلَّمَا عُدْت وَكِيلِي فَأَنْتَ مَعْزُولٌ فَيَمْتَنِعُ تَصَرُّفُهُ وَاسْتُشْكِلَتْ إدَارَةُ الْعَزْلِ بِأَنَّهَا تَفْرِيعٌ على ضَعِيفٍ وهو صِحَّةُ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ كما فَرَّعَهَا عليه الْأَصْلُ وَالْمُصَنِّفُ لَا يُفَرِّعُ على الضَّعِيفِ وَبِأَنَّهَا تَعْلِيقٌ لِلْعَزْلِ على الْوَكَالَةِ فَهُوَ تَعْلِيقٌ قبل الْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْعَزْلَ عن الْوَكَالَةِ التي لم تَصْدُرْ منه فَهُوَ كَقَوْلِهِ إنْ مَلَكْت فُلَانَةَ أو تَزَوَّجْتهَا فَهِيَ حُرَّةٌ أو طَالِقٌ وهو بَاطِلٌ وَأُجِيبَ عن الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ وَإِنْ فَسَدَتْ بِالتَّعْلِيقِ فَالتَّصَرُّفُ نَافِذٌ لِلْإِذْنِ فَاحْتِيجَ إلَى ذلك لِيَبْطُلَ الْإِذْنُ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْعَزْلَ الْمُعَلَّقَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِيمَا يَثْبُتُ فيه التَّصَرُّفُ بِلَفْظِ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ السَّابِقِ على لَفْظِ الْعَزْلِ لَا فِيمَا يَثْبُتُ بِلَفْظِ الْوَكَالَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ عنه إذْ لَا يَصِحُّ إبْطَالُ الْعُقُودِ قبل عَقْدِهَا وَتَعْلِيقُ الْعَزْلِ كَقَوْلِهِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَنْتَ مَعْزُولٌ كَالْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ فَيَفْسُدُ وَقِيلَ يَصِحُّ وهو أَوْلَى منها بِالصِّحَّةِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فيه قَبُولٌ قَطْعًا أو التَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الْمِنْهَاجِ وَأَصْلُهُ وَعَلَى الْمُرَجَّحِ يُمْنَعُ من التَّصَرُّفِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِوُجُودِ الْمَنْعِ كما أَنَّ التَّصَرُّفَ يَنْفُذُ في الْوَكَالَةِ الْفَاسِدَةِ بِالتَّعْلِيقِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ وَيَصِحُّ تَوْقِيتُ الْوَكَالَةِ كَ وَكَّلْتُكَ شَهْرًا فإذا مَضَى الشَّهْرُ امْتَنَعَ على الْوَكِيلِ التَّصَرُّفُ الْبَابُ الثَّانِي في أَحْكَامِ الْوَكَالَةِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ الْمُوَافَقَةُ في تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ لِمُقْتَضَى اللَّفْظِ الصَّادِرِ من الْمُوَكِّلِ أو الْقَرِينَةِ فَإِنَّهَا قد تَقْوَى فَيُتْرَكُ لها إطْلَاقُ اللَّفْظِ كما في أَمْرِهِ له في الصَّيْفِ بِشِرَاءِ الْجَمْدِ كما سَيَأْتِي وَكَمَا لو كان يَأْكُلُ الْخُبْزَ فقال لِغَيْرِهِ اشْتَرِ لي لَحْمًا حُمِلَ على الْمَشْوِيِّ لَا على النِّيءِ فَيَبِيعُ وُجُوبًا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِلْوَكَالَةِ بِأَنْ لم تُقَيَّدْ بِثَمَنٍ وَلَا حُلُولٍ وَلَا تَأْجِيلٍ وَلَا نَقْدٍ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَأَكْثَرَ حَالًّا من نَقْدِ الْبَلَدِ أَيْ بَلَدِ الْبَيْعِ لَا بَلَدِ التَّوْكِيلِ نعم إنْ سَافَرَ بِمَا وُكِّلَ فيه إلَى بَلَدٍ بِغَيْرِ إذْنٍ وَبَاعَهُ فيها اُعْتُبِرَ نَقْدُ بَلَدٍ حَقُّهُ أَنْ يَبِيعَ فيها فَإِنْ كان بِالْبَلَدِ نَقْدَانِ فَبِأَغْلَبِهِمَا يَبِيعُ ثُمَّ أَنْفَعِهِمَا لِلْمُوَكِّلِ ثُمَّ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَاعَ بِهِمَا مَعًا قال الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ جَازَ وَإِنْ كان في عَقْدٍ
____________________
(2/267)
وَاحِدٍ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَبِيعُ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَلَا بِمُؤَجَّلٍ وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ من عَرَضٍ وَنَقْدٍ نَظَرًا لِلْعُرْفِ وَقِيَاسًا على الْوَصِيِّ فَإِنْ خَالَفَ شيئا مِمَّا ذُكِرَ ضَمِنَ الْمَبِيعَ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي له بِإِقْبَاضِهِ لِتَعَدِّيهِ بِالْإِقْبَاضِ فَيَسْتَرِدُّهُ إنْ بَقِيَ وَإِلَّا غَرَّمَ الْمُوَكِّلُ من شَاءَ من الْوَكِيلِ وَالْمُشْتَرِي قِيمَتَهُ في الْمُتَقَوِّمِ وَمِثْلَهُ في الْمِثْلِيِّ
وَالْقَرَارُ على الْمُشْتَرِي وإذا اسْتَرَدَّهُ فَلَهُ بَيْعُهُ بِالْإِذْنِ السَّابِقِ كما في بَيْعِ الْعَدْلِ الرَّهْنَ بِخِلَافِ ما لو رُدَّ عليه بِعَيْبٍ أو فُسِخَ الْبَيْعُ الْمَشْرُوطُ فيه الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ لَا يَبِيعُهُ ثَانِيًا بِالْإِذْنِ السَّابِقِ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ أَمَّا قبل إقْبَاضِهِ فَلَا ضَمَانَ لِعَدَمِ التَّعَدِّي فيه وَلَا يَضُرُّ غَبْنٌ يَسِيرٌ وهو ما يُتَغَابَنُ بِهِ في الْعُرْفِ كَبَيْعِ ما يُسَاوِي عَشَرَةً بِتِسْعَةٍ لَا بِثَمَانِيَةٍ وَيَخْتَلِفُ الْعُرْفُ بِاخْتِلَافِ الْأَعْيَانِ من الْأَمْوَالِ فَلَا تُعْتَبَرُ النِّسْبَةُ في الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ وَلِهَذَا قال ابن أبي الدَّمِ الْعَشَرَةُ إنْ سُومِحَ بها في الْمِائَةِ فَلَا يُسَامَحُ بِالْمِائَةِ في الْأَلْفِ وَلَا بِالْأَلْفِ في عَشَرَةِ آلَافٍ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْوَكِيلِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ إنْ وَجَدَ زِيَادَةً لَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهَا بِأَنْ وُجِدَ رَاغِبٌ بها مَوْثُوقٌ بِهِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْمَصْلَحَةِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا لم يَكُنْ الرَّاغِبُ مُمَاطِلًا وَلَا مُتَجَوِّهًا وَلَا مَالُهُ أو كَسْبُهُ حَرَامٌ وَالْفَسْخُ في زَمَنِ الْخِيَارِ لِأَجْلِهَا ذَكَرْنَاهُ في بَيْعِ عَدْلٍ الرَّهْنَ فَيَأْتِي فيه ما مَرَّ ثَمَّ فَإِنْ وَكَّلَهُ في الصَّيْفِ في شِرَاءِ جَمْدٍ لم يَشْتَرِهِ في الشِّتَاءِ وَلَا في الصَّيْفِ بَعْدَهُ كما قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ لِمُقْتَضَى الْقَرِينَةِ فَرْعٌ قَوْلُهُ بِعْ بِكَمْ شِئْت إذْنٌ في الْغَبْنِ الْفَاحِشِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ بِهِ فَقَطْ فَلَا يَبِيعُ بِالنَّسِيئَةِ وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ
وقوله بِعْ بِمَا شِئْت أو بِمَا تَيَسَّرَ قَالَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ إذْنٌ في الْعَرْضِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ بِهِ لَا بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَلَا بِالنَّسِيئَةِ وقوله بِعْ كَيْفَ شِئْت إذْنٌ في النَّسِيئَةِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ بها لَا بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وقوله بِعْ بِمَا عز وَهَانَ إذْنٌ في الْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَالْعَرْضِ فَيَبِيعُ بِهِمَا لَا بِالنَّسِيئَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ كَمْ لِلْعَدَدِ فَشَمِلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وما لِلْجِنْسِ فَشَمِلَ النَّقْدَ وَالْعَرَضَ لَكِنَّهُ في الْأَخِيرَةِ لَمَّا قَرَنَ بِعَزْوِهَا شَمِلَ عُرْفًا الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ أَيْضًا وَكَيْف لِلْحَالِ فَشَمِلَ الْحَالَ وَالْمُؤَجَّلَ وما ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ في ما تَبَعًا لِلْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِمَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَالْمُتَوَلِّي في النِّكَاحِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ من جَوَازِ الْبَيْعِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ قال السُّبْكِيُّ وهو الذي يَقْتَضِيهِ الْعُرْفُ فَلْيَكُنْ هو الصَّحِيحَ إلَّا إذَا دَلَّتْ قَرِينَةٌ على خِلَافِهِ فَرْعٌ لو بَاعَ الْوَكِيلُ أو اشْتَرَى من أُصُولِهِ أو فُرُوعِهِ الْبَالِغِينَ الرُّشَدَاءِ أو مُكَاتَبِهِ جَازَ كما يَجُوزُ من صَدِيقِهِ بِخِلَافِ ما لو فَوَّضَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَنْ يُوَلِّيَ الْقَضَاءَ من شَاءَ لَا يَجُوزُ له تَفْوِيضُهُ إلَى أُصُولِهِ وَلَا فُرُوعِهِ لِأَنَّ لنا هُنَا مَرَدًّا ظَاهِرًا وهو ثَمَنُ الْمِثْلِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ من نَفْسِهِ وَطِفْلِهِ وَنَحْوٍ من مَحَاجِيرِهِ وَلَوْ أَذِنَ له فيه لَتَضَادَّ غَرَضَيْ الِاسْتِرْخَاصِ لهم وَالِاسْتِقْصَاءِ لِلْمُوَكِّلِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ جَوَازِ اتِّحَادِ الْمُوجِبِ وَالْقَابِلِ وَإِنْ انْتَفَتْ التُّهْمَةُ وَلِأَنَّهُ لو وَكَّلَهُ لِيَهَبَ من نَفْسِهِ لم يَصِحَّ وَإِنْ انْتَفَتْ التُّهْمَةُ لِاتِّحَادِ الْمُوجِبِ وَالْقَابِلِ كما يَأْتِي وَالتَّرْجِيحُ في صُورَةِ الْإِذْنِ في الطِّفْلِ من زِيَادَتِهِ وَكَذَا لو وَكَّلَ في الْهِبَةِ وَالتَّزْوِيجِ وَاسْتِيفَاءِ الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ وَالدَّيْنِ من نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ له شَيْءٌ منها لِذَلِكَ وما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ من مَنْعِ تَوْكِيلِ السَّارِقِ في الْقَطْعِ سَيَأْتِي ما يُخَالِفُهُ في بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وقد يُحْمَلُ الْحَدُّ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ على غَيْرِ هذا أو يُوَكِّلُ في الطَّرَفَيْنِ من عَقْدٍ وَنَحْوِهِ كَمُخَاصَمَةٍ لَا يَجُوزُ له أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا وَلَهُ اخْتِيَارُ طَرَفٍ مِنْهُمَا فَيَأْتِي بِهِ وَيَصِحُّ تَوَكُّلُهُ في إبْرَاءِ نَفْسِهِ بِنَاءً على أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ في الْإِبْرَاءِ وفي إعْتَاقِهَا أَيْ نَفْسَهُ وفي الْعَفْوِ عنها من الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ
فَرْعٌ وَإِنْ وَكَّلَهُ في
____________________
(2/268)
الْبَيْعِ نَسِيئَةً جَازَ وَلَوْ لم يُبَيِّنْ الْمُدَّةَ عَمَلًا بِالْإِذْنِ وإذا لم يُبَيِّنْهَا له يُعْتَمَدُ الْعُرْفُ في مِثْلِ الْمَبِيعِ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ على الْمَعْهُودِ ثُمَّ إنْ لم يَكُنْ فيه عُرْفٌ اُعْتُمِدَ الْأَنْفَعُ لِلْمُوَكِّلِ ثُمَّ يَتَخَيَّرُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ في النَّقْدَيْنِ وَقِيَاسُ ما يَأْتِي في عَامِلِ الْقِرَاضِ من وُجُوبِ الْإِشْهَادِ بِالْبَيْعِ نَسِيئَةً وُجُوبُهُ هُنَا وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي وَلَا يُطَالَبُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ إذَا حَلَّ فَلَيْسَ له قَبْضُهُ حِينَئِذٍ إلَّا بِإِذْنٍ مُسْتَأْنَفٍ بَلْ عليه تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ كان بيده إذْ لَا حَبْسَ بِالْمُؤَجَّلِ أو وَكَّلَهُ في الْبَيْعِ مُطْلَقًا فَلَهُ قَبْضُ الثَّمَنِ الْحَالِّ لِأَنَّهُ من مُقْتَضَيَاتِ الْبَيْعِ هذا إنْ لم يَمْنَعْهُ الْمُوَكِّلُ من قَبْضِهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ له قَبْضُهُ وَيُسَلِّمُ الْمَبِيعَ وُجُوبًا إنْ كان بيده بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ لِمَا مَرَّ آنِفًا وَلِأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي وَلَا حَقَّ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَمَّا قبل قَبْضِ الثَّمَنِ فَلَيْسَ له التَّسْلِيمُ لِمَا فيه من الْخَطَرِ وَقِيَاسًا على ما لو أَذِنَ له فِيهِمَا وَلَوْ قال له امْنَعْ الْمَبِيعَ منه أَيْ من الْمُشْتَرِي فَسَدَتْ الْوَكَالَةُ لِأَنَّ مَنْعَ الْحَقِّ عَمَّنْ يَسْتَحِقُّ إثْبَاتَ يَدِهِ عليه حَرَامٌ
وَصَحَّ الْبَيْعُ بِالْإِذْنِ وفي نُسْخَةٍ بَدَلَ قَوْلِهِ فَسَدَتْ إلَى آخِرِهِ فَشَرْطٌ فَاسِدٌ وَإِنْ قال له لَا تُسَلِّمْ أَيْ الْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي لم تَفْسُدْ أَيْ الْوَكَالَةُ لِأَنَّهُ لم يَمْنَعْهُ من أَصْلِ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ بَلْ من تَسْلِيمِهِ بِنَفْسِهِ وَفَرْقٌ بين قَوْلِهِ لَا تُسَلِّمْهُ إلَيْهِ وَقَوْلِهِ امْنَعْهُ منه وعلى هذا يُسَلَّمُ الْمَبِيعُ وفي نُسْخَةٍ يُسَلِّمُهُ أَيْ يُسَلِّمُهُ الْمُوَكِّلُ لِلْمُشْتَرِي عنه أَيْ عن الْوَكِيلِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ فَرْعٌ وَإِنْ سَلَّمَ الْوَكِيلُ الْمَبِيعَ قبل قَبْضِ الثَّمَنِ الْحَالِّ غَرِمَ الْوَكِيلُ الْقِيمَةَ أَيْ قِيمَةَ الْمَبِيعِ يوم التَّسْلِيمِ لِتَقْصِيرِهِ وَإِنْ كانت أَكْثَرَ من الثَّمَنِ قال الْقَاضِي وَمَعَ هذا لِلْمُوَكِّلِ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي بِاسْتِرْدَادِ الْمَبِيعِ إنْ كان بَاقِيًا ثُمَّ بَعْدَ غُرْمِهِ الْقِيمَةَ إنْ قَبَضَهُ أَيْ الثَّمَنَ سَلَّمَهُ لِلْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَاسْتَرَدَّ ما غَرِمَ له لِأَنَّهُ إنَّمَا غَرِمَ لِلْحَيْلُولَةِ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ في غُرْمِ الْقِيمَةِ بين الْمِثْلِيِّ وَالْمُتَقَوِّمِ قال الْإِسْنَوِيُّ وهو قَرِيبٌ مِمَّا قَالُوهُ في ضَمَانِ الْحَيْلُولَةِ وَمَنْ وَكَّلَ في إثْبَاتِ حَقٍّ له لم يَسْتَوْفِهِ عَيْنًا كان أو دَيْنًا وَكَذَا عَكْسُهُ بِأَنْ وَكَّلَ في اسْتِيفَاءِ حَقٍّ لم يُثْبِتْهُ إذَا أَنْكَرَهُ من هو عليه لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَقْتَضِي الْآخَرَ وقد يَرْضَاهُ الْمُوَكِّلُ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَوْ قال له بِعْ نَصِيبِي من كَذَا أو قَاسِمْ شُرَكَائِي أو خُذْ بِالشُّفْعَةِ فَأَنْكَرَ الْخَصْمُ مِلْكَهُ لم يَكُنْ له الْإِثْبَاتُ فَرْعٌ لو أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ وَأَعْطَاهُ الثَّمَنَ وَاشْتَرَى بِعَيْنِهِ أو في الذِّمَّةِ فَلَهُ تَسْلِيمُهُ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ لَا قَبْلَهُ كَنَظِيرِهِ في أَمْرِهِ له بِالْبَيْعِ وَإِعْطَائِهِ الْمَبِيعَ فَرْعٌ لو اشْتَرَى مَعِيبًا عَالِمًا بِعَيْبِهِ وَلَوْ بِتَعْيِينِ الْمُوَكِّلِ لم يَقَعْ عن الْمُوَكِّلِ وَإِنْ سَاوَى الثَّمَنَ نَظَرًا لِلْعُرْفِ نعم إنْ عَلِمَ بِعَيْبِ ما عَيَّنَهُ وَقَعَ له وَبَطَلَ الشِّرَاءُ إنْ كان بِعَيْنِ مَالِ الْمُوَكِّلِ لِتَقْصِيرِ الْوَكِيلِ مع شِرَائِهِ بِمَا ذُكِرَ وَإِلَّا بِأَنْ اشْتَرَاهُ في الذِّمَّةِ ولم يَعْلَمْ الْمُوَكِّلُ عَيْبَهُ فِيمَا إذَا عَيَّنَهُ وَقَعَ عن الْوَكِيلِ لَا عن الْمُوَكِّلِ وَلَوْ سَاوَى الثَّمَنَ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ وَلَا عُذْرَ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِي إلَّا السَّلِيمَ من الْعَيْبِ وَيُخَالِفُ عَامِلَ الْقِرَاضِ حَيْثُ يَجُوزُ له شِرَاءُ الْمَعِيبِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ثَمَّ الرِّبْحُ وقد يُتَوَقَّعُ في شِرَاءِ الْمَعِيبِ وَهُنَا الْمَقْصُودُ الِاقْتِنَاءُ وَقَضِيَّةُ هذا أَنَّهُ إذَا كان الْمَقْصُودُ هُنَا الرِّبْحَ جَازَ له شِرَاءُ الْمَعِيبِ كَعَامِلِ الْقِرَاضِ وَشَرِيكِ التِّجَارَةِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ له فيها وَبِهِ جَزَمَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ اشْتَرَاهُ جَاهِلًا بِعَيْبِهِ وَقَعَ لِلْمُوَكِّلِ وَلَوْ لم يُسَاوِ الثَّمَنَ كما لو اشْتَرَاهُ بِنَفْسِهِ جَاهِلًا وَفَارَقَ عَدَمَ صِحَّةِ بَيْعِهِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بِأَنَّ الْغَبْنَ لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ فَيَتَضَرَّرُ الْمُوَكِّلُ وَلِلْمُوَكِّلِ حِينَئِذٍ وَكَذَا الْوَكِيلُ الرَّدُّ لِلْمَبِيعِ أَمَّا الْمُوَكِّلُ فَلِأَنَّهُ الْمَالِكُ وَالضَّرَرُ لَاحِقٌ بِهِ وَأَمَّا الْوَكِيلُ فَلِأَنَّهُ نَائِبُهُ وَلِأَنَّا لو لم نُجَوِّزْهُ له فَقَدْ لَا يَرْضَى بِهِ الْمُوَكِّلُ فَيَتَعَذَّرُ الرَّدُّ لِكَوْنِهِ فَوْرِيًّا وَيَبْقَى لِلْوَكِيلِ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ وَاسْتَشْكَلَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّا إذَا لم نُجَوِّزْهُ له
____________________
(2/269)
كان كَالْأَجْنَبِيِّ عن الْعَقْدِ فَلَا أَثَرَ لِتَأْخِيرِهِ وبأن من له الرَّدُّ قد يُعْذَرُ في التَّأْخِيرِ فَهَلَّا كان مُشَاوَرَتُهُ الْمُوَكِّلَ عُذْرًا وَبِأَنَّهُ وَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ فَلَا يَتَعَذَّرُ رَدُّ الْمُوَكِّلِ إذَا سَمَّاهُ في الْعَقْدِ أو نَوَاهُ وَيُجَابُ عن إشْكَالِهِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ ما قَالَهُ فيه لَا يُنَافِي مَقْصُودَ التَّعْلِيلِ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْوَكِيلَ لَمَّا اسْتَقَلَّ بِالْبَيْعِ عن مُوَكِّلِهِ اسْتَقَلَّ بِتَوَابِعِهِ فَلَا يُعَدُّ التَّأْخِيرُ لِلْمُشَاوَرَةِ عُذْرًا وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ قَوْلَهُ فيه فَلَا يَتَعَذَّرُ رَدُّ الْمُوَكِّلِ إذَا سَمَّاهُ الْوَكِيلُ أو نَوَاهُ لَا يَسْتَلْزِمُ دَفْعَ الضَّرَرِ عن الْوَكِيلِ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَرُدَّهُ الْمُوَكِّلُ على الْبَائِعِ بِأَنْ يَرُدَّهُ على الْوَكِيلِ أو يَقُولَ اخْتَرْت رَدَّهُ وَلَوْ سُلِّمَ اسْتِلْزَامُهُ له فَإِنَّمَا يَدْفَعُهُ عنه إذَا صَدَّقَهُ الْبَائِعُ دُونَ ما إذَا كَذَّبَهُ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا كَذَّبَهُ يَرُدُّ الْمُوَكِّلُ عليه لَا على الْبَائِعِ لَا إنْ اشْتَرَى الْمَعِيبَ بِعَيْنِ مَالِ الْمُوَكِّلِ فَلَا رَدَّ له بِالْعَيْبِ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ له بِحَالٍ فَلَا يَتَضَرَّرُ بِهِ فَإِنْ اشْتَرَاهُ في الذِّمَّةِ وَرَضِيَ بِهِ الْمُوَكِّلُ أو قَصَّرَ في الرَّدِّ لم يَرُدَّهُ الْوَكِيلُ بِخِلَافِ نَظِيرِ الْأُولَى في الْفَسْخُ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْوَكِيلِ وَبِخِلَافِ عَامِلِ الْقِرَاضِ على ما سَيَأْتِي لَحْظَةً في الرِّبْحِ وَقَوْلُهُ أو قَصَّرَ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ رضي بِهِ الْوَكِيلُ أو قَصَّرَ في الرَّدِّ رَدَّهُ الْمُوَكِّلُ لِبَقَاءِ حَقِّهِ هذا إنْ سَمَّاهُ الْوَكِيلُ في الشِّرَاءِ أو نَوَاهُ وَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ وَإِلَّا وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ لِأَنَّهُ اشْتَرَى في الذِّمَّةِ ما لم يَأْذَنْ فيه الْمُوَكِّلُ فَانْصَرَفَ إلَيْهِ فَرْعٌ لو قال الْبَائِعُ لِلْوَكِيلِ أَخِّرْ الرَّدَّ حتى يَحْضُرَ الْمُوَكِّلُ لم تَلْزَمْهُ إجَابَتُهُ لِتَضَرُّرِهِ وَلِأَنَّهُ حَقُّهُ فَإِنْ فَعَلَ أَيْ أَخَّرَ الرَّدَّ فَقَدْ قَصَّرَ فَلَا رَدَّ له وَالشِّرَاءُ وَاقِعٌ لِلْمُوَكِّلِ وَلَهُ الرَّدُّ لِكَوْنِ الْوَكِيلِ سَمَّاهُ أو نَوَاهُ وَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ ضَرُورَةَ أَنَّهُمْ مُتَصَادِقُونَ على أَنَّ الشِّرَاءَ وَقَعَ له وَهَذَا ما بَحَثَهُ الْأَصْلُ وَصَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ كما قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَخَالَفَ الْبَغَوِيّ فقال الْمَبِيعُ لِلْوَكِيلِ وَرَدَّهُ الْأَصْلُ بِمَا ذُكِرَ وقال بَعْضُهُمْ إنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ وقال السُّبْكِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ ما إذَا لم يُسَمِّ الْمُوَكِّلَ وَلَا صَدَّقَهُ الْبَائِعُ لَكِنَّ عِبَارَتَهُ تَقْصُرُ عن مُرَادِهِ وَقَوْلُهُ حتى يَحْضُرَ الْمُوَكِّلُ أَيْ بِزَعْمِك انْتَهَى فَإِنْ ادَّعَى الْبَائِعُ رِضَا الْمُوَكِّلِ بِالْعَيْبِ وَاحْتَمَلَ رِضَاهُ بِهِ بِاحْتِمَالِ بُلُوغِ الْخَبَرِ إلَيْهِ فَحَلَفَ الْوَكِيلُ على نَفْيِ الْعِلْمِ بِرِضَا الْمُوَكِّلِ رَدَّ الْمَبِيعَ وَإِنْ لم يَحْتَمِلْ لم يُلْتَفَتْ إلَى دَعْوَاهُ فَلَوْ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ وَصَدَّقَ الْبَائِعَ في دَعْوَاهُ فَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ أَيْ الْمَبِيعِ منه لِمُوَافَقَتِهِ إيَّاهُ على الرِّضَا قبل الرَّدِّ وَإِنْ نَكَلَ الْوَكِيلُ وَحَلَفَ الْبَائِعُ لم يَرُدَّ أَيْ الْوَكِيلُ لِتَقْصِيرِهِ بِالنُّكُولِ ثُمَّ إنْ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ وَصَدَّقَ الْبَائِعَ فَذَاكَ وَإِنْ كَذَّبَهُ وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ وَلَهُ الرَّدُّ خِلَافًا لِلْبَغَوِيِّ كما مَرَّ نَظِيرُهُ نَبَّهَ عليه الْأَصْلُ فَرْعٌ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ بِالْعَيْبِ على الْوَكِيلِ وعلى الْمُوَكِّلِ ثُمَّ الْوَكِيلُ إذَا رُدَّ عليه يَرُدُّ على الْمُوَكِّلِ وَلَوْ حَطَّ الْوَكِيلُ الْأَرْشَ من الثَّمَنِ لِلْعَيْبِ لم يَنْحَطَّ لِتَضَمُّنِهِ الْإِبْرَاءَ بِلَا إذْنٍ بِخِلَافِ ما لو حَطَّ بَعْضَ الثَّمَنِ في زَمَنِ الْخِيَار فَيَنْحَطُّ إنْ رَأَى الْوَكِيلُ فيه مَصْلَحَةً بِأَنْ كان في السِّلْعَةِ رِبْحٌ وَخَافَ إنْ لم يَحُطَّ بَعْضَ الثَّمَنِ فَسْخَ الْمُشْتَرِي فَلَوْ أَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ قَدَّمَ الْعَيْبَ وَزَعَمَ حُدُوثَهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَاعْتَرَفَ بِهِ الْوَكِيلُ لَزِمَهُ وَحْدَهُ أَيْ رَدَّ على الْوَكِيلِ لَا على الْمُوَكِّلِ وَلَا يَرُدُّ الْوَكِيلُ على الْمُوَكِّلِ وَلَوْ اشْتَرَى مَعِيبًا يُعْتَقُ على الْمُوَكِّلِ فَلَهُ رَدُّهُ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَقُ على الْمُوَكِّلِ قبل رِضَاهُ بِالْعَيْبِ بِخِلَافِ ما لو اشْتَرَى من يُعْتَقُ عليه فَوَجَدَهُ مَعِيبًا لَا رَدَّ له كما مَرَّ مع الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا في بَابِ خِيَارِ النَّقْصِ فَرْعٌ لِلْوَكِيلِ التَّوْكِيلُ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ فِيمَا لَا يُحْسِنُهُ أو لَا يَلِيقُ بِهِ إذْ تَفْوِيضُ مِثْلِ ذلك إلَيْهِ إنَّمَا يُقْصَدُ منه الِاسْتِنَابَةُ قال الْإِسْنَوِيُّ وَقَضِيَّتُهُ امْتِنَاعُ التَّوْكِيلِ عِنْدَ جَهْلِ الْمُوَكِّلِ بِحَالِهِ أو اعْتِقَادِهِ خِلَافَ ما هو عليه وهو ظَاهِرٌ فَلَوْ كَثُرَ الْمُوَكَّلُ فيه ولم يُمْكِنْ الْوَكِيلَ الْإِتْيَانُ بِجَمِيعِهِ وَكَّلَ فِيمَا لَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ لِدُعَاءِ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ فَقَطْ أَيْ لَا فِيمَا يُمْكِنُهُ
____________________
(2/270)
لِأَنَّهُ لم يَرْضَ بِتَصَرُّفِ غَيْرِهِ وَلَا ضَرُورَةَ وَلَوْ وَكَّلَهُ فِيمَا يُمْكِنُهُ عَادَةً وَلَكِنَّهُ عَاجِزٌ عنه بِسَفَرٍ أو مَرَضٍ فَإِنْ كان التَّوْكِيلُ في حَالِ عِلْمِهِ بِسَفَرِهِ أو مَرَضِهِ جَازَ له أَنْ يُوَكِّلَ وَإِنْ طَرَأَ الْعَجْزُ فَلَا خِلَافًا لِلْجُورِيِّ قَالَهُ في الْمَطْلَبِ وَكَطُرُقِ الْعَجْزِ ما لو جَهِلَ الْمُوَكِّلُ حَالَ تَوْكِيلِهِ ذلك كما يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ آنِفًا عن الْإِسْنَوِيِّ وَلَهُ التَّوْكِيلُ بِإِذْنِ الْمُوَكِّلِ فَإِنْ قال له وَكِّلْ عن نَفْسِك فَوَكَّلَ كان الْوَكِيلُ وَكِيلَهُ عَمَلًا بِإِذْنِ الْمُوَكِّلِ فَيَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ له وَانْعِزَالُهُ بِمَوْتِهِ وَجُنُونِهِ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ وَكَذَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْمُوَكِّلِ له أو لِمُوَكِّلِهِ كما يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَجُنُونِهِ وَلِأَنَّهُ فَرْعُ فَرْعِهِ فَيَكُونُ فَرْعَهُ أو قَالَهُ له وَكِّلْ عَنِّي فَهُمَا وَكِيلَانِ له
وَكَذَا لو لم يَقُلْ عَنِّي وَلَا عَنْك أَمَّا الْأَوَّلُ فِيهِمَا فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الثَّانِي في الْأَوَّلِ فَعَمَلًا بِإِذْنِ الْمُوَكِّلِ وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ تَوْكِيلَ الثَّانِي له تَصَرُّفٌ وَقَعَ بِإِذْنِ الْمُوَكِّلِ فَوَقَعَ عنه فَلَهُ فِيهِمَا عَزْلُ أَيِّهِمَا شَاءَ وَلَا يَعْزِلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَلَا يَنْعَزِلُ بِانْعِزَالِهِ فَلَوْ وَكَّلَهُ فِيهِمَا عن نَفْسِهِ لم يَصِحَّ وَلَوْ فَسَقَ الْوَكِيلُ الثَّانِي فِيهِمَا لم يَعْزِلْهُ إلَّا الْمُوَكِّلُ وَهَذَا بِخِلَافِ ما لو قال الْإِمَامُ أو الْقَاضِي لِنَائِبِهِ اسْتَنِبْ فَاسْتَنَابَ فإنه نَائِبٌ عنه لَا عن مُنِيبِهِ وَفُرِّقَ بِأَنَّ الْقَاضِيَ نَاظِرٌ في حَقِّ غَيْرِ الْمَوْلَى كما قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْوَكِيلُ نَاظِرٌ في حَقِّ الْمُوَكِّلِ وَيُفَرَّقُ أَيْضًا بِأَنَّ الْغَرَضَ من إنَابَةِ الْغَيْرِ ثَمَّ إعَانَتُهُ فَكَانَ هو الْمُرَادَ بِخِلَافِهِ هُنَا فَكَانَ الْمُرَادُ الْمُوَكِّلَ وَحَيْثُ مَلَكَ الْوَكِيلُ التَّوْكِيلَ اُشْتُرِطَ أَنْ يُوَكِّلَ أَمِينًا رِعَايَةً لِمَصْلَحَةِ الْمُوَكِّلِ إلَّا إنْ عَيَّنَ له الْمُوَكِّلُ غَيْرَهُ فَيُوَكِّلُهُ لِإِذْنِهِ فيه نعم لو عَلِمَ الْوَكِيلُ فِسْقَ الْمُعَيَّنِ دُونَ الْمُوَكِّلِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ تَوْكِيلُهُ كما لو وَكَّلَهُ في شِرَاءِ مُعَيَّنٍ فَاطَّلَعَ على عَيْبِهِ دُونَ الْمُوَكِّلِ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ قال وَقَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِمْ بِالتَّعْيِينِ أَنَّهُ لو عَمَّمَ فقال وَكِّلْ من شِئْت لَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ غَيْرِ الْأَمِينِ لَكِنَّهُمْ قالوا في النِّكَاحِ إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا قالت زَوِّجْنِي مِمَّنْ شِئْت جَازَ تَزْوِيجُهَا من الْأَكْفَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيَاسُهُ الْجَوَازُ هُنَا بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ ثَمَّ يَصِحُّ وَلَا خِيَارَ لها وَهُنَا يُسْتَدْرَكُ لِأَنَّهُ إذَا وَكَّلَ الْفَاسِقَ فَبَاعَ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ لَا يَصِحُّ أو اشْتَرَى مَعِيبًا ثَبَتَ الْخِيَارُ وَأُجِيبَ عنه بِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّوْكِيلِ في التَّصَرُّفِ في الْأَمْوَالِ حِفْظُهَا وَتَحْصِيلُ مَقَاصِدِ الْمُوَكِّلِ فيها وَهَذَا يُنَافِيهِ تَوْكِيلُ الْفَاسِقِ بِخِلَافِ الْكَفَاءَةِ فَإِنَّهَا صِفَةُ كَمَالٍ وقد تُسَامِحُ الْمَرْأَة بِتَرْكِهَا لِحَاجَةِ الْقُوتِ أو غَيْرِهِ
وقد يَكُونُ غَيْرُ الْكُفْءِ أَصْلَحَ لها وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ هُنَا إنَّمَا قَصَدَ التَّوْسِعَةَ عليه بِشَرْطِ النَّظَرِ له بِالْمَصْلَحَةِ وَلَوْ عَيَّنَ له فَاسِقًا فَزَادَ فِسْقُهُ فَيَظْهَرُ كما قال الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ تَوْكِيلُهُ كَنَظِيرِهِ فِيمَا لو زَادَ فَاسِقٌ عِدْلَ الرَّهْنِ فَرْعٌ ليس قَوْلُهُ لِلْوَكِيلِ في تَوْكِيلِهِ بِشَيْءٍ افْعَلْ فيه ما شِئْت أو وَكِّلْ ما تَصْنَعُ فيه جَائِزٌ إذْنًا في التَّوْكِيلِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ ما شِئْت من التَّوْكِيلِ وما شِئْت من التَّصَرُّفِ فِيمَا أَذِنَ له فيه فَلَا يُوَكَّلُ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ كما لَا يَهَبُ فَصْلٌ في التَّقْيِيدِ لِلْوَكَالَةِ لو قال بِعْ من زَيْدٍ لم يَبِعْ من عَمْرٍو لِأَنَّهُ قد يُقْصَدُ تَخْصِيصُهُ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ وَرُبَّمَا كان مَالُهُ أَبْعَدَ عن الشُّبْهَةِ نعم إنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ على إرَادَةِ الرِّبْحِ وَأَنَّهُ لَا غَرَضَ له في التَّعْيِينِ إلَّا ذلك فَالْمُتَّجَهُ جَوَازُ الْبَيْعِ من غَيْرِ الْمُعَيَّنِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أو قال بِعْ أو أَعْتِقْ يوم الْجُمُعَةِ مَثَلًا لم يَجُزْ له الْبَيْعُ
____________________
(2/271)
أو الْعِتْقُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مُرَاعَاةً لِتَخْصِيصِ الْمُوَكِّلِ وَالْمُتَّجَهُ كما قال الْإِسْنَوِيُّ انْحِصَارُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ في الذي يَلِيهِ حتى لَا يَجُوزَ ذلك في مِثْلِهِ من جُمُعَةٍ أُخْرَى وَكَذَا الطَّلَاقُ إذَا قُيِّدَ بِيَوْمٍ لَا يَقَعُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ لِمَا مَرَّ وَبِهِ صَرَّحَ في الرَّوْضَةِ في كِتَابِ الطَّلَاقِ نَقْلًا عن الْبُوشَنْجِيِّ وَأَشَارَ إلَيْهِ هُنَا بَعْدَ نَقْلِهِ عن الدَّارَكِيِّ أَنَّهُ يَقَعُ بَعْدَهُ لَا قَبْلَهُ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ فيه مُطَلَّقَةٌ بَعْدَهُ لَا قَبْلَهُ وما قَالَهُ الدَّارَكِيُّ غَرِيبٌ مُخَالِفٌ لِنَظَائِرِهِ وَإِنْ عَيَّنَ لِلْبَيْعِ مَكَانًا كَبَلَدٍ وَسُوقٍ تَعَيَّنَ وَلَوْ لم يَكُنْ له في ذلك غَرَضٌ ظَاهِرٌ كَكَثْرَةِ الرَّاغِبِينَ وَجَوْدَةِ النَّقْدِ لِمَا مَرَّ وما ذُكِرَ من تَعَيُّنِ الْمَكَانِ إذَا لم يَكُنْ لِلْمُوَكِّلِ غَرَضٌ ظَاهِرٌ وهو ما صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ لَكِنْ قال الْإِسْنَوِيُّ الرَّاجِحُ عَدَمُ التَّعْيِينِ فَقَدْ نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَجَمْعٌ وقال الزَّرْكَشِيُّ نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَعَلَى الْأَوَّلِ مَحَلُّهُ إذَا لم يُقَدِّرْ الثَّمَنَ فَإِنْ قَدَّرَ الثَّمَنَ لم يَتَعَيَّنْ الْمَكَانُ إلَّا إنْ نَهَاهُ عن الْبَيْعِ في غَيْرِهِ فَيَتَعَيَّنُ الْبَيْعُ فيه وَإِنْ عَيَّنَ لِلْبَيْعِ بَلَدًا أو سُوقًا فَنَقَلَهُ أَيْ ما وُكِّلَ في بَيْعِهِ إلَى غَيْرِهِ ضَمِنَ الْمُثَمَّنَ وَالثَّمَنَ وَإِنْ قَبَضَهُ وَعَادَ بِهِ كَنَظِيرِهِ من الْقِرَاضِ لِلْمُخَالَفَةِ قال في الْأَصْلِ بَلْ لو أَطْلَقَ التَّوْكِيلَ في الْبَيْعِ في بَلَدٍ فَلْيَبِعْ فيه فَإِنْ نَقَلَ ضَمِنَ فُرُوعٌ لو قال اشْتَرِ لي عَبْدَ فُلَانٍ وكان فُلَانٌ قد بَاعَهُ فَلِلْوَكِيلِ شِرَاؤُهُ من الْمُشْتَرِي وَلَوْ قال طَلِّقْ زَوْجَتِي ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ فَلِلْوَكِيلِ طَلَاقُهَا أَيْضًا في الْعِدَّةِ قَالَهُمَا الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ لَيْلًا فَإِنْ كان الرَّاغِبُونَ فيه مِثْلَ النَّهَارِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ فَصْلٌ لو قال له بِعْ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ لم يَنْقُصْ عنها لِلْمُخَالَفَةِ فَلَا يَبِيعُ إلَّا بها أو بِأَكْثَرَ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ عُرْفًا من ذلك إنَّمَا هو مَنْعُ النَّقْصِ فَلَوْ بَذَلَ رَاغِبٌ أَكْثَرَ من مِائَةٍ لم يَقْتَصِرْ على الْمِائَةِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالِاحْتِيَاطِ وَالْغِبْطَةِ إلَّا إنْ نَهَاهُ عن الزِّيَادَةِ عليها أو عَيَّنَ شَخْصًا بِأَنْ قال بِعْهُ لِزَيْدٍ بِمِائَةٍ فَيَجِبُ الِاقْتِصَارُ عليها لِمَنْعِ الْمَالِكِ من الزِّيَادَةِ عليها في الْأُولَى وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا قُصِدَ إرْفَاقُ الْمُعَيَّنِ في الثَّانِيَةِ بِخِلَافِ ما لو وَكَّلَهُ في الْخُلْعِ بِمِائَةٍ فإنه يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عليها وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخُلْعَ يَقَعُ غَالِبًا عن شِقَاقٍ وَذَلِكَ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ على عَدَمِ قَصْدِ الْمُحَابَاةِ وَقَيَّدَ ابن الرِّفْعَةِ الثَّانِيَةَ بِمَا إذَا كانت الْمِائَةُ دُونَ ثَمَنِ الْمِثْلِ لِظُهُورِ قَصْدِ الْمُحَابَاةِ بِخِلَافِ ما إذَا كانت ثَمَنَ الْمِثْلِ فَأَكْثَرَ أو قال له اشْتَرِ بِمِائَةٍ لم يَزِدْ عليها فَلَا يَشْتَرِي إلَّا بها أو بِأَقَلَّ إلَّا أَنْ يَنْهَاهُ عن الشِّرَاءِ بِأَقَلَّ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ نعم له أَنْ يَشْتَرِيَ من الْمُعَيَّنِ في نَحْوِ قَوْلِهِ اشْتَرِ عَبْدَ فُلَانٍ بِمِائَةٍ بِأَقَلَّ من الْمِائَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ كما مَرَّ آنِفًا وَالْفَرْقُ كما قال ابن الرِّفْعَةِ أَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا كان مُمْكِنًا من الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ كان تَعْيِينُهُ ظَاهِرًا في قَصْدِ إرْفَاقِهِ وَشِرَاءُ الْمُعَيَّنِ لَمَّا لم يَكُنْ من غَيْرِ الْمَذْكُورِ ضَعُفَ احْتِمَالُ ذلك الْقَصْدِ وَظَهَرَ قَصْدُ التَّعْرِيفِ وما فَرَّقَ بِهِ في الرَّوْضَةِ عن الْمَاوَرْدِيِّ من أَنَّهُ في الْبَيْعِ مَمْنُوعٌ من قَبْضِ ما زَادَ على الْمِائَةِ فَلَا يَجُوزُ قَبْضُ ما نُهِيَ عنه وفي الشِّرَاءِ مَأْمُورٌ بِدَفْعِ مِائَةٍ وَدَفْعُ الْوَكِيلِ بَعْضَ الْمَأْمُورِ بِهِ جَائِزٌ نَقَضَهُ ابن الرِّفْعَةِ بِمَا إذَا مَنَعَهُ من الْقَبْضِ فإنه لَا يَبِيعُ بِأَكْثَرَ من الْمِائَةِ مع انْتِفَاءِ ما ذَكَرَهُ وَبِمَا لو قال بِعْ بِمِائَةٍ ولم يُعَيِّنْ الْمُشْتَرِيَ فإنه يَجُوزُ له قَبْضُ الزَّائِدِ إذَا جَازَ له قَبْضُ الثَّمَنِ وَبِأَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِأَكْثَرَ من ثَمَنِ الْمِثْلِ وَإِنْ كان قد قال بِعْهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ مع وُجُودِ الْمُعَيَّنِ الذي ذَكَرَهُ فيه فَرْعٌ لو قال له لَا تَبِعْ أو لَا تَشْتَرِ بِأَكْثَرَ من مِائَةٍ مَثَلًا فَاشْتَرَى أو بَاعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وهو مِائَةٌ أو دُونَهَا لَا أَكْثَرُ جَازَ لِإِتْيَانِهِ بِمَا أَمَرَ بِهِ بِخِلَافِ ما إذَا اشْتَرَى أو بَاعَ بِأَكْثَرَ من مِائَةٍ لِلنَّهْيِ عنه وَإِنْ قال له بِعْ بِمِائَةٍ لَا بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ لم يَجُزْ النَّقْصُ عن
____________________
(2/272)
الْمِائَةِ وَلَا اسْتِكْمَالُ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ وَلَا الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا أَيْ على الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ لِلنَّهْيِ عن ذلك وَيَجُوزُ ما عَدَاهُ وَلَوْ قال اشْتَرِ بِمِائَةٍ لَا بِخَمْسِينَ جَازَ الشِّرَاءُ بِالْمِائَةِ وَبِمَا بَيْنَهَا بين الْخَمْسِينَ لَا بِمَا عَدَا ذلك ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فَصْلٌ لو قال له بِعْ مُؤَجَّلًا وَبَيَّنَ له قَدْرَ الْأَجَلِ أو حَمَلْنَاهُ على الْمُعْتَادِ فَبَاعَ حَالًّا أو بِأَجَلٍ دُونَ الْمُقَدَّرِ لَفْظًا أو عَادَةً بِقِيمَةِ الْمُؤَجَّلِ بِالْأَجَلِ الْمُقَدَّرِ أو بَاعَ بِمَا رَسَمَ بِهِ الْمُوَكِّلُ وَلَا غَرَضَ له فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ فِيهِمَا صَحَّ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ بَاعَ بِأَقَلَّ من قِيمَةِ الْمُؤَجَّلِ بِالْمُقَدَّرِ أو بِمَا رُسِمَ بِهِ الْمُوَكِّلُ أو بَاعَ بِهِمَا وَلِلْمُوَكِّلِ غَرَضٌ كَأَنْ كان في وَقْتٍ لَا يَأْمَنُ من نَحْوِ نَهْبٍ أو كان لِحِفْظِهِ مُؤْنَةٌ قبل فَرَاغِ الْأَجَلِ الْمُقَدَّرِ أو عَيَّنَ له الْمُشْتَرِيَ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ في الْأَوَّلِ بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا أَمَرَهُ بِهِ وفي الثَّانِي فَوَّتَ عليه غَرَضَهُ وَكَذَا لو قال له اشْتَرِ حَالًّا فَاشْتَرَى مُؤَجَّلًا بِقِيمَتِهِ حَالًّا صَحَّ إنْ لم يَكُنْ لِلْمُوَكِّلِ غَرَضٌ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا أو بِقِيمَتِهِ مُؤَجَّلًا لم يَصِحَّ لِلْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِمَّا أَمَرَهُ بِهِ وما قَدَّرْتُهُ من الشَّرْطِ مَفْهُومٌ من كَلَامِهِ وهو من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَالتَّعْبِيرُ بِالْغَرَضِ وَعَدَمِهِ كما ذُكِرَ أَعَمُّ من قَوْلِ الْأَصْلِ إنْ كان في وَقْتٍ لَا يُؤْمَنُ النَّهْبُ وَالسَّرِقَةُ أو كان لِحِفْظِهِ مُؤْنَةٌ في الْحَالِّ قال في الْأَصْلِ وَلَوْ اشْتَرَى الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ مُطْلَقًا نَسِيئَةً بِثَمَنِ مِثْلِهِ نَقْدًا جَازَ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا وَلِلْمُوَكِّلِ تَفْرِيغُ ذِمَّتِهِ بِالتَّعْجِيلِ انْتَهَى وزاد الْمَاوَرْدِيُّ أو أَذِنَ له في الشِّرَاءِ إلَى شَهْرٍ فَاشْتَرَى إلَى شَهْرَيْنِ فَرْعٌ إذَا وَكَّلَهُ في شِرَاءِ شَاةٍ مَوْصُوفَةٍ بِدِينَارٍ فَاشْتَرَى بِهِ شَاتَيْنِ تُسَاوِي كُلُّ وَاحِدَةٍ دِينَارًا صَحَّ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ حَصَّلَ غَرَضَهُ وزاد خَيْرًا وَيَشْهَدُ له خَبَرُ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ السَّابِقُ في الْبَيْعِ وَكَذَا يَصِحُّ إنْ سَاوَتْ إحْدَاهُمَا دِينَارًا دُونَ الْآخَرِ لِمَا مَرَّ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم تُسَاوِ إحْدَاهُمَا دِينَارًا فَلَا يَصِحُّ وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُمَا جميعا عليه لِفَوَاتِ ما وُكِّلَ فيه وَلَيْسَ له بَيْعُ إحْدَاهُمَا وَلَوْ بِدِينَارٍ لِيَأْتِيَ بِهِ وَبِالْأُخْرَى إلَى الْمُوَكِّلِ وَإِنْ فَعَلَ عُرْوَةُ ذلك لِعَدَمِ الْإِذْنِ فيه وَأَمَّا عُرْوَةُ فَلَعَلَّهُ كان مَأْذُونًا له في بَيْعِ ما رَآهُ مَصْلَحَةً من مَالِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْوَكَالَةُ في بَيْعِ ما سَيَمْلِكُهُ تَبَعًا لِبَيْعِ ما هو مَالِكُهُ صَحِيحَةٌ كما مَرَّ فَرْعٌ مَتَى قال له بِعْ الْعَبْدَ بِمِائَةٍ فَبَاعَهُ بِمِائَةٍ وَثَوْبٍ أو ودينار صَحَّ لِأَنَّهُ حَصَّلَ غَرَضَهُ وزاد خَيْرًا وَقَوْله وَثَوْبٍ أَوْلَى من قَوْلِهِ أَصْلُهُ وَثَوْبٍ يُسَاوِي مِائَةً وَلَوْ قال بِعْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَبَاعَ بِأَلْفِ دِينَارٍ لم يَصِحَّ إذْ الْمَأْتِيُّ بِهِ ليس مَأْمُورًا بِهِ وَلَا مُشْتَمِلًا عليه فَصْلٌ وَإِقْرَارُ الْوَكِيلِ في الْخُصُومَةِ بِالْإِبْرَاءِ أو بِالِاعْتِرَافِ من مُوَكِّلِهِ بِمَا يُبْطِلُ حَقَّهُ من قَبْضٍ وَتَأْجِيلٍ وَنَحْوِهِ بِالْجَرِّ عَطْفًا على ما قَدَّرْتُهُ آخِرًا أو بِالرَّفْعِ عَطْفًا على إقْرَارُ الْوَكِيلِ أَيْ وَنَحْوُ الْإِقْرَارِ بِمَا ذُكِرَ كَالْإِبْرَاءِ وَالْمُصَالَحَةِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ اسْمَ الْخُصُومَةِ لَا يَتَنَاوَلُهُ وَلِأَنَّ الْوَكِيلَ إنَّمَا يَفْعَلُ ما فيه الْحَظُّ لِمُوَكِّلِهِ وَيَنْعَزِلُ أَيْ بِإِقْرَارِهِ الْمَذْكُورِ لِتَضَمُّنِهِ الِاعْتِرَافَ بِأَنَّهُ ظَالِمٌ في الْخُصُومَةِ وَلَا يَنْعَزِلُ بِإِبْرَائِهِ الْخَصْمَ وَلَا بِمُصَالَحَتِهِ له لِأَنَّهُمَا لَا يَتَضَمَّنَانِ ذلك وَقَوْلُهُ وَيَنْعَزِلُ بِهِ أَعَمُّ من قَوْلِ أَصْلِهِ وَيَنْعَزِلُ وَكِيلُ الْمُدَّعِي بِإِقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ أو بِالْإِبْرَاءِ وَوَكِيلُ الْمُدَّعَى عليه بِإِقْرَارِهِ بِالْحَقِّ وَوَكِيلُ الْمُدَّعِي يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ وَيُثْبِتُ أَيْ يُقِيمُ بَيِّنَةً بِالْعَدَالَةِ لها وَيُحَلِّفُ الْخَصْمَ وَيَطْلُبُ الْحُكْمَ وَيَفْعَلُ سَائِرَ ما هو وَسِيلَةٌ إلَى الْإِثْبَاتِ كَالدَّعْوَى وَوَكِيلُ الْمُدَّعَى عليه يُنْكِرُ وَيَطْعَنُ في الشُّهُودِ وَيُدَافِعُ جَهْدَهُ وَلَا يَصِحُّ تَعْدِيلُهُ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ كَالْإِقْرَارِ في كَوْنِهِ قَاطِعًا لِلْخُصُومَةِ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ قَطْعُ الْخُصُومَةِ بِالِاخْتِيَارِ فَلَوْ عَدَلَ انْعَزَلَ كما نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَكِيلِ على الْمُوَكِّلِ وَكَذَا له فِيمَا ليس وَكِيلًا فيه لِعَدَمِ التُّهْمَةِ لَا فِيمَا هو وَكِيلٌ فيه لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِإِثْبَاتِ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ لِنَفْسِهِ فَلَوْ عُزِلَ قبل الْخُصُومَةِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ ما انْتَصَبَ خَصْمًا وَلَا يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ حَقًّا فَهُوَ كما لو شُهِدَ له في غَيْرِهَا لَا إنْ عُزِلَ بَعْدَهَا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِإِظْهَارِ صِدْقِهِ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلَيْنِ في الْخُصُومَةِ أو الْحِفْظِ لِمَتَاعِهِ أو غَيْرِهِمَا كَبَيْعٍ وَطَلَاقٍ وَوِصَايَةٍ لم يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا بِالِاسْتِقْلَالِ إلَّا بِإِذْنٍ فيه من الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ لم يَرْضَ بِنَظَرِ أَحَدِهِمَا فَرْعٌ تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ بِاعْتِرَافِ الْخَصْمِ كَالْبَيِّنَةِ بَلْ أَوْلَى فَلَهُ مُخَاصَمَتُهُ لَكِنْ ليس لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِالْوَكَالَةِ كما قَالَهُ الْهَرَوِيُّ كَالنِّكَاحِ يَنْعَقِدُ فِيمَا بين الناس بِشَهَادَةِ مَسْتُورِي الْعَدَالَةِ وَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ الْمَجْحُودُ عِنْدَ الْقَاضِي
____________________
(2/273)
بِشَهَادَتِهِمَا بَلْ لَا بُدَّ من عَدْلَيْنِ وَلَهُ الِامْتِنَاعُ عليه أَيْ وَلِلْخَصْمِ أَنْ يَمْتَنِعَ من مُخَاصَمَتِهِ حتى يُقِيمَ بَيِّنَةً بِوَكَالَتِهِ كَالْمَدْيُونِ حَيْثُ يَعْتَرِفُ لِلْوَكِيلِ أَيْ لِمُدَّعِي الْوَكَالَةِ بِأَنَّهُ وَكِيلٌ وَلَا بَيِّنَةَ فإن له الِامْتِنَاعَ من إقْبَاضِهِ الدَّيْنَ حتى يُقِيمَ بَيِّنَتَهُ بِوَكَالَتِهِ لِاحْتِمَالِ تَكْذِيبِ رَبِّ الدَّيْنِ له في الْوَكَالَةِ قال الْبُلْقِينِيُّ وَفَائِدَةُ جَوَازِ الْمُخَاصَمَةِ مع جَوَازِ الِامْتِنَاعِ منها إلْزَامُ الْحَقِّ لِلْمُوَكِّلِ لَا دَفْعُهُ لِلْوَكِيلِ قُلْت وَلَعَلَّ من فَوَائِدِهِ أَيْضًا أَنَّهُ لو أَقَامَ بَيِّنَةً بِوَكَالَتِهِ لَا يَحْتَاجُ الْحَاكِمُ في إلْزَامِهِ الْخَصْمَ بِالدَّفْعِ لِلْوَكِيلِ إلَى إعَادَةِ الدَّعْوَى أَمَّا لو كَذَّبَهُ الْخَصْمُ في دَعْوَاهُ الْوَكَالَةَ فَلَا يُخَاصِمُهُ نعم لِمُدَّعِيهَا تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهَا قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَفَصَّلَ الْقَاضِي فقال له تَحْلِيفُهُ إنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلٌ في الْخُصُومَةِ بِخِلَافِ ما لو ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلٌ في الِاسْتِيفَاءِ لِأَنَّهُ لو صَدَّقَهُ لم يَلْزَمْهُ دَفْعُ الْحَقِّ إلَيْهِ وَكَلَامُ الْهَرَوِيِّ مَحْمُولٌ على هذا حتى لو ادَّعَى الْأَمْرَيْنِ كان له تَحْلِيفُهُ في الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَلِلْوَكِيلِ إثْبَاتُ الْوَكَالَةِ في غَيْبَةِ الْخَصْمِ وَلَوْ بِالْبَلَدِ وَلَوْ لم يَنْصِبْ الْقَاضِي مُسَخَّرًا بِفَتْحِ الْخَاءِ يَنُوبُ عن الْغَائِبِ لِيُقِيمَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ في وَجْهِهِ قال في الْأَصْلِ وَلَا يُشْتَرَطُ في إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ تَقَدُّمُ دَعْوَى حَقِّ الْمُوَكِّلِ على الْخَصْمِ في إثْبَاتِ الْوَكَالَةِ عليه وَلَا يَنْعَزِلُ من وُكِّلَ في مَجْلِسِ الْقَاضِي بِخُصُومَةٍ بِانْقِضَائِهِ أَيْ الْمَجْلِسِ لَكِنْ إنْ كان الْمُوَكِّلُ عِنْدَ الْقَاضِي مَجْهُولًا بِأَنْ لم يُعْرَفْ اسْمُهُ وَلَا نَسَبُهُ وَغَابَ عنه أَثْبَتَ الْمُدَّعِي أَنَّ الذي وَكَّلَهُ هو فُلَانُ بن فُلَانٍ لِتَجُوزَ مُخَاصَمَتُهُ عنه وَالْحُكْمُ بِالدَّفْعِ له اعْتِمَادًا على ذِكْرِ اسْمِهِ وَنَسَبِهِ فَإِنْ لم يَكُنْ مَجْهُولًا عِنْدَ الْقَاضِي لم يَحْتَجْ فِيمَا ذُكِرَ إلَى هذا الْإِثْبَاتِ قال الْقَاضِي وإذا سمع الْقَاضِي دَعْوَى الْوَكِيلِ قبل إثْبَاتِهِ الْوَكَالَةَ ظَانًّا أَنَّهُ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ ثُمَّ أَثْبَتَ وَكَالَتَهُ اسْتَأْنَفَ الدَّعْوَى وَلَوْ أَثْبَتَ الْمُدَّعِي الْمَالَ في وَجْهِ وَكِيلِ الْغَائِبِ فَحَضَرَ وَادَّعَى عَزْلَهُ أو أَنْكَرَ وَكَالَتَهُ لم يُسْمَعْ منه لِأَنَّ الْحُكْمَ على الْغَائِبِ جَائِزٌ فَصْلٌ لو وَكَّلَهُ في بَيْعٍ أو شِرَاءٍ فَاسِدٍ كَأَنْ قال بِعْ أو اشْتَرِ إلَى وَقْتِ الْعَطَاءِ أو قُدُومِ زَيْدٍ لَغَا فَلَا يَمْلِكُ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ لِعَدَمِ الْإِذْنِ فيه وَلَا الْفَاسِدَ لِمَنْعِ الشَّرْعِ منه لَا يُقَالُ قد مَرَّ أَنَّهُ إذَا فَسَدَتْ الْوَكَالَةُ وَتَصَرَّفَ الْوَكِيلُ صَحَّ تَصَرُّفُهُ فَلِمَ لم يَصِحَّ هُنَا قُلْنَا هُنَاكَ لم يَنْهَهُ عن الشِّرَاءِ الصَّحِيحِ وَهُنَا نَهَاهُ عنه ضِمْنًا أو وَكَّلَهُ في الْخُلْعِ أو الْعَفْوِ أَيْ الصُّلْحِ عن الدَّمِ على خَمْرٍ أو خِنْزِيرٍ أو نَحْوِهِمَا فَفَعَلَ صَحَّ الْخُلْعُ أو الْعَفْوُ وَفَسَدَ الْعِوَضُ حتى يَسْتَحِقَّ الْمُوَكِّلُ بَدَلَ الْبِضْعِ وَالدَّمِ كما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ أَيْ في الثَّانِيَةِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ أَيْ في الْأُولَى كما لو فَعَلَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كان فَاسِدًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِوَضِ صَحِيحٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْخُلْعِ وَالْقِصَاصِ فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِيمَا لو فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ صَحَّ لَا أَنَّا نُصَحِّحُ التَّوْكِيلَ في الْعَقْدِ الْفَاسِدِ على أَنَّ في التَّعْبِيرِ بِالصِّحَّةِ تَوَسُّعًا سَلِمَ منه تَعْبِيرُ الْأَصْلِ بِالْحُصُولِ فَلَوْ خَالَفَ مُوَكِّلَهُ كَأَنْ وَكَّلَهُ في ذلك على خَمْرٍ فَخَالَفَهُ وَعَقَدَ على غَيْرِهِ كَخِنْزِيرٍ أو مَالٍ لَغَا لِلْمُخَالَفَةِ فَتَبْقَى الزَّوْجِيَّةُ وَالْقِصَاصُ كما كَانَا وما ذُكِرَ في الصُّورَتَيْنِ يَجْرِي في النِّكَاحِ قال الْبُلْقِينِيُّ وَلَوْ جَرَى في الْكِتَابَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْعِتْقُ عِنْدَ أَدَاءِ النُّجُومِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ حِينَئِذٍ يُنْصَبُ إلَى مَحْضِ التَّعْلِيقِ وَالتَّوْكِيلُ في التَّعْلِيقِ بَاطِلٌ على الْأَصَحِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ التَّوْكِيلُ في الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ فيها غَيْرُ مَرْعِيٍّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو أَبْرَأَ السَّيِّدُ الْمُكَاتَبَ فيها عن النُّجُومِ بَرِئَ وَعَتَقَ عن الْكِتَابَةِ بِخِلَافِ ما لو أَبْرَأَهُ في الْفَاسِدَةِ فَلَا عِتْقَ فيها إلَّا بِحُصُولِ الصِّفَةِ وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُحَصِّلَهُ الْوَكِيلُ فَرْعٌ في مُخَالَفَتِهِ مُوَكِّلَهُ لو أَعْطَاهُ أَلْفًا وقال له اشْتَرِ كَذَا بِعَيْنِهِ فَاشْتَرَى في الذِّمَّةِ أَيْ في ذِمَّتِهِ لِيَنْقُدَ الْأَلْفُ في الثَّمَنِ لم يَقَعْ أَيْ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِعَقْدٍ يَنْفَسِخُ بِتَلَفِ الْعَيْنِ حتى لَا يُطَالِبُ الْمُوَكِّلَ بِغَيْرِهِ فَأَتَى بِمَا لَا يَنْفَسِخُ بِتَلَفِهِ فَيُطَالَبُ بِغَيْرِهِ بَلْ لم يَقَعْ لِلْوَكِيلِ وَإِنْ صَرَّحَ بِالسِّفَارَةِ وَخَرَجَ بِعَيْنِهِ ما لو قال له اشْتَرِ بهذا أو بِهِ أو نَحْوَهُ فَيَقَعُ الشِّرَاءُ فِيمَا ذُكِرَ لِمُوَكِّلِهِ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ في الْكَلَامِ على ما إذَا دَفَعَ إلَيْهِ دِينَارًا وقال اشْتَرِ بِهِ شَاة فإنه يَتَخَيَّرُ بين الشِّرَاءِ بِعَيْنِهِ وَالشِّرَاءِ في الذِّمَّةِ لَكِنْ جَزَمَ الْإِمَامُ وَالشَّيْخُ أبو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ وَكَذَا عَكْسُهُ بِأَنْ قال اشْتَرِ بِهِ في الذِّمَّةِ ثُمَّ اُنْقُدْهُ عن الثَّمَنِ
____________________
(2/274)
فَاشْتَرَى بِعَيْنِهِ لم يَقَعْ لِلْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُرِيدُ تَحْصِيلَ الْمُوَكَّلِ فيه وَإِنْ تَلِفَ الْمُعَيَّنُ وَلَا لِلْوَكِيلِ أَيْضًا كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَبِمَا قَالَهُ عُلِمَ أَنَّهُ لو قال بِعْ هذا الْعَبْدَ فَبَاعَ آخَرَ لم يَصِحَّ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ وَلَوْ أَطْلَقَ بِأَنْ لم يَقُلْ بِعَيْنِهِ وَلَا في الذِّمَّةِ تَخَيَّرَ بين الشِّرَاءِ بِعَيْنِهِ وفي الذِّمَّةِ لِتَنَاوُلِ الِاسْمِ لَهُمَا
فَإِنْ اشْتَرَى في الذِّمَّةِ وقد أَمَرَهُ الْمُوَكِّلُ بِالشِّرَاءِ فيها أو أُطْلِقَ وَقَعَ عن الْمُوَكِّلِ ثُمَّ إنْ سَلِمَ الثَّمَنُ عنه من مَالِهِ وكان أَمَرَهُ بِتَسْلِيمِ الْأَلْفِ في الثَّمَنِ كما ذَكَرَهُ في الرَّوْضَةِ فَمُتَبَرِّعٌ بِذَلِكَ لَا يَرْجِعُ بِهِ وَيَلْزَمُهُ رَدُّ الْأَلْفِ إلَى الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَكُنْ دَفَعَ إلَيْهِ شيئا أو دَفَعَ إلَيْهِ شيئا ولم يَأْمُرْهُ بِتَسْلِيمِهِ في الثَّمَنِ فَيَرْجِعُ بِذَلِكَ لِأَنَّ أَمْرَهُ بِالشِّرَاءِ حِينَئِذٍ يَتَضَمَّنُ أَمْرَهُ بِدَفْعِ الثَّمَنِ بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْبَائِعِ مُطَالَبَتَهُ بِالثَّمَنِ وَالْعُهْدَةِ وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ مُشْكِلٌ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ لو تَعَذَّرَ عليه دَفْعُ ما دُفِعَ إلَيْهِ في الْوَقْتِ كَضَيَاعِ مِفْتَاحِ صُنْدُوقِهِ أو حَانُوتِهِ أو أَرْهَقَ بِالْحَاكِمِ إلَى دَفْعٍ ولم يُمَكَّنْ من الرُّجُوعِ إلَى مَحَلِّ الْمَدْفُوعِ له فَأَدَّى من مَالِهِ لِيَرْجِعَ رَجْعَ مَمْنُوعٍ لِأَنَّهُ كان مُتَمَكِّنًا من أَنْ يَشْهَدَ على أَنَّهُ أَدَّى عنه لِيَرْجِعَ أو أَنْ يُخْبِرَ بِهِ الْحَاكِمَ وَإِنْ تَصَرَّفَ لِنَفْسِهِ قَرْضًا عليه فِيمَا أَعْطَاهُ الْمُوَكِّلُ له ثُمَّ اشْتَرَى له بِغَيْرِهِ أو في الذِّمَّةِ لم يَقَعْ عنه بَلْ عن الْوَكِيلِ لِانْعِزَالِهِ ظَاهِرًا بِتَلَفِ ما وُكِّلَ في التَّصَرُّفِ فيه سَوَاءٌ أَقَالَ له الْمُوَكِّلُ اشْتَرِ بِعَيْنِهِ أَمْ في الذِّمَّةِ كما سَيَأْتِي إيضَاحُهُ في آخِرِ الْحُكْمِ الثَّالِثِ فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ ما تَصَرَّفَ فيه وَاشْتَرَى له أَيْ لِمُوَكِّلِهِ بِهِ جَازَ أَيْ وَقَعَ له لِتَبَيُّنِ عَدَمِ انْعِزَالِهِ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِتَعَدِّيهِ ثُمَّ لَا يَضْمَنُ ما اشْتَرَاهُ لِأَنَّهُ لم يَتَعَدَّ فيه فَلَوْ رُدَّ بِعَيْبٍ وَاسْتَرَدَّ الثَّمَنَ عَادَ الضَّمَانُ وما ذُكِرَ من جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِيمَا عَادَ إلَيْهِ قال الزَّرْكَشِيُّ يُخَالِفُ ما ذَكَرُوهُ فِيمَا لو وَكَّلَهُ لِيَتَزَوَّجَ له امْرَأَةً فَتَزَوَّجَهَا لِنَفْسِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِمُوَكِّلِهِ وَأَقُولُ لَا مُخَالَفَةَ لِأَنَّهُ بِتَزَوُّجِهِ لها انْعَزَلَ عن الْوَكَالَةِ وَهُنَا لم يَنْعَزِلْ بِتَصَرُّفِهِ لِبَقَاءِ الْعَيْنِ على مِلْكِ الْمُوَكِّلِ فَصْلٌ يُشْتَرَطُ في الصِّيغَةِ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْوَكِيلِ بِعْتُك أو بِعْتُك لِمُوَكِّلِك فيقول اشْتَرَيْت لِمُوَكِّلِي أو نَحْوِهِ وَقَوْلُهُ أو بِعْتُك لِمُوَكِّلِك من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ ابن الرِّفْعَةِ فَإِنْ قال بِعْت مُوَكِّلَك فقال اشْتَرَيْت له لم يَصِحَّ الشِّرَاءُ وَإِنْ وَقَعَ التَّصَرُّف على وَفْقِ الْإِذْنِ لِعَدَمِ الْخِطَابِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في النِّكَاحِ يَصِحُّ بِذَلِكَ بَلْ لَا يَصِحُّ إلَّا بِهِ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ فيه سِفَارَةٌ مَحْضَةٌ بِخِلَافِهَا في الْبَيْعِ إذْ له أَحْكَامٌ تَتَعَلَّقُ بِالْمَجْلِسِ وَإِنَّمَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهَا بِالْمُتَعَاقِدِينَ فَاعْتُبِرَ جَرَيَانُ الْخِطَابِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ وَكَّلَهُ لِيَبِيعَ من زَيْدٍ فَبَاعَ من وَكِيلِهِ لم يَصِحَّ الْبَيْعُ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في النِّكَاحِ يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ نَقْلَ الْمِلْكِ وَالْبَيْعُ يَقْبَلُهُ وَلِهَذَا يقول وَكِيلُ النِّكَاحِ زَوِّجْ مُوَكِّلِي وَلَا يقول زَوِّجْنِي لِمُوَكِّلِي وفي الْبَيْعِ يقول بِعْنِي لِمُوَكِّلِي وَلَا يقول بِعْ مُوَكِّلِي قال الزَّرْكَشِيُّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ صِحَّةُ الْبَيْعِ تَفْرِيعًا على الْأَصَحِّ من أَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ ابْتِدَاءً لِلْمُوَكِّلِ وقال الْأَذْرَعِيُّ الْمُتَّجَهُ أَنَّهُ لو كان الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ لَا يَتَعَاطَى الشِّرَاءَ بِنَفْسِهِ كَالسُّلْطَانِ صَحَّ الْبَيْعُ من وَكِيلِهِ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ إنَّمَا يَقْصِدُ بِقَوْلِهِ بِعْ هذا لِلسُّلْطَانِ مَثَلًا ذلك لَا مُخَاطَبَتَهُ بِالْبَيْعِ
قال وَقَضِيَّةُ الْفَرْقِ أَنَّهُ لو جَرَى الْعَقْدُ على وَجْهٍ لَا يَقْدِرُ فيه دُخُولُ الْمِلْكِ في مِلْكِ الْوَكِيلِ صَحَّ وَعِنْدَ الْمُخَالَفَةِ أَيْ مُخَالَفَةِ الْوَكِيلِ مُوَكِّلَهُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ إنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِهِ كَأَنْ قال له اشْتَرِ كَذَا بِعَيْنِ هذه الْمِائَةِ فَاشْتَرَاهُ بِعَيْنِ مِائَةٍ أُخْرَى من مَالِ مُوَكِّلِهِ بَطَلَ الشِّرَاءُ لِلْمُخَالَفَةِ أو اشْتَرَى في ذِمَّتِهِ كَأَنْ قال له اشْتَرِهِ بِخَمْسَةٍ فَاشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ وَقَعَ لِلْوَكِيلِ وَلَوْ سَمَّى الْمُوَكِّلَ لِأَنَّهُ إنْ لم يُسَمِّهِ فَالْخِطَابُ معه وَنِيَّتُهُ لَاغِيَةٌ لِلْمُخَالَفَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ سَمَّاهُ بِأَنْ قال الْبَائِعُ بِعْتُك فقال اشْتَرَيْته لِمُوَكِّلِي فَلِأَنَّ التَّسْمِيَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ في الشِّرَاءِ فإذا سَمَّاهُ وَتَعَذَّرَ صَرْفُ الْعَقْدِ إلَيْهِ فَكَأَنَّهُ لم يُسَمِّهِ
فَرْعٌ وَكِيلُ الْمُتَّهَبِ يُسَمِّيهِ وُجُوبًا في الْقَبُولِ وَإِلَّا فَيَقَعُ الْعَقْدُ له لِجَرَيَانِ الْخِطَابِ معه أَيْ بِغَيْرِ ذِكْرِ الْمُوَكِّلِ وَلَا تُجْزِئُ النِّيَّةُ في وُقُوعِ الْعَقْدِ لِمُوَكِّلِهِ لِأَنَّ الْوَاهِبَ قد
____________________
(2/275)
يُسْمَحُ بِالتَّبَرُّعِ له دُونَ غَيْرِهِ نعم إنْ نَوَاهُ الْوَاهِبُ أَيْضًا وَقَعَ عنه كما بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ لَا يَجِبُ فيه على وَكِيلِ الْمُشْتَرِي تَسْمِيَتُهُ لِأَنَّ الْقَصْدَ منه الْعِوَضُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَيْسَ لنا ما يَجِبُ فيه ذِكْرُ الْمُوَكِّلِ إلَّا ثَلَاثَ صُوَرٍ صُورَةُ الْهِبَةِ وَالنِّكَاحِ وما لو وُكِّلَ عَبْدٌ لِيَشْتَرِيَ نَفْسَهُ من سَيِّدِهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ اشْتَرَيْت نَفْسِي صَرِيحٌ في اقْتِضَاءِ الْعِتْقِ لَا يَنْدَفِعُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ نعم الْقِيَاسُ ما ذُكِرَ في الْهِبَةِ يَجْرِي مِثْلُهُ في الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِعَارَةِ وَالرَّهْنِ الْوَدِيعَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا عِوَضَ فيه انْتَهَى وَلَا يَنْحَصِرُ ذلك فِيمَا لَا عِوَضَ فيه فَقَدْ أَوْجَبُوا ذِكْرَهُ في صُورَةٍ أُخْرَى منها ما لو قال اشْتَرِ لي عَبْدَ فُلَانٍ بِثَوْبِك هذا مَثَلًا فَفَعَلَ وما لو وَكَّلَ الْعَبْدُ غَيْرَهُ لِيَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ فَفَعَلَ وَسَتَأْتِيَانِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الْوَاهِبَ لو قال لِلْمُخَاطَبِ وَهَبْتُك فقال قَبِلْت لِمُوَكِّلِي فُلَانٍ وَقَعَ لِلْمُوَكِّلِ وَإِنْ كان الْوَاهِبُ إنَّمَا أَوْجَبَ لِلْوَكِيلِ وَقَصَدَهُ لِأَنَّ اللَّفْظَ أَقْوَى من النِّيَّةِ وَلِهَذَا لو وَهَبَهُ شيئا بِنِيَّةِ الثَّوَابِ لم تَلْزَمْهُ إثَابَةٌ لِعَدَمِ التَّصْرِيحِ بِهِ
قال الْأَذْرَعِيُّ وقد يُقَالُ على قِيَاسِ ما ذُكِرَ إنَّهُ لو قال بِعْتُك هذا بِدِرْهَمٍ وهو يُسَاوِي أَلْفًا مَثَلًا فقال قَبِلْت وَنَوَى الشِّرَاءَ لِمُوَكِّلِهِ لم يَصِحَّ لِأَنَّ الْمُوجِبَ إنَّمَا سَمَحَ بِبَيْعِهِ بِدِرْهَمٍ لِلْمُخَاطَبِ خَاصَّةً لَا لِغَيْرِهِ انْتَهَى وقد يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْهِبَةَ وَقَعَتْ هُنَا في ضِمْنِ مُعَاوَضَةٍ بِخِلَافِهَا فِيمَا ذُكِرَ الْحُكْمُ الثَّانِي من أَحْكَامِ الْوَكَالَةِ الْأَمَانَةُ وَالْوَكِيلُ أَمِينٌ وَإِنْ كان بِجُعْلٍ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عن الْمُوَكِّلِ في الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ فَكَانَتْ يَدُهُ كَيَدِهِ وَلِأَنَّ الْوَكَالَةَ عَقْدُ إرْفَاقٍ وَالضَّمَانُ مُنَافٍ له وَمُنَفِّرٌ عنه فَإِنْ تَعَدَّى في الْعَيْنِ بِرُكُوبٍ أو لُبْسٍ أو نَحْوِهِمَا ضَمِنَهَا بِخِلَافِ ما لو تَلِفَتْ بِلَا تَعَدٍّ كَسَائِرِ الْأُمَنَاءِ فِيهِمَا ولم يَنْعَزِلْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ إذْنٌ في التَّصَرُّفِ وَالْأَمَانَةُ حُكْمٌ يَتَرَتَّبُ عليها وَلَا يَلْزَمُ من ارْتِفَاعِهَا ارْتِفَاعُ أَصْلِهَا كَالرَّهْنِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّهَا ائْتِمَانٌ مَحْضٌ نعم إنْ كان وَكِيلًا لِوَلِيٍّ أو وَصِيٍّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ فَالْمُتَّجَهُ انْعِزَالُهُ كَالْوَصِيِّ يَفْسُقُ إذْ لَا يَجُوزُ إبْقَاءُ مَالٍ مَحْجُورٍ بِيَدِ غَيْرِ عَدْلٍ وما قَالُوهُ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْفِسْقَ لَا يَمْنَعُ الْوَكَالَةَ وَإِنْ مَنَعَ الْوِلَايَةَ نعم الْمَمْنُوعُ بَقَاءُ الْمَالِ بيده فَإِنْ عَاوَضَ بها أَيْ اعْتَاضَ بِالْعَيْنِ التي تَعَدَّى فيها غَيْرُهَا فَالْعِوَضُ وهو غَيْرُهَا أَمَانَةٌ لِأَنَّهُ لم يَتَعَدَّ فيه وَزَالَ عنه ضَمَانُ الْعَيْنِ بِتَسْلِيمِهَا لِلْمُعْتَاضِ منه لِأَنَّهُ أَخْرَجَهَا من يَدِهِ بِإِذْنِ مَالِكِهَا بِخِلَافِ ما إذَا لم يُسَلِّمْهَا لِأَنَّ الْمَبِيعَ قبل التَّسْلِيمِ من ضَمَانِ الْبَائِعِ فَإِنْ رُدَّتْ عليه بِعَيْبٍ عَادَ الضَّمَانُ لِعَوْدِ الْيَدِ وقال الرُّويَانِيُّ لَا نَصَّ فيه وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَعُودُ الضَّمَانُ لِأَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ من حِينِهِ لَا من أَصْلِهِ وقال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وما قَالَهُ ظَاهِرٌ إنْ رَدَّهُ عليه الْحَاكِمُ جُبِرَ إلَّا إنْ اسْتَرَدَّهُ اخْتِيَارًا انْتَهَى وَالْمُعْتَمَدُ عَوْدُ الضَّمَانِ وَالْفَسْخِ وَأَنَّ رَفْعَ الْعَقْدِ من حِينِهِ لَا من أَصْلِهِ لَا يَقْطَعُ النَّظَرَ عن أَصْلِهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لو تَعَدَّى بِسَفَرِهِ بِمَا وُكِّلَ فيه وَبَاعَهُ فيه ضَمِنَ ثَمَنَهُ وَإِنْ تَسَلَّمَهُ وَعَادَ من سَفَرِهِ فَيَكُونُ مُسْتَثْنَى من قَوْلِهِ فَالْعِوَضُ أَمَانَةٌ فَرْعٌ يَضْمَنُ الْوَكِيلُ الْمَالَ إذَا طَالَبَهُ الْمُوَكِّلُ بِرَدِّهِ بِالِامْتِنَاعِ من التَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ إذَا لم يَكُنْ له عُذْرٌ كَالْمُودِعِ فَإِنْ كان له عُذْرٌ كَكَوْنِهِ في الْحَمَّامِ أو مَشْغُولًا بِطَعَامٍ لم يَضْمَنْ كما هو مَشْهُورٌ في كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَ الْغَزَالِيُّ عَنْهُمْ أَنَّهُ لو تَلِفَ في هذه الْمُدَّةِ ضَمِنَ وَإِنَّمَا جَازَ التَّأْخِيرُ لِغَرَضِ نَفْسِهِ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ قال وهو مُنْقَدِحٌ إذَا كان التَّلَفُ بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ انْتَهَى فَيَكُونُ ما نَقَلَهُ مع ما قُيِّدَ بِهِ تَقْيِيدًا لِكَلَامِهِمْ الْأَوَّلِ لَكِنْ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالرَّاجِحُ خِلَافُ ما نَقَلَهُ عن الْأَصْحَابِ لِمَا سَتَعْرِفُهُ في الْوَدِيعَةِ الْحُكْمُ الثَّالِثُ في الْعُهْدَةِ الْمِلْكِ لِلْمَبِيعِ وَنَحْوِهِ في عَقْدِ الْوَكِيلِ يَقَعُ ابْتِدَاءً لِلْمُوَكِّلِ كما في شِرَاءِ الْأَبِ لِطِفْلِهِ وَلِأَنَّهُ لو وَقَعَ لِلْوَكِيلِ ابْتِدَاءً لَعَتَقَ عليه أَبُوهُ إذَا اشْتَرَاهُ لِمُوَكِّلِهِ وَلَا يُعْتَقُ قَطْعًا لَكِنَّ أَحْكَامَ عَقْدِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ من الْخِيَارِ وَالتَّقَابُضِ
____________________
(2/276)
وَنَحْوِهِمَا كَالرُّؤْيَةِ وَالتَّفَرُّقِ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ حَقِيقَةً فَلَهُ الْفَسْخُ بِخِيَارَيْ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ وَإِنْ أَجَازَ الْمُوَكِّلُ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ لَا رَدَّ لِلْوَكِيلِ إذَا رضي بِهِ الْمُوَكِّلُ لِأَنَّهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عن الْمَالِكِ وَلَيْسَ مَنُوطًا بِاسْمِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ كما نِيطَ بِهِ في الْفَسْخِ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ بِخَبَرِ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا وَبِخِيَارِ الشَّرْطِ بِالْقِيَاسِ على خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَشُمُولُ كَلَامِهِ له من زِيَادَتِهِ وَإِنْ اشْتَرَى الْوَكِيلُ وَالثَّمَنُ في يَدِهِ طُولِبَ بِهِ سَوَاءٌ اشْتَرَى بِعَيْنِهِ أَمْ في الذِّمَّةِ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِهِ وَالْعُرْفُ يَقْتَضِيهِ وَلَهُ مُطَالَبَةُ الْمُوَكِّلِ أَيْضًا كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَالظَّاهِرُ أَنَّ له ذلك وَإِنْ أَمَرَهُ الْمُوَكِّلُ بِالشِّرَاءِ بِعَيْنِ ما دَفَعَهُ إلَيْهِ بِأَنْ يَأْخُذَهُ من الْوَكِيلِ وَيُسَلِّمَهُ لِلْبَائِعِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ الثَّمَنُ في يَدِهِ فَلَا يُطَالَبُ بِهِ
إنْ اشْتَرَى بِمُعَيَّنٍ لِأَنَّهُ ليس في يَدِهِ وَحَقُّ الْبَائِعِ مَقْصُورٌ عليه وَإِنْ اشْتَرَى في الذِّمَّةِ فَلِلْبَائِعِ مُطَالَبَتُهُمَا أَيْ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ أَيْ من شَاءَ مِنْهُمَا إنْ صَدَقَ الْوَكِيلُ في وَكَالَتِهِ وَلَوْ كان الثَّمَنُ بِيَدِ الْوَكِيلِ أو صَرَّحَ بِالسِّفَارَةِ في الْعَقْدِ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَإِنْ وَقَعَ لِلْمُوَكِّلِ لَكِنَّ الْوَكِيلَ نَائِبُهُ وَوَقَعَ الْعَقْدُ معه لِذَلِكَ جَوَّزْنَا مُطَالَبَتَهُمَا وَقِيلَ إنْ صَرَّحَ بِالسِّفَارَةِ لم يُطَالَبْ وَبِهِ جَزَمَ الْإِمَامُ كما لو قَبِلَ نِكَاحَ امْرَأَةٍ لِرَجُلٍ لَا يَصِيرُ مُلْتَزِمًا لِلْمَهْرِ قال السُّبْكِيُّ وَالْأَوَّلُ هو الْمَشْهُورُ وما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ من زِيَادَتِهِ هُنَا من أَنَّ لِلْبَائِعِ مُطَالَبَةَ الْمُوَكِّلِ وَالثَّمَنُ بِيَدِ الْوَكِيلِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في بَابِ مُعَامَلَاتِ الْعَبِيدِ لَكِنَّ قَوْلَهُ وَلَوْ كان الثَّمَنُ بِيَدِ الْوَكِيلِ لَا يَصْلُحُ غَايَةً لِمَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا لم يَكُنْ بيده لِأَنَّهُ قِسْمٌ في الظَّاهِرِ من قَوْلِهِ وَإِلَّا أَمَّا لو كَذَّبَهُ أو قال لَا أَدْرِي أَهْوَ وَكِيلٌ أَمْ لَا فَيُطَالِبُهُ فَقَطْ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ معه فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ قال الْمَاوَرْدِيُّ أَمَّا وَلِيُّ الطِّفْلِ إذَا لم يَذْكُرْهُ في الْعَقْدِ كان ضَامِنًا لِلثَّمَنِ وَلَا يَضْمَنُهُ الطِّفْلُ في ذِمَّتِهِ لَكِنْ يَنْقُدُهُ الْوَلِيُّ من مَالِ الطِّفْلِ وَإِنْ ذَكَرَهُ في الْعَقْدِ لم يَلْزَمْهُ ضَمَانُ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ وَالْفَرْقُ أَنَّ شِرَاءَ الْوَلِيِّ لَازِمٌ لِلْمَوْلَى عليه بِغَيْرِ إذْنِهِ فلم يَلْزَمْ الْوَلِيَّ ضَمَانُهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ انْتَهَى وَالْفَرْقُ بين ضَمَانِ الْمُوَكِّلِ الثَّمَنَ وَعَدَمِ ضَمَانِ الطِّفْلِ له فِيمَا إذَا لم يَذْكُرْهُ الْوَلِيُّ أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَذِنَ بِخِلَافِ الطِّفْلِ وَهَذَا الْفَرْقُ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَكَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّهُ من كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَأُسْقِطَ من كَلَامِهِ الْفَرْقُ السَّابِقُ
وَالْوَكِيلُ في الرُّجُوعِ قبل الْغُرْمِ أَيْ غُرْمِهِ لِلْبَائِعِ وَبَعْدَهُ كَالضَّامِنِ وَالْمُوَكِّلُ كَالْأَصِيلِ فَلَا يَرْجِعُ عليه الْوَكِيلُ إلَّا بَعْدَ غُرْمِهِ وَبَعْدَ إذْنِهِ له في الْأَدَاءِ إنْ دَفَعَ إلَيْهِ ما يَشْتَرِي بِهِ وَأَمَرَهُ بِتَسْلِيمِهِ في الثَّمَنِ وَإِلَّا فَالْوَكَالَةُ تَكْفِي عن الْإِذْنِ كما مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الْأَنْوَارِ وإذا غَرِمَ الْوَكِيلُ رَجَعَ على الْمُوَكِّلِ كَالضَّامِنِ بِالْإِذْنِ وَلَوْ اسْتَحَقَّ ما اشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ بُعْدَ تَلَفِهِ وَلَوْ في يَدِهِ فَلِلْمُسْتَحِقِّ مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ وَالْوَكِيلِ وَكَذَا الْمُوَكِّلُ بِبَدَلِهِ لِأَنَّ كُلًّا منهم غَاصِبُهُ الْأَوَّلُ حَقِيقَةً وَالْآخَرَانِ حُكْمًا وَالْقَرَارُ عليه أَيْ الْمُوَكِّلِ فإذا غَرِمَ الْبَائِعُ أو الْوَكِيلُ رَجَعَ بِمَا غَرِمَهُ على الْمُوَكِّلِ لِتَلَفِ الْعَيْنِ تَحْتَ يَدِ أَمِينِهِ فَكَأَنَّهَا تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ ثُمَّ إذَا سَلَّمَ الْوَكِيلُ الثَّمَنَ فِيمَا ذُكِرَ فَهَلْ له مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ بِهِ قال السُّبْكِيُّ فيه ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا عِنْدَ ابْنِ أبي عَصْرُونٍ الْمَنْعُ وَعِنْدَ الْمَاوَرْدِيِّ كَذَلِكَ إنْ اُسْتُحِقَّ في يَدِ الْمُوَكِّلِ لِانْقِضَاءِ أَحْكَامِ الْوَكَالَةِ وَإِنْ اُسْتُحِقَّ في يَدِ الْوَكِيلِ فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ أو اُسْتُحِقَّ ما بَاعَهُ الْوَكِيلُ وَتَلِفَ الثَّمَنُ وَلَوْ في يَدِهِ وَالْمُشْتَرِي مُعْتَرِفٌ بِالْوَكَالَةِ كما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ طُولِبَا أَيْ الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ بِهِ أَيْ بِالثَّمَنِ لِمَا مَرَّ في مُطَالَبَةِ الْبَائِعِ لَهُمَا وَالْقَرَارُ على الْمُوَكِّلِ لِمَا مَرَّ وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ بِثَمَنٍ في الذِّمَّةِ وَقَبَضَهُ وَدَفَعَهُ لِلْمُوَكِّلِ أو لم يَدْفَعْهُ له وَخَرَجَ مُسْتَحِقُّهُ أو رَدَّهُ الْمُوَكِّلُ بِعَيْبٍ فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ لِبَقَائِهِ في ذِمَّتِهِ
ومطالبة الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ صَارَ مُسَلِّمًا لِلْمَبِيعِ قبل أَخْذِ عِوَضِهِ وَهَلْ يُطَالَبُ الْوَكِيلُ بِقِيمَةِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا عليه أَمْ بِالثَّمَنِ لِأَنَّ حَقَّهُ انْتَقَلَ منها إلَيْهِ بِالْبَيْعِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ كما جَزَمَ بِهِ أَصْلُهُ بَعْدُ وَسَيَأْتِي قُبَيْلَ فَصْلٍ وَكَّلَهُ في قَضَاءِ دَيْنِهِ فَإِنْ قُلْنَا يُطَالِبُهُ بِالْقِيمَةِ فَأَخَذَهَا منه طَالَبَ الْوَكِيلُ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ وإذا أَخَذَهُ منه دَفَعَهُ لِلْمُوَكِّلِ وَاسْتَرَدَّ منه الْقِيمَةَ لِأَنَّهَا إنَّمَا أُخِذَتْ لِلْحَيْلُولَةِ وَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ شيئا بِمُعَيَّنٍ يَعْنِي بِعَيْنِ مَالِهِ كما عَبَّرَ بِهِ أَصْلُهُ فَتَلِفَ في يَدِهِ قَبْلَهُ أَيْ قبل الشِّرَاءِ انْعَزَلَ أو بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ كما في تَلَفِ الْمَبِيعِ قبل قَبْضِهِ وَلَا شَيْءَ على
____________________
(2/277)