بِغَيْرِهِ لِخَبَرِ من مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرٍ فَلْيُطْعِمْ عنه مَكَانَ كل يَوْمٍ مِسْكِينًا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَ وَقْفَهُ على ابْنِ عُمَرَ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عن فَتْوَى عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَطْلَقَ كَأَصْلِهِ وَغَيْرِهِ الْكَفَّارَةَ وَقَيَّدَهَا الْحَاوِي الصَّغِيرُ بِكَفَّارَةِ الْقَتْلِ لِإِخْرَاجِ كَفَّارَةِ غَيْرِهِ فإن الصَّوْمَ فيها يَخْلُفُهُ الْإِطْعَامُ لَكِنْ يُرَدُّ عليه صَوْمُ الْكَفَّارَةِ الْمُخَيَّرَةِ إذَا عَجَزَ عن الْخِصَالِ التي قَبْلَهُ أَمَّا إذَا مَاتَ قبل التَّمَكُّنِ منه بِأَنْ مَاتَ عَقِبَ مُوجَبِ الْقَضَاءِ أو النَّذْرِ أو الْكَفَّارَةِ أو اسْتَمَرَّ بِهِ الْعُذْرُ إلَى مَوْتِهِ فَلَا فِدْيَةَ فَالْمُرَادُ بِالْإِمْكَانِ هُنَا عَدَمُ الْعُذْرِ فَلَوْ كان مُسَافِرًا أو مَرِيضًا فَلَا فِدْيَةَ عليه بِمَوْتِهِ كما لو تَلِفَ الْمَالُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ من الْأَدَاءِ لَا زَكَاةَ عليه نعم إنْ فَاتَهُ الصَّوْمُ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَهِيَ أَيْ الْفِدْيَةُ عن كل يَوْمٍ مُدٌّ من جِنْسِ الْفِطْرَةِ وَنَوْعِهَا وَصِفَتِهَا لِأَنَّهُ طَعَامٌ وَاجِبٌ شَرْعًا فَحَمَلْنَاهُ على الْغَالِبِ من ذلك كما في الْفِطْرَةِ فَلَا يُجْزِئُ الدَّقِيقُ وَالسَّوِيقُ وَنَحْوُهُمَا وَتُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ خَاصَّةً لِأَنَّ الْمِسْكِينَ ذُكِرَ في الْآيَةِ الْآتِيَةِ وَالْخَبَرِ السَّابِقِ وَالْفَقِيرُ أَسْوَأُ حَالًا منه أو دَاخِلٌ فيه على ما هو الْمَعْرُوفُ من أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا يَشْمَلُ الْآخَرَ وَلَا يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَخْتَصُّ فَقِيرٌ بِمُدٍّ بَلْ يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ أَكْثَرَ منه لِأَنَّ كُلَّ مُدٍّ كَفَّارَةٌ فَجَازَ ذلك كما يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ من زَكَوَاتٍ بِخِلَافِ أَمْدَادِ الْكَفَّارَةِ الْوَاحِدَةِ لَا يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ منها أَكْثَرُ من مُدٍّ أَمَّا إعْطَاؤُهُ دُونَ الْمُدِّ فَلَا يَجُوزُ مُطْلَقًا كما صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْقَفَّالُ وَغَيْرُهُمَا قال الْقَفَّالُ بِخِلَافِ زَكَاةِ الْفِطْرِ يَجُوزُ صَرْفُ صَاعٍ إلَى مِائَةِ مِسْكِينٍ مَثَلًا قال في الْمُهِمَّاتِ وَيُخَالِفُ ما هُنَا من مَنْعِ إعْطَاءِ أَقَلَّ من مُدٍّ ما في الرَّوْضَةِ في بَابِ الدِّمَاءِ من أَنَّ الْأَصَحَّ فِيمَا إذَا فَرَّقَ الطَّعَامَ أَنَّهُ يَجُوزُ ذلك انْتَهَى
وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُدَّ هُنَا بَدَلٌ عن صَوْمِ يَوْمٍ وهو لَا يَتَبَعَّضُ فَكَذَا بَدَلُهُ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فإنه أَصْلٌ وَبِأَنَّ الْمَغْرُومَ ثَمَّ قد يَكُونُ أَقَلَّ من مُدٍّ بِلَا ضَرُورَةٍ بِخِلَافِهِ هُنَا وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُعْطَى هُنَا مُدًّا وَكَسْرًا كَنِصْفٍ خِلَافُ ما يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ لِمَا مَرَّ أَنَّ كُلَّ مُدٍّ كَفَّارَةٌ فَإِنْ صَامَ الْقَرِيبُ عنه أَيْ عن الْمَيِّتِ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ أو صَامَ عنه أَجْنَبِيٌّ بِالْإِذْنِ منه أو من قَرِيبِهِ بِأُجْرَةٍ أو دُونَهَا فَالْقَدِيمُ وهو الصَّوَابُ عِنْدَ النَّوَوِيِّ جَوَازُهُ بَلْ نَدْبُهُ وَسُقُوطُ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ من مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عنه وَلِيُّهُ وَكَالْحَجِّ وَالْجَدِيدُ عَدَمُ جَوَازِهِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَلَا تُسْقِطُ وُجُوبَ الْفِدْيَةِ قال النَّوَوِيُّ وَلَيْسَ لِلْجَدِيدِ حُجَّةٌ من السُّنَّةِ وَالْخَبَرُ الْوَارِدُ بِالْإِطْعَامِ ضَعِيفٌ وَمَعَ ضَعْفِهِ فَالْإِطْعَامُ لَا يَمْتَنِعُ عِنْدَ الْقَائِلِ بِالصَّوْمِ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ الْإِذْنَ أَوْلَى من تَقْيِيدِ أَصْلِهِ له بِإِذْنِ الْقَرِيبِ لِمَا عَرَفْت وَالتَّصْرِيحُ بِسُقُوطِ الْفِدْيَةِ من زِيَادَتِهِ لَا إنْ اسْتَقَلَّ الْأَجْنَبِيُّ بِالصَّوْمِ عنه فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لم يَرِدْ بِهِ نَصٌّ وَلَا هو في مَعْنَى ما وَرَدَ بِهِ النَّصُّ وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ من الْحَجِّ بِأَنَّ لِلصَّوْمِ بَدَلًا وهو الْإِطْعَامُ وَبِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ في الْحَيَاةِ فَضَيَّقَ فيه بِخِلَافِ الْحَجِّ قال الْأَذْرَعِيُّ فَإِنْ قام بِالْقَرِيبِ ما يَمْنَعُ الْإِذْنَ كَصِبًا وَجُنُونٍ أو امْتَنَعَ من الْإِذْنِ وَالصَّوْمِ أو لم يَكُنْ قَرِيبٌ فَهَلْ يَأْذَنْ الْحَاكِمُ فيه نَظَرٌ انْتَهَى
وَالْأَوْجَهُ
____________________
(1/427)
الْمَنْعُ لِأَنَّهُ على خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ عليه فَتَتَعَيَّنُ الْفِدْيَةُ ثُمَّ الْقَرِيبُ يَكْفِي وَإِنْ لم يَكُنْ عَصَبَةً ولا وَارِثًا وَلَا وَلِيَّ مَالٍ لِمَا في خَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِامْرَأَةٍ قالت له إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عنها صُومِي عن أُمِّك قال في الْمَجْمُوعِ وَهَذَا يُبْطِلُ احْتِمَالَ وِلَايَةِ الْمَالِ وَالْعُصُوبَةَ قال وَمَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ لو صَامَ عنه ثَلَاثُونَ بِالْإِذْنِ في يَوْمٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ قال وهو الظَّاهِرُ الذي أَعْتَقِدُهُ وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ أو اعْتِكَافٌ لم يَقْضِ ولم يَفْدِ عنه لِعَدَمِ وُرُودِهِمَا بَلْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ على أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عنه وَلَا يَصِحُّ الصَّوْمُ عن حَيٍّ بِلَا خِلَافٍ مَعْذُورًا كان أو غَيْرَهُ فَرْعٌ من عَجَزَ عن الصَّوْمِ لِهَرَمٍ أو زَمَانَةٍ أو اشْتَدَّتْ عليه مَشَقَّةٌ سَقَطَ أَيْ الصَّوْمُ عنه لِقَوْلِهِ تَعَالَى وما جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدِّينِ من حَرَجٍ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ قال تَعَالَى وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةُ طَعَامُ مِسْكِينٍ الْمُرَادُ لَا يُطِيقُونَهُ أو يُطِيقُونَهُ حَالَ الشَّبَابِ ثُمَّ يَعْجَزُونَ عنه بَعْدَ الْكِبَرِ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ كَانَا يَقْرَآنِ وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ وَمَعْنَاهُ يُكَلَّفُونَ الصَّوْمَ فَلَا يُطِيقُونَهُ وَهَلْ الْفِدْيَةُ في حَقِّ كل من ذُكِرَ بَدَلٌ عن الصَّوْمِ أو وَاجِبَةٌ ابْتِدَاءً وَجْهَانِ في الْأَصْلِ أَصَحُّهُمَا في الْمَجْمُوعِ الثَّانِي وَيَظْهَرُ أَثَرُهُمَا فِيمَا لو قَدَرَ بَعْدُ على الصَّوْمِ وفي انْعِقَادِ نَذْرِهِ له وَسَيَأْتِيَانِ فإذا عَجَزَ عن الْفِدْيَةِ ثَبَتَتْ في ذِمَّتِهِ كَالْكَفَّارَةِ وَكَالْقَضَاءِ في حَقِّ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ هذا ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ لَكِنْ قال في الْمَجْمُوعِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ هُنَا عَكْسَهُ كَالْفِطْرَةِ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ حَالَ التَّكْلِيفِ بِالْفِدْيَةِ وَلَيْسَتْ في مُقَابَلَةِ جِنَايَةٍ وَنَحْوِهَا وما بَحَثَهُ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وهو مَرْدُودٌ بِمَا مَرَّ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى الْمَالِيَّ إذَا عَجَزَ عنه الْعَبْدُ وَقْتَ الْوُجُوبِ يَثْبُتُ في ذِمَّتِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ على جِهَةِ الْبَدَلِ إذَا كان بِسَبَبٍ منه وهو هُنَا كَذَلِكَ إذْ سَبَبُهُ فِطْرُهُ بِخِلَافِ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَالتَّصْرِيحُ بِثُبُوتِ الْفِدْيَةِ في ذِمَّةِ الزَّمِنِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ نَذَرَ الْهَرِمُ وَالزَّمِنُ صَوْمًا لم يَصِحَّ نَذْرُهُمَا لِمَا مَرَّ من أَنَّهُ لم يُخَاطَبْ بِالصَّوْمِ ابْتِدَاءً بَلْ بِالْفِدْيَةِ وَلَوْ قَدَرَ من ذُكِرَ على الصَّوْمِ بَعْدَ الْفِطْرِ لم يَلْزَمْهُ الصَّوْمُ قَضَاءً لِذَلِكَ وَبِهِ فَارَقَ نَظِيرُهُ في الْحَجِّ عن الْمَعْضُوبِ إذَا قَدَرَ عليه وَكَلَامُهُ في هذه شَامِلٌ لِلزَّمِنِ بِخِلَافِ كَلَامِ أَصْلِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ من اشْتَدَّتْ مَشَقَّةُ الصَّوْمِ عليه كَالْهَرِمِ وَالزَّمِنِ في هذه وَاَلَّتِي قَبْلَهَا كما شَمِلَهُ كَلَامُ أَصْلِهِ وَتَعْبِيرُهُ بِمَنْ عَجَزَ لِهَرَمٍ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالشَّيْخِ الْهَرِمِ الطَّرِيقُ الثَّانِي تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِفَوَاتِ فَضِيلَةِ الْوَقْتِ فإذا خَافَتْ الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ وَلَوْ كانت الْمُرْضِعُ مُسْتَأْجَرَةً على الْإِرْضَاعِ وَمُتَطَوِّعَةً بِهِ على الْأَوْلَادِ فَقَطْ وَلَوْ كَانُوا من غَيْرِ الْمُرْضِعِ أَفْطَرَتَا جَوَازًا بَلْ وُجُوبًا إنْ خَافَتَا هَلَاكَهُمْ وَعَلَيْهِمَا مع الْقَضَاءِ الْفِدْيَةُ من مَالِهِمَا وَإِنْ كَانَتَا مُسَافِرَتَيْنِ أو مَرِيضَتَيْنِ لِمَا رَوَى أبو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عن ابْنِ عَبَّاسٍ في قَوْله تَعَالَى وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةُ أَنَّهُ نُسِخَ حُكْمُهُ إلَّا في حَقِّهِمَا حِينَئِذٍ وَالنَّاسِخُ له قَوْلُهُ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَالْقَوْلُ بِنَسْخِهِ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وقال بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مُحْكَمٌ غَيْرُ مَنْسُوخٍ بِتَأْوِيلِهِ بِمَا مَرَّ في الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَيُسْتَثْنَى الْمُتَخَيِّرَةُ فَلَا فِدْيَةَ عليها لِلشَّكِّ كما مَرَّ بَيَانُهُ في الْحَيْضِ وَفَارَقَ لُزُومُهَا لِلْمُسْتَأْجَرَةِ عَدَمَ لُزُومِ دَمِ التَّمَتُّعِ لِلْأَجِيرِ بِأَنَّ الدَّمَ ثَمَّ من تَتِمَّةِ الْحَجِّ الْوَاجِبِ على الْمُسْتَأْجَرِ وَهُنَا الْفِطْرُ من تَتِمَّةِ إيصَالِ الْمَنَافِعِ اللَّازِمَةِ لِلْمُرْضِعِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ ما ذُكِرَ في الْمُسْتَأْجَرَةِ وَالْمُتَطَوِّعَةِ إذَا لم تُوجَدْ مُرْضِعَةٌ مُفْطِرَةٌ أو صَائِمَةٌ لَا يَضُرُّهَا الْإِرْضَاعُ وَلَا تَتَعَدَّدُ الْفِدْيَةُ بِتَعَدُّدِ الْأَوْلَادِ لِأَنَّهَا بَدَلُ الصَّوْمِ بِخِلَافِ الْعَقِيقَةِ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهِمْ لِأَنَّهَا فِدَاءٌ عن كل وَاحِدٍ فَإِنْ خَافَتَا على
____________________
(1/428)
أَنْفُسِهِمَا وَلَوْ مع وَلَدَيْهِمَا فَلَا فِدْيَةَ كَالْمَرِيضِ الْمَرْجُوِّ الْبُرْءِ وَلَا تَلْزَمُ الْفِدْيَةُ عَاصِيًا بِإِفْطَارِهِ بِغَيْرِ جِمَاعٍ لِأَنَّهُ لم يَرِدْ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَفَارَقَ لُزُومَهَا لِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ بِأَنَّ فِطْرَهُمَا ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ فَجَازَ أَنْ يَجِبَ بِهِ أَمْرَانِ كَالْجِمَاعِ لَمَّا حَصَلَ مَقْصُودُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ تَعَلَّقَ بِهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى وَبِأَنَّ الْفِدْيَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ بِالْإِثْمِ بَلْ إنَّمَا هِيَ حِكْمَةٌ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّدَّةَ في شَهْرِ رَمَضَانَ أَفْحَشُ من الْوَطْءِ مع أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فيها وَفَارَقَ ذلك أَيْضًا لُزُومَ الْكَفَّارَةِ في الْيَمِينِ الْغَمُوسِ وفي الْقَتْلِ عَمْدًا عُدْوَانًا بِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ وَالْكَفَّارَةُ فيها على خِلَافِ الْأَصْلِ فَيُقْتَصَرُ فيها على ما وَرَدَ فيه نَصٌّ أو كان في مَعْنَاهُ بِخِلَافِهَا في تَيْنِكَ فَرْعٌ يَجِبُ الْفِطْرُ لِإِنْقَاذِ مُحْتَرَمٍ هَالِكٍ أَيْ مُشْرِفٍ على الْهَلَاكِ بِغَرَقٍ أو غَيْرِهِ إبْقَاءً لِمُهْجَتِهِ وَفَدَى مع الْقَضَاءِ كَالْمُرْضِعِ لِأَنَّهُ فِطْرٌ ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ التَّسْوِيَةُ بين النَّفْسِ وَالْمَالِ وَاَلَّذِي في فَتَاوَى الْقَفَّالِ عَدَمُ لُزُومِ ذلك في الْمَالِ وَفَرَضَهُ في مَالِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ فِطْرٌ ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصٌ وَاحِدٌ وَظَاهِرُ تَخْصِيصِهِ بِمَا لَا رُوحَ فيه بِخِلَافِ ما فيه رُوحٌ لَكِنْ في الْبَهِيمَةِ نَظَرٌ الطَّرِيقُ الثَّالِثُ تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِتَأَخُّرٍ الْأَوْلَى بِتَأْخِيرِ الْقَضَاءِ فَلَوْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ أو شيئا منه بِلَا عُذْرٍ في تَأْخِيرِهِ إلَى قَابِلٍ فَعَلَيْهِ مع الْقَضَاءِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ لِخَبَرِ أبي هُرَيْرَةَ من أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ فَأَفْطَرَ لِمَرَضٍ ثُمَّ صَحَّ ولم يَقْضِهِ حتى أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ صَامَ الذي أَدْرَكَهُ ثُمَّ يَقْضِي ما عليه ثُمَّ يُطْعِمُ عن كل يَوْمٍ مِسْكِينًا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَاهُ قَالَا وَرُوِيَ مَوْقُوفًا على رِوَايَةٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قال الْمَاوَرْدِيُّ وقد أَفْتَى بِذَلِكَ سِتَّةٌ من الصَّحَابَةِ وَلَا مُخَالِفَ لهم أَمَّا إذَا أَخَّرَهُ بِعُذْرٍ كَأَنْ اسْتَمَرَّ مُسَافِرًا أو مَرِيضًا أو الْمَرْأَةُ حَامِلًا أو مُرْضِعًا إلَى قَابِلٍ فَلَا شَيْءَ عليه بِالتَّأْخِيرِ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْأَدَاءِ بِالْعُذْرِ جَائِزٌ فَتَأْخِيرُ الْقَضَاءِ بِهِ أَوْلَى وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لو فَاتَهُ شَيْءٌ بِلَا عُذْرٍ وَأَخَّرَ قَضَاءَهُ لِسَفَرٍ أو نَحْوِهِ لم تَلْزَمْهُ الْفِدْيَةُ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ لَكِنْ سَيَأْتِي في صَوْمِ التَّطَوُّعِ تَبَعًا لِمَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن التَّهْذِيبِ وَأَقَرَّهُ أَنَّ التَّأْخِيرَ لِلسَّفَرِ حَرَامٌ وَقَضِيَّتُهُ لُزُومُهَا وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِعَدَمِ الْعُذْرِ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِغَيْرِ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ وَلَوْ تَكَرَّرَتْ الْأَعْوَامُ تَكَرَّرَ الْمُدُّ لِأَنَّ الْحُقُوقَ الْمَالِيَّةَ لَا تَتَدَاخَلُ بِخِلَافِهِ في الْهَرِمِ وَنَحْوِهِ لَا تَتَكَرَّرُ بِذَلِكَ لِعَدَمِ التَّقْصِيرِ وَهَذَا ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن تَصْحِيحِ الْإِمَامِ وَأَطْلَقَ تَصْحِيحَهُ في الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ كَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَكَأَنَّهُمَا لَمَّا لم يَجِدَا تَصْحِيحًا لِغَيْرِ الْإِمَامِ أَطْلَقَاهُ وقد صَحَّحَ عَدَمَ التَّكَرُّرِ جَمَاعَاتٌ منهم الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَعَبَّرُوا بِالْمَذْهَبِ وَالرُّويَانِيُّ وَعَبَّرَ بِالْأَظْهَرِ وقال سُلَيْمٌ التَّكْرَارُ ليس بِشَيْءٍ وَلَوْ أَخَّرَ قَضَاءَ يَوْمٍ عُدْوَانًا وَمَاتَ لَزِمَهُ فِدْيَتَانِ وَاحِدَةٌ لِلْإِفْطَارِ وَأُخْرَى لِلتَّأْخِيرِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجِبُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ فَإِنْ صَامَ عنه الْوَلِيُّ أو أَجْنَبِيٌّ بِالْإِذْنِ فَفِدْيَةٌ تَجِبُ لِلتَّأْخِيرِ لِأَنَّهَا كانت وَاجِبَةً عليه في حَيَاتِهِ وَحَصَلَ بِصَوْمٍ من ذِكْرِ تَدَارُكِ أَصْلِ الصَّوْمِ وَتَجِبُ فَدِيَةُ التَّأْخِيرِ بِتَحَقُّقِ الْفَوَاتِ وَلَوْ لم يَدْخُلْ رَمَضَانُ فَلَوْ كان عليه عَشْرَةُ أَيَّامٍ فَمَاتَ لِبَوَاقِي خَمْسٍ من شَعْبَانَ لَزِمَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ مُدًّا عَشَرَةٌ لِلْأَصْلِ أَيْ أَصْلِ الصَّوْمِ وَخَمْسَةٌ لِلتَّأْخِيرِ لِأَنَّهُ لو عَاشَ لم يُمْكِنْهُ إلَّا قَضَاءُ خَمْسَةٍ قال في الْأَصْلِ بَعْدَ هذا وإذا لم يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَمَضَانِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ما يَسَعُ قَضَاءَ جَمِيعِ الْفَائِتِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ في الْحَالِ الْفِدْيَةُ عَمَّا لَا يَسَعُهُ أَمْ حتى يَدْخُلَ رَمَضَانُ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هذا الرَّغِيفَ غَدًا فَتَلِفَ أَيْ بِإِتْلَافِهِ قبل الْغَدِ هل يَحْنَثُ في الْحَالِ أَمْ بَعْدَ مَجِيءِ الْغَدِ انْتَهَى وَقَضِيَّتُهُ تَصْحِيحُ عَدَمِ اللُّزُومِ قبل دُخُولِ رَمَضَانَ لَكِنَّ ما ذَكَرَهُ قَبْلَهُ فِيمَا لو
____________________
(1/429)
كان عليه عَشَرَةُ أَيَّامٍ صَرِيحٌ في خِلَافِهِ ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَرَدَّهُ ابن الْعِمَادِ بِأَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ فإن الْأَزْمِنَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ يُقَدَّرُ حُضُورُهَا بِالْمَوْتِ كما يَحِلُّ الْأَجَلُ بِهِ
وَهَذَا مَفْقُودٌ في الْحَيِّ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَعْجِيلِ الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ في حَقِّهِ وَالزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ الصَّوَابَ هو الْأَوَّلُ أَيْ لُزُومُ الْفِدْيَةِ في الْحَالِ قال وَلَا يَلْزَمُ من التَّشْبِيهِ بِمَسْأَلَةِ الرَّغِيفِ خِلَافُهُ ثُمَّ فَرَّقَ بين صُورَتَيْ الصَّوْمِ وَصُورَةِ الْيَمِينِ بِأَنَّهُ مَاتَ هُنَا عَاصِيًا بِالتَّأْخِيرِ فَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ في الْحَالِ بِخِلَافِ صُورَةِ الْيَمِينِ وَبِأَنَّهُ هُنَا قد تَحَقَّقَ الْيَأْسُ بِفَوَاتِ الْبَعْضِ فَلَزِمَهُ بَدَلُهُ بِخِلَافِهِ في الْيَمِينِ لِجَوَازِ مَوْتِهِ قبل الْغَدِ فَلَا يَحْنَثُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُوَافِقٌ لِهَذَا ثُمَّ تَعْجِيلُهَا أَيْ فَدِيَةِ التَّأْخِيرِ قبل دُخُولِ رَمَضَانَ الثَّانِي لِيُؤَخِّرَ الْقَضَاءَ مع الْإِمْكَانِ كَتَعْجِيلِ الْكَفَّارَةِ قبل الْحِنْثِ الْمُحَرَّمِ فَيَجُوزُ على الْأَصَحِّ
وَيَحْرُمُ التَّأْخِيرُ وَلَا شَيْءَ على الْهَرِمِ لِتَأْخِيرِ الْفِدْيَةِ إنْ أَخَّرَ الْفِدْيَةَ عن السَّنَةِ الْأُولَى وَلَيْسَ له وَلَا لِلْحَامِلِ تَعْجِيلُ فَدِيَةِ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ كما لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ لِعَامَيْنِ بِخِلَافِ التَّعْجِيلِ لِيَوْمٍ بَعْدَ دُخُولِ لَيْلَتِهِ كما قال فَلَوْ عَجَّلَ أَيْ الْهَرِمُ فِدْيَةَ يَوْمٍ في لَيْلَتِهِ أو فيه كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى أو عَجَّلَتْ الْحَامِلُ قبل أَنْ تُفْطِرَ جَازَ وَلَوْ قال فَلَوْ عَجَّلَا فِدْيَةَ يَوْمٍ فيه أو في لَيْلَتِهِ جَازَ كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ وَكَالْهَرِمِ فِيمَا ذُكِرَ الزَّمِنُ وَمَنْ اشْتَدَّتْ مَشَقَّةُ الصَّوْمِ عليه وَكَالْحَامِلِ الْمُرْضِعُ
بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ التَّطَوُّعُ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا ليس بِفَرْضٍ من الْعِبَادَاتِ وَالْأَصْلُ في الْبَابِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ من صَامَ يَوْمًا في سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عن النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا وَلَا يَجِبُ إتْمَامُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ إذَا شَرَعَ فيه كَصَلَاتِهِ وَاعْتِكَافِهِ وَطَوَافِهِ وَوُضُوئِهِ لِئَلَّا يُغَيِّرَ الشُّرُوعَ حُكْمُ الْمَشْرُوعِ فيه وَلِخَبَرِ الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهُ وَلِخَبَرِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ في الْكَلَامِ على نِيَّةِ الصَّوْمِ وَيُقَاسُ بِالصَّوْمِ الصَّلَاةُ وَنَحْوُهَا لَكِنْ يُكْرَهُ الْخُرُوجُ منه لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ وَلِلْخُرُوجِ من خِلَافِ من أَوْجَبَ إتْمَامَهُ إلَّا بِعُذْرٍ كَمُسَاعَدَةِ ضَيْفٍ في الْأَكْلِ إذَا عز عليه امْتِنَاعُ مُضِيفِهِ منه أو عَكْسُهُ فَلَا يُكْرَهُ الْخُرُوجُ منه بَلْ يُسْتَحَبُّ لِخَبَرِ وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَخَبَرِ من كان يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ أَمَّا إذَا لم يَعِزَّ على أَحَدِهِمَا امْتِنَاعُ الْآخَرِ من ذلك فَالْأَفْضَلُ عَدَمُ خُرُوجِهِ منه ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وإذا خَرَجَ منه قال الْمُتَوَلِّي لَا يُثَابُ على ما مَضَى لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لم تَتِمَّ وَحُكِيَ عن الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُثَابُ عليه وهو الْوَجْهُ إنْ خَرَجَ منه بِعُذْرٍ وَيُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهُ سَوَاءٌ أَخَرَجَ بِعُذْرٍ أَمْ بِغَيْرِهِ لِلْخُرُوجِ من خِلَافٍ أَوْجَبَ قَضَاءَهُ وَقَدَّمْت في صَلَاةِ التَّطَوُّعِ مَالَهُ بهذا تَعَلُّقٌ وَيَحْرُمُ الْخُرُوجُ من صَوْمٍ وَجَبَ على الْفَوْرِ أَدَاءً أو أو قَضَاءً وَكَذَا على التَّرَاخِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ وَلِتَلَبُّسِهِ بِالْوَاجِبِ وَلَا عُذْرَ كما لو شَرَعَ في الصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ فَمَنْ أَفْطَرَ في رَمَضَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ على الْفَوْرِ وَلَوْ في السَّفَرِ أو نَحْوِهِ تَدَارُكًا لِمَا ارْتَكَبَهُ من الْإِثْمِ لِأَنَّ التَّخْفِيفَ بِجَوَازِ التَّأْخِيرِ لَا يَلِيقُ بِحَالِ الْمُتَعَدِّي أو أَفْطَرَ فيه بِعُذْرٍ كَحَيْضٍ وَسَفَرٍ وَمَرَضٍ فَقَبْلَ رَمَضَانَ آخَرَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فَيَجُوزُ له تَأْخِيرُهُ إلَى ما قَبْلَهُ بِزَمَنٍ يَسَعُهُ فَصْلٌ يَوْمُ عَرَفَةَ وهو تَاسِعُ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ لِأَنَّ صَوْمَهُ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ كما يَأْتِي بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَلِأَنَّ الدُّعَاءَ فيه أَفْضَلُ منه في غَيْرِهِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ ما من يَوْمٍ أَكْثَرَ من أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه من النَّارِ من يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فيه الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَمَحْمُولٌ على غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِقَرِينَةِ ما ذُكِرَ وَيُسْتَحَبُّ لِغَيْرِ الْحَاجِّ صَوْمُهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ على اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ
____________________
(1/430)
التي بَعْدَهُ قال الْإِمَامُ وَالْمُكَفَّرُ الصَّغَائِرُ مع ما قَبْلَهُ من الشَّهْرِ وهو ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ وَالثَّامِنُ مَطْلُوبٌ من جِهَةِ الِاحْتِيَاطِ لِعَرَفَةَ وَمِنْ جِهَةِ دُخُولِهِ في الْعَشْرِ غَيْرِ الْعِيدِ كما أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ مَطْلُوبٌ من جِهَتَيْنِ وَصَرَّحَ في الرَّوْضَةِ بِاسْتِحْبَابِ صَوْمِ الْعَشْرِ غَيْرِ الْعِيدِ ولم يَخُصَّهُ بِغَيْرِ الْحَاجِّ فَيُسْتَحَبُّ صَوْمُهُ لِلْحَاجِّ وَغَيْرِهِ إلَّا يوم عَرَفَةَ فَلِغَيْرِ الْحَاجِّ أَمَّا الْحَاجُّ فَلَا يُسْتَحَبُّ له صَوْمُهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ له فِطْرُهُ وَإِنْ كان قَوِيًّا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِيَقْوَى على الدُّعَاءِ فَصَوْمُهُ له خِلَافُ الْأَوْلَى بَلْ في نُكَتِ التَّنْبِيهِ لِلنَّوَوِيِّ وَأَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَفِيهَا كَالْمَجْمُوعِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صَوْمُهُ لِحَاجٍّ لم يَصِلْ عَرَفَةَ إلَّا لَيْلًا لِفَقْدِ الْعِلَّةِ هذا كُلُّهُ في غَيْرِ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ أَمَّا هُمَا فَيُسْتَحَبُّ لَهُمَا فِطْرُهُ مُطْلَقًا كما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في الْإِمْلَاءِ وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ عَاشُورَاءَ وهو عَاشِرُ الْمُحَرَّمِ مع تَاسُوعَاءَ وهو تَاسِعُهُ قال صلى اللَّهُ عليه وسلم صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ على اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَهُ وقال لَئِنْ عِشْت إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ فَمَاتَ قَبْلَهُ رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَإِنَّمَا لم يُحِبَّ صَوْمَ عَاشُورَاءَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إنَّ هذا الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ ولم يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ وَأَمَّا الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ بِالْأَمْرِ بِصَوْمِهِ فَمَحْمُولَةٌ على تَأَكُّدِ الِاسْتِحْبَابِ وَحِكْمَةُ صَوْمِ تَاسُوعَاءَ معه الِاحْتِيَاطُ له وَالْمُخَالَفَةُ لِلْيَهُودِ وَالِاحْتِرَازُ من إفْرَادِهِ بِالصَّوْمِ كما في يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَعَاشُورَاءُ وَتَاسُوعَاءُ مَمْدُودَانِ على الْمَشْهُورِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَصُمْ معه تَاسُوعَاءَ فَصَوْمُ الْحَادِيَ عَشَرَ معه مُسْتَحَبٌّ لِذَلِكَ على أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ في الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ على اسْتِحْبَابِ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ وَنَقَلَهُ عنه الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَيَدُلُّ له خَبَرُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ صُومُوا يوم عَاشُورَاءَ وَخَالِفُوا الْيَهُودَ وَصُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا وَبَعْدَهُ يَوْمًا وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ الثَّامِنِ احْتِيَاطًا كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ لَكَانَ حَسَنًا ويستحب صَوْمُ سِتَّةٍ من شَوَّالٍ قال صلى اللَّهُ عليه وسلم من صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا من شَوَّالٍ كان كَصِيَامِ الدَّهْرِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى النَّسَائِيّ خَبَرَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَصِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ بِشَهْرَيْنِ فَذَلِكَ صِيَامُ السَّنَةِ أَيْ كَصِيَامِهَا فَرْضًا وَإِلَّا فَلَا يَخْتَصُّ ذلك بِرَمَضَانَ وَسِتَّةٍ من شَوَّالٍ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَحَذْفُ تَاءِ التَّأْنِيثِ عِنْدَ حَذْفِ الْمَعْدُودِ جَائِزٌ كما في الْخَبَرِ الْأَوَّلِ وَالْأَفْضَلُ تَتَابُعُهَا وَكَوْنُهَا مُتَّصِلَةٌ بِالْعِيدِ مُبَادَرَةٌ لِلْعِبَادَةِ ويستحب صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ اللَّيَالِي الْبِيضِ وَأَوَّلُهَا الثَّالِثَ عَشَرَ لِلْأَمْرِ بِصَوْمِهَا في النَّسَائِيّ وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَالْمَعْنَى فيه أَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا فَصَوْمُهَا كَصَوْمِ الشَّهْرِ وَمِنْ ثَمَّ سُنَّ صَوْمُ ثَلَاثَةٍ من كل شَهْرٍ وَلَوْ غير أَيَّامِ الْبِيضِ كما في الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ قال السُّبْكِيُّ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُسَنُّ صَوْمُ ثَلَاثَةٍ وَأَنْ تَكُونَ أَيَّامَ الْبِيضِ فَإِنْ صَامَهَا أتى بِالسُّنَّتَيْنِ وَالْأَحْوَطُ صَوْمُ الثَّانِي عَشَرَ مَعَهَا أَيْضًا لِلْخُرُوجِ من خِلَافِ من قال أَنَّهُ أَوَّلُ الثَّلَاثَةِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَيُسَنُّ صَوْمُ أَيَّامِ السُّودِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ وَتَالِيَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُصَامَ مَعَهَا السَّابِعُ وَالْعِشْرِينَ احْتِيَاطًا وَخُصَّتْ أَيَّامُ الْبِيضِ وَأَيَّامُ السُّودِ بِذَلِكَ لِتَعْمِيمِ لَيَالِي الْأُولَى بِالنُّورِ وَلَيَالِي الثَّانِيَةِ بِالسَّوَادِ فَنَاسَبَ صَوْمُ الْأُولَى شُكْرًا وَالثَّانِيَةِ لِطَلَبِ كَشْفِ
____________________
(1/431)
السَّوَادِ وَلِأَنَّ الشَّهْرَ قد أَشْرَفَ على الرَّحِيلِ فَنَاسَبَ تَزْوِيدَهُ بِذَلِكَ ويستحب صَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَتَحَرَّى صَوْمَهُمَا وقال إنَّهُمَا يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الْأَعْمَالُ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وأنا صَائِمٌ رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْمُرَادُ عَرْضُهَا على اللَّهِ وَأَمَّا رَفْعُ الْمَلَائِكَةِ لها فإنه بِاللَّيْلِ مَرَّةً وَبِالنَّهَارِ مَرَّةً وَلَا يُنَافِي هذا رَفْعُهَا في شَعْبَانَ كما في خَبَرِ مُسْنَدِ أَحْمَدَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم سُئِلَ عن إكْثَارِهِ الصَّوْمَ في شَعْبَانَ فقال إنَّهُ شَهْرٌ تُرْفَعُ فيه الْأَعْمَالُ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وأنا صَائِمٌ لِجَوَازِ رَفْعِ أَعْمَالِ الْأُسْبُوعِ مُفَصَّلَةً وَأَعْمَالِ الْعَامِ جُمْلَةً وَسُمِّيَ ما ذُكِرَ يوم الِاثْنَيْنِ لِأَنَّهُ ثَانِي الْأُسْبُوعِ وَالْخَمِيسُ لِأَنَّهُ خَامِسُهُ كَذَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ نَاقِلًا له عن أَهْلِ اللُّغَةِ قال الْإِسْنَوِيُّ فَيُعْلَمُ منه أَنَّ أَوَّلَ الْأُسْبُوعِ الْأَحَدُ وَنَقَلَهُ ابن عَطِيَّةَ عن الْأَكْثَرِينَ وَسَيَأْتِي في بَابِ النَّذْرِ أَنَّ أَوَّلَهُ السَّبْتُ وقال السُّهَيْلِيُّ إنَّهُ الصَّوَابُ وَقَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً ويستحب صَوْمُ آخِرِ كل شَهْرٍ لِمَا مَرَّ في صِيَامِ أَيَّامِ السُّودِ فَإِنْ صَامَهَا أتى بِالسُّنَّتَيْنِ وَيُكْرَهُ إفْرَادُ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ لِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَصُمْ أحدكم يوم الْجُمُعَةِ إلَّا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ أو يَوْمًا بَعْدَهُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِيَتَقَوَّى بِفِطْرِهِ على الْوَظَائِفِ الْمَطْلُوبَةِ فيه وَمِنْ هُنَا خَصَّصَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وابن الصَّبَّاغِ وَالْعِمْرَانِيُّ نَقْلًا عن مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ بِمَنْ يَضْعُفُ بِهِ عن الْوَظَائِفِ أو إفْرَادُ السَّبْتِ أو الْأَحَدِ بِالصَّوْمِ لِخَبَرِ لَا تَصُومُوا يوم السَّبْتِ إلَّا فِيمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْكُمْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلِأَنَّ الْيَهُودَ تُعَظِّمُ يوم السَّبْتِ وَالنَّصَارَى يوم الْأَحَدِ وَخَرَجَ بِإِفْرَادِ كُلٍّ من الثَّلَاثَةِ جَمْعُهُ مع غَيْرِهِ فَلَا يُكْرَهُ جَمْعُ السَّبْتِ مع الْأَحَدِ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ لم يُعَظِّمْهُ أَحَدٌ فَإِنْ قُلْت التَّعْلِيلُ بِالتَّقَوِّي بِالْفِطْرِ في كَرَاهَةِ إفْرَادِ الْجُمُعَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين إفْرَادِهَا وَجَمْعِهَا قُلْنَا إذَا جَمَعَهَا حَصَلَ له بِفَضِيلَةِ صَوْمِ غَيْرِهِ ما يُجْبِرُ ما حَصَلَ فيها من النَّقْصِ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ إلَّا أَنْ يُوَافِقَ إفْرَادَ كُلٍّ منها عَادَةً له كَأَنْ اعْتَادَ صَوْمَ يَوْمٍ وَفِطْرَ يَوْمٍ فَوَافَقَ صَوْمَهُ يَوْمًا منها فَلَا كَرَاهَةَ كما في صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ لَا تَخُصُّوا يوم الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ من بَيْنِ الْأَيَّامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ في صَوْمٍ يَصُومُهُ أحدكم وَقِيسَ بِالْجُمُعَةِ الْبَاقِي وَالتَّصْرِيحُ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ تَبَعًا لِلْمَجْمُوعِ من زِيَادَتِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ كَلَامَهُمْ في صَوْمِ التَّطَوُّعِ فَلَا يُكْرَهُ إفْرَادُ كُلٍّ منها بِصَوْمِ الْفَرْضِ كما صَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ في صَوْمِ النَّذْرِ وَيَدُلُّ له خَبَرُ التِّرْمِذِيِّ وَالْحَاكِمِ السَّابِقُ فَرْعٌ وَلَا يُكْرَهُ صَوْمُ الدَّهْرِ لِمَنْ لم يَخَفْ ضَرَرًا أو فَوْتَ حَقٍّ وَأَفْطَرَ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ بَلْ يُسْتَحَبُّ له لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عليه جَهَنَّمُ هَكَذَا وَعَقَدَ تِسْعِينَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَمَعْنَى ضُيِّقَتْ عليه أَيْ عنه فلم يَدْخُلْهَا أو لَا يَكُونُ له فيها مَوْضِعٌ فَإِنْ خَافَ ضَرَرًا أو فَوْتَ حَقٍّ كُرِهَ صَوْمُهُ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم آخَى بين سَلْمَانَ وَبَيْنَ أبي الدَّرْدَاءِ فَجَاءَ سَلْمَانُ يَزُورُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُبْتَذَلَةً فقال ما شَأْنُك فقالت إنَّ أَخَاك ليس له حَاجَةٌ في شَيْءٍ من الدُّنْيَا فقال سَلْمَانُ يا أَبَا الدَّرْدَاءِ إنَّ لِرَبِّك عَلَيْك حَقًّا وَلِأَهْلِك عَلَيْك حَقًّا وَلِجَسَدِك عَلَيْك حَقًّا فَصُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ وَائْتِ أَهْلَك وَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فذكر أبو الدَّرْدَاءِ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما قال سَلْمَانُ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِثْلَ ما قال سَلْمَانُ فَإِنْ صَامَ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ أو شيئا منها حَرُمَ وَعَلَيْهِ حُمِلَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ لَا صَامَ من صَامَ الْأَبَدَ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَلْ يُسْتَحَبُّ من زِيَادَتِهِ وَمَعَ اسْتِحْبَابِهِ فَصَوْمُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ أَفْضَلُ منه لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن عبد اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ أَفْضَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ دَاوُد كان يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَفِيهِ أَيْضًا لَا أَفْضَلَ من ذلك فَهُوَ أَفْضَلُ من صَوْمِ الدَّهْرِ كما قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ لَكِنْ في فَتَاوَى ابْنِ عبد السَّلَامِ أَنَّ الْعَكْسَ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَقَوْلُهُ في الْخَبَرِ لَا أَفْضَلُ من ذلك أَيْ لَك وَأَفْضَلُ الْأَشْهُرِ لِلصَّوْمِ بَعْدَ رَمَضَانَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ لِخَبَرِ أبي دَاوُد وَغَيْرِهِ صُمْ من
____________________
(1/432)
الْحُرُمِ وَاتْرُكْ صُمْ من الْحُرُمِ وَاتْرُكْ صُمْ من الْحُرُمِ وَاتْرُكْ وَإِنَّمَا أَمَرَ الْمُخَاطَبَ بِالتَّرْكِ لِأَنَّهُ كان يَشُقُّ عليه إكْثَارُ الصَّوْمِ كما جاء التَّصْرِيحُ بِهِ في الْخَبَرِ أَمَّا من لَا يَشُقُّ عليه فَصَوْمُ جَمِيعِهَا له فَضِيلَةٌ وَأَفْضَلُهَا الْمُحَرَّمُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ أَفْضَلُ الصَّوْمِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ ثُمَّ بَاقِيهَا وَظَاهِرُهُ اسْتِوَاءُ الْبَقِيَّةِ وَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ رَجَبٍ خُرُوجًا من خِلَافِ من فَضَّلَهُ على الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ ثُمَّ شَعْبَانُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها ما رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إلَّا رَمَضَانَ وما رَأَيْته في شَهْرٍ أَكْثَرَ منه صِيَامًا في شَعْبَانَ وفي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ كان يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ كان يَصُومُ شَعْبَانَ إلَّا قَلِيلًا قال الْعُلَمَاءُ اللَّفْظُ الثَّانِي مُفَسِّرٌ لِلْأَوَّلِ فَالْمُرَادُ بِكُلِّهِ غَالِبُهُ وَقِيلَ كان يَصُومُ كُلَّهُ في وَقْتٍ وَبَعْضَهُ في آخَرٍ وَقِيلَ كان يَصُومُهُ تَارَةً من أَوَّلِهِ وَتَارَةً من آخِرِهِ وَتَارَةً من وَسَطِهِ وَلَا يَتْرُكُ منه شيئا بِلَا صِيَامٍ لَكِنْ في أَكْثَرِ من سَنَةٍ وَقِيلَ إنَّمَا خَصَّهُ بِكَثْرَةِ الصِّيَامِ لِأَنَّهُ تُرْفَعُ فيه أَعْمَالُ الْعِبَادِ في سَنَتِهِمْ فَإِنْ قُلْت قد مَرَّ أَنَّ أَفْضَلَ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ الْمُحَرَّمُ فَكَيْفَ أَكْثَرُ منه في شَعْبَانَ دُونَ الْمُحَرَّمِ قُلْنَا لَعَلَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَعْلَمْ فَضْلَ الْمُحَرَّمِ إلَّا في آخِرِ الْحَيَاةِ قبل التَّمَكُّنِ من صَوْمِهِ أو لَعَلَّهُ كان تَعْرِضُ له فيه أَعْذَارٌ تَمْنَعُ من إكْثَارِهِ الصَّوْمَ فيه قال الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا لم يَسْتَكْمِلْ شَهْرًا غير رَمَضَانَ لِئَلَّا يُظَنَّ وُجُوبُهُ وَيَحْرُمُ على الْمَرْأَةِ صَوْمُ نَفْلٍ مُطْلَقٍ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجٍ لها حَاضِرٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ وفي رِوَايَةِ أبي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ غير رَمَضَانَ وَلِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ فَرْضٌ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ بِنَفْلٍ فَلَوْ صَامَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَحَّ وَإِنْ كان صَوْمُهَا حَرَامًا كَالصَّلَاةِ في دَارٍ مَغْصُوبَةٍ قال في شَرْحِ مُسْلِمٍ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي جَوَازُهُ فَإِنْ أَرَادَ التَّمَتُّعَ تَمَتَّعَ وَفَسَدَ الصَّوْمُ فَالْجَوَابُ أَنَّ صَوْمَهَا يَمْنَعُهُ التَّمَتُّعَ عَادَةً لِأَنَّهُ يَهَابُ انْتِهَاكَ حُرْمَةِ الصَّوْمِ بِالْإِفْسَادِ انْتَهَى وَهَلْ يُلْحَقُ بِهِ في ذلك صَلَاةُ التَّطَوُّعِ فيه نَظَرٌ وَالْأَوْجَهُ لَا لِقِصَرِ زَمَنِهَا وَسَيَأْتِي في النَّفَقَاتِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عليها صَوْمُ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ أَمَّا صَوْمُهَا في غِيبَةِ زَوْجِهَا عن بَلَدِهَا فَجَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ لِمَفْهُومِ الْخَبَرِ وَلِزَوَالِ مَعْنَى النَّهْيِ وَظَاهِرٌ أنها إذَا عَلِمَتْ رِضَاهُ جَازَ صَوْمُهَا وَإِنْ كان حَاضِرًا وَالْأَمَةُ الْمُبَاحَةُ لِسَيِّدِهَا كَالزَّوْجَةِ وَغَيْرُ الْمُبَاحَةِ كَأُخْتِهِ وَالْعَبْدَانِ تَضَرَّرَا بِصَوْمِ التَّطَوُّعِ لِضَعْفٍ أو غَيْرِهِ لم يَجُزْ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ وَإِلَّا جَازَ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ
كِتَابُ الِاعْتِكَافِ هو لُغَةً اللُّبْثُ وَالْحَبْسُ وَالْمُلَازَمَةُ على الشَّيْءِ خَيْرًا كان أو شَرًّا قال تَعَالَى وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ في الْمَسَاجِدِ وقال فَأَتَوْا على قَوْمٍ يَعْكُفُونَ على أَصْنَامٍ لهم وقال ما هذه التَّمَاثِيلُ التي أَنْتُمْ لها عَاكِفُونَ يُقَالُ اعْتَكَفَ وَعَكَفَ يَعْكُفُ وَيَعْكِفُ بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا يُحْسَبُ وَعُكُوفًا وَعَكَفْتُهُ يَغْتَارُ بِكَسْرِ الْكَافِ يُحْسَبُ لَا غَيْرُ يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا كَرَجَعَ وَرَجَعَتْهُ وَنَقَصَ وَنَقَصَتْهُ وَشَرْعًا اللُّبْثُ في الْمَسْجِدِ من شَخْصٍ مَخْصُوصٍ بِنِيَّتِهِ وَالْأَصْلُ فيه قبل الْإِجْمَاعِ الْآيَةُ الْأُولَى وَالْأَخْبَارُ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ من رَمَضَانَ ثُمَّ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ وَلَازَمَهُ حتى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ من بَعْدِهِ وَخَبَرُ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم اعْتَكَفَ عَشْرًا من شَوَّالٍ وفي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ اعْتَكَفَ في الْعَشْرِ الْأُوَلِ من شَوَّالٍ قال جَمَاعَةٌ وهو من الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ قال تَعَالَى وَعَهِدْنَا إلَى إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وهو سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَيُسْتَحَبُّ في كل الْأَوْقَاتِ لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ وَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ الْمُكْثُ وَأَقَلُّهُ أَكْثَرُ من الطُّمَأْنِينَةِ في الصَّلَاةِ بِسُكُونٍ أو تَرَدُّدٍ لِإِشْعَارِ لَفْظِهِ بِهِ فَلَا يُجْزِئُ أَقَلَّ ما يُجْزِئَ في طُمَأْنِينَةِ الصَّلَاةِ وَلَا يُجْزِئُ الْعُبُورُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يُسَمَّى اعْتِكَافًا فَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا مُطْلَقًا أَجْزَأَهُ لَحْظَةً لِحُصُولِ اسْمُهُ بها لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ يَوْمٌ لِلْخُرُوجِ من خِلَافِ من أَوْجَبَهُ وَلِأَنَّهُ لم يَنْتَقِلْ عنه صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ اعْتِكَافٌ دُونَ يَوْمٍ وَنَصَّ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ على اسْتِحْبَابِ ضَمِّ اللَّيْلَةِ إلَى الْيَوْمِ وَنَقَلَهُ عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ في الْإِمْلَاءِ وَذَكَرَ مثله في الْبَحْرِ وَكَذَا الْقَاضِي إلَّا أَنَّهُ لم يَنْقُلْهُ عن النَّصِّ وَيُسْتَحَبُّ كُلَّمَا دخل الْمَسْجِدَ أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ لِيَنَالَ فَضِيلَتَهُ وَالتَّصْرِيحُ بِالِاسْتِحْبَابِ من زِيَادَتِهِ
____________________
(1/433)
فَصْلٌ وفي نُسْخَةٍ فَرْعٌ وَيُفْسِدُهُ أَيْ الِاعْتِكَافَ من الْجِمَاعِ ما يُفْسِدُ الصَّوْمَ منه وهو ما قع ( ( ( يقع ) ) ) مع تَذَكُّرِ الِاعْتِكَافِ وَالْعِلْمِ بِتَحْرِيمِهِ وَالِاخْتِيَارِ الْمَزِيدِ على الْأَصْلِ سَوَاءٌ أَجَامَعَ في الْمَسْجِدِ أَمْ لَا لِمُنَافَاتِهِ له فَيَحْرُمُ بِسَبَبِهِ الْجِمَاعُ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ في الْمَسَاجِدِ وَيَحْرُمُ بِهِ التَّقْبِيلُ وَاللَّمْسُ بِشَهْوَةٍ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فإذا أَنْزَلَ مَعَهُمَا أَفْسَدَهُ كَالِاسْتِمْنَاءِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يُنْزِلْ مَعَهُمَا أو أَنْزَلَ مَعَهُمَا وَكَانَا بِلَا شَهْوَةٍ كما في الصَّوْمِ وَيَأْتِي هُنَا ما مَرَّ ثُمَّ في الْخُنْثَى وَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ في بَابِ الْأَحْدَاثِ لو أَوْلَجَ الْخُنْثَى في غَيْرِهِ أو أَوْلَجَ غَيْرُهُ في قُبُلِهِ فَفِي بُطْلَانِ اعْتِكَافِهِ قَوْلَانِ كَالْمُبَاشَرَةِ بِغَيْرِ جِمَاعٍ يَقْتَضِي التَّفْرِقَةَ بين إنْزَالِهِ وَعَدَمِ إنْزَالِهِ وهو صَحِيحٌ بِحَمْلِهِ على إنْزَالِهِ من فَرْجَيْهِ مَعًا وَالتَّرْجِيحُ في الِاسْتِمْنَاءِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ ثُمَّ تَحْرِيمُ ما ذُكِرَ إنَّمَا يَنْتَظِمُ في الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ وفي الْمُسْتَحَبِّ في الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ الْمُسْتَحَبِّ خَارِجَهُ إذْ غَايَةُ ذلك خُرُوجُهُ من الْعِبَادَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ وهو جَائِزٌ نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ فَرْعٌ وَلَا يُكْرَهُ له أَيْ لِلْمُعْتَكِفِ الصَّنَائِعُ في الْمَسْجِدِ كَالْخِيَاطَةِ وَالْكِتَابَةِ ما لم يُكْثِرْ منها فَإِنْ أَكْثَرَ منها كُرِهَتْ لِحُرْمَتِهِ إلَّا كِتَابَةَ الْعِلْمِ فَلَا يُكْرَهُ الْإِكْثَارُ منها لِأَنَّهُ طَاعَةٌ كَتَعْلِيمِ الْعِلْمِ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ هُنَا وفي بَابِ الْغُسْلِ وَلَهُ أَنْ يُرَجِّلَ شَعْرَهُ أَيْ يُسَرِّحَهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها كانت تُرَجِّلُ شَعْرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الِاعْتِكَافِ وأن يَتَطَيَّبَ لِأَنَّهُ لو حَرُمَ تَطَيُّبُهُ لَحَرُمَ تَرْجِيلُ شَعْرِهِ كَالْإِحْرَامِ وأن يَلْبَسَ الثِّيَابَ الْحَسَنَةَ وَيَتَزَوَّجَ وَيُزَوِّجَ وَيَأْمُرَ بِإِصْلَاحِ مَعَاشِهِ وَتَعَهُّدِ ضِيَاعِهِ كما صَرَّحَ بِهِمَا الْأَصْلُ وَيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيَغْسِلَ يَدَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ ولم يَرِدْ ما يُخَالِفُهُ في الْمَسْجِدِ مُتَعَلِّقٌ بِالْجَمِيعِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَأْكُلَ في سُفْرَةٍ أو نَحْوِهَا وأن يَغْسِلَ يَدَهُ في طَسْتٍ أو نَحْوِهَا لِيَكُونَ أَنْظَفَ لِلْمَسْجِدِ وَأَصُونَ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَأَنْ يَغْسِلَهَا حَيْثُ يَبْعُدُ عن نَظَرِ الناس وَالطَّسْتُ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ وَتُكْرَهُ الْحِرْفَةُ فيه بِخِيَاطَةٍ وَنَحْوِهَا كَالْمُعَاوَضَةِ من بَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَنَحْوِهِمَا بِلَا حَاجَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ صِيَانَةً له وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ بِشَيْءٍ من ذلك وَإِنْ كَثُرَ لِعَدَمِ مُنَافَاتِهِ الِاعْتِكَافَ وَلِأَنَّ ما لَا يُبْطِلُ قَلِيلُهُ لَا يُبْطِلُ كَثِيرُهُ كَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَيَجُوزُ نَضْحُهُ أَيْ الْمَسْجِدِ بِمُسْتَعْمَلٍ كما يَجُوزُ بِالْمُطْلَقِ لِأَنَّ النَّفْسَ إنَّمَا تَعَافُ شُرْبَهُ وَنَحْوَهُ وقد اتَّفَقُوا على جَوَازِ الْوُضُوءِ فيه وَإِسْقَاطِ مَاؤُهُ في أَرْضِهِ مع أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ وَلِأَنَّهُ أَنْظَفُ من غُسَالَةِ الْيَدِ الْحَاصِلَةِ بِغَسْلِهَا فيه وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَاخْتَارَهُ في الْمَجْمُوعِ وَضَعَّفَ قَوْلَ الْبَغَوِيّ أَنَّ ذلك لَا يَجُوزُ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ بِمَا ذُكِرَ ولم يَنْقُلْ ما اخْتَارَهُ عن أَحَدٍ وَتَبِعَهُ على ما اخْتَارَهُ الْإِسْنَوِيُّ مع نَقْلِهِ عن الْخُوَارِزْمِيَّ مُوَافَقَةَ الْبَغَوِيّ وَعَلَى كَلَامِ الْبَغَوِيّ اقْتَصَرَ الْأَصْلُ وَلِلْبَغَوِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ الْمُتَوَضِّئَ وَغَاسِلَ الْيَدِ يَفْعَلَانِ ذلك لِحَاجَتِهِمَا إلَيْهِ بِخِلَافِ النَّضْحِ فإنه يَقَعُ قَصْدًا وَالشَّيْءُ يُغْتَفَرُ ضِمْنًا ما لَا يُغْتَفَرُ قَصْدًا أو بِأَنَّ مَاءَ الْوُضُوءِ بَعْضُهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ وَمَاءَ غَسْلِ الْيَدِ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ بِخِلَافِ مَاءِ النَّضْحِ كَذَا نَبَّهَ عليه الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ ويجوز الِاحْتِجَامُ وَالْفَصْدُ فيه في إنَاءٍ قال في الْأَصْلِ وهو خِلَافُ الْأَوْلَى بَلْ جَزَمَ في الْمَجْمُوعِ بِكَرَاهَتِهِ وَكَالْحِجَامَةِ وَالْفَصْدِ ما في مَعْنَاهَا فِيمَا يَظْهَرُ وَكَاسْتِحَاضَةٍ وَفَتْحِ دُمَّلٍ وَنَحْوِهِمَا من سَائِرِ الدِّمَاءِ الْخَارِجَةِ من الْآدَمِيِّ لِلْحَاجَةِ وَيَدُلُّ له ما رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَنَّ بَعْضَ نِسَاءِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم اعْتَكَفَتْ معه وَكَانَتْ مُسْتَحَاضَةً فَرُبَّمَا وَضَعَتْ الطَّسْتَ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلِّي أَمَّا ما ليس في مَعْنَاهُ فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ فيه كما سَيَأْتِي بَعْضُهُ وقد نَقَلَ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ تَحْرِيمَ إدْخَالِ النَّجَاسَةِ الْمَسْجِدَ لِمَا فيه من شَغْلِ هَوَاءِ الْمَسْجِدِ بها مع زِيَادَةِ الْقُبْحِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لم تَكُنْ حَاجَةٌ بِدَلِيلِ جَوَازِ
____________________
(1/434)
إدْخَالِ النِّعَالِ الْمُتَنَجِّسَةِ فيه إذَا أُمِنَ التَّلْوِيثُ فَإِنْ لَوَّثَ الْخَارِجُ بِمَا ذُكِرَ الْمَسْجِدَ أو بَالَ فيه وَلَوْ في طَسْتٍ حَرُمَ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّ هذه الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ من هذا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ إنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَإِنَّمَا حَرُمَ الْبَوْلُ فيه في إنَاءٍ بِخِلَافِ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ لِأَنَّ دَمَهُمَا أَخَفُّ منه لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُعْفَى عنه في مَحَلِّهِمَا وَإِنْ كَثُرَ وَلِأَنَّهُ أَقْبَحُ مِنْهُمَا وَلِهَذَا لَا يُمْنَعُ من الْفَصْدِ مُتَوَجِّهُ الْقِبْلَةِ بِخِلَافِ الْبَوْلِ وَمِثْلُهُ التَّغَوُّطُ بَلْ أَوْلَى وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ سَلَسَ الْبَوْلِ وَنَحْوِهِ كَذَلِكَ إلْحَاقًا لِلْفَرْدِ النَّادِرِ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ وَإِنْ اشْتَغَلَ بِالْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ فَزِيَادَةُ خَيْرٍ لِأَنَّهُ طَاعَةٌ في طَاعَةٍ فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ لِلْمُعْتَكِفِ الصَّوْمُ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِلْخُرُوجِ من خِلَافِ من أَوْجَبَ الصَّوْمَ في الِاعْتِكَافِ فَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ هو فيه صَائِمٌ كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا أنا فيه صَائِمٌ أو أَكُونُ فيه صَائِمًا فَالصَّوْمُ شَرْطٌ لِاعْتِكَافِهِ الذي يَخْرُجُ بِهِ عن عُهْدَةِ نَذْرِهِ فَلَيْسَ له إفْرَادُ أَحَدِهِمَا عن الْآخَرِ لِعَدَمِ الْوَفَاءِ بِالْمُلْتَزِمِ وَيُجْزِئُهُ يَوْمٌ من رَمَضَانَ أو غَيْرِهِ صَائِمًا فيه وَلَوْ نَفْلًا لِأَنَّهُ لم يَلْزَمْ صَوْمًا بَلْ اعْتِكَافًا بِصِفَةٍ وقد وُجِدَتْ فَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ بِصَوْمٍ أو صَائِمًا وَكَذَا عَكْسُهُ بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ بِاعْتِكَافٍ وَهَذِهِ من زِيَادَتِهِ أو مُعْتَكِفًا لَزِمَاهُ أَيْ الِاعْتِكَافُ وَالصَّوْمُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُمَا ولزمه الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ فَلَزِمَ بِالنَّذْرِ كما لو نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بِسُورَةِ كَذَا لَزِمَاهُ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَلَوْ اعْتَكَفَ صَائِمًا في رَمَضَانَ أو غَيْرِهِ نَفْلًا كان الصَّوْمُ أو وَاجِبًا بِغَيْرِ هذا النَّذْرِ لم يُجِزْهُ لِعَدَمِ الْوَفَاءِ بِالْمُلْتَزَمِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَالْقِيَاسُ فِيمَا ذُكِرَ وَنَحْوِهِ أَنَّهُ يَكْفِيهِ اعْتِكَافُ لَحْظَةٍ من الْيَوْمِ وَلَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَادِقٌ على الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَكَلَامُهُمْ قد يُوهِمُ خِلَافَهُ وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ وَلَيَالٍ مُتَتَابِعَةً صَائِمًا فَجَامَعَ لَيْلًا اسْتَأْنَفَهُمَا لِانْتِفَاءِ الْجَمْعِ وَلَوْ عَيَّنَ وَقْتًا لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ كَالْعِيدِ اعْتَكَفَهُ وَلَا يَقْضِي الصَّوْمَ قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَمَتَى نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ مُصَلِّيًا أو مُحْرِمًا بِصَلَاةٍ أو عَكَسَ بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ مُعْتَكِفًا أو يُحْرِمَ بِصَلَاةٍ مُعْتَكِفًا لم يَلْزَمْهُ الْجَمِيعُ وَإِنْ لَزِمَاهُ إذْ الصَّلَاةُ لِكَوْنِهَا فِعْلًا لَا تُنَاسِبُ الِاعْتِكَافَ لِكَوْنِهِ كَفًّا بِخِلَافِهِ مع الصَّوْمِ لِتَقَارُبِهِمَا فإن كُلًّا كَفٌّ فَجُعِلَ أَحَدُهُمَا وَصْفًا لِلْآخَرِ وَكَالصَّلَاةِ فِيمَا ذُكِرَ الْإِحْرَامُ بِحَجِّ أو عُمْرَةٍ وَأَجْزَأَهُ من الصَّلَاةِ فِيمَا ذُكِرَ رَكْعَتَانِ كما لو أَفْرَدَهَا بِالنَّذْرِ وَلَا يُجْزِئُهُ ما دُونَهُمَا وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ مُصَلِّيًا لَزِمَهُ لِكُلِّ يَوْمٍ رَكْعَتَانِ وَاسْتَشْكَلَهُ الْأَصْلُ بِأَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ فَإِنْ تَرَكْنَا لِظَاهِرِ فَلِمَ اعْتَبَرَ تَكْرِيرَ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ من الصَّلَاةِ كُلَّ يَوْمٍ وَهَلَّا اكْتَفَى بِهِ مَرَّةً في جَمِيعِ الْمُدَّةِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ تَرَكَ الظَّاهِرَ في الِاسْتِيعَابِ دُونَ التَّكْرِيرِ لِيَسْلُكَ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ إذْ الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ لَا تَسْتَوْعِبُ الْأَيَّامَ وَتُكَرَّرُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَا يَجِبُ الْجَمْعُ بين الِاعْتِكَافِ وَالصَّلَاةِ كما مَرَّ بَيَانُهُ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ مُصَلِّيًا أو عَكْسَهُ لَزِمَاهُ وَلَا يَلْزَمُهُ جَمْعُهُمَا الرُّكْنُ الثَّانِي النِّيَّةُ فَتَجِبُ لِلِاعْتِكَافِ في ابْتِدَائِهِ كما في الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا سَوَاءٌ الْمَنْذُورُ وَغَيْرُهُ تَعَيَّنَ زَمَانُهُ أو لَا وَيَجِبُ التَّعَرُّضُ لِلْفَرْضِ في الْمَنْذُورِ لِيَتَمَيَّزَ عن النَّقْلِ قال الْإِسْنَوِيُّ ولم يَشْتَرِطُوا فيه تَعْيِينَ سَبَبِ وُجُوبِهِ وهو النَّذْرُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنَّذْرِ بِخِلَافِهِمَا قال الزَّرْكَشِيُّ وَيُشْبِهُ أَنَّ ذِكْرَ
____________________
(1/435)
النَّذْرِ يُغْنِي عن ذِكْرِ الْفَرْضِ لِأَنَّ الْوَفَاءَ بِهِ وَاجِبٌ فَكَأَنَّهُ نَوَى الِاعْتِكَافَ الْوَاجِبَ عليه قال وَبِذَلِكَ صَرَّحَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَإِنْ نَوَى الِاعْتِكَافَ وَأَطْلَقَ فَخَرَجَ من الْمَسْجِدِ وَلَوْ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ لَا بَعْدَ الْعَزْمِ على الْعَوْدِ إلَيْهِ ثُمَّ عَادَ جَدَّدَ النِّيَّةَ وُجُوبًا إنْ أَرَادَ الِاعْتِكَافَ إذْ الثَّانِي اعْتِكَافٌ جَدِيدٌ بِخِلَافِ ما إذَا خَرَجَ بَعْدَ الْعَزْمِ على الْعَوْدِ لَا يَجِبُ تَجْدِيدُهَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَنِيَّةِ الْمُدَّتَيْنِ ابْتِدَاءً كما في زِيَادَةِ عَدَدِ رَكَعَاتِ النَّافِلَةِ وَصَوَّبَهُ في الْمَجْمُوعِ وَإِنْ نَظَرَ فيه الْأَصْلُ بِأَنَّ اقْتِرَانَ النِّيَّةِ بِأَوَّلِ الْعِبَادَةِ شَرْطٌ فَكَيْفَ يَكْتَفِي بِعَزِيمَةٍ سَابِقَةٍ وَجَوَابُهُ يُعْرَفُ من التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ وَلَا يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ منه كَالصَّوْمِ وَلَوْ خَرَجَ من نَوَى اعْتِكَافَ مُدَّةٍ مُطْلَقَةٍ كَيَوْمٍ وَشَهْرٍ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ ثُمَّ رَجَعَ لم يُجَدِّدْ أَيْ لم يَلْزَمْهُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ منه فَهُوَ كَالْمُسْتَثْنِي عِنْدَ النِّيَّةِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ جَدَّدَ النِّيَّةَ وُجُوبًا وَإِنْ قَصَّرَ إلَّا لِزَمَانٍ لِانْقِطَاعِ الِاعْتِكَافِ الذي كان فيه أَمَّا خُرُوجُ من نَوَى اعْتِكَافَ مُدَّةٍ مُتَوَالِيَةٍ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ آخِرَ الْبَابِ الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْمُعْتَكِفُ وَشَرْطُهُ الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَحَلُّ اللُّبْثِ في الْمَسْجِدِ فَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ الْكَافِرِ وَغَيْرِ الْعَاقِلِ كَالْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عليه وَالسَّكْرَانِ إذْ لَا نِيَّةَ لهم وَلَا اعْتِكَافُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ لِحُرْمَةِ الْمُكْثِ في الْمَسْجِدِ عليهم وَيُرَدُّ عليه ما لو اعْتَكَفَ في مَسْجِدِ وَقْفٍ على غَيْرِهِ دُونَهُ فإنه يَحْرُمُ عليه لُبْثُهُ فيه مع صِحَّةِ اعْتِكَافِهِ فيه كَالتَّيَمُّمِ بِتُرَابٍ مَغْصُوبٍ وَقِسْ على هذا ما يُشْبِهُهُ فَيَصِحُّ من الْمُمَيِّزِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ كَصِيَامِهِمْ لَكِنْ يُكْرَهُ لِذَوَاتِ الْهَيْئَةِ كما في خُرُوجِهِنَّ لِلْجَمَاعَةِ وَيَحْرُمُ اعْتِكَافُ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ وَالزَّوْجِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْعَبْدِ مُسْتَحَقَّةٌ لِسَيِّدِهِ وَالتَّمَتُّعُ مُسْتَحَقٌّ لِلزَّوْجِ وَلِأَنَّ حَقَّهُمَا على الْفَوْرِ بِخِلَافِ الِاعْتِكَافِ نعم إنْ لم يُفَوِّتَا عَلَيْهِمَا مَنْفَعَةً كَأَنْ حَضَرَا الْمَسْجِدَ بِإِذْنِهِمَا فَنَوَيَا الِاعْتِكَافَ فَلَا رَيْبَ في جَوَازِهِ كما نَبَّهَ عليه الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ نَذَرَ الْعَبْدُ اعْتِكَافَ زَمَنٍ مُعَيَّنٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ثُمَّ انْتَقَلَ عنه إلَى غَيْرِهِ بِبَيْعٍ أو وَصِيَّةٍ أو إرْثٍ فَلَهُ الِاعْتِكَافُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَحَقًّا قبل تَمَلُّكِهِ وَمِثْلُهُ الزَّوْجَةُ وإذا اعْتَكَفَا فَلَهُمَا الْأَوْلَى وَلَهُمَا إخْرَاجُهُمَا من التَّطَوُّعِ وَإِنْ اعْتَكَفَا بِإِذْنِهِمَا لِمَا مَرَّ وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ وَكَذَا لَهُمَا إخْرَاجُهُمَا من النَّذْرِ إلَّا إنْ أَذِنَا فيه وفي الشُّرُوعِ فيه وَإِنْ لم يَكُنْ زَمَنُ الِاعْتِكَافِ مُعَيَّنًا وَلَا مُتَتَابِعًا أو في أَحَدِهِمَا وهو أَيْ زَمَنُ الِاعْتِكَافِ مُعَيَّنٌ وَكَذَا إنْ أَذِنَا في الشُّرُوعِ فيه فَقَطْ وهو مُتَتَابِعٌ وَإِنْ لم يَكُنْ زَمَنُهُ مُعَيَّنًا فَلَا يَجُوزُ لَهُمَا إخْرَاجُهُمَا في الْجَمِيعِ لِإِذْنِهِمَا في الشُّرُوعِ مُبَاشَرَةً أو بِوَاسِطَةٍ لِأَنَّ الْإِذْنَ في النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ إذْنٌ في الشُّرُوعِ فيه وَالْمُعَيَّنُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ وَالْمُتَتَابِعُ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ منه لِمَا فيه من إبْطَالِ الْعِبَادَةِ الْوَاجِبَةِ بِلَا عُذْرٍ وَلَوْ اعْتَكَفَ الْمُكَاتَبُ بِلَا إذْنٍ جَازَ إذْ لَا حَقَّ لِسَيِّدِهِ في مَنْفَعَتِهِ كَالْحُرِّ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عن النَّصِّ قال وَصَوَّرَهُ أَصْحَابُنَا بِمَا لَا يُخِلُّ بِكَسْبِهِ لِقِلَّةِ زَمَنِهِ أو لِإِمْكَانِ كَسْبِهِ في الْمَسْجِدِ كَالْخِيَاطَةِ وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ كَالْقِنِّ إنْ لم تَكُنْ مُهَايَأَةً وَإِلَّا فَهُوَ في نَوْبَتِهِ كَالْحُرِّ وفي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ كَالْقِنِّ
فَرْعٌ وفي نُسْخَةٍ فَصْلٌ مَتَى ارْتَدَّ الْمُعْتَكِفُ أو سَكِرَ بِمُحَرَّمٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ زَمَنَ الرِّدَّةِ وَالسُّكْرِ وَإِنْ لم يَخْرُجْ من الْمَسْجِدِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْعِبَادَةِ وَتَتَابُعُهُ وَإِنْ لم يَخْرُجْ لِأَنَّ ذلك أَشَدُّ من خُرُوجِهِ بِلَا عُذْرٍ وهو يَقْطَعُ التَّتَابُعَ كما سَيَأْتِي وَأَمَّا نَصُّ الشَّافِعِيِّ على عَدَمِ بُطْلَانِ اعْتِكَافِ الْمُرْتَدِّ فَحَمَلُوهُ على غَيْرِ الْمُتَتَابِعِ حتى إذَا أَسْلَمَ يَبْنِي بَلْ نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَمَرَ الرَّبِيعَ أَنْ يَضْرِبَ على هذا النَّصِّ وَمَنْ أُغْمِيَ عليه أو جُنَّ في اعْتِكَافِهِ وَأُخْرِجَ من الْمَسْجِدِ بَطَلَ تَتَابُعُهُ إنْ أَمْكَنَ حِفْظُهُ في الْمَسْجِدِ بِلَا مَشَقَّةٍ إذْ لَا عُذْرَ في إخْرَاجِهِ فَإِنْ لم يَخْرُجْ أو أُخْرِجَ ولم يُمْكِنْ حِفْظُهُ في الْمَسْجِدِ أو أَمْكَنَ لَكِنْ بِمَشَقَّةٍ فَلَا يَبْطُلُ تَتَابُعُهُ لِعُذْرِهِ في الْأُولَى بِإِغْمَائِهِ أو جُنُونِهِ وفي الْأَخِيرَتَيْنِ بِذَلِكَ مع الْعُذْرِ الْحَامِلِ على إخْرَاجِهِ وفي نُسْخَةٍ بَعْدَمَا ذُكِرَ وَإِلَّا فَلَا وهو تَصْرِيحٌ بِالْمَفْهُومِ وفي أُخْرَى بَدَلُ تَتَابُعِهِ اعْتِكَافُهُ
____________________
(1/436)
وَهِيَ الْمُوَافِقَةُ لِلْأَصْلِ وَالْأُولَى أَوْلَى لِقَوْلِهِ وَيُحْسَبُ فِيمَا إذَا لم يَخْرُجْ زَمَنَ الْإِغْمَاءِ من الِاعْتِكَافِ كَالنَّوْمِ وَكَالصِّيَامِ إذَا أُغْمِيَ عليه بَعْضَ النَّهَارِ لَا زَمَنَ الْجُنُونِ لِمُنَافَاتِهِ الِاعْتِكَافَ وَاعْلَمْ أَنَّ ما صَرَّحَ بِهِ من بُطْلَانِ التَّتَابُعِ فِيمَا إذَا أَمْكَنَ حِفْظُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ هو مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْلِ كَالتَّتِمَّةِ لَكِنَّ الذي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ عَدَمُ الْبَطَلَانِ فَإِنَّهُمْ أَطْلَقُوهُ بِغَيْرِ تَفْصِيلٍ بين الْمَشَقَّةِ وَعَدَمِهَا وَكَذَا أَطْلَقَ في الْمَجْمُوعِ مع نَقْلِهِ كَلَامَ التَّتِمَّةِ فقال ما حَاصِلُهُ فَإِنْ أَخْرَجَ الْمُغْمَى عليه أَهْلُهُ وَالْمَجْنُونَ وَلِيَّهُ لم يَبْطُلْ التَّتَابُعُ لِأَنَّهُ لم يَخْرُجْ بِاخْتِيَارِهِ هذا هو الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وقال الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ هو كَالْمَرِيضِ انْتَهَى وَيُؤَيِّدُ ما أَطْلَقُوهُ ما سَيَأْتِي من أَنَّ الْخُرُوجَ مُكْرَهًا لَا يُبْطِلُ التَّتَابُعَ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا لم يَخْرُجْ بِاخْتِيَارِهِ وَمَنْ أَجْنَبَ بِالِاحْتِلَامِ وَنَحْوِهِ كَالْجِمَاعِ نَاسِيًا فَلَهُ الْخُرُوجُ لِلْغُسْلِ وَإِنْ أَمْكَنَهُ في الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ أَصُونُ لِمُرُوءَتِهِ وَلِحُرْمَةِ الْمَسْجِدِ وَيُبَادِرُ بِهِ وُجُوبًا رِعَايَةً لِلتَّتَابُعِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ جَوَازُ الْغُسْلِ في الْمَسْجِدِ وهو كَذَلِكَ إنْ لم يَمْكُثْ فيه أو عَجَزَ عن الْخُرُوجِ منه وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ كما نَقَلَهُ الْإِمَامُ عن الْمُحَقِّقِينَ وَجَزَمَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ وَلَا يُحْسَبُ زَمَنُ الْجَنَابَةِ من الِاعْتِكَافِ إذَا اتَّفَقَ الْمُكْثُ مَعَهَا في الْمَسْجِدِ بِعُذْرٍ أو غَيْرِهِ فإنه حَرَامٌ وَإِنَّمَا يُبَاحُ له لِلضَّرُورَةِ وَمِثْلُهَا الْحَيْضُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْمُعْتَكَفُ فيه فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ إلَّا في الْمَسْجِدِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِلْإِجْمَاعِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ في الْمَسَاجِدِ إذْ ذِكْرُ الْمَسَاجِدِ لَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ لِجَعْلِهَا شَرْطًا في مَنْعِ مُبَاشَرَةِ الْمُعْتَكِفِ لِمَنْعِهِ منها وَإِنْ كان خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَلِمَنْعِ غَيْرِهِ أَيْضًا منها فيها فَتَعَيَّنَ كَوْنُهَا شَرْطًا لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ وَلَا يَفْتَقِرُ شَيْءٌ من الْعِبَادَاتِ لِلْمَسْجِدِ إلَّا تَحِيَّتُهُ وَالِاعْتِكَافُ وَالطَّوَافُ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيمَا وُقِفَ جُزْؤُهُ شَائِعًا مَسْجِدًا وَلَا فِيمَا أَرْضُهُ مُسْتَأْجَرَةٌ نعم لو بَنَى فيه مَسْطَبَةً وَوَقَفَهَا مَسْجِدًا فَتُتَّجَهُ الصِّحَّةُ وَبِهِ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ ذَكَرَ ذلك الْإِسْنَوِيُّ وَلَا يُغْتَرُّ بِمَا وَقَعَ لِلزَّرْكَشِيِّ من أَنَّهُ يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ وَإِنْ لم يَبْنِ مَسْطَبَةً وَالْجَامِعُ أَفْضَلُ لِلِاعْتِكَافِ من بَقِيَّةِ الْمَسَاجِدِ لِلْخُرُوجِ من خِلَافِ من أَوْجَبَهُ وَلِكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ فيه وَلِلِاسْتِغْنَاءِ عن الْخُرُوجِ لِلْجُمُعَةِ وَيَجِبُ الْجَامِعُ لِلِاعْتِكَافِ فيه إنْ نَذَرَ أُسْبُوعًا فَأَكْثَرَ أو أَقَلَّ وَفِيهِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ مُتَتَابِعًا وكان مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ ولم يَشْتَرِطْ الْخُرُوجُ لها لِأَنَّ الْخُرُوجَ لها يَقْطَعُ التَّتَابُعَ وَلَا يُشْتَرَطُ الْجَامِعُ لِمُطْلَقِ الِاعْتِكَافِ بَلْ يَصِحُّ في سَائِرِ الْمَسَاجِدِ لِمُسَاوَاتِهَا له في تَحْرِيمِ الْمُكْثِ لِلْجُنُبِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ وَلَا يُجْزِئُ الْمَرْأَةَ اعْتِكَافُهَا في مُصَلَّى بَيْتِهَا لِأَنَّهُ ليس بِمَسْجِدٍ فَهِيَ كَغَيْرِهَا وَلَا يَتَعَيَّنُ مَسْجِدٌ لِلِاعْتِكَافِ بِنَذْرٍ له فيه كما في الصَّلَاةِ
____________________
(1/437)
لَكِنْ يُسْتَحَبُّ الِاعْتِكَافُ فِيمَا عَيَّنَهُ كما نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْأَصْحَابِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَكَذَا مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ وَالْمَسْجِدُ الْأَقْصَى فَتَتَعَيَّنُ الثَّلَاثَةُ لِمَزِيدِ فَضْلِهَا قال صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِي هذا وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى رَوَاهُ الشَّيْخَانِ قال ابن يُونُسَ وَأَلْحَقَ الْبَغَوِيّ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ سَائِرَ مَسَاجِدِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَأْبَاهُ وَكَذَا الْخَبَرُ السَّابِقُ
وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِالثَّلَاثَةِ مَسْجِدَ قُبَاءَ لِخَبَرِ صَلَاةٌ في مَسْجِدِ قُبَاءَ كَعُمْرَةٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابن الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ وفي الْبُخَارِيِّ كان صلى اللَّهُ عليه وسلم يَأْتِي قُبَاءَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا فَيُصَلِّي فيه رَكْعَتَيْنِ وَيَقُومُ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ مَقَامَهُمَا أَيْ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لِزِيَادَةِ فَضِيلَتِهِ وَتَعَلُّقِ النُّسُكِ بِهِ ويقوم مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ مَقَامَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لِأَنَّهُ أَفْضَلُ منه وَلَا عَكْسُ أَيْ لَا يَقُومُ الْأَخِيرَانِ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَلَا الثَّالِثُ مَقَامَ الثَّانِي وَدَلِيلُ تَفَاوُتِهَا في الْفَضِيلَةِ ما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ ابن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال صَلَاةٌ في مَسْجِدِي هذا أَفْضَلُ من أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ في الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ من مِائَةِ صَلَاةٍ في مَسْجِدِي هذا مع ما رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَحَسَّنَهُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال صَلَاةٌ في الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى أَفْضَلُ من خَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ أَيْ غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ بِقَرِينَةِ ما قَبْلَهُ وَيُؤْخَذُ من الْخَبَرَيْنِ أَنَّ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ أَفْضَلُ من الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ فَيُسْتَثْنَى الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى من الْخَبَرِ الْأَوَّلِ مع الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ في الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ
وقال النَّوَوِيُّ في مَنَاسِكِهِ عن الْمَاوَرْدِيِّ هو الْحَرَمُ كُلُّهُ وَنَقَلَهُ الْعِمْرَانِيُّ عن شَيْخِهِ الشَّرِيفِ الْعُثْمَانِيِّ ثُمَّ اخْتَارَ أَنَّهُ الْكَعْبَةُ وما في الْحِجْرِ من الْبَيْتِ وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ بِأَنَّهُ الْكَعْبَةُ وَالْمَسْجِدُ حَوْلَهَا فَلَوْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ في الْكَعْبَةِ أو الْبَيْتِ الْحَرَامِ فَحَاصِلُ كَلَامِ الْعِمْرَانِيِّ تَعَيَّنَ الْبَيْتُ وما أُضِيفَ منه إلَى الْحِجْرِ وَاخْتَارَهُ الْإِسْنَوِيُّ لَكِنْ سَيَأْتِي في النَّذْرِ أَنَّهُ لو نَذَرَ صَلَاةً في الْكَعْبَةِ كَفِي إتْيَانُهُ بها في الْمَسْجِدِ حَوْلَهَا وَقِيَاسُهُ أَنَّ الِاعْتِكَافَ كَذَلِكَ وهو الْأَوْجَهُ الذي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْجُمْهُورِ من أَنَّ أَجْزَاءَ الْمَسْجِدِ مُتَسَاوِيَةٌ في أَدَاءِ الْمَنْذُورِ وَأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ جُزْءٌ منه بِالتَّعْيِينِ وَإِنْ كان أَفْضَلَ من بَقِيَّةِ الْأَجْزَاءِ وما قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ بِنَاءً على ما اخْتَارَهُ آنِفًا وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ وَعَلَى ما مَرَّ عن الْبَغَوِيّ لو خَصَّ نَذَرَهُ بِوَاحِدٍ من الْمَسَاجِدِ التي أَلْحَقَهَا بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فَالْأَوْجَهُ قِيَامُ غَيْرِهِ منها مَقَامَهُ لِتَسَاوِيهِمَا في فَضِيلَةِ نِسْبَتِهَا له صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَوْ شَرَعَ في اعْتِكَافٍ مُتَتَابِعٍ في مَسْجِدٍ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ تَعَيَّنَ وَإِنْ لم يُعَيِّنْهُ في نَذْرِهِ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ التَّتَابُعُ إلَّا إنْ عَدَلَ بَعْدَ خُرُوجِهِ من قَضَاءِ الْحَاجَةِ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ بِمَسَافَتِهِ أَيْ بِمِثْلِ مَسَافَتِهِ فَأَقَلَّ جَازَ لِانْتِقَاءِ الْمَحْذُورِ وَإِنْ عَيَّنَ زَمَنَ الِاعْتِكَافِ في نَذْرِهِ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ تَعَيَّنَ وَفَاءً بِمَا الْتَزَمَهُ فَلَا يَجُوزُ التَّقْدِيمُ عليه وَيَجِبُ الْقَضَاءُ بِالتَّأْخِيرِ وَيَأْثَمُ بِهِ إنْ تَعَمَّدْهُ فَصْلٌ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ مَثَلًا يَتَنَاوَلُ اللَّيَالِيَ منه لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عن الْجَمِيعِ لَا التَّتَابُعِ له لِأَنَّهُ لم يَشْرِطْهُ بِخِلَافِ ما لو حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا لِأَنَّ مَقْصُودَ الْيَمِينِ الْهَجْرُ وَلَا يَتَحَقَّقُ بِغَيْرِ تَتَابُعٍ لَكِنْ يُسَنُّ أَيْ التَّتَابُعُ رِعَايَةً له وما أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ من أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّتَابُعُ بِنِيَّتِهِ هو ما صَحَّحَهُ الْأَصْلُ وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ مُقَابِلَهُ لِيُوَافِقَ ما سَيَأْتِي من تَنَاوُلِ الْأَيَّامِ اللَّيَالِي بِنِيَّتِهِ قال في الْمُهِمَّاتِ وهو الصَّوَابُ نَقْلًا وَمَعْنًى أَمَّا نَقْلًا فقال الْإِمَامُ لو نَوَى التَّتَابُعَ فَمَضْمُونُ الطُّرُقِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ له بَلْ النِّيَّةُ مع الْكِنَايَةِ كَالتَّصْرِيحِ وَجَزَمَ بِهِ أَيْضًا سُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالْغَزَالِيُّ وَأَمَّا مَعْنًى فَلِمَا عَلَّلَ بِهِ الْإِمَامُ وَلِأَنَّهُ إذَا كان الرَّاجِحُ إيجَابَ اللَّيَالِي بِالنِّيَّةِ مع أَنَّ فيه وَقْتًا
____________________
(1/438)
زَائِدًا فَوُجُوبُ التَّتَابُعِ أَوْلَى لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ وَصْفٍ وَأَجَابَ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا سَيَأْتِي أَنْ يَنْذُرَ أَيَّامًا مُعَيَّنَةً فَتَجِبُ اللَّيَالِي الْمُتَخَلِّلَةُ لِأَنَّهُ قد أَحَاطَ بها وَاجِبَانِ كما نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ وَفِيهِ نَظَرٌ يُعْرَفُ مِمَّا يَأْتِي وَالْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ التَّتَابُعَ ليس من جِنْسِ الزَّمَنِ الْمَنْذُورِ وَبِخِلَافِ اللَّيَالِي بِالنِّسْبَةِ لِلْأَيَّامِ وَلَا يَلْزَمُ من إيجَابِ الْجِنْسِ بِنِيَّةِ التَّتَابُعِ إيجَابُ غَيْرِهِ بها وَلَوْ اسْتَثْنَى من الشَّهْرِ وَنَحْوِهِ اللَّيَالِيَ أو الْأَيَّامَ بِقَلْبِهِ لَا لِسَانِهِ بِأَنْ نَوَاهُ لم يُؤَثِّرْ كما لَا يَلْزَمُ الِاعْتِكَافُ بِنِيَّتِهِ وَقَوْلُهُ لَا لِسَانِهِ إيضَاحٌ وَيَكْفِيهِ فِيمَا لو نَذَرَ شَهْرًا أو دخل قُبَيْلَ الِاسْتِهْلَالِ شَهْرٌ هِلَالِيٌّ تَمَّ أو نَقَصَ لِصِدْقِ الشَّهْرِ بِهِ فَإِنْ كَسَرَ الشَّهْرَ بِأَنْ دخل في أَثْنَائِهِ فَثَلَاثُونَ يَوْمًا يَعْتَكِفُهَا أَخْذًا بِالْعَدَدِ وَلَوْ شَرَطَ التَّفْرِيقَ أَجْزَأَهُ التَّتَابُعُ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ كما يَقُومُ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ مَقَامَ غَيْرِهِ فِيمَا ذُكِرَ وَالْإِفْرَادُ مَقَامُ الْقِرَانِ إذَا نَذَرَهُ نعم إنْ نَوَى أَيَّامًا مُعَيَّنَةً كَسَبْعَةِ أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَوَّلُهَا غَدًا تَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ في الْخُلَاصَةِ قال الْإِسْنَوِيُّ وهو مُتَعَيِّنٌ لِتَعَيُّنِ زَمَنِ الِاعْتِكَافِ بِالتَّعْيِينِ وما قَالَاهُ إنَّمَا يَأْتِي على طَرِيقَتِهِمَا من أَنَّ النِّيَّةَ تُؤَثِّرُ كَاللَّفْظِ وقد عُرِفَ ما فيه وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ لم يَجُزْ تَلْفِيقُهُ من أَيَّامٍ بِخِلَافِ أَيَّامِ الشَّهْرِ إذْ الْمَفْهُومُ من لَفْظِ الْيَوْمِ الِاتِّصَالُ فَلَوْ اعْتَكَفَ ظُهْرًا أَيْ من وَقْتِ الظُّهْرِ من يَوْمٍ وَوَقَفَ أَيْ مَكَثَ إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ من ثَانِيهِ أَجْزَأَهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لِحُصُولِ التَّتَابُعِ بِالْبَيْتُوتَةِ في الْمَسْجِدِ وَعَنْ أبي إِسْحَاقَ لَا يُجْزِئُهُ لِتَفْرِيقِ سَاعَاتِهِ بِتَخَلُّلِ ما ليس منه قال في الْأَصْلِ وهو الْوَجْهُ لَا إنْ خَرَجَ لَيْلًا فَلَا يُجْزِئُهُ لِمَا مَرَّ من أَنَّ الْمَعْهُودَ من لَفْظِ الْيَوْمِ الِاتِّصَالُ وَيَجِبُ ذلك أَيْ مُكْثُ الْمِقْدَارِ الْمَذْكُورِ إنْ نَذَرَ يَوْمًا أَوَّلَهُ الظُّهْرُ فَيَمْتَنِعُ الْخُرُوجُ لَيْلًا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ قال في الْأَصْلِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُلْتَزَمَ يَوْمُ السَّبْتِ اللَّيْلَةَ منه فَلَا يُمْنَعُ التَّتَابُعُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجْعَلَ فَائِدَةَ تَقْيِيدِهِ في هذه الْقَطْعُ بِجِوَارِ التَّفْرِيقِ لَا غَيْرُ وَلَوْ وفي نُسْخَةٍ فَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ تَعَيَّنَ لِأَنَّهُ وَصْفٌ مَقْصُودٌ لِمَا فيه من الْمُبَادَرَةِ إلَى الْبَاقِي عَقِبَ الْإِتْيَانِ بِبَعْضِهِ وَالتَّتَابُعُ فيه وَاقِعٌ ضَرُورَةً لَا قَصْدًا فَإِنْ أَفْسَدَ بَعْضَهُ لم يَسْتَأْنِفْ بَلْ يَجِبُ قَضَاءُ ما أَفْسَدَهُ فَقَطْ ولم يَجِبْ التَّتَابُعُ في قَضَائِهِ لِأَنَّ التَّتَابُعَ فيه لم يَقَعْ مَقْصُودًا بَلْ من ضَرُورَةِ تَعْيِينِ الْوَقْتِ وهو نَظِيرُ ما سَبَقَ في قَضَاءِ رَمَضَانَ إلَّا أَنَّ شَرْطَهُ في أَدَائِهِ فَيَجِبُ حِينَئِذٍ لِالْتِزَامِهِ إيَّاهُ وَإِنْ قال لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ أَيَّامَ الشَّهْرِ أو شَهْرًا نَهَارًا لم تَلْزَمْهُ اللَّيَالِي لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ في مُسَمَّى الْأَيَّامِ وَالشَّهْرِ حتى يَنْوِيَهَا وَلَوْ بِدُونِ لَفْظٍ فَتَلْزَمُهُ كَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ لَا يَلْزَمُهُ ضَمُّ اللَّيْلَةِ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا فَتَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْيَوْمَ قد يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْيَوْمُ بِلَيْلَتِهِ وَفَارَقَ تَأْثِيرَ النِّيَّةِ هُنَا عَدَمُ تَأْثِيرِهَا في الِاسْتِثْنَاءِ كما مَرَّ بِأَنَّ في ذلك احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ في الْمَوْضِعَيْنِ وَبِأَنَّ الْغَرَضَ من النِّيَّةِ هُنَا إدْخَالُ ما قد يُرَادُ من اللَّفْظِ وَهُنَاكَ إخْرَاجُ ما شَمِلَهُ اللَّفْظُ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ حتى يَنْوِيَهَا أَخْذًا مِمَّا نُظِرَ بِهِ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ أو عَشَرَةً أو عِشْرِينَ يَوْمًا أو نَحْوَهَا لم تَجِبْ اللَّيَالِي الْمُتَخَلَّلَةِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهَا لم تَدْخُلْ في مُسَمَّاهَا بِخِلَافِ الشَّهْرِ إلَّا إنْ شَرَطَ التَّتَابُعَ أو نَوَاهُ فَتَجِبُ اللَّيَالِي عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَعِنْدَ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ وَآخَرِينَ لَا تَجِبُ إلَّا إنْ شَرَطَهَا أو نَوَاهَا قال في الْأَصْلِ بَعْدَ ذلك وَالْوَجْهُ التَّوَسُّطُ فَإِنْ أُرِيدَ بِالتَّتَابُعِ تَوَالِي الْأَيَّامِ فَالْحَقُّ قَوْلُ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ أو تَوَاصَلَ الِاعْتِكَافُ فَالْحَقُّ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَنُقِلَ في الْمَجْمُوعِ عن الدَّارِمِيِّ التَّصْرِيحُ بهذا وَحَاصِلُهُ حَمْلُ الْكَلَامَيْنِ على حَالَيْنِ لَكِنْ يَبْقَى الْكَلَامُ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ وَذَكَرَ فيها الدَّارِمِيُّ وَجْهَيْنِ أَوْجُهُهُمَا عَدَمُ الْوُجُوبِ كَعَكْسِهِ بِأَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَتَيْنِ أو عِشْرِينَ لَيْلَةً أو نَحْوَهَا فإنه لَا تَجِبُ الْأَيَّامُ الْمُتَخَلِّلَةُ إلَّا إنْ شَرَطَ التَّتَابُعَ أو نَوَاهُ على ما مَرَّ وقد يُتَوَهَّمُ من وُجُوبِ اللَّيَالِي أو الْأَيَّامِ الْمُتَخَلِّلَةِ بِنِيَّةِ التَّتَابُعِ وُجُوبُ التَّتَابُعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فإنه إنَّمَا يَجِبُ بِشَرْطِهِ كما مَرَّ وَإِنْ قال لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ الْعَشْرَ الْأَخِيرَ دَخَلَتْ اللَّيَالِي فيها حتى اللَّيْلَةَ الْأُولَى وَيُجْزِئُ اعْتِكَافُهَا وَإِنْ نَقَصَ الشَّهْرُ لِأَنَّ هذا الِاسْمَ يَقَعُ على ما بَعْدَ الْعِشْرِينَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ من آخِرِهِ وكان نَاقِصًا لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ جَرَّدَ الْقَصْدَ إلَيْهَا
____________________
(1/439)
فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَعْتَكِفَ بَعْدَهُ يَوْمًا قال في الْمَجْمُوعِ وَيُسَنُّ في هذه أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا قبل الْعَشْرِ لِاحْتِمَالِ نَقْصِ الشَّهْرِ فَيَكُونُ ذلك الْيَوْمُ دَاخِلًا في نَذْرِهِ لِكَوْنِهِ أَوَّلَ الْعَشَرَةِ من آخِرِ الشَّهْرِ فَلَوْ فَعَلَ هذا ثُمَّ بَانَ النَّقْصُ فَهَلْ يُجْزِئُهُ عن قَضَاءِ يَوْمٍ قَطَعَ الْبَغَوِيّ بِإِجْزَائِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فيه الْخِلَافُ فِيمَنْ تَيَقَّنَ طُهْرًا وَشَكَّ في ضِدِّهِ فَتَوَضَّأَ مُحْتَاطًا فَبَانَ مُحْدِثًا وَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ لَا مُطْلَقٍ فَقَضَاهُ لَيْلًا أَجْزَأَهُ وَإِنَّمَا لم يُجْزِئُهُ في الْمُطْلَقِ لِقُدْرَتِهِ على الْوَفَاءِ بِنَذْرِهِ بِصِفَتِهِ الْمُلْتَزَمَةِ بِخِلَافِهِ في الْمُعَيَّنِ كَنَظِيرِهِ في الصَّلَاةِ في الْقِسْمَيْنِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَحَكَاهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ
فَرْعٌ لو نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمِ قُدُومِ زَيْدٍ فَلَا شَيْءَ عليه إنْ قَدِمَ لَيْلًا لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ وَقِيَاسُ نَظِيرِهِ في الصَّوْمِ نَدْبُ اعْتِكَافِ يَوْمٍ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى وَإِنْ قَدِمَ نَهَارًا أَجْزَأَهُ الْبَقِيَّةُ منه فَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ ما مَضَى منه لِأَنَّ الْوُجُوبَ إنَّمَا ثَبَتَ من حِينِ الْقُدُومِ لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ في بَعْضِ يَوْمٍ بِخِلَافِ الصَّوْمِ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْضِيَ يَوْمًا كَامِلًا لِيَكُونَ اعْتِكَافُهُ مُتَّصِلًا نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْمُزَنِيّ وَكَلَامُ الْأَصْلِ في النَّذْرِ يَقْتَضِي لُزُومَ قَضَائِهِ وَصَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ ثُمَّ في مَوْضِعٍ وَإِنْ فَاتَتْ أَيْ الْبَقِيَّةُ فِيمَا لو قَدِمَ نَهَارًا وَلَوْ بِمَرَضٍ وكان من أَهْلِ الِاعْتِكَافِ قَضَاهَا وُجُوبًا تَدَارُكًا لِمَا فَاتَ وَمَحَلُّ ذلك إذَا قَدِمَ حَيًّا مُخْتَارًا فَلَوْ قَدِمَ بِهِ مَيِّتًا أو قَدِمَ مُكْرَهًا فَلَا شَيْءَ عليه كما لو قَدِمَ لَيْلًا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَتَوَقَّفَ الْأَذْرَعِيُّ في الثَّانِيَةِ قال لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّاذِرَ جَعَلَ اعْتِكَافَهُ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى على حُضُورِ غَائِبِهِ عِنْدَهُ وَاجْتِمَاعِ شَمْلِهِ بِهِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِحُضُورِهِ مُكْرَهًا قُلْت لَكِنْ يَفُوتُهُ تَعْلِيقُهُ الْحُكْمَ بِالْقُدُومِ وَقُدُومُ الْمُكْرَهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا
فَصْلٌ مَتَى نَذَرَ اعْتِكَافًا مُتَتَابِعًا وَشَرَطَ الْخُرُوجَ لِغَرَضٍ صَحَّ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ إنَّمَا يَلْزَمُ بِالِالْتِزَامِ فَيَلْزَمُهُ بِحَسَبِ ما الْتَزَمَهُ ثُمَّ إنْ شَرَطَهُ لِخَاصٍّ من الْأَغْرَاضِ كَعِيَادَةِ الْمَرْضَى وَتَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ خَرَجَ له دُونَ غَيْرِهِ وَإِنْ كان غَيْرُهُ أَهَمَّ منه أو عَامٍّ كَشُغْلٍ يَعْرِضُ له خَرَجَ لِكُلِّ شُغْلٍ دِينِيٍّ كَالْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْعِيَادَةِ أو دُنْيَوِيٍّ مُبَاحٍ كَلِفَاءِ السُّلْطَانِ وَاقْتِضَاءِ الْغَرِيمِ إلَّا الْجِمَاعُ فَلَا يُخْرِجُ له وَإِنْ عَيَّنَهُ بَلْ يَبْطُلُ بِهِ النَّذْرُ فِيمَا إذَا عَيَّنَهُ كما يُؤْخَذُ من كَلَامِهِ فِيمَا يَأْتِي لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الِاعْتِكَافِ
وَلَيْسَ التَّنَزُّهُ شُغْلًا عَادَةً فَالْخُرُوجُ له يَقْطَعُ التَّتَابُعَ كَخُرُوجِهِ لِشَغْلٍ مُحَرَّمٍ وَالتَّنَزُّهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مَوْضِعِ نُزْهَةٍ يُقَالُ خَرَجْنَا نَتَنَزَّهُ في الرِّيَاضِ وَأَصْلُهُ من الْبُعْدِ قال ابن السِّكِّيتِ وَمِمَّا يَضَعُهُ الناس في غَيْرِ مَوْضِعِهِ قَوْلُهُمْ خَرَجْنَا نَتَنَزَّهُ إذَا خَرَجُوا إلَى الْبَسَاتِينِ قال وَإِنَّمَا التَّنَزُّهُ التَّبَاعُدُ عن الْمِيَاهِ وَالْأَرْيَافِ وَمِنْهُ قِيلَ فُلَانُ يَتَنَزَّهُ عن الْأَقْذَارِ وَيُنَزِّهُ نَفْسَهُ عنها أَيْ يُبَاعِدُهَا عنها ذَكَرَ ذلك الْجَوْهَرِيُّ وَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ على لَفْظَةِ التَّنَزُّهِ أَوْلَى من جَمْعِ الْأَصْلِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّظَّارَةِ لِأَنَّهَا مُغْنِيَةٌ عنها وَأَوْضَحُ منها في الْمَعْنَى وَزَمَنُ الْخُرُوجِ لَمَّا شَرَطَهُ إنْ كان في نَذْرٍ مُطْلَقٍ كَشَهْرٍ قَضَاهُ وُجُوبًا بِالتَّيَمُّمِ الْمَنْذُورِ فَائِدَةُ الشَّرْطِ تَنْزِيلُ ذلك الْغَرَضِ مَنْزِلَةَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ في أَنَّ التَّتَابُعَ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ أو في نَذْرٍ مُعَيَّنٍ كَهَذَا الشَّهْرِ فَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ ذلك لِأَنَّهُ لم يَنْذُرْهُ وَفَارَقَ ما قَبْلَهُ بِأَنَّ التَّتَابُعَ لَمَّا كان من ضَرُورَاتِ التَّعْيِينِ لم يَجُزْ صَرْفُ الشَّرْطِ إلَى إفَادَةِ نَفْيِ قَطْعِهِ فَانْصَرَفَ إلَى إخْرَاجِ زَمَنِ ما شَرَطَهُ من الْمُلْتَزَمِ وإذا لم يُعَيِّنْ الزَّمَنَ لم يَكُنْ التَّتَابُعُ من ضَرُورَاتِهِ فَيُحْمَلُ الشَّرْطُ على إفَادَةِ نَفْيِ قَطْعِ التَّتَابُعِ دُونَ نُقْصَانِ الزَّمَنِ وَإِنْ وفي نُسْخَةٍ وَلَوْ شَرَطَ الْخُرُوجَ لِلشُّغْلِ وَنَحْوِهِ كَجُوعٍ وَتَضَيُّفٍ في صَوْمٍ أو صَلَاةٍ نَذَرَهُمَا أو قال في نَذْرِ الصَّدَقَةِ بِشَيْءٍ إلَّا إنْ احْتَاجَهُ صَحَّ النَّذْرُ وَالشَّرْطُ كما في الِاعْتِكَافِ فَلَوْ قال لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِي إلَّا أَنْ أَحْتَاجَهُ في مُدَّةِ الْعُمْرِ صَحَّ وإذا مَاتَ في هذه لَزِمَ إخْرَاجُ كل التَّرِكَةِ وَتَحْرِيمُ الْوَرَثَةِ وَهِيَ أَحْسَنُ من الْحِيلَةِ الْمَذْكُورَةِ في بَابِ التَّدْبِيرِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أو شَرَطَ الْخُرُوجَ لِمَا ذُكِرَ في نَذْرِ الْحَجِّ صَحَّ ذلك كما في الْإِحْرَامِ الْمَشْرُوطِ وَجَازَ الْخُرُوجُ له على الْأَصَحِّ كَالِاعْتِكَافِ وَمُقَابِلُهُ عَدَمُ الْجَوَازِ لِأَنَّ الْحَجَّ أَقْوَى من الِاعْتِكَافِ وَلِهَذَا يَجِبُ الْمُضِيُّ في فَاسِدِهِ وَلَا حَاجَةَ له بِذِكْرِ الْخِلَافِ
وَإِنْ شَرَطَ قَطْعَ الِاعْتِكَافِ لِشُغْلٍ أو قال عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ رَمَضَانَ مَثَلًا إلَّا أَنْ أَمْرَضَ أو أُسَافِرَ فَخَرَجَ له أَيْ لِلشُّغْلِ أو مَرِضَ أو سَافَرَ لم يَلْزَمْهُ الْعَوْدُ لِانْقِطَاعِ اعْتِكَافِهِ بِذَلِكَ بِخِلَافِ ما لو شَرَطَ الْخُرُوجَ لِذَلِكَ وَلَوْ قال في الْجَمِيعِ أَيْ جَمِيعِ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لي أو مَهْمَا أو نَحْوَهَا كَإِنْ أو مَتَى أَرَدْت جَامَعْت لم يَنْعَقِدْ النَّذْرُ
____________________
(1/440)
لِمُنَافَاتِهِ له كما لو شَرَطَ الْخُرُوجَ لِمُحَرَّمٍ كَقَتْلٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ وَسَرِقَةٍ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ في الْأُولَى من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أو قال مَهْمَا أَرَدْت خَرَجْت انْعَقَدَ النَّذْرُ كَشَرْطِهِ الْخُرُوجَ لِغَرَضٍ وَالتَّصْرِيحُ بهذا هُنَا من زِيَادَتِهِ وفي سُقُوطِ التَّتَابُعِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نعم عَمَلًا بِالشَّرْطِ كَشَرْطِهِ الْخُرُوجَ لِغَرَضٍ وَالثَّانِي وهو الْأَوْجَهُ لَا إلْغَاءً لِلشَّرْطِ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِمُجَرَّدِ إرَادَتِهِ وَذَلِكَ يُنَافِي الِالْتِزَامَ
فَرْعٌ يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِمَا يُنَافِي الِاعْتِكَافَ كَالْجِمَاعِ وَالْإِنْزَالِ بِشَرْطِهِمَا غَيْرِ الِاحْتِلَامِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْجُنُونِ فَلَا يَنْقَطِعُ بها على تَفْصِيلٍ يَأْتِي في الْحَيْضِ لِعُرُوضِهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ فَإِنْ خَرَجَ بِكُلِّ الْبَدَنِ من الْمَسْجِدِ أو بِمَا اعْتَمَدَ عليه من الرِّجْلَيْنِ أو الْيَدَيْنِ أو الرَّأْسِ قَائِمًا أو مُنْحَنِيًا أو من الْعَجْزِ قَاعِدًا أو من الْجَنْبِ مُضْطَجِعًا بِلَا عُذْرٍ من الْأَعْذَارِ الْآتِيَةِ بَطَلَ التَّتَابُعُ الْأَنْسَبُ بِكَلَامِهِ انْقَطَعَ وَقَوْلُهُ أو الْعَجْزُ من زِيَادَتِهِ أو أَخْرَجَ بَعْضًا غير ذلك كَأَنْ أَخْرَجَ رَأْسَهُ أو إحْدَى يَدَيْهِ أو كِلْتَيْهِمَا أو إحْدَى رِجْلَيْهِ أو كِلْتَيْهِمَا دُونَ اعْتِمَادٍ أو صَعِدَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مَنَارَةَ الْمَسْجِدِ وَبَابُهَا فيه لم يَضُرَّ في التَّتَابُعِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خَارِجًا سَوَاءٌ أَصَعَدَ الْمَنَارَةَ لِلْأَذَانِ أَمْ لِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ في نَفْسِ الْمَسْجِدِ أَمْ الرَّحْبَةِ أَمْ خَارِجَةً عن سَمْتِ الْبِنَاءِ وَتَرْبِيعِهِ أَيْ وَتَكُونُ حِينَئِذٍ في حُكْمِ الْمَسْجِدِ كَمَنَارَةٍ مَبْنِيَّةٍ في الْمَسْجِدِ مَالَتْ إلَى الشَّارِعِ فَيَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فيها وَإِنْ كان الْمُعْتَكِفُ في هَوَاءِ الشَّارِعِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ قال وَيُؤْخَذُ منه أَنَّهُ لو اُتُّخِذَ لِلْمَسْجِدِ جُنَاحٌ إلَى شَارِعٍ فَاعْتَكَفَ فيه صَحَّ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْمَسْجِدِ وَلَيْسَ لنا اعْتِكَافٌ يَصِحُّ في هَوَاءِ الشَّارِعِ من غَيْرِ مَسْجِدٍ إلَّا في هذه وَالْأَوْجَهُ خِلَافُ ما قَالَهُ وَالْفَرْقُ بين الْجَنَاحِ وَالْمَنَارَةِ لَائِحٌ وَكَذَا لو كان بَابُهَا خَارِجَهُ وَخَارِجَ رَحْبَتِهِ وَالْمَنَارَةُ قَرِيبَةٌ مِنْهُمَا وهو أَيْ الْمُعْتَكِفُ مُؤَذِّنٌ رَاتِبٌ خَرَجَ له أَيْ لِلْأَذَانِ عليها لَا يَضُرُّ لِإِلْفِهِ صُعُودَهَا لِلْأَذَانِ وَإِلْفِ الناس صَوْتَهُ بِخِلَافِ خُرُوجِ غَيْرِ الرَّاتِبِ لِلْأَذَانِ وَخُرُوجِ الرَّاتِبِ لِغَيْرِ الْأَذَانِ أو لِلْأَذَانِ لَكِنْ بِمَنَارَةٍ لَيْسَتْ لِلْمَسْجِدِ أو له لَكِنْ بَعِيدَةٌ عنه وَعَنْ رَحْبَتِهِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ رَحْبَتِهِ في صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ
تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا قال الْإِسْنَوِيُّ لو أَخْرَجَ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا على السَّوَاءِ فَفِيهِ نَظَرٌ قُلْت وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَضُرُّ وَيُؤَيِّدُهُ ما قَدَّمَهُ فِيمَا وَقَفَ جُزْؤُهُ شَائِعًا مَسْجِدًا
ثَانِيهِمَا قال الْأَذْرَعِيُّ الْأَقْرَبُ امْتِنَاعُ الْخُرُوجِ لِلْمَنَارَةِ فِيمَا إذَا حَصَلَ الشِّعَارُ بِالْأَذَانِ بِظَهْرِ السَّطْحِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَلَا يَبْطُلُ الْأَنْسَبُ وَلَا يَنْقَطِعُ أَيْ التَّتَابُعُ بِالْخُرُوجِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ إذْ لَا بُدَّ منه وَلَوْ كَثُرَ خُرُوجُهُ لِقَضَائِهَا لِعَارِضٍ نَظَرًا إلَى جِنْسِهِ وَلِكَثْرَةِ اتِّفَاقِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فيها أَيْ في جَوَازِ الْخُرُوجِ لِقَضَائِهَا الضَّرُورَةُ وَلَا يَبْطُلُ التَّتَابُعُ بِخُرُوجِهِ لِأَكْلٍ وَإِنْ أَمْكَنَ فيه فَقَدْ يَسْتَحْيِ وَيَشُقُّ عليه بِخِلَافِ الشُّرْبِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ فيه كما سَيَأْتِي إذْ لَا يَسْتَحْيِ منه وَيُؤْخَذُ من الْعِلَّةِ أَنَّ الْكَلَامَ في مَسْجِدٍ مَطْرُوقٍ بِخِلَافِ الْمُخْتَصِّ وَالْمَهْجُورِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ ولا بِخُرُوجِهِ لِأَجَلٍ غُسْلِ الِاحْتِلَامِ وَنَحْوِهِ كَإِنْزَالٍ بِفِكْرٍ وَوَطْءٍ غَيْرِ مُفْسِدٍ وَوِلَادَةٍ وَتَنَجُّسِ بَدَنٍ لِوُجُوبِهِ بِخِلَافِ خُرُوجِهِ لِلْغُسْلِ الْمَنْدُوبِ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَلَا يُكَلَّفُ في قَضَاءِ الْحَاجَةِ وما بَعْدَهُ غير دَارِهِ كَسِقَايَةِ الْمَسْجِدِ وَدَارِ صَدِيقٍ له بِجِوَارِ الْمَسْجِدِ لِمَا فيه من الْمَشَقَّةِ وَخَرْمِ الْمُرُوءَةِ وَتَزِيدُ دَارُ الصَّدِيقِ بِالْمِنَّةِ بها قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ من لَا يَحْتَشِمُ من السِّقَايَةِ يُكَلَّفُهَا فَلَوْ تَفَاحَشَ بُعْدُهَا أَيْ دَارِهِ وَثَمَّ لَائِقٌ بِهِ أو تَرَكَ الْأَقْرَبَ من دَارٍ بِهِ وَذَهَبَ إلَى أَبْعَدِهِمَا لم يَجُزْ خُرُوجُهُ إلَيْهَا فَإِنْ خَالَفَ انْقَطَعَ التَّتَابُعُ إذْ قال يَأْخُذُهُ الْبَوْلُ في عَوْدَةٍ في الْأُولَى فَيُبْقِي نَهَارَهُ في قَطْعِ الْمَسَافَةِ وَلِاغْتِنَائِهِ بِالْأَقْرَبِ عن الْأَبْعَدِ في الثَّانِيَةِ أَمَّا إذَا لم يَجِدْ لَائِقًا بِهِ فَيَجُوزُ خُرُوجُهُ فَرْعٌ لو عَادَ في طَرِيقِهِ أو في
____________________
(1/441)
بَيْتِ دَارٍ قَضَاءِ الْحَاجَةِ مَرِيضًا ولم يَطُلْ مُكْثُهُ أو صلى في ذلك على جِنَازَةٍ ولم يَنْتَظِرْهَا جَازَ لِقِصَرِ الزَّمَنِ فِيهِمَا وَخَرَجَ بِمَا قَالَهُ ما لو عَادَ مَرِيضًا في بَيْتٍ من دَارٍ غَيْرِ الدَّارِ التي قَضَى فيها حَاجَتَهُ أو انْتَظَرَ الْجِنَازَةَ فَلَا يَجُوزُ وقد صَرَّحَ بِبَعْضِ ذلك بَعْدُ وَيَرْجِعُ في الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ لِلْعُرْفِ نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ وَجَعَلَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ قَدْرَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ حَدًّا لِلْقِلَّةِ وَاحْتَمَلَاهُ لِجَمِيعِ الْأَعْرَاضِ وَلَوْ عَدَلَ عن طَرِيقِهِ إلَيْهِمَا أَيْ إلَى الْعِيَادَةِ في غَيْرِ الْبَيْتِ الذي قَالَهُ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَلَوْ قَلِيلًا أو جَامَعَ سَائِرًا كَأَنْ كان في هَوْدَجٍ أو تَأَنَّى في مَشْيِهِ غير الْعَادَةِ بَطَلَ التَّتَابُعُ لِتَقْصِيرِهِ في الْأُولَى بِإِنْشَائِهِ سَيْرًا لِغَيْرِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَإِنْ تَعَيَّنَتْ عليه الصَّلَاةُ وفي الثَّانِيَةِ بِالْجِمَاعِ إذْ هو أَشَدُّ إعْرَاضًا عن الْعِبَادَةِ مِمَّنْ أَطَالَ الْوُقُوفَ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وفي الثَّالِثَةِ بِتَأَنِّيهِ عن الْعَادَةِ وَبِمَا قَالَهُ عُلِمَ أَنَّ له أَنْ يَمْشِيَ على عَادَتِهِ وَلَا يُكَلَّفَ الْإِسْرَاعَ فَوْقَهَا وَبِهِ صَرَّحَ أَصْلُهُ وَلَهُ الْوُضُوءُ الْوَاجِبُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ تَبَعًا لِلِاسْتِنْجَاءِ وَإِنْ خَرَجَ له دُونَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِيمَا يَظْهَرُ فَشُمُولُ كَلَامِهِ لِلْخُرُوجِ له فَقَطْ من زِيَادَتِهِ وَلَا يَبْطُلُ التَّتَابُعُ بِالْخُرُوجِ لِلْعَطَشِ وَالْوُضُوءِ الْمَذْكُورِ إنْ لم يَجِدْ الْمَاءَ في الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ ما إذَا وَجَدَهُ وَبِخِلَافِ الْوُضُوءِ الْمَنْدُوبِ كَالْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ نعم الظَّاهِرُ أَنَّ الْوُضُوءَ الْمَنْدُوبَ لِغُسْلِ الِاحْتِلَامِ وَنَحْوِهِ مُغْتَفَرٌ كَالتَّثْلِيثِ في الْوُضُوءِ الْوَاجِبِ
فَرْعٌ الِاعْتِكَافُ إنْ لم يَسَعْهُ الطُّهْرُ من الْحَيْضِ بِأَنْ طَالَتْ مُدَّةُ الِاعْتِكَافِ بِحَيْثُ لَا تَنْفَكُّ عن الْحَيْضِ غَالِبًا قال الْبَغَوِيّ وَالنَّوَوِيُّ كَأَنْ زَادَتْ على خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لم يَقْطَعْ الْحَيْضُ تَتَابُعَهُ كَصَوْمِ شَهْرَيْ الْكَفَّارَةِ لِعُرُوضِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ وَسِعَهُ الطُّهْرُ قَطَعَهُ لِأَنَّهَا بِسَبِيلٍ من أَنْ تُشْرَعَ كما طَهُرَتْ وَكَالْحَيْضِ النِّفَاسُ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَمَنْ خَرَجَ لِمَرَضٍ مُحْوِجٍ إلَى الْخُرُوجِ بِأَنْ شَقَّ معه الْمُقَامُ لِحَاجَتِهِ إلَى فِرَاشٍ وَخَادِمٍ وَتَرَدُّدِ طَبِيبٍ أو خَافَ منه تَلْوِيثَ الْمَسْجِدِ لم يَنْقَطِعْ التَّتَابُعُ كما سَيَأْتِي لِلْحَاجَةِ بِخِلَافِ الْحُمَّى الْخَفِيفَةِ وَالصُّدَاعِ وَنَحْوِهِمَا وَكَالْمَرَضِ الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ كما مَرَّ وَيُفَارِقُ ما ذُكِرَ في الْمَرِيضِ إفْطَارُهُ في صَوْمِ الْكَفَّارَةِ حَيْثُ يُقْطَعُ تَتَابُعُهُ بِأَنَّ خُرُوجَهُ لِمَصْلَحَةِ الْمَسْجِدِ وَفِطْرَهُ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ أو خَرَجَ لِنِسْيَانٍ لِلِاعْتِكَافِ أو إكْرَاهٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لم يَنْقَطِعْ التَّتَابُعُ كما في الْجِمَاعِ نَاسِيًا وَلِخَبَرِ رُفِعَ عن أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وما اُسْتُكْرِهُوا عليه وفي مَعْنَى الْإِكْرَاءِ خَوْفُهُ من ظَالِمٍ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ أو خَوْفِ غَرِيمٍ له وهو مُعْسِرٌ وَلَا بَيِّنَةَ له لم يَنْقَطِعْ التَّتَابُعُ لِعُذْرِهِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ لَا إنْ خَرَجَ وهو غَنِيٌّ مُمَاطِلٌ أو مُعْسِرٌ وَلَهُ بَيِّنَةٌ فَيَنْقَطِعُ لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ الْوَفَاءِ وَإِثْبَاتِ إعْسَارِهِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ كُلَّ من خَرَجَ مُكْرَهًا بِحَقٍّ كَالزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ يَعْتَكِفَانِ بِلَا إذْنٍ يَنْقَطِعُ تَتَابُعُهُ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو الْوَجْهُ أو حُمِلَ وَأُخْرِجَ لم يَنْقَطِعْ كما لو أُوجِرَ الصَّائِمُ الطَّعَامَ أو خَرَجَ لِأَدَاءِ شَهَادَةٍ تَعَيَّنَ عليه حَمْلُهَا وَأَدَاؤُهَا لم يَنْقَطِعْ لِاضْطِرَارِهِ إلَى الْخُرُوجِ وَإِلَى سَبَبِهِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَتَعَيَّنْ عليه أَحَدُهُمَا أو تَعَيَّنَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لِأَنَّهُ إنْ لم يَتَعَيَّنْ عليه الْأَدَاءُ فَهُوَ مُسْتَغْنٍ عن الْخُرُوجِ وَإِلَّا فَتَحَمُّلُهُ لها إنَّمَا يَكُونُ لِلْأَدَاءِ فَهُوَ بِاخْتِيَارِهِ وَظَاهِرًا أَنَّ مَحَلَّ هذه إذَا تَحَمَّلَ بَعْدَ الشُّرُوعِ في الِاعْتِكَافِ وَإِلَّا فَلَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ كما لو نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ فَفَوَّتَهُ لِصَوْمِ كَفَّارَتِهِ لَزِمَتْهُ قبل النَّذْرِ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ أو خَرَجَتْ الْمُعْتَكِفَةُ لِأَجَلٍ قَضَاءِ عِدَّةٍ لَا بِسَبَبِهَا وَلَا في مُدَّةِ إذْنِهِ أَيْ زَوْجِهَا لها في الِاعْتِكَافِ لم يَنْقَطِعْ التَّتَابُعُ وَإِنْ كانت مُخْتَارَةً لِلنِّكَاحِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُبَاشِرُ لِلْعِدَّةِ بِخِلَافِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ إنَّمَا يَكُونُ لِلْأَدَاءِ كما مَرَّ أَمَّا إذَا كانت الْعِدَّةُ بِسَبَبِهَا كَأَنْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِمَشِيئَتِهَا فقالت وَهِيَ مُعْتَكِفَةٌ شِئْت أو قَدَّرَ زَوْجُهَا مُدَّةً لِاعْتِكَافِهَا فَخَرَجَتْ قبل تَمَامِهَا فَيَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ وَالتَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ لَا بِسَبَبِهَا من زِيَادَتِهِ وَرَجَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ أو خَرَجَ لِإِقَامَةِ حَدٍّ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ لم يَنْقَطِعْ التَّتَابُعُ إذْ الْجَرِيمَةُ لَا تُرْتَكَبُ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ بِخِلَافِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ كما مَرَّ لَا إنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ فَيَنْقَطِعُ بِهِ التَّتَابُعُ فَقَوْلُهُ لم يَنْقَطِعْ أَيْ وَإِنْ طَالَ زَمَنُ الْمَذْكُورَاتِ جَوَابُ من وَلَا يَنْقَطِعُ أَيْضًا بِخُرُوجِهِ أَيْضًا بِخُرُوجِهِ لِقَيْءٍ أو هَدْمٍ أو خَوْفِ حَرِيقٍ وَلَا لِفَصْدٍ أو حِجَامَةٍ إنْ لم يُمْكِنْ تَأْخِيرُهُمَا أو أَمْكَنَ وَشَقَّ كَالْمَرَضِ وَكَمَا فَرَغَ من عُذْرِهِ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ وَيَقْضِي من خَرَجَ لِمَا لَا يَقْطَعُ
____________________
(1/442)
التَّتَابُعَ بِغَيْرِ شَرْطٍ ما عَدَا زَمَنَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَكِفٍ فيه أَمَّا زَمَنُ قَضَائِهَا فَلَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنَى إذْ لَا بُدَّ منه وَلِأَنَّ اعْتِكَافَهُ فيه مُسْتَمِرٌّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ اخْتِصَاصُ هذا بِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالْأَوْجَهُ جَرَيَانُهُ في كل ما يَطْلُبُ الْخُرُوجَ له ولم يَطُلْ زَمَنُهُ عَادَةً كَأَكْلٍ وَغُسْلِ جَنَابَةٍ وَأَذَانِ مُؤَذِّنٍ رَاتِبٍ بِخِلَافِ ما يَطُولُ زَمَنُهُ كَمَرَضٍ وَعِدَّةٍ وَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وقد صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ أبو عَلِيٍّ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا نَبَّهَ على ذلك الْإِسْنَوِيُّ ثُمَّ قال وَالْمَوْقِعُ لِلرَّافِعِيِّ فِيمَا قَالَهُ إيهَامٌ وَقَعَ في الْوَجِيزِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَيْ من خَرَجَ لِمَا ذُكِرَ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ بَعْدَ عَوْدِهِ إنْ خَرَجَ لِمَا لَا بُدَّ منه وَإِنْ طَالَ زَمَنُهُ كَقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالْغُسْلِ الْوَاجِبِ وَالْأَذَانِ إذَا جَوَّزْنَا الْخُرُوجَ له وَكَذَا لو خَرَجَ لِمَا لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ وكان منه بُدٌّ لِشُمُولِ النِّيَّةِ جَمِيعَ الْمُدَّةِ وَأُلْحِقَ بِهِ الْخُرُوجُ لِغَرَضٍ اسْتَثْنَى أَيْ اسْتِثْنَاءُ الْمُعْتَكِفِ وَلَوْ عَيَّنَ مُدَّةً ولم يَتَعَرَّضْ لِلتَّتَابُعِ فَجَامَعَ أو خَرَجَ بِلَا عُذْرٍ ثُمَّ عَادَ لِيُتِمَّ الْبَاقِي جَدَّدَ النِّيَّةَ لِأَنَّ هذه عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ مُنْفَصِلَةٌ عَمَّا مَضَى وَتَلْزَمُهُ أَيْ الْمُعْتَكِفِ الْجُمُعَةُ فَيَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ لها وَإِنْ خَرَجَ لها بَطَلَ تَتَابُعُهُ لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ اعْتِكَافِهِ في الْجَامِعِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيُؤْخَذُ من هذا أَنَّهُ لو كانت الْجُمُعَةُ تُقَامُ بين أَبْنِيَةِ الْقَرْيَةِ لَا في جَامِعٍ لم يَبْطُلْ تَتَابُعُهُ بِالْخُرُوجِ لها وَكَذَا لو كانت الْقَرْيَةُ صَغِيرَةً لَا تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِأَهْلِهَا فَأُحْدِثَ بها جَامِعٌ وَجَمَاعَةٌ بَعْدَ نَذْرِهِ وَاعْتِكَافِهِ وَلَوْ اسْتَثْنَى الْخُرُوجَ لها وكان في الْبَلَدِ جَامِعَانِ فَمَرَّ على أَحَدِهِمَا وَذَهَبَ إلَى الْآخَرِ قال الْقَفَّالُ في فَتَاوِيهِ فَإِنْ كان الذي ذَهَبَ إلَيْهِ تُصَلَّى فيه أَوَّلًا لم يَضُرَّهُ أو في وَقْتٍ وَاحِدٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَإِنْ أَحْرَمَ الْمُعْتَكِفُ بِالْحَجِّ وَخَشِيَ فَوْتَهُ قَطَعَ الِاعْتِكَافَ ولم يَبْنِ بَعْدَ فَرَاغِهِ من الْحَجِّ على اعْتِكَافِهِ الْأَوَّلِ فَإِنْ لم يَخْشَ فَوْتَهُ أَتَمَّ اعْتِكَافَهُ ثُمَّ خَرَجَ لِحَجِّهِ وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَبَانَ أَنَّهُ انْقَضَى قبل نَذْرِهِ لم يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ اعْتِكَافَ شَهْرٍ قد مَضَى مُحَالٌ وَإِنْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ على أَنْ يُجَامِعَ فيه لم يَصِحَّ نَذْرُهُ لِمُنَافَاةِ الْجِمَاعِ له وَهَذَا عُلِمَ من قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَمَهْمَا أَرَدْت جَامَعْت لم يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ كِتَابُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ الْحَجُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَةً الْقَصْدُ وَشَرْعًا قَصْدُ الْكَعْبَةِ لِلنُّسُكِ الْآتِي بَيَانُهُ وَالْعُمْرَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ مع ضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَبِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ لُغَةً الزِّيَارَةُ وَقِيلَ الْقَصْدُ إلَى مَكَان عَامِرٍ وَشَرْعًا قَصْدُ الْكَعْبَةِ لِلنُّسُكِ الْآتِي بَيَانُهُ وَهُمَا أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا فَرْضٌ أَيْ مَفْرُوضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلِلَّهِ على الناس حِجُّ الْبَيْتِ من اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا وَلِقَوْلِهِ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ أَيْ ائْتُوا بِهِمَا تَامَّيْنِ وَلِخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عن عَائِشَةَ قالت يا رَسُولَ اللَّهِ هل على النِّسَاءِ جِهَادٌ قال نعم جِهَادٌ لَا قِتَالَ فيه الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَأَمَّا خَبَرُ التِّرْمِذِيِّ عن جَابِرٍ سُئِلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ قال لَا وَأَنْ تَعْتَمِرُوا فَهُوَ أَفْضَلُ وفي رِوَايَةٍ وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَك فَضَعِيفٌ قال في الْمَجْمُوعِ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ على ضَعْفِهِ وَلَا يُغْتَرُّ بِقَوْلِ التِّرْمِذِيِّ فيه حَسَنٌ صَحِيحٌ قال قال أَصْحَابُنَا وَلَوْ صَحَّ لم يَلْزَمْ منه عَدَمُ وُجُوبِهَا مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً على السَّائِلِ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ قال وَقَوْلُهُ وَأَنْ تَعْتَمِرَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَلَا يُغْنِي عن الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ وَإِنْ اشْتَمَلَ عليها وَيُفَارِقُ الْغُسْلَ حَيْثُ يُغْنِي عن الْوُضُوءِ بِأَنَّ الْغُسْلَ أَصْلٌ فَأَغْنَى عن بَدَلِهِ وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ أَصْلَانِ
ولم يُفْرَضَا في الْعُمْرِ إلَّا مَرَّةً لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عن أبي هُرَيْرَةَ خَطَبَنَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال يا أَيُّهَا الناس قد فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا فقال رَجُلٌ يا نَبِيَّ اللَّهِ أَكُلَّ عَامٍ فَسَكَتَ حتى قَالَهَا ثَلَاثًا فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لو قُلْت نعم لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ وَلِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عن سُرَاقَةَ قال قُلْت يا رَسُولَ اللَّهِ عُمْرَتُنَا هذه لِعَامِنَا هذا أَمْ لِلْأَبَدِ فقال لَا بَلْ لِلْأَبَدِ
وَإِنْ ارْتَدَّ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِذَلِكَ ثُمَّ أَسْلَمَ فإنه لَا يُفْرَضُ إلَّا مَرَّةً فَلَا تَجِبُ إعَادَتُهُ لِأَنَّهَا أَيْ الرِّدَّةَ لَا تُحْبِطُ عَمَلَ من لم يَمُتْ مُرْتَدًّا لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عن دِينِهِ فَيَمُتْ
____________________
(1/443)
وهو كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فيها خَالِدُونَ وَبِهَذَا قَيَّدَ الْأَصْحَابُ بَقِيَّةَ الْآيَاتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وهو في الْآخِرَةِ من الْخَاسِرِينَ
وَإِنَّمَا يُفْرَضَانِ على كل مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ حُرٍّ مُسْتَطِيعٍ فَلَا يُفْرَضَانِ على كَافِرٍ أَصْلِيٍّ وَلَا غَيْرِ مُمَيِّزٍ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَلَا على من فيه رِقٌّ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ مُسْتَحَقَّةٌ لِسَيِّدِهِ فَلَيْسَ مُسْتَطِيعًا وَلَا فَرْضَ على غَيْرِ الْمُسْتَطِيعِ لِمَفْهُومِ الْآيَةِ وَذَكَرَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا خَمْسَ مَرَاتِبَ الصِّحَّةُ الْمُطْلَقَةُ وَصِحَّةُ الْمُبَاشَرَةِ وَالْوُقُوعُ عن النُّذُورِ وَالْوُقُوعُ عن فَرْضِ الْإِسْلَامِ وَالْوُجُوبُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ فَيُشْتَرَطُ مع الْوَقْتِ الْإِسْلَامُ وَحْدَهُ لِلصِّحَّةِ الْمُطْلَقَةِ فَلَا يَصِحَّانِ من كَافِرٍ وَلَا عنه أَصْلِيًّا كان أو مُرْتَدًّا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْعِبَادَةِ ومع التَّمْيِيزِ دُونَ ما يَأْتِي لِلْمُبَاشَرَةِ فَلَا تَصِحُّ من غَيْرِ مُمَيِّزٍ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَإِنَّمَا يُحْرِمُ عنه وَلِيُّهُ كما سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَمَعَ التَّكْلِيفِ دُونَ ما يَأْتِي لِلنَّذْرِ فَلَا يَصِحُّ نَذْرُهُمَا من كَافِرٍ وَلَا غَيْرِ مُكَلَّفٍ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ هُنَا وَمَعَ الْحُرِّيَّةِ دُونَ الِاسْتِطَاعَةِ لِوُقُوعِهِ أَيْ الْفِعْلِ الْآتِي بَيَانُهُ عن حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتِهِ فَلَا يَقَعُ عنهما من غَيْرِ مُكَلَّفٍ وَلَا مِمَّنْ فيه رِقٌّ لِخَبَرِ أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ عَتَقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلِأَنَّ النُّسُكَ عِبَادَةُ عُمْرٍ فَاعْتُبِرَ وُقُوعُهُ حَالَ الْكَمَالِ فَلَوْ تَكَلَّفَهُ الْفَقِيرُ وَقَعَ فَرْضُهُ لِكَمَالِ حَالِهِ بِخِلَافِهِ من غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَمَنْ فيه رِقٌّ وَلَا يَتَكَرَّرُ وُجُوبُهُمَا لِمَا مَرَّ إلَّا بِنَذْرِ أو قَضَاءٍ لِتَكَرُّرِ مُقْتَضِيهِ فِيهِمَا
فَرْعٌ الِاسْتِطَاعَةُ تَارَةً تَكُونُ بِالنَّفْسِ وَتَارَةً تَكُونُ بِالْغَيْرِ فَالْأُولَى تَتَعَلَّقُ بِخَمْسَةِ أُمُورٍ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ لِتَفْسِيرِ السَّبِيلِ في الْآيَةِ بِهِمَا في خَبَرِ الْحَاكِمِ وقال صَحِيحٌ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَتُعْتَبَرُ أَوْعِيَةُ الزَّادِ كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي لِلضَّرُورَةِ إلَيْهَا فَمَنْ فَضَلَ عن دَيْنِهِ وَلَوْ مُؤَجَّلًا أو أُمْهِلَ بِهِ وَلَوْ إلَى إيَابِهِ وعن نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ من تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ وَكِسْوَتُهُمْ اللَّائِقَةُ بِهِ وَبِهِمْ ذَهَابًا وَإِيَابًا وَكَذَا عن مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ يَحْتَاجُهُ أَيْ كُلًّا مِنْهُمَا لِزَمَانَةٍ أو مَنْصِبٍ أو نَحْوِهِمَا أو عن ثَمَنِهِمَا ما يَصْرِفُهُ في الزَّادِ وَأَوْعِيَتِهِ وَمُؤَنِ السَّفَرِ ذَهَابًا وَإِيَابًا فَمُسْتَطِيعٌ فَيَلْزَمُهُ النُّسُكُ وَإِلَّا فَلَا كَنَظِيرِهِ في الْكَفَّارَةِ وَصَرَّحَ الدَّارِمِيُّ بِمَنْعِهِ من ذلك حتى يَتْرُكَ لِمُمَوِّنِهِ نَفَقَةَ الذَّهَابِ وَالْإِيَابِ وَوَجْهُ اعْتِبَارِ كَوْنِ ما ذُكِرَ فَاضِلًا عن دَيْنِهِ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ أَنَّ الْحَالَّ على الْفَوْرِ وَالْحَجُّ على التَّرَاخِي وَالْمُؤَجَّلَ يَحِلُّ عليه فإذا صَرَفَ ما معه في الْحَجِّ لم يَجِدْ ما يَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ
وقد يُقَالُ الْمُرَادُ بِالنَّفَقَةِ ما يَشْمَلُ ما ذُكِرَ وَإِعْفَافَ الْأَبِ وَأُجْرَةَ الطَّبِيبِ وَثَمَنَ الْأَدْوِيَةِ لِحَاجَتِهِ وَحَاجَةِ الْقَرِيبِ وَالْمَمْلُوكِ إلَيْهِمَا وَلِحَاجَةِ غَيْرِهِمَا إذَا تَعَيَّنَ الصَّرْفُ إلَيْهِ لِأَنَّ ذلك قد يُسَمُّونَهُ نَفَقَةً كما يُسَمُّونَهُ مُؤْنَةً وَاللَّائِقَةُ صِفَةٌ لِنَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ من تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ لَا لِفَاعِلِ تَلْزَمُهُ فَتَأَمَّلْ قال الْإِسْنَوِيُّ وَكَلَامُهُمْ يَشْمَلُ الْمَرْأَةَ الْمَكْفِيَّةَ بِإِسْكَانِ الزَّوْجِ وَإِخْدَامِهِ وهو مُتَّجَهٌ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قد تَنْقَطِعُ فَتَحْتَاجُ إلَيْهِمَا وَكَذَا الْمَسْكَنُ لِلْمُتَفَقِّهَةِ السَّاكِنِينَ بِبُيُوتِ الْمَدَارِسِ وَالصُّوفِيَّةِ بِالرُّبُطِ وَنَحْوِهَا ا ه وقال ابن الْعِمَادِ بَلْ الْمُتَّجَهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ مُسْتَطِيعُونَ لِاسْتِغْنَائِهِمْ في الْحَالِ فإنه الْمُعْتَبَرُ وَلِهَذَا تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ على من كان غَنِيًّا لَيْلَةَ الْعِيدِ وَإِنْ لم يَكُنْ معه ما يَكْفِيهِ في الْمُسْتَقْبَلِ وما قَالَهُ حَسَنٌ وهو ما رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ في غَيْرِ الزَّوْجَةِ فَإِنْ كان على مَسَافَةَ الْقَصْرِ مُطْلَقًا أو دُونَهَا وهو ضَعِيفٌ عن الْمَشْيِ لِأَدَاءِ النُّسُكِ بِأَنْ يَعْجِزَ عنه أو يَنَالَهُ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يَفْضُلَ له عَمَّا ذَكَرَهُ ما يَصْرِفُهُ في الرَّاحِلَةِ أَيْضًا فَإِنْ كان قَوِيًّا على الْمَشْيِ بِلَا مَشَقَّةٍ فِيمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَا يُعْتَبَرُ فيه ذلك بَلْ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إذْ لَا ضَرَرَ عليه فيه بِخِلَافِ الْقَادِرِ عليه بِزَحْفٍ أو حَبْوٍ وَاعْتَبَرُوا الْمَسَافَةَ هُنَا من مَبْدَأِ سَفَرِهِ إلَى مَكَّةَ لَا إلَى الْحَرَمِ عَكْسُ ما اعْتَبَرُوهُ في حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ في التَّمَتُّعِ رِعَايَةً لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فِيهِمَا وفي عَدَمِ اعْتِبَارِ الرَّاحِلَةِ فِيمَا إذَا كان بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ عَرَفَاتٍ أَكْثَرُ نُظِرَ
وَيُسَنُّ لِقَادِرٍ على الْمَشْيِ لَا يَجِدُ رَاحِلَةً بَلْ زَادًا أو له صَنْعَةٌ يَكْتَسِبُ بها مُؤْنَتَهُ وهو لَا يَجِبُ عليه الْمَشْيُ أَنْ يَحُجَّ لِقُدْرَتِهِ على إسْقَاطِ الْفَرْضِ
____________________
(1/444)
بِمَشَقَّةٍ لَا يُكْرَهُ تَحَمُّلُهَا كَالْمُسَافِرِ إذَا قَدَرَ على الصَّوْمِ في السَّفَرِ وَخَرَجَا من خِلَافِ من أَوْجَبَهُ فَإِنْ لم يَجِدْ زَادًا وَلَيْسَ له صَنْعَةٌ وَاحْتَاجَ إلَى أَنْ يَسْأَلَ الناس كُرِهَ لِأَنَّ السُّؤَالَ مَكْرُوهٌ وَلِأَنَّ فيه تَحَمُّلَ مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ ذَكَرَهُ في الْمُهَذَّبِ وَشَرْحِهِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَقَضِيَّةُ ما ذَكَرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ في اسْتِحْبَابِ الْمَشْيِ بين الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وهو كَذَلِكَ كما اقْتَضَاهُ نَصُّ الْأُمِّ وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ منهم سُلَيْمٌ في الْمُجَرَّدِ قال إلَّا أَنَّهُ لِلرَّجُلِ آكَدُ نعم في التَّقْرِيبِ أَنَّ لِلْوَلِيِّ في هذه الْحَالَةِ مَنْعَهَا وهو مُتَّجَهٌ لَا يُنَافِي ما مَرَّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَلِيَّ هُنَا الْعَصَبَةُ وَيَتَّجِهُ إلْحَاقُ الْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ بِهِ أَيْضًا قال ابن الْعِمَادِ وَلَعَلَّ هذا في حَجِّ التَّطَوُّعِ عِنْدَ التُّهْمَةِ وَإِلَّا فَلَا مَنْعَ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ فِيمَا إذَا كانت التُّهْمَةُ في الْفَرْضِ
وَالْحَجُّ لِوَاجِدِ الرَّاحِلَةِ رَاكِبًا أَفْضَلُ منه مَاشِيًا خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ على مُهِمَّاتِ الْعِبَادَةِ مع الرُّكُوبِ أَيْسَرُ
وَيُشْتَرَطُ لِلْمَرْأَةِ وَمَنْ يَتَضَرَّرُ بِالرَّاحِلَةِ أَيْ بِرُكُوبِهَا بِأَنْ تَلْحَقَهُ بِهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ بِأَنْ يَخْشَى منه الْمَرَضَ شِقٌّ أَيْ وِجْدَانُ شِقٍّ مَحْمِلٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ وَبِالْعَكْسِ خَشَبَةٌ يَكُونُ الرَّاكِبُ فيها دَفْعًا لِلضَّرَرِ إنْ وَجَدَ شَرِيكًا الْأَوْلَى وَشَرِيكٌ أَيْ وَوِجْدَانُ شَرِيكٍ يَجْلِسُ في الشِّقِّ الْآخَرِ وَإِنْ قَدَرَ على مُؤْنَةِ الْمَحْمِلِ بِتَمَامِهِ قال في الْوَسِيطِ لِأَنَّ بَذْلَ الزَّائِدِ خَسْرَانٌ لَا مُقَابِلَ له قال الْإِسْنَوِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ ما يَحْتَاجُهُ من زَادٍ وَغَيْرِهِ إذَا أَمْكَنَتْ الْمُعَادَلَةُ بِهِ يَقُومُ مَقَامَ الشَّرِيكِ وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي تَعَيُّنَ الشَّرِيكِ قال الزَّرْكَشِيُّ الْأَوَّلُ هو ظَاهِرُ النَّصِّ وَكَلَامُ الْجُمْهُورِ وهو الْوَجْهُ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ نَقْلًا عن الْمَحَامِلِيِّ وَغَيْرِهِ اعْتِبَارَ الْمَحْمِلِ لِلْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لها قال الْأَذْرَعِيُّ وهو ظَاهِرٌ فِيمَنْ لَا يَلِيقُ بها رُكُوبُهَا بِدُونِهِ أو يَشُقُّ عليها أَمَّا غَيْرُهَا فَالْأَشْبَهُ أنها كَالرَّجُلِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ وَحَيْثُ اُعْتُبِرَتْ الرَّاحِلَةُ وَشِقُّ الْمَحْمِلِ فَالْمُرَادُ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْهُمَا وَلَوْ بِشِرَاءٍ أو كِرَاءٍ بِثَمَنِ الْمِثْلِ في الْأَوَّلِ أو أُجْرَةِ الْمِثْلِ في الثَّانِي قال الْإِسْنَوِيُّ وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ على هذه الْجِهَةِ وَالْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ لها يُوجِبَانِ الْحَجَّ بِخِلَافِ الْمَوْهُوبِ وَلَوْ وُقِفَ عليه ذلك بِخُصُوصِهِ وَقَبِلَهُ أو لم يَقْبَلْهُ وَصَحَّحْنَاهُ فَلَا شَكَّ في الْوُجُوبِ نعم لو حَمَلَهُ الْإِمَامُ من بَيْتِ الْمَالِ كَأَهْلِ وَظَائِفِ الرَّكْبِ من الْقُضَاةِ وَغَيْرِهِمْ فَفِي الْوُجُوبِ نَظَرٌ
ا ه
وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ مع أَنَّهُ يَجِبُ عليه الْخُرُوجُ لِمَعْنًى آخَرَ وهو أَنَّ الْإِمَامَ إذَا نَدَبَ أَحَدًا لِمُهِمٍّ يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ لَزِمَهُ الْقَبُولُ وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ ذلك فَاضِلًا عَمَّا مَرَّ ذَهَابًا وَإِيَابًا إلَى وَطَنِهِ وَلَوْ لم يَكُنْ له بِهِ أَهْلٌ وَلَا عَشِيرَةٌ لِمَا في الْغُرْبَةِ من الْوَحْشَةِ وَلِنَزْعِ النُّفُوسِ لِلْأَوْطَانِ فَإِنْ تَضَرَّرَ من ذُكِرَ بِالْمَحْمِلِ أَيْ بِالرُّكُوبِ فيه فَكَنِيسَةٌ تُشْتَرَطُ له وهو أَعْوَادٌ مُرْتَفِعَةٌ بِجَوَانِبِ الْمَحْمِلِ عليها سِتْرٌ يَدْفَعُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَيُسَمَّى في الْعُرْفِ مَجْمُوعُ ذلك مَحَارَةٌ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ من الْكَنْسِ وهو السَّتْرُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى الْجَوَارِ الْكُنَّسِ أَيْ الْمَحْجُوبَاتِ
وَيُصْرَفُ لُزُومًا لَهُمَا أَيْ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أو لِلزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ مع ما ذُكِرَ رَأْسُ مَالِهِ في التِّجَارَةِ وَضَيْعَتُهُ أَيْ وَثَمَنُ ضَيْعَتِهِ التي يَسْتَغِلُّهَا وَإِنْ بَطَلَتْ تِجَارَتُهُ وَمُسْتَغَلَّاتُهُ كما يَلْزَمُهُ مَصْرِفُهُمَا في دَيْنِهِ وَفَارَقَا الْمَسْكَنَ وَالْخَادِمَ بِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِمَا في الْحَالِ وما نَحْنُ فيه يَتَّخِذُهُ ذَخِيرَةً لِلْمُسْتَقْبَلِ وَلَوْ كان دَارٌ وَعَبْدٌ نَفِيسَانِ لَا يَلِيقَانِ بِهِ لَزِمَهُ إبْدَالُهُمَا بِمَا يَلِيقَانِ بِهِ وَإِنْ كَفَاهُ الزَّائِدُ على اللَّائِقِ بِهِ لِمُؤْنَةِ النُّسُكِ وَمِثْلُهَا الثَّوْبُ النَّفِيسُ كَنَظِيرِهِ في الْكَفَّارَةِ وَشَمَلَ كَلَامُهُمْ الْمَأْلُوفِينَ وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ في الْكَفَّارَةِ بِمَا قَدَّمْتُهُ في زَكَاةِ الْفِطْرِ وَلَوْ أَمْكَنَ بَيْعُ بَعْضِ الدَّارِ وَلَوْ غير نَفِيسَةٍ وَوَفَّى ثَمَنُهُ بِمُؤْنَةِ النُّسُكِ لَزِمَهُ أَيْضًا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ قال في الْمُهِمَّاتِ وَالْجَارِيَةُ
____________________
(1/445)
النَّفِيسَةُ الْمَأْلُوفَةُ كَالْعَبْدِ إنْ كانت لِلْخِدْمَةِ فَإِنْ كانت لِلتَّمَتُّعِ لم يُكَلَّفْ بَيْعَهَا قال وَهَذَا التَّفْصِيلُ لم أَرَهُ وَلَا بُدَّ منه قال ابن الْعِمَادِ وَالْمُتَّجَهُ أنها كَالْعَبْدِ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْعَلَقَةَ فيها كَالْعَلَقَةِ فيه قُلْت وقد يُؤَيَّدُ بِمَا يَأْتِي قَرِيبًا في حَاجَةِ النِّكَاحِ قال في الْمَجْمُوعِ وَلَا يَلْزَمُ الْفَقِيهَ بَيْعُ كُتُبِهِ لِلْحَجِّ في الْأَصَحِّ لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ له من كل كِتَابٍ نُسْخَتَانِ فَيَلْزَمُهُ بَيْعُ إحْدَاهُمَا لِعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَيْهَا
فَرْعٌ حَاجَةُ الشَّخْصِ إلَى النِّكَاحِ وَلَوْ خَافَ الْعَنَتَ لَا تَمْنَعُ وُجُوبَ الْحَجِّ عليه لِأَنَّ النِّكَاحَ من الْمَلَاذِّ فَلَا يَمْنَعُ ذلك لَكِنَّ تَقْدِيمَ النِّكَاحِ لِخَائِفِهِ أَيْ الْعَنَتِ أَفْضَلُ لِأَنَّ حَاجَةَ النِّكَاحِ نَاجِزَةٌ وَالْحَجُّ على التَّرَاخِي وَتَقْدِيمُ الْحَجِّ أَفْضَلُ لِغَيْرِ خَائِفِ الْعَنَتِ فَرْعٌ لو ادَّخَرَ أَيْ وَجَدَ الْمُكْتَسِبُ كِفَايَةَ أَهْلِهِ ولم يَجِدْ ما يَصْرِفُهُ إلَى الزَّادِ وكان يَكْتَسِبُ في يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامٍ وَالسَّفَرُ قَصِيرٌ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ لِلنُّسُكِ لِاسْتِغْنَائِهِ بِكَسْبِهِ وَإِلَّا بِأَنْ كان يَكْتَسِبُ كِفَايَةَ يَوْمٍ بِيَوْمٍ أو كان السَّفَرُ طَوِيلًا فَلَا يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ لِانْقِطَاعِهِ عن الْكَسْبِ أَيَّامَ الْحَجِّ في الْأَوَّلِ وَلِعِظَمِ الْمَشَقَّةِ في الثَّانِي وَلَوْ كان يَقْدِرُ في الْحَضَرِ على أَنْ يَكْتَسِبَ في يَوْمٍ ما يَكْفِيهِ له وَلِلْحَجِّ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الِاكْتِسَابُ قال الْإِسْنَوِيُّ تَفَقُّهًا إنْ كان السَّفَرُ قَصِيرًا لَزِمَهُ لِأَنَّهُمْ إذَا أُلْزِمُوا بِهِ في السَّفَرِ فَفِي الْحَضَرِ أَوْلَى وَإِنْ كان طَوِيلًا فَكَذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ
ا ه
وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ في الطَّوِيلِ لِأَنَّهُ إذَا لم يَجِبْ الِاكْتِسَابُ لِإِيفَاءِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فَلِإِيجَابِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ لِإِيفَائِهِ أَوْلَى الْوَاجِبُ في الْقَصِيرِ إنَّمَا هو الْحَجُّ لَا الِاكْتِسَابُ وَلَوْ قِيلَ إنَّ الْمُرَادَ في الطَّوِيلِ ذلك فَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَإِنَّمَا وَجَبَ في الْقَصِيرِ لِقِلَّةِ الْمَشَقَّةِ غَالِبًا قال في الْمَجْمُوعِ
وَأَيَّامُ الْحَجِّ سَبْعَةٌ أَوَّلُهَا بَعْدَ زَوَالِ سَابِعِ ذِي الْحِجَّةِ وَآخِرُهَا بَعْدَ زَوَالِ الثَّالِثَ عَشَرَ منه وَقَضِيَّةُ تَحْدِيدِهَا بِالزَّوَالَيْنِ أنها سِتَّةٌ لَكِنَّهُ اعْتَبَرَ فيها تَمَامَ الطَّرَفَيْنِ تَغْلِيبًا فَعَدَّهَا سَبْعَةً وَاسْتَنْبَطَ الْإِسْنَوِيُّ من التَّعْلِيلِ بِانْقِطَاعِهِ عن الْكَسْبِ فيها أنها سِتَّةٌ قال وَهِيَ أَيَّامُ الْحَجِّ من خُرُوجِ الناس غَالِبًا وهو من أَوَّلِ الثَّامِنِ إلَى آخِرِ الثَّالِثَ عَشَرَ وَهَذَا في حَقِّ من لم يَنْفِرْ النَّفْرَ الْأَوَّلَ
وَالدَّيْنُ الْحَالُّ على مَلِيءٍ مُقِرٍّ أو مُنْكِرٍ وعليه بَيِّنَةٌ بِهِ كَالْحَاصِلِ معه فَيَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَمِنْ الطُّرُقِ الْمُوَصِّلَةِ لِلْحَقِّ الظَّفَرُ بِشَرْطٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْحَاصِلِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عليه بِالظَّفَرِ والدين الْمُؤَجَّلُ وَنَحْوُهُ كَالْحَالِّ على مُعْسِرٍ أو مُنْكِرٍ لَا بَيِّنَةَ عليه وَالْمَالُ الْمَوْجُودُ بَعْدَ خُرُوجِ الْقَافِلَةِ كَالْمَعْدُومِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ وقد يُجْعَلُ الْأَوَّلُ وَسِيلَةً إلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ فَيَبِيعُ مَالَهُ مُؤَجَّلًا قبل وَقْتِ الْخُرُوجِ إذْ الْمَالُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ حِينَئِذٍ
فَرْعٌ قال في الْمَجْمُوعِ قال الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسَنُّ لِقَاصِدِ الْحَجِّ أَنْ يَكُونَ خَالِيًا عن التِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا في طَرِيقِهِ فَإِنْ خَرَجَ بِنِيَّةِ الْحَجِّ وَالتِّجَارَةِ فَحَجَّ وَاتَّجَرَ صَحَّ حَجُّهُ وَسَقَطَ بِهِ عنه فَرْضُ الْحَجِّ وَلَكِنَّ ثَوَابَهُ دُونَ الْمُتَخَلِّي عن التِّجَارَةِ الْأَمْرُ الثَّالِثُ الطَّرِيقُ فَيُشْتَرَطُ أَمْنٌ فيه وَلَوْ ظَنًّا لَائِقٌ بِالسَّفَرِ وَإِنْ لم يَلِقْ بِالْحَضَرِ على النَّفْسِ وَالْبُضْعِ وَالْمَالِ وَلَوْ يَسِيرًا فَلَوْ خَافَ على شَيْءٍ منها لم يَلْزَمْهُ نُسُكٌ لِتَضَرُّرِهِ وَلِهَذَا جَازَ التَّحَلُّلُ بِذَلِكَ كما سَيَأْتِي وَالْمُرَادُ الْخَوْفُ الْعَامُّ حتى لو كان الْخَوْفُ في حَقِّهِ وَحْدَهُ قُضِيَ من تَرِكَتِهِ كَالزَّمِنِ بِخِلَافِ من حَجَّ أَوَّلَ ما تَمَكَّنَ فَأُحْصِرَ من الْقَوْمِ
____________________
(1/446)
ثُمَّ تَحَلَّلَ وَمَاتَ قبل تَمَكُّنِهِ من الْحَجِّ إذْ لَا يَجِدُ إلَيْهِ سَبِيلًا بِنَفْسِهِ أو غَيْرِهِ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ غَيْرَهُ مِثْلُهُ في خَوْفِ الْعَدُوِّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْمَالِ بِالْمَالِ الذي لَا بُدَّ له منه لِلْمُؤَنِ أَمَّا لو أَرَادَ اسْتِصْحَابَ مَالٍ خَطِيرٍ لِلتِّجَارَةِ وكان الْخَوْفُ لِأَجْلِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ليس بِعُذْرٍ وَلَوْ كان الْأَمْنُ بِأَبْعَدِ الطَّرِيقِينَ إلَى مَكَّةَ إنْ اسْتَطَاعَهُ بِأَنْ وَجَدَ ما يَقْطَعُهُ بِهِ فإنه يَلْزَمُهُ النُّسُكُ كما لو لم يَجِدْ طَرِيقًا سِوَاهُ
وَيَجِبُ النُّسُكُ وَلَوْ على امْرَأَةٍ بِغَلَبَةِ السَّلَامَةِ في الْبَحْرِ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ مَسْلُوكٌ فَأَشْبَهَ الْبَرَّ وَسَيَأْتِي في الْحَجْرِ بَيَانُ حُكْمِ إرْكَابِ الصَّبِيِّ وَمَالِهِ وَالْبَهِيمَةِ وَالرَّقِيقِ وَرُكُوبِ الْحَامِلِ الْبَحْرَ
وَيَحْرُمُ رُكُوبُهُ إنْ غَلَبَ الْهَلَاكُ لِخُصُوصِ ذلك الْبَحْرِ أو لِهَيَجَانِ الْأَمْوَاجِ في بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَكَذَا لو تَسَاوَيَا أَيْ السَّلَامَةُ وَالْهَلَاكُ لِمَا فيه من الْخَطَرِ فَإِنْ رَكِبَهُ وما بين يَدَيْهِ أَكْثَرُ مِمَّا قَطَعَهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ إلَى وَطَنِهِ أو ما بين يَدَيْهِ أَقَلُّ أو تَسَاوَيَا فَلَا رُجُوعَ له بَلْ يَلْزَمُهُ التَّمَادِي لِقُرْبِهِ من مَقْصِدِهِ في الْأَوَّلِ وَاسْتِوَاءِ الْجِهَتَيْنِ في حَقِّهِ في الثَّانِي وَهَذَا بِخِلَافِ جَوَازِ تَحَلُّلِ الْمُحْرِمِ فِيمَا إذَا أَحَاطَ بِهِ الْعَدُوُّ لِأَنَّ الْمُحْصَرَ مَحْبُوسٌ وَعَلَيْهِ في مُصَابَرَةِ الْإِحْرَامِ مَشَقَّةٌ بِخِلَافِ رَاكِبِ الْبَحْرِ نعم إنْ كان مُحْرِمًا كان كَالْمُحْصَرِ وَإِنَّمَا مُنِعَ من الرُّجُوعِ مع أَنَّ الْحَجَّ على التَّرَاخِي لِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ خَشِيَ الْعَضَبَ أو أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَضَاقَ وَقْتُهُ أو نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ تِلْكَ السَّنَةَ أو أَنَّ مُرَادَهُمْ بِذَلِكَ اسْتِقْرَارُ الْوُجُوبِ هُنَا إنْ وَجَدَ بَعْدَ الْحَجِّ طَرِيقًا آخَرَ في الْبَرِّ وَإِلَّا فَلَهُ الرُّجُوعُ لِئَلَّا يَتَحَمَّلَ زِيَادَةَ الْخَطَرِ بِرُكُوبِ الْبَحْرِ في رُجُوعِهِ وَهَذَا التَّقْيِيدُ من زِيَادَتِهِ في صُورَةِ الْأَقَلِّ وهو قَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ وَلَا خَطَرَ في الْأَنْهَارِ الْعَظِيمَةِ كَجَيْحُونَ وَسَيُحَوُّنَّ وَالدِّجْلَةِ فَيَجِبُ رُكُوبُهَا مُطْلَقًا لِأَنَّ الْمَقَامَ فيها لَا يَطُولُ وَخَطَرُهَا لَا يَعْظُمُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا ظَاهِرٌ في قَطْعِهَا عَرْضًا أو قَطْعِهَا طُولًا فَفِيهِ نَظَرٌ إذْ هِيَ في بَعْضِ الْأَحْيَانِ أَشَدُّ خَطَرًا من الْبَحْرِ وَيُرَدُّ النَّظَرُ بِأَنَّ جَانِبَهَا قَرِيبٌ يُمْكِنُ الْخُرُوجُ إلَيْهِ سَرِيعًا بِخِلَافِهِ في الْبَحْرِ
فَإِنْ كان من يُرِيدُ النُّسُكَ امْرَأَةً اُشْتُرِطَ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا زَوْجٌ أو مَحْرَمٌ بِنَسَبٍ أو غَيْرِهِ لِتَأْمَنَ على نَفْسِهَا وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أو ذُو مَحْرَمٍ وفي رِوَايَةٍ فِيهِمَا لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إلَّا مع ذِي مَحْرَمٍ وفي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ في أبي دَاوُد بَدَلَ الْيَوْمَيْنِ بَرِيدًا ولم يَشْتَرِطُوا في الزَّوْجِ وَالْمَحْرَمِ كَوْنُهُمَا ثِقَتَيْنِ وهو في الزَّوْجِ وَاضِحٌ وَأَمَّا في الْمَحْرَمِ فَسَبَبُهُ كما في الْمُهِمَّاتِ أَنَّ الْوَازِعَ الطَّبِيعِيَّ أَقْوَى من الشَّرْعِيِّ وَكَالْمَحْرَمِ عَبْدُهَا الْأَمِينُ صَرَّحَ بِهِ الْمَرْعَشِيُّ وابن أبي الصَّيْفِ وَيَنْبَغِي كما قال بَعْضُهُمْ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِالصَّبِيِّ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ معه الْأَمْنُ على نَفْسِهَا إلَّا في مُرَاهِقٍ ذِي وَجَاهَةٍ بِحَيْثُ يَحْصُلُ معه الْأَمْنُ لِاحْتِرَامِهِ وَشَرَطَ الْعَبَّادِيُّ في الْمَحْرَمِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا وَيُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ أو نِسْوَةٌ ثِقَاتٌ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُنَّ مَحْرَمٌ أو زَوْجٌ لِإِحْدَاهُنَّ لِانْقِطَاعِ الْأَطْمَاعِ بِاجْتِمَاعِهِنَّ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِغَيْرِ الثِّقَاتِ وهو ظَاهِرٌ في غَيْرِ الْمَحَارِمِ لِعَدَمِ الْأَمْنِ وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ بُلُوغُهُنَّ وهو ظَاهِرٌ لِخَطَرِ السَّفَرِ إلَّا أَنْ تَكُنَّ مُرَاهِقَاتٍ فَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِهِنَّ وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ ثَلَاثٌ غَيْرُهَا قال الْإِسْنَوِيُّ وَلَا مَعْنَى له وَلَا دَلِيلَ عليه بَلْ الْمُتَّجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِاجْتِمَاعِ أَقَلِّ الْجَمْعِ وهو ثَلَاثٌ بها
ا ه
وَاعْتِبَارُ الْعَدَدِ إنَّمَا هو بِالنَّظَرِ إلَى
____________________
(1/447)
الْوُجُوبِ الذي الْكَلَامُ فيه وَإِلَّا فَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ مع الْوَاحِدَةِ لِفَرْضِ الْحَجِّ على الصَّحِيحِ في شَرْحَيْ الْمُهَذَّبِ وَمُسْلِمٍ وَكَذَا وَحْدَهَا إذَا أَمِنَتْ وَعَلَيْهِ حُمِلَ ما دَلَّ من الْأَخْبَارِ على جَوَازِ السَّفَرِ وَحْدَهَا
وَلَوْ سَافَرَتْ لِغَيْرِ فَرْضِ الْحَجِّ كَزِيَارَةٍ وَتِجَارَةٍ لم يَجُزْ مع النِّسْوَةِ لِلْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ وَلِأَنَّهُ سَفَرٌ غَيْرُ وَاجِبٍ وَلَوْ تَرَكَ لَفْظَ الْحَجِّ كان أَوْلَى فَقَدْ حَمَلَ الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ عنه الْأَخْبَارَ السَّابِقَةَ على الْأَسْفَارِ غَيْرِ الْوَاجِبَةِ قال لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كانت بِبَلَدٍ لَا قَاضِيَ بِهِ وَادُّعِيَ عليها من مَسِيرَةِ أَيَّامٍ لَزِمَهَا الْحُضُورُ مع غَيْرِ مَحْرَمٍ إذَا كان مَعَهَا امْرَأَةٌ وَيَلْزَمُهَا أَيْضًا الْهِجْرَةُ من دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كانت وَحْدَهَا لِأَنَّ خَوْفَهَا ثَمَّ أَكْثَرُ من خَوْفِ الطَّرِيقِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ قال في الْمَجْمُوعِ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ يُشْتَرَطُ في حَقِّهِ من الْمَحْرَمِ ما يُشْتَرَطُ في الْمَرْأَةِ فَإِنْ كان معه نِسْوَةٌ من مَحَارِمِهِ كَأَخَوَاتِهِ وَعَمَّاتِهِ جَازَ وَإِنْ كُنَّ أَجْنَبِيَّاتٍ فَلَا لِأَنَّهُ تَحْرُمُ عليه الْخَلْوَةُ بِهِنَّ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ
ا ه
وقال قبل هذا بِيَسِيرٍ الْمَشْهُورُ جَوَازُ خَلْوَةِ رَجُلٍ بِنِسْوَةٍ لَا مَحْرَمَ له فِيهِنَّ لِعَدَمِ الْمَفْسَدَةِ غَالِبًا لِأَنَّ النِّسَاءَ يَسْتَحْيِينَ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا في ذلك مُعْتَرِضًا بِهِ قَوْلُ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ بِحُرْمَةِ ذلك فَاسْتَغْنَى بهذا الِاعْتِرَاضِ عن مِثْلِهِ في الْخُنْثَى الْمُلْحَقِ بِالرَّجُلِ احْتِيَاطًا
فَإِنْ كان في الطَّرِيقِ رُصَدِي بِفَتْحِ الرَّاءِ مع فَتْحِ الصَّادِ وَإِسْكَانِهَا وهو من يَرْقُبُ الناس لِيَأْخُذَ منهم مَالًا على الْمَرَاصِدِ لم يَجِبْ نُسُكٌ وَإِنْ رضي بِالْيَسِيرِ لِمَا مَرَّ نعم إنْ كان الْمُعْطِي له هو الْإِمَامُ أو نَائِبُهُ وَجَبَ ذلك كما نَقَلَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ عن الْإِمَامِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَسَكَتَ عن الْأَجْنَبِيِّ وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْوُجُوبِ لِلْمِنَّةِ وَقَوْلُ ابْنِ الْعِمَادِ بَلْ الْقِيَاسُ الْوُجُوبُ كما يَجُوزُ قَضَاءُ دَيْنِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَالْعَجَبُ من قَوْلِهِ لِلْمِنَّةِ إذْ من الْمَعْلُومِ أنها إنَّمَا تَكُونُ بِأَخْذِ الْمَالِ وَالْمَدْفُوعُ عنه هُنَا لم يَأْخُذْ الْمَالَ وَإِنَّمَا سَبِيلُ هذا سَبِيلُ دَفْعِ الصَّائِلِ فيه نَظَرٌ وَيُكْرَهُ إعْطَاؤُهُ أَيْ الرَّصَدَيْ مَالًا إذْ فيه تَحْرِيضٌ على الطَّلَبِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ كَرَاهَةُ الْإِعْطَاءِ لِلرَّصَدِيِّ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ وَلَا يُنَافِيهِ ما يَأْتِي في بَابِ مَوَانِعِ إتْمَامِ الْحَجِّ من تَخْصِيصِهَا بِالْكَافِرِ لِأَنَّ ذَاكَ مَحَلُّهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَإِعْطَاءُ الْمَالِ أَسْهَلُ من قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا قَبْلَهُ فلم تَكُنْ حَاجَةٌ لِارْتِكَابِ الذُّلِّ
فَإِنْ خَافُوا أَيْ مُرِيدُو الْخُرُوجِ لِلنُّسُكِ قِتَالَ كُفَّارٍ يُطِيقُونَهُمْ اُسْتُحِبَّ لهم الْخُرُوجُ لِذَلِكَ وَيُقَاتِلُونَهُمْ لِيَنَالُوا ثَوَابَ النُّسُكِ وَالْجِهَادِ أو خَافُوا قِتَالَ مُسْلِمِينَ فَلَا يُسْتَحَبُّ لهم ذلك وَلَوْ وَجَدُوا خَفِيرًا أَيْ مُجِيرًا يَأْمَنُونَ معه أو وَجَدَتْ الْمَرْأَةُ وَلِيًّا أو نَحْوَهُ بِأُجْرَةٍ أَيْ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَزِمَهُمْ إخْرَاجُهَا لِأَنَّهَا من أُهَبِ النُّسُكِ فَيُشْتَرَطُ في وُجُوبِهِ الْقُدْرَةُ عليها أَنْ طُلِبَتْ وما ذَكَرَهُ في الْخَفَارَةِ بِتَثْلِيثِ الْخَاءِ هو ما نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عن تَصْحِيحِ الْإِمَامِ وَصَحَّحَاهُ وَمُقَابِلُهُ عَدَمُ لُزُومِ أُجْرَتِهَا لِأَنَّهَا خُسْرَانٌ لِدَفْعِ الظُّلْمِ وَلِأَنَّ ما يُؤْخَذُ من ذلك بِمَنْزِلَةِ ما زَادَ على ثَمَنِ الْمِثْلِ وَأُجْرَتُهُ في الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فَلَا يَجِبُ النُّسُكُ مع طَلَبِهَا وَنَقَلَ هذا في الْمَجْمُوعِ عن جَمَاهِيرِ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ ثُمَّ قال فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْخَفَارَةِ ما يَأْخُذُهُ الرَّصَدِيُّ في الْمَرَاصِدِ وَهَذَا لَا يَجِبُ الْحَجُّ معه بِلَا خِلَافٍ فَلَا يَكُونُونَ مُتَعَرِّضِينَ لِمَسْأَلَةِ الْإِمَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا الصُّورَتَيْنِ فَيَكُونُ خِلَافَ ما قَالَهُ لَكِنَّ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ أَصَحُّ وَأَظْهَرُ في الدَّلِيلِ فَيَكُونُ الْأَصَحُّ على الْجُمْلَةِ وُجُوبَ الْحَجِّ وقد صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وابن الصَّلَاحِ مع اطِّلَاعِهِمَا على عِبَارَةِ الْأَصْحَابِ التي ذَكَرْتهَا وقال السُّبْكِيُّ إنَّهُ ظَاهِرٌ في الدَّلِيلِ وَإِنْ أَشْعَرَتْ عِبَارَةُ الْأَكْثَرِينَ بِخِلَافِهِ وقال في الْمُهِمَّاتِ الْفَتْوَى على عَدَمِ الْوُجُوبِ فَقَدْ أَجَابَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ في التَّنْبِيهِ وَأَقَرَّهُ النَّوَوِيُّ في التَّصْحِيحِ وَنَقَلَهُ في الْكِفَايَةِ عن النَّصِّ
فَرْعٌ وَلَيْسَ غَلَاءُ الْأَسْعَارِ في الطَّرِيقِ عُذْرًا في عَدَمِ الْوُجُوبِ إنْ بَاعُوا بِثَمَنِ الْمِثْلِ اللَّائِقِ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ بِخِلَافِ ما إذَا طَلَبُوا زِيَادَةً على ذلك لِعِظَمِ الْمُؤْنَةِ وَيَجِبُ حَمْلُ الْمَاءِ وَالزَّادِ
____________________
(1/448)
في الْمَفَازَةِ الْمُعْتَادَةِ أَيْ الْمُعْتَادِ حَمْلُهَا فيها لَا حَمْلُ عَلَفِ الدَّابَّةِ فَلَا يَجِبُ بَلْ يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ في كل مَرْحَلَةٍ لِعِظَمِ تَحَمُّلِ الْمُؤْنَةِ قال في الْمَجْمُوعِ وَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ الْعَادَةِ فيه كَالْمَاءِ وَسَبَقَهُ إلَيْهِ سُلَيْمٌ وَغَيْرُهُ فَإِنْ عَدِمَ ذلك في بَعْضِ الْمَرَاحِلِ التي يُعْتَادُ حَمْلُهُ منها رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ وُجُوبِ النُّسُكِ فَيُشْتَرَطُ في وُجُوبِهِ وُجُودُ ذلك في الْمَوَاضِعِ الْمُعْتَادِ حَمْلُهُ منها كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ جَهِلَ الْمَانِعَ لِلْوُجُوبِ من وُجُودِ عَدُوٍّ أو عَدَمِ زَادٍ أو نَحْوِهِمَا وَثَمَّ أَصْلٌ اُسْتُصْحِبَ فَيَعْمَلُ بِهِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ ثَمَّ أَصْلٌ وَجَبَ الْخُرُوجُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَانِعِ وَيَتَبَيَّنُ اللُّزُومُ لِلْخُرُوجِ بِتَبَيُّنِ عَدَمِ الْمَانِعِ فَلَوْ ظَنَّ كَوْنَ الطَّرِيقِ فيه مَانِعٌ فَتَرَكَ الْخُرُوجَ ثُمَّ بَان أَنْ لَا مَانِعَ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ فَرْعٌ يُشْتَرَطُ لِلْوُجُوبِ خُرُوجُ رُفْقَةٍ معه وَقْتَ الْعَادَةِ أَيْ عَادَةِ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ لَا إنْ خَرَجَتْ قَبْلَهَا أَيْ قبل وَقْتِ الْعَادَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ مَعَهَا لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ تَعْظُمُ وَكَذَا إنْ خَرَجَتْ بَعْدَهُ بِأَنْ أَخَّرَتْ الْخُرُوجَ بِحَيْثُ لَا تَبْلُغُ مَكَّةَ إلَّا بِأَنْ تَقْطَعَ في كل يَوْمٍ أو في بَعْضِ الْأَيَّامِ أَكْثَرُ من مَرْحَلَةٍ لِتَضَرُّرِهِ وَهَذَا وما قَبْلَهُ مَفْهُومَانِ من قَوْلِهِ وَقْتَ الْعَادَةِ يُعْتَبَرُ في اللُّزُومِ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهَا معه بِالسَّيْرِ الْمُعْتَادِ فَلَوْ كانت تَسِيرُ فَوْقَ الْعَادَةِ لم يَلْزَمُهُ لِتَضَرُّرِهِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا هُنَا من زِيَادَتِهِ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ خُرُوجُهَا معه إنْ اُحْتِيجَتْ أَيْ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهَا لِدَفْعِ الْخَوْفِ وَإِلَّا بِأَنْ كان الطَّرِيقُ لَا يَخَافُ الْوَاحِدُ فيها لَزِمَهُ وَلَا حَاجَةَ إلَى الرُّفْقَةِ وَلَا نَظَرَ إلَى الْوَحْشَةِ بِخِلَافِهَا فِيمَا مَرَّ في التَّمِيمِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لِمَا هُنَا بِخِلَافِ ما هُنَاكَ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ النَّظَرِ إلَيْهَا هُنَا أَيْضًا كما اعْتَبَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِخِلَافِ كَلَامِ أَصْلِهِ
الْأَمْرُ الرَّابِعُ الْبَدَنُ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَثْبُتَ على الْمَرْكُوبِ وَلَوْ في مَحْمِلٍ أو كَنِيسَةٍ بِلَا مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ فَلَوْ لم يَثْبُتْ عليه أَصْلًا أو ثَبَتَ عليه في مَحْمِلٍ أو كَنِيسَةٍ على ما مَرَّ بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ لِمَرَضٍ أو غَيْرِهِ لم يَجِبْ عليه النُّسُكُ بِنَفْسِهِ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ بِخِلَافِ من انْتَفَتْ عنه الْمَشَقَّةُ فِيمَا ذَكَرَ فَيَجِبُ عليه النُّسُكُ كما مَرَّ
ثُمَّ الْقَائِدُ لِلْأَعْمَى وَحَافِظُ النَّفَقَةِ لِلسَّفِيهِ في الطَّرِيقِ كَالْمَحْرَمِ لِلْمَرْأَةِ فَيُشْتَرَطُ في وُجُوبِ النُّسُكِ الْقُدْرَةُ على أُجْرَتِهِمَا إنْ طَلَبَتْ وَقَوْلُهُ لِلسَّفِيهِ أَيْ الْمَحْجُورِ عليه وَذَكَرَ حُكْمَ حَافِظِ نَفَقَتِهِ من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ تَفَقُّهًا وَلَا يُحْلِلْ الْوَلِيُّ السَّفِيهَ من الْفَرْضِ حَجًّا أو عُمْرَةً لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ من الْإِحْرَامِ بِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عليه من مَالِهِ إلَى فَرَاغِهِ وَلَا يُحْلِلْهُ من تَطَوُّعٍ أَحْرَمَ بِهِ أو من نَذْرٍ أَيْ نُسُكٍ مَنْذُورٍ نَذَرَهُ قبل الْحَجْرِ عليه فِيهِمَا وَإِنْ أَحْرَمَ في الثَّانِيَةِ بَعْدَهُ لِوُجُوبِهِ عليه فيها وَكَوْنُهُ في حُكْمِ الرَّشِيدِ حَالَ الْإِحْرَامِ في الْأُولَى لَا إنْ أَحْرَمَ في الْأُولَى أو نَذَرَ في الثَّانِيَةِ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الْحَجْرِ فَلَهُ تَحْلِيلُهُ بِأَنْ يَمْنَعَهُ من الْإِتْمَامِ لِأَنَّ له أَنْ يَمْنَعَهُ من الْإِحْرَامِ إلَّا إنْ كَفَتْهُ نَفَقَةُ الْحَضَرِ أو تَمَّمَهَا بِكَسْبِهِ في طَرِيقِهِ لِأَنَّ الْإِتْمَامَ بِدُونِ التَّعَرُّضِ لِلْمَالِ مُمْكِنٌ قال في الْمَطَالِبِ وَفِيهِ في مَسْأَلَةِ كَسْبِهِ نَظَرٌ إذَا كان عَمَلُهُ مَقْصُودًا بِالْأُجْرَةِ بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ له التَّبَرُّعُ بِهِ لِأَنَّ في ذلك إتْلَافًا لِمَنَافِعِهِ وَرَدَّهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ هذا لَا يُعَدُّ حَاصِلًا وَلَا يَلْزَمُهُ تَحْصِيلُهُ مع غِنَاهُ بِخِلَافِ الْمَالِ الذي في يَدِ الْوَلِيِّ وقد أَشَارَ إلَيْهِ ابن الرِّفْعَةِ بَعْدُ فقال إلَّا أَنْ يُلَاحَظَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ فَلَا يُعَدُّ من الْأَمْوَالِ كما لو أَصْدَقَ الْأَبُ عن ابْنِهِ من مَالِ نَفْسِهِ أَكْثَرَ من صَدَاقِ الْمِثْلِ وَالِاسْتِثْنَاءُ الْمَذْكُورُ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لم يَذْكُرْهُ الْأَصْلُ وَلَا غَيْرُهُ إلَّا في مَسْأَلَةِ التَّطَوُّعِ فَذَكَرَهُ في مَسْأَلَةِ النَّذْرِ من زِيَادَتِهِ قِيَاسًا على تِلْكَ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم تَكْفِهِ نَفَقَةُ الْحَضَرِ وَلَا تَمَّمَهَا بِكَسْبِهِ مَنَعَهُ صِيَانَةً لِمَالِهِ وَهَذَا مُكَرَّرٌ لِدُخُولِهِ في قَوْلِهِ لَا بَعْدَهُ وَتَحَلَّلَ السَّفِيهُ جَوَازًا بِالصَّوْمِ إذَا مَنَعَهُ الْوَلِيُّ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ من الْمَالِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ صِحَّةُ إحْرَامِهِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ وهو كَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ كما سَيَأْتِي
فَإِنْ أَفْسَدَ فَرْضَهُ فَهَلْ يُنْفِقُ عليه الْوَلِيُّ في الْقَضَاءِ أو لَا قَوْلَانِ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ في بَابِ الْحَجْرِ وَجْهَانِ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقَضَاءَ فَرْضٌ وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ فيه إفْسَادُهُ وَرَجَّحَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ الْأَوَّلَ لِمَا مَرَّ مع كَوْنِ الْقَضَاءِ على الْفَوْرِ
الْأَمْرُ الْخَامِسُ إمْكَانُ السَّيْرِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَبْقَى من الزَّمَانِ بَعْدَ وُجُودِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَسَائِرِ ما مَرَّ زَمَانٌ يَسَعُ الْمُعْتَادَ إلَى الْحَجِّ فَلَوْ احْتَاجَ إلَى أَنْ يَقْطَعَ في كل يَوْمٍ أو في بَعْضِ الْأَيَّامِ أَكْثَرُ من مَرْحَلَةٍ لم يَلْزَمْهُ الْحَجُّ فَإِمْكَانُ السَّيْرِ شَرْطٌ لِوُجُوبِهِ كما نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن الْأَئِمَّةِ وَصَوَّبَهُ النَّوَوِيُّ
____________________
(1/449)
لِاسْتِقْرَارِهِ في ذِمَّتِهِ لِيَجِبَ قَضَاؤُهُ من تَرِكَتِهِ لو مَاتَ قبل الْحَجِّ كما قَالَهُ ابن الصَّلَاحِ وَيُشْتَرَطُ أَمْرٌ سَادِسٌ صَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وهو أَنْ يُوجَدَ الْمُعْتَبَرُ في الْإِيجَابِ في الْوَقْتِ فَلَوْ اسْتَطَاعَ في رَمَضَانَ ثُمَّ افْتَقَرَ قبل شَوَّالٍ فَلَا اسْتِطَاعَةَ وَكَذَا لو افْتَقَرَ بَعْدَ حَجِّهِمْ وَقَبْلَ الرُّجُوعِ لِمَنْ يُعْتَبَرُ في حَقِّهِ الذَّهَابُ وَالْإِيَابُ كما سَيَأْتِي
وَأَمَّا الِاسْتِطَاعَةُ بِالْغَيْرِ فَالْعَاجِزُ عن الْحَجِّ أو الْعُمْرَةِ وَلَوْ قَضَاءً أو نَذْرًا أو تَطَوُّعًا بِالْمَوْتِ أو عن الرُّكُوبِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ لِكِبَرٍ أو زَمَانَةٍ يَحُجُّ عنه لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ بِغَيْرِهِ لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ كما تَكُونُ بِالنَّفْسِ تَكُونُ بِبَذْلِ الْمَالِ وَطَاعَةِ الرِّجَالِ وَلِهَذَا يُقَالُ لِمَنْ لَا يُحْسِنُ الْبِنَاءَ إنَّكَ مُسْتَطِيعٌ لِبِنَاءِ دَارِكَ وَرَوَى مُسْلِمٌ عن يَزِيدَ أَنَّ امْرَأَةً قالت يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ ولم تَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عنها قال حُجِّي عنها وَرَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّ امْرَأَةً من خَثْعَمَ قالت يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ في الْحَجِّ على عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أبي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ على الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عنه قال نعم وَذَلِكَ في حِجَّةِ الْوَدَاعِ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ أَنَّ أَبَا رَزِينٍ الْعُقَيْلِيَّ أتى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال إنَّ أبي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَلَا الْعُمْرَةَ وَلَا الظَّعْنَ قال حُجَّ عن أَبِيك وَاعْتَمِرْ وَإِنْ بَرِئَ الزَّمِنُ من عِلَّتِهِ بَعْدَ حَجِّ النَّائِبِ عنه لم يُجْزِهِ اعْتِبَارًا بِمَا في نَفْسِ الْأَمْرِ وَيَقَعُ الْحَجُّ لِلْأَجِيرِ تَطَوُّعًا وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَلَا أُجْرَةَ له لِأَنَّ الْمُسْتَأْجَرَ لم يَنْتَفِعْ بِهِ وَلَا تَصِحُّ اسْتِنَابَةٌ عَمَّنْ لَزِمَهُ الْحَجُّ ثُمَّ جُنَّ لِأَنَّهُ قد يُفِيقُ فَيَحُجُّ بِنَفْسِهِ فَلَوْ اسْتَنَابَ عنه وَلِيَّهُ ولم يَكُنْ بِهِ عَضْبٌ فَمَاتَ قبل الْإِفَاقَةِ لم يُجْزِهِ وَلَا عن مَرِيضٍ يُرْجَى زَوَالُ مَرَضِهِ وَإِنْ اتَّصَلَ مَرَضُهُ بِالْمَوْتِ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّعُ مُبَاشَرَتُهُ له وَيَصِحُّ كَوْنُ الْأَجِيرِ فِيمَا ذَكَرَ عَبْدًا أو صَبِيًّا لَا في الْفَرْضِ وَلَوْ نَذْرًا لِأَنَّهُ من أَهْلِهِ في ذَاكَ دُونَ هذا
فَرْعٌ لَا يُحَجُّ عن الْمَعْضُوبِ أَيْ الْمَأْيُوسِ من قُدْرَتِهِ على الْحَجِّ بِنَفْسِهِ وهو بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ من الْعَضْبِ وهو الْقَطْعُ كَأَنَّهُ قُطِعَ عن كَمَالِ الْحَرَكَةِ وَيُقَالُ بِالْمُهْمَلَةِ كَأَنَّهُ قُطِعَ عَصَبُهُ أو ضُرِبَ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِخِلَافِ قَضَاءِ الدَّيْنِ عن غَيْرِهِ لِأَنَّ الْحَجَّ يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وهو أَهْلٌ لها وَلِلْإِذْنِ وَيَصِحُّ الِاسْتِنَابَةُ عن الْمَيِّتِ من الْوَارِثِ وَالْأَجْنَبِيِّ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَلِلْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ لَا في تَطَوُّعٍ لم يُوصِ بِهِ إذْ لَا اضْطِرَارَ إلَى الِاسْتِنَابَةِ فيه بِخِلَافِ ما إذَا أَوْصَى بِهِ وَقِيلَ تَصِحُّ من الْوَارِثِ وَإِنْ لم يُوصِ بِهِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ في الْوَصِيَّةِ عن السَّرَخْسِيِّ بَعْدَ نَقْلِهِ الْمَنْعَ عن الْعِرَاقِيِّينَ وَيَجِبُ على من عليه قَضَاءُ دَيْنِهِ من وَارِثٍ وَوَصِيٍّ وَحَاكِمٍ إذَا خَلَّفَ الْمَيِّتُ تَرِكَةً أَنْ يَسْتَنِيبَ عنه في الْحَجِّ عِنْدَ اسْتِقْرَارِهِ عليه وَإِنْ لم يُوصِ بِهِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَجُلًا جاء إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ وَمَاتَتْ قبل أَنْ تَحُجَّ أَفَأَحُجُّ عنها فقال لو كان على أُخْتِك دَيْنٌ أَكُنْت قَاضِيهِ قال نعم قال فَاقْضُوا حَقَّ اللَّهِ فَهُوَ أَحَقُّ الْقَضَاءِ
فَإِنْ لم يُخَلِّفْ تَرِكَةً اُسْتُحِبَّ لِلْوَارِثِ أَنْ يَحُجَّ عنه فَإِنْ حَجَّ هو أو أَجْنَبِيٌّ عنه بِنَفْسِهِ أو بِاسْتِئْجَارٍ سَقَطَ الْحَجُّ عنه كما سَيَأْتِي في الْوَصِيَّةِ وَيُسْتَثْنَى من الْمَيِّتِ الْمُرْتَدُّ فَلَا يُنَابُ عنه كما جَزَمَ بِهِ ابن الرِّفْعَةِ وَذَكَرَ فيه في الْبَحْرِ احْتِمَالَيْنِ أَحَدُهُمَا يُنَابُ عنه من تَرِكَتِهِ كما تَخْرُجُ منها الزَّكَاةُ وَالْكَفَّارَةُ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ لو صَحَّتْ لَوَقَعَتْ عن الْمَنُوبِ عنه وهو مُسْتَحِيلٌ هُنَا وَعَلَى الْمَعْضُوبِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ من يَحُجُّ عنه لِمَا مَرَّ نعم إنْ كان بِمَكَّةَ أو بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَزِمَهُ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ لِقِلَّةِ الْمَشَقَّةِ عليه نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ وَلَوْ كان من يَحُجَّ عنه بِالْإِجَارَةِ أَجِيرًا مَاشِيًا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ عليه في مَشْيِ الْأَجِيرِ فَاضِلَةً عن الدَّيْنِ وَالْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ وَكَذَا الْكِسْوَةِ وَالنَّفَقَةِ له وَلِمَنْ تَلْزَمُهُ كِسْوَتُهُمْ وَنَفَقَتُهُمْ لَكِنْ يوم الِاسْتِئْجَارِ فَقَطْ لَا ذَهَابًا وَإِيَابًا كما في الْفِطْرَةِ بِخِلَافِ من يَحُجُّ بِنَفْسِهِ كما مَرَّ لِأَنَّهُ إذَا لم يُفَارِقْ أَهْلَهُ أَمْكَنَهُ تَحْصِيلُ نَفَقَتِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ وَلَوْ وَجَدَ دُونَ الْأُجْرَةِ وَرَضِيَ بِهِ الْأَجِيرُ لَزِمَهُ الِاسْتِئْجَارُ لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ وَالْمِنَّةُ فيه لَيْسَتْ كَالْمِنَّةِ في الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يَسْتَنْكِفُ عن الِاسْتِعَانَةِ بِمَالِ الْغَيْرِ وَلَا يَسْتَنْكِفُ عن الِاسْتِعَانَةِ بِبَدَنِهِ في اشْتِغَالِهِ وَلَوْ لم يَجِدْ أُجْرَةً وَوُهِبَتْ له لم يَلْزَمُهُ قَبُولُهَا وَلَوْ من وَلَدٍ لِعِظَمِ الْمِنَّةِ لَكِنْ في الْكِفَايَةِ عن الْبَنْدَنِيجِيِّ وَجَمَاعَةٍ أَنَّهُ لو كان الْوَلَدُ الْمُطِيعُ عَاجِزًا عن الْحَجِّ أَيْضًا وَقَدَرَ على أَنْ يَسْتَأْجِرَ له من يَحُجُّ عنه وَبَذَلَ له ذلك وَجَبَ الْحَجُّ على الْمَبْذُولِ له وَجْهًا وَاحِدًا
وفي الْمَجْمُوعِ عن الْمُتَوَلِّي لو اسْتَأْجَرَ الْمُطِيعُ إنْسَانًا لِيَحُجَّ عن الْمَعْضُوبِ فَالْمَذْهَبُ لُزُومُهُ إنْ
____________________
(1/450)
كان وَلَدًا لِتَمَكُّنِهِ فَإِنْ كان أَجْنَبِيًّا فَوَجْهَانِ
ا ه
وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ لُزُومُهُ وَكَلَامُ الْبَغَوِيّ عَدَمُ لُزُومِهِ وَاعْتَمَدَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَالْوَلَدِ في هذا الْوَالِدُ وَإِنْ أَطَاعَهُ في الْحَجِّ عنه فَرْعُهُ وَكَذَا أَصْلُهُ وَالْأَجْنَبِيُّ وَوَثِقَ بِهِمْ ولم يَكُنْ عليهم حَجٌّ وَكَانُوا مِمَّنْ يَصِحُّ منهم فَرْضُ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ ولم يَكُونُوا مَعْضُوبِينَ لَزِمَهُ الْقَبُولُ بِالْإِذْنِ لهم فيه لِحُصُولِ الِاسْتِطَاعَةِ وَعَلَيْهِ أَمْرُ وَلَدٍ تَوَسَّمَ منه طَاعَتَهُ بِأَنْ يَحُجَّ عنه لِذَلِكَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الْوَلَدَ وَالْأَجْنَبِيَّ لَيْسَا كَذَلِكَ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُمَا كَذَلِكَ كما يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِ فَلَوْ كان الِابْنُ وَإِنْ سَفَلَ أو الْأَبُ وَإِنْ عَلَا مَاشِيًا أو مُعَوِّلًا على الْكَسْبِ أو السُّؤَالِ وَلَوْ رَاكِبًا أو كان الْأَجْنَبِيُّ وَلَوْ رَاكِبًا مُغَرِّرًا بِنَفْسِهِ بِأَنْ كان يَرْكَبُ مَفَازَةً وَلَيْسَ بها كَسْبٌ وَلَا سُؤَالٌ لم يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ لِمَشَقَّةِ مَشْيِ من ذُكِرَ عليه بِخِلَافِ مَشْيِ الْأَجْنَبِيِّ وَالْكَسْبُ قد يَنْقَطِعُ وَالسَّائِلُ قد يُرَدُّ وَالتَّغْرِيرُ بِالنَّفْسِ حَرَامٌ وَشُمُولُ الْمُعَوِّلِ وَالْمُغَرِّرِ بِنَفْسِهِ لِلرَّاكِبِ وَالتَّرْجِيحُ بِحُكْمِ التَّعْوِيلِ من زِيَادَتِهِ وَتَخْصِيصُ حُكْمِ التَّعْوِيلِ بِالِابْنِ وَالْأَبِ وَالتَّقْرِيرِ بِالْأَجْنَبِيِّ من تَصَرُّفِهِ
وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ كما هو ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْلِهِ وَكَالِابْنِ وَالْأَبِ الْبِنْتُ وَالْأُمُّ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَمِثْلُهُمَا مُولِيَتُهُ وَإِنْ لم تَكُنْ من الْأَبْعَاضِ كما اقْتَضَاهُ نَصُّ الْأُمِّ على أَنَّ الْمِرْأَةَ الْقَادِرَةَ على الْمَشْيِ لو أَرَادَتْ الْحَجَّ مَاشِيَةً كان لِوَلِيِّهَا مَنْعُهَا من الْمَشْيِ فِيمَا لَا يَلْزَمُهَا وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْقَادِرَ على الْمَشْيِ وَالْكَسْبِ في يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامٍ لَا يُعْذَرُ في السَّفَرِ الْقَصِيرِ فَيَنْبَغِي كما قال الْأَذْرَعِيُّ وُجُوبُ الْقَبُولِ في الْمَكِّيِّ وَنَحْوِهِ وَلَوْ رَجَعَ الْمُطِيعُ عن طَاعَتِهِ قبل الْإِحْرَامِ أَيْ إحْرَامِهِ جَازَ وَلَوْ بَعْدَ الْإِذْنِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِشَيْءٍ لم يَتَّصِلْ بِهِ الشُّرُوعُ لَا بَعْدَهُ لِانْتِفَاءِ ذلك وإذا كان رُجُوعُهُ الْجَائِزُ قبل أَنْ يَحُجَّ أَهْلُ بَلَدِهِ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لم يَجِبْ على الْمُطَاعِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَلَوْ امْتَنَعَ الْمَعْضُوبُ من الِاسْتِئْجَارِ لِمَنْ يَحُجُّ عنه أو من اسْتِنَابَةِ الْمُطِيعِ لم يَلْزَمْهُ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ ولم يَنُبْ عنه فيه كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ كان الِاسْتِئْجَارُ وَالِاسْتِنَابَةُ وَاجِبَيْنِ على الْفَوْرِ في حَقِّ من عَضَبَ مُطْلَقًا في الْإِنَابَةِ وَبَعْدَ يَسَارِهِ في الِاسْتِئْجَارِ لِأَنَّ مَبْنَى الْحَجِّ على التَّرَاخِي وَلِأَنَّهُ لَا حَقَّ فيه لِلْغَيْرِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ وَوَقَعَ في الْمَجْمُوعِ في الْإِنَابَةِ أَنَّ الْحَاكِمَ يُلْزِمُهُ بها قال الْإِسْنَوِيُّ وهو لَا يَسْتَقِيمُ ولم أَرَ من قال بِهِ وَالْمُدْرَكُ في الْإِنَابَةِ وَالِاسْتِئْجَارِ وَاحِدٌ وَإِنْ مَاتَ الْمُطِيعُ أو الْمُطَاعُ أو رَجَعَ الْمُطِيعُ عن الطَّاعَةِ فَإِنْ كان بَعْدَ إمْكَانِ الْحَجِّ سَوَاءٌ أَذِنَ له الْمُطَاعُ أَمْ لَا كما أَفَادَهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ اسْتَقَرَّ الْوُجُوبُ في ذِمَّةِ الْمُطَاعِ وَإِلَّا فَلَا فَتَقْيِيدُ الْأَصْلِ الِاسْتِقْرَارَ بِقَبْلِ الْإِذْنِ ليس بِجَيِّدٍ وَوَجْهُ الِاسْتِقْرَارِ أَنَّ الْمَوْتَ وَالرُّجُوعَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ كَتَلَفِ الْمَالِ بَعْدَهُ وفي كَلَامِ الْمَجْمُوعِ ما يَقْتَضِي أَنَّ الِاسْتِقْرَارَ إنَّمَا هو في ذِمَّةِ الْمُطِيعِ وَلَيْسَ مُرَادًا إذْ كَيْفَ يَسْتَقِرُّ في ذِمَّتِهِ مع جَوَازِ الرُّجُوعِ كما مَرَّ وَذِكْرُ مَسْأَلَةِ الرُّجُوعِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ بها في الْمَجْمُوعِ وَلَوْ كان له مَالٌ أو مُطِيعٌ لم يَعْلَمْ بِهِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ في الثَّانِيَةِ وَلَوْ كان له من يُطِيعُ ولم يَعْلَمْ بِطَاعَتِهِ وَجَبَ عليه الْحَجُّ اعْتِبَارًا بِمَا في نَفْسِ الْأَمْرِ قال في الْأَصْلِ وَلَك أَنْ تَقُولَ لَا يَجِبُ بِحَالٍ فإنه مُتَعَلِّقٌ بِالِاسْتِطَاعَةِ وَلَا اسْتِطَاعَةَ مع عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمَالِ وَالطَّاعَةِ وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ الرَّوْضَةِ قال الدَّارِمِيُّ لو بَذَلَ لِأَبَوَيْهِ فَقَبِلَا لَزِمَهُ وَيَبْدَأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ على أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُطِيعِ الرُّجُوعُ قبل إحْرَامِهِ وقد مَرَّ خِلَافُهُ وَفَرَّعَ الدَّارِمِيُّ على ما قَالَهُ فقال وإذا حَجَّ الِابْنُ عن أَحَدِهِمَا ثُمَّ مَاتَ فَفِي وُجُوبِ حَجِّهِ عن الْآخَرِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابن الْمَرْزُبَانِ وَعِنْدِي أَنَّهُ يَحُجُّ عنه وَجْهًا وَاحِدًا
فرع قال في الْمَجْمُوعِ قال أَصْحَابُنَا إذَا طَلَبَ الْوَالِدُ من وَلَدِهِ إنْ يَحُجَّ عنه اُسْتُحِبَّ له إجَابَتُهُ وَلَا تَلْزَمُهُ بِخِلَافِ إعْفَافِهِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ هُنَا على الْوَالِدِ بِامْتِنَاعِ وَلَدِهِ من الْحَجِّ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلشَّرْعِ فإذا عَجَزَ عنه لَا يَأْثَمُ وَلَا يَجِبُ عليه بِخِلَافِهِ ثَمَّ فإنه لِحَقِّ الْوَلَدِ وَضَرَرُهُ عليه فَهُوَ كَالنَّفَقَةِ
فَصْلٌ يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عنه بِالنَّفَقَةِ وَهِيَ قَدْرُ
____________________
(1/451)
الْكِفَايَةِ كما يَجُوزُ بِالْإِجَارَةِ وَالْجِعَالَةِ وَذَلِكَ بِأَنَّ يَقُولَ حُجَّ عَنِّي وَأُعْطِيك النَّفَقَةَ أو وأنا أُنْفِقُ عَلَيْك وَاغْتُفِرَ فيه جَهَالَتُهَا لِأَنَّهُ ليس إجَارَةً وَلَا جَعَالَةً وَإِنَّمَا هو إرْزَاقٌ على ذلك كما يَرْزُقُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ على الْأَذَانِ وَنَحْوِهِ من الْقُرَبِ فَهُوَ تَبَرُّعٌ من الْجَانِبَيْنِ ذَاكَ بِالْعَمَلِ وَهَذَا بِالرِّزْقِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالْجِعَالَةِ فَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ بها أَيْ بِالنَّفَقَةِ كَأَنْ قال اسْتَأْجَرْتُك لِلْحَجِّ بِنَفَقَتِك أو حُجَّ عَنِّي بها لم يَصِحَّ لِجَهَالَةِ الْعِوَضِ وَالِاسْتِئْجَارِ فِيمَا ذَكَرَ ضَرْبَانِ اسْتِئْجَارُ عَيْنٍ وَاسْتِئْجَارُ ذِمَّةٍ فَالْأَوَّلُ كاستأجرتك لِتَحُجَّ عَنِّي أو عن مَيِّتِي هذه السَّنَةَ وَلَوْ قال لِتَحُجَّ بِنَفْسِك كان تَأْكِيدًا فَإِنْ عَيَّنَ غَيْرَهَا أَيْ غير السَّنَةِ الْأُولَى لم يَصِحَّ الْعَقْدُ كَاسْتِئْجَارِ الدَّارِ لِلشَّهْرِ الْقَابِلِ وَإِنْ أَطْلَقَ الْعَقْدَ عن تَقْيِيدِهِ بِالسَّنَةِ الْأُولَى صَحَّ وحمل على السَّنَةِ الْحَاضِرَةِ فَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ لِلتَّعْيِينِ وَالْحَمْلِ إذَا كان يَصِلُ إلَى مَكَّةَ فيها فَإِنْ كان لَا يَصِلُ مَكَّةَ إلَّا لِسَنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ وفي نُسْخَةٍ لِسِنِينَ بِالْجَمْعِ فَمِنْ الْأُولَى يَعْنِي فَالْأُولَى من سِنِي إمْكَانِ الْوُصُولِ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ لِذَلِكَ
وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ قُدْرَةُ الْأَجِيرِ على الشُّرُوعِ في الْعَمَلِ فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ من لم يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ لِمَرَضٍ أو خَوْفٍ أو نَحْوِهِمَا لِلْعَجْزِ عن الْمَنْفَعَةِ وَيُشْتَرَطُ لها اتِّسَاعُ الْمُدَّةِ لِلْعَمَلِ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ إذَا بَقِيَ من الْمُدَّةِ ما لَا يَسَعُ إدْرَاكَ الْحَجِّ لِذَلِكَ وَلَوْ انْتَظَرُوا خُرُوجَ الْقَافِلَةِ التي يَخْرُجُونَ مَعَهَا من بَلَدِ الْإِجَارَةِ بَعْدَ الِاسْتِئْجَارِ حَالَ الْخُرُوجِ الْمُعْتَادِ لم يَضُرَّ لِضَرُورَةِ السَّفَرِ مَعَهَا وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ جَرَى هُنَا على مُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ الْمَذْكُورِ في الْأَصْلِ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بَعْدُ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ الِاسْتِئْجَارُ حَالَةَ الْخُرُوجِ وَالْمَكِّيُّ وَنَحْوُهُ مِمَّنْ يُمْكِنُهُ إدْرَاكُ الْحَجِّ في سَنَتِهِ إذَا أَحْرَمَ في أَشْهُرِهِ يُسْتَأْجَرُ في أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَوْ في أَوَّلِ شَوَّالٍ لِتَمَكُّنِهِ من الْإِحْرَامِ في الْحَالِ بِخِلَافِهِ قَبْلَهَا إذَا لَا حَاجَةَ بِهِ إلَى ذلك فَيَكُونُ في مَعْنَى شَرْطِ تَأْخِيرِ التَّسْلِيمِ وَالثَّانِي كَقَوْلِهِ أَلْزَمْت ذِمَّتَك تَحْصِيلَ حِجَّةٍ وَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ في الذِّمَّةِ على الْمُسْتَقْبَلِ من الْأَعْوَامِ كَسَائِرِ إجَارَاتِ الذِّمَّةِ فَلَوْ عَجَّلَهُ عن السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ زَادَ خَيْرًا بِتَعْجِيلِهِ بَرَاءَةَ ذِمَّةِ الْمَحْجُوجِ عنه
وَإِنْ أَطْلَقَ الِاسْتِئْجَارَ حُمِلَ على السَّنَةِ الْحَاضِرَةِ كما مَرَّ في إجَارَةِ الْعَيْنِ فَيَبْطُلُ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَلَا يُشْتَرَطُ قُدْرَتُهُ على السَّفَرِ فَلَا يَقْدَحُ عَجْزُهُ لِمَرَضٍ أو خَوْفٍ لِإِمْكَانِ الِاسْتِنَابَةِ في إجَارَةِ الذِّمَّةِ وَإِنْ قال أَلْزَمْت ذِمَّتَك لِتَحُجَّ بِنَفْسِك فَفِي الصِّحَّةِ لِلْإِجَارَةِ تَرَدُّدٌ وَالْمُعْتَمَدُ ما في الْأَصْلِ هُنَا عن الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ أنها تَصِحُّ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَنِيبُ فَتَكُونُ إجَارَةَ عَيْنٍ وقال الْإِمَامُ بِبُطْلَانِهَا وَتَبِعَهُ الْأَصْلُ في بَابِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّ الدِّينِيَّةَ مع الرَّابِطِ بِمُعَيَّنٍ يَتَنَاقَضَانِ كَمَنْ أَسْلَمَ في ثَمَرَةِ بُسْتَانٍ بِعَيْنِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَجَّ قُرْبَةٌ وَأَغْرَاضُ الناس في عَيْنِ من يُحَصِّلُهَا مُتَفَاوِتَةٌ وَلِأَنَّهُ قد يَسْتَأْجِرُ فَاسِقًا وَيَخْرُجُ بِهِ عن الْعُهْدَةِ شَرْعًا وَالسَّلَمُ إذَا أُطْلِقَ حُمِلَ على الْجَيِّدِ وفي الْجَوَابِ نَظَرٌ
فَرْعٌ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْعَاقِدَيْنِ أَعْمَالَ الْحَجِّ فَلَوْ جَهِلَهَا أَحَدُهُمَا لم يَصِحَّ الْعَقْدُ كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ وَأَعْمَالُهُ أَرْكَانُهُ وَوَاجِبَاتُهُ وَسُنَنُهُ فَيُحْتَمَلُ اشْتِرَاطُ مَعْرِفَةِ الْجَمِيعِ لِأَنَّهُ مَعْقُودٌ عليه حتى يُحَطَّ التَّفَاوُتُ لِمَا فَوَّتَهُ من السُّنَنِ كما صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُحْتَمَلُ الِاكْتِفَاءُ بِمَعْرِفَةِ ما عَدَا السُّنَنَ لِكَوْنِهَا تَابِعَةً كما نَقُولُ في بَيْعِ الْحَامِلِ الْوَلَدُ مَعْقُودٌ عليه مع أَنَّهُ لم يُعْرَفْ عِنْدَ الْعَقْدِ لِدُخُولِهِ تَبَعًا وَلَا يَجِبُ في الْعَقْدِ ذِكْرُ الْمِيقَاتِ الذي يُحْرِمُ منه الْأَجِيرُ فَيُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ على الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ لِلْمَحْجُوجِ عنه لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَقَعُ على حَجٍّ شَرْعِيٍّ وَالْحَجُّ الشَّرْعِيُّ له مِيقَاتٌ مَعْهُودٌ شَرْعًا وَعُرْفًا فَانْصَرَفَ الْإِطْلَاقُ إلَيْهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمِيقَاتِ وَإِنْ كان في الطَّرِيقِ مِيقَاتٌ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا عَدَلَ عن الْمِيقَاتِ الْمُتَعَيِّنِ إلَى غَيْرِهِ جَازَ إنْ كان مثله أو أَطْوَلَ منه وَلْيُبَيِّنْ وُجُوبًا في الْإِجَارَةِ لِلنُّسُكِ أَنَّهُ إفْرَادٌ أو تَمَتُّعٌ أو قِرَانٌ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بها
فَرْعٌ لو قال الْمَعْضُوبُ من حَجَّ عَنِّي أو أَوَّلُ من يَحُجُّ عَنِّي فَلَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَمَنْ حَجَّ عنه مِمَّنْ سَمِعَهُ أو سمع من أخبره عنه اسْتَحَقَّهَا لِأَنَّهُ جِعَالَةٌ لَا إجَارَةٌ وَالْجِعَالَةُ تَجُوزُ على الْعَمَلِ الْمَجْهُولِ فَعَلَى الْمَعْلُومِ أَوْلَى فَإِنْ أَحْرَمَ عنه اثْنَانِ مُرَتَّبًا اسْتَحَقَّ الْأَوَّلُ الْمِائَةَ فَإِنْ أَحْرَمَا مَعًا أو جُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا مع جَهْلِ سَبْقِهِ أو بِدُونِهِ وَقَعَ حَجُّهُمَا عنهما وَلَا شَيْءَ لَهُمَا على الْقَائِلِ إذَا ليس أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى من الْآخَرِ فَصَارَ كَمَنْ عَقَدَ نِكَاحَ أُخْتَيْنِ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ وَسَكَتُوا عَمَّا لو عَلِمَ سَبْقَ أَحَدِهِمَا ثُمَّ نَسِيَ قال الزَّرْكَشِيُّ فَيُحْتَمَلُ الْوَقْفُ حتى يَتَذَكَّرَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ
____________________
(1/452)
تَكُونَ كَاللَّتَيْنِ قَبْلَهَا
انْتَهَى وَقِيَاسُ نَظَائِرِ تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ وَلَوْ كان الْعِوَضُ مَجْهُولًا كَأَنْ قال من حَجَّ عَنِّي فَلَهُ عَبْدٌ أو ثَوْبٌ أو دِرْهَمٌ وَقَعَ الْحَجُّ عنه بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ
فَرْعٌ يُشْتَرَطُ في إجَارَةِ الْعَيْنِ أَنْ تَكُونَ أَيْ تُوجَدَ حَالَ الْخُرُوجِ لِأَنَّ عليه الِاشْتِغَالَ بِعَمَلِ الْحَجِّ عَقِبَ الْعَقْدِ وَالِاشْتِغَالُ بِشِرَاءِ الزَّادِ وَنَحْوِهِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْخُرُوجِ فَإِنْ لم يَشْرَعْ أَيْ الْأَجِيرُ في الْحَجِّ من عَامِهِ لِعُذْرٍ أو غَيْرِهِ انْفَسَخَتْ أَيْ الْإِجَارَةُ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ فَلَوْ حَجَّ عنه في الْعَامِ الثَّانِي قال الْقَاضِي مَرَّةً لَا يَقَعُ عنه وقال أُخْرَى يَقَعُ عنه لِأَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ عنه وقد حَجَّ عنه أَيْ وَلَكِنَّهُ أَسَاءَ وَذَكَرَ نحو الثَّانِي الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَالدَّارِمِيُّ وَمَتَى أَخَّرَ أَجِيرٌ ذِمَّةٍ الشُّرُوعَ في الْحَجِّ عن الْعَامِ الذي تَعَيَّنَ له أَثِمَ لِارْتِكَابِهِ مُحَرَّمًا وَالتَّصْرِيحُ بِالْإِثْمِ من زِيَادَتِهِ وَثَبَتَ الْخِيَارُ في الْفَسْخِ على التَّرَاخِي لِلْمَعْضُوبِ وَلِلْمُتَطَوِّعِ بِالِاسْتِئْجَارِ عن الْمَيِّتِ لِتَأَخُّرِ الْمَقْصُودِ فَإِنْ شَاءَا فَسَخَا الْإِجَارَةِ وَإِنْ شَاءَا أَخَّرَا لِيَحُجَّ الْأَجِيرُ في الْعَامِ الثَّانِي أو غَيْرِهِ أَمَّا من اسْتَأْجَرَ بِمَالِ الْمَيِّتِ فَأَخَّرَ الْأَجِيرُ الْحَجَّ عن الْعَامِ فَيَعْمَلُ في الْفَسْخِ وَعَدَمِهِ بِالْمَصْلَحَةِ فَإِنْ كانت الْمَصْلَحَةُ في الْفَسْخِ لِخَوْفِ إفْلَاسِ الْأَجِيرِ أو هَرَبِهِ فلم يَفْعَلْ ضَمِنَ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْمَعْضُوبُ من يَحُجُّ عنه وَمَاتَ أو أَوْصَى الْمَيِّتُ بِاسْتِئْجَارِ رَجُلٍ وَاسْتُؤْجِرَ عنه الرَّجُلُ في الذِّمَّةِ فَأَخَّرَ الْأَجِيرُ الْحَجَّ فِيهِمَا عن عَامِهِ لم يُفْسَخْ عَقْدُ الْإِجَارَةِ إذْ لَا مِيرَاثَ لِلْوَارِثِ في الْأُجْرَةِ في الْأُولَى وَبِهِ فَارَقَ ثُبُوتَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِ له وَالْوَصِيَّةُ مُسْتَحِقَّةُ الصَّرْفِ إلَى الْأَجِيرِ في الثَّانِيَةِ وقد قَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَخَّرَ أَجِيرُ الذِّمَّةَ يَأْثَمُ نَبَّهَ هُنَا على أَنَّ الْبَغَوِيّ قَائِلٌ بِخِلَافِهِ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ فقال نعم لو أَطْلَقَ أَجِيرُ الذِّمَّةِ بِأَنْ لم يُعَيِّنْ عَامَ حَجِّهِ وَقُلْنَا بِتَعَيُّنِ السَّنَةِ الْأُولَى كما مَرَّ قال الْبَغَوِيّ لَا يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ عنها لَكِنْ يَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ وَلَوْ تَرَكَ هذا كان أَوْلَى لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُعْتَمَدُ ما قَدَّمَهُ وهو قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَكَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ
فَرْعٌ إذَا انْتَهَى الْأَجِيرُ لِلْحَجِّ إلَى الْمِيقَاتِ الْمُتَعَيِّنِ فَأَحْرَمَ عن نَفْسِهِ بِعُمْرَةٍ وَأَتَمَّهَا ثُمَّ أَحْرَمَ لِلْمُسْتَأْجِرِ بِالْحَجِّ ولم يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ صَحَّ حَجُّهُ عنه لِلْإِذْنِ ولزمه دَمٌ لِإِسَاءَتِهِ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ بِهِ من الْمِيقَاتِ وَلَا يَنْجَبِرُ الْحَطُّ لِمَا فَوَّتَهُ بِهِ أَيْ بِالدَّمِ بَلْ عليه أَنْ يَحُطَّ تَفَاوُتَ ما بين حِجَّتَيْنِ أُنْشِئَتَا من بَلَدِ الْإِجَارَةِ أَحْرَمَ بِأَحَدَيْهِمَا من الْمِيقَاتِ وَالْأُخْرَى من مَكَّةَ لِأَنَّ الدَّمَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَنْجَبِرُ بِهِ الْحَطُّ الذي هو حَقُّ الْآدَمِيِّ كما في التَّعَرُّضِ لِلصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ فَلَوْ كانت أُجْرَةُ الْحِجَّةِ الْأُولَى مِائَةً وَالثَّانِيَةُ تِسْعِينَ حَطَّ عُشْرَ الْمُسَمَّى لِأَنَّ التَّفَاوُتَ بِالْعُشْرِ وما ذُكِرَ في ذلك من وُقُوعِ الْحَجِّ عن الْمُسْتَأْجِرِ فيه إشْكَالٌ سَأَذْكُرُهُ مع جَوَابِهِ بِمَا فيه في فَرْعٍ وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ لِلْإِفْرَادِ فَقَرَنَ وَمَتَى عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا أو حَلَالًا وَأَحْرَمَ منه لم يُحَطَّ من الْأُجْرَةِ شيئا إذَا لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لِقَطْعِهِ الْمَسَافَةَ من الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا وَأَدَائِهِ الْمَنَاسِكَ بَعْدَهُ وَشُمُولُ كَلَامِهِ مَسْأَلَةَ عَوْدِهِ مُحْرِمًا من زِيَادَتِهِ فَرْعٌ
لو جَاوَزَ الْأَجِيرُ الْمِيقَاتَ الْمُتَعَيِّنَ غير مُحْرِمٍ ثُمَّ أَحْرَمَ لِلْمُسْتَأْجِرِ ولم يَعُدْ إلَيْهِ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَيُحَطُّ التَّفَاوُتُ كما سَبَقَ في الْفَرْعِ قَبْلَهُ وَإِنْ عَادَ إلَيْهِ لم يَلْزَمُهُ دَمٌ ولم يُحَطَّ شَيْءٌ كما سَبَقَ أَيْضًا ثَمَّ وَيُعْتَبَرُ في قَدْرِ التَّفَاوُتِ مع الْفَرَاسِخِ وَأَعْمَالِ النُّسُكِ الْمَعْلُومَيْنِ مِمَّا يَأْتِي وَمِمَّا مَرَّ في قَوْلِهِ أُنْشِئَتَا من بَلَدِ الْإِجَارَةِ تَفَاوُتُ الْفَرَاسِخِ في الْحُزُونَةِ أَيْ الْخُشُونَةِ وَالسُّهُولَةِ لِتَفَاوُتِ السَّيْرِ بِهِمَا فَالْأُجْرَةُ في مُقَابَلَةِ الْجَمِيعِ وَلَا يَمْنَعُ اعْتِبَارَ الْفَرَاسِخِ صَرْفُ الْعَمَلِ فيها لِغَرَضِهِ كان جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِعُمْرَةٍ كما مَرَّ لِأَنَّهُ يُرِيدُ تَحْصِيلَ نُسُكِ الْمُسْتَأْجِرِ إلَّا أَنَّهُ أَرَادَ رِبْحَ عُمْرَةٍ في أَثْنَاءِ سَفَرِهِ وَلَوْ عَدَلَ عن الْمِيقَاتِ الْمُتَعَيِّنِ إلَى مِيقَاتٍ مِثْلِهِ في الْمَسَافَةِ أو أَبْعَدَ منه فيها كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى جَازَ فَلَا يَلْزَمُهُ دَمٌ وَلَا حَطٌّ بِخِلَافِ ما إذَا كان أَقْرَبَ منه كما أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْغَزَالِيُّ لَكِنْ في الْمُهَذَّبِ وَالتَّتِمَّةِ وَالشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرِهَا الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ وَعَدَمِ لُزُومِ شَيْءٍ
____________________
(1/453)
لِأَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَ بَعْضَ الْمَوَاقِيتِ مَقَامَ بَعْضٍ قال في الْمُهِمَّاتِ وما ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ مُنَافٍ لِلتَّعْيِينِ الذي نَحْنُ نُفَرِّعُ عليه ثُمَّ فَرَّعَ على ذلك كَلَامًا نَقَلَهُ عن الطَّبَرِيِّ شَارِحِ التَّنْبِيهِ
وَإِنْ اسْتَأْجَرَ شَخْصٌ الْآفَاقِيَّ مَنْسُوبٌ إلَى الْآفَاقِ وَهِيَ النَّوَاحِي وَيُقَالُ الْأُفُقِيُّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْفَاءِ وَفَتْحِهِمَا وهو من مَسْكَنُهُ فَوْقَ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ أَيْ أو فيه لِيُحْرِمَ من مَكَّةَ أو من مَكَان أَقْرَبَ إلَيْهَا من الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ لم يَصِحَّ الْعَقْدُ لِحُرْمَةِ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ على مُرِيدِ النُّسُكِ لَكِنْ لو أَحْرَمَ عنه من ذلك صَحَّ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَتَخْصِيصُهُ الْأَجِيرَ بِالْآفَاقِيِّ من تَصَرُّفِهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ في الْمَكِّيِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِنَاءً على ما مَرَّ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمِيقَاتِ الْمُسْتَأْجِرِ وَلِهَذَا لو اسْتَأْجَرَ آفَاقِيٌّ مَكِّيًّا لِلتَّمَتُّعِ لَزِمَهُ دَمٌ وَلَا نَظَرَ إلَى كَوْنِ الْآتِي مَكِّيًّا نَقَلَهُ في الْمُهِمَّاتِ عن الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ أو اسْتَأْجَرَهُ لِيُحْرِمَ من دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أو من شَوَّالٍ أو مَاشِيًا فَأَحْرَمَ من الْمِيقَاتِ في الْأُولَى أو في ذِي الْحِجَّةِ في الثَّانِيَةِ أو رَكِبَ في إحْرَامِهِ منه وَالْأَوْلَى أو رَاكِبًا في الثَّالِثَةِ أو اسْتَأْجَرَهُ لِيَأْتِيَ عنه بِنُسُكٍ فَأَتَى بِهِ لَكِنْ تَرَكَ مَأْمُورًا يُوجِبُ دَمًا كَتَرْكِ الرَّمْيِ أو الْمَبِيتِ أو طَوَافِ الْوَدَاعِ لَزِمَهُ دَمٌ وَحَطُّ التَّفَاوُتِ لِتَرْكِهِ ما أُمِرَ بِهِ وما ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ في مَسْأَلَةِ الْمَشْيِ صَحَّحَ في الْمَجْمُوعِ خِلَافَهُ وَلَوْ تَرَكَ مَأْمُورًا لَا يُوجِبُ دَمًا كَطَوَافِ الْقُدُومِ حُطَّ بِقِسْطِهِ من الْأُجْرَةِ نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عن أَصْحَابِنَا وَالْحِجَّةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ أَفْصَحُ من فَتْحِهَا وَلَا يَحُطُّ الْأَجِيرُ تَفَاوُتًا إنْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا كَلُبُسٍ وَقَلْمٍ لِأَنَّهُ لم يَنْقُصْ شيئا من الْعَمَلِ قال الدَّارِمِيُّ فَلَوْ قال له حُجَّ عَنِّي وَتَطَيَّبْ وَالْبَسْ فَفَعَلَ فَالدَّمُ على الْأَجِيرِ وَإِنْ شَرَطَهُ على الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا تَفْسُدُ بِهِ الْإِجَارَةُ وَقِيَاسُ ما مَرَّ أَنَّهُ إنْ شَرَطَ ذلك فيها فَسَدَتْ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ
فَرْعٌ لو اسْتَأْجَرَهُ لِلْقِرَانِ فَامْتَثَلَ فَالدَّمُ الْوَاجِبُ بِهِ على الْمُسْتَأْجِرِ كما لو حَجَّ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ الذي شَرَطَ الْقِرَانَ فَلَوْ شَرَطَهُ على الْأَجِيرِ بَطَلَتْ أَيْ الْإِجَارَةُ لِأَنَّهُ جَمَعَ بين إجَارَةٍ وَبَيْعِ مَجْهُولٍ لِأَنَّ الدَّمَ مَجْهُولُ الصِّفَةِ وَلَوْ كان الْمُسْتَأْجِرُ لِلْقِرَانِ مُعْسِرًا فَالصَّوْمُ الذي هو بَدَلُ الدَّمِ على الْأَجِيرِ لِأَنَّ بَعْضَهُ وهو الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ في الْحَجِّ وَاَلَّذِي في الْحَجِّ مِنْهُمَا هو الْأَجِيرُ قال في الْأَصْلِ كَذَا في التَّهْذِيبِ وفي التَّتِمَّةِ هو كَالْعَاجِزِ عن الصَّوْمِ وَالْهَدْيِ أَيْ فَيَبْقَى الْوَاجِبُ في ذِمَّتِهِ وَلَا يُحَطُّ شَيْءٌ من الْأُجْرَةِ لِأَنَّهُ لم يَنْقُصْ شيئا من عَمَلِهِ فَإِنْ خَالَفَ من اسْتَأْجَرَهُ لِلْقِرَانِ فَأَفْرَدَ وَهِيَ إجَارَةُ عَيْنٍ انْفَسَخَتْ في الْعُمْرَةِ إذْ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْعَمَلِ فيها عن الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ فَيُحَطُّ ما يَخُصُّ الْعُمْرَةَ من الْأُجْرَةِ أو وَهِيَ إجَارَةُ ذِمَّةٍ فَلَا تُفْسَخُ في شَيْءٍ وَلَا شَيْءَ عليه لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرٍ أَوَّلًا على مُسْتَأْجِرِهِ لِأَنَّهُ لم يَقْرِنْ لَكِنْ إنْ لم يَعُدْ لِلْعُمْرَةِ إلَى الْمِيقَاتِ لِزْمَةُ دَمٌ وَالْحَطُّ كما سَبَقَ وَإِنْ تَمَتَّعَ بَدَلَ الْقِرَانِ وَهِيَ إجَارَةُ عَيْنٍ انْفَسَخَ الْعَقْدُ في الْحَجِّ لِوُقُوعِهِ في غَيْرِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ فَيُحَطُّ ما يَخُصُّهُ من الْأُجْرَةِ وَلَوْ كانت في الذِّمَّةِ ولم يَعُدْ لِلْحَجِّ إلَى الْمِيقَاتِ فَالدَّمُ الْوَاجِبُ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ من الْمِيقَاتِ وَالْحَطُّ كما سَبَقَ فَيَجِبَانِ عليه وَأَمَّا دَمُ التَّمَتُّعِ فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِتَضَمُّنِ أَمْرِهِ بِالْقِرَانِ الدَّمَ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن أَصْحَابِ الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ ثُمَّ قال وَاسْتَبْعَدَهُ ابن الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ انْتَهَى
وَيُجَابُ عن الِاسْتِبْعَادِ بِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الدَّمِ الثَّانِي غَيْرُ سَبَبِ وُجُوبِ الْأَوَّلِ كما عَرَفْت أَمَّا إذَا أَعَادَ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ من ذلك وما ذَكَرَهُ في إجَارَةِ الْعَيْنِ من انْفِسَاخِهَا في الْحَجِّ هو ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن إشَارَةِ الْمُتَوَلِّي وقال إنَّهُ قِيَاسُ ما تَقَدَّمَ وَمَنَعَ الزَّرْكَشِيُّ الْقِيَاسَ وَفَرَّقَ بِأَنَّهُ لَمَّا أَفْرَدَ انْقَضَى وَقْتُ الْعُمْرَةِ بِخِلَافِ ما إذَا تَمَتَّعَ فإن وَقْتَ الْحَجِّ بَاقٍ وَإِنَّمَا مَضَى بَعْضُهُ وَسَبَقَهُ إلَى نَحْوِ ذلك الْأَذْرَعِيُّ وَنُقِلَ عن ابْنِ كَجٍّ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ عَدَمُ الِانْفِسَاخِ بِهِ وَأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا لِأَنَّهُ أَفْرَدَ الْعَمَلَيْنِ لَكِنْ عليه دَمُ الْمُجَاوَزَةِ وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دَمُ التَّمَتُّعِ بَدَلَ دَمِ الْقِرَانِ كما لو قَرَنَ قال وَهَذَا هو الْوَجْهُ
فَرْعٌ لو اسْتَأْجَرَهُ لِلتَّمَتُّعِ فَامْتَثَلَ فَالدَّمُ الْوَاجِبُ بِالتَّمَتُّعِ على الْمُسْتَأْجِرِ لِمَا مَرَّ في اسْتِئْجَارِهِ لِلْقِرَانِ وَيَأْتِي فيه ما مَرَّ ثَمَّ وَإِنْ أَفْرَدَ بَدَلَ التَّمَتُّعِ وَهِيَ أَيْ الْإِجَارَةُ إجَارَةُ عَيْنٍ انْفَسَخَتْ في الْعُمْرَةِ لِفَوَاتِ وَقْتِهِمَا الْمُعَيَّنِ أو وَهِيَ إجَارَةُ ذِمَّةٍ فَكَمَا سَبَقَ أَيْ فَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ لَكِنْ إنْ لم يَعُدْ لِلْعُمْرَةِ إلَى الْمِيقَاتِ لَزِمَهُ الدَّمُ وَالْحَطُّ وَإِنْ قَرَنَ وَعَدَّدَ أَفْعَالَ النُّسُكَيْنِ فَقَدْ زَادَ خَيْرًا لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِالنُّسُكَيْنِ من الْمِيقَاتِ وكان مَأْمُورًا بِأَنْ يُحْرِمَ
____________________
(1/454)
بِالْحَجِّ من مَكَّةَ فَلَا شَيْءَ عليه وَلَوْ اقْتَصَرَ على أَفْعَالِ الْحَجِّ حُطَّ التَّفَاوُتُ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِنُقْصَانِ الْأَفْعَالِ وَقِيلَ لَا حَطَّ وَلَا دَمَ عليه وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِتَعَدُّدِ الْأَفْعَالِ أَنْ يَأْتِيَ بِطَوَافَيْنِ وَسَعْيَيْنِ وهو ما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ كما قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ فما زَعَمَهُ الْإِسْنَوِيُّ من أَنَّ ذلك ليس مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ تَجْدِيدُ الْعَوْدِ إلَى الْمِيقَاتِ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ الدَّمَ عن الْقَارِنِ على الصَّحِيحِ مَرْدُودٌ لِذَلِكَ وَلِأَنَّ في سُقُوطِ الدَّمِ بِعَوْدِ الْقَارِنِ خِلَافًا وَالْمَذْهَبُ سُقُوطُهُ عنه وما هُنَا لَا خِلَافَ في سُقُوطِهِ عن الْأَجِيرِ فَالْوَجْهُ ما تَقَدَّمَ وَلَكِنْ إنْ لم يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ لَزِمَ الْمُسْتَأْجَرَ دَمٌ لِأَنَّ ما شَرَطَهُ يَقْتَضِيهِ
فَرْعٌ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْإِفْرَادِ فَقَرَنَ وَهِيَ إجَارَةُ عَيْنٍ وَقَعَا أَيْ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ له أَيْ لِلْأَجِيرِ وَانْفَسَخَتْ فِيهِمَا مَعًا لِأَنَّهُمَا لَا يَفْتَرِقَانِ لِاتِّحَادِ الْإِحْرَامِ وَلَا يُمْكِنُ صَرْفُ ما لم يَأْمُرْ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ إلَيْهِ قال في الْمَجْمُوعِ وَمَحَلُّ وُقُوعِهِمَا لِلْأَجِيرِ ما إذَا كان الْمَحْجُوجُ عنه حَيًّا فَإِنْ كان مَيِّتًا وَقَعَا له بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَقَالُوا لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عنه الْأَجْنَبِيُّ فَيَعْتَمِرَ من غَيْرِ وَصِيَّةٍ وَلَا إذْنِ وَارِثٍ بِلَا خِلَافٍ كما يَقْضِي دَيْنَهُ وَلَوْ كانت أَيْ الْإِجَارَةُ في الذِّمَّةِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ يَقَعَانِ لِبَقَاءِ الْإِجَارَةِ وَالدَّمُ وَالْحَطُّ كما سَبَقَ فَيَجِبَانِ على الْأَجِيرِ إلَّا أَنْ يُعَدِّدَ الْأَفْعَالَ فَلَا يَجِبُ عليه شَيْءٌ مِنْهُمَا
وَإِنْ تَمَتَّعَ بَدَلَ الْإِفْرَادِ في إجَارَةِ الْعَيْنِ وقد أُمِرَ بِتَأْخِيرِ الْعُمْرَةِ انْفَسَخَتْ أَيْ الْإِجَارَةُ فِيهِمَا الْمُوَافِقُ لِلْأَصْلِ وَغَيْرِهِ فيها أَيْ الْعُمْرَةِ لِوُقُوعِهَا في غَيْرِ وَقْتِهَا فَيَحُطُّ ما يَخُصُّهَا من الْأُجْرَةِ نعم أَنْ أتى بها عنه بَعْدَ فَرَاغِ الْحَجِّ فَلَا انْفِسَاخَ فَلْيُحْمَلْ الِانْفِسَاخُ فيها على الِانْفِسَاخِ ظَاهِرًا أو على الِانْفِسَاخِ في الْعُمْرَةِ التي قَدَّمَهَا وما قَالَهُ قَيَّدَهُ في الْمَجْمُوعِ بِمَا قَيَّدَ بِهِ مَسْأَلَةَ الْقِرَانِ السَّابِقَةِ وَإِنْ أُمِرَ بِتَقْدِيمِهَا أو كانت أَيْ الْإِجَارَةُ في الذِّمَّةِ لم تَنْفَسِخْ ولكن إنْ لم يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ فَالدَّمُ وَالْحَطُّ كما سَبَقَ فَيَجِبَانِ عليه وَتَسَمَّحُوا في قَوْلِهِمْ وَأُمِرَ بِتَقْدِيمِهَا لِأَنَّ تَقْدِيمَهَا لَا يَأْتِي في الْإِفْرَادِ وقد نَبَّهَ عليه الزَّرْكَشِيُّ ثُمَّ قال فَلْيَؤُلْ أَمْرُهُ بِتَقْدِيمِهَا على تَقْدِيمِهَا على أَشْهُرِ الْحَجِّ أَيْ لِيَكُونَ ذلك إفْرَادًا على وَجْهٍ وَتَكُونُ صُورَتُهَا أَنْ يَأْتِيَ بها الْأَجِيرُ في أَشْهُرِ الْحَجِّ لِيَتَصَوَّرَ لُزُومَ الدَّمِ وَبِمَا تَقَرَّرَ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ عُلِمَ أَنَّ الْعُدُولَ عن الْجِهَةِ الْمَأْمُورِ بها إلَى غَيْرِهَا لَا يَقْدَحُ في وُقُوعِ النُّسُكِ عن الْمُسْتَأْجِرِ على ما مَرَّ وَأُورِدَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إذَا خَالَفَ لم يَقَعْ الْمَأْتِيُّ بِهِ عن الْمُسْتَأْجِرِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْإِذْنِ له كما في مُخَالَفَةِ الْوَكِيلِ مُوَكِّلَهُ وَأَجَابَ الْإِمَامُ بِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْمُسْتَأْجَرِ في ذلك كَمُخَالَفَةِ الشَّرْعِ فِيمَا لَا يَفْسُدُ بها لِأَنَّهُ لَا يُحَصِّلُ النُّسُكَ لِنَفْسِهِ بَلْ لِلَّهِ تَعَالَى قال الرَّافِعِيُّ وَلَك أَنْ تَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يُحَصِّلُهُ لِنَفْسِهِ بَلْ يُحَصِّلُهُ لِيُخْرِجَ نَفْسَهُ عن عُهْدَةِ الْوَاجِبِ وَالْمُخْرَجُ مُخْتَلِفُ الْفَضَائِلِ فَلْيُرَاعِ غَرَضَهُ فيه
ثُمَّ الْفَرْقُ أَنَّ مُخَالَفَةَ الشَّرْعِ فِيمَا لَا يَفْسُدُ بها يَسْتَحِيلُ وُقُوعُهُ مَعَهَا لِغَيْرِ الْمُبَاشَرَةِ وقد أتى بِهِ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ مُخَالَفَةِ الْمُسْتَأْجَرِ إذْ لَا ضَرُورَةَ فيها إلَى وُقُوعِهِ عنه مَعَهَا بَلْ يُمْكِنُ صَرْفُهُ لِلْمُبَاشَرَةِ على الْمَعْهُودِ في نَظَائِرِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَحْصِيلَهُ لِغَرَضِ أَنْ يُخْرِجَ نَفْسَهُ عن الْعُهْدَةِ إنَّمَا يُعَدُّ من الِانْتِفَاعَاتِ الْأُخْرَوِيَّةِ وَإِنْ كان فيه امْتِثَالَ أَمْرِ الشَّارِعِ عَاجِلًا بِدَلِيلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ مِثْلَ هذه الِانْتِفَاعَاتِ قَسِيمًا لِلِانْتِفَاعَاتِ الْعَاجِلَةِ في نَحْوِ قَوْلِهِ إنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَبِأَنَّ الرَّافِعِيَّ نَفْسَهُ قَدَّمَ أَنَّهُ لو عَيَّنَ الْكُوفَةَ لِإِحْرَامِ الْأَجِيرِ فَجَاوَزَهَا غير مُحْرِمٍ لَزِمَهُ دَمٌ إلْحَاقًا لِلْمِيقَاتِ الشَّرْطِيِّ بِالْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ
فَرْعٌ جِمَاعُ الْأَجِيرِ قبل التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ مُفْسِدٌ لِلْحَجِّ وَتَنْفَسِخُ بِهِ إجَارَةُ الْعَيْنِ لَا إجَارَةُ الذِّمَّةِ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِزَمَانٍ بِخِلَافِ إجَارَةِ الْعَيْنِ كما مَرَّ لَكِنْ يَنْقَلِبُ فِيهِمَا الْحَجُّ لِلْأَجِيرِ لِأَنَّ الْحَجَّ الْمَطْلُوبَ لَا يَحْصُلُ بِالْحَجِّ الْفَاسِدِ فَانْقَلَبَ له كما لو أَمَرَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِصِفَةٍ فَاشْتَرَاهُ بِغَيْرِهَا يَقَعُ لِلْمَأْمُورِ بِخِلَافِ من ارْتَكَبَ مَحْظُورًا غير مُفْسِدٍ كَمُطِيعِ الْمَعْضُوبِ إذَا جَامَعَ فَسَدَ حَجُّهُ وَانْقَلَبَ له وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَكَذَا قَضَاؤُهُ أَيْ الْحَجِّ الذي أَفْسَدَهُ يَلْزَمُهُ وَيَقَعُ له كَحَجِّهِ الْفَاسِدِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ في فَاسِدِهِ وعليه الْكَفَّارَةُ وَعَلَيْهِ في إجَارَةِ الذِّمَّةِ أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَ الْقَضَاءِ عن نَفْسِهِ بِحَجٍّ آخَرَ لِلْمُسْتَأْجِرِ في عَامٍ آخَرَ أو يَسْتَنِيبَ من يَحُجُّ عنه في ذلك الْعَامِ أو غَيْرَهُ لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ عن حَجِّ الْمُسْتَأْجِرِ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ فيها الْخِيَارُ في الْفَسْخِ على التَّرَاخِي لِتَأَخُّرِ الْمَقْصُودِ هذا إنْ كانت الْإِجَارَةُ من مَعْضُوبٍ أو من مُتَطَوِّعٍ بِالِاسْتِئْجَارِ عن مَيِّتٍ فَإِنْ كانت من
____________________
(1/455)
مُسْتَأْجِرٍ عن مَيِّتٍ من مَالِهِ رُوعِيَتْ الْمَصْلَحَةُ في الْفَسْخِ وَعَدَمِهِ كما سَبَقَ نَظِيرُهُ
فَرْعٌ إذَا صَرَفَ الْأَجِيرُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ عن الْمُسْتَأْجِرِ الْحَجَّ إلَى نَفْسِهِ وَظَنَّ انْصِرَافَهُ إلَيْهِ لم يَنْصَرِفْ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ من الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ فإذا انْعَقَدَ على وَجْهٍ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى غَيْرِهِ وَيَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى لِبَقَاءِ الْعَقْدِ وإذا مَاتَ الْحَاجُّ عن نَفْسِهِ أو غَيْرِهِ أو تَحَلَّلَ لِإِحْصَارٍ في أَثْنَاءِ الْأَرْكَانِ فِيهِمَا لم يَبْطُلْ ثَوَابُهُ إذْ لَا تَقْصِيرَ منه بِخِلَافِ ما لو أَفْسَدَهُ بِجِمَاعٍ لَكِنْ لَا يَبْنِي عليه كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ بَلْ يَجِبُ الْإِحْجَاجُ من مَالِ الْمَحْجُوجِ عنه إنْ كان قد اسْتَقَرَّ في ذِمَّتِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِعَدَمِ بُطْلَانِ الثَّوَابِ بِمَوْتِ الْحَاجِّ عن غَيْرِهِ وَبِحُكْمِ التَّحَلُّلِ الْمَذْكُورِ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ فَإِنْ كان الْحَاجُّ عن غَيْرِهِ أَجِيرَ عَيْنٍ انْفَسَخَتْ أَيْ الْإِجَارَةُ أو أَجِيرَ ذِمَّةٍ فَلَا تَنْفَسِخُ بَلْ لِوَرَثَتِهِ أَيْ الْأَجِيرِ الْمَيِّتِ وللأجير الْمَحْصُورِ أَنْ يَسْتَأْجِرُوا من يَسْتَأْنِفُ الْحَجَّ من عَامِهِمْ عن الْمُسْتَأْجَرِ له إنْ أَمْكَنَ في ذلك الْعَامِ لِبَقَاءِ الْوَقْتِ وَإِلَّا ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُسْتَأْجِرِ كما مَرَّ وَالتَّصْرِيحُ بِحُكْمِ الْأَجِيرِ الْمَحْصُورِ من زِيَادَتِهِ وَمَتَى انْفَسَخَتْ أَيْ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ أو إحْصَارِهِ فَإِنْ كان ذلك بَعْدَ الْإِحْرَامِ لَا قَبْلَهُ اسْتَحَقَّ الْقِسْطَ من الْمُسَمَّى من ابْتِدَاءِ السَّيْرِ لِأَنَّهُ عَمِلَ بَعْضَ ما اُسْتُؤْجِرَ عليه مع تَحْصِيلِهِ بَعْضَ الْمَقْصُودِ بِخِلَافِ ما قبل الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ لم يُحَصِّلْ شيئا من الْمَقْصُودِ فَأَشْبَهَ ما لو قَرَّبَ الْأَجِيرُ على الْبِنَاءِ الْآلَاتِ من مَوْضِعِ الْبِنَاءِ ولم يَبْنِ وَوَقَعَ ما أتى بِهِ الْأَجِيرُ لِلْمُسْتَأْجِرِ إذَا لَا تَقْصِيرَ منه وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْفَرَاغِ من الْأَرْكَانِ وَقَبْلَ تَمَامِ الْأَعْمَالِ لم تَبْطُلْ أَيْ الْإِجَارَةُ بَلْ يَحُطُّ قِسْطَهَا أَيْ بَقِيَّةَ الْأَعْمَالِ أَيْ يَحُطُّهُ الْأَجِيرُ كما لو أُحْصِرَ بَعْدَ تَمَامِ الْأَرْكَانِ وَقَبْلَ تَمَامِ الْأَعْمَالِ وَتَعَذَّرَ عليه الْإِتْيَانُ بِهِ كما عُلِمَ ذلك مِمَّا مَرَّ وَتُجْبَرُ الْبَقِيَّةُ بِدَمٍ على الْأَجِيرِ كَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن التَّتِمَّةِ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ على الْمُسْتَأْجِرِ وَنَقَلَهُ عنه الزَّرْكَشِيُّ وَصَوَّبَهُ وهو الْمُوَافِقُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ في قَوْلِهِ وَدَمُ التَّحَلُّلِ من الْإِحْصَارِ الْوَاقِعُ بَعْدَ تَمَامِ الْأَرْكَانِ على الْمُسْتَأْجِرِ لِوُقُوعِ النُّسُكِ له مع عَدَمِ إسَاءَةِ الْأَجِيرِ وَإِنْ حَصَلَ الْفَوَاتُ لِلْحَجِّ مع الْإِحْصَارِ أو بِلَا إحْصَارٍ كَأَنْ تَأَخَّرَ عن الْقَافِلَةِ انْقَلَبَ الْحَجُّ لِلْأَجِيرِ كما في الْإِفْسَادِ بِجَامِعِ أَنَّهُ مُقَصِّرٌ وَلَا شَيْءَ له على الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ لم يَنْتَفِعْ بِمَا فَعَلَهُ
فَرْعٌ قال في الْمَجْمُوعِ قال الْمَاوَرْدِيُّ لو اسْتَأْجَرَهُ لِزِيَارَةِ قَبْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَصِحَّ وَأَمَّا الْجِعَالَةُ عليها فَإِنْ كانت على مُجَرَّدِ الْوُقُوفِ عِنْدَ قَبْرِهِ وَمُشَاهَدَتِهِ لم يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ أو على الدُّعَاءِ عِنْدَهُ صَحَّتْ لِأَنَّ الدُّعَاءَ تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ وَلَا تَضُرُّ الْجَهَالَةُ بِهِ فَصْلٌ
وُجُوبُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَمِنْ حَيْثُ الْأَدَاءُ على التَّرَاخِي فَلِمَنْ وَجَبَ عليه الْحَجُّ بِنَفْسِهِ أو بِغَيْرِهِ أَنْ يُؤَخِّرَهُ بَعْدَ سَنَةِ الْإِمْكَانِ لِأَنَّهُ فُرِضَ سَنَةَ خَمْسٍ كما جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ هُنَا أو سَنَةَ سِتٍّ كما صَحَّحَهُ في السِّيَرِ وَتَبِعَهُ عليه في الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْأَصْحَابِ وَأَخَّرَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَى سَنَةِ عَشْرٍ بِلَا مَانِعٍ وَقِيسَ بِهِ الْعُمْرَةُ وَتَضْيِيقُهُمَا بِنَذْرٍ أو خَوْفِ عَضْبٍ أو قَضَاءٍ كما سَيَأْتِي عَارِضٌ ثُمَّ التَّأْخِيرُ إنَّمَا يَجُوزُ بِشَرْطِ الْعَزْمِ على الْفِعْلِ في الْمُسْتَقْبَلِ كما مَرَّ بَيَانُهُ في الصَّلَاةِ فَلَوْ خَشِيَ من وَجَبَ عليه الْحَجُّ أو الْعُمْرَةُ الْعَضْبَ حَرُمَ عليه التَّأْخِيرُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْمُوَسَّعَ إنَّمَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ بِشَرْطِ أَنْ يَغْلِبَ على الظَّنِّ السَّلَامَةُ إلَى وَقْتِ فِعْلِهِ قال في الْمَجْمُوعِ قال الْمُتَوَلِّي وَمِثْلُهُ
وَمَنْ خَشِيَ هَلَاكَ مَالِهِ وَلَوْ مَاتَ من وَجَبَ عليه الْحَجُّ بَعْدَ انْتِصَافِ لَيْلَةِ النَّحْرِ ومضي إمْكَانِ الرَّمْيِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ إنْ دخل الْحَاجُّ بَعْدَ الْوُقُوفِ صَارَ يَعْنِي مَاتَ عَاصِيًا وَلَوْ شَابًّا وَإِنْ لم تَرْجِعْ الْقَافِلَةُ لِاسْتِقْرَارِ الْوُجُوبِ عليه وَلِأَنَّهُ إنَّمَا جُوِّزَ له التَّأْخِيرُ لَا التَّفْوِيتُ فَيَلْزَمُ الْإِحْجَاجُ عنه من تَرِكَتِهِ وَيُخَالِفُ ذلك نَظِيرُهُ في الصَّلَاةِ فَإِنْ آخَرَ وَقْتِهَا مَعْلُومٌ فَلَا تَقْصِيرَ ما لم يُؤَخِّرْ عنه وَالْإِبَاحَةُ في الْحَجِّ بِشَرْطِ الْمُبَادَرَةِ قبل الْمَوْتِ فإذا مَاتَ قَبْلَهُ أَشْعَرَ الْحَالُ بِالتَّقْصِيرِ وَاعْتِبَارُ إمْكَانِ الرَّمْيِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن التَّهْذِيبِ وَأَقَرَّهُ وَرَدَّهُ في الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّهُ ليس رُكْنًا وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا كان وَاجِبًا وَلَهُ دَخْلٌ في التَّحَلُّلِ اُعْتُبِرَ إمْكَانُ فِعْلِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ رُكْنًا لِبُعْدِ الْعِصْيَانِ بِدُونِهِ قال وَلَا بُدَّ من زَمَنٍ يَسَعُ الْحَلْقَ أو التَّقْصِيرَ بِنَاءً على أَنَّهُ رُكْنٌ وَيُعْتَبَرُ الْأَمْنُ في السَّيْرِ إلَى مَكَّةَ لِلطَّوَافِ لَيْلًا انْتَهَى
أَمَّا إذَا مَاتَ قبل ذلك فَلَا
____________________
(1/456)
عِصْيَانَ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ بَانَ أَنْ لَا إمْكَانَ وَلَوْ تَلِفَ مَالُ الْحَيِّ قبل إمْكَانِ الرُّجُوعِ أَيْ رُجُوعِ الْقَافِلَةِ لم يَسْتَقِرَّ الْوُجُوبُ لِأَنَّ مُؤَنَهُ الرُّجُوعِ لَا بُدَّ منها بِخِلَافِ تَلَفِهِ بَعْدَ ذلك وَبِخِلَافِ نَظِيرِهِ في الْمَوْتِ كما مَرَّ لِتَبَيُّنِ اسْتِغْنَائِهِ عن مُؤْنَةِ الرُّجُوعِ وَإِنْ حُصِرَتْ الْقَافِلَةُ التي أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ مَعَهَا فَتَحَلَّلَتْ أو صَابَرَتْ الْإِحْرَامَ وَفَاتَ الْوَقْتُ لم يَسْتَقِرَّ الْوُجُوبُ عليه لِأَنَّا تَبَيَّنَّا عَدَمَ اسْتِطَاعَتِهِ هذه السَّنَةَ فَإِنْ سَلَكُوا طَرِيقًا آخَرَ أو أَطْلَقُوا وَمَنْ حَصَرَهُمْ في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ أو غَيْرِهَا وَحَجُّوا وهو حَيٌّ وَمَالُهُ بَاقٍ اسْتَقَرَّ الْوُجُوبُ عليه لِتَمَكُّنِهِ وَلَوْ تَمَكَّنَ من الْحَجِّ سِنِينَ فلم يَحُجَّ ثُمَّ مَاتَ أو عُضِبَ فَعِصْيَانُهُ من السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ من سِنِي الْإِمْكَانِ لِجَوَازِ التَّأْخِيرِ إلَيْهَا فَتَبَيَّنَ بَعْدَ مَوْتِهِ أو عَضْبِهِ فِسْقُهُ فيها أَيْ في السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ بَلْ وَفِيمَا بَعْدَهَا في الْمَغْصُوبِ إلَى أَنْ يَحُجَّ عنه فَلَا يُحْكَمُ بِشَهَادَتِهِ بَعْدَ ذلك وَبِنَقْضِ ما شَهِدَ بِهِ في السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ بَلْ وَفِيمَا بَعْدَ بَعْدَهَا في الْمَعْضُوبِ إلَى ما ذُكِرَ كما في نَقْضِ الْحُكْمِ بِشُهُودٍ بَانَ فِسْقُهُمْ وَعَلَيْهِ أَيْ كُلٍّ من الْمَيِّتِ أَيْ وَارِثِهِ وَالْمَعْضُوبِ أَنْ يَسْتَنِيبَ فَوْرًا لِلتَّقْصِيرِ وَالتَّصْرِيحُ بِحُكْمِ الِاسْتِنَابَةِ عن الْمَيِّتِ من زِيَادَتِهِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ أو عُضِبَ ما لو بَلَغَ مَعْضُوبًا فإن له تَأْخِيرَ الِاسْتِنَابَةِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَصْلٌ
الْعَبْدُ الْمُفْسِدُ لِلْحَجِّ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فَإِنْ أُعْتِقَ بَعْدَ الْإِفْسَادِ ثُمَّ نَذَرَ حَجًّا قَدَّمَ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ لِأَصَالَتِهَا وَلِأَهَمِّيَّتِهَا الْمَفْهُومَةِ من خَبَرِ أبي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِرَجُلٍ لَبَّى عن شُبْرُمَةَ أَخٍ أو قَرِيبٍ له حُجَّ عن نَفْسِك ثُمَّ عن شُبْرُمَةَ ثُمَّ الْقَضَاءُ لِوُجُوبِهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ وَلَا يُجْزِئُ الْقَضَاءُ عن حِجَّةِ الْإِسْلَامِ لِكَوْنِهِ تَدَارُكًا لِغَيْرِهَا ثُمَّ النَّذْرُ لِأَنَّهُ أَهَمُّ من النَّفْلِ فَإِنْ أَحْرَمَ بِغَيْرِهَا أَيْ بِغَيْرِ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ من هِيَ عليه أو على من اسْتَنَابَهُ فيها انْصَرَفَ إلَيْهَا لِأَنَّ غَيْرَهَا لَا يَتَقَدَّمُ عليها وَهَذَا يُغْنِي عنه قَوْلُهُ وَإِنْ قَدَّمَ مُؤَخَّرًا لَغَا وَوَقَعَ الْمُقَدَّمُ وَلِمَنْ حَجَّ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ ولم يَعْتَمِرْ أَنْ يُقَدِّمَ حِجَّةَ التَّطَوُّعِ على الْعُمْرَةِ وَلِمَنْ اعْتَمَرَ عُمْرَةَ الْإِسْلَامِ ولم يَحُجَّ أَنْ يُقَدِّمَ عُمْرَةَ التَّطَوُّعِ على الْحَجِّ وَإِنْ نَذَرَ من لم يَحُجَّ أَنْ يَحُجَّ هذه السَّنَةِ فَحَجَّ خَرَجَ عن فَرْضِهِ وَنَذْرِهِ إذْ ليس فيه إلَّا تَعْجِيلُ ما كان له تَأْخِيرُهُ فَيَقَعُ أَصْلُ الْفِعْلِ عن فَرْضِهِ وَتَعْجِيلُهُ عن نَذْرِهِ
وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ من لم يَحُجَّ لِلْحَجِّ في الذِّمَّةِ فَيَحُجُّ عن نَفْسِهِ ثُمَّ عن الْمُسْتَأْجِرِ في سَنَةٍ أُخْرَى لَا في إجَارَةِ الْعَيْنِ لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ لِلسَّنَةِ الْأُولَى فَمَنْ عليه فَرْضُ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عن غَيْرِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَالْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ فِيمَا ذَكَرَ وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ لِلْحَجِّ من عليه عُمْرَةٌ أو بِالْعَكْسِ أَيْ اُسْتُؤْجِرَ لِلْعُمْرَةِ من عليه حَجٌّ جَازَ إذْ لَا مَانِعَ وَالتَّصْرِيحُ بِالْجَوَازِ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ قَرَنَ هذا أَيْ الْأَجِيرُ في الصُّورَتَيْنِ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَقَعَ عن الْأَجِيرِ لِأَنَّ نُسُكَيْ الْقِرَانِ لَا يَفْتَرِقَانِ لِاتِّحَادِ الْإِحْرَامِ وَلَا يُمْكِنُ صَرْفُ ما لم يَأْمُرْ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ إلَيْهِ وَقَيَّدَهُ في الْمَجْمُوعِ بِمَا قَيَّدَ بِهِ ما مَرَّ فِيمَا لو اسْتَأْجَرَهُ لِلْإِفْرَادِ فَقَرَنَ أو تَمَتَّعَ وَمِنْ الْأَوْلَى وَإِنْ قَرَنَ أَيْ هذا لِلْمُسْتَأْجِرِ وَلِنَفْسِهِ بِأَنْ أَحْرَمَ بِمَا اُسْتُؤْجِرَ له لِلْمُسْتَأْجِرِ وَبِالْآخِرِ لِنَفْسِهِ أو أَحْرَمَ بِمَا اُسْتُؤْجِرَ له عن الْمُسْتَأْجِرِ وَعَنْ نَفْسِهِ وَقَعَا أَيْ ما أتى بِهِ في الْأُولَى وما أتى بِهِ في الثَّانِيَةِ جميعا عن نَفْسِهِ لِمَا مَرَّ آنِفًا وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَنْعَقِدُ عن اثْنَيْنِ وهو أَوْلَى من غَيْرِهِ فَانْعَقَدَ لِنَفْسِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِالثَّانِيَةِ من زِيَادَتِهِ وَكَذَا بِقَوْلِهِ وَلَا أُجْرَةَ له على الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ لم يَنْتَفِعْ بِمَا فَعَلَهُ وَكَذَا وَمَنْ أَحْرَمَ بِالنِّسْكَانِ أو بِأَحَدِهِمَا عن اثْنَيْنِ اسْتَأْجَرَاهُ لِذَلِكَ أو أَمَرَاهُ بِهِ يَقَعُ ذلك له وَلَا أُجْرَةَ له وَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَعَمُّ وَمِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِرَجُلَيْنِ اسْتَأْجَرَاهُ لِيَحُجَّ عن أَحَدِهِمَا وَيَعْتَمِرَ عن الْآخَرِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ اثْنَانِ في الذِّمَّةِ لِلْحَجِّ عنهما أو أَمَرَاهُ بِهِ بِلَا إجَارَةٍ وَأَحْرَمَ عن أَحَدِهِمَا مُبْهَمًا صَرَفَهُ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا قبل التَّلَبُّسِ بِشَيْءٍ من أَفْعَالِ الْحَجِّ ذَكَرَ ذلك في الْمَجْمُوعِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْمَعْضُوبُ لِفَرْضِهِ أَدَاءً أو قَضَاءً وَنَذَرَهُ رَجُلَيْنِ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهُمَا لِيَحُجَّا عنه في سَنَةٍ وَاحِدَةٍ أَحَدُهُمَا حِجَّةَ الْإِسْلَامِ أو حِجَّةَ قَضَاءٍ وَالْآخَرُ حِجَّةَ نَذْرٍ أو أَحَدُهُمَا حِجَّةَ الْإِسْلَامِ وَالْآخَرُ حِجَّةَ قَضَاءٍ جَازَ لِمَا
____________________
(1/457)
فيه من تَعْجِيلِ الْحَجِّ وَلِأَنَّ غير حِجَّةِ الْإِسْلَامَ لم يَتَقَدَّمْهَا وَحِجَّةَ النَّذْرِ لم تَتَقَدَّمْ حِجَّةَ الْقَضَاءِ
فَرْعٌ وفي نُسْخَةٍ فَصْلٌ لو أَحْرَمَ الْمُتَطَوِّعُ بِأَنْ أَحْرَمَ شَخْصٌ بِحَجِّ تَطَوُّعٍ أو أَحْرَمَ الْأَجِيرُ عن الْمُسْتَأْجِرِ بِحَجِّ فَرْضٍ أو تَطَوُّعٍ ثُمَّ نَذَرَ حَجًّا قبل الْوُقُوفِ لَا بَعْدَهُ انْصَرَفَ الْحَجُّ إلَى النَّذْرِ لِتَقَدُّمِ الْفَرْضِ على النَّفْلِ وَفَرْضِ الشَّخْصِ على غَيْرِهِ بِخِلَافِ نَذْرِهِ له بَعْدَ الْوُقُوفِ لِإِتْيَانِهِ بِمُعْظَمِ أَرْكَانِ ما نَوَاهُ نعم إنْ أَمْكَنَهُ الْعَوْدُ إلَيْهِ وَعَادَ فَالظَّاهِرُ انْصِرَافُهُ إلَى النَّذْرِ كما يَنْصَرِفُ إلَى الْفَرْضِ فِيمَا لو كَمَّلَ الْمُحْرِمُ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَالْوَقْتُ بَاقٍ فَعَادَ إلَيْهِ وَلَوْ أَحْرَمَ عن نَفْسِهِ أَجِيرِ الْعَيْنِ أو أَجِيرِ الذِّمَّةِ الْمَفْهُومُ بِالْأَوْلَى بِتَطَوُّعٍ لم يَنْصَرِفْ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّا إنَّمَا نُقَدِّمُ وَاجِبَ الْحَجِّ على نَفْلِهِ لِوُجُوبِهِ وَأَمَّا اسْتِحْقَاقُهُ على الْأَجِيرِ فَلَيْسَ لِوُجُوبِهِ وَيَسْقُطُ فَرْضُ من حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ كَمَغْصُوبٍ وَإِنْ كان عَاصِيًا كما في الصَّلَاةِ في مَغْصُوبٍ أو ثَوْبِ حَرِيرٍ
بَابُ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ زَمَانًا وَمَكَانًا الْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ لِلْحَجِّ من شَوَّالٍ إلَى فَجْرِ لَيْلَةِ النَّحْرِ كما فَسَّرَ بِهِ ابن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ قَوْله تَعَالَى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ أَيْ وَقْتُ الْإِحْرَامِ بِهِ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ إذَا فَعَلَهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَشْهُرٍ وَأَطْلَقَ الْأَشْهُرَ على شَهْرَيْنِ وَبَعْضَ شَهْرٍ تَنْزِيلًا لِلْبَعْضِ مَنْزِلَةَ الْكُلِّ أو إطْلَاقًا لِلْجَمْعِ على ما فَوْقَ الْوَاحِدِ كما في قَوْله تَعَالَى أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ أَيْ عَائِشَةُ وَصَفْوَانُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ إذَا ضَاقَ زَمَنُ الْوُقُوفِ عن إدْرَاكِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ قال وَهَذَا بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في الْجُمُعَةِ لِبَقَاءِ الْحَجِّ حَجًّا بِفَوْتِ الْوُقُوفِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ
والميقات ( ( ( كتاب ) ) ) الزَّمَانِيُّ لِلْعُمْرَةِ جَمِيعُ السَّنَةِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم اعْتَمَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ في ذِي الْقِعْدَةِ أو في ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ وَأَنَّهُ اعْتَمَرَ عُمْرَةً في رَجَبٍ كما رَوَاهُ ابن عُمَرَ وَإِنْ أَنْكَرَتْهُ عليه عَائِشَةُ وَأَنَّهُ قال عُمْرَةٌ في رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً وفي رِوَايَةٍ لَهُمَا حَجَّةً مَعِي وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم اعْتَمَرَ في رَمَضَانَ وَرَوَى أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم اعْتَمَرَ في شَوَّالٍ لَا لِحَاجٍّ فَيَمْتَنِعُ إحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ قبل نَفْرِهِ أَمَّا قبل تَحَلُّلِهِ فَلِامْتِنَاعِ إدْخَالِهَا على الْحَجِّ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِاشْتِغَالِهِ بِالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ فَهُوَ عَاجِزٌ عن التَّشَاغُلِ بِعِلْمِهَا وَلِأَنَّ بَقَاءَ حُكْمِ الْإِحْرَامِ كَبَقَائِهِ وفي التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ نَظَرٌ وَيُؤْخَذُ من ذلك امْتِنَاعُ حِجَّتَيْنِ في عَامٍ وَاحِدٍ وهو ما نَصَّ عليه في الْأُمِّ وَجَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ فيه الْإِجْمَاعَ وقد يُؤْخَذُ منه أَيْضًا صِحَّةُ إحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ إذَا قَصَدَ تَرْكَ الرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَمَّا إحْرَامُهُ بها بَعْدَ نَفْرِهِ فَصَحِيحٌ وَإِنْ كان وَقْتُ الرَّمْيِ بَعْدَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ بَاقِيًا لِأَنَّهُ بِالنَّفْرِ خَرَجَ من الْحَجِّ وَصَارَ كما لو مَضَى وَقْتُ الرَّمْيِ نَقَلَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ عن نَصِّ الْأُمِّ وقال في الْمَجْمُوعِ لَا خِلَافَ فيه
وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ منها أَيْ الْعُمْرَةِ وَلَوْ في الْعَامِ الْوَاحِدِ فَلَا تُكْرَهُ في وَقْتٍ وَلَا يُكْرَهُ تَكْرِيرُهَا فَقَدْ أَعْمَرَ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَائِشَةَ في عَامٍ مَرَّتَيْنِ وَاعْتَمَرَتْ في عَامٍ مَرَّتَيْنِ أَيْ بَعْدَ وَفَاتِهِ وفي رِوَايَةِ ثَلَاثَ عُمَرَ وَاعْتَمَرَ ابن عُمَرَ أَعْوَامًا مَرَّتَيْنِ في كل عَامٍ رَوَاهَا الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ قال في الْمَجْمُوعِ قال أَصْحَابُنَا وَيُنْدَبُ الِاعْتِمَارُ في أَشْهُرِ الْحَجِّ وفي رَمَضَانَ
قال الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَالْعُمْرَةُ في رَمَضَانَ أَفْضَلُ منها في بَاقِي السَّنَةِ لِخَبَرِ عُمْرَةٌ في رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً مَعِي قال في الْكِفَايَةِ وَفِعْلُهَا في يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ ليس بِفَاضِلٍ كَفَضْلِهِ في غَيْرِهَا لِأَنَّ الْأَفْضَلَ فِعْلُ الْحَجِّ فيها فَرْعٌ مَتَى أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أو مُطْلَقًا في غَيْرِ أَشْهُرِهِ فِيهِمَا انْعَقَدَ عُمْرَةً مُجْزِئَةً عن الْفَرْضِ أَيْ فَرْضِهَا وَإِنْ كان عَالِمًا لِشِدَّةِ لُزُومِ الْإِحْرَامِ لِانْعِقَادِهِ مع الْجِمَاعِ الْمُفْسِدِ على ما صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ كما
____________________
(1/458)
سَيَأْتِي فإذا لم يَقْبَلْ الْوَقْتُ ما أَحْرَمَ بِهِ انْصَرَفَ إلَى ما يَقْبَلُهُ وَلِأَنَّهُ إذَا بَطَلَ قَصْدُ الْحَجِّ بَقِيَ مُطْلَقُ الْإِحْرَامِ وَالْعُمْرَةُ تَنْعَقِدُ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ هذا في الْحَلَالِ فَلَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ بِحَجٍّ في غَيْرِ أَشْهُرِهِ لم تَنْعَقِدْ عُمْرَةً لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ على الْعُمْرَةِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَلَوْ أَحْرَمَ قبل أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ شَكَّ هل أَحْرَمَ بِحَجٍّ أو عُمْرَةٍ فَهُوَ عُمْرَةٌ وَلَوْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ شَكَّ هل كان إحْرَامُهُ في أَشْهُرِهِ أو قَبْلَهَا قال الصَّيْمَرِيُّ كان حَجًّا لِأَنَّهُ يَتَيَقَّنُ إحْرَامَهُ الْآنَ وَيَشُكُّ في تَقَدُّمِهِ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ قال الْأَذْرَعِيُّ قِيلَ وَالْأَوْلَى الِاحْتِيَاطُ كما لو أَحْرَمَ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ ثُمَّ نَسِيَهُ وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا أَيْ الْعُمْرَةُ عن سَنَتِهِ أَيْ الْحَجِّ لِمَا فيه من الْخَطَرِ
فَصْلٌ الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْمَكِّيِّ أَيْ لِمَنْ كان بِمَكَّةَ وَلَوْ من غَيْرِ أَهْلِهَا مَكَّةُ لَا سَائِرُ الْحَرَمِ لِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْخَبَرِ الْآتِي حتى أَهْلُ مَكَّةَ من مَكَّةَ وَقِيسَ بِأَهْلِهَا غَيْرُهُمْ مِمَّنْ هو بها فَإِنْ فَارَقَ بُنْيَانَهَا وَأَحْرَمَ خَارِجَهَا ولم يَعُدْ إلَيْهَا قبل الْوُقُوفِ أَسَاءَ وَلَزِمَهُ دَمٌ كَمُجَاوِزِ سَائِرِ الْمَوَاقِيتِ نعم إنْ أَحْرَمَ من مُحَاذَاتِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا إسَاءَةَ وَلَا دَمَ كما لو أَحْرَمَ من مُحَاذَاةِ سَائِرِ الْمَوَاقِيتِ ثُمَّ رَأَيْت الْمُحِبَّ الطَّبَرِيَّ نَبَّهَ عليه بَحْثًا قال الْبُلْقِينِيُّ وَمَحَلُّ الْإِسَاءَةِ فِيمَا ذُكِرَ إذَا لم يَصِلْ إلَى مِيقَاتٍ وَإِلَّا فَلَا إسَاءَةَ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ كما في شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ في سُقُوطِ دَمِ التَّمَتُّعِ بِذَلِكَ فَإِنْ عَادَ إلَيْهَا قبل الْوُقُوفِ سَقَطَ الدَّمُ نعم إنْ وَصَلَ في خُرُوجِهِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ لم يَسْقُطْ الدَّمُ بِذَلِكَ بَلْ بِوُصُولِهِ إلَى الْمِيقَاتِ الذي لِلْآفَاقِيِّ كما صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ
وَإِحْرَامُهُ أَيْ الْمَكِّيِّ من بَابِ دَارِهِ أَفْضَلُ منه من غَيْرِهِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ في الْخَبَرِ الْآتِي وَمَنْ كان دُونَ ذلك فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ فَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مُحْرِمًا وَإِحْرَامُهُ من بَابِهِ يَكُونُ بَعْدَ مَجِيئِهِ من صَلَاةِ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ في الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إذْ الْإِحْرَامُ لَا يُسَنُّ عَقِبَ الصَّلَاةِ بَلْ عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَى عَرَفَاتٍ ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ مُحْرِمًا لِطَوَافِ الْوَدَاعِ لَا لِلصَّلَاةِ فَانْدَفَعَ ما قِيلَ إنَّهُ إذَا اُسْتُحِبَّ له فِعْلُ الرَّكْعَتَيْنِ في الْمَسْجِدِ أَشْكَلَ ذلك بِتَصْحِيحِ أَنَّهُ يُحْرِمُ من بَابِ دَارِهِ ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ لِرَكْعَتَيْنِ قبل الْإِحْرَامِ قِيلَ وَقِيَاسُ ما يَأْتِي من أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِمَنْ مِيقَاتُهُ قَرْيَتُهُ أو حِلَّتُهُ أَنْ يُحْرِمَ من الطَّرَفِ الْأَبْعَدِ من مَكَّةَ لِيَقْطَعَ الْبَاقِي مُحْرِمًا إنَّ الْمَكِّيَّ يُحْرِمُ من طَرَفِهَا الْأَبْعَدِ عن مَقْصِدِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَاكَ قَاصِدٌ لِمَكَانٍ أَشْرَفَ مِمَّا هو فيه وَهَذَا بِعَكْسِهِ
وَالْمُتَمَتِّعُ الْآفَاقِيُّ إنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ خَارِجَ مَكَّةَ ولم يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ أو إلَى مِثْلِهِ مَسَافَةً أو إلَى مَكَّةَ لَزِمَهُ دَمَانِ دَمُ الْإِسَاءَةِ وَدَمُ التَّمَتُّعِ وَلَوْ قال ولم يَعُدْ إلَيْهَا أو إلَى الْمِيقَاتِ كان أَخْصَرَ وَخَرَجَ بِالْآفَاقِيِّ الْمَكِّيُّ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا دَمُ الْإِسَاءَةِ وَمَنْ كان مَسْكَنُهُ بَيْنَهُمَا أَيْ بين مَكَّةَ وَبَيْنَ الْمِيقَاتِ فَمِيقَاتُهُ قَرْيَتُهُ أو حِلَّتُهُ أو مَنْزِلُهُ الْمُنْفَرِدُ لِقَوْلِهِ في الْخَبَرِ الْآتِي فَمَنْ كان دُونَ ذلك فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ وَأَمَّا الْآفَاقِيُّ فَلَهُ مَوَاقِيتُ مُخْتَلِفَةٌ بِحَسَبِ النَّوَاحِي فَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ وَهِيَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ وهو الذي يُقَالُ له أَبْيَارُ عَلِيٍّ قال الرَّافِعِيُّ وهو على مِيلٍ من الْمَدِينَةِ وَالْغَزَالِيُّ في بَسِيطِهِ على سِتَّةِ أَمْيَالٍ وَصَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ على سَبْعَةٍ قال في الْمُهِمَّاتِ وَالصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ الْمُشَاهَدُ أنها على ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أو تَزِيدُ قَلِيلًا
قال الشَّيْخَانِ وَهِيَ على نَحْوِ عَشْرَةِ مَرَاحِلَ من مَكَّةَ فَهِيَ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ من مَكَّةَ وَلِلشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ أَيْ لِأَهْلِهَا الْجُحْفَةُ وَيُقَالُ لها مَهْيَعَةُ بِوَزْنِ مَرْتَبَةٍ وَمَهْيَعَةُ بِوَزْنِ مَعِيشَةُ وَهِيَ قَرْيَةٌ كَبِيرَةٌ بين مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وقد خَرِبَتْ قال الرَّافِعِيُّ وَهِيَ على نَحْوِ خَمْسِينَ فَرْسَخًا من مَكَّةَ وقال في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ على نَحْوِ ثَلَاثَةِ مَرَاحِلَ من مَكَّةَ وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ بَعِيدٌ لِأَنَّ الْمَرْحَلَةَ ثَمَانِيَةُ فَرَاسِخَ فَيَكُونُ جُمْلَةُ الْمَرَاحِلِ على ما في الْمَجْمُوعِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا وَالْمَعْرُوفُ الْمُشَاهَدُ وما قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَسُمِّيَتْ جُحْفَةً لِأَنَّ السَّيْلَ اجْتَحَفَهَا وَحَمَلَ أَهْلَهَا وَلِلْيَمَنِ أَيْ لِأَهْلِ تِهَامَةَ يَلَمْلَمُ وَيُقَالُ أَلَمْلَمُ وهو أَصْلُهُ قُلِبَتْ الْهَمْزَةُ يَاءً وَيَرَمْرَمُ بِرَاءَيْنِ وهو مَوْضِعٌ على مَرْحَلَتَيْنِ من مَكَّةَ وَلِنَجْدِيٍّ الْحِجَازُ وَالْيَمَنُ أَيْ لِأَهْلِهِمَا قَرْنُ بِسُكُونِ الرَّاءِ وَيُقَالُ له قَرْنُ الْمَنَازِلِ وَقَرْنُ الثَّعَالِبِ وهو جَبَلٌ على مَرْحَلَتَيْنِ من مَكَّةَ وَوَهَمَ الْجَوْهَرِيُّ في تَحْرِيكِ الرَّاءِ وفي قَوْلِهِ إنَّ أُوَيْسًا الْقَرَنِيَّ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَإِنَّمَا هو مَنْسُوبٌ إلَى قَرْنٍ قَبِيلَةٌ من مُرَادٍ كما ثَبَتَ في مُسْلِمٍ وَلِلْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ أَيْ لِأَهْلِهِمَا ذَاتُ عِرْقٍ وَهِيَ قَرْيَةٌ على مَرْحَلَتَيْنِ من مَكَّةَ وقد خَرِبَتْ
وَالْعَقِيقُ وهو وَادٍ فَوْقَ ذَاتِ عِرْقٍ لهم أَيْ
____________________
(1/459)
لِأَهْلِ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ أَفْضَلُ من ذَاتِ عِرْقٍ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَلِمَا رَوَى ابن عَبَّاسٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ لَكِنْ رَدَّهُ في الْمَجْمُوعِ وَالْأَصْلُ في الْمَوَاقِيتِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ وقال هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أتى عَلَيْهِنَّ من غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَمَنْ كان دُونَ ذلك فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حتى أَهْلُ مَكَّةَ من مَكَّةَ خَبَرُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ الْجُحْفَةَ وَخَبَرُ النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كما في الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَّتَ لِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ وَالطَّرَفُ الْأَبْعَدُ عن مَكَّةَ من كل مِيقَاتٍ أَيْ الْإِحْرَامُ منه أَفْضَلُ من الْإِحْرَامِ من وَسَطِهِ وَآخِرِهِ لِيَقْطَعَ الْبَاقِيَ مُحْرِمًا قال السُّبْكِيُّ إلَّا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ من الْمَسْجِدِ الذي أَحْرَمَ منه النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَفْضَلُ وَهِيَ أَيْ الْمَوَاقِيتُ الْمَذْكُورَةُ لِأَهْلِهِمَا وَلِمَنْ سَلَكَهَا لِلْخَبَرِ السَّابِقِ إلَّا النَّائِبُ فَيُحْرِمُ كما مَرَّ من مِيقَاتِ بَلَدِ مُنِيبِهِ وَالْعِبْرَةُ في هذه الْمَوَاقِيتِ بِالْبُقْعَةِ لَا ما بُنِيَ وَلَوْ قَرِيبًا منها وَلَوْ بِنَقْضِهَا وَإِنْ سُمِّيَ بِاسْمِهَا
وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا غير طَرِيقِ الْمِيقَاتِ أَحْرَمَ بِمُحَاذَاتِهِ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مُسَامَتَتِهِ يَمْنَةً أو يَسْرَةً سَوَاءٌ أَكَانَ في الْبَرِّ أَمْ في الْبَحْرِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عن ابْنِ عُمَرَ أَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ أَتَوْا عُمَرَ فَقَالُوا يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَدَّ لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا وهو جَوْرٌ عن طَرِيقِنَا وَإِنَّا إنْ أَرَدْنَا قَرْنًا شَقَّ عَلَيْنَا قال فَانْظُرُوا حَذْوَهَا من طَرِيقِكُمْ فَحَدَّ لهم عُمَرُ ذَاتِ عِرْقٍ ولم يُنْكِرْ عليه أَحَدٌ فَإِنْ أَشْكَلَ عليه الْمِيقَاتُ أو مَوْضُوعُ مُحَاذَاتِهِ احْتَاطَ الذي في الْأَصْلِ تَحَرَّى وَطَرِيقُ الِاحْتِيَاطِ لَا يَخْفَى وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عن الْأَصْحَابِ اجْتَهَدَ وَيُسْتَحَبُّ له أَنْ يَسْتَظْهِرَ خِلَافًا لِلْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ حَيْثُ أَوْجَبَ الِاسْتِظْهَارَ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ تَحَيَّرَ في اجْتِهَادِهِ تَعَيَّنَ الِاسْتِظْهَارُ جَزْمًا إنْ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ أو كان قد تَضَيَّقَ عليه وَلَوْ حَاذَى مِيقَاتَيْنِ أَحْرَمَ من أَقْرَبِهِمَا إلَيْهِ وَإِنْ كان الْآخَرُ أَبْعَدَ إلَى مَكَّةَ إذْ لو كان أَمَامَهُ مِيقَاتٌ فإنه مِيقَاتُهُ وَإِنْ حَاذَى مِيقَاتًا أَبْعَدَ فَكَذَا ما هو بِقُرْبِهِ فَإِنْ اسْتَوَيَا في الْقُرْبِ إلَيْهِ فَأَبْعَدُهُمَا من مَكَّةَ يُحْرِمُ منه وَإِنْ حَاذَى الْأَقْرَبَ إلَيْهَا أَوَّلًا كَأَنْ كان الْأَبْعَدُ مُنْحَرِفًا أو وَعْرًا فَإِنْ قِيلَ فإذا اسْتَوَيَا في الْقُرْبِ إلَيْهِ فَكِلَاهُمَا مِيقَاتُهُ قُلْنَا لَا بَلْ مِيقَاتُهُ الْأَبْعَدُ إلَى مَكَّةَ وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِيمَا لو جَاوَزَهُمَا مُرِيدًا لِلنُّسُكِ ولم يَعْرِفْ مَوْضِعَ الْمُحَاذَاةِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْأَبْعَدِ أو إلَى مِثْلِ مَسَافَتِهِ سَقَطَ عنه الدَّمُ لَا إنْ رَجَعَ إلَى الْآخَرِ فَإِنْ اسْتَوَيَا في الْقُرْبِ إلَيْهِمَا وَإِلَيْهِ أَحْرَمَ من مُحَاذَاتِهِمَا إنْ لم يُحَاذِ أَحَدَهُمَا قبل الْآخَرِ وَإِلَّا فَمِنْ مُحَاذَاةِ الْأَوَّلِ يَنْتَظِرُ مُحَاذَاةَ الْآخَرَ كما ليس لِلْمَارِّ على ذِي الْحُلَيْفَةِ أَنْ يُؤَخِّرَ إحْرَامَهُ إلَى الْجُحْفَةِ فَإِنْ لم يُحَاذِ شيئا من الْمَوَاقِيتِ أَحْرَمَ على مَرْحَلَتَيْنِ من مَكَّةَ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ من الْمَوَاقِيتِ أَقَلُّ مَسَافَةً من هذا الْقَدْرِ
فَرْعٌ وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ إلَى جِهَةِ الْحَرَمِ غير مُرِيدٍ لِلنُّسُكِ ثُمَّ عَنَّ أَيْ عَرَضَ له قَصْدُ النُّسُكِ فَذَلِكَ أَيْ مَحَلُّ عُرُوضِ ذلك له مِيقَاتُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَى الْمِيقَاتِ كما شَمَلَ ذلك قَوْلَهُ في الْخَبَرِ السَّابِقِ وَمَنْ كان دُونَ ذلك فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ وَأَشَارَ إلَيْهِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ
فَصْلٌ وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ غير مُحْرِمٍ ولم يَنْوِ الْعَوْدَ إلَيْهِ أو إلَى مِثْلِ مَسَافَتِهِ من مِيقَاتٍ آخَرَ أَسَاءَ لِلْإِجْمَاعِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَلَزِمَهُ الْعَوْدُ إلَيْهِ مُحْرِمًا أو لِيُحْرِمَ منه تَدَارُكًا لِمَا فَوَّتَهُ وَأَثِمَ بِتَرْكِهِ أَيْ الْعَوْدِ إلَّا لِعُذْرٍ كَضِيقِ الْوَقْتِ وَخَوْفِ الطَّرِيقِ أو الِانْقِطَاعِ عن الرُّفْقَةِ وَسَهْوِهِ وَجَهْلِهِ فَلَا عَوْدَ عليه وَلَا إثْمَ لِعُذْرِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إذَا كان مَاشِيًا ولم يَتَضَرَّرْ بِالْمَشْيِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كان على دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا كما قُلْنَا في الْحَجِّ مَاشِيًا قال ابن الْعِمَادِ وَلِوَجْهِ لُزُومِ الْعَوْدِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ قَضَاءٌ لِمَا تَعَدَّى فيه فَأَشْبَهَ وُجُوبَ قَضَاءِ الْحَجِّ الْفَاسِدِ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ فَإِنْ أَحْرَمَ قبل الْعَوْدِ الْأَوْلَى ولم يَعُدْ وَإِنْ كان مَعْذُورًا في ذلك لَزِمَهُ دَمٌ لِإِسَاءَتِهِ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ من الْمِيقَاتِ قال ابن عَبَّاسٍ
____________________
(1/460)
من نَسِيَ من نُسُكِهِ شيئا أو تَرَكَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا رَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادِهِ صَحِيحٍ وَشَرْطُ لُزُومِهِ أَنْ يُحْرِمَ بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ كما عُلِمَ من كَلَامِهِ وَأَنْ يُحْرِمَ في تِلْكَ السَّنَةِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يُحْرِمْ أَصْلًا لِأَنَّ لُزُومَهُ إنَّمَا هو لِنُقْصَانِ النُّسُكِ لَا بَدَلَ منه وَبِخِلَافِ ما إذَا أَحْرَمَ في سَنَةٍ أُخْرَى لِأَنَّ إحْرَامَ هذه السَّنَةِ لَا يَصْلُحُ لِإِحْرَامِ غَيْرِهَا وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَحْرَمَ دُونَهُ يَكُنْ كَالْمُسْلِمِ فِيمَا ذُكِرَ وهو كَذَلِكَ كما سَيَأْتِي بَيَانُهُ في بَابِ حَجِّ الصَّبِيِّ وَيَسْقُطُ عنه الدَّمُ مَتَى عَادَ لِأَنَّهُ قَطَعَ الْمَسَافَةَ من الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا وَأَدَّى الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا بَعْدَهُ فَكَانَ كما لو أَحْرَمَ منه سَوَاءٌ أَكَانَ دخل مَكَّةَ أَمْ لَا لَا إنْ عَادَ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِنُسُكٍ وَلَوْ طَوَافَ الْقُدُومِ فَلَا يَسْقُطُ عنه الدَّمُ لِتَأَدِّي النُّسُكِ بِإِحْرَامٍ نَاقِصٍ
وَالْإِحْرَامُ من الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ منه من دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ في تَصْحِيحِهِ عَكْسَهُ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَحْرَمَ بِحَجَّتِهِ وَبِعُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ من ذِي الْحُلَيْفَةِ رَوَى الْأَوَّلَ الشَّيْخَانِ وَالثَّانِيَ الْبُخَارِيُّ وَلِأَنَّ في مُصَابَرَةِ الْإِحْرَامِ بِالتَّقْدِيمِ عُسْرًا وَتَغْرِيرًا بِالْعِبَادَةِ وَإِنْ كان جَائِزًا وَإِنَّمَا جَازَ قبل الْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ لَا قبل الزَّمَانِيِّ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْعِبَادَةِ بِالْوَقْتِ أَشَدُّ منه بِالْمَكَانِ وَلِأَنَّ الْمَكَانِيَّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ بِخِلَافِ الزَّمَانِيِّ
فَصْلٌ مِيقَاتُ الْعُمْرَةِ مِيقَاتُ الْحَجِّ لِقَوْلِهِ في الْخَبَرِ السَّابِقِ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ إلَّا لِمَنْ في الْحَرَمِ مَكِّيًّا كان أو غَيْرَهُ فَمِيقَاتُهُ الْوَاجِبُ أَدْنَى الْحِلِّ فَيَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ وَلَوْ بِقَلِيلٍ من أَيْ جَانِبٍ شَاءَ لِلْجَمْعِ فيها بين الْحِلِّ وَالْحَرَمِ كَالْجَمْعِ في الْحَجِّ بَيْنَهُمَا بِوُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ عَائِشَةَ بِالْخُرُوجِ إلَى الْحِلِّ لِلْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَلَوْ لم يَجِبْ الْخُرُوجُ لَأَحْرَمَتْ من مَكَانِهَا لِضِيقِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ كان عِنْدَ رَحِيلِ الْحَاجِّ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ الْوَاجِبُ ما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَالْأَفْضَلُ من بِقَاعُ الْحِلِّ لِإِحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ الْجِعْرَانَةُ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَهِيَ بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ أَفْصَحُ من كَسْرِ الْعَيْنِ وَتَثْقِيلِ الرَّاءِ وَإِنْ كان أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ على الثَّانِي ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَهِيَ في طَرِيقِ الطَّائِفِ على سِتَّةِ فَرَاسِخَ من مَكَّةَ ثُمَّ التَّنْعِيمُ لِأَمْرِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَائِشَةَ بِالِاعْتِمَارِ منه وهو الْمَوْضِعُ الذي عِنْدَ الْمَسَاجِدِ الْمَعْرُوفَةِ بِمَسَاجِدِ عَائِشَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ فَرْسَخٌ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ على يَمِينِهِ جَبَلًا يُقَالُ له نُعَيْمٌ وَعَلَى شِمَالِهِ جَبَلًا يُقَالُ له نَاعِمٌ وَالْوَادِي نُعْمَانُ ثُمَّ الْحُدَيْبِيَةُ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ أَفْصَحُ من تَثْقِيلِهَا وَهِيَ اسْمٌ لِبِئْرٍ هُنَاكَ بين طَرِيقِ جُدَّةَ وَطَرِيقِ الْمَدِينَةِ بين جَبَلَيْنِ على سِتَّةِ فَرَاسِخَ من مَكَّةَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم هَمَّ بِالِاعْتِمَارِ منها فَصَدَّهُ الْكُفَّارُ فَقَدَّمَ فِعْلَهُ ثُمَّ أَمْرَهُ ثُمَّ هَمَّهُ كَذَا قال الْغَزَالِيُّ إنَّهُ هَمَّ بِالِاعْتِمَارِ من الْحُدَيْبِيَةِ قال في الْمَجْمُوعِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ كان أَحْرَمَ من ذِي الْحُلَيْفَةِ إلَّا أَنَّهُ هَمَّ بِالدُّخُولِ إلَى مَكَّةَ من الْحُدَيْبِيَةِ كما رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَإِنَّمَا أَعْمَرَ عَائِشَةَ من التَّنْعِيمِ وَمَعَ أَنَّ الْإِحْرَامَ من الْجِعْرَانَةِ أَفْضَلُ لِضِيقِ الْوَقْتِ أو لِبَيَانِ الْجَوَازِ من أَدْنَى الْحِلِّ وَلَيْسَ التَّفْضِيلُ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ فإن الْجِعْرَانَةَ وَالْحُدَيْبِيَةَ مَسَافَتُهُمَا إلَى مَكَّةَ وَاحِدَةٌ سِتَّةُ فَرَاسِخَ وَالتَّنْعِيمُ مَسَافَتُهُ إلَيْهَا فَرْسَخٌ كما مَرَّ فَهُوَ أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْهُمَا فَإِنْ لم يُحْرِمْ من أَحَدِ الثَّلَاثَةِ نُدِبَ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَمِ بَطْنَ وَادٍ ثُمَّ يُحْرِمَ كما في التَّتِمَّةِ وَغَيْرِهَا وَحَكَاهُ في الْإِبَانَةِ عن الشَّافِعِيِّ وإذا أَحْرَمَ بها من مَكَّةَ وَتَمَّمَ أَفْعَالَهَا ولم يَخْرُجْ إلَى الْحِلِّ قبل تَلَبُّسِهِ بِفَرْضٍ منها أَجْزَأَهُ ما أَحْرَمَ بِهِ وَلَزِمَهُ الدَّمُ لِأَنَّ الْإِسَاءَةَ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ من الْمِيقَاتِ إنَّمَا تَقْتَضِي لُزُومَ الدَّمِ لَا عَدَمَ الْإِجْزَاءِ وَمَتَى عَادَ يَعْنِي خَرَجَ إلَى الْحِلِّ قبل التَّلَبُّسِ بِفَرْضٍ سَقَطَ عنه الدَّمُ لِمَا مَرَّ
بَابُ بَيَانِ وُجُوهِ الْإِحْرَامِ وما يَتَعَلَّقُ بِهِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ بها الْإِفْرَادُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْقِرَانُ أَفْضَلُ على الْأَصَحِّ مَنْشَأُ الْخِلَافِ اخْتِلَافُ الرُّوَاةِ في إحْرَامِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________
(1/461)
رَوَى الشَّيْخَانِ عن جَابِرٍ وَعَائِشَةَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَفْرَدَ الْحَجَّ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عن ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَرَوَيَا عن أَنَسٍ قال سَمِعْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا وَرَوَيَا عن ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَحْرَمَ مُتَمَتِّعًا وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ رُوَاتَهُ أَكْثَرُ وَبِأَنَّ جَابِرًا منهم أَقْدَمُ صُحْبَةً وَأَشَدُّ عِنَايَةً بِضَبْطِ الْمَنَاسِكِ وَبِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم اخْتَارَهُ أَوَّلًا كما سَيَأْتِي وَبِالْإِجْمَاعِ على أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فيه وَبِأَنَّ الْمُفْرِدَ لم يَرْبَحْ ما رَبِحَهُ الْمُتَمَتِّعُ من اسْتِبَاحَةِ الْمَحْظُورَاتِ وَلَا ما رَبِحَهُ من انْدِرَاجِ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ تَحْتَ الْحَجِّ فَهُوَ أَشَقُّ عَمَلًا وَبِأَنَّ التَّمَتُّعَ وَالْقِرَانَ يَجِبُ فِيهِمَا الدَّمُ بِخِلَافِ الْإِفْرَادِ وَالْجَبْرُ دَلِيلُ النُّقْصَانِ وَأَمَّا تَمَنِّيهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم التَّمَتُّعَ بِقَوْلِهِ لو اسْتَقْبَلْت من أَمْرِي ما اسْتَدْبَرَتْ ما أَهْدَيْت وَلَجَعَلْتهَا عُمْرَةً فَلِتَطْيِيبِ قُلُوبِ الصَّحَابَةِ حَيْثُ حَزِنُوا على عَدَمِ الْمُوَافَقَةِ لَمَّا أَمَرَهُمْ بِالِاعْتِمَارِ لِعَدَمِ الْهَدْيِ قال الْقَاضِي وَلِأَنَّ ظَاهِرَ الْخَبَرِ من أَنَّ الْإِهْدَاءَ يَمْنَعُ الِاعْتِمَارَ غَيْرُ مُرَادٍ إجْمَاعًا قال في الْمَجْمُوعِ
وَالصَّوَابُ الذي نَعْتَقِدُهُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عليه الْعُمْرَةَ وَخُصَّ بِجَوَازِهِ في تِلْكَ السَّنَةِ لِلْحَاجَةِ وَأَمَرَ بِهِ في قَوْلِهِ لَبَّيْكَ عُمْرَةً في حِجَّةٍ وَبِهَذَا يَسْهُلُ الْجَمْعُ بين الرِّوَايَاتِ فَعُمْدَةُ رُوَاةِ الْإِفْرَادِ وَهُمْ الْأَكْثَرُ أَوَّلُ الْإِحْرَامِ وَعُمْدَةُ رُوَاةِ الْقِرَانِ آخِرُهُ وَمَنْ رَوَى التَّمَتُّعَ أَرَادَ التَّمَتُّعَ اللُّغَوِيَّ وهو الِانْتِفَاعُ وقد انْتَفَعَ بِالِاكْتِفَاءِ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ وَيُؤَيِّدُ ذلك أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَعْتَمِرْ في تِلْكَ السَّنَةِ عُمْرَةً مُفْرَدَةً وَلَوْ جُعِلَتْ حِجَّةً مُفْرَدَةً لَكَانَ غير مُعْتَمِرٍ في تِلْكَ السَّنَةِ ولم يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ الْحَجَّ وَحْدَهُ أَفْضَلُ من الْقِرَانِ فَانْتَظَمَتْ الرِّوَايَاتُ في حِجَّتِهِ في نَفْسِهِ وَأَمَّا الصَّحَابَةُ فَكَانُوا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ قِسْمٌ أَحْرَمُوا بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ أو بِحَجٍّ وَمَعَهُمْ هَدْيٌ وَقِسْمٌ بِعُمْرَةٍ فَفَرَغُوا منها ثُمَّ أَحْرَمُوا بِحَجٍّ وَقِسْمٌ بِحَجٍّ وَلَا هَدْيَ مَعَهُمْ فَأَمَرَهُمْ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَقْلِبُوهُ عُمْرَةً وهو مَعْنَى فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ وهو خَاصٌّ بِالصَّحَابَةِ أَمَرَهُمْ بِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِبَيَانِ مُخَالَفَةِ ما كانت عليه الْجَاهِلِيَّةُ من تَحْرِيمِ الْعُمْرَةِ في أَشْهُرِ الْحَجِّ وَاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ إيقَاعَهَا فيه من أَفْجَرِ الْفُجُورِ كما أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ على الْحَجِّ لِذَلِكَ وَدَلِيلُ التَّخْصِيصِ خَبَرُ أبي دَاوُد عن الْحَارِثِ بن بِلَالٍ عن أبيه قال قُلْت يا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ لنا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً فقال بَلْ لَكُمْ خَاصَّةً فَانْتَظَمَتْ الرَّاوِيَاتُ في إحْرَامِهِمْ أَيْضًا فَمَنْ رَوَى أَنَّهُمْ كَانُوا قَارِنِينَ أو مُتَمَتِّعِينَ أو مُفْرِدِينَ أَرَادَ بَعْضَهُمْ وَهُمْ الَّذِينَ عُلِمَ ذلك منهم وَظُنَّ أَنَّ الْبَقِيَّةَ مِثْلُهُمْ
وَأَمَّا تَفْضِيلُ التَّمَتُّعِ على الْقِرَانِ فَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ الْقِرَانُ أَيْ أَفْضَلُ فَهُوَ أَفْضَلُ من الْحَجِّ ثُمَّ الْحَجُّ أَفْضَلُ من الْعُمْرَةِ
فَالْإِفْرَادُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ وَيَفْرُغُ منه ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ وَمَحَلُّ أَفْضَلِيَّتِهِ على التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ أَنْ يَعْتَمِرَ من سَنَتِهِ فَإِنْ لم يَعْتَمِرْ فيها فَهُمَا أَفْضَلُ منه لِأَنَّهُ يُكْرَهُ تَأْخِيرُ الِاعْتِمَارِ عنها كما مَرَّ وَأَمَّا الْقِرَانُ فَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا أو بِالْعُمْرَةِ وَلَوْ قبل أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ يُدْخِلُهُ أَيْ الْحَجَّ عليها في أَشْهُرِهِ قبل الشُّرُوعِ في الطَّوَافِ دَلِيلُ الصُّورَةِ الْأُولَى الْإِجْمَاعُ وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عن عَائِشَةَ قالت خَرَجْنَا مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَامَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا من أَهَلَّ بِحَجٍّ وَمِنَّا من أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا من أَهَلَّ بِهِمَا وَدَلِيلُ الثَّانِيَةِ خَبَرُ مُسْلِمٍ أَنَّ عَائِشَةَ أَحْرَمَتْ بِعُمْرَةٍ فَدَخَلَ عليها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَوَجَدَهَا تَبْكِي فقال ما شَأْنُك قالت حِضْت وقد حَلَّ الناس ولم أَحْلُلْ ولم أَطُفْ بِالْبَيْتِ فقال لها أَهِلِّي بِالْحَجِّ فَفَعَلَتْ وَوَقَفَتْ الْمَوَاقِفَ حتى إذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فقال لها قد حَلَلْت من حَجِّك وَعُمْرَتِك جميعا
وَلَا يَجُوزُ إدْخَالُ الْحَجِّ على الْعُمْرَةِ بَعْدَهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ في الطَّوَافِ وَلَوْ بِخُطْوَةٍ لِاتِّصَالِ إحْرَامِهَا بِمَقْصُودِهِ وهو أَعْظَمُ أَفْعَالِهَا فَيَقَعُ عنها وَلَا يَنْصَرِفُ بَعْدَ ذلك إلَى غَيْرِهَا وَلِأَنَّهُ أَخَذَ في التَّحَلُّلِ الْمُقْتَضِي لِنُقْصَانِ الْإِحْرَامِ فَلَا يَلِيقُ بِهِ إدْخَالُ الْإِحْرَامِ الْمُقْتَضِي لِقُوَّتِهِ فَلَوْ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ بِنِيَّةِ الطَّوَافِ فَفِي صِحَّةِ الْإِدْخَالِ وَجْهَانِ قال في الْمَجْمُوعِ يَنْبَغِي تَصْحِيحُ الْجَوَازِ لِأَنَّهُ مُقَدَّمَتُهُ لَا بَعْضُهُ قال وَلَوْ شَكَّ هل أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قبل الشُّرُوعِ في الطَّوَافِ أو بَعْدَهُ قال الْمَاوَرْدِيُّ قال أَصْحَابُنَا صَحَّ إحْرَامُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ إدْخَالِ الْحَجِّ على الْعُمْرَةِ حتى يَتَّقِينَ الْمَنْعَ فَصَارَ كَمَنْ أَحْرَمَ وَتَزَوَّجَ ولم يَدْرِ هل كان إحْرَامُهُ قبل تَزَوُّجِهِ أو بَعْدَهُ فإنه يَصِحُّ تَزَوُّجُهُ وإذا أَحْرَمَ بِهِمَا أو بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَدْخَلَ عليها الْحَجَّ قبل الشُّرُوعِ في الطَّوَافِ فَتَنْدَرِجُ فيه فَيَكْفِيهِ عَمَلُ الْحَجِّ لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عن عَائِشَةَ أَنَّ الَّذِينَ قَرَنُوا مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا وَسَعَوْا سَعْيًا وَاحِدًا
____________________
(1/462)
وَلَا يَجُوزُ دُخُولُ يَعْنِي إدْخَالَ الْعُمْرَةِ على الْحَجِّ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِهِ شيئا بِخِلَافِ إدْخَالِهِ الْحَجَّ على الْعُمْرَةِ يَسْتَفِيدُ بِهِ الْوُقُوفَ وَالرَّمْيَ وَالْمَبِيتَ وَلِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ إدْخَالُ الضَّعِيفِ على الْقَوِيِّ كَفِرَاشِ النِّكَاحِ مع فِرَاشِ الْمِلْكِ لِقُوَّتِهِ عليه جَازَ إدْخَالُهُ عليه دُونَ الْعَكْسِ حتى لو نَكَحَ أُخْتَ أَمَتِهِ جَازَ وَطْؤُهَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَلَوْ قَرَنَ بِمَكَّةَ جَازَ وَإِنْ لم يَخْرُجْ إلَى الْحِلِّ تَغْلِيبًا لِلْحَجِّ لِانْدِرَاجِ الْعُمْرَةِ فيه فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِحْرَامِ بها من الْحِلِّ مع أَنَّهُ يَجْمَعُ بين الْحِلِّ وَالْحَرَمِ بِوُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ وَعَلَى الْقَارِنِ إذَا كان من غَيْرِ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ دَمٌ كَالتَّمَتُّعِ أَيْ كَالدَّمِ اللَّازِمِ في صِفَتِهِ وَبَدَلُهُ عن الْعَجْزِ عنه لِتَرَفُّهِهِ بِتَرْكِ أَحَدِ الْعَمَلَيْنِ فَهُوَ أَشَدُّ تَرَفُّهًا من الْمُتَمَتِّعِ التَّارِكِ لِأَحَدِ الْمِيقَاتَيْنِ وَلِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عن عَائِشَةَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم ذَبَحَ عن نِسَائِهِ الْبَقَرَ يوم النَّحْرِ قالت وَكُنَّ قَارِنَاتٍ أَمَّا إذَا كان من حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَلَا دَمَ عليه لِأَنَّ دَمَ الْقِرَانِ فَرْعُ دَمِ التَّمَتُّعِ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالْقِيَاسِ عليه وَدَمُ التَّمَتُّعِ لَا يَجِبُ على الْحَاضِرِ فَفَرْعُهُ أَوْلَى
فَرْعٌ لو أَحْرَمَ آفَاقِيٌّ بِالْعُمْرَةِ في وَقْتِ الْحَجِّ وَأَتَمَّهَا ثُمَّ قَرَنَ من عَامِهِ لَزِمَهُ دَمَانِ دَمٌ لِتَمَتُّعِهِ وَدَمٌ لِقِرَانِهِ قال الْبَغَوِيّ في تَهْذِيبِهِ ولم يَطَّلِعْ عليه السُّبْكِيُّ فَأَجَابَ بِأَنَّ الصَّوَابَ لُزُومُ دَمٍ وَاحِدٍ لِلتَّمَتُّعِ وَلَا شَيْءَ لِلْقِرَانِ من جِهَةِ أَنَّ من دخل مَكَّةَ فَقَرَنَ أو تَمَتَّعَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قال وَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَلْحَقَ بِهِمْ فَقَدْ اجْتَمَعَ في ذلك التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ وَدَمُهُمَا مُتَجَانِسٌ فَيَتَدَاخَلَانِ وما قَالَاهُ يُتَلَقَّى مَأْخَذُهُ وَتَحْرِيرَهُ مِمَّا يَأْتِي فِيمَا لو جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غير مُرِيدٍ لِلنُّسُكِ ثُمَّ أَحْرَمَ
فَصْلٌ وَالتَّمَتُّعُ الْمُطْلَقُ وهو أَنْ يُحْرِمَ الشَّخْصُ بِالْعُمْرَةِ وَيُتِمَّهَا ثُمَّ يَحُجَّ وَأَمَّا التَّمَتُّعُ الْمُوجِبُ لِلدَّمِ فَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بها وَمَنْ لم يَكُنْ من حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ من الْمِيقَاتِ في أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَفْرُغُ منها ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ من مَكَّةَ في عَامِهِ وَلَوْ كان أَجِيرًا فِيهِمَا لِشَخْصَيْنِ لِمَا نَقَلَهُ ابن الْمُنْذِرِ من الْإِجْمَاعِ على أَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذلك كان مُتَمَتِّعًا وَسُمِّيَ تَمَتَّعَا لِتَمَتُّعِ صَاحِبِهِ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَيْنَهُمَا أو لِتَمَتُّعِهِ لِسُقُوطِ الْعَوْدِ إلَى الْمِيقَاتِ لِلْحَجِّ وَإِنَّمَا لَزِمَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فما اسْتَيْسَرَ من الْهَدْيِ التَّقْدِيرُ تَمَتَّعَ بِالْإِحْلَالِ من الْعُمْرَةِ وَالْمَعْنَى فيه كَوْنُهُ رَبِحَ مِيقَاتًا فإنه لو كان قد أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوَّلًا من مِيقَاتِهِ لَاحْتَاجَ بَعْدَ فَرَاغِهِ من الْحَجِّ إلَى أَنْ يَخْرُجَ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ فَيُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ وإذا تَمَتَّعَ اسْتَغْنَى عن ذلك لِأَنَّهُ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ من مَكَّةَ وَخَرَجَ بِالْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ عن أَنْ يُسَمَّى تَمَتُّعًا مُوجِبًا لِلدَّمِ أَشْيَاءُ سَتَأْتِي في كَلَامِهِ
أَمَّا حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَلَا دَمَ عليهم وَهُمْ من دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ من الْحَرَمِ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ذلك لِمَنْ لم يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْقَرِيبُ من الشَّيْءِ يُقَالُ إنَّهُ حَاضِرُهُ قال تَعَالَى وَاسْأَلْهُمْ عن الْقَرْيَةِ التي كانت حَاضِرَةَ الْبَحْرِ أَيْ قَرِيبَةً منه وَالْمَعْنَى في ذلك أَنَّهُمْ لم يَرْبَحُوا مِيقَاتًا أَيْ عَامًّا لِأَهْلِهِ وَمَنْ مَرَّ بِهِ فَلَا يَشْكُلُ بِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ أو الْحَرَمِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ إذَا عَنَّ له النُّسُكُ ثُمَّ فَاتَهُ وَإِنْ رَبِحَ مِيقَاتًا بِتَمَتُّعِهِ لَكِنَّهُ ليس مِيقَاتًا عَامًّا وَلَا يَشْكُلُ أَيْضًا بِأَنَّهُمْ جَعَلُوا ما دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَالْمَوْضِعِ الْوَاحِدِ في هذا ولم يَجْعَلُوهُ في مَسْأَلَةِ الْإِسَاءَةِ وهو إذَا كان مَسْكَنُهُ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ من الْحَرَمِ وَجَاوَزَهُ وَأَحْرَمَ كَالْمَوْضُوعِ الْوَاحِدِ حتى لَا يَلْزَمُهُ الدَّمُ كَالْمَكِّيِّ إذَا أَحْرَمَ من سَائِرِ بِقَاعِ مَكَّةَ بَلْ أَلْزَمُوهُ الدَّمَ وَجَعَلُوهُ مُسِيئًا كَالْآفَاقِيِّ لِأَنَّ ما خَرَجَ عن مَكَّةَ مِمَّا ذُكِرَ تَابِعٌ لها وَالتَّابِعُ لَا يُعْطَى حُكْمَ الْمَتْبُوعِ من كل وَجْهٍ وَلِأَنَّهُمْ عَمِلُوا بِمُقْتَضَى الدَّلِيلِ في الْمَوْضِعَيْنِ فَهُنَا لَا يَلْزَمُ دَمٌ لِعَدَمِ إسَاءَتِهِ بِعَدَمِ عَوْدِهِ لِأَنَّهُ من الْحَاضِرِينَ بِمُقْتَضَى الْآيَةِ
وَهُنَاكَ يَلْزَمُهُ دَمُ لِإِسَاءَتِهِ بِمُجَاوَزَتِهِ ما عُيِّنَ له بِقَوْلِهِ في الْخَبَرِ وَمَنْ كان دُونَ ذلك فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حتى أَهْلُ مَكَّةَ من مَكَّةَ وَعَلَى أَنَّ الْمَسْكَنَ الْمَذْكُورَةَ كَالْقَرْيَةِ بِمَنْزِلَةِ مَكَّةَ في جَوَازِ الْإِحْرَامِ من سَائِرِ بِقَاعِهِ وَعَدَمِ جَوَازِ مُجَاوَزَتِهِ بِلَا إحْرَامٍ لِمُرِيدِ النُّسُكِ وَاعْتَبَرُوا الْمَسَافَةَ من الْحَرَمِ لِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ ذَكَرَ اللَّهُ فيه الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَهُوَ الْحَرَمُ إلَّا قَوْلَهُ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَهُوَ نَفْسُ الْكَعْبَةِ وَاعْتَبَرَهَا في الْمُحَرَّرِ من مَكَّةَ وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْلِ فِيمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ فَصْلِ دَمِ التَّمَتُّعِ كَدَمِ الْأُضْحِيَّةِ وَنَبَّهَ عليه الْمُصَنِّفُ قال في الْمُهِمَّاتِ وَبِهِ الْفَتْوَى فَقَدْ نَقَلَهُ في التَّقْرِيبِ عن نَصِّ الْإِمْلَاءِ وَأَنَّ الشَّافِعِيَّ أَيَّدَهُ بِأَنَّ اعْتِبَارَهَا من الْحَرَمِ يُؤَدِّي إلَى إدْخَالِ الْبَعِيدِ عن مَكَّةَ وَإِخْرَاجِ الْقَرِيبِ لِاخْتِلَافِ الْمَوَاقِيتِ يَعْنِي حُدُودَ الْحَرَمِ قُلْت وَإِلَى أَنَّ من بِذَاتِ عِرْقٍ من الْحَاضِرِينَ لِأَنَّهَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ من الْحَرَمِ ولم يَسْتَثْنِهَا أَحَدٌ من حُكْمِ الْمَوَاقِيتِ فَإِنْ كان له أَيْ
____________________
(1/463)
لِلْمُتَمَتِّعِ مَسْكَنَانِ أَحَدُهُمَا بَعِيدٌ وَالْآخَرُ قَرِيبٌ اُعْتُبِرَ في كَوْنِهِ من الْحَاضِرِينَ أو غَيْرِهِمْ كَثْرَةُ إقَامَتِهِ بِأَحَدِهِمَا
ثُمَّ إنْ اسْتَوَتْ إقَامَتُهُ بِهِمَا اُعْتُبِرَ بِالْأَهْلِ وَالْمَالِ أَيْ بِوُجُودِهِمَا دَائِمًا أو أَكْثَرَ في أَحَدِهِمَا فَإِنْ كان أَهْلُهُ بِأَحَدِهِمَا وَمَالُهُ بِالْآخِرِ اُعْتُبِرَ بِمَكَانِ الْأَهْلِ ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ قال وَالْمُرَادُ بِالْأَهْلِ الزَّوْجَةُ وَالْأَوْلَادُ الَّذِينَ تَحْتَ حِجْرِهِ دُونَ الْآبَاءِ وَالْإِخْوَةِ ثُمَّ إنْ اسْتَوَيَا في ذلك اُعْتُبِرَ بِعَزْمِ الرُّجُوعِ إلَى أَحَدِهِمَا لِلْإِقَامَةِ فيه ثُمَّ إنْ لم يَكُنْ له عَزْمٌ اُعْتُبِرَ بِإِنْشَاءِ الْخُرُوجِ أَيْ بِمَا خَرَجَ منه قال في الذَّخَائِرِ فَإِنْ لم يَكُنْ عَزَمَ أو اسْتَوَى عَزْمُهُ وَاسْتَوَيَا في كل شَيْءٍ قال صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَغَيْرُهُ اُعْتُبِرَ بِمَوْضِعِ إحْرَامِهِ
وَلِلْغَرِيبِ الْمُسْتَوْطِنِ في الْحَرَمِ أو فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَمِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ حُكْمُ أَهْلِ الْبَلَدِ الذي فيه وَيَلْزَمُ الدَّمُ آفَاقِيًّا تَمَتَّعَ نَاوِيًا الِاسْتِيطَانَ بها أَيْ بِمَكَّةَ وَلَوْ بَعْدَ الْعُمْرَةِ لِأَنَّ الِاسْتِيطَانَ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَعَلَّلَهُ في الذَّخَائِرِ بِأَنَّهُ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ أَمَّا الْعَوْدُ أو الدَّمُ في إحْرَامِ سَنَتِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ وَتَبِعَ في تَعْبِيرِهِ بِالْآفَاقِيِّ الْغَزَالِيَّ وَغَيْرَهُ قال النَّوَوِيُّ وهو مُنْكَرٌ لِأَنَّ الْجَمْعَ إذَا لم يُسَمَّ بِهِ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ بَلْ إلَى وَاحِدِهِ بِأَنْ يُقَالَ هُنَا أَفَقِيٌّ وَاقْتِصَارُهُ على إذَا لم يُسَمَّ بِهِ غَيْرُ كَافٍ في الِاحْتِجَاجِ بَلْ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ معه ولم يُغَلَّبْ كَالْأَنْصَارِ ولم يُهْمَلْ وَاحِدُهُ كَعَبَادِيدَ فَإِنْ صَحَّ جَعْلُ الْآفَاقِ كَالْأَنْصَارِ في الْغَلَبَةِ انْدَفَعَ الْأَنْكَارُ وَكَذَا لو جَاوَزَهُ أَيْ الْمِيقَاتُ غَيْرُ مُرِيدٍ لِلنُّسُكِ ثُمَّ اعْتَمَرَ حين عَنَّ له بِمَكَّةَ أو بِقُرْبِهَا لَزِمَهُ دَمٌ على الْمُخْتَارِ في الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ في الْأُولَى وَعَلَى الْأَصَحّ فِيهِمَا تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ في الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ ليس من الْحَاضِرِينَ لِعَدَمِ الِاسْتِيطَانِ وَنَقَلَ فِيهِمَا كَالرَّافِعِيِّ عن الْغَزَالِيِّ عَدَمَ لُزُومِهِ في الْأُولَى وَاسْتَغْرَبَاهُ قال الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ وما قَالَهُ الْغَزَالِيُّ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْإِمَامُ وَنَقَلَهُ في الذَّخَائِرِ عن الْأَصْحَابِ وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ كَجٍّ وَالدَّارِمِيِّ فما قَالَهُ الْغَزَالِيُّ هو الرَّاجِحُ لِأَنَّهُ حَاضِرٌ أو في مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِتَمَتُّعِهِ رِبْحَ سَفَرٍ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَقَدْ جَزَمَ ابن كَجٍّ وَالدَّارِمِيُّ فيها بِعَدَمِ لُزُومِ الدَّمِ أَيْضًا وهو أَقْرَبُ وَيُؤَيِّدُهُ ما ذَكَرُوهُ فِيمَا إذَا جَاوَزَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ ثُمَّ أَحْرَمَ
ا ه وَسَيَأْتِي قَرِيبًا وما أَيَّدَ بِهِ وقد يُحْمَلُ ما هُنَا في الصُّورَتَيْنِ أَخْذًا من التَّعْلِيلِ السَّابِقِ على ما إذَا لم يَسْتَوْطِنْ وَفِيمَا سَيَأْتِي على ما إذَا اسْتَوْطَنَ وَعَلَيْهِ فَقَدْ يُحْمَلُ على بُعْدِ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ في الْأُولَى على الثَّانِي وما اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ على الْأَوَّلِ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ
وإذا جَاوَزَهُ مُحْرِمًا بها في غَيْرِ أَشْهُرِهِ وَأَتَمَّهَا وَلَوْ في أَشْهُرِهِ ثُمَّ حَجَّ لم يَلْزَمْهُ الدَّمُ لِأَنَّهُ لم يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا في وَقْتِ الْحَجِّ فَأَشْبَهَ الْمُفْرِدَ وَذَكَرَ الْأَئِمَّةُ أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ مَنُوطٌ بِرِبْحِ الْمِيقَاتِ وَبِوَقْعِ الْعُمْرَةِ بِتَمَامِهَا في أَشْهُرِ الْحَجِّ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا قبل الْإِسْلَامِ لَا يَزْحَمُونَ بها الْحَجَّ في وَقْتِ إمْكَانِهِ وَيَسْتَنْكِرُونَ ذلك فَوَرَدَ التَّمَتُّعُ رُخْصَةً لِلْآفَاقِيِّ إذَا قد يَشُقُّ عليه اسْتِدَامَةُ الْإِحْرَامِ من مِيقَاتِهِ وَلَا سَبِيلَ إلَى مُجَاوَزَتِهِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَجُوِّزَ له أَنْ يَعْتَمِرَ وَيَتَحَلَّلَ مع الدَّمِ وَمَنْ لم يَحُجَّ من عَامِهِ الذي اعْتَمَرَ فيه لَا شَيْءَ عليه لِانْتِفَاءِ ما ذَكَرْنَاهُ من الْمُزَاحَمَةِ وَإِنْ كان مُتَمَتِّعًا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ قال كان أَصْحَابُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَعْتَمِرُونَ في أَشْهُرِ الْحَجِّ فإذا لم يَحُجُّوا من عَامِهِمْ ذلك لم يُهْدُوا وَلَا على من حَجَّ من عَامِهِ لَكِنْ عَادَ إلَى مِيقَاتِ عُمْرَتِهِ أو إلَى مِثْلِ مَسَافَتِهِ وَكَذَا إلَى مِيقَاتٍ دُونَهَا أَيْ دُونَ مَسَافَةِ مِيقَاتِهِ كَأَنْ كان مِيقَاتُهُ الْجُحْفَةَ فَعَادَ إلَى ذَاتِ عِرْقٍ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِمَّا عَادَ إلَيْهِ في الْكُلِّ وَكَذَا لو عَادَ إلَيْهِ مُحْرِمًا بِهِ قبل تَلَبُّسِهِ بِنُسُكٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَطْعُ تِلْكَ الْمَسَافَةِ مُحْرِمًا وَلِأَنَّ الْمُقْتَضِي لِإِيجَابِ الدَّمِ وهو رِبْحُ الْمِيقَاتِ كما مَرَّ قد زَالَ وَبِعَوْدِهِ إلَيْهِ وَاكْتَفِي هُنَا بِالْمِيقَاتِ الْأَقْرَبِ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ في عَوْدِهِ إلَى الْمِيقَاتِ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ على ما هو ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ ثُمَّ لِأَنَّهُ هُنَاكَ قَضَاءٌ لِمَا فَوَّتَهُ بِإِسَاءَتِهِ لِأَنَّهُ دَمُ إسَاءَةٍ بِخِلَافِهِ هُنَا فَرْعٌ عَوْدُ الْقَارِنِ من مَكَّةَ إلَى الْمِيقَاتِ قبل الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَقَبْلَ التَّلَبُّسِ بِنُسُكٍ آخَرَ يُسْقِطُ الدَّمَ عنه كما في الْمُتَمَتِّعِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا دَمَ عليه إذَا كان من الْحَاضِرِينَ
فَرْعٌ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ شَخْصٌ لِحَجٍّ وَآخَرُ لِعُمْرَةٍ فَتَمَتَّعَ عنهما أو اعْتَمَرَ أَجِيرٌ حَجَّ عن نَفْسِهِ ثُمَّ حَجَّ عن الْمُسْتَأْجِرِ فَتَمَتَّعَ يَعْنِي فَإِنْ كان قد تَمَتَّعَ بِالْإِذْنِ من الْمُسْتَأْجَرِينَ أو أَحَدِهِمَا في الْأُولَى وَمِنْ الْمُسْتَأْجِرِ في الثَّانِيَةِ فَعَلَى كُلٍّ من الْآذِنَيْنِ أو الْآذِنِ وَالْأَجِيرِ نِصْفُ الدَّمِ إنْ أَيْسَرَا وَإِنْ أَعْسَرَا أو أَحَدُهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ فَالصَّوْمُ على الْأَجِيرِ لِأَنَّ بَعْضَهُ في الْحَجِّ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ أو تَمَتَّعَ بِلَا إذْنٍ مِمَّنْ ذُكِرَ لَزِمَهُ دَمَانِ دَمٌ
____________________
(1/464)
لِلتَّمَتُّعِ ودم لِأَجْلِ الْإِسَاءَةِ بِمُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ وَتُرِكَ من الْأَصْلِ ما لو حَجَّ أَجِيرٌ عُمْرَةً عن نَفْسِهِ بَعْدَ اعْتِمَارِهِ عن الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّ لُزُومَ الْإِسَاءَةِ لَا يَأْتِي فيه وَإِنْ أتى فيه ما مَرَّ في حَالِهِ الْإِذْنِ كما أَشَارَ إلَيْهِ الْأَصْلُ
وَلَا يُشْتَرَطُ في وُجُوبِ الدَّمِ نِيَّةُ التَّمَتُّعِ كما لَا يُشْتَرَطُ فيه نِيَّةُ الْقِرَانِ فَلَوْ جَاوَزَ مِيقَاتًا وفي نُسْخَةٍ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مُتَمَتِّعًا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ لَزِمَهُ دَمَانِ دَمٌ لِلتَّمَتُّعِ وَدَمٌ لِلْإِسَاءَةِ وَإِنْ لم يَنْوِ التَّمَتُّعَ أو بَيْنَهُمَا دُونَهُمَا فَدَمٌ يَلْزَمُهُ لِلْإِسَاءَةِ لَا لِلتَّمَتُّعِ لِفَقْدِ التَّمَتُّعِ الْمُوجِبِ لِلدَّمِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ من حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ هَكَذَا ذَكَرَهُ في الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَالْمَجْمُوعِ وَفِيهِ إشْكَالٌ لِمَا مَرَّ من أَنَّ الْعِبْرَةَ فِيمَا ذَكَرَ بِالْقُرْبِ من الْحَرَمِ لَا من مَكَّةَ وَقَدَّمْتُ التَّنْبِيهَ عليه ثَمَّ وَمِنْ أَنَّهُ إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غير مُرِيدٍ لِلنُّسُكِ فَاعْتَمَرَ بِقُرْبِ مَكَّةَ لَزِمَهُ دَمُ التَّمَتُّعِ على الْأَصَحِّ في الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَمَعَ عَدَمِ عِصْيَانِهِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ من الْحَاضِرِينَ مع عِصْيَانِهِ وَلَا يُجْعَلُ كَذَلِكَ مع عَدَمِ عِصْيَانِهِ وَقَدَّمْتُ جَوَابَهُ ثَمَّ فَإِنْ خَرَجَ الْمُتَمَتِّعُ الذي لَزِمَهُ دَمَانِ فِيمَا مَرَّ آنِفًا لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ من مَكَّةَ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ خَارِجَهَا ولم يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ وَلَا إلَى مِثْلِ مَسَافَتِهِ وَلَا إلَيْهَا أَيْ إلَى مَكَّةَ لَزِمَهُ دَمٌ ثَالِثٌ لِلْإِسَاءَةِ الْحَاصِلَةِ بِخُرُوجِهِ من مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ مع عَدَمِ عَوْدِهِ
فَصْلٌ دَمُ التَّمَتُّعِ كَدَمِ الْأُضْحِيَّةِ في صِفَتِهِ وَالِاكْتِفَاءُ بِسُبْعِ بَدَنَةٍ أو بَقَرَةٍ وَيَجِبُ دَمُهُ بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مُتَمَتِّعًا بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ الذي جَعَلَهُ اللَّهُ غَايَةً لِلْوُجُوبِ في آيَةِ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ وما جُعِلَ غَايَةً لِحُكْمٍ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِأَوَّلِهِ كما لو أُجِّلَ إلَى رَمَضَانَ وإذا أَرَاقَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ من الْعُمْرَةِ قبل الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ جَازَ لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ تَعَلَّقَ بِسَبَبَيْنِ فَرَاغُ الْعُمْرَةِ وَالشُّرُوعِ في الْحَجِّ فَجَازَ تَقْدِيمُهُ على أَحَدِهِمَا كَالزَّكَاةِ لَا قبل الْفَرَاغِ من الْعُمْرَةِ لِنَقْصِ السَّبَبِ كَالنِّصَابِ في تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَلَا تَتَأَقَّتُ إرَاقَتُهُ بِوَقْتٍ كَسَائِرِ دِمَاءِ الْجُبْرَانَاتِ ولكن الْأَفْضَلَ إرَاقَتُهُ يوم النَّحْرِ لِلِاتِّبَاعِ وَخُرُوجًا من خِلَافٍ وَمَنْ أَوْجَبَهَا فيه وَلَوْلَا هَذَانِ لَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ تَأْخِيرُهَا عن وَقْتِ الْوُجُوبِ وَالْإِمْكَانِ كَالزَّكَاةِ
فَرْعٌ وَإِنْ عَدِمَ الْمُتَمَتِّعُ الدَّمَ بِمَوْضِعِهِ كَأَنْ لم يَجِدْهُ أو وَجَدَهُ بِأَكْثَرَ من ثَمَنِ مِثْلِهِ أو غَابَ عنه مَالُهُ بِبَلَدِهِ أو غَيْرِهِ صَامَ وُجُوبًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ في الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ كما سَيَأْتِي قال تَعَالَى فَمَنْ لم يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ في الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ وَرَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِلْمُتَمَتِّعِينَ من كان معه هَدْيٌ فَلْيُهْدِ وَمَنْ لم يَجِدْ فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ في الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وما ذُكِرَ من أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْعَدَمِ في مَوْضُوعِ الذَّبْحِ يُفَارِقُ الْكَفَّارَةَ حَيْثُ يُعْتَبَرُ فيها الْعَدَمُ مُطْلَقًا بِأَنَّ في بَدَلِ الدَّمِ تَأْقِيتًا بِكَوْنِهِ في الْحَجِّ وَلَا تَأْقِيتَ في الْكَفَّارَةِ وَبِأَنَّ
____________________
(1/465)
الْهَدْيَ يَخْتَصُّ ذَبْحُهُ بِالْحَرَمِ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ وَلَوْ عُلِمَ أَنَّهُ يَجِدُهُ قبل فَرَاغِ الصَّوْمِ لم يَجِبْ انْتِظَارُهُ وإذا لم يَجِدْهُ لم يَجُزْ تَأْخِيرُ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ مُضَيَّقٌ كَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ وَلَا يَجُوزُ له التَّأْخِيرُ بِخِلَافِ جَزَاءِ الصَّيْدِ لِأَنَّهُ يَقْبَلَ التَّأْخِيرَ كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالْجِمَاعِ وَوَقْتُهَا أَيْ الثَّلَاثَةِ أَيْ صَوْمُهَا من الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عليه لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَلَا يُقَدَّمُ على وَقْتِهِ كَالصَّلَاةِ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عنه كما لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عن وَقْتِهَا لَا إلَى آخَرِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُهَا يوم النَّحْرِ كما مَرَّ في بَابِهِ ثُمَّ إنْ أَخَّرَهُ عن وَقْتِهِ الْمَذْكُورِ يَكُونُ فِعْلُهُ قَضَاءً كما في الصَّلَاةِ وَإِنْ تَأَخَّرَ الطَّوَافُ عنه وَصَدَقَ عليه أَنَّهُ في الْحَجِّ لِأَنَّ تَأَخُّرَهُ بَعِيدٌ عَادَةً فَلَا يُرَادُ من قَوْله تَعَالَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ في الْحَجِّ
وَيُسْتَحَبُّ له الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قبل السَّادِسِ من ذِي الْحِجَّةِ لِيُتِمَّهُ أَيْ صَوْمَ الثَّلَاثَةِ قبل يَوْمِ عَرَفَةَ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ فِطْرُهُ كما مَرَّ في صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَلَا يَجِبُ عليه تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ بِزَمَنٍ يَتَمَكَّنُ من صَوْمِ الثَّلَاثَةِ فيه قبل يَوْمِ النَّحْرِ إذْ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَحُجَّ في هذا الْعَامِ وَالْمُوسِرُ بِالدَّمِ يُسْتَحَبُّ له أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ يوم التَّرْوِيَةِ وهو ثَامِنُ ذِي الْحِجَّةِ لِلِاتِّبَاعِ وَلِلْأَمْرِ بِهِ كما في الصَّحِيحَيْنِ وَسُمِّيَ يوم التَّرْوِيَةِ لِتَرَوِّيهِمْ فيه الْمَاءَ وَيُسَمَّى يوم النَّقْلَةِ لِانْتِقَالِهِمْ فيه من مَكَّةَ إلَى مِنًى وَتَرَكَ قَوْلَ الْأَصْلِ وَيَتَوَجَّهُ بَعْدَ الزَّوَالِ إلَى مِنًى لِكَوْنِهِ خِلَافَ الْمَشْهُورِ فيه في بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ من أَنَّهُ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ كما سَيَأْتِي بَيَانُهُ ثَمَّ
فَصْلٌ وَيَصُومُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ إذَا رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ وفي نُسْخَةٍ إلَى مَوْطِنِهِ لَا في الطَّرِيقِ لِمَا مَرَّ فَإِنْ تَوَطَّنَ مَكَّةَ أَيْ أَقَامَ بها وَلَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ من الْحَجِّ صَامَ بها وَإِلَّا فَلَا فَرْعٌ وَمَنْ لم يَصُمْ الثَّلَاثَةَ في الْحَجِّ لَزِمَهُ صَوْمُ الْعَشَرَةِ الثَّلَاثَةِ قَضَاءً كما مَرَّ وَالسَّبْعَةِ أَدَاءً ولزمه التَّفْرِيقُ بين الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ بِقَدْرِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَمُدَّةُ إمْكَانِ السَّيْرِ إلَى أَهْلِهِ على الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ كما في الْأَدَاءِ وَإِنَّمَا وَجَبَ التَّفْرِيقُ هُنَا بِخِلَافِهِ في الصَّلَوَاتِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَعَلَّقَتْ بِالْوَقْتِ وقد فَاتَ وَهَذَا بِالْفِعْلِ وهو الْإِحْرَامُ وَالْجُوعُ فَكَانَ كَتَرْتِيبِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَلَوْ صَامَ عَشَرَةً وَلَاءً حَصَلَتْ الثَّلَاثَةُ وَلَا يَعْتَدُّ بِالْبَقِيَّةِ لِعَدَمِ التَّفْرِيقِ وَيُسْتَحَبُّ التَّتَابُعُ في كُلٍّ من الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ أَدَاءُ وَقَضَاءً لِأَنَّ فيه مُبَادَرَةً لِأَدَاءِ الْوَاجِبِ وَخُرُوجًا من خِلَافِ من أَوْجَبَهُ نعم إنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ سَادِسَ ذِي الْحِجَّةِ لَزِمَهُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ مُتَتَابِعَةً لِضِيقِ الْوَقْتِ لَا لِلتَّتَابُعِ نَفْسِهِ
فَرْعٌ لو وَجَدَ الْمُتَمَتِّعُ الْعَادِمُ لِلْهَدْيِ الْهَدْيَ بين الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَالصَّوْمِ لَزِمَهُ الْهَدْيُ بِنَاءً على أَنَّ الْمُعْتَبَرَ في الْكَفَّارَةِ حَالَةَ الْأَدَاءِ لَا إنْ وَجَدَهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ في الصَّوْمِ فَلَا يَلْزَمُهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ كما في الْكَفَّارَةِ وَخُرُوجًا من خِلَافِ من أَوْجَبَهُ وإذا مَاتَ الْمُتَمَتِّعُ وَلَوْ قبل فَرَاغِ الْحَجِّ وَالْوَاجِبُ عليه هَدْيٌ لِكَوْنِهِ مُوسِرًا بِهِ لم يَسْقُطْ عنه بَلْ يُخْرَجُ من تَرِكَتِهِ لِوُجُوبِ سَبَبِ وُجُوبِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْمُسْتَقِرَّةِ أو صَوْمٌ لِكَوْنِهِ مُعْسِرًا بِذَلِكَ سَقَطَ عنه إنْ لم يَتَمَكَّنْ من فِعْلِهِ كما في صُوَرِ رَمَضَانَ وَإِلَّا فَكَرَمَضَانَ فَيُصَامُ عنه أو يُطْعِمُ عنه من تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ فَإِنْ كان تَمَكَّنَ من الْأَيَّامِ الْعَشَرَةِ فَعَشَرَةُ أَمْدَادٍ وَإِلَّا فَبِالْقِسْطِ وَعِبَارَتُهُ تَشْمَلُ ما إذَا خَلَّفَ تَرِكَةً وما إذَا لم يُخَلِّفْهَا وهو صَحِيحٌ لَكِنَّ الصَّوْمَ أو الْإِطْعَامَ عنه لَازِمٌ فِيهِمَا إذَا خَلَّفَ دُونَ ما إذَا لم يُخَلِّفْ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ قَاصِرَةٌ على ما إذَا خَلَّفَ وَلَوْ قال الْمُصَنِّفُ أو صَوْمٌ فَكَرَمَضَانَ لَوَفَّى بِمَا قَالَهُ مع الِاخْتِصَارِ وَلَا يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ لِفُقَرَاءِ الْحَرَمِ الشَّامِلِينَ لِمَسَاكِينِهِ بَلْ يُسْتَحَبُّ وَذَلِكَ لِأَنَّ هذا الْأَطْعَامَ بَدَلٌ عن الصَّوْمِ الذي لَا يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ فَكَذَا بَدَلُهُ
وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ لَيْلَةَ السَّابِعِ من ذِي الْحِجَّةِ وَلَيْسَ بِهِ عَارِضٌ من مَرَضٍ وَنَحْوِهِ فَقَدْ تَمَكَّنَ من صَوْمِ الثَّلَاثَةِ في الْحَجِّ وَلَا يَتَمَكَّنُ من صَوْمِهَا بِدُونِ ذلك وَلَيْسَ السَّفَرُ عُذْرًا في تَأْخِيرِ صَوْمِهَا لِأَنَّ صَوْمَهَا يَتَعَيَّنُ إيقَاعُهُ في الْحَجِّ بِالنَّصِّ وَإِنْ كان مُسَافِرًا فَلَا يَكُونُ السَّفَرُ عُذْرًا فيه بِخِلَافِ رَمَضَانَ إلَّا في صَوْمِ السَّبْعَةِ إنْ أَوْجَبْنَاهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ من الْحَجِّ بِنَاءً على أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّجُوعِ في الْآيَةِ الْفَرَاغُ منه لَا الْعَوْدُ إلَى الْوَطَنِ وهو ضَعِيفٌ فَلَوْ تَرَكَ هذا كان أَوْلَى وَمَعَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ على ما قَرَّرْتُ مُنْقَطِعٌ بَلْ ظَاهِرُهُ وَإِنْ جُعِلَ مُتَّصِلًا أَنَّ السَّفَرَ ليس عُذْرًا في تَأْخِيرِ السَّبْعَةِ وَإِنْ لم نُوجِبْهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ لَا مَعْنَى له
____________________
(1/466)
بَابُ الْإِحْرَامِ بِمَعْنَى الدُّخُولِ في النُّسُكِ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِاقْتِضَائِهِ دُخُولَ الْحَرَمِ من قَوْلِهِمْ أَحْرَمَ إذَا دخل الْحَرَمَ كَأَنْجَدَ إذَا دخل نَجْدًا أو لِاقْتِضَائِهِ تَحْرِيمَ الْأَنْوَاعِ الْآتِيَةِ وَلْيَنْوِ مُرِيدُ النُّسُكِ الْإِحْرَامَ بِمَا يُرِيدُ من حَجٍّ أو عُمْرَةٍ أو كِلَيْهِمَا أو ما يَصْلُحُ لِشَيْءٍ منها وهو الْإِحْرَامُ الْمُطْلَقُ أَمَّا غَيْرُ الْمُطْلَقِ فَلِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عن عَائِشَةَ قالت خَرَجْنَا مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال من أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ وَأَمَّا الْمُطْلَقُ فَلِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَرَجَ هو وَأَصْحَابُهُ مُهِلِّينَ يَنْتَظِرُونَ الْقَضَاءَ أَيْ نُزُولَ الْوَحْيِ فَأَمَرَ من لَا هَدْيَ معه أَنْ يَجْعَلَ إحْرَامَهُ عُمْرَةً وَمَنْ معه هَدْيٌ أَنْ يَجْعَلَهُ حَجًّا وَيُفَارِقُ الصَّلَاةَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الْإِحْرَامُ بها مُطْلَقًا بِأَنَّ التَّعْيِينَ ليس شَرْطًا في انْعِقَادِ النُّسُكِ وَلِهَذَا لو أَحْرَمَ بِنُسُكِ نَفْلٍ وَعَلَيْهِ نُسُكُ فَرْضٍ انْصَرَفَ إلَى الْفَرْضِ وَبِأَنَّ الْإِحْرَامَ يُحَافَظُ عليه ما أَمْكَنَ وَلِهَذَا لو أَحْرَمَ بِالْحَجِّ في غَيْرِ أَشْهُرِهِ انْعَقَدَ عُمْرَةً كما مَرَّ ذلك وَلَوْ أَحْرَمَ بِنِصْفِ حِجَّةٍ أو عُمْرَةٍ انْعَقَدَ حِجَّةً أو عُمْرَةً كما سَيَأْتِي وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالَهُ أَعَمُّ من قَوْلِ الرَّوْضَةِ يَنْوِي الدُّخُولَ في الْحَجِّ أو الْعُمْرَةِ أو فِيهِمَا وَالتَّلَفُّظُ بِهِ أَيْ بِمَا يُرِيدُهُ من ذلك مُسْتَحَبٌّ لِيُؤَكِّدَ ما في الْقَلْبِ كما في سَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَيُلَبِّي نَدْبًا فيقول بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ نَوَيْت الْحَجَّ وَأَحْرَمْت بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ إلَخْ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ إذَا تَوَجَّهْتُمْ إلَى مِنًى فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ وَالْإِهْلَالُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ قال الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ أَحْرَمَ لَك شَعْرِي وَبَشَرِي وَلَحْمِي وَدَمِي وَإِنَّمَا لم تَجِبْ التَّلْبِيَةُ في الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَا يَجِبُ في أَثْنَائِهَا وَآخِرِهَا نُطْقٌ فَكَذَا في أَوَّلِهَا كَالطُّهْرِ وَالصَّوْمِ وَيَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ بِالنِّيَّةِ لَا بِالتَّلْبِيَةِ لِخَبَرِ إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَكَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَإِنْ نَوَى حَجًّا وَلَبَّى بِعُمْرَةٍ انْعَقَدَ حَجًّا أو بِالْعَكْسِ انْعَقَدَ عُمْرَةً وَلَوْ تَلَفَّظَ بِأَحَدِهِمَا وَنَوَى الْقِرَانَ فَقَارِنٌ أو بِالْقِرَانِ وَنَوَى أَحَدَهُمَا فَهُوَ لِمَا نَوَى صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ
فَرْعٌ وَإِنْ أَحْرَمَ بِحِجَّةٍ أو حِجَّتَيْنِ أو عُمْرَةٍ أو عُمْرَتَيْنِ أو نِصْفِ حِجَّةٍ أو نِصْفِ عُمْرَةٍ انْعَقَدَ حِجَّةً في صُوَرِ الْحَجِّ أو عُمْرَةً في صُوَرِ الْعُمْرَةِ عَمَلًا بِمَا نَوَاهُ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِحِجَّةٍ أو عُمْرَةٍ وَهُمَا مَعْلُومَتَانِ مِمَّا مَرَّ وَقِيَاسًا على الطَّلَاقِ في مَسْأَلَتَيْ النِّصْفِ وَإِلْغَاءً لِلْإِضَافَةِ إلَى اثْنَتَيْنِ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِحِجَّتَيْنِ أو عُمْرَتَيْنِ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ فَصَحَّ في وَاحِدَةٍ كما لو نَوَى بِتَيَمُّمِ فَرْضَيْنِ لَا يَسْتَبِيحُ بِهِ إلَّا وَاحِدًا كما مَرَّ وَفَارَقَ عَدَمُ الِانْعِقَادِ في نَظِيرِهِمَا من الصَّلَاةِ بِمَا مَرَّ في الْإِحْرَامِ الْمُطْلَقِ أو أَحْرَمَ بِهِمَا أَيْ بِحِجَّةٍ وَعُمْرَةٍ أو بِنِصْفَيْهِمَا مَثَلًا انْعَقَدَتَا وَإِنْ وَقَّتَ الْإِحْرَامَ يَوْمَيْنِ مَثَلًا انْعَقَدَ أَبَدًا عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا مُطْلَقًا كما في الطَّلَاقِ وَقِيَاسُ هذه وَمَسْأَلَتَيْ النِّصْفِ على الطَّلَاقِ نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عن الْأَصْحَابِ قال في الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَفِيمَا نَقَلَهُ نَظَرٌ زَادَ في الْمَجْمُوعِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْعَقِدَ لِأَنَّهُ من بَابِ الْعِبَادَاتِ وَالنِّيَّةُ الْجَازِمَةُ شَرْطٌ فيها بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فإنه مَبْنِيٌّ على الْغَلَبَةِ وَالسِّرَايَةِ وَيَقْبَلُ الْأَخْطَارَ وَيَدْخُلُهُ التَّعْلِيقُ
وَإِنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا في أَشْهُرِ الْحَجِّ صَرَفَهُ قبل الْعَمَلِ بِالنِّيَّةِ لَا بِاللَّفْظِ إلَى ما شَاءَ من حَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَقِرَانٍ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالنِّيَّةِ لَا بِاللَّفْظِ لَكِنْ لو فَاتَ وَقْتُ الْحَجِّ قال الرُّويَانِيُّ صَرَفَهُ إلَى الْعُمْرَةِ وَالْقَاضِي يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَيَّنَ عُمْرَةً وَأَنْ يَبْقَى مُبْهَمًا فَإِنْ عَيَّنَهُ لِعُمْرَةٍ فَذَاكَ أو لِحَجٍّ فَكَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ هو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَقْرَبُ قُلْت قال الْإِسْنَوِيُّ وَكَلَامُ الرُّويَانِيِّ يُوَافِقُهُ لَكِنَّهُ يُوهِمُ الِاحْتِيَاجَ إلَى الصَّرْفِ وَلَوْ ضَاقَ وَقْتُهُ فَالْمُتَّجَهُ كما في الْمُهِمَّاتِ وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ له صَرْفَهُ إلَى ما شَاءَ وَيَكُونُ كَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ في تِلْكَ الْحَالَةِ وَلَا يُجْزِئُهُ الْعَمَلُ قبل النِّيَّةِ الصَّارِفَةِ لَكِنْ في الْبَيَانِ أَنَّهُ لو طَافَ ثُمَّ صَرَفَهُ لِلْحَجِّ وَقَعَ طَوَافُهُ عن الْقُدُومِ وَذَكَرَ مثله الْحَضْرَمِيُّ في شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَمَعَ أَنَّهُ من سُنَنِ الْحَجِّ وقد فَعَلَ قبل الصَّرْفِ ذَكَرَهُ في الْمُهِمَّاتِ وَعَلَيْهِ لو سَعَى بَعْدَهُ يَحْتَمِلُ الْإِجْزَاءَ لِوُقُوعِهِ تَبَعًا وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ لِأَنَّهُ من الْأَرْكَانِ أَمَّا إذَا أَحْرَمَ مُطْلَقًا في غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ قال الْقَاضِي وَلَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا ثُمَّ أَفْسَدَهُ قبل التَّعْيِينِ فَأَيُّهُمَا عَيَّنَهُ كان مُفْسِدًا له وَالتَّعْيِينُ لِمَا يُحْرِمُ بِهِ أَفْضَلُ منه أَيْ من الْإِطْلَاقِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِيَعْرِفَ ما يَدْخُلُ عليه وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِخْلَاصِ
وَلَا يُسْتَحَبُّ ذِكْرُ ما أَحْرَمَ بِهِ في التَّلْبِيَةِ لِأَنَّ إخْفَاءَ الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ وَلِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عن نَافِعٍ
____________________
(1/467)
قال سُئِلَ ابن عُمَرَ أَيُسَمِّي أَحَدُنَا حَجًّا أو عُمْرَةً فقال أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا في قُلُوبِكُمْ إنَّمَا هِيَ نِيَّةُ أَحَدِكُمْ قال ابن الصَّلَاحِ هذا في غَيْرِ التَّلْبِيَةِ الْأُولَى أَمَّا الْأُولَى فَيُسْتَحَبُّ فيها ذلك قَطْعًا وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ في أَذْكَارِهِ مثله وَنَقَلَهُ في مَنَاسِكِهِ وَمَجْمُوعِهِ عن الشَّيْخِ أبي مُحَمَّدٍ لَكِنْ في التَّقْرِيبِ عن الشَّافِعِيِّ في الْإِمْلَاءِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ في الْأُولَى قال في الْمُهِمَّاتِ فَهُوَ الصَّوَابُ قال وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ عن الشَّيْخِ أبي مُحَمَّدٍ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ بِهَذِهِ التَّلْبِيَةِ بَلْ يُسْمِعُهَا نَفْسَهُ بِخِلَافِ ما بَعْدَهَا فإنه يَجْهَرُ بها وَخَرَجَ بِالتَّلْبِيَةِ النِّيَّةُ فَيُسْتَحَبُّ ذِكْرُ ما أَحْرَمَ بِهِ فيها كما مَرَّ
فَصْلٌ وَإِنْ أَحْرَمَ عَمْرٌو بِمَا أَحْرَمَ بِهِ زَيْدٌ جَازَ وَإِنْ لم يَكُنْ زَيْدٌ مُحْرِمًا أو بَانَ مَوْتُهُ لِجَزْمِهِ بِالْإِحْرَامِ وَلِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عن أبي مُوسَى أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لي بِمَ أَهْلَلْت فَقُلْت لَبَّيْتُ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال قد أَحْسَنْت طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَحِلَّ وكان مثله في أَوَّلِ إحْرَامِهِ إنْ كان مُحْرِمًا إنْ حَاجًّا فَحَاجٌّ وَإِنْ مُعْتَمِرًا فَمُعْتَمِرٌ وَإِنْ قَارِنًا فَقَارِنٌ وَإِنْ مُطْلِقًا فَمُطْلِقٌ فَلَوْ أَحْرَمَ زَيْدٌ مُطْلَقًا وَصَرَفَهُ لِحَجٍّ ثُمَّ أَحْرَمَ عَمْرُو كَإِحْرَامِهِ انْعَقَدَ له مُطْلَقًا نَظَرًا إلَى أَوَّلِ الْإِحْرَامِ وَالْخِيرَةُ إلَيْهِ فِيمَا يَصْرِفُهُ له فَلَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ لِمَا صَرَفَهُ له وَلَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ بِنِيَّةِ التَّمَتُّعِ كان عَمْرٌو مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّمَتُّعُ كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ وَكَذَا لو أَحْرَمَ زَيْدٌ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَدْخَلَ عليها الْحَجَّ انْعَقَدَ لِعَمْرٍو عُمْرَةً لَا قِرَانًا فَلَا يَلْزَمُهُ إدْخَالُ الْحَجِّ على الْعُمْرَةِ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ التَّشْبِيهَ بِهِ في الْحَالِ في الصُّورَتَيْنِ فَيَكُونُ في الْأُولَى حَاجًّا وفي الثَّانِيَةِ قَارِنًا وَلَوْ أَحْرَمَ كَإِحْرَامِهِ قبل صَرْفِهِ في الْأُولَى وَقَبْلَ إدْخَالِهِ الْحَجَّ في الثَّانِيَةِ وَقَصَدَ التَّشْبِيهَ بِهِ حَالَ تَلَبُّسِهِ بِإِحْرَامِهِ الْحَاضِرِ وَالْآتِي فَفِي الرَّوْضَةِ عن الْبَغَوِيّ ما يَقْتَضِي أَنَّهُ يَصِحُّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ في مَعْنَى التَّعْلِيقِ بِمُسْتَقْبَلٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ جَازِمٌ في الْحَالِ أو يُغْتَفَرُ ذلك في الْكَيْفِيَّةِ لَا في الْأَصْلِ
فَإِنْ أخبره زَيْدٌ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ عَمِلَ بِهِ وَلَوْ ظَنَّ خِلَافَهُ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ إلَّا من جِهَتِهِ فَإِنْ بَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ فَإِحْرَامُ عَمْرٍو بِحَجٍّ تَبَعًا له فَإِنْ كان قد فَاتَ الْوَقْتُ أَيْ وَقْتُ الْحَجِّ تَحَلَّلَ من إحْرَامِهِ لِلْفَوَاتِ وَأَرَاقَ دَمًا لم يَرْجِعْ بِهِ على زَيْدٍ لِأَنَّ الْحَجَّ له وَلَا نَظَرَ لِتَغْرِيرِ زَيْدٍ قال ابن الْعِمَادِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ أخبره بِنُسُكٍ ثُمَّ ذَكَرَ خِلَافَهُ فَإِنْ تَعَمَّدَ لم يَعْمَلْ بِخَبَرِهِ الثَّانِي لِعَدَمِ الثِّقَةِ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا فَيَعْمَلُ بِهِ فَإِنْ كان بَعْدَ الْفَوَاتِ وَجَبَ الْقَضَاءُ وَإِنْ كان زَيْدٌ لم يُحْرِمْ أو أَحْرَمَ بِفَاسِدٍ كما سَيَأْتِي تَصْوِيرُهُ في الْفَرْعِ الْآتِي أو كَافِرًا بِأَنْ أتى بِصُورَةِ الْإِحْرَامِ وَلَوْ مُفَصَّلًا انْعَقَدَ لِعَمْرٍو إحْرَامُهُ مُطْلَقًا وَإِنْ عَلِمَ حَالَ زَيْدٍ لِأَنَّهُ قَيَّدَ الْإِحْرَامَ بِصِفَةٍ فإذا بَطَلَتْ بَقِيَ أَصْلُ الْإِحْرَامِ كما لو اسْتَأْجَرَهُ اثْنَانِ لِيَحُجَّ عنهما فَأَحْرَمَ عنهما أو اسْتَأْجَرَهُ وَاحِدٌ لِيَحُجَّ عنه فَأَحْرَمَ عنه وَعَنْ نَفْسِهِ لَغَتْ الْإِضَافَتَانِ وَوَقَعَ الْإِحْرَامُ له كما مَرَّ وَلِأَنَّ أَصْلَ إحْرَامِهِ مَجْزُومٌ وَبِهِ بِخِلَافِهِ فِيمَا لو قال إنْ كان زَيْدٌ مُحْرِمًا فَقَدْ أَحْرَمْت ولم يَكُنْ مُحْرِمًا كما سَيَأْتِي
وَمَتَى تَعَذَّرَ سُؤَالُ زَيْدٍ عن كَيْفِيَّةِ إحْرَامِهِ بِمَوْتٍ أو جُنُونٍ أو غَيْرِهِمَا كَغَيْبَةٍ بَعِيدَةٍ لم يَتَحَرَّ وَكَذَا لو نَسِيَ الْمُحْرِمُ ما أَحْرَمَ بِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَلَبَّسَ بِالْإِحْرَامِ يَقِينًا فَلَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِيَقِينِ الْإِتْيَانِ بِالْمَشْرُوعِ فيه كما لو شَكَّ في عَدَدِ الرَّكَعَاتِ لَا يَتَحَرَّى وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَانِي وَالْقِبْلَةِ أَنَّ أَدَاءَ الْعِبَادَةِ ثَمَّ لَا يَحْصُلُ بِيَقِينٍ إلَّا بَعْدَ فِعْلِ مَحْظُورٍ وهو أَنْ يُصَلِّيَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ أو يَسْتَعْمِلَ نَجِسًا فَلِذَلِكَ جَازَ التَّحَرِّي وَهُنَا يَحْصُلُ الْأَدَاءُ بِيَقِينٍ من غَيْرِ فِعْلِ مَحْظُورٍ بَلْ إنْ عَرَضَ ذلك أَيْ ما ذُكِرَ من التَّعَذُّرِ وَالنِّسْيَانِ قبل الْإِتْيَانِ بِشَيْءٍ من الْعَمَلِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَنْوِيَ الْقِرَانَ لِيَخْرُجَ عن الْعُهْدَةِ فَتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ من الْحَجِّ بَعْدَ إتْيَانِهِ بِأَعْمَالِهِ لِأَنَّهُ إمَّا مُحْرِمٌ بِهِ أو مُدْخِلٌ له على الْعُمْرَةِ وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ من الْعُمْرَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَيَمْتَنِعُ إدْخَالُهَا عليه وَلَا دَمَ عليه إذَا الْحَاصِلُ بِهِ الْحَجُّ فَقَطْ وَاحْتِمَالُ حُصُولِ الْعُمْرَةِ لَا يُوجِبُهُ إذَا لَا وُجُوبَ بِالشَّكِّ نعم يُسْتَحَبُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَيَكُونُ قَارِنًا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي
وَإِنْ اقْتَصَرَ على نِيَّةِ الْحَجِّ وَأَتَى بِأَعْمَالِهِ أَجْزَأَهُ عن الْحَجِّ فَقَطْ وَلَا دَمَ عليه أَيْضًا فَالْوَاجِبُ لِتَحْصِيلِ الْحَجِّ نِيَّتُهُ أو نِيَّةُ الْقِرَانِ وهو أَوْلَى كما صَرَّحَ بِهِ فِيمَا مَرَّ لِتَحْصُلَ الْبَرَاءَةُ من الْعُمْرَةِ أَيْضًا على وَجْهٍ أو اقْتَصَرَ على أَعْمَالِهِ أَيْ الْحَجِّ من غَيْرِ نِيَّةِ الْعُمْرَةِ وَغَيْرِهَا حَصَلَ التَّحَلُّلُ لَا الْبَرَاءَةُ من شَيْءٍ مِنْهُمَا لِشَكِّهِ فِيمَا أتى بِهِ أو اقْتَصَرَ على عَمَلِ الْعُمْرَةِ لم يَحْصُلْ التَّحَلُّلُ أَيْضًا وَإِنْ نَوَاهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِحَجٍّ ولم يُتِمَّ أَعْمَالَهُ مع أَنَّ وَقْتَهُ بَاقٍ وَإِنْ عَرَضَ ما ذُكِرَ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِشَيْءٍ من الْعَمَلِ
____________________
(1/468)
فَإِنْ كان بَعْدَ الْوُقُوفِ وَقَبْلَ الطَّوَافِ نَظَرْت فَإِنْ كان الْوَقْتُ أَيْ وَقْتُ الْوُقُوفِ بَاقِيًا فَقَرَنَ وَوَقَفَ ثَانِيًا وَأَتَى بِبَقِيَّةِ أَعْمَالِ الْحَجِّ أَجْزَأَهُ عن الْحَجِّ لِأَنَّهُ إمَّا مُحْرِمٌ أو مُدْخِلٌ له على الْعُمْرَةِ قبل الطَّوَافِ لَا عن الْعُمْرَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَيَمْتَنِعُ إدْخَالُهَا عليه وَلَا دَمَ عليه لِمَا مَرَّ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ أو لم يَفُتْ وَقَرَنَ ولم يَقِفْ أو وَقَفَ ولم يَقْرِنْ فَلَا يُجْزِئُهُ ذلك عن الْحَجِّ كما لَا يُجْزِئُهُ عن الْعُمْرَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَلَا يُجْزِئُهُ ذلك الْوُقُوفُ عن الْحَجِّ وَكَالْقِرَانِ نِيَّةُ الْحَجِّ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ
أو كان ذلك بَعْدَ الطَّوَافِ وَقَبْلَ الْوَقْفِ فَنَوَى الْحَجَّ أو قَرَنَ وَوَقَفَ ولم يُجْزِهِ ذلك عن الْحَجِّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَيَمْتَنِعُ إدْخَالُهُ عليها بَعْدَ الطَّوَافِ وَلَا عن الْعُمْرَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَيَمْتَنِعُ إدْخَالُهَا عليه فَإِنْ أَتَمَّ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ من غَيْرِ تَجْدِيدِ نِيَّةٍ وَأَحْرَمَ بَعْدَ ذلك بِالْحَجِّ أو بِهِمَا وَأَتَى بِأَعْمَالِهِ أَجْزَأَهُ الْحَجُّ لِأَنَّهُ حَاجٌّ أو مُمْتَنِعٌ وَلَا تُجْزِئُهُ الْعُمْرَةُ لِمَا مَرَّ لَكِنْ لَا نُفْتِيهِ بِفِعْلِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِحَجٍّ فَيَقَعُ الْحَلْقُ في غَيْرِ أَوَانِهِ وَهَذَا كما لَا نُفْتِي صَاحِبَ جَوْهَرَةٍ ابْتَلَعَتْهَا دَجَاجَةُ غَيْرِهِ بِذَبْحِهَا وَلَا صَاحِبَ دَابَّةٍ تَقَابَلَتْ هِيَ وَدَابَّةُ آخَرَ على شَاهِقٍ وَتَعَذَّرَ مُرُورُهُمَا بِإِتْلَافِ دَابَّةِ الْآخَرِ لَكِنَّهُمَا إنْ فَعَلَا ذلك لَزِمَ الْأَوَّلُ ما بين قِيمَتَيْ الدَّجَاجَةِ حَيَّةً وَمَذْبُوحَةً وَالثَّانِي قِيمَةُ دَابَّةِ الْآخَرِ وَهَذَا ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْأَكْثَرِينَ وَنُقِلَ عن ابْنِ الْحَدَّادِ وَاخْتِيَارُ الْغَزَالِيِّ أَنَّا نُفْتِيهِ بِذَلِكَ تَرْخِيصًا لِأَنَّ الْحَلْقَ يُبَاحُ بِالْعُذْرِ وَضَرَرُ الِاشْتِبَاهِ أَكْثَرُ إذْ يَفُوتُ بِهِ الْحَجُّ وَنَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عَمَّنْ ذَكَرَ وَعَنْ الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَآخَرِينَ ثُمَّ قال وهو الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ قال الْبُلْقِينِيُّ وَالصَّوَابُ أَنَّا نَقُولُ له إنْ فَعَلْت كَذَا لَزِمَك كَذَا وَإِنْ لم تَفْعَلْ كان الْأَمْرُ في حَقِّك كَذَا أَخْذًا من نَصِّ الشَّافِعِيِّ على أَنَّهُ إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ وكان الْمُولِي مُحْرِمًا نَقُولُ له إنْ وَطِئْت فَسَدَ إحْرَامُك وَإِنْ لم تَطَأْ فَطَلِّقْ وَإِلَّا طُلِّقَ عَلَيْك قال وَلَا يَسْتَفِيدُ بهذا الْحَلْقِ شيئا من الْمُحَرَّمَاتِ الْمُتَوَقِّفَةِ على التَّحَلُّلِ
وَلَوْ جَامَعَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ لم يَصِحَّ حَجُّهُ لِجَوَازِ كَوْنِ إحْرَامِهِ السَّابِقِ حَجًّا وقد جَامَعَ فيه قبل التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فَسَدَ نُسُكُهُ وما أتى بِهِ لَا يَقْتَضِي صِحَّتَهُ وَلَا نُسَلِّمُ لِابْنِ الْحَدَّادِ ما ذَكَرَهُ من جَوَازِ الْحَلْقِ بَلْ يَتَعَيَّنُ التَّقْصِيرُ بِأَقَلِّ ما يُمْكِنُ لِأَنَّ بِهِ تَزُولُ الضَّرُورَةِ فَإِنْ كان آفَاقِيًّا لَزِمَهُ دَمٌ إمَّا لِلتَّمَتُّعِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِعَمْرَةٍ أو وفي نُسْخَةٍ وَإِمَّا لِلْحَلْقِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِحَجٍّ فَوَقَعَ الْحَلْقُ في غَيْرِ أَوَانِهِ فَلَا يُعَيِّنُهُ عن جِهَةٍ بَلْ يُرِيقُهُ عن الْوَاجِبِ عليه كما لو كان عليه كَفَّارَةُ قَتْلٍ أو ظِهَارٍ فَنَوَى بِالْعِتْقِ ما عليه لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ في الْكَفَّارَاتِ فَإِنْ كان مُعْسِرًا بِالدَّمِ وَلَوْ مع وُجُودِ الطَّعَامِ صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثَلَاثَةً في الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ كما مَرَّ لِلِاحْتِيَاطِ فَإِنْ كان مُتَمَتِّعًا أَجْزَأَتْهُ وَإِلَّا فَثَلَاثَةٌ لِلْحَلْقِ وَالْبَاقِي نَفْلٌ وَلَا يُعَيِّنُ الثَّلَاثَةَ منها لِجِهَةٍ احْتِيَاطًا وَيَجُوزُ تَعْيِينُ التَّمَتُّعِ في السَّبْعَةِ وَإِنْ أَطْعَمَ أو اقْتَصَرَ على صَوْمِ ثَلَاثَةٍ وفي نُسْخَةٍ على الثَّلَاثَةِ فَفِي الْبَرَاءَةِ تَرَدُّدٌ فَقِيلَ لَا يَبْرَأُ لِأَنَّ شَغْلَ الذِّمَّةِ بِالدَّمِ مَعْلُومٌ فَلَا بُدَّ من يَقِينِ الْبَرَاءَةِ وَقِيلَ يَبْرَأُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَالشَّغْلُ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ فَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ أبي عَلِيٍّ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ قال الْإِمَامُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْرَأَ وَعَبَّرَ الْغَزَالِيُّ في الْوَسِيطِ عنهما بِوَجْهَيْنِ
انْتَهَتْ
وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لو عَجَزَ عن الصَّوْمِ فَأَطْعَمَ سِتَّةَ مَسَاكِينَ بَرِئَ لِأَنَّهُ إنْ وَجَبَ عليه دَمُ خَلْقٍ فَذَاكَ أو دَمُ تَمَتُّعٍ فَقَدْ زَادَ خَيْرًا بِزِيَادَةِ مُدَّيْنِ من ثَلَاثَةِ آصُعَ وَهِيَ الْوَاجِبَةُ في الْحَلْقِ وَيُجْزِئُهُ الصَّوْمُ مع وُجُودِ الطَّعَامِ كما أَشَرْت إلَيْهِ قَرِيبًا وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلطَّعَامِ في التَّمَتُّعِ وَفِدْيَةُ الْحَلْقِ على التَّخْيِيرِ
وَالْمَكِّيُّ وَنَحْوُهُ لَا دَمَ عليه لِفَقْدِ دَمِ التَّمَتُّعِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ دَمِ الْحَلْقِ وَإِنْ أَمْكَنَ أَيْ جَوَازُ الْآفَاقِيِّ أَنْ يَكُونَ قَارِنًا بِإِحْرَامِهِ الْأَوَّلِ لَزِمَهُ الدَّمُ الْمَذْكُورُ فَقَطْ أَيْ لَا دَمَ آخَرَ لِلشَّكِّ في لُزُومِهِ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ دَمٌ آخَرُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ كان الشَّكُّ الْحَاصِلُ بِالتَّعَذُّرِ أو النِّسْيَانِ بَعْدَ الطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ وَأَتَى بِبَقِيَّةِ أَعْمَالِ الْحَجِّ لم يَبْرَأْ من الْحَجِّ لِجَوَازِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَلَا يَنْفَعُهُ الْوُقُوفُ وَلَا من الْعُمْرَةِ وَلَوْ قَرَنَ لِمَا مَرَّ فَإِنْ أَتَمَّ أَعْمَالَ الْعُمْرَةِ وَأَحْرَمَ بَعْدَ ذلك بِالْحَجِّ كما سَبَقَ أو عَكْسُهُ أَيْ أَتَمَّ أَعْمَالَ الْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ ما أَحْرَمَ بِهِ آخِرًا أو يَلْزَمُهُ في الْأَوَّلِ كما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ وَقَوْلُهُ كما سَبَقَ مَحَلُّهُ بَعْدَ أَجْزَأَهُ مع أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَرْعٌ لو أَتَمَّ الْمُتَمَتِّعُ حَجَّهُ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ طَافَ لِلْعُمْرَةِ مُحْدِثًا بَانَ قَارِنًا بِإِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ صِحَّةِ طَوَافِهِ وما تَرَتَّبَ عليه وَعَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِلْقِرَانِ ودم
____________________
(1/469)
لِأَجْلِ الْحَلْقِ قبل أَوَانِهِ وَإِنْ تَذَكَّرَهُ أَيْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كان مُحْدِثًا في طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَيْ طَوَافِ الْحَجِّ أَعَادَ وُجُوبًا بَعْدَ تَطَهُّرِهِ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ وَبَرِئَ مِنْهُمَا أَيْ من الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَلَيْسَ عليه إلَّا دَمُ التَّمَتُّعِ بِشَرْطِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَكَذَا إنْ أَشْكَلَ عليه في أَيِّ الطَّوَافَيْنِ كان حَدَثُهُ لَزِمَهُ أَعَادَةُ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَبَرِئَ من النُّسُكَيْنِ لِأَنَّهُ إنْ كان في طَوَافِ الْعُمْرَةِ صَارَ قَارِنًا فَيُجْزِئُهُ طَوَافُهُ وَسَعْيُهُ الْمُعَادَانِ عن النُّسُكَيْنِ أو في طَوَافِ الْحَجِّ فَعُمْرَتُهُ صَحِيحَةٌ وَكَذَا عَمَلُ الْحَجِّ سِوَى الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وقد أَعَادَهُمَا وَعَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّهُ قَارِنٌ أو مُتَمَتِّعٌ وَيُرِيقُهُ عن وَاجِبِهِ وَلَا يُعَيِّنُ جِهَةً كما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ لَكِنَّ الدَّمَ هُنَا لَا يَنْوِي تَعْيِينَهُ وَلَا تَعْيِينَ بَدَلِهِ وهو الصَّوْمُ قال في الْأَصْلِ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُرِيقَ دَمًا آخَرَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ حَلَقَ قبل الْوَقْتِ
وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ عَمَلِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَذَكَرَ أَنَّ حَدَثَهُ كان في طَوَافِهَا فَهُوَ كَجِمَاعِ النَّاسِي على وَجْهٍ حتى لَا يُفْسِدَهَا فَيَصِيرَ قَارِنًا بِإِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ وَيَلْزَمُهُ دَمَانِ دَمٌ لِلْقِرَانِ ودم لِأَجْلِ الْحَلْقِ قبل أَوَانِهِ وَإِنْ تَذَكَّرَهُ أَيْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كان مُحْدِثًا في طَوَافِ الزِّيَارَةِ لَزِمَهُ دَمُ التَّمَتُّعِ فَقَطْ وَإِعَادَةُ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَبَرِئَ من النُّسُكَيْنِ كما سَبَقَ وَإِنْ أَشْكَلَ عليه في أَيِّ الطَّوَافَيْنِ كان حَدَثُهُ احْتَاطَ بِأَنْ يَأْخُذَ في كل حُكْمٍ بِالْيَقِينِ ولم يَتَحَلَّلْ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ فَلَا يَتَحَلَّلُ حتى يَطُوفَ وَيَسْعَى الِاحْتِمَالُ أَنَّ حَدَثَهُ كان في طَوَافِ الزِّيَادَةِ وَلَا يَبْرَأُ من الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إنْ كَانَا وَاجِبَيْنِ عليه لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مُحْدِثًا في طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَتَأْثِيرِ الْجِمَاعِ في إفْسَادِ النُّسُكَيْنِ فَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِالشَّكِّ وَهَذَا لَا يَأْتِي على ما قَدَّمَهُ من أَنَّ الْجِمَاعَ الْمَذْكُورَ كَجِمَاعِ النَّاسِي وَإِنَّمَا يَأْتِي على مُقَابِلَهُ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْخِلَافَ فيه كَالْخِلَافِ فِيمَا إذَا جَامَعَ ظَانًّا بَقَاءَ اللَّيْلِ فَبَانَ خِلَافُهُ وهو الْأَوْجَهُ وَلَا قَضَاءَ عليه إنْ كان مُتَطَوِّعًا لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا فَسَادَ وَيَلْزَمُهُ في الصُّورَتَيْنِ دَمُ تَمَتُّعٍ أو حَلْقٍ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَعَلَيْهِ دَمٌ إمَّا لِلتَّمَتُّعِ إنْ كان الْحَدَثُ في طَوَافِ الْحَجِّ وَإِمَّا لِلْحَلْقِ إنْ كان في طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَالِاحْتِيَاطُ بَدَنَةٌ أَيْ ذَبْحُهَا لِاحْتِمَالِ الْفَسَادِ وَذَبْحُ شَاةٍ أُخْرَى لِاحْتِمَالِ الْقِرَانِ بِإِدْخَالِ الْحَجِّ وَإِنَّمَا لم تَجِبْ الْبَدَنَةُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لم يُفْسِدْ الْعُمْرَةَ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ
وَمَنْ جَامَعَ مُعْتَمِرًا ثُمَّ قَرَنَ بِأَنْ نَوَى الْحَجَّ انْعَقَدَ حَجُّهُ لِإِحْرَامِهِ بِهِ قبل فِعْلِ شَيْءٍ من أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ فَأَشْبَهَ الصَّحِيحَةَ لَكِنَّهُ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا لِإِدْخَالِهِ على عُمْرَةٍ فَاسِدَةٍ وَفَارَقَ ما مَرَّ فِيمَا لو قال أَحْرَمْت كَإِحْرَامِ زَيْدٍ وكان مُحْرِمًا بِفَاسِدٍ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ من أَنَّ الْإِحْرَامَ الْوَاحِدَ لَا يُؤَدَّى بِهِ نُسُكٌ صَحِيحٌ وَنُسُكٌ فَاسِدٌ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْإِفْسَادِ وَدَمُ قِرَانٍ بِشَرْطِهِ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ كما يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا
فَرْعٌ لو قال إذَا أو نَحْوَهَا كَمَتَى أو إنْ أَحْرَمَ زَيْدٌ فَأَنَا مُحْرِمٌ لم يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا كما لو قال إذَا جاء رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنَا مُحْرِمٌ لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تُعَلَّقُ بِالْأَخْطَارِ قال في الْأَصْلِ وَقِيَاسُ تَجْوِيزِ تَعْلِيقِ أَصْلِ الْإِحْرَامِ بِإِحْرَامِ الْغَيْرِ تَجْوِيزُ هذا لِأَنَّ التَّعْلِيقَ مَوْجُودٌ فِيهِمَا إلَّا أَنَّ هذا تَعْلِيقٌ بِمُسْتَقْبَلٍ وَذَاكَ تَعْلِيقٌ بِحَاضِرٍ وما يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ من الْعُقُودِ يَقْبَلُهُمَا جميعا وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِحَاضِرٍ أَقَلُّ غَرَرًا لِوُجُودِهِ في الْوَاقِعِ فَكَانَ قَرِيبًا من أَحْرَمْت كَإِحْرَامِ زَيْدٍ في الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ بِمُسْتَقْبَلٍ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِمَا فيه نَظَرٌ وقد ذَكَرْته في شَرْحِ الْبَهْجَةِ هذا مع أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ قال لو قال أنا مُحْرِمٌ غَدًا أو رَأْسَ الشَّهْرِ أو إذَا دخل فُلَانٌ جَازَ كما يَجُوزُ فِيمَا لو أَحْرَمَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ كَنَظِيرِهِ في الطَّلَاقِ وإذا وُجِدَ الشَّرْطُ يَصِيرُ مُحْرِمًا كما يَقَعُ الطَّلَاقُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَكَمَا إذَا قال أنا صَائِمٌ غَدًا يَصِيرُ شَارِعًا فيه بِطُلُوعِ الْفَجْرِ
ا ه
قال الْأَذْرَعِيُّ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عن الْأَصْحَابِ أو قال إنْ كان زَيْدٌ مُحْرِمًا فَأَنَا مُحْرِمٌ وكان زَيْدٌ مُحْرِمًا انْعَقَدَ إحْرَامُهُ وَإِلَّا فَلَا تَبَعًا له وَلَوْ قال أنا مُحْرِمٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فقال الْقَاضِي أبو حَامِدٍ وَالدَّارِمِيُّ يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ قال في الْمَجْمُوعِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ كَالصَّوْمِ وَإِنْ أَحْرَمَ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو صَارَ مِثْلَهُمَا في إحْرَامِهِمَا إنْ اتَّفَقَا فِيمَا أَحْرَمَا بِهِ وَإِلَّا صَارَ قَارِنًا لِيَأْتِيَ بِمَا يَأْتِيَانِ بِهِ نعم إنْ كان إحْرَامُهُمَا فَاسِدًا انْعَقَدَ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أو إحْرَامُ أَحَدِهِمَا فَقَطْ فَالْقِيَاسُ أَنَّ إحْرَامَهُ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا في الصَّحِيحِ وَمُطْلَقًا في الْفَاسِدِ
فَصْلٌ يُسَنُّ الْغُسْلُ لِلْإِحْرَامِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ سَوَاءٌ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَمْ بِعُمْرَةٍ أَمْ بِهِمَا أَمْ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا لم يَجِبْ لِأَنَّهُ غُسْلٌ لِمُسْتَقْبَلٍ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ وَإِحْرَامُهُ جُنُبًا وَنَقَلَ في الرَّوْضَةِ الْأُولَى
____________________
(1/470)
عن نَصِّ الْأُمِّ وَيُسَنُّ ذلك لِكُلِّ أَحَدٍ حتى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ لِأَنَّ الْقَصْدَ التَّنْظِيفُ وفي مُسْلِمٍ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ وَلَدَتْ مُحَمَّدَ بن أبي بَكْرٍ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فقال لها النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي وَأَحْرِمِي وَرَوَى أبو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ خَبَرَ أَنَّ النُّفَسَاءَ وَالْحَائِضَ تَغْتَسِلُ وَتُحْرِمُ وَتَقْضِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غير أَنْ لَا تَطُوفَ بِالْبَيْتِ قال في الْأَصْلِ وإذا اغْتَسَلَتَا نَوَتَا وحتى غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فَيَغْسِلُهُ وَلِيُّهُ وَالْأَوْلَى أَنْ تُؤَخِّرَهُ أَيْ الْإِحْرَامَ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ حتى تَطْهُرَا إنْ أَمْكَنَ تَأْخِيرُهُ بِأَنْ أَمْكَنَهُمَا الْمَقَامَ بِالْمِيقَاتِ حتى تَطْهُرَا لِيَقَعَ إحْرَامُهُمَا في أَكْمَلِ أَحْوَالِهِمَا قال الزَّرْكَشِيُّ وفي كَلَامِ الْأُمِّ أَشْعَارٌ بِأَنَّهُمَا إذَا أَحْرَمَتَا من وَرَاءِ الْمِيقَاتِ لَا يُسَنُّ لَهُمَا تَقْدِيمُ الْغُسْلِ قبل الْمِيقَاتِ
وَالْعَاجِزُ عنه لِفَقْدِ الْمَاءِ أو غَيْرِهِ يَتَيَمَّمُ نَدْبًا لِأَنَّهُ يَخْلُفُ الْوَاجِبَ فَالْمَسْنُونُ أَوْلَى وَلِأَنَّ الْغُسْلَ يُرَادُ لِلْقُرْبَةِ وَالنَّظَافَةِ فإذا تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا بَقِيَ الْآخَرُ مع الْوُضُوءِ أو مع بَعْضِهِ إنْ قَدَرَ عليه وفي نُسْخَةٍ مع الْوُضُوءِ إنْ وَجَدَ مَاءً لَا يَكْفِيهِ فَالْأُولَى أَكْثَرُ فَائِدَةٍ لَكِنَّ الثَّانِيَةَ هِيَ الْمُوَافِقَةُ لِقَوْلِ الرَّوْضَةِ بَعْدَ نَقْلِهَا كَالرَّافِعِيِّ عن الْبَغَوِيّ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ مَاءً لَا يَكْفِيهِ لِلْغُسْلِ تَوَضَّأَ قُلْت إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ أَيْ عن الْغُسْلِ فَحَسَنٌ وَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ على الْوُضُوءِ فَلَيْسَ بِحَيِّدٍ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ الْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ يَقُومُ مَقَامَهُ دُونَ الْوُضُوءِ
ا ه
وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ وَلَعَلَّ الْبَغَوِيّ إنَّمَا اقْتَصَرَ على الْوُضُوءِ كَالشَّافِعِيِّ في قَوْلِهِ فَإِنْ لم يَجِدْ مَاءً يَكْفِي غُسْلَهُ تَوَضَّأَ فَإِنْ لم يَجِدْ مَاءً بِحَالٍ تَيَمَّمَ فَيَقُومُ ذلك مَقَامَ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ تَنْبِيهًا على أَنَّ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ أَوْلَى بِالْغُسْلِ لِمَا فيه من تَحْصِيلِ الْوُضُوءِ الذي هو عِبَادَةٌ كَامِلَةٌ وَسُنَّةٌ قبل الْغُسْلِ الْقَائِمِ مَقَامَهُ التَّيَمُّمُ وَقَاسَ الْمُصَنِّفُ على الْوُضُوءِ بَعْضَهُ إذَا عَجَزَ عن تَمَامِهِ وَعَلَيْهِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ عن بَقِيَّةِ الْوُضُوءِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ ثَانِيًا عن الْغُسْلِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ تَيَمُّمًا وَاحِدًا عن الْغُسْلِ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ إنْ لم يَنْوِ بِمَا اسْتَعْمَلَهُ من الْمَاءِ الْغُسْلَ وَإِلَّا فَالثَّانِي وَلَوْ ذَكَرَ حُكْمَ الْحَائِضِ وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَالْعَاجِزِ بَعْدَ بَقِيَّةِ الْأَغْسَالِ كان أَوْلَى وقد خَلَصَ منه الْأَصْلُ بِإِعَادَتِهِ بَعْدَهَا لَكِنَّهُ لم يُعِدْ حُكْمَ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ
ويسن الْغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَلَوْ غير حَاجٍّ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَشُمُولُ كَلَامِهِ لِغَيْرِ الْحَاجِّ من زِيَادَتِهِ وَيُسْتَثْنَى من خَرَجَ من مَكَّةَ فَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ من مَكَان قَرِيبٍ كَالتَّنْعِيمِ وَاغْتَسَلَ لِلْإِحْرَامِ فَلَا يُسَنُّ له الْغُسْلُ لِدُخُولِهَا لِحُصُولِ النَّظَافَةِ بِالْغُسْلِ السَّابِقِ بِخِلَافِ ما إذَا أَحْرَمَ من مَكَان بَعِيدٍ كَالْجِعْرَانَةِ وَالْحُدَيْبِيَةِ قال ابن الرِّفْعَةِ وَيَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ بمثله في الْحَجِّ إذَا أَحْرَمَ بِهِ من التَّنْعِيمِ وَنَحْوِهِ لِكَوْنِهِ لم يَخْطِرْ له إلَّا ذلك الْوَقْتُ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ وَإِنْ خَطَرَ له قبل ذلك الْوَقْتِ إلَّا أَنَّهُ يَكُونَ آثِمًا وَيَلْزَمُهُ دَمٌ وَيُسَنُّ الْغُسْلُ أَيْضًا لِدُخُولِ الْحَرَمِ وَلِدُخُولِ الْمَدِينَةِ وَلِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ سُمِّيَتْ عَرَفَةَ قِيلِ لِأَنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ تَعَارَفَا ثَمَّ وَقِيلَ لِأَنَّ جِبْرِيلَ عَرَّفَ فيها إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنَاسِكَهُ وَقِيلَ لِغَيْرِ ذلك وَمُزْدَلِفَةَ أَيْ وَلِلْوُقُوفِ بها على الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ صَحَّ يَوْمُ النَّحْرِ وَلِلرَّمْيِ لِلْجِمَارِ في كل يَوْمٍ من أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كما قَيَّدَ بها الْأَصْلُ لِآثَارٍ وَرَدَتْ في ذلك وَلِأَنَّ هذه مَوَاضِعُ يَجْتَمِعُ لها الناس فَأَشْبَهَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ وَنَحْوَهَا قال الزَّرْكَشِيُّ وَالتَّعْبِيرُ بِالْأَيَّامِ يَقْتَضِي جَوَازَهُ قبل الزَّوَالِ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِالزَّوَالِ كَالرَّمْيِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ له وَالْأَوْجَهُ خِلَافُ ما قَالَهُ كما في الْغُسْلِ لِلْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ وَلَا يُسَنُّ الْغُسْلُ لِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يوم النَّحْرِ وَلَا الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةُ وَلَا لِطَوَافِ الْقُدُومِ اكْتِفَاءً بِمَا قَبْلَهُ في الثَّلَاثَةِ وَلِاتِّسَاعِ وَقْتِ الْأَوَّلِ وَعَدَمِ الِاجْتِمَاعِ في الثَّانِي وَلَا لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالْوَدَاعِ وَالْحَلْقِ لِاتِّسَاعِ أَوْقَاتِهَا فَتَقِلُّ الزَّحْمَةُ خِلَافًا لِمَا في الْقَدِيمِ في الثَّلَاثَةِ كما نَبَّهَ عليه بِقَوْلِهِ وزاد في الْقَدِيمِ طَوَافَيْ الْإِفَاضَةِ وَالْوَدَاعِ وَالْحَلْقِ أَيْ الْغُسْلَ لها وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ في مَنَاسِكِهِ لِأَنَّ الناس يَجْتَمِعُونَ لها
تَنْبِيهٌ كَلَامُ الرَّافِعِيّ يُشْعِرُ هُنَا بِأَنَّهُ يُسَنُّ لِلْحَجِيجِ صَلَاةُ الْعِيدِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو مَحْمُولٌ على فِعْلِهَا فُرَادَى صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فقال وَالْحَجِيجُ وَإِنْ كَانُوا لَا يُصَلُّونَ الْعِيدَ جَمَاعَةً فَعِنْدَنَا يُسْتَحَبُّ لهم أَنْ يُصَلُّوهَا فُرَادَى فَيَغْتَسِلُونَ لها فَرْعٌ يُسْتَحَبُّ لِمُرِيدِ الْإِحْرَامِ أَنْ يَغْسِلَ قبل الْغُسْلِ رَأْسَهُ لِلْإِحْرَامِ بِسِدْرٍ أو نَحْوِهِ لِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ غَسَلَ رَأْسَهُ بِأُشْنَانٍ وَخِطْمِيٍّ وَأَنْ يُلَبِّدَهُ بَعْدَ الْغُسْلِ بِأَنْ يَعْقِصَهُ وَيَضْرِبَ عليه الْخِطْمِيَّ أو الصَّمْغَ أو غَيْرَهُمَا لِدَفْعِ الْقَمْلِ وَغَيْرِهِ مُدَّةَ الْإِحْرَامِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَهَذَا ذَكَرَهُ في الرَّوْضَةِ في بَابِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ اخْتِصَاصَ ذلك بِمَنْ لَا يُجْنِبُ إلَّا نَادِرًا أو تَقْصُرُ مُدَّةُ إحْرَامِهِ
____________________
(1/471)
وَإِلَّا فَفِي الِاسْتِحْبَابِ بَلْ الْجَوَازِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْغُسْلِ وَلَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِحَلْقِ رَأْسِهِ وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا اعْتَادَتْ الْحَيْضَ في إحْرَامِهَا قال الزَّرْكَشِيُّ وَكَأَنَّهُمْ نَظَرُوا لِقِصَرِ مُدَّةِ الْإِحْرَامِ غَالِبًا وَعِنْدَ حُصُولِ الْعَارِضِ يُمْكِنُ نَقْضُهُ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِحَلْقِ رَأْسِهِ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُمْ قد يُضِيفُونَ إلَيْهِ ما يَسْهُلُ بِهِ نَزْعُهُ قال وَهَذَا يَتَأَتَّى أَيْضًا في غُسْلِ الْجُمُعَةِ إذَا دخل يَوْمُهَا وَكَذَا غَيْرُهُ من الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ
ويستحب أَنْ يَقُصَّ الشَّارِبَ وأن يَأْخُذَ شَعْرَ الْإِبْطِ وَالْعَانَةِ وَالظُّفْرِ قبل الْغُسْلِ لِأَنَّ ذلك تَنْظِيفٌ فَسُنَّ كَالْغُسْلِ إلَّا في الْعَشْرِ لِمُرِيدِ التَّضْحِيَةِ كما سَيَأْتِي في بَابِهِ وأن يَتَطَيَّبَ بَعْدَ الْغُسْلِ في بَدَنِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ رَجُلًا كان أو غَيْرَهُ وَإِنَّمَا كُرِهَ لِلنِّسَاءِ التَّطَيُّبُ عِنْدَ خُرُوجِهِنَّ لِلْجُمُعَةِ لِضِيقِ مَكَانِهَا وَزَمَانِهَا فَلَا يُمْكِنُهُنَّ اجْتِنَابُ الرِّجَالِ بِخِلَافِ ذلك في النُّسُكِ وَجَازَ أَنْ يَتَطَيَّبَ في ثَوْبِهِ من إزَارِ الْإِحْرَامِ وَرِدَائِهِ كما في بَدَنِهِ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ الْأَصْلُ وَنَقَلَ في الْمَجْمُوعِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عليه قال وَأَغْرَبَ الْمُتَوَلِّي فَحَكَى فيه الْخِلَافَ في الِاسْتِحْبَابِ وَجَرَى في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ على اسْتِحْبَابِهِ وقال الزَّرْكَشِيُّ ليس بِغَرِيبٍ كما زَعَمَهُ النَّوَوِيُّ فَقَدْ حَكَاهُ الْقَاضِي وَصَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَالْبَارِزِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْغَزَالِيُّ وَالْجِيلِيُّ وَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِهِ يُكْرَهُ قَالَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ وَيَتَطَيَّبُ فِيمَا ذُكِرَ ولو بِمَا تَبْقَى عَيْنُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ قالت عَائِشَةُ كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ أَيْ بِرِيقِهِ من مَفَارِقِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو مُحْرِمٌ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلَهُ اسْتَدَامَتُهُ بَعْدَ إحْرَامِهِ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ وَسَوَاءٌ اسْتَدَامَهُ في بَدَنِهِ أَمْ ثَوْبِهِ لَا شَدَّهُ في ثَوْبِهِ التَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ ابن الرِّفْعَةِ في الْمَطْلَبِ وَنَقَلَ فيه الِاتِّفَاقَ وَلَوْ أَخَذَهُ قبل الْإِحْرَامِ أو بَعْدَهُ من بَدَنِهِ أو ثَوْبِهِ الْمَفْهُومِ بِالْأَوْلَى ثُمَّ أَعَادَهُ إلَيْهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ أو نَزَعَ ثَوْبَهُ الْمُطَيَّبَ ثُمَّ لَبِسَهُ فَدَى أَيْ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ كما لو ابْتَدَأَ لُبْسَ ثَوْبٍ مُطَيَّبٍ وَلَوْ مَسَّهُ بيده عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَيَكُونُ مُسْتَعْمِلًا لِلطِّيبِ ابْتِدَاءً جَزَمَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ وَلَوْ انْتَقَلَ بِالْعَرَقِ من مَوْضِعٍ من بَدَنِهِ أو ثَوْبِهِ إلَيْهِ أو من أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ لم يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِتَوَلُّدِهِ من مُبَاحٍ من غَيْرِ قَصْدٍ منه وَلِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ عنه وَلِخَبَرِ أبي دَاوُد بِإِسْنَادِ حَسَنٍ عن عَائِشَةَ قالت كنا نَخْرُجُ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَى مَكَّةَ فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالْمِسْكِ الْمُطَيَّبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فإذا عَرِقَتْ إحْدَانَا سَالَ على وَجْهِهَا فَرَآهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَا يَنْهَانَا قال الزَّرْكَشِيُّ ولم يُصَرِّحُوا بِاسْتِحْبَابِ الْجِمَاعِ إنْ أَمْكَنَهُ وَلَا يَبْعُدُ اسْتِحْبَابُهُ لِأَنَّ الطِّيبَ من دَوَاعِيهِ
فَرْعٌ يُسْتَحَبُّ لِلْمُزَوَّجَةِ وَغَيْرِهَا عَجُوزًا أو شَابَّةً مَسْحُ وَجْهِهَا بِالْحِنَّاءِ بِالْمَدِّ لِلْإِحْرَامِ وَخَضْبُ كَفَّيْهِمَا بِهِ له لِتَسْتُرَ بِهِ ما يَبْرُزُ منها لِأَنَّهَا تُؤْمَرُ بِكَشْفِ الْوَجْهِ وقد يَنْكَشِفُ الْكَفَّانِ وَلِأَنَّ الْحِنَّاءَ من زِينَتِهَا فَنُدِبَ قبل الْإِحْرَامِ كَالطِّيبِ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عن ابْنِ عُمَرَ أَنَّ ذلك من السُّنَّةِ تَعْمِيمًا لِلْكَفَّيْنِ لَا نَقْشًا وَتَسْوِيدًا أو تَطْرِيفًا فَلَا يُسْتَحَبُّ شَيْءٌ منها لِمَا فيه من الزِّينَةِ وَإِزَالَةِ الشُّعْثِ الْمَأْمُورِ بِهِ في الْإِحْرَامِ بَلْ إنْ كانت خَلِيَّةً أو لم يَأْذَنْ حَلِيلُهَا حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا كما مَرَّ في شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَيُكْرَهُ لها الْخَضْبُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ لِمَا مَرَّ آنِفًا وفي بَاقِي الْأَحْوَالِ أَيْ في غَيْرِ الْإِحْرَامِ يُسْتَحَبُّ لِلْمُزَوَّجَةِ لِأَنَّهُ زِينَةٌ وَهِيَ مَطْلُوبَةٌ منها لِزَوْجِهَا كُلَّ وَقْتٍ كما مَرَّ في شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهَا بِلَا عُذْرٍ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ وَلَا يَخْتَضِبُ الْخُنْثَى أَيْ يَحْرُمُ عليه ذلك بِلَا عُذْرٍ لِلِاحْتِيَاطِ كَالرَّجُلِ لِلنَّهْيِ عن تَشْبِيهِهِ بِالْمَرْأَةِ كما مَرَّ في شُرُوطِ الصَّلَاةِ
فَرْعٌ وَيَنْزِعُ الرَّجُلُ الْمَخِيطَ قبل الْإِحْرَامِ وُجُوبًا كما صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ كَالرَّافِعِيِّ لِيَنْتَفِيَ عنه لُبْسُهُ في الْإِحْرَامِ الذي هو مُحْرِمٌ عليه كما سَيَأْتِي قال الْإِسْنَوِيُّ وَالْمُتَّجَهُ اسْتِحْبَابُهُ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمِنْهَاجِ كَالْمُحَرَّرِ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ وهو الْإِحْرَامُ لم يُوجَدْ وَلِهَذَا لو قال وَإِنْ وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ لم يَمْتَنِعْ عليه وَطْؤُهَا وَإِنَّمَا يَجِبُ النَّزْعُ عَقِبَهُ ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَيْنِ ذَكَرَا في الصَّيْدِ عَدَمَ وُجُوبِ إزَالَةِ مِلْكِهِ عنه قبل الْإِحْرَامِ مع أَنَّ الْمُدْرَكَ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَطْءَ يَقَعُ في النِّكَاحِ فَلَا يَحْرُمُ وَإِنَّمَا يَجِبُ النَّزْعُ عَقِبَهُ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ عن الْمَعْصِيَةِ وَلِأَنَّ مُوجِبَهُ ليس الْوَطْءُ بَلْ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عليه فَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُ الْإِحْرَامِ بِالْوَطْءِ وَأَمَّا الصَّيْدُ فَيَزُولُ مِلْكُهُ عنه بِالْإِحْرَامِ كما سَيَأْتِي بِخِلَافِ نَزْعِ الثَّوْبِ لَا يَحْصُلُ بِهِ فَيَجِبُ قَبْلَهُ كما يَجِبُ السَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ قبل وَقْتِهَا على بَعِيدِ الدَّارِ قد يُقَالُ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ أَخْذًا مِمَّا لو حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وهو لَابِسُهُ فَنَزَعَ في الْحَالِ لم يَحْنَثْ وَمِمَّا لو وَطِئَ أو أَكَلَ لَيْلًا من أَرَادَ الصَّوْمَ ولم يَلْزَمْهُ تَرْكُهُمَا قبل طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِبَادَةٌ طُلِبَ فيها
____________________
(1/472)
أَنْ يَكُونَ الْمُحْرِمُ أَشْعَثَ أَغْبَرَ وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إذَا نَزَعَ قَبْلَهُ بِخِلَافِ الْحَلِفِ وَتَرْكِ الْمُفْطِرِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَاحْتِيطَ له ما لم يُحْتَطْ لَهُمَا وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ النَّزْعُ بَعْدَ التَّطَيُّبِ
وَيَلْبَسُ الرَّجُلُ نَدْبًا قبل الْإِحْرَامِ إزَارًا وَرِدَاءً لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ أَبْيَضَيْنِ لِخَبَرِ الْبَسُوا من ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ جَدِيدَيْنِ أو نَظِيفَيْنِ كَذَا عَبَّرَ الْبُوَيْطِيُّ وَالتَّنْبِيهُ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ جَدِيدَيْنِ وَإِلَّا فَمَغْسُولَيْنِ وَاعْتَرَضَ في الْمَجْمُوعِ على عِبَارَةِ التَّنْبِيهِ ثُمَّ قال وَيُحْمَلُ كَلَامُهُ على مُوَافَقَةِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَتَقْدِيرُ كَلَامِهِ جَدِيدَيْنِ وَإِلَّا فَنَظِيفَيْنِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَغْسِلَ الْجَدِيدَ الْمَقْصُورَ لِنَشْرِ الْقَصَّارِينَ له على الْأَرْضِ وقد اسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ غَسْلَ حَصَى الْجِمَارِ احْتِيَاطًا وَهَذَا أَوْلَى بِهِ وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِ أَنَّ غير الْمَقْصُورِ كَذَلِكَ وَنَعْلَيْنِ لِخَبَرِ لِيُحْرِمْ أحدكم في إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ رَوَاهُ أبو عَوَانَةَ في صَحِيحِهِ وَخَرَجَ بِالرَّجُلِ الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى إذْ لَا نَزْعَ عَلَيْهِمَا في غَيْرِ الْوَجْهِ
وَيُكْرَهُ لِمُرِيدِ الْإِحْرَامِ الْمَصْبُوغُ وَلَوْ بِنِيلَةٍ أو مَغْرَةٍ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ كما صَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ لِلنَّهْيِ عنه رَوَاهُ مَالِكٌ مَوْقُوفًا على عُمَرَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَمَحَلُّهُ فِيمَا صُبِغَ بِغَيْرِ زَعْفَرَانٍ أو عُصْفُرَةٍ لِمَا مَرَّ في بَابِ ما يَجُوزُ لُبْسُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ لُبْسُ الْمَصْبُوغِ بِهِمَا وَإِنَّمَا كُرِهَ هُنَا الْمَصْبُوغُ بِغَيْرِهِمَا خِلَافَ ما قَالُوهُ ثَمَّ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ فَلَا يُنَاسِبُهُ الْمَصْبُوغُ مُطْلَقًا لَكِنْ قَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ بِمَا صُبِغَ بَعْدَ النَّسْجِ وَيُوَافِقُهُ ما مَرَّ في الْجُمُعَةِ ثُمَّ يُصَلِّي نَدْبًا الرَّكْعَتَيْنِ أَيْ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ قَبْلَهُ وَرَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم صَلِّي بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَحْرَمَ إلَّا في وَقْتِ الْكَرَاهَةِ فَلَا يُصَلِّيهِمَا فيه بَلْ يَحْرُمَانِ كما مَرَّ في كِتَابِ الصَّلَاةِ وَمَحْمَلُهُ كما مَرَّ ثَمَّ في غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ وَيُجْزِئُ الْفَرِيضَةُ وَكَذَا النَّافِلَةُ كما يَأْتِي في كَلَامِ الشَّافِعِيِّ عنهما كَالتَّحِيَّةِ قال في الْمَجْمُوعِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا مَقْصُودَةٌ فَلَا تَنْدَرِجُ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ إذَا أَثْبَتْنَا أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى رَكْعَتَيْنِ لِلْإِحْرَامِ خَاصَّةً وَبِمَ يَثْبُتُ بَلْ الذي ثَبَتَ وَدَلَّ عليه كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وُقُوعُ الْإِحْرَامِ إثْرَ صَلَاةٍ فَقَدْ رَوَى النَّسَائِيّ عن أَنَسٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ وفي الْبُخَارِيِّ عن أَنَسٍ أَنَّهُ صلى الصُّبْحَ ثُمَّ رَكِبَ وقال الشَّافِعِيُّ في الْبُوَيْطِيِّ وَأُحِبُّ لَهُمَا يَعْنِي لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَنْ يُهِلَّا خَلْفَ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ أو نَافِلَةٍ وَيَقْرَأُ فِيهِمَا نَدْبًا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ سُورَتَيْ الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصِ وَصَلَّى نَدْبًا في مَسْجِدِ الْمِيقَاتِ إنْ كان ثَمَّ مَسْجِدٌ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْبِقَاعِ
فَرْعٌ ثُمَّ إذَا صلى يَنْوِي الْإِحْرَامَ وَيُلَبِّي لِمَا مَرَّ مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ نَدْبًا لِخَبَرٍ في ذلك رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ إذَا انْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ يَعْنِي دَابَّتَهُ بِأَنْ اسْتَوَتْ قَائِمَةً لِطَرِيقِ مَكَّةَ أو تَوَجَّهَ الْمَاشِي لِلطَّرِيقِ أَيْ طَرِيقَ مَكَّةَ لِلِاتِّبَاعِ في الْأَوَّلِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقِيَاسًا عليه في الثَّانِي وَرَوَى مُسْلِمٌ خَبَرًا إذَا رُحْتُمْ إلَى مِنًى مُتَوَجِّهِينَ فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْإِمَامَ يُسْتَحَبُّ له أَنْ يَخْطُبَ في الْيَوْمِ السَّابِعِ بِمَكَّةَ وَأَنْ يُحْرِمَ قبل الْخُطْبَةِ فَتُسْتَثْنَى هذه مِمَّا ذَكَرَهُ لِأَنَّ سَيْرَهُ لِلنُّسُكِ إنَّمَا يَكُونُ في الْيَوْمِ الثَّامِنِ وَيُكْثِرُ نَدْبًا الْمُحْرِمُ من التَّلْبِيَةِ كُلَّ حِينٍ الْحَائِضُ وَالطَّاهِرُ قَائِمَيْنِ وَقَاعِدَيْنِ وَرَاكِبَيْنِ وَمَاشِيَيْنِ في ذلك سَوَاءٌ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّهَا شِعَارُ النُّسُكِ والإكثار منها عِنْدَ تَغَايُرِ الْأَحْوَالِ من صُعُودٍ وَهُبُوطٍ وَاجْتِمَاعٍ بِرُفْقَةٍ أو نَحْوِهِمْ وَافْتِرَاقٍ وَنَحْوِهِ كَرُكُوبٍ وَنُزُولٍ وَفَرَاغٍ من صَلَاةٍ وَإِقْبَالِ لَيْلٍ أو نَهَارٍ آكَدُ من غَيْرِهِ اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ في ذلك وَالصُّعُودُ وَالْهُبُوطُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِمَا اسْمٌ لِمَكَانِ الْفِعْلِ مِنْهُمَا وَبِضَمِّهِ مَصْدَرٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا صَحِيحٌ هُنَا ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَتُكْرَهُ التَّلْبِيَةُ في مَوَاضِعِ النَّجَاسَاتِ وَتُسْتَحَبُّ في الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْخَيْفِ بِمِنًى وَمَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِعَرَفَةَ على ما يَأْتِي بَيَانُهُ فَإِنَّهَا مَوَاضِعُ نُسُكٍ وَكَذَا سَائِرُ الْمَسَاجِدِ اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ في ذلك لَا في الطَّوَافِ وَلَوْ طَوَافَ الْقُدُومِ وَالسَّعْيِ بَعْدَهُ فَلَا يُسْتَحَبُّ فِيهِمَا التَّلْبِيَةُ لِأَنَّ فِيهِمَا أَذْكَارًا خَاصَّةً تَنْبِيهٌ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِإِبْرَاهِيمَ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ الْمَسْجِدُ الْمَذْكُورُ إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قِيلَ وهو خَطَأٌ وَإِنَّمَا هو إبْرَاهِيمُ الْقَبِيسِيُّ وَخَطِئَ قَائِلُهُ بِأَنَّ الْمَسْجِدَ الْمَنْسُوبَ إلَى الْقَبِيسِيِّ على جَبَلِ أبي قُبَيْسٍ وَأَمَّا الْمَسْجِدُ الْمَذْكُورُ فَهُوَ مَسْجِدُ النبي إبْرَاهِيمَ صلى اللَّهُ عليه وسلم كما قَالَهُ جَمَاعَةٌ منهم الْأَزْرَقِيُّ في تَارِيخِ مَكَّةَ وَبِتَقْدِيرِ أَنَّ الْقَبِيسِيَّ بَنَاهُ فَلَا يَمْتَنِعُ نِسْبَتُهُ إلَى إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ إمَّا لِأَنَّهُ بَنَاهُ قبل ذلك ثُمَّ تَهَدَّمَ أو لِأَنَّهُ صلى فيه أو لِأَنَّهُ اتَّخَذَهُ مُصَلًّى لِلنَّاسِ
____________________
(1/473)
وَيَرْفَعُ نَدْبًا الرَّجُلُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ في دَوَامِ الْإِحْرَامِ بِحَيْثُ لَا يُتْعِبُهُ الرَّفْعُ قال صلى اللَّهُ عليه وسلم أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وقال صلى اللَّهُ عليه وسلم أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَالْعَجُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَالثَّجُّ نَحْرُ الْبُدْنِ أَمَّا رَفْعُ صَوْتِهِ بها في ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ فَلَا يُنْدَبُ بَلْ يُسْمِعُ نَفْسَهُ فَقَطْ كما نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْجُوَيْنِيِّ وَأَقَرَّهُ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمِنْهَاجِ كَالْمُحْرِمِ وَالْمَرْأَةِ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى تُسْمِعُ نَفْسَهَا فَقَطْ نَدْبًا كما في قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ فَإِنْ جَهَرَتْ بها كُرِهَ وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَذَانِهَا حَيْثُ حُرِّمَ فيه ذلك بِالْإِصْغَاءِ إلَى الْأَذَانِ وَاشْتِغَالِ كل أَحَدٍ بِتَلْبِيَتِهِ عن سَمَاعِ تَلْبِيَةِ غَيْرِهِ وَهِيَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ قال الرَّافِعِيُّ وَيَجُوزُ كَسْرُ هَمْزَةِ إنَّ اسْتِئْنَافًا وَفَتْحُهَا تَقْلِيلًا قال النَّوَوِيُّ وَالْكَسْرُ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ وَقْفَةً لَطِيفَةً عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْمُلْكَ وَأَنْ يُكَرِّرَ التَّلْبِيَةَ ثَلَاثًا إذَا لَبَّى وَالْقَصْدُ بِلَبَّيْكَ وهو مُثَنَّى مُضَافٌ الْإِجَابَةُ لِدَعْوَةِ الْحَجِّ في قَوْله تَعَالَى وَأَذِّنْ في الناس بِالْحَجِّ مَأْخُوذٌ من لَبَّ بِالْمَكَانِ لَبًّا أو أَلَبَّ بِهِ إلْبَابًا إذَا أَقَامَ بِهِ وَمَعْنَاهُ أنا مُقِيمٌ على طَاعَتِك إقَامَةً بَعْدَ إقَامَةٍ فَإِنْ زَادَ على ذلك لم يُكْرَهْ لِمَا في الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كان يَزِيدُ في تَلْبِيَةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك وَالْعَمَلُ زَادَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ بِيَدَيْك لَبَّيْكَ وهو ما أَوْرَدَهُ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ يُصَلِّيَ وَيُسَلِّمُ نَدْبًا بَعْدَ فَرَاغِهِ من تَلْبِيَتِهِ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال تَعَالَى وَرَفَعْنَا لك ذِكْرَكَ أَيْ لَا أُذْكَرُ إلَّا وَتُذْكَرُ مَعِي بِصَوْتٍ أَخْفَضَ من صَوْتِ التَّلْبِيَةِ لِيَتَمَيَّزَ عنها قال الزَّعْفَرَانِيُّ وَيُصَلِّي على آلِهِ أَيْضًا كما في التَّشَهُّدِ وبعد ذلك يَسْأَلُ رِضْوَانَ اللَّهِ وَالْجَنَّةَ وَيَسْتَعِيذُهُ تَعَالَى من النَّارِ نَدْبًا كما رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عن فِعْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَكِنْ قال في الْمَجْمُوعِ وَالْجُمْهُورُ ضَعَّفُوهُ وَيَدْعُو بَعْدَ ذلك نَدْبًا بِمَا أَحَبَّ دِينًا وَدُنْيَا قال الزَّعْفَرَانِيُّ فيقول اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي من الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَسُولِك وَآمَنُوا بِك وَوَثِقُوا بِوَعْدِكَ وَوَفَّوْا بِعَهْدِك وَاتَّبَعُوا أَمْرَك اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي من وَفْدِكَ الَّذِينَ رَضِيتَ وَارْتَضَيْتَ وَقَبِلْتَ اللَّهُمَّ يَسِّرْ لي أَدَاءَ ما نَوَيْت وَتَقَبَّلْ مِنِّي يا كَرِيمُ
وَلَا يَتَكَلَّمُ فيها أَيْ في التَّلْبِيَةِ بِأَمْرٍ أو نَهْيٍ أو غَيْرِهِمَا إلَّا بِرَدِّ السَّلَامِ فإنه مَنْدُوبٌ وَتَأْخِيرُهُ عنها أَحَبُّ وقد يَجِبُ الْكَلَامُ في أَثْنَائِهَا لِلضَّرُورَةِ كما لَا يَخْفَى وَيُكْرَهُ التَّسْلِيمُ عليه في أَثْنَائِهَا لِأَنَّهُ يُكْرَهُ له قَطْعُهَا وَإِنْ رَأَى ما يُعْجِبُهُ قال نَدْبًا لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ قَالَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم حين وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ وَرَأَى جَمْعَ الْمُسْلِمِينَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عن مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْحَيَاةَ الْمَطْلُوبَةَ الْهَنِيَّةَ الدَّائِمَةَ هِيَ حَيَاةُ الدَّارِ الْآخِرَةِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْعَمَلُ بِالطَّاعَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ ذلك إذَا رَأَى ما يُهِمُّهُ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَالَهُ في أَسَرِّ أَحْوَالِهِ وفي أَشَدِّ أَحْوَالِهِ فَالْأَوَّلُ في وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ وَالثَّانِي في حَفْرِ الْخَنْدَقِ وَيُتَرْجَمُ بِمَا ذَكَرَ من التَّلْبِيَةِ وما بَعْدَهَا الْعَاجِزُ عنه لَا الْقَادِرُ كما في تَسْبِيحِ الصَّلَاةِ
بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ
____________________
(1/474)
وما يَتَعَلَّقُ بِهِ يُقَالُ مَكَّةَ بِالْمِيمِ وَبَكَّةَ بِالْبَاءِ لُغَتَانِ وَقِيلَ بِالْمِيمِ اسْمٌ لِلْحَرَمِ كُلِّهِ وَبِالْبَاءِ اسْمٌ لِلْمَسْجِدِ وَقِيلَ بِالْمِيمِ لِلْبَلَدِ وَبِالْبَاءِ لِلْبَيْتِ مع الْمَطَافِ وَقِيلَ بِدُونِهِ يُسْتَحَبُّ لِلْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ قبل الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ كما فَعَلَ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ وَلِكَثْرَةِ ما يَحْصُلُ له من السُّنَنِ الْآتِيَةِ وَأَنْ يَدْخُلَهَا من ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمَدِّ وَالتَّنْوِينِ وَالثَّنِيَّةُ الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ بين الْجَبَلَيْنِ من أَعْلَى مَكَّةَ يَعْنِي ثَنِيَّةَ كَدَاءٍ مَوْضِعٌ بِأَعْلَى مَكَّةَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ منها وَلَوْ لم تَكُنْ في طَرِيقِهِ لِمَا قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَرَجَ إلَيْهَا قَصْدًا وَهَذَا ما صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَصَوَّبَهُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عن الْأَصْحَابِ تَخْصِيصَهُ بِالْآتِي من طَرِيقِ الْمَدِينَةِ لِلْمَشَقَّةِ وَأَنَّ دُخُولَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم منها كان اتِّفَاقًا وهو الْمُوَافِقُ لِمَا سَيَأْتِي في الْغُسْلِ بِذِي طُوًى
قال الْإِسْنَوِيُّ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ على الْأَوَّلِ أَنَّ ما ذُكِرَ في كَدَاءٍ من الْحِكْمَةِ أَيْ الْآتِيَةِ غَيْرُ حَاصِلٍ بِسُلُوكِ غَيْرِهَا وفي الْغُسْلِ من أَنَّ الْقَصْدَ النَّظَافَةُ حَاصِلٌ في كل مَوْضِعٍ نعم في التَّفْرِقَةِ نَظَرٌ من وَجْهٍ آخَرَ وهو أَنَّ الْمُعَرِّجَ لِلدُّخُولِ يَنْتَهِي إلَى ما يَدْخُلُ منه الْآتِي من الْمَدِينَةِ وَرُبَّمَا يَمُرُّ بِذِي طُوًى أو يُقَارِبُهُ جِدًّا كَالْآتِي من الْيَمَنِ فإذا أُمِرَ الْمَدَنِيُّ بِذَهَابِهِ إلَى قِبَلِ وَجْهِهِ لِيَغْتَسِلَ بِذِي طُوًى ثُمَّ يَرْجِعَ إلَى خَلْفٍ فَأَمْرُ الْيَمَنِيِّ وقد مَرَّ بِهِ أو قَارَبَهُ بِالْأَوْلَى وَأَقُولُ لَا تَرَدُّدَ في أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ حِينَئِذٍ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ قبل تَعْرِيجِهِ فَلَا يُؤْمَرُ بِهِ لِيَغْتَسِلَ بَلْ لِيَدْخُلَ من ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ وهو قبل ذلك مَأْمُورٌ بِالْغُسْلِ من نَحْوِ تِلْكَ الْمَسَافَةِ إنْ لم يَقْصِدْ التَّعْرِيجَ لِيَدْخُلَ من ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ بِذِي طُوًى بِفَتْحِ الطَّاءِ أَفْصَحُ من ضَمِّهَا وَكَسْرِهَا وَادٍ بِمَكَّةَ بين الثَّنِيَّتَيْنِ وَأَقْرَبُ إلَى السُّفْلَى لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ هذا إنْ كانت بِطَرِيقِهِ بِأَنْ أتى من طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَإِلَّا اغْتَسَلَ من نَحْوِ تِلْكَ الْمَسَافَةِ قال الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَلَوْ قِيلَ يُسْتَحَبُّ له التَّعْرِيجُ إلَيْهَا وَالِاغْتِسَالُ بها اقْتِدَاءً وَتَرْكًا لم يَبْعُدْ قال الْأَذْرَعِيُّ وَبِهِ جَزَمَ الزَّعْفَرَانِيُّ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاشْتِمَالِهَا على بِئْرٍ مَطْوِيَّةٍ بِالْحِجَارَةِ أَيْ مَبْنِيَّةٍ وَالطَّيُّ الْبِنَاءُ وأن يَخْرُجَ من ثَنِيَّةِ كُدًى بِأَسْفَلِهَا أَيْ مَكَّةَ بِضَمِّ الْكَافِ وَالْقَصْرِ وَالتَّنْوِينِ عِنْدَ جَبَلِ قُعَيْقِعَانَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالْمَعْنَى فيه وفي دُخُولِهِ من ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ بِالْفَتْحِ الذَّهَابُ من طَرِيقٍ وَالْإِيَابُ من أُخْرَى كَالْعِيدِ وَغَيْرِهِ لِتَشْهَدَ له الطَّرِيقَانِ وَخُصَّتْ الْعُلْيَا بِالدُّخُولِ لِقَصْدِ الدَّاخِلِ مَوْضِعًا عَالِيَ الْمِقْدَارِ وَالْخَارِجُ عَكْسُهُ وَلِأَنَّ إبْرَاهِيمَ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حين قال فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً من الناس تَهْوِي إلَيْهِمْ كان على الْعُلْيَا كما رُوِيَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ قال الْإِسْنَوِيُّ وَقَضِيَّتُهُ اسْتِحْبَابِ ذلك لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ أَيْضًا كَاسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِ الْيَمِينِ لِدَاخِلِ الْمَسْجِدِ وَالْيَسَارِ لِلْخَارِجِ منه وَإِنْ لم يَقْصِدْ عِبَادَةً فَيَنْبَغِي الْقَوْلُ بِهِ إلَّا أَنْ يَرِدْ نَقْلٌ بِدَفْعِهِ قال في الْمَجْمُوعِ وَيُسْتَحَبُّ إذَا وَصَلَ الْحَرَمَ أَنْ يَسْتَحْضِرَ في قَلْبِهِ ما أَمْكَنَهُ من الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَيَتَذَكَّرَ جَلَالَةَ الْحَرَمِ وَمَزِيَّتَهُ على غَيْرِهِ وَأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ هذا حَرَمُكَ وَأَمْنُك فَحَرِّمْنِي على النَّارِ وَأَمِّنِّي من عَذَابِك يوم تَبْعَثُ عِبَادَك وَاجْعَلْنِي من أَوْلِيَائِك وَأَهْلِ طَاعَتِك
وَدُخُولُهُ مَكَّةَ نَهَارًا وَمَاشِيًا وَحَافِيًا ولم تَلْحَقْهُ مَشَقَّةٌ ولم يَخَفْ تَنَجُّسَ رِجْلَيْهِ كما قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ أَفْضَلُ من دُخُولِهِ لَيْلًا وَرَاكِبًا وَمُتَنَعِّلًا أَمَّا في الْأَوَّلِ فَلِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِأَنَّهُ أَعْوَنُ له وَأَرْفَقُ بِهِ وَأَقْرَبُ إلَى مُرَاعَاتِهِ الْوَظَائِفَ الْمَشْرُوعَةَ وَدُخُولُهُ أَوَّلَ النَّهَارِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ أَفْضَلُ اقْتِدَاءً بِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَأَمَّا في الْبَاقِي فَلِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالتَّوَاضُعِ وَالْأَدَبِ وَلَيْسَ فيه مَشَقَّةٌ وَلَا فَوَاتُ مُهِمٍّ بِخِلَافِ الرُّكُوبِ في الطَّرِيقِ فإنه أَفْضَلُ كما مَرَّ لِمَا تَقَدَّمَ ثَمَّ وَلِأَنَّ الرَّاكِبَ في الدُّخُولِ مُتَعَرِّضٌ لِإِيذَاءِ الناس بِدَابَّتِهِ في الزَّحْمَةِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ أَفْضَلِيَّةِ الْمَشْيِ بِمَنْ لَا يُشَقُّ عليه وَلَا يُضْعِفُهُ عن الْوَظَائِفِ وَيُشْبِهُ أَنَّ دُخُولَ الْمَرْأَةِ في هَوْدَجِهَا وَنَحْوِهِ أَوْلَى لَا سِيَّمَا عِنْدَ الزَّحْمَةِ قال في الْمَجْمُوعِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ دُخُولُهُ مَكَّةَ بِخُشُوعِ قَلْبِهِ وَخُضُوعِ جَوَارِحِهِ دَائِمًا مُتَضَرِّعًا قال الْمَاوَرْدِيُّ وَيَكُونُ من دُعَائِهِ ما رَوَاهُ جَعْفَرُ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه عن جَدِّهِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يقول عِنْدَ دُخُولِهِ اللَّهُمَّ الْبَلَدُ بَلَدُك وَالْبَيْتُ بَيْتُكَ جِئْت أَطْلُبُ رَحْمَتَك وَأَؤُمُّ طَاعَتَك مُتَّبِعًا لِأَمْرِكَ وَرَاضِيًا بِقَدَرِك مُسَلِّمًا لِأَمْرِك أَسْأَلُك مَسْأَلَةَ الْمُضْطَرِّ إلَيْكَ الْمُشْفِقِ من عَذَابِك أَنْ تَسْتَقْبِلَنِي بِعَفْوِك وَأَنْ تَتَجَاوَزَ عَنِّي بِرَحْمَتِك وَأَنْ تُدْخِلَنِي جَنَّتَكَ قال الزَّعْفَرَانِيُّ وَيَقُولُ آيِبُونَ
____________________
(1/475)
تَائِبُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي أَقْدَمَنِيهَا سَالِمًا مُعَافًى الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَثِيرًا على تَيْسِيرِهِ وَحُسْنِ بَلَاغِهِ اللَّهُمَّ هذا حَرَمُكَ وَأَمْنُك فَحَرِّمْ لَحْمِي وَدَمِي وَشَعْرِي وَبَشَرِي على النَّارِ وَآمِنِّي من عَذَابِك يوم تَبْعَثُ عِبَادَك وَاجْعَلْنِي من أَوْلِيَائِك وَأَحْبَابِك وَأَهْلِ طَاعَتِك اللَّهُمَّ أنت رَبِّي وأنا عَبْدُك وَالْبَلَدُ بَلَدُك وَالْحَرَمُ حَرَمُكَ وَالْأَمْنُ أَمْنُك جِئْت هَارِبًا عن الذُّنُوبِ مُقْلِعًا وَلِفَضْلِكَ رَاجِيًا وَلِرَحْمَتِك طَالِبًا وَلِفَرَائِضِك مُؤَدِّيًا وَلِرِضَاكَ مُبْتَغِيًا وَلِعَفْوِك سَائِلًا فَلَا تَرُدُّنِي خَائِبًا وَأَدْخِلْنِي في رَحْمَتِك الْوَاسِعَةِ وَأَعِذْنِي من الشَّيْطَانِ وَجُنْدِهِ وَشَرِّ أَوْلِيَائِهِ وَحِزْبِهِ وَصَلَّى اللَّهُ على سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ
فَرْعٌ وَيُسْتَحَبُّ حين يَرَى الْبَيْتَ أَيْ الْكَعْبَةَ أو يَصِلَ مَحَلَّ رُؤْيَتِهِ ولم يَرَهُ لِعَمًى أو ظُلْمَةٍ أو نَحْوِهِمَا فِيمَا يَظْهَرُ أَنْ يَدْعُوَ بِالدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ أَيْ الْمَنْقُولِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ وهو اللَّهُمَّ زِدْ هذا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَزِدْ من شَرَّفَهُ وَكَرَّمَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ أو اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا وَالْمَنْقُولُ عن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه بِإِسْنَادٍ ليس بِالْقَوِيِّ وهو اللَّهُمَّ أنت السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ رَافِعًا يَدَيْهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وأن يَدْعُوَ بِمَا أَحَبَّ من الْمُهِمَّاتِ وَأَهَمُّهَا الْمَغْفِرَةُ وَأَنْ يَدْعُوَ وَاقِفًا وَالدَّاخِلُ من الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا يَرَاهُ أَيْ الْبَيْتَ من رَأْسِ الرَّدْمِ قبل دُخُولِ الْمَسْجِدِ فَيَقِفُ وَيَدْعُو كما قُلْنَا ثُمَّ بَعْدَ فَرَاغِهِ من الدُّعَاءِ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ من بَابِ بَنِي شَيْبَةَ وَإِنْ لم يَكُنْ في طَرِيقِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم دخل منه وَخَرَجَ من بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ إلَى الصَّفَا وفي رِوَايَةٍ من بَابِ بَنِي سَهْمٍ إلَى الْمَدِينَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ الدُّخُولِ من ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ على ما نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ لِتَرَدُّدِهِمْ في أَنَّ دُخُولَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم منها كان قَصْدًا أو اتِّفَاقًا وَلِأَنَّ الدَّوَرَانَ حَوْلَ الْمَسْجِدِ لَا يَشُقُّ بِخِلَافِهِ حَوْلَ الْبَلَدِ وَلِأَنَّ بَابَ بَنِي شَيْبَةَ من جِهَةِ بَابِ الْكَعْبَةِ وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ من بَابِ بَنِي سَهْمٍ إذَا خَرَجَ إلَى بَلَدِهِ لِلرَّاوِيَةِ السَّابِقَةِ وَيُسَمَّى الْيَوْمَ بَابُ الْعُمْرَةِ
وَيَبْدَأُ نَدْبًا عِنْدَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ قبل تَغْيِيرِ ثِيَابِهِ وَاكْتِرَاءِ مَنْزِلِهِ وَنَحْوِهِمَا بِطَوَافِ الْقُدُومِ إنْ لم يَعْتَمِرْ أو بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ إنْ اعْتَمَرَ رَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حين قَدِمَ مَكَّةَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَالْمَعْنَى فيه أَنَّ الطَّوَافَ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ فَبَدَأَ بِهِ هذا إنْ لم تَقُمْ جَمَاعَةُ الْفَرِيضَةِ ولم يَضِقْ وَقْتُ سُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ أو رَاتِبَةٍ أو فَرِيضَةٍ فَإِنْ كان شَيْءٌ من ذلك قَدَّمَهُ على الطَّوَافِ أَيْضًا وَلَوْ كان في أَثْنَائِهِ لِأَنَّ ذلك يَفُوتُ وَالطَّوَافُ لَا يَفُوتُ وَلَوْ كان عليه فَائِتَةٌ قَدَّمَهَا على الطَّوَافِ أَيْضًا وَلَوْ دخل وقد مُنِعَ الناس من الطَّوَافِ صلى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ جَزَمَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ وَإِنَّمَا قُدِّمَ الطَّوَافُ عليها فِيمَا مَرَّ لِأَنَّ الْقَصْدَ من إتْيَانِ الْمَسْجِدِ الْبَيْتُ وَتَحِيَّتُهُ الطَّوَافُ وَلِأَنَّهَا تَحْصُلُ بِرَكْعَتَيْهِ غَالِبًا وَذِكْرُ ابْتِدَاءِ طَوَافِ الْعُمْرَةِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ
فَرْعٌ قال في الْمَجْمُوعِ قد ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِطَوَافِ الْقُدُومِ أَوَّلَ قُدُومِهِ فَلَوْ أَخَّرَهُ فَفِي فَوَاتِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْإِمَامُ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ انْتَهَى
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَفُوتُ بِالْجُلُوسِ كما تَفُوتُ بِهِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ نعم يَفُوتُ بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَيُحْتَمَلُ فَوَاتُهُ بِالْخُرُوجِ من مَكَّةَ وَلَا طَوَافَ لِلْقُدُومِ على الْحَاجِّ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَلَا على الْمُعْتَمِرِ لِأَنَّ الطَّوَافَ الْمَفْرُوضَ عَلَيْهِمَا قد دخل وَقْتُهُ وَخُوطِبَا بِهِ فَلَا يَصِحُّ قبل أَدَائِهِ أَنْ يَتَطَوَّعَا بِطَوَافٍ قِيَاسًا على أَصْلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَبِهَذَا فَارَقَ ما نَحْنُ فيه الصَّلَاةَ حَيْثُ أُمِرَ بِالتَّحِيَّةِ قبل الْفَرْضِ فَطَوَافُ الْقُدُومِ مُخْتَصٌّ بِحَلَالٍ دخل مَكَّةَ وَبِحَاجٍّ دَخَلَهَا قبل الْوُقُوفِ وَيُسَمَّى طَوَافُ الْقَادِمِ وَطَوَافُ الْوُرُودِ وَالْوَارِدِ وَطَوَافُ التَّحِيَّةِ وَقَوْلُ الْأَصْلِ وَيُجْزِئُ طَوَافُ الْعُمْرَةِ عن طَوَافِ الْقُدُومِ أَيْ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ وَإِلَّا فَلَيْسَ على الْمُعْتَمِرِ طَوَافُ قُدُومٍ كَالْحَاجِّ الذي دخل بَعْدَ الْوُقُوفِ كما عُرِفَ وَذَوَاتُ الْهَيْئَةِ من النِّسْوَةِ لِجَمَالٍ أو شَرَفٍ يُؤَخِّرْنَهُ أَيْ الطَّوَافَ إلَى اللَّيْلِ
____________________
(1/476)
لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُنَّ وَأَسْلَمُ لَهُنَّ وَلِغَيْرِهِنَّ من الْفِتْنَةِ وَمِثْلُهُنَّ الْخَنَاثَى
وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ دخل الْحَرَمَ أو مَكَّةَ أَيْ لِمَنْ قَصَدَ دُخُولَ أَحَدِهِمَا لَا لِنُسُكٍ أَنْ يُحْرِمَ بِنُسُكٍ من حَجَّ أو عُمْرَةٍ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِدَاخِلِهِ سَوَاءٌ أَتَكَرَّرَ دُخُولُهُ كَحَطَّابٍ وَصَيَّادٍ أَمْ لَا كَرَسُولٍ وَتَاجِرٍ قال في الْمَجْمُوعِ وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ وَذِكْرُ اسْتِحْبَابِهِ لِمَنْ يَتَكَرَّرُ دُخُولُهُ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ
فَصْلٌ وَوَاجِبَاتُ الطَّوَافِ بِأَنْوَاعِهِ خَمْسَةٌ الْأَوَّلُ الطَّهَارَتَانِ طَهَارَتَا الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ في بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ وَمَطَافِهِ وَالسِّتْرُ لِلْعَوْرَةِ كما في الصَّلَاةِ وَلِخَبَرِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ وَلِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مع خَبَرِ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَرَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِعَائِشَةَ لَمَّا حَاضَتْ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ اصْنَعِي ما يَصْنَعُ الْحَاجُّ غير أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حتى تَغْتَسِلِي فَلَوْ أَحْدَثَ أو تَنَجَّسَ بَدَنُهُ أو ثَوْبُهُ أو مَطَافُهُ بِنَجَسٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عنه أو عَرِيَ مع الْقُدْرَةِ على السَّتْرِ في أَثْنَاءِ الطَّوَافِ تَطَهَّرَ وَسَتَرَ عَوْرَتَهُ وَبَنَى على طَوَافِهِ وَلَوْ تَعَمَّدَ ذلك بِخِلَافِ الصَّلَاةِ إذْ يُحْتَمَلُ فيه ما لَا يُحْتَمَلُ فيها كَكَثِيرِ الْفِعْلِ وَالْكَلَامِ سَوَاءٌ أَطَالَ الْفَصْلُ أَمْ قَصُرَ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمُوَالَاةِ فيه كَالْوُضُوءِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ يَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا ما ليس منها بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الطَّوَافَ خُرُوجًا من خِلَافِ من أَوْجَبَ الِاسْتِئْنَافَ قال في الْمَجْمُوعِ وَغَلَبَةُ النَّجَاسَةِ في الْمَطَافِ مِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى وقد اخْتَارَ جَمَاعَةٌ من مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا الْعَفْوَ عنها قال وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا يُشَقُّ الِاحْتِرَازُ عنه من ذلك كما في دَمِ الْقَمْلِ وَالْبَرَاغِيثِ وَالْبَقِّ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا مَرَّ وَكَمَا في كَثْرَةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ وَكَمَا في طِينِ الشَّارِعِ الْمُتَيَقَّنِ نَجَاسَتَهُ
ا ه
أَمَّا الْعَارِي الْعَاجِزُ عن عن السَّتْرِ فَيَطُوفُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةٌ قال الْإِسْنَوِيُّ وَالْقِيَاسُ مَنْعُ الْمُتَيَمِّمِ وَالْمُتَنَجِّسِ عن الْمَاءِ من طَوَافِ الرُّكْنِ لِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ فَلَا فَائِدَةَ في فِعْلِهِ وَإِنَّمَا فَعَلَتْ الصَّلَاةُ كَذَلِكَ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَالطَّوَافِ لَا آخَرَ لِوَقْتِهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ إذَا صلى ثُمَّ قَدَرَ على التَّيَمُّمِ بَعْدَ الْوَقْتِ لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ في الْحَضَرِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ الْوَاجِبَةِ
الثَّانِي التَّرْتِيبُ وهو أَنْ يَبْدَأَ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مع خَبَرِ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ فَلَا وفي نُسْخَةٍ وَلَا يَعْتَدُّ بِمَا بَدَأَ بِهِ قَبْلَهُ وَلَوْ سَهْوًا فإذا انْتَهَى إلَيْهِ ابْتَدَأَ منه وَأَنْ يُحَاذِ بِهِ أو بَعْضَهُ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ بِحَيْثُ لَا يَتَقَدَّمُ جُزْءٌ من بَدَنِهِ على جُزْءٍ من الْحَجَرِ فَلَوْ لم يُحَاذِهِ أو بَعْضَهُ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ بِأَنْ جَاوَزَهُ بِبَعْضِ بَدَنِهِ إلَى جِهَةِ الْبَابِ لم تُحْسَبْ طَوْفَتُهُ وَالْمُرَادُ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ جَمِيعُ الشِّقِّ الْأَيْسَرِ وَاكْتُفِيَ بِمُحَاذَاتِهِ بَعْضِ الْحَجَرِ كما يُكْتَفَى بِتَوَجُّهِهِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ بَعْضَ الْكَعْبَةِ في الصَّلَاةِ قال في الْمَجْمُوعِ وَصِفَةُ الْمُحَاذَاةِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْبَيْتَ وَيَقِفَ بِجَانِبِ الْحَجَرِ الذي إلَى جِهَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ بِحَيْثُ يَصِيرُ جَمِيعُ الْحَجَرِ عن يَمِينِهِ وَمَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ عِنْدَ طَرَفِهِ ثُمَّ يَنْوِي الطَّوَافَ ثُمَّ يَمْشِي مُسْتَقْبِلًا الْحَجَرَ مَارًّا إلَى جِهَةِ يَمِينِهِ حتى يُجَاوِزَهُ فإذا جَاوَزَهُ انْفَتَلَ وَجَعَلَ يَسَارَهُ إلَى الْبَيْتِ وَلَوْ فَعَلَ هذا من الْأَوَّلِ وَتَرَكَ اسْتِقْبَالَ الْحَجَرِ جَازَ لَكِنْ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ قال في مَنَاسِكِهِ وَلَيْسَ شَيْءٌ من الطَّوَافِ يَجُوزُ مع اسْتِقْبَالِ الْبَيْتِ إلَّا ما ذَكَرْنَا من مُرُورِهِ في ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ على الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ في الطَّوْفَةِ الْأُولَى لَا غَيْرُ ولم يَذْكُرْهُ جَمَاعَةٌ من أَصْحَابِنَا وهو غَيْرُ الِاسْتِقْبَالِ الْمُسْتَحَبِّ عِنْدَ لِقَاءِ الْحَجَرِ قبل أَنْ يَبْدَأَ بِالطَّوَافِ فإن ذلك مُسْتَحَبٌّ لَا خِلَافَ فيه وَسُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ
وإذا اسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ لِدُعَاءٍ أو زَحْمَةٍ أو غَيْرِهِمَا فَلْيَحْتَرِزْ عن الْمُرُورِ في الطَّوَافِ وَلَوْ أَدْنَى جُزْءٍ قبل عَوْدِهِ إلَى جَعْلِ الْبَيْتِ عن يَسَارِهِ وَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَمَامَهُ جَاعِلًا له عن يَسَارِهِ
____________________
(1/477)
لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مع خَبَرِ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ فَإِنْ عَكَسَ بِأَنْ جَعَلَهُ على يَمِينِهِ وَمَشَى أَمَامَهُ لم يَصِحَّ وَكَذَا لو اسْتَقْبَلَهُ أو اسْتَدْبَرَهُ وَطَافَ مُعْتَرِضًا أو جَعَلَهُ على يَمِينِهِ وَمَشَى الْقَهْقَرَى لِمُنَابَذَتِهِ لِمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ
الْوَاجِبُ الثَّالِثُ خُرُوجُ جَمِيعِهِ عن جَمِيعِ الْبَيْتِ قال تَعَالَى وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَإِنَّمَا يَكُونُ طَائِفًا بِهِ إذَا كان خَارِجًا عنه وَإِلَّا فَهُوَ طَائِفٌ فيه وَكَذَا عن جَمِيعِ الْحِجْرِ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ الْمُحَوَّطِ بين الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ بِجِدَارٍ قَصِيرٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلٍّ من الرُّكْنَيْنِ فَتْحَةٌ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا طَافَ خَارِجَهُ وقال خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن عَائِشَةَ قالت سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الْجَدْرِ وفي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عن الْحِجْرِ أَمِنْ الْبَيْتِ هو قال نعم قُلْت فما بَالُهُمْ لم يُدْخِلُوهُ في الْبَيْتِ قال إنَّ قَوْمَك قَصَّرَتْ بِهِمْ النَّفَقَةُ قُلْت فما شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا قال فَعَلَ ذلك قَوْمُك لِيُدْخِلُوا من شَاءُوا وَيَمْنَعُوا من شَاءُوا وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَك حَدِيثُ عَهْدٍ في الْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ في الْبَيْتِ وَأَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ بِالْأَرْضِ لَفَعَلْت وَظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّ الْحِجْرَ جَمِيعَهُ من الْبَيْتِ قال في الْأَصْلِ وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الْأَصْحَابِ وَظَاهِرُ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ ليس كَذَلِكَ بَلْ الذي هو من الْبَيْتِ قَدْرُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ تَتَّصِلُ بِالْبَيْتِ وَقِيلَ سِتَّةٌ أو سَبْعَةٌ وَلَفْظُ الْمُخْتَصَرِ مَحْمُولٌ على هذا وَمَعَ ذلك يَجِبُ الطَّوَافُ خَارِجَهُ لِمَا مَرَّ
فَلَوْ كان يَطُوفُ وَيَمَسُّ بيده الْجِدَارَ الْكَائِنَ في مُوَازَاتِهِ الشَّاذَرْوَانُ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْخَارِجُ عن عَرْضِ جِدَارِ الْبَيْتِ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ تَرَكَتْهُ قُرَيْشٌ لِضِيقِ النَّفَقَةِ أو يُدْخِلُ يَدَهُ بِأَعْلَى الشَّاذَرْوَانِ وَإِنْ لم يَمَسَّ الْجِدَارَ أو يَدْخُلُ من إحْدَى فَتْحَتَيْ الْحِجْرِ وَيَخْرُجُ من الْأُخْرَى أو يَخْلُفُ منه قَدْرَ الذي من الْبَيْتِ وَيَقْتَحِمُ الْجِدَارَ وَيَخْرُجُ من الْجَانِبِ الْآخَرِ على السَّمْتِ لم يَصِحَّ طَوَافُهُ لِمَا مَرَّ وَخَرَجَ بِمُوَازَاتِهِ ما لو مَسَّ الْجِدَارَ الذي في جِهَةِ الْبَابِ فَلَا يَضُرُّ قال النَّوَوِيُّ في مَنَاسِكِهِ وَغَيْرِهَا عن أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَالشَّاذَرْوَانُ ظَاهِرٌ في جَوَانِبِ الْبَيْتِ لَكِنْ لَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وقد أُحْدِثَ في هذه الْأَزْمَانِ عِنْدَهُ شَاذَرْوَانُ قال وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَفَطَّنَ لِدَقِيقَةٍ وَهِيَ أَنَّ من قَبَّلَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدَ فَرَأْسُهُ في حَالِ التَّقْبِيلِ في جُزْءٍ من الْبَيْتِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُقِرَّ قَدَمَيْهِ في مَحَلِّهِمَا حتى يَفْرُغَ من التَّقْبِيلِ وَيَعْتَدِلَ قَائِمًا
الْوَاجِبُ الرَّابِعُ كَوْنُهُ أَيْ الطَّوَافِ في الْمَسْجِدِ وَإِنْ وَسِعَ وَحَالَ حَائِلٌ بين الطَّائِفِ وَالْبَيْتِ كَالسِّقَايَةِ وَالسَّوَارِي وطاف على سَطْحِهِ أَيْ سَطْحِ الْمَسْجِدِ الْمُنْخَفِضِ عن الْبَيْتِ كما هو الْيَوْمَ نعم لو زِيدَ فيه حتى بَلَغَ الْحِلَّ فَطَافَ فيه في الْحِلِّ فَالْقِيَاسُ في الْمُهِمَّاتِ عَدَمُ الصِّحَّةِ بِقَوْلِهِ في الْمَسْجِدِ ما لو طَافَ خَارِجَهُ وَلَوْ بِالْحَرَمِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَطُفْ إلَّا دَاخِلَهُ وقال خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ فَإِنْ ارْتَفَعَ السَّطْحُ عنه أَيْ عن الْبَيْتِ جَازَ الطَّوَافُ عليه أَيْضًا كَالصَّلَاةِ على جَبَلِ أبي قُبَيْسٍ مع ارْتِفَاعِهِ عن الْبَيْتِ وَلَوْ قال وَعَلَى سَطْحِهِ وَلَوْ مُرْتَفِعًا عن الْبَيْتِ كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ
فَائِدَةٌ الْمَسْجِدُ في زَمَنِنَا أَوْسَعُ مِمَّا كان في زَمَنِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِزِيَادَاتٍ زِيدَتْ فيه فَأَوَّلُ من وَسَّعَهُ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ اشْتَرَى دُورًا فَزَادَهَا فيه وَاِتَّخَذَ لِلْمَسْجِدِ جِدَارًا قَصِيرًا دُونَ الْقَامَةِ وهو أَوَّلُ من اتَّخَذَ له الْجِدَارَ ثُمَّ وَسَّعَهُ عُثْمَانُ وَاِتَّخَذَ له الْأَرْوِقَةَ وهو أَوَّلُ من اتَّخَذَهَا ثُمَّ وَسَّعَهُ عبد اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ في خِلَافَتِهِ ثُمَّ وَسَّعَهُ الْوَلِيدُ بن عبد الْمَلِكِ ثُمَّ الْمَنْصُورُ ثُمَّ الْمَهْدِيُّ وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّ بِنَاؤُهُ إلَى وَقْتِنَا ذَكَرَ ذلك في الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا
الْوَاجِبُ الْخَامِسُ أَنْ يَطُوفَ سَبْعًا وَلَوْ في الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عن الصَّلَاةِ فيها مَاشِيًا كان أو رَاكِبًا بِعُذْرٍ أو غَيْرِهِ فَلَوْ اقْتَصَرَ على سِتَّةٍ أو تَرَكَ من السَّبْعِ خُطْوَةً أو أَقَلَّ لم يَجُزْ لِمَا مَرَّ في اشْتِرَاطِ جَعْلِ الْبَيْتِ عن يَسَارِهِ فَرْعٌ قال في الْمَجْمُوعِ كَرِهَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ تَسْمِيَةَ الطَّوَّافَةِ شَوْطًا وَدُورًا لِأَنَّهُ تَعَالَى إنَّمَا سَمَّاهَا بِالطَّوَافِ لَا بِهِمَا أَيْ وَلِأَنَّ الشَّوْطَ الْهَلَاكُ ثُمَّ قال وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عن ابْنِ عَبَّاسٍ قال أَمَرَهُمْ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَرْمُلُوا ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ ولم يَمْنَعْهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إلَّا الْإِبْقَاءُ عليهم وَرُدَّ بِأَنَّ ذلك لَا يَدُلُّ على نَفْيِ الْكَرَاهَةِ
____________________
(1/478)
لِأَنَّهُ من قَوْلِ الرَّاوِي وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ من قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم جَازَ حَمْلُهُ على بَيَانِ الْجَوَازِ كما حُمِلَ عليه قَوْلُهُ لو يَعْلَمُونَ ما في الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَمَعَ أَنَّ تَسْمِيَةَ الْعِشَاءِ عَتَمَةٌ مَكْرُوهٌ من غَيْرِهِ
وَسُنَنُهُ أَيْ الطَّوَافِ ثَمَانٍ الْأُولَى النِّيَّةُ في طَوَافِ النُّسُكِ خُرُوجًا من خِلَافِ من أَوْجَبَهَا فيه وَلَا الْأَوْلَى فَلَا تَجِبُ لِأَنَّ نِيَّةَ النُّسُكِ شَمَلَتْهُ كما تَشْمَلُ الْوُقُوفَ وَغَيْرَهُ فَيَصِحُّ طَوَافُ مُحْرِمٍ نَائِمٍ مُمَكِّنِ مَقْعَدَتِهِ من مَحَلِّهَا اكْتِفَاءً بِنِيَّةِ الْحَجِّ أو الْعُمْرَةِ فَلَوْ صَرَفَهَا الْأَوْجَهُ الْمُوَافِقُ لِأَصْلِهِ صَرْفُهُ أَيْ الطَّوَافِ لِغَيْرِهِ كَطَلَبِ غَرِيمٍ بَطَلَ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ طَائِفًا وَيُفَارِقُ فِيمَا سَيَأْتِي في الْوُقُوفِ بِأَنَّهُ قُرْبَةٌ بِرَأْسِهَا بِخِلَافِ الْوُقُوفِ وَتَجِبُ النِّيَّةُ في طَوَافِ النَّفْلِ الذي لم يَشْمَلْهُ نُسُكٌ كَطَوَافِ الْوَدَاعِ على الْأَصْلِ في وُجُوبِهَا في الْعِبَادَةِ الْمُسْتَقِلَّةِ وَهَذَانِ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ النَّوَوِيُّ في الْمَجْمُوعِ بِالْأَوَّلِ وابن الرِّفْعَةِ بِالثَّانِي قال الْإِسْنَوِيُّ وَفِيمَا قَالَهُ ابن الرِّفْعَةِ نَظَرٌ وَالْقِيَاسُ تَخْرِيجُهُ على الْخِلَافِ في أَنَّهُ من الْمَنَاسِكِ أو لَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ منها كما سَيَأْتِي وَرُدَّ بِأَنَّ الْوَجْهَ ما قَالَهُ ابن الرِّفْعَةِ لِوُقُوعِهِ بَعْدَ التَّحَلُّلَيْنِ فَلَا يَصِحُّ دُخُولُهُ في نِيَّةِ الْعِبَادَةِ وهو مُنْتَقَضٌ بِالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ من الصَّلَاةِ مع أَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ ليس من الْمَنَاسِكِ وَكَطَوَافِ النَّفْلِ الطَّوَافُ الْمَنْذُورُ كما أَفَادَهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ
فَرْعٌ وَإِنْ حَمَلَ مُحْرِمًا صَغِيرًا أو كَبِيرًا أو مُحْرِمَيْنِ صَغِيرَيْنِ أو كَبِيرَيْنِ أو أَحَدَهُمَا صَغِيرًا وَالْآخَرَ كَبِيرًا لِعُذْرٍ أو غَيْرِهِ حَلَالٌ أو مُحْرِمٌ قد طَافَ عن نَفْسِهِ أو لم يَدْخُلْ وَقْتُ طَوَافِهِ وَطَافَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَحْمُولٍ وَقَعَ لِلْمَحْمُولِ بِشَرْطٍ لِأَنَّهُ كَرَاكِبِ دَابَّةٍ إذْ لَا طَوَافَ على الْحَامِلِ نعم إنْ قَصَدَ الْحَامِلُ نَفْسَهُ وَحْدَهَا أو مع الْمَحْمُولِ وَقَعَ له أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي وَكَذَا لو لم يَطُفْ أَيْ الْمُحْرِمُ الْحَامِلُ عن نَفْسِهِ وَدَخَلَ وَقْتُ طَوَافِهِ وَقَعَ لِلْمَحْمُولِ إنْ قَصَدَهُ لِلْمَحْمُولِ لِعَدَمِ وُقُوعِهِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرَ عَدَمُ صَرْفِهِ الطَّوَافَ إلَى غَرَضٍ أَخَّرَ وقد صَرَفَهُ عنه إلَيْهِ فَإِنْ قَصَدَ نَفْسَهُ أو كِلَيْهِمَا أَيْ نَفْسَهُ وَمَحْمُولَهُ أو لم يَقْصِدْ شيئا وَقَعَ لِلْجَامِعِ فَقَطْ وَإِنْ قَصَدَ مَحْمُولُهُ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ الطَّائِفُ ولم يَصْرِفْهُ عن نَفْسِهِ وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ أَنَّهُ لو حَمَلَ حَلَالًا وَنَوَيَا وَقَعَ لِلْحَامِلِ وَسَوَاءٌ في الصَّغِيرِ أَحَمَلَهُ وَلِيُّهُ وَاَلَّذِي أَحْرَمَ عنه أَمْ غَيْرُهُ لَكِنْ يَنْبَغِي في حَمْلِ غَيْرِ الْوَلِيِّ أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ لِأَنَّ الصَّغِيرَ إذَا طَافَ رَاكِبًا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ وَلِيُّهُ سَائِقًا أو قَائِدًا كما قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَحَلُّهُ في غَيْرِ الْمُمَيِّزِ فَلَوْ لم يَحْمِلْهُ بِأَنْ جَعَلَهُ في شَيْءٍ مَوْضُوعٍ على الْأَرْضِ وَجَذَبَهُ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِطَوَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِطَوَافِ الْآخَرِ لِانْفِصَالِهِ عنه وَنَظِيرِهِ ما لو كان بِسَفِينَةٍ وهو يَجْذِبُهَا وما ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ في مَسْأَلَةِ كِلَيْهِمَا
قال الْإِسْنَوِيُّ نَصَّ الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ على خِلَافِهِ إلَّا أَنَّ نَصَّ الْأُمِّ في وُقُوعِهِ لِلْمَحْمُولِ وَنَصَّ الْإِمْلَاءِ في وُقُوعِهِ لَهُمَا كَذَا نَقَلَهُ في الْبَحْرِ فَالنَّصَّانِ مُتَّفِقَانِ على نَفْيِ ما ذُكِرَ وَنَصُّ الْأُمِّ أَقْوَى عِنْدَ الْأَصْحَابِ وهو هُنَا بِخُصُوصِهِ أَظْهَرُ من نَصَّيْ الْإِمْلَاءِ فَيَجِبُ الْأَخْذُ بِهِ وَاعْتَرَضَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنْ نَقَلَهُ عن الْبَحْرِ من نَقْلِهِ عن الْإِمْلَاءِ من وُقُوعِهِ لَهُمَا غَلَطٌ بَلْ الذي فيه في عِدَّةِ نُسَخٍ عن الْإِمْلَاءِ وُقُوعُهُ لِلْحَامِلِ دُونَ الْمَحْمُولِ وَرَجَّحَهُ الْأَصْحَابُ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْقِيَاسِ فإنه لو نَوَى الْحَجَّ له وَلِغَيْرِهِ وَقَعَ فَكَذَا رُكْنَهُ فَائِدَةٌ قال الزَّرْكَشِيُّ قَضِيَّةُ كَلَامِ صَاحِبِ الْكَافِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ في أَحْكَامِ الْمَحْمُولِ بين الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَفِيهِ نَظَرٌ قال ابن يُونُسَ وَإِنْ حَمَلَهُ في الْوُقُوفِ أَجْزَأَ فِيهِمَا يَعْنِي مُطْلَقًا وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ ثَمَّ السُّكُونُ وقد وُجِدَ من كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُنَا الْفِعْلُ لم يُوجَدْ مِنْهُمَا وَلَوْ طَافَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ مُعْتَقِدًا أَنَّ إحْرَامَهُ عُمْرَةٌ فَبَانَ حَجًّا وَقَعَ عنه كما لو طَافَ عن غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ طَوَافٌ
الثَّانِيَةُ من سُنَنِ الطَّوَافِ الْمُوَالَاةُ بين الطَّوَّافَاتُ السَّبْعِ خُرُوجًا من خِلَافِ من أَوْجَبَهَا وَقَوْلُهُ وَهِيَ سُنَّةٌ لَا وَاجِبَةٌ إيضَاحٌ فَيُكْرَهُ التَّفْرِيقُ بِلَا عُذْرٍ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ الطَّوَافُ وَلَوْ فَرَّقَ كَثِيرًا قال الْإِمَامُ وَالْكَثِيرُ ما يَغْلِبُ على الظَّنِّ تَرْكُهُ الطَّوَافَ وَذِكْرُ الْكَرَاهَةِ من زِيَادَتِهِ وهو نَظِيرُ ما قَدَّمَهُ في كَرَاهَةِ التَّفْرِيقِ في الْوُضُوءِ وَتَقَدَّمَ ثَمَّ إنَّ الْمَعْرُوفَ عَدَمُهَا وَعَلَيْهِ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْوُضُوءَ وَسِيلَةٌ فَاغْتُفِرَ فيه ذلك بِخِلَافِ الطَّوَافِ وَالْأَوْجَهُ حَمْلُ ما هُنَا على التَّفْرِيقِ في طَوَافِ الْفَرْقِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي ما تَفْرِيقُهُ بِعُذْرٍ فَلَا كَرَاهَةَ فيه وَلَا هو خِلَافُ الْأَوْلَى وَإِقَامَةُ الْمَكْتُوبَةِ وَعُرُوضُ حَاجَةٍ لَا بُدَّ منها في أَثْنَاءِ الطَّوَافِ عُذْرٌ في قَطْعِهِ وَيُكْرَهُ قَطْعُ الطَّوَافِ الْمَفْرُوضِ
____________________
(1/479)
لِجِنَازَةٍ أو رَاتِبَةٍ لِأَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ فَلَا يُقْطَعُ لِنَافِلَةٍ وَلَا لِفَرْضِ كِفَايَةٍ قال في الْمَجْمُوعِ عن الْأَصْحَابِ وَكَذَا حُكْمُ السَّعْيِ
الثَّالِثَةُ الْمَشْيُ فيه وَلَوْ امْرَأَةٌ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُ أَشْبَهَ التَّوَاضُعَ وَالْأَدَبَ فَلَا يَرْكَبُ لِئَلَّا يُؤْذِيَ غَيْرَهُ وَيُلَوِّثَ الْمَسْجِدَ إلَّا لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ لِمَا في الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَدِمَتْ مَرِيضَةً فقال لها رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم طُوفِي وَرَاءَ الناس وَأَنْتِ رَاكِبَةً وَفِيهِمَا أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم طَافَ رَاكِبًا في حِجَّةِ الْوَدَاعِ لِيَظْهَرَ فَيُسْتَفْتَى فَلِمَنْ اُحْتِيجَ إلَى ظُهُورِهِ لِلْفَتْوَى أَنْ يَتَأَسَّى بِهِ لَكِنْ لو رَكِبَ بِلَا عُذْرٍ لم يُكْرَهْ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْجُمْهُورِ وَصَحَّحَهُ قال الْإِمَامُ وفي الْقَلْبِ من إدْخَالِ الْبَهِيمَةِ التي لَا يُؤْمَنُ تَلْوِيثُهَا الْمَسْجِدَ شَيْءٌ فَإِنْ أَمْكَنَ الِاسْتِيثَاقُ فَذَاكَ وَإِلَّا فَإِدْخَالُهَا مَكْرُوهٌ وقال الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ ما ذُكِرَ من عَدَمِ كَرَاهَةِ الرُّكُوبِ مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِمَا في كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَلِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وقد جَزَمَ الرَّافِعِيُّ بِكَرَاهَتِهِ في شَرْحِ مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ في مَجْمُوعِهِ في الْفَصْلِ الْمَعْقُودِ لِأَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ وَسَيَأْتِي في الشَّهَادَةِ أَنَّ إدْخَالَ الصِّبْيَانِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إنْ غَلَبَ تَنْجِيسُهُمْ له وَإِلَّا فَمَكْرُوهٌ
انْتَهَى وَيُرَدُّ ذلك بِأَنَّ الشَّيْخَيْنِ نَقَلَا عَدَمَ الْكَرَاهَةِ عن الْجُمْهُورِ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ مع ذلك الْكَرَاهَةَ عن جَمَاعَةٍ ثُمَّ قال وَالْمَشْهُورُ عَدَمُهَا وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ على من لم يَحْفَظْ وَبِأَنَّ إدْخَالَ الْبَهِيمَةِ هُنَا إنَّمَا هو لِحَاجَةِ إقَامَةِ السُّنَّةِ كما فَعَلَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلِهَذَا لَا يُكْرَهُ إدْخَالُ الصَّبِيَّانِ الْمُحْرِمِينَ الْمَسْجِدَ لِيَطُوفُوا قال الْمَاوَرْدِيُّ وَحُكْمُ طَوَافِ الْمَحْمُولِ على أَكْتَافِ الرِّجَالِ كَالرَّاكِبِ فِيمَا ذَكَرَ وإذا كان مَعْذُورًا فَطَوَافُهُ مَحْمُولًا أَوْلَى منه رَاكِبًا صِيَانَةً لِلْمَسْجِدِ من الدَّابَّةِ وَرُكُوبُ الْإِبِلِ أَيْسَرُ حَالًا من رُكُوبِ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ ذَكَرَ ذلك في الْمَجْمُوعِ وَفِيهِ لو طَافَ زَحْفًا مع قُدْرَتِهِ على الْمَشْيِ صَحَّ مع الْكَرَاهَةِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ حَافِيًا في طَوَافِهِ كما نَبَّهَ عليه بَعْضُهُمْ قال في الْإِمْلَاءِ وَأُحِبُّ لو كان يَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَافِيًا أَنْ يُقَصِّرَ في الْمَشْيِ لِتَكْثُرَ خُطَاهُ رَجَاءَ كَثْرَةِ الْأَجْرِ له
الرَّابِعَةُ أَنْ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ بيده أَوَّلَ طَوَافِهِ ثُمَّ يُقَبِّلُهُ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيُقَبِّلُهُ وَيَضَعُ بَعْدَ ذلك جَبْهَتَهُ عليه لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ في الْأَوَّلَيْنِ الشَّيْخَانِ وفي الثَّالِثِ الْبَيْهَقِيُّ وَلِلزَّحْمَةِ الْمَانِعَةِ من تَقْبِيلِهِ وَالسُّجُودِ عليه يَسْتَلِمُ بيده وَإِنْ عَجَزَ عن اسْتِلَامِهِ بها فَبِعُودٍ أو نَحْوِهِ كَيَدِهِ يَسْتَلِمُ ثُمَّ يُقَبِّلُهُ أَيْ ما اسْتَلَمَ بِهِ فِيهِمَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ اسْتَلَمَهُ ثُمَّ قَبَّلَ يَدَهُ وقال ما تَرَكْته مُنْذُ رَأَيْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَفْعَلُهُ مع أَنَّ ظَاهِرَهُ مع أَخْبَارٍ أُخَرَ أَنَّهُ يُقَبِّلُ يَدَهُ بَعْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ بها مع تَقْبِيلِ الْحَجَرِ إذَا لم يَتَعَذَّرْ بِهِ وَصَرَّحَ ابن الصَّلَاحِ في مَنَاسِكِهِ وهو قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ لَكِنْ خَصَّهُ الشَّيْخَانِ وَمُخْتَصَرُ كَلَامِهِمَا يَتَعَذَّرُ تَقْبِيلُهُ كما تَقَرَّرَ وَنَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْأَصْحَابِ فَإِنْ عَجَزَ عن اسْتِلَامِهِ أَشَارَ إلَيْهِ بِالْيَدِ
قال في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ أو بِشَيْءٍ فيها ثُمَّ قَبَّلَ ما أَشَارَ بِهِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم طَافَ على بَعِيرٍ كُلَّمَا أتى الرُّكْنَ أَشَارَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ لَا بِالْفَمِ لِأَنَّهُ لم يُنْقَلْ وَاعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِلَامَ وَالْإِشَارَةَ إنَّمَا يَكُونَانِ بِالْيَدِ الْيُمْنَى فَإِنْ عَجَزَ فَبِالْيُسْرَى على الْأَقْرَبِ كما قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ثُمَّ لَا يُقَبِّلُ وَلَا يَتَسَلَّمُ غَيْرَهُ أَيْ غير الْحَجَرِ لِذَلِكَ وَلِخُلُوِّهِ عن الْحَجَرِ نعم يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ أَكْثَرُ من تَشْدِيدِهَا نِسْبَةً إلَى الْيَمَنِ وَالْأَلِفُ بَدَلٌ من إحْدَى يَاءَيْ النَّسَبِ على الْأَوَّلِ وَزَائِدَةٌ على الثَّانِي وَحْدَهُ أَيْ لَا الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ وَسَائِرِ ما عَدَا ما مَرَّ وَيُقَبِّلُ يَدَهُ بَعْدَ اسْتِلَامِ الرُّكْنِ بها قِيَاسًا على تَقْبِيلِهَا بَعْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ بها فَقَطْ أَيْ دُونَ الرُّكْنِ فَإِنْ عَجَزَ عن اسْتِلَامِهِ أَشَارَ إلَيْهِ كما قَالَهُ ابن عبد السَّلَامِ وَالْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ خِلَافًا لِابْنِ أبي الصَّيْفِ الْيَمَنِيِّ قِيَاسًا على الْأَسْوَدِ وَدَلِيلُ اسْتِلَامِهِ دُونَ الشَّامِيَّيْنِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عن ابْنِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَالْحَجَرَ الْأَسْوَدَ في كل طَوَافِهِ وَلَا يَسْتَلِمُ الرُّكْنَيْنِ الَّذِينَ يَلِيَانِ الْحَجَرَ وَأَنَّهُ على قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ صلى اللَّهُ عليه وسلم كَالرُّكْنِ الْأَسْوَدِ أَيْضًا بِخِلَافِهِمَا فَلِلْأَسْوَدِ فَضِيلَتَانِ كَوْنُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فيه كَوْنُهُ على قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ وَلِلْيَمَانِيِ الثَّانِيَةُ
وَلَيْسَ لِلشَّامِيَّيْنِ شَيْءٌ مِنْهُمَا فَلَا يُسَنُّ فِيهِمَا شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ فَلَوْ قَبَّلَهُمَا أو غَيْرَهُمَا من الْبَيْتِ أو اسْتَلَمَ ذلك لم يُكْرَهْ وَلَا هو خِلَافُ الْأَوْلَى بَلْ هو حَسَنٌ كما في الِاسْتِقْصَاءِ عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قال وَأَيُّ الْبَيْتِ قَبَّلَ فَحَسَنٌ غير أَنَّا نَأْمُرُ بِالِاتِّبَاعِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا النَّصُّ غَرِيبٌ مُشْكِلٌ
____________________
(1/480)
وَهَكَذَا يَفْعَلُ ما ذُكِرَ كُلَّ مَرَّةٍ من الْمَرَّاتِ السَّبْعِ لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ مع قِيَاسِ ما ليس فيه عليه وما عَبَّرَ له أَوْلَى من عِبَارَةِ أَصْلِهِ لِإِيهَامِهَا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ السُّجُودُ على الْحَجَرِ إلَّا في الطَّوْفَةِ الْأُولَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ وفعل ذلك في الْأَوْتَارِ إنْ لم يَفْعَلْهُ كُلَّ مَرَّةٍ آكَدُ منه في غَيْرِهَا لِأَنَّهَا أَفْضَلُ قال الصَّيْمَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ اسْتِلَامُهُ وَتَقْبِيلُهُ وَالسُّجُودُ عليه ثَلَاثًا وَأَنْ يُخَفِّفَ الْقُبْلَةَ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ لها صَوْتٌ وَلَا يُسْتَحَبُّ لِلنِّسَاءِ فيه اسْتِلَامٌ وَلَا تَقْبِيلٌ وَلَا سُجُودٌ إلَّا عِنْدَ خُلُوِّ الْمَطَافِ لَيْلًا أو نَهَارًا لِضَرَرِهِنَّ وَضَرَرِ الرِّجَالِ بِهِنَّ وَمِثْلُهُنَّ الْخَنَاثَى وَجَمِيعُ ما تَقَرَّرَ لِلْحَجَرِ الْأَسْوَدِ في هذا الْبَابِ يَأْتِي لِمَوْضِعِهِ لو قُلِعَ منه وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ
الْخَامِسَةُ الدُّعَاءُ الْمَأْثُورُ أَيْ الْمَنْقُولُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أو عن أَحَدٍ من أَصْحَابِهِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ فيه أَيْ في الطَّوَافِ قال الْأَصْحَابُ فيقول عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ في كل طَوْفَةٍ وَالْأُولَى آكَدُ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقُبَالَةَ الْبَابِ اللَّهُمَّ الْبَيْتُ بَيْتُك وَالْحَرَمُ حَرَمُك وَالْأَمْنُ أَمْنُك وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِك من النَّارِ وَيُشِيرُ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ وَعِنْدَ الِانْتِهَاءِ إلَى الرُّكْنِ الْعِرَاقِيِّ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك من الشَّكِّ وَالشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ وَالشِّقَاقِ وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ في الْأَهْلِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ وَعِنْدَ الِانْتِهَاءِ إلَى تَحْتِ الْمِيزَانِ اللَّهُمَّ أَظِلَّنِي في ظِلِّك يوم لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّك وَاسْقِنِي بِكَأْسِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم شَرَابًا هَنِيئًا لَا أَظْمَأُ بَعْدَهُ أَبَدًا يا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَبَيْنَ الرُّكْنِ الشَّامِيِّ وَالْيَمَانِيِّ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا وَعَمَلًا مَقْبُولًا وَتِجَارَةً لَنْ تَبُورَ أَيْ وَاجْعَلْ ذَنْبِي ذَنْبًا مَغْفُورًا وَقِيسَ بِهِ الْبَاقِيَ وَالْمُنَاسِبُ لِلْمُعْتَمِرِ أَنْ يَقُولَ عُمْرَةً مَبْرُورَةً وَيُحْتَمَلُ اسْتِحْبَابُ التَّعْبِيرِ بِالْحَجِّ مُرَاعَاةً لِلْخَبَرِ وَيَقْصِدُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ
وهو الْقَصْدُ نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ في الدُّعَاءِ الْآتِي في الرَّمَلِ مَحَلُّ الدُّعَاءِ بهذا إذَا كان الطَّوَافُ في ضِمْنِ حَجٍّ أو عُمْرَةٍ وَبَيْنَ الْيَمَانِيَّيْنِ رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وفي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَلْيَدْعُ بِمَا شَاءَ من الْخَيْرِ في جَمِيعِ طَوَافِهِ فَهُوَ سُنَّةٌ مَأْثُورًا كان أو غَيْرَهُ وَإِنْ كان الْمَأْثُورُ أَفْضَلَ وهو أَيْ الدُّعَاءُ الْمَأْثُورُ لَا غَيْرُهُ أَفْضَلُ فيه أَيْ في الطَّوَافِ من الْقِرَاءَةِ لِلِاتِّبَاعِ أَمَّا غَيْرُ الْمَأْثُورِ فَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ منه لِأَنَّ الْمَحَلَّ مَحَلُّ ذِكْرٍ وَالْقُرْآنُ أَفْضَلُهُ وَلِأَنَّ الشَّرْعَ شَبَّهَ الطَّوَافَ بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةُ أَخَصُّ بها وَلِخَبَرِ يقول الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من شَغَلَهُ ذِكْرِي عن مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ ما أُعْطِي السَّائِلِينَ وَفَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى على سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى على خَلْقِهِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ أَحَبُّ الْكَلَامِ إلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ اللَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهَا بَدَأْتَ فَمَحْمُولٌ على أَنَّ الْمُرَادَ أَحَبُّهُ من كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ أو لِأَنَّ مُفْرَدَاتُهَا في الْقُرْآنِ من الْمَأْثُورِ ما رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يقول بين الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ اللَّهُمَّ قَنِّعْنِي بِمَا رَزَقْتَنِي وَبَارِكْ لي فيه وَاخْلُفْ على كل غَائِبَةٍ لي بِخَيْرٍ
وما رَوَاهُ الْأَزْرَقِيُّ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ كان يقول عِنْدَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك من الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ وَالذُّلِّ وَمَوَاقِفِ الْخِزْيِ في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وفي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَيُسْتَحَبُّ له الْإِسْرَارُ بِالذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُ أَجْمَعُ لِلْخُشُوعِ
السَّادِسَةُ الرَّمَلُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمِيمِ لِلذِّكْرِ وَلَوْ صَبِيًّا بِخِلَافِ الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى حَذَرًا من تَكَشُّفِهِمَا وَيُسَمَّى الرَّمَلُ الْخَبَبُ وهو خُطًا مُتَقَارِبَةٌ بِسُرْعَةٍ لَا عَدْوَ فيه ولا وَثْبَ وَيَكُونُ في الْأَطْوَافِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مُسْتَوْعِبًا بِهِ الْبَيْتَ وَعَطَفَ على الرَّمَلِ قَوْلُهُ وَالْمَشْيُ أَيْ على الْهِينَةِ في الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ رَوَى الشَّيْخَانِ عن ابْنِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما قال كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ خَبَّ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا وَرَوَى مُسْلِمٌ عنه قال رَمَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعَةً
لَكِنَّهُ رُوِيَ أَيْضًا عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما قال قَدِمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ وقد وَهَنَتْهُمْ الْحُمَّى حُمَّى يَثْرِبَ فقال الْمُشْرِكُونَ إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ غَدًا قَوْمٌ وَهَنَتْهُمْ الْحُمَّى فَلَقُوا منها شِدَّةً فَجَلَسُوا مِمَّا يَلِي الْحَجَرَ فَأَمَرَهُمْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَرْمُلُوا ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ وَيَمْشُوا أَرْبَعًا ما بين الرُّكْنَيْنِ لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ فقال الْمُشْرِكُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى قد وَهَنَتْهُمْ هَؤُلَاءِ أَجْلَدُ من كَذَا وَكَذَا
____________________
(1/481)
قال ابن عَبَّاسٍ ولم يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إلَّا الْإِبْقَاءُ عليهم وَأَجَابَ عنه الْأَصْحَابُ كما في الْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُ كان في عُمْرَةِ الْقَضَاءِ سَنَةَ سَبْعٍ وَالْأَوَّلُ في حِجَّةَ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ فَكَانَ الْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى لِتَأَخُّرِهِ وَإِنَّمَا شُرِعَ الرَّمَلُ مع زَوَالِ سَبَبِهِ وهو إظْهَارُ الْقُوَّةِ لِلْكُفَّارِ لِأَنَّ فَاعِلَهُ يَسْتَحْضِرُ بِهِ سَبَبَ ذلك وهو ظُهُورُ أَمْرِهِمْ فَيَتَذَكَّرُ نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى على إعْزَازِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ كما نُقِلَ عن النَّصِّ وَالْمُبَالَغَةُ في الْإِسْرَاعِ كما نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ وَلْيَدْعُ بِمَا شَاءَ كما مَرَّ
وَآكَدُهُ في رَمَلِهِ بَعْدَ تَكْبِيرِهِ عِنْدَ مُحَاذَاةِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا وفي مَشْيِهِ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزَ عَمَّا تَعْلَمُ إنَّك أنت الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وفي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَإِنَّمَا يُسَنُّ الرَّمَلُ في طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ مَطْلُوبٌ في حَجٍّ أو عُمْرَةٍ وَإِنْ كان مَكِّيًّا لِلِاتِّبَاعِ وَلِانْتِهَائِهِ فيه إلَى تَوَاصُلِ الْحَرَكَاتِ بين الْجَبَلَيْنِ فَإِنْ رَمَلَ في طَوَافِ الْقُدُومِ وَسَعَى بَعْدَهُ لَا يَرْمُلُ في طَوَافِ الرُّكْنِ لِأَنَّ السَّعْيَ بَعْدَهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ مَطْلُوبٍ وَلَا رَمَلَ في طَوَافِ الْوَدَاعِ لِذَلِكَ وَالرَّمَلُ لَا يُقْضَى فَلَوْ تَرَكَهُ في الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ لَا يَقْضِيهِ في الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ لِأَنَّ هَيْئَتَهَا الْهِينَةُ فَلَا تُغَيَّرَ كَالْجَهْرِ لَا يُقْضَى في الْأَخِيرَتَيْنِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ مع الْمُنَافِقِينَ في الثَّانِيَةِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ لو تَرَكَهُ في طَوَافِ الْقُدُومِ وَاَلَّذِي سَعَى بَعْدَهُ لَا يَقْضِيهِ في طَوَافِ الرُّكْنِ إذْ السَّعْيُ بَعْدَهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ مَطْلُوبٍ
فَرْعٌ الْقُرْبُ من الْبَيْتِ مُسْتَحَبٌّ لِلطَّائِفِ تَبَرُّكًا بِهِ وَلِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ وَلِأَنَّهُ أَيْسَرُ في الِاسْتِلَامِ وَالتَّقْبِيلِ نعم إنْ تَأَذَّى بِالزِّحَامِ أو آذَى غَيْرَهُ فَالْبُعْدُ أُولَى قال في الْمَجْمُوعِ كَذَا أَطْلَقُوهُ وقال الْبَنْدَنِيجِيُّ قال الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ إلَّا في ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ أو أَخِرِهِ فَأُحِبُّ له الِاسْتِلَامَ وَلَوْ بِالزِّحَامِ
انْتَهَى وقد يُوهِمُ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ في الِابْتِدَاءِ وَالْأَخِيرِ التَّأَذِّي وَالْإِيذَاءُ بِالزِّحَامِ وهو ما فَهِمَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا كما نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ وقال إنَّهُ غَلَطٌ قَبِيحٌ وَحَاصِلُ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهُ يَتَوَقَّى التَّأَذِّي وَالْإِيذَاءَ بِالزِّحَامِ مُطْلَقًا وَيَتَوَقَّى الزِّحَامَ الْخَالِي عنهما إلَّا في الِابْتِدَاءِ وَالْأَخِيرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاعِي مع الْقُرْبِ الِاحْتِيَاطَ فَقَدْ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَالِاحْتِيَاطُ الْإِبْعَادُ عن الْبَيْتِ بِقَدْرِ ذِرَاعٍ وَالْكَرْمَانِيُّ في مَنَاسِكِهِ بِقَدْرِ ثَلَاثِ خُطُوَاتٍ لِيَأْمَنَ الطَّوَافَ على الشَّاذَرْوَانِ هذا كُلُّهُ لِلذَّكَرِ أَمَّا الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى فَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقْرَبَا في حَالِ طَوَافِ الذُّكُورِ بَلْ يَكُونَانِ في حَاشِيَةِ الْمَطَافِ بِحَيْثُ لَا يُخَالِطَانِ الذُّكُورَ فَإِنْ تَعَذَّرَ معه أَيْ مع الْقُرْبِ الرَّمَلُ لِزَحْمَةٍ ولم يَرْجُ فُرْجَةً تَبَاعَدَ وَرَمَلَ لِأَنَّ الرَّمَلَ شِعَارٌ مُسْتَقِلٌّ وَلِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ وَالْقُرْبُ مُتَعَلِّقٌ بِمَكَانِهَا وَالْمُتَعَلِّقُ بِنَفْسِهَا أَوْلَى بِدَلِيلِ أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ في الْبَيْتِ أَوْلَى من الِانْفِرَادِ في الْمَسْجِدِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْمُتَّجَهُ الْبُعْدُ الْمُوجِبُ لِلطَّوَافِ من وَرَاءِ زَمْزَمَ وَالْمَقَامُ مَكْرُوهٌ وَتَرْكُ الرَّمَلِ أَوْلَى من ارْتِكَابِهِ هذا إنْ لم يَخْشَ مُلَامَسَةَ النِّسَاءِ مع التَّبَاعُدِ فَإِنْ خَشِيَهَا تَرَكَهُ أَيْ التَّبَاعُدَ وَالرَّمَلَ فَالْقُرْبُ حِينَئِذٍ بِلَا رَمَلٍ أَوْلَى تَحَرُّزًا عن مُلَامَسَتِهِنَّ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ وَكَذَا لو كان بِالْقُرْبِ أَيْضًا نِسَاءٌ وَتَعَذَّرَ الرَّمَلُ في جَمِيعِ الْمَطَافِ لِخَوْفِ الْمُلَامَسَةِ فَتَرْكُ الرَّمَلِ أَوْلَى كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَمَّا إذَا رَجَا فُرْجَةً فَيُسْتَحَبُّ له أَنْ يَقِفَ لِيَرْمُلَ إنْ لم يُؤْذِ بِوُقُوفِهِ أَحَدًا نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْأَصْحَابِ وَيَتَحَرَّكُ نَدْبًا في مَشْيِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرَّمَلِ وَالسَّعْيِ الشَّدِيدِ بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَرَى من نَفْسِهِ أَنَّهُ لو أَمْكَنَهُ الرَّمَلُ وَالسَّعْيُ رَمَلَ وَسَعَى تَشَبُّهًا بِمَنْ يَرْمُلُ وَيَسْعَى وَيَرْمُلُ الْحَامِلُ بِمَحْمُولِهِ نَدْبًا وَيُحَرِّكُ الْمَحْمُولُ دَابَّتَهُ كَذَلِكَ لِمَا قُلْنَا
السَّابِعَةُ الِاضْطِبَاعُ من الضَّبُعِ بِإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ وهو الْعَضُدُ وهو أَنْ يَجْعَلَ وَسَطَ رِدَائِهِ تَحْتَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَيَكْشِفَهُ كَدَأْبِ أَهْلِ الشَّطَارَةِ ويجعل طَرَفَيْهِ على عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وهو لِلذَّكَرِ لَا لِلْأُنْثَى وَالْخُنْثَى سُنَّةٌ في طَوَافٍ فيه رَمَلٌ وفي السَّعْيِ بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ اعْتَمَرُوا من الْجِعْرَانَةِ فَرَمَلُوا بِالْبَيْتِ وَجَعَلُوا أَرْدَيْتَهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ ثُمَّ قَذَفُوهَا على عَوَاتِقِهِمْ الْيُسْرَى رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَقِيسَ بِالطَّوَافِ السَّعْيُ بِجَامِعِ قَطْعِ مَسَافَةٍ مَأْمُورٍ بِتَكْرَارِهَا سَبْعًا وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ كما نُقِلَ عن النَّصِّ وَخَرَجَ بِمَا قَالَهُ الطَّوَافُ الذي لَا رَمَلَ فيه وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ الْمُصَرَّحِ بِهِمَا في قَوْلِهِ لَا في رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ لِأَنَّ ذلك لم يَرِدْ فيه اضْطِبَاعٌ وَلَا هو في مَعْنَى ما وَرَدَ فيه وَلِكَرَاهَةِ الِاضْطِبَاعِ في الصَّلَاةِ فَيُزِيلُهُ عِنْدَ إرَادَتِهِمَا وَيُعِيدُهُ عِنْدَ إرَادَةِ السَّعْيِ الثَّامِنَةُ رَكْعَتَانِ عَقِبَ
____________________
(1/482)
الطَّوَافُ يَقْرَأُ فِيهِمَا سُورَتَيْ الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ في غَيْرِ الْقِرَاءَةِ الشَّيْخَانِ وَفِيهَا مُسْلِمٌ وَلِمَا في قِرَاءَةِ السُّورَتَيْنِ من الْإِخْلَاصِ الْمُنَاسِبِ لِمَا هُنَا لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ ثَمَّ وَلَا تَجِبَانِ لِخَبَرِ هل عَلَيَّ غَيْرُهَا قال لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ فَتُجْزِئُ عنهما الْفَرِيضَةُ وَالرَّاتِبَةُ كما في التَّحِيَّةِ وَفِعْلُهُمَا خَلْفَ الْمَقَامِ أَفْضَلُ ثُمَّ في الْحِجْرِ قال في الْمَجْمُوعِ تَحْتَ الْمِيزَابِ ثُمَّ في الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ثُمَّ حَيْثُ شَاءَ من الْأَمْكِنَةِ مَتَى شَاءَ من الْأَزْمِنَةِ وَلَا تَفُوتَانِ إلَّا بِمَوْتِهِ وَاعْتَرَضَ الْإِسْنَوِيُّ ذلك بِأَنَّ الصَّلَاةَ في الْحَرَمِ أَفْضَلُ منها في غَيْرِهِ فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ كما في تَحْرِيرِ الْجُرْجَانِيِّ ثُمَّ في الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِيمَا شَاءَ من غَيْرِهِ
انْتَهَى
وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ تُوَافِقُهُ قال أَعْنِي الْإِسْنَوِيَّ ثُمَّ إنَّ الصَّلَاةَ إلَى وَجْهِ الْبَيْتِ أَفْضَلُ من سَائِرِ الْجِهَاتِ كما قَالَهُ ابن عبد السَّلَامِ فَيَنْبَغِي مُرَاعَاةُ ذلك أَيْضًا وَالتَّرْتِيبُ الْمَذْكُورُ سُنَّةٌ لَا وَاجِبٌ فَلَوْ صَلَّاهُمَا في أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ أَجْزَأَهُ وَيُنْدَبُ أَنْ يَدْعُوَ عَقِبَ صَلَاتِهِ هذه هذه خَلْفَ الْمَقَامِ بِمَا أَحَبَّ من أَمْرِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا قال الْمَاوَرْدِيُّ وَأَنْ يَدْعُوَ بِمَا دَعَا بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم هُنَاكَ من قَوْلِهِ اللَّهُمَّ هذا بَلَدُك وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَبَيْتُك الْحَرَامُ وأنا عَبْدُك ابن عَبْدِك ابْنِ أَمَتِك أَتَيْتُك بِذُنُوبٍ كَثِيرَةٍ وَخَطَايَا جَمَّةٍ وَأَعْمَالٍ سَيِّئَةٍ وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِك من النَّارِ فَاغْفِرْ لي إنَّك أنت الْغَفُورُ الرَّحِيمُ اللَّهُمَّ إنَّك دَعَوْت عِبَادَك إلَى بَيْتِك الْحَرَامِ وقد جِئْت طَالِبًا رَحْمَتَك مُبْتَغِيًا رِضْوَانَك وَأَنْتَ مَنَنْت عَلَيَّ بِذَلِكَ فَاغْفِرْ لي وَارْحَمْنِي إنَّك على كل شَيْءٍ قَدِيرٌ قال في الْمَجْمُوعِ وَيُكْرَهُ له في طَوَافِهِ الْأَكْلُ وَالشَّرَابُ وَكَرَاهَةُ الشُّرْبِ أَخَفُّ وَوَضْعُ الْيَدِ بِفِيهِ بِلَا حَاجَةٍ وَأَنْ يُشَبِّكَ أَصَابِعَهُ أو يُفَرْقِعَهَا وَأَنْ يَطُوفَ بِمَا يَشْغَلُهُ كَالْحَقْنِ وَشِدَّةِ تَوْقِ الْأَكْلِ كما في الصَّلَاةِ وَمُقْتَضَى مَذْهَبِنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ لو طَافَتْ مُنْتَقِبَةً وَهِيَ غَيْرُ مُحْرِمَةٍ كُرِهَ وَلَا يُكْرَهُ الْكَلَامُ فيه وَتَرْكُهُ أَوْلَى إلَّا بِخَيْرٍ كَتَعْلِيمٍ وَلْيَكُنْ بِحُضُورِ قَلْبٍ وَلُزُومِ أَدَبٍ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ قَرَأَ فيه آيَةَ سَجْدَةٍ سَجَدَ كما في الصَّلَاةِ وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةِ ص فَهَلْ يُسَنُّ له أَنْ يَقْطَعَ الطَّوَافَ وَيَسْجُدَ أو لَا فيه نَظَرٌ الظَّاهِرُ لَا كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ بَلْ أَوْلَى
وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ صَلَّاهُمَا في غَيْرِ الْحَرَمِ إرَاقَةُ دَمٍ لِتَأْخِيرِهِمَا إلَيْهِ عن الْحَرَمِ لم يُقَيِّدْ الْأَصْلُ بِصَلَاتِهَا وَلَا بِغَيْرِ الْحَرَمِ بَلْ قال إذَا أَخَّرَ يُسْتَحَبُّ له إرَاقَة دَمٍ وَيَجْهَرُ نَدْبًا بِالْقِرَاءَةِ بِهِمَا أَيْ فِيهِمَا لَيْلًا لَا نَهَارًا كَالْكُسُوفِ وَغَيْرِهِ وَلِمَا فيه من إظْهَارِ شَعَائِرِ النُّسُكِ وَلَا يُشْكِلُ هذا بِمَا ذَكَرُوهُ في صِفَةِ الصَّلَاةِ من أَنَّ الْأَفْضَلَ في النَّافِلَةِ الْمَفْعُولَةِ لَيْلًا أَنْ يَتَوَسَّطَ فيها بين الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ لِأَنَّ ذَاكَ مَحَلُّهُ في النَّافِلَةِ الْمُطْلَقَةِ كما مَرَّ ثَمَّ وَاعْلَمْ أَنَّ ما بين طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ كَاللَّيْلِ وَإِنْ كان من النَّهَارِ فَيَجْهَرُ فيه كما مَرَّ ذلك في صِفَةِ الصَّلَاةِ وَيُصَلِّيهِمَا الْأَجِيرُ عن الْمُسْتَأْجِرِ وَالْوَلِيُّ عن غَيْرِ الْمُمَيِّزِ كما سَيَأْتِي قال الْإِسْنَوِيُّ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمُمَيِّزَ يُصَلِّيهِمَا وَإِنْ أَحْرَمَ عنه وَلِيُّهُ على الصَّحِيحِ فما أَطْلَقُوهُ هُنَا مَحَلُّهُ إذَا لم يَكُنْ الْمُسْتَأْجِرُ مَغْصُوبًا وَإِلَّا فَيُصَلِّيهِمَا الْمُسْتَأْجِرُ في بَلَدِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُحْرِمَ ثَمَّ في الْحَقِيقَةِ الصَّبِيُّ لَا الْوَلِيُّ كما سَيَأْتِي وَهُنَا الْأَجِيرُ لَا الْمُسْتَأْجِرُ وَلَوْ وَالَى بين أَسَابِيعَ طَوَافَيْنِ أو أَكْثَرَ ثُمَّ وَالَى بين رَكَعَاتِهَا لِكُلِّ طَوَافٍ رَكْعَتَيْهِ جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ كما في الْمَجْمُوعِ عن الْأَصْحَابِ قال وَرَوَوْهُ عن عَائِشَةَ وَالْمِسْوَرِ بن مَخْرَمَةَ وَالْأَفْضَلُ خِلَافُهُ بِأَنْ يُصَلِّيَ عَقِبَ كل طَوَافٍ رَكْعَتَيْهِ
فَرْعٌ من عليه طَوَافُ إفَاضَةٍ أو نَذْرٍ وَلَوْ لم يَتَعَيَّنْ زَمَنُهُ وَدَخَلَ وَقْتُ ما عليه فَنَوَى غَيْرَهُ عن غَيْرِهِ أو عن نَفْسِهِ تَطَوُّعًا أو قُدُومًا أو وَدَاعًا وَقَعَ عن طَوَافِ الْإِفَاضَةِ أو النَّذْرِ كما في وَاجِبِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَصْلٌ ثُمَّ يَعُودُ نَدْبًا بَعْدَ فَرَاغِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِيَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ ما ابْتَدَأَ بِهِ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ حِينَئِذٍ تَقْبِيلُ الْحَجَرِ وَلَا السُّجُودِ عليه الْإِسْنَوِيُّ فَإِنْ كان كَذَلِكَ فَلَعَلَّ سَبَبَهُ الْمُبَادَرَةُ لِلسَّعْيِ
انْتَهَى وَالظَّاهِرُ سَنُّ ذلك قال الزَّرْكَشِيُّ وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ تُشِيرُ إلَيْهِ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ في صَحِيحِهِ من فِعْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ في التَّقْبِيلِ قال في الْمَجْمُوعِ وما قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ من أَنَّهُ يَأْتِي الْمُلْتَزَمَ وَالْمِيزَابَ بَعْدَ اسْتِلَامِهِ وَيَدْعُو شَاذٌّ ثُمَّ يَخْرُجُ لِلسَّعْيِ من بَابِ الصَّفَا نَدْبًا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ
____________________
(1/483)
فَيَرْقَى قَدْرَ قَامَةٍ لِإِنْسَانٍ على الصَّفَا وَيُشَاهِدُ الْبَيْتَ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عن جَابِرٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقَى عليه حتى رَأَى الْبَيْتَ وَأَنَّهُ فَعَلَ على الْمَرْوَةِ كما فَعَلَ على الصَّفَا وَالرُّقِيُّ هُنَا وفي الْمَرْوَةِ مَحَلُّهُ في الذَّكَرِ بِخِلَافِ الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى قال في الْمُهِمَّاتِ فُصِّلَ فِيهِمَا بين أَنْ يَكُونَا بِخَلْوَةِ أو بِحَضْرَةِ مَحَارِمَ وَأَنْ لَا يَكُونَا كما قِيلَ بِهِ في جَهْرِ الصَّلَاةِ لم يَبْعُدْ وَيُكَرِّرُ بَعْدَ اسْتِقْبَالِهِ الْبَيْتَ الذِّكْرَ الْمَأْثُورَ ثَلَاثًا وهو اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ اللَّهُ أَكْبَرُ على ما هَدَانَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ على ما أَوْلَانَا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدُهُ لَا شَرِيكَ له له الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ بيده الْخَيْرُ وهو على كل شَيْءٍ قَدِيرٌ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ له الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ بَعْدَ كُلٍّ من الْمَرَّتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ وَكَذَا بَعْدَ الثَّالِثَةِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وكان عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه يُطِيلُ الدُّعَاءَ هُنَاكَ وَاسْتَحَبُّوا من دُعَائِهِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنَّك قُلْت اُدْعُونِي اسْتَجِبْ لَكُمْ وَأَنْتَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ وَإِنِّي أَسْأَلُك كما هَدَيْتنِي لِلْإِسْلَامِ أَنْ لَا تَنْزِعَهُ مِنِّي حتى تَتَوَفَّانِي وأنا مُسْلِمٌ وَلْيَكُنْ منه ما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عن ابْنِ عُمَرَ اللَّهُمَّ اعْصِمْنَا بِدِينِك وَطَوَاعِيَتِك وَطَوَاعِيَةِ رَسُولِك وَجَنِّبْنَا حُدُودَك اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا نُحِبُّكَ وَنُحِبُّ مَلَائِكَتَك وَأَنْبِيَاءَك وَرُسُلَك وَنُحِبُّ عِبَادَك الصَّالِحِينَ اللَّهُمَّ يَسِّرْنَا لِلْيُسْرَى وَجَنِّبْنَا الْعُسْرَى وَاغْفِرْ لنا في الْآخِرَةِ وَالْأُولَى وَاجْعَلْنَا من أَئِمَّةِ الْمُتَّقِينَ
ثُمَّ يَنْزِلُ من الصَّفَا وَيَمْشِي على هِينَتِهِ حتى يَدْنُوَ من الْمِيلِ الْأَخْضَرِ الْمُعَلَّقِ بِالْمَسْجِدِ أَيْ بِجِدَارِهِ قَدْرَ سِتَّةِ أَذْرُعٍ فَيَسْعَى الذَّكَرُ لَا الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى وَلَوْ بِخَلْوَةٍ وَلَيْلٍ جَهْدَهُ بِأَنْ يُسْرِعَ فَوْقَ الرَّمَلَ فَإِنْ عَجَزَ تَشَبَّهَ بِالْمُسْرِعِ وَهَذَا قَدَّمَهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرَّمَلِ وَيَسْتَمِرُّ كَذَلِكَ حتى يُحَاذِيَ أَيْ يُقَابِلَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ اللَّذَيْنِ أَحَدُهُمَا بِجِدَارِ الْمَسْجِدِ وَالْآخَرُ مُقَابِلُهُ بِدَارِ الْعَبَّاسِ رضي اللَّهُ عنه وَإِلَى هذا أَشَارَ بِقَوْلِهِ بين الْمَسْجِدِ وَدَارِ الْعَبَّاسِ أَيْ حَالَةَ كَوْنِهِ بَيْنَهُمَا لِمَا في خَبَرِ جَابِرٍ من قَوْلِهِ ثُمَّ نَزَلَ يَعْنِي النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ حتى انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ في بَطْنِ الْوَادِي سَعَى حتى إذَا صَعِدَتَا مَشَى إلَى الْمَرْوَةِ قَائِلًا في سَعْيِهِ الذِّكْرَ الْمُنَاسِبَ لِلْأَصْلِ وَغَيْرِهِ الدُّعَاءَ الْمَأْثُورَ وهو رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ إنَّك أنت الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَالْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَالْمُنَاسِبُ أَيْضًا تَأْخِيرُ قَائِلًا إلَى آخِرِهِ عَمَّا يَأْتِي عَقِبَهُ لِئَلَّا يُوهِمَ تَقْيِيدَهُ بِالْإِسْرَاعِ ثُمَّ يَمْشِي على هِينَتِهِ حتى يَصْعَدَ قَامَةً في الْمَرْوَةِ وَيُعِيدَ الذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ مُسْتَقْبِلًا الْبَيْتَ كما مَرَّ في الصَّفَا هذه الْفِعْلَةُ وَهِيَ الْمُرُورُ من الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ على الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مَرَّةً قال ابن عبد السَّلَامِ وَالْمَرْوَةُ أَفْضَلُ من الصَّفَا لِأَنَّهَا مُرُورُ الْحَاجِّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَالصَّفَا مُرُورُهُ ثَلَاثًا وَالْبُدَاءَةُ بِالصَّفَا وَسِيلَةٌ إلَى اسْتِقْبَالِهَا قال وَالطَّوَافُ أَفْضَلُ أَرْكَانُ الْحَجِّ حتى الْوُقُوفِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ أَفْضَلُهَا الْوُقُوفُ لِخَبَرِ الْحَجُّ عَرَفَةَ وَلِهَذَا لَا يَفُوتُ الْحَجُّ إلَّا بِفَوَاتِهِ ولم يَرِدْ غُفْرَانُ الذُّنُوبِ في شَيْءِ ما وَرَدَ في الْوُقُوفِ فَالصَّوَابُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَرْكَانِ وَالْأَوْجَهُ ما قَالَهُ ابن عبد السَّلَامِ لِتَصْرِيحِ الْأَصْحَابِ بِأَنَّ الطَّوَافَ قُرْبَةٌ في نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ وَالرُّقِيُّ على الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالذِّكْرُ فِيهِمَا الدُّعَاءُ وَالْإِسْرَاعُ فِيمَا مَرَّ وَعَدَمُهُ في غَيْرِهِ سُنَّةٌ فَلَا يَضُرُّ تَرْكُهَا وَكَذَا الْمُوَالَاةُ فيه أَيْ في السَّعْيِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَافِ فَيَجُوزُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومُ وَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ طَوِيلٌ ما لم يَقِفْ بِعَرَفَةَ فَإِنْ وَقَفَ بها لم يَجُزْ السَّعْيُ إلَّا بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لِدُخُولِ وَقْتِ طَوَافِ الْفَرْضِ فلم يَحُزْ أَنْ يَسْعَى بَعْدَ طَوَافَ نَفْلٍ مع إمْكَانِهِ بَعْدَ طَوَافِ فَرْضٍ قال في الْمَجْمُوعِ وَيُكْرَهُ لِلسَّاعِي أَنْ يَقِفَ في سَعْيِهِ لِحَدِيثٍ أو غَيْرِهِ
فَرْعٌ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ السَّعْيُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ أو طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وإذا سَعَى وَلَوْ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ تُكْرَهُ إعَادَتُهُ وَلَوْ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لِأَنَّهَا بِدْعَةٌ نعم يَجِبُ على الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ بِعَرَفَةَ إعَادَتُهُ كما سَيَأْتِي فَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى ما بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاعِ لم يُعْتَدَّ بِوَدَاعِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤْتَى
____________________
(1/484)
بِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَاذَا بَقِيَ السَّعْيُ لم يَكُنْ الْمَأْتِيُّ بِهِ طَوَافَ وَدَاعٍ نعم إنْ بَلَغَ قبل سَعْيِهِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ فقال من الْمُتَأَخِّرِينَ قَائِلٌ اعْتَدَّ بِهِ نَدْبًا وَقَائِلٌ وُجُوبًا بِنَاءً على أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ من يُرِيدُ الْخُرُوجَ من مَكَّةَ وَإِنْ كان مُحْرِمًا وَالْأَوْجَهُ الْمُوَافِقُ لِلْمَنْقُولِ خِلَافُ ذلك وَأَنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِهِ الْمُحْرِمُ لِمَا سَتَعْلَمُهُ عِنْدَ أَمْرِ الْمُتَمَتِّعِينَ بِهِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَبْدَأَ بِالصَّفَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مع خَبَرِ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ وَخَبَرِ ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فَإِنْ عَكَسَ بِأَنْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لم يُحْسَبْ مُرُورُهُ منها إلَى الصَّفَا مَرَّةً وَأَنْ يَبْدَأَ في الثَّانِيَةِ من الْمَرْوَةِ فَلَوْ وَصَلَهَا وَتَرَكَ الْعَوْدَ في طَرِيقِهِ وَعَدَلَ إلَى الْمَسْجِدِ وَابْتَدَأَ الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ من الصَّفَا أَيْضًا لم يَصِحَّ وَيُسْتَحَبُّ الْعَوْدُ منها إلَى الصَّفَا مَرَّةً أُخْرَى وهو أَيْ السَّعْيُ سَبْعُ مَرَّاتٍ يُلْصِقُ بِضَمِّ الْيَاءِ عَقِبَهُ بِمَا يَذْهَبُ عنه وَأَصَابِعَ قَدَمَيْهِ بِمَا يَذْهَبُ إلَيْهِ من الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَإِنْ كان رَاكِبًا سَيَّرَ دَابَّتَهُ حتى تُلْصِقَ حَافِرَهَا بِذَلِكَ وَلَيْسَتْ الطَّهَارَةُ وَالسَّتْرُ شَرْطًا فيه أَيْ في السَّعْيِ بَلْ سُنَّةٌ وَالسَّعْيُ رَاجِلًا في خُلُوِّ الْمَسْعَى عن الناس أَفْضَلُ منه رَاكِبًا وَغَيْرَ خَالٍ بِلَا عُذْرٍ فَرْعٌ من شَكَّ في عَدَدِ الطَّوَافِ أو السَّعْيِ قبل فَرَاغِهِ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَيَعْمَلُ في ذلك بِاعْتِقَادِهِ لَا بِخَبَرِ غَيْرِهِ فَلَوْ اعْتَقَدَ إتْمَامَهَا فَأَخْبَرَهُ ثِقَةٌ فَأَكْثَرُ بِبَقَاءِ شَيْءٍ لم يَلْزَمْهُ الْإِتْيَانُ بِهِ ولكن الِاحْتِيَاطَ أَوْلَى لِيَخْرُجَ عن الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ وَالسَّعْيُ رُكْنٌ لَا يُتَحَلَّلُ بِدُونِهِ وَلَا يُجْبَرُ بِدَمٍ
فَصْلٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحْضُرَ الْإِمَامُ أو أَمِيرُ الْحَجِيجِ الْحَجَّ فَيُسْتَحَبُّ له إذَا لم يَحْضُرْ أَنْ يُنَصِّبَ أَمِيرًا عليهم يُطِيعُونَهُ فِيمَا يَنُوبُهُمْ فَقَدْ أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في السَّنَةِ الثَّامِنَةِ عَتَّابَ بن أَسِيدٍ وفي التَّاسِعَةِ أَبَا بَكْرٍ وفي الْعَاشِرَةِ حَجَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِنَفْسِهِ حِجَّةَ الْوَدَاعِ وإذا حَضَرَ أَحَدُهُمَا خَطَبَ كما قال فَيَخْطُبُ هو أو مَنْصُوبُهُ بِهِمْ يوم السَّابِعِ وَيُسَمَّى يوم الزِّينَةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُزَيِّنُونَ فيه حَوَامِلَهُمْ وَهَوَادِجَهُمْ لِلْخُرُوجِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ أو الْجُمُعَةِ إنْ كان يوم جُمُعَةٍ بِمَكَّةَ قال في الْمَجْمُوعِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ خُطْبَةً وَاحِدَةً وَأُفْرِدَتْ عن خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ السُّنَّةَ فيها التَّأْخِيرُ عن الصَّلَاةِ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بها التَّعْلِيمُ لَا الْوَعْظُ وَالتَّخْوِيفُ فلم تُشَارِكْ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ بِخِلَافِ خُطْبَةِ الْكُسُوفِ يَأْمُرهُمْ فيها بِالْعَدْوِ إلَى مِنًى بِالصَّرْفِ وَعَدَمِهِ وَالتَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ ما يُمْنَى فِيهِمَا من الدِّمَاءِ أَيْ يُرَاقُ وَيَفْتَحُ الْخُطْبَةَ بِالتَّلْبِيَةِ إنْ كان مُحْرِمًا وَإِلَّا فَبِالتَّكْبِيرِ نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْمَاوَرْدِيِّ وَأَقَرَّهُ يُعَلِّمُهُمْ فيها الْمَنَاسِكَ قال ابن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما كان رسول اللَّه صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا كان قبل يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ خَطَبَ الناس وَأَخْبَرَهُمْ بِمَنَاسِكِهِمْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كما في الْمَجْمُوعِ
فَإِنْ كان فَقِيهًا قال هل من سَائِلٍ وَقَدَّمْتُ في صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ أَنَّ خُطَبَ الْحَجِّ أَرْبَعٌ هذه وَخُطَبُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ النَّحْرِ وَيَوْمِ النَّفْرِ الْأَوَّلِ وَكُلُّهَا فُرَادَى وَبَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَّا يوم عَرَفَةَ فَثِنْتَانِ وَقَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَكُلُّ ذلك مَعْلُومٌ من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا مع ما يَأْتِي وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُخْبِرُهُمْ في كل خُطْبَةٍ بِمَا بين أَيْدِيهِمْ من الْمَنَاسِكِ وهو ما اقْتَضَاهُ الْخَبَرُ السَّابِقُ وَنَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في الْإِمْلَاءِ لَكِنْ ذَكَرَ الْأَصْلُ بَعْدُ أَنَّهُ يُخْبِرُهُمْ في كل خُطْبَةٍ بِمَا بين أَيْدِيهِمْ من الْمَنَاسِكِ إلَى الْخُطْبَةِ الْأُخْرَى قال في الْمُهِمَّاتِ وهو خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَسَاقَ نَصَّهُ في الْإِمْلَاءِ وَالْحَقُّ الذي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ إذْ الْإِطْلَاقُ بَيَانٌ لِلْأَكْمَلِ وَالتَّقْيِيدُ بَيَانٌ لِلْأَقَلِّ وَيَأْمُرُ فِيهِمَا الْمُتَمَتِّعِينَ قال في الْمَجْمُوعِ وَالْمَكِّيِّينَ بِطَوَافِ الْوَدَاعِ قبل خُرُوجِهِمْ وَبَعْدَ إحْرَامِهِمْ كما اقْتَضَاهُ نَقْلُ الْمَجْمُوعِ له عن الْبُوَيْطِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْمُفْرِدَ الْقَارِنَ الْآفَاقِيَّيْنِ لَا يُؤْمَرَانِ بِطَوَافِ الْوَدَاعِ لِأَنَّهُمَا لم يَتَحَلَّلَا من مَنَاسِكِهِمَا وَلَيْسَتْ مَكَّةُ مَحَلَّ إقَامَتِهَا ثُمَّ يُبَكِّرُ بِهِمْ يوم التَّرْوِيَةِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَدَّمْت أَنَّهُ يُسَمَّى أَيْضًا يوم النَّقْلَةِ فَيَخْرُجُ بِهِمْ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ بِحَيْثُ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِمِنًى فَإِنْ كان يَوْمُ جُمُعَةٍ خَرَجَ بِهِمْ قبل الْفَجْرِ نَدْبًا لِأَنَّ السَّفَرَ يوم الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ الزَّوَالِ إلَى حَيْثُ لَا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حَرَامٌ فِيمَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ ولم يُمْكِنْهُ إقَامَتُهَا بِمِنًى كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَيُصَلِّي بِهِمْ الظُّهْرَ وَسَائِرَ الْخَمْسِ أَيْ بَاقِيهَا بِمِنًى لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ إلَّا إنْ حَدَثَ ثَمَّ قَرْيَةٌ وَاسْتَوْطَنَهَا أَرْبَعُونَ كَامِلُونَ فَيُصَلُّونَ فيها الْجُمُعَةَ لِتَمَكُّنِهِمْ من إقَامَتِهَا وَإِنْ جَرُمَ الْبِنَاءُ ثُمَّ يَجُوزُ خُرُوجُهُمْ بَعْدَ الْفَجْرِ ولم
____________________
(1/485)
يُصَلِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْجُمُعَةَ بِعَرَفَةَ مع أَنَّهُ قد ثَبَتَ في الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ يوم عَرَفَةَ الذي وَقَفَ فيه النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يوم جُمُعَةٍ وَيَبِيتُونَ نَدْبًا بِمِنًى لَيْلَةَ التَّاسِعِ وَقَوْلُ الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ الْمَبِيتُ بها ليس بِنُسُكٍ مُرَادُهُ أَنَّهُ ليس بِوَاجِبٍ وَحِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ وَتُشْرِقُ على ثَبِيرَ بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ جَبَلٌ كَبِيرٌ بِمُزْدَلِفَةَ على يَمِينِ الذَّاهِبِ من مِنًى إلَى عَرَفَةَ يَسِيرُ بِهِمْ مُتَوَجِّهًا إلَى عَرَفَةَ قَائِلًا اللَّهُمَّ إلَيْك تَوَجَّهْت وَلِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ أَرَدْت فَاجْعَلْ ذَنْبِي مَغْفُورًا وَحَجِّي مَبْرُورًا وَارْحَمْنِي وَلَا تُخَيِّبْنِي إنَّك على كل شَيْءٍ قَدِيرٌ
وَيُنْدَبُ أَنْ يُكْثِرَ من التَّلْبِيَةِ وَأَنْ يَسِيرَ بِهِمْ على طَرِيقٍ ضَبٍّ وَيَعُودَ على طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ اقْتِدَاءً بِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَنْ يَعُودَ في طَرِيقٍ غَيْرِ التي ذَهَبَ فيها فإذا وَصَلَ نَمِرَةَ سُنَّ أَنْ يُضْرَبَ بها قُبَّةُ الْإِمَامِ وَمَنْ كان له قُبَّةٌ ضَرَبَهَا اقْتِدَاءً بِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيَقِفُ أَيْ فَيُقِيمُ بِهِمْ بِنَمِرَةَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا مع فَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا مَوْضِعٌ بين طَرَفَيْ الْحِلِّ وعرفة وَيَسْتَمِرُّ إلَى أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ وَيَغْتَسِلُ لِلْوُقُوفِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَوَقْتُ الزَّوَالِ يَسِيرٌ بِهِمْ إلَى مَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبَعْضُهُ من عَرَفَةَ
عِبَارَةُ الْأَصْلِ صَدْرُهُ من عَرَفَةَ وَآخِرُهُ من عَرَفَةَ وَيُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا صَخَرَاتٌ كِبَارٌ فُرِشَتْ هُنَاكَ فَيَخْطُبُ بِهِمْ بَعْدَ الزَّوَالِ خُطْبَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ يُعَلِّمُهُمْ في الْأُولَى الْمَنَاسِكَ وَيَحُثُّهُمْ على إكْثَارِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ بِالْوَقْفِ وَيَجْلِسُ بَعْدَ فَرَاغِهَا بِقَدْرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَحِينَ يَقُومُ إلَى الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ أَخَفُّ من الْأُولَى يُؤَذِّنُ لِلظُّهْرِ وَيَفْرُغَانِ أَيْ الْأَذَانُ وَالْخُطْبَةُ مَعًا وَاسْتُشْكِلَ هذا بِأَنَّ الْأَذَانَ يَمْنَعُ سَمَاعَ الْخُطْبَةِ أو أَكْثَرَهَا فَيَفُوتُ مَقْصُودُهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْخُطْبَةِ من التَّعْلِيمِ إنَّمَا هو في الْأُولَى وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَهِيَ ذِكْرٌ وَدُعَاءٌ فَشُرِعَتْ مع الْأَذَانِ قَصْدًا لِلْمُبَادَرَةِ بِالصَّلَاةِ وَيَجْمَعُ بِهِمْ بَعْدَ فَرَاغِ الْخُطْبَتَيْنِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ تَقْدِيمًا لِلِاتِّبَاعِ في ذلك رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَيَقْصُرُونَ وَالْجَمْعُ وَالْقَصْرُ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي بِالْمُزْدَلِفَةِ لِلسَّفَرِ لَا لِلنُّسُكِ فَيَخْتَصَّانِ بِسَفَرِ الْقَصْرِ كما مَرَّ في بَابِ الْجَمْعِ بين الصَّلَاتَيْنِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ هُنَا بِقَوْلِهِ لَا وفي نُسْخَةٍ إلَّا الْمَكِّيُّونَ وَنَحْوُهُمْ مِمَّنْ لم يَبْلُغْ سَفَرُهُ مَسَافَةَ الْقَصْرِ فَيَأْمُرهُمْ بِالْإِتْمَامِ بِأَنْ يَقُولَ لهم بَعْدَ السَّلَامِ يا أَهْلَ مَكَّةَ وَمَنْ سَفَرُهُ قَصِيرٌ أَتِمُّوا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ وكان الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَيَأْمُرُهُمْ بِالْإِتْمَامِ وَعَدَمِ الْجَمْعِ
فَرْعٌ قال في الْمَجْمُوعِ قال الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وإذا دخل الْحُجَّاجُ مَكَّةَ وَنَوَوْا أَنْ يُقِيمُوا بِهِمَا أَرْبَعًا لَزِمَهُمْ الْإِتْمَامُ فإذا أُخْرِجُوا يوم التَّرْوِيَةِ إلَى مِنًى وَنَوَوْا الذَّهَابَ إلَى أَوْطَانِهِمْ عِنْدَ فَرَاغِ مَنَاسِكِهِمْ كان لهم الْقَصْرُ من حِينِ خَرَجُوا لِأَنَّهُمْ أَنْشَئُوا سَفَرًا تُقْصَرُ فيه الصَّلَاةُ
فَرْعٌ ثُمَّ بَعْدَ جَمْعِهِمْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يَذْهَبُونَ إلَى الْمَوْقِفِ وَيَجْعَلُونَ السَّيْرَ إلَيْهِ وَأَفْضَلُهُ لِلذِّكْرِ مَوْقِفُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ الْمُفْتَرِشَةِ في أَسْفَلِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ وهو الْجَبَلُ الذي بِوَسَطِ أَرْضِ عَرَفَةَ وَيُقَالُ له الْإِلَالُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ بِوَزْنِ هِلَالٍ وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ وقال نَقْلًا عن الْأَصْحَابِ فَإِنْ تَعَذَّرَ عليه الْوُصُولُ إلَيْهَا لِلزَّحْمَةِ قَرُبَ منها بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَبَيْنَ مَوْقِفِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ نَحْوُ مِيلٍ أَمَّا الْأُنْثَى فَيُنْدَبُ لها الْجُلُوسُ في حَاشِيَةِ الْمَوْقِفِ كما تَقِفُ في آخِرِ الْمَسْجِدِ نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ عن الْمَاوَرْدِيِّ وَأَقَرَّهُ قال في الْمُهِمَّاتِ وَقِيَاسُهُ نَدْبُ ذلك لِلْخُنْثَى وَيَكُونُ على تَرْتِيبِ الصَّلَاةِ قال ثُمَّ يَتَعَدَّى النَّظَرُ إلَى الصِّبْيَانِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمْ مع الْبَالِغِينَ وأن يَكُونَ الْوَقْفُ بِوُضُوءٍ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ وَعَبَّرَ في الرَّوْضَةِ بِالتَّطَهُّرِ وهو أَعَمُّ وَلَا يُشْتَرَطُ فيه سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَيَسْتَقْبِلُونَ في وُقُوفِهِمْ الْقِبْلَةَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ وَالرُّكُوبُ فيه أَفْضَلُ من الْمَشْيِ اقْتِدَاءً بِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلِأَنَّهُ أَعْوَنُ على الدُّعَاءِ وهو الْمُهِمُّ في هذا الْمَوْضِعِ
وَيُكْثِرُونَ الذِّكْرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالدُّعَاءَ وَالتَّلْبِيَةَ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ إلَى الْغُرُوبِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرُوِيَ أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ ما قُلْت أنا وَالنَّبِيُّونَ من قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له
____________________
(1/486)
له الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وهو على كل شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ اجْعَلْ في قَلْبِي نُورًا وفي سَمْعِي نُورًا وفي بَصَرِي نُورًا اللَّهُمَّ اشْرَحْ لي صَدْرِي وَيَسِّرْ لي أَمْرِي اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ كَاَلَّذِي نَقُولُ وَخَيْرًا مِمَّا نَقُولُ اللَّهُمَّ لَك صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي وَإِلَيْك مَآبِي وَلَك تُرَاثِي اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك من عَذَابِ الْقَبْرِ وَوَسْوَسَةِ الصَّدْرِ وَشَتَاتِ الْأَمْرِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك من شَرِّ ما تَجِيءُ بِهِ الرِّيحُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وفي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللَّهُمَّ اُنْقُلْنِي من ذُلِّ الْمَعْصِيَةِ إلَى عِزِّ الطَّاعَةِ وَاكْفِنِي بِحَلَالِك عن حَرَامِك وَأَغْنَنِي بِفَضْلِك عَمَّنْ سِوَاك وَنَوِّرْ قَلْبِي وَقَبْرِي وَأَعِذْنِي من الشَّرِّ كُلِّهِ وَاجْمَعْ لي الْخَيْرَ إنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى وَيَكُونُ كُلُّ دُعَاءٍ ثَلَاثًا وَيَفْتَتِحُهُ بِالتَّحْمِيدِ وَالتَّمْجِيدِ وَالتَّسْبِيحِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيَخْتِمُهُ بِمِثْلِ ذلك مع التَّأْمِينِ وَيُكْثِرُ الْبُكَاءُ مع ذلك فَهُنَاكَ تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ وَتُقَالُ الْعَثَرَاتُ
وقال في الْبَحْرِ قال أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْثِرَ من قِرَاءَةِ سُورَةِ الْحَشْرِ في عَرَفَةَ فَقَدْ رُوِيَ عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ ذلك يَرْفَعُ الْيَدَ أَيْ يَدَيْهِ لِخَبَرِ تُرْفَعُ الْأَيْدِي في سَبْعِ مَوَاطِنَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَاسْتِقْبَالِ الْبَيْتِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالْمَوْقِفَيْنِ وَالْجَمْرَتَيْنِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وقال إنَّهُ مَعْلُولٌ وَلَا يُجَاوِزُونَهَا أَيْ الْيَدَ وفي نُسْخَةٍ وَلَا يُجَاوِزْ بها الرَّأْسَ وَلَا يُفْرِطُ في الْجَهْرِ بِالدُّعَاءِ أو غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قال كنا مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَكُنَّا إذَا أَشْرَفْنَا على وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يا أَيُّهَا الناس أَرْبِعُوا على أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إنَّهُ مَعَكُمْ إنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ قَرِيبٌ وَالْأَفْضَلُ لِلْوَاقِفِ أَنْ لَا يَسْتَظِلَّ بَلْ يَبْرُزَ لِلشَّمْسِ إلَّا لِعُذْرٍ بِأَنْ يَتَضَرَّرَ أو يَنْقُصَ دُعَاؤُهُ وَاجْتِهَادُهُ في الْأَذْكَارِ ولم يُنْقَلْ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم اسْتَظَلَّ بِعَرَفَاتٍ مع أَنَّهُ ثَبَتَ في مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ ظُلِّلَ عليه بِثَوْبٍ وهو يَرْمِي الْجَمْرَةَ وَحَيْثُ تَغْرُبُ الشَّمْسُ يُسْتَحَبُّ له تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ أَيْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ إنْ أَرَادَ الْمَصِيرَ إلَى مُزْدَلِفَةَ لِيَجْمَعَهَا فيها مع الْعِشَاءِ كما سَيَأْتِي
وَيَدْفَعُونَ من عَرَفَةَ مُكْثِرِينَ لِذِكْرِ اللَّهِ وَالتَّلْبِيَةِ طَرِيقَ أَيْ في طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْمِيمِ وَبِتَرْكِهَا مع كَسْرِ الزَّايِ فِيهِمَا وَهُمَا جَبَلَانِ بين عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ فَالْمُرَادُ في الطَّرِيقِ الذي بَيْنَهُمَا بِسَكِينَةٍ تَحَرُّزًا من الْإِيذَاءِ وَلِلْأَمْرِ بِهِ في خَبَرِ مُسْلِمٍ رَاكِبًا كان أو مَاشِيًا وَمِنْ وَجَدَ فُرْجَةً أَسْرَعَ فيها نَدْبًا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ مُتَعَلِّقٌ بِيَدْفَعُونَ فَيَجْمَعُ بِهِمْ فيها الْمَغْرِبَ الْعِشَاءَ تَأْخِيرًا لِلِاتِّبَاعِ كما مَرَّ في بَابِ الْجَمْعِ بين الصَّلَاتَيْنِ وَأَطْلَقَ كَأَصْلِهِ اسْتِحْبَابَ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ إلَى مُزْدَلِفَةَ وَقَيَّدَهُ الدَّارِمِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِمَا إذَا لم يَخْشَ فَوْتَ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِلْعِشَاءِ فَإِنْ خَشِيَهُ صلى بِهِمْ في الطَّرِيقِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عن النَّصِّ قال في الْمَجْمُوعِ وَلَعَلَّ إطْلَاقَ الْأَكْثَرِينَ مَحْمُولٌ على هذا وَفِيهِ قال الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُصَلُّوا قبل حَطِّ رِحَالِهِمْ ثُمَّ يُنِيخَ كُلُّ إنْسَانٍ جَمَلَهُ وَيَعْقِلَهُ ثُمَّ يُصَلُّونَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا جاء مُزْدَلِفَةَ تَوَضَّأَ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ في مَنْزِلِهِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا ولم يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شيئا وَيُصَلِّي كُلُّ أَحَدٍ الرَّوَاتِبَ التي لِلصَّلَوَاتِ الْمَذْكُورَةِ كما مَرَّ في بَابِ الْجُمَعِ وَلَا يَتَنَفَّلُونَ أَيْ لَا يُسَنُّ لهم النَّفَلُ الْمُطْلَقُ لَا بين الصَّلَاتَيْنِ وَلَا على إثْرِهِمَا لِئَلَّا يَنْقَطِعُوا عن الْمَنَاسِكِ اعْلَمْ إنَّ الْمَسَافَةَ من مَكَّةَ إلَى مِنًى وَمِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى كُلٍّ من عَرَفَةَ وَمِنًى فَرْسَخٌ ذَكَرَهُ في الرَّوْضَةِ
فَرْعٌ من حَصَلَ في عَرَفَةَ بِنِيَّةِ الْوُقُوفِ أو بِنِيَّةِ غَيْرِهِ من طَلَبِ غَرِيمٍ أو ضَائِعٍ أو حَصَلَ فيها مَارًّا أو جَاهِلًا بها وَلَوْ ظَنَّهَا غَيْرَهَا أَجْزَأَهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ وَقَفْت هَاهُنَا وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَيُجْزِئُ النَّائِمَ حُصُولُهُ فِيهِمَا وَلَوْ اسْتَغْرَقَ الْوَقْتَ بِالنَّوْمِ كما في الصَّوْمِ لَا الْمُغْمَى عليه وَالسَّكْرَانُ وَالْمَجْنُونُ كما في الصَّوْمِ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ فَيَقَعُ حَجُّ الْمَجْنُونِ نَفْلًا كَحَجِّ الصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَاسْتَشْكَلَ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ في الْمُغْمَى عليه فَاتَهُ الْحَجُّ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْجُنُونَ لَا يُنَافِي الْوُقُوعَ نَفْلًا فإنه إذَا جَازَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُحْرِمَ عن الْمَجْنُونِ ابْتِدَاءً فَفِي الدَّوَامِ أَوْلَى أَنْ يُتِمَّ حَجَّهُ فَيَقَعُ نَفْلًا بِخِلَافِ الْمُغْمَى عليه إذَا ليس لِلْوَلِيِّ أَنْ يُحْرِمَ عنه ابْتِدَاءً فَلَيْسَ له أَنْ يُتِمَّ حَجَّهُ وقد يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَاتَهُ الْحَجُّ حَجُّهُ الْوَاجِبُ فَيَكُونُ كَالْمَجْنُونِ وَمِثْلُهَا السَّكْرَانُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ شَامِلٌ لِلثَّلَاثَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِعَدَمِ صِحَّةِ وُقُوفِ السَّكْرَانِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ وَمَنَاسِكِهِ وَحَدُّ عَرَفَةَ
____________________
(1/487)
ما جَاوَزَ وَادِي عَرَفَةَ إلَى الْجِبَالِ الْمُقَابِلَةِ مِمَّا يَلِي بَسَاتِينَ ابْنِ عَامِرٍ وَلَيْسَ منها وَادِي عَرَفَةَ وَلَا نَمِرَةَ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فَرْعٌ وَوَقْتُهُ أَيْ الْوُقُوفُ من زَوَالِ شَمْسِ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ خَبَرَ الْحَجُّ عَرَفَةَ وَمَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قبل أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ وفي رِوَايَةِ من جاء عَرَفَةَ لَيْلَةَ جَمْعٍ أَيْ لَيْلَةَ مُزْدَلِفَةَ قبل طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ وَرَوَوْا أَيْضًا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عن عُرْوَةَ بن مُضَرِّسٍ قال أَتَيْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْمُزْدَلِفَةِ حين خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ أَيْ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَقُلْت يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي جِئْت من جَبَلِ طَيِّئٍ أَكْلَلْتُ رَاحِلَتِي وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي وَاَللَّهِ ما تَرَكْتُ من جَبَلٍ إلَّا وَقَفْت عليه فَهَلْ لي من حَجٍّ فقال صلى اللَّهُ عليه وسلم من أَدْرَكَ مَعَنَا هذه الصَّلَاةَ وَأَتَى عَرَفَةَ قبل ذلك لَيْلًا أو نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ وَالتَّفَثُ ما يَفْعَلُهُ الْمُحْرِمُ عِنْدَ تَحَلُّلِهِ من إزَالَةِ شُعْثٍ وَوَسَخٍ وَحَلْقِ شَعْرٍ وَقَلْمِ ظُفْرٍ
وَلَا دَمَ على من دَفَعَ من عَرَفَةَ قبل الْغُرُوبِ وَإِنْ لم يَعُدْ إلَيْهَا لِقَوْلِهِ في خَبَرِ عُرْوَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ فَلَوْ وَجَبَ الدَّمُ لَكَانَ حَجُّهُ نَاقِصًا مُحْتَاجًا إلَى الْجَبْرِ وَلِأَنَّهُ أَدْرَكَ من الْوُقُوفِ ما أَجْزَأَهُ فلم يَجِبْ الدَّمُ كما لو وَقَفَ لَيْلًا بَلْ يُسْتَحَبُّ إنْ لم يَعُدْ إلَيْهَا بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الْغُرُوبِ خُرُوجًا من خِلَافِ من أَوْجَبَهُ لِتَرْكِهِ ما فَعَلَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْجَمْعِ بين اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَإِنْ عَادَ فَلَا اسْتِحْبَابَ وَيُجْزِئُهُ الْوُقُوفُ لَيْلًا لِخَبَرِ عُرْوَةَ وَهَذَا يُغْنِي عنه ما مَرَّ
فَرْعٌ وَإِنْ غَلِطَ الْجَمُّ الْغَفِيرُ ضَمَّ الْغَفِيرَ إلَى الْجَمِّ سَهْوًا وَإِنَّمَا يُضَمُّ إلَى الْجَمَّاءِ بِالْمَدِّ فَفِي الصِّحَاحِ في بَابِ الْمِيمِ الْجَمُّ الْكَثِيرُ وفي بَابِ الرَّاءِ يقول جَاءُوا جَمَّاءَ غَفِيرًا وَالْجَمَّاءُ الْغَفِيرُ أَيْ جَاءُوا بِجَمَاعَتِهِمْ الشَّرِيفُ وَالْوَضِيعُ ولم يَتَخَلَّفْ أَحَدٌ وَكَانَتْ فِيهِمْ كَثْرَةُ الْجَمَّاءِ الْغَفِيرِ يُنْصَبُ كما تُنْصَبُ الْمَصَادِرُ التي في مَعْنَاهُ كَجَاءُونِي جميعا وَقَاطِبَةً وَكَافَّةً وَطُرًّا وَأَدْخَلُوا فيه أَلْ كما أَدْخَلُوهَا في قَوْلِهِمْ أَوْرَدَهَا الْعِرَاكَ أَيْ عِرَاكًا فَكَانَ الْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ وَإِنْ غَلِطَ الْجَمُّ أو جَمٌّ أَيْ كَثِيرُونَ لَا قَلِيلُونَ على خِلَافِ الْعَادَةِ في الْحَجِيجِ فَوَقَفُوا يوم الْعَاشِرِ بِأَنْ ظَنُّوهُ التَّاسِعَ كَأَنْ غُمَّ عليهم هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَأَكْمَلُوا عِدَّةً ذِي الْقِعْدَةِ ثَلَاثِينَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْهِلَالَ أُهِلَّ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ وَلَوْ كان وُقُوفُهُمْ بَعْدَ التَّبَيُّنِ أَيْ تَبَيُّنِ أَنَّهُ الْعَاشِرُ كما إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ الْعَاشِرُ لَيْلًا ولم يَتَمَكَّنُوا من الْوُقُوفِ صَحَّ الْوُقُوفُ لِلْإِجْمَاعِ وَلِخَبَرِ أبي دَاوُد مُرْسَلًا يَوْمُ عَرَفَةَ الْيَوْمُ الذي يُعَرِّفُ الناس فيه وَلِأَنَّهُمْ لو كُلِّفُوا بِالْقَضَاءِ لم يَأْمَنُوا وُقُوعَ مِثْلِهِ فيه وَلِأَنَّ فيه مَشَقَّةٌ عَامَّةٌ بِخِلَافِ ما إذَا قَلُّوا وَلَيْسَ من الْغَلَطِ الْمُرَادُ لهم ما إذَا وَقَعَ ذلك بِسَبَبِ الْحِسَابِ كما ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ قال الدَّارِمِيُّ وإذا وَقَفُوا الْعَاشِرَ غَلَطًا حُسِبَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ على الْحَقِيقَةِ لَا على حِسَابِ وُقُوفِهِمْ وَعَلَيْهِ فَلَا يُقِيمُونَ بِمِنًى إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ خَاصَّةً لَا إنْ وَقَفُوا الْيَوْمَ الثَّامِنَ فَلَا يَصِحُّ وَفَارَقَ الْغَلَطُ بِالْعَاشِرَةِ بِأَنَّ تَأْخِيرَ الْعِبَارَةِ عن وَقْتِهَا أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِسَابِ من تَقْدِيمِهَا عليه وَبِأَنَّ الْغَلَطَ بِالتَّقْدِيمِ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عنه لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقَعُ لِغَلَطٍ في الْحِسَابِ أو لِخَلَلٍ في الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا بِتَقْدِيمِ الْهِلَالِ وَالْغَلَطُ بِالتَّأْخِيرِ قد يَكُونُ بِالْغَيْمِ الْمَانِعِ من رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وهو لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عنه ثُمَّ إنْ عَلِمُوا قبل فَوْتِ الْوَقْتِ وَجَبَ الْوُقُوفُ فيه لِتَمَكُّنِهِمْ منه أو بَعْدَهُ وَجَبَ الْقَضَاءُ كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَلَا إنْ وَقَفُوا الْحَادِيَ عَشَرَ وَلَا إنْ غَلِطُوا في الْمَكَانِ فَوَقَفُوا بِغَيْرِ عَرَفَةَ فَلَا يَصِحُّ لِنُدْرَةِ ذلك فَيَقْضُونَ لِلْفَوَاتِ أَيْ لِأَجْلِهِ وَمَنْ رَأَى الْهِلَالَ وَحْدَهُ أو مع غَيْرِهِ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَوَقَفَ قَبْلَهُمْ لَا مَعَهُمْ أَجْزَأَهُ إذْ الْعِبْرَةُ في دُخُولِ وَقْتِ عَرَفَةَ وَخُرُوجِهِ بِاعْتِقَادِهِ وَهَذَا كَمَنْ شَهِدَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ
فَصْلٌ الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةُ وَهِيَ ما بين مَأْزِمَيْ عَرَفَةَ وَوَادِي مُحَسِّرٍ مُشْتَقَّةٌ من الِازْدِلَافِ وهو التَّقَرُّبُ لِأَنَّ الْحُجَّاجَ يُقَرِّبُونَ منها نُسُكٌ لِلِاتِّبَاعِ الْمَعْلُومِ من الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وهو مَنْدُوبٌ على ما صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَوَاجِبٌ على ما صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَمَحَلُّهُ في غَيْرِ الْمَعْذُورِ كما سَيَأْتِي وَيَكْفِي في الْمَبِيتِ بها الْحُصُولُ بها سَاعَةً أَيْ لَحْظَةً
____________________
(1/488)
كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَوَقْتُهُ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ كما نَصَّ عليه في الْأُمِّ وَبَعْدَ قَطْعِ جُمْهُورِ الْعِرَاقِيِّينَ وَأَكْثَرِ الْخُرَاسَانِيِّينَ فَالْمُعْتَبَرُ الْحُصُولُ فيها لَحْظَةً من النِّصْفِ الثَّانِي لَا لِكَوْنِهِ يُسَمَّى مَبِيتًا إذْ الْأَمْرُ بِالْمَبِيتِ لم يَرِدْ هُنَا بَلْ لِمَا سَيَأْتِي في إشْكَالِ الرَّافِعِيِّ بِخِلَافِ الْمَبِيتِ بِمِنًى لَا بُدَّ فيه من الْمُعْظَمِ كَذَا قَرَّرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فيه مُعْظَمُ اللَّيْلِ كما لو حَلَفَ لَا يَبِيتُ بِمَكَانٍ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِمُعْظَمِ اللَّيْلِ وَهَذَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ من جِهَةِ أَنَّهُمْ لَا يَصِلُونَهَا حتى يَمْضِيَ نَحْوُ رُبْعِ اللَّيْلِ مع جَوَازِ الدَّفْعِ منها بَعْدَ النِّصْفِ فَمَتَى وفي نُسْخَةٍ وَمَتَى لم يَبِتْ فيها أو بَاتَ لَكِنْ دَفَعَ قَبْلَهُ أَيْ قبل النِّصْفِ ولم يَعُدْ إلَيْهِ الْأَوْلَى إلَيْهَا قبل طُلُوعِ الْفَجْرِ لَزِمَهُ دَمٌ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ
وَيَأْخُذُونَ منها نَدْبًا حَصَى الرَّمْيِ لِمَا رَوَى النَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ جَيِّدٍ عن الْفَضْلِ بن الْعَبَّاسِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال له غَدَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ الْتَقِطْ لي حَصًى قال فَلَقَطْت له حَصَيَاتٍ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ وَلِأَنَّ بها جَبَلًا في أَحْجَارِهِ رَخَاوَةٌ وَلِأَنَّ السُّنَّةَ أَنَّهُ إذَا أتى مِنًى لَا يُعَرِّجُ على غَيْرِ الرَّمْيِ فَسُنَّ له أَنْ يَأْخُذَ الْحَصَى من مُزْدَلِفَةَ حتى لَا يَشْتَغِلَ عنه وَيَأْخُذُونَهُ لَيْلًا لِفَرَاغِهِمْ فيه قَالَهُ الْجُمْهُورُ وقال الْبَغَوِيّ نَهَارًا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ قال الْإِسْنَوِيُّ وهو الصَّوَابُ نَقْلًا وَدَلِيلًا لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ عليه في الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ وَلِظَاهِرِ الْخَبَرِ السَّابِقِ وَيَأْخُذُونَ لِيَوْمِهِمْ أَيْ لِرَمْيِ يَوْمِهِمْ وهو يَوْمُ النَّحْرِ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ سَبْعًا فَقَطْ قال في الْمَجْمُوعِ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَزِيدَ فَرُبَّمَا سَقَطَ منها شَيْءٌ وَيَجُوزُ الْأَخْذُ من غَيْرِهِمْ كَوَادِي مُحَسِّرٍ أو غَيْرِهِ كما يَجُوزُ الْأَخْذُ منه لِرَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
وَيُكْرَهُ أَخْذُهَا من حِلٍّ لِعُدُولِهِ عن الْحَرَمِ الْمُحْتَرَمِ ومن مَسْجِدٍ لِأَنَّهَا فُرُشُهُ فَمَحَلُّهُ إذَا لم يَكُنْ جُزْءٌ منه وَالْإِحْرَامُ ومن حَشٍّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ أَشْهَرُ من ضَمِّهَا الْمِرْحَاضُ لِنَجَاسَتِهِ وَكَذَا من كل مَوْضِعٍ نَجَسٍ كما نَصَّ عليه في الْأُمِّ قال في الْمُهِمَّاتِ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ بَقَاءَ الْكَرَاهَةِ وَلَوْ غُسِلَ الْمَأْخُوذُ من الْمَوْضِعِ النَّجَسِ وَيُؤَيِّدُهُ اسْتِحْبَابُ غَسْلِ الْجِمَارِ قبل الرَّمْيِ بها سَوَاءٌ أَخَذَهَا من مَوْضِعٍ نَجَسِ أَمْ لَا ومن مَرْمِيٍّ بِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْمَقْبُولَ يُرْفَعُ وَالْمَرْدُودَ يُتْرَكُ وَلَوْلَا ذلك لَسَدَّ ما بين الْجَبَلَيْنِ فَإِنْ رَمَى بِشَيْءٍ منها جَازَ قال في الْمَجْمُوعِ فَإِنْ قِيلَ لِمَ جَازَ الرَّمْيُ بِحَجَرٍ بِهِ دُونَ الْوُضُوءِ بِمَا تَوَضَّأَ بِهِ قُلْنَا فَرَّقَ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْوُضُوءَ بِالْمَاءِ إتْلَافٌ له كَالْعِتْقِ فَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ مَرَّتَيْنِ كما لَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ عن الْكَفَّارَةِ مَرَّتَيْنِ وَالْحَجَرُ كَالثَّوْبِ في سَتْرِ الْعَوْرَةِ فإنه يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّي فيه صَلَوَاتٍ وَذِكْرُ الْحِلِّ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَنَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ
وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَكْسِرَ الْحَصَى بَلْ يَلْتَقِطُهُ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ بِالْتِقَاطِهِ له وَنَهَى عن كَسْرِهِ وَلِأَنَّهُ قد يُفْضِي إلَى التَّأَذِّي وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ النِّسَاءِ وَالضُّعَفَاءِ بَعْدَ النِّصْفِ من اللَّيْلِ إلَى مِنًى لِيَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قبل زَحْمَةِ الناس وَلِمَا في الصَّحِيحَيْنِ عن عَائِشَةَ أَنَّ سَوْدَةَ أَفَاضَتْ في النِّصْفِ الْأَخِيرِ من مُزْدَلِفَةَ بِإِذْنِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم يَأْمُرْهُمْ بِالدَّمِ وَلَا النَّفَرَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهَا وَفِيهِمَا عن ابْنِ عَبَّاسٍ قال أنا مِمَّنْ قَدَّمَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ في ضَعَفَةِ أَهْلِهِ وَيَقِفُ غَيْرُهُمْ نَدْبًا أَيْ يَمْكُثُونَ بِمُزْدَلِفَةَ فَيُصَلُّونَ الصُّبْحَ بِغَلَسٍ ثُمَّ يَرْكَبُونَ أَيْ يَدْفَعُونَ إلَى مِنًى لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيَتَأَكَّدُ التَّغْلِيسُ هُنَا على بَاقِي الْأَيَّامِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِيَتَّسِعَ الْوَقْتُ لِمَا بين أَيْدِيهِمْ من أَعْمَالِ يَوْمِ النَّحْرِ وَيَقِفُونَ بِمُزْدَلِفَةُ في أَيِّ جُزْءٍ شَاءُوا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ وَالْأَفْضَلُ وُقُوفُهُمْ عِنْدَ قُزَحَ بِضَمِّ الْقَافِ وَبِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ وهو الْمُسَمَّى وهو بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ قال ابن الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ وهو جَبَلٌ صَغِيرٌ بِآخِرِ الْمُزْدَلِفَةِ وهو منها قَالَا وقد اسْتَبْدَلَ الناس الْوُقُوفَ بِهِ على بِنَاءٍ مُحْدَثٍ هُنَاكَ يَظُنُّونَهُ الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ وَلَيْسَ كما يَظُنُّونَهُ لَكِنْ يَحْصُلُ بِالْوُقُوفِ عِنْدَهُ أَصْلُ السُّنَّةِ وقال الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ هو بِأَوْسَطِ الْمُزْدَلِفَةِ وقد بُنِيَ عليه بِنَاءٌ ثُمَّ حَكَى كَلَامَ ابْنِ الصَّلَاحِ
ثُمَّ قال وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبِنَاءَ إنَّمَا هو على الْجَبَلِ وَالْمُشَاهَدَةُ تَشْهَدُ له قال ولم أَرَ ما ذَكَرَهُ لِغَيْرِهِ وَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِالْمُرُورِ وَإِنْ لم يَقِفْ في عَرَفَةَ نَقَلَهُ في الْكِفَايَةِ عن الْقَاضِي وَأَقَرَّهُ وإذا وَقَفُوا فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى وَيَدْعُونَ في وُقُوفِهِمْ إلَى الْإِسْفَارِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ كما وَقَّفْتَنَا فيه وَأَرَيْتنَا إيَّاهُ فَوَفِّقْنَا لِذِكْرِك كما هَدَيْتنَا وَاغْفِرْ لنا وَارْحَمْنَا كما وَعَدْتنَا
____________________
(1/489)
بِقَوْلِك وَقَوْلُك الْحَقُّ فإذا أَفَضْتُمْ من عَرَفَاتٍ إلَى قَوْلِهِ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَيُكْثِرُونَ من قَوْلِهِمْ رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وفي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَيَدْعُونَ بِمَا أَحَبُّوا وَيَصْعَدُونَ الْجَبَلَ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَيَقِفُونَ تَحْتَهُ وَلَوْ فَاتَتْ هذه السُّنَّةُ لم تُجْبَرْ بِدَمٍ كَسَائِرِ الْهَيْئَاتِ
فَصْلٌ ثُمَّ بَعْدَ الْإِسْفَارِ يَدْفَعُونَ إلَى مِنًى بِسَكِينَةٍ وَشِعَارُهُمْ التَّلْبِيَةُ وَالذِّكْرُ وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُ الدَّفْعِ حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ كما قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ وَمَنْ وَجَدَ فُرْجَةً بَادَرَ أَيْ أَسْرَعَ كَالدَّفْعِ من عَرَفَةَ وَبِبُلُوغِ وَادِي مُحَسِّرٍ بِكَسْرِ السِّنِينَ مَوْضِعٌ فَاصِلٌ بين مُزْدَلِفَةَ وَمِنًى سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ فِيلَ أَصْحَابِ الْفِيلِ حُسِرَ فيه أَيْ أُعْيَا قال في الْمَجْمُوعِ قال الْأَزْرَقِيُّ وَادِي مُحَسِّرٍ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَخَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا
انْتَهَى وَالْإِضَافَةُ فيه لِلْبَيَانِ كما في جَبَلِ أُحَدٍ وَشَجَرِ أَرَاك وَبِبُلُوغِهِمْ مُحَسِّرًا يُسْرِعُونَ وَإِنْ لم يَجِدُوا فُرْجَةً مُشَاةً كَانُوا أو رُكْبَانًا قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ حتى يَقْطَعُوا عَرْضَ الْوَادِي لِلِاتِّبَاعِ في الرَّاكِبِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقِيَاسُهُ عليه في الْمَاشِي وَلِنُزُولِ الْعَذَابِ فيه على أَصْحَابِ الْفِيلِ وَلِأَنَّ النَّصَارَى كانت تَقِفُ فيه فَأُمِرْنَا بِمُخَالَفَتِهِمْ وَيَقُولُ الْمَارُّ بِهِ ما رُوِيَ عن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه إلَيْك تَعْدُوا قَلِقًا وَضِينُهَا مُعْتَرِضًا في بَطْنِهَا جَنِينُهَا مُخَالِفًا دِينَ النَّصَارَى دِينُهَا وَالْوَضِينُ حَبْلٌ كَالْحِزَامِ وَبَعْدَ قَطْعِهِمْ وَادِي مُحَسِّرٍ يَسِيرُونَ بِسَكِينَةٍ
وَيَدْخُلُونَهَا أَيْ مِنًى بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَارْتِفَاعِهَا قَدْرَ رُمْحٍ وَيَرْمِي كُلٌّ منهم حِينَئِذٍ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَهِيَ أَسْفَلُ الْجَبَلِ مُرْتَفِعَةٌ عن الْجَادَّةِ على يَمِينِ السَّائِرِ إلَى مَكَّةَ قبل نُزُولِ الرَّكْبِ منهم بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَيُكَبِّرُ مَكَانَ التَّلْبِيَةِ مع كل حَصَاةٍ لِلِاتِّبَاعِ في ذلك رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحِكْمَةُ رَمْيِ الرَّاكِبِ قبل نُزُولِهِ أَنَّ الرَّمْيَ تَحِيَّةُ مِنًى فَلَا يَبْدَأُ بِغَيْرِهِ وَكَيْفِيَّةُ التَّكْبِيرِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عن الشَّافِعِيِّ ثُمَّ بَعْدَ الرَّمْيِ يَنْصَرِفُونَ فَيَنْزِلُونَ مَوْضِعًا بِمِنًى وَالْأَفْضَلُ منها مَنْزِلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وما قَارَبَهُ قال الْأَزْرَقِيُّ وَمَنْزِلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمِنًى عن يَسَارِ مُصَلَّى الْإِمَامِ ثُمَّ يَحْلِقُونَ أو يُقَصِّرُونَ ويحلق أو يُقَصِّرُ الْمُهْدِي بَعْدَ ذَبْحِ هَدْيِهِ بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَبِكَسْرِهَا مع تَشْدِيدِ الْيَاءِ وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ
ثُمَّ بَعْدَ الْحَلْقِ أو التَّقْصِيرِ يَدْخُلُونَ مَكَّةَ فَيَطُوفُونَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَيُسَمَّى الزِّيَارَةُ وَالرُّكْنُ أَيْ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَالرُّكْنُ وَالْفَرْضُ وَالصَّدْرُ بِفَتْحِ الدَّالِ كما قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ وَذَكَرَ الْأَصْلُ بَعْدَ هذا بِقَلِيلٍ نَحْوَهُ لَكِنَّهُ قال وقد يُسَمَّى طَوَافُ الصَّدْرِ وَالْأَشْهَرُ أَنَّ طَوَافَ الصَّدَرِ طَوَافَ الْوَدَاعِ وَسُمِّيَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ لِإِتْيَانِهِمْ بِهِ عَقِبَ الْإِفَاضَةِ من مِنًى وَالزِّيَارَةِ لِأَنَّهُمْ يَأْتُونَ من مِنًى زَائِرِينَ الْبَيْتَ وَيَعُودُونَ في الْحَالِ وَالرُّكْنُ وَالْفَرْضُ لِتَعَيُّنِهِ وَالصَّدَرُ لِأَنَّهُمْ يَصْدُرُونَ له من مِنًى إلَى مَكَّةَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَطُوفُوا يوم النَّحْرِ وَأَنْ يَكُونَ ضَحْوَةً وإذا فَرَغَ من طَوَافِهِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَشْرَبَ من سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ وَيَسْعَى بَعْدَهُ إنْ لم يَكُنْ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ بِخِلَافِ ما إذَا سَعَى لِمَا مَرَّ أَنَّهُ تُكْرَهُ إعَادَتُهُ ثُمَّ بَعْدَ السَّعْيِ يَعُودُونَ قبل صَلَاتِهِمْ الظُّهْرَ مِنًى لِلْمَبِيتِ بها وَالرَّمْيِ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَيُصَلُّونَ بها الظُّهْرَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عن ابْنِ عُمَرَ قال في الْمَجْمُوعِ قال الْبَيْهَقِيُّ وَلَا يُعَارِضُهُ ما رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عن جَابِرٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَفَاضَ يوم النَّحْرِ إلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَفَاضَ قبل الزَّوَالِ فَطَافَ وَصَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ في أَوَّلِ وَقْتِهَا ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى فَصَلَّى بها الظُّهْرَ مَرَّةً أُخْرَى إمَامًا لِأَصْحَابِهِ كما صلى بِهِمْ في بَطْنِ نَخْلٍ مَرَّتَيْنِ بِطَائِفَةٍ وَمَرَّةً بِأُخْرَى فَرَوَى ابن عُمَرَ صَلَاتَهُ بِمِنًى وَجَابِرٌ صَلَاتَهُ بِمَكَّةَ وَالْجَمْع بهذا قد يُؤَثِّرُ في الِاسْتِدْلَالِ بِرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَأَمَّا خَبَرُ أبي دَاوُد وَغَيْرِهِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخَّرَ طَوَافَهُ يوم النَّحْرِ إلَى اللَّيْلِ فَجَوَابُهُ أَنَّ رِوَايَاتِ غَيْرِهِ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ وَأَكْثَرُ رُوَاةً وَأَنَّهُ يُتَأَوَّلُ قَوْلُهُ أَخَّرَ طَوَافَ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى اللَّيْلِ بِطَوَافِ نِسَائِهِ فَإِنْ قِيلَ هذا التَّأْوِيلُ تَرُدُّهُ رِوَايَةُ وَزَارَ صلى اللَّهُ عليه وسلم مع نِسَائِهِ لَيْلًا قُلْنَا لَعَلَّهُ عَادَ لِلزِّيَارَةِ لَا لِلطَّوَافِ فَزَارَ مع نِسَائِهِ ثُمَّ عَادَ إلَى مِنًى فَبَاتَ بها
فَرْعُ الْحَلْقِ أَيْ إزَالَةُ الشَّعْرِ من الرَّأْسِ في الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ رُكْنٌ فَهُوَ نُسُكٌ لَا اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ لِلدُّعَاءِ لِفَاعِلِهِ بِالرَّحْمَةِ وَلِتَفْصِلِيهِ على التَّقْصِيرِ كما سَيَأْتِي وَلَا تَفْصِيلَ في الْمُبَاحَاتِ فَيُثَابُ فَاعِلُهُ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ
____________________
(1/490)
لَا يُثَابُ ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ وَلَا تَحَلُّلَ من الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ دُونَهُ كَسَائِرِ أَرْكَانِهِمَا إلَّا لِمَنْ لَا شَعْرَ بِرَأْسِهِ فَيَتَحَلَّلُ مِنْهُمَا بِدُونِهِ فَلَا يُؤْمَرُ بِهِ بَعْدَ نَبَاتِ شَعْرِهِ كما سَيَأْتِي وَلَا يَفْدِي عَاجِزٌ عن أَخْذِهِ لِجِرَاحَةٍ أو نَحْوِهَا بَلْ يَصْبِرُ إلَى قُدْرَتِهِ وَلَا يَسْقُطُ عنه وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَا شَعْرَ بِرَأْسِهِ أَنْ يُمِرَّ الْمُوسَى عليه تَشْبِيهًا بِالْحَالِقِينَ قال النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْمُوسَى يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ قال الْإِسْنَوِيُّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لو كان بِبَعْضِ رَأْسِهِ شَعْرٌ لَا يُسْتَحَبُّ إمْرَارُ الْمُوسَى على الْبَاقِي وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنْ كما يُسْتَحَبُّ الْحَلْقُ في الْجَمِيعِ يُسْتَحَبُّ إمْرَارُ الْمُوسَى عليه لِلْمَعْنَى الذي قَالُوهُ
انْتَهَى وَإِنَّمَا لم يَجِبْ الْإِمْرَارُ لِأَنَّ ذلك فَرْضٌ تَعَلَّقَ بِجُزْءِ آدَمِيٍّ فَسَقَطَ بِفَوَاتِهِ كَغَسْلِ الْيَدِ في الْوُضُوءِ وَأَمَّا خَبَرُ الْمُحْرِمِ إذَا لم يَكُنْ على رَأْسِهِ شَعْرٌ يُمِرُّ الْمُوسَى على رَأْسِهِ فَمَوْقُوفٌ ضَعِيفٌ وَلَوْ صَحَّ حُمِلَ على النَّدْبِ فَإِنْ قُلْت قِيَاسُ وُجُوبِ مَسْحِ الرَّأْسِ في الْوُضُوءِ عِنْدَ فَقْدِ شَعْرِهِ الْوُجُوبُ هُنَا قُلْنَا مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْفَرْضَ تَعَلَّقَ ثَمَّ بِالرَّأْسِ وَهُنَا بِشَعْرِهِ وَلِأَنَّ من مَسَحَ بَشَرَةَ الرَّأْسِ يُسَمَّى مَاسِحًا وَمَنْ مَرَّ بِالْمُوسَى عليه لَا يُسَمَّى حَالِقًا وَأَنْ يَأْخُذَ من لَا شَعْرَ بِرَأْسِهِ من لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ لِئَلَّا يَخْلُوَ من أَخْذِ الشَّعْرِ قال في الْمَجْمُوعِ وَأَلْحَقَ بِهِ الْمُتَوَلِّي سَائِرَ ما يُزَالُ لِلْفِطْرَةِ كَالْعَانَةِ لِمَا ذَكَرَ وَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَا يُقَيَّدُ بِمَا يُزَالُ لِلْفِطْرَةِ الْوَاوُ في وَشَارِبِهِ بِمَعْنَى أو وَلَوْ عَبَّرَ بها كَأَصْلِهِ كان أَوْلَى وَلَا أَثَرَ لِمَا نَبَتَ بَعْدُ أَيْ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْحَلْقِ فَلَا يُؤْمَرُ بِحَلْقِهِ لِعَدَمِ اشْتِمَالِ الْإِحْرَامِ عليه
وَيُجْزِئُ التَّقْصِيرُ عن الْحَلْقِ وَإِنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِكَوْنِ التَّلْبِيدِ لَا يَفْعَلُهُ إلَّا الْعَازِمُ على الْحَلْقِ غَالِبًا بِخِلَافِ نَذْرِهِ كما سَيَأْتِي الْوَاجِبُ الْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَلَقَ هو وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وهو أَيْ التَّقْصِيرُ لِلْمَرْأَةِ أَفْضَلُ من الْحَلْقِ رُوِيَ عن أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ خَبَرُ ليس على النِّسَاء حَلْقٌ إنَّمَا عَلَيْهِنَّ التَّقْصِيرُ يُكْرَهُ لها الْحَلْقُ لِنَهْيِهَا عن التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ من عَمِلَ عَمَلًا ليس عليه أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ ذَكَرَ ذلك في الْمَجْمُوعِ كَالْحَلْقِ لِلرَّجُلِ فإنه أَفْضَلُ من التَّقْصِيرِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ إذْ الْعَرَبُ تَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ وَالْأَفْضَلِ وَلِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَرَوَيَا أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ الْمُقَصِّرِينَ فقال اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ قال في الرَّابِعَةِ وَالْمُقَصِّرِينَ نعم إنْ اعْتَمَرَ قبل الْحَجِّ في وَقْتٍ لو حَلَقَ فيه جاء يَوْمُ النَّحْرِ ولم يَسْوَدَّ رَأْسُهُ من الشَّعْرِ فَالتَّقْصِيرُ أَفْضَلُ نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ في الْإِمْلَاءِ قال في وقد تَعَرَّضَ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلْمَسْأَلَةِ لَكِنَّهُ أَطْلَقَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَمَتِّعِ أَنْ يُقَصِّرَ في الْعُمْرَةِ وَيَحْلِقَ في الْحَجِّ لِيَقَعَ الْحَلْقُ في أَكْمَلِ الْعِبَادَتَيْنِ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَيُؤْخَذُ مِمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَنَّ مثله يَأْتِي فِيمَا لو قَدَّمَ الْحَجَّ على الْعُمْرَةِ قال وَإِنَّمَا لم يُؤْمَرْ في ذلك بِحَلْقِ بَعْضِ رَأْسِهِ في الْحَجِّ وَبِحَلْقِ بَعْضِهِ في الْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ الْقَزَعُ نعم لو خُلِقَ له رَأْسَانِ فَحَلَقَ أَحَدَهُمَا في الْعُمْرَةِ وَالْآخَرَ في الْحَجِّ لم يُكْرَهْ لِانْتِفَاءِ الْقَزَعِ وَيَكُونُ ذلك مُسْتَثْنًى من كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وما مَرَّ من تَخْيِيرِ الرَّجُلِ بين الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ مَحَلُّهُ إذَا لم يَنْذُرْ الْحَلْقَ فَإِنْ نَذَرَهُ وَجَبَ لِأَنَّهُ في حَقِّهِ قُرْبَةٌ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى ولم يُجْزِهِ عنه الْقَصُّ وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا يُسَمَّى حَلْقًا كَنَتْفٍ وَإِحْرَاقٍ كما صَرَّحَ بِهِمَا الْأَصْلُ إذْ الْحَلْقُ اسْتِئْصَالُ الشَّعْرِ
____________________
(1/491)
بِالْمُوسَى وإذا اسْتَأْصَلَهُ بِمَا لَا يُسَمَّى حَلْقًا هل يَبْقَى الْحَلْقُ في ذِمَّتِهِ حتى يَتَعَلَّقَ بِالشَّعْرِ الْمُتَخَلِّفِ تَدَارُكًا لِمَا الْتَزَمَهُ أَوَّلًا لِأَنَّ النُّسُكَ إنَّمَا هو إزَالَةُ شَعْرٍ اشْتَمَلَ عليه الْإِحْرَامُ الْمُتَّجَهُ الثَّانِي لَكِنْ يَلْزَمُهُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ دَمٌ كما لو نَذَرَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مُفْرَدَيْنِ فَقَرَنَ أو تَمَتَّعَ وَكَمَا لو نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا وَقُلْنَا بِوُجُوبِ الْمَشْيِ فَرَكِبَ ثُمَّ نَاذِرُ الْحَلْقِ قد يُطْلِقُهُ فَيَكْفِيهِ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ وقد صَرَّحَ بِالِاسْتِيعَابِ قال الرَّافِعِيُّ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ لِلْقَفَّالِ وَلَهَا أَخَوَاتٌ تَأْتِي في النَّذْرِ وَأَشَارَ بِهِ إلَى ما نُذِرَ وَاسْتِيعَابُ مَسْحِ الرَّأْسِ في الْوُضُوءِ وَنَحْوِهِ الْأَصَحُّ فيه اللُّزُومُ وقد يُعَبِّرُ بِالْحَلْقِ مُضَافًا فيقول لِلَّهِ عَلَيَّ حَلْقُ رَأْسِي
وَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ كَتَصْرِيحِهِ بِالْجَمِيعِ لِلْعُرْفِ وَيُحْتَمَلُ إلْحَاقُهُ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ الْحَلْقُ أو أَنْ أَحْلِقَ وَيَدُلُّ عليه الْآيَةُ ذَكَرَ ذلك في الْمُهِمَّاتِ وَنَذْرُ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى التَّقْصِيرَ كَنَذْرِ الرَّجُلِ الْحَلْقَ فِيمَا ذُكِرَ
وَيُسْتَحَبُّ التَّيَامُنُ أَيْ الِابْتِدَاءُ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ وَالِاسْتِقْبَالُ أَيْ اسْتِقْبَالُ الْمَحْلُوقِ الْقِبْلَةَ قال الرَّافِعِيُّ وَالتَّكْبِيرُ بَعْدَ الْفَرَاغِ في الْحَلْقِ وَأَنْ يَبْلُغَ بِالْحَلْقِ إلَى الْعَظْمَيْنِ اللَّذَيْنِ عِنْدَ مُنْتَهَى الصُّدْغَيْنِ لِأَنَّهُمَا مُنْتَهَى نَبَاتِ شَعْرِ الرَّأْسِ وَلَا يَخْتَصُّ ما عَدَا التَّمْيِيزَ منها بِحَلْقِ النُّسُكِ وفي نُسْخَةٍ في الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ وَتَقْيِيدُ الرَّافِعِيِّ كَالْمَاوَرْدِيِّ التَّكْبِيرَ بِفَرَاغِ الْحَلْقِ مُحْتَمَلٌ وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ في شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلدَّمِيرِيِّ تَقْيِيدَهُ بِعِنْدِهِ إلَى الْفَرَاغِ فقال وَأَنْ يُكَبِّرَ عِنْدَهُ إلَى أَنْ يَفْرُغَ منه قال وفي مُثِيرِ الْعَزْمِ السَّاكِنِ عن بَعْضِ الْأَئِمَّةِ قال أَخْطَأْت في حَلْقِ رَأْسِي في خَمْسَةِ أَحْكَامٍ عَلَّمَنِيهَا حَجَّامٌ أَتَيْتُهُ بِمِنًى فَقُلْت له بِكَمْ تَحْلِقُ رَأْسِي فقال أَعِرَاقِيٌّ أنت قُلْت نعم قال النُّسُكُ لَا يُشَارَطُ عليه اجْلِسْ قال فَجَلَسْت مُنْحَرِفًا عن الْقِبْلَةِ فقال لي حَوِّلْ وَجْهَكَ إلَى الْقِبْلَةِ فَحَوَّلْته وَأَرَدْته أَنْ يَحْلِقَ من الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ فقال أَدِرْ الْأَيْمَنَ فَأَدَرْته فَجَعَلَ يَحْلِقُ وأنا سَاكِتٌ فقال كَبِّرْ كَبِّرْ فَكَبَّرْت فلما فَرَغَ قُمْت لِأَذْهَبَ فقال صَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ امْضِ قُلْت له من أَيْنَ لَك ما أَمَرْتَنِي بِهِ قال رَأَيْت عَطَاءَ بن أبي رَبَاحٍ يَفْعَلُهُ
ويستحب التَّقْصِيرُ لِمَنْ يُقَصِّرُ قَدْرَ أُنْمُلَةٍ من جَمِيعِ الرَّأْسِ وَحُكْمُ تَقْصِيرِ ما زَادَ عليها حُكْم الْحَلْقُ وَيُجْزِئُ في الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ دُفْعَةً من الرَّأْسِ لِوُجُوبِ الدَّمِ بِإِزَالَتِهَا الْمُحَرَّمَةِ وَاكْتِفَاءً بِمُسَمَّى الْجَمْعِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ أَيْ شَعْرًا من رُءُوسِكُمْ لَا دُفُعَاتٍ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من عَدَمِ تَكْمِيلِ الدَّمِ بِإِزَالَتِهَا الْمُحَرِّمَةِ وَهَذَا وما اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِهِ من الْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ لَكِنْ الذي صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ وَمَنَاسِكِهِ الِاكْتِفَاءُ بها مع فَوَاتِ الْفَضِيلَةِ وَيُجَابُ عن الْبِنَاءِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ منه الِاتِّحَادُ في التَّصْحِيحِ وما صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِيمَا قُلْنَاهُ لَا يَأْتِي في الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ الْمَأْخُوذَةِ بِدُفُعَاتٍ وَإِنْ سَوَّى الْأَصْلُ بَيْنَهُمَا في الْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ وَيَكْتَفِي في أَخْذِ الشَّعْرِ بِقَصٍّ أو نَتْفٍ أو إحْرَاقٍ أو غَيْرِهِ من مُسْتَرْسِلٍ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إزَالَةُ الشَّعْرِ وَكُلٌّ من هذه الْأَشْيَاءِ طَرِيقٌ إلَيْهَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي ما دُونَ الثَّلَاثِ وَلَا ثَلَاثَ من غَيْرِ الرَّأْسِ أو منه وَمِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ اسْتَوَيَا في الْفِدْيَةِ لِأَنَّ ما وَرَدَ من الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ مُخْتَصٌّ بِالرَّأْسِ وَيُسْتَحَبُّ دَفْنُ الشَّعْرِ احْتِرَامًا له قال في الْإِمْلَاءِ وَدَفْنُ الشَّعْرِ الْحَسَنِ آكَدُ لِئَلَّا يُؤْخَذَ لِلْوَصْلِ قال في الْمَجْمُوعِ قال ابن الْمُنْذِرِ ثَبَتَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا حَلَقَ رَأْسَهُ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ وكان ابن عُمَرَ يَأْخُذُ من لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ وَأَظْفَارِهِ إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْحَلْقِ اللَّهُمَّ آتِي بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَسَنَةً وَامْحُ عَنِّي سَيِّئَةً وَارْفَعْ لي بها دَرَجَةً وَاغْفِرْ لي وَلِلْمُحَلِّقِينَ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ يَتَطَيَّبَ وَيَلْبَسَ
فَصْلٌ أَعْمَالُ يَوْمِ النَّحْرِ في الْحَجِّ أَرْبَعَةٌ رَمْيُ الْجَمْرَةِ أَيْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالذَّبْحُ لِلْهَدْيِ وَالْحَلْقُ أو التَّقْصِيرُ وَالطَّوَافُ كما مَرَّ وَتَرْتِيبُهَا على ما ذَكَرَ سُنَّةٌ لِلِاتِّبَاعِ فَلَوْ حَلَقَ أو قَصَّرَ أَوَّلًا أَيْ قبل الثَّلَاثَةِ الْأُخَرِ فَلَا فِدْيَةَ عليه وَإِنَّمَا لم يَجِبْ تَرْتِيبُهَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن عبد اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ سَمِعْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يوم النَّحْرِ في حِجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُمْ يَسْأَلُونَهُ فقال رَجُلٌ لم أُشْعِرْ فَحَلَقْت قبل
____________________
(1/492)
أَنْ أَذْبَحَ فقال اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ فَجَاءَ آخَرُ فقال لم أُشْعِرْ فَنَحَرْت قبل أَنْ أَرْمِيَ فقال ارْمِ وَلَا حَرَجَ وفي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عن عَمْرٍو أَيْضًا سَمِعْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَتَاهُ رَجُلٌ يوم النَّحْرِ وهو وَاقِفٌ عِنْدَ الْجَمْرَةِ فقال يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي حَلَقْت قبل أَنْ أَرْمِيَ فقال ارْمِ وَلَا حَرَجَ وَأَتَاهُ آخَرُ فقال إنِّي ذَبَحْت قبل أَنْ أَرْمِيَ فقال ارْمِ وَلَا حَرَجَ وَأَتَاهُ آخَرُ فقال إنِّي أَفَضْت إلَى الْبَيْتِ قبل أَنْ أَرْمِيَ فقال ارْمِ وَلَا حَرَجَ قال فما سُئِلَ عن شَيْءٍ يَوْمَئِذٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إلَّا قال افْعَلْ وَلَا حَرَجَ
وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا إلَّا الذَّبْحُ لِلْهَدْيِ بِانْتِصَافِ لَيْلَةِ النَّحْرِ لِمَنْ وَقَفَ قَبْلَهُ لِخَبَرِ أبي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ على شَرْطِ مُسْلِمٍ عن عَائِشَةَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَرْسَلَ أُمَّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَرَمَتْ قبل الْفَجْرِ ثُمَّ أَفَاضَتْ وَقِيسَ بِالرَّمْيِ الْآخَرَانِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا من أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ وَوُجِّهَتْ الدَّلَالَةُ من الْخَبَرِ بِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَلَّقَ الرَّمْيَ بِمَا قبل الْفَجْرِ وهو صَالِحٌ لِجَمِيعِ اللَّيْلِ وَلَا ضَابِطَ له فَجَعَلَ النِّصْفَ ضَابِطًا لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ مِمَّا قَبْلَهُ وَلِأَنَّهُ وَقْتُ الدَّفْعِ من مُزْدَلِفَةَ وَلِأَذَانِ الصُّبْحِ فَكَانَ وَقْتًا لِلرَّمْيِ كما بَعْدَ الْفَجْرِ أَمَّا الذَّبْحُ لِلْهَدْيِ أَيْ الْمَسُوقُ تَقَرُّبًا لِلَّهِ فَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِدُخُولِ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا أَيْ الْمَذْكُورَاتِ غَيْرِ الذَّبْحِ إلَى بَعْدِ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِلِاتِّبَاعِ وما بَدَأَ بِهِ منها قَطَعَ التَّلْبِيَةَ بِالتَّكْبِيرِ معه لَأَخْذِهِ في أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ فَلَا مَعْنَى لِلتَّلْبِيَةِ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِإِجَابَةِ الدَّاعِي إلَى أَدَاءِ النُّسُكِ وَيَقْطَعُهَا أَيْ التَّلْبِيَةَ في الْعُمْرَةِ بِالطَّوَافِ لِأَنَّهُ من أَسْبَابِ تَحَلُّلِهَا وَيَبْقَى وَقْتُ الرَّمْيِ إلَى مَغْرِبِ يَوْمِ النَّحْرِ رَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ رَجُلًا قال لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنِّي رَمَيْت بَعْدَمَا أَمْسَيْت قال لَا حَرَجَ وَالْمَسَاءُ من بَعْدِ الزَّوَالِ وَخَرَجَ بِالْمَغْرِبِ ما بَعْدَهُ فَلَا يَكْفِي الرَّمْيُ بَعْدَهُ لِعَدَمِ وُرُودِهِ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا أَخَّرَ رَمْيَ يَوْمٍ إلَى ما بَعْدَهُ من أَيَّامِ الرَّمْيِ يَقَعُ أَدَاءً وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ وَقْتَهُ لَا يَخْرُجُ بِالْغُرُوبِ وَأُجِيبَ بِحَمْلِ ما هُنَا على وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وما هُنَاكَ على وَقْتِ الْجَوَازِ وقد صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ وَقْتَ الْفَضِيلَةِ لِرَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ يَنْتَهِي بِالزَّوَالِ فَيَكُونُ لِرَمْيِهِ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ وَوَقْتُ جَوَازٍ
ويبقى وَقْتُ الذَّبْحِ لِلْهَدْيِ إلَى آخَرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَالْأُضْحِيَّةِ وَالْآخَرَانِ أَيْ الْحَلْقُ أو التَّقْصِيرُ وَالطَّوَافُ الْمَتْبُوعُ بِالسَّعْيِ إنْ لم يَكُنْ سَعَى لَا يَتَوَقَّتَانِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّوْقِيتِ نعم يُكْرَهُ تَأْخِيرُهُمَا عن يَوْمِ النَّحْرِ وَتَأْخِيرُهُمَا عن أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَشَدُّ كَرَاهَةً وَعَنْ خُرُوجِهِ من مَكَّةَ أَشَدُّ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَهَذَا صَرِيحٌ في جَوَازِ تَأْخِيرِهِمَا عن أَيَّامِ الْحَجِّ وَاسْتُشْكِلَ بِقَوْلِهِمْ ليس لِصَاحِبِ الْفَوَاتِ أَنْ يَصْبِرَ على إحْرَامِهِ لِلسَّنَةِ الْقَابِلَةِ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْإِحْرَامِ كَابْتِدَائِهِ وَابْتِدَاؤُهُ لَا يَجُوزُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ في تِلْكَ لَا يَسْتَفِيدُ بِبَقَائِهِ على إحْرَامِهِ شيئا غير مَحْضِ تَعْذِيبَ نَفْسِهِ لِخُرُوجِ وَقْتِ الْوُقُوفِ فَحَرُمَ بَقَاؤُهُ على إحْرَامِهِ وَأُمِرَ بِالتَّحَلُّلِ وَأَمَّا هُنَا فَوَقْتُ ما أَخَّرَهُ بَاقٍ فَلَا يَحْرُمُ بَقَاؤُهُ على إحْرَامِهِ وَلَا يُؤْمَرُ بِالتَّحَلُّلِ وهو بِمَثَابَةِ من أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ وَقْتَهَا ثَمَّ مَدَّهَا بِالْقِرَاءَةِ حتى خَرَجَ الْوَقْتُ فَمَنْ نَفَرَ قبل الطَّوَافِ ولم يَطُفْ لِوَدَاعٍ وَلَا غَيْرَهُ لم يَسْتَبِحْ النِّسَاءَ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ لِبَقَائِهِ مُحْرِمًا
فَرْعٌ لِلْحَجِّ تَحَلُّلَانِ لِطُولِ زَمَنِهِ وَكَثْرَةِ أَفْعَالِهِ كَالْحَيْضِ لَمَّا طَالَ زَمَنُهُ جُعِلَ له تَحَلُّلَانِ انْقِطَاعُ الدَّمِ وَالْغُسْلُ بِخِلَافِ الْعُمْرَةِ ليس لها إلَّا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ كما سَيَأْتِي لِقِصَرِ زَمَنِهَا كَالْجَنَابَةِ فَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ من تَحَلُّلَيْ الْحَجِّ بِاثْنَيْنِ من ثَلَاثَةٍ الرَّمْيُ أَيْ رَمْيُ يَوْمِ النَّحْرِ وَالْحَلْقُ أو التَّقْصِيرُ وَالطَّوَافُ وَاحْتَجُّوا له بِخَبَرِ إذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ الطِّيبُ وَالثِّيَابُ وَكُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَضَعَّفُوهُ وَاَلَّذِي صَحَّ في ذلك ما رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كما في الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ وَقَضِيَّةُ حُصُولِ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ بِالرَّمْيِ وَحْدَهُ فَإِنْ بَقِيَ السَّعْيُ فَهُوَ كَالْجُزْءِ منه أَيْ من الطَّوَافِ فَيَتَوَقَّفُ عليه التَّحَلُّلُ وَيَحِلُّ بِهِ أَيْ بِالتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ ما سِوَى الْجِمَاعِ وَكَذَا مُقَدِّمَاتِهِ وَعَقْدِهِ أَيْ يَحِلُّ بِهِ ما سِوَى هذه الثَّلَاثَةِ من لُبْسٍ وَقَلْمٍ وَصَيْدٍ وَطِيبٍ وَدَهْنٍ وَسَتْرِ رَأْسِ الرَّجُلِ وَوَجْهِ الْمَرْأَةِ كما سَيَأْتِي بَيَانُهَا بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ غَيْرِ السَّابِقِ فِيهِمَا وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَيُسْتَحَبُّ الطِّيبُ أَيْ اسْتِعْمَالُهُ بَيْنَهُمَا أَيْ بين
____________________
(1/493)
التَّحَلُّلَيْنِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن عَائِشَةَ قالت كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِإِحْرَامِهِ قبل أَنْ يُحْرِمَ وَحِلُّهُ قبل أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَالدُّهْنُ مُلْحَقٌ بِالطِّيبِ وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الثَّانِي بِالثَّالِثِ من أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ فَيَحِلُّ بِهِ بَاقِي الْمُحَرَّمَاتِ وَهِيَ الْجِمَاعُ وَمُقَدِّمَاتُهُ وَعَقْدُهُ
وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْوَطْءِ عن رَمْيِ بَاقِي الْأَيَّامِ أَيْ أَيَّامِ الرَّمْيِ وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ لِيَزُولَ عنه أَثَرُ الْإِحْرَامِ كَذَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَنَقَلَهُ ابن الرِّفْعَةِ عن الْجُمْهُورِ قال الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَلَا مَعْنَى له وَيَشْكُلُ عليه خَبَرُ أَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ وَخَبَرُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعَثَ أُمَّ سَلَمَةَ لِتَطُوفَ قبل الْفَجْرِ وكان يَوْمَهَا فَأَحَبَّ أَنْ تُوَفِّيهِ لِيُوَاقِعَهَا وَعَلَيْهِ بَوَّبَ سَعِيدُ بن مَنْصُورٍ في سُنَّةِ بَابِ الرَّجُلِ يَزُورُ الْبَيْتَ ثُمَّ يُوَاقِعُ أَهْلَهُ قبل أَنْ يَرْجِعَ إلَى مِنًى فَذَكَرَهُ فَلَوْ فَاتَهُ الرَّمْيُ أَيْ رَمْيُ يَوْمِ النَّحْرِ بِأَنْ أَخَّرَهُ عن أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلَزِمَهُ بَدَلُهُ تَوَقَّفَ التَّحَلُّلُ على الْبَدَلِ وَلَوْ صَوْمًا لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ قال الْإِسْنَوِيُّ وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ التَّوَقُّفِ وهو الذي نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَنَقَلَ في الْكِفَايَةِ فيه عن بَعْضِهِمْ الْإِجْمَاعَ قال فَإِنْ قِيلَ ما الْفَرْقُ على الْأَوَّلِ بين هذا وَبَيْنَ الْمُحْصَرِ إذَا عَدِمَ الْهَدْيَ فإن الْأَصَحَّ عَدَمُ تَوَقُّفِ التَّحَلُّلِ على بَدَلِهِ وهو الصَّوْمُ قُلْنَا الْفَرْقُ أَنَّ التَّحَلُّلَ إنَّمَا أُبِيحَ لِلْحَصْرِ تَخْفِيفًا عليه حتى لَا يَتَضَرَّرَ بِالْمَقَامِ على الْإِحْرَامِ فَلَوْ أَمَرْنَاهُ بِالصَّبْرِ إلَى أَنْ يَأْتِيَ بِالْبَدَلِ لَتَضَرَّرَ وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الْمُحْصَرَ ليس له إلَّا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ فَلَوْ تَوَقَّفَ تَحَلُّلُهُ على الْبَدَلِ لَشَقَّ عليه الْمَقَامُ على سَائِرِ مُحَرَّمَاتِ الْحَجِّ إلَى الْإِتْيَانِ بِالْبَدَلِ وَاَلَّذِي يَفُوتُهُ الرَّمْيُ يُمْكِنُهُ الشُّرُوعُ في التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فإذا أتى بِهِ حَلَّ له ما عَدَا النِّكَاحَ وَمُقَدِّمَاتِهِ وَعَقْدَهُ فَلَا مَشَقَّةَ عليه في الْإِقَامَةِ على الْإِحْرَامِ حتى يَأْتِيَ بِالْبَدَلِ
فَرْعٌ يَحِلُّ من الْعُمْرَةِ الْمُحْرِمُ بها بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَكَذَا الْحَلْقِ أو التَّقْصِيرِ وَإِنَّمَا لم يَعُدُّوا السَّعْيَ في الْحَجِّ مُسْتَقِلًّا كما في الْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ لَا ضَابِطَ له فيه إذْ يُمْكِنُ وُقُوعُهُ قبل الْوُقُوفِ بِخِلَافِهِ في الْعُمْرَةِ فَيُفْسِدُهَا الْجِمَاعُ قَبْلَهُ أَيْ قبل الْحَلْقِ لِوُقُوعِهِ قبل التَّحَلُّلِ بِنَاءً على أَنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ وَوَقْتُ الْحَلْقِ لِلْمُعْتَمِرِ بَعْدَ السَّعْيِ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عليه
فَصْلٌ مَبِيتُ لَيَالِي مِنًى وَهِيَ لَيَالِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَاجِبٌ لِلِاتِّبَاعِ مع خَبَرِ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَخَّصَ لِلْعَبَّاسِ في تَرْكِ الْمَبِيتِ لِأَجْلِ السِّقَايَةِ فَدَلَّ على أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ ليس في مَعْنَاهُ تَرْكُهُ مُعْظَمَ اللَّيْلِ كما لو حَلَفَ لَا يَبِيتُ بِمَكَانٍ لَا يَحْنَثُ بِمَبِيتِهِ مُعْظَمَ اللَّيْلِ وَإِنَّمَا اُكْتُفِيَ بِسَاعَةٍ في نِصْفِ الثَّانِي بِمُزْدَلِفَةَ كما مَرَّ لِأَنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ وَقَعَ فيها بِخُصُوصِهَا إذْ بَقِيَّةُ الْمَنَاسِكِ يَدْخُلُ وَقْتُهَا بِالنِّصْفِ وَهِيَ كَثِيرَةُ مَشَقَّةٍ فَسُومِحَ في التَّخْفِيفِ لِأَجْلِهَا فَيَجِبُ بِتَرْكِهِ أَيْ مَبِيتِ لَيَالِيِ مِنًى دَمٌ لِتَرْكِهِ الْمَبِيتَ الْوَاجِبَ كَنَظِيرِهِ تَرْكَ مَبِيتِ مُزْدَلِفَةَ وفي تَرْكِ مَبِيتِ اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ من لَيَالِيِ مِنًى مُدٌّ وَاللَّيْلَتَيْنِ مُدَّانِ من الطَّعَامِ وفي تَرْكِ الثَّلَاثِ مع لَيْلَةِ مُزْدَلِفَةَ دَمَانِ لِاخْتِلَافِ الْمَبِيتَيْنِ زَمَانًا وَمَكَانًا وَيُفَارِقُ ما يَأْتِي في تَرْكِ الرَّمْيَيْنِ بِأَنَّ تَرْكَهَا يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ مَكَانَيْنِ وَزَمَانَيْنِ وَتَرْكَ الرَّمْيَيْنِ لَا يَسْتَلْزِمُ إلَّا تَرْكَ زَمَانَيْنِ فَلَوْ نَفَرَ مع ذلك أَيْ مع تَرْكِهِ مَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ من أَيَّامِ مِنًى في الْيَوْمِ الثَّانِي فَدَمٌ يَلْزَمُهُ أو في الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وفي نُسْخَةٍ أو في اللَّيْلِ أَيْ لَيْلِ الثَّالِثِ فَدَمٌ أَيْضًا لِتَرْكِهِ جِنْسَ الْمَبِيتِ بِمِنًى فِيهِمَا وَلَوْ قال في الثَّانِي أو في الْأَوَّلِ فَدَمٌ لَكَانَ أَوْضَحَ وَأَخْصَرَ
وَيَسْقُطُ الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةُ وَمِنًى وَالدَّمُ عن الرِّعَاءِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْمَدِّ إنْ خَرَجُوا منها قبل الْغُرُوبِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَخَّصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ أَنْ يَتْرُكُوا الْمَبِيتَ بِمِنًى رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقِيسَ بِمِنًى مُزْدَلِفَةَ فَإِنْ لم يَخْرُجُوا قبل الْغُرُوبِ بِأَنْ كَانُوا بِهِمَا بَعْدَهُ وَلَزِمَهُمْ مَبِيتُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَالرَّمْيُ من الْغَدِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْخُرُوجِ قبل الْغُرُوبِ في مَبِيتِ مُزْدَلِفَةَ من زِيَادَتِهِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَأْتِيَهَا قبل الْغُرُوبِ ثُمَّ يَخْرُجُ منها حِينَئِذٍ على خِلَافِ الْعَادَةِ وَعَنْ أَهْلِ السِّقَايَةِ بِكَسْرِ السِّينِ مَوْضِعٌ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يُسْقَى فيه الْمَاءُ وَيُجْعَلُ في حِيَاضِ يُسَبَّلُ لِلشَّارِبِينَ مُطْلَقًا عن تَقْيِيدِ خُرُوجِهِمْ بِقَبْلِ الْغُرُوبِ وَلَوْ كانت أَيْ السِّقَايَةُ مُحْدَثَةً لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَخَّصَ لِلْعَبَّاسِ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى لِأَجْلِ السِّقَايَةِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُ الْعَبَّاسِ مِمَّنْ هو من أَهْلِ السِّقَايَةِ في مَعْنَاهُ وَإِنْ لم يَكُنْ عَبَّاسِيًّا وَإِنَّمَا لم يُقَيِّدْ ذلك بِخُرُوجِهِمْ قبل الْغُرُوبِ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ بِاللَّيْلِ بِخِلَافِ الرَّعْيِ وما ذَكَرَهُ في السِّقَايَةِ الْحَادِثَةِ وهو ما صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ
____________________
(1/494)
وَأَمَّا الرَّافِعِيُّ فَإِنَّمَا نَقَلَهُ عن الْبَغَوِيّ وَنَقَلَ الْمَنْعَ عن ابْنِ كَجٍّ وَغَيْرِهِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ فَقَدْ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهِمَا عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ وهو الْمَشْهُورُ كما أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَذَكَرَ الْأَذْرَعِيُّ نَحْوَهُ وما صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ يُؤَيِّدُهُ كما قال الزَّرْكَشِيُّ ما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ من إلْحَاقِ الْخَائِفِ على نَفْسٍ أو نَحْوِهَا مِمَّا يَأْتِي قَرِيبًا بِهَؤُلَاءِ وَلِهَؤُلَاءِ أَيْ الرِّعَاءِ وَأَهْلِ السَّاقِيَّةِ تَأْخِيرُ الرَّمْيِ يَوْمًا فَقَطْ وَيَقْضُونَهُ بِمَعْنَى يُؤَدُّونَهُ في تَالِيهِ أَوَّلًا أَيْ قبل رَمْيِهِ لَا رَمْيَ يَوْمَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ كما أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ فَلَوْ نَفَرُوا بَعْدَ الرَّمْيِ يوم النَّحْرِ عَادُوا في ثَانِي التَّشْرِيقِ أو الْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَادُوا في الثَّالِثِ وَلَهُمْ أَنْ يَنْفِرُوا مع الناس وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَنْعَ من تَأْخِيرِ رَمْيِ يَوْمَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ هو بِالنِّسْبَةِ لِوَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَإِلَّا فَقَدْ مَرَّ أَنَّ وَقْتَ الْجَوَازِ يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ قال الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ لَا يُرَخَّصُ لِلرِّعَاءِ في تَرْكِ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ أَيْ في تَأْخِيرِهِ مَحْمُولٌ على أَنَّهُ لَا يُرَخَّصُ له في الْخُرُوجِ عن وَقْتِ الِاخْتِيَارِ
وَيُعْذَرُ في تَرْكِ الْمَبِيتِ وَعَدَمِ لُزُومِ الدَّمِ خَائِفٌ على نَفْسٍ أو مَالٍ أو فَوْتِ أَمْرٍ بِطَلَبِهِ كَآبِقٍ أو ضَيْعَةٍ أو ضَيَاعِ مَرِيضٍ بِتَرْكِ تَعَهُّدِهِ لِأَنَّهُ ذُو عُذْرٍ فَأَشْبَهَ الرِّعَاءَ وَأَهْلَ السِّقَايَةِ وَلَهُ أَنْ يَنْفِرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ويعذر فِيمَا ذُكِرَ مَشْغُولٌ بِتَدَارُكِ الْحَجِّ بِأَنْ انْتَهَى إلَى عَرَفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَاشْتَغَلَ بِالْوُقُوفِ بها عن مَبِيتِ مُزْدَلِفَةَ لِاشْتِغَالِهِ بِالْأَهَمِّ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ على من لم يُمْكِنْهُ الدَّفْعُ إلَى مُزْدَلِفَةَ لَيْلًا فَإِنْ أَمْكَنَهُ وَجَبَ جَمْعًا بين الْوَاجِبَيْنِ وَكَذَا يُعْذَرُ من أَفَاضَ من عَرَفَةَ إلَى مَكَّةَ لِيَطُوفَ لِلْإِفَاضَةِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَفَاتَهُ الْمَبِيتُ لِاشْتِغَالِهِ بِالطَّوَافِ كَاشْتِغَالِهِ بِالْوُقُوفِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين أَنْ يَمُرَّ في طَرِيقِهِ بِمُزْدَلِفَةَ أَمْ لَا
فَصْلٌ وَيَخْطُبُ بِهِمْ الْإِمَامُ أو نَائِبُهُ نَدْبًا بَعْدَ صَلَاةِ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ بِمِنًى خُطْبَةً يُعَلِّمُهُمْ فيها حُكْمَ الطَّوَافِ وَالرَّمْيِ وَالنَّحْرِ وَالْمَبِيتِ وَمَنْ يُعْذَرُ فيه لِيَأْتُوا بِمَا لم يَفْعَلُوا مِنْهُمَا على وَجْهِهِ وَيَتَدَارَكُوا ما أَخَلُّوا بِهِ منها مِمَّا فَعَلُوهُ وما ذُكِرَ من كَوْنِ الْخُطْبَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ قال في الْمَجْمُوعِ كَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عليه وهو مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ فيها الْأَحَادِيثُ وَهِيَ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّهَا كانت صَخْرَةً يوم النَّحْرِ ثُمَّ يَخْطُبُ بِهِمْ كَذَلِكَ أَيْ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِمِنًى خُطْبَةَ ثَانِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَيُعَلِّمُهُمْ فيها جَوَازَ النَّفْرِ فيه وما بَعْدَهُ من طَوَافِ الْوَدَاعِ وَغَيْرِهِ وَيُوَدِّعُهُمْ وَيَأْمُرُهُمْ بِخَتْمِ الْحَجِّ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى
وَحَصَى الرَّمْيِ جَمِيعُهُ سَبْعُونَ حَصَاةً لِرَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ سَبْعٌ وَلِكُلِّ يَوْمٍ من أَيَّامِ التَّشْرِيقِ إحْدَى وَعِشْرُونَ لِكُلِّ جَمْرَةٍ سَبْعٌ فَإِنْ نَفَرَ في الْيَوْمِ الثَّانِي قبل الْغُرُوبَ سَقَطَ عنه الْمَبِيتُ أَيْ مَبِيبُ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ وَرَمَى الْيَوْمَ الثَّالِثَ وهو أَيْ ما يُرْمَى بِهِ فيه إحْدَى وَعِشْرُونَ حَصَاةً وَلَا دَمَ عليه وَلَا إثْمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ تَعَجَّلَ في يَوْمَيْنِ فَلَا إثْمَ عليه وَلِإِتْيَانِهِ بِمُعْظَمِ الْعِبَادَةِ وَيُؤْخَذُ من هذا التَّعْلِيلِ أَنَّ مَحَلَّ ذلك إذَا بَاتَ اللَّيْلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فَإِنْ لم يَبِتْهُمَا لم يَسْقُطْ مَبِيتُ الثَّالِثَةِ وَلَا رَمْيُ يَوْمِهَا وهو كَذَلِكَ فِيمَنْ لَا عُذْرَ له نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الرُّويَانِيِّ عن الْأَصْحَابِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَيُتَّجَهُ طَرْدُ ذلك في الرَّمْيِ أَيْضًا فَيَتْرُكُهَا أَيْ الْإِحْدَى وَالْعِشْرِينَ أَيْ يَطْرَحُهَا أو يَدْفَعُهَا لِمَنْ لم يَرْمِ وَلَا يَنْفُرُ بها وما يَفْعَلُهُ الناس من دَفْنِهَا لَا أَصْلَ له قال الْأَصْحَابُ وَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ النَّفْرِ إلَى الثَّالِثِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَفَرَ فيه وَالتَّأْخِيرُ لِلْإِمَامِ آكَدُ منه لِغَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ يُقْتَدَى بِهِ وَشَمَلَ كَلَامُهُ كَالرَّوْضَةِ ما لو نَفَرَ قبل رَمْيِهِ فَيَسْقُطُ عنه ما ذُكِرَ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ مع تَقْيِيدِهِ النَّفْرَ بِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ
وَنَقَلَهُ عنه في الْمَجْمُوعِ وَاسْتَحْسَنَهُ فقال ما حَاصِلُهُ إنَّهُ لو نَفَرَ النَّفْرَ الْأَوَّلَ فَإِنْ كان بَعْدَ الزَّوَالِ ولم يَرْمِ فَإِنْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَاتَهُ الرَّمْيُ وَلَا اسْتِدْرَاكَ لَزِمَهُ الدَّمُ وَلَا حُكْمَ لِمَبِيتِهِ لو عَادَ بَعْدَ غُرُوبِهَا وَبَاتَ حتى لو رَمَى في النَّفْرِ الثَّانِي لم يُعْتَدَّ بِرَمْيِهِ لِأَنَّهُ بِنَفَرِهِ أَعْرَضَ عن مِنًى وَالْمَنَاسِكِ وَإِنْ لم تَغْرُبْ فَأَقْوَالٌ أَحَدُهَا أَنَّ الرَّمْيَ انْقَطَعَ وَلَا يَنْفَعُهُ الْعَوْدُ وَثَانِيهَا يَتَعَيَّنُ عليه الْعَوْدُ وَيَرْمِي ما لم تَغْرُبْ الشَّمْسُ فَإِنْ غَرَبَتْ تَعَيَّنَ الدَّمُ وَثَالِثُهَا تَخَيَّرَ بين الْأَمْرَيْنِ فَإِنْ نَفَرَ قبل الزَّوَالِ وَعَادَ وَزَالَتْ وهو بِمِنًى فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِأَنَّ خُرُوجَهُ لَا يُؤَثِّرُ أو بَعْدَ الْغُرُوبِ فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْعَلَائِقُ أو بَيْنَهُمَا فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنْ يَرْمِيَ لَكِنَّ تَقْيِيدَ الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَالشَّرْحَيْنِ النَّفْرَ بَعْدَ الرَّمْيِ يَقْتَضِي أَنَّهُ في سُقُوطِ الْمَبِيتِ وَالرَّمْيِ وَبِهِ
____________________
(1/495)
صَرَّحَ الْعِمْرَانِيُّ عن الشَّرِيفِ الْعُثْمَانِيِّ قال لِأَنَّ هذا النَّفْرَ غَيْرُ جَائِزٍ قال الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وهو صَحِيحٌ مُتَّجَهٌ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو ظَاهِرٌ فَالشَّرْطُ أَنْ يَنْفِرَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالرَّمْيِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ قبل الْغُرُوبِ إيضَاحٌ لِمَا قَبْلَهُ وَخَرَجَ بِذَلِكَ ما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ من أَنَّهُ لو لم يَنْفِرْ حتى غَرَبَتْ الشَّمْسُ لم يَسْقُطْ عنه الْمَبِيتُ وَلَا الرَّمْيُ كما رَوَاهُ مَالِكٌ عن ابْنِ عُمَرَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مَوْقُوفٍ عليه فَلَوْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وهو في شُغْلِ الِارْتِحَالِ فَلَهُ النَّفْرُ لِأَنَّ في تَكْلِيفِهِ حَلَّ الرَّحْلِ وَالْمَتَاعِ مَشَقَّةٌ عليه وَهَذَا تَبِعَ فيه أَصْلَ الرَّوْضَةِ وهو كما قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ غَلَطٌ سَبَبُهُ سُقُوطُ شَيْءٍ من بَعْضِ نُسَخِ الْعَزِيزِ
وَالْمُصَحَّحُ فيه وفي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَمَنَاسِكِ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عليه النَّفْرُ بِخِلَافِ ما لو ارْتَحَلَ وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ قبل انْفِصَالِهِ من مِنًى فَإِنْ له النَّفْرَ وَكَذَا لو عَادَ إلَى مِنًى بَعْدَ نَفَرِهِ قبل الْغُرُوبِ لِحَاجَةٍ كَزِيَارَةٍ فَغَرَبَتْ أو غَرَبَتْ فَعَادَ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلَهُ النَّفْرُ وَسَقَطَ عنه الْمَبِيتُ وَالرَّمْيُ بَلْ لو بَاتَ هذا مُتَبَرِّعًا سَقَطَ عنه الرَّمْيُ لِحُصُولِ الرُّخْصَةِ له بِالنَّفْرِ
وَيَدْخُلُ رَمْيُ أَيْ وَقْتُ رَمْيِ كل يَوْمٍ من أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِزَوَالِ شَمْسِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَيُنْدَبُ تَقْدِيمُهُ على صَلَاةِ الظُّهْرِ كما في الْمَجْمُوعِ عن الْأَصْحَابِ وَيَمْتَدُّ وَقْتُهُ الْمُخْتَارُ إلَى غُرُوبِهَا وإذا كان ابْتِدَاءُ وَقْتِهِ من الزَّوَالِ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عليه لِأَنَّهُ شِعَارُ هذه الْأَيَّامِ فَلَوْ قَدَّمَ في يَوْمٍ منها لَخَلَتْ الْبَقِيَّةُ عن الشِّعَارِ وما اقْتَضَاهُ ما تَقَرَّرَ من جَوَازِ تَرْكِ رَمْيِ يَوْمَيْنِ وَوُقُوعِهِ أَدَاءً بِالتَّدَارُكِ لَا يَشْكُلُ بِقَوْلِهِمْ ليس لِلْمَعْذُورِينَ أَنْ يَدَعُوا أَكْثَرَ من يَوْمِ وَأَنَّهُمْ يَقْضُونَ ما فَاتَهُمْ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا في تَرْكِ الرَّمْيِ فَقَطْ وَهُنَاكَ في تَارِكِهِ مع الْبَيَاتِ بِمِنًى وَالتَّعْبِيرُ بِالْقَضَاءِ لَا يُنَافِي الْأَدَاءَ كما مَرَّ قال في الْأَصْلِ وَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ من أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يُسَمَّى يوم الْقَرِّ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ لِأَنَّهُمْ قَارُّونَ بِمِنًى وَالْيَوْمُ الثَّانِي النَّفْرُ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ النَّفَرُ الثَّانِي وَالْمَتْرُوكُ وَلَوْ عَمْدًا منه أَيْ من الرَّمْيِ وَلَوْ رَمَى وفي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَتَرْكُ رَمْيٍ أَيْ مَتْرُوكُ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ يُتَدَارَكُ في أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَدَاءً إلَى انْقِضَائِهَا بِالنَّصِّ في الرِّعَاءِ وَأَهْلِ السَّاقِيَةِ وَبِالْقِيَاسِ في غَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا وَقَعَ أَدَاءً لِأَنَّهُ لو وَقَعَ قَضَاءً لَمَا دَخَلَهُ التَّدَارُكُ كَالْوُقُوفِ بَعْدَ فَوَاتِهِ وَلِأَنَّ صِحَّتَهُ مُوَقَّتَةٌ بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ وَالْقَضَاءُ ليس كَذَلِكَ
وَالتَّرْتِيبُ فيه أَيْ في الرَّمْيِ الْمَتْرُوكِ وَرَمْيِ يَوْمِ التَّدَارُكِ وَاجِبٌ رِعَايَةً لِلتَّرْتِيبِ في الزَّمَانِ كَرِعَايَتِهِ في الْمَكَانِ بِنَاءً على أَنَّهُ أَدَاءً فَإِنْ خَالَفَ وَقَعَ عن الْقَضَاءِ لِأَنَّ مَبْنَى الْحَجِّ على تَقْدِيمِ الْأَوْلَى فَالْأَوْلَى وَبِذَلِكَ عُلِمَ ما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ من أَنَّهُ لو رَمَى إلَى كل جَمْرَةٍ أَرْبَعَ عَشْرَةَ حَصَاةً سَبْعًا عن أَمْسِهِ وَسَبْعًا عن يَوْمِهِ لم يُجْزِئُهُ عن يَوْمِهِ وَلَا يَجُوزُ رَمْيُ الْمُتَدَارَكِ قبل الزَّوَالِ لِأَنَّهُ لم يُشْرَعْ فيه رَمْيٌ فَصَارَ كَاللَّيْلِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّوْمِ وَلَا لَيْلًا لِأَنَّ الرَّمْيَ عِبَادَةُ النَّهَارِ كَالصَّوْمِ وَهَذَانِ الْحُكْمَانِ تَبِعَ فِيهِمَا كَالْإِسْنَوِيِّ تَرْجِيحَ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالْأَصَحُّ فِيهِمَا الْجَوَازُ كما جَزَمَ بِهِ في الْأَوَّلِ الْأَصْلُ وَاقْتَضَاهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَالثَّانِي ابن الصَّبَّاغِ في شَامِلِهِ وابن الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ في مَنَاسِكِهِمَا وَنَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَتَعْلِيلًا لِلْمَنْعِ بِمَا ذَكَرَ مَمْنُوعَانِ في الْمُتَدَارَكِ فَجُمْلَةُ أَيَّامِ مِنًى بِلَيَالِيِهَا كَوَقْتٍ وَاحِدٍ وَكُلُّ يَوْمٍ لِرَمْيِهِ وَقْتُ اخْتِيَارٍ لَكِنْ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ رَمْيِ كل يَوْمٍ على زَوَالِ شَمْسِهِ كما مَرَّ
فَرْعٌ يُشْتَرَطُ في رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْجَمْرَةِ الْأُولَى وَهِيَ التي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ ثُمَّ الْوُسْطَى ثُمَّ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مع خَبَرِ خُذُوا
____________________
(1/496)
عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ وَلِأَنَّهُ نُسُكٌ مُتَكَرِّرٌ فَيُشْتَرَطُ فيه التَّرْتِيبُ كما في السَّعْيِ فَلَا يَعْتَدَّ بِرَمْيِ الثَّانِيَةِ قبل تَمَامِ الْأُولَى وَلَا بِالثَّالِثَةِ قبل تَمَامِ الْأَوَّلَيْنِ ويشترط أَنْ يَرْمِيَ كُلًّا منها بِسَبْعٍ من الْحَصَيَاتِ كما مَرَّ وَإِنْ تَرَكَ حَصَاةً وَشَكَّ في مَحَلِّهَا من الثَّلَاثِ جَعَلَهَا من الْأُولَى احْتِيَاطًا فَيَرْمِي بها إلَيْهَا وَبَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ إذْ الْمُوَالَاةُ بين الرَّمْيِ في الْجَمَرَاتِ لَا تَجِبُ وَإِنَّمَا تُسَنُّ كما في الطَّوَافِ وَصَرْفُ النِّيَّةِ في الرَّمْيِ كَصَرْفِهَا في الطَّوَافِ يَعْنِي صَرْفَ الرَّمْيِ بِالنِّيَّةِ لِغَيْرِ النُّسُكِ كَأَنْ رَمَى إلَى شَخْصٍ أو دَابَّةٍ في الْجَمْرَةِ كَصَرْفِ الطَّوَافِ بها إلَى غَيْرِهِ فَيَنْصَرِفُ إلَى غَيْرِهِ وَبَحَثَ في الْمُهِمَّاتِ إلْحَاقَ الرَّمْيِ بِالْوُقُوفِ أَخْذًا مِمَّا قَدَّمْته من الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَافِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ أَشْبَهَ بِالطَّوَافِ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ في الْعَادَة وفي الْعِبَادَةِ إلَى رَمْيِ الْعَدُوِّ فَهُوَ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ وَحْدَهُ كَالطَّوَافِ وَأَمَّا السَّعْيُ فَالظَّاهِرُ أَخْذًا من ذلك أَنَّهُ كَالْوُقُوفِ
فَرْعٌ السُّنَّةُ أَنْ يَرْفَعَ يَدَهُ بِالرَّمْيِ حتى يُرَى بَيَاضُ إبْطِهِ لِأَنَّهُ أَعْوَنُ عليه وَأَنْ يَكُونَ الرَّمْيُ بيده الْيُمْنَى وَالسُّنَّةُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ لَا تَرْفَعَ يَدَهَا كما صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ في تَصْحِيحِهِ وَالْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ يوم النَّحْرِ في رَمْيِهِ الْجَمْرَةَ وَالْقِبْلَةُ على يَسَارِهِ وَعَرَفَةُ على يَمِينِهِ وأن يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ في رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِلِاتِّبَاعِ فِيهِمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَنْ يَرْمِيَ رَاجِلًا في الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُ التِّرْمِذِيِّ كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ مَشَى إلَيْهَا ذَاهِبًا وَرَاجِعًا وَرَاكِبًا يوم نَفْرِهِ لِيَنْفِرَ عَقِبَهُ كما أَنَّهُ يوم النَّحْرِ يَرْمِي رَاكِبًا كما مَرَّ وَأَنْ يَدْنُوَ من الْجَمْرَةِ في رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِحَيْثُ لَا يَبْلُغُهُ حَصَى الرَّامِينَ فَيَقِفَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَيَدْعُوَ وَيَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُهَلِّلَ وَيُسَبِّحَ بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ الْأُولَى بِقَدْرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَكَذَا بَعْدَ رَمْيِ الثَّانِيَةِ لَا الثَّالِثَةِ بَلْ يَمْضِي بَعْدَ رَمْيِهَا لِلِاتِّبَاعِ في ذلك رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ إلَّا بِقَدْرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ من فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ
فَرْعٌ وإذا تَرَكَ رَمْيَ يَوْمِ النَّحْرِ ورمي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلَوْ سَهْوًا لَزِمَهُ دَمٌ وَكَذَا يَلْزَمُهُ دَمٌ بِتَرْكِ رَمْيِ ثَلَاثِ حَصَيَاتٍ من ذلك لِاتِّحَادِ جِنْسِ الرَّمْيِ في الْأُولَى كَحَلْقِ الرَّأْسِ وَلِمُسَمَّى الْجَمْعِ في الثَّانِيَةِ كَحَلْقِ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عن ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ قال من تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَالتَّرْجِيحُ في الثَّانِيَةِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وهو ما في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ أو تَرَكَ حَصَاةً من غَيْرِ آخِرِ رَمْيٍ لِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَيَلْزَمُهُ بِهِ دَمٌ لِبُطْلَانِ ما بَعْدَهُ حتى يَأْتِيَ بِهِ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ بين الْجَمَرَاتِ كما مَرَّ وَالتَّرْجِيحُ في هذا أَيْضًا من زِيَادَتِهِ وفي تَرْكِ الْحَصَاةِ وَالْحَصَاتَانِ منه أَيْ من آخِرِ رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مُدٌّ في الْأُولَى وَمُدَّانِ في الثَّانِيَةِ من الطَّعَامِ كَالشَّعْرَةِ وَالشَّعْرَتَيْنِ لِعُسْرِ تَبْعِيضِ الدَّمِ وَالشَّرْعُ قد عَدَلَ الْحَيَوَانَ بِالطَّعَامِ في جَزَاءِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ وَالشَّعْرَةُ الْوَاحِدَةُ هِيَ النِّهَايَةُ في الْقِلَّةِ وَالْمُدُّ أَقَلُّ ما وَجَبَ في الْكَفَّارَاتِ فَقُوبِلَتْ بِهِ
فَرْعٌ وَإِنْ أَضَلَّ حَصَاتَيْنِ بِأَنْ تَرَكَهَا ولم يَعْلَمْ مَحَلَّهَا جَعَلَهَا وَاحِدًا من يَوْمِ النَّحْرِ وَوَاحِدَةٌ من ثَالِثَةٍ وهو يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ وَمِنْ أَيْ جَمْرَةٍ كانت أَخْذًا بِالْأَسْوَأِ وَحَصَلَ رَمْيُ يَوْمِ النَّحْرِ وَاحِدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَعَدَلَ إلَى ما قَالَهُ عن تَصْوِيرِ الْأَصْلِ له نَقْلًا عن الْمُتَوَلِّي بِتَرْكِ ثَلَاثِ حَصَيَاتٍ يَجْعَلُ وَاحِدَةً من يَوْمِ النَّحْرِ وَوَاحِدَةً من الْجَمْرَةِ الْأُولَى من ثَانِيَةٍ وَوَاحِدَةً من الْجَمْرَةِ الثَّانِيَةِ من ثَالِثَهِ تَنْبِيهًا على أَنَّ الزَّائِدَ على ما قَالَهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ هو تَكَلُّفٌ مُوهِمٌ خِلَافَ الْمُرَادِ
وَلَا يُجْزِئُ الرَّمْيُ إلَّا بِالْحَجَرِ وَلَوْ يَاقُوتًا وَحَجَرَ حَدِيدٍ وَبِلَّوْرٍ وَعَقِيقٍ وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ الذي يُرْمَى بِهِ الْجَمْرَةُ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَمَى بِالْحَصَى وقال بِمِثْلِ هذا فَارْمُوا رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ وقال الْحَاكِمُ صَحِيحٌ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَخَرَجَ بِالْحَصَى الْمَذْكُورِ ما صَرَّحَ بِهِ في قَوْلِهِ لَا اللُّؤْلُؤُ أَيْ لَا الرَّمْيُ بِاللُّؤْلُؤِ وَالتِّبْرَيْنِ أَيْ تِبْرِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْإِثْمِدِ وَنَحْوِهِ وَمِمَّا لَا يُسَمَّى حَجَرًا كَنُورَةٍ وَزِرْنِيخٍ وَمَدَرٍ وَجِصٍّ وَآجُرَّ وَخَزَفٍ وَمِلْحٍ وَجَوَاهِرَ مُنْطَبِعَةٍ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ وَحَدِيدٍ وَيُجْزِئُ حَجَرُ نَوْرَةٍ لم يُطْبَخْ بِخِلَافِ ما طُبِخَ منه لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُسَمَّى حَجَرًا بَلْ نُورَةً وقد مَرَّ آنِفًا
وَالسُّنَّةُ الرَّمْيُ بِطَاهِرٍ مِثْلُ حَصَى الْخَذْفِ بِالْخَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَيْنِ وهو قَدْرُ الْبَاقِلَّا وَذَلِكَ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ وَدُونَهُ وَفَوْقَهُ مَكْرُوهٌ وَلِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ وَلِلنَّهْيِ عن الرَّمْيِ بِمَا فَوْقَهُ في خَبَرِ النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ ولكنه يُجْزِئُ لِوُجُودِ الرَّمْيِ بِحَجَرٍ فَرْعٌ
____________________
(1/497)
يُشْتَرَطُ قَصْدُ الْجَمْرَةِ بِالرَّمْيِ فَلَوْ رَمَى إلَى غَيْرِهَا كَأَنْ رَمَى في الْهَوَاءِ فَوَقَعَ في الْمَرْمَى لم يَكْفِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لو رَمَى إلَى الْعَلَمِ الْمَنْصُوبِ في الْجَمْرَةِ أو الْحَائِطِ التي بِجَمْرَةٍ الْعَقَبَةِ كما يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ من الناس فَأَصَابَهُ ثُمَّ وَقَعَ في الْمَرْمَى لَا يُجْزِئُ قال الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وهو الْأَظْهَرُ عِنْدِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْزِئَهُ لِأَنَّهُ حَصَلَ فيه بِفِعْلِهِ مع قَصْدِ الرَّمْيِ الْوَاجِبِ عليه قال الزَّرْكَشِيُّ وَالثَّانِي من احْتِمَالَيْهِ أَقْرَبُ قال الطَّبَرِيُّ ولم يذكر في الْمَرْمَى حَدًّا مَعْلُومًا غَيْر أَنَّ كُلَّ جَمْرَةٍ عليها عَلَمٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْمِي تَحْتَهُ على الْأَرْضِ وَلَا يَبْعُدُ عنه احْتِيَاطًا وقد قال الشَّافِعِيُّ الْجَمْرَةُ مُجْتَمَعُ الْحَصَى لَا ما سَالَ من الْحَصَى فَمَنْ أَصَابَ مُجْتَمَعَهُ أَجْزَأَهُ وَمَنْ أَصَابَ سَائِلَهُ لم يُجْزِهِ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ أَيْ الرَّامِي فيها فَلَوْ وَقَفَ بِطَرِيقٍ منها وَرَمَى إلَى طَرَفٍ آخَرَ كَفَى لِحُصُولِ اسْمِ الرَّمْيِ ويشترط إصَابَةُ الْمَرْمَى يَقِينًا فَلَوْ شَكَّ فيها لم يَكْفِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُقُوعِ فيها وَبَقَاءُ الرَّمْيِ عليه لَا بَقَاؤُهُ أَيْ الْحَجَرِ وفي نُسْخَةٍ بَقَاؤُهَا أَيْ الْحَصَاةِ فيه أَيْ في الْمَرْمَى فَلَا يَضُرُّ تَدَحْرُجُهُ وَخُرُوجُهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ فيه لِوُجُودِ الرَّمْيِ وَحُصُولِ الْحَجَرِ فيه
وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الرَّمْيِ بِهَيْئَةِ الرَّمْيِ بِالْيَدِ لِلِاتِّبَاعِ لَا بِالْقَوْسِ وَالرِّجْلِ قال في الْمَجْمُوعِ لِعَدَمِ انْطِلَاقِ اسْمِ الرَّمْيِ على ذلك وَلَا بِالرَّمْيِ بِالْمِقْلَاعِ على ما هو ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَلَا يُسَنُّ أَنْ يَرْمِيَ بِهَيْئَةِ الْخَذْفِ بِأَنْ يَضَعَ الْحَصَى على بَطْنِ إبْهَامِهِ وَيَرْمِيَهُ بِرَأْسِ السَّبَّابَةِ قال النَّوَوِيُّ وفي وَجْهٍ جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَرْمِي وهو ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الْخَذْفِ وقال إنَّهُ لَا يَقْتُلُ الصَّيْدَ وَلَا يَنْكَأُ الْعَدُوَّ إنَّهُ يَفْقَأُ الْعَيْنَ وَيَكْسِرُ السِّنَّ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وهو عَامٌّ يَتَنَاوَلُ الْخَذْفَ في رَمْيِ الْجِمَارِ وَغَيْرِهِ ولم يَصِحَّ في الْوَجْهِ الْآخَرِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ نَبَّهَ في الحديث على الْعِلَّةِ في كَرَاهَةِ الْخَذْفِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ هُنَا قال الْإِسْنَوِيُّ وهو اسْتِدْلَالٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِعَدَمِ الْقَتْلِ وَالنِّكَايَةِ يَدُلُّ على أَنَّ الْحَجَّ غَيْرُ مُرَادٍ وَأَنَّهُ إنَّمَا سَبَقَ لِعَدَمِ الِاشْتِغَالِ بِهِ لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ في الْحَرْبِ وفي آخِرِ خَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ وَالنَّبِيُّ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُشِيرُ بيده كما يَخْذِفُ الْإِنْسَانُ وَهَذَا في الدَّلَالَةِ على الْخَذْفِ أَظْهَرُ مِمَّا اسْتَدَلَّ هو بِهِ على عَكْسِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلِأَنَّ النَّهْيَ عنه مَخْصُوصٌ بِالرَّمْيِ إلَى الْحَيَوَانِ لَا مُطْلَقًا وَلَا شَكَّ أَنَّ مِثْلَ هذا الرَّمْيِ لِلْبِنَاءِ وَنَحْوِهِ لَا يُمْنَعُ فَدَلَّ على عَدَمِ عُمُومِ الحديث وَلَا يُوضَعُ الْحَجَرُ في الْمَرْمَى لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الرَّمْيُ فَلَا بُدَّ من صِدْقِ الِاسْمِ عليه وَاسْتُشْكِلَ هذا بِالِاكْتِفَاءِ في مَسْحِ الرَّأْسِ بِوَضْعِ الْيَدِ مَبْلُولَةً عليه وَفُرِّقَ بِأَنَّ مَبْنَى الْحَجِّ على التَّعَبُّدِ وَبِأَنَّ الْوَاضِعَ هُنَا لم يَأْتِ بِشَيْءٍ من أَجْزَاءِ الْمَرْمَى بِخِلَافِ ما هُنَاكَ فِيهِمَا
وَإِنْ رَمَى الْحَجَرَ فَأَصَابَ شيئا كَأَرْضٍ أو مَحْمِلٍ أو عُنُقِ بَعِيرٍ فَارْتَدَّ إلَى الْمَرْمَى لَا بِحَرَكَةِ ما أَصَابَهُ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِهِ في الْمَرْمَى بِفِعْلِهِ بِلَا مُعَاوَنَةٍ بِخِلَافِ ما لو ارْتَدَّ بِحَرَكَةِ إصَابَةٍ بِأَنْ حَرَّكَ الْمَحْمِلَ صَاحِبُهُ فَنَقَضَهُ أو تَحَرَّكَ الْبَعِيرُ فَدَفَعَهُ فَوَقَعَ في الْمَرْمَى وَكَذَا يُجْزِئُ رَمْيُ الْحَصَاةِ لو رَدَّتْهَا الرِّيحُ إلَيْهِ أو تَدَحْرَجَتْ إلَيْهِ من الْأَرْضِ لِحُصُولِهَا فيه لَا بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَلَا أَثَرَ لِرَدِّ الرِّيحِ لِأَنَّ الْجَوَّ لَا يَخْلُو عنها لَا إنْ تَدَحْرَجَتْ من ظَهْرِ بَعِيرٍ وَنَحْوِهِ كَعُنُقِهِ وَمَحْمِلٍ فَلَا يَكْفِي لِإِمْكَانِ أَيْ لِاحْتِمَالِ تَأَثُّرِهَا بِهِ
ويشترط أَنْ يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ سَبْعَ مَرَّاتٍ لِلِاتِّبَاعِ مع خَبَرِ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ وَلَوْ بِتَكْرِيرِ حَصَاةٍ كما لو دَفَعَ مُدًّا إلَى فَقِيرٍ عن كَفَّارَتِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَدَفَعَهُ إلَى آخَرَ وَعَلَى هذا تَتَأَدَّى الرَّمْيَاتُ كُلُّهَا بِحَصَاةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ رَمَى حَصَاتَيْنِ مَعًا وَلَوْ بِرَمْيِ أَحَدِهِمَا بِالْيُمْنَى وَالْأُخْرَى بِالْيُسْرَى وَتَرَتَّبَا الْأَوْلَى وَتَرَتَّبَتَا في الْوُقُوعِ أو وَقَعَتَا مَعَهَا كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى فَوَاحِدَةٌ بِالِاتِّفَاقِ أو عَكَسَ بِأَنْ رَمَاهُمَا مُرَتَّبَتَيْنِ فَوَقَعَا مَعًا أو مَرَّتَيْنِ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى فَاثْنَتَانِ اعْتِبَارًا بِالرَّمْيِ وَكَذَا إنْ وَقَعَتْ الثَّانِيَةُ قبل الْأُولَى
فَرْعٌ يَجُوزُ لِلْعَاجِزِ عن الرَّمْيِ بَلْ يَجِبُ عليه إنْ يَئِسَ من الْبُرْءِ في الْوَقْتِ أَنْ يَسْتَنِيبَ لِلرَّمْيِ عِنْدَ خَشْيَةِ فَوَاتِهِ كَالْحَجِّ وَقَوْلُهُ لِلْعَاجِزِ أَيْ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ كَحَبْسٍ قال في الْمَجْمُوعِ وَلَوْ بِحَقٍّ بِالِاتِّفَاقِ لَكِنْ شَرَطَ ابن الرِّفْعَةِ أَنْ يُحْبَسَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَذَكَرَ أَنَّ الْبَنْدَنِيجِيَّ حَكَاهُ عن النَّصِّ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الذي في الْحَاوِي وَالتَّتِمَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرِهِمَا وَسَيَأْتِي في الْمُحْصَرِ أَنَّهُ إذَا حُبِسَ بِحَقٍّ لَا يُبَاحُ له التَّحَلُّلُ ثُمَّ إنْ اسْتَنَابَ من قد رَمَى عن نَفْسِهِ أو حَلَالًا فَرَمَى عنه وَقَعَ عنه كما في طَوَافِ الْحَامِلِ لِغَيْرِهِ
____________________
(1/498)
وَإِلَّا بِأَنْ اسْتَنَابَ من لم يَرْمِ فَرَمَى وَقَعَ عن نَفْسِهِ لِأَنَّ رَمْيَهُ يَقَعُ عنه دُونَ الْمُسْتَنِيبِ كَالْحَجِّ وإذا اسْتَنَابَ عنه من رَمَى أو حَلَالًا فَيُنَاوَلُهُ الْحَصَى نَدْبًا وَيُكَبِّرُ كَذَلِكَ إنْ أَمْكَنَ ذلك فَإِنْ لم يُمْكِنُ تَنَاوَلَهَا النَّائِبُ وَكَبَّرَ بِنَفْسِهِ لو أَخَّرَ نَدْبًا عن قَوْلِهِ وَيُكَبِّرُ كان أَوْلَى أَمَّا إذَا لم يَيْأَسْ من الْبُرْءِ في الْوَقْتِ فَلَا يَسْتَنِيبُ كما في الْحَجِّ وَلَا يَنْعَزِلُ نَائِبُهُ عن الرَّمْيِ عنه بِإِغْمَائِهِ أَيْ إغْمَاءِ الْمُسْتَنِيبِ كما لَا يَنْعَزِلُ عنه وَعَنْ الْحَجِّ بِمَوْتِهِ وَلِأَنَّ الْإِغْمَاءَ زِيَادَةٌ في الْعَجْزِ الْمُبِيحِ لِلْإِنَابَةِ فَلَا يَكُونُ مُفْسِدًا لها فَارَقَ سَائِرَ الْوَكَالَاتِ بِوُجُوبِ الْإِذْنِ هُنَا فَيُجْزِئُهُ رَمْيُهُ عنه وَلَوْ بَرِئَ من عُذْرِهِ في الْوَقْتِ بَعْدَ الرَّمْيِ فَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ لَكِنَّهَا تُسَنُّ وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ في الْحَجِّ بِأَنَّ الرَّمْيَ تَابِعٌ وَيُجْبَرَ تَرْكُهُ بِدَمٍ بِخِلَافِ الْحَجِّ فِيهِمَا أَمَّا إغْمَاءُ النَّائِبِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ وهو الْقِيَاسُ
فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ بَعْدَ رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُحَصَّبَ بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ جاء وَصَادٍ وَمُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٌ اسْمٌ لِمَكَانٍ مُتَّسَعٍ بين مَكَّةَ وَمِنًى وهو إلَى مِنًى أَقْرَبُ وَيُقَالُ له الْأَبْطَحُ وَالْبَطْحَاءُ وَخَيْفُ بَنِي كِنَانَةَ وَحْدَهُ ما بين الْجَبَلَيْنِ إلَى الْمَقْبَرَةِ من الظُّهْرِ يَعْنِي في وَقْتِهِ فَيَنْزِلُ بِهِ وَيُصَلِّي فيه الْعَصْرَيْنِ وَالْمَغْرِبَيْنِ وَيَبِيتُ فيه لَيْلَةَ الرَّابِعَ عَشْرَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَلَوْ تَرَكَ النُّزُولَ بِهِ لم يُؤَثِّرَ في نُسُكِهِ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَيْسَتْ من مَنَاسِكِ الْحَجِّ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُحَصَّبُ ليس بِشَيْءٍ إنَّمَا هو مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ نُزُولُ الْمُحَصَّبِ ليس من النُّسُكِ إنَّمَا نَزَلَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُتَعَجِّلَ في ثَانِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا يُسْتَحَبُّ له نُزُولُ الْمُحَصَّبِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو ظَاهِرٌ
انْتَهَى وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ وَأَنَّ كَلَامَهُمْ جَرَوْا فيه على الْغَالِبِ فَصْلٌ طَوَافُ الْوَدَاعِ الْمُسَمَّى أَيْضًا بِطَوَافِ الصَّدَرِ وَاجِبٌ على من أَرَادَ السَّفَرَ كما سَيَأْتِي رَوَى الْبُخَارِيُّ عن أَنَسٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا فَرَغَ من أَعْمَالِ الْحَجِّ طَافَ لِلْوَدَاعِ وَرَوَى مُسْلِمٌ عن ابْنِ عَبَّاسٍ خَبَرَ لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حتى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ أَيْ الطَّوَافِ بِهِ كما رَوَاهُ أبو دَاوُد فَلَا وَدَاعَ على مُرِيدِ الْإِقَامَةِ وَإِنْ أَرَادَ السَّفَرَ بَعْدَهُ قَالَهُ الْإِمَامُ وَلَا على مُرِيدِ السَّفَرِ قبل فَرَاغِ الْأَعْمَالِ وَلَا على الْمُقِيمِ بِمَكَّةَ الْخَارِجِ إلَى التَّنْعِيمِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ أَخَا عَائِشَةَ بِأَنْ يُعَمِّرَهَا من التَّنْعِيمِ ولم يَأْمُرْهَا بِوَدَاعٍ وَهَذَا فِيمَنْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ ثُمَّ يَعُودُ وما سَيَأْتِي عن الْمَجْمُوعِ فِيمَنْ أَرَادَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فِيمَنْ خَرَجَ إلَى مَنْزِلِهِ أو مَحَلٍّ يُقِيمُ فيه
____________________
(1/499)
كما يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْعِمْرَانِيِّ وَغَيْرِهِ فَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا
وَإِنْ نَفَرَ من مِنَى ولم يَطُفْ الْوَدَاعَ جَبَرَ بِالدَّمِ لِتَرْكِهِ نُسُكًا وَاجِبًا فَعَلِمَ أَنَّهُ لو أَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى بَلَدِهِ من مِنًى لَزِمَهُ طَوَافُ الْوَدَاعِ وَإِنْ كان قد طَافَهُ قبل عَوْدِهِ من مَكَّةَ إلَى مِنًى كما صَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ فَإِنْ عَادَ بَعْدَ خُرُوجِهِ من مَكَّةَ أو مِنًى بِلَا وَدَاعٍ قبل مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَطَافَ لِلْوَدَاعِ سَقَطَ عنه الدَّمُ لِأَنَّهُ في حُكْمِ الْمُقِيمِ وَكَمَا لو جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غير مُحْرِمٍ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ لَا إنْ عَادَ بَعْدَهَا فَلَا يَسْقُطُ عنه الدَّمُ لِاسْتِقْرَارِهِ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ وما قِيلَ فِيمَا إذَا عَادَ قَبْلَهَا من أَنَّ في تَعْلِيلِ سُقُوطِ الدَّمِ عنه بِأَنَّهُ في حُكْمِ الْمُقِيمِ نَظَرٌ إذَا سَوَّيْنَا بين السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ في وُجُوبِ الْوَدَاعِ قد يُدْفَعُ بِأَنَّ سَفَرَهُ هُنَا لم يَتِمَّ لِعَوْدِهِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَبِأَنَّ في اسْتِقْرَارِ الدَّمِ إشْغَالُ الذِّمَّةِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهَا فَلَا يَلْزَمُ من جَعْلِهِ كَالْمُقِيمِ في دَفْعِ إشْغَالِهَا جَعْلُهُ كَذَلِكَ في دَفْعِ وُجُوبِ طَوَافِ الْوَدَاعِ الْمُنَاسِبِ لِمُفَارَقَةِ مَكَّةَ لَكِنْ لَا وفي نُسْخَةٍ وَهِيَ الْأَوْلَى وَلَا يَجِبُ على من وَصَلَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ الْعَوْدُ لِلْمَشَقَّةِ بِخِلَافِ من لم يُصَلِّهَا يَجِبُ عليه الْعَوْدُ إنْ خَرَجَ نَاسِيًا أو جَاهِلًا لِطَوَافِ الْوَدَاعِ
وَلَا يَلْزَمُ الطَّوَافُ حَائِضًا طَهُرَتْ خَارِجَ مَكَّةَ وَلَوْ في الْحَرَمِ لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عن ابْنِ عَبَّاسٍ أَمَرَ الناس أَنْ يَكُونَ أَخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إلَّا أَنَّهُ خَفَّفَ عن الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ صَفِيَّةَ حَاضَتْ فَأَمَرَهَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ تَنْصَرِفَ بِلَا وَدَاعٍ بِخِلَافِ ما لو طَهُرَتْ قبل خُرُوجِهَا وَكَالْحَائِضِ النُّفَسَاءُ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَتَقَدَّمَ في بَابِ الْحَيْضِ أَنَّ لِلْمُتَحَيِّرَةِ أَنْ تَطُوفَ قال الرُّويَانِيُّ فَإِنْ لم تَطُفْ طَوَافَ الْوَدَاعِ فَلَا دَمَ عليها لِلْأَصْلِ
وَمَنْ مَكَثَ وَلَوْ نَاسِيًا أو جَاهِلًا أو لِعِيَادَةِ مَرِيضٍ أو زِيَارَةِ صَدِيقٍ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاعِ الْمَتْبُوعِ بِرَكْعَتَيْهِ وَبِمَا يَأْتِي في الْفَرْعِ الْآتِي أَعَادَةً وُجُوبًا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ وَلِخُرُوجِهِ بِذَلِكَ عن كَوْنِهِ وَدَاعًا لَا إنْ مَكَثَ لِشِرَاءِ زَادٍ وَشَدِّ رَحْلٍ وَنَحْوِهِمَا من أَشْغَالِ السَّفَرِ وَصَلَاةُ جَمَاعَةٍ أُقِيمَتْ لِأَنَّ الْمَشْغُولَ بِذَلِكَ غَيْرُ مُقِيمٍ قال في الْمُهِمَّاتِ وَتَقَدَّمَ في الِاعْتِكَافِ أَنَّ عِيَادَةَ الْمَرِيضِ إذَا لم يُعْرِجْ لها لَا تَقْطَعُ الْوَلَاءَ بَلْ يُغْتَفَرُ صَرْفُ قَدْرِهَا في سَائِرِ الْأَغْرَاضِ وَكَذَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَيُجْزِئُ ذلك هُنَا بِالْأَوْلَى وقد نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في الْإِمْلَاءِ
انْتَهَى
وَلَيْسَ طَوَافُ الْوَدَاعِ من الْمَنَاسِكِ أَيْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بَلْ هو عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَمَنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ من مَكَّةَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ قال في الْمَجْمُوعِ أو دُونَهَا على الصَّحِيحِ وَدَّعَ مَكِّيًّا كان أو آفَاقِيًّا تَعْظِيمًا لِلْحَرَمِ وَتَشْبِيهًا لِاقْتِضَاءِ خُرُوجِهِ الْوَدَاعَ بِاقْتِضَاءِ دُخُولِهِ الْإِحْرَامَ وَلَاتِّفَاقِهِمْ على أَنَّ قَاصِدَ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ لَا يُؤْمَرُ وَلَوْ كان منها لَأُمِرَ بِهِ هذا ما صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ وَنُقِلَا عن صَاحِبَيْ التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِمَا وَنُقِلَا عن الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَأَنَّهُ منها وَيَخْتَصُّ بِمَنْ يُرِيدُ الْخُرُوجَ من ذَوِي النُّسُكِ قال السُّبْكِيُّ وَهَذَا هو الذي تَظَاهَرَتْ عليه نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ ولم أَرَ من قال إنَّهُ ليس منها إلَّا الْمُتَوَلِّي فَجَعَلَهُ تَحِيَّةً لِلْبُقْعَةِ مع أَنَّهُ يُمْكِنُ تَأْوِيلُ كَلَامِهِ بِأَنَّهُ ليس منها رُكْنًا كما قال غَيْرُهُ إنَّهُ ليس بِرُكْنٍ وَلَا شَرْطٍ قال وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ الشَّيْخَيْنِ بِأَنَّهُ لو كان منها لَأَمَرَ بِهِ قَاصِدَ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِلْمُفَارَقَةِ ولم تَحْصُلْ كما أَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ لَا يُشْرَعُ لِلْمُحْرِمِ من مَكَّةَ يَلْزَمُهُمَا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ بِدَمٍ وَلَا قَائِلَ بِهِ وَذَكَرَ زِيَادَةً على ذلك ذَكَرْتُهَا في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرَهُ وهو ما جَرَى عليه النَّوَوِيُّ في مَنَاسِكِهِ وفي مَجْمُوعِهِ في كَلَامِهِ على أَعْمَالِ الْحَجِّ وَاقْتِضَاءُ كَلَامِ الْأَصْلِ آخِرَ الْبَابِ وهو الْمُعْتَمَدُ وما نُقِلَ عن التَّهْذِيبِ من أَنَّهُ ليس منها لم أَرَ التَّصْرِيحَ بِهِ فيه أَنَّهُ نُسُكٌ حَيْثُ قال وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَوَافِ الْقُدُومِ حَيْثُ لَا يَجِبُ أَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ تَحِيَّةَ الْبَيْتِ وهو يَسْقُطُ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ وَطَوَافُ الْوَدَاعِ نُسُكٌ لَا يَسْقُطُ بِطَوَافٍ آخَرَ وَاجِبٌ
انْتَهَى وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ في أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ أو لَا وفي أَنَّهُ يَلْزَمُ الْأَجِيرَ فِعْلُهُ أو لَا وفي أَنَّهُ يُحَطُّ شَيْءٌ
____________________
(1/500)
من أُجْرَةِ الْأَجِيرِ عِنْدَ تَرْكِهِ أو لَا وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ
فَرْعٌ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أتى بِطَوَافِ الْوَدَاعِ الْمَتْبُوعِ بِرَكْعَتَيْهِ أَنْ يَدْعُوَ بَعْدَهُ عِنْدَ الْمُلْتَزَمِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُمْ يَلْتَزِمُونَهُ بِالدُّعَاءِ وَيُسَمَّى بِالْمُدَّعَى وَالْمُتَعَوَّذِ بِفَتْحِ الْوَاوِ وهو ما بين الرُّكْنِ وَبَابِ الْكَعْبَةِ وَبِالْمَأْثُورِ أَيْ الْمَنْقُولِ وَبِغَيْرِهِ لَكِنَّ الْمَأْثُورَ أَفْضَلُ فيقول اللَّهُمَّ الْبَيْتُ بَيْتُك وَالْعَبْدُ عَبْدُك وابن أَمَتِك حَمَلْتَنِي على ما سَخَّرْت لي من خَلْقِك حتى سَيَّرْتنِي في بِلَادِك وَبَلَّغْتنِي بِنِعْمَتِك وَحَتَّى أَعَنْتنِي على قَضَاءِ مَنَاسِكِك فَإِنْ كُنْت رَضِيَتْ عَنِّي فَازْدَدْ عَنِّي رِضًا وَإِلَّا فَمُنَّ الْآنَ قبل أَنْ تَنْأَى عن بَيْتِك دَارِي وَيَبْعُدَ عنه مَزَارِي هذا أَوَانُ انْصِرَافِي إنْ أَذِنْت لي غير مُسْتَبْدِلٍ بِك وَلَا بَيْتِكَ وَلَا رَاغِبٍ عَنْكَ وَلَا عن بَيْتِك اللَّهُمَّ فَاصْحَبْنِي الْعَافِيَةَ في بَدَنِي وَالْعِصْمَةَ في دِينِي وَأَحْسِنْ مُنْقَلَبِي وَارْزُقْنِي الْعَمَلَ بِطَاعَتِك ما أَبْقَيْتنِي وما زَادَ فَحَسَنٌ وقد زِيدَ فيه وَاجْمَعْ لي خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إنَّك قَادِرٌ على ذلك وَلَفْظُ فَمُنَّ الْآنَ يَجُوزُ فيه ضَمُّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدُ النُّونِ وهو الْأَجْوَدُ وَكَسْرُ الْمِيمِ وَتَخْفِيفُ النُّونِ وَمَعَ فَتْحِهَا وَكَسْرِهَا قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ وَفِيهِ قال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ قال الشَّافِعِيُّ اُسْتُحِبَّ لِمَنْ فَرَغَ من طَوَافِ الْوَدَاعِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُلْتَزَمَ فَيُلْصِقَ بَطْنَهُ وَصَدْرَهُ بِحَائِطِ الْبَيْتِ وَيَبْسُطَ يَدْيَهُ على الْجِدَارِ فَيَجْعَلَ الْيُمْنَى مِمَّا يَلِي الْبَابَ وَالْيُسْرَى مِمَّا يَلِي الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَيَدْعُوَ بِمَا أَحَبَّ
ثُمَّ يُصَلِّيَ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنْ كانت حَائِضًا أو نُفَسَاءَ اُسْتُحِبَّ أَنْ تَأْتِيَ بِجَمِيعِ ذلك على بَابِ الْمَسْجِدِ وَتَمْضِيَ وأن يَنْصَرِفَ مُلْتَفِتًا إلَى الْبَيْتِ بِوَجْهِهِ ما أَمْكَنَهُ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ في مَنَاسِكِهِ أَنَّهُ يَمْشِي تِلْقَاءَ وَجْهِهِ مُسْتَدْبَرَ الْبَيْتِ وَصَوَّبَهُ في مَجْمُوعِهِ وَأَنْ يَتَضَلَّعَ بَعْدَ فَرَاغِهِ من الدُّعَاءِ وَقَبْلَ انْصِرَافِهِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَأَنْ يَشْرَبَ من مَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ يَعُودَ إلَى الْحَجَرِ فَيَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ ثُمَّ يَنْصَرِفَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ كما قُلْنَا وَيُسَنُّ لِمَنْ يَشْرَبُ من مَاءِ زَمْزَمَ أَنْ يَشْرَبَهُ لِمَا يَطْلُبُهُ فإذا قَصَدَهُ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى قال اللَّهُمَّ إنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَك صلى اللَّهُ عليه وسلم قال مَاءُ زَمْزَمُ لِمَا شُرِبَ له اللَّهُمَّ إنِّي أَشْرَبُهُ لِكَذَا اللَّهُمَّ فَافْعَلْ ثُمَّ يُسَمِّي اللَّهَ وَيَشْرَبُ وَيَتَنَفَّسُ ثَلَاثًا قال الْحَاكِمُ وكان ابن عَبَّاسٍ إذَا شَرِبَهُ قال اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا وَاسِعًا وَشِفَاءً من كل دَاءٍ وَأَنْ يَشْرَبَ من نَبِيذِ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ ما لم يُسْكِرْ وَيَقُولَ عِنْدَ خُرُوجِهِ من مَكَّةَ اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا وَلَا إلَه إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له له الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وهو على كل شَيْءٍ قَدِيرٌ آيِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعَدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ وأن يَدْخُلَ الشَّخْصُ قبل دُعَائِهِ عِنْدَ الْمُلْتَزَمِ الْبَيْتَ حَافِيًا ما لم يُؤْذِ أو يَتَأَذَّ بِزِحَامٍ أو غَيْرِهِ قال الْحَلِيمِيُّ وَأَنَّ لَا يَرْفَعَ بَصَرَهُ إلَى سَقْفِهِ وَلَا يَنْظُرَ إلَى أَرْضِهِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ وَحَيَاءً منه
وأن يُصَلِّيَ فيه وَلَوْ رَكْعَتَيْنِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْصِدَ مُصَلَّى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَنْ يَمْشِيَ بَعْدَ دُخُولِهِ الْبَابَ حتى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ الذي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبًا من ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ ثَبَتَ ذلك في الْبُخَارِيِّ وأن يَدْعُوَ في جَوَانِبِهِ وَيُكْثِرَ الِاعْتِمَارَ وَالطَّوَافَ تَطَوُّعًا وَالصَّلَاةُ أَفْضَلُ منه أَيْ من الطَّوَافِ وَأَنْ يَزُورَ الْمَوَاضِعَ الْمَشْهُورَةَ بِالْفَضْلِ بِمَكَّةَ وَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ منها بَيْتُ الْمَوْلِدِ وَبَيْتُ خَدِيجَةَ وَمَسْجِدُ دَارِ الْأَرْقَمِ وَالْغَارُ الذي في ثَوْرٍ وَالْغَارُ الذي في حِرَاءَ وقد أَوْضَحَهَا النَّوَوِيُّ في مَنَاسِكِهِ ثُمَّ يَزُورُ قَبْرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيُسَلِّمُ عليه وَعَلَى صَاحِبَيْهِ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ لِخَبَرِ ما بين قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ من رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَمِنْبَرِي على حَوْضِي وَخَبَرُ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هذا رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَخَبَرُ ما من أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حتى أَرُدَّ عليه السَّلَامُ رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرُوِيَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كان إذَا قَدِمَ من سَفَرٍ دخل الْمَسْجِدَ ثُمَّ أتى الْقَبْرَ فقال السَّلَامُ عَلَيْك يا رَسُولَ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْك يا أَبَا بَكْرٍ السَّلَامُ عَلَيْك يا أَبَتَاهُ وَلْيُكْثِرْ الْمُتَوَجِّهُ إلَيْهَا في طَرِيقِهِ من الصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ عليه وَيَزِيدُ مِنْهُمَا إذَا أَبْصَرَ أَشْجَارَهَا مَثَلًا
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ قبل دُخُولِهِ وَيَلْبَسَ أَنْظَفَ ثِيَابِهِ فإذا دخل الْمَسْجِدَ قَصَدَ الرَّوْضَةَ فَيُصَلِّي فيها تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ بِجَنْبِ الْمِنْبَرِ ثُمَّ يَأْتِي الْقَبْرَ فَيَسْتَقْبِلُ رَأْسَهُ وَيَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ وَيَبْعُدُ منه نحو أَرْبَعِ أَذْرُعٍ وَيَقِفُ نَاظِرًا إلَى أَسْفَلَ ما يَسْتَقْبِلُهُ في مَقَامِ الْهَيْبَةِ وَالْإِجْلَالِ فَارِغَ الْقَلْبِ من عَلَائِقِ الدُّنْيَا وَيُسَلِّمُ وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ إلَى صَوْبِ يَمِينِهِ قَدْرَ ذِرَاعٍ فَيُسَلِّمُ على أبي بَكْرٍ رضي اللَّهُ عنه فإن رَأْسَهُ عِنْدَ مَنْكِبِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ
____________________
(1/501)
يَتَأَخَّرُ قَدْرَ ذِرَاعٍ آخَرَ فَيُسَلِّمُ على عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مَوْقِفِهِ الْأَوَّلِ قُبَالَةَ وَجْهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيَتَوَسَّلُ بِهِ في حَقِّ نَفْسِهِ وَيَسْتَشْفِعُ بِهِ إلَى رَبِّهِ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَدْعُو لِنَفْسِهِ وَمَنْ شَاءَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ سَائِرَ الْمَشَاهِدِ بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ نَحْوُ ثَلَاثِينَ مَوْضِعًا يَعْرِفُهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَكَذَا يَأْتِي الْآبَارَ التي كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَتَوَضَّأُ منها أو يَغْتَسِلُ فَيَشْرَبُ منها وَيَتَوَضَّأُ وَهِيَ سَبْعُ آبَارٍ ذَكَرَ ذلك في الْمَجْمُوعِ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِمْ ثُمَّ يَزُورُ أَنَّ الزِّيَارَةَ تَتَأَكَّدُ في هذه الْحَالَةِ وَإِلَّا فَهِيَ مَطْلُوبَةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ قبل الْحَجِّ وَبَعْدَهُ لَا سِيَّمَا الْمَارُّ بِالْمَدِينَةِ ذَهَابًا وَإِيَابًا
فَصْلٌ وَأَرْكَانُ الْحَجِّ سِتَّةٌ الْإِحْرَامُ أَيْ نِيَّةُ الْإِحْرَامِ فيه لِخَبَرِ إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ لِخَبَرِ الْحَجُّ عَرَفَةَ وَالطَّوَافُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَالسَّعْيُ لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ في السَّعْيِ وقال يا أَيُّهَا الناس اسْعَوْا فإن السَّعْيَ قد كُتِبَ عَلَيْكُمْ وَالْحَلْقُ أو التَّقْصِيرُ لِتَوَقُّفِ التَّحَلُّلِ عليه مع عَدَمِ جَبْرِ تَرْكِهِ بِدَمٍ كَالطَّوَافِ وَالتَّرْتِيبُ في الْمُعْظَمِ بِأَنْ يُقَدِّمَ الْإِحْرَامَ على الْجَمِيعِ وَيُؤَخَّرَ السَّعْيَ عن طَوَافٍ وَيُقَدَّمَ الْوُقُوفَ على طَوَافِ الرُّكْنِ وَالْحَلْقِ أو التَّقْصِيرِ لِلِاتِّبَاعِ مع خَبَرِ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ وَهِيَ أَيْ السِّتَّةُ أَرْكَانٌ لِلْعُمْرَةِ إلَّا الْوُقُوفُ لِشُمُولِ الْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ لها وَاعْتِبَارُ التَّرْتِيبِ فيها بِمَا مَرَّ مع تَقْدِيمِ السَّعْيِ على الْحَلْقِ وَعُدَّ في الْمَجْمُوعِ التَّرْتِيب شَرْطًا وَلَا تُجْبَرُ الْأَرْكَانُ بِالدَّمِ إذْ الْمَاهِيَّةُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِجَمِيعِ أَرْكَانِهَا وَالْوَاجِبَاتُ هِيَ الْمَجْبُورَةُ من حَيْثُ تَرْكُهَا بِالدَّمِ وَتُسَمَّى أَبْعَاضًا وَهِيَ خَمْسَةٌ الْإِحْرَامُ من الْمِيقَاتِ لِمُرِيدِ النُّسُكِ وَالرَّمْيُ وَكَذَا الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَطَوَافُ الْوَدَاعِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ هُنَا في هذه الثَّلَاثَةِ من زِيَادَتِهِ وما ذَكَرَ من جَبْرِ تَرْكِ الْأَخِيرِ منها إنَّمَا يُلَائِمُ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ من الْمَنَاسِكِ كما نَبَّهَ عليه الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْبَاقِي هَيْئَاتٌ لَا تُجْبَرُ بَابُ حَجِّ الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ
يَصِحُّ إحْرَامُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ لِصِحَّةِ مُبَاشَرَتِهِ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ لِافْتِقَارِهِ إلَى الْمَالِ وهو مَحْجُورٌ عليه فيه وَبِهِ فَارَقَ الصَّوْمَ وَنَحْوَهُ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ إذَا لم يَحْتَجْ إلَى مَالٍ زَائِدٍ على ما يَحْتَاجُهُ في الْحَضَرِ يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِلَا إذْنٍ وَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إحْرَامُ السَّفِيهِ بِلَا إذْنٍ لَكِنَّ الذي تَقَدَّمَ أَوَائِلَ الْحَجِّ أَنَّهُ يَصِحُّ وَلِلْوَلِيِّ تَحْلِيلُهُ ويصح إحْرَامُهُ عنه بِنَفْسِهِ أو مَأْذُونِهِ لِأَنَّ السَّائِبَ بن يَزِيدَ قال حَجَّ بِي أبي مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وأنا ابن سَبْعِ سِنِينَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَا يَسْتَقِلُّ الصَّبِيُّ بِالْإِحْرَامِ هذا تَصْرِيحٌ بِمَا فُهِمَ من قَوْلِهِ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وهو الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ أَبُوهُ وَإِنْ عَلَا ثُمَّ الْوَصِيُّ إنْ كان أو الْقَيِّمُ إنْ لم يَكُنْ وَصِيٌّ وَالْمُرَادُ الْحَاكِمُ أو قَيِّمَهُ وَإِنَّمَا لم يُعْطَفْ هذا على ما قَبْلَهُ لِعَدَمِ اجْتِمَاعِهِمَا لَا غَيْرُهُمْ من أُمٍّ وَأَخٍ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَا وِلَايَةَ له في التَّصَرُّفِ في مَالِ الصَّبِيِّ وَلَيْسَ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ من أَنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم صَبِيًّا فقالت أَلِهَذَا حَجٌّ قال نعم وَلَكِ أَجْرٌ أنها أَحْرَمَتْ عنه وَبِتَقْدِيرِهِ يَحْتَمِلُ كَوْنُهَا وَصِيَّةً أو قَيِّمَةً أو أَنَّ الْأَجْرَ الْحَاصِلَ لها إنَّمَا هو أَجْرُ الْحَمْلِ وَالنَّفَقَةِ وَعُلِمَ من تَرْتِيبِ الْمَذْكُورِينَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إحْرَامُ الْمُؤَخَّرِ منهم مع وُجُودِ الْمُقَدَّمِ حتى الْجَدِّ حَيْثُ لَا مَانِعَ في الْأَبِ وَفَارَقَ التَّبَعِيَّةَ في الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ عَقَدَ الْإِسْلَامَ لِنَفْسِهِ فَتَبِعَهُ فَرْعُهُ بِحُكْمِ الْبَعْضِيَّةِ وَالْإِحْرَامُ عَقَدَهُ لِغَيْرَةِ وَلَا وِلَايَةَ له عليه مع وُجُودِ الْأَبِ
وَيُحْرِمُ الْوَلِيُّ أو مَأْذُونُهُ عن الصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَعَنْ الْمَجْنُونِ كما يَتَصَرَّفُ عنهما في مَالِهِمَا لَا عن الْمُغْمَى عليه كَالْمَرِيضِ الذي يُرْجَى بُرْؤُهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كان غير مُكَلَّفٍ ليس لِأَحَدٍ التَّصَرُّفُ في مَالِهِ بِسَبَبِ الْإِغْمَاءِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَالْمَجْنُونِ فَصَحَّ إحْرَامُهُ عنهما وَلَوْ في غَيْبَتِهِمَا لَكِنَّهُ يُكْرَهُ في غَيْبَتِهِمَا لِاحْتِمَالِ ارْتِكَابِهِمَا شيئا من مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ لِعَدَمِ عِلْمِهِمَا بِهِ حَلَالًا كان الْوَلِيُّ أو مُحْرِمًا عن نَفْسِهِ أو غَيْرِهِ ثُمَّ بَيَّنَ كَيْفِيَّةَ إحْرَامِهِ عنه من زِيَادَتِهِ بِقَوْلِهِ بِأَنْ يَقُولَ أَحْرَمْت عنه أو جَعَلْتُهُ مُحْرِمًا وَيُلَبِّي عنه ذِكْرُ التَّلْبِيَةِ ليس بِشَرْطٍ وما ذَكَرَهُ من كَيْفِيَّةِ إحْرَامِهِ عنه نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الدَّارِمِيِّ بَعْدَ نَقْلِهِ عن الْأَصْحَابِ أَنَّ كَيْفِيَّتَهُ أَنْ يَنْوِيَ جَعْلَهُ مُحْرِمًا فَيَصِيرُ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ ذلك قال الْإِمَامُ وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُحْرِمَ عن عَبْدِهِ الْبَالِغِ
____________________
(1/502)
قال الْإِسْنَوِيُّ وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي الْجَوَازَ في الصَّغِيرِ لَكِنْ رَأَيْت في الْأُمِّ الْجَزْمَ بِالصِّحَّةِ من غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالصَّغِيرِ فقال وإذا أَذِنَ لِلْمَمْلُوكِ بِالْحَجِّ أو أَحَجَّهُ سَيِّدُهُ كان حَجُّهُ تَطَوُّعًا وَأَحَجَّهُ بِالْهَمْزِ مَعْنَاهُ سَيَّرَهُ حَاجًّا انْتَهَى وَالْأَوْجَهُ لِيَتَّفِقَ الْكَلَامَانِ حَمْلُ قَوْلِ الْأُمِّ وَأَحَجَّهُ على غَيْرِ الْمُكَلَّفِ بِجَعْلِ أو لِلتَّنْوِيعِ
فَصْلٌ يَفْعَلُ عنه يَعْنِي بِهِ كما عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ أَيْ بِالصَّبِيِّ مُمَيِّزًا أو غير مُمَيِّزٍ الْوَلِيُّ ما عَجَزَ عنه من غُسْلٍ وَتَجَرُّدٍ عن مَخِيطٍ وَلُبْسِ إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَغَيْرِهَا وَيَطُوفُ وَيَسْعَى بِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَيَرْكَعُ عنه رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ وَالطَّوَافِ فَعِبَارَتُهُ أَعَمُّ من قَوْلِ أَصْلِهِ وَيُصَلِّي عنه رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فَإِنْ أَرْكَبَهُ الْوَلِيُّ في الطَّوَافِ أو السَّعْيِ فَلْيَكُنْ بِنَفْسِهِ أو نَائِبِهِ سَائِقًا أو قَائِدًا لِلدَّابَّةِ فَإِنْ لم يَفْعَلْ لم يَصِحَّ طَوَافُهُ قال الْإِسْنَوِيُّ وَالْمُتَّجَهُ الْجَزْمُ بِوُجُوبِ طَهَارَةِ الْخَبَثِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ في الطَّوَافِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ طَهَارَةُ الْحَدَثِ وهو الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ في صِفَةِ الْوُضُوءِ لَكِنْ قال الْمَاوَرْدِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ وَالصَّبِيُّ مُتَوَضِّئَيْنِ فيه فَإِنْ كان الصَّبِيُّ مُتَوَضِّئًا دُونَ الْوَلِيِّ لم يُجْزِهِ أو بِالْعَكْسِ فَوَجْهَانِ وَكَأَنَّهُ اغْتَفَرَ صِحَّةَ وُضُوءِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ هُنَا لِلضَّرُورَةِ كما اغْتَفَرَ صِحَّةَ طُهْرِ الْمَجْنُونَةِ التي انْقَطَعَ حَيْضُهَا لِتَحِلَّ لِحَلِيلِهَا وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُحْضِرَهُ أَيْ الصَّبِيَّ مُمَيِّزًا أو غير مُمَيِّزٍ الْمَوَاقِفَ فَيُحْضِرَهُ وُجُوبًا في الْوَاجِبَةِ وَنَدْبًا في الْمَنْدُوبَةِ كَعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ لِإِمْكَانِ فِعْلِهَا منه وَلَا يُغْنِي حُضُورُهُ عنه
وَإِنْ قَدَرَ الصَّبِيُّ على الرَّمْيِ رَمَى وُجُوبًا فَإِنْ عَجَزَ عن تَنَاوُلِ الْأَحْجَارِ نَاوَلَهَا له وَلِيُّهُ وَإِلَّا بِأَنْ عَجَزَ عن الرَّمْيِ اُسْتُحِبَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَضَعَ الْحَجَرَ في يَدِهِ وَيَأْخُذَهَا أَيْ يَدَهُ وَيَرْمِيَ بها عنه قال في الْمَجْمُوعِ وَإِلَّا فَيَأْخُذَ الْحَجَرَ من يَدِهِ ثُمَّ يَرْمِيَ بِهِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ مُحْتَمِلَةٌ لِلْكَيْفِيَّتَيْنِ وَهِيَ إلَى الثَّانِيَةِ أَقْرَبُ بَعْدَ رَمْيِهِ عن نَفْسِهِ فَإِنْ لم يَكُنْ رَمَى عن نَفْسِهِ وَقَعَ الرَّمْيُ عن نَفْسِهِ وَإِنْ نَوَى بِهِ الصَّبِيَّ لِأَنَّ مَبْنَى الْحَجِّ على أَنْ لَا يَتَبَرَّعَ بِهِ مع قِيَامِ الْفَرْضِ وَلَوْ تَبَرَّعَ وَقَعَ فَرْضًا لَا تَبَرُّعًا
فَصْلٌ الزَّائِدُ من النَّفَقَةِ على نَفَقَةِ الْحَضَرِ وَالْفِدْيَةِ التي تَجِبُ في النُّسُكِ وَالْكَفَّارَةِ بِجِمَاعٍ على الْوَلِيِّ لِأَنَّهُ الْمُوَرِّطُ له في ذلك بِخِلَافِ ما إذَا قَبِلَ لِلْمُمَيِّزِ نِكَاحًا إذْ الْمَنْكُوحَةُ قد تَفُوتُ وَالنُّسُكُ يُمْكِنُ تَأْخِيرُهُ إلَى الْبُلُوغِ وَفَارَقَ ذلك أُجْرَةُ تَعْلِيمِهِ ما ليس بِوَاجِبٍ حَيْثُ وَجَبَتْ في مَالِ الصَّبِيِّ بِأَنَّ مَصْلَحَةَ التَّعْلِيمِ كَالضَّرُورَةِ وإذا لم يَفْعَلْهَا الْوَلِيُّ في الصِّغَرِ احْتَاجَ الصَّبِيُّ إلَى اسْتِدْرَاكِهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَبِأَنَّ مُؤْنَةَ التَّعْلِيمِ يَسِيرَةٌ غَالِبًا وإذا جَامَعَ الصَّبِيُّ في حَجِّهِ فَسَدَ حَجُّهُ وَقُضِيَ وَلَوْ في الصِّبَا كَالْبَالِغِ الْمُتَطَوِّعِ بِجَامِعِ صِحَّةِ إحْرَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَيُعْتَبَرُ فيه لِفَسَادِ حَجِّهِ ما يُعْتَبَرُ في الْبَالِغِ من كَوْنِهِ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ مُجَامِعًا قبل التَّحَلُّلَيْنِ وإذا قَضَى فَإِنْ كان قد بَلَغَ في الْفَاسِدِ قبل فَوَاتِ الْوُقُوفِ أَجْزَأَهُ قَضَاؤُهُ عن حِجَّةِ الْإِسْلَامِ أو بَعْدَهُ انْصَرَفَ الْقَضَاءُ إلَيْهَا أَيْضًا وَبَقِيَ الْقَضَاءُ في هذه كما قَدَّمْنَاهُ في فَصْلِ الْعَبْدِ الْمُفْسِدِ لِلْحَجِّ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وفي نُسْخَةٍ بَدَلَ قَوْلِهِ أَجْزَأَهُ إلَى آخِرِهِ انْصَرَفَ أَيْ قَضَاؤُهُ إلَى حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَقَضِيَّتُهَا أَنَّهُ لو بَلَغَ في الْفَاسِدِ بَعْدَ فَوَاتِ الْوُقُوفِ لم يَنْصَرِفْ قَضَاؤُهُ إلَى حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ نعم لو عَبَّرَ فيها بَدَلَ الْفَاسِدِ بِالْقَضَاءِ أو قال في قَضَاءِ الْفَاسِدِ صَحَّ فَرْعٌ وَإِنْ خَرَجَ بِمَجْنُونٍ اسْتَقَرَّ عليه الْفَرْضُ قبل جُنُونِهِ نُظِرَتْ فَإِنْ أَفَاقَ وَأَحْرَمَ وَأَتَى بِالْأَرْكَانِ مُفِيقًا أَجْزَأَهُ ما أتى بِهِ عن حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَسَقَطَ عن الْوَلِيِّ زِيَادَةُ النَّفَقَةِ الْحَاصِلَةِ بِالسَّفَرِ لِأَنَّهُ أَدَّى ما عليه وَإِلَّا فَلَا يُجْزِئُهُ ذلك عن حِجَّةِ الْإِسْلَامِ لِنَقْصِهِ فيه وَلَا تَسْقُطُ عن الْوَلِيِّ زِيَادَةُ النَّفَقَةِ قال في الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عن الْمُتَوَلِّي له الْمُسَافَرَةُ بِهِ قال وَأَمَّا من يُجَنُّ وَيُفِيقُ فقال أَصْحَابُنَا إنْ كانت مُدَّةُ إفَاقَتِهِ يَتَمَكَّنُ فيها من الْحَجِّ وَوُجِدَتْ الشُّرُوطُ الْبَاقِيَةُ لَزِمَهُ الْحَجُّ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى
وَاشْتِرَاطُ الْإِفَاقَةِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ في الشِّقِّ الْأَوَّلِ من مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ شَرْطٌ لِسُقُوطِ زِيَادَةِ النَّفَقَةِ عن الْوَلِيِّ لَا لِوُقُوعِ الْمَأْتِيِّ بِهِ عن حِجَّةِ الْإِسْلَامِ فَلَوْ أَحْرَمَ عنه الْوَلِيُّ فَأَفَاقَ وَأَتَى بِبَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ مُفِيقًا وَقَعَ عن حِجَّةِ الْإِسْلَامِ كَنَظِيرِهِ في الصَّبِيِّ
____________________
(1/503)
فَصْلٌ
وَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ في أَثْنَاءِ الْحَجِّ وَلَوْ بَعْدَ وُقُوفِهِ فَأَدْرَكَ الْوُقُوفَ أَجْزَأَهُ عن فَرْضِهِ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مُعْظَمَ الْعِبَادَةِ فَصَارَ كما لو أَدْرَكَ الرُّكُوعَ بِخِلَافِ ما إذَا لم يُدْرِكْ الْوُقُوفَ ولكن يُعِيدُ السَّعْيَ وُجُوبًا بَعْدَ الطَّوَافِ إنْ كان سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ قبل بُلُوغِهِ لِيُوقِعَهُ حَالَ الْبُلُوغِ بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ مُسْتَدَامٌ بَعْدَ الْبُلُوغِ وقد يُؤْخَذُ من ذلك أَنَّهُ يُجْزِئُهُ عن فَرْضِهِ أَيْضًا إذَا تَقَدَّمَ الطَّوَافُ أو الْحَلْقُ وَأَعَادَهُ بَعْدَ إعَادَةِ الْوُقُوفِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ تَجِبُ إعَادَتُهُ لِتَبَيُّنِ وُقُوعِهِ في غَيْرِ مَحَلِّهِ وَلَا دَمَ عليه بِإِتْيَانِهِ بِالْإِحْرَامِ قبل الْبُلُوغِ وَإِنْ لم يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ بَالِغًا لِأَنَّهُ أتى بِمَا في وُسْعِهِ وَلَا إسَاءَةَ وَالطَّوَافُ في الْعُمْرَةِ كَالْوُقُوفِ في الْحَجِّ قال في الْأَصْلِ فإذا بَلَغَ قَبْلَهُ أَجْزَأَتْهُ عن عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ زَادَ في الْمَجْمُوعِ وَكَذَا لو بَلَغَ فيه وَإِنْ كان بَعْدَهُ فَلَا وَوَقَعَ لِلْبُلْقِينِيِّ لِعَدَمِ وُقُوفِهِ على هذه الزِّيَادَةِ ما يُخَالِفُ ذلك حَيْثُ قال لَكِنْ لو بَلَغَ فيه لَا يَكُونُ كَبُلُوغِهِ في الْوُقُوفِ لِأَنَّ مُسَمَّى الْوُقُوفِ حَاصِلٌ بِمَا وُجِدَ بَعْدَ بُلُوغِهِ بِخِلَافِ الطَّوَافِ وَحَيْثُ أَجْزَأَهُ ما أتى بِهِ عن حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتِهِ وَقَعَ إحْرَامُهُ أَوَّلًا تَطَوُّعًا وَانْقَلَبَ عَقِبَ الْبُلُوغِ فَرْضًا على الْأَصَحِّ في الْمَجْمُوعِ
وَفِيهِ عن الدَّارِمِيِّ لو فَاتَ الصَّبِيَّ الْحَجُّ وَبَلَغَ فَإِنْ بَلَغَ قبل الْفَوَاتِ فَعَلَيْهِ حِجَّةٌ وَاحِدَةٌ تُجْزِئُهُ عن حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالْقَضَاءِ أو بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ حِجَّتَانِ حِجَّةٌ لِلْفَوَاتِ وَحِجَّةٌ لِلْإِسْلَامِ وَيَبْدَأُ بِحِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ أَفْسَدَ الْحُرُّ الْبَالِغُ حَجَّهُ قبل الْوُقُوفِ ثُمَّ فَاتَهُ أَجْزَأَتْهُ حِجَّةٌ وَاحِدَةٌ عن حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالْفَوَاتِ وَالْقَضَاءِ وَعَلَيْهِ فِدْيَتَانِ إحْدَاهُمَا لِلْإِفْسَادِ وَالْأُخْرَى لِلْفَوَاتِ وَالْعِتْقُ لِلرَّقِيقِ في أَثْنَاءِ النُّسُكِ كَالْبُلُوغِ لِلصَّبِيِّ فيه فَيَأْتِي فيه ما مَرَّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا دَمَ عليه قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي وُجُوبُهُ إذَا كان قَضَاءً عن وَاجِبٍ من نَذْرٍ أو قَضَاءٍ أَفْسَدَهُ بَلْ يَنْبَغِي وُجُوبُهُ إذَا كان قَادِرًا على الْحُرِّيَّةِ بِأَنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ هو قَادِرٌ على فِعْلِهَا تَنْزِيلًا لِلْمُتَوَقَّعِ مَنْزِلَةَ الْوَاقِعِ قُلْت الِانْبِغَاءُ الثَّانِي ظَاهِرٌ دُونَ الْأَوَّلِ قال وَسَكَتَ الرَّافِعِيُّ عن إفَاقَةِ الْمَجْنُونِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ عنه وقال ابن أبي الدَّمِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالصَّبِيِّ في حُكْمِهِ وَلَوْ أَحْرَمَ ذِمِّيٌّ الْأَوْلَى كَافِرٌ كما عَبَّرَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ من الْمِيقَاتِ أو جَاوَزَهُ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَحْرَمَ ولم يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ في الْمَسْأَلَتَيْنِ لَزِمَهُ دَمٌ وَإِنْ عَادَ فَلَا كَمُسْلِمٍ جَاوَزَهُ بِقَصْدِ النُّسُكِ نعم إنْ حَجَّ من سَنَةٍ أُخْرَى فَلَا دَمَ عليه مُطْلَقًا وَإِنَّمَا أَعَادَ إحْرَامَهُ في الْأُولَى لِأَنَّ إحْرَامَهُ الْأَوَّلَ لم يَنْعَقِدْ وَالتَّصْرِيحُ بِالثَّانِيَةِ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بها في الْمَجْمُوعِ وَكَالْكَافِرِ فِيمَا ذَكَرَ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ كما نُقِلَ عن النَّصِّ وَمَنْ طَيَّبَ أو حَلَقَ صَبِيًّا أو مَجْنُونًا
وَلَوْ لِحَاجَتِهِ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَلِيًّا كان أو أَجْنَبِيًّا لِإِسَاءَتِهِ وَكَالتَّطْيِيبِ وَالْحَلْقِ ما يُشْبِهُهُمَا من مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ كَاللُّبْسِ وَالدُّهْنِ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا كان الْوَلِيُّ وَالْأَجْنَبِيُّ حَلَالَيْنِ فَإِنْ كَانَا مُحْرِمَيْنِ لَزِمَهُمَا فِدْيَتَانِ لَا يَنْبَغِي قال في الْمَجْمُوعِ قال الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ لو أَلْجَأَهُ الْوَلِيُّ إلَى التَّطَيُّبِ أو فَوَّتَهُ الْحَجَّ فَالْفِدْيَةُ على الْوَلِيِّ بِلَا خِلَافٍ وَمِثْلُهُ الْأَجْنَبِيُّ
بَابُ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ أَيْ الْمُحَرَّمَاتِ بِهِ وَالْأَصْلُ فيها أَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ما يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ من الثِّيَابِ فقال لَا يَلْبَسُ الْقُمُصَ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْبَرَانِسَ وَلَا الْخِفَافَ إلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ من الْكَعْبَيْنِ وَلَا يَلْبَسُ من الثِّيَابِ شيئا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ أو وَرْسٌ زَادَ الْبُخَارِيُّ وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ وَكَخَبَرِ نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن لُبْسِ الْقَمِيصِ وَالْأَقْبِيَةِ وَالسَّرَاوِيلَاتِ وَالْخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ النَّعْلَيْنِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كما في الْمَجْمُوعِ وَالسُّؤَالُ وَقَعَ في الْخَبَرِ الْأَوَّلِ عَمَّا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ فَأُجِيبَ بِمَا لَا يَلْبَسُ لِأَنَّهُ مَحْصُورٌ بِخِلَافِ ما يَلْبَسُ إذْ الْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ على أَنَّهُ كان يَنْبَغِي السُّؤَالُ عَمَّا لَا يَلْبَسُ وَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ في الْجَوَابِ ما يُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ وَإِنْ لم يُطَابِقْ السُّؤَالَ صَرِيحًا وَهِيَ أَنْوَاعٌ سَبْعَةٌ الْأَوَّلُ اللُّبْسُ فَيَحْرُمُ سَتْرُ رَأْسِ الرَّجُلِ أو بَعْضِهِ كَالْبَيَاضِ الذي
____________________
(1/504)
وَرَاءَ الْأُذُنِ بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا عُرْفًا وَإِنْ ولم يُحِطْ بِالرَّأْسِ وَلَوْ بِعِصَابَةٍ وَمَرْهَمٍ وهو ما يُوضَعُ على الْجِرَاحَةِ وَطِينٍ وَحِنَّاءٍ لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ وَلِخَبَرِ الذي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ
وَقَوْلُهُ سَاتِرٌ إيضَاحٌ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ من تَرْكِيبِهِ السَّابِقِ لَا سَتْرُهُ بِمَاءٍ كَأَنْ غَطَسَ فيه وَخَيْطٍ شَدَّ بِهِ رَأْسَهُ وَهَوْدَجٍ اسْتَظَلَّ بِهِ وَإِنْ مَسَّهُ وَطِينٍ وَحِنَّاءٍ رَقِيقَيْنِ وَلَا بِوَضْعِ كَفِّهِ وَكَذَا كَفِّ غَيْرِهِ وَمَحْمُولٍ كَقُفَّةٍ عليه أَيْ على رَأْسِهِ لِأَنَّ ذلك لَا يُرَدُّ سَاتِرًا وَرَوَى مُسْلِمٌ عن أُمِّ الْحُصَيْنِ قالت حَجَجْنَا مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حِجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْت أُسَامَةَ وَبِلَالًا وَأَحَدُهُمَا أَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ من الْحَرِّ حتى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ حُرْمَةِ ذلك سَوَاءٌ أَقَصَدَ السَّتْرَ بِهِ أَمْ لَا لَكِنْ جَزَمَ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ فِيمَا إذَا قَصَدَ بِحَمْلِ الْقُفَّةِ وَنَحْوِهَا السَّتْرَ وَظَاهِرُهُ حُرْمَةُ ذلك حِينَئِذٍ وَلَا أَثَرَ لِتَوَسُّدِ وِسَادَةٍ أو عِمَامَةٍ فإنه حَاسِرُ الرَّأْسِ عُرْفًا وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ لَا أَثَرَ لِلطِّلَاءِ بِعَسَلٍ أو لَبَنٍ مَحْمُولٌ على الرَّقِيقِ قال في الْمَجْمُوعِ وَالْأَفْضَلُ بُرُوزُ الرَّجُلِ لِلشَّمْسِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ وَالسَّتْرُ لِلْمَرْأَةِ انْتَهَى
وَكَالْمَرْأَةِ الْخُنْثَى أَمَّا غَيْرُ الرَّأْسِ من الرَّجُلِ فَيَجُوزُ سَتْرُهُ لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى شيئا لِيَسْتَوْعِبَ الرَّأْسَ بِالْكَشْفِ كما صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَيَحْرُمُ أَنْ يَلْبَسَ فيه ما يُحِيطُ بِالْبَدَنِ وَكَذَا بِالْعُضْوِ وَنَحْوِهِ كَخَرِيطَةِ لِحْيَةٍ وَإِنْ بَدَا الْمَسْتُورُ كما في السَّتْرِ بِزُجَاجٍ شَفَّافٍ لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ وَلِأَنَّ خَرِيطَةَ اللِّحْيَةِ في مَعْنَى الْقُفَّازَيْنِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُحِيطُ بِخِيَاطَةٍ كَالْقَمِيصِ أو الْخُفِّ وَالْقُفَّازِ أو نَسْجٍ كَالدِّرْعِ أو عِقْدٍ كَجُبَّةِ اللَّبَدِ أو اللَّزُوقِ الْأَوْلَى لَزُوقٌ أو لَزِقَ عَطْفًا على خِيَاطَةٍ وَكَأَنَّهُ عَطَفَهُ على اللَّبَدِ فَعَرَّفَهُ وَكَلَامُ أَصْلِهِ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ وهو إلَى الْأَوَّلِ أَقْرَبُ وَعَلَيْهِ جَرَى في الْبَهْجَةِ وَعَبَّرَ بِاللَّصْقِ بِالصَّادِ هذا وقد يَتَوَقَّفُ في كَوْنِ اللَّبَدِ مَعْقُودًا وَمِنْ ثَمَّ قال الْإِسْنَوِيُّ في قَوْلِ الْمِنْهَاجِ أو الْمَعْقُودُ يَعْنِي الْمَلْزُوقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ كَالثَّوْبِ من اللَّبَدِ انْتَهَى
وَالظَّاهِرُ أَنَّ اللَّبَدَ على نَوْعَيْنِ نَوْعٌ مَعْقُودٌ وَنَوْعٌ مَلْزُوقٌ سَوَاءٌ في ذلك الْمُتَّخَذُ من قُطْنٍ وَكَتَّانٍ وَغَيْرِهِمَا وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ إنْ لَبِسَهُ أَيْ ما يُحِيطُ بِمَا ذُكِرَ كَالْعَادَةِ عَامِدًا مُخْتَارًا وَإِنْ لم يُدْخِلْ الْيَدَ في الْكُمِّ من الْقَبَاءِ وَنَحْوِهِ قَصُرَ الزَّمَنُ أو طَالَ وَخَرَجَ بِالْعَادَةِ ما لو أَلْقَى على نَفْسِهِ قَبَاءً أو فَرَجِيَّةً وهو مُضْطَجِعٌ وكان بِحَيْثُ لو قام أو قَعَدَ لم يَسْتَمْسِكْ عليه إلَّا بِمَزِيدِ أَمْرٍ فَلَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ وما صَرَّحَ بِهِ في قَوْلِهِ لَا إنْ ارْتَدَى بِالْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ أو اتَّزَرَ بِهِمَا أو أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ سَاقَيْ الْخُفِّ فَلَا فِدْيَةَ كما لو اتَّزَرَ بِإِزَارٍ لَفَّقَهُ من رِقَاعٍ وَلِأَنَّ الِاعْتِبَارَ في كل مَلْبُوسٍ بِمَا يُعْتَادُ إذْ بِهِ
____________________
(1/505)
يَحْصُلُ التَّرَفُّهُ بِخِلَافِ الْحِنْثِ بِهِ لِوُجُودِ اسْمِ اللُّبْسُ قال في الْمَجْمُوعِ وَكَذَا لو الْتَحَفَ بِقَمِيصٍ أو عَبَاءَةٍ أو إزَارٍ أو نَحْوِهَا وَلَفَّ عليه طَاقًا أو أَكْثَرَ فَلَا فِدْيَةَ وَلَهُ تَقَلُّدُ السَّيْفِ وَالْمُصْحَفِ وَشَدُّ الْمِنْطَقَةِ وَالْهِمْيَانِ على وَسَطِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذلك وقد قَدِمَتْ الصَّحَابَةُ مَكَّةَ مُتَقَلِّدِينَ بِسُيُوفِهِمْ عَامَ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبُخَارِيُّ
وَلَهُ أَنْ يَلُفَّ بِوَسَطِهِ عِمَامَةً وَلَا يَعْقِدُهَا وَأَنْ يَلْبَسَ الْخَاتَمَ وَأَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ في كُمِّ قَمِيصٍ مُنْفَصِلٍ عنه وله عَقْدُ الْإِزَارِ بِتِكَّةٍ بِكَسْرِ التَّاءِ أو نَحْوِهَا في حُجُزِهِ بِضَمِّ الْحَاءِ أَيْ في حُجْزَةِ الْإِزَارِ أَيْ مَعْقِدِهِ لِحَاجَةِ إحْكَامِهِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ كما قال الْمُتَوَلِّي وَلَهُ شَدُّهُ بِخَيْطٍ وَلَوْ مع عَقْدِ الْإِزَارِ لِحَاجَةِ ثُبُوتِهِ بِخِلَافِ اتِّخَاذِ الشَّرَجِ وَالْعُرَى لِلرِّدَاءِ كما صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ لَا إنْ عَقَدَهُ أَيْ الْإِزَارَ بِشَرَجٍ بِفَتْحِ الشِّينِ وَالرَّاءِ أَيْ أَزْرَارٍ في عُرًى أو شَقَّهُ نِصْفَيْنِ وَلَفَّ كُلَّ نِصْفٍ على سَاقٍ وَعَقَدَهُ أو عَقَدَ طَرَفَيْ رِدَائِهِ بِخَيْطٍ أو بِدُونِهِ أو خَلَّهُمَا بِخِلَالٍ كَمِسَلَّةِ فَلَيْسَ له شَيْءٌ منها لِشَبَهِ الثَّانِي بِالسَّرَاوِيلِ وما عَدَاهُ بِالْمَخِيطِ من حَيْثُ إنَّهُ يَسْتَمْسِكُ وَقَيَّدَ الْغَزَالِيُّ وَالْقَاضِي مُجَلِّيٌّ الْأَوَّلَ بِمَا إذَا تَقَارَبَ الشَّرَجُ بِحَيْثُ أَشْبَهَتْ الْخِيَاطَةُ وَإِلَّا فَلَا فِدْيَةَ قال الْإِسْنَوِيُّ وَلَا يَتَقَيَّدُ الرِّدَاءُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الشَّرَجَ الْمُتَبَاعِدَ يُشْبِهُ الْعَقْدَ وهو فيه مُمْتَنِعٌ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْإِزَارِ
وَلَهُ أَنْ يَشُدَّ طَرَفَ إزَارِهِ في طَرَفِ رِدَائِهِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَيْهِ في الِاسْتِمْسَاكِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ كما قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَلَهُ غَرْزُ رِدَائِهِ في إزَارِهِ وَالتَّوَشُّحُ بِهِ وَلِلْمَرْأَةِ وَلَوْ أَمَةً سَتْرُ ما سِوَى الْوَجْهِ بِمَخِيطٍ وَغَيْرِهِ من الْمَلْبُوسَاتِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى النِّسَاءَ في إحْرَامِهِنَّ عن الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ وما مَسَّهُ الْوَرْسُ أو الزَّعْفَرَانُ من الثِّيَابِ ثُمَّ قال وَلْيَلْبَسْنَ بَعْدَ ذلك ما أَحْبَبْنَ من أَلْوَانِ الثِّيَابِ من مُعَصْفَرٍ أو خَزٍّ أو حَرِيرٍ أو حُلِيٍّ أو سَرَاوِيلَ أو خُفٍّ رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كما في الْمَجْمُوعِ وَإِنَّمَا جَازَ لها السَّتْرُ بِالْمَخِيطِ دُونَ الرَّجُلِ لِلْإِخْبَارِ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ أَوْلَى بِالسَّتْرِ وَغَيْرُ الْمَخِيطِ لَا يَتَأَتَّى معه الْأَمْنُ من الْكَشْفِ كَالْمَخِيطِ وَلِهَذَا لو اجْتَمَعَا على السَّتْرِ قُدِّمَتْ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ لَا سَتْرَ الْكَفَّيْنِ بِقُفَّارَيْنِ أو إحْدَاهُمَا بِأَحَدِهِمَا فَلَيْسَ لها ذلك لِلْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَلِأَنَّ الْقُفَّازَ مَلْبُوسُ عُضْوٍ ليس بِعَوْرَةٍ فَأَشْبَهَ خُفَّ الرَّجُلِ وَخَرِيطَةَ لِحْيَتِهِ قال الْجَوْهَرِيُّ وَالْقُفَّازُ شَيْءٌ يُعْمَلُ لِلْيَدَيْنِ يُحْشَى بِقُطْنٍ وَتَكُونُ له أَزْرَارٌ تُزَرُّ على السَّاعِدَيْنِ من الْبَرْدِ تَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ في يَدَيْهَا وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ ما يَشْمَلُ الْمَحْشُوَّ وَغَيْرَهُ
وَيَجُوزُ سَتْرُهُمَا بِغَيْرِهِمَا كَكُمٍّ وَخِرْقَةٍ لَفَّتْهَا عَلَيْهِمَا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ وَمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عنه سَوَاءٌ أَخَضَبَتْهُمَا أَمْ لَا بِنَاءً على أَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِ الْقُفَّازِ عليها ما مَرَّ آنِفًا وفي نُسْخَةٍ بَدَلَ لَا الْكَفَّيْنِ إلَى آخِرِهِ لَا الْقُفَّازَيْنِ وَيَجُوزُ لَفُّ يَدِهَا بِغَيْرِهِمَا أَمَّا الْوَجْهُ فَلَا تَسْتُرُهُ لِلْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ ولكن يُعْفَى عَمَّا تَسْتُرُهُ من الْوَجْهِ احْتِيَاطًا لِلرَّأْسِ إذْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُ سَتْرِهِ إلَّا بِسِتْرِ قَدْرٍ يَسِيرٍ مِمَّا يَلِيهِ من الْوَجْهِ وَالْمُحَافَظَةِ على سَتْرِهِ بِكَمَالِهِ لِكَوْنِهِ عَوْرَةً أَوْلَى من الْمُحَافَظَةِ على كَشْفِ ذلك الْقَدْرِ من الْوَجْهِ وَيُؤْخَذُ من هذا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْأَمَةَ لَا تَسْتُرُ ذلك لِأَنَّ رَأْسَهَا ليس بِعَوْرَةٍ لَكِنْ قال في الْمَجْمُوعِ ما ذُكِرَ في إحْرَامِ الْمَرْأَةِ وَلُبْسِهَا لم يُفَرِّقُوا فيه بين الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وهو الْمَذْهَبُ وَشَذَّ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ فَحَكَى وَجْهًا أَنَّ الْأَمَةَ كَالرَّجُلِ وَوَجْهَيْنِ في الْمُبَعَّضَةِ هل هِيَ كَالْأَمَةِ أو كَالْحُرَّةِ وَلَهَا أَنْ تُسْدِلَ أَيْ تُرْخِيَ على وَجْهِهَا ثَوْبًا مُتَجَافِيًا عنه بِخَشَبَةٍ أو نَحْوِهَا سَوَاءٌ أَفَعَلَتْهُ لِحَاجَةٍ كَحَرٍّ وَبَرْدٍ وَفِتْنَةٍ أَمْ لَا كما يَجُوزُ لِلرَّجُلِ سَتْرُ رَأْسِهِ بِمِظَلَّةٍ وَنَحْوِهَا وَإِنْ أَصَابَهُ كَأَنْ وَقَعَتْ الْخَشَبَةُ فَأَصَابَ الثَّوْبُ وَجْهَهَا بِلَا اخْتِيَارٍ منها فَرَفَعَتْهُ فَوْرًا فَلَا فِدْيَةَ وَإِلَّا بِأَنْ اخْتَارَتْ ذلك أو لم تَرْفَعْهُ فَوْرًا وَجَبَتْ مع الْإِثْمِ
وَلِلْخُنْثَى الْمُشْكِلِ سَتْرُ أَحَدِهِمَا أَيْ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَلَا فِدْيَةَ لِأَنَّا لَا نُوجِبُ شيئا بِالشَّكِّ فَقَطْ أَيْ لَا سَتْرَهُمَا فَلَوْ سَتَرَهُمَا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ لِتَيَقُّنِ سَتْرِ ما ليس له سَتْرُهُ وقال في الْمَجْمُوعِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتُرَ بِالْمَخِيطِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ رَجُلًا وَيُمْكِنُهُ سَتْرُهُ بِغَيْرِهِ هَكَذَا ذَكَرَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وقال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ لَا خِلَافَ أَنَّا نَأْمُرُهُ بِالسَّتْرِ وَلُبْسِ الْمَخِيطُ كما نَأْمُرُهُ أَنْ يَسْتَتِرَ في صَلَاتِهِ كَالْمَرْأَةِ انْتَهَى
وقال السُّلَمِيُّ عَقِبَ ذلك قُلْت أَمَّا سَتْرُ رَأْسِهِ فَوَاجِبٌ احْتِيَاطًا وَلَا يَسْتُرُ وَجْهَهُ لِأَنَّهُ إنْ كان أُنْثَى فَكَشْفُهُ وَاجِبٌ أو رَجُلًا لم يَلْزَمْهُ سَتْرُهُ وَأَمَّا سَتْرُ بَدَنِهِ فَيَجِبُ لِأَنَّهُ إنْ كان أُنْثَى فَوَاضِحٌ أو رَجُلًا فَجَائِزٌ وَالسَّتْرُ مع التَّرَدُّدِ وَاجِبٌ وَلِهَذَا أُمِرَتْ سَوْدَةُ أَنْ تَحْتَجِبَ من ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ وَأَمَرَ الْخُنْثَى بِالِاحْتِجَابِ قال وَتَجْوِيزُ الْقَاضِي لُبْسَ الْمَخِيطِ فيه نَظَرٌ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ إنْ كان
____________________
(1/506)
ذَكَرًا حَرُمَ عليه أو أُنْثَى جَازَ فَقَدْ تَرَدَّدَ بين الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْحَظْرُ أَوْلَى وَمَقْصُودُ السَّتْرِ يَحْصُلُ بِغَيْرِ الْمَخِيطِ فَلَا مَعْنَى لِتَجْوِيزِ الْمَخِيطِ مع جَوَازِ الْحَظْرِ وَعَدَمِ الْحَاجَةِ وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا سَتْرَ الرَّأْسِ وَإِنْ تَرَدَّدَ بين الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ لِأَنَّ سَتْرَ رَأْسِ الْمَرْأَةِ وَاجِبٌ أَصْلِيٌّ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَتَحْرِيمُ سَتْرِ الرَّأْسِ في حَقِّ الْمُحْرِمِ عَارِضٌ لِحُرْمَةِ الْعِبَادَةِ وقد قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُغَلَّبَ في حَقِّ الْخُنْثَى حُكْمُ الْأُنُوثَةِ انْتَهَى
وَنَقَلَهُ عنه الْأَذْرَعِيُّ وَاسْتَحْسَنَهُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ حَاصِلَ كَلَامِ الْقَاضِي وُجُوبُ سَتْرِ رَأْسِهِ وَسَتْرِ بَدَنِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ مَخِيطٍ بِقَرِينَةِ تَنْظِيرِهِ الْمَذْكُورِ فَلَا يُنَافِي كَلَامَ السُّلَمِيُّ إلَّا في لُبْسِ الْمَخِيطِ فَالْقَاضِي يُجَوِّزُهُ وهو يُحَرِّمُهُ ثُمَّ كَلَامُ الْجُمْهُورِ إنَّمَا هو بِالنِّسْبَةِ لِلْإِحْرَامِ وَكَلَامُهُمَا بِالنِّسْبَةِ له وَلِوُجُوبِ السَّتْرِ عن الْأَجَانِبِ فَلَا مُنَافَاةَ إلَّا في لُبْسِ الْمَخِيطِ فَالْجُمْهُورُ وَالْقَاضِي يُجَوِّزُونَهُ وَالسُّلَمِيُّ يُحَرِّمُهُ فَتَنْظِيرُهُ في كَلَامِ الْقَاضِي لَا يَخُصُّهُ بَلْ يَأْتِي على كَلَامِ الْجُمْهُورِ أَيْضًا وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْخُنْثَى ليس له سَتْرُ وَجْهِهِ مع كَشْفِ رَأْسِهِ خِلَافُ ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لو أَحْرَمَ الْخُنْثَى بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْأَجَانِبِ جَازَ له كَشْفُ رَأْسِهِ كما لو لم يَكُنْ مُحْرِمًا
فَرْعٌ من لَبِسَ في الْإِحْرَامِ ما يَحْرُمُ لُبْسُهُ بِهِ أو سَتَرَ ما يَحْرُمُ سَتْرُهُ فيه لِحَاجَةِ حَرٍّ أو بَرْدٍ أو مُدَاوَاةٍ أو نَحْوِهَا جَازَ وَفَدَى كما في الْحَلْقِ لِذَلِكَ بِجَامِعِ التَّرَفُّهِ الْحَاصِلِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَلَهُ لُبْسُ مُكَعَّبٍ أَيْ مَدَاسٍ وهو ما يُسَمَّى مَوْزَةً وَالزُّرْبُولِ الذي لَا يَسْتُرُ الْكَعْبَيْنِ وَكَذَا لُبْسُ خُفٍّ إنْ قَطَعَ أَسْفَلَ كَعْبِهِ وَإِنْ اسْتَتَرَ ظَهْرُ الْقَدَمَيْنِ فِيهِمَا بِبَاقِيهِمَا وَكَذَا لُبْسُ سَرَاوِيلَ وَهَذَا لِعَاجِزٍ عن تَحْصِيلِ نَعْلَيْنِ في الْأُولَيَيْنِ وَإِزَارٍ في الثَّالِثَةِ بِالطَّرِيقَةِ الْمَذْكُورَةِ في التَّيَمُّمِ وَلَا دَمَ عليه في ذلك لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن ابْنِ عَبَّاسٍ سَمِعْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ يقول السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لم يَجِدْ الْإِزَارَ وَالْخُفَّانِ لِمَنْ لم يَجِدْ النَّعْلَيْنِ أَيْ مع قَطْعِ الْخُفَّيْنِ أَسْفَلَ من الْكَعْبَيْنِ بِقَرِينَةِ خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ وَالْأَصْلُ في مُبَاشَرَةِ الْجَائِزِ نَفْيُ الضَّمَانِ وَاسْتِدَامَةُ لُبْسِهِ ذلك بَعْدَ قُدْرَتِهِ على النَّعْلِ وَالْإِزَارُ مُوجِبَةٌ لِلدَّمِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَخَرَجَ بِالْعَاجِزِ غَيْرُهُ فَيَحْرُمُ عليه لُبْسُ ذلك لِلْخَبَرِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالْمُرَادُ بِالنَّعْلِ التَّاسُومَةُ وَيَلْحَقُ بِهِ الْقَبْقَابُ لِأَنَّهُ ليس بِمَخِيطٍ وَلَا فَرْقَ في السَّرَاوِيلِ بين ما يَتَأَتَّى منه إزَارٌ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ وَإِضَاعَةُ الْمَالِ بِجَعْلِهِ إزَارًا ويفارق الْخُفُّ لِلْأَمْرِ بِقَطْعِهِ نعم يُتَّجَهُ عَدَمُ جَوَازِ قَطْعِ الْخُفِّ إذَا وُجِدَ الْمُكَعَّبُ هذا كُلُّهُ إذَا لم يَتَأَتَّ الِاتِّزَارُ بِهِ على هَيْئَتِهِ وَإِلَّا حَرُمَ لُبْسُهُ كما يَحْرُمُ لُبْسُ الْقَمِيصِ عِنْدَ فَقْدِ الرِّدَاءِ كما سَيَأْتِي قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ قال وَلَوْ قَدَرَ على أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِالسَّرَاوِيلِ إزَارًا مُتَسَاوِيَ الْقِيمَةِ فَالصَّوَابُ ما قَالَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وُجُوبُهُ إنْ لم يَمْضِ زَمَنٌ تَبْدُو فيه عَوْرَتُهُ وَإِلَّا فَلَا
وَلَوْ لم يَجِدْ رِدَاءً لم يَجُزْ لُبْسُ الْقَمِيصِ بَلْ يَرْتَدِي بِهِ وَلَوْ عَدِمَ الْإِزَارَ أو النَّعْلَ وَاحْتَاجَ إلَيْهِ فَبِيعَ منه نَسِيئَةً أو وُهِبَ له لم يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ لِعِظَمِ الْمِنَّةِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَجِيءَ في الشِّرَاءِ نَسِيئَةً وفي قَرْضِ الثَّمَنِ ما ذُكِرَ في التَّيَمُّمِ أو أُعِيرَ له لَزِمَهُ قَبُولُهُ كَنَظِيرِهِ في التَّيَمُّمِ النَّوْعُ الثَّانِي التَّطَيُّبُ فَيَجِبُ مع التَّحْرِيمِ الْفِدْيَةُ بِالتَّطَيُّبِ وَلَوْ أَخْشَمَ في بَدَنِهِ وَلَوْ بَاطِنًا بِنَحْوِ أَكْلٍ أو مَلْبُوسِهِ وَلَوْ نَعْلًا أَمَّا التَّحْرِيمُ فَلِلْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ في الْمَلْبُوسِ وَبِالْقِيَاسِ عليه في الْبَدَنِ وَأَمَّا الْفِدْيَةُ فَكَالْحَلْقِ هذا إنْ تَطَيَّبَ قَصْدًا بِمَا تُقْصَدُ منه رَائِحَتُهُ غَالِبًا كَالْمِسْكِ وَالْعُودِ وَالْوَرْدِ وَقَوْلُهُ وَكَذَا دُهْنُهُ أَيْ الْوَرْدِ مُكَرَّرٌ فإنه سَيَأْتِي وَالْوَرْسُ وهو أَشْهَرُ طِيبٍ في بِلَادِ الْيَمَنِ وَسَيَأْتِي ما خَرَجَ بِقَصْدٍ أو أَمَّا ما خَرَجَ بِمَا بَعْدَهُ فَهُوَ ما صَرَّحَ بِهِ في قَوْلِهِ لَا ما أَيْ بِمَا يُقْصَدُ بِهِ الْأَكْلُ أو التَّدَاوِي وَإِنْ كان له رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ كَالتُّفَّاحِ وَالْأُتْرُجِّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ من تُرُّنْجٍ وَيُقَالُ له الْأُتْرُنْجُ وَالْقَرَنْفُلِ وَالدَّارْ صِينِيِّ وَالسُّنْبُلِ وَسَائِرِ الْأَبَازِيرِ الطَّيِّبَةِ كَالْفُلْفُلِ
____________________
(1/507)
وَالْمَصْطَكَى فَلَا تَجِبُ فيه الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقْصَدُ منه الْأَكْلُ أو التَّدَاوِي كما نَبَّهَ عليه وَلَا ما يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ
وَإِنْ كان له رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ كَالشِّيحِ وَالْقَيْصُومِ وَالْإِذْخِرِ وَالْخُزَامِيِّ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ طِيبًا وَإِلَّا لَاسْتُنْبِتَ وَتُعُهِّدَ كَالْوَرْدِ وَلَا بِالْعُصْفُرِ وَالْحِنَّاءِ وَإِنْ كان له رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقْصَدُ منه لَوْنُهُ وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ في النِّرْجِسِ وَالرَّيْحَانِ بِفَتْحِ الرَّاءِ الْفَارِسِيِّ وهو الضُّمَيْرَانِ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الْمِيمِ كَذَا ضَبَطَهُ النَّوَوِيُّ قال في الْمُهِمَّاتِ لَكِنَّهُ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَالْمَعْرُوفُ الْمَجْزُومُ بِهِ في الصِّحَاحِ أَنَّهُ الضَّوْمَرَانُ بِالْوَاوِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وهو نَبْتٌ بَرِّيٌّ وقال ابن يُونُسَ الْمُرْسِينُ وَالْبَنَفْسَجِ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالْبَانِ وَاللِّينُوفَرِ لِأَنَّهَا طِيبٌ وَحَمَلُوا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْبَنَفْسَجَ ليس بِطِيبٍ على الْمُرَبَّى بِالسَّكَرِ الذي ذَهَبَ رِيحُهُ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ أَنَّ الْبَانَ ليس طِيبًا على يَابِسٍ لَا يَظْهَرُ رِيحُهُ بِرَشِّ الْمَاءِ عليه وَيُعْتَبَرُ مع الْقَصْدِ الِاخْتِيَارُ وَالْعِلْمُ بِالتَّحْرِيمِ كما تُعْتَبَرُ الثَّلَاثَةُ في سَائِرِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ كما يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي وَخَرَجَ بِالْفَارِسِيِّ الْعَرَبِيُّ قال الْبُلْقِينِيُّ وَلَوْ احْتَاجَ الْمُحْرِمُ إلَى التَّدَاوِي بِطِيبٍ تَدَاوَى بِهِ وَافْتَدَى نَصَّ عليه في الْأُمِّ
فَرْعٌ دُهْنُ الْبَانِ الْمَغْلِيُّ وَدُهْنُ الْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ طِيبٌ وَالْمُرَادُ بِدُهْنِ هَذَيْنِ دُهْنٌ طُرِحَا فيه لَا دُهْنٌ تُرُوِّحَ سِمْسِمُهُ بِهِمَا بِأَنْ اُسْتُخْرِجَ من سِمْسِمٍ تُرُوِّحَ بِوَضْعِهِمَا فيه لِأَنَّ رِيحَهُ رِيحُ مُجَاوَرَةٍ وفي دُهْنِ الْأُتْرُجِّ تَرَدُّدٌ أَيْ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَقَطَعَ الدَّارِمِيُّ بِأَنَّهُ طِيبٌ ذَكَرَهُ في الرَّوْضَةِ فَرْعٌ وَإِنْ اُسْتُهْلِكَ الطِّيبُ في الْمُخَالِطِ له بِأَنْ لم يَبْقَ له رِيحٌ وَلَا طَعْمٌ وَلَا لَوْنٌ أو الْأُولَى كَأَنْ اُسْتُعْمِلَ في دَوَاءٍ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ وَأَكْلُهُ وَلَا فِدْيَةَ وَإِنْ بَقِيَ الرِّيحُ فِيمَا اُسْتُهْلِكَ ظَاهِرًا أو خَفِيًّا لِمُرُورِ الزَّمَانِ أو لِغُبَارٍ أو غَيْرِهِ لَكِنَّهُ يَظْهَرُ بِرَشِّ الْمَاءِ عليه فَدَى لِأَنَّ الْغَرَضَ الْأَعْظَمَ من الطِّيبِ الرِّيحُ وَكَذَا لو بَقِيَ الطَّعْمُ لِدَلَالَتِهِ على بَقَاءِ الطِّيبِ لَا اللَّوْنِ لِأَنَّ الْغَرَضَ منه الزِّينَةُ بِدَلِيلِ حِلِّ الْمُعَصْفَرِ
فَرْعٌ في بَيَانِ اسْتِعْمَالِ الطِّيبِ إنَّمَا تُؤَثِّرُ مُبَاشَرَتُهُ إذَا كان صَالِحًا لِلِاسْتِعْمَالِ الْمُعْتَادِ بِأَنْ يُلْصِقَهُ بِبَدَنِهِ أو مَلْبُوسِهِ على الْعَادَةِ في ذلك الطِّيبِ وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ في مَحَلٍّ لَا يُعْتَادُ التَّطَيُّبُ فيه وَلَفْظُ صَالِحًا من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ لَا دَخْلَ له هُنَا فإذا مَسَّ طِيبًا يَابِسًا كَمِسْكٍ وَكَافُورٍ فَعَبِقَ بِكَسْرِ الْبَاءِ أَيْ لَزِقَ بِهِ رِيحُهُ لَا عَيْنُهُ أو حَمَلَ الْعُودَ أو أَكَلَهُ لم يَضُرَّ فَلَا يَحْرُمُ وَلَا يَجِبُ بِهِ فِدْيَةٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الرِّيحَ قد تَحْصُلُ بِالْمُجَاوَرَةِ بِلَا مَسٍّ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ وَأَمَّا الْبَاقِي فَلِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ تَطَيُّبًا وَالتَّقْيِيدُ بِالْيَابِسِ من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَإِنْ تَجَمَّرَ أَيْ تَبَخَّرَ بِهِ أَيْ بِالْعُودِ أو حَمَلَ الْمِسْكَ وَنَحْوَهُ كَالْعَنْبَرِ في ثَوْبٍ مَلْبُوسٍ له أو حَمَلَتْهُ الْمَرْأَةُ في جَيْبِهَا أو في حَشْوِ حُلِيِّهَا وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ لِأَنَّ ذلك تَطَيُّبٌ بَلْ الْعُودُ لَا يُتَطَيَّبُ بِهِ إلَّا كَذَلِكَ
وَكَذَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ لو اسْتَعَطَ بِهِ أَيْ بِالطِّيبِ أو احْتَقَنَ أو اكْتَحَلَ بِهِ أو أَدْخَلَهُ في إحْلِيلِهِ كما قَالَهُ الْمُتَوَلِّي لِمَا قُلْنَا لَا إنْ عَبِقَ بِهِ رِيحُهُ لَا عَيْنُهُ بِالْجُلُوسِ عِنْدَ عَطَّارٍ وعند مُتَجَمَّرٍ أَيْ مُتَبَخَّرٍ كَالْكَعْبَةِ أو بَيْتٍ تَبَخَّرَ سَاكِنُهُ لِأَنَّ ذلك لَا يُعَدُّ تَطَيُّبًا وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ عِنْدَ ذلك لِلْخِلَافِ في وُجُوبِ الْفِدْيَةِ بِهِ هذا إنْ قَصَدَ الشَّمَّ وَإِلَّا فَلَا وَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِهِمْ على ما إذَا كان بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ مُسْتَعْمِلًا لِلْمِبْخَرَةِ لِيُوَافِقَ ما مَرَّ في اسْتِعْمَالِ مِبْخَرَةِ آنِيَةِ الذَّهَبِ أو الْفِضَّةِ وَالتَّطَيُّبُ بِالْوَرْدِ أَنْ يَشُمَّهُ مع اتِّصَالِهِ بِأَنْفِهِ كما صَرَّحَ بِهِ ابن كَجٍّ والتطيب بِمَائِهِ أَنْ يَمَسَّهُ كَالْعَادَةِ بِأَنْ يَصُبَّهُ على بَدَنِهِ أو مَلْبُوسِهِ فَلَا يَكْفِي شَمُّهُ وَإِنْ حَمَلَ مِسْكًا وَنَحْوَهُ في خِرْقَةٍ مَشْدُودَةٍ أو فَارَةٍ غَيْرِ مَشْقُوقَةٍ لم يَضُرَّ وَإِنْ شَمَّ الرِّيحَ لِوُجُودِ الْحَائِلِ أو مَشْقُوقَةٍ فَدَى لِأَنَّهُ يُعَدُّ تَطَيُّبًا قال في الْأَصْلِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ تَطَيُّبًا وَإِنْ جَلَسَ مَثَلًا على مَكَان مُطَيَّبٍ من أَرْضٍ أو فِرَاشٍ أو دَاسَ طِيبًا بِنَعْلِهِ فَدَى لِأَنَّهُ تَطَيُّبٌ إلَّا إنْ فَرَشَ عليه ثَوْبًا أو لم يَفْرِشْ لَكِنَّهُ لم يَعْلَقْ بِهِ شَيْءٌ من عَيْنِ الطِّيبِ فَلَا فِدْيَةَ لِأَنَّ ذلك ليس تَطَيُّبًا ولكن إنْ كان الثَّوْبُ رَقِيقًا مَانِعًا لِلطِّيبِ من مَسَّ بَشَرَتِهِ كُرِهَ لِأَنَّهُ لَا يَقْطَعُ عنه رَائِحَةَ الطِّيبِ بِالْكُلِّيَّةِ
فَرْعٌ وَلَا فِدْيَةَ على الْمُتَطَيِّبِ النَّاسِي لِلْإِحْرَامِ ولا على الْمُكْرَهِ على التَّطَيُّبِ ولا على الْجَاهِلِ بِالتَّحْرِيمِ أو بِكَوْنِهِ أَيْ الْمَمْسُوسِ طِيبًا أو رُطَبًا لِعُذْرِهِ كما في الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لَا الْجَاهِلِ بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ فَقَطْ أَيْ دُونَ التَّحْرِيمِ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ التَّحْرِيمَ فَحَقُّهُ الِامْتِنَاعُ فَإِنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ بَعْدَ لُبْسِهِ جَاهِلًا بِهِ وَأَخَّرَ
____________________
(1/508)
إزَالَتَهُ مع إمْكَانِهَا فَدَى وَأَثِمَ وَلَهُ إزَالَتُهُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهَا بِتَرْكٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ بها تَحْرِيمٌ لَكِنَّ إزَالَتَهُ بِغَيْرِهِ أَيْ مِمَّنْ هو حَلَالٌ أَوْلَى وَالتَّصْرِيحُ بِالْإِثْمِ من زِيَادَتِهِ
النَّوْعُ الثَّالِثُ الدَّهْنُ بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ التَّدَهُّنُ بِدُهْنٍ وَلَوْ غير مُطَيَّبٍ فَيَحْرُمُ التَّدَهُّنُ في شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَلَوْ من امْرَأَةٍ بِالسَّمْنِ وَالزُّبْدِ وَالشَّحْمِ وَالشَّمْعِ الذَّائِبَيْنِ وَالْمُعْتَصَرِ من الْحُبُوبِ كَالزَّيْتِ وَلَوْ كان كُلٌّ من الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ حَلِيقًا أَيْ مَحْلُوقًا لِمَا فيه من تَزْيِينِ الشَّعْرِ وَتَنْمِيَتِهِ الْمُنَافِيَيْنِ لِخَبَرِ الْمُحْرِمُ أَشْعَثُ أَغْبَرُ
أَيْ شَأْنُهُ الْمَأْمُورُ بِهِ ذلك بِخِلَافِ اللَّبَنِ وَإِنْ كان يُسْتَخْرَجُ منه السَّمْنُ وَالتَّقْيِيدُ بِاللِّحْيَةِ يُشْعِرُ بِالْجَوَازِ في بَاقِي شُعُورِ الْوَجْهِ كَالْحَاجِبِ وَالشَّارِبِ وَالْعَنْفَقَةِ وَالْعِذَارِ لَكِنْ قال الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَاللِّحْيَةِ قال في الْمُهِمَّاتِ وهو الْقِيَاسُ لَا في رَأْسِ أَقْرَعَ وَأَصْلَعَ وَلَا في ذَقَنِ أَمْرَدَ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى وَلَا يُشْكِلُ هذا بِالْحُرْمَةِ وَلُزُومِ الْفِدْيَةِ لِلْأَخْشَمِ إذَا تَطَيَّبَ لِأَنَّ الْمَعْنَى هُنَا مُنْتَفٍ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فإن الْمَعْنَى فيه التَّرَفُّهُ بِالطِّيبِ وهو حَاصِلٌ بِالتَّطَيُّبِ وَإِنْ كان الْمُتَطَيِّبُ أَخَشْمَ وَلَهُ دَهْنُ بَدَنِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَسَائِرِ شَعْرِهِ بِذَلِكَ وَأَكْلُهُ وَجَعْلُهُ في شَجَّةٍ في رَأْسِهِ أو غَيْرِهِ كَجَبْهَتِهِ لِمَا مَرَّ وَالْمُحْرِمُ مِمَّا ذَكَرَ وَمِمَّا يَأْتِي من نَظَائِرِهِ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ تَنْبِيهٌ لَا يَحْرُمُ على الْمُحْرِمِ دُهْنُ الْحَلَالِ كَنَظِيرِهِ الْآتِي في الْحَلْقِ فَرْعٌ لِلْمُحْرِمِ غَسْلُ رَأْسِهِ بِالسِّدْرِ أو نَحْوِهِ في حَمَّامٍ أو غَيْرِهِ من غَيْرِ نَتْفِ شَعْرِهِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَغْتَسِلُ وهو مُحْرِمٌ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِأَنَّ ذلك لِإِزَالَةِ الْأَوْسَاخِ بِخِلَافِ الدُّهْنِ فإنه لِلتَّنْمِيَةِ كما مَرَّ وله الِاكْتِحَالُ لَا بِمُطَيِّبٍ أَمَّا بِالْمُطَيِّبِ فَيَحْرُمُ وَالْأَوْلَى تَرْكُهُمَا أَيْ الْغُسْلِ وَالِاكْتِحَالِ الْمَذْكُورَيْنِ وَقِيلَ يُكْرَهَانِ لِأَنَّ فِيهِمَا تَزْيِينًا قال في الْأَصْلِ في الِاكْتِحَالِ وَتَوَسَّطَ قَوْمٌ فَقَالُوا إنْ لم يَكُنْ فيه زِينَةٌ كَالتُّوتْيَا لم يُكْرَهْ وَإِنْ كان فيه زِينَةٌ كَالْإِثْمِدِ كُرِهَ إلَّا لِحَاجَةِ رَمَدٍ وَنَحْوِهِ وَهَذَا صَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ وَنَقَلَهُ عن الْجُمْهُورِ وقال في شَرْحِ مُسْلِمٍ إنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْكَرَاهَةُ في الْمَرْأَةِ أَشَدُّ وَالتَّصْرِيحُ بِأَوْلَوِيَّةِ التَّرْكِ في الِاكْتِحَالِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَلَهُ خَضْبُ لِحْيَتِهِ وَغَيْرِهَا من الشُّعُورِ بِالْحِنَّاءِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ لَا يُنَمِّي الشَّعْرَ وَلَيْسَ طِيبًا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ نِسَاءَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كُنَّ يَخْتَضِبْنَ بِالْحِنَّاءِ وَهُنَّ مُحْرِمَاتٌ نعم إنْ كان الْحِنَّاءُ ثَخِينًا وَالْمَحَلُّ يَحْرُمُ سَتْرُهُ حَرُمَ لَا لِلْخَضْبِ بَلْ لِسَتْرِ ما يَحْرُمُ سَتْرُهُ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وله الِاحْتِجَامُ وَالْفَصْدُ ما لو يَقْطَعُ بِهِمَا شَعْرًا فَإِنْ كان يَقْطَعُهُ بِهِمَا حَرُمَ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ ضَرُورَةٌ إلَيْهِمَا
وله إنْشَادُ الشِّعْرِ الْمُبَاحِ وَالنَّظَرُ في الْمِرْآةِ وَلَهُ النَّظَرُ في الْمِرْآةِ كَالْحَلَالِ فِيهِمَا النَّوْعُ الرَّابِعُ الْحَلْقُ لِشَيْءٍ من شَعْرِهِ وَالْقَلْمُ لِشَيْءٍ من ظُفُرِهِ فَيَحْرُمُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَإِنْ قَلَّ ذلك كَبَعْضِ شَعْرَةٍ أو ظُفُرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ أَيْ شَعْرَهَا وَقِيسَ بِشَعْرِهَا شَعْرُ بَقِيَّةِ الْبَدَنِ وَبِالْحَلْقِ غَيْرُهُ فإن الْمُرَادَ الْإِزَالَةُ وَبِإِزَالَةِ الشَّعْرِ إزَالَةُ الظُّفُرِ بِجَامِعِ التَّرَفُّهِ في الْجَمِيعِ وَيَجِبُ وَلَوْ على نَاسٍ لِلْإِحْرَامِ وَجَاهِلٍ بِحُرْمَةِ ذلك بِإِزَالَةِ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ دَفْعَةً يَعْنِي في زَمَنٍ وَاحِدٍ بَلْ وفي مَكَان وَاحِدٍ لِمَا سَيَأْتِي من الرَّأْسِ وَغَيْرِهِ
____________________
(1/509)
وبإزالة ثَلَاثَةِ أَظْفَارٍ كَذَلِكَ لَا مع الْجِلْدِ وَالْعُضْوِ دَمٌ لِلْآيَةِ وَكَسَائِرِ الْإِتْلَافَاتِ وَالشَّعْرُ يَصْدُقُ بِالثَّلَاثِ وَقِيسَ بها الْأَظْفَارُ وَهَذَا بِخِلَافِ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ في التَّمَتُّعِ بِاللُّبْسِ وَالطِّيبِ وَالدُّهْنِ وَالْجِمَاعِ وَمُقَدَّمَاتِهِ لِاعْتِبَارِ الْعِلْمِ وَالْقَصْدِ فيه وهو مُنْتَفٍ فِيهِمَا وَبِخِلَافِ ما لو أَزَالَهَا مَجْنُونٌ أو مُغْمًى عليه أو صَبِيٌّ غَيْرُ مُمَيِّزٍ على الصَّحِيحِ في الْمَجْمُوعِ لِأَنَّ النَّاسِي وَالْجَاهِلَ يَعْقِلَانِ فِعْلَهُمَا فَيُنْسَبَانِ إلَى تَقْصِيرٍ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ على أَنَّ الْجَارِي على قَاعِدَةِ الْإِتْلَافِ وُجُوبُهَا عليهم أَيْضًا وَمِثْلُهُمْ في ذلك النَّائِمُ أَمَّا إذَا أَزَالَهَا بِقَطْعِ الْجِلْدِ أو الْعُضْوِ فَلَا يَجِبُ بها شَيْءٌ لِأَنَّ ما أُزِيلَ تَابِعٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْإِزَالَةِ وَشَبَّهُوهُ بِالزَّوْجَةِ تُقْتَلُ فَلَا يَجِبُ مَهْرُهَا على الْقَاتِلِ وَلَوْ أَرْضَعَتْهَا زَوْجَتُهُ الْأُخْرَى لَزِمَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ لِأَنَّ الْبُضْعَ في تِلْكَ تَلِفَ تَبَعًا بِخِلَافِهِ في هذه وَقَوْلُ الْأَصْلِ هُنَا في هذه لَزِمَهَا الْمَهْرُ يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِصَغِيرَةٍ وَطِئَهَا الزَّوْجُ على خِلَافِ الْعَادَةِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمُزِيلَ لِمَا ذُكِرَ يَتَخَيَّرُ بين إرَاقَةِ دَمٍ وَإِخْرَاجِ ثَلَاثَةِ آصُعٍ وَصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فما هُنَا مُنَزَّلٌ على ما سَيَأْتِي وَحُكْمُ ما فَوْقَ الثَّلَاثَةِ حُكْمُهَا كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وفي إزَالَةِ الْوَاحِدِ منها أو بَعْضَهُ مُدٌّ من الطَّعَامِ وفي الِاثْنَيْنِ مُدَّانِ لِعُسْرِ تَبْعِيضِ الدَّمِ كما مَرَّ نَظِيرُهُ في تَرْكِ الرَّمْيِ وَعَلَى ما مَرَّ من التَّخْيِيرِ بين الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ إذَا أَزَالَ شَعْرَةً أو ظُفُرًا فَإِنْ اخْتَارَ الدَّمَ أَخْرَجَ مُدًّا لِمَا قُلْنَا أو الطَّعَامَ أَخْرَجَ صَاعًا أو الصَّوْمَ صَامَ يَوْمًا نَقَلَ ذلك الْإِسْنَوِيُّ عن الْعِمْرَانِيِّ وَغَيْرِهِ وقال أَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ
وَلَوْ شَكَّ وقد انْسَلَّ منه شَعْرٌ هل سَلَّهُ الْمُشْطُ بَعْدَ انْتِتَافِهِ أو نَتَفُهُ فَلَا فِدْيَةَ لِأَنَّ النَّتْفَ لم يَتَحَقَّقْ
وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَيُكْرَهُ كما في الْمَجْمُوعِ أَنْ يَمْتَشِطَ وَأَنْ يُفَلِّيَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ وَأَنْ يَحُكَّ شَعْرَهُ لَا جَسَدَهُ بِأَظْفَارِهِ لَا بِأَنَامِلِهِ
فَرْعٌ
وَإِنْ حَلَقَ لِأَذَى قَمْلٍ أو جِرَاحَةٍ أو نَحْوِهِمَا كَحَرٍّ وَوَسَخٍ جَازَ لِلْعُذْرِ وَفَدَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ كان مِنْكُمْ مَرِيضًا الْآيَةَ قال الْإِسْنَوِيُّ وَكَذَا كُلُّ مُحَرَّمٍ أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ تَجِبُ فيه الْفِدْيَةُ إلَّا لُبْسَ السَّرَاوِيلِ وَالْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ كما مَرَّ لِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَوِقَايَةَ الرِّجْلِ عن النَّجَاسَةِ مَأْمُورٌ بِهِمَا فَخَفَّفَ فِيهِمَا وَالْحَصْرُ فِيمَا قَالَهُ مَمْنُوعٌ أو مُؤَوَّلٌ فَقَدْ قالوا بِعَدَمِ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ في أُمُورٍ منها قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ فَإِنْ أَزَالَ ما نَبَتَ منه أَيْ الشَّعْرِ في عَيْنِهِ وَتَأَذَّى بِهِ أو أَزَالَ قَدْرَ ما يُغَطِّيهَا من شَعْرِ رَأْسِهِ وَحَاجِبَيْهِ إنْ كان ثَمَّ ما يُغَطِّيهَا بِأَنْ طَالَ بِحَيْثُ سَتَرَ بَصَرَهُ أو انْكَسَرَ ظُفُرُهُ فَقَطَعَ الْمُؤْذِي منه فَقَطْ فَلَا فِدْيَةَ لِأَنَّهُ مُؤْذٍ
فَرْعٌ يَأْثَمُ الْحَالِقُ بِلَا عُذْرٍ لِارْتِكَابِهِ مُحَرَّمًا وَالْفِدْيَةُ على الْمَحْلُوقِ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ منه في الْحَلْقِ إنْ أَطَاقَ الِامْتِنَاعَ منه أو من نَارٍ طَارَتْ إلَى شَعْرِهِ ثُمَّ أَحْرَقَتْهُ لِتَفْرِيطِهِ فِيمَا عليه حِفْظُهُ وَلِإِضَافَةِ الْفِعْلِ إلَيْهِ فِيمَا إذَا أَذِنَ لِلْحَالِقِ بِدَلِيلِ الْحِنْثِ بِهِ وَلِأَنَّهُمَا وَإِنْ اشْتَرَكَا في الْحُرْمَةِ في هذه فَقَدْ انْفَرَدَ الْمَحْلُوقُ بِالتَّرَفُّهِ وَلَا يُشْكِلُ هذا بِقَوْلِهِمْ الْمُبَاشِرُ مُقَدَّمٌ على الْآمِرِ لِأَنَّ ذَاكَ مَحَلُّهُ إذَا لم يَعُدْ نَفْعُهُ على الْآمِرِ بِخِلَافِ ما إذَا عَادَ كما لو غَصَبَ شَاةً وَأَمَرَ قَصَّابًا بِذَبْحِهَا لم يَضْمَنْهَا إلَّا الْغَاصِبُ وَلَا بِأَنْ حَلَقَ له بِلَا إذْنٍ ولم يُطِقْ مَنْعَهُ بِأَنْ كان مُكْرَهًا أو نَائِمًا أو مَجْنُونًا أو مُغْمًى عليه فَعَلَى الْحَالِقِ وَلَوْ حَلَالًا الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ الْمُقَصِّرُ وَلِأَنَّ الشَّعْرَ في يَدِ الْمُحْرِمِ كَالْوَدِيعَةِ لَا الْعَارِيَّةِ وَضَمَانُ الْوَدِيعَةِ مُخْتَصٌّ بِالْمُتْلِفِ وَلِلْمَحْلُوقِ مُطَالَبَتُهُ بها إذْ الْمُودَعُ خَصْمٌ فِيمَا يُؤْخَذُ منه كَذَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَا لَكِنَّهُ ذَكَرَ في الرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ وَالسَّرِقَةِ أَنَّ الْمُودَعَ لَا يُخَاصِمُ وهو الْمَشْهُورُ وسلم في الْمَجْمُوعِ من هذا حَيْثُ عَلَّلَ بِأَنَّ الْفِدْيَةَ في الْمَحْلُوقِ وَجَبَتْ بِسَبَبِهِ وَبِأَنَّ نُسُكَهُ يَتِمُّ بِأَدَائِهَا فَكَانَ له الْمُطَالَبَةُ بها
وَنَقَلَ تَعْلِيلَهُ الْأَوَّلَ عن الْأَصْحَابِ وَالثَّانِي عن الْفَارِقِيِّ وَبِهِمَا يُعْلَمُ الْفَرْقُ بين الْمَحْلُوقِ وَالْمُودَعِ هذا وقد أَجَابَ ابن الْعِمَادِ عَمَّا عَلَّلَ بِهِ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْمُحْرِمَ هُنَا كَالْمَالِكِ في الْوَدِيعَةِ لِأَنَّ الشَّعْرَ مِلْكُهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَأْخُذُ حُكُومَتَهُ إنْ فَسَدَ مَنْبَتُهُ وَبِأَنَّ الْمُودَعَ إنَّمَا لم يُخَاصِمْ لِأَنَّ الْمَالِكَ يُطَالِبُ وَالْكَفَّارَةُ لَا طَالِبَ لها مُعَيَّنٌ وَفَارَقَ عَدَمَ جَوَازِ مُطَالَبَةِ الزَّوْجَةِ زَوْجَهَا بِإِخْرَاجِ فِطْرَتِهَا بِأَنَّ الْفِدْيَةَ في مُقَابَلَةِ إتْلَافِ جُزْءٍ منه فَسَاغَ له الْمُطَالَبَةُ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ وما أَجَابَ بِهِ إنَّمَا يَصْلُحُ تَعْلِيلًا لِلْحُكْمِ لَا جَوَابًا عن التَّنَاقُضِ على أَنَّ قَوْلَهُ أَنَّ الشَّعْرَ مِلْكُهُ مَمْنُوعٌ وما اسْتَدَلَّ بِهِ مُنْتَقَضٌ بِأَخْذِ دِيَةِ يَدِهِ مَثَلًا وَدِيَةِ مُوَرِّثِهِ مع انْتِفَاءِ الْمِلْكِ فَلَوْ أَخْرَجَهَا الْمَحْلُوقُ بِلَا إذْنٍ من الْحَالِقِ لم تَسْقُطْ كَالْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ قَضَاءِ الدَّيْنِ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ شَبِيهَةٌ بِالْكَفَّارَةِ فَلَوْ أَخْرَجَهَا بِإِذْنِهِ سَقَطَتْ وَلِلْمُحْرِمِ حَلْقُ شَعْرِ الْحَلَالِ إذْ ليس له حُرْمَةُ الْإِحْرَامِ فَأَشْبَهَ شَعْرَ الْبَهِيمَةِ فَإِنْ أَمَرَ حَلَالٌ حَلَالًا بِحَلْقِ شَعْرِ مُحْرِمٍ
____________________
(1/510)
نَائِمٍ أو نَحْوِهِ فَحَلَقَ فَالْفِدْيَةُ على الْآمِرِ إنْ جَهِلَ الْحَالِقُ الْحَالَ أو أُكْرِهَ أو كان أَعْجَمِيًّا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ آمِرِهِ وَإِلَّا لَزِمَتْهُ أَيْ الْحَالِقَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لو أَمَرَ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا أو عَكْسَهُ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كما نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ النَّوْعُ الْخَامِسُ الْجِمَاعُ وَلَوْ لِبَهِيمَةٍ في قُبُلٍ أو دُبُرٍ مُفْسِدٌ لِلْحَجِّ وَلَوْ كان الْمُجَامِعُ رَقِيقًا أو صَبِيًّا لِلنَّهْيِ عنه فيه بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَلَا رَفَثَ أَيْ فَلَا تَرْفُثُوا وَالرَّفَثُ فَسَّرَهُ ابن عَبَّاسٍ بِالْجِمَاعِ وَالْأَصْلُ في النَّهْيِ اقْتِضَاءُ الْفَسَادِ قبل التَّحَلُّلَيْنِ بَعْدَ وَقْتِهِمَا أو قَبْلَهُ لَا بَيْنَهُمَا لِضَعْفِ الْإِحْرَامِ حِينَئِذٍ ومفسد لِلْعُمْرَةِ كَالْحَجِّ قبل الْفَرَاغِ منها وَيَجِبُ الْمُضِيُّ في فَاسِدِهِمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فإنه يَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ ذلك مع الْقَضَاءِ من قَابِلٍ وَإِخْرَاجِ الْهَدْيِ عن جَمْعِ الصَّحَابَةِ وَلَا مُخَالِفَ لهم بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ لِلْخُرُوجِ منها بِالْفَسَادِ إذْ لَا حُرْمَةَ لها بَعْدَهُ نعم يَجِبُ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ في صَوْمِ رَمَضَانَ وَإِنْ خَرَجَ منه لِحُرْمَةِ زَمَانِهِ كما مَرَّ في بَابِهِ وتجب بِهِ الْكَفَّارَةُ وَهِيَ بَدَنَةٌ وَلَوْ كان نُسُكُهُ نَفْلًا رَوَى ذلك مَالِكٌ عن عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عن ابْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرٍو وَلَا مُخَالِفَ لهم وَالْبَدَنَةُ الْوَاحِدَةُ من الْإِبِلِ أو الْبَقَرِ ذَكَرًا كان أو أُنْثَى وإذا جَامَعَ بين التَّحَلُّلَيْنِ أو بَعْدَ الْإِفْسَادِ قَبْلَهُمَا أو بَيْنَهُمَا لَزِمَهُ شَاةٌ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ لَا يُوجِبُ فَسَادًا فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْمَحْظُورَاتِ
فَرْعٌ يَجِبُ على الْمُفْسِدِ الْقَضَاءُ اتِّفَاقًا وَإِنْ كان نُسُكُهُ تَطَوُّعًا لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِالشُّرُوعِ فيه وَاسْتُشْكِلَ تَسْمِيَةُ ذلك قَضَاءً بِأَنَّ من أَفْسَدَ الصَّلَاةَ ثُمَّ أَعَادَهَا في الْوَقْتِ كانت أَدَاءً لَا قَضَاءً لِوُقُوعِهَا في وَقْتِهَا الْأَصْلِيِّ خِلَافًا لِلْقَاضِي وَأَجَابَ السُّبْكِيُّ بِأَنَّهُمْ أَطْلَقُوا الْقَضَاءَ هُنَا على مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ وَبِأَنَّهُ يَتَضَيَّقُ بِالْإِحْرَامِ وَإِنْ لم يَتَضَيَّقْ وَقْتُ الصَّلَاةِ لِأَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا لَا يَتَغَيَّرُ بِالشُّرُوعِ فيها فلم يَكُنْ بِفِعْلِهَا بَعْدَ الْإِفْسَادِ مُوقِعًا لها في غَيْرِ وَقْتِهَا وَالنُّسُكُ بِالشُّرُوعِ فيه تَضَيَّقَ وَقْتُهُ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً فإنه يَنْتَهِي بِوَقْتِ الْفَوَاتِ فَفَعَلَهُ في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ خَارِجَ وَقْتِهِ فَصَحَّ وَصْفُهُ بِالْقَضَاءِ وَأَيَّدَ وَلَدُهُ في التَّوْشِيحِ الْأَوَّلَ بِقَوْلِ ابْنِ يُونُسَ أَنَّهُ أَدَاءً لَا قَضَاءً وَيَقَعُ الْقَضَاءُ مِثْلُهُ أَيْ مِثْلُ الْفَاسِدِ فَإِنْ كان فَرْضًا وَقَعَ فَرْضًا أو تَطَوُّعًا فَتَطَوُّعًا فَلَوْ أَفْسَدَ التَّطَوُّعَ ثُمَّ نَذَرَ حَجًّا وَأَرَادَ تَحْصِيلَ الْمَنْذُورِ بِحِجَّةِ الْقَضَاءِ لم يَحْصُلْ له ذلك وَلْيَكُنْ أَيْ الْإِحْرَامُ بِالْقَضَاءِ من حَيْثُ أَحْرَمَ أَيْ من مَكَانِ إحْرَامِهِ بِالْأَدَاءِ قبل الْمِيقَاتِ أو من الْمِيقَاتِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِإِحْرَامِهِ بِالْأَدَاءِ فَلَوْ أَحْرَمَ دُونَهُ لَزِمَهُ دَمٌ وَإِنْ جَاوَزَهُ أَيْ الْمِيقَاتَ حَلَالًا وَلَوْ غير مُسِيءٍ بِأَنْ لم يُرِدْ النُّسُكَ ثُمَّ بَدَا له فَأَحْرَمَ ثُمَّ أَفْسَدَهُ فإنه يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ في الْقَضَاءِ من الْمِيقَاتِ وَإِنْ لم يَعُدْ إلَيْهِ في الْأَدَاءِ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ أَصَالَةً وَعُلِمَ من كَلَامِهِ ما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ أَنَّهُ لو أَفْرَدَ الْحَجَّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ من أَدْنَى الْحِلِّ ثُمَّ أَفْسَدَهَا كَفَاهُ أَنْ يُحْرِمَ في قَضَائِهَا من أَدْنَى الْحِلِّ وَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عليه سُلُوكُ طَرِيقِ الْأَدَاءِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُحْرِمَ من قَدْرِ مَسَافَتِهِ وَلَا يَتَعَيَّنُ الزَّمَانُ بِأَنْ يُحْرِمَ بِالْقَضَاءِ في الزَّمَنِ الذي أَحْرَمَ منه بِالْأَدَاءِ بَلْ له التَّأْخِيرُ عنه وَفَارَقَ الْمَكَانُ بِأَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّرْعِ بِالْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ أَكْمَلُ فإنه يَتَعَيَّنُ بِالنَّذْرِ بِخِلَافِ الزَّمَانِيِّ حتى لو نَذَرَ الْإِحْرَامَ في شَوَّالٍ جَازَ له تَأْخِيرُهُ كَذَا فَرَّقَ الْأَصْلُ قال الْإِسْنَوِيُّ وهو عَجِيبٌ فإنه سَوَّى في كِتَابِ النَّذْرِ بين نَذْرِ الْمَكَانِ وَنَذْرِ الزَّمَانِ فَصَحَّحَ وُجُوبَ التَّعْيِينِ فِيهِمَا قال وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْمَكَانَ يَنْضَبِطُ بِخِلَافِ الزَّمَانِ فَإِنْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ أَفْسَدَ الْقَضَاءَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ لِمَا مَرَّ وَقَضَاءُ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ وَاحِدٌ فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرَ منه وَيُتَصَوَّرُ الْقَضَاءُ عَامَ الْإِفْسَادِ بِأَنْ يَتَحَلَّلَ بَعْدَهُ لِلْإِحْصَارِ ثُمَّ يُطْلَقُ من الْحَصْرِ أو بِأَنْ يَرْتَدَّ بَعْدَهُ أو يَتَحَلَّلَ
____________________
(1/511)
كَذَلِكَ لِمَرَضٍ شُرِطَ التَّحَلُّلُ بِهِ ثُمَّ يُشْفَى وَالْوَقْتُ بَاقٍ فَيَشْتَغِلُ بِالْقَضَاءِ
فَرْعٌ لَا يَفْسُدُ حَجُّ الْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ الْمُكْرَهَةِ وَالنَّائِمَةِ بِجِمَاعِ زَوْجٍ أو غَيْرِهِ لِعُذْرِهَا وَإِنْ طَاوَعَتْهُ مُخْتَارَةً عَالِمَةً بِالتَّحْرِيمِ ذَاكِرَةً لِلْإِحْرَامِ فَسَدَ لِمَا مَرَّ وَالْكَفَّارَةُ عليه يَعْنِي على زَوْجِهَا الْمُحْرِمِ الْمُجَامِعِ دُونَهَا كما في الصَّوْمِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عن ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إذَا جَامَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ يُجْزِئُ عنهما جَزُورٌ وَرَوَى هو عنه أَيْضًا إنْ كانت أَعَانَتْكَ فَعَلَى كُلٍّ مِنْكُمَا بَدَنَةٌ وَإِلَّا فَعَلَيْك نَاقَةٌ وَحُمِلَتْ على النَّدْبِ جَمْعًا بين الرِّوَايَتَيْنِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِإِمْكَانِ حَمْلِ الْأُولَى على أنها لم تُعِنْهُ
وَلَوْ قَضَتْ الزَّوْجَةُ حَجَّهَا بِأَنْ خَرَجَتْ لِقَضَائِهِ لَزِمَهُ أَيْ زَوْجَهَا زِيَادَةُ نَفَقَةِ السَّفَرِ من زَادٍ وَرَاحِلَةٍ ذَهَابًا وَإِيَابًا لِأَنَّهَا غَرَامَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ فَلَزِمَتْهُ كَالْكَفَّارَةِ أَمَّا نَفَقَةُ الْحَضَرِ فَلَا تَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا مَعَهَا وَلَوْ عُضِبَتْ لَزِمَتْهُ الْإِنَابَةُ عنها من مَالِهِ وَمُؤْنَةُ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ أو بِزِنًا عليها وَيُسْتَحَبُّ افْتِرَاقُهُمَا إذَا خَرَجَا لِلْقَضَاءِ مَعًا من حِينِ الْإِحْرَامِ إلَى أَنْ يَفْرُغَ التَّحَلُّلَانِ كَيْ لَا تَدْعُوهُ الشَّهْوَةُ إلَى الْمُعَاوَدَةِ فإن عَهْدَ الْوِصَالِ مَشُوقٌ وافتراقهما في ذلك الْمَكَانِ أَيْ مَكَانِ الْجِمَاعِ آكَدُ لِلِاخْتِلَافِ في وُجُوبِهِ أَمَّا لو فَسَدَ نُسُكُهَا فَقَطْ كَأَنْ كانت مُحْرِمَةً دُونَهُ فَقَدْ اتَّفَقُوا على أَنَّ الْبَدَنَةَ لَازِمَةٌ لها قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ في بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ وَجَرَى عليه السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ لَكِنْ قَيَّدَهُ بِمَا إذَا كان الْوَاطِئُ لَا يَتَحَمَّلُ عنها وَإِلَّا بِأَنْ كان زَوْجَهَا أو سَيِّدَهَا فَهِيَ لَازِمَةٌ له لِأَنَّهَا من مُوجِبَاتِ الْوَطْءِ على ما مَرَّ في نَظِيرِهِ في الصَّوْمِ انْتَهَى
وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحِ عَدَمِ اللُّزُومِ مُطْلَقًا لَكِنْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْحَجَّ إنَّمَا يَجِبُ في الْعُمُرِ مَرَّةً فَكَانَ أَوْلَى من الصَّوْمِ بِالِاحْتِيَاطِ وَأَشَدَّ منه في إلْزَامِ الْكَفَّارَةِ وَلِهَذَا كَثُرَتْ فيه الْفِدْيَةُ بِأَسْبَابٍ فَرْعٌ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ على الْفَوْرِ لِأَنَّهُ تَضَيَّقَ بِالشُّرُوعِ فيه وَلِمَا مَرَّ عن الْبَيْهَقِيّ وَكَذَا يَجِبُ على الْفَوْرِ كُلُّ كَفَّارَةٍ وَجَبَتْ بِعُدْوَانٍ وَإِنْ كان أَصْلُ الْكَفَّارَاتِ على التَّرَاخِي لِأَنَّ الْمُتَعَدِّيَ لَا يَسْتَحِقُّ التَّخْفِيفَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ
فَرْعٌ وَإِنْ أَفْسَدَ مُفْرِدٌ نُسُكَهُ فَتَمَتَّعَ في الْقَضَاءِ أو قَرَنَ جَازَ وَلَا يَضُرُّ الْعُدُولُ إلَى الْمَفْضُولِ لِمَا فيه من الْمُبَادَرَةِ الْمُنَاسِبَةِ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ على الْفَوْرِ وَكَذَا عَكْسُهُ بِأَنْ أَفْسَدَ مُتَمَتِّعٌ أو قَارِنٌ نُسُكَهُ فَأَفْرَدَ في الْقَضَاءِ جَازَ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا وما حُكِيَ عن الشَّافِعِيِّ من أَنَّهُ ليس له ذلك حَمَلَهُ الْأَصْحَابُ على أَنَّهُ ليس له ذلك من غَيْرِ دَمٍ وقد بَيَّنَ لُزُومَ الدَّمِ له في قَوْلِهِ وَإِنْ أَفْسَدَ الْقَارِنُ نُسُكَهُ لَزِمَهُ بَدَنَةٌ وَاحِدَةٌ لِانْغِمَارِ الْعُمْرَةِ في الْحَجِّ مع دَمِهِ أَيْ دَمِ الْقِرَانِ الذي أَفْسَدَهُ لِأَنَّهُ لَزِمَ بِالشُّرُوعِ فَلَا يَسْقُطُ بِالْإِفْسَادِ ولزمه دَمٌ آخَرُ لِلْقِرَانِ الذي الْتَزَمَهُ بِالْإِفْسَادِ في الْقَضَاءِ وَلَوْ أَفْرَدَهُ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْإِفْرَادِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ ما لو قَرَنَ أو تَمَتَّعَ في الْقَضَاءِ وَبِهِ صَرَّحَ أَصْلُهُ لَكِنْ قال الْبُلْقِينِيُّ هذا في الْقِرَانِ وَاضِحٌ أَمَّا في التَّمَتُّعِ فَيَلْزَمُهُ دَمَانِ آخَرَانِ دَمٌ لِلْقِرَانِ الذي الْتَزَمَهُ بِالْإِفْسَادِ لِلْقَضَاءِ وَدَمٌ لِلتَّمَتُّعِ الذي فَعَلَهُ انْتَهَى
وَيَجُوزُ في دَمٍ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الرَّفْعُ كما تَقَرَّرَ وَالْجَرُّ عَطْفًا على دَمِهِ وفي الْقَضَاءِ مُتَعَلَّقٌ يَلْزَمُ أو بِمَعْنَى الْمَعِيَّةِ
وإذا فَاتَ الْقَارِنَ الْحَجُّ لِفَوَاتِ الْوُقُوفِ فَالْعُمْرَةُ فَائِتَةٌ تَبَعًا له كما تَفْسُدُ بِفَسَادِهِ وَإِنْ كان الْجِمَاعُ بَعْدَ أَعْمَالِهَا كَأَنْ طَافَ الْقَارِنُ وَسَعَى وَحَلَقَ ثُمَّ جَامَعَ وَكَمَا تَصِحُّ لِصِحَّتِهِ وَإِنْ كان الْجِمَاعُ قبل أَعْمَالِهَا كَأَنْ جَامَعَ الْقَارِنُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ لَكِنْ يُجْزِئُهُ الْأَوْلَى يَلْزَمُهُ دَمَانِ دَمٌ لِلْفَوَاتِ ودم لِأَجْلِ الْقِرَانِ وفي الْقَضَاءِ دَمٌ ثَالِثٌ وَإِنْ أَفْرَدَهُ كَنَظِيرِهِ الْمُتَقَدِّمِ في الْإِفْسَادِ فَرْعٌ إذَا جَامَعَ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ أو نَاسِيًا لِلْإِحْرَامِ أو مَجْنُونًا أو مُكْرَهًا أو مُغْمًى عليه لم يَفْسُدْ حَجُّهُ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ الْكَفَّارَةُ بِإِفْسَادِهَا فَيَخْتَلِفُ حُكْمُهَا بِالْمَذْكُورَاتِ وَأَضْدَادِهَا كَالصَّوْمِ وَيُفَارِقُ الْفَوَاتُ بِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِارْتِكَابِ مَحْظُورٍ وَالْفَوَاتُ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ وَتَرْجِيحُ عَدَمِ الْفَسَادِ في الْمُكْرَهِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ وَقَوْلُهُ وَلَا دَمَ من زِيَادَتِهِ وهو مَعْلُومٌ
فَرْعٌ لو أَحْرَمَ مُجَامِعًا لم يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ كما لَا تَنْعَقِدُ الصَّلَاةُ مع الْحَدَثِ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ في الرَّوْضَةِ هُنَا لَكِنَّهُ جَزَمَ كَالرَّافِعِيِّ في بَابِ الْإِحْرَامِ بِانْعِقَادِهِ صَحِيحًا ثُمَّ يَفْسُدُ وَلَوْ أَحْرَمَ في حَالِ نَزْعِهِ فَقِيلَ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا وَقِيلَ فَاسِدًا وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ حَكَاهَا في الْكِفَايَةِ وَالْمُوَافِقُ لِلْقَوَاعِدِ كما قَالَهُ ابن الْعِمَادِ انْعِقَادُهُ صَحِيحًا لِأَنَّ النَّزْعَ ليس بِجِمَاعٍ
____________________
(1/512)
فَصْلٌ وَإِنْ ارْتَدَّ في أَثْنَاءِ نُسُكِهِ فَسَدَ إحْرَامُهُ فَيَفْسُدُ نُسُكُهُ كَصَوْمِهِ وَصَلَاتِهِ وَإِنْ قَصُرَ زَمَنُ رِدَّتِهِ وَلَا كَفَّارَةَ عليه وَلَا يَمْضِي فيه وَلَوْ أَسْلَمَ لِعَدَمِ وُرُودِ شَيْءٍ فِيهِمَا بِخِلَافِ الْجِمَاعِ فإنه وَإِنْ فَسَدَ بِهِ نُسُكُهُ لم يَفْسُدْ بِهِ إحْرَامُهُ حتى يَلْزَمُهُ الْمُضِيُّ في فَاسِدِهِ كما مَرَّ
النَّوْعُ السَّادِسُ مُقَدَّمَاتُ الْجِمَاعِ فَتَحْرُمُ عَمْدًا بِشَهْوَةٍ على الْمُحْرِمِ وَيَحْرُمُ تَمْكِينُهُ منها على الْحَلَالِ لِئَلَّا يُعِينُهُ على الْحَرَامِ قبل التَّحَلُّلَيْنِ وَبَيْنَهُمَا وَإِنْ لم يُنْزِلْ حتى اللَّمْسُ بِشَهْوَةٍ لَا بِغَيْرِهَا كما في الِاعْتِكَافِ بَلْ أَوْلَى وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يَحْرُمُ بِالْإِحْرَامِ كما سَيَأْتِي فَهَذِهِ أَوْلَى وَلَوْ عَبَّرَ بِالنَّظَرِ بَدَلَ اللَّمْسِ كان أَوْلَى بِالْغَايَةِ وَكَأَنَّهُ عَبَّرَ بِاللَّمْسِ لِيَعُودَ عليه الضَّمِيرُ في قَوْلِهِ وَيَجِبُ بِهِ أَيْ بِاللَّمْسِ يَعْنِي بِالْمُبَاشَرَةِ عَمْدًا بِشَهْوَةٍ دَمٌ لِمَا مَرَّ في الْجِمَاعِ بين التَّحَلُّلَيْنِ بِخِلَافِ ما لو نَظَرَ بِشَهْوَةٍ أو قَبَّلَ بِحَائِلٍ كَذَلِكَ وَإِنْ أَنْزَلَ فِيهِمَا وَيَسْقُطُ عنه الدَّمُ لو جَامَعَ بَعْدَ اللَّمْسِ يَعْنِي أَنَّهُ يَنْدَرِجُ في بَدَنَةِ الْجِمَاعِ كما يَنْدَرِجُ الْحَدَثُ في الْجِنَايَةِ وَلَوْ اسْتَمْنَى بيده أو نَحْوِهَا وَأَنْزَلَ لَزِمَهُ دَمٌ وَنِكَاحُ الْمُحْرِمِ وَإِنْكَاحُهُ مُحَرَّمٌ لَا يَنْعَقِدُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَكَمَا لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ وَلَا إنْكَاحُهُ لَا يَصِحُّ إذْنُهُ لِعَبْدِهِ الْحَلَالِ في النِّكَاحِ كَذَا قَالَهُ ابن الْقَطَّانِ وَفِيهِ كما قال ابن الْمَرْزُبَانِ نَظَرٌ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ كَلَامَ ابْنِ الْقَطَّانِ ثُمَّ قال وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي الْجَوَازَ وَلْيَتْرُكْ الْمُحْرِمُ الْخِطْبَةَ بِكَسْرِ الْخَاءِ نَدْبًا بَلْ قال الْمُتَوَلِّي أنها تُكْرَهُ لِأَنَّهَا تُرَادُ لِلْعَقْدِ فإذا كان مُمْتَنِعًا كُرِهَ الِاشْتِغَالُ بِأَسْبَابِهِ وَأَفَادَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ في عَقْدِ النِّكَاحِ في الْإِحْرَامِ فَيُسْتَثْنَى من قَوْلِهِمْ من فَعَلَ شيئا يَحْرُمُ بِالْإِحْرَامِ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ وَكَذَا الِاصْطِيَادُ إذَا أَرْسَلَ الصَّيْدَ وَتَكْرِيرُ النَّظَرِ لِامْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ حتى أَنْزَلَ وَالْمُتَسَبِّبُ بِإِمْسَاكٍ أو نَحْوِهِ في قَتْلِ غَيْرِهِ الصَّيْدَ
النَّوْعُ السَّابِعُ الِاصْطِيَادُ فَيَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لِكُلِّ صَيْدٍ بَرِّيٍّ وَوَحْشِيٍّ مَأْكُولٍ كَبَقَرِ وَحْشٍ وَدَجَاجَةٍ وَحَمَامَةٍ أو ما هو أَيْ الْبَرِّيُّ الْوَحْشِيُّ الْمَأْكُولُ أَحَدُ أَصْلَيْهِ كَمُتَوَلِّدٍ بين حِمَارٍ وَحْشِيٍّ وَحِمَارٍ أَهْلِيٍّ أو بين شَاةٍ وَظَبْيٍ أو بين ضَبُعٍ وَذِئْبٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ أَيْ أَخْذُهُ ما دُمْتُمْ حُرُمًا وَقَوْلُهُ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَقَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم يوم فَتْحِ مَكَّةَ إنَّ هذا الْبَلَدَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُعْضَدُ شَجَرُهُ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ أَيْ لَا يَجُوزُ تَنْفِيرُ صَيْدِهِ لِمُحْرِمٍ وَلَا حَلَالٍ فَغَيْرُ التَّنْفِيرِ أَوْلَى وَقِيسَ بِمَكَّةَ بَاقِي الْحَرَمِ وَإِنَّمَا لم تَجِبْ الزَّكَاةُ في الْمُتَوَلِّدِ بين الزَّكَاةِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهَا من بَابِ الْمُوَاسَاةِ وَخَرَجَ بِمَا قَالَهُ ما تَوَلَّدَ بين وَحْشِيٍّ غَيْرِ مَأْكُولٍ وَإِنْسِيٍّ مَأْكُولٍ كَالْمُتَوَلِّدِ بين الذِّئْبِ وَالشَّاةِ وما تَوَلَّدَ بين غَيْرِ مَأْكُولَيْنِ أَحَدُهُمَا وَحْشِيٌّ كَالْمُتَوَلِّدِ بين الْحِمَارِ وَالدُّبِّ وما تَوَلَّدَ بين أَهْلِيَّيْنِ أَحَدُهُمَا غَيْرُ مَأْكُولٍ كَالْبَغْلِ فَلَا يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لِشَيْءٍ منها وَكَلَامُ الْأَصْلِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ في أَوَّلِهَا
وَيَجِبُ بِهِ يَعْنِي بِإِتْلَافِ ما حَرُمَ التَّعَرُّضُ له مِمَّا ذُكِرَ الْجَزَاءُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ مع الْغُرْمِ لَقِيمَتِهِ لِمَالِكِهِ إنْ كان مَمْلُوكًا لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ سَوَاءٌ أَذَبَحَهُ وَرَدَّهُ إلَيْهِ مَذْبُوحًا أَمْ لَا لِأَنَّ ذَبِيحَةَ الْمُحْرِمِ مَيْتَةٌ كما سَيَأْتِي فَإِنْ شَكَّ في أَنَّهُ مَأْكُولٌ أو لَا أو أَنَّ أَحَدَ أَصْلَيْهِ وَحْشِيٌّ مَأْكُولٌ أو لَا اُسْتُحِبَّ الْجَزَاءُ وَبَيْضُهُ وَلَبَنُهُ أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ وَكَذَا سَائِرُ أَجْزَائِهِ كَشَعْرِهِ وَرِيشِهِ وَفَارَقَ الشَّعْرَ وَرَقُ أَشْجَارِ الْحَرَمِ حَيْثُ لَا يَجِبُ فيه جَزَاءٌ بِأَنَّ جَزَّهُ يَضُرُّ الْحَيَوَانِ في الْحَرِّ وَالْبَرْدِ بِخِلَافِ الْوَرَقِ فَإِنْ حَصَلَ مع تَعَرُّضِهِ لِلَّبَنِ نَقْصٌ في الصَّيْدِ ضَمِنَهُ فَقَدْ سُئِلَ الشَّافِعِيُّ عَمَّنْ حَلَبَ عَنْزًا من الظِّبَاءِ وهو مُحْرِمٌ فقال تُقَوَّمُ الْعَنْزُ بِاللَّبَنِ وَبِلَا لَبَنٍ وَيُنْظَرُ نَقْصُ ما بَيْنَهُمَا فَيَتَصَدَّقُ بِهِ لَا الْبَيْضَةَ الْمَذِرَةَ فَلَا تُضْمَنُ كما لو قَدَّ صَيْدًا مَيِّتًا
____________________
(1/513)
إلَّا إنْ كانت من النَّعَامِ فَيَضْمَنُ قِشْرَهَا لِأَنَّ له قِيمَةً إذْ يُنْتَفَعُ بِهِ وَإِنْ كَسَرَهَا أَيْ الْبَيْضَةَ عن فَرْخٍ حَيٍّ فَمَاتَ فَمِثْلُهُ من النَّعَمِ يَجِبُ وَإِنْ طَارَ وَسَلِمَ فَلَا شَيْءَ عليه وَإِنْ نَفَّرَ صَيْدًا عن بَيْضَةٍ أو أَحْضَنَهُ أَيْ بَيْضَهُ دَجَاجَةً أو عَكْسَهُ كما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ وَفَسَدَ بَيْضُ الصَّيْدِ ضَمِنَهُ وَإِنْ تَفَرَّخَ الْبَيْضُ فَهُوَ من ضَمَانِهِ حتى يَمْتَنِعَ بِطَيَرَانِهِ مِمَّنْ يَعْدُو عليه
فَرْعٌ لَا يَحْرُمُ الْإِنْسِيُّ أَيْ التَّعَرُّضُ له وَإِنْ تَوَحَّشَ بِخِلَافِ الْوَحْشِيِّ يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ له وَإِنْ اسْتَأْنَسَ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ آنِفًا لِلْأَصْلِ فِيهِمَا وما أَحَدُ أَبَوَيْهِ صَيْدٌ كَالْمُتَوَلِّدِ بين الضَّبُعِ وَالذِّئْبِ فَحُكْمُهُ في الْجَزَاءِ حُكْمُهُ أَيْ حُكْمُ الصَّيْدِ وَهَذَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَصَيْدُ الْبَحْرِ وهو ما لَا يَعِيشُ إلَّا فيه حَلَالٌ قال تَعَالَى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ لَا ما عَاشَ منه في الْبَرِّ أَيْضًا فإنه يَحْرُمُ تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ كَطَيْرِهِ الذي يَغُوصُ فيه وَيَخْرُجُ فإنه يَحْرُمُ لِأَنَّهُ بَرِّيٌّ إذْ لو تُرِكَ فيه لَهَلَكَ وَالْجَرَادُ بَرِّيٌّ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَالْمُحْرِمُ في التَّعَرُّضِ لِغَيْرِ الصَّيْدِ الذي يَحْرُمُ تَعَرُّضُهُ له من الْحَيَوَانَاتِ كَالْحَلَالِ فَمِنْهُ ما يَنْفَعُ وَيَضُرُّ كَفَهْدٍ وَصَقْرٍ وَفَأْرٍ فَلَا يُسَنُّ قَتْلُهُ وَلَا يُكْرَهُ وَمِنْهُ ما لَا يَظْهَرُ فيه نَفْعٌ وَلَا ضَرَرٌ كَخَنَافِسَ وَجِعْلَانٍ وَسَرَطَانٍ وَرَخَمَةٍ وَكَلْبٍ ليس بِعَقُورٍ وَلَا مَنْفَعَةَ فيه مُبَاحَةً فَيُكْرَهُ قَتْلُهُ وَيَحْرُمُ قَتْلُ النَّحْلِ وَالنَّمْلِ السُّلَيْمَانِيِّ وَالْخُطَّافِ وَالضُّفْدَعِ وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ وَمِنْهُ ما يُسَنُّ قَتْلُهُ كَحَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ وَكَلْبٍ عَقُورٍ وَبَقٍّ وَبُرْغُوثٍ وَكُلِّ مُؤْذٍ كما سَيَأْتِي كُلُّ ذلك في الْأَطْعِمَةِ إلَّا لِقَمْلِ شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ خَاصَّةً من الْمُحْرِمِ فَيُكْرَهُ تَعَرُّضُهُ له لِئَلَّا يُنْتَتَفَ الشَّعْرُ فَإِنْ قَتَلَهُ لم يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ ولكن يَفْدِي الْوَاحِدَةَ منه وَلَوْ بِلُقْمَةٍ اسْتِحْبَابًا أَمَّا قَمْلُ بَدَنِهِ وَثِيَابِهِ فَلَا يُكْرَهُ تَنْحِيَتُهُ وَلَا شَيْءَ في قَتْلِهِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَيَنْبَغِي سَنُّ قَتْلِهِ كَالْبُرْغُوثِ وهو قَضِيَّةُ تَشْبِيهِ الْمُصَنِّفِ الْمُحْرِمَ بِالْحَلَالِ وَقَوْلُهُ لَا يُكْرَهُ تَنْحِيَتُهُ قد يَقْتَضِي جَوَازَ رَمْيِهِ حَيًّا وَفِيهِ نَظَرٌ وَيُحْتَمَلُ جَوَازُهُ نَظَرًا لِحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ في الْجُمْلَةِ وَكَالْقَمْلِ الصِّئْبَانُ وهو بَيْضُهُ نَقَلَهُ في الرَّوْضَةِ عن الشَّافِعِيِّ لَكِنَّ فِدْيَتَهُ أَقَلُّ لِأَنَّهُ أَصْغَرُ من الْقَمْلِ
فَصْلٌ في أَسْبَابِ تَضْمِينِ الصَّيْدِ وَهِيَ الْمُبَاشَرَةُ وَالتَّسَبُّبُ وَوَضْعُ الْيَدِ لِلسَّبَبِ الْآتِي بَيَانُهُ في كِتَابِ الْجِنَايَاتِ حُكْمُ الْمُبَاشَرَةِ في الضَّمَانِ فَمَنْ نَصَبَ شَبَكَةً أو نَحْوَهَا وهو مُحْرِمٌ أو في الْحَرَمِ ضَمِنَ ما وَقَعَ فيها وَتَلِفَ سَوَاءٌ كَالنِّعَمِ في مِلْكِهِ أَمْ غَيْرِهِ لِأَنَّ نَصْبَهَا يُقْصَدُ بِهِ الِاصْطِيَادُ فَهُوَ كَالْأَخْذِ بِالْيَدِ بِخِلَافِ الْبِئْرِ حَيْثُ فَصَلَ فيها بين حَفْرِهَا عُدْوَانًا وَغَيْرَ عُدْوَانٍ كما سَيَأْتِي وَسَوَاءٌ أَوَقَعَ فيها الصَّيْدُ قبل التَّحَلُّلِ أَمْ بَعْدَهُ لِتَعَدِّيهِ حَالَ نَصْبِهَا كما أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ وَكَذَا لو وَقَعَ فيها بَعْدَ مَوْتِهِ كما ذَكَرُوهُ في كِتَابِ الرَّهْنِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيُؤْخَذُ من تَعْلِيلِهِ أَنَّهُ لو نَصَبَهَا لِإِصْلَاحِ ما وَهِيَ منها أو لِلْخَوْفِ عليها من مَطَرٍ وَنَحْوِهِ لم يَضْمَنْ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ كما لو نَصَبَهَا وهو حَلَالٌ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ دَالٌّ عليه إلَّا أَيْ لَكِنْ إنْ نَصَبَهَا وهو حَلَالٌ ثُمَّ أَحْرَمَ فَلَا يَضْمَنُ ما وَقَعَ فيها وَإِنْ أَرْسَلَ مُحْرِمٌ كَلْبًا مُعَلَّمًا على صَيْدٍ أو حَلَّ رِبَاطَهُ وَالصَّيْدُ حَاضِرٌ ثُمَّ أو غَائِبٌ ثُمَّ ظَهَرَ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ كَحَلَالٍ فَعَلَ ذلك في الْحَرَمِ بِجَامِعِ التَّسَبُّبِ فِيهِمَا وَجَهْلِهِ بِالصَّيْدِ في الْغَيْبَةِ لَا يَقْدَحُ في ذلك وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ حُكْمِ الْحَلَالِ في الْحَرَمِ من زِيَادَتِهِ وَكَذَا يَضْمَنُ لو انْحَلَّ رِبَاطُهُ بِتَقْصِيرِهِ في الرَّبْطِ فَقَتَلَ صَيْدًا حَاضِرًا أو غَائِبًا ثُمَّ ظَهَرَ
وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ حُكْمِ الْغَائِبِ في هذه من زِيَادَتِهِ وَفَارَقَ ما ذَكَرَ عَدَمُ الضَّمَانِ بِإِرْسَالِ الْكَلْبِ لِقَتْلِ الْآدَمِيِّ بِأَنَّ الْكَلْبَ مُعَلَّمٌ لِلِاصْطِيَادِ فَاصْطِيَادُهُ بِإِرْسَالِهِ كَاصْطِيَادِهِ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ مُعَلَّمًا لِقَتْلِ الْآدَمِيِّ فلم يَكُنْ الْقَتْلُ مَنْسُوبًا إلَى الْمُرْسِلِ بَلْ إلَى اخْتِيَارِ الْكَلْبِ وَلِهَذَا لو أَرْسَلَ كَلْبًا غير مُعَلَّمٍ على صَيْدٍ فَقَتَلَهُ لم يَضْمَنْهُ كما جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالْقَاضِي أبو الطِّيبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَعَزَاهُ إلَى نَصِّهِ في الْإِمْلَاءِ وَحَكَاهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْمَاوَرْدِيِّ فَقَطْ ثُمَّ قال وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَهُ لِأَنَّهُ سَبَبٌ انْتَهَى
وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ كَلَامِ هَؤُلَاءِ إذَا لم يَكُنْ الْكَلْبُ ضَارِيًا وَقَضِيَّةُ الْفَرْقِ السَّابِقِ أَنَّهُ لو كان الْكَلْبُ مُعَلَّمًا لِقَتْلِ الْآدَمِيِّ فَأَرْسَلَهُ عليه فَقَتَلَهُ
____________________
(1/514)
ضَمِنَ كَالضَّارِي وهو ظَاهِرٌ
وَيُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ حَمْلُ الْبَازِي وَنَحْوِهِ مِمَّا يُصَادُ بِهِ كَكَلْبٍ وَصَقْرٍ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلْإِرْسَالِ الْمَمْنُوعِ منه فَإِنْ حَمَلَهُ فَانْفَلَتَ بِنَفْسِهِ فَقَتَلَ فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ فَرَّطَ لِأَنَّ له اخْتِيَارًا كما نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْمَاوَرْدِيِّ وَأَقَرَّهُ وَيُفَارِقُ انْحِلَالُ رِبَاطِ الْكَلْبِ بِتَقْصِيرِهِ بِأَنَّ الْغَرَضَ من الرَّبْطِ غَالِبًا دَفْعُ الْأَذَى فإذا انْحَلَّ بِتَقْصِيرِهِ فَوَّتَ الْغَرَضَ بِخِلَافِ حَمْلِهِ وَإِنْ أَرْسَلَهُ على صَيْدٍ فلم يَقْتُلْهُ فَلَا جَزَاءَ عليه لَكِنَّهُ يَأْثَمُ كما لو رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَأَخْطَأَهُ صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ إلَّا التَّنْظِيرِ فَفِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ نَفَرَ منه أَيْ من الْمُحْرِمِ صَيْدٌ فَهُوَ من ضَمَانِهِ وَإِنْ لم يَقْصِدْ تَنْفِيرَهُ كَأَنْ عَثَرَ فَهَلَكَ بِتَعَثُّرِهِ أو أَخَذَهُ وَنَعَمٌ أو انْصَدَمَ بِشَجَرَةٍ أو جَبَلٍ وَيَمْتَدُّ ضَمَانُهُ حتى يَسْكُنَ على عَادَتِهِ لَا إنْ هَلَكَ قبل سُكُونِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لِأَنَّهُ لم يَتْلَفْ في يَدِهِ وَلَا بِسَبَبِهِ وَلَا إنْ هَلَكَ بَعْدُ مُطْلَقًا وَإِنْ حَفَرَ الْمُحْرِمُ بِئْرًا حَيْثُ كان أو حَفَرَهَا حَلَالٌ في الْحَرَمِ فَأَهْلَكَتْ صَيْدًا نُظِرَتْ فَإِنْ حَفَرَهَا عُدْوَانًا ضَمِنَ وَإِلَّا كَأَنْ حَفَرَهَا بِمِلْكِهِ أو بِمَوَاتٍ فَالْمَحْفُورُ في الْحَرَمِ يَضْمَنُ بِهِ فَقَطْ أَيْ لَا الْمَحْفُورُ بِحَفْرِ الْمُحْرِمِ في غَيْرِ الْحَرَمِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَرَمِ لَا تَخْتَلِفُ فَصَارَ كما لو نَصَبَ شَبَكَةً في الْحَرَمِ في مِلْكِهِ بِخِلَافِ حُرْمَةِ الْمُحْرِمِ فَلَا يَضْمَنُ ما تَلِفَ من ذلك بِمَا حَفَرَهُ خَارِجَ الْحَرَمِ بِغَيْرِ عُدْوَانٍ كما لو تَلِفَ بِهِ بَهِيمَةٌ أو آدَمِيٌّ فَرْعٌ لو دَلَّ شَخْصٌ آخَرَ على صَيْدٍ فَقَتَلَهُ وهو ليس في يَدِهِ أَيْ الدَّالِّ لم يَضْمَنْ لِأَنَّهُ لم يَلْتَزِمْ حِفْظَهُ وَكَمَا لو دَلَّ غَيْرَهُ على قَتْلِ آدَمِيٍّ لَكِنَّهُ يَأْثَمُ لِإِعَانَتِهِ على مَعْصِيَةٍ كما لو أَعَانَهُ بِآلَةٍ أو نَحْوِهَا أو فيها أَيْ في يَدِهِ وَالْقَاتِلُ حَلَالٌ ضَمِنَ الْمُحْرِمُ لِأَنَّهُ تَرَكَ حِفْظَهُ وهو وَاجِبٌ عليه فَصَارَ كَالْمُودَعِ إذَا دَلَّ سَارِقًا على الْوَدِيعَةِ وَلَا يَرْجِعُ الْمُحْرِمُ على الْقَاتِلِ بِمَا ضَمِنَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ في حَقِّهِ وَلَوْ أَمْسَكَهُ مُحْرِمٌ فَقَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ ضَمِنَ الْقَاتِلُ الْكُلَّ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ وَلَا أَثَرَ لِلْإِمْسَاكِ مع الْمُبَاشَرَةِ وَكَذَا صَحَّحَهُ أَصْلُهُ ثُمَّ نَقَلَ عَقِبَهُ عن صَاحِبِ الْعُدَّةِ أَنَّهُ صَحَّحَ أَنَّ الْمُمْسِكَ يَضْمَنُهُ بِالْيَدِ وَالْقَاتِلَ بِالْإِتْلَافِ وَأَنَّ قَرَارَ الضَّمَانِ عليه وَصَحَّحَهُ في الرَّوْضَةِ بَعْدُ بِنَحْوِ وَرَقَةٍ كَنَظَائِرِهِ في الْغَصْبِ وَالْجِنَايَاتِ فَيُحْمَلُ ما هُنَا على ذَاكَ وَيُجْعَلُ كَلَامُ صَاحِبِ الْعُدَّةِ بَيَانًا لِلْمُصَحَّحِ قَبْلَهُ وَإِنْ كان ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْلِ أَنَّهُ وَجْهٌ آخَرُ
وَلَوْ رَمَاهُ أَيْ الصَّيْدَ قبل إحْرَامِهِ فَأَصَابَهُ بَعْدَهُ أو عَكَسَ بِأَنْ رَمَاهُ قبل تَحَلُّلِهِ فَأَصَابَهُ بَعْدَهُ بِأَنْ قَصَّرَ شَعْرَهُ بَعْدَ الرَّمْيِ ضَمِنَ تَغْلِيبًا الْإِحْرَامِ فِيهِمَا وَالتَّرْجِيحِ في الثَّانِيَةِ هُنَا من زِيَادَتِهِ وَفَارَقَ ذلك عَدَمَ الضَّمَانِ فِيمَا لو رُمِيَ إلَى مُؤْمِنٍ فَحَارَبَ أو مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ ثُمَّ أَصَابَهُ فَقَتَلَهُ بِأَنَّهُمَا مُقَصِّرَانِ بِمَا أَحْدَثَا من إهْدَارِهِمَا وَلَوْ رَمَى صَيْدًا فَنَفَذَ منه إلَى صَيْدٍ آخَرَ فَقَتَلَهُمَا ضَمِنَهُمَا كما عُلِمَ من كَلَامِهِ وَصَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ
فَصْلٌ وَيَضْمَنُ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ بِالْيَدِ أو بِاَلَّذِي فيها من نَحْوِ مَرْكُوبٍ فَيَضْمَنُ صَيْدًا أَخَذَهُ بيده كَالْغَاصِبِ أو زَلِقَ بِبَوْلِ مَرْكُوبِهِ فَتَلِفَ أو تَلِفَ بَعْضُهُ أو رَفَسَهُ كما لو تَلِفَ بِهِ آدَمِيٌّ أو بَهِيمَةٌ فَلَوْ كان مع الرَّاكِبِ سَائِقٌ وَقَائِدٌ فَهَلْ يَشْتَرِكُونَ في الضَّمَانِ أو يَخْتَصُّ بِهِ الرَّاكِبُ وَجْهَانِ في الْمَجْمُوعِ وَقِيَاسُ ما صَحَّحُوهُ من أَنَّ الْيَدَ له دُونَ الْآخَرِينَ اخْتِصَاصُ الضَّمَانِ بِهِ وَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ في الضَّمَانِ بِإِتْلَافِ الْبَهِيمَةِ يَدُلُّ عليه لَا بِانْفِلَاتِ بَعِيرِهِ فَلَا يَضْمَنُ وَإِنْ فَرَّطَ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ في انْفِلَاتِ الْبَازِي وَنَحْوِهِ
وإذا أَحْرَمَ وفي مِلْكِهِ صَيْدٌ زَالَ مِلْكُهُ عن الصَّيْدِ وَلَزِمَهُ إرْسَالُهُ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ لِلدَّوَامِ فَتَحْرُمُ اسْتِدَامَتَهُ كَاللِّبَاسِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَلَوْ لم يُرْسِلْهُ حتى تَحَلَّلَ فإنه يَلْزَمُهُ الْإِرْسَالُ إذْ لَا يَرْتَفِعُ اللُّزُومُ بِالتَّعَدِّي بِخِلَافِ من أَمْسَكَ خَمْرًا غير مُحْتَرَمَةٍ حتى تَخَلَّلَتْ لَا يَلْزَمُهُ إرَاقَتُهَا وَفُرِّقَ بِأَنَّ الْخَمْرَةَ انْتَقَلَتْ من حَالٍ إلَى حَالٍ فَإِنْ قُلْت هَلَّا كان تَحَلُّلُهُ كَإِسْلَامِ الْكَافِرِ بَعْدَ أَنْ مَلَكَ عَبْدًا مُسْلِمًا حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عنه لِزَوَالِ الْمَانِعِ قُلْت لِأَنَّ بَابَ الْإِحْرَامِ أَضْيَقُ من ذَاكَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ على الْمُحْرِمِ اسْتِعَارَةُ الصَّيْدِ وَاسْتِيدَاعُهُ وَاسْتِئْجَارُهُ بِخِلَافِ الْكَافِرِ في الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وإذا زَالَ مِلْكُهُ عنه لَا غُرْمَ له إذَا قَتَلَ أو أَرْسَلَ وَمَنْ اصْطَادَهُ أَيْ أَخَذَهُ وَلَوْ قبل إرْسَالِهِ وَلَيْسَ مُحْرِمًا مَلَكَهُ لِأَنَّهُ بَعْدَ لُزُومِ الْإِرْسَالِ صَارَ مُبَاحًا وَيَضْمَنُهُ من زَالَ عنه مِلْكُهُ إنْ مَاتَ في يَدِهِ وَلَوْ لم يَتَمَكَّنْ من إرْسَالِهِ إذْ كان يُمْكِنُهُ إرْسَالُهُ قبل الْإِحْرَامِ كَنَظِيرِهِ في إلْزَامِ
____________________
(1/515)
الصَّلَاةِ لِمَنْ جُنَّ بَعْدَ مُضِيِّ ما يَسَعُهَا من وَقْتِهَا دُونَ الْوُضُوءِ
وَلَا يَجِبُ إرْسَالُهُ قبل الْإِحْرَامِ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ أَحْرَمَ أَحَدُ مَالِكِيهِ تَعَذَّرَ إرْسَالُهُ فَيَلْزَمُهُ رَفْعُ يَدِهِ عنه ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ كان في مِلْكِ الصَّبِيِّ صَيْدٌ فَهَلْ يَلْزَمُ الْوَلِيَّ إرْسَالُهُ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ كما يَغْرَمُ قِيمَةَ النَّفَقَةِ الزَّائِدَةِ بِالسَّفَرِ فيه احْتِمَالٌ فَرْعٌ وإذا اشْتَرَاهُ أَيْ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ أو اتَّهَبَهُ أو قَبِلَهُ بِوَصِيَّةٍ أو نَحْوِهَا لم يَمْلِكْهُ بِنَاءً على أَنَّ مِلْكَهُ يَزُولُ عنه بِالْإِحْرَامِ لِأَنَّ من مُنِعَ من إدَامَةِ الْمِلْكِ فَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ من ابْتِدَائِهِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ الصَّعْبَ بن جَثَّامَةَ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم حِمَارًا وَحْشِيًّا فَرَدَّهُ عليه فلما رَأَى ما في وَجْهِهِ قال إنَّا لم نَرُدَّهُ عَلَيْك إلَّا أَنَّا حُرُمٌ
فَلَيْسَ له قَبْضُهُ وَإِنَّ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ فَإِنْ قَبَضَهُ بِشِرَاءٍ أو عَارِيَّةٍ أو وَدِيعَةٍ لَا هِبَةٍ وَأَرْسَلَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْمَالِكِ وَسَقَطَ الْجَزَاءُ بِخِلَافِهِ في الْهِبَةِ لَا ضَمَانَ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ كَالصَّحِيحِ في الضَّمَانِ وَالْهِبَةُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ وَإِنْ رَدَّهُ لِمَالِكِهِ سَقَطَتْ الْقِيمَةُ لَا الْجَزَاءُ ما لم يُرْسِلْ وَعَدَلَ إلَى إيجَابِ قِيمَتِهِ لِلْمَالِكِ بِإِرْسَالِهِ عن تَشْبِيهِ أَصْلِهِ إرْسَالَهُ بِمُرْتَدٍّ قُتِلَ في يَدِ مُشْتَرِيهِ لِيُسَلِّم من قَوْلِ الْمُهِمَّاتِ إنَّ التَّشْبِيهَ سَهْوٌ فإن الْمُقْتَضَى لِلْإِرْسَالِ إنَّمَا وُجِدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَالْمُقْتَضَى لِلْقَتْلِ وهو الرِّدَّةُ وُجِدَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَخْرِيجُهُ عليه وَإِنَّمَا صُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ مُحْرِمًا أَيْضًا كما أَوْضَحَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَحَلَّ ضَمَانِ بَائِعِ الْمُرْتَدِّ أَنْ يَجْهَلَ الْمُشْتَرِي الْحَالَ وَإِلَّا فَمِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَرْعٌ وَيَمْلِكُهُ أَيْ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ بِالْإِرْثِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ عنه إلَّا بِإِرْسَالِهِ كما صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ في الْمَجْمُوعِ لِدُخُولِهِ في مِلْكِهِ قَهْرًا وَيَجِبُ إرْسَالُهُ كما لو أَحْرَمَ وهو في مِلْكِهِ فَلَوْ بَاعَهُ صَحَّ وَضَمِنَ الْجَزَاءَ ما لم يُرْسِلْ حتى لو مَاتَ في يَدِ الْمُشْتَرِي لَزِمَ الْبَائِعَ الْجَزَاءُ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَيَجِبُ إلَى آخِرِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّدِّ بِالْعَيْبِ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ أَحْرَمَ بَائِعُ الصَّيْدِ ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ لو يَرْجِعُ فيه أَيْ في الصَّيْدِ كَالشِّرَاءِ وَالِاتِّهَابِ لَكِنْ يَبْقَى حَقُّهُ حتى يَتَحَلَّلَ فإذا زَالَ الْإِحْرَامُ رَجَعَ فيه نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عن الْمَاوَرْدِيِّ وَأَقَرَّهُ فَيَكُونُ تَعَذُّرُ الرُّجُوعِ في الْحَالِ عُذْرًا في التَّأْخِيرِ وَعَلَيْهِ لو وَجَدَ الْمُحْرِمُ بِثَمَنِ الصَّيْدِ الذي بَاعَهُ قَبْلُ عَيْبًا كان له الرَّدُّ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ وإذا أَخَذَهُ الْمُحْرِمُ من سَبْعٍ أو نَحْوِهِ لِيُدَاوِيَهُ عِبَارَةُ الْأَنْوَارِ وَلَوْ أَخَذَهُ تَخْلِيصًا من سَبْعٍ أو مُدَاوِيًا له فَمَاتَ في يَدِهِ لم يَضْمَنْ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْمَصْلَحَةَ فَجُعِلَتْ يَدُهُ يَدَ وَدِيعَةٍ كما لو أَخَذَ الْمَغْصُوبَ من الْغَاصِبِ لِيَرُدَّهُ إلَى مَالِكِهِ فَتَلِفَ في يَدِهِ
فَرْعٌ وَإِنْ قَتَلَ الصَّيْدَ لِدَفْعِهِ عن نَفْسِهِ أو عُضْوِهِ لم يَضْمَنْ لِالْتِحَاقِهِ بِالْمُؤْذِيَاتِ أو قَتَلَهُ لِدَفْعِ رَاكِبِهِ الصَّائِلِ عليه ضَمِنَ وَإِنْ كان لَا يُمْكِنُ دَفْعُ رَاكِبِهِ إلَّا بِقَتْلِهِ لِأَنَّ الْأَذَى ليس منه كما في إيجَابِ الْفِدْيَةِ بِحَلْقِ شَعْرِ رَأْسِهِ لِإِيذَاءِ الْقَمْلِ وَرَجَعَ بِمَا غَرِمَهُ عليه أَيْ على الرَّاكِبِ وَيَضْمَنُهُ مُحْرِمٌ نَسِيَ الْإِحْرَامَ كَالْعَامِدِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ وَمِثْلُهُ الْجَاهِلُ كما صَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ لَا إنْ جُنَّ فَقَتَلَ الصَّيْدَ فَلَا يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُ فِعْلَهُ وَلِأَنَّ الْمَنْعَ من الصَّيْدِ تَعَبُّدٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمُكَلَّفِ وَمِثْلُهُ لو أَحْرَمَ الْوَلِيُّ عن الْمَجْنُونِ أو الصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ فَقَتَلَ صَيْدًا فَلَا يَضْمَنُهُ هو وَلَا الْوَلِيُّ أَخْذًا من ظَاهِرِ ما قَدَّمْتُهُ في إزَالَةِ
____________________
(1/516)
الشَّعْرِ وَإِنْ كان الْقِيَاسُ خِلَافَهُ كما مَرَّ فَرْعٌ وَإِنْ اُضْطُرَّ وَأَكَلَ الصَّيْدَ بَعْدَ ذَبْحِهِ ضَمِنَ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ من غَيْرِ إيذَاءٍ وَكَذَا لو أُكْرِهَ الْمُحْرِمُ على قَتْلِهِ ضَمِنَهُ وَيَرْجِعُ بِمَا غَرِمَهُ على الْمُكْرِهِ له فَرْعٌ وإذا عَمَّ الْجَرَادُ الْمَسَالِكَ ولم يَجِدْ بُدًّا من وَطْئِهِ فَوَطِئَهُ أو بَاضَ صَيْدٌ في فِرَاشِهِ ولم يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ إلَّا بِالتَّعَرُّضِ لِبَيْضِهِ فَنَحَّاهُ فَفَسَدَ لم يَضْمَنْ هُمَا لِأَنَّهُمَا أَلْجَأَهُ إلَى ذلك كَالصَّائِلِ
فَرْعٌ وإذا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا أو حَلَالٌ صَيْدَ الْحَرَمِ صَارَ مَيْتَةً فَيَحْرُمُ عليه وَعَلَى غَيْرِهِ وَإِنْ تَحَلَّلَ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ من الذَّبْحِ لِمَعْنًى فيه كَالْمَجُوسِيِّ وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى وَقِيمَتُهُ لِمَالِكِهِ إنْ كان مَمْلُوكًا وَخَرَجَ بِصَيْدِ الْحَرَمِ صَيْدُ الْحِلِّ وَإِنْ أُدْخِلَ في الْحَرَمِ وَذُبِحَ فيه كما سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَإِنْ كَسَرَ الْمُحْرِمُ أو الْحَلَالُ في الْحَرَمِ بَيْضًا لِصَيْدٍ أو قَتَلَ جَرَادًا كَذَلِكَ لم يَحْرُمْ على غَيْرِهِ لِأَنَّ إبَاحَتَهُ لَا تَتَوَقَّفُ على فِعْلٍ بِدَلِيلِ حِلِّ ابْتِلَاعِهِ بِدُونِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَنَقَلَ في الْمَجْمُوعِ تَصْحِيحَهُ في الْبَيْضِ عن جَمْعٍ وَالْقَطْعُ بِهِ عن آخَرِينَ وقال بَعْدَ هذا بِأَوْرَاقٍ إنَّهُ أَصَحُّ وقال هُنَا إنَّ الْأَشْهَرَ الْحُرْمَةُ وَخَرَجَ بِغَيْرِهِ هو فَيَحْرُمُ عليه ذلك تَغْلِيظًا عليه
فَصْلٌ جَزَاءُ الصَّيْدِ الْمِثْلِيِّ مِثْلُهُ من النَّعَمِ وَيَتَخَيَّرُ فيه بين أَنْ يَذْبَحَهُ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ الشَّامِلِينَ لِفُقَرَائِهِ لِأَنَّ كُلًّا منهم يَشْمَلُ الْآخَرَ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عليهم بِأَنْ يُفَرِّقَ لَحْمَهُ عليهم أو يُمَلِّكَهُمْ جُمْلَتَهُ مَذْبُوحًا أو يُعْطِيَهُمْ بِقِيمَتِهِ في مَكَّةَ أَيْ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ طَعَامًا مِمَّا يُجْزِئُ في الْفِطْرَةِ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ في مَكَّةَ يَعْنِي الْحَرَمَ مُتَعَلِّقٌ بِيُعْطِيهِمْ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ في الْمُخْتَصَرِ وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ من الْجَزَاءِ إلَّا بِمَكَّةَ أو مِنًى جَرَى على الْغَالِبِ مع أَنَّ في التَّعْبِيرَيْنِ مَعًا إيهَامٌ أَنَّهُمْ لَا يُعْطَوْنَ خَارِجَ الْحَرَمِ وَلَيْسَ مُرَادًا فِيمَا يَظْهَرُ وَأَمَّا اعْتِبَارُ التَّقْوِيمِ في مَكَّةَ فَسَيَأْتِي أو يَصُومُ عن كل مُدٍّ يَوْمًا حَيْثُ كان الْمُنَاسِبُ لِبَيْنِ الْعَطْفِ بِالْوَاوِ ويصوم عن مُنْكَسِرٍ من الْأَمْدَادِ يَوْمًا أَيْضًا إذْ لَا يُمْكِنُ تَبْعِيضُ الصَّوْمِ وَلَا يُجْزِئُهُ إعْطَاؤُهُمْ الْمِثْلَ قبل الذَّبْحِ وَلَا إعْطَاؤُهُمْ دَرَاهِمَ وَالْأَصْلُ في ذلك آيَةُ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا وَغَيْرُ الْمِثْلِيِّ كَذَلِكَ يَعْنِي يَتَخَيَّرُ فيه بين أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَأَنْ يَصُومَ عن كل مُدٍّ وَمُنْكَسِرٍ يَوْمًا إلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِقِيمَةِ مَوْضِعِ الْإِتْلَافِ وَوَقْتِهِ كما في كل مُتَقَوِّمٍ أَتْلَفَ وفي مَعْنَى الْإِتْلَافِ التَّلَفُ ويضمن الْمِثْلَ بِقِيمَتِهِ بِمَكَّةَ عِنْدَ الْعُدُولِ عن ذَبْحِ مِثْلِهِ لِأَنَّهَا مَحَلُّ ذَبْحِهِ فَاعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ بها عِنْدَ الْعُدُولِ عن ذلك وَيُرْجَعُ في الْقِيمَةِ إلَى عَدْلَيْنِ كما في التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ وَفِيهِمَا أَيْ الْمِثْلِ وَغَيْرِهِ يُعْتَبَرُ الطَّعَامُ إذَا عَدَلَ إلَيْهِ بِسِعْرِ مَكَّةَ لِمَا مَرَّ
فَرْعٌ وَالْمِثْلُ الْمَضْمُونُ تَقْرِيبٌ لَا تَحْدِيدٌ وَلَيْسَ التَّقْرِيبُ مُعْتَبَرًا بِالْقِيمَةِ بَلْ بِالصُّورَةِ وَالْخِلْقَةِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ حَكَمُوا في النَّوْعِ الْوَاحِدِ من الصَّيْدِ بِالنَّوْعِ الْوَاحِدِ من النَّعَمِ مع اخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَالْأَزْمَانِ وَالْقِيَمِ فَفِي الضَّبُعِ وهو لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى عِنْدَ جَمَاعَةٍ وَلِلْأُنْثَى فَقَطْ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَأَمَّا الذَّكَرُ فَضِبْعَانٌ بِكَسْرِ الضَّادِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ كَبْشٌ وهو ذَكَرُ الضَّأْنِ وَالْأُنْثَى نَعْجَةٌ فَوَاجِبُ الضَّبُعِ على قَوْلِ الْأَكْثَرِ نَعْجَةٌ لَا كَبْشٌ فَفِي التَّعْبِيرِ بِذَلِكَ تَجَوُّزٌ على وَفْقِ الْخَبَرِ الْآتِي وفي النَّعَامَةِ ذَكَرًا أو أُنْثَى بَدَنَةٌ كَذَلِكَ لَا بَقَرَةٌ وَلَا شِيَاهٌ سَبْعٌ أو أَكْثَرُ لِأَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ تُرَاعَى فيه الْمُمَاثَلَةُ وفي الْإِبِلِ وَحِمَارِ الْوَحْشِ وَبَقَرِهِ بَقَرَةٌ وَالْأُيَّلُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ الْمَفْتُوحَةِ الذَّكَرُ من الْوَعِلِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ في تَهْذِيبِهِ وَلِهَذَا قال ابن الصَّبَّاغِ وفي الْوَعِلِ بَقَرَةٌ قال الزَّرْكَشِيُّ لَكِنْ صَرَّحَ بَعْضُ من صَنَّفَ في الْحَيَوَانِ بِأَنَّ الْوَعِلَ غَيْرُ الْأُيَّلِ وَفَسَّرَ الْوَعِلَ بِالْخَيْلِ وَلِهَذَا قال الصَّيْمَرِيُّ وفي الْوَعِلِ تَيْسٌ قال وَهَذَا أَقْرَبُ مِمَّا قَالَهُ ابن الصَّبَّاغِ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ في الرِّبَا يَقْتَضِي أَنَّهُ من جِنْسِ الظِّبَاءِ إذْ قال وفي الْأُيَّلِ مع الظِّبَاءِ تَرَدُّدٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ كَالضَّأْنِ مع الْمَعْزِ وَحِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ في الْأُيَّلِ الْعَنْزَ ا ه
وَالْأَوْلَى أو الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ التَّيْسُ بَدَلُ الْعَنْزِ وفي الظَّبْيِ عَنْزٌ وَهِيَ أُنْثَى الْمَعْزِ التي تَمَّ لها سَنَةٌ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ وفي الظَّبْيِ تَيْسٌ إذْ الْعَنْزُ إنَّمَا هِيَ وَاجِبَةُ الظَّبْيَةِ وفي الثَّعْلَبِ شَاةٌ وفي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ وَهِيَ أُنْثَى الْمَعْزِ إذَا قَوِيَتْ ما لم تَبْلُغْ سَنَةً ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ في تَحْرِيرِهِ وَغَيْرُهُ وَذَكَرَ الْأَصْلُ وَغَيْرُهُ أنها أُنْثَى الْمَعْزِ من حِينِ تُولَدُ حتى تَرْعَى وفي الْيَرْبُوعِ وَالْوَبَرِ بِإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ جَفْرَةٌ وَهِيَ كما في الْأَصْلِ أُنْثَى الْمَعْزِ إذَا بَلَغَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَفُصِلَتْ عن أُمِّهَا وَالذَّكَرُ جَفْرٌ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ جَفَرَ جَنْبَاهُ أَيْ عَظُمَا
____________________
(1/517)
قال في الْأَصْلِ بَعْدَ تَفْسِيرِهِ الْعَنَاقَ وَالْجَفْرَةُ بِمَا ذُكِرَ هذا مَعْنَاهُمَا لُغَةً لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْجَفْرَةِ هُنَا ما دُونَ الْعَنَاقِ إذْ الْأَرْنَبُ خَيْرٌ من الْيَرْبُوعِ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفُ تَرَكَهُ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ الْوَاجِبَ في الْيَرْبُوعِ غَيْرُ جَفْرَةٍ لِأَنَّهَا بِمُقْتَضَى التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ سِنِّ الْعَنَاقِ وَذَلِكَ يُخَالِفُ الدَّلِيلَ وَالْمَنْقُولَ وفي الضَّبِّ وَأُمِّ حُبَيْنٍ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ دَابَّةٌ على خِلْقَةِ الْحِرْبَاءِ عَظِيمَةُ الْبَطْنِ جَدْيٌ
وَالْأَصْلُ في ذلك ما رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عنه فقال صَحِيحٌ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَكَمَ في الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وما رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه قَضَى في الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وفي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ وفي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وفي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عن عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ أَنَّهُمْ قَضَوْا في النَّعَامَةِ بِبَدَنَةٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَعُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ أَنَّهُمْ قَضَوْا في حِمَارِ الْوَحْشِ وَبَقَرِهِ بِبَقَرَةٍ وَعَنْ عُمَرَ وَعَبْدِ الرحمن بن عَوْفٍ أَنَّهُمَا حَكَمَا في الظَّبْيِ بِشَاةٍ وَعَنْ ابْنِ عَوْفٍ وَسَعْدٍ أَنَّهُمَا حَكَمَا في الظَّبْيِ بِتَيْسٍ أَعْفَرَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ في بَقَرَةِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ وفي الْإِبِلِ بَقَرَةٌ وَعَنْ عَطَاءٍ في الثَّعْلَبِ شَاةٌ وفي الْوَبَرِ شَاةٌ وَعَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَضَى في أُمِّ حُبَيْنٍ بِحُلَّانِ من الْغَنَمِ وهو بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْخَرُوفُ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ ثُمَّ قال وقال الْأَزْهَرِيُّ هو الْجَدْيُ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَأَمَّا الْحُلَّانُ وَيُقَالُ الْحُلَّامُ فَقِيلَ هو الْجَدْيُ وَقِيلَ الْخَرُوفُ وَيَحْكُمُ بِالْمِثْلِ فِيمَا لَا نَصَّ فيه عَدْلَانِ قال تَعَالَى يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ فَقِيهَانِ فَطِنَانِ كما في الْأَصْلِ لِأَنَّهُمَا أَعْرَفُ بِالشَّبَهِ الْمُعْتَبَرِ شَرْعًا وَاعْتِبَارُ ذلك على سَبِيلِ الْوُجُوبِ وَعَلَّلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وُجُوبَ اعْتِبَارِ الْفِقْهِ بِأَنَّ ذلك حُكْمٌ فلم يَجُزْ إلَّا بِقَوْلِ من يَجُوزُ حُكْمُهُ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِالْخُنْثَى وَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وما ذُكِرَ من وُجُوبِ الْفِقْهِ مَحْمُولٌ على الْفِقْهِ الْخَاصِّ بِمَا يَحْكُمُ بِهِ هُنَا وما في الْمَجْمُوعِ عن الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ من أَنَّ الْفِقْهَ مُسْتَحَبٌّ مَحْمُولٌ على زِيَادَتِهِ
وَلَوْ قَتَلَاهُ أَيْ الصَّيْدَ لَكِنْ بِلَا عُدْوَانٍ كَخَطَأٍ أو اضْطِرَارٍ إلَيْهِ فَإِنَّهُمَا يَحْكُمَانِ بِالْمِثْلِ لِأَنَّ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه أَمَرَ رَجُلًا قَتَلَ ظَبْيًا بِالْحُكْمِ فيه فَحَكَمَ فيه بِجَدْيٍ فَوَافَقَهُ هو وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ من وَجَبَ عليه أَمِينًا فيه كَالزَّكَاةِ أَمَّا مع الْعُدْوَانِ أَيْ وَمَعَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ فَلَا يَحْكُمَانِ لِفِسْقِهِمَا وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذلك ليس بِكَبِيرَةٍ فَكَيْفَ تَسْقُطُ الْعَدَالَةُ بِارْتِكَابِهِ مَرَّةً وَيُجَابُ يُمْنَعُ ذلك بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ لِأَنَّهُ إتْلَافُ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ بِلَا ضَرُورَةٍ وَلَا فَائِدَةٍ وَلَوْ اخْتَلَفَ تَمْثِيلُ الْعُدُولِ بِأَنْ حَكَمَ عَدْلَانِ بِمِثْلٍ وَآخَرَانِ بِآخَرَ تَخَيَّرَ من لَزِمَهُ الْمِثْلُ كما في اخْتِلَافِ الْمُفْتِيَيْنِ وَيُقَدَّمُ فِيمَا لو حَكَمَ عَدْلَانِ بِأَنَّ له مِثْلًا وَآخَرَانِ بِأَنَّهُ لَا مِثْلَ له قَوْلُ مُثْبِتِي الْمِثْلِ لِأَنَّ مَعَهُمَا زِيَادَةَ عِلْمٍ بِمَعْرِفَةِ دَقِيقِ الشَّبَهِ أَمَّا ما فيه نَصٌّ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أو عن صَحَابِيَّيْنِ أو عن عَدْلَيْنِ من التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ قال في الْكِفَايَةِ أو عن صَحَابِيٍّ مع سُكُوتِ الْبَاقِينَ فَيُتَّبَعُ ما حَكَمُوا بِهِ وفي مَعْنَاهُ قَوْلُ كل مُجْتَهِدٍ غَيْرِ صَحَابِيٍّ مع سُكُوتِ الْبَاقِينَ هذا كُلُّهُ في غَيْرِ الطُّيُورِ من الْحَيَوَانِ وَأَمَّا الطُّيُورُ فَفِي وَاحِدِ الْحَمَامِ وهو ما عَبَّ أَيْ شَرِبَ الْمَاءَ بِلَا مَصٍّ وَهَدَرَ هو من زِيَادَتِهِ أَيْ رَجَّعَ صَوْتَهُ وَغَرَّدَ كَالْيَمَامِ وَالْقُمْرِيِّ وَالدُّبْسِيِّ وَالْفَاخِتَةِ وَنَحْوِهَا من كل مُطَوَّقٍ شَاةٌ من ضَأْنٍ أو مَعْزٍ بِحُكْمِ الصَّحَابَةِ وَمُسْتَنِدُهُ تَوْقِيفٌ بَلَغَهُمْ وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ إيجَابُ الْقِيمَةِ وَقِيلَ مُسْتَنَدُهُ الشَّبَهُ بَيْنَهُمَا وهو إلْفُ الْبُيُوتَ وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي في بَعْضِ أَنْوَاعِ الْحَمَامِ إذْ لَا يَأْتِي في الْفَوَاخِتِ وَنَحْوِهَا قال في الْأَصْلِ وَلَا حَاجَةَ في وَصْفِ الْحَمَامِ إلَى ذِكْرِ الْهَدِيرِ مع الْعَبِّ فَإِنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ وَلِهَذَا اقْتَصَرَ الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ عنه على الْعَبِّ انْتَهَى
وما نَقَلَهُ الشَّافِعِيُّ هو ما قَالَهُ في الْأُمِّ لَكِنَّهُ اقْتَصَرَ على الْهَدِيرِ في الْبُوَيْطِيِّ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فيه أَيْضًا وفي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ مَمْنُوعٌ بَلْ الْعَبُّ أَعَمُّ مُطْلَقًا فَبَيْنَهُمَا لُزُومٌ لَا تَلَازَمَ إذْ بَعْضُ الْعَصَافِيرِ يَعُبُّ وَلَا يَهْدِرُ كما نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عن بَعْضِ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وفي غَيْرِهِ أَيْ غَيْرِ الْحَمَامِ سَوَاءٌ أَكَانَ أَكْبَرَ جُثَّةً منه أَمْ أَصْغَرَ أَمْ مثله كَطَيْرِ الْمَاءِ وَالْعُصْفُورِ الْقِيمَةُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ في الْمُتَقَوِّمَاتِ وقد حَكَمَتْ الصَّحَابَةُ بها في الْجَرَادِ
وَيُفْدَى الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ وَالصَّحِيحُ وَالْمَرِيضُ وَالسَّمِينُ وَالْهَزِيلُ وَالْمَعِيبُ بمثله وَلَوْ أَعْوَرَ يَمِينٌ بِيَسَارٍ وَلَا يُؤَثِّرُ اخْتِلَافُ نَوْعِ الْعَيْبِ
____________________
(1/518)
لِتَقَارُبِ شَأْنِ النَّوْعِ بِخِلَافِ اخْتِلَافِ جِنْسِهِ كَالْعَوَرِ وَالْجَرَبِ وَيُجْزِئُ الذَّكَرُ عن الْأُنْثَى لِأَنَّ لَحْمَهُ أَطْيَبُ وَعَكْسُهُ أَيْ وَتُجْزِئُ الْأُنْثَى عن الذَّكَرِ كَالزَّكَاةِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَخْتَلِفُ كما في الِاخْتِلَافِ في اللَّوْنِ ولكن الذَّكَرَ أَفْضَلُ لِلْخُرُوجِ من الْخِلَافِ وَلَوْ فَدَى الْمَرِيضَ بِالصَّحِيحِ والمعيب بِالسَّلِيمِ فَهُوَ أَفْضَلُ وفي الصَّيْدِ الْحَامِلِ حَامِلٌ مِثْلُهُ من النَّعَمِ لِأَنَّ الْحَمْلَ فَضِيلَةٌ مَقْصُودَةٌ لَا يُمْكِنُ إهْمَالُهَا وَلَا تُذْبَحُ الْحَامِلُ لِنَقْصِ لَحْمِهَا مع فَوَاتِ ما يَنْفَعُ الْمَسَاكِينَ من زِيَادَةِ قِيمَتِهَا بِالْحَمْلِ بَلْ تُقَوَّمُ بِمَكَّةَ مَحَلِّ ذَبْحِهَا لو ذُبِحَتْ وَيَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهَا طَعَامًا أو يَصُومُ عن كل مُدٍّ يَوْمًا كما في الْمَجْمُوعِ فَاقْتِصَارُهُ على التَّقْوِيمِ الْمُفِيدِ لِذَلِكَ أَوْلَى من ضَمِّ الْأَصْلِ إلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِالْقِيمَةِ طَعَامًا فَإِنْ أَلْقَتْ حَامِلٌ من الصَّيْدِ بِضَرْبِهِ بَطْنَهَا أو نَحْوَهُ جَنِينًا مَيِّتًا وَمَاتَتْ هِيَ أَيْضًا بِذَلِكَ فَكَقَتْلِ الْحَامِلِ وَإِنْ عَاشَتْ ضَمِنَ نَقْصَهَا أَيْ ما بين قِيمَتِهَا حَامِلًا وَحَائِلًا وَلَا يَضْمَنُ الْجَنِينَ بِخِلَافِ جَنِينِ الْأَمَةِ يَضْمَنُ بِعُشْرِ قِيمَةِ الْأُمِّ لِأَنَّ الْحَمْلَ يَزِيدُ في قِيمَةِ الْبَهَائِمِ وَيُنْقِصُ في قِيمَةِ الْآدَمِيَّاتِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ التَّفَاوُتِ فِيهِنَّ أو أَلْقَتْهُ حَيًّا وَمَاتَا ضَمِنَهُمَا أَيْ ضَمِنَ كُلًّا مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ أو مَاتَ جَنِينُهَا دُونَهَا ضَمِنَهُ وضمن نَقْصَهَا الْمَذْكُورَ
فَرْعٌ وإذا جَرَحَ ظَبْيًا وَانْدَمَلَ جُرْحُهُ بِلَا إزْمَانٍ فَنَقَصَ عُشْرُ قِيمَتُهُ فَعَلَيْهِ عُشْرُ شَاةٍ لَا عُشْرُ قِيمَتِهَا تَحْقِيقًا لِلْمُمَاثَلَةِ قال الْجُمْهُورُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ الْقِيمَةَ لِأَنَّهُ قد لَا يَجِدُ شَرِيكًا في ذَبْحِ شَاةٍ وَيَتَعَذَّرُ عليه إخْرَاجُ قِسْطٍ من الْحَيَوَانِ فَأَرْشَدَهُ إلَى ما هو أَسْهَلُ فإن جَزَاءَ الصَّيْدِ مُخَيَّرٌ فَفِي الْمِثَالِ يُخْرِجُ عُشْرَ شَاةٍ أو يُخْرِجُ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا أو يَصُومُ عن كل مُدٍّ يَوْمًا فَإِنْ بَرِئَ من جُرْحِهِ ولم يَبْقَ نَقْصٌ وَلَا أَثَرٌ فَالْأَرْشُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَالْآدَمِيِّ أَيْ كَالْحُكُومَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآدَمِيِّ قال الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ وُجُوبُ الْأَرْشِ وَلِهَذَا حَكَى في التَّجْرِيدِ عن الْقَفَّالِ أَنَّهُ يَجِبُ شَيْءٌ بِقَدْرِ ما يَجْتَهِدُ فيها الْقَاضِي أَيْ مُرَاعِيًا في اجْتِهَادِهِ مِقْدَارَ الْوَجَعِ الذي أَصَابَهُ وعليه في غَيْرِ الْمِثْلِيِّ أَرْشُهُ ثُمَّ يُخَيَّرُ بين الطَّعَامِ وَالصَّوْمِ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَلَوْ أَزْمَنَ صَيْدٌ لَزِمَهُ جَزَاؤُهُ كَامِلًا لَزِمَهُ كما لو أَزْمَنَ عَبْدٌ لَزِمَهُ كُلُّ قِيمَتِهِ لِأَنَّ الْإِزْمَانَ كَالْإِتْلَافِ فَإِنْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ مُطْلَقًا أو هو بَعْدَ الِانْدِمَالِ فَعَلَيْهِ أَيْ الْقَاتِلِ جَزَاؤُهُ زَمِنًا كما لو قَطَعَ يَدَيْ عَبْدٍ فَقَتَلَهُ آخَرُ أو قَتَلَهُ هو بَعْدَ الِانْدِمَالِ تَلْزَمُ قِيمَتُهُ سَلِيمًا لِلْقَطْعِ وَقِيمَتُهُ مَقْطُوعًا لِلْقَتْلِ كما في الْآدَمِيِّ أَمَّا لو قَتَلَهُ قبل الِانْدِمَالِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا جَزَاءٌ وَاحِدٌ كما في الْآدَمِيِّ وَلَوْ أَزَالَ أَحَدَ امْتِنَاعِي النَّعَامَةِ وَنَحْوِهَا وَهُمَا قُوَّةُ عَدْوِهَا وَطَيَرَانِهَا اُعْتُبِرَ النَّقْصُ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُمَا في الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ إلَّا أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالرِّجْلِ وَالْجَنَاحِ فَالزَّائِلُ بَعْضُ الِامْتِنَاعِ فَيَجِبُ النَّقْصُ لَا الْجَزَاءُ الْكَامِلُ
فَرْعٌ وإذا جَرَحَهُ فَغَابَ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا وَشَكَّ أَمَاتَ بِجَرْحِهِ أَمْ بِحَادِثٍ لم يَجِبْ عليه غَيْرُ الْأَرْشِ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِحَادِثٍ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ وَكَذَا لو جَرَحَهُ فَغَابَ وَشَكَّ في مَوْتِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَرَاءَةُ وَالْحَيَاةُ وَالِاحْتِيَاطُ إخْرَاجُ جَزَاءٍ كَامِلٍ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِجَرْحِهِ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْأَصْحَابِ وَاسْتُشْكِلَتْ الْأُولَى بِمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ من حِلِّ صَيْدٍ جَرَحَهُ فَغَابَ عنه فَوَجَدَهُ مَيِّتًا وَشَكَّ أَمَاتَ بِجَرْحِهِ أو بِحَادِثٍ وَيُجَابُ بِأَنَّا لو لم نَقُلْ بِالْحِلِّ ثُمَّ لم نُرَتَّبْ على الْجُرْحِ مُقْتَضَاهُ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ عَدَمِ ضَمَانِ الزَّائِدِ هُنَا
وَيَلْزَمُ الْجَمَاعَةَ الْمُشْتَرَكِينَ في قَتْلِ صَيْدٍ وَالْقَارِنَ الْقَاتِلَ لِلصَّيْدِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ وَإِنْ كان الصَّيْدُ حَرَمِيًّا لِاتِّحَادِ الْمُتْلِفِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ أَسْبَابُ الْجَزَاءِ كما يَتَّحِدُ تَغْلِيظُ الدِّيَةِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ أَسْبَابُهُ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْقَاتِلِينَ لِأَنَّهَا لَا تَتَجَزَّأُ
وَشَرِيكُ الْحَلَالِ في قَتْلِ صَيْدٍ يَلْزَمُهُ النِّصْفُ من الْجَزَاءِ وَلَا شَيْءَ على الْحَلَالِ وَلَوْ اشْتَرَكَ مُحْرِمٌ وَمُحِلُّونَ لَزِمَهُ من الْجَزَاءِ بِقِسْطِهِ على عَدَدِ الرُّءُوسِ كَبَدَلِ الْمُتْلَفَاتِ
فَرْعٌ وَلَهُ أَكْلُ ما لم يُصَدْ له إنْ لم يَدُلَّ هو ولم يُعِنْ عليه وَإِنْ فَعَلَ شيئا من ذلك أو صِيدَ له حَرُمَ أَكْلُهُ لِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا عَقَرَ أبو قَتَادَةَ وهو حَلَالٌ الْأَتَانَ هل مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عليها أو أَشَارَ إلَيْهَا قالوا لَا قال فَكُلُوا ما بَقِيَ من لَحْمِهَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلَا جَزَاءَ عليه بِدَلَالَتِهِ وَلَا بِإِعَانَتِهِ وَلَا بِأَكْلِهِ ما صِيدَ له كما لَا كَفَّارَةَ عليه في نَظِيرِهِ من قَتْلِ الْآدَمِيِّ وَلِعَدَمِ نَمَائِهِ في الْأَخِيرَةِ بَعْدَ ذَبْحِهِ كَبَيْضٍ مَذِرٍ وَلِأَنَّ جَزَاءَ ذَبْحِهِ يُغْنِي عن جَزَاءٍ آخَرَ وَمَسْأَلَةُ الدَّلَالَةِ عُلِمَتْ من قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ
فَرْعٌ لو دَلَّ على صَيْدٍ إلَى آخِرِهِ
____________________
(1/519)
فَصْلٌ وَلِلْحَلَالِ وَلَوْ كَافِرًا مُلْتَزِمَ الْأَحْكَامِ حُكْمُ الْمُحْرِمِ في صَيْدِ الْحَرَمِ من تَحْرِيمِ تَعَرُّضٍ وَلُزُومِ جَزَاءٍ وَغَيْرِهِمَا وَلِمَالِكِ صَيْدِ الْحِلِّ ما لم يُحْرِمْ ذَبْحُهُ وَالتَّصَرُّفُ فيه كَيْفَ شَاءَ في الْحَرَمِ كَالنَّعَمِ لِأَنَّهُ صَيْدُ حِلٍّ وَإِنْ أَرْسَلَ الْحَلَالُ كَلْبًا من الْحِلِّ على صَيْدٍ مُقَيَّدٍ بِمَا يَأْتِي فَقَتَلَهُ أو رَمَى من الْحِلِّ صَيْدًا في الْحَرَمِ هو أَيْ كُلَّهُ أو بَعْضَ قَوَائِمِهِ وَلَوْ وَاحِدَةً أو عَكْسُهُ بِأَنْ أَرْسَلَ كَلْبًا من الْحَرَمِ على صَيْدٍ في الْحِلِّ هو أو بَعْضُ قَوَائِمِهِ أو رَمَى من الْحَرَمِ صَيْدًا كَذَلِكَ ضَمِنَهُ تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ وَلِأَنَّ الصَّيْدَ في صُورَةِ الْعَكْسِ مُحَرَّمٌ على من في الْحَرَمِ وَفِيمَا قَبْلَهُ أَصَابَهُ في مَحَلِّ أَمْنِهِ وَإِنَّمَا ضَمِنَهُ الْكَافِرُ لِأَنَّ هذا ضَمَانٌ يَتَعَلَّقُ بِالْإِتْلَافِ فَأَشْبَهَ ضَمَانَ الْأَمْوَالِ وَيُفَارِقُ ما ذَكَرَ عَدَمُ الضَّمَانِ فِيمَا لو سَعَى من الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ أو من الْحِلِّ إلَى الْحِلِّ لَكِنْ سَلَكَ في أَثْنَاءِ سَعْيِهِ الْحَرَمَ فَقَتَلَ الصَّيْدَ بِأَنَّ ابْتِدَاءَ الِاصْطِيَادِ من حِينِ الرَّمْيِ أو نَحْوِهِ لَا من حِينِ السَّعْيِ
وَلِهَذَا تُشْرَعُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ إرْسَالِ السَّهْمِ أو نَحْوِهِ لَا عِنْدَ ابْتِدَاءِ السَّعْيِ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَفِيهِ عن الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لو أَخْرَجَ يَدَهُ من الْحَرَمِ وَنَصَبَ شَبَكَةً بِالْحِلِّ فَتَعَقَّلَ بها صَيْدٌ لم يَضْمَنْهُ وَنَقَلَهُ في الْكِفَايَةِ عن الْقَاضِي وَيُؤْخَذُ منه وَمِنْ الْفَرْقِ السَّابِقِ أَنَّهُ لو أَخْرَجَ يَدَهُ من الْحَرَمِ وَرَمَى إلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ لم يَضْمَنْهُ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِكَوْنِ غَيْرِ قَوَائِمِ الصَّيْدِ في الْحَرَمِ كَرَأْسِهِ وَلَوْ لم يَعْتَمِدْ على قَائِمَتِهِ التي في الْحَرَمِ فَقِيَاسُ نَظَائِرِهِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ قال الْإِسْنَوِيُّ وما ذَكَرَهُ من اعْتِبَارِ الْقَوَائِمِ هو في الْقَائِمِ أَمَّا النَّائِمُ فَالْعِبْرَةُ بِمُسْتَقَرِّهِ قَالَهُ في الِاسْتِقْصَاءِ
ا ه
فَلَوْ نَامَ وَنِصْفُهُ في الْحَرَمِ وَنِصْفُهُ في الْحِلِّ حَرُمَ كما جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ وَعَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الرَّأْسِ وَنَحْوِهِ شَرْطُهُ أَنْ يُصِيبَ الرَّامِي الْجُزْءَ الذي من الصَّيْدِ في الْحِلِّ فَلَوْ أَصَابَ رَأْسَهُ في الْحَرَمِ ضَمِنَهُ وَإِنْ كان قَوَائِمُهُ كُلُّهَا في الْحِلِّ وَهَذَا مُتَعَيِّنٌ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وقال إنَّ كَلَامَ الْقَاضِي يَقْتَضِيهِ وَتَبِعَهُ عليه الزَّرْكَشِيُّ وَكَذَا يَضْمَنُهُ لو كَانَا في الْحِلِّ وَمَرَّ السَّهْمُ لَا الْكَلْبُ في الْحَرَمِ فَأَصَابَهُ وَقَتَلَهُ لِأَنَّهُ أَرْسَلَ السَّهْمَ إلَيْهِ في الْحَرَمِ بِخِلَافِهِ في الْكَلْبِ لَا ضَمَانَ فيه بِذَلِكَ بِقَيْدٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ إنْ لم يَتَعَيَّنْ أَيْ الْحَرَمُ طَرِيقًا له لِأَنَّ له اخْتِيَارًا بِخِلَافِ السَّهْمِ فَإِنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا له إلَى الْحَرَمِ ضَمِنَ لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ إلَى الدُّخُولِ فيه وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْكَلْبُ مُعَلَّمًا وَلَوْ دخل الصَّيْدُ الْمَرْمِيُّ إلَيْهِ أو غَيْرُهُ وهو في الْحِلِّ الْحَرَمَ فَقَتَلَهُ السَّهْمُ فيه ضَمِنَهُ لِأَنَّهُ أَصَابَهُ في مَحَلِّ أَمْنِهِ وَكَذَا لو أَصَابَ صَيْدًا فيه كان مَوْجُودًا فيه قبل رَمْيِهِ إلَى صَيْدٍ في الْحِلِّ لَا الْكَلْبُ فَلَا يَضْمَنُ مُرْسِلُهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ له اخْتِيَارًا كما مَرَّ لَا إنْ عَدِمَ الصَّيْدُ مَفَرًّا غير الْحَرَمِ عِنْدَ هَرَبِهِ فإنه سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُرْسِلُ عَالِمًا بِالْحَالِ أَمْ جَاهِلًا ولكن لَا يَأْثَمُ الْجَاهِلُ بِذَلِكَ
فَرْعٌ لو أَرْسَلَ كَلْبًا أو سَهْمًا من الْحِلِّ إلَى صَيْدٍ فيه فَوَصَلَ إلَيْهِ في الْحِلِّ وَتَحَامَلَ الصَّيْدُ بِنَفْسِهِ أو بِنَقْلِ الْكَلْبِ له إلَى الْحَرَمِ فَمَاتَ فيه لم يَضْمَنْهُ ولم يَحِلَّ أَكْلُهُ احْتِيَاطًا لِحُصُولِ قَتْلِهِ في الْحَرَمِ نَقَلَ ذلك الْأَذْرَعِيُّ
فَرْعٌ لو قَتَلَ حَلَالٌ في الْحِلِّ حَمَامَةً وَلَهَا في الْحَرَمِ فَرْخٌ فَهَلَكَ ضَمِنَهُ دُونَهَا لِأَنَّهُ أَهْلَكَهُ بِقَطْعِ مُتَعَهِّدِهِ فَأَشْبَهَ رَمْيَهُ من الْحِلِّ إلَى الْحَرَمِ بِخِلَافِهَا لِأَنَّهُ قَتَلَهَا في الْحِلِّ أو عَكْسُهُ بِأَنْ قَتَلَهَا في الْحَرَمِ وَلَهَا في الْحِلِّ فَرْخٌ فَهَلَكَ ضَمِنَهُمَا أَمَّا هو فَكَمَا لو رَمَاهُ من الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ وَأَمَّا هِيَ فَلِقَتْلِهَا في الْحَرَمِ وَكَقَتْلِ الْحَمَامَةِ فِيمَا ذُكِرَ أَخْذُهَا وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ وَلَوْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ نَفَّرَ مُحْرِمٌ صَيْدًا وَلَوْ في الْحِلِّ أو نَفَّرَهُ حَلَالٌ في الْحَرَمِ فَهَلَكَ بِسَبَبِهِ أَيْ بِسَبَبِ التَّنْفِيرِ بِصَدْمَةٍ أو أَخْذِ سَبُعٍ أو قَتْلِ حَلَالٍ له في الْحِلِّ أو نَحْوِهَا ضَمِنَهُ وَيَسْتَمِرُّ في ضَمَانِهِ حتى يَسْكُنَ كما مَرَّ وَلَوْ تَلِفَ بِهِ في نِفَارِهِ صَيْدٌ آخَرُ ضَمِنَهُ أَيْضًا لَا إنْ أَتْلَفَهُ مُحْرِمٌ وَلَوْ في الْحِلِّ أو حَلَالٌ في الْحَرَمِ فَلَا ضَمَانَ على الْمُنَفِّرِ بَلْ على الْمُتْلِفِ تَقْدِيمًا لِلْمُبَاشَرَةِ
فَصْلٌ يَحْرُمُ على الْمُحْرِمِ وَغَيْرِهِ قَطْعُ شَجَرِ الْحَرَمِ الرَّطْبِ غَيْرِ الْمُؤْذِي مُبَاحًا أو مَمْلُوكًا حتى ما يَسْتَنْبِتُ منه بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ يَسْتَنْبِتُهُ الناس لِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يوم فَتْحِ مَكَّةَ إنَّ هذا الْبَلَدَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ لَا يُعْضَدُ شَجَرَهُ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهُ فقال الْعَبَّاسُ يا رَسُولَ اللَّهِ إلَّا الْإِذْخِرَ فإنه لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ فقال إلَّا الْإِذْخِرَ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالْعَضْدُ الْقَطْعُ وإذا حَرُمَ الْقَطْعُ فَالْقَلْعُ أَوْلَى وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ وَالْخَلَا بِالْقَصْرِ الْحَشِيشُ الرَّطْبُ وَالْإِذْخِرُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ حَلْفَاءُ مَكَّةَ وَاحِدَتُهُ إذْخِرَةٌ وَقِيسَ بِمَكَّةَ بَاقِي الْحَرَمِ وَسَيَأْتِي حُكْمُ غَيْرِ
____________________
(1/520)
الشَّجَرِ من سَائِرِ النَّبَاتِ فَلَا يَحْرُمُ الْيَابِسُ أَيْ قَطْعُهُ وَلَا قَلْعُهُ لِأَنَّهُ ليس نَابِتًا في الْحَرَمِ بَلْ مَغْرُوزٌ فيه وَكَمَا لو قَدَّ صَيْدًا مَيِّتًا وَلَا ذُو الشَّوْكِ كَعَوْسَجٍ وَإِنْ لم يَمْتَنِعْ الْمُرُورُ كَالصَّيْدِ الْمُؤْذِي وفي وَجْهٍ صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ وَاخْتَارَهُ في نُكَتِهِ يَحْرُمُ لِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا قال وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّيْدِ الْمُؤْذِي أَنَّهُ يَقْصِدُ الْأَذَى بِخِلَافِ الشَّجَرِ قال في الْمَجْمُوعِ وَلِلْقَائِلِ بِالْمَذْهَبِ أَنْ يُجِيبَ بِأَنَّهُ مُخَصَّصٌ بِالْقِيَاسِ على قَتْلِ الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ وَرَدَّهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الشَّوْكَ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ فَكَيْفَ يَجِيءُ التَّخْصِيصُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الشَّوْكَ يَتَنَاوَلُ الْمُؤْذِيَ وَغَيْرَهُ وَالْقَصْدُ تَخْصِيصُهُ بِالْمُؤْذِي وَإِنْ غُرِسَتْ شَجَرَةٌ حَرَمِيَّةٌ في الْحِلِّ أو حِلِّيَّةٌ في الْحَرَمِ لم تَنْتَقِلْ الْحُرْمَةُ عنها في الْأُولَى وَلَا إلَيْهَا في الثَّانِيَةِ بِخِلَافِ صَيْدٍ دخل الْحَرَمَ إذْ لِلشَّجَرِ أَصْلٌ ثَابِتٌ فَاعْتُبِرَ مَنْبَتُهُ بِخِلَافِ الصَّيْدِ فَاعْتُبِرَ مَكَانُهُ وَلَا تُضْمَنُ الْحَرَمِيَّةُ الْمَنْقُولَةُ من الْحَرَمِ إلَيْهِ أو إلَى الْحِلِّ إنْ نَبَتَتْ فيه بَلْ يَجِبُ رَدُّهَا إلَيْهِ أَيْ إلَى الْحَرَمِ إنْ نَقَلَهَا إلَى الْحِلِّ مُحَافَظَةً على حُرْمَتِهَا فَمَحَلُّ عَدَمِ الضَّمَانِ كما قال السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ إذَا نَقَلَهَا إلَى الْحَرَمِ وَإِلَّا فَقَدْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ منهم الرُّويَانِيُّ وَالْعِمْرَانِيُّ بِالضَّمَانِ وَإِنْ نَبَتَتْ ما لم يُعِدْهَا إلَى الْحَرَمِ لِأَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلْإِيذَاءِ بِوَضْعِهَا في الْحِلِّ فَأَشْبَهَ ما لو أَزَالَ امْتِنَاعَ الصَّيْدِ وَمَنْ قَلَعَهَا من الْحِلِّ ضَمِنَهَا إبْقَاءً لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ وَالْمُرَادُ كما قال السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ اسْتَقَرَّ عليه ضَمَانُهَا كما في الْغَصْبِ أَمَّا إذَا لم تَنْبُتْ فَيَضْمَنُهَا نَاقِلُهَا مُطْلَقًا وَلَا يَضْمَنُ غُصْنًا في الْحَرَمِ أَصْلُهُ في الْحِلِّ إذَا قَطَعَهُ نَظَرًا لِأَصْلِهِ وَيَضْمَنُ صَيْدًا قَتَلَهُ فَوْقَهُ أَيْ فَوْقَ الْغُصْنِ نَظَرًا إلَى مَكَانِهِ وَحُكْمُ عَكْسِهِ وهو أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْغُصْنِ في الْحَرَمِ وَالْغُصْنُ في الْحِلِّ وَالصَّيْدُ فَوْقَهُ عَكْسُ حُكْمِهِ أَيْ يَضْمَنُ الْغُصْنَ كما يَضْمَنُ الْأَصْلَ وَلَا يَضْمَنُ الصَّيْدَ قال الْفُورَانِيُّ وَلَوْ غَرَسَ في الْحِلِّ نَوَاةَ شَجَرَةٍ حَرَمِيَّةٍ ثَبَتَ لها حُكْمُ الْأَصْلِ وَتَحْرُمُ شَجَرَةٌ أَيْ قَطْعُ شَجَرَةٍ أَصْلُهَا في الْحِلِّ وَالْحَرَمِ تَغْلِيبًا لِلْحَرَمِ وَلَا ضَمَانَ بِقَطْعِ الْأَغْصَانِ الْحَرَمِيَّةِ الْمُؤْذِيَةِ لِلنَّاسِ في الطَّرِيقِ كما في قَتْلِ الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ
فَرْعٌ لو أَخَذَ غُصْنًا من شَجَرَةٍ حَرَمِيَّةٍ فَأَخْلَفَ مثله في سَنَتِهِ بِأَنْ كان لَطِيفًا كَالسِّوَاكِ فَلَا ضَمَانَ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَخْلُفْ أو أَخْلَفَ لَا مثله أو مثله لَا في سَنَتِهِ وَجَبَ الضَّمَانُ وَسَبِيلُهُ سَبِيلُ ضَمَانِ جَرْحِ الصَّيْدِ ثُمَّ بَعْدَ وُجُوبِ ضَمَانِهِ إذَا أَخْلَفَ مثله لم يَسْقُطْ ضَمَانُهُ كما لو قَلَعَ سِنَّ مَثْغُورٍ فَنَبَتَتْ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كان الْغُصْنُ لَا يَخْلُفُ عَادَةً وَإِلَّا فَهُوَ بِسِنِّ الصَّغِيرِ أَشْبَهُ فَلَا ضَمَانَ قال وَيَشْهَدُ له ما سَيَذْكُرُهُ الرَّافِعِيُّ في الْحَشِيشِ وَيَجُوزُ أَخْذُ أَوْرَاقِهَا أَيْ الْأَشْجَارِ قال الْمُتَوَلِّي لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ نَقْصًا بِلَا خَبْطٍ كَيْ لَا يَضُرَّ بها وَخَبْطُهَا حَرَامٌ كما نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْأَصْحَابِ وَنَقَلَ اتِّفَاقَهُمْ على أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ ثَمَرِهَا وَعُودِ السِّوَاكِ وَنَحْوِهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْغُصْنَ اللَّطِيفَ وَإِنْ لم يَخْلُفْ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو الْأَقْرَبُ وَنَقَلَ ما يُؤَيِّدُهُ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ
فَرْعٌ في قَطْعِ أو قَلَعَ الشَّجَرَةِ الْحَرَمِيَّةِ الْكَبِيرَةِ بِأَنْ تُسَمَّى كَبِيرَةً عُرْفًا بَقَرَةٌ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عن ابْنِ الزُّبَيْرِ وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ بِتَوْقِيفٍ سَوَاءٌ أَخْلَفَتْ الشَّجَرَةُ أَمْ لَا
قال في الْأَصْلِ وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ بَدَنَةً قال السُّبْكِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمْ في جَزَاءِ الصَّيْدِ لم يَسْمَحُوا بها عن الْبَقَرَةِ وَلَا عن الشَّاةِ انْتَهَى
وَيُجَابُ بِأَنَّهُمْ رَاعَوْا الْمِثْلِيَّةَ في الصَّيْدِ بِخِلَافِهَا هُنَا تَخْيِيرًا وتعديلا أَيْ يَجِبُ عليه ما ذُكِرَ على وَجْهِ التَّخْيِيرِ وَالتَّعْدِيلِ كما سَيَأْتِي بَيَانُ ذلك كَالصَّيْدِ وفي الشَّجَرَةِ الصَّغِيرَةِ ما لم تَنْقُصْ عن سُبُعِهَا أَيْ الْكَبِيرَةِ شَاةٌ تَخْيِيرًا وَتَعْدِيلًا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وقد يُؤْخَذُ من ضَبْطِ الصَّغِيرَةِ بِذَلِكَ أَنَّ الْبَقَرَةَ لَا بُدَّ من إجْزَائِهَا في التَّضْحِيَةِ وهو ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ في الدِّمَاءِ وَصَرَّحَ بِهِ شَارِحُ التَّعْجِيزِ
____________________
(1/521)
وما ذَكَره كَأَصْلِهِ في ضَبْطِ الصَّغِيرَةِ خَالَفَ فيه النَّوَوِيُّ في نُكَتِهِ فَاعْتُبِرَ الْعُرْفُ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو أَحْسَنُ
ثُمَّ قال وَسَكَتَ الرَّافِعِيُّ عَمَّا جَاوَزَ سُبُعَ الْكَبِيرَةِ ولم يَنْتَهِ إلَى حَدِّ الْكِبَرِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ فيه شَاةٌ أَعْظَمُ من الْوَاجِبَةِ في سُبُعِ الْكَبِيرَةِ وَإِنْ نَقَصَتْ عن سُبُعِ الْكَبِيرَةِ فَالْقِيمَةُ وَاجِبَةٌ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَالْمَضْمُونَةُ بِشَاةٍ ما كانت قَرِيبَةً من سُبُعِ الْكَبِيرَةِ فَإِنْ صَغُرَتْ جِدًّا فَالْوَاجِبُ الْقِيمَةُ وَيَحْرُمُ قَطْعُ وَقَلْعُ حَشِيشِهِ أَيْ حَشِيشِ الْحَرَمِ الْأَخْضَرِ وَقَلْعِ يَابِسِهِ إنْ لم يَمُتْ وَيَجُوزُ قَطْعُهُ كما في الشَّجَرَةِ فَلَوْ قَلَعَهُ لَزِمَهُ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ لو لم يَقْلَعْهُ لَنَبَتَ ثَانِيًا فَلَوْ أَخْلَفَ ما قَطَعَهُ من الْأَخْضَرِ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّ الْغَالِبَ هُنَا الْإِخْلَافُ كَسِنِّ غَيْرِ الْمَثْعُورِ وَإِنْ لم يُخْلِفْ ضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ وَيَجُوزُ رَعْيُهُ أَيْ حَشِيشِ الْحَرَمِ بَلْ وَشَجَرِهِ كما نَصَّ عليه في الْأُمِّ بِالْبَهَائِمِ لِأَنَّ الْهَدَايَا كانت تُسَاقُ في عَصْرِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وما كانت تُسَدُّ أَفْوَاهُهَا في الْحَرَمِ وَرَوَى الشَّيْخَانِ عن ابْنِ عَبَّاسٍ قال أَقْبَلْت رَاكِبًا على أَتَانٍ فَوَجَدْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إلَى غَيْرِ جِدَارٍ فَدَخَلْت في الصَّفِّ وَأَرْسَلْت الْأَتَانَ تَرْتَعُ وَمِنًى من الْحَرَمِ وَكَذَا قَطْعُهُ لِلْبَهَائِمِ وَالتَّدَاوِي كَالْحَنْظَلِ وَالتَّغَذِّي كَالرِّجْلَةِ وَالْبَقْلَةِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ وَلِأَنَّ ذلك في مَعْنَى الزَّرْعِ وَلَا يُقْطَعُ لِذَلِكَ إلَّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ كما قَالَهُ ابن كَجٍّ وَلَا يَجُوزُ قَطْعُهُ لِلْبَيْعِ مِمَّنْ يَعْلِفُ بِهِ كما في الْمَجْمُوعِ لِأَنَّهُ كَالطَّعَامِ الذي أُبِيحَ أَكْلُهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَيُؤْخَذُ منه كما قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّا حَيْثُ جَوَّزْنَا أَخْذَ السِّوَاكِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ جَوَازَ أَخْذِهِ لِلدَّوَاءِ لَا يَتَوَقَّفُ على وُجُودِ السَّبَبِ حتى يَجُوزَ أَخْذُهُ لِيَسْتَعْمِلَهُ عِنْدَ وُجُودِهِ قال في الْمُهِمَّاتِ وهو الْمُتَّجَهُ قال الزَّرْكَشِيُّ بَلْ الْمُتَّجَهُ الْمَنْعُ لِأَنَّ ما جَازَ لِلضَّرُورَةِ أو لِلْحَاجَةِ قُيِّدَ بِوُجُودِهَا كما في اقْتِنَاءِ الْكَلْبِ وَالْإِذْخِرُ مُبَاحٌ أَخْذُهُ لِلتَّسْقِيفِ وَغَيْرِهِ لِاسْتِثْنَائِهِ في الْخَبَرِ السَّابِقِ وَخَرَجَ بِالشَّجَرِ وَالْحَشِيشِ الزَّرْعُ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَالْبُقُولِ وَالْخَضْرَاوَاتُ فإنه يَجُوزُ قَطْعُهُ وَقَلْعُهُ وَلَا ضَمَانَ فيه بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ قال فيه وَإِطْلَاقُ الْحَشِيشِ على الرَّطْبِ مَجَازٌ فإنه حَقِيقَةٌ في الْيَابِسِ وَإِنَّمَا يُقَالُ لِلرَّطْبِ كَلَأٌ وَعُشْبٌ
فَرْعٌ نَقْلُ تُرَابِ الْحَرَمِ وَأَحْجَارِهِ إلَى الْحِلِّ حَرَامٌ لِحُرْمَتِهِ فَيَجِبُ رَدُّهُ إلَى الْحَرَمِ لَا مَاءُ زَمْزَمَ فَلَا يَحْرُمُ نَقْلُهُ إلَى الْحِلِّ بَلْ وَلَا يُكْرَهُ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ لِاسْتِخْلَافِهِ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم اسْتَهْدَاهُ وهو بِالْمَدِينَةِ من سُهَيْلِ بن عَمْرٍو وَعَامَ الْحُدَيْبِيَةِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلِأَنَّ عَائِشَةَ كانت تَنْقُلُهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وزاد الْبَيْهَقِيُّ وَكَانَتْ تُخْبِرُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَفْعَلُهُ وَمِنْ هُنَا قال في الْمَجْمُوعِ بِاسْتِحْبَابِ نَقْلِهِ تَبَرُّكًا وَحَكَاهُ عن نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَعَكْسُهُ وهو نَقْلُ تُرَابِ الْحِلِّ وَأَحْجَارِهِ إلَى الْحَرَمِ مَكْرُوهٌ كَذَا ذَكَرَهُ كَالرَّوْضَةِ لَكِنْ في الْمَجْمُوعِ اتَّفَقُوا على أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى لِئَلَّا يَحْدُثَ لها حُرْمَةٌ لم تَكُنْ وَلَا يُقَالُ مَكْرُوهٌ لِعَدَمِ ثُبُوتِ النَّهْيِ عنه
وَيَحْرُمُ أَخْذُ طِيبِ الْكَعْبَةِ وأخذ سُتُرِهَا وَمَنْ أَخَذَ مِنْهُمَا شيئا لَزِمَهُ رَدُّهُ فَمَنْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ بها في طِيبٍ مَسَحَهَا بِطِيبِ نَفْسِهِ ثُمَّ يَأْخُذُهُ وَلَوْ فَرَّقَ الْإِمَامُ سُتْرَتَهَا جَازَ تَفْرِيقُهَا بِالْبَيْعِ وَالْعَطَاءِ وَيَصْرِفُهَا لِبَيْتِ الْمَالِ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ نَقْلًا عن ابْنِ الصَّلَاحِ الْأَمْرُ فيها إلَى الْإِمَامِ يَصْرِفُهَا في بَعْضِ مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ بَيْعًا وَعَطَاءً لِأَنَّ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه كان يَقْسِمُهَا على الْحَاجِّ قال وهو حَسَنٌ مُتَعَيِّنٌ لِئَلَّا تَتْلَفَ بِالْبِلَى وَبِهِ قال ابن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَجَوَّزُوا لِمَنْ أَخَذَهَا لُبْسَهَا وَلَوْ حَائِضًا وَجُنُبًا وَنَبَّهَ في الْمُهِمَّاتِ على أَنَّ ما قَالَهُ النَّوَوِيُّ هُنَا مُخَالِفٌ لِمَا وَافَقَ عليه الرَّافِعِيُّ في آخِرِ الْوَقْفِ من تَصْحِيحِ أنها تُبَاعُ إذَا لم يَبْقَ فيها جَمَالٌ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهَا في مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ قال وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْمَسْأَلَةِ أَحْوَالًا أَحَدُهَا أَنْ تُوقَفَ على الْكَعْبَةِ وَحُكْمُهَا ما مَرَّ وَخَطَّأَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّ الذي مَرَّ مَحَلُّهُ إذَا كَسَاهَا الْإِمَامُ من بَيْتِ الْمَالِ أَمَّا إذَا وُقِفَتْ فَلَا يَتَعَقَّلُ عَالِمٌ جَوَازَ صَرْفِهَا في مَصَالِحِ غَيْرِ الْكَعْبَةِ ثَانِيهَا أَنْ يُمَلِّكَهَا مَالِكُهَا لِلْكَعْبَةِ فَلِقَيِّمِهَا أَنْ يَفْعَلَ فيها ما يَرَاهُ من تَعْلِيقِهَا عليها أو بَيْعِهَا وَصَرْفِ ثَمَنِهَا إلَى مَصَالِحِهَا ثَالِثُهَا أَنْ يُوقَفَ شَيْءٌ على أَنْ يُؤْخَذَ رِيعُهُ وَيُكْسَى بِهِ الْكَعْبَةُ كما في عَصْرِنَا فإن الْإِمَامَ قد وَقَفَ على ذلك بِلَادًا قال وقد تَلَخَّصَ لي في هذه الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ شيئا من بَيْعٍ أو إعْطَاءٍ أو غَيْرِهِ فَلَا كَلَامَ وَإِلَّا فَإِنْ لم يَقِفْ النَّاظِرُ تِلْكَ الْكِسْوَةَ فَلَهُ بَيْعُهَا وَصَرْفُ ثَمَنِهَا في كِسْوَةٍ أُخْرَى وَإِنْ وَقَفَهَا فَيَأْتِي ما مَرَّ من الْخِلَافِ
____________________
(1/522)
في الْبَيْعِ نعم بَقِيَ قِسْمٌ آخَرُ وهو الْوَاقِعُ الْيَوْمَ في هذا الْوَقْفِ وهو أَنَّ الْوَاقِفَ لم يَشْرُطْ شيئا من ذلك وَشَرَطَ تَجْدِيدَهَا كُلَّ سَنَةٍ مع عِلْمِهِ بِأَنَّ بَنِي شَيْبَةَ كَانُوا يَأْخُذُونَهَا كُلَّ سَنَةٍ لَمَّا كانت تُكْسَى من بَيْتِ الْمَالِ فَهَلْ يَجُوزُ لهم أَخْذُهَا الْآنَ أو تُبَاعُ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهَا إلَى كِسْوَةٍ أُخْرَى فيه نَظَرٌ وَالْمُتَّجَهُ الْأَوَّلُ
فَصْلٌ وَيَحْرُمُ صَيْدُ الْمَدِينَةِ وَشَجَرُهَا الْأَوْلَى ما في الْمَجْمُوعِ وَنَبَاتُهَا وَالْمُرَادُ حَرَمُهَا وَذَلِكَ كما في حَرَمِ مَكَّةَ وَلِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي حَرَّمْت الْمَدِينَةَ ما بين لَابَتَيْهَا لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ زَادَ مُسْلِمٌ وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا وفي أبي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَاللَّابَتَانِ الْحَرَّتَانِ تَثْنِيَةُ لَابَةٍ وَهِيَ أَرْضٌ تَرْكِيبُهَا حِجَارَةٌ سُودٌ لَابَةٌ شَرْقِيُّ الْمَدِينَةِ وَلَابَةٌ غَرْبِيُّهَا فَحَرَمُهَا ما بَيْنَهُمَا عَرْضًا وما بين جَبَلَيْهَا طُولًا وَهُمَا عَيْرٌ وَثَوْرٌ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ الْمَدِينَةُ حَرَمٌ من عَيْرٍ إلَى ثَوْرٍ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ذِكْرَ ثَوْرٍ هُنَا وهو بِمَكَّةَ غَلَطٌ من الرُّوَاةِ وَأَنَّ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ أُحُدٌ وَرُدَّ بِأَنَّ وَرَاءَهُ جَبَلًا صَغِيرًا يُقَالُ له ثَوْرٌ فَأُحُدٌ من الْحَرَمِ وَلَا ضَمَانَ فيه أَيْ في كُلٍّ من الصَّيْدِ وَالنَّبَاتِ لِأَنَّ حَرَمَ الْمَدِينَةِ ليس مَحَلًّا لِلنُّسُكِ بِخِلَافِ حَرَمِ مَكَّةَ وَكَذَا وَجُّ الطَّائِفِ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ وَادٍ بِصَحْرَاءِ الطَّائِفِ أَيْ يَحْرُمُ صَيْدُهُ وَنَبَاتُهُ وَلَا ضَمَانَ فيه أَمَّا عَدَمُ الضَّمَانِ فَلِمَا مَرَّ وَأَمَّا الْحُرْمَةُ فَلِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أَلَا إنَّ صَيْدَ وَجٍّ وَعِضَاهَهُ يَعْنِي شَجَرَهُ حَرَامٌ مُحَرَّمٌ لَكِنَّ إسْنَادَهُ ضَعِيفٌ كما قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ وَذِكْرُ شَجَرِ وَجٍّ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَنَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الشَّافِعِيِّ
فَصْلٌ
النَّقِيعُ بِالنُّونِ وَقِيلَ بِالْبَاءِ ليس بِحَرَمٍ بَلْ حِمًى حَمَاهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِإِبِلِ الصَّدَقَةِ قال في الْأَصْلِ وَنَعَمِ الْجِزْيَةِ فَلَا يُمْلَكُ شَيْءٌ من نَبَاتِهِ وَلَا يَحْرُمُ صَيْدُهُ وَلَوْ عَبَّرَ بِنَعَمِ الصَّدَقَةِ كان أَوْلَى فَلَوْ أَتْلَفَ أَحَدٌ شَجَرَهُ أو حَشِيشَهُ لَا صَيْدَهُ ضَمِنَهُ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ منه بِخِلَافِ الصَّيْدِ وَاحْتَجَّ له بِخَبَرِ أبي دَاوُد لَا يُخْبَطُ وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُ حِمَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَكِنْ يُهَشُّ هَشًّا رَفِيقًا وَرُوِيَ أَيْضًا عن عَدِيِّ بن زَيْدٍ قال حِمَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كُلُّ نَاحِيَةٍ من الْمَدِينَةِ بَرِيدًا بَرِيدًا لَا يُخْبَطُ شَجَرُهُ وَلَا يُعْضَدُ إلَّا ما يُسَاقُ بِهِ الْجَمَلُ وَيَضْمَنُ ما أَتْلَفَهُ من ذلك بِالْقِيمَةِ كَسَائِرِ الْمُتَقَوِّمَاتِ وَيَصْرِفُهَا لِبَيْتِ الْمَالِ هذا بَحَثَهُ النَّوَوِيُّ بَعْدَ قَوْلِهِ كَالرَّافِعِيِّ وَمَصْرِفُهَا مَصْرِفُ نَعَمِ الْجِزْيَةِ وَالصَّدَقَةِ
فَصْلُ الْمَحْظُورَاتِ بِالْإِحْرَامِ تَنْقَسِمُ إلَى اسْتِهْلَاكٍ كَالْحَلْقِ وإلى اسْتِمْتَاعٍ كَالطِّيبِ الْأَوْلَى كَالتَّطَيُّبِ وَهُمَا أَنْوَاعٌ حَلْقٌ وَقَلْمٌ وَإِتْلَافُ صَيْدٍ أو نَحْوِهِ وَتَطَيُّبٌ وَلُبْسٌ وَدَهْنٌ وَجِمَاعٌ وَنَحْوُهُ فَهُنَّ سَبْعَةٌ على ما مَرَّ له كَأَصْلِهِ من أَنَّ الْأَوَّلَيْنِ نَوْعٌ وَاحِدٌ وَثَمَانِيَةٌ على ما يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمَا الْآتِي من أَنَّهُمَا نَوْعَانِ وَلَا تَتَدَاخَلُ الْمَحْظُورَاتُ بِتَدَاخُلِ الْفِدْيَةِ أَيْ بِاتِّحَادِهَا إلَّا إنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ كَتَطَيُّبِهِ وَلُبْسِهِ بِأَصْنَافٍ أو بِصِنْفٍ مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ أو حَلْقِهِ شَعْرِ رَأْسِهِ وَذَقَنِهِ وَبَدَنِهِ واتحد الْمَكَانُ وَالزَّمَانُ عَادَةً ولم يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا تَكْفِيرٌ ولم تَكُنْ مِمَّا تُقَابَلُ بِمِثْلٍ أو نَحْوِهِ فَتَتَّحِدُ الْفِدْيَةُ لِأَنَّ ذلك يُعَدُّ حِينَئِذٍ خَصْلَةً وَاحِدَةً نعم لو أَفْسَدَ نُسُكَهُ بِجِمَاعٍ ثُمَّ جَامَعَ ثَانِيًا فَلَا اتِّحَادَ لِاخْتِلَافِ الْمُوجِبِ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَلَا يَقْدَحُ في اتِّحَادِ الزَّمَانِ طُولُهُ في تَكْوِيرِ الْعِمَامَةِ وَلُبْسِ ثِيَابٍ كَثِيرَةٍ كَالرَّضْعَةِ في الرَّضَاعِ وَالْأَكْلَةِ في الْيَمِينِ وَلَعَلَّ هذا مُرَادُ الْإِسْنَوِيِّ بِقَوْلِهِ لو لَبِسَ ثَوْبًا فَوْقَ آخَرَ لم يَلْزَمْهُ لِلثَّانِي فِدْيَةٌ وَإِنْ اخْتَلَفَ الزَّمَانُ
فَإِنْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ كَأَنْ حَلَقَ وَقَلَّمَ أو تَطَيَّبَ وَلَبِسَ تَعَدَّدَتْ أَيْ الْفِدْيَةُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْمَكَانُ وَالزَّمَانُ ولم يَتَخَلَّلْ تَكْفِيرٌ أَمْ لَا لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ لَا إنْ لَبِسَ ثَوْبًا مُطَيَّبًا أو طَلَى رَأْسَهُ بِطِيبٍ أو بَاشَرَ بِشَهْوَةٍ عِنْدَ الْجِمَاعِ فَلَا تَتَعَدَّدُ الْفِدْيَةُ وَإِنْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ لِاتِّحَادِ الْفِعْلِ وَإِنْ اخْتَلَفَ مَكَانُ الْحَلْقَيْنِ أو اللُّبْسَيْنِ أو التَّطَيُّبَيْنِ أو اخْتَلَفَ زَمَانُهُمَا تَعَدَّدَتْ على الْأَصْلِ في ارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ وَتَتَعَدَّدُ أَيْضًا بِتَخَلُّلِ التَّكْفِيرِ كَالْحُدُودِ وَلَا يَتَدَاخَلُ الصَّيْدُ وَنَحْوُهُ كَالشَّجَرَةِ مع مِثْلِهِمَا أو غَيْرِهِمَا وَإِنْ اتَّحَدَ نَوْعُهُ وَالْمَكَانُ وَالزَّمَانُ ولم يَتَخَلَّلْ تَكْفِيرٌ كَضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ وَجَرْيًا على الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ وَقَوْلُهُ وَنَحْوِهِ من زِيَادَتِهِ وَقَوْلُهُ فَإِنْ حَلَقَ إلَى هُنَا تَصْرِيحٌ بِمَا شَمَلَهُ الْمُسْتَثْنَى منه قَبْلَهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ كَسَرَ بَيْضَةَ نَعَامٍ وَفِيهَا
____________________
(1/523)
فَرْخٌ وَمَاتَ لَزِمَهُ مِثْلُهُ من النَّعَمِ وَلَا يَجِبُ لِكَسْرِ الْبَيْضَةِ شَيْءٌ فِيمَا يَظْهَرُ بَلْ يَدْخُلُ ضِمْنًا في فِدْيَةِ الْفَرْخِ وَالظَّاهِرُ خِلَافُ ما قَالَهُ لِأَنَّ الصَّيْدَ وَنَحْوَهُ لَا تَدَاخُلَ فِيهِمَا وَلَا أَثَرَ لِاتِّحَادِ الْفِعْلِ فِيهِمَا بِدَلِيلِ ما لو أَرْسَلَ سَهْمًا إلَى صَيْدٍ فَنَفَذَ منه إلَى آخَرَ فإن الْفِدْيَةَ تَتَعَدَّدُ وَالطِّيبُ كُلُّهُ نَوْعٌ وَكَذَا اللِّبَاسُ وَكَذَا بَقِيَّةُ الْمَذْكُورَاتِ وَإِنْ نَوَى بِالْكَفَّارَةِ بين كُلٍّ من الْحَلْقَيْنِ وَاللُّبْسَيْنِ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلَ فَفِي إجْزَائِهَا عن الثَّانِي كَالْأَوَّلِ إذَا اتَّحَدَ الْمَكَانُ وَالزَّمَانُ وَجْهَانِ بِنَاءً على جَوَازِ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ على الْحِنْثِ الْمَحْظُورِ وهو الْأَصَحُّ أَحَدُهُمَا تُجْزِئُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ لِلثَّانِي شَيْءٌ وَالثَّانِي الْمَنْعُ كما لَا يَجُوزُ لِلصَّائِمِ أَنْ يُكَفِّرَ قبل الْجِمَاعِ وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ
بَابُ مَوَانِعِ إتْمَامِ الْحَجِّ بَعْدَ الشُّرُوعِ فيه وَهِيَ سِتَّةٌ الْأَوَّلُ الْإِحْصَارُ الْعَامُّ أَيْ مَنْعُ الْمُحْرِمِينَ عن الْمُضِيِّ فيه من جَمِيعِ الطُّرُقِ يُقَالُ أَحْصَرَهُ وَحَصَرَهُ وقد اسْتَعْمَلَهُمَا الْمُصَنِّفُ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَشْهَرُ في حَصْرِ الْمَرَضِ وَالثَّانِي أَشْهَرُ في حَصْرِ الْعَدُوِّ فَإِنْ مُنِعُوا من الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أو الْبَيْتِ أَيْ الطَّوَافِ بِهِ كَالْمُعْتَمِرِ الْمَمْنُوعِ منه فلم يَتَمَكَّنُوا من ذلك إلَّا بِقِتَالٍ أو بَذْلِ مَالٍ فَلَهُمْ بَعْدَ إتْيَانِهِمْ بِمَا يَقْدِرُونَ عليه التَّحَلُّلُ وَإِنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَلَوْ مُنِعُوا الرُّجُوعَ أَيْضًا سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَانِعُ مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ أَيْ وَأَرَدْتُمْ التَّحَلُّلَ فما اسْتَيْسَرَ من الْهَدْيِ أَيْ فَعَلَيْكُمْ ذلك وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَحَلَّلَ هو وَأَصْحَابُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ لَمَّا صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ وكان مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ فَنَحَرَ ثُمَّ حَلَقَ وقال لِأَصْحَابِهِ قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ على ذلك أَمَّا إذَا تَمَكَّنُوا بِغَيْرِ قِتَالٍ أو بَذْلِ مَالٍ فَلَا يَتَحَلَّلُونَ وَعُلِمَ من كَلَامِهِ أَنَّهُ لو طَلَبَ منهم لم يَلْزَمْهُمْ بَذْلُهُ وهو كَذَلِكَ وَإِنْ قَلَّ إذْ لَا يَجِبُ احْتِمَالُ الظُّلْمِ في أَدَاءِ النُّسُكِ وَيُكْرَهُ بَذْلُ مَالٍ لِلْكُفَّارِ لِمَا فيه من الصَّغَارِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَلَا يَحْرُمُ كما لَا تَحْرُمُ الْهِبَةُ لهم أَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَلَا يُكْرَهُ بَذْلُهُ لهم
وَالْأَوْلَى قِتَالُهُمْ أَيْ الْكُفَّارِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عليه لِيَجْمَعُوا بين الْجِهَادِ وَنُصْرَةِ الْإِسْلَامِ وَإِتْمَامِ النُّسُكِ فَإِنْ عَجَزُوا عن قِتَالِهِمْ أو كان الْمَانِعُونَ مُسْلِمِينَ فَالْأَوْلَى لهم أَنْ يَتَحَلَّلُوا وَيَتَحَرَّزُوا عن الْقِتَالِ تَحَرُّزًا عن سَفْكِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَيَلْبَسُ الْمُحْصَرُ جَوَازًا إنْ أَرَادَ الْقِتَالَ الدِّرْعَ وَنَحْوَهُ من آلَاتِ الْحَرْبِ كَالْمِغْفَرِ وَيَفْدِي وُجُوبًا كما لو لَبِسَ الْمُحْرِمُ مَخِيطًا لِدَفْعِ حَرٍّ أو بَرْدٍ وَالتَّحَلُّلُ أَيْ تَعْجِيلُهُ إنْ خَشِيَ من تَرْكِهِ الْفَوَاتَ لِلنُّسُكِ أَوْلَى إلَّا إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ فَالْأَوْلَى لهم الصَّبْرُ لِاحْتِمَالِ زَوَالِ الْمَنْعِ وَإِتْمَامِ النُّسُكِ وَالِاسْتِثْنَاءُ مع أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ كان في الْحَجِّ وَتَيَقَّنَ زَوَالَ الْحَصْرِ في مُدَّةٍ يُمْكِنُ إدْرَاكُ الْحَجِّ بَعْدَهَا أو في الْعُمْرَةِ وَتَيَقَّنَ قُرْبَ زَوَالِهِ وهو ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ امْتَنَعَ تَحَلُّلُهُ وَخَرَجَ بِالْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ الْمَتْبُوعُ بِالسَّعْيِ ما لو مُنِعَ من الرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ فَلَا يَجُوزُ له التَّحَلُّلُ لِتَمَكُّنِهِ من التَّحَلُّلِ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْحَلْقِ وَيُجْزِئُهُ عن نُسُكِهِ وَالرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ يُجْبَرَانِ بِالدَّمِ فَصْلٌ وَلَا يَتَحَلَّلُ الْمُحْرِمُ لِمَرَضٍ وَفَقْدِ نَفَقَةٍ وَضَلَالٍ لِطَرِيقٍ وَنَحْوِهِ من الْأَعْذَارِ كَالْخَطَأِ في الْعَدَدِ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ لَا يُفِيدُ زَوَالَ الْمَرَضِ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ التَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ بَلْ يَصْبِرُ حتى يَزُولَ عُذْرُهُ فَإِنْ كان مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ أَتَمَّهَا أو بِحَجٍّ وَفَاتَهُ تَحَلَّلَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ إلَّا إذَا شَرَطَهُ أَيْ شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِهِ وَقْتَ الْإِحْرَامِ فَلَهُ التَّحَلُّلُ بِهِ كما أَنَّ له أَنْ يَخْرُجَ من الصَّوْمِ فِيمَا لو نَذَرَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَخْرُجَ منه بِعُذْرٍ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن عَائِشَةَ قالت دخل رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ فقال لها أَرَدْت الْحَجَّ قالت وَاَللَّهِ ما أَجِدُنِي إلَّا وَجِعَةً فقال حُجِّي وَاشْتَرِطِي
____________________
(1/524)
وَقُولِي اللَّهُمَّ مَحَلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي وَقِيسَ بِالْحَجِّ الْعُمْرَةُ وَالِاحْتِيَاطُ اشْتِرَاطُ ذلك فإذا شَرَطَهُ بِلَا هَدْيٍ لم يَلْزَمْهُ هَدْيٌ عَمَلًا بِشَرْطِهِ وَكَذَا لو أَطْلَقَ لِعَدَمِ الشَّرْطِ وَالظَّاهِرُ خَبَرُ ضُبَاعَةَ فَالتَّحَلُّلُ فِيهِمَا يَكُونُ بِالنِّيَّةِ وَالْحَلْقِ فَقَطْ فَإِنْ شَرَطَهُ بِهَدْيٍ لَزِمَهُ عَمَلًا بِشَرْطِهِ وَلَوْ قال إنْ مَرِضْت فَأَنَا حَلَالٌ فَمَرِضَ صَارَ حَلَالًا بِالْمَرَضِ من غَيْرِ نِيَّةٍ وَعَلَيْهِ حَمَلُوا خَبَرَ أبي دَاوُد وَغَيْرَهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ من كُسِرَ أو عَرِجَ فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ من قَابِلٍ
وَإِنْ شَرَطَ قَلْبَهُ أَيْ حَجِّهِ عُمْرَةً بِالْمَرَضِ أو نَحْوِهِ جَازَ كما لو شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِهِ بَلْ أَوْلَى لِقَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي أُمَيَّةَ سُوَيْد بن غَفَلَةَ حُجَّ وَاشْتَرِطْ وَقُلْ اللَّهُمَّ الْحَجَّ أَرَدْت وَلَهُ عَمَدْت فَإِنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَعُمْرَةٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ لِعُرْوَةِ هل تُسْتَثْنَى إذَا حَجَجْت فقال مَاذَا أَقُولُ قالت قُلْ اللَّهُمَّ الْحَجَّ أَرَدْتُ وَلَهُ عَمَدْتُ فَإِنْ يَسَّرْتَهُ فَهُوَ الْحَجُّ وَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَهُوَ عُمْرَةٌ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ فَلَهُ في ذلك إذَا وَجَدَ الْعُذْرَ أَنْ يَقْلِبَ حَجَّهُ عُمْرَةً وَيُجْزِئُهُ عن عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَنْقَلِبَ حَجُّهُ عُمْرَةً عِنْدَ الْعُذْرِ فَوُجِدَ الْعُذْرُ انْقَلَبَ حَجُّهُ عُمْرَةً وَأَجْزَأَتْهُ عن عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ كما صَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ بِخِلَافِ عُمْرَةِ التَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ لَا تُجْزِئُ عن عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهَا في الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ عُمْرَةً وَإِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُ عُمْرَةٍ
فَصْلٌ من تَحَلَّلَ أَيْ أَرَادَ التَّحَلُّلَ أَيْ الْخُرُوجَ من النُّسُكِ لِلْإِحْصَارِ وَلَوْ مع الشَّرْطِ أَيْ شَرْطِهِ أَنْ يَتَحَلَّلَ إذَا أُحْصِرَ وَلَوْ شَرَطَهُ بِلَا هَدْيٍ فِيمَا يَظْهَرُ لَزِمَهُ دَمٌ يَذْبَحُهُ لِلْآيَةِ وَالْخَبَرِ السَّابِقَيْنِ وَإِنَّمَا لم يُؤَثِّرْ شَرْطُهُ التَّحَلُّلَ بِالْإِحْصَارِ في إسْقَاطِ الدَّمِ كما أَثَّرَ فيه شَرْطُهُ التَّحَلُّلَ بِمَرَضٍ أو نَحْوِهِ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ بِالْإِحْصَارِ جَائِزٌ بِلَا شَرْطٍ فَشَرْطُهُ لَاغٍ نَاوِيًا عِنْدَ ذَبْحِهِ لِلتَّحَلُّلِ كما في الْخُرُوجِ من الصَّوْمِ لِعُذْرٍ وَلِاحْتِمَالِهِ لِغَيْرِ التَّحَلُّلِ ثُمَّ بَعْدَ الذَّبْحِ يَحْلِقُ بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حتى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ وَبُلُوغُهُ مَحِلَّهُ نَحْرُهُ وَاعْتِبَارُ تَأْخِيرِ الْحَلْقِ عن الذَّبْحِ من زِيَادَتِهِ وَكَذَا اعْتَبَرَهُ في الْمَجْمُوعِ فَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ بَعْدَهُ مع النِّيَّةِ إنْ وَجَدَ دَمًا أو بِالنِّيَّةِ مع الْحَلْقِ إنْ لم يَجِدْ دَمًا وَلَا طَعَامًا لِإِعْسَارِهِ أو غَيْرِهِ فَإِنْ عَدِمَ الدَّمَ فَبَدَلُهُ الْإِطْعَامُ بِقِيمَةِ الدَّمِ
ثُمَّ الصَّوْمُ بِأَنْ يَصُومَ لِكُلِّ مُدٍّ يَوْمًا كما في الدَّمِ الْوَاجِبِ بِالْإِفْسَادِ وَقُدِّمَ الْإِطْعَامُ على الصَّوْمِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْحَيَوَانِ منه لِاشْتِرَاكِهِمَا في الْمَالِيَّةِ فَيُذْبَحُ الدَّمُ وَيُفَرَّقُ لَحْمُهُ وَيُطْعِمُ الطَّعَامَ إنْ لم يَجِدْ الدَّمَ حَيْثُ أُحْصِرَ في الثَّلَاثَةِ وَلَوْ في الْحِلِّ مع ما لَزِمَهُ من الدِّمَاءِ بِنَذْرٍ أو بِسَبَبِ مَحْظُورٍ ارْتَكَبَهُ قبل التَّحَلُّلِ وَلَوْ أَمْكَنَهُ وقد أُحْصِرَ بِالْحِلِّ وُصُولُ طَرَفِ الْحَرَمِ فإنه يَذْبَحُ وَيُفَرِّقُ وَيُطْعِمُ حَيْثُ أُحْصِرَ وَلَا يَلْزَمُهُ بَعْثُ ذلك إلَى الْحَرَمِ فإنه صلى اللَّهُ عليه وسلم ذَبَحَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَهِيَ من الْحِلِّ نعم الْأَوْلَى بَعْثُهُ وَلَا يَجُوزُ الذَّبْحُ بِمَوْضِعٍ من الْحِلِّ غير الذي أُحْصِرَ فيه لِأَنَّ مَحَلَّ الْإِحْصَارِ صَارَ في حَقِّهِ كَنَفْسِ الْحَرَمِ أَمَّا من أُحْصِرَ في أَطْرَافِ الْحَرَمِ فَلَا يَجُوزُ له ذلك في الْحِلِّ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَ ذلك في الْمَجْمُوعِ قال الْبُلْقِينِيُّ وما صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ من الذَّبْحِ في الْحِلِّ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عن بَعْضِ الْبَغْدَادِيِّينَ وقال إنَّ مُقَابِلَهُ هو الْمَذْهَبُ وَحَكَاهُ عن جَمِيعِ الْبَصْرِيِّينَ وَأَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ حَكَاهُ في جَامِعِهِ عن الشَّافِعِيِّ نَصًّا وَنَصَّ عليه أَيْضًا في الْأُمِّ نَصًّا صَرِيحًا فَهُوَ الرَّاجِحُ
ا ه
ثُمَّ حَكَى النَّصَّ الْمَحْكِيَّ وَعِبَارَتَهُ فَإِنْ قَدَرَ على أَنْ يَكُونَ الذَّبْحُ بِمَكَّةَ لم يَجُزْ إلَّا بها وَإِنْ لم يَقْدِرْ ذَبَحَ حَيْثُ يَقْدِرُ وَلَيْسَ فيه كما قال الْعِرَاقِيُّ مُطْلَقُ الْحَرَمِ وَإِنَّمَا فيه بِمَكَّةَ خَاصَّةً وَمَتَى قَدَرَ عليها لَزِمَ الدُّخُولُ إلَيْهَا وَالتَّحَلُّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ كما مَرَّ فَلَيْسَ فيه ما يُنَافِي ما صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ وَيَصُومُ حَيْثُ شَاءَ لِمَا يَأْتِي في بَابِ الدِّمَاءِ مع أَنَّ الْأَصْلَ إنَّمَا ذَكَرَهُ ثَمَّ فَفِي ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ له هُنَا وَثَمَّ تَكْرَارٌ وَيَتَوَقَّفُ تَحَلُّلُهُ على الْإِطْعَامِ كَتَوَقُّفِهِ على الذَّبْحِ لَا على الصَّوْمِ لِأَنَّهُ يَطُولُ زَمَنُهُ فَتَعْظُمُ الْمَشَقَّةُ في الصَّبْرِ على الْإِحْرَامِ إلَى فَرَاغِهِ وَقِيلَ يَتَوَقَّفُ عليه وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ أَخْذًا من كَلَامِ أَصْلِهِ في تَحَلُّلِ الْعَبْدِ
الْمَانِعُ الثَّانِي الْحَصْرُ الْخَاصُّ فإذا حُبِسَ ظُلْمًا أو بِدَيْنٍ وهو مُعْسِرٌ بِهِ تَحَلَّلَ جَوَازًا كما في الْحَصْرِ الْعَامِّ لِأَنَّ مَشَقَّةَ كل أَحَدٍ لَا تَخْتَلِفُ بين أَنْ يَتَحَمَّلَ غَيْرُهُ مِثْلَهَا وَأَنْ لَا يَتَحَمَّلَ وَإِلَّا بِأَنْ حُبِسَ بِحَقٍّ كَأَنْ حُبِسَ بِدَيْنٍ يَتَمَكَّنُ من أَدَائِهِ فَلَا يَجُوزُ له التَّحَلُّلُ بَلْ عليه أَنْ يُؤَدِّيَ وَيَمْضِيَ في نُسُكِهِ فَلَوْ تَحَلَّلَ لم يَصِحَّ تَحَلُّلُهُ فَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ في الْحَبْسِ لم يَتَحَلَّلْ إلَّا بِالْعُمْرَةِ أَيْ بِعَمَلِهَا بَعْدَ إتْيَانِهِ مَكَّةَ كَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِلَا إحْصَارٍ الْمَانِعُ الثَّالِثُ الرِّقُّ فإذا أَحْرَمَ عَبْدُهُ وفي مَعْنَاهُ أَمَتُهُ بِإِذْنِهِ لم يُحَلِّلْهُ وَإِنْ أَفْسَدَ نُسُكَهُ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ عَقَدَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فلم
____________________
(1/525)
يَمْلِكُ إخْرَاجَهُ منه كَالنِّكَاحِ وَلَا لِمُشْتَرِيهِ ذلك ولكن لِمُشْتَرِيهِ الْفَسْخُ لِلْبَيْعِ إنْ جَهِلَ إحْرَامَهُ بِخِلَافِ ما إذَا عَلِمَهُ أو أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وهو حَرَامٌ كما صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ إذْ لَا نُسُكَ عليه فَلَهُ أَيْ لِسَيِّدِهِ وَلِمُشْتَرِيهِ تَحْلِيلُهُ لِأَنَّهُمَا قد يُرِيدَانِ منه ما لَا يُبَاحُ لِلْمُحْرِمِ كَالِاصْطِيَادِ وَإِصْلَاحِ الطِّيبِ وَقُرْبَانِ الْأَمَةِ وفي مَنْعِهِمَا من ذلك إضْرَارٌ بِهِمَا لَكِنَّ الْأَوْلَى لَهُمَا أَنْ يَأْذَنَا له في إتْمَامِ نُسُكِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ في السَّيِّدِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُسْتَثْنَى ما لو أَسْلَمَ عَبْدٌ حَرْبِيٌّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ غَنِمْنَاهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ليس لنا تَحْلِيلُهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ في الْبَالِغِ وَأَنَّ الصَّغِيرَ لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَإِنْ صَحَّحْنَا إحْرَامَ الصَّغِيرِ الْحُرِّ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ وَلِنَفْسِهِ أَيْ الْعَبْدِ أَنْ يَتَحَلَّلَ قِيلَ بِأَمْرِ سَيِّدِهِ كما صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ في الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عن الْأَصْحَابِ في الزَّوْجَةِ قُلْت قِيَاسُهُ على الزَّوْجَةِ مَمْنُوعٌ وَإِلَّا وُجِّهَ أَنَّ له ذلك وَإِنْ لم يَأْمُرْهُ بِهِ سَيِّدُهُ بَلْ إذَا أَمَرَهُ بِهِ لَزِمَهُ كما صَرَّحَ بِهِ ابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَعِبَارَةُ الْقَمُولِيِّ وَحَيْثُ جَازَ لِلسَّيِّدِ تَحْلِيلُهُ جَازَ لِلْعَبْدِ التَّحَلُّلُ وَيَجِبُ إذَا أَمَرَهُ بِهِ
ا ه
وَإِنَّمَا لم يَجِبْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَإِنْ كان الْخُرُوجُ من الْمَعْصِيَةِ وَاجِبًا لِكَوْنِهِ تَلَبَّسَ بِعِبَادَةٍ في الْجُمْلَةِ مع جَوَازِ رِضَا السَّيِّدِ بِدَوَامِهِ فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ له التَّحَلُّلَ وَإِنْ لم يَأْذَنْ له سَيِّدُهُ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَلَوْ مُكَاتَبًا وَكَذَا لِسَيِّدِهِ أَيْ الْمُكَاتَبِ أَنْ يُحَلِّلَهُ إنْ احْتَاجَ في تَأْدِيَةِ نُسُكِهِ إلَى سَفَرٍ هذا التَّقْيِيدُ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ أَذِنَ له في الْإِحْرَامِ وَرَجَعَ عن إذْنِهِ قبل إحْرَامِهِ حَلَّلَهُ جَوَازًا إذَا أَحْرَمَ وَلَوْ لم يَعْلَمْ بِرُجُوعِهِ كما لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْوَكِيلُ بَعْدَ الْعَزْلِ وَقَبْلَ عِلْمِهِ بِهِ وَإِنْ أَذِنَ له في الْعُمْرَةِ فَحَجَّ أَيْ فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ حَلَّلَهُ جَوَازًا لِأَنَّهُ فَوْقَهَا لَا عَكْسَهُ بِأَنْ أَذِنَ له في الْحَجِّ فَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ لِأَنَّهَا دُونَهُ وَإِنْ أَذِنَ له في التَّمَتُّعِ فَلَهُ الرُّجُوعُ بَيْنَهُمَا أَيْ بين الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كما لو رَجَعَ في الْإِذْنِ قبل الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ وَلَيْسَ له تَحْلِيلُهُ عن شَيْءٍ مِنْهُمَا بَعْدَ الشُّرُوعِ فيه فَإِنْ قَرَنَ بَعْدَ إذْنِهِ له في التَّمَتُّعِ أو في الْحَجِّ أو في الْإِفْرَادِ لم يُحَلِّلْهُ لِأَنَّ ما أَذِنَ له فيه مُسَاوٍ لِلْقِرَانِ أو فَوْقَهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وما ذَكَرَهُ في صُورَةِ التَّمَتُّعِ تَابَعَ فيه الْبَغَوِيّ وَاَلَّذِي أَوْرَدَهُ شَيْخُهُ الْقَاضِي وابن كَجٍّ أَنَّ له تَحْلِيلَهُ قال الْقَاضِي لِأَنَّهُ أَذِنَ له أَنْ يَعْتَمِرَ أَوَّلًا فَلَيْسَ له أَنْ يَحُجَّ أَوَّلًا وقال ابن كَجٍّ لِأَنَّهُ يقول كان غَرَضِي من التَّمَتُّعِ أَنِّي كُنْت أَمْنَعُك من الدُّخُولِ في الْحَجِّ ا ه
وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وقال وما قَالَاهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ قد يُرِيدُ اسْتِعْمَالَ الْعَبْدِ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ من الْعُمْرَةِ فِيمَا يَحْرُمُ على الْمُحْرِمِ كَالِاصْطِيَادِ أو أَذِنَ له بِالْإِحْرَامِ في ذِي الْقِعْدَةِ فَأَحْرَمَ في شَوَّالٍ حَلَّلَهُ جَوَازًا ما لم يَدْخُلْ ذُو الْقِعْدَةِ فَإِنْ أَفْسَدَهُ الْعَبْدُ بِالْجِمَاعِ لم يَلْزَمْ السَّيِّدَ الْإِذْنُ في الْقَضَاءِ وَلَوْ أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ لِأَنَّهُ لم يَأْذَنْ في الْإِفْسَادِ وما لَزِمَهُ من دَمٍ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ كَاللِّبَاسِ أو بِالْفَوَاتِ لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ وَلَوْ أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ بَلْ لَا يُجْزِئُهُ إذَا ذَبَحَ عنه إذْ لَا ذَبْحَ عليه لِكَوْنِهِ لَا يَمْلِكُ شيئا وَإِنْ مَلَكَهُ سَيِّدُهُ وَوَاجِبُهُ الصَّوْمُ وَلَهُ مَنْعُهُ منه إنْ كان يَضْعُفُ بِهِ عن الْخِدْمَةِ أو يَنَالُهُ بِهِ ضَرَرٌ وَلَوْ أَذِنَ له في الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ لم يَأْذَنْ له في مُوجِبِهِ لَا إنْ وَجَبَ الصَّوْمُ بِتَمَتُّعٍ أو قِرَانٍ إنْ أَذِنَ له فيه فَلَيْسَ له مَنْعُهُ منه لِإِذْنِهِ في مُوجِبِهِ وَإِنْ ذَبَحَ عنه السَّيِّدُ
____________________
(1/526)
بَعْدَ مَوْتِهِ جَازَ لِأَنَّهُ حَصَلَ الْيَأْسُ من تَكْفِيرِهِ وَالتَّمْلِيكُ بَعْدَ الْمَوْتِ ليس بِشَرْطٍ وَلِهَذَا لو تَصَدَّقَ عن مَيِّتٍ جَازَ وقد أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سَعْدًا أَنْ يَتَصَدَّقَ عن أُمِّهِ بَعْدَ مَوْتِهَا
وَإِنْ أُعْتِقَ الْعَبْدُ قبل صَوْمِهِ وَقَدَرَ على الدَّمِ لَزِمَهُ الدَّمُ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْأَدَاءِ وَمَنْ فيه رِقٌّ من أُمِّ وَلَدٍ وَمُدَبَّرٍ وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَمُبَعَّضٍ ليس بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ أو بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ وَأَحْرَمَ في نَوْبَةِ سَيِّدِهِ كَالرَّقِيقِ فَيَأْتِي فيه ما مَرَّ فَإِنْ أَحْرَمَ الْمُبَعَّضُ في نَوْبَتِهِ وَوَسِعَتْ النُّسُكَ فَكَالْحُرِّ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَحَكَاهُ في الْبَحْرِ عن الْأَصْحَابِ وَتَوَقَّفَ فيه وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لو أَحْرَمَ الْمُبَعَّضُ في نَوْبَتِهِ وَارْتَكَبَ الْمَحْظُورَ في نَوْبَةِ سَيِّدِهِ أو عَكْسَهُ اُعْتُبِرَ وَقْتُ ارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ وَأَنَّ الْمُكَاتَبَ يُكَفِّرُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ كَالْحُرِّ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ وَعَلَيْهِ فَيُجْزِئُهُ أَنْ يَذْبَحَ عنه وَلَوْ في حَيَاتِهِ فَرْعٌ وَتَحْلِيلُ السَّيِّدِ عَبْدَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالتَّحَلُّلِ لَا أَنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِهِ إذْ غَايَتُهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ وَيَمْنَعَهُ الْمُضِيَّ وَيَأْمُرَهُ بِفِعْلِ الْمَحْظُورَاتِ أو يَفْعَلَهَا بِهِ وَلَا يَرْتَفِعُ الْإِحْرَامُ بِشَيْءٍ وَمِنْ ذلك فَمَتَى نَوَى أَيْ الْعَبْدُ التَّحَلُّلَ وَحَلَقَ تَحَلَّلَ وَلَا يَتَوَقَّفُ تَحَلُّلُهُ على الصَّوْمِ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لِسَيِّدِهِ وقد يَسْتَعْمِلُهُ في مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَلَوْ نَذَرَ الْحَجَّ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَأَجْزَأَهُ فِعْلُهُ في حَالِ الرِّقِّ
الْمَانِعُ الرَّابِعُ الزَّوْجِيَّةُ يُسْتَحَبُّ له أَنْ يَحُجَّ بِامْرَأَتِهِ لِلْأَمْرِ بِهِ في خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ وَيُسْتَحَبُّ لها أَنْ لَا تُحْرِمَ بِنُسُكِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا يُخَالِفُ هذا ما يَأْتِي من أَنَّ الْأَمَةَ الْمُزَوَّجَةَ يَمْتَنِعُ عليها الْإِحْرَامُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَسَيِّدِهَا لِأَنَّ الْحَجَّ لَازِمٌ لِلْحُرَّةِ فَتَعَارَضَ في حَقِّهَا وَاجِبَانِ الْحَجُّ وَطَاعَةُ الزَّوْجِ فَجَازَ لها الْإِحْرَامُ وَنُدِبَ الِاسْتِئْذَانُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ لَا يَجِبُ عليها الْحَجُّ وَيُؤَيِّدُ ذلك ما يَأْتِي في النَّفَقَاتِ من أَنَّ الزَّوْجَةَ يَحْرُمُ عليها الشُّرُوعُ في صَوْمِ النَّفْلِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ بِخِلَافِ الْفَرْضِ ذَكَرَ ذلك الزَّرْكَشِيُّ وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ على الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ إحْرَامُهَا بِالنَّفْلِ فَإِنْ فَعَلَتْ أَيْ أَحْرَمَتْ بِلَا إذْنٍ فَلَهُ تَحْلِيلُهَا لِأَنَّ حَقَّهُ على الْفَوْرِ وَالنُّسُكَ على التَّرَاخِي وَيُخَالِفُ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ لِطُولِ مُدَّتِهِ بِخِلَافِهِمَا قال في الْمَجْمُوعِ وَأَمَّا خَبَرُ لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ فَأَجَابُوا عنه بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ على أَنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ أو على غَيْرِ الْمُزَوَّجَاتِ لِأَنَّهُ لم يَتَعَلَّقْ بِهِنَّ حَقٌّ على الْفَوْرِ أو أَنَّ الْمُرَادَ لَا تَمْنَعُوهُنَّ مَسَاجِدَ الْبَلَدِ لِلصَّلَوَاتِ وَهَذَا هو ظَاهِرُ سِيَاقِ الْخَبَرِ وَيُسْتَثْنَى ما لو سَافَرَتْ معه وَأَحْرَمَتْ بِحَيْثُ لم تُفَوِّتْ عليه اسْتِمْتَاعًا بِأَنْ كان مُحْرِمًا فَلَيْسَ له تَحْلِيلُهَا كما أَنَّ السَّيِّدَ لَا يَمْنَعُ عَبْدَهُ من صَوْمِ تَطَوُّعٍ ولم يُفَوِّتْ بِهِ عليه أَمْرَ الْخِدْمَةِ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ
قال وَهَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَإِنْ قال الْمَاوَرْدِيُّ بِخِلَافِهِ وَيُسْتَثْنَى النَّذْرُ الْمُعَيَّنُ قبل النِّكَاحِ أو بَعْدَهُ لَكِنْ بِإِذْنِ الزَّوْجِ وَالْحَابِسَةُ نَفْسَهَا لِقَبْضِ الْمَهْرِ فَإِنَّهَا لَا تُمْنَعُ من السَّفَرِ كما قَالَهُ الْقَاضِي وَحِينَئِذٍ فإذا أَحْرَمَتْ لم يَكُنْ له تَحْلِيلُهَا وَحَيْثُ حَلَّلَهَا فَلْيُحَلِّلْهَا كَالْعَبْدِ بِأَنْ يَأْمُرَهَا بِالتَّحَلُّلِ ويجب عليها أَنْ تَتَحَلَّلَ بِأَمْرِ زَوْجِهَا كَالْمُحْصَرِ أَيْ كَتَحَلُّلِهِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَإِنْ لم يَأْمُرْهَا لم يَجُزْ لها التَّحَلُّلُ كما نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْأَصْحَابِ فَإِنْ كَرِهَتْ أَيْ امْتَنَعَتْ من تَحَلُّلِهَا مع تَمَكُّنِهَا منه فَلَهُ وَطْؤُهَا وَسَائِرُ الِاسْتِمْتَاعِ بها وَالْإِثْمُ عليها لَا عليه كما في الْحَائِضِ إذَا امْتَنَعَتْ من غُسْلِ الْحَيْضِ فإنه يَجُوزُ لِلزَّوْجِ تَغْسِيلُهَا وَوَطْؤُهَا مع بَقَاءِ حَدَثِهَا وَالْإِثْمُ عليها وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ في جَوَازِهِ قال الرَّافِعِيُّ لِأَنَّ الْمُحْرِمَةَ مُحَرَّمَةٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَالْمُرْتَدَّةِ فَيُحْتَمَلُ تَحْرِيمُهَا على الزَّوْجِ إلَى أَنْ تَتَحَلَّلَ
فَرْعٌ له حَبْسُ الْمُعْتَدَّةِ عن الْخُرُوجِ إذَا أَحْرَمَتْ وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ وَإِنْ خَشِيَتْ الْفَوَاتَ أو أَحْرَمَتْ بِإِذْنِهِ لِسَبْقِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ وَتَعْبِيرُهُ بِلَهُ مُوَافِقٌ لِتَعْبِيرِ الْمَجْمُوعِ بِهِ وَعَبَّرَ الْأَصْلُ بِعَلَيْهِ نَظَرًا إلَى أَنَّ أَمْرَهَا بِالْإِسْكَانِ بِمَسْكَنِهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَلَا يُحَلِّلُهَا إلَّا إنْ رَاجَعَهَا فَلَهُ تَحْلِيلُهَا إنْ أَحْرَمَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ولم يُرَاجِعْهَا مَضَتْ في الْحَجِّ فَإِنْ أَدْرَكَتْهُ فَذَاكَ وَإِلَّا فَلَهَا حُكْمُ من فَاتَهُ الْحَجُّ قال في الْمَجْمُوعِ وَلَوْ أَحْرَمَتْ ثُمَّ طَلَّقَهَا لم يَجُزْ لها التَّحَلُّلُ
____________________
(1/527)
فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَأَدْرَكَتْ الْحَجَّ فَذَاكَ وَإِنْ فَاتَهَا قال ابن الْمَرْزُبَانِ إنْ كانت سَبَبَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ بِخِيَارٍ وَنَحْوِهِ فَهِيَ الْمُفَوِّتَةِ وَإِلَّا فَفِي الْقَضَاءِ وَجْهَانِ بِنَاءً على الْقَوْلَيْنِ في الْمُحْصَرِ إذَا سَلَكَ طَرِيقًا فَفَاتَهُ
ا ه
وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ الْمَنْعِ وَسَيَأْتِي في الْعَدَدِ ما له تَعَلُّقٌ بِالْمَسْأَلَةِ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ فِيمَا لو أَحْرَمَتْ بِحَجِّ تَطَوُّعٍ ثُمَّ طَلُقَتْ ثُمَّ اعْتَدَّتْ فَفَاتَهَا الْحَجُّ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ كَالْخَطَأِ في الْعَدَدِ وَالثَّانِي لَا لِعَدَمِ تَقْصِيرِهَا قال في الْمَجْمُوعِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ ابن الْمَرْزُبَانِ وَالْأَمَةُ الْمُزَوَّجَةُ إذَا أَرَادَتْ الْإِحْرَامَ تَسْتَأْذِنُ وُجُوبًا الزَّوْجَ وَالسَّيِّدَ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقًّا فَإِنْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا فَلِلْآخَرِ الْمَنْعُ فَإِنْ أَحْرَمَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا فَلَهُمَا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تَحْلِيلُهَا ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ الْمَانِعُ الْخَامِسُ الْأُبُوَّةُ وَلَيْسَ لِأَبَوَيْهِ أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَإِنْ عَلَا مَنْعُهُ من حَجِّ الْفَرْضِ لَا ابْتِدَاءً وَلَا إتْمَامًا كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَيُفَارِقُ الْجِهَادُ بِأَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ وَلَيْسَ الْخَوْفُ فيه كَالْخَوْفِ في الْجِهَادِ مع أَنَّ في تَأْخِيرِهِ خَطَرَ الْفَوَاتِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لو أَذِنَ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ كان لِأَبَوَيْهَا مَنْعُهَا وهو ظَاهِرٌ إلَّا أَنْ يُسَافِرَ مَعَهَا الزَّوْجُ وَيُسَنُّ اسْتِئْذَانُهُمَا في الْحَجِّ فَرْضًا وَتَطَوُّعًا وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ في الْمُسْلِمِينَ وَيَمْنَعَانِهِ من حَجِّ التَّطَوُّعِ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِاعْتِبَارِ الْإِذْنِ من فَرْضِ الْكِفَايَةِ الْمُعْتَبَرِ فيه ذلك بِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لِرَجُلٍ اسْتَأْذَنَهُ في السَّفَرِ لِلْجِهَادِ أَلَكَ أَبَوَانِ قال نعم قال اسْتَأْذَنْتَهُمَا قال لَا قال فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنَّ مَحَلَّ مَنْعِهِمَا له إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَلَهُمَا تَحْلِيلُهُ من حَجِّ التَّطَوُّعِ إذَا أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَتَحْلِيلُهُمَا له كَتَحْلِيلِ السَّيِّدِ عَبْدَهُ وَالْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ فِيمَا ذَكَرَهُ كما نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن اتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَيَلْزَمُهُ التَّحَلُّلُ بِأَمْرِهِمَا وَيَبْعُدُ كما قال الْأَذْرَعِيُّ تَحْلِيلُ الْمَكِّيِّ وَنَحْوِهِ لِقِصَرِ السَّفَرِ الْمَانِعُ السَّادِسُ الدَّيْنُ وَلَيْسَ لِغَرِيمِهِ أَيْ الْمَدِينِ تَحْلِيلُهُ إذْ لَا ضَرَرَ عليه في إحْرَامِهِ وَتَقَدَّمَ في جَوَازِ تَحَلُّلِ الْمَدِينِ من غَيْرِ أَمْرِ غَرِيمِهِ تَفْصِيلٌ وَلَهُ مَنْعُهُ من الْخُرُوجِ لِيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ إلَّا إنْ كان مُعْسِرًا أو الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا فَلَيْسَ له مَنْعُهُ إذْ لَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ في الْحَالِ فَإِنْ كان الدَّيْنُ يَحِلُّ في غَيْبَتِهِ اُسْتُحِبَّ له أَنْ يُوَكِّلَ من يَقْضِيَهُ عنه عِنْدَ حُلُولِهِ
فَصْلٌ لَا قَضَاءَ على مُحْصَرٍ تَحَلَّلَ لِعَدَمِ وُرُودِهِ وَلِأَنَّهُ لو وَجَبَ لَبُيِّنَ في الْقُرْآنِ أو في الْخَبَرِ وَلِأَنَّ الْفَوَاتَ نَشَأَ عن الْإِحْصَارِ الذي لَا صُنْعَ له فيه وَلِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ لَا قَضَاءَ على الْمُحْصَرِ بَلْ الْأَمْرُ كما كان قبل الْإِحْرَامِ فَإِنْ أُحْصِرَ في قَضَاءٍ أو نَذْرٍ مُعَيَّنٍ في الْعَامِ الذي أُحْصِرَ فيه فَهُوَ بَاقٍ في ذِمَّتِهِ كما كان كما لو شَرَعَ في صَلَاةٍ ولم يُتِمَّهَا وَكَذَا حِجَّةِ الْإِسْلَامِ أو حِجَّةِ نَذْرٍ قد اسْتَقَرَّتْ كُلٌّ مِنْهُمَا عليه بِأَنْ اجْتَمَعَ فيها شُرُوطُ الِاسْتِطَاعَةِ قبل الْعَامِ الذي أُحْصِرَ فيه وَإِلَّا بِأَنْ أُحْصِرَ في تَطَوُّعٍ أو في حِجَّةِ إسْلَامٍ أو نَذْرٍ ولم يَسْتَقِرَّ فَلَا شَيْءَ عليه في التَّطَوُّعِ أَصْلًا وَلَا في حِجَّةِ الْإِسْلَامِ أو النَّذْرِ حتى يَسْتَطِيعَ بَعْدُ وَحِينَئِذٍ إنْ كان قد بَقِيَ من الْوَقْتِ ما يُمْكِنُهُ فيه الْحَجُّ فَالْأَوْلَى أَنْ يُحْرِمَ بِهِ وَيَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ بِمُضِيِّهِ
فَصْلٌ
وَإِنْ وَجَدَ الْمُحْصَرُ طَرِيقًا وَاسْتَطَاعَ سُلُوكَهُ لَزِمَهُ سُلُوكُهُ وَإِنْ طَالَ حتى يَصِلَ الْبَيْتَ وَإِنْ عَلِمَ الْفَوَاتَ لِأَنَّ سَبَبَ التَّحَلُّلِ هو الْحَصْرُ لَا خَوْفُ الْفَوَاتِ وَلِهَذَا لو أَحْرَمَ بِالْحَجِّ يوم عَرَفَةَ بِالشَّامِ لم يَجُزْ له التَّحَلُّلُ بِسَبَبِ الْفَوَاتِ فَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ لِطُولِهِ أَيْ الطَّرِيقِ أو صُعُوبَتِهِ أو غَيْرِهِمَا مِمَّا يَحْصُلُ الْفَوَاتُ بِهِ تَحَلَّلَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ لَا بِتَحَلُّلِ الْمُحْصَرِ لِقُدْرَتِهِ عليها وَلَا قَضَاءَ عليه وَإِنْ تَرَكَّبَ السَّبَبُ من الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ لِأَنَّهُ بَذَلَ ما في وُسْعِهِ كَمَنْ أُحْصِرَ مُطْلَقًا فَإِنْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ اسْتَوَيَا أَيْ الطَّرِيقَانِ من كل وَجْهٍ أو كان الطَّرِيقُ الذي وَجَدَهُ أَقْرَبَ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى فَفَاتَهُ الْحَجُّ قُضِيَ وُجُوبًا لِأَنَّهُ فَوَاتٌ مَحْضٌ أَمَّا إذَا وَجَدَ طَرِيقًا ولم يَسْتَطِعْ سُلُوكَهُ فَكَالْعَدِمِ وَإِنْ دَامَ الْحَصْرُ وَصَابَرَهُ أَيْ الْإِحْرَامَ مُتَوَقِّعًا زَوَالَ الْإِحْصَارِ حتى فَاتَ الْحَجُّ بِفَوَاتِ الْوُقُوفِ فَلَا قَضَاءَ لِمَا مَرَّ وَيَتَحَلَّلُ بِعُمْرَةٍ أَيْ بِعَمَلِهَا وَمَحَلُّهُ كما
____________________
(1/528)
قال السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ إذَا تَمَكَّنَ من الْبَيْتِ وَإِلَّا تَحَلَّلَ بِتَحَلُّلِ الْمُحْصَرِ أَمَّا إذَا لم يَتَوَقَّعْ زَوَالَ الْإِحْصَارِ وَاسْتَمَرَّ مُحْرِمًا حتى فَاتَهُ الْحَجُّ فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ كما سَيَأْتِي لِشِدَّةِ تَفْرِيطِهِ وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ قَرَّرَ السُّبْكِيُّ كَلَامَ الْأَصْلِ ثُمَّ قال وَطَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ مُوجِبَةٌ لِلْقَضَاءِ في الْحَالَيْنِ لِتَمَكُّنِهِ من التَّحَلُّلِ قبل الْفَوَاتِ بِخِلَافِ سُلُوكِهِ أَطْوَلَ الطَّرِيقِينَ إذْ لَا تَفْرِيطَ منه لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِسُلُوكِهِ
فَرْعٌ له التَّحَلُّلُ بِالْإِحْصَارِ قبل الْوُقُوفِ وَبَعْدَهُ لِعُمُومِ ما مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ فَإِنْ بَقِيَ قبل الْوُقُوفِ على إحْرَامِهِ غير مُتَوَقِّعٍ زَوَالَ الْإِحْصَارِ حتى فَاتَهُ الْوُقُوفُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ لِفَوَاتِ الْحَجِّ كما لو فَاتَهُ بِخَطَأِ الطَّرِيقِ أو الْعَدَدِ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ غَيْرُ مُتَوَقِّعٍ زَوَالَ الْإِحْصَارِ من زِيَادَتِهِ وَتَحَلَّلَ وُجُوبًا بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ إنْ أَمْكَنَهُ التَّحَلُّلُ بها وَلَزِمَهُ دَمٌ لِلْفَوَاتِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُمْكِنْهُ ذلك تَحَلَّلَ بِهَدْيٍ وَلَزِمَهُ مع الْقَضَاءِ وَدَمِ التَّحَلُّلِ دَمٌ آخَرُ لِلْفَوَاتِ فَإِنْ أُحْصِرَ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَتَحَلَّلَ ثُمَّ أُطْلِقَ من إحْصَارِهِ فَأَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ وَيَبْنِيَ لم يَجُزْ أَيْ الْبِنَاءُ كما في الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَإِنْ لم يَتَحَلَّلْ حتى فَاتَهُ الرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ بِمِنًى فَعَلَيْهِ الدَّمُ لِفَوَاتِ الرَّمْيِ كَغَيْرِ الْمُحْصَرِ فَيَحْصُلُ بِهِ أَيْ بِالدَّمِ وَبِالْحَلْقِ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ ثُمَّ يَطُوفُ مَتَى أَمْكَنَهُ لِبَقَائِهِ عليه وَيَسْعَى إنْ لم يَكُنْ سَعَى وَتَمَّ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ ثَانٍ لِلْمَبِيتِ بِمِنًى أَيْ لِفَوَاتِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ إنْ فَاتَهُ الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةُ لَزِمَهُ دَمٌ ثَالِثٌ وَلَا قَضَاءَ عليه بِإِحْصَارٍ وَقَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ لِأَنَّهُ تَحَلَّلَ بِالْحَصْرِ الْمَحْضِ وَإِنْ صُدَّ عن عَرَفَاتٍ فَقَطْ أَيْ دُونَ غَيْرِهَا تَحَلَّلَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ كما يَتَحَلَّلُ بها من فَاتَهُ الْوُقُوفُ وَسَيَأْتِي وَلَا قَضَاءَ عليه لِأَنَّهُ مُحْصَرٌ تَحَلَّلَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ كَمَنْ صُدَّ عن طَرِيقٍ وَسَلَكَ غَيْرَهُ فَفَاتَهُ الْحَجُّ وَإِنْ صُدَّ عن الطَّوَافِ فَقَطْ وَقَفَ ثُمَّ تَحَلَّلَ كما يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ وَصَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عن الْمَاوَرْدِيِّ
فَصْلٌ من فَاتَهُ الْوُقُوفُ لَزِمَهُ التَّحَلُّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ لِمَشَقَّةِ مُصَابَرَةِ الْإِحْرَامِ كَذَا عَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ وهو كما قال السُّبْكِيُّ يُوهِمُ عَدَمَ لُزُومِ تَحَلُّلِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْمَنْقُولُ في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ لُزُومُهُ كما زَادَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنَّهُ يَحْرُمُ عليه اسْتِدَامَةُ إحْرَامِهِ إلَى قَابِلٍ لِزَوَالِ وَقْتِهِ كَالِابْتِدَاءِ فَلَوْ اسْتَدَامَهُ حتى حَجَّ بِهِ من قَابِلٍ لم يُجْزِهِ كما نَقَلَهُ ابن الْمُنْذِرِ عن الشَّافِعِيِّ لِخُرُوجِهِ من الْحَجِّ بِفَوَاتِ وَقْتِهِ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ قال السُّبْكِيُّ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ يَخْرُجُ منه بِالْكُلِّيَّةِ وَكَأَنَّهُ شَبَّهَ الْفَوَاتَ بِالْفَسَادِ وَهَذَا بِخِلَافِ ما لو وَقَفَ فإنه يَجُوزُ أَنْ يُصَابِرَ الْإِحْرَامَ لِلطَّوَافِ وَالسَّعْيِ لِبَقَاءِ وَقْتِهِمَا مع تَبَعِيَّتِهِمَا لِلْوُقُوفِ فإنه الرُّكْنُ الْأَعْظَمُ وَلَا يَنْقَلِبُ حَجُّهُ الذي تَحَلَّلَ منه عُمْرَةً وَلَا يُعِيدُ السَّعْيَ إنْ كان قد سَعَى لِلْقُدُومِ وَلَا يُجْزِئُهُ عن الْعُمْرَةِ أَيْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ إحْرَامَهُ انْعَقَدَ لِنُسُكٍ فَلَا يَنْصَرِفُ لِلْآخَرِ كَعَكْسِهِ وَلَا يَجِبُ الرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ بِمِنًى وَإِنْ بَقِيَ وَقْتُهُمَا قال في الْمَجْمُوعِ وَبِمَا فَعَلَهُ من عَمَلِ الْعُمْرَةِ يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الثَّانِي وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَيَحْصُلُ بِوَاحِدٍ من الْحَلْقِ وَالطَّوَافِ الْمَتْبُوعِ بِالسَّعْيِ لِسُقُوطِ بِحُكْمِ الرَّمْيِ بِالْفَوَاتِ فَصَارَ كَمَنْ رَمَى وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الْعُمْرَةِ كما أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ التَّحَلُّلِ ثُمَّ إنْ كان حَجُّهُ فَرْضًا فَهُوَ بَاقٍ في ذِمَّتِهِ كما كان أو تَطَوُّعًا قُضِيَ وُجُوبًا لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عن تَقْصِيرٍ كَالْمُفْسِدِ له فَيَجِبُ قَضَاؤُهُ على الْفَوْرِ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ عُمْرَةٍ مع الْحَجِّ وَلَزِمَهُ مع الْقَضَاءِ دَمُ الْفَوَاتِ وَإِنْ كان الْفَوَاتُ بِنَوْمٍ وَنِسْيَانٍ وَضَلَالِهِ الطَّرِيقَ وَنَحْوِهَا من الْأَعْذَارِ لِمَا رَوَى مَالِكٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ هَبَّارَ بن الْأَسْوَدِ جاء يوم النَّحْرِ وَعُمَرُ بن الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ فقال يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْطَأْنَا الْعَدَدَ وَكُنَّا نَظُنُّ أَنَّ هذا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ فقال له عُمَرُ اذْهَبْ إلَى مَكَّةَ فَطُفْ بِالْبَيْتِ أنت وَمَنْ مَعَك وَاسْعَوْا بين الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَانْحَرُوا هَدْيًا إنْ كان مَعَكُمْ ثُمَّ احْلِقُوا أو قَصِّرُوا ثُمَّ ارْجِعُوا فإذا كان عَامٌ قَابِلٌ فَحُجُّوا وَاهْدُوا فَمَنْ لم يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ في الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ وَاشْتُهِرَ ذلك في الصَّحَابَةِ ولم يُنْكَرْ
بَابُ الدِّمَاءِ حَيْثُ أَطْلَقْنَا في الْمَنَاسِكِ الدَّمَ سَوَاءٌ أَتَعَلَّقَ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ أَمْ بِارْتِكَابِ مَنْهِيٍّ أَمْ بِغَيْرِهِمَا فَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ كَدَمِ الْأُضْحِيَّةِ في سِنِّهَا وَسَلَامَتِهَا فَيُجْزِئُ الْبَدَنَةُ بَعِيرًا كانت أو بَقَرَةً عن سَبْعَةِ دِمَاءٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَسْبَابُهَا كَتَرْكِ الْإِحْرَامِ من الْمِيقَاتِ وَتَرْكِ الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَتَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى وَتَرْكِ الرَّمْيِ بها وَالتَّطَيُّبِ وَحَلْقِ
____________________
(1/529)
شَعْرٍ وَقَلْمِ أَظْفَارٍ وَسَيَأْتِي في الضَّحَايَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ اثْنَانِ في شَاتَيْنِ فَإِنْ وفي نُسْخَةٍ فَلَوْ ذَبَحَهَا أَيْ الْبَدَنَةَ عن دَمٍ وَاجِبٍ فَالْفَرْضُ سُبُعُهَا فَلَهُ إخْرَاجُهُ عنه وَأَكْلُ الْبَاقِي إلَّا في جَزَاءِ الصَّيْدِ الْمِثْلِيِّ فَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ كَالْأُضْحِيَّةِ في سِنِّهَا وَسَلَامَتِهَا بَلْ يَجِبُ في الصَّغِيرِ صَغِيرٌ وفي الْكَبِيرِ كَبِيرٌ وفي الْمَعِيبِ مَعِيبٌ كما مَرَّ بَلْ لَا تُجْزِئُ الْبَدَنَةُ عن شَاتِه أَيْ الْمِثْلِيِّ وَإِنْ أَجْزَأَتْ عنها في الْأُضْحِيَّةِ لِأَنَّهُمْ رَاعَوْا في جَزَاءِ الصَّيْدِ الْمُمَاثَلَةَ أَيْ في الْجِنْسِ فَلَا يُشْكِلُ بِإِجْزَاءِ الْكَبِيرِ عن الصَّغِيرِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْبَعِيرُ عن الْبَقَرَةِ وَلَا عَكْسُهُ وَلَا سَبْعُ شِيَاهٍ عن وَاحِدٍ مِنْهُمَا كما مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَعَدَلَ عن تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِجَزَاءِ الصَّيْدِ إلَى قَوْلِهِ جَزَاءِ الْمِثْلِيِّ لِيَخْرُجَ جَزَاءُ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ كَالْحَمَامِ
فَصْلٌ في كَيْفِيَّةِ وُجُوبِ الدِّمَاءِ وما يَقُومُ مَقَامَهَا وَالدِّمَاءُ ثَمَانِيَةُ أَنْوَاعٍ تَرْجِعُ بِاعْتِبَارِ حُكْمِهَا إلَى أَرْبَعَةٍ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَعْدِيلٍ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي أَحَدُهَا دَمُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَكَذَا الْفَوَاتِ وهو دَمُ تَرْتِيبٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الذَّبْحُ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا إذَا عَجَزَ عنه وَتَقْدِيرٍ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّرْعَ قَدَّرَ ما يَعْدِلُ إلَيْهِ بِمَا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ أَمَّا دَمُ التَّمَتُّعِ فَلِآيَةِ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ وَقِيسَ بِهِ دَمُ الْقِرَانِ وَأَمَّا دَمُ الْفَوَاتِ فَلِخَبَرِ هَبَّارٍ السَّابِقِ وَلِأَنَّ مُوجِبَ دَمِ التَّمَتُّعِ تَرْكُ الْإِحْرَامِ من الْمِيقَاتِ وَالنُّسُكُ الْمَتْرُوكُ في الْفَوَاتِ أَعْظَمُ منه الثَّانِي جَزَاءُ الصَّيْدِ وَالشَّجَرِ وهو دَمُ تَخْيِيرٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ مع الْقُدْرَةِ وَتَعْدِيلٍ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ فيه بِالتَّقْوِيمِ وَالْعُدُولِ إلَى غَيْرِهِ بِحَسَبِ الْقِيمَةِ وَذَلِكَ لِآيَةِ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا وَقِيسَ بِالصَّيْدِ الشَّجَرُ قال في الْمَجْمُوعِ وَالْحَشِيشُ أَيْ في غَيْرِ الذَّبْحِ إذْ لَا ذَبْحَ فيه كما مَرَّ وَأُخِذَ اسْمُ التَّعْدِيلِ من قَوْله تَعَالَى أو عَدْلُ ذلك صِيَامًا
الثَّالِثُ دَمُ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ وهو دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ فَيَتَخَيَّرُ إذَا حَلَقَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ أو قَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَظْفَارٍ بين أُمُورٍ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ أَمَّا الدَّمُ أو إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ كُلُّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ أو صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ كان مِنْكُمْ مَرِيضًا أو بِهِ أَذًى من رَأْسِهِ فَحَلَقَ فَفِدْيَةٌ من صِيَامٍ أو صَدَقَةٍ أو نُسُكٍ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِكَعْبِ بن عُجْرَةَ أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِك قال نعم قال فَاحْلِقْ رَأْسَك وَانْسُكْ شَاةً أو صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أو تَصَدَّقَ بِفَرَقٍ من طَعَامٍ على سِتَّةِ مَسَاكِينَ وَالْفَرَقُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ ثَلَاثَةُ آصُعٍ وَقِيسَ بِالْحَلْقِ الْقَلْمُ بِجَامِعِ التَّرَفُّهِ وَبِالْمَعْذُورِ غَيْرِهِ لِأَنَّ كُلَّ كَفَّارَةٍ تَثْبُتُ فيها التَّخْيِيرُ إذَا كان سَبَبُهَا مُبَاحًا ثَبَتَ فيها وَإِنْ كان سَبَبُهَا مُحَرَّمًا كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ
الرَّابِعُ الدَّمُ الْمَنُوطُ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ كَالْإِحْرَامِ من الْمِيقَاتِ وَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةُ وَبِمِنًى وهو كَدَمِ التَّمَتُّعِ في التَّرْتِيبِ وَالتَّقْدِيرِ لِاشْتِرَاكِ مُوجِبَيْهِمَا في تَرْكِ مَأْمُورٍ إذْ الْمُوجِبُ لِدَمِ التَّمَتُّعِ تَرْكُ الْإِحْرَامِ من الْمِيقَاتِ كما مَرَّ وهو مَأْمُورٌ بِهِ في الْجُمْلَةِ فَيَصُومُ إذَا عَجَزَ كَالْمُتَمَتِّعِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ في الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ وَوَقَعَ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ تَصْحِيحُ كَوْنِهِ دَمَ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ الْخَامِسُ دَمُ الِاسْتِمْتَاعِ كَالطِّيبِ الْأَوْلَى قَوْلُهُ أَصْلُهُ
____________________
(1/530)
كَالتَّطَيُّبِ وَالدَّهْنِ بِفَتْحِ الدَّالِ وَاللُّبْسِ وَمُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ وهو دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ كَالْحَلْقِ أَيْ دَمُهُ لِاشْتِرَاكِ مُوجِبَيْهِمَا في التَّرَفُّهِ وَالِاسْتِهْلَاكِ السَّادِسُ دَمُ الْجِمَاعِ الْمُفْسِدِ وهو دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ فَيَجِبُ بَدَنَةٌ أَيْ بَعِيرٌ ثُمَّ بَقَرَةٌ ثُمَّ سَبْعُ شِيَاهٍ فَإِنْ عَجَزَ قَوَّمَ الْبَدَنَةَ دَرَاهِمَ وَالدَّرَاهِمَ طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ على الْوَجْهِ الْآتِي في آخِرِ الْفَصْلِ الْآتِي فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عن كل مُدٍّ يَوْمًا وَيُكْمِلُ الْمُنْكَسِرَ وَقَدَّمَ الطَّعَامَ على الصِّيَامِ كما في جَمِيعِ الْمَنَاسِكِ وَأُقِيمَا مَقَامَ الْبَدَنَةِ تَشْبِيهًا بِجَزَاءِ الصَّيْدِ إلَّا أَنَّ الْأَمْرَ هُنَاكَ على التَّخْيِيرِ كما مَرَّ وَهُنَا على التَّرْتِيبِ لِشَبَهِهِ بِالْفَوَاتِ في إيجَابِ الْقَضَاءِ وَقُدِّمَتْ الْبَدَنَةُ على الْبَقَرَةِ وَإِنْ قَامَتْ مَقَامَهَا في الْأُضْحِيَّةِ لِنَصِّ الصَّحَابَةِ عليها وَبَيْنَهُمَا بَعْضُ تَفَاوُتٍ لِخَبَرِ من رَاحَ في السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ في الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً السَّابِعُ شَاةُ الْجِمَاعِ غَيْرِ الْمُفْسِدِ وَهِيَ كَشَاةِ مُقَدِّمَاتِهِ في كَوْنِهَا دَمَ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ لِاشْتِرَاكِ مُوجِبَيْهِمَا في التَّمَتُّعِ بِغَيْرِ إفْسَادِهِ وَعَبَّرَ هُنَا بِشَاةِ الْجِمَاعِ وَفِيمَا مَرَّ بِدَمِ الْجِمَاعِ لِدَفْعِ اللَّبْسِ الثَّامِنُ دَمُ الْإِحْصَارِ وهو دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ كَدَمِ الْجِمَاعِ الْمُفْسِدِ لِاشْتِرَاكِ مُوجِبَيْهِمَا في الْخُرُوجِ بِهِمَا من النُّسُكِ الصَّحِيحِ في وَقْتِهِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ ثُمَّ طَعَامٌ بِالتَّعْدِيلِ فَإِنْ عَجَزَ عن الطَّعَامِ صَامَ عن كل مُدٍّ يَوْمًا لَا حَاجَةَ لِهَذَا وَإِذْ قد ذَكَرَهُ فَلْيُذْكَرْ ما ذَكَرْتُهُ قَبْلَهُ
فَصْلٌ في بَيَانِ زَمَنِ إرَاقَةِ الدِّمَاءِ وَمَكَانِهَا هذه الدِّمَاءُ لَا تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ بَلْ تُفْعَلُ في أَيَّامِ التَّضْحِيَةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّخْصِيصِ ولم يَرِدْ ما يُخَالِفُهُ لَكِنْ تُنْدَبُ إرَاقَتُهُ أَيَّامَ التَّضْحِيَةِ قال السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَنْبَغِي وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ إلَيْهَا إذَا حَرُمَ السَّبَبُ كما في الْكَفَّارَةِ فَيُحْمَلُ ما أَطْلَقُوهُ هُنَا على الْإِجْزَاءِ أَمَّا الْجَوَازُ فَأَحَالُوهُ على ما قَرَّرُوهُ في الْكَفَّارَةِ وَكُلُّهَا تُرَاقُ في النُّسُكِ الذي وَجَبَتْ فيه إلَّا دَمَ الْفَوَاتِ فإنه لَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ وَلَا يُجْزِئُ إلَّا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْقَضَاءِ لِظَاهِرِ خَبَرِ هَبَّارٍ السَّابِقِ وَكَمَا أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ بِجَامِعِ أَنَّ الْمُحْرِمَ فِيهِمَا يَتَحَلَّلُ من نُسُكٍ وَيُحْرِمُ بِآخَرَ وَلِهَذَا لو ذَبَحَ في الْفَائِتِ قبل تَحَلُّلِهِ منه لم يُجْزِهِ كما لو ذَبَحَ الْمُتَمَتِّعُ قبل الْفَرَاغِ من الْعُمْرَةِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَقَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ إجْزَاءُ إخْرَاجِ دَمِ الْفَوَاتِ بين التَّحَلُّلِ وَالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وهو ظَاهِرٌ لَكِنْ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْإِحْرَامِ بِالْقَضَاءِ وَذَلِكَ في قَابِلٍ كما أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْيِيدٍ لِأَنَّهُ إذَا أَحَلَّ من عُمْرَتِهِ دخل وَقْتُ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ وَكَلَامُ الْأَصْلِ تَبَعًا لِلْعِرَاقِيِّينَ دَالٌّ على ذلك وقد نَبَّهَ على ذلك الْأَذْرَعِيُّ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْقَضَاءِ تَصَرُّفٌ منه هَكَذَا أَفْهَمَ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا يُخَالِفُهُ
فَإِنْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْقَضَاءِ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ لَا حَاجَةَ إلَى هذا وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ أَصْلُهُ لِيُفَرِّعَهُ على الْخِلَافِ في وَقْتِ وُجُوبِ الدَّمِ وَكُلُّ هذه الدِّمَاءِ وَبَدَلُهَا من الطَّعَامِ تَخْتَصُّ تَفْرِقَتُهُ بِالْحَرَمِ على مَسَاكِينِهِ وَكَذَا يَخْتَصُّ بِهِ الذَّبْحُ لِلدَّمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ وَقِيسَ بها بَقِيَّةُ الْحَرَمِ وَلِمَا رَوَى مُسْلِمٌ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَشَارَ إلَى مَوْضِعِ النَّحْرِ من مِنًى وقال هذا مَنْحَرٌ وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ وَلَفْظُ أبي دَاوُد وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ وَلِأَنَّ الذَّبْحَ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِالْهَدْيِ فَيَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ كَالتَّصَدُّقِ فَلَوْ ذَبَحَ خَارِجَهُ لم يَكْفِ إلَّا الْمُحْصَرَ فَيَذْبَحُ وَيُفَرِّقُ حَيْثُ أُحْصِرَ كما سَبَقَ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ التَّفْرِقَةُ مع الذَّبْحِ بِالْحَرَمِ أو غَيْرِهِ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ لَا تَلْوِيثُهُ بِالدَّمِ وَالْفَرْثِ وَلَا تَخْتَصُّ التَّفْرِقَةُ بِلَحْمِ الْمَذْبُوحِ كما تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْأَصْلِ بَلْ سَائِرُ أَجْزَائِهِ من جِلْدٍ وَشَعْرٍ وَغَيْرِهِمَا كَذَلِكَ
فَإِنْ عَدِمَ الْمَسَاكِينُ في الْحَرَمِ أَخَّرَهُ أَيْ الْوَاجِبَ الْمَالِيَّ حتى يَجِدَهُمْ كَمَنْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ على فُقَرَاءِ بَلَدٍ فلم يَجِدْهُمْ فيه فإنه يَصْبِرُ حتى يَجِدَهُمْ وَلَا يَجُوزُ النَّقْلُ وَيُخَالِفُ الزَّكَاةَ إذْ ليس فيها نَصٌّ صَرِيحٌ بِتَخْصِيصِ الْبَلَدِ بها بِخِلَافِ هذا وما ذَكَرَهُ من الصَّبْرِ نَقَلَهُ في الرَّوْضَةِ عن الْقَاضِي في فَتَاوِيهِ قال في الْمُهِمَّاتِ وقد جَزَمَ في نَظِيرِهِ من الْوَصِيَّةِ بِأَنَّهُ يَصْبِرُ بَلْ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ وقد ذَكَرَ الْقَفَّالُ في فَتَاوِيهِ ما ذَكَرَهُ الْقَاضِي لَكِنَّهُ تَرَدَّدَ في النَّذْرِ فقال أَمَّا أَنْ يَبْطُلَ أو يَصْبِرَ حتى يَجِدَ الْفُقَرَاءَ وزاد فَائِدَةً أُخْرَى فقال لو نَذَرَ لِأَصْنَافٍ فَعَدِمَ بَعْضَهَا جَازَ النَّقْلُ كَنَظِيرِهِ من الزَّكَاةِ
ا ه
وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ نَقْلِ الزَّكَاةِ حِينَئِذٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ على تَفْصِيلٍ قَدَّمْتُهُ في بَابِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ ثَمَّ جَوَازَ نَقْلِ النَّذْرِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْكَفَّارَةِ مُطْلَقًا وَقَدَّمْت ثَمَّ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لم يُعَيِّنْ الْبَلَدَ وَيَصُومُ حَيْثُ شَاءَ لِأَنَّهُ لَا غَرَضَ
____________________
(1/531)
لِلْمَسَاكِينِ فيه لَكِنَّهُ في الْحَرَمِ أَوْلَى لِشَرَفِهِ
فَرْعٌ أَفْضَلُ بُقْعَةٍ من الْحَرَمِ لِذَبْحِهِ يَعْنِي لِذَبْحِ الْحَاجِّ وَلَوْ مُتَمَتِّعًا مِنًى ولذبح الْمُعْتَمِرِ الْمَرْوَةُ لِأَنَّهُمَا مَحَلُّ تَحَلُّلِهِمَا وَكَذَا الْهَدْيُ الذي سَاقَهُ تَقَرُّبًا من مَنْذُورٍ وَغَيْرِهِ أَفْضَلُ بُقْعَةٍ لِذَبْحِ الْحَاجِّ له مِنًى وَلِذَبْحِ الْمُعْتَمِرِ له الْمَرْوَةُ لَكِنْ إنْ لم يَكُنْ على الْمُتَمَتِّعِ دَمٌ فَالْأَفْضَلُ له ذَبْحُ هَدْيِهِ بِالْمَرْوَةِ نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْأَصْحَابِ وَفِيهِ عَنْهُمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ له أَنْ يَذْبَحَهُ بَعْدَ السَّعْيِ وَقَبْلَ الْحَلْقِ كما أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ في الْحَجِّ أَنْ يُذْبَحَ قبل الْحَلْقِ وَالْوَاجِبُ دَفْعُهُ أَيْ الْوَاجِبُ الْمَالِيِّ جُمْلَةً أو مُفَرَّقًا إلَى ثَلَاثَةٍ فَأَكْثَرَ من مَسَاكِينِ الْحَرَمِ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ أَقَلُّ الْجَمْعِ كَالزَّكَاةِ فَلَوْ دَفَعَ إلَى اثْنَيْنِ مع قُدْرَتِهِ على ثَالِثٍ ضَمِنَ له أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ كَنَظِيرِهِ من الزَّكَاةِ وَذَكَرَ فيه في الرَّوْضَةِ وَجْهَيْنِ بِلَا تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا هذا وَالثَّانِي يَضْمَنُ الثُّلُثَ وهو قَضِيَّةُ ما نُقِلَ عن النَّصِّ الْآتِي وَعُلِمَ من وُجُوبِ دَفْعِ ذلك حُرْمَةَ الْأَكْلِ منه على من لَزِمَهُ فَلَوْ أَكَلَهُ ضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ على الْأَصَحِّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَكَلَامُ الْمُتَوَلِّي يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ مُفَرَّعٌ على قَوْلِنَا اللَّحْمُ مُتَقَوِّمٌ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ مِثْلِيٌّ فَيَنْبَغِي تَصْحِيحُ ضَمَانِهِ بِالْمِثْلِ وَعُلِمَ من تَشْبِيهِهِ بِالزَّكَاةِ وُجُوبُ نِيَّةِ الدَّفْعِ مُقْتَرِنَةً بِهِ أو مُتَقَدِّمَةً عليه وَبِهِ صَرَّحَ في الرَّوْضَةِ نَقْلًا عن الرُّويَانِيِّ في الْمُقْتَرِنَةِ وَسَوَاءٌ في الْمَسَاكِينِ الْغُرَبَاءُ وَالْمُسْتَوْطِنُونَ ولكن الْمُسْتَوْطِنُونَ أَوْلَى بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لم تَكُنْ حَاجَةُ الْغُرَبَاءِ أَشَدُّ وَلَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ وَإِنْ انْحَصَرُوا كما هو ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ قال السُّبْكِيُّ وقد يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا حُرْمَةُ الْبَلَدِ وَثَمَّ سَدُّ الْخَلَّةِ
وفي دَفْعِ الطَّعَامِ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ لَا يَتَعَيَّنُ لِكُلٍّ منهم مُدٌّ بَلْ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عليه وَالنَّقْصُ منه وَقِيلَ يَمْتَنِعَانِ كَالْكَفَّارَةِ وَنُقِلَ في الرَّوْضَةِ تَصْحِيحُ الْأَوَّلِ عن الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّهُ قال الْبُلْقِينِيُّ وهو مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْأُمِّ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ في دَمِ التَّمَتُّعِ وَنَحْوِهِ مِمَّا ليس دَمُهُ دَمَ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ أَمَّا دَمُ الِاسْتِمْتَاعَاتِ وَنَحْوِهَا مِمَّا دَمُهُ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ من سِتَّةِ مَسَاكِينَ نِصْفُ صَاعٍ من ثَلَاثَةِ آصُعٍ كما مَرَّ فَإِنْ ذَبَحَ الدَّمَ الْوَاجِبَ في الْحَرَمِ مَثَلًا فَسُرِقَ منه أو غُصِبَ قبل التَّفْرِقَةِ لم يُجْزِهِ فَعَلَيْهِ إعَادَةُ ذَبْحِ دَمٍ وَهِيَ أَوْلَى وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بَدَلَهُ لَحْمًا وَيَتَصَدَّقَ بِهِ لِأَنَّ الذَّبْحَ قد وُجِدَ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَ اللَّحْمَ وَغَيْرَهُ من بَقِيَّةِ الْأَجْزَاءِ وَمِثْلُ كَلَامِهِمْ ما لو سَرَقَهُ مَسَاكِينُ الْحَرَمِ وهو ظَاهِرٌ سَوَاءٌ أَوُجِدَتْ نِيَّةُ الدَّفْعِ أَمْ لَا لِأَنَّ له وِلَايَةَ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ وَهُمْ إنَّمَا يَمْلِكُونَ بِهِ وما قِيلَ من أَنَّهُ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ ذلك بِمَا إذَا قَصَّرَ في تَأْخِيرِ التَّفْرِقَةِ وَإِلَّا فَلَا يَضْمَنُ كما لو سُرِقَ الْمَالُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ الزَّكَاةُ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الدَّمَ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ وَالزَّكَاةَ بِعَيْنِ الْمَالِ
فَصْلٌ وَالْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ الْمَذْكُورَةُ في الْقُرْآنِ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ الْأُوَلُ والأيام الْمَعْدُودَاتُ الْمَذْكُورَةُ في الْقُرْآنِ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أو صَحِيحٍ عن ابْنِ عَبَّاسٍ وَذَكَرَهُمَا الْأَصْحَابُ هُنَا لِاخْتِصَاصِ غَالِبِ الْمَنَاسِكِ بِهِمَا أُصُولُهُمَا بِالْمَعْلُومَاتِ وَتَوَابِعُهَا بِالْمَعْدُودَاتِ وفي الْمَعْلُومَاتِ خِلَافٌ بَيَّنْتُهُ في شَرْحِ الْبَهْجَةِ قال الْبَغَوِيّ وَسُمِّيَتْ الْأُولَى مَعْلُومَاتٌ لِلْحِرْصِ على عَمَلِهَا بِحِسَابِهَا لِأَجْلِ أَنَّ وَقْتَ الْحَجِّ في آخِرِهَا وَالثَّانِيَةُ مَعْدُودَاتٌ لِقِلَّتِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ بَابُ الْهَدْيِ
هو بِإِسْكَانِ الدَّالِ مع تَخْفِيفِ الْيَاءِ وَبِكَسْرِ الدَّالِ مع تَشْدِيدِ الْيَاءِ ما يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ من حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ وَالْمُرَادُ هُنَا ما يُهْدَى إلَيْهِ من النَّعَمِ وَيُجْزِئُ في الْأُضْحِيَّةِ وَيُطْلَقُ أَيْضًا على دِمَاءِ الْجُبْرَانَاتِ وقد تَقَدَّمَتْ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَصَدَ مَكَّةَ لِنُسُكٍ بَلْ وَلِمَنْ يَقْصِدُهَا له كما سَيَأْتِي في كَلَامِ الْمَجْمُوعِ أَنْ يُهْدِيَ إلَيْهَا شيئا من النَّعَمِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَهْدَى في حِجَّةِ الْوَدَاعِ مِائَةَ بَدَنَةٍ وَتَعْبِيرُهُ بِنُسُكٍ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِحَجٍّ أو عُمْرَةٍ وَلَا يَجِبُ ذلك إلَّا بِالنَّذْرِ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ فَلَزِمَ بِهِ وَيُسْتَحَبُّ له أَنْ يَكُونَ ما يُهْدِيهِ سَمِينًا حَسَنًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَسَّرَهَا ابن عَبَّاسٍ بِالِاسْتِسْمَانِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَكَوْنُهُ معه من بَلَدِهِ أَفْضَلُ وَشِرَاؤُهُ من طَرِيقِهِ أَفْضَلُ من شِرَائِهِ من مَكَّةَ ثُمَّ من عَرَفَةَ فَإِنْ لم يَسُقْهُ أَصْلًا بَلْ اشْتَرَاهُ من مِنًى جَازَ وَحَصَلَ أَصْلُ الْهَدْيِ
ويستحب له أَنْ يُقَلِّدَ الْبَدَنَةَ وَالْبَقَرَةَ نَعْلَيْنِ من النِّعَالِ التي تُلْبَسُ في الْإِحْرَامِ وَيَتَصَدَّقُ بِهِمَا بَعْدَ ذَبْحِهَا ثُمَّ يُشْعِرُهَا وَالْإِشْعَارُ الْإِعْلَامُ وَالْمُرَادُ هُنَا ما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ فَيَجْرَحُ وَهِيَ بَارِكَةً صَفْحَةَ
____________________
(1/532)
سَنَامَهَا الْيُمْنَى بِحَدِيدَةٍ فَإِنْ لم يَكُنْ لها سَنَامٌ أَشْعَرَ مَوْضِعَهُ لَا يُقَالُ هذا مُثْلَةٌ وَهِيَ مَنْهِيٌّ عنها وَعَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ لِأَنَّا نَقُولُ أَخْبَارُ النَّهْيِ عن ذلك عَامَّةٌ وَأَخْبَارُ الْإِشْعَارِ خَاصَّةٌ فَقُدِّمَتْ مُسْتَقْبِلًا بها في حَالَتَيْ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ الْقِبْلَةَ كما صَحَّ عن فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَحَكَى في الرَّوْضَةِ وَجْهَيْنِ في أَنَّ تَقْدِيمَ الْإِشْعَارِ أَفْضَلُ أو التَّقْلِيدِ قال وقد صَحَّ في الْأَوَّلِ خَبَرٌ في صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَصَحَّ في الثَّانِي عن فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ وهو الْمَنْصُوصُ وَعَلَيْهِ جَرَى الْمُصَنِّفُ حَيْثُ عَطَفَ بِثُمَّ وزاد في الْمَجْمُوعِ أَنَّ الْمَاوَرْدِيَّ حَكَى الْأَوَّلَ عن أَصْحَابِنَا كُلِّهِمْ ولم يذكر فيه خِلَافًا وَيُلَطِّخُهَا بِالدَّمِ لِتُعْرَفَ فَلَا يُتَعَرَّضُ لها قال في الْمَجْمُوعِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُقَلِّدَ هَدْيَهُ وَيُشْعِرَهُ عِنْدَ إحْرَامِهِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فيه قال وَيُسَنُّ لِمَنْ لم يُرِدْ الذَّهَابَ إلَى النُّسُكِ أَنْ يَبْعَثَ هَدْيًا وَأَنْ يُقَلِّدَهُ وَيُشْعِرَهُ من بَلَدِهِ لِلْخَبَرِ الْآتِي
وَيُسَنُّ أَنْ يُجَلِّلَ هَدْيَهُ وَيَتَصَدَّقَ بِذَلِكَ الْجَلِّ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عن الْعُلَمَاءِ أَنَّ التَّجْلِيلَ يَكُونُ بَعْدَ الْإِشْعَارِ لِئَلَّا يَتَلَطَّخَ بِالدَّمِ وَأَنْ يَشُقَّ الْجِلَالَ عن الْأَسْنِمَةِ إنْ كانت قِيمَتُهَا قَلِيلَةً لِئَلَّا تَسْقُطَ وَلِيَظْهَرَ الْإِشْعَارُ فَإِنْ كانت نَفِيسَةً لم تُشَقَّ فَإِنْ قَرَنَ هُدَيَيْنِ بِحَبْلٍ أَشْعَرَ مع إشْعَارِهِ أَحَدَهُمَا وهو الْأَيْمَنُ في الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى كما عُلِمَ ما مَرَّ الْآخَرُ وهو الْأَيْسَرُ في الصَّفْحَةِ الْيُسْرَى لِيُشَاهَدَا وَيُؤْخَذُ من التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لو كان الْأَيْسَرُ أَطْوَلَ أَشْعَرَهُ في الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى وهو ما بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ قَرَنَ ثَلَاثَةً بِحَبْلٍ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُشْعِرُ الْأَوْسَطَ في الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى مُطْلَقًا
وَلَا تُشْعَرُ الْغَنَمُ لِضَعْفِهَا وَلِأَنَّ الْإِشْعَارَ لَا يَظْهَرُ فيها لِكَثْرَةِ شَعْرِهَا وَصُوفِهَا بَلْ يُقَلِّدُهَا عُرَا الْقِرَبِ وَآذَانِهَا قال في الْمَجْمُوعِ وَالْخُيُوطَ الْمَفْتُولَةَ وَنَحْوَهَا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَهْدَى مَرَّةً غَنَمًا مُقَلَّدَةً وَلَا يُقَلِّدُهَا بِالنِّعَالِ إذْ يَثْقُلُ عليها حَمْلُهَا قال وَيُسْتَحَبُّ فَتْلُ قَلَائِدِ الْهَدْيِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن عَائِشَةَ قالت فَتَلْت قَلَائِدَ بُدْنِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِيَدَيْ ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا ثُمَّ بَعَثَ بها إلَى الْبَيْتِ وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ فما حَرُمَ عليه شَيْءٌ كان له حَلَالًا وَلَا يَلْزَمُ بِذَلِكَ أَيْ بِمَا ذَكَرَ من إشْعَارِهَا وَتَقْلِيدِهَا ذَبْحُهَا إذْ لم تَصِرْ بِذَلِكَ هَدْيًا وَاجِبًا كما لو كَتَبَ الْوَقْفَ على بَابِ دَارِهِ أو غَيْرِهِ بِلَا نِيَّةٍ فَإِنْ عَطِبَ الْهَدْيُ في الطَّرِيقِ وكان تَطَوُّعًا فَلَهُ التَّصَرُّفُ فيه بِبَيْعٍ وَأَكْلٍ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَابِتٌ عليه أو كان نَذْرًا لَزِمَهُ ذَبْحُهُ مَكَانَهُ لِلْخَبَرِ الْآتِي وَلِأَنَّهُ هَدْيٌ مَعْكُوفٌ على الْحَرَمِ فَوَجَبَ نَحْرُهُ مَكَانَهُ كَهَدْيِ الْمُحْصَرِ وَلَيْسَ له التَّصَرُّفُ فيه بِمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ أو يَئُولُ إلَى زَوَالِهِ كَالْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ لِأَنَّهُ بِالنَّذْرِ زَالَ مِلْكُهُ عنه وَصَارَ لِلْمَسَاكِينِ وَفَارَقَ ما لو قال لِلَّهِ عَلَيَّ إعْتَاقُ هذا الْعَبْدِ حَيْثُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عنه إلَّا بِإِعْتَاقِهِ وَإِنْ امْتَنَعَ التَّصَرُّفُ فيه بِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ هُنَا إلَى الْمَسَاكِينِ فَانْتَقَلَ بِنَفْسِ النَّذْرِ كَالْوَقْفِ
وَأَمَّا الْمِلْكُ في الْعَبْدِ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ وَلَا إلَى غَيْرِهِ بَلْ يَنْفَكُّ الْعَبْدُ عنه وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَذْبَحْهُ حتى تَلِفَ ضَمِنَهُ لِتَفْرِيطِهِ كَنَظِيرِهِ في الْوَدِيعَةِ وَسَيَأْتِي فيه زِيَادَةٌ في الْأُضْحِيَّةِ وما ذُكِرَ في النَّذْرِ قال الزَّرْكَشِيُّ مَحَلُّهُ في الْمُعَيَّنِ ابْتِدَاءً فَلَوْ كان قد عَيَّنَهُ عَمَّا في ذِمَّتِهِ عَادَ إلَى مِلْكِهِ بِالْعَطَبِ على الْمَذْهَبِ وَيَتَصَرَّفُ فيه بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عن النَّصِّ وَالْأَصْلُ بَاقٍ في ذِمَّتِهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَبْحِهِ يَغْمِسُ تِلْكَ النَّعْلَ التي قَلَّدَهُ بها في دَمِهِ وَيَضْرِبُ بها سَنَامَهُ وَيَتْرُكُهُ لِيَعْلَمَ من مَرَّ بِهِ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَأْكُلُ منه لِخَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَبْعَثُ مع أبي قَبِيصَةَ بِالْبُدْنِ ثُمَّ يقول إنْ عَطِبَ منها شَيْءٌ فَخَشِيتَ عليه مَوْتًا فَانْحَرْهَا ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا في دَمِهَا ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا وَلَا تَطْعَمْهَا أنت وَلَا أَحَدٌ من أَهْلِ رُفْقَتِك فَإِنْ وفي نُسْخَةٍ فإذا كان الْهَدْيُ نَذْرًا حَلَّ لِمَنْ مَرَّ بِهِ غير من يَأْتِي الْأَكْلَ منه وَإِنْ لم يَقُلْ من أَهْدَاهُ أَبَحْتُهُ لِمَنْ يَأْكُلُ منه لِأَنَّهُ بِالنَّذْرِ زَالَ مِلْكُهُ عنه وَصَارَ لِلْمَسَاكِينِ كما مَرَّ قال الزَّرْكَشِيُّ وَتَقْيِيدُهُمْ بِالْأَكْلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ غَيْرُهُ حتى لو أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَهُ أو يَأْكُلَ وَيَنْقُلَ معه بَعْضَهُ لم يَجُزْ وهو نَظِيرُ السِّقَايَةِ الْمُسَبَّلَةِ في الطَّرِيقِ يَجُوزُ لِلْمَارِّ الشُّرْبُ منها وَلَا يَجُوزُ نَقْلُ الْمَاءِ معه منها كما صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ انْتَهَى
وقد يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَمْلِكُهُ الْمَارَّةُ بِخِلَافِ الْهَدْيِ يَمْلِكُونَهُ لِأَنَّهُمْ بَدَلٌ عن فُقَرَاءِ الْحَرَمِ الَّذِينَ يَمْلِكُونَهُ بِالنَّذْرِ وَمَعَ هذا فَالظَّاهِرُ الذي يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ الِاقْتِصَارُ على الْأَكْلِ وَيَتَوَقَّفُ التَّطَوُّعُ أَيْ حِلُّ هَدْيِهِ إذَا ذَبَحَهُ على الْإِبَاحَةِ كَأَنْ يَقُولَ أَبَحْتُهُ لِلْفُقَرَاءِ أو الْمَسَاكِينِ أو جَعَلْته لهم وَلِمَنْ وَجَدَهُ الْأَكْلُ منه وَإِنْ لم يَعْلَمْ بِالْإِبَاحَةِ لِأَنَّ
____________________
(1/533)
الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَبَاحَهُ وَكَمَا لو رَأَى مَاءً بِالطَّرِيقِ وَعَلَيْهِ أَمَارَةُ الْإِبَاحَةِ فإن له شُرْبُهُ فَفَائِدَةُ اعْتِبَارِ الْإِبَاحَةِ مع عَدَمِ الْعِلْمِ بها دَفْعُ الضَّمَانِ
وَتَحْرُمُ الْمَنْذُورَةُ أَيْ أَكْلُهَا على أَغْنِيَاءِ الْقَافِلَةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ الْهَدْيَ مُسْتَحَقٌّ لِلْفُقَرَاءِ وَلَا حَقَّ لِلْأَغْنِيَاءِ فيه وَكَذَا فُقَرَاؤُهَا أَيْ الْقَافِلَةِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ هذا إنْ رُجِيَ مَارَّةٌ من فُقَرَاءِ غَيْرِ الْقَافِلَةِ وَإِلَّا فَيَجُوزُ أَكْلُ فُقَرَائِهَا منها وَهَذَا التَّقْيِيدُ من زِيَادَتِهِ وَكَلَامُهُمْ يَأْبَاهُ وقد قال في الْمَجْمُوعِ فَإِنْ قِيلَ إذَا لم يَجُزْ لِأَهْلِ الْقَافِلَةِ أَكْلُهُ وَتُرِكَ بِالْبَرِّيَّةِ كان طُعْمَةً لِلسِّبَاعِ وهو إضَاعَةُ مَالٍ قُلْنَا ليس فيه إضَاعَةٌ بَلْ الْعَادَةُ الْغَالِبَةُ أَنَّ سُكَّانَ الْبَوَادِي يَتَّبِعُونَ مَنَازِلَ الْحَجِيجِ لِالْتِقَاطِ سَاقِطَةٍ وَنَحْوِهَا وقد تَأْتِي قَافِلَةٌ إثْرَ قَافِلَةٍ قال في الْمُهِمَّاتِ وَالْمَنْعُ مُخْتَصٌّ بِمَا الْكَلَامُ فيه وهو ما عَطِبَ أَمَّا الْبَالِغُ مَحِلُّهُ فَفِي حِلِّ الْأَكْلِ منه أَوْجُهٌ مَشْهُورَةٌ أَرْجَحُهَا حِلُّهُ في الْمُعَيَّنِ ابْتِدَاءً دُونَ الْمُعَيَّنِ عَمَّا في الذِّمَّةِ على اضْطِرَابٍ يَأْتِي في الْأُضْحِيَّةِ قال وَسَكَتَ يَعْنِي الرَّافِعِيَّ عن الْغُرْمِ في الْأَكْلِ الْمُمْتَنِعِ مِمَّا عَطِبَ وفي التَّقْرِيبِ أَنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ لِأَنَّهُ لهم أَصَالَةً وَإِنَّمَا أَكَلَهُ فُقَرَاءُ الْمَوْضِعِ لِتَعَذُّرِ الْإِيصَالِ قال وقال بَعْضُهُمْ الْقِيَاسُ أَنَّهُ يَغْرَمُهُ لِفُقَرَاءِ ذلك الْمَوْضِعِ
ا ه
وَالْأَوَّلُ هو الْمَنْصُوصُ كما نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ وَنَقَلَ الْقِيَاسَ الْمَذْكُورَ ثُمَّ قال وهو غَلَطٌ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إيصَالُ ثَمَنِهِ إلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ بِخِلَافِ الذَّبِيحَةِ وَكَمَا يَجِبُ إيصَالُ الْوَلَدِ إلَيْهِمْ دُونَ اللَّبَنِ نُقِلَ ذلك عنه في الْمَجْمُوعِ وَأَقَرَّهُ
وَوَقْتُهُ أَيْ ذَبْحِ الْهَدْيِ وَقْتُ ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا في الْأَحْكَامِ الْآتِيَةِ في الْكِتَابِ الْآتِي قال الْإِسْنَوِيُّ وَهَذَا كَالصَّرِيحِ في تَعَيُّنِ هذا الْوَقْتِ لِهَدْيِ الْمُعْتَمِرِ أَيْضًا وَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ لِأَنَّا لَا نَشُكُّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَسَاقَ الْهَدْيَ إنَّمَا قَصَدَ ذَبْحَهُ عَقِبَ تَحَلُّلِهِ وَأَنَّهُ لَا يَتْرُكُهُ بِمَكَّةَ حَيًّا وَيَرْجِعُ إلَى الْمَدِينَةِ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ وَمَحَلُّ وُجُوبِ ذَبْحِهِ في وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ إذَا عَيَّنَهُ له أو أَطْلَقَ فَإِنْ عَيَّنَ له يَوْمًا آخَرَ لم يَتَعَيَّنْ له وَقْتٌ لِأَنَّهُ ليس في تَعْيِينِ الْيَوْمِ قُرْبَةٌ نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عن الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ فَإِنْ تَأَخَّرَ ذَبْحُهُ عن وَقْتِهَا وهو وَاجِبٌ قَضَاهُ وُجُوبًا لِإِخْرَاجِهِ له عن وَقْتِهِ وَإِلَّا بِأَنْ كان تَطَوُّعًا فَقَدْ فَاتَ فَإِنْ ذَبَحَهُ فَشَاةُ لَحْمٍ كما في الْأُضْحِيَّةِ كِتَابُ الضَّحَايَا
جَمْعُ ضَحِيَّةٍ بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِهَا وَيُقَالُ أُضْحِيَّةٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا مع تَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا وَجَمْعُهَا أَضَاحِيُّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَيُقَالُ أَضْحَاةٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَجَمْعُهَا أَضْحَى كَأَرْطَاةٍ وَأَرْطَى وَبِهَا سُمِّيَ يَوْمُ الْأَضْحَى وَهِيَ ما يُذْبَحُ من النَّعَمِ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى من يَوْمِ الْعِيدِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كما سَيَأْتِي وَالْأَصْلُ فيها قبل الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ أَيْ صَلِّ صَلَاةَ الْعِيدِ وَانْحَرْ النُّسُكَ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ عن أَنَسٍ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال ضَحَّى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقَرْنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بيده وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ على صِفَاحِهِمَا وَالْأَمْلَحُ قِيلَ الْأَبْيَضُ الْخَالِصُ وَقِيلَ الذي بَيَاضُهُ أَكْثَرُ من سَوَادِهِ وَقِيلَ الذي يَعْلُوهُ حُمْرَةٌ وَقِيلَ غَيْرُ ذلك وَهِيَ أَيْ التَّضْحِيَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ على الْكِفَايَةِ كما سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَلَوْ بِمِنًى لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم ضَحَّى في مِنًى عن نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَلَا تَجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ مَخَافَةَ أَنْ يَرَى الناس ذلك وَاجِبًا وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَيُكْرَهُ تَرْكُهَا لِمَنْ تُسَنُّ له وَإِنَّمَا تُسَنُّ لِمُسْلِمٍ قَادِرٍ حُرٍّ كُلُّهُ أو بَعْضُهُ وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَهِيَ منه تَبَرُّعٌ فَيَجْرِي فيها ما يَجْرِي في سَائِرِ تَبَرُّعَاتِهِ وَيُحَافَظُ عليها الْقَادِرُ أَمَّا غَيْرُهُ فَلَا تُسَنُّ له كما مَرَّ وَتَجِبُ بِالنَّذْرِ كَسَائِرِ الْقُرَبِ وَكَذَا بِقَوْلِهِ جُعِلَتْ هذه أُضْحِيَّةٌ كما سَيَأْتِي فَإِنْ قال لِلَّهِ عَلَيَّ إنْ اشْتَرَيْت شَاةً أَنْ أَجْعَلَهَا أُضْحِيَّةً وَاشْتَرَى شَاةً لَزِمَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا أُضْحِيَّةً وَفَاءً عَمَّا الْتَزَمَهُ في ذِمَّتِهِ هذا إنْ قَصَدَ الشُّكْرَ على حُصُولِ الْمِلْكِ فَإِنْ قَصَدَ الِامْتِنَاعَ فَنَذْرُ لَجَاجٍ وَسَيَأْتِي فَإِنْ عَيَّنَهَا فقال إنْ اشْتَرَيْت هذه الشَّاةَ فَعَلَيَّ أَنْ أَجْعَلَهَا أُضْحِيَّةً فَفِي لُزُومِ جَعْلِهَا أُضْحِيَّةً وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا قال في الْمَجْمُوعِ وهو أَقْيَسُ تَغْلِيبًا
____________________
(1/534)
لِحُكْمِ التَّعْيِينِ وقد أَوْجَبَهَا قبل الْمِلْكِ فَيَلْغُو كما لو عَلَّقَ بِهِ طَلَاقًا أو عِتْقًا وَالثَّانِي نعم تَغْلِيبًا لِلنَّذْرِ وَلَا تَصِيرُ الْبَدَنَةُ أو الشَّاةُ في هذه وَفِيمَا لو اشْتَرَاهَا بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ أُضْحِيَّةً بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَلَا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ إزَالَةَ الْمِلْكِ على سَبِيلِ الْقُرْبَةِ لَا تَحْصُلُ بِذَلِكَ كما لو اشْتَرَى عَبْدًا بِنِيَّةِ الْوَقْفِ أو الْعِتْقِ
فَصْلٌ وَلَهَا أَيْ الْأُضْحِيَّةِ شُرُوطٌ عَبَّرَ عنها الرَّافِعِيُّ كَالْغَزَالِيِّ بِالْأَرْكَانِ الْأَوَّلُ كَوْنُهَا من النَّعَمِ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ بِسَائِرِ أَنْوَاعِهَا بِالْإِجْمَاعِ وقال تَعَالَى وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ على ما رَزَقَهُمْ من بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ولم يُنْقَلْ عنه صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا عن أَصْحَابِهِ التَّضْحِيَةُ بِغَيْرِهَا وَلِأَنَّ التَّضْحِيَةَ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْحَيَوَانِ فَتَخْتَصُّ بِالنَّعَمِ كَالزَّكَاةِ فَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ النَّعَمِ من بَقَرِ الْوَحْشِ وَحَمِيرِهِ وَالظِّبَاءِ وَغَيْرِهَا وَأَمَّا الْمُتَوَلِّدُ بين جِنْسَيْنِ من النَّعَمِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْزِئُ هُنَا وفي الْعَقِيقَةِ وَالْهَدْيِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي اعْتِبَارُ أَصْلِ أَعْلَى الْأَبَوَيْنِ سِنًّا في الْأُضْحِيَّةِ وَنَحْوِهَا حتى يُعْتَبَرَ في الْمُتَوَلِّدِ بين الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ بُلُوغُهُ ثَلَاثَ سِنِينَ إلْحَاقًا له بِأَعْلَى السِّنَّيْنِ نَبَّهَ على ذلك الزَّرْكَشِيُّ وهو ظَاهِرٌ وقد قَدَّمْت نَظِيرَهُ في الزَّكَاةِ وَلَا يُجْزِئُ أَقَلُّ من جَذَعِ الضَّأْنِ وَثَنْيِ الْمَعْزِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْجَذَعُ ذُو سَنَةٍ تَامَّةٍ نعم إنْ أَجْذَعَ قَبْلَهَا أَيْ أَسْقَطَ سِنَّهُ أَجْزَأَ كما لو تَمَّتْ السَّنَةُ قبل أَنْ يُجْذِعَ وَلِعُمُومِ خَبَرِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ ضَحُّوا بِالْجَذَعِ من الضَّأْنِ فإنه جَائِزٌ وَيَكُونُ ذلك كَالْبُلُوغِ بِالسِّنِّ أو الِاحْتِلَامِ فإنه يَكْفِي فيه أَسْبَقُهُمَا وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ وَالْمَعْزُ وَالْبَقَرُ أَيْ الثَّنْيُ مِنْهُمَا ذُو سَنَتَيْنِ تَامَّتَيْنِ وَالْإِبِلُ أَيْ الثَّنْيُ منها ذُو خَمْسِ سِنِينَ تَامَّةً لِخَبَرِ مُسْلِمٍ لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً إلَّا إنْ تَعَسَّرَ عَلَيْكُمْ فَاذْبَحُوا جَذَعَةً من الضَّأْنِ قال النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ قال الْعُلَمَاءُ الْمُسِنَّةُ هِيَ الثَّنِيَّةُ من الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فما فَوْقَهَا قال الرَّافِعِيُّ وَالْمَعْنَى في ذلك أَنَّ الثَّنَايَا تَتَهَيَّأُ لِلْحَمْلِ وَالنَّزَوَانِ فَانْتِهَاؤُهَا إلَى هذا الْحَدِّ كَبُلُوغِ الْآدَمِيِّ وَحَالُهَا قَبْلَهُ كَحَالِ الْآدَمِيِّ قبل بُلُوغِهِ ا ه
وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَثِيرًا من الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ تَتَهَيَّأُ لِذَلِكَ قبل هذا الْحَدِّ وَقَضِيَّةُ الْخَبَرِ أَنَّ جَذَعَةَ الضَّأْنِ لَا تُجْزِئُ إلَّا إذَا عَجَزَ عن الْمُسِنَّةِ وَالْجُمْهُورُ على خِلَافِهِ وَحَمَلُوا الْخَبَرَ على الِاسْتِحْبَابِ وَتَقْدِيرُهُ يُسْتَحَبُّ لَكُمْ أَنْ لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً فَإِنْ عَجَزْتُمْ فَجَذَعَةَ ضَأْنٍ
فَصْلٌ في صِفَةِ الْأُضْحِيَّةِ وَلَا تُجْزِئُ ما بها مَرَضٌ بَيِّنٌ بِحَيْثُ يُوجِبُ الْهُزَالَ أو عَرَجٌ بَيِّنٌ بِحَيْثُ تَسْبِقُهَا الْمَاشِيَةُ إلَى الْكَلَأِ الطَّيِّبِ وَتَتَخَلَّفُ عن الْقَطِيعِ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ من ذلك لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ أَرْبَعٌ لَا تُجْزِئُ في الْأَضَاحِيِّ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا وَالْعَجْفَاءُ التي لَا تُنْقِي مَأْخُوذَةٌ من النِّقْيِ بِكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وهو الْمُخُّ أَيْ لَا مُخَّ لها وَلِأَنَّ الْبَيِّنَ من ذلك يُؤَثِّرُ في اللَّحْمِ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ وَلَوْ حَدَثَ بها الْعَرَجُ تَحْتَ السِّكِّينِ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُ لِأَنَّهَا عَرْجَاءُ عِنْدَ الذَّبْحِ فَأَشْبَهَ ما لو انْكَسَرَتْ رِجْلُ شَاةٍ فَبَادَرَ إلَى التَّضْحِيَةِ بها وَلَا يُجْزِئُ ما بها جَرَبٌ وَإِنْ قَلَّ أو رُجِيَ زَوَالُهُ لِأَنَّهُ يُفْسِدُ اللَّحْمَ وَالْوَدَكَ وَيُنْقِصُ الْقِيمَةَ أو بها عَمًى أو عَوَرٌ وهو ذَهَابُ ضَوْءِ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ وَلَوْ بَقِيَتْ الْحَدَقَةُ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ وهو كَمَالُ النَّظَرِ وَلِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَتُجْزِئُ الْعَمْشَاءُ وَهِيَ ضَعِيفَةُ الْبَصَرِ مع سَيَلَانِ الدَّمْعِ غَالِبًا وَالْمَكْوِيَّةُ لِأَنَّ ذلك لَا يُؤَثِّرُ في اللَّحْمِ وَكَذَا الْعَشْوَاءُ وَهِيَ التي لَا تُبْصِرُ لَيْلًا لِأَنَّهَا تُبْصِرُ وَقْتَ الرَّعْيِ وَمَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ إذْ لَا نَقْصَ فيها وَالنَّهْيُ الْوَارِدُ عن التَّضْحِيَةِ بِالشَّرْقَاءِ وَهِيَ مَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ مَحْمُولٌ على كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ أو على ما أُبِينَ منه شَيْءٌ بِالْمَشْرِقِ إلَّا إنْ أُبِينَ جُزْءٌ منها وَلَوْ يَسِيرًا أو فُقِدَتْ الْأُذُنُ منها خَلْقًا لِفَوَاتِ جُزْءٍ مَأْكُولٍ وَلَا تُجْزِئُ هَزِيلَةٌ ذَهَبَ مُخُّهَا بِخِلَافِ ما إذَا كان بها بَعْضُ هُزَالٍ ولم يَذْهَبْ مُخُّهَا لِلْخَبَرِ السَّابِقِ ولا مَجْنُونَةٌ وَهِيَ التي قَلَّ رَعْيُهَا لِأَنَّ
____________________
(1/535)
ذلك يُورِثُ الْهُزَالَ
وَيُجْزِئُ الْفَحْلُ وَالْأُنْثَى وَإِنْ كَثُرَ نَزَوَانُهُ أَيْ الْفَحْلِ وَوِلَادَتُهَا أَيْ الْأُنْثَى فَلَوْ كانت حَامِلًا لم تُجْزِ لِأَنَّ الْحَمْلَ يُهْزِلُهَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ عن الْأَصْحَابِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَأَتْبَاعُهُ وَغَيْرُهُمْ وفي بُيُوعِ الرَّوْضَةِ وَصَدَاقِهَا ما يُوَافِقُهُ وقال ابن الرِّفْعَةِ الْمَشْهُورُ أنها تُجْزِئُ لِأَنَّ ما حَصَلَ بها من نَقْصِ اللَّحْمِ يَنْجَبِرُ بِالْجَنِينِ فَهُوَ كَالْخَصِيِّ وَرُدَّ بِأَنَّ الْجَنِينَ قد لَا يَبْلُغُ حَدَّ الْأَكْلِ كَالْمُضْغَةِ وَبِأَنَّ زِيَادَةَ اللَّحْمِ لَا تَجْبُرُ عَيْبًا بِدَلِيلِ الْعَرْجَاءِ السَّمِينَةِ وَلَوْ فَقَدَتْ الضَّرْعَ وَالْأَلْيَةَ أو الذَّنَبَ خَلْقًا أَجْزَأَتْ أَمَّا في الْأَوَّلَيْنِ فَكَمَا يُجْزِئُ ذَكَرُ الْمَعْزِ بِخِلَافِ الْمَخْلُوقَةِ بِلَا أُذُنٍ كما مَرَّ لِأَنَّ الْأُذُنَ عُضْوٌ لَازِمٌ غَالِبًا وَأَمَّا في الثَّالِثِ فَقِيَاسًا على ذلك لَا إنْ كان الْفَقْدُ لِذَلِكَ بِقَطْعٍ وَلَوْ لِبَعْضٍ منه أو بِقَطْعِ بَعْضِ لِسَانِهَا لِحُدُوثِ ما يُؤَثِّرُ في نَقْصِ اللَّحْمِ وَلَا يَضُرُّ قَطْعُ فِلْقَةٍ يَسِيرَةٍ من عُضْوٍ كَبِيرٍ كَفَخِذٍ لِأَنَّ ذلك لَا يَظْهَرُ بِخِلَافِ الْكَبِيرَةِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْعُضْوِ لِنُقْصَانِ اللَّحْمِ وَكَوْنِ الْعُضْوِ لَازِمًا لِلْجِنْسِ
وَيُجْزِئُ خَصِيٌّ وَمَوْجُوءٌ أَيْ مَرْضُوضُ عُرُوقِ الْبَيْضَتَيْنِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَلِأَنَّ ذلك يَزِيدُ اللَّحْمَ طِيبًا وَكَثْرَةً وَبِهِ يَنْجَبِرُ ما فَاتَ من الْبَيْضَتَيْنِ مع أَنَّهُمَا لَا يُؤْكَلَانِ عَادَةً بِخِلَافِ الْأُذُنِ وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ الْقَرْنِ ولا كَسْرٌ له لم يَعِبْ اللَّحْمَ وَإِنْ دَمِيَ بِالْكَسْرِ لِأَنَّ الْقَرْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَبِيرُ غَرَضٍ فَإِنْ عِيبَ اللَّحْمُ ضَرَّ كَالْجَرَبِ وَغَيْرِهِ وَغَيْرِهَا وَهِيَ ذَاتُ الْقَرْنِ أَوْلَى لِلِاتِّبَاعِ السَّابِقِ وَلِخَبَرِ خَيْرُ التَّضْحِيَةِ الْكَبْشُ الْأَقْرَنُ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَلِأَنَّهَا أَحْسَنُ مَنْظَرًا بَلْ يُكْرَهُ غَيْرُهَا كما نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْأَصْحَابِ وَلَا يَمْنَعُ من الْإِجْزَاءِ ذَهَابُ بَعْضِ الْأَسْنَانِ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ في الِاعْتِلَافِ وَنَقْصِ اللَّحْمِ فَلَوْ ذَهَبَ الْكُلُّ مُنِعَ لِأَنَّهُ يُؤَثِّر في ذلك وَقَضِيَّةُ هذا التَّعْلِيلِ أَنَّ ذَهَابَ الْبَعْضِ إذَا أَثَّرَ يَكُونُ كَذَلِكَ وَعِبَارَةُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَيُجْزِئُ مَكْسُورُ سِنٍّ أو سِنَّيْنِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ في ذلك ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ فَرْعٌ في صِفَةِ الْكَمَالِ اسْتِكْثَارُ الْقِيمَةِ في الْأُضْحِيَّةِ بِنَوْعٍ أَفْضَلُ من اسْتِكْثَارِ الْعَدَدِ منه بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَلَوْ كان معه دِينَارٌ وَوَجَدَ بِهِ شَاةً سَمِينَةً وَشَاتَيْنِ دُونَهَا فَالشَّاةُ أَفْضَلُ وَلَوْ كان معه أَلْفٌ وَأَرَادَ عِتْقَ ما يَشْتَرِيهِ بها فَعَبْدَانِ خَسِيسَانِ أَفْضَلُ من عَبْدٍ نَفِيسٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا اللَّحْمُ وَلَحْمُ السَّمِينِ أَكْثَرُ وَأَطْيَبُ وَالْمَقْصُودُ من الْعِتْقِ التَّخْلِيصُ من الرِّقِّ وَتَخْلِيصُ عَدَدٍ أَوْلَى من تَخْلِيصِ وَاحِدٍ وَاللَّحْمُ أَيْ كَثْرَتُهُ خَيْرٌ من كَثْرَةِ الشَّحْمِ قال في الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَحْمًا رَدِيئًا وَأَجْمَعُوا على اسْتِحْبَابِ السَّمِينِ في الْأُضْحِيَّةِ وَاسْتَحَبُّوا تَسْمِينَهَا فَالسَّمِينَةُ أَفْضَلُ من غَيْرِهَا لِمَا مَرَّ في بَابِ الْهَدْيِ وَأَفْضَلُهَا الْبَدَنَةُ ثُمَّ الْبَقَرَةُ ثُمَّ الضَّأْنُ ثُمَّ الْمَعْزُ ثُمَّ شِرْكٌ من بَدَنَةٍ ثُمَّ من بَقَرَةٍ اعْتِبَارًا بِكَثْرَةِ اللَّحْمِ غَالِبًا وَلِانْفِرَادِهِ بِإِرَاقَةِ دَمٍ فِيمَا قبل الشِّرْكِ وفي الصَّحِيحَيْنِ في الرَّوَاحِ إلَى الْجُمُعَةِ تَقْدِيمُ الْبَدَنَةِ ثُمَّ الْبَقَرَةِ ثُمَّ الْكَبْشِ وَسَبْعُ شِيَاهٍ أَفْضَلُ من بَدَنَةٍ بَعِيرٍ أو بَقَرَةٍ لِأَنَّ لَحْمَهَا أَطْيَبُ وَالدَّمَ الْمُرَاقَ لِذَبْحِهَا أَكْثَرُ وَالْقُرْبَةُ تَزِيدُ بِحَسَبِهِ قال الرَّافِعِيُّ وقد يُؤَدِّي التَّعَارُضُ في مِثْلِ هذا إلَى التَّسَاوِي ولم يَذْكُرُوهُ وَالْبَيْضَاءُ أَفْضَلُ ثُمَّ الصَّفْرَاءُ وَهِيَ من زِيَادَتِهِ ثُمَّ الْعَفْرَاءُ وَهِيَ التي لَا يَصْفُو بَيَاضُهَا ثُمَّ الْبَلْقَاءُ كما في الْمَجْمُوعِ
ثُمَّ السَّوْدَاءُ قِيلَ لِلتَّعَبُّدِ وَقِيلَ لِحُسْنِ الْمَنْظَرِ وَقِيلَ لِطِيبِ اللَّحْمِ وَرَوَى أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ خَبَرَ لَدَمُ عَفْرَاءَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ من دَمِ سَوْدَاوَيْنِ وَجَعَلَ الْمَاوَرْدِيُّ قبل الْأَبْلَقِ الْأَحْمَرَ وَالذَّكَرُ أَفْضَلُ من الْأُنْثَى لِأَنَّ لَحْمَهُ أَطْيَبُ من لَحْمِهَا فَإِنْ كَثُرَ نَزَوَانُهُ فَضَلَتْهُ الْأُنْثَى التي لم تَلِدْ لِأَنَّهَا أَطْيَبُ وَأَرْطَبُ لَحْمًا وَعَلَيْهَا حَمَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ وَالْأُنْثَى أَحَبُّ إلَيَّ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ على جَزَاءِ الصَّيْدِ إذَا قُوِّمَتْ لِإِخْرَاجِ الطَّعَامِ وَالْأُنْثَى أَكْثَرُ قِيمَةً ولم يُصَحِّحْ في الْأَصْلِ وَالْمَجْمُوعِ شيئا من الْحَمْلَيْنِ نعم صَحَّحَ الْجُوَيْنِيُّ في فُرُوقِهِ الْأَوَّلَ وَنَسَبَ في الذَّخَائِرِ الثَّانِي لِلْأَصْحَابِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلًّا من الْحَمْلَيْنِ صَحِيحٌ لَكِنْ لَمَّا كان الْمُنَاسِبُ هُنَا إنَّمَا هو الْأَوَّلُ جَرَى عليه الْمُصَنِّفُ
فَصْلٌ الشَّاةُ تُجْزِئُ عن وَاحِدٍ فَإِنْ ذَبَحَهَا عنه وَعَنْ أَهْلِهِ أو عنه وَأَشْرَكَ غَيْرَهُ في ثَوَابِهَا جَازَ وَعَلَيْهِمَا حُمِلَ خَبَرُ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ وقال اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ من مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ وَهِيَ في الْأَوْلَى سُنَّةُ كِفَايَةٍ تَتَأَدَّى بِوَاحِدٍ من أَهْلِ الْبَيْتِ كَالِابْتِدَاءِ بِالسَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ قال في الْمَجْمُوعِ وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِذَلِكَ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ في الْمُوَطَّإِ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ قال كنا نُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ
____________________
(1/536)
يَذْبَحُهَا الرَّجُلُ عنه وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ثُمَّ تَبَاهَى الناس بَعْدُ فَصَارَتْ مُبَاهَاةً وَظَاهِرٌ أَنَّ الثَّوَابَ فِيمَا ذُكِرَ لِلْمُضَحِّي خَاصَّةً لِأَنَّهُ الْفَاعِلُ كما في الْقَائِمِ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ
فَرْعٌ تُجْزِئُ الْبَدَنَةُ أو الْبَقَرَةُ عن سَبْعَةٍ كما تُجْزِئُ عَنْهُمْ في التَّحَلُّلِ لِلْإِحْصَارِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ عن جَابِرٍ نَحَرْنَا مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عن سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عن سَبْعَةٍ وَظَاهِرٌ أَنَّهُمْ لم يَكُونُوا من أَهْلِ بَيْتٍ وَاحِدٍ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ عن جَابِرٍ أَيْضًا قال خَرَجْنَا مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فَأَمَرَنَا أَنْ نُشْرِكَ في الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ كُلَّ سَبْعَةٍ مِنَّا في بَدَنَةٍ وَلَهُمْ الْقِسْمَةُ أَيْ قِسْمَةُ اللَّحْمِ بِنَاءً على أَنَّ قِسْمَتَهُ كَسَائِرِ الْمُتَشَابِهَاتِ إفْرَازٌ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ هُنَا وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ في الْمَجْمُوعِ
وَلَوْ اشْتَرَكَ رَجُلَانِ في شَاتَيْنِ لِلتَّضْحِيَةِ أو غَيْرِهَا كَالْهَدْيِ لم يَجُزْ اقْتِصَارًا على ما وَرَدَ الْخَبَرُ بِهِ وَلِتَمَكُّنِ كُلٍّ مِنْهُمَا من الِانْفِرَادِ بِوَاحِدَةٍ وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَوَازِ إعْتَاقِ نِصْفَيْ عَبْدَيْنِ عن الْكَفَّارَةِ بِأَنَّ التَّشْقِيصَ عَيْبٌ وَمُطْلَقُ الْعَيْبِ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ في الْأُضْحِيَّةِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الذي يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ إنَّمَا هو عَيْبٌ يُنْقِصُ اللَّحْمَ لَا مُطْلَقُ الْعَيْبِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُفَرَّقَ بِاخْتِلَافِ الْمَأْخَذِ لِأَنَّ الْمَأْخَذَ ثَمَّ تَخْلِيصُ رَقَبَةٍ من الرِّقِّ وقد وُجِدَ بِذَلِكَ وَهُنَا التَّضْحِيَةُ بِشَاةٍ ولم تُوجَدْ بِمَا فَعَلَ وَلَوْ ضَحَّى بِبَدَنَةٍ من بَعِيرٍ أو بَقَرَةٍ بَدَلَ شَاةٍ وَاجِبَةٍ فَالزَّائِدُ على السُّبْعِ تَطَوُّعٌ ويصرفه أَيْ الزَّائِدَ إلَى أَنْوَاعِ مَصْرِفِ أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ من إهْدَاءٍ وَتَصَدُّقٍ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ فَعَلَ فيه ما يَفْعَلُ في سَائِرِ الضَّحَايَا الْمُتَطَوَّعِ بها من أَكْلٍ وَإِهْدَاءٍ وَتَصَدُّقٍ وَقَوْلُهُ وَيَصْرِفُهُ إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ وهو مَعْلُومٌ مِمَّا سَيَأْتِي
الشَّرْطُ الثَّانِي الْوَقْتُ أَيْ وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ وهو من حِينِ يَمْضِي قَدْرُ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ خَفِيفَتَانِ من طُلُوعِ شَمْسِ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلَوْ كانت الْأُضْحِيَّةُ مَنْذُورَةً فَلَوْ ذَبَحَ قبل ذلك أو بَعْدَهُ لم يَقَعْ أُضْحِيَّةً لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَوَّلُ ما نَبْدَأُ بِهِ في يَوْمِنَا هذا نُصَلِّي ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَنْحَرُ من فَعَلَ ذلك فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ فَإِنَّمَا هو لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ ليس من النُّسُكِ في شَيْءٍ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ لَا يَذْبَحَنَّ أَحَدٌ قبل أَنْ يُصَلِّيَ وَلِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ في كل أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ قالوا وَالْمُرَادُ بِالْأَخْبَارِ التَّقْدِيرُ بِالزَّمَانِ لَا بِفِعْلِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالزَّمَانِ أَشْبَهُ بِمَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَلِأَنَّهُ أَضْبَطُ لِلنَّاسِ في الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى وَالْبَوَادِي وَيَقْضِي الْمَنْذُورَةَ وُجُوبًا إذَا فَاتَ الْوَقْتُ لِأَنَّ النَّذْرَ قد لَزِمَهُ فلم يَسْقُطْ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ وَمِثْلُهَا ما لو قال جَعَلْت هذه أُضْحِيَّةً كما صَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ دُونَ الْمُتَطَوَّعِ بها فَلَا تُقْضَى فَإِنْ ذَبَحَ الْمُتَطَوَّعُ بها بَعْدَ فَوَاتِ الْوَقْتِ فَهِيَ صَدَقَةٌ إنْ تَصَدَّقَ بها فَيُثَابُ ثَوَابَ الصَّدَقَةِ لَا الْأُضْحِيَّةِ وَإِنْ ضَحَّى بها في سَنَةٍ أُخْرَى وَقَعَتْ عنها لَا عن الْأُولَى وَيُكْرَهُ الذَّبْحُ بِاللَّيْلِ مُطْلَقًا عن التَّقْيِيدِ بِالْأُضْحِيَّةِ وَفِيهَا أَشَدُّ كَرَاهَةً وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ الْخَطَأَ في الْمَذْبَحِ وَلِأَنَّ الْفُقَرَاءَ لَا يَحْضُرُونَ فيه حُضُورَهُمْ بِالنَّهَارِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَا مَعْنًى لِكَرَاهَةِ الذَّبْحِ إذَا تَرَجَّحَتْ مَصْلَحَتُهُ أو دَعَتْ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ كَأَنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْأُضْحِيَّةِ أو نَهْيًا أو احْتَاجَ هو وَأَهْلُهُ إلَى الْأَكْلِ منها أو نَزَلَ بِهِ أَضْيَافٌ أو حَضَرَ مَسَاكِينُ الْقَرْيَةِ وَهُمْ مُحْتَاجُونَ إلَى الْأَكْلِ منها
الشَّرْطُ الثَّالِثُ الذَّابِحُ وهو من تَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُ وَالْأَمَةُ الْكِتَابِيَّةُ كما سَيَأْتِي وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَذْبَحَ الْمُضَحِّي بِنَفْسِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِأَنَّ التَّضْحِيَةَ قُرْبَةٌ فَتُسَنُّ مُبَاشَرَتُهَا أو يُوَكِّلَ في ذلك مُسْلِمًا فَقِيهًا بِبَابِ الضَّحَايَا وما يَتَعَلَّقُ بها لِخَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَهْدَى مِائَةَ بَدَنَةٍ فَنَحَرَ منها ثَلَاثًا وَسِتِّينَ ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ ما غَبَرَ وَأَشْرَكَهُ في هَدْيِهِ أَيْ في ثَوَابِهِ وَأَمَرَ من كل بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجَعَلَهَا في قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلَ من لَحْمِهَا وَشَرِبَ من مَرَقِهَا وَلِأَنَّ الْمُسْلِم أَهْل لِقُرْبَةٍ وَالْفَقِيهَ أُعْرَفُ بِوَاجِبَاتِ الذَّبْحِ وَسُنَنِهِ وَأَوْ في كَلَامِهِ
____________________
(1/537)
لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ فَلَوْ عَبَّرَ كَأَصْلِهِ بِقَوْلِهِ وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ كان أَوْلَى نعم الْأَوْلَى لِلْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى أَنْ يُوَكِّلَا رَجُلًا قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ اسْتِحْبَابُ التَّوْكِيلِ لِكُلِّ من ضَعُفَ عن الذَّبْحِ من الرِّجَالِ لِمَرَضٍ أو غَيْرِهِ وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهُ لِلْأَعْمَى وَكُلِّ من تُكْرَهُ ذَكَاتُهُ وأن يَحْضُرَ الذَّبْحَ إذَا وَكَّلَ فيه لِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِفَاطِمَةَ قُومِي إلَى أُضْحِيَّتِكِ فَاشْهَدِيهَا فإنه بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ من دَمِهَا يُغْفَرُ لَكِ ما سَلَفَ من ذُنُوبِك وَيُجْزِئُ كِتَابِيٌّ أَيْ تَوْكِيلُهُ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلذَّبْحِ وَيَجُوزُ أَنْ يَعْتَانَ الْمُسْلِم في قُرَبِهِ بِالْكَافِرِ كما يَعْتَانُ بِهِ في قِسْمَةِ الزَّكَاةِ وَلَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ غَيْرِ الْكِتَابِيِّ كَالْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ وَالْمُرْتَدِّ إذْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُمْ وَيُكْرَهُ صَبِيٌّ وَأَعْمَى أَيْ تَوْكِيلُهُمَا وَالْحَائِضُ أَيْ تَوْكِيلُهَا أَوْلَى مِنْهُمَا أَيْ من تَوْكِيلِهِمَا وَلَا يُكْرَهُ تَوْكِيلُهَا لِأَنَّهُ لم يَصِحَّ فيه نَهْيٌ ذَكَرَهُ في الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عن الْأَصْحَابِ ثُمَّ قال لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَكَالْحَائِضِ النُّفَسَاءُ وَذِكْرُ الْأَعْمَى من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ هُنَا مع أَنَّهُ ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ في الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ وَذَكَرَ أَنَّ الْحَائِضَ أَوْلَى منه من زِيَادَتِهِ
وَالصَّبِيُّ الْمُسْلِمُ أَيْ تَوْكِيلُهُ أَوْلَى من تَوْكِيلِ الْكِتَابِيِّ وَمِثْلُهُ الْأَعْمَى كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَالرَّوْضَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَوْكِيلُ الذِّمِّيِّ في ذلك وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ
وَلَا بُدَّ في التَّضْحِيَةِ من النِّيَّةِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَلَوْ قبل الذَّبْحِ عِنْدَ تَعْيِينِ الْأُضْحِيَّةِ كما في الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَلَوْ عَيَّنَ شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ بِأَنْ قال جَعَلْتهَا أُضْحِيَّةً أو عَيَّنَهَا عن نَذْرٍ في ذِمَّتِهِ لم تُجْزَ عن نِيَّةِ الذَّبْحِ لِلْأُضْحِيَّةِ فَلَا يَكْفِي تَعْيِينُهَا لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ في نَفْسِهَا فَوَجَبَتْ النِّيَّةُ فيها وَلَوْ نَوَى دُونَ وَكِيلِهِ وَلَوْ عِنْدَ الدَّفْعِ أَيْ دَفْعِ الْأُضْحِيَّةِ إلَيْهِ أو تَعْيِينِهِ لها كَفَى فَلَا حَاجَةَ إلَى نِيَّةِ الْوَكِيلِ بَلْ لو لم يَعْلَمْ أَنَّهُ مُضَحٍّ لم يَضُرَّ وَيَجُوزُ تَفْوِيضُهَا إلَى الْوَكِيلِ الْمُسْلِمِ الْمُمَيِّزِ كما يُفَوِّضُ إلَيْهِ الذَّبْحَ وَكَمَا في الزَّكَاةِ بِخِلَافِ الْكِتَابِيِّ وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ كَمَجْنُونٍ وَسَكْرَانَ لِعَدَمِ صِحَّتِهَا منهم
وَلَا أُضْحِيَّةَ لِرَقِيقٍ وَلَوْ مُدَبَّرًا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شيئا فَإِنْ أَذِنَ له سَيِّدُهُ وَضَحَّى فَإِنْ كان غير مُكَاتَبٍ وَقَعَتْ لِلسَّيِّدِ أَيْ عنه أو مُكَاتَبًا وقعت عن الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهَا منه تَبَرُّعٌ وقد أَذِنَ له فيه سَيِّدُهُ وَيُوَجَّهُ وُقُوعُهَا عن السَّيِّدِ في غَيْرِ الْمُكَاتَبِ بِالْإِذْنِ بِأَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ وَيَدَهُ كَيَدِهِ وَلِمَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ أَنْ يُضَحِّيَ بِمَا يَمْلِكُهُ بِحُرِّيَّتِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ سَيِّدِهِ كما لو تَصَدَّقَ بِهِ وَلَا يُضَحِّي أَحَدٌ عن غَيْرِهِ بِلَا إذْنٍ منه وَلَوْ كان مَيِّتًا فَإِنْ أَذِنَ له وَقَعَتْ عنه وَصُورَةُ الْإِذْنِ في الْمَيِّتِ أَنْ يُوصِيَ بها وَرَوَى أبو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ كان يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبِكَبْشَيْنِ عن نَفْسِهِ وقال إنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَنِي أَنْ أُضَحِّيَ عنه أَبَدًا فَعُلِمَ أنها لَا تَقَعُ عنه وَلَا عن غَيْرِهِ إذَا ضَحَّى عنه بِغَيْرِ إذْنِهِ نعم تَقَعُ عن الْمُضَحِّي أُضْحِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ بِالنَّذْرِ منه فَمُعَيَّنَةٌ مَرْفُوعٌ بِالْفَاعِلِيَّةِ وَيَجُوزُ نَصْبُهُ بِالْحَالِيَّةِ
الشَّرْطُ الرَّابِعُ الذَّبْحُ وَلَا يَحِلُّ حَيَوَانٌ مَأْكُولٌ مَقْدُورٌ عليه غير السَّمَكِ وَالْجَرَادِ إنْسِيًّا كان أو وَحْشِيًّا أُضْحِيَّةً كان أو غَيْرَهَا إلَّا بِالتَّذْفِيفِ بِقَطْعِ جَمِيعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ حَالَةَ كَوْنِ الْقَطْعِ مَحْضًا أَيْ خَالِصًا وَالْحَيَاةِ مُسْتَقِرَّةٌ لَا بِعَظْمٍ وَظُفُرٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن رَافِعِ بن خَدِيجٍ قال يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لَاقُو الْعَدُوِّ غَدًا وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ قال ما أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عليه فَكُلُوهُ ليس السِّنَّ وَالظُّفُرَ وَسَأُحَدِّثُكُمْ عن ذلك أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ وَأُلْحِقَ بِهِمَا بَاقِي الْعِظَامُ وَسَيَأْتِي في الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ اسْتِيفَاءُ الْكَلَامِ على ذلك وَعَلَى ما يَتَعَلَّقُ بِهِ وَقَوْلُهُ كَأَصْلِهِ جَمِيعُ تَأْكِيدٍ وَلَا يُقْطَعُ الرَّأْسُ بِإِلْصَاقِ السِّكِّينِ بِاللَّحْيَيْنِ فَوْقَ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ لِأَنَّهُ لم يَقْطَعْهَا وَهَذَا يُغْنِي عنه صَدْرُ كَلَامِهِ الْآتِي على الْأَثَرِ وَلَوْ جَعَلَهُ مِثَالًا له كان أَوْلَى فَإِنْ لم يَقْطَعْهُمَا أو اخْتَطَفَ رَأْسَ عُصْفُورٍ أو غَيْرِهِ بِبُنْدُقَةٍ أو غَيْرِهَا أو بَقِيَ مِنْهُمَا أَيْ من الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ شَيْءٌ يَسِيرٌ فَمَاتَ الْحَيَوَانُ أو قُطِعَ بَعْدَ رَفْعِ السِّكِّينِ ما بَقِيَ بَعْدَ انْتِهَائِهِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ فَمَيْتَةٌ وَيَعْصَى بِالذَّبْحِ
____________________
(1/538)
وَمِنْ الْقَفَا ومن الصَّفْحَةِ أَيْ الصَّفْحَةِ الْعُنُقِ ومن إدْخَالِ السِّكِّينِ في الْأُذُنِ لِزِيَادَةِ الْإِيلَامِ فَإِنْ وَصَلَ الْمَذْبَحَ في كُلٍّ من الثَّلَاثَةِ وَالْحَيَاةُ مُسْتَقِرَّةٌ فَقَطَعَ ه حَلَّ وَإِنْ لم يَقْطَعْ جِلْدَتَهُمَا أَيْ الْحُلْقُومِ الْمَرِيءِ كما لو قَطَعَ يَدَ الْحَيَوَانِ ثُمَّ ذَبَحَهُ فَإِنْ لم يَصِلْ الْمَذْبَحَ أو وَصَلَهُ وَالْحَيَاةُ غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ فَقَطَعَهُ لم يَحِلَّ وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ اسْتِقْرَارِ الْحَيَاةِ بَعْدَ الشُّرُوعِ في قَطْعِهِمَا جَمِيعِهِمَا أو مَجْمُوعِهِمَا بِأَنْ انْتَهَى بَعْدَ الشُّرُوعِ فيه إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ لِمَا نَالَهُ بِسَبَبِ قَطْعِ الْقَفَا وَالصَّفْحَةِ وَإِدْخَالِ السِّكِّينِ في الْأُذُنِ لِأَنَّ أَقْصَى ما وَقَعَ التَّعَبُّدُ بِهِ أَنْ يَكُونَ فيه حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ عِنْدَ الِابْتِدَاءِ بِقَطْعِ الْمَذْبَحِ بِخِلَافِ ما لو وفي نُسْخَةٍ من تَأَنَّى في الذَّبْحِ فلم يُتِمَّهُ حتى ذَهَبَ اسْتِقْرَارُهَا أَيْ الْحَيَاةِ فإنه يَضُرُّ قال في الرَّوْضَةِ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ في التَّأَنِّي بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لَا تَقْصِيرَ منه وَلَوْ لم نُحَلِّلْهُ أَدَّى إلَى حَرَجٍ
وَإِنْ ذَبَحَهَا أَيْ الْأُضْحِيَّةَ وَأَخْرَجَ آخِرَ حِشْوَتِهَا بِكَسْرِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا أَيْ أَمْعَاءَهَا أو نَخَسَ خَاصِرَتَهَا مَعًا لم يَحِلَّ لِأَنَّ التَّذْفِيفَ لم يَتَمَحَّضْ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ قال في الْأَصْلِ سَوَاءٌ أَكَانَ ما قَطَعَ بِهِ الْحُلْقُومَ مِمَّا يُذَفِّفُ لو انْفَرَدَ أو كَأَنْ يُعِينَ على التَّذْفِيفِ ر وَمُقْتَضَاهُ أنها لَا تَحِلُّ وَإِنْ كان الْمُشَارِكُ غير مُذَفِّفٍ لو انْفَرَدَ وَتَوَقَّفَ الرَّافِعِيُّ وَمَالَ إلَى الْحِلِّ كَنَظِيرِهِ فِيمَا لو جَرَحَا آدَمِيًّا وكان أَحَدُهُمَا مُذَفِّفًا دُونَ الْآخَرِ حَيْثُ لَا قِصَاصَ على الْآخَرِ وَمَالَ إلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَيْضًا لَكِنْ فَرَّقَ ابن الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الْقِصَاصَ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عِصْمَةُ الدَّمِ وَالتَّحْرِيمُ يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ في الْبَابِ التَّحْرِيمُ وَلَوْ اقْتَرَنَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ بِقَطْعِ رَقَبَةِ الشَّاةِ من قَفَاهَا بِأَنْ أَجْرَى سِكِّينًا من الْقَفَا وَسِكِّينًا من الْحُلْقُومِ حتى الْتَقَتَا فَهِيَ مَيْتَةٌ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لِأَنَّ التَّذْفِيفَ إنَّمَا حَصَلَ بِذَبْحَيْنِ وَيُؤْخَذُ من اعْتِبَارِ تَمَحَّضَ الْقَطْعِ أَنَّهُ لو ذَبَحَ بِسِكِّينٍ مَسْمُومٍ بِسُمٍّ مُوحٍ حَرُمَ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ
وَالْحُلْقُومُ مَجْرَى النَّفَسِ خُرُوجًا وَدُخُولًا وَالْمَرِيءُ بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْوَدَجَانِ بِفَتْحِ الدَّالِ عِرْقَانِ بَعْدَهُمَا أَيْ بَعْدَ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ أَيْ وَرَاءَهُمَا في صَفْحَتَيْ الْعُنُقِ مُحِيطَانِ بِالْحُلْقُومِ يُسْتَحَبُّ قَطْعُهُمَا مع ما ذُكِرَ لِأَنَّهُ أَوْحَى وَأَرْوَحُ لِلذَّبِيحَةِ وَالْغَالِبُ أَنَّهُمَا ما يَنْقَطِعَانِ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَإِنَّمَا لم يَجِبْ قَطْعُهُمَا لِأَنَّهُمَا قد يُسَلَّانِ من الْحَيَوَانِ فَيَبْقَى وما هذا شَأْنُهُ لَا يُشْتَرَطُ قَطْعُهُ كَسَائِرِ الْعُرُوقِ فَإِنْ جُرِحَ الْحَيَوَانُ أو سَقَطَ عليه سَيْفٌ أو نَحْوُهُ وفي نُسْخَةٍ سَقْفٌ وَبَقِيَتْ فيه حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَلَوْ عُرِفَتْ بِشِدَّةِ الْحَرَكَةِ أو انْفِجَارِ الدَّمِ فَذَبَحَهُ حَلَّ وَإِنْ تَيَقَّنَ هَلَاكَهُ بَعْدَ سَاعَةٍ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم تَكُنْ فيه حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَلَا يَحِلُّ لِوُجُودِ ما يُحَالُ عليه الْهَلَاكُ مِمَّا ذُكِرَ وَرَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِأَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ وما صِدْت بِكَلْبِكَ الذي ليس بِمُعَلَّمٍ فَأَدْرَكْت ذَكَاتَهُ فَكُلْ وَقَوْلُهُ وَلَوْ بِشِدَّةِ الْحَرَكَةِ ليس في مَحَلِّهِ لِأَنَّهُ لو وَصَلَ بِجَرْحٍ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ وَفِيهِ شِدَّةُ الْحَرَكَةِ ثُمَّ ذُبِحَ لم يَحِلَّ وَالْمُرَادُ بِهِ إنَّمَا هو مَعْرِفَةُ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ حَالَةَ الذَّبْحِ فَلَوْ أَخَّرَهُ مع الْجُمْلَةِ قَبْلَهُ كَأَصْلِهِ كان حَسَنًا
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ عِنْدَ الذَّبْحِ تَارَةً تَتَيَقَّنُ وَتَارَةً تُظَنُّ بِعَلَامَاتٍ وَقَرَائِنَ فَمِنْهَا الْحَرَكَةُ الشَّدِيدَةُ بَعْدَ الذَّبْحِ وَانْفِجَارُ الدَّمِ وَتَدَفُّقُهُ وَلَوْ شَكَكْنَا في اسْتِقْرَارِهَا حَرُمَ لِلشَّكِّ في الْمُبِيحِ وَتَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ فَإِنْ لم يُصِبْهُ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ بَلْ مَرِضَ وَلَوْ بِأَكْلِهِ نَبَاتًا مُضِرًّا أَوْجَاعَ فَذَبَحَهُ وقد صَارَ آخِرَ رَمَقٍ حَلَّ لِأَنَّهُ لم يُوجَدْ سَبَبٌ يُحَالُ الْهَلَاكُ عليه وَيُجْعَلُ قَتْلًا وَمَسْأَلَةُ الْجُوعِ من زِيَادَتِهِ
فَصْلٌ في سُنَنِ الذَّبْحِ يُسَنُّ تَحْدِيدِ الشَّفْرَةِ بِفَتْحِ الشِّينِ أَيْ السِّكِّينِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ إذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلْيُحِدَّ أحدكم شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ وَأَفْهَمَ سَنُّ تَحْدِيدِهَا أَنَّهُ لو ذَبَحَ بِسِكِّينٍ كَالٍّ حَلَّ وَمَحِلُّهُ أَنْ لَا يَكُونَ كَلَالُهَا غير قَاطِعٍ إلَّا بِشِدَّةِ اعْتِمَادِ وَقُوَّةِ الذَّابِحِ فَإِنْ كان كَذَلِكَ لم يَحِلَّ لِأَنَّهُ يُذَفِّفُ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ مَحْضًا وَسَيَأْتِي هذا في الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ ويسن الذَّبْحُ بِقُوَّةٍ بِأَنْ يُمِرَّ السِّكِّينَ بِتَحَامُلٍ ذَهَابًا وَإِيَابًا لِيَكُونَ أَوْحَى وَأَسْهَلَ وَكَذَا يُسَنُّ الِاسْتِقْبَالُ أَيْ اسْتِقْبَالُ الذَّابِحِ الْقِبْلَةَ والاستقبال بِمَذْبَحِهَا إلَيْهَا لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ وَلَا يُوَجِّهُ وَجْهَهَا إلَيْهَا لِيَتَمَكَّنَ هو من الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِقْبَالُ الْمَذْكُورُ في الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ آكَدُ منه في غَيْرِهِمَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ في الْعِبَادَاتِ مُسْتَحَبٌّ وفي بَعْضِهَا وَاجِبٌ وَكَالْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ في ذلك الْعَقِيقَةُ وَلَعَلَّهُمْ
____________________
(1/539)
إنَّمَا تَرَكُوهَا هُنَا لِقَوْلِهِمْ في بَابِهَا إنَّهَا كَالْأُضْحِيَّةِ
وتسن التَّسْمِيَةُ بِأَنْ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ وَالصَّلَاةُ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عِنْدَ الذَّبْحِ وعند إرْسَالِ السَّهْمِ وَالْجَارِحَةِ إلَى صَيْدٍ وَلَوْ عِنْدَ الْإِصَابَةِ بِالسَّهْمِ وَالْعَضِّ من الْجَارِحَةِ أَمَّا التَّسْمِيَةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عليه فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عليه وَلِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا الصَّلَاةُ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلِأَنَّهُ مَحَلٌّ يُسَنُّ فيه ذِكْرُ اللَّهِ فَسُنَّ فيه ذِكْرُ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كَالْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ وَخِلَافًا لِمَا كان عليه الْمُشْرِكُونَ من تَسْمِيَةِ الْأَوْثَانِ وَإِنَّمَا لم تَجِبْ التَّسْمِيَةُ لِآيَةِ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ إلَى قَوْلِهِ إلَّا ما ذَكَّيْتُمْ فَأَبَاحَ الْمُذَكَّى ولم يذكر التَّسْمِيَةَ وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ إنَّ قَوْمًا قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ قَوْمًا حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ يَأْتُونَا بِلُحْمَانٍ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عليه أَمْ لم يَذْكُرُوا أَنَأْكُلُ منها أَمْ لَا فقال اُذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَكُلُوا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَوْ كان وَاجِبًا لَمَا جَازَ الْأَكْلُ مع الشَّكِّ وَأَمَّا قَوْله وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لم يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عليه وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ فَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ الْبَلَاغَةُ أَنَّ قَوْلَهُ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ليس مَعْطُوفًا لِلتَّبَايُنِ التَّامِّ بين الْجُمْلَتَيْنِ إذَا الْأُولَى فِعْلِيَّةٌ إنْشَائِيَّةٌ وَالثَّانِيَةُ اسْمِيَّةٌ خَبَرِيَّةٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جَوَابًا لِمَكَانِ الْوَاوِ فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ حَالِيَّةً فَيَتَقَيَّدُ النَّهْيُ بِحَالِ كَوْنِ الذَّبْحِ فِسْقًا وَالْفِسْقُ في الذَّبِيحَةِ مُفَسَّرٌ في كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَبَعْضُهُمْ أَجَابَ بِحَمْلِ النَّهْيِ في الْآيَةِ على كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ
وَأَمَّا نَحْوُ خَبَرِ أبي ثَعْلَبَةَ فما صِدْت بِقَوْسِكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ ثُمَّ كُلْ وما صِدْت بِكَلْبِك الْمُعَلَّمِ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ ثُمَّ كُلْ فَأَجَابُوا عنه بِحَمْلِهِ على النَّدْبِ وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الصَّلَاةِ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عِنْدَ الْإِرْسَالِ أو الْإِصَابَةِ وَالْعَضِّ من زِيَادَتِهِ لَكِنْ ما بَعْدَ لو لَا يَصْلُحُ غَايَةً لِمَا قَبْلَهَا فَلَوْ قال وَكَذَا عِنْدَ الْإِصَابَةِ وَالْعَضِّ كان أَوْلَى قال الزَّرْكَشِيُّ في الْخَادِمِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقُولَ في التَّسْمِيَةِ الرحمن الرَّحِيمِ لِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ لَكِنَّهُ قال في شَرْحِ الْمِنْهَاجِ ليس الْمُرَادُ بِالتَّسْمِيَةِ خُصُوصَ هذا اللَّفْظِ بَلْ لو قال الرحمن الرَّحِيمِ كان حَسَنًا وفي الْبَحْرِ عن الْبَيْهَقِيّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قال فَإِنْ زَادَ شيئا من ذِكْرِ اللَّهِ فَالزِّيَادَةُ خَيْرٌ وَتَرْكُهُمَا أَيْ التَّسْمِيَةُ وَالصَّلَاةُ عِنْدَمَا ذَكَرَ تَعَمُّدًا مَكْرُوهٌ لِتَأَكُّدِ أَمْرِهِمَا وَذِكْرُ كَرَاهَةِ تَرْكِ الصَّلَاةِ من زِيَادَتِهِ ولم أَرَهُ لِغَيْرِهِ
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الذَّابِحُ وَالصَّائِدُ كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ بِاسْمِ مُحَمَّدٍ وَلَا بِاسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ مُحَمَّدٍ وَلَا بِسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ رسول اللَّهِ بِالْجَرِّ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لِلتَّشْرِيكِ فَإِنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ بِاسْمِ مُحَمَّدٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُحَرَّمَ ذلك وَيُحْمَلُ إطْلَاقُ من نَفَى الْجَوَازَ عنه على أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ يَصِحُّ نَفْيُ الْجَوَازِ الْمُطْلَقِ عنه ذَكَرَهُ الْأَصْلُ كَقَوْلِهِ بِاسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٌ رسول اللَّهِ بِرَفْعِ مُحَمَّدٍ فإنه لَا يَحْرُمُ بَلْ وَلَا يُكْرَهُ فِيمَا يَظْهَرُ لِعَدَمِ إيهَامِهِ التَّشْرِيكَ قال الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا ظَاهِرٌ في النَّحْوِيِّ أَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يَتَّجِهُ فيه ذلك وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ كِتَابِيٍّ لِلْمَسِيحِ أو غَيْرِهِ مِمَّا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى مُوسَى عليه السَّلَامُ وَلَا ذَبِيحَةُ مُسْلِمٍ لِمُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو لِلْكَعْبَةِ أو غَيْرِهِمَا مِمَّا سِوَى اللَّهِ لِأَنَّهُ مِمَّا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ بَلْ إنْ ذَبَحَ لِذَلِكَ تَعْظِيمًا وَعِبَادَةً كَفَرَ كما لو سَجَدَ له كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَوْ قال الْمُصَنِّفُ وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ مُسْلِمٍ أو غَيْرِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ كان أَعَمَّ وَأَخْصَرَ وَأَقْرَبَ إلَى كَلَامِ الْأَصْلِ
فَإِنْ ذَبَحَ لِلْكَعْبَةِ أو لِلرُّسُلِ تَعْظِيمًا لِكَوْنِهَا بَيْتَ اللَّهِ أو لِكَوْنِهِمْ رُسُلُ اللَّهِ جَازَ قال في الْأَصْلِ وَإِلَى هذا الْمَعْنَى يَرْجِعُ قَوْلُ الْقَائِلِ أَهْدَيْت لِلْحَرَمِ أو لِلْكَعْبَةِ وَتَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ إذَا ذُبِحَتْ تَقَرُّبًا إلَى السُّلْطَانِ أو غَيْرِهِ عِنْدَ لِقَائِهِ لِمَا مَرَّ فَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِبْشَارَ بِقُدُومِهِ فَلَا بَأْسَ أو لِيُرْضِيَ غَضْبَانًا جَازَ كَالذَّبْحِ لِلْوِلَادَةِ أَيْ كَذَبْحِ الْعَقِيقَةِ لِوِلَادَةِ الْمَوْلُودِ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى الْغَضْبَانِ في صُورَتِهِ بِخِلَافِ الذَّبْحِ لِلصَّنَمِ وَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ فَلَا بَأْسَ كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ فَإِنْ ذَبَحَ لِلْجِنِّ حَرُمَ إلَّا إنْ قَصَدَ بِمَا ذَبَحَهُ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ لِيَكْفِيَهُ شَرَّهُمْ فَلَا يَحْرُمُ وَيُسْتَحَبُّ في الْإِبِلِ وسائر ما طَالَ عُنُقُهُ كَالنَّعَامِ وَالْإِوَزِّ النَّحْرُ في اللَّبَّةِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَهِيَ الثُّغْرَةُ أَسْفَلَ الْعُنُقِ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ لِلِاتِّبَاعِ وَلِلْأَمْرِ بِهِ في الْإِبِلِ رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَلِأَنَّهُ أَسْرَعُ لِخُرُوجِ رُوحِهَا لِطُولِ عُنُقِهَا وَقَوْلُهُ وما طَالَ عُنُقُهُ من زِيَادَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ بَحْثًا ويستحب أَنْ يُنْحَرَ الْبَعِيرُ قَائِمًا على ثَلَاثٍ من قَوَائِمِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عليها صَوَافَّ قال ابن عَبَّاسٍ قِيَامًا على ثَلَاثٍ مَعْقُولًا في الرُّكْبَةِ قال في الْمَجْمُوعِ وَأَنْ تَكُونَ الْمَعْقُولَةُ الْيُسْرَى لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ على شَرْطِ مُسْلِمٍ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم
____________________
(1/540)
يَنْحَرْهُ قَائِمًا فَبَارِكَا وأن يُذْبَحَ الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَنَحْوُهُمَا كَالْخَيْلِ وَحُمُرِ الْوَحْشِ بِأَنْ يُقْطَعَ حَلْقُهَا أَعْلَى الْعُنُقِ وَأَنْ تَكُونَ مُضْجَعَةً لِلِاتِّبَاعِ في الشَّاةِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقِيسَ بها الْبَقِيَّةُ وَلِأَنَّهُ أَرْفَقُ على جَنْبِهَا الْأَيْسَرِ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ على الذَّابِحِ في أَخْذِ السِّكِّينِ بِالْيَمِينِ وَإِمْسَاكِ رَأْسِهَا بِالْيَسَارِ مَشْدُودَةَ الْقَوَائِمِ لِئَلَّا تَضْطَرِبَ حَالَةَ الذَّبْحِ فَيَزِلَّ الذَّابِحُ لَا الرِّجْلَ الْيُمْنَى فَلَا تُشَدُّ بَلْ تُتْرَكُ لِتَسْتَرِيحَ بِتَحْرِيكِهَا
فَإِنْ نَحَرَهَا أو ذَبَحَ الْإِبِلَ وَنَحْوَهَا حَلَّ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ عن جَابِرٍ نَحَرْنَا مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْبَدَنَةَ عن سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عن سَبْعَةٍ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ كَخَبَرِ ما أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عليه فَكُلْ ولم يُكْرَهْ ذلك إذْ لم يَرِدْ فيه نَهْيٌ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَزِيدَ على قَطْعِهِمَا أَيْ حُلْقُومِهَا وَمَرِيئِهَا مع وَدَجَيْهَا وفي نُسْخَةٍ قَطْعُهَا أَيْ الْمَذْكُورَاتِ وَأَنْ لَا يَبِينَ رَأْسَهَا وأن لَا يَسْلَخَهَا وأن لَا يَنْقُلَهَا إلَى مَكَان وأن لَا يُمْسِكَهَا بَعْدَ الذَّبْحِ عن الِاضْطِرَابِ حتى تَبْرُدَ في الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ حتى تُفَارِقَ الرُّوحُ قال في الْمَجْمُوعِ فَإِنْ خَالَفَ ذلك كُرِهَ وَعُلِمَ من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ من أَنَّهُ لَا يَكْسِرُ فَقَارَهَا وَلَا يَقْطَعُ عُضْوًا منها وَلَا يُحَرِّكُهَا
وأن تُسَاقَ إلَى الْمَذْبَحِ وأن تُضْجَعَ بِرِفْقٍ وَأَنْ يَكُونَ ذلك بَعْدَ أَنْ تُسْقَى وأن لَا تُحَدَّ الشَّفْرَةُ وأن لَا يُذْبَحَ غَيْرُهَا قُبَالَتَهَا فيها وأن يُكَبِّرَ اللَّهَ تَعَالَى قبل التَّسْمِيَةِ وَبَعْدَهَا عِنْدَ الذَّبْحِ أو غَيْرِهِ مِمَّا مَرَّ ثَلَاثًا فيقول اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ يقول وَلِلَّهِ الْحَمْدُ لِأَنَّهُ في أَيَّامِ التَّكْبِيرِ وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ عِنْدَ الذَّبْحِ من زِيَادَتِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ ذلك بَعْدَ الصَّلَاةِ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيْضًا وأن يَقُولَ بَعْدَ ذلك اللَّهُمَّ هذا مِنْك وَإِلَيْك فَتَقَبَّلْ مِنِّي أَيْ اللَّهُمَّ هذا عَطِيَّةٌ مِنْك وَتَقَرُّبٌ مِنِّي إلَيْك وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال عِنْدَ تَضْحِيَتِهِ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ من مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ وفي الرَّافِعِيِّ عن الرُّويَانِيِّ عن الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لو قال تَقَبَّلْ مِنِّي كما تَقَبَّلْت من إبْرَاهِيمَ خَلِيلِك وَمُوسَى كَلِيمِك وَعِيسَى رُوحِك وَمُحَمَّدٍ عَبْدِك وَرَسُولِك صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يُكْرَهْ ولم يُسْتَحَبَّ لِأَنَّهُ لَا يُسَاوِيهِمْ غَيْرُهُمْ فيها لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَسْئُولُ التَّشْرِيكَ في أَصْلِ التَّقَبُّلِ وَذَكَرَ بَعْضَ ذلك في الرَّوْضَةِ فَصْلٌ لو قال جَعَلْت هذه الْبَدَنَةَ أو الشَّاةَ أُضْحِيَّةً أو هَدْيًا أو هذه ضَحِيَّةٌ أو هَدْيٌ أو عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بها أو أُهْدِيَهَا أو عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بهذا الْمَالِ أو الدَّرَاهِمِ تَعَيَّنَ ذلك وَلَوْ لم يَقُلْ لِلَّهِ وَزَالَ مِلْكُهُ عنها وَإِنْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ تَعَيَّنَ عِتْقُهُ لَكِنْ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عنه إلَّا بِعِتْقِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فيه لَا يَنْتَقِلُ بَلْ يَنْفَكُّ عن الْمِلْكِ بِالْكُلِّيَّةِ وَفِيمَا ذُكِرَ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَسَاكِينِ كما مَرَّ في بَابِ الْهَدْيِ وَلِهَذَا لو أُتْلِفَ وَجَبَ تَحْصِيلُ بَدَلِهِ كما سَيَأْتِي بِخِلَافِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِتْقِ وقد تَلِفَ وَمُسْتَحِقُّو ما ذُكِرَ بَاقُونَ وإذا نَوَى جَعْلَ هذه الْأُضْحِيَّةَ مَثَلًا بِغَيْرِ لَفْظٍ لم تَصِرْ أُضْحِيَّةً وَإِنْ ذَبَحَهَا هذا قَدَّمَهُ أَوَّلَ الْبَابِ وَظَاهِرٌ أَنَّ إشَارَةَ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ كَنُطْقِ النَّاطِقِ كما قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَلَوْ عَيَّنَ شَاةً أو عَبْدًا عَمَّا الْتَزَمَ في ذِمَّتِهِ من أُضْحِيَّةٍ وَعِتْقٍ تَعَيَّنَا كما لو عَيَّنَ ذلك ابْتِدَاءً لَا دَرَاهِمَ عَيَّنَهَا عَمَّا الْتَزَمَ التَّصَدُّقَ بِهِ بِنَذْرٍ أو غَيْرِهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ لِأَنَّ تَعْيِينَ كُلٍّ منها وَمِمَّا في الذِّمَّةِ ضَعِيفٌ وَظَاهِرٌ أَنَّ غير الدَّرَاهِمِ مِمَّا لَا يَصْلُحُ لِلْأُضْحِيَّةِ وَالْعِتْقِ كَالدَّرَاهِمِ في حُكْمِهَا
وَمَنْ أَرَادَ التَّضْحِيَةَ فَدَخَلَ عليه عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ كُرِهَ له أَخْذُ شَيْءٍ من أَجْزَاءِ بَدَنِهِ وَشَعْرِهِ حتى يُضَحِّيَ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ إذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أحدكم أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عن شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ وفي رِوَايَةٍ فَلَا يَأْخُذَنَّ من شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ شيئا حتى يُضَحِّيَ وَيُكْرَهُ مُخَالَفَةُ ذلك وَمَنَعَ من تَحْرِيمِهِ قَوْلُ عَائِشَةَ في خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ كُنْت أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ يُقَلِّدُهَا هو بيده ثُمَّ يَبْعَثُ بها فَلَا يَحْرُمُ عليه شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى حتى يَنْحَرَ الْهَدْيَ وَالْمَعْنَى فيه شُمُولُ الْمَغْفِرَةِ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ وَلَوْ تَرَكَ الْمُصَنِّفُ الشَّعْرَ أو ذَكَرَ معه الظُّفُرَ كَأَصْلِهِ كان أَوْلَى وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى من ذلك ما يُزَالُ بِالْخِتَانِ وَالْفَصْدِ وَنَحْوِهِمَا وَأَنَّ مَحَلَّ كَرَاهَةِ ذلك إذَا لم تَدْعُ إلَيْهِ حَاجَةٌ ذَكَرَ ذلك جَمَاعَةٌ منهم الزَّرْكَشِيُّ قال وَقِيَاسُ تَعْلِيلِهِمْ السَّابِقِ كَرَاهَةُ ذلك لِمَنْ عَزَمَ على إعْتَاقٍ مُسْتَحَبٍّ أو وَاجِبٍ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ فِدَاءٌ عن الْبَدَنِ كما دَلَّ عليه قَوْله تَعَالَى وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وفي مَعْنَى مُرِيدِ
____________________
(1/541)
التَّضْحِيَةِ من أَرَادَ أَنْ يُهْدِيَ شيئا من النَّعَمِ إلَى الْبَيْتِ بَلْ أَوْلَى وَبِهِ صَرَّحَ ابن سُرَاقَةَ وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ حتى يُضَحِّيَ أَنَّهُ لو أَرَادَ التَّضْحِيَةَ بِأَعْدَادٍ زَالَتْ الْكَرَاهَةُ بِذَبْحِ الْأَوَّلِ وَيُحْتَمَلُ بَقَاءُ النَّهْيِ إلَى آخِرِهَا انْتَهَى
فَصْلٌ وَأَحْكَامُهَا أَيْ الْأُضْحِيَّةِ ما في مَعْنَاهَا من الْهَدْيِ أَنْوَاعٌ خَمْسَةٌ الْأَوَّلُ الْإِتْلَافُ أَيْ حُكْمُهُ وَحُكْمُ التَّلَفِ فَالْمَنْذُورَةُ الْمُعَيَّنَةُ من الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ أَمَانَةٌ في يَدِهِ أَيْ النَّاذِرِ فَلَا يَضْمَنُهَا ما لم يَتَمَكَّنْ من ذَبْحِهَا بِأَنْ تَلِفَتْ أو ضَلَّتْ قبل دُخُولِ وَقْتِهَا أو بَعْدَهُ ولم يَتَمَكَّنْ من ذَبْحِهَا وقد زَالَ مِلْكُهُ عنها بِالنَّذْرِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فيها بِبَيْعٍ وَلَا هِبَةٍ وَلَا إبْدَالٍ بِمِثْلِهَا وَلَا بِخَيْرٍ منها وَلَوْ نَذَرَ إعْتَاقَ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ لم يَجُزْ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَإِبْدَالُهُ وَإِنْ لم يَزُلْ الْمِلْكُ عنه كما مَرَّ مع الْفَرْقِ بين زَوَالِ الْمِلْكِ هُنَا وَعَدَمِ زَوَالِهِ ثَمَّ فَإِنْ تَمَكَّنَ منه أَيْ من ذَبْحِهَا وَتَلِفَتْ ضَمِنَهَا لِتَقْصِيرِهِ بِتَأْخِيرِهَا وَسَيَأْتِي ما يَضْمَنُهَا بِهِ وَتَجُوزُ إعَارَتُهَا لِأَنَّهَا إرْفَاقٌ كما يَجُوزُ الِارْتِفَاقُ بها لِلْحَاجَةِ بِرِفْقٍ كما سَيَأْتِي قُبَيْلَ الْمَسَائِلِ الْمَنْثُورَةِ فَلَوْ تَلِفَتْ في يَدِ الْمُسْتَعِيرِ فَلَا ضَمَانَ عليه أَيْ وَلَوْ فِيمَا تَلِفَ بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ كما سَيَتَّضِحُ في الْمَوْضِعِ الْمُشَارِ إلَيْهِ لِأَنَّ يَدَ مُعِيرِهِ يَدُ أَمَانَةٍ فَكَذَا هو كما ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ في الْمُسْتَعِيرِ من الْمُسْتَأْجِرِ وَمِنْ الْمُوصَى له بِالْمَنْفَعَةِ نَبَّهَ على ذلك الْإِسْنَوِيُّ قال ابن الْعِمَادِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَتْلَفَ قبل وَقْتِ الذَّبْحِ فَإِنْ دخل وَقْتُهُ وَتَمَكَّنَ من ذَبْحِهَا وَتَلِفَتْ ضَمِنَ لِتَقْصِيرِهِ أَيْ كما يَضْمَنُ مُعِيرُهُ لِذَلِكَ لَا إجَارَتُهَا لِأَنَّهَا بَيْعٌ لِلْمَنَافِعِ
فَإِنْ أَجَّرَهَا وَسَلَّمَهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ ثُمَّ تَلِفَتْ عِنْدَهُ بِرُكُوبٍ أو غَيْرِهِ ضَمِنَهَا الْمُؤَجِّرُ بِقِيمَتِهَا وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ نعم إنْ عَلِمَ الْحَالَ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَضْمَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْأُجْرَةَ وَالْقِيمَةَ وَالْقَرَارُ على الْمُسْتَأْجِرِ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَتُصْرَفُ الْأُجْرَةُ مَصْرِفَ الْأُضْحِيَّةِ كَالْقِيمَةِ فَيُفْعَلُ بها ما يُفْعَلُ بها وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ وَإِنْ بَاعَهَا أَيْ الْمَنْذُورَةَ اسْتَرَدَّهَا إنْ كانت بَاقِيَةً وَرَدَّ ثَمَنَهَا وَإِنْ تَلِفَتْ في يَدِ الْمُشْتَرِي اسْتَرَدَّ أَكْثَرَ قِيَمِهَا من وَقْتِ الْقَبْضِ إلَى وَقْتِ التَّلَفِ كَالْغَاصِبِ وَالْبَائِعِ طَرِيقٌ في الضَّمَانِ وَالْقَرَارُ على الْمُشْتَرِي وَهَذَا من زِيَادَتِهِ هُنَا وَيَشْتَرِي الْبَائِعُ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ مِثْلَهَا أَيْ مِثْلَ التَّالِفَةِ جِنْسًا وَنَوْعًا وَسِنًّا فَإِنْ نَقَصَتْ أَيْ الْقِيمَةُ عن تَحْصِيلِ الْمِثْلِ لِغَلَاءٍ حَدَثَ وَفَّى الْقِيمَةَ من مَالِهِ فَإِنْ اشْتَرَاهُ أَيْ الْمِثْلَ أُضْحِيَّةً بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَإِلَّا بِأَنْ اشْتَرَاهُ في الذِّمَّةِ ولم يَنْوِ أَنَّهُ أُضْحِيَّةٌ فَيَجْعَلُهُ إيَّاهَا أَيْ أُضْحِيَّةً وَإِنْ أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ ضَمِنَهَا بِالْقِيمَةِ كَسَائِرِ الْمُتَقَوِّمَاتِ فَيَأْخُذُهَا منه الْمُضَحِّي وَيَشْتَرِي بها مِثْلَهَا جِنْسًا وَنَوْعًا وَسِنًّا وَيُضَحِّي بِهِ ثُمَّ إنْ لم يَجِدْ بها مِثْلَهَا اشْتَرَى دُونَهَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَنْذُورِ عِتْقُهُ إذَا أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ فإنه أَيْ النَّاذِرُ يَأْخُذُ قِيمَتَهُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بها عَبْدًا يُعْتِقُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ مِلْكَهُ لم يَزُلْ عنه وَمُسْتَحِقُّ الْعِتْقِ هو الْعَبْدُ وقد هَلَكَ وَمُسْتَحِقُّو الْأُضْحِيَّةِ بَاقُونَ فَإِنْ كانت أَيْ الْمُتْلَفَةُ ثَنِيَّةً من الضَّأْنِ مَثَلًا فَنَقَصَتْ الْقِيمَةُ عن ثَمَنِهَا أَخَذَ عنها جَذَعَةً من الضَّأْنِ رِعَايَةً لِلنَّوْعِ
ثُمَّ إنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ عن ثَمَنِ الْجَذَعَةِ اشْتَرَى بها ثَنِيَّةَ مَعْزٍ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلتَّضْحِيَةِ ثُمَّ إنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ عن ثَنِيَّةِ الْمَعْزِ اشْتَرَى دُونَ سِنِّ الْأُضْحِيَّةِ أَيْ دُونَ الْجَذَعَةِ لِأَنَّ فيه إرَاقَةَ دَمٍ كَامِلٍ ثُمَّ إنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ عن دُونِ الْجَذَعَةِ اشْتَرَى بها سَهْمًا من ضَحِيَّةٍ صَالِحَةٍ لِلشِّرْكَةِ من بَعِيرٍ أو بَقَرَةٍ لَا شَاةٍ لِأَنَّ فيه شِرْكَةً في إرَاقَةِ دَمٍ ثُمَّ إنْ نَقَصَتْ عن شِرَاءِ سَهْمٍ من ذلك اشْتَرَى لَحْمًا لِأَنَّهُ مَقْصُودُ التَّضْحِيَةِ وَالْمُرَادُ لَحْمُ النَّعَمِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لَحْمُ جِنْسِ الْمَنْذُورَةِ ثُمَّ إنْ لم يَجِدْ لَحْمًا يَتَصَدَّقُ بِالدَّرَاهِمِ لِلضَّرُورَةِ وَإِنْ أَتْلَفَهَا الْمُضَحِّي لَزِمَهُ الْأَكْثَرُ من قِيمَتِهَا يوم الْإِتْلَافِ ومن قِيمَةِ مِثْلِهَا يوم النَّحْرِ كما لو بَاعَهَا وَتَلِفَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ الذَّبْحَ وَتَفْرِقَةَ اللَّحْمِ وقد فَوَّتَهُمَا
وَبِهَذَا فَارَقَ إتْلَافُ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ زَادَتْ الْقِيمَةُ على ثَمَنِ مِثْلِ الْمُتْلَفَةِ لِرُخْصٍ حَدَثَ اشْتَرَى كَرِيمَةً أو مِثْلَ الْمُتْلَفَةِ وأخذ بِالزَّائِدِ أُخْرَى إنْ وَفَّى بها وَإِنْ لم يَفِ بها تَرَتَّبَ الْحُكْمُ كما سَبَقَ فِيمَا إذَا أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ ولم تَفِ الْقِيمَةُ بِمَا يَصْلُحُ لِلْأُضْحِيَّةِ وَظَاهِرٌ أَنَّ التَّخْيِيرَ الْمَذْكُورَ ليس على
____________________
(1/542)
السُّوءِ بَلْ الْأَفْضَلُ شِرَاءُ كَرِيمَةٍ وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالزَّائِدِ الذي لَا يَفِي بِأُخْرَى وأن لَا يَأْكُلَ منه شيئا أَيْ لَا يَشْتَرِيَ منه شيئا وَيَأْكُلُهُ وفي مَعْنَاهُ الْبَدَلُ الذي يَذْبَحُهُ أَيْ بَدَلُ الزَّائِدِ وَإِنَّمَا لم يَجِبْ التَّصَدُّقُ بِذَلِكَ كَالْأَصْلِ لِأَنَّهُ مع أَنَّهُ مَلَكَهُ قد أتى بِبَدَلِ الْوَاجِبِ كَامِلًا
فَإِنْ ذَبَحَ الْمَنْذُورَةَ حَقِيقَةً أو حُكْمًا لِيَشْمَلَ الْمَجْعُولَةَ الْمُعَيَّنَةَ من أُضْحِيَّةٍ أو هَدْيٍ قبل الْوَقْتِ لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِ اللَّحْمِ فَلَا يَجُوزُ له أَكْلُ شَيْءٍ منه وَلَزِمَهُ الْبَدَلُ أَيْضًا بِأَنْ يَذْبَحَ في وَقْتِهَا بَدَلًا عنها وَإِنْ بَاعَهَا فَذَبَحَهَا الْمُشْتَرِي قبل الْوَقْتِ أَخَذَ منه الْبَائِعُ اللَّحْمَ إنْ كان بَاقِيًا وَتَصَدَّقَ بِهِ وأخذ منه الْأَرْشَ وَضَمَّ إلَيْهِ الْبَائِعُ ما يَشْتَرِي بِهِ الْبَدَلَ وَلَوْ وفي نُسْخَةٍ وَكَذَا لو ذَبَحَهَا أَجْنَبِيٌّ قبل الْوَقْتِ لَزِمَهُ الْأَرْشُ قال في الْأَصْلِ وَيُشْبِهُ مَجِيءَ خِلَافٍ في أَنَّ اللَّحْمَ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الضَّحَايَا أَيَّامَ يَعُودُ مِلْكًا انْتَهَى
وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ فَإِنْ قُلْنَا يَعُودُ اللَّحْمُ مِلْكًا اشْتَرَى النَّاذِرُ بِهِ وَبِالْأَرْشِ الذي يَعُودُ مِلْكًا أُضْحِيَّةً وَذَبَحَهَا في الْوَقْتِ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَعُودُ مِلْكًا فَرَّقَهُ وَاشْتَرَى بِالْأَرْشِ أُضْحِيَّةً إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَكَمَا مَرَّ أَمَّا الْمُعَيَّنَةُ عَمَّا في الذِّمَّةِ فَمَضْمُونَةٌ على النَّاذِرِ إنْ تَلِفَتْ بِمَعْنَى أَنَّ عليه الْبَدَلَ بِالْمَعْنَى الْآتِي فَإِنْ أُتْلِفَتْ بِأَنْ أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ فَالْغُرْمُ بِمَعْنَى الْمَغْرُومِ مِلْكٌ له أَيْ لِلنَّاذِرِ وَعَلَيْهِ الْبَدَلُ بِمَعْنَى أَنَّهُ بَقِيَ عليه الْأَصْلُ في ذِمَّتِهِ فإذا ذَبَحَهَا أَيْ الْأُضْحِيَّةَ أو الْهَدْيَ الْمُعَيَّنَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالنَّذْرِ ابْتِدَاءً أو عَمَّا في الذِّمَّةِ فُضُولِيٌّ في الْوَقْتِ وَأَخَذَ منه الْمَالِكُ اللَّحْمَ وَفَرَّقَهُ على مُسْتَحَقِّيهِ وَقَعَ الْمَوْقِعَ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقُّ الصَّرْفِ إلَيْهِمْ فَلَا يُشْتَرَطُ فِعْلُهُ كَرَدِّ الْوَدِيعَةِ وَلِأَنَّ ذَبْحَهَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ فإذا فَعَلَهُ غَيْرُهُ أَجْزَأَ كَإِزَالَةِ الْخَبَثِ قال الرَّافِعِيُّ وَهَذَا يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ بِأَنَّ التَّعْيِينَ يُغْنِي عن النِّيَّةِ وَأُجِيبَ عنه بِأَنَّ ما هُنَا مَفْرُوضٌ في التَّعْيِينِ بِالنَّذْرِ وما مَرَّ في التَّعْيِينِ بِالْجَعَلِ وَأَفَادَ تَعْبِيرُهُ بِالْفُضُولِيِّ أَنَّهُ ذَبَحَهَا عن الْمَالِكِ بِخِلَافِ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْأَجْنَبِيِّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَبَحَ عن نَفْسِهِ فَيَكُونُ غَاصِبًا أو نَحْوَهُ وَلَزِمَهُ أَيْ الْفُضُولِيُّ الْأَرْشَ أَيْ أَرْشَ الذَّبْحِ وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ لِأَنَّ إرَاقَةَ الدَّمِ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ وقد فَوَّتَهَا وَإِنْ كانت أَيْ الْمُعَيَّنَةُ مُعَدَّةً لِلذَّبْحِ فإنه يَلْزَمُهُ الْأَرْشُ كَالْمَمْلُوكَةِ حتى لو شَدَّ قَوَائِمَهَا لِيَذْبَحَهَا فَذَبَحَهَا فُضُولِيٌّ لَزِمَهُ الْأَرْشُ وَمَصْرِفُهُ مَصْرِفُ الْأَصْلِ فَيَشْتَرِي بِهِ أو بِقَدْرِهِ الْمَالِكُ مِثْلَ الْأَصْلِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَكَمَا مَرَّ فَإِنْ فَرَّقَهُ الْأَجْنَبِيُّ الْأَنْسَبُ الْفُضُولِيُّ وَفَاتَ بِأَنْ تَعَذَّرَ اسْتِرْدَادُهُ فَكَإِتْلَافِهِ الْمُعَيَّنَةَ فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا عِنْدَ ذَبْحِهَا لِأَنَّ تَعْيِينَ الْمَصْرِفِ إلَى الْمَالِكِ وقد فَوَّتَهُ عليه مع الذَّبْحِ فَيَشْتَرِيَ بِقِيمَتِهَا بَدَلَ الْأَصْلِ
النَّوْعُ الثَّانِي التَّعَيُّبُ أَيْ حُكْمُهُ فَإِنْ حَدَثَ في الْمُعَيَّنَةِ الْمَنْذُورَةِ وَلَوْ حُكْمًا من الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ عَيْبٌ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ التَّضْحِيَةَ ولم يَكُنْ بِتَقْصِيرٍ من النَّاذِرِ وكان قبل التَّمَكُّنِ من الذَّبْحِ أَجْزَأَتْهُ إنْ ذَبَحَهَا في وَقْتِهَا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِسَبَبِ الْعَيْبِ كما لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لو تَلِفَتْ فَإِنْ ذَبَحَهَا قبل الْوَقْتِ تَصَدَّقَ بِاللَّحْمِ وَلَا يَأْكُلُ منه شيئا لِأَنَّهُ فَوَّتَ ما الْتَزَمَهُ بِتَقْصِيرِهِ وتصدق بِالْقِيمَةِ أَيْ قِيمَتِهَا دَرَاهِمَ أَيْضًا وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بها أُضْحِيَّةً أُخْرَى كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ إذْ مِثْلُهَا أَيْ الْمَعِيبَةِ لَا تُجْزِئُ أُضْحِيَّةً وَالتَّصْرِيحُ بِحُكْمِ الْهَدْيِ في هذه وَاَلَّتِي قَبْلَهَا من زِيَادَتِهِ وَإِنْ تَعَيَّبَتْ بَعْدَ التَّمَكُّنِ من ذَبْحِهَا لم يُجْزِهِ لِتَقْصِيرِهِ بِتَأْخِيرِ ذَبْحِهَا وَلَأَنَّهَا من ضَمَانِهِ ما لم تُذْبَحْ وَيَذْبَحُهَا وُجُوبًا وَيَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهَا كَذَلِكَ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ ذلك إلَى هذه الْجِهَةِ وَلَا يَأْكُلُ منه شيئا لِمَا مَرَّ وَيَذْبَحُ بَدَلَهَا سَلِيمَةً وُجُوبًا لِتَقْصِيرِهِ وَلِاسْتِقْرَارِ وُجُوبِ السَّلِيمَةِ عليه فَإِنْ أَتْلَفَهَا أو عَيَّبَهَا هو أَيْ النَّاذِرُ مَلَكَهَا لِخُرُوجِهَا عن كَوْنِهَا ضَحِيَّةً بِفِعْلِهِ وَذَبَحَ بَدَلَهَا وُجُوبًا لِمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ أُخِذَ من إطْلَاقِ أَصْلِهِ في الثَّانِيَةِ مِلْكُهَا لَا يَصِحُّ في الْمُعَيَّنَةِ ابْتِدَاءً لِمَا مَرَّ أَنَّهُ التَّصَدُّقُ بِلَحْمِهَا وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ في الْمُعَيَّنَةِ عَمَّا في الذِّمَّةِ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بَعْدَ سَطْرٍ مع أَنَّهُ لَا مَعْنًى له في إتْلَافِهَا بِغَيْرِ الذَّبْحِ على أَنَّ مَسْأَلَةَ الْإِتْلَافِ من تَصَرُّفِهِ
وَلَوْ ذَبَحَ الْمَنْذُورَةَ وَلَوْ حُكْمًا في وَقْتِهَا ولم يُفَرِّقْ لَحْمَهَا فَفَسَدَ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ وَتَصَدَّقَ بها دَرَاهِمَ وَلَا يَلْزَمُهُ شِرَاءُ أُخْرَى لِحُصُولِ إرَاقَةِ الدَّمِ وَكَذَا لو غَصَبَ اللَّحْمَ غَاصِبٌ وَتَلِفَ عِنْدَهُ أو أَتْلَفَهُ مُتْلِفٌ يَأْخُذُ الْقِيمَةَ وَيَتَصَدَّقُ بها كما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ وما ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ هُنَا من
____________________
(1/543)
الِاكْتِفَاءِ بِإِخْرَاجِ قِيمَةِ اللَّحْمِ وَجْهٌ مَبْنِيٌّ على أَنَّ اللَّحْمَ مُتَقَوِّمٌ وَالْأَصَحُّ بِنَاؤُهُ على الْمُصَحَّحِ من أَنَّهُ مِثْلِيٌّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ شِرَاءُ اللَّحْمِ أو شِرَاءُ بَدَلِ الْمَنْذُورَةِ كما قَدَّمَهُ في آخِرِ بَابِ الدِّمَاءِ وَإِنْ كان أَصْلُهُ قد فَرَضَهُ ثَمَّ في الْمُخْرَجِ عَمَّا في ذِمَّتِهِ أَمَّا الْمُعَيَّنَةُ عَمَّا في الذِّمَّةِ لو حَدَثَ بها عَيْبٌ قبل الْوَقْتِ أو بَعْدَهُ وَلَوْ في حَالَةِ الذَّبْحِ بَطَلَ التَّعْيِينُ لها وَلَهُ بَيْعُهَا وَسَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ لِأَنَّهُ لم يَلْتَزِمْ التَّصَدُّقَ بها ابْتِدَاءً وَإِنَّمَا عَيَّنَهَا لِأَدَاءِ ما عليه وَإِنَّمَا يَتَأَدَّى بها بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَعَلَيْهِ الْبَدَلُ بِمَعْنَى أَنَّهُ بَقِيَ عليه الْأَصْلُ في ذِمَّتِهِ فَعَلَيْهِ إخْرَاجُهُ وَلَوْ عَيَّنَ أَفْضَلَ مِمَّا الْتَزَمَ كَبَقَرَةٍ أو بَدَنَةٍ عن شَاةٍ فَتَعَيَّبَ وَاشْتَرَى مِثْلَ ما الْتَزَمَ جَازَ فَلَا يَلْزَمُهُ رِعَايَةُ تِلْكَ الزِّيَادَةِ في الْبَدَلِ كما لو الْتَزَمَ مَعِيبَةً ابْتِدَاءً فَهَلَكَتْ بِغَيْرِ تَعَدٍّ منه
وَلَوْ قال جَعَلْت هذه ضَحِيَّةً وَهِيَ عَوْرَاءُ أو نَحْوُهَا أو فَصِيلٌ وهو وَلَدُ النَّاقَةِ إذَا فُصِلَ عنها أو سَخْلَةٌ لَا ظَبْيَةٌ وَنَحْوُهُ لَزِمَهُ ذَبْحُهَا يوم النَّحْرِ أَيْ وَقْتَ الْأُضْحِيَّةِ لِوُجُودِ الْجِنْسِ فيها بِخِلَافِ الظَّبْيَةِ وَنَحْوِهَا وَكَذَا لو الْتَزَمَ بِالنَّذْرِ عَوْرَاءَ أو نَحْوَهَا وَلَوْ في الذِّمَّةِ يَلْزَمُهُ ذَبْحُهَا وَقْتَ الْأُضْحِيَّةِ وَيُثَابُ عليها وَلَا تُجْزِئُ عن الْمَشْرُوعِ من الْأُضْحِيَّةِ كما لو الْتَزَمَ ذَبْحَهَا ابْتِدَاءً تَنْزِيلًا لها مَنْزِلَةَ إعْتَاقِ عَبْدٍ أَعْمَى عن كَفَّارَتِهِ فإنه يَعْتِقُ وَإِنْ لم يَقَعْ عنها وَلَوْ زَالَ النَّقْصُ عنها فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُ عن الْمَشْرُوعِ لِأَنَّهُ أَزَالَ مِلْكَهُ عنها وَهِيَ نَاقِصَةٌ فَلَا يُؤَثِّرُ الْكَمَالُ بَعْدَهُ كَمَنْ أَعْتَقَ أَعْمَى عن كَفَّارَتِهِ فَعَادَ بَصَرُهُ فَلَوْ ذَبَحَهَا أَيْ الْمَعِيبَةَ الْمُعَيَّنَةَ بِنَذْرٍ أو غَيْرِهِ قبل يَوْمِ النَّحْرِ أَيْ قبل دُخُولِ وَقْتِهَا تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ لَحْمِهَا فَلَا يَأْكُلُ منه شيئا وتصدق بِقِيمَتِهَا دَرَاهِمَ وَلَا يَشْتَرِي بها أُخْرَى لِأَنَّ الْمَعِيبَ لَا يَثْبُتُ في الذِّمَّةِ أَيْ بِغَيْرِ الْتِزَامِ له لِئَلَّا يُشْكِلَ بِمَا مَرَّ في قَوْلِهِ وَكَذَا لو الْتَزَمَ عَوْرَاءَ في الذِّمَّةِ وَإِنْ عَيَّنَ عَمَّا الْتَزَمَ في الذِّمَّةِ مَعِيبًا لم يَتَعَيَّنْ وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِذَبْحِهِ لِأَنَّ وَاجِبَهُ سَلِيمٌ فَلَا يَتَأَدَّى بِمَعِيبٍ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَبْحُهُ بَلْ يَبْقَى على مِلْكِهِ يَتَصَرَّفُ فيه كَيْفَ يَشَاءُ نعم لو نَذَرَ ذَبْحَهَا يَعْنِي الْمَعِيبَةَ الْمُعَيَّنَةَ عَمَّا في ذِمَّتِهِ كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ عَمَّا في ذِمَّتِي لَزِمَهُ ذَبْحُهَا يوم النَّحْرِ وَصَرْفُهَا مَصْرِفَ الضَّحِيَّةِ ولم تُجْزِهِ عَمَّا في ذِمَّتِهِ وَإِنْ زَالَ النَّقْصُ عنها لِمَا مَرَّ
النَّوْعُ الثَّالِثُ ضَلَالُ الْمَنْذُورَةِ أَيْ حُكْمُهُ فَلَا يَضْمَنُهَا إنْ ضَلَّتْ بِغَيْرِ تَقْصِيرٍ منه بِأَنْ ضَلَّتْ قبل دُخُولِ الْوَقْتِ أو بَعْدَهُ ولم يَتَمَكَّنْ من ذَبْحِهَا فَلَوْ وَجَدَهَا بَعْدَ فَوَاتِ الْوَقْتِ ذَبَحَهَا قَضَاءً وَصَرَفَهَا مَصْرِفَ الضَّحِيَّةِ وَلَا يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ إلَى قَابِلٍ بَلْ لَا يَجُوزُ له فَيَلْزَمُهُ الذَّبْحُ في الْحَالِ كما صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَكَذَا الْهَدْيُ الْمُعَيَّنُ ابْتِدَاءً وَهَذَا دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ وَعَلَيْهِ طَلَبُهَا أَيْ الضَّالَّةِ لَا إنْ كان طَلَبُهَا بِمُؤْنَةٍ فَلَا يَجِبُ وَإِنْ قَصَّرَ حتى ضَلَّتْ طَلَبَهَا وُجُوبًا وَلَوْ بِمُؤْنَةٍ وَذَبَحَ بَدَلَهَا وُجُوبًا قبل خُرُوجِ الْوَقْتِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُهَا إلَّا بَعْدَهُ ثُمَّ إذَا وَجَدَهَا يَذْبَحُهَا وُجُوبًا أَيْضًا لِأَنَّهَا الْأَصْلُ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَمِنْ التَّقْصِيرِ تَأْخِيرُ الذَّبْحِ إلَى خُرُوجِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِلَا عُذْرٍ فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ لَا إلَى خُرُوجِ بَعْضِهَا فَلَيْسَ بِتَقْصِيرٍ كَمَنْ مَاتَ في أَثْنَاءِ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْمُوَسَّعِ لَا يَأْثَمُ وَهَذَا ما رَجَّحَهُ في الرَّوْضَةِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَهَذَا ذُهُولٌ عَمَّا ذَكَرَهُ كَالرَّافِعِيِّ فيها قَبْلُ وفي نَظَائِرِهَا كَأَنْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ الرَّغِيفَ غَدًا فَتَلِفَ من الْغَدِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ من أَكْلِهِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْبُلْقِينِيُّ وقال ما رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ ليس بِمُعْتَمَدٍ انْتَهَى
وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ إثْمِ من مَاتَ في أَثْنَاءِ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ وَإِنْ عَيَّنَ شَاةً أُضْحِيَّةً أو هَدْيًا عَمَّا في ذِمَّتِهِ ثُمَّ ذَبَحَ غَيْرَهَا مع وُجُودِهَا فَفِي إجْزَائِهَا تَرَدُّدٌ أَيْ خِلَافٌ إنْ قُلْنَا تُجْزِئُ عَادَتْ الْأُولَى مِلْكًا فَلَوْ ضَلَّتْ الْمُعَيَّنَةُ عَمَّا في الذِّمَّةِ فَذَبَحَ غَيْرَهَا أَجْزَأَتْهُ فَإِنْ وَجَدَهَا لم يَلْزَمْهُ ذَبْحُهَا بَلْ يَتَمَلَّكُهَا كما مَرَّ فِيمَا لو تَعَيَّبَتْ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ فَلَوْ وَجَدَهَا قبل الذَّبْحِ لِغَيْرِهَا لم يَذْبَحْ الثَّانِيَةَ أَيْ لم يَلْزَمْهُ ذَبْحُهَا بَلْ يَذْبَحُ الْأُولَى فَقَطْ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ الذي تَعَيَّنَ أَوَّلًا
فَرْعٌ لو عَيَّنَ من عليه كَفَّارَةٌ عن كَفَّارَتِهِ عَبْدًا تَعَيَّنَ وَاخْتَارَ الْمُزَنِيّ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ كما لو عَيَّنَ يَوْمًا عن صَوْمٍ عليه وَيُجَابُ بِأَنَّ الْيَوْمَ الْمُعَيَّنَ لَا حَقَّ له بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُعَيَّنِ لِلْعِتْقِ فَإِنْ تَعَيَّبَ الْعَبْدُ أو مَاتَ وَجَبَ غَيْرُهُ أَيْ إعْتَاقُ سَلِيمٍ وَلَوْ أَعْتَقَ غَيْرَهُ أَيْ الْمُعَيَّنَ مع سَلَامَتِهِ وَتَمَكُّنِهِ من إعْتَاقِهِ أَجُزْأَهُ قال الرَّافِعِيُّ وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ على وَجْهٍ في مَسْأَلَةِ التَّرَدُّدِ السَّابِقَةِ
____________________
(1/544)
بِأَنَّ النَّاذِرَ وَإِنْ كان مُلْتَزِمًا فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ فإذا قَبِلَ النَّقْلَ أَيْ من الذِّمَّةِ إلَى عَيْنٍ كان له وَجْهٌ على بُعْدٍ وَالْكَفَّارَةُ الْوَاجِبَةُ شَرْعًا لَا تَحْتَمِلُ ذلك قُلْت وَتَحْرِيرُهُ أَنَّ الْمُعَيَّنَ ثَمَّ خَرَجَ عن مِلْكِهِ بِخِلَافِهِ هُنَا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مع سَلَامَتِهِ من زِيَادَتِهِ أَبْدَلَ بِهِ قَوْلَ أَصْلِهِ مع التَّمَكُّنِ من إعْتَاقِهِ
النَّوْعُ الرَّابِعُ الْأَكْلُ من الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ أَيْ حُكْمُهُ فَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ من دَمٍ وَجَبَ بِالْحَجِّ وَنَحْوِهِ كَدَمِ تَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ وَجُبْرَانٍ وَلَا من أُضْحِيَّةٍ وَهَدْيٍ وَجَبَا بِنَذْرٍ مُجَازَاةً كَأَنْ عَلَّقَ الْتِزَامَهُمَا بِشِفَاءِ الْمَرِيضِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ ذلك عن الْوَاجِبِ عليه فَلَيْسَ له صَرْفُ شَيْءٍ منه إلَى نَفْسِهِ كما لو أَخْرَجَ زَكَاتَهُ فَلَوْ وَجَبَا بِمُطْلَقِ النَّذْرِ أَيْ بِالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَلَوْ حُكْمًا بِأَنْ لم يُعَلِّقْ الْتِزَامَهَا بِشَيْءٍ كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ الشَّاةِ أو بِشَاةٍ أو أُهْدِيَ هذه الشَّاةَ أو شَاةً أو جَعَلْت هذه أُضْحِيَّةً أو هَدْيًا أَكَلَ جَوَازًا من الْمُعَيَّنِ ابْتِدَاءً كَالتَّطَوُّعِ تَبِعَ في هذا ما بَحَثَهُ الْأَصْلُ وَقَضِيَّةُ ما قَدَّمَاهُ في النَّوْعِ الثَّانِي من وُجُوبِ التَّصَدُّقِ بِجَمِيعِ اللَّحْمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ منه وَبِهِ صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ لِأَنَّهُ دَمٌ وَاجِبٌ كَدَمِ الطِّيبِ وَنَحْوِهِ دُونَ الْمُعَيَّنِ وَلَوْ بِالنِّيَّةِ عِنْدَ الذَّبْحِ عن الْمُلْتَزَمِ في الذِّمَّةِ فَلَا يَجُوزُ أَكْلُهُ منه لِأَنَّهُ بَدَلٌ عن وَاجِبٍ كَدَمِ الطِّيبِ وَنَحْوِهِ وَلَوْ أَكَلَ مِمَّا صَنَعَ منه غَرِمَ قِيمَةَ اللَّحْمِ الْمَأْكُولِ كما لو أَتْلَفَهُ غَيْرُهُ وَهَذَا بِنَاءً على أَنَّ اللَّحْمَ مُتَقَوِّمٌ وَإِلَّا فَيَجِبُ شِرَاءُ اللَّحْمِ كما مَرَّ نَظِيرُهُ فَإِنْ أَكَلَ ما ذَبَحَ عن دَمِ التَّمَتُّعِ وَنَحْوِهِ جَمِيعَهُ لَزِمَهُ دَمٌ آخَرُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَكَلَهُ تَبَيَّنَ أَنَّ إرَاقَةَ الدَّمِ لِأَجْلِهِ وَبِهِ فَارَقَ ما مَرَّ من أَنَّهُ لو سُرِقَ اللَّحْمُ خُيِّرَ بين ذَبْحِ دَمٍ وَإِخْرَاجِ لَحْمٍ وَلَوْ قال فَإِنْ أَكَلَ جَمِيعَهُ لَزِمَهُ دَمٌ كان أَوْضَحَ وَأَخْصَرَ مع سَلَامَتِهِ من إيهَامِ تَقْيِيدِ الْحُكْمِ بِدَمِ النُّسُكِ
فَصْلٌ الْأَكْلُ من أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ وَهَدْيِهِ مُسْتَحَبٌّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَكُلُوا منها وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ وَالْيَوْمُ الْآخَرُ تَأْكُلُونَ فيه من نُسُكِكُمْ وكان صلى اللَّهُ عليه وسلم يَأْكُلُ من كَبِدِ أُضْحِيَّتِهِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ وَإِنَّمَا لم يَجِبْ ذلك لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ من شَعَائِرِ اللَّهِ فَجَعَلَهَا لنا وما هو لِلْإِنْسَانِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بين تَرْكِهِ وَأَكْلِهِ قال في الْمُهَذَّبِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ ذلك إذَا ضَحَّى عن نَفْسِهِ فَلَوْ ضَحَّى عن غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ كَمَيِّتٍ أَوْصَى بِذَلِكَ فَلَيْسَ له وَلَا لِغَيْرِهِ من الْأَغْنِيَاءِ الْأَكْلُ منها وَبِهِ صَرَّحَ الْقَفَّالُ في الْمَيِّتِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَقَعَتْ عنه فَلَا يَحِلُّ الْأَكْلُ منها إلَّا بِإِذْنِهِ وقد تَعَذَّرَ فَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ عنه
وَيَحْرُمُ الْإِتْلَافُ وَالْبَيْعُ لِشَيْءٍ من أَجْزَاءِ أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ وَهَدْيِهِ وَإِعْطَاءُ الْجَزَّارِ أُجْرَةً منه بَلْ هو على الْمُضَحِّي وَالْمُهْدِي كَمُؤْنَةِ الْحَصَادِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه قال أَمَرَنِي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ أَقُومَ على بُدْنِهِ فَأُقَسِّمَ جِلَالَهَا وَجُلُودَهَا وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ منها شيئا وقال نَحْنُ نُعْطِيهِ من عِنْدِنَا وَلِأَنَّهُ إنَّمَا أَخْرَجَ ذلك قُرْبَةً فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ إلَّا ما رَخَّصَ له فيه وهو الْأَكْلُ وَخَرَجَ بِأَجْرِهِ إعْطَاؤُهُ منه لِفَقْرِهِ وَإِطْعَامُهُ منه إنْ كان غَنِيًّا فَجَائِزَانِ وَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ منها يَعْنِي من لُحُومِ ما ذُكِرَ وَلَوْ جُزْءًا يَسِيرًا يَنْطَلِقُ عليه الِاسْمُ فَيَحْرُمُ عليه أَكْلُ جَمِيعِهَا لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إرْفَاقُ الْمَسَاكِينِ وَلَا يَحْصُلُ ذلك بِمُجَرَّدِ إرَاقَةِ الدَّمِ بَلْ يُمَلِّكَهُ الْفُقَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ نِيئًا لِيَتَصَرَّفُوا فيه بِمَا شَاءُوا من بَيْعٍ وَغَيْرِهِ كما في الْكَفَّارَاتِ فَلَا يَكْفِي جَعْلُهُ طَعَامًا وَدُعَاءُ الْفُقَرَاءِ إلَيْهِ لِأَنَّ حَقَّهُمْ في تَمَلُّكِهِ لَا في أَكْلِهِ وَلَا تَمْلِيكِهِمْ له مَطْبُوخًا وَلَا تَمْلِيكِهِمْ غير اللَّحْمِ من جِلْدٍ وَكَرِشٍ وَكَبِدٍ وَطِحَالٍ وَنَحْوِهَا وَشُبِّهَ الْمَطْبُوخُ هُنَا بِالْخُبْزِ في الْفِطْرَةِ وَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُ الْأَغْنِيَاءِ شيئا من ذلك كما في صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَلِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ على الْإِطْعَامِ لَا على التَّمْلِيكِ
وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُمَلِّكُهُمْ ذلك لِيَتَصَرَّفُوا فيه بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ بَلْ بِالْأَكْلِ كما نَبَّهَ عليه بِقَوْلِهِ وَيَجُوزُ الْإِهْدَاءُ إلَيْهِمْ وَإِطْعَامُهُمْ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إطْعَامُ الْفُقَرَاءِ وَتَمْلِيكُهُمْ من الزَّائِدِ على ما يَجِبُ تَمْلِيكُهُ نِيأً وَيَتَصَرَّفُونَ فيه بِجَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ وَلَا تُغْنِي الْهَدِيَّةُ وَلَا الْجِلْدُ وَنَحْوُهُ عن الصَّدَقَةِ في الْأَوَّلِ وعن اللَّحْمِ في الثَّانِي وَيُجْزِئُ في أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِسْكِينٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ سَهْمِ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ من الزَّكَاةِ لَا يَجُوزُ
____________________
(1/545)
صَرْفُهُ لِأَقَلَّ من ثَلَاثَةٍ لِأَنَّهُ يَجُوزُ هُنَا الِاقْتِصَارُ على جُزْءٍ يَسِيرٍ لَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ لِأَكْثَرَ من وَاحِدٍ فَلَوْ أَكَلَهَا أَيْ لُحُومَ ما ذُكِرَ غَرِمَ ما يَنْطَلِقُ عليه الِاسْمُ لِأَنَّهُ الذي يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ وَيَأْخُذُ بِهِ أَيْ بِثَمَنِهِ شِقْصًا مِمَّا يُجْزِئُ في الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ إنْ أَمْكَنَ ذلك وَإِلَّا فَلَحْمًا يَأْخُذُهُ بِهِ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ مِمَّا مَرَّ في فَصْلِ أَحْكَامِ الْأُضْحِيَّةِ وَعِبَارَةِ الْأَصْلِ وَهَلْ يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ إلَى شِقْصِ أُضْحِيَّةٍ أَمْ يَكْفِي صَرْفُهُ إلَى اللَّحْمِ وَتَفْرِقَتِهِ وَجْهَانِ
ا ه
وَصُحِّحَ مِنْهُمَا في الْمَجْمُوعِ الثَّانِي وَإِلَّا وَفَّقَ بِمَا اسْتَحْسَنَهُ كَالرَّافِعِيِّ ثُمَّ ما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَهُ تَأْخِيرُهُ أَيْ كُلٍّ من الذَّبْحِ وَتَفْرِقَةِ اللَّحْمِ عن الْوَقْتِ لِأَنَّ الشِّقْصَ وَاللَّحْمَ لَيْسَا بِأُضْحِيَّةٍ وَلَا هَدْيٍ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِمَا الْوَقْتُ لَا الْأَكْلُ منه أَيْ من كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْوَاجِبِ
فَرْعٌ وَالْأَحْسَنُ في هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَأُضْحِيَّتِهِ التَّصَدُّقُ بِالْجَمِيعِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَأَبْعَدُ عن حَظِّ النَّفْسِ إلَّا لُقْمَةً أو لُقَمًا يَأْكُلُهَا تَبَرُّكًا فإنه أَيْ أَكْلَهَا سُنَّةٌ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْآيَةِ وَلِلِاتِّبَاعِ كما مَرَّ وَلِلْخُرُوجِ من خِلَافِ من أَوْجَبَ الْأَكْلَ وَيُسْتَحَبُّ إذَا أَكَلَ وَأَهْدَى وَتَصَدَّقَ أَنْ لَا يَزِيدَ أَكْلُهُ على الثُّلُثِ بِأَنْ يَقْتَصِرَ على الثُّلُثِ فَأَقَلَّ وأن لَا تَنْقُصَ صَدَقَتُهُ عنه بِأَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثُّلُثِ فَأَكْثَرَ وَيُهْدِيَ الْبَاقِي وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ نَقَلَ جَمَاعَةٌ عن الْجَدِيدِ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ الثُّلُثَ وَيَتَصَدَّقُ بِالثُّلُثَيْنِ وَنَقَلَ آخَرُونَ عنه أَنَّهُ يَأْكُلُ الثُّلُثَ وَيُهْدِي إلَى الْأَغْنِيَاءِ الثُّلُثَ وَيَتَصَدَّقُ بِالثُّلُثِ قال وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ اخْتِلَافًا في الْحَقِيقَةِ لَكِنْ من اقْتَصَرَ على التَّصَدُّقِ بِالثُّلُثَيْنِ ذَكَرَ الْأَفْضَلَ أو تَوَسَّعَ فَعَدَّ الْهَدِيَّةَ صَدَقَةً وَدَلِيلُ جَعْلِ الْأُضْحِيَّةِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ الْقِيَاسُ على هَدْيِ التَّطَوُّعِ الْوَارِدِ فيه قَوْله تَعَالَى فَكُلُوا منها وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ أَيْ السَّائِلَ وَالْمُعْتَرَّ أَيْ الْمُتَعَرِّضَ لِلسُّؤَالِ يُقَالُ قَنَعَ يَقْنَعُ قُنُوعًا بِفَتْحِ عَيْنِ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ إذَا سَأَلَ وَقَنِعَ يَقْنَعُ قَنَاعَةً بِكَسْرِ عَيْنِ الْمَاضِي وَفَتْحِ عَيْنِ الْمُضَارِعِ إذَا رضي بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال الشَّاعِرُ الْعَبْدُ حُرٌّ إنْ قَنَعْ وَالْحُرُّ عَبْدٌ إنْ قَنِعْ فَاقْنَعْ وَلَا تَقْنِعْ فما شَيْءٌ يَشِينُ سِوَى الطَّمَعْ وَهِيَ أَيْ الصَّدَقَةُ أَفْضَلُ من الْهَدِيَّةِ وَالتَّصَدُّقُ بِالثُّلُثَيْنِ أَفْضَلُ من التَّصَدُّقِ بِالثُّلُثِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْجَمِيعِ أَفْضَلُ إلَّا لُقْمَةً أو لُقَمًا كما مَرَّ
فَرْعٌ وَلَا يُكْرَهُ الِادِّخَار من لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ وَالتَّصْرِيحُ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ من زِيَادَتِهِ وَلْيَكُنْ أَيْ وَيُسْتَحَبُّ إذَا أَرَادَ الِادِّخَارَ أَنْ يَكُونَ من ثُلُثِ الْأَكْلِ لَا من ثُلُثَيْ الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ وقد كان الِادِّخَارُ مُحَرَّمًا فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ أُبِيحَ بِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا رَاجَعُوهُ فيه كُنْت نَهَيْتُكُمْ عنه من أَجْلِ الدَّافَّةِ وقد جاء اللَّهُ بِالسَّعَةِ فَادَّخِرُوا ما بَدَا لَكُمْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ قال الرَّافِعِيُّ وَالدَّافَّةُ جَمَاعَةٌ كَانُوا قد دَخَلُوا الْمَدِينَةَ قد أَقْحَمَتْهُمْ أَيْ أَهْلَكَتْهُمْ السَّنَةُ في الْبَادِيَةِ وَقِيلَ الدَّافَّةُ النَّازِلَةُ
النَّوْعُ الْخَامِسُ الِانْتِفَاعُ بِالْمُتَعَيَّنِ من أُضْحِيَّةٍ أو هَدْيٍ فَلَهُ الِانْتِفَاعُ بها مُطْلَقًا وَبِجِلْدِهَا إنْ حَلَّ له الْأَكْلُ منها كَدَلْوٍ وَنَحْوِهِ كَخُفٍّ وَنَعْلٍ لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ وَلَفْظَةِ وَنَحْوِهِ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا وله إعَارَتُهُ أَيْ جِلْدِهَا لِأَنَّهَا إرْفَاقٌ كما يَجُوزُ ارْتِفَاقُهُ بِهِ لَا إجَارَتُهُ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لِلْمَنَافِعِ ولا بَيْعُهُ لِخَبَرِ الْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ من يَبِيعُ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلَا أُضْحِيَّةَ له وَلَا إعْطَاؤُهُ الْجَزَّارَ أُجْرَةً هذه وَاللَّتَانِ قَبْلَهَا عُلِمَتَا مِمَّا مَرَّ في أَحْكَامِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْقَرْنُ مِثْلُهُ أَيْ مِثْلُ الْجِلْدِ فِيمَا ذُكِرَ وَلَهُ جَزُّ صُوفٍ عليها إنْ تُرِكَ إلَى الذَّبْحِ أَضَرَّ بها لِلضَّرُورَةِ وَإِلَّا فَلَا يَجُزَّهُ إنْ كانت وَاجِبَةً لِانْتِفَاعِ الْحَيَوَانِ في دَفْعِ الْأَذَى عنه وَانْتِفَاعِ الْمَسَاكِينِ بِهِ عِنْدَ الذَّبْحِ وله الِانْتِفَاعُ بِهِ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ أَفْضَلُ من الِانْتِفَاعِ بِهِ وَكَالصُّوفِ فِيمَا ذُكِرَ الشَّعْرُ وَالْوَبَرُ وَلِلْوَلَدِ وَإِنْ حَدَثَ بَعْدَ التَّعْيِينِ حُكْمُ الْأُمِّ وَإِنْ انْفَصَلَ بَعْدَ ذَبْحِهَا لِأَنَّ الْقُرْبَةَ مَتَى ثَبَتَتْ في الْأُمِّ ثَبَتَتْ في الْوَلَدِ كَالْإِيلَادِ فَإِنْ كانت مَنْذُورَةً وَلَوْ مُعَيَّنَةً عَمَّا في الذِّمَّةِ لم يَمْلِكْهُ وَإِنْ حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ النَّذْرِ وَسَيَأْتِي حُكْمُ أَكْلِهِ
وَإِنْ كانت مُتَطَوَّعًا بها فَهُوَ مِلْكُهُ كَالْأُمِّ وَيَأْكُلُ منه أو يَأْكُلُهُ على ما يَأْتِي لَا يُقَالُ قَضِيَّةُ ما ذُكِرَ أَنَّ الْحَمْلَ ليس بِعَيْبٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كما مَرَّ لِأَنَّا نَقُولُ لم يَقُولُوا هُنَا إنَّ الْحَامِلَ وَقَعَتْ أُضْحِيَّةً غَايَتُهُ أنها إذَا عُيِّنَتْ بِنَذْرٍ تَعَيَّنَتْ وَلَا تَقَعُ أُضْحِيَّةً كما لو تَعَيَّنَتْ بِهِ مَعِيبَةً بِعَيْبٍ آخَرَ فَإِنْ كان الْوَلَدُ وَلَدُ هَدْيٍ وَأَعْيَا عن الْمَشْيِ فَلْيَحْمِلْهُ على الْأُمِّ أو غَيْرِهَا لِيَبْلُغَ
____________________
(1/546)
الْحَرَمَ وقد فَعَلَهُ ابن عُمَرَ كما رَوَاهُ مَالِكٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَوْ ذَبَحَ الْأُضْحِيَّةَ مع وَلَدِهَا أو دُونَهُ لِوُجُودِهِ بِبَطْنِهَا مَيِّتًا في الْوَقْتِ وَتَصَدَّقَ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ من الْأُمِّ وَأَكَلَ الْوَلَدَ كُلَّهُ جَازَ كَاللَّبَنِ وَتَرْجِيحُ جَوَازِ أَكْلِ الْوَلَدِ فِيمَا إذَا ذَبَحَهُ مع أُمِّهِ من زِيَادَتِهِ وَنَقَلَ الْأَصْلُ تَرْجِيحَهُ عن الْغَزَالِيِّ وَتَرْجِيحُ أَنَّهُ كَضَحِيَّةٍ أُجْرِيَ عن الرُّويَانِيِّ وَاخْتَارَهُ في الْمَجْمُوعِ وَشَمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ وَلَدَ الْوَاجِبَةِ وهو ظَاهِرٌ في وَلَدِ الْوَاجِبَةِ الْمُعَيَّنَةِ بِالنَّذْرِ ابْتِدَاءً على ما جَرَيَا عليه في الْأُمِّ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ من إطْلَاقِ جَوَازِ أَكْلِهِ أَمَّا وَلَدُ الْوَاجِبَةِ الْمُعَيَّنَةِ عَمَّا في الذِّمَّةِ أو ابْتِدَاءً على ما مَرَّ عن الْمَجْمُوعِ فَالْمُتَّجَهُ فيه مَنْعُ أَكْلِهِ كَأُمِّهِ وَبِهِ جَزَمَ الْبَارِزِيُّ تَبَعًا لِلطَّاوُسِيِّ وَجَرَى عليه الْأَذْرَعِيُّ قال وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَنَقَلَهُ الْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُ عن الْعِرَاقِيِّينَ
وَلَهُ في الْوَاجِبَةِ شُرْبُ لَبَنِهَا وَسَقْيُهُ غَيْرَهُ بِلَا عِوَضٍ لو فَضَلَ عن رِيِّ وَلَدِهَا لِأَنَّهُ يَشُقُّ نَقْلُهُ وَلِأَنَّهُ يُسْتَخْلَفُ بِخِلَافِ الْوَلَدِ قال في الْمَجْمُوعِ قال الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ كان أَفْضَلَ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَفْضُلْ عن وَلَدِهَا فَحَلَبَهُ فَنَقَصَ الْوَلَدُ بِسَبَبِهِ ضَمِنَ نَقْصَ الْوَلَدِ وَلَهُ رُكُوبُهَا وَإِرْكَابُهَا وَتَحْمِيلُهَا لِلْحَاجَةِ بِرِفْقٍ وَيَضْمَنُهَا إنْ تَلِفَ بِالِاسْتِعْمَالِ وَالْأَوْلَى قَوْلُ الْأَصْلِ إنْ نَقَصَتْ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ جَوَازَ ما ذُكِرَ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ وَلَا يَجُوزُ رَدُّهَا على الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ عنها كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا بَلْ يَأْخُذُ الْأَرْشَ من الْبَائِعِ كما يَأْخُذُهُ فِيمَا إذَا أَعْتَقَهُ أو وَقَفَهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ لِلْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ بِسَبَبٍ سَابِقٍ على التَّعْيِينِ وَلِأَنَّ الْعَيْبَ قد لَا يَكُونُ مُؤَثِّرًا في اللَّحْمِ الذي هو الْمَقْصُودُ
مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ وَلَوْ أَكَلَ بَعْضَهَا أَيْ الْأُضْحِيَّةِ وَتَصَدَّقَ بِبَعْضِهَا فَلَهُ ثَوَابُ التَّضْحِيَةِ بِالْكُلِّ كَمَنْ نَوَى صَوْمَ تَطَوُّعٍ ضَحْوَةً وثواب التَّصَدُّقِ بِالْبَعْضِ وَلَوْ أَعْطَى الْمُكَاتَبَ منها جَازَ كَالْحُرِّ قِيَاسًا على الزَّكَاةِ وَخَصَّهُ ابن الْعِمَادِ بِمَا إذَا صَرَفَهُ إلَيْهِ غَيْرُ سَيِّدِهِ وَإِلَّا فَهُوَ كما لو صَرَفَ إلَيْهِ من زَكَاتِهِ وَيَعْصَى بِتَأْخِيرِ الْمَنْذُورَةِ عن الْعَامِّ الْمُعَيَّنِ لِذَبْحِهَا وَيَقْضِي كما لو أَخَّرَ الصَّلَاةَ عن الْوَقْتِ وَيُسْتَحَبُّ الذَّبْحُ في بَيْتِهِ بِمَشْهَدِ أَهْلِهِ لِيَفْرَحُوا بِالذَّبْحِ وَيَتَمَتَّعُوا بِاللَّحْمِ وفي يَوْمِ النَّحْرِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ أَيْ الْأُضْحِيَّةُ مُسَارَعَةً إلَى الْخَيْرَاتِ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَحَرَ في يَوْمٍ وَاحِدٍ مِائَةَ بَدَنَةٍ أَهْدَاهَا وَهَذَا أَنْكَرَ بِهِ في الرَّوْضَةِ على نَقْلِ الرَّافِعِيِّ عن الرُّويَانِيِّ أَنَّ من ضَحَّى بِعَدَدٍ فَرَّقَهُ على أَيَّامِ الذَّبْحِ وما أَنْكَرَ بِهِ عليه قال جَمَاعَةٌ لَا يُرَدُّ لِأَنَّ كَلَامَ الرُّويَانِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ ذلك في غَيْرِ الْإِمَامِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَنَقْلُهَا عن بَلَدٍ أَيْ بَلَدِ الْأُضْحِيَّةِ إلَى آخَرَ كَنَقْلِ الزَّكَاةِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَهَذَا يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِ مَنْعِ نَقْلِهَا لَكِنَّ الصَّحِيحَ الْجَوَازُ فَقَدْ صَحَّحُوا في قَسْمِ الصَّدَقَاتِ جَوَازَ نَقْلِ الْمَنْذُورَةِ وَالْأُضْحِيَّةُ فَرْدٌ من أَفْرَادِهَا وَضَعَّفَهُ ابن الْعِمَادِ وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ يَمْتَدُّ إلَيْهَا أَطْمَاعُ الْفُقَرَاءِ لِأَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ بِوَقْتٍ كَالزَّكَاةِ بِخِلَافِ النُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ لَا شُعُورَ لِلْفُقَرَاءِ بها حتى تَمْتَدَّ أَطْمَاعُهُمْ إلَيْهَا وَتُسْتَحَبُّ التَّضْحِيَةُ لِلْحَاجِّ كَغَيْرِهِ وَإِنْ أَهْدَى فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم ضَحَّى في مِنًى عن نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ كما مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ ويستحب أَنْ يُضَحِّيَ الْإِمَامُ من بَيْتِ الْمَالِ عن الْمُسْلِمِينَ بِبَدَنَةٍ في الْمُصَلَّى وأن يَنْحَرَهَا بِنَفْسِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَإِنْ لم يَتَيَسَّرْ بَدَنَةٌ فَشَاةٌ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ ضَحَّى عَنْهُمْ من مَالِهِ فَحَيْثُ شَاءَ يُضَحِّي قال في الْمَجْمُوعِ وَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الْمَحْجُورِ أَنْ يُضَحِّيَ عنه من مَالِهِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالِاحْتِيَاطِ لِمَالِهِ مَمْنُوعٌ من التَّبَرُّعِ بِهِ وَالْأُضْحِيَّةُ تَبَرُّعٌ
بَابُ الْعَقِيقَةِ من عَقَّ يَعِقُّ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا وَهِيَ لُغَةً الشَّعْرُ الذي على رَأْسِ الْوَلَدِ حين وِلَادَتِهِ وَشَرْعًا يُذْبَحُ عِنْدَ حَلْقِ شَعْرِهِ لِأَنَّ مَذْبَحَهُ يُعَقُّ أَيْ يُشَقُّ وَيُقْطَعُ وَلِأَنَّ الشَّعْرَ يُحْلَقُ إذْ ذَاكَ وَالْأَصْلُ فيها أَخْبَارٌ كَخَبَرِ الْغُلَامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عنه يوم السَّابِعِ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى وَكَخَبَرِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ بِتَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ يوم سَابِعِهِ وَوَضْعِ الْأَذَى عنه وَالْعَقِّ رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وقال في الْأَوَّلِ حَسَنٌ صَحِيحٌ وفي الثَّانِي حَسَنٌ وَالْمَعْنَى فيه إظْهَارُ الْبِشْرِ وَالنِّعْمَةِ وَنَشْرِ النَّسَبِ وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَإِنَّمَا لم تَجِبْ لِخَبَرِ أبي دَاوُد من أَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عن وَلَدِهِ
____________________
(1/547)
فَلْيَفْعَلْ وَلِأَنَّهَا إرَاقَةُ دَمٍ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ وَلَا نَذْرٍ فلم تَجِبْ كَالْأُضْحِيَّةِ وَمَعْنَى مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ قِيلَ لَا يَنْمُو نُمُوَّ مِثْلِهِ حتى يُعَقَّ عنه قال الْخَطَّابِيُّ وَأَجْوَدُ ما قِيلَ فيه ما ذَهَبَ إلَيْهِ أَحْمَدُ بن حَنْبَلٍ أَنَّهُ إذَا لم يُعَقَّ عنه لم يَشْفَعْ في وَالِدَيْهِ يوم الْقِيَامَةِ وَنَقَلَهُ الْحَلِيمِيُّ عن جَمَاعَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ على أَحْمَدَ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ
وَالْأَخْبَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا عَقِيقَةً لَكِنْ رَوَى أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِلسَّائِلِ عنها لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْعُقُوقَ فقال الرَّاوِي كَأَنَّهُ كَرِهَ الِاسْمَ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ ابْنِ أبي الدَّمِ قال أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ تَسْمِيَتُهَا نَسِيكَةً أو ذَبِيحَةً وَيُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا عَقِيقَةً كما يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الْعِشَاءِ عَتَمَةً
وَيُسْتَحَبُّ ذَبْحُهَا يوم سَابِعِ الْوِلَادَةِ فَيَدْخُلُ يَوْمُهَا في الْحِسَابِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَقَّ عن الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ يوم السَّابِعِ وَسَمَّاهُمَا وَأَمَرَ أَنْ يُمَاطَ عن رَأْسِهِمَا الْأَذَى رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ فَإِنْ وُلِدَ لَيْلًا لم يُحْسَبْ يَوْمًا بَلْ يُحْسَبْ من يَوْمِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَبْحُهَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ لَا قَبْلَهَا لِتَلَاعُبِهِ بِالْعِبَادَةِ بَلْ هِيَ حِينَئِذٍ شَاةُ لَحْمٍ لِعَدَمِ دُخُولِ سَبَبِهَا وَذِكْرُ عَدَمِ الْجَوَازِ من زِيَادَتِهِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَا تُحْسَبُ قبل الْوِلَادَةِ بَلْ تَكُونُ شَاةَ لَحْمٍ وَلَا تَفُوتُ على الْوَلِيِّ الْمُوسِرِ بها حتى يَبْلُغَ الْوَلَدُ فَإِنْ بَلَغَ فَحَسَنٌ أَنْ يَعُقَّ عن نَفْسِهِ تُدَارُ كَالْمَسَافَاتِ وما رُوِيَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَقَّ عن نَفْسِهِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ قال في الْمَجْمُوعِ بَاطِلٌ
فَصْلٌ وَإِنَّمَا تُسَنُّ الْعَقِيقَةُ لِمَنْ عليه النَّفَقَةُ لِلْوَلَدِ لَا من مَالِ الصَّبِيِّ الْأَوْلَى الْوَلَدُ فَلَا يَعُقُّ من مَالِهِ لِأَنَّ الْعَقِيقَةَ تَبَرُّعٌ وهو مُمْتَنِعٌ من مَالِهِ فَلَوْ عَقَّ من مَالِهِ ضَمِنَ كما نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْأَصْحَابِ فَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالَهُ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ سَالِمَةٌ من ذلك وَأَمَّا عَقُّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ فَمُتَأَوَّلٌ قَالَهُ في الْأَصْلِ في الرَّوْضَةِ قُلْت تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ أَبَاهُمَا بِذَلِكَ أو أَعْطَاهُ ما عَقَّ بِهِ أو أَنَّ أَبَوَيْهِمَا كَانَا عِنْدَ ذلك مُعْسِرَيْنِ فَيَكُونَانِ في نَفَقَةِ جَدِّهِمَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْأَذْرَعِيُّ وَإِطْلَاقُهُمْ اسْتِحْبَابُ الْعَقِيقَةِ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْوَلَدِ يُفْهِمُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْأُمِّ أَنْ تَعُقَّ عن وَلَدِهَا من زِنًا وَفِيهِ بُعْدٌ لِمَا فيه من زِيَادَةِ الْعَارِ وَأَنَّهُ لو وَلَدَتْ أَمَتُهُ من زِنًا أو زَوْجٍ مُعْسِرٍ أو مَاتَ قبل عَقِّهِ اُسْتُحِبَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَعُقَّ عنه وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنْ كان الْوَلِيُّ عَاجِزًا عن الْعَقِيقَةِ في السَّبْعَةِ لم يُؤْمَرْ بها حتى لو أَيْسَرَ الْوَلِيُّ بَعْدَ السَّابِعِ مع بَقِيَّةِ مُدَّةِ النِّفَاسِ لم يُؤْمَرْ بها بِخِلَافِ مَاذَا أَيْسَرَ قبل تَمَامِ السَّابِعِ وَفِيمَا إذَا أَيْسَرَ بَعْدَ السَّابِعِ في مُدَّةِ النِّفَاسِ تَرَدُّدٌ لِلْأَصْحَابِ لِبَقَاءِ أَثَرِ الْوِلَادَةِ
فَصْلٌ وَهِيَ كَالْأُضْحِيَّةِ في اسْتِحْبَابِهَا كما مَرَّ وفي سَائِرِ الْأَحْكَامِ من جِنْسِهَا وَسِنِّهَا وَسَلَامَتِهَا وَالْأَفْضَلِ منها وَالْأَكْلِ وَالتَّصَدُّقِ وَالْإِهْدَاءِ وَالْإِدْخَارِ وَقَدْرِ الْمَأْكُولِ منها وَامْتِنَاعِ بَيْعِهَا وَتَعْيِينِهَا إذَا عُيِّنَتْ واعتبار النِّيَّةِ وَغَيْرِ ذلك وَلَوْ سَكَتَ عن النِّيَّةِ أَشْمَلَهَا ما قَبْلَهَا لَكِنْ يُسْتَحَبُّ طَبْخُهَا كَسَائِرِ الْوَلَائِمِ بِحُلْوٍ تَفَاؤُلًا بِحَلَاوَةِ أَخْلَاقِ الْوَلَدِ وفي الحديث الصَّحِيحِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يُحِبُّ الْحَلْوَى وَالْعَسَلَ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ كانت مَنْذُورَةً فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِلَحْمِهَا نِيئًا كَالْأُضْحِيَّةِ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَهَا بِدُونِ النَّذْرِ وَلَا يُكْرَهُ الْحَامِضُ أَيْ طَبْخُهَا بِهِ إذْ لم يَثْبُتْ فيه نَهْيٌ مَقْصُودٌ وَالْحَمْلُ أَيْ حَمْلُهَا مَطْبُوخَةً مع مَرَقِهَا لِلْفُقَرَاءِ أَفْضَلُ من نِدَائِهِمْ إلَيْهَا وَلَا بَأْسَ بِنِدَاءِ قَوْمٍ إلَيْهَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَكْسِرَ عَظْمَهَا ما أَمْكَنَ تَفَاؤُلًا بِسَلَامَةِ أَعْضَاءِ الْوَلَدِ فَإِنْ كَسَّرَ لم يُكْرَهْ إذْ لم يَثْبُتْ فيه نَهْيٌ مَقْصُودٌ بَلْ هو خِلَافُ الْأَوْلَى
قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ عَقَّ عنه بِسُبْعِ بَدَنَةٍ فَهَلْ يَتَعَلَّقُ اسْتِحْبَابُ تَرْكِ الْكَسْرِ بِعَظْمِ
____________________
(1/548)
السُّبْعِ أو بِعِظَامِ جَمِيعِ الْبَدَنَةِ الْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْوَاقِعَ عَقِيقَةً هو السُّبْعُ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ بَلْ الْأَقْرَبُ أَنَّهُ إنْ تَأَتَّى قِسْمَتُهَا بِغَيْرِ كَسْرٍ فَاسْتِحْبَابُ تَرْكِ الْكَسْرِ يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ إذْ ما من جُزْءٍ إلَّا وَلِلْعَقِيقَةِ فيه حِصَّةٌ
فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَعُقَّ عن الْغُلَامِ بِشَاتَيْنِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ قالت عَائِشَةُ أَمَرَنَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ نَعُقَّ عن الْغُلَامِ بِشَاتَيْنِ مُتَكَافِئَتَيْنِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ بِشَاةٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ وَيُجْزِئُ عن الْعَقِّ عن الْغُلَامِ شَاةٌ وَاحِدَةٌ لِمَا رَوَى أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَقَّ عن الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ كَبْشًا كَبْشًا وَكَالشَّاةِ سُبُعُ بَدَنَةٍ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَتَأَدَّى بِكُلٍّ مِنْهُمَا أَصْلُ السُّنَّةِ وعن الْجَارِيَةِ بِشَاةٍ لِمَا مَرَّ وَلِأَنَّ السُّرُورَ بها أَقَلُّ منه بِالْغُلَامِ وَكَالْجَارِيَةِ الْخُنْثَى على الْمُتَّجَهِ كما قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ ويستحب أَنْ يَعُقَّ عَمَّنْ مَاتَ بَعْدَ السَّابِعِ وَالتَّمَكُّنِ من الذَّبْحِ وَكَمَوْتِهِ بَعْدَ السَّابِعِ مَوْتُهُ قَبْلَهُ كما جَزَمَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ
وَصَدْرُ النَّهَارِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْلَى بِالْعَقِّ فيه ويستحب أَنْ يَقُولَ الذَّابِحُ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ اللَّهُمَّ لك وَإِلَيْكَ عَقِيقَةُ فُلَانٍ لِخَبَرٍ وَرَدَ فيه رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
وَيُكْرَهُ لَطْخُ رَأْسِ الصَّبِيِّ بِدَمِهَا لِأَنَّهُ من فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَإِنَّمَا لم يَحْرُمْ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ كما في الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال مع الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا عليه دَمًا وَأَمِيطُوا عنه الْأَذَى بَلْ قال الْحَسَنِ وَقَتَادَةُ إنَّهُ يُسْتَحَبُّ ذلك ثُمَّ يُغْسَلُ لِهَذَا الْخَبَرِ وَلَا بَأْسَ بِالزَّعْفَرَانِ أَيْ بِلَطْخِهِ بِهِ وَبِالْخَلُوقِ قال في الْأَصْلِ وَقِيلَ بِاسْتِحْبَابِهِ وَصَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ وَيَدُلُّ له قَوْلُ بُرَيْدَةَ كنا في الْجَاهِلِيَّةِ إذَا وُلِدَ لِأَحَدِنَا غُلَامٌ ذَبَحَ شَاةً وَلَطَّخَ رَأْسَهُ بِدَمِهَا فلما جاء اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ كنا نَذْبَحُ شَاةً وَنَحْلِقُ رَأْسَهُ وَنُلَطِّخُهُ بِزَعْفَرَانٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَمِّيَهُ يوم السَّابِعِ لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ وَلَا بَأْسَ بها قَبْلَهُ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ في أَذْكَارِهِ أَنَّ السُّنَّةَ تَسْمِيَتُهُ يوم السَّابِعِ أو يوم الْوِلَادَةِ وَاسْتَدَلَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِأَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ وَحَمَلَ الْبُخَارِيُّ أَخْبَارَ يَوْمِ الْوِلَادَةِ على من لم يَرَ الْعَقَّ وَأَخْبَارَ يَوْمِ السَّابِعِ على من أَرَادَهُ حتى السَّقْطُ فَتُسْتَحَبُّ تَسْمِيَتُهُ لِخَبَرٍ وَرَدَ فيه نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ فَإِنْ لم يُعْلَمْ أَذَكَرٌ هو أَمْ أُنْثَى سُمِّيَ بِاسْمٍ يَصْلُحُ لَهُمَا كَأَسْمَاءِ وَهِنْدَ وَهُنَيْدَةَ وَخَارِجَةَ وَطَلْحَةَ وَأَنْ يَحْسُنَ اسْمُهُ وَأَفْضَلُهَا أَيْ الْأَسْمَاءِ عبد اللَّهِ وَعَبْدُ الرحمن لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم سَمَّى ابْنَ أبي طَلْحَةَ عَبْدَ اللَّهِ وقال لِرَجُلٍ سَمِّ ابْنَكَ عَبْدَ الرحمن رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَرَوَى أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ خَبَرَ إنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يوم الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَحَسِّنُوا أَسْمَاءَكُمْ وَرَوَى مُسْلِمٌ خَبَرَ أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عبد اللَّهِ وَعَبْدُ الرحمن زَادَ أبو دَاوُد وَأَصْدَقُهُمَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ وَأَقْبَحُهُمَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ وَتُكْرَهُ الْأَسْمَاءُ الْقَبِيحَةُ وما يَتَطَيَّرُ بِنَفْيِهِ عَادَةً كَنَجِيحٍ وَبَرَكَةَ وَكَحَرْبٍ وَمُرَّةَ وَكُلَيْبٍ وَعَاصِيَةَ وَشَيْطَانٍ وَشِهَابٍ وَظَالِمٍ وَحِمَارٍ لِخَبَرِ أبي دَاوُد السَّابِقِ وَجَاءَتْ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ بِمَعْنَاهُ كَخَبَرِ لَا تُسَمِّيَنَّ غُلَامَكَ أَفْلَحَ وَلَا نَجِيحًا وَلَا يَسَارًا وَلَا رَبَاحًا فَإِنَّك إذَا قُلْت أَثَمَّ هو قالوا لَا قال في الْمَجْمُوعِ وَالتَّسْمِيَةُ بِسِتِّ الناس أو الْعُلَمَاءِ وَنَحْوِهِ أَشَدُّ كَرَاهَةً وقد مَنَعَهُ الْعُلَمَاءُ بِمَلِكِ الْأَمْلَاكِ وَشَاهَانْ شَاهٍ فَلْتُغَيَّرْ أَيْ الْأَسْمَاءُ الْقَبِيحَةُ وما يَتَطَيَّرُ بِنَفْيِهِ نَدْبًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ كان اسْمُهَا بَرَّةَ فَقِيلَ تُزَكِّي نَفْسَهَا فَسَمَّاهَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم زَيْنَبَ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم غَيَّرَ اسْمَ عَاصِيَةَ وقال أَنْتِ جَمِيلَةٌ
فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ وُلِدَ له وَلَدٌ أَنْ يَحْلِقَ له يوم السَّابِعِ لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ بَعْدَ الذَّبْحِ كما في الْحَاجِّ وأن يَتَصَدَّقَ بِوَزْنِ الشَّعْرِ ذَهَبًا وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَتَيَسَّرْ كَذَا عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ وَعَبَّرَ في الْمَجْمُوعِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ لم يَفْعَلْ فَفِيهِ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ فَاطِمَةَ فقال زِنِي شَعْرَ الْحُسَيْنِ وَتَصَدَّقِي بِوَزْنِهِ فِضَّةً وَأَعْطِي الْقَابِلَةَ رِجْلَ الْعَقِيقَةِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَقِيسَ بِالْفِضَّةِ الذَّهَبُ وَبِالذَّكَرِ الْأُنْثَى وَلَا رَيْبَ أَنَّ الذَّهَبَ أَفْضَلُ من الْفِضَّةِ وَإِنْ ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ عليها وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ على أنها كانت هِيَ الْمُتَيَسِّرَةُ إذْ ذَاكَ فَتَعْبِيرُهُمْ بِمَا ذُكِرَ بَيَانٌ لِدَرَجَةِ الْأَفْضَلِيَّةِ وَأَنْ يُؤَذِّنَ في أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَيُقِيمَ في الْيُسْرَى لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَذَّنَ في أُذُنِ الْحُسَيْنِ حين وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلِخَبَرِ ابْنِ السُّنِّيِّ من وُلِدَ له مَوْلُودٌ فَأَذَّنَ
____________________
(1/549)
في أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ في أُذُنِهِ الْيُسْرَى لم تَضُرَّهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ أَيْ التَّابِعَةُ من الْجِنِّ وَلِيَكُونَ إعْلَامُهُ بِالتَّوْحِيدِ أَوَّلَ ما يَقْرَعُ سَمْعَهُ عِنْدَ قُدُومِهِ إلَى الدُّنْيَا كما يُلَقَّنُ عِنْدَ خُرُوجِهِ منها وَلِمَا فيه من طَرْدِ الشَّيْطَانِ عنه فإنه يُدْبِرُ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَذَانِ كما وَرَدَ في الْخَبَرِ وفي مُسْنَدِ أبي رَزِينٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَرَأَ في أُذُنِ مَوْلُودٍ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ وَالْمُرَادُ أُذُنُهُ الْيُمْنَى وأن يَقُولَ في أُذُنِهِ إنِّي أُعِيذُهَا بِك وَذُرِّيَّتَهَا من الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يقول أُعِيذُهَا بِك وَذُرِّيَّتَهَا وَإِنْ كان الْوَلَدُ ذَكَرًا على سَبِيلِ التِّلَاوَةِ أو التَّبَرُّكِ بِلَفْظِ الْآيَةِ بِتَأْوِيلِ إرَادَةِ التَّسْمِيَةِ وَأَنْ يُحَنَّكَ الْوَلَدُ بِتَمْرٍ يُمْضَغُ وَيُدَلَّكَ بِهِ حَنَكُهُ وَيُفْتَحَ فَمُهُ حتى يَدْخُلَ إلَى جَوْفِهِ منه شَيْءٌ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ تَمْرٌ فَبِحُلْوٍ يُحَنِّكُهُ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أتى بِابْنِ أبي طَلْحَةَ حِين وُلِدَ وَتَمَرَاتٍ فَلَاكَهُنَّ ثُمَّ فَغَرَ فَاهُ ثُمَّ مَجَّهُ فيه فَجَعَلَ يَتَلَمَّظُ فقال صلى اللَّهُ عليه وسلم حُبُّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وفي مَعْنَى التَّمْرِ الرُّطَبُ قال في الْمَجْمُوعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُحَنِّكُ له من أَهْلِ الْخَيْرِ فَإِنْ لم يَكُنْ رَجُلٌ فَامْرَأَةٌ صَالِحَةٌ وأن يُهَنَّأَ بِهِ الْوَالِدُ بِأَنْ يُقَالَ له بَارَكَ اللَّهُ لَك في الْمَوْهُوبِ لَك وَشَكَرْت الْوَاهِبَ وَبَلَغَ أَشُدَّهُ وَرُزِقْت بِرَّهُ وَأَنْ يَرُدَّ هو على الْمُهَنِّئِ فيقول بَارَكَ اللَّهُ لَك وَبَارَكَ عَلَيْك أو جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا أو رَزَقَك اللَّهُ مثله أو أَجْزَلَ اللَّهُ ثَوَابَك وَنَحْوَ ذلك وأن تُعْطَى الْقَابِلَةُ رِجْلَ الْعَقِيقَةِ لِخَبَرِ الْحَاكِمِ السَّابِقِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ أنها تُعْطَاهُ نِيئًا
وَلَا يُكْرَهُ الْفَرَعُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وهو ذَبْحُ أَوَّلِ وَلَدٍ لِلْبَهِيمَةِ وَلَا الْعَتِيرَةُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ تَخْصِيصُ أَوَّلِ عَشْرٍ من رَجَبٍ بِالذَّبْحِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ وَتَفْسِيرُ الْمُصَنِّفِ لَهُمَا بِمَا قَالَهُ بِاعْتِبَارِ ما كانت الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُهُ وَإِلَّا فَفِي الْأَصْلِ الْفَرَعُ أَوَّلُ نِتَاجِ الْبَهِيمَةِ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ وَلَا يَمْلِكُونَهُ رَجَاءَ الْبَرَكَةِ في الْأُمِّ وَكَثْرَةِ نَسْلِهَا وَالْعَتِيرَةُ ذَبِيحَةٌ كَانُوا يَذْبَحُونَهَا في الْعَشْرِ الْأُوَلِ من رَجَبٍ وَيُسَمُّونَهَا الرَّجَبِيَّةَ أَيْضًا ثُمَّ قال وَالْمَنْعُ رَاجِعٌ إلَى ما كَانُوا يَفْعَلُونَهُ من الذَّبْحِ لِآلِهَتِهِمْ أو أَنَّ الْمَقْصُودَ نَفْيُ الْوُجُوبِ أو أَنَّهُمَا لَيْسَا كَالْأُضْحِيَّةِ في الِاسْتِحْبَابِ أو في ثَوَابِ إرَاقَةِ الدَّمِ فَأَمَّا تَفْرِقَةُ اللَّحْمِ على الْمَسَاكِينِ فَصَدَقَةٌ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ في سُنَنِ حَرْمَلَةَ على أَنَّهُ إنْ تَيَسَّرَ ذلك كُلَّ شَهْرٍ كان حَسَنًا
فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ لِكُلٍّ من الناس أَنْ يَدْهُنَ غِبًّا بِكَسْرِ الْغَيْنِ أَيْ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ بِحَيْثُ يَجِفُّ الْأَوَّلُ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ ابن السَّكَنِ في سُنَنِهِ الصِّحَاحِ وقد نهى صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الِادِّهَانِ إلَّا غِبًّا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وأن يَكْتَحِلَ وِتْرًا لِكُلِّ عَيْنٍ ثَلَاثَةٌ كما رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَرَوَى أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ خَبَرَ من اكْتَحَلَ فَلْيُوتِرْ وأن يُقَلِّمَ الظُّفْرَ وَيَنْتِفَ الْإِبْطَ بِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَيَحْلِقَ الْعَانَةَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ من الْفِطْرَةِ خَمْسٌ الْخِتَانُ وَالِاسْتِحْدَادُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْآبَاطِ وَلِأَنَّهَا أَبْلَغُ في النَّظَافَةِ وَكَيْفِيَّةُ التَّقْلِيمِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمِسْبَحَةِ من يَدِهِ الْيُمْنَى لِأَنَّهَا الْأَشْرَفُ إذْ يُشَارُ بها إلَى التَّوْحِيدِ في التَّشَهُّدِ ثُمَّ بِالْوُسْطَى لِكَوْنِهَا على يَمِينِ الْمِسْبَحَةِ إذَا تُرِكَتْ الْيَدُ على جِبِلَّتِهَا مَبْسُوطَةَ الْكَفِّ على الْأَرْضِ ثُمَّ بِالْبِنْصِرِ ثُمَّ بِالْخِنْصَرِ ثُمَّ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى ثُمَّ بِبِنْصِرِهَا ثُمَّ الْوُسْطَى ثُمَّ السَّبَّابَةِ ثُمَّ الْإِبْهَامِ ثُمَّ إبْهَامِ الْيُمْنَى لِأَنَّ الْيَدَيْنِ في حُكْمِ حَلْقَةٍ فَيَقْضِي تَرْتِيبُ الدُّورِ الذَّهَابَ على ما ذُكِرَ ثُمَّ يَبْدَأُ بِخِنْصَرِ الرِّجْلِ الْيُمْنَى ثُمَّ بِمَا بَعْدَهَا إلَى أَنْ يَخْتِمَ بِخِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى كما في تَخْلِيلِ أَصَابِعِهِمَا في الْوُضُوءِ نَقَلَ ذلك في الْمَجْمُوعِ عن الْغَزَالِيِّ ثُمَّ قال وهو حَسَنٌ إلَّا في تَأْخِيرِ إبْهَامِ الْيُمْنَى فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَلِّمَهَا بَعْدَ خِنْصَرِ الْيُمْنَى قبل شُرُوعِهِ في الْيُسْرَى
وَيَجُوزُ الْعَكْسُ أَيْ حَلْقُ الْإِبْطِ وَنَتْفُ الْعَانَةِ وَيَكُونُ آتِيًا بِأَصْلِ السُّنَّةِ وَالْعَانَةُ الشَّعْرُ النَّابِتُ حَوْلَ الْفَرْجِ وَقِيلَ حَوْلَ الدُّبُرِ وَالْأَوْلَى حَلْقُهُمَا قال النَّوَوِيُّ في تَهْذِيبِهِ وَالسُّنَّةُ في الرَّجُلِ حَلْقُهَا وفي الْمَرْأَةِ نَتْفُهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخُنْثَى مِثْلُهَا قال في الْكِفَايَةِ وَيُسْتَحَبُّ نَتْفُ الْأَنْفِ وَعَنْ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ قَصُّهُ وَيُكْرَهُ نَتْفُهُ لِخَبَرٍ وَرَدَ فيه وأن يَقُصَّ الشَّارِبَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ السَّابِقِ عِنْدَ الْحَاجَةِ حتى يُبَيِّنَ حَدَّ الشَّفَةِ بَيَانًا ظَاهِرًا وَيُكْرَهُ الْإِحْفَاءُ من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ بِلَفْظِ وَلَا يُحْفِيهِ من أَصْلِهِ ثُمَّ قال وما جاء في الحديث من الْأَمْرِ بِحَفِّ الشَّوَارِبِ مَحْمُولٌ على حَفِّهَا من طَرَفِ الشَّفَةِ
ا ه
وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عن الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ وَالصَّيْمَرِيِّ اسْتِحْبَابَهُ ثُمَّ قال وقال الطَّحْطَاوِيُّ إنَّ السُّنَّةَ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ الْحَلْقُ ولم نَجِدْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فيه نَصًّا وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ رَأَيْنَاهُمْ كَالْمُزَنِيِّ
____________________
(1/550)
وَالرَّبِيعِ كَانَا يَحْفَيَانِ شَوَارِبَهُمَا فَدَلَّ على أَنَّهُمَا أَخَذَا ذلك عنه قال أَعْنِي الزَّرْكَشِيَّ وَزَعَمَ الْغَزَالِيُّ في الْإِحْيَاءِ أَنَّهُ بِدْعَةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيّ في سُنَنِهِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ عِنْدَ الْحَاجَةِ قَيْدٌ في الْمَذْكُورَاتِ كُلِّهَا وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَتُهُ خِلَافَهُ وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا أَيْ الْمَذْكُورَاتِ عنها أَيْ الْحَاجَةِ وتأخيرها إلَى بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ أَشَدُّ كَرَاهَةً لِخَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّ أَنَسًا قال وُقِّتَ لنا في قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ من أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ وَقَّتَ لنا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَى أَنْ قال أَرْبَعِينَ يَوْمًا بَدَلَ لَيْلَةً قال في الْمَجْمُوعِ وَمَعْنَى الْخَبَرِ أَنَّهُمْ لَا يُؤَخِّرُونَ هذه الْأَشْيَاءَ فَإِنْ أَخَّرُوهَا فَلَا يُؤَخِّرُونَهَا أَكْثَرَ من أَرْبَعِينَ لَا أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُؤَخِّرُونَهَا إلَى الْأَرْبَعِينَ
وأن يَغْسِلَ الْبَرَاجِمَ جَمْعُ بُرْجُمَةٍ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَالْجِيمِ وَلَوْ في غَيْرِ الْوُضُوءِ وَهِيَ عُقَدُ الْأَصَابِعِ وَمَفَاصِلُهَا وَذَلِكَ لِخَبَرِ عَشْرٌ من الْفِطْرَةِ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَالسِّوَاكُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ وَنَتْفُ الْإِبِطِ وَالِانْتِضَاحُ بِالْمَاءِ وَالْخِتَانُ وَالِاسْتِحْدَادُ وأن يَغْسِلَ مَعَاطِفَ الْآذَانِ وَصِمَاخَهَا فَيُزِيلَ ما فيه من الْوَسَخِ بِالْمَسْحِ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالرَّوْضَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يُزِيلُهُ بِالْغَسْلِ وَكَذَلِكَ الْأَنْفُ فَيَغْسِلُ دَاخِلَهُ تَنْظِيفًا له كَالْمَذْكُورَاتِ قَبْلَهُ تَيَامُنًا في الْكُلِّ أَيْ كل الْمَذْكُورَاتِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ في الطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا
وَأَنْ يُخَضِّبَ الشَّيْبَ أَيْ الشَّعْرَ الشَّائِبَ بِالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ لِمَا مَرَّ في شُرُوطِ الصَّلَاةِ نعم إنْ فَعَلَهُ تَشَبُّهًا بِالصَّالِحِينَ وَالْعُلَمَاءِ وَمُتَّبِعِي السُّنَّةِ من غَيْرِ نِيَّةٍ صَحِيحَةٍ كُرِهَ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ وهو أَيْ خِضَابُ الشَّيْبِ بِالسَّوَادِ حَرَامٌ لِمَا مَرَّ في شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَيْضًا وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ عن جَابِرٍ قال أُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ رضي اللَّهُ عنه يوم فَتْحِ مَكَّةَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا فقال صلى اللَّهُ عليه وسلم غَيِّرُوا هذا بِشَيْءٍ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ وَالثَّغَامَةَ بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَبِالْمُعْجَمَةِ نَبْتٌ له ثَمَرٌ أَبْيَضُ وَعَبَّرَ مع هذا في الْأَصْلِ عن الْغَزَالِيِّ بِالْكَرَاهَةِ وَكَذَا عَبَّرَ بها في الْمَجْمُوعِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ قال ولم يُفَرِّقُوا فيه بين الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إلَّا لِلْمُجَاهِدِ في الْكُفَّارِ فَلَا بَأْسَ بِهِ إرْهَابًا لِلْعَدُوِّ بِإِظْهَارِ الشَّبَابِ وَالْقُوَّةِ
وَخِضَابُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بِالْحِنَّاءِ وَنَحْوِهِ لِلرَّجُلِ حَرَامٌ لِخَبَرِ لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ من الرِّجَالِ إلَّا لِعُذْرٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فإنه يُسْتَحَبُّ لها مُطْلَقًا كما مَرَّ في بَابَيْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَالْإِحْرَامِ وَالْخُنْثَى في ذلك كَالرَّجُلِ احْتِيَاطًا وَيُسْتَحَبُّ فَرْقُ الشَّعْرِ أَيْ شَعْرِ الرَّأْسِ وَتَرْجِيلُهُ أَيْ تَمْشِيطُهُ بِمَاءٍ أو دُهْنٍ أو غَيْرِهِ مِمَّا يُلَيِّنُهُ وَيُرْسِلُ ثَائِرَهُ وَيَمُدُّ مُنْقَبِضَهُ وَتَسْرِيحُ اللِّحْيَةِ لِخَبَرِ أبي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ من كان له شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ
وَيُكْرَهُ الْقَزَعُ لِلنَّهْيِ عنه في الصَّحِيحَيْنِ وفي أبي دَاوُد أَنَّهُ زِيُّ الْيَهُودِ وهو حَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ مُطْلَقًا وَقِيلَ حَلْقُ مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ منه وَجَرَى عليه الْغَزَالِيُّ في الْإِحْيَاءِ وَأَمَّا حَلْقُ جَمِيعِ الرَّأْسِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِمَنْ أَرَادَ التَّنْظِيفَ وَلَا بِتَرْكِهِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْهُنَهُ وَيُرَجِّلَهُ ذَكَرَهُ في الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَاحْتُجَّ لِذَلِكَ فيه بِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الْقَزَعِ وقال لِيَحْلِقْهُ كُلَّهُ أو لِيَدَعْهُ كُلَّهُ قال وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيُكْرَهُ لها حَلْقُ رَأْسِهَا إلَّا لِضَرُورَةٍ
ويكره نَتْفُهَا أَيْ اللِّحْيَةِ أَوَّلَ طُلُوعِهَا إيثَارًا لِلْمُرُودَةِ وَحُسْنِ الصُّورَةِ وَنَتْفُ الشَّيْبِ لِمَا مَرَّ في شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَاسْتِعْجَالُهُ أَيْ الشَّيْبِ بِالْكِبْرِيتِ أو غَيْرِهِ طَلَبًا لِلشَّيْخُوخَةِ وَإِظْهَارًا لِعُلُوِّ السِّنِّ لِأَجْلٍ الرِّيَاسَةِ وَنَتْفُ جَانِبَيْ الْعَنْفَقَةِ وجانبي شَعْرِ اللِّحْيَةِ وَتَشْعِيثُهَا إظْهَارًا لِلزُّهْدِ وَقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِنَفْسِهِ وَتَصْفِيفُهَا طَاقَةً فَوْقَ طَاقَةٍ لِلتَّزَيُّنِ وَالتَّصَنُّعِ وَالنَّظَرُ في سَوَادِهَا وَبَيَاضِهَا إعْجَابًا وَافْتِخَارًا وَالزِّيَادَةُ في الْعِذَارَيْنِ من الصُّدْغِ وَالنَّقْصُ منها لِئَلَّا يُغَيِّرَ شَعْرَهَا قال في الْمَجْمُوعِ قال الْغَزَالِيُّ في الْإِحْيَاءِ وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيمَا طَالَ من اللِّحْيَةِ فَقِيلَ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْبِضَ عليها وَيَقُصَّ ما تَحْتَ الْقَبْضَةِ وقد فَعَلَهُ ابن عُمَرَ وَجَمَاعَةٌ من التَّابِعِينَ وَاسْتَحْسَنَهُ الشَّعْبِيُّ وابن سِيرِينَ وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَلِخَبَرِ أَعْفُوا اللِّحَى قال الْغَزَالِيُّ وَالْأَمْرُ فيه قَرِيبٌ إذَا لم يَنْتَهِ إلَى تَقْصِيصِهَا وَتَدْوِيرِهَا من الْجَوَانِبِ فإن الطُّولَ الْمُفْرِطَ قد يُشَوَّهُ الْخِلْقَةَ وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِ سِبَالَيْهِ وَهُمَا طَرَفَا الشَّارِبِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا يَرُدُّ ما رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ قُصُّوا سَبَالَاتِكُمْ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ
وَيُسْتَحَبُّ لِوَلَدِهِ وَتِلْمِيذِهِ وَغُلَامِهِ أَنْ لَا يُسَمِّيَهُ بِاسْمِهِ رَوَى ابن السُّنِّيِّ
____________________
(1/551)
أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَأَى رَجُلًا معه غُلَامٌ فقال لِلْغُلَامِ من هذا قال أبي قال فَلَا تَمْشِ أَمَامَهُ وَلَا تَسْتَسْبِبْ له وَلَا تَجْلِسْ قَبْلَهُ وَلَا تَدْعُهُ بِاسْمِهِ وَمَعْنَى لَا تَسْتَسْبِبْ له لَا تَفْعَلْ فِعْلًا تَتَعَرَّضُ فيه لَأَنْ يَسُبَّك بِهِ زَجْرًا لك وَتَأْدِيبًا وَيُقَاسُ بِالْأَبِ غَيْرُهُ
وَأَنْ يُكَنِّيَ أَهْلَ الْفَضْلِ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءُ وَإِنْ لم يَكُنْ لهم وَلَدٌ رَوَى أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عن عَائِشَةَ قالت يا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ صَوَاحِبِي لَهُنَّ كُنًى قال فَاكْتَنِي بِابْنِك عبد اللَّهِ قال الرَّاوِي يَعْنِي بِابْنِهَا عبد اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ وهو ابن أُخْتِهَا أَسْمَاءَ وَسَوَاءٌ أَكُنِّيَ الرَّجُلُ بِأَبِي فُلَانٍ أَمْ بِأَبِي فُلَانَةَ وَالْمَرْأَةُ بِأُمِّ فُلَانٍ أَمْ بِأُمِّ فُلَانَةَ وَتَجُوزُ التَّكْنِيَةُ بِغَيْرِ أَسْمَاءِ الْآدَمِيِّينَ كَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الْمَكَارِمِ وَأَبِي الْفَضَائِلِ وَأَبِي الْمَحَاسِنِ لَا بِأَبِي الْقَاسِمِ فَلَا يُسْتَحَبُّ التَّكَنِّي بِهِ بَلْ يَحْرُمُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي وَسَيَأْتِي فيه في كِتَابِ النِّكَاحِ مَزِيدُ الْكَلَامِ وَلَا يُكَنَّى كَافِرٌ قال في الرَّوْضَةِ وَلَا فَاسِقٌ وَلَا مُبْتَدِعٌ لِأَنَّ الْكُنْيَةَ لِلتَّكْرِمَةِ وَلَيْسُوا من أَهْلِهَا بَلْ أُمِرْنَا بِالْإِغْلَاظِ عليهم إلَّا لِخَوْفِ فِتْنَةٍ من ذِكْرِهِ بِاسْمِهِ أو تَعْرِيفٍ كما قِيلَ بِهِ في قَوْله تَعَالَى تَبَّتْ يَدَا أبي لَهَبٍ وَاسْمُهُ عبد الْعُزَّى وَقِيلَ ذَكَرَهُ بِكُنْيَتِهِ كَرَاهَةً لِاسْمِهِ حَيْثُ جُعِلَ عَبْدًا لِلصَّنَمِ وَقِيلَ لَمَّا كان من أَصْحَابِ النَّارِ كانت الْكُنْيَةُ أَقْوَى بِحَالِهِ وَلَا بَأْسَ بِكُنْيَةِ الصَّغِيرِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يقول لِأَخٍ لِأَنَسٍ صَغِيرٍ يا أَبَا عُمَيْرٍ ما فَعَلَ النُّغَيْرُ ويستحب أَنْ يُكَنِّيَ الرَّجُلُ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ من له أَوْلَادٌ بِأَكْبَرِ أَوْلَادِهِ فَقَدْ كُنِّيَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَبِي الْقَاسِمِ بِابْنِهِ الْقَاسِم وكان أَكْبَرَ بَنِيهِ قال النَّوَوِيُّ في أَمَالِيهِ وَكَنَّاهُ جِبْرِيلُ أَبَا إبْرَاهِيمَ وَرَوَى أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ أَنَّ أَبَا شُرَيْحٍ لَمَّا وَفَدَ إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مع قَوْمِهِ سَمِعَهُمْ يُكَنُّونَهُ بِأَبِي الْحَكَمِ فَدَعَاهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال إنَّ اللَّهَ هو الْحَكَمُ وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ لِمَ تُكَنَّى أَبَا الْحَكَمِ فقال إنَّ قَوْمِي إذَا اخْتَلَفُوا في شَيْءٍ أَتَوْنِي حَكَمْت بَيْنَهُمْ فَيَرْضَى كِلَا الْفَرِيقَيْنِ فقال ما أَحْسَنَ هذا فما لَك من الْوَلَدِ قال لي شُرَيْحٌ وَمُسْلِمٌ وَعَبْدُ اللَّهِ قال فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ قُلْت شُرَيْحٌ قال فَأَنْتَ أبو شُرَيْحٍ وَالْأَدَبُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ لَا يُكَنِّيَ نَفْسَهُ في كِتَابٍ وَغَيْرِهِ إلَّا إنْ كانت أَيْ الْكُنْيَةُ أَشْهَرَ من الِاسْمِ أو لَا يُعْرَفُ بِغَيْرِهَا كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ وَعَلَى ذلك حُمِلَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ أَتَتْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَاسْمُهَا فَاخِتَةُ وَقِيلَ فَاطِمَةُ وَقِيلَ هِنْدُ فقال من هذه قالت أنا أُمُّ هَانِئٍ وَخَبَرُهُمَا أَيْضًا عن أبي ذَرٍّ وَاسْمُهُ جُنْدُبٌ قال جَعَلْت أَمْشِي خَلْفَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في ظِلِّ الْقَمَرِ فَالْتَفَتَ فَرَآنِي فقال من هذا فَقُلْت أبو ذَرٍّ
وَيَحْرُمُ تَلْقِيبُهُ بِمَا يَكْرَهُ وَإِنْ كان ما لُقِّبَ بِهِ فيه كَالْأَعْمَشِ وَالْأَعْمَى قال تَعَالَى وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ أَيْ لَا يَدْعُو بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِلَقَبٍ يَكْرَهُهُ وَمِنْ ذلك تَرْخِيمُ الِاسْمِ وَبِهِ صَرَّحَ في الرَّوْضَةِ وَيَجُوزُ ذِكْرُهُ اللَّقَبَ الْمَذْكُورَ بِنِيَّةِ التَّعْرِيفِ لِمَنْ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا بِهِ
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُفَّ الصِّبْيَانَ أَوَّلَ سَاعَةٍ من اللَّيْلِ وَأَنْ يُخَمِّرَ أَيْ يُغَطِّيَ الْآنِيَةَ وَلَوْ بِشَيْءٍ كَعُودٍ يُعْرَضُ عليها وأن يُوكِيَ الْقِرَبَ وأن يُغْلِقَ الْبَابَ وَأَنْ يَكُونَ فَاعِلُ ذلك مُسَمِّيًا لِلَّهِ تَعَالَى في الثَّلَاثَةِ وَأَنْ يُطْفِئَ الْمِصْبَاحَ عِنْدَ النَّوْمِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ إذَا كان جُنْحُ اللَّيْلِ أو أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ فإن الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ فإذا ذَهَبَ سَاعَةٌ من اللَّيْلِ فَحُلُّوهُمْ وَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فإن الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عليها شيئا وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ وفي رِوَايَةٍ لَا تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ وَصِبْيَانَكُمْ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حتى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ وفي رِوَايَةٍ لَا تَتْرُكُوا النَّارَ في بُيُوتِكُمْ حين تَنَامُونَ وَجُنْحُ اللَّيْلِ بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا ظَلَامُهُ وَتَعْرُضُوا بِضَمِّ الرَّاءِ وَقِيلَ بِكَسْرِهَا أَيْ تَجْعَلُوهُ عَرْضًا وفواشيكم جَمْعُ فَاشِيَةٍ وَهِيَ كُلُّ ما يَنْتَشِرُ من الْمَالِ كَالْبَهَائِمِ وَفَحْمَةُ الْعِشَاءِ ظُلْمَتُهَا
كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ جَمْعُ ذَبِيحَةٍ وَالْأَصْلُ فيه قَوْله تَعَالَى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وقَوْله تَعَالَى إلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وقَوْله تَعَالَى وإذا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا إنَّمَا يَحِلُّ الْحَيَوَانُ الْبَرِّيُّ الْمَقْدُورُ عليه بِالذَّبْحِ في الْحَلْقِ وهو أَعْلَى الْعُنُقِ أو اللَّبَّةُ وفي غَيْرِ الْمَقْدُورِ عليه وَلَوْ مُتَرَدِّيًا في بِئْرٍ وَنَحْوِهَا كما سَيَأْتِي يُجْزِئُ الْعَقْرُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ في أَيِّ مَوْضِعٍ كان وهو الْجَرْحُ الْمُزْهِقُ لِلرُّوحِ الْمَقْصُودُ كما سَيَأْتِي إيضَاحُهُ
وَلَهُ أَيْ لِمَا ذُكِرَ من الذَّبْحِ
____________________
(1/552)
وَالْعَقْرِ أَرْكَانٌ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ الذَّابِحُ أو الصَّائِدُ وَشَرْطُهُ مُسْلِمٌ أو كِتَابِيٌّ يُنَاكَحُ أَهْلُ مِلَّتِهِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ يَحِلُّ لنا مُنَاكَحَتُهُمْ قال تَعَالَى وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وقال ابن عَبَّاسٍ إنَّمَا أُحِلَّتْ ذَبَائِحُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى من أَجْلِ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَسَوَاءٌ اعْتَقَدَ إبَاحَتَهُ كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ أَمْ تَحْرِيمَهُ كَالْإِبِلِ وَالشَّرْطُ الْمَذْكُورُ مُعْتَبَرٌ عِنْدَ الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ وما بَيْنَهُمَا
وَتَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ وَصَيْدُهَا وَإِنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا إذْ لَا أَثَرَ لِلرِّقِّ في الذَّبْحِ بِخِلَافِ الْمُنَاكَحَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِصَيْدِهَا من زِيَادَتِهِ وَتَحْرُمُ ذَبَائِحُ سَائِرِ الْكُفَّارِ كَالْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَصَيْدُهُمْ لِمَفْهُومِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ غير السَّمَكِ وَالْجَرَادِ فَلَا يَحْرُمَانِ بِذَبْحِهِمْ لِأَنَّ مَيِّتَتَهُمَا حَلَالٌ فَلَا عِبْرَةَ بِالْفِعْلِ وَالتَّصْرِيحُ بِالْجَرَادِ من زِيَادَتِهِ
وَيَحْرُمُ ما أَيْ الْحَيَوَانُ شَارَكَ أَحَدُهُمْ أَيْ أَحَدُ سَائِرِ الْكُفَّارِ فيه مُسْلِمًا بِذَبْحٍ كَأَنْ أَمَرَّا السِّكِّينَ على حَلْقِ شَاةٍ أو إرْسَالِ سَهْمٍ أو كَلْبِهِ الْأَوْلَى أو كَلْبٍ أو شَارَكَ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ أو مُعَلَّمٌ عَدَا بِنَفْسِهِ كَلْبًا أَرْسَلَهُ الْمُسْلِمُ في الْإِمْسَاكِ وَالْعَقْرِ أو في أَحَدِهِمَا وَانْفَرَدَ وَاحِدٌ بِالْآخَرِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَأَفْهَمَهُ بِالْأَوْلَى قَوْلُهُ أو أَمْسَكَ وَاحِدٌ من الْكَلْبَيْنِ صَيْدًا ثُمَّ عَقَرَ ه آخَرُ وَشَكَّ فيه أَيْ في عَاقِرِهِ مِمَّا ذُكِرَ تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ كما لو كان الْحَيَوَانُ مُتَوَلِّدًا بين مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ وَتَعْبِيرُهُ بِثُمَّ بَدَلَ الْوَاوِ الْمُعَبَّرِ بها في الْأَصْلِ يُفِيدُ الْحِلَّ فِيمَا إذَا تَقَدَّمَ الْعَقْرُ الْإِمْسَاكَ أو قَارَنَهُ وهو ظَاهِرٌ وَعَلَى الْكَافِرِ الذي لَا يَحِلُّ ذَبْحُهُ إذَا كان مُلْتَزِمًا لِلْأَحْكَامِ الضَّمَانُ إنْ شَارَكَهُ وقد أَزَالَ امْتِنَاعَهُ فَلَوْ أَثْخَنَهُ مُسْلِمٌ بِجِرَاحَتِهِ فَقَدْ أَزَالَ امْتِنَاعَهُ وَمِلْكَهُ فإذا جَرَحَهُ مَجُوسِيٌّ وَمَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ حَرُمَ وَعَلَى الْمَجُوسِيِّ قِيمَتُهُ مُثْخَنًا لِأَنَّهُ أَفْسَدَهُ بِجَعْلِهِ مَيْتَةً
فَإِنْ أَكْرَهَ مَجُوسِيٌّ مُسْلِمًا على الذَّبْحِ أو أَمْسَكَ له صَيْدًا فَذَبَحَهُ أو شَارَكَهُ في قَتْلِهِ بِسَهْمٍ أو كَلْبٍ وهو في حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ أو شَارَكَهُ في رَدِّ الصَّيْدِ على كَلْبِهِ أَيْ الْمُسْلِمِ بِأَنْ رَدَّهُ إلَيْهِ لم يَحْرُمْ إذْ الْمَقْصُودُ الْفِعْلُ وقد حَصَلَ مِمَّنْ يَحِلُّ ذَبْحُهُ فَلَا يُؤَثِّرُ فيه الْإِكْرَاهُ وَلَا غَيْرُهُ مِمَّا ذُكِرَ وَلِهَذَا يَجِبُ على الْمُكْرِهِ الْقَوَدُ وَجَرْحُ الْمَجُوسِيِّ الصَّيْدَ وهو في حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ بِجَرْحِ الْمُسْلِمِ يُشْبِهُ ما لو ذَبَحَ مُسْلِمٌ شَاةً ثُمَّ قَدَّهَا مَجُوسِيٌّ
فَائِدَةٌ قال النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ قال بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَالْحِكْمَةُ في اشْتِرَاطِ الذَّبْحِ وَإِنْهَارِ الدَّمِ تَمْيِيزُ حَلَالِ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ من حَرَامِهِمَا وَتَنْبِيهٌ على تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ بِبَقَاءِ دَمِهَا
فَرْعٌ تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَصَيْدُهُ لِأَنَّ قَصْدَهُ صَحِيحٌ بِدَلِيلِ صِحَّةِ عِبَادَتِهِ إنْ كان مُسْلِمًا وَذِكْرُ حِلِّ صَيْدِ الْمُمَيِّزِ من زِيَادَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ وَكَذَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْمَجْنُونِ وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ كَصَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ وَسَكْرَانَ وَالْأَعْمَى لِأَنَّ لهم قَصْدًا في الْجُمْلَةِ وَكَمَنْ قَطَعَ حَلْقَ شَاةٍ يَظُنُّهُ شَاةً يَظُنُّهُ غَيْرَهُ بِخِلَافِ ذَبِيحَةِ النَّائِمِ وَإِنْ كُرِهَتْ ذَبِيحَةُ الثَّلَاثَةِ أَيْ ذَبْحَهُمْ لِأَنَّهُمْ قد يُخْطِئُونَ الْمَذْبَحَ وَذِكْرُ الْكَرَاهَةِ في غَيْرِ الْأَعْمَى من زِيَادَتِهِ وَنَصَّ عليها الشَّافِعِيُّ لَا صَيْدُهُمْ بِرَمْيٍ أو كَلْبٍ فَلَا يَحِلُّ إذْ ليس لهم قَصْدٌ صَحِيحٌ فَصَارَ كما لو اسْتَرْسَلَ الْكَلْبُ بِنَفْسِهِ وَذِكْرُ تَحْرِيمِ صَيْدِ السَّكْرَانِ من زِيَادَتِهِ وهو إنَّمَا يَصِحُّ على ما ذَكَرَهُ من تَحْرِيمِ صَيْدِ الْمَجْنُونِ وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَتَحْرِيمِ صَيْدِهِمَا هو ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ لَكِنْ قال في الْمَجْمُوعِ الْمَذْهَبُ حِلُّهُ وَقِيلَ لَا يَحِلُّ لِعَدَمِ الْقَصْدِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ انْتَهَى
وَتَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْأَخْرَسِ وَلَوْ لم يُفْهِمْ الْإِشَارَةَ كَالْمَجْنُونِ
فَرْعٌ قال في الْمَجْمُوعِ قال أَصْحَابُنَا أَوْلَى الناس بِالذَّكَاةِ الرَّجُلُ الْعَاقِلُ الْمُسْلِمُ ثُمَّ الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ ثُمَّ الصَّبِيُّ الْمُسْلِمُ ثُمَّ الْكِتَابِيُّ ثُمَّ الْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ انْتَهَى
وَالصَّبِيُّ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ في مَعْنَى الْأَخِيرَيْنِ الرُّكْنُ الثَّانِي الذَّبِيحُ بِمَعْنَى الْمَذْبُوحِ وَمَذْبُوحُ ما لَا يُؤْكَلُ من حِمَارٍ وَنَحْوِهِ كَمَيْتَتِهِ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَيْتَةُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ حَلَالٌ وَإِنْ كان نَظِيرُ الْأَوَّلِ في الْبَرِّ مُحَرَّمًا كَكَلْبٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِخَبَرِ أُحِلَّ لنا مَيْتَتَانِ وَلِخَبَرِ هو الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ وَلِأَنَّ ذَبْحَهُمَا لَا يُمْكِنُ عَادَةً فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ سَوَاءٌ أَمَاتَا بِسَبَبٍ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ أَكَانَ طَافِيًا أَمْ رَاسِبًا وَذَبْحُ كِبَارِ السَّمَكِ الذي يَطُولُ بَقَاؤُهُ مُسْتَحَبٌّ إرَاحَةً له وذبح صِغَارِهِ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ عَبَثٌ وَتَعَبٌ بِلَا فَائِدَةٍ
وَلَوْ أَكَلَ مَشْوِيَّ صِغَارِهِ بِرَوْثِهِ أو ابْتَلَعَهُ حَيًّا أو ابْتَلَعَ فِلْقَةً قَطَعَهَا منه في حَيَاتِهِ حَلَّ
____________________
(1/553)
إذْ ليس في ذلك أَكْثَرُ من قَتْلِهِ وهو جَائِزٌ وَعُفِيَ عن رَوْثِهِ لِعُسْرِ تَتَبُّعِهِ وَإِخْرَاجِهِ وَكُرِهَ ذلك كَقَلْيِهِ حَيًّا في الزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ وَالتَّصْرِيحُ بِالْكَرَاهَةِ في هذه وفي أَكْلِ الْمَشْوِيِّ من زِيَادَتِهِ وَبِهَا صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ في مَسْأَلَةِ الْقَلْيِ وَإِنَّمَا حَلَّ شَيُّهُ وَقَلْيُهُ لِأَنَّ عَيْشَهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ من الْمَاءِ عَيْشُ الْمَذْبُوحِ فَحَلَّ ذلك كما يَحِلُّ طَرْحُ الشَّاةِ في النَّارِ وَسَلْخُهَا بَعْدَ ذَبْحِهَا وَقَبْلَ مَوْتِهَا مع الْكَرَاهَةِ وَالْجَرَادُ كَالسَّمَكِ فِيمَا ذُكِرَ كما ذَكَرَهُ في الرَّوْضَةِ
وَلَوْ وَجَدَ سَمَكَةً أو جَرَادَةً مُتَغَيِّرَةً في جَوْفِ سَمَكَةٍ حَرُمَتْ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالرَّوْثِ وَالْقَيْءِ بِخِلَافِ ما إذَا لم تَتَغَيَّرْ فَإِنَّهَا تَحِلُّ كما لو مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا وَاعْتُبِرَ الْأَصْلُ في تَحْرِيمِهَا تَغَيُّرُهَا بِاللَّوْنِ وَتَقَطُّعُهَا وَفِيهِ نَظَرٌ وقد قال الْأَذْرَعِيُّ لَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ التَّقَطُّعِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوَافِقُ ذلك
وقد بَيَّنَّا ذَبْحَ الْمَقْدُورِ عليه في الْأُضْحِيَّةِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَأَمَّا غَيْرُهُ كَصَيْدٍ وحيوان إنْسِيٍّ نَدَّ أَيْ نَفَرَ شَارِدًا ولم يَتَيَسَّرْ لُحُوقُهُ وَلَوْ بِاسْتِعَانَةٍ فَجَمِيعُ أَجْزَائِهِ مَذْبَحٌ فَيَحِلُّ بِالرَّمْيِ إلَيْهِ بِسَهْمٍ أو نَحْوِهِ كَرُمْحٍ وَسَيْفٍ وَإِرْسَالِ جَارِحَةٍ عليه لِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في بَعِيرٍ نَدَّ فَضَرَبَهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ إنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ أَيْ نَفَرَاتٍ أو إنَّ منها نَوَافِرَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فما غَلَبَكُمْ منها فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا وَقَوْلُهُ لِأَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ لَمَّا قَالَهُ له إنِّي أَصِيدُ بِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ وَبِغَيْرِهِ ما صِدْت بِكَلْبِك الْمُعَلَّمِ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عليه وَكُلْ وما صِدْت بِكَلْبِك الذي ليس بِمُعَلَّمٍ فَأَدْرَكْت ذَكَاتَهُ فَكُلْ رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ فَدَلَّا على حِلِّ الصَّيْدِ بِذَلِكَ في أَيِّ جُزْءٍ من أَجْزَائِهِ وَلِأَنَّا لو اعْتَبَرْنَا إصَابَةَ مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ لَمَا حَلَّ كَثِيرٌ من الصَّيُودِ لِنُدْرَةِ إصَابَةِ ذلك الْمَوْضِعِ أَمَّا إذَا تَيَسَّرَ لُحُوقُهُ وَلَوْ بِاسْتِعَانَةٍ بِمَنْ يُمْسِكُهُ فَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّبْحِ في الْمَذْبَحِ لِأَنَّهُ ليس مُتَوَحِّشًا وَقَوْلُهُ وَلَوْ بِاسْتِعَانَةٍ تَجُوزُ قِرَاءَتُهُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَبِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ
وما تَعَذَّرَ ذَبْحُهُ كَوُقُوعِهِ في بِئْرٍ يَحِلُّ بِجَرْحٍ وَرَمْيٍ يُفْضِي إلَى الزَّهُوقِ وَلَوْ لم يَذْفِفْ لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ كَالنَّادِّ لَا بِكَلْبٍ وَفَارَقَ ما قَبْلَهُ بِأَنَّ الْحَدِيدَ يُسْتَبَاحُ بِهِ الذَّبْحُ مع الْقُدْرَةِ وَعَقْرُ الْكَلْبِ بِخِلَافِهِ
فَصْلٌ فَإِنْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ أَرْسَلَ سَهْمًا أو نَحْوَهُ أو كَلْبًا على صَيْدٍ وَأَدْرَكَهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ بِأَنْ قَطَعَ حُلْقُومَهُ وَمَرِيئَهُ أو أَجَافَهُ أو قَطَعَ أَمْعَاءَهُ أو أَخْرَجَ حَشْوَتَهُ اُسْتُحِبَّ ذَبْحُهُ إرَاحَةً له فَإِنْ لم يَفْعَلْ وَتَرَكَهُ حتى مَاتَ حَلَّ كما لو ذَبَحَ شَاةً فَاضْطَرَبَتْ أو جَرَتْ أو مُسْتَقِرَّةٌ فلم يَذْبَحْهُ حتى مَاتَ فَإِنْ كان لِتَقْصِيرٍ منه حَرُمَ كما لو تَرَدَّى بَعِيرٌ من شَاهِقٍ لم يَذْبَحْهُ حتى مَاتَ وَإِلَّا فَلَا يَحْرُمُ لِلْعُذْرِ وَمِنْ التَّقْصِيرِ عَدَمُ السِّكِّينِ وَتَحْدِيدِهَا لِأَنَّهُ كان يُمْكِنُهُ حَمْلُهَا وَتَحْدِيدُهَا وَنَشْبِهَا بِالْغِمْدِ بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ عُلُوقِهَا فيه بِحَيْثُ يَعْسُرُ إخْرَاجُهَا لِأَنَّ حَقَّهُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ غِمْدًا يُوَافِقُهُ حتى لو اسْتَصْحَبَهُ فَنَشِبَتْ فيه لِعَارِضٍ حَلَّ وَكَذَا لو غُصِبَتْ منه السِّكِّينُ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ وَلِأَنَّهُ وَقَفَ على حَيَوَانٍ فيه حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ ولم يَذْبَحْهُ وَلَوْ كان هذا عُذْرًا لَكَانَ عُذْرًا في الْحَيَوَانَاتِ الْأَهْلِيَّةِ ومن التَّقْصِيرِ الذَّبْحُ بِظَهْرِهَا أَيْ السِّكِّينِ غَلَطًا إلَّا إنْ مَنَعَهُ من وُصُولِهِ إلَى الذَّبِيحَةِ سَبُعٌ حتى مَاتَتْ أو اشْتَغَلَ بِطَلَبِ الْمَذْبَحِ أو بِتَوْجِيهِهَا لِلْقِبْلَةِ أو بِتَحْرِيفِهَا وَهِيَ مُنْكَبَّةٌ لِيَتَمَكَّنَ من ذَبْحِهَا أو يَتَنَاوَلُ السِّكِّينَ أو امْتَنَعَتْ بِمَا فيها من قُوَّةٍ وَمَاتَتْ قبل تَمَكُّنِهِ منها كما أَفْهَمَهُ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ وَضَاقَ أَيْ أو ضَاقَ الزَّمَانُ عن ذَبْحِهَا فَتَحِلُّ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ وَكَذَا تَحِلُّ لو مَشَى إلَيْهَا بَعْدَ إصَابَةِ السَّهْمِ أو الْكَلْبِ على هِينَتِهِ ولم يَأْتِهَا عَدْوًا فَالْمَشْيُ على هِينَتِهِ كَافٍ كما يَكْفِي في السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَإِنْ عَرَفَ التَّحَرُّمَ بها بِأَمَارَاتِهِ وَإِنْ شَكَّ بَعْدَ مَوْتِهَا هل قَصَّرَ في ذَبْحِهَا أَمْ لَا حَلَّتْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقْصِيرِ وَالْأَوْلَى تَذْكِيرُ ضَمَائِرَ بِتَوْجِيهِهَا وما بَعْدَهُ إلَى هُنَا كما في الْأَصْلِ لِعَوْدِهَا إلَى الصَّيْدِ
فَرْعٌ وَإِنْ أَبَانَ عُضْوَهُ أَيْ الصَّيْدِ كَيَدِهِ وَرِجْلِهِ بِجَرْحٍ مُذَفِّفٍ أَيْ مُسْرِعٍ لِقَتْلِهِ وَمَاتَ في الْحَالِ حَلَّ الْعُضْوُ كَبَاقِي الْبَدَنِ لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ وَمِثْلُهُ ما لو قَدَّهُ قِطْعَتَيْنِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ بِجَرْحٍ مُذَفِّفٍ فَإِنْ أَتْبَعَهُ بِمُذَفِّفٍ أو بِغَيْرِهِ أو تَمَكَّنَ من ذَبْحِهِ فَذَبَحَهُ أو لم يَتَمَكَّنْ منه فَمَاتَ حَرُمَ الْعُضْوُ لِأَنَّهُ أُبِينَ من حَيٍّ فَهُوَ كَمَنْ قَطَعَ أَلْيَةَ شَاةٍ ثُمَّ ذَبَحَهَا لَا تَحِلُّ الْأَلْيَةُ وَوَقَعَ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ تَصْحِيحُ حِلِّهِ في الْأَخِيرَةِ كما لو كان الْجَرْحُ مُذَفِّفًا وَلِأَنَّ الْجَرْحَ كَالذَّبْحِ لِلْجُمْلَةِ فَتَبِعَهَا الْعُضْوُ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ لِظَاهِرِ نَصِّ
____________________
(1/554)
الْمُخْتَصَرِ فَقَطْ أَيْ دُونَ بَاقِي الْبَدَنِ فَيَحِلُّ نعم إنْ أَثْبَتَهُ بِالْجَرْحِ الْأَوَّلِ في الصُّورَةِ الْأُولَى لم يَحِلَّ لِأَنَّهُ بِالْإِثْبَاتِ صَارَ مَقْدُورًا عليه فَيَتَعَيَّنُ ذَبْحُهُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْآلَةُ أَيْ آلَةُ الذَّبْحِ وَالِاصْطِيَادِ وَهِيَ كُلُّ مُحَدَّدٍ يَجْرَحُ بِحَدِّهِ من حَدِيدٍ وَرَصَاصٍ وَقَصَبٍ وَزُجَاجٍ وَحَجَرٍ وَنَحْوِهَا كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ لِأَنَّهَا أَوْحَى لِإِزْهَاقِ الرُّوحِ فَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهَا وَعَقِيرَتُهَا بِمَعْنَى مَذْبُوحَتِهَا وَمَعْقُورَتِهَا إلَّا السِّنَّ وَالظُّفْرَ وَالْعَظْمَ مُتَّصِلًا كان أو مُنْفَصِلًا من آدَمِيٍّ أو غَيْرِهِ لِمَا مَرَّ في الْأُضْحِيَّةِ وَمَعْلُومٌ مِمَّا سَيَأْتِي حِلُّ ما قَتَلَهُ الْكَلْبُ أو نَحْوُهُ بِظُفْرِهِ أو نَابِهِ فَلَا حَاجَةَ لِاسْتِثْنَائِهِ وَالنَّهْيُ عن الذَّبْحِ بِالْعِظَامِ قِيلَ تَعَبُّدٌ وَبِهِ قال ابن الصَّلَاحِ وَمَالَ إلَيْهِ ابن عبد السَّلَامِ وقال النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ مَعْنَاهُ لَا تَذْبَحُوا بها لِأَنَّهَا تَنْجُسُ بِالدَّمِ وقد نُهِيتُمْ عن تَنْجِيسِهَا في الِاسْتِنْجَاءِ لِكَوْنِهَا زَادَ إخْوَانِكُمْ من الْجِنِّ وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَأَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ أَنَّهُمْ كُفَّارٌ وقد نُهِيتُمْ عن التَّشَبُّهِ بِهِمْ وَلَوْ الْأَوْلَى فَلَوْ جَعَلَ نَصْلِ السَّهْمِ عَظْمًا فَقَتَلَ بِهِ صَيْدًا حَرُمَ وما مَاتَ بِثِقَلِ ما أَصَابَهُ من مُحَدَّدٍ وَغَيْرِهِ حَرُمَ كَالْبُنْدُقَةِ وَصَدْمَةِ الْحَجَرِ كَجَوَانِب بِئْرٍ وَقَعَ فيها وَعُرْضِ السَّهْمِ بِضَمِّ الْعَيْنِ أَيْ جَانِبِهِ وَإِنْ أَنْهَرَ الدَّمَ وَأَبَانَ الرَّأْسَ أو مَاتَ بِانْخِنَاقٍ بِحَبْلٍ مَنْصُوبٍ له لِانْتِفَاءِ جَرْحِهِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ أَيْ الْمَقْتُولَةُ بِالْعَصَا وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن عَدِيِّ بن حَاتِمٍ قال سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن صَيْدِ الْمِعْرَاضِ فقال إذَا أَصَبْت بِحَدِّهِ فَكُلْ وإذا أَصَبْت بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْ فإنه وَقِيذٌ وَلِمَفْهُومِ خَبَرِ ما أَنْهَرَ الدَّمَ وَكَذَا يَحْرُمُ أَنْ يَذْبَحَهُ بِحَدِيدَةٍ لَا تَقْطَعُ فَقَطَعَ بِقُوَّتِهِ لِأَنَّ الْقَطْعَ بِالْقُوَّةِ لَا بِالْآلَةِ وَإِنْ خَسَقَ فيه أَيْ الصَّيْدِ عَصَا مُحَدَّدَةً تَمُورُ مَوْرَ السِّلَاحِ أو لَا تَمُورُ إلَّا بِكُرْهٍ وَهِيَ خَفِيفَةٌ قَرِيبَةٌ من السَّهْمِ حَلَّ أو ثَقِيلَةٌ فَلَا تَحِلُّ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَتَلَ بِالثِّقَلِ فَيَكُونُ مَوْقُوذًا يُقَالُ مَارَ الشَّيْءُ أَيْ تَحَرَّكَ وَجَاءَ وَذَهَبَ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ نعم إذَا مَاتَ بِثِقَلِ الْكَلْبِ أو غَيْرِهِ من سَائِرِ الْجَوَارِحِ حَلَّ لِآيَةٍ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وما عَلَّمْتُمْ من الْجَوَارِحِ أَيْ صَيْدُهُ وَلِخَبَرِ أبي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ السَّابِقِ وَلِأَنَّ الْجَارِحَةَ تُعَلَّمُ تَرْكَ الْأَكْلِ فَتَتَأَدَّبُ بِهِ وقد تُفْضِي بها الْمَهَارَةُ فِيمَا تَعَلَّمَتْ إلَى تَرْكِ الْجَرْحِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُكَلَّفَ أَنْ تَجْرَحَ وَلَا تَأْكُلَ بِخِلَافِ ما لو أَصَابَ السَّهْمُ بِعَرْضِهِ فإنه من سُوءِ الرَّمْيِ لَا إنْ مَاتَ بِطُولِ الْهَرَبِ أو فَزَعًا منه هذا من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ ابن الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ
وَإِنْ مَاتَ بِمُحَرَّمٍ وَمُبِيحٍ كَحَدِّ سَهْمٍ وَصَدْمَةِ عَرْضِهِ أو رَمَاهُ فَوَقَعَ على شَجَرَةٍ فَصَدَمَهُ غُصْنُهَا أو على مَاءٍ أو على طَرَفِ جَبَلٍ فَسَقَطَ منه وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ حَرُمَ تَغْلِيبًا لِلْمُحَرَّمِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ إذَا رَمَيْت سَهْمَك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ فَإِنْ وَجَدْته فَكُلْ إلَّا أَنْ تَجِدَهُ قد وَقَعَ في الْمَاءِ فَمَاتَ فَإِنَّك لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ أو سَهْمُك وَيُقَاسَ بِالْمَاءِ غَيْرُهُ وَإِنْ وَقَعَ الْمَجْرُوحُ بِالسَّهْمِ على الْأَرْضِ أو في بِئْرٍ بِلَا مَاءٍ ولم تَصْدِمْهُ الْجُدْرَانُ أو تَدَحْرَجَ من جَبَلٍ جَنْبًا لِجَنْبٍ أَيْ من جَنْبٍ إلَى جَنْبٍ فَمَاتَ حَلَّ لِأَنَّ وُقُوعَهُ على الْأَرْضِ لَا بُدَّ له منه فَعُفِيَ عنه كما عُفِيَ عن الذَّبْحِ في غَيْرِ الْمَذْبَحِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ وَكَمَا لو كان الصَّيْدُ قَائِمًا فَوَقَعَ على جَنْبِهِ لَمَّا أَصَابَهُ السَّهْمُ وَانْصَدَمَ بِالْأَرْضِ وَمَاتَ وَلِأَنَّ التَّدَحْرُجَ لَا يُؤَثِّرُ في التَّلَفِ بِخِلَافِ السُّقُوطِ وَلَوْ قال بَدَلَ أو في بِئْرٍ وَلَوْ بِأَرْضِ بِئْرٍ كان أَوْلَى لَا إنْ كَسَرَ السَّهْمُ جَنَاحَهُ بِلَا جَرْحٍ أو جَرَحَهُ جَرْحًا لَا يُؤَثِّرُ فَمَاتَ أو لم يَمُتْ لَكِنَّهُ وَقَعَ بِالْأَرْضِ فَمَاتَ فَلَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ لم يُصِبْهُ جَرْحٌ مُؤَثِّرٌ يُحَالُ الْمَوْتُ عليه
فَرْعٌ وَإِنْ رَمَى طَيْرَ الْمَاءِ وهو فيه فَأَصَابَهُ وَمَاتَ حَلَّ وَالْمَاءُ له كَالْأَرْضِ لِغَيْرِهِ أو رَمَاهُ وهو في هَوَائِهِ أَيْ الْمَاءِ فَأَصَابَهُ وَوَقَعَ فيه وَمَاتَ فَإِنْ كان الرَّامِي في سَفِينَةٍ في الْمَاءِ حَلَّ أو في الْبَرِّ حَرُمَ إنْ لم يَنْتَهِ بِالْجَرْحِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ بِالْأَوْلَى تَحْرِيمَ ما رَمَاهُ فيه وهو خَارِجُهُ وهو أَحَدُ وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الْأَصْلُ بِلَا تَرْجِيحٍ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمَا أَنَّ طَيْرَ الْبَرِّ ليس كَطَيْرِ الْمَاءِ فِيمَا ذُكِرَ لَكِنْ الْبَغَوِيّ في تَعْلِيقِهِ جَعَلَهُ مثله في ذلك
____________________
(1/555)
قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ جَمِيعَ ما مَرَّ إذَا لم يَغْمِسْهُ السَّهْمُ في الْمَاءِ سَوَاءٌ أَكَانَ على وَجْهِ الْمَاءِ أَمْ في هَوَائِهِ أَمَّا لو غَمَسَهُ فيه قبل انْتِهَائِهِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ أو انْغَمَسَ بِالْوُقُوعِ فيه لِثِقَلِ جُثَّتِهِ فَمَاتَ فَهُوَ غَرِيقٌ لَا يَحِلُّ قَطْعًا قال الْمَاوَرْدِيُّ وَأَمَّا السَّاقِطُ في النَّارِ فَحَرَامٌ
فَرْعٌ لو عَلَّمَ كَلْبًا يَجْرَحُ بِقِلَادَةٍ مُحَدَّدَةٍ في حَلْقِهِ فَجَرَحَ بها صَيْدًا وَمَاتَ حَلَّ كما لو أَرْسَلَ سَهْمًا وَلِأَنَّهَا تَصِيرُ حِينَئِذٍ كَنَابِ الْكَلْبِ وَذِكْرُ التَّعْلِيمِ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ في تَعْلِيقِهِمَا
وَأَمَّا الْجَوَارِحُ أَيْ الِاصْطِيَادُ بها فَيَجُوزُ بِالسِّبَاعِ كَالْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَبِالطَّيْرِ كَالْبَازِي وَالصَّقْرِ وَنَحْوِهِ كَالشَّاهِينِ لِلْآيَةِ وَالْخَبَرِ السَّابِقَيْنِ وَقَوْلُهُ وَنَحْوِهِ من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَيُشْتَرَطُ لِحِلِّ ما قَتَلَهُ الْجَارِحُ كَوْنُ الْجَارِحِ مُعَلَّمًا فَفِي تَعْلِيمِ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ من سَائِرِ السِّبَاعِ أَنْ يَمْتَثِلَ أَيْ يَهِيجَ إنْ أُمِرَ أَيْ أُغْرِيَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى مُكَلِّبِينَ من التَّكْلِيبِ وهو الْإِغْرَاءُ وأن يَتْرُكَ ذلك بِأَنْ يَقِفَ إنْ زُجِرَ في ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ وَبَعْدَ شِدَّةِ عَدْوِهِ وأن يُمْسِكَ الصَّيْدَ أَيْ يَحْبِسَهُ لِصَاحِبِهِ وَلَا يُخْلِيَهُ وأن لَا يَأْكُلَ منه وَاشْتِرَاطُ أَنْ لَا يَنْطَلِقَ بِنَفْسِهِ إنَّمَا هو لِلْحِلِّ كما سَيَأْتِي في كَلَامِهِ لَا لِلتَّعْلِيمِ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِهِ ويشترط في تَعْلِيمِ الطَّيْرِ الطَّلَبُ لِلصَّيْدِ بِالْإِغْرَاءِ بِأَنْ يَهِيجَ بِهِ وَكَذَا عَدَمُ الْأَكْلِ منه كما في جَارِحَةِ السِّبَاعِ وَكَلَامُهُ هُنَا يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فيه انْزِجَارُهُ بِالزَّجْرِ وَلَا إمْسَاكُهُ الصَّيْدَ لِصَاحِبِهِ وهو ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ في الثَّانِيَةِ وَصَرَّحَ بِهِ في الْأُولَى وَنُقِلَ عن الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا مَطْمَعَ في انْزِجَارِهِ بَعْدَ طَيَرَانِهِ لَكِنْ نَصَّ في الْأُمِّ على اشْتِرَاطِ ذلك فيه أَيْضًا كما نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ كَغَيْرِهِ ثُمَّ قال ولم يُخَالِفْهُ أَحَدٌ من الْأَصْحَابِ وقد اعْتَبَرَهُ في الْبَسِيطِ ثُمَّ ذَكَرَ مَقَالَةَ الْإِمَامِ بِلَفْظِ قِيلَ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ عن الدَّارِمِيِّ وَسُلَيْمٍ الرَّازِيّ وَنَصْرٍ الْمَقْدِسِيَّ وَنَقَلَهُ ابن الرِّفْعَةِ أَيْضًا عن الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ ويشترط في تَعْلِيمِ الْجَارِحَةِ أَنْ يَتَكَرَّرَ ذلك مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ حتى يَظُنَّ تَعَلُّمَهَا وَالرُّجُوعُ في عَدَدِهِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِالْجَوَارِحِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ
وإذا أَكَلَ الْمُعَلَّمُ وَلَوْ طَيْرًا من صَيْدٍ عَقِيبَ قَتْلِهِ إيَّاهُ أو قبل قَتْلِهِ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى من كَلَامِهِ وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ حَرُمَ لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن عَدِيِّ بن حَاتِمٍ إذَا أَرْسَلْت كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَسَمَّيْت فَأَمْسَكَ وَقَتَلَ فَكُلْ وَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمْسَكَ على نَفْسِهِ وَلِأَنَّ عَدَمَ الْأَكْلِ شَرْطٌ لِلتَّعْلِيمِ ابْتِدَاءً فَكَذَا دَوَامًا وَحْدَهُ لَا ما صَادَهُ قَبْلُ فَلَا يَنْعَطِفُ التَّحْرِيمُ عليه لِأَنَّ تَغَيُّرَ صِفَةِ الصَّائِدِ كَأَنْ ارْتَدَّ لَا يُحَرِّمُ ما صَادَهُ قَبْلُ فَكَذَا تَغَيُّرُ صِفَةِ الْجَارِحِ أَمَّا ما أَكَلَ منه بَعْدَ قَتْلِهِ بِزَمَانٍ فَيَحِلُّ وَاسْتُؤْنِفَ بَعْدَ أَكْلِهِ عَقِبَ الْقَتْلِ تَعْلِيمُهُ لِفَسَادِ التَّعْلِيمِ الْأَوَّلِ وَلَا يَضُرُّ لَعْقُ الدَّمِ لِأَنَّ الْمَنْعَ مَنُوطٌ في الْخَبَرِ بِالْأَكْلِ من الصَّيْدِ ولم يُوجَدْ وَلِأَنَّهُ لم يَتَنَاوَلْ شيئا من مَقْصُودِ الصَّائِدِ فَكَانَ كَتَنَاوُلِهِ الْفَرْثَ وَالْحِشْوَةُ كَاللَّحْمِ فِيمَا مَرَّ وَمِثْلُهَا الْجِلْدُ وَالْأُذُنُ وَالْعَظْمُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي الْقَطْعُ في تَنَاوُلَهُ الشَّعْرَ بِالْحِلِّ إذْ ليس عَادَتُهُ الْأَكْلَ منه وَمِثْلُهُ الصُّوفُ وَالرِّيشُ وَعَدَمُ انْزِجَارِهِ بِالزَّجْرِ عن الصَّيْدِ وَعَدَمُ اسْتِرْسَالِهِ بِالْإِرْسَالِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَمَنْعُهُ الصَّائِدَ منه أَيْ من الصَّيْدِ كَالْأَكْلِ منه فِيمَا مَرَّ
فَصْلٌ وَيَجِبُ غَسْلُ مَعَضِّ الْكَلْبِ سَبْعًا مع التَّعْفِيرِ كَغَيْرِهِ مِمَّا يُنَجِّسُهُ الْكَلْبُ فإذا غُسِلَ حَلَّ أَكْلُهُ الرُّكْنُ الرَّابِعُ نَفْسُ الذَّبْحِ وقد سَبَقَ بَيَانُهُ في الْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقْرِ وقد بَيَّنَّاهُ هُنَا وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فيه من الْقَصْدِ وَمِثْلُهُ الذَّبْحُ فَلَا بُدَّ فِيهِمَا من قَصْدِ الْعَيْنِ بِالْفِعْلِ وَإِنْ أَخْطَأَ في الظَّنِّ أو من قَصْدِ الْجِنْسِ وَإِنْ أَخْطَأَ في الْإِصَابَةِ كما سَيَأْتِي تَصْوِيرُهُمَا وَالتَّصْرِيحُ بِالْقَصْدِ في الذَّبْحِ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ لم يَقْصِدْ الْفِعْلَ أَصْلًا بِأَنْ سَقَطَتْ السِّكِّينُ من يَدِهِ على مَذْبَحِ شَاةٍ فَانْجَرَحَتْ بِهِ وَمَاتَتْ أو نَصَبَهَا فَانْعَقَرَتْ بها وَمَاتَتْ أو تَحَكَّكَتْ بها وَهِيَ في يَدِهِ فَانْقَطَعَ حُلْقُومُهَا وَمَرِيئُهَا حَرُمَتْ وَإِنْ شَارَكَهَا في الْحَرَكَةِ لِعَدَمِ الْقَصْدِ في غَيْرِ الْمُشَارَكَةِ وَلِحُصُولِ الْمَوْتِ بِحَرَكَةِ الذَّابِحِ وَالشَّاةِ في الْمُشَارَكَةِ في إدْخَالِ هذه في عَدَمِ الْقَصْدِ نَظَرٌ وَخَالَفَ ذلك وُجُوبَ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ أَوْسَعُ من بَابِ الذَّكَاةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو قَتَلَ بِمُثَقَّلٍ وَجَبَ الْقِصَاصُ وَلَوْ قَتَلَ الصَّيْدَ بِهِ لم يَحِلَّ
فَإِنْ رَمَى ما ظَنَّهُ حَجَرًا أو خِنْزِيرًا فَكَانَ صَيْدًا فَأَصَابَهُ وَمَاتَ أو رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَ
____________________
(1/556)
صَيْدًا غَيْرَهُ وَلَوْ من غَيْرِ جِنْسِهِ وَمَاتَ حَلَّ وَلَا يَضُرُّ خَطَأُ الظَّنِّ في الْأُولَى وَلَا خَطَأُ الْإِصَابَةِ في الثَّانِيَةِ كما مَرَّ لِوُجُودِ قَصْدِ الصَّيْدِ فِيهِمَا
وَكَذَا لو أَرْسَلَ كَلْبًا على صَيْدٍ فَعَدَلَ إلَى غَيْرِهِ وَلَوْ إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْإِرْسَالِ فَأَصَابَهُ وَمَاتَ حَلَّ كما في السَّهْمِ وَلِأَنَّهُ يَعْسُرُ تَكْلِيفُهُ تَرْكَ الْعُدُولِ وَلِأَنَّ الصَّيْدَ لو عَدَلَ فَتَبِعَهُ حَلَّ قَطْعًا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ حِلُّهُ وَإِنْ ظَهَرَ لِلْكَلْبِ بَعْدَ إرْسَالِهِ لَكِنْ قَطَعَ الْإِمَامُ بِخِلَافِهِ فِيمَا إذَا اسْتَدْبَرَ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ وَقَصَدَ آخَرَ كما نَقَلَهُ عنه الْأَصْلُ وَجَرَى عليه الْفَارِقِيُّ وابن أبي عَصْرُونٍ وهو لَا يُخَالِفُ ما قَالَهُ الْفَارِقِيُّ أَيْضًا من أَنَّهُ لو أَرْسَلَهُ على صَيْدٍ فَأَمْسَكَهُ ثُمَّ عَنَّ له آخَرُ فَأَمْسَكَهُ حَلَّ سَوَاءٌ أَكَانَ عِنْدَ الْإِرْسَالِ مَوْجُودًا أَمْ لَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَنْ يُرْسِلَهُ على صَيْدٍ وقد وُجِدَ وَلَوْ قَصَدَ بِرَمْيِهِ أو إرْسَالِهِ غير الصَّيْدِ كَمَنْ رَمَى سَهْمًا أو أَرْسَلَ كَلْبَهُ الْأَوْلَى كَلْبًا على حَجَرٍ أو عَبَثًا كَأَنْ رَمَى في فَضَاءٍ لِاخْتِبَارِ قُوَّتِهِ أو أَرْسَلَ كَلْبًا حَيْثُ لَا صَيْدَ في ابْتِدَاءِ إرْسَالِهِ فَأَصَابَ صَيْدًا وَمَاتَ حَرُمَ لِأَنَّهُ لم يَقْصِدْ صَيْدًا وَكَذَا لو قَصَدَهُ وَأَخْطَأَ في الظَّنِّ وَالْإِصَابَةِ مَعًا كَمَنْ رَمَى صَيْدًا ظَنَّهُ حَجَرًا أو خِنْزِيرًا فَأَصَابَ صَيْدًا غَيْرَهُ حَرُمَ لِأَنَّهُ قَصَدَ مُحَرَّمًا فَلَا يَسْتَفِيدُ الْحِلَّ لَا عَكْسَهُ بِأَنْ رَمَى حَجَرًا أو خِنْزِيرًا ظَنَّهُ صَيْدًا فَأَصَابَ صَيْدًا وَمَاتَ لِأَنَّهُ قَصَدَ مُبَاحًا وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ في هذه وَاَلَّتِي قَبْلَهَا من زِيَادَتِهِ وَأَسْقَطَ في نُسْخَةٍ حَرُمَ لَا عَكْسَهُ اكْتِفَاءً عن حَرُمَ بِكَذَا أو عن لَا عَكْسَهُ بِقَوْلِهِ أو صَيْدًا إلَى آخِرِهِ وَعَلَيْهِ يُقَالُ ثُمَّ بَدَّلَ قَوْلَ رَمَى ما ظَنَّهُ بِقَرِينَةِ ما قَبْلَهُ
وَكَذَا يَحْرُمُ لو قَصَدَهُ تَوَقُّعًا أَيْ مُتَوَقَّعًا له كَمَنْ رَمَى في ظُلْمَةٍ لَعَلَّهُ يُصَادِفُ صَيْدًا فَصَادَفَهُ وَمَاتَ لِأَنَّهُ لم يَقْصِدْ قَصْدًا صَحِيحًا وقد بَعُدَ مِثْلُهُ عَبَثًا وَسَفَهًا فَرْعٌ لو رَمَى شَاةً فَأَصَابَ مَذْبَحَهَا وَلَوْ اتِّفَاقًا بِأَنْ لم يَقْصِدْهُ فَقَطَعَهُ حَلَّتْ لِأَنَّهُ قَصَدَ الرَّمْيَ إلَيْهَا وَكَذَا لو أَحَسَّ بِهِ أَيْ بِالصَّيْدِ في ظُلْمَةٍ أو من وَرَاءِ شَجَرَةٍ أو غَيْرِهَا فَرَمَاهُ فَأَصَابَهُ وَمَاتَ حَلَّ لِأَنَّ له بِهِ نَوْعَ عِلْمٍ وَلَا يَقْدَحُ هذا في عَدَمِ الْحِلِّ بِرَمْيِ الْأَعْمَى إذْ الْبَصِيرُ يَصِحُّ رَمْيُهُ في الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الْأَعْمَى
فَرْعٌ وَإِنْ اسْتَرْسَلَ الْجَارِحُ الْمُعَلَّمُ بِنَفْسِهِ فَأَكَلَ من الصَّيْدِ لم يَخْرُجْ عن كَوْنِهِ مُعَلَّمًا إذْ لَا يُعْتَبَرُ الْإِمْسَاكُ إلَّا إذَا أَرْسَلَهُ صَاحِبُهُ وَلَا يَحِلُّ لِمَفْهُومِ خَبَرِ إذَا أَرْسَلْت كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ فَكُلْ وَلَوْ زَادَ عَدْوُهُ بِإِغْرَاءٍ حَدَثَ بَعْدَ اسْتِرْسَالِهِ بِنَفْسِهِ فإنه لَا يَحِلُّ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ وَلَوْ أَرْسَلَهُ فَازْدَادَ عَدْوُهُ بِإِغْرَاءِ مَجُوسِيٍّ حَلَّ لِأَنَّ حُكْمَ الِاسْتِرْسَالِ لَا يَنْقَطِعُ بِالْإِغْرَاءِ كما عُلِمَ من التي قَبْلَهَا وَهَذَا ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْجُمْهُورِ لَكِنْ لَمَّا نَقَلَ الْأَصْلُ كَلَامَهُمْ قال كَذَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ في التَّهْذِيبِ بِالتَّحْرِيمِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ لِأَنَّ ذلك قَطْعٌ لِلْأَوَّلِ أو مُشَارَكَةٌ له وَكِلَاهُمَا يُحَرِّمُهُ أو عَكْسِهِ بِأَنْ أَرْسَلَهُ مَجُوسِيٌّ فَازْدَادَ عَدْوُهُ بِإِغْرَاءِ مُسْلِمٍ حَرُمَ لِذَلِكَ
وَلَوْ أَرْسَلَهُ مُسْلِمٌ فَزَجَرَهُ فُضُولِيٌّ فَانْزَجَرَ ثُمَّ أَغْرَاهُ فَاسْتَرْسَلَ وَأَخَذَ صَيْدًا فَالصَّيْدُ لِلْفُضُولِيِّ وفي نُسْخَةٍ لِلْغَاصِبِ لِأَنَّهُ الْمُرْسِلُ فَلَوْ لم يَزْجُرْهُ الْفُضُولِيُّ بَلْ أَغْرَاهُ أو زَجَرَهُ فلم يَنْزَجِرْ فَأَغْرَاهُ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَزَادَ عَدْوُهُ وَأَخَذَ صَيْدًا فَهُوَ لِلْمَالِكِ لِمَا مَرَّ وَالْأَوْلَى لِصَاحِبِ الْجَارِحِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْكَلْبِ ليس مَالِكًا له وَلِلْأَجْنَبِيِّ أَخْذُ الصَّيْدِ من فَمِ جَارِحٍ مُعَلَّمٍ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ وَيَمْلِكُهُ بِالْأَخْذِ كما لو أَخَذَ فَرْخَ طَائِرٍ من شَجَرَةِ غَيْرِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لَا من فَمِ غَيْرِ مُعَلَّمٍ أَرْسَلَهُ صَاحِبُهُ لِأَنَّ ما صَادَهُ مِلْكٌ لِصَاحِبِهِ تَنْزِيلًا لِإِرْسَالِهِ مَنْزِلَةَ نَصْبِ شَبَكَةٍ تَعَقَّلَ بها الصَّيْدُ وَجَوَازُ أَخْذِ الصَّيْدِ من فَمِ الْمُعَلَّمِ من زِيَادَتِهِ ولم يَتَعَرَّضْ لِمِلْكِهِ بِأَخْذِهِ من فَمِهِ والذي في الْأَصْلِ عَكْسُ ذلك وقد يُتَوَقَّفُ في جَوَازِ الْأَخْذِ
فَرْعٌ وَإِنْ قَصُرَ سَهْمُهُ عن إصَابَةِ الصَّيْدِ فَأَعَانَتْهُ الرِّيحُ فَأَصَابَ حَلَّ إذْ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ من هُبُوبِهَا بِخِلَافِ حَمْلِهَا الْكَلَامَ حَيْثُ لَا يَقَعُ بِهِ الْحِنْثُ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَبْنِيَّةٌ على الْعُرْفِ وَأَشَارَ كَغَيْرِهِ بِإِعَانَتِهِ إلَى أَنَّهُ لو صَارَتْ الْإِصَابَةُ مَنْسُوبَةً إلَى الرِّيحِ خَاصَّةً لم يَحِلَّ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْوَافِي كما نَقَلَهُ عنه الزَّرْكَشِيُّ وَأَقَرَّهُ وَكَذَا يَحِلُّ لو أَصَابَ السَّهْمُ الْأَرْضَ أو جِدَارًا أو حَجَرًا فَازْدَلَفَ في الْجَمِيعِ أو نَفَذَ فيه كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو انْقَطَعَ الْوَتَرُ عِنْدَ نَزْعِ الْقَوْسِ فَصَدَمَ الْفَوْقَ فَارْتَمَى السَّهْمُ وَأَصَابَ الصَّيْدَ في الْجَمِيعِ لِأَنَّ ما يَتَوَلَّدُ من فِعْلِ الرَّامِي مَنْسُوبٌ إلَيْهِ إذْ لَا اخْتِيَارَ لِلسَّهْمِ
فَرْعٌ وفي نُسْخَةٍ فَصَّلَ وَلَوْ غَابَ عنه الصَّيْدُ وَالْكَلْبُ قبل جَرْحِهِ فَوَجَدَهُ مَجْرُوحًا مَيِّتًا حَرُمَ وَإِنْ تَضَمَّخَ الْكَلْبُ بِدَمِهِ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ وَإِنَّمَا لم يُؤَثِّرْ تَضَمُّخُهُ بِدَمِهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا
____________________
(1/557)
جَرَحَهُ وَأَصَابَتْهُ جَارِحَةٌ أُخْرَى
وَإِنْ جَرَحَهُ كَلْبُهُ وَغَابَا عنه وهو مَجْرُوحٌ ثُمَّ وُجِدَ مَيِّتًا حَلَّ إنْ لم يَجِدْ بِهِ أَثَرًا آخَرَ أو وَجَدَهُ وكان الْجَرْحُ الْأَوَّلُ مُذَفِّفًا حَمْلًا على أَنَّهُ مَاتَ بِالْجَرْحِ الْخَالِي عن الْمُعَارِضِ بِخِلَافِ ما إذَا وَجَدَهُ خَالِيًا عن ذلك وَدَلِيلُ ذلك من السُّنَّةِ خَبَرُ إذَا رَمَيْت بِسَهْمِك فَغَابَ عَنْك فَأَدْرَكْتَهُ فَكُلْهُ ما لم يُنْتِنْ وَخَبَرُ وَإِنْ أَدْرَكْتَهُ قد قَتَلَ ولم يَأْكُلْ منه فَكُلْ وَإِنْ رَمَيْت بِسَهْمِك فَغَابَ عَنْك يَوْمًا فلم تَجِدْ فيه إلَّا أَثَرَ سَهْمِك فَكُلْ إنْ شِئْت وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا في الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّك لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ أو سَهْمُك رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وما ذُكِرَ من الْحِلِّ هو ما قال في الرَّوْضَةِ إنَّهُ أَصَحُّ دَلِيلًا وفي الْمَجْمُوعِ إنَّهُ الصَّحِيحُ أو الصَّوَابُ وَثَبَتَتْ فيه أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ دُونَ التَّحْرِيمِ لَكِنْ صَحَّحَ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ تَحْرِيمَهُ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْجُمْهُورِ قال الْبُلْقِينِيُّ وهو الْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ فَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ بِطُرُقٍ حَسَنَةٍ في حديث عَدِيِّ بن حَاتِمٍ قال قُلْت يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا أَهْلُ صَيْدٍ وَإِنَّ أَحَدَنَا يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَغِيبُ عنه اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فَيَجِدُهُ مَيِّتًا فقال إذَا وَجَدْت فيه أَثَرَ سَهْمِكَ ولم يَكُنْ فيه أَثَرُ سَبُعٍ وَعَلِمْت أَنَّ سَهْمَك قَتَلَهُ فَكُلْ فَهَذَا مُقَيِّدٌ لِبَقِيَّةِ الرِّوَايَات وَدَالٌّ على التَّحْرِيمِ في مَحَلِّ النِّزَاعِ أَيْ وهو ما إذَا لم يَعْلَمْ أَيْ لم يَظُنَّ أَنَّ سَهْمَهُ قَتَلَهُ
فَصْلٌ في بَيَانِ ما يُمْلَكُ بِهِ الصَّيْدُ يَمْلِكُ الشَّخْصُ الصَّيْدَ بِمُجَرَّدِ ضَبْطِهِ بيده وَإِنْ لم يَقْصِدْ تَمَلُّكَهُ حتى لو أَخَذَهُ لِيَنْظُرَ إلَيْهِ مَلَكَهُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ بِذَلِكَ مُسْتَوْلِيًا عليه كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ وَبِأَنْ يَرْمِيَهُ فَيُبْطِلُ عَدْوَهُ وَطَيَرَانَهُ جميعا إنْ كان مِمَّا يَمْتَنِعُ بِهِمَا وَإِلَّا فَبِإِبْطَالِ ما له مِنْهُمَا وَيَكْفِي لِلتَّمْلِيكِ إبْطَالُ شِدَّةِ عَدْوِهِ بِحَيْثُ يَسْهُلُ لِحَاقُهُ لَا إنْ طَرَدَهُ فَوَقَفَ إعْيَاءً أو جَرَحَهُ فَوَقَفَ عَطَشًا لِعَدَمِ الْمَاءِ لَا عَجْزًا أَيْ لَا عَطَشًا لِعَجْزِهِ عن الْوُصُولِ إلَى الْمَاءِ فَلَا يَمْلِكُهُ بِوُقُوفِهِ لِلْأَوَّلَيْنِ حتى يَأْخُذَهُ لِأَنَّ وُقُوفَهُ في الْأَوَّلِ مِنْهُمَا اسْتِرَاحَةٌ وَهِيَ مُعِينَةٌ له على امْتِنَاعِهِ من غَيْرِهِ وفي الثَّانِي لِعَدَمِ الْمَاءِ بِخِلَافِ وُقُوفِهِ لِلْأَخِيرِ لِأَنَّ سَبَبَهُ الْجِرَاحَةُ وَبِأَنْ يَقَعَ في شَبَكَةٍ وقد نَصَبَهَا له نعم إنْ قَدَرَ على الْخَلَاصِ منها لم يَمْلِكْهُ حتى لو أَخَذَهُ غَيْرُهُ مَلَكَهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا يَمْلِكُهُ من طَرَدَهُ إلَيْهَا لِتَقَدُّمِ حَقِّ نَاصِبِهَا وَخَرَجَ بِنَصْبِهَا ما لو وَقَعَتْ منه فَتَعَقَّلَ بها صَيْدٌ وَسَيَأْتِي
وَيَعُودُ الصَّيْدُ الْوَاقِعُ فيها مُبَاحًا إنْ قَطَعَهَا فَانْفَلَتَ منها فَيَمْلِكُهُ من صَادَهُ بَعْدُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لم يُثَبِّتْهُ بِشَبَكَتِهِ وَإِنْ قَطَعَهَا غَيْرُهُ فَانْفَلَتَ فَهُوَ بَاقٍ على مِلْكِ صَاحِبِهَا فَلَا يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ وَقِيلَ هو بَاقٍ على مِلْكِهِ مُطْلَقًا وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَصَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ وفي نُسْخَةٍ بَدَلَ قَوْلِهِ وَيَعُودُ مُبَاحًا إلَى آخِرِهِ وَهَلْ يَعُودُ مُبَاحًا إنْ قَطَعَهَا فَانْفَلَتَ فيه تَرَدُّدٌ فَعَلَيْهَا لَا زِيَادَةَ فَإِنْ ذَهَبَ بِالشَّبَكَةِ وكان على امْتِنَاعِهِ بِأَنْ يَعْدُوَ وَيَمْتَنِعَ مَعَهَا فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ وَإِلَّا بِإِنْ كان ثِقَلُهَا يُبْطِلُ امْتِنَاعَهُ بِحَيْثُ يَتَيَسَّرُ أَخْذُهُ فَهُوَ لِصَاحِبِهَا وَبِأَنْ يُرْسِلَ كَلْبًا وَكَذَا بِأَنْ يُرْسِلَ سَبُعًا آخَرَ له عليه يَدٌ فَيُمْسِكُهُ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَكُنْ له عليه يَدٌ وَهَذَا الْقَيْدُ مُعْتَبَرٌ في الْكَلْبِ أَيْضًا وَإِنَّمَا سَكَتَ عن تَقْيِيدِهِ بِهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْكَلْبَ مُخْتَصٌّ بِهِ فإذا أَرْسَلَهُ غَيْرُ الْمُخْتَصِّ بِهِ كان غَاصِبًا له أو كَالْغَاصِبِ له فَصَارَ له عليه يَدٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَلَوْ انْفَلَتَ على بِمَعْنَى من الْكَلْبِ وَلَوْ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَهُ صَاحِبُهُ لم يَمْلِكْهُ لِأَنَّهُ لم يَقْبِضْهُ وَلَا أَزَالَ امْتِنَاعَهُ وَبِأَنْ يُلْجِئَهُ إلَى مَضِيقٍ لَا يَنْفَلِتُ منه كَالْبَيْتِ وَلَوْ مَغْصُوبًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ في قَبْضَتِهِ نعم إنْ كان لَا يَقْدِرُ على أَخْذِهِ منه إلَّا بِتَعَبٍ قال في الِاسْتِقْصَاءِ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ كما لو أَدْخَلَهُ بُرْجَهُ وَأَغْلَقَ عليه بَابًا ولم يُمْكِنْهُ أَخْذُهُ إلَّا بِتَعَبٍ وَحَسْبُك أَيْ كَافِيك في ضَبْطِ سَبَبِ مِلْكِ الصَّيْدِ أَنَّ إبْطَالَ امْتِنَاعِهِ وَحُصُولَ الِاسْتِيلَاءِ عليه أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا حَدٌّ جَامِعٌ له وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالطُّرُقِ الْمَذْكُورَةِ
فَرْعٌ لو سَقَى أَرْضَهُ الْإِضَافَةُ فيها لِلِاخْتِصَاصِ أَيْ أَرْضًا بيده وَلَوْ بِغَصْبٍ أو حَفَرَ فيها حُفْرَةٌ لَا لِلِاصْطِيَادِ فَتَوَحَّلَ أو وَقَعَ فيها أَيْ فَتَوَحَّلَ في الْأَرْضِ أو وَقَعَ في الْحُفْرَةِ صَيْدٌ أو عَشَّشَ في أَرْضِهِ وَإِنْ بَاضَ وَفَرَّخَ لم يَمْلِكْهُ وَلَا يَمْلِكُ بَيْضَهُ وَلَا فَرْخَهُ لِأَنَّ مِثْلَ ذلك لَا يُقْصَدُ بِهِ الِاصْطِيَادُ وَالْقَصْدُ مَرْعِيٌّ في التَّمَلُّكِ كما قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لَكِنْ يَصِيرُ بِذَلِكَ أَحَقَّ بِهِ من غَيْرِهِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ دُخُولُ مِلْكِهِ وَأَخْذُهُ فَإِنْ فَعَلَ مَلَكَهُ كَنَظِيرِهِ فِيمَنْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا وَأَحْيَاهُ غَيْرُهُ كما صَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ
____________________
(1/558)
وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ وَإِنْ قَصَدَ الِاصْطِيَادَ بِذَلِكَ أَيْ بِمَا ذَكَرَهُ من السَّقْيِ وَالْحَفْرِ وَتَعْشِيشِ الصَّيْدِ بِأَنْ قَصَدَ بِتَخْلِيَةِ الْأَرْضِ الْمَحُوطَةِ تَعْشِيشَهُ مَلَكَهُ كَدَارٍ بَنَاهَا لِتَعْشِيشِ الطَّيْرِ فَعَشَّشَ فيها وَفَرَّخَ وَبَاضَ فَيَمْلِكُ بَيْضَهُ وَفَرْخَهُ كما يَمْلِكُهُ وَإِنْ لم يَبِضْ ولم يُفَرِّخْ وَمَسْأَلَةُ تَعْشِيشِ الصَّيْدِ في الْأَرْضِ من زِيَادَتِهِ وما ذَكَرَهُ في مَسْأَلَةِ السَّقْيِ بِقَصْدِ التَّوَحُّلِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ هُنَا عن الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّهُ نَقَلَ في إحْيَاءِ الْمَوَاتِ عن الْإِمَامِ خِلَافَهُ وَضَعَّفَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَجَمَعَ الْبُلْقِينِيُّ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ ما هُنَا على سَقْيٍ اُعْتِيدَ الِاصْطِيَادُ بِهِ وما هُنَاكَ على خِلَافِهِ وَإِنْ أَغْلَقَ عليه الْبَابَ أَيْ بَابَ الْبَيْتِ مَثَلًا لِئَلَّا يَخْرُجَ مَلَكَهُ لَا إنْ أَغْلَقَهُ عليه من لَا يَدَ له على الْبَيْتِ بِمِلْكٍ أو غَصْبٍ أو غَيْرِهِ وَلَوْ وَقَعَ في شَبَكَةٍ وَقَعَتْ من يَدِهِ ولم يَنْصِبْهَا له فَلَا يَمْلِكُهُ لِعَدَمِ الْقَصْدِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ ما ذُكِرَ في صَيْدِ غَيْرِ الْحَرَمِ وَالْمُحَرَّمِ
فَرْعٌ
وَإِنْ أَلْجَأَ سَمَكَةً إلَى دُخُولِ بِرْكَةٍ صَغِيرَةٍ لَا يَدَ لِغَيْرِهِ عليها أو دَخَلَتْ إلَيْهَا بِنَفْسِهَا فَسَدَّ مَنَافِذَهَا مَلَكَهَا لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ في ضَبْطِهَا كما لو أَلْجَأَ صَيْدًا إلَى مَضِيقٍ لَا بِرْكَةٍ كَبِيرَةٍ فَلَا يَمْلِكُ السَّمَكَةَ بِذَلِكَ فيها لَكِنَّهُ أَحَقُّ بها من غَيْرِهِ كَالتَّحَجُّرِ وَالصَّغِيرَةُ ما يَسْهُلُ أَخْذُ السَّمَكَةِ منها وَالْكَبِيرَةُ ما يَعْسُرُ أَخْذُهَا منها وفي نُسْخَةٍ بَدَلَ بِرْكَةٍ صَغِيرَةٍ لَا كَبِيرَةٍ بِرْكَتِهِ الصَّغِيرَةِ لَا الْكَبِيرَةِ
فَصْلٌ لو أَرْسَلَ من لم يُرِدْ الْإِحْرَامَ صَيْدًا مَمْلُوكًا لم يَجُزْ لِمَا فيه من التَّشَبُّهِ بِفِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وقد قال تَعَالَى ما جَعَلَ اللَّهُ من بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلِأَنَّهُ قد يَخْتَلِطُ بِالْمُبَاحِ فَيُصَادُ ولم يُزَلْ مِلْكُهُ عنه وَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ إزَالَتَهُ أو التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كما لو سَيَّبَ دَابَّتَهُ وَيُسْتَثْنَى من عَدَمِ الْجَوَازِ ما إذَا خِيفَ على وَلَدِهِ بِحَبْسِ ما صَادَهُ مِنْهُمَا فَيَنْبَغِي وُجُوبُ الْإِرْسَالِ صِيَانَةً لِرُوحِهِ وَيَشْهَدُ له حَدِيثُ الْغَزَالَةِ التي أَطْلَقَهَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من أَجْلِ أَوْلَادِهَا لَمَّا اسْتَجَارَتْ بِهِ وَحَدِيثُ الْحُمَّرَةِ التي أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِرَدِّ فَرْخَيْهَا إلَيْهَا لَمَّا أُخِذَا وجاءت فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ وَالْحَدِيثَانِ صَحِيحَانِ نَبَّهَ على ذلك الزَّرْكَشِيُّ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ الْوُجُوبِ في صَيْدِ الْوَلَدِ أَنْ لَا يَكُونَ مَأْكُولًا وَإِلَّا فَيَجُوزُ ذَبْحُهُ فَلَوْ قال مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ أَبَحْتُهُ لِمَنْ يَأْخُذُهُ أو أَبَحْتُهُ فَقَطْ فِيمَا يَظْهَرُ حَلَّ لِمَنْ أَخَذَهُ أَكْلُهُ بِلَا ضَمَانٍ وَكَذَا إطْعَامُ غَيْرِهِ منه فِيمَا يَظْهَرُ لَا بَيْعُهُ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فيه أَيْ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ
وَأَمَّا كِسَرُ الْخُبْزِ وَالسَّنَابِلِ وَنَحْوِهَا التي يَطْرَحُهَا مَالِكُهَا مُعْرِضًا عنها فَالْأَرْجَحُ فيها أَنَّ آخِذَهَا يَمْلِكُهَا وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فيها بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ كما هو ظَاهِرُ أَحْوَالِ السَّلَفِ وَهَذَا ما رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَمَالَ الرَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ على مِلْكِ مَالِكِهَا كَالصَّيْدِ فِيمَا مَرَّ وَإِنَّمَا يُبَاحُ له أَكْلُهَا لِلِاكْتِفَاءِ في الْإِبَاحَةِ بِالْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ وَتَقْيِيدُ السَّنَابِل بِالْإِعْرَاضِ عنها من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين أَنْ تَتَعَلَّقَ بها الزَّكَاةُ أَمْ لَا نَظَرًا لِأَحْوَالِ السَّلَفِ وَإِنْ أَعْرَضَ عن جِلْدِ مَيْتَةٍ فَمَنْ دَبَغَهُ مَلَكَهُ وَيَزُولُ اخْتِصَاصُ الْمُعْرِضِ عنه لِأَنَّ مُجَرَّدَ الِاخْتِصَاصِ يَضْعُفُ بِالْإِعْرَاضِ
وَمَنْ وَجَدَ أَثَرَ الْيَدِ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ أَثَرَ الْمِلْكِ على صَيْدٍ كَالْوَسْمِ وَالْخِضَابِ وَقَصِّ الْجَنَاحِ لم يَمْلِكْهُ بَلْ هو ضَالَّةٌ أو لُقَطَةٌ لِأَنَّهُ يَدُلُّ على أَنَّهُ كان مَمْلُوكًا فَأَفْلَتَ وَلَا نَظَرَ إلَى احْتِمَالِ أَنَّهُ صَادَهُ مُحْرِمٌ فَفَعَلَ بِهِ ذلك ثُمَّ أَرْسَلَهُ لِأَنَّهُ تَقْدِيرٌ بَعِيدٌ فَرْعٌ الدُّرَّةُ التي تُوجَدُ في السَّمَكَةِ غير مَثْقُوبَةٍ مِلْكٌ لِلصَّيَّادِ إنْ لم يَبِعْ السَّمَكَةَ أو لِلْمُشْتَرِي إنْ بَاعَهَا تَبَعًا لها فِيهِمَا قال في الْأَصْلِ كَذَا في التَّهْذِيبِ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا أَيْ في الثَّانِيَةِ مِلْكٌ لِلصَّيَّادِ أَيْضًا كَالْكَنْزِ
____________________
(1/559)
الْمَوْجُودِ في الْأَرْضِ يَكُونُ لِمُحْيِيهَا وما بَحَثَهُ هو ما جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَإِنْ كانت مَثْقُوبَةً فَلِلْبَائِعِ في صُورَتِهِ إنْ ادَّعَاهَا وَإِلَّا بِأَنْ لم يَكُنْ يَبِيعُ أو كان ولم يَدَّعِهَا الْبَائِعُ فَلُقَطَةٌ وَالتَّصْرِيحُ بِأَنَّهَا لُقَطَةٌ إذَا بَاعَ ولم يَدَّعِهَا من زِيَادَتِهِ وَقَيَّدَ الْمَاوَرْدِيُّ ما ذُكِرَ بِمَا إذَا صَادَ من بَحْرِ الْجَوَاهِرِ وَإِلَّا فَلَا يَمْلِكُهَا بَلْ تَكُونُ لُقَطَةً
فَصْلٌ لو اخْتَلَطَ حَمَامُ بُرْجَيْهِمَا وَجَبَ التَّرَادُّ بِأَنْ يَرُدَّ كُلٌّ مِنْهُمَا حَمَامَ الْآخَرِ إنْ تَمَيَّزَ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ كَالضَّالَّةِ وَالْمُرَادُ بِرَدِّهِ إعْلَامُ مَالِكِهِ بِهِ وَتَمْكِينُهُ من أَخْذِهِ كَسَائِرِ الْأَمَانَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لَا رَدُّهُ حَقِيقَةً فَإِنْ لم يَرُدَّهُ ضَمِنَهُ فَإِنْ تَنَاسَلُوا الْأَوْلَى تَنَاسَلَا أو تَنَاسَلَتْ فَالْفَرْخُ وَالْبَيْضُ لِمَالِك الْأُنْثَى لَا لِمَالِك الذَّكَرِ وَإِنْ شَكَّ في كَوْنِ الْمُخَالِطِ لِحَمَامِهِ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ أو مُبَاحًا فَلَهُ التَّصَرُّفُ فيه لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مُبَاحٌ وَإِنْ تَحَقَّقَهُ أَيْ الْمُخَالِطَ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ ولم يَتَمَيَّزْ عن مَمْلُوكِهِ أو اخْتَلَطَتْ حِنْطَتَاهُمَا مَثَلًا لم يَصِحَّ بَيْعُ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ لِأَنَّهُ لم يَتَحَقَّقْ الْمِلْكُ فيه إلَّا من صَاحِبِهِ فَيَصِحُّ مع الْجَهْلِ لِلْحَاجَةِ وقد تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى التَّسَامُحِ بِاخْتِلَالِ بَعْضِ الشُّرُوطِ وَلِهَذَا صَحَّحُوا الْقِرَاصَ وَالْجِعَالَةَ مع ما فِيهِمَا من الْجَهَالَةِ وَكَالْبَيْعِ غَيْرُهُ من سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ فَإِنْ كان الْعَدَدُ فِيمَا يُعَدُّ أو الْكَيْلُ فِيمَا يُكَالُ مَعْرُوفًا لَهُمَا كَمِائَتَيْنِ وَمِائَةٍ وَالْقِيمَةُ مُتَسَاوِيَةٌ فَبَاعَاهُ من ثَالِثٍ صَحَّ لِصِحَّةِ تَوْزِيعِ الثَّمَنِ عَلَيْهِمَا بِالنِّسْبَةِ وَلَوْ جَهِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْعَدَدَ أو الْكَيْلَ فَبَاعَاهُ الثَّالِثَ لم يَصِحَّ وَإِنْ اسْتَوَتْ الْقِيمَةُ لِلْجَهْلِ بِحِصَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا من الثَّمَنِ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَكَذَا إنْ عُلِمَ ذلك ولم تَسْتَوِ الْقِيمَةُ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ كَالْمِنْهَاجِ وَأَصْلَيْهِمَا قال الزَّرْكَشِيُّ وهو ظَاهِرٌ فَالْحِيلَةُ في صِحَّةِ بَيْعِهِمَا لِثَالِثٍ أَنْ يَبِيعَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ بِكَذَا فَيَكُونُ الثَّمَنُ مَعْلُومًا أو يُوَكِّلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ في الْبَيْعِ لِنَصِيبِهِ فَيَبِيعُ الْجَمِيعَ بِثَمَنٍ وَيَقْتَسِمَاهُ أو يَصْطَلِحَا فيه أَيْ في الْمُخْتَلَطِ على شَيْءٍ بِأَنْ يَتَرَاضَيَا على أَنْ يَأْخُذَ كُلٌّ مِنْهُمَا منه شيئا ثُمَّ يَبِيعَاهُ لِثَالِثٍ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَاحْتُمِلَتْ الْجَهَالَةُ في عَيْنِ الْمَبِيعِ وَقَدْرِهِ في الصُّوَرِ الثَّلَاثِ لِلضَّرُورَةِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الثَّالِثَةَ طَرِيقٌ لِلْبَيْعِ من ثَالِثٍ مع الْجَهْلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هو طَرِيقٌ لِلْبَيْعِ مُطْلَقًا وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ قال في الْوَسِيطِ لو تَصَالَحَا على شَيْءٍ صَحَّ الْبَيْعُ وَاحْتَمَلَ الْجَهْلَ بِقَدْرِ الْمَبِيعِ وَعِبَارَةُ الْوَسِيطِ إنَّمَا هِيَ صَحَّ الصُّلْحُ وَهِيَ أَوْلَى وَكَذَا لو اقْتَسَمَاهُ بِالتَّرَاضِي صَحَّ مع الْجَهْلِ لِلضَّرُورَةِ كَتَرَاضِي أَكْثَرِ من أَرْبَعٍ مَاتَ عَنْهُنَّ من أَسْلَمَ قبل الِاخْتِيَارِ أَيْ كما تَصِحُّ قِسْمَتُهُنَّ لِلْمِيرَاثِ بِالتَّرَاضِي مع جَهْلِهِنَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ لِلضَّرُورَةِ سَوَاءٌ اقْتَسَمْنَهُ بِالتَّسَاوِي أَمْ بِالتَّفَاوُتِ
فَرْعٌ وَإِنْ اخْتَلَطَ حَمَامٌ مَمْلُوكٌ مَحْصُورٌ أو غَيْرُ مَحْصُورٍ بِحَمَامِ بَلَدٍ مُبَاحٍ أَيْ بِحَمَامٍ مُبَاحٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ أو انْصَبَّ مَاؤُهُ في نَهْرٍ لم يَحْرُمْ على أَحَدٍ الِاصْطِيَادُ وَالِاسْتِقَاءُ من ذلك اسْتِصْحَابًا لِمَا كان وَإِنْ لم يُزَلْ مِلْكُ الْمَالِكِ بِذَلِكَ لِأَنَّ حُكْمَ ما لَا يَنْحَصِرُ لَا يَتَغَيَّرُ بِاخْتِلَاطِهِ بِمَا يَنْحَصِرُ أو بِغَيْرِهِ كما لو اخْتَلَطَتْ مُحَرَّمَةٌ بِنِسَاءٍ غَيْرِ مَحْصُورَاتٍ يَجُوزُ له التَّزَوُّجُ مِنْهُنَّ وَلَوْ كان الْمُبَاحُ مَحْصُورًا حَرُمَ ذلك كما يَحْرُمُ التَّزَوُّجُ في نَظِيرِهِ ثُمَّ الْحَصْرُ لَا يُمْكِنُ فيه أَيْ في ضَبْطِهِ إلَّا التَّقْرِيبُ وَحَصْرُ الْمُجْتَمِعِ أَسْهَلُ من غَيْرِهِ فما يَعْسُرُ حَصْرُهُ أَيْ عَدُّهُ على النَّاظِرِ بِمُجَرَّدِ نَظَرِهِ كَالْأَلْفِ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ وَالْعَشَرَةِ وَالْعِشْرُونَ وَنَحْوُهُمَا مِمَّا يَسْهُلُ حَصْرُهُ على النَّاظِرِ بِمُجَرَّدِ نَظَرِهِ مَحْصُورٌ وما بَيْنَهُمَا يَتَفَاوَتُ في إلْحَاقِهِ بِإِحْدَاهُمَا بِتَفَاوُتِ الْأَحْوَالِ وَالِاجْتِمَاعِ وَالتَّفْرِيقِ فَيُسْتَفْتَى فيه الْقَلْبُ هذا من تَصَرُّفَاتِهِ مع قُصُورِهِ عن الْمُرَادِ وَالِاجْتِمَاعُ وَالتَّفْرِيقُ دَاخِلَانِ في الْأَحْوَالِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَبَيْنَ الطَّرَفَيْنِ أَوْسَاطٌ مُتَشَابِهَةٌ تَلْحَقُ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ بِالظَّنِّ وما وَقَعَ فيه الشَّكُّ اُسْتُفْتِيَ فيه الْقَلْبُ
وَلَوْ اخْتَلَطَتْ دَرَاهِمُ أو دُهْنٌ حَرَامٌ بِدَرَاهِمِهِ أو دُهْنِهِ أو نَحْوُهُمَا ولم يَتَمَيَّزْ فَمَيَّزَ قَدْرَ الْحَرَامِ وَصَرَفَهُ إلَى ما يَجِبُ صَرْفُهُ فيه وَتَصَرَّفَ في الْبَاقِي بِمَا أَرَادَ جَازَ لِمَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ لِلضَّرُورَةِ كَحَمَامَةٍ لِغَيْرِهِ اخْتَلَطَتْ بِحَمَامِهِ فإنه يَأْكُلُهُ بِالِاجْتِهَادِ فيه إلَّا وَاحِدَةً كما اخْتَلَطَتْ ثَمَرَةُ غَيْرِهِ بِثَمَرِهِ وَهَذَا ما ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَاَلَّذِي حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ أَنَّهُ ليس له أَنْ يَأْكُلَ وَاحِدَةً منه حتى يُصَالِحَ ذلك
____________________
(1/560)
الْغَيْرَ أو يُقَاسِمَهُ وَالْمَسْأَلَةُ زَادَهَا الْمُصَنِّفُ في بَابِ الِاجْتِهَادِ كما مَرَّ وَالتَّرْجِيحُ فيها هُنَا من زِيَادَتِهِ أَيْضًا وَصَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ في بَابِ الْآنِيَةِ وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ وقد قال بَعْضُهُمْ يَنْبَغِي لِلْمُتَّقِي أَنْ يَجْتَنِبَ طَيْرَ الْبُرُوجِ وَبِنَاءَهَا
فَصْلٌ في بَيَانِ حُكْمِ الِازْدِحَامِ بِالْجَرْحِ على الصَّيْدِ وَلَهُ أَحْوَالٌ أَرْبَعَةٌ
الْأَوَّلُ أَنْ يَتَعَاقَبَ جُرْحَاهُمَا عليه فَإِنْ أَزْمَنَهُ الثَّانِي أو ذَفَّفَهُ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى دُونَ الْأَوَّلِ فَالْمِلْكُ فيه لِلثَّانِي لِأَنَّ جُرْحَهُ هو الْمُؤَثِّرُ في امْتِنَاعِهِ وَلَا أَرْشَ له على الْأَوَّلِ بِجُرْحِهِ لِأَنَّهُ كان مُبَاحًا عِنْدَهُ وَإِنْ ذَفَّفَهُ الْأَوَّلُ فَالْمِلْكُ له لِمَا مَرَّ وَلَهُ على الثَّانِي أَرْشُ ما نَقَصَ من لَحْمِهِ وَجِلْدِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ أَزْمَنَهُ الْأَوَّلُ فَالْمِلْكُ له ثُمَّ إنْ ذَبَحَهُ الثَّانِي الْأَنْسَبُ ذَفَّفَهُ بِذَبْحِهِ حَلَّ لِحُصُولِ الْمَوْتِ بِقَصْدِ ذَابِحٍ وَلَزِمَهُ الْأَرْشُ لِلْأَوَّلِ لِإِفْسَادِهِ مَالَهُ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَزِمَهُ ما بين قِيمَتِهِ زَمِنًا وَمَذْبُوحًا ثُمَّ قال قال الْإِمَامُ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ إذَا كان فيه حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَإِنْ كان مُتَأَلِّمًا بِحَيْثُ لو لم يُذْبَحْ لَهَلَكَ فما عِنْدِي أَنَّهُ يَنْقُصُ بِالذَّبْحِ شَيْءٌ وَرَدَّهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ الْجِلْدَ يَنْقُصُ بِالْقَطْعِ فَيَلْزَمُ الثَّانِيَ نَقْصُهُ وَعَلَيْهِ لَا يَتَعَيَّنُ في ضَمَانِ النَّقْصِ أَنَّهُ ما بين قِيمَتِهِ زَمِنًا وَمَذْبُوحًا
وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ سَالِمَةٌ من ذلك وَإِنْ ذَفَّفَ الثَّانِي لَا بِالذَّبْحِ حَرُمَ لِأَنَّ الْمَقْدُورَ عليه لَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّبْحِ وَلَزِمَهُ لِلْأَوَّلِ قِيمَتُهُ مَجْرُوحًا لِإِفْسَادِهِ مَالَهُ وَإِنْ لم يُذَفَّفْ وَمَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ قبل أَنْ يَتَمَكَّنَ الْأَوَّلُ من ذَبْحِهِ فَإِنْ كان قِيمَتُهُ صَحِيحًا عَشَرَةً وَمَجْرُوحًا تِسْعَةً فَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ وَاسْتَدْرَكَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ فقال يُنْظَرُ في قِيمَةِ مَذْبُوحًا فَإِنْ كانت ثَمَانِيَةً فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ وَنِصْفٌ لِأَنَّ فِعْلَ الْأَوَّلِ وَإِنْ لم يَكُنْ إفْسَادًا فَهُوَ يُؤَثِّرُ في حُصُولِ الزَّهُوقِ فَفَوَاتُ الدِّرْهَمِ بِفِعْلَيْهِمَا فَيُوَزَّعُ عَلَيْهِمَا فَيُهْدَرُ نِصْفُهُ وَيَلْزَمُهُ نِصْفُهُ قال في الْأَصْلِ قال الْإِمَامُ وَلِلنَّظَرِ في هذا مَجَالٌ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْمُفْسِدُ يَقْطَعُ أَثَرَ فِعْلِ الْأَوَّلِ من كل وَجْهٍ وَالْأَصَحُّ ما ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ
ا ه
وَإِنْ تَمَكَّنَ الْأَوَّلُ من ذَبْحِهِ وَذَبَحَهُ بَعْدَ جَرْحِ الثَّانِي لَزِمَ الثَّانِيَ الْأَرْشُ إنْ حَصَلَ بِجُرْحِهِ نَقْصٌ وَإِنْ لم يَذْبَحْهُ بَلْ تَرَكَهُ حتى مَاتَ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الثَّانِيَ يَضْمَنُ زِيَادَةً على الْأَرْشِ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّ الْأَوَّلَ امْتَنَعَ من تَدَارُكِ ما تَعَرَّضَ لِلْفَسَادِ بِجِنَايَةِ الْجَانِي مع إمْكَانِ التَّدَارُكِ وهو لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ كما لو جَرَحَ رَجُلٌ شَاتَه فلم يَذْبَحْهَا مع التَّمَكُّنِ منه لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ وَالثَّانِي لَا يَضْمَنُ زِيَادَةً على الْأَرْشِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُقَصِّرٌ بِتَرْكِ الذَّبْحِ والأصح أَنَّهُ على الْأَوَّلِ لَا يَضْمَنُ الْجَمِيعَ أَيْ جَمِيعَ قِيمَتِهِ زَمِنًا لِأَنَّ تَفْرِيطَ الْأَوَّلِ صَيَّرَ فِعْلَهُ إفْسَادًا وَلِهَذَا لو لم يُوجَدْ الْجَرْحُ الثَّانِي فَتَرَكَ الذَّبْحَ كان الصَّيْدُ مَيْتَةً وَالثَّانِي يَضْمَنُهُ كما لو ذُفِّفَ بِخِلَافِ ما لو جَرَحَ عَبْدَهُ أو شَاتَه وَجَرَحَهُ غَيْرُهُ أَيْضًا لِأَنَّ كُلًّا من الْفِعْلَيْنِ ثَمَّ إفْسَادٌ وَالتَّحْرِيمُ حَصَلَ بِهِمَا وَهُنَا الْأَوَّلُ إصْلَاحٌ وَعَلَى الْأَصَحِّ فَيَصِيرُ كَمَنْ جَرَحَ عَبْدَهُ مَثَلًا وَجَرَحَهُ آخَرُ فَنَقُولُ مَثَلًا قِيمَةُ الْعَبْدِ أو الصَّيْدِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَنَقَصَ بِالْجُرْحِ الْأَوَّلِ دِينَارًا وَبِالثَّانِي دِينَارًا أَيْضًا
وفي نُسْخَةٍ دِينَارٌ بِالرَّفْعِ في الْمَوْضِعَيْنِ ثُمَّ مَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ فَتُجْمَعُ الْقِيمَتَانِ قبل الْجُرْحَيْنِ أَيْ قِيمَةُ قبل الْجُرْحِ الْأَوَّلِ وَقِيمَتُهُ قبل الْجُرْحِ الثَّانِي وَالْمَجْمُوعُ تِسْعَةَ عَشَرَ فَيُقَسَّمُ عليه ما فَوَّتَاهُ وهو عَشَرَةٌ فَحِصَّةُ الْأَوَّلِ لو كان ضَامِنًا عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ من تِسْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا من عَشَرَةٍ وَيَلْزَمُ الثَّانِيَ تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ من تِسْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا من عَشْرَةٍ قال الرَّافِعِيُّ وقد يُعَبَّرُ عن ذلك بِأَنَّ نِصْفَ الْقِيمَةِ يوم الْجُرْحِ الْأَوَّلِ خَمْسَةٌ وَالثَّانِي أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ فَتُجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَتُقَسَّمُ الْعَشَرَةُ على تِسْعَةٍ وَنِصْفُ خَمْسَةٍ منها على الْأَوَّلِ وَأَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ على الثَّانِي يَعْنِي حِصَّةَ خَمْسَةٍ منها على الْأَوَّلِ وَحِصَّةَ أَرْبَعَةٍ وَنِصْفٍ منها على الثَّانِي وَإِنْ كان الْجُنَاةُ ثَلَاثَةً وَأَرْشُ كل جِنَايَةٍ دِينَارٌ جُمِعَتْ الْقِيَمُ وَهِيَ عَشَرَةٌ وَتِسْعَةٌ وَثَمَانِيَةٌ فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ فَيُقَسِّمُ الْعَشَرَةَ عليها فَيَخُصُّ الْأَوَّلَ ثُلُثٌ وَثُلُثُ تُسْعٍ وَالثَّانِيَ ثُلُثٌ وَالثَّالِثَ تُسْعَانِ وَثُلُثَا تُسْعٍ
الْحَالُ الثَّانِي أَنْ يَقَعَ الْجُرْحَانِ مَعًا وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُذَفَّفٌ أو مُزْمِنٌ لو انْفَرَدَ أو أَحَدُهُمَا مُزْمِنٌ وَالْآخَرُ مُذَفِّفٌ فَالصَّيْدُ لَهُمَا لِاشْتِرَاكِهِمَا في سَبَبِ الْمِلْكِ وَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا على الْآخَرِ سَوَاءٌ أَتَفَاوَتَ الْجُرْحَانِ صِغَرًا أو كِبَرًا أَمْ تَسَاوَيَا أو كَانَا في الْمَذْبَحِ أو غَيْرِهِ أو اخْتَلَفَا وَإِنْ كان أَحَدُهُمَا غير مُذَفِّفٍ وَلَا مُزْمِنٍ وَالْآخَرُ مُذَفِّفٌ أو مُزْمِنٌ فَلَا شَيْءَ له لِأَنَّهُ لم يَأْتِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَلَا شَيْءَ عليه لِأَنَّهُ إنَّمَا جَرَحَهُ حين كان مُبَاحًا وَالْمِلْكُ لِلْآخَرِ لِانْفِرَادِهِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَإِنْ احْتَمَلَ كَوْنَهُ أَيْ التَّذْفِيفِ أو الْإِزْمَانِ مِنْهُمَا أو من أَحَدِهِمَا
____________________
(1/561)
فَهُوَ لَهُمَا لِعَدَمِ التَّرْجِيحِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَحِلَّ كُلٌّ مِنْهُمَا من صَاحِبِهِ تَوَرُّعًا عن مَظِنَّةِ الشُّبْهَةِ وَلَوْ وفي نُسْخَةٍ فَلَوْ عَلِمْنَا تَأْثِيرَ أَحَدِهِمَا تَذْفِيفًا أو إزْمَانًا وَشَكَكْنَا في تَأْثِيرِ الْآخَرِ وَقَّفْنَا النِّصْفَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ تَبَيَّنَ الْحَالُ أو اصْطَلَحَا على شَيْءٍ فَوَاضِحٌ وَإِلَّا قُسِّمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَسُلِّمَ النِّصْفُ الْآخَرُ لِمَنْ أَثَّرَ جُرْحُهُ فَيَخْلُصُ له ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الصَّيْدِ لِلْآخَرِ رُبُعُهُ وَهَذَا ما نَقَلَهُ في الْأَصْلِ عن الْإِمَامِ وَنَقَلَ فيه عن الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَا وَقْفَ بَلْ يُقَسَّمُ الْجَمِيعُ بَيْنَهُمَا فَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ قال الرَّافِعِيُّ وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِلَّ كُلٌّ من صَاحِبِهِ ما حَصَلَ له بِالْقِسْمَةِ
الْحَالُ الثَّالِثُ أَنْ يَتَرَتَّبَا أَيْ الْجُرْحَانِ وَأَحَدُهُمَا مُزْمِنٌ وَالْآخَرُ مُذَفِّفٌ وَصَادَفَ الْمَذْبَحَ فَقَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ فَإِنْ جُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا فَالصَّيْدُ حَلَالٌ وَالظَّاهِرُ كما في الْمَطْلَبِ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ كُلًّا من الْجُرْحَيْنِ مُهْلِكٌ لو انْفَرَدَ فإذا جُهِلَ السَّابِقُ لم يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِهِ من الْآخَرِ فَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ الْمُزْمِنُ له أَوَّلًا وَأَنَّهُ له فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تَحْلِيفُ صَاحِبِهِ فَإِنْ حَلَفَا اقْتَسَمَاهُ وَلَا شَيْءَ لِأَحَدِهِمَا على الْآخَرِ أو حَلَفَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَهُوَ له وله على الْآخَرِ أَيْ النَّاكِلِ الْأَرْشُ أَيْ أَرْشُ ما نَقَصَ بِالذَّبْحِ أَمَّا إذَا عُرِفَ السَّابِقُ فَقَدْ عُلِمَ حُكْمُهُ مِمَّا مَرَّ وَإِنْ صَادَفَ الْمُذَفِّفُ غير الْمَذْبَحِ وَجُهِلَ السَّابِقُ حَرُمَ الصَّيْدُ لِاحْتِمَالِ تَقَدُّمِ الْإِزْمَانِ فَلَا يَحِلُّ بَعْدَهُ إلَّا بِقَطْعِ الْمَذْبَحِ وَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا الْإِزْمَانَ وَالسَّبْقَ أَيْ أَنَّهُ الْمُزْمِنُ له أَوَّلًا وَأَنَّ الْآخَرَ أَفْسَدَهُ فَالصَّيْدُ حَرَامٌ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تَحْلِيفُ صَاحِبِهِ فَإِنْ حَلَفَا فَذَاكَ وَاضِحٌ أَيْ يَقْتَسِمَانِهِ اخْتِصَاصًا وَلَا شَيْءَ لِأَحَدِهِمَا على الْآخَرِ
وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا وَحَلَفَ الْآخَرُ لَزِمَهُ له قِيمَتُهُ مُزْمِنًا وَإِنْ عُرِفَ السَّابِقُ مِنْهُمَا وَاخْتَلَفَا في كَوْنِ جُرْحِهِ أَيْ السَّابِقِ مُزْمِنًا أو لَا بِأَنْ قال أَزْمَنْتُهُ أنا ثُمَّ أَفْسَدْتُهُ أنت بِقَتْلِكَ فَعَلَيْكَ الْقِيمَةُ وقال الثَّانِي لم تُزْمِنْهُ بَلْ كان على امْتِنَاعِهِ إلَى أَنْ رَمَيْتَهُ فَأَزْمَنْتَهُ أو ذَفَّفْتَهُ فَإِنْ عُيِّنَ جُرْحُ السَّابِقِ بِأَنْ اتَّفَقَا عليه وَعُلِمَ كَوْنُهُ مُزْمِنًا صُدِّقَ السَّابِقُ بِلَا يَمِينٍ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الثَّانِي بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذلك فَإِنْ حَلَفَ فَلَهُ أَكْلُهُ وهو مِلْكُهُ وَلَا شَيْءَ له على الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ كان مُبَاحًا حين جَرَحَهُ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْأَوَّلُ وَاسْتَحَقَّ الْقِيمَةَ أَيْ قِيمَتَهُ مَجْرُوحًا بِالْجُرْحِ الْأَوَّلِ وَحَرُمَ عليه لِأَنَّهُ يَزْعُمُهُ مَيْتَةً وَهَلْ لِلثَّانِي أَكْلُهُ فيه وَجْهَانِ قال في الْأَصْلِ قال الْقَاضِي الطَّبَرِيُّ لَا لِأَنَّ إلْزَامَهُ الْقِيمَةَ حُكْمٌ بِأَنَّهُ مَيْتَةٌ وَقِيلَ نعم لِأَنَّ النُّكُولَ في خُصُومَةِ الْآدَمِيِّ لَا يُغَيِّرُ الْحُكْمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ في الثَّانِي وقال غَيْرُهُ وَإِنْ سَبَقَتْ الْمُذَفِّفَةُ أَيْ تَقَدَّمَتْ على الْمُزْمِنَةِ حَلَّ الصَّيْدُ وَكَذَا لو شُكَّ في سَبْقِهَا حَلَّ لِأَنَّهَا إنْ سَبَقَتْ فَذَاكَ وَإِلَّا فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ حَيًّا إلَى تَذْفِيفِهِ فَيَكُونُ تَذْفِيفُهُ ذَبْحًا له لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ في الْمَذْبَحِ وَهَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَصْلُهُ لِأَنَّهُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا لم يُعْلَمْ أَجَعَلَهُ الْأَوَّلُ مُمْتَنِعًا بِجُرْحِهِ أَمْ لَا وَقِيلَ لَا يَحِلُّ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّف ولو ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا الْمُذَفِّفَةَ أَيْ أَنَّهُ الْمُذَفِّفُ في الْأُولَى وَأَنَّهُ الْمُذَفِّفُ وَالسَّابِقُ في الثَّانِيَةِ وَحَلَفَ اقْتَسَمَاهُ بَيْنَهُمَا لِاحْتِمَالِ التَّذْفِيفِ من كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا مَزِيَّةَ أو حَلَفَ أَحَدُهُمَا اسْتَحَقَّهُ مع الْأَرْشِ إنْ نَقَصَ وَذِكْرُ مَسْأَلَةِ الدَّعْوَى في مَسْأَلَةِ الشَّكِّ من زِيَادَتِهِ
الْحَالُ الرَّابِعُ أَنْ يَتَرَتَّبَا وَيَقَعَ الْإِزْمَانُ بِمَجْمُوعِهِمَا لَا بِأَحَدِهِمَا فَهُوَ لِلثَّانِي لِحُصُولِ الْإِزْمَانِ عَقِبَ جُرْحِهِ عِنْدَ كَوْنِهِ مُبَاحًا فَبَطَلَ أَثَرُ الْجُرْحِ الْأَوَّلِ وَصَارَ إعَانَةً لِلثَّانِي وهو لَا يُوجِبُ الشَّرِكَةَ وَلِهَذَا لو أَرْسَلَ كَلْبًا على صَيْدٍ فَضَيَّقَ عليه إنْسَانٌ الطَّرِيقَ حتى أَدْرَكَهُ الْكَلْبُ كان الصَّيْدُ لِلْمُرْسِلِ وَلَا ضَمَانَ على الْأَوَّلِ فَإِنْ عَادَ الْأَوَّلُ فَذَبَحَهُ حَلَّ وَضَمِنَ لِلثَّانِي أَرْشَ النَّقْصِ الْحَاصِلَ بِذَبْحِهِ وَإِنْ صَيَّرَهُ مَيْتَةً كَأَنْ جَرَحَهُ في غَيْرِ الْمَذْبَحِ وَمَاتَ بِالْجِرَاحَاتِ الثَّلَاثِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ نَاقِصًا بِالْجِرَاحَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ هذا إذَا لم يَتَمَكَّنْ الثَّانِي من ذَبْحِهِ فَلَوْ تَمَكَّنَ الثَّانِي من ذَبْحِهِ فلم يَذْبَحْهُ ضَمِنَ له الْأَوَّلُ أَيْضًا كما مَرَّ نَظِيرُهُ في قَوْلِهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الثَّانِيَ يَضْمَنُ وهو أَيْ الضَّمَانُ بِالتَّوْزِيعِ كما سَبَقَ ثَمَّ وَالتَّرْتِيبُ وَالْمَعِيَّةُ في الْجُرْحَيْنِ يُعْتَبَرَانِ بِالْإِصَابَةِ لَا بِابْتِدَاءِ الرَّمْيِ
فَرْعٌ من الْمَجْمُوعِ قال ابن الْمُنْذِرِ لو أَرْسَلَ جَمَاعَةٌ كِلَابَهُمْ على صَيْدٍ فَأَدْرَكُوهُ قَتِيلًا وَادَّعَى كُلٌّ منهم أَنَّ كَلْبَهُ الْقَاتِلُ فَالصَّيْدُ حَلَالٌ ثُمَّ إنْ
____________________
(1/562)
كانت الْكِلَابُ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ فَهُوَ بَيْنَهُمْ أو مع أَحَدِهَا فَهُوَ لِصَاحِبِهِ أو في مَكَان وَالْكِلَابُ في نَاحِيَةٍ قال أبو ثَوْرٍ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ وقال غَيْرُهُ لَا قُرْعَةَ بَلْ يُوقَفُ بَيْنَهُمْ حتى يَصْطَلِحُوا فَإِنْ خِيفَ فَسَادُهُ بِيعَ وَوُقِفَ الثَّمَنُ بَيْنَهُمْ حتى يَصْطَلِحُوا فَصْلٌ في مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ لو وَقَعَ بَعِيرَانِ في بِئْرٍ أَحَدُهُمَا فَوْقَ الْآخَرِ فَطُعِنَ الْأَعْلَى فَنَفَذَتْ أَيْ الطَّعْنَةُ إلَى الْأَسْفَلِ فَمَاتَ وَشَكَكْنَا هل مَاتَ منها فَيَحِلُّ أو بِثِقَلِ الْجَمَلِ الْأَعْلَى فَيَحْرُمُ وَعَلِمْنَا أَنَّ الطَّعْنَةَ أَصَابَتْهُ قبل مَوْتِهِ حَلَّ كَالصَّيْدِ يُصِيبُهُ السَّهْمُ في الْهَوَاءِ ثُمَّ يَقَعُ على الْأَرْضِ أو شَكَكْنَا هل صَادَفَتْهُ الطَّعْنَةُ حَيًّا أو مَيِّتًا فَفِي حِلِّهِ وَجْهَانِ قال في الْأَصْلِ عن فَتَاوَى التَّهْذِيبِ بِنَاءً على أَنَّ الْعَبْدَ الْغَائِبَ الْمُنْقَطِعَ خَبَرُهُ هل يُجْزِئُ إعْتَاقُهُ عن الْكَفَّارَةِ وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ حِلِّهِ لَكِنْ نَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ عن تَعْلِيقِ الْبَغَوِيّ وَالْمَرُّوذِيِّ وَالْقَاضِي تَصْحِيحَ الْحِلِّ كما لو ظَنَّهُ خَشَبَةً وفي التَّنْظِيرِ نَظَرٌ
وَإِنْ رَمَى غير مَقْدُورٍ عليه فَأَصَابَهُ وهو مَقْدُورٌ عليه أو عَكْسَهُ بِأَنْ رَمَى مَقْدُورًا عليه فَأَصَابَهُ وهو غَيْرُ مَقْدُورٍ عليه فَالْعِبْرَةُ في كَوْنِهِ مَقْدُورًا عليه أو غير مَقْدُورٍ بِحَالَةِ الْإِصَابَةِ فَلَا يَحِلُّ في الْأُولَى إلَّا بِإِصَابَتِهِ في الْمَذْبَحِ وَيَحِلُّ في الثَّانِيَةِ مُطْلَقًا وما أَفْهَمَهُ كَلَامُ أَصْلِهِ من أَنَّهُ يَحْرُمُ فيها إذَا لم يُصِبْهُ في الْمَذْبَحِ غَيْرُ مُرَادٍ
وَإِنْ أَرْسَلَ سَهْمَيْنِ فَحُكْمُهُمَا في الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ حُكْمُهُمَا أَيْ حُكْمُ إرْسَالِهِمَا من رَجُلَيْنِ فَإِنْ أَصَابَا مَعًا حَلَّ أو مُرَتَّبًا وَأَزْمَنَهُ الْأَوَّلُ ولم يُصَادِفْ الثَّانِي الْمَذْبَحَ حَرُمَ وَإِنْ صَادَفَهُ أو لم يُزْمِنْهُ الْأَوَّلُ حَلَّ أو أَرْسَلَ كَلْبَيْنِ فَإِنْ أَزْمَنَهُ الْأَوَّلُ وَقَتَلَهُ الثَّانِي حَرُمَ وَإِنْ صَادَفَ الْمَذْبَحَ وَقَوْلُهُ حَلَّ سَاقِطٌ من نُسْخَةٍ وَإِثْبَاتُهُ وَهْمٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ أو عَكْسَهُ حَرُمَ وقد يُصَحَّحُ بِأَنْ يَعْطِفَ قَوْلَهُ كَلْبَيْنِ على هُمَا أَيْ وَحُكْمُ إرْسَالِ كَلْبَيْنِ وَيُجْعَلُ قَوْلُهُ فَإِنْ أَزْمَنَهُ إلَى آخِرِهِ بَيَانًا لِحُكْمِ إرْسَالِ السَّهْمَيْنِ خَاصَّةً أو عَجُزُهُ بَيَانًا لِذَلِكَ خَاصَّةً وَصَدْرُهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حُكْمِ إرْسَالِ الْكَلْبَيْنِ أو أَرْسَلَ كَلْبًا وَسَهْمًا فَأَزْمَنَهُ الْكَلْبُ وَذَبَحَهُ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الْأَصْلِ وَلِحُكْمِ الْعَكْسِ الْآتِي ثُمَّ ذَبَحَهُ السَّهْمُ حَلَّ أو عَكْسُهُ بِأَنْ أَزْمَنَهُ السَّهْمُ ثُمَّ قَتَلَهُ الْكَلْبُ حَرُمَ وَإِنْ كان في يَدِهِ صَيْدٌ فَادَّعَى رَجُلٌ اصْطِيَادَهُ فقال ذُو الْيَدِ لَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ جَوَابًا لِلدَّعْوَى لِأَنَّهُ لم يُطَابِقْهَا بَلْ إمَّا ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ أو سَلَّمَهُ الْفَصِيحُ أَنْ يُقَالَ إمَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ لِنَفْسِهِ أو يُسَلِّمَهُ لِمُدَّعِيهِ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ لِغَيْرِهِ قُبِلَ وكان جَوَابًا على تَفْصِيلٍ يَأْتِي في الدَّعَاوَى وَلَوْ أَقَامَ كُلٌّ من اثْنَيْنِ بَيِّنَةً أَنَّهُ اصْطَادَ هذا الصَّيْدَ فَفِيهِ قَوْلَا تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ هُنَا وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا يَأْتِي في الدَّعَاوَى على تَفْصِيلٍ فيه بين تَقَدُّمِ التَّارِيخِ وَعَدَمِهِ وَكَوْنِ الصَّيْدِ في يَدِ أَحَدِهِمَا وَعَدَمِهِ
وَإِنْ أَخْبَرَ فَاسِقٌ أو كِتَابِيٌّ أَنَّهُ ذَبَحَ هذه الشَّاةَ حَلَّ أَكْلُهَا لِأَنَّهُ من أَهْلِ الذَّبْحِ
وَإِنْ وفي نُسْخَةٍ فَإِنْ كان في الْبَلَدِ مَجُوسٌ وَمُسْلِمُونَ وَجُهِلَ ذَابِحُ الشَّاةِ أَهُوَ مُسْلِمٌ أو مَجُوسِيٌّ لم يَحِلَّ أَكْلُهَا لِلشَّكِّ في الذَّبْحِ الْمُبِيحِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ نعم إنْ كان الْمُسْلِمُونَ أَغْلَبَ كما في بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ في بَابِ الِاجْتِهَادِ عن الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ فِيمَا لو وَجَدَ قِطْعَةَ لَحْمٍ أَمَّا إذَا لم يَكُنْ فيه مَجُوسِيٌّ فَيَحِلُّ وَجَمْعُ الْمَجُوسِ وَالْمُسْلِمِينَ مِثَالٌ وَكَذَا ذِكْرُهُمْ فَمَنْ في مَعْنَاهُمْ كَهُمْ
كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ أَيْ بَيَانُ ما يَحِلُّ منها وما يَحْرُمُ وَالْأَصْلُ فيها قَوْله تَعَالَى قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ الْآيَةَ وَقَوْلُهُ وَيُحِلُّ لهم الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عليهم الْخَبَائِثَ وَقَوْلُهُ يَسْئَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لهم قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ أَيْ ما تَسْتَطِيبُهُ النَّفْسُ وَتَشْتَهِيهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الْحَلَالُ لِأَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَمَّا يَحِلُّ لهم فَكَيْفَ يقول أُحِلَّ لَكُمْ الْحَلَالُ وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ في الْمَطْعُومِ حَالَ الِاخْتِيَارِ مِمَّا يَتَأَتَّى أَكْلُهُ من جَمَادٍ وَحَيَوَانٍ لَا يُمْكِنُ حَصْرُ أَنْوَاعِهِ ولكن الْأَصْلَ في الْجَمِيعِ الْحِلُّ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ مَخْلُوقَةٌ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ وَاحْتُجَّ له بِآيَةِ قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا إلَّا ما اُسْتُثْنِيَ بِنَصٍّ أو غَيْرِهِ مِمَّا يَأْتِي فَيَحْرُمُ كَالْخَمْرِ لِآيَةِ إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ وَالنَّبِيذِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَقِيَاسًا على الْخَمْرِ بِجَامِعِ الْإِسْكَارِ
____________________
(1/563)
وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَالْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَإِنْ تَوَحَّشَتْ لِلنَّهْيِ عنها في خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ
وَتَحِلُّ الْحُمُرُ الْوَحْشِيَّةِ وَإِنْ اسْتَأْنَسَتْ لِلِاتِّبَاعِ وَلِلْأَمْرِ بِهِ كما رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَفَارَقَتْ الْأَهْلِيَّةَ بِأَنَّهَا لَا يُنْتَفَعُ بها في الرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ فَانْصَرَفَ الِانْتِفَاعُ بها إلَى لَحْمِهَا خَاصَّةً بِخِلَافِ الْأَهْلِيَّةِ وَالْخَيْلُ بِأَنْوَاعِهَا من عَتِيقٍ وهو الذي أَبَوَاهُ عَرَبِيَّانِ وَبِرْذَوْنٍ وهو الذي أَبَوَاهُ عَجَمِيَّانِ وَهَجِينٍ وهو الذي أَبُوهُ عَرَبِيٌّ وَأُمُّهُ عَجَمِيَّةٌ وَمُقْرَفٍ وهو عَكْسُهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عن جَابِرٍ قال أَكَلْنَا زَمَنَ خَيْبَرَ الْخَيْلَ وَحُمُرَ الْوَحْشِ وَأَمَّا خَبَرُ خَالِدٍ في النَّهْيِ عن أَكْلِ الْخَيْلِ فقال أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مُنْكَرٌ وقال أبو دَاوُد مَنْسُوخٌ وَأَمَّا الِاقْتِصَارُ على رُكُوبِهَا وَالتَّزَيُّنِ بها في قَوْله تَعَالَى لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً فَلَا يَدُلُّ على نَفْيِ الزَّائِدِ عَلَيْهِمَا وَإِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمَا مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ من الْخَيْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ فذكر لَحْمَ الْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ مَقْصُودِهِ وقد أَجْمَعُوا على تَحْرِيمِ شَحْمِهِ وَدَمِهِ وَسَائِرِ أَجْزَائِهِ وَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَهُمَا أَيْ بين الْحُمُرِ الْوَحْشِيَّةِ وَالْخَيْلِ تَبَعًا لَهُمَا وَالْحَامِلُ من الْخَيْلِ بِبَغْلٍ لِشُمُولِ الْأَدِلَّةِ لها وَيَعْصِي بِذَبْحِهَا ما دَامَتْ حَامِلًا بِهِ لِمَا فيه من إتْلَافِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ تَعَدِّيًا وَالتَّصْرِيحُ بِمَسْأَلَةِ الْحَامِلِ من زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهَا الرَّافِعِيُّ عن الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ
وَيَحْرُمُ ما تَوَلَّدَ من مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ سَوَاءٌ أَكَانَ غَيْرُ الْمَأْكُولِ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى كَالْبَغْلِ لِتَوَلُّدِهِ بين الْفَرَسِ وَالْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ وَلِلنَّهْيِ عن أَكْلِهِ في خَبَرِ أبي دَاوُد بِإِسْنَادٍ على شَرْطِ مُسْلِمٍ وَالسِّمْعِ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ لِتَوَلُّدِهِ بين الذِّئْبِ وَالضَّبُعِ وَالتَّصْرِيحُ بِهِ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَيَحْرُمُ ما يَتَقَوَّى بِنَابِهِ من السِّبَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَيُحَرِّمُ عليهم الْخَبَائِثَ وَهَذَا منها لِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَلَا تَسْتَطِيبُهُ الْعَرَبُ وَلِلنَّهْيِ عنه في خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ كَالْكَلْبِ وَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالنَّمِرِ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ مع فَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا وَالدُّبِّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَهْدِ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا مع كَسْرِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِهَا وَالْقِرْدِ وَالْفِيلِ وَالْبَبْرِ بِمُوَحَّدَتَيْنِ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ وَالثَّانِيَةُ سَاكِنَةٌ وهو حَيَوَانٌ من السِّبَاعِ يُعَادِي الْأَسَدَ وَيُقَالُ له الْفُرَانِقُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِ النُّونِ وَسَائِرِ أَيْ بَاقِي السِّبَاعِ كَالْوَشَقِ كما في الْأَنْوَارِ
ويحرم ما يَتَقَوَّى بِمِخْلَبِهِ من الطَّيْرِ بِكَسْرِ الْمِيمِ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ وَلِلنَّهْيِ عنه في خَبَرِ مُسْلِمٍ كَالْبَازِي بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا وَيُقَالُ له الْبَازُ بِحَذْفِهَا وَالشَّاهِينِ وَالنَّسْرِ بِفَتْحِ النُّونِ وَيُقَالُ بِتَثْلِيثِهَا وَالصَّقْرِ وَالْعُقَابِ وَجَمِيعِ جَوَارِحِ الطَّيْرِ
فَرْعٌ يَحِلُّ الضَّبُعُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَإِسْكَانِهَا لِأَنَّ جَابِرًا رضي اللَّهُ عنه سُئِلَ عنه أَصَيْدٌ يُؤْكَلُ قال نعم قِيلَ سَمِعْته من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال نعم رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلِأَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَتَقَوَّى بِنَابِهِ وَلَا يَعِيشُ بِهِ وَالثَّعْلَبُ بِالْمُثَلَّثَةِ لِأَنَّهُ لَا يَتَقَوَّى بِنَابِهِ وَلِأَنَّهُ من الطَّيِّبَاتِ وَيُسَمَّى أَبَا الْحَصِينِ وَالْأَرْنَبُ لِأَنَّهُ بُعِثَ بِوَرِكِهَا إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقَبِلَهُ وَأَكَلَ منه رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وهو دَابَّةٌ تُشْبِهُ الْعَنَاقَ قَصِيرَةُ الْيَدَيْنِ طَوِيلَةُ الرِّجْلَيْنِ وَالضَّبُّ لِأَنَّهُ أُكِلَ على مَائِدَتِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِحَضْرَتِهِ وقال لِمَنْ قال له أَحَرَامٌ هو لَا وَلَكِنَّهُ ليس بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ كما في الصَّحِيحَيْنِ وَخَبَرُ النَّهْيِ عنه إنْ صَحَّ مَحْمُولٌ على التَّنْزِيهِ وَالْيَرْبُوعُ وهو دُوَيْبَّةٌ تُشْبِهُ الْفَأْرَ لَكِنَّهُ قَصِيرُ الْيَدَيْنِ طَوِيلُ الرِّجْلَيْنِ أَبْيَضُ الْبَطْنِ أَغْبَرُ الظَّهْرِ بِطَرَفِ ذَنَبِهِ شَعَرَاتٌ وَوَقَعَ لِلدَّمِيرِيِّ في شَرْحِهِ قَصِيرُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وفي نُسْخَةٍ هُنَا وابن عُرْسٍ وهو دُوَيْبَّةٌ رَقِيقَةٌ تُعَادِي الْفَأْرَ تَدْخُلُ جُحْرَهُ وَتُخْرِجُهُ وَكَذَا الْوَبْرُ بِإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ دُوَيْبَّةٌ أَصْغَرُ من الْهِرِّ كَحْلَاءُ الْعَيْنَيْنِ لَا ذَنَبَ لها وَالدُّلْدُلُ بِإِسْكَانِ اللَّامِ بين الْمُهْمَلَتَيْنِ الْمَضْمُومَتَيْنِ دَابَّةٌ قَدْرَ السَّخْلَةِ ذَاتُ شَوْكٍ طِوَالٍ تُشْبِهُ السِّهَامَ وفي الصِّحَاحِ أَنَّهُ عَظِيمُ الْقَنَافِذِ وَالسَّمُّورُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ وَالسِّنْجَابُ وَهُمَا نَوْعَانِ من ثَعَالِبِ التُّرْكِ وَالْفَنَكُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالنُّونِ وَالْقَاقِمِ بِضَمِّ الْقَافِ الثَّانِيَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا دُوَيْبَّةٌ يُتَّخَذُ جِلْدُهَا فَرْوًا وَالْحَوَاصِلِ جَمْعُ حَوْصَلَةٍ وَيُقَالُ له حَوْصَلٌ وهو طَائِرٌ أَبْيَضُ أَكْبَرُ من الْكُرْكِيِّ ذُو حَوْصَلَةٍ عَظِيمَةٍ يُتَّخَذُ منها فَرْوٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا من الطَّيِّبَاتِ وقال تَعَالَى أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ
وَيَحْرُمُ الْهِرُّ الْوَحْشِيُّ وَالْأَهْلِيُّ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ لِلنَّهْيِ عن أَكْلِهِ وَأَكْلِ ثَمَنِهِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَلِلنَّهْيِ عن قَتْلِهِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلِأَنَّهُ يَعْدُو بِنَابِهِ
____________________
(1/564)
كَالْأَسَدِ وَلِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَفَارَقَ الْهِرَّ الْوَحْشِيَّ وَالْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ حَيْثُ أُلْحِقَ بِالْهِرِّ الْأَهْلِيِّ لِشَبَهِهِ بِهِ لَوْنًا وَصُورَةً وَطَبْعًا فإنه يَتَلَوَّنُ بِأَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ وَيَسْتَأْنِسُ بِالنَّاسِ بِخِلَافِ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ مع الْأَهْلِيِّ
وَكَذَا يَحْرُمُ ابن آوَى بِالْمَدِّ بَعْدَ الْهَمْزَةِ لِأَنَّهُ يَعْدُو بِنَابِهِ وَيَأْكُلُ الْجِيَفَ وهو فَوْقَ الثَّعْلَبِ وَدُونَ الْكَلْبِ طَوِيلُ الْمَخَالِبِ وَالْأَظْفَارِ فيه شَبَهٌ من الذِّئْبِ وَشَبَهٌ من الثَّعْلَبِ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَأْوِي إلَى عِوَاءِ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ وَلَا يَعْوِي إلَّا لَيْلًا إذَا اسْتَوْحَشَ وَبَقِيَ وَحْدَهُ وَصِيَاحُهُ يُشْبِهُ صِيَاحَ الصِّبْيَانِ
لَا ابن مُقْرِضٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وهو الدَّلَقُ بِفَتْحِ اللَّامِ فَلَا يَحْرُمُ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَطِيبُهُ وَنَابُهُ ضَعِيفٌ وهو دُوَيْبَّةٌ أَكْحَلُ اللَّوْنِ طَوِيلُ الظَّهْرِ أَصْغَرُ من الْفَأْرِ يَقْتُلُ الْحَمَامَ وَيَقْرِضُ الثِّيَابَ وما ذَكَرَهُ من حِلِّهِ هو مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ عن تَصْحِيحِ الْأَكْثَرِينَ وَصَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ تَحْرِيمُهُ لِأَنَّهُ ذُو نَابٍ لَكِنْ غَلَّطَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَحْرُمُ ما أَمَرَ بِقَتْلِهِ أو نهى عن قَتْلِهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمَا
فَرْعٌ يَحْرُمُ الْبُغَاثُ جَمْعُ بُغَاثَةٍ بِتَثْلِيثِ الْمُوَحَّدَةِ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ طَائِرٌ أَبْيَضُ وَيُقَالُ أَغْبَرُ دُوَيْنَ الرَّخَمَةِ بَطِيءُ الطَّيَرَانِ أَصْغَرُ من الْحِدَأَةِ وَالرَّخَمُ جَمْعُ رَخَمَةٍ وَهِيَ طَائِرٌ أَبْقَعُ يُشْبِهُ النَّسْرَ في الْخِلْقَةِ وَالنَّهَّاسُ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ طَائِرٌ صَغِيرٌ يَنْهَسُ اللَّحْمَ بِطَرَفِ مِنْقَارِهِ وَأَصْلُ النَّهْسِ أَكْلُ اللَّحْمِ بِطَرَفِ الْأَسْنَانِ وَالنَّهْشُ بِالْمُعْجَمَةِ أَكْلُهُ بِجَمِيعِهَا فَتَحْرُمُ الطُّيُورُ التي تَنْهَشُ كَالسِّبَاعِ التي تَنْهَشُ لِاسْتِخْبَاثِهَا وَالْأَغْرِبَةُ بِأَنْوَاعِهَا كَالْأَبْقَعِ وهو الذي فيه سَوَادٌ وَبَيَاضٌ وَالْعَقْعَقُ وَيُقَالُ له الْقُعْقُعُ وهو ذُو لَوْنَيْنِ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ طَوِيلُ الذَّنَبِ قَصِيرُ الْجَنَاحِ عَيْنَاهُ تُشْبِهَانِ الزِّئْبَقَ صَوْتُهُ الْقَعْقَعَةُ كانت الْعَرَبُ تَتَشَاءَمُ بِصَوْتِهِ وَالْغُدَافُ الْكَبِيرُ وَيُسَمَّى الْغُرَابُ الْجَبَلِيُّ لِأَنَّهُ لَا يَسْكُنُ إلَّا الْجِبَالَ وَكَذَا الْغُدَافُ الصَّغِيرُ وهو أَسْوَدُ أو رَمَادِيُّ اللَّوْنِ لِلْأَمْرِ بِقَتْلِ الْغُرَابِ في خَبَرِ مُسْلِمٍ وَلِاسْتِخْبَاثِهِ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْجِيَفَ وما ذَكَرَهُ في الصَّغِيرِ هو ما صَحَّحَهُ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ حِلُّهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ يَأْكُلُ الزَّرْعَ لَا الزَّاغُ وهو أَسْوَدُ صَغِيرٌ وقد يَكُونُ مُحْمَرَّ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ فَلَا يَحْرُمُ لِأَنَّهُ مُسْتَطَابٌ لِأَكْلِهِ الزَّرْعَ
فَرْعٌ وَتَحِلُّ أَنْوَاعُ الْحَمَامِ من كل ذَاتِ طَوْقٍ كَالْقُمْرِيِّ وَالدُّبْسِيِّ بِضَمِّ الدَّالِ وَالْيَمَامِ لِاسْتِطَابَتِهِ وَالْوَرَشَانِ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالرَّاءِ ذَكَرُ الْقُمْرِيِّ وَيُقَالُ له سَاقٌ حُرٌّ وَقِيلَ طَائِرٌ يَتَوَلَّدُ بين الْفَاخِتَةِ وَالْحَمَامَةِ وَالْقَطَا جَمْعُ قَطَاةٍ وَهِيَ طَائِرٌ مَعْرُوفٌ وَالْحَجَلِ بِالْفَتْحِ جَمْعُ حَجَلَةٍ وَهِيَ طَائِرٌ على قَدْرِ الْحَمَامِ كَالْقَطَا أَحْمَرُ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ وَيُسَمَّى دَجَاجُ الْبَرِّ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ قال في الْأَصْلِ إنَّهَا أُدْرِجَتْ في الْحَمَامِ وَطَيْرِ الْمَاءِ كَالْبَطِّ وَالْإِوَزِّ وَالطَّيْرِ الْأَبْيَضِ لِأَنَّهَا من الطَّيِّبَاتِ لَا اللَّقْلَقِ هو طَيْرٌ طَوِيلُ الْعُنُق يَأْكُلُ الْحَيَّاتِ وَيَصِفُّ فَلَا يَحِلُّ لِاسْتِخْبَاثِهِ وَرُوِيَ كُلْ ما دَفَّ وَدَعْ ما صَفَّ
وَيَحِلُّ ما على شَكْلِ الْعُصْفُورِ لِأَنَّهُ من الطَّيِّبَاتِ كَالصَّعْوَةِ بِفَتْحِ الصَّادِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ عُصْفُورٌ أَحْمَرُ الرَّأْسِ وَالزُّرْزُورِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَالنُّغَرِ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ عُصْفُورٌ صَغِيرٌ أَحْمَرُ الْأَنْفِ وَالْبُلْبُلِ بِضَمِّ الْبَاءَيْنِ وَكَذَا الْحُمَّرَةُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ قال الرَّافِعِيُّ يُقَالُ إنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَ الْبُلْبُلَ النُّغَرَ وَالْحُمَّرَةَ وَالْعَنْدَلِيبِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا نُونٌ نَوْعَانِ من الْعُصْفُورِ وَالنَّعَامِ جَمْعُ نَعَامَةٍ وَالدَّجَاجِ جَمْعُ دَجَاجَةٍ بِتَثْلِيثِ الدَّالِ وَالْكُرْكِيِّ هو طَائِرٌ كَبِيرٌ كُنْيَتُهُ أبو الْعَيْزَارِ وَالْحُبَارَى طَائِرٌ مَعْرُوفٌ شَدِيدُ الطَّيَرَانِ وَكَذَا الشِّقِرَّاقُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِهَا مع كَسْرِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَبِكَسْرِهَا مع إسْكَانِ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَيُقَالُ له الشِّرْقِرَاقُ وهو طَائِرٌ أَخْضَرُ مُلَوَّنٌ على قَدْرِ الْحَمَامِ وَتَرْجِيحُ حِلِّهِ من زِيَادَتِهِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَالشَّقِرَّاقِ قال في التَّهْذِيبِ حَلَالٌ وقال الصَّيْمَرِيُّ حَرَامٌ انْتَهَى
وَجَرَى على التَّحْرِيمِ الْعِجْلِيّ شَارِحُ الْوَسِيطِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ مُسْتَخْبَثٌ وَعَلَى الْحِلِّ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ لَا الْبَبَّغَا بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَتَيْنِ وَتَشْدِيدِ الثَّانِيَةِ وَإِعْجَامِ الْغَيْنِ بِالْقَصْرِ الطَّائِرُ الْأَخْضَرُ الْمَعْرُوفُ بِالدُّرَّةِ بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ ولا الطَّاوُوسُ هو طَائِرٌ مَعْرُوفٌ حَسَنُ اللَّوْنِ يُؤْخَذُ لِلتَّمَتُّعِ بِرُؤْيَتِهِ وَالْبُومُ هو طَائِرٌ يَقَعُ على الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى حتى يَقُولَ في صِيَاحِهِ صَدَا أو قِيَادَ فَيَخْتَصُّ بِالذَّكَرِ وَكُنْيَةُ الْأُنْثَى أُمُّ الْخَرَابِ أُمُّ الصِّبْيَانِ وَيُقَالُ لها غُرَابُ اللَّيْلِ
____________________
(1/565)
ولا الضُّوَعُ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ وَوَاوٍ مَفْتُوحَةٍ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ طَائِرٌ من طَيْرِ اللَّيْلِ من جِنْسِ الْهَامِّ ولا مُلَاعِبُ ظِلِّهِ هو طَائِرٌ يَسْبَحُ في الْجَوِّ مِرَارًا كَأَنَّهُ يَنْصَبُّ على طَائِرٍ فَلَا يَحِلُّ شَيْءٌ منها لِاسْتِخْبَاثِهَا أو يَحِلُّ كُلُّ لَقَّاطٍ وما تَقَوَّتَ بِطَاهِرٍ لِأَنَّهُمَا من الطَّيِّبَاتِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الثَّانِيَ يَشْمَلُ الْأَوَّلَ إلَّا ما اُسْتُثْنِيَ مِمَّا مَرَّ كَذِي مِخْلَبٍ وَيَحْرُمُ ما تَقَوَّتَ بِنَجَسٍ لِخُبْثِ غِذَائِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ ما شَأْنُهُ أَنْ يَتَقَوَّتَ بِنَجَسٍ لِئَلَّا تَرِدَ الْجَلَّالَةُ
فَصْلٌ وما لَا يَعِيشُ من الْحَيَوَانِ إلَّا في الْمَاءِ حَلَالٌ كَيْفَمَا زَائِدَةٌ مَاتَ أَيْ حَتْفَ أَنْفِهِ أو بِضَغْطِهِ أو صَدْمَةِ أو انْحِسَارِ مَاءٍ أو ضَرْبٍ من الصَّيَّادِ أو غَيْرِهِ وَلَوْ لم يُشْبِهْ السَّمَكَ الْمَشْهُورُ كَكَلْبٍ وَحِمَارٍ وَخِنْزِيرٍ لِمَا مَرَّ في الرُّكْنِ الثَّانِي من أَرْكَانِ الذَّبْحِ نعم إنْ انْتَفَخَ الطَّافِي بِحَيْثُ يُخْشَى أَنَّهُ يُوَرِّثُ الْأَسْقَامَ حَرُمَ لِلضَّرَرِ قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ وَالشَّاشِيُّ وما يَعِيشُ فيه وفي الْبَرِّ يَحْرُمُ منه ذَوَاتُ السُّمُومِ كَحَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ لِلضَّرَرِ وَالضِّفْدِعِ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ وَيَجُوزُ فَتْحُ ثَالِثِهِ مع كَسْرِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ لِلنَّهْيِ عن قَتْلِهِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَلِاسْتِخْبَاثِهِ وَالسَّرَطَانِ وَالتِّمْسَاحِ وَالنِّسْنَاسِ بِكَسْرِ النُّونِ وَالتِّرْسَةِ وَهِيَ اللَّجَّةُ بِالْجِيمِ وَكَذَا السُّلَحْفَاةُ بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَبِمُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ لِاسْتِخْبَاثِهَا وَلِأَنَّ التِّمْسَاحَ يَتَقَوَّى بِنَابِهِ وَقَضِيَّتُهُ تَحْرِيمُ الْقِرْشِ بِكَسْرِ الْقَافِ وَيُقَالُ له اللَّخَمُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ لَكِنْ أَجَابَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ تَبَعًا لِابْنِ الْأَثِيرِ في النِّهَايَةِ بِحِلِّهِ وَتَرْجِيحُ تَحْرِيمِ النِّسْنَاسِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَجَرَى في الْمَجْمُوعِ على ما جَرَى عليه الْأَصْلُ من تَصْحِيحِ تَحْرِيمِ الضِّفْدِعِ وَالْبَقِيَّةُ بَعْدَهُ إلَّا النِّسْنَاسَ فَنَقَلَ فيه وَجْهَيْنِ كَالْأَصْلِ لَكِنَّهُ قال عَقِبَ ذلك قُلْت الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ جَمِيعَ ما في الْبَحْرِ تَحِلُّ مَيْتَتُهُ إلَّا الضِّفْدَعَ وَيُحْمَلُ ما ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أو بَعْضُهُمْ من السُّلَحْفَاةِ وَالْحَيَّةِ وَالنِّسْنَاسِ على غَيْرِ ما في الْبَحْرِ انْتَهَى
وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الشَّامِلِ بَعْدَ نَقْلِهِ نُصُوصَ الْحِلِّ قال أَصْحَابُنَا يَحِلُّ جَمِيعُ ما فيه إلَّا الضِّفْدَعَ لِلنَّهْيِ عن قَتْلِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ على هذا تُسْتَثْنَى ذَوَاتُ السُّمُومِ أَيْضًا ولم يَتَعَرَّضُوا لِلدنيلس وَعَنْ ابْنِ عَدْلَانَ وَعُلَمَاءِ عَصْرِهِ أَنَّهُمْ أَفْتَوْا بِحِلِّهِ لِأَنَّهُ من طَعَامِ الْبَحْرِ وَلَا يَعِيشُ إلَّا فيه وَعَنْ ابْنِ عبد السَّلَامِ أَنَّهُ أَفْتَى بِتَحْرِيمِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ أَصْلُ السَّرَطَانِ لِتَوَلُّدِهِ منه لَكِنْ قال الدَّمِيرِيِّ لم يَأْتِ على تَحْرِيمِهِ دَلِيلٌ وما نُقِلَ عن ابْنِ عبد السَّلَامِ لم يَصِحَّ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ على أَنَّ حَيَوَانَ الْبَحْرِ الذي لَا تَعِيشُ إلَّا فيه يُؤْكَلُ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ
فَصْلٌ ما لَا نَصَّ فيه بِتَحْرِيمٍ أو تَحْلِيلٍ أو بِمَا يَدُلُّ على أَحَدِهِمَا كَالْأَمْرِ بِالْقَتْلِ يَحْرُمُ منه ما اسْتَخْبَثَهُ غَيْرُ ذَوِي الْخَصَاصَةِ أَيْ الْفَقْرِ وَالْمَجَاعَةِ من الْعَرَبِ أَهْلِ الْقُرَى وَالْبُلْدَانِ لِأَنَّ الْعَرَبَ أَوْلَى الْأُمَمِ لِأَنَّهُمْ الْمُخَاطَبُونَ أَوَّلًا وَلِأَنَّ الدِّينَ عَرَبِيٌّ وَالنَّبِيَّ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَرَبِيٌّ وَهُمْ جِيلٌ لَا تَغْلِبُ عليهم الْعِيَافَةُ النَّاشِئَةُ من التَّنَعُّمِ فَيُضَيِّقُوا الْمَطَاعِمَ على الناس وَالْمُعْتَمَدُ في ذلك قَوْله تَعَالَى يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لهم قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَقَوْلُهُ وَيُحِلُّ لهم الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عليهم الْخَبَائِثَ وَخَرَجَ بِغَيْرِ ذَوِي الْخَصَاصَةِ ذَوُوهَا وَبِأَهْلِ الْقُرَى وَالْبُلْدَانِ أَجْلَافُ الْبَوَادِي الَّذِينَ يَتَنَاوَلُونَ ما دَبَّ وَدَرَجَ من غَيْرِ تَمْيِيزٍ فَلَا عِبْرَةَ بِهِمْ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَادَةِ أَهْلِ الْيَسَارِ دُونَ الْمُحْتَاجِينَ
____________________
(1/566)
أَهْلِ الرَّفَاهِيَةِ دُونَ الشِّدَّةِ لِأَنَّ اتِّبَاعَ الْجَمِيعِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْأَحْكَامِ في الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَذَلِكَ يُخَالِفُ مَوْضُوعَ الشَّرْعِ في حَمْلِ الناس على مَوْضُوعٍ وَاحِدٍ قال الزَّرْكَشِيُّ وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ من إخْبَارٍ جَمْعٍ وَيُرْجَعُ في كل زَمَانٍ إلَى الْعَرَبِ الْمَوْجُودِينَ فيه فَإِنْ اسْتَطَابَتْهُ فَحَلَالٌ وَإِنْ اسْتَخْبَثَتْهُ فَحَرَامٌ
وَالْمُرَادُ بِهِ ما لم يَسْبِقْ فيه كَلَامٌ لِلْعَرَبِ الَّذِينَ كَانُوا في عَهْدِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَمَنْ بَعْدَهُ فإن ذلك قد عُرِفَ حَالُهُ وَاسْتَقَرَّ أَمْرُهُ فَإِنْ اخْتَلَفُوا في اسْتِطَابَتِهِ وَاسْتِخْبَاثِهِ فَالْأَكْثَرُ منهم يُتَّبَعُ فَإِنْ اسْتَوَوْا فَجَانِبُ قُرَيْشٍ يُتَّبَعُ لِأَنَّهُمْ قُطْبُ الْعَرَبِ وَفِيهِمْ النُّبُوَّةُ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ قُرَيْشٌ قال في الْأَصْلِ وَلَا تَرْجِيحَ أو لم يَكُنْ منهم اخْتِلَافٌ بِأَنْ شَكُّوا فلم يَحْكُمُوا بِشَيْءٍ أو لم نَجِدْهُمْ وَلَا غَيْرَهُمْ من الْعَرَبِ فَشَبَهُهُ من الْحَيَوَانِ أَيْ فَيُعْتَبَرُ بِأَقْرَبِ الْحَيَوَانِ شَبَهًا بِهِ صُورَةً أو طَبْعًا من صِيَانَةٍ وَعُدْوَانٍ أو طَعْمًا فَإِنْ أَشْكَلَ الْحَالُ بِأَنْ اسْتَوَى الشَّبَهَانِ أو لم نَجِدْ ما يُشْبِهُهُ فَحَلَالٌ الْآيَةَ قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا وَلَوْ جُهِلَ اسْمُ حَيَوَانٍ سُئِلُوا أَيْ الْعَرَبُ عنه وَعُمِلَ بِتَسْمِيَتِهِمْ فَإِنْ سَمَّوْهُ بِاسْمِ حَيَوَانٍ حَلَالٍ حَلَّ أو حَرَامٍ حَرُمَ لِأَنَّ الْمَرْجِعَ في ذلك إلَى الِاسْمِ وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ وَلَا يُعْتَمَدُ فيه يَعْنِي في تَحْرِيمِ ما لَا نَصَّ فيه بِشَيْءٍ مِمَّا مَرَّ شَرْعُ من قَبْلَنَا لِأَنَّهُ ليس شَرْعًا لنا على الْأَصَحِّ فَاعْتِمَادُ ظَاهِرِ الْآيَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْحِلِّ أَوْلَى من اسْتِصْحَابِ الشَّرَائِعِ السَّالِفَةِ إذَا تَقَرَّرَ ذلك فَكُلُّ الْحَشَرَاتِ وَهِيَ صِغَارُ دَوَابِّ الْأَرْضِ مُسْتَخْبَثَةٌ سَوَاءٌ ذَوَاتُ السُّمُومِ وَالْإِبَرِ كَحَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ وَدَبُّورٍ وَغَيْرِهَا كَوَزَغٍ وَخُنْفُسَاءَ وَدُودٍ صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ في صِغَرِهِ إلَى الذَّرِّ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وهو أَصْغَرُ النَّمْلِ فَتَحْرُمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَيُحَرِّمُ عليهم الْخَبَائِثَ وَلَوْ أَخَّرَ صَغِيرَهَا عن كَبِيرِهَا كان أَنْسَبَ بِقَوْلِهِ إلَى الذَّرِّ وَذَوَاتُ السُّمُومِ عُلِمَ حُكْمُهَا مِمَّا مَرَّ إلَّا الْيَرْبُوعَ وَالضَّبَّ وَابْنَ عُرْسٍ السَّابِقُ بَيَانُهَا وَأُمَّ حُبَيْنٍ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِنُونٍ في آخِرِهِ دُوَيْبَّةٌ قَدْرُ الْكَفِّ صِغَرًا كَبِيرَةُ الْجَوْفِ تُشْبِهُ الضَّبَّ بَلْ قال الْبَنْدَنِيجِيُّ إنَّهَا نَوْعٌ منه وَهِيَ الْأُنْثَى من الْحَرَابِيِّ وَالذَّكَرُ حِرْبَاءُ وَالْقُنْفُذَ بِالْمُعْجَمَةِ فَتَحِلُّ الْمَذْكُورَاتُ لِاسْتِطَابَتِهَا وقد تَقَدَّمَ بَعْضُهَا لَا الصَّرَّارَةَ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الصِّرْصَارُ وَيُسَمَّى الْجُدْجُدُ فَتَحْرُمُ كَالْخُنْفُسَاءِ وَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهَا لِدُخُولِهَا في الْمُسْتَثْنَى منه
فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ قَتْلُ الْمُؤْذِيَاتِ كَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْفَأْرَةِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالْغُرَابِ الذي لَا يُؤْكَلُ وَالْحَدَأَةِ بِوَزْنِ الْعِنَبَةِ وَالنَّسْرِ وَالْعُقَابِ وَالسِّبَاعِ وَالْبُرْغُوثِ بِضَمِّ الْبَاءِ وَالْبَقِّ وَالزُّنْبُورِ بِضَمِّ الزَّايِ لِأَذَاهَا وَرَوَى مُسْلِمٌ خَبَرَ خَمْسُ فَوَاسِقَ يُقْتَلْنَ في الْحِلِّ وَالْحَرَمِ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ خَبَرَ الْأَمْرِ بِقَتْلِ السَّبْعِ الضَّارِي وَيُقَاسَ بِهِنَّ الْبَاقِي إلَّا الْفَهْدَ وَالصَّقْرَ وَالْبَازِيَ وَنَحْوَهَا مِمَّا فيه مَنْفَعَةٌ وَمَضَرَّةٌ فَلَا يُسْتَحَبُّ قَتْلُهَا لِنَفْعِهَا وَلَا يُكْرَهُ لِضَرَرِهَا
وَيُكْرَهُ قَتْلُ ما لَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ كَالْخَنَافِسِ جَمْعُ خُنْفَسَاءَ بِفَتْحِ الْفَاءِ أَفْصَحُ من ضَمِّهَا وَالْجِعْلَانِ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَيُقَالُ أبو جِعْوَانَ وهو دُوَيْبَّةٌ مَعْرُوفَةٌ تُسَمَّى الزُّعْقُوقَ تَعَضُّ الْبَهَائِمَ في فُرُوجِهَا فَتَهْرُبُ وَهِيَ أَكْبَرُ من الْخُنْفَسَاءِ شَدِيدَةُ السَّوَادِ في بَطْنِهَا لَوْنُ حُمْرَةٍ لِلذَّكَرِ قَرْنَانِ وَالرَّخَمِ وَالْكَلْبِ غَيْرِ الْعَقُورِ الذي لَا مَنْفَعَةَ فيه مُبَاحَةٌ
وَيَحْرُمُ قَتْلُ ما نهى عن قَتْلِهِ كَالنَّحْلِ وَالنَّمْلِ السُّلَيْمَانِيِّ وَالْخُطَّافِ بِضَمِّ الْخَاءِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ وَيُسَمَّى زَوَّارُ الْهِنْدِ وَيُعْرَفُ الْآنَ بِعُصْفُورِ الْجَنَّةِ لِأَنَّهُ زَهِدَ فِيمَا بِأَيْدِي الناس من الْأَقْوَاتِ وَالْخُفَّاشِ بِضَمِّ الْخَاءِ وهو الْوَطْوَاطُ وَالضِّفْدِعِ وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ وهو بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ طَائِرٌ فَوْقَ الْعُصْفُورِ أَبْقَعُ ضَخْمُ الرَّأْسِ وَالْمِنْقَارِ وَالْأَصَابِعِ
وَيَحْرُمُ قَتْلُ كل ما فيه مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ كَكَلْبِ الصَّيْدِ سَوَاءٌ الْأَسْوَدُ وَغَيْرُهُ وَالْأَمْرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ مَنْسُوخٌ وَهَذَا الْفَصْلُ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ إلَّا حُكْمَ الْخُفَّاشِ فَهُنَا
فَصْلٌ وَيَحْرُمُ النَّجَسُ كَمَيْتَةٍ وَلَبَنِ أَتَانٍ وَبَوْلٍ وَالْمُتَنَجِّسُ كَدُبْسٍ وَخَلٍّ وَلَبَنٍ وَدُهْنٍ إذَا تَنَجَّسَتْ لِخَبَرِ الْفَأْرَةِ التي وَقَعَتْ في السَّمْنِ السَّابِقِ في بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ لَا دُودُ فَاكِهَةٍ وَخَلٍّ وَنَحْوِهِمَا أَيْ لَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ معه أَيْ مع كُلٍّ منها حَيًّا أو مَيِّتًا لِعُسْرِ تَمْيِيزِهِ عنه لِأَنَّهُ كَجُزْئِهِ طَبْعًا وَطَعْمًا أَمَّا أَكْلُهُ مُنْفَرِدًا فَحَرَامٌ وَإِنْ قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ
____________________
(1/567)
على وَجْهٍ لِاسْتِقْذَارِهِ كَالْبُصَاقِ وَهَذِهِ مُكَرَّرَةٌ لِذِكْرِهِ لها في بَابِ النَّجَاسَةِ
وَيَعْلِفُ جَوَازًا الْمُتَنَجِّسَ دَابَّتَهُ لِخَبَرٍ صَحِيحٍ فيه أَمَّا نَجَسُ الْعَيْنِ فَيُكْرَهُ عَلَفُهَا بِهِ كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ عن فَتَاوَى صَاحِبِ الشَّامِلِ في الْمَأْكُولَةِ وَيُكْرَهُ لَحْمُ الْجَلَّالَةِ وَيُقَالُ الْجَالَّةُ وَهِيَ التي تَأْكُلُ الْجَلَّةَ بِفَتْحِ الْجِيمِ من نَعَمٍ وَغَيْرِهِ كَدَجَاجٍ وَلَبَنُهَا وَبَيْضُهَا لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَشُرْبِ أَلْبَانِهَا حتى تُعْلَفَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ زَادَ أبو دَاوُد وَرُكُوبُهَا قال الْبُلْقِينِيُّ وَيَنْبَغِي تَعَدِّي الْحُكْمِ إلَى شَعْرِهَا وَصُوفِهَا الْمُنْفَصِلِ في حَيَاتِهَا قال الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ إلْحَاقُ وَلَدِهَا بها إذَا ذُكِّيَتْ وَوُجِدَ في بَطْنِهَا مَيِّتًا أو ذُكِّيَ وَوُجِدَتْ فيه الرَّائِحَةُ هذا إنْ ظَهَرَ نَتْنُ ما تَأْكُلُهُ في رِيحِهَا وَعَرَقِهَا عِبَارَةُ الْأَصْلِ إنْ وُجِدَ في عِرْقِهَا وَغَيْرِهِ رِيحُ النَّجَاسَةِ فَإِنْ لم يَظْهَرْ فَلَا كَرَاهَةَ وَإِنْ كانت لَا تَأْكُلُ إلَّا النَّجَاسَةَ وَالظَّاهِرُ كما قال الزَّرْكَشِيُّ عَدَمُ الِاقْتِصَارِ على تَغَيُّرِ الرَّائِحَةِ فإن تَغَيُّرَ الطَّعْمِ أَشَدُّ وقد صَرَّحَ الْجُوَيْنِيُّ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ في ذلك بين تَغَيُّرِ الطَّعْمِ وَاللَّوْنِ وَالرَّائِحَةِ وَلَا يَحْرُمُ ذلك لِأَنَّ لَحْمَ الْمُذَكَّى لَا يَحْرُمُ بِنَتْنِهِ فَإِنْ عُلِفَتْ قال في الْأَصْلِ طَاهِرًا لَا إنْ غُسِلَتْ هِيَ أو لَحْمُهَا بَعْدَ ذَبْحِهَا أو طَبْخٍ فَطَابَ لَحْمُهَا لم تُكْرَهْ وَإِنْ عُلِفَتْ دُونَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى الْمُعَمِّمِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ نعم قال ابن جَمَاعَةَ في شَرْحِ الْمِفْتَاحِ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ تُعْلَفَ النَّاقَةُ وَالْبَقَرَةُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَالشَّاةُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَالدَّجَاجَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ اتِّبَاعًا لِأَثَرٍ وَرَدَ فيه يَعْنِي عن ابْنِ عُمَرَ لَكِنْ ليس فيه الْبَقَرَةُ فَكَأَنَّهُ قَاسَهَا على النَّاقَةِ قال الرَّافِعِيُّ وَهَذَا مَحْمُولٌ عِنْدَنَا على الْغَالِبِ أَيْ أَيْ من أَنَّ التَّغْيِيرَ يَزُولُ بِهَذِهِ الْمَقَادِيرِ أَمَّا طِيبُهُ بِالْغُسْلِ أو الطَّبْخِ فَلَا تَنْتَفِي بِهِ الْكَرَاهَةُ وَالْقِيَاسُ خِلَافُهُ قال الْبَغَوِيّ وَكَذَا لَا تَنْتَفِي بِمُرُورِ الزَّمَانِ عليه
نَقَلَهُ عنه الْأَصْلُ مع نَقْلِهِ خِلَافَهُ بِصِيغَةِ قِيلَ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ قال الْبَغَوِيّ لَا يَزُولُ الْمَنْعُ وقال غَيْرُهُ يَزُولُ قال الْأَذْرَعِيُّ بِالثَّانِي جَزَمَ الْمَرُّوذِيُّ تَبَعًا لِلْقَاضِي قُلْت وهو نَظِيرُ طَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ بِالنَّجَاسَةِ إذَا زَالَ التَّغَيُّرُ بِذَلِكَ قال الْبُلْقِينِيُّ وَهَذَا في مُرُورِ الزَّمَانِ على اللَّحْمِ فَلَوْ مَرَّ على الْجَلَّالَةِ أَيَّامٌ من غَيْرِ أَنْ تَأْكُلَ طَاهِرًا فَزَالَتْ الرَّائِحَةُ حَلَّتْ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْعَلَفَ بِطَاهِرٍ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْحَيَوَانَ لَا بُدَّ له من عَلَفٍ وَوَافَقَهُ الزَّرْكَشِيُّ قال وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ عُلِفَتْ بِطَاهِرٍ أنها لو عُلِفَتْ بِمُتَنَجِّسٍ كَشَعِيرٍ أَصَابَهُ مَاءٌ نَجِسٌ فَطَابَ لَحْمُهَا لم تَحِلَّ أَيْ حِلًّا مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قُلْت وقد يُقَالُ بَلْ لو عُلِفَتْ بِنَجَسِ الْعَيْنِ فَطَابَ لَحْمُهَا لم تُكْرَهْ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَيُكْرَهُ رُكُوبُهَا بِلَا حَائِلٍ لِلنَّهْيِ عنه كما مَرَّ وَالسَّخْلَةُ الْمُرَبَّاةُ بِلَبَنِ كَلْبَةٍ أو نَحْوِهَا كَخِنْزِيرَةٍ وَحِمَارَةٍ كَالْجَلَّالَةِ فِيمَا ذُكِرَ
وَلَا يُكْرَهُ بَيْضٌ سُلِقَ بِمَاءٍ نَجَسٍ كما لَا يُكْرَهُ الْمَاءُ إذَا سُخِّنَ بِالنَّجَاسَةِ ولا حَبُّ زَرْعٍ نَبَتَ في زِبْلٍ أو غَيْرِهِ من النَّجَاسَاتِ إذْ لَا يَظْهَرُ فيه أَثَرُهَا وَرِيحُهَا وَتَعْبِيرُ أَصْلِهِ بِقَوْلِهِ وَلَا يَحْرُمُ زَرْعٌ لَا يُفِيدُ عَدَمَ كَرَاهَةِ الْحَبِّ وَيَقْتَضِي أَنَّ الزَّرْعَ الذي لَاقَى النَّجَاسَةَ ليس مُتَنَجِّسًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ مَرَّ في بَابِ الِاجْتِهَادِ أَنَّهُ مُتَنَجِّسٌ وَأَنَّ الْحَبَّ الْخَارِجَ من السَّنَابِلِ طَاهِرٌ فَعُدُولُ الْمُصَنِّفِ عن ذلك إلَى ما قَالَهُ حَسَنٌ وَكَذَا لَا يُكْرَهُ ما يُسْقَى منه وَمِنْ الثَّمَرِ بِمَاءٍ نَجَسٍ كما في الْمَجْمُوعِ عن الْأَصْحَابِ وَقَضِيَّةُ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ كما قال الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ مَتَى ظَهَرَ التَّغَيُّرُ فيها كُرِهَتْ
فَصْلٌ وَذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ كما رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ابن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ أَيْ ذَكَاتُهَا التي أَحَلَّتْهَا أَحَلَّتْهُ تَبَعًا لها وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ من أَجْزَائِهَا وَذَكَاتُهَا ذَكَاةٌ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَلِأَنَّهُ لو لم يَحِلَّ بِذَكَاةِ أُمِّهِ لَحَرُمَ ذَكَاتُهَا مع ظُهُورِ الْحَمْلِ كما لَا تُقْتَلُ الْحَامِلُ قَوَدًا هذا إنْ خَرَجَ مَيِّتًا سَوَاءٌ أَشْعَرَ أَمْ لَا أو خَرَجَ حَيًّا في الْحَالِ وَبِهِ حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ بِخِلَافِ ما إذَا خَرَجَ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَلَا يَحِلُّ بِذَكَاةِ أُمِّهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا أَخَذَهُ الرَّافِعِيُّ من التَّهْذِيبِ لَكِنْ عِبَارَتُهُ لَا تُطَابِقُهُ فإن لَفْظَهُ وَلَوْ خَرَجَ وَبِهِ حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ وَمَاتَ في الْحَالِ حَلَّ قال وَلَعَلَّ تَقْيِيدَ الرَّافِعِيِّ الْخُرُوجَ بِالْحَالِ فيه إشَارَةٌ إلَى ما قَالَهُ الشَّيْخُ أبو مُحَمَّدٍ في فُرُوقِهِ وهو ما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وقال أبو مُحَمَّدٍ إنْ اضْطَرَبَ في الْبَطْنِ بَعْدَ الذَّبْحِ لَا بِهِ زَمَانًا طَوِيلًا ثُمَّ سَكَنَ لم يَحِلَّ وَإِنَّمَا يَحِلُّ إذَا
____________________
(1/568)
سَكَنَ في الْبَطْنِ عَقِبَ ذَبْحِهَا وَخَالَفَهُ في ذلك الْبَغَوِيّ وَالْمَرُّوذِيُّ فَقَالَا بِحِلِّهِ مُطْلَقًا نَقَلَهُ عنهما الزَّرْكَشِيُّ ثُمَّ قال وما قَالَهُ الشَّيْخُ أبو مُحَمَّدٍ هو الْقِيَاسُ فإنه نَظِيرُ ما ذَكَرُوهُ في الصَّيْدِ الذي أَدْرَكَهُ وَأَمْكَنَهُ ذَبْحُهُ فَقَصَّرَ حتى مَاتَ فإنه يَحْرُمُ انْتَهَى
وفي قِيَاسِهِ نَظَرٌ وَيُؤَيِّدُ ما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ خَرَجَ رَأْسُهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ لم يَجِبْ ذَبْحُهُ حتى يَخْرُجَ لِأَنَّ خُرُوجَ بَعْضِهِ كَعَدَمِ خُرُوجِهِ في الْعِدَّةِ وَغَيْرِهَا فَيَحِلُّ إذَا مَاتَ عَقِبَ خُرُوجِهِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ وَإِنْ صَارَ بِخُرُوجِ رَأْسِهِ مَقْدُورًا عليه قال في الْكِفَايَةِ وَلَوْ خَرَجَ رَأْسُهُ مَيِّتًا ثُمَّ ذُبِحَتْ أُمُّهُ قبل انْفِصَالِهِ حَلَّ كما قَالَهُ الْبَغَوِيّ وفي كَلَامِ الْإِمَامِ ما يَدُلُّ على خِلَافِهِ وهو أَوْجَهُ وَلَوْ لم تَتَخَطَّطْ الْمُضْغَةُ بِأَنْ لم تَبِنْ فيها الصُّورَةُ ولم تَتَشَكَّلْ الْأَعْضَاءُ لم تَحِلَّ بِنَاءً على عَدَمِ وُجُوبِ الْغُرَّةِ فيها وَعَدَمِ ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ كان لِلْمُذَكَّاةِ عُضْوٌ أَشَلُّ حَلَّ كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا
فَصْلٌ
وَيُكْرَهُ لِلْحُرِّ كَسْبُ الْحَجَّامِ أَيْ تَنَاوُلُهُ وَلَوْ كَسَبَهُ رَقِيقٌ وكسب سَائِرِ من يُخَامِرُ النَّجَاسَةَ كَالْجَزَّارِ وَالزَّبَّالِ وَنَحْوِهِ أَيْ نَحْوِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَالْكَنَّاسِ وَالدَّبَّاغِ وَالْخَاتِنِ بِخِلَافِ الرَّقِيقِ لَا يُكْرَهُ له تَنَاوُلُهُ سَوَاءٌ أَكَسَبَهُ حُرٌّ أَمْ غَيْرُهُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم سُئِلَ عن كَسْبِ الْحَجَّامِ فَنَهَى عنه وقال أَطْعِمْهُ رَقِيقَكَ وَاعْلِفْهُ نَاضِحَكَ رَوَاهُ ابن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْفَرْقُ من جِهَةِ الْمَعْنَى شَرَفُ الْحُرِّ وَدَنَاءَةُ غَيْرِهِ قالوا وَصَرَفَ النَّهْيَ عن الْحُرْمَةِ خَبَرُ الشَّيْخَيْنِ عن ابْنِ عَبَّاسٍ احْتَجَمَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أُجْرَتَهُ فَلَوْ كان حَرَامًا لم يُعْطِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَعْطَاهُ له لِيُطْعِمَهُ رَقِيقَهُ وَنَاضِحَهُ وَقِيسَ بِالْحِجَامَةِ غَيْرُهَا من كل ما يَحْصُلُ بِهِ مُخَامَرَةُ النَّجَاسَةِ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ وَنَحْوُهُ وَلَوْ كانت الصَّنْعَةُ دَنِيئَةٌ بِلَا مُخَامَرَةِ نَجَاسَةٍ كَفَصْدٍ وَحِيَاكَةٍ لم تُكْرَهْ إذْ ليس فيها مُخَامَرَةُ نَجَاسَةٍ وَهِيَ الْعِلَّةُ الصَّحِيحَةُ لِكَرَاهَةِ ما مَرَّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقِيلَ الْعِلَّةُ دَنَاءَةُ الْحِرْفَةِ قال الْبُلْقِينِيُّ وهو الْمُعْتَمَدُ الْمَنْصُوصُ في الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ فَعَلَيْهِ يُكْرَهُ ذلك وَنَحْوُهُ وقال في الْأَصْلِ وَكَرِهَ جَمَاعَةٌ كَسْبَ الصَّوَّاغِ قال الرَّافِعِيُّ لِأَنَّهُمْ كَثِيرًا ما يَخْلُفُونَ الْوَعْدَ وَيَقَعُونَ في الرِّبَا لِبَيْعِهِمْ الْمَصُوغَ بِأَكْثَرَ من وَزْنِهِ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ إنَّهُ وَجْهٌ مَرْجُوحٌ إذْ الْأَصَحُّ في الشَّهَادَاتِ أَنَّ الصَّائِغَ ليس من أَهْلِ الْحِرَفِ الدَّنِيئَةِ وقد صَحَّحُوا أَنَّ الْحَائِكَ منهم فَهُوَ دُونَ الصَّائِغِ وقد صَحَّحُوا أَنْ لَا كَرَاهَةَ في الْحِيَاكَةِ فَلَزِمَ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ في الصِّيَاغَةِ قُلْت لَا يَلْزَمُ من ذلك عَدَمُ كَرَاهَتِهَا لِوُجُودِ مُقْتَضَى الْكَرَاهَةِ فيها كما تَقَرَّرَ دُونَ الْحِيَاكَةِ وإذا كُرِهَ شَيْءٌ كُرِهَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عليه كما يَحْرُمُ أَخْذُهَا على الْحَرَامِ وَكَمَا يَحْرُمُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ على الْحَرَامِ يَحْرُمُ إعْطَاؤُهُ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ على مَعْصِيَةٍ كَأُجْرَةِ الزَّمْرِ وَالنِّيَاحَةِ وَالْأَنْسَبُ بِعِبَارَتِهِ إعْطَاؤُهَا فَإِنْ أَعْطَى شيئا خَوْفًا كَأَنْ أَعْطَى الشَّاعِرَ لِئَلَّا يَهْجُوَهُ أو الظَّالِمَ لِئَلَّا يَمْنَعَهُ حَقَّهُ أو لِئَلَّا يَأْخُذَ منه أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهُ أَثِمَ الْآخِذُ فَقَطْ أَيْ دُونَ الْمُعْطِي لِضَرُورَتِهِ وَقَوْلُهُ وَكَمَا يَحْرُمُ إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ
فَرْعٌ أَفْضَلُ ما أَكَلَتْ منه كَسْبُكَ من زِرَاعَةٍ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى التَّوَكُّلِ وَلِأَنَّهَا أَعَمُّ نَفْعًا وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهَا أَعَمُّ وَرَوَى مُسْلِمٌ خَبَرَ ما من مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إلَّا كان ما أُكِلَ منه صَدَقَةً وما سُرِقَ منه له صَدَقَةٌ وَلَا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ أَيْ يُنْقِصُهُ إلَّا كان له صَدَقَةٌ وفي رِوَايَةٍ لَا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ منه إنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا كانت له صَدَقَةٌ ثُمَّ من صِنَاعَةٍ لِأَنَّ الْكَسْبَ فيها يَحْصُلُ بِكَدِّ الْيَمِينِ ثُمَّ من تِجَارَةٍ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَكْتَسِبُونَ بها
فَصْلٌ يَحْرُمُ تَنَاوُلُ ما يَضُرُّ الْبَدَنَ أو الْعَقْلَ كَالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ وَالزُّجَاجِ وَالسُّمِّ بِتَثْلِيثِ السِّينِ
____________________
(1/569)
وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ كَالْأَفْيُونِ وهو لَبَنُ الْخَشْخَاشِ لِأَنَّ ذلك مُضِرٌّ وَرُبَّمَا يَقْتُلُ وقال تَعَالَى وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ وقال تَعَالَى وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ إلَّا قَلِيلَهُ أَيْ السُّمِّ كما في الْأَصْلِ أو ما يَضُرُّ وهو أَعَمُّ فَيَحِلُّ تَنَاوُلُهُ لِلتَّدَاوِي بِهِ إنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ وَاحْتِيجَ إلَيْهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَيَحِلُّ أَكْلُ كل طَاهِرٍ لَا ضَرَرَ فيه كَفَاكِهَةٍ وَحَبٍّ وَسُمٍّ إنْ تُصُوِّرَ أَنَّ آكِلَهُ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ عن الْإِمَامِ قال تَعَالَى قُلْ من حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ التي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ من الرِّزْقِ إلَّا جِلْدَ مَيْتَةٍ دُبِغَ فَلَا يَحِلُّ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَخَبَرِ إنَّمَا حَرُمَ من الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا وَهَذِهِ تَقَدَّمَتْ في بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَخَرَجَ بِالْمَيْتَةِ جِلْدُ الْمُذَكَّاةِ فَيَحِلُّ أَكْلُهُ وَإِنْ دُبِغَ وإلا ما اُسْتُقْذِرَ كَالْمُخَاطِ وَالْمَنِيِّ لِاسْتِقْذَارِهِ وَإِلَّا الْحَيَوَانَ الْحَيَّ غير السَّمَكِ وَالْجَرَادِ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ في بَابِ الصَّيْدِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا
وفي حِلِّ أَكْلِ بَيْضِ ما لَا يُؤْكَلُ تَرَدُّدٌ هذا من زِيَادَتِهِ وَقَوْلُهُ تَرَدُّدٌ أَيْ خِلَافٌ قِيلَ مَبْنِيٌّ على طَهَارَتِهِ قال في الْمَجْمُوعِ وإذا قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ حَلَّ أَكْلُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ مُسْتَقْذَرٍ بِخِلَافِ الْمَنِيِّ قال الْبُلْقِينِيُّ وهو مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْأُمِّ وَالنِّهَايَةِ وَالتَّتِمَّةِ وَالْبَحْرِ على مَنْعِ أَكْلِهِ وَإِنْ قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ قال وَلَيْسَ في كُتُبِ الْمَذْهَبِ ما يُخَالِفُهُ
وَيَحْرُمُ مُسْكِرُ النَّبَاتِ أَيْ النَّبَاتُ الْمُسْكِرِ وَإِنْ لم يُطْرِبْ لِإِضْرَارِهِ بِالْعَقْلِ وَلَا حَدَّ فيه إنْ لم يُطْرِبْ بِخِلَافِ ما إذَا أَطْرَبَ كما صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَيُتَدَاوَى بِهِ عِنْدَ فَقْدِ غَيْرِهِ مِمَّا يَقُومُ مَقَامَهُ وَإِنْ أَسْكَرَ لِلضَّرُورَةِ وما لَا يُسْكِرُ إلَّا مع غَيْرِهِ يَحِلُّ أَكْلُهُ وَحْدَهُ لَا مع غَيْرِهِ وفي نُسْخَةٍ بَدَلَ يَحِلُّ أَكْلُهُ وَحْدَهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إلَّا لِلتَّدَاوِي وَالْأُولَى أَوْلَى وَإِنْ كانت الثَّانِيَةُ أَوْفَقَ بِكَلَامِ الْأَصْلِ
الْبَابُ الثَّانِي في الْمَطْعُومِ اضْطِرَارًا وَمَنْ ظَنَّ من الْجُوعِ الْهَلَاكَ أَيْ هَلَاكَ نَفْسِهِ أو جَوَّزَ تَلَفَهَا وَسَلَامَتَهَا على السَّوَاءِ كما حَكَاهُ الْإِمَامُ عن صَرِيحِ كَلَامِهِمْ أو ظَنَّ منه ضَعْفًا يَقْطَعُهُ عن الرُّفْقَةِ أو مَرَضًا مَخُوفًا وَكَذَا لو خَافَ طُولَهُ ولم يَجِدْ في كُلٍّ مِنْهُمَا حَلَالًا لَزِمَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِمَا من الْمُحَرَّمَات وَطَعَامِ الْغَيْرِ لِأَنَّ تَارِكَهُ سَاعٍ في إهْلَاكِ نَفْسِهِ وقد قال تَعَالَى وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ يُخَالِفُ الْمُسْتَسْلِمَ لِلصَّائِلِ بِأَنَّهُ يُؤْثِرُ مُهْجَةَ غَيْرِهِ على مُهْجَتِهِ بِخِلَافِ الْمُضْطَرِّ وَدَلِيلُ جَوَازِ الْأَكْلِ من الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا قَوْله تَعَالَى فَمَنْ اُضْطُرَّ غير بَاغٍ أَيْ على مُضْطَرٍّ آخَرَ وَلَا عَادٍ أَيْ سَدًّا لِجَوْعَةِ فَأَكَلَ فَلَا إثْمَ عليه قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خَوْفُ حُصُولِ الشَّيْنِ الْفَاحِشِ في عُضْوٍ ظَاهِرٍ كَخَوْفِ طُولِ الْمَرَضِ كما في التَّيَمُّمِ وَاكْتَفَى بِالظَّنِّ كما في الْإِكْرَاهِ على أَكْلِ ذلك فَلَا يُشْتَرَطُ فيه التَّيَقُّنُ وَلَا الْإِشْرَافُ على الْمَوْتِ بَلْ لو انْتَهَى إلَى هذه الْحَالَةِ لم يَحِلَّ له أَكْلُهُ فإنه غَيْرُ مُفِيدٍ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
وَيَحْرُمُ ذلك على الْعَاصِي بِسَفَرِهِ حتى يَثُوبَ لِمَا مَرَّ في صَلَاةِ الْمُسَافِرِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْعَاصِي بِإِقَامَتِهِ كَالْمُسَافِرِ إذَا كان الْأَكْلُ عَوْنًا له على الْإِقَامَةِ وَقَوْلُهُمْ تُبَاحُ الْمَيْتَةُ لِلْمُقِيمِ الْعَاصِي بِإِقَامَتِهِ مَحْمُولٌ على غَيْرِ هذه الصُّورَةِ وَكَالْعَاصِي بِسَفَرِهِ مُرَاقُ الدَّمِ كَالْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ فَلَا يَأْكُلَانِ من ذلك حتى يُسْلِمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ قال وَكَذَا مُرَاقُ الدَّمِ من الْمُسْلِمِينَ وهو مُتَمَكِّنٌ من إسْقَاطِ الْقَتْلِ بِالتَّوْبَةِ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَمَنْ قُتِلَ في قَطْعِ الطَّرِيقِ وَيَحِلُّ أَكْلُ ذلك بِإِجْهَادِ الْجُوعِ وَإِنْ لم يَبْلُغْ أَدْنَى الرَّمَقِ لِمَا يَنَالُهُ من الْمَشَقَّةِ وَلِيَنْفَعَهُ الطَّعَامُ وَتَحْرُمُ الزِّيَادَةُ على سَدِّ الرَّمَقِ لِانْدِفَاعِ الضَّرَرِ بِهِ وقد يَجِدُ بَعْدَهُ الْحَلَالَ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى غير مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ قِيلَ أَرَادَ بِهِ الشِّبَعَ إلَّا إنْ خَشِيَ الْهَلَاكَ على نَفْسِهِ دُونَ قَطْعِ الْبَادِيَةِ بِأَنْ خَافَ أَنْ يَقْطَعَهَا وَيَهْلَكَ إنْ لم يَزِدْ على سَدِّ الرَّمَقِ فَتُبَاحُ له الزِّيَادَةُ بَلْ تَلْزَمُهُ لِئَلَّا يُهْلِكَ نَفْسَهُ بِأَنْ يَأْكُلَ حتى يَكْسِرَ سَوْرَةَ الْجُوعِ بِحَيْثُ لَا يُطْلَقُ عليه اسْمُ
____________________
(1/570)
جَائِعٍ لَا بِأَنْ لَا يَبْقَى لِلطَّعَامِ مَسَاغٌ فإن هذا حَرَامٌ قَطْعًا كما صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي أبو الطِّيبِ وَغَيْرُهُمَا وما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ يَأْتِي في غَيْرِ خَوْفِ الْهَلَاكِ مِمَّا ذُكِرَ قال الْإِسْنَوِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَالرَّمَقُ بَقِيَّةُ الرُّوحِ كما قَالَهُ جَمَاعَةٌ وقال بَعْضُهُمْ إنَّهُ الْقُوَّةُ وَبِذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ السَّدَّ الْمَذْكُورَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ لَا بِالْمُهْمَلَةِ وقال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ الذي نَحْفَظُهُ أَنَّهُ بِالْمُهْمَلَةِ وهو كَذَلِكَ في الْكُتُبِ أَيْ وَالْمَعْنَى عليه صَحِيحٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ سَدُّ الْخَلَلِ الْحَاصِلِ في ذلك بِسَبَبِ الْجُوعِ
وَلَهُ التَّزَوُّدُ منها أَيْ من الْمُحَرَّمَاتِ وَلَوْ رَجَا الْحَلَالَ أَيْ الْوُصُولَ إلَيْهِ وَيَبْدَأُ وُجُوبًا إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ منها بِلُقْمَةِ حَلَالٍ ظَفِرَ بها فَلَا يَجُوزُ له أَنْ يَأْكُلَ منها حتى يَأْكُلَ اللُّقْمَةَ لِتَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ
فَصْلٌ وَلِلْمُضْطَرِّ قَتْلُ حَرْبِيٍّ كَامِلٍ وَمُرْتَدٍّ وَمَنْ له عليه قِصَاصٌ لِيَأْكُلَهُ وَكَذَا الزَّانِي الْمُحْصَنُ وَالْمُحَارِبُ وَتَارِكُ الصَّلَاةِ وَإِنْ لم يَأْذَنْ فيه الْإِمَامُ لِأَنَّ قَتْلَهُمْ مُسْتَحَقٌّ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ إذْنُهُ في غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ نَادِبًا معه وَحَالُ الضَّرُورَةِ ليس فيه رِعَايَةُ أَدَبٍ وكذا نِسَاءُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَصِبْيَانُهُمْ وَمَجَانِينُهُمْ وَأَرِقَّاؤُهُمْ وَخَنَاثَاهُمْ إذَا لم يَجِدْ غَيْرَهُمْ وَامْتِنَاعُ قَتْلِهِمْ في غَيْرِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ لِحَقِّ الْغَانِمِينَ لَا لِعِصْمَتِهِمْ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ على قَاتِلِهِمْ قال الْبُلْقِينِيُّ وَمَحَلُّ الْإِبَاحَةِ إذَا لم يَسْتَوْلِ عليهم وَإِلَّا صَارُوا أَرِقَّاءَ مَعْصُومِينَ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ قَطْعًا لِحَقِّ الْغَانِمِينَ
لَا الذِّمِّيُّ وَالْمُعَاهَدُ وَالْمُسْتَأْمَنُ فَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ لِعِصْمَتِهِمْ وَلَوْ لم يَجِدْ الْمُسْلِمُ إلَّا الذِّمِّيَّ وَإِلَّا مَيِّتًا مُسْلِمًا غير نَبِيٍّ حَلَّ أَكْلُهُ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ أَعْظَمُ وَلِهَذَا لو كان في سَفِينَةٍ مَيِّتٌ وَخَافَ أَهْلُهَا الْغَرَقَ كان لهم طَرْحُهُ في الْبَحْرِ دُونَ الْحَيِّ وَأَمَّا خَبَرُ أبي دَاوُد كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا فَمَحْمُولٌ على غَيْرِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ أَمَّا الذِّمِّيُّ وَمِثْلُهُ كُلُّ من له أَمَانٌ فَلَيْسَ له الْأَكْلُ من الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ لِكَمَالِ شَرَفِ الْإِسْلَامِ وَخَرَجَ بِغَيْرِ نَبِيٍّ النبي فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْأَكْلُ منه لِكَمَالِ حُرْمَتِهِ وَمَزِيَّتِهِ على غَيْرِهِ وَعُلِمَ من حَصْرِهِ أَنَّهُ لو وَجَدَ طَعَامَ غَيْرِهِ أو مَيْتَةً وَلَحْمَ آدَمِيٍّ مُسْلِمٍ لم يَأْكُلْ إلَّا الطَّعَامَ أو الْمَيْتَةَ وَإِنْ كانت لَحْمَ خِنْزِيرٍ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ في الثَّانِيَةِ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِمُسْلِمٍ رِعَايَةً لِمَسْأَلَةِ الذِّمِّيِّ وَإِلَّا فَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِمَعْصُومٍ كما عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ فُهِمَ حُكْمُ الْمَعْصُومِ غَيْرِ الْمُسْلِمِ بِالْأَوْلَى وَلَا يَطْبُخُهُ أَيْ الْمَيِّتَ الْمُسْلِمَ بَلْ الْمَيِّتُ الْمُحْتَرَمُ وَلَا يَشْوِيهِ لِمَا فيه من هَتْكِ حُرْمَتِهِ مع انْدِفَاعِ الضَّرَرِ بِدُونِهِ وَيَتَخَيَّرُ في غَيْرِهِ بين أَكْلِهِ نِيئًا أو مَطْبُوخًا أو مَشْوِيًّا
وَيَأْكُلُ الْمُحْرِمُ الْوَاجِدَ صَيْدًا وميتا مُسْلِمًا الصَّيْدَ لَا الْمَيِّتَ الْمُسْلِمَ لِحُرْمَةِ الْمُسْلِمِ وَصْفُهُ الْمَيِّتَ بِالْمُسْلِمِ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ أَبَد له بِالْمُحْتَرَمِ كان أَوْلَى وَلَهُ أَكْلُ فِلْذَةً بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وفي نُسْخَةٍ قُدْرَةً بِالْمُهْمَلَةِ أَيْ قِطْعَةً من جِسْمِ نَفْسِهِ بِأَنْ يَقْطَعَهَا منه لِيَأْكُلَهَا إنْ رَجَا أَيْ ظَنَّ السَّلَامَةَ بِأَنْ كان الْخَوْفُ في قَطْعِهَا أَقَلَّ منه في تَرْكِهَا ولم يَجِدْ غَيْرَهَا لِأَنَّهُ إتْلَافُ بَعْضٍ لِاسْتِبْقَاءِ الْكُلِّ كَقَطْعِ الْيَدِ لِلْأَكْلَةِ وَلَا يَجِبُ لِمَا فيه من الْأَلَمِ وَالْمَشَقَّةِ أَمَّا إذَا كان الْخَوْفُ فيه أَكْثَرَ أو اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فَيَحْرُمُ قَطْعُهَا وَالْفَرْقُ بين حُرْمَةِ قَطْعِهَا عِنْدَ التَّسَاوِي وَجَوَازِهِ حِينَئِذٍ في السِّلْعَةِ أَنَّ السِّلْعَةَ زَائِدَةٌ على الْبَدَنِ انْضَمَّ إلَيْهَا الشَّيْنُ وَدَوَامُ الْأَلَمِ بِخِلَافِ ما هُنَا وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ من جِسْمِ نَفْسِهِ قَطْعُهَا له من جِسْمِ غَيْرِهِ الْمَعْصُومِ فَيَحْرُمُ وهو دَاخِلٌ في قَوْلِهِ وَيَحْرُمُ قَطْعُهَا لِغَيْرِهِ إذْ ليس إبْقَاؤُهُ أَوْلَى من إعْدَامِهَا نعم إنْ كان نَبِيًّا فَالْوَجْهُ جَوَازُ الْقَطْعِ له بَلْ وُجُوبُهُ
وَشُرْبُ الْخَمْرِ أَيْ تَنَاوُلُهَا لِلْعَطَشِ وَلِلتَّدَاوِي حَرَامٌ وَإِنْ لم يَجِدْ غَيْرَهَا لِعُمُومِ النَّهْيِ عن شُرْبِهَا وَلِأَنَّ بَعْضَهَا يَدْعُو إلَى بَعْضٍ وَلِأَنَّ شُرْبَهَا لَا يَدْفَعُ الْعَطَشَ بَلْ يَزِيدُهُ وَإِنْ سَكَّنَهُ في الْحَالِ وَلِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا سُئِلَ عن التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ إنَّهُ ليس بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى ابن حِبَّانَ في صَحِيحِهِ أَنَّ اللَّهَ لم يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ سَلَبَ الْخَمْرَ مَنَافِعَهَا عِنْدَمَا حَرَّمَهَا وما دَلَّ عليه الْقُرْآنُ من أَنَّ فيها مَنَافِعَ إنَّمَا هو قبل تَحْرِيمِهَا وَإِنْ سَلِمَ بَقَاؤُهَا فَتَحْرِيمُهَا مَقْطُوعٌ بِهِ وَحُصُولُ الشِّفَاءِ بها مَظْنُونٌ فَلَا يَقْوَى على إزَالَةِ الْمَقْطُوعِ ثُمَّ مَحَلُّ ذلك إذَا لم يَنْتَهِ بِهِ الْأَمْرُ إلَى الْهَلَاكِ وَإِلَّا فَيَتَعَيَّنُ شُرْبُهَا كما يَتَعَيَّنُ على الْمُضْطَرِّ أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَمَحَلُّ مَنْعِ التَّدَاوِي بها إذَا كانت خَالِصَةً بِخِلَافِ الْمَعْجُونِ بها كَالتِّرْيَاقِ لِاسْتِهْلَاكِهَا فيه وَكَالْخَمْرَةِ في ذلك سَائِرُ الْمُسْكِرَاتِ الْمَائِعَةِ وَخَرَجَ بِمَا قَالَهُ شُرْبُهَا لِإِسَاغَةِ لُقْمَةٍ فَيُبَاحُ
____________________
(1/571)
كما سَيَأْتِي في بَابِ حَدِّ الْخَمْرِ لَا تَنَاوُلُ غَيْرِهَا من النَّجَاسَاتِ لِذَلِكَ فَيَجُوزُ بِقَيْدٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ إنْ لم يَجِدْ غَيْرَهَا من الطَّاهِرَاتِ يَقُومُ مَقَامَهَا لِأَمْرِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْعُرَنِيِّينَ بِشُرْبِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقِيسَ بِالْأَبْوَالِ غَيْرُهَا مِمَّا لَا يُسْكِرُ بِخِلَافِ ما إذَا وُجِدَ غَيْرُهَا مِمَّا ذُكِرَ فَلَا يَجُوزُ ذلك وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُ ابْنِ حِبَّانَ السَّابِقُ وَلَوْ تَبَخَّرَ بَنْدٌ بِفَتْحِ النُّونِ نَوْعٌ من الطِّيبِ عُجِنَ بِخَمْرٍ جَازَ لِأَنَّ دُخَانَهُ ليس دُخَانَ نَفْسِ النَّجَاسَةِ بَلْ دُخَانٌ مُتَنَجِّسٌ وهو لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الِاسْتِعْمَالِ وَإِنْ كان دُخَانُ الْمُتَنَجِّسِ كَدُخَانِ النَّجَسِ في النَّجَاسَةِ لِأَنَّ الثَّوْبَ الْمُتَنَجِّسَ مَثَلًا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ وَلَوْ بِلَا حَاجَةٍ بِخِلَافِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ قبل دَبْغِهِ وَيُشْرَبُ الْبَوْلُ لِلْعَطَشِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ النَّجَسِ لَا عِنْدَ وُجُودِهِ لِأَنَّ الْمَاءَ النَّجِسَ أَخَفُّ منه لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ طَارِئَةٌ
فَصْلٌ وَلِلْمُضْطَرِّ أَنْ يُؤْثِرَ بِطَعَامِهِ على نَفْسِهِ مُسْلِمًا مُضْطَرًّا غير مُرَاقِ الدَّمِ بَلْ يُسْتَحَبُّ له ذلك وَإِنْ كان أَوْلَى بِهِ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَغَيْرُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَيُؤْثِرُونَ على أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كان بِهِمْ خَصَاصَةٌ وقال الْإِمَامُ لَا خِلَافَ فيه وَإِنْ أَدَّى إلَى هَلَاكِ نَفْسِهِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ شَامِلَةٌ لِلْجَمِيعِ وهو من شِيَمِ الصَّالِحِينَ بَلْ إنْ كان الْمُسْلِمُ نَبِيًّا لَزِمَهُ بَذْلُهُ له كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَأَمَّا خَبَرُ ابْدَأْ بِنَفْسِك فَمَحْمُولٌ على غَيْرِ ذلك وَمِنْهُ قَوْلُهُ لَا ذِمِّيًّا أو كَافِرًا غير ذِمِّيٍّ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى ولا بَهِيمَةً أَيْ ليس له أَنْ يُؤْثِرَهُمَا على نَفْسِهِ لِكَمَالِ شَرَفِ الْمُسْلِمِ على غَيْرِهِ وَالْآدَمِيِّ على الْبَهِيمَةِ
وَإِنْ بَذَلَ الطَّعَامَ مَالِكُهُ وَلَوْ مُضْطَرًّا لِمُضْطَرٍّ آخَرَ هِبَةً لَزِمَهُ قَبُولُهُ لِدَفْعِهِ الْهَلَاكَ عن نَفْسِهِ أو بَذَلَهُ له بِثَمَنِ الْمِثْلِ في مَكَانِهِ وَزَمَانِهِ لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ حتى بِإِزَارِهِ الْمُسْتَتِرِ بِهِ وَيُصَلِّي عُرْيَانًا لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ أَخَفُّ من أَكْلِ الْمَيْتَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الطَّعَامِ قَهْرًا بِخِلَافِ أَخْذِ سَاتِرِ الْعَوْرَةِ إلَّا إنْ خَشِيَ على نَفْسِهِ التَّلَفَ بِالْبَرْدِ فَلَا يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ بِإِزَارِهِ ولزمه شِرَاؤُهُ في الذِّمَّةِ إنْ كان مُعْسِرًا وَإِنْ لم يَكُنْ له مَالٌ في مَحَلٍّ آخَرَ وَيَلْزَمُ الْمَالِكَ حِينَئِذٍ الْبَيْعُ في الذِّمَّةِ وهو مُرَادُ الْأَصْلِ بِالْبَيْعِ نَسِيئَةً وَإِلَّا فَالْوَجْهُ كما قال جَمَاعَةٌ جَوَازُ الْبَيْعِ بِحَالٍ لَكِنْ لَا يُطَالِبُهُ إلَّا عِنْدَ قُدْرَتِهِ لِإِعْسَارِهِ في الْحَالِ فَإِنْ امْتَنَعَ الْمَالِكُ أو وَلِيُّ الصَّبِيِّ من بَذْلِهِ له بِعِوَضٍ لِمُضْطَرٍّ مُحْتَرَمٍ وهو أَيْ الْمَالِكُ أو الصَّبِيُّ وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ غَنِيٌّ عنه في الْحَالِ أَثِمَ وَإِنْ احْتَاجَهُ في الْمَآلِ لِأَنَّ في امْتِنَاعِهِ إعَانَةً على قَتْلِهِ وَلِأَنَّهُ لو قَدَرَ على إنْقَاذِهِ بِنَفْسِهِ من غَرَقٍ وَنَحْوِهِ لَوَجَبَ فَكَذَا بِمَالِهِ بِخِلَافِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ في الْحَالِ فإنه أَوْلَى بِهِ من غَيْرِهِ وَلَوْ مُضْطَرًّا كما قَدَّمْتُهُ وَيَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ قِتَالُهُ أَيْ الْمُمْتَنِعِ مِمَّا ذُكِرَ عليه وَلَا يَجِبُ قِتَالُهُ كَالصَّائِلِ بَلْ أَوْلَى وَلِأَنَّ عَقْلَ الْمَالِكِ وَدِينَهُ يَبْعَثَانِهِ على الْإِطْعَامِ وهو وَاجِبٌ عليه فَجَازَ أَنْ يُجْعَلَ الْأَمْرُ مَوْكُولًا إلَيْهِ لَكِنْ إنَّمَا يَجُوزُ قِتَالُهُ على ما يَدْفَعُ ضَرُورَتَهُ وهو ما يَسُدُّ الرَّمَقَ إلَّا أَنْ يُخْشَى الْهَلَاكُ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا
وَلَا يُقْتَصُّ منه لِلْمُمْتَنِعِ إنْ قَتَلَهُ وَلَا يُؤْخَذُ له دِيَةٌ وَيُقْتَصُّ له إنْ قَتَلَهُ الْمُمْتَنِعُ لِأَنَّهُ لم يَتَعَدَّ بِخِلَافِ الْمُمْتَنِعِ فَإِنْ عَجَزَ عن أَخْذِهِ منه وَمَاتَ جُوعًا فَلَا ضَمَانَ على الْمُمْتَنِعِ إذْ لم يَحْدُثْ منه فِعْلٌ مُهْلِكٌ لَكِنَّهُ يَأْثَمُ وينبغي له فِيمَا إذَا لم يَبْذُلْهُ له إلَّا بِأَكْثَرَ من ثَمَنِ مِثْلِهِ أَنْ يَحْتَالَ في أَخْذِهِ منه بِبَيْعٍ فَاسِدٍ لِئَلَّا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ من قِيمَتِهِ كَأَنْ يَقُولَ اُبْذُلْهُ لي بِعِوَضٍ فَيَبْذُلُهُ له بِعِوَضٍ ولم يُقَدِّرْهُ أو يُقَدِّرُهُ ولم يُفْرِدْ له ما يَأْكُلُهُ فَيَلْزَمُهُ مِثْلُ ما أَكَلَهُ إنْ كان مِثْلِيًّا وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ في ذلك الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَلَهُ أَنْ يَشْبَعَ فَإِنْ اشْتَرَاهُ منه بِأَكْثَرَ من ثَمَنِ الْمِثْلِ وَلَوْ بِأَكْثَرَ مِمَّا يُتَغَابَنُ بِهِ وهو قَادِرٌ على قَهْرِهِ وَأَخْذِهِ منه لَزِمَهُ ذلك وَإِنْ غُبِنَ في شِرَائِهِ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ في الِالْتِزَامِ فَكَانَ كما لو اشْتَرَاهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ وَكَذَا لو عَجَزَ عن أَخْذِهِ وَاشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ من ثَمَنِ مِثْلِهِ لَزِمَهُ لِذَلِكَ وَكَمَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُصَادَرِ من جِهَةِ ظَالِمٍ لِدَفْعِ الْأَذَى عنه إذْ لَا إكْرَاهَ على الْبَيْعِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَيْ مَالِكَهُ بَذْلُهُ إلَّا بِعِوَضٍ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ وَلَا أُجْرَةَ لِمَنْ خَلَّصَ مُشْرِفًا على الْهَلَاكِ بِوُقُوعِهِ في مَاءٍ أو نَارٍ أو نَحْوِهِمَا أَيْ يَلْزَمُهُ تَخْلِيصُهُ بِلَا أُجْرَةٍ لِضِيقِ الْوَقْتِ عن تَقْدِيرِ الْأُجْرَةِ
فَإِنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لِتَقْدِيرِهَا لم يَجِبْ تَخْلِيصُهُ إلَّا بِأُجْرَةٍ كما في التي قَبْلَهَا فَإِنْ فُرِضَ
____________________
(1/572)
في تِلْكَ ضِيقُ الْوَقْتِ وَجَبَ الْبَذْلُ بِلَا عِوَضٍ فَلَا فَرْقَ بين الْمَسْأَلَتَيْنِ وهو ما نَقَلَهُ في الشَّامِلِ عن الْأَصْحَابِ كما قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وقال إنَّهُ الْوَجْهُ وَاقْتَضَى كَلَامُ الْمَجْمُوعِ أَوَاخِرَ الْبَابِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فيه لَكِنَّهُ قبل ذلك نَقَلَهُ كَالْأَصْلِ عن الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ بَعْدَ نَقْلِهِ عن قَطْعِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْبَذْلُ في تِلْكَ إلَّا بِعِوَضٍ بِخِلَافِهِ في هذه يَلْزَمُهُ تَخْلِيصُهُ بِلَا أُجْرَةٍ وَعَلَى هذا اخْتَصَرَ الْأَصْفُونِيُّ وَشَيْخُنَا أبو عبد اللَّهِ الْحِجَازِيُّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ فَرْعٌ وَإِنْ أَطْعَمَهُ الْمَالِكُ بِلَا مُعَاوَضَةٍ أَيْ بِغَيْرِ ذِكْرِ عِوَضٍ لم يَلْزَمْهُ شَيْءٌ حَمْلًا على الْمُسَامَحَةِ الْمُعْتَادَةِ في الطَّعَامِ لَا سِيَّمَا في حَقِّ الْمُضْطَرِّ فَلَوْ اخْتَلَفَا في الْتِزَامِ عِوَضِ الطَّعَامِ فقال أَطْعَمْتُكَ بِعِوَضٍ فقال بَلْ مَجَّانًا صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِكَيْفِيَّةِ بَذْلِهِ
وَلَوْ أَوْجَرَ الْمَالِكُ الْمُضْطَرَّ قَهْرًا أو أَوْجَرَهُ وهو مُغْمًى عليه لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ في الْمُتَقَوِّمِ وَالْمِثْلُ في الْمِثْلِيِّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ بَلْ يَلْزَمُهُ إطْعَامُهُ إبْقَاءً لِمُهْجَتِهِ وَلِمَا فيه من التَّحْرِيضِ على مِثْلِ ذلك كَذَا عَلَّلَ بِهِمَا الرَّافِعِيُّ الْأَوَّلَ في الضَّمَانِ وَالثَّانِيَ هُنَا جَازِمًا بِالْحُكْمِ ثَمَّ وَمُرَجِّحًا له هُنَا وهو مُشْكِلٌ بِمَا مَرَّ آنِفًا في مَسْأَلَةِ الْإِطْعَامِ لَا جَرَمَ قال الْأَذْرَعِيُّ بَلْ الصَّحِيحُ كما قال الْقَاضِي وَالْفُورَانِيُّ وابن الرِّفْعَةِ عَدَمُ اللُّزُومِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ
فَرْعٌ يَجِبُ تَدَارُكُ حَيَاةِ الْبَهِيمَةِ الْمُحْتَرَمَةِ بِبَذْلِ الْمَالِ لها كَالْآدَمِيِّ الْمُحْتَرَمِ وَإِنْ كانت لِلْغَيْرِ مِلْكًا أو اخْتِصَاصًا ثُمَّ إنْ ذَكَرَ عِوَضًا رَجَعَ بِهِ على صَاحِبِهَا وَإِلَّا فَلَا وَيَلْزَمُهُ ذَبْحُ شَاتِهِ لِكَلْبِهِ الْمُحْتَرَمِ وَتَحِلُّ الشَّاةُ أَيْ أَكْلُهَا لِلْآدَمِيِّ لِأَنَّهَا ذُبِحَتْ لِلْأَكْلِ وَيَأْكُلُ الْمُضْطَرُّ من طَعَامِ الْغَائِبِ كَالْمَيْتَةِ كما مَرَّ وَيَغْرَمُ له الْقِيمَةَ في الْمُتَقَوِّمِ وَالْمِثْلَ في الْمِثْلِيِّ لِإِتْلَافِهِ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ
فَصْلٌ لو وَجَدَ الْمُضْطَرُّ مَيْتَةً وَطَعَامَ غَائِبٍ أو وصيدا وهو مُحْرِمٌ في الثَّانِيَةِ وَجَبَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ لِعَدَمِ ضَمَانِهَا أو احْتِرَامِهَا فِيهِمَا وَتَخْتَصُّ الْأُولَى بِأَنَّ إبَاحَةَ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ مَنْصُوصٌ عليها وَإِبَاحَةَ أَكْلِ مَالِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ ثَابِتَةٌ بِالِاجْتِهَادِ وَالثَّانِيَةُ بِأَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ من ذَبْحِ الصَّيْدِ مع أَنَّ مَذْبُوحَهُ منه مَيْتَةٌ كما مَرَّ في الْحَجِّ وَمِثْلُهُ بَيْضُهُ وَلَبَنُهُ فِيمَا يَظْهَرُ وَكَصَيْدِ الْمُحْرِمِ صَيْدُ الْحَرَمِ كما في الْكِفَايَةِ وَكَذَا لو كان مَالِكُ الطَّعَامِ حَاضِرًا وَامْتَنَعَ من الْبَيْعِ أَصْلًا أو إلَّا بِأَكْثَرَ مِمَّا يُتَغَابَنُ بِهِ وَجَبَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَمْتَنِعْ مع ذلك فإنه يَلْزَمُهُ أَكْلُ طَعَامِ الْغَيْرِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ إذَا لم يَبِعْهُ له مَالِكُهُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِمَّا ذُكِرَ لم يَلْزَمْهُ شِرَاؤُهُ لَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ وَلَوْ ذَبَحَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ صَارَ مَيْتَةً فَيَتَخَيَّرُ الْمُضْطَرُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيْتَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَيْتَةٌ وَلَا مُرَجِّحَ وَلَا قِيمَةَ لِلَحْمِهِ كَسَائِرِ الْمَيْتَاتِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وفي الصَّيْدِ وَطَعَامِ الْغَيْرِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا يَتَعَيَّنُ الصَّيْدُ ثَانِيهَا يَتَعَيَّنُ الطَّعَامُ وَثَالِثُهَا يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِبِنَاءِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى على الْمُسَامَحَةِ
وَمَيْتَةُ الشَّاةِ وَالْحِمَارِ وَالْمُرَادُ مَيْتَتَا الْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ الطَّاهِرِ في حَيَاتِهِ سَوَاءٌ لِاشْتِرَاكِهِمَا في أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَيْتَةٌ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَيُقَدَّمَانِ على الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ من كل حَيَوَانٍ نَجَسٍ في حَيَاتِهِ
وَإِنْ وَجَدَ الْمَرِيضُ طَعَامًا له أو لِغَيْرِهِ يَضُرُّهُ وَلَوْ بِزِيَادَةٍ في مَرَضِهِ فَلَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ دُونَهُ
فَصْلٌ في مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْأَطْعِمَةِ يُكْرَهُ ذَمُّ الطَّعَامِ لِمَا فيه من الْإِيذَاءِ وَرَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما عَابَ طَعَامًا قَطُّ إنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ وَخَرَجَ بِالطَّعَامِ صَانِعُهُ فَلَا يُكْرَهُ ذَمُّهُ قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ قال الزَّرْكَشِيُّ وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ إذَا كان الطَّعَامُ لِغَيْرِهِ فَإِنْ كان له فَلَا لَا سِيَّمَا ما وَرَدَ خُبْثُهُ كَالْبَصَلِ
وتكره الزِّيَادَةُ على الشِّبَعِ من الطَّعَامِ الْحَلَالِ لِمَا فيه من الضَّرَرِ وَمَحَلُّهُ في طَعَامِ نَفْسِهِ أَمَّا في طَعَامِ مُضِيفِهِ فَيَحْرُمُ كما سَيَأْتِي في الْوَلِيمَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ من أَسْفَلِ الصَّفْحَةِ لَا من أَعْلَاهَا وَوَسَطِهَا بَلْ يُكْرَهُ
____________________
(1/573)
كما سَيَأْتِي في الْوَلِيمَةِ وَأَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ عَقِيبَهُ أَيْ الْأَكْلِ فيقول الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فيه وفي الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان إذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قال الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فيه غير مَكْفِيٍّ وَلَا مَكْفُورٍ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عنه رَبُّنَا بِرَفْعِهِ بِالِابْتِدَائِيَّةِ أو بِالْخَبَرِيَّةِ وَبِنَصَبِهِ بِالِاخْتِصَاصِ أو النِّدَاءِ وَبِجَرِّهِ بِالْبَدَلِ من لِلَّهِ وَرَوَى أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان إذَا أَكَلَ وَشَرِبَ قال الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي أَطْعَمَ وَسَقَى وَسَوَّغَهُ وَجَعَلَ له مَخْرَجًا وأن يُكْرِمَ الضَّيْفَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ من كان يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ قالوا وما جَائِزَتُهُ يا رَسُولَ اللَّهِ قال يَوْمُهُ وَلَيْلَتُهُ وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فما كان وَرَاءَ ذلك فَهُوَ صَدَقَةٌ عليه
وَالثِّمَارُ وَالزَّرْعُ في التَّحْرِيمِ على غَيْرِ مَالِكِهَا وَالْحِلِّ له كَغَيْرِهَا فَلَا يُبَاحُ له بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا إلَّا عِنْدَ اضْطِرَارِهِ فَيَأْكُلُ وَيَضْمَنُ فَلَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِ ما تَسَاقَطَ منها جَازَ إجْرَاءً لها مَجْرَى الْإِبَاحَةِ لِحُصُولِ الظَّنِّ بها كما يَحْصُلُ بِحَمْلِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ الْهَدِيَّةَ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى ما إذَا كان ذلك لِمَنْ لَا يَعْتَبِرُ إذْنَهُ كَيَتِيمٍ وَأَوْقَافٍ عَامَّةٍ لِأَنَّ صَرِيحَ إذْنِهِ لَا يُؤَثِّرُ فما يَقُومُ مَقَامَهُ أَوْلَى قال وقد ذَكَرَ ابن عبد السَّلَامِ مِثْلَ ذلك في الشُّرْبِ من الْجَدَاوِلِ وَالْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ وَهَذَا أَوْلَى منه إلَّا إنْ حُوِّطَ عليه أَيْ ما ذُكِرَ من الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ أو مَنَعَ منه الْمَالِكُ لِأَنَّ ذلك يَدُلُّ على شُحِّهِ وَعَدَمِ مُسَامَحَتِهِ
وَلَهُ الْأَكْلُ من طَعَامٍ يَعْلَمُ رِضَا مَالِكِهِ بِهِ وَإِنْ لم يَأْذَنْ فيه فَقَدْ تَظَاهَرَتْ دَلَائِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَفِعْلُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ على ذلك قال تَعَالَى وَلَا على أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا من بُيُوتِكُمْ إلَى قَوْلِهِ أو صَدِيقِكُمْ وَثَبَتَتْ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ بِنَحْوِ الْآيَةِ فَإِنْ تَشَكَّكَ في رِضَاهُ بِذَلِكَ حَرُمَ فَالْمُرَادُ بِعِلْمِهِ ما يَشْمَلُ ظَنَّهُ وَبِهِ عَبَّرَ في الرَّوْضَةِ وَتَرْكُ التَّبَسُّطِ في الطَّعَامِ الْمُبَاحِ مُسْتَحَبٌّ فإنه ليس من أَخْلَاقِ السَّلَفِ إلَّا في قِرَى الضَّيْفِ بِكَسْرِ الْقَافِ وَالْقَصْرِ وَبِفَتْحِهَا وَالْمَدِّ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْسُطَ له من أَنْوَاعِ الطَّعَامِ لِمَا فيه من إكْرَامِهِ وَالْقِيَامِ بِحَقِّهِ وَأَوْقَاتِ التَّوْسِعَةِ على الْعِيَالِ كَيَوْمِ عَاشُورَاءَ وَيَوْمَيْ الْعِيدِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ هذا إذَا لم تَدْعُ إلَيْهِ أَيْ التَّبَسُّطِ حَاجَةٌ كَقِرَى الضَّيْفِ وَالتَّوْسِعَةِ على الْعِيَالِ في الْأَوْقَاتِ الْمَعْرُوفَةِ وَبِالصِّفَاتِ الْمَعْرُوفَةِ أَيْ كان لَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ التَّفَاخُرَ وَالتَّكَاثُرَ بَلْ تَطْيِيبَ خَاطِرِ الْعِيَالِ وَقَضَاءَ وَطَرِهِمْ مِمَّا يَشْتَهُونَهُ
وَيُسْتَحَبُّ الْحُلْوُ من الْأَطْعِمَةِ وَكَثْرَةُ الْأَيْدِي على الطَّعَامِ لِخَبَرِ أبي دَاوُد وَغَيْرِهِ أَنَّ أَصْحَابَ رسول اللَّه صلى اللَّهُ عليه وسلم قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَأْكُلُ وَلَا نَشْبَعُ قال فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ قالوا نعم قال فَاجْتَمِعُوا على طَعَامِكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ يُبَارَكْ لَكُمْ فيه
ويستحب الْحَدِيثُ الْحَسَنُ على الْأَكْلِ كَحِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ في الْأَطْعِمَةِ وَغَيْرِهَا وقد رَوَى مُسْلِمٌ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم سَأَلَ أَهْلَهُ الْأُدُمَ فَقَالُوا ما عِنْدَنَا إلَّا خَلٌّ فَدَعَا بِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ منه وَيَقُولُ نِعْمَ الْأُدُمُ الْخَلُّ وَمَعَ ذلك يُسْتَحَبُّ تَقْلِيلُهُ فَقَدْ نَقَلَ الْعَبَّادِيُّ أَنَّ الرَّبِيعَ رَوَى عن الشَّافِعِيِّ من الْأَدَبِ في الطَّعَامِ قِلَّةُ الْكَلَامِ وَسَيَأْتِي بَعْضُ هذه الْأُمُورِ مع زِيَادَةٍ في بَابِ الْوَلِيمَةِ
كِتَابُ النَّذْرِ بِالْمُعْجَمَةِ هو لُغَةً الْوَعْدُ بِخَيْرٍ أو شَرٍّ وَشَرْعًا قال الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ الْوَعْدُ بِخَيْرٍ خَاصَّةً وقال غَيْرُهُمَا الْتِزَامُ قُرْبَةٍ غَيْرِ وَاجِبَةٍ عَيْنًا كما سَيَأْتِي وَالْأَصْلُ فيه آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَقَوْله يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الْبُخَارِيِّ من نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ وَخَبَرِ مُسْلِمٍ لَا نَذْرَ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابن آدَمَ وَعَنْ النَّصِّ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا له آخِرَ الْبَابِ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عنه لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عنه وقال إنَّهُ لَا يَرُدُّ شيئا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ من الْبَخِيلِ وقال الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ إنَّهُ قُرْبَةٌ وهو قَضِيَّةُ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ وَالنَّذْرُ تَقَرُّبٌ فَلَا يَصِحُّ من الْكَافِرِ وَقَوْلِ النَّوَوِيِّ النَّذْرُ عَمْدًا في الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا في الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ مُنَاجَاةُ اللَّهِ تَعَالَى كَالدُّعَاءِ وَأُجِيبَ عن النَّهْيِ بِحَمْلِهِ على من ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَقُومُ بِمَا الْتَزَمَهُ أو أَنَّ لِلنَّذْرِ تَأْثِيرًا كما يُلَوِّحُ بِهِ الْخَبَرُ أو على الْمُعَلَّقِ بِشَيْءٍ وقال الْكَرْمَانِيُّ الْمَكْرُوهُ
____________________
(1/574)
الْتِزَامُ الْقُرْبَةِ لَا الْقُرْبَةُ إذْ رُبَّمَا لَا يَقْدِرُ على الْوَفَاءِ
وَفِيهِ فَصْلَانِ
الْأَوَّلُ في أَرْكَانِهِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ النَّاذِرُ وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ وَالْإِسْلَامُ وَالِاخْتِيَارُ وَنُفُوذُ التَّصَرُّفِ فِيمَا يَنْذُرُهُ وَلَوْ سَكِرَ حَالَ النَّذْرِ لِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ السَّكْرَانَ مُكَلَّفٌ وهو ما جَرَى عليه في كِتَابِ الْجُمُعَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كما مَرَّ بَيَانُهُ ثَمَّ فَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ من غَيْرِ الْمُكَلَّفِ إلَّا السَّكْرَانَ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلِالْتِزَامِ وَلَا من الْكَافِرِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْقُرْبَةِ أو لِالْتِزَامِهَا وَإِنَّمَا صَحَّ وَقْفُهُ وَصِيَّتَهُ وَصَدَقَتَهُ من حَيْثُ إنَّهَا عُقُودٌ مَالِيَّةٌ لَا قُرْبَةٌ وَلَا من الْمُكْرَهِ كَالْعِتْقِ وَغَيْرِهِ وَلِخَبَرِ رُفِعَ عن أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وما اُسْتُكْرِهُوا عليه لَا مِمَّنْ لم يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ فِيمَا يَنْذُرُهُ كَنَذْرِ السَّفِيهِ الْقُرَبَ الْمَالِيَّةَ كما يَأْتِي بَيَانُهُ
وَيَصِحُّ أَيْ النَّذْرُ من الْمَحْجُورِ عليه بِسَفَهٍ أو فَلَسٍ في الْقُرَبِ الْبَدَنِيَّةِ بِخِلَافِ الْقُرَبِ الْمَالِيَّةِ الْعَيْنِيَّةِ كَعِتْقِ هذا الْعَبْدِ وَالصَّدَقَةِ بِهِ وَلَا حَجْرَ على الْمُفْلِسِ في ذِمَّتِهِ فَيَصِحُّ نَذْرُهُ الْمَالِيُّ فيها لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤَدِّيهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عنه وَكَلَامُهُ كَأَصْلِهِ هُنَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ من السَّفِيهِ نَذْرُ الْقُرَبِ الْمَالِيَّةِ في الذِّمَّةِ لَكِنَّهُمَا جَزَمَا في بَابِ الْحَجْرِ بِصِحَّتِهِ وهو أَوْجَهُ كَالتَّدْبِيرِ وَالْوَصِيَّةِ وَإِنْ كان فيه إلْزَامُ الذِّمَّةِ في الْحَالِ بِخِلَافِهِمَا لِأَنَّهُ على هذا إنَّمَا يُؤَدِّي بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عنه كما في نَذْرِ الْمُفْلِسِ وَنَذْرِ الرَّقِيقِ الْمَالَ في ذِمَّتِهِ قال ابن الرِّفْعَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَضَمَانَةِ أَيْ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَالْأَصَحُّ انْعِقَادُ نَذْرِهِ الْحَجَّ وَيُشْبِهُ أَنَّ غير الْحَجِّ كَذَلِكَ انْتَهَى
وَالْأَوْجَهُ ما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ من صِحَّةِ نَذْرِهِ الْمَالَ في ذِمَّتِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَيُفَارِقُ الضَّمَانَ بِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فيه حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إذْ لَا يَصِحُّ إلَّا في قُرْبَةٍ بِخِلَافِ الضَّمَانِ قال في الْأَصْلِ وَلَوْ نَذَرَ عِتْقَ مَرْهُونِ الْعَقْدِ إنْ نَفَّذْنَا عِتْقَهُ وَإِلَّا فَكَمَنْ نَذَرَ إعْتَاقَ من لَا يَمْلِكُهُ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ
الرُّكْنُ الثَّانِي الصِّيغَةُ فَلَا بُدَّ منها في النَّذْرِ فَلَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَيَنْعَقِدُ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ وَيَنْبَغِي انْعِقَادُهُ بِكِتَابَةِ النَّاطِقِ مع النِّيَّةِ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو أَوْلَى بِالِانْعِقَادِ بها من الْبَيْعِ وهو أَيْ النَّذْرُ قِسْمَانِ نَذْرُ تَبَرُّرٍ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ طَلَبَ بِهِ الْبِرَّ وَالتَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ونذر لَجَاجٍ بِفَتْحِ اللَّامِ سُمِّيَ بِهِ لِوُقُوعِهِ حَالَةَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ فَالْأَوَّلُ وهو نَذْرُ التَّبَرُّرِ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا نَذْرُ الْمُجَازَاةِ وهو أَنْ يَلْتَزِمَ قُرْبَةً في مُقَابَلَةِ حُدُوثِ نِعْمَةٍ أو انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ وَإِنْ لم يَكُنْ حُدُوثُهُمَا نَادِرًا كَقَوْلِهِ إنْ أَغْنَانِي اللَّهُ أو شَفَانِي أو شُفِيَ مَرِيضِي فَعَلَيَّ كَذَا وَكَقَوْلِ من شُفِيَ من مَرَضِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا لِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ من شِفَائِي من مَرَضِي وَخَرَجَ بِحُدُوثِ ما ذُكِرَ اسْتِمْرَارُهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو قِيَاسُ سُجُودِ الشُّكْرِ النَّوْعُ الثَّانِي أَنْ يَلْتَزِمَ من غَيْرِ تَعْلِيقٍ بِشَيْءٍ فَيَصِحُّ إنْ الْتَزَمَ قُرْبَةً كَقَوْلِهِ ابْتِدَاءً لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَفْعَلَ كَذَا أَيْ من صَوْمٍ أو صَلَاةٍ أو نَحْوِهِمَا بِخِلَافِ ما إذَا الْتَزَمَ غير قُرْبَةٍ وَلَوْ مُبَاحًا فَلَا يَصِحُّ كما سَيَأْتِي وَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ الْمَذْكُورِ بِنَوْعِهِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ السَّابِقِ
لَا إنْ عَلَّقَ النَّذْرَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ أو مَشِيئَةِ زَيْدٍ فَلَا يَصِحُّ وَإِنْ شَاءَ زَيْدٌ لِعَدَمِ الْجَزْمِ اللَّائِقِ بِالْقُرَبِ نعم إنْ قَصَدَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ التَّبَرُّكَ أو وَقَّعَ حُدُوثُ مَشِيئَةِ زَيْدٍ نِعْمَةً مَقْصُودَةً كَقُدُومِ زَيْدٍ في قَوْلِهِ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَعَلَيَّ كَذَا فَالْوَجْهُ الصِّحَّةُ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ في الْأُولَى وَأَمَّا نَذْرُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ وَيُقَالُ له يَمِينُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ وَيَمِينُ الْغَلَقِ وَنَذْرُ الْغَلَقِ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ فَهُوَ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ من شَيْءٍ أو يَحُثَّهَا عليه بِتَعْلِيقِ الْتِزَامِ قُرْبَةٍ بِفِعْلٍ أو تَرْكٍ كَقَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا أو إنْ لم أَفْعَلْ
____________________
(1/575)
كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا فَإِنْ الْتَزَمَ فيه قُرْبَةً كَصَوْمٍ أو قُرَبًا كَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ وَصَدَقَةٍ تَخَيَّرَ بين الْوَفَاءِ بِمَا نَذَرَ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ النَّذْرَ من حَيْثُ إنَّهُ الْتِزَامُ قُرْبَةٍ وَالْيَمِينُ من حَيْثُ الْمَنْعُ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ من تَعَيُّنِ الْكَفَّارَةِ وَإِنْ الْتَزَمَ غَيْرَهَا أَيْ غير الْقُرْبَةِ فَعَلَيْهِ إنْ حَنِثَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُشْبِهُ الْيَمِينَ لَا النَّذْرَ ثُمَّ فَرَّعَ على كُلٍّ من الشِّقَّيْنِ فقال فإذا قال إنْ فَعَلْتُهُ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَكَ تَخَيَّرَ بين عِتْقِهِ وَكَفَّارَةِ يَمِينٍ فَإِنْ اخْتَارَ عِتْقَهُ أَعْتَقَهُ كَيْفَ كان أو الْكَفَّارَةَ اُعْتُبِرَ في إعْتَاقِهِ صِفَةَ الْإِجْزَاءِ أو إنْ فَعَلْتُهُ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُطَلِّقَكِ فَكَقَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَوَاَللَّهِ لَأُطَلِّقَنَّكِ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا قبل التَّطْلِيقِ وَبَعْدَ الْفِعْلِ وفي مَعْنَى مَوْتِ أَحَدِهِمَا تَحْرِيمُهُ على الْآخَرِ بِرَضَاعٍ أو غَيْرِهِ
وَكَذَا لو قال إنْ فَعَلْت كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ آكُلَ الْخُبْزَ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ بِمَوْتِهِ قبل أَكْلِ الْخُبْزِ وَبَعْدَ الْفِعْلِ لِأَنَّ هذه الْمَذْكُورَاتِ إنَّمَا تُشْبِهُ الْيَمِينَ لَا النَّذْرَ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ غَيْرُ قُرْبَةٍ أو قال إنْ فَعَلْت كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ فَالنَّذْرُ قُرْبَةٌ فَيَتَخَيَّرُ بين قُرْبَةٍ ما من الْقُرَبِ وَكَفَّارَةِ يَمِينٍ فَلَوْ كان ذلك في نَذْرِ التَّبَرُّرِ كَأَنْ قال إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ نَذْرٌ أو قال ابْتِدَاءً لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ لَزِمَهُ قُرْبَةٌ من الْقُرَبِ وَالتَّعْيِينُ إلَيْهِ ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَإِنْ قال إنْ فَعَلْت كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لَزِمَتْهُ أَيْ الْكَفَّارَةُ إنْ حَنِثَ لِأَنَّهَا التي الْتَزَمَهَا وَكَذَا لو قال نَذَرْت لِلَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا ونوى الْيَمِينَ يَلْزَمُهُ إنْ حَنِثَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَإِنْ لم يَنْوِ فَوَجْهَانِ جَزَمَ في الْأَنْوَارِ مِنْهُمَا بِمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ من أَنَّهُ نَذْرٌ أَيْ نَذْرُ تَبَرُّرٍ أو إنْ فَعَلْت كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ يَمِينٌ فَلَغْوٌ لِأَنَّهُ لم يَأْتِ بِنَذْرٍ وَلَا صِيغَةِ يَمِينٍ وَلَيْسَتْ الْيَمِينُ مِمَّا تَثْبُتُ في الذِّمَّةِ وَلَوْ قال ابْتِدَاءً لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَدْخُلَ الدَّارَ الْيَوْمَ فَيَمِينٌ حتى إذَا لم يَدْخُلْ تَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَإِنَّمَا لم يَكُنْ نَذْرًا لِأَنَّهُ لم يَلْتَزِمْ قُرْبَةً فَرْعٌ لو قال ابْتِدَاءً مَالِي صَدَقَةٌ أو في سَبِيلِ اللَّهِ فَلَغْوٌ لِأَنَّهُ لم يَأْتِ بِصِيغَةِ الْتِزَامٍ فَإِنْ عَلَّقَهُ أَيْ قَوْلَهُ الْمَذْكُورَ بِدُخُولٍ مَثَلًا كَقَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَمَالِي صَدَقَةٌ فَنَذْرُ لَجَاجٍ لِأَنَّهَا الْمَفْهُومُ منه فَكَانَ كَقَوْلِهِ فَعَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي فَإِمَّا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِكُلِّ مَالِهِ وَإِمَّا أَنْ يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ إلَّا إنْ أَوْجَبَهُ أَيْ التَّصَدُّقَ بِكُلِّ مَالِهِ عَيْنًا وَالتَّبَرُّرُ الْمُعَلَّقُ بِمَا ذَكَرَ بِأَنْ يَكُونَ الْمُعَلَّقُ بِهِ مَرْغُوبًا فيه كَقَوْلِهِ إنْ رَزَقَنِي اللَّهُ دُخُولَ الدَّارِ أو إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَأَرَادَ ذلك فَمَالِي صَدَقَةٌ فَتَجِبُ الصَّدَقَةُ عَيْنًا بَيَّنَ بِذَلِكَ مُرَادَ أَصْلِهِ الْمُوهِمَ خِلَافَ الْمُرَادِ بِحَيْثُ أَوْقَعَ الْإِسْنَوِيُّ في الِاعْتِرَاضِ عليه فَإِنْ قال بَدَلَ صَدَقَةٍ في نَذْرِ اللَّجَاجِ أو التَّبَرُّرِ في سَبِيلِ اللَّهِ فَعَلَى الْغُزَاةِ يَتَصَدَّقُ بِكُلِّ مَالِهِ في الْأَوَّلِ بَعْدَ الِاخْتِيَارِ وفي الثَّانِي مُطْلَقًا قال الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَشْبَهُ تَخْصِيصُ لُزُومِ التَّصَدُّقِ بِكُلِّ مَالِهِ فِيمَا تَقَرَّرَ بِمَا إذَا لم يَكُنْ عليه دَيْنٌ لَا يَرْجُو وَفَاءَهُ أو له من تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ وهو مُحْتَاجٌ إلَى صَرْفِهِ له فَإِنْ كان كَذَلِكَ لم يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ بِذَلِكَ لِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ له لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عليه التَّصَدُّقُ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِذَلِكَ وَسَبَقَهُ إلَى نَحْوِ ذلك الْأَذْرَعِيُّ قال وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ في لُزُومِ التَّصَدُّقِ بِمَا يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا نعم لِأَنَّهُ من مَالِهِ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِاسْتِثْنَائِهِ شَرْعًا في حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى
فَرْعٌ الصِّيغَةُ إنْ احْتَمَلَتْ نَذْرَ اللَّجَاجِ وَنَذْرَ التَّبَرُّرِ رُجِعَ فيها إلَى قَصْدِهِ أَيْ النَّاذِرِ فَالْمَرْغُوبُ فيه تَبَرُّرٌ وَالْمَرْغُوبُ عنه لَجَاجٌ وَضَبَطُوا ذلك بِأَنَّ الْفِعْلَ إمَّا طَاعَةٌ أو مَعْصِيَةٌ أو مُبَاحٌ وَالِالْتِزَامُ في كُلٍّ منها تَارَةً يَتَعَلَّقُ بِالْإِثْبَاتِ وَتَارَةً بِالنَّفْيِ وقد أَخَذَ في بَيَانِهَا فقال فَالْإِثْبَاتُ في طَاعَةٍ كَقَوْلِهِ إنْ صَلَّيْت فَعَلَيَّ كَذَا يَحْتَمِلُهُمَا أَيْ نَذْرَ التَّبَرُّرِ بِأَنْ يُرِيدَ إنْ وَفَّقَنِي اللَّهُ لِلصَّلَاةِ فَعَلَيَّ كَذَا وَنَذْرُ اللَّجَاجِ بِأَنْ يُقَالَ له صَلِّ فيقول لَا أُصَلِّي وَإِنْ صَلَّيْت فَعَلَيَّ كَذَا وَالنَّفْيُ فيها أَيْ في الطَّاعَةِ كَقَوْلِهِ وقد مُنِعَ من الصَّلَاةِ إنْ لم أُصَلِّ فَعَلَيَّ كَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا لَجَاجًا لَا تَبَرُّرًا لِأَنَّهُ لَا بِرَّ في تَرْكِ الطَّاعَةِ وَالْإِثْبَاتُ في الْمَعْصِيَةِ كَقَوْلِهِ وقد أُمِرَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ إنْ شَرِبْت الْخَمْرَ فَعَلَيَّ كَذَا يُتَصَوَّرُ لَجَاجًا فَقَطْ وَالنَّفْيُ فيها كَقَوْلِهِ إنْ لم أَشْرَبْ الْخَمْرَ فَعَلَيَّ كَذَا يَحْتَمِلُهُمَا أَيْ نَذْرُ التَّبَرُّرِ بِأَنْ يُرِيدَ إنْ عَصَمَنِي اللَّهُ من الشُّرْبِ فَعَلَيَّ كَذَا وَنَذْرُ اللَّجَاجِ بِأَنْ يُمْنَعَ من الشُّرْبِ فيقول إنْ لم أَشْرَبْ فَعَلَيَّ كَذَا وَيُتَصَوَّرُ أَنَّ أَيْ نَذْرَ التَّبَرُّرِ وَنَذْرَ اللَّجَاجِ في الْمُبَاحِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا فَالتَّبَرُّرُ في النَّفْيِ إنْ لم آكُلْ كَذَا فَعَلَيَّ كَذَا يُرِيدُ إنْ أَعَانَنِي اللَّهُ على كَسْرِ شَهْوَتِي فَتَرَكْتُهُ فَعَلَيَّ كَذَا وفي الْإِثْبَاتِ كَقَوْلِهِ إنْ أَكَلْت كَذَا فَعَلَيَّ كَذَا يُرِيدُ إنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ لي
____________________
(1/576)
فَعَلَيَّ كَذَا وَاللَّجَاجُ في النَّفْيِ كَقَوْلِهِ وقد مُنِعَ من أَكْلِ الْخُبْزِ إنْ لم آكُلْهُ فَعَلَيَّ كَذَا وفي الْإِثْبَاتِ كَقَوْلِهِ وقد أُمِرَ بِأَكْلِهِ إنْ أَكَلْته فَعَلَيَّ كَذَا
فَرْعٌ قال الرُّويَانِيُّ لو قال إنْ سَلِمَ مَالِي وَهَلَكَ مَالُ فُلَانٍ أَعْتَقْت عَبْدِي وَطَلَّقْت امْرَأَتِي انْعَقَدَ نَذْرُهُ على سَلَامَةِ مَالِهِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لَا على هَلَاكِ مَالِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ وَيَلْزَمُهُ في الْجَزَاءِ عِتْقُ عَبْدِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ لِأَنَّ الْعِتْقَ طَاعَةٌ وَالطَّلَاقُ مُبَاحٌ وما قَالَهُ قَرِيبٌ مِمَّا مَرَّ في إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَمَالِي صَدَقَةٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لِخُلُوِّهِ عن عَلَيَّ الْمُعْتَبَرَةِ في الصِّيغَةِ فَيُسْتَثْنَى
فَرْعٌ لَا فَرْقَ في الْجَمِيعِ أَيْ جَمِيعِ ما ذُكِرَ بين قَوْلِهِ فَعَلَيَّ كَذَا وَقَوْلِهِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صِيغَةُ الْتِزَامٍ وَالْقُرْبَةُ لَا تَكُونُ إلَّا لِلَّهِ فَحُمِلَ الْإِطْلَاقُ في الْأَوَّلِ عليه
فَرْعٌ وَإِنْ قال إنْ فَعَلْتُهُ فَأَيْمَانُ الْبَيْعَةِ لَازِمَةٌ لي وَمِثْلُهُ الْآنَ في الْعُرْفِ فَأَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ لَازِمَةٌ لي فَإِنْ نَوَى طَلَاقَ بَيْعَةِ الْحَجَّاجِ وَعَتَاقِهَا انْعَقَدَ يَمِينُهُ بِهِمَا كما لو نَطَقَ بِهِمَا وَلِأَنَّهُمَا يَنْعَقِدَانِ بِالْكِتَابَةِ مع النِّيَّةِ وَإِلَّا بِأَنْ لم يَنْوِ ذلك سَوَاءٌ أَنَوَى الْيَمِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَمْ لَا فَلَا تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ قالوا وَكَانَتْ الْبَيْعَةُ في زَمَنِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَمِنْ بَعْدِهِ بِالْمُصَافَحَةِ فلما وَلِيَ الْحَجَّاجُ رَتَّبَهَا أَيْمَانًا تَشْتَمِلُ على ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى الطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْحَجِّ وَالصَّدَقَةِ
الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْمَنْذُورُ فَلَا يَنْعَقِدُ النَّذْرُ بِالْتِزَامِ الْمَعْصِيَةِ كَشُرْبِ خَمْرٍ وَزِنًا وَصَلَاةٍ بِحَدَثٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ فَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ إنْ حَنِثَ وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ عن خَبَرِ لَا نَذْرَ في مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ وَغَيْرُهُ يَحْمِلُهُ على نَذْرِ اللَّجَاجِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَمَحَلُّ عَدَمِ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ بِذَلِكَ إذَا لم يَنْوِ بِهِ الْيَمِينَ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ آخِرًا فَإِنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ
وَأَمَّا الطَّاعَةُ فَشَرْطٌ في انْعِقَادِ النَّذْرِ لَكِنْ لَا يَصِحُّ نَذْرُ الْوَاجِبَاتِ منها وَكَذَا تَرْكُ أَيْ نَذْرُ تَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ لِأَنَّهَا قد لَزِمَتْ بِإِلْزَامِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً فَلَا مَعْنَى لِالْتِزَامِهَا وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ الْوَاجِبَ الْمُخَيَّرَ الذي هو الْأَحَدُ الْمُبْهَمُ وهو ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ في الْحَقِيقَةِ من هذه الْجِهَةِ وَاجِبٌ عَيْنًا نعم لو نَذَرَ خَصْلَةً مُعَيَّنَةً من خِصَالِهِ فَيَنْبَغِي انْعِقَادُهُ كَفَرْضِ الْكِفَايَةِ وقال الزَّرْكَشِيُّ الْقِيَاسُ انْعِقَادُهُ في أَعْلَاهَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ لَكِنْ صَرَّحَ الْقَاضِي بِعَدَمِ انْعِقَادِ ذلك
ا ه
وَمَنْ اسْتَحْضَرَ أَنَّ الْوَاجِبَ غَيْرُ الْمُخَيَّرِ فيه وَإِنْ كان لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِهِ عُلِمَ أَنَّ الْأَوْجُهَ ما قُلْنَاهُ
وَلَا يَصِحُّ نَذْرُ الْمُبَاحَاتِ وَهِيَ التي اسْتَوَى فِعْلُهَا وَتَرْكُهَا سَوَاءٌ أَنَذَرَ فِعْلَهَا أَمْ تَرْكَهَا لِخَبَرِ أبي دَاوُد لَا نَذْرَ إلَّا فِيمَا اُبْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عن ابْنِ عَبَّاسٍ بَيْنَمَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَخْطُبُ إذْ رَأَى رَجُلًا قَائِمًا في الشَّمْسِ فَسَأَلَ عنه فَقَالُوا هذا أبو إسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ وَلَا يَقْعُدَ وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَتَكَلَّمَ قال مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ وإذا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَذْرُ شَيْءٍ من الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَكْتُوبَاتِ أو أَنْ لَا يَسْرِقَ أو أَنْ يَتَزَوَّجَ وَيَأْكُلَ أَيْ أو أَنْ يَأْكُلَ أو أَنْ يَنَامَ وَإِنْ قَصَدَ بِالْأَكْلِ التَّقَوِّي على الْعِبَادَةِ وَبِالتَّزَوُّجِ غَضَّ الْبَصَرِ وَتَحْصِينَ الْفَرْجِ وَبِالنَّوْمِ النَّشَاطَ على التَّهَجُّدِ لم يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِعَدَمِ انْعِقَادِ نَذْرِهِ وَإِنَّمَا لم يَنْعَقِدْ عِنْدَ قَصْدِهِ بِالْأَكْلِ وَالتَّزَوُّجِ وَالنَّوْمِ ما ذُكِرَ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَنَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ عن الْمَاوَرْدِيِّ انْعِقَادَهُ عِنْدَ الْقَصْدِ ثُمَّ قال وهو الْمُخْتَارُ وقال الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الصَّوَابُ وَذِكْرُ الْمُصَنِّفُ التَّزَوُّجَ من زِيَادَتِهِ وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ انْعِقَادِ نَذْرِهِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ مُرَادًا له إذْ هو مَنْدُوبٌ عِنْدَ التَّوَقَانِ وَوُجُودِ الْأُهْبَةِ كما صَرَّحَ هو كَغَيْرِهِ بِهِ فَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُ بِقَرِينَةِ سَابِقِ كَلَامِهِ فيه وَلَاحِقِهِ وَقَوْلِهِمْ الْعُقُودُ وَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُهَا في الذِّمَّةِ مَحَلُّهُ إذَا اُلْتُزِمَتْ بِغَيْرِ نَذْرٍ يَنْعَقِدُ وَإِلَّا فَيَصِحُّ بِقَرِينَةِ تَصْرِيحِهِمْ بِصِحَّةِ النَّذْرِ في قَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَشْتَرِيَ عَبْدًا وَأُعْتِقَهُ وَتَصْرِيحِ الْمَطْلَبِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ النِّكَاحُ إلَّا بِالنَّذْرِ حَيْثُ يُسْتَحَبُّ
____________________
(1/577)
وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ عَدَمُ لُزُومِ كَفَّارَةِ يَمِينٍ في الْمُبَاحِ وَبِهِ جَزَمَ الْأَصْلُ في بَابِ الْإِيلَاءِ وَصَوَّبَهُ في الْمَجْمُوعِ هُنَا لَكِنْ رَجَّحَ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ لُزُومَهَا وهو الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ من لُزُومِهَا في قَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُطَلِّقَك وفي قَوْلِهِ إنْ فَعَلْته فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ آكُلَ الْخُبْزَ وفي قَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَدْخُلَ الدَّارَ
وَيَصِحُّ نَذْرُ الْعِبَادَاتِ الْمَقْصُودَةِ بِأَنْ وُضِعَتْ لِلتَّقَرُّبِ بها وَعُرِفَ من الشَّارِعِ الِاهْتِمَامُ بِتَكْلِيفِ الْخَلْقِ بِإِيقَاعِهَا عِبَادَةً كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَلَوْ رَاتِبَةً وَفُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَلَوْ لم تَتَعَلَّقْ بِمَالٍ كَالْجِهَادِ وَتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ
ويصح نَذْرُ الصِّفَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ فيها أَيْ في الْعِبَادَاتِ وَلَوْ في فَرْضٍ وَلَوْ مَنْذُورًا كَتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وتطويل السُّجُودِ إذَا لم يُنْدَبْ تَرْكُ التَّطْوِيلِ وَالْمَشْيِ في الْحَجِّ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ وَإِنْ كان الرُّكُوبُ أَفْضَلَ كما سَيَأْتِي وَالصَّلَاةِ في الْمَسْجِدِ وَالْجَمَاعَةِ فَلَوْ خَالَفَ في الْوَصْفِ الْمُلْتَزَمِ كَأَنْ صلى في الْأَخِيرَةِ مُنْفَرِدًا سَقَطَ عنه خِطَابُ الشَّرْعِ في الْأَصْلِ وَبَقِيَ الْوَصْفُ وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ وَحْدَهُ فَعَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِهِ ثَانِيًا مع وَصْفِهِ
ذَكَرَهُ في الْأَنْوَارِ تَبَعًا لِلْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وقال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ يَسْقُطُ عنه نَذْرُهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَصْفَ وَلَا يُمْكِنُ قَضَاؤُهُ قال ابن الرِّفْعَةِ وَالْأَوَّلُ ظَاهِرٌ إذَا لم نَقُلْ إنَّ الْفَرْضَ الْأَوْلَى وَإِلَّا فَالْمُتَّجَهُ الثَّانِي انْتَهَى
وقد يُحْمَلُ الْأَوَّلُ على ما إذَا ذَكَرَ في نَذْرِهِ الظُّهْرَ مَثَلًا وَالثَّانِي على ما إذَا ذَكَرَ فيه الْفَرْضَ
وَيَنْعَقِدُ النَّذْرُ بِسَائِرِ ما يُثَابُ عليه من الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ التي رَغَّبَ الشَّارِعُ فيها لِعِظَمِ فَائِدَتِهَا وَإِنْ لم تَكُنْ عِبَادَةً مَقْصُودَةً كَالسَّلَامِ على الْمُسْلِمِينَ وَالزِّيَارَةِ لِلْقَادِمِ وَالْقُبُورِ وَنَحْوِهِمَا وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَتَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ وَتَطْيِيبِ الْكَعْبَةِ وَكِسْوَتِهَا كما سَيَأْتِيَانِ لِأَنَّ الشَّارِعَ رَغَّبَ فيها فَهِيَ كَالْعِبَادَةِ وَلِعُمُومِ خَبَرِ من نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ
فَإِنْ نَذَرَ الْوُضُوءَ صَحَّ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَحُمِلَ على التَّجْدِيدِ الْمَشْرُوعِ وهو أَنْ يَكُونَ صلى بِالْأَوَّلِ صَلَاةً ما وَإِنْ نَذَرَهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَزِمَهُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَيَكْفِيهِ في خُرُوجِهِ عن عُهْدَةِ نَذْرِهِ وُضُوءُ الْحَدَثِ فَلَا يَلْزَمُهُ وُضُوءٌ ثَانٍ فَهُوَ كَافٍ له عن وَاجِبَيْ الشَّرْعِ وَالنَّذْرِ
وَلَا يَصِحُّ نَذْرُ التَّيَمُّمِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤْتَى بِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ولا نَذْرُ الْغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من أَنَّهُ لَا يُسَنُّ تَجْدِيدُهُ
وفي صِحَّةِ نَذْرِ صَوْمِ رَمَضَانَ بِالسَّفَرِ وَالْقِيَامِ في الْفَرْضِ في الْمَرَضِ وَجْهَانِ إنَّمَا ذَكَرَهُمَا الْأَصْلُ في الْأُولَى أَحَدُهُمَا وَنُقِلَ عن عَامَّةِ الْأَصْحَابِ لَا لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ يُبْطِلُ رُخْصَةَ الشَّرْعِ وَالثَّانِي نعم كَسَائِرِ الْمُسْتَحَبَّاتِ قال في الْمَجْمُوعِ كَذَا أَطْلَقُوهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا من لَا يَتَضَرَّرُ بِالصَّوْمِ في السَّفَرِ فإنه له أَفْضَلُ أَمَّا من يَتَضَرَّرُ بِهِ فَالْفِطْرُ له أَفْضَلُ فَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ لِأَنَّهُ ليس بِقُرْبَةٍ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَنَقَلَ أَعْنِي الْأَصْلَ فيها وفي نَذْرِ الصَّوْمِ بِشَرْطٍ أَنْ لَا يُفْطِرَ في الْمَرَضِ عن الْإِمَامِ تَفْرِيعًا على الْأَوَّلِ من الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ عَدَمَ الِانْعِقَادِ وَبِهِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ في مَسْأَلَةِ نَذْرِ الصَّوْمِ وَيَجْرِيَانِ فِيمَنْ نَذَرَ الْقِيَامَ في النَّوَافِلِ قال في الْأَصْلِ وَفِيمَنْ نَذَرَ إتْمَامَ الصَّلَاةِ في السَّفَرِ إنْ قُلْنَا الْإِتْمَامُ أَفْضَلُ وفيمن نَذَرَ اسْتِيعَابَ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ أو نَذَرَ التَّثْلِيثَ في الْوُضُوءِ أو الْغُسْلِ أو سَجْدَتَيْ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ عِنْدَ مُقْتَضِيهِمَا وَبِصِحَّةِ النَّذْرِ فِيهِمَا وفي إتْمَامِ الصَّلَاةِ فِيمَا ذُكِرَ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَالْمُصَنِّفُ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ قال الْعِمْرَانِيُّ في الْبَيَانِ وهو الذي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ
وَإِنْ نَذَرَ الصَّوْمَ وَشَرَطَ أَنْ لَا يُفْطِرَ في الْمَرَضِ لم يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ بِهِ في الْمَرَضِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالنَّذْرِ لَا يَزِيدُ على الْوَاجِبِ شَرْعًا
وَإِنْ نَذَرَ أَنْ لَا يَفِرَّ من ثَلَاثَةٍ فَأَكْثَرَ من الْكُفَّارِ وَقَدَرَ على مُقَاوَمَتِهِمْ انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَإِنْ لم يَقْدِرْ عليها فَلَا وَلَوْ نَذَرَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ في شَوَّالٍ أو من بَلَدِ كَذَا انْعَقَدَ نَذْرُهُ
فَرْعٌ لو عَيَّنَ لِلْجِهَادِ الذي نَذَرَهُ جِهَةً
____________________
(1/578)
أَجْزَأَهُ عنها جِهَةً مِثْلَهَا في الْمَسَافَةِ وقدر الْمُؤْنَةِ لِاسْتِوَائِهِمَا في نَظَرِ الشَّرْعِ حِينَئِذٍ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ تَعَيُّنَ التي عَيَّنَهَا إذَا كان الْجِهَادُ فيها أَعْظَمَ أَجْرًا وَهِيَ أَكْثَرُ خَطَرًا وَإِنْ قَرُبَتْ مَسَافَتُهَا
فَرْعٌ يُشْتَرَطُ في انْعِقَادِ نَذْرِ الْقُرْبَةِ الْمَالِيَّةِ كَالصَّدَقَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ الِالْتِزَامُ لها في الذِّمَّةِ أو الْإِضَافَةِ إلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُهُ كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ أو بهذا الدِّينَارِ بِخِلَافِ ما لو أَضَافَ إلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ عَبْدَ فُلَانٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ فَإِنْ قال إنْ مَلَكْت عَبْدًا وإن شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي وَمَلَكْت عَبْدًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ أو إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ عَبْدًا إنْ مَلَكْتُهُ أو فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَشْتَرِيَ عَبْدًا وَأُعْتِقَهُ أو فَعَبْدِي حُرٌّ إنْ دخل الدَّارَ كما صَرَّحَ بها الْأَصْلُ انْعَقَدَ نَذْرُهُ لِأَنَّهُ في غَيْرِ الْأَخِيرَةِ الْتَزَمَ قُرْبَةً في مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ وفي الْأَخِيرَةِ مَالِكٌ لِلْعَبْدِ وقد عَلَّقَهُ بِصِفَتَيْنِ الشِّفَاءِ وَالدُّخُولِ وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ أَيْضًا مِمَّا يُعْتَبَرُ فيه عَلَيَّ لَا إنْ قال إنْ مَلَكْت عَبْدًا أو إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي وَمَلَكْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ فَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ لِأَنَّهُ لم يَلْتَزِمْ التَّقَرُّبَ بِقُرْبَةٍ بَلْ عَلَّقَ الْحُرِّيَّةَ بِشَرْطٍ وَلَيْسَ هو مَالِكًا حَالَ التَّعْلِيقِ فَلَغَا وَكَذَا إذَا وفي نُسْخَةٍ إنْ قال إنْ مَلَكْت أو إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي وَمَلَكْت هذا الْعَبْدَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ أو فَهُوَ حُرٌّ فَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُ في الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ بِشِقَّيْهِمَا
فَرْعٌ لو نَذَرَ الْإِمَامُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ لِلنَّاسِ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ بِالنَّاسِ في زَمَنِ الْجَدْبِ وَأَنْ يَؤُمَّهُمْ في صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَيَخْطُبَ بِهِمْ لِأَنَّ ذلك هو الْمَفْهُومُ منه قال في الْأُمِّ فَإِنْ سَقَوْا قبل الْخُرُوجِ خَرَجَ وَاسْتَسْقَى وكان قَضَاءً كما لو نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا فَفَاتَهُ فَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَسْتَسْقِيَ لِنَفْسِهِ فَهُوَ كَغَيْرِهِ وقد ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَغَيْرُهُ إنْ نَذَرَ أَنْ يَسْتَسْقِيَ تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ لِلِاسْتِسْقَاءِ وَلَوْ مُنْفَرِدًا فَإِنْ نَذَرَ الْخُرُوجَ أَيْ الِاسْتِسْقَاءَ بِالنَّاسِ لم يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ لِأَنَّهُمْ لَا يُطِيعُونَهُ وَهَذَا ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْبَغَوِيّ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو خِلَافُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ على أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذلك بِنَفْسِهِ وَعِبَارَةُ الْجُرْجَانِيِّ عن النَّصِّ لو نَذَرَ غَيْرُ الْإِمَامِ أَنْ يَسْتَسْقِيَ مع الناس كان عليه أَنْ يَخْرُجَ بِنَفْسِهِ ولم يَكُنْ عليه أَنْ يَخْرُجَ بِالنَّاسِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُمْ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَلْ ما نَقَلَهُ مَعْلُومٌ من تَعْلِيلِهِمْ فَقَوْلُهُمْ لم يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِاسْتِسْقَائِهِ بِالنَّاسِ
وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَخْطُبَ وهو من أَهْلِهَا أَيْ الْخُطْبَةِ انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَلَزِمَهُ الْقِيَامُ فيها كما في الصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ بِنَاءً على أَنَّهُ يَسْلُكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ وَهَذَا ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِهِ نَقْلًا عن الْبَغَوِيّ أَيْضًا قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْمَذْهَبُ ما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ من أَنَّ هذا في الْإِمَامِ الْخَاطِبِ بِالنَّاسِ وَإِلَّا فَيَجُوزُ أَنْ يَخْطُبَ قَاعِدًا قال أَعْنِي الْأَذْرَعِيَّ وقد تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يُسَنُّ له أَنْ يُصَلِّيَ وَلَا يَخْطُبَ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْخُطْبَةُ بِالنَّذْرِ
فَرْعٌ في فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ أَنَّ قَوْلَ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَهَبَكَ أَلْفًا لَغْوٌ إنْ لم يَحْكُمْ بِصِحَّتِهِ حَاكِمٌ يَرَاهُ بِمَذْهَبٍ مُعْتَبَرٍ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ كما مَرَّ فَإِنْ قُلْت الْهِبَةُ قُرْبَةٌ قُلْت نعم الْهِبَةُ قُرْبَةٌ إلَّا أنها على هذا الْوَجْهِ لَيْسَتْ قُرْبَةً وَلَا مُحَرَّمَةً فَكَانَتْ مُبَاحَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْوَجْهُ انْعِقَادُ النَّذْرِ وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ
فَرْعٌ لو نَذَرَ كِسْوَةَ يَتِيمٍ لم يَجْزِهِ يَتِيمٌ ذِمِّيٌّ أَيْ كِسْوَتُهُ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْيَتِيمِ في الشَّرْعِ لِلْمُسْلِمِ وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَضْعُ الْكَفَّارَةِ فيه فَكَذَا النَّذْرُ وَيُؤْخَذُ منه كما قال الْأَذْرَعِيُّ اشْتِرَاطُ الْفَقْرِ في الْيَتِيمِ
الْفَصْلُ الثَّانِي في أَحْكَامِهِ وَالْمُلْتَزَمَاتِ بِالنَّذْرِ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ الصَّوْمُ فَمَنْ نَذَرَ صَوْمًا كَأَنْ قال لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ أو أَنْ أَصُومَ أو نَذَرَ صَوْمَ دَهْرٍ أو حِينٍ كَفَاهُ يَوْمٌ أَيْ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ أَقَلُّ ما يَصَّدَّقُ بِهِ الصَّوْمُ وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ أَيَّامِ فَثَلَاثَةٌ يَكْفِيه صَوْمُهَا لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ فَرْعٌ وَيَسْلُكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ
____________________
(1/579)
ابْتِدَاءً لِاشْتِرَاكِهِمَا في الْوُجُوبِ لَا مَسْلَكَ جَائِزِهِ إلَّا ما يَأْتِي اسْتِثْنَاؤُهُ في الْبَابِ مِمَّا قَوِيَ دَلِيلُهُ على دَلِيلِ الْأَوَّلِ وقد نَبَّهَ عليه كَأَصْلِهِ في بَابِ الرَّجْعَةِ أَيْضًا فَعَلَى هذا وهو أَنَّا نَسْلُكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ يَجِبُ في صَوْمِهِ الْمَنْذُورِ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ وَإِنْ سَلَكْنَا بِهِ مَسْلَكَ الْجَائِزِ لم يَجِبْ التَّبْيِيتُ وَخَالَفَ في الْمَجْمُوعِ فَصَحَّ أَنَّهُ يَجِبُ التَّبْيِيتُ أَيْضًا لِعُمُومِ الْخَبَرِ
نعم لو نَذَرَ قبل الزَّوَالِ صَوْمَ يَوْمِهِ لَزِمَهُ وَصَحَّ صَوْمُهُ بِنَاءً على أَنَّ صَوْمَ التَّطَوُّعِ إذَا نُوِيَ نَهَارًا يَكُونُ من أَوَّلِهِ وَمَنْ نَذَرَ صَلَاةً وَأَطْلَقَ لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ بِالْقِيَامِ عِنْدَ قُدْرَتِهِ عليه حَمْلًا على أَقَلِّ وَاجِبِ الشَّرْعِ فَإِنْ نَذَرَهُمَا من قُعُودٍ مع قُدْرَتِهِ على الْقِيَامِ انْعَقَدَ نَذْرُهُ لَهُمَا لَا لِلْقُعُودِ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ فَأُلْغِيَتْ وَبَقِيَ الْأَصْلُ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا قَاعِدًا قَطْعًا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ولكن الْقِيَامَ أَفْضَلُ له وَحَذْفُ ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ بَعْدُ عن الْإِمَامِ عن الْأَصْحَابِ من أَنَّهُ لو قال عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّي كَذَا قَاعِدًا لَزِمَهُ الْقِيَامُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ لِمُنَافَاتِهِ لِمَا هُنَا كما نَبَّهَ عليها الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَمَّا لم يَكُنْ لِتَصْوِيرِ الْأَصْلِ ما هُنَا بِأَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا وما هُنَاكَ بِأَنْ يُصَلِّيَ كَذَا قَاعِدًا تَأْثِيرٌ ظَاهِرٌ في الْفَرْقِ صَوَّرَ الْمُصَنِّفُ ما هُنَا بِمَا صَوَّرَ بِهِ الْأَصْلُ ثَمَّ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ بِتَشَهُّدٍ أو تَشَهُّدَيْنِ فَفِي الْإِجْزَاءِ تَرَدُّدٌ أَيْ خِلَافٌ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ جَوَازُهُ وَالثَّانِي فيه وَجْهَانِ وَهَذَا التَّرْجِيحُ قد يُؤْخَذُ من كَلَامِ الْأَصْلِ وَالْقَائِلُ بِالْجَوَازِ قَاسَهُ بِمَا لو نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِعَشَرَةٍ فَتَصَدَّقَ بِعِشْرِينَ وهو على خِلَافِ الْأَصْلِ السَّابِقِ من أَنَّهُ يَسْلُكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ وَلِهَذَا جَزَمَ في الْأَنْوَارِ بِعَدَمِ الْجَوَازِ قال في الْأَصْلِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْخِلَافَ وَيُمْكِنُ بِنَاؤُهُ على ما ذُكِرَ إنْ نَزَّلْنَاهُ على وَاجِبِ الشَّرْعِ لم يَجْزِهِ كما لو صلى الصُّبْحَ أَرْبَعًا وَإِلَّا أَجْزَأَهُ أو نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً أَجْزَأَتْهُ أَيْ الرَّكْعَةُ كما صَرَّحَ بها أَصْلُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَجْزَأَتْهُ الْأَرْبَعُ بِتَسْلِيمَةٍ وهو صَحِيحٌ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَإِنْ خَالَفَ الْأَصْلَ السَّابِقَ لِغَلَبَةِ وُقُوعِ الصَّلَاةِ مَثْنَى وَزِيَادَةِ فَضْلِهَا وَلِأَنَّهُ يُسَمَّى مُصَلِّيًا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كَيْفَ صَلَّاهَا فَإِنْ صَلَّاهُمَا الْأَوْلَى قَوْلُهُ في نُسْخَةٍ صَلَّاهَا بِتَسْلِيمَةٍ على مُقْتَضَى الْأَصْلِ السَّابِقِ فَتَشَهُّدَيْنِ أَيْ فَيُؤْمَرُ بِأَنْ يَأْتِيَ بِتَشَهُّدَيْنِ فَإِنْ تَرَكَ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَظَاهِرٌ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ إذَا نَذَرَ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أو أَطْلَقَ فَإِنْ نَذَرَهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ لَزِمَتَاهُ لِأَنَّهُمَا أَفْضَلُ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ في صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَلَوْ نَذَرَ صَلَاتَيْنِ لم يُجْزِهِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ كما جَزَمَ بِهِ في الْأَصْلِ أَوَاخِرَ الْبَابِ وَلَا يُجْزِئُ فِعْلُ الصَّلَاةِ على الرَّاحِلَةِ إذَا لم يَنْذُرْهُ عليها بِأَنْ نَذَرَهُ على الْأَرْضِ أو أَطْلَقَ بَلْ يُصَلِّيهَا على الْأَرْضِ مُسْتَقْبِلًا وَهَذَا تَقَدَّمَ في بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فَإِنْ نَذَرَهُ عليها أَجْزَأَهُ فِعْلُهَا عليها كما يُجْزِئُ فِعْلُهَا على الْأَرْضِ ولكن فِعْلُهَا على الْأَرْضِ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَأْتِي بِأَفْعَالِهَا تَامَّةً وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَإِنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ أَجْزَأَهُ ما يَتَمَوَّلُ وَإِنْ قَلَّ سَوَاءٌ أَقُلْنَا إنَّهُ يَسْلُكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ أَمْ جَائِزَهُ لِصِدْقِ الِاسْمِ عليه وَلِأَنَّهُ أَقَلُّ وَاجِبِ الصَّدَقَةِ في الْخُلْطَةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ في الرَّقِيقِ الْمُشْتَرَكِ
وَلَوْ نَذَرَ عِتْقًا أَجْزَأَهُ مَعِيبٌ وَكَافِرٌ وَإِنْ خَالَفَ الْأَصْلَ السَّابِقَ لِصِدْقِ الِاسْمِ عليه مع تَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى الْعِتْقِ لَا إنْ قال لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أو سَلِيمَةً فَلَا يُجْزِئُ الْكَافِرُ وَالْمَعِيبُ فَإِنْ قال لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ رَقَبَةً كَافِرَةً أو مَعِيبَةً أَجْزَأَتْ مُسْلِمَةٌ وَسَلِيمَةٌ لِأَنَّهُمَا أَكْمَلُ وَذِكْرُ الْكُفْرِ وَالْمَعِيبِ ليس لِلتَّقَرُّبِ بَلْ لِجَوَازِ الِاقْتِصَارِ على النَّاقِصِ فَصَارَ كَمَنْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِحِنْطَةٍ رَدِيئَةٍ يَجُوزُ له التَّصَدُّقُ بِالْجَيِّدَةِ لَا إنْ عَيَّنَ بِأَنْ قال لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ هذا الْكَافِرَ أو الْمَعِيبَ فَلَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ وَإِنْ كان خَيْرًا منه لِتَعَلُّقِ النَّذْرِ بِعَيْنِهِ
فَصْلٌ
وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ أو أَيَّامٍ أو خَمِيسٍ مَثَلًا ولم يُعَيِّنْ لم تَتَعَيَّنْ فَيَجُوزُ إيقَاعُهُ في أَيِّ يَوْمٍ أو أَيِّ أَيَّامٍ أو أَيِّ خَمِيسٍ شَاءَ مِمَّا يَقْبَلُ الصَّوْمَ غير رَمَضَانَ وَاسْتَقَرَّ في ذِمَّتِهِ بِمُضِيِّهَا حتى لو مَاتَ قبل الصَّوْمِ وَبَعْدَ التَّمَكُّنِ منه فَدَى عنه أو صَامَ عنه وَلِيُّهُ وَذِكْرُ الِاسْتِقْرَارِ في نَذْرِ صَوْمِ يَوْمٍ أو أَيَّامٍ من زِيَادَتِهِ قال في الْمَطْلَبِ في الثَّالِثَةِ وَلَوْ نَزَلَ نَذْرُهُ على أَوَّلِ خَمِيسٍ يَلْقَاهُ لم يَبْعُدْ أَخْذًا مِمَّا إذَا أَسْلَمَ في شَيْءٍ وَأَجَلُهُ بِرَبِيعٍ أو جُمَادَى أَنَّهُ يَنْزِلُ
____________________
(1/580)
على الْأَوَّلِ وقد يُفَرَّقُ بِأَنَّ الصِّحَّةَ مع الْإِبْهَامِ ثَمَّ لَا تُمْكِنُ فَتَعَيُّنُ التَّنْزِيلِ على الْمُعَيَّنِ بِخِلَافِهِ هُنَا وفي نُسْخَةٍ بَدَلَ لم يَتَعَيَّنْ إلَى آخِرِهِ اسْتَقَرَّ بِأَوَّلِهَا ولم يَتَعَيَّنْ وَاسْتُحِبَّ فِيمَا ذُكِرَ تَعْجِيلُهُ أَيْ الصَّوْمِ
فَإِنْ عَيَّنَ لِلصَّلَاةِ أو لِلصَّوْمِ لَا لِلصَّدَقَةِ وَقْتًا تَعَيَّنَ وَفَاءً بِالْمُلْتَزَمِ فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُمَا قَبْلَهُ فَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ وَلَوْ بِعُذْرٍ قَضَى هُمَا وَأَثِمَ بِتَأْخِيرِهِ إنْ قَصَّرَ بِخِلَافِ ما إذَا لم يُقَصِّرْ كَأَنْ أَخَّرَ بِعُذْرِ سَفَرٍ أَمَّا وَقْتُ الصَّدَقَةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ اعْتِبَارًا بِمَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ من جِنْسِهَا وهو الزَّكَاةُ فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ جَوَازُ تَأْخِيرِهَا قال الْأَذْرَعِيُّ وهو بَعِيدٌ بَلْ الْوَجْهُ عَدَمُ جَوَازِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ كَالزَّكَاةِ
وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ من كل أُسْبُوعٍ عِبَارَةُ الْأَصْلِ من أُسْبُوعٍ وَنَسِيَهُ جَعَلَهُ الْجُمُعَةَ فَيَصُومُ يَوْمَهَا لِأَنَّهَا آخِرُهُ أَيْ الْأُسْبُوعِ فَإِنْ كان هو الْمُعَيَّنُ فَذَاكَ وَإِلَّا كان قَضَاءً قال النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ وَمِمَّا يَدُلُّ على أَنَّ يوم الْجُمُعَةِ آخِرُ الْأُسْبُوعِ وَيَوْمَ السَّبْتِ أَوَّلُهُ خَبَرُ مُسْلِمٍ عن أبي هُرَيْرَةَ قال أَخَذَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِيَدِي فقال خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يوم السَّبْتِ وَخَلَقَ فيها الْجِبَالَ يوم الْأَحَدِ وَخَلَقَ فيها الشَّجَرَ يوم الِاثْنَيْنِ وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يوم الثُّلَاثَاءِ وَخَلَقَ النُّورَ يوم الْأَرْبِعَاءِ وَبَثَّ فيها الدَّوَابَّ يوم الْخَمِيسِ وَخَلَقَ آدَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ من يَوْمِ الْجُمُعَةِ في آخِرِ الْخَلْقِ في آخِرِ سَاعَةٍ من النَّهَارِ فِيمَا بين الْعَصْرِ وَاللَّيْلِ وَخَالَفَ ذلك في تَهْذِيبِهِ وفي مَجْمُوعِهِ في صَوْمِ التَّطَوُّعِ فقال سُمِّيَ يوم الِاثْنَيْنِ لِأَنَّهُ ثَانِي الْأَيَّامِ وَالْخَمِيسِ لِأَنَّهُ خَامِسُ الْأُسْبُوعِ وهو صَرِيحٌ في أَنَّ أَوَّلَهُ الْأَحَدُ فَيَكُونُ آخِرَهُ السَّبْتُ وَبِهِ جَزَمَ الْقَفَّالُ قال في الْمُهِمَّاتِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ وَلِخَبَرِ ما رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتًا أَيْ جُمُعَةً فَعَبَّرَ عن الْأُسْبُوعِ بِأَوَّلِ أَيَّامِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ الْخِلَافَ وَيَنْبَغِي على هذا أَنْ لَا تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بِيَقِينٍ حتى يَصُومَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ خُرُوجًا من الْخِلَافِ
وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ عن قَضَائِهِ الذي عليه أو إعْطَاءَ مِسْكِينٍ زَكَاتَهُ لم يَتَعَيَّنْ كُلٌّ من الْيَوْمِ وَالْمِسْكِينِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ إنْ وَجَبَ فَوْرًا لم يَصِحَّ نَذْرُهُ وَإِلَّا فَكَذَلِكَ لِعَدَمِ اخْتِلَافِ الْغَرَضِ إلَّا أَنْ يَنْذُرَ تَعْجِيلَهُ فَيَصِحُّ وَالْمِسْكِينُ لَا يَخْتَلِفُ بِهِ الْغَرَضُ غَالِبًا فَإِنْ اخْتَلَفَ بِهِ كَقَرِيبٍ وَجَارٍ فَيَنْبَغِي صِحَّةُ النَّذْرِ وَالْمَسْأَلَتَانِ من زِيَادَتِهِ
فَرْعٌ لو نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَخَالَفَ وَصَامَ فيه غَيْرَهُ من قَضَاءٍ أو كَفَّارَةٍ أو تَطَوُّعٍ انْعَقَدَ أَيْ صَحَّ لِأَنَّ تَعَيُّنَهُ لِلصَّوْمِ عَرَضِيٌّ بِخِلَافِ يَوْمٍ من رَمَضَانَ وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ أَجْزَأَتْهُ مُتَتَابِعَةً وَمُتَفَرِّقَةً عَمَلًا بِمُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ لَكِنَّ التَّتَابُعَ أَفْضَلُ خُرُوجًا من خِلَافِ أبي حَنِيفَةَ فَإِنْ شَرَطَ التَّتَابُعَ لم يَجُزْ التَّفْرِيقُ كما في صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ وَلَوْ نَذَرَهَا مُتَفَرِّقَةً فَصَامَهَا مُتَتَابِعَةً حُسِبَتْ له منها خَمْسَةٌ وَيُلْغَى بَعْدَ كل يَوْمٍ يَوْمٌ فَعُلِمَ أَنَّ تَفْرِيقَهُمَا لَازِمٌ وهو الْمُصَحَّحُ في الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ مَرْعِيٌّ في صَوْمِ التَّمَتُّعِ شَرْعًا فَلَا يُجْزِئُ عنه التَّتَابُعُ وَبِهَذَا فَارَقَ إجْزَاءَ الْمُتَتَابِعِ عن الْمُتَفَرِّقِ في نَظِيرِهِ من الِاعْتِكَافِ
فَرْعٌ وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ كَشَهْرِ رَجَبٍ أو شَهْرٍ من الْآنَ أُوقِعَ وفي نُسْخَةٍ وَقَعَ أَيْ الصَّوْمُ مُتَتَابِعًا لِتَعَيُّنِ أَيَّامِ الشَّهْرِ وَلَيْسَ التَّتَابُعُ مُسْتَحَقًّا في نَفْسِهِ لَكِنْ لَا يُسْتَأْنَفُ الصَّوْمُ أَيْ لَا يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُهُ إنْ أَفْطَرَ فيه وَلَهُ تَفْرِيقُ قَضَاءِ ما فَاتَهُ منه كما في قَضَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ فَلَوْ شَرَطَ فيه التَّتَابُعَ فَأَفْطَرَ فيه اسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ وُجُوبًا وَيَقْضِيهِ مُتَتَابِعًا لِأَنَّ ذِكْرَ التَّتَابُعِ يَدُلُّ على كَوْنِهِ مَقْصُودًا وَإِنْ لم يُعَيِّنْ الشَّهْرَ بِأَنْ قال لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ شَهْرًا أَجْزَأَهُ هِلَالِيٌّ وَإِنْ خَرَجَ نَاقِصًا لِصِدْقِ اسْمِ الشَّهْرِ عليه وَإِنْ انْكَسَرَ الشَّهْرُ بِأَنْ ابْتَدَأَ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الْهِلَالِ فَثَلَاثُونَ يَوْمًا يَصُومُهَا وَتُجْزِئُ مُتَفَرِّقَةً فَرْعٌ وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَسَنَةِ ثَمَانِينَ أو سَنَةٍ أَوَّلُهَا من غَدٍ لم يَقْضِ رَمَضَانَ ولا الْعِيدَيْنِ ولا أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَلَا أَيَّامَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ الْمُصَرَّحِ بِهِ في الْأَصْلِ
____________________
(1/581)
وَالْمَرَضِ لِأَنَّهَا غَيْرُ دَاخِلَةٍ في النَّذْرِ لِاسْتِثْنَائِهَا شَرْعًا وَيَقْضِي أَيَّامَ السَّفَرِ التي أَفْطَرَ فيها لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِمَحْضِ اخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ الْمَرَضِ لَكِنْ ما ذَكَرَهُ في الْمَرَضِ لم يُصَرِّحْ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنَّمَا هو مُقْتَضَى كَلَامِهِ وقد مَنَعَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالُوا بَلْ الْأَصَحُّ فيه وُجُوبُ الْقَضَاءِ كما ذَكَرُوهُ في صَوْمِ الِاثْنَيْنِ قُلْت وَذَكَرَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَفَرَّقَ ابن كَجٍّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيْضِ بِأَنَّهُ يَصِحُّ نَذْرُ صَوْمِ يَوْمِهِ بِخِلَافِ نَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ الْحَيْضِ هذا كُلُّهُ إذَا لم يَشْتَرِطْ في السَّنَةِ التَّتَابُعَ فإذا شَرَطَ فيها التَّتَابُعَ فَأَفْطَرَ لِمَرَضٍ أو سَفَرٍ أو لِغَيْرِ عُذْرٍ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ اسْتَأْنَفَ صَوْمَ السَّنَةِ كَفِطْرِهِ في صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ في كَفَّارَةِ الظِّهَارِ أو أَفْطَرَ لِحَيْضٍ أو نِفَاسٍ فَلَا يَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ كما في صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ وَلَا يَجِبُ قَضَاءُ أَيَّامِهِ أَيْ الْحَيْضِ وَمِثْلُهُ النِّفَاسُ وَذَلِكَ لِمَا مَرَّ وَالتَّصْرِيحُ بهذا هُنَا من زِيَادَتِهِ
وَإِنْ قال في رَمَضَانَ مَثَلًا لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هذه السَّنَةَ كَفَاهُ بَقِيَّتُهَا إلَى الْمُحَرَّمِ الذي هو آخِرُ السَّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ تَنْصَرِفُ إلَى الْمَعْهُودِ شَرْعًا وَإِنْ نَذَرَ سَنَةً مُطْلَقَةً لم يَلْزَمْهُ التَّتَابُعُ لَا في الشَّهْرِ وَلَا في الْأَيَّامِ لِصِدْقِ الِاسْمِ بِدُونِهِ فَعَلَيْهِ ثَلَثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ يَوْمًا عَدَدَ أَيَّامِ السَّنَةِ بِحُكْمِ كَمَالِ شُهُورِهَا أو اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ وَإِنْ نَقَصَتْ لِأَنَّهَا السَّنَةُ شَرْعًا وَكُلُّ شَهْرٍ اسْتَوْعَبَهُ بِالصَّوْمِ فَنَاقِصُهُ كَالْكَامِلِ وَيُتَمِّمُ الْمُنْكَسِرَ من الْأَشْهُرِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَشَوَّالٌ وَعَرَفَةُ أَيْ شَهْرُهَا وهو ذُو الْحِجَّةِ مُنْكَسِرَانِ أَبَدًا بِسَبَبِ الْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ فَإِنْ نَقَصَ شَوَّالٌ تَدَارَكَ يَوْمَيْنِ أو ذُو الْحِجَّةِ فَخَمْسَةُ أَيَّامٍ فَإِنْ صَامَهَا أَيْ السَّنَةَ صَوْمًا مُتَوَالِيًا قَضَى أَيَّامَ رَمَضَانَ وَالْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ صَوْمَ سَنَةٍ ولم يَصُمْهَا هذا إنْ لم يَشْرِطْ تَتَابُعَ السَّنَةِ فَإِنْ شُرِطَ تَتَابُعُهَا قَضَى لِلنَّذْرِ رَمَضَانَ وَأَيَّامَ الْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقِ لِمَا مَرَّ وَيُخَالِفُ ذلك ما إذَا كانت السَّنَةُ مُعَيَّنَةً لِأَنَّ الْمُعَيَّنَ في الْعَقْدِ لَا يُبَدَّلُ بِغَيْرِهِ وَالْمُطْلَقُ إذَا عُيِّنَ قد يُبَدَّلُ كما في الْمَبِيعِ إذَا خَرَجَ مَعِيبًا لَا يُبَدَّلُ وَالْمُسَلَّمِ فيه إذَا سُلِّمَ فَخَرَجَ مَعِيبًا يُبَدَّلُ وَلِأَنَّ اللَّفْظَ في الْمُعَيَّنَةِ قَاصِرٌ عليها فَلَا يَتَعَدَّاهَا إلَى أَيَّامٍ غَيْرِهَا بِخِلَافِهِ في الْمُطْلَقَةِ فَنِيطَ الْحُكْمُ بِالِاسْمِ حَيْثُ أَمْكَنَ لَا أَيَّامَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَلَا يَقْضِيهَا لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْفَرْعِ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ في ذلك مُتَّصِلًا بِآخِرِ السَّنَةِ التي صَامَهَا لِيَفِيَ بِنَذْرِهِ وَيَسْتَأْنِفَ صَوْمَ السَّنَةِ بِالْفِطْرِ لِلسَّفَرِ وَالْمَرَضِ أو لِغَيْرِ عُذْرٍ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ كَفِطْرِهِ في الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ وإذا شَرَعَتْ امْرَأَةٌ في صَوْمِ الْيَوْمِ الْمُعَيَّنِ بِالنَّذْرِ فَحَاضَتْ أو نَفِسَتْ أو مَرِضَتْ فيه سَقَطَ بِمَعْنَى لم يَجِبْ قَضَاؤُهُ لَا الْيَوْمِ الْمُطْلَقِ فَيَجِبُ قَضَاؤُهُ كما في نَظِيرِهِ من السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَالْمُطْلَقَةِ وَمِثْلُهُ الشَّهْرُ وقد صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
فَرْعٌ وَمَنْ نَذَرَ إتْمَامَ تَطَوُّعٍ من صَوْمٍ أو غَيْرِهِ أو إتْمَامَ كل تَطَوُّعٍ شَرَعَ فيه لَزِمَهُ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ صَحِيحٌ فَصَحَّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ وَكُلٌّ من التَّعْبِيرَيْنِ فِيمَا قَالَهُ يُغْنِي عن الْآخَرِ وَتَعْبِيرُهُ بِالتَّطَوُّعِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِصَوْمِ التَّطَوُّعِ
وَلَوْ نَذَرَ رَكْعَةً لَزِمَتْهُ فَقَطْ عَمَلًا بِلَفْظِهِ وَإِنْ كان أَقَلُّ الْوَاجِبِ رَكْعَتَيْنِ وَهَذَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ في فَرْعٍ يَسْلُكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ وَلَوْ نَذَرَ بَعْضَ رَكْعَةٍ أو صَوْمَ بَعْضِ يَوْمٍ لم يَلْزَمْهُ لِأَنَّ صَلَاةَ بَعْضِ رَكْعَةٍ وَصَوْمَ بَعْضِ يَوْمٍ لَيْسَا بِقُرْبَةٍ وَلَا صِفَةٍ لها وَلَوْ نَذَرَ بَعْضَ نُسُكٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْنِيَ على ما لو أَحْرَمَ بِبَعْضِ نُسُكٍ وقد تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِنُسُكٍ كَالطَّلَاقِ وَلَوْ نَذَرَ بَعْضَ طَوَافٍ فَيَنْبَغِي بِنَاؤُهُ على أَنَّهُ هل يَصِحُّ التَّطَوُّعُ بِشَوْطٍ منه وقد نَصَّ في الْأُمِّ على أَنَّهُ يُثَابُ عليه كما لو صلى رَكْعَةً ولم يُضِفْ إلَيْهَا أُخْرَى
أو نَذَرَ سَجْدَةً لم يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ قُرْبَةً بِلَا سَبَبٍ بِخِلَافِ سَجْدَتَيْ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَكَذَا من نَذَرَ الْحَجَّ أو الْعُمْرَةَ في عَامِهِ وهو مُتَعَذِّرٌ لِضِيقِ الْوَقْتِ كَأَنْ كان على مِائَةِ فَرْسَخٍ ولم يَبْقَ إلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى له الْإِتْيَانُ بِمَا الْتَزَمَهُ فَرْعٌ وإذا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ قُدُومِ فُلَانٍ انْعَقَدَ نَذْرُهُ لِإِمْكَانِ الْوَفَاءِ بِهِ بِأَنْ يَعْلَمَ قُدُومَهُ غَدًا
____________________
(1/582)
فَيُبَيِّتُ النِّيَّةَ وقد يَجِبُ الصَّوْمُ في زَمَانٍ لَا يُمْكِنُ الْإِتْيَانُ بِهِ وَيُؤَثِّرُ وُجُوبُهُ في الْقَضَاءِ كَالصَّبِيِّ يَبْلُغُ صَائِمًا وَالْمُغْمَى عليه يُفِيقُ في أَثْنَاءِ النَّهَارِ ثُمَّ يُفْطِرَانِ فيه فَإِنْ قَدِمَ لَيْلًا أو يوم رَمَضَانَ أو يوم عِيدٍ أو يوم تَشْرِيقٍ أو حَيْضٍ أو نِفَاسٍ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ في نَذْرِ صَوْمِ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ سَقَطَ الصَّوْمُ لِأَنَّهُ لم يُوجَدْ الْقُدُومُ في مَحَلٍّ يَقْبَلُ الصَّوْمَ وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ التَّشْرِيقِ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ أَرَادَ بِالْيَوْمِ الْوَقْتَ بَلْ أو لم يَرُدَّهُ كما أَفَادَهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فَقَدِمَ فُلَانٌ لَيْلًا اُسْتُحِبَّ لِلنَّاذِرِ أَنْ يَقْضِيَهُ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى وَتَعْبِيرُهُ بِالْقَضَاءِ من تَصَرُّفِهِ وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَصُومَ الْغَدَ أو يَوْمًا آخَرَ وَإِنْ قَدِمَ نَهَارًا وهو صَائِمٌ صَوْمًا وَاجِبًا غير رَمَضَانَ أو وهو مُفْطِرٌ بِشَيْءٍ من الْمُفْطِرَاتِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ عن نَذْرِهِ يَوْمًا لِفَوَاتِ صَوْمِهِ بِخِلَافِ رَمَضَانَ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ لو نَذَرَ صَوْمَهُ لم يَنْعَقِدَا لِتَعَيُّنِهِ وَعَدَمِ قَبُولِهِ غَيْرَهُ وَهُنَا قد كان يُمْكِنُهُ أَنْ يَصُومَ هذا الْيَوْمَ عن الْقُدُومِ
وَقَوْلُهُ وهو مُفْطِرٌ أَيْ بِغَيْرِ جُنُونٍ وَنَحْوِهِ وَإِلَّا فَلَا قَضَاءَ عليه كَصَوْمِ رَمَضَانَ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَكَذَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لو كان مُمْسِكًا عن الْمُفْطِرَاتِ أو صَائِمًا تَطَوُّعًا بِنَاءً على أَنَّهُ يَجِبُ الصَّوْمُ من أَوَّلِ النَّهَارِ وَيُسْتَحَبُّ إتْمَامُهُ أَيْ الْيَوْمَ في هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ ويستحب قَضَاءُ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ الذي هو فيه في الصُّورَةِ السَّابِقَةِ لِأَنَّهُ بَانَ أَنَّهُ صَامَ يَوْمًا مُسْتَحَقَّ الصَّوْمِ لِكَوْنِهِ يوم قُدُومِ فُلَانِ وَلِلْخُرُوجِ من الْخِلَافِ قال في الْأَصْلِ قال في التَّهْذِيبِ وفي هذا دَلِيلٌ على أَنَّهُ إذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ صَامَهُ عن نَذْرٍ آخَرَ أو قَضَاءٍ يَنْعَقِدُ وَيَقْضِي نَذْر هذا الْيَوْمِ وَالْوُجُوبُ لِصَوْمِ نَذْرِ يَوْمِ الْقُدُومِ يَكُونُ من أَوَّلِ النَّهَارِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْيَوْمَ وهو عِبَارَةٌ عن جَمِيعِهِ لَا عن وَقْتِ الْقُدُومِ خَاصَّةً إلَّا أَنَّ يوم الْقُدُومِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فإذا قَدِمَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ من أَوَّلِ يَوْمِ الْقُدُومِ فَأَشْبَهَ ما إذَا أَصْبَحَ يوم الشَّكِّ مُفْطِرًا ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ من رَمَضَانَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَفِيمَا قَالَهُ إشَارَةٌ إلَى الْخِلَافِ في أَنَّهُ إذَا قَدِمَ بِالنَّهَارِ هل نَتَبَيَّنُ وُجُوبَ الصَّوْمِ من أَوَّلِهِ أو أَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ من وَقْتِ الْقُدُومِ وَلَا يُمْكِنُ قَضَاؤُهُ إلَّا بِيَوْمٍ كَامِلٍ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ في صُوَرٍ منها ما أَخَذَ في بَيَانِهِ فقال فَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَهُ أَيْ يوم قُدُومِ فُلَانٍ فَقَدِمَ ضَحْوَةً الْأَوْلَى قَوْلُهُ في بَابِهِ فَقَدِمَ نَهَارًا فَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ في الِاعْتِكَافِ وهو أَنَّهُ يَلْزَمُهُ اعْتِكَافُهُ بَقِيَّةَ النَّهَارِ فَقَطْ وَإِنْ اقْتَضَى ما ذُكِرَ لُزُومَ يَوْمٍ
وَتَبَيَّنَ وُقُوعُ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ كُلٌّ مِنْهُمَا بِقُدُومِهِ من أَوَّلِهِ أَيْ الْيَوْمِ فَإِنْ سَبَقَ فيه بَيْعُ الْعَبْدِ في الْأُولَى أو مَوْتُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ في الثَّانِيَةِ قبل قُدُومِ فُلَانٍ فَلَا بَيْعَ صَحِيحٌ في الْأُولَى لِتَبَيُّنِ حُرِّيَّةِ الْعَبْدِ وَكَذَا لَا إرْثَ وَلَا خُلْعَ صَحِيحٌ في الثَّانِيَةِ حَيْثُ خَالَعَ يوم الْقُدُومِ قَبْلَهُ إنْ كان الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بَائِنًا فِيهِمَا فَإِنْ قَدِمَ لَيْلًا أو بَعْدَ الْيَوْمِ صَحَّ الْجَمِيعُ وَلَوْ بَيَّتَ النِّيَّةَ عن خَبَرٍ بَلَغَهُ بِقُدُومِهِ غَدًا أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ بَنَى النِّيَّةَ على أَصْلٍ مَظْنُونٍ فَأَشْبَهَ من نَوَى صَوْمَ رَمَضَانَ بِشَهَادَةِ الْعَدْلِ
تَنْبِيهٌ قال الْأَذْرَعِيُّ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّ هذا النَّذْرَ الْمُعَلَّقَ بِالْقُدُومِ نَذْرُ شُكْرٍ على نِعْمَةِ الْقُدُومِ فَلَوْ كان قُدُومُ فُلَانٍ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ لِلنَّاذِرِ كَامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ يَهْوَاهَا أو أَمْرَدَ يَتَعَشَّقُهُ أو نَحْوِهِمَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ كَنَذْرِ الْمَعْصِيَةِ وما قَالَهُ سَهْوٌ مَنْشَؤُهُ اشْتِبَاهُ الْمُلْتَزَمِ بِالْمُعَلَّقِ بِهِ وَاَلَّذِي يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ قُرْبَةً الْمُلْتَزَمُ لَا الْمُعَلَّقُ بِهِ وَالْمُلْتَزَمُ هُنَا الصَّوْمُ وهو قُرْبَةٌ فَيَصِحُّ نَذْرُهُ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُعَلَّقُ بِهِ قُرْبَةً أَمْ لَا
فَرْعٌ قال في الْمَجْمُوعِ لو قال إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ أَمْسِ يَوْمِ قُدُومِهِ قال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ قَوْلًا وَاحِدًا وهو الْمَذْهَبُ وقال صَاحِبُ الشَّامِلِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فيه الْقَوْلَانِ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ قُدُومِهِ
فَصْلٌ وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ مَثَلًا أَبَدًا لم يَقْضِ أَثَانِينَ رَمَضَانَ لِعَدَمِ دُخُولِهَا في النَّذْرِ وفي نُسْخَةٍ أَثَانِي رَمَضَانَ بِحَذْفِ النُّونِ وهو الْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا وَلَيْسَ حَذْفُهَا لِلتَّبَعِيَّةِ لِحَذْفِهَا من الْمُفْرَدِ وَلَا لِلْإِضَافَةِ كما قِيلَ بِهِمَا لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ لِذَلِكَ لم تُعْهَدْ وأثانين ليس جَمْعَ مُذَكَّرٍ سَالِمٍ وَلَا مُلْحَقًا بِهِ بَلْ حَذْفُهَا وَإِثْبَاتُهَا مُطْلَقًا لُغَتَانِ وَالْحَذْفُ أَكْثَرُ كما نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عن ابْنِ السِّكِّيتِ وَغَيْرِهِ فَإِنْكَارُ ابْنِ بَرِيٍّ وَالنَّوَوِيِّ الْإِثْبَاتَ مَرْدُودٌ وقد قال الْجَوْهَرِيُّ بَعْدَ قَوْلِهِ إنَّ اثْنَيْنِ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ لِأَنَّهُ مُثَنَّى فَإِنْ أَحْبَبْت أَنْ تَجْمَعَهُ كَأَنَّهُ صِفَةٌ لِلْوَاحِدِ قُلْت أَثَانِينَ وَكَذَا لَا نَقْضِي أَثَانِي الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ لِذَلِكَ وَيَقْضِيهِمَا
____________________
(1/583)
لِلْمَرَضِ الْوَاقِعِ فيها كما في أَيَّامِ رَمَضَانَ فَإِنْ لَزِمَهُ مع صَوْمِ الْأَثَانِينَ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لِلْكَفَّارَةِ أو لِنَذْرٍ لم يُعَيِّنْ فيه وَقْتًا قَدَّمَهُمَا على الْأَثَانِينَ وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُهُ صَوْمُهُمَا لِفَوَاتِ التَّتَابُعِ بِتَخَلُّلِ الْأَثَانِينَ وَقَضَى لِلنَّذْرِ الْأَثَانِينَ الْوَاقِعَةَ فِيهِمَا إنْ وَجَبَتْ الْأَثَانِينَ قَبْلَهُمَا لِأَنَّهُ أَدْخَلَ على نَفْسِهِ صَوْمَهُمَا بَعْدَ النَّذْرِ وَلَا فَائِدَةَ لِإِعَادَةِ الْأَثَانِينَ غَيْرُ الْإِيضَاحِ لَا إنْ تَأَخَّرَتْ عنهما فَلَا يَقْضِيهَا لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مُسْتَثْنَاةٌ بِقَرِينَةِ الْحَالِ كَالْأَثَانِينَ الْوَاقِعَةِ في رَمَضَانَ وَهَذَا ما رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ نَظَرًا إلَى وَقْتِ الْوُجُوبِ وَرَجَّحَ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِلْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ وُجُوبَ الْقَضَاءِ أَيْضًا نَظَرًا إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلشَّهْرَيْنِ وَقْتٌ قال في الْمُهِمَّاتِ وهو الصَّوَابُ لِنَقْلِ الرَّبِيعِ له عن النَّصِّ وقال الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّهُ الْأَظْهَرُ الْمُعْتَمَدُ في الْمَذْهَبِ وَاسْتُشْكِلَ بِمَا لو نَذَرَ من عليه كَفَّارَةُ صَوْمِ الدَّهْرِ فإن زَمَنَهَا مُسْتَثْنًى وَقِيَاسُ ما قَالُوهُ في الْأَثَانِينَ أَنْ يَفْدِيَ عن النَّذْرِ كما لو لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ بَعْدَ أَنْ نَذَرَ وَأُجِيبُ بِأَنَّ هذا غَيْرُ وَارِدٍ إذْ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ في صَوْمِ الدَّهْرِ مع تَقَدُّمِ الْكَفَّارَةِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ في الْأَثَانِينَ بِقَضَائِهَا وَأَمَّا في التَّأَخُّرِ فَيُمْكِنُ الْجَمْعُ في الْأَثَانِينَ بِقَضَائِهِمَا وفي صَوْمِ الدَّهْرِ بِالْفِدْيَةِ قال في الْمَجْمُوعِ وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ ثُمَّ نَذَرَ صَوْمَ كل اثْنَيْنِ صَامَهُمَا عن نَذْرِهِ الْأَوَّلِ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ أَثَانِيَهُمَا لِأَنَّ صَوْمَهَا مُسْتَحَقٌّ بِالنَّذْرِ الْأَوَّلِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فيه وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ كل اثْنَيْنِ ثُمَّ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ صَامَ أَيَّامَهُمَا إلَّا أَثَانِيَهُمَا عن النَّذْرِ الثَّانِي وَأَمَّا أَثَانِيهُمَا فَيَصُومُهَا عن نَذْرِهِ الْأَوَّلِ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا عن الثَّانِي لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ بِالنَّذْرِ الْأَوَّلِ فلم يَتَنَاوَلْهَا الثَّانِي انْتَهَى
وَلَوْ صَادَفَ نَذْرَانِ زَمَانًا مُعَيَّنًا كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ أَبَدًا وصوم يَوْمِ قُدُومِ زَيْدٍ فَقَدِمَ زَيْدٌ يوم الِاثْنَيْنِ أو نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ قُدُومِ زَيْدٍ وصوم ثَانِي يَوْمِ قُدُومِ عَمْرٍو فَاتَّفَقَا أَيْ يَوْمُ قُدُومِ زَيْدٍ وَثَانِي يَوْمِ قُدُومِ عَمْرٍو صَامَهُ عن أَوَّلِ النَّذْرَيْنِ لِتَقَدُّمِهِ وَقَضَى يَوْمًا لِلثَّانِي لِتَعَذُّرِ الْإِتْيَانِ بِهِ في وَقْتِهِ فَلَوْ عَكَسَ فَصَامَهُ عن ثَانِي النَّذْرَيْنِ صَحَّ وَقَضَى يَوْمًا عن الْأَوَّلِ وَإِنْ أَثِمَ بِذَلِكَ
فَصْلٌ وَيَصِحُّ نَذْرُ صَوْمِ الدَّهْرِ لِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ نعم إنْ خَافَ ضَرَرًا أو فَوْتَ حَقٍّ فَيَنْبَغِي كما قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَكْرُوهٌ فَلَوْ وفي نُسْخَةٍ وَلَوْ نَذَرَ صَوْمًا آخَرَ بَعْدَهُ لم يَنْعَقِدْ لِأَنَّ الزَّمَنَ مُسْتَحَقٌّ لِغَيْرِهِ وَهَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَيُسْتَثْنَى من صِحَّةِ نَذْرِ صَوْمِ الدَّهْرِ رَمَضَانُ أَدَاءً وَقَضَاءً وَالْعِيدَانِ وَالتَّشْرِيقُ أَيْ أَيَّامُهُ وَأَيَّامُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَكَفَّارَةٌ تَقَدَّمَتْ نَذْرَهُ ذلك لِتَعَذُّرِ الْوَفَاءِ بِهِ فَلَوْ تَأَخَّرَتْ أَيْ الْكَفَّارَةُ عن نَذْرِهِ صَامَ عنها وَفَدَى عن النَّذْرِ لِأَنَّهَا آكَدُ منه لِوُجُوبِهَا بِالشَّرْعِ وَإِنْ كانت بِسَبَبٍ منه بِخِلَافِ وُجُوبِ النَّذْرِ فإنه بِالْتِزَامِهِ وَلِهَذَا قُدِّمَ قَضَاءُ الْحَجِّ على الْحَجِّ الْمَنْذُورِ وَتَعْبِيرُهُ بِرَمَضَانَ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ هُنَا بِقَضَاءِ رَمَضَانَ وَيَقْضِي فَائِتَ رَمَضَانَ إنْ فَاتَهُ منه شَيْءٌ بِعُذْرٍ أو غَيْرِهِ لِتَقَدُّمِهِ على النَّذْرِ كما تَقَرَّرَ ولكن إنْ كان فَوَاتُهُ بِلَا عُذْرٍ فَدَى عن صَوْمِ النَّذْرِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدًّا لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ بِتَعَدِّيهِ وَلَا يُمْكِنُهُ قَضَاءُ ما يُفْطِرُهُ من الدَّهْرِ لِاسْتِغْرَاقِ أَيَّامِ الْعُمْرِ بِالْأَدَاءِ بَلْ إنْ كان فِطْرُهُ لِعُذْرٍ كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ فَلَا فِدْيَةَ عليه كما في رَمَضَانَ بَلْ أَوْلَى
قال الْأَذْرَعِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَجْوِيزُ الْفِطْرِ له بِكُلِّ سَفَرٍ مُبَاحٍ وَالْمُتَّجَهُ جَوَازُهُ في سَفَرِ الْحَاجَةِ دُونَ سَفَرِ النُّزْهَةِ وَيُخَالِفُ صَوْمَ رَمَضَانَ فإنه لَا يَنْسَدُّ عليه بَابُ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ هذا وَلِأَنَّ هذا أَوَجَبَ على نَفْسِهِ الصَّوْمَ بِنَذْرِهِ في كل الْأَزْمَانِ وَلِهَذَا اخْتَلَفُوا في جَوَازِ الْفِطْرِ له بِالسَّفَرِ بِخِلَافِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَحِينَئِذٍ فَإِنْ أَفْطَرَ في النُّزْهَةِ افْتَدَى وَإِلَّا بِأَنْ أَفْطَرَ بِلَا عُذْرٍ وَجَبَتْ أَيْ الْفِدْيَةُ عليه لِتَقْصِيرِهِ كَمَنْ أَفْطَرَ في رَمَضَانَ مُتَعَدِّيًا وَمَاتَ قبل التَّمَكُّنِ من الْقَضَاءِ قال في الْأَصْلِ قال الْإِمَامُ لو نَوَى في بَعْضِ الْأَيَّامِ قَضَاءَ يَوْمٍ أَفْطَرَهُ مُتَعَدِّيًا فَالْوَجْهُ أَنْ يَصِحَّ وَإِنْ كان الْوَاجِبُ غير ما فَعَلَ ثُمَّ يَلْزَمُهُ الْمُدُّ لِمَا تَرَكَ من الْأَدَاءِ في ذلك الْيَوْمِ
وَلَوْ أَرَادَ وَلِيُّهُ أَيْ الْمُفْطِرِ بِلَا عُذْرٍ الصَّوْمَ عنه حَيًّا بِنَاءً على أَنَّ وَلِيَّ الْمَيِّتِ يَصُومُ عنه فَفِيهِ تَرَدُّدٌ قال في الْأَصْلِ عن الْإِمَامِ وَالظَّاهِرُ جَوَازُهُ لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ منه وَفِيهِ احْتِمَالٌ من جِهَةِ أَنَّهُ قد يَطْرَأُ عُذْرٌ يَجُوزُ تَرْكُ الصَّوْمِ له وَيُتَصَوَّرُ تَكَلُّفُ الْقَضَاءِ منه قال وقد يُسْتَفَادُ مِمَّا قَالَهُ أَنَّهُ إذَا سَافَرَ قَضَى ما أَفْطَرَ فيه مُتَعَدِّيًا وَيَنْسَاقُ النَّظَرُ إلَى أَنَّهُ هل يَلْزَمُهُ أَنْ يُسَافِرَ لِيَقْضِيَ وَحَذْفُ الْمُصَنِّفُ الظَّاهِرَ الْمَذْكُورَ لِقَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ فيه نَظَرٌ
____________________
(1/584)
لِقَوْلِ الْمَاوَرْدِيِّ في كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَمَّا الْقَضَاءُ عن الْحَيِّ فَلَا يَجُوزُ إجْمَاعًا بِأَمْرِهِ أو غَيْرِ أَمْرِهِ عن عَاجِزٍ أو قَادِرٍ انْتَهَى
وقد يُجَابُ بِأَنَّ ذلك فِيمَا إذَا لم يَنْسَدَّ عليه بَابُ الْقَضَاءِ
وَلَوْ مَنَعَهَا أَيْ الْمَرْأَةَ الزَّوْجُ من صَوْمِ الدَّهْرِ الذي نَذَرَتْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِحَقٍّ سَقَطَ الصَّوْمُ عنها وَلَا فِدْيَةَ عليها ما دَامَتْ في عِصْمَتِهِ وَهَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِحَقٍّ من زِيَادَتِهِ وهو مَأْخُوذٌ من كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ وَخَرَجَ بِهِ ما لو مَنَعَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ كَأَنْ نَذَرَتْ ذلك قبل أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أو كان غَائِبًا عنها وَلَا تَتَضَرَّرُ بِالصَّوْمِ فَلَا يَسْقُطُ صَوْمُهَا وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ إنْ لم تَصُمْ وَإِنْ أَذِنَ لها فيه فلم تَصُمْ تَعَدِّيًا فَدَتْ وَأَثِمَتْ لِتَعَدِّيهَا
وَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ في يَوْمِ الشَّكِّ في الْأُولَى وفي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ في الثَّانِيَةِ وقد تَقَدَّمَتْ قُبَيْلَ الْبَابِ الثَّانِي في الْأَذَانِ وَإِنْ صَحَّ فِعْلُ الْمَنْذُورِ فِيهِمَا وَذَلِكَ لِمَا مَرَّ في بَابَيْهِمَا
النَّوْعُ الثَّانِي من الْمُلْتَزَمَاتِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وإذا نَذَرَ الْحَجَّ مَثَلًا مَاشِيًا أو الْمَشْيَ حَاجًّا لَزِمَهُ الْمَشْيُ وَإِنْ كان الرُّكُوبُ أَفْضَلَ منه لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ وَإِنَّمَا كان الرُّكُوبُ أَفْضَلَ لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَنَّ فيه تَحَمُّلَ زِيَادَةِ مُؤْنَةٍ في سَبِيلِ اللَّهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ لُزُومِهِ إذَا كان قَادِرًا عليه حَالَ النَّذْرِ وَإِلَّا بِأَنْ لم يُمْكِنْهُ أو أَمْكَنَهُ بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ لم يَلْزَمْهُ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ فَلَوْ صَرَّحَ بِالْمَشْيِ من دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ لَزِمَهُ الْمَشْيُ منها قبل إحْرَامِهِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُصَرِّحْ بِذَلِكَ بِأَنْ أَطْلَقَ الْحَجَّ مَاشِيًا فَمِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ وَلَوْ قبل الْمِيقَاتِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ في الْحَجِّ وَابْتِدَاءُ الْحَجِّ من الْإِحْرَامِ وَانْتِهَاؤُهُ أَيْ الْمَشْيِ في الْحَجِّ التَّحَلُّلُ الثَّانِي أَيْ الْفَرَاغُ منه لِأَنَّهُ في أَعْمَالِ الْحَجِّ ما بَقِيَتْ عَلَقَةُ الْإِحْرَامِ وانتهاؤه في الْعُمْرَةِ فَرَاغُهَا إذْ لَا يَتَحَلَّلُ منها إلَّا بِفَرَاغِهَا وَلَهُ الرُّكُوبُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الثَّانِي وَإِنْ بَقِيَ عليه رَمْيٌ وَمَبِيتٌ لِأَنَّهُمَا خَارِجَانِ من الْحَجِّ خُرُوجَ السَّلَامِ الثَّانِي من الصَّلَاةِ وَذِكْرُ الْمَبِيتِ من زِيَادَتِهِ وَلَهُ التَّرَدُّدُ في خِلَالِ أَعْمَالِ النُّسُكِ في حَوَائِجِهِ من تِجَارَةٍ وَغَيْرِهَا رَاكِبًا وَإِنْ أَفْسَدَهُ أَيْ النُّسُكَ أو فَاتَ وَجَبَ عليه الْمَشْيُ في الْقَضَاءِ تَدَارُكًا لِمَا الْتَزَمَهُ وَالتَّصْرِيحُ بِالْأُولَى من زِيَادَتِهِ لَا في النُّسُكِ الْفَاسِدِ ولا في عُمْرَةِ التَّحَلُّلِ من الْحَجِّ في سَنَةِ فَوَاتِهِ لِأَنَّهُ خَرَجَ بِالْفَسَادِ وَالْفَوَاتِ عن أَنْ يُجْزِئَهُ عن نَذْرِهِ فَإِنْ رَكِبَ في حَجِّهِ الْمَذْكُورِ وَلَوْ مع قُدْرَتِهِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يُهَادَى بين ابْنَيْهِ فقال ما بَالُ هذا فَقَالُوا نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ فقال إنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عن تَعْذِيبِ هذا نَفْسَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِأَنَّهُ أتى بِالْأَرْكَانِ ولم يَتْرُكْ إلَّا هَيْئَةً فَصَارَ كما لو تَرَكَ الْإِحْرَامَ من الْمِيقَاتِ أو الْمَبِيتَ بِمِنًى وَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ رَكِبَ لِعُذْرٍ لِخَبَرِ أبي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بن عَامِرٍ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى الْبَيْتِ فَأَمَرَهَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ تَرْكَبَ وَتُهْدِيَ هَدْيًا وَلِأَنَّهُ صَارَ بِالنَّذْرِ نُسُكًا وَاجِبًا فَوَجَبَ بِتَرْكِهِ الدَّمُ كَالْإِحْرَامِ من الْمِيقَاتِ وَلِأَنَّ ما وَجَبَ بِهِ الدَّمُ لَا يَسْقُطُ الدَّمُ فيه بِالْعُذْرِ كَالتَّطَيُّبِ وَاللِّبَاسِ وَالدَّمُ شَاةٌ تُجْزِئُ في الْأُضْحِيَّةِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَلِأَنَّهُ تَرَفُّهٌ بِتَرْكِ الْمَشْيِ فَأَشْبَهَ ما إذَا تَرَفَّهَ بِاللُّبْسِ وَالتَّطَيُّبِ وَأَثِمَ بِالرُّكُوبِ إنْ لم يَكُنْ له عُذْرٌ لِتَرْكِهِ وَاجِبًا مع قُدْرَتِهِ عليه بِخِلَافِ ما إذَا كان له عُذْرٌ بِأَنْ يَنَالَهُ بِالْمَشْيِ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ
فَرْعٌ وَإِنَّمَا يَسْتَقِرُّ نَذْرُ الْحِجَّةِ الْمَنْذُورَةِ بِاجْتِمَاعِ شَرَائِطِ الْحَجِّ كَحِجَّةِ الْإِسْلَامِ لو قال بِاجْتِمَاعِ شَرَائِطِ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ كان أَوْلَى وَقَوْلُهُ نَذْرُ لَا فَائِدَةَ له فَإِنْ عَيَّنَ في نَذْرِهِ الْحَجَّ سَنَةً تَعَيَّنَتْ وَلَا يُجْزِئُهُ الْحَجُّ قَبْلَهَا كما في الصَّوْمِ فِيهِمَا فَإِنْ انْقَضَتْ أَيْ السَّنَةُ ولم يَتَمَكَّنْ من الْحَجِّ فيها لِمَرَضٍ أو غَيْرِهِ فَلَا قَضَاءَ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ حَجٌّ في تِلْكَ السَّنَةِ ولم يَقْدِرْ عليه بِخِلَافِ من نَذَرَ صَلَاةً أو صَوْمًا وَمُنِعَ مِنْهُمَا فَيَجِبُ قَضَاؤُهَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالنَّذْرِ كَالْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ وقد يَجِبَانِ مع الْعَجْزِ فَلَزِمَا بِالنَّذْرِ وَالْحَجُّ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ
____________________
(1/585)
الِاسْتِطَاعَةِ فَكَذَا حُكْمُ الْمَنْذُورِ منه أَمَّا إذَا تَمَكَّنَ من ذلك فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فَإِنْ لم يَفْعَلْ صَارَ دَيْنًا في ذِمَّتِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وفي تَصْوِيرِ الْمَنْعِ من الصَّوْمِ إشْكَالٌ فإنه وَإِنْ مُنِعَ من عَدَمِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ من النِّيَّةِ وَغَايَتُهُ أَنْ يُوجَرَ ذلك كَرْهًا أو يُكْرَهَ على تَنَاوُلِهِ وَذَلِكَ لَا يُفْطِرُ على الصَّحِيحِ قال وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْوَاجِبَ بِالنَّذْرِ كَالْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ يُشْكِلُ عليه أَنَّهُ لو نَذَرَ صَلَاةً في يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَأُغْمِيَ عليه لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ لم يَلْزَمْهُ قَضَاءُ صَلَوَاتِ ذلك الْيَوْمِ قُلْت هذا مُسْتَثْنًى كَبَقِيَّةِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ وَسِرُّهُ أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَنْذُورَةَ لَزِمَتْ بِالنَّذْرِ وَإِنْ تَوَقَّفَ الْإِتْيَانُ بها على دُخُولِ الْوَقْتِ بِخِلَافِ الْمَكْتُوبَةِ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَصَوَّرَهُ الْمَجْمُوعُ بِالْأَسِيرِ يَأْكُلُ خَوْفًا من الْقَتْلِ
وَأَمَّا من مَرِضَ وقد أَحْرَمَ فَتَحَلَّلَ بِالْمَرَضِ بِأَنْ شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِهِ لَزِمَهُ الْأُولَى فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ كما لو نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَأَفْطَرَ فيها بِعُذْرِ الْمَرَضِ فإنه يَقْضِي وَلِأَنَّهُ كان يُمْكِنُهُ اسْتِثْنَاؤُهُ في نَذْرِهِ وَلَا يَنْزِلُ الْمَرَضُ مَنْزِلَةَ الصَّدِّ عن الْبَيْتِ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ بِهِ بِخِلَافِ الصَّدِّ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ فَتَحَلَّلَ من زِيَادَتِهِ قال الْبُلْقِينِيُّ وَلَا يَتَقَيَّدُ الْحُكْمُ بِوُقُوعِ الْمَرَضِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَكَذَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لو فَاتَهُ الْحَجُّ لِخَطَأٍ في الْوَقْتِ أو الطَّرِيقِ أو نِسْيَانٍ لِأَحَدِهِمَا أو لِلْحَجِّ لِاخْتِصَاصِهِمَا بِهِ كَالْمَرَضِ فَرْعٌ من نَذَرَ عَشَرَ حَجَّاتٍ مَثَلًا وَمَاتَ بَعْدَ سَنَةٍ وقد تَمَكَّنَ من حِجَّةٍ فيها قُضِيَتْ من مَالِهِ وَحْدَهَا أو بَعْدَ خَمْسِ سِنِينَ وَتَمَكَّنَ من خَمْسِ حَجَّاتٍ فيها قُضِيَتْ فَقَطْ من مَالِهِ
وَالْمَعْضُوبُ إذَا نَذَرَ عَشْرًا وكان بَعِيدًا من مَكَّةَ يَسْتَنِيبُ في النَّذْرِ بِمَعْنَى الْمَنْذُورِ وهو الْعَشْرُ إنْ تَمَكَّنَ كما في حِجَّةُ الْإِسْلَامِ وَعَلَيْهِ فَقَدْ يَتَمَكَّنُ من الِاسْتِنَابَةِ في الْعَشْرِ في سَنَةٍ فَتُقْضَى الْعَشْرُ من مَالِهِ فَإِنْ لم يَفِ مَالُهُ بها لم يَسْتَقِرَّ إلَّا ما قَدَرَ عليه وفي نُسْخَةٍ فَتُقْضَى بَعْدَ مَوْتِهِ
فَرْعٌ لو نَذَرَ الرُّكُوبَ في نُسُكٍ فَمَشَى لَزِمَهُ دَمٌ لِأَنَّهُ انْدَفَعَ عنه مُؤْنَةُ الرُّكُوبِ وَتَرَفَّهَ بِهِ
فَإِنْ نَذَرَ النُّسُكَ حَافِيًا لم يَنْعَقِدْ نَذْرُ الْحَفَاءِ لِأَنَّهُ ليس بِقُرْبَةٍ فَلَهُ الِانْتِعَالُ وَلَا شَيْءَ عليه وَالتَّعْلِيلُ بِأَنَّ الْحَفَاءَ ليس بِقُرْبَةٍ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ لَكِنَّهُ قال فيه في الْحَجِّ أَنَّ الْأَوْلَى دُخُولُ مَكَّةَ حَافِيًا وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ عن بَعْضِهِمْ وَمُقْتَضَاهُ وُجُوبُ خَلْعِ النَّعْلَيْنِ في هذه الْمَسَافَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُسْتَحَبُّ فيه أَنْ يَكُونَ حَافِيًا كما لو نَذَرَ الْمَشْيَ أو الرُّكُوبَ وَكَإِطَالَةِ الْقِيَامِ في الصَّلَاةِ نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ
فَرْعٌ لو نَذَرَ حَجًّا وَعُمْرَةً مُفْرَدَيْنِ فَقَرَنَ أو تَمَتَّعَ فَكَمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ فِيهِمَا فَرَكِبَ فَيُجْزِئُهُ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَأْثَمُ إنْ لم يَكُنْ له عُذْرٌ وَإِنْ نَذَرَ الْقِرَانَ أو التَّمَتُّعَ وَذِكْرُهُ من زِيَادَتِهِ وَأَفْرَدَ فَهُوَ أَفْضَلُ من كُلٍّ مِنْهُمَا فَيَأْتِي بِهِ وَيَلْزَمُهُ دَمُ الْقِرَانِ أو التَّمَتُّعِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالنَّذْرِ فَلَا يَسْقُطُ كما مَرَّ نَظِيرُهُ في الْحَجِّ صَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ وَكَلَامُهُمْ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَا دَمَ عليه لِلْعُدُولِ وهو ظَاهِرٌ اكْتِفَاءً بِالدَّمِ الْمُلْتَزَمِ مع كَوْنِ الْأَفْضَلِ الْمَأْتِيَّ بِهِ من جِنْسِ الْمَنْذُورِ وَبِهَذَا فَارَقَ لُزُومَهُ بِالْعُدُولِ من الْمَشْيِ إلَى الرُّكُوبِ فِيمَا مَرَّ وَلَوْ نَذَرَ الْقِرَانَ فَتَمَتَّعَ فَهُوَ أَفْضَلُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَوْ نَذَرَ التَّمَتُّعَ فَقَرَنَ أَجْزَأَهُ وَلَزِمَهُ دَمَانِ وَيَنْعَقِدُ نَذْرُ الْحَجِّ مِمَّنْ لم يَحُجَّ حَجَّ الْفَرْضِ فَيَلْزَمُهُ لِلنَّذْرِ حَجٌّ آخَرُ كما لو نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ وَعَلَيْهِ صَلَاةُ الظُّهْرِ تَلْزَمُهُ صَلَاةٌ أُخْرَى وَيَأْتِي بِهِ أَيْ بِالْمَنْذُورِ بَعْدَ حَجِّ الْفَرْضِ التَّصْرِيحُ بهذا هُنَا من زِيَادَتِهِ وَمَحَلُّ انْعِقَادِ نَذْرِهِ ذلك أَنْ يَنْوِيَ غير الْفَرْضِ فَإِنْ نَوَى الْفَرْضَ لم يَنْعَقِدْ كما لو نَذَرَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ أو صَوْمَ رَمَضَانَ وَإِنْ أَطْلَقَ فَكَذَلِكَ إذَا لَا يَنْعَقِدُ نُسُكٌ مُحْتَمَلٌ كَذَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ
النَّوْعُ الثَّالِثُ إتْيَانُ الْمَسَاجِدِ فَإِنْ نَذَرَ إتْيَانَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أو بَيْتٍ من بُيُوتِ مَكَّةَ كَبَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ أو الْبَيْتِ الْحَرَامِ أو بَيْتِ أبي جَهْلٍ أو مَكَان من الْحَرَمِ كَمَكَّةَ أو الصَّفَا أو الْمَرْوَةِ أو مَسْجِدِ الْخَيْفِ أو مِنًى أو مُزْدَلِفَةَ لَزِمَهُ إتْيَانُ الْحَرَمِ بِحَجٍّ أو عُمْرَةٍ
____________________
(1/586)
لِأَنَّ الْقُرْبَةَ إنَّمَا تَتِمُّ في إتْيَانِهِ بِنُسُكِهِ وَالنَّذْرُ مَحْمُولٌ على الْوَاجِبِ وَحُرْمَةُ الْحَرَمِ شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ ما ذُكِرَ من الْأَمْكِنَةِ وَنَحْوِهَا في تَنْفِيرِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ قال في نَذْرِهِ بِلَا حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ فإنه يَلْزَمُهُ ذلك وَيَلْغُو النَّفْيُ وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ خِلَافَهُ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِمَا يُنَافِيهِ وقد يُؤَيَّدُ بِمَا لو نَذَرَ أُضْحِيَّةً على أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ بها فإنه لَا يَنْعَقِدُ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ شَدِيدُ التَّشَبُّثِ وَلَا يَتَعَيَّنُ الرُّكُوبُ وَلَا الْمَشْيُ فِيمَا ذُكِرَ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ لَا يَقْتَضِيهِمَا
وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ ولم يَنْوِ الْحَجَّ أو أَنْ يَأْتِيَ بَيْتَ اللَّهِ ولم يَنْوِ الْبَيْتَ الْحَرَامَ لم يَلْزَمْهُ شَيْءٌ فِيهِمَا لِأَنَّ عَرَفَاتٍ من الْحِلِّ فَهِيَ كَبَلَدٍ آخَرَ وَبَيْتُ اللَّهِ يَصْدُقُ بِبَيْتِهِ الْحَرَامِ وَبِسَائِرِ الْمَسَاجِدِ ولم يُقَيِّدْهُ بِلَفْظٍ وَلَا نِيَّةٍ فَإِنْ نَوَى الْحَجَّ في الْأُولَى وَالْحَرَمِ في الثَّانِيَةِ لَزِمَهُ ما نَوَاهُ وَكَلَفْظِ الْإِتْيَانِ فِيمَا ذُكِرَ لَفْظُ الِانْتِقَالِ وَالذَّهَابِ وَالْمُضِيِّ وَالْمَصِيرِ وَالسَّيْرِ وَنَحْوِهَا وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَمَسَّ بِثَوْبِهِ الْكَعْبَةِ فَكَمَا لو نَذَرَ إتْيَانَهَا وفي نُسْخَةٍ لَزِمَهُ إتْيَانُهَا أَيْ بِحَجٍّ أو عُمْرَةٍ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ من مَسِّهَا بِثَوْبِهِ إلَّا بِإِتْيَانِهَا وَمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى الْحَرَمِ لَزِمَهُ الْمَشْيُ من بَيْتِهِ وَإِنْ لم يُصَرِّحْ بِالْمَشْيِ منه وَالْإِحْرَامُ من الْمِيقَاتِ وَإِنْ نَذَرَ إتْيَانَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أو الْأَقْصَى وفي نُسْخَةٍ وَالْأَقْصَى لم يَلْزَمْهُ إتْيَانُهُ وَيَلْغُو النَّذْرُ لِأَنَّهُ مَسْجِدٌ لَا يَجِبُ قَصْدُهُ بِالنُّسُكِ فلم يَجِبْ إتْيَانُهُ بِالنَّذْرِ كَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ وَيُفَارِقُ لُزُومَ الِاعْتِكَافِ فِيهِمَا بِالنَّذْرِ بِأَنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةٌ في نَفْسِهِ وهو مَخْصُوصٌ بِالْمَسْجِدِ فإذا كان لِلْمَسْجِدِ فَضْلٌ وَلِلْعِبَادَةِ فيه مَزِيدُ ثَوَابٍ فَكَأَنَّهُ الْتَزَمَ فَضِيلَةً في الْعِبَادَةِ الْمُلْتَزَمَةِ وَالْإِتْيَانَ بِخِلَافِهِ
وَحُكْمُ نَذْرِ الصَّلَاةِ في الْمَسَاجِدِ حُكْمُ نَذْرِ الِاعْتِكَافِ فيها وقد سَبَقَ في بَابِهِ فَلَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ في الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أو مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أو الْأَقْصَى تَعَيَّنَ دُونَ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ وَيَقُومُ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ مَقَامَ مَسْجِدَيْ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى لَا الْعَكْسِ وَيَقُومُ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ مَقَامَ الْأَقْصَى لَا الْعَكْسُ
وَإِنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ في الْكَعْبَةِ وَصَلَّى في أَطْرَافِ الْمَسْجِدِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْجَمِيعَ من الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنْ كان في الْكَعْبَةِ زِيَادَةُ فَضِيلَةٍ وَلَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فيه أَيْ في الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ في مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ عن أَكْثَرَ منها بِأَنْ بِمَعْنَى كان نَذَرْت فَلَوْ نَذَرَ أَلْفَ صَلَاةٍ في مَسْجِدٍ لم تُجْزِهِ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ في مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ كما لو نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ في مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ صَلَاةً لَا تُجْزِئُهُ أَلْفُ صَلَاةٍ في غَيْرِهِ وَإِنْ عَدَلَتْ بها كما أَنَّهُ لو نَذَرَ قِرَاءَةَ ثُلُثِ الْقُرْآنِ فَقَرَأَ قُلْ هو اللَّهُ أَحَدٌ لَا يُجْزِئُهُ وَإِنْ عَدَلَتْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ
فَرْعٌ لو قال لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّي الْفَرَائِضَ في الْمَسْجِدِ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فيه بِنَاءً على أَنَّ صِفَاتِهَا تُفْرَدُ بِالِالْتِزَامِ بِخِلَافِ النَّفْلِ وَالْفَرْقُ أَنَّ أَدَاءَ الْفَرِيضَةِ في الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ وَلَا يَتَعَيَّنُ لها مَسْجِدٌ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لو عَيَّنَ لها مَسْجِدًا غير الثَّلَاثَةِ جَازَ أَدَاؤُهَا في غَيْرِهِ وهو ظَاهِرٌ
وَمَنْ نَذَرَ زِيَارَةَ قَبْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ لِأَنَّ زِيَارَةَ قَبْرِهِ من الْقُرَبِ الْمَطْلُوبَةِ وفي لُزُومِهِ بِنَذْرٍ زِيَارَةُ قَبْرِ غَيْرِهِ تَرَدُّدٌ أَيْ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا اللُّزُومُ في حَقِّ الرَّجُلِ لَا سِيَّمَا إذَا كان الْمَقْبُورُ صَالِحًا لِأَنَّ ذلك قُرْبَةٌ لِخَبَرِ زُورُوا الْقُبُورَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ زِيَارَةَ سَائِرِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ كَزِيَارَةِ قُبُورِ غَيْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
فَرْعٌ لو قال لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَمْشِيَ لم يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وإن نَوَى معه حَاجًّا أو مُعْتَمِرًا أو إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ لَزِمَهُ ما نَوَاهُ وَجُعِلَ كَأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِهِ
النَّوْعُ الرَّابِعُ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا وَلَوْ نَذَرَ ذَبْحَ شَاةٍ مَثَلًا ولم يُعَيِّنْ لِلذَّبْحِ بَلَدًا أو عَيَّنَ له غير الْحَرَمِ ولم يَنْوِ فِيهِمَا التَّضْحِيَةَ وَلَا الصَّدَقَةَ بِلَحْمِهَا لم يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ لِأَنَّهُ لم يُعَلِّقْهُ بِقُرْبَةٍ بِخِلَافِ ما إذَا نَوَى ذلك أو عَيَّنَ الْحَرَمِ وقد صَرَّحَ بِالثَّانِي في قَوْلِهِ وَلَوْ نَذَرَ الذَّبْحَ في الْحَرَمِ انْعَقَدَ نَذْرُهُ فَيَلْزَمُهُ الذَّبْحُ فيه وَإِنْ لم يَنْوِ ذلك لِأَنَّ ذِكْرَ الذَّبْحِ في النَّذْرِ مُضَافًا إلَى الْحَرَمِ يُشْعِرُ بِالْقُرْبَةِ وَلِأَنَّ الذَّبْحَ فيه عِبَادَةٌ مَعْهُودَةٌ وَلَزِمَهُ التَّفْرِقَةُ فيه حَمْلًا على وَاجِبِ الشَّرْعِ
وَلَوْ نَذَرَ هَدْيَ بَدَنَةٍ مَثَلًا إلَى الْحَرَمِ بِأَنْ قال لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ بَدَنَةً إلَى الْحَرَمِ أو أَنْ أَتَقَرَّبَ بِسَوْقِهَا إلَيْهِ لَزِمَهُ الذَّبْحُ وَالتَّفْرِقَةُ فيه لِذَلِكَ وَتَعْبِيرُهُ بِالْحَرَمِ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِمَكَّةَ فَإِنْ نَذَرَ الذَّبْحَ في غَيْرِ الْحَرَمِ أو بِسِكِّينٍ وَلَوْ مَغْصُوبًا ونذر التَّفْرِقَةَ فِيهِمَا في الْحَرَمِ تَعَيَّنَ مَكَانُ التَّفْرِقَةِ لِلَّحْمِ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ فَقَطْ أَيْ دُونَ الذَّبْحِ وَلَوْ بِالسِّكِّينِ الْمُعَيَّنَةِ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ فيه خَارِجَ الْحَرَمِ وَلَا في الذَّبْحِ بِسِكِّينٍ مُعَيَّنٍ وَلَوْ في الْحَرَمِ فَيَذْبَحُ حَيْثُ شَاءَ وَبِأَيِّ سِكِّينٍ شَاءَ وَيُفَرِّقُ في الْحَرَمِ وَقَوْلُهُ أو بِسِكِّينٍ وَلَوْ مَغْصُوبًا من زِيَادَتِهِ أو
____________________
(1/587)
نَذَرَ الذَّبْحَ فيه أَيْ في الْحَرَمِ وَالتَّفْرِقَةَ في غَيْرِهِ تَعَيَّنَ الْمَكَانَانِ أَيْ مَكَانَا الذَّبْحِ وَالتَّفْرِقَةِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا قُرْبَةٌ
وَلَوْ نَذَرَ الذَّبْحَ وَالتَّفْرِقَةَ أو نَوَاهَا بِبَلَدٍ غَيْرِ الْحَرَمِ تَعَيَّنَا فيه لِأَنَّهُ قَيَّدَهُمَا جميعا بِهِ فَأَشْبَهَ تَقْيِيدَهُمَا بِالْحَرَمِ وَلِأَنَّ الذَّبْحَ وَسِيلَةٌ إلَى التَّفْرِقَةِ الْمَقْصُودَةِ فلما جَعَلَ مَكَانَهُ مَكَانَهَا اقْتَضَى تَعَيُّنَهُ تَبَعًا أو نَذَرَ الْأُضْحِيَّةَ في بَلَدٍ تَعَيَّنَتْ أَيْ تَعَيَّنَ ذَبْحُهَا مع التَّفْرِقَةِ فيه لِتَضَمُّنِهَا التَّفْرِقَةَ فيه
وَإِنْ نَذَرَ الذَّبْحَ بِأَفْضَلِ بَلَدٍ فَمَكَّةُ مُعَيَّنَةٌ لِلذَّبْحِ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ الْبِلَادِ وَمَنْ نَذَرَ لِمُعَيَّنٍ كَقَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ على فُلَانٍ فَشُفِيَ فَأَعْطَاهُ الْعَشَرَةَ ولم يَقْبَلْ بَرِئَ لِأَنَّهُ أتى بِمَا عليه وَلَا قُدْرَةَ له على قَبُولِ غَيْرِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ فُلَانٌ على قَبُولِهِ وَيُفَارِقُ الزَّكَاةَ بِأَنَّ مُسْتَحِقِّيهَا إنَّمَا أُجْبِرُوا على قَبُولِهَا خَوْفَ تَعْطِيلِ أَحَدِ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ النَّذْرِ
ا ه
وَيُفَارِقُهُ أَيْضًا بِأَنَّ مُسْتَحِقِّي الزَّكَاةِ مَلَكُوهَا بِخِلَافِ مُسْتَحِقِّ النَّذْرِ وَلِلْمَنْذُورِ له مُطَالَبَتُهُ بِالْمَنْذُورِ بَعْدَ الشِّفَاءِ إنْ لم يُعْطِهِ النَّاذِرُ ذلك كَالْمَحْصُورِينَ من الْفُقَرَاءِ لهم الْمُطَالَبَةُ بِالزَّكَاةِ التي وَجَبَتْ وَكَمَا لو نَذَرَ إعْتَاقَ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ إنْ شُفِيَ فَشُفِيَ له الْمُطَالَبَةُ بِالْإِعْتَاقِ فَرْعٌ في فَتَاوَى الْقَفَّالِ لو قال لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْطِيَ الْفُقَرَاءَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ولم يُرِدْ بِهِ الصَّدَقَةَ لم يَلْزَمْهُ شَيْءٌ كما لو قال لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُحِبَّ الْفُقَرَاءَ وَفِيهِ كما قال الْأَذْرَعِيُّ نَظَرٌ إذْ لَا يُفْهَمُ من ذلك إلَّا الصَّدَقَةُ
فَصْلٌ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُضَحِّيَ بِبَدَنَةٍ وَقَيَّدَهَا بِالْإِبِلِ كَأَنْ قال بِبَدَنَةٍ من الْإِبِلِ أو نَوَاهَا أو أَطْلَقَ تَعَيَّنَتْ أَيْ الْبَدَنَةُ منها أَيْ من الْإِبِلِ فَلَا يُجْزِئُ غَيْرُهَا مع وُجُودِهَا لِلتَّقْيِيدِ بها في غَيْرِ الْأَخِيرَةِ وَلِغَلَبَةِ الْإِطْلَاقِ عليها في الْأَخِيرَةِ وَلِأَنَّهَا وَإِنْ أُطْلِقَتْ على الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ أَيْضًا كما صَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ فَهِيَ في الْإِبِلِ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا فَإِنْ عُدِمَتْ وقد أَطْلَقَ نَذْرَهُ فَبَقَرَةٌ أو سَبْعُ شِيَاهٍ ظَاهِرُهُ كَالرَّوْضَةِ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَجِبُ بَقَرَةٌ فَإِنْ عُدِمَتْ فَسَبْعُ شِيَاهٍ كما صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ أو عُدِمَتْ وقد قَيَّدَ نَذْرَهُ بها لَفْظًا أو نِيَّةً وَجَبَ عليه أَنْ يَشْتَرِيَ بِقِيمَتِهَا بَقَرَةً وَيُفَارِقُ ذلك عَدَمَ اعْتِبَارِ قِيمَتِهَا حَالَةَ الْإِطْلَاقِ بِأَنَّ اللَّفْظَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى مَعْهُودِ الشَّرْعِ وَمَعْهُودُ الشَّرْعِ لَا تَقْوِيمَ فيه فَإِنْ فَضَلَ من قِيمَتِهَا شَيْءٌ فَأُخْرَى أَيْ فَيَشْتَرِي بِهِ بَقَرَةً أُخْرَى إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَشَاةً أَيْ وَإِنْ لم يُمْكِنْ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ بَقَرَةً فَيَشْتَرِي بِهِ شَاةً أو شِقْصًا من بَدَنَةٍ أو بَقَرَةٍ إنْ أَمْكَنَ بِمُشَارَكَةِ غَيْرِهِ وَإِنْ لم يَجِدْ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَدَرَاهِمَ يَعْنِي فَيَتَصَدَّقُ بِالْفَاضِلِ دَرَاهِمَ على الْمَسَاكِينِ لِأَنَّهُ الْمَقْدُورُ وَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَشَاةً إلَى آخِرِهِ من تَصَرُّفِهِ وهو تَصَرُّفٌ حَسَنٌ وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا في كَيْفِيَّةِ إخْرَاجِ الْفَاضِلِ فقال الرُّويَانِيُّ يَشْتَرِي بِهِ بَقَرَةً أُخْرَى إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَهُوَ يَتَصَدَّقُ بِهِ كما قَالَهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ أو يَشْتَرِي بِهِ شِقْصًا وَجْهَانِ وقال الْمُتَوَلِّي يُشَارِكُ في بَدَنَةٍ أو بَقَرَةٍ أو يَشْتَرِي بِهِ شَاةً فَإِنْ عُدِمَتْ الْبَقَرَةُ فَالشِّيَاهُ السَّبْعُ يَشْتَرِيهَا بِقِيمَةِ الْبَدَنَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِتَرْجِيحِ تَرْتِيبِ الشِّيَاهِ على الْبَقَرَةِ وَتَرْجِيحِ اعْتِبَارِ قِيمَتِهَا بِقِيمَةِ الْبَدَنَةِ لَا بِقِيمَةِ الْبَقَرَةِ وَلَا بِأَكْثَرِهِمَا من زِيَادَتِهِ وَلَوْ وَجَدَ بِقِيمَتِهَا أَيْ الْبَدَنَةِ ثَلَاثَ شِيَاهٍ أَتَمَّهَا أَيْ الثَّلَاثَ من مَالِهِ سَبْعًا لِأَنَّهَا التي تَقُومُ مَقَامَ الْبَدَنَةِ
وَلَوْ نَذَرَ شَاةً فَذَبَحَ بَدَلَهَا بَدَنَةً جَازَ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ منها قال صَاحِبُ الْبَيَانِ وَمَحَلُّهُ إذَا نَذَرَهَا في ذِمَّتِهِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ عَدَمَ الْجَوَازِ وفي كَوْنِهَا كُلِّهَا فَرْضًا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نعم على اضْطِرَابٍ فيه بَيَّنْتُهُ في صِفَةِ الصَّلَاةِ
فَرْعٌ في الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ في الْحَيَوَانِ الْمَنْذُورِ وإذا قال لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ أو أُهْدِيَ ولم يُسَمِّ شيئا لَزِمَهُ ما يُجْزِئُ في الْأُضْحِيَّةِ حَمْلًا على مَعْهُودِ الشَّرْعِ فَإِنْ عَيَّنَ عن نَذْرِهِ بَدَنَةً أو بَقَرَةً أو شَاةً تَعَيَّنَتْ بِشُرُوطِهَا أَيْ الْأُضْحِيَّةِ لِذَلِكَ فَلَا يُجْزِئُ فَصِيلٌ وَلَا عِجْلٌ وَلَا سَخْلَةٌ فَإِنْ تَعَيَّبَ الْهَدْيُ الْمَنْذُورُ أو الْمُعَيَّنُ عن نَذْرِهِ تَحْتَ السِّكِّينِ عِنْدَ ذَبْحِهِ أَجْزَأَهُ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ كما مَرَّ في بَابِهَا لِأَنَّ الْهَدْيَ ما يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ وَبِالْوُصُولِ إلَيْهِ حَصَلَ الْإِهْدَاءُ وَالتَّضْحِيَةُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالذَّبْحِ وما ذَكَرَهُ من إجْزَاءِ الْهَدْيِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ
____________________
(1/588)
عن الْقَفَّالِ وهو وَجْهٌ حَكَاهُ في بَابِ الْأُضْحِيَّةِ وَصَحَّحَ فيه الْمَنْعَ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ من ضَمَانِهِ ما لم يَذْبَحْ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ قد نَبَّهَ على ذلك الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ نَقْلِ الْهَدْيِ إلَى الْحَرَمِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْهَدْيِ قال تَعَالَى حتى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَإِنْ لم يَكُنْ له مَالٌ بِيعَ بَعْضُهُ لِنَقْلِ الْبَاقِي ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ولزمه تَفْرِقَةُ لَحْمِهِ فيه على مَسَاكِينِهِ لَكِنْ لو نَوَى صَرْفَهُ إلَى تَطْيِيبِ الْكَعْبَةِ أو جَعَلَ الثَّوْبَ سِتْرًا لها أو قُرْبَةً أُخْرَى هُنَاكَ صَرَفَهُ إلَى ما نَوَى كما يُعْلَمُ من كَلَامِهِ بَعْدُ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا وَلَوْ ذَبَحَهُ أو فَرَّقَهُ في غَيْرِهِ أو فيه على غَيْرِ مَسَاكِينِهِ لم يُجْزِهِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ مَالًا مُعَيَّنًا لَا يُجْزِئُ في الْأُضْحِيَّةِ حَيَوَانًا كان أو غَيْرَهُ كَأَنْ نَذَرَ ثَوْبًا أو ظَبْيًا أو طَائِرًا أو جَمَادًا أو نَحْوَهُمَا أو شَاةً مَثَلًا غير سَلِيمَةٍ وَجَبَ إيصَالُهُ الْحَرَمَ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْهَدْيِ وَلَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِعَيْنِ الْمَالِ لو قال بِعَيْنِهِ كان أَخْصَرَ فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهُ وَتَفْرِقَةُ ثَمَنِهِ وَيَنْزِلُ تَعْيِينُهُ مَنْزِلَهُ الْأُضْحِيَّةِ وَالشَّاةِ في الزَّكَاةِ ولزمه التَّصَدُّقُ بِالْحَيَوَانِ حَيًّا وَلَوْ ذَبَحَهُ لم يَجُزْ إذْ لَا قُرْبَةَ في ذَبْحِهِ لِعَدَمِ إجْزَائِهِ أُضْحِيَّةً وَغَرِمَ الْأَرْشَ إنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِالذَّبْحِ وَتَصَدَّقَ بِاللَّحْمِ
وما تَعَذَّرَ نَقْلُهُ مِمَّا أَهْدَاهُ كَالدَّارِ أو تَعَسَّرَ كَحَجَرِ الرَّحَى فَلَهُ بَيْعُهُ وَنَقْلُ ثَمَنِهِ الْمُوَافِقُ بِعِبَارَةِ أَصْلِهِ وَيَنْتَقِلُ ثَمَنُهُ إلَى الْحَرَمِ بِنَفْسِهِ من غَيْرِ مُرَاجَعَةِ حَاكِمٍ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ على مَسَاكِينِهِ وَهَلْ له إمْسَاكُهُ بِقِيمَتِهِ أو لَا فَقَدْ يَرْغَبُ فيه بِأَكْثَرَ منها وَجْهَانِ في الْكِفَايَةِ وَمِثْلُ حَجَرِ الرَّحَى في بَيْعِهِ ما لو كان لَا يُمْكِنُ تَعْمِيمُ بُقَعِ الْحَرَمِ إذَا فَرَّقَهُ على مَسَاكِينِهِ كَاللُّؤْلُؤِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَمُرَادُهُ حَيْثُ وَجَبَ التَّعْمِيمُ لَكِنْ هل يُبَاعُ في الْحَرَمِ بَعْدَ نَقْلِهِ أو في مَحَلِّ النَّذْرِ قال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إنْ كانت قِيمَتُهُ في الْمَحَلَّيْنِ سَوَاءً
تَخَيَّرَ أو في أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ تَعَيَّنَ
فَرْعٌ وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَاةً مَثَلًا وَنَوَى ذَاتَ عَيْبٍ أو سَخْلَةً أو جَدْيًا أو رَضِيعًا أَجْزَأَهُ إهْدَاءُ الْمَنْوِيِّ لِأَنَّهُ الْمُلْتَزَمُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ التَّصَدُّقُ بِهِ حَيًّا وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ لِمَا مَرَّ في قَوْلِهِ وَلَوْ ذَبَحَهُ لم يَجُزْ فَإِنْ جَعَلَهُ أَيْ أَخْرَجَ بَدَلَهُ سَلِيمًا فَهُوَ أَفْضَلُ لو عَبَّرَ كَأَصْلِهِ بَدَلَ سَلِيمًا بِتَامًّا كان أَوْلَى وَإِنْ قال أنا أُهْدِي هذه الشَّاةَ مَثَلًا نَذْرًا لَزِمَهُ أَنْ يُهْدِيَهَا إلَّا إنْ نَوَى الِاسْتِقْبَالَ أَيْ نَوَى أَنَّهُ سَيُحْدِثُ نَذْرَهَا أو سَيُهْدِيهَا فَلَا يَلْزَمُهُ إهْدَاؤُهَا وَكَذَكَرَ نَذْرًا نِيَّتُهُ بِخِلَافِ ما إذَا تَرَكَهُمَا فَلَا يَلْزَمُهُ إهْدَاؤُهَا لِأَنَّ أَهْدَى لِلِاسْتِقْبَالِ أو وَلِلْحَالِ بِلَا إنْشَاءٍ أو مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا ولم يَقْرِنْهُ بِمَا يَقْتَضِي الِالْتِزَامَ فَأَشْبَهَ ما لو قال لِزَوْجَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك فقالت أُطَلِّقُ ولم تُرِدْ بِهِ الْإِنْشَاءَ فَصْلٌ في مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ منها في الْأَصْلِ لو نَذَرَ الصَّوْمَ في بَلَدٍ وَلَوْ مَكَّةَ لم يَتَعَيَّنْ وفي نُسْخَةٍ فَرْعٌ
وَإِنْ نَذَرَ سَتْرَ الْكَعْبَةِ وَلَوْ بِالْحَرِيرِ أو تَطِيبَهَا أو صَرْفَ مَالٍ فيه أَيْ في سَتْرِهَا أو تَطْيِيبِهَا جَازَ لِأَنَّهُ من الْقُرُبَاتِ فإن الناس اعْتَادُوهَا على مَمَرِّ الْأَعْصَارِ ولم يُنْكِرْهُ أَحَدٌ فَإِنْ نَوَى الْمُبَاشَرَةَ لِذَلِكَ بِنَفْسِهِ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَهُ بَعْثُهُ إلَى الْقَيِّمِ لِيَصْرِفَهُ في ذلك وَهَذَا التَّفْصِيلُ في الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَالتَّصْرِيحُ بِلُزُومِ الْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ إذَا نَوَاهَا من زِيَادَتِهِ
وفي جَوَازِ نَذْرِ تَطْيِيبِ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى وَغَيْرِهِمَا من الْمَسَاجِدِ تَرَدُّدٌ لِلْإِمَامِ قال في الْأَصْلِ وَمَالَ إلَى تَخْصِيصِهِ بِالْكَعْبَةِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وقال في الْمَجْمُوعِ الْمُخْتَارُ الصِّحَّةُ في كل مَسْجِدٍ لِأَنَّ تَطْيِيبَهَا سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ فَلَزِمَ بِالنَّذْرِ كَسَائِرِ الْقُرَبِ وَخَرَجَ بِالْمَسَاجِدِ الْبُيُوتُ وَنَحْوُهَا كَمَشَاهِدِ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَلَوْ نَذَرَ الذَّبْحَ عن وَلَدِهِ كَأَنْ قال لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ عن وَلَدِي لَزِمَهُ الذَّبْحُ عنه لِأَنَّ الذَّبْحَ عن الْأَوْلَادِ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ أو نَذَرَ تَعْجِيلَ زَكَاةَ مَالِهِ كَأَنْ قال لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعَجِّلَ زَكَاةَ مَالِي أو قال لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ وَلَدِي فَإِنْ لم يَجُزْ فَشَاةٌ مَكَانَهُ أو نَذَرَ كَافِرٌ صَوْمًا مَثَلًا قبل إسْلَامِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ أَمَّا في الْأَخِيرَةِ فَلِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ وَقَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِعُمَرَ في نَذْرٍ كان نَذَرَهُ في الْجَاهِلِيَّةِ أَوْفِ بِنَذْرِك مَحْمُولٌ على النَّدْبِ وَأَمَّا في اللَّتَيْنِ قَبْلَهَا فَلِأَنَّ الْمَنْذُورَ ليس بِقُرْبَةٍ نعم حَيْثُ قُلْنَا يُنْدَبُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ كَأَنْ اشْتَدَّتْ حَاجَةُ الْمُسْتَحِقِّينَ لها أو الْتَمَسُوهَا من الْمُزَكِّي أو قَدِمَ السَّاعِي قبل تَمَامِ حَوْلِهِ فَيَنْبَغِي كما قال الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ صِحَّةُ نَذْرِهِ
فَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَشْتَرِيَ لِلصَّدَقَةِ بِدِرْهَمٍ خُبْزًا لَزِمَهُ الْخُبْزُ أَيْ التَّصَدُّقُ بِخُبْزِ قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ لَا شِرَاؤُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ نَظَرًا لِلْمَعْنَى وَلِأَنَّ الْقُرْبَةَ إنَّمَا هِيَ التَّصَدُّقُ لَا الشِّرَاءُ وَإِنْ قال لِلَّهِ على رِجْلِي الْحَجُّ مَاشِيًا لَزِمَهُ إلَّا إنْ أَرَادَ إلْزَامَ رِجْلَيْهِ خَاصَّةً وَإِنْ أَلْزَمَ رَقَبَتَهُ أو نَفْسَهُ ذلك لَزِمَهُ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا كِنَايَتَانِ عن الذَّاتِ وَإِنْ قَصَدَ إلْزَامَهَا وَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَتَيْنِ عن كَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ وَ
____________________
(1/589)
إنْ لم يُعَيِّنْ أَجْزَأَهُ كما لو لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ
وَمَنْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِشَيْءٍ صَحَّ نَذْرُهُ وتصدق بِمَا شَاءَ من قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ لِصِدْقِ الشَّيْءِ عليه بِخِلَافِ ما إذَا تَرَكَ بِشَيْءٍ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا مُتَمَوَّلٌ كما مَرَّ
أو نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِأَلْفٍ ولم يَنْوِ شيئا لَغَا كَذَا جَزَمَ بِهِ تَبَعًا لِلرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن فَتَاوَى الْقَفَّالِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَيُعَيِّنُ أَلْفًا مِمَّا يُرِيدُ كما لو قال لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ انْتَهَى
وما قَالَهُ ظَاهِرٌ وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَذْرِ التَّصَدُّقِ بِشَيْءٍ لَكِنَّ الْأَصْلَ لم يُصَوِّرْهَا بِنَذْرِ التَّصَدُّقِ وَإِنَّمَا قال وَلَوْ قال إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ أَلْفٌ ولم يُعَيِّنْ شيئا بِاللَّفْظِ وَلَا بِالنِّيَّةِ لم يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وهو ظَاهِرٌ إذْ الْمَعْنَى أَنَّهُ لم يُعَيِّنْ شيئا من مَسَاكِينَ وَلَا دَرَاهِمَ وَلَا تَصَدُّقٍ وَلَا غَيْرِهَا
وَلَوْ نَذَرَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ أَحَدًا لم يَصِحَّ النَّذْرُ لِمَا فيه من التَّضْيِيقِ وَالتَّشْدِيدِ كما لو نَذَرَ الْوُقُوفَ في الشَّمْسِ وَدَلِيلُهُ خَبَرُ أبي إسْرَائِيلَ السَّابِقُ في الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَلَوْ نَذَرَ من يَمُوتُ أَوْلَادُهُ عِتْقًا لِرَقِيقٍ إنْ عَاشَ له وَلَدٌ فَعَاشَ له وَلَدٌ أَكْثَرَ منهم أَيْ من أَوْلَادِهِ الْمَوْتَى وَلَوْ قَلِيلًا لَزِمَهُ الْعِتْقُ وَإِنْ نَذَرَ أُضْحِيَّةً بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يُضَحِّيَ بِشَاةٍ مَثَلًا على أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ بها لم يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِمَا يُنَافِيهِ
وَإِنْ قال إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي تَصَدَّقْت بِدِينَارٍ عِبَارَةُ غَيْرِهِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ أو فَعَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ فَشُفِيَ مَرِيضُهُ وَالْمَرِيضُ فَقِيرٌ فَإِنْ كان لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ جَازَ إعْطَاؤُهُ ما لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا كَالزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ
وَإِنْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ على وَلَدِهِ أو على زَيْدٍ الْغَنِيِّ جَازَ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ على الْغَنِيِّ جَائِزَةٌ وَقُرْبَةٌ وَإِنْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدِهِ لِشِفَاءِ مَرِيضٍ ثُمَّ نَذَرَ عِتْقَهُ لِقُدُومِ زَيْدٍ انْعَقَدَ النَّذْرَانِ فَإِنْ حَصَلَا أَيْ الشِّفَاءُ وَالْقُدُومُ مَعًا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا كَذَا نَقَلَهُ في الرَّوْضَةِ عن فَتَاوَى الْقَاضِي عن الْعَبَّادِيِّ وَاَلَّذِي فيها عنه أَنَّ النَّذْرَ الثَّانِيَ مَوْقُوفٌ فَإِنْ شُفِيَ الْمَرِيضُ قبل الْقُدُومِ أو بَعْدَهُ أو معه بَانَ أَنَّهُ لم يَنْعَقِدْ وَالْعَبْدُ مُسْتَحِقُّ الْعِتْقِ عن الْأَوَّلِ وَإِنْ مَاتَ انْعَقَدَ وَأَعْتَقَ الْعَبْدَ عنه وَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ
وَمَنْ نَذَرَ زَيْتًا أو شَمْعًا لِإِسْرَاجِ ما يَأْتِي أو وَقَفَ ما يُشْتَرَيَانِ أَيْ الزَّيْتُ وَالشَّمْعُ بِهِ يَعْنِي بِشَيْءٍ من غَلَّتِهِ لِإِسْرَاجِ مَسْجِدٍ أو غَيْرِهِ صَحَّ كُلٌّ من النَّذْرِ وَالْوَقْفِ إنْ كان قد يَدْخُلُهُ أَيْ الْمَسْجِدَ أو غَيْرَهُ من يَنْتَفِعُ بِهِ من نَحْوِ مُصَلٍّ أو نَائِمٍ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ وقد ذَكَرَ الْأَذْرَعِيُّ ما يُقَيِّدُ ذلك فقال وفي إيقَادِ الشُّمُوعِ لَيْلًا على الدَّوَامِ وَالْمَصَابِيحِ الْكَثِيرَةِ نَظَرٌ لِمَا فيه من الْإِسْرَافِ وَأَمَّا الْمَنْذُورُ الْمُشَاهَدُ الذي يُثْبَتُ على قَبْرِ وَلِيٍّ أو نَحْوِهِ فَإِنْ قَصَدَ النَّاذِرُ بِذَلِكَ التَّنْوِيرَ على من يَسْكُنُ الْبُقْعَةَ أو يَرِدُ إلَيْهَا فَهُوَ نَوْعُ قُرْبَةٍ وَحُكْمُهُ ما ذُكِرَ أَيْ الصِّحَّةُ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْإِيقَادَ على الْقَبْرِ وَلَوْ مع قَصْدِ التَّنْوِيرِ فَلَا وَإِنْ قَصَدَ بِهِ وهو الْغَالِبُ من الْعَامَّةِ تَعْظِيمَ الْبُقْعَةِ أو الْقَبْرِ أو التَّقَرُّبَ إلَى من دُفِنَ فيها أو نُسِبَتْ إلَيْهِ فَهَذَا نَذْرٌ بَاطِلٌ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ فَإِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ لِهَذِهِ الْأَمَاكِنِ خُصُوصِيَّاتٍ لِأَنْفُسِهِمْ وَيَرَوْنَ أَنَّ النَّذْرَ لها مِمَّا يَنْدَفِعُ بِهِ الْبَلَاءُ قال وَحُكْمُ الْوَقْفِ كَالنَّذْرِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَالنَّذْرُ مَنْهِيٌّ عنه في خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ كما مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ مع ما يَتَعَلَّقُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
____________________
(1/590)
قال الشَّيْخُ الْإِمَامُ وَالْحَبْرُ الْهُمَامُ صَدْرُ الْمُدَرِّسِينَ زَيْنُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ أبو يحيى زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ الشَّافِعِيُّ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ على سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وسلم كِتَابُ الْبُيُوعِ جَمْعُ بَيْعٍ وهو اسْمُ جِنْسٍ وَجَمَعَهُ لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ لِأَنَّهُ يَقَعُ على بَيْعِ عَيْنٍ وَدَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ وَيُطْلَقُ على أَمْرَيْنِ أَحَدِهِمَا قَسِيمِ الشِّرَاءِ وهو الذي يُشْتَقُّ منه لِمَنْ صَدَرَ عنه لَفْظُ الْبَائِعِ وَحْدُهُ نَقْلُ مِلْكٍ بِثَمَنٍ على وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَالشِّرَاءُ قَبُولُ ذلك على لَفْظِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَقَعُ على الْآخَرِ تَقُولُ الْعَرَبُ بِعْت بِمَعْنَى اشْتَرَيْت وَبِالْعَكْسِ قال اللَّهُ تَعَالَى وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ وقال وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَيُقَالُ لِكُلٍّ من الْمُتَبَايِعَيْنِ بَائِعٌ وَبَيِّعٌ وَمُشْتَرٍ وَشَارٍ الثَّانِي الْعَقْدِ الْمُرَكَّبِ من الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَهَذَا مُرَادُهُمْ بِالتَّرْجَمَةِ وهو لُغَةً مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ وَشَرْعًا مُقَابَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ على وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَالْأَصْلُ فيه قبل الْإِجْمَاعِ آيَاتُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَقَوْلُهُ لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عن تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ سُئِلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ فقال عَمَلُ الرَّجُلِ بيده وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ لَا غِشَّ فيه وَلَا خِيَانَةَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَخَبَرُ إنَّمَا الْبَيْعُ عن تَرَاضٍ رَوَاهُ ابن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ قال في الْمَجْمُوعِ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ صِيغَةٌ وَعَاقِدٌ وَمَعْقُودٌ عليه وَاخْتَارَ الرَّافِعِيُّ أنها شُرُوطٌ له وقد ذَكَرْت دَلِيلَهُ وَالْجَوَابَ عنه في شَرْحِ الْبَهْجَةِ
____________________
(2/2)
بَابُ ما يَصِحُّ بِهِ الْبَيْعُ عَبَّرَ عَمَّا ذَكَرْته ما يَحْتَمِلُ الْأَرْكَانَ وَالشُّرُوطَ مُبْتَدِئًا بِالصِّيغَةِ لِأَنَّهَا أَهَمُّ لِلْخِلَافِ فيها ثُمَّ بِالْعَاقِدِ ثُمَّ بِالْمَعْقُودِ عليه لِتَقَدُّمِ الْفَاعِلِ على الْمَفْعُولِ طَبْعًا فقال وَيُعْتَبَرُ في صِحَّتِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ الْأَوَّلُ الصِّيغَةُ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَنُوطٌ بِالرِّضَا لِمَا مَرَّ وَالرِّضَا أَمْرٌ خَفِيٌّ لِأَنَّهُ مَيْلُ النَّفْسِ فَاعْتُبِرَ لَفْظٌ يَدُلُّ عليه وَيَحْصُلُ بِالْإِيجَابِ من الْبَائِعِ كَ بِعْتُك بِكَذَا أو مَلَّكْتُك بِكَذَا وَهَذَا مَبِيعٌ مِنْك بِكَذَا أو أنا بَائِعُهُ لَك بِكَذَا وَنَحْوَهَا كما بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ قِيَاسًا على الطَّلَاقِ وَالْقَبُولِ من الْمُشْتَرِي كَ اشْتَرَيْت وَتَمَلَّكْت وَقَبِلْت وَكَذَا إنْ بَدَأَ الْمُشْتَرِي بِكَلَامِهِ وكذا إنْ اخْتَلَفَ اللَّفْظُ من الْجَانِبَيْنِ فقال اشْتَرَيْت مِنْك هذا بِكَذَا فقال الْبَائِعُ مَلَّكْتُك أو قال له الْبَائِعُ مَلَّكْتُك فقال اشْتَرَيْت لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ فَإِنْ بَدَأَ بِ قَبِلْت لم يَصِحَّ إذْ لَا يَنْتَظِمُ الِابْتِدَاءُ بِهِ وَهَذَا ما أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَالْأَوْجَهُ الصِّحَّةُ كما جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ في نَظِيرِهِ في النِّكَاحِ وَأَشَارَ بِكَافِ الْخِطَابِ في صِيَغِ الْإِيجَابِ إلَى اعْتِبَارِ الْخِطَابِ فيها وَإِسْنَادِهَا لِجُمْلَةِ الْمُخَاطَبِ فَلَا يَكْفِي قَوْلُ الْبَائِعِ بِعْت وَلَوْ بَعْدَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي له بِعْت هذا بِكَذَا وَلَا قَوْلُهُ بِعْت يَدَك أو نِصْفَك وَلَا بِعْت مُوَكِّلَك بَلْ يقول بِعْتُك أو مَلَّكْتُك وَإِنَّمَا اكْتَفَى في النِّكَاحِ بِأَنْكَحْت مُوَكِّلَك بَلْ يَتَعَيَّنُ لِأَنَّ ا الْوَكِيلَ ثَمَّ سَفِيرٌ مَحْضٌ وقد لَا يُعْتَبَرُ الْخِطَابُ كما سَيَأْتِي بَيَانُهُ في مَسْأَلَةِ الْمُتَوَسِّطِ وَيُشْتَرَطَانِ أَيْ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ في عَقْدٍ تَوَلَّى الْأَبُ وَإِنْ عَلَا طَرَفَيْهِ كَالْبَيْعِ لِمَالِهِ من طِفْلِهِ وَعَكْسَهُ فَلَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا إذْ مَعْنَى التَّحْصِيلِ غَيْرُ مَعْنَى الْإِزَالَةِ وَكَالطِّفْلِ الْمَجْنُونُ وَكَذَا السَّفِيهُ بِنَاءً على الْأَصَحِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ في الْمَالِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَهَذَا إنْ بَلَغَ سَفِيهًا وَإِلَّا فَوَلِيُّهُ الْحَاكِمُ فَلَا يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّ شَفَقَتَهُ لَيْسَتْ كَشَفَقَةِ الْأَبِ وَتَرْجِيحُ الِاشْتِرَاطِ فِيمَا قَالَهُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ فَرْعٌ وَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِالْمُعَاطَاةِ إذْ الْفِعْلُ لَا يَدُلُّ بِوَضْعِهِ وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ وَجَمَاعَةٌ منهم الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ الِانْعِقَادَ له في كُلٍّ أَيْ بِكُلِّ ما يَعُدُّهُ الناس بَيْعًا لِأَنَّهُ لم يَثْبُتْ اشْتِرَاطُ لَفْظٍ فَيَرْجِعُ لِلْعُرْفِ كَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ الْمُطْلَقَةِ وَبَعْضُهُمْ كَابْنِ سُرَيْجٍ وَالرُّويَانِيِّ خَصَّصَ جَوَازَ بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ بِالْمُحَقَّرَاتِ وَهِيَ ما جَرَتْ الْعَادَةُ فيها بِالْمُعَاطَاةِ كَرَطْلِ خُبْزٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ وهو عَدَمُ صِحَّةِ الْبَيْعِ بِالْمُعَاطَاةِ الْمَقْبُوضُ بها كَالْمَقْبُوضِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَيُطَالِبُ كُلٌّ صَاحِبَهُ بِمَا دَفَعَ إلَيْهِ إنْ بَقِيَ وَبِبَدَلِهِ إنْ تَلِفَ وقال الْغَزَالِيُّ في الْإِحْيَاءِ يَتَمَلَّكُهُ يَعْنِي لِلْبَائِعِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الثَّمَنَ الذي قَبَضَهُ إنْ سَاوَى قِيمَةَ ما دَفَعَهُ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ ظَفِرَ بِمِثْلِ حَقِّهِ وَالْمَالِكُ رَاضٍ هذا كُلُّهُ في الدُّنْيَا أَمَّا في الْآخِرَةِ فَلَا مُطَالَبَةَ لِطِيبِ النَّفْسِ بها وَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فيها نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن ابْنِ أبي عَصْرُونٍ وَأَقَرَّهُ قال وَخِلَافُ الْمُعَاطَاةِ في الْبَيْعِ يَجْرِي في الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا قال في الذَّخَائِرِ وَصُورَةُ الْمُعَاطَاةِ أَنْ يَتَّفِقَا على ثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ وَيُعْطِيَا من غَيْرِ إيجَابٍ وَلَا قَبُولٍ وقد يُوجَدُ لَفْظٌ من أَحَدِهِمَا فَرْعٌ لو قال شَخْصٌ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ لِآخَرَ بِعْنِي أو اشْتَرِ مِنِّي هذا بِكَذَا فقال الْآخَرُ بِعْتُك أو اشْتَرَيْت أو قد فَعَلْت أو نَحْوَهَا صَحَّ لِدَلَالَةِ الْأَمْرِ على الرِّضَا وَالْأَوَّلُ يُسَمَّى اسْتِيجَابًا وَإِيجَابًا وَالثَّانِي اسْتِقْبَالًا وَقَبُولًا وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ في الثَّانِيَةِ من زِيَادَتِهِ لَا إنْ جاء بِصِيغَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَلَوْ مُقَدَّرًا فقال تَبِيعُنِي أو بِعْتنِي هذا بِكَذَا فقال بِعْتُك فَلَا يَصِحُّ فإن جَوَابَهُ إيجَابٌ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ بِاشْتَرَيْت أو نَحْوِهِ فَلَا يَصِحُّ بِدُونِهِ أو قال
____________________
(2/3)
تَشْتَرِي مِنِّي أو اشْتَرَيْت مِنِّي هذا بِكَذَا فقال اشْتَرَيْت لم يَكْفِ حتى يَقُولَ بَعْدَهُ بِعْتُك أو نَحْوَهُ فإن جَوَابَهُ قَبُولٌ يَفْتَقِرُ إلَى الْإِيجَابِ فَلَا يَكْفِي بِدُونِهِ فَرْعٌ بِالْكِنَايَةِ مع النِّيَّةِ تَصِحُّ الْعُقُودُ وَلَوْ لم تَقْبَلْ التَّعْلِيقَ أو لم يَسْتَقِلَّ بها الشَّخْصُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بها كَالصَّرِيحِ إلَّا فِيمَا يَجِبُ فيه الْإِشْهَادُ كَالنِّكَاحِ وَبَيْعِ شَرْطٍ على وَكِيلِهِ أَيْ الْوَكِيلِ بِهِ الْإِشْهَادُ فيه فَلَا يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ لِأَنَّ الشُّهُودَ لَا يَطَّلِعُونَ على النِّيَّةِ نعم لو تَوَفَّرَتْ الْقَرَائِنُ عليه في الثَّانِيَةِ قال الْغَزَالِيُّ فَالظَّاهِرُ انْعِقَادُهُ وَأَقَرَّهُ عليه الْأَصْلُ لَكِنْ قال في الْمَطْلَبِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْأَئِمَّةِ انْتَهَى وَعَلَى الْأَوَّلِ قد يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّكَاحِ بِأَنَّ النِّكَاحَ يُحْتَاطُ له أَكْثَرَ وَصُورَةُ الشَّرْطِ أَنْ يَقُولَ بِعْ على أَنْ تَشْهَدَ فَإِنْ قال بِعْ وَأَشْهَدَ لم يَكُنْ الْإِشْهَادُ شَرْطًا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَرْعَشِيُّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ فَقَوْلُهُ خُذْهُ أو تَسَلَّمْهُ بِكَذَا أو جَعَلْته لَك بِكَذَا أو بَاعَك ه اللَّهِ بِكَذَا كَأَقَالَكَ اللَّهُ منه أو رَدَّهُ اللَّهُ عَلَيْك في الْإِقَالَةِ أو بَارَكَ اللَّهُ لَك فيه أو سَلَّطْتُك عليه بِكَذَا أو نَحْوَهَا كِنَايَةٌ في الْبَيْعِ فَيَنْعَقِدُ بها مع النِّيَّةِ وَلَوْ أَخَّرَ عن هذا قَوْلَهُ كَأَقَالَكَ اللَّهُ في الْإِقَالَةِ كان أَوْضَحَ وَالتَّقْدِيرُ فيه أَقَالَك اللَّهُ لِأَنِّي أَقَلْتُك لَا أَبَحْتك إيَّاهُ بِكَذَا فَلَيْسَ كِنَايَةً فيه قال في الْمَجْمُوعِ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ في الْإِبَاحَةِ فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً في غَيْرِهَا وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ بِهِ الْبَيْعُ وَإِلَّا أَشْكَلَ بِانْعِقَادِهِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ الْمُصَرَّحِ فيه بِأَنَّهُ مع ذِكْرِ الْعِوَضِ صَرِيحٌ في الْبَيْعِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عَلِمَ أَنَّ لِلْبَيْعِ صَرَائِحَ وَكِنَايَاتِ كَغَيْرِهِ من الْعُقُودِ وَالْحُلُولِ وَصَرِيحُ كل بَابٍ ما وُضِعَ له فَلَا يُفْهَمُ منه غَيْرُهُ وَكِنَايَتُهُ ما احْتَمَلَهُ وَغَيْرُهُ تَنْبِيهٌ هل الْكِنَايَةُ الصِّيغَةُ وَحْدَهَا أو مع ذِكْرِ الْعِوَضِ فيه الْتِفَاتٌ إلَى أَنَّ ما أَخَذَ صَرَاحَةَ لَفْظِ الْخُلْعِ في الطَّلَاقِ ذَكَرَ الْعِوَضَ أو كَثْرَةَ الِاسْتِعْمَالِ وَالْأَصَحُّ في الرَّوْضَةِ الْأَوَّلُ وفي غَيْرِهَا الثَّانِي فَتَكُونُ صُورَةُ الْكِنَايَةِ على الْأَوَّلِ وَالصِّيغَةِ وَحْدِهَا فَيَصِحُّ الْعَقْدُ بها مع ذِكْرِ الْعِوَضِ بَلْ قِيلَ أو مع نِيَّتِهِ وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ تَصْوِيرُهَا بِالصِّيغَةِ مع ذِكْرِ الْعِوَضِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ فَرْعٌ الْكِتَابَةُ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ على لَوْحٍ أو وَرَقٍ أو أَرْضٍ أو نَحْوِهَا لَا على الْمَائِعِ وَالْهَوَاءِ إلَى الْغَائِبِ كِنَايَةٌ في ذلك فَيَنْعَقِدُ بها مع النِّيَّةِ لِحُصُولِ التَّرَاضِي بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ على الْمَائِعِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ وَتَعْبِيرُهُ بِالْمَائِعِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْمَاءِ فَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ من الْمَكْتُوبَاتِ إلَيْهِ حَالَ الِاطِّلَاعِ لِيَقْتَرِنَ بِالْإِيجَابِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فإذا قَبِلَ فَلَهُ الْخِيَارُ ما دَامَ في مَجْلِسِ قَبُولِهِ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْكَاتِبِ مُمْتَدًّا إلَى أَنْ يَنْقَطِعَ خِيَارُ صَاحِبِهِ حتى لو عَلِمَ أَنَّهُ رَجَعَ عن الْإِيجَابِ قبل مُفَارَقَةِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ مَجْلِسِهِ صَحَّ رُجُوعُهُ ولم يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ وَإِنْ كَتَبَ بِذَلِكَ لِحَاضِرٍ فَفِي الصِّحَّةِ تَرَدُّدٌ أَيْ وَجْهَانِ رَجَّحَ مِنْهُمَا السُّبْكِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ الصِّحَّةَ وَلَوْ بَاعَ من غَائِبٍ كَأَنْ قال بِعْت دَارِي لِفُلَانٍ وهو غَائِبٌ فَقَبِلَ حين بَلَغَهُ الْخَبَرُ مِمَّنْ أَرْسَلَهُ إلَيْهِ الْبَائِعُ أو من غَيْرِهِ صَحَّ كما لو كَاتَبَهُ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ اللَّفْظَ أَقْوَى من الْكَتْبِ فَرْعٌ يُشْتَرَطُ في صِحَّةِ الْعَقْدِ أَنْ يَقَعَ الْقَبُولُ بَعْدَ
____________________
(2/4)
الْإِيجَابِ على الْفَوْرِ فَلَا يَصِحُّ على التَّرَاخِي لَكِنْ لَا يَضُرُّ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ لِعَدَمِ إشْعَارِهِ بِالْإِعْرَاضِ عن الْقَبُولِ وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ إنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا كَلَامُ أَجْنَبِيٍّ عن الْعَقْدِ وَلَوْ يَسِيرٍ وَإِنْ لم يَتَفَرَّقَا عن الْمَجْلِسِ لِأَنَّ فيه إعْرَاضًا عن الْقَبُولِ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ في الْخُلْعِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ فيه من جَانِبِ الزَّوْجِ شَائِبَةَ تَعْلِيقٍ وَمِنْ جَانِبِ الزَّوْجَةِ شَائِبَةَ جَعَالَةٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُوَسَّعٌ فيه مُحْتَمِلٌ لِلْجَهَالَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقَعَ مِمَّنْ يُرِيدُ أَنْ يُتِمَّ الْعَقْدَ أَمَّا من فَرَغَ من كَلَامِهِ وَتَكَلَّمَ بِيَسِيرٍ أَجْنَبِيٌّ فإنه لَا يَضُرُّ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ في الْخُلْعِ وَالْمُرَادُ بِالْكَلَامِ ما يَشْمَلُ الْكَلِمَ وَالْكَلِمَةَ وَخَرَجَ بِالْأَجْنَبِيِّ غَيْرُهُ فَلَا يَضُرُّ قال بَعْضُهُمْ كَقَوْلِهِ بَارَكَ اللَّهُ في الصَّفْقَةِ أو غَالٍ أو رَخِيصٌ وقال بَعْضُهُمْ كَقَوْلِهِ بِعْتُك هذا بِكَذَا أَقَبِلْت مِنِّي الْبَيْعَ وَفَسَّرَ في الْأَنْوَارِ الْأَجْنَبِيَّ بِأَنْ لَا يَكُونَ من مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَلَا من مَصَالِحِهِ وَلَا من مُسْتَحَبَّاتِهِ قال فَلَوْ قال الْمُشْتَرِي بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ على رسول اللَّهِ قَبِلْت صَحَّ وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْإِيجَابِ بِحَضْرَةِ وَارِثِهِ لم يُقْبَلْ وَارِثُهُ وَلَا يُقْبَلُ وَكِيلُهُ بَلْ وَلَا مُوَكِّلُهُ كما جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَخَالَفَ بَعْضُهُمْ فقال بِالصِّحَّةِ في الْمُوَكِّلِ وَيُشْتَرَطُ في صِحَّةِ الْعَقْدِ الْمُوَافَقَةُ في الْمَعْنَى إيجَابًا وَقَبُولًا فَإِنْ أَوْجَبَ بِأَلْفٍ قِرَاضَةً فَقَبِلَ بِصِحَاحٍ أو بِالْعَكْسِ كما فُهِمَ بِالْأُولَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو قال قَبِلْت نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَسَكَتَ لم يَصِحَّ لِلْمُخَالَفَةِ وَلَوْ قال وَنِصْفَهُ الْآخَرَ بِخَمْسِمِائَةٍ صَحَّ عِنْدَ الْمُتَوَلِّي إذْ لَا مُخَالَفَةَ بِذِكْرِ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ وَاسْتَشْكَلَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ أَوْجَبَ له عَقْدًا فَقَبِلَ عَقْدَيْنِ لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ قال في الْمَجْمُوعِ وَالْأَمْرُ كما قال الرَّافِعِيُّ لَكِنَّ الظَّاهِرَ الصِّحَّةُ وَمَالَ في الْمُهِمَّاتِ إلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ قال وَالرَّافِعِيُّ إنَّمَا سَاقَ مَقَالَةَ الْمُتَوَلِّي مَسَاقَ الْأَوْجُهِ الضَّعِيفَةِ وَلَوْ قَبِلَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لم يَصِحَّ لِلْمُخَالَفَةِ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يُصِرَّ الْبَادِي على ما أتى بِهِ من الْإِيجَابِ أو الْقَبُولِ فَلَوْ أَوْجَبَ بِمُؤَجَّلٍ أو بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ أَسْقَطَ الْأَجَلَ أو الْخِيَارَ ثُمَّ قَبِلَ الْآخَرَ ولم يَصِحَّ الْبَيْعُ لِضَعْفِ الْإِيجَابِ وَحْدِهِ وَأَنْ يَتَكَلَّمَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ من بِقُرْبِهِ وَإِنْ لم يَسْمَعْهُ صَاحِبُهُ وَإِلَّا لم يَصِحَّ كما لو حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ بِكَلِمَةٍ قَالَهُ الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ فَرْعٌ لو قال بِعْتُك هذا بِكَذَا إنْ شِئْت فقال اشْتَرَيْت أو قال اشْتَرَيْت مِنْك هذا بِكَذَا إنْ شِئْت فقال بِعْتُك انْعَقَدَ الْبَيْعُ وَلَا يَضُرُّ التَّعْلِيقُ الْمَذْكُورُ لِأَنَّهُ تَصْرِيحُ الْعَقْدِ فَأَشْبَهَ ما لو قال إنْ كان هذا مِلْكِي فَقَدْ بِعْتُكَهُ بِكَذَا وَلَوْ قال في الْجَوَابِ شِئْت لم يَصِحَّ لِأَنَّ لَفْظَ الْمَشِيئَةِ ليس من أَلْفَاظِ التَّمْلِيكِ وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَصِحُّ ثُمَّ قال فَتَتَعَيَّنُ الْفَتْوَى بِهِ انْتَهَى وقد يُحْمَلُ النَّصُّ على أَنَّ ذلك كِنَايَةٌ جَمْعًا بين الْكَلَامَيْنِ وَلَوْ قال اشْتَرَيْته مِنْك بِكَذَا فقال بِعْتُك إنْ شِئْت قال الْإِمَامُ لَا يَصِحُّ لِاقْتِضَاءِ التَّعْلِيقِ وُجُودِ شَيْءٍ بَعْدَهُ ولم يُوجَدْ فَلَوْ قال بَعْدَهُ اشْتَرَيْت أو قَبِلْت لَا يَصِحُّ أَيْضًا إذْ يَبْعُدُ حَمْلُ الْمَشِيئَةِ على اسْتِدْعَاءِ الْقَبُولِ وقد سَبَقَ فَيَتَعَيَّنُ إرَادَتُهَا نَفْسُهَا فَيَكُونُ تَعْلِيقًا مَحْضًا وهو مُبْطِلٌ أو قال الْمُتَوَسِّطُ لِلْبَائِعِ بِعْت هذا بِكَذَا فقال نعم أو بِعْت وقال لِلْآخَرِ اشْتَرَيْت فقال نعم أو اشْتَرَيْت انْعَقَدَ الْبَيْعُ لِوُجُودِ
____________________
(2/5)
الصِّيغَةِ وَالتَّرَاضِي وَالْأَخْرَسُ يُشِيرُ أو يَكْتُبُ بِالْعَقْدِ وَالْحِلِّ لِلْمُعَالَجَةِ وَهَذَا أَعَمُّ من قَوْلِ الْأَصْلِ يَصِحُّ بَيْعُ الْأَخْرَسِ وَشِرَاؤُهُ بِالْإِشَارَةِ وَالْكِتَابَةِ وَسَيَأْتِي في الطَّلَاقِ أَيْضًا ذِكْرُ الْإِشَارَةِ وَأَنَّهُ إنْ فَهِمَهَا الْفَطِنُ وَغَيْرُهُ فَصَرِيحَةٌ أو الْفَطِنُ فَقَطْ فَكِنَايَةٌ فَرْعٌ وَإِنْ قال أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ مَثَلًا فَفَعَلَ حَصَلَ الْبَيْعُ ضِمْنًا بِمَا ذُكِرَ من الِالْتِمَاسِ وَالْجَوَابِ وَلَوْ قال بِعْتُك بِكَذَا فقال قَبِلْت صَحَّ بِخِلَافِ النِّكَاحِ يُشْتَرَطُ فيه أَنْ يَقُولَ قَبِلْت نِكَاحَهَا أو تَزْوِيجَهَا كما سَيَأْتِي في بَابِهِ احْتِيَاطًا لِلْإِبْضَاعِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْأَصْلُ هُنَا الْأَمْرُ الثَّانِي مِمَّا اُعْتُبِرَ في صِحَّةِ الْبَيْعِ أَهْلِيَّةُ الْعَاقِدِ مُوجِبًا أو قَابِلًا وَشَرْطُهُ إطْلَاقُ التَّصَرُّفِ وَالِاخْتِيَارِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ صَبِيٍّ وَإِنْ قَصَدَ اخْتِبَارَهُ بِهِ وَلَا بَيْعُ مَجْنُونٍ وَمَحْجُورٍ عليه بِسَفَهٍ وَلَوْ بِغِبْطَةٍ لِمَا سَيَأْتِي في الْحَجْرِ وَتَعْبِيرُهُ بِإِطْلَاقِ التَّصَرُّفِ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالتَّكْلِيفِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَبْقَى الْعَاقِدَانِ على أَهْلِيَّةِ الْعَقْدِ إلَى تَمَامِهِ فَلَوْ جُنَّ أَحَدُهُمَا أو أُغْمِيَ عليه قبل الْقَبُولِ بَطَلَ الْإِيجَابُ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مُكْرَهٍ لِآيَةِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَلِخَبَرِ إنَّمَا الْبَيْعُ عن تَرَاضٍ إلَّا بَيْعَ مُكْرَهٍ بِحَقِّ كَالْمُمْتَنِعِ من أَدَاءِ الْحَقِّ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَيُكْرِهُهُ على الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ كَالشِّرَاءِ لِمَا أَسْلَمَ إلَيْهِ فيه فَيَصِحُّ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ بِحَقٍّ وَإِلَّا بَيْعُهُ مَالِ الْمُكْرَهِ له فَيَصِحُّ قَالَهُ الْقَاضِي كَنَظِيرِهِ في الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ في الْإِذْنِ وَتَعْبِيرُهُ بِمَا ذَكَرَ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ بِالْبَيْعِ وَشِرَاءِ ما أَسْلَمَ إلَيْهِ فيه وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمُصَادَرِ من جِهَةِ ظَالِمٍ بِأَنْ بَاعَ مَالَهُ لِدَفْعِ الْأَذَى الذي نَالَهُ لِأَنَّهُ لَا كِرَاءَ فيه وَمَقْصُودُ من صَادَرَهُ تَحْصِيلُ الْمَالِ من أَيِّ وَجْهٍ كان ويصح عَقْدُ السَّكْرَانِ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ وَإِنْ كان غير مُكَلَّفٍ لِأَنَّهُ من قَبِيلِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ الذي هو خِطَابُ الْوَضْعِ كما مَرَّ بَيَانُهُ في الْجُمُعَةِ فَرْعٌ وَإِنْ أَتْلَفَ الصَّبِيُّ أو تَلِفَ عِنْدَهُ ما ابْتَاعَ أو ما اقْتَرَضَ من رَشِيدٍ وَأَقْبَضَهُ له لم يَضْمَنْ في الظَّاهِرِ لِأَنَّ الْمِقْبَضَ هو الْمُضَيِّعُ لِمَالِهِ أَمَّا في الْبَاطِنِ فَيَغْرَمُ بَعْدَ الْبُلُوغِ نَصَّ عليه في الْأُمِّ في بَابِ الْإِقْرَارِ أو من صَبِيٍّ مِثْلِهِ ولم يَأْذَنْ الْوَلِيَّانِ ضَمِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا ما قَبَضَ من الْآخَرِ وَإِنْ كان ذلك بِإِذْنِ الْوَلِيَّيْنِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا فَقَطْ لِوُجُودِ التَّسْلِيطِ مِنْهُمَا وَعَلَى الْبَائِعِ لِلصَّبِيِّ رَدُّ الثَّمَنِ الذي قَبَضَهُ منه إلَى وَلِيِّهِ وَعَلَى وَلِيِّهِ اسْتِرْدَادُهُ فَلَوْ سَلَّمَهُ الْأَنْسَبُ رَدُّهُ إلَى الصَّبِيِّ وَلَوْ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وهو مِلْكٌ لِلصَّبِيِّ لم يَبْرَأْ منه أو لِلْوَلِيِّ وقد أَذِنَ بَرِئَ قال منه الزَّرْكَشِيُّ وَمَحَلُّ قَوْلِنَا لَا يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ لِلصَّبِيِّ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ ما إذَا لم يَكُنْ في مَصْلَحَةٍ تَتَعَلَّقُ بِبَدَنِهِ من مَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ وَمَلْبَسٍ وَنَحْوِهَا فَإِنْ كان بَرِئَ وَإِنْ قال شَخْصٌ لِمَنْ له عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ أو له عليه دَيْنٌ سَلِّمْ إلَى الصَّبِيِّ وَدِيعَتِي أو قَدْرَ دَيْنِي الذي عَلَيْك أو أَلْقِهِمَا في الْبَحْرِ فَامْتَثَلَ بَرِئَ من الْوَدِيعَةِ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَهُ في حَقِّهِ الْمُتَعَيَّنِ لَا من الدَّيْنِ لِأَنَّ ما في الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِقَبْضٍ صَحِيحٍ ولم يُوجَدْ في مَعْنَى الْوَدِيعَةِ كُلُّ ما
____________________
(2/6)
هو مُتَعَيَّنٌ كَمُعَارٍ وَمَغْصُوبٍ وَالسَّفِيهُ في جَمِيعِ ما ذُكِرَ كَالصَّبِيِّ كما يُعْلَمُ من بَابِ الْحَجْرِ وَلَوْ كان لِصَبِيٍّ دِينَارٌ فَأَعْطَاهُ لِنَقَّادٍ يَنْقُدُهُ أو مَتَاعٌ فَأَعْطَاهُ لِمُقَوِّمٍ يُقَوِّمُهُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ضَمِنَ إنْ لم يَرُدَّهُ إلَى وَلِيِّهِ أو كان ذلك لِغَيْرِهِ أَيْ لِغَيْرِ الصَّبِيِّ أَيْ لِكَامِلٍ فَإِلَى أَيٍّ فَيَضْمَنُ إنْ لم يَرُدَّهُ إلَى مَالِكِهِ وَكَالْوَلِيِّ وَالْمَالِكِ وَكِيلُهُمَا أَيْ وَيُقَالُ الرَّدُّ إلَيْهِ رَدَّ إلَيْهِمَا فَرْعٌ لو أَوْصَلَ صَبِيٌّ هَدِيَّةً إلَى غَيْرِهِ وقال هذه من زَيْدٍ مَثَلًا أو أَخْبَرَ في الْإِذْنِ الْأَوْلَى بِالْإِذْنِ بِالدُّخُولِ إلَى دَارٍ أو غَيْرِهَا عَمِلَ بِخَبَرِهِ مع ما يُفِيدُ الْعِلْمَ أو الظَّنَّ من قَرِينَةٍ أو أَمْنِ قَوْلِهِ لِاعْتِمَادِ السَّلَفِ عليه في ذلك حِينَئِذٍ وَكَالصَّبِيِّ في ذلك الْفَاسِقُ كما نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْأَصْحَابِ فَصْلٌ الْكَافِرُ لَا يَتَمَلَّكُ بِنَفْسِهِ وَلَا بِوَكِيلِهِ رَقِيقًا مُسْلِمًا لِنَفْسِهِ وَلَا لِمِثْلِهِ لِمَا فيه من إذْلَالِ الْمُسْلِمِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ على الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا أَمَّا تَمَلُّكُهُ لِمُسْلِمٍ فَجَائِزٌ كما سَيَأْتِي وَقَوْلُهُ لِنَفْسِهِ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ تَرَكَهُ كان أَوْلَى لِلِاغْتِنَاءِ عنه بِمَا سَيَأْتِي مع عَدَمِ إيهَامِ أَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ لِمِثْلِهِ وَلَا يَتَمَلَّكُ مُرْتَدًّا لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ وَظَاهِرُ قَوْلِ الْأَصْلِ في صِحَّةِ بَيْعِهِ لِلْكَافِرِ الْخِلَافُ في قَتْلِهِ بِالذِّمِّيِّ تَصْحِيحُ الصِّحَّةِ لِأَنَّ الْأَصَحَّ قَتْلُهُ بِهِ إلَّا إنْ كان إذَا مَلَكَهُ عَتَقَ عليه كَأَنْ اشْتَرَى فَرْعَهُ أو أَصْلَهُ أو من أَقَرَّ بِعِتْقِهِ أو قال لِمَالِكِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك الْمُسْلِمَ عَنِّي بِعِوَضٍ أو بِغَيْرِ عِوَضٍ وَأَجَابَهُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَيَصِحُّ تَمَلُّكُهُ لِأَنَّهُ يَسْتَعْقِبُ الْعِتْقَ فَلَا إذْلَالَ وفي عَدِّ الثَّانِيَةِ من ذلك تَجَوُّزٌ لِأَنَّ الْقَبُولَ فيها فِدَاءٌ لَا شِرَاءٌ على الصَّحِيحِ وَلَوْ عَبَّرَ كَأَصْلِهِ بَدَلَ عِتْقِهِ كان أَعَمَّ لَا إنْ اشْتَرَى مُسْلِمًا بِشَرْطِ إعْتَاقِهِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَعْقِبُ الْعِتْقَ وَإِنْ وَكَّلَهُ مُسْلِمٌ في شِرَاءِ مُسْلِمٍ فَاشْتَرَاهُ له صَحَّ وَوَقَعَ الْمِلْكُ له وَإِنْ لم يُسَمِّهِ في الْعَقْدِ بِنَاءً على أَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ أَوَّلًا لِلْمُوَكِّلِ وهو الْأَصَحُّ وَيُفَارِقُ مَنْعَ تَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ كَافِرًا في قَبُولِ نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ بِاخْتِصَاصِ النِّكَاحِ بِالتَّعَبُّدِ لِحُرْمَةِ الْإِبْضَاعِ وَبِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُتَصَوَّرُ نِكَاحُهُ لِمُسْلِمَةٍ بِخِلَافِ مِلْكِهِ لِمُسْلِمٍ كما سَيَأْتِي وَلَا يَتَمَلَّكُ مُصْحَفًا وَحَدِيثًا أَيْ وَلَا كُتُبَ حَدِيثٍ ولا كُتُبَ فِقْهٍ فيها آثَارٌ لِلسَّلَفِ لِمَا فيه من الْإِهَانَةِ لها قال السُّبْكِيُّ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ كُتُبَ عِلْمٍ وَإِنْ خَلَتْ عن الْآثَارِ تَعْظِيمًا لِلْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ قال ابْنُهُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ وَتَعْلِيلُهُ يُفِيدُ جَوَازَ تَمَلُّكِهِ كُتُبِ عُلُومٍ غَيْرِ شَرْعِيَّةٍ وَيَنْبَغِي الْمَنْعُ من تَمَلُّكِ ما يَتَعَلَّقُ منها بِالشَّرْعِ كَكُتُبِ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالتَّمَلُّكِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالشِّرَاءِ فَرْعٌ لِلْكَافِرِ اسْتِئْجَارُ الْمُسْلِمِ حُرًّا أو رَقِيقًا وَلَوْ إجَارَةَ عَيْنٍ وَلَهُ اسْتِئْجَارُ مُصْحَفٍ وَنَحْوِهِ إذْ لَا يَثْبُتُ له على شَيْءٍ منها تَسَلُّطٌ تَامٌّ وَإِنَّمَا يَسْتَوْفِي مَنْفَعَتَهُ بِعِوَضٍ وقد آجَرَ عَلِيٌّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه نَفْسَهُ لِكَافِرٍ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ ذلك في غَيْرِ الْأَعْمَالِ الْمُمْتَهِنَةِ أَمَّا الْمُمْتَهِنَةُ كَإِزَاحَةِ قَاذُورَاتِهِ فَيَمْتَنِعُ قَطْعًا وَلَهُ ارْتِهَانُهُ أَيْ الرَّقِيقُ الْمُسْلِمُ وَارْتِهَانُ مُصْحَفٍ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ اسْتِيثَاقٍ وَتُرْفَعُ يَدُهُ عنهما فَيُوضَعَانِ عِنْدَ عَدْلٍ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَتَسَلَّمُهُمَا أَوَّلًا وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ من ذلك بَلْ يُسَلَّمُ أَوَّلًا لِلْعَدْلِ وقد ذَكَرَهُمَا ابن الرِّفْعَةِ احْتِمَالَيْنِ قال السُّبْكِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي قال الْأَذْرَعِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يُسَلَّمُ إلَيْهِ الرَّقِيقُ ثُمَّ يُنْزَعُ حَالًا إذْ لَا مَحْذُورَ كما في إيدَاعِهِ منه بِخِلَافِ الْمُصْحَفِ لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ فَلَا يُسَلَّمُ إلَيْهِ وما قَالَهُ مُتَّجَهٌ وَيُؤَجِّرُ الْكَافِرُ وُجُوبًا الْأَجِيرَ الْمُسْلِمَ لِمُسْلِمٍ لِيُزِيلَ مِلْكَهُ عن الْمَنْفَعَةِ كما يُزِيلُ مِلْكَهُ عن الرَّقَبَةِ فِيمَا سَيَأْتِي وَقِيلَ لَا يَجِبُ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين إجَارَةِ الذِّمَّةِ وَإِجَارَةِ الْعَيْنِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ أَصْلِهِ أَنَّهُ في إجَارَةِ الْعَيْنِ دُونَ إجَارَةِ الذِّمَّةِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْأَجِيرَ فيها يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُ الْعَمَلِ بِغَيْرِهِ وَيُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ إجَارَةُ عَيْنِ الْمُسْلِمِ وَإِعَارَتُهُ له صِيَانَةً عن الْإِذْلَالِ وَكَرَاهَةُ إعَارَتِهِ له ذَكَرَهَا الْأَصْلُ في الْعَارِيَّةِ وَذَكَرَ هُنَا جَوَازَ إيدَاعِهِ عِنْدَهُ وَخَرَجَ بِإِجَارَةِ الْعَيْنِ إجَارَةُ الذِّمَّةِ فَلَا
____________________
(2/7)
كَرَاهَةَ فيها لِأَنَّ الْعَمَلَ فيها دَيْنٌ على الْأَجِيرِ وَلَا يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُهُ بِغَيْرِهِ كما مَرَّ فَرْعٌ لو نَسَخَ الْكَافِرُ مُصْحَفًا هذا من زِيَادَتِهِ أو أَسْلَمَ عَبْدُهُ أو أَمَتُهُ أَمَرَ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ عنه بِبَيْعٍ أو هِبَةٍ أو عِتْقٍ أو وَقْفٍ أو غَيْرِهَا دَفْعًا لِلْإِهَانَةِ وَالْإِذْلَالِ وَقَطْعًا لِسَلْطَنَةِ الْكَافِرِ على الْمُسْلِمِ وَلَا يَحْكُمُ بِزَوَالِهِ بِخِلَافِ ما لو أَسْلَمَتْ الزَّوْجَةُ تَحْتَ كَافِرٍ إذْ مِلْكُ النِّكَاحِ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ فَتَعَيَّنَ الْبُطْلَانُ بِخِلَافِ مِلْكِ الْيَمِينِ وَهَلْ يَكْفِي وَقْفُهُ على ذِمِّيٍّ قال الزَّرْكَشِيُّ يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ قُلْنَا الْمِلْكُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لم يَكْفِ ولم يَصِحَّ أو له تَعَالَى فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَالْإِجَارَةِ وَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ وهو الْمُتَّجَهُ لِأَنَّا هُنَاكَ نَأْمُرُهُ بِالْإِجَارَةِ وهو هُنَا غَيْرُ مُمْكِنٍ لِأَنَّهُ إنْ أَجَّرَهُ مُدَّةَ عُمْرِهِ لم يَصِحَّ أو الْبَعْضَ لَزِمَ أَنْ يَبْقَى الْبَعْضُ الْآخَرُ على مِلْكِهِ فَلَا يَكْفِي رَهْنُهُ وَإِجَارَتُهُ وَتَزْوِيجُهُ وَتَدْبِيرُهُ وَنَحْوُهَا لِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ الِاسْتِقْلَالَ وَهَلْ الْمُرَادُ أَنَّ ذلك لَا يَصِحُّ أو يَصِحُّ لَكِنَّهُ لَا يَكْفِي في الْحَيْلُولَةِ قال الزَّرْكَشِيُّ فيه نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ وَتَكْفِي الْكِتَابَةُ له وَإِنْ لم يَزَلْ بها الْمِلْكُ لِإِفَادَتِهَا الِاسْتِقْلَالِ فَإِنْ بَاعَهُ وكان مَعِيبًا أو بَاعَهُ بِمَعِيبٍ أو وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ أو أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ أو اسْتَقَالَ أَحَدُهُمَا الْآخَرُ فَلَهُ أَيْ لِلْمُوجِبِ أو لِلْمُشْتَرِي أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْإِقَالَةُ وَالِاسْتِرْدَادُ الشَّامِلُ لِلرَّدِّ وَإِنْ اسْتَلْزَمَ ذلك دُخُولَ مُسْلِمٍ في مِلْكِ كَافِرٍ ابْتِدَاءً لِأَنَّ الْفَسْخَ يَقْطَعُ الْعَقْدَ وَيَجْعَلُ الْأَمْرَ كما كان وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ بِهِ الشُّفْعَةُ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ بِالْفَسْخِ في الرَّدِّ يَقَعُ قَهْرًا وَلَهُ تَعْجِيزُهُ في الْكِتَابَةِ إنْ عَجَزَ عن النُّجُومِ كما له اسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ بِإِفْلَاسِ الْمُشْتَرِي أو نَحْوِهِ وَإِنْ مَاتَ الْكَافِرُ عن رَقِيقٍ مُسْلِمٍ وَرِثَهُ وَلَدُهُ الْكَافِرُ لِأَنَّ الْإِرْثَ قَهْرِيٌّ وَيُؤْمَرُ بِمَا كان يُؤْمَرُ بِهِ مُوَرِّثُهُ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ صَارَ لِوَارِثِهِ وَهِيَ أَعَمُّ وَكَالرَّقِيقِ الْمُصْحَفُ وَنَحْوُهُ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تَحْمِلُهُ فَإِنْ لم يَجِدْ مَالِكُهُ من يَشْتَرِيهِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ أَنْفَقَ عليه وَيَسْتَكْسِبُ هو له وما قَرَّرَتْهُ من أَنَّ ضَمِيرَ يَجِدْ رَاجِعٌ لِلْمَالِكِ هو قَضِيَّةُ كَلَامِهِ لَكِنَّ الْأَصْلَ جَعْلُهُ رَاجِعًا لِلْحَاكِمِ فإنه قال لو امْتَنَعَ مَالِكُهُ مِمَّا أُمِرَ بِهِ بَاعَهُ الْحَاكِمُ عليه بِثَمَنِ الْمِثْلِ كما يَبِيعُ مَالَ من امْتَنَعَ من أَدَاءِ الْحَقِّ فَإِنْ لم يَجِدْ مُشْتَرِيًا بِثَمَنِ الْمِثْلِ صَبَرَ وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَيَسْتَكْسِبُ له وَتُؤْخَذُ نَفَقَتُهُ منه وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ لَكِنَّ كَلَامَ الْأَصْلِ أَكْثَرُ فَائِدَةً قال ابن الرِّفْعَةِ وَقِيَاسُ ذلك في الْمُسْتَأْجَرِ إذَا أَمَرْنَاهُ بِالْإِزَالَةِ فَامْتَنَعَ أَنْ يُؤَجِّرَهُ الْحَاكِمُ لَكِنْ قال الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ يُفْسَخُ فَإِنْ قُلْت هل يَتَعَيَّنُ على الْحَاكِمِ الْبَيْعُ أو يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كِتَابَتِهِ كَالْمَالِكِ قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَعَيُّنُ بَيْعِهِ وهو ظَاهِرٌ لِمَصْلَحَةِ الْمَالِكِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ حَالًّا كَمُسْتَوْلَدَتِهِ فإنه يُنْفِقُ عليها وَتَسْتَكْسِبُ له في يَدِ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ أو نَحْوَهَا حين تَسْلَمُ إذْ لَا يُمْكِنُ بَيْعُهَا وَلَا يُكَلَّفُ إعْتَاقُهَا لِلْإِجْحَافِ وَلَا بَيْعَ مُدَبَّرِهِ إذَا أَسْلَمَ لِإِبْطَالِ حَقِّهِ من الْعِتْقِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ قال ابن الصَّبَّاغِ وَالْعِمْرَانِيُّ كَالْقِنِّ وَالْمَاوَرْدِيُّ كَالْمُدَبَّرِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي إذَا طَلَبَ بَيْعَ الْمُسْتَوْلَدَةِ من نَفْسِهَا بِثَمَنِ الْمِثْلِ أَنْ يُجْبَرَ على ذلك وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ لِمَا فيه من الْإِجْحَافِ بِالْمَالِكِ بِتَأَخُّرِ الثَّمَنِ في الذِّمَّةِ نعم إنْ طَلَبَ غَيْرُهُ افْتِدَاءَهَا منه بِقَدْرِ قِيمَتِهَا فَالظَّاهِرُ إجْبَارُهُ فَرْعٌ وَلَوْ اشْتَرَى كَافِرٌ رَقِيقًا كَافِرًا فَأَسْلَمَ الرَّقِيقُ قبل الْقَبْضِ لم يَنْفَسِخْ أَيْ الْعَقْدُ كَ إبَاقِهِ قبل قَبْضِهِ بِخِلَافِ الْعَصِيرِ إذَا تَخَمَّرَ قبل قَبْضِهِ لِزَوَالِ الْمَالِيَّةِ قال الْإِمَامُ وَلِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ وَيَقْبِضُ ه له الْحَاكِمُ وَلَا يَقْبِضُهُ هو لِئَلَّا يَتَسَلَّطَ على الْمُسْلِمِ ثُمَّ يُبَاعُ الْأَوْلَى وَالْأَنْسَبُ بِعِبَارَةِ أَصْلِهِ ثُمَّ يُزَالُ عنه مِلْكُهُ وَإِنَّمَا قَبَضَهُ له الْحَاكِمُ لِأَنَّهُ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فيه قبل قَبْضِهِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ إلَّا بِالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ وَلَيْسَا بِمُتَعَيَّنَيْنِ عليه الْأَمْرُ الثَّالِثُ صَلَاحِيَةُ الْمَعْقُودِ عليه لِلْبَيْعِ وَلَهُ أَيْ لِلْمَعْقُودِ عليه شُرُوطٌ خَمْسَةٌ الْأَوَّلُ الطَّهَارَةُ له فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ نَجَسِ الْعَيْنِ سَوَاءٌ أَمْكَنَ تَطْهِيرُهُ بِالِاسْتِحَالَةِ كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ أَمْ لَا كَالسِّرْجِينِ بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا وَالْكَلْبِ وَلَوْ مُعَلَّمًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن ثَمَنِ الْكَلْبِ وقال إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ
____________________
(2/8)
بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَقِيسَ بها ما في مَعْنَاهَا وَلَا بَيْعُ مَائِعٍ مُتَنَجِّسٍ وَلَوْ دُهْنًا وَمَاءً وَصَبْغًا لِأَنَّهُ في مَعْنَى نَجَسِ الْعَيْنِ وَلِأَنَّهُ لو صَحَّ بَيْعُهُ لَمَا أَمَرَ بِإِرَاقَةِ السَّمْنِ فِيمَا رَوَاهُ ابن حِبَّانَ كما مَرَّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال في الْفَأْرَةِ تَقَعُ في السَّمْنِ إنْ كان جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وما حَوْلَهَا وَكُلُوهُ وَإِنْ كان ذَائِبًا فَأَرِيقُوهُ وَلَا أَثَرَ لِإِمْكَانِ تَطْهِيرِ الْمَاءِ الْقَلِيلِ بِالْمُكَاثَرَةِ لِأَنَّهُ كَالْخَمْرِ يُمْكِنُ طُهْرُهُ بِالتَّخَلُّلِ وَلَا لِلِانْتِفَاعِ بِالصَّبْغِ الْمُتَنَجِّسِ في صَبْغِ شَيْءٍ بِهِ وَإِنْ طَهُرَ الْمَصْبُوغُ بِهِ بِالْغُسْلِ كما أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ مع أَنَّهُ يَطْهُرُ الْمَصْبُوغُ بِهِ بِالْغُسْلِ وَلَوْ عَبَّرَ كَأَصْلِهِ بَدَلَ مَائِعٍ مُتَنَجِّسٍ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ كان أَوْلَى لِيَشْمَلَ نحو الْآجِرِ الْمَعْجُونِ بِالزِّبْلِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ قال في الْمُهِمَّاتِ وَيَلْزَمُ منه فَسَادُ بَيْعِ الدَّارِ الْمَبْنِيَّةِ بِهِ
وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْبِنَاءَ إنَّمَا يَدْخُلُ في بَيْعِ الدَّارِ تَبَعًا لِلطَّاهِرِ منها كَالْحَجَرِ وَالْخَشَبِ فَاغْتُفِرَ فيه ذلك من مَصَالِحِهَا كَالْحَيَوَانِ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَبِبَاطِنِهِ النَّجَاسَةُ وَيَنْزِلُ كَلَامُهُمْ على بَيْعِ الْآجِرِ مُنْفَرِدًا أَمَّا بَيْعُ مُتَنَجِّسٍ يُمْكِنُ طُهْرُهُ بِالْغُسْلِ كَثَوْبٍ تَنَجَّسَ بِمَا لَا يَسْتُرُ شيئا منه فَيَصِحُّ وَيَصِحُّ بَيْعُ الْقَزِّ وَفِيهِ الدُّودُ وَلَوْ مَيِّتًا لِأَنَّ بَقَاءَهُ فيه من مَصْلَحَتِهِ كَالْحَيَوَانِ بِبَاطِنِهِ النَّجَاسَةِ وَيُبَاعُ جُزَافًا وَزْنًا كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا وَالدُّودُ فيه كَنَوَى التَّمْرِ وقال في الْكِفَايَةِ لَا يَجُوزُ وَزْنًا وَحُمِلَ على بَيْعِهِ في الذِّمَّةِ كما يَمْتَنِعُ السَّلَمُ فيه وَفَرَّقَ بِأَنَّ بَيْعَ الْمُعَيَّنِ يَعْتَمِدُ الْمُشَاهَدَةَ وَالْجَهَالَةُ مَعَهَا تَقِلُّ بِخِلَافِ بَيْعِ ما في الذِّمَّةِ من سَلَمٍ وَغَيْرِهِ فإنه يَعْتَمِدُ الْوَصْفَ وَالْغَرَرَ وَمَعَهُ يَكْثُرُ ويصح بَيْعُ بِزْرِ الْقَزِّ وهو الْبَيْضُ الذي يَخْرُجُ منه دُودُ الْقَزِّ كما مَرَّ بَيَانُهُ في بَابِ النَّجَاسَةِ وبيع فَأْرَةِ الْمِسْكِ بِنَاءً على طَهَارَتِهِمَا وهو الْأَصَحُّ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِالدُّهْنِ الْمُتَنَجِّسِ لِلِاسْتِصْبَاحِ بِهِ مَثَلًا على إرَادَةِ نَقْلِ الْيَدِ لَا التَّمْلِيكِ جَازَ وَكَالتَّصَدُّقِ الْهِبَةُ وَالْوَصِيَّةُ وَنَحْوُهُمَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَكَالدُّهْنِ الْكَلْبُ وَالسِّرْقِينَ وَنَحْوُهُمَا وَيَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ لِمَنْ يَصِيدُ بِهِ أو يَحْفَظُ بِهِ نحو الْمَاشِيَةِ كَزَرْعٍ وَدَرْبٍ وَشَجَرٍ وَنَفْسِهِ في حَضَرٍ أو سَفَرٍ لَا قبل شِرَائِهَا أَيْ الْمَاشِيَةِ وَنَحْوِهَا يَعْنِي تَمَلُّكَهَا فَلَا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ لِغَيْرِ مَالِكِهَا لِيَحْفَظَهَا بِهِ إذَا مَلَكَهَا وَلَا غير صَيَّادٍ لِيَصْطَادَ بِهِ إذَا أَرَادَ كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَلَا يَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْخِنْزِيرِ مُطْلَقًا وَيَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْفَهْدِ كَالْقِرْدِ وَالْفِيلِ وَغَيْرِهِمَا وَيَجُوزُ تَرْبِيَةُ الْجَرْوِ الذي يُتَوَقَّعُ تَعْلِيمُهُ لِذَلِكَ أَيْ لِلصَّيْدِ وَلِحِفْظِ الْمَاشِيَةِ وَنَحْوِهِمَا لَا قبل تَمَلُّكِهَا وَالْجَرْوُ بِتَثْلِيثِ الْجِيمِ وَلَدُ الْكَلْبِ وَالسَّبُعِ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ ويجوز اقْتِنَاءُ السِّرْجِينَ لِلزِّرَاعَةِ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَيَجُوزُ اقْتِنَاءُ السِّرْجِينِ وَتَرْبِيَةُ الزَّرْعِ بِهِ لَكِنْ يُكْرَهُ الشَّرْطُ الثَّانِي الِانْتِفَاعُ بِهِ شَرْعًا وَلَوْ في الْمَآلِ كَالْجَحْشِ الصَّغِيرِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ ما لَا نَفْعَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَالًا فَأَخْذُ الْمَالِ في مُقَابَلَتِهِ مُمْتَنِعٌ لِلنَّهْيِ عن إضَاعَةِ الْمَالِ وَعَدَمِ نَفْعِهِ إمَّا لِقِلَّتِهِ كَحَبَّتَيْ حِنْطَةٍ وَزَبِيب وَلَا أَثَرَ لِضَمِّ ذلك إلَى مِثْلِهِ أو وَضْعِهِ في الْفَخِّ وَمَعَ هذا يَحْرُمُ غَصْبُهُ وَيَجِبُ الرَّدُّ له فَإِنْ تَلِفَ فَلَا ضَمَانَ إذْ لَا مَالِيَّةَ وما نُقِلَ عن الشَّافِعِيِّ من أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْخِلَالِ وَالْخِلَالَيْنِ من خَشَبِ الْغَيْرِ يُحْمَلُ على عِلْمِهِ بِرِضَا مَالِكِهِ وَإِمَّا لِخَسَّتِهِ كَالْحَشَرَاتِ وَهِيَ صِغَارٌ وَدَوَابُّ الْأَرْضِ كَالْخُنْفُسَاءِ وَالْفَأْرَةِ وَالنَّمْلِ وَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا يُذْكَرُ من مَنَافِعِهَا في الْخَوَاصِّ لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ مَالًا وَبِمَا قَرَّرَتْهُ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ كَالْحَشَرَاتِ شَامِلٌ لِلْفَأْرَةِ وَالنَّمْلِ فَذَكَرَهُمَا بَعْدَهُ من ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ لَا الْعَلَقِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ لِلِامْتِصَاصِ أَيْ لِمَنْفَعَةِ امْتِصَاصِ الدَّمِ وَبَيْعُ غَيْرِ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ من السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ
____________________
(2/9)
مِمَّا لَا نَفْعَ فيه كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالْحِدَأَةِ وَالْغُرَابِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ بَاطِلٌ وَلَا نَظَرَ لِمَنْفَعَةِ الْجِلْدِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا لِمَنْفَعَةِ الرِّيشِ في النَّبْلِ وَلَا لِاقْتِنَاءِ الْمُلُوكِ لِبَعْضِهَا لِلْهَيْبَةِ وَالسِّيَاسَةِ وَيَصِحُّ بَيْعُ ما يُنْتَفَعُ بِهِ من الْجَوَارِحِ وَغَيْرِهَا كَالْفَهْدِ لِلصَّيْدِ وَالْفِيلِ لِلْقِتَالِ وَالْقِرْدِ لِلْحِرَاسَةِ وَالنَّحْلِ لِلْعَسَلِ وَالْعَنْدَلِيبِ وَالطَّاوُسِ لِلْأُنْسِ بِصَوْتِهِ أَيْ الْعَنْدَلِيبِ وَلَوْنِهِ أَيْ الطَّاوُسِ وَلَا فَائِدَةَ لِعُدُولِهِ عن تَمْثِيلِ أَصْلِهِ بِالزُّرْزُورِ إلَى تَمْثِيلِهِ بِالْعَنْدَلِيبِ وقد مَثَّلَ بِهِمَا مَعًا في الْمَجْمُوعِ وما قِيلَ من أَنَّ ذلك يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ رُدَّ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ ما يُزَادُ في ثَمَنِهِ لِأَجْلِ صَوْتِهِ أو لَوْنِهِ يَصِحُّ بَيْعُهُ سَوَاءٌ حَلَّ أَكْلُهُ كَالْمَذْكُورَيْنِ أَمْ لَا كَالنَّهَّاسِ وَالصُّرَدِ لِصَوْتِهِمَا قال الْبُلْقِينِيُّ وَالسَّبُعُ الذي لم يَصِدْ وَلَكِنْ يُرْجَى أَنْ يَتَعَلَّمَ هل يَصِحُّ بَيْعُهُ قبل تَعَلُّمِهِ فيه وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ ولم يُرَجِّحْ شيئا وَالْأَرْجَحُ الْجَوَازُ ويجوز بَيْعُ الْعَبْدِ الزَّمَنِ لِأَنَّهُ يَتَقَرَّبُ بِعِتْقِهِ لَا الْحِمَارِ الزَّمَنِ وَلَا أَثَرَ لِمَنْفَعَةِ جِلْدِهِ إذَا مَاتَ فَرْعٌ وَيَحْرُمُ بَيْعُ السُّمِّ إنْ قَتَلَ كَثِيرُهُ وَقَلِيلُهُ فَإِنْ نَفَعَ قَلِيلُهُ وَقَتَلَ كَثِيرُهُ كَالسَّقَمُونْيَا وَالْأَفْيُونِ جَازَ بَيْعُهُ فَرْعٌ آلَاتِ الْمَلَاهِي كَالْمِزْمَارِ وَالطُّنْبُورِ وَالصُّوَرِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا وَلَوْ كانت ذَهَبًا أو فِضَّةً إذْ لَا نَفْعَ بها شَرْعًا وَلِأَنَّهَا على هَيْئَتِهَا لَا يُقْصَدُ منها غَيْرُ الْمَعْصِيَةِ وقد حَرَّمَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَيْعَ الْأَصْنَامِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ النَّرْدِ كَالْمِزْمَارِ إلَّا أَنْ صَلَحَ بَيَادِقَ لِلشِّطْرَنْجِ فَيَصِحُّ مع الْكَرَاهَةِ وَيَصِحُّ بَيْعُ جَارِيَةِ الْغِنَاءِ وَكَبْشِ النِّطَاحِ وَدِيكِ الْهِرَاشِ وَلَوْ زَادَ الثَّمَنُ لِذَلِكَ قُصِدَ أو لَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَصَالَةُ الْحَيَوَانِ وَيُكْرَهُ بَيْعُ الشِّطْرَنْجِ وَيَصِحُّ بَيْعُ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهُمَا الْمَقْصُودَانِ وَلَا يَشْكُلُ بِمَا مَرَّ من مَنْعِ بَيْعِ آلَاتِ الْمَلَاهِي وَالصُّوَرِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْهُمَا لِأَنَّ آنِيَتَهُمَا يُبَاحُ اسْتِعْمَالُهَا لِلْحَاجَةِ بِخِلَافِ تِلْكَ فَرْعٌ وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ وَلَوْ كان الْمَاءُ عِنْدَ النَّهْرِ والحجر عِنْدَ الْجَبَلِ والتراب عِنْدَ الصَّحْرَاءِ لِظُهُورِ الْمَنْفَعَةِ فيها وَلَا يَقْدَحُ في ذلك الْمَكَانِ تَحْصِيلُ مِثْلِهَا بِلَا تَعَبٍ وَلَا مُؤْنَةٍ ويصح بَيْعُ لَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ فَأَشْبَهَ لَبَنَ الشَّاةِ وَمِثْلُهُ لَبَنُ الْآدَمِيِّينَ بِنَاءً على طَهَارَتِهِ الشَّرْطُ الثَّالِثُ الْوِلَايَةُ لِلْعَاقِدِ على الْمَعْقُودِ عليه بِمِلْكٍ أو نِيَابَةٍ أو وِلَايَةٍ كَوِلَايَةِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْقَاضِي وَالظَّافِرِ بِغَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ وَالْمُلْتَقِطِ لِمَا يَخَافُ تَلَفَهُ فَبَيْعُ الْفُضُولِيِّ وَتَصَرُّفَاتُهُ أَيْ بَاقِيَهَا وتصرفات الْغَاصِبِ أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا بَاطِلٌ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِمَا على الْمَعْقُودِ عليه وَلِخَبَرِ حَكِيمِ بن حِزَامٍ وَلَا تَبِعْ ما ليس عِنْدَك رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلِخَبَرِ لَا طَلَاقَ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا عِتْقَ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا بَيْعَ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَكَذَا شِرَاءُ الْفُضُولِيِّ لِلْغَيْرِ بِعَيْنِ مَالِ الْغَيْرِ أو في ذِمَّتِهِ بِأَنْ قال اشْتَرَيْته له بِأَلْفٍ مَثَلًا في ذِمَّتِهِ مع أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالشِّرَاءِ دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ لَكِنَّهُ ذَكَرَهُ لِيَقْرِنَهُ بِقِسْمِهِ الْآتِي وَقَوْلُهُ بَاطِلٌ إيضَاحٌ فَإِنْ لم يَقُلْ في ذِمَّتِهِ وَقَعَ لِلْمُبَاشِرِ سَوَاءٌ قال في الذِّمَّةِ أو لَا كما صَرَّحَ بِهِ كَأَصْلِهِ في الْوَكَالَةِ وَتَعْبِيرُهُ بِالْوِلَايَةِ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِكَوْنِ الْمِلْكِ لِمَنْ له الْعَقْدُ لِاقْتِضَائِهِ إخْرَاجِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَشِرَائِهِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ تَقْتَضِي إدْخَالَهُمَا لِأَنَّ الْقَائِلَ بِصِحَّتِهِمَا لَا يقول بِصِحَّتِهِمَا لِلْفُضُولِيِّ بَلْ لِمَنْ قَصَدَهُ وَإِنْ كان الشِّرَاءُ لِلْغَيْرِ بِعَيْنِ مَالِ الْفُضُولِيِّ أو في ذِمَّتِهِ وَقَعَ له سَوَاءٌ أَذِنَ له ذلك الْغَيْرُ وَسَمَّاهُ هو في الْعَقْدِ
____________________
(2/10)
أَمْ لَا ما ذَكَرَهُ فِيمَا إذَا أَذِنَ له وَسَمَّاهُ هو وَاشْتَرَى بِمَالِ نَفْسِهِ من تَصَرُّفِهِ وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ هُنَا بِنَاءً على عَدَمِ إلْغَاءِ تَسْمِيَةِ الْعَاقِدِ لِلْآذِنِ وُقُوعُ الْعَقْدِ لِلْآذِنِ وَحِكَايَةُ وَجْهَيْنِ في أَنَّ ثَمَنَ قَرْضٍ أو هِبَةٍ وَالْمُرَجَّحُ وُقُوعُ الْعَقْدِ لِلْآذِنِ وَأَنَّ الثَّمَنَ قَرْضٌ لِلْآذِنِ لَا هِبَةٌ كما ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ في الْوَكَالَةِ وَلَا تَقُومُ النِّيَّةُ هُنَا مَقَامَ التَّسْمِيَةِ ثُمَّ تَعْبِيرُهُ بِالْفُضُولِيِّ لَا يُنَاسِبُ ذِكْرَ الْإِذْنَ فَلَوْ عَبَّرَ كَأَصْلِهِ بِمَالِ نَفْسِهِ لَسَلِمَ من ذلك وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ أو في ذِمَّتِهِ من زِيَادَتِهِ فَرْعٌ وإذا بَاعَ أو أَبْرَأَ من مَالِ أبيه مَثَلًا شيئا أو زَوَّجَ أَمَتَهُ ظَانًّا بَقَاءَهُ فَبَانَ مَيِّتًا أو بَاعَ عَبْدَ نَفْسِهِ ظَانًّا إبَاقَهُ أو كِتَابَتَهُ فَبَانَ أَنَّهُ قد رَجَعَ من إبَاقِهِ أو فَسْخَ كِتَابَتِهِ صَحَّ لِتَبَيُّنِ وِلَايَتِهِ عليه فَالْعِبْرَةُ بِمَا في نَفْسِ الْأَمْرِ لَا بِمَا في ظَنِّ الْعَاقِدِ وَالْوَقْفُ فيه وَقْفُ تَبَيُّنٍ لَا وَقْفُ صِحَّةٍ وَيُخَالِفُ إخْرَاجَ زَكَاةِ الْمَالِ بِشَرْطِ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ لِأَنَّ النِّيَّةَ مُعْتَبَرَةٌ فيها ولم يَبْنِهَا على أَصْلٍ وَأَمَّا ما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في الرِّبَا من أَنَّهُ لَا يَصِحُّ نِكَاحُ من لم يَعْلَمْ أنها مُعْتَدَّةٌ أو أُخْتُهُ أَمْ لَا فَقَدْ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ بِخِلَافِهِ على أَنَّهُ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الشَّكَّ ثَمَّ في حِلِّ الْمَعْقُودِ عليه وَهُنَا الْعَاقِدُ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَإِنْ اشْتَرَكَا في الرُّكْنِيَّةِ وَمَسْأَلَةُ الْإِبْرَاءِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وقد أَعَادَهَا في الضَّمَانِ تَبَعًا لِذِكْرِ الْأَصْلِ لها ثَمَّ وَكَذَا يَصِحُّ لو بَاعَ هَازِلًا لِأَنَّهُ أتى بِاللَّفْظِ عن قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ وَعَدَمُ رِضَاهُ بِوُقُوعِهِ لِظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ له أَثَرٌ له خَطَأُ ظَنِّهِ وَهَذَا إعَادَةٌ في الطَّلَاقِ في ضِمْنِ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ أو بَاعَ لِلتَّلْجِئَةِ بِأَنْ يَبِيعَ مَالَهُ لِصَدِيقِهِ خَوْفَ غَصْبٍ أو إكْرَاهٍ وقد تَوَافَقَا قَبْلَهُ على أَنَّهُ يَبِيعُهُ له لِيَرُدَّهُ إذَا أَمِنَ وَهَذَا كما يُسَمَّى بَيْعُ التَّلْجِئَةِ يُسَمَّى بَيْعَ الْأَمَانَةِ وَقَوْلُهُ إنْ مَاتَ أَبَى فَقَدْ زَوَّجْتُك أَمَتَهُ بَاطِلٌ كما صَحَّحَهُ في الرَّوْضَةِ في النِّكَاحِ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ زَوَّجْتُك أَمَتِي وَذَكَرَ ابن الصَّبَّاغِ ما حَاصِلُهُ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ وَجَمِيعَ نَظَائِرِهَا أَنْ لَا يَعْلَمَا حَالَ التَّعْلِيقِ وُجُودَ الْمُعَلَّقِ عليه وَإِلَّا فَيَصِحُّ ذَكَرَهُ في الْمُهِمَّاتِ وهو مُنَاسِبٌ لِمَا سَيَأْتِي في النِّكَاحِ في قَوْلِهِ وقد بُشِّرَ بِبِنْتٍ إنْ صَدَقَ الْمُخْبِرُ فَقَدْ زَوَّجْتُكهَا الشَّرْطُ الرَّابِعُ الْقُدْرَةُ على التَّسْلِيمِ لِلْمَعْقُودِ عليه حِسًّا وَشَرْعًا لِيُوثَقَ بِحُصُولِ الْعِوَضِ وَلْيَخْرُجْ عن بَيْعِ الْغَرَرِ الْمَنْهِيِّ عنه في خَبَرِ مُسْلِمٍ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَرَرُ ما تَرَدَّدَ بين مُتَضَادَّيْنِ أَغْلَبُهُمَا أَخْوَفُهُمَا وَقِيلَ ما انْطَوَتْ عَنَّا عَاقِبَتُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ الْيَأْسُ من التَّسْلِيمِ بَلْ ظُهُورُ التَّعَذُّرِ كَافٍ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَغْصُوبِ من غَيْرِ غَاصِبِهِ ولا بَيْعُ الْآبِقِ لِلْعَجْزِ عن تَسْلِيمِهِمَا حَالًّا نعم إنْ كان الْبَيْعُ ضِمْنِيًّا صَحَّ كما سَيَأْتِي في كَفَّارَةِ الظِّهَارِ قال الزَّرْكَشِيُّ أَخْذًا من كَلَامِ الْإِمَامِ وَمِثْلُهُ بَيْعُ من يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ على الْمُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ ولا كِتَابَتُهُمَا لِأَنَّهَا تَقْتَضِي التَّمَكُّنَ من التَّصَرُّفِ وَإِنْ عَرَفَ مَوْضِعَهُمَا وَعَلِمَ أَنَّهُ يَصِلَهُمَا إذَا أَرَادَ لَكِنْ بِكُلْفَةٍ فإن ذلك لَا يَصِحُّ فِيهِمَا لَكِنْ ذَكَرَهُ لِكِتَابَةِ الْآبِقِ من تَصَرُّفِهِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ من التَّصَرُّفِ بَلْ الْمَغْصُوبُ إنْ تَمَكَّنَ من التَّصَرُّفِ صَحَّتْ كِتَابَتُهُ كَبَيْعِهِ مِمَّنْ يَقْدِرُ على نَزْعِهِ وَمِثْلُهُمَا في مَنْعِ بَيْعِهِمَا وَفِيمَا يَأْتِي الضَّالُّ كما نَبَّهَ عليه الْأَصْلُ وَاسْتُشْكِلَ في الْمُهِمَّاتِ مَنْعُ بَيْعِهِمْ بِأَنَّ إعْتَاقَهُمْ جَائِزٌ وقد صَرَّحُوا بِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا لم يَكُنْ في شِرَائِهِ مَنْفَعَةٌ إلَّا حُصُولُ الثَّوَابِ بِالْعِتْقِ كَالْعَبْدِ الزَّمَنِ صَحَّ بَيْعُهُ وَإِعْتَاقُ الْمَبِيعِ قبل قَبْضِهِ صَحِيحٌ على الصَّحِيحِ وَيَكُونُ قَبْضًا قال فلم يَصِحَّ بَيْعُ هَؤُلَاءِ إذَا كَانُوا زَمْنَى بَلْ مُطْلَقًا لِوُجُودِ مَنْفَعَةٍ من الْمَنَافِعِ التي يَصِحُّ لها الشِّرَاءُ
وَأُجِيبُ بِأَنَّ الزَّمَنَ ليس فيه مَنْفَعَةٌ حِيلَ بين الْمُشْتَرِي وَبَيْنَهَا بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا لم يَكُنْ لهم مَنْفَعَةٌ سِوَى الْعِتْقُ يَصِحُّ بَيْعُهُمْ وَفِيهِ نَظَرٌ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْمُشْتَرِي على تَسْلِيمِهِمْ لِيُمَلِّكَهُمْ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ التَّزْوِيجِ وَالْعِتْقِ لِمَنْ ذَكَرَ فإنه يَصِحُّ وَإِنْ انْتَفَتْ الْقُدْرَةُ على التَّسْلِيمِ فَإِنْ اشْتَرَاهُمَا قَادِرٌ عَلَيْهِمَا صَحَّ نَظَرًا إلَى وُصُولِهِ إلَيْهِمَا إلَّا أَنْ احْتَاجَتْ قُدْرَتُهُ على مُؤْنَةٍ قال في الْمَطْلَبِ فَيَنْبَغِي الْبُطْلَانُ وَعَلَى هذا لو قَدَرَ الْبَائِعُ عَلَيْهِمَا صَحَّ بَيْعُهُمَا أَيْضًا كَالْمُودَعِ وَالْمُعَارِ قال في الْمَطْلَبِ إلَّا إذَا كان فيه كُلْفَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ
____________________
(2/11)
كَبَيْعِ السَّمَكِ في الْبِرْكَةِ أَيْ وَشَقَّ تَحْصِيلُهُ منها قال وَهَذَا عِنْدِي لَا مِدْفَعَ له وَلَهُ أَيْ لِلْمُشْتَرِي الْقَادِرِ عَلَيْهِمَا الْخِيَارَانِ جَهِلَ الْحَالَ وَقْتَ الْبَيْعِ أو عَلِمَ بِهِ وَعَرَضَ مَانِعٌ أَيْ عَجَزَ عن الْبَيْعِ لَا يَلْزَمُهُ كُلْفَةُ التَّحْصِيلِ وَقَضِيَّتُهُ صِحَّةُ الْعَقْدِ في حَالَةِ الْجَهْلِ مع الِاحْتِيَاجِ في التَّحْصِيلِ إلَى مُؤْنَتِهِ وَلَا يُنَافِيهِ ما تَقَدَّمَ عن الْمَطْلَبِ لِأَنَّ ذلك عِنْدَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ وَهَذَا عِنْدَ الْجَهْلِ بِهِ فَأَشْبَهَ ما إذَا بَاعَ صُبْرَةً تَحْتَهَا دَكَّةٌ فَإِنْ اخْتَلَفَا في الْعَجْزِ صَدَقَ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ فَائِدَةٌ قال الثَّعَالِبِيُّ لَا يُقَالُ لِلْعَبْدِ آبِقٌ إلَّا إذَا كان ذَهَابُهُ من غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا كَدٍّ في الْعَمَلِ وَإِلَّا فَهُوَ هَارِبٌ قال الْأَذْرَعِيُّ لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ يُطْلِقُونَهُ عَلَيْهِمَا وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ طَائِرٍ في الْهَوَاءِ وَإِنْ تَعَوَّدَ الْعَوْدَ إلَى مَحَلِّهِ لِمَا فيه من الْغَرَرِ وَلِأَنَّهُ لَا يَوْثُقُ بِهِ لِعَدَمِ عَقْلِهِ وَبِهَذَا فَارَقَ صِحَّةَ بَيْعِ الْعَبْدِ الْمُرْسَلِ في حَاجَةٍ إلَّا النَّحْلَ الْمَوْثُوقَةُ أُمُّهُ بِأَنْ تَكُونَ في الْكُوَّارَةِ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَفَارَقَ بَقِيَّةَ الطُّيُورِ بِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِالْجَوَارِحِ وَبِأَنَّهُ لَا يَأْكُلُ عَادَةً إلَّا مِمَّا يَرْعَاهُ فَلَوْ تَوَقَّفَ صِحَّةُ بَيْعِهِ على حَبْسِهِ لَرُبَّمَا أَضَرَّ بِهِ أو تَعَذَّرَ بِهِ بَيْعُهُ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الطُّيُورِ فَإِنَّهَا تُعْلَفُ وَتَقْيِيدُهُ النَّحْلِ بِمَا ذَكَرَ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ ابن الرِّفْعَةِ وَأُمُّهُ يَعْسُوبُهُ وهو أَمِيرُهُ وَلَا بُدَّ من رُؤْيَتِهِ في الْكُوَّارَةِ أو حَالَ خُرُوجِهِ منها أو دُخُولِهِ إلَيْهَا وَهَذَا مَعْلُومٌ مِمَّا يَأْتِي في الشَّرْطِ الْخَامِسِ وَالْكُوَّارَةُ بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِهَا مع تَشْدِيدِ الْوَاوِ فِيهِمَا وَمَعَ تَخْفِيفِهَا في الْأَوَّلِ الْخَلِيَّةُ وَحُكِيَ أَيْضًا كَسْرُ الْكَافِ مع تَخْفِيفِ الْوَاوِ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ سَمَكٍ في مَاءٍ وَلَوْ في بِرْكَةٍ إنْ شَقَّ تَحْصِيلُهُ منها لِعَدَمِ قُدْرَةِ تَسْلِيمِهِ لَا إنْ سَهُلَ تَحْصِيلُهُ ولم يَمْنَعْ الْمَاءُ رُؤْيَتَهُ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَبُرْجُ الطَّائِرِ كَالْبِرْكَةِ لِلسَّمَكِ فَيَأْتِي في بَيْعِهِ فيه ما مَرَّ آنِفًا وَيَبْطُلُ جُزْءٌ مُعَيَّنٌ لَا شَائِعٌ من نَحْوِ سَيْفٍ وَثَوْبٍ يَنْقُصُ بِقِطْعَةِ قِيمَةٍ أو قِيمَةِ الْبَاقِي نَقْصًا يُحْتَفَلُ بمثله لِلْعَجْزِ عن تَسْلِيمِهِ شَرْعًا إذْ التَّسْلِيمُ فيه إنَّمَا يُمْكِنُ بِالْقَطْعِ وَفِيهِ نَقْصٌ وَتَضْيِيعُ مَالٍ وهو حَرَامٌ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ما قَالُوهُ من صِحَّةِ بَيْعِ ذِرَاعٍ من أَرْضٍ بِأَنَّ التَّمْيِيزَ فيها يَحْصُلُ بِنَصْبِ عَلَامَةٍ بين الْمِلْكَيْنِ بِلَا ضَرَرٍ قال الرَّافِعِيُّ وَلَك أَنْ تَقُولَ قد تَتَضَيَّقُ مَرَافِقُ الْأَرْضِ بِالْعَلَامَةِ وَتَنْقُصُ الْقِيمَةُ فَيَنْبَغِي إلْحَاقُهَا بِالثَّوْبِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ النَّقْصَ فيها يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ بِخِلَافِهِ في الثَّوْبِ قال في الْمَجْمُوعِ وَطَرِيقُ من أَرَادَ شِرَاءَ ذِرَاعٍ مُعَيَّنٍ من ثَوْبٍ نَفِيسٍ أَنْ يُوَاطِئَ صَاحِبَهُ على شِرَائِهِ ثُمَّ يُقَاطِعَهُ قبل الشِّرَاءِ ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ فَيَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْقَطْعُ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ طَرِيقٌ لِحِلِّ الْبَيْعِ فَاحْتُمِلَ لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَة إلَى تَأْخِيرِهِ عن الْبَيْعِ فَلَوْ كان الْجُزْءُ مِمَّا لَا يَنْقُصُ بِقَطْعِهِ كَ كِرْبَاسٍ جَازَ الْبَيْعُ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ أَمَّا بَيْعُ الْجُزْءِ الشَّائِعِ فَجَائِزٌ مُطْلَقًا لِذَلِكَ وَيَصِيرُ الْجُزْءُ مُشْتَرَكًا وَيَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِ زَوْجَيْ خُفٍّ وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُمَا بِتَفْرِيقِهِمَا إذْ لَا قَطْعَ هذا التَّعْلِيلُ من زِيَادَتِهِ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ جِذْعٍ مُعَيَّنٍ في بِنَاءٍ لِأَنَّ الْهَدْمَ يُوجِبُ النَّقْصَ وَلَا بَيْعُ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ من جِدَارٍ إنْ كان فَوْقَهُ شَيْءٌ أو كان الْجِدَارُ قِطْعَةً وَاحِدَةً من نَحْوِ طِينٍ كَخَشَبٍ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِهَدْمِ ما فَوْقَهُ في الْأُولَى وَهَدْمِ شَيْءٍ منه في الثَّانِيَةِ فَإِنْ كان الْجِدَارُ من لَبَنٍ أو آجِرٍ وَلَا شَيْءَ فَوْقَهُ وَجُعِلَتْ النِّهَايَةُ نِصْفَ السَّمَكِ أَيْ سَمَكَ اللَّبِنِ أو الْآجِرِ فَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَذِكْرُ نِصْفِهِمَا مِثَالٌ فَغَيْرُهُ وَمِنْ الْكُسُورِ كَذَلِكَ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم تُجْعَلْ النِّهَايَةُ نِصْفَ سَمَكِهِمَا أو نَحْوَهُ بِأَنْ جُعِلَتْ نِصْفًا من صُفُوفِهِمَا صَحَّ قال في الْأَصْلِ وَفِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ مَوْضِعَ الشَّقِّ قِطْعَةٌ وَاحِدَةٌ من طِينٍ أو غَيْرِهِ وَلِأَنَّ رَفْعَ بَعْضِ الْجِدَارِ يُنْقِصُ قِيمَةَ الْبَاقِي فَلْيَفْسُدْ الْبَيْعُ كَبَيْعِ جِذْعٍ في بِنَاءٍ وَأَجَابَ ابن الرِّفْعَةِ عن الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الطِّينَ الذي بين اللَّبِنَاتِ لَا قِيمَةَ له وَعَلَى الثَّانِي بِأَنَّ نَقْصَ الْقِيمَةِ من جِهَةِ انْفِرَادِهِ فَقَطْ وهو لَا يُؤَثِّرُ بِخِلَافِ الْجِذْعِ فإن إخْرَاجَهُ يُؤَثِّرُ ضَعْفًا في الْجِدَارِ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ فَصٍّ في خَاتَمٍ لِأَنَّ فَصْلَهُ يُوجِبُ النَّقْصَ ولا يَصِحُّ بَيْعُ جُمْدٍ وَثَلْجٍ وَزْنًا وهو أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَنْمَاعُ أَيْ يَسِيلُ
____________________
(2/12)
قبل وَزْنِهِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ كان على الْأَرْضِ فَإِنْ كان في إنَاءٍ وقال بِعْتُك هذا ولم يَقُلْ الْجُمْدَ صَحَّ جَزْمًا وَإِنْ قال الْجُمْدَ فَيُتَّجَهُ تَخْرِيجُهُ على الْخِلَافِ في تَعَارُضِ الْإِشَارَةِ وَالْعِبَارَةِ وَرَدَ بِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا يَجِيءُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْإِشَارَةِ وَالْعِبَارَةِ كَ بِعْتُك هذه الرَّمَكَةَ فإذا هِيَ بَغْلَةٌ وَهُنَا مُتَّفِقَانِ فَإِنْ كان جُمْدًا حَالَةَ الْعَقْدِ عليه وَإِنَّمَا سَالَ بَعْدَهُ نعم يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْخِلَافِ ما إذَا لم تَكُنْ له قِيمَةٌ عِنْدَ سَيَلَانِهِ وَإِلَّا لم يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ وَإِنْ زَالَ الِاسْمُ كما لو اشْتَرَى بَيْضًا فَتَفَرَّخَ قبل قَبْضِهِ وَالْجُمْدُ بِسُكُونِ الْمِيمِ وَحَكَى ابن قُرْقُولٍ فَتْحَهَا ثُمَّ صَوَّبَ السُّكُونَ قال وهو الْمَاءُ الْجَامِدُ من شِدَّةِ الْبَرْدِ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَرْهُونٍ بَعْدَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ إذْنِ مُرْتَهِنِهِ لِلْعَجْزِ عن تَسْلِيمِهِ شَرْعًا وَكَذَا جَانٍ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ كَسَرِقَةِ دِرْهَمٍ أَيْ كَأَنْ سَرَقَ رَقِيقٌ دِرْهَمًا وَتَلِفَ وَكَأَنْ قَتَلَ غَيْرَهُ خَطَأً أو شِبْهَ عَمْدٍ أو عَمْدًا وَعَفَا على مَالٍ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَجْنِيِّ عليه لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِهِ كَالْمَرْهُونِ وَأَوْلَى لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تُقَدَّمُ على الرَّهْنِ وَالتَّمْثِيلُ بِسَرِقَةِ الدِّرْهَمِ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ لَزِمَهُ قِصَاصٌ وَلَوْ في رَقَبَتِهِ صَحَّ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ تُرْجَى سَلَامَتُهُ بِالْعَفْوِ وَتَوَقُّعُ هَلَاكِهِ كَتَوَقُّعِ مَوْتِ الْمَرِيضِ وَكَذَا يَصِحُّ بَيْعُ من تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ بَعْدَ اخْتِيَارِ السَّيِّدِ الْفِدَاءِ وَلَا يَشْكُلُ بِصِحَّتِهِ الرُّجُوعُ عن الِاخْتِيَارِ لِأَنَّ مَانِعَ الصِّحَّةِ زَالَ بِانْتِقَالِ الْحَقِّ لِذِمَّةِ السَّيِّدِ وَإِنْ لم يَلْزَمْهَا ما دَامَ الْعَبْدُ في مِلْكِهِ وإذا صَحَّ الْبَيْعُ بَعْدَ اخْتِيَارِهِ الْفِدَاءِ لَزِمَهُ الْمَالُ الذي يَفْدِيهِ بِهِ فَيُجْبَرُ على أَدَائِهِ كما لو أَعْتَقَهُ أو قَتَلَهُ فَإِنْ أَدَّاهُ فَذَاكَ وَاضِحٌ وَإِنْ تَعَذَّرَ وَلَوْ بِإِفْلَاسِهِ أو غَيْبَتِهِ أو صَبْرِهِ على الْحَبْسِ أو مَوْتِهِ فُسِخَ الْبَيْعُ في الْجِنَايَةِ لِأَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عليه سَبَقَ حَقَّ الْمُشْتَرِي نعم إنْ أَسْقَطَ الْفَسْخُ حَقَّهُ كَأَنْ كان وَارِثَ الْبَائِعِ فَلَا فَسْخَ إذْ بِهِ يَرْجِعُ الْعَبْدُ إلَى مِلْكِهِ فَيَسْقُطُ الْأَرْشُ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ
أَمَّا إذَا لم يَتَعَلَّقْ الْمَالُ بِرَقَبَتِهِ بَلْ بِكَسْبِهِ كَأَنْ زَوَّجَهُ سَيِّدُهُ أو بِذِمَّتِهِ كَأَنْ اشْتَرَى شيئا فيها بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ أو أَتْلَفَهُ أو اقْتَرَضَ قَرْضًا فَاسِدًا وَأَتْلَفَهُ وَأَقَرَّ بِجِنَايَةٍ خَطَأً أو شِبْهَ عَمْدٍ ولم يُصَدِّقْهُ السَّيِّدُ وَلَا بَيِّنَةَ قال الْبُلْقِينِيُّ أو لم يَتَعَلَّقْ بِشَيْءٍ من ذلك أَمَرَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ بِإِتْلَافِ شَيْءٍ وكان أَعْجَمِيًّا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ الْآمِرِ أو غير مُمَيِّزٍ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا يَرِدُ على الرَّقَبَةِ وَلَا تَعَلُّقَ لِرَبِّ الدَّيْنِ بها وَيَنْفُذُ عِتْقُ الْجَانِي الذي تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ من مَالِكِهِ الْمُوسِرِ لِانْتِقَالِ الْحَقِّ إلَى ذِمَّتِهِ مع وُجُودِ ما يُؤَدِّي منه لَا من الْمُعْسِرِ لِمَا فيه من إبْطَالِ الْحَقِّ بِالْكُلِّيَّةِ إذْ لَا مُتَعَلِّقَ له سِوَى الرَّقَبَةِ وَكَذَا اسْتِيلَادُ الْجَانِيَةِ التي تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهَا مَالٌ يَنْفُذُ من الْمُوسِرِ لَا من الْمُعْسِرِ أَمَّا إذَا لم يَتَعَلَّقْ الْمَالُ بِالرَّقَبَةِ فَيَصِحُّ الْعِتْقُ وَالِاسْتِيلَادُ مُطْلَقًا كَالْبَيْعِ حتى لو أَوْجَبَتْ جِنَايَةُ الْعَبْدِ قِصَاصًا فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ وهو مُعْسِرٌ ثُمَّ عَفَا على مَالٍ قال الْبُلْقِينِيُّ لم يَبْطُلْ الْعِتْقُ على الْأَقْيَسِ وَإِنْ بَطَلَ الْبَيْعُ في نَظِيرِهِ لِقُوَّةِ الْعِتْقِ وَيَلْزَمُ السَّيِّدَ الْفِدَاءُ وَيَنْتَظِرُ يَسَارَهُ وَلَا يَتَعَلَّقُ الْأَرْشُ الذي أَوْجَبَتْهُ جِنَايَةُ الْجَانِي بِالْوَلَدِ أَيْ بِوَلَدِهِ إذْ لَا جِنَايَةَ منه وَلِلسَّيِّدِ فِدَاءُ الْجَانِي حَيْثُ فَدَاهُ بِالْأَقَلِّ من الْأَرْشِ وَالْقِيمَةِ كما يَأْتِي بَيَانُهُ في الْجِنَايَاتِ الشَّرْطُ الْخَامِسُ لِلْمَعْقُودِ عليه ثَمَنًا أو مُثَمَّنًا الْعِلْمُ أَيْ عِلْمُ الْعَاقِدَيْنِ بِهِ لَا من كل وَجْهٍ بَلْ بِالْعَيْنِ في الْمُعَيَّنِ وَالْقَدْرِ وَالصِّفَةِ فِيمَا في الذِّمَّةِ لِلنَّهْيِ عن
____________________
(2/13)
بَيْعِ الْغَرَرِ كما مَرَّ فَبَيْعُ عَبْدٍ من عَبِيدِهِ أو عَبْدِهِ الْمُخْتَلِطِ بِعَبِيدِ غَيْرِهِ وقد جَهِلَاهُ أو أَحَدُهُمَا أو الْعَبِيدُ إلَّا وَاحِدًا بَاطِلٌ كما في النِّكَاحِ سَوَاءٌ تَسَاوَتْ الْقِيَمُ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ قال وَلَك الْخِيَارُ في التَّعْيِينِ أَمْ لَا وَبَيْعُ جُزْءٍ كَالرُّبُعِ مُشَاعًا من أَرْضٍ أو عَبْدٍ أو صُبْرَةٍ أو ثَمَرَةٍ أو غَيْرِهَا أو بَيْعُهُ شيئا منها إلَّا رُبُعًا مُشَاعًا صَحِيحٌ وَلَوْ بِيعَ الْجُزْءُ بمثله كَبَيْعِ نِصْفِهِ من دَارٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وفي نُسْخَةٍ نِصْفَانِ بِنِصْفِ صَاحِبِهِ أو بَيْعِ نِصْفِهِ بِثُلُثَيْ نِصْفِ صَاحِبِهِ فَيَصِيرُ الْمَجْمُوعُ بَيْنَهُمَا في الثَّانِيَةِ أَثْلَاثًا وَفَائِدَتُهُ أَيْ تَصْحِيحُ الْبَيْعِ في ذلك سُقُوطُ الرُّجُوعِ بِهِ في هِبَةِ الْوَلَدِ وفي الصَّدَاقِ إذَا طَلُقَتْ الزَّوْجَةُ قبل الدُّخُولِ وفي مَنْعِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أو الْإِفْلَاسِ وَلَهُ فَوَائِدُ أُخَرُ أَشَارَ إلَيْهَا الْأَصْلُ وَذَكَرَهَا الزَّرْكَشِيُّ في خَادِمِهِ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِثُلُثَيْ نِصْفِ صَاحِبِهِ أَوْضَحُ من تَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ بِالثُّلُثِ من نِصْفِ صَاحِبِهِ وَإِنْ قال بِعْتُك الثَّمَرَةَ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مَثَلًا إلَّا ما يَخُصُّ أَلْفَانِ أَرَادَ بِمَا يَخُصُّهُ نِسْبَتَهُ من الثَّمَنِ إذَا وُزِّعَتْ الثَّمَرَةُ عليه صَحَّ وكان اسْتِثْنَاءً لِلثُّلُثِ أو أَرَادَ بِهِ نِسْبَتَهُ من الْقِيمَةِ أَيْ ما يُسَاوِي أَلْفًا عِنْدَ التَّقْوِيمِ فَلَا لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ أو أَطْلَقَ فَيَنْبَغِي كما قال الزَّرْكَشِيُّ الْبُطْلَانُ وَأَوْرَدَ على حَصْرِ الشُّرُوطِ في الْخَمْسَةِ أنها مَوْجُودَةٌ في حَرِيمِ الْمِلْكِ مع أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَحْدَهُ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ إحْدَاثُ حَرِيمٍ لِلْمِلْكِ فَالْوَجْهُ الصِّحَّةُ وَإِلَّا فَالْمَنْعُ رَاجِعٌ إلَى عَدَمِ قُدْرَةِ تَسْلِيمِهِ كَبَيْعِ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ من ثَوْبٍ يَنْقُصُ بِالْقَطْعِ فَرْعٌ وَإِنْ بَاعَهُ ذِرَاعًا مَثَلًا من أَرْضٍ أو ثَوْبٍ أو نَحْوِهِمَا وَذَرْعُهُ مَعْلُومٌ لَهُمَا كَثَمَانِيَةِ مَثَلًا مَلَكَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ أَيْ ثَمَنَهَا وَنَزَلَ على الْإِشَاعَةِ لِإِمْكَانِهَا حتى لو تَلِفَ بَعْضُهَا تَلِفَ بِقَدْرِهِ من الْمَبِيعِ وَلَا حَاجَةَ مع الْكَافِ لِقَوْلِهِ مَثَلًا وَإِنْ أَرَادَ مُعَيَّنًا لم يَصِحَّ الْبَيْعُ كَبَيْعِ شَاةٍ من قَطِيعٍ فَلَوْ اخْتَلَفَا فِيمَا أَرَادَا فقال الْبَائِعُ أَرَدْت مُعَيَّنًا فقال الْمُشْتَرِي بَلْ مُشَاعًا أو عَكْسَهُ صَدَقَ الْمُعَيِّنُ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ وَعَلَّلَهُ الْإِمَامُ بِأَنَّ مُطْلَقَ لَفْظِ الذِّرَاعِ لَا يُفْهَمُ منه مَعْنَى الْإِشَاعَةِ إلَّا بِتَأْوِيلٍ لَكِنْ سَيَأْتِي في الْقِرَاضِ أَنَّ قَوْلَهُ قَارَضْتُك على أَنَّ نِصْفَ الرِّبْحِ لَك صَحِيحٌ وَعَلَى أَنَّ نِصْفَهُ لي بَاطِلٌ فَلَوْ قال خُذْهُ قِرَاضًا بِالنِّصْفِ فَالْأَشْبَهُ في الْمَطْلَبِ صِحَّتُهُ تَنْزِيلًا على شَرْطِ النِّصْفِ لِلْعَامِلِ وَكَلَامُ سُلَيْمٍ يُشِيرُ فيه إلَى وَجْهَيْنِ ثُمَّ قال سُلَيْمٌ وإذا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فقال الْمَالِكُ أَرَدْت أَنَّ النِّصْفَ لي وَادَّعَى الْعَامِلُ الْعَكْسَ صَدَقَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ معه وَهَذِهِ تُشْبِهُ مَسْأَلَتَنَا وَحُكْمُهَا مُخَالِفٌ لِحُكْمِهَا نَبَّهَ على ذلك في الْمُهِمَّاتِ وَيُجَابُ عنه بِمَا عَلَّلَ بِهِ الْإِمَامُ أو ذَرْعُهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ لَهُمَا أو لِأَحَدِهِمَا لم يَصِحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْأَرْضِ وَالثَّوْبِ وَنَحْوَهُمَا تَتَفَاوَتُ غَالِبًا مَنْفَعَةً وَقِيمَةً وَالْإِشَاعَةُ مُتَعَذِّرَةٌ فَلَوْ عَيَّنَ ابْتِدَاءً من طَرَفٍ بِأَنْ قال بِعْتُك ذِرَاعًا مَثَلًا من هُنَا في جَمِيعِ الْعَرْضِ إلَى حَيْثُ يَنْتَهِي الذِّرَاعُ في الطُّولِ أو عَكْسَهُ صَحَّ بِخِلَافِ ما إذَا عَيَّنَ ابْتِدَاءً من الطَّرَفِ لَا يَصِحُّ وَسَكَتَ كَأَصْلِهِ عن دُخُولِ الْحَدِّ في الْبَيْعِ وقد جَزَمَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ لو عَيَّنَ خَطَّيْنِ وقال بِعْتُك من هذا الْخَطِّ إلَى هذا الْخَطِّ لم يَدْخُلْ الْخَطَّانِ في الْبَيْعِ وقال الْمُتَوَلِّي لَا تَدْخُلُ الْحُدُودُ في الْعَقْدِ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ عليها فَرْعٌ وَبَيْعُ صَاعٍ من صُبْرَةٍ وَلَوْ مَجْهُولَةَ الصِّيعَانِ صَحِيحٌ لِعِلْمِ الْعَاقِدَيْنِ بِقَدْرِ
____________________
(2/14)
الْمَبِيعِ مع تَسَاوِي الْأَجْزَاءِ فَلَا غَرَرَ بِخِلَافِ ما لو فَرَّقَ الصِّيعَانَ وَبَاعَ صَاعًا منها قال الْقَاضِي لِأَنَّهَا رُبَّمَا تَفَاوَتَتْ في الْكَيْلِ فَيَخْتَلِفُ الْغَرَضُ وقال غَيْرُهُ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ يَحْصُلُ بِهِ التَّبَايُنُ فَيَصِيرُ كُلُّ صَاعٍ أَصْلًا بِنَفْسِهِ وَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ تَصِيرُ الصُّبْرَةُ جُمْلَةً وَاحِدَةً وقد تَمَاثَلَتْ أَجْزَاؤُهَا فَيَبْعُدُ الِاخْتِلَافُ فِيمَا يُؤَاخَذُ منها وَهَذَا أَوْلَى لِاقْتِضَاءِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لو فَرَّقَهَا وَزْنًا جَازَ الْبَيْعُ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ فَإِنْ عُلِمَتْ صِيعَانُهَا نَزَلَ على الْإِشَاعَةِ وَالشَّرِكَةِ لِإِمْكَانِهِمَا كما مَرَّ وَقَوْلُهُ وَالشَّرِكَةُ من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَإِنْ جُهِلَتْ صَحَّ لِمَا مَرَّ بِخِلَافِ ما لو بَاعَهَا إلَّا صَاعًا لِلْجَهْلِ بِالْمَبِيعِ وَلِلنَّهْيِ عن بَيْعِ الثُّنْيَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ زَادَ التِّرْمِذِيُّ إلَّا أَنْ تُعْلَمَ وَصَحَّحَهُ وَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ صَاعًا من أَسْفَلِهَا وَوَسَطِهَا وَإِنْ لم يَكُونَا مَرْئِيَّيْنِ إذْ الْمَبِيعُ صَاعٌ منها أَيُّ صَاعٍ كان لِتَعَذُّرِ الْإِشَاعَةِ وَرُؤْيَةُ ظَاهِرِهَا كَرُؤْيَةِ كُلِّهَا كما سَيَأْتِي فَلَوْ لم يَبْقَ منها غَيْرُهُ تَعَيَّنَ لِلْبَيْعِ بَلْ سَيَأْتِي في آخِرِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ أَنَّهُ لو انْصَبَّ عليها صُبْرَةٌ أُخْرَى ثُمَّ تَلِفَ الْكُلُّ إلَّا صَاعًا تَعَيَّنَ لِلْبَيْعِ وَهَذَا الْفَرْعُ مُسْتَثْنًى من اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِالْعَيْنِ في الْمُعَيَّنِ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ صَحَّ لِلْعِلْمِ بِهِ من أَوَّلِ الْفَرْعِ فَلَوْ حَذَفَهُ وَعَبَّرَ فِيمَا بَعْدَهُ بِالْفَاءِ كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ فَرْعٌ وَإِنْ بَاعَهُ دَارًا وفي نُسْخَةٍ دَارَةً أَيْ قِطْعَةَ أَرْضٍ مَحْفُوفَةً بِمِلْكِهِ من كل جَانِبٍ صَحَّ وَلَهُ أَيْ لِلْمُشْتَرِي الْمَمَرُّ حَيْثُ شَاءَ أَيْ من كل جَانِبٍ وَلَوْ لم يَقُلْ بِعْتُكهَا بِحُقُوقِهَا لِتَوَقُّفِ النَّفْعِ عليه فَهُوَ كَبَيْعِهَا بِحُقُوقِهَا فَإِنْ شَرَطَ له الْمَمَرَّ من جَانِبٍ ولم يُعَيِّنْهُ بَطَلَ الْعَقْدُ أَيْ لم يَصِحَّ لِتَفَاوُتِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ الْجَوَانِبِ فَجَعَلَ إبْهَامَهُ كَإِبْهَامِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ ما إذَا عَيَّنَهُ أو أَثْبَتَهُ له من كل الْجَوَانِبِ وَكَذَا لو نَفَاهُ أَيْ الْمَمَرَّ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ لِتَعَذُّرِ الِانْتِفَاعِ بِالْمَبِيعِ حَالًّا سَوَاءٌ أَمْكَنَ الْمُشْتَرِي تَحْصِيلَ مَمَرٍّ أَمْ لَا وَشَرَطَ الْبَغَوِيّ عَدَمَ إمْكَانِهِ ذلك وَإِنْ اشْتَرَى ما أَيْ شيئا من الْأَرْضِ يَلِي مِلْكَهُ أو الشَّارِعَ لم يَكُنْ له الْمُرُورُ في مِلْكِ الْبَائِعِ بَلْ يَمُرُّ في مِلْكِ نَفْسِهِ أو الشَّارِعِ تَنْزِيلًا على الْعَادَةِ إلَّا إنْ قال بِحُقُوقِهَا فَيَمُرُّ في مِلْكِ الْبَائِعِ وَهَذَا في الثَّانِيَةِ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ اسْتَثْنَى بَائِعُ الدَّارِ لِنَفْسِهِ بَيْتًا منها فَلَهُ الْمَمَرُّ منها إلَيْهِ إنْ لم يَتَّصِلْ الْبَيْتُ بِشَارِعٍ إنْ مَلَكَ له وَإِلَّا فَلَا يَسْتَحِقُّهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فَلَوْ نَفَاهُ أَيْ الْمَمَرَّ ولم يَكُنْ له تَحْصِيلُ مَمَرٍّ لم يَصِحَّ الْبَيْعُ كما لو بَاعَ ذِرَاعًا من ثَوْبٍ يَنْقُصُ بِالْقَطْعِ وَإِنْ أَمْكَنَ تَحْصِيلُهُ صَحَّ الْبَيْعُ فَصْلٌ وما كان من الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ في الذِّمَّةِ وَهِيَ لُغَةً الْعَهْدُ وَالْأَمَانُ وَاصْطِلَاحًا الذَّاتُ وَالنَّفْسُ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْحَالِّ على الْمَحَلِّ وقال ابن عبد السَّلَامِ هِيَ مَعْنًى مُقَدَّرٌ في الْمَحَلِّ يَصْلُحُ لِلْإِلْزَامِ وَالِالْتِزَامِ قال وَعَلَيْهِ الْمَيِّتُ له ذِمَّةٌ بَاقِيَةٌ لِأَنَّهُ مُلْزَمٌ بِالدَّيْنِ وَمُلْتَزِمٌ له انْتَهَى وَهَذَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ ذِمَّةُ الْمَيِّتِ خَرِبَتْ وقد يُجَابُ بِأَنَّهَا خَرِبَتْ في الْمُسْتَقْبَلِ خَاصَّةً اشْتَرَطَ مَعْرِفَةَ قَدْرِهِ لِلْعَاقِدَيْنِ فَبَيْعُ مِلْءِ هذا الْبَيْتِ حِنْطَةً وَالشِّرَاءُ بِوَزْنِ هذا الْحَجَرِ ذَهَبًا ولم يَعْلَمَا الْمِقْدَارَ فِيهِمَا أو بِأَلْفٍ ذَهَبًا وَفِضَّةً بَاطِلٌ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ الْعِوَضِ فَإِنْ عَيَّنَ الْحِنْطَةَ كَأَنْ قال بِعْتُك مِلْءَ هذا الْبَيْتِ من هذه الْحِنْطَةِ صَحَّ كما صَرَّحَ بِهِ في السَّلَمِ تَبَعًا لِلْأَصْلِ ثُمَّ وَلِلْمَجْمُوعِ هُنَا وَصَوَّرَهُ بِالْكُوزِ فَقَالُوا لو قال بِعْتُك مِلْءَ هذا الْكُوزِ من هذه الْحِنْطَةِ صَحَّ على الْأَصَحِّ لِإِمْكَانِ الْأَخْذِ قبل تَلَفِهِ فَلَا غَرَرَ وَاسْتَشْكَلَهُ الْبَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ الْعِوَضِ وَلَا بُدَّ من مَعْرِفَتِهِمَا الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ أَيْضًا كما عَلِمَ مِمَّا مَرَّ فَلَوْ بَاعَ بِأَلْفٍ أو بِنَقْدٍ مُطْلَقًا وَثَمَّ نُقُودٌ وَلَا غَالِبَ فيها لم يَصِحَّ كما سَيَأْتِي إيضَاحُهُ
وَكَذَا لو بَاعَ بِمَا أَيْ بِمِثْلِ ما بَاعَ بِهِ فُلَانٌ ثَوْبَهُ مَثَلًا وَجَهِلَهُ أَحَدُهُمَا أو بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَّا عَشْرَةَ دَرَاهِمَ لَا يَصِحُّ لِمَا مَرَّ إلَّا أَنْ عَرَفَا في الثَّانِيَةِ قِيمَةَ الدِّينَارِ دَرَاهِمَ وَقَصَدَ الِاسْتِثْنَاءَ منها أَيْ من الْقِيمَةِ فَيَصِحُّ
____________________
(2/15)
وَيَجِبُ تَعْيِينُ نَوْعِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمَبِيعِ بها لَفْظًا إنْ اخْتَلَفَتْ النُّقُودُ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِاخْتِلَافِهَا فَلَا يَكْفِي التَّعْيِينُ بِالنِّيَّةِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في الْخُلْعِ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فيه ما لَا يُغْتَفَرُ هُنَا وَبِخِلَافِ ما لو قال من له بَنَاتٌ زَوَّجْتُك بِنْتِي وَنَوَيَا وَاحِدَةً وقد يُفَرَّقُ بِأَنَّ ذِكْرَ الْعِوَضَيْنِ هُنَا وَاجِبٌ فَوَجَبَ الِاحْتِيَاطُ بِاللَّفْظِ بِخِلَافِهِ ثُمَّ فَاكْتَفَى بِالنِّيَّةِ فِيمَا لَا يَجِبُ ذِكْرُهُ فَإِنْ اتَّفَقَتْ النُّقُودُ بِأَنْ لم تَتَفَاوَتْ قِيمَةً وَغَلَبَةً صَحَّ الْبَيْعُ من غَيْرِ تَعْيِينٍ وَيُسَلِّمُ أَيَّهَا شَاءَ وَإِنْ غَلَبَ وَاحِدٌ منها انْصَرَفَ إلَيْهِ الْعَقْدُ الْمُطْلَقُ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ وَإِنْ كان فُلُوسًا وَسَمَّاهَا وما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ من أنها من النُّقُودِ وَجْهٌ وَالصَّحِيحُ أنها من الْعُرُوضِ وَسَيَذْكُرُهَا
وَكَذَا يَنْصَرِفُ إلَى الْغَالِبِ إنْ كان مُكَسَّرًا أو لم تَتَفَاوَتْ قِيمَةً أو كان النِّصْفُ مَثَلًا صِحَاحًا وَالنِّصْفُ الْآخَرُ مُكَسَّرَةً وَإِنْ كان يَعْهَدُ التَّعَامُلَ بِهَذِهِ مَرَّةً وَبِتِلْكَ أُخْرَى وَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَهُمَا صَحَّ الْبَيْعُ وسلم أَيَّهمَا شَاءَ وَلَوْ كان النَّقْدُ مَغْشُوشًا جَازَتْ الْمُعَامَلَةُ بِهِ وَلَوْ جَهِلَ قَدْرَ الْفِضَّةِ نَظَرًا لِلْعُرْفِ فَإِنْ قُلْت أَيْ بَانَ بَعْدَ الْبَيْعِ قِلَّةُ فِضَّةِ الْمَغْشُوشِ جِدًّا فَلَهُ الرَّدُّ إنْ اجْتَمَعَ منها مَالِيَّةٌ لو مُيِّزَتْ وَإِلَّا فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ كما لو ظَهَرَتْ من غَيْرِ الْجِنْسِ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ بِالْعَيْبِ إيضَاحٌ وَلَوْ غَلَبَ التَّعَامُلُ بِعَرَضٍ وَبَاعَ بِهِ كَصَاعِ حِنْطَةٍ انْصَرَفَ الْعَقْدُ إلَى الْغَالِبِ أَيْضًا كَالنَّقْدِ وَقِيمَةُ الْمُتْلَفِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ فِيمَا ذُكِرَ فَتَنْزِلُ على ما يَنْزِلُ عليه الثَّمَنُ فَلَوْ كان ثَمَّ نَقْدَانِ وَلَا غَالِبَ وَحَصَلَ تَنَازُعٌ عَيَّنَ الْقَاضِي وَاحِدًا لِلتَّقْوِيمِ وَلَوْ قال بِعْتُك بِأَلْفٍ صِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ لم يَصِحَّ الْبَيْعُ لِجَهْلِ النَّقْدَيْنِ كما لو قال بِعْتُك بِأَلْفٍ ذَهَبًا وَفِضَّةً فَرْعٌ وَإِنْ بَاعَ شَخْصًا شيئا بِدِينَارٍ صَحِيحٍ فَأَعْطَاهُ صَحِيحَيْنِ بِوَزْنِهِ أَيْ الدِّينَارِ أو عَكْسَهُ أَيْ بَاعَهُ بِدِينَارَيْنِ صَحِيحَيْنِ فَأَعْطَاهُ دِينَارًا صَحِيحًا بِوَزْنِهِمَا لَزِمَهُ قَبُولُهُ لِأَنَّ الْغَرَضَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ وَصُورَةُ الْعَكْسِ من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ فيها فَأَعْطَاهُ دِينَارًا بِوَزْنِهِمَا لَا إنْ أَعْطَاهُ في الْأُولَى صَحِيحًا أَكْثَرَ من دِينَارٍ كَأَنْ يَكُونَ وَزْنُهُ دِينَارًا أو نِصْفًا فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ إلَّا بِالتَّرَاضِي فَيَجُوزُ فَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا كَسْرَهُ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ لم يُجْبَرْ عليه لِضَرَرِ الْقِسْمَةِ وَإِنْ بَاعَ بِنِصْفِ مِثْقَالٍ أَخَذَ شِقًّا وَزْنُهُ نِصْفُ مِثْقَالٍ فَإِنْ سَلَّمَ إلَيْهِ صَحِيحًا أَكْثَرَ من نِصْفِ مِثْقَالٍ وَتَرَاضَيَا بِالشَّرِكَةِ فيه جَازَ إلَّا أَنَّ شَرْطَ كَوْنِ النِّصْفِ مُدَوَّرًا فَلَا يَلْزَمُهُ أَخْذُ شِقٍّ وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ لَكِنْ إنْ نَذَرَ وُجُودَهُ بَطَلَ الْعَقْدُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ على تَسْلِيمِهِ وَاسْتُشْكِلَ بِمَا سَيَأْتِي من أَنَّهُ لو بَاعَ بِنَقْدٍ يَعِزُّ وُجُودُهُ صَحَّ ثُمَّ إنْ لم يُوجَدْ اُسْتُبْدِلَ عنه وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَاكَ يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ على قِيمَتِهِ حَالَةَ الِاسْتِبْدَالِ بِخِلَافِ نِصْفِ دِينَارٍ مُدَوَّرٍ فإنه إذَا لم يَرْجُ رَوَاجَ النُّقُودِ لَا يَدْرِي ما قِيمَتُهُ وَالْجَهْلُ بِالْقِيمَةِ يَصْلُحُ لَأَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِعَدَمِ الِاسْتِبْدَالِ وَإِنْ بَاعَ شَخْصًا شيئا بِنِصْفٍ من دِينَارٍ صَحِيحٍ ثُمَّ بَاعَهُ شيئا آخَرَ بِنِصْفٍ كَذَلِكَ وَشَرَطَ في الْبَيْعِ الثَّانِي تَسْلِيمَ صَحِيحٍ عنهما بَطَلَ الْبَيْعُ الثَّانِي لِلشَّرْطِ وَكَذَا الْأَوَّلُ إنْ كان قبل لُزُومِهِ لِذَلِكَ أَيْضًا لِأَنَّ الْوَاقِعَ في زَمَنِ الْخِيَارِ كَالْوَاقِعِ في الْعَقْدِ بِخِلَافِ ما لو كان بَعْدَ لُزُومِهِ وَإِنْ لم يَشْرِطْ ذلك وسلم صَحِيحًا عن النِّصْفَيْنِ فَقَدْ زَادَ خَيْرًا أو قِطْعَتَيْنِ وَزْنُ كل وَاحِدَةٍ نِصْفُ دِينَارٍ جَازَ قال الْبُلْقِينِيُّ مَحَلُّ قَوْلِهِمْ فَقَدْ زَادَ خَيْرًا إذَا اتَّحَدَ الْمُسْتَحَقُّ فَلَوْ بَاعَ الْأَوَّلَ لِنَفْسِهِ وَالثَّانِي لِغَيْرِهِ بِوَكَالَةٍ أو نَحْوِهَا فَلَا يَكُونُ قد زَادَ خَيْرًا لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ وَلَوْ قال بِعْتُك بِنِصْفَيْ دِينَارٍ لَزِمَهُ تَسْلِيمُ دِينَارٍ صَحِيحٍ أو بِنِصْفِ دِينَارٍ وَثُلُثِ دِينَارٍ وَسُدُسِ دِينَارٍ فَلَا نُقِلَ ذلك في الْمَجْمُوعِ عن الصَّيْمَرِيِّ وَالْعِمْرَانِيِّ وَأَقَرَّهُ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لو لم يُكَرِّرْ الْمُضَافَ إلَيْهِ في الثَّانِيَةِ فقال نِصْفٌ وَثُلُثٌ وَسُدُسُ دِينَارٍ لَزِمَهُ دِينَارٌ صَحِيحٌ فَرْعٌ وَإِنْ بَاعَ بِنَقْدٍ مَعْدُومٍ أَصْلًا وَلَوْ مُؤَجَّلًا أو مَعْدُومٍ في الْبَلَدِ حَالًّا أو مُؤَجَّلًا إلَى أَجَلٍ لَا يُمْكِنُ فيه نَقْلُهُ إلَى الْبَلَدِ بِالْوَجْهِ الْآتِي لم يَصِحَّ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ على تَسْلِيمِهِ أو إلَى أَجَلٍ يُمْكِنُ فيه النَّقْلُ عَادَةً بِسُهُولَةٍ لِلْمُعَامَلَةِ صَحَّ ثُمَّ إنْ أَحْضَرَهُ بَعْدَ الْحُلُولِ فَذَاكَ فَلَوْ لم يُحْضِرْهُ اُسْتُبْدِلَ عنه لِجَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ عنه فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَكَذَا يَسْتَبْدِلُ لو بَاعَ بِمَوْجُودٍ عَزِيزٍ فلم يَجِدْهُ وَلَيْسَ له فِيمَا إذَا عَقَدَ بِنَقْدٍ إلَّا النَّقْدُ الْوَاجِبُ بِالْعَقْدِ لِكَوْنِهِ عَيَّنَ فيه أو أَطْلَقَ وَحَمَلْنَاهُ على نَقْدِ الْبَلَدِ وَإِنْ أَبْطَلَهُ
____________________
(2/16)
السُّلْطَانُ كما لو أَسْلَمَ في حِنْطَةٍ فَرَخُصَتْ ليس له غَيْرُهَا فَرْعٌ لو قال بِعْتُك هذه الصُّبْرَةَ أو الْقَطِيعَ أو الْأَرْضَ أو الثَّوْبَ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ كُلَّ صَاعٍ أو شَاةٍ أو ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ مَثَلًا صَحَّ وَلَا يَضُرُّ الْجَهْلُ بِجُمْلَةِ الثَّمَنِ لِلْعِلْمِ بِهِ تَفْصِيلًا وَفَارَقَ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِيمَا لو بَاعَ ثَوْبًا بِمَا رُقِمَ عليه من الدَّرَاهِمِ الْمَجْهُولَةِ الْقَدْرِ بِأَنَّ الْغَرَرَ مُنْتَفٍ في الْحَالِ لِأَنَّ ما يُقَابِلُ كُلَّ صَاعٍ مَعْلُومِ الْقَدْرِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِهِ في تِلْكَ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ عَشْرِ شِيَاهٍ من هذه الْمِائَةِ وَإِنْ عَلِمَ عَدَدَ الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ مِثْلِهِ من الصُّبْرَةِ وَالْأَرْضِ وَالثَّوْبِ لِاخْتِلَافِ قِيمَةِ الشِّيَاهِ فَلَا يَدْرِي كَمْ قِيمَةِ الْعَشَرَةِ من الْجُمْلَةِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فيها إلَّا الْإِشَاعَةُ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ من الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ وَبِخِلَافِ ما لو بَاعَهُ ذِرَاعًا من ثَوْبٍ أو أَرْضٍ وَذَرْعُهُ مَعْلُومٌ لَهُمَا وَلَوْ قال بِعْتُك من هذه الصُّبْرَةِ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ مَثَلًا أو كُلَّ صَاعٍ من هذه الصُّبْرَةِ بِدِرْهَمٍ مَثَلًا لم يَصِحَّ لِأَنَّهُ لم يَبِعْ الْجُمْلَةَ بَلْ بَعْضَهَا الْمُحْتَمِلَ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَلَا يَعْلَمُ قَدْرَ الْمَبِيعِ تَحْقِيقًا وَلَا تَخْمِينًا أو قال بِعْتُكهَا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ أو قال مثله في الْأَرْضِ وَالثَّوْبِ صَحَّ إنْ وَافَقَ عَدَدُ الصِّيعَانِ أو الْأَذْرُعِ الثَّمَنَ بِأَنْ خَرَجَ عَشْرٌ لِتُوَافِقَ جُمْلَةَ الثَّمَنِ وَتَفْصِيلَهُ لَا أَنْ زَادَ أو نَقَصَ فَلَا يَصِحُّ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنِ الْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيلِ
وَلَا يَشْكُلُ بِمَا يَأْتِي في الرِّبَا من صِحَّةِ بَيْعِ صُبْرَةِ حِنْطَةٍ بِصُبْرَةِ شَعِيرٍ مُكَايَلَةً وَإِنْ خَرَجَتَا مُتَفَاضِلَتَيْنِ لِأَنَّ الثَّمَنَ هُنَا عُيِّنَتْ كَمِّيَّتُهُ فإذا اخْتَلَّ عنها صَارَ مُبْهَمًا فَأَبْطَلَ بِخِلَافِهِ ثَمَّةَ لم تُعَيَّنْ كَمِّيَّةُ صِيعَانِهِ وَالصُّبْرَةُ النَّاقِصَةُ قد وَرَدَ الْبَيْعُ على جَمِيعِهَا فَصَارَ كما لو بَاعَ صُبْرَةً صَغِيرَةً بِقَدْرِهَا من كَبِيرَةٍ فإنه يَصِحُّ كما سَيَأْتِي ثَمَّ وقوله بِعْتُك صَاعًا منها بِدِرْهَمٍ وما زَادَ فَبِحِسَابِهِ صَحِيحٌ في صَاعٍ فَقَطْ لِأَنَّهُ الْمَعْلُومُ أو قال بِعْتُكهَا وَهِيَ عَشَرَةُ من الْآصُعِ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ وما زَادَ فَبِحِسَابِهِ صَحَّ في الْعَشَرَةِ فَقَطْ لِذَلِكَ بِخِلَافِ ما لو قال فِيهِمَا على أَنَّ ما زَادَ بِحِسَابِهِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ شَرْطُ عَقْدٍ في عَقْدٍ وَلَا حَاجَةَ لِلْفَاءِ في قَوْلِهِ فَبِحِسَابِهِ في الْمَوْضِعَيْنِ وَوُجِدَ في نُسْخَةٍ حَذْفُهَا في الثَّانِي وَقَوْلُهُ وَبِعْتُك صَاعًا إلَى آخَرَ من زِيَادَتِهِ هُنَا وَتَعَرَّضَ له الْأَصْلُ في الْإِجَارَةِ وَبَيْعُ الصُّبْرَةِ وَالشِّرَاءُ بها جُزَافًا بِتَثْلِيثِ الْجِيمِ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ قد يُوقِعُ في النَّدَمِ وَخَرَجَ بِالصُّبْرَةِ بَيْعُ الثَّوْبِ وَالْأَرْضِ مَجْهُولِي الذَّرْعِ فَلَا يُكْرَهُ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُتَوَلِّي وقد يُفَرَّقُ بِأَنَّ الصُّبْرَةَ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهَا تَخْمِينًا غَالِبًا لِتَرَاكُمِ بَعْضِهَا على بَعْضٍ بِخِلَافِ الْآخَرَيْنِ وَقَوْلُهُ وَالشِّرَاءُ بها أَعَمُّ من قَوْلِ أَصْلِهِ وَالْبَيْعُ بِصُبْرَةِ الدَّرَاهِمِ فَرْعٌ بَيْعُ الْمُشَاهَدِ من غَيْرِ تَقْدِيرٍ كَصُبْرَةِ الطَّعَامِ وَالْبَيْعِ بِهِ أَيْ بِالْمُشَاهَدِ من غَيْرِ تَقْدِيرٍ كَصُبْرَةِ الدَّرَاهِمِ صَحِيحٌ وَإِنْ لم يُعْرَفْ قَدْرُهَا اكْتِفَاءً بِالْمُشَاهَدَةِ فَإِنْ عَلِمَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ أَنَّ تَحْتَهَا دَكَّةٌ بِفَتْحِ الدَّالِ أو مَوْضِعًا مُنْخَفِضًا أو اخْتِلَافَ أَجْزَاءِ الظَّرْفِ الذي فيه الْعِوَضُ من نَحْوِ عَسَلٍ وَسَمْنٍ رِقَّةً وَغِلَظًا بَطَلَ الْعَقْدُ لِمَنْعِهَا تَخْمِينِ الْقَدْرِ فَيَكْثُرُ الْغَرَرُ نعم إنْ رَأَى ذلك قبل وَضْعِ الْعِوَضِ فيه صَحَّ الْبَيْعُ لِحُصُولِ التَّخْمِينِ وَإِنْ جَهِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا ذلك بِأَنْ ظَنَّ أَنَّ الْمَحَلَّ مُسْتَوٍ فَظَهَرَ خِلَافُهُ خُيِّرَ من لَحِقَهُ النَّقْصُ بين الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ إلْحَاقًا لِمَا ظَهَرَ بِالْعَيْبِ وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ فَإِنْ بَاعَ الصُّبْرَةَ إلَّا صَاعًا وَصِيعَانُهَا مَعْلُومَةٌ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الثُّنْيَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ زَادَ التِّرْمِذِيُّ إلَّا أَنْ تُعْلَمَ وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ ما وَرَاءَ الصَّاعِ وهو مَجْهُولٌ بِخِلَافِ بَيْعِ صَاعٍ منها كما مَرَّ لِأَنَّهُ مَعْلُومُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ وَبِخِلَافِ بَيْعِ جَمِيعِ الصُّبْرَةِ كما مَرَّ أَيْضًا لِأَنَّ الْعِيَانَ مُحِيطٌ بِظَاهِرِ الْمَبِيعِ من جَمِيعِ جَوَانِبِهِ فَكَانَ أَقْدَرَ على تَخْمِينِ مِقْدَارِهِ بِخِلَافِهِ في مَسْأَلَتِنَا لَا يُمْكِنُ فيه ذلك لِأَنَّ الْمَبِيعَ خَالَطَهُ أَعْيَانٌ أُخَرُ وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ التَّخْمِينِ بَلْ لَا بُدَّ من إحَاطَةِ الْعِيَانِ بِجَمِيعِ جَوَانِبِ الْمَبِيعِ ولم يُوجَدْ هُنَا وَلِذَلِكَ لو عَايَنَ جَمِيعَ جَوَانِبِهِ ولم يُخَمِّنْ كَمْ هو صَحَّ الْبَيْعُ قَطْعًا ذَكَرَ ذلك ابن الصَّلَاحِ
____________________
(2/17)
فَصْلٌ وَأَمَّا الصِّفَةُ فَبَيْعُ ما لم يَرَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ أو أَحَدُهُمَا من الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ وَإِنْ وَصَفَهُ بِأَوْصَافِ السَّلَمِ لِلنَّهْيِ عن بَيْعِ الْغَرَرِ وَلِأَنَّ الرُّؤْيَةَ تُفِيدُ ما لَا تُفِيدُهُ الْعِبَارَةُ وَأَمَّا خَبَرُ من اشْتَرَى ما لم يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ فَضَعِيفٌ كما قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَكَذَا لَا يَصِحُّ لِذَلِكَ إجَارَتُهُ وَرَهْنُهُ وَإِسْلَامُهُ أَيْ جَعْلُهُ رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ وَهِبَتُهُ وَالصُّلْحُ عنه أو عليه وَإِصْدَاقُهُ وَالِاخْتِلَاعُ بِهِ وَالْعَفْوُ عن الْقَوَدِ عليه كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ مع وُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ في الْأَوَّلَيْنِ وَالدِّيَةِ في الثَّالِثِ كَبَيْعِ الْأَعْمَى وَشِرَائِهِ وَإِجَارَتِهِ وَرَهْنِهِ وَهِبَتِهِ كما ذَكَرَهَا الْأَصْلُ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ لِذَلِكَ وَالْأَعْمَى يُكَاتِبُ عَبْدَهُ تَغْلِيبٌ لِلْعِتْقِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَقِيَاسُهُ صِحَّةُ شِرَائِهِ من يُعْتَقُ عليه وَبَيْعِهِ الْعَبْدِ من نَفْسِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ وَيَشْتَرِيَهَا قال في الْأَصْلِ وَيَقْبَلُ كِتَابَتَهَا وَإِنْ لم يَرَهَا لِأَنَّهُ لَا يَجْهَلُهَا بَلْ الْبَصِيرُ لَا يَرَى بَعْضَ نَفْسِهِ وأن يَتَزَوَّجَ فَإِنْ زَوَّجَ مُوَلِّيَتَهُ أو خَالَعَ أو صَالَحَ عن دَمٍ بِمَالٍ مُعَيَّنٍ في الثَّلَاثَةِ بَطَلَ الْمُسَمَّى وَوَجَبَ الْبَدَلُ من مَهْرِ الْمِثْلِ على الزَّوْجِ في الْأُولَى وَعَلَى قَابِلِ الْخُلْعِ في الثَّانِيَةِ وَمِنْ الدِّيَةِ على الْمَعْفُوِّ عنه في الثَّالِثَةِ وَذِكْرُ الثَّالِثَةِ من زِيَادَتِهِ وَيَجُوزُ له أَنْ يُسْلِمَ وأن يُسْلِمَ إلَيْهِ إنْ كان رَأْسُ الْمَالِ في الذِّمَّةِ وَلَوْ خُلِقَ أَعْمَى لِأَنَّ السَّلَمَ يَعْتَمِدُ الْوَصْفَ لَا الرُّؤْيَةَ وَلِأَنَّهُ يَعْرِفُ صِفَتَهُ بِالسَّمَاعِ وَيَتَخَيَّلُ ما يُمَيِّزُهُ وَاعْتُبِرَ كَوْنُهُ في الذِّمَّةِ لِيَخْرُجَ عن بَيْعِ الْغَائِبِ وَيُوَكِّلُ غَيْرَهُ في إقْبَاضِهِ أو قَبْضِهِ رَأْسِ الْمَالِ في الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُمَا لَا يَصِحَّانِ منه لِأَنَّهُ لَا يُمَيِّزُ بين الْمُسْتَحَقِّ وَغَيْرِهِ وَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ رَأْسَ الْمَالِ كان أَخْصَرَ وَأَوْلَى فإنه مَذْكُورٌ قَبْلُ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ الضَّمِيرُ أَنْ بَعْدَهُ وَيَصِحُّ تَوْكِيلُهُ لِغَيْرِهِ فِيمَا لَا يَصِحُّ منه من الْعُقُودِ لِلضَّرُورَةِ وَلَوْ اشْتَرَى بَصِيرٌ شيئا ثُمَّ عَمِيَ قبل قَبْضِهِ فَفِي الِانْفِسَاخِ وَجْهَانِ كَإِسْلَامِ الْمَبِيعِ من الْكَافِرِ قبل قَبْضِهِ وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ فُرُوعٌ الْأَوَّلُ يَجُوزُ لِلْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ الْعَقْدُ على ما رَأَيَاهُ قبل الْعَمَى وَالْعَقْدِ وهو مِمَّا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا من وَقْتِ الرُّؤْيَةِ إلَى الْعَقْدِ كَأَرَاضٍ وَأَوَانٍ وَحَدِيدٍ لَا ما يَتَغَيَّرُ غَالِبًا كَأَطْعِمَةٍ يُسْرِعُ فَسَادُهَا وَبِيعَتْ بَعْدَ مُدَّةٍ تَتَغَيَّرُ فيها غَالِبًا نَظَرًا لِلْغَالِبِ فِيهِمَا فَإِنْ احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ على السَّوَاءِ كَالْحَيَوَانِ صَحَّ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمَرْئِيِّ بِحَالِهِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنَّمَا تَكْفِي الرُّؤْيَةُ السَّابِقَةُ إذَا كان حَالَ الْعَقْدِ ذَاكِرًا لِلْأَوْصَافِ فَإِنْ نَسِيَهَا لِطُولِ الْمُدَّةِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ بَيْعُ غَائِبٍ وهو وَإِنْ اسْتَغْرَبَهُ في الْمَجْمُوعِ ظَاهِرٌ وَبِهِ جَزَمَ الرُّويَانِيُّ وابن الرِّفْعَةِ وقال النَّشَائِيُّ في نُكَتِهِ أَنَّهُ ظَاهِرُ النَّصِّ فَإِنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا في الصُّورَتَيْنِ أَيْ صُورَتَيْ ما لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا وما يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ فَلَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ السَّابِقَةَ كَالشَّرْطِ في الصِّفَاتِ الْكَائِنَةِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ فإذا بَانَ فَوْتُ شَيْءٍ منها كان بِمَثَابَةِ الْخَلْفِ في الشَّرْطِ وَإِنْ اخْتَلَفَا في التَّغَيُّرِ فقال الْبَائِعُ هو بِحَالِهِ وقال الْمُشْتَرِي بَلْ تَغَيَّرَ صَدَقَ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عليه عَمَلَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ كَدَعْوَى عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ الْفَرْعُ الثَّانِي تَكْفِي رُؤْيَةُ
____________________
(2/18)
شَيْءٍ مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِبَعْضِهِ على بَعْضٍ كَصُبْرَةِ الْحُبُوبِ وَالْأَدِقَّةِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَأَعْلَى الْمَائِعَاتِ كَالدُّهْنِ وَالْخَلِّ في آنِيَتِهِمَا لِأَنَّهَا لَا تَتَفَاوَتُ غَالِبًا وَرَأْسِ وِعَاءِ الطَّعَامِ أَيْ وَالطَّعَامِ في رَأْسِ وِعَائِهِ وَقَوْصَرَّةِ التَّمْرِ أَيْ وَالتَّمْرُ في قَوْصَرَّتِهِ وَإِنْ الْتَصَقَتْ حَبَّاتُهُ وَهِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالصَّادِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ ما يُجْعَلُ فيه التَّمْرُ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ قال في الْمُهِمَّاتِ وَمُرَادُهُ الْوِعَاءُ الذي يُمْلَأُ تَمْرًا إلَيْنَا وَيَتَحَامَلُ عليه لِيَنْكَبِسَ بَعْضُهُ على بَعْضٍ وهو الْمُسَمَّى بِالْعَجْوَةِ في مُعْظَمِ بِلَادِ مِصْرَ وَبِالْكَبِيسِ في صَعِيدِهَا وَكَذَا الْقُطْنُ وَلَوْ في عَدْلِهِ وَكَذَا رُؤْيَةُ الْحِنْطَةِ أَنْ نَحْوَهَا من كَوَّةٍ بِفَتْحِ الْكَافِ أَفْصَحُ من ضَمِّهَا أَيْ طَاقَةً أو بَابٍ من بَيْتٍ فَإِنَّهَا تَكْفِي إنْ عَرَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عُمْقَهُ وَسِعَتَهُ وَإِلَّا فَلَا يَكْفِي في صِحَّةِ بَيْعِهَا جُزَافًا وَهَذَا الشَّرْطُ لَا يَخْتَصُّ بِهَذِهِ فَسَائِرُ الصُّوَرِ السَّابِقَةِ كَذَلِكَ فَلَوْ ذَكَرُوهُ في الْجَمِيعِ كان أَوْلَى بَلْ تَرْكُهُ أَصْلًا أَوْلَى لِأَنَّ الْمَانِعَ من صِحَّةِ الْبَيْعِ في ذلك الْجَهْلُ بِالْمِقْدَارِ لَا عَدَمُ الرُّؤْيَةِ الذي الْكَلَامُ فيه وَالتَّمْرُ الْمُتَنَاثِرُ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ في أَنَّهُ يَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ بَعْضِهِ الْفَرْعُ الثَّالِثُ أَرَاهُ شَخْصٌ أُنْمُوذَجَ الْمُتَمَاثِلِ أَيْ الْمُتَسَاوِيَ الْأَجْزَاءَ كَالْحُبُوبِ وَبَاعَهُ صَاعًا من مِثْلِهِ لم يَصِحَّ لِأَنَّهُ لم يُعَيِّنْ مَالًا ولم يُرَاعِ شُرُوطَ السَّلَمِ وَلَا يَقُومُ ذلك مَقَامَ وَصْفِ السَّلَمِ لِتَعَذُّرِ الرُّجُوعِ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِشْكَالِ وَالْأُنْمُوذَجُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ وَفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مِقْدَارٌ تُسَمِّيهِ السَّمَاسِرَةُ عَيْنًا وَلَوْ بَاعَهُ حِنْطَةً بهذا الْبَيْتِ مع الْأُنْمُوذَجِ صَفْقَةً وَاحِدَةً لَا دُونَهُ صَحَّ وَإِنْ لم يَخْلِطْ بها قبل الْبَيْعِ وما زَعَمَهُ الْإِسْنَوِيُّ من أَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ بَعْدَ خَلْطِهِ بها كما أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ مَمْنُوعٌ بَلْ الْبَغَوِيّ إنَّمَا أَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَإِنْ خَلَطَ بها كما لو بَاعَ شيئا رَأَى بَعْضَهُ دُونَ بَعْضٍ قال وَلَيْسَ كَصُبْرَةٍ رَأَى بَعْضَهَا لِتَمَيُّزِ الْمَرْئِيِّ هُنَا فَكَلَامُهُ مُخَالِفُ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ من كل وَجْهٍ أَمَّا إذَا بَاعَهَا دُونَهُ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لم يَرَ الْمَبِيعَ وَلَا شيئا منه الرَّابِعُ لَا يَكْفِي في غَيْرِ الْمُتَمَاثِلِ كَالْبِطِّيخِ وَالسَّفَرْجَلِ وَسَلَّةِ الْعِنَبِ بِفَتْحِ السِّينِ وَالْخَوْخِ إلَّا رُؤْيَةُ الْجَمِيعِ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا وَتُبَاعُ عَدَدًا فَلَا بُدَّ فيها من رُؤْيَةِ كل وَاحِدَةٍ منها من جَمِيعِ جَوَانِبِهَا وما ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ في الْعِنَبِ وَنَحْوُهُ في السَّلَّةِ يَشْكُلُ على التَّمْرِ في الْقَوْصَرَّةِ مع أَنَّ إبْقَاءَهُ في سَلَّتِهِ من مَصَالِحِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَالْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ على الِاكْتِفَاءِ بِرُؤْيَةِ ظَاهِرِهِ فَهُوَ الْأَشْبَهُ ثُمَّ إنْ ظَهَرَ عَيْبٌ تَخَيَّرَ قال وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَجَرَى عليه الْغَزَالِيُّ في بَسِيطِهِ وَالْقَفَّالُ في فَتَاوِيهِ وَتَكْفِي رُؤْيَةُ الصِّوَان بِكَسْرِ الصَّادِ وضمها أَيْ صَوَانِي بَاقِي الْمَبِيعِ وَإِنْ لم يَدُلَّ عليه كَرُمَّانٍ وَبَيْضٍ في قِشْرِهِ وَجَوْزٍ في قِشْرِهِ الْأَسْفَلِ فَتَكْفِي رُؤْيَةُ الْقِشْرِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ صَلَاحَ بَاطِنِهِ في إبْقَائِهِ فيه وَإِنْ لم يَدُلَّ هو عليه وَمِنْ ذلك الْخُشْكِنَانِ وَنَحْوِهِ كما في الْمَجْمُوعِ بِخِلَافِ جَوْزِ الْقُطْنِ وَجِلْدِ الْكِتَابِ وَنَحْوِهِمَا وَخَرَجَ بِالْأَسْفَلِ وهو الذي يُكْسَرُ حَالَةَ الْأَكْلِ الْقِشْرُ الْأَعْلَى فَلَا يَكْفِي رُؤْيَتُهُ لِأَنَّهُ ليس من مَصَالِحِ ما في دَاخِلِهِ نعم إنْ لم يَنْعَقِدْ الْأَسْفَلُ كَفَتْ وَصَحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَأْكُولٌ لَا بَيْعُ اللُّبِّ مِنْهُمَا أَيْ من الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ أَيْ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَحْدَهُ في قِشْرِهِمَا لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِكَسْرِ الْقِشْرِ فَتَنْقُصُ عَيْنُ الْبَيْعِ وَلَا بَيْعُ ما رُئِيَ من وَرَاءِ قَارُورَةٍ لِانْتِفَاءِ تَمَامِ الْمَعْرِفَةِ وَصَلَاحِ إبْقَائِهِ فيها بِخِلَافِ رُؤْيَةِ السَّمَكِ وَالْأَرْضِ تَحْتَ الْمَاءِ الصَّافِي إذْ بِهِ صَلَاحُهُمَا قال في الْمُهِمَّاتِ وَالتَّقْيِيدُ بِالصَّافِي يُشْعِرُ بِأَنَّ الْكَدِرَ يَمْنَعُ الصِّحَّةَ لَكِنْ سَيَأْتِي في الْإِجَارَةِ أَنَّ شَرْطَ صِحَّتِهَا الرُّؤْيَةُ وَإِنَّ الْمَاءَ الْكَدِرَ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَعُلِّلَ بِأَنَّهُ من مَصَالِحِ الْأَرْضِ فَالتَّسْوِيَةُ بين الْبَابَيْنِ في الرُّؤْيَةِ وَالتَّعْلِيلِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا في الْإِبْطَالِ بِالْمَاءِ الْكَدِرِ أو في عَدَمِهِ انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِجَارَةَ أَوْسَعُ لِأَنَّهَا تَقْبَلُ التَّأْقِيتَ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ فيها على الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ وَجَوَابُ الْأَذْرَعِيِّ بِأَنَّ الظَّاهِرَ حَمْلُ ما هُنَاكَ على ما إذَا تَقَدَّمَتْ الرُّؤْيَةُ قبل أَنْ يَعْلُوَ الْمَاءُ الْأَرْضَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ هُنَاكَ الْخَامِسُ يُشْتَرَطُ في صِحَّةِ الْبَيْعِ رُؤْيَةٌ لِلْمَبِيعِ تَلِيقُ بِهِ
____________________
(2/19)
فَفِي الدَّارِ تُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ السُّقُوفِ وَالسُّطُوحِ وَالْجُدْرَانِ دَاخِلًا وَخَارِجًا وَالْمُسْتَحَمِّ وَالْبَالُوعَةِ إنْ كَانَا وَنُسْخَةُ الرَّافِعِيِّ الْمُعْتَمَدَةُ إنَّمَا ذَكَرَتْ هَذَيْنِ في الْحَمَّامِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَلَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ مَجْرَى مَاءِ الرَّحَى أَيْ الْمَاءُ الذي تَدُورُ بِهِ الرَّحَى هذا من تَصَرُّفِهِ وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ اشْتِرَاطُ ذلك لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهِ وَكَنَظِيرِهِ الْآتِي في مَجْرَى الْبُسْتَانِ رُؤْيَةُ طَرِيقِ الدَّارِ أَيْضًا كما صَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ وَأَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ الْأَصْلِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ قد يَتَضَمَّنُهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهَا بِالْوَجْهِ الذي ذَكَرَهُ من غَيْرِ رُؤْيَةِ طَرِيقِهَا إلَّا بِتَكَلُّفٍ وفي الْبُسْتَانِ تُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ أَشْجَارِهِ وَجُدْرَانِهِ وَمَجْرَى مَائِهِ لَا رُؤْيَةُ أَسَاسِهَا أَيْ الْجُدْرَانِ وَلَا رُؤْيَةُ عُرُوقِ الْأَشْجَارِ وَنَحْوِهِمَا وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ تُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْأَرْضِ في ذلك وَنَحْوِهِ وَلَوْ رَأَى آلَاتِ بِنَاءِ الْحَمَّامِ وَأَرْضَهَا قبل بِنَائِهَا فَهَلْ تُغْنِي عن رُؤْيَتِهَا فيه احْتِمَالَانِ لِلرُّويَانِيِّ وَصَحَّحَ مِنْهُمَا الْمَنْعَ وَصَوَّبَهُ في الْمَجْمُوعِ قال أَعْنِي الرُّويَانِيَّ وَعَلَى هذا لَا تُغْنِي في التَّمْرِ رُؤْيَتُهُ رَطْبًا كما لو رَأَى سَخْلَةً أو صَبِيًّا فَكَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُمَا بِلَا رُؤْيَةِ أُخْرَى كما قَالَهُ الْقَفَّالُ
وفي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ تُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ ما سِوَى الْعَوْرَةِ مِنْهُمَا إلَّا ما يَأْتِي وفي الدَّابَّةِ تُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ كُلِّهَا حتى شَعْرِهَا فَيَجِبُ رَفْعُ السَّرْجِ وَالْإِكَافِ وَالْجُلِّ لَا إجْرَاؤُهَا لِيَعْرِفَ سَيْرَهَا فَلَا يُشْتَرَطُ وَلَا تُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ اللِّسَانِ وَالْأَسْنَانِ في الْحَيَوَانِ وَلَوْ رَقِيقًا وَلَا تَرْجِيحَ في هذه في الْأَصْلِ فَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِنُسَخِ الرَّافِعِيِّ الْمُعْتَمَدَةِ وَبِهِ صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ مع أَنَّ تَعْبِيرَ الْمُصَنِّفِ بِالْحَيَوَانِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ وفي الثَّوْبِ يُشْتَرَطُ نَشْرُهُ لِيَرَى الْجَمِيعَ وَلَوْ لم يُنْشَرْ مِثْلُهُ إلَّا عِنْدَ الْقَطْعِ وَتُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ وَجْهَيْ ما يَخْتَلِفُ منه أَيْ من الثَّوْبِ بِأَنْ يَكُونَ صَفِيقًا كَدِيبَاجٍ مُنَقَّشٍ وَبُسُطٍ بِخِلَافِ ما لَا يَخْتَلِفُ وَجْهَاهُ كَ كِرْبَاسٍ فَتَكْفِي رُؤْيَةُ أَحَدِهِمَا وفي الْكُتُبِ كَالْمُصْحَفِ تُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ جَمِيعِ أَوْرَاقِ الْمَكْتُوبِ وَالْبَيَاضِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ جَمِيعُ الْأَوْرَاقِ ثُمَّ قال وفي الْوَرَقِ الْبَيَاضِ تُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ جَمِيعِ الطَّاقَاتِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فَتَابَعُوهُ وَالْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ على خِلَافِهِ في بَيْعِ الْكُتُبِ وَالْوَرَقِ وَالْمُخْتَارُ الِاكْتِفَاءُ بِرُؤْيَتِهِ بِحَسَبِ الْعَادَةِ وَالِاطِّلَاعُ على مُعْظَمِهِ ثُمَّ إنْ ظَهَرَ عَيْبٌ تَخَيَّرَ وفي الْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ بِقُطْنٍ وَنَحْوِهَا تَكْفِي رُؤْيَةُ وَجْهَيْهَا وَيَتَسَامَحُ في فُقَّاعِ الْكُوزِ فَلَا تُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ شَيْءٍ منه لِأَنَّ بَقَاءَهُ فيه من مَصْلَحَتِهِ وَلِأَنَّهُ تَشُقُّ رُؤْيَتُهُ وَلِأَنَّهُ قَدْرٌ يَسِيرٌ يَتَسَامَحُ بِهِ في الْعَادَةِ وَلَيْسَ فيه غَرَرٌ يَفُوتُ بِهِ مَقْصُودٌ مُعْتَبَرٌ وقال الْعَبَّادِيُّ يَفْتَحُ رَأْسَ الْكُوزِ فَيَنْظُرُ منه بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَرْعٌ لَا يَصِحُّ بَيْعُ اللَّبَنِ وَالصُّوفِ قبل الْحَلْبِ بِإِسْكَانِ اللَّامِ وَالْجَزِّ أو الذَّكَاةِ وَإِنْ حُلِبَ من اللَّبَنِ شَيْءٌ وَرُئِيَ قبل الْبَيْعِ لِلنَّهْيِ عن ذلك رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلِاخْتِلَاطِهِمَا بِالْحَادِثِ وَلِعَدَمِ تَيَقُّنِ وُجُودِ قَدْرِ اللَّبَنِ الْمَبِيعِ وَلِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ وَلِأَنَّ تَسْلِيمَ الصُّوفِ إنَّمَا يُمْكِنُ بِاسْتِئْصَالِهِ وهو مُؤْلِمٌ لِلْحَيَوَانِ وَإِنْ شَرَطَ الْجَزَّ فَالْعَادَةُ في مِقْدَارِ الْمَجْزُوزِ مُخْتَلِفَةٌ وَبَيْعُ الْمَجْهُولِ بَاطِلٌ نعم إنْ قَبَضَ على قِطْعَةٍ وقال بِعْتُك هذه صَحَّ قَطْعًا كما في الْمَجْمُوعِ وَأَوْ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى الْوَاوِ وَبِهَا عَبَّرَ في نُسْخَةٍ أَمَّا بَيْعُ ذلك بَعْدَ الْحَلْبِ وَالْجَزِّ أو قبل الْجَزِّ وَبَعْدَ الذَّكَاةِ فَصَحِيحٌ قال في الْأَصْلِ وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِاللَّبَنِ في الضَّرْعِ وَالصُّوفِ على الظُّهْرِ قال في الْمَجْمُوعِ لِأَنَّهَا تَقْبَلُ الْغَرَرَ وَالْجَهَالَةَ وَيَجُزُّ الصُّوفَ على الْعَادَةِ وما حَدَثَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ وَيَصْدُقُ في قَدْرِهِ بِيَمِينِهِ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَذْبُوحِ أو جِلْدِهِ أو لَحْمِهِ قبل السَّلْخِ أو السَّمْطِ في الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ قال الْأَذْرَعِيُّ وَكَذَا مَسْلُوخٌ لم يُنَقَّ جَوْفُهُ وَبِيعَ وَزْنًا فَإِنْ بِيعَ جَزًّا فَأَصْبَحَ بِخِلَافِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ لِقِلَّةِ ما في جَوْفِهِ أَيْ فَيَصِحُّ مُطْلَقًا أَمَّا بَيْعُ ذلك بَعْدَ السَّلْخِ وَالسَّمْطِ فَصَحِيحٌ لِأَنَّ الْجِلْدَ حِينَئِذٍ مَأْكُولٌ فَهُوَ كَالدَّجَاجَةِ الْمَذْبُوحَةِ وَأَوْ الْأَخِيرَةِ في كَلَامِهِ بِمَعْنَى الْوَاوِ وَتَعْبِيرُهُ بِالْمَذْبُوحِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالشَّاهِ الْمَذْبُوحَةِ ولا بَيْعُ الْأَكَارِعِ وَالرُّءُوسِ قبل الْإِبَانَةِ وَيَجُوزُ بَعْدَهَا نَيِّئَةً وَمَشْوِيَّةً وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا عليها من الْجِلْدِ لِأَنَّهُ مَأْكُولٌ وَمَحَلُّهُ كما في فَتَاوَى الْبَغَوِيّ إذَا كانت من الْغَنَمِ فَإِنْ كانت من الْإِبِلِ أو الْبَقَرِ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بِمَثَابَةِ الْبَيْعِ بَعْدَ الذَّبْحِ وَقَبْلَ السَّلْخِ لِأَنَّ جِلْدَهُ لَا يُؤْكَلُ مَسْلُوخًا قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَعَلَّ هذا في عُرْفِ بِلَادِهِ لَكِنْ جَرَتْ عَادَتُنَا بِسَمْطِ رُءُوسِ الْبَقَرِ في الْهَرَائِسِ فَهِيَ كَالْغَنَمِ فَرْعٌ لَا يَصِحُّ بَيْعُ مِسْكٍ اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ لِجَهْلِ الْمَقْصُودِ كَلَبَنٍ أو نَحْوِهِ مَخْلُوطٍ بِمَاءٍ أو نَحْوِهِ وَمَحَلُّهُ في مَسْأَلَةِ
____________________
(2/20)
الْمِسْكِ إذَا خَالَطَهُ غَيْرُهُ لَا على وَجْهِ التَّرْكِيبِ فَإِنْ كان مَعْجُونًا بِغَيْرِهِ كَالْغَالِيَةِ وَالنِّدِّ صَحَّ الْبَيْعُ كما سَيَأْتِي بِخِلَافِ السَّلَمِ وَالتَّعْلِيلِ يَقْتَضِيهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَجْمُوعُهُمَا لَا الْمِسْكُ وَحْدَهُ وَيُقْتَضَى أَيْضًا أَنَّهُ لو كان قَدْرُ الْمِسْكِ في الْأُولَى وَاللَّبَنُ في الثَّانِيَةِ مَعْلُومًا صَحَّ الْبَيْعُ وَنَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ هُنَا عن الْأَصْلِ كَلَامًا في بَابِ زَكَاةِ النَّقْدَيْنِ لم أَرَهُ فيه أو بَيْعُهُ في فَأْرَتِهِ مَعَهَا أو دُونَهَا فَلَا يَصِحُّ وَلَوْ فَتَحَ رَأْسَهَا كَاللَّحْمِ في الْجِلْدِ نعم لو رَآهُ خَارِجَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَ رَدِّهِ إلَيْهَا أو رَآهَا فَارِغَةً ثُمَّ مُلِئَتْ مِسْكًا لم يَرَهُ ثُمَّ رَأَى رَأْسَهَا أَيْ رَأَى أَعْلَاهُ من رَأْسِهَا جَازَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ بَيْعٌ غَائِبٌ وَإِنْ بَاعَهُ السَّمْنَ وَظَرْفَهُ أو الْمِسْكَ وَفَأْرَتَهُ كُلُّ رَطْلٍ أو قِيرَاطٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُمَا كما لو بَاعَ فَوَاكِهَ مُخْتَلِطَةً هذا إنْ عَرَفَا وَزْنَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وكان لِلظَّرْفِ قِيمَةٌ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ وَوَجَّهُوهُ فِيمَا إذَا لم يَكُنْ لِلظَّرْفِ قِيمَةٌ بِأَنَّ الْبَيْعَ اشْتَمَلَ على اشْتِرَاطِ بَذْلِ مَالٍ في مُقَابَلَةِ ما ليس بِمَالٍ وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيِّ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الظَّرْفَ وَإِنْ لم تَكُنْ له قِيمَةٌ إلَّا أَنَّهُ مَضْمُومٌ في صَفْقَةِ الْمُتَمَوِّلِ فَصَارَ كما لو بَاعَ تَمْرَةً وَثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا وهو صَحِيحٌ قَطْعًا مَمْنُوعٌ وما قَاسَ عليه فَرْدٌ من أَفْرَادِ ما زَعَمَهُ وَيَجُوزُ بَيْعُ حِنْطَةٍ مُخْتَلِطَةٍ بِشَعِيرٍ كَيْلًا وَوَزْنًا بَلْ وَجُزَافًا كما صَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ إذْ لَا مَانِعَ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمَعْجُونَاتِ كَالنِّدِّ وَالْغَالِيَةِ وَهِيَ مُرَكَّبَةٌ من مِسْكٍ وَعَنْبَرٍ وَعُودٍ وَكَافُورٍ كَذَا في الْأَصْلِ في السَّلَمِ وفي التَّحْرِيرِ ذَكَرَ الدُّهْنَ مع الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ لَا بَيْعُ تُرَابٌ مَعْدِنٍ قبل تَمْيِيزِهِ من الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ولا تُرَابِ صَاغَةٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَسْتُورٌ بِمَا لَا مَصْلَحَةَ له فيه عَادَةً كَبَيْعِ اللَّحْمِ في الْجِلْدِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَلَا يُشْتَرَطُ الذَّوْقُ وَالشَّمُّ في مِثْلِ الْخَلِّ وَالْمِسْكِ وَلَا لَمْسِ الثِّيَابِ لِأَنَّ مُعْظَمَ الْمَقْصُودِ يَتَعَلَّقُ بِالرُّؤْيَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ غَيْرُهَا فَرْعٌ وَإِنْ رَأَى ثَوْبَيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ قِيمَةً وَوَصْفًا وَقَدْرًا كَنِصْفَيْ كِرْبَاسٍ فَسَرَقَ أَحَدُهُمَا وَاشْتَرَى الْآخَرَ غَائِبًا عنه وَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا الْمَسْرُوقُ صَحَّ لِحُصُولِ الْعِلْمِ لَا إنْ اخْتَلَفَتْ الْأَوْصَافُ الْمَذْكُورَةُ أو شَيْءٌ منها فَلَا يَصِحُّ لِجَهْلِ صِفَةِ الْمَبِيعِ ولم تُفِدْ الرُّؤْيَةُ السَّابِقَةُ الْعِلْمَ بها عِنْدَ الْعَقْدِ وَيُؤَيِّدُهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ في بَيْعِ عَبْدِهِ الْمُخْتَلِطِ بِعَبِيدِ غَيْرِهِ وَلَا يَعْرِفُهُ الْمُشْتَرِي كما مَرَّ وَإِنْ اخْتَلَفَا في الرُّؤْيَةِ كَأَنْ ادَّعَى الْبَائِعُ رُؤْيَةَ الْمُشْتَرَى فَأَنْكَرَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِيهَا بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ على الْعَقْدِ اعْتِرَافٌ بِصِحَّتِهِ وهو على الْقَاعِدَةِ في دَعْوَى الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ من تَصْدِيقِ مُدَّعِيهَا وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ نَافِيهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا وَأَيَّدَ بِمَا مَرَّ من أَنَّهُ لو بَاعَ ذِرَاعًا من أَرْضٍ مَعْلُومَةِ الذَّرِعَانِ فَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ أَرَادَ ذِرَاعًا مُعَيَّنًا وقال الْمُشْتَرِي بَلْ مُشَاعًا صَدَقَ الْبَائِعُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الرُّؤْيَةَ ظَاهِرٌ لِتَعَلُّقِهَا بِالْبَصَرِ الظَّاهِرِ لِإِمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عليها فَلَا يُؤَثِّرُ إنْكَارُهَا بِخِلَافِ الْإِرَادَةِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ من شَجَرِ الْحَرَمِ وَالنَّقِيعِ بِالنُّونِ وَلَوْ كان يَسِيرًا قُطِعَ لِدَوَاءٍ كَطَعَامٍ أُبِيحَ أَكْلُهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَيُفَارِقُ هذا فِيمَا أُبِيحَ قَطْعُهُ لِدَوَاءٍ قَوْلَ الْمُتَوَلِّي أَنَّ لَبَنَ الْأُضْحِيَّةَ الْمُعَيَّنَةِ يُتَصَدَّقُ بِهِ على الْفُقَرَاءِ وَيَجُوزُ لهم بَيْعُهُ بِأَنَّ ما هُنَا إنَّمَا أُبِيحَ لِحَاجَةٍ في جِهَةٍ خَاصَّةٍ بِخِلَافِ ما قَالَهُ الْمُتَوَلِّي قال الزَّرْكَشِيُّ وفي مَعْنَى أَشْجَارِ الْحَرَمِ أَحْجَارُهُ وَتُرَابُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ نَصِيبِهِ من الْمَاءِ الْجَارِي من نَهْرٍ أو نَحْوِهِ لِلنَّهْيِ عن بَيْعِ الْمَاءِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وهو مَحْمُولٌ على ذلك وَلِلْجَهْلِ بِقَدْرِهِ وَلِأَنَّ الْجَارِيَ إنْ كان غير مَمْلُوكٍ فَذَاكَ وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ لِاخْتِلَاطِ غَيْرِ الْمَبِيعِ بِهِ فَطَرِيقَةُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْقَنَاةَ أو سَهْمًا منها فإذا مَلَكَ الْقَرَارَ كان أَحَقُّ بِالْمَاءِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا فَإِنْ اشْتَرَى الْقَرَارَ مع الْمَاءِ فيه كَلَامٌ يَأْتِي آخِرَ الْبُيُوعِ الْمُنْهَى عنها
بَابُ الرِّبَا بِالْقَصْرِ وَأَلِفُهُ بَدَلٌ من وَاوٍ وَيُكْتَبُ بها وَبِالْيَاءِ وَيُقَالُ فيه الرَّمَاءُ بِالْمِيمِ وَالْمَدِّ هو لُغَةً الزِّيَادَةُ وَشَرْعًا عَقْدٌ على عِوَضٍ مَخْصُوصٍ غَيْرِ مَعْلُومِ التَّمَاثُلِ في مِعْيَارِ الشَّرْعِ حَالَةَ الْعَقْدِ أو مع تَأْخِيرٍ في الْبَدَلَيْنِ أو أَحَدِهِمَا وهو ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ رِبَا الْفَضْلِ وهو الْبَيْعُ مع زِيَادَةِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ على الْآخَرِ وَرِبَا الْيَدِ وهو الْبَيْعُ مع تَأْخِيرِ قَبْضِهِمَا أو قَبْضِ أَحَدِهِمَا وَرِبَا النَّسَاءِ وهو الْبَيْعُ لِأَجَلٍ وزاد الْمُتَوَلِّي رِبَا الْقَرْضِ الْمَشْرُوطِ فيه جَرُّ نَفْعٍ وَيُمْكِنُ عَوْدُهُ لِرِبَا الْفَضْلِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَكُلٌّ منها حَرَامٌ وَالْأَصْلُ في تَحْرِيمِهِ قبل الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى وَحَرَّمَ الرِّبَا وَقَوْلُهُ وَذَرُوا ما بَقِيَ من الرِّبَا وَخَبَرُ مُسْلِمٍ لَعَنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُوَكِّلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ
____________________
(2/21)
إنَّمَا يَحْرُمُ الرِّبَا في الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَوْ حُلِيًّا وَإِنَاءً وَتِبْرًا لَا في الْفُلُوسِ وَإِنْ رَاجَتْ وَإِنَّمَا حَرُمَ فِيهِمَا لِعِلَّةِ الثَّمَنِيَّةِ الْغَالِبَةِ التي يُعَبَّرُ عنها أَيْضًا بِجَوْهَرِيَّةِ الْأَثْمَانِ غَالِبًا وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ عن الْفُلُوسِ وَغَيْرِهَا من سَائِرِ الْعُرُوضِ وفي الطُّعُومِ لِعِلَّةِ الطُّعْمِ بِضَمِّ الطَّاءِ مَصْدَرُ طَعِمَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ أَكَلَ وَإِنْ لم يُكَلْ ولم يُوزَنْ كَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ وَالْبَيْضِ وَالْجَوْزِ وَإِنَّمَا جَعَلَ عِلَّةَ الرِّبَا في الطَّعَامِ الطُّعْمَ كما صَرَّحَ بِهِ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ في الْخَبَرِ الْآتِي الْحُكْمَ بِاسْمِ الطَّعَامِ الذي هو بِمَعْنَى الْمَطْعُومِ
وَالْمُعَلَّقُ بِالْمُشْتَقِّ مُعَلَّلٌ بِمَا منه الِاشْتِقَاقُ كَالْقَطْعِ وَالْجَلْدِ الْمُعَلَّقَيْنِ بِاسْمِ السَّارِقِ وَالزَّانِي وَالْمَطْعُومُ ما قُصِدَ لِطُعْمِ الْآدَمِيِّ غَالِبًا تَقَوُّتًا أو تَأَدُّمًا أو تَفَكُّهًا أو تَدَاوِيًا بِأَنْ يَكُونَ أَظْهَرُ مَقَاصِدِهِ الطُّعْمَ وَإِنْ لم يُؤْكَلْ إلَّا نَادِرًا فَجَمِيعُ ما يُؤْكَلُ أَيْ يُقْصَدُ أَكْلُهُ من ذلك غَالِبًا أو نَادِرًا كَالْبَلُّوطِ وَالطُّرْثُوثِ وَحْدَهُ أو مع غَيْرِهِ أو بِالتَّدَاوِي رِبَوِيٌّ وَإِنَّمَا لم يَذْكُرُوا الدَّوَاءَ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ الطَّعَامُ في الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ في الْعُرْفِ الْمَبْنِيَّةَ هِيَ عليه وَالْأَقْسَامُ الْمَذْكُورَةُ مَأْخُوذَةٌ من الْخَبَرِ الْآتِي فإنه نَصَّ فيه على الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُمَا التَّقَوُّتُ فَأَلْحَقَ بِهِمَا ما في مَعْنَاهُمَا كَالْأُرْزِ وَالذُّرَةِ وَعَلَى التَّمْرِ وَالْمَقْصُودُ منه التَّفَكُّهُ وَالتَّأَدُّمُ فَأَلْحَقَ بِهِ ما في مَعْنَاهُ كَالزَّبِيبِ وَالتِّينِ وَعَلَى الْمِلْحِ وَالْمَقْصُودُ منه الْإِصْلَاحُ فَأَلْحَقَ بِهِ ما في مَعْنَاهُ من الْأَدْوِيَةِ كَالْإِهْلِيلَجِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَاللَّامِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ وَيُقَالُ بِكَسْرِهَا وَالسَّقَمُونْيَا بِفَتْحِ السِّينِ وَالْقَافِ وَضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ وَبِالْقَصْرِ وَالطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ قال الْجَوْهَرِيُّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ وَالنَّوَوِيُّ بِكَسْرِهِمَا نِسْبَةً إلَى أَرْمِينِيَةَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ قَرْيَةٌ بِالرُّومِ
وَجَزَمَ بِمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وابن النَّقِيبِ وَغَيْرُهُ لَا سَائِرِ الطِّينِ كَالطِّينِ الْخُرَاسَانِيِّ فَلَيْسَ رِبَوِيًّا لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤْكَلُ سَفَهًا وَالزَّعْفَرَانِ وَالْمَاءِ الْعَذْبِ وَالْمُصْطَكَّا بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْقَصْرِ وَالزَّنْجَبِيلِ وَاللِّبَانِ وَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ وَالْوَرْدِ وَالْبَانِ وَنَحْوِهَا كَصَمْغٍ وَدُهْنِ خِرْوَعٍ رِبَوِيَّةٍ لِصِدْقِ الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ عليها لَا حُبِّ الْكِمَّانِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا ولا دُهْنِهِ وَلَا دُهْنِ سَمَكٍ وَلَا وَرْدٍ وَخِرْوَعٍ وَمَاءِ وَرْدٍ وَعُودٍ وَجِلْدٍ لِأَنَّهَا لَا تُقْصَدُ لِلطُّعْمِ وَلَا رِبَا فِيمَا اخْتَصَّ بِهِ الْجِنُّ كَالْعَظْمِ أو الْبَهَائِمُ كَالْحَشِيشِ وَالتِّينِ أو غَلَبَ تَنَاوُلُهَا له كما أَشَرْت إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ وَلَا رِبَا في الْحَيَوَانِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ جَازَ بَلْعُهُ كَصِغَارِ السَّمَكِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ لِلْأَكْلِ على هَيْئَتِهِ وقد اشْتَرَى ابن عُمَرَ بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ بِأَمْرِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَصْلٌ وَالرِّبَوِيَّاتُ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ إنْ اتَّحَدَ جِنْسُهُمَا كَبَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ حَرُمَ فِيهِمَا التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْمَدِّ أَيْ الْأَجَلُ وَالتَّفْرِيقُ قبل التَّقَابُضِ وَلَوْ وَقَعَ الْعَقْدُ في دَارِ الْحَرْبِ رَوَى مُسْلِمٌ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَأَنَّهُ قال الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ فإذا اخْتَلَفَتْ هذه الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كان يَدًا بِيَدٍ أَيْ مُقَابَضَةً قال الرَّافِعِيُّ وَمِنْ لَازِمِهِ الْحُلُولُ وَإِلَّا لَجَازَ تَأْخِيرُ التَّسْلِيمِ إلَى زَمَنِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ قَوْلَهُ وَمِنْ لَازِمِهِ الْحُلُولُ جَرَى على الْغَالِبِ وَلَا بُدَّ من الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ فَلَا يَكْفِي الْحَوَالَةَ وَإِنْ حَصَلَ الْقَبْضُ بها في الْمَجْلِسِ وَيَكْفِي قَبْضُ الْوَكِيلِ في الْقَبْضِ عن الْعَاقِدَيْنِ أو أَحَدِهِمَا وَهُمَا في الْمَجْلِسِ وَكَذَا قَبْضُ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ في الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ ما لو كان الْعَاقِدُ عَبْدًا مَأْذُونًا له فَقَبَضَ سَيِّدُهُ أو وَكِيلًا فَقَبَضَ مُوَكِّلُهُ لَا يَكْفِي فَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ حَلَّ التَّفَاضُلُ فَقَطْ
____________________
(2/22)
وَشَرْطُ الْحُلُولِ وَالتَّقَابُضِ وَالْمُرَادُ بِالتَّقَابُضِ ما يَعُمُّ الْقَبْضَ حتى لو كان الْعِوَضُ مُعَيَّنًا كَفَى الِاسْتِقْلَالُ بِالْقَبْضِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْعِلَّةُ في الرِّبَوِيَّيْنِ كَالذَّهَبِ وَالْحِنْطَةِ أو كان أَحَدُهُمَا يَعْنِي الْعِوَضَيْنِ أو كِلَاهُمَا غير رِبَوِيٍّ كَذَهَبٍ وَثَوْبٍ وَعَبْدٍ وَثَوْبٍ حَلَّ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ قبل التَّقَابُضِ وما اقْتَضَاهُ آخِرُ الْخَبَرِ الثَّانِي من أَنَّ ذلك لَا يَجُوزُ إلَّا مُقَابَضَةً غَيْرُ مُرَادٍ بِالْإِجْمَاعِ فَرْعٌ حَيْثُ اشْتَرَطَ التَّقَابُضَ فَتَفَرَّقَا قَبْلَهُ بَطَلَ الْعَقْدُ إنْ كان تَفَرُّقُهُمَا عن تَرَاضٍ وَإِلَّا فَلَا يَبْطُلُ لِأَنَّ تَفَرُّقَهُمَا حِينَئِذٍ كَلَا تَفَرُّقٍ كما سَيَأْتِي بَيَانُهُ في بَابِ الْخِيَارِ وَالشَّرْطُ الْمَذْكُورُ من زِيَادَتِهِ أَخْذُهُ مِمَّا ذَكَرَ ثَمَّةَ وَاَلَّذِي قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ هُنَا عن الصَّيْمَرِيِّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين الْمُخْتَارِ وَالْمُكْرَهِ ثُمَّ اسْتَشْكَلُوهُ بِمَا ذَكَرَ ثَمَّةَ ثُمَّ قالوا فَإِنْ صَحَّ الْحُكْمَانِ فَلَعَلَّهُ لِضِيقِ بَابِ الرِّبَا أو لِأَنَّ الْأَغْلَبَ على بَابِهِ التَّعَبُّدُ أو لِأَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فلم يَخْتَلِفْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُكْرَهِ وَغَيْرِهِ وإذا بَطَلَ الْعَقْدُ فَيَأْثَمَانِ بِالتَّفَرُّقِ إنْ كان عن تَرَاضٍ وَيَكُونُ رِبًا كَرِبَا النَّسِيئَةِ فَطَرِيقُهُمَا التَّفَاسُخُ قبل التَّفَرُّقِ دَفْعًا لِلْإِثْمِ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ وَالتَّخَايُرُ وهو إلْزَامُ الْعَقْدِ قبل التَّقَابُضِ كَالتَّفَرُّقِ قَبْلَهُ في أَنَّهُ يُبْطِلُ الْعَقْدَ الرِّبَوِيَّ هذا إذَا لم يَتَقَابَضَا قبل التَّفَرُّقِ وَإِلَّا فَلَا يَبْطُلُ أَخْذًا مِمَّا سَأَذْكُرُهُ في بَابِ الْخِيَارِ فَإِنْ قَبَضَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْبَعْضَ فَفِيهِ أَيْ ما قَبَضَ قَوْلًا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَبَطَلَ الْعَقْدُ فِيمَا لم يَقْبِضْ تَنْبِيهٌ كَلَامُهُمْ كَالصَّرِيحِ في أَنَّ الْعَقْدَ يَصِحُّ قبل التَّقَابُضِ وَأَنَّهُ يُبْطِلُهُ بِالتَّفَرُّقِ بِغَيْرِ تَقَابُضٍ وهو ظَاهِرٌ وَلَا يُنَافِيهِ عَدُّ كَثِيرِ التَّقَابُضِ في الْمَجْلِسِ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ من حَيْثُ إنَّ الشَّرْطَ يَتَقَدَّمُ على مَشْرُوطِهِ لِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِذَلِكَ أَنَّهُ شَرَطَهُ لِدَوَامِ الصِّحَّةَ فَرْعٌ الْحِيلَة في بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا كَبَيْعِ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ مُتَفَاضِلًا أَنْ يَبِيعَهُ من صَاحِبِهِ بِدَرَاهِمَ أو عَرَضٍ وَيَشْتَرِي منه بها أَيْ بِالدَّرَاهِمِ أو بِالْعَرَضِ الذَّهَبَ بَعْدَ التَّقَابُضِ فَيَجُوزُ وَلَوْ اتَّخَذَهُ عَادَةً وَإِنْ لم يَتَفَرَّقَا ولم يَتَخَايَرَا لِتَضَمُّنِ الْبَيْعِ الثَّانِي إجَازَةِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِهِ مع الْأَجْنَبِيِّ لِمَا فيه من إسْقَاطِ خِيَارِ الْعَاقِدِ الْآخَرِ وَهَذَا كما أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَامِلَ خَيْبَرَ أَنْ يَبِيعَ الْجَمِيعَ وهو كُلُّ نَوْعٍ من التَّمْرِ لَا يُعْرَفُ له اسْمٌ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ يَشْتَرِيَ بها جَنِيبًا وهو أَجْوَدُ التَّمْرِ أو أَنْ يُقْرِضَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَيُبْرِئَهُ أو أَنْ يَتَوَاهَبَا أو أَنْ يَهَبَ الْفَاضِلَ مَالِكُهُ لِصَاحِبِهِ بَعْدَ شِرَائِهِ منه ما عَدَاهُ بِمَا يُسَاوِيهِ وَهَذَا أَيْ ما ذُكِرَ من الْحِيَلِ جَائِزٌ إذَا لم يَشْرِطْ في بَيْعِهِ وَإِقْرَاضِهِ وَهِبَتِهِ ما يَفْعَلُهُ الْآخَرُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ كَرِهَ قَصْدَهُ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ هذه الطُّرُقُ وَإِنْ كانت جَائِزَةً عِنْدَنَا فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ إذَا نَوَيَا ذلك انْتَهَى وَوُجِّهَ بِأَنَّ كُلَّ شَرْطٍ أَفْسَدَ التَّصْرِيحُ بِهِ الْعَقْدَ إذَا نَوَاهُ كُرِهَ كما لو تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ أَنْ يُطَلِّقَهَا لم يَنْعَقِدْ أو بِقَصْدِ ذلك كُرِهَ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ كُلًّا من الْقَصْدِ وَالْعَقْدِ الذي قَصَدَ بِهِ ذلك مَكْرُوهٌ ثُمَّ هذه الطُّرُقُ لَيْسَتْ حِيَلًا في بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا لِأَنَّهُ حَرَامٌ بَلْ حِيَلٌ في تَمْلِيكِهِ لِتَحْصِيلِ ذلك فَفِي عِبَارَتِهِ السَّابِقَةِ تَسَمُّحٌ فَرْعٌ وَإِنْ اشْتَرَى من غَيْرِهِ نِصْفًا شَائِعًا من دِينَارٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ صَحَّ وَيُسَلِّمُهُ الْبَائِعُ إلَيْهِ لِيَقْبِضَهُ أَيْ النِّصْفَ وَيَكُونُ النِّصْفُ الثَّانِي أَمَانَةً في يَدِهِ بِخِلَافِ ما لو كان له عليه عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَأَعْطَاهُ عَشَرَةً فَوُجِدَتْ زَائِدَةَ الْوَزْنِ فإنه يَضْمَنُ الزَّائِدَ لِلْمُعْطِي لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ فَإِنْ أَقْرَضَهُ الْبَائِعُ في صُورَةِ الشِّرَاءِ تِلْكَ الْخَمْسَةَ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهَا منه فَاشْتَرَى بها النِّصْفَ الْآخَرَ من الدِّينَارِ جَازَ كَغَيْرِهَا وَإِنْ اشْتَرَى الْكُلَّ أَيْ كُلَّ الدِّينَارِ من غَيْرِهِ بِعَشَرَةٍ وسلم الْخَمْسَةَ أَيْ وَسَلَّمَهُ مِنْهُمَا خَمْسَةً ثُمَّ اسْتَقْرَضَهَا منه وَرَدَّهَا إلَيْهِ عن الثَّمَنِ بَطَلَ الْعَقْدُ في الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ بِنَاءً على أَنَّ الْقَرْضَ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالتَّصَرُّفِ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ في الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِنُسَخِ الرَّافِعِيِّ السَّقِيمَةِ لَكِنَّ الثَّابِتَ في نُسَخِهِ الْمُعْتَمَدَةِ تَصْحِيحُ الصِّحَّةِ
____________________
(2/23)
قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الصَّوَابُ الذي اتَّفَقَتْ نُسَخُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ على تَرْجِيحِهِ وَنَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ وَكَثِيرٌ منهم الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَأَتْبَاعُهُ وَالْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وابن الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَالْعِمْرَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من أَنَّ الْقَرْضَ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ وَقِيَاسًا على الصُّورَةِ السَّابِقَةِ وَعَلَى ما لو اسْتَقْرَضَ منه خَمْسَةً غير التي سَلَّمَهَا له فَإِنْ قُلْت تَصَرُّفُ الْبَائِعِ فِيمَا قَبَضَهُ من الثَّمَنِ في زَمَنِ الْخِيَارِ بَاطِلٌ قُلْت مَحَلُّهُ مع الْأَجْنَبِيِّ لَا مع الْعَاقِدِ كما مَرَّ فَإِنْ قُلْت قَرْضُ الثَّمَنِ في ذلك تَصَرُّفٌ في زَمَنِ الْخِيَارِ فَيَكُونُ إجَازَةً لِلْعَقْدِ وَهِيَ كَالتَّفَرُّقِ فَيَبْطُلُ كما مَرَّ قُلْت مَحَلُّهُ إذَا لم يَتَقَابَضَا قبل التَّفَرُّقِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ وَتُرَاعَى الْمُمَاثَلَةُ فِيمَا يُكَالُ بِالْكَيْلِ وَإِنْ تَفَاوَتَ في الْوَزْنِ وَفِيمَا يُوزَنُ بِالْوَزْنِ وَإِنْ تَفَاوَتَ في الْكَيْلِ وَالْمُعْتَبَرُ في كَوْنِ الشَّيْءِ مَكِيلًا أو مَوْزُونًا غَالِبُ عَادَةِ الْحِجَازِ في عَهْدِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِظُهُورِ أَنَّهُ اطَّلَعَ على ذلك وَأَقَرَّهُ وقد رَوَى الْبَيْهَقِيُّ خَبَرَ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَرَوَى أبو دَاوُد خَبَرَ الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْمِيزَانُ مِيزَانُ أَهْلِ مَكَّةَ ولم يُرِدْ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ لَا مِكْيَالَ وَلَا مِيزَانَ إلَّا بِهِمَا لِجَوَازِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ بِغَيْرِهِمَا إجْمَاعًا وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَا يُكَالُ وَيُوزَنُ بِهِمَا فَلَوْ أَحْدَثَ الناس خِلَافَ ذلك فَلَا اعْتِبَارَ بِأَحْدَاثِهِمْ فَيَحْرُمُ بَيْعُ الْبُرِّ بِالْبُرِّ بَلْ بَيْعُ كل رِبَوِيٍّ مَكِيلٍ بمثله وَزْنًا وَبَيْعُ كل رِبَوِيٍّ مَوْزُونٍ بمثله كَيْلًا وَالْمِلْحُ مَكِيلٌ إلَّا فِيمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ فَلَوْ كان الْمِلْحُ قِطَعًا كِبَارًا فَالْمُمَاثَلَةُ فيه وفي كل ما يَتَجَافَى في الْكَيْلِ بِالْوَزْنِ نَظَرًا لِهَيْئَتِهِ في الْحَالِ وما لم يَكُنْ في ذلك الْعَهْدِ أَيْ عَهْدِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو كان وَأَشْكَلَ حَالُهُ وَلَوْ بِنِسْيَانٍ أو اُسْتُعْمِلَا أَيْ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ فيه بِأَنْ كان يُكَالُ مَرَّةً وَيُوزَنُ أُخْرَى سَوَاءٌ فَالْعِبْرَةُ بِعُرْفِ الْحِجَازِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي فَإِنْ لم يَكُنْ وكان ذلك أَكْبَرَ جُرْمًا من التَّمْرِ كَالْجَوْزِ فَالْوَزْنُ إذَا لم يَعْهَدْ الْكَيْلَ بِالْحِجَازِ فِيمَا هو أَكْبَرُ منه أو كان مثله كَاللَّوْزِ أو دُونَهُ فَعَادَةُ بَلَدِ الْبَيْعِ الْآنَ أَيْ حَالَةَ الْبَيْعِ أَمَّا إذَا اُسْتُعْمِلَا فيه وَغَلَبَ أَحَدُهُمَا فَهُوَ الْمُعْتَبَرُ قال الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَسَوَاءٌ الْمِكْيَالُ الْمُعْتَادُ في عَصْرِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْمُحْدَثُ بَعْدَهُ وَإِنْ لم يُعْتَدْ الْكَيْلُ بِهِ كَقَصْعَةٍ وَيَكْفِي التَّسَاوِي بِكِفَّتَيْ الْمِيزَانِ وَإِنْ لم يَعْرِفْ قَدْرَ ما في كل كِفَّةٍ وقد يَتَأَتَّى الْوَزْنُ بِالْمَاءِ أَنْ يُوضَعَ الشَّيْءُ بِظَرْفٍ وَيُلْقَى في الْمَاءِ وَيُنْظَرُ قَدْرَ غَوْصِهِ لَكِنَّهُ ليس وَزْنًا شَرْعِيًّا وَلَا عُرْفِيًّا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي هُنَا وَإِنْ كَفَى في الزَّكَاةِ وَأَدَاءِ الْمُسْلَمِ فيه قَالَهُ في الْأَصْلِ وقال الْبُلْقِينِيُّ الْأَرْجَحُ عِنْدَنَا خِلَافُهُ فإنه أَوْلَى بِالْجَوَازِ من الْقَصْعَةِ فَرْعٌ وما لَا يُقَدَّرُ بِكَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ كَبِطِّيخٍ وَقِثَّاءٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَيْفَ شَاءَ وَأَمَّا بِجِنْسِهِ فَإِنْ كان مِمَّا يُجَفَّفُ كَالْبِطِّيخِ الذي يُفْلَقُ وَكَذَا كُلُّ ما يُجَفَّفُ من الثِّمَارِ وَإِنْ كان مُقَدَّرًا كَالْمِشْمِشِ بِكَسْرِ الْمِيمَيْنِ وَحُكِيَ فَتْحُهُمَا وَالْخَوْخِ وَالْكُمَّثْرَى الذي يُفْلَقُ لم يُبَعْ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ حَالَةَ الرُّطُوبَةِ إذْ لَا كَمَالَ له وَيُبَاعُ بِهِ جَافًّا أو كان مِمَّا لَا يَتَجَفَّفُ كَالْقِثَّاءِ وَكَذَا الرُّطَبُ وَالْعِنَبُ وَغَيْرُهُمَا من الْمُقَدَّرَاتِ التي لَا تُجَفَّفُ كَرَطْبٍ لَا يَتَثَمَّرُ وَعِنَبٍ لَا يَتَزَبَّبُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ رَطْبًا نعم الزَّيْتُونُ لَا جَفَافَ له يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ في حَالِ رُطُوبَتِهِ وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْبَيْضِ بمثله في قِشْرِهِ وَزْنًا فَإِنْ أَرَادَ شَرِيكَانِ قِسْمَةَ الرِّبَوِيِّ لم تَجُزْ قِسْمَةُ الْمَكِيلِ وَزْنًا وَالْمَوْزُونُ كَيْلًا وَالرَّطْبُ وَالْعِنَبُ لَا يُقْسَمُ كُلٌّ مِنْهُمَا كَيْلًا وَلَا وَزْنًا وَلَا خَرْصًا لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ لَكِنْ سَيَأْتِي في بَابِهَا أَنَّ قِسْمَةَ الْمُتَشَابِهَاتِ إفْرَازٌ لَا بَيْعٌ فَعَلَيْهِ تَصِحُّ قِسْمَتُهَا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ ثَمَّ فَرْعٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ رِبَوِيٍّ بِجِنْسِهِ جُزَافًا ولا تَخْمِينًا أَيْ حَزْرًا لِلتَّسَاوِي وَلَوْ خَرَجَا سَوَاءٌ لِلنَّهْيِ عن بَيْعِ الصُّبْرَةِ من التَّمْرِ لَا تُعْلَمُ مَكِيلَتُهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى من التَّمْرِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ حَالَةَ الْبَيْعِ وَالْجَهْلُ بِالْمُمَاثَلَةِ كَحَقِيقَةِ الْمُفَاضَلَةِ فَلَوْ عَلِمَا تَمَاثُلَ الصُّبْرَتَيْنِ جَازَ الْبَيْعُ قَالَهُ الْقَاضِي وَلَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ إلَى كَيْلٍ فَإِنْ بَاعَ صُبْرَةً بِصُبْرَةٍ من بُرٍّ أو نَحْوِهِ مُكَايَلَةً أو كَيْلًا بِكَيْلٍ أو صُبْرَةً بِصُبْرَةٍ من دَرَاهِمَ أو نَحْوِهَا مُوَازَنَةً أو وَزْنًا بِوَزْنٍ صَحَّ إنْ تَسَاوَيَا لِحُصُولِ الْمُمَاثَلَةِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ قَابَلَ الْجُمْلَةَ بِالْجُمْلَةِ وَهُمَا مُتَفَاوِتَتَانِ وَيَصِحُّ بَيْعُ صُبْرَةٍ بِكَيْلِهَا فِيمَا يُكَالُ وَبِوَزْنِهَا فِيمَا يُوزَنُ من صُبْرَةٍ أَكْبَرَ منها لِحُصُولِ الْمُمَاثَلَةِ فَلَوْ تَفَرَّقَا في هذه وَاَلَّتِي قَبْلَهَا فِيمَا إذَا صَحَّ الْبَيْعُ بَعْدَ قَبْضِ الْجُمْلَتَيْنِ وَقَبْلَ
____________________
(2/24)
الْكَيْلِ أو الْوَزْنِ جَازَ لِحُصُولِ التَّقَابُضِ في الْمَجْلِسِ وما فَضَلَ من الْكَبِيرَةِ بَعْدَ الْكَيْلِ أو الْوَزْنِ لِصَاحِبِهَا فَالْمُعْتَبَرُ في الْقَبْضِ هُنَا ما يَنْقُلُ الضَّمَانَ فَقَطْ لَا ما يُفِيدُ التَّصَرُّفَ أَيْضًا لِمَا سَيَأْتِي إنَّ قَبْضَ ما بِيعَ مُقَدَّرًا إنَّمَا يَكُونُ بِالتَّقْدِيرِ وَإِنْ بَاعَ صُبْرَةَ بُرٍّ بِصُبْرَةِ شَعِيرٍ جُزَافًا جَازَ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمُمَاثَلَةِ في الْجِنْسَيْنِ فَإِنْ بَاعَهَا بها مُكَايَلَةً أو كَيْلًا بِكَيْلٍ أو صَاعًا بِصَاعٍ أو أَكْثَرَ فَإِنْ خَرَجَتَا سَوَاءً صَحَّ وإن تَفَاضَلَتَا وَسَمَحَ رَبُّ الْمَالِ الزَّائِدِ بِإِعْطَائِهِ أو رضي رَبُّ النَّاقِصِ بِقَدْرِهِ من الزَّائِدِ أَقَرَّ الْبَيْعَ وَإِلَّا بِأَنْ تَشَاحَّا فُسِخَ الْبَيْعُ وَتَقَدَّمَ ما في جَوَابِهِ في الْكَلَامِ على بَيْعِ الصُّبْرَةِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ كُلُّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَصْلٌ في قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ في جَانِبَيْ الصَّفْقَةِ أَيْ الْبَيْعَةِ رِبَوِيٌّ شَرْطُهُ التَّمَاثُلُ بِأَنْ اتَّحَدَ جِنْسُهُ وَمَعَهُ جِنْسٌ آخَرُ وَلَوْ غير رِبَوِيٍّ فِيهِمَا أَيْ الْجَانِبَيْنِ أو في أَحَدِهِمَا أو معه نَوْعٌ آخَرُ فِيهِمَا أو في أَحَدِهِمَا أو معه ما يُخَالِفُهُ في الصِّفَةِ فِيهِمَا أو في أَحَدِهِمَا فيه الْجِنْسُ كَمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمِثْلِهَا أو بِمُدَّيْ عَجْوَةٍ أو بِدِرْهَمَيْنِ ومعينة النَّوْعِ كَمُدَّيْ عَجْوَةٍ أو مُدَّيْ صَيْحَانِيّ أو مُدِّ عَجْوَةٍ وَمُدِّ صَيْحَانِيّ بِمُدِّ عَجْوَةٍ ومد صَيْحَانِيّ ومعية الصِّفَةِ كَمِائَتَيْ دِينَارٍ جَيِّدَةٍ أو رَدِيئَةٍ أو مِائَةِ دِينَارٍ جَيِّدَةٍ وَمِائَةٍ رَدِيئَةٍ أو مِائَتَيْ دِينَارٍ صِحَاحٍ أو مُكَسَّرَةٍ تَنْقُصُ قِيمَتُهَا عن الصِّحَاحِ أو مِائَةِ دِينَارٍ صِحَاحٍ وَمِائَةٍ مُكَسَّرَةٍ تَنْقُصُ بِمِائَةِ دِينَارٍ جَيِّدَةٍ وَمِائَةٍ رَدِيئَةٍ صَحِيحَةٍ وَمِائَةٍ مُكَسَّرَةٍ تَنْقُصُ
فإذا اشْتَمَلَ الْعَقْدُ على شَيْءٍ من ذلك فَهُوَ بَاطِلٌ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عن فَضَالَةَ بن عُبَيْدٍ قال أُتِيَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِقِلَادَةٍ فيها خَرَزٌ وَذَهَبٌ تُبَاعُ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ فَأَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالذَّهَبِ الذي في الْقِلَادَةِ فَنُزِعَ وَحْدَهُ ثُمَّ قال الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ وفي رِوَايَةٍ لَا تُبَاعُ حتى تُفْصَلَ وَلِأَنَّ قَضِيَّةَ اشْتِمَالِ أَحَدِ طَرَفَيْ الْعَقْدِ على مَالَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ تَوْزِيعُ ما في الْآخَرِ عَلَيْهِمَا اعْتِبَارًا بِالْقِيمَةِ كما في بَيْعِ شِقْصٍ مَشْفُوعٍ وَسَيْفٍ بِأَلْفٍ وَقِيمَةُ الشِّقْصِ مِائَةٌ وَالسَّيْفِ خَمْسُونَ فإن الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الشِّقْصَ بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ وَالتَّوْزِيعُ هُنَا يُؤَدِّي إلَى الْمُفَاضَلَةِ أو الْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ فَفِي بَيْعِ مُدٍّ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْنِ إنْ كانت قِيمَةُ الْمُدِّ الذي مع الدِّرْهَمِ أَكْثَرَ أو أَقَلَّ منه لَزِمَتْ الْمُفَاضَلَةُ أو مثله لَزِمَ الْجَهْلُ بِالْمُمَاثَلَةِ فَلَوْ كانت قِيمَتُهُ دِرْهَمَيْنِ فَالْمُدُّ ثُلُثَا طَرَفِهِ فَيُقَابِلُهُ ثُلُثَا الْمُدَّيْنِ أو نِصْفُ دِرْهَمٍ فَالْمُدُّ ثُلُثُ طَرَفِهِ فَيُقَابِلُهُ ثُلُثُ الْمُدَّيْنِ فَتَلْزَمُ الْمُفَاضَلَةُ أو مثله فَالْمُمَاثَلَةُ مَجْهُولَةٌ لِأَنَّهَا تَعْتَمِدُ التَّقْوِيمَ وهو تَخْمِينٌ قد يُخْطِئُ وَالْكَلَامُ في بَيْعِ الْمُعَيَّنِ فَلَا يَشْكُلُ بِمَا سَيَأْتِي في الصُّلْحِ من أَنَّهُ لو كان له على غَيْرِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَخَمْسُونَ دِينَارًا دَيْنًا فَصَالَحَهُ من ذلك على أَلْفَيْ دِرْهَمٍ جَازَ ثُمَّ الْأَكْثَرُونَ أَطْلَقُوا الْبُطْلَانَ فِيمَا تَقَدَّمَ وقال الْمُتَوَلِّي لو بَاعَهُ مُدًّا وَدِرْهَمًا بِمُدَّيْنِ بَطَلَ في الْمُدِّ الْمَضْمُومِ إلَى الدِّرْهَمِ وَفِيمَا يُقَابِلُهُ من الْمُدَّيْنِ وفي الْبَاقِي قَوْلًا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ
قال في الْأَصْلِ وَعَلَى هذا قِيَاسُ ما لو بَاعَهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ أو بَاعَ صَاعَ حِنْطَةٍ وَصَاعَ شَعِيرٍ بِصَاعَيْ حِنْطَةٍ أو صَاعَيْ شَعِيرٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ من أَطْلَقَ مَحْمُولًا على هذا انْتَهَى وَرَدَّهُ ابن الرِّفْعَةِ بِأَنَّ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ فَوَاتِ شَرْطِ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عليه وَهُنَا الْفَسَادُ لِلْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ فَأَشْبَهَ الْعَقْدَ على خَمْسِ نِسْوَةٍ فإنه يَبْطُلُ في الْجَمِيعِ وَتَبِعَهُ السُّبْكِيُّ وقال الْإِسْنَوِيُّ بَعْدَ كَلَامِ الْأَصْلِ وَلَك أَنْ تَقُولَ قد سَلِمَ في الْقَاعِدَةِ أَنَّ التَّقْسِيطَ لَا يُعْتَبَرُ فإنه صَحِيحٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ مُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ إذَا كان الدِّرْهَمَانِ من ضَرْبٍ وَاحِدٍ وَالْمُدَّانِ من شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ فإذا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ التَّقْسِيطُ لَزِمَ امْتِنَاعُ هذه الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى وَعَلَى هذا جَرَى الْمُصَنِّفُ وهو الْمُعْتَمَدُ هذا وقد يُقَالُ الْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْفَسَادَ هُنَا لِلْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ وَالتَّقْسِيطِ إنَّمَا اُعْتُبِرَ فِيمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي لِلْفَسَادِ لَا لِلصِّحَّةِ نعم إنْ قال في الْأَوَّلَةِ من الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ بِعْتُك مُدًّا وَدِرْهَمًا بِمُدٍّ وَدِرْهَمٍ وَجَعَلَا الْمُدَّ مُقَابِلًا بِالْمُدِّ وَالدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمِ أو الْمُدِّ بِالدِّرْهَمِ أو الدِّرْهَمِ بِالْمُدِّ صَحَّ لِاخْتِلَافِ الصَّفْقَةِ وَالْأَوَّلَةُ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَالْكَثِيرُ الْأُولَى ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَإِنْ
____________________
(2/25)
بَاعَ مُدَّ حِنْطَةٍ وَمُدَّ شَعِيرٍ بِمُدَّيْ تَمْرٍ أو مِلْحٍ جَازَ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمُمَاثَلَةِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَشَرَطَ فيه التَّقَابُضَ قبل التَّفَرُّقِ هذا مع شُرُوطِهِ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَوَّلَ الْفَصْلِ وَإِذْ قد ذَكَرَهُ فَلْيَذْكُرْ اشْتِرَاطَ الْحُلُولِ وَلَوْ بَاعَ صَاعَ بُرٍّ جَيِّدٍ وَرَدِيءٍ مُخْتَلَطًا بمثله جَازَ وَكَذَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجَيِّدٍ أو رَدِيءٍ إذْ التَّوْزِيعُ شَرْطُهُ التَّمْيِيزُ وَمَحَلُّ ذلك إذَا قَلَّتْ حَبَّاتُ الْآخَرِ بِحَيْثُ لو مُيِّزَ لم يَظْهَرْ في الْمِكْيَالِ وَلِخَلْطِ أَحَدِ الْجِنْسَيْنِ بِالْآخَرِ ضَابِطٌ يَأْتِي قَرِيبًا فَرْعٌ وَإِنْ بَاعَ حِنْطَةً بِحِنْطَةٍ فِيهِمَا أو في أَحَدِهِمَا زُوَانٌ بِضَمِّ الزَّايِ حَبٌّ أَسْوَدُ دَقِيقٌ أو مَدَرٌ أَيْ طِينٌ صَغِيرٌ نَاشِفٌ أو عُقْدَتَيْنِ أو شَعِيرٌ بِحَيْثُ لو مُيِّزَ أَثَّرَ في النَّقْصِ لم يَصِحَّ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ بَعْضَ الْمِكْيَالِ بِخِلَافِ ما لَا يُؤَثِّرُ فيه وَلَا يَضُرُّ قَلِيلُ تُرَابٍ ولا دِقَاقُ تِبْنٍ لِدُخُولِهِمَا في تَضَاعِيفِ الْحِنْطَةِ فَلَا يَظْهَرَانِ في الْمِكْيَالِ وَيَضُرُّ مِثْلُهُ في الْوَزْنِ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فيه وَإِنْ بَاعَ حِنْطَةً بِشَعِيرٍ وَفِيهِمَا أو في أَحَدِهِمَا حَبَّاتٌ من الْآخَرِ بِحَيْثُ لَا يَقْصِدُ إخْرَاجَهُ أَيْ إخْرَاجَ ما ذَكَرَ من الْحَبَّاتِ لِيُسْتَعْمَلَ شَعِيرًا أو حِنْطَةً لم يَضُرَّ وَإِلَّا ضَرَّ وَإِنَّمَا لم يُعْتَبَرْ بِتَأْثِيرِهِ في الْكَيْلِ كما مَرَّ نَظِيرُهُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَلَا بِتَمَوُّلِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَإِطْلَاقُهُمْ بُطْلَانِ بَيْعِ الْهَرَوِيِّ وهو نَقْدٌ فيه ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ بمثله أو بِأَحَدِ التِّبْرَيْنِ على الْخُلُوصِ قد يُحْمَلُ على ما إذَا كَثُرَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَالْأَوْجَهُ بَقَاؤُهُ على إطْلَاقِهِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا وَإِنْ قَلَّ يُؤَثِّرُ في الْوَزْنِ بِخِلَافِ الْكَيْلِ وَيَجُوزُ بَيْعُ حِنْطَةٍ بِشَعِيرٍ في سُنْبُلِهِ لِأَنَّهُ مَرْئِيٌّ وَلَا تُعْتَبَرُ فيه الْمُمَاثَلَةُ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ فَرْعٌ لو بَاعَ دَارًا وقد ظَهَرَ بها مَعْدِنُ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ لم يَصِحَّ لِلرِّبَا لِأَنَّ الْمَعْدِنَ مع الْعِلْمِ بِهِ مَقْصُودٌ بِالْمُقَابَلَةِ وَهَذِهِ ذَكَرَهَا الْأَصْلُ في بَابِ الْأَلْفَاظِ الْمُطْلَقَةِ فَلَوْ ظَهَرَ بها الْمَعْدِنُ بَعْدَ الشِّرَاءِ جَازَ لِأَنَّ الْمَعْدِنَ مع الْجَهْلِ بِهِ تَابِعٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَقْصُودِ الدَّارِ فَالْمُقَابَلَةُ بين الدَّارِ وَالذَّهَبِ خَاصَّةً فَإِنْ قُلْت لَا أَثَرَ لِلْجَهْلِ بِالْمُفْسِدِ في بَابِ الرِّبَا قُلْت لَا أَثَرَ له في غَيْرِ التَّابِعِ أَمَّا التَّابِعُ فَقَدْ يَتَسَامَحُ بِجَهْلِهِ وَالْمَعْدِنُ من تَوَابِعِ الْأَرْضِ كَالْحَمْلِ يَتْبَعُ أُمَّهُ في الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَاسْتُشْكِلَ جَوَازُ الْبَيْعِ بِمَا سَيَأْتِي من عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ ذَاتِ لَبَنٍ بِذَاتِ لَبَنٍ وَفَرَّقَ ابن الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ اللَّبَنَ في الضَّرْعِ كَهُوَ في الْإِنَاءِ بِخِلَافِ الْمَعْدِنِ وَيُفَرَّقُ أَيْضًا بِأَنَّ ذَاتَ اللَّبَنِ الْمَقْصُودُ منها اللَّبَنُ وَالْأَرْضُ ليس الْمَقْصُودُ منها الْمَعْدِنَ أو اشْتَرَى دَارًا بِدَارٍ وَفِيهِمَا بِئْرُ مَاءٍ جَازَ لِأَنَّ الْمَاءَ وَإِنْ اُعْتُبِرَ عِلْمُ الْعَاقِدَيْنِ بِهِ تَابِعٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَقْصُودِ الدَّارِ لِعَدَمِ تَوَجُّهِ الْقَصْدِ إلَيْهِ غَالِبًا بِخِلَافِ الْمَعْدِنِ الْمَعْلُومِ وَلَا يُنَافِي كَوْنُهُ تَابِعًا بِالْإِضَافَةِ كَوْنَهُ مَقْصُودًا في نَفْسِهِ حتى يُشْتَرَطَ التَّعَرُّضُ له في الْبَيْعِ لِيَدْخُلَ فيه فَسَيَأْتِي في بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ دَارٍ فيها بِئْرُ مَاءٍ ما لم يَنُصَّ على بَيْعِهِ لِاخْتِلَاطِ الْمَاءِ الْمَوْجُودِ لِلْبَائِعِ بِمَا يَحْدُثُ لِلْمُشْتَرِي وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ من حَيْثُ إنَّهُ تَابِعٌ بِالْإِضَافَةِ اُغْتُفِرَ من جِهَةِ الرِّبَا وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَقْصُودٌ في نَفْسِهِ اُعْتُبِرَ التَّعَرُّضُ له في الْبَيْعِ لِيَدْخُلَ فيه وَبِهَذَا سَقَطَ ما قِيلَ أَنَّ التَّابِعَ إذَا صُرِّحَ بِهِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ كَالْحَمْلِ وَلَوْ سَلَّمَ عَدَمَ سُقُوطِهِ بِهِ فَمَنْقُوضٌ بِبَيْعِ الْخَاتَمِ وَفَصِّهِ وَبِبَيْعِ الدَّارِ وَمَرَافِقِهَا الْمُتَّصِلَةِ بها من سُلَّمٍ وَنَحْوِهِ لَا إنْ اشْتَرَى دَارًا مُوِّهَتْ أَيْ مُمَوَّهَةً بِذَهَبٍ تَمْوِيهًا يَتَحَصَّلُ منه شَيْءٌ بِذَهَبٍ فَلَا يَصِحُّ لِلرِّبَا فَصْلٌ في بَيَانِ الْحَالِ الذي تُعْتَبَرُ فيه الْمُمَاثَلَةُ تُشْتَرَطُ الْمُمَاثَلَةُ حَالَ الْكَمَالِ لِلرِّبَوِيِّ وَذَلِكَ بِجَفَافِ الثِّمَارِ وَتَنْقِيَةِ الْحُبُوبِ تَنْقِيَتُهَا شَرْطٌ لِلْمُمَاثَلَةِ لَا لِلْكَمَالِ فَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِجَفَافِ الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ وَبَقَاءُ الْهَيْئَةِ فِيهِمَا وفي غَيْرِهِمَا بِأَنْ يَكُونَ الرِّبَوِيُّ مُتَهَيِّئًا لِأَكْثَرِ الِانْتِفَاعَاتِ الْمَطْلُوبَةِ منه كَاللَّبَنِ أو كَوْنِهِ بِهَيْئَةٍ يَتَأَتَّى معه ادِّخَارُهُ كَالتَّمْرِ بِنَوَاهُ فَقَدْ سُئِلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن بَيْعِ الرَّطْبِ بِالتَّمْرِ فقال أَيَنْقُصُ الرَّطْبُ إذَا يَبِسَ قالوا نعم قال فَلَا إذًا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ فيه إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ تُعْتَبَرُ بِالْجَفَافِ وَقِيسَ بِالرَّطْبِ سَائِرُ الْمَطْعُومَاتِ الرِّبَوِيَّةِ فَلَا يُبَاعُ رَطْبُهَا بِرَطْبِهَا بِفَتْحِ الرَّاءِ فِيهِمَا مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كان لها حَالَةُ جَفَافٍ كَتِينٍ وَمِشْمِشٍ وَخَوْخٍ وَرُمَّانٍ حَامِضٍ وَبِطِّيخٍ وَكُمَّثْرَى يُفْلَقَانِ أَمْ لَا كَالْأَمْثِلَةِ الْآتِيَةِ في كَلَامِهِ لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ بِجَهْلِ قَدْرِ النَّقْصِ وَلَا يُبَاعُ رَطْبُهَا بِيَابِسِهَا لِذَلِكَ إلَّا في صُورَةِ الْعَرَايَا لِلرُّخْصَةِ فيها
____________________
(2/26)
وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا وفي الْحَاوِي لِلْمَاوَرْدِيِّ في بَيْعِ الطَّلْعِ بِالتَّمْرِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا جَوَازُهُ في طَلْعِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ قال الْإِمَامُ قال صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَبَيْعُ الزَّيْتُونِ جَائِزٌ فإنه حَالَةُ كَمَالٍ وَبِمَا تَقَرَّرَ وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ قَصَبِ السُّكَّرِ بمثله وَلَا بِالسُّكَّرِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ وَاَلَّذِي ليس له حَالَةُ جَفَافٍ كَعِنَبٍ لَا يَتَزَبَّبُ وَرَطْبٍ لَا يَتَتَمَّرُ وما لَا يَتَفَلَّقُ من الثِّمَارِ وَالرُّمَّانِ الْحُلْوِ وَنَحْوِهَا فإنه لَا يُبَاعُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَهَذَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا قَبْلَهُ وَلَا إلَى قَوْلِهِ مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ عَقِبَهُ سَوَاءٌ إلَى آخِرِهِ على ما في أَكْثَرِ النُّسَخِ وَلَا تُبَاعُ حِنْطَةٌ مُطْلَقًا بِحِنْطَةٍ مَقْلِيَّةٍ لِاخْتِلَافِ تَأْثِيرِ النَّارِ فيها وَلَا بِحِنْطَةٍ مَبْلُولَةٍ وَإِنْ جَفَّتْ لِتَفَاوُتِ جَفَافِهَا وَمَقْلِيَّةٌ من قُلِيَتْ وَيُقَالُ مَقْلُوَّةٌ من قَلَوْت قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَيُبَاعُ جَدِيدٌ منها لَا رُطُوبَةَ فيه تُؤَثِّرُ في الْكَيْلِ أَيْ لَا يَظْهَرُ أَثَرُهَا فيه بِعَتِيقٍ بِخِلَافِ اللَّحْمِ فإنه يُشْتَرَطُ تَنَاهِي جَفَافِهِ كما سَيَأْتِي لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ وَبِخِلَافِ ما فيه رُطُوبَةُ يَظْهَرُ أَثَرُهَا في الْكَيْلِ كَالْفَرِيكِ الذي لم يَتِمَّ جَفَافُهُ فَهُوَ كَالْمَبْلُولِ وَلَا تُبَاعُ حِنْطَةٌ بِمَا يُتَّخَذُ منها وَلَا بِمَا فيه شَيْءٌ مِمَّا يُتَّخَذُ منها كَالدَّقِيقِ وَالْخُبْزِ وَالْفَالُوذَجِ وَفِيهِ النَّشَا وَالْمَصْلُ وَفِيهِ الدَّقِيقُ الْأَوْجَهُ في الْمَوْضِعَيْنِ قَوْلُهُ الْأَصْلُ فَفِيهِ بِالْفَاءِ إذْ الْفَالُوذَجُ لَا بُدَّ فيه من النَّشَا وَالْمَصْلِ لَا بُدَّ فيه من الدَّقِيقِ وَيَجُوزُ جَعْلُ كُلٍّ من الْجُمْلَتَيْنِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَالًا لَازِمَةً وَلَا يُبَاعُ بَعْضُ هذه الْأَشْيَاءِ بِبَعْضٍ لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ لِخُرُوجِهَا عن حَالِ الْكَمَالِ وَلَيْسَتْ النُّخَالَةُ وَمَسُوسُ حِنْطَةٍ بِكَسْرِ الْوَاوِ ذَهَبَ لُبُّهَا بِرِبَوِيَّةٍ الْأَنْسَبُ بِرِبَوِيَّيْنِ فَيُبَاعُ بَعْضُهُمَا بِبَعْضٍ وَبِالْحِنْطَةِ مُتَفَاضِلًا فَرْعٌ قد يَكُونُ لِلشَّيْءِ حَالَتَا كَمَالٍ فَأَكْثَرُ فَالسِّمْسِمُ بِكَسْرِ السِّينَيْنِ وَدُهْنُهُ وَكَسْبُهُ الْخَالِصُ أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا كَامِلٌ فَلِلسِّمْسِمِ ثَلَاثُ حَالَاتٍ كَوْنُهُ حَبًّا وَكَوْنُهُ دُهْنًا وَكَوْنُهُ كَسْبًا لَا طَحِينَتُهُ قبل اسْتِخْرَاجِ دُهْنِهِ كما قَيَّدَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فَلَا يُبَاعُ بمثله كما في الدَّقِيقِ وَأَمَّا دُهْنُهُ وَكَسْبُهُ فَيُبَاعُ كُلٌّ مِنْهُمَا بمثله وَإِنْ خَالَطَ الدُّهْنَ مِلْحٌ أو نَحْوُهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَامِلٌ كَالسِّمْسِمِ كما مَرَّ وَخَرَجَ بِهِمَا الطَّحِينَةُ لِمَا فيها من الْخَلْطِ فَهِيَ كَالطَّحِينِ بَلْ عَيْنُهُ على ما فَهِمَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَيَضُرُّ ما أَيْ سِمْسِمٌ رُبِيَ بِالطِّيبِ من وَرْدٍ وَبَنَفْسَجٍ وَنَيْلُوفَرَ وَنَحْوِهَا دُهْنَهُ بِأَنْ اُسْتُخْرِجَ منه ثُمَّ طُرِحَتْ فيه أَوْرَاقُ الطِّيبِ فَلَا يُبَاعُ بمثله لِأَنَّ اخْتِلَاطَهَا بِهِ يَمْنَعُ مَعْرِفَةَ التَّمَاثُلِ لَا إنْ رُبِيَ بِالطِّيبِ سِمْسِمُهُ أَيْ سِمْسِمُ الدُّهْنِ بِأَنْ طُرِحَ في الطِّيبِ ثُمَّ اُسْتُخْرِجَ منه الدُّهْنُ فَلَا يَضُرُّ فَيُبَاعُ بمثله وَالْعِنَبُ يَكْمُلُ زَبِيبًا وَخَلًّا وَعَصِيرًا فَيُبَاعُ الزَّبِيبُ بمثله وَيُبَاعُ الْعَصِيرُ الْمُسْتَخْرَجُ من كُلٍّ من الْعِنَبِ وَالرَّطْبِ وَقَصَبِ السُّكَّرِ وَالرُّمَّانِ وَسَائِرِ الْفَوَاكِهِ بمثله وَيَجُوزُ بَيْعُ خَلٍّ عَصِيرَيْ عِنَبٍ وَرَطْبٍ بِمِثْلِهِمَا أَيْ خَلُّ كُلٍّ مِنْهُمَا بمثله كَيْلًا وَلَفْظُ عَصِيرَيْ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ تَرَكَهُ كان أَوْلَى لَا خَلَّ عِنَبٍ بِخَلِّ زَبِيبٍ وَلَا خَلَّ تَمْرٍ بِخَلِّ رَطْبٍ لِأَنَّ في أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ مَاءً فَيَمْنَعُ الْعِلْمَ بِالْمُمَاثَلَةِ وَلَا خَلَّ زَبِيبٍ بِخَلِّ تَمْرٍ وَلَا خَلَّ تَمْرٍ بِخَلِّ تَمْرٍ وَلَا خَلَّ زَبِيبٍ بِخَلِّ زَبِيبٍ لِمَا فِيهِمَا من الْمَاءِ وَيُبَاعُ خَلُّ زَبِيبٍ بِخَلِّ رَطْبٍ وَخَلُّ تَمْرٍ بِخَلِّ عِنَبٍ لِأَنَّ الْمَاءَ في أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَالْمُمَاثَلَةُ بين الْخَلَّيْنِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ فَعُلِمَ بِالْأَوْلَى أَنَّهُ يُبَاعُ خَلُّ الرَّطْبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ إذْ لَا مَاءَ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُمَا جِنْسَانِ فَرْعٌ وَيُبَاعُ اللَّبَنُ بِاللَّبَنِ كَيْلًا حتى حَامِضُهُ بِحُلْوِهِ وَلَوْ رَائِبًا وَخَائِرًا وَلَا يُبَالِي بِكَوْنِ ما يَحْوِيهِ الْمِكْيَالُ من الْخَائِرِ أَكْثَرُ وَزْنًا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْكَيْلِ كَالْحِنْطَةِ الصُّلْبَةِ بِالرَّخْوَةِ لَكِنْ لَا يُبَاعُ الْحَلِيبُ إلَّا بَعْدَ سُكُوتِ رَغْوَتِهِ وَمَحَلُّ ذلك ما لم يَغْلُ بِنَارٍ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ بِخِلَافِ الْمُسَخَّنِ بها بِلَا غَلَيَانٍ كما قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَيُبَاعُ السَّمْنُ بِالسَّمْنِ وَزْنًا وَقِيلَ كَيْلًا وقال الْبَغَوِيّ وَزْنًا إنْ كان جَامِدًا وَكَيْلًا إنْ كان مَائِعًا قال في الْأَصْلِ وهو تَوَسُّطٌ بين وَجْهَيْنِ أَطْلَقَهُمَا الْعِرَاقِيُّونَ الْمَنْصُوصُ مِنْهُمَا الْوَزْنُ ولم يُصَحِّحَا شيئا لَكِنَّهُ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ اسْتَحْسَنَ التَّوَسُّطَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ
____________________
(2/27)
اللَّبَنَ يُكَالُ مع أَنَّهُ مَائِعٌ وَيُبَاعُ الْمَخِيضُ بِالْمَخِيضِ إنْ لم يُشْبِهْ أَيْ كُلًّا مِنْهُمَا أو أَحَدَهُمَا الْمَاءَ أو نَحْوَهُ وَإِلَّا فَلَا يُبَاعُ بمثله وَلَا بِخَالِصٍ لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ لَا الْأَقِطِ وَالْجُبْنِ وَالْمَصْلِ فَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ منها بمثله وَلَا بِاللَّبَنِ وَلَا بِسَائِرِ ما يُتَّخَذُ من اللَّبَنِ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عن مُخَالَطَةِ شَيْءٍ إذْ الْأَقِطُ يُخَالِطُهُ الْمِلْحُ وَالْمَصْلُ يُخَالِطُهُ الدَّقِيقُ كما مَرَّ وَالْجُبْنُ تُخَالِطُهُ الْإِنْفَحَةُ وَلَا يُبَاعُ الزُّبْدُ بِالزُّبْدِ وَلَا بِالسَّمْنِ وَلَا بِاللَّبَنِ وَلَا بِسَائِرِ ما يُتَّخَذُ من اللَّبَنِ لِأَنَّ الزُّبْدَ لَا يَخْلُو عن قَلِيلِ مَخِيضٍ وهو يَمْنَعُ الْعِلْمَ بِالْمُمَاثَلَةِ فَرْعٌ وَلَا يُبَاعُ مَطْبُوخٌ وَلَا نَيْءٌ لِتَأَثُّرِهِ بِالنَّارِ فَيَمْنَعُ الْعِلْمَ بِالْمُمَاثَلَةِ وَإِطْلَاقُهُ يَشْمَلُ اللَّحْمَ وَغَيْرَهُ وَالْمَشْوِيُّ في مَعْنَى الْمَطْبُوخِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلِلْمَعْقُودِ بِالنَّارِ كَالسُّكَّرِ وَالْفَانِيدِ وهو عَسَلُ الْقَصَبِ الْمُسَمَّى بِالْمُرْسَلِ وَاللِّبَا بِالْهَمْزِ وَالْقَصْرِ حُكْمُ الْمَطْبُوخِ فَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ منه بمثله وَلَا بِأَصْلِهِ وَلَا بِسَائِرِ ما يُتَّخَذُ من أَصْلِهِ وَإِنَّمَا يُبَاعُ اللَّحْمُ بِاللَّحْمِ قَدِيدًا لِأَنَّ مُعْظَمَ مَنَافِعِهِ بَعْدَ التَّقْدِيدِ كَالرَّطْبِ وَالْعِنَبِ قال في الْأَصْلِ وَيُشْتَرَطُ تَنَاهِي جَفَافِهِ بِخِلَافِ التَّمْرِ أَيْ وَالْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا يُبَاعُ حَدِيثُ كُلٍّ منها بَعْدَ جَفَافِهِ بِعَتِيقِهِ لِأَنَّهَا مَكِيلَةٌ وَبَاقِي الرُّطُوبَةِ لَا يُؤَثِّرُ في الْكَيْلِ بِخِلَافِهِ في اللَّحْمِ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ لَا رَطْبًا وَلَا مَمْلُوحًا الْأَوْلَى مُمَلَّحًا بِمِلْحٍ يَظْهَرُ في الْوَزْنِ وَلَوْ كان الْمُمَلَّحُ قَدِيدًا وَلَا يَضُرُّ الْعَرْضُ على النَّارِ لِلتَّصْفِيَةِ وَلَوْ عَسَلًا إذْ نَارُهَا لَيِّنَةٌ لَا تَعْقِدُ فَهِيَ كَالشَّمْسِ وَمِعْيَارُهُ أَيْ الْمَعْرُوضُ على النَّارِ لِلتَّصْفِيَةِ الْوَزْنُ وَلَا يُبَاعُ شَهْدٌ بِشَهْدٍ لِمَنْعِ الشَّمْعِ مَعْرِفَةِ التَّمَاثُلِ وَلَا بِعَسَلٍ لِلتَّفَاضُلِ وَيُبَاعُ الشَّمْعُ بِهِمَا لِأَنَّهُ غَيْرُ رِبَوِيٍّ فَرْعٌ وَنَزْعُ الْعَظْمِ من اللَّحْمِ شَرْطٌ في بَيْعِهِ بمثله وَلَا يَبْطُلُ كَمَالُهُ بِنَزْعِ عَظْمِهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِبَقَائِهِ صَلَاحٌ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ تَمْرٍ نُزِعَ نَوَاهُ بمثله وَلَا بِغَيْرِ مَنْزُوعِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لِذَهَابِ كَمَالِهِ لِأَنَّهُ يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَلَا يَضُرُّ نَزْعُهُ من نَحْوِ خَوْخٍ وَمِشْمِشٍ جُفِّفَ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ في تَجْفِيفِهِمَا فَصْلٌ في مَعْرِفَةِ الْجِنْسِيَّةِ الْمَشْرُوطُ فيها التَّمَاثُلُ في بَيْعِ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ فَلُحُومُ الْأَجْنَاسِ كَالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ أَجْنَاسٌ كَأُصُولِهَا فَيَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِ الْبَقَرِ بِلَحْمِ الضَّأْنِ مُتَفَاضِلًا وَكَذَا أَلْبَانُهَا وَبُيُوضُهَا أَجْنَاسٌ وَبَيَاضُ الْبَيْضِ وَصِفَارُهُ جِنْسٌ كما قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَالْإِبِلُ بَخْتَيْهَا وَعِرَاجُهَا جِنْسٌ لِتَنَاوُلِ الْإِبِلِ لَهُمَا وَالْبَقَرُ وَالْجَوَامِيُس الْأَوْلَى وَالْبَقَرُ جَوَامِيسَهَا وَعِرَابَهَا جِنْسٌ وليس منها أَيْ من الْبَقَرِ الْبَقَرِ الْوَحْشِيِّ لِأَنَّ الْوَحْشِيَّ وَالْإِنْسِيَّ من سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ جِنْسَانِ وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ جِنْسٌ لِتَنَاوُلِ اسْمِ الْغَنَمِ لَهُمَا وَالظَّبْيُ وَالْإِبِلُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ وهو الْوَعِلُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ تَيْسُ الْجَبَلِ وَيُقَالُ شَاتُه جِنْسٌ وَالطُّيُورُ أَجْنَاسٌ وَالْقُمْرِيُّ وَالْحَمَامُ وَكُلُّ أَيْ وَسَائِرُ ما عَبَّ وَهَدَرَ جِنْسٌ وَقِيلَ أَجْنَاسٌ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَالْعَصَافِيرُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ جِنْسٌ وَالسُّمُوكُ الْمَعْرُوفَةُ جِنْسٌ وَبَقَرُ الْمَاءِ وَغَنَمُهُ وَغَيْرُهُمَا من حَيَوَانِ الْبَحْرِ أَجْنَاسٌ كَالْبَرِّيَّاتِ وَالْجَرَادُ ليس بِلَحْمٍ وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ وَالْقَلْبُ وَالْكِرْشُ وَالرِّئَةُ وَالْمُخُّ أَجْنَاسٌ وَلَوْ كانت من حَيَوَانٍ وَاحِدٍ لِاخْتِلَافِ أَسْمَائِهَا وَصِفَاتِهَا وَلَيْسَ الْجِلْدُ رِبَوِيًّا فَيُبَاعُ الْجِلْدُ بِجِلْدَيْنِ
وَمَحَلُّهُ كما يُؤْخَذُ من كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ إذَا لم يُؤْكَلْ غَالِبًا بِأَنْ خَشُنَ وَغِلَظَ وَإِلَّا فَهُوَ رِبَوِيٌّ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَنْعُهُمْ بَيْعُهُ إذَا لم يُدْبَغْ بِالْحَيَوَانِ كما سَيَأْتِي وَشَحْمُ الظَّهْرِ وشحم الْبَطْنِ وَالسَّنَامُ أَجْنَاسٌ وَكَذَا الرَّأْسُ وَالْأَكَارِعُ جِنْسَانِ وَقَوْلُ الْأَصْلِ وَالرَّأْسُ وَالْأَكَارِعُ من جِنْسِ اللَّحْمِ قد يُشْعِرُ بِخِلَافِهِ وَالْبِطِّيخُ بِكَسْرِ الْبَاءِ أَفْصَحُ من فَتْحِهَا الْمَعْرُوفُ وهو الْأَصْفَرُ وَالْهِنْدِيُّ وهو الْأَخْضَرُ وَالْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ أَجْنَاسٌ لِاخْتِلَافِهَا صُورَةً وَطَعْمًا وَطَبْعًا قال في الْأَصْلِ وَالتَّمْرُ الْمَعْرُوفُ مع التَّمْرِ الْهِنْدِيِّ جِنْسَانِ وَالْبُقُولُ كَ هِنْدِيًّا وَنُعْنُعٍ بِضَمِّ النُّونَيْنِ أَجْنَاسٌ وَالْأَدْهَانُ وَالْأَدِقَّةُ وَالْخُلُولُ أَجْنَاسٌ لَكِنَّ دُهْنَ الْبَانِ وَالْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ وَنَحْوِهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ إذْ أَصْلُهَا وَاحِدٌ وهو الشَّيْرَجُ وَزَيْتُ الزَّيْتُونِ وَزَيْتُ الْفُجْلِ جِنْسَانِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَدُهْنُ السِّمْسِمِ وَكَسْبُهُ جِنْسَانِ كَالسَّمْنِ وَمَخِيضِهِ وَعَصِيرٍ أَيْ وَكَعَصِيرِ الْعِنَبِ وَخَلِّهِ لِإِفْرَاطِ التَّفَاوُتِ في الِاسْمِ وَالصِّفَةِ وَالْمَقْصُودِ فَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ
____________________
(2/28)
بَيْنَهُمَا قال السُّبْكِيُّ وَهَذَا ما رَجَّحَهُ الْإِمَامُ وَتَبِعَهُ الشَّيْخَانِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ الصَّبَّاغِ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فإنه جَوَّزَ بَيْعَ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَشَبَّهَهُ بِبَيْعِ التَّمْرِ الطَّيِّبِ بِغَيْرِ الطَّيِّبِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا مُتَمَاثِلًا وَهَذَا هو الْأَصَحُّ وَلَا يَلْزَمُ من كَوْنِهِمَا بِحَالَةِ الْكَمَالِ أَنْ يَكُونَا جِنْسَيْنِ وقد صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ بِعَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ التَّمْرِ بِعَصِيرِ الرَّطْبِ وَكَذَا بِخَلِّهِ وَمِمَّا أَجْزِمُ بِهِ وَإِنْ لم أَرَهُ مَنْقُولًا امْتِنَاعُ بَيْعِ الزَّبِيبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ وَإِنْ كَانَا بِحَالَةِ الْكَمَالِ
قال وما قَالَهُ الْإِمَامُ بَعِيدٌ وَيَكْفِي في رَدِّهِ ما اتَّفَقَ عليه الْأَصْحَابُ من امْتِنَاعِ بَيْعِ الرَّطْبِ بِالتَّمْرِ وقد سَوَّى هو بَيْنَهُمَا وَالسُّكَّرُ وَالْفَانِيدُ جِنْسَانِ لِاخْتِلَافِ قَصَبِهِمَا لِأَنَّ الْفَانِيدَ يُتَّخَذُ من قَصَبٍ قَلِيلِ الْحَلَاوَةِ كَأَعَالِي الْعِيدَانِ وَالسُّكَّرَ يُطْبَخُ من أَسَافِلِهَا وَأَوْسَاطِهَا لِشِدَّةِ حَلَاوَتِهَا وَعَسَلُ الْقَصَبِ وَالْقَطَّارَةِ جِنْسٌ قَالَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ ثُمَّ السُّكَّرُ على اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ من سُكَّرٍ أَحْمَرَ وَنَبَاتٍ وَطَبَرْزَدْ وهو السُّكَّرُ الْأَبْيَضُ جِنْسٌ لِاتِّحَادِ أَصْلِهَا وهو الْقَصَبُ وَاخْتِلَافُ أَسْمَائِهَا لِاخْتِلَافِ نَوْعِهَا لَا جِنْسِهَا إذْ الْكُلُّ سُكَّرٌ فَرْعٌ لَا يُبَاعُ الْحَيَوَانُ وَلَوْ سَمَكًا أو جَرَادًا بِلَحْمٍ وَلَوْ من سَمَكٍ أو جَرَادٍ فَيَسْتَوِي فيه الْجِنْسُ كَغَنَمٍ بِلَحْمِ غَنَمٍ وَغَيْرِهِ كَبَقَرٍ بِلَحْمِ غَنَمٍ وَسَوَاءٌ كان الْحَيَوَانُ مَأْكُولًا كما مَثَّلْنَا أو غير مَأْكُولٍ كَحِمَارٍ وَعَبْدٍ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى أَنْ تُبَاعَ الشَّاةُ بِاللَّحْمِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَنَهَى عن بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ رَوَاهُ أبو دَاوُد مُرْسَلًا وَالتِّرْمِذِيُّ مُسْنَدًا وَلَا يُبَاعُ الْحَيَوَانُ بِشَحْمٍ وَكَبِدٍ وَنَحْوِهِمَا كَ أَلْيَةٍ وَطِحَالٍ وَقَلْبٍ وَرِئَةٍ لِأَنَّ ذلك في مَعْنَى ما وَرَدَ وَلَا بِجِلْدٍ لم يُدْبَغْ وكان مِمَّا يُؤْكَلُ غَالِبًا كَجِلْدِ سَمِيطٍ وَدِيبَاجٍ بِخِلَافِ ما إذَا دُبِغَ أو لم يُؤْكَلْ غَالِبًا وَيَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ بِالْحَيَوَانِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَمَّا بَيْعُ السَّمَكِ الْحَيِّ بمثله فَإِنْ جَوَّزْنَا ابْتِلَاعَهُ حَيًّا لم يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرَّاجِحُ خِلَافُهُ كما مَرَّ فَرْعٌ لَا يُبَاعُ رِبَوِيٌّ بِمَا اُسْتُخْرِجَ منه كما مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فَبَيْعُ اللَّبَنِ بِالسَّمْنِ وَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ وَبِالْكَسْبِ بَاطِلٌ كَبَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ فَإِنْ قِيلَ السِّمْسِمُ مَثَلًا جِنْسٌ بِرَأْسِهِ لَا أَنَّهُ دُهْنٌ وَكَسْبٌ وَلِهَذَا جَازَ بَيْعُهُ بمثله فَهَلَّا جَازَ بَيْعُهُ بِدُهْنِهِ أَيْضًا قُلْنَا مُجَانَسَةُ الْعِوَضَيْنِ في بَيْعِ السِّمْسِمِ بمثله نَاجِزَةٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ وَالنَّظَرِ إلَى ما يَحْدُثُ فَعُدَّ جِنْسًا وَاحِدًا بِرَأْسِهِ بِخِلَافِ بَيْعِ السِّمْسِمِ بِدُهْنِهِ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ الدُّهْنِ سِمْسِمًا وَلَا السِّمْسِمِ مُخَالِفًا لِلدُّهْنِ مع اشْتِمَالِهِ عليه فَبَيْنَهُمَا مُجَانَسَةٌ وَهِيَ في الدُّهْنِيَّةِ فَيَحْتَاجُ إلَى اعْتِبَارِهَا فَلَا يُعَدُّ جِنْسًا وَاحِدًا فَأَحْوَجُ إلَى التَّفْرِيقِ نَبَّهَ على ذلك الْإِمَامُ وَنَقَلَهُ عنه الرَّافِعِيُّ وَكَذَا لُبُّ الْجَوْزِ أَيْ بَيْعُهُ بِدُهْنِهِ بَاطِلٌ وَيُبَاعُ الْجَوْزُ بِالْجَوْزِ وَزْنًا لِأَنَّهُ أَكْبَرُ جَرْمًا من التَّمْرِ وَاللَّوْزُ بِاللَّوْزِ كَيْلًا لِأَنَّهُ كَالتَّمْرِ لِمَا مَرَّ بِقِشْرِهِمَا أَيْ مع قِشْرِهِمَا لِأَنَّ صَلَاحَهُمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَسَيَأْتِي في السَّلَمِ عن الْإِمَامِ أَنَّ مَحَلَّ جَوَازِهِ فِيهِمَا وَزْنًا إذَا لم يَخْتَلِفْ قِشْرُهُمَا غَالِبًا فَقِيَاسُهُ أَنْ يَأْتِيَ ذلك هُنَا وقد قال بِهِ الْأَذْرَعِيُّ بَلْ نُقِلَ عن النَّصِّ الْمَنْعُ لِاخْتِلَافِ قِشْرِهِمَا قال وَحَكَى الْإِمَامُ الِاتِّفَاقَ عليه
وَكَذَا يُبَاعُ لُبُّهُمَا بِلُبِّهِمَا أَيْ لُبَّيْ الْجَوْزِ بِلُبِّ الْجَوْزِ وَلُبُّ اللَّوْزِ بِلُبِّ اللَّوْزِ وَهَذَا ما رَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَتَبِعَهُ عليه الْأَصْلُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وهو مُشْكِلٌ يَمْنَعُ بَيْعَ مَنْزُوعِ النَّوَى بمثله لِبُطْلَانِ كَمَالِهِ لِأَنَّهُ خَرَجَ عن حَالَةِ الِادِّخَارِ كما قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فَالْقِيَاسُ فِيهِمَا الْمَنْعُ وَبِهِ أَجَابَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ انْتَهَى وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ مَنْزُوعَ النَّوَى أَسْرَعُ فَسَادًا من لُبِّ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ كما هو مَعْلُومٌ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْبَيْضِ مع قِشْرِهِ بِالْبَيْضِ كَذَلِكَ وَزْنًا إنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ كَبَيْضِ دَجَاجٍ بمثله وَإِلَّا جَازَ بَيْعُهُ وَلَوْ جُزَافًا ويجوز بَيْعُ لَبَنِ شَاةٍ بِشَاةٍ حُلِبَ لَبَنُهَا فَإِنْ بَقِيَ فيها لَبَنٌ يُقْصَدُ حَلْبُهُ لِكَثْرَتِهِ أو بَاعَ ذَاتَ لَبَنٍ مَأْكُولَةٍ بِذَاتِ لَبَنٍ كَذَلِكَ من جِنْسِهَا لم يَصِحَّ لِأَنَّ اللَّبَنَ في الضَّرْعِ يَأْخُذُ قِسْطًا من الثَّمَنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ الثَّمَنُ في مُقَابَلَتِهِ في الْمُصَرَّاةِ أَمَّا الْآدَمِيَّاتُ ذَوَاتُ اللَّبَنِ فَقَدْ نُقِلَ في الْبَيَانِ عن الشَّاشِيِّ الْجَوَازُ فيها وَفُرِّقَ بِأَنَّ لَبَنَ الشَّاةِ في الضَّرْعِ له حُكْمُ الْعَيْنِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عليه بِخِلَافِ لَبَنِ الْآدَمِيَّةِ فإن له حُكْمَ الْمَنْفَعَةِ وَلِهَذَا يَجُوزُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عليه وَلَوْ بَاعَ لَبَنَ بَقَرَةٍ بِشَاةٍ في ضَرْعِهَا لَبَنٌ صَحَّ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ كما مَرَّ أَمَّا بَيْعُ ذَاتِ لَبَنٍ بِغَيْرِ ذَاتِ لَبَنٍ فَصَحِيحٌ وَبَيْعُ بَيْضٍ بِدَجَاجَةٍ كَبَيْعِ لَبَنٍ بِشَاةٍ فَإِنْ كان في الدَّجَاجَةِ بَيْضٌ وَالْبَيْضُ الْمَبِيعُ بَيْضُ دَجَاجَةٍ لم يَصِحَّ وَإِلَّا صَحَّ وَبَيْعُ دَجَاجَةٍ فيها بَيْضٌ بِدَجَاجَةٍ كَذَلِكَ بَاطِلٌ كَبَيْعِ ذَاتِ لَبَنٍ بِمِثْلِهَا وهو ما في التَّحْرِيرِ لِلْجُرْجَانِيِّ عن الْبَحْرِ
قال الْبُلْقِينِيُّ لَكِنَّ الذي رَأَيْته في الْبَحْرِ قُبَيْلَ بَابِ بَيْعِ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ صِحَّتُهُ
____________________
(2/29)
بِخِلَافِ بَيْعِ لَبُونٍ بِلَبُونٍ انْتَهَى وَعَلَيْهِ يُفَرَّقُ بِسُهُولَةٍ أَخْذُ اللَّبَنِ فَهُوَ كَالْمُنْفَصِلِ بِخِلَافِ الْبَيْضِ لَكِنَّ هذا الْفَرْقَ يَقْتَضِي صِحَّةَ بَيْعِ بَيْضِ دَجَاجَةٍ بِدَجَاجَةٍ فيها بَيْضٌ وقد تَقَدَّمَ خِلَافُهُ بَابُ الْبُيُوعِ الْمُنْهَى عنها وَمُقْتَضَى النَّهْيِ الْفَسَادُ وقد يُحْكَمُ معه بِصِحَّةِ الْبَيْعِ لِكَوْنِهِ ليس لِخُصُوصِيَّةِ الْبَيْعِ بَلْ لِأَمْرٍ آخَرَ فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ الْمُفْسِدُ كَالنَّهْيِ عن بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ كما مَرَّ وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّهُ قَسَّمَ النَّهْيَ قِسْمَيْنِ وَيُنَاسِبُهُ تَمْثِيلُهُ بِالنَّهْيِ عن بَيْعِ ما ذُكِرَ وَعَلَيْهِ فَيُقَدَّرُ النَّهْيُ في بَقِيَّةِ الْأَمْثِلَةِ وَحَاصِلُ كَلَامِ الْأَصْلِ أَنَّهُ قَسَّمَ الْمُنْهَى عنه قِسْمَيْنِ وَلِهَذَا مَثَّلَهُ بِبَيْعِ ما ذَكَرَ لَا بِالنَّهْيِ عنه وَكُلٌّ صَحِيحٌ وَكَبَيْعِ ما لم يُقْبَضْ وبيع الطَّعَامِ حتى يَجْرِيَ فيه الصَّاعَانِ وبيع الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا وبيع مَالِ الْغَيْرِ لِلنَّهْيِ عنه رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَبَيْعُ ما ليس عِنْدَهُ لِلنَّهْيِ عنه رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ وهو بَيْعُ الْغَائِبِ أو ما سَيَمْلِكُهُ أَيْ ما لَا يَمْلِكُهُ لِيَشْتَرِيَهُ فَيُسَلِّمَهُ وَبَيْعُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ لِمَا مَرَّ في شَرْطِ طَهَارَةِ الْمَبِيعِ وَبَيْعُ عَسْبِ الْفَحْلِ وَاسْتِئْجَارُهُ لِلضِّرَابِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن عَسْبِ الْفَحْلِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وهو بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ ضِرَابُهُ وَيُقَالُ مَاؤُهُ وَيُقَالُ أُجْرَةُ ضِرَابِهِ وَعَلَى الْأَوَّلَيْنِ يُقَدَّرُ في الْخَبَرِ مُضَافٌ لِيَصِحَّ النَّهْيُ أَيْ نهى عن بَدَلِ عَسْبِ الْفَحْلِ من أُجْرَةِ ضِرَابِهِ أو ثَمَنِ مَائِهِ أَيْ بَدَلَ ذلك وَأَخْذَهُ وَالْمَعْنَى فيه أَنَّ مَاءَ الْفَحْلِ ليس بِمُتَقَوِّمٍ وَلَا مَعْلُومٍ وَلَا مَقْدُورٍ على تَسْلِيمِهِ وَضِرَابُهُ لِتَعَلُّقِهِ بِاخْتِيَارِهِ غَيْرُ مَقْدُورٍ عليه لِلْمَالِكِ فَإِنْ أَهْدَى له أَيْ لِمَالِكِهِ صَاحِبُ الْأُنْثَى شيئا جَازَ قال الرَّافِعِيُّ وَإِعَارَةُ الْفَحْلِ لِلضِّرَابِ مَحْبُوبَةٌ وَبَيْعُ حَبَلِ الْحَبَلَةِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ لِلنَّهْيِ عنه رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وهو الْبَيْعُ بِثَمَنٍ إلَى نِتَاجِ النِّتَاجِ أَيْ إلَى أَنْ تَلِدَ هذه الدَّابَّةُ وَيَلِدَ وَلَدُهَا فَوَلَدَ وَلَدُهَا نِتَاجُ النِّتَاجِ وهو بِكَسْرِ النُّونِ من تَسْمِيَةِ الْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ يُقَالُ نُتِجَتْ النَّاقَةُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ نِتَاجًا أَيْ وَلَدَتْ أو بَيْعُ وَلَدِ ما تَلِدُهُ الدَّابَّةُ الْمَفْهُومَةُ من كَلَامِهِ وَبُطْلَانُ الْبَيْعِ على التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ وَعَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ بَيْعُ ما ليس بِمَمْلُوكٍ وَلَا مَعْلُومٍ وَلَا مَقْدُورٍ على تَسْلِيمِهِ وَبَيْعُ الْمَلَاقِيحِ وهو بَيْعُ ما في بُطُونِ الْأُمَّهَاتِ من الْأَجِنَّةِ وَبَيْعُ الْمَضَامِينِ وهو بَيْعُ ما في الْأَصْلَابِ لِلْفُحُولِ من الْمَاءِ لِلنَّهْيِ عنهما رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبَزَّارُ وَالْمَلَاقِيحُ جَمْعُ مُلْقُوحَةٍ وَهِيَ الْجَنِينُ وَالنَّاقَةُ الْحَامِلُ لَاقِحٌ وَالْمَضَامِينُ جَمْعُ مَضْمُونٍ بِمَعْنَى مُتَضَمِّنٍ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ مَضْمُونُ الْكِتَابِ كَذَا وَكَذَا وَبُطْلَانُ الْبَيْعِ فِيهِمَا من حَيْثُ الْمَعْنَى لِمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَبَيْعُ الْمُلَامَسَةِ لِلنَّهْيِ عنه رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وهو أَنْ يُكْتَفَى بِاللَّمْسِ عن النَّظَرِ وَلَا خِيَارَ بَعْدَهُ بِأَنْ يَلْمِسَ ثَوْبًا لم يَرَهُ ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ على أَنْ لَا خِيَارَ له إذَا رَآهُ أو يَجْعَلَ اللَّمْسَ بَيْعًا بِأَنْ يَقُولَ إذَا لَمَسْته فَقَدْ بِعْتُكَهُ بِكَذَا اكْتِفَاءً بِلَمْسِهِ عن الصِّيغَةِ أو قَاطِعًا لِلْخِيَارِ بِأَنْ يَبِيعَهُ شيئا على أَنَّهُ مَتَى لَمَسَهُ لَزِمَ الْبَيْعُ وَانْقَطَعَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَغَيْرُهُ وَبَيْعُ الْمُنَابَذَةِ لِلنَّهْيِ عنه رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وهو أَنْ يَجْعَلَ نَبْذَ الْمَبِيعِ بَيْعًا أو قَاطِعًا لِلْخِيَارِ بِأَنْ يَقُولَ أَنْبِذُ إلَيْك ثَوْبِي هذا بِمِائَةٍ فَيَأْخُذُهُ الْآخَرُ أو يقول بِعْتُكَهُ بِكَذَا على أَنِّي إذَا نَبَذْته إلَيْك لَزِمَ الْبَيْعُ وَانْقَطَعَ الْخِيَارُ وَالْبُطْلَانُ في هذا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ لِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ أو الصِّيغَةِ أو لِلشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَبَيْعُ الْحَصَاةِ لِلنَّهْيِ عنه رَوَاهُ مُسْلِمٌ وهو بَيْعُ ما تُصِيبُهُ الْحَصَاةُ بِأَنْ يَقُولَ بِعْتُك من هذه الْأَثْوَابِ ما تَقَعُ هذه الْحَصَاةُ عليه أو بَيْعُ مُدًى أَيْ غَايَةُ رَمْيَةٍ من الْأَرْضِ بِأَنْ يَقُولَ بِعْتُك من هذه الْأَرْضِ من هُنَا إلَى ما انْتَهَتْ إلَيْهِ هذه الْحَصَاةُ أو يَجْعَلَ الرَّمْيَ بَيْعًا أو قَاطِعًا لِلْخِيَارِ بِأَنْ يَقُولَ إذَا رَمَيْت هذا الثَّوْبَ فَقَدْ بِعْتُكَهُ بِكَذَا أو يَقُولَ بِعْتُكَهُ على إنَّك بِالْخِيَارِ إلَى أَنْ أَرْمِيَ الْحَصَاةَ وَالْبُطْلَانُ في ذلك لِلْجَهْلِ بِالْمَبِيعِ أو بِزَمَنِ الْخِيَارِ أو لِعَدَمِ الصِّيغَةِ وَبَيْعَتَيْنِ في بَيْعَةٍ لِلنَّهْيِ عنهما رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ وهو أَنْ يَبِيعَهُ الْعَبْدَ مَثَلًا على أَنْ يَشْتَرِيَ منه أَيْضًا الثَّوْبَ مَثَلًا أو على أَنْ يَبِيعَهُ الْآخَرُ الثَّوْبَ أو أَنْ يَبِيعَهُ إيَّاهُ أَيْ الْعَبْدَ بِأَلْفٍ نَقْدًا أو بِأَلْفَيْنِ نَسِيئَةً لِيَأْخُذَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ هو أو الْبَائِعُ وَالْبُطْلَانُ في ذلك لِلشَّرْطِ الْفَاسِدِ في الْأَوَّلَيْنِ وَلِلْجَهْلِ
____________________
(2/30)
بِالْعِوَضِ في الثَّالِثِ فَإِنْ بَاعَهُ بِأَلْفٍ نَقْدًا وَبِأَلْفَيْنِ نَسِيئَةً أو بَاعَ نِصْفَهُ بِأَلْفٍ وَنِصْفَهُ بِأَلْفَيْنِ صَحَّ لَا أَنْ قال بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ نِصْفَهُ بِسِتِّمِائَةٍ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ يَقْتَضِي تَوْزِيعَ الثَّمَنِ على الْمُثَمَّنِ بِالسَّوِيَّةِ وَآخِرَهُ يُنَاقِضُهُ وَبَيْعُ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمَا في بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ
وَبَيْعُ الْمَجْرِ لِلنَّهْيِ عنه رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وهو بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ وَبِالرَّاءِ بَيْعُ ما في الرَّحِمِ من الْأَجِنَّةِ فَيَرْجِعُ ذلك إلَى بَيْعِ الْمَلَاقِيحِ وَقِيلَ هو الرِّبَا وَقِيلَ هو الْمُحَاقَلَةُ وَالْمُزَابَنَةُ وَبَيْعُ السِّنِينَ لِلنَّهْيِ عنه رَوَاهُ مُسْلِمٌ وهو بَيْعُ ثَمَرَةِ النَّخْلِ سِنِينَ أو تَحْدِيدُ الْبَيْعِ كَبِعْتُكَ هذا سَنَتَيْنِ فإذا انْقَضَتَا فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا وَالْبُطْلَانُ فيه لِعَدَمِ الْبَيْعِ وَلِلتَّأْقِيتِ وَبَيْعُ الْعُرْبُونِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَبِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ لِمَا رَوَى أبو دَاوُد أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بَيْعِ الْعُرْبَانِ أَيْ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ وهو أَنْ يُعْطِيَهُ بَعْضَ الثَّمَنِ فَإِنْ فُسِخَ كان هِبَةً عِبَارَةُ الْأَصْلِ وهو أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً من غَيْرِهِ وَيَدْفَعَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ لِتَكُونَ من الثَّمَنِ إنْ رضي السِّلْعَةَ وَإِلَّا فَهِبَةٌ له قال وَيُفَسَّرُ أَيْضًا بِأَنْ يَدْفَعَ دَرَاهِمَ لِمَنْ يَصْنَعُ له شيئا على أَنَّهُ إنْ رَضِيَهُ فَهِيَ من الثَّمَنِ وَإِلَّا فَهِبَةٌ له وَالْبُطْلَانُ فيه لِاشْتِمَالِهِ على شَرْطِ الْهِبَةِ وَبَيْعُ الثِّمَارِ قبل أَنْ تَنْجُوَ من الْعَاهَةِ كما سَيَأْتِي في بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَبَيْعُ أَهْلِ الْحَرْبِ السِّلَاحِ لِأَنَّهُمْ يَسْتَعِينُونَ بِهِ على قِتَالِنَا بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّهُمْ في قَبْضَتِنَا قال في الْمُهِمَّاتِ وَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ صِحَّةِ بَيْعِهِ لِلدَّاخِلِ بِأَمَانٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ إمْسَاكُهُ عِنْدَهُ إلَى عَوْدِهِ وَلِأَنَّ الْأَمَانَ عَارِضٌ يَزُولُ إلَّا الْحَدِيدَ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ لهم لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ جَعْلُهُ سِلَاحًا
فَإِنْ عَلِمَ منهم أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَهُ سِلَاحًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْعُهُ منهم كَبَيْعِ الْعِنَبِ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا وَسَيَأْتِي وَبَيْعُ الْعِنَبِ قبل أَنْ يَسْوَدَّ وَالْحَبِّ قبل أَنْ يَشْتَدَّ كما سَيَأْتِي في بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَلَوْ ذُكِرَ هُنَا كَالْأَصْلِ مَقْرُونًا بِذِكْرِ بَيْعِ الثِّمَارِ قبل أَنْ تَنْجُوَ من الْعَاهَةِ كان أَنْسَبَ وَيَجُوزُ بَيْعِ الْهِرَّةِ الْأَهْلِيَّةِ وَالنَّهْيُ عن ثَمَنِ الْهِرَّةِ كما في مُسْلِمٍ مُتَأَوَّلٌ أَيْ مَحْمُولٌ على الْوَحْشِيَّةِ إذْ ليس فيها مَنْفَعَةُ اسْتِئْنَاسِ وَلَا غَيْرُهُ أو الْكَرَاهَةُ فيه لِلتَّنْزِيهِ قال في الرَّوْضَةِ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الناس يَتَسَامَحُونَ بِهِ وَالنَّهْيُ أَيْ وَكَالنَّهْيِ عن بَيْعٍ وَسَلَفٍ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ وهو الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْقَرْضِ وكالنهي عن بَيْعٍ وَشَرْطٍ رَوَاهُ عبد الْحَقِّ في أَحْكَامِهِ وَجَعَلَ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْقَرْضِ من أَمْثِلَةِ الْبَيْعِ بِشَرْطٍ وهو الْأَوْجَهُ وَعِبَارَتُهُ وَعَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ كَبَيْعٍ أو قَرْضٍ انْتَهَى وَذَلِكَ كَأَنْ يَبِيعَهُ عَبْدَهُ بِأَلْفٍ بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ مِائَةً أو يَبِيعَهُ دَارًا مَثَلًا وَالْمَعْنَى في ذلك أَنَّهُ جَعَلَ الْأَلْفَ وَرِفْقَ الْعَقْدِ الثَّانِي ثَمَنًا وَاشْتِرَاطُ الْعَقْدِ الثَّانِي فَاسِدٌ فَبَطَلَ بَعْضُ الثَّمَنِ وَلَيْسَ له قِيمَةٌ مَعْلُومَةٌ حتى يَفْرِضَ التَّوْزِيعَ عليه وَعَلَى الْبَاقِي فَبَطَلَ الْبَيْعُ فَصْلٌ الشَّرْطُ إنْ اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ كَالْقَبْضِ وَالرَّدِّ بِعَيْبٍ فَوُجُودُهُ فيه كَعَدَمِهِ فَيَصِحُّ معه الْعَقْدُ لِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ تَأْكِيدٌ وَتَنْبِيهٌ على ما أَوْجَبَهُ الشَّارِعُ وَكَذَا إنْ لم يَكُنْ فيه غَرَضٌ وَإِنْ لم يَقْتَضِهِ الْعَقْدُ كَشَرْطِ أَنْ يُلْبِسَهُ أَيْ الْمَبِيعَ الْحَرِيرَ أو يُطْعِمَهُ الْهَرِيسَةَ لِأَنَّ ذِكْرَهُ لَا يُورِثُ تَنَازُعًا غَالِبًا وَبِهِ جَزَمَ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وقال في الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ ثُمَّ قال لَكِنْ في التَّتِمَّةِ أَنَّهُ لو شَرَطَ إلْزَامَ ما ليس بِلَازِمٍ كما لو بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يُصَلِّيَ النَّوَافِلَ أو يَصُومَ شَهْرًا غير رَمَضَانَ أو يُصَلِّيَ الْفَرَائِضَ في أَوَّلِ أَوْقَاتِهَا فَسَدَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ إلْزَامُ ما ليس بِلَازِمٍ قال وَقَضِيَّتُهُ فَسَادُ الْعَقْدِ في مَسْأَلَةِ الْهَرِيسَةِ وَالْحَرِيرِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لم يَجِدْ تَصْرِيحًا بِالْبُطْلَانِ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ من مُقْتَضَى كَلَامِ التَّتِمَّةِ وهو عَجِيبٌ فَقَدْ نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ فقال وإذا بَاعَهُ الْعَبْدَ على أَنْ لَا يَبِيعَهُ من فُلَانٍ أو على أَنْ يَبِيعَهُ منه أو على أَنْ لَا يَسْتَخْدِمَهُ أو على أَنْ يُنْفِقَ عليه كَذَا وَكَذَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فَتَلَخَّصَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ في اشْتِرَاطِ ما لَا غَرَضَ
____________________
(2/31)
فيه الْبُطْلَانُ وَإِنَّ الرَّافِعِيَّ لم يَطَّلِعْ فيه إلَّا على كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمَعْدُودِينَ في الْمُصَنَّفَيْنِ لَا في أَصْحَابِ الْوُجُوهِ
قال وقد اخْتَارَ ابن الصَّلَاحِ وابن الرِّفْعَةِ لَا يَأْكُلُ إلَّا الْهَرِيسَةَ أَنَّهُ يُقْرَأُ بِتَاءِ الْخِطَابِ فإنه حِينَئِذٍ لَا غَرَضَ فيه أَصْلًا بِخِلَافِ ما إذَا قُرِئَ بِالْيَاءِ آخِرَ الْحُرُوفِ فَقَدْ يُتَخَيَّلُ الْإِفْسَادُ لِأَنَّهُ يَنْفَعُ الْعَبْدَ كَالْإِعْتَاقِ وما قَالَاهُ بَعِيدٌ عن السِّيَاقِ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ نَقْلًا كما بَيَّنْته وَأَجَابَ عن ذلك الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ ما في التَّتِمَّةِ مَحَلُّهُ فِيمَا لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ أَصْلًا وَمَسْأَلَتُنَا مَحَلُّهَا فِيمَا يَلْزَمُهُ في الْجُمْلَةِ إذْ نَفَقَةُ الرَّقِيقِ مُقَدَّرَةٌ بِالْكِفَايَةِ وقد شُرِطَ عليه أَدَاؤُهَا من أَحَدِ الْأَنْوَاعِ التي تَتَأَدَّى هِيَ بِبَعْضِهَا فَيَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُهَا فَأَشْبَهَ خِصَالَ الْكَفَّارَةِ لَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهَا بِالتَّعْيِينِ قال وَأَمَّا قَوْلُهُ في الْأُمِّ على أَنْ يُنْفِقَ عليه كَذَا وَكَذَا فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى التَّقْدِيرِ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ وَإِلَى أَنَّهُ يَجْمَعُ له بين أَدَمَيْنِ أو نَوْعَيْنِ من الْأَطْعِمَةِ وَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ فإذا شَرَطَ فَقَدْ شَرَطَ ما لَا يَلْزَمُهُ وهو مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَأَبْطَلَهُ قال وفي التَّمْثِيلِ بِلُبْسِ الْحَرِيرِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ شَرْعًا إنْ كان الْعَبْدُ بَالِغًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْبَيْعُ كما لو بَاعَ سَيْفًا وَشَرَطَ أَنْ يَقْطَعَ بِهِ الطَّرِيقَ وَإِنْ كان فيه غَرَضٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ نَظَرْت فَإِنْ كان من مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ لم يُبْطِلْهُ وَلَزِمَ سَوَاءٌ نَفَعَ الْمُشْتَرِيَ كَكَوْنِ الْمَبِيعِ كَاتِبًا أو الْبَائِعَ كَرَهْنٍ بِالثَّمَنِ أو كِلَيْهِمَا كَالْخِيَارِ كما سَيَأْتِي بَيَانُهَا وَإِنْ لم يَكُنْ من مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ كَاسْتِثْنَاءِ سُكْنَى الدَّارِ شَهْرًا وَنَحْوَهُ فَفَاسِدٌ يُفْسِدُ الْبَيْعَ لِلنَّهْيِ عن بَيْعٍ وَشَرْطٍ كما مَرَّ وَظَاهِرُهُ امْتِنَاعُ كل شَرْطٍ لَكِنْ فُهِمَ منه أَنَّ الْمَعْنَى فيه تَأْدِيَتُهُ إلَى بَقَاءِ عَلَقَةٍ بَعْدَ الْعَقْدِ قد يَثُورُ بِسَبَبِهَا نِزَاعٌ بين الْعَاقِدَيْنِ وقد يُفْضِي إلَى فَوَاتِ مَقْصُودِ الْعَقْدِ فَحَيْثُ انْتَفَى هذا الْمَعْنَى صَحَّ الشَّرْطُ وقد وَرَدَ في بَعْضِ الشُّرُوطِ نُصُوصٌ بِصِحَّتِهَا وَسَيَأْتِي وَمِنْهُ ما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ إلَّا الْعِتْقُ كما سَيَأْتِي إذَا تَقَرَّرَ ذلك فإذا شَرَطَ في الْبَيْعِ رَهْنًا أو ضَمَانًا فَاسِدًا فَسَدَ الْبَيْعُ لِفَسَادِ الشَّرْطِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْأَجَلِ إنْ بَاعَهُ بِمُعَيَّنٍ لِأَنَّ الْأَجَلَ رِفْقٌ شُرِعَ لِتَحْصِيلِ الْحَقِّ وَالْمُعَيَّنُ حَاصِلٌ أو بَاعَهُ بِمَا في الذِّمَّةِ وَجُهِلَتْ مُدَّتُهُ أَيْ الْأَجَلُ كَقُدُومِ زَيْدٍ وَمَجِيءِ الْمَطَرِ وَإِقْبَاضِ الْمَبِيعِ لِلْغَرَرِ أو عُلِمَتْ لَكِنْ اُسْتُبْعِدَ بَقَاؤُهُ أَيْ الْبَائِعِ وَبَقَاءُ وَارِثِهِ إلَى انْتِهَائِهَا كَأَلْفِ سَنَةٍ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُمَا لَا يَبْقَيَانِ إلَيْهَا وَبِأَنَّ الْأَجَلَ يَسْقُطُ بِمَوْتِ الْمَدِينِ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن الرُّويَانِيِّ وَخَالَفَ في الرَّوْضَةِ فلم يَجْعَلْ الْمَنْعَ في ذلك لِاسْتِبْعَادِ ما ذُكِرَ بَلْ لِاسْتِبْعَادِ بَقَاءِ الدُّنْيَا إلَيْهَا قال الْمُصَنِّفُ من زِيَادَتِهِ تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ وهو مُشْكِلٌ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْأَجَلَ يَسْقُطُ قَبْلَهَا بِمَوْتِ الْمَدِينِ وَيَنْتَقِلُ الْحَقُّ لِصَاحِبِهِ أَيْ فَلَا يُؤَثِّرُ التَّأْجِيلُ بها وَرَدَ بِأَنَّ ذلك عَكْسُ مُرَادِ الرُّويَانِيِّ وَالرَّافِعِيِّ لِأَنَّ مُرَادَهُمَا أَنَّ التَّأْجِيلَ بها فَاسِدٌ لِاسْتِحَالَتِهِ لِعِلْمِنَا بِسُقُوطِ الْأَجَلِ قبل تَمَامِهِ مع ما فيه من الْغَرَرِ وَتَأْجِيلُ بَدَلِ الْمُتْلَفِ والدين الْحَالِّ وَالزِّيَادَةِ في الْأَجَلِ قبل حُلُولِهِ وَعْدٌ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْوَصِيَّةِ بِأَنْ يُوصِيَ مَالِكُهُ بِتَأْجِيلِهِ أو بِزِيَادَةِ الْأَجَلِ فيه مُدَّةً وَيَخْرُجُ من الثُّلُثِ فَيَلْزَمُ وَرَثَتَهُ الْإِمْهَالُ تِلْكَ الْمُدَّةِ لِأَنَّ التَّبَرُّعَاتِ بَعْدَ الْمَوْتِ تَلْزَمُ وَإِلَّا بِالنَّذْرِ كَقَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أُطَالِبَ مَدِينِي
____________________
(2/32)
شَهْرًا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَعَطْفُ الْمُصَنِّفِ الْحَالِ على بَدَلِ الْمُتْلَفِ من عَطْفِ الْعَامِّ على الْخَاصِّ وَلَوْ أَسْقَطَ الْمَدْيُونُ الْأَجَلَ لم يَسْقُطْ لِأَنَّهُ صِفَةٌ تَابِعَةٌ وَالصِّفَةُ لَا تُفْرَدُ بِالْإِسْقَاطِ كَإِسْقَاطِ الصِّحَّةِ لِلدَّنَانِيرِ وَالْجَوْدَةِ لِلْبُرِّ فَإِنَّهُمَا لَا يَسْقُطَانِ بِإِسْقَاطِهِمَا أو أَسْقَطَ الدَّائِنُ شَرْطَ الرَّهْنِ وَالضَّمِينَ سَقَطَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُسْتَقِلٌّ فَيُفْرَدُ شَرْطُهُ بِالْإِسْقَاطِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَيَصِحُّ شَرْطُ ضَمِينٍ بِالثَّمَنِ على الْمُشْتَرِي أو الْعُهْدَةِ على الْبَائِعِ وشرط رَهْنٍ بِالثَّمَنِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذلك في مُعَامَلَةِ من لَا يَرْضَى إلَّا بِهِ مُعَيَّنَيْنِ أَيْ الضَّمِينَ وَالرَّهْنَ بِمَا سَيَأْتِي وَيُعْتَبَرُ فِيهِمَا كَوْنُ الثَّمَنِ في الذِّمَّةِ كما في الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ لِيَخْرُجَ الْمُعَيَّنَ كَأَنْ قال بِعْتُك بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ على أَنْ يَضْمَنَك بها فُلَانٌ أو تَرْهَنَ بها كَذَا فَلَا يَصِحُّ لِمَا مَرَّ في الْأَجَلِ وَكَالثَّمَنِ في ذلك الْمُثَمَّنُ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا كَأَنْ شَرَطَ ضَمِينًا أو رَهْنًا بِدَيْنٍ آخَرَ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مَقْصُودٌ لَا يُوجِبُهُ الْعَقْدُ وَلَيْسَ من مَصَالِحِهِ ويصح شَرْعًا إشْهَادٌ لِمَا مَرَّ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يَجِبُ تَعْيِينُ الشُّهُودِ لِأَنَّ الْغَرَضَ لَا يَتَفَاوَتُ فِيهِمْ إذْ الْحَقُّ يَثْبُتُ بِأَيِّ شُهُودٍ كَانُوا بِخِلَافِ ما مَرَّ في الضَّمِينِ وَالرَّهْنِ ولم يُبَالُوا بِكَوْنِ بَعْضِ الشُّهُودِ قد يَكُونُ أَوْجَهَ وَقَوْلُهُ أَسْرَعُ قَبُولًا وَلَوْ عَيَّنُوا لم يَتَعَيَّنُوا فَيَجُوزُ إبْدَالُهُمْ بِمِثْلِهِمْ أو فَوْقِهِمْ في الصِّفَاتِ وَلَا يَجِبُ تَعْيِينُ حَافِظِ الرَّهْنِ أَيْ من يُجْعَلُ الْمَرْهُونُ في يَدِهِ لِمَا مَرَّ في الشُّهُودِ بَلْ إنْ اتَّفَقَا على يَدِ الْمُرْتَهِنِ أو عَدْلٍ فَذَاكَ وَإِنْ تَشَاحَّا أُعْطَى عَدْلًا أَيْ جَعَلَهُ الْحَاكِمُ في يَدِ عَدْلٍ وَيَكْفِي وَصْفُ السَّلَمِ في الرَّهْنِ كما تَكْفِي فيه الْمُشَاهَدَةُ لَا في الضَّمِينِ فَتُشْتَرَطُ مُشَاهَدَتُهُ أو مَعْرِفَةُ اسْمِهِ وَنَسَبِهِ بِذِكْرِهِمَا قال في الْأَصْلِ وَلَوْ قِيلَ الِاكْتِفَاءُ بِالْوَصْفِ كَمُوسِرٍ ثِقَةٍ أَوْلَى منه بِمُشَاهَدَةِ من لَا يُعْرَفُ حَالُهُ لم يَكُنْ بَعِيدًا وَأُجِيبُ عنه بِأَنَّ الْأَحْرَارَ لَا يُمْكِنُ الْتِزَامُهُمْ في الذِّمَّةِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عليهم بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ فإنه مَالٌ يَثْبُتُ في الذِّمَّةِ وقد يُنْتَقَضُ بِالضَّامِنِ الرَّقِيقِ وَالرَّهْنُ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي في بَقِيَّةِ الْفَصْلِ بِمَعْنَى الْمَرْهُونِ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَرْهُونِ غَيْرِ الْمَبِيعِ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِشَرْطِ رَهْنِ الْمَبِيعِ لِاشْتِمَالِهِ على شَرْطِ رَهْنِ ما لم يَمْلِكْهُ بَعْدُ وَلِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ تَمَكُّنُ الْمُشْتَرِي من التَّصَرُّفِ وهو مُنَافٍ له سَوَاءٌ أَشَرَطَ أَنْ يَرْهَنَهُ إيَّاهُ بَعْدَ قَبْضِهِ أَمْ قَبْلَهُ فَإِنْ رَهَنَهُ بَعْدَ قَبْضِهِ بِلَا شَرْطٍ صَحَّ كما يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي وَكَالرَّهْنِ فِيمَا ذَكَرَهُ الضَّمِينُ فَلَوْ بَاعَ عَيْنًا لِاثْنَيْنِ على أَنْ يَضْمَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ لم يَصِحَّ كما جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ في بَسِيطِهِ لِمَا فيه من اشْتِرَاطِ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي غَيْرِهِ وهو بَاطِلٌ لِخُرُوجِهِ عن مَصْلَحَةِ عَقْدِهِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ فَإِنْ لم يَضْمَنْ من عَيَّنَ لِلضَّمَانِ كَأَنْ مَاتَ قَبْلَهُ أو لم يَشْهَدْ من شَرَطَ عليه الْإِشْهَادَ كَأَنْ مَاتَ قَبْلَهُ أو لم يَرْهَنْ ما شَرَطَ رَهْنَهُ أو تَلِفَ الرَّهْنُ أو أَعْتَقَهُ مَالِكُهُ أو دَبَّرَهُ أو بَانَ مَعِيبًا قبل الْقَبْضِ فَلَهُ أَيْ لِلْمَشْرُوطِ له ذلك الْخِيَارُ في فَسْخِ الْبَيْعِ لِفَوَاتِ ما شَرَطَ له وهو على الْفَوْرِ لِأَنَّهُ خِيَارُ نَقْصٍ وَلَا يُجْبَرُ من شُرِطَ عليه ذلك على الْقِيَامِ بِمَا شُرِطَ لِزَوَالِ الضَّرَرِ بِالْفَسْخِ وَلَا يَقُومُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ مَقَامَهُ أَمَّا إذَا تَلِفَ أو تَعَيَّبَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا خِيَارَ له نعم إنْ اسْتَنَدَ إلَى سَبَبٍ سَابِقٍ كَرِدَّةٍ وَسَرِقَةٍ سَابِقَتَيْنِ فَلَهُ الْخِيَارُ فَإِنْ ادَّعَى الرَّاهِنُ حُدُوثَ الْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ وقال الْمُرْتَهِنُ قَبْلَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ اسْتِدَامَةً لِلْبَيْعِ وَمَحَلُّهُ إذَا أَمْكَنَ حُدُوثُهُ وَقِدَمُهُ فَإِنْ لم يُمْكِنْ حُدُوثُهُ كَأُصْبُعٍ زَائِدَةٍ صَدَقَ الْمُرْتَهِنُ بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ لم يُمْكِنْ قِدَمُهُ صَدَقَ الرَّاهِنُ بِلَا يَمِينٍ وَلَوْ عَلِمَ الْمُرْتَهِنُ بِالْعَيْبِ بَعْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ أو تَعَيُّبِهِ مَقْبُوضًا أَيْ بَعْدَ قَبْضِهِ فَلَا خِيَارَ له لِأَنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا أَمْكَنَهُ رَدُّ الرَّهْنِ كما أَخَذَهُ نعم إنْ كان الْهَلَاكُ يُوجِبُ الْقِيمَةَ فَأَخَذَهَا الْمُرْتَهِنُ رَهْنًا ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ فَلَهُ الْخِيَارُ كما جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا أَرْشَ له لِأَنَّهُ دخل في ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ وَهَلَاكُ بَعْضِ الْمَرْهُونِ بَعْدَ قَبْضِهِ كَهَلَاكِ كُلِّهِ فَلَوْ ارْتَهَنَ عَبْدَيْنِ مَثَلًا وَقَبَضَ أَحَدَهُمَا وَتَلِفَ في يَدِهِ وَتَلِفَ الْآخَرُ في يَدِ الرَّاهِنِ قال الْمَاوَرْدِيُّ فَلَا خِيَارَ له لِفَوَاتِ رَدِّ ما تَلِفَ في يَدِهِ وَيَصِحُّ بَيْعُ الرَّقِيقِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ كَاتِبًا أو خَبَّازًا وَبِشَرْطِ الْخِيَارِ وَسَنَذْكُرُهُ
____________________
(2/33)
في بَابِ الْخِيَارِ وَيَفْسُدُ الْبَيْعُ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ كما إذَا بَاعَهُ دَارًا بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهُ عَبْدًا أو يُقْرِضَهُ أَلْفًا مَثَلًا فَإِنْ فَعَلَ بِمُوَافَقَةِ الْآخَرِ وَأَتَيَا بِالْعَقْدَيْنِ فَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ كما عُلِمَ وَكَذَا الثَّانِي إنْ جَهِلَ بُطْلَانَ الْأَوَّلِ بِأَنْ جَهِلَاهُ أو أَحَدُهُمَا لِأَنَّهُمَا أَتَيَا بِهِ على حُكْمِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَإِنْ عَلِمَا الْبُطْلَانَ صَحَّ وَإِنْ اشْتَرَى زَرْعًا أو ثَوْبًا مَثَلًا بِعَشَرَةٍ بِشَرْطِ حَصْدِهِ وَخِيَاطَتِهِ له بِدِرْهَمٍ لم يَصِحَّ الشِّرَاءُ لِاشْتِمَالِهِ على شَرْطِ عَمَلٍ له فِيمَا لم يَمْلِكْهُ بَعْدُ سَوَاءٌ أَشَرَطَ الْعَمَلَ على الْبَائِعِ أَمْ على الْأَجْنَبِيِّ فَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَوْلَى من تَقْيِيدِ الْأَصْلِ بِالْبَائِعِ فَإِنْ قال اشْتَرَيْته بِعَشَرَةٍ وَاسْتَأْجَرْتُك لِحَصْدِهِ أو خِيَاطَتِهِ بِدِرْهَمٍ وَقَبِلَ بِأَنْ قال بِعْت وَأَجَّرْت صَحَّ الْبَيْعُ وَحْدَهُ أَيْ دُونَ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ قبل الْمِلْكِ لِمَحَلِّ الْعَمَلِ فَإِنْ اشْتَرَاهُ وَاسْتَأْجَرَهُ بِالْعَشَرَةِ فَقَوْلَا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ في الْبَيْعِ وَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ وَلَا تَصْحِيحَ في الْأَصْلِ فإنه قال فَطَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا على الْقَوْلَيْنِ في الْجَمْعِ بين مُخْتَلِفِي الْحُكْمِ وَالثَّانِي تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ وفي الْبَيْعِ قَوْلَا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ فَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَبِهِ صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ فَلَوْ جَمَعَهَا مع التي قَبْلَهَا بِأَنْ قال قبل قَوْلِهِ وَقَبِلَ أو اشْتَرَاهُ وَاسْتَأْجَرَهُ بِالْعَشَرَةِ كان أَحْسَنَ وَأَخْصَرَ وَإِنْ اشْتَرَى حَطَبًا مَثَلًا على دَابَّةٍ بِشَرْطِ إيصَالِهِ مَنْزِلِهِ لم يَصِحَّ وَإِنْ عَرَفَ مَنْزِلَهُ لِأَنَّهُ بَيْعٌ بِشَرْطٍ وَإِنْ أَطْلَقَ الْعَقْدَ صَحَّ وَإِنْ اُعْتِيدَ إيصَالُهُ مَنْزِلِهِ ولم يَجِبْ إيصَالُهُ إلَيْهِ بَلْ يُسَلِّمُهُ له في مَوْضِعِهِ وَلَوْ أَخَّرَ وَإِنْ اُعْتِيدَ عَمَّا بَعْدَهُ بِأَنْ قال ولم يَجِبْ إيصَالُهُ وَإِنْ اُعْتِيدَ كان أَوْلَى وفي نُسْخَةٍ لم يَجِبْ بِحَذْفِ الْوَاوِ فَيَكُونُ جَوَابًا لِمَا قَبْلَهُ فَرْعٌ بَيْعُ الْعَبْدِ بِشَرْطِ إعْتَاقِهِ مُطْلَقًا أو عن الْمُشْتَرِي صَحِيحٌ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى الْعِتْقِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ وَشَرَطَ مَوَالِيهَا أَنْ تُعْتِقَهَا وَيَكُونُ وَلَاؤُهَا لهم فلم يُنْكِرْ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا شَرْطَ الْوَلَاءِ لهم بِقَوْلِهِ ما بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ في كِتَابِ اللَّهِ ما كان من شَرْطٍ ليس في كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ الحديث لَا أَنْ شَرَطَهُ أَيْ إعْتَاقَهُ عن غَيْرِ الْمُشْتَرِي من بَائِعٍ أو أَجْنَبِيٍّ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ ليس في مَعْنَى ما وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ وَخَرَجَ بِإِعْتَاقِ الْمَبِيعِ شَرْطُ إعْتَاقِ غَيْرِهِ فَلَا يَصِحُّ معه الْبَيْعُ لِأَنَّهُ ليس من مَصَالِحِهِ وَشَرْطُ إعْتَاقِ بَعْضِهِ وَالْمُتَّجَهُ كما قال بَعْضُهُمْ الصِّحَّةُ بِشَرْطِ تَعْيِينِ الْمِقْدَارِ الْمَشْرُوطِ وَلَوْ بَاعَ بَعْضَهُ بِشَرْطِ إعْتَاقِهِ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْبَهْجَةِ كَالْحَاوِي الصِّحَّةُ وَنَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ عن الْمُعِينِ لِلْيَمَنِيِّ الْبُطْلَانُ ولم أَرَهُ فيه وَلَمَّا حَكَاهُ الْأَذْرَعِيُّ عن حِكَايَةِ بَعْضِهِمْ له قال إنْ صَحَّ فَهُوَ في غَيْرِ الْمُبَعَّضِ وفي غَيْرِ من له بَاقِيَةٌ وهو أَيْ الِاعْتِقَادُ الْمَشْرُوطُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى كَالْمُلْتَزِمِ بِالنَّذْرِ لِأَنَّهُ لَزِمَ بِاشْتِرَاطِهِ وَلَوْ امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي من الْإِعْتَاقِ أُجْبِرَ أَيْ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عليه لِأَنَّ الْحَقَّ فيه لِلَّهِ تَعَالَى كما عُرِفَ فَإِنْ أَصَرَّ على الِامْتِنَاعِ صَارَ كَالْمَوْلَى فَيُعْتَقُ عليه الْحَاكِمُ
كما قَالَهُ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَقَوَّاهُ في الْمَجْمُوعِ وَقِيلَ يَحْسِبُهُ حتى يُعْتِقَهُ وَطَالَبَهُ الْبَائِعُ بِهِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْحَقَّ فيه لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يُثَابُ على شَرْطِهِ وَلَهُ غَرَضٌ في تَحْصِيلِهِ وَلِذَلِكَ قد يُسَامِحُ في الثَّمَنِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَلِمَ لَا يُقَالُ لِلْآحَادِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ حِسْبَةً لَا سِيَّمَا عِنْدَ مَوْتِ الْبَائِعِ أو جُنُونِهِ وَلَوْ أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ وَلَوْ امْتَنَعَ أُجْبِرَ عن مُطَالَبَةِ الْبَائِعِ كما في الْأَصْلِ كان أَوْلَى وَوَلَاؤُهُ أَيْ عِتْقُ الْعَبْدِ
____________________
(2/34)
لِلْمُشْتَرِي إذَا أَعْتَقَهُ لِأَنَّهُ الْمُعْتِقُ وَلَوْ أَعْتَقَهُ عن كَفَّارَةٍ لم يُجْزِئْهُ عنها وَإِنْ أَذِنَ له فيه الْبَائِعُ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْعِتْقِ بِجِهَةِ الشَّرْطِ فَلَا يُصْرَفُ إلَى غَيْرِهَا كما لَا يُعْتَقُ الْمَنْذُورُ عن الْكَفَّارَةِ وَلِلْمُشْتَرِي اسْتِخْدَامُهُ وَإِكْسَابُهُ وَقِيمَتُهُ إنْ قُتِلَ قبل الْعِتْقِ وَوَطْءِ الْأَمَةِ الْمَشْرُوطُ إعْتَاقُهَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَلَكَهُ وَلَا يُكَلِّفُ صَرْفَ قِيمَتِهِ إلَى شِرَاءِ رَقِيقٍ آخَرَ لِيُعْتِقَهُ وَلَوْ أَخَّرَ الظَّرْفَ عَمَّا بَعْدَهُ كان أَوْلَى وَلَوْ جَنَى قبل إعْتَاقِهِ لَزِمَهُ فِدَاؤُهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ بِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِعْتَاقُ فَوْرًا وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ إذَا طَلَبَهُ منه الْحَاكِمُ أو الْبَائِعُ أو ظَنَّ فَوَاتَهُ لو لم يَأْتِ بِهِ فَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي قبل إعْتَاقِهِ فَالْقِيَاسُ أَنَّ وَارِثَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ وَلَا يُجْزِئُ أَيْ يَكْفِي اسْتِيلَادُهَا عن الْعِتْقِ لِأَنَّهُ ليس بِإِعْتَاقٍ وَلَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي على بِمَعْنَى من من يُعْتِقُهُ بِأَنْ شَرَطَ عليه إعْتَاقَهُ لم يَصِحَّ لِأَنَّ إعْتَاقَهُ مُتَعَيِّنٌ عليه وفي إجَارَتِهِ احْتِمَالَانِ لِلدَّارِمِيِّ صَحَّحَ مِنْهُمَا النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ الْمَنْعَ
فَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي قبل عِتْقِهِ لم يَلْزَمْهُ الثَّمَنُ الْمُسَمَّى في الْعَقْدِ سَوَاءٌ قُلْنَا الْعِتْقُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى أو لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ لم يَلْتَزِمْ غَيْرَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ قَدْرُ التَّفَاوُتِ وَلَا يَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ بين الْإِجَازَةِ بِالثَّمَنِ وَالْفَسْخِ بِرَدِّهِ وَالرُّجُوعِ على الْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ تَدْبِيرِهِ أو تَعْلِيقِ عِتْقِهِ وَلَوْ في ضِمْنِ كِتَابَةٍ أو وَقْفِهِ أو إعْتَاقِهِ بَعْدَ شَهْرٍ مَثَلًا أو بَيْعِهِ بِشَرْطِ عِتْقِهِ كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ لم يَصِحَّ إذْ لم يَحْصُلْ في وَاحِدٍ منها ما تَشَوَّقَ إلَيْهِ الشَّارِعُ من الْعِتْقِ النَّاجِزِ وَكَذَا لو اشْتَرَطَ الْبَائِعُ الْوَلَاءَ فيه لِنَفْسِهِ لِمُخَالَفَتِهِ ما تَقَرَّرَ في الشَّرْعِ من أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ سَوَاءٌ أَشَرَطَ مع الْوَلَاءِ الْعِتْقَ أَمْ لَا بِأَنْ قال بِعْتُكَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لي الْوَلَاءُ إنْ أَعْتَقْته وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم في خَبَرِ بَرِيرَةَ لِعَائِشَةَ وَاشْتَرِطِي لهم الْوَلَاءَ فَأَجَابَ عنه الْأَقَلُّ بِأَنَّ رَاوِيَهُ هِشَامًا تَفَرَّدَ بِهِ فَيُحْمَلُ على وَهْمٍ وَقَعَ له لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَأْذَنُ فِيمَا لَا يَجُوزُ وَالْأَكْثَرُ بِأَنَّ الشَّرْطَ لم يَقَعْ في الْعَقْدِ وَبِأَنَّهُ خَاصٌّ بِقِصَّةِ عَائِشَةَ لِمَصْلَحَةِ قَطْعِ عَادَتِهِمْ كما خَصَّ فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ بِالصَّحَابَةِ لِمَصْلَحَةِ بَيَانِ جَوَازِهَا في أَشْهُرِهِ وَبِأَنَّ لهم بِمَعْنَى عليهم كما في وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا أو كان الْمَشْرُوطُ إعْتَاقُهُ بَعْضًا لِلْمُشْتَرِي يُعْتَقُ عليه بِالشِّرَاءِ كَأَبِيهِ وَابْنِهِ لِتَعَذُّرِ الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ لِأَنَّهُ يُعْتَقُ عليه قبل إعْتَاقِهِ قال في الْمَجْمُوعِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ وَيَكُونُ شَرْطُهُ تَوْكِيدًا لِلْمَعْنَى وَإِنْ شَرَطَ عِتْقَ حَامِلٍ فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَفِي عِتْقِ الْوَلَدِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابن كَجٍّ وَالْأَصَحُّ مِنْهُمَا في الْمَجْمُوعِ الْمَنْعُ لِانْقِطَاعِ التَّبَعِيَّةِ بِالْوِلَادَةِ فَرْعٌ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحَمْلِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ فَإِنْ اشْتَرَى الْحَامِلَ مُطْلَقًا تَبِعَهَا الْحَمْلُ في الْبَيْعِ وَالْحَمْلُ يُعْرَفُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُعْطَى حُكْمَ الْمَعْرُوفِ فَيُقَابَلُ بِقِسْطٍ من الثَّمَنِ وَلَوْ بَاعَهَا أَيْ دَابَّةً بِشَرْطِ أنها حَامِلٌ أو لَبُونٌ أو كَاتِبَةٌ أو نَحْوِهَا صَحَّ لِأَنَّهُ من مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ التي تَتَعَلَّقُ بِالثَّمَنِ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِإِنْشَاءِ ما يَتَجَدَّدُ بَلْ هو الْتِزَامُ صِفَةٍ نَاجِزَةٍ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ كما لَا يُؤَدِّي إلَيْهَا ما لَا غَرَضَ فيه لَا إنْ اسْتَثْنَى لَبَنَهَا أو حَمْلَهَا فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ فَلَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ كَأَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ وَيُفَارِقُ صِحَّةَ بَيْعِ الشَّجَرَةِ دُونَ ثَمَرَتِهَا بِتَيَقُّنِ وُجُودِ الثَّمَرَةِ وَالْعِلْمِ بِصِفَاتِهَا بِخِلَافِ الْحَمْلِ أو كان الْحَمْلُ حُرًّا أو رَقِيقًا لِغَيْرِهِ أَيْ لِغَيْرِ مَالِكِ الْأُمِّ وَلَوْ لِلْمُشْتَرِي فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْحَمْلَ فِيهِمَا لَا يَدْخُلُ في الْبَيْعِ فَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَى وَاسْتَشْكَلَ بِصِحَّةِ بَيْعِ الدَّارِ الْمُؤَجَّرَةِ فإنه صَحِيحٌ مع أَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَدْخُلُ فَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَاهَا وَيُجَابُ بِأَنَّ الْحَمْلَ أَشَدُّ اتِّصَالًا من الْمَنْفَعَةِ بِدَلِيلِ جَوَازِ إفْرَادِهَا بِالْعَقْدِ بِخِلَافِهِ فَصَحَّ اسْتِثْنَاؤُهَا شَرْعًا دُونَهُ وَلَوْ
____________________
(2/35)
بَاعَهَا وَحَمْلَهَا أو بَاعَهَا وَلَبَنَ ضَرْعِهَا لم يَصِحَّ لِجَعْلِهِ الْحَمْلِ أو اللَّبَنِ الْمَجْهُولِ مَبِيعًا مع الْمَعْلُومِ بِخِلَافِ بَيْعِهَا بِشَرْطِ كَوْنِهَا حَامِلًا أو لَبُونًا كما مَرَّ لِأَنَّهُ جَعَلَ ذلك وَصْفًا تَابِعًا وَبَيْضُ الطَّيْرِ كَالْحَمْلِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَيَصِحُّ بَيْعُ الْجُبَّةِ بِحَشْوِهَا وَالْجِدَارُ بِأُسِّهِ لِدُخُولِ الْحَشْوِ في مُسَمَّى الْجُبَّةِ وَالْأُسِّ في مُسَمَّى الْجِدَارِ فَلَا يَضُرُّ ذِكْرُهُمَا لِأَنَّهُ تَأْكِيدٌ بِخِلَافِ الْحَمْلِ وَدُخُولُهُ تَبَعًا لَا يَسْتَلْزِمُ دُخُولَهُ في مُسَمَّى اللَّفْظِ وَتَعْبِيرُهُ في مَسْأَلَةِ الْحَمْلِ بِالْوَاوِ وفي مَسْأَلَةِ الْحَشْوِ بِالْبَاءِ مِثَالٌ إذْ لَا فَرْقَ في كُلٍّ مِنْهُمَا وما ذُكِرَ مَعَهُمَا بين الْوَاوِ وَالْبَاءِ وَمَعَ كما ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ في أَثْنَاءِ الْأَمْثِلَةِ وَإِنْ شَرَطَ وَضْعَ الْحَمْلِ لِشَهْرٍ مَثَلًا أو أنها تُدِرُّ كُلَّ يَوْمٍ صَاعًا مَثَلًا لم يَصِحَّ لِأَنَّ ذلك غَيْرُ مَقْدُورٍ عليه فِيهِمَا وَغَيْرُ مُنْضَبِطٍ في الثَّانِيَةِ فَصَارَ كما لو شَرَطَ أَنْ يَكْتُبَ الْعَبْدُ كُلَّ يَوْمٍ عَشَرَ وَرَقَاتٍ مَثَلًا فَرْعٌ لو شَرَطَ الْبَائِعُ بِمُوَافَقَةِ الْمُشْتَرِي حَبْسَ الْمَبِيعِ بِثَمَنٍ في الذِّمَّةِ حتى يُسْتَوْفَى الثَّمَنُ الْحَالُّ الْمُؤَجَّلُ وَخَافَ فَوْتَ الثَّمَنِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ صَحَّ لِأَنَّ حَبْسَهُ حِينَئِذٍ من مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ ما إذَا كان مُؤَجَّلًا أو حَالًّا ولم يَخَفْ فَوْتَهُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ حِينَئِذٍ في التَّسْلِيمِ بِالْبَائِعِ كما نَبَّهَ على ذلك بِقَوْلِهِ لَا إنْ قُلْنَا الْبُدَاءَةُ بِالْبَائِعِ وَإِنْ بَاعَهُ صُبْرَةً كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ على أَنْ يَزِيدَهُ أو يُنْقِصَهُ صَاعًا لم يَجُزْ إلَّا إنْ كانت صِيعَانُهَا مَعْلُومَةً كَعَشَرَةٍ وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ عنها في الزِّيَادَةِ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ أو في النَّقْصِ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا فَيَجُوزُ فَفِي الْأُولَى قد بَاعَ كُلَّ صَاعٍ وَتُسْعًا بِدِرْهَمٍ وفي الثَّانِيَةِ بَاعَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَعَشَرَ فَعُلِمَ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ الْجَوَازِ فِيمَا إذَا كانت الصِّيعَانُ مَجْهُولَةً لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حِصَّةَ كل صَاعٍ وَفِيمَا إذَا لم يُرِدْ ما ذَكَرَ كَأَنْ أَرَادَ في الْأُولَى هِبَةَ صَاعٍ أو بَيْعَهُ من مَحَلٍّ آخَرَ وفي الثَّانِيَةِ رَدَّهُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ شَرْطُ عَقْدٍ في عَقْدٍ فَإِنْ لم يُبَيِّنْ فِيمَا لو قال بِعْتُكهَا كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ على أَنْ أَزِيدَك صَاعًا أو أُنْقِصَك أَنَّهُ أَرَادَ أَحَدَهُمَا بَطَلَ الْبَيْعُ مُطْلَقًا لِلْإِبْهَامِ وإذا بَاعَهُ الْأَرْضَ أو الصُّبْرَةَ مَثَلًا على أنها مِائَةُ ذِرَاعٍ أو مِائَةُ صَاعٍ فَخَرَجَ الْمَبِيعُ زَائِدًا أو نَاقِصًا صَحَّ تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ وَتَنْزِيلًا لِخَلْفِ الشَّرْطِ في الْمِقْدَارِ مَنْزِلَةَ خَلْفِهِ في الصِّفَاتِ
وثبت الْخِيَارُ لِمَنْ عليه الضَّرَرُ وهو الْبَائِعُ في الزِّيَادَةِ وَالْمُشْتَرِي في النَّقْصِ فَإِنْ قال الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ لَا تَفْسَخْ وأنا أَقْنَعُ بِالْقَدْرِ الْمَشْرُوطِ شَائِعًا وَلَك الزِّيَادَةُ أو قال لَا تَفْسَخْ وأنا أُعْطِيَك ثَمَنَ الزَّائِدِ لم يَسْقُطْ خِيَارُ الْبَائِعِ لِمَا فيه من الضَّرَرِ عليه أَمَّا في الْأُولَى فَلِأَنَّ ثُبُوتَ حَقِّ الْمُشْتَرِي شَائِعًا يَجُرُّ ضَرَرًا وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَلِمَا فيه من إلْزَامِهِ تَمْلِيكِ مَالِهِ لِغَيْرِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي بِحَطِّ الْبَائِعِ من الثَّمَنِ قَدْرَ النَّقْصِ وإذا أَجَازَ فَبِالْمُسَمَّى يُجِيزُ لَا غَيْرُ أَيْ لَا بِقِسْطِهِ لِأَنَّ الْمُتَنَاوَلَ بِالْإِشَارَةِ ذلك الْمَوْجُودُ لَا غَيْرُ وإذا أَجَازَ الْبَائِعُ فَالْجَمِيعُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يُطَالِبُهُ لِلزِّيَادَةِ بِشَيْءٍ وَلَوْ قال بِعْ عَبْدَك مَثَلًا من زَيْدٍ بِأَلْفٍ وَعَلَى خَمْسِمِائَةٍ عِبَارَةُ الْأَصْلِ على أَنَّ عَلَيَّ خَمْسُمِائَةٍ فَفَعَلَ لم يَصِحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّ وُجُوبَ الثَّمَنِ خَاصٌّ بِالْمُشْتَرِي وما ذُكِرَ في الْخُلْعِ من أَنَّهُ لو قال بِعْ عَبْدَك بِأَلْفٍ وَلَك عَلَيَّ خَمْسُمِائَةٍ فَفَعَلَ صَحَّ ولم يَسْتَحِقَّ على الْقَائِلِ شيئا صُورَتُهُ أَنَّهُ لم يَجْعَلْ الْخَمْسَمِائَةِ شَرْطًا في الْعَقْدِ فَصْلٌ الْمَقْبُوضُ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ لِفَقْدِ شَرْطٍ أو لِشَرْطٍ فَاسِدٍ يَضْمَنُهُ الْمُشْتَرِي ضَمَانَ الْغَصْبِ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ كُلَّ لَحْظَةٍ بِرَدِّهِ فَيَضْمَنُهُ عِنْدَ تَلَفِهِ بِالْمِثْلِ في الْمِثْلِيِّ وَبِأَقْصَى الْقِيَمِ في الْمُتَقَوِّمِ من وَقْتِ الْقَبْضِ إلَى وَقْتِ التَّلَفِ وَعَلَيْهِ أَرْشُ نَقْصِهِ لِلتَّعَيُّبِ وَأُجْرَةُ مِثْلِهِ لِلْمَنْفَعَةِ وَإِنْ لم يَسْتَوْفِهَا وَضَمَانُ زَوَائِدِهِ كَنِتَاجٍ وَتَعَلُّمِ حِرْفَةٍ وَعَلَيْهِ رَدُّهُ لِمَالِكِهِ وَمُؤْنَةُ رَدِّهِ وَلَيْسَ له حَبْسُهُ لِاسْتِرْدَادِ الثَّمَنِ وَلَا يَتَقَدَّمُ بِهِ على الْغُرَمَاءِ كَالرَّهْنِ الْفَاسِدِ وَاسْتَشْكَلَ ذلك بِتَوْجِيهِ الشَّيْخَيْنِ في الضَّمَانِ عَدَمَ مُطَالَبَةِ ضَامِنِ الْعُهْدَةِ لو بَانَ فَسَادُ الْبَيْعِ بِالِاسْتِغْنَاءِ عنه بِإِمْكَانِ حَبْسِ الْمَبِيعِ إلَى اسْتِرْدَادِ الثَّمَنِ وَأُجِيبُ عنه بِأَنَّ الْبَائِعَ الْتَزَمَ ثَمَّ حُكْمَ الضَّمَانِ فَلَزِمَهُ حُكْمُ التَّوَثُّقِ فَكَانَ لِلْمُشْتَرِي الْحَبْسُ لِذَلِكَ وَبِأَنَّ التَّوْجِيهَ إنَّمَا هو من الْقَائِلِ بِجَوَازِ الْحَبْسِ وَسَكَتَ عليه الشَّيْخَانِ لِأَنَّهُمَا تَكَلَّمَا عليه في مَحَلِّهِ وَإِنْ اتَّفَقَ عليه لم يَرْجِعْ على الْبَائِعِ
____________________
(2/36)
بِمَا أَنْفَقَ وَلَوْ جَهِلَ الْفَسَادَ لِأَنَّهُ شُرِعَ في الْعَقْدِ على أَنْ يَضْمَنَ ذلك وَإِنْ وَطِئَهَا أَيْ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَاةَ شِرَاءً فَاسِدًا لم يُحَدَّ وَإِنْ عَلِمَ الْفَسَادَ لِشُبْهَةِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ في حُصُولِ الْمِلْكِ بِذَلِكَ إلَّا إنْ عَلِمَ الْفَسَادَ وَالثَّمَنُ مَيْتَةٌ أو دَمٌ أو نَحْوُهُمَا مِمَّا لَا يُمْلَكُ بِهِ أَصْلًا فَيُحَدُّ لِأَنَّ الشِّرَاءَ بِذَلِكَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ عِنْدَ أَحَدٍ لَا خَمْرٌ وَنَحْوُهُ كَخِنْزِيرٍ لِأَنَّ الشِّرَاءَ بِهِ يُفِيدُ الْمِلْكَ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَأَفَادَ تَعْبِيرُهُ بِعُلِمَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعِلْمِ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ وهو ظَاهِرٌ فَهُوَ أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ إنْ كَانَا أَيْ الْوَاطِئُ وَالْمَوْطُوءَةُ عَالِمَيْنِ وَأُلْحِقَتْ الْمَيْتَةُ هُنَا بِالدَّمِ وفي الْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ بِالْخَمْرِ لِأَنَّ النَّظَرَ ثَمَّ إلَى وُرُودِ الْعَقْدِ على مَقْصُودٍ وَالْمَيْتَةُ مَقْصُودَةٌ لِإِطْعَامِ الْجَوَارِحِ وَالنَّظَرُ هُنَا إلَى ما يقول الْحَنَفِيُّ أَنَّ الشِّرَاءَ بِهِ يُفِيدُ الْمِلْكَ وَعِنْدَهُ الْمَيْتَةُ كَالدَّمِ في عَدَمِ إفَادَةِ الْمِلْكِ بِالشِّرَاءِ بها ذَكَرَهُ في الْمُهِمَّاتِ وَحَيْثُ لَا حَدَّ يَجِبُ الْمَهْرُ وَلَا عِبْرَةَ بِالْإِذْنِ الذي يَتَضَمَّنُهُ التَّمْلِيكُ الْفَاسِدُ فَإِنْ كانت أَيْ الْأَمَةُ بِكْرًا فَمَهْرُ بِكْرٍ لِلتَّمَتُّعِ بها وَقِيَاسًا على النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِجَامِعِ التَّوَصُّلِ إلَى الْوَطْءِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ لِإِتْلَافِهَا بِخِلَافِهِ في النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لِأَنَّ فَاسِدَ كل عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ في الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ مَضْمُونٌ في صَحِيحِ الْبَيْعِ دُونَ النِّكَاحِ إذْ لو أَزَالَ الْمُشْتَرِي بَكَارَتَهَا بِوَطْءٍ أو غَيْرِهِ في الْبَيْعِ الصَّحِيحِ ثُمَّ اطَّلَعَ على عَيْبٍ لم يَكُنْ له الرَّدُّ بِغَيْرِ أَرْشِ الْبَكَارَةِ وَلَوْ أَزَالَهَا بِأُصْبُعِهِ في النِّكَاحِ الصَّحِيحِ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَا شَيْءَ عليه
وما تَقَرَّرَ من إيجَابِ مَهْرِ بِكْرٍ لَا يُخَالِفُ ما في الْغَصْبِ من أَنَّهُ لو اشْتَرَى بِكْرًا مَغْصُوبَةً وَوَطِئَهَا جَاهِلًا لَزِمَهُ مع أَرْشِ الْبَكَارَةِ مَهْرُ ثَيِّبٍ لِوُجُودِ الْعَقْدِ الْمُخْتَلِفِ في حُصُولِ الْمِلْكِ بِهِ هُنَا كما في النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنْ أَحْبَلَهَا ضَمِنَ ما يَحْدُثُ منه أَيْ من إحْبَالِهَا حتى لو مَاتَتْ بِالطَّلْقِ وَلَوْ بَعْدَ عَوْدِهَا إلَى مَالِكِهَا لَزِمَهُ قِيمَتُهَا وَالْوَلَدُ حَيْثُ لَا حَدَّ حُرٌّ نَسِيبٌ لِلشُّبْهَةِ وَلَا تَصِيرُ بِهِ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ وَإِنْ مَلَكَهَا بَعْدُ لِأَنَّهَا لم تَكُنْ مِلْكَهُ حَالَةَ الْعُلُوقِ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِتَفْوِيتِهِ رِقِّهِ على مَالِكِهِ نعم إنْ كان الْبَائِعُ عَالِمًا بِالْفَسَادِ فَهُوَ غَارٌّ فَلَا يَغْرَمُ له الْمُشْتَرِي الْقِيمَةَ لِأَنَّهُ لو غَرِمَهَا له لَرَجَعَ بها عليه لِكَوْنِهِ غَارًّا ذَكَرَهُ ابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يوم الْوِلَادَةِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ إمْكَانِ تَقْوِيمِهِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ إنْ خَرَجَ حَيًّا لَا إنْ خَرَجَ مَيِّتًا بِغَيْرِ جِنَايَةٍ وَلَا يَرْجِعُ بها إذَا غَرِمَهَا على الْبَائِعِ بِخِلَافِ ما لو اشْتَرَى أَمَةً بِصِيغَةٍ صَحِيحَةٍ وَاسْتَوْلَدَهَا فَخَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً فإنه يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ على الْبَائِعِ لِأَنَّهُ غَرَّهُ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ بِصِيغَةٍ صَحِيحَةٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ مُضِرًّا وَإِنْ مَاتَ بِجِنَايَةٍ فَالْغُرَّة على عَاقِلَةِ الْجَانِي لِلْمُشْتَرِي وَعَلَيْهِ لِلْمَالِكِ الْأَقَلُّ من قِيمَتِهِ مَوْلُودًا أَيْ يوم الْوِلَادَةِ ومن الْغُرَّةِ وَلِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ من شَاءَ من الْجَانِي وَالْمُشْتَرِي وَسَيَأْتِي في الْغَصْبِ مَالَهُ بهذا تَعَلُّقٌ فَرْعٌ بَيْعُهُ ما اشْتَرَاهُ فَاسِدًا كَبَيْعِ الْغَاصِبِ الْمَغْصُوبِ فَلَا يَصِحُّ وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ لِمَالِكِهِ وَلِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِمَا نَقَصَ في يَدِ الثَّانِي كما يُطَالِبُهُ بِمَا نَقَصَ في يَدِهِ وله مُطَالَبَةُ الثَّانِي أَيْضًا بِذَلِكَ لَا بِمَا نَقَصَ قبل قَبْضِهِ لِأَنَّهُ لم يَدْخُلْ في ضَمَانِهِ وَالْقَرَارُ فِيمَا يُطَالِبُ بِهِ كُلًّا مِنْهُمَا على الثَّانِي إنْ تَلِفَ في يَدِهِ لِحُصُولِ التَّلَفِ فيها وَكُلُّ نَقْصٍ حَدَثَ في يَدِهِ يُطَالِبُ بِهِ الْأَوَّلَ وَيَرْجِعُ بِهِ على الثَّانِي وَكَذَا حُكْمُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَصْلٌ لو حَذَفَا أَيْ الْعَاقِدَانِ الْمُفْسِدَ لِلْعَقْدِ وَلَوْ في مَجْلِسِ الْخِيَارِ لم يَنْقَلِبْ صَحِيحًا إذْ لَا عِبْرَةَ بِالْفَاسِدِ وَلَوْ زَادَا أو نَقَصَا في الثَّمَنِ أو الْمُثَمَّنِ وَلَوْ في السَّلَمِ أو أَحْدَثَا أَجَلًا أو خِيَارًا ابْتِدَاءً أو زِيَادَةً أو شَرْطًا فَاسِدًا أو صَحِيحًا في مُدَّةِ الْخِيَارِ أَيْ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أو خِيَارِ الشَّرْطِ اُلْتُحِقَ كُلٌّ منها بِالْعَقْدِ أَيْ بِالْمُقْتَرِنِ بِهِ وَكَذَا حَطُّ بَعْضِ ما ذَكَرَ إذْ مَجْلِسُ الْعَقْدِ كَنَفْسِ الْعَقْدِ وَلِهَذَا صَلَحَ لِتَعْيِينِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَعِوَضِ الصَّرْفِ وَقِيسَ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ خِيَارُ الشَّرْطِ بِجَامِعِ عَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ وقد يَحْتَاجُ في تَقَرُّرِ الْعَقْدِ إلَى هذه الْأُمُورِ وَلَا يَتَقَيَّدُ ذلك بِالْعَاقِدَيْنِ بَلْ الْمُوَكِّلُ وَمَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْخِيَارُ كَذَلِكَ وَبِهِ صَرَّحَ ابن الصَّبَّاغِ في الْوَارِثِ بِالنِّسْبَةِ لِزِيَادَةِ الثَّمَنِ وَبِهِ يُقَاسُ غَيْرُهُ أَمَّا بَعْدَ اللُّزُومِ فَلَا يُلْتَحَقُ بِالْعَقْدِ شَيْءٌ من ذلك وَإِلَّا لَوَجَبَتْ الزِّيَادَةُ بَعْدَهُ على الشَّفِيعِ كما تَجِبُ عليه قَبْلَهُ الْقِسْمُ الثَّانِي من الْمَنَاهِي غَيْرِ الْمُفْسِدِ فَيَحْرُمُ الِاحْتِكَارُ لِلتَّضْيِيقِ على الناس وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ لَا يَحْتَكِرُ إلَّا خَاطِئٌ أَيْ آثِمٌ وهو إمْسَاكُ ما اشْتَرَاهُ في وَقْتِ الْغَلَاءِ بِالْمَدِّ لَا في
____________________
(2/37)
وَقْتِ الرُّخْصِ لِيَبِيعَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهُ بِهِ عِنْدَ اشْتِدَادِ الْحَاجَةِ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ بِخِلَافِ إمْسَاكِ ما اشْتَرَاهُ في وَقْتِ الرُّخْصِ لَا يَحْرُمُ مُطْلَقًا وَلَا إمْسَاكَ غَلَّةِ ضَيْعَتِهِ وَلَا ما اشْتَرَاهُ في وَقْتِ الْغَلَاءِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ أو لِيَبِيعَهُ بِمِثْلِ ما اشْتَرَاهُ بِهِ أو بِأَقَلَّ لَكِنْ في كَرَاهَةِ إمْسَاكِ ما فَضَلَ عنه أَيْ عَمَّا يَكْفِيهِ وَعِيَالَهُ سَنَةً تَرَدُّدٌ أَيْ وَجْهَانِ الظَّاهِرُ مِنْهُمَا الْمَنْعُ لَكِنْ الْأَوْلَى بَيْعُهُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَيَخْتَصُّ تَحْرِيمُ الِاحْتِكَارِ بِالْأَقْوَاتِ وَمِنْهَا التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالذُّرَةُ وَالْأُرْزُ فَلَا يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَطْعِمَةِ وَيَحْرُمُ التَّسْعِيرُ بِأَنْ يَأْمُرَ الْوَالِي السُّوقَةَ أَنْ لَا يَبِيعُوا أَمْتِعَتَهُمْ إلَّا بِسِعْرِ كَذَا وَلَوْ في وَقْتِ الْغَلَاءِ لِلتَّضْيِيقِ على الناس في أَمْوَالِهِمْ وَلِأَنَّ السِّعْرَ غَلَا على عَهْدِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقَالُوا يا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ لنا فقال إنَّ اللَّهَ هو الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّزَّاقُ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ بِدَمٍ وَلَا مَالٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَالْأَصْلِ إنَّ ذلك لَا يَخْتَصُّ بِالْأَطْعِمَةِ وَعَلَفِ الدَّوَابِّ وهو ظَاهِرٌ فَلَوْ سَعَّرَ الْإِمَامُ عُزِّرَ مُخَالِفُهُ الذي بَاعَ بِأَزْيَدَ مِمَّا سَعَّرَ لِمَا فيه من مُجَاهَرَةِ الْإِمَامِ بِالْمُخَالَفَةِ وَصَحَّ الْبَيْعُ إذْ لم يَعْهَدْ الْحَجْرُ على الشَّخْصِ في مِلْكِهِ أَنْ يَبِيعَ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ صَارَ مَحْجُورًا عليه لِنَوْعِ مَصْلَحَةٍ كما يُحْجَرُ على الْمُبَذِّرِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْلِ ما فَهِمَهُ الْمُخْتَصَرُ وَغَيْرُهُ أَنَّ التَّعْزِيرَ مُفَرَّعٌ على تَحْرِيمِ التَّسْعِيرِ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو بَعِيدٌ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْقَاضِي أَنَّهُ مُفَرَّعٌ على جَوَازِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَبِهِ جَزَمَ ابن الرِّفْعَةِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ لم يُعَزَّرْ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ لِمَا فيه من مُخَالَفَةِ الْإِمَامِ انْتَهَى فَصْلٌ وَيَحْرُمُ بَيْعُ حَاضِرٍ لِبَادٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ زَادَ مُسْلِمٌ دَعُوا الناس يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ من بَعْضٍ وَالْمَعْنَى فيه التَّضْيِيقُ على الناس وَلَا يَبْطُلُ وَإِنْ كان مُحَرَّمًا لِرُجُوعِ النَّهْيِ فيه إلَى مَعْنًى يَقْتَرِنُ بِهِ وهو أَيْ بَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي أَنْ يَمْنَعَهُ أَيْ الْحَاضِرُ الْبَادِي من بَيْعِهِ أَيْ بَيْعِ مَتَاعِهِ بِأَنْ يَأْمُرَهُ بِتَرْكِهِ عِنْدَهُ لِيَبِيعَهُ له تَدْرِيجًا بِثَمَنٍ غَالٍ وَالْمَبِيعُ مِمَّا تَعُمُّ الْحَاجَةُ أَيْ حَاجَةُ أَهْلِ الْبَلَدِ إلَيْهِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَتَاعُ قُوتًا أَمْ لَا ظَهَرَ بِبَيْعِهِ سِعَةٌ في الْبَلَدِ أَمْ لم تَظْهَرْ لِقِلَّتِهِ أو لِعُمُومِ وُجُودِهِ وَرُخْصِ السِّعْرِ أو لِكِبَرِ الْبَلَدِ لَا إنْ الْتَمَسَهُ الْبَدَوِيُّ منه بِأَنْ قال له ابْتِدَاءً أَتْرُكُهُ عِنْدَك لِتَبِيعَهُ بِالتَّدْرِيجِ وَلَا إنْ انْتَفَى عُمُومُ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَأَنْ لم يَحْتَجْ إلَيْهِ إلَّا نَادِرًا أو عَمَّتْ وَقَصَدَ الْبَدَوِيُّ بَيْعَهُ بِالتَّدْرِيجِ فَسَأَلَهُ الْحَاضِرُ أَنْ يُفَوِّضَهُ إلَيْهِ أو قَصَدَ بَيْعَهُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ فقال له أَتْرُكُهُ عِنْدِي لِأَبِيعَهُ كَذَلِكَ لَا يَحْرُمُ لِأَنَّهُ لم يَضُرَّ بِالنَّاسِ وَلَا سَبِيلَ إلَى مَنْعِ الْمَالِكِ منه لِمَا فيه من الْإِضْرَارِ بِهِ وَإِنْ اسْتَشَارَهُ الْبَدَوِيُّ فِيمَا فيه حَظُّهُ فَفِي وُجُوبِ إرْشَادِهِ إلَى الِادِّخَارِ وَالْبَيْعِ بِالتَّدْرِيجِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نعم بَذْلًا لِلنَّصِيحَةِ وَالثَّانِي لَا تَوْسِيعًا على الناس قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ وَكَلَامُ الْأَصْلِ يَمِيلُ إلَيْهِ وَلَوْ قَدِمَ الْبَادِي يُرِيدُ الشِّرَاءَ فَتَعَرَّضَ له حَاضِرٌ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ له رَخِيصًا وهو الْمُسَمَّى بِالسِّمْسَارِ فَهَلْ يَحْرُمُ عليه كما في الْبَيْعِ تَرَدَّدَ فيه في الْمَطْلَبِ وَاخْتَارَ الْبُخَارِيُّ الْمَنْعَ وقال الْأَذْرَعِيُّ يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِهِ وَالْحَاضِرُ سَاكِنُ الْحَاضِرَةِ وَهِيَ الْمُدُنُ وَالْقُرَى وَالرِّيفُ وهو أَرْضٌ فيها زَرْعٌ وَخِصْبٌ وَالْبَادِي سَاكِنُ الْبَادِيَةِ وَهِيَ خِلَافُ الْحَاضِرَةِ وَالتَّعْبِيرُ بِالْحَاضِرِ وَالْبَادِي جَرَى على الْغَالِبِ وَالْمُرَادُ أَيُّ شَخْصٍ كان وَيَحْرُمُ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ لِيَشْتَرِيَ منهم قَطْعًا وَكَذَا الْبَيْعُ منهم في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ قبل دُخُولِ الْبَلَدِ قال
____________________
(2/38)
صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ لِلْبَيْعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وفي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ لَا تَلَقَّوْا السِّلَعَ حتى يُهْبَطَ بها إلَى الْأَسْوَاقِ فَمَنْ تَلَقَّاهَا فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ بِالْخِيَارِ وَالْمَعْنَى فيه غَبْنُهُمْ سَوَاءٌ أَخْبَرَ الْمُشْتَرِي في الْأُولَى أو الْبَائِعَ في الثَّانِيَةِ كَاذِبًا أَمْ لم يُخْبِرْ وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَحْرُمُ الْبَيْعُ منهم وَصَحَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ تَبَعًا لِابْنِ أبي عَصْرُونٍ ثُمَّ قال وَفِيهِ وَقْفَةٌ لِلْمَعْنَى السَّابِقِ وَلِخَبَرِ دَعُوا الناس يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ من بَعْضٍ وقال الزَّرْكَشِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّاجِحُ التَّحْرِيمَ نَظَرًا لِلْمَعْنَى كما هو الرَّاجِحُ فِيمَا إذَا لم يَقْصِدْ التَّلَقِّي وَخَرَجَ بِقَبْلِ دُخُولِ الْبَلَدِ التَّلَقِّي بَعْدَ دُخُولِهِ فَلَا يَحْرُمُ لِمَفْهُومِ الْخَبَرِ وَلِأَنَّهُ إنْ وَقَعَ لهم غَبْنٌ فَالتَّقْصِيرُ منهم لَا من الْمُتَلَقِّينَ وَيَصِحُّ كُلٌّ من الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ وَإِنْ ارْتَكَبَ مُحَرَّمًا لِمَا مَرَّ في بَيْعِ حَاضِرٍ لِبَادٍ وَلَهُمْ بَعْدَ الدُّخُولِ لِلْبَلَدِ الْأُولَى بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِالسِّعْرِ الْخِيَارُ فَوْرًا إنْ غُبِنُوا لِلْخَبَرِ إلَّا في الْفَوْرِ فَقِيَاسًا على خِيَارِ الْعَيْبِ وَلَوْ الْتَمَسُوا الْبَيْعَ منه وَلَوْ مع جَهْلِهِمْ بِالسِّعْرِ أو لم يُغْبَنُوا كَأَنْ اشْتَرَاهُ منهم بِسِعْرِ الْبَلَدِ أو أَكْثَرَ أو بِدُونِهِ وَهُمْ عَالِمُونَ بِهِ فَلَا خِيَارَ لهم لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى السَّابِقِ وَيُؤْخَذُ من كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ وهو ظَاهِرٌ إذْ لَا تَغْرِيرَ وَكَذَا لَا خِيَارَ لهم إذَا كان التَّلَقِّي بَعْدَ دُخُولِ الْبَلَدِ وَلَوْ خَارِجَ السُّوقِ لِإِمْكَانِ مَعْرِفَتِهِمْ الْأَسْعَارِ من غَيْرِ الْمُتَلَقِّينَ لَكِنَّ ظَاهِرَ الْخَبَرِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ وقد يُقَالُ يُوَافِقُهُ قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَجَمَاعَةٍ أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّلَقِّي خَارِجَ السُّوقِ وَيُمْنَعُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ من التَّحْرِيمِ ثُبُوتُ الْخِيَارِ وَلَوْ لم يَعْرِفُوا الْغَبْنَ حتى رَخُصَ السِّعْرُ وَعَادَ إلَى ما بَاعُوا بِهِ فَهَلْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَجْهَانِ في الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ مَنْشَؤُهُمَا اعْتِبَارُ الِابْتِدَاءِ أو الِانْتِهَاءِ وَكَلَامُ الشَّاشِيِّ يَقْتَضِي عَدَمَ ثُبُوتِهِ وَالْأَوْجَهُ ثُبُوتُهُ وهو ظَاهِرُ الْخَبَرِ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْإِسْنَوِيِّ في شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وقد يُقَالُ الْأَوْجَهُ عَدَمُ ثُبُوتِهِ كما في زَوَالِ عَيْبِ الْمَبِيعِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ وَأَثَرَهُ زَالَا ثُمَّ وَهَنَا وَإِنْ زَالَا أَثَرُهُ لم يُزَلْ هو مع أَنَّهُ لم يَحْصُلْ إلَّا بِمُحَرَّمٍ وَيَعْصِي بِالشِّرَاءِ وَلَوْ لم يَقْصِدْ التَّلَقِّي كَأَنْ خَرَجَ لِصَيْدٍ أو غَيْرِهِ فَرَآهُمْ فَاشْتَرَى منهم لِشُمُولِ الْخَبَرِ وَالْمَعْنَى لِذَلِكَ وَكَذَا يَحْرُمُ السَّوْمُ على سَوْمِ أَخِيهِ لِخَبَرِ لَا يَسُومُ الرَّجُلُ على سَوْمِ أَخِيهِ وهو خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ وَالْمَعْنَى فيه الْإِيذَاءُ وَذِكْرُ الْأَخِ ليس لِلتَّقْيِيدِ بَلْ لِلرِّقَّةِ وَالْعَطْفِ عليه فَالْكَافِرُ كَالْمُسْلِمِ في ذلك وهو أَنْ يَزِيدَ عليه في ثَمَنِ ما يُرِيدُ شِرَاءَهُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ بِالتَّرَاضِي صَرِيحًا وَقَبْلَ الْعَقْدِ أو يَخْرُجُ لِلْمُشْتَرِي أَرْخَصَ مِمَّا يُرِيدُ شِرَاءَهُ أو يَرْغَبُ مَالِكُهُ في اسْتِرْدَادِهِ لِيَشْتَرِيَهُ منه بِأَكْثَرَ وَلَوْ لم يُصَرِّحْ له الْمَالِكُ بِالْإِجَابَةِ بِأَنْ عَرَّضَ بها أو سَكَتَ أو كانت الزِّيَادَةُ قبل اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ بِأَنْ كان الْمَبِيعُ إذْ ذَاكَ يُنَادَى عليه لِطَلَبِ الزِّيَادَةِ لم يَحْرُمْ ذلك فَإِنْ أَخْرَجَ آخَرُ لِلْمُشْتَرِي الْأَرْخَصَ أو زَادَ في الثَّمَنِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ اللُّزُومِ بِأَنْ كان في زَمَنِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أو خِيَارِ الشَّرْطِ قال الْإِسْنَوِيُّ أو بَعْدَ اللُّزُومِ وَوَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا ولم يَكُنْ التَّأْخِيرُ مُضِرًّا فَهُوَ في الْأَوَّلِ بَيْعٌ على بَيْعِهِ أَيْ على بَيْعِ أَخِيهِ وفي الثَّانِي شِرَاءٌ على شِرَائِهِ وَالضَّابِطُ في الْأَوَّلِ أَنْ يَرْغَبَ الْمُشْتَرِي في الْفَسْخِ في زَمَنِ الْخِيَارِ لِيَبِيعَهُ خَيْرًا منه بِمِثْلِ ثَمَنِهِ أو مِثْلِهِ بِأَقَلَّ وفي الثَّانِي أَنْ يَرْغَبَ الْبَائِعُ في الْفَسْخِ في زَمَنِ الْخِيَارِ لِيَشْتَرِيَهُ منه بِأَكْثَرَ وَكِلَاهُمَا حَرَامٌ وَلَوْ رَآهُ أَيْ الْمُشْتَرِي في الْأَوَّلِ وَالْبَائِعُ في الثَّانِي مَغْبُونًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ على بَيْعِ بَعْضٍ زَادَ النَّسَائِيّ حتى يَبْتَاعَ أو يَذَرَ
وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ فَلَا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَبْتَاعَ على بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبَ على خِطْبَةِ أَخِيهِ حتى يَذَرَ وَالْمَعْنَى فِيهِمَا الْإِيذَاءُ وَذِكْرُ الْمُؤْمِنِ ليس لِلتَّقْيِيدِ بَلْ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ امْتِثَالًا وفي مَعْنَى الْبَيْعِ على الْبَيْعِ ما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ من نَهْيِ الرَّجُلِ أَنْ يَبِيعَ الْمُشْتَرِي في مَجْلِسِ الْعَقْدِ سِلْعَةً مِثْلَ التي اشْتَرَاهَا خَشْيَةَ أَنْ يَرُدَّ الْأُولَى وَظَاهِرٌ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ فِيمَا قَالَهُ كَخِيَارِ الْمَجْلِسِ وَأَلْحَقَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالشِّرَاءِ
____________________
(2/39)
على الشِّرَاءِ طَلَبَ السِّلْعَةِ من الْمُشْتَرِي بِزِيَادَةِ رِبْحٍ وَالْبَائِعِ حَاضِرٌ لِأَدَائِهِ إلَى الْفَسْخِ أو النَّدَمِ إلَّا أَنْ أَذِنَ له الْبَائِعُ في الْأَوَّلِ وَالْمُشْتَرِي في الثَّانِي فَلَا تَحْرِيمَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا وقد أَسْقَطَاهُ وَلِمَفْهُومِ الْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ هذا إنْ كان الْآذِنُ مَالِكًا فَإِنْ كان وَلِيًّا أو وَصِيًّا أو وَكِيلًا أو نَحْوَهُ فَلَا عِبْرَةَ بِإِذْنِهِ إنْ كان فيه ضَرَرٌ على الْمَالِكِ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ قال ابن النَّقِيبِ وَهَلْ شَرْطُ التَّحْرِيمِ تَحْقِيقُ ما وَعَدَ بِهِ من الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ يَظْهَرُ اشْتِرَاطُهُ على تَعْلِيلِ حُرْمَةِ الْبَيْعِ على الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ على الشِّرَاءِ بِالتَّسَبُّبِ إلَيْهِمَا دُونَ تَعْلِيلِهِمَا بِكَوْنِ ذلك إفْسَادًا لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ مُطْلَقًا لِوُجُودِ الْإِيذَاءِ بِكُلِّ تَقْدِيرٍ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ رَآهُ إلَى آخِرِهِ في الثَّانِي من زِيَادَتِهِ وَالنَّجْشُ حَرَامٌ لِلنَّهْيِ عنه في خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ وَالْمَعْنَى فيه الْإِيذَاءُ وهو أَنْ يَزِيدَ في الثَّمَنِ بِلَا رَغْبَةٍ بَلْ لِيَغُرَّ غَيْرَهُ وَقَيَّدَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ ذلك بِالزِّيَادَةِ على ما يُسَاوِيهِ الْمَبِيعُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لو زَادَ عِنْدَ نَقْصِ الْقِيمَةِ وَلَا رَغْبَةَ له جَازَ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يُخَالِفُهُ وَلَا خِيَارَ لِلْمَغْرُورِ وهو الْمُشْتَرِي لِتَفْرِيطِهِ حَيْثُ لم يَتَأَمَّلْ ولم يُرَاجِعْ أَهْلَ الْخِبْرَةِ وَكَذَا لو وَاطَأَهُ أَيْ النَّاجِشُ الْبَائِعَ أو قال الْمَالِكُ أَعْطَيْت في الْمَبِيعِ كَذَا فَبَانَ خِلَافُهُ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَفَارَقَ ثُبُوتَهُ بِالتَّصْرِيَةِ كما سَيَأْتِي بِأَنَّ التَّغْرِيرَ ثَمَّ في نَفْسِ الْمَبِيعِ وَهُنَا خَارِجُهُ وَالتَّحْرِيمُ في جَمِيعِ الْمَنَاهِي شَرْطُهُ الْعِلْمُ بها إلَّا في النَّجْشِ لِأَنَّهُ خَدِيعَةٌ وَتَحْرِيمُهَا مَعْلُومٌ من الْعُمُومَاتِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَالْبَيْعِ على بَيْعِ غَيْرِهِ إنَّمَا يُعْرَفُ من الْخَبَرِ الْوَارِدِ فيه فَلَا يَعْرِفُهُ من لَا يَعْرِفُ الْخَبَرَ قال الرَّافِعِيُّ وَلَك أَنْ تَقُولَ هو إضْرَارٌ وَتَحْرِيمُ الْإِضْرَارِ مَعْلُومٌ من الْعُمُومَاتِ وَالْوَجْهُ تَخْصِيصُ التَّعْصِيَةِ بِمَنْ عَرَفَ التَّحْرِيمَ بِعُمُومٍ أو خُصُوصٍ وَأَقَرَّهُ عليه النَّوَوِيُّ وهو ظَاهِرٌ بَلْ نَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ عن الشَّافِعِيِّ أَنَّ النَّجْشَ كَغَيْرِهِ من الْمَنَاهِي فَصْلٌ وَيَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بين الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا الْمَمْلُوكَيْنِ لِوَاحِدٍ على مَالِكِهِمَا لِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من فَرَّقَ بين وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يوم الْقِيَامَةِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَلِقَوْلِهِ مَلْعُونٌ من فَرَّقَ بين وَالِدٍ وَوَلَدِهِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَإِنَّمَا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بِبَيْعٍ أو هِبَةٍ أو قِسْمَةٍ أو نَحْوَهَا بِأَنْ يَبِيعَ مَثَلًا أَحَدَهُمَا أو بَعْضَهُ وَحْدَهُ أو مع جُمْلَةِ الْآخَرِ أو بَعْضِهِ ولم يَتَسَاوَ الْبَعْضَانِ وَلَوْ رَضِيَتْ أُمُّهُ بِالتَّفْرِيقِ لُحِقَ الْوَلَدُ وَأَلْحَقَ الْغَزَالِيُّ في فَتَاوِيهِ التَّفْرِيقَ بِالسَّفَرِ بِالتَّفْرِيقِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَطَرَدَهُ في التَّفْرِيقِ بين الزَّوْجَةِ وَوَلَدِهَا وَإِنْ كانت حُرَّةً بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ لَا يَحْرُمُ لِإِمْكَانِ صُحْبَتِهَا له وَكَذَا إذَا كان الْمَمْلُوكُ أَحَدَهُمَا فَقَطْ كما أَفْهَمَهُ التَّقْيِيدُ بِالْمَمْلُوكَيْنِ أو أَسْلَمَ الْأَبُ الْمَمْلُوكُ وَتَخَلَّفَتْ الْأُمُّ وَالْمَالِكُ كَافِرٌ فَيُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ عن الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ قَالَهُ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ قال الشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ الْبَالِسِيُّ وَيَنْبَغِي لو مَاتَ الْأَبُ أَنْ يُبَاعَ الْوَلَدُ لِلضَّرُورَةِ وَتَصْرِيحُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ رَضِيَتْ من زِيَادَتِهِ لَا بِفَسْخٍ كَرَدٍّ بِعَيْبٍ وَرُجُوعٍ بِفَلَسٍ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ وَهَذَا وَجْهٌ قال بِهِ الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ ما جَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ من الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بِهِ نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ
ولا عِتْقَ لِأَنَّ من عَتَقَ مَلَكَ نَفْسَهُ فَلَهُ
____________________
(2/40)
مُلَازَمَةُ الْآخَرِ ولا وَصِيَّةَ لِعَدَمِ الضَّرَرِ في الْحَالِ وَلَعَلَّ مَوْتَ الْمُوصِي يَكُونُ بَعْدَ زَمَنِ التَّحْرِيمِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْمُتَّجَهُ مَنْعُ التَّفْرِيقِ بِرُجُوعِ الْمُقْرِضِ وَمَالِكِ اللُّقَطَةِ دُونَ الْوَاهِبِ لِأَنَّ الْحَقَّ في الْقَرْضِ وَاللُّقَطَةِ ثَابِتٌ في الذِّمَّةِ فإذا تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ في الْعَيْنِ رَجَعَ في غَيْرِهَا بِخِلَافِهِ في الْهِبَةِ فَإِنَّا لو مَنَعْنَا الرُّجُوعَ فيها لم يَرْجِعْ الْوَاهِبُ بِشَيْءٍ وَهَذَا أَيْ تَحْرِيمُ التَّفْرِيقِ بِمَا ذُكِرَ فِيمَا دُونَ التَّمْيِيزِ لِصِغَرٍ أو جُنُونٍ فَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَعَمُّ من قَوْلِ الْأَصْلِ وَيَمْتَدُّ التَّحْرِيمُ إلَى بُلُوغِهِ سِنَّ التَّمْيِيزِ سَبْعَ سِنِينَ أو ثَمَانٍ تَقْرِيبًا لَا فِيمَا دُونَ الْبُلُوغِ فَلَا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَعْدَ التَّمْيِيزِ لِاسْتِقْلَالِ الْوَلَدِ حِينَئِذٍ وَخَبَرُ لَا يُفَرَّقُ بين الْأُمِّ وَوَلَدِهَا قِيلَ إلَى مَتَى قال حتى يَبْلُغَ الْغُلَامُ وَتَحِيضَ الْجَارِيَةُ ضَعِيفٌ فإذا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِبَيْعٍ أو نَحْوِهِ هذا أَعَمُّ من قَوْلِ أَصْلِهِ وإذا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا في الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَإِنْ سَقَتْهُ اللَّبَأَ لِلْعَجْزِ عن التَّسْلِيمِ شَرْعًا بِالْمَنْعِ من التَّفْرِيقِ نعم إنْ كان الْمَبِيعُ مِمَّنْ يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ على الْمُشْتَرِي فَالظَّاهِرُ كما قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ وَصِحَّةُ الْبَيْعِ بِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ الْحُرِّيَّةِ وَلِمَا مَرَّ من جَوَازِ التَّفْرِيقِ بِالْإِعْتَاقِ
وَيُكْرَهُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ التَّمْيِيزِ حتى بَعْدَ الْبُلُوغِ لِمَا فيه من التَّشْوِيشِ وَيَصِحُّ الْعَقْدُ وَالْأَبُ وَإِنْ عَلَا وَالْجَدَّةُ وَإِنْ عَلَتْ من الْأُمِّ بَلْ أو من الْأَبِ كَالْأُمِّ إنْ عَدِمَتْ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَحَارِمِ فَكَمَا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بين الْوَلَدِ وَأُمِّهِ يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ عِنْدَ عَدَمِهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أبيه وَجَدَّتِهِ وَلَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدِهِمَا إلَّا إذَا عُدِمَ الْآخَرُ فإذا بِيعَ مع الْأُمِّ أو مع الْأَبِ أو الْجَدَّةِ أو مَعَهُمَا بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ حَلَّ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ وَلَهُ بَيْعُ وَلَدِ بَهِيمَةٍ اسْتَغْنَى عن اللَّبَنِ لَكِنْ مع الْكَرَاهَةِ ما دَامَ رَضِيعًا إلَّا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَالذَّبْحِ فَإِنْ لم يَسْتَغْنِ عن اللَّبَنِ حَرُمَ الْبَيْعُ وَبَطَلَ إلَّا إنْ كان لِغَرَضِ الذَّبْحِ وله ذَبْحُهُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ اسْتَغْنَى عن اللَّبَنِ أَمْ لَا وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ ذَبْحُ الْمَأْكُولِ إذْ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ وَلَا بَيْعُهُ لِذَبْحِهِ بِحَالٍ فَلَوْ بَاعَ الْعِنَبَ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا بِأَنْ يَعْلَمَ أو يَظُنَّ منه ذلك أو الْأَمْرَدَ من مَعْرُوفٍ بِالْفُجُورِ بِهِ وَنَحْوِ ذلك من كل تَصَرُّفٍ يُفْضِي إلَى مَعْصِيَةٍ كَبَيْعِ الرَّطْبِ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ نَبِيذًا وَبَيْعِ دِيكِ الْهِرَاشِ وَكَبْشِ النِّطَاحِ مِمَّنْ يُعَانِي ذلك حَرُمَ لِأَنَّهُ تَسَبُّبٌ إلَى مَعْصِيَةٍ وَيَصِحُّ لِرُجُوعِ النَّهْيِ لِغَيْرِهِ فَإِنْ تَوَهَّمَ منه ذلك أو بَاعَ السِّلَاحَ من الْبُغَاةِ أو نَحْوِهِمْ كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ أو بَايَعَ من بيده حَلَالٌ وَحَرَامٌ كُرِهَ وَإِنْ كان الْحَلَالُ أَكْثَرَ نعم إنْ تَحَقَّقَ عِصْيَانُ الْمُشْتَرِي لِلسِّلَاحِ بِهِ في الثَّانِيَةِ وَتَحْرِيمُ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ في الثَّالِثَةِ حَرُمَ فِيهِمَا وَصَحَّ في الثَّانِيَةِ دُونَ الثَّالِثَةِ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ لَحْمِ مَجْهُولِ الذَّكَاةِ الشَّرْعِيَّةِ بِقَرْيَةٍ يَسْكُنُهَا مَجُوسٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ في الْحَيَوَانِ التَّحْرِيمُ فَلَا يُزَالُ إلَّا بِيَقِينٍ أو ظَاهِرٍ فَإِنْ كان غَالِبُ أَهْلِ الْبَلَدِ مُسْلِمِينَ صَحَّ شِرَاؤُهُ فإنه يَجُوزُ أَكْلُهُ عَمَلًا بِالْغَالِبِ وَالظَّاهِرِ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ فَصْلٌ وَيُكْرَهُ بَيْعُ الْعِينَةِ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ وَبِالنُّونِ لِمَا فيها من الِاسْتِظْهَارِ على ذِي الْحَاجَةِ وهو أَنْ يَبِيعَهُ عَيْنًا بِثَمَنٍ كَثِيرٍ مُؤَجَّلٍ وَيُسَلِّمَهَا له ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا منه بِنَقْدٍ يَسِيرٍ لِيَبْقَى الْكَثِيرُ في ذِمَّتِهِ وَنَحْوُهُ بِأَنْ يَبِيعَهُ عَيْنًا بِثَمَنٍ يَسِيرٍ نَقْدًا وَيُسَلِّمَهَا ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا منه بِثَمَنٍ كَثِيرٍ مُؤَجَّلٍ سَوَاءٌ قَبَضَ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ أَمْ لَا فَيَصِحُّ ذلك وَلَوْ صَارَ عَادَةً له غَالِبَةً وَيَجُوزُ بَيْعُ دُورِ مَكَّةَ لِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ عليه وَسَيَأْتِي فيه في السِّيَرِ زِيَادَةٌ ويجوز بَيْعُ الْمُصْحَفِ قِيلَ وَثَمَنُهُ يُقَابِلُ الدَّفَّتَيْنِ لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ لَا يُبَاعُ وَقِيلَ أَنَّهُ بَدَلُ أُجْرَةِ نَسْخِهِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ عن الصَّيْمَرِيِّ لَكِنَّ الْمَنْصُوصَ
____________________
(2/41)
كَرَاهَةُ بَيْعِهِ لِأَنَّهُ ابْتِذَالٌ وَصَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ فيه كَرَاهَةَ شِرَائِهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ إعَانَةٌ على مَكْرُوهٍ وَلَا يُكْرَهُ كما في الرَّوْضَةِ بَيْعُ الْكُتُبِ الْمُشْتَمِلَةِ على ما يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَكُتُبِ الحديث وَيُكْرَهُ غَبْنُ الْمُسْتَرْسِلِ بِسِينَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ وَبِلَامٍ في آخِرٍ وهو من لَا يَعْرِفُ الْقِيمَةَ وَالشِّرَاءُ من مُضْطَرٍّ قال الْخَطَّابِيُّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُكْرَهُ فَيَصِحُّ إنْ أُكْرِهَ بِحَقٍّ وَإِلَّا فَلَا أو من عليه دُيُونٌ مُسْتَغْرِقَةٌ يُبَاعُ مَالُهُ فيها بِالْوَكْسِ أَيْ النَّقْصِ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُبَاعَ منه ولكن يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَانَ بِهِبَةٍ أو قَرْضٍ أو اسْتِمْهَالِ رَبِّ الدَّيْنِ وَلَا يَصِحُّ إفْرَادُ مَاءِ بِئْرٍ وَنَهْرٍ وَعَيْنٍ بِالْبَيْعِ دُونَ مَكَانِهِ لِمَا مَرَّ قُبَيْلَ بَابِ الرِّبَا فَإِنْ بَاعَهُ مع مَكَانِهِ بِأَنْ بَاعَ أَرْضًا مع شُرْبِهَا من مَاءٍ في نَهْرٍ أو نَحْوِهِ صَحَّ وَدَخَلَ الْمَاءُ في الْبَيْعِ تَبَعًا وَهَذَا ما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ وَصَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ نَقْلًا عن صَاحِبِ التَّخْلِيصِ لَكِنَّهُ جَزَمَ فيها كَأَصْلِهَا في إحْيَاءِ الْمَوَاتِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ في الْمَاءِ وَجَعَلَ في الْأَرْضِ قَوْلَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَخَالَفَهُمَا الْمُصَنِّفُ ثَمَّ فَجَزَمَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ في الْجَمِيعِ لِلْجَهَالَةِ وهو الْمُتَّجَهُ وَإِنْ كان الْمَاءُ في إنَاءٍ أو حَوْضٍ أو نَحْوِهِمَا مُجْتَمِعًا صَحَّ بَيْعُهُ مُفْرَدًا وَتَابَعَهُ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ قال في الرَّوْضَةِ وَمِنْ الْمَنَاهِي النَّهْيُ عن بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ وَعَنْ بَيْعِ ما فيه عَيْبٌ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَهُ وَكِلَاهُمَا حَرَامٌ إلَّا أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بَابُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وهو ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ لِأَنَّهُ إمَّا في الِابْتِدَاءِ أو في الِانْتِهَاءِ أَيْ الدَّوَامِ أو في اخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ وَسَتَعْرِفُهَا كُلَّهَا من كَلَامِهِ وَيَجُوزُ بَيْعُ عَيْنَيْنِ فَأَكْثَرَ بِاخْتِلَاطٍ أو بِدُونِهِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَيُوَزِّعُ الثَّمَنَ في الْمِثْلِيِّ وفي الْعَيْنِ الْمُشْتَرَكَةِ بين اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ على الْإِجْزَاءِ وفي غَيْرِهِمَا من الْمُتَقَوِّمَاتِ على الرُّءُوسِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فإذا بَطَلَ الْعَقْدُ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا ابْتِدَاءً بِأَنْ كان أَحَدُهُمَا حَلَالًا أَيْ قَابِلًا لِلْعَقْدِ وَالْآخَرُ حَرَامًا أَيْ غير قَابِلٍ له وَلَهُ قِيمَةٌ كَمَنْ بَاعَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ صَحَّ في عَبْدِهِ بِالْقِسْطِ من الْمُسَمَّى إذَا وَزَّعَ على قِيمَتِهِمَا وَبَطَلَ في عبد غَيْرِهِ إعْطَاءً لِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمَهُ كَالثَّوْبِ وَالشِّقْصِ وَمِنْ الْعَقَارِ في الشُّفْعَةِ وَلِأَنَّ الصَّفْقَةَ اشْتَمَلَتْ على صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ فَالْعَدْلُ التَّصْحِيحُ في الصَّحِيحِ وَقَصْرُ الْفَسَادِ على الْفَاسِدِ كَنَظِيرِهِ فِيمَا لو شَهِدَ عَدْلٌ وَفَاسِقٌ وَكَذَا إنْ لم يَكُنْ له قِيمَةٌ كَالْحُرِّ وَالْخِنْزِيرِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ في الْبَاقِي بِالْقِسْطِ وَبِقَدْرِ الْحُرِّ رَقِيقًا وَالْخِنْزِيرِ شَاةً كما سَيَأْتِي وَمَثَّلَ بِهِمَا إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين ما يَتَأَتَّى تَقْدِيرُ تَقْوِيمِهِ من غَيْرِ تَقْدِيرِ تَغَيُّرِ الْخِلْقَةِ كَالْحُرِّ وما لَا يَتَأَتَّى ذلك إلَّا بِتَقْدِيرِ تَغَيُّرِهَا كَالْخِنْزِيرِ
وَمَحَلُّ الصِّحَّةِ في ذلك إذَا لم يَكُنْ الْبَاقِي مَجْهُولًا لِيَتَأَتَّى التَّقْسِيطُ فَلَوْ قال بِعْتُك عَبْدِي وَعَبْدًا آخَرَ بَطَلَ فِيهِمَا كما سَيَأْتِي في كَلَامِهِ وَمَحَلُّ التَّقْسِيطِ إذَا كان الْحَرَامُ مَقْصُودًا فَإِنْ لم يَكُنْ مَقْصُودًا كَالدَّمِ فَيُظْهِرَانِ الصِّحَّةَ بِكُلِّ الثَّمَنِ كما يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ في النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَجَوَازُ تَفْرِيقِهَا أَيْ الصَّفْقَةِ في الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَالنِّكَاحِ أَوْلَى منه في الْبَيْعِ إذْ لَا عِوَضَ في الْأَوَّلَيْنِ حتى يَتَأَثَّرَ بِالْجَهْلِ وَالثَّالِثُ لَا يَتَأَثَّرُ بِجَهْلِ الْعِوَضِ فإذا زَوَّجَ أُخْتَهُ وَأَجْنَبِيَّةً أو تَزَوَّجَ مُسْلِمَةً وَمَجُوسِيَّةً لَزِمَ فِيهِمَا مَهْرُ الْمِثْلِ لِلْأُخْتِ وَالْمُسْلِمَةِ أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ الْمَرَدُّ الشَّرْعِيُّ وَالْمُسَمَّى ليس رُكْنًا في الْعَقْدِ بِخِلَافِهِ في الْبَيْعِ وَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ أو خَمْسَ نِسْوَةٍ ليس فِيهِنَّ أُخْتَانِ أو نَحْوُهُمَا بَطَلَ الْعَقْدُ في الْجَمِيعِ لِتَحْرِيمِ الْجَمْعِ بين الْأُخْتَيْنِ وَبَيْنَ الْخَمْسِ فَالْإِبْطَالُ في وَاحِدٍ وَالتَّصْحِيحُ في غَيْرِهَا ليس بِأَوْلَى من الْعَكْسِ فَيَسْتَثْنِي ذلك مِمَّا ذُكِرَ وَيَسْتَثْنِي منه أَيْضًا ما إذَا أَجَّرَ الرَّاهِنُ الْعَيْنَ الْمَرْهُونَةَ مُدَّةً تَزِيدُ على مَحَلِّ الدَّيْنِ وما إذَا اسْتَعَارَ شيئا
____________________
(2/42)
لِيَرْهَنَهُ بِدَيْنٍ فَزَادَ عليه وما إذَا بَاعَ مَالَهُ وَمَالَ غَيْرِهِ الْمَأْذُونِ له في بَيْعِهِ وَكَانَا مُتَمَيِّزَيْنِ وما إذَا زَادَ في الْعَرَايَا على الْقَدْرِ الْجَائِزِ أو في خِيَارِ الشَّرْطِ على ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أو فَاضَلَ في الرِّبَوِيِّ حَيْثُ مَنَعْنَاهُ كَمُدَبَّرٍ بِمَدِينٍ منه فإن كُلًّا مِنْهُمَا يَبْطُلُ في جَمِيعِ الْمَعْقُودِ عليه
وَكَذَا لو قَدَّمَ الْبَاطِلَ كَأَنْ قال بِعْتُك الْحُرَّ وَالْعَبْدَ لِأَنَّ الْعَطْفَ على الْبَاطِلِ بَاطِلٌ كما قَالُوهُ فِيمَا لو قال نِسَاءُ الْعَالَمِينَ طَوَالِقُ وَأَنْت يا زَوْجَتِي لَا تَطْلُقُ لِعَطْفِهَا على من لم تَطْلُقْ نَبَّهَ عليه الزَّرْكَشِيُّ أَمَّا إذَا كان في الْخَمْسِ أُخْتَانِ أو نَحْوُهُمَا فَيَبْطُلُ فِيهِمَا وَيَصِحُّ في الْبَاقِي عَمَلًا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ ثُمَّ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ فِيمَا ذُكِرَ هو ما صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ لَكِنَّ الذي رَجَعَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ آخِرَ الْبُطْلَانِ كما قَالَهُ الرَّبِيعُ تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ وقال في مَوْضِعٍ آخَرَ الْبُطْلَانُ أَصَحُّ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وقال ابن الْمُنْذِرِ أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ قال في الْأَصْلِ وفي عِلَّتِهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الْجَمْعُ بين حَلَالٍ وَحَرَامٍ وَالثَّانِي جَهَالَةُ الْعِوَضِ الذي يُقَابِلُ الْحَلَالَ ا ه وَصَحَّحَ في الْمَجْمُوعِ الْأَوَّلَ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ تَصْحِيحَهُ عن الرَّوْضَةِ وَلَعَلَّ نُسَخَهَا مُخْتَلِفَةٌ فَصْلٌ وَمَتَى حَصَلَ مُقْتَضِي التَّفْرِيقَ لِلصَّفْقَةِ في الِانْتِهَاءِ من تَلَفٍ أو رَدٍّ بِعَيْبٍ أو نَحْوِهِمَا وَلَفْظُ مُقْتَضِي بِكَسْرِ الضَّادِ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ كان أَيْ مُقْتَضِي التَّفْرِيقَ بِلَا اخْتِيَارٍ كَتَلَفِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ وَتَخَمُّرِ بَعْضِ الْعَصِيرِ قبل الْقَبْضِ لَهُمَا أو لِأَحَدِهِمَا وَانْهِدَامِ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ في أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ وَالتَّفْرِيقِ قبل قَبْضِ الْبَعْضِ في الصَّرْفِ وفي السَّلَمِ فَالْجَوَازُ بِمَعْنَى الصِّحَّةِ في الْبَاقِي أَوْلَى منه في الْبَاقِي في تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ ابْتِدَاءً لِطَرَيَانِ الِانْفِسَاخِ هُنَا في التَّالِفِ فَلَا يُؤَثِّرُ في الْبَاقِي كما لو نَكَحَ اثْنَيْنِ مَعًا ثُمَّ ارْتَفَعَ نِكَاحُ أَحَدِهِمَا بِرِدَّةٍ أو رَضَاعٍ لَا يَرْتَفِعُ نِكَاحُ الْأُخْرَى وَلِعَدَمِ عِلَّتَيْ الْبُطْلَانِ ثَمَّ فَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي كما سَيَأْتِي فَإِنْ أَجَازَ فَبِالْقِسْطِ من الْمُسَمَّى وَإِنْ فَسَخَ ارْتَفَعَ الْعَقْدُ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْمَاضِي في مَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ فَإِنْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ وَتَلِفَا أَيْ الْمَقْبُوضُ وَغَيْرُهُ فَهَلْ له الْخِيَارُ فِيمَا تَلِفَ في يَدِهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نعم وَيَرُدُّ قِيمَتَهُ وَالثَّانِي وهو ما صَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ لَا وَعَلَيْهِ حِصَّتُهُ من الثَّمَنِ لِأَنَّ الْعَقْدَ اسْتَقَرَّ فيه بِقَبْضِهِ وَإِنْ كان مُقْتَضِي التَّفْرِيقَ بِاخْتِيَارٍ كَرَدِّ بَعْضِ الْمَبِيعِ بِالْعَيْبِ الْمَوْجُودِ فيه لم يَجُزْ رَدُّهُ إنْ لم يَسْتَقِلَّ الْبَعْضُ بِالنَّفْعِ بِأَنْ كان نَفْعُهُ مُتَّصِلًا بِالْآخَرِ كَأَحَدِ الْخُفَّيْنِ أو مِصْرَاعَيْ الْبَابِ وَكَذَا إنْ اسْتَقَلَّ بِهِ كَأَحَدِ الْعَبْدَيْنِ وَلَوْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا وَلَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَقَعَتْ مُجْتَمِعَةً وَلَا حَاجَةَ إلَى تَفْرِيقِهَا فَلَوْ رضي الْبَائِعُ بِرَدِّهِ جَازَ لِإِسْقَاطِ حَقِّهِ فَيُقَوَّمُ الْعَبْدَانِ سَلِيمَيْنِ وَيُقَسَّطُ الْمُسَمَّى على قِيمَتِهَا فَإِنْ كان السَّلِيمُ تَالِفًا وَاخْتَلَفَا في قِيمَتِهِ لِلِاعْتِبَارِ لِلتَّقْسِيطِ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي ما يَقْتَضِي زِيَادَةَ الْمَرْجُوعِ بِهِ على ما اعْتَرَفَ بِهِ الْبَائِعُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَلِأَنَّ الثَّمَنَ مَلَكَهُ فَلَا يُسْتَرَدُّ منه إلَّا ما اعْتَرَفَ بِهِ وَالْمُعْتَبَرُ أَقَلُّ قِيمَتِهِ من يَوْمِ الْبَيْعِ إلَى يَوْمِ الْقَبْضِ كما يُعْرَفُ مِمَّا يَأْتِي في مَعْرِفَةِ الْأَرْشِ الْقَدِيمِ فَصْلٌ من حَكَمَ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ في الِابْتِدَاءِ أو الِانْتِهَاءِ أَثْبَتَ لِلْمُشْتَرِي لَا لِلْبَائِعِ الْخِيَارَ بين الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ لِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ عليه وَيَثْبُتُ على الْفَوْرِ كما في الْمَطْلَبِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ له في الِابْتِدَاءِ إنْ جَهِلَ كَوْنَ بَعْضِ الْمَبِيعِ حَرَامًا أَيْ وكان الْحَرَامُ مَقْصُودًا آخِذًا مِمَّا مَرَّ فَإِنْ عَلِمَ ذلك فَلَا خِيَارَ له كما لو اشْتَرَى مَعِيبًا يَعْلَمُ عَيْبَهُ وَإِنَّمَا لم يَثْبُتْ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ مع أَنَّهُ لم يَجِبْ له إلَّا الْحِصَّةُ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ حَيْثُ بَاعَ مَالًا يَمْلِكُهُ وَطَمِعَ في ثَمَنِهِ وَلَا
____________________
(2/43)
يَلْزَمُهُ أَيْ الْمُشْتَرِيَ إلَّا الْقِسْطُ من الثَّمَنِ لَا جَمِيعُهُ وَلَوْ عَلِمَ كَوْنَ الْآخَرَ حَرَامًا لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الثَّمَنَ في مُقَابَلَةِ الْجَمِيعِ فَلَا يَلْزَمُهُ في مُقَابَلَةِ بَعْضِهِ إلَّا قِسْطُهُ وَيُقَدَّرُ الْحُرُّ في التَّقْسِيطِ عَبْدًا وَالْمَيْتَةُ مُذَكَّاةً وَالْخَمْرُ خَلًّا وَالْخِنْزِيرُ شَاةً أَيْ شَاةَ عَنْزٍ لَا شَاةَ ضَأْنٍ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْعَنْزَ في الشَّكْلِ فَرْعٌ لو بَاعَ مَعْلُومًا وَمَجْهُولًا كَقَوْلِهِ بِعْتُك عَبْدِي وَعَبْدًا آخَرَ بَطَلَ الْبَيْعُ في الْجَمِيعِ لِتَعَذُّرِ التَّقْسِيطِ فَرْعٌ مَتَى اشْتَرَى عَبْدَيْنِ من مَالِكَيْنِ أو وَكِيلِهِمَا أو بَاعَ عَبْدَيْهِ لِاثْنَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدًا كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِثَمَنٍ وَاحِدٍ فَسَدَ الْبَيْعُ لِأَنَّ حِصَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا مَجْهُولًا وَقِيلَ يَصِحُّ بِنَاءً على التَّعْلِيلِ بِالْجَمْعِ بين حَلَالٍ وَحَرَامٍ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَمَحَلُّ ما قَالَهُ أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَبْدٌ بِعَيْنِهِ فَلَوْ كان الْعَبْدَانِ بَيْنَهُمَا مُشَاعَيْنِ صَحَّ الْبَيْعُ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ في الشَّامِلِ لِأَنَّ حِصَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعْلُومَةٌ لِأَنَّهَا بِحَسَبِ نَصِيبِهِ مِنْهُمَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْوِيمٍ وَيُسْتَثْنَى من كَلَامِهِ ما لو اخْتَلَطَ حَمَامُ بُرْجٍ بِغَيْرِهِ فَيَجُوزُ لِمَالِكَيْهِمَا بَيْعُهُمَا لِثَالِثٍ كما ذَكَرَهُ في الصَّيْدِ وَكَذَا لو انْصَبَّتْ حِنْطَتُهُ على حِنْطَةِ غَيْرِهِ أو مَائِعُهُ على مَائِعِهِ فَرْعٌ في مَسَائِلَ دَوْرِيَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لو بَاعَ الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ عَبْدًا يُسَاوِي ثَلَاثِينَ بِعَشَرَةٍ وَمَاتَ وَلَا مِلْكَ له غَيْرُهُ ولم تُجْرِي الْوَرَثَةُ الزَّائِدَ على الثَّالِثِ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا وهو الْمَنْصُوصُ يَصِحُّ في قَدْرِ ما يَحْتَمِلُهُ الثُّلُثُ وما يُوَازِي الثَّمَنَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَيَبْطُلُ في الْبَاقِي وَيَصِحُّ في ثُلُثَيْ الْعَبْدِ بِالْعَشَرَةِ وَيَبْقَى مع الْوَرَثَةِ الثَّمَنُ وَثُلُثُ الْعَبْدِ وَذَلِكَ مِثْلَا الْمُحَابَاةِ وَهِيَ عَشَرَةٌ وَلَا دُورَ وَالثَّانِي وَرَجَّحَهُ آخَرُونَ وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْحِسَابِ وهو الْأَقْوَى في الْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا ارْتَدَّ الْبَيْعُ في بَعْضِ الْمَبِيعِ وَجَبَ أَنْ يَرْتَدَّ إلَى الْمُشْتَرِي ما يُقَابِلُهُ من الثَّمَنِ فَتَدُورُ الْمَسْأَلَةُ لِأَنَّ ما يَنْفُذُ فيه الْبَيْعُ يَخْرُجُ من التَّرِكَةِ وما يُقَابِلُهُ من الثَّمَنِ يَدْخُلُ فيها فَتَزِيدُ بِهِ فَيَزِيدُ الْمَبِيعُ فَيَزِيدُ الدَّاخِلُ
وَلَمَّا كان الثَّانِي هو الرَّاجِحَ في الْأَصْلِ اقْتَصَرَ عليه الْمُصَنِّفُ فقال صَحَّ أَيْ الْبَيْعُ في نِصْفِ الْعَبْدِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ لِيَبْقَى لِلْوَرَثَةِ عِشْرُونَ وَطَرِيقُهُ بِالْجُبْرَانِ أَنْ تَقُولَ صَحَّ الْبَيْعُ في شَيْءٍ من الْعَبْدِ بِثُلُثِ شَيْءٍ من الثَّمَنِ لِأَنَّ الثَّمَنَ مِثْلُ ثُلُثِ الْعَبْدِ وَبَقِيَ لِلْوَرَثَةِ عَبْدٌ إلَّا شيئا لَكِنَّ بَعْضَ النَّقْصِ انْجَبَرَ بِثُلُثِ الشَّيْءِ الْعَائِدِ فَالْمُحَابَاةُ ثُلُثَا شَيْءٍ وَالْبَاقِي لهم عَبْدٌ إلَّا ثُلُثَيْ شَيْءٍ يَعْدِلُ ضِعْفَ الْمُحَابَاةِ وهو شَيْءٌ وَثُلُثُ شَيْءٍ فَاجْبُرْ وَقَابِلْ فَيَكُونُ عَبْدٌ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ فَالشَّيْءُ نِصْفُ عَبْدٍ فَيَصِحُّ في نِصْفِ الْعَبْدِ وهو خَمْسَةَ عَشَرَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وهو خَمْسَةٌ لِأَنَّ ذلك قَضِيَّةُ التَّوْزِيعِ فَالْمُحَابَاةُ عَشَرَةٌ وَيَبْقَى لِلْوَرَثَةِ نِصْفُ الْعَبْدِ وَنِصْفُ الثَّمَنِ وَذَلِكَ مِثْلَا الْمُحَابَاةِ وَبِالنِّسْبَةِ أَنْ تَعْرِفَ ثُلُثَ الْمَالِ وَقَدْرَ الْمُحَابَاةِ فَإِنْ كان نِصْفَهَا صَحَّ الْبَيْعُ في نِصْفِ الْمَبِيعِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَإِنْ كان أَكْثَرَ فَبِأَكْثَرَ أو أَقَلَّ فَبِأَقَلَّ فَثُلُثُ الْمَالِ في هذه الْمَسْأَلَةِ عَشَرَةٌ وَالْمُحَابَاةُ عِشْرُونَ وَالْعَشَرَةُ نِصْفُ الْعِشْرِينَ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ في نِصْفِ الْعَبْدِ وَقِيمَتُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وهو خَمْسَةٌ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى سُدُسَهُ بِخَمْسَةٍ وَوُصِّيَ له بِثُلُثِهِ يَبْقَى مع الْوَرَثَةِ نِصْفُ الْعَبْدِ وَقِيمَتُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَنِصْفُ الثَّمَنِ وهو خَمْسَةٌ فَالْمَبْلَغُ عِشْرُونَ وَذَلِكَ مِثْلَا الْمُحَابَاةِ وَلَوْ بَاعَ صَاعًا يُسَاوِي عِشْرِينَ بِصَاعٍ يُسَاوِي عَشَرَةً وَمَاتَ وَلَا مِلْكَ له غَيْرُهُ صَحَّ في ثُلُثَيْ صَاعِ الْمَرِيضِ بِثُلُثَيْ صَاعِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ ثُلُثَ الْمَالِ سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ وَالْمُحَابَاةُ عَشَرَةٌ وَالسِّتَّةُ وَالثُّلُثَانِ ثُلُثَا الْعَشَرَةِ فَصَحَّ الْبَيْعُ في ثُلُثَيْ الصَّاعِ
وَلَهُ أَيْ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عليه لَا لِلْوَرَثَةِ أَيْ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ فَلَا خِيَارَ لهم لِئَلَّا يُبْطِلَ الْمُحَابَاةَ التي هِيَ وَصِيَّةٌ فَلَوْ كان صَاعُ الْمَرِيضِ يُسَاوِي ثَلَاثِينَ صَحَّ الْبَيْعُ في نِصْفِ الصَّاعِ بمثله كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ في الْعَبْدِ فَإِنْ كانت أَيْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَصَاعُ الْمَرِيضِ يُسَاوِي أَرْبَعِينَ صَحَّ الْبَيْعُ في أَرْبَعَةِ اتِّسَاعِ الصَّاعِ بِأَرْبَعَةِ اتِّسَاعِ الصَّاعِ فَإِنْ أَتْلَفَ الْمَرِيضُ الصَّاعَ الذي أَخَذَهُ ثُمَّ مَاتَ صَحَّ الْبَيْعُ في ثُلُثِهِ أَيْ ثُلُثِ صَاعِهِ بِثُلُثِ صَاعِ صَاحِبِهِ قَلَّتْ قِيمَةُ الصَّاعِ الْمَبِيعِ أو كَثُرَتْ لِأَنَّ ما أَتْلَفَهُ قد نَقَصَ من مَالِهِ أَمَّا ما صَحَّ فيه الْبَيْعُ فَهُوَ مِلْكُهُ وقد أَتْلَفَهُ وَأَمَّا ما بَطَلَ فيه فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ فَيَنْقُصُ قَدْرُ غُرْمِهِ من مَالِهِ وَمَتَى كَثُرَتْ الْقِيمَةُ قَلَّ الْغُرْمُ وَكَثُرَتْ الْمُحَابَاةُ وَمَتَى قَلَّتْ انْعَكَسَ ذلك فَإِنْ كانت قِيمَةُ صَاعِ الْمَرِيضِ عِشْرِينَ وقيمة صَاعِ الْمُشْتَرِي عَشَرَةً أَتْلَفَ الْمَرِيضُ من الْعِشْرِينَ عَشَرَةً بَقِيَ مَالُهُ عَشَرَةٌ كَأَنَّهَا كُلُّ مَالِهِ وَالْمُحَابَاةُ عَشَرَةٌ فَثُلُثُ مَالِهِ ثُلُثُ الْمُحَابَاةِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ في ثُلُثِ الصَّاعِ لِمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَثُلُثُ صَاعِ الْمَرِيضِ سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ
____________________
(2/44)
وَثُلُثُ صَاعِ الْمُشْتَرِي ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ فَالْمُحَابَاةُ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ يَبْقَى ثُلُثَا صَاعٍ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ وَثُلُثٌ لِلْوَرَثَةِ يَغْرَمُونَ منها لِلْمُشْتَرِي قِيمَةَ ثُلُثَيْ صَاعِهِ وهو سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ يَبْقَى لهم مِثْلُهَا وهو مِثْلَا الْمُحَابَاةِ
وَهَكَذَا إنْ كانت قِيمَةُ صَاعِ الْمَرِيضِ ثَلَاثِينَ أو أَرْبَعِينَ أو أَكْثَرَ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْبَيْعُ في ثُلُثِهِ بِثُلُثِهِ بهذا الِاعْتِبَارِ وهو النِّسْبَةُ الْمَذْكُورَةُ فَفِيمَا لو كانت قِيمَتُهُ ثَلَاثِينَ وقد أَتْلَفَ عَشَرَةً يَبْقَى مَالُهُ عِشْرِينَ كَأَنَّهُ كُلُّ مَالِهِ وَالْمُحَابَاةُ عِشْرُونَ فَثُلُثُ مَالِهِ ثُلُثُ الْمُحَابَاةِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ في ثُلُثِ صَاعٍ لِأَنَّ ثُلُثَ صَاعِ صَاحِبِهِ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ فَالْمُحَابَاةُ سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ وقد بَقِيَ لِلْوَرَثَةِ ثُلُثَا صَاعٍ وهو عِشْرُونَ يَغْرَمُونَ منها لِلْمُشْتَرِي قِيمَةَ ثُلُثَيْ صَاعِهِ وهو سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ يَبْقَى لهم ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَثُلُثٌ وَهِيَ مِثْلَا الْمُحَابَاةِ فَصْلٌ وإذا جَمَعَ في صَفْقَةٍ بين عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ أو بَيْعٍ وسلم أو بَيْعٍ ونكاح صَحَّ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصِحَّتِهِ مُنْفَرِدًا فَلَا يَضُرُّ الْجَمْعُ وَلَا أَثَرَ لِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ في ذلك كما لَا أَثَرَ له في بَيْعِ مَشْفُوعٍ وَغَيْرِهِ وَاخْتِلَافُ الْحُكْمِ فِيمَا ذُكِرَ بِاشْتِرَاطِ التَّأْقِيتَ في الْإِجَارَةِ بُطْلَانُ الْبَيْعِ وَالسَّلَمُ بِهِ وَعَدَمُ بُطْلَانِ النِّكَاحِ بِإِخْلَائِهِ عن الْعِوَضِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَيُسْتَثْنَى من ذلك ما لو كان أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ جَائِزًا كَالْبَيْعِ وَالْجَعَالَةِ إذْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ في الْمُسَابَقَةِ وَتَقْيِيدُهُمْ الْعَقْدَيْنِ بِاخْتِلَافِ حُكْمِهِمَا لِبَيَانِ مَحَلِّ الْخِلَافِ فَلَوْ جَمَعَ بين مُتَّفِقَيْنِ كَشَرِكَةٍ وَقِرَاضٍ كَأَنْ خَلَطَ أَلْفَيْنِ له بِأَلْفٍ لِغَيْرِهِ وقال شَارَكْتُك على أَحَدِهِمَا وَقَارَضْتُك على الْآخَرِ فَقَبِلَ صَحَّ جَزْمًا لِرُجُوعِهِمَا إلَى إذْنٍ في التَّصَرُّفِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ كُلٌّ من الْعَقْدَيْنِ بِالتَّوْزِيعِ طَرِيقُهُ أَنْ يُقَالَ يُوَزَّعُ الْمُسَمَّى في الْأُولَى على قِيَمِهِ الْمَبِيعِ وَأُجْرَةِ الْمُؤَجَّرِ وفي الثَّانِيَةِ على قِيمَتَيْ الْمَبِيعِ وَالْمُسْلِمِ وفي الثَّالِثَةِ على قِيمَةِ الْمَبِيعِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ وَخِلَافُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فيها إنَّمَا هو في الْبَيْعِ وَالصَّدَاقِ وَأَمَّا النِّكَاحُ فَيَصِحُّ قَطْعًا لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَتَأَثَّرُ بِجَهَالَةِ الْمَهْرِ وَهَذَا لَا حَاجَةَ لِلْمُصَنِّفِ بِهِ وَصُورَةُ الْإِجَارَةِ وَالسَّلَمِ آجَرْتُك دَارِي سَنَةً وَبِعْتُك كَذَا سَلَمًا بِكَذَا وَصُورَتُهَا مع الْبَيْعِ بِعْتُك عَبْدِي وَأَجَّرْتُك دَارِي سَنَةً بِكَذَا وصورة جَمْعِ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ زَوَّجْتُك جَارِيَتِي وَبِعْتُك عَبْدِي بِكَذَا أو زَوَّجْتُك بِنْتِي وَبِعْتُك عَبْدَهَا بِكَذَا وَهِيَ تَحْتَ حِجْرِهِ أو رَشِيدَةً ووكلته في بَيْعِ عَبْدِهَا بِخِلَافِ ما لو قال زَوَّجْتُك بِنْتِي وَبِعْتُك عَبْدِي بِكَذَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالصَّدَاقُ كما لو كان لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَبْدٌ فَبَاعَاهُمَا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ كما مَرَّ وَيَصِحُّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ثُمَّ شَرْطُ التَّوْزِيعِ في زَوَّجْتُك بِنْتِي وَبِعْتُك عَبْدَهَا أَنْ تَكُونَ حِصَّةُ النِّكَاحِ مَهْرَ الْمِثْلِ فَأَكْثَرَ فَإِنْ كانت أَقَلَّ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ كما ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ نعم إنْ أَذِنَتْ الرَّشِيدَةُ في قَدْرِ الْمُسَمَّى فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ التَّوْزِيعُ مُطْلَقًا وَإِنْ جَمَعَ بَيْعًا وَكِتَابَةً فقال لِعَبْدِهِ كَاتَبْتُك على نَجْمَتَيْنِ وَبِعْتُك ثَوْبِي بِأَلْفٍ لم يَصِحَّ الْبَيْعُ لِتَقَدُّمِ أَحَدِ شِقَّيْهِ على مَصِيرِ الْعَبْدِ من أَهْلِ مُبَايَعَةِ السَّيِّدِ وَصَحَّ في الْكِتَابَةِ بِالْقِسْطِ الْحَاصِلُ بِتَوْزِيعِ الْمُسَمَّى على قِيمَتَيْ الْعَبْدِ وَالْمَبِيعِ فما خَصَّ الْعَبْدَ لَزِمَهُ مُنَجَّمًا فإذا أَدَّاهُ عَتَقَ وَكَلَامُهُ كَأَصْلِهِ يُوهِمُ أو يَقْتَضِي أَنَّ هذا من الْجَمْعِ بين مُخْتَلِفِي الْحُكْمِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ التَّنْبِيهِ قال ابن الرِّفْعَةِ وَاخْتِلَافُ الْحُكْمِ فِيهِمَا أَنَّ الْكِتَابَةَ يَسْتَقِلُّ بِفَسْخِهَا الْمُكَاتَبُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وهو خِلَافُ ما صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ في الْكِتَابَةِ وَجَمَاعَةٌ هُنَا من أَنَّهُ من الْجَمْعِ بين حَلَالٍ وَحَرَامٍ وَلِهَذَا بَطَلَ الْبَيْعُ على الْأَصَحِّ فَصْلٌ وَتَتَعَدَّدُ الصَّفْقَةُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ كَ بِعْنَاك هذا بِأَلْفٍ فَيَقْبَلُ مِنْهُمَا كَأَنْ يَقُولَ قَبِلْت أو قَبِلْت نِصْفَ
____________________
(2/45)
كُلَّ مِنْكُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ وَكَذَا بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي كَبِعْتُكُمَا هذا بِأَلْفٍ فَيَقْبَلَانِ منه كَأَنْ يَقُولَا قَبِلْنَا أو يَقُولَ كُلٌّ مِنْهُمَا اشْتَرَيْت نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ سَوَاءٌ قَالَاهُ في الثَّانِيَةِ مَعًا أَمْ مُرَتَّبًا ولم يَطُلْ الْفَصْلُ فَيَجُوزُ في ذلك إفْرَادُ كل نَصِيبٍ بِرَدِّهِ بِالْعَيْبِ وإذا بَانَ نَصِيبُ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ حُرًّا مَثَلًا فَلَا خِلَافَ في صِحَّةِ بَيْعِ نَصِيبِ الْآخَرِ وَلَوْ بَاعَ اثْنَانِ من اثْنَيْنِ كان الْعَقْدُ أَرْبَعَةً أو ثَلَاثَةً من ثَلَاثَةٍ كان الْعَقْدُ تِسْعَةً فَلِكُلٍّ من الثَّلَاثَةِ أَنْ يَرُدَّ تُسْعَ الْمَبِيعِ على كُلٍّ من الْبَائِعِينَ الثَّلَاثَةِ كما سَيَأْتِي في بَابِ خِيَارِ النَّقْصِ وتتعدد بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ فَقَوْلُهُ بِعْتُك هذا بِمِائَةٍ وَهَذَا بِخَمْسِينَ صَفْقَتَانِ وَلَوْ قال الْمُشْتَرِي قَبِلْتهمَا أو قَبِلْت بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ لِأَنَّ لَا لِقَبُولٍ يَتَرَتَّبُ على الْإِيجَابِ فإذا وَقَعَ مُفَصَّلًا وَقَعَ الْقَبُولُ كَذَلِكَ وَلَوْ قال بِعْتُك عَبْدِي بِأَلْفٍ وَجَارِيَتِي بِخَمْسِمِائَةٍ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ
قال الْقَاضِي فَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ وَفَائِدَةُ التَّعَدُّدِ يَعْنِي وَمِنْ فَوَائِدِ تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ أَنَّهُ لو وَزَنَ فِيمَا لو بَاعَ وَاحِدٌ وَمِنْ اثْنَيْنِ مَثَلًا صَفْقَةً حِصَّةَ أَحَدِهِمَا من الثَّمَنِ لَزِمَ الْبَائِعَ أَنْ يُسَلِّمَهُ حِصَّتَهُ من الْمَبِيعِ تَسْلِيمُ الْمُشَاعِ نعم لو بَاعَهُمَا عَبْدَهُ بِأَلْفٍ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ أو بَاعَاهُ عَبْدٌ بِأَلْفٍ فَقَبِلَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا بِخَمْسِمِائَةٍ لم يَصِحَّ لِأَنَّ الْإِيجَابَ وَقَعَ جُمْلَةً وهو يَقْتَضِي الْجَوَابَ كَذَلِكَ صَحَّحَهُ في الْأَصْلِ وفي الْمَجْمُوعِ هُنَا قال الْأَذْرَعِيُّ تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ وَالْحَامِلُ على تَصْحِيحِهِ يَعْنِي في الصُّورَةِ الْأُولَى تَصْحِيحُ الْبَغَوِيّ وَنَقْلُ الْإِمَامِ له عن الْأَصْحَابِ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ في التَّتِمَّةِ الصِّحَّةُ وهو الْقِيَاسُ وَبِهِ جَزَمَ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وابن الصَّبَّاغِ وَالْجُرْجَانِيُّ وقال الْإِمَامُ أَنَّهُ أَظْهَرُ في الْقِيَاسِ وَرَجَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَالرُّويَانِيُّ في الْحِلْيَةِ وابن الرِّفْعَةِ في الْمَطْلَبِ قال لِأَنَّهُ لو وَقَفَ صِحَّةَ قَبُولِ أَحَدِهِمَا على قَبُولِ الْآخَرِ لم يَصِحَّ الْعَقْدُ وَبِالصِّحَّةِ جَزَمَ في الْمَجْمُوعِ في بَابِ ما نُهِيَ عنه من بَيْعِ الْغَرَرِ قال لِأَنَّ إيجَابَهُ لَهُمَا بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَقْدٌ فَصَحَّ قَبُولُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ ثُمَّ حَكَى الصُّورَةَ الثَّانِيَةَ وَجَزَمَ فيها بِالصِّحَّةِ قال أَعْنِي الْأَذْرَعِيَّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كان الْبَائِعُ هو الْمَالِكُ لِحَظِّ نَفْسِهِ بِخِلَافِ ما لو كان وَلِيًّا أو وَصِيًّا أو قَيِّمًا لِأَنَّ التَّشْقِيصَ يَضُرُّ بِالْمَوْلَى عليه وَإِنَّمَا قُلْت لِحَظِّ نَفْسِهِ احْتِرَازًا عَمَّا لو كان الْمَبِيعُ مَرْهُونًا أو جَانِيًا أو كان الْمَالِكُ مُفْلِسًا فَأَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ على بَيْعِهِ في هذه الْأُمُورِ فَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَصِحَّ قَبُولُ أَحَدِهِمَا في نِصْفِهِ قَطْعًا إذَا كان التَّشْقِيصُ يَضُرُّ بِالْغُرَمَاءِ وهو الْغَالِبُ كما لو وَكَّلَ بِبَيْعِ عَبْدٍ ليس له أَنْ يَبِيعَ نِصْفَهُ فَلَوْ بَاعَ نِصْفَهُ لم يَصِحَّ فَرْعٌ وَالِاعْتِبَارُ في تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ بِالْعَاقِدِ لَا الْمَعْقُودِ له لِتَعَلُّقِ أَحْكَامِ الْعَقْدِ بِهِ كَرُؤْيَةِ الْمَبِيعِ وَثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ نعم الْعِبْرَةُ بِعَكْسِهِ في الشُّفْعَةِ وَالرَّهْنِ كما يُعْلَمُ من مَحَلِّهِمَا لِأَنَّ مَدَارَ الشُّفْعَةِ على اتِّحَادِ الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ وَالرَّهْنُ على اتِّحَادِ الدَّيْنِ وَعَدَمِهِ فَلَوْ اشْتَرَى وَكِيلٌ لِرَجُلَيْنِ شيئا فَخَرَجَ مَعِيبًا لم يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا الرَّدُّ أَيْ إفْرَادُ نَصِيبِهِ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ كما لو اشْتَرَى شيئا وَمَاتَ عن ابْنَيْنِ وَخَرَجَ مَعِيبًا لم يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَلَوْ اشْتَرَيَا له وَكَالَةً رَدَّ جَوَازًا عَقْدَ أَحَدِهِمَا بِالْعَيْبِ وَلَوْ بَاعَ لَهُمَا وَكَالَةً لم يَرُدَّ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا بِالْعَيْبِ أو بَاعَا له وَكَالَةً رَدَّ جَوَازًا نَصِيبَ أَحَدِهِمَا بِالْعَيْبِ اعْتِبَارًا بِالْعَاقِدِ في الْخَمْسِ وَحَيْثُ لَا رَدَّ فَلِكُلٍّ مِمَّنْ امْتَنَعَ عليه الرَّدُّ من أَحَدِ الْمُوَكِّلَيْنِ أو الِابْنَيْنِ أو الْمُشْتَرِي الْأَرْشُ على الْبَائِعِ وَلَوْ لم يَيْأَسْ من رَدِّ صَاحِبِهِ لِظُهُورِ تَعَذُّرِ الرَّدِّ بَابُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ الْخِيَارُ ضَرْبَانِ خِيَارُ نَقْصٍ وَسَيَأْتِي وَخِيَارُ تَرَوٍّ وهو ما يَتَعَلَّقُ بِمُجَرَّدِ التَّشَهِّي وَلَهُ سَبَبَانِ الْمَجْلِسُ وَالشَّرْطُ كما عَبَّرَ بِهِمَا الْأَصْلُ لَا خِيَارَ لَهُمَا وَإِنْ عَبَّرَ بِهِمَا الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قال خِيَارُ التَّرَوِّي يَتَعَلَّقُ بِسَبَبَيْنِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا خِيَارِ الْمَجْلِسِ بِدَأْبِهِ لِثُبُوتِهِ بِالشَّرْعِ بِلَا شَرْطٍ فَيَثْبُتُ في كل عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ مَحْضَةٍ وَهِيَ التي تَفْسُدُ
____________________
(2/46)