الْأَبِ أَوْلَى من غَيْره لِأَنَّ إمَامَةَ غَيْرِهِ خِلَافُ الْأَوْلَى فَرْعٌ السَّاكِنُ بِحَقٍّ وَلَوْ مُسْتَعِيرًا مُقَدَّمٌ على هَؤُلَاءِ أَيْ الْأَفْقَهِ وَالْأَقْرَإِ وَغَيْرِهِمَا كما ذَكَرَهُ في الْفَصْلِ السَّابِقِ وَإِنْ كان السَّاكِنُ عَبْدًا لِاسْتِحْقَاقِهِ الْمَنْفَعَةَ وَلِخَبَرِ لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سُلْطَانِهِ وفي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد في بَيْتِهِ وَلَا سُلْطَانِهِ بِخِلَافِ السَّاكِنِ بِلَا حَقٍّ كَالْغَاصِبِ وَالْمَالِكُ لِلْمَنْفَعَةِ وَلَوْ بِدُونِ الرَّقَبَةِ أَوْلَى من الْمُسْتَعِيرِ لِمِلْكِهِ الْمَنْفَعَةَ وَالرُّجُوعَ فيها لَا الْمَالِكُ لِلرَّقَبَةِ فَقَطْ فَلَيْسَ أَوْلَى من الْمُسْتَأْجِرِ بَلْ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْلَى منه لِمِلْكِهِ الْمَنْفَعَةَ وما صَدَقَ بِهِ كَلَامُهُ من تَسَاوِيهِمَا غَيْرُ مُرَادٍ وَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ لَا من مَالِكِ الْمَنْفَعَةِ كان أَوْلَى لِيَشْمَلَ غير الْمُسْتَأْجِرِ كَالْمُوصَى له بِالْمَنْفَعَةِ وَالْمَوْقُوفِ عليه وَالْمُكَاتَبِ كِتَابَةً صَحِيحَةً وَالْمُبَعَّضِ لَا الْقِنِّ أَوْلَى من السَّيِّدِ فِيمَا سَكَنَهُ بِحَقٍّ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ بِخِلَافِ الْقِنِّ فَسَيِّدُهُ أَوْلَى منه وَإِنْ أَذِنَ له في التِّجَارَةِ أو مَلَّكَهُ الْمَسْكَنَ لِرُجُوعِ فَائِدَةِ السُّكْنَى إلَيْهِ دُونَ الْقِنِّ وَلَا بُدَّ من إذْنِ الشَّرِيكَيْنِ لِغَيْرِهِمَا في تَقَدُّمِهِ ومن إذْنِ أَحَدِهِمَا لِصَاحِبِهِ في ذلك وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَوْ حَضَرَ الشَّرِيكَانِ أو أَحَدُهُمَا وَالْمُسْتَعِيرُ من الْآخَرِ فَلَا يَتَقَدَّمُ غَيْرُهُمَا إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَلَا أَحَدُهُمَا إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ وَالْحَاضِرُ مِنْهُمَا أَحَقُّ من غَيْرِهِ حَيْثُ يَجُوزُ انْتِفَاعُهُ بِالْجَمِيعِ
وَعُلِمَ من عِبَارَةِ الْأَصْلِ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَيْنِ من الشَّرِيكَيْنِ كَالشَّرِيكَيْنِ فَإِنْ حَضَرَ الْأَرْبَعَةُ كَفَى إذْنُ الشَّرِيكَيْنِ وَإِمَامُ الْمَسْجِدِ الرَّاتِبِ أَحَقُّ من غَيْرِهِ وَإِنْ اخْتَصَّ غَيْرُهُ بِفَضِيلَةٍ لِخَبَرِ لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سُلْطَانِهِ وَيُبْعَثُ له نَدْبًا إذَا أَبْطَأَ لِيَحْضُرَ أو يَأْذَنَ في الْإِمَامَةِ فَإِنْ خِيفَ فَوَاتُ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَأُمِنَتْ الْفِتْنَةُ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ أَمَّ غَيْرُهُ بِالْقَوْمِ نَدْبًا لِيَحُوزُوا فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَإِلَّا بِأَنْ خِيفَ الْفِتْنَةُ صَلَّوْا فُرَادَى وَنُدِبَ لهم إعَادَةٌ معه إنْ حَضَرَ تَطْيِيبًا لِخَاطِرِهِ وَتَحْصِيلًا لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَلَا يُنَافِي ذلك قَوْلُ الْمَجْمُوعِ إذَا خَافُوا الْفِتْنَةَ انْتَظَرُوهُ فَإِنْ خَافُوا فَوْتَ الْوَقْتِ كُلِّهِ صَلَّوْا جَمَاعَةً لِأَنَّ ما هُنَا فِيمَا إذَا خَافُوا فَوْتَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَأَرَادُوا فَضِيلَتَهُ
وما في الْمَجْمُوعِ فِيمَا إذَا خَافُوا فَوْتَ كُلِّهِ ولم يُرِيدُوا ذلك ثُمَّ مَحَلُّ ذلك في مَسْجِدٍ غَيْرِ مَطْرُوقٍ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلُّوا أَوَّلَ الْوَقْتِ جَمَاعَةً كما سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ وَالْوَالِي في مَحَلِّ وِلَايَتِهِ أَوْلَى من الْكُلِّ أَيْ كل من تَقَدَّمَ وَإِنْ اخْتَصَّ بِفَضِيلَةٍ أو كان مَالِكًا إذَا رضي بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ في مِلْكِهِ لِخَبَرِ لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سُلْطَانِهِ وَلِعُمُومِ سَلْطَنَتِهِ مع أَنَّ تَقَدُّمَ غَيْرِهِ بِحَضْرَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَلِيقُ بِبَذْلِ الطَّاعَةِ
وَتَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كان يُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ وَقَوْلِي إذَا رضي بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ هو ما عَبَّرَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْأَصْحَابِ وَتَعْبِيرِي في شَرْحِ الْبَهْجَةِ تَبَعًا لِلْأَصْلِ بِإِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ يُحْمَلُ على إقَامَةِ الصَّلَاةِ إذْ اعْتِبَارُ ذلك بِلَا حَمْلٍ إنَّمَا هو طَرِيقَةٌ لِلْمَاوَرْدِيِّ على وَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قال وَلَيْسَ لهم أَنْ يَجْمَعُوا إلَّا بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَإِنْ أَذِنَ لِأَحَدِهِمْ فَهُوَ أَحَقُّ وَإِلَّا صَلَّوْا فُرَادَى وَلَوْ كان الْمَالِكُ امْرَأَةً فَلَا حَقَّ لها في الْإِقَامَةِ إلَّا بِالنِّسَاءِ وَإِنْ كان مَجْنُونًا أو صَبِيًّا اُسْتُؤْذِنَ وَلِيُّهُ فَإِنْ أَذِنَ لهم جَمَعُوا وَإِلَّا صَلَّوْا فُرَادَى قال الْقَمُولِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَحَلُّ تَقْدِيمِ الْوَالِي في غَيْرِ من وَلَّاهُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أو نَائِبُهُ
أَمَّا من وَلَّاهُ أَحَدُهُمَا في مَسْجِدٍ فَهُوَ أَوْلَى من وَالِي الْبَلَدِ وَقَاضِيهِ بِلَا شَكٍّ وَيُرَاعَى في الْوُلَاةِ إذَا اجْتَمَعُوا تَفَاوُتَ الدَّرَجَةِ فَيُقَدَّمُ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى منهم رِعَايَةً لِمَنْصِبِ الْوِلَايَةِ وَمَنْ قَدَّمَهُ الْمُقَدَّمُ بِالْمَكَانِ وكان يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ فَهُوَ أَوْلَى من غَيْرِهِ لِأَنَّ الْحَقَّ فيها له فَاخْتَصَّ بِالتَّقَدُّمِ وَالتَّقْدِيمِ أَمَّا الْمُقَدَّمُ بِغَيْرِ الْمَكَانِ كَالْأَفْقَهِ وَالْأَقْرَإِ فَلَا يُقَدَّمُ مُقَدَّمُهُ فَصْلٌ لِلْقُدْوَةِ شُرُوطٌ سَبْعَةٌ
الْأَوَّلُ لَا يَتَقَدَّمُ الْمَأْمُومُ على إمَامِهِ في الْمَوْقِفِ لِأَنَّهُ لم يُنْقَلْ عن أَحَدٍ من الْمُقْتَدِينَ بِالنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ وَالِائْتِمَامُ الِاتِّبَاعُ وَالْمُتَقَدِّمُ غَيْرُ تَابِعٍ فَإِنْ وفي نُسْخَةٍ فإذا تَقَدَّمَ وَلَوْ في أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَالتَّقَدُّمِ بِالتَّحَرُّمِ قِيَاسًا لِلْمَكَانِ على الزَّمَانِ وَلِأَنَّ ذلك أَفْحَشُ من الْمُخَالِفِ في الْأَفْعَالِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَبِهِ صَرَّحَ ابن أبي عَصْرُونٍ فقال وَالْجَمَاعَةُ أَفْضَلُ وَإِنْ تَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ لَكِنَّ كَلَامَ الْجُمْهُورِ يُخَالِفُهُ انْتَهَى
وَلَوْ شَكَّ في تَقَدُّمِهِ عليه فَفِي الْمَجْمُوعِ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ في الْأُمِّ تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمُفْسِدِ وَقِيلَ إنْ جاء من خَلْفِ الْإِمَامِ صَحَّتْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَقَدُّمِهِ أو من قُدَّامِهِ لم تَصِحَّ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ
____________________
(1/221)
تَقَدُّمِهِ قال في الْكِفَايَةِ وَهَذَا أَوْجَهُ وَلَا تَضُرُّ مُسَاوَاتُهُ له وَالِاعْتِبَارُ في التَّقَدُّمِ وَغَيْرِهِ لِلْقَائِمِ بِالْعَقِبِ وهو مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ لَا الْكَعْبِ فَلَوْ تَسَاوَيَا في الْعَقِبِ وَتَقَدَّمَتْ أَصَابِعُ الْمَأْمُومِ لم يَضُرَّ وَلَوْ تَقَدَّمَتْ عَقِبُهُ وَتَأَخَّرَتْ أَصَابِعُهُ ضَرَّ لِأَنَّ تَقَدُّمَ الْعَقِبِ يَسْتَلْزِمُ تَقَدُّمَ الْمَنْكِبِ وَالْمُرَادُ ما يَعْتَمِدُ عليها فَلَوْ اعْتَمَدَ على إحْدَى رِجْلَيْهِ وَقَدَّمَ الْأُخْرَى على رِجْلِ الْإِمَامِ لم يَضُرَّ
والاعتبار كما أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ بِالْأَلْيَةِ لِلْقَاعِدِ وَالْجَنْبِ لِلْمُضْطَجِعِ هذا من زِيَادَتِهِ وَقَوْلُهُ وَبِالْأَلْيَةِ لِلْقَاعِدِ يَشْمَلُ الرَّاكِبَ وهو ظَاهِرٌ وما قِيلَ من أَنَّ الْأَقْرَبَ فيه الِاعْتِبَارُ بِمَا اعْتَبَرُوا بِهِ في الْمُسَابَقَةِ ليس بِصَحِيحٍ إذْ لَا يَلْزَمُ من تَقَدُّمِ إحْدَى الدَّابَّتَيْنِ على الْأُخْرَى تَقَدُّمُ رَاكِبِهَا على رَاكِبِ الْأُخْرَى وَنُدِبَ لِلْجَمَاعَةِ أَنْ يَسْتَدِيرُوا حَوْلَ الْكَعْبَةِ إنْ صَلَّوْا في الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِيَحْصُلَ الِاسْتِقْبَالُ لِلْجَمِيعِ
قال الزَّرْكَشِيُّ كَذَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَلَا دَلِيلَ له من السُّنَّةِ فَالصَّوَابُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا ضَاقَ الْمَسْجِدُ لِكَثْرَةِ الْجَمْعِ كَأَيَّامِ الْحَجِيجِ وَإِلَّا فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ وَالْوُقُوفُ خَلْفَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ عن فِعْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالصَّحَابَةِ وأن يَقِفَ الْإِمَامُ خَلْفَ الْمَقَامِ أَيْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اقْتِدَاءً بِفِعْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَفِعْلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بَعْدَهُ وَإِنْ قَرُبُوا أَيْ الْمُؤْتَمُّونَ بِهِ من الْكَعْبَةِ بِأَنْ كَانُوا أَقْرَبَ إلَيْهَا منه لَا من جِهَتِهِ جَازَ إذْ لَا يَظْهَرُ بِذَلِكَ مُخَالَفَةٌ فَاحِشَةٌ وَلِأَنَّ رِعَايَةَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ في غَيْرِ جِهَتِهِ مِمَّا يَشُقُّ بِخِلَافِ جِهَتِهِ فَلَوْ تَوَجَّهَ لِلرُّكْنِ الذي فيه الْحَجَرُ مَثَلًا فَجِهَتُهُ مَجْمُوعُ جِهَتَيْ جَانِبَيْهِ كما مَرَّ في بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فَلَا يَتَقَدَّمُ عليه الْمَأْمُومُ الْمُتَوَجِّهُ له وَلَا لِإِحْدَى جِهَتَيْهِ وَلَوْ وَقَفَا أَيْ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ في الْكَعْبَةِ مُتَقَابِلَيْنِ أو مُتَدَابِرَيْنِ أو لَا وَلَا كَأَنْ تَوَجَّهَا إلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَوْ إلَى سَقْفِ الْكَعْبَةِ كما في صَلَاةِ الْمُسْتَلْقِي جَازَ وَإِنْ كان الْمَأْمُومُ أَقْرَبَ إلَى الْجِدَارِ الذي اسْتَقْبَلَهُ من الْإِمَامِ إلَى ما اسْتَقْبَلَهُ لِمَا مَرَّ لَا إنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى وَجْهِهِ فَلَا يَجُوزُ لِتَقَدُّمِهِ عليه في جِهَتِهِ وَلَوْ كان حِينَئِذٍ بَعْضُهُ إلَى جِهَةِ الْإِمَامِ وَبَعْضُهُ إلَى غَيْرِهَا فما الْمُغَلَّبُ قال الزَّرْكَشِيُّ تَوَقَّفَ فيه بَعْضُهُمْ وَيَنْبَغِي الْإِبْطَالُ تَغْلِيبًا لِلْمُبْطِلِ وَكَذَا لو كان الْإِمَامُ وَحْدَهُ خَارِجًا عن الْكَعْبَةِ وَالْمَأْمُومُ دَاخِلَهَا لَا يُوَلِّيهِ ظَهْرَهُ لِمَا مَرَّ أو عَكْسَهُ بِأَنْ كان الْمَأْمُومُ وَحْدَهُ خَارِجَهَا اسْتَقْبَلَ منها ما شَاءَ وَلَوْ تَرَكَ لَفْظَةَ كَذَا كان أَوْضَحَ فَرْعٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ الذَّكَرُ وَلَوْ صَبِيًّا إذَا لم يَحْضُرْ غَيْرُهُ عن يَمِينِ الْإِمَامِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن ابْنِ عَبَّاسٍ بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقَامَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يُصَلِّي من اللَّيْلِ فَقُمْت عن يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِرَأْسِي فَأَقَامَنِي عن يَمِينِهِ وأن يَتَأَخَّرَ عنه قَلِيلًا اسْتِعْمَالًا لِلْأَدَبِ وَإِظْهَارًا لِرُتْبَةِ الْإِمَامِ على رُتْبَةِ الْمَأْمُومِ فَإِنْ سَاوَاهُ أو وَقَفَ عن يَسَارِهِ أو خَلْفَهُ كُرِهَ كما في الْمَجْمُوعِ فَإِنْ جاء ذَكَرٌ آخَرُ أَحْرَمَ عن يَسَارِهِ نَدْبًا ثُمَّ يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ أو يَتَأَخَّرَانِ حَالَةَ الْقِيَامِ لَا حَالَةَ غَيْرِهِ كَالْقُعُودِ وَالسُّجُودِ إذْ لَا يَتَأَتَّى التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ فيها إلَّا بِعَمَلِ كَثِيرٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرُّكُوعَ كَالْقِيَامِ وَيُؤْخَذُ من كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ أَنَّ ذلك لَا يُنْدَبُ لِلْعَاجِزِينَ عن الْقِيَامِ وَأَنَّهُ لَا يُنْدَبُ إلَّا بَعْدَ إحْرَامِ الثَّانِي
وَبِهِ صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ لِئَلَّا يَصِيرَ مُنْفَرِدًا وَهُمَا أَوْلَى بِالتَّأَخُّرِ من الْإِمَامِ بِالتَّقَدُّمِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عن جَابِرٍ قُمْت عن يَسَارِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي عن يَمِينِهِ ثُمَّ جاء جَبَّارُ بن صَخْرٍ فَقَامَ عن يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا جميعا فَدَفَعَنَا حتى أَقَامَنَا خَلْفَهُ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ مَتْبُوعٌ فَلَا يَنْتَقِلُ عن مَكَانِهِ هذا إنْ أَمْكَنَ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ فَإِنْ لم يُمْكِنْ إلَّا أَحَدُهُمَا لِضِيقِ الْمَكَانِ من أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَعَلَ الْمُمْكِنَ لِتَعَيُّنِهِ طَرِيقًا في تَحْصِيلِ السُّنَّةِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ إذَا لم يَكُنْ بِيَسَارِ الْإِمَامِ ما يَسَعُ الْجَائِي الثَّانِيَ يُحْرِمُ خَلْفَهُ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ إلَيْهِ الْأَوَّلُ كما يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي في الْفَصْلِ الْآتِي وأن يَصْطَفَّ الذَّكَرَانِ وَلَوْ غير بَالِغَيْنِ سَوَاءٌ أَتَأَخَّرَا عنه فِيمَا مَرَّ أَمْ حَضَرَا معه ابْتِدَاءً خَلْفَهُ بِحَيْثُ لَا يَزِيدُ ما بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا على ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ
وَكَذَا بين كل صَفَّيْنِ فَلَوْ وَقَفَا عن يَمِينِهِ أو يَسَارِهِ أو أَحَدُهُمَا عن يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عن يَسَارِهِ أو أَحَدُهُمَا خَلْفَهُ وَالْآخَرُ بِجَنْبِهِ أو خَلْفَ الْأَوَّلِ كُرِهَ كما في
____________________
(1/222)
الْمَجْمُوعِ عن الشَّافِعِيِّ وَإِنْ صلى بِامْرَأَةٍ وَلَوْ مَحْرَمًا وَقَفَتْ خَلْفَهُ وَكَذَا النِّسَاءُ أو بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَقَفَ الرَّجُلُ عن يَمِينِهِ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَ الرَّجُلِ أو بِرَجُلَيْنِ وَامْرَأَةٍ وَقَفَا خَلْفَهُ وَهِيَ خَلْفَهُمَا
صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَخُنْثَى اصْطَفَّا أَيْ هو وَالرَّجُلُ صَفًّا وَتَخَلَّفَ أَيْ الرَّجُلُ عنه قَلِيلًا ووقف الْخُنْثَى خَلْفَهُمَا وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُ أَيْ الْخُنْثَى فَإِنْ كَثُرُوا بِأَنْ كان من كل جِنْسٍ جَمَاعَةٌ فَالرِّجَالُ يُقَدَّمُونَ لِفَضْلِهِمْ ثُمَّ الصِّبْيَانُ لِأَنَّهُمْ من جِنْسِ الرِّجَالِ ثُمَّ الْخَنَاثَى لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِمْ وَالتَّصْرِيحُ بِحُكْمِهِمْ من زِيَادَتِهِ ثُمَّ النِّسَاءُ وَالْأَصْلُ في ذلك خَبَرُ لِيَلِيَنِّي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثَلَاثًا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عن أبي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قال كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَلِيهِ في الصَّلَاةِ الرِّجَالُ ثُمَّ الصِّبْيَانُ ثُمَّ النِّسَاءُ لَكِنَّهُ ضَعَّفَهُ وَقَوْلُهُ لِيَلِيَنِّي بِيَاءٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَبِحَذْفِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ رِوَايَتَانِ وَالْأَحْلَامُ جَمْعُ حِلْمٍ بِالْكَسْرِ وهو التَّأَنِّي في الْأَمْرِ وَالنُّهَى جَمْعُ نُهْيَةٍ بِالضَّمِّ وهو الْعَقْلُ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وفي شَرْحِ مُسْلِمٍ النُّهَى الْعُقُولُ وَأُولُو الْأَحْلَامِ الْعُقَلَاءُ وَقِيلَ الْبَالِغُونَ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ اللَّفْظَانِ بِمَعْنًى وَلِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ عَطَفَ أَحَدَهُمَا على الْآخَرِ تَأْكِيدًا وَعَلَى الثَّانِي مَعْنَاهُ الْبَالِغُونَ الْعُقَلَاءُ
ا ه
قال الْأَذْرَعِيُّ وَإِنَّمَا تُؤَخَّرُ الصِّبْيَانُ عن الرِّجَالِ إذَا لم يَسَعْهُمْ صَفُّ الرِّجَالِ وَإِلَّا كُمِّلَ بِهِمْ لَا مَحَالَةَ وَهَذَا كُلُّهُ مُسْتَحَبٌّ لَا شَرْطٌ فَلَوْ خَالَفُوا صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ مع الْكَرَاهَةِ كما تَقَدَّمَ بَعْضُ ذلك وَمَحَلُّهُ أَيْضًا في غَيْرِ الْعُرَاةِ الْبُصَرَاءِ بِقَرِينَةِ ما قَدَّمَهُ في شُرُوطِ الصَّلَاةِ مع ما له تَعَلُّقٌ بِمَا هُنَا وَلَا يُحَوَّلُ صِبْيَانٌ حَضَرُوا أَوَّلًا لِرِجَالٍ حَضَرُوا ثَانِيًا لِأَنَّهُمْ من جِنْسِهِمْ بِخِلَافِ الْخَنَاثَى وَالنِّسَاءِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي فَصْلٌ يُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ الِانْفِرَادُ عن الصَّفِّ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عن أبي بَكْرٍ أَنَّهُ دخل وَالنَّبِيُّ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَاكِعٌ فَرَكَعَ قبل أَنْ يَصِلَ إلَى الصَّفِّ فذكر ذلك له صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال زَادَك اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ وفي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِأَبِي دَاوُد وَصَحَّحَهَا ابن حِبَّانَ فَرَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ مَشَى إلَيْهِ وَيُؤْخَذُ منه عَدَمُ لُزُومِ الْإِعَادَةِ لِعَدَمِ أَمْرِهِ بها وما رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ حَمَلُوهُ على النَّدْبِ جَمْعًا بين الدَّلِيلَيْنِ على أَنَّ الشَّافِعِيَّ ضَعَّفَهُ وكان يقول في الْقَدِيمِ لو ثَبَتَ قُلْت بِهِ وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَإِنْ اخْتَلَفَ كَامْرَأَةٍ وَلَا نِسَاءَ أو خُنْثَى وَلَا خَنَاثَى فَلَا يُكْرَهُ ذلك بَلْ يُنْدَبُ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فَإِنْ وَجَدَ في صَفٍّ سَعَةً وَلَوْ بِأَنْ لَا يَكُونَ خَلَاءٌ بَلْ يَكُونُ بِحَيْثُ لو دخل بَيْنَهُمْ لَوَسِعَهُمْ اخْتَرَقَ الصَّفَّ الذي يَلِيهِ فما فَوْقَهُ إلَيْهَا لِتَقْصِيرِهِمْ بِتَرْكِهَا وَلَا يَتَقَيَّدُ خَرْقُ الصُّفُوفِ بِصَفَّيْنِ كما زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ وَإِنَّمَا يَتَقَيَّدُ بِهِ تَخَطِّي الرِّقَابِ الْآتِي بَيَانُهُ في الْجُمُعَةِ كما نَبَّهْت على ذلك في شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَجِدْ سَعَةً أَحْرَمَ ثُمَّ جَرَّ في الْقِيَامِ وَاحِدًا من الصَّفِّ إلَيْهِ لِيَصْطَفَّ معه خُرُوجًا من الْخِلَافِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ إذَا جَوَّزَ أَنْ يُوَافِقَهُ وَإِلَّا فَلَا جَرَّ بَلْ يَمْتَنِعُ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ وَنُدِبَ لِمَجْرُورِهِ مُسَاعَدَتُهُ بِمُوَافَقَتِهِ لِيَنَالَ فَضْلَ الْمُعَاوَنَةِ على الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وفي مَرَاسِيلِ أبي دَاوُد إنْ جاء فلم يَجِدْ أَحَدًا فَلْيَخْتَلِجْ إلَيْهِ رَجُلًا من الصَّفِّ فَلْيَقُمْ معه فما أَعْظَمَ أَجْرَ الْمُخْتَلَجِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَجُرُّ أَحَدًا من الصَّفِّ إذَا كَانَا اثْنَيْنِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ أَحَدُهُمَا مُنْفَرِدًا وَلِهَذَا كان الْجَرُّ فِيمَا ذُكِرَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ نعم إنْ أَمْكَنَهُ الْخَرْقُ لِيَصْطَفَّ مع الْإِمَامِ أو كان مَكَانُهُ يَسَعُ أَكْثَرَ من اثْنَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَخْرِقَ في الْأُولَى وَيَجُرُّهُمَا معه في الثَّانِيَةِ الشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَعْلَمَ الْمَأْمُومُ أَفْعَالَ الْإِمَامِ لِيَتَمَكَّنَ من مُتَابَعَتِهِ بِمُشَاهَدَتِهِ أو بِمُشَاهَدَةِ بَعْضِ الصُّفُوفِ لِمَنْ يَرَى أو سَمَاعِ صَوْتِهِ أو صَوْتِ الْمُبَلِّغِ لِمَنْ لَا يَرَى وَلَوْ لِبُعْدِهِ عن الناس أو لِظُلْمَةٍ أو بِهِدَايَةِ ثِقَةٍ بِجَنْبِ أَعْمَى أَصَمَّ أو بَصِيرٍ أَصَمَّ في ظُلْمَةٍ أو نَحْوِهَا وفي نُسْخَةٍ أَعْمَى أو أَصَمَّ وَهِيَ الْمُوَافِقَةُ لِلْأَصْلِ أَيْ أَعْمَى لَا يَسْمَعُ أو أَصَمَّ في ظُلْمَةٍ أو نَحْوِهَا وَوَصْفُهُ الْأَخِيرَ بِالثِّقَةِ من زِيَادَتِهِ وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ بَلْ الْمُبَلِّغُ كَذَلِكَ كما نَقَلَهُ الْجُوَيْنِيُّ
____________________
(1/223)
عن النَّصِّ
الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَجْمَعَهُمَا أَيْ الْإِمَامَ وَالْمَأْمُومَ مَوْقِفٌ إذْ من مَقَاصِدِ الِاقْتِدَاءِ اجْتِمَاعُ جَمْعٍ في مَكَان كما عُهِدَ عليه الْجَمَاعَاتُ في الْعُصُرِ الْخَالِيَةِ
وَمَبْنَى الْعِبَادَاتِ على رِعَايَةِ الِاتِّبَاعِ وَلِاجْتِمَاعِهِمَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ لِأَنَّهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَا بِمَسْجِدٍ أو بِغَيْرِهِ في فَضَاءٍ أو بِنَاءٍ أو يَكُونَ أَحَدُهُمَا بِمَسْجِدٍ وَالْآخَرُ بِغَيْرِهِ وقد أَخَذَ في بَيَانِهَا فقال فَإِنْ كَانَا في مَسْجِدٍ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ بَعُدَتْ مَسَافَتُهُ وَاخْتَلَفَتْ أَبْنِيَةٌ منه كَبِئْرٍ وَسَطْحٍ وَمَنَارَةٍ تَنْفُذُ أَبْوَابُهَا إلَيْهِ وَإِنْ أُغْلِقَتْ لِأَنَّهُ كُلَّهُ مَبْنِيٌّ لِلصَّلَاةِ فَالْمُجْتَمِعُونَ فيه مُجْتَمِعُونَ لِإِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ مُؤَدُّونَ لِشِعَارِهَا أَمَّا إذَا لم تَنْفُذْ أَبْوَابُهَا إلَيْهِ فَلَا يُعَدُّ الْجَامِعُ لها مَسْجِدًا وَاحِدًا
وَخَالَفَ فيه الْبُلْقِينِيُّ وقال إنَّهُ ليس بِمُعْتَمَدٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَضُرُّ الشُّبَّاكُ فَلَوْ وَقَفَ من وَرَائِهِ بِجِدَارِ الْمَسْجِدِ ضَرَّ وَوَقَعَ لِلْإِسْنَوِيِّ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ قال الْحِصْنِيُّ وهو سَهْوٌ وَالْمَنْقُولُ في الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَضُرُّ أَيْ أَخْذًا من شَرْطِهِ تَنَافُذَ أَبْنِيَةِ الْمَسْجِدِ وَالْمَسَاجِدُ الْمُتَلَاصِقَةُ التي تَنْفُذُ أَبْوَابُ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ كَالْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ في صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ وَاخْتَلَفَتْ الْأَبْنِيَةُ وَانْفَرَدَ كُلُّ مَسْجِدٍ بِإِمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ وَجَمَاعَةٍ إلَّا إنْ حَالَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ قَدِيمٌ بِأَنْ حُفِرَ قبل حُدُوثِهَا فَلَا تَكُونُ كَالْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ بَلْ كَمَسْجِدٍ وَغَيْرِهِ وَسَيَأْتِي لَا نَهْرٌ طَارِئٌ بِأَنْ حُفِرَ بَعْدَ حُدُوثِهَا فَتَكُونُ كَالْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ فَيُعْتَبَرُ قُرْبُ الْمَسَافَةِ في الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَهَذَانِ إنَّمَا ذَكَرَهُمَا الْأَصْلُ في الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ وَلَا مُنَافَاةَ بَلْ ما سَلَكَهُ الْمُصَنِّفُ مَأْخُوذٌ مِمَّا في الْأَصْلِ وَكَالنَّهْرِ الطَّرِيقُ
وَعُلْوُ الْمَسْجِدِ كَسُفْلِهِ بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا وَكَسْرِهِ فَهُمَا مَسْجِدٌ وَاحِدٌ كما شَمِلَهُ كَلَامُهُ السَّابِقُ وَكَذَا رَحَبَتُهُ معه بِفَتْحِ الْحَاءِ وَهِيَ ما كان خَارِجَهُ مُحَجَّرًا عليه لِأَجْلِهِ قال في الْأَصْلِ ولم يُفَرِّقُوا بين أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَمْ لَا وقال ابن كَجٍّ فَإِنْ انْفَصَلَتْ فَكَمَسْجِدٍ آخَرَ وما قَالَهُ ابن كَجٍّ اسْتَحْسَنَهُ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وهو قِيَاسُ ما تَقَرَّرَ في حَيْلُولَةِ النَّهْرِ الْقَدِيمِ بين جَانِبَيْ الْمَسْجِدِ وَحَيْلُولَةِ الطَّرِيقِ بين الْمَسْجِدَيْنِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ على صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فيها لَا حُجَّةَ فيه إذْ لَا نِزَاعَ في صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فيها وَإِنَّمَا النِّزَاعُ في أَنَّهُ إذَا كان بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ طَرِيقٌ يَكُونَانِ كَمَسْجِدٍ وَاحِدٍ أَمْ لَا
وَالْأَشْبَهُ لَا كما قَالَهُ ابن كَجٍّ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ غَيْرِهِ وَتَوَقَّفَ الْإِسْنَوِيُّ فِيمَا إذَا لم نَدْرِ أَوُقِفَتْ مَسْجِدًا أَمْ لَا هل تَكُونُ مَسْجِدًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ لها حُكْمَ مَتْبُوعِهَا أو لَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَقْفِ وَالْمُتَّجَهُ كما قال جَمَاعَةٌ الْأَوَّلُ
وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فيه وَخَرَجَ بِرَحَبَتِهِ حَرِيمُهُ وهو الْمَوْضِعُ الْمُتَّصِلُ بِهِ الْمُهَيَّأُ لِمَصْلَحَتِهِ كَانْصِبَابِ الْمَاءِ وَطَرْحِ الْقُمَامَاتِ فيه فَلَيْسَ له حُكْمُهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَلْزَمُ الْوَاقِفَ تَمْيِيزُ الرَّحَبَةِ من الْحَرِيمِ بِعَلَامَةٍ لِتُعْطَى حُكْمَ الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَا في غَيْرِ الْمَسْجِدِ اُشْتُرِطَ في الْفَضَاءِ وَلَوْ مُحَوَّطًا أو مُسْقَفًا مَمْلُوكًا أو مَوَاتًا أو وَقْفًا أو مُخْتَلِفًا منها أَنْ لَا يَزِيدَ ما بين الْإِمَامِ وَمَنْ خَلْفَهُ أو من على أَحَدِ جَانِبَيْهِ وَلَا ما بين كل صَفَّيْنِ أو شَخْصَيْنِ مِمَّنْ يُصَلِّي خَلْفَهُ أو بِجَانِبِهِ على ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ
وهو شِبْرَانِ تَقْرِيبًا فَلَا تَضُرُّ زِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ كما في التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ وَلَا بُلُوغُ ما بين الْإِمَامِ وَالْأَخِيرِ من صَفٍّ أو شَخْصِ فَرَاسِخَ وَهَذَا التَّقْدِيرُ مَأْخُوذٌ من الْعُرْفِ وَقِيلَ ما بين الصَّفَّيْنِ في صَلَاةِ الْخَوْفِ إذْ سِهَامُ الْعَرَبِ لَا تُجَاوِزُ ذلك وَيُشْتَرَطُ مع ذلك في الْبِنَاءِ بِأَنْ كَانَا في بِنَاءَيْنِ أو أَحَدُهُمَا في بِنَاءٍ وَالْآخَرُ في فَضَاءٍ وَلَوْ كان الْبِنَاءُ مَدْرَسَةً وَرِبَاطًا أَنْ لَا يَحُولَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ أو الْمُشَاهَدَةَ لِلْإِمَامِ أو لِمَنْ خَلْفَهُ كَمُشَبَّكٍ أو بَابٍ مَرْدُودٍ أو جِدَارِ صُفَّةٍ شَرْقِيَّةً أو غَرْبِيَّةً لِمَدْرَسَةٍ إذَا كان الْوَاقِفُ فيها لَا يَرَى الْإِمَامَ وَلَا من خَلْفَهُ إذْ الْحَيْلُولَةُ بِذَلِكَ تَمْنَعُ الِاجْتِمَاعَ
____________________
(1/224)
بِخِلَافِ حَيْلُولَةِ الشَّارِعِ وَالنَّهْرِ كما سَيَأْتِي وما ذَكَرَهُ هو ما جَرَى عليه النَّوَوِيُّ كَالْعِرَاقِيِّينَ
وَخَالَفَ الرَّافِعِيُّ كَالْمَرَاوِزَةِ فَشَرَطَ فِيمَا إذَا صلى بِجَنْبِهِ اتِّصَالَ الْمَنَاكِبِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ بين الْبِنَاءَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ تَسَعُ وَاقِفًا وَفِيمَا إذَا صلى خَلْفَهُ أَنْ لَا يَزِيدَ ما بَيْنَهُمَا على ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ تَقْرِيبًا فَالْعِبْرَةُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ بِالِاتِّصَالِ وَعِنْدَ الْأَوَّلَيْنِ بِقُرْبِ الْمَسَافَةِ وَكَذَا إنْ كان أَحَدُهُمَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْأُخَرُ دَاخِلَهُ وَبَيْنَهُمَا بَابٌ أَيْ مَنْفَذٌ أو كَانَا في بَيْتَيْنِ من غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَبَيْنَهُمَا مَنْفَذٌ اُشْتُرِطَ مع ما مَرَّ لِصِحَّةِ اقْتِدَاءِ من ليس في بِنَاءِ الْإِمَامِ ولم يُشَاهِدْهُ وَلَا من يُصَلِّيَ معه في بِنَائِهِ أَنْ يَقِفَ وَاحِدٌ من الْمَأْمُومِينَ بِحِذَاءِ الْمَنْفَذِ أَيْ مُقَابِلَهُ يُشَاهِدُ الْإِمَامَ أو من معه في بِنَائِهِ فَتَصِحُّ صَلَاةُ من في الْبَيْتِ الْأَوْلَى من في الْمَكَانِ الْآخَرِ تَبَعًا له أَيْ لِمَنْ يُشَاهِدُ وَلَا يَضُرُّ الْحَائِلُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِمَامِ وَيَصِيرُ الْمُشَاهِدُ في حَقِّهِمْ كَالْإِمَامِ لَا يُحْرِمُونَ قَبْلَهُ لَكِنْ لو فَارَقَهُمْ بَعْدُ أو زَالَ عن مَوْقِفِهِ لم يَضُرَّ صَلَاتَهُمْ إذْ يُغْتَفَرُ في الدَّوَامِ ما لَا يُغْتَفَرُ في الِابْتِدَاءِ
وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ وَفِيهَا وَلَوْ رَدَّ الرِّيحُ الْبَابَ في أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ فَتْحُهُ حَالًا فَتَحَهُ وَدَامَ على الْمُتَابَعَةِ وَإِلَّا فَارَقَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ انْقَطَعَتْ الْقُدْوَةُ كما لو أَحْدَثَ إمَامُهُ وقد يَسْتَشْكِلُ هذا بِعَدَمِ وُجُوبِ مُفَارَقَةِ الْبَقِيَّةِ وَيُجَابُ بِحَمْلِ الْكَلَامِ فيه على ما إذَا لم يَعْلَمْ هو وَحْدَهُ انْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ بَعْدَ رَدِّ الْبَابِ وَبِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِعَدَمِ إحْكَامِهِ فَتْحَهُ بِخِلَافِ الْبَقِيَّةِ وَمَنْ تَقَدَّمَ عليه منهم بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كما لو تَقَدَّمَ على إمَامِهِ وَلَا يَضُرُّ في الِاقْتِدَاءِ حَيْلُولَةُ الشَّارِعِ وَإِنْ كَثُرَ طُرُوقُهُ ولا الْمَاءُ وَإِنْ احْتَاجَ عَابِرُهُ إلَى سِبَاحَةٍ لِأَنَّهُمَا لم يُعَدَّا لِلْحَيْلُولَةِ
وَلَوْ صلى فَوْقَ سَطْحِ مَسْجِدٍ وَإِمَامُهُ فَوْقَ سَطْحِ بَيْتٍ أو مَسْجِدٍ آخَرَ مُنْفَصِلٍ مع قُرْبِ الْمَسَافَةِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ فَقَدْ يُقَالُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ لِاخْتِلَافِ الْأَبْنِيَةِ وَعَدَمِ الِاتِّصَالِ لِأَنَّ الْهَوَاءَ لَا قَرَارَ له وَالْأَقْرَبُ الصِّحَّةُ كما لو وَقَفَا في بِنَاءَيْنِ على الْأَرْضِ وَحَالَ بَيْنَهُمَا شَارِعٌ أو نَهْرٌ وَإِنْ كان الْإِمَامُ أو من على الْمَنْفَذِ أو الْمَأْمُومُ الْمُحَاذِي له في عُلْوٍ وَالْآخَرُ في سُفْلٍ وَقَدَمُ الْأَعْلَى مُحَاذٍ لِرَأْسِ الْأَسْفَلِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ تَسَعُ وَاقِفًا إنْ صلى بِجَنْبِهِ وَلَا أَكْثَرُ من ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ إنْ صلى خَلْفَهُ لم يَضُرَّ فَإِنْ لم يُحَاذِهِ على الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ لَا يُعَدَّانِ مُجْتَمِعَيْنِ في مَكَان وَاحِدٍ بِخِلَافِ ما لو كان ذلك في الْمَسْجِدِ لِمَا مَرَّ
وَالِاعْتِبَارُ في الْمُحَاذَاةِ بِمُعْتَدِلِ الْقَامَةِ وَيُفْرَضُ الْقَاعِدُ الْمُعْتَدِلُ قَائِمًا وَالْقَصِيرُ وَالطَّوِيلُ مُعْتَدِلَيْنِ وَكَلَامُهُ في الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ جَارٍ على طَرِيقَةِ الْمَرَاوِزَةِ وَالْجَارِي على طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ اشْتِرَاطُ قُرْبِ الْمَسَافَةِ وَكَلَامُ الْأَصْلِ وَالْمَجْمُوعِ دَالٌّ عليه وقد نَبَّهَ عليه الْعِرَاقِيُّ في تَحْرِيرِهِ وَكَذَا الْأَذْرَعِيُّ فقال وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْبِنَاءَيْنِ كَالْفَضَاءِ يُفْهِمُ الصِّحَّةَ وَإِنْ لم تَكُنْ مُحَاذَاةً على طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ وَبِهِ يُشْعِرُ كَلَامُ الشَّاشِيِّ وَغَيْرُهُ وَالْمُرَادُ بِالْعُلْوِ الْبِنَاءُ وَنَحْوُهُ أَمَّا الْجَبَلُ الذي يُمْكِنُ صُعُودُهُ فَدَاخِلٌ في الْفَضَاءِ لِأَنَّ الْأَرْضَ فيها عَالٍ وَمُسْتَوٍ فَالْمُعْتَبَرُ فيه الْقُرْبُ على الطَّرِيقَتَيْنِ فَالصَّلَاةُ على الصَّفَا أو الْمَرْوَةِ أو جَبَلِ أبي قُبَيْسٍ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ في الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ صَحِيحَةٌ وَإِنْ كان أَعْلَى منه صَرَّحَ بِذَلِكَ الْجُوَيْنِيُّ وَالْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا
وَنَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَلَهُ نَصٌّ آخَرُ في أبي قُبَيْسٍ بِالْمَنْعِ حُمِلَ على ما إذَا لم يُمْكِنْ الْمُرُورُ إلَى الْإِمَامِ إلَّا بِانْعِطَافٍ من غَيْرِ جِهَتِهِ أو على ما إذَا بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ أو حَالَتْ أَبْنِيَةٌ هُنَاكَ مَنَعَتْ الرُّؤْيَةَ وَلَوْ كَانَا في سَفِينَتَيْنِ مَكْشُوفَتَيْنِ في الْبَحْرِ فَكَالْفَضَاءِ فَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ ما بَيْنَهُمَا على ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ وَإِنْ لم تُشَدَّ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى وَتَكُونَانِ كَدُكَّتَيْنِ في الْفَضَاءِ وَإِنْ كَانَتَا مُسْقَفَتَيْنِ أو إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَكَالْبَيْتَيْنِ في اشْتِرَاطِ قَدْرِ الْمَسَافَةِ وَعَدَمِ الْحَائِلِ ووجود الْوَاقِفِ بِالْمَنْفَذِ إنْ كان بَيْنَهُمَا مَنْفَذٌ قال في الْأَصْلِ وَالسَّفِينَةُ التي فيها بُيُوتٌ كَالدَّارِ التي فيها بُيُوتٌ وَالسُّرَادِقَاتُ في الصَّحْرَاءِ كَسَفِينَةٍ مَكْشُوفَةٍ وَالْخِيَامُ كَالْبُيُوتِ وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ ذلك لِظُهُورِهِ أو لِلْعِلْمِ بِهِ من كَلَامِهِ
وَالسُّرَادِقُ يُقَالُ لِمَا يُمَدُّ فَوْقَ صَحْنِ الدَّارِ وَلِلْخِبَاءِ وَنَحْوِهِ وَلِمَا يُدَارُ حَوْلَ الْخِبَاءِ وهو الْمُرَادُ هُنَا كما قَالَهُ في الْمُهِمَّاتِ وَلَوْ كان الْإِمَامُ في الْمَسْجِدِ وَالْمَأْمُومُ خَارِجَهُ اُعْتُبِرَتْ الْمَسَافَةُ من آخِرِ الْمَسْجِدِ لَا من آخِرِ مُصَلٍّ فيه لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَبْنِيٌّ لِلصَّلَاةِ فَلَا يَدْخُلُ في الْحَدِّ الْفَاصِلِ فَلَوْ كان الْمَأْمُومُ في الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ خَارِجَهُ اُعْتُبِرَتْ الْمَسَافَةُ من طَرَفِهِ الذي يَلِي الْإِمَامَ
الشَّرْطُ الرَّابِعُ نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ أو الِائْتِمَامِ أو الْجَمَاعَةِ بِالْإِمَامِ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ عَمَلٌ فَافْتَقَرَتْ إلَى نِيَّةٍ إذْ ليس لِلْمَرْءِ
____________________
(1/225)
إلَّا ما نَوَى وَيَنْبَغِي أَيْ يَجِبُ إنْ أَرَادَ الِاقْتِدَاءَ بِهِ ابْتِدَاءً أَنْ يَقْرِنَهَا بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ كَسَائِرِ ما يَنْوِيهِ من صِفَاتِ الصَّلَاةِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَنْوِ ذلك انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ مُنْفَرِدًا إلَّا في الْجُمُعَةِ فَلَا تَنْعَقِدُ أَصْلًا لِاشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ فيها فَإِنْ تَابَعَهُ بِلَا نِيَّةٍ أو وهو شَاكٌّ في النِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ نَظَرْت فَإِنْ رَكَعَ معه أو سَجَدَ مَثَلًا بَعْدَ انْتِظَارٍ كَثِيرٍ عُرْفًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ حتى لو عَرَضَ له الشَّكُّ في التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ لم يَجُزْ أَنْ يَقِفَ سَلَامَهُ على سَلَامِهِ كما صَرَّحَ بِهِ في الْأَصْلِ لِأَنَّهُ وَقَفَ صَلَاتَهُ على صَلَاةِ غَيْرِهِ من غَيْرِ رَابِطٍ بَيْنَهُمَا وَإِنْ وَقَعَ ما ذُكِرَ من الْمُتَابَعَةِ اتِّفَاقًا أو بِانْتِظَارٍ يَسِيرٍ عُرْفًا لم يَضُرَّ لِأَنَّهُ في الْأُولَى لَا يُسَمَّى مُتَابَعَةً وفي الثَّانِيَةِ مُغْتَفَرٌ لِقِلَّتِهِ وَلَا يُؤَثِّرُ شَكُّهُ فِيمَا ذُكِرَ بَعْدَ السَّلَامِ كما في التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الشَّكِّ في أَصْلِ النِّيَّةِ كما مَرَّ لِأَنَّهُ شَكٌّ في الِانْعِقَادِ بِخِلَافِهِ هُنَا وَيُسْتَثْنَى مِمَّا عُلِمَ من أَنَّ الشَّكَّ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ بِغَيْرِ مُتَابَعَةٍ ما لو عَرَضَ في الْجُمُعَةِ فَيُبْطِلُهَا إذَا طَالَ زَمَنُهُ لِأَنَّ نِيَّةَ الْجَمَاعَةِ فيها شَرْطٌ وَتَجِبُ نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ في الْجُمُعَةِ وَإِنْ لم تَصِحَّ إلَّا بِجَمَاعَةٍ لِمَا مَرَّ فَرْعٌ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ تَعْيِينُ الْإِمَامِ فَإِنْ الْتَبَسَ عليه بِوُقُوفِهِ في الصَّفِّ مَثَلًا فقال صَلَّيْت خَلْفَ الْإِمَامِ منهم أو الْإِمَامِ الْحَاضِرِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ إذْ مَقْصُودُ الْجَمَاعَةِ لَا يَخْتَلِفُ بِالتَّعْيِينِ وَعَدَمِهِ بَلْ قال الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُعَيِّنَهُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا إذَا عَيَّنَهُ بَانَ خِلَافُهُ فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَتَصْوِيرُ الْمُصَنِّفِ ذلك بِالِالْتِبَاسِ من زِيَادَتِهِ وهو يُوهِمُ التَّقْيِيدَ وَلَيْسَ مُرَادًا وَإِنْ عَيَّنَ رَجُلًا كَزَيْدٍ وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ الْإِمَامُ فَبَانَ مَأْمُومًا أو غير مُصَلٍّ أو اعْتَقَدَ أَنَّهُ زَيْدٌ فَبَانَ عَمْرًا أو هو الذي في الْأَصْلِ لم تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِرَبْطِهِ صَلَاتَهُ بِمَنْ لم يَنْوِ الِاقْتِدَاءَ بِهِ وهو كَمَنْ عَيَّنَ الْمَيِّتَ في صَلَاتِهِ عليه أو نَوَى الْعِتْقَ عن كَفَّارَةِ ظِهَارٍ فَأَخْطَأَ فيها وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ بُطْلَانُهَا بِمُجَرَّدِ الِاقْتِدَاءِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ بَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ مُنْفَرِدًا لِأَنَّهُ لَا إمَامَ له ثُمَّ إنْ تَابَعَهُ الْمُتَابَعَةَ الْمُبْطِلَةَ بَطَلَتْ رُدَّ بِأَنَّ فَسَادَ النِّيَّةِ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ كما لو اقْتَدَى بِمَنْ شَكَّ في أَنَّهُ مَأْمُومٌ وَبِأَنَّ ما يَجِبُ التَّعَرُّضُ له فيها إذَا عَيَّنَهُ وَأَخْطَأَ بَطَلَتْ كما مَرَّ وَلَوْ عَيَّنَ من في الْمِحْرَابِ بِأَنْ عَلَّقَ الْقُدْوَةَ بِشَخْصِهِ سَوَاءٌ أَعَبَّرَ عنه بِمَنْ في الْمِحْرَابِ أَمْ بِزَيْدٍ هذا أَمْ بهذا الْحَاضِرِ أَمْ بهذا أَمْ بِالْحَاضِرِ وَظَنَّهُ زَيْدًا فَبَانَ عَمْرًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْخَطَأَ لم يَقَعْ في الشَّخْصَيْنِ لِعَدَمِ تَأَتِّيهِ فيه بَلْ في الظَّنِّ وَلَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ بِخِلَافِ ما لو نَوَى الْقُدْوَةَ بِالْحَاضِرِ مَثَلًا ولم يُعَلِّقْهَا بِشَخْصِهِ لِأَنَّ الْحَاضِرَ صِفَةٌ لِزَيْدٍ الذي ظَنَّهُ وَأَخْطَأَ فيه وَالْخَطَأُ في الْمَوْصُوفِ يَسْتَلْزِمُ الْخَطَأَ في الصِّفَةِ فَبَانَ أَنَّهُ اقْتَدَى بِغَيْرِ الْحَاضِرِ فَرْعٌ يَصِحُّ اقْتِدَاءُ مُؤَدٍّ بِقَاضٍ وَمُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ وَبِالْعَكْسِ إذْ لَا يَتَغَيَّرُ نَظْمُ الصَّلَاةِ بِاخْتِلَافِ النِّيَّةِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ عنه بِخَبَرِ جَابِرٍ وقال إنَّهُ ثَابِتٌ كان مُعَاذٌ يُصَلِّي مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْعِشَاءَ ثُمَّ يَنْطَلِقُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّيهَا بِهِمْ هِيَ له تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ مَكْتُوبَةٌ وهو في الصَّحِيحَيْنِ بِدُونِ هِيَ إلَخْ وَتَعْبِيرُ الْأَصْلِ بِالْجَوَازِ أَوْلَى من تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِالصِّحَّةِ لِاسْتِلْزَامِهِ لها بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَمَعَ جَوَازِ ذلك يُسَنُّ تَرْكُهُ خُرُوجًا من الْخِلَافِ فَرْعٌ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ أو الْجَمَاعَةِ من الْإِمَامِ وَإِنْ اقْتَدَى بِهِ النِّسَاءُ فَعَنْ أَنَسٍ أَتَيْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو يُصَلِّي فَوَقَفْت خَلْفَهُ ثُمَّ جاء آخَرُ حتى صِرْنَا رَهْطًا كَثِيرًا فلما أَحَسَّ بِنَا أَوْجَزَ في صَلَاتِهِ ثُمَّ قال إنَّمَا فَعَلْت هذا لَكُمْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّ أَفْعَالَهُ غَيْرُ مَرْبُوطَةٍ بِغَيْرِهِ بِخِلَافِ أَفْعَالِ الْمَأْمُومِ فإذا لم يَرْبِطْهَا بِصَلَاةِ إمَامِهِ كان مُوقِفًا صَلَاتَهُ على صَلَاةِ من ليس إمَامًا له وَهَذَا في غَيْرِ
____________________
(1/226)
الْجُمُعَةِ لِاسْتِقْلَالِهِ لَكِنْ لو تَرَكَهَا أَيْ نِيَّةَ الْإِمَامَةِ لم يَحُزْ الْفَضِيلَةَ أَيْ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ إذْ ليس لِلْمَرْءِ من عَمَلِهِ إلَّا ما نَوَى كما مَرَّ فَيُسْتَحَبُّ له أَنْ يَأْتِيَ بها لِيَحُوزَ الْفَضِيلَةَ وَتَصِحُّ نِيَّتُهُ لها مع تَحَرُّمِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ إمَامًا في الْحَالِ لِأَنَّهُ سَيَصِيرُ إمَامًا وَبِالصِّحَّةِ حِينَئِذٍ صَرَّحَ الْجُوَيْنِيُّ وقال الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْوَجْهُ وَقَوْلُ الْعِمْرَانِيِّ هُنَا إنَّهَا لَا تَصِحُّ حِينَئِذٍ غَرِيبٌ وإذا نَوَى في أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ حَازَ الْفَضِيلَةَ من حِينِ النِّيَّةِ وَلَا تَنْعَطِفُ نِيَّتُهُ على ما قَبْلَهَا وأما في الْجُمُعَةِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَأْتِيَ بها فَلَوْ تَرَكَهَا بَطَلَتْ جُمُعَتُهُ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ فيها سَوَاءٌ أَكَانَ من الْأَرْبَعِينَ أَمْ زَائِدًا عليهم نعم إنْ لم يَكُنْ من أَهْلِ الْوُجُوبِ وَنَوَى غير الْجُمُعَةِ لم يُشْتَرَطْ ذلك فَإِنْ نَوَى في غَيْرِهَا وَعَيَّنَ الْمُؤْتَمَّ بِهِ فَأَخْطَأَ لم يَضُرَّ لِأَنَّ غَلَطَهُ في النِّيَّةِ لَا يَزِيدُ على تَرْكِهَا وَإِنْ نَوَى فيها كَذَلِكَ فَأَخْطَأَ ضَرَّ لِأَنَّ ما يَجِبُ التَّعَرُّضُ له يَضُرُّ الْخَطَأُ فيه كما مَرَّ
الشَّرْطُ الْخَامِسُ تَوَافُقُ نَظْمِ الصَّلَاتَيْنِ في الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَإِنْ اخْتَلَفَتَا في عَدَدِ الرَّكَعَاتِ فَلَوْ اقْتَدَى في الظُّهْرِ مَثَلًا بِمَنْ يُصَلِّيَ الْجِنَازَةَ أو الْكُسُوفَ لم تَصِحَّ الْقُدْوَةُ لِتَعَذُّرِ الْمُتَابَعَةِ بِاخْتِلَافِ فِعْلِهِمَا إلَّا في ثَانِي قِيَامِ ثَانِيَةِ الْكُسُوفِ فَتَصِحُّ لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ بَعْدَهَا وَهَذَا الْمُسْتَثْنَى من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ ابن الرِّفْعَةِ تَفَقُّهًا قال الْإِسْنَوِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ إيَّاهُ عنه وَلَا إشْكَالَ في الصِّحَّةِ إذَا اقْتَدَى بِهِ في التَّشَهُّدِ
قال وَمَنْعُ الِاقْتِدَاءِ بِمَنْ يُصَلِّيَ جِنَازَةً أو كُسُوفًا مُشْكِلٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِهِ في الْقِيَامِ لَا مُخَالَفَةَ فيه ثُمَّ إذَا انْتَهَى إلَى الْأَفْعَالِ الْمُخَالِفَةِ فَإِنْ فَارَقَهُ اسْتَمَرَّتْ الصِّحَّةُ وَإِلَّا بَطَلَتْ كَمَنْ صلى في ثَوْبٍ تُرَى عَوْرَتُهُ منه إذَا رَكَعَ بَلْ أَوْلَى فَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِهِمْ على ما ذَكَرْنَاهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُبْطِلَ ثَمَّ يَعْرِضُ بَعْدَ الِانْعِقَادِ وَهُنَا مَوْجُودٌ عِنْدَهُ وهو اخْتِلَافُ فِعْلِ الصَّلَاتَيْنِ الذي يَتَعَذَّرُ معه الْمُتَابَعَةُ بَعْدَ الِاقْتِدَاءِ قال الْبُلْقِينِيُّ وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْكُسُوفِ وَتَصِحُّ الظُّهْرُ مَثَلًا خَلْفَ من يُصَلِّيَ الصُّبْحَ أو الْمَغْرِبَ وَيَتَخَيَّرُ الْمُصَلِّي خَلْفَهُ في مُفَارَقَتِهِ له عِنْدَ الْقُنُوتِ في الصُّبْحِ وَالتَّشَهُّدِ في الْمَغْرِبِ فَإِنْ شَاءَ فَارَقَهُ عِنْدَ اشْتِغَالِهِ بِهِمَا وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ وَإِنْ شَاءَ اسْتَمَرَّ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ
وهو أَفْضَلُ كما في الْمَجْمُوعِ وَلَا يَضُرُّ تَطْوِيلُهُ الِاعْتِدَالَ بِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ في الْقُنُوتِ إلْحَاقًا له بِالْمَسْبُوقِ وَكَذَا تَصِحُّ الصُّبْحُ خَلْفَ من يُصَلِّي الظُّهْرَ أو نَحْوَهَا كَعَكْسِهِ بِجَامِعِ أَنَّهُمَا صَلَاتَانِ مُتَّفِقَانِ في النَّظْمِ ثُمَّ الْأَفْضَلُ أَنْ يَنْتَظِرَهُ عِنْدَ قِيَامِهِ لِلثَّالِثَةِ لِيُسَلِّمَ معه فَهُوَ أَفْضَلُ من أَنْ يُفَارِقَهُ وَيُسَلِّمَ لِغَرَضِ أَدَاءِ السَّلَامِ في الْجَمَاعَةِ وَلِوُرُودِهِ في صَلَاةِ الْخَوْفِ كما سَيَأْتِي وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْقُنُوتُ في الثَّانِيَةِ قَنَتَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عليه وَلَهُ فِرَاقُهُ لِيَقْنُتَ كما يُؤْخَذُ ذلك مِمَّا قَدَّمَهُ أَوَّلَ الْبَابِ في مَسْأَلَةِ الْحَنَفِيِّ التَّارِكِ لِلْقُنُوتِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ هُنَا فَلَوْ صلى الْمَغْرِبَ خَلْفَ من يُصَلِّيَ الظُّهْرَ أو نَحْوَهَا لَزِمَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ في الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ أَيْ عِنْدَ قِيَامِهِ لها وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ فَلَيْسَ له انْتِظَارُهُ بِخِلَافِ الْمُقْتَدِي في الصُّبْحِ بِالظُّهْرِ كما مَرَّ لِأَنَّهُ يُحْدِثُ هُنَا جُلُوسًا لم يَفْعَلْهُ الْإِمَامُ بِخِلَافِهِ في تِلْكَ فإنه وَافَقَهُ فيه ثُمَّ اسْتَدَامَهُ وَعَدَلَ عن تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِالتَّشَهُّدِ إلَى تَعْبِيرِهِ بِالْجُلُوسِ تَنْبِيهًا على ما الْكَلَامُ فيه من أَنَّ الْمُضِرَّ إنَّمَا هو الْمُخَالَفَةُ في الْأَفْعَالِ وَيُؤْخَذُ منه أَنَّهُ لو جَلَسَ إمَامُهُ لِلِاسْتِرَاحَةِ في هذه أو لِلتَّشَهُّدِ في تِلْكَ ولم يَتَشَهَّدْ لَا يَلْزَمُهُ مُفَارَقَتُهُ وَيُؤْخَذُ من تَعْبِيرِ الْأَصْلِ عَكْسُهُ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ وَيُؤْخَذُ من التَّعْبِيرَيْنِ مَعًا أَنَّهُ لو تَرَكَ إمَامُهُ الْجُلُوسَ وَالتَّشَهُّدَ في تِلْكَ لَزِمَهُ مُفَارَقَتُهُ وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ لُزُومِهَا تَنْزِيلًا لِمَحَلِّ جُلُوسِهِ وَتَشَهُّدِهِ مَنْزِلَتَهُمَا وَيَكُونُ التَّعْبِيرُ بِهِمَا جَرْيًا على الْغَالِبِ وَتَصِحُّ الْعِشَاءُ خَلْفَ من يُصَلِّيَ التَّرَاوِيحَ
____________________
(1/227)
كما لو اقْتَدَى في الظُّهْرِ بِالصُّبْحِ فإذا سَلَّمَ الْإِمَامُ قام إلَى بَاقِي صَلَاتِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُتِمَّ هَا مُنْفَرِدًا فَإِنْ اقْتَدَى بِهِ نَاسِيًا في رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ من التَّرَاوِيحِ جَازَ كَمُنْفَرِدٍ اقْتَدَى في أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ بِغَيْرِهِ وَتَصِحُّ الصُّبْحُ خَلْفَ من يُصَلِّيَ الْعِيدَ أو الِاسْتِسْقَاءَ وَعَكْسُهُ لِتَوَافُقِهِمَا في نَظْمِ أَفْعَالِهِمَا وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُوَافِقَهُ في التَّكْبِيرِ الزَّائِدِ إنْ صلى الصُّبْحَ خَلْفَ الْعِيدِ أو الِاسْتِسْقَاءِ أو في تَرْكِهِ إنْ عَكَسَ اعْتِبَارًا بِصَلَاتِهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ مُوَافَقَتُهُ في ذلك لِأَنَّ الْأَذْكَارَ لَا يَضُرُّ فِعْلُهَا وَإِنْ لم تُنْدَبْ وَلَا تَرْكُهَا وَإِنْ نُدِبَتْ
الشَّرْطُ السَّادِسُ الْمُوَافَقَةُ لِلْإِمَامِ في أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَإِنْ تَرَكَ الْإِمَامُ فَرْضًا لم يُتَابِعْهُ في تَرْكِهِ لِأَنَّهُ إنْ تَعَمَّدَ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ وَإِلَّا فَفِعْلُهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ أو تَرَكَ سُنَّةً أتى هو بها إنْ لم يَفْحُشْ تَخَلُّفُهُ لها كَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَقُنُوتٍ يُدْرِكُ معه أَيْ مع الْإِتْيَانِ بِهِ السَّجْدَةَ الْأُولَى لِأَنَّ ذلك تَخَلُّفٌ يَسِيرٌ أَمَّا إذَا فَحُشَ التَّخَلُّفُ لها كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَلَا يَأْتِي بها لِخَبَرِ إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَوْ اشْتَغَلَ بِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِعُدُولِهِ عن فَرْضِ الْمُتَابَعَةِ إلَى سُنَّةٍ وَيُخَالِفُ سُجُودَ السَّهْوِ وَالتَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ لِأَنَّهُ يَفْعَلُهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَاسْتَشْكَلَ ما قَالَهُ بِشَيْءٍ مَرَّ مع جَوَابِهِ في سُجُودِ السَّهْوِ
الشَّرْطُ السَّابِعُ الْمُتَابَعَةُ في أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لَا في أَقْوَالِهَا على الْوَجْهِ الْآتِي فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْبِقَهُ بِالْفِعْلِ وَلَا يُقَارِنَهُ فيه وَلَا يَتَأَخَّرَ عنه إلَى فَرَاغِهِ منه لِخَبَرِ مُسْلِمٍ لَا تُبَادِرُوا الْإِمَامَ إذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وإذا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عليه فإذا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وإذا رَكَعَ فَارْكَعُوا فَإِنْ فَعَلَ شيئا من ذلك بِأَنْ سَبَقَهُ بِرُكْنٍ فَأَقَلَّ أو قَارَنَهُ أو تَأَخَّرَ إلَى فَرَاغِهِ لم تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ ذلك يَسِيرٌ وَكُرِهَ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ في سَبْقِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَمَا يَخْشَى الذي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قبل الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ وَكَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ في الْآخَرَيْنِ لِمُخَالَفَةِ الْأَخْبَارِ الْآمِرَةِ بِالْمُتَابَعَةِ وَذِكْرُ الْكَرَاهَةِ مع ما يَأْتِي عَقِبَهَا في غَيْرِ الْمُقَارَنَةِ من زِيَادَتِهِ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ قَارَنَهُ كُرِهَ فَعَلَيْهَا لَا زِيَادَةَ وَفَاتَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ لِارْتِكَابِهِ الْمَكْرُوهَ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَجْرِي ذلك في سَائِرِ الْمَكْرُوهَاتِ وَضَابِطُهُ أَنَّهُ حَيْثُ فَعَلَ مَكْرُوهًا مع الْجَمَاعَةِ من مُخَالَفَةِ مَأْمُورٍ بِهِ في الْمُوَافَقَةِ وَالْمُتَابَعَةِ كَالِانْفِرَادِ عَنْهُمْ فَاتَهُ فَضْلُهَا إذْ الْمَكْرُوهُ لَا ثَوَابَ فيه مع أَنَّ صَلَاتَهُ جَمَاعَةٌ إذْ لَا يَلْزَمُ من انْتِفَاءِ فَضْلِهَا انْتِفَاؤُهَا وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْمُقَارَنَةِ الْمُفَوِّتَةِ لِذَلِكَ الْمُقَارَنَةُ في جَمِيعِ الْأَفْعَالِ أو يُكْتَفَى بِمُقَارَنَةِ الْبَعْضِ قال الزَّرْكَشِيُّ لم يَتَعَرَّضُوا له وَيُشْبِهُ أَنَّ الْمُقَارَنَةَ في رُكْنٍ وَاحِدٍ لَا تُفَوِّتُ ذلك لِأَنَّهُ يَجُوزُ التَّقَدُّمُ بِرُكْنٍ وفي تَعْلِيلِهِ نَظَرٌ إلَّا في التَّكْبِيرَةِ أَيْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فإنه إنْ قَارَنَهُ فيها أو في بَعْضِهَا أو شَكَّ في أَثْنَائِهَا أو بَعْدَهَا ولم يَتَذَكَّرْ عن قُرْبٍ هل قَارَنَهُ فيها أَمْ لَا أو ظَنَّ التَّأَخُّرَ فَبَانَ خِلَافُهُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لم تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ وَلِأَنَّهُ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِغَيْرِ مُصَلٍّ فَيُشْتَرَطُ تَأَخُّرُ جَمِيعِ تَكْبِيرَتِهِ عن جَمِيعِ تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ وَفَارَقَ ذلك الْمُقَارَنَةُ في بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ بِانْتِظَامِ الْقُدْوَةِ فيها لِكَوْنِ الْإِمَامِ في الصَّلَاةِ
وما ذُكِرَ من أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ انْعِقَادِهَا إذَا لم يَعْتَقِدْ أَنَّ الْإِمَامَ قد كَبَّرَ وَإِلَّا فَتَنْعَقِدُ فُرَادَى وَجْهٌ مَرْدُودٌ بِمَا مَرَّ آنِفًا من حُكْمِ الظَّنِّ إذْ مِثْلُهُ حُكْمُ الِاعْتِقَادِ بِدَلِيلِ ما مَرَّ في فَرْعِ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْإِمَامِ وَيُسْتَحَبُّ قبل التَّكْبِيرِ لِلْإِحْرَامِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ الْإِمَامُ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ كَأَنْ يَقُولَ اسْتَوُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ أو سَوُّوا صُفُوفَكُمْ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ اعْتَدِلُوا في صُفُوفِكُمْ وَتَرَاصُّوا فَإِنِّي أَرَاكُمْ من وَرَائِي قال أَنَسٌ رَاوِيهِ فَلَقَدْ رَأَيْت أَحَدَنَا يُلْصِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ كان يُسَوِّي صُفُوفَنَا كَأَنَّمَا يُسَوِّي بها الْقِدَاحَ وأن يَلْتَفِتَ لِذَلِكَ يَمِينًا وَشِمَالًا لِأَنَّهُ أَبْلَغُ في الْإِعْلَامِ وَأَنْ يَقُومُوا بَعْدَ فَرَاغِ الْمُقِيمِ من الْإِقَامَةِ فَيَشْتَغِلُوا بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أو لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بين وُجُوهِكُمْ قال في الْمَجْمُوعِ
وَيُسَنُّ
____________________
(1/228)
إذَا كَبُرَ الْمَسْجِدُ أَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ رَجُلًا يَأْمُرُهُمْ بِتَسْوِيَتِهَا وَيَطُوفُ عليهم أو يُنَادِي فِيهِمْ وَيُسَنُّ لِكُلِّ من حَضَرَ أَنْ يَأْمُرَ بِذَلِكَ من يَرَى منه خَلَلًا في تَسْوِيَةِ الصَّفِّ فإنه من الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالتَّعَاوُنِ على الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَالْمُرَادُ بِتَسْوِيَتِهَا إتْمَامُ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ وَسَدُّ الْفُرَجِ وَتَحَاذِي الْقَائِمِينَ فيها بِحَيْثُ لَا يَتَقَدَّمُ صَدْرُ وَاحِدٍ وَلَا شَيْءٌ منه على من هو بِجَنْبِهِ وَلَا يُشْرَعُ في الصَّفِّ الثَّانِي حتى يَتِمَّ الْأَوَّلُ وَلَا يَقِفُ في صَفٍّ حتى يَتِمَّ ما قَبْلَهُ قال وَخَصَّ الْمَاوَرْدِيُّ اسْتِحْبَابَ الْقِيَامِ عَقِبَ الْفَرَاغِ من الْإِقَامَةِ بِالشَّابِّ أَمَّا الشَّيْخُ الْبَطِيءُ فَعِنْدَ لَفْظِ الْإِقَامَةِ وَلَيْسَ دَوَامُ قِيَامِهِ قِيَامًا قبل فَرَاغِهَا لِأَنَّهُ لم يَبْتَدِئْهُ وَلَوْ تَخَلَّفَ عن الْمُتَابَعَةِ بِلَا عُذْرٍ كَالِاشْتِغَالِ بِالسُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ أو التَّسْبِيحَاتِ في الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِرُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ وَإِنْ لم يَكُونَا طَوِيلَيْنِ لَا بِرُكْنٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِفُحْشِ الْمُخَالَفَةِ بِلَا عُذْرٍ بِخِلَافِ التَّخَلُّفِ بِرُكْنٍ وَلَوْ طَوِيلًا وهو الْمَقْصُودُ في نَفْسِهِ لَا يُؤَثِّرُ فَفِي خَبَرِ مُعَاوِيَةَ لَا تُبَادِرُونِي بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُودِ فَمَهْمَا أَسْبِقْكُمْ بِهِ إذَا رَكَعْت تُدْرِكُونِي بِهِ إذَا رَفَعْت رَوَاهُ ابن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَالتَّخَلُّفُ بِرُكْنَيْنِ أَنْ يُتِمَّهُمَا الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ فِيمَا قَبْلَهُمَا كما لو رَكَعَ وَاعْتَدَلَ ثُمَّ هَوَى لِلسُّجُودِ وَالْمَأْمُومُ قَائِمٌ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ مُلَابَسَةُ الْإِمَامِ رُكْنًا ثَالِثًا
وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ في التَّحْقِيقِ فَإِنْ كان تَخَلُّفُهُ لِعُذْرٍ كَإِبْطَاءِ قِرَاءَةٍ لِعَجْزٍ لَا لِوَسْوَسَةٍ وَاشْتِغَالٍ بِاسْتِفْتَاحٍ لَزِمَهُ إتْمَامُ الْفَاتِحَةِ إنْ كان مُوَافِقًا أو شَيْءٍ منها قَدْرَ ما اشْتَغَلَ بِهِ من دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ إنْ كان مَسْبُوقًا وَالْأَوْلَى تَأْخِيرُ هذا عن بَقِيَّةِ أَحْكَامِ الْمُوَافِقِ مِمَّا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَيَسْعَى خَلْفَ الْإِمَامِ على نَظْمِ صَلَاتِهِ أَيْ صَلَاةِ نَفْسِهِ ما لم يَسْبِقْهُ بِأَكْثَرَ من ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ مَقْصُودَةٍ في نَفْسِهَا أَيْ طَوِيلَةٍ أَخْذًا من صَلَاتِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِعُسْفَانَ فَلَا يُعَدُّ منها الْقَصِيرُ وهو الِاعْتِدَالُ وَالْجُلُوسُ بين السَّجْدَتَيْنِ كما مَرَّ في سُجُودِ السَّهْوِ فَيَسْعَى خَلْفَهُ إذَا فَرَغَ من قِرَاءَةِ ما لَزِمَهُ قِرَاءَتُهُ قبل انْتِصَابِ الْإِمَامِ من السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنْ سَبَقَهُ بها الْأَوْلَى الْمُوَافِقُ لِلْأَصْلِ بِهِ أَيْ بِأَكْثَرَ من الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنْ لم يَفْرُغْ من قِرَاءَتِهِ إلَّا وَالْإِمَامُ قَائِمٌ عن السُّجُودِ أو جَالِسٌ لِلتَّشَهُّدِ وَافَقَهُ في الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَقَضَى أَيْ أَدَّى ما فَاتَهُ بِتَخَلُّفِهِ بَعْدَ سَلَامِهِ أَيْ الْإِمَامِ كَالْمَسْبُوقِ
وَهَذِهِ كَمَسْأَلَةِ الزِّحَامِ الْآتِي بَيَانُهَا في الْجُمُعَة هذا كُلُّهُ في الْمَأْمُومِ الْمُوَافِقِ وهو من أَدْرَكَ مع الْإِمَامِ مَحَلَّ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ أَمَّا الْمَسْبُوقُ وهو بِخِلَافِهِ فَهُوَ ما بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ وَالْمَسْبُوقُ الذي لم يَشْتَغِلْ بِافْتِتَاحٍ وَتَعَوُّذٍ في أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ تَابَعَهُ في الرُّكُوعِ وَيَسْقُطُ عنه بَقِيَّتُهَا لِأَنَّهُ لم يُدْرِكْ غير ما قَرَأَهُ وَأَجْزَأَهُ كما لو أَدْرَكَهُ في الرُّكُوعِ تَسْقُطُ عنه الْفَاتِحَةُ وَيَرْكَعُ معه وَيُجْزِئُهُ فَإِنْ تَخَلَّفَ الْمَسْبُوقُ بَعْدَ قِرَاءَةِ ما أَدْرَكَهُ من الْفَاتِحَةِ لِإِتْمَامِهَا وَفَاتَهُ الرُّكُوعُ معه وَأَدْرَكَهُ في الِاعْتِدَالِ بَطَلَتْ رَكْعَتُهُ لِأَنَّهُ لم يُتَابِعْهُ في مُعْظَمِهَا وفي نُسْخَةٍ لِاشْتِغَالِهِ بِالسُّورَةِ أو التَّسْبِيحَاتِ فَفَاتَهُ الرُّكُوعُ لَغَتْ رَكْعَتُهُ وَتَخَلَّفَ بِلَا عُذْرٍ فَقَدْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ في وَجْهٍ ضَعِيفٍ أَمَّا مَسْبُوقٌ اشْتَغَلَ بِافْتِتَاحٍ أو تَعَوُّذٍ فَيَلْزَمُهُ قِرَاءَةٌ بِقَدْرِهِمَا من الْفَاتِحَةِ كما مَرَّ لِتَقْصِيرِهِ بِعُدُولِهِ عن فَرْضٍ إلَى نَفْلٍ قال الشَّيْخَانِ كَالْبَغَوِيِّ
وهو بِتَخَلُّفِهِ مَعْذُورٌ لِإِلْزَامِهِ بِالْقِرَاءَةِ وقال الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي غَيْرُ مَعْذُورٍ لِتَقْصِيرِهِ بِمَا مَرَّ فَإِنْ لم يُدْرِكْ الْإِمَامَ في الرُّكُوعِ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ وَلَا يَرْكَعُ لِأَنَّهُ لَا يُحْسَبُ له بَلْ يُتَابِعُهُ في هُوِيِّهِ لِلسُّجُودِ كما جَزَمَ بِهِ في التَّحْقِيقِ قال الْفَارِقِيُّ وَصُورَتُهَا أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ يُدْرِكُ الْإِمَامَ قبل سُجُودِهِ وَإِلَّا فَيُتَابِعُهُ قَطْعًا وَلَا يَقْرَأُ وَذَكَرَ مثله الرُّويَانِيُّ في حِلْيَتِهِ وَالْغَزَالِيُّ في إحْيَائِهِ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْأُمِّ على أَنَّ صُورَتَهَا أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ يُدْرِكُهُ في رُكُوعِهِ وَإِلَّا فَيُفَارِقُهُ وَيُتِمُّ صَلَاتَهُ نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ فَعَلَى الْأَوَّلِ ليس الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ مَعْذُورًا أَنَّهُ كَبَطِيءِ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا بَلْ إنَّهُ لَا كَرَاهَةَ وَلَا بُطْلَانَ بِتَخَلُّفِهِ قَطْعًا قال الْأَذْرَعِيُّ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ بِتَقْصِيرِهِ بِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ إذَا ظَنَّ إدْرَاكَهُ في الرُّكُوعِ فَأَتَى بِالِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ فَرَكَعَ الْإِمَامُ على خِلَافِ الْعَادَةِ بِأَنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَأَعْرَضَ عن السُّنَّةِ التي قَبْلَهَا وَاَلَّتِي بَعْدَهَا يَرْكَعُ معه وَإِنْ لم يَكُنْ قَرَأَ من الْفَاتِحَةِ شيئا وَمُقْتَضَى إطْلَاقِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ انْتَهَى
وَهَذَا الْمُقْتَضَى هو الْمُعْتَمَدُ لِبَقَاءِ مَحَلِّ الْقِرَاءَةِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَقْصِيرَهُ بِمَا ذُكِرَ مُنْتَفٍ في ذلك وَلَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ وَلَوْ نَسِيَ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ
____________________
(1/229)
أو شَكَّ في قِرَاءَتِهَا فَإِنْ ذَكَرَ النِّسْيَانَ الْأَوْلَى وَلَوْ نَسِيَ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ ذَكَرَ أو شَكَّ في قِرَاءَتِهَا فَإِنْ كان قبل أَنْ يَرْكَعَ مع الْإِمَامِ تَخَلَّفَ لِقِرَاءَتِهَا لِبَقَاءِ مَحَلِّهَا وَلَهُ حُكْمُ بَطِيءِ الْقِرَاءَةِ مع سَرِيعِهَا في أَنَّهُ مُتَخَلِّفٌ بِعُذْرٍ وَالْقِيَاسُ في الْمُنْتَظِرِ سَكْتَةَ الْإِمَامِ لِيَقْرَأَ فيها الْفَاتِحَةَ فَرَكَعَ إمَامُهُ عَقِبَهَا أَنَّهُ كَالنَّاسِي خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ في قَوْلِهِ بِسُقُوطِ الْفَاتِحَةِ عنه وَإِلَّا بِأَنْ كان التَّذَكُّرُ أو الشَّكُّ بَعْدَ رُكُوعِهِ معه تَابَعَهُ وَلَا يَعُودُ لِقِرَاءَتِهَا لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا وَأَتَى بِرَكْعَةٍ بَعْدَ السَّلَامِ من الْإِمَامِ قال الزَّرْكَشِيُّ فَلَوْ تَذَكَّرَ في قِيَامِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ كان قد قَرَأَهَا حُسِبَتْ له تِلْكَ الرَّكْعَةُ بِخِلَافِ ما لو كان مُنْفَرِدًا أو إمَامًا فَشَكَّ في رُكُوعِهِ في الْقِرَاءَةِ فَمَضَى ثُمَّ تَذَكَّرَ في قِيَامِ الثَّانِيَةِ أَيْ مَثَلًا أَنَّهُ كان قد قَرَأَهَا في الْأُولَى فإن صَلَاتَهُ تَبْطُلُ إذْ لَا اعْتِدَادَ بِفِعْلِهِ مع الشَّكِّ انْتَهَى
وَلَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الْفَاتِحَةِ حتى رَكَعَ الْإِمَامُ قال ابن الرِّفْعَةِ قال الْقَاضِي فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُخْرِجُ نَفْسَهُ من مُتَابَعَتِهِ انْتَهَى وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يَشْتَغِلُ بِقِرَاءَتِهَا إلَى أَنْ يَخَافَ أَنْ يَتَخَلَّفَ عنه بِرُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ فَيُخْرِجَ نَفْسَهُ وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ قِيَامِ إمَامِهِ في أَنَّهُ سَجَدَ معه أَمْ لَا سَجَدَ ثُمَّ تَابَعَهُ فَلَوْ قام معه ثُمَّ شَكَّ في ذلك لم يَعُدْ لِلسُّجُودِ كما أَفْتَى بِهِمَا الْقَاضِي وَلَوْ سَجَدَ معه ثُمَّ شَكَّ في أَنَّهُ رَكَعَ معه أَمْ لَا لم يَعُدْ لِلرُّكُوعِ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ تَخْرِيجًا على الثَّانِيَةِ وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ فَرَاغِ إمَامِهِ من الرُّكُوعِ في أَنَّهُ رَكَعَ معه أَمْ لَا عَادَ لِلرُّكُوعِ قُلْته تَخْرِيجًا على الْأُولَى وَضَابِطُ ذلك أَنَّهُ إنْ تَيَقَّنَ فَوْتَ مَحَلِّ الْمَتْرُوكِ لِتَلَبُّسِهِ مع الْإِمَامِ بِرُكْنٍ لم يَعُدْ له وَإِلَّا عَادَ وَمِنْ الْأَعْذَارِ التَّخَلُّفُ لِزِحَامٍ وَخَوْفٍ وَسَيَأْتِي كُلٌّ مِنْهُمَا في مَحَلِّهِ وَأَوَّلُهُمَا يُغْنِي عن قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ كَمَسْأَلَةِ الزِّحَامِ
وَإِنْ سَبَقَ إمَامَهُ بِدُونِ رُكْنٍ كَأَنْ رَكَعَ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ لم تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَوْ تَعَمَّدَ سَبْقَهُ بِهِ لِأَنَّهُ يَسِيرُ كَعَكْسِهِ وَلَهُ انْتِظَارُهُ فِيمَا سَبَقَهُ بِهِ وَالرُّجُوعُ إلَيْهِ أَفْضَلُ أَيْ مُسْتَحَبٌّ لِيَرْكَعَ معه إنْ تَعَمَّدَ السَّبْقَ جَبْرًا لِمَا أَخَلَّ بِهِ وَإِلَّا بِأَنْ سَهَا بِهِ تَخَيَّرَ بين الِانْتِظَارِ وَالْعَوْدِ فَلَوْ سَبَقَهُ بِرُكْنٍ بِأَنَّ الْأُولَى كَأَنْ رَكَعَ وَرَفَعَ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ وَوَقَفَ يَنْتَظِرُهُ حتى رَفَعَ وَاجْتَمَعَا في الِاعْتِدَالِ لم تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَإِنْ حَرُمَ كما مَرَّ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ كَعَكْسِهِ أو سَبَقَهُ بِرُكْنَيْنِ فَإِنْ كان عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِفُحْشِ الْمُخَالَفَةِ وَإِلَّا بِأَنْ كان نَاسِيًا أو جَاهِلًا فَالرَّكْعَةُ وَحْدَهَا تَبْطُلُ فَيَأْتِي بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ بِرَكْعَةٍ قال في الْأَصْلِ وَلَا يَخْفَى بَيَانُ السَّبْقِ بِرُكْنَيْنِ من قِيَاسِ ما ذَكَرْنَاهُ في التَّخَلُّفِ ولكن مَثَّلَهُ الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنْ رَكَعَ قَبْلَهُ فلما أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ فلما أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ سَجَدَ فلم يَجْتَمِعَا في الرُّكُوعِ وَلَا في الِاعْتِدَالِ وهو مُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ في التَّخَلُّفِ فَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَوِيَا بِأَنْ يُقَدِّرَ مِثْلَ ذَاكَ هُنَا أو بِالْعَكْسِ وَأَنْ يَخْتَصَّ هذا بِالتَّقَدُّمِ لِفُحْشِهِ وهو الْأَوْلَى لِأَنَّهُ أَفْحَشُ وَلَوْ سَبَقَهُ بِالْقِرَاءَةِ وَالتَّشَهُّدِ لم يَضُرَّ وَلَوْ في الْجَهْرِيَّةِ إذْ لَا تَظْهَرُ بِهِ مُخَالَفَةٌ بِخِلَافِ سَبْقِهِ بِالسَّلَامِ لِارْتِكَابِهِ حَرَامَيْنِ التَّقَدُّمَ بِرُكْنٍ وَقَطْعَ الْقُدْوَةِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ فَرْعٌ وَإِنْ أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ الْإِمَامَ رَاكِعًا وفي آخِرِ مَحَلِّ قِرَاءَتِهِ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ تَكْبِيرَةً ثُمَّ كَبَّرَ لِلْهُوِيِّ لِلرُّكُوعِ أُخْرَى كَالْمُوَافِقِ فَإِنْ اقْتَصَرَ فِيهِمَا على تَكْبِيرَةٍ فَإِنْ نَوَى بها الْإِحْرَامَ فَقَطْ وَأَتَمَّهَا قبل هُوِيِّهِ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ وَلَا يَضُرُّ تَرْكُ تَكْبِيرَةِ الْهُوِيِّ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ وَقَوْلُهُ وَأَتَمَّهَا قبل هُوِيِّهِ أَعَمُّ من قَوْلِ أَصْلِهِ وَأَتَى بها من قِيَامٍ أو نَوَى بها الرُّكُوعَ فَقَطْ فَلَا تَنْعَقِدُ لِخُلُوِّهَا عن التَّحَرُّمِ وَلَوْ نَوَاهُمَا بها أو لم يَنْوِهِمَا بها بِأَنْ نَوَى بها أَحَدَهُمَا بِلَا تَعْيِينٍ أو لم يَنْوِ شيئا مِنْهُمَا لم تَنْعَقِدْ أَيْضًا لِلتَّشْرِيكِ في الْأُولَى بين التَّحَرُّمِ وَبَيْنَ ما لم يَحْصُلْ معه بِقَصْدِهِ كما لو تَحَرَّمَ بِفَرْضٍ وَنَفْلٍ بِخِلَافِ غُسْلِهِ لِلْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ وَنَحْوِهِ وَلِتَعَارُضِ قَرِينَتَيْ الِافْتِتَاحِ وَالْهُوِيِّ في الثَّانِيَةِ بِشِقَّيْهَا فَلَا بُدَّ من قَصْدٍ مُعَيَّنٍ لِوُجُودِ الصَّارِفِ وفي هذه الصُّورَةِ وَهِيَ ما إذَا أَدْرَكَهُ رَاكِعًا وَجَبَتْ نِيَّةُ التَّكْبِيرِ لِلتَّحَرُّمِ لِيَمْتَازَ عَمَّا عَارَضَهُ من تَكْبِيرِ الرُّكُوعِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ
فَرْعٌ تُكْرَهُ مُفَارَقَةُ الْإِمَامِ بِغَيْرِ عُذْرٍ لِمُفَارَقَتِهِ لِلْجَمَاعَةِ الْمَطْلُوبَةِ وُجُوبًا أو نَدْبًا مُؤَكَّدًا وَهَذَا بِخِلَافِ ما إذَا فَارَقَهُ لِعُذْرٍ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ فَإِنْ فَارَقَهُ وَلَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا الْجَمَاعَةُ
____________________
(1/230)
سُنَّةٌ فَالسُّنَنُ لَا تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ إلَّا في الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أو فَرْضُ كِفَايَةٍ فَكَذَلِكَ إلَّا في الْجِهَادِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَلِأَنَّ الْفِرْقَةَ الْأُولَى فَارَقَتْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في ذَاتِ الرِّقَاعِ كما سَيَأْتِي وفي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ مُعَاذًا صلى بِأَصْحَابِهِ الْعِشَاءَ فَطَوَّلَ بِهِمْ فَتَنَحَّى من خَلْفِهِ رَجُلٌ وَصَلَّى وَحْدَهُ ثُمَّ أتى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَغَضِبَ وَأَنْكَرَ على مُعَاذٍ ولم يُنْكِرْ على الرَّجُلِ ولم يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ
قال في شَرْحِ مُسْلِمٍ كَذَا اسْتَدَلُّوا بِهِ وهو اسْتِدْلَالٌ ضَعِيفٌ إذْ ليس في الْخَبَرِ أَنَّهُ فَارَقَهُ وَبَنَى بَلْ في رِوَايَةٍ أَنَّهُ سَلَّمَ ثُمَّ اسْتَأْنَفَهَا فَهُوَ إنَّمَا يَدُلُّ على جَوَازِ الْإِبْطَالِ لِعُذْرٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ هذه الرِّوَايَةَ شَاذَّةٌ وَبِتَقْدِيرِ عَدَمِ شُذُوذِهَا يُجَابُ بِأَنَّ الْخَبَرَ يَدُلُّ على الْمُدَّعَى أَيْضًا لِأَنَّهُ إذَا دَلَّ على جَوَازِ إبْطَالِ أَصْلِ الْعِبَادَةِ فَعَلَى إبْطَالِ صِفَتِهَا أَوْلَى وَالتَّطْوِيلُ وَحْدَهُ ليس بِعُذْرٍ لِمَا يَأْتِي فَالْخَبَرُ صَادِقٌ بِالْعُذْرِ وَبِغَيْرِهِ لَكِنْ في رِوَايَةٍ في الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ الرَّجُلَ قال يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مُعَاذًا افْتَتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَنَحْنُ أَصْحَابُ نَوَاضِحَ نَعْمَلُ بِأَيْدِينَا فَتَأَخَّرْت وَصَلَّيْت وَاعْلَمْ أَنَّ الْقِصَّةَ الْمَذْكُورَةَ جَاءَتْ في رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ أنها كانت في الْمَغْرِبِ وفي رِوَايَاتِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ مُعَاذًا افْتَتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وفي رِوَايَةٍ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ أنها كانت في الْعِشَاءِ فَقَرَأَ اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ قال في الْمَجْمُوعِ فَيُجْمَعُ بين الرِّوَايَاتِ بِأَنْ تُحْمَلَ على أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ لِشَخْصَيْنِ وَلَعَلَّ ذلك كان في لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ فإن مُعَاذًا لَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ النَّهْيِ وَيَبْعُدُ أَنَّهُ نَسِيَهُ وَرَجَّحَ الْبَيْهَقِيُّ رِوَايَةَ الْعِشَاءِ بِأَنَّهَا أَصَحُّ وهو كما قال لَكِنَّ الْجَمْعَ أَوْلَى وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بين رِوَايَةِ الْقِرَاءَةِ بِالْبَقَرَةِ وَالْقِرَاءَةِ بِاقْتَرَبَتْ بِأَنَّهُ قَرَأَ بِهَذِهِ في رَكْعَةٍ وَهَذِهِ في رَكْعَةٍ وَيُعْذَرُ في الْمُفَارَقَةِ بِمَا يُعْذَرُ بِهِ في الْجَمَاعَةِ وَبِتَرْكِ الْإِمَامِ سُنَّةً مَقْصُودَةً كَالْقُنُوتِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَكَذَا لو طَوَّلَ الْقِرَاءَةَ وَبِهِ أَيْ الْمَأْمُومِ ضَعْفٌ أو شُغْلٌ وقد تَجِبُ الْمُفَارَقَةُ كَأَنْ رَأَى على ثَوْبِ إمَامِهِ نَجَسًا لَا يُعْفَى عنه أو رَأَى خُفَّهُ تَخَرَّقَ أو عَلِمَ أَنَّ مُدَّتَهُ انْقَضَتْ أو نحو ذلك
فَرْعٌ لو أُقِيمَتْ الْجَمَاعَةُ وهو أَيْ وَالْمُنْفَرِدُ يُصَلِّيَ حَاضِرَةً صُبْحًا أو رُبَاعِيَّةً أو ثُلَاثِيَّةً كما صَرَّحَ بها في الْأَصْلِ وقد قام في غَيْرِ الصُّبْحِ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ أَتَمَّهَا أَيْ أَتَمَّ صَلَاتَهُ نَدْبًا وَدَخَلَ في الْجَمَاعَةِ وَإِلَّا بِأَنْ كانت غير الصُّبْحِ ولم يَقُمْ إلَى الثَّالِثَةِ قَلَبَهَا نَفْلًا وَاقْتَصَرَ على رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ دخل في الْجَمَاعَةِ بَلْ إنْ خَشِيَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ لو تَمَّمَ رَكْعَتَيْنِ اُسْتُحِبَّ له قَطْعُ صَلَاتِهِ وَاسْتِئْنَافُهَا جَمَاعَةً ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَفِيهِ عن الْمُتَوَلِّي أَنَّ مَحَلَّ ذلك أَيْضًا إذَا تَحَقَّقَ إتْمَامَهَا في الْوَقْتِ لو سَلَّمَ من رَكْعَتَيْنِ وَإِلَّا حَرُمَ السَّلَامُ مِنْهُمَا لِأَنَّ مُرَاعَاةَ الْوَقْتِ فَرْضٌ وَالْجَمَاعَةَ سُنَّةٌ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْفَرْضِ لِمُرَاعَاةِ السُّنَّةِ وَجَزَمَ بِذَلِكَ في التَّحْقِيقِ
وَالتَّعْلِيلُ بِأَنَّ الْجَمَاعَةَ سُنَّةٌ جَارٍ على طَرِيقِهِ وَفَارَقَ ما هُنَا ما في التَّيَمُّمِ من أَنَّهُ إذَا رَأَى الْمَاءَ في صَلَاتِهِ التي تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ فَالْأَفْضَلُ قَطْعُهَا لِيَتَوَضَّأَ من غَيْرِ قَلْبِهَا نَافِلَةً بِأَنَّ الْمُنَافِيَ حَصَلَ ثَمَّ في الْجُمْلَةِ وَلِهَذَا حَرَّمَ جَمَاعَةٌ إتْمَامَهَا بِخِلَافِ ما هُنَا وَلَا تُقْلَبُ الْفَائِتَةُ أَيْ لَا يَجُوزُ قَلْبُهَا نَفْلًا لِيُصَلِّيَهَا جَمَاعَةً في فَائِتَةٍ أُخْرَى أو حَاضِرَةٍ إذْ لَا تُشْرَعُ فيها الْجَمَاعَةُ حِينَئِذٍ خُرُوجًا من خِلَافِ الْعُلَمَاءِ فَإِنْ كانت الْجَمَاعَةُ في تِلْكَ الْفَائِتَةِ بِعَيْنِهَا جَازَ ذلك لَكِنَّهُ لَا يُنْدَبُ نعم إنْ كان قَضَاءُ الْفَائِتَةِ فَوْرِيًّا فَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ
وَيَقْلِبُهَا أَيْ الْفَائِتَةَ نَفْلًا وُجُوبًا إنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْحَاضِرَةِ وَيَشْتَغِلُ بها كما مَرَّ قُبَيْلَ الْبَابِ الْخَامِسِ في شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَيَقْطَعُ النَّافِلَةَ نَدْبًا إنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ وَفَوَاتُهَا بِسَلَامِ الْإِمَامِ نعم إنْ رَجَا جَمَاعَةً تُقَامُ عن قُرْبٍ وَالْوَقْتُ مُتَّسِعٌ فَالْأَوْلَى إتْمَامُ نَافِلَتِهِ ثُمَّ يَفْعَلُ الْفَرِيضَةَ في جَمَاعَةٍ من أَوَّلِهَا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وهو مَعْلُومٌ مِمَّا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عن الرُّويَانِيِّ أَوَائِلَ كِتَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَإِنْ نَوَى الْمُنْفَرِدُ الِاقْتِدَاءَ في أَثْنَائِهَا أَيْ صَلَاتِهِ جَازَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ رَكْعَتُهُمَا لِقِصَّةِ أبي بَكْرٍ الْمَشْهُورَةِ لَمَّا جاء النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ الْإِمَامُ في حُكْمِ الْمُنْفَرِدِ وَلِأَنَّهُ صلى بِأَصْحَابِهِ ثُمَّ تَذَكَّرَ في صَلَاتِهِ أَنَّهُ جُنُبٌ فَأَشَارَ إلَيْهِمْ كما أَنْتُمْ وَخَرَجَ وَاغْتَسَلَ وَعَادَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ وَتَحَرَّمَ بِهِمْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُمْ أَنْشَئُوا اقْتِدَاءً جَدِيدًا لِانْفِرَادِهِمْ بَعْدَ خُرُوجِهِ وَلِأَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُصَلِّي بَعْدَ انْفِرَادِهِ إمَامًا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ مَأْمُومًا لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كما في الْمَجْمُوعِ عن النَّصِّ وَاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَيُوَافِقُهُ بَعْدَ اقْتِدَائِهِ بِهِ في جُلُوسِهِ وَقِيَامِهِ وَغَيْرِهِمَا حتى تَتِمَّ صَلَاتُهُ ثُمَّ يُفَارِقُهُ وَيُتِمُّ لِنَفْسِهِ أو يَنْتَظِرُهُ عِبَارَتُهُ قَاصِرَةٌ عن الْمُرَادِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَأَصْلِهِ وَغَيْرِهِ بَدَلَ حتى إلَى آخِرِهِ فَإِنْ فَرَغَ الْإِمَامُ أَوَّلًا أَتَمَّ لِنَفْسِهِ كَمَسْبُوقٍ
____________________
(1/231)
أو فَرَغَ هو أو لَا فَارَقَهُ وسلم أو انْتَظَرَهُ في التَّشَهُّدِ لِيُسَلِّمَ معه وَانْتِظَارُهُ أَفْضَلُ على قِيَاسِ ما مَرَّ في الِاقْتِدَاءِ في الصُّبْحِ بِالظُّهْرِ
فَرْعٌ تُدْرَكُ الرَّكْعَةُ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ الْمَحْسُوبِ لِلْإِمَامِ وَإِنْ قَصَّرَ الْمَأْمُومُ فلم يُحْرِمْ حتى رَكَعَ إمَامُهُ لِخَبَرِ أبي بَكْرَةَ السَّابِقِ في فَصْلِ يُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ الِانْفِرَادُ لِخَبَرِ من أَدْرَكَ رَكْعَةً من الصَّلَاةِ قبل أَنْ يُقِيمَ الْإِمَامُ صُلْبَهُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا رَوَاهُ ابن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَلَا تُدْرَكُ الرَّكْعَةُ في صَلَاةِ الْخُسُوفِ بِإِدْرَاكِهِ الرُّكُوعَ معه إلَّا إذَا أَدْرَكَهُ في الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ من الرَّكْعَةِ كما يُعْلَمُ من بَابِهَا وَلَوْ الْأَوْلَى فَلَوْ أَدْرَكَهُ فيه وَالْإِمَامُ مُحْدِثٌ أو في رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ قام إلَيْهَا سَهْوًا أو نَسِيَ تَسْبِيحَ الرُّكُوعِ وَاعْتَدَلَ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ ظَانًّا جَوَازَهُ فَأَدْرَكَهُ فيه لم يُجْزِهِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْإِمَامِ لِتَحَمُّلِ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ فَإِنْ أتى معه أَيْ مع من لم يُحْسَبْ رُكُوعُهُ بِالرَّكْعَةِ كَامِلَةً بِأَنْ أَدْرَكَ معه قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ لم يَتَحَمَّلْ عنه شيئا لَا إنْ عَلِمَ بِحَدَثِهِ أو سَهْوِهِ وَنَسِيَ فَلَا يُجْزِئُهُ بَلْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِتَقْصِيرِهِ وَإِنْ هَوَى الْمَسْبُوقُ لِلرُّكُوعِ فَرَفَعَ الْإِمَامُ وَلَاقَاهُ في حَدِّ أَقَلِّ الرُّكُوعِ وهو بُلُوغُ رَاحَتَيْهِ رُكْبَتَيْهِ مُطْمَئِنًّا أَيْ الْمَسْبُوقُ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ شَكَّ في الِاكْتِفَاءِ أَيْ في إدْرَاكِ الْحَدِّ الْمُعْتَبَرِ قبل ارْتِفَاعِ الْإِمَامِ لم يَكُنْ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إدْرَاكِهِ وَإِنْ كان الْأَصْلُ أَيْضًا بَقَاءُ الْإِمَامِ فيه وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِإِدْرَاكِ ما قبل الرُّكُوعِ بِهِ رُخْصَةٌ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِيَقِينٍ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُؤْخَذُ منه أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِغَلَبَةِ الظَّنِّ قال الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّا لَا نَشْتَرِطُ في صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ التَّيَقُّنَ بَلْ يَكْفِي غَلَبَةُ الظَّنِّ كما في طَهَارَةِ الْإِمَامِ وقد قال الْفَارِقِيُّ إذَا كان الْمَأْمُومُ بِحَيْثُ لَا يَرَى الْإِمَامَ فَالْمُعْتَبَرُ أَنْ يَغْلِبَ على ظَنِّهِ أَنَّهُ أَدْرَكَ الْإِمَامَ في الْقَدْرِ الْمُجْزِئِ كَمَنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ فإنه لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُتَابِعَهُ في الْفِعْلِ الذي أَدْرَكَهُ فيه وَإِنْ لم يُحْسَبْ له وَهَذَا يُغْنِي عن قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَيُوَافِقُهُ في جُلُوسِهِ وَقِيَامِهِ مع زِيَادَةٍ
فَرْعٌ لو أَدْرَكَهُ في السُّجُودِ الْأَوَّلِ أو الثَّانِي أو الْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا أو التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أو الْأَخِيرِ لم يُكَبِّرْ لِلْهُوِيِّ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يُتَابِعْهُ فيه وَلَا هو مَحْسُوبٌ له بِخِلَافِ انْتِقَالِهِ معه بَعْدَ ذلك من رُكْنٍ إلَى آخَرَ وَبِخِلَافِ الرُّكُوعِ كما يُعْلَمُ الثَّانِي مِمَّا مَرَّ وَالْأَوَّلُ من قَوْلِهِ وَإِنْ أَدْرَكَهُ مُعْتَدِلًا فَهَوَى معه كَبَّرَ لِلْهُوِيِّ وَلِلِانْتِقَالِ بَعْدَهُ من رُكْنٍ إلَى آخَرَ لِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَيُسْتَحَبُّ مُوَافَقَتُهُ في قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْبِيحَاتِ لِلْمُتَابَعَةِ وَتَنْتَهِي الْقُدْوَةُ الْكَامِلَةُ بِالسَّلَامِ الثَّانِي من الْإِمَامِ لِزَوَالِ الرَّابِطَةِ فَيَلْزَمُ الْمَسْبُوقَ الْمُبَادَرَةُ بِالْقِيَامِ إذَا لم يَكُنْ جُلُوسُهُ مَوْضِعَ تَشَهُّدِهِ وَأَكَّدَ لُزُومَ ذلك بِقَوْلِهِ وَيَحْرُمُ مُكْثُهُ فَإِنْ خَالَفَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُغْتَفَرَ قَدْرُ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ أَشَارَ إلَيْهِ
وَلَا يُكَبِّرُ لِقِيَامِهِ لِأَنَّهُ ليس مَحَلَّ تَكْبِيرِهِ وَلَا مُتَابَعَتِهِ فَإِنْ كان جُلُوسُهُ معه مَوْضِعَ تَشَهُّدٍ لو كان مُنْفَرِدًا كَأَنْ أَدْرَكَهُ في ثَالِثَةِ الرُّبَاعِيَّةِ أو ثَانِيَةِ الْمَغْرِبِ كَبَّرَ وَمَكَثَ إنْ شَاءَ كما لو كان مُنْفَرِدًا وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَسْبُوقِ الْأَخْصَرُ أَنْ يَقُولَ له لِأَنَّ الْكَلَامَ في الْمَسْبُوقِ انْتِظَارُ التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهَا من الصَّلَاةِ بِمَعْنَى أنها من لَوَاحِقِهَا لَا من نَفْسِهَا وَلِهَذَا لَا تَضُرُّ مُقَارَنَتُهَا الْحَدَثَ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ في الْجُمُعَةِ فَلَا يُنَافِي ما وَقَعَ له وَلِغَيْرِهِ في مَوَاضِعَ أنها لَيْسَتْ منها وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ عَقِبَ الْأُولَى فَإِنْ قام بِلَا نِيَّةِ مُفَارَقَةٍ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ قبل تَمَامِ الْأُولَى بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وما يَأْتِي بِهِ مع الْإِمَامِ فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وما يَأْتِي بِهِ بَعْدَهُ فَهُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ يُعِيدُ فيه الْقُنُوتَ وَسُجُودَا السَّهْوِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ما أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وما فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا
وَإِتْمَامُ الشَّيْءِ إنَّمَا
____________________
(1/232)
يَكُونُ بَعْدَ أَوَّلِهِ
وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ صَلِّ ما أَدْرَكْت وَاقْضِ ما سَبَقَك فَالْقَضَاءُ فيه بِمَعْنَى الْأَدَاءِ لِبَقَاءِ وَقْتِ الْفَرِيضَةِ وَأَيْضًا رُوَاةُ الْأَوَّلِ أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ كما قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ حتى قال أبو دَاوُد إنَّ هذه الزِّيَادَةَ انْفَرَدَ بها ابن عُيَيْنَةَ وَلَوْ أَدْرَكَ معه رَكْعَتَيْنِ من رُبَاعِيَّةٍ ثُمَّ قام لِلرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ قَرَأَ السُّورَةَ فِيهِمَا لِئَلَّا تَخْلُوَ منها صَلَاتُهُ وَلِأَنَّ إمَامَهُ لم يَقْرَأْهَا فِيهِمَا وَفَاتَهُ فَضْلُهَا فَيَتَدَارَكُهَا في الْبَاقِيَتَيْنِ كَسُورَةِ الْجُمُعَةِ الْمَتْرُوكَةِ في أُولَى الْجُمُعَةِ فإنه يَقْرَؤُهَا مع الْمُنَافِقِينَ في الثَّانِيَةِ إذَا كان الْمَأْمُومُونَ مَحْصُورِينَ رَاضِينَ وَفَارَقَ ذلك عَدَمُ سُنِّيَّةِ الْجَهْرِ فِيهِمَا بِأَنَّ السُّنَّةَ فِيهِمَا الْإِسْرَارُ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ لَا نَقُولُ أَنَّهُ يُسَنُّ تَرْكُهَا بَلْ لَا يُسَنُّ فِعْلُهَا وَبِهِ فَارَقَ نَظِيرَهُ أَيْضًا من صَلَاةِ الْعِيدِ وهو ما لو أَدْرَكَهُ فيها في الثَّانِيَةِ فإنه يُكَبِّرُ خَمْسًا وإذا قام لِثَانِيَتِهِ كَبَّرَ خَمْسًا أَيْضًا ثُمَّ مَحَلُّ ما تَقَرَّرَ كما أَفْهَمَهُ تَعْلِيلُهُ إذَا لم يَقْرَأْ السُّورَةَ في أُولَيَيْهِ فَإِنْ قَرَأَهَا فِيهِمَا لِسُرْعَةِ قِرَاءَتِهِ وَبُطْءِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ أو لِكَوْنِ الْإِمَامِ قَرَأَهَا فِيهِمَا لم يَقْرَأْهَا في الْآخِرَتَيْنِ قال الْجُوَيْنِيُّ وَعَلَى هذا لو أَدْرَكَهُ في ثَانِيَةِ الرُّبَاعِيَّةِ وَتَمَكَّنَ من قِرَاءَةِ السُّورَةِ في أُولَيَيْهِ لَا يَقْرَأْهَا في الْبَاقِي وَإِنْ لم يَتَمَكَّنْ منها في ثَانِيَتِهِ وَتَمَكَّنَ منها في ثَالِثَتِهِ قَرَأَهَا فيها ثُمَّ لَا يَقْرَؤُهَا في رَابِعَتِهِ قال وَلَوْ فَرَّطَ إمَامُهُ فلم يَقْرَأْ السُّورَةَ فَإِنْ قَرَأَهَا هو حَصَلَ له فَضْلُهَا وَإِنْ لم يَقْرَأْهَا وَوَدَّ لو كان مُتَمَكِّنًا لَقَرَأَهَا فلم يَتَمَكَّنْ فَلَهُ ثَوَابُ قِرَاءَتِهَا وَالْجَمَاعَةُ في الصُّبْحِ أَيْ صُبْحِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ صُبْحِ غَيْرِهَا ثُمَّ الْعِشَاءِ ثُمَّ الْعَصْرِ أَفْضَلُ رَوَى الشَّيْخَانِ خَبَرَ وَلَوْ يَعْلَمُونَ ما في الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَرَوَى مُسْلِمٌ خَبَرَ من صلى الْعِشَاءَ في جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قام نِصْفَ اللَّيْلِ وَمَنْ صلى الصُّبْحَ في جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قام اللَّيْلَ كُلَّهُ لَكِنْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ من صلى الْعِشَاءَ في جَمَاعَةٍ كان كَقِيَامِ نِصْفِ لَيْلَةٍ وَمَنْ صلى الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ في جَمَاعَةٍ كان كَقِيَامِ لَيْلَةٍ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ خَبَرَ ما من صَلَاةٍ أَفْضَلُ من صَلَاةِ الْفَجْرِ يوم الْجُمُعَةِ في جَمَاعَةٍ وما أَحْسَبُ من شَهِدَهَا مِنْكُمْ إلَّا مَغْفُورًا له وفي فَضَائِلِ الْأَوْقَاتِ لِلْبَيْهَقِيِّ خَبَرُ إنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى صَلَاةُ الصُّبْحِ يوم الْجُمُعَةِ في جَمَاعَةٍ قال الْأَذْرَعِيُّ وما ذُكِرَ ظَاهِرٌ على الْمَنْصُوصِ الْمَشْهُورِ من أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ الصُّبْحُ أَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّهَا الْعَصْرُ وهو الْحَقُّ فَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الْجَمَاعَةُ فيها أَفْضَلَ من غَيْرِهَا لِتَأَكُّدِهَا وَعِظَمِ خَطَرِهَا قال الزَّرْكَشِيُّ وَسَكَتُوا عن الْجَمَاعَةِ في الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ فَيُحْتَمَلُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا وَيُحْتَمَلُ تَفْضِيلُ الظُّهْرِ لِأَنَّهَا اُخْتُصَّتْ من بَيْنِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ بِبَدَلٍ وهو الْجُمُعَةُ وَبِالْإِبْرَادِ وَيُحْتَمَلُ تَفْضِيلُ الْمَغْرِبِ لِأَنَّ الشَّرْعَ لم يُخَفِّفْ فيها بِالْقَصْرِ
وَيُكْرَهُ أَنْ تُقَامَ جَمَاعَةٌ في مَسْجِدٍ بِغَيْرِ إذْنِ إمَامِهِ الرَّاتِبِ قَبْلَهُ أو بَعْدَهُ أو معه خَوْفَ الْفِتْنَةِ إلَّا إنْ كان الْمَسْجِدُ مَطْرُوقًا فَلَا تُكْرَهُ إقَامَتُهَا فيه وَكَذَا لو لم يَكُنْ مَطْرُوقًا وَلَيْسَ له إمَامٌ رَاتِبٌ أو له رَاتِبٌ وَأَذِنَ في إقَامَتِهَا كما أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ أو لم يَأْذَنْ وَضَاقَ الْمَسْجِدُ عن الْجَمِيعِ وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ إذَا لم يُخَفْ فَوْتُ الْوَقْتِ كما مَرَّ بَيَانُهُ في فَرْعِ السَّاكِنُ بِحَقٍّ مُقَدَّمٌ وَإِنْ كَرِهَهُ أَيْ الْإِمَامَ أَكْثَرُ من نِصْفِ الْقَوْمِ لِخُلُقٍ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ لِأَمْرٍ مَذْمُومٍ شَرْعًا كَوَالٍ ظَالِمٍ وَكَمُتَغَلِّبٍ على إمَامَةِ الصَّلَاةِ وَلَا يَسْتَحِقُّهَا أو لَا يَحْتَرِزُ من النَّجَاسَةِ أو يَمْحُو هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ أو يَتَعَاطَى مَعِيشَةً مَذْمُومَةً أو يُعَاشِرُ الْفَسَقَةَ أو نَحْوَهُمْ كُرِهَتْ له الْإِمَامَةُ
وَإِنْ نَصَبَهُ لها الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ لِخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ ثَلَاثَةٌ لَا تُرْفَعُ صَلَاتُهُمْ فَوْقَ رُءُوسِهِمْ شِبْرًا رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ له كَارِهُونَ وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عليها سَاخِطٌ وَأَخَوَانِ مُتَصَارِمَانِ وَالْأَكْثَرُ في حُكْمِ الْكُلِّ لَا الِاقْتِدَاءُ منهم بِهِ فَلَا يُكْرَهُ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ أَمَّا إذَا كَرِهَهُ دُونَ الْأَكْثَرِ أو الْأَكْثَرُ لَا لِأَمْرٍ مَذْمُومٍ شَرْعًا فَلَا تُكْرَهُ له الْإِمَامَةُ وَاسْتَشْكَلَ ذلك بِأَنَّهُ إذَا كانت الْكَرَاهَةُ لِأَمْرٍ مَذْمُومٍ شَرْعًا فَلَا فَرْقَ بين كَرَاهَةِ الْأَكْثَرِ وَغَيْرِهِمْ وَأُجِيبَ بِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَخْتَلِفُوا في أَنَّهُ بِصِفَةِ الْكَرَاهَةِ أَمْ لَا فَيُعْتَبَرُ قَوْلُ الْأَكْثَرِ لِأَنَّهُ من بَابِ الرِّوَايَةِ نعم إنْ كانت الْكَرَاهَةُ لِمَعْنًى يُفَسَّقُ بِهِ كَزِنًا أو شُرْبِ خَمْرٍ كُرِهَ له الْإِمَامَةُ وَكُرِهَ لِغَيْرِهِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَلَا مَعْنَى لِلْفَرْقِ بين الْأَكْثَرِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَخْشَى من التَّرْكِ فِتْنَةً أو ضَرَرًا فَلَا يُكْرَهُ له الِاقْتِدَاءُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ اقْتِدَاءُ السَّلَفِ بِالْحَجَّاجِ وَأَمْثَالِهِ كما نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ وهو يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ في الْبَابِ
قال في الْمَجْمُوعِ وَيُكْرَهُ أَنْ يُوَلِّيَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ على قَوْمٍ رَجُلًا يَكْرَهُهُ أَكْثَرُهُمْ نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ فَإِنْ كَرِهُوا حُضُورَهُ الْمَسْجِدَ الذي في الرَّوْضَةِ
____________________
(1/233)
وَغَيْرِهَا فَإِنْ كَرِهَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ حُضُورَ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ لم يُكْرَهْ له الْحُضُورُ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَرْتَبِطُ بِهِ
وَيُكْرَهُ أَنْ يَرْتَفِعَ أَحَدُ مَوْقِفَيْ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ على الْآخَرِ لِأَنَّ حُذَيْفَةَ أَمَّ الناس على دُكَّانٍ في الْمَدَائِنِ فَأَخَذَ ابن مَسْعُودٍ بِقَمِيصِهِ فَجَذَبَهُ فلما فَرَغَ من صَلَاتِهِ قال أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُنْهَوْنَ عن ذلك قال بَلَى قد ذَكَرْت حين جَذَبْتنِي رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وقال صَحِيحٌ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَقِيسَ بِذَلِكَ عَكْسُهُ فَإِنْ احْتَاجَهُ أَيْ الِارْتِفَاعَ الْإِمَامُ لِتَعْلِيمِ الصَّلَاةِ أو لِغَيْرِهِ أو الْمَأْمُومُ لِتَبْلِيغِ تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ أو لِغَيْرِهِ اُسْتُحِبَّ لِتَحْصِيلِ هذا الْمَقْصُودِ
وَأَفْضَلُ الصُّفُوفِ لِلرِّجَالِ وَلَوْ مع غَيْرِهِمْ وَلِلْخَنَاثَى الْخُلَّصِ وَلِلنِّسَاءِ كَذَلِكَ أَوَّلُهَا وهو الذي يَلِي الْإِمَامَ وَإِنْ تَخَلَّلَهُ مِنْبَرٌ أو نَحْوُهُ ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ إلَيْهِ وأفضلها لِلنِّسَاءِ مع الرِّجَالِ أو الْخَنَاثَى وَلِلْخَنَاثَى مع الرِّجَالِ آخِرُهَا لِأَنَّ ذلك أَلْيَقُ وَأَسْتَرُ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْتَمِدُوا يَمِينَ الْإِمَامِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عن الْبَرَاءِ كنا إذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُونَ عن يَمِينِهِ يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ وَأَنْ يُوَسِّطُوا الْإِمَامَ وَيَكْتَنِفُوهُ من جَانِبَيْهِ لِخَبَرِ أبي دَاوُد وَسِّطُوا الْإِمَامَ وَسُدُّوا الْخَلَلَ قال الْأَذْرَعِيُّ وقد يُقَالُ قَضِيَّةُ قَاعِدَةِ أَنَّ الْمُحَافَظَةَ على فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِمَكَانِهَا أَنَّ الْوَاقِفَ في الصَّفِّ الثَّانِي بِقُرْبِ الْإِمَامِ يُشَاهِدُ أَفْعَالَهُ وَيَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ وَيَقْفُو أَثَرَهُ على الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ أَفْضَلُ حَالًا من الْوَاقِفِ في الصَّفِّ الْأَوَّلِ بَعِيدًا عنه لَا يَعْلَمُ شيئا من ذلك وَإِنَّمَا يَقْتَدِي بِصَوْتِ الْمُبَلِّغِ قال وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لو وَقَفَ صَفٌّ على ظَهْرِ الْمَسْجِدِ بِحَيْثُ لو كان بِأَرْضِهِ لَكَانَ هو الصَّفُّ الْأَوَّلُ وَوَقَفَ صَفٌّ ثَانٍ وَثَالِثٌ وَرَاءَ مَوْقِفِهِ لَكِنْ بِأَرْضِ الْمَسْجِدِ كَانَا أَفْضَلَ منه وَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا في الْمَوْقِفِ وَالْأَحَادِيثُ مَحْمُولَةٌ على الْغَالِبِ
كِتَابُ كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ شُرِعَتْ تَخْفِيفًا عليه لِمَا يَلْحَقُهُ من تَعَبِ السَّفَرِ وَهِيَ نَوْعَانِ الْقَصْرُ وَالْجَمْعُ وَذَكَرَ فيه الْجَمْعَ بِالْمَطَرِ لِلْمُقِيمِ وَأَهَمُّهَا الْقَصْرُ وَلِهَذَا بَدَأَ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ بِهِ فقال وَلَهُ أَيْ لِلْمُسَافِرِ الْقَصْرُ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ الْمُبَاحِ طَاعَةً كان كَسَفَرِ حَجٍّ أو غَيْرَهَا وَلَوْ مَكْرُوهًا كَسَفَرِ تِجَارَةٍ وَسَفَرِ مُنْفَرِدٍ وَالْأَصْلُ فيه مع ما يَأْتِي قَوْله تَعَالَى وإذا ضَرَبْتُمْ في الْأَرْضِ الْآيَةَ قال يَعْلَى بن أُمَيَّةَ قُلْت لِعُمَرَ إنَّمَا قال اللَّهُ تَعَالَى إنْ خِفْتُمْ وقد أَمِنَ الناس فقال عَجِبْت مِمَّا عَجِبْت منه فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بها عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْإِتْمَامُ جَائِزٌ كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها قالت يا رَسُولَ اللَّه قَصَرْتَ وَأَتْمَمْتُ وَأَفْطَرْتَ وَصُمْتُ قال أَحْسَنْت يا عَائِشَةُ
وَأَمَّا خَبَرُ فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ أَيْ في السَّفَرِ فَمَعْنَاهُ لِمَنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِمَا جَمْعًا بين الْأَدِلَّةِ لَا بِالسَّفَرِ الْقَصِيرِ أو الْمَشْكُوكِ في طُولِهِ فَلَا يَجُوزُ فيه الْقَصْرُ وَلَوْ في الْخَوْفِ لِمَا سَيَأْتِي في بَيَانِ السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَلَا فَرْقَ في عَدَمِ الْقَصْرِ في الْخَوْفِ بين الصُّبْحِ وَغَيْرِهَا وَلَا في جَوَازِهِ إلَى رَكْعَتَيْنِ بين الْخَوْفِ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ على لِسَانِ نَبِيِّكُمْ في الْحَضَرِ أَرْبَعًا وفي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وفي الْخَوْفِ رَكْعَةً فَأُجِيبَ عنه بِأَنَّهُ يُصَلِّي في الْخَوْفِ رَكْعَةً مع الْإِمَامِ وَيَنْفَرِدُ بِأُخْرَى وَمَحَلُّ الْقَصْرِ إذَا كان السَّفَرُ إلَى مَقْصِدٍ مَعْلُومٍ فَلَا قَصْرَ لِلْهَائِمِ وهو الذي لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ وَإِنْ سَلَكَ طَرِيقًا وَلَا لِرَاكِبِ التَّعَاسِيفِ
وهو الذي لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ وَلَا يَسْلُكُ طَرِيقًا سَوَاءٌ أَطَالَ سَفَرُهُمَا أَمْ لَا وَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وهو الْمَعْنَى الْأَوَّلُ وَنَقَلَ الْإِمَامُ عن الصَّيْدَلَانِيِّ أَنَّ الْهَائِمَ عَاصٍ أَيْ لِأَنَّ إتْعَابَ النَّفْسِ بِالسَّفَرِ بِلَا غَرَضٍ حَرَامٌ كما سَيَأْتِي وَمِثْلُهُ رَاكِبُ التَّعَاسِيفِ بَلْ أَوْلَى وَيَحْصُلُ ابْتِدَاءُ السَّفَرِ من بَلَدٍ له سُورٌ بِمُفَارَقَةِ سُورِ الْبَلَدِ الْمُخْتَصِّ بِهِ وَإِنْ تَعَدَّدَ كما قَالَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ دُونَ السُّورِ
____________________
(1/234)
الْجَامِعِ لِبِلَادٍ مُتَفَرِّقَةٍ كما سَيَأْتِي وَمِنْ بَلَدٍ له بَعْضُ سُورٍ وهو صَوْبُ سَفَرِهِ بِمُفَارَقَتِهِ وَلَوْ لَاصَقَهُ من خَارِجِهِ بُنْيَانٌ أَيْ عُمْرَانٌ أو مَقَابِرُ أو احْتَوَى على خَرَابٍ وَمَزَارِعَ فَتَكْفِي مُفَارَقَةُ ما ذُكِرَ وَلَا تُشْتَرَطُ مُفَارَقَةُ هذه الْأُمُورِ لِأَنَّ ما كان خَارِجَهُ كَالْأَوَّلَيْنِ لَا يُعَدُّ من الْبَلَدِ بِخِلَافِ ما كان دَاخِلَهُ كَالْأَخِيرَيْنِ
وَإِطْلَاقُ الشَّيْخَيْنِ في الصَّوْمِ اشْتِرَاطَ مُفَارَقَةِ الْعُمْرَانِ حَيْثُ قَالَا وإذا نَوَى لَيْلًا ثُمَّ سَافَرَ فَلَهُ الْفِطْرُ إنْ فَارَقَ الْعُمْرَانَ قبل الْفَجْرِ وَإِلَّا فَلَا يُحْمَلُ على ما إذَا سَافَرَ من بَلَدٍ لَا سُورَ لها لِيُوَافِقَ ما هُنَا وَيُحْتَمَلُ بَقَاؤُهُ على إطْلَاقِهِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّهُ ثَمَّ لم يَأْتِ لِلْعِبَادَةِ بِبَدَلٍ بِخِلَافِهِ هُنَا وَكَالسُّورِ فِيمَا ذُكِرَ الْخَنْدَقُ قَالَهُ الْجِيلِيُّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَهَلْ لِلسُّورِ الْمُنْهَدِمِ حُكْمُ الْعَامِرِ فيه نَظَرٌ قُلْت الْأَقْرَبُ أَنَّ له حُكْمَهُ وَسَيَأْتِي في كَلَامِهِ قَرِيبًا ما يُؤَيِّدُهُ وَلَوْ لم يَكُنْ لِلْبَلَدِ في صَوْبِ سَفَرِهِ سُورٌ بِأَنْ سَافَرَ من بَلَدٍ لَا سُورَ له أو له بَعْضُ سُورٍ ولم يَكُنْ صَوْبَ سَفَرِهِ اُشْتُرِطَ مُفَارَقَةُ الْعُمْرَانِ وَإِنْ تَخَلَّلَهُ خَرَابٌ أو نَهْرٌ أو مَيْدَانٌ لِيُفَارِقَ مَوْضِعَ الْإِقَامَةِ لَا مُفَارَقَةُ خَرَابٍ انْدَرَسَ في طَرَفِ الْبَلَدِ أو بَقِيَتْ بَقَايَا حِيطَانِهِ قَائِمَةً وَاِتَّخَذُوهُ مَزَارِعَ أو هَجَرُوهُ بِالتَّحْوِيطِ على الْعَامِرِ لِأَنَّهُ ليس مَوْضِعَ إقَامَةٍ
فَإِنْ لم يَكُنْ كَذَلِكَ فَفِي الْأَصْلِ عن الْغَزَالِيِّ وَالْبَغَوِيِّ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لِمَا ذُكِرَ وَعَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْجُوَيْنِيِّ اشْتِرَاطُ مُفَارَقَتِهِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ من الْبَلَدِ وهو ما أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَصَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ وَالْأَوَّلُ قال الرَّافِعِيُّ إنَّهُ الْمُوَافِقُ لِلنَّصِّ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ في الْمِنْهَاجِ كَالْمُحَرَّرِ وقال الْأَذْرَعِيُّ الصَّحِيحُ الْأَقْرَبُ إلَى النُّصُوصِ الِاشْتِرَاطُ وَلَا تُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْمَزَارِعِ وَالْبَسَاتِينِ الْمُحَوَّطَةِ وَغَيْرِ الْمُحَوَّطَةِ الْمَفْهُومَةِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهَا لَا تُتَّخَذُ لِلْإِقَامَةِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَا تُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْبَسَاتِينِ وَالْمَزَارِعِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْبَلَدِ وَإِنْ كانت مُحَوَّطَةً وَلَوْ كانت مُتَّصِلَةً بِالْبَلَدِ وَفِيهَا دُورٌ يَسْكُنُهَا مُلَّاكُهَا وَلَوْ أَحْيَانًا أَيْ في بَعْضِ فُصُولِ السَّنَةِ اُشْتُرِطَ مُجَاوَزَتُهَا هذا ما في الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحَيْنِ
وَأَطْلَقَ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ عَدَمَ اشْتِرَاطِهَا وقال في الْمَجْمُوعِ بَعْدَ نَقْلِهِ الْأَوَّلَ عن الرَّافِعِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ ولم يَتَعَرَّضْ له الْجُمْهُورُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهَا لِأَنَّ ذلك لَا يَجْعَلُهَا من الْبَلَدِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَبِهِ الْفَتْوَى وَالْقَرْيَةُ فِيمَا ذُكِرَ كَالْبَلَدِ وَالْقَرْيَتَانِ الْمُتَّصِلَتَانِ فيه كَالْقَرْيَةِ وَإِنْ انْفَصَلَتَا وَلَوْ يَسِيرًا فَبِمُجَاوَزَةِ قَرْيَتِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُ الْأُخْرَى وَإِنْ جَمَعَ السُّورُ بَلَدَيْنِ مُتَقَارِبَتَيْنِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمُهُ فَلَا تُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ السُّورِ كما فُهِمَ أَيْضًا من قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ سُورِ الْبَلَدِ الْمُخْتَصِّ بِهِ كما مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَالْقَرْيَتَانِ في ذلك كَالْبَلَدَيْنِ وَمَنْ كان في بَرِّيَّةٍ فَبِأَنْ يُفَارِقَ بُقْعَةَ رَحْلِهِ التي هو فيها وَتُنْسَبُ إلَيْهِ أو في رَبْوَةٍ أو وَهْدَةٍ أو وَادٍ وَسَافَرَ عَرْضَهُ فَبِأَنْ يَهْبِطَ من الرَّبْوَةِ أو يَصْعَدَ من الْوَهْدَةِ أو يُفَارِقَ عَرْضَ الْوَادِي إنْ اعْتَدَلَتْ أَيْ الثَّلَاثَةُ فَإِنْ أَفْرَطَتْ سِعَتُهَا فَبِأَنْ يُفَارِقَ منها ما يُعَدُّ من مَنْزِلِهِ أو من حِلَّةٍ هو منها كما لو سَافَرَ في طُولِ الْوَادِي وَمَحَلُّ اعْتِبَارِ عَرْضِهِ مُفَارَقَةُ عَرْضِهِ فِيمَا إذَا اعْتَدَلَ إذَا كانت الْبُيُوتُ في جَمِيعِ عَرْضِهِ فَإِنْ كانت في بَعْضِهِ فَبِأَنْ يُفَارِقَهَا نَقَلَهُ ابن الصَّبَّاغِ عن أَصْحَابِنَا ومن كان في خِيَامِ حَيٍّ فَبِأَنْ يُفَارِقَ خِيَامَ الْحَيِّ وَمَرَافِقَهُمْ الشَّامِلَةَ لِقَوْلِهِ وَمَعَاطِنَ إبِلِهِمْ وَلِمَطْرَحِ الرَّمَادِ وَمَلْعَبِ الصِّبْيَانِ وَالنَّادِي وَنَحْوِهَا كَالْمَاءِ وَالْمُحْتَطَبِ إلَّا أَنْ يَتَّسِعَا بِحَيْثُ لَا يَخْتَصَّانِ بِالنَّازِلِينَ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا من جُمْلَةِ مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ فَتُعْتَبَرُ مُفَارَقَتُهَا وَإِنْ تَفَرَّقَتْ الْخِيَامُ فإنه لَا بُدَّ من مُفَارَقَةِ ذلك إنْ اتَّحَدَتْ الْمَحَلَّةُ وَهِيَ مَنْزِلُ الْقَوْمِ وَعَبَّرَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا بِالْحِلَّةِ بِتَرْكِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْحَاءِ وَهِيَ بُيُوتٌ مُجْتَمِعَةٌ قَالَهُ ابن مَالِكٍ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ إذْ مَعْنَاهُمَا في الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ وَاتِّحَادُهَا بِاتِّحَادِ النَّادِي الذي يَجْتَمِعُونَ فيه لِلسَّمَرِ وَاسْتِعَارَةِ بَعْضِهِمْ من بَعْضٍ وَالْحِلَّتَانِ كَالْقَرْيَتَيْنِ وَيُعْتَبَرُ في سَفَرِ الْبَحْرِ الْمُتَّصِلِ سَاحِلُهُ بِالْبَلَدِ جَرْيُ السَّفِينَةِ أو الزَّوْرَقِ إلَيْهَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَأَقَرَّهُ عليه ابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ لَكِنْ في الْمَجْمُوعِ إذَا صَارَ خَارِجَ الْبَلَدِ تُرُخِّصَ وَإِنْ كان ظَهْرُهُ مُلْصَقًا بِالسُّورِ وَظَاهِرٌ أَنَّ آخِرَ عُمْرَانِ ما لَا سُورَ له كَالسُّورِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ سَيْرُ الْبَحْرِ يُخَالِفُ سَيْرَ الْبَرِّ
____________________
(1/235)
أو يُمْنَعُ أَنَّ آخِرَ الْعُمْرَانِ كَالسُّورِ وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْبَغَوِيّ على ما لَا سُورَ له وَيُؤَيِّدُ هذا أَنَّهُ لو اتَّصَلَتْ قَرْيَةٌ لَا سُورَ لها بِأُخْرَى كَذَلِكَ كَانَتَا كَقَرْيَةٍ بِخِلَافِ اتِّصَالِ قَرْيَةٍ لها سُورٌ بِأُخْرَى وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِمُجَرَّدِ نِيَّةِ السَّفَرِ لِتَعْلِيقِ الْقَصْرِ في الْآيَةِ بِالضَّرْبِ وَيُخَالِفُ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ كما سَيَأْتِي لِأَنَّ الْإِقَامَةَ كَالْقِنْيَةِ في مَالِ التِّجَارَةِ كَذَا فَرَّقَ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِبَعْضِ الْمَرَاوِزَةِ وَقَضِيَّتُهُ كما قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ في نِيَّةِ الْإِقَامَةِ الْمُكْثُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كما سَيَأْتِي فَالْمَسْأَلَتَانِ كما قال الْجُمْهُورُ مُسْتَوِيَتَانِ في أَنَّ مُجَرَّدَ النِّيَّةِ لَا يَكْفِي فَلَا حَاجَةَ لِفَارِقٍ فَرْعٌ لو فَارَقَ الْبُنْيَانَ أو غَيْرَهُ من الْأَمْكِنَةِ التي شُرِطَ مُفَارَقَتُهُ لها ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهَا من قَرِيبٍ أَيْ من دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لِحَاجَةٍ كَتَطَهُّرٍ أو نَوَاهُ أَيْ الرُّجُوعَ لها وهو مُسْتَقِلٌّ مَاكِثٌ وَلَوْ بِمَكَانٍ لَا يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ فَإِنْ كانت وَطَنَهُ صَارَ مُقِيمًا بِابْتِدَاءِ رُجُوعِهِ أو بِنِيَّتِهِ فَلَا يَتَرَخَّصُ في إقَامَتِهِ وَلَا رُجُوعِهِ إلَى أَنْ يُفَارِقَ وَطَنَهُ تَغْلِيبًا لِلْوَطَنِ وَحَكَى فيه في أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يَتَرَخَّصُ إلَى أَنْ يَصِلَهُ قال الْبُلْقِينِيُّ وَلَيْسَ شَاذًّا بَلْ هو مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ الْمَنْصُوصُ عليه صَرِيحًا في الْبُوَيْطِيِّ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْأَوَّلُ إنَّمَا هو طَرِيقَةُ الْقَفَّالِ وَأَتْبَاعِهِ وهو خِلَافُ الْمَذْهَبِ الْمُعْتَمَدِ وَكَذَا قال غَيْرُهُ منهم الْأَذْرَعِيُّ فقال ليس شَاذًّا بَلْ هو الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ وَالْأَوَّلُ إنَّمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَرَاوِزَةِ كَالْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَالْبَغَوِيِّ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ وَطَنَهُ تَرَخَّصَ وَإِنْ دَخَلَهَا وَلَوْ كان قد أَقَامَ بها لِانْتِفَاءِ الْوَطَنِ فَكَانَتْ كَسَائِرِ الْمَنَازِلِ أَمَّا إذَا رَجَعَ أو نَوَى الرُّجُوعَ من بَعِيدٍ لِحَاجَةٍ فَيَتَرَخَّصُ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ سَفَرُهُ
فَصْلٌ فِيمَا يَنْتَهِي بِهِ سَفَرُ الْمُسَافِرِ وَيَنْقَطِعُ بِهِ تَرَخُّصُهُ يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِبُلُوغِهِ مَبْدَأَ سَفَرِهِ وفي نُسْخَةٍ بِمُجَاوَزَةِ مَبْدَإِ سَفَرِهِ أَخْذًا بِمَا قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْتَهِيَ إلَّا بِدُخُولِهِ الْعُمْرَانَ كما لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا إلَّا بِخُرُوجِهِ منه وَالْمَنْقُولُ الْأَوَّلُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَصْلَ الْإِقَامَةُ فَلَا تَنْقَطِعُ إلَّا بِتَحْقِيقِ السَّفَرِ وَتَحَقُّقُهُ بِخُرُوجِهِ من ذلك وَالسَّفَرُ على خِلَافِ الْأَصْلِ فَانْقَطَعَ بِمُجَرَّدِ الْوُصُولِ وَإِنْ لم يَدْخُلْ فَعُلِمَ أَنَّهُ يَنْتَهِي بِمُجَرَّدِ بُلُوغِهِ مَبْدَأَ سَفَرِهِ من وَطَنِهِ وَإِنْ كان مَارًّا بِهِ في سَفَرِهِ كَأَنْ خَرَجَ منه ثُمَّ رَجَعَ من بَعِيدٍ قَاصِدًا الْمُرُورَ بِهِ من غَيْرِ إقَامَةٍ لَا بَلَدَ مَقْصِدِهِ وَلَا بَلَدَ له فيها أَهْلٌ وَعَشِيرَةٌ لم يَنْوِ الْإِقَامَةَ بها أَيْ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِوُصُولِهِ إلَيْهِمَا بِخِلَافِ ما إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ بِهِمَا يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِذَلِكَ وَيَنْتَهِي سَفَرُهُ أَيْضًا بِإِقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا صِحَاحٍ أَيْ غَيْرِ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ لِأَنَّ في الْأَوَّلِ الْحَطَّ وفي الثَّانِي التَّرْحَالَ
وَهُمَا من أَشْغَالِ السَّفَرِ أو نِيَّتِهَا أَيْ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ مُطْلَقًا أو أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صِحَاحٍ من مُسْتَقِلٍّ مَاكِثٍ فَيَنْتَهِي سَفَرُهُ بها إنْ كان بِمَحَلِّ الْإِقَامَةِ بِخِلَافِ ما لو نَوَى إقَامَةَ ما دُونَ الْأَرْبَعَةِ وَإِنْ زَادَ على ثَلَاثَةٍ وَأَصْلُ ذلك خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا وكان يُحَرِّمُ على الْمُهَاجِرِينَ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ وَمُسَاكَنَةَ الْكُفَّارِ فَالتَّرْخِيصُ في الثَّلَاثَةِ يَدُلُّ على بَقَاءِ حُكْمِ السَّفَرِ بِخِلَافِ الْأَرْبَعَةِ وَمَنَعَ عُمَرُ أَهْلَ الذِّمَّةِ الْإِقَامَةَ في الْحِجَازِ ثُمَّ أَذِنَ لِلتَّاجِرِ منهم أَنْ يُقِيمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ رَوَاهُ مَالِكٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وفي مَعْنَى الثَّلَاثَةِ ما فَوْقَهَا وَدُونَ الْأَرْبَعَةِ وَأُلْحِقَ بِإِقَامَةِ الْأَرْبَعَةِ نِيَّةُ إقَامَتِهَا أَمَّا لو نَوَى الْإِقَامَةَ وهو سَائِرٌ فَلَا يُؤَثِّرُ لِأَنَّ سَبَبَ الْقَصْرِ السَّفَرُ
وهو مَوْجُودٌ حَقِيقَةً وَكَذَا لو نَوَاهَا غَيْرُ الْمُسْتَقِلِّ كَالْعَبْدِ وَلَوْ مَاكِثًا كما سَيَأْتِي أو بِالْإِقَامَةِ لِمَا أَيْ لِأَمْرٍ لَا يَتَنَجَّزُ وفي نُسْخَةٍ يُنَجَّزُ دُونَهَا أَيْ دُونَ الْأَرْبَعَةِ فَيَنْتَهِي سَفَرُهُ بها إنْ كان بِمَحَلِّ الْإِقَامَةِ مِثْلُ ما مَرَّ وَإِنْ كان النَّاوِي أو الْمُقِيمُ مَاكِثًا في مَفَازَةٍ لَا تَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ أو مُحَارِبًا وَإِنْ كان قد يَضْطَرُّ لِلِارْتِحَالِ وما في الصَّحِيحَيْنِ عن أَنَسٍ من قَوْلِهِ خَرَجْنَا مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقَصَرَ حتى أتى مَكَّةَ فَأَقَمْنَا بها عَشْرًا فلم يَزَلْ يَقْصُرُ حتى رَجَعْنَا فَأَجَابُوا عنه بِأَنَّهُمْ لم يُقِيمُوا بها عَشْرًا فإنه صلى اللَّهُ عليه وسلم قَدِمَ مَكَّةَ لِأَرْبَعٍ خَلَوْنَ من ذِي الْحِجَّةِ فَأَقَامَ بها غير يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ إلَى مِنًى ثُمَّ بَاتَ بِمِنًى ثُمَّ سَارَ إلَى عَرَفَاتٍ وَرَجَعَ فَبَاتَ بِمُزْدَلِفَةَ ثُمَّ سَارَ إلَى مِنًى فَقَضَى نُسُكَهُ ثُمَّ إلَى مَكَّةَ فَطَافَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى فَأَقَامَ بها ثَلَاثًا يَقْصُرُ ثُمَّ نَفَرَ منها بَعْدَ الزَّوَالِ في ثَالِثِ أَيَّامِ
____________________
(1/236)
التَّشْرِيقِ فَنَزَلَ بِالْمُحَصَّبِ وَطَافَ في لَيْلَتِهِ لِلْوَدَاعِ ثُمَّ رَحَلَ من مَكَّةَ قبل صَلَاةِ الصُّبْحِ فلم يُقِمْ أَرْبَعًا في مَكَان وَاحِدٍ فَلَوْ نَوَى الْعَبْدُ وَالزَّوْجَةُ وَالْجُنْدِيُّ الْمُثْبَتُ في الدِّيوَانِ لَا غَيْرُهُ من الْمُتَطَوِّعَةِ الْإِقَامَةَ ولم يَنْوِ هَا الْمُطَاعُ وهو السَّيِّدُ وَالزَّوْجُ وَالْأَمِيرُ فَلَهُمْ الْقَصْرُ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِمْ فَنِيَّتُهُمْ كَالْعَدَمِ وَقَوْلُهُ مُثْبَتٌ لَا غَيْرُهُ زَادَهُ دَفْعًا لِاسْتِشْكَالِ حُكْمِهِ الْمَذْكُورِ هُنَا بِحُكْمِهِ الْمَذْكُورِ فِيمَا يَأْتِي وَفَارَقَ الْمُثْبَتُ غَيْرَهُ بِأَنَّهُ تَحْتَ قَهْرِ الْأَمِيرِ كَالزَّوْجَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَإِنْ كان الْمُسَافِرُ بِمَوْضِعٍ يَتَوَقَّعُ الْخُرُوجَ منه يَوْمًا فَيَوْمًا إنْ حَصَلَتْ حَاجَتُهُ أو حَبَسَهُ الرِّيحُ في الْبَحْرِ في مَوْضِعٍ قَصَرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا غير يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَقَامَهَا بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ لِحَرْبِ هَوَازِنَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَإِنْ كان في سَنَدِهِ ضَعِيفٌ لِأَنَّ له شَوَاهِدَ تَجْبُرُهُ قَالَهُ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ الشِّهَابُ ابن حَجَرٍ وَرُوِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسَبْعَةَ عَشَرَ وَتِسْعَةَ عَشَرَ وَعِشْرِينَ رَوَاهَا أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ إلَّا تِسْعَةَ عَشَرَ
فَالْبُخَارِيُّ قال الْبَيْهَقِيُّ وهو أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ وَمِنْ ثَمَّ اخْتَارَهَا ابن الصَّلَاحِ وَالسُّبْكِيُّ وقد جَمَعَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ بين الرِّوَايَاتِ ما عَدَا رِوَايَتَيْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَعِشْرِينَ بِأَنَّ رَاوِيَ تِسْعَةَ عَشَرَ عَدَّ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَرَاوِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ لم يَعُدَّهُمَا وَرَاوِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَدَّ أَحَدَهُمَا فَقَطْ وَأَمَّا رِوَايَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَضَعِيفَةٌ وَرِوَايَةُ عِشْرِينَ وَإِنْ كانت صَحِيحَةً فَشَاذَّةٌ كما قَالَهُ شَيْخُنَا الْمَذْكُورُ آنِفًا وَهَذَا الْجَمْعُ يُشْكِلُ على قَوْلِهِمْ يَقْصُرُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ غير يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وقد يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا ما عَدَا رِوَايَتَيْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسَبْعَةَ عَشَرَ لِأَنَّ رَاوِيَ عِشْرِينَ عَدَّ الْيَوْمَيْنِ وَرَاوِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لم يَعُدَّهُمَا وَرَاوِيَ تِسْعَةَ عَشَرَ عَدَّ أَحَدَهُمَا وَبِهِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ وَيُجَابُ عن تَقْدِيمِهِمْ رِوَايَةَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ على رِوَايَةِ سَبْعَةَ عَشَرَ بِمَا قام عِنْدَهُمْ من الشَّوَاهِدِ الْجَابِرَةِ وَغَيْرِهَا
وَإِنْ كان الْمُتَوَقِّعُ أو من حَبَسَهُ الرِّيحُ في الْبَحْرِ غير مُحَارِبٍ كَالْمُتَفَقِّهِ وَالتَّاجِرِ فإنه يَقْصُرُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ كَالْمُحَارِبِ وَلَا يُؤَثِّرُ الْفَرْقُ لِأَنَّ لِلْحَرْبِ أَثَرًا في تَغْيِيرِ صِفَةِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْحَرْبَ لَيْسَتْ هِيَ الْمُرَخِّصَةَ وَإِنَّمَا الْمُرَخِّصُ السَّفَرُ وَكِلَاهُمَا فيه سَوَاءٌ وَمَتَى فَارَقَ مَكَانَهُ ثُمَّ رَدَّتْهُ الرِّيحُ إلَيْهِ فَأَقَامَ فيه اسْتَأْنَفَ الْمُدَّةَ لِأَنَّ إقَامَتَهُ فيه إقَامَةٌ جَدِيدَةٌ فَلَا تُضَمُّ إلَى الْأُولَى بَلْ تُعْتَبَرُ مُدَّتُهَا وَحْدَهَا وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وقال فيه لو خَرَجُوا وَأَقَامُوا بِمَكَانٍ يَنْتَظِرُونَ رُفْقَتَهُمْ فَإِنْ نَوَوْا أَنَّهُمْ إنْ أَتَوْا سَافَرُوا أَجْمَعِينَ وَإِلَّا رَجَعُوا لم يَقْصُرُوا لِعَدَمِ جَزْمِهِمْ بِالسَّفَرِ وَإِنْ نَوَوْا أَنَّهُمْ وَإِنْ لم يَأْتُوا سَافَرُوا قَصَرُوا لِجَزْمِهِمْ بِالسَّفَرِ تَنْبِيهٌ قال الْإِسْنَوِيُّ ما رَجَّحُوهُ من أَنَّ الْقَصْرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يُحْتَمَلُ اطِّرَادُهُ في بَاقِي الرُّخَصِ كَالْجَمْعِ وَالْفِطْرِ وَيَدُلُّ له تَعْبِيرُ الْوَجِيزِ بِالتَّرَخُّصِ وَيُحْتَمَلُ اخْتِصَاصُهُ بِالْقَصْرِ لِأَنَّهُمْ إذَا مَنَعُوهُ فِيمَا زَادَ على الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ لِعَدَمِ وُرُودِهِ مع أَنَّ أَصْلَهُ قد وَرَدَ فَالْمَنْعُ فِيمَا لم يَرِدْ بِالْكُلِّيَّةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَهَذَا أَقْوَى
قال الزَّرْكَشِيُّ وَكَأَنَّهُ لم يَسْتَحْضِرْ فيها نَقْلًا وَحُكِيَ عن الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ ما حَاصِلُهُ الْأَوَّلُ ثُمَّ قال فَالصَّوَابُ أَنَّهُ يُبَاحُ له سَائِرُ الرُّخَصِ لِأَنَّ السَّفَرَ مُنْسَحِبٌ عليه نعم يُسْتَثْنَى منه سُقُوطُ الْفَرْضِ بِالتَّيَمُّمِ وَتَوَجُّهُ الْقِبْلَةِ في النَّافِلَةِ لِمَا عُرِفَ في بَابَيْهِمَا
فَصْلٌ السَّفَرُ الطَّوِيلُ بِالْأَمْيَالِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هَاشِمِيَّةً لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ كَانَا يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ في أَرْبَعَةِ بُرُدٍ عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ وَأَسْنَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَمِثْلُهُ إنَّمَا يُفْعَلُ
____________________
(1/237)
عن تَوْقِيفٍ غير الْإِيَابِ فَلَوْ قَصَدَ مَكَانًا على مَرْحَلَةٍ بِنِيَّةِ أَنْ لَا يُقِيمَ فيه فَلَا قَصْرَ له ذَهَابًا وَلَا إيَابًا وَإِنْ نَالَتْهُ مَشَقَّةُ مَرْحَلَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ أَنَقْصُرُ الصَّلَاةَ إلَى عَرَفَةَ فقال لَا وَلَكِنْ إلَى عُسْفَانَ وَإِلَى جُدَّةَ وَإِلَى الطَّائِفِ فَقَدَّرَهُ بِالذَّهَابِ وَحْدَهُ وَلِأَنَّ ذلك لَا يُسَمَّى سَفَرًا طَوِيلًا وَالْغَالِبُ في الرُّخَصِ الِاتِّبَاعُ تَحْدِيدًا لَا تَقْرِيبًا لِثُبُوتِ التَّقْدِيرِ بِالْأَمْيَالِ عن الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّ الْقَصْرَ على خِلَافِ الْأَصْلِ فَيُحْتَاطُ فيه بِتَحْقِيقِ تَقْدِيرِ الْمَسَافَةِ وَلَوْ ظَنًّا بِخِلَافِ تَقْدِيرَيْ الْقُلَّتَيْنِ وَمَسَافَةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ ظَنًّا من زِيَادَتِهِ
وهو مَعْلُومٌ من قَوْلِهِ بَعْدُ وَإِنْ شَكَّ فيه اجْتَهَدَ وقال الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ ذلك تَقْرِيبٌ لَا تَحْدِيدٌ وَنَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عن تَصْحِيحِ النَّوَوِيِّ له في مَوَاضِعَ بَعْدَ أَنْ صَوَّبَ الْأَوَّلَ وَهَاشِمِيَّةً نِسْبَةٌ إلَى بَنِي هَاشِمٍ لِتَقْدِيرِهِمْ لها وَقْتَ خِلَافَتِهِمْ بَعْدَ تَقْدِيرِ بَنِي أُمَيَّةَ لها لَا إلَى هَاشِمٍ جَدِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كما وَقَعَ لِلرَّافِعِيِّ وما تَقَرَّرَ من أنها ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هو الشَّائِعُ وَنَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَنَصَّ أَيْضًا على أنها سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ وَعَلَى أنها أَرْبَعُونَ وَلَا مُنَافَاةَ فإنه أَرَادَ بِالْأَوَّلِ الْجَمِيعَ وَبِالثَّانِي غير الْأَوَّلِ وَالْآخَرِ وَبِالثَّالِثِ الْأَمْيَالَ الْأُمَوِيَّةَ وهو أَيْ السَّفَرُ الطَّوِيلُ بِالْفَرَاسِخِ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا وَهِيَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ وَهِيَ سَيْرُ يَوْمَيْنِ أو لَيْلَتَيْنِ أو يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مُعْتَدِلَيْنِ مع الْمُعْتَادِ من النُّزُولِ وَالِاسْتِرَاحَةِ وَالْأَكْلِ وَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا
وَذَلِكَ مَرْحَلَتَانِ بِسَيْرِ الْأَثْقَالِ وَدَبِيبِ الْأَقْدَامِ فَعُلِمَ أَنَّ الْبَرِيدَ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ وَأَنَّ الْفَرْسَخَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَالْمِيلُ أَرْبَعَةُ آلَافِ خُطْوَةٍ وَالْخُطْوَةُ ثَلَاثَةُ أَقْدَامٍ فَهُوَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ قَدَمٍ وَبِالذِّرَاعِ سِتَّةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَالذِّرَاعُ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا مُعْتَرِضَاتٍ وَالْأُصْبُعُ سِتُّ شُعَيْرَاتٍ مُعْتَدِلَاتٍ مُعْتَرِضَاتٍ وَالشُّعَيْرَةُ سِتُّ شُعَيْرَاتٍ من شَعْرِ الْبِرْذَوْنِ فَمَسَافَةُ الْقَصْرِ بِالْأَقْدَامِ خَمْسُمِائَةِ أَلْفٍ وَسِتَّةٌ وَسَبْعُونَ أَلْفًا وَبِالْأَذْرُعِ مِائَتَا أَلْفٍ وَثَمَانِيَةٌ وَثَمَانُونَ أَلْفًا وَبِالْأَصَابِعِ سِتَّةُ آلَافِ أَلْفٍ وَتِسْعُمِائَةِ أَلْفٍ وَاثْنَا عَشَرَ أَلْفًا وَبِالشُّعَيْرَاتِ أَحَدٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفٍ وَأَرْبَعُمِائَةِ أَلْفٍ وَاثْنَانِ وَسَبْعُونَ أَلْفًا وَبِالشَّعَرَاتِ مِائَتَا أَلْفِ أَلْفٍ وَثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفٍ وَثَمَانُمِائَةِ أَلْفٍ وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ أَلْفًا وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقْصُرَ لِدُونِ الثَّلَاثِ من الْأَيَّامِ فَالْإِتْمَامُ فيه أَفْضَلُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَخُرُوجًا من خِلَافِ من أَوْجَبَهُ كَأَبِي حَنِيفَةَ بَلْ قال الْمَاوَرْدِيُّ في الرَّضَاعِ إنَّهُ يَكْرَهُ الْقَصْرَ وَنَقَلَهُ في النِّكَاحِ عن الشَّافِعِيِّ لَكِنْ قال الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ أَمَّا إذَا كان سَفَرُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَالْقَصْرُ أَفْضَلُ كما سَيَأْتِي وَيُعْتَبَرُ الْبَحْرُ في الْمَسَافَةِ الْمَذْكُورَةِ بِالْبَرِّ فَيَقْصُرُ فيه وَإِنْ قَطَعَهُ في سَاعَةٍ لِشِدَّةِ جَرْيِ السَّفِينَةِ بِالْهَوَاءِ كما يَقْصُرُ لو قَطَعَ الْمَسَافَةَ في الْبَرِّ في نِصْفِ يَوْمٍ مَثَلًا بِالسَّعْيِ وَإِنْ شَكَّ فيه أَيْ في طُولِ سَفَرِهِ اجْتَهَدَ فَإِنْ ظَهَرَ له أَنَّهُ الْقَدْرُ الْمُعْتَبَرُ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَيْهِ حُمِلَ إطْلَاقُ الشَّافِعِيِّ عَدَمَ الْقَصْرِ
فَرْعٌ لو سَلَكَ في سَفَرِهِ أَبْعَدَ الطَّرِيقَيْنِ لِمَقْصِدِهِ لِيُبِيحَ له سُلُوكُهُ الْقَصْرَ فَقَطْ بَلْ أو لِغَيْرِ غَرَضٍ كما في الْمَجْمُوعِ لم يَقْصُرْ كما لو سَلَكَ الْأَقْرَبَ الذي هو دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَطَوَّلَهُ بِالذَّهَابِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَيَقْصُرُ إنْ كان له في سُلُوكِهِ غَرَضٌ آخَرُ وَلَوْ مع قَصْدِ إبَاحَتِهِ لِقَصْرٍ كَأَمْنٍ وَسُهُولَةٍ وَزِيَارَةٍ وَعِبَادَةٍ وَلَوْ كان الْغَرَضُ تَنَزُّهًا بِخِلَافِ سَفَرِهِ لِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ كما سَيَأْتِي وَفُرِّقَ بِأَنَّ الْقَصْدَ في هذا غَيْرُ جَازِمٍ بِمَقْصِدٍ مَعْلُومٍ لِأَنَّ الْقَاصِدَ فيه كَالْهَائِمِ بِخِلَافِهِ في التَّنَزُّهِ وَالْوَجْهُ أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ التَّنَزُّهَ هُنَا ليس هو الْحَامِلُ على السَّفَرِ بَلْ الْحَامِلُ عليه غَرَضٌ صَحِيحٌ كَسَفَرِ التِّجَارَةِ وَلَكِنَّهُ سَلَكَ أَبْعَدَ الطَّرِيقَيْنِ لِلتَّنَزُّهِ فيه بِخِلَافِهِ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ فِيمَا يَأْتِي فإنه الْحَامِلُ على السَّفَرِ حتى لو لم يَكُنْ هو الْحَامِلَ عليه كان كَالتَّنَزُّهِ هُنَا أو كان التَّنَزُّهُ هو الْحَامِلُ عليه كان كَمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ في تِلْكَ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ لِيُبِيحَ له الْقَصْرَ أَنَّ مَحَلَّ ذلك إذَا كان سُلُوكُهُ الْأَقْرَبَ لَا يُبِيحُ له الْقَصْرَ فَلَوْ كان يُبِيحُهُ له أَيْضًا فَسَلَكَ الْأَطْوَلَ وَلَوْ لِغَرَضِ الْقَصْرِ قَصَرَ في جَمِيعِهِ وَعَبَّرَ بِالْقَصْرِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فيه وَإِنْ كان تَعْبِيرُ الْأَصْلِ بِالتَّرَخُّصِ أَعَمَّ وَوَقَعَ له نَظِيرُهُ أَيْضًا فِيمَا يَأْتِي فَرْعٌ لو نَوَى في سَفَرِهِ ذُو السَّفَرِ الطَّوِيلِ الرُّجُوعَ وَذُو السَّفَرِ الْقَصِيرِ الزِّيَادَةَ في
____________________
(1/238)
الْمَسَافَةِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ بها مَسَافَةُ الْقَصْرِ ليس لَهُمَا التَّرَخُّصُ حتى يَكُونَ من حَيْثُ نَوَيَا أَيْ من مَكَانِ نِيَّتِهِمَا إلَى مَقْصِدِهِمَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَيُفَارِقَا مَكَانَهُمَا لِانْقِطَاعِ سَفَرِهِمَا بِالنِّيَّةِ وَيَصِيرَا بِالْمُفَارَقَةِ مُسَافِرَيْنِ سَفَرًا جَدِيدًا فَلَا يَتَرَخَّصُ الْأَوَّلُ قبل الْمُفَارَقَةِ كما جَزَمُوا بِهِ لَكِنَّ مَفْهُومَ كَلَامِ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّهُ يَقْصُرُ وهو خِلَافُ الْمَنْقُولِ وَالتَّصْرِيحُ بِاشْتِرَاطِ الْمُفَارَقَةِ في الثَّانِيَةِ من زِيَادَتِهِ وَصُورَةُ الْأُولَى أَنْ يَنْوِيَ الرُّجُوعَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ أَمَّا لها فَفِيهِ تَفْصِيلٌ تَقَدَّمَ وَكَنِيَّةِ الرُّجُوعِ في ذلك التَّرَدُّدُ فيه نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْبَغَوِيّ وَأَقَرَّهُ وَلَوْ نَوَى قبل خُرُوجِهِ إلَى سَفَرٍ طَوِيلٍ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ في كُلٍّ مَرْحَلَةٍ لم يَقْصُرْ لِانْقِطَاعِ كل سَفْرَةٍ عن الْأُخْرَى
فَصْلٌ وَإِنْ لم يَعْلَمْ مَقْصِدَهُ كَمُسَافِرٍ لِغَرَضٍ من طَلَبِ غَرِيمٍ أو آبِقٍ أو نَحْوِهِ إنْ وَجَدَهُ رَجَعَ لم يَقْصُرْ وَإِنْ طَالَ سَفَرُهُ كما في الْهَائِمِ إذْ شَرْطُ الْقَصْرِ أَنْ يَعْزِمَ على قَطْعِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَيَقْصُرُ بِشَرْطِهِ أَيْ الْقَصْرِ أَيْ مَسَافَتِهِ إنْ ابْتَدَأَ الرُّجُوعَ سَوَاءٌ أَوَجَدَ غَرَضَهُ أَمْ لَا لِأَنَّ له حِينَئِذٍ مَقْصِدًا مَعْلُومًا وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُهُ قبل مَرْحَلَتَيْنِ تَرَخَّصَ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو مُوهِمٌ أَنَّهُ يَتَرَخَّصُ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ في مَرْحَلَتَيْنِ لَا فِيمَا زَادَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ ليس له مَقْصِدٌ مَعْلُومٌ فَلَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْمَسَافَةَ أَيْ مَسَافَةَ الْقَصْرِ وَفَارَقَ الْبَلَدَ ثُمَّ عَرَضَتْ هذه النِّيَّةُ أَيْ نِيَّتُهُ أَنَّهُ إنْ وَجَدَ غَرَضَهُ رَجَعَ أو نِيَّةُ أَنْ يُقِيمَ في طَرِيقِهِ وَلَوْ بِبَلَدٍ قَرِيبٍ منه بِأَنْ يَكُونَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ تَرَخَّصَ ما لم يَجِدْهُ أَيْ غَرَضَهُ في الْأُولَى أو يَدْخُلَ الْبَلَدَ في الثَّانِيَةِ لِأَنَّ سَبَبَ الرُّخْصَةِ قد انْعَقَدَ فَيَسْتَمِرُّ حُكْمُهُ إلَى أَنْ يُوجَدَ ما غَيَّرَ النِّيَّةَ إلَيْهِ بِخِلَافِ ما إذَا عَرَضَ ذلك قبل مُفَارَقَةِ الْبَلَدِ
لَا يُقَالُ قِيَاسُ ما قَالُوهُ من مَنْعِ التَّرَخُّصِ فِيمَا لو نَقَلَ سَفَرَهُ الْمُبَاحَ إلَى مَعْصِيَةٍ مَنْعُهُ فِيمَا لو نَوَى أَنْ يُقِيمَ بِبَلَدٍ قَرِيبٍ لِأَنَّا نَقُولُ نَقْلُهُ إلَى مَعْصِيَةٍ مُنَافٍ لِلتَّرَخُّصِ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ ما نَحْنُ فيه وَإِنْ لم يَعْرِفْ الْعَبْدُ وَالْجُنْدِيُّ وَالزَّوْجَةُ وَالْأَسِيرُ مَقْصِدَ الْمُطَاعِ في الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ ومقصد الْكُفَّارِ في الْأَخِيرَةِ لم يَقْصُرُوا لِانْتِفَاءِ عِلْمِهِمْ بِطُولِ السَّفَرِ فَإِنْ نَوَوْا مَسَافَةَ الْقَصْرِ قَصَرَ منهم جُنْدِيٌّ تَجُوزُ له الْمُفَارَقَةُ لِمُطَاعِهِ لِأَنَّهُ ليس تَحْتَ قَهْرِهِ بِخِلَافِ الْبَقِيَّةِ فَنِيَّتُهُمْ كَالْعَدَمِ وزاد هُنَا لِدَفْعِ الْإِشْكَالِ الذي أَشَرْت إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ التَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ تَجُوزُ له الْمُفَارَقَةُ كما زَادَ لِدَفْعِهِ ثَمَّ قَوْلَهُ الْمُثْبَتُ كما مَرَّ بَيَانُهُ فَإِنْ سَارُوا مَعَهُمْ يَوْمَيْنِ قَصَرُوا وَإِنْ لم يَقْصُرْ الْمَتْبُوعُونَ لِتَبَيُّنِ طُولِ سَفَرِهِمْ
وَذِكْرُ الْقَصْرِ لِغَيْرِ الْأَسِيرِ من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَلَا يُنَافِي ذلك ما مَرَّ من أَنَّ طَالِبَ الْغَرِيمِ أو نَحْوِهِ إذَا لم يَعْرِفْ مَكَانَهُ لَا يَقْصُرُ وَإِنْ طَالَ سَفَرُهُ لِأَنَّ الْمَسَافَةَ هُنَا مَعْلُومَةٌ في الْجُمْلَةِ إذْ الْمَتْبُوعُ يَعْلَمُهَا بِخِلَافِهَا ثَمَّ
أَمَّا إذَا عَرَفُوا الْمَقْصِدَ وكان على مَرْحَلَتَيْنِ فَلَهُمْ الْقَصْرُ وَلَوْ عَلِمَ الْأَسِيرُ أَنَّ سَفَرَهُ طَوِيلٌ وَنَوَى الْهَرَبَ إنْ وَجَدَ فُرْصَةً وَهِيَ بِضَمِّ الْفَاءِ النُّهْزَةُ بِضَمِّ النُّونِ يُقَالُ انْتَهَزَ فُلَانٌ الْفُرْصَةَ أَيْ اغْتَنَمَهَا وَفَازَ بها قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ لم يَقْصُرْ قبل مَرْحَلَتَيْنِ أَمَّا بَعْدَهُمَا فَيَقْصُرُ وَلَا أَثَرَ لِلنِّيَّةِ لِقَطْعِهِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ فَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ الْوَجْهُ أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ مُطْلَقًا فيه نَظَرٌ وَمِثْلُ ذلك يَأْتِي في الزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ إذَا عَلِمَا أَنَّ السَّفَرَ طَوِيلٌ وَنَوَتْ الْمَرْأَةُ أنها مَتَى تَخَلَّصَتْ من زَوْجِهَا بِفِرَاقٍ رَجَعَتْ وَالْعَبْدُ أَنَّهُ مَتَى عَتَقَ رَجَعَ فَلَا يَتَرَخَّصَانِ قبل مَرْحَلَتَيْنِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي لَكِنَّهُ لم يُقَيِّدْ بِالْقَبْلِيَّةِ بَلْ قال لَا يَتَرَخَّصَانِ كَالْعَبْدِ الْآبِقِ وَبَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ التَّقْيِيدَ بها وهو ظَاهِرٌ وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَأُلْحِقَ بِالزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ الْجُنْدِيُّ وَبِالْفِرَاقِ النُّشُوزُ وَبِالْعِتْقِ الْإِبَاقُ بِأَنْ نَوَى أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَهُ الْإِبَاقُ أَبَقَ
فَصْلٌ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ إلَّا في سَفَرٍ مُبَاحٍ وقد أَخَذَ في بَيَانِ مُقَابِلِهِ فقال الْمَعْصِيَةُ بِالسَّفَرِ كَهَرَبِ عَبْدٍ من سَيِّدِهِ لَا فيه كَشُرْبِ خَمْرٍ في سَفَرِ حَجٍّ تَمْنَعُ التَّرَخُّصَ لِأَنَّهُ لِلْإِعَانَةِ فَلَا يُعَالَجُ بِالْمَعَاصِي فَإِنْ سَافَرَ أَحَدٌ بِلَا غَرَضٍ صَحِيحٍ كَمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ أو سَافَرَ لِيَسْرِقَ أو يَزْنِيَ أو يَقْتُلَ بَرِيئًا أو يُتْعِبَ نَفْسَهُ أو دَابَّتَهُ بِالرَّكْضِ بِلَا غَرَضٍ أو هَرَبَ عَبْدٌ من سَيِّدِهِ أو زَوْجَةٌ من زَوْجِهَا أو غَرِيمٌ مُوسِرٌ من غَرِيمِهِ أو نَحْوُهَا لم يَتَرَخَّصْ بِقَصْرٍ ولا جَمْعٍ وإفطار ( ( ( و ) ) ) ولا ( ( ( إفطار ) ) )
____________________
(1/239)
رَاحِلَةٍ ولا مَسْحِ ثَلَاثٍ على خُفٍّ ولا سُقُوطِ جُمُعَةٍ ولا أَكْلِ مَيْتَةٍ لِلِاضْطِرَارِ لِأَنَّهُ تَخْفِيفٌ وهو مُتَمَكِّنٌ من دَفْعِ الْهَلَاكِ بِالتَّوْبَةِ فَإِنْ لم يَتُبْ وَمَاتَ كان عَاصِيًا بِتَرْكِهِ التَّوْبَةَ وَبِقَتْلِهِ نَفْسَهُ
قال ابن الصَّلَاحِ وَإِنَّمَا يُجْعَلُ أَكْلُهَا من رُخَصِ السَّفَرِ حَيْثُ يَنْشَأُ الِاضْطِرَارُ منه في حَقِّ من كان بِحَيْثُ لو أَقَامَ لم يَضْطَرَّ نَقَلَهُ عنه الْأَذْرَعِيُّ وَأَقَرَّهُ أَمَّا الْمُقِيمُ فَيَجُوزُ له أَكْلُهَا وَلَوْ عَاصِيًا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَفَرَّقَ الْقَفَّالُ كما نَقَلَهُ عنه في الْمَجْمُوعِ وَأَقَرَّهُ بِأَنَّ أَكْلَهَا في السَّفَرِ سَبَبُهُ سَفَرُهُ وهو مَعْصِيَةٌ فَكَانَ كما لو جُرِحَ في سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ لم يَجُزْ له التَّيَمُّمُ لِذَلِكَ الْجُرْحِ مع أَنَّ الْجَرِيحَ الْحَاضِرَ يَجُوزُ له التَّيَمُّمُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ أَكْلَهَا إذَا كان سَبَبُهُ الْإِقَامَةَ
وَهِيَ مَعْصِيَةٌ كَإِقَامَةِ الْعَبْدِ الْمَأْمُورِ بِالسَّفَرِ لَا تَجُوزُ بِخِلَافِ ما إذَا كان سَبَبُهُ إعْوَازَ الْحَلَالِ وَإِنْ كانت الْإِقَامَةُ مَعْصِيَةً وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْجَوَازُ مُطْلَقًا وَتَقَدَّمَ في مَسْحِ الْخُفِّ أَنَّ الْمُقِيمَ يَجُوزُ له الْمَسْحُ وَإِنْ كان عَاصِيًا بِإِقَامَتِهِ وقد يُؤْخَذُ من التَّعْدَادِ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْعَاصِيَ بِسَفَرِهِ يَتَرَخَّصُ بِالتَّيَمُّمِ وهو كَذَلِكَ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ على الصَّحِيحِ في الْمَجْمُوعِ قال فَيَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَالْإِعَادَةُ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ التَّوْبَةِ وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ الْأَصْلِ في بَابِهِ وَإِنْ أَنْشَأَ مُسَافِرٌ في سَفَرِهِ الْمُبَاحِ قَصْدَ مَعْصِيَةٍ بِهِ أَتَمَّ صَلَاتَهُ فَلَا يَقْصُرُهَا كما لو أَنْشَأَ السَّفَرَ بهذا الْقَصْدِ فَإِنْ تَابَ تَرَخَّصَ كما ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ في بَابِ اللُّقَطَةِ أو أَنْشَأَ عَاصٍ بِهِ قَصْدَ مُبَاحٍ اُعْتُبِرَتْ الْمَسَافَةُ من حِينَئِذٍ أَيْ من حِينِ قَصْدِ الْإِبَاحَةِ فَإِنْ قَصَدَ مَرْحَلَتَيْنِ تَرَخَّصَ وَإِلَّا فَلَا
فَصْلٌ إنَّمَا يَجُوزُ الْقَصْرُ في رُبَاعِيَّةٍ مَكْتُوبَةٍ أَمَّا مُؤَدَّاةٌ أو فَائِتَةُ سَفَرٍ بِسَفَرٍ أَيْ فيه وَلَوْ في سَفَرٍ آخَرَ فَلَا تُقْصَرُ صُبْحٌ وَمَغْرِبٌ وَمَنْذُورَةٌ وَنَافِلَةٌ وَلَا فَائِتَةُ حَضَرٍ لِأَنَّهُ قد تَعَيَّنَ فِعْلُهَا أَرْبَعًا فلم يَجُزْ نَقْصُهَا كما في الْحَضَرِ وَلَا فَائِتَةُ سَفَرٍ في حَضَرٍ لِأَنَّهُ ليس مَحَلُّ قَصْرٍ وَيُفَارِقُ ذلك فَائِتَةُ الصِّحَّةِ حَيْثُ تُقْضَى في الْمَرَضِ من قُعُودٍ بِأَنَّهُ حَالَةُ ضَرُورَةٍ بِخِلَافِ السَّفَرِ وَلِهَذَا يَقْعُدُ لِطُرُوِّ الْمَرَضِ وَلَا يَقْصُرُ بَعْدَ الشُّرُوعِ في الصَّلَاةِ في الْحَضَرِ بِطُرُوِّ السَّفَرِ وَالتَّصْرِيحُ بِمَكْتُوبَةٍ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ شَكَّ هل فَاتَتْ في السَّفَرِ أو الْحَضَرِ أَتَمَّ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ وَلَوْ سَافَرَ وَالْبَاقِي من الْوَقْتِ رَكْعَةٌ أَيْ قَدْرُهَا قَصَرَ الصَّلَاةَ لِكَوْنِهَا أَدَاءً أو دُونَهَا فَلَا لِكَوْنِهَا فَائِتَةَ حَضَرٍ فَعُلِمَ بِالْأَوْلَى أَنَّهُ لو مَضَى من الْوَقْتِ قَدْرُ الْفَرْضِ ثُمَّ سَافَرَ قَصَرَ وهو ما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَنَصَّ فِيمَا لو مَضَى منه قَدْرُ الْفَرْضِ فَحَاضَتْ أنها تَقْضِي
وَفَرَّقَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْحَيْضَ مَانِعٌ من الصَّلَاةِ فإذا طَرَأَ انْحَصَرَ وَقْتُ الْإِمْكَانِ في حَقِّهَا فِيمَا أَدْرَكَتْهُ فَكَأَنَّهَا أَدْرَكَتْ كُلَّ الْوَقْتِ وَبِأَنَّ تَأْثِيرَهُ إنَّمَا هو في الْإِسْقَاطِ الْكُلِّيِّ وهو مع إدْرَاكِ وَقْتِ الْوُجُوبِ بَعِيدٌ بِخِلَافِ السَّفَرِ فِيهِمَا
فَرْعٌ لِلْقَصْرِ شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ لَا يَقْتَدِي بِمُقِيمٍ أو مُتِمٍّ في جُزْءٍ من صَلَاتِهِ كَأَنْ أَدْرَكَهُ في آخِرِ صَلَاتِهِ أو أَحْدَثَ هو عَقِبَ اقْتِدَائِهِ بِهِ لِخَبَرِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عن ابْنِ عَبَّاسٍ سُئِلَ ما بَالُ الْمُسَافِرِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ إذَا انْفَرَدَ وَأَرْبَعًا إذَا ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ فقال تِلْكَ السُّنَّةُ وَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ كَالرَّوْضَةِ على مُتِمٍّ أَغْنَى عن ذِكْرِ الْمُقِيمِ لِشُمُولِهِ له فَإِنْ صلى الظُّهْرَ خَلْفَ مُسَافِرٍ يُصَلِّيَ صُبْحًا أَتَمَّ لِأَنَّهَا تَامَّةٌ في نَفْسِهَا وَمِثْلُهَا الْمَغْرِبُ وَالْجُمُعَةُ وَالنَّافِلَةُ وَيَقْصُرُ الظُّهْرَ مَثَلًا خَلْفَ من يَقْصُرُ الْعَصْرَ أو غَيْرَهَا وَإِنْ شَكَّ في سَفَرِ إمَامِهِ أَتَمَّ وَإِنْ بَانَ مُسَافِرًا قَاصِرًا لِأَنَّهُ شَرَعَ مُتَرَدِّدًا فِيمَا يَسْهُلُ كَشْفُهُ لِظُهُورِ شِعَارِ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ فَإِنْ عَلِمَ أو ظَنَّ سَفَرَهُ لَا قَصْرَهُ فَعَلَّقَ صَلَاتَهُ بِصَلَاتِهِ بِأَنْ قال إنْ قَصَرَ قَصَرْت وَإِلَّا أَتْمَمْت صَحَّ إذْ الظَّاهِرُ من حَالِ الْمُسَافِرِ الْقَصْرُ وَلَا يَضُرُّ التَّعْلِيقُ لِأَنَّ الْحُكْمَ مُعَلَّقٌ بِصَلَاةِ إمَامِهِ وَإِنْ جَزَمَ وَلَهُ حُكْمُهُ فَإِنْ أَتَمَّ أَتَمَّ وَإِنْ قَصَرَ قَصَرَ عَمَلًا بِمَا نَوَاهُ وَإِنْ لم يَظْهَرْ له ما نَوَاهُ أَتَمَّ احْتِيَاطًا كما يُؤْخَذُ من قَوْلِهِ فَإِنْ أَفْسَدَ أَيْ إمَامُهُ صَلَاتَهُ أو فَسَدَتْ أَتَمَّ إلَّا إنْ عَلِمَ بِنِيَّتِهِ الْقَصْرَ فَلَهُ الْقَصْرُ فَرْعٌ
____________________
(1/240)
لو اقْتَدَى مُسَافِرٌ بِمُتِمٍّ وَلَوْ مُسَافِرًا أَتَمَّ وَإِنْ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ إتْمَامَهَا بِالِاقْتِدَاءِ فَلَا تُقْصَرُ بَعْدَهُ كَفَائِتَةِ الْحَضَرِ أو بَانَ الْإِمَامُ مُحْدِثًا أَتَمَّ لِذَلِكَ وَتَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ خَلْفَ الْمُتِمِّ وَتَلْغُو نِيَّةُ الْقَصْرِ بِخِلَافِ مُقِيمٍ نَوَى الْقَصْرَ لَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ ليس من أَهْلِ الْقَصْرِ وَالْمُسَافِرُ من أَهْلِهِ فَأَشْبَهَ ما لو شَرَعَ في الصَّلَاةِ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ ثُمَّ نَوَى الْإِتْمَامَ أو صَارَ مُقِيمًا وَإِنْ أَفْسَدَهَا أو فَسَدَتْ بَعْدَ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِمُتِمٍّ وَأَعَادَ هَا أَتَمَّ لِمَا مَرَّ ولو أَدْخَلَ هذه في الْأُولَى كما فَعَلَ الْأَصْلُ كَأَنْ قال أَتَمَّ وَإِنْ فَسَدَتْ إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ كان أَحْسَنَ وَأَخْصَرَ وَإِنْ اقْتَدَى بِمَنْ ظَنَّهُ مُسَافِرًا فَبَانَ مُقِيمًا مُحْدِثًا وَبَانَ الْحَدَثُ أو لَا أو بَانَا مَعًا قَصَرَ إذْ لَا قُدْوَةَ في الْحَقِيقَةِ وفي الظَّاهِرِ ظَنَّهُ مُسَافِرًا وَبِهَذَا فَارَقَ ما لو اقْتَدَى بِمَنْ ظَنَّهُ مُسَافِرًا ثُمَّ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ بِحَدَثٍ ثُمَّ بَانَ مُقِيمًا حَيْثُ يُتِمُّ وَإِنْ عَلِمَ حَدَثَهُ أو لَا كما يُعْلَمُ من قَوْلِهِ وَإِلَّا بِأَنْ عَرَضَتْ الْإِقَامَةُ أو الْحَدَثُ ولم يَظُنَّ مع عُرُوضِهِ أَنَّ الْإِمَامَ نَوَى الْقَصْرَ أو بَانَتْ الْإِقَامَةُ أو لَا فَلَا يَقْصُرُ لِالْتِزَامِهِ الْإِتْمَامَ بِالِاقْتِدَاءِ
وهو في الْأَخِيرَةِ كما لو اقْتَدَى بِمَنْ عَلِمَهُ مُقِيمًا ثُمَّ بَانَ حَدَثُهُ وَعَلَى هذا لو فَقَدَ الطَّهُورَيْنِ فَشَرَعَ فيها بِنِيَّةِ الْإِتْمَامِ ثُمَّ قَدَرَ على الطَّهَارَةِ قَصَرَ لِأَنَّ ما فَعَلَهُ ليس بِحَقِيقَةِ صَلَاةٍ قال الْأَذْرَعِيُّ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَعَلَّ ما قَالُوهُ بِنَاءً على أنها لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ شَرْعِيَّةٍ تُشْبِهُهَا وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ وَكَالْمُقِيمِ فِيمَا ذُكِرَ الْمُسَافِرُ الْمُتِمُّ فَلَوْ عَبَّرَ بِمُتِمِّ لَشَمِلَهُمَا قال في الْمَجْمُوعِ وَلَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ولم يَنْوِ الْقَصْرَ ثُمَّ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ وَإِنْ تَبَيَّنَّ حَدَثَ نَفْسِهِ سَوَاءٌ أَصَلَّى مُنْفَرِدًا أَمْ لَا أو أَحْرَمَ مُؤْتَمًّا وقد عَلِمَ حَدَثَ إمَامِهِ اسْتَأْنَفَ وَقَصَرَ لِعَدَمِ انْعِقَادِ صَلَاتِهِ وَإِنْ قَضَى في السَّفَرِ صَلَاةَ حَضَرٍ سَافَرَ في وَقْتِهَا بَعْدَمَا شَرَعَ فيها ثُمَّ خَرَجَ منها
فَإِنْ خَرَجَ منها لِتَذَكُّرِ حَدَثٍ قَصَرَ لِعَدَمِ انْعِقَادِهَا لَا إنْ خَرَجَ منها لِحَدَثٍ حَدَثَ فيها فَلَا يَقْصُرُ لِالْتِزَامِهِ إتْمَامَهَا بِانْعِقَادِهَا فَرْعٌ إذَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَأَنْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ الْقَاصِرُ أو رَعَفَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ من ضَمِّهَا وَكَسْرِهَا فَاسْتَخْلَفَ مُقِيمًا أو مُسَافِرًا مُتِمًّا من الْمُقْتَدِينَ أو غَيْرِهِمْ لَزِمَهُمْ الْإِتْمَامُ لِأَنَّهُمْ مُقْتَدُونَ بِالْخَلِيفَةِ حُكْمًا بِدَلِيلِ لُحُوقِهِمْ سَهْوَهُ دُونَهُ أَيْ الْمُسْتَخْلِفِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ إلَّا إنْ تَطَهَّرَ وَاقْتَدَى بِهِ أَيْ بِالْخَلِيفَةِ فَيَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ لِذَلِكَ فَإِنْ لم يَسْتَخْلِفْ هو وَلَا الْمَأْمُومُونَ أو اسْتَخْلَفَ مُسَافِرًا قَاصِرًا أو اسْتَخْلَفُوهُ وَكَانُوا قَاصِرِينَ قَصَرُوا وَقَصَرَ الْمُسْتَخْلِفُ وَلَوْ اسْتَخْلَفَ الْمُتِمُّونَ مُتِمًّا وَالْقَاصِرُونَ قَاصِرًا فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ وَلَوْ أَمَّ قَاصِرٌ بِالنَّوْعَيْنِ أو بِالْمُتِمِّينَ سُنَّ له أَنْ يَقُولَ بَعْدَ سَلَامِهِ أَتِمُّوا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ الشَّرْطُ الثَّانِي نِيَّةُ الْقَصْرِ وَجَعَلَ منها الْإِمَامُ ما لو نَوَى الظُّهْرَ مَثَلًا رَكْعَتَيْنِ ولم يَنْوِ تَرَخُّصًا وَالْمُتَوَلِّي ما لو قال أُؤَدِّي صَلَاةَ السَّفَرِ فَلَوْ أَطْلَقَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ
وَتُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْقَصْرِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ كَأَصْلِ النِّيَّةِ وَلَا يَجِبُ اسْتِدَامَتُهَا بَلْ الِانْفِكَاكُ عَمَّا يُخَالِفُ الْجَزْمَ بها فَإِنْ نَوَى بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ إحْرَامِهِ قَاصِرًا الْإِتْمَامَ أو تَرَدَّدَ في أَنَّهُ يَقْطَعُ نِيَّةَ الْقَصْرِ أو شَكَّ هل نَوَى الْقَصْرَ أو لَا أَتَمَّ لِأَنَّهُ الْمَنْوِيُّ
____________________
(1/241)
في الْأُولَى وَالْأَصْلُ في الْأَخِيرَتَيْنِ وَإِنْ تَذَكَّرَ في الشَّكِّ في الْحَالِ فإنه يُتِمُّ بِخِلَافِ الشَّكِّ في أَصْلِ النِّيَّةِ إذْ تَذَكَّرَ حَالًا لَا يُؤَثِّرُ لِأَنَّ ما تَأَدَّى هُنَا مَحْسُوبٌ لِبَقَاءِ أَصْلِ النِّيَّةِ فَتَأَدَّى جُزْءٌ على التَّمَامِ فَلَزِمَهُ بِهِ الْإِتْمَامُ تَغْلِيبًا لِلْأَصْلِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فإنه غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَكِنَّهُ عُفِيَ عنه لِقِلَّتِهِ وَإِنْ أَحْرَمَ قَاصِرًا خَلْفَ من عَلِمَهُ أو ظَنَّهُ قَاصِرًا فَقَامَ إلَى الثَّالِثَةِ فَشَكَّ في قِيَامِهِ هل هو مُتِمٌّ أو سَاهٍ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ
وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ سَاهٍ كما لو شَكَّ في نِيَّةِ نَفْسِهِ وَيُخَالِفُ ما لو شَكَّ في نِيَّةِ إمَامِهِ ابْتِدَاءً حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ كما مَرَّ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا يُطَّلَعُ عليها وَلَا أَمَارَةَ تُشْعِرُ بِالْإِتْمَامِ وَهُنَا الْقِيَامُ مُشْعِرٌ بِهِ فَإِنْ عَلِمَهُ سَاهِيًا لِكَوْنِهِ حَنَفِيًّا لَا يَرَى الْإِتْمَامَ أو لِغَيْرِ ذلك لم يَلْزَمْهُ الْإِتْمَامُ وَلَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ انْتِظَارُهُ وَمُفَارَقَتُهُ وَيَسْجُدُ فِيهِمَا لِلسَّهْوِ اللَّاحِقِ له بِسَهْوِ إمَامِهِ فَإِنْ نَوَى الْإِتْمَامَ لم يَجُزْ له أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ أَيْ بِالْإِمَامِ في سَهْوِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ له كَالْمَسْبُوقِ لَا يَأْتَمُّ بِمَنْ عَلِمَهُ سَاهِيًا بِالْقِيَامِ إلَى خَامِسَةٍ وَإِنْ قام الْمُسَافِرُ الْقَاصِرُ وَلَوْ مُنْفَرِدًا إلَى ثَالِثَةٍ بِغَيْرِ مُوجِبٍ لِلْإِتْمَامِ من نِيَّتِهِ أو نِيَّةِ إقَامَةٍ أو غَيْرِ ذلك عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كما لو قام الْمُتِمُّ إلَى رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ أو قام إلَيْهَا سَاهِيًا أو جَاهِلًا لَزِمَهُ الْعَوْدُ حين ذَكَرَهُ أو عَلِمَهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَيُسَلِّمُ فَلَوْ بَدَا له حين ذَكَرَهُ أو عَلِمَهُ أَنْ يُتِمَّ قَعَدَ ثُمَّ قام نَاوِيًا الْإِتْمَامَ لِأَنَّ النُّهُوضَ وَاجِبٌ عليه وَنُهُوضُهُ كان لَغْوًا
وَإِنْ لم يذكر ذلك حتى أَتَمَّ أَرْبَعًا ثُمَّ نَوَى الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَتَيْنِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَإِنْ لم يَنْوِ الْإِتْمَامَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وهو قَاصِرٌ وَرَكْعَتَاهُ الزَّائِدَتَانِ لَغْوٌ
الشَّرْطِ الثَّالِثُ دَوَامُ السَّفَرِ في الصَّلَاةِ فَإِنْ انْتَهَتْ بِهِ السَّفِينَةُ إلَى الْبَلَدِ التي يُقِيمُ بها أو سَارَتْ بِهِ منها أو نَوَى الْإِقَامَةَ أو شَكَّ هل نَوَاهَا أو لَا أو هل هذه الْبَلْدَةُ التي انْتَهَى إلَيْهَا بَلَدُهُ أو لَا وهو في أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ في الْجَمِيعِ أَتَمَّ لِلشَّكِّ في سَبَبِ الرُّخْصَةِ في الْأَخِيرَتَيْنِ وَلِزَوَالِهِ في الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ وَتَغْلِيبًا لِلْحَضَرِ فِيهِمَا أَيْضًا وفي الثَّانِيَةِ وَاسْتَشْكَلَ تَصْوِيرُ الثَّانِيَةِ فإنه إنْ نَوَى الْقَصْرَ لم تَنْعَقِدْ لِتَلَاعُبِهِ أَوَّلًا لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ لَا لِتَغْلِيبِ الْحَضَرِ بَلْ لِفَوْتِ شَرْطِ الْقَصْرِ وهو نِيَّتُهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ جَاهِلًا بِأَنَّ من شَرْطِهِ سَيْرَ السَّفِينَةِ وَبِأَنَّ مُرَادَهُمْ ما إذَا أَطْلَقَ في نِيَّتِهِ فلم يَنْوِ الْقَصْرَ وَلَا الْإِتْمَامَ فَيَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ لِعِلَّتَيْنِ فَقْدِ نِيَّةِ الْقَصْرِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَتَغْلِيبِ الْحَضَرِ
وَيُسْتَدَلُّ بِهِ حِينَئِذٍ في نَظِيرِهِ مع مَسْحِ الْخُفِّ على أَنَّهُ يَمْسَحُ مَسْحَ مُقِيمٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ يَمْسَحُ مَسْحَ مُسَافِرٍ مع مُوَافَقَتِهِ لنا على ما هُنَا
الشَّرْطُ الرَّابِعُ الْعِلْمُ بِجَوَازِهِ أَيْ الْقَصْرِ فَلَوْ قَصَرَ جَاهِلًا بِجَوَازِهِ لم تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِتَلَاعُبِهِ وَكَذَا لو ظَنَّ أَنَّ الظُّهْرَ مَثَلًا رَكْعَتَانِ فَنَوَاهَا رَكْعَتَيْنِ بَابُ الْجَمْعِ بين الصَّلَاتَيْنِ
يَجُوزُ الْجَمْعُ في سَفَرِ الْقَصْرِ لِلْأَخْبَارِ الْآتِيَةِ لَا في السَّفَرِ الْقَصِيرِ فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ لِلْمَكِّيِّ لِأَنَّ الْجَمْعَ لِلسَّفَرِ لَا لِلنُّسُكِ وَالْجَمْعُ يَكُونُ بين الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وبين الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ في وَقْتِ إحْدَاهُمَا وَتَكُونُ الْمَجْمُوعَةُ في وَقْتِ الْأُخْرَى أَدَاءً كَالْأُخْرَى لِأَنَّ وَقْتَيْهِمَا صَارَا وَاحِدًا وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ الصُّبْحُ مع غَيْرِهَا وَالْعَصْرُ مع الْمَغْرِبِ فَلَا جَمَعَ فِيهِمَا لِأَنَّهُ لم يَرِدْ وَيَجُوزُ جَمْعُ الْجُمُعَةِ وَالْعَصْرِ تَقْدِيمًا كما نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَاعْتَمَدَهُ كَجَمْعِهِمَا بِالْمَطَرِ بَلْ أَوْلَى وَيَمْتَنِعُ تَأْخِيرًا لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا يَتَأَتَّى تَأْخِيرُهَا عن وَقْتِهَا وَتَقَدَّمَ في الْحَيْضِ أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ لَا تَجْمَعُ تَقْدِيمًا قال الزَّرْكَشِيُّ وَمِثْلُهَا فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ وَكُلُّ من لم تَسْقُطْ صَلَاتُهُ بِالتَّيَمُّمِ وَلَوْ حَذَفَ بِالتَّيَمُّمِ كان أَوْلَى
وَالْأَفْضَلُ التَّأْخِيرُ أَيْ تَأْخِيرُ الْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ لِلسَّائِرِ وَقْتَ الْأُولَى وَلِمَنْ بَاتَ بِمُزْدَلِفَةُ والأفضل التَّقْدِيمُ أَيْ تَقْدِيمُ الثَّانِيَةِ إلَى الْأُولَى لِلنَّازِلِ في وَقْتِهَا وَالْوَاقِفِ بِعَرَفَةَ رَوَى الشَّيْخَانِ عن أَنَسٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان إذَا ارْتَحَلَ قبل أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ زَاغَتْ قبل أَنْ يَرْتَحِلَ صلى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ثُمَّ رَكِبَ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قال كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا
____________________
(1/242)
جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بين الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ يَعْنِي في وَقْتِ الْعِشَاءِ وَعَنْ أُسَامَةَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَمَعَ بين الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ في وَقْتِ الْعِشَاءِ وَرَوَى مُعَاذٌ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان في غَزْوَةِ تَبُوكَ إذَا ارْتَحَلَ قبل الْمَغْرِبِ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حتى يُصَلِّيَهَا مع الْعِشَاءِ وإذا ارْتَحَلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ عَجَّلَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا مع الْمَغْرِبِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ
وَرَوَى مُسْلِمٌ عن جَابِرٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَمَعَ بين الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ في وَقْتِ الظُّهْرِ وَرَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ جَمَعَ بين الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ في وَقْتِ الْعِشَاءِ وَالْمُرَادُ بِالسَّفَرِ فيها الطَّوِيلُ كما دَلَّ عليه بَعْضُهَا وَلِأَنَّ ذلك إخْرَاجُ عِبَادَةٍ عن وَقْتِهَا فَاخْتَصَّ بِالطَّوِيلِ كَالْفِطْرِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَاسْتُثْنِيَ من أَفْضَلِيَّةِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِيمَا ذُكِرَ ما لو خَشِيَ من التَّأْخِيرِ الْفَوَاتَ لِبُعْدِ الْمَنْزِلِ أو خَوْفِ عَدُوٍّ أو غَيْرِهِ فَالْجَمْعُ تَقْدِيمًا أَفْضَلُ وما لو كان إذَا جَمَعَ تَقْدِيمًا صلى جَمَاعَةً أو خَلَا عن حَدَثِهِ الدَّائِمِ أو عن كَشْفِ عَوْرَتِهِ وإذا جَمَعَ تَأْخِيرًا كان بِخِلَافِ ذلك أو بِالْعَكْسِ فَالْجَمْعُ بِالْجَمَاعَةِ وَبِالْخُلُوِّ عَمَّا ذُكِرَ أَفْضَلُ فَرْعٌ وإذا جَمَعَ في وَقْتِ الْأُولَى اُشْتُرِطَ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ تَقْدِيمُهَا على الثَّانِيَةِ لِلِاتِّبَاعِ وقال صلى اللَّهُ عليه وسلم صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَلِأَنَّ الْوَقْتَ لها وَالثَّانِيَةَ تَبَعٌ فَلَا تَتَقَدَّمُ على مَتْبُوعِهَا فَلَوْ قَدَّمَهَا لم تَصِحَّ أو الْأُولَى وَبَانَ فَسَادُهَا فَسَدَتْ الثَّانِيَةُ أَيْضًا لِعَدَمِ التَّرْتِيبِ وَأَنْ يَنْوِيَ الْجَمْعَ فيها أَيْ الْأُولَى تَمْيِيزًا لِلتَّقْدِيمِ الْمَشْرُوعِ عن التَّقْدِيمِ سَهْوًا أو عَبَثًا وَلَوْ نَوَاهُ مع السَّلَامِ وَبَعْدَ نِيَّةِ التَّرْكِ كَأَنْ نَوَى الْجَمْعَ ثُمَّ نَوَى تَرْكَهُ ثُمَّ نَوَاهُ لِأَنَّ الْجَمْعَ ضَمُّ الثَّانِيَةِ لِلْأُولَى فَيَكْفِي سَبْقُ النِّيَّةِ حَالَةَ الْجَمْعِ وَيُفَارِقُ الْقَصْرَ بِأَنَّهُ لو تَأَخَّرَتْ نِيَّتُهُ عن الْإِحْرَامِ لَتَأَدَّى جُزْءٌ على التَّمَامِ فَيَمْتَنِعُ الْقَصْرُ قال في الْمَجْمُوعِ
قال الْمُتَوَلِّي وَلَوْ شَرَعَ في الظُّهْرِ بِالْبَلَدِ في سَفِينَةٍ فَسَارَتْ فَنَوَى الْجَمْعَ فَإِنْ لم يَشْتَرِطْ النِّيَّةَ مع التَّحَرُّمِ صَحَّ لِوُجُودِ السَّفَرِ وَقْتَهَا وَإِلَّا فَلَا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حُدُوثِ الْمَطَرِ في أَثْنَاءِ الْأُولَى حَيْثُ لَا يُجْمَعُ بِهِ كما سَيَأْتِي بِأَنَّ السَّفَرَ بِاخْتِيَارِهِ فَنَزَلَ اخْتِيَارُهُ له في ذلك مَنْزِلَتَهُ بِخِلَافِ الْمَطَرِ حتى لو لم يَكُنْ اخْتَارَهُ فَالْوَجْهُ امْتِنَاعُ الْجَمْعِ على أَنَّ ما قَالَهُ الْمُتَوَلِّي هُنَا ذُكِرَ مِثْلُهُ ثَمَّ فَعَلَيْهِ لَا فَرْقَ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُوَالِيَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْجَمْعَ بِجَعْلِهِمَا كَصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَوَجَبَ الْوِلَاءُ كَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا جَمَعَ بين الصَّلَاتَيْنِ بِنَمِرَةَ وَالَى بَيْنَهُمَا وَتَرَكَ الرَّوَاتِبَ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ بَيْنَهُمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلَوْلَا اشْتِرَاطُ الْوِلَاءِ لَمَا تَرَكَ الرَّوَاتِبَ
وقد يُمْنَعُ بِأَنَّهُ تَرَكَهَا لِكَوْنِهَا سُنَّةً لَا شَرْطًا وَلَوْ تَرَكَ لَفْظَ يُشْتَرَطُ كان أَخْصَرَ وَلَا يَضُرُّ فَصْلٌ يَسِيرٌ في الْعُرْفِ فَلِلْمُتَيَمِّمِ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِهِ أَيْ بِالتَّيَمُّمِ وَبِالطَّلَبِ الْخَفِيفِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ لِلِاتِّبَاعِ في الْأَخِيرَةِ كما مَرَّ وَقِيَاسًا عليه في الْأُولَيَيْنِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا منها فَصْلٌ يَسِيرٌ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ بَلْ وَلَوْ لم يَكُنْ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ لِمَصْلَحَتِهَا لم يَضُرَّ أَمَّا الطَّوِيلُ فَيَضُرُّ وَلَوْ بِعُذْرٍ كَسَهْوٍ وَإِغْمَاءٍ وَإِنْ جَمَعَ وَتَذَكَّرَ بَعْدَ فَرَاغِهِ أو في أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ وَطَالَ الْفَصْلُ بين سَلَامِ الْأُولَى وَالتَّذَكُّرِ تَرْكَ رُكْنٍ من الْأُولَى أَعَادَهُمَا الْأُولَى لِتَرْكِ الرُّكْنِ وَتَعَذُّرِ التَّدَارُكِ بِطُولِ الْفَصْلِ وَالثَّانِيَةَ لِفَقْدِ التَّرْتِيبِ وَلَهُ الْجَمْعُ تَقْدِيمًا أو تَأْخِيرًا لِوُجُودِ الْمُرَخِّصِ أو تَذَكَّرَ تَرْكَهُ من الثَّانِيَةِ
فَإِنْ كان قبل طُولِ الْفَصْلِ تَدَارَكَهُ وَصَحَّتَا وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ كان بَعْدَ طُولِهِ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ لِفَقْدِ الْوِلَاءِ بِتَخَلُّلِ الْبَاطِلَةِ فَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا في وَقْتِهَا وَإِنْ لم يَدْرِ من أَيِّهِمَا هو أَيْ الرُّكْنُ الْمَتْرُوكُ لَزِمَهُ إعَادَتُهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ من الْأُولَى وَامْتَنَعَ الْجَمْعُ تَقْدِيمًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ من الثَّانِيَةِ
____________________
(1/243)
فَيَطُولُ الْفَصْلُ بها وَبِالْأَوْلَى الْمُعَادَةِ بَعْدَهَا فَيُعِيدُ كُلًّا مِنْهُمَا في وَقْتِهَا أَخْذًا بِالْأَسْوَإِ في الطَّرَفَيْنِ وَلَوْ شَكَّ بين الصَّلَاتَيْنِ في نِيَّةِ الْجَمْعِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ نَوَاهُ نَقَلَ الرُّويَانِيُّ عن وَالِدِهِ أَنَّهُ ليس له الْجَمْعُ قال وَعِنْدِي أَنَّ له الْجَمْعَ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الْوَجْهُ إنْ تَذَكَّرَهُ عن قُرْبٍ وَأَمَّا إنْ جَمَعَ في وَقْتِ الثَّانِيَةِ فَلَا تُشْتَرَطُ إلَّا نِيَّةُ التَّأْخِيرِ لِلْجَمْعِ في وَقْتِ الْأُولَى ما بَقِيَ قَدْرُ رَكْعَةٍ فَإِنْ أَخَّرَ هَا حتى فَاتَ الْأَدَاءُ أَيْ وَقْتُهُ بِلَا نِيَّةٍ لِلْجَمْعِ عَصَى وَقَضَى هذا ما في الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عن الْأَصْحَابِ وفي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ عَنْهُمْ وَتُشْتَرَطُ هذه النِّيَّةُ في وَقْتِ الْأُولَى بِحَيْثُ يَبْقَى من وَقْتِهَا ما يَسَعُهَا أو أَكْثَرُ فَإِنْ ضَاقَ وَقْتُهَا بِحَيْثُ لَا يَسَعُهَا عَصَى وَصَارَتْ قَضَاءً وَجَزَمَ الْبَارِزِيُّ وَغَيْرُهُ بِالْأَوَّلِ وَصَحَّحَهُ ابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وهو الْمُنَاسِبُ لِمَا مَرَّ من جَوَازِ قَصْرِ صَلَاةِ من سَافَرَ وقد بَقِيَ من الْوَقْتِ ما يَسَعُ رَكْعَةً وَلَا يَضُرُّ فيه تَحْرِيمُ تَأْخِيرِهَا بِحَيْثُ يَخْرُجُ جُزْءٌ منها عن وَقْتِهَا وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ على كَلَامِ الرَّوْضَةِ بِأَنْ يُقَالَ مَعْنَى ما يَسَعُهَا أَيْ يَسَعُهَا أَدَاءً فَإِنْ قُلْت بَلْ كَلَامُهَا مَحْمُولٌ على كَلَامِهِ وَيَكُونُ مُرَادُهَا الْأَدَاءَ الْحَقِيقِيَّ وهو الْإِتْيَانَ بِجَمِيعِ الصَّلَاةِ في وَقْتِهَا لَا الْأَدَاءَ الْمَجَازِيَّ الْحَاصِلَ بِتَبَعِيَّةِ ما بَعْدَ الْوَقْتِ لِمَا فيه قُلْت يُنَافِيهِ قَوْلُهُ إنَّهَا صَارَتْ قَضَاءً وَعُلِمَ من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ وَلَا الْوِلَاءُ وَلَا نِيَّةُ الْجَمْعِ في الْأُولَى وهو كَذَلِكَ وَفَارَقَ جَمْعَ التَّقْدِيمِ أَمَّا في الْأُولَى فَلِأَنَّ الْوَقْتَ هُنَا لِلثَّانِيَةِ وَالْأُولَى تَبَعٌ لها بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الْأُولَى شَبِيهَةٌ بِالْفَائِتَةِ لِخُرُوجِ وَقْتِهَا وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى الْمَغْرِبَ بِمُزْدَلِفَةَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ في مَنْزِلِهِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا في الثَّالِثَةِ فَلِمَا مَرَّ في الْأُولَى وَلِأَنَّ نِيَّةَ الْجَمْعِ هُنَا تَقَدَّمَتْ في وَقْتِ الْأُولَى فَاكْتُفِيَ بها بِخِلَافِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ
فَرْعٌ لو جَمَعَ تَقْدِيمًا وَنَوَى الْإِقَامَةَ أو وَصَلَتْ سَفِينَتُهُ دَارَ إقَامَتِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو شَكَّ في صَيْرُورَتِهِ مُقِيمًا قبل الْإِحْرَامِ بِالثَّانِيَةِ بَطَلَ الْجَمْعُ لِزَوَالِ سَبَبِهِ فَيُؤَخِّرُهَا لِوَقْتِهَا وَالْأُولَى صَحِيحَةٌ أو في أَثْنَائِهَا أَيْ الثَّانِيَةِ لم يَبْطُلْ جَمْعُهُ صِيَانَةً لِصَلَاتِهِ عن الْبُطْلَانِ بَعْدَ الِانْعِقَادِ بِخِلَافِ الْقَصْرِ فإن وُجُوبَ الْإِتْمَامِ لَا يُبْطِلُ ما مَضَى من صَلَاتِهِ وَإِنْ جَمَعَ في وَقْتِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ أَقَامَ في أَثْنَائِهَا أو قبل الْإِحْرَامِ بها الْمَفْهُومِ بِالْأَوْلَى صَارَتْ الْأُولَى قَضَاءً لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلثَّانِيَةِ في الْأَدَاءِ لِلْعُذْرِ وقد زَالَ قبل تَمَامِهَا وفي الْمَجْمُوعِ إذَا أَقَامَ في أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْأُولَى أَدَاءً بِلَا خِلَافٍ وما بَحَثَهُ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِهِمْ قال السُّبْكِيُّ وَتَبِعَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَتَعْلِيلُهُمْ مُنْطَبِقٌ على تَقْدِيمِ الْأُولَى فَلَوْ عَكَسَ وَأَقَامَ في أَثْنَاءِ الظُّهْرِ فَقَدْ وُجِدَ الْعُذْرُ في جَمِيعِ الْمَتْبُوعَةِ وَأَوَّلِ التَّابِعَةِ وَقِيَاسُ ما مَرَّ في جَمْعِ التَّقْدِيمِ أنها أَدَاءٌ على الْأَصَحِّ أَيْ كما أَفْهَمَهُ تَعْلِيلُهُمْ وَأَجْرَى الطَّاوُوسِيُّ الْكَلَامَ على إطْلَاقِهِ فقال وَإِنَّمَا اُكْتُفِيَ في جَمْعِ التَّقْدِيمِ بِدَوَامِ السَّفَرِ إلَى عَقْدِ الثَّانِيَةِ ولم يُكْتَفَ بِهِ في جَمْعِ التَّأْخِيرِ بَلْ شُرِطَ دَوَامُهُ إلَى تَمَامِهِمَا لِأَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ ليس وَقْتَ الْعَصْرِ إلَّا في السَّفَرِ وقد وُجِدَ عِنْدَ عَقْدِ الثَّانِيَةِ فَيَحْصُلُ الْجَمْعُ وَأَمَّا وَقْتُ الْعَصْرِ فَيَجُوزُ فيه الظُّهْرُ بِعُذْرِ السَّفَرِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَنْصَرِفُ فيه الظُّهْرُ إلَى السَّفَرِ إلَّا إذَا وُجِدَ السَّفَرُ فِيهِمَا وَإِلَّا جَازَ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَيْهِ لِوُقُوعِ بَعْضِهَا فيه وَأَنْ يَنْصَرِفَ إلَى غَيْرِهِ لِوُقُوعِ بَعْضِهَا في غَيْرِهِ الذي هو الْأَصْلُ
فَصْلٌ الْمَطَرُ وَلَوْ ضَعِيفًا إنْ كان بِحَيْثُ يَبُلُّ الثِّيَابَ يُبِيحُ الْجَمْعَ لِمَا يُجْمَعُ بِالسَّفَرِ في وَقْتِ الْأُولَى لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن ابْنِ عَبَّاسٍ صلى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جميعا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جميعا زَادَ مُسْلِمٌ من غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ قال الشَّافِعِيُّ كَمَالِكٍ أَرَى ذلك في الْمَطَرِ قال في الْمَجْمُوعِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ مَرْدُودٌ بِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ من غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ قال وَأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّ الْأُولَى رِوَايَةُ الْجُمْهُورِ فَهِيَ أَوْلَى قال يَعْنِي
____________________
(1/244)
الْبَيْهَقِيَّ وقد رَوَيْنَا عن ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ الْجَمْعَ بِالْمَطَرِ وهو يُؤَيِّدُ التَّأْوِيلَ وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ وَلَا مَطَرٍ كَثِيرٍ أو لَا مَطَرٍ مُسْتَدَامٍ فَلَعَلَّهُ انْقَطَعَ في أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ لَا في وَقْتِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْمَطَرِ لَيْسَتْ إلَى الْجَامِعِ بِخِلَافِ السَّفَرِ وَإِنَّمَا يُبَاحُ الْجَمْعُ بِشُرُوطِهِ السَّابِقَةِ في جَمْعِهِ بِالسَّفَرِ لِمَنْ صلى أَيْ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ جَمَاعَةً في مَكَان مَقْصُودٍ لها من مَسْجِدٍ أو غَيْرِهِ فَتَعْبِيرُهُ بِمَكَانٍ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِمَسْجِدٍ يَتَأَذَّى في طَرِيقِهِ إلَيْهِ بِالْمَطَرِ لِبُعْدِهِ كما قَيَّدَ بِهِ الْأَصْلُ كَغَيْرِهِ فَلَوْ صلى وَلَوْ جَمَاعَةً في بَيْتِهِ أو في مَكَان لِلْجَمَاعَةِ قَرِيبٍ أو مَشَى في كِنٍّ أو صَلَّوْا فُرَادَى في الْمَسْجِدِ أو نَحْوِهِ فَلَا جَمْعَ لِانْتِفَاءِ التَّأَذِّي
وَأَمَّا جَمْعُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْمَطَرِ مع أَنَّ بُيُوتَ أَزْوَاجِهِ كانت بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ فَأَجَابُوا عنه أَنَّ بُيُوتَهُنَّ كانت مُخْتَلِفَةً وَأَكْثَرُهَا كان بَعِيدًا فَلَعَلَّهُ حين جَمَعَ لم يَكُنْ بِالْقَرِيبِ وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْمَعَ بِالْمَأْمُومِينَ وَإِنْ لم يَتَأَذَّ بِالْمَطَرِ صَرَّحَ بِهِ ابن أبي هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ على أَنَّ جَمَاعَةً منهم الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ أَنْكَرُوا اشْتِرَاطَ الْبُعْدِ وَنَقَلُوا عن نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوَافِقُهُ قال الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَلِمَنْ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ قبل وُجُودِ الْمَطَرِ فَاتَّفَقَ وُجُودُهُ وهو في الْمَسْجِدِ أَنْ يَجْمَعَ لِأَنَّهُ لو لم يَجْمَعْ لَاحْتَاجَ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ أَيْضًا أَيْ أو الْعِشَاءِ في جَمَاعَةٍ وَفِيهِ مَشَقَّةٌ في رُجُوعِهِ إلَى بَيْتِهِ ثُمَّ عَوْدِهِ أو في إقَامَتِهِ في الْمَسْجِدِ وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِيهِ
وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ في إبَاحَةِ الْمَطَرِ الْجَمْعَ زِيَادَةً على ما مَرَّ وُجُودُ الْمَطَرِ في أَوَّلِ الصَّلَاتَيْنِ لِيُقَارِنَ الْجَمْعَ وَعِنْدَ التَّحَلُّلِ من الْأُولَى لِيَتَّصِلَ بِأَوَّلِ الثَّانِيَةِ فَيُؤْخَذُ منه اعْتِبَارُ امْتِدَادِهِ بَيْنَهُمَا وهو ظَاهِرٌ وَلَا يَضُرُّ انْقِطَاعُهُ فِيمَا عَدَا ذلك لِعُسْرِ انْضِبَاطِهِ وَالشَّفَّانُ كَالْمَطَرِ فِيمَا ذُكِرَ لِتَضَمُّنِهِ الْقَدْرَ الْمُبِيحَ وهو بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ لَا بِضَمِّهَا كما وَقَعَ في بَعْضِ نُسَخِ الرَّوْضَةِ وَلَا بِكَسْرِهَا كما وَقَعَ لِلْقَمُولِيِّ وَبِتَشْدِيدِ الْفَاءِ بَرْدُ رِيحٍ فيه نُدُوَّةٌ أَيْ بَلَلٌ وَكَذَا ثَلْجٌ وَبَرَدٌ يَذُوبَانِ لِمَا مَرَّ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَذُوبَا لِانْتِفَاءِ التَّأَذِّي نعم إنْ كان الثَّلْجُ قِطَعًا كِبَارًا جَازَ الْجَمْعُ بِهِ كما في الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ وفي مَعْنَاهُ الْبَرَدُ وَبِهِ صَرَّحَ في الذَّخَائِرِ فَرْعٌ يُجْمَعُ الْعَصْرُ مع الْجُمُعَةِ في الْمَطَرِ وَإِنْ لم يَكُنْ مَوْجُودًا حَالَ الْخُطْبَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ من الصَّلَاةِ وقد عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ لَا جَمْعَ بِغَيْرِ السَّفَرِ وَالْمَطَرِ كَمَرَضٍ وَرِيحٍ وَظُلْمَةٍ وَخَوْفٍ وَوَحَلٍ وهو الْمَشْهُورُ لِأَنَّهُ لم يُنْقَلْ وَلِخَبَرِ الْمَوَاقِيتِ فَلَا يُخَالَفُ إلَّا بِصَرِيحٍ وَحَكَى في الْمَجْمُوعِ عن جَمَاعَةٍ من أَصْحَابِنَا جَوَازَهُ بِالْمَذْكُورَاتِ قال وهو قَوِيٌّ جِدًّا في الْمَرَضِ وَالْوَحَلِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَمَعَ بِالْمَدِينَةِ من غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ وَاخْتَارَهُ في الرَّوْضَةِ لَكِنَّهُ فَرَضَهُ في الْمَرَضِ وَجَرَى عليه الْمُصَنِّفُ فَرْعٌ من الْمُخْتَارِ جَوَازُ الْجَمْعِ بِالْمَرَضِ قال في الْمُهِمَّاتِ وقد ظَفِرْت بِنَقْلِهِ عن الشَّافِعِيِّ وَعَلَى الْمَشْهُورِ قال في الْمَجْمُوعِ وَإِنَّمَا لم يُلْحِقُوا الْوَحَلَ بِالْمَطَرِ كما في عُذْرِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ لِأَنَّ تَارِكَهُمَا يَأْتِي بِبَدَلِهِمَا وَالْجَامِعُ يَتْرُكُ الْوَقْتَ بِلَا بَدَلٍ وَلِأَنَّ الْعُذْرَ فِيهِمَا ليس مَخْصُوصًا بَلْ كُلُّ ما تَلْحَقُ بِهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ وَالْوَحَلُ منه وَعُذْرُ الْجَمْعِ مَضْبُوطٌ بِمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ ولم تَجِئْ بِالْوَحَلِ وَعَلَى الْمُخْتَارِ في الْمَرَضِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُرَاعِيَ الْأَرْفَقَ بِنَفْسِهِ فَمَنْ يُحَمُّ مَثَلًا في وَقْتِ الثَّانِيَةِ قَدَّمَهَا إلَى الْأُولَى بِشَرَائِطِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ أو في وَقْتِ الْأُولَى أَخَّرَهَا إلَى الثَّانِيَةِ وَأَسْقَطَ في نُسْخَةٍ قَوْلَهُ بِشَرَائِطِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ وَأَثْبَتَ فيها بَعْدَ قَوْلِهِ أَخَّرَهَا وَيُشْتَرَطُ في التَّقْدِيمِ وُجُودُ الْحُمَّى كَالْمَطَرِ أَيْ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُهَا في أَوَّلِ الصَّلَاتَيْنِ وَعِنْدَ التَّحَلُّلِ من الْأُولَى وَتِلْكَ النُّسْخَةُ أَكْثَرُ فَائِدَةً وَإِنْ جَمَعَ تَقْدِيمًا بَلْ أو تَأْخِيرًا في الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ صلى سُنَّةَ الظُّهْرِ التي قَبْلَهَا ثُمَّ الْفَرِيضَتَيْنِ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ بَاقِيَ السُّنَنِ مُرَتَّبَةً أَيْ سُنَّةَ الظُّهْرِ التي بَعْدَهَا ثُمَّ سُنَّةَ الْعَصْرِ وفي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ يُصَلِّي الْفَرِيضَتَيْنِ ثُمَّ السُّنَنَ مُرَتَّبَةً سُنَّةَ الْمَغْرِبِ ثُمَّ سُنَّةَ الْعِشَاءِ ثُمَّ الْوِتْرَ وَتَحْرِيرُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ قَدَّمَ سُنَّةَ الظُّهْرِ التي قَبْلَهَا وَلَهُ تَأْخِيرُهَا سَوَاءٌ أَجَمَعَ تَقْدِيمًا أَمْ تَأْخِيرًا وَتَوْسِيطُهَا إنْ جَمَعَ تَأْخِيرًا سَوَاءٌ أَقَدَّمَ الظُّهْرَ أَمْ الْعَصْرَ وَأَخَّرَ سُنَّتَهَا التي بَعْدَهَا وَلَهُ تَوْسِيطُهَا إنْ جَمَعَ تَأْخِيرًا وَقَدَّمَ الظُّهْرَ وَأَخَّرَ عنهما سُنَّةَ الْعَصْرِ وَلَهُ تَوْسِيطُهَا وَتَقْدِيمُهَا إنْ جَمَعَ تَأْخِيرًا سَوَاءٌ أَقَدَّمَ الظُّهْرَ أَمْ الْعَصْرَ وإذا جَمَعَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ أَخَّرَ سُنَّتَيْهِمَا وَلَهُ تَوْسِيطُ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ إنْ جَمَعَ تَأْخِيرًا أو قَدَّمَ الْمَغْرِبَ وَتَوْسِيطُ سُنَّةِ الْعِشَاءِ إنْ جَمَعَ تَأْخِيرًا وَقَدَّمَ الْعِشَاءَ وما سِوَى ذلك مَمْنُوعٌ
وَعَلَى ما مَرَّ من أَنَّ لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ سُنَّةً مُقَدَّمَةً فَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ
____________________
(1/245)
مِمَّا تَقَرَّرَ في جَمْعَيْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْأَوْلَى من ذلك كُلِّهِ ما تَقَرَّرَ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَرْعٌ قد جَمَعَ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ ما يَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ وما لَا يَخْتَصُّ فقال الرُّخَصُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ أَرْبَعٌ الْقَصْرُ وَالْفِطْرُ وَالْمَسْحُ على الْخُفِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْجَمْعُ على الْأَظْهَرِ وَاَلَّذِي يَجُوزُ في الْقَصِيرِ أَيْضًا أَرْبَعٌ تَرْكُ الْجُمُعَةِ وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ وَلَيْسَ مُخْتَصًّا بِالسَّفَرِ وَالتَّنَفُّلُ على الرَّاحِلَةِ على الْمَشْهُورِ وَالتَّيَمُّمُ وَإِسْقَاطُ الْفَرْضِ بِهِ على الصَّحِيحِ فِيهِمَا
وَلَا يَخْتَصُّ هذا بِالسَّفَرِ أَيْضًا كما مَرَّ في بَابِ التَّيَمُّمِ نَبَّهَ عليه الرَّافِعِيُّ وَزِيدَ على ذلك صُوَرٌ منها ما لو سَافَرَ الْمُودَعُ ولم يَجِدْ الْمَالِكَ وَلَا وَكِيلَهُ وَلَا الْحَاكِمَ وَلَا الْأَمِينَ فَلَهُ أَخْذُهَا معه على الصَّحِيحِ وَمِنْهَا ما لو اسْتَصْحَبَ معه ضَرَّةَ زَوْجَتِهِ بِقُرْعَةٍ فَلَا قَضَاءَ عليه وَلَا يَخْتَصُّ بِالطَّوِيلِ على الصَّحِيحِ وَوَقَعَ في الْمُهِمَّاتِ تَصْحِيحُ عَكْسِهِ وهو سَهْوٌ نَبَّهَ عليه الزَّرْكَشِيُّ
فَصْلٌ إذَا بَلَغَ السَّفَرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَالْقَصْرُ أَفْضَلُ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَخُرُوجًا من خِلَافِ من أَوْجَبَهُ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَيُخَالِفُ الصَّوْمَ في السَّفَرِ وَإِنْ مَنَعَهُ أَهْلُ الظَّاهِرِ لِأَنَّ مُحَقِّقِي الْعُلَمَاءِ لَا يُقِيمُونَ لِمَذْهَبِهِمْ وَزْنًا قَالَهُ الْإِمَامُ وَلِبَقَاءِ شُغْلِ الذِّمَّةِ إذَا أَفْطَرَ إلَّا لِمَلَّاحٍ يُسَافِرُ في الْبَحْرِ بِأَهْلِهِ وَمَنْ لَا يَزَالُ مُسَافِرًا بِلَا وَطَنٍ فَالْإِتْمَامُ لَهُمَا أَفْضَلُ خُرُوجًا من خِلَافِ من أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمَا كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَرُوعِيَ فِيهِمَا خِلَافُهُ دُونَ خِلَافِ أبي حَنِيفَةَ لِاعْتِضَادِهِ بِالْأَصْلِ وَالْغَسْلُ لِلرَّجُلِ وَتَرْكُ الْجَمْعِ أَفْضَلُ من مَسْحِ الْخُفِّ ومن الْجَمْعِ لِأَصَالَتِهِمَا وَفَارَقَا الْقَصْرَ بِأَنَّ الْأَوَّلَ لم يُؤْتَ فيه بِجِنْسِ الْوَاجِبِ وَالثَّانِي فيه إخْلَاءُ أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ عن وَظِيفَتِهِ بِخِلَافِ الْقَصْرِ فِيهِمَا نعم يُسْتَثْنَى مِنْهُمَا من وَجَدَ في نَفْسِهِ كَرَاهَةَ ذلك كما سَيَأْتِي
وَمِنْ الثَّانِيَةِ الْحَاجُّ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ لِأَنَّ الْجَمْعَ أَرْفَقُ له في الدُّعَاءِ في الْأَوَّلِ وفي السَّيْرِ في الثَّانِي وَمَنْ إذَا جَمَعَ صلى جَمَاعَةً أو خَلَا عن حَدَثِهِ الدَّائِمِ أو كَشَفَ عَوْرَتَهُ وَكُرِهَ تَرْكُ التَّرَخُّصِ بِالْقَصْرِ وَالْجَمْعِ وَسَائِرُ الرُّخَصِ لِمَنْ وَجَدَ في نَفْسِهِ كَرَاهَتَهُ أَيْ كَرَاهَةَ التَّرَخُّصِ فَيَكَادُ يَكُونُ رَغْبَةً عن السُّنَّةِ وَيَسْتَمِرُّ ذلك إلَى أَنْ تَزُولَ عنه الْكَرَاهَةُ وَمِثْلُهَا ما لو كان مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ أو تَرَكَهُ شَكًّا في جَوَازِهِ وَهَذِهِ الْأَخِيرَةُ ذَكَرَهَا في الرَّوْضَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَسْحِ الْخُفِّ
وَإِنْ نَوَى الْكَافِرُ أو الصَّبِيُّ مَسَافَةَ الْقَصْرِ ثُمَّ أَسْلَمَ الْكَافِرُ أو بَلَغَ الصَّبِيُّ في أَثْنَائِهَا أَيْ الْمَسَافَةِ قَصَرَ في الْبَقِيَّةِ منها وما ذَكَرَهُ كَالرَّوْضَةِ في الصَّبِيِّ نَقْلٌ عن الرُّويَانِيِّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَصْرُهُ قبل بُلُوغِهِ
وهو مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ من أَهْلِ الْقَصْرِ كما صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالصَّوَابُ صِحَّتُهُ منه وقد قالوا لو جَمَعَ تَقْدِيمًا ثُمَّ بَلَغَ وَالْوَقْتُ بَاقٍ لم يَحْتَجْ إلَى إعَادَتِهَا نَبَّهَ على ذلك الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ ولم يُنَبِّهْ عليه الْإِسْنَوِيُّ بَلْ نَبَّهَ على غَيْرِهِ فقال ما ذُكِرَ في الصَّبِيِّ مُتَّجَهٌ إنْ بَعَثَهُ وَلِيُّهُ فَإِنْ سَافَرَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا أَثَرَ لِمَا قَطَعَهُ قبل بُلُوغِهِ وَإِنْ سَافَرَ معه فَيُتَّجَهُ أَنْ يَجِيءَ فيه ما مَرَّ في غَيْرِهِ من التَّابِعِينَ وَإِنْ نَوَى اثْنَانِ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَأَحَدُهُمَا حَنَفِيٌّ يَعْتَقِدُ الْقَصْرَ فَاقْتَدَى بِهِ الْآخَرُ وهو لَا يَعْتَقِدُهُ كَشَافِعِيٍّ كُرِهَ وَيُتِمُّ صَلَاتَهُ بَعْدَ سَلَامِهِ أَيْ الْحَنَفِيِّ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ فَعُلِمَ صِحَّةُ صَلَاتِهِ
وَاسْتَشْكَلَهُ في الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّهُ خَارِجٌ عن الْقَوَاعِدِ لِاعْتِقَادِهِ فَسَادَ صَلَاةِ إمَامِهِ
وَقَدَّمْت في صِفَةِ الْأَئِمَّةِ
____________________
(1/246)
جَوَابُهُ ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ الِاسْتِقْصَاءِ تَبَعًا لِلشَّيْخِ أبي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ صَوَّرُوا ذلك بِمَا إذَا لم يَعْلَمْ أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ نَوَاهُ فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ خَلْفَهُ كَمُجْتَهِدَيْنِ اخْتَلَفَا في الْقِبْلَةِ فَصَلَّى أَحَدُهُمَا خَلْفَ الْآخَرِ وَلَا قَصْرَ تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ
كِتَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا أو فَتْحِهَا وَحُكِيَ كَسْرُهَا وكان يَوْمُهَا يُسَمَّى في الْجَاهِلِيَّةِ يوم الْعُرُوبَةِ أَيْ الْبَيِّنِ الْمُعَظَّمِ وَهِيَ أَيْ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ بِشُرُوطِهَا فَرْضُ عَيْنٍ قال تَعَالَى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ من يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَيْ فيه فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ وقال صلى اللَّهُ عليه وسلم لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عن وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أو لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ على قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ من الْغَافِلِينَ وقال رَوَاحُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ على كل مُحْتَلِمٍ وقال الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ على كل مُسْلِمٍ في جَمَاعَةٍ إلَّا أَرْبَعَةً عَبْدٌ مَمْلُوكٌ أو امْرَأَةٌ أو صَبِيٌّ مَرِيضٌ رَوَى الْأَوَّلَ مُسْلِمٌ وَالثَّانِيَ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ على شَرْطِ مُسْلِمٍ وَالثَّالِثَ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَسَيَأْتِي أنها رَكْعَتَانِ وَهِيَ كَغَيْرِهَا من الْخَمْسِ في الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ وَالْآدَابِ وَتَخْتَصُّ بِشُرُوطٍ لِصِحَّتِهَا وَشُرُوطٍ لِلُزُومِهَا وَبِآدَابٍ وَسَتَأْتِي كُلُّهَا فيه أَيْ كِتَابِ الْجُمُعَةِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ في شُرُوطِ صِحَّتِهَا وَهِيَ سِتَّةٌ الْأَوَّلُ وَقْتُ الظُّهْرِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وما رَوَيَاهُ عن سَلَمَةَ بن الْأَكْوَعِ من قَوْلِهِ كنا نُصَلِّي مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ نَسْتَظِلُّ بِهِ مَحْمُولٌ على شِدَّةِ التَّعْجِيلِ بَعْدَ الزَّوَالِ جَمْعًا بين الْأَخْبَارِ على أَنَّ هذا الْخَبَرَ إنَّمَا يَنْفِي ظِلًّا يُسْتَظَلُّ بِهِ لَا أَصْلَ الظِّلِّ فَلَا تُصَلَّى الْجُمُعَةُ وَلَا يُفْعَلُ شَيْءٌ منها وَلَا من خُطْبَتَيْهَا في غَيْرِهِ أَيْ غَيْرِ وَقْتِ ظُهْرِ يَوْمِهَا وَلَوْ جَازَ تَقْدِيمُ الْخُطْبَةِ لَقَدَّمَهَا صلى اللَّهُ عليه وسلم لِتَقَعَ الصَّلَاةُ أَوَّلَ الْوَقْتِ بَلْ إنْ لم يَسَعْ الْوَقْتُ الْوَاجِبَ من الْخُطْبَتَيْنِ وَالرَّكْعَتَيْنِ أو شَكُّوا في بَقَائِهِ قبل الْإِحْرَامِ بها تَعَيَّنَ الْإِحْرَامُ بِالظُّهْرِ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهَيْنِ فِيمَا لو مَدَّ الرَّكْعَةَ الْأُولَى حتى تَحَقَّقَ أَنَّهُ لم يَبْقَ ما يَسَعُ الثَّانِيَةَ هل تَنْقَلِبُ ظُهْرًا الْآنَ أو عِنْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَرُجِّحَ مِنْهُمَا الْأَوَّلُ وَنَظَائِرُهُ مِمَّا لو أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ وَكَانَتْ مُدَّةَ الْخَوْفِ تَنْقَضِي فيها أو حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هذا الرَّغِيفَ غَدًا فَأَكَلَهُ في الْيَوْمِ هل يَحْنَثُ وَنَحْوُهُمَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الثَّانِيَ لَكِنْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ بَابَ الْجُمُعَةِ أَحْوَطُ من ذلك
وَإِنْ شَرَعُوا فيها في الْوَقْتِ وَخَرَجَ وَهُمْ فيها فَاتَتْ إذْ لَا يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بها بَعْدَهُ فَتَنْقَطِعُ بِخُرُوجِهِ كَالْحَجِّ وَإِلْحَاقًا لِلدَّوَامِ بِالِابْتِدَاءِ كَدَارِ الْإِقَامَةِ وأتموها ظُهْرًا وُجُوبًا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَغَيْرُهُ وَمَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَى أَنَّهُمْ إنْ شَاءُوا أَتَمُّوهَا ظُهْرًا أو إنْ شَاءُوا قَلَبُوهَا نَفْلًا وَاسْتَأْنَفُوا الظُّهْرَ وَلَوْ لم يَجِدْهُ وَالنِّيَّةُ لِلظُّهْرِ لِأَنَّهُمَا صَلَاتَا وَقْتٍ وَاحِدٍ فَجَازَ بِنَاءُ أَطْوَلِهِمَا على أَقْصَرِهِمَا كَصَلَاةِ الْحَضَرِ مع السَّفَرِ وَيُسِرُّ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ من حِينَئِذٍ وَلَوْ شَكُّوا في خُرُوجِهِ في أَثْنَائِهَا لم يُؤَثِّرْ فَيُتِمُّونَهَا جُمُعَةً لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ وَلَوْ أَخْبَرَهُمْ عَدْلٌ بِخُرُوجِهِ
قال الدَّارِمِيُّ قال ابن الْمَرْزُبَانِ يُحْتَمَلُ فَوْتُهَا قال وَعِنْدِي خِلَافُهُ إلَّا أَنْ
____________________
(1/247)
يَعْلَمُوا نَقْلَهُ في الْمَجْمُوعِ وَالْأَوْجَهُ فَوْتُهَا عَمَلًا بِخَبَرِ الْعَدْلِ كما في غَالِبِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ وَمِنْهُ ما يَأْتِي في هذا الْبَابِ في الشَّرْطِ الثَّالِثِ وَإِنْ سَلَّمُوا منها هُمْ أو الْمَسْبُوقُ التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى خَارِجَ الْوَقْتِ عَالِمِينَ بِخُرُوجِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ وَتَعَذَّرَ بِنَاءُ الظُّهْرِ عليها لِأَنَّهُمْ بِخُرُوجِهِ لَزِمَهُمْ الْإِتْمَامُ فَسَلَامُهُمْ كَالسَّلَامِ في أَثْنَاءِ الظُّهْرِ عَمْدًا وَلَوْ قَلَبُوهَا قبل السَّلَامِ نَفْلًا فَإِنَّهَا تَبْطُلُ كما لو قَلَبْت الظُّهْرَ نَفْلًا أو سَلَّمُوا جَاهِلِينَ بِخُرُوجِهِ أَتَمُّوهَا ظُهْرًا لِعُذْرِهِمْ فَإِنْ قُلْت لِمَ لم يَحُطَّ عن الْمَسْبُوقِ الْوَقْتُ فِيمَا يَتَدَارَكُهُ لِكَوْنِهِ تَابِعًا لِلْقَوْمِ كما حُطَّ عنه الْقُدْوَةُ وَالْعَدَدُ لِذَلِكَ كما سَيَأْتِي قُلْنَا لِأَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّرْعِ بِرِعَايَتِهِ أَكْثَرُ بِدَلِيلِ اخْتِلَافِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رضي اللَّهُ عنه في الِانْفِضَاضِ الْمُخِلِّ بِالْجَمَاعَةِ وَعَدَمِ اخْتِلَافِهِ في فَوَاتِ الْجُمُعَةِ بِوُقُوعِ شَيْءٍ من صَلَاةِ الْإِمَامِ خَارِجَ الْوَقْتِ
وَإِنْ سَلَّمَ الْأَوْلَى الْإِمَامُ وَتِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ في الْوَقْتِ وسلمها الْبَاقُونَ خَارِجَهُ صَحَّتْ جُمُعَةُ الْإِمَامِ وَمَنْ معه فَقَطْ أَيْ دُونَ الْمُسَلِّمِينَ خَارِجَهُ فَلَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ وَكَذَا جُمُعَةُ الْمُسَلِّمِينَ فيه لو نَقَصُوا عن أَرْبَعِينَ كَأَنْ سَلَّمَ الْإِمَامُ فيه وسلم من معه أو بَعْضُهُمْ خَارِجَهُ وَاسْتُشْكِلَ بُطْلَانُ صَلَاةِ الْإِمَامِ في هذه مع وُجُودِ الشُّرُوطِ في حَقِّهِ بِمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عن الْبَيَانِ من أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا مُحْدِثِينَ دُونَهُ صَحَّتْ له وَحْدَهُ مع عَدَمِ انْعِقَادِ صَلَاتِهِمْ وَأُجِيبَ بِأَنَّ سَلَامَ الْمُحْدِثِينَ وَقَعَ في الْوَقْتِ فَتَمَّتْ فيه صُورَةُ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ ما إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ قبل السَّلَامِ وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّهُ في هذه مُقَصِّرٌ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ إلَى خُرُوجِ بَعْضِهَا عن الْوَقْتِ بِخِلَافِهِ في تِلْكَ فَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ لم يُقَصِّرْ بَلْ سَلَّمَ في الْوَقْتِ فَأَخَّرُوا إلَى أَنْ خَرَجَ الْوَقْتُ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ إلْحَاقًا لِلْفَرْدِ النَّادِرِ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ وَاحْتُمِلَ أَنْ يَلْتَزِمَ فيها صِحَّةَ جُمُعَتِهِ وهو أَوْجَهُ وَبِأَنَّ الْمُحْدِثَ تَصِحُّ جُمُعَتُهُ في الْجُمْلَةِ بِأَنْ لم يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا بِخِلَافِهَا خَارِجَ الْوَقْتِ الشَّرْطُ الثَّانِي دَارُ الْإِقَامَةِ لِأَنَّهَا لم تُقَمْ في عَصْرِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ إلَّا فيها فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلَّا في أَبْنِيَةٍ مُجْتَمِعَةٍ في الْعُرْفِ وَإِنْ لم تَكُنْ في مَسْجِدٍ وَالتَّصْرِيحُ بِمُجْتَمِعَةٍ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ فَإِنْ انْهَدَمَتْ وَأَقَامُوا لِعِمَارَتِهَا لم يَضُرَّ انْهِدَامُهَا في صِحَّةِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ لم يَكُونُوا في مَظَالِّ لِأَنَّهَا وَطَنُهُمْ وَلَا تَنْعَقِدُ في غَيْرِ بِنَاءٍ إلَّا في هذه وَهَذَا بِخِلَافِ ما لو نَزَلُوا مَكَانًا وَأَقَامُوا فيه لِيَعْمُرُوهُ قَرْيَةً لَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ فيه قبل الْبِنَاءِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ في الْحَالَيْنِ وَسَوَاءٌ في الْأَبْنِيَةِ الْبِلَادُ وَالْقُرَى وَالْأَسْرَابُ التي تُتَوَطَّنُ وَالْبِنَاءُ بِالْخَشَبِ وَغَيْرِهِ كَطِينٍ وَقَصَبٍ وَسَعَفٍ وَالْأَسْرَابُ جَمْعُ سَرَبٍ بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ بَيْتٌ في الْأَرْضِ لَا في خِيَامٍ يَنْتَقِلُ أَهْلُهَا من مَحَالِّهَا شِتَاءً أو غَيْرَهُ فَلَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ فيها وَكَذَا إذَا لم يَنْتَقِلُوا بَلْ اسْتَوْطَنُوهَا دَائِمًا لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَأْمُرْ الْمُقِيمِينَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ بها فَإِنَّهُمْ على أُهْبَةِ الْمُسْتَوْفِزِينَ وَيَجُوزُ إقَامَتُهَا في فَضَاءٍ مَعْدُودٍ من الْأَبْنِيَةِ الْمُجْتَمِعَةِ بِحَيْثُ لَا تُقْصَرُ فيه الصَّلَاةُ كما في السَّكَنِ الْخَارِجِ عنها الْمَعْدُودِ منها الْمَفْهُومُ من كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ بِالْأَوْلَى بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَعْدُودِ منها فَمَنْ أَطْلَقَ الْمَنْعَ في السَّكَنِ الْخَارِجِ عنها أَرَادَ بِهِ هذا وَالسُّبْكِيُّ لَمَّا لم يَظْهَرْ له أَنَّ كَلَامَهُمْ يُفْهِمُ ذلك قال كَذَا أَطْلَقُوهُ وَمَعْنَاهُ إذَا لم يُعَدَّ السَّكَنُ من الْقَرْيَةِ فَإِنْ عُدَّ منها وَلَوْ مُنْفَصِلًا عنها فَيَنْبَغِي صِحَّتُهَا فيه فَفِي الْأُمِّ أَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يَقْصُرُ حتى يُجَاوِزَ بُيُوتَهَا وَلَا يَكُونُ بين يَدَيْهِ بَيْتٌ مُنْفَرِدٌ وَلَا مُتَّصِلٌ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو حَسَنٌ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْقُرَى يُؤَخِّرُونَ الْمَسْجِدَ عن جِدَارِ الْقَرْيَةِ قَلِيلًا صِيَانَةً له عن نَجَاسَةِ الْبَهَائِمِ وَعَدَمُ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ فيه بَعِيدٌ وَقَوْلُ الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ قال أَصْحَابُنَا لو بَنَى أَهْلُ الْبَلْدَةِ مَسْجِدَهُمْ خَارِجَهَا لم يَجُزْ لهم إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فيه لِانْفِصَالِهِ عن الْبُنْيَانِ مَحْمُولٌ على انْفِصَالٍ لَا يُعَدُّ بِهِ من الْقَرْيَةِ
ا ه
الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَهَا وَلَا يُقَارِنَهَا جُمُعَةٌ في الْبَلَدِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ لم يُقِيمُوا سِوَى جُمُعَةٍ وَاحِدَةٍ وَلِأَنَّ الِاقْتِصَارَ على وَاحِدَةٍ أَفْضَى إلَى الْمَقْصُودِ من إظْهَارِ شِعَارِ الِاجْتِمَاعِ وَاتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ نعم إذَا كَثُرَ الناس وَعَسُرَ اجْتِمَاعُهُمْ في مَسْجِدٍ أو نَحْوِهِ فَالتَّعَدُّدُ جَائِزٌ لِلْحَاجَةِ بِحَسَبِهَا لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي اللَّهُ عنه
____________________
(1/248)
دخل بَغْدَادَ وَأَهْلُهَا يُقِيمُونَ بها جُمُعَتَيْنِ وَقِيلَ ثَلَاثًا فلم يُنْكِرْ عليهم فَحَمَلَهُ الْأَكْثَرُ على عُسْرِ الِاجْتِمَاعِ قال الرُّويَانِيُّ وَلَا يَحْتَمِلُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ غَيْرَهُ وقال الصَّيْمَرِيُّ وَبِهِ أَفْتَى الْمُزَنِيّ بِمِصْرَ وَظَاهِرُ النَّصِّ مَنْعُ التَّعَدُّدِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَمُتَابِعُوهُ قال السُّبْكِيُّ وهو بَعِيدٌ ثُمَّ انْتَصَرَ له وَصَنَّفَ فيه وقال إنَّهُ الصَّحِيحُ مَذْهَبًا وَدَلِيلًا وَنَقَلَهُ عن أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَأَنْكَرَ نِسْبَةَ الْأَوَّلِ لِلْأَكْثَرِ وَأَطْنَبَ في ذلك فَالِاحْتِيَاطُ إذَا صلى جُمُعَةً بِبَلَدٍ تَعَدَّدَتْ فيه الْجُمُعَةُ ولم يُعْلَمْ سَبْقُ جُمُعَتِهِ أَنْ يُعِيدَهَا ظُهْرًا
وعلى الْأَوَّلِ إذَا لم يَعْسُرْ اجْتِمَاعُهُمْ في مَكَان وَصَلَّوْا جُمُعَتَيْنِ فَالصَّحِيحَةُ هِيَ السَّابِقَةُ لِلْأُخْرَى بِالْإِحْرَامِ وَدَلْوَ بِانْتِهَاءِ تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ له لِأَنَّ بِهِ يُتَبَيَّنُ الِانْعِقَادُ لَا ابْتِدَائِهَا فَلَا عِبْرَةَ بِالسَّبْقِ بِهِ وَلَا بِالْخُطْبَةِ وَلَا بِالسَّلَامِ بَلْ بِمَا قُلْنَا وَإِنْ كان السُّلْطَانُ مع الْأُخْرَى وإذا دَخَلَتْ طَائِفَةٌ في الْجُمُعَةِ ثُمَّ أُخْبِرُوا بِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ بِغَيْرِهِمْ أَتَمُّوهَا ظُهْرًا كما لو خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمْ فيه لو اسْتَأْنَفُوا الظُّهْرَ وَالِاسْتِئْنَافُ أَفْضَلُ لِيَصِحَّ ظُهْرُهُمْ بِالِاتِّفَاقِ وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ تَكْبِيرَةُ الْإِمَامِ على أنها الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ تَكْبِيرَةِ من خَلْفَهُ حتى لو أَحْرَمَ إمَامُ الْجُمُعَةِ ثُمَّ إمَامٌ آخَرُ بها ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ ثُمَّ بِالْأَوَّلِ مِثْلُهُمْ صَحَّتْ جُمُعَةُ الْأَوَّلِ إذْ بِإِحْرَامِهِ تَعَيَّنَتْ جُمُعَتُهُ لِلسَّبْقِ وَامْتَنَعَ على غَيْرِهِ افْتِتَاحُ جُمُعَةٍ أُخْرَى وَبِذَلِكَ صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ وَإِنْ اقْتَرَنَتَا بِأَنْ أَحْرَمَا مَعًا بَطَلَتَا لِتَدَافُعِهِمَا وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى من الْأُخْرَى وَتُسْتَأْنَفُ الْجُمُعَةُ إنْ وَسِعَ الْوَقْتُ وَكَذَا تُسْتَأْنَفُ لو لم يُعْلَمْ السَّبْقُ لِاحْتِمَالِ الْمَعِيَّةِ قال الْإِمَامُ وَحُكْمُ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّهُمْ إذَا أَعَادُوا الْجُمُعَةَ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُمْ مُشْكِلٌ لِاحْتِمَالِ تَقَدُّمِ إحْدَاهُمَا فَلَا تَصِحُّ أُخْرَى فَالْيَقِينُ أَنْ يُقِيمُوا جُمُعَةً ثُمَّ ظُهْرًا قال في الْمَجْمُوعِ وما قَالَهُ مُسْتَحَبٌّ وَإِلَّا فَالْجُمُعَةُ كَافِيَةٌ في الْبَرَاءَةِ كما قَالُوهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُقُوعِ جُمُعَةٍ مُجْزِئَةٍ في حَقِّ كل طَائِفَةٍ قال غَيْرُهُ وَلِأَنَّ السَّبْقَ إذَا لم يُعْلَمْ أو يُظَنَّ لم يُؤَثِّرْ احْتِمَالُهُ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى عِلْمِ الْمُكَلَّفِ أو ظَنِّهِ لَا إلَى نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنْ عُلِمَ السَّبْقُ مُعَيَّنًا ثُمَّ نَسِيَ لَزِمَهُمْ الظُّهْرُ لِالْتِبَاسِ الصَّحِيحَةِ بِالْفَاسِدَةِ وَكَذَا يَلْزَمُهُمْ الظُّهْرُ لِذَلِكَ إنْ لم يَتَعَيَّنْ سَبْقٌ كَأَنْ سمع مَرِيضَانِ أو مُسَافِرَانِ خَارِجَا الْمَسْجِدَيْنِ تَكْبِيرَتَيْنِ مُتَلَاحِقَتَيْنِ وَجَهِلَا السَّابِقَةَ فَأَخْبَرَاهُمْ بِالْحَالِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْعَدْلَ الْوَاحِدَ كَافٍ في ذلك الشَّرْطُ الرَّابِعُ الْعَدَدُ فَلَا تَنْعَقِدُ بِأَقَلَّ من أَرْبَعِينَ منهم الْإِمَامُ لِخَبَرِ كَعْبِ بن مَالِكٍ كان أَوَّلُ من جَمَعَ بِنَا في الْمَدِينَةِ أَسْعَدُ بن زُرَارَةَ قبل مَقْدِمِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في نَقِيعِ الْخَضِمَاتِ وَكُنَّا أَرْبَعِينَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عن ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَمَعَ بِالْمَدِينَةِ وَكَانُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا قال في الْمَجْمُوعِ قال أَصْحَابُنَا وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعُوا على اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ وَالْأَصْلُ الظُّهْرُ فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلَّا بِعَدَدٍ ثَبَتَ فيه تَوْقِيفٌ وقد ثَبَتَ جَوَازُهَا بِأَرْبَعِينَ وَثَبَتَ صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ولم تَثْبُتْ صَلَاتُهُ لها بِأَقَلَّ من ذلك فَلَا تَجُوزُ بِأَقَلَّ منه وَأَمَّا خَبَرُ انْفِضَاضِهِمْ فلم يَبْقَ إلَّا اثْنَا عَشْرَ فَلَيْسَ فيه أَنَّهُ ابْتَدَأَهَا بِاثْنَيْ عَشْرَ بَلْ يُحْتَمَلُ عَوْدُهُمْ أو عَوْدُ غَيْرِهِمْ مع سَمَاعِهِمْ أَرْكَانَ الْخُطْبَةِ وفي مُسْلِمٍ انْفَضُّوا في الْخُطْبَةِ وفي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ انْفَضُّوا في الصَّلَاةِ وَهِيَ مَحْمُولَةٌ على الْخُطْبَةِ جَمْعًا بين الْأَخْبَارِ فَلَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِأَرْبَعِينَ وَلَوْ أُمِّيِّينَ في دَرَجَةٍ لَا بِأَرْبَعِينَ وَفِيهِمْ أُمِّيٌّ وَاحِدٌ أو أَكْثَرُ لِارْتِبَاطِ صِحَّةِ صَلَاةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ فَصَارَ كَاقْتِدَاءِ الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عن فَتَاوَى الْبَغَوِيّ وهو من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا قَصَّرَ الْأُمِّيُّ في التَّعَلُّمِ وَإِلَّا فَتَصِحُّ الْجُمُعَةُ إنْ كان الْإِمَامُ قَارِئًا وَمَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ في صِفَةِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْأُمِّيِّينَ إذَا لم يَكُونُوا في دَرَجَةٍ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ قال الْبَغَوِيّ وَلَوْ جَهِلُوا كلهم الْخُطْبَةَ لم تَجُزْ الْجُمُعَةُ بِخِلَافِ ما إذَا جَهِلَهَا بَعْضُهُمْ لِأَنَّهَا تُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا فَرْعٌ يُشْتَرَطُ حُضُورُ أَرْبَعِينَ من الْمُسْلِمِينَ ذُكُورًا مُكَلَّفِينَ أَحْرَارًا مُتَوَطِّنِينَ بِبَلَدِ الْجُمُعَةِ أَيْ لَا يَظْعَنُونَ
____________________
(1/249)
شِتَاءً وَلَا صَيْفًا إلَّا لِحَاجَةٍ كَتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ فَلَا تَنْعَقِدُ بِالْكُفَّارِ وَالنِّسَاءِ وَالْخَنَاثَى وَغَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ وَمَنْ فِيهِمْ رِقٌّ لِنَقْصِهِمْ وَلَا بِغَيْرِ الْمُتَوَطِّنِينَ كَمَنْ أَقَامَ على عَزْمِ عَوْدِهِ إلَى بَلَدِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ وَلَوْ طَوِيلَةً كَالْمُتَفَقِّهَةِ وَالتُّجَّارِ لِعَدَمِ التَّوَطُّنِ وَلَا بِالْمُتَوَطَّنِينَ خَارِجَ بَلَدِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ سَمِعُوا النِّدَاءَ لِعَدَمِ الْإِقَامَةِ بِبَلَدِهَا وَمِنْ ثَمَّ اُشْتُرِطَ تَقَدُّمُ إحْرَامِ من تَنْعَقِدُ بِهِمْ لِتَصِحَّ لِغَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ تَبَعٌ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَنَقَلَهُ في الْكِفَايَةِ عن الْقَاضِي وَلَا يُنَافِيهِ صِحَّتُهَا له إذَا كان إمَامًا فيها مع تَقَدُّمِ إحْرَامِهِ لِأَنَّ تَقَدُّمَ إحْرَامِ الْإِمَامِ ضَرُورِيٌّ فَاغْتُفِرَ فيه ما لَا يُغْتَفَرُ في غَيْرِهِ قال الْأَصْحَابُ الناس في الْجُمُعَةِ سِتَّةُ أَقْسَامٍ من تَلْزَمُهُ وَتَنْعَقِدُ بِهِ وهو من ذُكِرَ وَلَا عُذْرَ له وَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ وَلَا تَصِحُّ منه وهو من بِهِ جُنُونٌ أو إغْمَاءٌ أو كُفْرٌ أَصْلِيٌّ أَيْ وَمَنْ بِهِ سُكْرٌ وَإِنْ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ وَتَصِحُّ منه
وهو من فيه رِقٌّ وَالْمُسَافِرُ وَالْمُقِيمُ خَارِجَ الْبَلَدِ إذَا لم يَسْمَعْ النِّدَاءَ وَالصَّبِيُّ وَالْأُنْثَى وَالْخُنْثَى وَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ وَتَنْعَقِدُ بِهِ وهو من له عُذْرٌ من أَعْذَارِهَا غَيْرِ السَّفَرِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ وَلَا تَصِحُّ منه وهو الْمُرْتَدُّ وَمَنْ تَلْزَمُهُ وَتَصِحُّ منه وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ وهو الْمُقِيمُ غَيْرُ الْمُتَوَطِّنِ وَالْمُتَوَطِّنُ خَارِجَ بَلَدِهَا إذَا سمع نِدَاءَهَا وَيُشْتَرَطُ حُضُورُ الْأَرْبَعِينَ في أَرْكَانِ الْخُطْبَتَيْنِ وفي الْجُمُعَةِ لِلِاتِّبَاعِ وقال تَعَالَى وإذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا له فَسَّرَهُ كَثِيرٌ بِالْخُطْبَةِ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهَا ذِكْرٌ وَاجِبٌ في الْجُمُعَةِ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ويشترط أَنْ يَسْمَعُوهَا أَيْ أَرْكَانَ الْخُطْبَتَيْنِ وَإِنْ لم يَفْهَمُوهَا كما سَيَأْتِي وَهَذَا الشَّرْطُ مَعْلُومٌ مِمَّا سَيَأْتِي في شُرُوطِ الْخُطْبَةِ وَإِنْ انْفَضُّوا كلهم أو بَعْضُهُمْ في أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ أو بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ أو في الرَّكْعَةِ الْأُولَى ثُمَّ عَادُوا ولم يَطُلْ فَصْلٌ في الْعُرْفِ بُنِيَ على فِعْلِهِ كما لو تَذَكَّرَ بَعْدَ السَّلَامِ قَرِيبًا تَرْكَ رُكْنٍ وَمَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ لو فَاتَهُمْ رُكْنٌ قبل الْعَوْدِ لَزِمَ إعَادَتُهُ لهم بَعْدَهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ فُقِدَ شَيْءٌ من ذلك اسْتَأْنَفَ لِعَدَمِ سَمَاعِهِمْ الْخُطْبَةَ أو لِتَبَيُّنِ انْفِرَادِ الْإِمَامِ في الْأُولَى بِانْفِضَاضِهِمْ في الثَّانِيَةِ وَإِنْ قَصَرَ الْفَصْلُ فيها أو لِتَرْكِ الْوَلَاءِ الذي فَعَلَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ وَالتَّقْيِيدُ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى وَبِقَصْرِ الْفَصْلِ فيها من زِيَادَتِهِ وهو مَحْمُولٌ على انْفِضَاضِهِمْ مع عَوْدِهِمْ قبل الرُّكُوعِ فيها مع تَمَكُّنِهِمْ من الْفَاتِحَةِ لِأَنَّهُ بَعْدَ ذلك مُضِرٌّ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْعَدَدَ مُعْتَبَرٌ في جَمِيعِ الصَّلَاةِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَغَيْرُهُ لَكِنْ ما أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ من أَنَّ طُولَ الْفَصْلِ حِينَئِذٍ مُضِرٌّ ليس كَذَلِكَ أَخْذًا من قَوْلِهِ وَلَوْ تَبَطَّأَ الْمَأْمُومُونَ بِالْإِحْرَامِ عَقِبَ إحْرَامِ الْإِمَامِ وَأَدْرَكُوا رُكُوعَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى مع الْفَاتِحَةِ صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ وَإِلَّا فَلَا لِإِدْرَاكِهِمْ الرُّكُوعَ وَالْفَاتِحَةَ معه في الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَسَبَقَهُ في الْأَوَّلِ بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِيَامِ كما لو يَمْنَعُ إدْرَاكُهُمْ الرَّكْعَةَ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْجُمُعَةِ وَالتَّرْجِيحُ فيه من زِيَادَتِهِ وَجَرَى عليه الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ كما سَيَأْتِي وَبِهِ جَزَمَ الْقَفَّالُ مَرَّةً وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ وقال الْبَغَوِيّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ قال الْقَفَّالُ تَصِحُّ وَالْجُوَيْنِيُّ يُشْتَرَطُ قَصْرُ الْفَصْلِ بين تَحَرُّمِهِ
____________________
(1/250)
وَتَحَرُّمِهِمْ وَالْإِمَامُ يُمَكِّنُهُمْ من إتْمَامِ الْفَاتِحَةِ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ انْتَهَى وَإِنْ أَتَمَّ بِهِمْ الْجُمُعَةَ لِأَنَّهُمْ إذَا لَحِقُوا وَالْعَدَدُ تَامٌّ صَارَ حُكْمُهُمْ وَاحِدًا فَسَقَطَ عَنْهُمْ سَمَاعُ الْخُطْبَةِ أو انْفَضُّوا قبل إحْرَامِهِمْ بِهِ اسْتَأْنَفَ الْخُطْبَةَ بِهِمْ فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ بِدُونِهَا وَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ لِانْتِفَاءِ سَمَاعِهِمْ وَلُحُوقِهِمْ وَإِنْ أَحْرَمَ بِهِمْ فَانْفَضُّوا إلَّا تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ بِهِ فَكَمُلُوا أَرْبَعِينَ بِخُنْثَى فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ بَعْدَ انْفِضَاضِهِمْ لم تَصِحَّ جُمُعَتُهُمْ لِلشَّكِّ في تَمَامِ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ وَإِلَّا صَحَّتْ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِانْعِقَادِهَا وَصِحَّتِهَا وَشَكَّكْنَا في نَقْصِ الْعَدَدِ بِتَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِ وَالْأَصْلُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ فَلَا نُبْطِلُهَا بِالشَّكِّ كما لو شَكَّ في الصَّلَاةِ هل كان مَسَحَ رَأْسَهُ أَمْ لَا فإنه يَمْضِي في صَلَاتِهِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ أبو الْحَسَنِ السُّلَمِيُّ في كِتَابِ الْخَنَاثَى وهو مُقَيِّدٌ لِقَوْلِ غَيْرِهِ فَإِنْ كَمُلَ بِهِ الْعَدَدُ ثُمَّ بَانَ رَجُلًا لَزِمَهُمْ الْإِعَادَةُ في الْأَصَحِّ الشَّرْطُ الْخَامِسُ الْجَمَاعَةُ وَلَا الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ بِالْعَدَدِ فُرَادَى إذْ لم يُنْقَلْ فِعْلُهَا كَذَلِكَ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ من اشْتِرَاطِ كُلٍّ من الْعَدَدِ وَالْجَمَاعَةِ اشْتِرَاطُ الْآخَرِ لِانْفِكَاكِ كُلٍّ مِنْهُمَا عن الْآخَرِ أَمَّا الْعَدَدُ فَلِأَنَّهُ قد يَحْضُرُ أَرْبَعُونَ من غَيْرِ جَمَاعَةٍ وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ فَلِأَنَّهَا الِارْتِبَاطُ الْحَاصِلُ بين صَلَاتَيْ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وهو لَا يَسْتَدْعِي عَدَدَ الْأَرْبَعِينَ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ السُّلْطَانِ الْجُمُعَةَ وَلَا إذْنُهُ فيها كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ اسْتِئْذَانُهُ فيها وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَطُولَ فَصْلٌ بين إحْرَامِ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ وَبَيْن إحْرَامِ الْإِمَامِ خُرُوجًا من الْخِلَافِ السَّابِقِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَإِنْ كان الْإِمَامُ زَائِدًا على الْأَرْبَعِينَ جَازَ أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا وَعَبْدًا مُحْرِمًا بِصُبْحٍ وَمَقْصُورَةٍ وَرَبَاعِيَةٍ تَامَّةٍ لِتَمَامِ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ وَكَذَا يَجُوزُ لِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ صَبِيًّا وَمُتَنَفِّلًا وَمَجْهُولَ الْحَدَثِ بِأَنْ تَبَيَّنَ بَعْدَ الصَّلَاةِ حَدَثُهُ وَلَا يَمْنَعُ من ذلك في الْأَخِيرَةِ حَدَثُهُ لِأَنَّ حَدَثَهُ لَا يَمْنَعُ الْجَمَاعَةَ وَلَا نَيْلَ فَضْلِهَا وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ الْإِمَامُ زَائِدًا على الْأَرْبَعِينَ فَلَا يَجُوزُ ذلك لِانْتِفَاءِ تَمَامِ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ وَلَوْ بَانَ الْأَرْبَعُونَ الَّذِينَ اقْتَدُوا بِهِ أو بَعْضُهُمْ وَذَكَرَهُ من زِيَادَتِهِ مُحْدِثِينَ فَلَا جُمُعَةَ لِأَحَدٍ مِمَّنْ أَحْدَثَ منهم لِذَلِكَ وَتَصِحُّ جُمُعَةُ الْإِمَامِ فِيهِمَا كما صَرَّحَ بِهِ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَالْقَمُولِيُّ وَنَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عن صَاحِبِ الْبَيَانِ وَأَقَرَّاهُ لِأَنَّهُ لم يُكَلَّفْ الْعِلْمَ بِطَهَارَتِهِمْ بِخِلَافِ ما لو بَانُوا عَبِيدًا أو نِسَاءً لِسُهُولَةِ الِاطِّلَاعِ على حَالِهِمْ أَمَّا الْمُتَطَهِّرُ منهم في الثَّانِيَةِ فَتَصِحُّ جُمُعَتُهُ تَبَعًا لِلْإِمَامِ كما صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالْقَمُولِيُّ وَصَرَّحَ الْمُتَوَلِّي أَيْضًا بِأَنَّ صِحَّةَ صَلَاتِهِمَا لَا تَخْتَصُّ بِمَا إذَا زَادَ الْإِمَامُ على الْأَرْبَعِينَ وهو ظَاهِرٌ إذْ لَا فَرْقَ بين الْحَالَيْنِ وَاسْتِشْكَالُ صِحَّةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ بِأَنَّ الْعَدَدَ شَرْطٌ وَلِهَذَا شَرَطْنَاهُ في عَكْسِهِ فَكَيْفَ تَصِحُّ لِلْإِمَامِ مع فَوَاتِ الشَّرْطِ يُرَدُّ بِأَنَّهُ لم يَفُتْ بَلْ وُجِدَ في حَقِّهِ وَاحْتُمِلَ فيه حَدَثُهُمْ لِأَنَّهُ مَتْبُوعٌ وَيَصِحُّ إحْرَامُهُ مُنْفَرِدًا فَاغْتُفِرَ له مع عُذْرِهِ ما لَا يُغْتَفَرُ في غَيْرِهِ وَإِنَّمَا صَحَّتْ لِلْمُتَطَهِّرِ الْمُؤْتَمِّ بِهِ في الثَّانِيَةِ تَبَعًا له وَالْمُصَنِّفُ تَبِعَ في أَنَّهُ لَا جُمُعَةَ لِأَحَدٍ الْإِسْنَوِيُّ التَّابِعُ لِابْنِ الرِّفْعَةِ فَرْعٌ وَإِنْ أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ رُكُوعَ الْإِمَامِ في ثَانِيَةِ الْجُمُعَةِ وَاسْتَمَرَّ معه إلَى أَنْ سَلَّمَ أتى بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلَامِهِ جَهْرًا كَالْإِمَامِ وَذِكْرُ الْجَهْرِ من زِيَادَتِهِ وقد ذَكَرَهُ ابن الصَّبَّاغِ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَتَمَّتْ جُمُعَتُهُ قال صلى اللَّهُ عليه وسلم من أَدْرَكَ من صَلَاةِ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ وقال من أَدْرَكَ من الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَلْيُصَلِّ إلَيْهَا أُخْرَى رَوَاهُمَا الْحَاكِمُ وقال في كُلٍّ مِنْهُمَا إسْنَادُهُ صَحِيحٌ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ قال في الْمَجْمُوعِ وَقَوْلُهُ فَلْيُصَلِّ هو بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَتَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ ما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ إنْ صَحَّتْ جُمُعَةُ الْإِمَامِ من زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ من قَوْلِ الْأَذْرَعِيُّ لو خَرَجَ الْإِمَامُ منها قبل السَّلَامِ فَلَا جُمُعَةَ لِلْمَأْمُومِ وَإِلَيْهِ يُرْشِدُ قَوْلُ الشَّيْخِ يَعْنِي النَّوَوِيَّ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَهَذَا إذَا لم يُدْرِكْ مع الْإِمَامِ رَكْعَةً لِقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ إنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ بَلْ إذَا أَدْرَكَ معه رَكْعَةً وَأَتَى بِأُخْرَى أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ وَإِنْ خَرَجَ منها الْإِمَامُ كما أَنَّ حَدَثَهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا
____________________
(1/251)
لِمَنْ خَلْفَهُ كما مَرَّ وَقَوْلُهُمْ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ جَرَى على الْغَالِبِ لَا يُقَالُ الرَّكْعَةُ الْأَخِيرَةُ إنَّمَا تَحْصُلُ بِالسَّلَامِ لِأَنَّا نَمْنَعُهُ فَقَدْ قال في الْأُمِّ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً من الْجُمُعَةِ بَنَى عليها رَكْعَةً أُخْرَى وَأَجْزَأَتْهُ الْجُمُعَةُ وَإِدْرَاكُ الرَّكْعَةِ أَنْ يُدْرِكَ الرَّجُلُ قبل أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ من الرَّكْعَةِ فَيَرْكَعَ معه وَيَسْجُدَ انْتَهَى وَمَنْ فَارَقَ الْإِمَامَ وقد أَدْرَكَ معه الْأُولَى في الثَّانِيَةِ وَأَتَمَّهَا جُمُعَةً أَجْزَأَهُ ذلك كما لو أَحْدَثَ الْإِمَامُ في الثَّانِيَةِ وَإِنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ كَامِلَةً مع الْإِمَامِ في رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ سَهْوًا فَكَمُصَلٍّ صَلَاةً أَصْلِيَّةً من جُمُعَةٍ أو غَيْرِهَا خَلْفَ مُحْدِثٍ فَتَصِحُّ إنْ لم يَكُنْ عَالِمًا بِزِيَادَتِهَا بِخِلَافِ ما لو بَانَ إمَامُهُ كَافِرًا أو امْرَأَةً لِأَنَّهُمَا لَيْسَا أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ بِحَالٍ وَلَوْ أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ بَعْدَ الرُّكُوعِ لِلثَّانِيَةِ أَحْرَمَ بِجُمُعَةٍ مُوَافِقَةً لِلْإِمَامِ وَلِأَنَّ الْيَأْسَ منها لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالسَّلَامِ إذْ قد يَتَذَكَّرُ إمَامُهُ تَرْكَ رُكْنٍ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ فَيُدْرِكُ الْجُمُعَةَ وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ لو بَقِيَ عليه رَكْعَةٌ فَقَامَ الْإِمَامُ إلَى خَامِسَةٍ لَا تَجُوزُ له مُتَابَعَتُهُ حَمْلًا على أَنَّهُ تَذَكَّرَ تَرْكَ رُكْنٍ وَيُجَابُ عنه بِأَنَّ ما هُنَا مَحْمُولٌ على ما إذَا عَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا فَقَامَ لِيَأْتِيَ بِهِ فَيُتَابِعَهُ وَقَوْلُهُ نَدْبًا من زِيَادَتِهِ أَيْ أَحْرَمَ بِالْجُمُعَةِ نَدْبًا وَعِبَارَةُ الْأَنْوَارِ جَوَازًا وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ تَقْتَضِي الْوُجُوبَ وهو الْمُعْتَمَدُ الْمُوَافِقُ لِمَا يَأْتِي في مَسْأَلَةِ الزِّحَامِ وَآخَرُ الْبَابِ الثَّانِي وَأَتَمَّهَا ظُهْرًا سَوَاءٌ أَكَانَ عَالِمًا بِالْحَالِ أَمْ لَا وَإِنْ شَكَّ مُدْرِكُ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مع الْإِمَامِ قبل السَّلَامِ أَيْ سَلَامِ الْإِمَامِ هل سَجَدَ مع الْإِمَامِ أَمْ لَا سَجَدَ وَأَتَمَّهَا جُمُعَةً لِإِدْرَاكِهِ معه رَكْعَةً أو شَكَّ في ذلك بَعْدَ السَّلَامِ أَتَمَّهَا ظُهْرًا وَفَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ لِانْتِفَاءِ ذلك فَعُلِمَ من ذلك ما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَنَّهُ لو أتى بِرَكْعَتِهِ الثَّانِيَةِ وَعَلِمَ في تَشَهُّدِهِ تَرْكَ سَجْدَةٍ منها سَجَدَهَا ثُمَّ تَشَهَّدَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وهو مُدْرِكٌ لِلْجُمُعَةِ وَإِنْ عَلِمَهَا من الْأُولَى أو شَكَّ فَاتَتْ الْجُمُعَةُ وَحَصَلَتْ رَكْعَةٌ من الظُّهْرِ
فَصْلٌ وَإِنْ بَطَلَتْ صَلَاةٌ لِلْإِمَامِ أو أَبْطَلَهَا عَمْدًا جُمُعَةً كانت أو غَيْرَهَا بِحَدَثٍ أو غَيْرِهِ فَاسْتَخْلَفَ هو أو الْمَأْمُومُونَ قبل إتْيَانِهِمْ بِرُكْنٍ شَخْصًا صَالِحًا لِلْإِمَامَةِ بِهِمْ مُقْتَدِيًا بِهِ قبل حَدَثِهِ وَلَوْ صَبِيًّا أو مُتَنَفِّلًا جَازَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِإِمَامَيْنِ بِالتَّعَاقُبِ جَائِزَةٌ كما أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كان إمَامًا فَدَخَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَاقْتَدَى بِهِ أبو بَكْرٍ وَالنَّاسُ وإذا جَازَ هذا فِيمَنْ لم تَبْطُلْ صَلَاتُهُ فَفِيمَنْ بَطَلَتْ بِالْأَوْلَى لِضَرُورَتِهِ إلَى الْخُرُوجِ منها وَاحْتِيَاجِهِمْ إلَى إمَامٍ وَصَرَّحَ بِقَوْلِهِ أو أَبْطَلَهَا عَمْدًا مع دُخُولِهِ فِيمَا قَبْلَهُ إشَارَةٌ لِخِلَافِ أبي حَنِيفَةَ فيه إذْ عِنْدَهُ أَنَّهُ إذَا تَعَمَّدَ الْحَدَثَ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ أَيْضًا وَخَرَجَ بِالصَّالِحِ غَيْرُهُ كَالْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى لِغَيْرِ النِّسَاءِ وهو مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ في الْجَمَاعَةِ وَإِنْ كان الصَّالِحُ مَسْبُوقًا فإنه يَجُوزُ اسْتِخْلَافُهُ إنْ عَرَفَ نَظْمَ صَلَاةِ الْإِمَامِ لِيَجْرِيَ عليه أَيْ على نَظْمِهَا فَيَفْعَلَ ما كان يَفْعَلُهُ لِأَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ الْتَزَمَ تَرْتِيبَ صَلَاتِهِ فَيَقْنُتُ لهم الْخَلِيفَةُ الْمَسْبُوقُ في الصُّبْحِ
وَلَوْ كان هو يُصَلِّي الظُّهْرَ وَيَتْرُكُ الْقُنُوتَ في الظُّهْرِ وَلَوْ كان هو يُصَلِّي الصُّبْحَ وَيَتَشَهَّدُ وَيَسْجُدُ بِهِمْ لِسَهْوِ الْإِمَامِ الْحَاصِلِ قبل اقْتِدَائِهِ بِهِ وَبَعْدَهُ أَمَّا إذَا لم يَعْرِفْ نَظْمَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَلَا يَجُوزُ اسْتِخْلَافُهُ على ما أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ وَأَفْتَى بِهِ الْقَاضِي وقال في الرَّوْضَةِ إنَّهُ أَرْجَحُ الْقَوْلَيْنِ دَلِيلًا وفي الْمَجْمُوعِ إنَّهُ أَقْيَسُهُمَا لَكِنَّهُ نَقَلَ فِيهِمَا الْجَوَازَ عن أبي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ وَصَحَّحَهُ في التَّحْقِيقِ قال في الْمَجْمُوعِ وَنَقَلَهُ ابن الْمُنْذِرِ عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَهُ في الْمُهِمَّاتِ عن جَزْمِ الصَّيْمَرِيُّ أَيْضًا وقال إنَّهُ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ فَيُرَاقِبُ الْقَوْمَ بَعْدَ الرَّكْعَةِ فَإِنْ هَمُّوا بِالْقِيَامِ قام وَإِلَّا قَعَدَ ثُمَّ حين يَقُومُ لِإِتْمَامِ صَلَاتِهِ لهم مُفَارَقَتُهُ وَيُسَلِّمُونَ أو يَسْتَخْلِفُونَ من تَمَّتْ صَلَاتُهُ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ ولهم انْتِظَارُهُ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ قال في الْمَجْمُوعِ وهو أَفْضَلُ وَلَهُمْ ذلك في كل صَلَاةٍ لَا في جُمُعَةٍ خَشَوْا بِانْتِظَارِهِمْ فَوَاتَ وَقْتِهَا فَلَا يَنْتَظِرُونَهُ لِمَا فيه من فَوَاتِ الْجُمُعَةِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَيَقْنُتُ لِنَفْسِهِ في ثَانِيَتِهِ وَيُعِيدُ السُّجُودَ في آخِرِ صَلَاتِهِ لِسَهْوِ إمَامِهِ وَيَسْجُدُونَ
____________________
(1/252)
لِسَهْوِهِ الْحَاصِلِ بَعْدَ الِاسْتِخْلَافِ بَلْ بَعْدَ الْبُطْلَانِ لَا قَبْلَهُ تَبَعًا له فِيهِمَا وَإِنَّمَا لم يَسْجُدْ هو لِسَهْوِهِ قَبْلَهُ لِتَحَمُّلِ إمَامِهِ له وَسَهْوُهُمْ بين اسْتِخْلَافِ الْخَلِيفَةِ وبطلان صَلَاةِ الْإِمَامِ غَيْرُ مَحْمُولٍ عَنْهُمْ بَلْ يَسْجُدُ له السَّاهِي آخِرَ صَلَاتِهِ وَيَجُوزُ في غَيْرِ الْجُمُعَةِ اسْتِخْلَافُ غَيْرِ الْمُقْتَدِي في الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ من الرَّبَاعِيَةِ لِمُوَافَقَةِ نَظْمِ صَلَاتِهِ نَظْمَ صَلَاتِهِمْ لَا في غَيْرِهِمَا من الثَّانِيَةِ وَالْأَخِيرَةِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْقِيَامِ وَيَحْتَاجُونَ إلَى الْقُعُودِ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لو كان مُوَافِقًا لهم كَأَنْ حَضَرَ جَمَاعَةً في ثَانِيَةٍ مُنْفَرِدًا أو أَخِيرَتِهِ فَاقْتَدَوْا بِهِ فيها ثُمَّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فَاسْتَخْلَفَ مُوَافِقًا لهم جَازَ وهو ظَاهِرٌ وَإِطْلَاقُهُمْ الْمَنْعَ جَرَوْا فيه على الْغَالِبِ قال في الْمَجْمُوعِ وَيَجُوزُ اسْتِخْلَافُ اثْنَيْنِ وَأَكْثَرَ يُصَلِّي كُلٌّ بِطَائِفَةٍ وَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ على وَاحِدٍ وَلَوْ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْخَلِيفَةِ جَازَ اسْتِخْلَافُ ثَالِثٍ وَهَكَذَا وَعَلَى الْجَمِيعِ مُرَاعَاةُ تَرْتِيبِ صَلَاةِ الْإِمَامِ الْأَصْلِيِّ وَخَلِيفَةِ الْجُمُعَةِ وهو الْمُقْتَدِي بِإِمَامِهَا قبل بُطْلَانِ صَلَاتِهِ إنْ اُسْتُخْلِفَ في الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَتَمَّهَا جُمُعَةً وَلَوْ لم يَحْضُرْ الْخُطْبَةَ لِأَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ صَارَ في حُكْمِ حَاضِرِهَا وَلِأَنَّهُ قد سَمِعَهَا أَرْبَعُونَ غَيْرُهُ وَسَمَاعُهُمْ كَسَمَاعِهِ أو اسْتَخْلَفَ في الثَّانِيَةِ ولم يُدْرِكْ معه الْأُولَى أَتَمَّهَا وَحْدَهُ ظُهْرًا لِأَنَّهُ لم يُدْرِكْ معه رَكْعَةً
وَإِنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً من الْجُمُعَةِ في جَمَاعَةٍ وَيُخَالِفُ الْمَأْمُومَ لِأَنَّهُ إمَامٌ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَابِعًا وَفَارَقَ إتْمَامُهَا جُمُعَةً في الْأُولَى مع أَنَّهُ لم يُدْرِكْهَا كُلَّهَا معه لِأَنَّهُ ثَمَّ أَدْرَكَهُ في وَقْتٍ كانت جُمُعَةُ الْقَوْمِ مَوْقُوفَةً على الْإِمَامِ فَكَانَ أَقْوَى من الْإِدْرَاكِ في الثَّانِيَةِ وَجَازَ له فيها الِاسْتِخْلَافُ وَإِنْ كان فيه فِعْلُ الظُّهْرِ قبل فَوْتِ الْجُمُعَةِ لِعُذْرِهِ بِالِاسْتِخْلَافِ بِإِشَارَةِ الْإِمَامِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وقد يُؤْخَذُ منه أَنَّهُ إذَا اسْتَخْلَفَهُ الْقَوْمُ أو تَقَدَّمَ بِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ ذلك لَكِنَّ إطْلَاقَهُمْ يُخَالِفُهُ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ التَّقَدُّمَ مَطْلُوبٌ في الْجُمْلَةِ فَيُعْذَرُ بِهِ أَمَّا إذَا أَدْرَكَ معه الْأُولَى فَيُتِمُّهَا جُمُعَةً وَعُلِمَ من كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ في جَوَازِ اسْتِخْلَافِهِ في الثَّانِيَةِ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ في الْأُولَى وهو كَذَلِكَ فَلَوْ دخل مَسْبُوقٌ في الْجُمُعَةِ وَاقْتَدَى بِهِ أَيْ بِالْخَلِيفَةِ فيها أَيْ في الثَّانِيَةِ مَعَهُمْ أَتَمَّ الْجُمُعَةَ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ رَكْعَةً مع من يُرَاعِي نَظْمَ صَلَاةِ الْإِمَامِ بِخِلَافِ الْخَلِيفَةِ
فَإِنْ اسْتَخْلَفَ في الْجُمُعَةِ غير الْمُقْتَدِي بِإِمَامِهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إذْ لَا يَجُوزُ إنْشَاءُ جُمُعَةٍ بَعْدَ أُخْرَى وَلَا فِعْلُ الظُّهْرِ قبل فَوَاتِ الْجُمُعَةِ وَلَا يُرَدُّ الْمَسْبُوقُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَا مُنْشِئٌ وإذا بَطَلَتْ جُمُعَةً وَظُهْرًا بَقِيَتْ نَفْلًا كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَعَلَيْهِ اخْتَصَرَ شَيْخُنَا أبو عبد اللَّهِ الْحِجَازِيُّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا كان جَاهِلًا بِالْحُكْمِ وبطلت صَلَاتُهُمْ إنْ اقْتَدُوا بِهِ مع عِلْمِهِمْ بِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ نعم إنْ كان مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَنَوَى غَيْرَهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَحَيْثُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ نَفْلًا وَاقْتَدُوا بِهِ فَإِنْ كان في الْأُولَى لم تَصِحَّ ظُهْرًا لِعَدَمِ فَوْتِ الْجُمُعَةِ وَلَا جُمُعَةٍ لِأَنَّهُمْ لم يُدْرِكُوا منها رَكْعَةً مع الْإِمَامِ مع اسْتِغْنَائِهِمْ عن الِاقْتِدَاءِ بِهِ بِتَقْدِيمِ وَاحِدٍ منهم أو في الثَّانِيَةِ أَتَمُّوهَا جُمُعَةً فَرْعٌ لو اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ وَاحِدًا وَاسْتَخْلَفُوا أَيْ الْمَأْمُومُونَ آخَرَ فَمَنْ عَيَّنُوهُ لِلِاسْتِخْلَافِ أَوْلَى مِمَّنْ عَيَّنَهُ لِأَنَّ الْحَظَّ في ذلك لهم وَلَوْ تَقَدَّمَ وَاحِدٌ بِنَفْسِهِ جَازَ وَمُقَدَّمُهُمْ أَوْلَى منه إلَّا أَنْ يَكُونَ رَاتِبًا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ أَوْلَى من مُقَدَّمِهِمْ وَمِنْ مُقَدَّمِ الْإِمَامِ وَلَوْ قَدَّمَ الْإِمَامُ وَاحِدًا وَتَقَدَّمَ آخَرُ كان مُقَدَّمُ الْإِمَامِ أَوْلَى فَإِنْ لم يَتَقَدَّمْ أَحَدٌ وَهُمْ في الرَّكْعَةِ الْأُولَى من الْجُمُعَةِ لَزِمَهُمْ أَنْ يَسْتَخْلِفُوا فيها وَاحِدًا منهم لِتُدْرَكَ بها الْجُمُعَةُ أو وَهُمْ في الثَّانِيَةِ وَأَتَمُّوهَا جُمُعَةً فُرَادَى جَازَ فَلَا يَلْزَمُهُمْ الِاسْتِخْلَافُ لِإِدْرَاكِهِمْ مع الْإِمَامِ رَكْعَةً كَالْمَسْبُوقِ وَلَا يُشْكَلُ بِالِانْفِضَاضِ فيها لِأَنَّ الْبُطْلَانَ بِهِ لِنَقْصِ الْعَدَدِ لَا لِفَقْدِ الْجَمَاعَةِ فَلَوْ اُسْتُخْلِفَ فيها قال الْإِمَامُ فَلَهُمْ أَنْ يُتَابِعُوهُ وَلَهُمْ أَنْ يَنْفَرِدُوا وَلَوْ اقْتَدَى بَعْضُهُمْ وَانْفَرَدَ بَعْضُهُمْ جَازَ وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ نَحْوَهُ وَلَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ من الْقَوْمِ بِالْخَلِيفَةِ لِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ الْأَوَّلِ في دَوَامِ الْجَمَاعَةِ وَكَلَامُهُ كَالْحَاوِي وَمَنْ تَبِعَهُ يَقْتَضِي أَنَّ ذلك جَازَ فِيمَنْ قَدَّمَهُ الْإِمَامُ وَمَنْ قَدَّمَهُ الْقَوْمُ وَمَنْ تَقَدَّمَ بِنَفْسِهِ وَكَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِالْأَوَّلِ وَبِهِ أَخَذَ الْأَذْرَعِيُّ فقال في الثَّانِي إنَّهُ يَلْزَمُهُمْ تَجْدِيدُ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ وفي الثَّالِثِ الْوَجْهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ تَجْدِيدُهَا ولم أَرَ في ذلك نَصًّا فَرْعٌ لو أَحْدَثَ بَعْدَ
____________________
(1/253)
الْخُطْبَةِ أو فيها فَاسْتَخْلَفَ من سَمِعَهَا أَيْ وَاحِدًا مِمَّنْ سمع أَرْكَانَهَا لَا غَيْرَهُ جَازَ كما في الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا لم يَجُزْ في غَيْرِ السَّامِعِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ من أَهْلِ الْجُمُعَةِ إذَا دخل في الصَّلَاةِ كما مَرَّ وَالسَّمَاعُ هُنَا كَالِاقْتِدَاءِ ثُمَّ وفي قَوْلِهِ من سَمِعَهَا تَغْلِيبٌ لِأَنَّ من اُسْتُخْلِفَ فيها لم يَسْمَعْهَا بَلْ سمع بَعْضَهَا وَبِالسَّمَاعِ عَبَّرَ الْأَصْحَابُ وَقَضِيَّتُهُ حَقِيقَةُ السَّمَاعِ وَعِبَارَةُ الشَّامِلِ حَضَرَ وَسَمِعَ الْخُطْبَةَ وقال السُّبْكِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَهُمْ وما احْتَجُّوا بِهِ وإذا تَأَمَّلْت هذا ظَهَرَ لَك أَنَّ الشَّرْطَ هُنَا حَقِيقَةُ السَّمَاعِ وَلَا يَكْفِي الْحُضُورُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ يَعْنِي مَسْأَلَةَ اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ في الصَّلَاةِ من اقْتَدَى بِهِ قبل حَدَثِهِ لَكِنْ قال في الْمَجْمُوعِ تَبَعًا لِلْعِمْرَانِيِّ مُرَادُ الْأَصْحَابِ هُنَا بِالسَّمَاعِ الْحُضُورُ وَإِنْ لم يَسْمَعْ وَجَرَى عليه الْبَارِزِيُّ وابن الْوَرْدِيِّ وَأَلْحَقَا بِهِ مَسْأَلَةَ الْمُبَادَرَةِ الْآتِيَةِ ثُمَّ ما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ في الْحَدَثِ في الْخُطْبَةِ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي له تَبَعًا لِاخْتِيَارِ الرَّوْضَةِ في نَظِيرِهِ من الْإِغْمَاءِ فيها من مَنْعِ الِاسْتِخْلَافِ بَلْ صَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ في الْمَحَلِّ الْمُشَارِ إلَيْهِ في الْإِغْمَاءِ وفي الْحَدَثِ نَفْسِهِ لِاخْتِلَالِ الْوَعْظِ بِذَلِكَ وهو وَإِنْ أَشْبَهَ ما مَرَّ من مَنْعِ الْبِنَاءِ على أَذَانِ غَيْرِهِ فَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ إلْحَاقًا لِلْخُطْبَةِ بِالصَّلَاةِ وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ مَزِيدُ إيضَاحٍ وَكُرِهَ الِاسْتِخْلَافُ بَعْدَ الْخُطْبَةِ أو فيها إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ فَيَتَطَهَّرُ وَيَسْتَأْنِفُ أو يَبْنِيَ بِشَرْطِهِ خُرُوجًا من خِلَافِ مَنْعِ الِاسْتِخْلَافِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَلَوْ أَرَادَ الْمَسْبُوقُونَ أو من صَلَاتِهِ أَطْوَلَ من صَلَاةِ الْإِمَامِ أَنْ يَسْتَخْلِفُوا من يُتِمُّ بِهِمْ لم يَجُزْ إلَّا في غَيْرِ الْجُمُعَةِ إذْ لَا مَانِعَ في غَيْرِهَا بِخِلَافِهَا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا تَنْشَأُ جُمُعَةٌ بَعْدَ أُخْرَى وَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْإِنْشَاءِ ما يَعُمُّ الْحَقِيقِيَّ وَالْمَجَازِيَّ إذْ ليس فِيمَا إذَا كان الْخَلِيفَةُ منهم إنْشَاءَ جُمُعَةٍ وَإِنَّمَا فيه ما يُشْبِهُهُ صُورَةً على أَنَّ بَعْضَهُمْ قال بِالْجَوَازِ في هذه لِذَلِكَ وما ذُكِرَ من الْجَوَازِ في غَيْرِ الْجُمُعَةِ هو ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ في الْجَمَاعَةِ لَكِنَّهُمَا صَحَّحَا هُنَا الْمَنْعَ وَعَلَّلَاهُ بِأَنَّ الْجَمَاعَةَ حَصَلَتْ وَهُمْ إذَا أَتَمُّوهَا فُرَادَى نَالُوا فَضْلَهَا وَالْأَوَّلُ هو ما صَحَّحَهُ في التَّحْقِيقِ هُنَاكَ وَكَذَا في الْمَجْمُوعِ وقال فيه اعْتَمَدَهُ وَلَا نَغْتَرُّ بِمَا في الِانْتِصَارِ من تَصْحِيحِ الْمَنْعِ على أَنَّ تَعْلِيلَ الْمَنْعِ بِمَا ذُكِرَ لَا يُنَافِي الْجَوَازَ إذْ لِلِاقْتِدَاءِ فَوَائِدُ أُخَرُ كَتَحَمُّلِ السَّهْوِ وَتَحَمُّلِ السُّورَةِ في الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ وَنَيْلِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ الْكَامِلِ وَلَوْ بَادَرَ أَرْبَعُونَ سَمِعُوا الْخُطْبَةَ أَيْ أَرْكَانَهَا وَأَحْرَمُوا بها أَيْ بِالْجُمُعَةِ انْعَقَدَتْ بِهِمْ لِأَنَّهُمْ من أَهْلِهَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ فَصْلٌ وإذا زَحَمَ الْمَأْمُومُ عن السُّجُودِ في الرَّكْعَةِ الْأُولَى من الْجُمُعَةِ وَأَمْكَنَهُ أَنْ يَسْجُدَ بِهَيْئَةِ التَّنْكِيسِ على ظَهْرِ إنْسَانٍ أو قَدَمِهِ أو بَهِيمَةٍ أو غَيْرِهَا فَعَلَ ذلك لُزُومًا لِتَمَكُّنِهِ من سُجُودٍ يُجْزِئُهُ وقد رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه قال إذَا اشْتَدَّ الزِّحَامُ فَلْيَسْجُدْ أحدكم على ظَهْرِ أَخِيهِ أَيْ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِلْحَاجَةِ مع أَنَّ الْأَمْرَ فيه يَسِيرٌ قَالَهُ في الْمَطْلَبِ فَلَوْ امْتَنَعَ من ذلك فَمُتَخَلِّفٌ بِلَا عُذْرٍ وقد مَرَّ حُكْمُهُ وإذا لم يُمْكِنْهُ ذلك لم تَجُزْ له الْمُفَارَقَةُ لِأَنَّ الْخُرُوجَ من الْجُمُعَةِ قَصْدًا مع تَوَقُّعِ إدْرَاكِهَا لَا وَجْهَ له كَذَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عن الْإِمَامِ وَأَقَرَّاهُ وهو بَحْثٌ له حَكَى وَجْهًا وَأَمَّا مَنْقُولُهُ وَمَنْقُولُ غَيْرِهِ كَالصَّيْدَلَانِيِّ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيِّ وَالْخُوَارِزْمِيّ فَالْجَوَازُ لِلْعُذْرِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ نَبَّهَ على ذلك في الْمُهِمَّاتِ وَلَا الْإِيمَاءُ لِقُدْرَتِهِ على السُّجُودِ وَنُدْرَةِ هذا الْعُذْرِ وَعَدَمِ دَوَامِهِ
وَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ تَطْوِيلُ الْقِرَاءَةِ لِيَلْحَقَهُ فَإِنْ وَجَدَ فُرْجَةً يَتَمَكَّنُ
____________________
(1/254)
من السُّجُودِ فيها فَسَجَدَ وَأَدْرَكَهُ قَائِمًا قَرَأَ قِرَاءَةَ الْمَسْبُوقِ إنْ كان مِثْلُهُ وَإِلَّا فَقِرَاءَةُ الْمُوَافِقِ أو أَدْرَكَهُ رَاكِعًا تَابَعَهُ في الرُّكُوعِ وَسَقَطَتْ عنه الْقِرَاءَةُ كَالْمَسْبُوقِ أو بَعْدَ الرُّكُوعِ تَابَعَهُ فِيمَا هو فيه وَأَتَى بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلَامِهِ لِفَوَاتِهَا كَالْمَسْبُوقِ فَإِنْ سَلَّمَ الْإِمَامُ قبل تَمَامِ سُجُودِهِ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ لِأَنَّهُ لم تَتِمَّ له رَكْعَةٌ قبل سَلَامِ الْإِمَامِ فَيُتِمُّهَا ظُهْرًا بِخِلَافِ ما إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ من السُّجُودِ فَسَلَّمَ الْإِمَامُ فَيُتِمُّهَا جُمُعَةً وَإِنْ رَكَعَ الْإِمَامُ في الثَّانِيَةِ قبل سُجُودِهِ فَلَا يَسْجُدُ بَلْ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ معه لِخَبَرِ وإذا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَفَرْضُهُ الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ أتى بِهِ وَقْتَ الِاعْتِدَادِ بِالرُّكُوعِ وَالثَّانِي لِلْمُتَابَعَةِ فَتَكُونُ الرَّكْعَةُ مُلَفَّقَةً من رُكُوعِ الْأُولَى وَسُجُودِ الثَّانِيَةِ وَتُجْزِئُ في إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ لِخَبَرِ من أَدْرَكَ من الْجُمُعَةِ رَكْعَةً السَّابِقِ وَالتَّلْفِيقُ ليس بِنَقْصٍ في الْمَعْذُورِ
فَإِنْ لم يَرْكَعْ معه وَاشْتَغَلَ بِتَرْتِيبِ صَلَاةِ نَفْسِهِ عَامِدًا عَالِمًا بِأَنَّ وَاجِبَهُ الْمُتَابَعَةُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِتَلَاعُبِهِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْإِحْرَامُ بِالْجُمُعَةِ لَزِمَهُ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بها إنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ في الرُّكُوعِ فَعَدَلَ عنها الْمُصَنِّفُ إلَى ما قَالَهُ لِقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ إنَّهَا غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ بَلْ يَلْزَمُهُ ذلك ما لم يُسَلِّمْ الْإِمَامُ إذْ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْإِمَامَ قد نَسِيَ الْقِرَاءَةَ مَثَلًا فَيَعُودُ إلَيْهَا أو اشْتَغَلَ بِذَلِكَ جَاهِلًا أو نَاسِيًا لم يُعْتَدَّ بِسُجُودِهِ لِمُخَالَفَتِهِ بِهِ الْإِمَامَ وَلَا تَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ لِعُذْرِهِ فَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ سُجُودِهِ في الرُّكُوعِ لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ فَإِنْ تَابَعَ فَكَمَا لو لم يَسْجُدْ وَإِنْ أَدْرَكَهُ في السُّجُودِ سَجَدَ معه وَحُسِبَ وَتَكُونُ رَكْعَتُهُ مُلَفَّقَةً وَيُدْرَكُ بها الْجُمُعَةُ أو في التَّشَهُّدِ تَابَعَهُ وَسَجَدَ بَعْدَ سَلَامِهِ وَلَا جُمُعَةَ له لِأَنَّهُ لم يُدْرِكْ مع الْإِمَامِ رَكْعَةً فَيُتِمُّهَا ظُهْرًا كما لو وَجَدَهُ قد سَلَّمَ
وَإِنْ لم يُتَابِعْهُ فِيمَا ذُكِرَ بَلْ مَضَى على تَرْتِيبِ صَلَاةِ نَفْسِهِ بِأَنْ قام بَعْدَ السُّجُودِ وَقَرَأَ وَرَكَعَ وَرَفَعَ وَسَجَدَ لَغَا وَلَا تَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ لِمَا مَرَّ وَعَلَيْهِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَنْ يُتِمَّ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَتَيْنِ وَيُتِمَّهَا ظُهْرًا لِمَا مَرَّ وَهَذَا ما قال في الْأَصْلِ إنَّهُ مَفْهُومُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ وَنَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْجُمْهُورِ وَنَقَلَ الْأَصْلُ عن الصَّيْدَلَانِيِّ وَالْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ إنَّهُ يُحْسَبُ له السُّجُودُ الثَّانِي فَتَكْمُلُ بِهِ الرَّكْعَةُ وَبِهِ جَزَمَ في الْمِنْهَاجِ وقال في الْمُحَرَّرِ إنَّهُ الْمَنْقُولُ وَبَحَثَ فيه في شَرْحَيْهِ بِأَنَّهُ إذَا لم يُحْسَبْ سُجُودُهُ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ لِكَوْنِ فَرْضِهِ الْمُتَابَعَةَ وَجَبَ أَنْ لَا يُحْسَبَ وَالْإِمَامُ في رُكْنٍ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَأَجَابَ عنه السُّبْكِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّا إنَّمَا لم نَحْسِبْ له سُجُودَهُ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ لِإِمْكَانِ مُتَابَعَتِهِ بَعْدَ ذلك فَيُدْرِكُ الرَّكْعَةَ بِخِلَافِ ما بَعْدَهُ فَلَوْ لم نَحْسِبْهُ له لَفَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ وَيَكُونُ ذلك عُذْرًا في عَدَمِ الْمُتَابَعَةِ وفي كَلَامِهِمْ شَوَاهِدُ لِذَلِكَ وَلَعَلَّهُ اعْتَمَدَ في الْمَجْمُوعِ على ما في الرَّوْضَةِ من أَنَّهُ الْمَفْهُومُ من كَلَامِهِمْ لَا أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِهِ قال السُّبْكِيُّ فَثَبَتَ أَنَّ ما في الْمِنْهَاجِ هو الْأَصَحُّ من جِهَةِ الْفِقْهِ وقال الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الْمُتَّجَهُ قَالَا وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَسْتَمِرَّ سَهْوُهُ أو جَهْلُهُ إلَى إتْيَانِهِ بِالسُّجُودِ الثَّانِي وَإِلَّا فَعَلَى الْمَفْهُومِ من كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ تَجِبُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِيمَا هو فيه أَيْ فَإِنْ أَدْرَكَ معه السُّجُودَ تَمَّتْ رَكْعَتُهُ فَرْعٌ فَإِنْ لم يَتَمَكَّنْ أَيْ الْمَزْحُومُ من السُّجُودِ حتى سَجَدَ الْإِمَامُ في الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ سَجَدَ معه وَحَصَلَتْ له رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ من رُكُوعِ الْأُولَى وَسُجُودِ الثَّانِيَةِ فَإِنْ لم يَتَمَكَّنْ إلَّا في السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ سَجَدَ معه فيها ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَسْجُدَ الْأُخْرَى لِأَنَّهُمَا كَرُكْنٍ وَاحِدٍ وَأَنْ يَجْلِسَ معه فإذا سَلَّمَ بَنَى على صَلَاتِهِ ذَكَرَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ ثُمَّ قال وَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ يَنْتَظِرُهُ سَاجِدًا حتى يُسَلِّمَ فَيَبْنِيَ على صَلَاتِهِ لِأَنَّ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ يُؤَدِّي إلَى الْمُخَالَفَةِ وَالثَّانِي إلَى تَطْوِيلِ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ وَأَيَّدَهُ بِمَا قَدَّمْته عن الْقَاضِي وَالْبَغَوِيِّ أَوَائِلَ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ وَقَدَّمْت ثُمَّ إنَّ الْمُخْتَارَ جَوَازُ تَطْوِيلِ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ في مِثْلِ ذلك وقد جَوَّزَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ لِلْمُنْفَرِدِ أَنْ يَقْتَدِيَ في اعْتِدَالِهِ بِغَيْرِهِ قبل رُكُوعِهِ وَيُتَابِعَهُ فَإِنْ لم يَتَمَكَّنْ من السُّجُودِ حتى تَشَهَّدَ الْإِمَامُ سَجَدَ فَإِنْ فَرَغَ من السُّجُودِ وَلَوْ بِالرَّفْعِ منه قبل سَلَامِهِ أَيْ الْإِمَامِ وَإِنْ لم يَعْتَدِلْ حَصَلَتْ له رَكْعَةٌ وَأَدْرَكَ الْجُمُعَةَ
____________________
(1/255)
وَإِنْ رَفَعَ منه بَعْدَ سَلَامِهِ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ فَيُتِمُّهَا ظُهْرًا كَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن التَّتِمَّةِ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَلَيْسَ على وَجْهِهِ فإنه إنَّمَا ذَكَرَهُ في التَّتِمَّةِ تَفْرِيعًا على الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَجْرِي على تَرْتِيبِ نَفْسِهِ وَأَمَّا على الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُتَابِعُهُ فَلَا يَسْجُدُ بَلْ يَجْلِسُ معه ثُمَّ بَعْدَ سَلَامِهِ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَيُتِمُّهَا ظُهْرًا نَبَّهَ على ذلك الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَمَّا من أَدْرَكَ معه الرَّكْعَةَ الْأُولَى وَزَحَمَ عن السُّجُودِ في الثَّانِيَةِ فَيَتَدَارَكُ ما فَاتَهُ قبل السَّلَامِ وَبَعْدَهُ بِحَسَبِ إمْكَانِهِ وَتَتِمُّ جُمُعَتُهُ فَإِنْ كان مَسْبُوقًا بِالْأُولَى بِأَنْ لَحِقَهُ في الثَّانِيَةِ وَزَحَمَ فيها ولم يَتَدَارَكْ السُّجُودَ قبل السَّلَامِ من الْإِمَامِ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ لِأَنَّهُ لم يُدْرِكْ معه رَكْعَةً وَسَهْوُهُ في حَالِ التَّخَلُّفِ عنه لِلزَّحْمَةِ مَحْمُولٌ عنه لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ بِهِ حُكْمًا وَالتَّصْرِيحُ بهذا هُنَا من زِيَادَتِهِ وَإِنْ زَحَمَ عن الرُّكُوعِ في الْأُولَى ولم يَتَمَكَّنْ منه إلَّا حَالَ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ رَكَعَ معه وحسبت أَيْ الثَّانِيَةُ له غير مُلَفَّقَةٍ لِسُقُوطِ الْأُولَى فَرْعٌ لَيْسَتْ الْجُمُعَةُ ظُهْرًا مَقْصُورًا وَإِنْ كان وَقْتُهَا وَتُتَدَارَكُ بِهِ بَلْ صَلَاةٌ على حِيَالِهَا أَيْ مُسْتَقِلَّةٌ لِأَنَّهُ لَا يُغْنِي عنها وَلِقَوْلِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه الْجُمُعَةُ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ على لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقد خَابَ من افْتَرَى رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وقال في الْمَجْمُوعِ إنَّهُ حَسَنٌ فَإِنْ عَرَضَ فيها ما يَمْنَعُ وُقُوعَهَا جُمُعَةً انْقَلَبَتْ ظُهْرًا وَإِنْ لم يَقْصِدْ قَلْبَهَا لِأَنَّهُمَا فَرْضُ وَقْتٍ وَاحِدٍ فَتَصِحُّ الظُّهْرُ بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ فَرْعٌ التَّخَلُّفُ لِنِسْيَانٍ وَمَرَضٍ كَالزِّحَامِ أَيْ كَالتَّخَلُّفِ لِلْعُذْرِ وغير الْجُمُعَةِ في الزِّحَامِ وَنَحْوِهِ كَالْجُمُعَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرُوهُ فيها لِأَنَّهُ فيها أَكْثَرُ وَلِاخْتِصَاصِهَا بِأُمُورٍ أُخَرَ كَالتَّرَدُّدِ في حُصُولِهَا بِالرَّكْعَةِ الْمُطْلَقَةِ وَالْقُدْوَةِ الْحُكْمِيَّةِ وفي بِنَاءِ الظُّهْرِ عليها عِنْدَ تَعَذُّرِ إقَامَتِهَا الشَّرْطُ السَّادِسُ تَقْدِيمُ خُطْبَتَيْنِ قبل الْجُمُعَةِ لِلِاتِّبَاعِ مع خَبَرِ صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي بِخِلَافِ الْعِيدِ فإن خُطْبَتَيْهِ مُؤَخَّرَتَانِ لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَنَّ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ شَرْطٌ وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ على مَشْرُوطِهِ وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ إنَّمَا تُؤَدَّى جَمَاعَةً فَأُخِّرَتْ لِيُدْرِكَهَا الْمُتَأَخِّرُ وَهَذَا الشَّرْطُ ذَكَرَهُ أَيْضًا كَأَصْلِهِ بَعْدُ من شُرُوطِ الْخُطْبَةِ وما هُنَا أَوْلَى وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَأَرْكَانُ الْخُطْبَةِ الشَّامِلَةِ لِلْخُطْبَتَيْنِ خَمْسَةٌ الْأَوَّلُ حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَيَتَعَيَّنُ لَفْظُ اللَّهُ وَحَمْدُهُ لِلِاتِّبَاعِ وَكَكَلِمَتَيْ التَّكْبِيرِ كَالْحَمْدُ لِلَّهِ أو أَحْمَدُ اللَّهَ أو نَحْمَدُ اللَّهَ أو حُمِدَ اللَّهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَخَرَجَ الْحَمْدُ لِلرَّحْمَنِ وَالشُّكْرُ لِلَّهِ وَنَحْوُهُمَا الثَّانِي الصَّلَاةُ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ نَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كَالْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ وَيَتَعَيَّنُ صِيغَةُ صَلَاةٍ عليه كَاَللَّهُمِ صَلِّ على مُحَمَّدٍ أو أُصَلِّي أو نُصَلِّي على مُحَمَّدٍ أو أَحْمَدَ أو الرَّسُولِ أو النبي أو الْمَاحِي أو الْعَاقِبِ أو الْحَاشِرِ أو الْمُبَشِّرِ أو النَّذِيرِ فَخَرَجَ رَحِمَ اللَّهُ مُحَمَّدًا وَصَلَّى اللَّهُ عليه وَصَلَّى اللَّهُ على جِبْرِيلَ وَنَحْوُهَا الثَّالِثُ الْوَصِيَّةُ بِالتَّقْوَى لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّ مُعْظَمَ مَقْصُودِ الْخُطْبَةِ الْوَصِيَّةُ وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُهَا أَيْ الْوَصِيَّةِ بِالتَّقْوَى لِأَنَّ غَرَضَهَا الْوَعْظُ وهو حَاصِلٌ بِغَيْرِ لَفْظِهَا كَأَطِيعُوا اللَّهَ كما سَيَأْتِي وَكُلٌّ من ذلك أَيْ مِمَّا ذُكِرَ من الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ وَاجِبٌ في الْخُطْبَتَيْنِ أَيْ في كُلٍّ مِنْهُمَا لِاتِّبَاعِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ
وَلَا يَكْفِي الِاقْتِصَارُ في الْوَصِيَّةِ على تَحْذِيرٍ من غُرُورِ الدُّنْيَا وَزُخْرُفِهَا فَقَدْ يَتَوَاصَى بِهِ مُنْكِرُو الْمَعَادِ إلَّا بِالْحَمْلِ الْأَوْلَى بَلْ لَا بُدَّ من الْحَمْلِ على الطَّاعَةِ وهو مُسْتَلْزِمٌ لِلْحَمْلِ على الْمَنْعِ من الْمَعْصِيَةِ الذي صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ فلم يَحْتَجْ إلَى التَّصْرِيحِ بِهِ وَلَوْ قال أَطِيعُوا اللَّهَ أو اتَّقُوا اللَّهَ كَفَى لِحُصُولِ الْغَرَضِ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ أو اتَّقُوا اللَّهَ من زِيَادَتِهِ الرَّابِعُ الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِأُخْرَوِيٍّ في الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ لِاتِّبَاعِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَلِأَنَّ الدُّعَاءَ يَلِيقُ بِالْخَوَاتِمِ وَالْمُرَادُ بِالْمُؤْمِنِينَ الْجِنْسُ الشَّامِلُ لِلْمُؤْمِنَاتِ وَبِهِمَا عَبَّرَ في الْوَسِيطِ وفي التَّنْزِيلِ وَكَانَتْ من الْقَانِتِينَ وَإِنْ خَصَّ بِالدُّعَاءِ السَّامِعِينَ فقال رَحِمَكُمْ اللَّهُ أو يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ كَفَى فَيَكْفِي فيه ما يَقَعُ عليه اسْمُ الدُّعَاءِ الْخَامِسُ قِرَاءَةُ آيَةٍ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ وَعْدًا لهم أَمْ وَعِيدًا أَمْ حُكْمًا أَمْ قِصَّةً
قال في الْأَصْلِ قال الْإِمَامُ وَلَا يَبْعُدُ الِاكْتِفَاءُ بِشَطْرِ آيَةٍ طَوِيلَةٍ قال في الْمَجْمُوعِ وَالْمَشْهُورُ الْجَزْمُ بِاشْتِرَاطِ آيَةٍ وهو ما أَفْهَمَهُ
____________________
(1/256)
كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُفْهِمَةٍ لَا كَثُمَّ نَظَرَ أو ثُمَّ عَبَسَ وَلَوْ في أَحَدَيْهِمَا لِأَنَّ الثَّابِتَ الْقِرَاءَةُ في الْخُطْبَةِ دُونَ تَعْيِينٍ قال في الْمَجْمُوعِ وَيُسَنُّ جَعْلُهَا في الْأُولَى وَيُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ قِ في الْخُطْبَةِ الْأُولَى لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِاشْتِمَالِهَا على أَنْوَاعِ الْمَوَاعِظِ قال الْبَنْدَنِيجِيُّ فَإِنْ أَبَى قَرَأَ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا الْآيَةَ قال الْأَذْرَعِيُّ وَتَكُونُ الْقِرَاءَةُ بَعْدَ فَرَاغِ الْأُولَى قال وفي اسْتِحْبَابِ الْمُوَاظَبَةِ على قِرَاءَةِ ق شَيْءٌ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا قَرَأَهَا أَحْيَانًا لِاقْتِضَاءِ الْحَالِ ذلك أو لِعِلْمِهِ بِرِضَا الْحَاضِرِينَ أو لِعَدَمِ اشْتِغَالِهِمْ وَأَجَابَ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ في مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَقْرَؤُهَا في خُطْبَتِهِ كُلَّ جُمُعَةٍ قال النَّوَوِيُّ فيه دَلِيلٌ على اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ ق أو بَعْضِهَا في خُطْبَتِهِ كُلَّ جُمُعَةٍ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ رِضَا الْحَاضِرِينَ فَلَا وَجْهَ له كما لم يَشْتَرِطُوهُ في قِرَاءَةِ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ في الصَّلَاةِ وَإِنْ كانت السُّنَّةُ التَّخْفِيفَ وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ نَزَلَ وَسَجَدَ إنْ لم تَكُنْ فيه كُلْفَةٌ فَإِنْ خَشِيَ من ذلك طُولَ فَصْلٍ سَجَدَ مَكَانَهُ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا تَرَكَهُ وَلَا يُجْزِئُ آيَاتٌ تَشْتَمِلُ على الْأَرْكَانِ كُلِّهَا لِأَنَّ ذلك لَا يُسَمَّى خُطْبَةً وَاسْتُشْكِلَ هذا بِأَنَّهُ ليس لنا آيَةٌ تَشْتَمِلُ على الصَّلَاةِ مِنَّا على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنْ أتى بِبَعْضِهَا ضَمِنَ آيَةً كَقَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ اتَّقُوا اللَّهَ الذي تَسَاءَلُونَ بِهِ لم يَمْتَنِعْ وَأَجْزَأَهُ ذلك عنه أَيْ عن الْبَعْضِ دُونَ الْقِرَاءَةِ لِئَلَّا يَتَدَاخَلَا وَإِنْ قَصَدَهُمَا بِآيَةٍ لم يُجْزِهِ ذلك عنهما بَلْ عن الْقِرَاءَةِ فَقَطْ كما صَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَأَجْزَأَهُ عنه وَبِقَوْلِهِ عنهما من زِيَادَتِهِ فَائِدَةٌ ذَكَرَهَا الْقَمُولِيُّ اخْتَلَفَ السَّلَفُ في جَوَازِ تَضْمِينِ شَيْءٍ من آيِ الْقُرْآنِ لِغَيْرِهِ من الْخُطَبِ وَالرَّسَائِلِ وَنَحْوِهِمَا فَكَرِهَهُ جَمَاعَةٌ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ له في غَيْرِ مَوْضِعِهِ كَقَوْلِ بَعْضِ الْأُمَرَاءِ وقد أَهْدَى له بَعْضُ الْمُلُوكِ هَدِيَّةً بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ فقال له الرَّسُولُ ارْجِعْ إلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ الْآيَةَ وَرَخَّصَ بَعْضُهُمْ فيه في الْخُطَبِ وَالْمَوَاعِظِ وقد أَكْثَرَ من اسْتِعْمَالِهِ جَمَاعَةٌ منهم ابن نَبَاتَةَ وابن الْجَوْزِيِّ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا أَيْ الْخُطْبَةِ أَيْ أَرْكَانِهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِاتِّبَاعِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فَإِنْ أَمْكَنَ تَعَلُّمُهَا وَجَبَ على الْجَمِيعِ على سَبِيلِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ كما أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَكَفَى أَيْ في تَعَلُّمِهَا وَاحِدٌ فَإِنْ لم يَفْعَلْ هذا أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ فَإِنْ لم يَتَعَلَّمُوا عَصَوْا وَلَا جُمُعَةَ لهم بَلْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ وَأَجَابَ الْقَاضِي عن سُؤَالِ ما فَائِدَةُ الْخُطْبَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ إذَا لم يَعْرِفْهَا الْقَوْمُ بِأَنَّ فَائِدَتَهَا الْعِلْمُ بِالْوَعْظِ من حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَيُوَافِقُهُ ما سَيَأْتِي فِيمَا إذَا سَمِعُوا الْخُطْبَةَ ولم يَفْهَمُوا مَعْنَاهَا أنها تَصِحُّ فَإِنْ لم يُمْكِنْ تَعَلُّمُهَا تَرْجَمَ أَيْ خَطَبَ بِلُغَتِهِ وَإِنْ لم يَعْرِفْهَا الْقَوْمُ وَإِنْ وفي نُسْخَةٍ فَإِنْ لم يُحْسِنْ أَنْ يُتَرْجِمَ فَلَا جُمُعَةَ لهم لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا وَهَذَا من زِيَادَتِهِ فَرْعٌ شُرُوطُ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ تِسْعَةٌ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ وَقْتُ الظُّهْرِ وَالتَّقْدِيمُ لها على الصَّلَاةِ وَالْقِيَامُ فيها لِلْقَادِرِ لِلِاتِّبَاعِ الْمَعْلُومِ من الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ في الثَّلَاثَةِ وَلِأَنَّهَا ذِكْرٌ يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ وَلَيْسَ من شَرْطِهِ الْقُعُودُ كَالْقِرَاءَةِ وَالتَّكْبِيرِ في الثُّلُثِ وَتَصِحُّ خُطْبَةُ الْعَاجِزِ عن الْقِيَامِ قَاعِدًا ثُمَّ مُضْطَجِعًا كَالصَّلَاةِ وَيَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ سَوَاءٌ قال لَا أَسْتَطِيعُ أَمْ سَكَتَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا قَعَدَ أو اضْطَجَعَ لِعَجْزِهِ وَتَعْبِيرُهُ بِثُمَّ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِأَوْ فَإِنْ بَانَ أَنَّهُ كان قَادِرًا فَكَمَنْ أَيْ فَكَإِمَامٍ بَانَ أَنَّهُ كان جُنُبًا وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَنِيبَ الْعَاجِزُ قَادِرًا كما في الصَّلَاةِ والرابع الْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِالطُّمَأْنِينَةِ فيه كما في الْجُلُوسِ بين السَّجْدَتَيْنِ فَلَوْ خَطَبَ جَالِسًا لِعَجْزِهِ وَجَبَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِسَكْتَةٍ لَا اضْطِجَاعَ فَلَا يَجِبُ الْفَصْلُ بِهِ بَلْ لَا يَكْفِي
وَالْحِكْمَةُ في جَعْلِ الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ هُنَا شَرْطَيْنِ وفي الصَّلَاةِ رُكْنَيْنِ أَنَّ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ إلَّا الذِّكْرُ وَالْوَعْظُ وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْقِيَامَ وَالْجُلُوسَ لَيْسَا بِجُزْأَيْنِ مِنْهُمَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا جُمْلَةُ أَعْمَالٍ وَهِيَ كما تَكُونُ أَذْكَارًا تَكُونُ غير أَذْكَارٍ والخامس وَالسَّادِسُ الطَّهَارَةُ عن الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ وَالسَّتْرُ لِلِاتِّبَاعِ وَكَمَا في الصَّلَاةِ فَلَوْ أَحْدَثَ في الْخُطْبَةِ اسْتَأْنَفَ هَا وَلَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَقَصُرَ الْفَصْلُ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تُؤَدَّى بِطَهَارَتَيْنِ كَالصَّلَاةِ فَلَوْ أَحْدَثَ بين الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ وَتَطْهُرَ عن قُرْبٍ فَالْأَوْجَهُ ما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ كما في الْجَمْعِ بين الصَّلَاتَيْنِ وَأَمَّا السَّامِعُونَ لِلْخُطْبَةِ فَلَا تُشْتَرَطُ
____________________
(1/257)
طَهَارَتُهُمْ وَلَا سَتْرُهُمْ كما نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عن بَعْضِهِمْ قال وَأَغْرَبَ من شَرَطَ ذلك وَ السَّابِعُ الْمُوَالَاةُ بين أَرْكَانِهَا وَبَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَنَّ لها أَثَرًا ظَاهِرًا في اسْتِمَالَةِ الْقُلُوبِ وَالْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ شَبِيهَتَانِ بِصَلَاةِ الْجَمْعِ
والثامن رَفْعُ الصَّوْتِ بِأَرْكَانِهَا بِحَيْثُ يَسْمَعُ هَا أَرْبَعُونَ رَجُلًا كَامِلًا عَدَدُ من تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا وَعْظُهُمْ وهو لَا يَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ فَعُلِمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْإِسْمَاعُ وَالسَّمَاعُ وَإِنْ لم يَفْهَمُوا مَعْنَاهَا كَالْعَامِّيِّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ في الصَّلَاةِ وَلَا يَفْهَمُ مَعْنَاهَا فَلَا يَكْفِي الْإِسْرَارُ كَالْأَذَانِ وَلَا إسْمَاعُ دُونَ الْأَرْبَعِينَ وَلَوْ كَانُوا صُمًّا أو بَعْضُهُمْ كَذَلِكَ لم تَصِحَّ كَبُعْدِهِمْ عنه وَكَشُهُودِ النِّكَاحِ وَقَوْلُهُ كَغَيْرِهِ أَرْبَعُونَ أَيْ بِالْإِمَامِ كما يُؤْخَذُ من قَوْلِ الْقَاضِي مُجَلِّيٍّ في بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ فِيمَا إذَا صَلَّوْهَا جُمُعَةً وَلَا بُدَّ من سَمَاعِ الْعَدَدِ الذي تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ بِأَنْ يَسْمَعَ أَرْبَعُونَ أو تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سِوَى الْإِمَامِ لِأَنَّ بِهِ تَتِمَّ الْأَرْبَعُونَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ في الْخَطِيبِ إذَا كان من الْأَرْبَعِينَ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ حتى لو كان أَصَمَّ لم يَكْفِ قال الْإِسْنَوِيُّ وهو بَعِيدٌ بَلْ لَا مَعْنَى له قال الزَّرْكَشِيُّ
وَلَوْ كان الْخَطِيبُ لَا يَعْرِفُ مَعْنَى أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ بَلْ الْوَجْهُ الْجَوَازُ كَمَنْ يَؤُمُّ بِالْقَوْمِ وَلَا يَعْرِفُ مَعْنَى الْفَاتِحَةِ وَيَنْبَغِي أَيْ يُسْتَحَبُّ لِلْقَوْمِ السَّامِعِينَ وَغَيْرِهِمْ أَنْ يُقْبِلُوا عليه بِوُجُوهِهِمْ لِأَنَّهُ الْأَدَبُ وَلِمَا فيه من تَوَجُّهِهِمْ الْقِبْلَةَ وأن يُنْصِتُوا وَيَسْتَمِعُوا قال تَعَالَى وإذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا له وَأَنْصِتُوا ذَكَرَ كَثِيرٌ من الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ وَرَدَ في الْخُطْبَةِ وَسُمِّيَتْ قُرْآنًا لِاشْتِمَالِهَا عليه قال في الْأَصْلِ وَالْإِنْصَاتُ السُّكُوتُ وَالِاسْتِمَاعُ شُغْلُ السَّمْعِ بِالسَّمَاعِ انْتَهَى فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ من وَجْهٍ وَيُكْرَهُ لِلْحَاضِرِينَ الْكَلَامُ فيها لِظَاهِرِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ وَخَبَرِ مُسْلِمٍ إذَا قُلْت لِصَاحِبِك أَنْصِتْ يوم الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْت وَلَا يَحْرُمُ لِلْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ على جَوَازِهِ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن أَنَسٍ بَيْنَمَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَخْطُبُ يوم الْجُمُعَةِ قام أَعْرَابِيٌّ فقال يا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ فَادْعُ اللَّهَ لنا فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَدَعَا وَخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عن أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا دخل وَالنَّبِيُّ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَخْطُبُ يوم الْجُمُعَةِ فقال مَتَى السَّاعَةُ فَأَوْمَأَ الناس إلَيْهِ بِالسُّكُوتِ فلم يَقْبَلْ وَأَعَادَ الْكَلَامَ فقال له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الثَّالِثَةِ ما أَعْدَدْت لها قال حُبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قال إنَّك مع من أَحْبَبْت وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ لم يُنْكِرْ عليه الْكَلَامَ ولم يُبَيِّنْ له وُجُوبَ السُّكُوتِ وَالْأَمْرُ في الْآيَةِ لِلنَّدْبِ وَمَعْنَى لَغَوْت تَرَكْت الْأَدَبَ جَمْعًا بين الْأَدِلَّةِ وَالتَّصْرِيحِ بِالْكَرَاهَةِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَلَا تَخْتَصُّ بِالْأَرْبَعِينَ بَلْ الْحَاضِرُونَ كلهم فيها سَوَاءٌ نعم لِغَيْرِ السَّامِعِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالتِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ وَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ يَقْتَضِي أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهِمَا أَوْلَى وهو ظَاهِرٌ وَإِنْ عَرَضَ مُهِمٌّ نَاجِزٌ كَتَعْلِيمِ خَبَرٍ وَنَهْيٍ عن مُنْكَرٍ وَإِنْذَارِ إنْسَانٍ عَقْرَبًا أو أَعْمَى بِئْرًا لم يُمْنَعْ منه أَيْ من الْكَلَامِ بَلْ قد يَجِبُ عليه لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْتَصِرَ على الْإِشَارَةِ إنْ أَغْنَتْ وَيُبَاحُ لهم بِلَا كَرَاهَةٍ الْكَلَامُ قبل الْخُطْبَةِ وَبَعْدَهَا وَبَيْنَهُمَا أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ والكلام لِلدَّاخِلِ في أَثْنَائِهَا ما لم يَجْلِسْ يَعْنِي ما لم يَتَّخِذْ له مَكَانًا وَيَسْتَقِرَّ فيه وَالتَّقْيِيدُ بِالْجُلُوسِ جَرَى على الْغَالِبِ وَظَاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ ذلك إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَالتَّاسِعُ من شُرُوطِهَا ما سَبَقَ وهو كَوْنُهَا بِالْعَرَبِيَّةِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فَرْعٌ لو سَلَّمَ دَاخِلٌ على مُسْتَمِعِ الْخُطْبَةِ وهو أَيْ وَالْخَطِيبُ يَخْطُبُ وَجَبَ الرَّدُّ عليه بِنَاءً على أَنَّ الْإِنْصَاتَ سُنَّةٌ كما مَرَّ وَصَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ مع ذلك بِكَرَاهَةِ السَّلَامِ وَنَقَلَهَا عن النَّصِّ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّدِّ من قَاضِي الْحَاجَةِ على من سَلَّمَ عليه حَيْثُ لَا يَجِبُ وَلَا يُسْتَحَبُّ لَائِحٌ وَمَعَ ذلك فَلَكَ أَنْ تَقُولَ إذَا لم يُشْرَعْ السَّلَامُ فَكَيْفَ يَجِبُ الرَّدُّ وقد قال الْجُرْجَانِيُّ إنْ قُلْنَا يُكْرَهُ الْكَلَامُ كُرِهَ الرَّدُّ وقال الْأَذْرَعِيُّ وَلَوْ قِيلَ إنْ عَلِمَ الْمُسْلِمُ أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ له السَّلَامُ هُنَا لم يَجِبْ الرَّدُّ وَالْأَوْجَبُ لم يَبْعُدْ وَيُسْتَحَبُّ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ إذَا حَمِدَ اللَّهَ بِأَنْ يَقُولَ له رَحِمَك اللَّهُ أو يَرْحَمُك اللَّهُ لِعُمُومِ أَدِلَّتِهِ وَسَيَأْتِي بَسْطُهُ في السِّيَرِ وَإِنَّمَا لم يُكْرَهْ كَسَائِرِ الْكَلَامِ لِأَنَّ سَبَبَهُ قَهْرِيٌّ وهو بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ وَيَنْبَغِي أَيْ
____________________
(1/258)
يَجِبُ كما صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيَّ تَخْفِيفُ الصَّلَاةِ على من كان فيها عِنْدَ قِيَامِ الْخَطِيبِ أَيْ صُعُودِهِ الْمِنْبَرَ وَجُلُوسِهِ وَلَا تُبَاحُ لِغَيْرِ الْخَطِيبِ من الْحَاضِرِينَ نَافِلَةٌ بَعْدَ صُعُودِهِ الْمِنْبَرَ وَجُلُوسِهِ وَإِنْ لم يَسْمَعْ الْخُطْبَةَ لِإِعْرَاضِهِ عنه بِالْكُلِّيَّةِ وَنَقَلَ فيه الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ خُرُوجُ الْإِمَامِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَكَلَامُهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ وَالْفَرْقُ بين الْكَلَامِ حَيْثُ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ صَعِدَ الْخَطِيبُ الْمِنْبَرَ ما لم يَبْتَدِئْ الْخُطْبَةَ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ حَيْثُ تَحْرُمُ حِينَئِذٍ أَنَّ قَطْعَ الْكَلَامِ هَيِّنٌ مَتَى ابْتَدَأَ الْخَطِيبُ الْخُطْبَةَ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فإنه قد يَفُوتُهُ بها سَمَاعُ أَوَّلِ الْخُطْبَةِ وإذا حَرُمَتْ فَالْمُتَّجَهُ كما قال الْبُلْقِينِيُّ عَدَمُ انْعِقَادِهَا لِأَنَّ الْوَقْتَ ليس لها وَكَالصَّلَاةِ في الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ الْمَكْرُوهَةِ بَلْ أَوْلَى لِلْإِجْمَاعِ على تَحْرِيمِهَا هُنَا كما مَرَّ بِخِلَافِهَا ثُمَّ وَلِتَفْصِيلِهِمْ ثُمَّ بَيَّنَ ذَاتَ السَّبَبِ وَغَيْرَهَا بِخِلَافِ ما هُنَا بَلْ إطْلَاقُهُمْ وَمَنْعُهُمْ من الرَّاتِبَةِ مع قِيَامِ سَبَبِهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لو تَذَكَّرَ هُنَا فَرْضًا لَا يَأْتِي بِهِ وَأَنَّهُ لو أتى بِهِ لم يَنْعَقِدْ وهو الْمُتَّجَهُ وَتَعْبِيرُ جَمَاعَةٍ بِالنَّافِلَةِ جَرَى على الْغَالِبِ وَتَعْلِيلُ الْجُرْجَانِيِّ اسْتِحْبَابُ التَّحِيَّةِ بِأَنَّهَا ذَاتُ سَبَبٍ فلم تَمْنَعْهَا الْخُطْبَةُ كَالْقَضَاءِ مَحْمُولٌ بَعْدَ تَسْلِيمِ صِحَّتِهِ على أَنَّ له أَنْ يُحْرِمَ بِالْقَضَاءِ قبل جُلُوسِهِ كما في التَّحِيَّةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَجُلُوسُهُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ وَالدَّاخِلُ لِلْمَسْجِدِ وَالْخَطِيبُ على الْمِنْبَرِ لَا في آخِرِ الْخُطْبَةِ يُصَلِّيَ التَّحِيَّةَ نَدْبًا مُخَفَّفَةً وُجُوبًا لِمَا مَرَّ في صَلَاةِ التَّطَوُّعِ مع خَبَرِ مُسْلِمٍ جاء سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يوم الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَخْطُبُ فَجَلَسَ فقال يا سُلَيْكُ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا ثُمَّ قال إذَا جاء أحدكم يوم الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا هذا إنْ صلى السُّنَّةَ أَيْ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ وَإِلَّا صَلَّاهَا كَذَلِكَ أَيْ مُخَفَّفَةً وَحَصَلَتْ التَّحِيَّةُ وَلَا يَزِيدُ على رَكْعَتَيْنِ بِكُلِّ حَالٍ أَمَّا إذَا دخل في آخِرِ الْخُطْبَةِ فَلَا يُصَلِّي لِئَلَّا يَفُوتَهُ أَوَّلُ الْجُمُعَةِ مع الْإِمَامِ قال في الْمَجْمُوعِ وَهَذَا مَحْمُولٌ على تَفْصِيلٍ ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ من أَنَّهُ إنْ غَلَبَ على ظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ صَلَّاهَا فَاتَتْهُ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ مع الْإِمَامِ لم يُصَلِّ التَّحِيَّةَ بَلْ يَقِفُ حتى تُقَامَ الصَّلَاةُ وَلَا يَعْقِدَ لِئَلَّا يَكُونَ جَالِسًا في الْمَسْجِدِ قبل التَّحِيَّةِ قال ابن الرِّفْعَةِ وَلَوْ صَلَّاهَا في هذه الْحَالَةِ اُسْتُحِبَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ في كَلَامِ الْخُطْبَةِ بِقَدْرِ ما يُكْمِلُهَا وما قَالَهُ نَصَّ عليه في الْأُمِّ ثُمَّ قال فَإِنْ لم يَفْعَلْ الْإِمَامُ ذلك كَرِهْته له فَإِنْ صَلَّاهَا وقد أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ كَرِهْت ذلك له قال الزَّرْكَشِيُّ وَالْمُرَادُ بِالتَّخْفِيفِ فِيمَا ذُكِرَ الِاقْتِصَارُ على الْوَاجِبَاتِ لَا الْإِسْرَاعُ قال وَيَدُلُّ له ما ذَكَرُوهُ من أَنَّهُ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ وَأَرَادَ الْوُضُوءَ اقْتَصَرَ على الْوَاجِبَاتِ فَرْعٌ يُسْتَحَبُّ تَرْتِيبُ أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ بِأَنْ يَبْدَأَ بِالْحَمْدِ ثُمَّ الصَّلَاةِ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ الْقِرَاءَةِ ثُمَّ الدُّعَاءِ كما جَرَى عليه الناس وَإِنَّمَا لم يَجِبْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِدُونِهِ وَتَجِبُ نِيَّةُ الْخُطْبَةِ وفرضيتها كما في الصَّلَاةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فَرْضٌ تُشْتَرَطُ فيه الطَّهَارَةُ وَالسَّتْرُ وَالْمُوَالَاةُ كَذَا في الْأَصْلِ عن الْقَاضِي وَبِهِ جَزَمَ في الْأَنْوَارِ وقال في الْمَطْلَبِ إنَّهُ ظَاهِرٌ على قَوْلِ اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ لَكِنَّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُهُ وَبِهِ جَزَمَ في الْمَجْمُوعِ في بَابِ الْوُضُوءِ وقال في الْمُهِمَّاتِ نُقِلَ عن الْقَاضِي أَنَّ ذلك تَفْرِيعٌ على أنها بَدَلٌ عن الرَّكْعَتَيْنِ انْتَهَى وقال ابن عبد السَّلَامِ في فَتَاوِيهِ وَلَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ في الْخُطَبِ لِأَنَّهَا أَذْكَارٌ وَأَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ وَنَهْيٌ عن مُنْكَرٍ وَدُعَاءٌ وَقِرَاءَةٌ وَلَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ في شَيْءٍ من ذلك لِأَنَّهُ مُمْتَازٌ بِصُورَتِهِ مُنْصَرِفٌ إلَى اللَّهِ بِحَقِيقَتِهِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ تَصْرِفُهُ إلَيْهِ
ا ه
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ الْخُطْبَةُ على مِنْبَرٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَنْ يَكُونَ الْمِنْبَرُ على يَمِينِ الْمِحْرَابِ وَالْمُرَادُ بِهِ يَمِينُ مُصَلَّى الْإِمَامِ قال الرَّافِعِيُّ هَكَذَا وَضْعُ مِنْبَرِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم انْتَهَى وكان يَخْطُبُ قبل ذلك على الْأَرْضِ وَعَنْ يَسَارِهِ جِذْعُ نَخْلَةٍ يَعْتَمِدُ عليه وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ مِنْبَرٌ فَعَلَى مُرْتَفِعٍ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ في الْإِعْلَامِ فَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتَنَدَ إلَى خَشَبَةٍ أو نَحْوِهَا فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَخْطُبُ إلَى جِذْعٍ قبل أَنْ يَتَّخِذَ الْمِنْبَرَ وكان
____________________
(1/259)
مِنْبَرُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثَلَاثَ دَرَجٍ غَيْرِ الدَّرَجَةِ التي تُسَمَّى الْمُسْتَرَاحَ وكان يَقِفُ على الثَّالِثَةِ فَيَنْدُبُ كما يُفْهَمُ مِمَّا سَيَأْتِي أَنَّهُ يَقِفُ على الدَّرَجَةِ التي تَلِي الْمُسْتَرَاحَ نعم إنْ طَالَ الْمِنْبَرُ قال الْمَاوَرْدِيُّ فَعَلَى السَّابِعَةِ أَيْ لِأَنَّ مَرْوَانَ بن الْحَكَمِ زَادَ في زَمَنِ مُعَاوِيَةَ على الْمِنْبَرِ الْأَوَّلِ سِتَّ دُرَجٍ فَصَارَ عَدَدُ دَرَجِهِ تِسْعَةً فَكَانَ الْخُلَفَاءُ يَقِفُونَ على الدَّرَجَةِ السَّابِعَةِ وَهِيَ الْأُولَى من الْأَوَّلِ قال الصَّيْمَرِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بين الْمِنْبَرِ وَالْقِبْلَةِ قَدْرُ ذِرَاعٍ أو ذِرَاعَيْنِ وَيُكْرَهُ مِنْبَرٌ كَبِيرٌ يُضَيِّقُ على الْمُصَلِّينَ ويستحب لِلْخَطِيبِ أَنْ يُسَلِّمَ عِنْدَ وُصُولِهِ الْمِنْبَرَ على من عِنْدَهُ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلِمُفَارَقَتِهِ إيَّاهُمْ وَعِنْدَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ على الْحَاضِرِينَ لِإِقْبَالِهِ عليهم ويستحب له بَعْدَ وُصُولِهِ الدَّرَجَةَ التي تَحْتَ الْمُسْتَرَاحِ أَنْ يُقْبِلَ على الناس بِوَجْهِهِ وَيُسَلِّمَ عليهم لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيَّ في أَحْكَامِهِ وَلِإِقْبَالِهِ عليهم ثُمَّ يَجْلِسَ على الْمُسْتَرَاحِ لِيَسْتَرِيحَ من تَعَبِ الصُّعُودِ حتى يَفْرُغَ الْمُؤَذِّنُ بين يَدَيْهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وفي الْبُخَارِيِّ كان الْأَذَانُ على عَهْدِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ حين يَجْلِسُ الْإِمَامُ على الْمِنْبَرِ فلما كَثُرَ الناس في عَهْدِ عُثْمَانَ أَمَرَهُمْ بِأَذَانٍ آخَرَ على الزَّوْرَاءِ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ على هذا وقال عَطَاءٌ إنَّمَا أَحْدَثَهُ مُعَاوِيَةُ قال في الْأُمِّ وَأَيُّهُمَا كان فَالْأَمْرُ الذي كان على عَهْدِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَحَبُّ إلَيَّ وَعَلَيْهِ يُحْتَمَلُ أَنْ تُصَلَّى سُنَّةُ الْجُمُعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَأَنْ تُصَلَّى قبل الْأَذَانِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَنُدِبَ اتِّخَاذُهُ أَيْ الْمُؤَذِّنِ وَنَصَّ في الْأُمِّ عليه وَعَلَى كَرَاهَةِ التَّأْذِينِ جَمَاعَةٌ وندب أَنْ يَخْطُبَ خُطْبَةً بَلِيغَةً لَا مُبْتَذَلَةً رَكِيكَةً لِأَنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ في الْقُلُوبِ قَرِيبَةً من الْأَفْهَامِ لَا غَرِيبَةً وَحْشِيَّةً إذْ لَا يَنْتَفِعُ بها أَكْثَرُ الناس وقال عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه حَدِّثُوا الناس بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُتَوَسِّطَةً بين الطَّوِيلَةِ وَالْقَصِيرَةِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ كانت صَلَاةُ النَّبِيّ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَصْدًا وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا وَلَا يُعَارِضُهُ خَبَرُهُ أَيْضًا طُولُ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقَصْرُ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ من فِقْهِهِ أَيْ عَلَامَةً عليه فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَاقْصَرُوا الْخُطْبَةَ لِأَنَّ الْقَصْرَ وَالطُّولَ من الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ فَالْمُرَادُ بِإِقْصَارِ الْخُطْبَةِ إقْصَارُهَا عن الصَّلَاةِ وَبِإِطَالَةِ الصَّلَاةِ إطَالَتُهَا على الْخُطْبَةِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ ما قِيلَ أَنَّ إقْصَارَ الْخُطْبَةِ يُشْكَلُ بِقَوْلِهِمْ يُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ في الْأُولَى قِ مُقْبِلًا على الناس بِوَجْهِهِ في خُطْبَتِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيَّ وَلِأَنَّهُ لو اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَإِنْ تَقَدَّمَ عليهم أو تَأَخَّرَ عَنْهُمْ مع اسْتِقْبَالِهِمْ لها قَبُحَ ذلك وَخَرَجَ عن عُرْفِ الْمُخَاطَبَاتِ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْهُمْ مع اسْتِدْبَارِهِمْ لها لَزِمَ اسْتِدْبَارُ الْجَمِّ الْغَفِيرِ لها وَاسْتِدْبَارُ وَاحِدٍ أَهْوَنُ من ذلك وَيُنْدَبُ رَفْعُ صَوْتِهِ زِيَادَةً على الْوَاجِبِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ في الْإِعْلَامِ وَلَا يُلْتَفَتُ في شَيْءٍ منها بَلْ يَسْتَمِرُّ على ما مَرَّ من الْإِقْبَالِ عليهم إلَى فَرَاغِهَا وَلَا يَعْبَثُ بَلْ يَخْشَعُ كما في الصَّلَاةِ وَلَا يُشِيرُ بيده هذا زَادَهُ هُنَا مع أَنَّهُ سَيَأْتِي بِزِيَادَةٍ فَلَوْ اسْتَقْبَلَ هو أو اسْتَدْبَرُوا أَيْ الْحَاضِرُونَ الْقِبْلَةَ أَجْزَأَ كما في الْأَذَانِ وَكُرِهَ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ جُلُوسُهُ بَيْنَهُمَا أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ قَدْرَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ تَقْرِيبًا لِاتِّبَاعِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَخُرُوجًا من خِلَافِ من أَوْجَبَهُ وَيَقْرَأُ فيه شيئا من كِتَابِ اللَّهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ ابن حِبَّانَ ويستحب أَنْ يَعْتَمِدَ سَيْفًا أو عَصًا أو قَوْسًا أو نَحْوَهَا بيده الْيُسْرَى لِخَبَرِ أبي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قام في خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ مُتَوَكِّئًا على قَوْسٍ أو عَصًا وَحِكْمَتُهُ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ هذا الدِّينَ قام بِالسِّلَاحِ وَلِهَذَا قَبَضَهُ بِالْيُسْرَى كَعَادَةِ من يُرِيدُ الْجِهَادَ بِهِ وَيَشْغَلُ الْأُخْرَى أَيْ الْيُمْنَى بِحَرْفِ الْمِنْبَرِ فَإِنْ لم يَجِدْ شيئا من ذلك سَكَنَ يَدَيْهِ خَاشِعًا بِأَنْ يَجْعَلَ الْيُمْنَى على الْيُسْرَى أو يُرْسِلُهُمَا وَالْغَرَضُ أَنْ يَخْشَعَ وَلَا يَعْبَثَ بِهِمَا كما مَرَّ فَلَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَشْغَلَ الْيُمْنَى بِحَرْفِ الْمِنْبَرِ وَيُرْسِلَ الْأُخْرَى لم يَبْعُدْ وَيُكْرَهُ له وَلَهُمْ الشُّرْبُ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ فِكْرُهُمْ عَمَّا هُمْ فيه إلَّا لِشِدَّةِ عَطَشٍ فَلَا يُكْرَهُ ذلك وَالتَّقْيِيدُ بِالشِّدَّةِ من زِيَادَتِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وهو الْأَوْجَهُ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ من الْخُطْبَةِ يَأْخُذُ في النُّزُولِ وَالْمُؤَذِّنُ في الْإِقَامَةِ وَيُبَادِرُ لِيَبْلُغَ الْمِحْرَابَ مع فَرَاغِهِ من الْإِقَامَةِ فَيَشْرَعَ في الصَّلَاةِ كُلُّ ذلك مُسْتَحَبٌّ مُبَالَغَةً في تَحْقِيقِ الْمُوَالَاةِ وَتَخْفِيفًا على الْحَاضِرِينَ وَيُكْرَهُ في الْخُطْبَةِ ما ابْتَدَعَهُ الْخُطَبَاءُ الْجَهَلَةُ من الْإِشَارَةِ بِالْيَدِ أو غَيْرِهَا ومن الِالْتِفَاتِ في الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ ومن دَقِّ الدَّرَجِ في صُعُودِهِ الْمِنْبَرَ بِسَيْفٍ أو بِرِجْلِهِ أو نَحْوِهِمَا وَالدُّعَاءِ إذَا انْتَهَى صُعُودُهُ قبل الْجُلُوسِ لِلْأَذَانِ وَرُبَّمَا تَوَهَّمُوا أنها سَاعَةُ الْإِجَابَةِ وهو
____________________
(1/260)
جَهْلٌ لِمَا سَيَأْتِي أنها بَعْدَ جُلُوسِهِ وَأَغْرَبَ الْبَيْضَاوِيُّ فقال يَقِفُ في كل مِرْقَاةٍ وَقْفَةً خَفِيفَةً يَسْأَلُ اللَّهَ فيها الْمَعُونَةَ وَالتَّسْدِيدَ وَمُبَالَغَةُ الْإِسْرَاعِ في الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ وَخَفْضُ الصَّوْتِ بها وَالْمُجَازَفَةُ في وَصْفِ الْخُلَفَاءِ أَيْ السَّلَاطِينِ في الدُّعَاءِ لهم قال صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرُهُ وَيُكْرَهُ الدُّعَاءُ لِلسُّلْطَانِ وهو مَأْخُوذٌ من قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَلَا يَدْعُو في الْخُطْبَةِ لِأَحَدٍ بِعَيْنِهِ فَإِنْ فَعَلَ ذلك كَرِهْته قال النَّوَوِيُّ والمختار أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ لِلسُّلْطَانِ إذَا لم تَكُنْ فيه مُجَازَفَةٌ في وَصْفِهِ إذْ يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ بِصَلَاحِ وُلَاةِ الْأُمُورِ وَيُكْرَهُ الِاحْتِبَاءُ وهو أَنْ يَجْمَعَ الرَّجُلُ ظَهْرَهُ وَسَاقَيْهِ بِثَوْبِهِ أو يَدَيْهِ أو غَيْرِهِمَا وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ لِلنَّهْيِ عنه رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ يَجْلِبُ النَّوْمَ فَيُعَرِّضُ طَهَارَتَهُ لِلنَّقْضِ وَيَمْنَعُهُ الِاسْتِمَاعَ وَيُسْتَحَبُّ له التَّيَامُنُ في الْمِنْبَرِ الْوَاسِعِ وَأَنْ يَخْتِمَ الْخُطْبَةَ الثَّانِيَةَ بِقَوْلِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لي وَلَكُمْ وَإِنْ أُغْمِيَ عليه فيها اُسْتُؤْنِفَتْ وُجُوبًا وَهَذَا ما اخْتَارَهُ في الرَّوْضَةِ وَصَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَالرَّافِعِيِّ عن صَاحِبِ التَّهْذِيبِ إنَّ في بِنَاءِ غَيْرِهِ على خُطْبَتِهِ الْقَوْلَيْنِ في الِاسْتِخْلَافِ في الصَّلَاةِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ بِنَاءِ غَيْرِهِ وهو الْأَوْجَهُ لِأَنَّهُ صَحَّحَ كَغَيْرِهِ جَوَازَ الِاسْتِخْلَافِ فيها بِالْحَدَثِ وَلَا فَرْقَ بين كَوْنِهِ بِالْإِغْمَاءِ وَكَوْنِهِ بِغَيْرِهِ وَقِيَاسُهَا بِالصَّلَاةِ أَشْبَهُ منه بِالْأَذَانِ بِجَامِعِ أُمُورٍ تَقَدَّمَتْ مع أنها تُفَارِقُ الْأَذَانَ بِأَنَّهَا لِلْحَاضِرِينَ فَلَا لَبْسَ وَالْأَذَانُ لِلْغَائِبِينَ فَيَحْصُلُ لهم اللَّبْسُ بِاخْتِلَافِ الْأَصْوَاتِ
قال في الرَّوْضَةِ وَذَكَرَ صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْخَطِيبِ إذَا وَصَلَ الْمِنْبَرَ أَنْ يُصَلِّيَ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَصْعَدَهُ وهو غَرِيبٌ مَرْدُودٌ فإنه خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَنْقُولِ عن فِعْلِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ قال الْإِسْنَوِيُّ بَلْ الْمَوْجُودُ لِأَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ الِاسْتِحْبَابُ وَنَقَلَ الْقَمُولِيُّ عن الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بن عبد السَّلَامِ أَنَّهُ كان يُصَلِّيهَا لَمَّا وُلِّيَ الْخَطَابَةَ بِمِصْرَ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إذَا حَضَرَ حَالَ الْخُطْبَةِ لَا يُعَرِّجُ على غَيْرِهَا قال وقد سَأَلَ الْإِسْنَوِيُّ قَاضِي حُمَاةَ عن هذه فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إذَا دخل الْمَسْجِدَ لِلْخُطْبَةِ فَإِنْ لم يَقْصِدْ الْمِنْبَرَ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْوَقْتِ أو لِانْتِظَارِ ما لَا بُدَّ منه صلى التَّحِيَّةَ وَإِلَّا فَلَا يُصَلِّيهَا وَيَكُونُ اشْتِغَالُهُ بِالْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ يَقُومُ مَقَامَ التَّحِيَّةِ كما يَقُومُ مَقَامَهَا طَوَافُ الْقُدُومِ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْفَرِيقَيْنِ على هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ قال وهو جَوَابٌ حَسَنٌ وَالْعَجَبُ من إهْمَالِ الْإِسْنَوِيِّ له هُنَا
ا ه
وَيُؤَيِّدُ قَوْلَ النَّوَوِيِّ قَوْلُ الْمُتَوَلِّي يُسْتَحَبُّ لِلْخَطِيبِ أَنْ لَا يَحْضُرَ الْجَامِعَ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ لِيَشْرَعَ في الْخُطْبَةِ أَوَّلَ وُصُولِهِ الْمِنْبَرَ فإذا وَصَلَهُ صَعِدَ وَلَا يُصَلِّي التَّحِيَّةَ وَتَسْقُطُ عنه بِالِاشْتِغَالِ بِالْخُطْبَةِ كما تَسْقُطُ بِالِاشْتِغَالِ بِطَوَافِ الْقُدُومِ فَائِدَةٌ قال الْقَمُولِيُّ من الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ كَتْبُ كَثِيرٍ من الناس الْأَوْرَاقَ التي يُسَمُّونَهَا حَفَائِظَ في آخِرِ جُمُعَةٍ من رَمَضَانَ في حَالِ الْخُطْبَةِ لِمَا فيها من الِاشْتِغَالِ عن الِاسْتِمَاعِ وَالِاتِّعَاظِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وهو من أَشْرَفِ الْأَوْقَاتِ وَكِتَابَةُ كَلَامٍ لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ وهو كعسلهون وقد يَكُونُ دَالًّا على ما ليس بِصَحِيحٍ ولم يُنْقَلْ ذلك عن أَحَدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ الْبَابُ الثَّانِي فِيمَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ وَلِوُجُوبِهَا خَمْسَةُ شُرُوطٍ الْأَوَّلُ وَلَيْسَ مُخْتَصًّا بها التَّكْلِيفُ فَتَلْزَمُ السَّكْرَانَ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ جَرَى تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ على أَنَّهُ مُكَلَّفٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كما أَفْهَمَهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ هُنَا وَنَقَلَهُ في الطَّلَاقِ عن أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ في كُتُبِ الْأُصُولِ لِانْتِفَاءِ الْفَهْمِ الذي هو شَرْطُ التَّكْلِيفِ وَإِنَّمَا صَحَّ عَقْدُهُ لِأَنَّهُ من قَبِيلِ
____________________
(1/261)
رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ الذي هو خِطَابُ الْوَضْعِ فَلَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ كَغَيْرِهَا وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا كما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَيَقْضِيهَا وُجُوبًا بَعْدَ زَوَالِ سُكْرِهِ كَغَيْرِهَا ظُهْرًا فَمَنْ عَبَّرَ كَالنَّوَوِيِّ في مَجْمُوعِهِ هُنَا بِأَنَّهَا تَجِبُ عليه مُرَادُهُ وُجُوبُ انْعِقَادِ سَبَبٍ دُونَ الْمُغْمَى عليه وَنَحْوِهِ كَصَبِيٍّ فَلَا تَلْزَمُهُمَا الْجُمُعَةُ كَغَيْرِهَا من الصَّلَوَاتِ وَلِمَا مَرَّ قُبَيْلَ الْبَابِ السَّابِقِ والثاني الْحُرِّيَّةُ فَلَا تَلْزَمُ من فيه رِقٌّ وَإِنْ كُوتِبَ أو كان مُبَعَّضًا وَإِنْ وَقَعَتْ في نُبُوَّتِهِ حَيْثُ تَكُونُ مُهَايَأَةً لِخَبَرِ أبي دَاوُد السَّابِقِ في الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ آنِفًا وَلِاشْتِغَالِهِ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ فَأَشْبَهَ الْمَحْبُوسَ لِحَقِّ الْغَرِيمِ والثالث الذُّكُورَةُ فَلَا تَلْزَمُ الْخُنْثَى وَلَا الْأُنْثَى لِلْخَبَرِ السَّابِقِ في الْأُنْثَى وَقِيَاسًا عليها في الْخُنْثَى وَلِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ أُنْثَى فَلَا تَلْزَمُهُ بِالشَّكِّ
والرابع الْإِقَامَةُ فَلَا تَلْزَمُ مُسَافِرًا سَفَرًا مُبَاحًا وَلَوْ قَصِيرًا لِاشْتِغَالِهِ بِالسَّفَرِ وَأَسْبَابِهِ نعم إنْ خَرَجَ إلَى قَرْيَةٍ يَبْلُغُ أَهْلَهَا نِدَاءُ بَلْدَتِهِ لَزِمَتْهُ لِأَنَّ هذه مَسَافَةٌ يَجِبُ قَطْعُهَا لِلْجُمُعَةِ فَلَا يُعَدُّ سَفَرًا مُسْقِطًا لها كما لو كان بِالْبَلْدَةِ وَدَارُهُ بَعِيدَةٌ عن الْجَامِعِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ فَمَحَلُّ عَدَمِ لُزُومِهَا في غَيْرِ هذه لَكِنْ تُسْتَحَبُّ له وَلِلْعَبْدِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَلِلْعَجُوزِ بِإِذْنِ زَوْجِهَا أو سَيِّدِهَا وَلِلْخُنْثَى وَالصَّبِيِّ إنْ أَمْكَنَ والخامس الصِّحَّةُ وَنَحْوُهَا من الْخُلُوِّ من الْأَعْذَارِ الْآتِيَةِ فَلَا تَلْزَمُ مَرِيضًا لِلْخَبَرِ السَّابِقِ ولا ذَا عُذْرٍ يُلْحَقُ بِهِ أَيْ بِالْمَرَضِ الْمَفْهُومِ من الْمَرِيضِ إلَّا إنْ حَضَرُوا أَيْ ذَوُو الْأَعْذَارِ من الْمَرِيضِ وَنَحْوِهِ في الْوَقْتِ ولم يَتَضَرَّرُوا بِأَنْ لم يَزِدْ مَرَضُهُمْ بِالِانْتِظَارِ فَتَلْزَمُهُمْ فَلَا يَجُوزُ انْصِرَافُهُمْ لِأَنَّ الْمَانِعَ في حَقِّهِمْ مَشَقَّةُ الْحُضُورِ فإذا تَحَمَّلُوهَا وَحَضَرُوا فَقَدْ ارْتَفَعَ الْمَانِعُ وَتَعَبُ الْعَوْدِ لَا بُدَّ منه سَوَاءٌ أَصَلَّوْا الْجُمُعَةَ أَمْ الظُّهْرَ فَإِنْ تَضَرَّرُوا بِالِانْتِظَارِ أو لم يَتَضَرَّرُوا لَكِنْ حَضَرُوا قبل الْوَقْتِ فَلَهُمْ الِانْصِرَافُ وَبَحَثَ السُّبْكِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ عَدَمَ جَوَازِ انْصِرَافِهِمْ في الثَّانِيَةِ كما يَجِبُ السَّعْيُ فيها على غَيْرِ الْمَعْذُورِينَ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَعْذُورَ لم تَلْزَمْهُ الْجُمُعَةُ وَإِنَّمَا حَضَرَ مُتَبَرِّعًا فَجَازَ له الِانْصِرَافُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ فَلَزِمَهُ ما تَتَوَقَّفُ عليه كَغَيْرِهِمْ من عَبْدٍ وَخُنْثَى وَامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ وَمُسَافِرٍ فإن لهم الِانْصِرَافَ إذْ الْمَانِعُ من اللُّزُومِ الصِّفَاتُ الْقَائِمَةُ بِهِمْ وَهِيَ لَا تَرْتَفِعُ بِحُضُورِهِمْ إلَّا إنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَيْسَ لِلْمَعْذُورِينَ الِانْصِرَافُ فَإِنْ أَحْرَمَ بها الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ وَنَحْوُهُمَا وَكَذَا الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالْخُنْثَى أَجْزَأَتْهُمْ لِأَنَّهَا أَكْمَلُ في الْمَعْنَى وَإِنْ كانت أَقْصَرَ في الصُّورَةِ وَحَرُمَ الْخُرُوجُ منها وَلَوْ بِقَلْبِهَا ظُهْرًا لِتَلَبُّسِهِمْ بِالْفَرْضِ فَرْعٌ الْأَعْذَارُ الْمُرَخِّصَةُ في تَرْكِ الْجَمَاعَةِ مِمَّا يُتَصَوَّرُ منها في الْجُمُعَةِ مُرَخَّصَةٌ في تَرْكِ الْجُمُعَةِ وقد تَقَدَّمَ بَيَانُهَا ثُمَّ وَتَلْزَمُ زَمِنًا وَشَيْخًا هَرِمًا إنْ وَجَدَا مَرْكُوبًا وَلَوْ آدَمِيًّا لَا يُشَقُّ رُكُوبُهُ بِمِلْكٍ أو إجَارَةٍ أو إعَارَةٍ كَأَعْمَى وَجَدَ قَائِدًا وَلَوْ مُتَبَرِّعًا أو بِأُجْرَةٍ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ فَإِنْ لم يَجِدْهُ فَأَطْلَقَ الْأَكْثَرُونَ أنها لَا تَلْزَمُهُ وقال الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي إنْ كان يُحْسِنُ الْمَشْيَ بِالْعَصَا من غَيْرِ قَائِدٍ لَزِمَتْهُ وَضَعَّفَهُ الشَّاشِيُّ وَحَمَلَهُ الْعِمْرَانِيُّ على من اعْتَادَ الْمَشْيَ إلَى مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ فَرْعٌ إذَا وُجِدَتْ قَرْيَةٌ فيها أَرْبَعُونَ كَامِلُونَ تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فَإِنْ صَلَّوْهَا في الْمِصْرِ سَقَطَتْ عَنْهُمْ سَوَاءٌ أَسَمِعُوا النِّدَاءَ منه أَمْ لَا وَأَسَاءُوا بِذَلِكَ لِتَعْطِيلِهِمْ الْجُمُعَةَ في قَرْيَتِهِمْ وَالْمُرَادُ بِالْإِسَاءَةِ هُنَا
____________________
(1/262)
التَّحْرِيمُ كما صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُفْهِمُهُ فإنه ذَكَرَ في الْقِصَاصِ ما يُؤْخَذُ منه أَنَّ لَفْظَةَ أَسَاءَ لِلتَّحْرِيمِ لَكِنْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِالْجَوَازِ منهم الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ فقال الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلُّوا بِقَرْيَتِهِمْ وقال ابن الصَّبَّاغِ هُمْ بِالْخِيَارِ وَتَحْرِيرُ الْقَوْلِ في أَسَاءَ أنها إنَّمَا تَدُلُّ على التَّحْرِيمِ بِقَرِينَةٍ فَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ من أَرْبَعِينَ أو أَهْلَ خِيَامٍ مَثَلًا وَنِدَاءُ بَلَدِ الْجُمُعَةِ يَبْلُغُهُمْ لَزِمَتْهُمْ وَإِنْ لم يَبْلُغْهُمْ فَلَا لِخَبَرٍ الْجُمُعَةُ على من سمع النِّدَاءَ رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ لَكِنْ ذَكَرَ له الْبَيْهَقِيُّ شَاهِدًا بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ قال في الْمَجْمُوعِ
فَإِنْ حَضَرَ من لم يَبْلُغْهُ النِّدَاءُ فَلَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ مع الْكَرَاهَةِ بِخِلَافِ من لم يَبْلُغْهُ في الْبَلَدِ يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ قَطْعًا وَالْمُعْتَبَرُ نِدَاءُ صَيِّتٍ أَيْ عَالِي الصَّوْتِ يُؤَذِّنُ كَعَادَتِهِ في عُلُوِّ الصَّوْتِ وهو على الْأَرْضِ في طَرَفِهَا أَيْ طَرَفِ الْبَلْدَةِ الذي يَلِيهِمْ وَالْأَصْوَاتُ هَادِئَةٌ وَالرِّيَاحُ رَاكِدَةٌ وَاعْتُبِرَ الطَّرَفُ الذي يَلِيهِمْ لِأَنَّ الْبَلْدَةَ قد تَكْبُرُ بِحَيْثُ لَا يَبْلُغُ أَطْرَافَهَا النِّدَاءُ بِوَسَطِهَا فَاحْتِيطَ لِلْعِبَادَةِ وَاعْتُبِرَ هُدُوءُ الْأَصْوَاتِ وَالرِّيَاحِ لِئَلَّا يَمْنَعَا بُلُوغَ النِّدَاءِ أو تُعِينُ عليه الرِّيَاحُ لَا على عَالٍ أَيْ يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمُؤَذِّنِ على الْأَرْضِ لَا على عَالٍ لِأَنَّهُ لَا ضَبْطَ لِحَدِّهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْبَلْدَةُ في أَرْضٍ بين أَشْجَارٍ كَطَبَرِسْتَانَ فَإِنَّهَا بين أَشْجَارٍ تَمْنَعُ بُلُوغَ الصَّوْتِ فَيُعْتَبَرُ فيها الْعُلُوُّ على ما يُسَاوِي الْأَشْجَارَ وقد يُقَالُ الْمُعْتَبَرُ السَّمَاعُ لو لم يَكُنْ مَانِعٌ وفي ذلك مَانِعٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهِ وَعِبَارَتُهُ أَعَمُّ من تَقْيِيدِ الْأَصْلِ بِطَبَرِسْتَانَ والمعتبر أَنْ يَكُونَ الْمُصْغِي لِلنِّدَاءِ مُعْتَدِلَ السَّمْعِ فَإِنْ سَمِعَهُ لَزِمَتْهُمْ وَإِلَّا فَلَا وَخَرَجَ بِالْمُعْتَدِلِ الْأَصَمُّ وَمَنْ جَاوَزَ سَمْعُهُ حَدَّ الْعَادَةِ وَإِنْ لم يَسْمَعُوا النِّدَاءَ لِكَوْنِهِمْ في وَهْدَةٍ من الْأَرْضِ وَلَوْ كَانُوا بِاسْتِوَاءٍ سَمِعُوا أو سَمِعَهُ الْأَبْعَدُ لِكَوْنِهِمْ على قُلَّةٍ من جَبَلٍ وَلَوْ كَانُوا بِاسْتِوَاءٍ لم يَسْمَعُوا لَزِمَتْ من في الْوَهْدَةِ فَقَطْ أَيْ دُونَ من على قُلَّةِ الْجَبَلِ اعْتِبَارًا بِتَقْدِيرِ الِاسْتِوَاءِ وَالْخَبَرُ السَّابِقُ مَحْمُولٌ على الْغَالِبِ وَلَوْ أُخِذَ بِظَاهِرِهِ لَلَزِمَتْ الْبَعِيدَ الْمُرْتَفِعَ دُونَ الْقَرِيبِ الْمُنْخَفِضِ وهو بَعِيدٌ وَإِنْ صَحَّحَهُ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَقُلَّةُ الْجَبَلِ بِالتَّشْدِيدِ رَأْسُهُ فَإِنْ سمع الْمُعْتَدِلُ النِّدَاءَ من بَلَدَيْنِ فَحُضُورُ الْأَكْثَرِ مِنْهُمَا جَمَاعَةً أَوْلَى فَإِنْ اسْتَوَيَا فَيُحْتَمَلُ مُرَاعَاةُ الْأَقْرَبِ كَنَظِيرِهِ في الْجَمَاعَةِ وَيُحْتَمَلُ مُرَاعَاةُ الْأَبْعَدِ لِكَثْرَةِ الْأَجْرِ وَالْغَرِيبُ الْمُقِيمُ بِبَلْدَةٍ إذَا لم يَسْتَوْطِنْ بها بَلْ عَزْمُهُ الرُّجُوعُ إلَى وَطَنِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ يَخْرُجُ بها عن كَوْنِهِ مُسَافِرًا وَإِنْ طَالَتْ كَالْمُتَفَقِّهِ وَالتَّاجِرِ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ لِإِقَامَتِهِ مع سَمَاعِهِ النِّدَاءَ ولم تَنْعَقِدْ بِهِ لِعَدَمِ اسْتِيطَانِهِ كما مَرَّ ذلك فَرْعٌ الْعُذْرُ الطَّارِئُ وَلَوْ بَعْدَ الزَّوَالِ يُبِيحُ تَرْكَ الْجُمُعَةِ إلَّا السَّفَرُ فَلَا يُنْشِئُهُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَلَوْ لِطَاعَةٍ كَسَفَرِ حَجٍّ فَرْضًا أو نَفْلًا كما لَا يُنْشِئُهُ مُبَاحًا كَسَفَرِ تِجَارَةٍ أَمَّا بَعْدَ الزَّوَالِ فَلِأَنَّهَا لَزِمَتْهُ فَيَحْرُمُ اشْتِغَالُهُ بِمَا يُفَوِّتُهَا كَالتِّجَارَةِ وَاللَّهْوِ وَلَا يَقْدَحُ كَوْنُ الْوُجُوبِ مُوَسَّعًا إذْ الناس تَبَعٌ لِلْإِمَامِ فيها فَتَعَيَّنَ انْتِظَارُهُ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلِأَنَّهَا مُضَافَةٌ إلَى الْيَوْمِ وَإِنْ كان وَقْتُهَا بِالزَّوَالِ وَلِهَذَا يُعْتَدُّ بِغُسْلِهَا وَيَلْزَمُ السَّعْيُ بَعِيدَ الدَّارِ قَبْلَهُ نعم إنْ وَجَبَ السَّفَرُ فَوْرًا كَإِنْقَاذِ نَاحِيَةٍ وَطِئَهَا الْكُفَّارُ أو أَسْرَى اخْتَطَفُوهُمْ وَظُنَّ أو جَوَّزَ إدْرَاكَهُمْ فَالْوَجْهُ كما قال الْأَذْرَعِيُّ أَخْذًا من كَلَامِ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ وُجُوبَ السَّفَرِ فَضْلًا عن جَوَازِهِ أَيْ الْمَأْخُوذِ من قَوْلِهِ كَغَيْرِهِ فَإِنْ خَشِيَ من عَدَمِ سَفَرِهِ ضَرَرًا كَانْقِطَاعِ الرُّفْقَةِ أَيْ انْقِطَاعِهِ عَنْهُمْ أو أَمْكَنَهُ إدْرَاكُهَا بِمَعْنَى تَمَكَّنَ من إدْرَاكِهَا في طَرِيقِهِ أو مَقْصِدِهِ لم يَحْرُمْ سَفَرُهُ قبل الزَّوَالِ وَلَا بَعْدَهُ لِخَبَرِ الْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ في الْإِسْلَامِ في الْأَوَّلِ وَلِحُصُولِ الْغَرَضِ في الثَّانِي وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ أَنَّ مُجَرَّدَ انْقِطَاعِهِ عن الرُّفْقَةِ بِلَا ضَرَرٍ وَلَيْسَ عُذْرًا قال في الْمُهِمَّاتِ وَالصَّوَابُ خِلَافُهُ لِمَا فيه من الْوَحْشَةِ وَكَمَا في نَظِيرِهِ من التَّيَمُّمِ وَبِهِ جَزَمَ في الْكِفَايَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ في التَّيَمُّمِ بِأَنَّ الطُّهْرَ يَتَكَرَّرُ في كل يَوْمٍ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ وقد يُفَرَّقُ أَيْضًا بِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ في الْوَسَائِلِ ما لَا يُغْتَفَرُ في الْمَقَاصِدِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَخْشَ ضَرَرًا وَلَا أَمْكَنَهُ إدْرَاكُهَا فِيمَا ذُكِرَ وَسَافَرَ عَصَى بِسَفَرِهِ لِتَفْوِيتِهَا بِلَا ضَرَرٍ ولم يَتَرَخَّصْ ما لم تَفُتْ الْجُمُعَةُ وَيُحْسَبُ ابْتِدَاءُ سَفَرِهِ من فَوَاتِهَا لِانْتِهَاءِ سَبَبِ
____________________
(1/263)
الْمَعْصِيَةِ فَرْعٌ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ يَرْجُو زَوَالَ عُذْرِهِ قبل فَوَاتِ الْجُمُعَةِ كَالْعَبْدِ يَرْجُو الْعِتْقَ وَالْمَرِيضِ يَرْجُو الْخِفَّةَ تَأْخِيرُ الظُّهْرِ إلَى أَنْ يَيْأَسَ من إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ بِأَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ من الرُّكُوعِ الثَّانِي لِأَنَّهُ قد يَزُولُ عُذْرُهُ قبل ذلك فَيَأْتِي بها كَامِلًا وَقِيلَ بِأَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ وَأُيِّدَ بِمَا سَيَأْتِي في غَيْرِ الْمَعْذُورِ من أَنَّهُ لو أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ قبل السَّلَامِ لم يَصِحَّ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْجُمُعَةَ ثَمَّ لَازِمَةٌ فَلَا تُرْفَعُ إلَّا بِيَقِينٍ بِخِلَافِهَا هُنَا وَتُصَلِّي اسْتِحْبَابًا الْمَرْأَةُ وسائر من لم يُرْجَ زَوَالُ عُذْرِهِ أَوَّلَ الْوَقْتِ لِيَحُوزَ فَضِيلَتَهُ قال في الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ هذا اخْتِيَارُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وهو الْأَصَحُّ وقال الْعِرَاقِيُّونَ هذا كَالْأَوَّلِ فَيُسْتَحَبُّ له تَأْخِيرُ الظُّهْرِ حتى تَفُوتَ الْجُمُعَةُ لِأَنَّهُ قد يَنْشَطُ لها وَلِأَنَّهَا صَلَاةُ الْكَامِلِينَ فَاسْتُحِبَّ تَقْدِيمُهَا قال وَالِاخْتِيَارُ التَّوَسُّطُ فَيُقَالُ إنْ كان جَازِمًا بِأَنَّهُ لَا يَحْضُرُهَا وَإِنْ تَمَكَّنَ منها اُسْتُحِبَّ له تَقْدِيمُ الظُّهْرِ وَإِنْ كان لو تَمَكَّنَ أو نَشِطَ حَضَرَهَا اُسْتُحِبَّ له التَّأْخِيرُ وما نَقَلَهُ عن الْعِرَاقِيِّينَ نَصَّ عليه في الْأُمِّ وقال الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ ثُمَّ مَحَلُّ الصَّبْرِ إلَى فَوْتِ الْجُمُعَةِ إذَا لم يُؤَخِّرْهَا الْإِمَامُ إلَى أَنْ يَبْقَى من وَقْتِهَا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَإِلَّا فَلَا يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ ذَكَرَهُ في نُكَتِ التَّنْبِيهِ وَيُسْتَحَبُّ لهم أَيْ لِلْمَعْذُورِينَ الْجَمَاعَةُ في ظُهْرِهِمْ لِعُمُومِ أَدِلَّتِهَا وَيُخْفُونَهَا اسْتِحْبَابًا إنْ خَفِيَ عُذْرُهُمْ لِئَلَّا يُتَّهَمُوا بِالرَّغْبَةِ عن صَلَاةِ الْإِمَامِ أو الْجُمُعَةِ قال الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَيُكْرَهُ لهم إظْهَارُهَا قال الْأَذْرَعِيُّ وهو ظَاهِرٌ إذَا أَقَامُوهَا بِالْمَسَاجِدِ فَإِنْ كان الْعُذْرُ ظَاهِرًا فَلَا يُسْتَحَبُّ الْإِخْفَاءُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ فَإِنْ صَلَّوْا الظُّهْرَ لِعُذْرٍ أو شَرَعُوا فيها فَزَالَ الْعُذْرُ قبل فَوَاتِ الْجُمُعَةِ أَجْزَأَتْهُمْ لِأَدَاءِ فَرْضِ وَقْتِهِمْ فَلَا تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ لِعُذْرٍ لِأَنَّ ضَمِيرَ صَلَّوْا لِلْمَعْذُورِينَ إلَّا الْخُنْثَى إذَا بَانَ رَجُلًا فَتَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كان رَجُلًا حين صَلَاتِهِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لهم أَيْ لِلْمَعْذُورِينَ غَيْرِ الْخُنْثَى الْمَذْكُورِ الْجُمُعَةُ بَعْدَ فِعْلِهِمْ الظُّهْرَ حَيْثُ لَا مَانِعَ خُرُوجًا من الْخِلَافِ فَرْعٌ من لَا عُذْرَ له لَا يَصِحُّ ظُهْرُهُ قبل سَلَامِ الْإِمَامِ من الْجُمُعَةِ لِتَوَجُّهِ فَرْضِهَا عليه بِنَاءً على الْأَصَحِّ أنها الْفَرْضُ الْأَصْلِيُّ وَإِلَّا لَجَازَ تَرْكُ الْبَدَلِ إلَى الْأَصْلِ كما مَرَّ وَلِأَنَّهُ لم يَتَحَقَّقْ فَوَاتُهَا لِجَوَازِ بُطْلَانِهَا فَإِنْ صَلَّاهَا أَيْ الظُّهْرَ حِينَئِذٍ جَاهِلًا بِذَلِكَ انْقَلَبَتْ نَفْلًا كَنَظَائِرِهَا وَبَعْدَ سَلَامِهِ أَيْ الْإِمَامِ يَلْزَمُهُ أَيْ غير الْمَعْذُورِ أَدَاءُ الظُّهْرِ على الْفَوْرِ وَإِنْ كانت أَدَاءً لِعِصْيَانِهِ بِتَفْوِيتِ الْجُمُعَةِ فَأَشْبَهَ عِصْيَانَهُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ في الْمُهِمَّاتِ تَفَقُّهًا وَلَوْ تَرَكَهَا أَهْلُ الْبَلَدِ فَصَلَّوْا الظُّهْرَ لم تَصِحَّ لِتَوَجُّهِ فَرْضِهَا عليهم كما مَرَّ ما لم يَضِقْ الْوَقْتُ عن خُطْبَتَيْنِ وَرَكْعَتَيْنِ وَالْأَصَحُّ لِيَأْسِهِمْ منها حِينَئِذٍ فَرْعٌ قال في الْمَجْمُوعِ قال الْمَاوَرْدِيُّ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ بِلَا عُذْرٍ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ أو نِصْفِ دِينَارٍ لِخَبَرِ من تَرَكَ الْجُمُعَةَ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ أو بِنِصْفِ دِينَارٍ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ قال وَرُوِيَ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِرْهَمٍ أو نِصْفِ دِرْهَمٍ أو صَاعِ حِنْطَةٍ أو نِصْفِ صَاعٍ وفي رِوَايَةٍ بِمُدٍّ أو نِصْفِ مُدٍّ وَاتَّفَقُوا على ضَعْفِهِ وَقَوْلُ الْحَاكِمِ أَنَّهُ صَحِيحٌ مَرْدُودٌ الْبَابُ الثَّالِثُ في كَيْفِيَّةِ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ شُرُوطِهَا وَهِيَ رَكْعَتَانِ كَغَيْرِهَا في الْأَرْكَانِ وَتَمْتَازُ عن غَيْرِهَا بِأُمُورٍ مَنْدُوبَةٍ الْأَوَّلُ الْغُسْلُ
____________________
(1/264)
بَلْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ لِأَخْبَارِ الصَّحِيحَيْنِ إذَا أتى أحدكم الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ يوم الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ أَيْ مُؤَكَّدٌ على كل مُحْتَلِمٍ وَحَقٌّ على كل مُسْلِمٍ يَغْتَسِلُ في كل سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا زَادَ النَّسَائِيّ هو يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَصَرَفَهَا عن الْوُجُوبِ خَبَرُ من تَوَضَّأَ يوم الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ من تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أتى الْجُمُعَةَ فَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ له ما بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَيُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ عِنْدَ الرَّوَاحِ إلَيْهَا وَيَجُوزُ بَعْدَ الْفَجْرِ لَا قَبْلَهُ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ عَلَّقَتْهُ بِالْيَوْمِ وَيُفَارِقُ غُسْلَ الْعِيدِ حَيْثُ يُجْزِئُ قبل الْفَجْرِ بِبَقَاءِ أَثَرِهِ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ لِقُرْبِ الزَّمَنِ وَبِأَنَّهُ لو لم يَجُزْ قبل الْفَجْرِ لَضَاقَ الْوَقْتُ وَتَأَخَّرَ عن التَّكْبِيرِ إلَى الصَّلَاةِ وفي كَلَامِهِ قُصُورٌ وَالْغَرَضُ أَنَّ الْغُسْلَ لها سُنَّةٌ من بَعْدِ الْفَجْرِ إلَى الرَّوَاحِ إلَيْهَا وَأَنَّهُ يُسَنُّ تَقْرِيبُهُ من الرَّوَاحِ لِأَنَّهُ أَفْضَى إلَى الْغَرَضِ من التَّنْظِيفِ وَلَوْ تَعَارَضَ الْغُسْلُ وَالتَّكْبِيرُ فَمُرَاعَاةُ الْغُسْلِ كما قال الزَّرْكَشِيُّ أَوْلَى لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ في وُجُوبِهِ وَلِأَنَّ نَفْعَهُ مُتَعَدٍّ إلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ وَيَخْتَصُّ بِمَنْ يَحْضُرُهَا وَإِنْ لم تَلْزَمْهُ لِمَفْهُومِ خَبَرِ إذَا أتى أحدكم الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ من أتى الْجُمُعَةَ من الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ لم يَأْتِهَا فَلَيْسَ عليه غُسْلٌ وَيُفَارِقُ الْعِيدَ حَيْثُ لَا يَخْتَصُّ بِمَنْ يَحْضُرُ بِأَنَّ غُسْلَهُ لِلزِّينَةِ وَإِظْهَارِ السُّرُورِ وَهَذَا لِلتَّنْظِيفِ وَدَفْعِ الْأَذَى عن الناس وَمِثْلُهُ يَأْتِي في التَّزْيِينِ قال الرَّافِعِيُّ وقد يُضَايَقُ في هذا الْفَرْقِ وَلَا يُبْطِلُهُ الْحَدَثُ فَيَتَوَضَّأُ ولا الْجَنَابَةُ فَيَغْتَسِلُ لها وَيَتَيَمَّمُ الْعَاجِزُ عنه بِنِيَّتِهِ إحْرَازًا لِلْفَضِيلَةِ كَسَائِرِ الْأَغْسَالِ وَيَلْزَمُ الْبَعِيدَ عن الْجَامِعِ السَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ قبل الزَّوَالِ لِتَوَقُّفِ أَدَاءِ الْوَاجِبِ عليه وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ هُنَا على الرَّوْضَةِ فَرْعٌ من الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ أَغْسَالُ الْحَجِّ وَالْعِيدَيْنِ وَسَتَأْتِي في مَحَالِّهَا وَالْغُسْلُ من غُسْلِ الْمَيِّتِ مُسْلِمًا أو كَافِرًا سُنَّةٌ كَالْوُضُوءِ من مَسِّهِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْغَاسِلُ طَاهِرًا أَمْ لَا كَحَائِضٍ لِخَبَرِ من غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَقِيسَ بِالْحَمْلِ الْمَسُّ وَصَرَفَهُ عن الْوُجُوبِ خَبَرُ ليس عَلَيْكُمْ في غُسْلِ مَيِّتِكُمْ غُسْلٌ إذَا غَسَّلْتُمُوهُ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ على شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَقِيسَ بِالْغُسْلِ الْوُضُوءُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ سُنَّةٌ إيضَاحٌ وَكَذَا يُسَنُّ غُسْلُ كَافِرٍ أَسْلَمَ ولم يَسْبِقْ منه جَنَابَةٌ أو حَيْضٌ أو نَحْوُهُ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ بِهِ قَيْسَ بن عَاصِمٍ لَمَّا أَسْلَمَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ ابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانُ وَحَمَلُوهُ على النَّدْبِ لِأَنَّهُ قد أَسْلَمَ خَلْقٌ كَثِيرٌ ولم يُؤْمَرُوا بِالْغُسْلِ وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ تَرْكُ مَعْصِيَةٍ فلم يَجِبْ معه غُسْلٌ كَالتَّوْبَةِ من سَائِرِ الْمَعَاصِي وَيُسَنُّ غُسْلُهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَأَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ قبل غُسْلِهِ لَا بَعْدَهُ كما وَقَعَ لِبَعْضِهِمْ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ سَبَقَ منه جَنَابَةٌ أو نَحْوُهَا وَجَبَ غُسْلُهُ وَإِنْ اغْتَسَلَ في الْكُفْرِ كما مَرَّ في صِفَةِ الْوُضُوءِ وَوَقْتُهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَا قَبْلَهُ إذْ لَا سَبِيلَ إلَى تَأْخِيرِ الْإِسْلَامِ الْوَاجِبِ وما في خَبَرِ ثُمَامَةَ من أَنَّهُ أَسْلَمَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ جاء فَأَسْلَمَ مَحْمُولٌ على أَنَّهُ أَسْلَمَ ثُمَّ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَظْهَرَ إسْلَامَهُ بِقَرِينَةِ رِوَايَةٍ أُخْرَى ويسن الْغُسْلُ لِلْإِفَاقَةِ من الْجُنُونِ ومن الْإِغْمَاءِ لِلِاتِّبَاعِ في الْإِغْمَاءِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وفي مَعْنَاهُ الْجُنُونُ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ يُقَالُ كما قال الشَّافِعِيُّ قَلَّ من جُنَّ إلَّا وَأَنْزَلَ فَإِنْ قُلْت لِمَ لم يَجِبْ كما يَجِبُ الْوُضُوءُ قُلْت لَا عَلَامَةَ ثَمَّ على خُرُوجِ الرِّيحِ بِخِلَافِ الْمَنِيِّ فإنه مُشَاهَدٌ ويسن الْغُسْلُ لِكُلِّ اجْتِمَاعٍ كَالِاجْتِمَاعِ لِكُسُوفٍ أو اسْتِسْقَاءٍ كما في الْجُمُعَةِ وَنَحْوِهَا وَلِتَغَيُّرِ رَائِحَةِ الْبَدَنِ إزَالَةً لِلرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ والغسل من الْحِجَامَةِ ومن الْخُرُوجِ من الْحَمَّامِ عِنْدَ إرَادَةِ الْخُرُوجِ سَوَاءٌ أَتَنَوَّرَ أَمْ لَا لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عن عبد اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ كنا نَغْتَسِلُ من خَمْسٍ من الْحِجَامَةِ وَالْحَمَّامِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَمِنْ الْجَنَابَةِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَحِكْمَتُهُ كما أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّ ذلك يُغَيِّرُ الْجَسَدَ وَيُضْعِفُهُ وَالْغُسْلُ يَشُدُّهُ وَيُنْعِشُهُ وَيُؤْخَذُ منه أَنَّهُ يُسَنُّ الْغُسْلُ لِلْفَصْدِ وَنَحْوِهِ وَمِنْ الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ الْغُسْلُ لِلِاعْتِكَافِ كما في لَطِيفِ ابْنِ خَيْرَانَ عن النَّصِّ وَلِكُلِّ لَيْلَةٍ من رَمَضَانَ على ما قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَيَّدَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِمَنْ يَحْضُرُ الْجَمَاعَةَ وَلِدُخُولِ الْحَرَمِ وَلِحَلْقِ الْعَانَةِ كما في رَوْنَقِ الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ وَلُبَابِ الْمَحَامِلِيِّ وَلِبُلُوغِ الصَّبِيِّ بِالسِّنِّ كما في الرَّوْنَقِ وَلِدُخُولِ الْمَدِينَةِ كما قَالَهُ الْخَفَّافُ وَالنَّوَوِيُّ في مَنَاسِكِهِ وَالْغُسْلُ في الْوَادِي عِنْدَ سَيَلَانِهِ كما ذَكَرُوهُ في الِاسْتِسْقَاءِ وَآكَدُهَا غُسْلُ الْجُمُعَةِ لِكَثْرَةِ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فيه ثُمَّ غُسْلُ غَاسِلِ الْمَيِّتِ لِلِاخْتِلَافِ في وُجُوبِهِ وَفَائِدَتُهُ أَيْ وَمِنْ فَوَائِدِ كَوْنِ ذلك
____________________
(1/265)
آكَدَ التَّقْدِيمُ له كما لو أَوْصَى أو وَكَّلَ بِمَاءٍ لِلْأَوْلَى كما مَرَّ بَيَانُهُ في التَّيَمُّمِ تَنْبِيهٌ قال الزَّرْكَشِيُّ قال بَعْضُهُمْ إذَا أَرَادَ الْغُسْلَ لِلْمَسْنُونَاتِ نَوَى أَسْبَابَهَا إلَّا الْغُسْلَ من الْجُنُونِ فإنه يَنْوِي الْجَنَابَةَ وَكَذَا الْمُغْمَى عليه ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ قُلْت وَيُغْتَفَرُ عَدَمُ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ هُنَا لِلضَّرُورَةِ كما لو شَكَّ في الْخَارِجِ هل هو مَنِيٌّ أو وَدْيٌ وَاغْتَسَلَ انْتَهَى الْأَمْرُ الثَّانِي الْبُكُورُ إلَى الْمُصَلَّى لِيَأْخُذُوا مَجَالِسَهُمْ وَيَنْتَظِرُوا الصَّلَاةَ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ على كل بَابٍ من أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَائِكَةٌ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَمَنْ اغْتَسَلَ يوم الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ أَيْ مثله ثُمَّ رَاحَ أَيْ في السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ في السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ في السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فإذا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ وفي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ أَنَّ السَّاعَاتِ سِتٌّ قال في الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ ما مَرَّ وفي الرَّابِعَةِ بَطَّةً وَالْخَامِسَةِ دَجَاجَةً وَالسَّادِسَةِ بَيْضَةً وفي رِوَايَةٍ له أَيْضًا في الرَّابِعَةِ دَجَاجَةً وَالْخَامِسَةِ عُصْفُورًا وَالسَّادِسَةِ بَيْضَةً قال في الْمَجْمُوعِ وَإِسْنَادُ الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحٌ لَكِنْ قد يُقَالُ هُمَا شَاذَّتَانِ لِمُخَالَفَتِهِمَا سَائِرَ الرِّوَايَاتِ وَقُيِّدَ من زِيَادَتِهِ سُنَّ الْبُكُورُ بِقَوْلِهِ لِغَيْرِ الْإِمَامِ
أَمَّا الْإِمَامُ فَيُنْدَبُ له التَّأْخِيرُ إلَى وَقْتِ الْخُطْبَةِ لِاتِّبَاعِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَخُلَفَائِهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَنَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ وَالسَّاعَاتُ من طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا الشَّمْسِ وَلَا الضُّحَى وَلَا الزَّوَالِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْيَوْمِ شَرْعًا وَبِهِ يَتَعَلَّقُ جَوَازُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ كما مَرَّ وَإِنَّمَا ذُكِرَ في الْخَبَرِ لَفْظُ الرَّوَاحِ مع أَنَّهُ اسْمٌ لِلْخُرُوجِ بَعْدَ الزَّوَالِ كما قَالَهُ الْجُمْهُورُ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ لِمَا يُؤْتَى بِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ على أَنَّ الْأَزْهَرِيَّ مَنَعَ ذلك وقال إنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْعَرَبِ في السَّيْرِ أَيِّ وَقْتٍ من لَيْلٍ أو نَهَارٍ وَالسَّاعَةُ الْأُولَى أَفْضَلُ ثُمَّ الثَّانِيَةُ ثُمَّ الثَّالِثَةُ فما بَعْدَهَا لِلْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ
وَلَيْسَ الْمُرَادُ من السَّاعَاتِ الْفَلَكِيَّةِ أَيْ الْأَرْبَعَ وَالْعِشْرِينَ بَلْ تَرْتِيبُ دَرَجَاتِ السَّابِقِينَ على من يَلِيهِمْ في الْفَضِيلَةِ لِئَلَّا يَسْتَوِيَ فيها رَجُلَانِ جَاءَا في طَرَفَيْ سَاعَةٍ وَلِأَنَّهُ لو أُرِيدَ ذلك لَاخْتَلَفَ الْأَمْرُ في الْيَوْمِ الثَّانِي وَالصَّائِفِ وقد أَوْضَحَ ذلك من زِيَادَتِهِ فقال فَكُلُّ دَاخِلٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى ما بَعْدَهُ كَالْمُقَرِّبِ بَدَنَةً وبالنسبة إلَى من قَبْلَهُ بِدَرَجَةٍ كَالْمُقَرِّبِ بَقَرَةً وَبِدَرَجَتَيْنِ كَالْمُقَرِّبِ كَبْشًا وَبِثَلَاثٍ من الدَّرَجَاتِ كَالْمُقَرِّبِ دَجَاجَةً بِتَثْلِيثِ الدَّالِ وَبِأَرْبَعٍ من الدَّرَجَاتِ كَالْمُقَرِّبِ بَيْضَةً وقال في شَرْحَيْ الْمُهَذَّبِ وَمُسْلِمٍ بَلْ الْمُرَادُ الْفَلَكِيَّةُ لَكِنَّ بَدَنَةَ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ من بَدَنَةِ الْأَخِيرِ وَبَدَنَةَ الْمُتَوَسِّطِ مُتَوَسِّطَةٌ كما في دَرَجَاتِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ وَالْقَلِيلَةِ أَيْ وَيُرَادُ بِسَاعَاتِ النَّهَارِ الْفَلَكِيَّةِ اثْنَا عَشْرَ سَاعَةً زَمَانِيَّةً صَيْفًا أو شِتَاءً وَإِنْ لم تُسَاوِ الْفَلَكِيَّةَ فَالْعِبْرَةُ بِخَمْسِ سَاعَاتٍ منها طَالَ الزَّمَانُ أو قَصُرَ كما أَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي وقال الْغَزَالِيُّ السَّاعَةُ الْأُولَى إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالثَّانِيَةُ إلَى ارْتِفَاعِهَا وَالثَّالِثَةُ إلَى انْبِسَاطِهَا حتى تَرْمَضَ الْأَقْدَامُ وَالرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ إلَى الزَّوَالِ الْأَمْرُ الثَّالِثُ وَلَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْجُمُعَةِ لَكِنَّهُ فيها آكَدُ التَّزَيُّنُ بِأَخْذِ الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ رَوَى الشَّيْخَانِ خَبَرَ الْفِطْرَةُ خَمْسٌ الْخِتَانُ وَالِاسْتِحْدَادُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْآبَاطِ وَرَوَى الْبَزَّارُ خَبَرَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ وَيَقُصُّ شَارِبَهُ يوم الْجُمُعَةِ قبل الْخُرُوجِ إلَى الصَّلَاةِ وَحَدُّ قَصِّ الشَّارِبِ كما في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ أَنْ يَقُصَّهُ حتى يَبْدُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ وَلَا يُحْفِيَهُ من أَصْلِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَأَمَّا خَبَرُ أَحْفُوا الشَّوَارِبَ فَمَعْنَاهُ أَحْفُوا ما طَالَ عن الشَّفَةِ قال الْغَزَالِيُّ وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِ السَّبَّالَيْنِ وَهُمَا طَرَفَا الشَّارِبِ لِأَنَّ ذلك لَا يَسْتُرُ الْفَمَ وَلَا يَبْقَى فيه غَمْرُ الطَّعَامِ إذْ لَا يَصِلُ إلَيْهِ قال وَكَيْفِيَّةُ تَقْلِيمِ الظُّفْرِ أَنْ يَبْدَأَ بِمُسَبِّحَةِ يَدِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ بِالْوُسْطَى ثُمَّ بِالْبِنْصِرِ ثُمَّ بِالْخِنْصَرِ ثُمَّ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى ثُمَّ بِبِنْصِرِهَا ثُمَّ الْوُسْطَى ثُمَّ السَّبَّابَةِ ثُمَّ الْإِبْهَامِ ثُمَّ إبْهَامِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَبْدَأُ بِخِنْصَرِ الرِّجْلِ الْيُمْنَى وَحَكَاهَا عنه في الْمَجْمُوعِ وقال إنَّهَا حَسَنَةٌ إلَّا تَأْخِيرُ إبْهَامِ الْيُمْنَى فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَلِّمَهَا بَعْدَ خِنْصَرِهَا وَبِهِ جَزَمَ في شَرْحِ مُسْلِمٍ
قال وَضَابِطُ أَخْذِ الظُّفْرِ وَالشَّارِبِ وَالْإِبِطِ وَالْعَانَةِ طُولُهَا وَيَخْتَلِفُ ذلك بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ
____________________
(1/266)
وَالسِّوَاكُ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَالتَّنَظُّفُ من الْأَوْسَاخِ وَالرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بها أَحَدٌ قال الشَّافِعِيُّ من نَظَّفَ ثَوْبَهُ قَلَّ هَمُّهُ وَمَنْ طَابَ رِيحُهُ زَادَ عَقْلُهُ وَاسْتِعْمَالُ الْأَفْضَلِ من طِيبِهِ وَثِيَابِهِ لِخَبَرِ من اغْتَسَلَ يوم الْجُمُعَةِ وَلَبِسَ من أَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَمَسَّ من طِيبٍ إنْ كان عِنْدَهُ ثُمَّ أتى الْجُمُعَةَ فلم يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ الناس ثُمَّ صلى ما كَتَبَ اللَّهُ له ثُمَّ أَنْصَتَ إذَا خَرَجَ إمَامُهُ حتى يَفْرُغَ من صَلَاتِهِ كانت كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ جُمُعَتِهِ التي قَبْلَهَا رَوَاهُ ابن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ في صَحِيحِهِمَا وَسَيَأْتِي بَيَانُ حُكْمِ طِيبِ النِّسَاءِ وَلُبْسِ ثِيَابِهِنَّ وَأَفْضَلُهَا أَيْ ثِيَابِهِ أَيْ أَلْوَانِهَا الْبَيَاضُ لِخَبَرِ الْبَسُوا من ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا خَيْرُ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فيها مَوْتَاكُمْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ كَالرَّافِعِيِّ الْخَبَرَ في تَعْبِيرِهِ بِالْبَيَاضِ وَعَبَّرَ في الرَّوْضَةِ بِالْبِيضِ وهو سَالِمٌ من التَّقْدِيرِ السَّابِقِ ثُمَّ ما صُبِغَ غَزْلُهُ قبل نَسْجِهِ كَالْبُرُدِ لَا ما صُبِغَ هو مَنْسُوجًا بَلْ يُكْرَهُ لُبْسُهُ كما صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ ولم يَلْبَسْهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَبِسَ الْبَرْدَرْوِيَّ الْبَيْهَقِيُّ عن جَابِرٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان له بُرْدٌ يَلْبَسُهُ في الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ ثُمَّ ما ذُكِرَ مَحَلُّهُ في غَيْرِ الْمُزَعْفَرِ وَالْمُعَصْفَرِ بِقَرِينَةِ ما سَيَأْتِي في بَابِ ما يَجُوزُ لُبْسُهُ وَيَزِيدُ الْإِمَامُ نَدْبًا في حُسْنِ الْهَيْئَةِ وَالْعِمَّةِ وَالِارْتِدَاءِ لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَنَّهُ مَنْظُورٌ إلَيْهِ وَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ الْإِمَامُ في حُسْنِ الْهَيْئَةِ وَيَتَعَمَّمَ وَيَتَرَدَّى وَتَرْكُ لُبْسِ السَّوَادِ له أَوْلَى من لُبْسِهِ إلَّا إنْ خَشَى مَفْسَدَةً تَتَرَتَّبُ على تَرْكِهِ من سُلْطَانٍ أو غَيْرِهِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وقال ابن عبد السَّلَامِ في فَتَاوِيهِ الْمُوَاظَبَةُ على لُبْسِهِ بِدْعَةٌ فَإِنْ مُنِعَ الْخَطِيبُ أَنْ يَخْطُبَ إلَّا بِهِ فَلْيَفْعَلْ وَيُسْتَحَبُّ لِطَالِبِهَا أَيْ الْجُمُعَةِ أَنْ يَمْشِيَ لِخَبَرِ من غَسَّلَ يوم الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى ولم يَرْكَبْ وَدَنَا من الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ ولم يَلْغُ كان له بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ قال في الْمَجْمُوعِ وَرَوَى غَسَّلَ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ وهو أَرْجَحُ وَعَلَيْهِمَا في مَعْنَاهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا غُسْلُ زَوْجَتِهِ بِأَنْ جَامَعَهَا فَأَلْجَأَهَا إلَى الْغُسْلِ وَاغْتَسَلَ هو قالوا وَيُسَنُّ له الْجِمَاعُ في هذا الْيَوْمِ لِيَأْمَنَ أَنْ يَرَى في طَرِيقِهِ ما يُشْغِلُ قَلْبَهُ ثَانِيهَا غَسْلُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بِأَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ ثَالِثُهَا غَسْلُ ثِيَابِهِ وَرَأْسِهِ ثُمَّ اغْتَسَلَ وَإِنَّمَا أَفْرَدَ الرَّأْسَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَ فيه الدُّهْنَ وَالْخِطْمِيَّ وَنَحْوَهُمَا وَكَانُوا يَغْسِلُونَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَغْتَسِلُونَ وَرَوَى بَكَرَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وهو أَشْهَرُ فَعَلَى التَّخْفِيفِ مَعْنَاهُ خَرَجَ من بَيْتِهِ بَاكِرًا وَعَلَى التَّشْدِيدِ مَعْنَاهُ أتى بِالصَّلَاةِ أَوَّلَ وَقْتِهَا وَابْتَكَرَ أَيْ أَدْرَكَ أَوَّلَ الْخُطْبَةِ وَقِيلَ هُمَا بِمَعْنَى جَمَعَ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدًا وَقَوْلُهُ مَشَى ولم يَرْكَبْ قِيلَ هُمَا بِمَعْنَى جَمَعَ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدًا
وَالْمُخْتَارُ أَنَّ قَوْلَهُ ولم يَرْكَبْ أَفَادَ نَفْيَ تَوَهُّمِ حَمْلِ الْمَشْيِ على الْمُضِيِّ وَإِنْ كان رَاكِبًا وَنَفَى احْتِمَالَ أَنْ يُرَادَ الْمَشْيُ وَلَوْ في بَعْضِ الطَّرِيقِ بِسَكِينَةٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَائْتُوهَا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وفي رِوَايَةٍ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَائْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَمْشُونَ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ من يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ فَمَعْنَاهُ امْضُوا لِأَنَّ السَّعْيَ يُطْلَقُ على الْمُضِيِّ وَالْعَدْوِ فَبَيَّنَتْ السُّنَّةُ الْمُرَادَ بِهِ ما لم يَضِقْ الْوَقْتُ فَإِنْ ضَاقَ فَالْأَوْلَى الْإِسْرَاعُ وقال الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ يَجِبُ إذَا لم يُدْرِكْ الْجُمُعَةَ إلَّا بِهِ وَلَا يَسْعَى إلَيْهَا وَلَا إلَى غَيْرِهَا من سَائِرِ الْعِبَادَاتِ أَيْ يُكْرَهُ ذلك كما صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ
وَلَا يَرْكَبُ في جُمُعَةٍ ولا عِيدٍ ولا جِنَازَةٍ ولا عِيَادَةِ مَرِيضٍ لِخَبَرِ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ السَّابِقُ وَقَيَّدَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ طَلَبَ عَدَمِ الرُّكُوبِ بِالذَّهَابِ وَرَدَّهُ ابن الصَّلَاحِ بِخَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُمْ قالوا لِرَجُلٍ هَلَّا تَشْتَرِي لَك حِمَارًا تَرْكَبُهُ إذَا أَتَيْت إلَى الصَّلَاةِ في الرَّمْضَاءِ وَالظَّلْمَاءِ فقال إنِّي أُحِبُّ أَنْ يُكْتَبَ لي مَمْشَايَ في ذَهَابِي وَعَوْدِي فقال صلى اللَّهُ عليه وسلم قد فَعَلَ اللَّهُ لَك ذلك أَيْ كَتَبَ لَك مَمْشَاك أَيْ أَفْضَلِيَّتَهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَعْنَى كَتَبَ لَك ذلك في مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ لَا في كُلٍّ مِنْهُمَا جَمْعًا بين هذا الْخَبَرِ وَخَبَرِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَكِبَ في رُجُوعِهِ من جِنَازَةِ أبي الدَّحْدَاحِ رَوَاهُ ابن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ إلَّا لِعُذْرٍ فَيَرْكَبُ فَإِنْ رَكِبَ لِعُذْرٍ أو غَيْرِهِ سَيَّرَهَا أَيْ الدَّابَّةَ بِسُكُونٍ ما لم يَضِقْ الْوَقْتُ كما في الْمَاشِي الْأَمْرُ الرَّابِعُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ في الرَّكْعَةِ الْأُولَى من الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ الْجُمُعَةَ وفي الثَّانِيَةِ الْمُنَافِقِينَ أو في الْأُولَى سَبِّحْ وفي الثَّانِيَةِ الْغَاشِيَةَ وَلَوْ صلى بِغَيْرِ مَحْصُورِينَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِيهِمَا
____________________
(1/267)
قال في الرَّوْضَةِ كان يَقْرَأُ هَاتَيْنِ في وَقْتٍ وَهَاتَيْنِ في وَقْتٍ فَالصَّوَابُ أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ لَا قَوْلَانِ كما أَفْهَمَهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ قال وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الرُّبَيِّعُ قال سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عن ذلك فقال إنَّهُ يَخْتَارُ الْجُمُعَةَ وَالْمُنَافِقِينَ وَلَوْ قَرَأَ بِسَبِّحْ وَهَلْ أَتَاك كان حَسَنًا وَفِيمَا نَقَلَهُ إشَارَةً إلَى أَنَّ قِرَاءَةَ الْأُولَيَيْنِ أَوْلَى وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ في الْأُولَى عَمْدًا أو سَهْوًا أو جَهْلًا جَمَعَهُمَا أَيْ الْجُمُعَةَ وَالْمُنَافِقِينَ في الثَّانِيَةِ كَيْ لَا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عنهما قال في الْمَجْمُوعِ وَلَا يُعَارَضُ بِتَطْوِيلِهَا على الْأَوْلَى فَإِنْ تَرَكَهُ أُدِّبَ لَا يُقَاوَمُ فَضْلُهُمَا قُلْت وَلِأَنَّ تَرْكَهُ مَحَلُّهُ إذْ لم يَرِدْ الشَّرْعُ بِخِلَافِهِ وَهُنَا وَرَدَ بِخِلَافِهِ إذْ السُّنَّةُ قِرَاءَةُ الْجُمُعَةِ أو سَبِّحْ في الْأُولَى وَالْمُنَافِقِينَ أو الْغَاشِيَةَ في الثَّانِيَةِ كما مَرَّ أَنَّ فيه تَطْوِيلَهَا على الْأُولَى وَإِنْ عَكَسَ بِأَنْ قَرَأَ الْمُنَافِقِينَ في الْأُولَى وَالْجُمُعَةَ في الثَّانِيَةِ لم يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا فيها بَلْ يَقْتَصِرُ فيها على الْجُمُعَةِ وما ذُكِرَ في الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ يَأْتِي في سَبِّحْ وَالْغَاشِيَةِ فَرْعٌ يُكْرَهُ لِكُلِّ أَحَدٍ تَخَطِّي الرِّقَابِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يَتَخَطَّى رِقَابَ الناس فقال له اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْت وَأَنَيْت أَيْ تَأَخَّرْت رَوَاهُ ابن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ إلَّا لِلْإِمَامِ إذَا لم يَبْلُغْ الْمِنْبَرَ أو الْمِحْرَابَ إلَّا بِالتَّخَطِّي فَلَا يُكْرَهُ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ وَمَنْ لم يَجِدْ فُرْجَةً بِأَنْ لم يَبْلُغْهَا إلَّا بِتَخَطِّي صَفٍّ أو صَفَّيْنِ فَلَا يُكْرَهُ وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهَا لِتَقْصِيرِ الْقَوْمِ بِإِخْلَاءِ الْفُرْجَةِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ له إنْ وَجَدَ غَيْرَهَا أَنْ لَا يَتَخَطَّى وَذِكْرُ الْكَرَاهَةِ وَالتَّقْيِيدِ بِصَفٍّ أو صَفَّيْنِ من زِيَادَتِهِ وَعَبَّرَ عنه الشَّافِعِيُّ وَكَثِيرٌ منهم النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ بِرَجُلٍ أو رَجُلَيْنِ فَالْمُرَادُ كما في التَّوْشِيحِ وَغَيْرِهِ اثْنَانِ مُطْلَقًا فَقَدْ يَحْصُلُ تَخَطِّيهمَا من صَفٍّ وَاحِدٍ لِازْدِحَامٍ فَإِنْ أَرَادَ في التَّخَطِّي عَلَيْهِمَا وَرَجَا أَنْ يَتَقَدَّمُوا إلَى الْفُرْجَةِ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ كُرِهَ لِكَثْرَةِ الْأَذَى وَحَيْثُ قُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ فَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَبِهِ صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ أنها كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَاخْتَارَهُ في الرَّوْضَةِ في الشَّهَادَاتِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وَيُفَارِقُ إبَاحَةَ التَّخَطِّي حَيْثُ قُيِّدْت بِمَا ذُكِرَ إبَاحَةُ خَرْقِ الصُّفُوفِ حَيْثُ لم تُقَيَّدْ بِذَلِكَ كما مَرَّ في شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَصِفَةِ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّ في تَرْكِ خَرْقِهَا إدْخَالًا لِلنَّقْصِ على صَلَاتِهِ وَصَلَاتِهِمْ بِخِلَافِ تَخَطِّي الرِّقَابِ فإنه إذَا صَبَرَ تَقَدَّمُوا عِنْدَ إقَامَةِ الصُّفُوفِ وَتَسْوِيَتِهَا لِلصَّلَاةِ فإنه يُنْدَبُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَ بِتَسْوِيَتِهَا كما فَعَلَ صلى اللَّهُ عليه وسلم
وَيَحْرُمُ أَنْ يُقِيمَ أَحَدًا لِيَجْلِسَ مَكَانَهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ من مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فيه وَلَكِنْ يقول تَفَسَّحُوا أو تَوَسَّعُوا فَإِنْ قام الْجَالِسُ بِاخْتِيَارِهِ وَأَجْلَسَ غَيْرُهُ فَلَا كَرَاهَةَ في جُلُوسِ غَيْرِهِ وَأَمَّا هو فَإِنْ انْتَقَلَ إلَى مَكَان أَقْرَبَ إلَى الْإِمَامِ أو مِثْلِهِ لم يُكْرَهْ وَإِلَّا كُرِهَ إنْ لم يَكُنْ عُذْرٌ لِأَنَّ الْإِيثَارَ بِالْقُرْبِ مَكْرُوهٌ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى وَيُؤْثِرُونَ على أَنْفُسِهِمْ فَالْمُرَادُ الْإِيثَارُ في حُظُوظِ النُّفُوسِ وَيَجُوزُ أَنْ يَبْعَثَ من يَقْعُدُ له في مَكَان لِيَقُومَ عنه إذَا جاء هو وإذا فُرِشَ لِأَحَدٍ ثَوْبٌ أو نَحْوُهُ فَلَهُ أَيْ فَلِغَيْرِهِ تَنْحِيَتُهُ وَالصَّلَاةُ مَكَانَهُ لَا الْجُلُوسُ عليه بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِهِ وَلَا يَرْفَعُهُ بيده أو غَيْرِهَا فَيَضْمَنُهُ أَيْ لِئَلَّا يَدْخُلَ في ضَمَانِهِ وَلْيَشْتَغِلْ نَدْبًا من حَضَرَ قبل الْخُطْبَةِ بِالذِّكْرِ وَالتِّلَاوَةِ وَالصَّلَاةِ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِيَنَالَ ثَوَابَهَا في هذا الْوَقْتِ الْعَظِيمِ وَيُكْثِرُ منها أَيْ من الصَّلَاةِ عليه صلى اللَّهُ عليه وسلم في يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا لِخَبَرِ إنَّ من أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يوم الْجُمُعَةِ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ من الصَّلَاةِ فيه فإن صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَخَبَرِ أَكْثِرُوا عَلَيَّ من الصَّلَاةِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ فَمَنْ صلى عَلَيَّ صَلَاةً صلى اللَّهُ عليه بها عَشْرًا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَأَفْهَمَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ من زِيَادَتِهِ عليه أَنَّ الْإِكْثَارَ خَاصٌّ بِالصَّلَاةِ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ
____________________
(1/268)
وَغَيْرِهِمَا
وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ مُحْتَمِلَةٌ لِذَلِكَ وَلِشُمُولِهِ الذِّكْرَ وَالتِّلَاوَةَ أَيْضًا وَيَقْرَأُ فِيهِمَا أَيْ في يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا سُورَةَ الْكَهْفِ لِخَبَرِ من قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يوم الْجُمُعَةِ أَضَاءَ له من النُّورِ ما بين الْجُمُعَتَيْنِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَلِخَبَرِهِ من قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ له ما بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَيُسَنُّ الْإِكْثَارُ من قِرَاءَتِهَا فِيهِمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عن الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ قال وَقِرَاءَتُهَا نَهَارًا آكَدُ وَالْحِكْمَةُ في قِرَاءَتِهَا يوم الْجُمُعَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ فيها أَهْوَالَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالْجُمُعَةُ تُشْبِهُهَا لِمَا فيها من اجْتِمَاعِ الْخَلْقِ وَلِأَنَّ الْقِيَامَةَ تَقُومُ يوم الْجُمُعَةِ كما ثَبَتَ في صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَلْيُكْثِرْ في يَوْمِهَا من الدُّعَاءِ لِيُصَادِفَ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم ذَكَرَ يوم الْجُمُعَةِ فقال فيه سَاعَةُ إجَابَةٍ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وهو قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شيئا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَأَشَارَ بيده يُقَلِّلُهَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَسَقَطَ في بَعْضِ الرِّوَايَاتِ قَائِمٌ يُصَلِّي وفي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ انْتِظَارُهَا وَبِالْقِيَامِ الْمُلَازَمَةُ وَأَرْجَاهَا من جُلُوسِ الْخَطِيبِ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال هِيَ ما بين أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ قال في الْمَجْمُوعِ وَأَمَّا خَبَرُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثِنْتَا عَشْرَةَ سَاعَةً فيه سَاعَةٌ لَا يُوجَدُ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شيئا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ هذه السَّاعَةَ مُنْتَقِلَةٌ تَكُونُ يَوْمًا في وَقْتٍ وَيَوْمًا في آخَرَ كما هو الْمُخْتَارُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أنها مُسْتَغْرِقَةٌ لِلْوَقْتِ الْمَذْكُورِ بَلْ الْمُرَادُ أنها لَا تَخْرُجُ عنه لِأَنَّهَا لَحْظَةٌ لَطِيفَةٌ لِمَا مَرَّ وَلَا يَصِلُ صَلَاتَهَا بِصَلَاةٍ وَيَكْفِي فَصْلٌ بَيْنَهُمَا بِكَلَامٍ أو تَحَوُّلٍ أو نَحْوِهِ لِأَنَّ مُعَاوِيَةَ أَنْكَرَ على من صلى سُنَّةَ الْجُمُعَةِ في مَقَامِهَا وقال له إذَا صَلَّيْت الْجُمُعَةَ فَلَا تَصِلْهَا بِصَلَاةٍ حتى تَخْرُجَ أو تَتَكَلَّمَ فإن رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَنَا بِذَلِكَ أَنْ لَا نُوصِلَ صَلَاةً بِصَلَاةٍ حتى نَخْرُجَ أو نَتَكَلَّمَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَرْعٌ يُكْرَهُ لِمَنْ تَجِبُ عليه الْجُمُعَةُ وَلِمَنْ يَعْقِدُ معه أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ من سَائِرِ الْعُقُودِ وَالصَّنَائِعِ وَغَيْرِهَا مِمَّا فيه تَشَاغُلٌ عن السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَقَبْلَ الْأَذَانِ الْآتِي وَالْجُلُوسِ لِلْخُطْبَةِ لِدُخُولِ وَقْتِ الْوُجُوبِ نعم يَنْبَغِي كما قال الْإِسْنَوِيُّ أَنْ لَا يُكْرَهَ في بَلَدٍ يُؤَخِّرُونَ فيها تَأْخِيرًا كَثِيرًا كَمَكَّةَ لِمَا فيه من الضَّرَرِ وَبِأَذَانِ الْمُؤَذِّنِ أَيْ بِشُرُوعِهِ فيه أَمَامَ الْخُطْبَةِ وقد جَلَسَ الْخَطِيبُ لها يَحْرُمُ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ لِآيَةِ إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ من يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَقِيسَ بِالْبَيْعِ نَحْوُهُ وما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ كَغَيْرِهِ من نَفْيِ الْكَرَاهَةِ قبل الزَّوَالِ وَنَفْيِ التَّحْرِيمِ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْأَذَانِ وَالْجُلُوسِ مَحْمُولٌ كما قال ابن الرِّفْعَةِ على من لم يَلْزَمْهُ السَّعْيُ حِينَئِذٍ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ ذلك وَلَا يَبْطُلُ لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ فلم يَمْنَعْ صِحَّتَهُ كَالصَّلَاةِ في أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ وَتَقْيِيدُ الْأَذَانِ بِكَوْنِهِ بين يَدَيْ الْخَطِيبِ لِأَنَّهُ الذي كان في عَهْدِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كما مَرَّ فَانْصَرَفَ النِّدَاءُ في الْآيَةِ إلَيْهِ فَلَوْ تَبَايَعَ مُقِيمٌ وَمُسَافِرٌ الْأَوْلَى قَوْله أَصْلُهُ اثْنَانِ أَحَدُهُمَا فَرْضُهُ الْجُمُعَةُ دُونَ الْآخَرِ أَثِمَا جميعا لِارْتِكَابِ الْأَوَّلِ النَّهْيَ وَإِعَانَةِ الثَّانِي له عليه وَنَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ وما نَصَّ عليه أَيْضًا من أَنَّ الْإِثْمَ خَاصٌّ بِالْأَوَّلِ حُمِلَ على إثْمِ التَّفْوِيتِ أَمَّا إثْمُ الْمُعَاوَنَةِ فَعَلَى الثَّانِي قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُسْتَثْنَى من تَحْرِيمِ الْبَيْعِ ما لو احْتَاجَ إلَى مَاءِ طَهَارَتِهِ أو ما يُوَارِي عَوْرَتَهُ أو ما يَقُوتُهُ عِنْدَ اضْطِرَارِهِ وَلَوْ بَاعَ وهو سَائِرٌ إلَيْهَا أو في الْجَامِعِ جَازَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ عن السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ لَكِنْ يُكْرَهُ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ من الْعُقُودِ في الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ يُنَزَّهُ عن ذلك فَرْعٌ لَا بَأْسَ بِحُضُورِ الْعَجَائِزِ الْجُمُعَةَ بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ ذلك بِإِذْنِ الْأَزْوَاجِ وَلْيَحْتَرِزْنَ من الطِّيبِ وَالزِّينَةِ أَيْ يُكْرَهَانِ لَهُنَّ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ إذَا شَهِدَتْ إحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا وَخَبَرِ أبي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ وَلَكِنْ لِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلَاتٌ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ تَارِكَاتٌ لِلطِّيبِ وَالزِّينَةِ وَلِخَوْفِ الْمَفْسَدَةِ فَإِنْ لم يَحْتَرِزْنَ من الطِّيبِ أو الزِّينَةِ كُرِهَ لَهُنَّ الْحُضُورُ وَخَرَجَ
____________________
(1/269)
بِالْعَجُوزِ أَيْ غَيْرِ الْمُشْتَهَاةِ الشَّابَّةُ وَالْمُشْتَهَاةُ فَيُكْرَهُ لَهُمَا الْحُضُورُ كما مَرَّ في صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ بِزِيَادَةٍ وَبِالْإِذْنِ ما إذَا كان لها زَوْجٌ ولم يَأْذَنْ لها فَيَحْرُمُ حُضُورُهَا مُطْلَقًا وفي مَعْنَى الزَّوْجِ السَّيِّدُ وَيُكْرَهُ تَشْبِيكُ الْأَصَابِعِ وَالْعَبَثُ حَالَ الذَّهَابِ وَالِانْتِظَارِ لِلصَّلَاةِ وفي نُسْخَةٍ لِلصَّلَوَاتِ وَلَوْ غير جُمُعَةٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ إنَّ أَحَدَكُمْ في صَلَاةٍ ما كان يَعْمِدُ إلَى الصَّلَاةِ قال في الْمَجْمُوعِ وَلَا يُخَالِفُ ما رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم شَبَّكَ أَصَابِعَهُ في الْمَسْجِدِ بَعْدَ ما سَلَّمَ من الصَّلَاةِ عن رَكْعَتَيْنِ في قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ وَشَبَّكَ في غَيْرِهِ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا هِيَ في حَقِّ الْمُصَلِّي وَقَاصِدِ الصَّلَاةِ وَهَذَا كان منه صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْدَهَا في اعْتِقَادِهِ وَمَنْ قَعَدَ في مَكَانِ الْإِمَامِ أو في طَرِيقِ الناس أُمِرَ بِالْقِيَامِ وَكَذَا من قَعَدَ مُسْتَقْبِلًا وُجُوهَهُمْ وَالْمَكَانُ ضَيِّقٌ عليهم بِخِلَافِ الْوَاسِعِ وَلِلْمُسْتَمِعِ لِلْخَطِيبِ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالصَّلَاةِ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ أَنْ يُصَلِّيَ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيَرْفَعُ بها صَوْتَهُ إنْ قَرَأَ الْخَطِيبُ إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ على النبي الْآيَةَ قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الرَّفْعُ الْبَلِيغُ كما يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْعَوَامّ فإنه لَا أَصْلَ له بَلْ بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالرَّوْضَةِ إنَّ ما قَالَهُ مُبَاحٌ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كان مَطْلُوبًا فَالِاسْتِمَاعُ كَذَلِكَ وَلَك أَنْ تَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ هُنَا لِمَنْعِهِ من الِاسْتِمَاعِ فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ بَلْ صَرَّحَ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ بِكَرَاهَتِهِ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الِاسْتِمَاعَ كِتَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ أَيْ كَيْفِيَّتُهَا من حَيْثُ إنَّهُ يُحْتَمَلُ في الصَّلَاةِ عِنْدَهُ ما لَا يُحْتَمَلُ فيها عِنْدَ غَيْرِهِ كما يَأْتِي بَيَانُهُ وقد جَاءَتْ في الْأَخْبَارِ على سِتَّةَ عَشَرَ نَوْعًا اخْتَارَ الشَّافِعِيُّ منها الْأَنْوَاعَ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ الْآتِيَةَ في الْكِتَابِ وَذَكَرَ مَعَهَا الرَّابِعَ الْآتِي وَجَاءَ بِهِ وَبِالثَّالِثِ الْقُرْآنَ وَالْأَصْلُ فيها قَوْله تَعَالَى وإذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لهم الصَّلَاةَ الْآيَةَ وَالْأَخْبَارُ الْآتِيَةُ مع خَبَرِ صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَاسْتَمَرَّتْ الصَّحَابَةُ على فِعْلِهَا بَعْدَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَادَّعَى الْمُزَنِيّ نَسْخَهَا لِتَرْكِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لها يوم الْخَنْدَقِ وَأَجَابُوا عنه بِتَأَخُّرِ نُزُولِهَا عنه لِأَنَّهَا نَزَلَتْ سَنَةَ سِتٍّ وَالْخَنْدَقُ كان سَنَةَ أَرْبَعٍ وَقِيلَ خَمْسٌ وَتَجُوزُ في الْحَضَرِ كَالسَّفَرِ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ لِأَنَّهُ إنْ اشْتَدَّ الْخَوْفُ فَالرَّابِعُ أَوَّلًا وَالْعَدُوُّ في جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَالثَّانِي أو في غَيْرِهَا فَالْآخَرَانِ الْأَوَّلُ صَلَاةُ بَطْنِ نَخْلٍ مَكَانٌ من نَجْدٍ بِأَرْضِ غَطَفَانَ أَيْ صَلَاتِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِهِ رَوَاهَا الشَّيْخَانِ وَهِيَ أَنْ يَجْعَلَ الْإِمَامُ الناس فِرْقَتَيْنِ يُصَلِّي بِكُلٍّ مِنْهُمَا مَرَّةً تَحْرُسُ الْأُخْرَى بِأَنْ تَقِفَ في وَجْهِ الْعَدُوِّ وَتَكُونُ الصَّلَاةُ الثَّانِيَةُ لِلْإِمَامِ نَافِلَةً لِسُقُوطِ فَرْضِهِ بِالْأُولَى وَهَذِهِ الصَّلَاةُ وَإِنْ جَازَتْ في غَيْرِ الْمَخُوفِ فَهُنَا إذَا كان الْعَدُوُّ في غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ أو فيها وَدُونَهُمْ حَائِلٌ أَخْذًا مِمَّا سَيَأْتِي وَكَثُرَ الْمُسْلِمُونَ وَقَلَّ عَدُوُّهُمْ وَخَافُوا مَكْرَهُمْ كَهُجُومِهِمْ في الصَّلَاةِ اُسْتُحِبَّتْ وَقَوْلُهُمْ يُسَنُّ لِلْمُفْتَرِضِ أَنْ لَا يَقْتَدِيَ بِالْمُتَنَفِّلِ لِيَخْرُجَ من خِلَافِ أبي حَنِيفَةَ مَحَلُّهُ في الْأَمْنِ أو في غَيْرِ الصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ رَكْعَتَيْنِ أَمْ ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا النَّوْعُ الثَّانِي صَلَاةُ عُسْفَانَ بِضَمِّ الْعَيْنِ قَرْيَةٌ بِقُرْبِ خُلَيْصٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّ السُّيُولَ تَعْسِفُهَا أَيْ صَلَاتَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم بها رَوَاهَا مُسْلِمٌ وَهِيَ وفي نُسْخَةٍ وهو أَنْ يَصُفَّهُمْ الْإِمَامُ صَفَّيْنِ ويقرأ وَيَرْكَع وَيَعْتَدِلَ بِهِمْ جميعا ثُمَّ يَسْجُدَ بِإِحْدَاهُمَا وَيَحْرُسَ الْآخَرُ حتى يَقُومَ الْإِمَامُ من سُجُودِهِ ثُمَّ يَسْجُدُونَ أَيْ الْآخَرُونَ وَيَلْحَقُونَهُ في قِيَامِهِ ويفعل في الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ أَيْ يَقْرَأَ وَيَرْكَعَ وَيَعْتَدِلَ بِهِمْ جميعا ثُمَّ يَسْجُدَ بِإِحْدَاهُمَا وَيَحْرُسَ الْآخَرُ لَكِنْ يَحْرُسُ فيها من سَجَدَ معه أَوَّلًا إلَى أَنْ يَجْلِسَ فَيَسْجُدُونَ وَيَتَشَهَّدَ وَيُسَلِّمَ بِهِمْ جميعا وَلَا حِرَاسَةَ في الرُّكُوعِ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ لِتَمَكُّنِ الرَّاكِعِ فيه منها بِخِلَافِ السَّاجِدِ وَيُشْتَرَطُ في هذا النَّوْعِ كَثْرَةُ الْمُسْلِمِينَ لِتَسْجُدَ طَائِفَةٌ وَتَحْرُسَ أُخْرَى وَكَوْنُ الْعَدُوِّ في جِهَةِ الْقِبْلَةِ لِيَتَمَكَّنَ الْحَارِسُونَ من رُؤْيَتِهِمْ فَيَأْمَنُوا كَيْدَهُمْ وَكَوْنُهُمْ غير مُسْتَتِرِينَ عن الْمُسْلِمِينَ بِشَيْءٍ يَمْنَعُ رُؤْيَتَهُمْ وَعِبَارَتُهُ كَغَيْرِهِ في هذا صَادِقَةٌ بِأَنْ يَسْجُدَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ في الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالثَّانِي في الثَّانِيَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا فيها بِمَكَانِهِ أو تُحَوَّلُ مَكَانَ الْآخَرِ وَبِعَكْسِ ذلك فَهِيَ أَرْبَعُ كَيْفِيَّاتٍ وَكُلُّهَا جَائِزَةٌ إذَا لم تَكْثُرْ أَفْعَالُهُمْ في التَّحَوُّلِ وَاَلَّذِي في خَبَرِ مُسْلِمٍ سُجُودُ الْأَوَّلِ
____________________
(1/270)
في الْأُولَى وَالثَّانِي في الثَّانِيَةِ مع التَّحَوُّلِ فيها كما سَيَأْتِي وَلَهُ أَنْ يُرَتِّبَهُمْ صُفُوفًا ثُمَّ يَحْرُسَ صَفَّانِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَحْرُسَ جَمِيعَ من في الصَّفِّ كما أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ حَرَسَ بَعْضٌ كُلَّ صَفٍّ بِالْمُنَاوَبَةِ جَازَ وَكَذَا لو حَرَسَتْ طَائِفَةٌ وَاحِدَةٌ في الرَّكْعَتَيْنِ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِكُلِّ ذلك مع قِيَامِ الْعُذْرِ ولكن الْمُنَاوَبَةَ أَفْضَلُ لِأَنَّهَا الثَّابِتَةُ في الْخَبَرِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ فَرْعٌ لو تَقَدَّمَ الصَّفُّ الثَّانِي الذي حَرَسَ أَوَّلًا في الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لِيَسْجُدَ وَتَأَخَّرَ الْأَوَّلُ الذي سَجَدَ أَوَّلًا لِيَحْرُسَ ولم يَمْشُوا أَيْ كُلٌّ منهم أَكْثَرَ من خُطْوَتَيْنِ كان أَفْضَلَ لِأَنَّهُ الثَّابِتُ في خَبَرِ مُسْلِمٍ وَلِجَمْعِهِ بين تَقَدُّمِ الْأَفْضَلِ وهو الْأَوَّلُ بِسُجُودِهِ مع الْإِمَامِ وَجَبْرُ الثَّانِي بِتَحَوُّلِهِ مَكَانَ الْأَوَّلِ وَيَنْفُذُ كُلُّ وَاحِدٍ بين رَجُلَيْنِ فَإِنْ مَشَى أَحَدٌ أَكْثَرَ من خُطْوَتَيْنِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كما عُلِمَ في مَحَلِّهِ النَّوْعُ الثَّالِثُ صَلَاةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ أَيْ صَلَاتُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم بها رَوَاهَا الشَّيْخَانِ وَهِيَ مَكَانٌ من نَجْدٍ بِأَرْضِ غَطَفَانَ سُمِّيَ بها لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَفُّوا بِأَرْجُلِهِمْ الْخِرَقَ لَمَّا تَقَرَّحَتْ وَقِيلَ بِاسْمِ شَجَرَةٍ هُنَاكَ وَقِيلَ بِاسْمِ جَبَلٍ فيه بَيَاضٌ وَحُمْرَةٌ وَسَوَادٌ يُقَالُ له الرِّقَاعُ وَقِيلَ لِتَرْقِيعِ صَلَاتِهِمْ فيها وَهِيَ أَفْضَلُ من صَلَاةِ بَطْنِ نَخْلٍ لِلْخُرُوجِ من خِلَافِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ وَلِأَنَّهَا أَخَفُّ وَأَعْدَلُ بين الْفِرْقَتَيْنِ وَالتَّعْلِيلُ بِالْأَوَّلِ لَا يُنَافِي ما مَرَّ قُبَيْلَ النَّوْعِ الثَّانِي لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا في الْأَفْضَلِيَّةِ وَثُمَّ في الِاسْتِحْبَابِ فَإِنْ كانت صَلَاةُ الْقَوْمِ رَكْعَتَيْنِ كَصُبْحٍ وَمَقْصُورَةٍ وَقَفَتْ إحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ في وَجْهِ الْعَدُوِّ وَانْحَازَ الْإِمَامُ بِالْأُخْرَى إلَى حَيْثُ لَا يَبْلُغُهُمْ سِهَامُ الْعَدُوِّ فَيَفْتَتِحُ بِهِمْ الصَّلَاةَ وَلْيُصَلِّ بِهِمْ رَكْعَةً وَيُفَارِقُونَهُ بِالنِّيَّةِ عِنْدَ قِيَامِهِ إلَى الثَّانِيَةِ مُنْتَصِبًا أو عَقِبَ رَفْعِهِ من السُّجُودِ كما يَأْتِي بَيَانُهُ وَيُبْقُونَهَا لِأَنْفُسِهِمْ وَيَخْرُجُونَ منها بِالسَّلَامِ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ تَخْفِيفُ الْأُولَى لِاشْتِغَالِ قُلُوبِهِمْ بِمَا هُمْ فيه
ويستحب لهم كُلِّهِمْ تَخْفِيفُ الثَّانِيَةِ التي انْفَرَدُوا بها لِئَلَّا يَطُولَ الِانْتِظَارُ وَيَجِيءُ الْآخَرُونَ بَعْدَ ذَهَابِ أُولَئِكَ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ في الثَّانِيَةِ وَيُطِيلُ الْقِرَاءَةَ نَدْبًا إلَى لُحُوقِهِمْ وَهَذَا مُرَادُ الْأَصْلِ بِتَطْوِيلِ الْقِيَامِ وَيُصَلِّي بِهِمْ الثَّانِيَةَ وَحِينَ يَجْلِسُ لِلتَّشَهُّدِ يَقُومُونَ وَيُتِمُّونَ الثَّانِيَةَ وَهُمْ غَيْرُ مُنْفَرِدِينَ عنه بَلْ مُقْتَدُونَ بِهِ حُكْمًا فَيَنْتَظِرُهُمْ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ رَوَاهَا سَهْلُ بن أبي حَثْمَةَ وَلَوْ لم يُتِمَّهَا أَيْ الثَّانِيَةَ الْمُقْتَدُونَ بِهِ في الرَّكْعَةِ الْأُولَى بَلْ ذَهَبُوا وَوَقَفُوا تُجَاهَ الْعَدُوِّ سُكُوتًا في الصَّلَاةِ وَجَاءَتْ الْفِرْقَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً وَحِينَ سَلَّمَ ذَهَبُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ تِلْكَ الْفِرْقَةُ إلَى مَكَانِهِمْ أَيْ مَكَانِ صَلَاتِهِمْ وَأَتَمُّوهَا لِأَنْفُسِهِمْ وَذَهَبُوا إلَى الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ تِلْكَ إلَى مَكَانِهِمْ وَأَتَمُّوهَا جَازَ وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ رَوَاهَا ابن عُمَرَ وَجَازَ ذلك مع كَثْرَةِ الْأَفْعَالِ بِلَا ضَرُورَةٍ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ فيه مع عَدَمِ الْمُعَارِضِ لِأَنَّ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كانت في يَوْمٍ وَالْأُخْرَى في يَوْمٍ آخَرَ وَدَعْوَى النَّسْخِ بَاطِلَةٌ لِاحْتِيَاجِهِ لِمَعْرِفَةِ التَّارِيخِ وَتَعَذُّرِ الْجَمْعِ وَلَيْسَ هُنَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَاعْتَرَضَ الْبُلْقِينِيُّ على هذه الرِّوَايَةِ بِأَنَّهُ ليس في رِوَايَةِ أَحَدٍ مِمَّنْ رَوَاهَا أَنَّ فِرْقَةً من الْفِرْقَتَيْنِ جَاءَتْ إلَى مَكَانِهَا ثُمَّ أَتَمَّتْ صَلَاتَهَا وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ وَالْأُولَى من الْكَيْفِيَّتَيْنِ هِيَ الْمُخْتَارَةُ لِسَلَامَتِهَا من كَثْرَةِ الْمُخَالَفَةِ وَلِأَنَّهَا أَحْوَطُ لِأَمْرِ الْحَرْبِ فَإِنَّهَا أَخَفُّ على الْفِرْقَتَيْنِ وَهَذَا النَّوْعُ بِكَيْفِيَّتَيْهِ حَيْثُ يَكُونُ الْعَدُوُّ في غَيْرِ الْقِبْلَةِ أو فيها لَكِنْ حَالَ دُونَهُمْ حَائِلٌ يَمْنَعُ رُؤْيَتَهُمْ لو هَجَمُوا وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ الثَّلَاثَةُ من حَيْثُ الْجَمَاعَةُ وَاتِّحَادُ الْإِمَامِ مُسْتَحَبَّةٌ لَا وَاجِبَةٌ فَلَوْ صَلَّوْا فُرَادَى أو انْفَرَدَتْ طَائِفَةٌ عن الْإِمَامِ أو صلى الْإِمَامُ بِبَعْضِهِمْ كُلَّ الصَّلَاةِ وَبِالْبَاقِينَ غَيْرَهُ جَازَ لَكِنْ فَاتَتْ الْمُنْفَرِدَ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِاسْتِحْبَابِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ من زِيَادَتِهِ وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ وَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ على الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ أَيْ في الثَّالِثِ بِكَيْفِيَّتَيْهِ كما صَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ لَيْسَتْ عَزِيمَةً قال في الْمَجْمُوعِ بَلْ مَنْدُوبَةٌ لِيَحْصُلَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ حَظٌّ من الْجَمَاعَةِ وَالْوُقُوفُ قُبَالَةَ الْعَدُوِّ وَتَخْتَصُّ الْأُولَى بِفَضِيلَةِ إدْرَاكِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالثَّانِيَةُ بِفَضِيلَةِ السَّلَامِ مع الْإِمَامِ فَرْعٌ تُفَارِقُهُ الْفِرْقَةُ الْأُولَى في النَّوْعِ الثَّالِثِ حين تَنْتَصِبُ معه في الثَّانِيَةِ وَيَجُوزُ أَنْ تُفَارِقَ بَعْدَ الرَّفْعِ من السُّجُودِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِيَسْتَمِرَّ عليهم حُكْمُ الْجَمَاعَةِ حَالَةَ النُّهُوضِ وَيَقْرَأُ الْإِمَامُ في قِيَامِهِ وَيَتَشَهَّدُ في جُلُوسِهِ في الِانْتِظَارِ لِلْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي وَلِغَيْرِهَا فِيمَا يَأْتِي لِأَنَّهُ لو لم يَقْرَأْ ولم يَتَشَهَّدْ فَأَمَّا
____________________
(1/271)
أَنْ يَسْكُتَ أو يَأْتِيَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَتَشَهُّدٍ وَكُلٌّ خِلَافُ السُّنَّةِ فَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً طَوِيلَةً وَبَعْدَ مَجِيئِهِمْ يَقْرَأُ نَدْبًا من السُّورَةِ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ وقدر سُورَةٍ قَصِيرَةٍ لِيَحْصُلَ لهم قِرَاءَتُهُمَا وَيَرْكَعَ بِهِمْ فَإِنْ لم يَنْتَظِرْهُمْ وَأَدْرَكُوهُ في الرُّكُوعِ أَدْرَكُوهَا أَيْ الرَّكْعَةَ كَالْمَسْبُوقِ وَلَوْ صلى الْإِمَامُ الْكَيْفِيَّةَ الْمُخْتَارَةَ من هذا النَّوْعِ في الْأَمْنِ صَحَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من أَنَّ الِانْتِظَارَ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَا يَضُرُّ وصلاة الطَّائِفَةِ الْأُولَى بِنَاءً على الْأَصَحِّ من أَنَّ الْمُفَارَقَةَ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَا تَضُرُّ لَا صَلَاةُ الثَّانِيَةِ إنْ لم تُفَارِقْهُ حَالَ الْقِيَامِ منهم لِانْفِرَادِهِمْ بِرَكْعَةٍ وَهُمْ في الْقُدْوَةِ وَلَا خَوْفَ بِخِلَافِ ما إذَا فَارَقَتْهُ حَالَ الْقِيَامِ وَلَا تَصِحُّ في الْأَمْنِ صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ في الْكَيْفِيَّةِ الْأُخْرَى قَطْعًا وَتَصِحُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَرْعٌ إذَا صلى بِهِمْ الْمَغْرِبَ وَفَرَّقَهُمْ فِرْقَتَيْنِ وهو أَوْلَى لِئَلَّا يَزِيدَ الِانْتِظَارُ على الْمَنْقُولِ وهو الِانْتِظَارَانِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً لِأَنَّ السَّابِقَةَ أَحَقُّ بِالتَّفْضِيلِ وَلِأَنَّ في عَكْسِهِ الْمَفْضُولَ بَلْ الْمَكْرُوهَ كما في الْأُمِّ تَكْلِيفُ الثَّانِيَةِ تَشَهُّدًا زَائِدًا وَاللَّائِقُ بِالْحَالِ التَّخْفِيفُ وأن يَنْتَظِرَ الثَّانِيَةَ في الْقِيَامِ لِلثَّالِثَةِ لَا في التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْقِيَامَ مَحَلُّ التَّطْوِيلِ بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَلِأَنَّهُ في الثَّانِيَةِ يَنْتَظِرُ قَائِمًا فَكَذَا هُنَا وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً نَظِيرُ ما يَأْتِي فَرْعٌ وَإِنْ كانت رَبَاعِيَةً وَفَرَّقَهُمْ فِرْقَتَيْنِ وهو أَوْلَى لِمَا مَرَّ صلى بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَتَيْنِ ويتشهد بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَيَنْتَظِرُ الثَّانِيَةَ في قِيَامِ الثَّالِثَةِ أو جُلُوسِ التَّشَهُّدِ وَالِانْتِظَارُ في الْقِيَامِ لِلثَّالِثَةِ أَفْضَلُ منه في جُلُوسِ التَّشَهُّدِ كما مَرَّ فَإِنْ فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ وهو جَائِزٌ وَلَوْ بِلَا حَاجَةٍ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ كَالْمِنْهَاجِ وَصَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ فَصَلَّى الْأُولَى صلى بِالْأُولَى رَكْعَةً ثُمَّ فَارَقَتْهُ عَقِبَ الرَّفْعِ من السُّجُودِ أو بَعْدَ انْتِصَابِهِ وهو أَوْلَى كما مَرَّ وَأَتَمَّتْ وَجَاءَتْ الثَّانِيَةُ وهو قَائِمٌ يَنْتَظِرُهَا وصلى بها رَكْعَةً وَأَتَمَّتْ وَانْتَظَرَ الْإِمَامُ الثَّالِثَةَ قَائِمًا وهو أَفْضَلُ أو مُتَشَهِّدًا وَهَكَذَا يَفْعَلُ مِثْلَ ما فَعَلَ في الْأُولَيَيْنِ إلَى الرَّابِعَةِ فَيَنْتَظِرُهَا في جُلُوسِ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَيُسَلِّمُ بها وَصَحَّتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من أَنَّ الزِّيَادَةَ على انْتِظَارَيْنِ وَالْمُفَارَقَةُ بِلَا عُذْرٍ جَائِزَانِ فَإِنْ صلى بِفِرْقَةٍ رَكْعَةً وَبِالثَّانِيَةِ ثَلَاثًا أو عَكَسَ بِأَنْ صلى بِفِرْقَةٍ ثَلَاثًا وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً كُرِهَ قال الْمُتَوَلِّي لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالتَّسْوِيَةِ بين الْفِرْقَتَيْنِ وَسَجَدَ الْإِمَامُ وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ سُجُودَ السَّهْوِ لِلْمُخَالَفَةِ بِالِانْتِظَارِ في غَيْرِ مَحَلِّهِ بِخِلَافِ الْأُولَى لِمُفَارَقَتِهَا قبل الِانْتِظَارِ الْمُقْتَضِي لِلسُّجُودِ قال صَاحِبُ الشَّامِلِ وَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّهُ إذَا فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ سَجَدُوا أَيْ الْإِمَامُ وَغَيْرُ الْفِرْقَةِ الْأُولَى سُجُودَ السَّهْوِ أَيْضًا لِلْمُخَالَفَةِ بِمَا ذُكِرَ فَرْعٌ تُصَلَّى الْجُمُعَةُ جَوَازًا في الْخَوْفِ حَيْثُ وَقَعَ بِبَلَدٍ كَصَلَاةِ عُسْفَانَ وَكَذَاتِ الرِّقَاعِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الِانْفِضَاضَ فيها في غَيْرِ الْخَوْفِ مُؤَثِّرٌ لِلْحَاجَةِ إلَى ذلك وَلِارْتِقَابِ الْإِمَامِ مَجِيءَ الثَّانِيَةِ لَا كَصَلَاةِ بَطْنِ نَخْلٍ إذْ لَا تُقَامُ جُمُعَةٌ بَعْدَ أُخْرَى وَإِقَامَتُهَا هُنَا كَإِقَامَتِهَا في الْأَمْنِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ في صَلَاتِهَا كَذَاتِ الرِّقَاعِ أَنْ يَسْمَعُوا خُطْبَتَهُ وَلَوْ سمع منهم أَرْبَعُونَ فَأَكْثَرُ من كل فِرْقَةٍ كَفَى بِخِلَافِ ما لو خَطَبَ بِفِرْقَةٍ وَصَلَّى بِأُخْرَى فَإِنْ حَدَثَ نَقْصٌ في الْأَرْبَعِينَ السَّامِعِينَ في الرَّكْعَةِ الْأُولَى في الصَّلَاةِ بَطَلَتْ أو في الثَّانِيَةِ فَلَا لِلْحَاجَةِ مع سَبْقِ انْعِقَادِهَا قال الزَّرْكَشِيُّ وَهَلْ يَجِبُ على الْإِمَامِ انْتِظَارُ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ وَاجِبَةٌ عليهم وإذا سَلَّمَ فَوَّتَ عليهم الْوَاجِبَ الْأَقْرَبَ نعم لِأَنَّ تَفْوِيتَ الْوَاجِبِ لَا يَجُوزُ على نَفْسِهِ فَكَذَا على غَيْرِهِ وقد يُقَالُ هذا يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا أَحَسَّ بِدَاخِلٍ في رُكُوعِ الثَّانِيَةِ في الْأَمْنِ يَلْزَمُهُ انْتِظَارُهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الدَّاخِلَ مُقَصِّرٌ بِتَأْخِيرِهِ وَبِأَنَّهُ لم يَكُنْ في نَفْعِ الْمُصَلِّينَ كَالْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ هُنَا وَتَجْهَرُ الطَّائِفَةُ الْأُولَى في الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُمْ مُنْفَرِدُونَ وَلَا تَجْهَرُ الثَّانِيَةُ في الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُمْ مُقْتَدُونَ وَيَأْتِي ذلك في كل صَلَاةٍ جَهْرِيَّةٍ فَرْعٌ لو لم تُمْكِنْهُ الْجُمُعَةُ فَصَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ ثُمَّ أَمْكَنَتْهُ الْجُمُعَةُ قال الصَّيْدَلَانِيُّ لم تَجِبْ عليهم لَكِنْ تَجِبُ على من لم يُصَلِّ مَعَهُمْ وَلَوْ أَعَادَ لم أَكْرَهْهُ يُقَدَّمُ غَيْرُهُ لِيَخْرُجَ من الْخِلَافِ حَكَاهُ الْعِمْرَانِيُّ فَرْعٌ يَتَحَمَّلُ الْإِمَامُ في الْكَيْفِيَّةِ الْمُخْتَارَةِ من صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ سَهْوَ الْمَأْمُومِينَ غير من يَأْتِي لِوُجُودِ الْقُدْوَةِ الْحِسِّيَّةِ أو الْحُكْمِيَّةِ لَا سَهْوَ الطَّائِفَةِ الْأُولَى في الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا يَتَحَمَّلُهُ لِانْقِطَاعِ قُدْوَتِهَا بِالْمُفَارَقَةِ وَسَهْوُهُ في الْأُولَى يَلْحَقُ الْكُلَّ فَيَسْجُدُونَ في آخِرِ صَلَاتِهِمْ وَإِنْ لم يَسْجُدْ الْإِمَامُ وسهوه في الثَّانِيَةِ لَا يَلْحَقُ
____________________
(1/272)
الْأَوَّلَيْنِ لِمُفَارَقَتِهِمْ له قبل سَهْوِهِ وَيَلْحَقُ الْآخَرِينَ وَسَكَتَ كَأَصْلِهِ عن حُكْمِ ما لو فَرَّقَهُمْ ثَلَاثًا أو أَرْبَعًا أو صلى بِهِمْ الْكَيْفِيَّةَ الْأُخْرَى لِوُضُوحِهِ مِمَّا ذُكِرَ فَرْعٌ حَمْلُ السِّلَاحِ كَسَيْفٍ وَرُمْحٍ وَقَوْسٍ وَنُشَّابٍ في هذه الصَّلَوَاتِ وفي نُسْخَةٍ الصَّلَاةِ أَيْ صَلَاةِ الْخَوْفِ مُسْتَحَبٌّ يُكْرَهُ تَرْكُهُ لِمَنْ لَا عُذْرَ له من مَرَضٍ أو أَذًى من مَطَرٍ أو غَيْرِهِ احْتِيَاطًا لَا وَاجِبٌ لِأَنَّ وَضْعَهُ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ فَلَا يَجِبُ حَمْلُهُ كَسَائِرِ ما لَا يَفْسُدُ تَرْكُهُ وَقِيَاسًا على صَلَاةِ الْأَمْنِ وَحَمَلُوا قَوْله تَعَالَى وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ على النَّدْبِ لِأَنَّ الْغَالِبَ السَّلَامَةُ وَمَحَلُّ ذلك في غَيْرِ ما ذَكَرَهُ في قَوْلِهِ وَيَحْرُمُ مُتَنَجِّسٌ وَبَيْضَةٌ مَثَلًا تَمْنَعُ مُبَاشَرَةَ الْجَبْهَةِ لِمَا في ذلك من إبْطَالِ الصَّلَاةِ وَيُكْرَهُ رُمْحٌ مَثَلًا يُؤْذِيهِمْ بِأَنْ يَكُونَ بِوَسَطِهِمْ هذا إنْ خَفَّ بِهِ الْأَذَى وَإِلَّا فَيَحْرُمُ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَإِنْ تَعَرَّضَ الْمُصَلِّي لِلْهَلَاكِ ظَاهِرًا بِتَرْكِهِ أَيْ بِتَرْكِ حَمْلِ السِّلَاحِ وَجَبَ حَمْلُهُ أو وَضْعُهُ بين يَدَيْهِ إنْ كان بِحَيْثُ يَسْهُلُ تَنَاوُلُهُ كَسُهُولَةِ تَنَاوُلِهِ وهو مَحْمُولٌ إذْ لو لم يَجِبْ لَكَانَ ذلك اسْتِسْلَامًا لِلْكُفَّارِ وَسَوَاءٌ أَكَانَ ذلك مَانِعًا من صِحَّةِ الصَّلَاةِ أَمْ لَا لَكِنْ في حَالَةِ الْمَنْعِ يَتَعَيَّنُ الْوَضْعُ ولم تَبْطُلْ بِإِلْقَائِهِ أَيْ بِتَرْكِهِ صَلَاتَهُ وَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ حَمْلِهِ كَالصَّلَاةِ في الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَالتُّرْسُ وَالدِّرْعُ ليس كُلٌّ مِنْهُمَا بِسِلَاحٍ يُسَنُّ حَمْلُهُ بَلْ يُكْرَهُ لِكَوْنِهِ ثَقِيلًا يَشْغَلُ عن الصَّلَاةِ كَالْجَعْبَةِ كما نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ فَلَا يُنَافِي ذلك إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا من السِّلَاحِ إذْ ليس كُلُّ سِلَاحٍ يُسَنُّ حَمْلُهُ في الصَّلَاةِ وَيُكْرَهُ كَوْنُ الْفِرْقَةِ الْمُصَلِّيَةِ وَاَلَّتِي في وَجْهِ الْعَدُوِّ في صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ أَقَلَّ من ثَلَاثَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فإذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا من وَرَائِكُمْ مع قَوْلِهِ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لم يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَك وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ فَذَكَرَهُمْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ فَأَقَلُّ الطَّائِفَةِ هُنَا ثَلَاثَةٌ وَإِنْ كان أَقَلُّهَا لُغَةً وَشَرْعًا وَاحِدًا وَيَجُوزُ إيقَاعُ ذلك بِوَاحِدٍ هذا تَصْرِيحٌ بِمَا فُهِمَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَالرَّوْضَةِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَأْتِي في صَلَاتَيْ بَطْنِ نَخْلٍ وَعُسْفَانَ وَالْوَجْهُ التَّسْوِيَةُ بين الثَّلَاثِ لِشُمُولِ الدَّلِيلِ لها وَدَعْوَى النَّوَوِيِّ في الرَّوْضَةِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ في الْمُخْتَصَرِ عَنَى التَّقْيِيدَ بِذَاتِ الرِّقَاعِ مَمْنُوعَةٌ يَظْهَرُ ذلك لِمَنْ رَأَى كَلَامَ الْمُخْتَصَرِ لَا جَرَمَ لم يَذْكُرْهُ في الْمَجْمُوعِ حَيْثُ قال قال الشَّافِعِيُّ في مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ وَأَكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِأَقَلَّ من طَائِفَةٍ وَأَنْ يَحْرُسَهُ أَقَلُّ من طَائِفَةٍ هذا نَصُّهُ وَاتَّفَقَ عليه أَصْحَابُنَا انْتَهَى النَّوْعُ الرَّابِعُ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ فَإِنْ الْتَحَمَ الْقِتَالُ ولم يَتَمَكَّنُوا من تَرْكِهِ أو اشْتَدَّ الْخَوْفُ ولم يَأْمَنُوا أَنْ يَرْكَبُوهُمْ لو وَلَّوْا أو انْقَسَمُوا فَلَيْسَ لهم تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عن وَقْتِهَا بَلْ يُصَلُّونَ رُكْبَانًا وَمُشَاةً قال تَعَالَى فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أو رُكْبَانًا وَلَهُمْ تَرْكُ الِاسْتِقْبَالِ لِلْعَجْزِ أَيْ عِنْدَ الْعَجْزِ عنه بِسَبَبِ الْعَدُوِّ لِلضَّرُورَةِ وقال ابن عُمَرَ في تَفْسِيرِ الْآيَةِ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ وَغَيْرِ مُسْتَقْبِلِيهَا قال نَافِعٌ لَا أَرَاهُ إلَّا مَرْفُوعًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بَلْ قال الشَّافِعِيُّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَوَاهُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَا يَجِبُ على الْمَاشِي كَالرَّاكِبِ الِاسْتِقْبَالُ حتى في التَّحَرُّمِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَا وَضْعُ جَبْهَتِهِ على الْأَرْضِ لِمَا في تَكْلِيفِهِ ذلك من تَعَرُّضِهِ لِلْهَلَاكِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في الْمَاشِي الْمُتَنَفِّلِ في السَّفَرِ كما مَرَّ وَلَوْ أَمْكَنَهُ الِاسْتِقْبَالُ بِتَرْكِ الْقِيَامِ لِرُكُوبِهِ رَكِبَ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ آكَدُ بِدَلِيلِ النَّفْلِ لَا تَرْكُهُ لِجِمَاحِ دَابَّةٍ طَالَ زَمَنُهُ كما في الْأَمْنِ بِخِلَافِ ما قَصُرَ زَمَنُهُ وَيَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُمْ أَيْ اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ أو تَقَدَّمُوا على الْإِمَامِ كما صَرَّحَ بِهِ ابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ لِلضَّرُورَةِ وَالْجَمَاعَةُ أَفْضَلُ من انْفِرَادِهِمْ كما في الْأَمْنِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ في فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ فَإِنْ عَجَزُوا عن الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْمَئُوا بِهِمَا لِلضَّرُورَةِ وأتوا بِالسُّجُودِ أَخْفَضَ من الرُّكُوعِ لِيَتَمَيَّزَا وَيُبْطِلُهَا أَيْ الصَّلَاةَ الصِّيَاحُ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ بَلْ السُّكُوتُ أَهْيَبُ وَكَذَا يُبْطِلُهَا النُّطْقُ بِلَا صِيَاحٍ كما نَصَّ عليه في الْأُمِّ وَلَوْ احْتَاجُوا إلَى الضَّرْبِ وَنَحْوِهِ الْكَثِيرِ الْمُتَوَالِي جَازَ وَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَحْتَاجُوا إلَيْهِ أَمَّا الْقَلِيلُ أو الْكَثِيرُ غَيْرُ الْمُتَوَالِي فَمُحْتَمَلٌ في غَيْرِ الْخَوْفِ نَفْيُهُ أَوْلَى فَرْعٌ يُلْقِي وُجُوبًا سِلَاحًا تَنَجَّسَ بِمَا لَا يُعْفَى عنه حَذَرًا من بُطْلَانِ الصَّلَاةِ وفي الْأَصْلِ أو يَجْعَلُهُ في قِرَابِهِ تَحْتَ رِكَابِهِ إلَى أَنْ يَفْرُغَ منها وكان الْمُصَنِّفُ حَذَفَهُ لِقَوْلِ الرُّويَانِيِّ الظَّاهِرُ بُطْلَانُهَا بِهِ لِأَنَّهُ كان يُمْكِنُهُ طَرْحُهُ في الْحَالِ لَكِنَّ هذا مَدْفُوعٌ بِقَوْلِ الْإِمَامِ وَيُغْتَفَرُ الْحَمْلُ في هذه السَّاعَةِ لِأَنَّ في طَرْحِهِ تَعْرِيضًا لِإِضَاعَةِ الْمَالِ
____________________
(1/273)
وَبِمَا قَالَهُ فَارَقَ ذلك بُطْلَانَهَا فِيمَا لو وَقَعَ على ثَوْبِ الْمُصَلِّي نَجَاسَةٌ ولم يُنَحِّهَا في الْحَالِ إلَّا إنْ اُضْطُرَّ عِبَارَةُ الْأَصْلِ احْتَاجَ إلَى إمْسَاكِهِ فَيُمْسِكُهُ لِخَوْفِ الْهَلَاكِ وَيَقْضِي لِنُدُورِ عُذْرِهِ وَهَذَا ما نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْإِمَامِ عن الْأَصْحَابِ ثُمَّ مَنَعَ لهم أَعْنِي الْإِمَامَ نُدُورَهُ وقال هو عَامٌّ في حَقِّ الْمُقَاتِلِ فَأَشْبَهَ الْمُسْتَحَاضَةَ وَخَرَّجَ الْمَسْأَلَةَ على الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ صلى في مَوْضِعٍ نَجِسٍ وقال هذه أَوْلَى بِنَفْيِ الْقَضَاءِ لِلْقِتَالِ الذي اُحْتُمِلَ له الِاسْتِدْبَارُ وَغَيْرُهُ قال الرَّافِعِيُّ فَجُعِلَ الْأَقْيَسُ عَدَمُ الْقَضَاءِ وَالْأَشْهَرُ وُجُوبُهُ وَاقْتَصَرَ في الْمُحَرَّرِ على الْأَقْيَسِ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ في مِنْهَاجِهِ مُعَبِّرًا عنه بِالْأَظْهَرِ وقال في الْمَجْمُوعِ قبل نَقْلِهِ كَلَامَ الْإِمَامِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ قال في الْمُهِمَّاتِ وهو ما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ أَيْضًا ابن الرِّفْعَةِ عن الْقَاضِي وَحِينَئِذٍ فَالْفَتْوَى عليه انْتَهَى فَرْعٌ يُصَلَّى الْعِيدُ الْأَصْغَرُ وَالْأَكْبَرُ وَالْكُسُوفُ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ في شِدَّةِ الْخَوْفِ صَلَاتُهَا لِأَنَّهُ يُخَافُ فَوْتُهُمَا وَيَخْطُبُ لَهُمَا إنْ أَمْكَنَ لَا الِاسْتِسْقَاءُ فإنه لَا يَفُوتُ وَمِنْ ذلك يُؤْخَذُ أنها تُشْرَعُ في غَيْرِ ذلك أَيْضًا كَسُنَّةِ الْفَرِيضَةِ وَالتَّرَاوِيحِ وَأَنَّهَا لَا تُشْرَعُ في الْفَائِتَةِ بِعُذْرٍ إلَّا إذَا خِيفَ فَوْتُهَا بِالْمَوْتِ فَرْعٌ ليس لِلْعَاصِي بِالْقِتَالِ كَالْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ صَلَاتُهَا أَيْ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ لِأَنَّ الرُّخَصَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي بَلْ إنَّمَا تَجُوزُ صَلَاتُهَا لِأَهْلِ الْعَدْلِ وَمَنْ دَفَعَ عن نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَحَرَمِهِ وَنَفْسِ غَيْرِهِ وَمَالِهِ وَحَرَمِهِ وَضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ كما صَرَّحَ بِهِ ابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَلَا يُصَلِّيهَا عَاصٍ بِفِرَارٍ لِمَا مَرَّ بِخِلَافِ من أُبِيحَ له الْفِرَارُ كَأَنْ زَادَ الْعَدُوُّ على ضَعْفِنَا وَسَيَأْتِي وَلَا يُصَلِّيهَا طَالِبٌ لِعَدُوٍّ مُنْهَزِمٍ منه خَافَ فَوْتَ الْعَدُوِّ لو صلى مُتَمَكِّنًا لِأَنَّهُ لم يَخَفْ فَوْتَ ما هو حَاصِلٌ بَلْ مُحَصَّلٌ وَالرُّخَصُ لَا تَتَجَاوَزُ مَحَالّهَا إلَّا إنْ خَشِيَ كَرَّتَهُمْ عليه أو كَمِينًا أو انْقِطَاعَهُ عن رُفْقَتِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا لِأَنَّهُ خَائِفٌ فَرْعٌ لو هَرَبَ قد ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ من نَحْوِ سَيْلٍ لَا مَحِيصَ عنه أو سَبُعٍ كَذَلِكَ أو غَرِيمٍ لِإِعْسَارٍ قام بِهِ ولم تَكُنْ له بَيِّنَةٌ ولم يُصَدِّقْهُ الْمُسْتَحِقُّ أو مُقْتَصٌّ يَرْجُو بِسُكُونِ غَضَبِهِ بِالْهَرَبِ عَفْوَهُ صَلَّاهَا أَيْ صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَيُؤَخِّرُهَا أَيْ وَيُؤَخِّرُ الْمُحْرِمُ صَلَاتَهُ وُجُوبًا لِخَوْفِ فَوَاتِ الْوُقُوفِ لو صلى مُتَمَكِّنًا وَيَقِفُ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ لِأَنَّ قَضَاءَ الْحَجِّ صَعْبٌ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وقد عَهِدْنَا تَأْخِيرَهَا بِمَا هو أَسْهَلُ من مَشَقَّةِ الْحَجِّ كَتَأْخِيرِهَا لِلْجَمْعِ وَلَا يُصَلِّيهَا أَيْ صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ لِأَنَّهُ مُحَصِّلٌ لَا خَائِفٌ تَنْبِيهٌ لو أَمْكَنَهُ مع التَّأْخِيرِ إدْرَاكُ رَكْعَةٍ فَيُتَّجَهُ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ لِلضَّرُورَةِ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ بَلْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فَرْعٌ لو رَأَوْا سَوَادًا كَإِبِلٍ فَظَنُّوهُ عَدُوًّا أو كَثِيرًا بِأَنْ ظَنُّوا أَنَّهُ أَكْثَرُ من ضِعْفِنَا فَصَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ فَبَانَ غَيْرَهُ أَيْ غير عَدُوٍّ أو قَلِيلًا أو بَانَ كما ظَنُّوا وقد صَلَّوْهَا لَكِنْ بَانَ دُونَهُ حَائِلٌ كَخَنْدَقٍ أو نَارٍ أو مَاءٍ أو بَانَ أَنَّ بِقُرْبِهِمْ حِصْنًا يُمْكِنُهُمْ التَّحَصُّنُ بِهِ أو شَكُّوا في شَيْءٍ من ذلك وقد صَلَّوْهَا قَضَوْا لِتَفْرِيطِهِمْ بِخَطَئِهِمْ أو شَكِّهِمْ كما لو أَخْطَئُوا أو شَكُّوا في الطَّهَارَةِ وَمَسْأَلَةُ الشَّكِّ من زِيَادَتِهِ وَنَصَّ عليها الشَّافِعِيُّ في الْمُخْتَصَرِ وَكَذَا يَقْضُونَ بِمَا مَرَّ لو صَلَّوْا صَلَاةَ عُسْفَانَ أو ذَاتِ الرِّقَاعِ على رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَكَذَا الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ فيها على رِوَايَةِ سَهْلٍ لَا غَيْرِهَا من صَلَاةِ بَطْنِ نَخْلٍ وَصَلَاةِ الْفِرْقَةِ الْأُولَى في ذَاتِ الرِّقَاعِ على رِوَايَةِ سَهْلٍ كما في الْأَمْنِ إلَّا الْأُولَى وَلَا إنْ بَانَ بَعْدَ صَلَاتِهِمْ صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ ما رَأَوْهُ عَدُوًّا كما ظَنُّوهُ وَلَا حَائِلَ وَلَا حِصْنَ ولكن نِيَّتُهُمْ الصُّلْحُ وَنَحْوُهُ كَالتِّجَارَةِ فَلَا قَضَاءَ إذْ لَا تَفْرِيطَ منهم لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا اطِّلَاعَ عليها بِخِلَافِ الْخَطَأِ فِيمَا مَرَّ فَإِنَّهُمْ مُفَرِّطُونَ في تَأَمُّلِهِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ صلى مُتَمَكِّنًا على الْأَرْضِ فَحَدَثَ الْخَوْفُ الْمُلْجِئُ لِرُكُوبِهِ رَكِبَ وَبَنَى وَإِنْ لم يُلْجِئْهُ بَلْ رَكِبَ احْتِيَاطًا أَعَادَ صَلَاتَهُ وُجُوبًا وَإِنْ أَمِنَ الْمُصَلِّي وهو رَاكِبٌ نَزَلَ حَالًا وُجُوبًا وَبَنَى وَفَرَّقَ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ النُّزُولَ أَقَلُّ عَمَلًا من الرُّكُوبِ وَاعْتَرَضَ الْمُزَنِيّ بِأَنَّ ذلك يَخْتَلِفُ بِالْفُرُوسِيَّةِ وَالْخِفَّةِ وَأَجَابَ عنه الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ اعْتَبَرَ غَالِبَ عَادَةِ
____________________
(1/274)
الناس وَأُلْحِقَ بِهِ النَّادِرُ وَبِأَنَّهُ اعْتَبَرَ حَالَ كل مُنْفَرِدٍ أو لَا رَيْبَ أَنَّ نُزُولَ كل فَارِسٍ أَخَفُّ من رُكُوبِهِ وَإِنْ كان أَثْقَلَ من رُكُوبٍ آخَرَ وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّهُ في الْأُولَى فَعَلَ شيئا مُسْتَغْنًى عنه وَخَرَجَ عن هَيْئَةِ الصَّلَاةِ الْمُعْتَادَةِ وفي الثَّانِيَةِ فَعَلَ وَاجِبًا وَدَخَلَ في الْهَيْئَةِ الْمُعْتَادَةِ ثُمَّ أَنَّهُ إنَّمَا يَبْنِي فيها إنْ لم يَسْتَدْبِرْ في نُزُولِهِ الْقِبْلَةَ وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ وَكُرِهَ انْحِرَافُهُ عنها في نُزُولِهِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً وَلَا تَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ أَخَّرَ النُّزُولَ عن الْأَمْنِ بَطَلَتْ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ بَابُ ما يَجُوزُ لُبْسُهُ لِلْمُحَارِبِ وَغَيْرِهِ وما لَا يَجُوزُ يَحْرُمُ على غَيْرِ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ من الرَّجُلِ وَالْخُنْثَى لُبْسُ الْحَرِيرِ وَلَوْ قَزًّا وما أَكْثَرَ منه لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن حُذَيْفَةَ لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ وَخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عنه أَيْضًا نَهَانَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَأَنْ نَجْلِسَ عليه وَلِخَبَرِ أبي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخَذَ في يَمِينِهِ قِطْعَةَ حَرِيرٍ وفي شِمَالِهِ قِطْعَةَ ذَهَبٍ وقال هَذَانِ حَرَامٌ على ذُكُورِ أُمَّتِي حَلَالٌ لِإِنَاثِهِمْ
قال الْإِمَامُ وكان فيه مع مَعْنَى الْخُيَلَاءِ أَنَّهُ ثَوْبُ رَفَاهِيَةٍ وَزِينَةٍ وَإِبْدَاءُ زِيٍّ يَلِيقُ بِالنِّسَاءِ دُونَ شَهَامَةِ الرِّجَالِ قال الرَّافِعِيُّ وهو حَسَنٌ لَكِنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَفِي الْأُمِّ وَلَا أَكْرَهُ لُبْسَ اللُّؤْلُؤِ لِلرَّجُلِ إلَّا لِلْأَدَبِ فإنه من زِيِّ النِّسَاءِ لَا لِلتَّحْرِيمِ انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلتَّحْرِيمِ في كَلَامِ الْإِمَامِ مُتَعَدِّدٌ وهو مُنْتَفٍ في كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَأَلْحَقُوا بِالرَّجُلِ الْخُنْثَى احْتِيَاطًا وَسَيَأْتِي حُكْمُ ما خَرَجَ بِالْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ لَا إنْ اسْتَوَيَا أَيْ الْحَرِيرُ وَغَيْرُهُ وَزْنًا فِيمَا رَكِبَ مِنْهُمَا أو كان غَيْرُ الْحَرِيرِ أَكْثَرَ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى فَلَا يَحْرُمُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى ثَوْبَ حَرِيرٍ والأصل الْحِلُّ وفي أبي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عن ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّمَا نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الثَّوْبِ الْمُصْمَتِ من الْحَرِيرِ فَأَمَّا الْعَلَمُ وَسُدَى الثَّوْبِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَالْمُصْمَتُ الْخَالِصُ وَالْعَلَمُ الطِّرَازُ وَنَحْوُهُ وَلَا أَثَرَ لِلظُّهُورِ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ في قَوْلِهِ إنْ ظَهَرَ الْحَرِيرُ في الْمَرْكَبِ حَرُمَ وَإِنْ قَلَّ وَزْنُهُ وَإِنْ اسْتَتَرَ لم يَحْرُمْ وَإِنْ كَثُرَ وَزْنُهُ وَيَجُوزُ لِمَنْ ذَكَرَ لُبْسُ الْحَرِيرِ لِحَاجَةٍ الْأَنْسَبُ بِكَلَامِ أَصْلِهِ لِضَرُورَةٍ كَمُفَاجَأَةِ أَيْ بَغْتَةِ حَرْبٍ تَمْنَعُ لِشِدَّتِهَا الْبَحْثَ عن غَيْرِهِ يَعْنِي طَلَبَ غَيْرِ الْحَرِيرِ وَلُبْسَهُ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ إذَا لم يَجِدْ غَيْرَهُ وَلِدَفْعِ حَرٍّ وَبَرْدٍ شَدِيدَيْنِ الْأَنْسَبُ بِكَلَامِ أَصْلِهِ حَذْفُ اللَّامِ أو إبْدَالُهَا كَافًّا وَحَكَّةٍ إنْ آذَاهُ غَيْرُهُ كما شَرَطَهُ ابن الرِّفْعَةِ وَقَلَّ لِلْحَاجَةِ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَرْخَصَ لِعَبْدِ الرحمن بن عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ بن الْعَوَّامِ في لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحَكَّةٍ كانت بِهِمَا وفي رِوَايَةٍ في السَّفَرِ لِحَكَّةٍ أو وَجَعٍ كان بِهِمَا وَأَرْخَصَ لَهُمَا في غُزَاةٍ لُبْسَهُ لِلْقَمْلِ رَوَاهَا الشَّيْخَانِ وَالْمَعْنَى يَقْتَضِي عَدَمَ تَقْيِيدِ ذلك بِالسَّفَرِ وَإِنْ ذَكَرَهُ الرَّاوِي حِكَايَةً لِلْوَاقِعَةِ وَيَجُوزُ لِمُحَارِبٍ لُبْسُ دِيبَاجٍ لَا يَقِي غَيْرُهُ وِقَايَتَهُ لِلضَّرُورَةِ وَالدِّيبَاجُ بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ أَصْلُهُ ديباه بِالْهَاءِ وَجَمْعُهُ دَبَايِجُ وَدَبَابِيجُ فَرْعٌ يَجُوزُ لِمَنْ ذُكِرَ تَطْرِيفٌ مُعْتَادٌ بِهِ أَيْ جَعْلُ طَرَفِ ثَوْبِهِ مُسَجَّفًا بِالْحَرِيرِ بِقَدْرِ الْعَادَةِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عن أَسْمَاءَ بِنْتِ أبي بَكْرٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان له جُبَّةٌ يَلْبَسُهَا لها لِبْنَةٌ من دِيبَاجٍ وَفَرْجَاهَا مَكْفُوفَانِ بِالدِّيبَاجِ وَاللِّبْنَةُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْبَاءِ رُقْعَةٌ في جَيْبِ الْقَمِيصِ أَيْ طَوْقِهِ وفي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد
____________________
(1/275)
بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كان له جُبَّةٌ مَكْفُوفَةُ الْجَيْبِ وَالْكُمَّيْنِ وَالْفَرْجَيْنِ بِالدِّيبَاجِ وَالْمَكْفُوفِ الذي جُعِلَ له كُفَّةٌ بِضَمِّ الْكَافِ أَيْ سِجَافٌ أَمَّا ما جَاوَزَ الْعَادَةَ فَيَحْرُمُ وَفَرَّقَ بين ذلك وَبَيْنَ اعْتِبَارِ أَرْبَعِ أَصَابِعَ فِيمَا يَأْتِي بِأَنَّ التَّطْرِيفَ مَحَلُّ حَاجَةٍ وقد تَمَسُّ الْحَاجَةُ لِلزِّيَادَةِ على الْأَرْبَعِ بِخِلَافِ ما يَأْتِي فإنه مُجَرَّدُ زِينَةٍ فَيَتَقَيَّدُ بِالْأَرْبَعِ قال ابن عبد السَّلَامِ وَكَالتَّطْرِيفِ طَرَفَا الْعِمَامَةِ إذَا كان كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْرَ شِبْرٍ وَفَرَّقَ بين كل أَرْبَعِ أَصَابِعَ بِمِقْدَارِ قَلَمٍ من كَتَّانٍ أو قُطْنٍ وَفِيمَا قَالَهُ وَقْفَةٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ تَتَبَّعْت الْعَادَةَ في الْعَمَائِمِ فَوُجِدَتْ كَذَلِكَ ويجوز تَطْرِيزٌ وَتَرْقِيعٌ بِهِ لَا يُجَاوِزُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَرْبَعَ أَصَابِعَ مَضْمُومَةٍ دُونَ ما يُجَاوِزُهَا لِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ مع خَبَرِ مُسْلِمٍ عن عُمَرَ نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن لُبْسِ الْحَرِيرِ إلَّا مَوْضِعَ أُصْبُعٍ أو أُصْبُعَيْنِ أو ثَلَاثٍ أو أَرْبَعٍ وَظَاهِرٌ أَنَّ شَرْطَ جَوَازِهِمَا أَنْ لَا تَكْثُرَ مَحَالُّهُمَا بِحَيْثُ يَزِيدُ الْحَرِيرُ على غَيْرِهِ وَزْنًا لَكِنْ نَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ عن الْحَلِيمِيِّ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ على طِرَازَيْنِ كُلُّ طِرَازٍ على كُمٍّ وَأَنَّ كُلَّ طِرَازٍ لَا يَزِيدُ على إصْبَعَيْنِ لِيَكُونَ مَجْمُوعُهُمَا أَرْبَعَ أَصَابِعَ قال السُّبْكِيُّ وَالتَّطْرِيزُ جَعْلُ الطِّرَازِ مُرَكَّبًا على الثَّوْبِ أَمَّا الْمُطَرَّزُ بِالْإِبْرَةِ فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ كَالْمَنْسُوجِ حتى يَكُونَ مع الثَّوْبِ كَالْمُرَكَّبِ من حَرِيرٍ وَغَيْرِهِ لَا كَالطِّرَازِ وقال الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالطِّرَازِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ ويجوز حَشْوُ جُبَّةٍ أو نَحْوِهَا بِهِ لِأَنَّ الْحَشْوَ ليس ثَوْبًا مَنْسُوجًا لَا يُعَدُّ صَاحِبُهُ لَابِسَ حَرِيرٍ وَبِهَذَا فَارَقَ ما سَيَأْتِي من تَحْرِيمِ الْبِطَانَةِ وَالْمُرَادُ من الْمَذْكُورَاتِ جَوَازُ لُبْسِهَا قال الْإِمَامُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ من لَبِسَ ثَوْبًا ظِهَارَتُهُ وَبِطَانَتُهُ قُطْنٌ وفي وَسَطِهِ حَرِيرٌ مَنْسُوجٌ جَازَ قال وَفِيهِ نَظَرٌ وَعِبَارَةُ ابْنِ عبد السَّلَامِ في مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ جَازَ على الظَّاهِرِ من كَلَامِهِمْ وَفِيهِ احْتِمَالٌ انْتَهَى وَيُؤَيِّدُ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ حِلُّ اسْتِعْمَالِ إنَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْمَغْشِيِّ بِنُحَاسٍ وَحِلُّ الْجُلُوسِ على الْحَرِيرِ بِحَائِلٍ ويجوز خِيَاطَةٌ لِلثَّوْبِ بِهِ وَلُبْسُهُ وَلَا يَجِيءُ فيه تَفْصِيلُ الْمُضَبَّبِ لِأَنَّ الْحَرِيرَ أَهْوَنُ من الْأَوَانِي وَلِهَذَا حَلَّ لِلنِّسَاءِ دُونَهَا قال في الْمَجْمُوعِ وَيَحِلُّ منه خَيْطُ السُّبْحَةِ قال الزَّرْكَشِيُّ ويقاس بِهِ لِيقَةُ الدَّوَاةِ قال الْفُورَانِيُّ وَيَجُوزُ منه كِيسُ الْمُصْحَفِ لِلرَّجُلِ وَأَفْتَى النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ له كِتَابَةُ الصَّدَاقِ في ثَوْبِ حَرِيرٍ إذْ لَا يَجُوزُ له اسْتِعْمَالُهُ قال وَلَا يُغْتَرُّ بِكَثْرَةِ من يَرَاهُ وَلَا يُنْكِرُهُ وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ الْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ كَخِيَاطَةِ أَثْوَابِ الْحَرِيرِ لِلنِّسَاءِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْخِيَاطَةَ لَا اسْتِعْمَالَ فيها بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ وَأَمَّا اتِّخَاذُ أَثْوَابِ الْحَرِيرِ بِلَا لُبْسٍ فَأَفْتَى ابن عبد السَّلَامِ بِأَنَّهُ حَرَامٌ لَكِنَّ إثْمَهُ دُونَ إثْمِ اللُّبْسِ لَا تَبْطِينٌ بِأَنْ جَعَلَ بِطَانَةَ الْجُبَّةِ أو نَحْوِهَا حَرِيرًا فَيَحْرُمُ لُبْسُهَا وَلَا نَسْجُ دِرْعٍ بِقَلِيلِ ذَهَبٍ فَيَحْرُمُ ما نُسِجَ بِهِ أو زُرَّ بِإِزْرَارِهِ أو خُيِّطَ بِهِ لِكَثْرَةِ الْخُيَلَاءِ فيه بِخِلَافِ ما خُيِّطَ بِالْحَرِيرِ وَخَرَجَ بِالذَّهَبِ الْفِضَّةُ فَيَجُوزُ تَحْلِيَةُ آلَةِ الْحَرْبِ بها كما سَيَأْتِي في الزَّكَاةِ فَرْعُ افْتِرَاشِ الْحَرِيرِ وَالتَّسَتُّرِ بِهِ وَسَائِرِ وُجُوهِ الِاسْتِعْمَالِ كَلُبْسِهِ فَتَحْرُمُ على من ذُكِرَ وَالتَّقْيِيدُ في بَعْضِ الْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ بِاللُّبْسِ وَالْجُلُوسِ جَرَى على الْغَالِبِ فَيَحْرُمُ ما عَدَاهُمَا كما دَلَّ عليه بَقِيَّةُ الْأَخْبَارِ وَلِلْمَرْأَةِ افْتِرَاشُهُ كَلُبْسِهِ لِمَا مَرَّ في خَبَرِ حَلَّ لِإِنَاثِهِمْ فَإِنْ فَرَشَ رَجُلٌ أو خُنْثَى عليه غَيْرَهُ قال في الْمَطْلَبِ وَلَوْ خَفِيفًا مُهَلْهَلَ النَّسْجِ جَلَسَ عليه جَوَازًا كما يَجُوزُ جُلُوسُهُ على مِخَدَّةٍ مَحْشُوَّةٍ بِهِ وَعَلَى نَجَاسَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَائِلٌ وَعَلَّلَهُ في الْمَطْلَبِ بِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى في الْعُرْفِ مُسْتَعْمِلًا له وَلِوَلِيِّ صَبِيٍّ وَلَوْ مُمَيِّزًا إلْبَاسُهُ إيَّاهُ وَتَزْيِينُهُ بِالْحُلِيِّ من ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ وَبِالْمَصْبُوغِ وَالْحَرِيرِ وَلَوْ في غَيْرِ يَوْمِ الْعِيدِ إذْ ليس له شَهَامَةٌ تُنَافِي خُنُوثَةَ ذلك ولأنه غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَأَلْحَقَ بِهِ الْغَزَالِيُّ في الْإِحْيَاءِ الْمَجْنُونَ وَكَالْحَرِيرِ فِيمَا ذُكِرَ مُزَعْفَرٌ وَمُعَصْفَرٌ لِلْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ على ذلك ولأنه من زِيِّ النِّسَاءِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ يَحْرُمُ على الرَّجُلِ الْمُزَعْفَرُ دُونَ الْمُعَصْفَرِ قال الْبَيْهَقِيُّ فيه الصَّوَابُ تَحْرِيمُ الْمُعَصْفَرِ عليه أَيْضًا لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ التي لو بَلَغَتْ الشَّافِعِيُّ لَقَالَ بها وقد أَوْصَانَا بِالْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ذُكِرَ ذلك في
____________________
(1/276)
الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عن الْبَيْهَقِيّ عن الشَّافِعِيِّ نَصًّا ثُمَّ قال وَفِيهِ أَنَّ لِلشَّافِعِيِّ نَصًّا يُوَافِقُ النَّهْيَ وَأَنَّ مَحَلَّ النَّهْيِ عن الْمُعَصْفَرِ إذَا صُبِغَ بَعْدَ النَّسْجِ لَا قَبْلَهُ قال وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ اخْتِلَافُ الْأَحَادِيثِ في ذلك وَلَا يُكْرَهُ لِمَنْ ذُكِرَ مَصْبُوغٌ بِغَيْرِهِمَا أَيْ بِغَيْرِ الزَّعْفَرَانِ وَالْعُصْفُرِ الْمَفْهُومَيْنِ من الْمُزَعْفَرِ وَالْمُعَصْفَرِ سَوَاءٌ الْأَحْمَرُ وَالْأَصْفَرُ وَالْأَخْضَرُ وَغَيْرُهَا فَعُلِمَ جَوَازُ ذلك وَأَنَّهُ يَجُوزُ لُبْسُ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَالصُّوفِ وَالْخَزِّ وَإِنْ كانت نَفِيسَةً غَالِيَةَ الْأَثْمَانِ لِأَنَّ نَفَاسَتَهَا بِالصَّنْعَةِ وَبِهِ صَرَّحَ في الرَّوْضَةِ وَتَقَدَّمَ في الْجُمُعَةِ ما يُعْلَمُ منه أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ فِيمَا صُبِغَ قبل النَّسْجِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ جَوَازُ الْمَصْبُوغِ بِالْوَرْسِ لَكِنْ نَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عن الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ إلْحَاقَهُ بِالْمُزَعْفَرِ وَيُكْرَهُ لِلرِّجَالِ وَغَيْرِهِمْ تَزْيِينُ الْبُيُوتِ حتى مُشَاهَدَ الْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ بِالثِّيَابِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُلْبِسَ الْجُدْرَانَ وَاللَّبِنَ وَيَحْرُمُ تَزْيِينُهَا بِالْحَرِيرِ وَالْمُصَوَّرِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فيها نعم يَجُوزُ سَتْرُ الْكَعْبَةِ بِالْحَرِيرِ كما سَيَأْتِي في زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وكذا الْمَسَاجِدُ على ما أَفْتَى بِهِ الْغَزَالِيُّ وَكَلَامُ ابْنِ عبد السَّلَامِ في فَتَاوِيهِ يَمِيلُ إلَيْهِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ كما قال ابن الْعِمَادِ عَدَمُ الْجَوَازِ فيها وهو ما يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ في بَابِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَرْعٌ يَحْرُمُ إلْبَاسُ جِلْدِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ غَيْرَهُمَا إذْ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالْخِنْزِيرِ في حَيَاتِهِ بِحَالٍ وَكَذَا بِالْكَلْبِ إلَّا في أَغْرَاضٍ مَخْصُوصَةٍ فَبَعْدَ مَوْتِهِمَا أَوْلَى أَمَّا إلْبَاسُهُ لَهُمَا فَجَائِزٌ لِمُسَاوَاتِهِ لَهُمَا في التَّغْلِيظِ وَمِثْلُهُمَا فِيمَا ذُكِرَ الْمُتَوَلِّدُ من أَحَدِهِمَا مع غَيْرِهِ إلَّا لِخَوْفٍ على نَفْسٍ أو عُضْوٍ من حَرٍّ وَبَرْدٍ شَدِيدَيْنِ وفجأة حَرْبٍ وقد عُدِمَ غَيْرُهُ مِمَّا يَقُومُ مَقَامَهُ فَيَجُوزُ ذلك لِلضَّرُورَةِ وَتَعْبِيرُهُ بِنَفْسٍ أَوْلَى من تَعْبِيرِهِ في نُسْخَةٍ كَأَصْلِهِ بِنَفْسِهِ وَلَا يَحْرُمُ جِلْدُ الْمَيْتَةِ قبل الدَّبْغِ وَسَائِرُ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ غَيْرِ ما مَرَّ إلَّا على بِمَعْنَى في بَدَنِ آدَمِيٍّ وَشَعْرِهِ وَثَوْبِهِ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ هُنَا وَالْمُصَنِّفُ في الشَّهَادَاتِ لِمَا عليه من التَّعَبُّدِ في اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ لِإِقَامَةِ الْعِبَادَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِالشَّعْرِ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ كان النَّجِسُ مُشْطَ عَاجٍ كَافٍ فإنه يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ أَخَذَهُ من كَلَامِ الرَّافِعِيِّ في الْكَلَامِ على وَصْلِ الشَّعْرِ وَمِنْ كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ هُنَا فإنه رَدَّ بِهِ قَوْلَ النَّوَوِيِّ في مَجْمُوعِهِ الْمَشْهُورُ لِلْأَصْحَابِ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْعَاجِ في الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ حَيْثُ لَا رُطُوبَةَ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ فقال وما قَالَهُ غَرِيبٌ وَوَهْمٌ عَجِيبٌ فإن هذا التَّفْصِيلَ إنَّمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ في وَضْعِ الشَّيْءِ في الْإِنَاءِ منه فَالْتَبَسَ عليه ذلك بِالِاسْتِعْمَالِ في الْبَدَنِ انْتَهَى
وما قَالَهُ هو الْغَرِيبُ وَالْوَهْمُ الْعَجِيبُ فَقَدْ نَصَّ على التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ في الْمُشْطِ وَالْإِنَاءِ الشَّافِعِيُّ في الْبُوَيْطِيِّ وَجَزَمَ بِهِ جَمْعٌ منهم الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ أبو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَكَأَنَّهُمْ اسْتَثْنَوْا الْعَاجَ لِشِدَّةِ جَفَافِهِ مع ظُهُورِ رَوْنَقِهِ وَجِلْدُ الْآدَمِيِّ وَإِنْ كان طَاهِرًا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَلَهُ لُبْسُ ثَوْبٍ مُتَنَجِّسٍ لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ عَارِضَةٌ سَهْلَةُ الْإِزَالَةِ وَلَا يَخْفَى تَقْيِيدُهُ في غَيْرِ الضَّرُورَةِ بِمَا إذَا لم تَكُنْ ثَمَّ رُطُوبَةٌ وَقَيَّدَهُ الْأَصْلُ بِغَيْرِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا فَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ ما فُهِمَ منه من تَحْرِيمِ لُبْسِهِ في الصَّلَاةِ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا هو لِكَوْنِهِ مُشْتَغِلًا بِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ كما لو صلى مُحْدِثًا فإنه آثِمٌ بِفِعْلِهِ الْفَاسِدَ لَا بِتَرْكِهِ الْوُضُوءَ وله مع الْكَرَاهَةِ تَسْمِيدُ أَرْضِهِ بِأَنْ يَجْعَلَ فيها السَّمَادَ أَيْ السِّرْجِينَ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ فَقَوْلُهُ يُزِيلُ إيضَاحٌ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ زِبْلِ ما نَجَاسَتُهُ مُغَلَّظَةٌ وله أَيْضًا
____________________
(1/277)
مع الْكَرَاهَةِ اسْتِصْبَاحٌ بِدُهْنٍ نَجِسٍ كما له ذلك بِالْمُتَنَجِّسِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم سُئِلَ عن فَارَةٍ وَقَعَتْ في سَمْنٍ فقال إنْ كان جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وما حَوْلَهَا وَإِنْ كان مَائِعًا فَاسْتَصْبِحُوا بِهِ أو فَانْتَفِعُوا بِهِ رَوَاهُ الطَّحْطَاوِيُّ وقال رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَمَحَلُّهُ في غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَمَّا فيه فَلَا لِمَا فيه من تَنْجِيسِهِ كَذَا جَزَمَ بِهِ من زِيَادَتِهِ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ لَكِنَّ مَيْلَ الْإِسْنَوِيِّ إلَى الْجَوَازِ حَيْثُ قال وَإِطْلَاقُهُمْ يَقْتَضِي الْجَوَازَ وَسَبَبُهُ قِلَّةُ الدُّخَانِ وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْأَوَّلِ على الْكَثِيرِ فَيُوَافِقُ الثَّانِيَ وقال الْأَذْرَعِيُّ في تَوَسُّطِهِ بِنَاءً على ما قَالَهُ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُلْحَقَ بِالْمَسْجِدِ الْمَنْزِلُ الْمُؤَجَّرُ وَالْمُعَارُ وَنَحْوُهُمَا إذَا طَالَ زَمَنُ الِاسْتِصْبَاحِ فيه بِحَيْثُ يَعْلَقُ الدُّخَانُ بِالسَّقْفِ أو الْجِدَارِ لَا وَدَكُ كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ وَفَرْعُ أَحَدِهِمَا فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ لِغِلَظِ نَجَاسَتِهِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْفُورَانِيُّ وَالْعِمْرَانِيُّ وَيُعْفَى عَمَّا يُصِيبُك من دُخَانِ الْمِصْبَاحِ لِقِلَّتِهِ فَلَا يُمْنَعُ الِاسْتِصْبَاحُ بِمَا مَرَّ قال في الْمَجْمُوعِ وَيَجُوزُ طَلْيُ السُّفُنِ بِشَحْمِ الْمَيْتَةِ وَاِتِّخَاذِ صَابُونٍ من الزَّيْتِ النَّجِسِ وَإِطْعَامِ الْمَيْتَةِ لِلْكِلَابِ وَالطُّيُورِ وَإِطْعَامِ الطَّعَامِ الْمُتَنَجِّسِ لِلدَّوَابِّ فَرْعٌ يُكْرَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ الْمَشْيُ في نَعْلٍ وَاحِدَةٍ أو نَحْوِهَا كَخُفٍّ وَاحِدٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لَا يَمْشِي أحدكم في النَّعْلِ الْوَاحِدَةِ لِيَنْعَلْهُمَا جميعا أو لِيَخْلَعْهُمَا جميعا وفي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ إذَا انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَمْشِ في الْأُخْرَى حتى يُصْلِحَهَا وَالْمَعْنَى فيه أَنَّ مَشْيَهُ يَخْتَلُّ بِذَلِكَ وَقِيلَ لِمَا فيه من تَرْكِ الْعَدْلِ بين الرِّجْلَيْنِ وَالْعَدْلُ مَأْمُورٌ بِهِ وَقِيسَ بِالنَّعْلِ نَحْوُهَا وَإِنْ انْتَعَلَ قَائِمًا لِلنَّهْيِ عنه رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قال الْخَطَّابِيُّ وَالْمَعْنَى فيه خَوْفُ انْقِلَابِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْيَمِينِ في اللُّبْسِ لِلنَّعْلِ وَنَحْوِهِ وَالْيَسَارِ في الْخَلْعِ كما عُلِمَ من بَابِ الْوُضُوءِ وَيُسَنُّ له إذَا جَلَسَ أَنْ يَخْلَعَ نَعْلَيْهِ وَنَحْوَهُمَا وَأَنْ يَجْعَلَهُمَا وَرَاءَهٌ بِجَنْبِهِ إلَّا لِعُذْرٍ كَخَوْفٍ عَلَيْهِمَا لِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ من السُّنَّةِ إذَا جَلَسَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْلَعَ نَعْلَيْهِ فَيَجْعَلَهُمَا بِجَنْبِهِ رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَيُبَاحُ بِلَا كَرَاهَةٍ خَاتَمُ حَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا من حَدِيدٍ وَأَمَّا خَبَرُ ما لي أَرَى عَلَيْك حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ فَسَيَأْتِي أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَيُسَنُّ لِلرَّجُلِ خَاتَمُ الْفِضَّةِ أَيْ لُبْسُهُ في خِنْصَرِ يَمِينِهِ وفي خِنْصَرِ يَسَارِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ولبسه في الْيَمِينِ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ زِينَةٌ وَالْيَمِينُ أَشْرَفُ وَيَجُوزُ لُبْسُهُ فِيهِمَا مَعًا بِفَصٍّ وَبِدُونِهِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَجَعْلُ الْفَصِّ في بَاطِنِ الْكَفِّ أَفْضَلُ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فيه وَيَجُوزُ نَقْشُهُ وَإِنْ كان فيه ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَفِي الصَّحِيحَيْنِ كان نَقْشُ خَاتَمِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُحَمَّدٌ رسول اللَّهِ وَلَا كَرَاهَةَ فيه قال ابن الرِّفْعَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْقُصَ الْخَاتَمُ عن مِثْقَالٍ لِخَبَرِ أبي دَاوُد أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِرَجُلٍ وَجَدَهُ لَابِسَ خَاتَمِ حَدِيدٍ ما لي أَرَى عَلَيْك حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ فَطَرَحَهُ فقال رسول اللَّهِ من أَيِّ شَيْءٍ اتَّخَذَهُ قال من وَرِقٍ وَلَا تُبْلِغْهُ مِثْقَالًا انْتَهَى وَالْخَبَرُ ضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ في شَرْحَيْ الْمُهَذَّبِ وَمُسْلِمٍ فَيَنْبَغِي الضَّبْطُ بِمَا لَا يُعَدُّ إسْرَافًا في الْعُرْفِ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيَّ وَغَيْرُهُ في الْخَلْخَالِ وقال أَفْتَيْت بِذَلِكَ وَيُكْرَهُ لُبْسُ الثِّيَابِ الْخَشِنَةِ لِغَيْرِ غَرَضٍ شَرْعِيٍّ نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عن الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيِّ وَاخْتَارَ في الْمَجْمُوعِ ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِمَا من الِاقْتِصَارِ على أَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ وَيَحْرُمُ على الرَّجُلِ إطَالَةُ الْعَذَبَةِ طُولًا فَاحِشًا وَإِنْزَالُ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ عن الْكَعْبَيْنِ لِلْخُيَلَاءِ وَيُكْرَهُ ذلك لِغَيْرِهَا لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ من جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لم يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يوم الْقِيَامَةِ فقال أبو بَكْرٍ يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ إزَارِي يَسْتَرْخِي إلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَهُ فقال له إنَّك لَسْت مِمَّنْ يَفْعَلُهُ خُيَلَاءَ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ما اسْتَفَلَ من الْكَعْبَيْنِ من الْإِزَارِ فَفِي النَّارِ وَلِخَبَرِ الْإِسْبَالُ في الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ من جَرَّ شيئا خُيَلَاءَ لم يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يوم الْقِيَامَةِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ على ما في الْمَجْمُوعِ وَحُسِّنَ على ما في الرَّوْضَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِالطُّولِ الْفَاحِشِ في الْعَذَبَةِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَبِهِ صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ وَالسُّنَّةُ أَنْ تَكُونَ بين الْكَتِفَيْنِ كما أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَسَيَأْتِي وَيُسَنُّ تَقْصِيرُ الْكُمِّ لِأَنَّ كُمَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان إلَى الرُّسْغِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وقال حَدِيثٌ حَسَنٌ وَيَجُوزُ لُبْسُ الْعِمَامَةِ بِإِرْسَالِ طَرَفِهَا وَبِدُونِهِ وَلَا كَرَاهَةَ في وَاحِدٍ مِنْهُمَا ولم يَصِحَّ في النَّهْيِ عن تَرْكِ إرْسَالِهِ شَيْءٌ وَصَحَّ في إرْخَائِهِ خَبَرُ مُسْلِمٍ عن عَمْرِو بن حُرَيْثٍ قال كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ
____________________
(1/278)
قد أَرْخَى طَرَفَهَا بين كَتِفَيْهِ أَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَجُوزُ لها إرْسَالُ الثَّوْبِ على الْأَرْضِ لِخَبَرِ من جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لم يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يوم الْقِيَامَةِ فقالت أُمُّ سَلَمَةَ فَكَيْفَ يَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ قال يُرْخِينَ شِبْرًا قالت إذَنْ تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ قال فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عليه رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وقال حَدِيثٌ صَحِيحٌ ذَكَرَ ذلك في الْمَجْمُوعِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّ ابْتِدَاءَ الذِّرَاعِ من الْحَدِّ الْمُسْتَحَبِّ لِلرِّجَالِ وهو أَنْصَافُ السَّاقَيْنِ لَا من الْكَعْبَيْنِ وَلَا من أَوَّلِ ما يَمَسُّ الْأَرْضَ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي طَيُّ الثِّيَابِ فَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِأَسَانِيدَ ضِعَافٍ خَبَرُ اطْوُوا ثِيَابَكُمْ تَرْجِعْ إلَيْهَا أَرْوَاحُهَا فإن الشَّيْطَانَ إذَا وَجَدَ الثَّوْبَ مَطْوِيًّا لم يَلْبَسْهُ وإذا وَجَدَهُ مَنْشُورًا لَبِسَهُ وَخَبَرِ إذَا طَوَيْتُمْ ثِيَابَكُمْ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ لَا يَلْبَسُهَا الْجِنُّ بِاللَّيْلِ وَأَنْتُمْ بِالنَّهَارِ فَتَبْلَى سَرِيعًا تَتِمَّةٌ يَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ لُبْسُ الْقَمِيصِ وَالْقَبَاءِ وَالْفَرْجِيَّةِ وَنَحْوِهَا مَزْرُورًا وَمَحْلُولَ الْإِزْرَارِ إذَا لم تَبْدُ عَوْرَتُهُ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ قال الْقَمُولِيُّ وَيَنْبَغِي اخْتِصَاصُ عَدَمِ كَرَاهَةِ لُبْسِ الْقَبَاءِ بِمَنْ يَعْتَادُهُ أو لَا يَعْتَادُهُ لَكِنْ لَبِسَهُ تَحْتَ ثِيَابِهِ أَمَّا إذَا لَبِسَهُ ظَاهِرًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ كَلُبْسِ الْفَقِيهِ الْقَبَاءَ في بِلَادِنَا وقد تَعَرَّضُوا له في بَابِ الشَّهَادَاتِ قال ابن عبد السَّلَامِ وَإِفْرَاطُ تَوْسِعَةِ الثِّيَابِ وَالْأَكْمَامِ بِدْعَةٌ وَسَرَفٌ وَتَضْيِيعٌ لِلْمَالِ وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ شِعَارِ الْعُلَمَاءِ لِيُعْرَفُوا بِذَلِكَ فَيُسْأَلُوا فَإِنِّي كُنْت مُحْرِمًا فَأَنْكَرْت على جَمَاعَةٍ مُحْرِمِينَ لَا يَعْرِفُونَنِي ما أَخْلُوا بِهِ من آدَابِ الطَّوَافِ فلم يَقْبَلُوا فلما لَبِسْت ثِيَابَ الْفُقَهَاءِ وَأَنْكَرْت عليهم ذلك سَمِعُوا وَأَطَاعُوا فإذا لَبِسَهَا لِمِثْلِ ذلك كان فيه أَجْرٌ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِامْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالِانْتِهَاءِ عَمَّا نهى اللَّهُ عنه كِتَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ عِيدِ الْفِطْرِ وَعِيدِ الْأَضْحَى وَالْعِيدُ مُشْتَقٌّ من الْعَوْدِ لِتَكَرُّرِهِ كُلَّ عَامٍ وَقِيلَ لِعَوْدِ السُّرُورِ بِعَوْدِهِ وَقِيلَ لِكَثْرَةِ عَوَائِدِ اللَّهِ على عِبَادِهِ فيه وَجَمْعُهُ أَعْيَادٌ وَإِنَّمَا جُمِعَ بِالْيَاءِ وَإِنْ كان أَصْلُهُ الْوَاوَ لِلُزُومِهَا في الْوَاحِدِ وَقِيلَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْوَادِ الْخَشَبِ وَالْأَصْلُ في صَلَاتِهِ قبل الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ ذَكَرَ أَنَّهُ صَلَاةُ الْأَضْحَى وَأَنَّ أَوَّلَ عِيدٍ صَلَّاهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عِيدُ الْفِطْرِ في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ من الْهِجْرَةِ ولم يَتْرُكْهَا وَهِيَ سُنَّةٌ لِذَلِكَ وَلِأَنَّهَا ذَاتُ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ لَا أَذَانَ لها كَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَالصَّارِفُ عن الْوُجُوبِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ هل عَلَيَّ غَيْرُهَا قال لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ وَحَمَلُوا نَقْلَ الْمُزَنِيّ عن الشَّافِعِيِّ أَنَّ من وَجَبَ عليه حُضُورُ الْجُمُعَةِ وَجَبَ عليه حُضُورُ الْعِيدَيْنِ على التَّأْكِيدِ فَلَا إثْمَ وَلَا قِتَالَ بِتَرْكِهَا لَا لِلْحَاجِّ بِمِنًى فَلَا تُسَنُّ له كما ذَكَرَهُ في الرَّوْضَةِ في بَابِ الْأُضْحِيَّةَ لِلِاتِّبَاعِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَحَلُّهُ في صَلَاتِهَا جَمَاعَةً أَمَّا صَلَاتُهَا مُنْفَرِدِينَ فَسُنَّةٌ كما أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ في الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ في الْحَجِّ وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُتَوَلِّي وما رُوِيَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَعَلَهَا إنْ صَحَّ فَمَحْمُولٌ على ذلك إذْ لو فَعَلَهَا جَمَاعَةً في مِثْلِ هذا الْيَوْمِ لَاشْتَهَرَ وَلَا تَتَوَقَّفُ على شُرُوطِ الْجُمُعَةِ من اعْتِبَارِ الْجَمَاعَةِ وَالْعَدَدِ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّهَا سُنَّةٌ كَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ فَيُصَلِّيهَا وفي نُسْخَةٍ فَلْيُصَلِّهَا الْمُنْفَرِدُ وَالْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى وَالصَّبِيُّ وَالْمُسَافِرُونَ وَيَخْطُبُ بِهِمْ إمَامُهُمْ لَا الْمُنْفَرِدُ فَلَا يَخْطُبُ إذْ الْغَرَضُ من الْخُطْبَةِ تَذْكِيرُ الْغَيْرِ وهو مُنْتَفٍ في الْمُنْفَرِدِ وَوَقْتُهَا ما بين طُلُوعِ الشَّمْسِ وَزَوَالِهَا وَإِنْ كان فِعْلُهَا عَقِبَ الطُّلُوعِ مَكْرُوهًا لِأَنَّ مَبْنَى الْمَوَاقِيتِ على أَنَّهُ إذَا خَرَجَ وَقْتُ صَلَاةٍ دخل وَقْتُ غَيْرِهَا وَبِالْعَكْسِ ولكن الْأَفْضَلَ إقَامَتُهَا من ارْتِفَاعِهَا قَدْرَ وفي نُسْخَةٍ قَيْدَ رُمْحٍ لِلِاتِّبَاعِ وَلْيَخْرُجْ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ وَلِلْخُرُوجِ من الْخِلَافِ فَصْلٌ وَهِيَ رَكْعَتَانِ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْعِيدِ أَيْ عِيدِ الْفِطْرِ أو الْأَضْحَى كما مَرَّ في صِفَةِ الصَّلَاةِ هذا أَقَلُّهَا وَالْأَكْمَلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا جَمَاعَةً وَأَنْ يَأْتِيَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَالِاسْتِفْتَاحِ بِسَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ في الْأُولَى وَخَمْسٍ بَعْدَ اسْتِوَائِهِ قَائِمًا في الثَّانِيَةِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ اسْتِوَائِهِ قَائِمًا من زِيَادَتِهِ وَلَا يَسْجُدُ بِتَرْكِهَا وَلَوْ لِسَهْوِهِ بها أَيْ بِتَرْكِهَا كَالتَّعَوُّذِ وَقِرَاءَةِ السُّورَةِ وَيُكْرَهُ تَرْكُهَا وَتَرْكُ شَيْءٍ منها وَالزِّيَادَةُ فيها كما في الْمَجْمُوعِ عن نَصِّ الْأُمِّ وَيَجْهَرُ بها لِلِاتِّبَاعِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فيها وَيَضَعُهُمَا بِأَنْ يَضَعَ الْيُمْنَى على الْيُسْرَى تَحْتَ صَدْرِهِ بين كل تَكْبِيرَتَيْنِ من السَّبْعِ وَالْخَمْسِ كما في تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَيَأْتِي في
____________________
(1/279)
إرْسَالِهِمَا ما مَرَّ ثَمَّ وَالتَّصْرِيحُ بِتَحْتَ صَدْرِهِ من زِيَادَتِهِ وَيَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى بَيْنَهُمَا أَيْ بين كل تَكْبِيرَتَيْنِ لَا قبل السَّبْعِ وَالْخَمْسِ وَلَا بَعْدَهُمَا بِالْمَأْثُورِ أَيْ الْمَنْقُولِ سِرًّا قَدْرَ آيَةٍ مُعْتَدِلَةٍ عَمَلًا بِمَا عليه السَّلَفُ وَالْخَلَفُ وَلِأَنَّ سَائِرَ التَّكْبِيرَاتِ الْمَشْرُوعَةِ في الصَّلَاةِ يَعْقُبُهَا ذِكْرٌ مَسْنُونٌ فَكَذَلِكَ هذه التَّكْبِيرَاتُ فيقول سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ لِأَثَرٍ فيه رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عن ابْنِ مَسْعُودٍ قَوْلًا وَفِعْلًا بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلِأَنَّهُ لَائِقٌ بِالْحَالِ وَلِأَنَّهُ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ في قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ وَلَوْ زَادَ جَازَ قال في الْأَصْلِ قال الصَّيْدَلَانِيُّ عن بَعْضِ الْأَصْحَابِ يقول لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له له الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ بيده الْخَيْرُ وهو على كل شَيْءٍ قَدِيرٌ قال ابن الصَّبَّاغِ وَلَوْ قال ما اعْتَادَهُ الناس اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا وَصَلَّى اللَّهُ على مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وسلم تَسْلِيمًا كَثِيرًا كان حَسَنًا زَادَ في الرَّوْضَةِ وقال الْمَسْعُودِيُّ يقول سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك تَبَارَكَ اسْمُك وَتَعَالَى جَدُّك وجل ثَنَاؤُك وَلَا إلَهَ غَيْرُك وَيَصِلُ التَّعَوُّذَ لِلْقِرَاءَةِ بِالتَّكْبِيرَةِ السَّابِعَةِ في الرَّكْعَةِ الْأُولَى أو الْخَامِسَةِ في الثَّانِيَةِ ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ قِ في الْأُولَى وَاقْتَرَبَتْ في الثَّانِيَةِ جَهْرًا أو سَبِّحْ في الْأُولَى وَالْغَاشِيَةَ في الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْمَعْنَى أَنَّ فيها ذِكْرَ الْقِيَامَةِ وَالْحَالُ شَبِيهٌ بها لِمَا فيه من حَشْرِ الناس كَيَوْمِ الْحَشْرِ وَإِنْ شَكَّ في عَدَدِ التَّكْبِيرَاتِ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ كما في عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَإِنْ كَبَّرَ ثَمَانِيًا وَشَكَّ هل نَوَى الْإِحْرَامَ في وَاحِدَةٍ منها اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذلك أو شَكَّ في أَيُّهَا أَحْرَمَ جَعَلَهَا الْأَخِيرَةَ وَأَعَادَهُنَّ احْتِيَاطًا وإذا صلى خَلْفَ من يُكَبِّرُ ثَلَاثًا أو سِتًّا مَثَلًا تَابَعَهُ ولم يَزِدْ عليها نَدْبًا فِيهِمَا سَوَاءً اعْتَقَدَ إمَامُهُ ذلك أَمْ لَا لِخَبَرِ إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَوْ تَرَكَ إمَامُهُ التَّكْبِيرَاتِ لم يَأْتِ بها كما عُلِمَ من ذلك وَصَرَّحَ بِهِ الْجَبَلِيُّ بَلْ كِلَاهُمَا يُعْلَمُ من قَوْلِهِ فَرْعٌ إذَا نَسِيَ الْمُصَلِّي يَعْنِي تَرَكَ التَّكْبِيرَ الْمَذْكُورَ وَلَوْ عَمْدًا أو جَهْلًا مَحَلُّهُ فَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ أو شيئا منها أو قَرَأَ الْإِمَامُ ذلك قبل أَنْ يُتِمَّ هو أو الْمَأْمُومُ التَّكْبِيرَ لم يَعُدْ إلَيْهِ التَّارِكُ في الْأُولَى ولم يُتِمَّ ه الْإِمَامُ أو الْمَأْمُومُ في الثَّانِيَةِ لِلتَّلَبُّسِ بِفَرْضٍ وَلِفَوَاتِ مَحَلِّهِ بِخِلَافِ ما لو تَرَكَهُ وَتَعَوَّذَ ولم يَقْرَأْ فَلَوْ تَدَارَكَ ذلك بَعْدَ الْفَاتِحَةِ سُنَّ له إعَادَتُهَا أو بَعْدَ الرُّكُوعِ بِأَنْ ارْتَفَعَ لِيَأْتِيَ بِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كان عَالِمًا كما عُلِمَ من شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا وإذا أَدْرَكَهُ الْمَأْمُومُ في الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَبَّرَ معه خَمْسًا وَأَتَى في الثَّانِيَةِ أَيْ ثَانِيَتِهِ بِخَمْسٍ فَقَطْ لِأَنَّ في قَضَاءِ ذلك تَرْكَ سُنَّةٍ أُخْرَى وَبِهَذَا فَارَقَ نَدْبَ قِرَاءَةِ الْجُمُعَةِ مع الْمُنَافِقِينَ في الثَّانِيَةِ إذَا تَرَكَهَا في الْأُولَى كما مَرَّ في بَابِهَا مع ما يَتَعَلَّقُ بِهِ وزاد على الْأَصْلِ قَوْلُهُ وَلَا يُكَبِّرُ في قَضَاءِ صَلَاةِ الْعِيدِ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ شِعَارٌ لِلْوَقْتِ وقد فَاتَ ذَكَرَهُ في الْكِفَايَةِ عن الْعِجْلِيّ وَيُؤْخَذُ من تَعْلِيلِهِ أَنَّهُ يُكَبِّرُ في الْمَقْضِيَّةِ في الْوَقْتِ بَلْ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُكَبِّرُ مُطْلَقًا فَيُخَالِفُ ما ذُكِرَ فَصْلٌ ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ من الصَّلَاةِ يَصْعَدُ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بَعْدَ السَّلَامِ على من عِنْدَهُ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَيُقْبِلُ على الناس بِوَجْهِهِ وَيُسَلِّمُ عليهم وَيَرُدُّونَ عليه ثُمَّ يَجْلِسُ لِيَسْتَرِيحَ وَيَتَأَهَّبَ الناس لِاسْتِمَاعِهِ قال الْخُوَارِزْمِيَّ يَجْلِسُ بِقَدْرِ الْأَذَانِ أَيْ في الْجُمُعَةِ وَيَقُومُ وَيَأْتِي بِخُطْبَتَيْنِ كَالْجُمُعَةِ أَيْ كَخُطْبَتَيْهَا في الْأَرْكَانِ وَالصِّفَاتِ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ التَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِيَامُ فِيهِمَا بَلْ يُنْدَبُ تَبَعًا لَهُمَا وَلِلصَّلَاةِ وقد خَطَبَ صلى اللَّهُ عليه وسلم على رَاحِلَتِهِ يوم الْعِيدِ رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَخْطُبَ قَاعِدًا وَمُضْطَجِعًا مع الْقُدْرَةِ على الْقِيَامِ وَاقْتِصَارُهُ على ما ذُكِرَ يُفْهِمُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فيها بَقِيَّةُ شُرُوطِ خُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ من طُهْرٍ وَسَتْرٍ وَغَيْرِهِمَا وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ لَكِنْ نَقَلَ الْبَنْدَنِيجِيُّ عن النَّصِّ جَوَازَ خُطْبَتَيْ الْعِيدِ وَالْخُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ بِلَا طُهْرٍ مع الْكَرَاهَةِ جَزَمَ في الْمَجْمُوعِ بِنَدْبِ الْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا وَنَدْبِ الْوُضُوءِ لِخُطْبَتَيْ غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَمِثْلُهُ السَّتْرُ فَيُؤْخَذُ من ذلك أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِمَا أَرْكَانُ خُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ لَا شُرُوطُهُمَا كما أَفَادَهُ قَوْلُ الْأَصْلِ وَالْمِنْهَاجِ أَرْكَانُهُمَا كَهِيَ في الْجُمُعَةِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ في أَدَاءِ السُّنَّةِ الْإِسْمَاعُ وَالسَّمَاعُ وَكَوْنُ الْخُطْبَةِ عَرَبِيَّةً وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ صَدَقَةَ
____________________
(1/280)
الْفِطْرِ في عِيدِهِ وَالْأُضْحِيَّةَ في عِيدِهَا أَيْ أَحْكَامَهُمَا لِلِاتِّبَاعِ في بَعْضِهَا في خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ وَلِأَنَّ ذلك لَائِقٌ بِالْحَالِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَفْصِلَ بين الْخُطْبَتَيْنِ بِالتَّكْبِيرِ وَيُكْثِرَ منه في فُصُولِ الْخُطْبَةِ قَالَهُ السُّبْكِيُّ ويستحب أَنْ يَسْتَفْتِحَ الْخُطْبَةَ الْأُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ أَفْرَادٍ وَالثَّانِيَةَ بِسَبْعٍ كَذَلِكَ لِقَوْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد اللَّهِ بن عُتْبَةَ بن مَسْعُودٍ أَنَّ ذلك من السُّنَّةِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ قال في الْمَجْمُوعِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَمَعَ ضَعْفِهِ لَا دَلَالَةَ فيه على الصَّحِيحِ لِأَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ تَابِعِيٌّ وَقَوْلُ التَّابِعِيِّ من السُّنَّةِ كَذَا مَوْقُوفٌ على الصَّحِيحِ فَهُوَ قَوْلُ صَحَابِيٍّ لم يَثْبُتْ انْتِشَارُهُ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ على الصَّحِيحِ وَلَوْ تَخَلَّلَ ذِكْرٌ بين كل تَكْبِيرَتَيْنِ جَازَ وَالتَّكْبِيرَاتُ الْمَذْكُورَةُ مُقَدِّمَةٌ لِلْخُطْبَةِ لَا منها وَافْتِتَاحُ الشَّيْءِ قد يَكُونُ بِبَعْضِ مُقَدِّمَاتِهِ التي لَيْسَتْ من نَفْسِهِ وَيُنْدَبُ لِلنَّاسِ اسْتِمَاعُ الْخُطْبَتَيْنِ كما يُؤْخَذُ من كَلَامِهِ الْآتِي وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ وَمَنْ دخل وهو أَيْ وَالْخَطِيبُ يَخْطُبُ فَإِنْ كان في الصَّحْرَاءِ جَلَسَ نَدْبًا لِيَسْتَمِعَ وَلَا تَحِيَّةَ وَأَخَّرَ الصَّلَاةَ إذْ لَا يَخْشَى فَوْتَهَا بِخِلَافِ الْخُطْبَةِ ثُمَّ يَتَخَيَّرُ بين أَنْ يُصَلِّيَ الْعِيدَ بِالصَّحْرَاءِ وَأَنْ يُصَلِّيَهُ بِبَيْتِهِ إلَّا أَنْ يَضِيقَ وَقْتُهَا فَيُسَنَّ فِعْلُهَا بِالصَّحْرَاءِ وَيُؤْخَذُ من التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لو وَجَدَهُ يَخْطُبُ قُبَيْلَ الزَّوَالِ على خِلَافِ الْعَادَةِ وَخَشِيَ فَوْتَ الصَّلَاةِ قَدَّمَهَا على الِاسْتِمَاعِ وهو ظَاهِرٌ أو في الْمَسْجِدِ بَدَأَ بِالتَّحِيَّةِ ثُمَّ بَعْدَ اسْتِمَاعِهِ الْخُطْبَةَ يُصَلِّي فيه صَلَاةَ الْعِيدِ وَيُفَارِقُ الصَّحْرَاءَ في التَّخْيِيرِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِلصَّحْرَاءِ على بَيْتِهِ بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ فَلَوْ صلى فيه بَدَلَ التَّحِيَّةِ الْعِيدَ وهو أَوْلَى حَصَلَا كَمَنْ دَخَلَهُ وَعَلَيْهِ مَكْتُوبَةٌ يَفْعَلُهَا وَتَحْصُلُ بها التَّحِيَّةُ وَيُنْدَبُ لِلْإِمَامِ بَعْدَ فَرَاغِهِ من الْخُطْبَةِ أَنْ يُعِيدَهَا لِمَنْ فَاتَهُ سَمَاعُهَا رِجَالًا أو نِسَاءً لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ قال السُّبْكِيُّ وَلَيْسَ بِمُتَأَكَّدٍ فإنه صلى اللَّهُ عليه وسلم فَعَلَهُ مَرَّةً وَتَرَكَهُ أَكْثَرَ كما يَدُلُّ له كَلَامُ الْأُمِّ وَلَوْ خَطَبَ قبل الصَّلَاةِ لم يُعْتَدَّ بها رَأْسًا كَالسُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ إذَا قَدَّمَهَا عليها وما فَعَلَهُ مَرْوَانُ بن الْحَكَمِ من تَقْدِيمِهِ الْخُطْبَةَ أُنْكِرَ عليه فيه غَايَةَ الْإِنْكَارِ وَلَوْ خَطَبَ وَاحِدَةً أو تَرَكَ الْخُطْبَةَ قال الشَّافِعِيُّ أَسَاءَ فَرْعٌ قال أَئِمَّتُنَا الْخُطَبُ الْمَشْرُوعَةُ عَشْرٌ خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَأَرْبَعٌ في الْحَجِّ وَكُلُّهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ إلَّا خُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ وَعَرَفَةَ فَقَبْلَهَا وَكُلٌّ منها ثِنْتَانِ إلَّا الثَّلَاثُ الْبَاقِيَةُ في الْحَجِّ فَفُرَادَى فَصْلٌ وَفِعْلُهَا في الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وفي بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَفْضَلُ تَبَعًا لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَلِشَرَفِهِمَا وَلِسُهُولَةِ الْحُضُورِ إلَيْهِمَا وَلِوُسْعِهِمَا وفعلها في سَائِرِ الْمَسَاجِدِ إنْ اتَّسَعَتْ أو حَصَلَ مَطَرٌ وَنَحْوُهُ كَثَلْجٍ أَوْلَى لِشَرَفِهَا وَلِسُهُولَةِ الْحُضُورِ إلَيْهَا مع وُسْعِهَا في الْأَوَّلِ وَمَعَ الْعُذْرِ في الثَّانِي فَلَوْ صلى في الصَّحْرَاءِ كان تَارِكًا لِلْأُولَى مع الْكَرَاهَةِ في الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَالْحُيَّضُ وَنَحْوُهُنَّ يَقِفْنَ بِبَابِهِ أَيْ الْمَسْجِدِ لِحُرْمَةِ دُخُولِهِنَّ له وَلِخَبَرِ أُمِّ عَطِيَّةَ الْآتِي وَإِنْ ضَاقَتْ أَيْ الْمَسَاجِدُ وَلَا عُذْرَ كُرِهَ فِعْلُهَا فيها لِلتَّشْوِيشِ بِالزِّحَامِ وَخَرَجَ إلَى الصَّحْرَاءِ لِأَنَّهَا أَرْفَقُ بِالرَّاكِبِ وَغَيْرِهِ وَاسْتَخْلَفَ في الْمَسْجِدِ من يُصَلِّي بِالضُّعَفَاءِ كَالشُّيُوخِ وَالْمَرْضَى وَبِمَنْ مَعَهُمْ من الْأَقْوِيَاءِ لِأَنَّ عَلِيًّا اسْتَخْلَفَ أَبَا مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيَّ في ذلك رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلِأَنَّ فيه حَثًّا وَإِعَانَةً على صَلَاتِهِمْ جَمَاعَةً وَاقْتِصَارُهُمْ على الصَّلَاةِ يُفْهِمُ أَنَّ الْخَلِيفَةَ لَا يَخْطُبُ وَبِهِ صَرَّحَ الْجَبَلِيُّ لِكَوْنِهِ افْتِيَاتًا على الْإِمَامِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُكْرَهُ له أَنْ يَخْطُبَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْوَالِي كما نَصَّ عليه في الْأُمِّ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَلَيْسَ لِمَنْ وَلِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ حَقٌّ في إمَامَةِ الْعِيدِ وَالْخُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ إلَّا أَنْ يُقَلَّدَ جَمِيعَ الصَّلَوَاتِ فَيَدْخُلَ فيه قال وإذا قُلِّدَ صَلَاةَ الْعِيدِ في عَامٍ جَازَ له أَنْ يُصَلِّيَهَا في كل عَامٍ وإذا قُلِّدَ صَلَاةَ الْخُسُوفِ أو الِاسْتِسْقَاءِ في عَامٍ لم يَكُنْ له أَنْ يُصَلِّيَهَا في كل عَامٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَقْتًا مُعَيَّنًا تَتَكَرَّرُ فيه بِخِلَافِهِمَا وَظَاهِرُ أَنَّ إمَامَةَ التَّرَاوِيحِ وَالْوِتْرِ مُسْتَحَقَّةٌ لِمَنْ وَلِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ في الْمَسْجِدِ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ أَخَّرَهُ عَمَّا بَعْدَهُ كان أَوْلَى فَصْلٌ يَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُ إحْيَاءِ لَيْلَتَيْ الْعِيدِ بِالْعِبَادَةِ من صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا من الْعِبَادَاتِ لِخَبَرِ من أَحْيَا لَيْلَتَيْ الْعِيدِ لم يَمُتْ قَلْبُهُ يوم تَمُوتُ الْقُلُوبُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَوْقُوفًا قال في الْمَجْمُوعِ وَأَسَانِيدُهُ ضَعِيفَةٌ وَمَعَ ذلك اسْتَحَبُّوا الْإِحْيَاءَ لِأَنَّ أَخْبَارَ الْفَضَائِلِ يُتَسَامَحُ فيها وَيُعْمَلُ بِضَعِيفِهَا قال الْأَذْرَعِيُّ وَيُؤْخَذُ من هذا عَدَمُ تَأَكُّدِ
____________________
(1/281)
الِاسْتِحْبَابِ وهو الصَّوَابُ قِيلَ وَالْمُرَادُ بِمَوْتِ الْقُلُوبِ شَغَفُهَا بِحُبِّ الدُّنْيَا وَقِيلَ الْكُفْرُ وَقِيلَ الْفَزَعُ يوم الْقِيَامَةِ وَيَحْصُلُ الْإِحْيَاءُ بِمُعْظَمِ اللَّيْلِ كَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَقِيلَ بِسَاعَةٍ منه وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِصَلَاةِ الْعِشَاءِ جَمَاعَةً وَالْعَزْمُ على صَلَاةِ الصُّبْحِ جَمَاعَةً وَالدُّعَاءُ فِيهِمَا وفي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتَيْ أَوَّلِ رَجَبٍ وَنِصْفِ شَعْبَانَ مُسْتَجَابٌ فَيُسْتَحَبُّ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَرْعٌ وَيَغْتَسِلُ كُلُّ أَحَدٍ نَدْبًا لها الْأَوْلَى له أَيْ لِلْعِيدِ أو لَهُمَا أَيْ لِلْعِيدَيْنِ كما في الْأَصْلِ كَالْجُمُعَةِ وَصَحَّ في الْمُوَطَّإِ عن ابْنِ عُمَرَ فِعْلُهُ له بَعْدَ الْفَجْرِ كَالْجُمُعَةِ وَيَجُوزُ بِاللَّيْلِ لِأَنَّ أَهْلَ الْقُرَى الَّذِينَ يَسْمَعُونَ النِّدَاءَ يُبَكِّرُونَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ من قُرَاهُمْ فَلَوْ لم يَجُزْ الْغُسْلُ لَيْلًا لَشَقَّ عليهم وَالْفَرْقُ بين الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ تَأْخِيرُ صَلَاتِهَا وَتَقْدِيمُ صَلَاتِهِ فَعَلَّقَ غُسْلَهُ بِاللَّيْلِ لَا قبل نِصْفِهِ كَأَذَانِ الصُّبْحِ فَإِنْ عَجَزَ عنه تَيَمَّمَ كما في الْجُمُعَةِ وَيَتَزَيَّنُ له أَيْ لِلْعِيدِ نَدْبًا كُلٌّ مِمَّنْ يَحْضُرُ وَمَنْ لم يَحْضُرْ غير الْحَاجِّ وَمَنْ يَأْتِي وَكَذَا الْمُسْتَسْقِي كما بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِالطِّيبِ أَيْ بِأَجْوَدَ ما عِنْدَهُ منه وَالنَّظَافَةِ بِإِزَالَةِ الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ وَالرِّيحِ الْكَرِيهِ وَالثِّيَابِ كَالْجُمُعَةِ فَيَلْبَسُ أَحْسَنَ ما يَجِدُهُ منها وَأَفْضَلُهَا الْبِيضُ قال في الْمَجْمُوعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرُهَا أَحْسَنَ فَهُوَ أَفْضَلُ منها هُنَا وَالتَّنْظِيفُ بِإِزَالَةِ الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ في عِيدِ النَّحْرِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الذَّبْحِ كما يُعْلَمُ من بَابِهِ وَذُو الثَّوْبِ الْوَاحِدِ يَغْسِلُهُ نَدْبًا لِكُلِّ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ وَإِنْ لم يَحْضُرْ صَلَاةَ الْعِيد وَتَقَدَّمَ في الْجُمُعَةِ الْفَرْقُ بين اخْتِصَاصِ ما ذُكِرَ بِمَنْ يَحْضُرُ ثَمَّ وَعَدَمُ اخْتِصَاصِهِ بِهِ هُنَا وَقَوْلُهُ وَإِنْ لم يَحْضُرْ وَقَعَ في نُسْخَةٍ بَعْدَ قَوْلِهِ كَالْجُمُعَةِ وما شَرَحْنَا عليه أَوْلَى لِأَنَّ الْغَرَضَ منه على تِلْكَ النُّسْخَةِ مَعْلُومٌ من قَوْلِهِ كُلٌّ لَكِنَّهُ على ما شَرَحْنَا عليه مُوهِمٌ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَا يَلِيهِ خَاصَّةً وَأَنَّ الْحُضُورَ ليس بِشَرْطٍ في الْجُمُعَةِ كَالْعِيدِ وَلَيْسَ مُرَادًا وَيُسْتَحَبُّ الْحُضُورُ لِلْعَجَائِزِ الْأَوْلَى لِغَيْرِ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ بِإِذْنِ أَزْوَاجِهِنَّ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عن أُمِّ عَطِيَّةَ كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُخْرِجُ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتَ الْخُدُورِ وَالْحُيَّضَ في الْعِيدِ فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَكُنَّ يَعْتَزِلْنَ الْمُصَلَّى وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ وَالْعَوَاتِقُ جَمْعُ عَاتِقٍ وَهِيَ الْبِنْتُ التي بَلَغَتْ وَالْخُدُورُ جَمْعُ خِدْرٍ وهو السُّتْرَةُ مُبْتَذَلَاتٍ أَيْ لَابِسَاتٍ ثِيَابَ بِذْلَةٍ وَهِيَ ما يُلْبَسُ حَالَ الْخِدْمَةِ لِأَنَّهَا اللَّائِقَةُ بِهِنَّ في هذا الْمَحَلِّ وَيَتَنَظَّفْنَ بِالْمَاءِ فَقَطْ يَعْنِي من غَيْرِ طِيبٍ وَلَا زِينَةٍ فَيُكْرَهُ لَهُنَّ ذلك لِمَا مَرَّ في الْجُمُعَةِ وَيُكْرَهُ لِذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ وَالْجَمَالِ الْحُضُورُ كما مَرَّ في صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَيُصَلِّينَ في بُيُوتِهِنَّ وَلَا بَأْسَ بِجَمَاعَتِهِنَّ لَكِنْ لَا يَخْطُبْنَ فَإِنْ وَعَظَتْهُنَّ وَاحِدَةٌ فَلَا بَأْسَ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي في الْكُسُوفِ وَعَطْفُ الْجَمَالِ على ما قَبْلَهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَكَالنِّسَاءِ فِيمَا قَالَهُ الْخَنَاثَى فَرْعٌ الْمَشْيُ إلَيْهَا أَيْ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ سُنَّةٌ لِقَوْلِ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه من السُّنَّةِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْعِيدِ مَاشِيًا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَلَا بَأْسَ بِرُكُوبِهِ إلَيْهَا عَاجِزًا لِلْعُذْرِ أو رَاجِعًا منها وَلَوْ قَادِرًا ما لم يَتَأَذَّ بِهِ أَحَدٌ لِانْقِضَاءِ الْعِبَادَةِ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ في الْجُمُعَةِ وَالْمُسْتَحَبُّ إبْكَارُهُمْ أَيْ الْمَأْمُومِينَ إلَى الْمُصَلَّى بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ لِمَا مَرَّ في الْجُمُعَةِ يُقَالُ أَبْكَرَ وَبَكَرَ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَبَاكَرَ بِمَعْنَى قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَخُرُوجُ الْإِمَامِ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِحْرَامِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِأَنَّ انْتِظَارَهُمْ إيَّاهُ أَلْيَقُ فَكَمَا يَحْضُرُ لَا يَبْتَدِئُ بِغَيْرِ الصَّلَاةِ وَيُؤَخِّرُهُ أَيْ الْخُرُوجَ في عِيدِ الْفِطْرِ قَلِيلًا وَيُعَجِّلُهُ في عِيدِ الْأَضْحَى لِأَمْرِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِذَلِكَ عَمْرَو بن حَزْمٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مُرْسَلًا وَلِيَتَّسِعَ الْوَقْتُ قبل صَلَاةِ الْفِطْرِ لِتَفْرِيقِ الْفِطْرَةِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْأَضْحَى لِلتَّضْحِيَةِ وَيُكْرَهُ له بَعْدَ حُضُورِهِ التَّنَفُّلُ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا لِاشْتِغَالِهِ بِغَيْرِ الْأَهَمِّ وَلِمُخَالَفَتِهِ فِعْلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَنَّهُ صلى عَقِبَ حُضُورِهِ وَخَطَبَ عَقِبَ صَلَاتِهِ كما عُلِمَ من الْأَخْبَارِ لَا لِلْمَأْمُومِ فَلَا يُكْرَهُ له ذلك قَبْلَهَا مُطْلَقًا وَلَا بَعْدَهَا إنْ لم يَسْمَعْ الْخُطْبَةَ لِأَنَّهُ لم يَشْتَغِلْ بِغَيْرِ الْأَهَمِّ بِخِلَافِ من يَسْمَعُهَا لِأَنَّهُ بِذَلِكَ مُعْرِضٌ عن الْخَطِيبِ بِالْكُلِّيَّةِ وَيُسْتَحَبُّ الْأَكْلُ قبل الْخُرُوجِ لِصَلَاةِ الْفِطْرِ وَتَرْكُهُ في صَلَاةِ الْأَضْحَى لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ وَصَحَّحَهُ ابن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَلِيَتَمَيَّزَ الْيَوْمَانِ عَمَّا قَبْلَهُمَا إذْ ما قبل يَوْمِ الْفِطْرِ يَحْرُمُ فيه الْأَكْلُ بِخِلَافِ ما قِيلَ يوم النَّحْرِ وَلْيَعْلَمْ نَسْخَ تَحْرِيمِ الْفِطْرِ قبل صَلَاتِهِ فإنه كان مُحَرَّمًا قَبْلَهَا أَوَّلَ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِهِ قبل صَلَاةِ النَّحْرِ وَلْيُوَافِقْ الْفُقَرَاءَ في الْحَالَيْنِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لهم إلَّا من الصَّدَقَةِ وَهِيَ سُنَّةٌ في الْفِطْرِ قبل الصَّلَاةِ وفي النَّحْرِ إنَّمَا يَكُونُ
____________________
(1/282)
بَعْدَهَا وَالشُّرْبُ كَالْأَكْلِ فَإِنْ لم يَفْعَلْ ذلك قبل خُرُوجِهِ اُسْتُحِبَّ له فِعْلُهُ في طَرِيقِهِ أو الْمُصَلَّى إنْ أَمْكَنَهُ وَيُكْرَهُ له تَرْكُ ذلك نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن نَصِّ الْأُمِّ وَكَوْنُهُ أَيْ الْمَأْكُولِ تَمْرًا وَوِتْرًا أَوْلَى من غَيْرِهِمَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَيُنَادَى لها الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ أو الصَّلَاةُ كما مَرَّ بَيَانُهُ في الْأَذَانِ وَيُتَوَقَّى أَلْفَاظُ الْأَذَانِ كُلُّهَا أو بَعْضُهَا فَلَوْ أَذَّنَ أو أَقَامَ كُرِهَ له نَصَّ عليه في الْأُمِّ وَيُذْهَبُ إلَيْهَا في طَرِيقٍ وَيُرْجَعُ في أُخْرَى لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ وفي الْبُخَارِيِّ عن جَابِرٍ كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا كان يَوْمُ الْعِيدِ خَالَفَ الطَّرِيقَ وَيُخَصُّ الذَّهَابَ بِالطَّوِيلَةِ من الطَّرِيقَيْنِ وَالْأَرْجَحُ في سَبَبِ مُخَالَفَتِهِ بين الطَّرِيقَيْنِ أَنَّهُ كان يَذْهَبُ في أَطْوَلِهِمَا تَكْثِيرًا لِلْأَجْرِ وَيَرْجِعُ في أَقْصَرِهِمَا وَقِيلَ خَالَفَ بَيْنَهُمَا لِيَشْهَدَ له الطَّرِيقَانِ وَقِيلَ لِيَتَبَرَّكَ بِهِ أَهْلُهُمَا وَقِيلَ لِيُسْتَفْتَى فِيهِمَا وَقِيلَ لِيَتَصَدَّقَ على فُقَرَائِهِمَا وَقِيلَ لِنَفَادِ ما يَتَصَدَّقُ بِهِ وَقِيلَ لِيَزُورَ قُبُورَ أَقَارِبِهِ فِيهِمَا وَقِيلَ لِيَزْدَادَ غَيْظُ الْمُنَافِقِينَ وَقِيلَ لِلْحَذَرِ منهم وَقِيلَ لِلتَّفَاؤُلِ بِتَغَيُّرِ الْحَالِ إلَى الْمَغْفِرَةِ وَالرِّضَا وَقِيلَ لِئَلَّا تَكْثُرَ الرَّحْمَةُ ثُمَّ من شَارَكَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْمَعْنَى نُدِبَ له ذلك وَكَذَا من لم يُشَارِكْهُ في الْأَظْهَرِ تَأَسِّيًا بِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كَالرَّمَلِ وَالِاضْطِبَاعِ سَوَاءٌ فيه الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ وَاسْتَحَبَّ في الْأُمِّ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ في طَرِيقِ رُجُوعِهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَيَدْعُو وَرُوِيَ فيه حَدِيثًا فَائِدَةٌ قال الْقَمُولِيُّ لم أَرَ لِأَحَدٍ من أَصْحَابِنَا كَلَامًا في التَّهْنِئَةِ بِالْعِيدِ وَالْأَعْوَامِ وَالْأَشْهُرِ كما يَفْعَلُهُ الناس لَكِنْ نَقَلَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ عن الْحَافِظِ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ أَجَابَ عن ذلك بِأَنَّ الناس لم يَزَالُوا مُخْتَلِفِينَ فيه وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ لَا سُنَّةَ فيه وَلَا بِدْعَةَ انْتَهَى وَأَجَابَ عنه شَيْخُنَا حَافِظُ عَصْرِهِ الشِّهَابُ ابن حَجَرٍ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ على ذلك بِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ وَاحْتَجَّ له بِأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ عَقَدَ لِذَلِكَ بَابًا فقال بَابُ ما رُوِيَ في قَوْلِ الناس بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ في يَوْمِ الْعِيدِ تَقَبَّلْ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك وَسَاقَ ما ذَكَرَهُ من أَخْبَارٍ وَآثَارٍ ضَعِيفَةٍ لَكِنَّ مَجْمُوعَهَا يُحْتَجُّ بِهِ في مِثْلِ ذلك ثُمَّ قال وَيُحْتَجُّ لِعُمُومِ التَّهْنِئَةِ لِمَا يَحْدُثُ من نِعْمَةٍ أو يَنْدَفِعُ من نِقْمَةٍ بِمَشْرُوعِيَّةِ سُجُودِ الشُّكْرِ وَالتَّعْزِيَةِ وَبِمَا في الصَّحِيحَيْنِ عن كَعْبِ بن مَالِكٍ في قِصَّةِ تَوْبَتِهِ لَمَّا تَخَلَّفَ عن غَزْوَةِ تَبُوكَ أَنَّهُ لَمَّا بُشِّرَ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ وَمَضَى إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قام إلَيْهِ طَلْحَةُ بن عُبَيْدِ اللَّهِ فَهَنَّأَهُ فَصْلٌ وَإِنْ ثَبَتَتْ الرُّؤْيَةُ لِهِلَالِ شَوَّالٍ في اللَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ بِأَنْ شَهِدَ عَدْلَانِ قبل الزَّوَالِ يوم الثَّلَاثِينَ بِزَمَنٍ يَسَعُ الِاجْتِمَاعَ وَالصَّلَاةَ بَلْ أو رَكْعَةً صَلَّاهَا بِهِمْ الْإِمَامُ وَكَانَتْ أَدَاءً وَأَفْطَرُوا أو بَعْدَ الْغُرُوبِ لم تُسْمَعْ شَهَادَتُهُمْ في حَقِّ الصَّلَاةِ إذْ لَا فَائِدَةَ في سَمَاعِهَا إلَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ فَلَا يُصْغِي إلَيْهَا أَمَّا في حَقِّ غَيْرِهَا كَاحْتِسَابِ الْعِدَّةِ وَحُلُولِ الْأَجَلِ وَوُقُوعِ الْمُعَلَّقِ بِهِ فَتُسْمَعُ وَصَلَّاهَا في الْغَدِ أَدَاءً قالوا وَلَيْسَ يَوْمُ الْفِطْرِ أَوَّلَ شَوَّالٍ مُطْلَقًا بَلْ يَوْمُ فِطْرِ الناس وَكَذَا يَوْمُ النَّحْرِ يَوْمٌ يُضَحِّي الناس وَيَوْمُ عَرَفَةَ الْيَوْمُ الذي يَظْهَرُ لهم أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ سَوَاءٌ التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ وَذَلِكَ لِخَبَرِ الْفِطْرُ يوم يُفْطِرُ الناس وَالْأَضْحَى يَوْمُ يُضَحِّي الناس رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وفي رِوَايَةٍ لِلشَّافِعِيِّ وَعَرَفَةَ يوم يَعْرِفُونَ أو بَعْدَ الزَّوَالِ أو قَبْلَهُ بِزَمَنٍ لَا يَسَعُ رَكْعَةً مع الِاجْتِمَاعِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَفَاتَتْ صَلَاةُ الْعِيدِ وَيَنْبَغِي فِيمَا لو بَقِيَ من وَقْتِهَا ما يَسَعُهَا أو رَكْعَةً منها دُونَ الِاجْتِمَاعِ أَنْ يُصَلِّيَهَا وَحْدَهُ أو بِمَنْ تَيَسَّرَ حُضُورُهُ لِتَقَعَ أَدَاءً ثُمَّ يُصَلِّيهَا مع الناس ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ
وَالْأَفْضَلُ فِيمَا إذَا فَاتَتْ قَضَاؤُهَا في بَقِيَّةِ يَوْمِهِمْ إنْ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمْ فيه لِصِغَرِ الْبَلَدِ أو نَحْوِهِ مُبَادَرَةً لِلْعِبَادَةِ وَتَقْرِيبًا لها من وَقْتِهَا وَإِلَّا فَفِي غَدٍ قَضَاؤُهَا أَفْضَلُ لِئَلَّا يَفُوتَ على الناس الْحُضُورُ وَالْكَلَامُ في صَلَاةِ الْإِمَامِ بِالنَّاسِ لَا في صَلَاةِ الْآحَادِ كما أَشَرْت إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ فَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي فِعْلُهَا عَاجِلًا مع من تَيَسَّرَ وَمُنْفَرِدًا إنْ لم يَجِدْ أَحَدًا ثُمَّ يَفْعَلُهَا غَدًا مع الْإِمَامِ وَالْأَثَرُ لِلتَّعْدِيلِ لَا لِلشَّهَادَةِ فَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ قبل الْغُرُوبِ وَعَدْلًا بَعْدَهُ فَالْعِبْرَةُ بِوَقْتِ التَّعْدِيلِ لِأَنَّهُ وَقْتُ جَوَازِ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمَا فَيُصَلِّي
____________________
(1/283)
الْعِيدَ من الْغَدِ أَدَاءً وَقِيلَ بِوَقْتِ الشَّهَادَةِ إذْ الْحُكْمُ بها قال في الْكِفَايَةِ وَبِهِ قال الْعِرَاقِيُّونَ وَأَيَّدُوهُ بِمَا لو شَهِدَا بِحَقٍّ وَعَدَلَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا فإنه يُحْكَمُ بِشَهَادَتِهِمَا انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ إذْ الْحُكْمُ فِيهِمَا إنَّمَا هو بِشَهَادَتِهِمَا بِشَرْطِ تَعْدِيلِهِمَا وَالْكَلَامُ إنَّمَا هو في أَثَرِ الْحُكْمِ من الصَّلَاةِ خَاصَّةً فَرْعٌ لو حَضَرَ الْبَادُّونَ أَيْ سُكَّانُ الْبَوَادِي وَنَحْوُهُمْ لِلْعِيدِ يوم جُمُعَةٍ فَلَهُمْ الرُّجُوعُ قبل صَلَاتِهَا وَتَسْقُطُ عَنْهُمْ وَإِنْ قَرُبُوا منها وَسَمِعُوا النِّدَاءَ وَأَمْكَنَهُمْ إدْرَاكُهَا لو عَادُوا إلَيْهَا لِخَبَرِ زَيْدِ بن أَرْقَمَ قال اجْتَمَعَ عِيدَانِ على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في يَوْمٍ وَاحِدٍ فَصَلَّى الْعِيدَ في أَوَّلِ النَّهَارِ وقال يا أَيُّهَا الناس إنَّ هذا يَوْمٌ اجْتَمَعَ لَكُمْ فيه عِيدَانِ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَشْهَدَ مَعَنَا الْجُمُعَةَ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْصَرِفَ فَلْيَفْعَلْ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَلِأَنَّهُمْ لو كُلِّفُوا بِعَدَمِ الرُّجُوعِ أو بِالْعَوْدِ إلَى الْجُمُعَةِ لَشَقَّ عليهم وَالْجُمُعَةُ تَسْقُطُ بِالْمَشَاقِّ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُمْ لو لم يَحْضُرُوا كَأَنْ صَلَّوْا الْعِيدَ بِمَكَانِهِمْ لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ وَفِيهِ عن صَاحِبِ الْوَافِي احْتِمَالَانِ أَحَدُهُمَا هذا كَأَهْلِ الْبَلَدِ وَالثَّانِي لَا لِلْمَشَقَّةِ وَفَوَاتِ تَهْيِئَتِهِمْ لِلْعِيدِ فَصْلٌ وفي نُسْخَةٍ فَرْعٌ تَقَدَّمَ التَّكْبِيرُ في الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ وَأَمَّا التَّكْبِيرُ في غَيْرِهِمَا فَضَرْبَانِ مُرْسَلٌ لَا يَتَقَيَّدُ بِحَالٍ وَمُقَيَّدٌ يُؤْتَى بِهِ في أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ خَاصَّةً فَالْمُرْسَلُ وَيُسَمَّى الْمُطْلَقَ من غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَتَيْ الْعِيدِ أَيْ عِيدِ الْفِطْرِ وَعِيدِ الْأَضْحَى وَدَلِيلُهُ في الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ أَيْ عِدَّةَ صَوْمِ رَمَضَانَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ أَيْ عِنْدَ إكْمَالِهَا وفي الثَّانِي الْقِيَاسُ على الْأَوَّلِ وَيُدِيمُهُ إلَى تَمَامِ إحْرَامِ الْإِمَامِ بِصَلَاةِ الْعِيدِ إذْ الْكَلَامُ مُبَاحٌ إلَيْهِ فَالتَّكْبِيرُ أَوْلَى ما يَشْتَغِلُ بِهِ لِأَنَّهُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَشِعَارُ الْيَوْمِ فَإِنْ صلى مُنْفَرِدًا فَالْعِبْرَةُ بِإِحْرَامِهِ وَيَرْفَعُ بِهِ الناس أَصْوَاتَهُمْ نَدْبًا إظْهَارًا لِشِعَارِ الْعِيدِ في سَائِرِ الْأَحْوَالِ في الْمَنَازِلِ وَالطُّرُقِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَاسْتَثْنَى الرَّافِعِيُّ من طَلَبِ رَفْعِ الصَّوْتِ الْمَرْأَةَ وَظَاهِرُ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا حَضَرَتْ مع الْجَمَاعَةِ ولم يَكُونُوا مَحَارِمَ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى وَتَكْبِيرُ لَيْلَةِ الْفِطْرِ آكَدُ من تَكْبِيرِ لَيْلَةِ النَّحْرِ لِلنَّصِّ عليه وَلَا يُكَبِّرُ الْحَاجُّ لَيْلَةَ الْأَضْحَى بَلْ يُلَبِّي لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ شِعَارُهُ وَالْمُعْتَمِرُ يُلَبِّي إلَى أَنْ يَشْرَعَ في الطَّوَافِ
وَالْمُقَيَّدُ مُخْتَصٌّ بِالْأَضْحَى لَا يَتَجَاوَزُهُ إلَى الْفِطْرِ لَكِنْ خَالَفَ النَّوَوِيُّ في أَذْكَارِهِ فَسَوَّى بَيْنَهُمَا فَيُكَبِّرُ عَقِيبَ كل صَلَاةٍ لِكُلِّ مُصَلٍّ حَاجٍّ أو غَيْرِ مُقِيمٍ أو مُسَافِرٍ ذَكَرٍ أو أُنْثَى مُنْفَرِدٍ أو غَيْرِهِ فَرْضًا كان الْمَأْتِيُّ بِهِ وَلَوْ جِنَازَةً أو مَنْذُورَةً أو نَفْلًا أو قَضَاءً فيها أَيْ في مُدَّةِ التَّكْبِيرِ الْآتِي بَيَانُهَا لِأَنَّهُ شِعَارُهَا وَسَوَاءٌ في الْقَضَاءِ قَضَاءُ ما فَاتَهُ فيها أَمْ في غَيْرِهَا وَقَوْلُهُ فيها مُتَعَلِّقٌ بِصَلَاةٍ أو بِمُصَلٍّ فَلَا يُكَبِّرُ عَقِبَ فَائِتِهَا إذَا قَضَاهُ في غَيْرِهَا لِأَنَّ التَّكْبِيرَ شِعَارُهَا وقد فَاتَتْ وَيُكَبِّرُ غَيْرُ الْحَاجِّ من صُبْحِ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى عَقِيبِ عَصْرِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَقِيلَ هو كَالْحَاجِّ فِيمَا يَأْتِي وقال في الْمَجْمُوعِ إنَّهُ الْمَشْهُورُ في مَذْهَبِنَا لَكِنَّهُ اخْتَارَ الْأَوَّلَ وَصَحَّحَهُ في الْأَذْكَارِ وقال في الرَّوْضَةِ إنَّهُ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ فَإِنْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ عَقِبَ الصَّلَاةِ وَتَذَكَّرَ كَبَّرَ وَلَوْ طَالَ الْفَصْلُ لِأَنَّهُ شِعَارٌ لِلْأَيَّامِ لَا تَتِمَّةٌ لِلصَّلَاةِ بِخِلَافِ سُجُودِ السَّهْوِ ويكبر الْحَاجُّ من ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى صُبْحِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ الظُّهْرَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ بَعْدَ انْتِهَاءِ وَقْتِ التَّلْبِيَةِ وَالصُّبْحُ آخِرُ صَلَاةٍ يُصَلِّيهَا بِمِنًى هذا كُلُّهُ في التَّكْبِيرِ الذي يَرْفَعُ بِهِ صَوْتَهُ وَيَجْعَلُهُ شِعَارًا أَمَّا لو اسْتَغْرَقَ عُمْرَهُ بِالتَّكْبِيرِ في نَفْسِهِ فَلَا مَنْعَ منه نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ وَصِفَتُهُ مُرْسَلًا أو مُقَيَّدًا أَنْ يُكَبِّرَ ثَلَاثًا نَسَقًا اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ قال الشَّافِعِيُّ وما زَادَ من ذِكْرِ اللَّهِ فَحَسَنٌ وَاسْتَحْسَنَ في الْأُمِّ أَنْ تَكُونَ زِيَادَتُهُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ له الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ صَدَقَ وَعْدُهُ وَنَصَرَ عَبْدُهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ رَافِعًا بِهِ صَوْتَهُ وَيَزِيدُ بَعْدَ تَكْبِيرِهِ ثَلَاثًا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَلَوْ كَبَّرَ إمَامُهُ في غَيْرِ هذه الْمُدَّةِ كَأَنْ كَبَّرَ قَبْلَهَا أو بَعْدَهَا على خِلَافِ اعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ لم يُتَابِعْهُ بِخِلَافِ تَكْبِيرِ الصَّلَاةِ لِانْقِطَاعِ الْقُدْوَةِ بِالسَّلَامِ تَتِمَّةٌ إذَا رَأَى شيئا من بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ في عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ كَبَّرَ قَالَهُ في التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ وَاحْتَجَّ له بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ في أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ على ما رَزَقَهُمْ من بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ
____________________
(1/284)
كِتَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فَالْكُسُوفُ يُقَالُ عَلَيْهِمَا كَالْخُسُوفِ وَقِيلَ الْكُسُوفُ لِلشَّمْسِ وَالْخُسُوفُ لِلْقَمَرِ وهو أَشْهَرُ وَقِيلَ عَكْسُهُ وَقِيلَ الْخُسُوفُ أَوَّلُهُ وَالْكُسُوفُ آخِرُهُ وقد اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ اللُّغَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ في الْبَابِ يُقَالُ كَسَفَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَخَسَفَا بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَكُسِفَا وَخُسِفَا بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَانْكَسَفَا وَانْخَسَفَا قال عُلَمَاءُ الْهَيْئَةِ كُسُوفُ الشَّمْسِ لَا حَقِيقَةَ له فَإِنَّهَا لَا تَتَغَيَّرُ في نَفْسِهَا وَإِنَّمَا الْقَمَرُ يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا وَنُورُهَا بَاقٍ وَأَمَّا خُسُوفُ الْقَمَرِ فَحَقِيقَةٌ فإن ضَوْءَهُ من ضَوْءِ الشَّمْسِ وَخُسُوفُهُ بِحَيْلُولَةِ ظِلِّ الْأَرْضِ بين الشَّمْسِ وَبَيْنَهُ بِنُقْطَةِ التَّقَاطُعِ فَلَا يَبْقَى فيه ضَوْءٌ أَلْبَتَّةَ فَخُسُوفُهُ ذَهَابُ ضَوْئِهِ حَقِيقَةً وَالْأَصْلُ في الْبَابِ قبل الْإِجْمَاعِ الْأَخْبَارُ كَخَبَرِ مُسْلِمٍ إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ من آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فإذا رَأَيْتُمْ ذلك فَصَلُّوا وَادْعُوا حتى يَنْكَشِفَ ما بِكُمْ هِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِلْكُسُوفَيْنِ لِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَعَلَهَا لِكُسُوفِ الشَّمْسِ كما رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِخُسُوفِ الْقَمَرِ كما رَوَاهُ ابن حِبَّانَ في كِتَابِهِ الثِّقَاتِ وَلِأَنَّهَا ذَاتُ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ لَا أَذَانَ لها كَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَالصَّارِفُ عن الْوُجُوبِ ما مَرَّ في الْعِيدِ وَحَمَلُوا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ في الْأُمِّ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا على كَرَاهَتِهِ لِتَأَكُّدِهَا لِيُوَافِقَ كَلَامُهُ في مَوَاضِعَ أُخَرَ وَالْمَكْرُوهُ قد يُوصَفُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ من جِهَةِ إطْلَاقِ الْجَائِزِ على مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ بِنِيَّتِهِ يَزِيدُ في كل رَكْعَةٍ قِيَامًا بَعْدَ الرُّكُوعِ وَرُكُوعًا بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الْقِيَامِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقَوْلُهُمْ إنَّ هذا أَقَلُّهَا أَيْ إذَا شَرَعَ فيها بِنِيَّةِ هذه الزِّيَادَة وَإِلَّا فَفِي الْمَجْمُوعِ عن مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لو صَلَّاهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ صَحَّتْ وكان تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ أَخِذًا من خَبَرِ قَبِيصَةَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم صَلَّاهَا بِالْمَدِينَةِ رَكْعَتَيْنِ وَخَبَرِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَعَلَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَيَسْأَلُ عنها حتى انْجَلَتْ رَوَاهُمَا أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَكَأَنَّهُمْ لم يَنْظُرُوا إلَى احْتِمَال أَنَّهُ صَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ بِالزِّيَادَةِ حَمَلَا لِلْمُطْلَقِ على الْمُقَيَّدِ لِأَنَّهَا خِلَافُ الظَّاهِرِ وَفِيهِ نَظَرٌ فإن الشَّافِعِيَّ لَمَّا نُقِلَ له ذلك قال يَحْمِلُ الْمُطْلَقَ على الْمُقَيَّدِ وقد نَقَلَهُ عنه الْبَيْهَقِيُّ في الْمَعْرِفَةِ وقال الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا تَرْجِعُ إلَى صَلَاتِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في كُسُوفِ الشَّمْسِ يوم مَاتَ إبْرَاهِيمُ ابْنُهُ يَعْنِي فلم تَتَعَدَّدْ الْوَاقِعَةُ حتى تُحْمَلَ الْأَحَادِيثُ على بَيَانِ الْجَوَازِ ثُمَّ قال وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ من أَئِمَّةِ الحديث منهم ابن الْمُنْذِرِ إلَى تَصْحِيحِ الرِّوَايَاتِ في عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَحَمَلُوهَا على أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم صَلَّاهَا مَرَّاتٍ وَأَنَّ الْجَمِيعَ جَائِزٌ وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ الْبُخَارِيُّ من تَرْجِيحِ أَخْبَارِ الرُّكُوعَيْنِ بِأَنَّهَا أَشْهَرُ وَأَصَحُّ أو لِمَا ذَكَرْنَاهُ من أَنَّ الْوَاقِعَةَ وَاحِدَةٌ
ا ه
لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى لِخُسُوفِ الْقَمَرِ فَعَلَيْهِ الْوَاقِعَةُ مُتَعَدِّدَةٌ وَجَرَى عليه السُّبْكِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَسَبَقَهُمَا إلَى ذلك النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ فَنَقَلَ فيه عن ابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ صَلَاتُهَا على كل وَاحِدٍ من الْأَنْوَاعِ الثَّابِتَةِ لِأَنَّهَا جَرَتْ في أَوْقَاتٍ وَاخْتِلَافُ صِفَاتِهَا مَحْمُولٌ على جَوَازِ الْجَمِيعِ قال وَهَذَا قَوِيٌّ وَلَوْ انْجَلَى الْكُسُوفُ في الصَّلَاةِ أو اسْتَدَامَ لم يُنْقِصْ منها رُكُوعًا في الِانْجِلَاءِ ولم يَزِدْ فيها ولم يُكَرِّرْهَا في الِاسْتِدَامَةِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ في الْأُولَيَيْنِ وَكَمَا في الْوِتْرِ وَالضُّحَى في الثَّالِثَةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ لِهَذِهِ الصَّلَاةِ كَيْفِيَّةً مُخَالِفَةً لِلْقِيَاسِ نعم لو صَلَّاهَا وَحْدَهُ ثُمَّ أَدْرَكَهَا مع الْإِمَامِ صَلَّاهَا كما في الْمَكْتُوبَةِ نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن نَصِّ الْأُمِّ وَقِيلَ يَجُوزُ زِيَادَةُ رُكُوعٍ ثَالِثٍ وَرَابِعٍ وَخَامِسٍ
____________________
(1/285)
إلَى الِانْجِلَاءِ لِأَخْبَارٍ في مُسْلِمٍ منها ما فيه في كل رَكْعَةٍ ثَلَاثُ رُكُوعَاتٍ وَمِنْهَا ما فيه أَرْبَعَةٌ وفي أبي دَاوُد وَغَيْرُهُ خَمْسَةٌ وَأَجَابَ عنها الْجُمْهُورُ بِأَنَّ أَخْبَارَ الرُّكُوعَيْنِ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا وَعَلَى ما مَرَّ من تَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ الْأُولَى أَنْ يُجَابَ بِحَمْلِهَا على ما إذَا أَنْشَأَ الصَّلَاةَ بِنِيَّةِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ كما أَشَارَ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ يُكَرِّرُهَا أَيْضًا لِظَاهِرِ خَبَرِ النُّعْمَانِ السَّابِقِ وَغَيْرِهِ وَيَنْبَغِي الْجَزْمُ بِهِ على الْقَوْلِ بِتَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ جَمْعًا بين الْأَدِلَّةِ وَبَاقِيهَا أَيْ بَاقِي الصَّلَاةِ الْمَذْكُورَةِ من قِرَاءَةٍ وَتَشَهُّدٍ وَطُمَأْنِينَةٍ وَغَيْرِهَا يَأْتِي بِهِ كَغَيْرِهَا من الصَّلَوَاتِ
وَالْأَكْمَلُ أَنْ يَأْتِيَ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ ثُمَّ يَتَعَوَّذَ لِلْفَاتِحَةِ في كل قِيَامٍ وَيَقْرَأَ في الْقِيَامَاتِ مَعَهَا أَيْ مع الْفَاتِحَةِ كَالْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءِ وَالْمَائِدَةِ أَيْ يَقْرَأَ في الْقِيَامِ الْأَوَّلِ الْبَقَرَةَ أو قَدْرَهَا وفي الثَّانِي آلَ عِمْرَانَ أو قَدْرَهَا وفي الثَّالِثِ النِّسَاءَ أو قَدْرَهَا وفي الرَّابِعِ الْمَائِدَةَ أو قَدْرَهَا وَهَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ في الْبُوَيْطِيِّ وَفِيهِ في مَوْضِعٍ آخَرَ وفي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ يَقْرَأُ في الْأَوَّلِ الْبَقَرَةَ وفي الثَّانِي كَمِائَتَيْ آيَةٍ منها وفي الثَّالِثِ كَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وفي الرَّابِعِ كَمِائَةِ آيَةٍ من آيَاتِهَا الْوَسَطِ قال في الْأَصْلِ وَلَيْسَا على الِاخْتِلَافِ الْمُحَقَّقِ بَلْ الْأَمْرُ فيه على التَّقْرِيبِ قال السُّبْكِيُّ وقد ثَبَتَ بِالْأَخْبَارِ تَقْدِيرُ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ بِنَحْوِ الْبَقَرَةِ وَتَطْوِيلُهُ على الثَّانِي وَالثَّالِثُ ثُمَّ الثَّالِثُ على الرَّابِعِ وَأَمَّا نَقْصُ الثَّالِثِ عن الثَّانِي أو زِيَادَتُهُ عليه فلم يَرِدْ فيه شَيْءٌ فِيمَا أَعْلَمُ فَلِأَجْلِهِ لَا بَعْدَ في ذِكْرِ سُورَةِ النِّسَاءِ فيه وَآلِ عِمْرَانَ في الثَّانِي نعم إذَا قُلْنَا بِزِيَادَةِ رُكُوعٍ ثَالِثٍ فَيَكُونُ أَقْصَرَ من الثَّانِي كما وَرَدَ في الْخَبَرِ وَأَنْ يُسَبِّحَ في الرُّكُوعَاتِ وَكَذَا في السُّجُودَاتِ في الْأَوَّلِ من كُلٍّ مِنْهُمَا قَدْرَ مِائَةِ آيَةٍ من الْبَقَرَةِ
والثاني قَدْرَ ثَمَانِينَ وفي الثَّالِثِ قَدْرَ سَبْعِينَ وفي الرَّابِعِ قَدْرَ خَمْسِينَ تَقْرِيبًا لِثُبُوتِ التَّطْوِيلِ من الشَّارِعِ بِلَا تَقْدِيرٍ قال الْأَذْرَعِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اسْتِحْبَابُ هذه الْإِطَالَةِ وَإِنْ لم يَرْضَ بها الْمَأْمُومُونَ وقد يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَكْتُوبَةِ بِالنُّدْرَةِ أو بِأَنَّ الْخُرُوجَ منها أو تَرْكَهَا إلَى خِيَرَةِ الْمُقْتَدِي بِخِلَافِ الْمَكْتُوبَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَا يُطِيلُ بِغَيْرِ رِضَا الْمَحْصُورِينَ لِعُمُومِ خَبَرِ إذَا صلى أحدكم بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ وَتُحْمَلُ إطَالَتُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَنَّهُ عَلِمَ رِضَا أَصْحَابِهِ أو أَنَّ ذلك مُغْتَفَرٌ لِبَيَانِ تَعْلِيمِ الْأَكْمَلِ بِالْفِعْلِ وَيَظْهَرُ أَنَّهُمْ لو صَرَّحُوا له بِعَدَمِ الرِّضَا بِالْإِطَالَةِ لَا يُطِيلُ وقد يَتَوَقَّفُ فيه
ا ه
وَلَا يُطِيلُ في غَيْرِ ذلك من الِاعْتِدَالِ بَعْدَ الرُّكُوعِ الثَّانِي وَالتَّشَهُّدِ وَالْجُلُوسِ بين السَّجْدَتَيْنِ لَكِنْ قال في الرَّوْضَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ عن قَطْعِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُطِيلُ الْجُلُوسَ وقد صَحَّ في حديث عبد اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سَجَدَ فلم يَكَدْ يَرْفَعُ ثُمَّ رَفَعَ فلم يَكَدْ يَسْجُدُ ثُمَّ سَجَدَ فلم يَكَدْ يَرْفَعُ ثُمَّ فَعَلَ في الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى مِثْلَ ذلك
ا ه
وَمُقْتَضَاهُ كما قال في الْمَجْمُوعِ اسْتِحْبَابُ إطَالَتِهِ وَاخْتَارَهُ في الْأَذْكَارِ وَأَنْ يَأْتِيَ بِالتَّسْمِيعِ أَيْ بِسَمْعِ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَالتَّحْمِيدِ أَيْ بِرَبَّنَا لَك الْحَمْدُ إلَى آخِرِهِ في الِاعْتِدَالَاتِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَصْلٌ وَيُسْتَحَبُّ لها الْجَمَاعَةُ وَكَوْنُهَا في الْجَامِعِ لَا الصَّحْرَاءِ وَالنِّدَاءُ بِالصَّلَاةُ جَامِعَةٌ وَالْخُطْبَةُ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ إلَّا كَوْنُهَا في الْجَامِعِ فَالْبُخَارِيُّ وَالْمَعْنَى فيه كَوْنُهَا مُعَرَّضَةً لِلْفَوَاتِ بِالِانْجِلَاءِ وَكَالصَّلَاةُ جَامِعَةٌ الصَّلَاةُ وَيَخْطُبُ كَالْجُمُعَةِ أَيْ كَخُطْبَتِهَا في الْأَرْكَانِ كما في الْمِنْهَاجِ كَالْمُحَرَّرِ لَا في الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ كما في الْأَصْلِ وَشَرْحِ الْإِرْشَادِ لِلْمُصَنِّفِ لَكِنَّهُ اسْتَثْنَى منها الْقِيَامَ لَكِنْ يَأْتِي بها بَعْدَ الصَّلَاةِ لِلِاتِّبَاعِ وَكَمَا في الْعِيدِ وَإِنَّمَا تُسْتَحَبُّ لِلْجَمَاعَةِ حتى لِلْمُسَافِرِ لَا الْمُنْفَرِدِ لِمَا مَرَّ في الْعِيدِ وَيَأْتِي في الْخُطْبَةِ هُنَا ما مَرَّ ثُمَّ وَعُلِمَ من كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا تَكْبِيرَ في الْخُطْبَةِ وهو كَذَلِكَ لِعَدَمِ وُرُودِهِ وَأَنَّهُ لَا تُجْزِئُ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ وهو كَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ وما فَهِمَهُ ابن الرِّفْعَةِ من كَلَامٍ حَكَاهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ عن نَصِّ الْبُوَيْطِيِّ وَتَبِعَهُ عليه جَمَاعَةٌ منهم الْمُصَنِّفُ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ من أنها تُجْزِئُ مَرْدُودٌ كما نَبَّهَ عليه جَمَاعَةٌ بِأَنَّ عِبَارَةَ الْبُوَيْطِيِّ لَا تُفْهِمُ ذلك وَعِبَارَتُهُ وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ خُطْبَتَيْنِ كما في الْعِيدَيْنِ ثُمَّ قال وَإِنْ اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَعِيدٌ وَجِنَازَةٌ وَاسْتِسْقَاءٌ بَدَأَ بِالْجِنَازَةِ ثُمَّ الْكُسُوفِ ثُمَّ الْعِيدِ ثُمَّ الِاسْتِسْقَاءِ فَإِنْ خَطَبَ لِلْجَمِيعِ خُطْبَةً وَاحِدَةً أَجْزَأَهُ وَظَاهِرُهَا أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ لِلْجَمِيعِ خُطْبَتَانِ لَا أَنَّهُ يَخْطُبُ لِلْكُسُوفِ خُطْبَةً فَرْدَةً وقد قالوا لو اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَجُمُعَةٌ كَفَاهُ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ ولم يُرِيدُوا الْفَرْدَةَ قَطْعًا وَيَأْمُرُهُمْ فيها بِالتَّوْبَةِ من الْمَعَاصِي وَفِعْلِ الْخَيْرِ كَصَدَقَةٍ وَدُعَاءٍ وَاسْتِغْفَارٍ وَالْعِتْقِ وَيُحَذِّرُهُمْ
____________________
(1/286)
الِاغْتِرَارَ لِلْأَمْرِ بِذَلِكَ في الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ وَلِعِظَمِ ما قبل فِعْلِ الْخَيْرِ وما بَعْدَهُ إفْرَادًا بِالذِّكْرِ مع دُخُولِهِمَا فيه قال الْأَذْرَعِيُّ وَيُسْتَثْنَى من اسْتِحْبَابِ الْخُطْبَةِ ما نَصَّ عليه أَنَّهُ إذَا صلى لِلْكُسُوفِ بِبَلَدٍ وكان بِهِ وَالٍ لَا يَخْطُبُ الْإِمَامُ إلَّا إذَا كان بِأَمْرِ الْوَلِيِّ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ وَذُكِرَ مِثْلُهُ في صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَتَقَدَّمَ في الْجُمُعَةِ ما يُؤْخَذُ منه أَنَّهُ يُسَنُّ الْغُسْلُ لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَأَمَّا التَّنَظُّفُ بِحَلْقِ الشَّعْرِ وَقَلْمِ الظُّفْرِ فَلَا يُسَنُّ لها كما صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْيَمَنِ فإنه يَضِيقُ الْوَقْتُ وَإِنَّمَا يَجْهَرُ في صَلَاةِ كُسُوفِ الْقَمَرِ لَا في صَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ بَلْ يُسِرُّ فيها لِأَنَّهَا نَهَارِيَّةٌ وَالْأُولَى لَيْلِيَّةٌ وما رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَهَرَ في صَلَاةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ عن سَمُرَةَ قال صلى بِنَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في كُسُوفٍ لَا نَسْمَعُ له صَوْتًا وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ قال في الْمَجْمُوعِ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْإِسْرَارَ في كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْجَهْرَ في كُسُوفِ الْقَمَرِ فَرْعٌ وَتَفُوتُ الْمَسْبُوقَ الرَّكْعَةُ بِالرُّكُوعِ أَيْ بِفَوَاتِ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ مع الْإِمَامِ فَلَوْ أَدْرَكَهُ في الْقِيَامِ الثَّانِي أو رُكُوعِهِ من الرَّكْعَةِ الْأُولَى أو الثَّانِيَةِ لم يُدْرِكْهَا أَيْ شيئا منها كما في الْأَصْلِ لِأَنَّ الْقِيَامَ الثَّانِيَ وَرُكُوعَهُ كَالتَّابِعِ لِلْأَوَّلِ وَرُكُوعِهِ فَلَا يُدْرِكُهَا إلَّا بِإِدْرَاكِهِ له في الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ كما في سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَتَفُوتُ الصَّلَاةُ بِالِانْجِلَاءِ التَّامِّ يَقِينًا لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بها وقد حَصَلَ وَلِلْخَبَرِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ بِخِلَافِ الْخُطْبَةِ لِأَنَّ الْقَصْدَ بها الْوَعْظُ وهو لَا يَفُوتُ بِذَلِكَ بَلْ في مُسْلِمٍ أَنَّ خُطْبَةَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ إنَّمَا كانت بَعْدَ الِانْجِلَاءِ وَخَرَجَ بِالتَّامِّ ما لو انْجَلَى الْبَعْضُ فإنه يُصَلِّي لِلْبَاقِي كما لو لم يَنْخَسِفْ إلَّا ذلك الْقَدْرُ فَإِنْ قُلْت لِمَ فَاتَتْ صَلَاةُ الْخُسُوفِ بِالِانْجِلَاءِ ولم تَفُتْ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ بِالسُّقْيَا كما سَيَأْتِي قُلْنَا لَا غِنَى بِالنَّاسِ عن مَجِيءِ الْغَيْثِ بَعْدَ الْغَيْثِ فَتَكُونُ صَلَاتُهُمْ ثَمَّ لِطَلَبِ الْغَيْثِ الْمُسْتَقْبَلِ وَهُنَا لِأَجْلِ الْخُسُوفِ وقد زَالَ بِالِانْجِلَاءِ فَإِنْ حَالَ دُونَ الشَّمْسِ سَحَابٌ وَشَكَّ في الِانْجِلَاءِ أو الْكُسُوفِ وقال له مُنَجِّمٌ وَاحِدٌ أو أَكْثَرُ انْجَلَتْ أو كَسَفَتْ لم يُؤَثِّرْ فَيُصَلِّي في الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْكُسُوفِ وَلَا يُصَلِّي في الثَّانِي لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَقَوْلُ الْمُنَجِّمِينَ تَخْمِينٌ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ قال ابن عبد السَّلَامِ وَلَوْ شَرَعَ فيها ظَانًّا بَقَاءَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كان انْجَلَى قبل تَحَرُّمِهِ بها بَطَلَتْ وَلَا تَنْعَقِدُ نَفْلًا على قَوْلٍ إذْ ليس لنا نَفْلٌ على هَيْئَةِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ فَتَنْدَرِجُ في نِيَّتِهِ وَتَفُوتُ الصَّلَاةُ أَيْضًا في الْكُسُوفِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ كَاسِفَةً وفي الْخُسُوفِ لِلْقَمَرِ بِطُلُوعِهَا لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِمَا حِينَئِذٍ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ خُسُوفِ الْقَمَرِ بِهِ أَيْ بِطُلُوعِهَا في أَثْنَائِهَا كما لو انْجَلَى الْخُسُوفُ في أَثْنَائِهَا وَلَا أَثَرَ لِحُدُوثِهِ أَيْ خُسُوفِ الْقَمَرِ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ طُلُوعِهَا فَلَا يُصَلِّي له لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ حِينَئِذٍ وَلَا تَفُوتُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ لِبَقَاءِ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ فَيُصَلِّيهَا وَإِنْ خَسَفَ أو غَابَ بَعْدَهُ خَاسِفًا كما لو اسْتَتَرَ بِغَمَامٍ وَإِنْ اجْتَمَعَ عليه صَلَوَاتٌ ثِنْتَانِ فَأَكْثَرُ ولم يَأْمَنْ الْفَوَاتَ قَدَّمَ الْأَخْوَفَ فَوْتًا ثُمَّ الْآكَدَ فَيُقَدِّمُ فِيمَا لو اجْتَمَعَ عليه فَرِيضَةُ نَذْرٍ فَعَلَهَا في وَقْتِ الْعِيدِ وَجِنَازَةٍ وَعِيدٍ وَكُسُوفٍ الْفَرِيضَة لِتَعَيُّنِهَا وَضِيقِ وَقْتِهَا ثُمَّ الْجِنَازَةِ لِمَا يُخْشَى من تَغَيُّرِ الْمَيِّتِ بِتَأْخِيرِهَا وَلِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَلِأَنَّ فيها حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقَّ الْآدَمِيِّ ثُمَّ الْعِيدِ لِأَنَّ صَلَاتَهُ آكَدُ من صَلَاةِ الْكُسُوفِ ثُمَّ الْكُسُوفِ وَلَوْ اجْتَمَعَ عليه خُسُوفٌ وَوِتْرٌ قَدَّمَ الْخُسُوفَ لِأَنَّ صَلَاتَهُ آكَدُ وَلِأَنَّهُ يُخَافُ فَوْتُهَا بِالِانْجِلَاءِ وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ على الْوِتْرِ وَإِنْ خِيفَ فَوْتُهُ أَيْضًا بِالْفَجْرِ لِمَا قُلْنَاهُ من أنها آكَدُ وَكَوْنُ فَوْتِهَا غير مُتَيَقَّنٍ بِخِلَافِ فَوْتِهِ لَا أَثَرَ له لِرِعَايَتِهِمْ خَوْفَ فَوْتِهَا بِالِانْجِلَاءِ فَإِنْ قِيلَ رَاعَوْهُ إذَا لم يُعَارِضْهُ ما يَتَيَقَّنُ فَوْتَهُ قُلْنَا مُعَارَضٌ بِإِمْكَانِ تَدَارُكِ الْوِتْرِ بِالْقَضَاءِ دُونَ هذه وَعِنْدَ أَمْنِ الْفَوَاتِ إذَا اجْتَمَعَ عليه جِنَازَةٌ وَكُسُوفٌ وَفَرِيضَةٌ أو عِيدٌ تُقَدَّمُ الْجِنَازَةُ لِمَا مَرَّ قال في الْأَصْلِ ثُمَّ يَشْتَغِلُ الْإِمَامُ بِغَيْرِهَا وَلَا يُشَيِّعُهَا فَلَوْ لم تَحْضُرْ الْجِنَازَةُ أو حَضَرَتْ ولم يَحْضُرْ وَلِيُّهَا أَيْ وَحُضُورُهُ مُتَوَقَّعٌ أَفْرَدَ الْإِمَامُ جَمَاعَةً يَنْتَظِرُونَهَا وَاشْتَغَلَ بِغَيْرِهَا ثُمَّ الْكُسُوفُ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ لَكِنْ يُخَفِّفُهُ فَيَقْرَأُ في كل قِيَامٍ بِالْفَاتِحَةِ وَقُلْ هو اللَّهُ أَحَدٌ وَنَحْوِهَا نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن نَصِّ الْأُمِّ ثُمَّ الْفَرِيضَةُ أو الْعِيدُ لَكِنْ يُؤَخِّرُ خُطْبَةَ الْكُسُوفِ عن الْفَرِيضَةِ لِأَنَّهُ لَا يُخَافُ فَوْتُهَا بِخِلَافِ الْفَرِيضَةِ قَالَهُ في الْمُهَذَّبِ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْفَرِيضَةِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْجُمُعَةِ فَرْعٌ وَيَكْفِي لِعِيدٍ وَكُسُوفٍ اجْتَمَعَا خُطْبَتَانِ بَعْدَهُمَا أَيْ بَعْدَ صَلَاتَيْهِمَا يَذْكُرُهُمَا
____________________
(1/287)
أَيْ أَحْكَامَهُمَا فِيهِمَا أَيْ في الْخُطْبَتَيْنِ فَيَقْصِدُهُمَا بِالْخُطْبَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا سُنَّتَانِ قال في الْمَجْمُوعِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ السُّنَّتَيْنِ إذَا لم تَتَدَاخَلَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَنْوِيَهُمَا بِفِعْلٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا لو نَوَى بِرَكْعَتَيْنِ صَلَاةَ الضُّحَى وَقَضَاءَ سُنَّةِ الصُّبْحِ لم تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ وَلَوْ ضَمَّ إلَى فَرْضٍ أو نَفْلٍ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ لم يَضُرَّ لِأَنَّهَا تَحْصُلُ ضِمْنًا فَلَا يَضُرُّ ذِكْرُهَا قال السُّبْكِيُّ وَكَأَنَّهُمْ اغْتَفَرُوا ذلك في الْخُطْبَةِ لِحُصُولِ الْقَصْدِ بها بِخِلَافِهِ في الصَّلَاةِ وَإِنْ اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَجُمُعَةٌ وَصَلَّى الْكُسُوفَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ خَطَبَ له أَيْضًا أَيْ كما خَطَبَ لِلْجُمُعَةِ أو صَلَاةٍ قَبْلَهَا سَقَطَتْ خُطْبَتُهُ مُبَادَرَةً لِأَدَاءِ الْفَرْضِ وَقَصَدُوا بِالْخُطْبَةِ التي يَأْتِي بها عَقِبَ ذلك الْجُمُعَةَ فَقَطْ أَيْ لَا الْكُسُوفَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْصِدَهُمَا بها لِأَنَّهُ تَشْرِيَك بين فَرْضٍ وَنَفْلٍ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ ولكن يَتَعَرَّضُ فيها لِذِكْرِهِ أَيْ لِذِكْرِ ما يُنْدَبُ في خُطْبَتِهِ وَيُحْتَرَزُ عن التَّطْوِيلِ الْمُوجِبِ لِلْفَصْلِ وَكَلَامُهُ كَأَصْلِهِ يُفْهِمُ أَنَّهُ يَجِبُ قَصْدُهَا حتى لَا يَكْفِيَ الْإِطْلَاقُ وهو مُحْتَمَلٌ لِأَنَّ تَقَدُّمَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ عليها يَقْتَضِي صَرْفَهَا لها وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ لِأَنَّ خُطْبَةَ الْكُسُوفِ سَقَطَتْ وهو الْأَقْرَبُ نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ قال في الْأَصْلِ وَاعْتَرَضَتْ طَائِفَةٌ على قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رضي اللَّهُ عنه اجْتَمَعَ عِيدٌ وَكُسُوفٌ بِأَنَّ الْكُسُوفَ لَا يَقَعُ إلَّا في الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ أو التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ قَوْلُ الْمُنَجِّمِينَ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ وَاَللَّهُ على كل شَيْءٍ قَدِيرٌ وقد صَحَّ أَنَّ الشَّمْسَ كَسَفَتْ يوم مَاتَ إبْرَاهِيمُ ابن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وفي أَنْسَابِ الزُّبَيْرِ بن بَكَّارَ أَنَّهُ مَاتَ عَاشِرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مثله عن الْوَاقِدِيِّ وَكَذَا اشْتَهَرَ أنها كَسَفَتْ يوم قَتْلِ الْحُسَيْنِ وَأَنَّهُ قُتِلَ يوم عَاشُورَاءَ وَبِأَنَّ وُقُوعَ الْعِيدِ في الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ يُتَصَوَّرُ بِأَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ بِنَقْصِ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَكَانَتْ في الْحَقِيقَةِ كَامِلَةٌ وَبِأَنَّ الْفَقِيهَ قد يُصَوِّرُ ما لَا يَقَعُ لِيَتَدَرَّبَ بِاسْتِخْرَاجِ الْفُرُوعِ الدَّقِيقَةِ وَيَحْضُرُهَا نَدْبًا الْعَجَائِزُ الْأَوْلَى قَوْلُ الرَّوْضَةِ غير ذَاتِ الْهَيْئَاتِ وَنَظَرَ الْمُصَنِّفُ حُضُورَهُنَّ من زِيَادَتِهِ بِقَوْلِهِ كَالْعِيدِ فَيَأْتِي فِيهِنَّ ما مَرَّ ثُمَّ وَكَذَا في غَيْرِهِنَّ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ وَغَيْرُهُنَّ يُصَلِّينَ في الْبُيُوتِ مُنْفَرِدَاتٍ وَلَا بَأْسَ بِجَمَاعَتِهِنَّ ولكن لَا يَخْطُبْنَ وَإِنْ الْأَوْلَى ما في الرَّوْضَةِ فَإِنْ وَعَظَتْهُنَّ امْرَأَةٌ فَلَا بَأْسَ وَكَالنِّسَاءِ في الْحُضُورِ وَعَدَمِهِ الْخَنَاثَى وَيُسْتَحَبُّ لِكُلٍّ وفي نُسْخَةٍ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَتَضَرَّعَ بِالدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ عِنْدَ الزَّلَازِلِ وَنَحْوِهَا من الصَّوَاعِقِ وَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ وَالْخَسْفِ كان الْأَوْلَى أَنْ يَقْتَصِرَ على وَنَحْوِهَا أو يَقُولَ كَالصَّوَاعِقِ وَأَنْ يُصَلِّيَ في بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا لِئَلَّا يَكُونَ غَافِلًا لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان إذَا عَصَفَتْ الرِّيحُ قال اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَهَا وَخَيْرَ ما فيها وَخَيْرَ ما أُرْسِلَتْ بِهِ وَأَعُوذُ بِك من شَرِّهَا وَشَرِّ ما فيها وَشَرِّ ما أُرْسِلَتْ بِهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ خَبَرَ ما هَبَّتْ رِيحٌ إلَّا جَثَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على رُكْبَتَيْهِ وقال اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رَحْمَةً وَلَا تَجْعَلْهَا عَذَابًا اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا وَلَا تَجْعَلْهَا رِيحًا وَرَوَى أَيْضًا أَنَّ عُمَرَ حَثَّ على الصَّلَاةِ في زَلْزَلَةٍ وَلَا يُسْتَحَبُّ فيها الْجَمَاعَةُ وما رُوِيَ عن عَلِيٍّ أَنَّهُ صلى في زَلْزَلَةٍ جَمَاعَةً لم يَصِحَّ عنه قَالَهُ في الرَّوْضَةِ قال الْحَلِيمِيُّ وَصِفَتُهَا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تُغَيَّرَ عن الْمَعْهُودِ إلَّا بِتَوْقِيفٍ قال الزَّرْكَشِيُّ وَبِهَذَا الِاحْتِمَالِ جَزَمَ ابن أبي الدَّمِ فقال تَكُونُ كَكَيْفِيَّةِ الصَّلَوَاتِ وَلَا يُصَلِّي على هَيْئَةِ الْخُسُوفِ قَوْلًا وَاحِدًا وَيُسَنُّ الْخُرُوجُ إلَى الصَّحْرَاءِ وَقْتَ الزَّلْزَلَةِ قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ وَيُقَاسُ بها نَحْوُهَا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ في بَيْتِهِ من زِيَادَتِهِ ولم أَرَهُ لِغَيْرِهِ لَكِنَّهُ قِيَاسُ النَّافِلَةِ التي لَا تُشْرَعُ لها الْجَمَاعَةُ فَائِدَةٌ الرِّيَاحُ أَرْبَعُ التي من تُجَاهِ الْكَعْبَةِ الصَّبَا وَمِنْ وَرَائِهَا الدَّبُورُ وَمِنْ جِهَةِ يَمِينِهَا الْجَنُوبُ وَمِنْ شِمَالِهَا الشِّمَالُ وَلِكُلٍّ منها طَبْعٌ فَالصَّبَا حَارَّةٌ يَابِسَةٌ وَالدَّبُورُ بَارِدَةٌ رَطْبَةٌ وَالْجَنُوبُ حَارَّةٌ رَطْبَةٌ وَالشِّمَالُ بَارِدَةٌ يَابِسَةٌ وَهِيَ رِيحُ الْجَنَّةِ التي تَهُبُّ عليهم كما رَوَاهُ مُسْلِمٌ كِتَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ هو لُغَةً طَلَبُ السُّقْيَا وَشَرْعًا طَلَبُ سُقْيَا الْعِبَادِ من اللَّهِ عِنْدَ حَاجَتِهِمْ إلَيْهَا يُقَالُ سَقَاهُ وَأَسْقَاهُ بِمَعْنًى قال تَعَالَى وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا وقال لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا وقد جَمَعَهُمَا لَبِيدٌ في قَوْلِهِ سَقَى قَوْمِي بَنِي مَجْدٍ وَأَسْقَى نُمَيْرًا وَالْقَبَائِلَ من هِلَالِ وَقِيلَ سَقَاهُ نَاوَلَهُ لِيَشْرَبَ وَأَسْقَاهُ جَعَلَ له سِقْيًا وَقِيلَ سَقَاهُ لِشَفَتِهِ وَأَسْقَاهُ لِمَاشِيَتِهِ وَأَرْضِهِ وَقِيلَ سَقَاهُ لِشَفَتِهِ
____________________
(1/288)
وَأَسْقَاهُ دَلَّهُ على الْمَاءِ وَالْأَصْلُ في الْبَابِ قبل الْإِجْمَاعِ وَالِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا الِاسْتِسْقَاء ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ ثَابِتَةٍ بِالْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ أَدْنَاهَا يَكُونُ بِالدُّعَاءِ مُطْلَقًا عَمَّا يَأْتِي فُرَادَى أو مُجْتَمِعِينَ وأوسطها يَكُونُ بِالدُّعَاءِ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ وَلَوْ نَافِلَةً كما في الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ عن الْأَصْحَابِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ لِلنَّوَوِيِّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ من تَقْيِيدِهِ بِالْفَرَائِضِ وفي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِ ذلك وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ بِالصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمَا وَذَلِكَ أَيْ الِاسْتِسْقَاءُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِلْمُقِيمِينَ وَلَوْ بِقَرْيَةٍ أو بَادِيَةٍ وَالْمُسَافِرِينَ وَلَوْ سَفَرَ قَصْرٍ لِاسْتِوَاءِ الْكُلِّ في الْحَاجَةِ وَإِنَّمَا لم يَجِبْ لِمَا مَرَّ في الْعِيدِ هذا إنْ انْقَطَعَتْ الْمِيَاهُ أو مَلَحَتْ وَاحْتَاجُوا إلَيْهَا أو احْتَاجُوا إلَى الزِّيَادَةِ وَإِلَّا فَلَا اسْتِسْقَاءَ وَيَسْتَسْقُونَ يَعْنِي غَيْرُ الْمُحْتَاجِينَ بِالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا لِغَيْرِهِمْ أَيْضًا وَيَسْأَلُونَ الزِّيَادَةَ لِأَنْفُسِهِمْ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ إذَا اشْتَكَى بَعْضُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ وَرَوَى مُسْلِمٌ خَبَرَ دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ قال الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ آمِينَ وَلَك بِمِثْلٍ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَظْهَرُ تَقْيِيدُ ذلك بِأَنْ لَا يَكُونَ الْغَيْرُ ذَا بِدْعَةٍ وَضَلَالَةٍ وَبَغْيٍ وَإِلَّا فَلَا يَسْتَسْقُونَ لهم تَأْدِيبًا وَزَجْرًا وَلِأَنَّ الْعَامَّةَ تَظُنُّ بِالِاسْتِسْقَاءِ لهم حُسْنَ طَرِيقَتِهِمْ وَالرِّضَا بِهِمْ وَفِيهِ مَفَاسِدُ فَإِنْ لم يُسْقَوْا في الْيَوْمِ الْأَوَّلِ صَلَّوْا وَخَطَبَ بِهِمْ الْإِمَامُ الْيَوْمَ الثَّانِي وما بَعْدَهُ هذا أَوْلَى من اقْتِصَارِ أَصْلِهِ على الثَّانِي وَالثَّالِثِ لِأَنَّ ما فَوْقَهُمَا كَذَلِكَ حتى يُسْقَوْا فإن اللَّهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ في الدُّعَاءِ وَلَا يَتَوَقَّفُونَ عن الْخُرُوجِ لِلصِّيَامِ أَيْ لِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَبْلَهُ وَقِيلَ يَتَوَقَّفُونَ وَهُمَا نَصَّانِ لِلشَّافِعِيِّ فَقِيلَ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا الْأَوَّلُ وَعَلَيْهِ اخْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ كَشَيْخِنَا الْحِجَازِيِّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ أَخْذًا بِظَاهِرِ هذا التَّرْجِيحِ مع غَفْلَةِ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ على هذه الطَّرِيقَةِ وقال الْجُمْهُورُ كما في الْمَجْمُوعِ مُنَزَّلَانِ على حَالَيْنِ الثَّانِي على ما إذَا اقْتَضَى الْحَالُ التَّأْخِيرَ كَانْقِطَاعِ مَصَالِحِهِمْ وَالْأَوَّلُ على خِلَافِهِ وَوَافَقَهُمْ الْمُصَنِّفُ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَلْ الْأَوَّلُ مَحْمُولٌ على الْجَوَازِ وَالثَّانِي على النَّدْبِ وَعَلَى كل حَالٍ فَالْجُمْهُورُ قَطَعُوا بِاسْتِحْبَابِ تَكْرِيرِ الِاسْتِسْقَاءِ كما ذَكَرُوا لِمَرَّةِ الْأُولَى آكَدُ في الِاسْتِحْبَابِ ثُمَّ إذَا عَادُوا من الْغَدِ أو بَعْدَهُ يُنْدَبُ أَنْ يَكُونُوا صَائِمِينَ فيه فَرْعٌ وَإِنْ تَأَهَّبُوا لِلْخُرُوجِ لِلصَّلَاةِ فَسُقُوا قَبْلَهُ خَرَجُوا لِلْوَعْظِ وَالدُّعَاءِ وَالشُّكْرِ وصلوها شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى وَطَلَبًا لِلْمَزِيدِ قال تَعَالَى لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَخَطَبَ بِهِمْ لِذَلِكَ وَالتَّصْرِيحُ بِالْخُطْبَةِ من زِيَادَتِهِ فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْمُرَهُمْ الْإِمَامُ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ مع يَوْمِ الْخُرُوجِ لِأَنَّهُ مُعِينٌ على الرِّيَاضَةِ وَالْخُشُوعِ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عن أبي هُرَيْرَةَ خَبَرَ ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الصَّائِمُ حتى يُفْطِرَ وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ وَالْمَظْلُومُ وقال حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عن أَنَسٍ وقال دَعْوَةُ الصَّائِمِ وَالْوَالِدِ وَالْمُسَافِرِ وَالصَّوْمُ لَازِمٌ بِأَمْرِ الْإِمَامِ امْتِثَالًا له كما أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ الْآيَةَ قال في الْمُهِمَّاتِ وَهَلْ يَتَعَدَّى ذلك إلَى كل ما يَأْمُرُهُمْ بِهِ من الصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا لم يَخْتَصَّ بِالصَّوْمِ فيه نَظَرٌ انْتَهَى وَظَاهِرُ الْآيَةِ وَكَلَامُهُمْ في بَابِ الْإِمَامَةِ يَقْتَضِي التَّعَدِّي إلَى ذلك وقال الْإِسْنَوِيُّ في شَرْحِهِ إنَّهُ الْقِيَاسُ وما قَالَهُ النَّوَوِيُّ أَقَرَّهُ عليه جَمْعٌ منهم السُّبْكِيُّ وَالْقَمُولِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَالْبُلْقِينِيِّ في مَوْضِعٍ لَكِنَّهُ قال في آخَرَ إنَّهُ مَرْدُودٌ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ في الْأُمِّ وَبَلَغَنَا عن بَعْضِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ كان إذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَسْقِيَ أَمَرَ الناس فَصَامُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ وَتَقَرَّبُوا إلَى اللَّهِ بِمَا اسْتَطَاعُوا من خَيْرٍ ثُمَّ خَرَجُوا في الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَاسْتَسْقَى بِهِمْ وأنا أُحِبُّ ذلك لهم وَآمُرُهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا في الْيَوْمِ الرَّابِعِ صِيَامًا من غَيْرِ أَنْ أُوجِبَ ذلك عليهم وَلَا على إمَامِهِمْ وهو صَرِيحٌ في عَدَمِ إيجَابِ ذلك انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّ كَوْنَهُ صَرِيحًا مُجَرَّدُ دَعْوَى وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ ظَاهِرٌ وَبِتَقْدِيرِ صَرَاحَتِهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ بِقَرِينَةِ كَلَامِهِ في بَابِ الْبُغَاةِ على ما إذَا لم يَأْمُرْهُمْ الْإِمَامُ بِذَلِكَ وَيَدُلُّ له قَوْلُهُمْ في بَابِ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى تَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ في أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ ما لم يُخَالِفْ حُكْمَ الشَّرْعِ وأن يَأْمُرَهُمْ بِالتَّوْبَةِ وَالْخُرُوجِ من الْمَظَالِمِ في الدَّمِ وَالْعِرْضِ وَالْمَالِ وَبِفِعْلِ الْخَيْرَاتِ
____________________
(1/289)
من عِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّ ذلك أَرْجَى لِلْإِجَابَةِ قال تَعَالَى وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وقال إلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ الْآيَةَ وقال وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا الْآيَةَ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْخُرُوجَ من الْمَظَالِمِ دَاخِلٌ في التَّوْبَةِ بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا دَاخِلٌ في فِعْلِ الْخَيْرَاتِ لَكِنْ لِعِظَمِ أَمْرِهِمَا أو كَوْنِهِمَا أَرْجَى لِلْإِجَابَةِ أُفْرِدَا بِالذِّكْرِ ثُمَّ بَعْدَ أَمْرِهِ لهم بِمَا ذُكِرَ وَصَوْمِهِمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَخْرُجُ بِهِمْ إلَى الصَّحْرَاءِ في الرَّابِعِ صِيَامًا في ثِيَابٍ بِذْلَةٍ وَتَخَشُّعٍ في مَشْيِهِمْ وَجُلُوسِهِمْ وَغَيْرِهِمَا لِمَا مَرَّ في الصَّوْمِ وَلِلِاتِّبَاعِ في غَيْرِهِ وفي آخِرِ الْخَبَرِ أَنَّهُ صلى رَكْعَتَيْنِ كما يُصَلِّي الْعِيدَ رَوَاهُ ابن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وقال التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفَارَقَ ما هُنَا صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ حَيْثُ لَا يُسَنُّ لِلْحَاجِّ بِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ عليه مَشَقَّةُ الصَّوْمِ وَالسَّفَرِ وَبِأَنَّ مَحَلَّ الدُّعَاءِ ثُمَّ آخِرَ النَّهَارِ وَالْمَشَقَّةُ الْمَذْكُورَةُ مُضَعَّفَةٌ حِينَئِذٍ بِخِلَافِهِ هُنَا وَقَضِيَّةُ الْفَرْقَيْنِ أَنَّهُمْ لو كَانُوا هُنَا مُسَافِرِينَ وَصَلَّوْا آخِرَ النَّهَارِ لَا صَوْمَ عليهم بَلْ قَضِيَّةُ الْأَوَّلِ ذلك أَيْضًا وَإِنْ صَلَّوْا أَوَّلَ النَّهَارِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا أَمَرَ بِهِ هُنَا صَارَ وَاجِبًا وقد يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَقَيَّدَ وُجُوبُهُ بِمَا إذَا لم يَتَضَرَّرْ بِهِ الْمُسَافِرُ فَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ فَلَا وُجُوبَ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِهِ حِينَئِذٍ غَيْرُ مَطْلُوبٍ لِكَوْنِ الْفِطْرِ أَفْضَلَ وَيَنْبَغِي لِلْخَارِجِ أَنْ يُخَفِّفَ غِذَاءَهُ وَشَرَابَهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ ما أَمْكَنَ وَلَوْ خَرَجُوا حُفَاةً مَكْشُوفَةً رُءُوسُهُمْ لم يُكْرَهْ لِمَا فيه من إظْهَارِ التَّوَاضُعِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَنَقَلَهُ الشَّاشِيُّ عن بَعْضِهِمْ وَاسْتَبْعَدَهُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ من زِيَادَتِهِ إلَى الصَّحْرَاءِ سَاقِطٌ من بَعْضِ النُّسَخِ وهو مَعْلُومٌ مِمَّا يَأْتِي بِغَيْرِ طِيبٍ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِحَالِهِمْ وَفَارَقَ الْعَبْدَ بِأَنَّهُ يَوْمُ زِينَةٍ وَهَذَا يَوْمُ مَسْأَلَةٍ وَاسْتِكَانَةٍ قال الْقَمُولِيُّ وَلَا يَلْبَسُ الْجَدِيدَ من ثِيَابِ الْبِذْلَةِ أَيْضًا مُتَنَظِّفِينَ بِالْمَاءِ وَالسِّوَاكِ وَقَطْعِ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ وَيُسْتَحَبُّ إخْرَاجُ الْمَشَايِخِ وَالصِّبْيَانِ لِأَنَّ دُعَاءَهُمْ أَرْجَى لِلْإِجَابَةِ إذْ الشَّيْخُ أَرَقُّ قَلْبًا وَالصَّبِيُّ لَا ذَنْبَ عليه وقال صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهَلْ تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إلَّا بِضُعَفَائِكُمْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قال الْإِسْنَوِيُّ فَإِنْ اُحْتِيجَ في حَمْلِ الصِّبْيَانِ وَنَحْوِهِمْ إلَى مُؤْنَةٍ فَهَلْ تُحْسَبُ من مَالِهِمْ فيه نَظَرٌ وهو قَرِيبٌ مِمَّا إذَا سَافَرَتْ الْمَرْأَةُ بِإِذْنِ الزَّوْجِ لِحَاجَتِهَا وَحَاجَتِهِ هل تَجِبُ لها النَّفَقَةُ انْتَهَى وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ أنها تُحْسَبُ من مَالِهِمْ وَيُسْتَحَبُّ إخْرَاجُ الْأَرِقَّاءِ بِإِذْنِ سَادَتِهِمْ وَغَيْرِ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ من النِّسَاءِ وَالْخَنَاثَى لِأَنَّ الْجَدْبَ قد أَصَابَهُمْ وَلَا مَانِعَ من الْخُرُوجِ بِخِلَافِ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ وَكَذَا تُخْرَجُ الْبَهَائِمُ قال صلى اللَّهُ عليه وسلم خَرَجَ نَبِيٌّ من الْأَنْبِيَاءِ يَسْتَسْقِي فإذا هو بِنَمْلَةٍ رَافِعَةٍ بَعْضَ قَوَائِمِهَا إلَى السَّمَاءِ فقال ارْجِعُوا فَقَدْ اُسْتُجِيبَ لَكُمْ من أَجْلِ شَأْنِ النَّمْلَةِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وقال صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وفي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ إنَّ هذا النبي هو سُلَيْمَانُ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَأَنَّ النَّمْلَةَ وَقَعَتْ على ظَهْرِهَا وَرَفَعَتْ يَدَيْهَا وَقَالَتْ اللَّهُمَّ أنت خَلَقْتنَا فَإِنْ رَزَقْتنَا وَإِلَّا فَأَهْلِكْنَا قال وَرُوِيَ إنَّهَا قالت اللَّهُمَّ إنَّا خَلْقٌ من خَلْقِك لَا غِنَى بِنَا عن رِزْقِك فَلَا تُهْلِكْنَا بِذُنُوبِ بَنِي آدَمَ وَقِيلَ لَا يُسَنُّ إخْرَاجُهَا وَقِيلَ يُكْرَهُ وَنَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْجُمْهُورِ وَالثَّانِي عن نَصِّ الْأُمِّ مع تَصْحِيحِهِ كَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرُهُ الْأَوَّلُ وَتُوقَفُ مَعْزُولَةً عن الناس وَيُكْرَهُ إخْرَاجُ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَغَيْرِهِمْ من سَائِرِ الْكُفَّارِ الْمَفْهُومُ بِالْأُولَى لِلِاسْتِسْقَاءِ في مُسْتَسْقَى الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِ كما نَصَّ عليه في الْأُمِّ لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا كَانُوا سَبَبَ الْقَحْطِ لِأَنَّهُمْ مَلْعُونُونَ وقال تَعَالَى وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وقال لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ وَيُكْرَهُ أَيْضًا خُرُوجُهُمْ مَعَهُمْ كما عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ فَيُمْنَعُونَ من الْخُرُوجِ مَعَهُمْ قال الشَّافِعِيُّ في الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَلَا أَكْرَهُ من إخْرَاجِ صِبْيَانِهِمْ ما أَكْرَهُ من خُرُوجِ كِبَارِهِمْ لِأَنَّ ذُنُوبَهُمْ أَقَلُّ وَلَكِنْ يُكْرَهُ لِكُفْرِهِمْ نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عن حِكَايَةِ الْبَغَوِيّ له وَنَقَلَهُ عن نَصِّ الْأُمِّ أَيْضًا لَكِنْ عَبَّرَ بِخُرُوجِ صِبْيَانِهِمْ بَدَلَ إخْرَاجِهِمْ وهو الذي رَأَيْته في تَهْذِيبِ الْبَغَوِيّ
____________________
(1/290)
أَيْضًا وهو مُؤَوَّلٌ بِإِخْرَاجِهِمْ لِأَنَّ أَفْعَالَهُمْ لَا تُكْرَهُ شَرْعًا لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ قال أَعْنِي النَّوَوِيَّ وَهَذَا كُلُّهُ يَقْتَضِي كُفْرَ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ وقد اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِمْ إذَا مَاتُوا فقال الْأَكْثَرُ إنَّهُمْ في النَّارِ وَطَائِفَةٌ لَا نَعْلَمُ حُكْمَهُمْ وَالْمُحَقِّقُونَ إنَّهُمْ في الْجَنَّةِ وهو الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ وَوُلِدُوا على الْفِطْرَةِ وَتَحْرِيرُ هذا أَنَّهُمْ في أَحْكَامِ الدُّنْيَا كُفَّارٌ وفي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ مُسْلِمُونَ فَلَوْ تَمَيَّزُوا عن الْمُسْلِمِينَ لم يُمْنَعُوا من الْخُرُوجِ فَيَخْرُجُونَ لِطَلَبِ الرِّزْقِ وَفَضْلُ اللَّهِ وَاسِعٌ وقد يُجِيبُهُمْ اسْتِدْرَاجًا لهم قال تَعَالَى سَنَسْتَدْرِجُهُمْ من حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ مِمَّنْ يَسْتَسْقِي أَنْ يَسْتَشْفِعَ بِمَا فَعَلَهُ من خَيْرٍ بِأَنْ يَذْكُرَهُ في نَفْسِهِ فَيَجْعَلَهُ شَافِعًا لِأَنَّ ذلك لَائِقٌ بِالشَّدَائِدِ كما في خَبَرِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ آوَوْا في الْغَارِ وأن يَسْتَشْفِعَ بِأَهْلِ الصَّلَاحِ لِأَنَّ دُعَاءَهُمْ أَرْجَى لِلْإِجَابَةِ وَكَمَا اسْتَشْفَعَ مُعَاوِيَةُ بِيَزِيدَ بن الْأَسْوَدِ فقال اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَسْقِي بِخَيْرِنَا وَأَفْضَلِنَا اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَسْقِي بِيَزِيدَ بن الْأَسْوَدِ يا يَزِيدُ ارْفَعْ يَدَيْك إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَرَفَعَ الناس أَيْدِيَهُمْ فَثَارَتْ سَحَابَةٌ من الْمَغْرِبِ كَأَنَّهَا تُرْسٌ وَهَبَّ لها رِيحٌ فَسُقُوا حتى كَادَ الناس أَنْ لَا يَبْلُغُوا مَنَازِلَهُمْ لَا سِيَّمَا أَقَارِبُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كما اسْتَشْفَعَ عُمَرُ بِالْعَبَّاسِ عَمِّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال اللَّهُمَّ إنَّا كنا إذَا قَحَطْنَا تَوَسَّلْنَا إلَيْك بِنَبِيِّينَا فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِعَمِّ نَبِيِّينَا فَاسْقِنَا فَيُسْقَوْنَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَصْلٌ وَيُصَلِّيهَا نَدْبًا بِالصَّحْرَاءِ لَا بِالْمَسْجِدِ حَيْثُ لَا عُذْرَ كَمَرَضٍ لِلِاتِّبَاعِ كما مَرَّ وَلِأَنَّهُ يَحْضُرُهَا غَالِبُ الناس وَالصِّبْيَانِ وَالْحُيَّضِ وَالْبَهَائِمِ وَغَيْرِهِمْ فَالصَّحْرَاءُ أَوْسَعُ لهم وَأَلْيَقُ وَاسْتَثْنَى صَاحِبُ الْخِصَالِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو حَسَنٌ وَعَلَيْهِ عَمَلُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ لِفَضْلِ الْبُقْعَةِ وَاتِّسَاعِهَا كما مَرَّ في الْعِيدِ ا ه وَعَلَى قِيَاسِهِ يَأْتِي هُنَا ما مَرَّ ثُمَّ في غَيْرِ الْمَسْجِدَيْنِ لَكِنَّ الذي عليه الْأَصْحَابُ اسْتِحْبَابُهَا في الصَّحْرَاءِ مُطْلَقًا لِلِاتِّبَاعِ وَالتَّعْلِيلِ السَّابِقَيْنِ وَيَأْتِي بها كَصَلَاةِ الْعِيدِ لِلِاتِّبَاعِ كما مَرَّ فَيُنَادَى لها الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ وَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ وَيُكَبِّرُ في أَوَّلِ الْأُولَى سَبْعًا وفي أَوَّلِ الثَّانِيَةِ خَمْسًا وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَقِفُ بين كل تَكْبِيرَتَيْنِ مُسَبِّحًا حَامِدًا مُهَلِّلًا مُكَبِّرًا وَلَا يَخْطُبُ إنْ كان مُنْفَرِدًا وَيَقْرَأُ جَهْرًا في الْأُولَى ق وفي الثَّانِيَةِ اقْتَرَبَتْ أو سَبِّحْ وَالْغَاشِيَةَ قِيَاسًا لَا نَصًّا وما رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَرَأَ في الْأُولَى سَبِّحْ وفي الثَّانِيَةِ هل أَتَاك قال في الْمَجْمُوعِ ضَعِيفٌ وَقِيلَ يَقْرَأُ في الثَّانِيَةِ إنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا وَرَدَّهُ في الْمَجْمُوعِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ على أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْرَأَ فيها ما يَقْرَأُ في الْعِيدِ قال وما قَالَهُ الشَّافِعِيُّ من أَنَّهُ إنْ قَرَأَ في الثَّانِيَةِ إنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا كان حَسَنًا مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُسْتَحْسَنٌ لَا كَرَاهَةَ فيه وَلَيْسَ فيه أَنَّهُ أَفْضَلُ من اقْتَرَبَتْ وَحَاصِلُهُ أنها كَالْعِيدِ إلَّا أنها بَعْدَ اخْتِصَاصِهَا بِالصَّحْرَاءِ كما مَرَّ لَا تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ لَا بِوَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَلَا بِغَيْرِهِ بَلْ جَمِيعُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَقْتٌ لها كما لَا تَخْتَصُّ بِيَوْمٍ وَلِأَنَّهَا ذَاتُ سَبَبٍ فَدَارَتْ مع سَبَبِهَا كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ نعم وَقْتُهَا الْمُخْتَارُ وَقْتُ صَلَاةِ الْعِيدِ كما صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وابن الصَّبَّاغِ لِلِاتِّبَاعِ فَصْلٌ وَيَخْطُبُ بَعْدَهَا أَيْ الصَّلَاةِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَخْطُبَ قَبْلَهَا كَالْعِيدِ أَيْ كَخُطْبَتِهِ في الْأَرْكَانِ وَغَيْرِهَا مُبَدِّلًا التَّكْبِيرَ فيها بِالِاسْتِغْفَارِ فيقول أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الذي لَا إلَهَ إلَّا هو الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِالْحَالِ وَيُبَدَّلُ فيها أَيْضًا ما يَتَعَلَّقُ بِالْفِطْرَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِسْقَاءِ وَيُكْثِرُ من الِاسْتِغْفَارِ فيها حتى يَكُونَ هو أَكْثَرُ دُعَائِهِ وَمِنْ قَوْلِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كان غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا وَلَوْ قَدَّمَ قَوْلَهُ فيها أو أَخَّرَهُ كان أَوْلَى وَأَدْخَلَ الْبَاءَ على الْمَأْخُوذِ وهو مُتَعَيَّنٌ كما قَدَّمْته في صِفَةِ الصَّلَاةِ قال في الْمَجْمُوعِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْثِرَ من دُعَاءِ الْكَرْبِ وهو لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ وَأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وفي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ لِحَدِيثَيْ الصَّحِيحَيْنِ فِيهِمَا وَيَدْعُو في الْخُطْبَةِ الْأُولَى جَهْرًا وَيَقُولُ هذا لِإِفَادَتِهِ سُنَّتَيْنِ أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ فيقول اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا إلَى آخِرِهِ وهو مَشْهُورٌ في الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ أَيْ مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مَرِيعًا غَدَقًا مُجَلَّلًا سَحًّا طَبَقًا دَائِمًا اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا من الْقَانِطِينَ اللَّهُمَّ إنَّ الْعِبَادَ وَالْبِلَادَ من اللَّأْوَاءِ وَالْجَهْدِ
____________________
(1/291)
وَالضَّنْكِ ما لَا نَشْكُو إلَّا إلَيْك اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لنا الزَّرْعَ وَأَدِرَّ لنا الضَّرْعَ وَاسْقِنَا من بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَنْبِتْ لنا من بَرَكَاتِ الْأَرْضِ اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجَهْدَ وَالْجُوعَ وَالْعُرْيَ وَاكْشِفْ عَنَّا من الْبَلَاءِ ما لَا يَكْشِفُهُ غَيْرُك اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُك إنَّك كُنْت غَفَّارًا فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا قال في الْمَجْمُوعِ وَمِنْ الدُّعَاءِ الْمُسْتَحَبِّ ما ثَبَتَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا نَافِعًا غير ضَارٍّ عَاجِلًا غير آجِلٍ اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَك وَبَهَائِمَك وَانْشُرْ رَحْمَتَك وَأَحْيِي بَلَدَك الْمَيِّتَ اللَّهُمَّ أنت اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أنت الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَاجْعَلْ ما أَنْزَلْت لنا قُوَّةً وَبَلَاغًا إلَى حِينٍ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ لِلدُّعَاءِ في أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ وهو نَحْوُ ثُلُثِهَا كما قَالَهُ النَّوَوِيُّ في دَقَائِقِهِ فَإِنْ اسْتَقْبَلَ له في الْأُولَى لم يَعُدَّهُ في الثَّانِيَةِ نَقَلَهُ في الْبَحْرِ عن نَصِّ الْأُمِّ وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ وَيَنْكُسُهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مُخَفَّفًا وَبِضَمِّهِ مُثَقَّلًا عِنْدَ اسْتِقْبَالِهِ فَيُجْعَلُ ما على كل جَانِبٍ من الْأَيْمَنِ وَالْأَيْسَرِ ومن الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ على الْآخَرِ فَالْأَوَّلُ تَحْوِيلٌ وَالثَّانِي تَنْكِيسٌ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ في اسْتِسْقَائِهِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ زَادَ أَحْمَدُ وَحَوَّلَ الناس معه وَرَوَى أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّهُ حَوَّلَ رِدَاءَهُ فَجَعَلَ عِطَافَهُ الْأَيْمَنَ على عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَجَعَلَ عِطَافَهُ الْأَيْسَرَ على عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ وَرَوَى هو أَيْضًا وَالْحَاكِمُ في صَحِيحِهِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم اسْتَسْقَى وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِأَسْفَلِهَا فَيَجْعَلَهُ أَعْلَاهَا فلما ثَقُلَتْ عليه قَلَبَهَا على عَاتِقِهِ فَهِمَهُ بِذَلِكَ يَدُلُّ على اسْتِحْبَابِهِ وَتَرَكَهُ لِلسَّبَبِ الْمَذْكُورِ وَيَحْصُلُ التَّحْوِيلُ وَالتَّنْكِيسُ بِجَعْلِ الطَّرَفِ الْأَسْفَلِ الذي على شِقِّهِ الْأَيْسَرِ على عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ وَالطَّرَفِ الْأَسْفَلِ الذي على شِقِّهِ الْأَيْمَنِ على عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ
وَالْحِكْمَةُ فِيهِمَا التَّفَاؤُلُ بِتَغَيُّرِ الْحَالِ إلَى الْخَصْبِ وَالسَّعَةِ قال تَعَالَى إنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حتى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ فَيُغَيِّرُوا بَوَاطِنَهُمْ بِالتَّوْبَةِ وَظَوَاهِرَهُمْ بِمَا ذُكِرَ فَيُغَيِّرُ اللَّهُ ما بِهِمْ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَوَّلَ رِدَاءَهُ لِيَتَحَوَّلَ الْقَحْطُ وكان صلى اللَّهُ عليه وسلم يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عن أَنَسٍ بِلَفْظِ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ وفي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَأُحِبُّ الْفَأْلَ الصَّالِحَ ثُمَّ كُلٌّ من التَّحْوِيلِ وَالتَّنْكِيسِ على حِدَتِهِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِقَلْبِ الظَّاهِرِ إلَى الْبَاطِنِ وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَلَا يَحْصُلُ مع ذلك لَا كما وَقَعَ لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ فَاخْتَبِرْهُ تَجِدُهُ صَحِيحًا نَبَّهَ على ذلك الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ هذا في الرِّدَاءِ الْمُرَبَّعِ أَمَّا الْمُقَوَّرُ وفي نُسْخَةٍ الْمُدَوَّرُ وَالْمُثَلَّثِ فَلَيْسَ فيه إلَّا التَّحْوِيلُ بِالِاتِّفَاقِ قال الْقَمُولِيُّ لِأَنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ فيه التَّنْكِيس وَكَذَا الرِّدَاءُ الطَّوِيلُ وَمُرَادُهُ كَغَيْرِهِ أَنَّ ذلك مُتَعَسِّرٌ لَا مُتَعَذِّرٌ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ تَقْتَضِي تَغَايُرَ الْمُثَلَّثِ وما قَبْلَهُ وهو ظَاهِرُ وَلِهَذَا عَبَّرَ جَمَاعَةٌ بِأَوْ وَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ قال الْأَصْحَابُ إنْ كان مُدَوَّرًا وَيُقَالُ له الْمُقَوَّرُ وَالْمُثَلَّثُ لم يُسْتَحَبَّ التَّنْكِيسُ يَقْتَضِي اتِّحَادَهُمَا وَلَيْسَ مُرَادًا وَيَفْعَلُونَ جُلُوسًا بِأَرْدِيَتِهِمْ مثله أَيْ مِثْلُ ما فَعَلَ الْخَطِيبُ لِأَنَّ الْقِيَامَ لَا يَلِيقُ بِهِمْ هُنَا وَإِنَّمَا فَعَلَ ذلك تَفَاؤُلًا بِتَغَيُّرِ الْحَالِ إلَى ما تَقَدَّمَ وَلُمَّا مَرَّ في رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَقَوْلِ الْمُصَنِّفِ جُلُوسًا من زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عن بَعْضِ أَصْحَابِنَا قال وفي التَّتِمَّةِ إشَارَةٌ إلَيْهِ وَلَا يَنْزِعُهُ أَيْ رِدَاءَهُ كُلٌّ من الْخَطِيبِ وَغَيْرُهُ إلَّا مع الثِّيَابِ بَعْدَ وُصُولِهِ مَنْزِلَهُ لِأَنَّهُ لم يُنْقَلْ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم غَيَّرَ رِدَائَه بَعْدَ التَّحْوِيلِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيَتْرُكُونَهَا أَيْ الْأَرْدِيَةَ مُحَوَّلَةً إلَى أَنْ يَنْزِعُوا الثِّيَابَ وَعِبَارَةُ الْمَطْلَبِ وَيَدَعُونَ أَرْدِيَتَهُمْ مُحَوَّلَةً حتى يَرْجِعُوا إلَى مَنَازِلِهِمْ وَيُبَالِغُ وهو مُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ في الدُّعَاءِ سِرًّا وَجَهْرًا قال تَعَالَى اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً وَيُسِرُّونَ بِهِ إنْ أَسَرَّ وَيُؤَمِّنُونَ إنْ جَهَرَ وَمَشَى في شَرْحِ الْإِرْشَادِ على أَنَّهُ يُسِرُّ فَقَطْ في اسْتِقْبَالِهِ وَتَبِعَ فيه قَوْلَ الْأَذْرَعِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ أَنَّهُ الذي أَوْرَدَهُ الْجُمْهُورُ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَيَخْتَارُ أَنْ يَقْرَأَ عَقِبَ دُعَائِهِ قَوْله تَعَالَى قد أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَقَوْلُهُ فَاسْتَجَبْنَا له فَكَشَفْنَا ما بِهِ من ضُرٍّ وَقَوْلُهُ فَاسْتَجَبْنَا له وَنَجَّيْنَاهُ من الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ وما أَشْبَهَهَا من الْآيَاتِ تَفَاؤُلًا بِالْإِجَابَةِ وَيَرْفَعُونَ كلهم أَيْدِيَهُمْ في الدُّعَاء لِمَا مَرَّ في صِفَةِ الصَّلَاةِ قال الرُّويَانِيُّ وَيُكْرَهُ رَفْعُ الْيَدِ النَّجِسَةِ في الدُّعَاءِ قال وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يُكْرَهُ بِحَائِلٍ قال الْعُلَمَاءُ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُشِيرَ بِظَهْرِ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ في كل دُعَاءٍ لِرَفْعِ بَلَاءٍ وَبِبَطْنِهِمَا إنْ سَأَلَ شيئا أَيْ تَحْصِيلَهُ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________
(1/292)
اسْتَسْقَى وَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقِيسَ بِالِاسْتِسْقَاءِ ما في مَعْنَاهُ وَالْحِكْمَةُ أَنَّ الْقَصْدَ رَفْعُ الْبَلَاءِ بِخِلَافِ الْقَاصِدِ حُصُولَ شَيْءٍ فَيَجْعَلُ بَطْنَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ وَلْيَكُنْ من دُعَائِهِ عِبَارَةُ أَصْلِهِ وَلْيَكُنْ من دُعَائِهِمْ في هذه الْحَالَةِ اللَّهُمَّ أنت أَمَرْتنَا بِدُعَائِك إلَى آخِرِهِ أَيْ وَوَعَدْتنَا إجَابَتَك وقد دَعَوْنَاك كما أَمَرْتنَا فَأَجِبْنَا كما وَعَدْتنَا اللَّهُمَّ اُمْنُنْ عَلَيْنَا بِمَغْفِرَةِ ما قَارَفْنَاهُ وَإِجَابَتِك في سُقْيَانَا وَسَعَةِ رِزْقِنَا ثُمَّ بَعْدَ الدُّعَاءِ يُقْبِلُ على الناس بِوَجْهِهِ وَيَحُثُّهُمْ على الطَّاعَةِ وَيُصَلِّي على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيَقْرَأُ ما تَيَسَّرَ عِبَارَةُ أَصْلِهِ آيَةً وَآيَتَيْنِ وَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَيَخْتِمُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَيَقُولُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لي وَلَكُمْ وَإِنْ تَرَكَ الْإِمَامُ الِاسْتِسْقَاءَ لم يَتْرُكْهُ الناس مُحَافَظَةً على السُّنَّةِ لَكِنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ إلَى الصَّحْرَاءِ إذَا كان الْإِمَامُ أو نَائِبُهُ بِالْبَلَدِ حتى يَأْذَنَ لهم كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ نَبَّهَ عليه الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ خَطَبَ قبل الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وفي الصَّحِيحَيْنِ ما يَدُلُّ له لَكِنَّهُ في حَقِّنَا خِلَافُ الْأَفْضَلِ لِأَنَّ ما تَقَدَّمَ أَكْثَرُ رُوَاةً وَمُعْتَضَدٌ بِالْقِيَاسِ على خُطْبَةِ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَإِنْ تَضَرَّرُوا بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ بِتَثْلِيثِ الْكَافِ أو دَامَ الْغَيْمُ عليهم بِلَا مَطَرٍ وَانْقَطَعَتْ الشَّمْسُ عَنْهُمْ وَتَضَرَّرُوا بِهِ سَأَلُوا اللَّهَ تَعَالَى نَدْبًا رَفْعَهُ فَيَقُولُوا ما قَالَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا شُكِيَ إلَيْهِ ذلك اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا اللَّهُمَّ على الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلَا تُشْرَعُ لِهَذَا صَلَاةٌ لِعَدَمِ وُرُودِهَا له لَكِنْ تَقَدَّمَ في الْبَابِ السَّابِقِ أنها تُسَنُّ لِنَحْوِ الزَّلْزَلَةِ في بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا وَظَاهِرٌ أَنَّ هذا نَحْوُهَا فَيُحْمَلُ ذلك على أَنَّهُ لَا تُشْرَعُ الْهَيْئَةُ الْمَخْصُوصَةُ وَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَبْرُزَ لِأَوَّلِ مَطَرِ السَّنَةِ كَاشِفًا الْأَوْلَى قَوْلُ الرَّوْضَةِ وَيَكْشِفُ ما عَدَا عَوْرَتَهُ لِيُصِيبَهُ الْمَطَرُ رَوَى مُسْلِمٌ عن أَنَسٍ قال أَصَابَنَا مَطَرٌ وَنَحْنُ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَحَسِرَ ثَوْبَهُ حتى أَصَابَهُ الْمَطَرُ فَقُلْنَا يا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ صَنَعْت هذا قال لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ أَيْ بِتَكْوِينِهِ وَتَنْزِيلِهِ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ بِلَفْظٍ كان إذَا مَطَرَتْ السَّمَاءُ حَسِرَ ثَوْبَهُ عن ظَهْرِهِ حتى يُصِيبَهُ الْمَطَرُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عن فِعْلِ ذلك فقال أَوَمَا قَرَأْت وَنَزَّلْنَا من السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأُحِبُّ أَنْ يَنَالَنِي من بَرَكَتِهِ وَيُؤْخَذُ من ذلك أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين مَطَرِ أَوَّلِ السَّنَةِ وَغَيْرِهِ وهو ظَاهِرٌ لَكِنَّهُ في الْأَوَّلِ الذي اقْتَصَرُوا عليه آكَدُ ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ قال وَظَاهِرُ حَدِيثٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فَعَلَهُ عِنْدَ أَوَّلِ كل مَطَرٍ وَلَكِنَّهُ في الْأَوَّلِ آكَدُ وأن يَغْتَسِلَ في مَاءِ الْوَادِي إذَا سَالَ أو يَتَوَضَّأُ منه وَرَوَى الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان إذَا سَالَ السَّيْلُ قال أَخَّرَ جَوَابَنَا إلَى هذا الذي جَعَلَهُ اللَّهُ طَهُورًا فَنَتَطَهَّر منه وَنَحْمَدُ اللَّهَ عليه وهو صَادِقٌ بِالْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ كَالرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ بِأَوْ يُفِيدُ اسْتِحْبَابَ أَحَدِهِمَا بِالْمَنْطُوقِ وَكِلَيْهِمَا بِمَفْهُومِ الْأَوْلَى فَهُوَ أَفْضَلُ كما جَزَمَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ فقال يُسْتَحَبُّ أَنْ يُتَوَضَّأَ منه وَيُغْتَسَلَ فَإِنْ لم يَجْمَعْهُمَا فَلْيَتَوَضَّأْ قال في الْمُهِمَّاتِ وَالْمُتَّجَهُ الْجَمْعُ ثُمَّ الِاقْتِصَارُ على الْغُسْلِ ثُمَّ على الْوُضُوءِ قال وَهَلْ هُمَا عِبَادَتَانِ تُشْتَرَطُ فِيهِمَا النِّيَّةُ أو لَا فيه نَظَرٌ وَالْمُتَّجَهُ الثَّانِي إلَّا إنْ صَادَفَ وَقْتَ وُضُوءٍ أو غُسْلٍ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فيه هِيَ الْحِكْمَةُ في كَشْفِ الْبَدَنِ لِيَنَالَهُ أَوَّلُ مَطَرِ السَّنَةِ وَبَرَكَتُهُ وأن يُسَبِّحَ لِلرَّعْدِ وَالْبَرْقِ رَوَى مَالِكٌ في الْمُوَطَّإِ عن عبد اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كان إذَا سمع الرَّعْدَ تَرَكَ الحديث وقال سُبْحَانَ الذي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ من خِيفَتِهِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كنا مع عُمَرَ في سَفَرٍ فَأَصَابَنَا رَعْدٌ وَبَرْقٌ وَبَرْدٌ فقال لنا كَعْبٌ من قال حين يَسْمَعُ الرَّعْدَ سُبْحَانَ من يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ من خِيفَتِهِ ثَلَاثًا عُوفِيَ من ذلك فَقُلْنَاهُ فَعُوفِينَا وَقِيسَ بِالرَّعْدِ الْبَرْقُ وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَهُ سُبْحَانَ من يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَنَقَلَ الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ عن الثِّقَةِ عن مُجَاهِدٍ أَنَّ الرَّعْدَ مَلَكٌ وَالْبَرْقُ أَجْنِحَتُهُ يَسُوقُ بها السَّحَابَ قال الْإِسْنَوِيُّ فَيَكُونُ الْمَسْمُوعُ صَوْتَهُ أو صَوْتَ سُوقِهِ على اخْتِلَافٍ فيه وَأُطْلِقَ الرَّعْدُ عليه مَجَازًا وَرُوِيَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال بَعَثَ اللَّهُ السَّحَابَ فَنَطَقَتْ أَحْسَنَ النُّطْقِ وَضَحِكَتْ أَحْسَنَ الضَّحِكِ فَالرَّعْدُ نُطْقُهَا وَالْبَرْقُ ضَحِكُهَا وأن لَا يَتْبَعَهُ بَصَرَهُ رَوَى الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ عن عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ قال إذَا رَأَى أحدكم الْبَرْقَ أو الْوَدْقَ فَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ وَالْوَدْقُ بِالْمُهْمَلَةِ الْمَطَرُ وَفِيهِ زِيَادَةُ الْمَطَرِ وزاد الْمَاوَرْدِيُّ الرَّعْدُ فقال وكان السَّلَفُ الصَّالِحُ يَكْرَهُونَ الْإِشَارَةَ إلَى الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ وَيَقُولُونَ عِنْدَ ذلك لَا إلَهَ
____________________
(1/293)
إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ فَيَخْتَارُ الِاقْتِدَاءَ بِهِمْ في ذلك وَأَنْ يَقُولَ في حَالَةِ نُزُولِ الْمَطَرِ اللَّهُمَّ صَيِّبًا أَيْ مَطَرًا نَافِعًا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وفي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ سَيْبًا بِفَتْحِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ أَيْ عَطَاءً نَافِعًا مَرَّتَيْنِ أو ثَلَاثًا وَيُسْتَحَبُّ الْأَوْلَى ما في أَكْثَرِ نُسَخِ الرَّوْضَةِ فَيُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَيْ بين الرِّوَايَتَيْنِ وفي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَابْنِ حِبَّانَ صَيِّبًا هَنِيئًا فَيُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بين الثَّلَاثِ وَوَقَعَ في الْمَجْمُوعِ نِسْبَةُ هذه الرِّوَايَةِ إلَى الْبُخَارِيِّ وَلَيْسَتْ فيه وَيُكْرَهُ سَبُّ الرِّيحِ بَلْ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى خَيْرَهَا وَيَسْتَعِيذُ من شَرِّهَا كما وَرَدَ في خَبَرِ مُسْلِمٍ كما مَرَّ قُبَيْلَ الْبَابِ وفي خَبَرِ أبي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عن أبي هُرَيْرَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول الرِّيحُ من رَوْحِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ رَحْمَتِهِ أَيْ رَحْمَتِهِ لِعِبَادِهِ تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ فإذا رَأَيْتُمُوهَا فَلَا تَسُبُّوهَا وَاسْأَلُوا اللَّهَ خَيْرَهَا وَاسْتَعِيذُوا بِاَللَّهِ من شَرِّهَا وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْمَطَرِ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا بِفَتْحِ النُّونِ وَبِالْهَمْزِ أَيْ بِوَقْتِ النَّجْمِ الْفُلَانِيِّ على عَادَةِ الْعَرَبِ في إضَافَةِ الْأَمْطَارِ إلَى الْأَنْوَاءِ لِإِيهَامِهِ أَنَّ النَّوْءَ مُمْطِرٌ حَقِيقَةً بَلْ يقول مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّ النَّوْءَ مُمْطِرٌ حَقِيقَةً فَمُرْتَدٌّ رَوَى الشَّيْخَانِ عن زَيْدِ بن خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قال صلى بِنَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم صَلَاةَ الصُّبْحِ على أَثَرِ سَحَابٍ كانت من اللَّيْلِ فلما انْصَرَفَ أَقْبَلَ على الناس فقال أَتَدْرُونَ مَاذَا قال رَبُّكُمْ قالوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قال قد أَصْبَحَ من عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ فَأَمَّا من قال مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَمَنْ قال مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَفَادَ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالْبَاءِ أَنَّهُ لو قال مُطِرْنَا في نَوْءِ كَذَا لم يُكْرَهْ وهو ظَاهِرٌ وَيُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ في حَالِ الْمَطَرِ وَالشُّكْرُ لِلَّهِ تَعَالَى بَعْدَهُ رَوَى الشَّافِعِيُّ خَبَرَ اُطْلُبُوا اسْتِجَابَةَ الدُّعَاءِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الْجُيُوشِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَنُزُولِ الْغَيْثِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ خَبَرَ تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ في أَرْبَعَةِ مَوَاطِنَ الْتِقَاءُ الصُّفُوفِ وَعِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ وَعِنْدَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ وَعِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدَهُ من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ قد يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ عِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ وَيَشْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى عليه
كِتَابُ الْجَنَائِزِ بِفَتْحِ الْجِيمِ جَمْعُ جَنَازَةٍ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ اسْمٌ لِلْمَيِّتِ في النَّعْشِ وَقِيلَ بِالْفَتْحِ اسْمٌ لِذَلِكَ وَبِالْكَسْرِ اسْمٌ لِلنَّعْشِ وَعَلَيْهِ الْمَيِّتُ وَقِيلَ عَكْسُهُ وَقِيلَ هُمَا لُغَتَانِ فِيهِمَا فَإِنْ لم يَكُنْ عليه الْمَيِّتُ فَهُوَ سَرِيرٌ وَنَعْشٌ وَهِيَ من جَنَزَهُ يَجْنِزُهُ إذَا سَتَرَهُ ذَكَرَهُ ابن فَارِسٍ وَغَيْرُهُ وقال الْأَزْهَرِيُّ لَا يُسَمَّى جِنَازَةً حتى يُشَدَّ الْمَيِّتُ عليه مُكَفَّنًا يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ من ذِكْرِ الْمَوْتِ الْمُسْتَلْزِمِ ذلك لِاسْتِحْبَابِ ذِكْرِهِ الْمُصَرَّحِ بِهِ في الْأَصْلِ أَيْضًا لِأَنَّ ذلك أَزْجَرُ عن الْمَعْصِيَةِ وَأَدْعَى إلَى الطَّاعَةِ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِأَصْحَابِهِ اسْتَحْيُوا من اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ قالوا إنَّا نَسْتَحِيُ يا نَبِيَّ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ قال ليس كَذَلِكَ وَلَكِنْ من اسْتَحْيَا من اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ فَلْيَحْفَظْ الرَّأْسَ وما وَعَى وَلْيَحْفَظْ الْبَطْنَ وما حَوَى وَلْيَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا وَمَنْ فَعَلَ ذلك فَقَدْ اسْتَحْيَا من اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ وَرَوَى أَيْضًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ خَبَرَ أَكْثِرُوا من ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ يَعْنِي الْمَوْتَ زَادَ ابن حِبَّانَ فإنه ما ذَكَرَهُ أَحَدٌ في ضِيقٍ إلَّا وَسِعَهُ وَلَا ذَكَرَهُ في سَعَةٍ إلَّا ضَيَّقَهَا وَهَاذِمٌ بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ قَاطِعٌ وَأَمَّا بِالْمُهْمَلَةِ فَمَعْنَاهُ الْمُزِيلُ لِلشَّيْءِ من أَصْلِهِ ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ قال في الْمَجْمُوعِ
قال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ من ذِكْرِ حديث اسْتَحْيُوا من اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ وَتَقَدَّمَ تَعْرِيفُ الْمَوْتِ في بَابِ الْغُسْلِ وَالِاسْتِعْدَادُ له بِالتَّوْبَةِ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ إلَى أَهْلِهَا بِأَنْ يُبَادِرَ إلَيْهِمَا لِئَلَّا يَفْجَأَهُ الْمَوْتُ الْمُفَوِّتُ لَهُمَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ اسْتِحْبَابُهُمَا بَلْ صَرَّحَ بِهِ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ تَبَعًا لِلْقَمُولِيِّ وَالْمَعْرُوفُ وُجُوبُهُمَا وَكَلَامُ أَصْلِهِ مُحْتَمِلٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَصَرَّحَ كَأَصْلِهِ بِرَدِّ الْمَظَالِمِ مع دُخُولِهِ في التَّوْبَةِ لِعِظَمِ أَمْرِهِ ولئلا يَغْفُلَ عنه وَلَوْ عَبَّرَ بِالْخُرُوجِ منها كان أَوْلَى وما ذَكَرَ لِلْمَرِيضِ آكَدُ منه لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ إلَى الْمَوْتِ أَقْرَبُ ويستحب له أَنْ يَسْتَعِدَّ لِمَرَضِهِ بِالصَّبْرِ عليه قال تَعَالَى إنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ الْبَاءَ كان أَخْصَرَ وَأَوْلَى وَأَوْفَقَ بِقَوْلِ أَصْلِهِ وَيُسْتَحَبُّ له الصَّبْرُ على الْمَرَضِ أَيْ بِتَرْكِ الضَّجَرِ منه وَتَرْكِ الشَّكْوَى فيه لِأَنَّهَا رُبَّمَا تُشْعِرُ بِعَدَمِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ
____________________
(1/294)
وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وهو دَاخِلٌ في الصَّبْرِ وَلَوْ تَرَكَهُ وَذَكَرَ ما في الرَّوْضَةِ من كَرَاهَةِ كَثْرَةِ الشَّكْوَى كما ذَكَرَهَا في شَرْحِ الْإِرْشَادِ كان أَوْلَى وقد ذَكَرَهَا في الْمَجْمُوعِ وقال فَلَوْ سَأَلَهُ طَبِيبٌ أو قَرِيبٌ له أو صَدِيقٌ أو نَحْوُهُ عن حَالِهِ فَأَخْبَرَهُ بِالشِّدَّةِ التي هو فيها لَا على صُورَةِ الْجَزَعِ فَلَا بَأْسَ وترك الْأَنِينِ منه جَهْدُهُ لِمَا مَرَّ قال في الْمَجْمُوعِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَإِنْ صَرَّحَ بِكَرَاهَتِهِ جَمَاعَةٌ لِأَنَّهُ لم يَثْبُتْ فيه نَهْيٌ مَقْصُودٌ بَلْ في الْبُخَارِيِّ أَنَّ عَائِشَةَ قالت وَارَأْسَاهُ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَلْ أنا وَارَأْسَاهُ لَكِنَّ الِاشْتِغَالَ بِالتَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ أَوْلَى منه فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ وَيُسْتَحَبُّ له التَّدَاوِي لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ كَخَبَرِ الْبُخَارِيِّ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فإن اللَّهَ لم يُنْزِلْ دَاءً إلَّا أَنْزَلَ له شِفَاءً وَخَبَرِ أبي دَاوُد وَغَيْرِهِ أَنَّ الْأَعْرَابَ قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَدَاوَى فقال تَدَاوَوْا فإن اللَّهَ لم يَضَعْ دَاءً إلَّا وَضَعَ له دَوَاءً غير الْهَرَمِ قال في الْمَجْمُوعِ
فَإِنْ تَرَكَ التَّدَاوِي تَوَكُّلًا فَفَضِيلَةٌ وَيُفَارِقُ اسْتِحْبَابَهُ وُجُوبُ أَكْلِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ وَإِسَاغَةُ اللُّقْمَةِ بِالْخَمْرِ بِأَنَّا لَا نَقْطَعُ بِإِفَادَتِهِ بِخِلَافِ ذَيْنِك وَيُكْرَهُ أَنْ يُكْرَهَ الْمَرِيضُ عليه أَيْ على التَّدَاوِي أَيْ تَنَاوُلِهِ الدَّوَاءَ وَكَذَا غَيْرُهُ من الطَّعَامِ لِمَا فيه من التَّشْوِيشِ عليه قال في الْمَجْمُوعِ وَحَدِيثُ لَا تُكْرِهُوا مَرَضَاكُمْ على الطَّعَامِ فإن اللَّهَ يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ ضَعِيفٌ وَمِنْ ثَمَّ لم يُعَبَّرْ فيه بِكَرَاهَةٍ بَلْ بِاسْتِحْبَابِ تَرْكِهِ قال فيه وَيُسْتَحَبُّ له تَعَهُّدُ نَفْسِهِ بِتَقْلِيمِ الظُّفْرِ وَأَخْذِ شَعْرِ الشَّارِبِ وَالْإِبْطِ وَالْعَانَةِ وَيُسْتَحَبُّ له أَيْضًا الِاسْتِيَاكُ وَالِاغْتِسَالُ وَالتَّطَيُّبُ وَلُبْسُ الثِّيَابِ الطَّاهِرَةِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُكَلَّفِ عِيَادَةُ مَرِيضٍ مُسْلِمٍ وَكَذَا ذِمِّيٍّ قَرِيبٍ لِلْعَائِدِ أو جَارٍ له وَفَاءً بِصِلَةِ الرَّحِمِ وَحَقِّ الْجِوَارِ وَالْأَصْلُ في اسْتِحْبَابِهَا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عن الْبَرَاءِ بن عَازِبٍ قال أَمَرَنَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَخَبَرِ مُسْلِمٍ عن ثَوْبَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إنَّ الْمُسْلِمَ إذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ لم يَزَلْ في خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حتى يَرْجِعَ وَأَرَادَ بِالْمُخْرِقَةِ الْبُسْتَانَ يَعْنِي يَسْتَوْجِبُ الْجَنَّةَ وَمَخَارِقَهَا وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عن أَنَسٍ قال كان غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فقال له أَسْلِمْ فَنَظَرَ إلَى أبيه وهو عِنْدَهُ فقال له أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو يقول الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي أَنْقَذَهُ من النَّارِ
وتفعل الْعِيَادَةُ لِغَيْرِهِمَا أَيْ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ بِنَوْعَيْهِ جَوَازًا وفي عِبَارَتِهِ في هذا وما قَبْلَهُ قُصُورٌ سَلِمَ منه قَوْلُ أَصْلِهِ وَيُسْتَحَبُّ لِغَيْرِهِ عِيَادَتُهُ إنْ كان مُسْلِمًا فَإِنْ كان ذِمِّيًّا له قَرَابَةٌ أو جِوَارٌ أو نَحْوُهُمَا أَيْ كَرَجَاءِ إسْلَامٍ اُسْتُحِبَّتْ وَإِلَّا جَازَتْ قال في الْمَجْمُوعِ وَسَوَاءٌ الرَّمَدُ وَغَيْرُهُ وَسَوَاءٌ الصَّدِيقُ وَالْعَدُوُّ وَمَنْ يَعْرِفُهُ وَمَنْ لَا يَعْرِفُهُ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُعَاهِدَ وَالْمُسْتَأْمِنَ كَالذِّمِّيِّ قال وفي اسْتِحْبَابِ عِيَادَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ وَأَهْلِ الْفُجُورِ وَالْمُكُوسِ إذَا لم تَكُنْ قَرَابَةٌ وَلَا جِوَارٌ وَلَا رَجَاءُ تَوْبَةٍ نَظَرٌ فَإِنَّا مَأْمُورُونَ بِمُهَاجَرَتِهِمْ وَلْتَكُنْ الْعِيَادَةُ غَبًّا فَلَا يُوَاصِلُهَا كُلَّ يَوْمٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَغْلُوبًا وَمَحَلُّ ذلك في غَيْرِ الْقَرِيبِ وَالصَّدِيقِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّنْ يَتَأَنَّسُ بِهِ الْمَرِيضُ أو يَتَبَرَّكُ بِهِ أو يَشُقُّ عليه عَدَمُ رُؤْيَتِهِ كُلَّ يَوْمٍ أَمَّا هَؤُلَاءِ فَيُوَاصِلُونَهَا ما لم يُنْهَوْا أو يَعْلَمُوا كَرَاهَتَهُ لِذَلِكَ ذَكَرَ ذلك في الْمَجْمُوعِ وَتُسْتَحَبُّ عِيَادَتُهُ وَلَوْ في أَوَّلِ يَوْمٍ من مَرَضِهِ وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ إنَّمَا يُعَادُ بَعْدَ ثَلَاثٍ لِخَبَرٍ وَرَدَ فيه رُدَّ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ وَيَدْعُو له وَيَنْصَرِفُ وَيُسْتَحَبُّ في دُعَائِهِ أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَك سَبْعَ مَرَّاتٍ لِخَبَرِ من عَادَ مَرِيضًا لم يَحْضُرْ أَجَلُهُ فقال ذلك عِنْدَهُ عَافَاهُ اللَّهُ من ذلك الْمَرَضِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَيُخَفِّفُ الْمُكْثَ عِنْدَهُ بَلْ تُكْرَهُ إطَالَتُهُ لِمَا فيه من إضْجَارِهِ وَمَنْعِهِ من بَعْضِ تَصَرُّفَاتِهِ نعم إنْ فَهِمَ عنه الرَّغْبَةَ فيها فَلَا كَرَاهَةَ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَيُطَيِّبُ عَائِدُهُ نَفْسَهُ فَإِنْ خَافَ عليه الْمَوْتَ رَغْبَةً في التَّوْبَةِ وَالْوَصِيَّةِ مع ما تَقَدَّمَ من الدُّعَاءِ له وَتُكْرَهُ عِيَادَتُهُ إنْ شَقَّتْ عليه قال في الْمَجْمُوعِ وَيُسْتَحَبُّ لِأَهْلِهِ وَخَادِمِهِ الرِّفْقُ وَاحْتِمَالُهُ وَالصَّبْرُ عليه وَكَذَا من قَرُبَ مَوْتُهُ بِسَبَبِ حَدٍّ أو نَحْوِهِ وَيُسْتَحَبُّ لَلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يُوصِيَهُمْ بِذَلِكَ وَأَنْ يُحَسِّنَ الْمَرِيضُ خُلُقَهُ وَأَنْ يَجْتَنِبَ الْمُنَازَعَةَ في أُمُورِ الدُّنْيَا وَأَنْ يَسْتَرْضِيَ من له بِهِ عَلَقَةٌ كَزَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ وَغِلْمَانِهِ وَجِيرَانِهِ وَأَصْدِقَائِهِ وَأَنْ يَتَعَهَّدَ نَفْسَهُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَحِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ وَأَحْوَالِهِمْ عِنْدَ الْمَوْتِ وَأَنْ يُوصِيَ أَهْلَهُ بِالصَّبْرِ عليه وَبِتَرْكِ النَّوْحِ عليه وَإِكْثَارِ الْبُكَاءِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ من الْبِدَعِ في الْجَنَائِزِ وَيُسْتَحَبُّ
____________________
(1/295)
طَلَبُ الدُّعَاءِ منه وَوَعْظُهُ بَعْدَ عَافِيَتِهِ وَتَذْكِيرِهِ الْوَفَاءَ بِمَا عَاهَدَ اللَّهَ عليه من التَّوْبَةِ وَغَيْرِهَا من الْخَيْرِ وَيَنْبَغِي له هو الْمُحَافَظَةُ على ذلك قال تَعَالَى وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إنَّ الْعَهْدَ كان مَسْئُولًا فَصْلٌ وَآدَابُ الْمُحْتَضَرِ وهو من حَضَرَتْهُ أَمَارَاتُ الْمَوْتِ أَيْ من آدَابِهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةَ لِلْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ سَأَلَ عن الْبَرَاءِ بن مَعْرُورٍ فَقَالُوا تُوُفِّيَ في صَفَرٍ وَأَوْصَى بِثُلُثِهِ لَك وَبِأَنْ يُوَجَّهَ لِلْقِبْلَةِ إذَا اُحْتُضِرَ فقال أَصَابَ الْفِطْرَةَ وقد رَدَدْت ثُلُثَهُ على وَلَدِهِ ثُمَّ ذَهَبَ فَصَلَّى عليه وقال اللَّهُمَّ اغْفِرْ له وَارْحَمْهُ وَأَدْخِلْهُ جَنَّتَك وقد فَعَلْت رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مُضْطَجِعًا على جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ كَالْمَوْضُوعِ في اللَّحْدِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ كما في الْمَجْمُوعِ لِأَنَّ ذلك أَبْلَغُ في الِاسْتِقْبَالِ من إلْقَائِهِ على قَفَاهُ وَقُدِّمَ الْأَيْمَنُ لِشَرَفِهِ وَلِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان إذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ نَامَ على شِقِّهِ الْأَيْمَنِ وَرَوَى أَحْمَدُ وأبو دَاوُد أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم اسْتَقْبَلَتْ عِنْدَ مَوْتِهَا الْقِبْلَةَ ثُمَّ تَوَسَّدَتْ يَمِينَهَا فَإِنْ لم يَتَّفِقْ عِبَارَةُ أَصْلِهِ فَإِنْ لم يُمْكِنْ وَضْعُهُ على جَنْبِهِ لِضِيقِ الْمَكَانِ أو لِغَيْرِهِ أُلْقِيَ على قَفَاهُ وَوَجْهِهِ وَأَخْمَصَاهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ أَشْهَرُ من كَسْرِهَا وَضَمِّهَا إلَى الْقِبْلَةِ بِأَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ قَلِيلًا لِأَنَّ ذلك هو الْمُمْكِنُ
وَالْأَخْمَصَانِ هُمَا أَسْفَلُ الرِّجْلَيْنِ وَحَقِيقَتُهُمَا الْمُنْخَفِضُ من أَسْفَلِهِمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ في دَقَائِقِهِ وأن يُلَقِّنَهُ الشَّهَادَةَ غَيْرُ الْوَارِثِ لِئَلَّا يَتَّهِمَهُ بِاسْتِعْجَالِ الْإِرْثِ ثُمَّ إنْ لم يَحْضُرْهُ غَيْرُهُ لَقَّنَهُ أَشْفَقُ الْوَرَثَةِ وفي الْمَجْمُوعِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ وَلَا يُلَقِّنْهُ من يَتَّهِمُهُ مُطْلَقًا لِيَعُمَّ الْوَارِثَ وَالْعَدُوَّ وَالْحَاسِدَ وَنَحْوَهُمْ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو حَسَنٌ إنْ كان ثَمَّ غَيْرُهُ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُلَقِّنُهُ وَإِنْ اتَّهَمَهُ وَدَلِيلُ التَّلْقِينِ خَبَرُ مُسْلِمٍ لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قال في الْمَجْمُوعِ أَيْ من قَرُبَ مَوْتُهُ وهو من بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ ما يَصِيرُ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ إنِّي أَرَانِي أَعْصِرَ خَمْرًا وَرَوَى أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من كان آخِرَ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دخل الْجَنَّةَ فَيَذْكُرُ عِنْدَهُ الشَّهَادَةَ وَهِيَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ بِأَنْ يَذْكُرَهَا بين يَدَيْهِ لِيَتَذَكَّرَ أو يَقُولَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى مُبَارَكٌ فَنَذْكُرَ اللَّهَ جميعا سُبْحَانَ اللَّهَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ بِلَا زِيَادَةٍ عليها فَلَا تُسَنُّ زِيَادَةُ مُحَمَّدٍ رسول اللَّهِ لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ وَقِيلَ تُسَنُّ زِيَادَتُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ التَّوْحِيدُ وَرُدَّ بِأَنَّ هذا مُوَحِّدٌ وَيُؤْخَذُ منه ما بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ لو كان كَافِرًا لُقِّنَ الشَّهَادَتَيْنِ وَأُمِرَ بِهِمَا لِخَبَرِ الْيَهُودِيِّ السَّابِقِ
وأن يَذْكُرَهَا أَيْ الشَّهَادَةَ من عِنْدَهُ أَيْضًا وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وأن لَا يَأْمُرَهُ بها بَلْ يَذْكُرَهَا على الْوَجْهِ الذي قَدَّمْته وأن لَا يُلِحَّ عليه فيها لِئَلَّا يَضْجَرَ فَإِنْ قَالَهَا لم تُعَدْ عليه حتى يَتَكَلَّمَ بِغَيْرِهَا من كَلَامِ الدُّنْيَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ كَلَامِهِمْ وَلِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ لِيَكُونَ آخِرَ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قال في الْمَجْمُوعِ قال الْجُمْهُورُ لَا يُزَادُ على مَرَّةٍ وقال جَمَاعَةٌ منهم سُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ يُكَرِّرُهَا عليه ثَلَاثًا وَلَا يُزَادُ عليها وَالتَّلْقِينُ مُقَدَّمٌ على الِاسْتِقْبَالِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قال الْإِسْنَوِيُّ وهو مُتَّجِهٌ لِأَنَّهُ أَهَمُّ وقال ابن الْفِرْكَاحِ إنْ أَمْكَنَ جَمْعُهُمَا فُعِلَا مَعًا وَالْإِقْدَامُ التَّلْقِينُ لِأَنَّ النَّقْلَ فيه أَثْبَتُ وَكَلَامُهُمْ يَشْمَلُ غير الْمُكَلَّفِ فَيُسْتَحَبُّ تَلْقِينُهُ وهو قَرِيبٌ في الْمُمَيِّزِ لَكِنَّ قِيَاسَ ما يَأْتِي في تَلْقِينِهِ بَعْدَ دَفْنِهِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا
وَفَرَّقَ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ التَّلْقِينَ هُنَا لِلْمَصْلَحَةِ وَثُمَّ لِئَلَّا يُفْتَنَ الْمَيِّتُ في قَبْرِهِ وَهَذَا لَا يُفْتَنُ وأن يَقْرَأَ عِنْدَهُ يس لِخَبَرِ اقْرَءُوا على مَوْتَاكُمْ يس رَوَاهُ أبو دَاوُد وابن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وقال الْمُرَاد بِهِ من حَضَرَهُ الْمَوْتُ يَعْنِي مُقَدَّمَاتِهِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُقْرَأُ عليه وَالْحِكْمَةُ في قِرَاءَتِهَا أَنَّ أَحْوَالَ الْقِيَامَةِ وَالْبَعْثِ مَذْكُورَةٌ فيها فإذا قُرِئَتْ عِنْدَهُ تَجَدَّدَ له ذِكْرُ تِلْكَ الْأَحْوَالِ وَأَخَذَ ابن الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِبَعْضِهِمْ بِظَاهِرِ الْخَبَرِ فَصَحِيحٌ أنها إنَّمَا تُقْرَأُ بَعْدَ مَوْتِهِ قِيلَ ويقرأ عِنْدَهُ الرَّعْدُ لِقَوْلِ جَابِرٍ فَإِنَّهَا تُهَوِّنُ عليه خُرُوجَ رُوحِهِ قال الْجَبَلِيُّ وَيُسْتَحَبُّ تَجْرِيعُهُ مَاءً فإن الْعَطَشَ يَغْلِبُ من شِدَّةِ النَّزْعِ فَيُخَافُ منه إزْلَالُ الشَّيْطَانِ إذْ وَرَدَ أَنَّهُ يَأْتِي بِمَاءٍ زُلَالٍ وَيَقُولُ قُلْ لَا إلَهَ غَيْرِي حتى أَسْقِيَك نَقَلَهُ عِنْدَ الْإِسْنَوِيِّ وَأَقَرَّهُ وَالْأَذْرَعِيُّ وقال إنَّهُ غَرِيبٌ حُكْمًا وَدَلِيلًا وَلْيُحْسِنْ نَدْبًا ظَنَّهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِخَبَرِ مُسْلِمٍ لَا يَمُوتَنَّ أحدكم إلَّا وهو يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَيْ يَظُنُّ أَنَّهُ يَرْحَمُهُ وَيَعْفُو عنه وَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ قال اللَّهُ تَعَالَى أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَيُحَسِّنُهُ له الْحَاضِرُونَ وَيُطَمِّعُوهُ في رَحْمَتِهِ
____________________
(1/296)
تَعَالَى لِيُحْسِنَ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ
أَمَّا الصَّحِيحُ فَقِيلَ الْأَوْلَى له تَغْلِيبُ خَوْفِهِ على رَجَائِهِ وَالْأَظْهَرُ في الْمَجْمُوعِ اسْتِوَاؤُهُمَا إذْ الْغَالِبُ في الْقُرْآنِ ذِكْرُ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ مَعًا كَقَوْلِهِ يوم تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ إنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ فَأَمَّا من أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ وَأَمَّا من أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ وفي الْإِحْيَاءِ إنْ غَلَبَ عليه دَاءُ الْقُنُوطِ فَالرَّجَاءُ أَوْلَى أو دَاءُ أَمْنِ الْمَكْرِ فَالْخَوْفُ أَوْلَى فَإِنْ مَاتَ فَلْيُغْمِضْ أَرْفَقُ مَحَارِمِهِ عَيْنَيْهِ لِئَلَّا يَقْبَحَ مَنْظَرُهُ وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم دخل على أبي سَلَمَةَ وقد شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ ثُمَّ قال إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ فَضَجَّ نَاسٌ من أَهْلِهِ فقال لَا تَدْعُوا على أَنْفُسِكُمْ إلَّا بِخَيْرٍ فإن الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ على ما تَقُولُونَ ثُمَّ قال اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ في الْمُهْدِيَيْنِ وَاخْلُفْهُ في عَقِبِهِ في الْغَابِرِينَ وَاغْفِرْ لنا وَلَهُ يا رَبَّ الْعَالَمِينَ وَأَفْسِحْ له في قَبْرِهِ وَنَوِّرْ له فيه وَقَوْلُهُ تَبِعَهُ الْبَصَرُ أَيْ ذَهَبَ أو شَخَصَ نَاظِرًا إلَى الرُّوحِ أَيْنَ تَذْهَبُ وَعَلَى الثَّانِي اقْتَصَرَ النَّوَوِيُّ وَقُبِضَ أُخْرِجَ من الْجَسَدِ وَشَقَّ بَصَرُهُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَضَمِّ الرَّاءِ شَخَصَ
وَالرُّوحُ جِسْمٌ لَطِيفٌ وهو بَاقٍ لَا يَفْنَى عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وقَوْله تَعَالَى اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حين مَوْتِهَا تَقْدِيرُهُ عِنْدَ مَوْتِ أَجْسَادِهَا قال في الْمَجْمُوعِ ولم أَرَ لِأَصْحَابِنَا كَلَامًا فِيمَا يُقَالُ حَالَ إغْمَاضِهِ وَيُسْتَحْسَنُ ما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عن بَكْرِ بن عبد اللَّهِ الْمُزَنِيّ التَّابِعِيِّ الْجَلِيلِ قال إذَا أَغْمَضْت الْمَيِّتَ فَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رسول اللَّهِ وإذا حَمَلْته فَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ ثُمَّ تُسَبِّحُ ما دُمْت تَحْمِلُهُ وَيَشُدُّ لَحْيَيْهِ بِعِصَابَةٍ عَرِيضَةٍ يَرْبِطُهَا فَوْقَ رَأْسِهِ حِفْظًا لِفَمِهِ عن الْهَوَامِّ وَقُبْحِ مَنْظَرِهِ وَيُلَيِّنُ مَفَاصِلَهُ بِالْمَدِّ وَالرَّدِّ فَيَرُدُّ سَاعِدَهُ إلَى عَضُدِهِ وَسَاقِهِ إلَى فَخِذِهِ وَفَخِذَهُ إلَى بَطْنِهِ ثُمَّ يَمُدُّهَا ويلين أَصَابِعَهُ تَسْهِيلًا لِغُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ فإن في الْبَدَنِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الرُّوحِ بَقِيَّةَ حَرَارَةٍ فإذا لُيِّنَتْ الْمَفَاصِلُ حِينَئِذٍ لَانَتْ وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ تَلْيِينُهَا بَعْدُ وَيَنْزِعُ عنه ثِيَابَهُ الْمَخِيطَةَ التي مَاتَ فيها بِحَيْثُ لَا يُرَى شَيْءٌ من بَدَنِهِ لِئَلَّا يَسْرُعَ فَسَادُهُ وَيَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ خَفِيفٍ لَا أَكْثَرَ لِذَلِكَ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم سُجِّيَ حين مَاتَ بِثَوْبٍ حِبَرَةٍ هو بِالْإِضَافَةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ نَوْعٌ من ثِيَابِ الْقُطْنِ تُنْسَجُ بِالْيَمَنِ وَسُجِّيَ غُطِّيَ وَيَجْعَلُ طَرَفَيْهِ تَحْتَ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ بِأَنْ يَجْعَلَ أَحَدَهُمَا تَحْتَ رَأْسِهِ وَالْآخَرَ تَحْتَ رِجْلَيْهِ لِئَلَّا يَنْكَشِفَ وَسَتْرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ مَحَلُّهُ في غَيْرِ الْمَحْرَمِ كما يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي وَيَضَعُ على بَطْنِهِ شيئا ثَقِيلًا كَسَيْفٍ وَمِرْآةٍ وَنَحْوِهِمَا من أَنْوَاعِ الْحَدِيدِ ثُمَّ طِينٌ رَطْبٌ ثُمَّ ما تَيَسَّرَ لِئَلَّا يَنْتَفِخَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ أَنَسًا أَمَرَ بِوَضْعِ حَدِيدَةٍ على بَطْنِ مَوْلًى له مَاتَ وَقَدَّرَ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ ذلك بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا قال الْأَذْرَعِيُّ وَكَأَنَّهُ أَقَلُّ ما يُوضَعُ وَإِلَّا فَالسَّيْفُ يَزِيدُ على ذلك وَالظَّاهِرُ أَنَّ السَّيْفَ وَنَحْوَهُ يُوضَعُ بِطُولِ الْمَيِّتِ وَأَنَّ الْمَوْضُوعَ يَكُونُ فَوْقَ الثَّوْبِ كما جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَيُصَانُ الْمُصْحَفُ عنه نَدْبًا احْتِرَامًا له قال الْإِسْنَوِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِهِ كُتُبُ الحديث وَالْعِلْمِ الْمُحْتَرَمِ وَيَرْفَعُهُ على سَرِيرٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا هو مُرْتَفِعٌ فَلَا يُجْعَلُ على الْأَرْضِ لِئَلَّا يَتَغَيَّرَ بِنَدَوَاتِهَا وَلَا على فِرَاشٍ لِئَلَّا يُحْمَى فَيَتَغَيَّرَ قال في الْكِفَايَةِ فَإِنْ كانت الْأَرْضُ صُلْبَةً جَازَ جَعْلُهُ عليها يَعْنِي من غَيْر ارْتِكَابِ خِلَافِ الْأَوْلَى
وَيَسْتَقْبِلُ بِهِ الْقِبْلَةَ كَالْمُحْتَضَرِ قال الْأَذْرَعِيُّ قد يُفْهَمُ منه أَنَّهُ يَكُونُ على جَنْبِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا إلْقَاؤُهُ على قَفَاهُ وَوَجْهِهِ وَأَخْمَصَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَيُومِئُ إلَيْهِ قَوْلُهُمْ وَيُوضَعُ على بَطْنِهِ شَيْءٌ ثَقِيلٌ وَالرِّجَالُ بِالرِّجَالِ أَوْلَى بِمَا ذَكَرَ وَكَذَا النِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَيَتَوَلَّاهُ الرِّجَالُ من الرِّجَالِ وَالنِّسَاءُ من النِّسَاءِ فَإِنْ تَوَلَّاهُ الرِّجَالُ من نِسَاءِ الْمَحَارِمِ أو النِّسَاءُ من رِجَالِ الْمَحَارِمِ جَازَ قال الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى ذلك الْأَجْنَبِيُّ من الْأَجْنَبِيَّةِ وَلَا بِالْعَكْسِ وَلَا يَبْعُدُ جَوَازُهُ لَهُمَا مع الْغَضِّ وَعَدَمِ الْمَسِّ انْتَهَى وَيُومِئُ إلَيْهِ زِيَادَةُ الْمُصَنِّفِ لَفْظَةَ أَوْلَى وَكَالْمَحْرَمِ فِيمَا ذَكَرَ الزَّوْجَانِ بَلْ أَوْلَى وَيُبَادَرُ بِفَتْحِ الدَّالِ نَدْبًا بِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَإِنْفَاذِ وَصِيَّتِهِ إنْ تَيَسَّرَ حَالًّا تَعْجِيلًا لِلْخَيْرِ وَلِخَبَرِ نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حتى يُقْضَى عنه رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ قال في الْمَجْمُوعِ
وَالْمُرَادُ بِالنَّفْسِ هُنَا الرُّوحُ وَمُعَلَّقَةٌ مَحْبُوسَةٌ عن مَقَامِهَا الْكَرِيمِ فَإِنْ لم يَتَيَسَّرْ حَالًّا سَأَلَ وَلِيُّهُ غُرَمَاءَهُ أَنْ يُحَلِّلُوهُ وَيَحْتَالُوا بِهِ عليه نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَاسْتَشْكَلَ في الْمَجْمُوعِ الْبَرَاءَةَ بِذَلِكَ ثُمَّ قال وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ رَأَوْا ذلك مِيرَاثًا لِلْمَيِّتِ لِلْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُبَادَرَةَ تَجِبُ عِنْدَ طَلَبِ ذِي الْحَقِّ
____________________
(1/297)
حَقَّهُ مع التَّمَكُّنِ من التَّرِكَةِ وَيُكْرَهُ تَمَّنِي الْمَوْتِ لِضُرٍّ في بَدَنِهِ أو ضِيقٍ في دُنْيَاهُ فَإِنْ كان مُتَمَنَّيَا قال اللَّهُمَّ أَمِتْنِي إنْ كان الْمَمَاتُ خَيْرًا لي وَذَلِكَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لَا يَتَمَنَّيَنَّ أحدكم الْمَوْتَ لِضُرٍّ أَصَابَهُ فَإِنْ كان لَا بُدَّ فَاعِلًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي ما كانت الْحَيَاةُ خَيْرًا لي وَتَوَفَّنِي إذَا كانت الْوَفَاةُ خَيْرًا لي وَصَرَّحَ في الرَّوْضَةِ بِالشِّقِّ الْأَوَّلِ أَيْضًا وَلَا يُكْرَهُ تَمَنِّيه لِمَنْ خَشِيَ فِتْنَةً في دِينِهِ لِمَفْهُومِ الْخَبَرِ السَّابِقِ بَلْ قال الْأَذْرَعِيُّ إنَّ النَّوَوِيَّ أَفْتَى بِاسْتِحْبَابِهِ له قال في الْمَجْمُوعِ وَيُسْتَحَبُّ طَلَبُ الْمَوْتِ بِبَلَدٍ شَرِيفٍ وَحَذَفَ الْمُصَنِّف تَقْيِيدَ الرَّوْضَةِ كَرَاهَةَ تَمَنِّي الْمَوْتِ بِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ ليس بِقَيْدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ إنَّمَا وَرَدَتْ مُقَيَّدَةً بِذَلِكَ لَا يُقَالُ الْكَرَاهَةُ بِلَا ضَرَرٍ وَمَفْهُومَةٌ بِالْأَوْلَى لِأَنَّا نَمْنَعُ ذلك لِأَنَّ التَّمَنِّي مع الضُّرِّ يُشْعِرُ بِعَدَمِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِهِ بِدُونِهِ
وَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَذْكُرَ الْمَيِّتَ بِخَيْرٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عن أُمِّ سَلَمَةَ قالت قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا حَضَرْتُمْ الْمَرِيضَ أو الْمَيِّتَ وفي رِوَايَةِ أبي دَاوُد وَغَيْرِهِ الْمَيِّتُ بِلَا شَكٍّ فَقُولُوا خَيْرًا فإن الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ قالت فلما مَاتَ أبو سَلَمَةَ أَتَيْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقُلْت يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سَلَمَةَ قد مَاتَ قال قُولِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وَلَهُ وَاعْقُبْنِي منه عُقْبَى حَسَنَةً فَقُلْت فَأَعْقَبَنِي اللَّهُ من هو لي خَيْرٌ منه مُحَمَّدٌ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبَيْنَ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالَهُ وَقَوْلِ الرَّوْضَةِ وَيُسْتَحَبُّ لِلنَّاسِ أَنْ يَقُولُوا عِنْدَ الْمَيِّتِ خَيْرًا عُمُومٌ من وَجْهٍ وَيُكْرَهُ نَفْيُ الْجَاهِلِيَّةِ لِلنَّهْيِ عنه رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ وهو النِّدَاءُ بِمَوْتِ الشَّخْصِ وَذِكْرِ مَآثِرِهِ وَمَفَاخِرِهِ قال الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَتُكْرَهُ مَرْثِيَّةُ الْمَيِّتِ وَهِيَ عَدُّ مَحَاسِنِهِ لِلنَّهْيِ عن الْمَرَاثِي
ا ه
وَالْوَجْهُ حَمْلُ تَفْسِيرِهَا بِذَلِكَ على غَيْرِ صِيغَةِ النَّدْبِ الْآتِي بَيَانُهَا وَإِلَّا فَيَلْزَمُ اتِّحَادُهَا معه وقد أَطْلَقَهَا الْجَوْهَرِيُّ على عَدِّ مَحَاسِنِهِ مع الْبُكَاءِ وَعَلَى نَظْمِ الشَّعْرِ فيه فَيُكْرَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِعُمُومِ النَّهْيِ عن ذلك وَالْأَوْجَهُ حَمْلُ النَّهْيِ عن ذلك على ما يَظْهَرُ فيه تَبَرُّمٌ أو على فِعْلِهِ مع الِاجْتِمَاعِ له أو على الْإِكْثَارِ منه أو على ما يُجَدِّدُ الْحُزْنَ دُونَ ما عَدَا ذلك فما زَالَ كَثِيرٌ من الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ من الْعُلَمَاءِ يَفْعَلُونَهُ وقد قالت فَاطِمَةُ بِنْتُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فيه مَاذَا على من شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدَ أَنْ لَا يَشُمَّ مَدَى الزَّمَانِ غَوَالِيَا صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبٌ لو أنها صُبَّتْ على الْأَيَّامِ عُدْنَ لَيَالِيَا وَلَا بَأْسَ بِالْإِعْلَامِ بِمَوْتِهِ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا كَذَا في الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ وَصَحَّحَ في الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إذَا قُصِدَ الْإِعْلَامُ لِكَثْرَةِ الْمُصَلَّيْنَ لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَعَى لِأَصْحَابِهِ النَّجَاشِيَّ في الْيَوْمِ الذي مَاتَ فيه وَأَنَّهُ نَعَى جَعْفَرَ بن أبي طَالِبٍ وَزَيْدَ بن حَارِثَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بن رَوَاحَةَ وَلِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال في إنْسَانٍ كان يَقُمُّ الْمَسْجِدَ أَيْ يَكْنِسُهُ فَمَاتَ فَدُفِنَ لَيْلًا أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ وفي رِوَايَةٍ ما مَنَعَكُمْ أَنْ تُعْلِمُونِي قالوا كان اللَّيْلُ وَالظُّلْمَةُ فَكَرِهْنَا أَنْ نَشُقَّ عَلَيْك فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عليه وَلِأَصْدِقَائِهِ وَأَقَارِبِهِ الْمَفْهُومِينَ بِالْأَوْلَى تَقْبِيلُ وَجْهِهِ رَوَى أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَبَّلَ عُثْمَانَ بن مَظْعُونٍ بَعْدَ مَوْتِهِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي اللَّهُ عنه قَبَّلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْدَ مَوْتِهِ بَلْ قال الرُّويَانِيُّ إنَّ ذلك مُسْتَحَبٌّ لهم وَبَحَثَهُ السُّبْكِيُّ فقال يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذلك لهم مُسْتَحَبًّا وَلِغَيْرِهِمْ جَائِزًا وهو حَسَنٌ مع أَنَّ الْأَخْذَ بِظَاهِرِ كَلَامِهِمْ يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِ التَّقْبِيلِ لِغَيْرِ هَؤُلَاءِ وَبِهِ يُشْعِرُ كَلَامُ الْمُزَنِيّ وهو بَعِيدٌ وَسَيَأْتِي في النِّكَاحِ وَالسِّيَرِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ وَجْهِ الْمَيِّتِ الصَّالِحِ فَيَحْتَمِلُ تَقْيِيدَ ما هُنَا بِالصَّالِحِ وَيَحْتَمِلُ إطْلَاقَهُ وَتَخْصِيصَ الصَّالِحِ بِغَيْرِ الْقَرِيبِ وَالصَّدِيقِ بَابُ بَيَانِ غُسْلُ الْمَيِّتِ وما معه مِمَّا يَأْتِي غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عليه وَحَمْلُهُ وَدَفْنُهُ أَيْ كُلٌّ منها فَرْضُ كِفَايَةٍ لِلْإِجْمَاعِ على ما حَكَاهُ الْأَصْلُ وَالْأَمْرُ بِهِ في الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ في غَيْرِ الدَّفْنِ وَقَاتِلُ نَفْسِهِ كَغَيْرِهِ سَوَاءٌ في ذلك الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ إلَّا في الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ فَمَحَلُّهُمَا في الْمُسْلِمِ غَيْرِ الشَّهِيدِ كما يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي وَهَلْ الْمُخَاطَبُ بِذَلِكَ أَقَارِبُ الْمَيِّتِ ثُمَّ عِنْدَ عَجْزِهِمْ أو غِيبَتِهِمْ الْأَجَانِبُ أو الْكُلُّ مُخَاطَبُونَ بِلَا تَرْتِيبٍ فيه وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْجِيلِيُّ وهو غَرِيبٌ وَالْمَشْهُورُ عُمُومُ الْخِطَابِ لِكُلِّ من عُلِمَ بِمَوْتِهِ فَيُبَادَرُ بِهِ نَدْبًا إكْرَامًا له وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فإن تَكُ
____________________
(1/298)
صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ وَإِنْ تَكُ سِوَى ذلك فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عن رِقَابِكُمْ وَرَوَى أبو دَاوُد أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا عَادَ طَلْحَةُ بن الْبَرَاءِ وَانْصَرَفَ قال ما أَرَى طَلْحَةَ إلَّا قد حَدَثَ فيه الْمَوْتُ فإذا مَاتَ فَآذَنُونِي بِهِ حتى أُصَلِّيَ عليه وَعَجِّلُوا بِهِ فإنه لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بين ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ وَالصَّارِفُ عن الْوُجُوبِ الِاحْتِيَاطُ لِلرُّوحِ الشَّرِيفَةِ لِاحْتِمَالِ الْإِغْمَاءِ أو نَحْوِهِ وقد مَاتَ صلى اللَّهُ عليه وسلم يوم الِاثْنَيْنِ ضَحْوَةً وَدُفِنَ في جَوْفِ اللَّيْلِ من لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ إنْ تَحَقَّقَ مَوْتُهُ وَأَمَارَتُهُ أَيْ منها اسْتِرْخَاءُ قَدَمٍ وَامْتِدَادُ جِلْدَةِ وَجْهٍ وَمَيْلُ أَنْفٍ وَانْخِلَاعُ كَفٍّ وَانْخِفَاضُ صُدْغٍ وَتَقَلُّصُ خُصْيَةٍ مع تَدَلِّي جِلْدَتِهَا وَيُتْرَكُ وُجُوبًا إنْ شَكَّ في مَوْتِهِ حتى يَتَيَقَّنَ بِتَغَيُّرٍ وَنَحْوِهِ فَصْلٌ وَأَقَلُّ الْغُسْلِ اسْتِيعَابُ الْبَدَنِ بِالْمَاءِ مَرَّةً بَعْدَ إزَالَةِ النَّجَسِ عنه إنْ كان فَلَا تَكْفِي لَهُمَا غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهَذَا مَبْنِيٌّ على ما صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ في الْحَيِّ من أَنَّ الْغَسْلَةَ لَا تَكْفِي عن الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ ثُمَّ أنها تَكْفِيهِ وَكَأَنَّهُ تَرَكَ الِاسْتِدْرَاكَ هُنَا لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا هُنَاكَ فَيَتَّحِدُ الْحُكْمَانِ وَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ يَلُوحُ بِهِ حَيْثُ قال بَعْدَ ذِكْرِهِ اشْتِرَاطَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَوَّلًا وقد مَرَّ بَيَانُهُ في غُسْلِ الْجَنَابَةِ بَلْ قد يُقَالُ إنَّ ما هُنَا أَوْلَى بِالِاكْتِفَاءِ لِأَنَّ الْقَصْدَ منه مُجَرَّدُ النَّظَافَةِ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ حَذْفُ الِاشْتِرَاطِ كما فَعَلَ في الْإِرْشَادِ وما فَرَّقَ بِهِ بَعْضُهُمْ من أَنَّ ما هُنَا مَحْمُولٌ على نَجَاسَةٍ تَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْعُضْوِ وَمِنْ أَنَّ ما هُنَاكَ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِهِ فَجَازَ إسْقَاطُهُ وما هُنَا بِغَيْرِهِ فَامْتَنَعَ إسْقَاطُهُ لَا يُجْدِي لِخُرُوجِ الْأَوَّلِ عن صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ وَالثَّانِي عن الْمُدْرَكِ وهو أَنَّ الْمَاءَ ما دَامَ على الْمَحَلِّ لَا يُحْكَمُ بِاسْتِعْمَالِهِ كما مَرَّ بَيَانُهُ فَيَكْفِي غُسْلُهُ لِذَلِكَ مَرَّةً
وَإِنْ كان جُنُبًا أو حَائِضًا كما سَيَأْتِي لِأَنَّ الطَّهَارَاتِ تَتَدَاخَلُ وَلَوْ بِلَا نِيَّةٍ لِأَنَّ الْقَصْدَ من غُسْلِهِ النَّظَافَةُ وَهِيَ لَا تَتَوَقَّفُ على نِيَّةٍ وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تُشْتَرَطُ في سَائِرِ الْأَغْسَالِ على الْمُغْتَسِلِ لَا الْغَاسِلِ وَالْمَيِّتُ ليس من أَهْلِهَا ولو كان الْغُسْلُ من كَافِرٍ بِنَاءً على الْأَصَحِّ من عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ وَيُغَسَّلُ الْغَرِيقُ فَلَا يَكْفِي غَرَقُهُ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ فَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنَّا إلَّا بِفِعْلِنَا حتى لو شَاهَدْنَا الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُهُ لم يَسْقُطْ عَنَّا بِخِلَافِ نَظِيرِهِ من الْكَفَنِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ منه السِّتْرُ وقد حَصَلَ وَمِنْ الْغُسْلِ التَّعَبُّدُ بِفِعْلِنَا له وَلِهَذَا يُنْبَشُ لِلْغُسْلِ لَا لِلتَّكْفِينِ وَأَكْمَلُهُ أَنْ يُقَمَّصَ أَيْ يُجْعَلَ عِنْدَ إرَادَةِ غُسْلِهِ في قَمِيصٍ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ له وقد غُسِّلَ صلى اللَّهُ عليه وسلم في قَمِيصٍ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بَالٍ أَيْ خَلْقٍ قال في الْأَصْلِ أو سَخِيفٍ أَيْ حتى لَا يَمْنَعَ وُصُولَ الْمَاءِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْقَوِيَّ يَحْبِسُ الْمَاءَ قال السُّبْكِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُغَطِّيَ وَجْهَهُ بِخِرْقَةٍ من أَوَّلِ ما يَضَعُهُ على الْمُغْتَسَلِ ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ عن الشَّافِعِيِّ وَيُغَسَّلُ في خَلْوَةٍ كما في الْحَيَاةِ وَلِأَنَّهُ قد يَكُونُ بِبَدَنِهِ ما يُخْفِيهِ وَلِلْوَلِيِّ الدُّخُولُ إلَى الْمُغْتَسَلِ وَإِنْ لم يُغَسِّلْ ولم يُعِنْ لِحِرْصِهِ على مَصْلَحَتِهِ وقد تَوَلَّى غُسْلَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ بن الْعَبَّاسِ وَأُسَامَةُ بن زَيْدٍ يُنَاوِلُ الْمَاءَ وَالْعَبَّاسُ وَاقِفٌ ثُمَّ رَوَاهُ ابن مَاجَهْ وَغَيْرُهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لم تَكُنْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ وَإِلَّا فَكَالْأَجْنَبِيِّ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ تَحْتَ سَقْفٍ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ نَصَّ عليه في الْأُمِّ وَيُغَسَّلُ على لَوْحٍ أو سَرِيرٍ هُيِّئَ لِذَلِكَ لِئَلَّا يُصِيبَهُ الرَّشَاشُ مُسْتَلْقِيًا كَالْمُحْتَضَرِ إذَا اسْتَلْقَى في أَنَّهُ يُسْتَقْبَلُ بِهِ الْقِبْلَةُ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ وَاسْتِلْقَاؤُهُ أَمْكَنُ لِغُسْلِهِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَيَرْفَعُ منه ما يَلِي الرَّأْسَ لِيَنْحَدِرَ الْمَاءُ عنه وَلَا يَقِفَ تَحْتَهُ وَيُدْخِلَ الْغَاسِلُ يَدَهُ في الْكُمِّ إنْ كان وَاسِعًا وَإِنْ ضَاقَ فَتَحَ دَخَارِيصَهُ لِيُدْخِلَ يَدَهُ منه فَإِنْ لم يَجِدْ قَمِيصًا أو لم يَتَأَتَّ غَسَّلَهُ فيه لِضِيقِهِ سَتَرَ ما بين سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ وَحَرُمَ النَّظَرُ إلَيْهِ أَيْ إلَى ما بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ وَإِلَى غَيْرِهِ إنْ كان بِشَهْوَةٍ إلَّا في حَقِّ الزَّوْجَيْنِ حَيْثُ لَا شَهْوَةَ فَجَائِزٌ مُطْلَقًا إذْ ليس شَيْءٌ من أَحَدِهِمَا عَوْرَةٌ في حَقِّ الْآخَرِ وَكُرِهَ لِلْغَاسِلِ نَظَرُ شَيْءٍ من الْبَدَنِ غَيْرِ الْعَوْرَةَ بِغَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا شَهْوَةٍ لِأَنَّهُ قد يَكُونُ بِبَدَنِهِ ما يُخْفِيهِ وَاَلَّذِي في الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَقِيلَ مَكْرُوهٌ أَمَّا لِلْحَاجَةِ كَأَنْ أَرَادَ مَعْرِفَةَ الْمَغْسُولِ من غَيْرِهِ فَلَا كَرَاهَةَ وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى
وَلَا يَنْظُرُ الْمُعِينُ أَيْ يُكْرَهُ له النَّظَرُ إلَى شَيْءٍ من غَيْرِ عَوْرَتِهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ لِمَا مَرَّ قال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَلِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْظُرَ إلَى بَدَنِ الْحَيِّ فَالْمَيِّتُ أَوْلَى وَالْمَسُّ فِيمَا ذَكَرَ كَالنَّظَرِ كما قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ
____________________
(1/299)
وَكَالْمُعِينِ فِيمَا ذَكَرَ غَيْرُهُ مِمَّنْ لم يُذْكَرْ هذا كُلُّهُ في غَيْرِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ اللَّذَيْنِ لَا يُشْتَهَيَانِ أَمَّا فِيهِمَا فَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى جَمِيعِ بَدَنِهِمَا إلَّا الْفَرْجَ وَيُغَسِّلُ بِبَارِدٍ لِأَنَّهُ يَشُدُّ الْبَدَنَ بِخِلَافِ الْمُسَخَّنِ فإنه يُرْخِيهِ ما لم يُحْتَجْ الْمُسَخَّنُ أَيْ إلَيْهِ لِوَسَخٍ وَبَرْدٍ وَنَحْوِهِ فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ فَهُوَ أَوْلَى لَكِنْ لَا يُبَالِغُ في تَسْخِينِهِ لِئَلَّا يُسْرِعَ إلَيْهِ الْفَسَادُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَاسْتَحَبَّ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ كَوْنَهُ مَالِحًا على كَوْنِهِ عَذْبًا قال الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَالِحُ الْبَارِدُ أَحَبُّ إلَيَّ من الْحَارِّ الْعَذْبِ قال أَعْنِي الزَّرْكَشِيَّ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُغَسَّلَ الْمَيِّتُ بِمَاءِ زَمْزَمَ لِلْخِلَافِ في نَجَاسَتِهِ بِالْمَوْتِ وَيُعِدُّهُ في إنَاءٍ كَبِيرٍ كَالْجُبِّ
وَيُبْعِدُهُ عن الرَّشَاشِ الْحَاصِلُ من الْغُسْلِ لِتَكُونَ النَّفْسُ أَطْيَبَ إلَيْهِ وَلِئَلَّا يَتَأَثَّرَ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَيُعِدُّ معه إنَاءَيْنِ آخَرَيْنِ صَغِيرًا وَمُتَوَسِّطًا فَيَعْرِفُ بِالصَّغِيرِ من الْكَبِيرِ وَيَصُبُّهُ في الْمُتَوَسِّطِ ثُمَّ يُغَسِّلُهُ بِالْمُتَوَسِّطِ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ فَرْعٌ وَيُعِدُّ الْغَاسِلُ قبل الْغُسْلِ خِرْقَتَيْنِ نَظِيفَتَيْنِ إحْدَاهُمَا لِلسَّوْأَتَيْنِ وَالْأُخْرَى لِبَاقِي الْبَدَنِ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَيُجْلِسُهُ عِنْدَ وَضْعِهِ على الْمُغْتَسَلِ بِرِفْقٍ مَائِلًا إلَى وَرَائِهِ قَلِيلًا وَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ إلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى وَيَدُهُ الْيُمْنَى مَوْضُوعَةٌ على كَتِفَيْهِ وَإِبْهَامُهَا في نَقْرَةِ قَفَاهُ كَيْلًا يَمِيلَ رَأْسُهُ وَيُمِرُّ يَدَهُ الْيُسْرَى على بَطْنِهِ وَيُبَالِغُ في إمْرَارِهَا لِتَخْرُجَ منه الْفَضَلَاتُ وَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَخْرُجَ منه شَيْءٌ بَعْدَ غُسْلِهِ أو بَعْدَ تَكْفِينِهِ فَيُفْسِدَ بَدَنَهُ أو كَفَنَهُ وَالْمِجْمَرَةُ بِكَسْرِ أَوَّلِهَا أَيْ الْمِبْخَرَةُ مُتَّقِدَةٌ فَائِحَةٌ بِالطِّيبِ كَالْعُودِ وَيُكْثِرُ الْمُعِينُ الصَّبَّ لِلْمَاءِ لِيُخْفِيَ الرَّائِحَةَ مِمَّا يَخْرُجُ قال في الْمَجْمُوعِ وفي الْبَيَانِ عن بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُبَخَّرَ عِنْدَ الْمَيِّتِ من حِينِ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا ظَهَرَ منه شَيْءٌ فَتَغْلِبُهُ رَائِحَةُ الْبَخُورِ ثُمَّ يَضَعُهُ مُسْتَلْقِيًا كما كان أَوَّلًا وَيَغْسِلُ وفي نُسْخَةٍ فَيَغْسِلُ دُبُرَهُ وَمَذَاكِيرَهُ جَمَعُوا الذَّكَرَ وَإِنْ لم يَكُنْ مُتَعَدِّدًا بِاعْتِبَارِهِ مع ما يَتَّصِلُ بِهِ بَعْدَ إطْلَاقِ اسْمِهِ على الْكُلِّ فَيَغْسِلُ جَمِيعَ ذلك وَعَانَتِهِ كما يَسْتَنْجِي الْحَيَّ بِخِرْقَةٍ مِنْهُمَا أَيْ من الْخِرْقَتَيْنِ بَعْد لَفِّهَا على يَدِهِ الْيُسْرَى وَاللَّفُّ هُنَا وَاجِبٌ لِئَلَّا يَمَسَّ الْعَوْرَةَ ثُمَّ يُلْقِيهَا لِتُغْسَلَ وَيَغْسِلُ يَدَهُ بِالْأُشْنَانِ وَالْمَاءِ بِقَيْدٍ زَادَهُ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ إنْ تَلَوَّثَتْ قال في الْأَصْلِ كَذَا قال الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَغْسِلُ السَّوْأَتَيْنِ مَعًا بِخِرْقَةٍ وَاحِدَةٍ وفي النِّهَايَةِ وَالْوَسِيطِ أَنَّهُ يَغْسِلُ كُلَّ سَوْأَةٍ بِخِرْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَبْلَغُ في النَّظَافَةِ انْتَهَى
وَالْجُمْهُورُ رَأَوْا أَنَّ الْإِسْرَاعَ في هذا الْمَحَلِّ وَالْبُعْدَ عنه أَوْلَى ثُمَّ يَتَعَهَّدُ ما على بَدَنِهِ من قَذَرٍ وَنَحْوِهِ فَيَغْسِلُهُ بِخِرْقَةٍ يَلُفُّهَا على يَدِهِ كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَظَاهِرُهُ أنها خِرْقَةٌ ثَالِثَةٌ وَعَلَى ما مَرَّ عن الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ تَكُونُ الثَّانِيَةُ فَعَلَيْهِ كان الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ وَأَصْلِهِ تَأْخِيرُ هذا عن قَوْلِهِ فَرْعٌ ثُمَّ يَلُفُّ الْخِرْقَةَ الْأُخْرَى على يَدِهِ أَيْ الْيُسْرَى كما يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيَّ وقال الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ مُتَّجِهٌ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ يُزِيلُ ما في أَنْفِهِ بِيَسَارِهِ قال لَكِنْ رَأَيْت في نُسْخَةٍ مُعْتَبَرَةٍ من الْمُحَرَّرِ التَّعْبِيرَ بِالْيُمْنَى قَامَتْ وَبِهَا عَبَّرَ الْقَمُولِيُّ في بَحْرِهِ وَجَوَاهِرِهِ لَكِنْ لم أَرَ ذلك في الْمُحَرَّرِ وَيُسَوِّكُهُ بِأُصْبُعِهِ أَيْ السَّبَّابَةِ فِيمَا يَظْهَرُ مَبْلُولَةً بِمَاءٍ وَإِنَّمَا سَوَّكَهُ بِالْيُسْرَى مع أَنَّ الْحَيَّ يَتَسَوَّكُ بِالْيُمْنَى خُرُوجًا من خِلَافِ من قال بِنَجَاسَةِ الْمَيِّتِ وَلِأَنَّ الْقَذَرَ ثَمَّ لَا يَتَّصِلُ بِالْيَدِ بِخِلَافِهِ هُنَا وَلَا يَفْتَحُ أَسْنَانَهُ لِخَوْفِ سَبْقِ الْمَاءِ إلَى جَوْفِهِ فَيُسْرِعَ فَسَادُهُ ثُمَّ يُنَظِّفُ بها يَعْنِي بِإِصْبَعِهِ الْخِنْصَرِ مَبْلُولَةً بِمَاءٍ مَنْخِرَيْهِ بِأَنْ يُزِيلَ ما فِيهِمَا من أَذًى ثُمَّ يُوَضِّئَهُ كَالْحَيِّ بِمَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْشَاقٍ لِلْخَبَرِ الْآتِي وَلَا يَكْفِي عنهما ما مَرَّ آنِفًا بَلْ ذَاكَ كَالسِّوَاكِ وَزِيَادَةً في التَّنْظِيفِ
قال الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا يُبَالِغُ فِيهِمَا بِخِلَافِ الْحَيِّ وَيُمِيلُ فِيهِمَا رَأْسَهُ لِئَلَّا يَدْخُلَ الْمَاءُ بَاطِنَهُ قال في الْمَجْمُوعِ وَيُتْبِعُ بِعُودٍ لَيِّنٍ ما تَحْتَ أَظْفَارِهِ إنْ لم يُقَلِّمْهَا وَظَاهِرَ أُذُنَيْهِ وَصِمَاخَيْهِ انْتَهَى وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ ذلك في أَوَّلِ غَسْلَةٍ بَعْدَ تَلْيِينِهَا بِالْمَاءِ لِيَحْصُلَ لِمَا تَحْتَهَا تَكْرَارُ الْغُسْلِ ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَظْفَارِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ بِالْوُضُوءِ الْوُضُوءَ الْمَسْنُونَ كما في الْغُسْلِ ثُمَّ يَغْسِلَ رَأْسَهُ ثُمَّ لِحْيَتَهُ بِالسِّدْرِ رَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِغَاسِلَاتِ ابْنَتِهِ زَيْنَبَ رضي اللَّهُ عنها ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ منها وَاغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أو خَمْسًا أو سَبْعًا أو أَكْثَرَ من ذلك إنْ رَأَيْتُنَّ ذلك بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ في الْآخِرَةِ كَافُورًا أو شيئا من كَافُورٍ وفي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ فإذا كان في آخِرِ غَسْلَةٍ من الثَّلَاثِ أو غَيْرِهَا فَاجْعَلِي فيه شيئا من كَافُورٍ قالت أُمُّ عَطِيَّةَ مِنْهُنَّ فَمَشَطْنَاهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ وفي رِوَايَةٍ فَضَفَرْنَا نَاصِيَتَهَا وَقَرْنَيْهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ وَأَلْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا
وَقَوْلُهُ إنْ رَأَيْتُنَّ أَيْ احْتَجْتُنَّ وَمَشَطْنَا
____________________
(1/300)
بِالتَّخْفِيفِ وَكَذَا ضَفَرْنَا أَيْ لَوَيْنَا وَثَلَاثَةَ قُرُونٍ أَيْ ضَفَائِرَ الْقَرْنَيْنِ وَالنَّاصِيَةِ وَقُدِّمَ غَسْلُ الرَّأْسِ على اللِّحْيَةِ لِأَنَّهُ لو عُكِسَ نَزَلَ الْمَاءُ وَالسِّدْرُ من رَأْسِهِ إلَى لِحْيَتِهِ فَيُحْتَاجُ إلَى غَسْلِهَا ثَانِيًا فَالْأَوَّلُ أَرْفَقُ كما في الْحَيِّ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ بِالسِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ وَالْوَاوُ فيها بِمَعْنَى أو وَالْمُرَادُ أو نَحْوُهُمَا لَكِنَّ السِّدْرَ أَوْلَى لِلنَّصِّ عليه في الْخَبَرِ السَّابِقِ وَلِأَنَّهُ أَمْسُك لِلْبَدَنِ وَيُسَرِّحُهُمَا بِمُشْطٍ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَلِإِزَالَةِ ما فِيهِمَا من سِدْرٍ وَوَسَخٍ كما في الْحَيِّ وَاسِعِ الْأَسْنَانِ لِئَلَّا يَنْتَتِفَ الشَّعْرَ بِرِفْقٍ لِيَقِلَّ الِانْتِتَافُ أو لَا يُنْتَتَفُ شَيْءٌ إنْ تَلَبَّدَا شَرْطٌ لِتَسْرِيحِهِمَا بِوَاسِعِ الْأَسْنَانِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ شَرْطٌ لِتَسْرِيحِهِمَا مُطْلَقًا كما هو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ تَقْدِيمُ تَسْرِيحِ الرَّأْسِ على اللِّحْيَةِ تَبَعًا لِلْغُسْلِ وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عن بَعْضِهِمْ
فَإِنْ سَقَطَتْ شَعْرَةٌ من رَأْسِهِ أو لِحْيَتِهِ رَدَّهَا إلَيْهِ بِأَنْ يَضَعَهَا في كَفَنِهِ لِتُدْفَنَ معه كما سَيَأْتِي بِزِيَادَةٍ وقال صَاحِبُ الْأَنْوَارِ يُرَدُّ الْمُنْتَفُ إلَى وَسَطِ شَعْرِهِ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالسُّقُوطِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالِانْتِتَافِ ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ مِمَّا يَلِي الْوَجْهَ من عُنُقِهِ إلَى قَدَمِهِ ثُمَّ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ ثُمَّ يُحَوِّلُهُ لِجَنْبِهِ الْأَيْسَرِ فَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ مِمَّا يَلِي الْقَفَا وَالظَّهْرِ من كَتِفِهِ إلَى قَدَمِهِ ثُمَّ يُحَوِّلُهُ لِلْأَيْمَنِ فَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ وَقِيلَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ من مُقَدِّمِهِ ثُمَّ من ظَهْرِهِ ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْسَرَ من مُقَدِّمِهِ ثُمَّ من ظَهْرِهِ وَكُلَّ سَائِغٍ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وهو ما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَا يُعِيدُ غَسْلَ رَأْسِهِ الشَّامِلِ هُنَا لِلِحْيَتِهِ وَوَجْهِهِ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِغُسْلِهِ أَوَّلًا بَلْ يَبْدَأُ بِصَفْحَةِ عُنُقِهِ فما تَحْتَهَا وَيَحْرُمُ كَبُّهُ على وَجْهِهِ احْتِرَامًا له بِخِلَافِهِ في حَقِّ نَفْسِهِ في الْحَيَاةِ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ لِأَنَّ الْحَقَّ له فَلَهُ فِعْلُهُ هذا كُلُّهُ غَسْلَةٌ من غَسَلَاتِ التَّنْظِيفِ
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ هذه الْغَسْلَةُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ قال في الْأَصْلِ وَالْخِطْمِيِّ أَيْ تَنْظِيفًا قال السُّبْكِيُّ وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ السِّدْرِ بِالْأَوْلَى بَلْ الْوَجْهُ التَّكْرِيرُ بِهِ إلَى أَنْ يَحْصُلَ النَّقَاءُ على وَفْقِ الْخَبَرِ وَالْمَعْنَى يَقْتَضِيهِ فإذا حَصَلَ النَّقَاءُ وَجَبَ غَسْلُهُ بِالْمَاءِ الْخَالِصِ وَتُسَنُّ بَعْدَهَا ثَانِيَةً وَثَالِثَةً كَغُسْلِ الْحَيِّ فَإِنْ اسْتَعْمَلَ الْخَالِصَ بَعْدَ كل غَسْلَةٍ من غَسَلَاتِ التَّنْظِيفِ كَفَاهُ ذلك عن اسْتِعْمَالِهِ بَعْدَ تَمَامِهَا وَيَكُونُ كُلَّ مَرَّةٍ من التَّنْظِيفِ وَاسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الْخَالِصِ بَعْدَهُ غَسْلَةً وَاحِدَةً وَكَلَامُهُ الْأَخِيرُ بَيَانٌ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ الْآتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ وَأَمَّا كَلَامُهُ الْأَوَّلُ فقال ابْنُهُ في التَّوْشِيحِ قد لَا يُجْعَلُ ذلك خِلَافًا وَيُقَالُ إنَّمَا خَصَّصْت الْأُولَى بِالذِّكْرِ لِحُصُولِ النَّقَاءِ بها غَالِبًا أَيْ فَيَكُونُ الْآخَرُ بَيَانًا لِكَلَامِهِمْ فَيَتَخَيَّرُ الْغَاسِلُ بين الْكَيْفِيَّتَيْنِ ثُمَّ بَعْدَ فَرَاغِهِ من الْغَسْلَةِ الْمَذْكُورَةِ يَصُبُّ الْمَاءَ الْخَالِصَ من قَرْنِهِ أَيْ جَانِبِ رَأْسِهِ إلَى قَدَمِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ غَسْلُهُ ثَلَاثًا فَإِنْ احْتَاجَ إلَى زِيَادَةٍ زَادَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْحَيِّ لَا يَزِيدُ فيها على الثَّلَاثِ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ مَحْضُ تَعَبُّدٍ
وَالْقَصْدُ من طَهَارَةِ الْمَيِّتِ النَّظَافَةُ وَيَكُونُ عَدَدُ الْغَسَلَاتِ وِتْرًا لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وما دَامَ السِّدْرُ أو نَحْوُهُ عليه وَالْمَاءُ يَتَغَيَّرُ بِهِ فَلَا يُحْسَبُ ذلك من الثَّلَاثِ كما في طُهْرِ الْحَيِّ فَيُغْسَلُ بَعْدَ الْغَسْلَةِ الْمُزِيلَةِ لِلسِّدْرِ وَنَحْوِهِ ثَلَاثًا بِالْمَاءِ الْخَالِصِ مُتَوَالِيَةً في الْكَيْفِيَّةِ الْأُولَى وَمُتَفَرِّقَةً في الثَّانِيَةِ كما تَقَرَّرَ وَيَجْعَلُ في كل وَاحِدَةٍ من هذه الثَّلَاثِ في غَسْلِ غَيْرِ الْمَحْرَمِ بِقَرِينَةِ ما سَيَأْتِي كَافُورٌ أو هو في الْأَخِيرَةِ آكَدُ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَلِتَقْوِيَتِهِ الْبَدَنَ وَدَفْعِهِ الْهَوَامَّ وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ كما نَصَّ عليه في الْأُمِّ وليكن بِحَيْثُ لَا يَفْحُشُ التَّعْبِيرُ بِهِ إنْ لم يَكُنْ صُلْبًا ثُمَّ يُلَيِّنُ مَفَاصِلَهُ بَعْدَ الْغَسْلِ لِأَنَّهَا لَانَتْ بِالْمَاءِ فَيَتَوَخَّى بِالتَّلْيِينِ بَقَاءَ لِينِهَا ثُمَّ يُبَالِغُ في تَنْشِيطِهِ لِئَلَّا تَبْتَلَّ أَكْفَانُهُ فَيُسْرِعَ فَسَادُهُ وَبِهَذَا فَارَقَ غُسْلُ الْحَيِّ وَوُضُوءُهُ حَيْثُ اسْتَحْيَوْا تَرْكَ التَّنْشِيفِ فِيهِمَا
قال الْأَذْرَعِيُّ وَعَدَّ صَاحِبُ الْخِصَال من السُّنَنِ التَّشَهُّدَ عِنْدَ غُسْلِهِ قال وكان مُرَادُهُ عِنْدَ فَرَاغِهِ منه وَيَكُونُ كَالنَّائِبِ عنه قال وَيَحْسُنُ أَنْ يَزِيدَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ من التَّوَّابِينَ وَمِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ أو يَقُولَ اجْعَلْنِي وَإِيَّاهُ انْتَهَى وَقِيَاسُهُ أَنْ يَأْتِيَ في الْوُضُوءِ بِذَلِكَ وَبِدُعَاءِ الْأَعْضَاءِ قال السُّبْكِيُّ وَاسْتَحَبَّ الْمُزَنِيّ إعَادَةَ الْوُضُوءِ في كل غَسْلَةٍ فَرْعٌ وَلْيَتَعَهَّدْ نَدْبًا مَسْحَ بَطْنِهِ كُلَّ مَرَّةٍ أَرْفَقَ مِمَّا قَبْلَهَا فَلَوْ خَرَجَ من الْمَيِّتِ بَعْدَ الْغُسْلِ نَجَاسَةٌ وَلَوْ من السَّبِيلَيْنِ وَقَبْلَ التَّكْفِينِ كَفَاهُ غَسْلُهَا من غَيْرِ إعَادَةِ غَسْلٍ أو غَيْرِهِ لِسُقُوطِ الْفَرْضِ بِمَا جَرَى وَحُصُولِ النَّظَافَةِ بِإِزَالَةِ الْخَارِجِ كما لو أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ من غَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَلَا يُنْتَقَضُ طُهْرُهُ وَغَسْلُ النَّجَاسَةِ فِيمَا ذَكَرَ وَاجِبٌ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
____________________
(1/301)
وَلَا يَجْنُبُ مَيِّتٌ فَلَوْ وَطِئَ أو خَرَجَ منه مَنِيٌّ بَعْدَ غُسْلِهِ لم تَجِبْ إعَادَتُهُ وَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْوَطْءِ وَعُلِمَ من كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُحْدِثُ أَيْضًا بِالْمَسِّ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ مع الْمَاسِّ ذُكُورَةً وَأُنُوثَةً وَبِهِ صَرَّحَ أَصْلُهُ في الْمَيِّتَةِ فَصْلٌ الرِّجَالُ أَوْلَى بِغَسْلِ الرَّجُلِ وَالنِّسَاءِ أَوْلَى بِالْمَرْأَةِ وَسَيَأْتِي تَرْتِيبُهُمْ ولكن لِلرَّجُلِ غَسْلُ زَوْجَتِهِ وَلَوْ كِتَابِيَّةً وَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا أو أَرْبَعًا سِوَاهَا لِأَنَّ حُقُوقَ النِّكَاحِ لَا تَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ بِدَلِيلِ التَّوَارُثِ وقال صلى اللَّهُ عليه وسلم لِعَائِشَةَ ما ضَرَّك لو مُتِّ قَبْلِي فَغَسَّلْتُك وَكَفَّنْتُك وَصَلَّيْت عَلَيْك وَدَفَنْتُك رَوَاهُ النَّسَائِيّ وابن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَلَهَا غَسْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها لو اسْتَقْبَلْت من أَمْرِي ما اسْتَدْبَرْت ما غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَّا نِسَاؤُهُ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ على شَرْطِ مُسْلِمٍ بِلَا مَسٍّ منها له في هذه وَمِنْهُ لها فِيمَا قَبْلَهَا كَأَنْ يَلُفَّ الْغَاسِلُ مِنْهُمَا على يَدِهِ خِرْقَةً لِئَلَّا يُنْتَقَضَ الْوُضُوءُ يَعْنِي وُضُوءَ الْغَاسِلِ فَقَطْ
أَمَّا وُضُوءُ الْمَغْسُولِ طُهْرٌ مُطْلَقًا فَلَا يُنْتَقَضُ وَإِنْ نَقَضْنَا طُهْرَ الْمَلْمُوسِ الْحَيِّ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَذِنَ فيه لِلْحَاجَةِ وَلِأَنَّ الْمَيِّتَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَهَذَا ليس تَكْرَارٌ مع ما قَدَّمَهُ من لَفِّ الْخِرْقَةِ على يَدِهِ الشَّامِلِ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إذْ ذَاكَ بِالنَّظَرِ لِكَرَاهَةِ اللَّمْسِ وَهَذَا بِالنَّظَرِ لِانْتِقَاضِ الطُّهْرِ بِهِ وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ كَأَنْ وَلَدَتْ عَقِبَ مَوْتِهِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فَلَهَا غَسْلُهُ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لها فَلَا يَسْقُطُ كَالْمِيرَاثِ لَا مُطَلَّقَةٌ وَلَوْ رَجْعِيَّةً فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا غَسْلُ الْآخَرِ وَإِنْ مَاتَ في الْعِدَّةِ لِتَحْرِيمِ النَّظَرِ وفي مَعْنَى الْمُطَلَّقَةِ الْمَفْسُوخُ نِكَاحُهَا قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْقِيَاسُ في الْمُعْتَدَّةِ عن وَطْءِ شُبْهَةٍ أَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ لَا يُغَسِّلُ الْآخَرَ كما لَا يُغَسِّلُ أَمَتَهُ الْمُعْتَدَّةَ وهو ظَاهِرٌ وَرَدَّ الزَّرْكَشِيُّ له بِأَنَّهُمْ جَعَلُوهَا كَالْمُكَاتَبَةِ في جَوَازِ النَّظَرِ لِمَا عَدَا ما بين السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ منها فَلَا مَنْعَ من الْغُسْلِ يُرَدُّ بِأَنَّ الْحَقَّ في الْمُكَاتَبَةِ لم يَتَعَلَّقْ بِأَجْنَبِيٍّ بِخِلَافِهِ في الْمُعْتَدَّةِ
وَلَهُ أَيْ لِلسَّيِّدِ غَسْلُ أَمَتِهِ حتى مُدَبَّرَتِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَمُكَاتَبَتِهِ لِأَنَّهُنَّ مَمْلُوكَانِ له فَأَشْبَهْنَ الزَّوْجَةَ بَلْ أَوْلَى فإنه يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ وَالْبُضْعَ جميعا وَكِتَابَةُ الْمُكَاتَبَةِ تَرْتَفِعُ بِمَوْتِهَا لَا غُسْلُ أَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ وَالْمُسْتَبْرَأَةِ لِتَحْرِيمِ بُضْعِهِنَّ عليه وَكَذَا الْمُشْتَرَكَةُ وَالْمُبَعَّضَةُ بِالْأَوْلَى وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّ كُلَّ أَمَةٍ تَحْرُمُ عليه كَوَثَنِيَّةٍ وَمَجُوسِيَّةٍ كَذَلِكَ وهو ما بَحَثَهُ الْبَارِزِيُّ لَكِنْ قال الْإِسْنَوِيُّ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمِنْهَاجِ جَوَازُ ذلك وهو ظَاهِرٌ مع مُوَافَقَتِهِ على أَنَّهُ لَا يُغَسِّلُ الْمُزَوَّجَةَ وَالْمُعْتَدَّةَ لَكِنْ لم يُعَلِّلْهُ بِمَا مَرَّ بَلْ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ له النَّظَرُ إلَيْهِمَا وَلَا الْخَلْوَةُ بِهِمَا وهو مَمْنُوعٌ فَقَدْ صَرَّحُوا في النِّكَاحِ بِاشْتِرَاكِهِمَا مع الْوَثَنِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَنَحْوِهِمَا في جَوَازِ النَّظَرِ لِمَا عَدَا ما بين السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ الْمُقْتَضِي ذلك لِجَوَازِ الْخَلْوَةِ بِهِنَّ أَيْضًا وَعَلَيْهِ قد يُقَالُ له لِمَ جَوَّزْت له تَغْسِيلَ الْوَثَنِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ دُونَ الْمُزَوَّجَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْحَقَّ في هَاتَيْنِ تَعَلَّقَ بِأَجْنَبِيٍّ بِخِلَافٍ في الْوَثَنِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَاعْتَرَضَ الْإِسْنَوِيُّ على ما ذَكَرَ في الْمُسْتَبْرَأَةِ بِأَنَّ الصَّوَابَ خِلَافُهُ لِأَنَّهَا إنْ كانت مَمْلُوكَةً بِالسَّبْيِ فَالْأَصَحُّ حِلُّ غَيْرِ الْوَطْءِ من التَّمَتُّعَاتِ فَغُسْلُهَا أَوْلَى أو بِغَيْرِهِ فَلَا يَحْرُمُ عليه الْخَلْوَةُ بها وَلَا لَمْسُهَا وَلَا النَّظَرُ إلَيْهَا بِلَا شَهْوَةٍ كما ذَكَرَ في بَابِهِ فَلَا يَمْتَنِعُ عليه غَسْلُهَا وَيُجَابُ بِأَنَّ تَحْرِيمَ الْغُسْلِ ليس لِمَا قَالَهُ بَلْ التَّحْرِيمُ الْبُضْعُ كما صَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ فَالصَّوَابُ أنها كَالْمُعْتَدَّةِ بِجَامِعِ تَحْرِيمِ الْبُضْعِ وَتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِأَجْنَبِيٍّ وَلَيْسَ لِأَمَتِهِ وَلَوْ غير مُزَوَّجَةٍ وَمُعْتَدَّةٍ وَمُسْتَبْرَأَةٍ وَنَحْوِهَا كَمُدَبَّرَةٍ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَمُكَاتَبَتِهِ غُسْلُهُ لِانْتِقَالِ مِلْكِهِ عَنْهُنَّ بِإِرْثٍ أو عِتْقٍ وَيُفَارِقُ النِّكَاحَ بِبَقَاءِ حُقُوقِهِ كما مَرَّ وَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ كانت مُحَرَّمَةً عليه وَلِرِجَالِ الْمَحَارِمِ غُسْلُهَا أَيْ الْمَرْأَةِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ تَجْوِيزُهُ مع وُجُودِ النِّسَاءِ وهو ظَاهِرٌ بِنَاءً على أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَهُمَا مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ وَبِهِ صَرَّحَ ابن جَمَاعَةَ شَارِحُ الْمِفْتَاحِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَاَلَّذِي يَقْوَى عِنْدِي وَأَكَادُ أَجْزِمُ بِهِ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عليه وَأَيَّدَهُ بِأُمُورٍ ثُمَّ قال وَلَا شَكَّ في بُعْدِ تَعْصِيَةِ الْأَبِ بِغُسْلِ ابْنَتِهِ مع
____________________
(1/302)
وُجُودِ أَجْنَبِيَّةٍ أو الْأُمِّ ابْنَهَا مع وُجُودِ أَجْنَبِيٍّ وَذَكَرَ الْبُلْقِينِيُّ نَحْوَهُ فَرْعٌ لو مَاتَ رَجُلٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ إلَّا أَجْنَبِيَّةٌ أو عَكْسُهُ يُمِّمَا إلْحَاقًا لِفَقْدِ الْغَاسِلِ بِفَقْدِ الْمَاءِ وَيُؤْخَذُ منه أَنَّهُ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ أَيْضًا إنْ كانت وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ إزَالَتَهَا لَا بَدَلَ لها بِخِلَافِ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَبِأَنَّ التَّيَمُّمَ إنَّمَا يَصِحُّ بَعْدَ إزَالَتِهَا كما مَرَّ وَلَوْ قال يُمِّمَ كان أَوْلَى لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ وَلَوْ حَضَرَ الْمَيِّتَ الذَّكَرُ كَافِرٌ وَمُسْلِمَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ غَسَلَهُ الْكَافِرُ لِأَنَّ له النَّظَرَ إلَيْهِ دُونَهَا وَصَلَّتْ عليه الْمُسْلِمَةُ وَالصَّغِيرُ الذي لَا يُشْتَهَى يُغَسِّلُهُ الْفَرِيقَانِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ لِحِلِّ النَّظَرِ وَالْمَسِّ له وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ يُغَسِّلُهُ الْمَحَارِمُ من كُلٍّ من الْفَرِيقَيْنِ فَلَوْ عَدِمُوا أَيْ مَحَارِمُهُ وكان كَبِيرًا يُشْتَهَى يُمِّمَ كما لو لم يَحْضُرْ الْمَيِّتَةَ إلَّا أَجْنَبِيٌّ وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْلِ وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ وَنَقَلَهُ عن اتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّ لِكُلٍّ من الْفَرِيقَيْنِ تَغْسِيلَهُ لِلْحَاجَةِ وَاسْتِصْحَابًا بِالْحُكْمِ الصَّغِيرِ قال وَيُغَسِّلُ فَوْقَ ثَوْبٍ وَيَحْتَاطُ الْغَاسِلُ في غَضِّ الْبَصَرِ وَالْمَسِّ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ بِأَنَّهُ هُنَا يُحْتَمَلُ الِاتِّحَادُ في جِنْسِ الذُّكُورَةِ أو الْأُنُوثَةِ بِخِلَافِهِ ثُمَّ وَيُفَارِقُ ذلك أَخْذُهُمْ فيه بِالْأَحْوَطِ في النَّظَرِ بِأَنَّهُ هُنَا مَحَلُّ حَاجَةٍ فَصْلٌ الرِّجَالُ يُقَدَّمُونَ في غُسْلِ الرَّجُلِ على الزَّوْجَةِ لِأَنَّهُمْ بِهِ أَلْيَقُ وَأَقْرَبُ وَأَوْلَاهُمْ بِغُسْلِ الرَّجُلِ أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ عليه وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ نعم الْأَفْقَهُ أَوْلَى من الْأَسَنِّ هُنَا وَتَعْبِيرُهُ بهذا مع ما يَأْتِي ثُمَّ سَالِمٌ من إيهَامِ أَنَّ الْمَوْلَى وَالْوَالِيَ كَالْأَجَانِبِ بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْأَصْلِ ثُمَّ الرِّجَالُ الْأَجَانِبُ لِأَنَّهُمْ بِهِ أَلْيَقُ ثُمَّ الزَّوْجَةُ لِأَنَّ مَنْظُورَهَا أَكْثَرُ وَهَذَا يُغْنِي عن قَوْلِهِ الرِّجَالُ يُقَدَّمُونَ على الزَّوْجَةِ وَكَلَامُهُمْ يَشْمَلُ الزَّوْجَةَ الْأَمَةَ وَذَكَرَ فيها ابن الْأُسْتَاذِ احْتِمَالَيْنِ أَحَدُهُمَا لَاحِقٌ لها لِبُعْدِهَا عن الْمَنَاصِبِ وَالْوِلَايَاتِ وَيَدُلُّ له كَلَامُ ابْنِ كَجٍّ الْآتِي ثُمَّ النِّسَاءُ الْمَحَارِمُ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِنَّ فَإِنْ اسْتَوَتْ اثْنَتَانِ مِنْهُنَّ في الْقُرْبِ فَكَنَظِيرِهِ فِيمَا ذَكَرَهُ لِقَوْلِهِ وَالْأَوْلَى بِغُسْلِ الْمَرْأَةِ نِسَاءُ الْقَرَابَةِ وَإِنْ كُنَّ غير مَحَارِمَ كَبِنْتِ عَمٍّ لِأَنَّهُنَّ أَشْفَقُ من غَيْرِهِنَّ وَأَوْلَاهُنَّ ذَاتُ رَحِمٍ مُحْرَمٍ وَهِيَ من لو قُدِّرَتْ ذَكَرًا لم يَحِلَّ له نِكَاحُهَا كَأُمٍّ وَبِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَبِنْتِ بِنْتٍ وَإِنْ كانت حَائِضًا أو نَحْوَهَا فَإِنَّهَا أَوْلَاهُنَّ
قال في الرَّوْضَةِ وَلَا كَرَاهَةَ في غُسْلِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ مع الِاغْتِنَاءِ بِغَيْرِهِمَا نَظَرٌ وقد صَحَّ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فيه جُنُبٌ وَحَدَثُ الْحَيْضِ أَغْلَظُ فَإِنْ تَسَاوَيَا أَيْ اثْنَتَانِ في الْمَحْرَمِيَّةِ فَاَلَّتِي في مَحَلِّ الْعُصُوبَة لو كانت ذَكَرًا أَوْلَى فَالْعَمَّةُ أَوْلَى من الْخَالَةِ فَإِنْ اسْتَوَتَا قُدِّمَتْ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى فَإِنْ اسْتَوَتَا قُدِّمَ بِمَا يُقَدَّمُ بِهِ في الصَّلَاةِ على الْمَيِّتِ فَإِنْ اسْتَوَتَا في الْجَمِيعِ ولم تَتَشَاحَّا فَذَاكَ وَإِلَّا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ عُدِمَتْ الْمَحْرَمِيَّةُ كَبِنْتِ عَمٍّ وَبِنْتِ عَمَّةٍ وَبِنْتِ خَالٍ وَبِنْتِ خَالَةٍ فَالْأَقْرَبُ الْأَقْرَبُ أَوْلَى وكان الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَالْقُرْبَى فَالْقُرْبَى ثُمَّ ذَاتُ الْوَلَاءِ كما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَجَزَمَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ ثُمَّ الْأَجْنَبِيَّاتُ لِأَنَّهُنَّ بِالْأُنْثَى أَلْيَقُ قال الْأَذْرَعِيُّ ولم يَذْكُرُوا مَحَارِمَ الرَّضَاعِ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَدَّمْنَ على الْأَجْنَبِيَّاتِ
ا ه
وَمِثْلُهُ مَحَارِمُ الْمُصَاهَرَةِ ثُمَّ رَأَيْت الْبُلْقِينِيَّ بَحَثَهُمَا مَعًا قال وَعَلَيْهِ تُقَدَّمُ بِنْتُ عَمٍّ بَعِيدَةٌ هِيَ مُحَرَّمٌ من الرَّضَاعِ على بِنْتِ عَمٍّ أَقْرَبَ منها بِلَا مَحْرَمِيَّةٍ انْتَهَى
وَعَلَى ذلك يَنْبَغِي تَقْدِيمُ مَحَارِمِ الرَّضَاعِ على مَحَارِمِ الْمُصَاهَرَةِ ثُمَّ الزَّوْجُ لِأَنَّ مَنْظُورَهُ أَكْثَرُ ثُمَّ رِجَالُ الْمَحَارِمِ كَتَرْتِيبِهِمْ في الصَّلَاةِ الْآتِي بَيَانُهُ إلَّا فِيمَا مَرَّ أَمَّا غَيْرُ الْمَحَارِمِ كَابْنِ الْعَمِّ فَكَالْأَجْنَبِيِّ لَا حَقَّ له في ذلك وَإِنْ كان له حَقٌّ في الصَّلَاةِ فَتَعْبِيرُهُ بِرِجَالِ الْمَحَارِمِ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِرِجَالِ الْقَرَابَةِ وَالْمُسْلِمُ الْأَجْنَبِيُّ أَوْلَى بِالْمُسْلِمِ من الْكَافِرِ وَالْقَاتِلِ الْقَرِيبَيْنِ لِانْقِطَاعِ الْمُوَالَاة بَيْن كُلٍّ مِنْهُمَا وَبَيْنَ الْمَيِّتِ فَشَرْطُ كل من قُدِّمَ أَنْ يَكُون مُسْلِمًا وَأَنَّ لَا يَكُونَ قَاتِلًا لِلْمَيِّتِ وَلَوْ بِحَقٍّ كما في إرْثِهِ منه كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَكَذَا الْكَافِرُ الْبَعِيدُ أَوْلَى بِالْكَافِرِ من الْمُسْلِمِ وَالْقَاتِلِ الْقَرِيبَيْنِ كما صَرَّحَ بِهِ الْقَمُولِيُّ في الْأُولَى قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ بَلْ هو أَوْلَى من الْقَاتِلِ بِحَقٍّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّ الصِّبَا وَالْفِسْقَ لَا يُؤَثِّرَانِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ وَلَيْسَا من أَهْلِهَا وقد جَزَمَ الصَّيْمَرِيُّ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمَا في الصَّلَاةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُمَا لَا يُوثَقُ بِهِمَا لِلْخَلْوَةِ
____________________
(1/303)
غَالِبًا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ قال وَقَضِيَّةُ إلْحَاقِ ما نَحْنُ فيه بِالْإِرْثِ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْعَبْدِ هُنَا أَيْضًا
وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ كَجٍّ وَالْمَمْلُوكُ ليس بِوَلِيٍّ في الصَّلَاةِ على الْمَيِّتِ وَلَا في غَيْرِهَا لِنَقْصِهِ بِالرِّقِّ انْتَهَى وَكَالصَّبِيِّ فِيمَا قَالَهُ الْمَجْنُونُ وَلِلْأَقْرَبِ إيثَارُ الْأَبْعَدِ إنْ كان من جِنْسِهِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَكُنْ من جِنْسِهِ فَلَيْسَ لِلرِّجَالِ التَّفْوِيضُ لِلنِّسَاءِ وَلَا عَكْسُهُ كَذَا في الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن الْجُوَيْنِيِّ وَغَيْرِهِ وهو مَبْنِيٌّ على طَرِيقَةِ هَؤُلَاءِ أَعْنِي الْجُوَيْنِيَّ وَغَيْرَهُ من وُجُوبِ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ أَمَّا على اسْتِحْبَابِهِ وهو ما قَدَّمْته عن جَمَاعَةٍ فَيَجُوزُ ذلك وهو ما صَرَّحَ بِهِ في الْمَطْلَبِ ثُمَّ سَاقَ كَلَامَ الْجُوَيْنِيِّ مَسَاقَ الْأَوْجُهِ الضَّعِيفَةِ بَلْ كَلَامُ وَلَدِهِ الْإِمَامِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ إنَّمَا هو رَأْيٌ له فَالْمُعْتَمَدُ الْجَوَازُ غَايَتُهُ أَنَّ الْمُفَوَّضَ ارْتَكَبَ خِلَافَ الْأَوْلَى لِتَفْوِيتِهِ حَقَّ الْمَيِّتِ عليه بِنَقْلِهِ إلَى غَيْرِ جِنْسِهِ على أَنَّهُ يُمْكِنُ تَقْرِيرُ كَلَامِ الْجُوَيْنِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ على ذلك بِأَنْ يُقَالَ خِلَافُ الْأَوْلَى قد يُوصَفُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ من جِهَةِ إطْلَاقِ الْجَائِزِ على مُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ فَإِنْ قُلْت كَلَامُ الْجُوَيْنِيِّ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الرُّويَانِيِّ لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ في غُسْلِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ قُلْت لَا لِأَنَّ الْقَصْدَ من التَّوْكِيلِ الْعَمَلُ عن الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ ما هُنَا على أَنَّ الْأَذْرَعِيَّ رَدَّ على الرُّويَانِيِّ فقال الْأَشْبَهُ جَوَازُ التَّوْكِيلِ فيه لِجَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عليه وَذَكَرَ الْقَمُولِيُّ نَحْوَهُ وَأَمَّا ما جَمَعَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ بين ما هُنَا وما مَرَّ عن الْغَزَالِيِّ في الْفَصْلِ السَّابِقِ من أَنَّ ما هُنَا في التَّفْوِيضِ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ فَلَا يُجْدِي فَتَأَمَّلْهُ وَأَقَارِبُ الْكَافِرِ الْكُفَّارُ أَوْلَى بِهِ أَيْ بِتَجْهِيزِهِ من غُسْلٍ وَنَحْوِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ فَإِنْ تَرَكُوهُ أو لم يُوجَدُوا تَوَلَّاهُ الْمُسْلِمُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَرَامِ الرَّقِيقُ فَلَعَلَّ سَيِّدَهُ الْمُسْلِمَ أَوْلَى بِهِ وقد يَتَوَقَّفُ فِيمَا قَالَهُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِهِ أَوْلَى من قَوْلِ أَصْله بِغُسْلِهِ وَيُجْزِئُ لِحَائِضٍ وَنَحْوِهَا غُسْلٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْغُسْلَ الذي كان عَلَيْهِمَا سَقَطَ بِالْمَوْتِ فَصْلٌ وَيُكْرَهُ التَّقْلِيمُ لِأَظْفَارِ الْمَيِّتِ غَيْرِ الْمُحْرِمِ وَإِزَالَةُ شَعْرِ الْمَيِّتِ الْمَذْكُورِ كَشَعْرِ إبْطِهِ وَعَانَتِهِ وَرَأْسِهِ وَإِنْ اعْتَادَ إزَالَتَهُ حَيًّا لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْمَيِّتِ مُحْتَرَمَةٌ فَلَا تُنْتَهَكُ بِذَلِكَ ولم يَثْبُتْ فيه شَيْءٌ بَلْ ثَبَتَ الْأَمْرُ بِالْإِسْرَاعِ الْمُنَافِي لِذَلِكَ وَلِأَنَّ مَصِيرَهُ إلَى الْبِلَى فَصَارَ كما لو كان أَقْلَفَ لَا يُخْتَنُ وَإِنْ كان بَالِغًا لِأَنَّهُ جُزْءٌ فَلَا يُقْطَعُ كَيَدِهِ الْمُسْتَحِقَّةِ في قَطْعِ سَرِقَةٍ أو قَوَدٍ وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ إزَالَةِ الشَّعْرِ إذَا لم تَدْعُ إلَيْهَا حَاجَةٌ وَإِلَّا كَأَنْ لَبَّدَ شَعْرَ رَأْسِهِ حَيًّا بِصَمْغٍ أو نَحْوِهِ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى أَصْلِهِ إلَّا بِإِزَالَتِهِ وَجَبَتْ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ في قَوْلِهِ وَيَحْرُمُ ذلك من الْمُحْرِمِ قبل تَحَلُّلِهِ الْأَوَّلِ إبْقَاءً لِأَثَرِ الْإِحْرَامِ إلَّا أَنْ يُحْتَاجَ إلَى إزَالَةِ الشَّعْرِ فَيَأْتِي فيه ما مَرَّ ويحرم تَطْيِيبُهُ لِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْمُحْرِمِ الذي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ فَمَاتَ اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ في ثَوْبَيْهِ وَلَا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فإنه يُبْعَثُ يوم الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
وَحُرْمَةُ التَّطْيِيبِ مَعْلُومَةٌ مِمَّا سَيَأْتِي لَا الْمُعْتَدَّةُ الْمُحِدَّةُ فَلَا يَحْرُمُ تَطِيبُهَا لِأَنَّ تَحْرِيمَ الطِّيبِ عليها إنَّمَا كان لِلِاحْتِرَازِ عن الرِّجَالِ وَلِلتَّفَجُّعِ على الزَّوْجِ وقد زَالَا بِالْمَوْتِ بِخِلَافِهِ في الْمُحْرِمِ فإنه كان لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَزُولُ بِالْمَوْتِ وَكَذَا يَحْرُمُ إلْبَاسُ مَخِيطٍ وَسَتْرُ رَأْسٍ لِرَجُلٍ مُحْرِمٍ وستر وَجْهٍ وَكَفٍّ بِقُفَّازٍ لِامْرَأَةٍ مُحْرِمَةٍ لِمَا مَرَّ وَلَا بَأْسَ بِالتَّجْمِيرِ عِنْدَ غُسْلِهِ أَيْ الْمُحْرِمِ كما لَا بَأْسَ بِجُلُوسِهِ عِنْدَ الْعَطَّارِ وما ذَكَرُوهُ من أَنَّهُ يُكْرَهُ له أَنْ يَجْلِسَ عِنْدَ الْعَطَّارِ بِقَصْدِ الرَّائِحَةِ لَا يَأْتِي هُنَا لِلْحَاجَةِ إلَى ذلك هُنَا بِخِلَافِ ما هُنَاكَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُحْلَقْ رَأْسُهُ إذَا مَاتَ وَبَقِيَ عليه الْحَلْقُ لِيَأْتِيَ يوم الْقِيَامَةِ مُحْرِمًا وما هو ظَاهِرٌ لِانْقِطَاعِ تَكْلِيفِهِ فَلَا يُطْلَبُ منه حَلْقٌ وَلَا يَقُومُ غَيْرٌ بِهِ كما لو كان عليه طَوَافٌ أو سَعْيٌ وَمَنْ طَيَّبَهُ أَيْ الْمُحْرِمَ أو أَلْبَسهُ أو قَلَّمَ ظُفْرَهُ أو أَزَالَ شَعْرَهُ أو نَحْوَهَا عَصَى وَلَا فِدْيَةَ كَمَنْ قَطَعَ عُضْوَ مَيِّتٍ لِأَنَّ أَجْزَاءَهُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ وَقَضِيَّةُ ذلك أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ في حَلْقِ شَعْرِ الْمَيِّتِ الْمُحْرِمِ وَلَا في تَقْلِيمِ ظُفْرِهِ لَكِنْ قال الْبُلْقِينِيُّ الذي أَعْتَقِدُهُ إيجَابُهَا على الْفَاعِلِ كما لو حَلَقَ شَعْرَ نَائِمٍ وَالْأَوَّلُ أَوْجُهُ لِأَنَّ النَّائِمَ بِصَدَدِ عَوْدِهِ إلَى الْفَهْمِ وَلِهَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَى تَكْلِيفِهِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ وَيُصَرُّ في كَفَنِهِ أَيْ الْمَيِّتِ
____________________
(1/304)
ما يُنْتَفُ من شَعْرِهِ أو قُلِمَ من ظُفْرِهِ وَيُدْفَنُ معه وَمِثْلُهُ السَّاقِطُ بِلَا نَتْفٍ أو تَقْلِيمٍ وقد وُجِدَ في نُسْخَةٍ بَدَلُ يُنْتَفُ يُنْتَتَفُ بِزِيَادَةِ تَاءٍ فَرْعٌ وَإِنْ كان بِحَيْثُ لو غُسِّلَ تَهَرَّى لِحَرْقٍ أو نَحْوِهِ يُمِّمَ بَدَلَ الْغُسْلِ لِعُسْرِهِ وَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَعَمُّ من قَوْلِ أَصْلِهِ لو تَحَرَّقَ مُسْلِمٌ بِحَيْثُ إلَى آخِرِهِ وَإِنْ خِيفَ من غُسْلِهِ إسْرَاعُ فَسَادِ له بَعْدَ الدَّفْنِ لِقُرُوحٍ كانت بِهِ أو نَحْوِهَا غُسِّلَ وُجُوبًا لِأَنَّ الْجَمِيعَ صَائِرٌ إلَى الْبِلَى وَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْقُرُوحِ وَإِنْ رَأَى الْغَاسِلُ منه ما يُعْجِبُهُ من اسْتِنَارَةِ وَجْهٍ وَطِيبٍ رِيحٍ وَنَحْوِهِمَا ذَكَرَهُ نَدْبًا أو ما يُكْرَهُ من سَوَادِ وَجْهٍ وَنَتَنٍ وَنَحْوِهِمَا سَتَرَهُ وُجُوبًا لِخَبَرِ من غَسَّلَ مَيِّتًا فَكَتَمَ عليه غَفَرَ اللَّهُ له أَرْبَعِينَ مَرَّةً أَيْ لو أَذَنْبَهَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ على شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلِخَبَرِ اُذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ وَكُفُّوا عن مَسَاوِيهِمْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ كَأَنْ كان الْمَيِّتُ مُبْتَدِعًا يُظْهِرُ الْبِدْعَةَ فَلَا يَجِبُ سَتْرُهُ بَلْ يَجُوزُ التَّحَدُّثُ بِهِ لِيَنْزَجِرَ الناس عنها وَالْخَبَرُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَحَدَّثَ بِذَلِكَ عن الْمُسْتَتِرِ بِبِدْعَتِهِ عِنْدَ الْمُطَّلِعِينَ عليها الْمَائِلِينَ إلَيْهَا لَعَلَّهُمْ يَنْزَجِرُونَ بِذَلِكَ قال وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ إذَا رَأَى من الْمُبْتَدَعِ أَمَارَةَ خَبَرٍ يَكْتُمُهَا وَلَا يُنْدَبُ له ذِكْرُهَا لِئَلَّا يُغْرِيَ بِبِدْعَتِهِ وَضَلَالَتِهِ بَلْ لَا يَبْعُدُ إيجَابُ الْكِتْمَانِ عِنْدَ ظَنِّ الْإِغْرَاءِ بها وَالْوُقُوعِ فيها بِذَلِكَ وَيُجْعَلُ نَدْبًا شَعْرُ الْمَرْأَةِ ثَلَاثَ ذَوَائِبَ وَتُلْقَى خَلْفَهَا لِخَبَرِ أُمِّ عَطِيَّةَ السَّابِقِ وَكَأَنَّهُمْ جَرَوْا على الْغَالِبِ وَإِلَّا فَظَاهِرٌ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كان له شَعْرٌ طَوِيلٌ كَذَلِكَ
وَالذَّوَائِبُ جَمْعُ ذُؤَابَةٍ وكان أَصْلُهُ ذَآئِبَ لِأَنَّ أَلْفَ ذُؤَابَةٍ كَأَلْفِ رِسَالَةٍ حَقُّهَا أَنْ تُبْدَلَ هَمْزَةً في الْجَمْعِ وَلَكِنَّهُمْ اسْتَثْقَلُوا أَنْ تَقَعَ أَلْفُ الْجَمْعِ بين هَمْزَتَيْنِ فَأَبْدَلُوا من الْأُولَى وَاوًا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَلِيَكُنْ الْغَاسِلُ مَأْمُونًا أَيْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا كما صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُوثَقُ بِهِ وَلَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ إلَّا في مَسَائِلَ مُسْتَثْنَاةٍ لَيْسَتْ هذه منها وَعِبَارَةُ كَثِيرٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْغَاسِلُ وَمُعِينُهُ أَمِينَيْنِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ تَفْوِيضُهُ إلَى الْفَاسِقِ وَإِنْ كان قَرِيبًا لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ وَوِلَايَةٌ وَلَيْسَ الْفَاسِقُ من أَهْلِهِمَا وَإِنْ صَحَّ غُسْلُهُ كما يَصِحُّ أَذَانُهُ وَإِمَامَتُهُ وَلَا يَجُوزُ نَصْبُهُ لَهُمَا قال في الْمُهَذَّبِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ إلَّا إنْ احْتَاجَ إلَى مُعِينٍ فَيَسْتَعِينُ بِمَنْ لَا بُدَّ له منه وَيُقْرِعُ وُجُوبًا بين الزَّوْجَاتِ لِتَمْيِيزِ من يَبْدَأُ بِغُسْلِهَا مِنْهُنَّ إنْ مُتْنَ مَعًا بِهَدْمٍ أو غَرَقٍ أو نَحْوِهِ أو لِتَمْيِيزِ من تُغَسِّلُهُ مِنْهُنَّ إنْ مَاتَ فَيُقَدَّمُ من خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَلَوْ قِيلَ فَيُقَدَّمُ في الْأَوْلَى على الْقُرْعَةِ بِسُرْعَةِ الْفَسَادِ ثُمَّ بِالْفَضْلِ لم يَكُنْ بَعِيدًا وَمَنْ دُفِنَ بِلَا غَسْلٍ وَلَا تَيَمُّم نُبِشَ وَغُسِّلَ أو يُمِّمَ بِشَرْطِهِ وُجُوبًا تَدَارُكًا لِلْوَاجِبِ ما لم يَتَغَيَّرْ قال الْمَاوَرْدِيُّ بِالنَّتِنِ وَالرَّائِحَةِ وَالْقَاضِي أبو الطِّيبِ وابن الصَّبَّاغِ بِالتَّقَطُّعِ وَهَذَا أَبْلَغُ مِمَّا قَبْلَهُ فإن التَّأَذِّي بِرَائِحَتِهِ أَخَفُّ من تَقْطِيعِهِ فَإِنْ تَغَيَّرَ يَجُوزُ نَبْشُهُ لِمَا فيه من انْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ وَهَذِهِ ذَكَرَهَا الْأَصْلُ مع أَخَوَاتِهَا في بَابِ الدَّفْنِ وَحَذَفَهَا الْمُصَنِّفُ ثُمَّ لَكِنَّهُ أَعَادَ شَرْطَهَا وهو عَدَمُ التَّغَيُّرِ فَلَزِمَهُ تَكْرَارٌ بَابُ التَّكْفِينِ يُكَفَّنُ الْمَيِّتُ بَعْدَ غُسْلِهِ فِيمَا له لُبْسُهُ حَيًّا فَيَجُوزُ تَكْفِينُ الْمَرْأَةِ بِالْحَرِيرِ وَالْمُزَعْفَرِ وَالْمُعَصْفَرِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَالْخُنْثَى إذَا وَجَدَ غَيْرَهَا وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ تَكْفِينِ الصَّبِيِّ بِذَلِكَ وَبِهِ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ في فَتَاوِيهِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَوْجَهُ الْمَنْعُ وَفَرَضَهُ في الْحَرِيرِ قُلْت بِنَاءً على ما قَوَّاهُ من تَحْرِيمِ تَكْفِينِ الْمَرْأَةِ بِهِ لِأَنَّهُ سَرَفٌ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ يُعَامَلُ بِمَا يُعَامَلُ بِهِ حَيًّا وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ نَظِيرُ ما مَرَّ في بَابِ اللُّبْسِ قال وَالظَّاهِرُ في الشَّهِيدِ أَنَّهُ يُكَفَّنُ بِهِ إذَا قُتِلَ وهو لَابِسُهُ بِشَرْطِهِ لَا سِيَّمَا إذَا تَلَطَّخَ بِدَمِهِ لَكِنَّهُ قال في مَحَلٍّ آخَرَ يَنْبَغِي نَزْعُهُ عنه وُجُوبًا أو نَدْبًا لِزَوَالِ الْحَاجَةِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِالطِّينِ في الْحَيَاةِ وَالْمُتَّجِهُ كما قال الْإِسْنَوِيُّ الْمَنْعُ هُنَا عِنْدَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَلَوْ حَشِيشًا لِمَا فيه من الْإِزْرَاءِ بِالْمَيِّتِ ثُمَّ رَأَيْت الْجُرْجَانِيَّ صَرَّحَ بِذَلِكَ إلَّا وفي نُسْخَةٍ لَا الْمُتَنَجِّسُ بِنَجَاسَةٍ لَا يُعْفَى عنها فَلَا يَكْفِي فيه وَهُنَاكَ طَاهِرٌ وَإِنْ جَازَ له لُبْسُهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَمَحَلُّهُ إذَا لم يَكُنْ الطَّاهِرُ حَرِيرًا فَإِنْ كان حَرِيرًا قُدِّمَ عليه الْمُتَنَجِّسُ كما صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْقَمُولِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ في شُرُوطِ
____________________
(1/305)
الصَّلَاةِ وَيُسْتَحَبُّ فيه أَيْ في الْكَفَنِ أَيْ لَوْنِهِ الْبَيَاضُ لِقَوْلِ عَائِشَةَ كُفِّنَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَّةٍ بِيضٍ ليس فيها قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِخَبَرِ الْبَسُوا من ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ السَّابِقِ في الْجُمُعَةِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ إذَا كَفَّنَ أحدكم أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ
وَالْمَغْسُولُ أَوْلَى لِلتَّكْفِينِ من الْجَدِيدِ لِأَنَّ مَآلَهُ إلَى الْبِلَى وَلِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عن عَائِشَةَ قالت نَظَرَ أبو بَكْرٍ إلَى ثَوْبٍ كان يَمْرَضُ فيه فقال اغْسِلُوا هذا وَزِيدُوا عليه ثَوْبَيْنِ وَكَفِّنُونِي فيها فَقُلْت إنَّ هذا خَلْقٌ قال الْحَيُّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ من الْمَيِّتِ إنَّمَا هو لِلْمُهْلَةِ أَيْ لِدَمِ الْمَيِّتِ وَصَدِيدِهِ وَنَحْوِهِ الْمُرَادُ كما قال النَّوَوِيُّ بِإِحْسَانِ الْكَفَنِ في خَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ بَيَاضُهُ وَنَظَافَتُهُ وَسُبُوغُهُ وَكَثَافَتُهُ وَسَتَأْتِي الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ وَأَمَّا خَبَرُ أبي دَاوُد عن أبي سَعِيدٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ دَعَا بِثِيَابٍ جُدُدٍ فَلَبِسَهَا ثُمَّ قال سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول إنَّ الْمَيِّتَ يُبْعَثُ في ثِيَابِهِ التي يَمُوتُ فيها أَيْ قبل أَنْ يُحْشَرَ عُرْيَانًا حَافِيًا جَمْعًا بين الْأَخْبَارِ فَلَا دَلَالَةَ فيه على أَوْلَوِيَّةِ الْجَدِيدِ قال الْبَغَوِيّ وَثَوْبُ الْقُطْنِ أَوْلَى من غَيْرِهِ ويستحب أَنْ يُسْتَحْسَنَ الْكَفَنُ على قَدْرِ يَسَارِ الْمَيِّتِ لم يُعَبِّرْ في الرَّوْضَةِ هُنَا بِالِاسْتِحْسَانِ بَلْ بِقَوْلِهِ وَيُعْتَبَرُ في الْكَفَنِ الْمُبَاحِ حَالُ الْمَيِّتِ فَيُكَفَّنُ الْمُوسِرُ من جِيَادِ الثِّيَابِ وَالْمُتَوَسِّطُ من أَوْسَطِهَا وَالْمُعْسِرُ من خَشِنِهَا أَيْ وَلَا عِبْرَةَ بِإِسْرَافِهِ وَتَقْتِيرِهِ قبل مَوْتِهِ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ وَالدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ على ما إذَا لم يَكُنْ عليه دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ تَقْتِيرِهِ كما اعْتَبَرُوهُ في الْفَلَسِ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِتَعَذُّرِ كَسْبِ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْحَيِّ يُمْكِنُهُ كَسْبُ ما يَلِيقُ بِهِ غَالِبًا وأن يَكُونَ سَابِغًا لِبَدَنِهِ صَفِيقًا نَظِيفًا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ وَلِأَنَّ ذلك هو اللَّائِقُ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَاتَّفَقُوا على اسْتِحْبَابِ تَحْسِينِ الْكَفَنِ في الْبَيَاضِ وَالنَّظَافَةِ وَسُبُوغِهِ وَكَثَافَتِهِ لَا في ارْتِفَاعِهِ وَتُكْرَهُ الْمُغَالَاةُ فيه لِخَبَرِ لَا تُغَالُوا في الْكَفَنِ فإنه يُسْلَبُ سَلْبًا سَرِيعًا رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لو كان الْوَارِثُ مَحْجُورًا عليه أو غَائِبًا أو كان الْمَيِّتُ مُفْلِسًا حَرُمَتْ الْمُغَالَاةُ من التَّرِكَةِ وَيُكْرَهُ تَكْفِينُ الْمَرْأَةِ في الْحَرِيرِ وَالْمُعَصْفَرِ وَالْمُزَعْفَرِ لِأَنَّ ذلك سَرَفٌ لَا يَلِيقُ بِالْحَالِ بِخِلَافِهِ في الْحَيَاةِ فَصْلٌ وَأَقَلُّهُ أَيْ الْكَفَنِ ثَوْبٌ لِحُصُولِ السِّتْرِ بِهِ يَعُمُّ الْبَدَنَ إلَّا رَأْسَ الْمُحْرِمِ وَوَجْهَ الْمُحْرِمَةِ تَنَكُّرًا بِمَا له وَسَتْرًا لِمَا يَعْرِضُ من التَّغَيُّرِ وَهَذَا ما اخْتَارَهُ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ كَالْأَذْرَعِيِّ تَبَعًا لِجُمْهُورِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَلِلنَّوَوِيِّ فِيمَا صَحَّحَهُ في مَنَاسِكِهِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ هُنَا أَنَّهُ وَاجِبٌ لِحَقِّ الْمَيِّتِ بِالنِّسْبَةِ لِلْغُرَمَاءِ أَخْذًا من الِاتِّفَاقِ الْآتِي في كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ لَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَّا فَهُوَ مُنَاقِضٌ لِقَوْلِهِ وَالْوَاجِبُ سِتْرُ الْعَوْرَةِ وهو ما صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ في بَقِيَّةِ كُتُبِهِ وَعَزَاهُ لِلنَّصِّ وَالْجُمْهُورُ كَالْحَيِّ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن خَبَّابُ أَنَّ مُصْعَبَ بن عُمَيْرٍ كَفَّنَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يوم أُحُدٍ بِنَمِرَةَ كان إذَا غُطِّيَ بها رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ وإذا غُطِّيَ بها رِجْلَاهُ بَدَا رَأْسُهُ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا على رِجْلَيْهِ الْإِذْخِرَ قال في الْمَجْمُوعِ وَاحْتِمَالُ أَنَّهُ لم يَكُنْ له غَيْرُ النَّمِرَةِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ بَعِيدٌ مِمَّنْ خَرَجَ لِلْقِتَالِ وَبِأَنَّهُ لو سُلِّمَ ذلك لَوَجَبَ تَتْمِيمُهُ من بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ من الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى وقد يُقَالُ قد أَمَرَهُمْ بِتَتْمِيمِهِ بِالْإِذْخِرِ وهو سَاتِرٌ وَيُجَابُ بِأَنَّ التَّكْفِينَ بِهِ لَا يَكْفِي إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ التَّكْفِينِ بِثَوْبٍ كما صَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ لِمَا فيه من الْإِزْرَاءِ بِالْمَيِّتِ
وَعَلَى ذلك يَخْتَلِفُ قَدْرُ الْوَاجِبِ بِذُكُورَةِ الْمَيِّتِ وَأُنُوثَتِهِ لَا بِرِقِّهِ وَحُرِّيَّتِهِ كما اقْتَضَاهُ
____________________
(1/306)
كَلَامُهُمْ وهو الظَّاهِرُ في الْكِفَايَةِ فَيَجِبُ في الْمَرْأَةِ بِسِتْرِ بَدَنِهَا إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا حُرَّةً كانت أو أَمَةً لِزَوَالِ الرِّقِّ بِالْمَوْتِ كما ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ في كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَلَا يُنَافِيهِ جَوَازُ تَغْسِيلِ السَّيِّدِ لها لِأَنَّ ذلك ليس لِكَوْنِهَا بَاقِيَةً في مِلْكِهِ بَلْ لِأَنَّ ذلك من آثَارِ الْمِلْكِ كما يَجُوزُ لِلزَّوْجِ تَغْسِيلُ زَوْجَتِهِ مع أَنَّ مِلْكَهُ زَالَ عنها وَلَا يُشْكِلُ على الْقَوْلِ بِالِاقْتِصَارِ على سَاتِرِ الْعَوْرَةِ قَوْلُ الْمُزَنِيّ في نِهَايَةِ الِاخْتِصَارِ من قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأَقَلُّ ما يُجْزِئُ من الْكَفَنِ إنْ لم يُوجَدْ غَيْرُهُ ما يُوَارِي ما بين السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لِأَنَّهُ ليس صَرِيحًا في أَنَّ وُجُوبَ ما زَادَ على سَاتِرِ الْعَوْرَةِ عِنْدَ وُجُودِهِ لِكَوْنِهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى في التَّكْفِينِ لِاحْتِمَالِهِ أَنَّ وُجُوبَ ذلك لِكَوْنِهِ حَقًّا لِلْمَيِّتِ يَتَقَدَّمُ بِهِ على غَيْرِهِ كما سَيَأْتِي وَيَجِبُ حَمْلُهُ على هذا جميعا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ في بَيَانِ أَقَلِّ الْكَفَنِ إذَا غَطَّى من الْمَيِّتِ عَوْرَتَهُ فَقَدْ أَسْقَطَ الْفَرْضَ لَكِنَّهُ أَخَلَّ بِحَقِّهِ وَاسْتَشْكَلَ الْإِسْنَوِيُّ ذلك بِمَا في النَّفَقَاتِ من أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الِاقْتِصَارُ في كِسْوَةِ الْعَبْدِ على سَاتِرِ الْعَوْرَةِ وَإِنْ لم يَتَأَذَّ بِحَرٍّ أو بَرْدٍ لِأَنَّهُ تَحْقِيرٌ وَإِذْلَالٌ فَامْتِنَاعُهُ في الْمَيِّتِ الْحُرِّ أَوْلَى وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بين الْمَسْأَلَتَيْنِ إذْ عَدَمُ الْجَوَازِ في تِلْكَ ليس لِكَوْنِ سَتْرِ ما زَادَ على سَتْرِ الْعَوْرَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى بَلْ لِكَوْنِهِ حَقًّا لِلْعَبْدِ حتى إذَا أَسْقَطَهُ جَازَ ذلك كَنَظِيرِهِ هُنَا
وَحَاصِلُ ما هُنَا أَنَّهُ إذَا خَلَّفَ مَالًا وَسُتِرَتْ عَوْرَتُهُ ولم يُوصِ بِتَرْكِ الزَّائِدِ سَقَطَ الْحَرَجُ عن الْأَمَةِ وَبَقِيَ حَرَجُ تَرْكِ الزَّائِدِ على الْوَرَثَةِ ثُمَّ إذَا كُفِّنَ فِيمَا لَا يَعُمُّ الرَّأْسَ وَالرِّجْلَ كان الرَّأْسُ أَوْلَى بِالسِّتْرِ من الرِّجْلِ لِخَبَرِ مُصْعَبٍ السَّابِقِ وَأَكْمَلُهُ أَيْ الْكَفَنِ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ لِلذَّكَرِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كُفِّنَ فيها كما مَرَّ وَأَمَّا تَكْفِينُ الْمُحْرِمِ الذي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ في ثَوْبَيْنِ فَلِأَنَّهُ لم يَكُنْ له مَالٌ غَيْرَهُمَا قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ وأكمله خَمْسَةٌ لِلْمَرْأَةِ مُبَالَغَةً في سَتْرِهَا وقد أَعْطَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم غَاسِلَاتِ ابْنَتِهِ في تَكْفِينِهَا الْحِقَاءَ أَيْ الْإِزَارَ ثُمَّ الدِّرْعَ أَيْ الْقَمِيصَ ثُمَّ الْخِمَارَ ثُمَّ الْمِلْحَفَةَ ثُمَّ أُدْرِجَتْ في الثَّوْبِ الْآخَرِ رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ احْتِيَاطًا لِلسِّتْرِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ رَجُلًا وَالزِّيَادَةُ على الثَّلَاثَةِ في حَقِّهِ خِلَافُ الْأَكْمَلِ وَيُرَدُّ بِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى في حَقِّ من تَحَقَّقَتْ رُجُولِيَّتُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ الْغُرَمَاءُ وَدُيُونُهُمْ مُسْتَغْرِقَةٌ لِلتَّرِكَةِ من الزِّيَادَةِ على ثَوْبٍ وَاحِدٍ أو أَوْصَى الْمَيِّتُ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ فَثَوْبٌ وَاحِدٌ يُكَفَّنُ فيه
أَمَّا في الْأُولَى فَلِحُصُولِ سِتْرِهِ وهو إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ أَحْوَجُ منه إلَى التَّجَمُّلِ بِخِلَافِ الْحَيِّ الْمُفْلِسِ تُتْرَكُ له ثِيَابُ تَجَمُّلِهِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى التَّجَمُّلِ وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الزَّائِدَ حَقٌّ له بِمَثَابَةِ ما يُجَمِّلُ الْحَيَّ فَلَهُ مَنْعُهُ أَمَّا الثَّوْبُ الْوَاجِبُ فَلَا يَجُوزُ مَنْعُهُ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وما قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا من أَنَّهُ لو أَوْصَى بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ لم يَصِحَّ وَيَجِبُ تَكْفِينُهُ بِسَاتِرِ كل بَدَنِهِ مُفَرَّعٌ على إيجَابِ سِتْرِ كل الْبَدَنِ وما نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ من الِاتِّفَاقِ على سَاتِرِ كل بَدَنِهِ فِيمَا لو قال الْوَرَثَةُ يُكَفَّنُ بِهِ وَالْغُرَمَاءُ بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ ليس لِكَوْنِهِ وَاجِبًا في التَّكْفِينِ بَلْ لِكَوْنِهِ حَقًّا لِلْمَيِّتِ يَتَقَدَّمُ بِهِ على الْغُرَمَاءِ ولم يُسْقِطْهُ على أَنَّ هذا الِاتِّفَاقَ لَا يَسْلَمُ من نِزَاعٍ كما قَالَهُ ابن الرِّفْعَةِ وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَهُوَ مع حَمْلِهِ على ما قُلْنَا مُسْتَثْنًى لِتَأَكُّدِ
____________________
(1/307)
أَمْرِهِ وَإِلَّا فَقَدْ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ لِلْغُرَمَاءِ مَنْعَ ما يُصْرَفُ في الْمُسْتَحَبِّ وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ الْمَنْعُ من ثَلَاثَةٍ تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْمَالِكِ وَفَارَقَ الْغَرِيمُ بِأَنَّ حَقَّهُ سَابِقٌ وَبِأَنَّ مَنْفَعَةَ صَرْفِ الْمَالِ له تَعُودُ إلَى الْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ فِيهِمَا فَلَوْ أَنْفَقَ الْوَرَثَةُ على ثَوْبٍ أو قال بَعْضُهُمْ يُكَفَّنُ بِثَلَاثَةٍ وَبَعْضُهُمْ بِثَوْبٍ ولم يُوصِ الْمَيِّتُ بِهِ فِيهِمَا كُفِّنَ بِثَلَاثَةٍ أَمَّا مَنْعُهُ من الزَّائِدِ على الثَّلَاثَةِ وَلَوْ في الْمَرْأَةِ فَجَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ كما حَكَاهُ الْإِمَامُ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْخَمْسَةَ لَيْسَتْ مُتَأَكِّدَةً في حَقِّ الْمَرْأَةِ كَتَأَكُّدِ الثَّلَاثَةِ في حَقِّ الرَّجُلِ حتى يُجْبَرَ الْوَارِثُ عليها كما يُجْبَرُ على الثَّلَاثَةِ وَبِهِ صَرَّحَ في الرَّوْضَةِ وَلَوْ قال بَعْضُ الْوَرَثَةِ أُكَفِّنُهُ من مَالِي وَبَعْضُهُمْ من التَّرِكَةِ أُجِيبَ الثَّانِي دَفْعًا لِلْمِنَّةِ عنه قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِتَكْفِينِهِ وَقَبِلَ الْوَرَثَةُ جَازَ وَإِنْ امْتَنَعُوا أو بَعْضُهُمْ لم يُكَفَّنْ فيه لِمَا عليهم فيه من الْمِنَّةِ قَالَهُ الْجُرْجَانِيُّ وإذا قَبِلُوا قال الْقَفَّالُ فَلَهُمْ إبْدَالُهُ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهُ وَرَدَّهُ الشَّيْخُ أبو عَلِيٍّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ عَارِيَّةٌ لِلْمَيِّتِ فَإِنْ لم يُكَفَّنْ فيه وَجَبَ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ وقال الشَّيْخُ أبو زَيْدٍ إنْ كان الْمَيِّتُ مِمَّنْ يُقْصَدُ تَكْفِينُهُ لِصَلَاحِهِ أو عَمَلِهِ تَعَيَّنَ صَرْفُهُ إلَيْهِ فَإِنْ كَفَّنَهُ غَيْرُهُ رَدُّوهُ إلَى مَالِكِهِ وَإِلَّا كان لهم أَخْذُهُ وَتَكْفِينُهُ في غَيْرِهِ ذَكَرَ ذلك الْقَمُولِيُّ في الْوَصَايَا وَاقْتَصَرَ الْأَصْلُ في الْهِبَةِ على كَلَامِ أبي زَيْدٍ فَرْعٌ الْكَفَنُ مع سَائِرِ مُؤَنِ التَّجْهِيزِ وَاجِبٌ في مَالِ الْمَيِّتِ غَيْرِ الْمَرْهُونِ وَالْجَانِي جِنَايَةً تُوجِبُ مَالًا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ أو قَوَدًا وَعُفِيَ على مَالٍ وغير الْمُتَعَلِّقِ بِهِ زَكَاةٌ وَرُجُوعٌ أَيْ أو رُجُوعٌ فيه كَفَلَسٍ بِأَنْ اشْتَرَى شيئا في ذِمَّتِهِ وَمَاتَ مُفْلِسًا ولم يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ كَكِتَابَةٍ أَمَّا هذه الْأَشْيَاءُ وَنَحْوُهَا مِمَّا تَعَلَّقَ بِعَيْنِهِ حَقٌّ كما أَشَارَ إلَيْهِ في الْفَرَائِضِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ ثُمَّ فَهِيَ مُقَدَّمَةٌ على الْكَفَنِ وَسَائِرِ مُؤَنِ التَّجْهِيزِ لِتَأَكُّدِ تَعَلُّقِ الْحَقِّ بها وهو أَيْ كَفَنُ الْمَيِّتِ مع سَائِرِ مُؤَنِ تَجْهِيزِهِ مُقَدَّمٌ على الدَّيْنِ الذي في ذِمَّتِهِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَيْهِ كَالْمَحْجُورِ عليه بِالْفَلَسِ بَلْ أَوْلَى لِانْقِطَاعِ كَسْبِهِ ثُمَّ إنْ لم يَكُنْ له مَالٌ فَهُوَ على من تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ حَيًّا من قَرِيبٍ أو سَيِّدٍ وَعَلَيْهِ أَيْضًا تَجْهِيزُ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ وَمُكَاتَبِهِ وَإِنْ لم تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُمَا حَيَّيْنِ لِعَجْزِ الْوَلَدِ وَانْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ بِالْمَوْتِ نَفَى عَوْدَ ضَمِيرٍ عليه إلَى من تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إنْ أُعِيدَ عليه تَسَمَّحَ
وَكَذَا عليه تَجْهِيزُ زَوْجَةِ نَفْسِهِ وَلَوْ أَيْسَرَتْ أو كانت رَجْعِيَّةً أو بَائِنًا حَامِلًا لِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا عليه في الْحَيَاةِ بِخِلَافِ ما إذَا لم تَجِبْ نَفَقَتُهَا عليه في الْحَيَاةِ لِنُشُوزٍ أو صِغَرٍ أو نَحْوِهِ وَخَرَجَ بِزَوْجَةِ نَفْسِهِ زَوْجَةُ غَيْرِهِ كَزَوْجَةِ أبيه فَلَا يَلْزَمُهُ تَجْهِيزُهَا وَإِنْ لَزِمَهُ نَفَقَتُهَا لِزَوَالِ ضَرُورَةِ الْإِعْفَافِ وفي وُجُوبِ تَجْهِيزِ خَادِمِهَا وَجْهَانِ هذا من زِيَادَتِهِ هُنَا وَأَعَادَهُ في النَّفَقَاتِ وهو مع ارْتِكَابِهِ التَّكْرَارَ مُفَوِّتٌ لِبَيَانِ الْمُرَجِّحِ وهو الْوُجُوبُ الْمَأْخُوذُ من كَلَامِ الْأَصْلِ فإنه صَحَّحَ هُنَا وُجُوبَ تَجْهِيزِ الزَّوْجَةِ ثُمَّ قال ثُمَّ في وُجُوبِ تَجْهِيزِ الزَّوْجَةِ وَجْهَانِ سَبَقَا في الْجَنَائِزِ وَيَجْرِيَانِ في تَجْهِيزِ الْخَادِمَةِ لَكِنْ قال الْأَذْرَعِيُّ الْأَقْرَبُ الْمَنْعُ ثُمَّ قال وَلَا خَفَاءَ أَنَّ مَحَلَّ الْوَجْهَيْنِ في أَمَتِهَا إذَا أَخَدَمَهَا إيَّاهَا
أَمَّا لو كانت مُكْتَرَاةً أو أَمَتَهُ أو غَيْرَهُمَا فَلَا يَخْفَى حُكْمُهُ وما قَالَهُ أَوْجَهُ من قَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ إنَّ خَادِمَ الزَّوْجَةِ إذَا لم تَكُنْ لها يَجِبُ تَكْفِينُهَا لَكِنْ لَا خَفَاءَ أَنَّ التي أَخَدَمَهَا إيَّاهَا بِالِاتِّفَاقِ عليها كَأَمَتِهَا فَيَأْتِي فيها الْوَجْهَانِ فَإِنْ أَعْسَرَ
____________________
(1/308)
الزَّوْجُ عن تَجْهِيزِ زَوْجَتِهِ فَمِنْ مَالِهَا جُهِّزَتْ كَغَيْرِهَا وَإِنْ أَعْسَرَ عن بَعْضِهِ كَمَّلَ من مَالِهَا فَإِنْ لم يَكُنْ لها مَالٌ فَمِثْلُهَا من قَرِيبٍ وَغَيْرِهِ يُكَفَّنُ يَعْنِي يُجَهَّزُ وَلَوْ ذِمِّيًّا من بَيْتِ الْمَالِ كَنَفَقَةِ الْحَيِّ فَكَذَا هِيَ وَلَا يَلْزَمُ الْقَرِيبَ ولا بَيْتَ الْمَالِ في التَّكْفِينِ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ لِمَنْ عَدِمَهُ لِتَأَدِّي الْوَاجِبِ بِهِ بَلْ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عليه من بَيْتِ الْمَالِ كما يُعْلَمُ من كَلَامِ الْأَصْلِ وَكَذَا إنْ كُفِّنَ مِمَّا وُقِفَ لِلتَّكْفِينِ كما أَفْتَى بِهِ ابن الصَّلَاحِ قال وَيَكُونُ سَابِغًا وَلَا يُعْطَى الْقُطْنَ وَالْحَنُوطَ فإنه من قَبِيلِ الْأَثْوَابِ الْمُسْتَحْسَنَةِ التي لَا تُعْطَى على الْأَظْهَرِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَيَكُونُ سَابِغًا أَنَّهُ يُعْطَى وَإِنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ سِتْرُ الْعَوْرَةِ وقد يَتَوَقَّفُ فيه وفي تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِالْقَرِيبِ قُصُورٌ لِأَنَّ الزَّوْجَ وَالسَّيِّدَ كَذَلِكَ فَلَوْ عَبَّرَ كَالرَّوْضَةِ وَالْإِرْشَادِ بِمِنْ عليه نَفَقَةُ غَيْرِهِ كان أَوْلَى وَأَوْلَى منه من عليه تَجْهِيزُ غَيْرِهِ لِيَدْخُلَ الْوَلَدُ الْكَبِيرُ وَالْمُكَاتَبُ
فَإِنْ لم يَكُنْ بِبَيْتِ الْمَالِ مَالٌ أو تَعَذَّرَ التَّكْفِينُ منه فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ ثَوْبٌ وَاحِدٌ يُكَفَّنُ بِهِ قال في الْمَجْمُوعِ وَلَا يُشْتَرَطُ وُقُوعُ التَّكْفِينِ من مُكَلَّفٍ حتى لو كَفَّنَهُ غَيْرُهُ حَصَلَ التَّكْفِينُ لِوُجُودِ الْمَقْصُودِ وَفِيهِ عن الْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ لو مَاتَ إنْسَانٌ ولم يُوجَدْ ما يُكَفَّنُ بِهِ إلَّا ثَوْبٌ مع مَالِكٍ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لَزِمَهُ بَذْلُهُ له بِالْقِيمَةِ كَالطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ زَادَ الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ فَإِنْ لم يَكُنْ له مَالٌ فَمَجَّانًا لِأَنَّ تَكْفِينَهُ لَازِمٌ لِلْأَمَةِ وَلَا بَدَلَ له يُصَارُ إلَيْهِ فَرْعٌ من كُفِّنَ من ذَكَرٍ وَغَيْرِهِ وهو أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ في ثَلَاثَةٍ من الْأَثْوَابِ جُعِلَتْ لَفَائِفَ يَسْتُرُ كُلٌّ منها جَمِيعَ بَدَنِهِ مُتَسَاوِيَةً طُولًا وَعَرْضًا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ زِيدَ الرَّجُلُ قَمِيصًا وَعِمَامَةً جَازَ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بن عُمَرَ كَفَّنَ ابْنًا له في خَمْسَةِ أَثْوَابٍ قَمِيصٌ وَعِمَامَةٌ وَثَلَاثُ لَفَائِفَ وَلَيْسَتْ زِيَادَتُهُمَا مَكْرُوهَةً لَكِنَّهَا خِلَافُ الْأَوْلَى كما في الْمَجْمُوعِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كُفِّنَ في ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَلَيْسَ فيها قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ كما مَرَّ وَجُعِلَا تَحْتَ اللَّفَائِفِ لِأَنَّ إظْهَارَهُمَا زِينَةٌ وَلَيْسَ الْحَالُ حَالَ زِينَةٍ
قال في الْمَجْمُوعِ وَإِنْ كُفِّنَ في أَرْبَعَةٍ أو خَمْسَةٍ لم يُكْرَهْ ولم يُسْتَحَبَّ وإذا كُفِّنَتْ أَيْ الْمَرْأَةُ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى في خَمْسَةٍ شُدَّ عليها إزَارٌ وهو وَالْمُتَّزِرُ ما يُسْتَرُ بِهِ الْعَوْرَةُ ثُمَّ قَمِيصٌ ثُمَّ خِمَارٌ وهو ما يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ ثُمَّ يَلُفُّهُ الْأَوْلَى يَلُفُّهَا الْغَاسِلُ في ثَوْبَيْنِ لِخَبَرِ أبي دَاوُد السَّابِقِ وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ على خَمْسَةٍ لِلْمَرْأَةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهُ سَرَفٌ قال في الْمَجْمُوعِ وَلَوْ قِيلَ بِتَحْرِيمِهَا لم يَبْعُدْ وَبِهِ قال ابن يُونُسَ وقال الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ نعم يُشَدُّ نَدْبًا على صَدْرِهَا فَوْقَ الْأَكْفَانِ ثَوْبٌ سَادِسٌ يَجْمَعُ الْأَكْفَانَ عن انْتِشَارِهَا بِاضْطِرَابِ ثَدْيَيْهَا عِنْدَ الْحَمْلِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَنْ يُخَافُ من اضْطِرَابِ ثَدْيَيْهَا لِكِبَرِهِمَا كما هو الْغَالِبُ وَيُحَلُّ عنها في الْقَبْرِ كَبَقِيَّةِ الشَّدَّادَاتِ فَرْعٌ تُبَخَّرُ الْأَكْفَانُ نَدْبًا بِعُودٍ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ بِأَنْ تُجْعَلَ على أَعْوَادٍ ثُمَّ تُبَخَّرَ كما تُبَخَّرَ ثِيَابُ الْحَيِّ وَلَوْ لِمُحِدَّةٍ التَّصْرِيحُ بِهِ من زِيَادَتِهِ قال في الْمَجْمُوعِ وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ الْعُودِ غير مُطَيَّبٍ بِالْمِسْكِ وَإِنْ تَبَخَّرَ ثَلَاثًا لِخَبَرِ إذَا جَمَّرْتُمْ الْمَيِّتَ فَجَمْرَةً وَثَلَاثًا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ على شَرْطِ مُسْلِمٍ قال في الْبُوَيْطِيِّ وَلَوْ تَطَوَّعَ أَهْلُهُ فَجَعَلُوا فيه الْمِسْكَ وَالْعَنْبَرَ فَلَا بَأْسَ وَقَضِيَّةُ ما ذَكَرَ أَنَّ الْعُودَ أَوْلَى من أَنْوَاعِ الطِّيبِ وهو كَذَلِكَ فَقَدْ قال الْبَغَوِيّ إنَّهُ أَحَبُّ من الْمِسْكِ وَالْمُتَوَلِّي أَنَّهُ أَوْلَى من النِّدِّ الْمَعْمُولِ لَا مُحَرَّمٌ فَلَا تُبَخَّرُ أَكْفَانُهُ لِمَا مَرَّ في خَبَرِ الذي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ وَيُبْسَطُ الْكَفَنُ الْأَوْسَعُ أَوَّلًا عِبَارَةُ الْأَصْلِ ثُمَّ يُبْسَطُ أَحْسَنُ اللَّفَائِفِ وَأَوْسَعُهَا أَيْ كما يُظْهِرُ الْحَيُّ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَأَوْسَعَهَا وَالْمُرَادُ أَوْسَعُهَا إنْ اتَّفَقَ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُنْدَبُ أَنْ تَكُونَ مُتَسَاوِيَةً أو الْمُرَادُ بِتَسَاوِيهَا وهو الْأَوْجَهُ شُمُولُهَا لِجَمِيعِ الْبَدَنِ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ بِقَرِينَةِ كَوْنِهِ في مُقَابَلَةِ وَجْهٍ قَائِلٍ بِأَنَّ الْأَسْفَلَ يَأْخُذُ ما بين سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ وَالثَّانِي من عُنُقِهِ إلَى كَعْبِهِ وَالثَّالِثُ يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ وَيُذَرُّ بِالْمُعْجَمَةِ عليه أَيْ الْأَوْسَعُ الْحَنُوطُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَيُقَال له الْحِنَاطُ بِكَسْرِهَا وهو أَنْوَاعٌ من الطِّيبِ تُجْمَعُ لِلْمَيِّتِ وَلَا تُسْتَعْمَلُ في غَيْرِهِ
قال الْأَزْهَرِيُّ وَيَدْخُلُ فيه الْكَافُورُ وَذَرِيرَةُ الْقَصَبِ وَالصَّنْدَلُ الْأَحْمَرُ وَالْأَبْيَضُ وَكَذَا يُبْسَطُ فَوْقَهُ الثَّانِي وَيُذَرُّ عليه الْحَنُوطُ وفوق الثَّانِي الثَّالِثُ كَذَلِكَ لِئَلَّا يُسْرِعَ بَلَاؤُهَا من بَلَلٍ يُصِيبُهَا وَالثَّانِي بِالنِّسْبَةِ لِلثَّالِثِ كَالْأَوَّلِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا في الْحُسْنِ وَالسَّعَةِ وَيُزَادُ على ما يَلِيهِ أَيْ الْمَيِّتُ من الْأَكْفَانِ كَافُورٌ لِدَفْعِ الْهَوَامِّ وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ مع دُخُولِهِ في الْحَنُوطِ وَنَدَبَهُ في غَيْرِ الْأَخِيرِ أَيْضًا لِتَأَكُّدِ أَمْرِهِ وَلِأَنَّ الْمُرَادَ زِيَادَتُهُ على ما يُجْعَلُ في أُصُولِ الْحَنُوطِ وَنَصَّ الْإِمَامُ
____________________
(1/309)
وَغَيْرُهُ على اسْتِحْبَابِ الْإِكْثَارِ منه فيه بَلْ قال الشَّافِعِيُّ وَاسْتُحِبَّ أَنْ يُطَيَّبَ جَمِيعُ بَدَنِهِ بِالْكَافُورِ لِأَنَّهُ يُقَوِّيهِ وَيَشُدُّهُ وَلَوْ كُفِّنَ في خَمْسَةٍ جُعِلَ بين كُلٍّ ثَوْبَيْنِ حَنُوطٌ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَيُوضَعُ الْمَيِّتُ عليها بِرِفْقٍ مُسْتَلْقِيًا على قَفَاهُ وَيُدَسُّ بين أَلْيَتَيْهِ
الْأَفْصَحُ أَلْيَيْهِ قُطْنٌ حَلِيجٌ عليه حَنُوطٌ وَكَافُورٌ حتى يَتَّصِلَ بِالْحَلْقَةِ لِيَسُدَّ أَيْ لِيَرُدَّ الْخَارِجَ بِتَحْرِيكِهِ قال في الْأَصْلِ وَلَا يُدْخِلُهُ بَاطِنَهُ أَيْ يُكْرَهُ ذلك قال الْمُتَوَلِّي إلَّا أَنْ تَكُونَ بِهِ عِلَّةٌ يَخَافُ أَنْ يَخْرُجَ منه شَيْءٌ بِسَبَبِهَا عِنْدَ تَحْرِيكِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَنَصُّوا على الْكَافُورِ بَعْدَ الْحَنُوطِ لِمَا مَرَّ ثُمَّ يُوَثِّقُهُ بِخِرْقَةٍ مَشْقُوقَةِ الطَّرَفَيْنِ يَجْعَلُ وَسَطَهَا تَحْتَ أَلْيَتَيْهِ وَعَانَتِهِ وَيَشُدُّ ما يَلِي ظَهْرَهُ على سُرَّتِهِ وَيَعْطِفُ الشِّقَّيْنِ الْآخَرَيْنِ عليه أو يَرْبِطُهُمَا أَيْ الطَّرَفَيْنِ في فَخِذَيْهِ أَيْ بِأَنْ يَشُدَّ شِقًّا من كل رَأْسٍ على فَخِذٍ وَمِثْلَهُ على الْآخَرِ وَيَجْعَلُ على الْعَيْنَيْنِ وَالْمَنْخَرَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ وَكُلَّ مَنْفَذٍ وَجُرُوحٍ وَغَيْرِهِ بِمَعْنَى غَائِرَةٍ أَيْ نَافِذَةٍ وفي نُسْخَةٍ وَجُرْحٍ وَغَيْرِهِ قُطْنًا وعليه حَنُوطٌ دَفْعًا لِلْهَوَامِّ وَكَذَا يَجْعَلُهُ على مَسَاجِدِهِ تَكْرِمَةً لها وَهِيَ الْجَبْهَةُ وَالْأَنْفُ وَبَاطِنُ الْكَفَّيْنِ وَالرُّكْبَتَانِ وَالْقَدَمَانِ يَعْنِي بَاطِنَ أَصَابِعِهِمَا
وَيُسْتَحَبُّ جَعْلُ الْحَنُوطِ في لِحْيَتِهِ وَرَأْسِهِ كما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ ثُمَّ يَلُفُّ عليه أَيْ الْمَيِّتِ الثَّوْبَ الْأَوَّلَ وهو الذي يَلِيهِ فَيَضُمُّ منه شِقَّهُ الْأَيْسَرَ على شِقِّ الْمَيِّتِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْمَنَ على الْأَيْسَرِ لَا عَكْسُهُ كما يَفْعَلُ الْحَيُّ بِالْقَبَاءِ ثُمَّ يَلُفُّ الثَّانِيَ ثُمَّ الثَّالِثَ كَذَلِكَ وَيَجْمَعُ الْفَاضِلَ عِنْدَ رَأْسِهِ جَمْعَ الْعِمَامَةِ ثُمَّ يَرُدُّهُ على وَجْهِهِ وَصَدْرِهِ إلَى حَيْثُ يَبْلُغُ ويرد الْفَاضِلَ من رِجْلَيْهِ على قَدَمَيْهِ وَسَاقَيْهِ وَلِيَكُنْ فَاضِلُ الرَّأْسِ أَكْثَرَ كَالْحَيِّ وَلِخَبَرِ مُصْعَبٍ السَّابِقِ ثُمَّ يَشُدُّ الْأَكْفَانَ عليه بِشِدَادٍ لِئَلَّا تَنْتَشِرَ عِنْدَ الْحَمْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا كما صَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ وَيَحِلُّ في الْقَبْرِ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ معه في الْقَبْرِ شَيْءٌ مَعْقُودٌ وَلَا يَجِبُ الْحَنُوطُ بَلْ يُنْدَبُ وَيَسْتَوِي في الْكَفَنِ بِصِفَتِهِ من حَيْثُ الْعَدَدُ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَلَا يُعَدُّ أَيْ لَا يُنْدَبُ أَنْ يَعُدَّ لِنَفْسِهِ كَفَنًا لِئَلَّا يُحَاسَبَ عليه أَيْ على اتِّخَاذِهِ لَا على اكْتِسَابِهِ لِأَنَّ ذَاكَ ليس مُخْتَصًّا بِالْكَفَنِ بَلْ سَائِرِ أَمْوَالِهِ كَذَلِكَ وَلِأَنَّ تَكْفِينَهُ من مَالِهِ وَاجِبٌ وهو يُحَاسَبُ عليه بِكُلِّ حَالٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ من جِهَةِ حِلٍّ وَأَثَرِ ذِي صَلَاحٍ فَحَسُنَ إعْدَادُهُ وقد صَحَّ عن بَعْضِ الصَّحَابَةِ فِعْلُهُ لَكِنْ لَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ فيه كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ بَلْ لِلْوَارِثِ إبْدَالُهُ لَكِنَّ قَضِيَّةَ بِنَاءِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ ذلك على ما لو قال اقْضِ دَيْنِي من هذا الْمَالِ الْوُجُوبُ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُومِئُ إلَيْهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالْمُتَّجِهُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ فَلَا يَجِبُ عليه ذلك وَلِهَذَا لو نَزَعَ الثِّيَابَ الْمُلَطَّخَةَ بِالدَّمِ عن الشَّهِيدِ وَكَفَّنَهُ في غَيْرِهَا جَازَ مع أَنَّ فيها أَثَرَ الْعِبَادَةِ الشَّاهِدَ له بِالشَّهَادَةِ فَهَذَا أَوْلَى قال وَلَوْ أَعَدَّ له قَبْرًا يُدْفَنُ فيه فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لِلِاعْتِبَارِ بِخِلَافِ الْكَفَنِ قال الْعَبَّادِيُّ وَلَا يَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ ما دَامَ حَيًّا وَوَافَقَهُ ابن يُونُسَ وَأَفْتَى ابن الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ كِتَابَةُ شَيْءٍ من الْقُرْآنِ على الْكَفَنِ صِيَانَةً عن صَدِيدِ الْمَوْتَى قال في الْمَجْمُوعِ وَلَوْ نُبِشَ الْقَبْرُ وَأُخِذَ كَفَنُهُ فَفِي التَّتِمَّةِ يَجِبُ تَكْفِينُهُ ثَانِيًا سَوَاءٌ أَكَانَ كَفَنٌ من مَالِهِ أَمْ من مَالِ من عليه نَفَقَتُهُ أَمْ من بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ في الْمَرَّةِ الْأُولَى الْحَاجَةُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ وفي الْحَاوِي إذَا كُفِّنَ من مَالِهِ وَقُسِمَتْ التَّرِكَةُ ثُمَّ سُرِقَ كَفَنُهُ اُسْتُحِبَّ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُكَفِّنُوهُ ثَانِيًا وَلَا يَلْزَمُهُمْ لِأَنَّهُ لو لَزِمَهُمْ ثَانِيًا لَلَزِمَهُمْ إلَى ما لَا يَتَنَاهَى بَابُ حَمْلِ الْجَنَائِزِ ليس في حَمْلِهَا دَنَاءَةٌ وَسُقُوطُ مُرُوءَةٍ بَلْ هو بِرٌّ وَإِكْرَامٌ لِلْمَيِّتِ فَقَدْ فَعَلَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَلَا يَتَوَلَّاهُ إلَّا الرِّجَالُ وَإِنْ كان الْمَيِّتُ امْرَأَةً لِضَعْفِ النِّسَاء غَالِبًا وقد يَنْكَشِفُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ لو حَمَلْنَ فَيُكْرَهُ لَهُنَّ حَمْلُهُ لِذَلِكَ فَإِنْ لم يُوجَدْ غَيْرُهُنَّ تَعَيَّنَ عَلَيْهِنَّ وَيَحْرُمُ حَمْلُهُ أَيْ الْمَيِّتِ بِهَيْئَةٍ مُزْرِيَةٍ كَحَمْلِهِ في غِرَارَةٍ أو قُفَّةٍ أو بِهَيْئَةٍ يُخْشَى سُقُوطُهُ منها قال في الْمَجْمُوعِ وَيُحْمَلُ على سَرِيرٍ أو لَوْحٍ أو مَحْمَلٍ وَأَيِّ شَيْءٍ حُمِلَ عليه أَجْزَأَ فَإِنْ خِيفَ تَغَيُّرُهُ وَانْفِجَارُهُ قبل أَنْ يُهَيَّأَ له ما يُحْمَلُ عليه فَلَا بَأْسَ أَنْ يُحْمَلَ على الْأَيْدِي وَالرِّقَابِ حتى يُوصَلَ إلَى الْقَبْرِ وَالْحَمْلُ بين الْعَمُودَيْنِ أَفْضَلُ من التَّرْبِيعِ لِحَمْلِ سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ عَبْدَ الرحمن بن عَوْفٍ وَحَمْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سَعْدَ بن مُعَاذٍ رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ الْأَوَّلِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَالثَّانِي بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وهو أَنْ يَدْخُلَ بَيْنَهُمَا أَيْ بين الْعَمُودَيْنِ الْمُقَدَّمَيْنِ وَهُمَا الْخَشَبَتَانِ الشَّاخِصَتَانِ وَاحِدٌ
____________________
(1/310)
فَيَضَعُهُمَا على عَاتِقِيهِ وَالْمُعْتَرِضَةُ بَيْنَهُمَا على كَتِفَيْهِ فَإِنْ عَجَزَ عن الْحَمْلِ أَعَانَهُ اثْنَانِ بِالْعَمُودَيْنِ بِأَنْ يَضَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَاحِدًا مِنْهُمَا على عَاتِقِهِ ويأخذ اثْنَانِ بِالْمُؤَخِّرَيْنِ في حَالَتَيْ الْعَجْزِ وَعَدَمِهِ
وَلَا يَدْخُلُ وَاحِدٌ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَرَى ما بين قَدَمَيْهِ بِخِلَافِ الْمُقَدَّمَيْنِ فَحَامِلُهَا بِلَا عَجْزٍ ثَلَاثَةٌ وَبِهِ خَمْسَةٌ فَإِنْ عَجَزُوا فَسَبْعَةٌ أو تِسْعَةٌ أو أَكْثَرُ وِتْرًا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي في قَوْلِهِ وَالتَّرْبِيعُ أَنْ يَحْمِلَ كُلٌّ من بَيْنِ أَرْبَعَةٍ بِعَمُودٍ بِأَنْ يَضَعَ أَحَدُ الْمُتَقَدِّمَيْنِ الْعَمُودَ الْأَيْمَنَ على عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَالْآخَرُ الْعَمُودَ الْأَيْسَرَ على عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ وَالْمُتَأَخِّرَانِ كَذَلِكَ فَإِنْ عَجَزُوا فَسِتَّةٌ أو ثَمَانِيَةٌ أو أَكْثَرُ شَفْعًا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَالزَّائِدُ على الْأَصْلِ يَحْمِلُ من الْجَوَانِبِ أو يُزَادُ عَمَدٌ مُعْتَرِضَةٌ كما فُعِلَ بِعُبَيْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ لِبَدَانَتِهِ وَأَمَّا ما يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ من الِاقْتِصَارِ على اثْنَيْنِ أو وَاحِدٍ فَمَكْرُوهٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَحَلَّهُ في غَيْرِ الطِّفْلِ الذي جَرَتْ الْعَادَةُ بِحَمْلِهِ على الْأَيْدِي وَالْحَمْلُ تَارَةً كَذَا أَيْ بِهَيْئَةِ الْحَمْلِ بين الْعَمُودَيْنِ وَتَارَةً كَذَا أَيْ بِهَيْئَةِ التَّرْبِيعِ أَفْضَلُ من الِاقْتِصَارِ على إحْدَاهُمَا كما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ كَثِيرُونَ كما في الْمَجْمُوعِ خُرُوجًا من الْخِلَافِ في أَيِّهِمَا أَفْضَلُ وَتَفْسِيرِ صِفَةِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِمَا ذَكَرَ هو ما في الْأَصْلِ عن بَعْضِهِمْ وَنَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَصِفَةُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ما أَشَارَ إلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ
وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ أَنْ يَحْمِلَهَا خَمْسَةٌ أَرْبَعَةٌ من الْجَوَانِبِ وَوَاحِدٌ بين الْعَمُودَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَ الْمَاوَرْدِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجِنَازَةِ إذْ الْأَفْضَلُ حَمْلُهَا بِخَمْسَةٍ دَائِمًا وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلٍّ من مُشَيِّعِيهَا فَيَحْمِلُ تَارَةً كَذَا وَتَارَةً كَذَا فَيَكُونُ لِلْجَمْعِ كَيْفِيَّتَانِ كَيْفِيَّةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجِنَازَةِ وَكَيْفِيَّةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى كل أَحَدٍ وَمَنْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ بِالْجَمْعِ بين الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ بِهَيْئَةِ التَّرْبِيعِ بَدَأَ بِالْعَمُودِ الْأَيْسَرِ من مُقَدِّمِهَا بِأَنْ يَضَعَهُ على عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ لِأَنَّ فيه الْبُدَاءَةَ بِيَمِينِ الْحَامِلِ وَالْمَحْمُولِ ثُمَّ بِالْأَيْسَرِ من مُؤَخِّرِهَا كَذَلِكَ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ بين يَدَيْهَا لِئَلَّا يَمْشِيَ خَلْفَهَا فَيَبْدَأُ بِالْأَيْمَنِ من مُقَدِّمِهَا على عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ بِالْأَيْمَنِ من مُؤَخِّرِهَا كَذَلِكَ وَمَنْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ بِحَمْلِهَا بِهَيْئَةِ الْحَمْلِ بين الْعَمُودَيْنِ بَدَأَ بِحَمْلِ الْمُقَدِّمِ على كَتِفَيْهِ ثُمَّ بِالْعَمُودِ الْأَيْسَرِ الْمُؤَخِّرِ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ بين يَدَيْهَا فَيَأْخُذُ الْأَيْمَنَ الْمُؤَخِّرَ أو بِحَمْلِهَا بِالْهَيْئَتَيْنِ أتى فِيمَا يَظْهَرُ بِمَا أتى بِهِ في الْأَوْلَى وَيَحْمِلُ الْمُقَدَّمُ على كَتِفَيْهِ مُقَدِّمًا أو مُؤَخِّرًا ثُمَّ رَأَيْت السُّبْكِيَّ بَحَثَ ذلك لَكِنَّهُ جَعَلَ حَمْلَ الْمُقَدِّمِ على كَتِفَيْهِ مُؤَخِّرًا وَلَيْسَ بِقَيْدِ بَلْ الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرْت في شَرْحِ الْبَهْجَةِ فَصْلٌ وَالْمَشْيُ لِلْمُشَيِّعِ لها وَكَوْنُهُ أَمَامَهَا أَفْضَلَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلِأَنَّهُ شَفِيعٌ وَحَقُّ الشَّفِيعِ أَنْ يَتَقَدَّمَ وَأَمَّا ما رُوِيَ مِمَّا يُخَالِفُ ذلك كَخَبَرِ امْشُوا خَلْفَ الْجَنَائِزِ فَضَعِيفٌ وكونه قَرِيبًا منها بِحَيْثُ يَرَاهَا إنْ الْتَفَتَ إلَيْهَا أَفْضَلَ منه بَعِيدًا بِأَنْ لَا يَرَاهَا لِكَثْرَةِ الْمَاشِينَ مَعَهَا لِلْخَبَرِ الْآتِي قال في الْمَجْمُوعِ فَإِنْ بَعُدَ عنها فَإِنْ كان بِحَيْثُ يُنْسَبُ إلَيْهَا بِأَنْ يَكُونَ التَّابِعُونَ كَثِيرِينَ حَصَلَتْ الْفَضِيلَةُ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ مَشَى خَلْفَهَا حَصَلَ له فَضِيلَةُ أَصْلُ الْمُتَابَعَةِ وَفَاتُهُ كَمَالُهَا وَلَوْ تَقَدَّمَ إلَى الْمَقْبَرَةِ لم يُكْرَهْ ثُمَّ هو بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قام حتى تُوضَعَ الْجِنَازَةُ وَإِنْ شَاءَ قَعَدَ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَكَذَا ذَهَابُهُ أَمَامَهَا وَقَرِيبًا منها إنْ رَكِبَ أَفْضَلُ كَذَا في الْأَصْلِ وَالْمَجْمُوعِ لَكِنْ قال الرَّافِعِيُّ في شَرْحِ مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ تَبَعًا لِلْخَطَّابِيِّ أَمَّا ذَهَابُ الرَّاكِبِ خَلْفَهَا فَأَفْضَلُ بِالِاتِّفَاقِ وَدَلِيلُهُ خَبَرُ الرَّاكِبِ يَسِيرُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ وَالْمَاشِي عن يَمِينِهَا وَشِمَالِهَا قَرِيبًا منها
وَالسَّقْطُ يُصَلَّى عليه وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالْعَافِيَةِ وَالرَّحْمَةِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ عن الْمُغِيرَةِ وقال صَحِيحٌ على شَرْط الْبُخَارِيِّ وَلِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ يُؤْذِي الْمُشَاةَ نَبَّهَ على ذلك الْأَذْرَعِيُّ ثُمَّ قال فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ انْتَهَى وَدَلِيلُهُ قَوِيٌّ لَكِنْ قال الْإِسْنَوِيُّ دَعْوَى الِاتِّفَاقِ خَطَأٌ إذْ لَا خِلَافَ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَكُونُ أَمَامَهَا كما ذَكَرَهُ في الشَّرْحَيْنِ وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ منهم الْمَاوَرْدِيُّ وَالْإِمَامُ وَاَلَّذِي أَوْقَعَ الرَّافِعِيَّ في ذلك هو الْإِمَامُ الْخَطَّابِيُّ وَيُكْرَهُ رُكُوبُهُ في ذَهَابِهِ مَعَهَا لِخَبَرِ إنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم رَأَى نَاسًا رُكْبَانًا في جِنَازَةٍ فقال أَلَا تَسْتَحْيُونَ أَنَّ مَلَائِكَةَ اللَّهِ على أَقْدَامِهِمْ وَأَنْتُمْ على ظُهُورِ الدَّوَابِّ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال رُوِيَ عن ثَوْبَانَ مَوْقُوفًا وَرَوَى أبو دَاوُد أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أُتِيَ بِدَابَّةٍ وهو مع جِنَازَةٍ فَأَبَى أَنْ يَرْكَبَ فلما انْصَرَفَ أُتِيَ بِدَابَّةٍ فَرَكِبَ فَقِيلَ له فقال إنَّ الْمَلَائِكَةَ كانت تَمْشِي فلم أَكُنْ لِأَرْكَبَ وَهُمْ يَمْشُونَ فلما ذَهَبُوا رَكِبْت بِلَا عُذْرٍ أَمَّا رُكُوبُهُ بِعُذْرٍ كَمَرَضٍ وَضَعْفٍ أو في
____________________
(1/311)
رُجُوعِهِ فَلَا كَرَاهَةَ فيه وَالتَّصْرِيحُ بِالْكَرَاهَةِ من زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهَا في الْمَجْمُوعِ عن الْأَصْحَابِ ثُمَّ الْإِسْرَاعُ بها بين الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ وَالْخَبَبُ أَفْضَلُ لِخَبَرِ أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ السَّابِقِ وَحُمِلَ على ذلك لِأَنَّ ما فَوْقَهُ يُؤَدِّي إلَى انْقِطَاعِ الضُّعَفَاءِ هذا إنْ لم يَضُرَّهُ الْإِسْرَاعُ فَإِنْ ضَرَّهُ فَالتَّأَنِّي أَفْضَلُ فَإِنْ خِيفَ عليه تَغَيُّرٌ أو انْفِجَارٌ أو انْتِفَاخٌ زِيدَ في الْإِسْرَاعِ وَتُسْتَرُ الْمَرْأَةُ بِشَيْءٍ كَالْخَيْمَةِ مُبَالَغَةً في السِّتْرِ وَتَشْيِيعُ الْجِنَازَةِ إلَى أَنْ تُدْفَنَ سُنَّةٌ مُتَأَكِّدَةٌ لِلرِّجَالِ لِخَبَرِ أَمَرَنَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وقد مَرَّ مَكْرُوهٌ لِلنِّسَاءِ إنْ لم يَتَضَمَّنْ حَرَامًا كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن أُمِّ عَطِيَّةَ نُهِينَا عن اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ ولم يَعْزِمْ عَلَيْنَا أَيْ نَهْيًا غير مُحَتَّمٍ فَهُوَ نَهْيُ تَنْزِيهٍ وَأَمَّا ما رَوَاهُ ابن مَاجَهْ وَغَيْرُهُ مِمَّا يَدُلُّ على التَّحْرِيمِ فَضَعِيفٌ وَلَوْ صَحَّ حُمِلَ على ما يَتَضَمَّنُ حَرَامًا وَلَهُ بِلَا كَرَاهَةٍ كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ تَشْيِيعُ جِنَازَةِ كَافِرٍ قَرِيبٍ لِمَا رَوَى أبو دَاوُد عن عَلِيٍّ قال لَمَّا مَاتَ أبو طَالِبٍ أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقُلْت إنَّ عَمَّك الشَّيْخَ الضَّالَّ قد مَاتَ قال انْطَلِقْ فَوَارِهِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَا يَبْعُدُ إلْحَاقُ الزَّوْجَةِ وَالْمَمْلُوكِ بِالْقَرِيبِ وَهَلْ يَلْحَقُ بِهِ الْجَارُ كما في الْعِيَادَةِ فيه نَظَرٌ انْتَهَى وَأَمَّا زِيَارَةُ قَبْرِهِ فَفِي الْمَجْمُوعِ الصَّوَابُ جَوَازُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ اسْتَأْذَنْت رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فلم يَأْذَنْ لي وَاسْتَأْذَنْته أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لي وفي رِوَايَةٍ له فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْمَوْتَ وَيُكْرَهُ أَنْ تُتَّبَعَ الْجِنَازَةُ بِنَارٍ أو مِجْمَرَةٍ الْأَوْلَى قَوْلُ الرَّوْضَةِ أَنْ تُتَّبَعَ بِنَارٍ في مِجْمَرَةٍ أو غَيْرِهَا وَأَنْ يُجْمَرَ عِنْدَ الْقَبْرِ لِخَبَرِ أبي دَاوُد لَا تُتْبِعُوا الْجِنَازَةَ بِصَوْتٍ وَلَا نَارٍ وَلِأَنَّهُ يُتَفَاءَلُ بِذَلِكَ فَأْلَ السَّوْءِ وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ عَمْرَو بن الْعَاصِ قال إذَا أنا مِتُّ فَلَا تَصْحَبْنِي نَارٌ وَلَا نَائِحَةٌ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عن أبي مُوسَى أَنَّهُ أَوْصَى لَا تُتْبِعُونِي بِصَارِخَةٍ وَلَا مِجْمَرَةٍ وَلَا تَجْعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَ الْأَرْضِ شيئا وَالنَّوْحُ وهو رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ وَالصِّيَاحُ أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا حَرَامٌ لِمَا مَرَّ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ النَّائِحَةُ إذَا لم تَتُبْ تُقَامُ يوم الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ من قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ من جَرَبٍ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ بَرِئَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ السِّرْبَالِ والقميص كَالدِّرْعِ وَالْقَطِرَانِ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَسُكُونِهَا دُهْنُ شَجَرٍ تُطْلَى بِهِ الْإِبِلُ الْجُرْبُ وَيُسَرَّحُ بِهِ وهو أَبْلَغُ في اشْتِعَالِ النَّارِ وَالصَّالِقَةُ بِالصَّادِ وَالسِّينِ رَافِعَةُ الصَّوْتِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ وفعلهما خَلْفَهَا أَشَدُّ تَحْرِيمًا لِمَا مَرَّ مع اشْتِغَالِ الْفِكْرِ الْمَأْمُورِ بِاشْتِغَالِهِ بِمَا يَأْتِي وَيُكْرَهُ لِلْمَاشِي يَعْنِي لِلذَّاهِبِ مَعَهَا الْحَدِيثُ في أُمُورِ الدُّنْيَا وَيُسْتَحَبُّ له الْفِكْرُ في الْمَوْتِ وما بَعْدَهُ وَفَنَاءِ الدُّنْيَا وَإِنَّ هذا آخِرُهَا وَيُسْتَحَبُّ الِاشْتِغَالُ بِالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ سِرًّا
قال النَّوَوِيُّ وَالْمُخْتَارُ وَالصَّوَابُ ما كان عليه السَّلَفُ من السُّكُونِ في حَالِ السَّيْرِ مَعَهَا فَلَا يُرْفَعُ صَوْتٌ بِقِرَاءَةٍ وَلَا ذِكْرٍ وَلَا غَيْرِهِمَا لِأَنَّهُ أَسْكَنُ لِلْخَاطِرِ وَأَجْمَعُ لِلْفِكْرِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجِنَازَةِ وهو الْمَطْلُوبُ في هذا الْحَالِ وَيُكْرَهُ الْقِيَامُ لِلْجِنَازَةِ إذَا مَرَّتْ بِهِ ولم يُرِدْ الذَّهَابَ مَعَهَا كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ قال في الْمَجْمُوعِ قد ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ من مَرَّتْ بِهِ بِالْقِيَامِ وَمَنْ تَبِعَهَا بِأَنْ لَا يَقْعُدَ عِنْدَ الْقَبْرِ حتى تُوضَعَ ثُمَّ اخْتَلَفَتْ الْعُلَمَاءُ فقال الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ هَذَانِ الْقِيَامَانِ مَفْسُوخَانِ فَلَا يُؤْمَرُ أَحَدٌ مِنْهُمَا بِالْقِيَامِ وقال آخَرُونَ من أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ الْقِيَامُ إذَا لم يُرِدْ الْمَشْيَ مَعَهَا وقال الْمُتَوَلِّي يُسْتَحَبُّ لَهُمَا الْقِيَامُ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمُتَوَلِّي هو الْمُخْتَارُ فَقَدْ صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ بِالْأَمْرِ بِالْقِيَامِ ولم يَثْبُتْ في الْقُعُودِ شَيْءٌ إلَّا حَدِيثَ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه وَلَيْسَ صَرِيحًا في النَّسْخِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْقُعُودَ فيه لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَذَكَرَ مثله في شَرْحِ مُسْلِمٍ وَأَرَادَ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ ما رَوَاهُ عنه الْبَيْهَقِيُّ قال قام النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مع الْجِنَازَةِ حتى تُوضَعَ وَقَامَ الناس معه ثُمَّ قَعَدَ بَعْدَ ذلك وَأَمَرَهُمْ بِالْقُعُودِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِنَحْوِهِ وفي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ أَنَّ عَلِيًّا رَأَى نَاسًا قِيَامًا يَنْتَظِرُونَ الْجِنَازَةَ أَنْ تُوضَعَ فَأَشَارَ إلَيْهِمْ بِدِرَّةٍ معه أو سَوْطٍ أَنْ اجْلِسُوا فإن رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قد جَلَسَ بَعْدَمَا كان يَقُومُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَفِيمَا اخْتَارَهُ نَظَرٌ لِأَنَّ الذي فَهِمَهُ عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه التَّرْكَ مُطْلَقًا وهو الظَّاهِرُ وَلِهَذَا أَمَرَ بِالْقُعُودِ من رَآهُ قَائِمًا وَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ فَرْعٌ قال في الْمَجْمُوعِ قال الْبَنْدَنِيجِيُّ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ أَنْ يَدْعُوَ لها وَأَنْ يُثْنِيَ عليها إنْ كانت أَهْلًا لِذَلِكَ وَأَنْ يَقُولَ من رَآهَا سُبْحَانَ الْحَيِّ الذي لَا يَمُوتُ أو سُبْحَانَ اللَّهِ الْمِلْكِ الْقُدُّوسِ انْتَهَى وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كان إذَا رَأَى جِنَازَةً قال هذا ما وَعَدَنَا
____________________
(1/312)
اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ اللَّهُمَّ زِدْنَا إيمَانًا وَتَسْلِيمًا ثُمَّ أَسْنَدَ أَيْضًا عن أَنَسٍ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من رَأَى جِنَازَةً فقال اللَّهُ أَكْبَرُ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ هذا ما وَعَدَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ اللَّهُمَّ زِدْنَا إيمَانًا وَتَسْلِيمًا كُتِبَ له عِشْرُونَ حَسَنَةً بَابُ الصَّلَاةِ على الْمَيِّتِ إنَّمَا تَصِحُّ على مَيِّتٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ شَهِيدٍ فَلَا تَصِحُّ على حَيٍّ وَلَا على عُضْوٍ دُونَ بَاقِيهِ وَلَا كَافِرٍ وَلَا شَهِيدٍ كما سَيَأْتِي وَإِنْ وُجِدَ جُزْءٌ منه أَيْ من مُسْلِمٍ غَيْرِ شَهِيدٍ وَتَحَقَّقَ مَوْتُهُ وَلَوْ كان الْجُزْءُ ظُفْرًا أو شَعْرًا وَجَبَ غُسْلُهُ وَالصَّلَاةُ على الْمَيِّتِ كَالْمَيِّتِ الْحَاضِرِ وَلَا يَقْدَحُ غَيْبَةُ بَاقِيهِ فَقَدْ صلى الصَّحَابَةُ على يَدِ عبد الرحمن بن عَتَّابِ بن أَسِيدٍ وقد أَلْقَاهَا طَائِرُ نَسْرٍ بِمَكَّةَ في وَقْعَةِ الْجَمَلِ وَعَرَفُوهَا بِخَاتَمِهِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بَلَاغًا وَكَانَتْ الْوَقْعَةُ في جُمَادَى سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَيُشْتَرَطُ انْفِصَالُهُ من مَيِّتٍ لِيَخْرُجَ الْمُنْفَصِلُ من حَيٍّ كَأُذُنِهِ الْمُلْتَصِقَةِ إذَا وُجِدَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَأَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ ثُمَّ قال فَلَوْ أُبِينَ عُضْوٌ من إنْسَانٍ فَمَاتَ في الْحَالِ فَحُكْمُ الْكُلِّ وَاحِدٌ يَجِبُ غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عليه وَدَفْنُهُ بِخِلَافِ ما إذَا مَاتَ بَعْدَ مُدَّةٍ سَوَاءٌ انْدَمَلَتْ جِرَاحَتُهُ أَمْ لَا لَا شَعْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عليها لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لها كَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَالْأَوْجَهُ أنها كَغَيْرِهَا لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ هذه الصَّلَاةَ في الْحَقِيقَةِ صَلَاةٌ على غَائِبٍ وَكَذَا تَجِبُ مُوَارَاتُهُ أَيْ الْجُزْءِ الْمَذْكُورِ بِخِرْقَةٍ إنْ كان من الْعَوْرَةِ بِنَاءً على أَنَّ الْوَاجِبَ في التَّكْفِينِ سِتْرُهَا فَقَطْ كما مَرَّ وَدَفْنُهُ كَالْمَيِّتِ
وَيُسْتَحَبُّ دَفْنُ ما انْفَصَلَ من حَيٍّ لم يَمُتْ في الْحَالِ أو مِمَّنْ شَكَكْنَا في مَوْتِهِ كَيَدِ سَارِقٍ وَظُفْرٍ وَشَعْرٍ وَعَلَقَةٍ وَدَمِ فَصْدٍ وَنَحْوِهِ إكْرَامًا لِصَاحِبِهَا وَصَرَّحَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهَا تُلَفُّ في خِرْقَةٍ أَيْضًا بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وُجُوبُ لَفِّ الْيَدِ وَدَفْنِهَا وَمَنْ وَجَدَ مَيِّتًا مَجْهُولًا أو عُضْوَهُ الْأَوْلَى أو بَعْضَهُ كما في الْأَصْلِ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ صلى عليه لِأَنَّ الْغَالِبَ فيها الْإِسْلَامُ وَإِنْ وُجِدَ في غَيْرِهَا قال الْقَاضِي مُجَلِّيٌّ وابن الرِّفْعَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ اللَّقِيطِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ في بَابِهِ وَنَوَى الصَّلَاةَ في صُورَةِ الْعُضْوِ على الْمَيِّتِ لَا الْعُضْوِ وَحْدَهُ لِأَنَّهَا في الْحَقِيقَةِ صَلَاةٌ على غَائِبٍ كما صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ قال السُّبْكِيُّ وهو الْحَقُّ وَإِنَّمَا أَزَدْنَا هُنَا شَرْطِيَّةَ حُضُورِ الْعُضْوِ وَغُسْلَهُ وَبَقِيَّةَ ما يُشْتَرَطُ في صَلَاةِ الْمَيِّتِ الْحَاضِرِ وَيَكُونُ الْجُزْءُ الْغَائِبُ تَبَعًا لِلْحَاضِرِ قال وَكَلَامُهُمْ كَالصَّرِيحِ في وُجُوبِ هذه الصَّلَاةِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ كما مَرَّ قال أَعْنِي السُّبْكِيَّ وهو ظَاهِرٌ إذَا لم يُصَلِّ على الْمَيِّتِ وَإِلَّا فَهَلْ نَقُولُ تَجِبُ حُرْمَةٌ له كَالْجُمْلَةِ أو لَا فيه احْتِمَالٌ يُعْرَفُ من كَلَامِهِمْ في النِّيَّةِ انْتَهَى
وَقَضِيَّتُهُ أنها لَا تَجِبُ وهو ظَاهِرٌ إنْ كان قد صلى عليه بَعْدَ غَسْلِ الْعُضْوِ وَإِلَّا فَتَجِبُ لِزَوَالِ الضَّرُورَةِ الْمُجَوِّزَةِ لِلصَّلَاةِ عليه بِدُونِ غَسْلِ الْعُضْوِ بِوُجْدَانِنَا له وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الْكَافِي لو قُطِعَ رَأْسُ إنْسَانٍ بِبَلَدٍ وَحُمِلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ صُلِّيَ عليه حَيْثُ هو وَعَلَى الْجُثَّةِ حَيْثُ هِيَ وَلَا يُكْتَفَى بِالصَّلَاةِ على أَحَدِهِمَا وَلَوْ قال الْمُصَنِّفُ صُلِّيَ على الْمَيِّت كما قال فِيمَا مَرَّ وَتَرْكُ ما بَعْدَهُ كان أَخْصَرَ فَرْعٌ السِّقْطُ بِتَثْلِيثِ سِينِهِ إنْ اسْتَهَلَّ أَيْ صَاحَ وَالْمُرَادُ إنْ عُلِمَتْ حَيَاتُهُ بِصِيَاحٍ أو غَيْرِهِ فَكَالْكَبِيرِ فَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عليه وَيُدْفَنُ لِتَيَقُّنِ حَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ بَعْدَهَا وَكَذَا أَنْ اخْتَلَجَ وَتَحَرَّكَ بَعْدَ انْفِصَالِهِ لِظُهُورِ أَمَارَةِ الْحَيَاةِ فيه وَلِخَبَرِ الطِّفْلُ يُصَلَّى عليه رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْجَمْعُ بين الِاخْتِلَاجِ وَالتَّحَرُّكِ تَأْكِيدٌ وَإِلَّا بِأَنْ لم تَظْهَرْ أَمَارَةُ الْحَيَاةِ بِاخْتِلَاجٍ أو نَحْوِهِ فَإِنْ بَلَغَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَيْ مِائَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَأَكْثَرَ حَدَّ نَفْخِ الرُّوحِ فيه غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَدُفِنَ وُجُوبًا بِلَا صَلَاةٍ فَلَا تَجِبُ بَلْ لَا تَجُوزُ لِعَدَمِ ظُهُورِ حَيَاتِهِ وَفَارَقَتْ ما قَبْلَهَا بِأَنَّهُ أَوْسَعُ بَابًا منها بِدَلِيلِ أَنَّ الذِّمِّيَّ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُدْفَنُ وَلَا يُصَلَّى عليه وَلِدُونِهَا أَيْ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَرَوَى بِخِرْقَةٍ وَدُفِنَ فَقَطْ نَدْبًا لَكِنَّ ما نِيطَ بِهِ ما ذُكِرَ من الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ
____________________
(1/313)
وما دُونَهَا جَرَى على الْغَالِبِ من ظُهُورِ خَلْقِ الْآدَمِيِّ عِنْدَهَا وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ إنَّمَا هو بِظُهُورِ خَلْقِهِ وَعَدَمِ ظُهُورِهِ كما يُفِيدُهُ كَلَامُ الْأَصْلِ وَعَبَّرَ عنه بَعْضُهُمْ بِزَمَنِ إمْكَانِ نَفْخِ الرُّوحِ وَعَدَمِهِ وَبَعْضُهُمْ بِالتَّخْطِيطِ وَعَدَمِهِ وَكُلُّهَا وَإِنْ كانت مُتَقَارِبَةً فَالْعِبْرَةُ بِمَا قُلْنَا فَصْلٌ يَجُوزُ غُسْلُ الْكَافِرِ وَلَوْ حَرْبِيًّا إذْ لَا مَانِعَ وَلِمَا رَوَى أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ عَلِيًّا بِغُسْلِ أبيه لَكِنْ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ لَا الصَّلَاةُ عليه وَلَوْ ذِمِّيًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تُصَلِّ على أَحَدٍ منهم مَاتَ أَبَدًا وَيَجِبُ تَكْفِينُ الذِّمِّيِّ وَدَفْنُهُ عَلَيْنَا إذَا لم يَكُنْ له مَالٌ وَلَا من تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَفَاءً بِذِمَّتِهِ كما يَجِبُ إطْعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ حَيًّا حِينَئِذٍ وفي مَعْنَاهُ الْمُعَاهِدُ وَالْمُؤَمَّنُ لَا حَرْبِيٌّ وَمُرْتَدٌّ فَلَا يَجِبُ تَكْفِينُهُمَا وَلَا دَفْنُهُمَا وَيُغْرِي بِهِمَا الْكِلَابَ جَوَازًا إذْ لَا حُرْمَةَ لَهُمَا وقد ثَبَتَ الْأَمْرُ بِإِلْقَاءِ قَتْلَى بَدْرٍ في الْقَلِيبِ بِهَيْئَتِهِمْ فَإِنْ تَأَذَّى أَحَدٌ بِرِيحِهِمَا دُفِنَا الْمُوَافِقُ لِعِبَارَةِ أَصْلِهِ فَإِنْ دُفِنَا فَلِئَلَّا يَتَأَذَّى الناس بِرِيحِهِمَا وَإِنْ اخْتَلَطَ من يُصَلَّى عليهم بِغَيْرِهِمْ من الْكُفَّارِ وَالشُّهَدَاءِ وَالسَّقْطِ الذي لم تَظْهَرْ فيه أَمَارَةُ الْحَيَاةِ غُسِّلُوا وَكَفِّنُوا وَصُلِّيَ عليهم جميعا إذْ لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِذَلِكَ وَعُورِضَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ على الْفَرِيقِ الْآخَرِ مُحَرَّمَةٌ وَلَا يَتِمُّ تَرْكُ الْمُحَرَّمِ إلَّا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَحْصِيلَ مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ أَوْلَى من دَفْعِ مَفْسَدَةِ الْحَرَامِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ في الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ على الْفَرِيقِ الْآخَرِ كما يُعْلَمُ من قَوْلِهِ
وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَجْمَعَهُمْ وَيُصَلِّيَ على الْمُسْلِمِينَ أو غَيْرِ الشُّهَدَاءِ منهم أو غَيْرِ السَّقْطِ وَيَقُولُ في الْأُولَى اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ منهم وَإِنْ أَفْرَدَ كُلًّا منهم بِصَلَاةٍ وَنَوَاهُ إنْ كان مُسْلِمًا أو غير شَهِيدٍ أو غير سَقْطٍ جَازَ وَيُغْتَفَرُ التَّرَدُّدُ في النِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً من الْخَمْسِ وَيَقُولُ في الْأَوْلَى اللَّهُمَّ اغْفِرْ له إنْ كان مُسْلِمًا قال الْإِسْنَوِيُّ وقد تَتَعَيَّنُ هذه الْكَيْفِيَّةُ كَأَنْ يُؤَدِّيَ التَّأْخِيرُ لِاجْتِمَاعِهِمْ إلَى تَغَيُّرِ أَحَدِهِمْ وَسَيَأْتِي في الدَّعَاوَى أَنَّهُ لو تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَانِ بِإِسْلَامِهِ وَكُفْرِهِ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عليه وَيَنْوِي الصَّلَاةَ عليه إنْ كان مُسْلِمًا قال في الْمَجْمُوعِ قال الْمُتَوَلِّي وَلَوْ مَاتَ ذِمِّيٌّ فَشَهِدَ عَدْلٌ بِأَنَّهُ أَسْلَمَ قبل مَوْتِهِ لم يُحْكَمْ بِشَهَادَتِهِ في تَوْرِيثِ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ منه وَلَا حِرْمَانُ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ في الصَّلَاةِ عليه فيه وَجْهَانِ بِنَاءً على الْقَوْلَيْنِ في ثُبُوتِ هِلَالِ رَمَضَانَ بِقَوْلِ عَدْلٍ وَاحِدٍ وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ قَبُولِهَا في الصَّلَاةِ عليه وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ خِلَافُهُ فَصْلٌ يَحْرُمُ غُسْلُ الشَّهِيدِ وَالصَّلَاةُ عليه وَلَوْ كان جُنُبًا وَحَائِضًا وَنُفَسَاءَ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عن جَابِرٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ في قَتْلَى أُحُدٍ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ ولم يُغَسَّلُوا ولم يُصَلِّ عليهم وفي لَفْظٍ له ولم يُصَلَّ عليهم بِفَتْحِ اللَّام وَلِخَبَرِ أَحْمَدَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا تُغَسِّلُوهُمْ فإن كُلَّ جُرْحٍ أو كَلْمٍ أو دَمٍ يَفُوحُ مِسْكًا يوم الْقِيَامَةِ ولم يُصَلِّ عليهم وَالْحِكْمَةُ في ذلك إبْقَاءُ أَثَرِ الشَّهَادَةِ عليهم وَالتَّعْظِيمُ لهم بِاسْتِغْنَائِهِمْ عن دُعَاءِ الْقَوْمِ قال في الْمَجْمُوعِ وَأَمَّا خَبَرُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَرَجَ فَصَلَّى على قَتْلَى أُحُدٍ صَلَاتَهُ على الْمَيِّتِ وفي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ فَالْمُرَادُ دَعَا لهم كَدُعَائِهِ لِلْمَيِّتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَصَلِّ عليهم وَالْإِجْمَاعُ يَدُلُّ له لِأَنَّهُ لَا يُصَلَّى عليه عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْمُخَالِفِ لَا يُصَلَّى على الْقَبْرِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِنَّمَا سَقَطَ غُسْلُ الْجُنُبِ وَنَحْوُهُ بِالشَّهَادَةِ لِأَنَّ حَنْظَلَةَ بن الرَّاهِبِ قُتِلَ يوم أُحُدٍ وهو جُنُبٌ ولم يُغَسِّلْهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وقال رَأَيْت الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُهُ رَوَاهُ ابن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ في صَحِيحَيْهِمَا فَلَوْ كان وَاجِبًا لم يَسْقُطْ إلَّا بِفِعْلِنَا وَلِأَنَّهُ طُهْرٌ عن حَدَثٍ فَسَقَطَ بِالشَّهَادَةِ كَغُسْلِ الْمَوْتِ فَيَحْرُمُ إذْ لَا قَائِلَ بِغَيْرِ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ وَلِهَذَا قال في الْمَجْمُوعِ يَحْرُمُ غُسْلُهُ لِأَنَّهَا طَهَارَةُ حَدَثٍ فلم تَجُزْ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ
وهو أَيْ الشَّهِيدُ من مَاتَ وَلَوْ امْرَأَةً أو رَقِيقًا أو صَبِيًّا أو مَجْنُونًا في حَالِ الْقِتَالِ أو لم تَبْقَ فيه حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ بِسَبَبِ قِتَالِ الْكُفَّارِ بَلْ أو الْكَافِرِ الْوَاحِدِ وَلَوْ قال أَوَّلًا في حَالِ قِتَالِ
____________________
(1/314)
الْكُفَّارِ وَثَانِيًا بِسَبَبِ الْقِتَالِ كان أَوْلَى وَلَوْ مَاتَ بِدَابَّتِهِ الْأَوْلَى بِدَابَّةٍ بِالتَّنْكِيرِ أَيْ بِسَبَبِهَا وبسبب سِلَاحِهِ أو سِلَاحِ مُسْلِمٍ آخَرَ خَطَأً أو تَرَدَّى في وَهْدَةٍ أو مَاتَ وجهل السَّبَبُ الذي مَاتَ بِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ بِهِ أَثَرُ دَمٍ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبِ الْقِتَالِ وَقَوْلُهُ خَطَأً إيضَاحٌ فإن ما خَرَجَ بِهِ عُلِمَ من قَوْلِهِ بِسَبَبِ الْقِتَالِ فَإِنْ جُرِحَ في الْقِتَالِ وقد بَقِيَتْ فيه بَعْدَ انْقِضَائِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَلَا أَيْ فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ وَإِنْ قُطِعَ بِمَوْتِهِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ عَاشَ بَعْدَهُ فَأَشْبَهَ ما لو مَاتَ بِغَيْرِ سَبَبِهِ وَلَا من مَاتَ فَجْأَةً فيه أو بِمَرَضٍ أو قَتَلَهُ أَهْلُ بَغْيٍ أو اُغْتِيلَ أَيْ قَتَلَهُ غِيلَةً مُسْلِمٌ مُطْلَقًا أو كَافِرٌ في غَيْرِ قِتَالٍ وَاسْمُ الشَّهِيدِ في الْفِقْهِ مُخَصَّصٌ بِمَنْ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عليه مِمَّنْ مَاتَ مِنَّا بِالسَّبَبِ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا في الْأَجْرِ في الْآخِرَةِ فَكُلُّ مَقْتُولٍ ظُلْمًا شَهِيدٌ ذِكْرُ شَهِيدٍ تَأْكِيدٌ وَكَذَا مَبْطُونٌ وَمَطْعُونٌ وَغَرِيقٌ وَغَرِيبٌ أَيْ مَاتُوا بِالْبَطْنِ وَالطَّاعُونِ وَالْغَرَقِ وَالْغُرْبَةِ وَمَنْ مَاتَ عِشْقًا أو بِالطَّلْقِ أو بِدَارُ الْحَرْبِ أو نَحْوِ ذلك فَكُلُّهُمْ شُهَدَاءُ في الْأَجْرِ خَاصَّةً فَيَجِبُ غُسْلُهُمْ وَالصَّلَاةُ عليهم لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُهُمَا وَإِنَّمَا خَالَفْنَاهُ في الْمَيِّتِ بِسَبَبِ الْقِتَالِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِهِ وَتَرْغِيبًا فيه وَبِالْجُمْلَةِ فَالشُّهَدَاءُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ
شَهِيدٌ في حُكْمِ الدُّنْيَا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عليه وفي حُكْمِ الْآخِرَةِ بِمَعْنَى أَنَّ له ثَوَابًا خَاصًّا وهو من قُتِلَ في قِتَالِ الْكُفَّارِ بِسَبَبِهِ وقد قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَشَهِيدٌ في الْآخِرَةِ دُونَ الدُّنْيَا وهو من قُتِلَ ظُلْمًا بِغَيْرِ ذلك وَالْمَبْطُونُ وَنَحْوُهُمَا وَشَهِيدٌ في الدُّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ وهو من قُتِلَ في قِتَالِ الْكُفَّارِ بِسَبَبِهِ وقد غَلَّ من الْغَنِيمَةِ أو قُتِلَ مُدْبِرًا أو قَاتَلَ رِيَاءً أو نَحْوُهُ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ من الْغَرِيبِ الْعَاصِيَ بِغُرْبَتِهِ كَالْآبِقِ وَالنَّاشِزَةِ وَمِنْ الْغَرِيقِ الْعَاصِيَ بِرُكُوبِهِ الْبَحْرَ كَمَنْ رَكِبَهُ لِشُرْبِ الْخَمْرِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هذا لَا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ قال وَأَمَّا الْمَيِّتُ عِشْقًا فَشَرْطُهُ الْعِفَّةُ وَالْكِتْمَانُ لِخَبَرِ من عَشِقَ فَعَفَّ وَكَتَمَ فَمَاتَ مَاتَ شَهِيدًا وقد ضُعِّفَ إسْنَادُهُ وَمِنْهُمْ من صَوَّبَ وَقْفَهُ على ابْنِ عَبَّاسٍ وهو الْأَشْبَهُ وَيَجِبُ أَنْ يُرَادَ بِهِ من يُتَصَوَّرُ إبَاحَةُ نِكَاحِهِ لها شَرْعًا وَيَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَيْهَا كَزَوْجَةِ الْمَلِكِ وَإِلَّا فَعِشْقُ الْمُرْدِ مَعْصِيَةٌ فَكَيْفَ تَحْصُلُ بها دَرَجَةُ الشَّهَادَةِ قال وَيُسْتَثْنَى من الْمَيِّتَةِ بِالطَّلْقِ الْحَامِلُ بِزِنَاهَا وَأَمَّا قَاطِعُ الطَّرِيقِ إذَا اسْتَحَقَّ الصَّلْبَ مع الْقَتْلِ فَيُقْتَلُ ثُمَّ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عليه ثُمَّ يُصْلَبُ مُكَفَّنًا وَتُغْسَلُ وُجُوبًا نَجَاسَةُ شَهِيدٍ حَصَلَتْ بِغَيْرِ سَبَبِ الشَّهَادَةِ وَلَوْ أَدَّى غُسْلُهَا إلَى غُسْلِ دَمِهِ الْحَاصِلِ بِسَبَبِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ من أَثَرِ الْعِبَادَةِ بِخِلَافِ ما كان بِسَبَبِهَا من الدَّمِ فَتَحْرُمُ إزَالَتُهُ لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ عن غُسْلِ الشَّهِيدِ وَلِأَنَّهُ أَثَرُ عِبَادَةٍ فَائِدَةٌ سُمِّيَ الشَّهِيدُ الْمَذْكُورُ شَهِيدًا لَمَعَانٍ منها أَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ شَهِدَا له بِالْجَنَّةِ وَمِنْهَا أَنَّهُ يُبْعَثُ وَلَهُ شَاهِدٌ بِقَتْلِهِ وهو دَمُهُ لِأَنَّهُ يُبْعَثُ وَجُرْحُهُ يَتَفَجَّرُ دَمًا وَمِنْهَا أَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَةِ يَشْهَدُونَهُ فَيَقْبِضُونَ رُوحَهُ فَرْعٌ وَالْأَوْلَى في تَكْفِينِ الشَّهِيدِ تَكْفِينُهُ في ثِيَابِهِ الْمُلَطَّخَةِ بِالدَّمِ لِخَبَرِ أبي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عن جَابِرٍ قال رُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ في صَدْرِهِ أو حَلْقِهِ فَمَاتَ فَأُدْرِجَ في ثِيَابِهِ كما هو وَنَحْنُ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْمُرَادُ ثِيَابُهُ التي مَاتَ فيها وَاعْتِيدَ لُبْسُهَا غَالِبًا وَإِنْ لم تَكُنْ مُلَطَّخَةً بِالدَّمِ لَكِنَّ الْمُلَطَّخَةَ أَوْلَى ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ فَالتَّقْيِيدُ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ بِالْمُلَطَّخَةِ لِبَيَانِ الْأَكْمَلِ وَعُلِمَ بِكَوْنِهَا أَوْلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ فيها كَسَائِرِ الْمَوْتَى وَفَارَقَ الْغُسْلَ بِإِبْقَاءِ أَثَرِ الشَّهَادَةِ على الْبَدَنِ وَالصَّلَاةِ عليه بِإِكْرَامِهِ وَالْإِشْعَارِ بِاسْتِغْنَائِهِ عن الدُّعَاءِ فَإِنْ لم تَكْفِهِ ثِيَابُهُ تُمِّمَ عليها نَدْبًا إنْ سَتَرَتْ عَوْرَتَهُ وَإِلَّا فَوُجُوبًا فَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ فَإِنْ لم يَكُنْ ما عليه سَابِغًا تُمِّمَ وَمِنْ قَوْلِ الْمَجْمُوعِ فَإِنْ لم يَكُنْ ما عليه كَافِيًا لِلْكَفَنِ الْوَاجِبِ وَجَبَ لِتَمَامِهِ وَلَوْ أَرَادَ الْوَرَثَةُ نَزْعَهَا وَتَكْفِينَهُ في غَيْرِهَا نُزِعَتْ أَيْ جَازَ نَزْعُهَا
____________________
(1/315)
وَتَكْفِينُهُ في غَيْرِهَا سَوَاءٌ أَكَانَ عليه أَثَرُ الشَّهَادَةِ أَمْ لَا وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لو أَرَادَ بَعْضُهُمْ ذلك وَامْتَنَعَ الْبَاقُونَ أُجِيبَ الْمُمْتَنِعُونَ كما لو قال بَعْضُهُمْ فَكَفَّنَهُ في ثَوْبٍ وَامْتَنَعَ الْبَاقُونَ وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ لِأَنَّ أَصْلَ التَّكْفِينِ وَاجِبٌ بِخِلَافِ تَكْفِينِ الشَّهِيدِ في ثِيَابِهِ وَتُنْزَعُ نَدْبًا كما صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ آلَةُ الْحَرْبِ عنه كَدِرْعٍ وكذا الْخُفُّ وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا يُعْتَادُ لُبْسُهُ غَالِبًا كَجِلْدٍ وَفَرْوَةٍ وَجُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ كَسَائِرِ الْمَوْتَى وفي أبي دَاوُد في قَتْلَى أُحُدٍ الْأَمْرُ بِنَزْعِ الْحَدِيدِ وَالْجُلُودِ وَدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَثِيَابِهِمْ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْخُفَّ وَنَحْوَهُ لَيْسَا من آلَةِ الْحَرْبِ وهو مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَالْأَمْرُ قَرِيبٌ وَمَعَ ذلك فَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَعَمُّ من قَوْلِ أَصْلِهِ وَأَمَّا الدِّرْعُ وَالْجِلْدُ وَالْفِرَاءُ وَالْخِفَافُ فَتُنْزَعُ فَرْعٌ وَأَوْلَى الناس بِالصَّلَاةِ على الْمَيِّتِ وَلَوْ امْرَأَةً من يَأْتِي لِأَنَّهَا من قَضَاءِ حَقِّ الْمَيِّت كَالتَّكْفِينِ وَالدَّفْنِ وَإِنْ أَوْصَى بها لِغَيْرِهِ لِأَنَّهَا حَقُّهُ فَلَا تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ بِإِسْقَاطِهَا كَالْإِرْثِ وما وَرَدَ من أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَصَّى أَنْ يُصَلِّيَ عليه عُمَرُ فَصَلَّى وَأَنَّ عُمَرَ وَصَّى أَنْ يُصَلِّيَ عليه صُهَيْبٌ فَصَلَّى وَأَنَّ عَائِشَةَ وَصَّتْ أَنْ يُصَلِّيَ عليها أبو هُرَيْرَةَ فَصَلَّى وَأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَصَّى أَنْ يُصَلِّيَ عليه الزُّبَيْرُ فَصَلَّى مَحْمُولٌ على أَنَّ أَوْلِيَاءَهُمْ أَجَازُوا الْوَصِيَّةَ فَيُقَدَّمُ الْأَبُ وَقَوْلُهُ أو نَائِبُهُ من زِيَادَتِهِ وَكَغَيْرِ الْأَبِ أَيْضًا نَائِبُهُ ثُمَّ أَبُوهُ وَإِنْ عَلَا ثُمَّ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ بِتَثْلِيثِ الْفَاءِ وَخَالَفَ ذلك تَرْتِيبَ الْإِرْثِ بِأَنَّ مُعْظَمَ الْغَرَضِ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ فَقُدِّمَ الْأَشْفَقُ لِأَنَّ دُعَاءَهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ ثُمَّ الْعَصَبَاتُ النِّسْبِيَّةُ أَيْ بَقِيَّتُهُمْ على تَرْتِيبِ الْإِرْثِ في غَيْرِ ابْنَيْ عَمِّ أَحَدِهِمَا أَخٍ لِأُمٍّ كما سَيَأْتِي فَيُقَدَّمُ الْأَخُ الشَّقِيقُ ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبِ ثُمَّ ابن الْأَخِ الشَّقِيقِ ثُمَّ ابن الْأَخِ لِلْأَبِ وَهَكَذَا وَسَيَأْتِي بَعْضُهُ
وَيُقَدَّمُ مُرَاهِقٌ وَالْمُرَادُ مُمَيِّزٌ أَجْنَبِيٌّ على امْرَأَةٍ قَرِيبَةٍ وَلَوْ اجْتَمَعَ ابْنَا عَمِّ أَحَدِهِمَا أَخٌ من أُمٍّ قُدِّمَ هو لِتَرَجُّحِهِ بِأُخُوَّةِ الْأُمِّ وَالْأُمِّ وَإِنْ لم يَكُنْ لها دَخْلٌ في إمَامَةِ الرِّجَالِ لها مَدْخَلٌ في الصَّلَاةِ في الْجُمْلَةِ لِأَنَّهَا تُصَلِّي مَأْمُومَةً وَمُنْفَرِدَةً وَإِمَامَةً لِلنِّسَاءِ عِنْدَ فَقْدِ الرِّجَالِ فَقُدِّمَ بها كما يُقَدَّمُ الْأَخُ من الْأَبَوَيْنِ على الْأَخِ من الْأَبِ ثُمَّ بَعْدَ الْعَصَبَاتِ النِّسْبِيَّةِ الْمَوْلَى فَيُقَدَّمُ الْمُعْتَقُ ثُمَّ عَصَبَاتُهُ فَيُقَدَّمُ عَصَبَاتُهُ النِّسْبِيَّةُ ثُمَّ مُعْتِقُهُ ثُمَّ عَصَبَاتُهُ النِّسْبِيَّةُ وَهَكَذَا وَذِكْرُ لَفْظِ الْمَوْلَى من زِيَادَتِهِ وَلَا فَائِدَةَ له غَيْرُ الْإِجْمَالِ ثُمَّ التَّفْصِيلُ بِمَا بَعْدَهُ ثُمَّ السُّلْطَانُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمُتَوَلِّي ثُمَّ الْأَرْحَامُ أَيْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ فَيُقَدَّمُ أبو الْأُمِّ ثُمَّ الْأَخُ لِلْأُمِّ ثُمَّ الْخَالُ ثُمَّ الْعَمُّ لِلْأُمِّ فَالْأَخُ من الْأُمِّ هُنَا من ذَوِي الْأَرْحَامِ بِخِلَافِهِ في الْإِرْثِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ تَأْخِيرُ بَنِي الْبَنَاتِ عن هَؤُلَاءِ لَكِنْ قَدَّمَهُمْ في الذَّخَائِرِ على الْأَخِ لِلْأُمِّ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا حَقَّ في الصَّلَاةِ لِلزَّوْجِ وَلَا لِلْمَرْأَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا وُجِدَ مع الزَّوْجِ غَيْرُ الْأَجَانِبِ وَمَعَ الْمَرْأَةِ ذَكَرٌ وَإِلَّا فَالزَّوْجُ مُقَدَّمٌ على الْأَجَانِبِ وَالْمَرْأَةُ تُصَلِّي وَتُقَدَّمُ بِتَرْتِيبِ الذَّكَرِ
قال الْأَذْرَعِيُّ وفي تَقْدِيمِ السَّيِّدِ على أَقَارِبِ الرَّقِيقِ الْأَحْرَارِ نَظَرٌ يُلْتَفَتُ إلَى أَنَّ الرِّقَّ هل يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ أَمْ لَا قال الْإِسْنَوِيُّ وقد سَبَقَ في الْغُسْلِ أَنَّ شَرْطَ الْمُقَدَّمِ فيه أَنْ لَا يَكُونَ قَاتِلًا وَالْقِيَاسُ هُنَا مِثْلُهُ قُلْت وَنَقَلَهُ في الْكِفَايَةِ عن الْأَصْحَابِ فَرْعٌ لو اسْتَوَى اثْنَانِ في دَرَجَةٍ كَابْنَيْنِ وَأَخَوَيْنِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَهْلٌ لِلْإِمَامَةِ قُدِّمَ الْأَسَنُّ في الْإِسْلَامِ غَيْرُ الْفَاسِقِ وَالرَّقِيقُ وَالْمُبْتَدِعُ على الْأَفْقَهِ منه عَكْسُ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّ الْغَرَضَ هُنَا الدُّعَاءُ وَدُعَاءُ الْأَسَنِّ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ وَسَائِرُ الصَّلَوَاتِ مُحْتَاجَةٌ إلَى الْفِقْهِ لِوُقُوعِ الْحَوَادِثِ فيها أَمَّا الْفَاسِقُ وَالْمُبْتَدِعُ فَلَا حَقَّ لَهُمَا في الْإِمَامَةِ وَأَمَّا الرَّقِيقُ فَالْأَفْقَهُ مُقَدَّمٌ عليه إلَّا أَنْ يَكُونَ رَقِيقًا فَالْأَسَنُّ مُقَدَّمٌ عليه قال في الْمَجْمُوعِ فَإِنْ اسْتَوَيَا في السِّنِّ قُدِّمَ الْأَفْقَهُ وَالْأَقْرَأُ والأورع بِالتَّرْتِيبِ السَّابِقِ في سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ تَقْدِيمُ الْفَقِيهِ على الْأَسَنِّ غَيْرِ الْفَقِيهِ وهو ظَاهِرٌ وَإِنْ اقْتَضَتْ الْعِلَّةُ خِلَافَهُ وَيُقَدَّمُ الْحُرُّ الْعَدْلُ على رَقِيقٍ وَلَوْ أَقْرَبَ وَأَفْقَهَ وَأَسَنَّ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِالْإِمَامَةِ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ كَالْعَمِّ الْحُرِّ فإنه مُقَدَّمٌ على الْأَبِ الرَّقِيقِ مُطْلَقًا وَكَذَا يُقَدَّمُ الْحُرُّ الْعَدْلُ على رَقِيقٍ فَقِيهٍ كما يُؤْخَذُ مِمَّا قَبْلَهُ أَيْضًا وَيُقَدَّمُ الرَّقِيقُ الْقَرِيبُ على الْحُرِّ الْأَجْنَبِيِّ وَالرَّقِيقُ الْبَالِغُ على الْحُرِّ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فَهُوَ أَحْرَصُ على تَكْمِيلِ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ مُجْمَعٌ على جَوَازِهَا بِخِلَافِهَا خَلْفَ الصَّبِيِّ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَفِيهِ يُقَدَّمُ مَفْضُولُ الدَّرَجَةِ على نَائِبِ فَاضِلِهَا في الْأَقْيَسِ وَنَائِبُ الْأَقْرَبِ الْغَائِبِ على الْبَعِيدِ الْحَاضِرِ
____________________
(1/316)
فَإِنْ اسْتَوَوْا فِيمَا ذَكَرَ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ في بَابِ الْجَمَاعَةِ من النَّظَافَةِ وَحُسْنِ الْوَجْهِ وَغَيْرِهِمَا وَتَشَاحُّوا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ وَإِنْ تَرَاضَوْا بِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ قُدِّمَ أو بِوَاحِدٍ منهم غَيْرِ مُعَيَّنٍ أُقْرِعَ كَنَظِيرِهِ فِيمَا يَأْتِي قال في الذَّخَائِرِ فَلَوْ تَقَدَّمَ غَيْرُ من خَرَجَتْ له الْقُرْعَةُ جَازَ قَطْعًا وفي نَظِيرِهِ في النِّكَاحِ خِلَافٌ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لو صلى الْأَجْنَبِيُّ صَحَّ وَإِنْ كان الْوَلِيُّ حَاضِرًا بِخِلَافِهِ في النِّكَاحِ قال في الْمَجْمُوعِ وَالتَّقْدِيمُ في الْأَجَانِبِ مُعْتَبَرٌ بِمَا قُدِّمَ بِهِ في سَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَصْلٌ يَقِفُ الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ نَدْبًا عِنْدَ رَأْسِ الذَّكَرِ وَلَوْ صَبِيًّا وَعِنْدَ عَجِيزَةِ غَيْرِهِ من أُنْثَى وَخُنْثَى لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ في الْأَوَّلِ أبو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وفي الثَّانِي في الْأُنْثَى الشَّيْخَانِ وَقِيسَ بها الْخُنْثَى وَالْمَعْنَى فيه مُحَاوَلَةُ سِتْرِهِمَا وَتَعْبِيرُهُ بِغَيْرِهِ أَوْلَى من اقْتِصَارِ أَصْلِهِ على الْأُنْثَى لَكِنْ فيه تَغْلِيبٌ لِأَنَّ الْعَجِيزَةَ إنَّمَا تُقَالُ في الْمَرْأَةِ وَغَيْرِهَا يُقَالُ فيه عَجُزٌ كما يُقَالُ فيها أَيْضًا قال بَعْضُ الْغَسِيلِيِّ الْيَمَنِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَأْتِيَ هذا التَّفْصِيلُ في الصَّلَاةِ على الْقَبْرِ وَاسْتَبْعَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَعِنْدِي أَنَّهُ ليس بِبَعِيدٍ بَلْ هو حَسَنٌ عَمَلًا بِالسُّنَّةِ في الْأَصْلِ فَإِنْ تَقَدَّمَ الْمُصَلِّي على الْجِنَازَةِ الْحَاضِرَةِ أو الْقَبْرِ لم تَصِحَّ صَلَاتُهُ كما في تَقَدُّمِ الْمَأْمُومِ على إمَامِهِ أَمَّا الْمُتَقَدِّمُ على الْغَائِبَةِ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ لِلْحَاجَةِ فَرْعٌ فَإِنْ اجْتَمَعَ جَنَائِزُ وَرَضِيَ الْأَوْلِيَاءُ بِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ منهم أو من غَيْرِهِمْ فَلَهُ أَيْ لِلْوَاحِدِ جَمْعُهُمْ بِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ أَكَانُوا ذُكُورًا أَمْ إنَاثًا أَمْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ صلى على تِسْعِ جَنَائِزَ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ فَجَعَلَ الرِّجَالَ مِمَّا يَلِيهِ وَالنِّسَاءَ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ وَلِخَبَرِ أبي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ سَعِيدَ بن الْعَاصِ صَلِّي على زَيْدِ بن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ وَأُمُّهُ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ فَجَعَلَهُ مِمَّا يَلِيهِ وَجَعَلَهَا مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ وفي الْقَوْمِ نَحْوُ ثَمَانِينَ من الصَّحَابَةِ فَقَالُوا هذه السُّنَّةُ وَلِأَنَّ مَقْصُودَهَا الدُّعَاءُ وَيُمْكِنُ جَمْعُهَا فيه وله إفْرَادُ كُلٍّ بِصَلَاةٍ وهو أَوْلَى لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَرْجَى لِلْقَبُولِ وَلَيْسَ هو تَأْخِيرًا كَثِيرًا قال الرَّافِعِيُّ وقد يَقْتَضِي الْحَالُ الْجَمْعَ وَيَتَعَذَّرُ إفْرَادُ كل جِنَازَةٍ بِصَلَاةٍ أَيْ كما لو خِيفَ تَغَيُّرُ بَعْضِهِمْ أو ضَاقَ الْوَقْتُ عن الدَّفْنِ وَهَاتَانِ الْكَيْفِيَّتَانِ تَأْتِيَانِ أَيْضًا فِيمَا إذَا لم تَتَعَدَّدْ الْأَوْلِيَاءُ كَأَنْ كان وَلِيُّ الْكُلِّ وَاحِدًا وهو ظَاهِرٌ وَفَرْقٌ بين أَوْلَوِيَّةِ الْإِفْرَادِ هُنَا وَأَوْلَوِيَّةِ الْجَمْعِ في اخْتِلَاطِ الْمُسْلِمِينَ بِالْكُفَّارِ بِأَنَّ الْإِفْرَادَ فيه تَعْظِيمٌ وهو لَا يُلَائِمُ حَالَ الشَّكِّ في السَّبَبِ الْمُحَرِّمِ لِلصَّلَاةِ بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنْ رَضُوا بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ منهم أو تَنَازَعُوا في التَّقْدِيمِ وَثَمَّ جِنَازَةٌ سَابِقَةٌ فَوَلِيُّ السَّابِقَةِ أَوْلَى ذَكَرًا كان مَيِّتُهُ أو لَا وَإِنْ كان وَلِيُّ الْمُتَأَخِّرَةِ أَفْضَلُ ثُمَّ إنْ لم يَكُنْ سَابِقَةٌ تُقَدَّمُ بِالْقُرْعَةِ لِمَا مَرَّ
وَلَك أَنْ تَقُولَ لِمَ لم يُقَدِّمُوا بِالصِّفَاتِ قبل الْإِقْرَاعِ كما يَأْتِي نَظِيرُهُ فَلَوْ جَمَعَهُمْ الْإِمَامُ لِلصَّلَاةِ وُضِعُوا بَيْن يَدَيْهِ وَاحِدًا خَلْفَ وَاحِدٍ إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ لِيُحَاذِيَ الْجَمِيعَ سَوَاءٌ أَجَاءُوا مُرَتَّبِينَ أَمْ مَعًا ولم يَخْتَلِفْ النَّوْعُ فَإِنْ جَاءُوا مَعًا وَاخْتَلَفَ النَّوْعُ قُرِّبَ إلَى الْإِمَامِ الرَّجُلُ ثُمَّ الطِّفْلُ ثُمَّ الْخُنْثَى ثُمَّ الْمَرْأَةُ لِمَا مَرَّ من الْآثَارِ وَلِئَلَّا يَتَقَدَّمَ نَاقِصٌ على كَامِلٍ وَيُحَاذِي بِرَأْسِ الرَّجُلِ عَجِيزَةَ الْمَرْأَةِ وَفَارَقَ ما ذَكَرَهُ الدَّفْنَ حَيْثُ يُقَدَّمُ فيه الرَّجُلُ إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ من بَعْدَهُ بِأَنَّ قُرْبَ الْإِمَامِ مَطْلُوبٌ وهو مُمْكِنٌ في الصَّلَاةِ فَفُعِلَ بِخِلَافِهِ في الدَّفْنِ وَإِنْ حَضَرَ خَنَاثَى مَعًا أو مُرَتَّبِينَ جُعِلُوا صَفًّا عن يَمِينِهِ رَأْسًا لِرِجْلٍ أَيْ رَأْسَ كل وَاحِدٍ عِنْدَ رِجْلِ الْآخَرِ لِئَلَّا تَتَقَدَّمَ أُنْثَى على ذَكَرٍ فَإِنْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ بِأَنْ كان كُلٌّ منهم ذَكَرًا أو أُنْثَى أو خَنَاثَى قُرِّبَ إلَيْهِ أَفْضَلُهُمْ وَرَعًا وَتَقْوَى وَنَحْوُهُمَا مِمَّا يُرَغِّبُ في الصَّلَاةِ عليه وَإِنْ كان رَقِيقًا لِزَوَالِ الرِّقِّ بِالْمَوْتِ كما مَرَّ فَإِنْ اسْتَوَوْا وَرَضِيَ الْأَوْلِيَاءُ بِتَقْدِيمِ وَاحِدٍ فَذَاكَ وَإِلَّا أُقْرِعَ وقد صَرَّحَ الْأَصْلُ بِالشِّقَّيْنِ مَعًا فَإِنْ صَلَّوْا على كل وَاحِدٍ وَحْدَهُ وَالْإِمَامُ وَاحِدٌ قُدِّمَ من يُخَافُ فَسَادُهُ ثُمَّ الْأَفْضَلُ قال الْمَاوَرْدِيُّ هذا إنْ تَرَاضَوْا وَإِلَّا أُقْرِعَ بين الْفَاضِلِ وَغَيْرِهِ وَاسْتَشْكَلَهُ في الْكِفَايَةِ بِالتَّقْرِيبِ إلَى الْإِمَامِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ أَخَفُّ من التَّقْدِيمِ في الصَّلَاةِ وَإِنْ تَعَاقَبُوا لم يُنَحَّ سَابِقٌ وَإِنْ كان مَفْضُولًا إلَّا لِأُنُوثَةِ فيه وَلَوْ مُحْتَمَلَةً فَتُنَحَّى الْأُنْثَى لِلذَّكَرِ وَلَوْ صَبِيًّا وَلِلْمُشْكِلِ
____________________
(1/317)
وَيُنَحَّى الْمُشْكِلُ لِلذَّكَرِ لِئَلَّا تَتَقَدَّمَ أُنْثَى على ذَكَرٍ وَإِنَّمَا لم يُنَحَّ الصَّبِيُّ لِلرَّجُلِ لِأَنَّهُ قد يَقِفُ معه في الصَّفِّ بِخِلَافِ الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى وَتَعْبِيرُهُ بِمَا ذَكَرَ أَوْلَى من اقْتِصَارِ أَصْلِهِ على تَنْحِيَةِ الْمَرْأَةِ لِلذَّكَرِ وَمَنْ لم يَرْضَ بِصَلَاةِ غَيْرِهِ صلى على مَيِّتِهِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فَصْلٌ وَأَرْكَانُهَا سَبْعَةٌ الْأَوَّلُ النِّيَّةُ كَغَيْرِهَا وَلِخَبَرِ إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَيَجِبُ قَرْنُهَا بِالتَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وَالتَّعَرُّضُ لِلْفَرْضِيَّةِ كما في غَيْرِهَا وَوُجُوبُ التَّعَرُّضِ لها يُؤْخَذُ من قَوْلِهِ وَلَوْ نَوَى الْفَرْضَ من غَيْرِ ذِكْرِ الْكِفَايَةِ أَجْزَأَ وَلَا يَجِبُ تَعْيِينُ الْمَيِّتِ وَلَا مَعْرِفَتُهُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَيَكْفِي قَصْدُ من صلى عليه الْإِمَامُ فَالْعِبْرَةُ بِنَوْعِ تَمْيِيزٍ فَلَوْ صلى على جَمَاعَةٍ كَفَى قَصْدُهُمْ وَإِنْ لم يَعْرِفْ عَدَدَهُمْ قال الرُّويَانِيُّ فَلَوْ صلى على بَعْضِهِمْ ولم يُعَيِّنْهُ ثُمَّ صلى على الْبَاقِي كَذَلِكَ لم تَصِحَّ قال وَلَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهُمْ عَشْرَةٌ فَبَانُوا أَحَدَ عَشَرَ أَعَادَ الصَّلَاةَ على الْجَمِيعِ لِأَنَّ فِيهِمْ من لم يُصَلِّ عليه وهو غَيْرُ مُعَيِّنٍ قال وَلَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهُمْ أَحَدَ عَشَرَ فَبَانُوا عَشْرَةً فَالْأَظْهَرُ الصِّحَّةُ فَإِنْ عَيَّنَ وَأَخْطَأَ كَأَنْ صلى على زَيْدٍ أو على الْكَبِيرِ أو الذَّكَرِ من أَوْلَادِهِ فَبَانَ عَمْرًا أو الصَّغِيرَ أو الْأُنْثَى بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَيْ لم تَصِحَّ إلَّا مع الْإِشَارَةِ كما مَرَّ بَيَانُهُ في صِفَةِ الْأَئِمَّةِ
وَصَرَّحَ في الرَّوْضَةِ هُنَا بهذا الْمُسْتَثْنَى وَلَوْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ بِالصَّلَاةِ على جِنَازَةٍ ثُمَّ حَضَرَتْ أُخْرَى وَهُمْ في الصَّلَاةِ تُرِكَتْ حتى يَفْرُغَ ثُمَّ يُصَلِّ على الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ لم يَنْوِهَا أَوَّلًا ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَيَجِبُ على الْمَأْمُومِ نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ أو الِائْتِمَامِ أو الْجَمَاعَةِ بِالْإِمَامِ كما مَرَّ في صِفَةِ الْأَئِمَّةِ الثَّانِي الْقِيَام فيها وَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْعَجْزِ عنه كما في غَيْرِهَا الثَّالِثُ التَّكْبِيرَاتُ الْأَرْبَعُ منها تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَعَدَّ الْغَزَالِيُّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ رُكْنًا وَلَا خِلَافَ في الْمَعْنَى فَلَوْ كَبَّرَ هو أَيْ الْمَأْمُومُ أو إمَامُهُ خَمْسًا وَلَوْ عَمْدًا لم تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّهَا لَا تُخِلُّ بِالصَّلَاةِ وَقَضِيَّةُ الْعِلَّةِ وَكَلَامُ جَمَاعَةٍ منهم الرُّويَانِيُّ أَنَّ الزَّائِدَ على الْخَمْسِ لَا يُبْطِلُ أَيْضًا وهو كَذَلِكَ لَكِنَّ الْأَرْبَعَ أَوْلَى لِتَقَرُّرِ الْأَمْرِ عليها من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ وَتَشْبِيهُ التَّكْبِيرَةِ بِالرَّكْعَةِ فِيمَا يَأْتِي مَحَلُّهُ بِقَرِينَةٍ الْمَقَامِ في الْمُتَابَعَةِ حِفْظًا لِتَأَكُّدِهَا نعم لو زَادَ على الْأَرْبَعِ عَمْدًا مُعْتَقِدًا لِلْبُطْلَانِ بَطَلَتْ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ
ولو زَادَ الْإِمَامُ عليها وَقُلْنَا لَا تَبْطُلُ لم يُتَابِعْهُ الْمَأْمُومُ أَيْ لَا تُسَنُّ له مُتَابَعَتُهُ في الزَّائِدِ لِعَدَمِ سُنَّةٍ لِلْإِمَامِ وَعَلَى هذا التَّفْسِيرِ جَرَى السُّبْكِيُّ وقال الْإِسْنَوِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هو في الْوُجُوبِ لِأَجْلِ الْمُتَابَعَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ في الِاسْتِحْبَابِ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ الصَّوَابُ أَنَّهُ في الْجَوَازِ مَمْنُوعٌ وَلَهُ انْتِظَارُهُ لِيُسَلِّمَ معه بَلْ هو الْأَوْلَى لِتَأَكُّدِ الْمُتَابَعَةِ وَلَهُ أَنْ يُسَلِّمَ في الْحَالِ وَلَا سُجُودَ لِسَهْوِهَا أَيْ لِلسَّهْوِ في صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إذْ لَا مَدْخَلَ لِلسُّجُودِ فيها الرَّابِعُ السَّلَامُ بَعْدَهَا أَيْ التَّكْبِيرَاتِ كَغَيْرِهَا في جَمِيعِ ما مَرَّ في صِفَةِ الصَّلَاةِ وَلِخَبَرِ النَّسَائِيّ الْآتِي وَقَوْلُهُ بَعْدَهَا كَغَيْرِهَا من زِيَادَتِهِ وَالثَّانِي مُغْنٍ عن الْأَوَّلِ الْخَامِسُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَرَأَ بها في صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وقال لِتَعْلَمُوا أنها سُنَّةٌ وفي رِوَايَةٍ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَجَهَرَ بها وقال إنَّمَا جَهَرْت لِتَعْلَمُوا أنها سُنَّةٌ وَلِعُمُومِ خَبَرِ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لم يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى لِخَبَرِ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ على شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ عن أبي أُمَامَةَ الْأَنْصَارِيِّ قال السُّنَّةُ في صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَنْ يَقْرَأَ في التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى بِأُمِّ الْقُرْآنِ مُخَافَتَةً ثُمَّ يُكَبِّرَ ثَلَاثًا وَالتَّسْلِيمُ عِنْدَ الْآخِرَةِ وَيَجُوزُ تَأْخِيرُهَا إلَى التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ عن حِكَايَةِ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ له عن النَّصِّ بَعْدَ نَقْلِهِمَا الْمَنْعَ عن الْغَزَالِيِّ وَجَزَمَ بِهِ في الْمِنْهَاجُ وَالْمَجْمُوعِ ولم يَخُصَّ الثَّانِيَةَ فقال قُلْت تُجْزِئُ الْفَاتِحَةُ بَعْدَ غَيْرِ الْأُولَى وَعَلَيْهِ مع ما قَالُوهُ من تَعَيُّنِ الصَّلَاةِ في الثَّانِيَةِ وَالدُّعَاءِ في الثَّالِثَةِ يَلْزَمُ خُلُوُّ الْأُولَى عن ذِكْرٍ وَالْجَمْعُ بين رُكْنَيْنِ في تَكْبِيرَةٍ وَاحِدَةٍ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ تَعَيُّنُ الْفَاتِحَةِ في الْأُولَى وَبِهِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ
____________________
(1/318)
في التِّبْيَانِ وهو ظَاهِرُ نَصَّيْنِ نَقَلَهُمَا في الْمَجْمُوعِ وَقَوْلُهُ فيه تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا الْأَوْلَوِيَّةُ لِيَجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ في الْأُمِّ وَأُحِبُّ إذَا كَبَّرَ على الْجِنَازَةِ أَنْ يَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى إنَّمَا يَلْزَمُ لو لم يَكُنْ في قَوْلِهِ في الْأُمِّ وَاجِبٌ إلَى آخِرِهِ سُنَّةٌ وهو مَمْنُوعٌ إذْ تَتِمَّتُهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ ثُمَّ يُصَلِّي على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيَسْتَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ يُخْلِصُ الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ فَأُحِبُّ مُتَعَلِّقٌ بِمَجْمُوعِ ذلك الذي منه الِاسْتِغْفَارُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وهو مَسْنُونٌ وَمِنْ هذا فِيمَا أَظُنُّ نَقَلَ الرُّويَانِيُّ عن النَّصِّ أنها تُجْزِئُ بَعْدَ الثَّانِيَةِ ولم يَنْقُلْهُ عن نَصٍّ صَرِيحٍ كما يُوهِمُهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فَالْفَتْوَى على ما في التِّبْيَانِ وِفَاقًا لِلنَّصَّيْنِ وَالْجُمْهُورِ وَلِخَبَرِ النَّسَائِيّ السَّابِقِ وَالْمُدْرَكُ هُنَا الِاتِّبَاعُ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ تَعَيُّنَهَا في الْأُولَى أَوْلَى من تَعَيُّنِ الدُّعَاءِ في الثَّالِثَةِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَظَاهِرُ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ تَعَيُّنُهَا في الْأُولَى وهو الْمُخْتَارُ نعم لو نَسِيَهَا فيها فَهَلْ يَكْفِي تَدَارُكُهَا في الثَّانِيَةِ أو تَلْغُو الثَّانِيَةُ فَيَقْرَؤُهَا ثُمَّ يُكَبِّرُ عن الثَّانِيَةِ فيه نَظَرٌ
ا ه
وَالْقِيَاسُ الثَّانِي وَكَالْفَاتِحَةِ فِيمَا ذَكَرَ عِنْدَ الْعَجْزِ عنها بَدَلُهَا السَّادِسُ الصَّلَاةُ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عن أبي أُمَامَةَ أَنَّ رِجَالًا من أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخْبَرُوهُ أَنَّ الصَّلَاةَ عليه صلى اللَّهُ عليه وسلم في صَلَاةِ الْجِنَازَةِ من السُّنَّةِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ لِفِعْلِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَمَّا الصَّلَاةُ على الْآلِ فَلَا تَجِبُ فيها كَغَيْرِهَا وَأَوْلَى لِبِنَائِهَا على التَّخْفِيفِ السَّابِعُ أَدْنَى الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ بِخُصُوصِهِ نَحْوُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ أو اللَّهُمَّ اغْفِرْ له لِخَبَرِ أبي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ إذَا صَلَّيْتُمْ على الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا له الدُّعَاءَ وَلِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ من الصَّلَاةِ فَلَا يَكْفِي الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّالِثَةِ لِفِعْلِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَلَا يَجِبُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ ذَكَرَ كما عُلِمَ من كَلَامِهِ
وَيُسَنُّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ لِكُلِّ تَكْبِيرَةٍ من الْأَرْبَعِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَوَضْعُهُمَا بَعْدَهَا أَيْ بَعْدَ كل تَكْبِيرَةٍ تَحْتَ الصَّدْرِ كما في غَيْرِهَا وَتَرْكُ الِاسْتِفْتَاحِ وَالسُّورَةِ لِطُولِهِمَا وَالْأُولَى قَدَّمَهَا في صِفَةِ الصَّلَاةِ وَقُدِّمَتْ ثُمَّ ما له بِالْمَسْأَلَتَيْنِ تَعَلُّقٌ وَأَنْ يَتَعَوَّذَ قبل الْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُ من سُنَنِهَا كَالتَّأْمِينِ وَلَا تَطْوِيلَ فيه وَحَذَفَ سُنَّ التَّأْمِينُ وَإِنْ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ هُنَا اكْتِفَاءً بِمَا قَدَّمَهُ في صِفَةِ الصَّلَاةِ من أَنَّهُ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةُ وَذَكَرَ كَالرَّوْضَةِ ثُمَّ أَنَّهُ تَحْسُنُ زِيَادَةُ رَبِّ الْعَالَمِينَ وأن يُسِرَّ وَلَوْ لَيْلًا لِخَبَرِ أبي أُمَامَةَ السَّابِقِ وَكَثَالِثَةِ الْمَغْرِبِ بِجَامِعِ عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ السُّورَةِ وما تَقَدَّمَ في خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ من أَنَّهُ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ يُجَابُ عنه بِأَنَّ خَبَرَ أبي أُمَامَةَ أَصَحُّ منه وَقَوْلُهُ فيه إنَّمَا جَهَرْت لِتَعْلَمُوا أنها سُنَّةٌ قال في الْمَجْمُوعِ يَعْنِي لِتَعْلَمُوا أَنَّ الْقِرَاءَةَ مَأْمُورٌ بها وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ في الْإِسْرَارِ يَشْمَلُ التَّعَوُّذَ وَالْقِرَاءَةَ وَالْأَدْعِيَةَ فَهُوَ أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ وَيُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ وَاتَّفَقُوا على أَنَّهُ يَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرَاتِ وَالسَّلَامِ وَأَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى وأن يُصَلِّيَ على الْآلِ مع الصَّلَاةِ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وأن يَدْعُوَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ كُلٌّ منها في الثَّانِيَةِ وأن يُرَتِّبَهَا أَيْ الثَّالِثَةَ هَكَذَا وَذِكْرُ اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ على الْآلِ من زِيَادَتِهِ
وَصَرَّحَ بِهِ الْقَمُولِيُّ وأن يُكْثِرَ الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ بَعْدَ الثَّالِثَةِ فَيَقُولَ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ وَيَقُولَ اللَّهُمَّ هذا عَبْدُك إلَى آخِرِهِ وَبَقِيَّتُهُ كما في الْأَصْلِ وابن عَبْدَيْك خَرَجَ من رَوْحِ الدُّنْيَا وَسَعَتِهَا بِفَتْحِ أَوَّلِهِمَا أَيْ نَسِيمِ رِيحِهَا وَاتِّسَاعِهَا وَمَحْبُوبِهِ وَأَحِبَّائِهِ فيها أَيْ ما يُحِبُّهُ وَمَنْ يُحِبُّهُ إلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وما هو لَاقِيهِ أَيْ من الْأَهْوَالِ كان يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أنت وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُك وَرَسُولُك وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ اللَّهُمَّ إنَّهُ نَزَلَ بِك أَيْ هو ضَيْفُك وَأَنْتَ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ وَضَيْفُ الْكِرَامِ لَا يُضَامُ وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ وَأَصْبَحَ فَقِيرًا إلَى رَحْمَتِك وَأَنْتَ غَنِيٌّ عن عَذَابِهِ وقد جِئْنَاك رَاغِبِينَ إلَيْك شُفَعَاءَ له اللَّهُمَّ إنْ كان مُحْسِنًا فَزِدْ في إحْسَانِهِ وَإِنْ كان مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عنه وَلَقِّهِ أَيْ أَعْطِهِ بِرَحْمَتِك رِضَاك وَقِه فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَهُ وَأَفْسِحْ له في قَبْرِهِ وَجَافِ الْأَرْضَ عن جَنْبَيْهِ وَلَقِّهِ بِرَحْمَتِك الْأَمْنَ من عَذَابِك حتى تَبْعَثَهُ إلَى جَنَّتِك يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ جَمَعَ الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ عنه ذلك من الْأَخْبَارِ وَاسْتَحْسَنَهُ الْأَصْحَابُ وَوُجِدَ في نُسَخٍ من الرَّوْضَةِ وَمَحْبُوبِهَا وَكَذَا هو في الْمَجْمُوعِ
وَالْمَشْهُورُ في قَوْلِهِ وَمَحْبُوبِهِ وَأَحِبَّائِهِ الْجَرُّ وَيَجُوزُ رَفْعُهُ يَجْعَلُ الْوَاوَ لِلْحَالِ وَإِنْ كانت أَيْ الْجِنَازَةُ امْرَأَةً قال أَمَتُك وَأَنْتِ ما يَعُودُ إلَيْهَا وَإِنْ ذَكَرَ بِقَصْدِ الشَّخْصِ جَازَ أَيْ لم يَضُرَّ كما عَبَّرَ بِهِ في الرَّوْضَةِ وَإِنْ كان خُنْثَى قال الْإِسْنَوِيُّ
____________________
(1/319)
فَالْمُتَّجِهُ التَّعْبِيرُ بِالْمَمْلُوكِ وَنَحْوِهِ قال فَإِنْ لم يَكُنْ لِلْمَيِّتِ أَبٌ بِأَنْ كان وَلَدَ زِنًا فَالْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ فيه وابن أَمَتِك
ا ه
وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ إذَا صلى على جَمْعٍ مَعًا يَأْتِي فيه بِمَا يُنَاسِبُهُ وَيَزِيدُ نَدْبًا قبل ذلك اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا اللَّهُمَّ من أَحْيَيْته مِنَّا فَأَحْيِهِ على الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَوَفَّيْته مِنَّا فَتَوَفَّهُ على الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى على جِنَازَةٍ فقال اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا إلَى آخِرِهِ رَوَاهُ من طَرِيقِ أبي هُرَيْرَةَ أبو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ زَادَ غَيْرُ التِّرْمِذِيِّ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تُضِلّنَا بَعْدَهُ وَنُدِبَ تَقْدِيمُ هذا على ما قَبْلَهُ من زِيَادَتِهِ
وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْمِنْهَاجِ وَإِنَّمَا قُدِّمَ عليه لِثُبُوتِ لَفْظِهِ بِخِلَافِ ذلك فإن الشَّافِعِيَّ الْتَقَطَهُ من أَخْبَارِ بَعْضِهِ بِاللَّفْظِ وَبَعْضَهُ بِالْمَعْنَى وفي مُسْلِمٍ عن عَوْفِ بن مَالِكٍ قال صلى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على جِنَازَةٍ فقال اللَّهُمَّ اغْفِرْ له وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عنه وَأَكْرِمْ نُزَلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّهِ من الْخَطَايَا كما نَقَّيْت الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ من الدَّنَسِ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا من دَارِهِ وَأَهْلًا خَيْرًا من أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا من زَوْجِهِ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَأَعِذْهُ من عَذَابِ الْقَبْرِ وَفِتْنَتِهِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ وَهَذَا أَصَحُّ دُعَاءِ الْجِنَازَةِ كما في الرَّوْضَةِ عن الْحُفَّاظِ وفي الْبَابِ أَخْبَارٌ أُخَرُ فَإِنْ جَمَعَ بين الثَّلَاثَةِ فَظَاهِرٌ أَنَّ الْأَفْضَلَ تَقْدِيمُ الْأَخِيرِ وَصَدَقَ قَوْلُهُ فيه وَأَبْدِلْهُ زَوْجًا خَيْرًا من زَوْجِهِ فِيمَنْ لَا زَوْجَةَ له وفي الْمَرْأَةِ إذَا قُلْنَا بِأَنَّهَا مع زَوْجِهَا في الْآخِرَةِ بِأَنْ يُرَادَ في الْأَوَّلِ ما يَعُمُّ الْفِعْلِيَّ وَالتَّقْدِيرِيَّ وفي الثَّانِي ما يَعُمُّ إبْدَالَ الذَّاتِ وَإِبْدَالَ الْهَيْئَةِ فَإِنْ كان الْمَيِّتُ صَغِيرًا اقْتَصَرَ على هذا أَيْ الثَّانِي في كَلَامِهِ وزاد عليه نَدْبًا اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ فَرَطًا لِأَبَوَيْهِ أَيْ سَابِقًا مُهَيِّئًا مَصَالِحَهُمَا في الْآخِرَةِ وَسَلَفًا وَذُخْرًا بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَعِظَةً أَيْ مَوْعِظَةً وَاعْتِبَارًا وَشَفِيعًا وَثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا وَأَفْرِغْ الصَّبْرَ على قُلُوبِهِمَا وَلَا تَفْتِنْهُمَا بَعْدَهُ وَلَا تَحْرِمْهُمَا بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّهَا أَجْرَهُ أَيْ أَجْرَ الصَّلَاةِ عليه أو أَجْرَ الْمُصِيبَةِ بِهِ لِأَنَّ ذلك مُنَاسِبٌ لِلْحَالِ
وَيَشْهَدُ لِلدُّعَاءِ لَهُمَا ما في خَبَرِ الْمُغِيرَةِ السَّابِقِ وَالسَّقْطُ يُصَلَّى عليه وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالْعَافِيَةِ وَالرَّحْمَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ في الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ كان أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا خَصَّهُ بِالدُّعَاءِ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ قال الْإِسْنَوِيُّ وَسَوَاءٌ فِيمَا قَالُوهُ مَاتَ في حَيَاةِ أَبَوَيْهِ أَمْ لَا لَكِنْ قال الزَّرْكَشِيُّ مَحَلُّهُ في الْأَبَوَيْنِ الْحَيَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ فَإِنْ لم يَكُونَا كَذَلِكَ أتى بِمَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ قال الْأَذْرَعِيُّ فَلَوْ جَهِلَ إسْلَامَهُمَا فَكَالْمُسْلِمِينَ بِنَاءً على الْغَالِبِ وَالدَّارِ
ا ه
وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يُؤَنَّثُ فِيمَا إذَا كان الْمَيِّتُ صَغِيرَةً وَأَنْ يَقُولَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ أَيْ بِالِابْتِلَاءِ بِالْمَعَاصِي وفي التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ وَاغْفِرْ لنا وَلَهُ وقد تَقَدَّمَ الْأَوَّلَانِ في خَبَرِ أبي هُرَيْرَةَ وأن يُطَوِّلَهَا أَيْ الرَّابِعَةَ أَيْ بَعْدَهَا بِالدُّعَاءِ له لِثُبُوتِهِ عنه صلى اللَّهُ عليه وسلم كما في الرَّوْضَةِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ فَرْعٌ لو خَشِيَ تَغَيُّرَ الْمَيِّتِ أو انْفِجَارَهُ لو أتى بِالسُّنَنِ فَالْقِيَاسُ الِاقْتِصَارُ على الْأَرْكَانِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَرْعٌ لو أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ في أَثْنَائِهَا أَيْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ كَبَّرَ وَأَتَى بِالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ بِتَرْتِيبِ نَفْسِهِ كَغَيْرِهَا وَلِخَبَرِ ما أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا فَإِنْ كَبَّرَ الْإِمَامُ قبل قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ أَيْ قِرَاءَةِ الْمَسْبُوقِ لها أو في أَثْنَائِهَا تَابَعَهُ في تَكْبِيرَةٍ وَيَتَحَمَّلُهَا أَيْ كُلَّهَا أو بَقِيَّتِهَا عنه كما لو رَكَعَ قبل قِرَاءَتِهَا أو في أَثْنَائِهَا في سَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَلَا يَنْتَظِرُ تَكْبِيرَةَ الْإِمَامِ الْمُسْتَقْبِلَةَ وَتَقَدَّمَ في نَظِيرِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ إنَّهُ إنْ اشْتَغَلَ بِافْتِتَاحٍ أو تَعَوُّذٍ تَخَلَّفَ وَقَرَأَ بِقَدْرِهِ وَإِلَّا تَابَعَهُ ولم يَذْكُرْهُ الشَّيْخَانِ هُنَا قال في الْكِفَايَةِ وَلَا شَكَّ في جَرَيَانِهِ هُنَا بِنَاءً على نَدْبِ التَّعَوُّذِ وَالِافْتِتَاحِ وَبِهِ صَرَّحَ الْفُورَانِيُّ وَيَتَدَارَكُ وُجُوبًا في الْوَاجِبِ وَنَدْبًا في الْمَنْدُوبِ ما فَاتَهُ منها مع الْإِمَامِ من تَكْبِيرٍ وَذِكْرٍ بَعْدَ السَّلَامِ لِمَا مَرَّ
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُرْفَعَ الْجِنَازَةُ حتى يُتِمَّ الْمَسْبُوقُ ما فَاتَهُ فَإِنْ رُفِعَتْ لم يَضُرَّ وَإِنْ حُوِّلَتْ عن الْقِبْلَةِ بِخِلَافِ ابْتِدَاءِ عَقْدِ الصَّلَاةِ لَا يُحْتَمَلُ فيه ذلك وَالْجِنَازَةُ حَاضِرَةٌ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ في الدَّوَامِ ما لَا يُحْتَمَلُ في الِابْتِدَاءِ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ
____________________
(1/320)
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْمُوَافِقَ كَالْمَسْبُوقِ في ذلك وَلَوْ أَحْرَمَ على جِنَازَةٍ يَمْشِي بها وَصَلَّى عليها جَازَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ من ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ كما سَيَأْتِي وَأَنْ يَكُونَ مُحَاذِيًا لها كَالْمَأْمُومِ مع الْإِمَامِ وَلَا يَضُرُّ الْمَشْيُ بها كما لو أَحْرَمَ الْإِمَامُ في سَرِيرٍ وَحَمَلَهُ إنْسَانٌ وَمَشَى بِهِ فإنه يَجُوزُ كما تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ وهو في سَفِينَةٍ سَائِرَةٍ قَالَهُ ابن الْعِمَادِ فَرْعٌ لو تَخَلَّفَ الْمَأْمُومُ عنه بِتَكْبِيرَةٍ بِأَنْ لم يُكَبِّرْهَا حتى شَرَعَ الْإِمَامُ في الْأُخْرَى بِلَا عُذْرٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إذْ الِاقْتِدَاءُ هُنَا إنَّمَا يَظْهَرُ في التَّكْبِيرَاتِ وهو تَخَلُّفٌ فَاحِشٌ يُشْبِهُ التَّخَلُّفَ بِرَكْعَةٍ وَقَضِيَّةُ تَقْيِيدِهِ كَأَصْلِهِ بِالشُّرُوعِ في الْأُخْرَى عَدَمُ بُطْلَانِهَا فِيمَا لو لم يُكَبِّرْ الرَّابِعَةَ حتى سَلَّمَ الْإِمَامُ قال في الْمُهِمَّاتِ وَيَتَأَيَّدُ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فيها ذِكْرٌ فَلَيْسَتْ كَالرَّكْعَةِ بِخِلَافِ ما قَبْلَهَا فَإِنْ كان ثَمَّ عُذْرٌ كَبُطْءِ قِرَاءَةٍ أو نِسْيَانٍ فَلَا تَبْطُلُ بِتَخَلُّفِهِ بِتَكْبِيرَةٍ فَقَطْ بَلْ بِتَكْبِيرَتَيْنِ على ما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لو تَقَدَّمَ على إمَامِهِ بِتَكْبِيرَةٍ عَمْدًا لم يَضُرَّ وَإِنْ نَزَّلُوهَا مَنْزِلَةَ الرَّكْعَةِ فَصْلٌ شَرْطُهَا أَيْ الصَّلَاةِ على الْمَيِّتِ تَقَدُّمُ الْغُسْلِ أو التَّيَمُّمِ له بِشَرْطِهِ لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ عنه صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعَنْ أَصْحَابِهِ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ عليه كَصَلَاةِ نَفْسِهِ وقد قُدِّمَ هذا في التَّيَمُّمِ بِالنِّسْبَةِ لِلْغُسْلِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّيَمُّمِ من زِيَادَتِهِ قال الْجُرْجَانِيُّ فَإِنْ وُجِدَ الْمَاءُ بَعْدَ التَّيَمُّمِ وَقَبْلَ الدَّفْنِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَجِبُ غُسْلُهُ كما لو وُجِدَ بَعْدَ الدَّفْنِ وَأَصَحُّهُمَا يَجِبُ لِلْقُدْرَةِ عليه قبل الدَّفْنِ وَتَقَدَّمَ هذا عن غَيْرِ الْجُرْجَانِيِّ مع تَقْيِيدِهِ بِالْحَضَرِ في بَابِ التَّيَمُّمِ فَلَوْ وَقَعَ في بِئْرٍ أو انْهَدَمَ عليه مَكَانٌ وَمَاتَ وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ وَغَسَّلَهُ لم يُصَلِّ عليه كَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ وَالْمَجْمُوعُ عن الْمُتَوَلِّي وَجَزَمَ بِهِ الْمِنْهَاجُ لَكِنْ قال الْأَذْرَعِيُّ كَالسُّبْكِيِّ الْقِيَاسُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُصَلَّى عليه وَنَقَلَهُ عن الدَّارِمِيِّ وَالْخُوَارِزْمِيّ وَعَنْ حِكَايَةِ الْجُوَيْنِيِّ له عن النَّصِّ
وقال الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ الصَّوَابُ نَقْلًا وَدَلِيلًا وَجَرَى عليه الْمُصَنِّفُ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ عليه قبل التَّكْفِينِ لَكِنَّهَا تَصِحُّ وَاسْتَشْكَلَتْ صِحَّتُهَا بِعَدَمِ صِحَّتِهَا قبل التَّطَهُّرِ مع أَنَّ التَّعْلِيلَيْنِ السَّابِقَيْنِ مَوْجُودَانِ هُنَا وَيُجَابُ بِأَنَّ التَّكْفِينَ أَوْسَعُ بَابًا من الْغُسْلِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْقَبْرَ يُنْبَشُ لِلْغُسْلِ لَا لِلتَّكْفِينِ وَأَنَّ من صلى بِلَا طُهْرٍ لِعَجْزِهِ عَمَّا يَتَطَهَّرُ بِهِ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بِخِلَافِ من صلى مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ لِعَجْزِهِ عَمَّا يَسْتُرُهَا بِهِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُ أَيْ الْإِمَامِ وَبَيْنَهَا أَيْ الْجِنَازَةِ في غَيْرِ الْمَسْجِدِ مَسَافَةٌ فَوْقَ ثَلَثِمِائَةِ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا وَأَنْ يَجْمَعَهُمَا مَكَانٌ وَاحِدٌ تَنْزِيلًا لِلْجِنَازَةِ مَنْزِلَةَ الْإِمَامِ وَسَائِرُ الْأَحْكَامِ السَّابِقَةِ في الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ في سَائِرِ الصَّلَوَاتِ يَأْتِي هُنَا وَتُسْتَحَبُّ فيها الْجَمَاعَةُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ ما من رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ على جِنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا يُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ شيئا إلَّا شَفَّعَهُمْ اللَّهُ فيه وَلِخَبَرِ مَالِكِ بن هُبَيْرَةَ ما من مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيُصَلِّي عليه ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ من الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَوْجَبَ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ على شَرْطِ مُسْلِمٍ وَمَعْنَى أَوْجَبَ غُفِرَ له كما رَوَاهُ الْحَاكِمُ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا صَلَّتْ الصَّحَابَةُ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَفْرَادًا كما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ قال الشَّافِعِيُّ لِعِظَمِ أَمْرِهِ وَتَنَافُسِهِمْ في أَنْ لَا يَتَوَلَّى الْإِمَامَةَ في الصَّلَاةِ عليه أَحَدٌ وقال غَيْرُهُ لِأَنَّهُ لم يَكُنْ قد تَعَيَّنَ إمَامٌ يَؤُمُّ الْقَوْمَ فَلَوْ تَقَدَّمَ وَاحِدٌ في الصَّلَاةِ لَصَارَ مُقَدَّمًا في كل شَيْءٍ وَتَعَيَّنَ لِلْخِلَافَةِ وَيَسْقُطُ الْفَرْضُ فيها بِوَاحِدٍ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِصَلَاتِهِ وَلِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَا تُشْتَرَطُ فَكَذَا الْعَدَدُ كَغَيْرِهَا وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ في مِنْهَاجِهِ كَأَصْلِهِ وَلَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا مع وُجُودِ الرِّجَالِ لِأَنَّهُ من جِنْسِهِمْ وَلِأَنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ إمَامًا لهم وَفَارَقَ ذلك عَدَمَ سُقُوطِ الْفَرْضِ بِهِ في رَدِّ السَّلَامِ بِأَنَّ السَّلَامَ شُرِعَ في الْأَصْلِ لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَالِمٌ من الْآخَرِ وَآمِنٌ منه وَأَمَانُ الصَّبِيِّ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ صَلَاتِهِ لَا بِامْرَأَةٍ مع وُجُودِ رَجُلٍ وَلَوْ صَبِيًّا لِأَنَّهُ أَكْمَلُ منها وَدُعَاؤُهُ إلَى الْإِجَابَةِ أَقْرَبُ وَلِأَنَّ في ذلك اسْتِهَانَةٌ بِالْمَيِّتِ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَرْأَةِ مع وُجُودِ الصَّبِيِّ مع أنها الْمُخَاطَبَةُ بِهِ دُونَهُ قُلْت قد يُخَاطَبُ الشَّخْصُ بِشَيْءٍ وَيَتَوَقَّفُ فِعْلُهُ على شَيْءٍ آخَرَ لَا سِيَّمَا
____________________
(1/321)
فِيمَا يَسْقُطُ عنه الشَّيْءُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ لَكِنَّ كَلَامَهُ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَسْقُطُ بها حَيْثُ قال وَلَوْ صلى على الْمَيِّتِ ذَكَرٌ وَلَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا سَقَطَ بِهِ الْفَرْضُ عَمَّنْ حَضَرَ من الرِّجَالِ على الْأَصَحِّ لَكِنَّهُ وَإِنْ سَقَطَ بِهِ الْفَرْضُ لَا يَسْقُطُ حُضُورُهُ الْفَرْضَ عن النِّسَاءِ كما يُسْقِطُهُ الرِّجَالَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ فَيُجْزِئُ صَلَاتُهُنَّ حِينَئِذٍ انْتَهَى وهو الْأَوْجَهُ فَإِنْ بَانَ حَدَثُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ لَا أَحَدُهُمَا فَقَطْ لَغَتْ صَلَاتُهُمَا فَتَجِبُ إعَادَتُهَا بِخِلَافِهَا في أَحَدِهِمَا لِحُصُولِ الْغَرَضِ وكان الْأَوْلَى تَأْخِيرُ هذه عن قَوْلِهِ فَإِنْ لم يَكُنْ مع وُجُودِ الْمَرْأَةِ رِجَالٌ أَيْ وَاحِدٌ منهم لَزِمَتْهَا أَيْ الصَّلَاةُ فَتُصَلِّي لِلضَّرُورَةِ وَيَسْقُطُ الْفَرْضُ وَلَوْ حَضَرَ الرَّجُلُ بَعْدُ لم تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ وَصَلَاتُهَا وَصَلَاةُ الصَّبِيِّ مع الرَّجُلِ أو بَعْدَهُ تَقَعُ نَفْلًا لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمَا وقد يُقَالُ إذَا وَقَعَتْ من الصَّبِيِّ نَفْلًا فَكَيْفَ يَسْقُطُ الْفَرْضُ بها وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا بُعْدَ في ذلك كما لو صلى صَلَاةً من الْخَمْسِ ثُمَّ بَلَغَ في الْوَقْتِ وَالْخُنْثَى فِيمَا ذَكَرَ كَالْمَرْأَةِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُمَا إذَا اجْتَمَعَا سَقَطَ الْفَرْضُ بِصَلَاةِ كُلٍّ مِنْهُمَا عن الْآخَرِ وهو ظَاهِرٌ في صَلَاتِهِ دُونَ صَلَاتِهَا لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ وَلِهَذَا قال في شَرْحِ الْإِرْشَادِ وإذا صلى سَقَطَ الْفَرْض عنه وَعَنْ النِّسَاءِ وإذا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ سَقَطَ الْفَرْضُ عن النِّسَاءِ وَأَمَّا عن الْخُنْثَى فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ يَأْبَى ذلك وَصَلَاتُهُنَّ فُرَادَى أَفْضَلُ منها جَمَاعَةً وَإِنْ كان الْمَيِّتُ أُنْثَى وَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ فَإِنْ لم يَكُنْ رَجُلٌ صَلَّيْنَ مُنْفَرِدَاتٍ قال في الْمَجْمُوعِ بَعْدَ نَقْلِهِ ذلك عن الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ تُسَنَّ لَهُنَّ الْجَمَاعَةُ كما في غَيْرِهَا وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ من السَّلَفِ فَصْلٌ تَجُوزُ الصَّلَاةُ على الْغَائِبِ عن الْبَلَدِ وَلَوْ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وفي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَالْمُصَلِّي مُسْتَقْبِلَهَا لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى على النَّجَاشِيِّ بِالْمَدِينَةِ يوم مَوْتِهِ بِالْحَبَشَةِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَذَلِكَ في رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ قال ابن الْقَطَّانِ لَكِنَّهَا لَا تُسْقِطُ الْفَرْضَ قال الزَّرْكَشِيُّ وَوَجْهُهُ أَنَّ فيه إزْرَاءً وَتَهَاوُنًا بِالْمَيِّتِ لَكِنَّ الْأَقْرَبَ السُّقُوطُ لِحُصُولِ الْغَرَضِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا عَلِمَ الْحَاضِرُونَ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أنها لَا تَجُوزُ على الْغَائِبِ حتى يَعْلَمَ أو يَظُنَّ أَنَّهُ قد غُسِّلَ إلَّا أَنْ يُقَالَ تَقْدِيمُ الْغُسْلِ شَرْطٌ عِنْدَ الْإِمْكَانِ فَقَطْ على ما مَرَّ أو يُقَالَ يَنْوِي الصَّلَاةَ عليه إنْ كان قد غُسِّلَ فَيُعَلِّقَ النِّيَّةَ لَا على الْغَائِبِ فيها أَيْ الْبَلَدِ وَإِنْ كَبُرَتْ لِتَيَسُّرِ الْحُضُورِ وَشَبَّهُوهُ بِالْقَضَاءِ على من بِالْبَلَدِ مع إمْكَانِ إحْضَارِهِ فَلَوْ كان الْمَيِّتُ خَارِجَ السُّورِ قَرِيبًا منه فَهُوَ كَدَاخِلِهِ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عن صَاحِبِ الْوَافِي وَأَقَرَّهُ وَلَوْ تَعَذَّرَ على من في الْبَلَدِ الْحُضُورُ لِحَبْسٍ أو مَرَضٍ فَفِيهِ احْتِمَالٌ ذَكَرَهُ ابن أبي الدَّمِ وَجَزَمَ في مَوْضِعٍ بِالْجَوَازِ لِلْمَحْبُوسِ
وتجوز على قَبْرِ غَيْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْدَ الدَّفْنِ سَوَاءٌ أَدُفِنَ قَبْلَهَا أَمْ بَعْدَهَا لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى على قَبْرِ امْرَأَةٍ أو رَجُلٍ كان يَقُمُّ الْمَسْجِدَ وَعَلَى قَبْرِ مِسْكِينَةٍ يُقَالُ لها أُمُّ مِحْجَنٍ دُفِنَتْ لَيْلًا رَوَى الْأَوَّلَ الشَّيْخَانِ وَالثَّانِيَ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَمَّا الصَّلَاةُ على قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ صلى اللَّهُ عليهم وسلم فَلَا تَجُوزُ وَاحْتَجَّ له بِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ وَبِأَنَّا لم نَكُنْ أَهْلًا لِلْفَرْضِ وَقْتَ مَوْتِهِمْ وَإِنَّمَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ على قُبُورِ غَيْرِهِمْ وَعَلَى الْغَائِبِ عن الْبَلَدِ لِمَنْ كان من أَهْلِ فَرْضِ الصَّلَاةِ عليه يوم مَوْتِهِ أَيْ وَقْتَهُ قالوا لِأَنَّ غَيْرَهُ مُتَنَفِّلٌ وَهَذِهِ لَا يُتَنَفَّلُ بها قال الزَّرْكَشِيُّ مَعْنَاهُ أنها لَا تُفْعَلُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وقال في الْمَجْمُوعِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِصُورَتِهَا من غَيْرِ جِنَازَةٍ بِخِلَافِ صَلَاةِ الظُّهْرِ يُؤْتِي بِصُورَتِهَا ابْتِدَاءً بِلَا سَبَبٍ ثُمَّ قال لَكِنَّ ما قَالُوهُ
____________________
(1/322)
يَنْتَقِضُ بِصَلَاةِ النِّسَاءِ مع الرِّجَالِ فَإِنَّهَا لَهُنَّ نَافِلَةٌ وَهِيَ صَحِيحَةٌ وَلَوْ أُعِيدَتْ الصَّلَاةُ وَقَعَتْ نَافِلَةً
وقال الْقَاضِي فَرْضًا كَصَلَاةِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ قال وَقَضِيَّةُ اعْتِبَارِ كَوْنِهِ من أَهْلِ الْفَرْضِ يوم الْمَوْتِ مَنَعَ الْكَافِرَ وَالْحَائِضَ يَوْمئِذٍ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَرَأَى الْإِمَامُ إلْحَاقَهُمَا بِالْمُحْدِثِ وَتَبِعَهُ في الْوَسِيطِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَاعْتِبَارُ الْمَوْتِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لو بَلَغَ أو أَفَاقَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ لم يُعْتَبَرْ ذلك وَالصَّوَابُ خِلَافُهُ لِأَنَّهُ لو لم يَكُنْ ثَمَّ غَيْرُهُ لَزِمَتْهُ الصَّلَاةُ اتِّفَاقًا وَكَذَا لو كان ثَمَّ غَيْرُهُ فَتَرَكَ الْجَمِيعُ فَإِنَّهُمْ يَأْثَمُونَ بَلْ لو زَالَ الْمَانِعُ بَعْدَ الْغُسْلِ أو بَعْدَ الصَّلَاةِ عليه وَأَدْرَكَ زَمَنًا يُمْكِنُ فيه الصَّلَاةُ كان كَذَلِكَ وَلَا يُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا قَطُّ يَعْنِي أَبَدًا كان الْأَوْلَى تَرْكُ قَطُّ أو إبْدَالُهَا بِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَصَلَّى مُنْفَرِدًا أَمْ جَمَاعَةً أَعَادَهَا في جَمَاعَةٍ أو مُنْفَرِدًا حَضَرَتْ الْجَمَاعَةُ قبل الدَّفْنِ أو بَعْدَهُ لِأَنَّ الْمُعَادَ نَفْلٌ وَهَذِهِ لَا يُتَنَفَّلُ بها كما مَرَّ قال وفي الْمُهِمَّاتِ وفي التَّعْبِيرِ الْمَذْكُورِ قُصُورٌ فإن الْإِعَادَةَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَلَا يَلْزَمُ من نَفْيِ الِاسْتِحْبَابِ أَوْلَوِيَّةُ التَّرْكِ لِجَوَازِ التَّسَاوِي وَلِهَذَا عَبَّرَ في الْمَجْمُوعِ بِقَوْلِهِ لَا تُسْتَحَبُّ له الْإِعَادَةُ بَلْ يُسْتَحَبُّ تَرْكُهَا وَأُجِيبَ بِمَنْعِ عَدَمِ لُزُومِ أَوْلَوِيَّةِ التَّرْكِ بَلْ يَلْزَمُ في الْعِبَادَاتِ لِأَنَّ كَوْنَهَا عِبَادَةٌ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهَا مَطْلُوبَةً إيجَابًا أو نَدْبًا
أَمَّا الْإِبَاحَةُ وَالْعِبَادَةُ فَلَا يَجْتَمِعَانِ وَلِمَنْ حَضَرَ بَعْدَ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ صَلَّوْا أَنْ يُقِيمُوا الصَّلَاةَ جَمَاعَةٌ أُخْرَى وَفُرَادَى كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلَوْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أو حَذَفَ جَمَاعَةً أُخْرَى كان أَوْلَى وَبِكُلِّ حَالٍ فَالْأَوْلَى أَنْ تُؤَخَّرَ الصَّلَاةُ إلَى بَعْدِ دَفْنِهِ نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عن النَّصِّ وَيَنْوُونَ الْفَرْضَ وَتَقَعُ صَلَاتُهُمْ فَرْضًا كَالْأَوَّلِينَ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لِأَنَّهُ لَا يُتَنَفَّلُ بها كما مَرَّ قال في الْمَجْمُوعِ وَالسَّاقِطُ بِالْأُولَى عن الْبَاقِينَ خَرَجَ الْفَرْضُ لَا هو وقد يَكُونُ ابْتِدَاءُ الشَّيْءِ غير فَرْضٍ وَبِالدُّخُولِ فيه يَصِيرُ فَرْضًا كَحَجِّ التَّطَوُّعِ وَأَحَدِ خِصَالِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ وما قَالَهُ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّهُ إذَا سَقَطَ الْحَرَجُ سَقَطَ الْفَرْضُ وقد أَوْضَحَهُ السُّبْكِيُّ فقال فَرْضُ الْكِفَايَةِ إذَا لم يَتِمَّ بِهِ الْمَقْصُودُ بَلْ تَتَجَدَّدُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِ الْفَاعِلِينَ كَتَعَلُّمِ الْعِلْمِ وَحِفْظِ الْقُرْآنِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ إذْ مَقْصُودُهَا الشَّفَاعَةُ لَا يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ وَإِنْ سَقَطَ الْحَرَجُ وَلَيْسَ كُلُّ فَرْضٍ يُؤْثَمُ بِتَرْكِهِ مُطْلَقًا وَإِنْ دُفِنَ قبل الصَّلَاةِ عليه أَثِمُوا أَيْ الدَّافِنُونَ وَالرَّاضُونَ بِدَفْنِهِ قَبْلَهَا لِوُجُوبِ تَقْدِيمِهَا عليه وَصَلَّوْا على الْقَبْرِ لِأَنَّهُ لَا يُنْبَشُ لِلصَّلَاةِ عليه كما سَيَأْتِي
وَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ عليه في الْمَسْجِدِ بَلْ هِيَ فيه أَفْضَلُ منها في غَيْرِهِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى فيه على ابْنِي بَيْضَاءَ سُهَيْلٍ وَأَخِيهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّ الْمَسْجِد أَشْرَفُ من غَيْرِهِ وَأَمَّا خَبَرُ من صلى على جِنَازَةٍ في الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ له فَضَعِيفٌ وَاَلَّذِي في الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ فَلَا شَيْءَ عليه وَلَوْ صَحَّ وَجَبَ حَمْلُهُ على هذا جَمْعًا بين الرِّوَايَاتِ وقد جاء مِثْلُهُ في الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا أو على نُقْصَانِ الْأَجْرِ لِأَنَّ الْمُصَلَّى عليها في الْمَسْجِدِ يَنْصَرِفُ عنها غَالِبًا وَمَنْ يُصَلَّى عليها في الصَّحْرَاءِ يُحْضَرُ دَفْنُهَا غَالِبًا فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ فَلَا أَجْرَ كَامِلَ له كَقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ وَيُسْتَحَبُّ في الصَّلَاةِ عليه ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ فَأَكْثَرُ لِخَبَرِ مَالِكِ بن هُبَيْرَةَ السَّابِقِ قال الزَّرْكَشِيُّ قال بَعْضُهُمْ وَالثَّلَاثَةُ بِمَنْزِلَةِ الصَّفِّ الْوَاحِدِ في الْأَفْضَلِيَّةِ وَإِنَّمَا لم يُجْعَلْ الْأَوَّلُ أَفْضَلَ مُحَافَظَةً على مَقْصُودِ الشَّارِعِ من الثَّلَاثَةِ فَلَوْ الْأَوْلَى وَلَوْ صلى الْإِمَامُ على حَاضِرٍ وَالْمَأْمُومُ على غَائِبٍ أو عَكْسُهُ أو صلى إنْسَانٌ على حَاضِرٍ وَغَائِبٍ جَازَ لِأَنَّ اخْتِلَافَ النِّيَّةِ في ذلك لَا يَضُرُّ وَالْأَخِيرُ من زِيَادَتِهِ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ بِالْأَوْلَى جَوَازَ اخْتِلَافِهِمَا في الْمُصَلَّى عليه مع الِاتِّفَاقِ في الْحَضْرَةِ وَالْغَيْبَةِ وَإِنْ حَضَرَتْ الْجِنَازَةُ لم يُنْتَظَرْ أَحَدٌ لِخَبَرِ أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ إلَّا الْوَلِيَّ قال في الرَّوْضَةِ فَلَا بَأْسَ بِانْتِظَارِهِ أَيْ عن قُرْبٍ ما لم يُخَفْ تَغَيُّرٌ لِلْمَيِّتِ وَاسْتَثْنَى مع ذلك الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ ما إذَا كَانُوا دُونَ أَرْبَعِينَ فَيُنْتَظَرُ تَكْمِلَتُهُمْ عن قُرْبٍ لِأَنَّ هذا الْعَدَدَ مَطْلُوبٌ فيها قال وَهَذَا كما أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَا تُؤَخَّرُ عن أَوَّلِ الْوَقْتِ إذَا حَضَرَتْ وَتُؤَخَّرُ إنْ لم تَحْضُرْ وفي مُسْلِمٍ عن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كان يُؤَخِّرُ لِلْأَرْبَعَيْنِ
____________________
(1/323)
قِيلَ وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ لم يَجْتَمِعْ أَرْبَعُونَ إلَّا كان لِلَّهِ فِيهِمْ وَلِيٌّ وَلَا يُؤَخَّرُ بَعْدُ صَلَاةُ من يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِهِ لِيُصَلِّيَ عليه من لم يُصَلِّ وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ على من مَاتَ وَغُسِّلَ الْيَوْمَ من الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ لم يُعْرَفْ عَدَدُهُمْ قال في الْمَجْمُوعِ وهو حَسَنٌ مُسْتَحَبٌّ بَابُ الدَّفْنِ لِلْمَيِّتِ وهو في الْمَقْبَرَةِ أَفْضَلُ منه في غَيْرِهَا لِلِاتِّبَاعِ وَلِنَيْلِ دُعَاءِ الطَّارِقِينَ وفي أَفْضَلِ مَقْبَرَةٍ بِالْبَلَدِ أَوْلَى وَإِنَّمَا دُفِنَ صلى اللَّهُ عليه وسلم في بَيْتِهِ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ في مَدْفَنِهِ وَلِأَنَّهُمْ خَافُوا من دَفْنِهِ في بَعْضِ الْمَقَابِرِ التَّنَازُعَ فيه فَتَطْلُبُ كُلُّ قَبِيلَةٍ دَفْنَهُ عِنْدَهُمْ وَلِأَنَّ من خَوَاصِّ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّهُمْ يُدْفَنُونَ حَيْثُ يَمُوتُونَ وَاسْتَثْنَى الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَيْضًا الشَّهِيدَ فَيُسْتَحَبُّ دَفْنُهُ حَيْثُ قُتِلَ لِخَبَرٍ فيه وَلِأَنَّ مَضْجَعَهُ يَشْهَدُ له وَلِأَنَّ بَعْضَهُ وهو ما سَالَ من دَمِهِ قد صَارَ فيه قال وَلَوْ كانت الْمَقْبَرَةُ مَغْصُوبَةً أو سَبَّلَهَا ظَالِمٌ اشْتَرَاهَا بِمَالٍ خَبِيثٍ أو نَحْوِهِمَا أو كان أَهْلُهَا أَهْلَ بِدْعَةٍ أو فِسْقٍ أو كانت تُرْبَتُهَا فَاسِدَةً لِمُلُوحَةٍ أو نَحْوِهَا أو كان نَقْلُ الْمَيِّتِ إلَيْهَا يُؤَدِّي لِانْفِجَارِهِ فَالْأَفْضَلُ اجْتِنَابُهَا قُلْت بَلْ يَجِبُ في بَعْضِ ذلك وفي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّ الدَّفْنَ في الْبَيْتِ مَكْرُوهٌ قال الْأَذْرَعِيُّ إلَّا أَنْ تَدْعُوَ إلَيْهِ حَاجَةٌ أو مَصْلَحَةٌ كما مَرَّ على أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى لَا مَكْرُوهٌ فَلَوْ قال بَعْضُ الْوَرَثَةِ يُدْفَنُ في مِلْكِهِ وقال الْبَاقُونَ في الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ فَيُجَابُ طَالِبُهَا لِأَنَّ مِلْكَهُ قد انْتَقَلَ إلَيْهِمْ وَبَعْضُهُمْ غَيْرُ رَاضٍ بِدَفْنِهِ فيه فَلَوْ تَنَازَعُوا في مَقْبَرَتَيْنِ ولم يَكُنْ الْمَيِّتُ أَوْصَى بِشَيْءٍ
قال ابن الْأُسْتَاذِ إنْ كان الْمَيِّتُ رَجُلًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُجَابَ الْمُقَدَّمُ في الصَّلَاةِ وَالْغُسْلِ فَإِنْ اسْتَوَوْا أُقْرِعَ وَإِنْ كان امْرَأَةً أُجِيبَ الْقَرِيبُ دُونَ الزَّوْجِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّهُ عِنْدَ التَّسَاوِي وَإِلَّا فَيَجِبُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى ما هو الْأَصْلَحُ لِلْمَيِّتِ فَيُجَابُ الدَّاعِي إلَيْهِ كما لو كانت إحْدَاهُمَا أَقْرَبَ أو أَصْلَحَ أو مُجَاوِرَةً لَا خِيَارَ وَالْأُخْرَى بِالضِّدِّ بَلْ لو اتَّفَقُوا على خِلَافِ الْأَصْلَحِ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ الِاعْتِرَاضُ عليهم فيه نَظَرًا لِلْمَيِّتِ وَيُؤَيِّدُهُ ما مَرَّ فِيمَا لو اتَّفَقُوا على تَكْفِينِهِ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَإِنْ دَفَنَهُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ في أَرْضِ نَفْسِهِ لم يُنْقَلْ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ وَلَيْسَ في إبْقَائِهِ إبْطَالُ حَقِّ غَيْرِهِ وَقَبْلَهُ أَيْ قبل دَفْنِهِ في أَرْضِ بَعْضِهِمْ لهم أَيْ لِبَقِيَّتِهِمْ الِامْتِنَاعُ من دَفْنِهِ فيها لِمَا فيه من الْمِنَّةِ عليهم فَيُجَابُونَ لِدَفْنِهِ في الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ ما لو قال بَعْضُهُمْ يُكَفَّنُ من مَالِي وقال الْبَاقُونَ من الْأَكْفَانِ الْمُسَبَّلَةِ حَيْثُ يُجَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ عَادَةَ الناس جَرَتْ بِالدَّفْنِ في الْمَقَابِرِ الْمُسَبَّلَةِ من غَيْرِ أَنْ يَلْحَقَهُمْ عَارٌ بِخِلَافِ الْأَكْفَانِ الْمُسَبَّلَةِ وَقَوْلُهُ وَقَبْلَهُ لهم الِامْتِنَاعُ مَعْلُومٌ من قَوْلِهِ فَيُجَابُ طَالِبُهَا وَإِنْ كان الْمَدْفَنُ ثَمَّ من التَّرِكَةِ وَهُنَا من غَيْرِهَا أو دَفَنَهُ بَعْضُهُمْ في أَرْضِ التَّرِكَةِ فَلِلْبَاقِينَ لَا لِلْمُشْتَرِي منهم نَقْلُهُ وَالْأَوْلَى لهم تَرْكُهُ فَنَقْلُهُ خِلَافُ الْأَوْلَى لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ وَالْمُرَادُ كَرَاهَتُهُ كما عَبَّرَ بها في الْمَجْمُوعِ وَنَقَلَهَا عن الْأَصْحَابِ أَمَّا لو دَفَنُوهُ في مِلْكِهِ ثُمَّ بَاعُوهُ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي نَقْلُهُ لِسَبْقِ حَقِّهِمْ فَقَوْلُهُ منهم أَيْ من الْوَرَثَةِ لَا من الْبَاقِينَ وَلَهُ أَيْ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ في فَسْخِ الْبَيْعِ إنْ جَهِلَ الْحَالَ وهو أَيْ الْمَدْفِنُ له أَيْ لِلْمُشْتَرِي يَنْتَفِعُ بِهِ إنْ بَلِيَ الْمَيِّتُ أو اتَّفَقَ نَقْلُهُ فَرْعٌ قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ لو مَاتَ رَقِيقٌ وَتَنَازَعَ قَرِيبُهُ وَسَيِّدُهُ في مَقْبَرَتَيْنِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ فَفِي الْمُجَابِ مِنْهُمَا احْتِمَالَانِ بِنَاءً على أَنَّ الرِّقَّ هل يَزُولُ بِالْمَوْتِ وقد مَرَّ وَأَقَلُّ الْوَاجِبِ في الْمَدْفِن حُفْرَةٌ تَصُونُ جِسْمَهُ عن السِّبَاعِ غَالِبًا وَرَائِحَتَهُ قال الرَّافِعِيُّ وَالْغَرَضُ من ذِكْرِهِمَا إنْ كَانَا مُتَلَازِمَيْنِ بَيَانُ فَائِدَةِ الدَّفْنِ وَإِلَّا فَبَيَانُ وُجُوبِ رِعَايَتِهِمَا فَلَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا وَظَاهِرٌ أَنَّهُمَا لَيْسَا بِمُتَلَازِمَيْنِ كَالْفَسَاقِيِ التي لَا تَكْتُمُ الرَّائِحَةَ مع مَنْعِهَا الْوَحْشَ فَلَا يَكْفِي الدَّفْنُ فيها وقد قال السُّبْكِيُّ في الِاكْتِفَاءِ بِالْفَسَاقِيِ نَظَرًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُعَدَّةً لِكَتْمِ الرَّائِحَةِ وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ على هَيْئَةِ الدَّفْنِ الْمَعْهُودِ شَرْعًا قال وقد أَطْلَقُوا تَحْرِيمَ إدْخَالِ مَيِّتٍ على مَيِّتٍ لِمَا فيه من هَتْكِ حُرْمَةِ الْأَوَّلِ وَظُهُورِ رَائِحَتِهِ فَيَجِبُ إنْكَارُ ذلك وَالْأَكْمَلُ في الدَّفْنِ قَبْرٌ وَاسِعٌ لِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في قَتْلَى أُحُدٍ أَسْفِرُوا وَأَوْسِعُوا وَأَعْمِقُوا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ ارْتِفَاعُهُ قَدْرَ قَامَةٍ وَبَسْطَةٍ من رَجُلٍ مُعْتَدِلٍ لَهُمَا بِأَنْ يَقُومَ بَاسِطًا يَدَيْهِ مَرْفُوعَتَيْنِ لِأَنَّ عُمَرَ أَوْصَى بِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ في الْمَقْصُودِ وَهُمَا أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَنِصْفٍ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ في قَوْلِهِ أَنَّهُمَا
____________________
(1/324)
ثَلَاثَةٌ وَنِصْفٌ فَرْعٌ ثُمَّ بَعْدَ حَفْرِ الْقَبْرِ يَحْفِرُ نَدْبًا اللَّحْدَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّهَا يُقَالُ لَحَدْت لِلْمَيِّتِ وَأَلْحَدْت له في جَانِبِهِ الْقِبْلِيِّ مَائِلًا عن الِاسْتِوَاءِ إلَى عِبَارَةِ الْأَصْلِ من أَسْفَلِهِ قَدْرَ ما يُوضَعُ فيه الْمَيِّتُ وَيُوَسِّعُ من زِيَادَتِهِ أَيْ يُوَسِّعُ اللَّحْدَ نَدْبًا بِالْعُمُومِ الْخَبَرِ السَّابِقِ وَيَتَأَكَّدُ ذلك عِنْدَ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ لِلْأَمْرِ بِهِ في خَبَرٍ صَحِيحٍ في أبي دَاوُد فَإِنْ كانت أَرْضَ الْقَبْرِ رِخْوَةً بِكَسْرِ الرَّاءِ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ من فَتْحِهَا وَضَمِّهَا شَقَّ في وَسَطِهِ كَالنَّهْرِ وَالْأَرْضِ الرِّخْوَةِ هِيَ التي تَنْهَارُ وَلَا تَتَمَاسَكُ وَبَنَى عِبَارَةَ الرَّافِعِيِّ أو بَنَى جَانِبَيْهِ وَسَقْفَهُ بِلَبِنٍ أو خَشَبٍ أو غَيْرِهِمَا وَيَرْفَعُ السَّقْفَ قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا يَمَسُّ الْمَيِّتَ وَاللَّحْدُ في الْأَرْضِ الصُّلْبَةِ أَفْضَلُ من الشَّقِّ بِفَتْحِ الشِّينِ لِقَوْلِ سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ في مَرَضِ مَوْتِهِ أَلْحِدُوا لي لَحْدًا وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنِ نَصْبًا كما فُعِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَمَّا في الرَّخْوَةِ فَالشَّقُّ أَفْضَلُ خَشْيَةَ الِانْهِيَارِ فَرْعٌ يُوضَعُ الْمَيِّتُ نَدْبًا بِحَيْثُ يَكُونُ رَأْسُهُ عِنْدَ رِجْلِ الْقَبْرِ أَيْ مُؤَخِّرِهِ الذي سَيَصِيرُ عِنْدَ رِجْلِ الْمَيِّتِ وَيُسَلُّ من جِهَةِ رَأْسِهِ بِرِفْقٍ لِمَا رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن يَزِيدَ الْخِطْمِيَّ الصَّحَابِيَّ صلى على جِنَازَةِ الْحَارِثِ ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْقَبْرَ من قِبَلِ رِجْلِ الْقَبْرِ وقال هذا من السُّنَّةِ وَلِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سُلَّ من قِبَلِ رَأْسِهِ سَلًّا وما قِيلَ أَنَّهُ أُدْخِلَ من قِبَلِ الْقِبْلَةِ ضَعِيفٌ كما قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ مع أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إدْخَالُهُ من قِبَلِ الْقِبْلَةِ لِأَنَّ شَقَّ قَبْرِهِ لَاصِقٌ بِالْجِدَارِ وَلَحْدَهُ تَحْتَ الْجِدَارِ فَلَا مَوْضِعَ هُنَاكَ يُوضَعُ فيه قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ كما نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ وَيُنْزِلُهُ اللَّحْدَ أو غَيْرَهُ أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ عليه فَلَا يُنْزِلُهُ إلَّا الرِّجَالُ مَتَى وُجِدُوا وَإِنْ كان الْمَيِّتُ امْرَأَةً بِخِلَافِ النِّسَاءِ لِضَعْفِهِنَّ عن ذلك غَالِبًا وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ أَبَا طَلْحَةَ أَنْ يَنْزِلَ في قَبْرِ بِنْتٍ له صلى اللَّهُ عليه وسلم وَاسْمُهَا أُمُّ كُلْثُومٍ
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كان لها مَحَارِمُ من النِّسَاءِ كَفَاطِمَةَ وَغَيْرِهَا نعم يُنْدَبُ لَهُنَّ كما في الْمَجْمُوعِ أَنْ يَلِينَ حَمْلَ الْمَرْأَةِ من مُغْتَسَلِهَا إلَى النَّعْشِ وَتَسْلِيمَهَا إلَى من في الْقَبْرِ وَحَلِّ ثِيَابِهَا فيه لَكِنَّ الزَّوْجَ أَحَقُّ من غَيْرِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ له حَقٌّ في الصَّلَاةِ لِأَنَّ مَنْظُورَهُ أَكْثَرُ ثُمَّ الْأَفْقَهُ بِالدَّفْنِ الْقَرِيبِ أَحَقُّ من غَيْرِهِ حتى من الْأَقْرَبِ وَإِلَّا سُنَّ عَكْسُ ما مَرَّ فِيهِمَا في الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ منها الدُّعَاءُ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ دَفَعَ بِهِ وُرُودَهُ على إطْلَاقِ قَوْلِهِمْ وَيُنْزِلُهُ أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ عليه وفي نُسْخَةٍ بَعْدَ الْقَرِيبِ على الْأَقْرَبِ أَيْ يُقَدَّمُ الْأَفْقَهُ الْقَرِيبُ على الْأَقْرَبِ وَلَوْ أَسَنَّ ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ من الْمَحَارِمِ فَيُقَدَّمُ الْأَبُ ثُمَّ أَبُوهُ وَإِنْ عَلَا ثُمَّ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ نَزَلَ ثُمَّ الْأَخُ الشَّقِيقُ ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبِ ثُمَّ ابن الْأَخِ الشَّقِيقِ ثُمَّ ابن الْأَخِ لِلْأَبِ ثُمَّ الْعَمُّ الشَّقِيقُ ثُمَّ الْعَمُّ لِلْأَبِ ثُمَّ أبو الْأُمِّ ثُمَّ الْأَخُ منها ثُمَّ الْخَالُ ثُمَّ الْعَمُّ منها على ما تَقَدَّمَ ثُمَّ ثُمَّ عَبِيدُهَا أَيْ الْمَيِّتَةِ لِأَنَّهُمْ كَالْمَحَارِمِ في النَّظَرِ وَنَحْوِهِ وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّ الْأَمَةَ لَا تُغَسِّلُ سَيِّدَهَا لِانْقِطَاعِ الْمِلْكِ وهو بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ هُنَا وَأُجِيبَ بِاخْتِلَافِ الْبَابَيْنِ إذْ الرَّجُلُ ثَمَّ يَتَأَخَّرُ
وَهُنَا يَتَقَدَّمُ حتى إنَّ الرَّجُلَ الْأَجْنَبِيَّ يَتَقَدَّمُ هُنَا على الْمَرْأَةِ وَعَبْدُ الْمَيِّتَةِ أَوْلَى منه وَيُشْبِهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ على عَبِيدِهَا مَحَارِمُ الرَّضَاعِ وَمَحَارِمُ الْمُصَاهَرَةِ ثُمَّ الْخُصْيَانُ الْأَجَانِبُ لِضَعْفِ شَهْوَتِهِمْ وَلَوْ قال ثُمَّ الْمَمْسُوخُونَ ثُمَّ الْمَجْبُوبُونَ ثُمَّ الْخُصْيَانُ كان أَوْلَى لِلتَّفَاوُتِ بِضَعْفِ الشَّهْوَةِ ثُمَّ الْعَصَبَةُ الَّذِينَ لَا مَحْرَمِّيَةَ لهم كَبَنِي الْعَمِّ بِتَرْتِيبِهِمْ في الصَّلَاةِ ثُمَّ ذَوُو الرَّحِمِ وفي نُسْخَةٍ ذَوُو الْأَرْحَامِ الَّذِينَ لَا مَحْرَمِّيَةَ لهم كَبَنِي الْخَالِ وَبَنِي الْعَمَّةِ فَقَوْلُهُ الَّذِينَ لَا مَحْرَمِّيَةَ لهم صِفَةٌ لِلْعَصَبَةِ وَلِذَوِي الرَّحِمِ وَذِكْرُ الْعَصَبَةِ من زِيَادَتِهِ ثُمَّ صَالِحُ الْأَجَانِبِ لِخَبَرِ أبي طَلْحَةَ السَّابِقِ إذْ لم يَكُنْ ثَمَّ مَحْرَمٌ غَيْرُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَعَلَّهُ كان له عُذْرٌ في نُزُولِ قَبْرِهَا وَكَذَا زَوْجُهَا قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ ثُمَّ النِّسَاءُ بِتَرْتِيبِهِنَّ السَّابِقِ في الْغُسْلِ وَالْخَنَاثَى كَالنِّسَاءِ قال الْإِمَامُ وَلَا أَرَى تَقْدِيمَ ذَوِي الْأَرْحَامِ مَحْتُومًا بِخِلَافِ الْمَحَارِمِ لِأَنَّهُمْ كَالْأَجَانِبِ في وُجُوبِ الِاحْتِجَابِ عَنْهُمْ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ ليس حَتْمًا في تَأْدِيَةِ السُّنَّةِ بِخِلَافِ الْجُمْهُورِ يَرَوْنَهُ حَتْمًا فيها على ما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ من أَنَّ التَّرْتِيبَ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْمُتَبَادِرُ من كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلسَّيِّدِ في الدَّفْنِ وَالْوَجْهُ أَنَّهُ في الْأَمَةِ التي تَحِلُّ له كَالزَّوْجِ وَأَمَّا غَيْرُهَا فَهَلْ يَكُونُ مَعَهَا
____________________
(1/325)
كَالْأَجْنَبِيِّ أو لَا فيه نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ نعم إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ وَأَمَّا الْعَبْدُ فَهُوَ أَحَقُّ بِدَفْنِهِ من الْأَجَانِبِ حَتْمًا فَرْعٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عَدَدُهُمْ أَيْ الدَّافِنِينَ وَعَدَدُ الْغَاسِلِينَ وِتْرًا ثَلَاثَةً فَأَكْثَرَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم دَفَنَهُ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ رَوَاهُ ابن حِبَّانَ في صَحِيحِهِ وَرَوَاهُ أبو دَاوُد بِدُونِ الْعَبَّاسِ وَزِيَادَةُ عبد الرحمن بن عَوْفٍ وَأُسَامَةَ وَنَزَلَ مَعَهُمْ خَامِسٌ وفي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ وَأُسَامَةَ وفي أُخْرَى له عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ وَقُثَمُ بن الْعَبَّاسِ وَشُقْرَانُ مولى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَنَزَلَ مَعَهُمْ خَامِسٌ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قد تَوَلَّى غُسْلَهُ عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ بن الْعَبَّاسِ وَأُسَامَةُ كما مَرَّ في بَابِ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَيُجْزِئُ كَافٍ لِدَفْنِهِ وَغُسْلِهِ وَلَوْ وَاحِدًا أو شَفْعًا لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِهِ وَلَك أَنْ تُدْخِلَ الْوَاحِدَ في قَوْلِهِ وِتْرًا وَدَلِيلُ اسْتِحْبَابِهِ في الدَّفْنِ عِنْدَ الِاكْتِفَاءِ بِهِ الِاتِّبَاعُ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَخَبَرُ أبي طَلْحَةَ السَّابِقُ ويستحب أَنْ يُدْخِلَهُ الْقَبْرَ وَالْقَبْرُ مَسْتُورٌ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتُرَ الْقَبْرَ عِنْدَ الدَّفْنِ بِثَوْبٍ رَجُلًا كان أو امْرَأَةً أَيْ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لِمَا عَسَاهُ أَنْ يَنْكَشِفَ مِمَّا كان يَجِبُ سَتْرُهُ وستره لِلْمَرْأَةِ آكَدُ منه لِغَيْرِهَا كما في الْحَيَاةِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لِلْخُنْثَى آكَدُ منه لِلرَّجُلِ قَائِلًا مُدْخِلُهُ بِسْمِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ أو سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وأن يَدْعُوَ له بِالْمَأْثُورِ
وهو كما في الْأَصْلِ عن الشَّافِعِيِّ اللَّهُمَّ أَسْلَمَهُ إلَيْك الْأَشِحَّاءُ من وَلَدِهِ وَأَهْلِهِ وَقَرَابَتِهِ وَإِخْوَانِهِ وَفَارَقَهُ من كان يُحِبُّ قُرْبَهُ وَخَرَجَ من سَعَةِ الدُّنْيَا وَالْحَيَاةِ إلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَضِيقِهِ وَنَزَلَ بِك وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ إنْ عَاقَبْته فَبِذَنْبِهِ وَإِنْ عَفَوْت عنه فَأَهْلُ الْعَفْوِ أنت أنت غَنِيٌّ عن عَذَابِهِ وهو فَقِيرٌ إلَى رَحْمَتِك اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ حَسَنَتَهُ وَاغْفِرْ سَيِّئَتَهُ وَأَعِذْهُ من عَذَابِ الْقَبْرِ وَاجْمَعْ له بِرَحْمَتِك الْأَمْنَ من عَذَابِك وَاكْفِهِ كُلَّ هَوْلٍ دُونَ الْجَنَّةِ اللَّهُمَّ وَاخْلُفْهُ في تَرِكَتِهِ في الْغَابِرِينَ وَارْفَعْهُ في عَلِيَّيْنِ وَعُدْ عليه بِفَضْلِ رَحْمَتِك يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ فَإِنْ كان الْمَيِّتُ أُنْثَى أَنَّثَ ضَمَائِرَهُ كما عُلِمَ زِيَادَةً مِمَّا مَرَّ وَالظَّاهِرُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ في الصَّلَاةِ على الصَّغِيرِ أَنَّ مَحَلَّ هذا الذِّكْرِ الْمَأْثُورِ في غَيْرِ الصَّغِيرِ ثُمَّ يُضْجِعُهُ نَدْبًا على جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَكَمَا في الِاضْطِجَاعِ عِنْدَ النَّوْمِ وَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ بِلَبِنَةٍ طَاهِرَةٍ وَنَحْوِهَا خَوْفًا من السُّقُوطِ أَيْ اسْتِلْقَائِهِ وَيُدْنِي من جِدَارِ اللَّحْدِ فَيُسْنِدُ إلَيْهِ وَجْهَهُ وَرِجْلَاهُ وَيَجْعَلُ في بَاقِيهِ بَعْضَ التَّجَافِي فَيَكُونُ قَرِيبًا من هَيْئَةِ الرَّاكِعِ خَوْفًا من انْكِبَابِهِ وَلَوْ أَخَّرَ قَوْلَهُ من السُّقُوطِ إلَى هُنَا كان أَنْسَبَ لِيَكُونَ الْمَعْنَى خَوْفًا من اسْتِلْقَائِهِ وَانْكِبَابه
وَالِاسْتِقْبَالُ بِهِ الْقِبْلَةَ وَاجِبٌ تَنْزِيلًا له مَنْزِلَةَ الْمُصَلِّي فإن دُفِنَ مُسْتَدْبِرًا يَعْنِي غير مُسْتَقْبِلٍ لها فَيَشْمَلُ الِاسْتِلْقَاءَ الْمُصَرَّحَ بِهِ في الْأَصْلِ نُبِشَ وَوُجِّهَ لِلْقِبْلَةِ وُجُوبًا إنْ لم يَتَغَيَّرْ وَإِلَّا فَلَا يُنْبَشُ وَمَحَلُّهُ في الِاسْتِلْقَاءِ كما قال الْأَذْرَعِيُّ إذَا جَعَلَ عَرْضَ الْقَبْرِ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ كَالْعَادَةِ وَإِلَّا فَقَدْ قال الْمُتَوَلِّي يُسْتَحَبُّ جَعْلُ عَرْضِ الْقَبْرِ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ فَإِنْ جَعَلَ طُولَهُ إلَيْهَا بِحَيْثُ إذَا وَضَعَ فيه الْمَيِّتَ تَكُونُ رِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ فَإِنْ فَعَلَ لِضِيقِ مَكَان لم يُكْرَهْ وَإِلَّا كُرِهَ لَكِنْ إذَا دُفِنَ على هذا الْوَجْهِ لَا يُنْبَشُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ لِلتَّنْزِيهِ وَتَعَقَّبَهُ الْأَذْرَعِيُّ فقال وَيَنْبَغِي تَحْرِيمُ جَعْلِ الْقَبْرِ كَذَلِكَ بِلَا ضَرُورَةٍ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى انْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ وَسَبِّ صَاحِبِهِ لِاعْتِقَادِ أَنَّهُ من الْيَهُودِ أو النَّصَارَى فإن هذا شِعَارُهُمْ وفي كَوْنِ ما قَالَهُ مُوجِبًا لِلتَّحْرِيمِ نَظَرٌ لَا إنْ وُضِعَ على يَسَارِهِ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِهَا فَلَا يُنْبَشُ وَذَلِكَ أَيْ وَضْعُهُ على يَسَارِهِ مَكْرُوهٌ
وهو مُرَادُ النَّوَوِيِّ في مَجْمُوعِهِ بِقَوْلِهِ إنَّهُ خِلَافُ الْأَفْضَلِ كما سَبَقَ في الْمُصَلِّي مُضْطَجِعًا فإن الذي سَبَقَ له ثُمَّ إنَّمَا هو الْكَرَاهَةُ وَلَوْ اخْتَلَطَ مُسْلِمُونَ بِكُفَّارٍ أو مَاتَتْ كَافِرَةٌ وَلَوْ حَرْبِيَّةً أو مُرْتَدَّةً وفي بَطْنِهَا جَنِينٌ مُسْلِمٌ مَيِّتٌ قُبِرُوا فِيمَا بين مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ وُجُوبًا لِئَلَّا يُدْفَنَ الْكُفَّارُ في مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَعَكْسُهُ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عن وَاثِلَةَ بن الْأَسْقَعِ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ فَعَلَ ذلك بِنَصْرَانِيَّةٍ في بَطْنِهَا مُسْلِمٌ وما رَوَاهُ عن عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَ بِدَفْنِهَا في مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ مُعَارِضٌ بِذَلِكَ مع أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْكَافِرَةِ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالذِّمِّيَّةِ لِمَا مَرَّ وَاسْتَدْبَرُوا بِالْمَرْأَةِ الْقِبْلَةَ وُجُوبًا لِيَسْتَقْبِلَ هَا الْجَنِينُ لِأَنَّ وَجْهه إلَى ظَهْرِ أُمِّهِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ كما قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ إذَا نُفِخَ فيه الرُّوحُ فَإِنْ كان قَبْلَهُ دُفِنَتْ أُمُّهُ كَيْفَ شَاءَ أَهْلُهَا لِأَنَّ دَفْنَهُ حِينَئِذٍ لَا يَجِبُ فَاسْتِقْبَالُهُ أَوْلَى كما عُلِمَ ذلك من قَوْلِ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ إنَّ وَقْتَ التَّخَلُّقِ هو وَقْتُ نَفْخِ الرُّوحِ مع نَقْلِهِ عن
____________________
(1/326)
الْأَصْحَابِ أَنَّ من لم يَتَخَطَّطْ لَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ وَلَا دَفْنُهُ
وما رُدَّ بِهِ ذلك من أَنَّ الْمُتَّجِهَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلْقَاءُ النُّطْفَةِ بِدَوَاءٍ أو غَيْرِهِ وَأَنَّهُ لو وَجَبَ على الْحَامِلِ قَوَدٌ وَجَبَ التَّأْخِيرُ إلَى وَضْعِهِ وَإِنْ ظَنَنَّا عَدَمَ نَفْخِ الرُّوحِ فيه مَرْدُودٌ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْحُكْمِ في الْأُولَى من هَاتَيْنِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ في حَمْلِ الْحَيَاةِ وفي حَمْلِ الْمَيِّتَةِ فلم يُرَاعُوا حُرْمَتَهُ في الِاسْتِقْبَالِ كما لو يُرَاعُوهَا في التَّكْفِينِ وَالدَّفْنِ وَحَكَى عن النَّصِّ أَنَّ أَهْلَ دِينِهَا يَتَوَلَّوْنَ غُسْلَهَا وَدَفْنَهَا لِأَنَّهَا الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ فَرْعٌ يُرْفَعُ رَأْسُ الْمَيِّتِ نَدْبًا بِنَحْوِ لَبِنَةٍ طَاهِرَةٍ كَكَوْمِ تُرَابٍ وَيُفْضَى بِخَدِّهِ الْأَيْمَنِ مَكْشُوفًا إلَيْهَا الْأَوْلَى إلَيْهِ أَيْ إلَى نَحْوِ اللَّبِنَةِ أَوْلَى التُّرَابُ مُبَالَغَةً في الِاسْتِكَانَةِ وَالِامْتِهَانِ رَجَاءَ الرَّحْمَةِ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ مَكْشُوفًا إيضَاحٌ وَيُكْرَهُ أَنْ يُوضَعَ تَحْتَهُ مِخَدَّةٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفُرُشٌ قالوا لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ وَأَجَابُوا عَمَّا في خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ من أَنَّهُ جُعِلَ في قَبْرِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ بِأَنَّهُ لم يَكُنْ بِرِضَا جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ وَلَا عِلْمِهِمْ وَإِنَّمَا فَعَلَهُ شُقْرَانُ مولى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كَرَاهَةَ أَنْ تُلْبَسَ بَعْدَهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَرِهَ وَضْعَ ثَوْبٍ تَحْتَ الْمَيِّتِ بِقَبْرِهِ مع أَنَّ الْقَطِيفَةَ أُخْرِجَتْ قبل إهَالَةِ التُّرَابِ على ما قَالَهُ في الِاسْتِيعَابِ وَلَوْ سُلِّمَ أنها لم تَخْرُجْ فَفِي الدَّارَقُطْنِيِّ قال وَكِيعٌ هذا خَاصٌّ بِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
ويكره صُنْدُوقٌ أَيْ جَعْلُ الْمَيِّتِ فيه وَلَا تَنْفُذُ وَصِيَّته بِذَلِكَ أَيْ بِمَا ذَكَرَ من الْمَكْرُوهَاتِ الثَّلَاثَةِ أو بِشَيْءٍ منه فَقَوْلُهُ بِذَلِكَ أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ بِهِ فَإِنْ اُحْتِيجَ الصُّنْدُوقُ أَيْ إلَيْهِ لِنَدَاوَةٍ وَنَحْوِهَا كَرَخَاوَةٍ في الْأَرْضِ فَلَا كَرَاهَةَ فَإِنْ وَصَّى بِهِ نَفَذَتْ وَصِيَّتُهُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ أَيْضًا ما إذَا كان في تَهْرِيَةٍ بِحَرِيقٍ أو لَدْغٍ بِحَيْثُ لَا يَضْبِطُهُ إلَّا الصُّنْدُوقُ قال وَيُسْتَثْنَى امْرَأَةٌ لَا مَحْرَمٌ لها كما قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ لِئَلَّا يَمَسَّهَا الْأَجَانِبُ عِنْدَ الدَّفْنِ قُلْت فيه نَظَرٌ قال وَيَظْهَرُ أَنْ يَلْحَقَ بِذَلِكَ الْأَرْضُ الْمُسَبَّعَةُ بِحَيْثُ لَا يَصُونُهُ من نَبْشِهَا إلَّا الصُّنْدُوقُ وهو أَيْ الصُّنْدُوقُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ من رَأْسِ الْمَالِ كَالْكَفَنِ وَلِأَنَّهُ من مَصَالِحِ دَفْنِهِ الْوَاجِبِ فَرْعٌ ثُمَّ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِمَّا مَرَّ يُبْنَى اللَّحْدُ نَدْبًا بِاللَّبِنِ وَالطِّينِ أو نَحْوِهِمَا لِقَوْلِ سَعْدٍ فِيمَا مَرَّ وَانْصِبُوا على اللَّبِنِ نَصْبًا وَلِأَنَّ ذلك أَبْلَغُ في صِيَانَةِ الْمَيِّتِ عن النَّبْشِ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ اللَّبِنَاتِ التي وُضِعَتْ في قَبْرِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تِسْعٌ وَتَسُدُّ فُرَجُهُ أَيْ اللَّحْدِ بِكَسْرِ اللَّبِنِ مع الطِّينِ أو بِالْإِذْخِرِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَمْنَعُ التُّرَابَ وَالْهَوَامَّ وفي بَعْضِ نُسَخِ الْأَصْلِ بَدَلَ الْإِذْخِرِ الْآجُرُّ قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ بَلْ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ بِكَرَاهَةٍ قُلْت وَجَرَى عليه الْقَمُولِيُّ قال لِأَنَّهُ يُكْرَهُ وَضْعُ شَيْءٍ مَسَّتْهُ النَّارُ في الْقَبْرِ وَمِثْلُهُ يَجْرِي في إسْنَادِ ظَهْرِهِ وَرَفْعِ رَأْسِهِ وَبِنَاءِ لَحْدِهِ أو نَحْوِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ يُنْصَبُ اللَّبِنُ على فَتْحِ اللَّحْدِ وَتُسَدُّ الْفُرَجُ بِقَطْعِ اللَّبِنِ مع الطِّينِ أو بِالْإِذْخِرِ وَنَحْوِهِ ثُمَّ بَعْدَ ذلك يُحْثِي نَدْبًا كُلُّ من دَنَا عِبَارَةُ الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ من على شَفِيرِ الْقَبْرِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ من تُرَابِهِ بِيَدَيْهِ جميعا وَلِيَكُنْ قِبَلَ رَأْسِهِ وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ ابن مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كما قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلِمَا فيه من الْمُشَارَكَةِ في هذا الْفَرْضِ يُقَالُ حَثَى يُحْثِي حَثْيًا وَحَثَيَاتٍ وَحَتَّى يَحْثُوَ حَثْوًا وَحَثْوَاتٍ وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ وَيَقُولُ نَدْبًا في الْأُولَى منها خَلَقْنَاكُمْ وفي الثَّانِيَةِ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وفي الثَّالِثَةِ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قال الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ في الْأُولَى اللَّهُمَّ لَقِّنْهُ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ حُجَّتَهُ وفي الثَّانِيَةِ اللَّهُمَّ افْتَحْ أَبْوَابَ السَّمَاءِ لِرُوحِهِ وفي الثَّالِثَةِ اللَّهُمَّ جَافِ الْأَرْضَ عن جَنْبَيْهِ ثُمَّ يُدْفَنُ بِالْمَسَاحِي إسْرَاعًا بِتَكْمِيلِ الدَّفْنِ وَإِنَّمَا كان ذلك بَعْدَ الْحَثْيِ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عن وُقُوعِ اللَّبِنَاتِ وَعَنْ تَأَذِّي الْحَاضِرِينَ بِالْغُبَارِ وَالْمَسَاحِي بِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعِ مِسْحَاةٍ بِكَسْرِهَا لِأَنَّهَا آلَةٌ يُمْسَحُ بها الْأَرْضُ وَلَا تَكُونُ إلَّا من حَدِيدٍ بِخِلَافِ الْمِجْرَفَةِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَالْمُرَادُ هُنَا هِيَ أو ما في مَعْنَاهَا فَرْعٌ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُزَادَ الْقَبْرُ على تُرَابِهِ الذي خَرَجَ منه لِئَلَّا يُعَظِّمَ شَخْصُهُ وَأَنْ يُرْفَعَ قَدْرَ شِبْرٍ تَقْرِيبًا لِيُعْرَفَ فَيُزَارَ وَيُحْتَرَمَ كَقَبْرِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كما رَوَاهُ ابن حِبَّانَ في صَحِيحِهِ فَإِنْ لم يَرْتَفِعْ تُرَابُهُ شِبْرًا فَالْأَوْجَهُ أَنْ يُزَادَ قال الْأَذْرَعِيُّ وقد تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى الزِّيَادَةِ كَأَنْ سَفَّتْهُ الرِّيحُ قبل إتْمَامِ حَفْرِهِ أو كانت الْأَرْضُ قَلِيلَةَ التُّرَابِ لِكَثْرَةِ الْحِجَارَةِ وَتَسْطِيحُهُ أَفْضَلُ من تَسْنِيمِهِ كَقَبْرِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقَبْرِ صَاحِبِيهِ فَإِنَّهَا كانت كَذَلِكَ رَوَى أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ الْقَاسِمَ بن مُحَمَّدٍ قال دَخَلْت على
____________________
(1/327)
عَائِشَةَ فَقُلْت لها اكْشِفِي لي عن قَبْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَصَاحِبِيهِ فَكَشَفَتْ عن ثَلَاثَةٍ وَلَا مُشْرِفَةٍ وَلَا لَاطِئَةٍ مَبْطُوحَةٍ بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ أَيْ لَا مُرْتَفِعَةً كَثِيرًا وَلَا لَاصِقَةً بِالْأَرْضِ كما بَيَّنَهُ آخِرَ الْخَبَرِ يُقَالُ لَطِئَ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَلَطَا بِفَتْحِهَا أَيْ لَصِقَ وَلَا يُؤَثِّرُ أَفْضَلِيَّةُ التَّسْطِيحِ كَوْنُهُ صَارَ شِعَارَ الرَّوَافِضِ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَا تُتْرَكُ بِمُوَافَقَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ فيها وَلَا يُخَالِفُ ذلك قَوْلُ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَمَرَنِي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ لَا تَدَعَ قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْتَهُ لِأَنَّهُ لم يُرِدْ تَسْوِيَتَهُ بِالْأَرْضِ
وَإِنَّمَا أَرَادَ تَسْطِيحَهُ جَمْعًا بين الْأَخْبَارِ نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْأَصْحَابِ فَإِنْ دُفِنَ مُسْلِمٌ في بَلَدِ الْكُفَّارِ أُخْفِيَ قَبْرُهُ صِيَانَةً له عَنْهُمْ وَأَلْحَقَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ الْأَمْكِنَةَ التي يُخَافُ نَبْشُهَا لِسَرِقَةِ كَفَنِهِ أو لِعَدَاوَةٍ أو نَحْوِهِمَا وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُ أَيْ تَبْيِيضُ الْقَبْرِ بِالْجَصِّ أَيْ الْجِبْسُ وَيُقَالُ هو النُّورَةُ الْبَيْضَاءُ وَكِتَابَةٌ وَبِنَاءٌ عليه قال جَابِرٌ نهى رسول اللَّه صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَإِنْ يُبْنَى عليه وَأَنْ يُقْعَدَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ زَادَ التِّرْمِذِيُّ وَأَنْ يُكْتَبَ عليه وَأَنْ يُوطَأَ وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ وَسَوَاءٌ في الْبِنَاءِ الْقُبَّةُ أَمْ غَيْرُهَا وَسَوَاءٌ في الْمَكْتُوبِ اسْمُ صَاحِبِهِ أَمْ غَيْرُهُ في لَوْحٍ عِنْدَ رَأْسِهِ أَمْ في غَيْرِهِ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ وَكَمَا يُكْرَهُ الْبِنَاءُ عليه يُكْرَهُ بِنَاؤُهُ فَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ نهى أَنْ يُبْنَى الْقَبْرُ بَلْ يُهْدَمَ الْبِنَاءُ الذي بُنِيَ في الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ بِخِلَافِ ما إذَا بُنِيَ في مِلْكِهِ
وَصَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ بِتَحْرِيمِ الْبِنَاءِ فيها وفي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ إشَارَةٌ إلَيْهِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَقْرَبُ إلْحَاقُ الْمَوَاتِ بِالْمُسَبَّلَةِ لِأَنَّ فيه تَضْيِيقًا على الْمُسْلِمِينَ بِمَا لَا مَصْلَحَةٍ وَلَا غَرَضٍ شَرْعِيٍّ فيه بِخِلَافِ الْإِحْيَاءِ وَلَا بَأْسَ بِتَطْيِينِهِ لِأَنَّهُ ليس لِلزِّينَةِ بِخِلَافِ التَّجْصِيصِ وَقِيلَ لَا يُطَيَّنُ وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ في الْمَجْمُوعِ وَنَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ عن الشَّافِعِيِّ وَمَشْيٌ أَيْ وَلَا بَأْسَ بِمَشْيِ مُتَنَعِّلٍ بِمَقْبَرَةٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ الْعَبْدُ إذَا وُضِعَ في قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عنه أَصْحَابُهُ حتى يَسْمَعَ قَرْعَ نِعَالِهِمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ الحديث وَأَجَابُوا عن خَبَرِ أبي دَاوُد أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِرَجُلٍ رَآهُ يَمْشِي في الْقُبُورِ بِنَعْلَيْنِ يا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ وَيْحَك أَلْقِ سِبْتِيَّتَيْك فَخَلَعَهُمَا بِأَنَّهُ كَرِهَهُمَا لِمَعْنًى فِيهِمَا لِأَنَّ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ هِيَ الْمَدْبُوغَةُ بِالْقَرَظِ وَهِيَ لِبَاسُ أَهْلِ التَّرَفُّهِ وَالتَّنَعُّمِ فَنَهَى عنهما لِمَا فِيهِمَا من الْخُيَلَاءِ فَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ دُخُولُهُ الْمَقَابِرَ على زِيِّ التَّوَاضُعِ وَلِبَاسِ أَهْلِ الْخُشُوعِ وَبِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كان فِيهِمَا نَجَاسَةٌ وَالنَّهْيُ على التَّقْدِيرَيْنِ لِلتَّنْزِيهِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ قَضَاءُ الْحَاجَةِ عِنْدَ الْقُبُورِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُرَشَّ الْقَبْرُ بِالْمَاءِ لِئَلَّا يَنْسِفَهُ الرِّيحُ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَعَلَ ذلك بِقَبْرِ ابْنِهِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَسَيَأْتِي وَبِقَبْرِ سَعْدٍ رَوَاهُ ابن مَاجَهْ وَأَمَرَ بِهِ في قَبْرِ عُثْمَانَ بن مَظْعُونٍ رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَسَعْدٌ هذا هو ابن مُعَاذٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ طَاهِرًا طَهُورًا بَارِدًا تَفَاؤُلًا بِأَنَّ اللَّهَ يُبَرِّدُ مَضْجَعَهُ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ووأن يُوضَعَ عليه حَصًى رَوَى الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَشَّ على قَبْرِ ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ وَوَضَعَ عليه حَصْبَاءَ وَهِيَ بِالْمَدِّ وَبِالْمُوَحَّدَةِ الْحَصَى الصِّغَارُ وهو حَدِيثٌ مُرْسَلٌ مَرْوِيٌّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ ويوضع عِنْدَ رَأْسِهِ صَخْرَةٌ أو خَشَبَةٌ أو نَحْوِهِمَا رَوَى أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَضَعَ حَجَرًا أَيْ صَخْرَةً عِنْدَ رَأْسِ عُثْمَانَ بن مَظْعُونٍ وقال أَتَعَلَّمُ بها قَبْرَ أَخِي وَأَدْفِنُ إلَيْهِ من مَاتَ من أَهْلِي قال الْمَاوَرْدِيُّ وَيُوضَعُ ذلك عِنْدَ رِجْلَيْهِ أَيْضًا وَيُكْرَهُ رَشُّهُ أَيْ قَبْرٍ بِمَاءِ وَرْدٍ وَنَحْوِهِ وَأَنْ يُطْلَى بِالْخَلُوقِ قالوا لِأَنَّهُ إسْرَافٌ وَإِضَاعَةُ مَالٍ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ كَرَاهَةُ رَشِّهِ بِالنَّجَسِ أو تَحْرِيمُهُ ويكره ضَرْبُ مِظَلَّةٍ عليه بِكَسْرِ الْمِيمِ لِأَنَّ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه رَأَى مِظَلَّةً على قَبْرٍ فَأَمَرَ بِرَفْعِهَا وقال دَعَوْهُ يُظِلُّهُ عَمَلُهُ وَيُكْرَهُ اسْتِلَامُهُ وَتَقْبِيلُهُ فَصْلٌ يَحْصُلُ من الْأَجْرِ بِالصَّلَاةِ عليه الْمَسْبُوقَةِ بِالْحُضُورِ معه قِيرَاطٌ ويحصل منه بها وَالْحُضُورُ معه إلَى تَمَامِ الدَّفْنِ لَا الْمُوَارَاةُ فَقَطْ قِيرَاطَانِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ من شَهِدَ الْجِنَازَةَ حتى يُصَلِّيَ عليها فَلَهُ قِيرَاطٌ وَمَنْ شَهِدَهَا حتى تُدْفَنَ وفي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ حتى يُفْرَغَ من دَفْنِهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ قِيلَ وما الْقِيرَاطَانِ قال مِثْلُ
____________________
(1/328)
الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ وَلِمُسْلِمٍ أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ وَعَلَى ذلك تُحْمَلُ رِوَايَةٌ لِمُسْلِمٍ حتى تُوضَعَ في اللَّحْدِ وَهَلْ ذلك بِقِيرَاطِ الصَّلَاةِ أو بِدُونِهِ فَيَكُونُ ثَلَاثَةَ قَرَارِيطَ فيه احْتِمَالٌ لَكِنَّ في صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ في كِتَابِ الْأَيْمَانِ التَّصْرِيحَ بِالْأَوَّلِ وَيَشْهَدُ لِلثَّانِي ما رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا من تَبِعَ جِنَازَةً حتى يُقْضَى دَفْنُهَا كُتِبَ له ثَلَاثَةُ قَرَارِيطَ وَنَظِيرُهُ ما لو قال إنْ وَلَدْت فَأَنْت طَالِقٌ طَلْقَةً أو ذَكَرًا فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا وَقَعَ ثَلَاثٌ ذَكَرَ ذلك الزَّرْكَشِيُّ وَبِالْأَوَّلِ صَرَّحَ ابن الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ تَعَدَّدَتْ الْجَنَائِزُ وَاتَّحَدَتْ الصَّلَاةُ عليها دَفْعَةً وَاحِدَةً هل يَتَعَدَّدُ الْقِيرَاطُ بِتَعَدُّدِهَا أو لَا نَظَرًا لِاتِّحَادِ الصَّلَاةِ قال الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ التَّعَدُّدُ وَبِهِ أَجَابَ قَاضِي حُمَاةَ الْبَارِزِيُّ وَبِمَا قَرَّرْته عُلِمَ أَنَّهُ لو صلى عليه ثُمَّ حَضَرَ وَحْدَهُ وَمَكَثَ حتى دُفِنَ لم يَحْصُلْ له الْقِيرَاطُ الثَّانِي وهو ما صَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرُهُ لَكِنْ له أَجْرٌ في الْجُمْلَةِ فَرْعٌ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ حَضَرَ دَفْنَ الْمَيِّتِ أو عَقِبَهُ أَنْ يَقِفَ على الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ وَيَسْتَغْفِرَ اللَّهَ وَيَدْعُوَ له لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان إذَا فَرَغَ من دَفْنِ الرَّجُلِ يَقِفُ عليه وَيَقُولُ اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا اللَّهَ له التَّثْبِيتَ فإنه الْآنَ يُسْأَلُ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كما في الْمَجْمُوعِ وَلِأَنَّ عَمْرَو بن الْعَاصِ قال حين حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فإذا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ ما تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا حتى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَعْلَمَ مَاذَا أُرْجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَوْلُهُ شُنُّوا رُوِيَ بِالْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُعْجَمَةِ قال في الْمَجْمُوعِ عن الْأَصْحَابِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ شَيْءٌ من الْقُرْآنِ وَإِنْ خَتَمُوا الْقُرْآنَ كان أَفْضَلَ وَأَنْ يُلَقَّنَ الْمَيْتُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَذَكِّرْ فإن الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ وَأَحْوَجُ ما يَكُونُ الْعَبْدُ إلَى التَّذْكِيرِ في هذه الْحَالَةِ بَعْدَ الدَّفْنِ بِالْمَأْثُورِ أَيْ الْمَنْقُولِ وهو كما في الْأَصْلِ يا عَبْدَ اللَّهِ بن أَمَةِ اللَّهِ اُذْكُرْ ما خَرَجْت عليه من الدُّنْيَا شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول اللَّهِ وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ وَأَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ من في الْقُبُورِ وَأَنَّك رَضِيت بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَبِيًّا وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً وَبِالْمُؤْمِنِينَ إخْوَانًا
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ إذَا مَاتَ أَحَدٌ من إخْوَانِكُمْ فَسَوَّيْتُمْ التُّرَابَ على قَبْرِهِ فَلْيَقُمْ أحدكم على رَأْسِ قَبْرِهِ لِيَقُلْ يا فُلَانُ بن فُلَانَةَ فإنه يَسْمَعُهُ وَلَا يُجِيبُ ثُمَّ يقول يا فُلَانُ بن فُلَانَةَ فإنه يَسْتَوِي قَاعِدًا ثُمَّ يقول يا فُلَانُ بن فُلَانَةَ فإنه يقول أَرْشِدْنَا رَحِمَك اللَّهُ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ فَلْيَقُلْ اُذْكُرْ ما خَرَجْت عليه من الدُّنْيَا شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّك رَضِيت بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا فإن مُنْكَرًا وَنَكِيرًا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِيَدِ صَاحِبِهِ وَيَقُولُ انْطَلَقَ بِنَا ما يُقْعِدُنَا عِنْدَ من لُقِّنَ حُجَّتَهُ فقال رَجُلٌ يا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنْ لم يَعْرِفْ أُمَّهُ قال فَلْيَنْسِبْهُ إلَى أُمِّهِ حَوَّاءَ يا فُلَانُ بن حَوَّاءَ قال النَّوَوِيُّ وهو ضَعِيفٌ لَكِنَّ أَحَادِيثَ الْفَضَائِلِ يُتَسَامَحُ فيها عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وقد اُعْتُضِدَ هذا الْحَدِيثُ بِشَوَاهِدَ من الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كَحَدِيثِ اسْأَلُوا اللَّهَ له التَّثْبِيتَ وَوَصِيَّةُ عَمْرِو بن الْعَاصِ السَّابِقَةُ قال بَعْضُهُمْ وَقَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَلِيلٌ عليه لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَيِّتِ من مَاتَ أَمَّا قبل الْمَوْتِ أَيْ وهو ما جَرَى عليه الْأَصْحَابُ كما مَرَّ فَمَجَازٌ
وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ يا ابْنَ أَمَةِ اللَّهِ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الناس يُدْعَوْنَ يوم الْقِيَامَةِ بِآبَائِهِمْ كما نَبَّهَ عليه الْبُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ في غَيْرِ الْمَنْفِيِّ وَوَلَدُ الزِّنَا على
____________________
(1/329)
أَنَّهُ في الْمَجْمُوعِ خَيْرٌ فقال يُقَالُ يا فُلَانُ بن فُلَانٍ أو يا عَبْدَ اللَّهِ بن أَمَةِ اللَّهِ وَأُبْدِلَ ما خَرَجَتْ عليه بِالْعَهْدِ الذي خَرَجَتْ عليه وَالشَّهَادَةُ الْمَذْكُورُ بِقَوْلِهِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَالْأَمْرُ قَرِيبٌ قال الزَّرْكَشِيُّ قال صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ وَيُسَنُّ إعَادَةُ التَّلْقِينِ ثَلَاثًا قُلْت وهو قِيَاسُ التَّلْقِينِ عِنْدَ الْمَوْتِ
ا ه
قال الْقَمُولِيُّ قال الْعُلَمَاءُ وَلَا يُعَارِضُ التَّلْقِينُ قَوْله تَعَالَى وما أنت بِمُسْمِعٍ من في الْقُبُورِ وَقَوْلُهُ إنَّك لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَادَى أَهْلَ الْقَلِيبِ وَأَسْمَعَهُمْ وقال ما أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ منهم لَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ جَوَابًا
وقال في الْمَيِّتِ إنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِكُمْ وَهَذَا يَكُونُ في وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ وَأَنْ يَقِفَ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ نَقْلًا عن الْأَصْحَابِ وَيَقْعُدُ الْمُلَقِّنُ عِنْدَ رَأْسِ الْقَبْرِ لِوُرُودِهِ في الْخَبَرِ السَّابِقِ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى سَمَاعِ الْمَيِّتِ التَّلْقِينَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَلَّى التَّلْقِينَ أَهْلُ الدِّينِ وَالصَّلَاحِ من أَقْرِبَائِهِ فَإِنْ لم يَكُونُوا فَمِنْ غَيْرِهِمْ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَلَا يُلَقَّنُ طِفْلٌ وَلَوْ مُرَاهِقًا وَنَحْوُهُ كَمَجْنُونٍ لم يَتَقَدَّمْهُ تَكْلِيفٌ كما قَيَّدَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ لِأَنَّهُمَا لَا يُفْتَنَانِ في قَبْرَيْهِمَا أَمَّا خَبَرُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَقَّنَ ابْنَهُ إبْرَاهِيمَ فَغَرِيبٌ وَلَيُفْرَدُ كُلُّ مَيِّتٍ بِقَبْرٍ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ لِلِاتِّبَاعِ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ قال إنَّهُ صَحِيحٌ عِبَارَةُ الْأَصْلِ الْمُسْتَحَبُّ في حَالِ الِاخْتِيَارِ أَنْ يُدْفَنَ كُلُّ مَيِّتٍ في قَبْرٍ
ا ه
فَلَوْ جُمِعَ اثْنَانِ في قَبْرٍ وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ كَرَجُلَيْنِ وَامْرَأَتَيْنِ كُرِهَ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيِّ وَحَرُمَ عِنْدَ السَّرَخْسِيِّ وَنَقَلَهُ عنه النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ مُقْتَصِرًا عليه وَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ وَعِبَارَةُ الْأَكْثَرِينَ لَا يُدْفَنُ اثْنَانِ في قَبْرٍ قال السُّبْكِيُّ لَكِنَّ الْأَصَحَّ الْكَرَاهَةُ أو نَفْيُ الِاسْتِحْبَابِ
أَمَّا التَّحْرِيمُ فَلَا دَلِيلَ عليه
ا ه
وما قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَوْفَقُ لِكَلَامِ الْأَصْلِ السَّابِقِ من كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَمِيلُ إلَى التَّحْرِيمِ بِقَرِينَةِ تَعْبِيرِهِ بِالْجَوَازِ في قَوْلِهِ فَإِنْ كَثُرُوا وَعَسِرَ إفْرَادُ كل مَيِّتٍ بِقَبْرٍ جَازَ الْجَمْعُ بين الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَأَكْثَرَ في قَبْرٍ بِحَسَبِ الضَّرُورَةِ وَكَذَا في ثَوْبٍ وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ في قَتْلَى أُحُدٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَيُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ إلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَسْأَلُ في قَتْلَى أُحُدٍ عن أَكْثَرِهِمْ قُرْآنًا فَيُقَدِّمُهُ إلَى اللَّحْدِ لَا فَرْعٌ فَلَا يُقَدَّمُ على أَصْلِهِ من جِنْسِهِ فَيُقَدَّمُ الْأَبُ على الِابْنِ وَإِنْ كان أَفْضَلَ منه لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ وَتُقَدَّمُ الْأُمُّ على الْبِنْتِ وَإِنْ كانت أَفْضَلَ منها وَتَعْبِيرُهُ بِالْأَصْلِ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْأَبِ وَالْأُمِّ وَلَا يُقَدَّمُ أُنْثَى على ذَكَرٍ فَيُقَدَّمُ الِابْنُ على أُمِّهِ لِفَضِيلَةِ الذُّكُورَةِ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ على أَنَّهُ سَاقِطٌ من بَعْضِ النُّسَخِ ويقدم الرَّجُلُ على الصَّبِيِّ وَالصَّبِيُّ على الْخُنْثَى وَالْخُنْثَى على الْمَرْأَةِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَيُمْكِنُ إدْخَالُهُ في قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا أُنْثَى على ذَكَرٍ بِأَنْ يُقَالَ وَلَوْ احْتِمَالًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ ما مَرَّ في الصَّلَاةِ على الْمَيِّتِ من أَنَّهُمْ إذَا تَسَاوَوْا في الْفَضِيلَةِ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَأَنَّهُمْ إذَا تَرَتَّبُوا لَا يُنَحَّى لِمَا سَبَقَ وَإِنْ كان مَفْضُولًا إلَّا ما اُسْتُثْنِيَ يَأْتِي هُنَا وَأَنَّ ما ذُكِرَ هُنَا من اسْتِثْنَاءِ الْأَبِ وَالْأُمِّ يَأْتِي هُنَاكَ وقد يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمُدَّةَ هُنَا مُؤَيَّدَةٌ بِخِلَافِهَا وَبِأَنَّ الْقَصْدَ من الصَّلَاةِ الدُّعَاءُ وَالْأَفْضَلُ أَوْلَى بِهِ وَلَا يُجْمَعُ في قَبْرٍ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَيَحْرُمُ عِنْدَ عَدَمِهَا كما في الْحَيَاةِ وَمَحَلِّهِ إذَا لم تَكُنْ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ أو زَوْجِيَّةٌ وَإِلَّا فَيَجُوزُ الْجَمْعُ صَرَّحَ بِهِ ابن الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ كما قَالَهُ ابن يُونُسَ قال الْإِسْنَوِيُّ وهو مُتَّجِهٌ وَاَلَّذِي في الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فقال إنَّهُ حَرَامٌ حتى في الْأُمِّ مع وَلَدِهَا وَالْقِيَاسُ أَنَّ الصَّغِيرَ الذي لم يَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ كَالْمُحَرَّمِ بَلْ أَوْلَى وَأَنَّ الْخُنْثَى مع الْخُنْثَى أو غَيْرِهِ كَالْأُنْثَى مع الذَّكَرِ وَيُحْجَزُ بين الْمَيِّتَيْنِ بِتُرَابٍ نَدْبًا فِيمَا يَظْهَرُ من كَلَامِهِمْ وَبِهِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَلَوْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ فَصْلٌ يُكْرَهُ الْجُلُوسُ وَالِاسْتِنَادُ وَالْوَطْءُ لِلْقَبْرِ أَيْ الْجُلُوسُ وَالْوَطْءُ عليه وَالِاسْتِنَادُ له تَوْقِيرًا لِلْمَيِّتِ وَأَمَّا الْجُلُوسُ في خَبَرِ مُسْلِمٍ لَأَنْ يَجْلِسَ أحدكم على جَمْرَةٍ فَتَحْرِقَ ثِيَابَهُ حتى تَخْلُصَ إلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ له من أَنْ يَجْلِسَ على قَبْرٍ فَفَسَّرَهُ رِوَايَةُ أبي هُرَيْرَةَ بِالْجُلُوسِ لِلْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَرَوَاهُ ابن وَهْبٍ أَيْضًا في مُسْنَدِهِ بِلَفْظِ من جَلَسَ على قَبْرٍ يَبُولُ عليه أو يَتَغَوَّطُ اكْتَفَى الْمُصَنِّفُ بِالْإِسْنَادِ عن الِاتِّكَاءِ الْمُصَرَّحِ بِهِ في الْأَصْلِ إلَّا لِحَاجَةٍ بِأَنَّ حَالَ الْقَبْرِ دُونَ من يَزُورُهُ وَلَوْ أَجْنَبِيًّا بِأَنْ لَا يَصِلَ إلَيْهِ إلَّا بِوَطْئِهِ فَلَا كَرَاهَةَ فيه وَفُهِمَ منه بِالْأَوْلَى عَدَمُ
____________________
(1/330)
كَرَاهَةِ الْوَطْءِ لِضَرُورَةِ الدَّفْنِ وَنَقَلَهُ في الشَّامِلِ عن النَّصِّ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَنْ يَزُورُهُ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِقَبْرِ مَيِّتِهِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْمُرَادَ قَبْرُ الْمُسْلِمِ لَا قَبْرُ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَنَحْوِهِمَا وفي قَبْرِ الذِّمِّيِّ وَنَحْوِهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ له في نَفْسِهِ لَكِنْ يَنْبَغِي اجْتِنَابُهُ لِأَجْلِ كَفِّ الْأَذَى عن أَحْيَائِهِمْ إذَا وُجِدُوا وَلَا شَكَّ في كَرَاهَةِ الْمُكْثِ في مَقَابِرِهِمْ فَرْعٌ تُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ الْقُبُورِ أَيْ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ لِلرَّجُلِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ كُنْت نَهَيْتُكُمْ عن زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ وَتُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ لِجَزَعِهَا وَإِنَّمَا لم تَحْرُمْ عليها لِقَوْلِ عَائِشَةَ قُلْت كَيْفَ أَقُولُ يا رَسُولَ اللَّهِ تَعْنِي إذَا زُرْت الْقُبُورَ قال قُولِي السَّلَامُ على أَهْلِ الدِّيَارِ من الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا خَبَرُ لَعَنَ اللَّهُ زَوْرَاتِ الْقُبُورِ فَمَحْمُولٌ على ما إذَا كانت زِيَارَتُهُنَّ لِلتَّعْدِيدِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ على ما جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُنَّ إلَّا قَبْرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَا تُكْرَهُ لها زِيَارَتُهُ بَلْ تُنْدَبُ كما يُعْلَمُ من بَابِ الْحَجّ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ هُنَا وَيَنْبَغِي كما قال ابن الرِّفْعَةِ وَالْقَمُولِيُّ أَنْ تَكُونَ قُبُورُ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ كَذَلِكَ وَيَقُولُ الزَّائِرُ نَدْبًا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ إلَى آخِرِهِ وهو كما في الْأَصْلِ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ وفي هذا الِاسْتِثْنَاءِ أَقْوَالٌ قِيلَ هو على عَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ لِتَحْسِينِ الْكَلَامِ وَقِيلَ هو على بَابِهِ رَاجِعٌ إلَى اللُّحُوقِ في هذا الْمَكَانِ وَقِيلَ غَيْرُ ذلك
قال في الْمَجْمُوعِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لِلتَّبَرُّكِ وَامْتِثَالِ قَوْله تَعَالَى وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذلك غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ من تَنْكِيرِ السَّلَامِ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْمَشْهُورُ ما في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ تَعْرِيفُهُ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ قال الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي يقول وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَلَا يقول السَّلَامُ عَلَيْكُمْ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلْخِطَابِ وَلِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِمَنْ قال له عَلَيْك السَّلَامُ أَنَّ عَلَيْك السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى إذَا لَقِيَ الرَّجُلُ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ فَلْيَقُلْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَالصَّحِيحُ ما مَرَّ وَأُجِيبَ عن الْخَبَرِ بِأَنَّهُ إخْبَارٌ عن عَادَتِهِمْ لَا تَعْلِيمٌ لهم وَبِأَنَّ أَخْبَارَنَا أَصَحُّ وَأَكْثَرُ وَقَوْلُهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلْخِطَابِ مَمْنُوعٌ فَقَدْ رَوَى ابن عبد الْبَرِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ ما من أَحَدٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ يَعْرِفُهُ في الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عليه إلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عليه السَّلَامَ ويستحب أَنْ يَدْنُوَ منه دُنُوَّهُ منه حَيًّا عِنْدَ زِيَارَتِهِ نعم لو كانت عَادَتُهُ معه الْبُعْدَ وقد أَوْصَى بِالْقُرْبِ منه قَرُبَ منه لِأَنَّهُ حَقُّهُ كما لو أَذِنَ في الْحَيَاةِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَنْ يَقْرَأَ عِنْدَهُ ما تَيَسَّرَ من الْقُرْآنِ ثُمَّ يَدْعُوَ له بَعْدَ تَوَجُّهِهِ إلَى الْقِبْلَةِ قال النَّوَوِيُّ وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ من الزِّيَارَةِ وَأَنْ يُكْثِرَ الْوُقُوفَ عِنْدَ قُبُورِ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالْفَضْلِ وَالْأَجْرُ له أَيْ لِلْقَارِئِ وَالْمَيِّتُ كَالْحَاضِرِ تُرْجَى له الرَّحْمَةُ وَالْبَرَكَةُ وَسَيَأْتِي في الْإِجَارَةِ ما يُوَضِّحُهُ فَرْعٌ يَحْرُمُ نَبْشُ الْقَبْرِ قبل الْبِلَى عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِتِلْكَ الْأَرْضِ لِهَتْكِ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ فَإِنْ بَلِيَ الْمَيِّتُ بِأَنْ انْمَحَقَ جِسْمُهُ وَعَظْمُهُ وَصَارَ تُرَابًا جَازَ نَبْشُ قَبْرِهِ وَدَفْنُ غَيْرِهِ فيه وَحَرُمَ حِينَئِذٍ تَجْدِيدُهُ بِأَنْ يَسْتَوِيَ تُرَابُهُ عليه وَيُعَمَّرَ عِمَارَةَ قَبْرٍ جَدِيدٍ في مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ لِأَنَّهُ يُوهِمُ الناس أَنَّهُ جَدِيدٌ فَيَمْتَنِعُونَ من الدَّفْنِ فيه وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ ما لو كان الْمَدْفُونُ صَحَابِيًّا أو مِمَّنْ اشْتَهَرَتْ وِلَايَتُهُ فَلَا يَجُوزُ نَبْشُهُ عِنْدَ الِانْمِحَاقِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو حَسَنٌ وَيُؤَيِّدُهُ ما في الْوَصَايَا أَنَّهُ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِعِمَارَةِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ لِمَا فيه من إحْيَاءِ الزِّيَارَةِ وَالتَّبَرُّكِ وَالْمُرَادُ بِعِمَارَتِهَا حِفْظُهَا من الدِّرَاسَةِ لَا تَجْدِيدُ بِنَائِهَا لِمَا مَرَّ وَإِنْ وَقَعَ في الْقَبْرِ خَاتَمٌ وَنَحْوُهُ أَيْ أو نَحْوُهُ مِمَّا يُتَمَوَّلُ وَإِنْ قَلَّ نَبْشٌ وَرُدَّ لِأَنَّ تَرْكَهُ فيه إضَاعَةُ مَالٍ وَقَيَّدَهُ في الْمُهَذَّبِ بِطَلَبِ مَالِكِهِ له قال في الْمَجْمُوعِ ولم يُوَافِقْهُ وَعَلَيْهِ وَرَدَ بِمُوَافَقَةِ صَاحِبَيْ الِانْتِصَارِ وَالِاسْتِقْصَاءِ له
وَيُجَابُ بِأَنَّ مُوَافَقَتَهُمَا لَا تُنَافِي ما قَالَهُ وَعَلَى الْإِطْلَاقِ يُفَارِقُ ما يَأْتِي في الِابْتِلَاعِ وفي التَّكْفِينِ وَالدَّفْنِ في الْمَغْصُوبِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ فيه بَشَاعَةٌ بِشَقِّ جَوْفِ الْمَيِّتِ وَالْأَخِيرَيْنِ ضَرُورِيَّانِ لِلْمَيِّتِ فَاحْتِيطَ لها بِالطَّلَبِ بِخِلَافِ هذا أو ابْتَلَعَ مَالَ غَيْرِهِ وَطَلَبَهُ صَاحِبُهُ كما في الْأَصْلِ ولم يَضْمَنْهُ أَيْ مثله
____________________
(1/331)
أو قِيمَتَهُ أَحَدٌ من الْوَرَثَةِ أو غَيْرُهُمْ نُبِشَ وَشُقَّ جَوْفُهُ وَرُدَّ لِمَا مَرَّ وَتَعْبِيرُهُ بِأَحَدٍ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْوَرَثَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَنَقَلَ عن الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ أَنَّهُ لَا يُنْبَشُ بِحَالٍ وَيَجِبُ الْغُرْمُ في تَرِكَتِهِ قال في الْمَجْمُوعِ وَالتَّقْيِيدُ غَرِيبٌ وَالْمَشْهُورُ لِلْأَصْحَابِ إطْلَاقُ الشَّقِّ من غَيْرِ تَقْيِيدٍ قال الزَّرْكَشِيُّ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ فَقَدْ حَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ الِاسْتِثْنَاءَ عن الْأَصْحَابِ وقال لَا خِلَافَ فيه لَا إنْ ابْتَلَعَ مَالَ نَفْسِهِ فَلَا يُنْبَشُ وَلَا يُشَقُّ لِاسْتِهْلَاكِهِ مَالَهُ في حَيَاتِهِ وَلَوْ كُفِّنَ في مَغْصُوبٍ أو دُفِنَ فيه وَشَحَّ مَالِكُهُ بِهِ على الْمَيِّتِ مع أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ له أَنْ لَا يَشِحَّ بِهِ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ بَلْ يُكْرَهُ أَنْ يَشِحَّ بِهِ كما نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ عن النَّصِّ أو دُفِنَ في مَسِيلٍ أَيْ مَكَان لَحِقَهُ بَعْدَ الدَّفْنِ فيه سَيْلٌ أو في أَرْضٍ ذَاتِ نَدَاوَةٍ
وَهَذَا قد يُغْنِي عَمَّا قَبْلَهُ نُبِشَ لِيُؤْخَذَ الْكَفَنُ في الْأُولَى وَلِيُنْقَلَ في الْبَقِيَّةِ وَقَضِيَّةُ تَقْيِيدِهِ بِشُحِّ الْمَالِكِ في الْأُولَيَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّبْشُ قبل طَلَبِهِ وهو ما جَزَمَ بِهِ ابن الْأُسْتَاذِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَحْجُورًا عليه أو مِمَّنْ يُحْتَاطُ له وَمَحَلُّ النَّبْشِ أَيْضًا في الْكَفَنِ الْمَغْصُوبِ إذَا وُجِدَ ما يُكَفَّنُ فيه الْمَيِّتُ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ النَّبْشُ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ وَغَيْرُهُ بِنَاءً على أَنَّا إذَا لم نَجِدْ إلَّا ثَوْبًا يُؤْخَذُ من مَالِكِهِ قَهْرًا وَلَا يُدْفَنُ عُرْيَانًا وهو ما في الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وهو الْأَصَحُّ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَيُنْبَشُ أَيْضًا فِيمَا لو قال إنْ وَلَدْت ذَكَرًا فَأَنْت طَالِقٌ طَلْقَةً أو أُنْثَى فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْ مَيِّتًا وَدُفِنَ ولم يَعْلَمْ كما يَأْتِي في الطَّلَاقِ أو شَهِدَا على شَخْصِهِ ثُمَّ دُفِنَ وَاشْتَدَّتْ الْحَاجَةُ ولم تَتَغَيَّرْ صُورَتُهُ على ما ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ في الشَّهَادَاتِ أو دُفِنَتْ امْرَأَةٌ وفي جَوْفِهَا جَنِينٌ تُرْجَى حَيَاتُهُ بِأَنْ يَكُونَ له سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ تَدَارَكَا لِلْوَاجِبِ لِأَنَّهُ يَجِبُ شَقُّ جَوْفِهَا قبل الدَّفْنِ الْكَافِرِ بِالْحَرَمِ كما سَيَأْتِي في الْجِزْيَةِ أو تَدَاعَيَاهُ فَيُنْبَشُ لِتُلْحِقَهُ الْقَافَةُ بِأَحَدِهِمَا على ما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ
وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لم تَتَغَيَّرْ صُورَتُهُ كما قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا دُفِنَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ ولم يَتَغَيَّرْ يُنْبَشُ قال الْبَغَوِيّ وَلَوْ كَفَّنَهُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ من التَّرِكَةِ وَأَسْرَفَ فَعَلَيْهِ غُرْمُ حِصَّةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فَلَوْ قال أَخْرِجُوا الْمَيِّتَ وَخُذُوهُ لم يَلْزَمْهُمْ ذلك وَلَيْسَ لهم نَبْشُ الْمَيِّتِ إذَا كان الْكَفَنُ مُرْتَفِعَ الْقِيمَةِ وَإِنْ زَادَ في الْعَدَدِ فَلَهُمْ النَّبْشُ وَإِخْرَاجُ الزَّائِدِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الزَّائِدُ على الثَّلَاثِ لَا إنْ دُفِنَ بِلَا كَفَنٍ أو في حَرِيرٍ فَلَا يُنْبَشُ لِحُصُولِ السِّتْرِ في الْأُولَى بِالتُّرَابِ فَهُوَ أَوْلَى من هَتْكِ حُرْمَتِهِ بِالنَّبْشِ وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ في الْحَرِيرِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَشَرْطٌ وفي نُسْخَةٍ وَيُشْتَرَطُ عَدَمُ التَّغَيُّرِ لِلْمَيِّتِ في النَّبْشِ لِلْغُسْلِ أو التَّيَمُّمِ فَإِنْ تَغَيَّرَ وَخَشِيَ فَسَادَهُ حَرُمَ النَّبْشُ لِتَعَذُّرِ تَظْهِيرِهِ فَسَقَطَ كما يَسْقُطُ وُضُوءُ الْحَيِّ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ فَرْعٌ لو مَاتَ في سَفِينَةٍ وَأَمْكَنَ من هُنَاكَ دَفْنُهُ لِكَوْنِهِمْ قُرْبَ الْبَرِّ وَلَا مَانِعَ لَزِمَهُمْ التَّأْخِيرُ لِيَدْفِنُوهُ فيه وَإِلَّا جُعِلَ بَعْدَ الصَّلَاةِ عليه بين لَوْحَيْنِ لِئَلَّا يَنْتَفِخَ وَأُلْقِيَ لِيَنْبِذَهُ الْبَحْرُ إلَى من لَعَلَّهُ يَدْفِنُهُ وَإِنْ لم يُجْعَلْ بين لَوْحَيْنِ بَلْ ثُقِّلَ بِشَيْءٍ لِيَنْزِلَ إلَى الْقَرَارِ لم يَأْثَمُوا وَإِنْ كان أَهْلُ الْبَرِّ مُسْلِمِينَ فَيَجِبُ عليهم قبل إلْقَائِهِ في الْبَحْرِ بين لَوْحَيْنِ أو مُثَقَّلًا بِشَيْءٍ غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عليه وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وإذا أَلْقَوْهُ بَيْن لَوْحَيْنِ أو في الْبَحْرِ وَجَبَ عليهم قبل ذلك غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عليه بِلَا خِلَافٍ وَتُسْتَحَبُّ الْمُجَاوَرَةُ بين الْأَقَارِبِ وَنَحْوِهِمْ لِخَبَرِ ابْنِ مَظْعُونٍ السَّابِقِ وَلِأَنَّهُ أَسْهَلُ على الزَّائِرِ قال في الْمَجْمُوعِ قال الْبَنْدَنِيجِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَبُ إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ الْأَسَنُّ فَالْأَسَنُّ
ا ه
وَلَوْ قِيلَ هُنَا بِمَا قِيلَ بِهِ في التَّقْدِيمِ إلَى الْقِبْلَةِ في الْقَبْرِ كان أَقْرَبَ وَمَنْ سَبَقَ إلَى مَحَلٍّ من مَكَان مُسَبَّلٍ فَهُوَ أَوْلَى بِالْحَفْرِ فيه لِخَبَرِ مِنًى مُنَاخُ من سَبَقَ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ جَيِّدَةٍ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ فَإِنْ جَاءُوا مَعًا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ كما في الْمَجْمُوعِ وَنَصَّ عليه في الْأُمِّ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَحْرُمُ نَبْشُ قَبْرِ الْمَيِّتِ وَدَفْنُ غَيْرِهِ فيه قبل الْبِلَى فَإِنْ حَفَرَ فَوَجَدَ عِظَامَ مَيِّتٍ أَيْ شيئا منها قبل تَمَامِ الْحَفْرِ وَجَبَ رَدُّ تُرَابِهِ عليه
وَإِنْ وَجَدَهَا بَعْدَ تَمَامِ الْحَفْرِ جَعَلَهَا في جَانِبٍ من الْقَبْرِ وَجَازَ لِمَشَقَّةِ اسْتِئْنَافِ قَبْرٍ دَفْنُهُ أَيْ الْآخَرِ معه وَنَقَلُوهُ عن النَّصِّ كما في الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا قال بَعْضُهُمْ
____________________
(1/332)
وَهَذَا النَّصُّ يَدُلُّ على أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ دَفْنُ اثْنَيْنِ في قَبْرٍ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ خِلَافًا لِلسَّرَخْسِيِّ وقد مَرَّ وَمَنْ مَاتَ أَقَارِبُهُ أو جَمَاعَةٌ منهم دَفْعَةً وَأَمْكَنَهُ دَفْنُ كُلٍّ في قَبْرٍ بَدَأَ بِدَفْنِ الْأَوْلَى بِتَجْهِيزِ من يُخْشَى تَغَيُّرُهُ ثُمَّ بِأَبِيهِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ حُرْمَةً ثُمَّ أُمَّةُ لِأَنَّ لها رَحِمًا ثُمَّ الْأَقْرَبُ وَيُقَدَّمُ الْأَكْبَرُ سِنًّا من أَخَوَيْهِ مَثَلًا قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وفي تَقْدِيمِ الْأَكْبَرِ مُطْلَقًا نَظَرٌ إذَا كان الْأَصْغَرُ أَتْقَى وَأَعْلَمَ وَأَوْرَعَ فَإِنْ اسْتَوَيَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَيُقْرَعُ بين زَوْجِيَّتِهِ إذْ لَا مَزِيَّةَ وَمِثْلُهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ عَبْدَاهُ وَأَمَتَاهُ
وَلَا يُدْفَنُ مُسْلِمٌ مع كُفَّارٍ أَيْ في مَقْبَرَتِهِمْ وَلَا عَكْسُهُ أَيْ لَا يَجُوزُ ذلك بِالِاتِّفَاقِ كما قَالَهُ الْقَاضِي مُجَلِّيٌّ لِمَا فيه من التَّعَرُّضِ لِلَعْنِ الْمُسْلِمِ وَتَأَذِّيه بِمَوَاضِعِ الْغَضَبِ وُقُوعِ الْمُسْلِمِ في الِاسْتِغْفَارِ لِلْكَافِرِ وَيُسْتَحَبُّ الدَّفْنُ نَهَارًا لِسُهُولَةِ الِاجْتِمَاعِ وَالْوَضْعِ في الْقَبْرِ نعم إنْ خُشِيَ تَغَيُّرُهُ فَلَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ لِيُدْفَنَ نَهَارًا قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ بَلْ يَنْبَغِي وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ بِهِ وَلَا يُكْرَهُ لَيْلًا لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم اطَّلَعَ على ذلك ولم يُنْكِرْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَأَى نَاسٌ نَارًا في الْمَقْبَرَةِ فَأَتَوْهَا فإذا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْقَبْرِ وإذا هو يقول نَاوِلُونِي صَاحِبَكُمْ وإذا هو الرَّجُلُ الذي كان يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالذِّكْرِ رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ زَجَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يُقْبَرَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ حتى يُصَلَّى عليه إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إنْسَانٌ إلَى ذلك فَالنَّهْيُ فيه إنَّمَا هو عن دَفْنِهِ قبل الصَّلَاةِ عليه
وَلَا يُكْرَهُ في الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ بِالْإِجْمَاعِ كما نَقَلَهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا هذا إنْ لم يَتَحَرَّهَا وَإِلَّا كُرِهَ وَعَلَيْهِ حُمِلَ خَبَرُ مُسْلِمٍ عن عُقْبَةَ ثَلَاثُ سَاعَاتٍ نَهَانَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الصَّلَاةِ فيها وَإِنْ نَقْبُرَ فيها مَوْتَانَا وَذَكَرَ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَاسْتِوَائِهَا وَغُرُوبِهَا وَظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُ ذلك بِالْأَوْقَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالزَّمَانِ دُونَ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْفِعْلِ وَجَرَى عليه الْإِسْنَوِيُّ قال وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ وَالْحَدِيثُ وَالْمَعْنَى يَدُلُّ لِذَلِكَ وقال الزَّرْكَشِيُّ الصَّوَابُ التَّعْمِيمُ وَنَقْبُرُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا أَيْ بِدَفْنٍ وَيُكْرَهُ الْمَبِيتُ في الْمَقْبَرَةِ لِمَا فيه من الْوَحْشَةِ وَيَحْرُمُ حَمْلُهُ من بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ آخَرَ لِيُدْفَنَ فيه وَإِنْ لم يَتَغَيَّرْ لِمَا فيه من تَأْخِيرِ دَفْنِهِ الْمَأْمُورِ بِتَعْجِيلِهِ وَتَعْرِيضِهِ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَتَعْبِيرُهُمْ بِالْبَلَدِ لَا يُمْكِنُ الْأَخْذُ بِظَاهِرِهِ فإن الصَّحْرَاءَ كَذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَيَنْتَظِمُ منها مع الْبَلَدِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ وَهِيَ النَّقْلُ من بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَمِنْ صَحْرَاءَ إلَى صَحْرَاءَ وَمِنْ بَلَدٍ إلَى صَحْرَاءَ وَالْعَكْسُ وَلَا شَكَّ في جَوَازِهِ بِالْبَلَدَيْنِ الْمُتَّصِلَيْنِ أو الْمُتَقَارِبَيْنِ لَا سِيَّمَا وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِالدَّفْنِ خَارِجَ الْبَلَدِ وَلَعَلَّ الْعِبْرَةَ في كل بَلَدٍ بِمَسَافَةِ مَقْبَرَتِهَا إلَّا من بِقُرْبِ مَكَان من الْأَمَاكِنِ الثَّلَاثَةِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَيَخْتَارُ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَيْهِ لِفَضْلِ الدَّفْنِ فيه وَالْمُعْتَبَرُ في الْقُرْبِ بِمَسَافَةٍ لَا يَتَغَيَّرُ فيها الْمَيِّتُ قبل وُصُولِهِ وَالْمُرَادُ بِمَكَّةَ جَمِيعُ الْحَرَمِ لَا نَفْسُ الْبَلَدِ قال الزَّرْكَشِيُّ أَخْذًا من كَلَامِ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ وَلَا يَنْبَغِي التَّخْصِيصُ بِالثَّلَاثَةِ بَلْ لو كان بِقُرْبِهِ مَقَابِرُ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْخَيْرِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّخْصَ يَقْصِدُ الْجَارَ الْحَسَنَ قال وَيَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ الشَّهِيدِ لِخَبَرِ جَابِرٍ قال أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُرَدُّوا إلَى مَصَارِعِهِمْ وَكَانُوا نُقِلُوا إلَى الْمَدِينَةِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ
ا ه
وَلَوْ تَعَارَضَ الْقُرْبُ من الْأَمَاكِنِ الْمَذْكُورَةِ وَدَفَنَهُ بين أَهْلِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى فَإِنْ وَصَّى بِهِ أَيْ بِحَمْلِهِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ غير الْأَمَاكِنِ الْمَذْكُورَةِ لم تَنْفُذْ وَصِيَّتُهُ بِهِ لِأَنَّهُ حَرَامٌ وَإِنْ رُجِيَتْ حَيَاةُ جَنِينِ مَيِّتَةٍ شُقَّ جَوْفُهَا وُجُوبًا في الْقَبْرِ نَدْبًا فِيمَا يَظْهَرُ وَأُخْرِجَ منه ذلك لِأَنَّ مَصْلَحَتَا إخْرَاجِهِ أَعْظَمُ من مَفْسَدَةِ انْتِهَاكِ حُرْمَتِهَا وَالتَّقْيِيدُ بِالْقَبْرِ من زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ ابن الْأُسْتَاذِ عن الْأَصْحَابِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الشَّقَّ فيه أَسْتَرُ وَأَكْثَرُ احْتِرَامًا وَأَقَلُّ كُلْفَةً قال الرُّويَانِيُّ وَعِنْدِي أَنَّهُ يُشَقُّ قَبْلَهُ أَيْ
____________________
(1/333)
وُجُوبًا لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَمُوتُ بِضِيقِ النَّفَسِ وَإِنْ لم تُرْجَ حَيَاتُهُ لم تُدْفَنْ هِيَ حتى يَمُوتَ هو وَلَوْ مَرَّ مُسَافِرُونَ بِمَيِّتٍ أو مَاتَ أَحَدُهُمْ وكان الْمَيِّتُ فِيهِمَا بِمَحَلٍّ لَا يَمُرُّ بِهِ أَحَدٌ إلَّا نَادِرًا فَتَرَكُوهُ بِلَا تَجْهِيزٍ أَثِمُوا لِتَفْوِيتِهِمْ الْوَاجِبَ وَعُوقِبُوا أَيْ عَاقَبَهُمْ الْإِمَامُ لِذَلِكَ إلَّا إنْ خَافُوا عَدُوًّا أو نَحْوَهُ لو اشْتَغَلُوا بِتَجْهِيزِهِ فَلَا يَأْثَمُونَ بِتَرْكِهِ وَلَا يُعَاقَبُونَ لِلضَّرُورَةِ لَكِنْ يَخْتَارُ أَنْ يُوَارُوهُ ما أَمْكَنَهُمْ صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِاسْتِثْنَاءِ الْخَوْفِ وَيَذْكُرُ الْعُقُوبَةَ في مَسْأَلَةِ الْمُرُورِ من زِيَادَتِهِ وَقَوْلُهُ خَافُوا أَعَمُّ من قَوْلِ الرَّوْضَةِ خَافُوا عَدُوًّا وَإِنْ كان الْمَيِّتُ الْمَذْكُورُ بِجَنْبِ قَرْيَةٍ أو طَرِيقٍ جَادَّةٍ أَيْ تَسْلُكُهُ الْمَارَّةُ كَثِيرًا فَمُسِيئُونَ بِتَرْكِ تَجْهِيزِهِ وَلَا لَا يُعَاقَبُونَ وَعَلَى من بِقُرْبِهِ من الْمُسْلِمِينَ دَفْنُهُ صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ إنْ أَسَاءَ تَجِيءُ لِغَيْرِ التَّحْرِيمِ وَمِنْهُ خَبَرُ فَمَنْ زَادَ على هذا أو نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وقد اسْتَعْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ في التَّحْرِيمِ في بَابِ الْجُمُعَةِ وَتَقَدَّمَ تَحْرِيرُهُ ثُمَّ فَإِنْ وَجَدُوهُ مُكَفَّنًا مُحَنَّطًا دَفَنُوهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ صلى عليه وَمَنْ شَاءَ الصَّلَاةَ عليه صلى بَعْدَ دَفْنِهِ على قَبْرِهِ لِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ إلَى دَفْنِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْأُولَى عليه أَهَمُّ بَابُ التَّعْزِيَةِ وَهِيَ سُنَّةٌ وفي نُسْخَةٍ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَرَّ على امْرَأَةٍ تَبْكِي على صَبِيٍّ لها فقال لها اتَّقَى اللَّهَ وَاصْبِرِي ثُمَّ قال إنَّمَا الصَّبْرُ أَيْ الْكَامِلُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِمَا رَوَاهُ ابن مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ ما من مُسْلِمٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إلَّا كَسَاهُ اللَّهُ من حُلَلِ الْكَرَامَةِ يوم الْقِيَامَةِ وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ لها بِأَنْ يَجْتَمِعَ أَهْلُ الْمَيِّتِ بِمَكَانٍ لِيَأْتِيَهُمْ الناس لِلتَّعْزِيَةِ لِأَنَّهُ مُحْدَثٌ وهو بِدْعَةٌ وَلِأَنَّهُ يُجَدِّدُ الْحُزْنَ وَيُكَلِّفُ الْمُعَزَّى وَأَمَّا ما ثَبَتَ عن عَائِشَةَ من أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا جَاءَهُ قَتْلُ زَيْدِ بن حَارِثَةَ وَجَعْفَرٍ وَابْنِ رَوَاحَةَ جَلَسَ في الْمَسْجِدِ يُعْرَفُ في وَجْهِهِ الْحُزْنُ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ جُلُوسَهُ كان لِأَجْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ الناس لِيُعَزُّوهُ وَيُعَزَّى كُلُّ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَلَوْ صِبْيَانًا وَنِسَاءً لَا أَجْنَبِيٌّ شَابَّةً فَلَا يُعَزِّيهَا إلَّا مَحَارِمُهَا وَزَوْجُهَا وَكَذَا من أُلْحِقَ بِهِمْ في جَوَازِ النَّظَرِ فِيمَا يَظْهَرُ وَصَرَّحَ ابن خَيْرَانَ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّعْزِيَةُ بِالْمَمْلُوكِ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنَّهُ يُعَزِّي بِكُلِّ من يَحْصُلُ له عليه وَجْدٌ كما ذَكَرَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ حتى بِالزَّوْجَةِ وَالصَّدِيقِ وَتَعْبِيرُهُمْ بِالْأَهْلِ جَرَى على الْغَالِبِ وَتَأْخِيرُهَا أَيْ التَّعْزِيَةِ حتى يُدْفَنَ الْمَيِّتُ أَوْلَى منها قَبْلَهُ لِاشْتِغَالِهِمْ قَبْلَهُ بِتَجْهِيزِهِ وَلِشِدَّةِ حُزْنِهِمْ حِينَئِذٍ بِالْمُفَارَقَةِ إلَّا إنْ أَفْرَطَ جَزَعُهُمْ فَيَخْتَارُ تَقْدِيمَهَا لِيُصَيِّرَهُمْ وَلَا تَعْزِيَةَ بَعْدَ ثَلَاثٍ من الْأَيَّامِ تَقْرِيبًا أَيْ تُكْرَهُ بَعْدَهَا إذْ ا لْغَرَضُ منها تَسْكِينُ قَلْبِ الْمُصَابِ وَالْغَالِبُ سُكُونُهُ فيها فَلَا يُجَدِّدْ حُزْنَهُ وقد جَعَلَهَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نِهَايَةَ الْحُزْنِ بِقَوْلِهِ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ على مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا على زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمِنْ هُنَا كان ابْتِدَاءُ الثَّلَاثِ من الْمَوْتِ كما هو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ وَبِهِ صَرَّحَ جَمْعٌ منهم الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وابن الصَّبَّاغِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وابن أبي الدَّمِ وَالْغَزَالِيُّ في خُلَاصَتِهِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ من الدَّفْنِ مُفَرَّعٌ على أَنَّ ابْتِدَاءَ التَّعْزِيَةِ منه أَيْضًا لَا من الْمَوْتِ كما أَفْصَحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيَّ فَقَوْلُ النَّوَوِيِّ في مَجْمُوعِهِ وَغَيْرِهِ
قال أَصْحَابُنَا وَقْتُهَا من الْمَوْتِ إلَى الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُرَادُهُ بِهِ ما قُلْنَا بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ قد ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُهَا قبل الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَبِهِ قال أَحْمَدُ انْتَهَى
وَاَلَّذِي قُلْنَاهُ هو قَوْلُ أَحْمَدَ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ لِلْحَنَابِلَةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ من زِيَادَتِهِ لَا تَحْدِيدًا تَأْكِيدٌ إلَّا لِغَيْبَةِ مُعَزٍّ أو مُعَزًّى فَتَبْقَى التَّعْزِيَةُ له إلَى قُدُومِهِ قال الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَالظَّاهِرُ امْتِدَادُهَا بَعْدَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيَلْحَقُ بِالْغَيْبَةِ الْمَرَضُ وَعَدَمُ الْعِلْمِ كما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَالتَّعْزِيَةُ لُغَةً التَّصْبِيرُ لِمَنْ أُصِيبَ بِالتَّعْزِيَةِ عليه وَشَرْعًا هِيَ الْحَمْلُ على الصَّبْرِ بِالْوَعْدِ بِالْأَجْرِ وَالتَّحْذِيرِ عن الْوِزْرِ بِالْجَزَعِ وأن يَدْعُوَ عِبَارَةُ أَصْلِهِ وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ وَالْمُصَابِ فَفِي تَعْزِيَةِ كَافِرٍ بِمُسْلِمٍ وَعَكْسِهِ يَخُصُّ الْمُسْلِمَ بِالدُّعَاءِ الْأُخْرَوِيَّ فيقول في تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْمُسْلِمِ عَظَّمَ اللَّهُ أَجْرَك وَأَحْسَنَ عَزَاءَك بِالْمَدِّ أَيْ جَعَلَ صَبْرَك حَسَنًا وَغَفَرَ لِمَيِّتِك وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ قَبْلَهُ بِمَا وَرَدَ من تَعْزِيَةِ الْخَضِرِ أَهْلَ بَيْتِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمَوْتِهِ إنَّ في اللَّهِ عَزَاءً من كل مُصِيبَةٍ وَخَلَفًا من كل هَالِكٍ وَدَرَكًا من كل فَائِتٍ فَبِاَللَّهِ فَثِقُوا وَإِيَّاهُ فَارْجُوا فإن الْمُصَابَ من حُرِمَ الثَّوَابُ وَيَقُولَ
____________________
(1/334)
في تَعْزِيَةِ الْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ غَفَرَ اللَّهُ لِمَيِّتِك وَأَحْسَنَ عَزَاءَك وفي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك وَأَخْلَفَ عَلَيْك وَأَلْهَمَك الصَّبْرَ أو جَبَرَ مُصِيبَتَك أو نَحْوَهُ وَمَحَلُّ قَوْلِهِ وَأَخْلَفَ إذَا كان الْمَيِّتُ وَلَدًا أو نَحْوَهُ مِمَّنْ يُخْلَفُ بَدَلُهُ فَإِنْ كان أَبًا أو نَحْوَهُ فيقول خَلَفَ عَلَيْك أَيْ كان اللَّهُ خَلِيفَةً عَلَيْك نَقَلَهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ عن الشَّافِعِيِّ وفي تَعْزِيَةِ ذِمِّيٍّ بِذِمِّيٍّ يُعَزِّي بِنَحْوِ أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك وَلَا نَقَصَ عَدَدَك بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ لِأَنَّ ذلك يَنْفَعُنَا في الدُّنْيَا بِكَثْرَةِ الْجِزْيَةِ وفي الْآخِرَةِ بِالْفِدَاءِ من النَّارِ قال في الْمَجْمُوعِ وهو مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِدَوَامِ الْكُفْرِ فَالْمُخْتَارُ تَرْكُهُ مَنَعَهُ ابن النَّقِيبِ بِأَنَّهُ ليس فيه ما يَقْتَضِي الْبَقَاءَ على الْكُفْرِ قال وَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلِهِ بِتَكْثِيرِ الْجِزْيَةِ انْتَهَى
وَفَائِدَةُ التَّعْلِيلَيْنِ السَّابِقَيْنِ تَظْهَرُ في تَعْزِيَةِ الْحَرْبِيِّ بِالْحَرْبِيِّ فَيُعَزَّى على التَّعْلِيلِ بِالْفِدَاءِ دُونَ التَّعْلِيلِ بِتَكْثِيرِ الْجِزْيَةِ لَكِنْ أَطْلَقَ الْجِيلِيُّ أَنَّهُ لَا يُعَزَّى وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ وَالشَّيْخِ أبي حَامِدٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ تُكْرَهُ تَعْزِيَتُهُ وهو الظَّاهِرُ إلَّا أَنْ يُرْجَى إسْلَامُهُ فَيَنْبَغِي نَدْبُهَا أَخْذًا من كَلَامِ السُّبْكِيّ الْآتِي وَعَبَّرَ الْأَصْلُ في تَعْزِيَةِ الذِّمِّيِّ بِالذِّمِّيِّ بِجَوَازِهَا وفي الْمَجْمُوعِ بِعَدَمِ نَدْبِهَا قال في الْمُهِمَّاتِ وَكَلَامُ جَمَاعَةٍ منهم صَاحِبُ التَّنْبِيهِ كَالصَّرِيحِ في نَدْبِهَا وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوَافِقُهُ وَذَكَرَ نَحْوًا من زِيَادَتِهِ قال السُّبْكِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُنْدَبَ تَعْزِيَةُ الذِّمِّيِّ بِالذِّمِّيِّ أو بِالْمُسْلِمِ إلَّا إذَا رُجِيَ إسْلَامُهُ تَأْلِيفًا على الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ في التَّعْزِيَةِ الدُّعَاءَ لِلْمُصَابِ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ وَلِيُوَافِقَ قَوْلَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا حَيْثُ بَدَأَ بِالْحَيِّ وَخُولِفَ في تَعْزِيَةِ الْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ تَقْدِيمًا لِلْمُسْلِمِ فَصْلُ يُسْتَحَبُّ لِجِيرَانِ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَلَوْ أَجَانِبَ وَأَقَارِبُهُ الْأَبَاعِدُ وَإِنْ كَانُوا بِغَيْرِ بَلَدِ الْمَيِّتِ أَنْ يَصْنَعُوا لِأَهْلِهِ الْأَقَارِبِ طَعَامًا يَكْفِيهِمْ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ عَقِبَ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْمَوْتِ لِخَبَرِ اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَقَدْ جَاءَهُمْ ما يَشْغَلُهُمْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَلِأَنَّهُ بِرٌّ وَمَعْرُوفٌ قال الْإِسْنَوِيُّ وَالتَّعْبِيرُ بِالْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَاضِحٌ إذَا مَاتَ في أَوَائِلِ الْيَوْمِ فَلَوْ مَاتَ في آخِرِهِ فَقِيَاسُهُ أَنْ يُضَمَّ إلَى ذلك اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ أَيْضًا لَا سِيَّمَا إذَا تَأَخَّرَ الدَّفْنُ عن تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَذَكَرَ في الْأَنْوَارِ مع جِيرَانِ أَهْلِ الْمَيِّتِ مَعَارِفَهُمْ وَيُلِحُّونَ الْأَوْلَى حَذْفُ النُّونِ لِيَكُونَ الْمَعْنَى وَأَنْ يُلِحُّوا عليهم في الْأَكْلِ منه لِئَلَّا يَضْعُفُوا بِتَرْكِهِ وَيَحْرُمُ صُنْعُهُ لِمَنْ يَنُوحُ لِأَنَّهُ أَعَانَهُ على مَعْصِيَةٍ وَيُكْرَهُ لِأَهْلِهِ أَيْ الْمَيِّتِ طَعَامٌ أَيْ صُنْعُ طَعَامٍ يَجْمَعُونَ عليه الناس أَخَذَ كَصَاحِبِ الْأَنْوَارِ الْكَرَاهَةَ من تَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ بِأَنَّ ذلك بِدْعَةٌ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ وَاسْتَدَلَّ له في الْمَجْمُوعِ بِقَوْلِ جَرِيرِ بن عبد اللَّهِ كنا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصُنْعَهُمْ الطَّعَامَ بَعْدَ دَفْنِهِ من النِّيَاحَةِ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وابن مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَيْسَ في رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ بَعْدَ دَفْنِهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ في التَّحْرِيمِ فَضْلًا عن الْكَرَاهَةِ وَالْبِدْعَةِ الصَّادِقَةِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا قال في الْمَجْمُوعِ وَأَمَّا الذَّبْحُ وَالْعَقْرُ عِنْدَ الْقَبْرِ فَمَذْمُومٌ لِخَبَرِ لَا عَقْرَ في الْإِسْلَامِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ فَصْلٌ الْبُكَاءُ على الْمَيِّتِ جَائِزٌ قبل الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ وَلَوْ بَعْدَ الدَّفْنِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَكَى على وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ قبل مَوْتِهِ وقال إنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ وَلَا نَقُولُ إلَّا ما يُرْضِي رَبَّنَا وَإِنَّا بِفِرَاقِك يا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ وَبَكَى على قَبْرِ بِنْتٍ له وَزَارَ قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى من حَوْلَهُ رَوَى الْأَوَّلَ الشَّيْخَانِ وَالثَّانِيَ الْبُخَارِيُّ وَالثَّالِثَ مُسْلِمٍ ولكنه قَبْلَهُ أَيْ الْمَوْتِ أَوْلَى قال الْإِسْنَوِيُّ وَمُقْتَضَاهُ طَلَبُ الْبُكَاءِ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي وَنَقَلَهُ في الْمُهِمَّاتِ عن ابْنِ الصَّبَّاغِ وَنَظَرَ فيه قال الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ بِالْجَوَازِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ يَكُونُ أَسَفًا على ما فَاتَ وَمُقْتَضَاهُ أَيْضًا أَنَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ خِلَافَ الْأَوْلَى وَنَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْجُمْهُورِ لَكِنَّهُ نَقَلَ في الْأَذْكَارِ عن الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لِخَبَرِ فإذا وَجَبَتْ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ قالوا وما الْوُجُوبُ يا رَسُولَ اللَّهِ قال الْمَوْتُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ
قال السُّبْكِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كان الْبُكَاءُ لِرِقَّةٍ على الْمَيِّتِ وما يُخْشَى عليه من عَذَابِ اللَّهِ وَأَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا يُكْرَهُ وَلَا يَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى وَإِنْ كان لِلْجَزَعِ وَعَدَمِ التَّسْلِيمِ لِلْقَضَاءِ فَيُكْرَهُ أو يَحْرُمُ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا كُلُّهُ في الْبُكَاءِ بِصَوْتٍ أَمَّا مُجَرَّدُ دَمْعِ الْعَيْنِ فَلَا مَنْعَ منه وَاسْتَثْنَى الرُّويَانِيُّ ما إذَا غَلَبَهُ الْبُكَاءُ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَمْلِكُهُ الْبَشَرُ وَالنَّدْبُ وهو كما في الْأَصْلِ عَدُّ مَحَاسِنِ الْمَيِّتِ بِنَحْوِ الصِّيغَةِ
____________________
(1/335)
الْآتِيَةِ وَقِيلَ عَدُّهَا مع الْبُكَاءِ كما حَكَاهُ النَّوَوِيُّ في أَذْكَارِهِ وَجَزَمَ بِهِ في مَجْمُوعِهِ كَأَنْ يُقَالَ وَاكَهْفَاه وَاجَبَلَاه وَاسَنَدَاه وَاكَرِيمَاه حَرَامٌ لِمَا سَيَأْتِي وَلِلْإِجْمَاعِ كما في الْمَجْمُوعِ عن جَمَاعَةٍ قال فيه وَجَاءَ في الْإِبَاحَةِ ما يُشْبِهُ النَّدْبَ وَلَيْسَ منه وهو خَبَرُ الْبُخَارِيِّ عن أَنَسٍ لَمَّا ثَقُلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ الْكَرْبُ فقالت فَاطِمَةُ وَا أَبَتَاهُ فقال ليس على أَبِيك كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ فلما مَاتَ قالت يا أَبَتَاهُ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ يا أَبَتَاهُ إلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهُ وَكَذَا يَحْرُمُ النُّوحُ وهو رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ وَقَيَّدَهُ غَيْرُهُ بِالْكَلَامِ الْمُسَجَّعِ وَتَقَدَّمَتْ هذه بِدَلِيلِهَا في جُمَلِ الْجَنَائِزِ فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ ويحرم ضَرْبُ الْخَدِّ وَنَشْرُ الشَّعْرِ وَنَحْوِهِمَا كَتَسْوِيدِ الْوَجْهِ وَإِلْقَاءِ الرَّمَادِ على الرَّأْسِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِإِفْرَاطٍ في الْبُكَاءِ لِمَا مَرَّ ثُمَّ وَلِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ ليس مِنَّا من ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا يُعَذَّبُ بِهِ أَيْ بِشَيْءٍ من ذلك مَيِّتٌ لم يُوصِ بِهِ قال تَعَالَى وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى بِخِلَافِ ما إذَا أَوْصَى بِهِ كَقَوْلِ طَرَفَةَ بن الْعَبْدِ إذَا مِتُّ فَانْعَيْنِي بِمَا أنا أَهْلُهُ وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يا ابْنَةَ مَعْبَدٍ وَعَلَيْهِ حَمَلَ الْجُمْهُورُ خَبَرَ الصَّحِيحَيْنِ إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عليه وفي رِوَايَةٍ الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عليه وفي رِوَايَةٍ ما نِيحَ عليه قال الرَّافِعِيُّ وَلَك أَنْ تَقُولَ ذَنْبُ الْمَيِّتِ الْأَمْرُ بِذَلِكَ فَلَا يَخْتَلِفُ عَذَابُهُ بِامْتِثَالِهِمْ وَعَدَمِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الذَّنْبَ على السَّبَبِ يَعْظُمُ بِوُجُودِ الْمُسَبَّبِ وَشَاهِدُهُ خَبَرُ من سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً وَمِنْهُمْ من حَمَلَهُ على تَعْذِيبِهِ بِمَا يَبْكُونَ بِهِ عليه من جَرَائِمِهِ كَالْقَتْلِ وَشَنِّ الْغَارَاتِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَنُوحُونَ على الْمَيِّتِ بها وَيَعُدُّونَهَا فَخْرًا وقال الْقَاضِي يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدَّرَ الْعَفْوَ عنه إنْ لم يَبْكُوا عليه فَإِنْ بَكَوْا وَنَدَبُوا عُذِّبَ بِذَنْبِهِ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ وقال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ الْأَصَحُّ أَنَّهُ مَحْمُولٌ على الْكَافِرِ وَغَيْرِهِ من أَصْحَابِ الذُّنُوبِ بَابُ تَارِكِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ على الْأَعْيَانِ أَصَالَةً جَحْدًا أو غَيْرَهُ وَقَدَّمَهُ الْجُمْهُورُ على الْجَنَائِزِ قال الرَّافِعِيُّ وَلَعَلَّهُ أَلْيَقُ فَالْجَاحِدُ لِوُجُوبِهَا وَإِنْ أتى بها مُرْتَدٌّ لِإِنْكَارِهِ ما هو مَعْلُومٌ من الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِتَرْكِهَا جَحْدًا إلَّا جَاهِلٌ نَفَى ذلك لِقُرْبِ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أو نَحْوِهِ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عليه ذلك فَلَيْسَ مُرْتَدًّا بَلْ يَعْرِفُ الْوُجُوبَ فَإِنْ أَصَرَّ على الْجَحْدِ صَارَ مُرْتَدًّا وَالْجُحُودُ إنْكَارُ ما اعْتَرَفَ بِهِ الْمُنْكِرُ فَخَرَجَ بِهِ الْجَاهِلُ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أو نَحْوُهُ كَنَشْئِهِ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عن الْعُلَمَاءِ فَلَا حَاجَةَ لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ مع أَنَّهُ قَاصِرٌ عن تَمَامِ الْغَرَضِ وَجَاهِلٌ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ كما قِيلَ بِهِ في قَوْله تَعَالَى ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إلَّا قَلِيلٌ على قِرَاءَةِ الرَّفْعِ وفي نُسْخَةٍ لَا جَاهِلٌ وَهِيَ أَحْسَنُ وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْمُرْتَدِّ في بَابِهِ وَمَنْ تَرَكَهَا غير جَاحِدٍ بِلَا عُذْرٍ وَلَوْ صَلَاةً وَاحِدَةً أو جُمُعَةً وَلَوْ قال في الْجُمُعَةِ أُصَلِّيهَا ظُهْرًا أو تَرَكَ وُضُوءً لها أَيْ لِلصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ قُتِلَ بِالسَّيْفِ حَدًّا لَا كُفْرًا
قالوا أَمَّا في تَرْكِ الصَّلَاةِ فَلِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ قال فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ وقال صلى اللَّهُ عليه وسلم أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فإذا فَعَلُوا ذلك فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ على اللَّهِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وقال خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ على الْعِبَادِ فَمَنْ جاء بِهِنَّ كان عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ لم يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ له عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إنْ شَاءَ عَفَا عنه وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ فَلَوْ كَفَرَ لم يَدْخُلْ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ بين الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ فَمَحْمُولٌ على تَرْكِهَا جَحْدًا أو على التَّغْلِيظِ أو الْمُرَادُ بين ما يُوجِبُهُ الْكُفْرُ من وُجُوبِ الْقَتْلِ جَمْعًا بين الْأَدِلَّةِ وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَلِأَنَّهُ تَرْكٌ لِلصَّلَاةِ وَإِنَّمَا قُتِلَ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ قال أُصَلِّيهَا ظُهْرًا لَتَرَكَهَا بِلَا قَضَاءٍ إذْ الظُّهْرُ ليس قَضَاءً عنها وَيُقَاسُ بِالْوُضُوءِ الْأَرْكَانُ وَسَائِرُ الشُّرُوطِ وَصَرَّحَ في الْبَيَانِ بِبَعْضِهَا فقال لو صلى عُرْيَانًا مع قُدْرَتِهِ على السُّتْرَةِ أو الْفَرِيضَةِ قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ قُتِلَ
وَمَحَلُّهُ فِيمَا لَا خِلَافَ فيه أو فيه خِلَافٌ رَوَاهُ خِلَافَ الْقَوِيِّ فَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ لو تَرَكَ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا أو مَسَّ شَافِعِيٌّ الذَّكَرَ أو لَمَسَ الْمَرْأَةَ أو تَوَضَّأَ ولم يَنْوِ وَصَلَّى مُتَعَمِّدًا لَا يُقْتَلُ لِأَنَّ جَوَازَ صَلَاتِهِ مُخْتَلَفٌ فيه وَإِنَّمَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ إذَا أَخْرَجَهَا عن وَقْتِ الضَّرُورَةِ فِيمَا له وَقْتُ ضَرُورَةٍ بِأَنْ يَجْمَعَ مع
____________________
(1/336)
الثَّانِيَةِ في وَقْتِهَا فَلَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الظُّهْرِ حتى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَلَا بِتَرْكِ الْمَغْرِبِ حتى يَطْلُعَ الْفَجْرُ وَيُقْتَلُ في الصُّبْحِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وفي الْعَصْرِ بِغُرُوبِهَا وفي الْعِشَاءِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَيُطَالَبُ بِأَدَائِهَا إذَا ضَاقَ وَقْتُهَا وَيُتَوَعَّدُ بِالْقَتْلِ إنْ أَخْرَجَهَا عن الْوَقْتِ فَإِنْ أَصَرَّ وَأَخْرَجَ اسْتَوْجَبَ الْقَتْلَ فَقَوْلُ الرَّوْضَةِ يُقْتَلُ بِتَرْكِهَا إذَا ضَاقَ وَقْتُهَا مَحْمُولٌ على مُقَدِّمَاتِ الْقَتْلِ بِقَرِينَةِ كَلَامِهَا بَعْدُ وما قِيلَ من أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بَلْ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حتى يُصَلِّيَ كَتَرْكِ الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَلِخَبَرِ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ الثَّيِّبُ الزَّانِي وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ وَلِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الْقَضَاءِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْقِيَاسَ مَتْرُوكٌ بِالنُّصُوصِ وَالْخَبَرُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِمَا ذَكَرْنَا
وَقَتْلُهُ خَارِجَ الْوَقْتِ إنَّمَا هو لِلتَّرْكِ بِلَا عُذْرٍ على أَنَّا نَمْنَعُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ لِتَرَك الْقَضَاءِ مُطْلَقًا كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَإِنَّمَا يُقْتَلُ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ لِأَنَّهُ ليس أَسْوَأَ حَالًا من الْمُرْتَدِّ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ وَالْمَجْمُوعِ أَنَّ اسْتِتَابَتَهُ وَاجِبَةٌ كَالْمُرْتَدِّ لَكِنْ صَحَّحَ في التَّحْقِيقِ نَدْبَهَا وَعَلَيْهِ فَرَّقَ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ الرِّدَّةَ تُخَلِّدُ في النَّارِ فَوَجَبَ إنْقَاذُهُ منها بِخِلَافِ تَرْكِ الصَّلَاةِ تَكْفِي اسْتِتَابَتُهُ في الْحَالِ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا يُفَوِّتُ صَلَوَاتٍ وَقِيلَ يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْقَوْلَانِ في النَّدْبِ وَقِيلَ في الْوُجُوبِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ثُمَّ بَعْدَ قَتْلِهِ له حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ فَيُجَهَّزُ وَيُصَلَّى عليه وَيُدْفَنُ وَلَوْ قَتَلَهُ في مُدَّةِ الِاسْتِتَابَةِ أو قَبْلَهَا إنْسَانٌ أَثِمَ وَلَا ضَمَانَ عليه كَقَاتِلِ الْمُرْتَدِّ وَلَوْ جُنَّ أو سَكِرَ قبل فِعْلِ الصَّلَاةِ لم يُقْتَلْ فَإِنْ قُتِلَ وَجَبَ الْقَوَدُ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في الْمُرْتَدِّ لَا قَوَدَ على قَاتِلِهِ لِقِيَامِ الْكُفْرِ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ قال الْأَذْرَعِيُّ وما ذَكَرَهُ من وُجُوبِ الْقَوَدِ على من قَتَلَهُ في جُنُونِهِ أو سُكْرِهِ كُلُّهُ فِيمَا إذَا لم يَكُنْ قد تَوَجَّهَ عليه الْقَتْلُ وَعَائِدٌ بِالتَّرْكِ ا ه
وفي ذلك دَلَالَةٌ على أَنَّ الِاسْتِتَابَةَ وَاجِبَةٌ أَمَّا تَارِكُ الْمَنْذُورَةِ الْمُؤَقَّتَةِ فَلَا يُقْتَلُ لِأَنَّهُ الذي أَوْجَبَهَا على نَفْسِهِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلشَّيْخِ أبي إِسْحَاقَ فَرْعٌ إذَا قال حين إرَادَةِ قَتْلِهِ صَلَّيْت في بَيْتِي أو تَرَكْتهَا بِعُذْرٍ إمَّا صَحِيحٍ في الْوَاقِعِ كَنِسْيَانٍ وَنَوْمٍ وَإِغْمَاءٍ أو بَاطِلٍ كَكَانَ أَيْ كَقَوْلِهِ كان على نَجَاسَةٍ أو تَرَكَهَا لِلْبَرْدِ أو عَدَمِ الْمَاءِ عِبَارَةَ الرَّوْضَةِ وَإِنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وقال تَرَكْتهَا نَاسِيًا أو لِلْبَرْدِ أو لِعَدَمِ الْمَاءِ أو لِنَجَاسَةٍ كانت عَلَيَّ أو نَحْوِهَا من الْأَعْذَارِ صَحِيحَةً كانت أو بَاطِلَةً يُعْذَرُ بِذَلِكَ وَلَا نَقْتُلهُ لِأَنَّهُ لم يَتَحَقَّقُ منه تَعَمُّدُ تَأْخِيرِهَا عن الْوَقْتِ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَلَا بُدَّ من أَنَّ نَأْمُرَهُ بها بَعْدَ ذِكْرِ الْعُذْرِ وُجُوبًا في الْعُذْرِ الْبَاطِلِ وَنَدْبًا في الصَّحِيحِ فِيمَا يَظْهَرُ بِأَنْ نَقُولَ له صَلِّ فَإِنْ امْتَنَعَ لم يُقْتَلْ لِذَلِكَ وَإِنْ قال تَعَمَّدْت تَرْكَهَا بِلَا عُذْرٍ قُتِلَ وَلَوْ لم يَقُلْ وَلَا أُصَلِّيهَا بِأَنْ قال ذلك أو سَكَتَ لِتَحْقِيقِ جِنَايَتِهِ بِتَعَمُّدِ التَّأْخِيرِ وَمَنْ تَرَكَهَا بِعُذْرٍ كَنِسْيَانٍ أو نَوْمٍ لم يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهَا فَوْرًا بَلْ يَجُوزُ له قَضَاؤُهَا على التَّرَاخِي لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَقْضِ صَلَاةَ الصُّبْحِ التي فَاتَتْهُ بِالنَّوْمِ حتى خَرَجُوا من الْوَادِي رَوَاهُ الشَّيْخَانِ أو بِلَا عُذْرٍ وَلَزِمَهُ قَضَاؤُهَا فَوْرًا لِتَقْصِيرِهِ لَكِنْ لَا يُقْتَلُ بِفَائِتَةٍ
____________________
(1/337)
فَاتَتْهُ بِعُذْرٍ لِأَنَّ وَقْتَهَا مُوَسَّعٌ أو بِلَا عُذْرٍ وقال أُصَلِّيهَا لِتَوْبَتِهِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَقُلْ ذلك كما مَرَّ آنِفًا وَالتَّصْرِيحُ بهذا الِاسْتِدْرَاكِ من زِيَادَتِهِ فَائِدَةٌ قال الْغَزَالِيُّ لو زَعَمَ زَاعِمٌ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حَالَةً أَسْقَطَتْ عنه الصَّلَاةَ وَأَحَلَّتْ له شُرْبَ الْخَمْرِ وَأَكْلُ مَالِ السُّلْطَانِ كما زَعَمَهُ بَعْضُ الْمُتَصَوِّفَةِ فَلَا شَكَّ في وُجُوبِ قَتْلِهِ وَإِنْ كان في خُلُودِهِ في النَّارِ نَظَرٌ وَقَتْلُ مِثْلِهِ أَفْضَلُ من قَتْلِ مِائَةِ كَافِرٍ لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَكْثَرُ
كِتَابُ الزَّكَاةِ هِيَ لُغَةً التَّطْهِيرُ وَالْإِصْلَاحُ وَالنَّمَاءُ وَالْمَدْحُ وَمِنْهُ وَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ وَشَرْعًا اسْمٌ لِمَا يُخْرَجُ عن مَالٍ أو بَدَنٍ على وَجْهٍ مَخْصُوصٍ سُمِّيَ بها ذلك لِأَنَّهُ يُطَهِّرُ وَيُصْلِحُ وَيُنَمِّي وَيَمْدَحُ الْمُخْرَجَ عنه وَيَقِيهِ من الْآفَاتِ وَالْأَصْلُ في وُجُوبِهَا قبل الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَآتُوا الزَّكَاةَ وَقَوْلُهُ خُذْ من أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ بُنِيَ الْإِسْلَامُ على خَمْسٍ هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ لِهَذَا الْخَبَرِ يَكْفُرُ جَاحِدُهَا وَإِنْ أتى بها وزاد قَوْلَهُ كَالصَّلَاةِ لِيَسْتَغْنِيَ عن اسْتِثْنَاءِ الْجَاهِلِ الْمُتَقَدِّمِ نَظِيرُهُ في الْبَابِ قَبْلَهُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ مِمَّا مَرَّ أَنَّ هذا خَارِجٌ بِالْجُحُودِ فَلَا حَاجَةَ لِمَا زَادَهُ وَيُقَاتَلُ الْمُمْتَنِعُونَ من أَدَائِهَا عليها وَتُؤْخَذُ منهم وَإِنْ لم يُقَاتَلُوا قَهْرًا كما فَعَلَ الصِّدِّيقُ رضي اللَّهُ عنه وَتَلْزَمُ الزَّكَاةُ كُلَّ مُسْلِمٍ وَلَوْ غير مُكَلَّفٍ لِقَوْلِهِ في الْخَبَرِ الْآتِي في زَكَاةِ الْمَوَاشِي فَرْضُهَا على الْمُسْلِمِينَ حُرٍّ وَلَوْ مُبَعَّضًا مُلِكَ بِحُرِّيَّتِهِ لِتَمَامِ مِلْكِهِ على ما مَلَكَهُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ وَلِهَذَا يَكْفُرُ كَالْحُرِّ الْمُوسِرِ على ما سَيَأْتِي وَالْمُرَادُ بِلُزُومِهَا غَيْرُ الْمُكَلَّفِ أنها تَلْزَمُ في مَالِهِ
فَعَلَى الْوَلِيِّ إخْرَاجُهَا من مَالِ الطِّفْلِ وَلَوْ مُرَاهِقًا وَالْمَجْنُونِ كَقِيمَةِ ما أَتْلَفَاهُ وَغَيْرِهَا من الْحُقُوقِ الْمُوَجَّهَةِ عَلَيْهِمَا كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ لَا الْجَنِينِ فَلَا زَكَاةَ في الْمَالِ الْمَوْقُوفِ لِأَنَّهُ لَا ثِقَةَ بِوُجُودِهِ وَلَا بِحَيَاتِهِ فَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا قال الْإِسْنَوِيُّ فَيُتَّجَهُ أنها لَا تَلْزَمُ بَقِيَّةَ الْوَرَثَةِ لِضَعْفِ مِلْكِهِمْ وَمَحِلُّ وُجُوبِهَا على الْوَلِيِّ في مَالِ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ إذَا كان مِمَّنْ يَرَى وُجُوبَهَا في مَالِهِمَا فَإِنْ كان لَا يَرَاهُ كَحَنَفِيٍّ فَلَا وُجُوبَ وَالِاحْتِيَاطُ له أَنْ تُحْسَبَ زَكَاتُهُ حتى يَكْمُلَا فَيُخْبِرَهُمَا بِذَلِكَ وَلَا يُخْرِجُهَا فَيُغَرِّمُهُ الْحَاكِمُ قَالَهُ الْقَفَّالُ وَفَرَضَهُ في الطِّفْلِ قال الْأَذْرَعِيُّ فَلَوْ كان الْوَلِيُّ غير مُتَمَذْهِبٍ بَلْ عَامِّيًّا صِرْفًا فَإِنْ أَلْزَمَهُ حَاكِمٌ يَرَاهَا بِإِخْرَاجِهَا فَوَاضِحٌ وَإِلَّا فَهَلْ نَقُولُ يَسْتَفْتِي وَيَعْمَلُ بِذَلِكَ أو يُؤَخِّرُ الْأَمْرَ إلَى كَمَالِهِمَا أو يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى حَاكِمٍ عَدْلٍ مَأْمُونٍ وَيَعْمَلُ ما يَأْمُرُهُ بِهِ لم أَرَ فيه شيئا وَقَيِّمُ الْحَاكِمِ يُرَاجِعُهُ وَيَعْمَلُ بِقَوْلِهِ
ا ه
وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ كَحَاكِمٍ أَنَابَهُ حَاكِمٌ آخَرُ يُخَالِفُهُ في مَذْهَبِهِ وَالْأَوْجَهُ فِيمَا فيه التَّرْدِيدَاتُ الْمَذْكُورَةُ على قِيَاسِ قَوْلِ الْقَفَّالِ السَّابِقِ الِاحْتِيَاطُ بِمِثْلِ ما مَرَّ فَإِنْ لم يُخْرِجْهَا الْوَلِيُّ من مَالِ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ أَخْرَجَاهُ إنْ كَمُلَا لِأَنَّ الْحَقَّ تَوَجَّهَ إلَى مَالِهِمَا لَكِنَّ الْوَلِيَّ عَصَى بِالتَّأْخِيرِ فَلَا يَسْقُطُ ما تَوَجَّهَ إلَيْهِمَا وَمِثْلُهُمَا فِيمَا ذَكَرَ السَّفِيهُ وَلَا يَلْزَمُ الْكَافِرَ إخْرَاجُهَا لَا في الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَلَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ الْوَاجِبَةُ في الْإِسْلَامِ بِالرِّدَّةِ مُؤَاخَذَةً له بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ مَاتَ مُرْتَدًّا وقد مَضَى على مَالِهِ حَوْلٌ أو أَكْثَرُ في رِدَّتِهِ بَانَ أَنْ لَا مَالَ له من حِينِهَا فَلَا زَكَاةَ وَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ أَخْرَجَ الْوَاجِبَ في الرِّدَّةِ وَقَبْلَهَا وَإِنْ أَخْرَجَ حَالَ رِدَّتِهِ أَجْزَأَهُ كما لو أَطْعَمَ عن الْكَفَّارَةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ لَا يَصِحُّ منه لِأَنَّهُ عَمَلٌ بَدَنِيٌّ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَلَا زَكَاةَ على السَّيِّدِ وَلَا مُكَاتَبِهِ في مَالِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ ليس مِلْكًا لِلسَّيِّدِ وَالْمُكَاتَبُ ليس بِحُرٍّ وَمِلْكُهُ ضَعِيفٌ
____________________
(1/338)
فَإِنْ زَالَتْ الْكِتَابَةُ بِعَجْزٍ أو عِتْقٍ أو غَيْرِهِ انْعَقَدَ حَوْلُهُ من حِينِ زَوَالِهَا فَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَعَمُّ من قَوْلِهِ أَصْلُهُ فَإِنْ عَتَقَ وفي يَدِهِ مَالٌ ابْتَدَأَ له حَوْلًا وَإِنْ عَجَزَ نَفْسُهُ وَصَارَ مَالُهُ لِسَيِّدِهِ ابْتَدَأَ الْحَوْلُ عليه وَلَا مَالَ لِلْقِنِّ وَلَوْ مُدَبَّرًا وَأُمَّ وَلَدٍ كما سَيَأْتِي فَلَا تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ فَلَوْ مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ مَالًا لم يَمْلِكْهُ بَلْ هو بَاقٍ على مِلْكِ سَيِّدِهِ فَتَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ وَهِيَ أَيْ الزَّكَاةُ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ النَّعَمُ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ الْإِنْسِيَّةُ لِأَنَّهَا تُتَّخَذُ لِلنَّمَاءِ غَالِبًا لِكَثْرَةِ مَنَافِعِهِ وَالنَّعَمُ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ وَجَمْعُهُ أَنْعَامٌ وَأَنْعَامٌ جَمْعُهُ أَنَاعِمُ وَسُمِّيَتْ نَعَمًا لِكَثْرَةِ نِعَمِ اللَّهِ فيها على خَلْقِهِ من النُّمُوِّ وَعُمُومِ الِانْتِفَاعِ بها وَالْمُعَشَّرَاتُ أَيْ ما يَجِبُ فيه الْعُشْرُ أو نِصْفُهُ وهو الْقُوتُ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ فَأَوْجَبَ الشَّارِعُ فيه شيئا لِذَوِي الضَّرُورَاتِ وَالنَّقْدَانِ أَيْ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَلَوْ غير مَضْرُوبَيْنِ لِالْتِحَاقِهِمَا بِالنَّامِيَاتِ بِتَهْيِئَتِهِمَا لِلْإِخْرَاجِ دُونَ غَيْرِهِمَا من الْجَوَاهِرِ غَالِبًا وَالتِّجَارَةُ لِمَا فيها من النَّمَاءِ وَالْمَعْدِنُ لِأَنَّهُ نَمَاءٌ في نَفْسِهِ وَالْأَكْثَرُونَ أَدْرَجُوهُ في النَّقْدَيْنِ كما أَدْرَجَ هو فِيهِمَا الرِّكَازَ وَلَا خِلَافَ في الْمَعْنَى وَالْفِطْرَةُ تَطْهِيرًا لِلنَّفْسِ وَتَنْمِيَةً لِعَمَلِهَا قال النَّوَوِيُّ الْفِطْرَةُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وهو اسْمٌ مُوَلَّدٌ يُقَالُ لِلْخِلْقَةِ وَلِلْمُخْرَجِ وَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِابْنِ أبي الدَّمِ بِضَمِّهَا اسْمٌ لِلْمُخْرَجِ مَرْدُودٌ
بَابٌ حُكْمُ زَكَاةِ الْمَوَاشِي وُجُوبًا وَانْتِفَاءً وَلَهَا أَيْ الزَّكَاةِ أَيْ وُجُوبِهَا خَمْسَةُ شُرُوطٍ وَذَكَرَ الْأَصْلُ سَادِسًا وهو كَمَالِ الْمِلْكِ لِيَخْرُجَ بِهِ الْمَالُ الضَّالُّ وَالْمَغْصُوبُ وَنَحْوُهُمَا وَلِكَوْنِهِ تَفْرِيعًا على ضَعِيفٍ وهو عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ في الْمَذْكُورَاتِ حَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ النَّعَمُ فَلَا زَكَاةَ إلَّا في الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ لِمَا مَرَّ وَلِمَا يَأْتِي لَا غَيْرِهِ حتى مُتَوَلِّدٍ منها وَمِنْ غَيْرِهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وفي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ليس على الْمُسْلِمِ في عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ أنها تَجِبُ فِيمَا تَوَلَّدَ من وَاحِدٍ من الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَمِنْ آخَرَ منها وهو ظَاهِرٌ وقال الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ في مُخْتَصَرِ الْمُهِمَّاتِ يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِهِ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ في أَنَّهُ يُزَكِّي زَكَاةَ أَيِّهِمَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُزَكِّي زَكَاةَ أَخَفِّهِمَا فَالْمُتَوَلِّدُ بين الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ يُزَكَّى زَكَاةَ الْبَقَرِ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ
ا ه
وَالْإِبِلُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَتُسَكَّنُ تَخْفِيفًا اسْمُ جَمْعٍ قَالَهُ جَمَاعَةٌ منهم النَّوَوِيُّ في تَحْرِيرِهِ وقال في مَجْمُوعِهِ اسْمُ جِنْسٍ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لَا وَاحِدَ له من لَفْظِهِ وَتُجْمَعُ على آبَالٍ كَأَحْمَالٍ وَالْبَقَرُ اسْمُ جِنْسٍ وَاحِدُهُ بَقَرَةٌ وَبَاقُورَةٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَبْقُرُ الْأَرْضَ أَيْ يَشُقُّهَا لِلْحِرَاثَةِ وَالْغَنَمُ أَيْضًا اسْمُ جِنْسٍ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لَا وَاحِدَ له من لَفْظِهِ
الشَّرْطُ الثَّانِي النِّصَابُ لِمَا سَيَأْتِي فَلَا زَكَاةَ فِيمَا دُونَهُ وَأَوَّلُ نِصَابِ الْإِبِلِ خَمْسٌ وَفِيهَا شَاةٌ وفي عَشْرٍ شَاتَانِ وفي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ وفي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وفي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ وفي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وفي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ وفي إحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وفي سِتٍّ وَسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ وفي إحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ وَكَذَا في مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ لَا بَعْضُهَا خِلَافًا لِلْإِصْطَخْرِيِّ وَجَبَتْ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ
رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عن أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ له لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْبَحْرَيْنِ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ هذه فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ التي فَرَضَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على الْمُسْلِمِينَ وَاَلَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بها رَسُولَهُ فَمَنْ سَأَلَهَا من الْمُسْلِمِينَ على وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا وَمَنْ سَأَلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطِ في أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ من الْإِبِلِ فما دُونَهَا الْغَنَمُ في كل خَمْسٍ شَاةٌ فإذا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى فَإِنْ لم يَكُنْ فيها بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ فإذا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى فإذا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ فإذا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ فإذا بَلَغَتْ سِتَّةً وَسَبْعِينَ إلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ فإذا بَلَغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ فإذا زَادَتْ على عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كل أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وفي كل خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَفِيهِ زِيَادَةٌ يَأْتِي التَّنْبِيهُ عليها في مَجَالِهَا وَقَوْلُهُ فَرَضَ أَيْ قَدَّرَ وَقَوْلُهُ فَلَا يُعْطِ أَيْ الزَّائِدَ بَلْ يُعْطِي الْوَاجِبَ فَقَطْ وَتَقْيِيدُ بِنْتِ الْمَخَاضِ وَاللَّبُونِ بِالْأُنْثَى وَابْنِ اللَّبُونِ بِالذَّكَرِ تَأْكِيدًا كما يُقَالُ رَأَيْت بِعَيْنِي وَسَمِعْت بِأُذُنِي وَإِنَّمَا لم يَجْعَلْ بَعْضَ الْوَاحِدَةِ كَالْوَاحِدَةِ لِبِنَاءِ الزَّكَاةِ على تَغَيُّرِ وَاجِبِهَا بِالْأَشْخَاصِ دُونَ الْأَشْقَاصِ وفي أبي دَاوُد
____________________
(1/339)
التَّصْرِيحُ بِالْوَاحِدَةِ في رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ فَهِيَ مُقَيَّدَةٌ لِخَبَرِ أَنَسٍ وَلِتِلْكَ الْوَاحِدَةِ قِسْطٌ من الْوَاجِبِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ تَغَيَّرَ بها فَيَتَعَلَّقُ بها كَالْعَاشِرَةِ فَيَسْقُطُ بِمَوْتِهَا بين تَمَامِ الْحَوْلِ وَالتَّمَكُّنِ من الْإِخْرَاجِ جُزْءٌ من مِائَةٍ وَوَاحِدٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا من الثَّلَاثِ من بَنَاتِ اللَّبُونِ ثُمَّ يَسْتَمِرُّ ذلك إلَى مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ فَيَتَغَيَّرُ الْوَاجِبُ في كل عَشْرٍ فَفِي كل أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وفي كل خَمْسِينَ حِقَّةٌ فَفِي مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ بِنْتَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ وفي مِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَحِقَّتَانِ وَعَلَى هذا فَقِسْ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الْأُنُوثَةُ في الْمُخْرَجِ لِمَا فيها من رِفْقِ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ
فَرْعٌ بِنْتُ الْمَخَاضِ ما لها سَنَةٌ سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّ أُمَّهَا بَعْدَ سَنَةٍ من وِلَادَتِهَا تَحْمِلُ مَرَّةً أُخْرَى فَتَصِيرُ من الْمَخَاضِ أَيْ الْحَوَامِلِ وَبِنْتُ اللَّبُونِ مِثْلُهَا سَنَتَانِ سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّ أُمَّهَا آنَ لها أَنْ تَلِدَ فَتَصِيرَ لَبُونًا وَالْحِقَّةُ ما لها ثَلَاثٌ سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ أَنْ تُرْكَبَ وَيُحْمَلَ عليها وَلِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ أَنْ يَطْرُقَهَا الْفَحْلُ وَاسْتَحَقَّ الْفَحْلُ أَنْ يَطْرُقَ وَالْجَذَعَةُ مَالَهَا أَرْبَعٌ سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّهَا جَذَعَتْ مُقَدَّمَ أَسْنَانِهَا أَيْ أَسْقَطَتْهُ وَقِيلَ لِتَكَامُلِ أَسْنَانِهَا بِالْكَمَالِ أَيْ مع كَمَالِ السِّنِينَ في الْجَمِيعِ مع الطَّعْنِ فِيمَا بَعْدُ أَيْ بَعْدَهَا وَهَذَا إيضَاحٌ لِمَا قَبْلَهُ وَالْجَذَعَةُ آخِرُ أَسْنَانِ زَكَاةِ الْإِبِلِ يَعْنِي أَسْنَانَ إبِلِ الزَّكَاةِ قال في الْأَصْلِ وَلَدُ النَّاقَةِ يُسَمَّى بَعْدَ الْوِلَادَةِ رُبَعًا وَالْأُنْثَى رُبَعَةَ ثُمَّ هُبَعًا وَهُبَعَةَ بِضَمِّ أَوَّلِ الْجَمِيعِ وَفَتْحِ ثَانِيهِ ثُمَّ فَصِيلًا فإذا تَمَّتْ له سَنَةٌ سُمِّيَ ابْنَ مَخَاضٍ وَالْأُنْثَى بِنْتَ مَخَاضٍ
قال الْإِسْنَوِيُّ وهو غَلَطٌ بَلْ الذي نَصَّ عليه أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ الرُّبَعَ ما يُنْتَجُ في أَوَّلِ زَمَنِ النِّتَاجِ وهو زَمَنُ الرَّبِيعِ وَجَمْعُهُ رِبَاعٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَأَرْبَاعٌ
وَالْهُبَعُ ما يُنْتَجُ في آخِرِهِ وهو زَمَنُ الصَّيْفِ قال وَسُمِّيَ بِهِ كما قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ من قَوْلِهِمْ هَبَعَ إذْ اسْتَعَانَ بِعُنُقِهِ في مَشْيِهِ لِأَنَّ الرُّبَعَ أَقْوَى منه لِأَنَّهُ وُلِدَ قَبْلَهُ فإذا سَارَ معه احْتَاجَ أَيْ الْهُبَعُ إلَى الِاسْتِعَانَةِ بِعُنُقِهِ في مِشْيَتِهِ حتى لَا يَنْقَطِعَ عنه قال الْجَوْهَرِيُّ وَوَلَدُ النَّاقَةِ في جَمِيعِ السَّنَةِ يُسَمَّى حُوَارًا أَيْ بِضَمِّ الْحَاءِ وَبِالرَّاءِ وَسُمِّيَ فَصِيلًا لِأَنَّهُ فُصِلَ من أُمِّهِ قال في الْمَجْمُوعِ وإذا دَخَلَتْ الْجَذَعَةُ في السَّادِسَةِ فَهِيَ ثَنِيَّةٌ فإذا دَخَلَتْ في السَّابِعَةِ فَرَبَاعٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِفَتْحِ الرَّاءِ وَيُقَالُ رُبَاعِي بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ فإذا دخل في الثَّامِنَةِ فَسَدَسٌ لَهُمَا بِفَتْحِ السِّينِ وَالدَّالِ وَيُقَالُ سَدِيسٌ بِزِيَادَةِ يَاءٍ فإذا دخل في التَّاسِعَةِ فَبَازِلٌ لَهُمَا لِأَنَّهُ بَزَلَ نَابَهُ أَيْ طَلَعَ فإذا دخل في الْعَاشِرَةِ فَمُخْلِفٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَالْأُنْثَى كَالذَّكَرِ في قَوْلِ الْكِسَائِيّ وَبِالْهَاءِ في قَوْلِ أبي زَيْدٍ النَّحْوِيِّ ثُمَّ لَا يَخْتَصُّ هَذَانِ بِاسْمٍ بَلْ يُقَالُ بَازِلُ عَامٍّ وَبَازِلُ عَامَيْنِ فَأَكْثَرَ وَمُخْلِفُ عَامٍ وَمُخْلِفُ عَامَيْنِ فَأَكْثَرَ فإذا كَبِرَ فَهُوَ عَوْدٌ وَعَوْدَةٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ فإذا هَرَمَ فَالذَّكَرُ قَحِمٌ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْأُنْثَى نَابٌ وَشَارِفٌ
فَصْلُ وَأَوَّلُ نِصَابِ الْبَقَرِ ثَلَاثُونَ وَفِيهَا تَبِيعٌ وهو مَالَهُ سَنَةٌ كَامِلَةٌ سُمِّيَ تَبِيعًا لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ وَقِيلَ لِأَنَّ قَرْنَهُ يَتْبَعُ أُذُنَهُ وَيُجْزِئُ عنه تَبِيعَةٌ بَلْ أَوْلَى لِلْأُنُوثَةِ وفي الْأَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ وَتُسَمَّى ثَنِيَّةً وَهِيَ ما لها سَنَتَانِ كَامِلَتَانِ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عن مُعَاذٍ قال بَعَثَنِي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إلَى الْيَمَنِ فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ من كل أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً وَمِنْ كل ثَلَاثِينَ تَبِيعًا وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ وَسُمِّيَتْ مُسِنَّةً لِتَكَامُلِ أَسْنَانِهَا وفي سِتِّينَ بَقَرَةً تَبِيعَانِ وَهَكَذَا في كل ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ وفي كل أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ وفي سَبْعِينَ مُسِنَّةٌ وَتَبِيعٌ وفي ثَمَانِينَ مُسِنَّتَانِ وَهَكَذَا فَفِي تِسْعِينَ ثَلَاثَةُ أَتْبِعَةٍ وفي مِائَةٍ مُسِنَّةٌ وَتَبِيعَانِ وفي مِائَةٍ وَعَشْرَةٍ مُسِنَّتَانِ وَتَبِيعٌ أَخْذًا من الْخَبَرِ السَّابِقِ
فَائِدَةٌ قال الزَّرْكَشِيُّ قالوا وَلَدُ الْبَقَرَةِ يُسَمَّى بَعْدَ الْوِلَادَةِ عِجْلًا وَعَجُولًا فإذا دخل في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَهُوَ جَذَعٌ وَجَذَعَةٌ فإذا دخل في الثَّالِثَةِ فَثَنِيٌّ وَثَنِيَّةٌ فإذا دخل في الرَّابِعَةِ فَرَبَاعٌ وَرَبَاعَةٌ فإذا دخل في السَّادِسَةِ فَضَالِعٌ ثُمَّ لَا اسْمَ له بَعْدَ هذا إلَّا ضَالِعُ عَامٍ أو ضَالِعُ عَامَيْنِ
فَصْلٌ وَأَوَّلُ نِصَابِ الْغَنَمِ أَرْبَعُونَ وَفِيهَا شَاةٌ وفي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ شَاتَانِ وفي مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ ثَلَاثُ شِيَاهٍ وفي أَرْبَعِمِائَةٍ أَرْبَعُ شِيَاهٍ في كل مِائَةٍ من الضَّأْنِ جَذَعَةٌ منه أَيْ من الضَّأْنِ وَهِيَ ما لها سَنَةٌ كَامِلَةٌ أو من الْغَنَمِ وفي نُسْخَةٍ وَهِيَ الْأَوْلَى الْمُوَافِقُ لِلْأَصْلِ أو من الْمَعْزِ فَثَنِيَّةٌ منه وَهِيَ مَالَهَا سَنَتَانِ كَامِلَتَانِ لِقَوْلِهِ في خَبَرِ أَنَسٍ وفي صَدَقَةِ الْغَنَمِ في سَائِمَتِهَا إذَا كانت أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةِ شَاةٍ فإذا زَادَتْ
____________________
(1/340)
على عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إلَى مِائَتَيْنِ فَفِيهَا شَاتَانِ فإذا زَادَتْ على مِائَتَيْنِ إلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ فإذا زَادَتْ على ثَلَثِمِائَةٍ فَفِي كل مِائَةٍ شَاةٌ فإذا كانت سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً من أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةٌ فَلَيْسَ فيها صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا
وَمَحَلُّ اعْتِبَارِ بُلُوغِ شَاةِ الضَّأْنِ سَنَةٌ إذَا لم تَجْذَعْ قبل تَمَامِهَا كَالِاحْتِلَامِ مع السِّنِّ وَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ عن ضَأْنٍ مَعْزًا وَعَكْسَهُ فَيُخْرِجُ عن أَرْبَعِينَ ضَائِنَةً ثَنِيَّةً من الْمَعْزِ وَعَنْ أَرْبَعِينَ مَاعِزَةً جَذَعَةً من الضَّأْنِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ ولكن لَا تُجْزِئُ إحْدَاهُمَا عن الْأُخْرَى إلَّا بِرِعَايَةِ الْقِيمَةِ بِأَنْ تَتَسَاوَيَا فيها وَكَذَا سَائِرُ أَنْوَاعِ الْغَنَمِ لَا يُجْزِئُ نَوْعٌ عن نَوْعٍ إلَّا بِرِعَايَةِ الْقِيمَةِ كَأَرْحَبِيَّةٍ وَمَهْرِيَّةٍ من الْإِبِلِ وَعِرَابٍ وَجَوَامِيسَ من الْبَقَرِ كما سَيَأْتِي فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ نَوْعُهَا عِنْدَهُ مع أَنَّ ما هُنَا شَامِلٌ لِمَا إذَا اتَّحَدَ نَوْعُهَا عِنْدَهُ وما إذَا اخْتَلَفَ وما بين النِّصَابَيْنِ هو أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ ما بين الْفَرِيضَتَيْنِ يُسَمَّى وَقَصًا بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِهَا قال في الرَّوْضَةِ وَالْفَصِيحُ فَتْحُهَا وهو الْمَشْهُورُ في كُتُبِ اللُّغَةِ وَالْمَشْهُورُ في الْفِقْهِ إسْكَانُهَا وَالشَّنَقُ بِمُعْجَمَةٍ وَنُونٍ مَفْتُوحَتَيْنِ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ اللُّغَةِ بِمَعْنَى الْوَقَصِ وقال الْأَصْمَعِيُّ هو في كُتُبِ الْإِبِلِ خَاصَّةً وَالْوَقَصُ في الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَيُقَالُ فيه وَقَسٌ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ وقد يُسْتَعْمَلُ ذلك فِيمَا دُونَ النِّصَابِ وَبِالْجُمْلَةِ لَا شَيْءَ فيه وَأَكْثَرُ ما يُتَصَوَّرُ من الْأَوْقَاصِ في الْإِبِلِ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ ما بين إحْدَى وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ وفي الْبَقَرِ تِسْعَ عَشَرَةَ ما بين أَرْبَعِينَ وَسِتِّينَ وفي الْغَنَمِ مِائَةٌ وَثَمَانٍ وَتِسْعُونَ ما بين مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ
فَصْلٌ شَاةُ الْإِبِلِ كَشَاةِ الْغَنَمِ وفي قَدْرِ سِنِّهَا وفي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُعْتَبَرُ كَوْنُهَا من غَنَمِ الْبَلَدِ أو من مِثْلِهَا في الْقِيمَةِ أو أَعْلَى كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى من أَيِّ النَّوْعَيْنِ أَيْ الضَّأْنِ وَالْمَاعِزِ شَاءَ وَلَوْ كان الْمُخْرَجُ ذَكَرًا في إبِلِ إنَاثٍ فَيُجْزِئُ كَالْأُضْحِيَّةِ بِخِلَافِهِ في الْغَنَمِ إذَا كان فيها أُنْثَى لِأَنَّ الْمُخْرَجَ عنها أَصْلٌ لَا بَدَلٌ فَلَا يُجْزِئُ عنها إلَّا أُنْثَى على الْأَصْلِ في الزَّكَاةِ كما سَيَأْتِي بِخِلَافِ الْمُخْرَجِ عن الْإِبِلِ
فَرْعٌ تُجْزِئُ بِنْتُ مَخَاضٍ ثُمَّ وفي نُسْخَةٍ أو بَدَلُهَا من ابْنِ لَبُونٍ أو نَحْوِهِ كما سَيَأْتِي في خَمْسٍ من الْإِبِلِ إلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ منها بِإِخْرَاجِ الْغَايَةِ وَلَوْ زَادَ قِيمَةُ الشَّاةِ الْوَاجِبَةِ وَاحِدَةً أو أَكْثَرَ عليها أَيْ بِنْتِ الْمَخَاضِ ثُمَّ بَدَلُهَا وفي نُسْخَةٍ عليه أَيْ ما ذُكِرَ من ذلك وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا أَجْزَأَ عن خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَعَمَّا دُونَهَا أَوْلَى وفي إيجَابِ عَيْنِهِ إجْحَافٌ بِالْمَالِكِ وفي إيجَابِ بَعْضِهِ ضَرَرُ الشَّرِكَةِ فَأَوْجَبْنَا الشِّدَّةَ بَدَلًا لِخَبَرِ أَنَسٍ السَّابِقِ فَصَارَ الْوَاجِبُ أَحَدَهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَإِنْ كان الْأَصْلُ الْمَنْصُوصُ عليه الشَّاةَ كما اقْتَضَاهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وقد حَكَى الْأَصْلُ وَجْهَيْنِ في أَنَّ الشَّاةَ أَصْلٌ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ أو بَدَلٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ جِنْسِ الْمَالِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ تَرْجِيحَ الْأَوَّلِ فَلَوْ امْتَنَعَ من أَدَائِهِمَا أُجْبِرَ على أَدَاءِ الشَّاةِ فَإِنْ أَدَّى الْبَعِيرَ قُبِلَ منه وَعُلِمَ مِمَّا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أُنُوثَةُ الْبَعِيرِ الْمُخْرَجِ في ذلك إذَا كان في إبِلِهِ أُنْثَى كما في الْمُخْرَجِ عن خَمْسٍ وَعِشْرِينَ
فَرْعٌ لو كانت الْإِبِلُ مِرَاضًا وَجَبَتْ شَاةٌ صَحِيحَةٌ بِلَا تَقْسِيطٍ بَلْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ كَامِلَةً كما في الصِّحَاحِ إذْ لم يُعْتَبَرْ فيها صِفَةُ مَالِهِ فلم تَخْتَلِفْ بِصِحَّةِ الْمَالِ وَمَرَضِهِ كَالْأُضْحِيَّةِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في الْغَنَمِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَا في الذِّمَّةِ وَثَمَّ في الْمَالِ وَقِيلَ تَجِبُ فيها صَحِيحَةٌ بِالتَّقْسِيطِ بِأَنْ تَكُونَ لَائِقَةً بها فَيُؤْخَذُ من خُمْسِ قِيمَتِهَا بِالْمَرَضِ خَمْسُونَ وَبِدُونِهِ مِائَةٌ وَشَاتُهَا تُسَاوِي سِتَّةً صَحِيحَةً تُسَاوِي ثَلَاثَةً وَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وما رَجَّحَهُ قال في الْمَجْمُوعِ إنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ كَلَامُ الْأَصْلِ قد يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الثَّانِي فَإِنْ عُدِمَتْ الشَّاةُ الصَّحِيحَةُ فَدَرَاهِمُ يُفَرِّقُهَا لِلضَّرُورَةِ
فَصْلٌ يُؤْخَذُ ابن لَبُونٍ وَلَوْ وَلَدَ لَبُونٍ خُنْثَى وَمُشْتَرًى أَيْ وَلَوْ بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ الْمَالِكُ عن بِنْتِ مَخَاضٍ لم تَكُنْ في إبِلِهِ يَعْنِي في مِلْكِهِ وَكَذَا حِقٌّ وما فَوْقَهُ وَإِنْ كان كُلٌّ منها أَقَلَّ قِيمَةً منها وَلَا يُكَلَّفُ تَحْصِيلَهَا بِشِرَاءٍ أو غَيْرِهِ أَمَّا إجْزَاءُ ابْنِ اللَّبُونِ فَلِلنَّصِّ عليه في خَبَرِ أَنَسٍ وَأَمَّا الْخُنْثَى وَالْحِقُّ وما فَوْقَهُ فَبِالْأَوْلَى وَلَا جُبْرَانَ فيها وَإِنْ نَقَصَتْ عن بِنْتِ الْمَخَاضِ وَعُدَّتْ الْخُنُوثَةُ عَيْبًا إذْ فَضْلُ السِّنِّ يُجْبِرُ فَضْلَ الْأُنُوثَةِ وَعَيْبَ الْخُنُوثَةِ فَكَانَتْ إبْدَالًا تَامَّةً وَبِهَذَا فَارَقَ الطَّهَارَةَ وَالْكَفَّارَةَ حَيْثُ جُعِلَتْ الْقُدْرَةُ على شِرَاءِ الْمَاءِ وَالرَّقَبَةِ كَوُجُودِهِمَا بِمِلْكِهِ مع أَنَّ
____________________
(1/341)
الزَّكَاةَ مَبْنِيَّةٌ على التَّخْفِيفِ بِخِلَافِهِمَا أَمَّا إذَا مَلَكَ بِنْتَ مَخَاضٍ فَلَا يُجْزِئُهُ ما ذُكِرَ لِقُدْرَتِهِ على الْأَصْلِ وفي كَيْفِيَّةِ مُطَالَبَةِ السَّاعِي بِالْوَاجِبِ عِنْدَ فَقْدِ بِنْتِ الْمَخَاضِ مع ابْنِ اللَّبُونِ وَجْهَانِ نَقَلَهُمَا الشَّيْخَانِ عن الْمَاوَرْدِيِّ
أَحَدُهُمَا يُخَيِّرُهُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ في الْإِخْرَاجِ وَالثَّانِي يُطَالِبُهُ بِبِنْتِ مَخَاضٍ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فَإِنْ دَفَعَ ابْنَ لَبُونٍ قُبِلَ منه وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنْ يُقَالَ لِلْخُنْثَى ابْنٌ وَلَيْسَ مُرَادًا وَخَرَجَ بِابْنِ اللَّبُونِ وَنَحْوِهِ ابن الْمَخَاضِ فَلَا يُجْزِئُ وهو ما أَوْرَدَهُ ابن الصَّبَّاغِ وهو الْمُعْتَمَدُ وقال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ إنَّهُ يُجْزِئُ وقال الْقَاضِي إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا عن بِنْتِ لَبُونٍ أَيْ لَا يُؤْخَذُ عنها ما ذُكِرَ لِأَنَّ زِيَادَةَ السِّنِّ في ابْنِ اللَّبُونِ وَنَحْوِهِ فِيمَا مَرَّ تُوجِبُ اخْتِصَاصَهُمَا بِقُوَّةِ وُرُودِ الْمَاءِ وَالشَّجَرِ وَالِامْتِنَاعَ من صِغَارِ السِّبَاعِ بِخِلَافِهَا في الْحِقِّ وَنَحْوِهِ هُنَا لَا يُوجِبُ اخْتِصَاصَهُمَا عن بِنْتِ اللَّبُونِ بِهَذِهِ الْقُوَّةِ بَلْ هِيَ مَوْجُودَةٌ فِيهِمَا جميعا فَلَيْسَتْ الزِّيَادَةُ هُنَا في مَعْنَى الزِّيَادَةِ فَلَا يَلْزَمُ من جَبْرِهَا ثَمَّ جَبْرُهَا هَا هُنَا وبنت الْمَخَاضِ الْمَعِيبَةُ وَالْمَغْصُوبَةُ إذَا عَجَزَ عن تَخْلِيصِهَا وَالْمَرْهُونَةُ بِمُؤَجَّلٍ كَالْمَعْدُومَةِ فَيُؤْخَذُ عنها ما ذُكِرَ لِعَدَمِ إجْزَاءِ الْمَعِيبَةِ وَعَدَمِ التَّمَكُّنِ من إخْرَاجِ الْأَخِيرَتَيْنِ وَهُمَا مع ما بَعْدَهُمَا إلَى آخِرِ الْفَصْلِ ما عَدَا مَسْأَلَةَ الْكَرِيمَةِ من زِيَادَتِهِ وَخَرَجَ بِالْمُؤَجَّلِ الْمَرْهُونَةُ بِحَالٍ أو بِمُؤَجَّلٍ حَلَّ أَيْ وَقَدَرَ على فَكِّهَا فَيَخْرُجُهَا وَلَوْ مَلَكَ هو أو وَارِثُهُ بِنْتَ الْمَخَاضِ بين تَمَامِ الْحَوْلِ وَالْأَدَاءِ تَعَيَّنَتْ لِلْأَدَاءِ وما ذَكَرَهُ في الثَّانِيَةِ خِلَافُ الْمَنْقُولِ فَقَدْ قال الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ قال الْإِسْنَوِيُّ وَلَوْ تَلِفَتْ بِنْتُ الْمَخَاضِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ من إخْرَاجِهَا فَيُتَّجَهُ امْتِنَاعُ ابْنِ اللَّبُونِ لِتَقْصِيرِهِ وَلَوْ كان له كَرِيمَةٌ لم يُجْزِهِ ابن لَبُونٍ لِقُدْرَتِهِ على بِنْتِ الْمَخَاضِ ولم يُكَلَّفْهَا لِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِمُعَاذٍ حين بَعَثَهُ عَامِلًا إيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَإِنْ تَطَوَّعَ بها فَقَدْ أَحْسَنَ هذا إنْ كانت بَقِيَّةٌ بَلْ مَهَازِيلُ كما قَيَّدَ بها الْأَصْلُ فَإِنْ كانت كِرَامًا لَزِمَهُ إخْرَاجُ كَرِيمَةٍ إذْ لَا تَكْلِيفَ وَكَرَائِمُ الْأَمْوَالِ نَفَائِسُهَا التي يَتَعَلَّقُ بها نَفْسُ مَالِكِهَا لِعِزَّتِهَا عليه بِسَبَبِ ما جَمَعْت من جَمِيلِ الصِّفَاتِ وَلَا يُكَلَّفُ عن الْحَوَامِلِ حَامِلًا لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن أَخْذِ الشَّافِعِ وَلِمَا فيه من أَخْذِ حَيَوَانَيْنِ فَلَوْ أَخْرَجَ حَامِلًا قُبِلَتْ منه وَالْحَمْلُ ليس عَيْبًا في الْبَهَائِمِ كما سَيَأْتِي في بَابِ خِيَارِ النَّقْصِ
فَرْعٌ إذَا بَلَغَتْ إبِلُهُ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أو خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ لِأَنَّهَا أَرْبَعُ خَمْسِينَاتٍ وَخَمْسُ أَرْبَعِينَاتِ وَلَهُ فيها خَمْسَةُ أَحْوَالٍ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَجِدَ عِنْدَهُ كُلَّ الْوَاجِبِ بِكُلِّ الْحِسَابَيْنِ أو بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ أو يَجِدَ بَعْضَهُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا أو بِأَحَدِهِمَا أو لَا يَجِدُ شيئا مِنْهُمَا وقد بَيَّنَهَا بهذا التَّرْتِيبِ فقال صَاحِبُ الْمِائَتَيْنِ أَيْ من الْإِبِلِ يَلْزَمُهُ فيها الْأَغْبَطُ لِلْمَسَاكِينِ من أَرْبَعِ حِقَاقٍ وَخَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ إنْ وُجِدَا معه بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ من غَيْرِ نَفَاسَةٍ على بَقِيَّةِ الْإِبِلِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فَرَضَهُ فإذا اجْتَمَعَا رُوعِيَ ما فيه حَظُّ الْأَصْنَافِ إذْ لَا مَشَقَّةَ في تَحْصِيلِهِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ منه تُنْفِقُونَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَسَاكِينِ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي مِمَّا له تَعَلُّقٌ بِالزَّكَاةِ أَحَدُ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ بَلْ جَمِيعُهَا كما نَبَّهَ عليه في بَابِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ إنَّمَا عَبَّرُوا بِهِمْ أو بِالْفُقَرَاءِ لِغَلَبَتِهِمْ وَلِأَنَّهُمْ أَهَمُّ الْأَصْنَافِ وَأَشْهَرُهَا على أَنَّ لَفْظَ الْمَسَاكِينِ سَاقِطٌ من بَعْضِ النُّسَخِ
فَلَوْ أَخَذَ غير الْأَغْبَطِ بِلَا تَقْصِيرٍ مِمَّنْ يَأْتِي أَجْزَأَهُ لِلْعُذْرِ وَجُبِرَ التَّفَاوُتُ لِنَقْصِ حَقِّ الْمُسْتَحِقِّينَ بِالنَّقْدِ أَيْ بِنَقْدِ الْبَلَدِ أو بِجُزْءٍ من الْأَغْبَطِ لِأَنَّهُ
____________________
(1/342)
الْوَاجِبُ لَا من الْمَأْخُوذِ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ التَّفَاوُتُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقِيمَةِ فَلَوْ كانت قِيمَةُ الْحِقَاقِ أَرْبَعَمِائَةٍ وَقِيمَةُ بَنَاتِ اللَّبُونِ أَرْبَعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وقد أَخَذَ الْحِقَاقَ فَالْجَبْرُ بِخَمْسِينَ أو بِخَمْسَةِ أَتْسَاعِ بِنْتِ لَبُونٍ لَا بِنِصْفِ حِقَّةٍ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ خَمْسُونَ وَقِيمَةُ كل بِنْتِ لَبُونٍ تِسْعُونَ وَجَازَ دَفْعُ النَّقْدِ مع كَوْنِهِ من غَيْرِ جِنْسِ الْوَاجِبِ وَتَمَكُّنِهِ من شِرَاءِ جُزْئِهِ لِدَفْعِ ضَرَرٍ وَالْمُشَارَكَةِ وَلِأَنَّهُ قد يَعْدِلُ إلَى غَيْرِ الْجِنْسِ لِلضَّرُورَةِ كما في الشَّاةِ الْوَاجِبَةِ في خَمْسٍ من الْإِبِلِ فإنه يَدْفَعُ قِيمَتَهَا إذَا لم يُوجَدْ جِنْسُهَا كما مَرَّ وَكَمَا لو لَزِمَتْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فلم يَجِدْهَا وَلَا ابن لَبُونٍ لَا في مَالِهِ وَلَا بِالثَّمَنِ فإنه يَدْفَعُ قِيمَتَهَا على أَنَّ الْغَرَضَ جُبْرَانُ الْوَاجِبِ كَدَرَاهِمِ الْجُبْرَانِ
وَإِلَيْهِ أَشَارَ وَبِتَعْبِيرِهِمْ بِالْجَبْرِ وَنَبَّهَ في الْمُهِمَّاتِ على أَنَّ قَضِيَّةَ ذلك أَنَّ الِانْتِقَالَ حِينَئِذٍ إلَى بِنْتِ اللَّبُونِ غَيْرُ وَاجِبٍ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الْقِيمَةَ على أَنَّ ذلك يُجْزِئُ في سَائِرِ أَسْنَانِ الزَّكَاةِ أو أَخَذَهُ بِتَقْصِيرٍ من الْمَالِكِ بِأَنْ دَلَّسَ أو من السَّاعِي بِأَنْ لم يَجْتَهِدْ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ الْأَغْبَطُ لم يُجْزِهِ وَعَلَيْهِ أَيْ السَّاعِي رَدُّهُ أَيْ رَدُّ عَيْنِهِ إنْ كان بَاقِيًا وَقِيمَتِهِ إنْ كان تَالِفًا وَالزَّكَاةُ بَاقِيَةٌ على الْمَالِكِ فَإِنْ لم يَكُنْ معه كَامِلٌ إلَّا أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ لِلْأَدَاءِ وَلَا يُكَلَّفُ تَحْصِيلَ الْأَغْبَطِ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَ بين شَيْئَيْنِ إذَا تَعَذَّرَ عليه أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ كما في الْكَفَّارَةِ وَيَمْتَنِعُ الصُّعُودُ وَالنُّزُولُ بِالْجُبْرَانِ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ سَوَاءٌ أَعَدِمَ جَمِيعَ الصِّنْفِ الْآخَرِ أَمْ بَعْضَهُ أَمْ وَجَدَ مَعِيبًا فَالنَّاقِصُ وَالْمَعِيبُ كَالْمَعْدُومِ كما عُلِمَ من كَلَامِهِ وَإِنْ كان معه بَعْضُ كُلٍّ مِنْهُمَا كَثَلَاثِ حِقَاقٍ وَأَرْبَعِ بَنَاتِ لَبُونٍ جُعِلَ أَحَدُهُمَا أَصْلًا فَيُسَلِّمُ الثَّلَاثَ حِقَاقٍ وَبِنْتَ لَبُونٍ وَيُعْطِي جُبْرَانًا أو يُسَلِّمُ الْأَرْبَعَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةً وَيَأْخُذُ جُبْرَانًا وَكَذَا لو دَفَعَ حِقَّةً وَثَلَاثَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَثَلَاثَ جُبْرَانَاتٍ فإنه يَجُوزُ لِإِقَامَةِ الشَّرْعِ بِنْتُ اللَّبُونِ مع الْجُبْرَانِ مَقَامَ حَقِّهِ
وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُ حِقَّتَيْنِ وَبِنْتَيْ لَبُونٍ وَجُبْرَانَيْنِ وَدَفْعُ بِنْتَيْ لَبُونٍ وَثَلَاثِ حِقَاقٍ وَأَخْذُ ثَلَاثِ جُبْرَانَاتٍ وَدَفْعُ ثَلَاثِ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّتَيْنِ وَأَخْذُ جُبْرَانَيْنِ فَإِنْ أَعْطَى الثَّلَاثَ حِقَاقٍ وَجَذَعَةً وَأَخَذَ جُبْرَانًا أو أَعْطَى الْأَرْبَعَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَبِنْتَ مَخَاضٍ مع الْجُبْرَانِ جَازَ لِمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ آنِفًا وَإِنْ وَجَدَ بَعْضَ أَحَدِهِمَا فَقَطْ كَحِقَّتَيْنِ مَثَلًا بِزِيَادَتِهِ تَأْكِيدًا وَهَذَا الْحَالُ كَالْحَالِ الذي قَبْلَهُ فَلَهُ إخْرَاجُهُمَا أَيْ الْحِقَّتَيْنِ مع جَذَعَتَيْنِ وَيَأْخُذُ جُبْرَانَيْنِ فَلَوْ جَعَلَ بَنَاتَ اللَّبُونِ أَصْلًا وَأَعْطَى خَمْسَ بَنَاتِ مَخَاضٍ وَخَمْسَ جُبْرَانَاتٍ جَازَ وَكَذَا لو كان الْمَوْجُودُ عِنْدَهُ ثَلَاثَ بَنَاتِ لَبُونٍ فَلَهُ تَرْكُهَا وَجَعْلُ الْحِقَاقِ وفي نُسْخَةٍ فَلَوْ تَرَكَهَا وَجَعَلَ الْحِقَاقَ أَصْلًا فَيُخْرِجُ أَرْبَعَ جَذَعَاتٍ وَيَأْخُذُ أَرْبَعَ جُبْرَانَاتٍ وَلَهُ إخْرَاجُهَا أَيْ الثَّلَاثِ بَنَاتِ لَبُونٍ مع بِنْتَيْ مَخَاضٍ وَجُبْرَانَيْنِ وإذا لم يَجِدْ مِنْهُمَا شيئا وفي مَعْنَاهُ أَنْ يَجِدَهُمَا مَعِيبَيْنِ فَلَهُ تَحْصِيلُ أَحَدِهِمَا بِشِرَاءٍ أو غَيْرِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ أَغْبَطَ لِأَنَّهُ إذَا حَصَّلَهُ صَارَ وَاحِدًا له دُونَ الْآخَرِ وَلِمَا في تَعْيِينِ الْأَغْبَطِ من الْمَشَقَّةِ في تَحْصِيلِهِ وَلَهُ جَعْلُ أَحَدِهِمَا في هذا الْحَالِ وَاَللَّذَيْنِ قَبْلَهُ أَصْلًا فَإِنْ شَاءَ صَعِدَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ عن الْحِقَاقِ إلَى الْجِذَاعِ بِالْجُبْرَانِ بِأَنْ يُعْطِيَ أَرْبَعًا منها وَيَأْخُذَ أَرْبَعَ جُبْرَانَاتٍ وَلَا يَنْزِلُ منها أَيْ من الْحِقَاقِ إلَى بَنَاتِ الْمَخَاضِ بِالْجُبْرَانِ بِأَنْ يُعْطِيَ أَرْبَعًا منها مع ثَمَانِي جُبْرَانَاتٍ لِتَكْثِيرِ الْجُبْرَانِ بِالتَّخَطِّي مع إمْكَانِ تَقْلِيلِهِ بِمَا مَرَّ وَإِنْ شَاءَ نَزَلَ عن بَنَاتِ اللَّبُونِ إلَى بَنَاتِ الْمَخَاضِ بِالْجُبْرَانِ بِأَنْ يُعْطِيَ خَمْسًا منها مع خَمْسِ جُبْرَانَاتٍ وَلَا يَصْعَدُ من بَنَاتِ اللَّبُونِ إلَى الْجِذَاعِ بِأَنْ يُعْطِيَ خَمْسًا منها وَيَأْخُذَ عَشْرَ جُبْرَانَاتٍ لِمَا مَرَّ بِخِلَافِ ما إذَا أَخَذَ خَمْسَ جُبْرَانَاتٍ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَجُوزُ له أَنْ يَجْعَلَ الْحِقَاقَ أَصْلًا وَيَنْزِلَ إلَى أَرْبَعِ بَنَاتِ لَبُونٍ يُحَصِّلُهَا أو يَدْفَعُ أَرْبَعَ جُبْرَانَاتٍ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ له أَنْ يَجْعَلَ بَنَاتَ اللَّبُونِ أَصْلًا وَيَصْعَدَ إلَى خَمْسِ حِقَاقٍ لِيَأْخُذَ خَمْسَ جُبْرَانَاتٍ لِأَنَّهُ في هذه قد حَصَّلَ الْوَاجِبَ فَلَيْسَ له الْعُدُولُ إلَى الْجُبْرَانِ بِخِلَافِهِ في الْأُولَى وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي ذلك
فَرْعٌ إذَا بَلَغَتْ الْبَقَرُ مِائَةً وَعِشْرِينَ فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَتْبِعَةٍ أو ثَلَاثُ مُسِنَّاتٍ لِأَنَّهَا أَرْبَعُ ثَلَاثِينَاتِ وَثَلَاثُ أَرْبَعِينَاتِ وَحُكْمُهَا حُكْمُ بُلُوغِ الْإِبِلِ مِائَتَيْنِ فِيمَا مَرَّ ولكن لَا مَدْخَلَ لِلْجُبْرَانِ فيها وَلَا في الْغَنَمِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ بَلْ هو مُخْتَصٌّ بِالْإِبِلِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فيها على خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَتَجَاوَزُهَا وَلِأَنَّهُ عُهِدَ في ابْتِدَاءِ زَكَاتِهَا الِانْتِقَالُ من جِنْسِهَا إلَى غَيْرِهِ
فَرْعٌ لو أَخْرَجَ صَاحِبُ الْمِائَتَيْنِ من الْإِبِلِ حِقَّتَيْنِ وَبِنْتَيْ لَبُونٍ وَنِصْفًا أو أَكْثَرَ لم يَجُزْ حَذَرًا من
____________________
(1/343)
التَّشْقِيصِ فإنه عَيْبٌ إلَّا إنْ أَخْرَجَ مع الْحِقَّتَيْنِ ثَلَاثًا من بَنَاتِ اللَّبُونِ أو أَخْرَجَ أَرْبَعَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةً فَيَجُوزُ وَإِنْ تَفَرَّقَتْ الْفَرِيضَةُ لِعَدَمِ التَّشْقِيصِ فَلَوْ بَلَغَتْ إبِلُهُ أَرْبَعَمِائَةٍ فَأَخْرَجَ خَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَأَرْبَعَ حِقَاقٍ جَازَ وَإِنْ تَفَرَّقَتْ الْفَرِيضَةُ إذْ لَا تَشْقِيصَ فإن كُلَّ مِائَتَيْنِ أَصْلٌ فَيَجُوزُ إخْرَاجُ فَرْضٍ من أَحَدِهِمَا وَفَرْضٍ من الْآخَرِ كَالْكَفَّارَتَيْنِ وَالْجُبْرَانَيْنِ قال في الْأَصْلِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُخْرِجُ الْبَعْضَ من هذا وَالْبَعْضَ من ذَاكَ مع أَنَّهُ قد تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَغْبَطُ وهو لَا يَكُونُ إلَّا أَحَدَهُمَا قُلْنَا أَجَابَ ابن الصَّبَّاغِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ في اجْتِمَاعِهِمَا حَظٌّ لِلْمُسْتَحِقِّينَ وَفِيهِ أَنَّ الْغِبْطَةَ لَا تَنْحَصِرُ في زِيَادَةِ الْقِيمَةِ لَكِنْ إذَا كان التَّفَاوُتُ لَا من جِهَةِ الْقِيمَةِ يَتَعَذَّرُ إخْرَاجُ قَدْرِهِ
ا ه
قال في الْمَجْمُوعِ وَيُجَابُ عن اعْتِرَاضِ الرَّافِعِيِّ على ابْنِ الصَّبَّاغِ بِأَنَّ التَّفَاوُتَ غَالِبًا يَكُونُ في الْقِيمَةِ وقد يَكُونُ في غَيْرِهِمَا أَيْ فَيُحْمَلُ كَلَامُ ابْنِ الصَّبَّاغِ على غَيْرِ الْغَالِبِ وَلَا بُعْدَ في تَعَذُّرِ إخْرَاجِ قَدْرِ التَّفَاوُتِ حِينَئِذٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ في هذا تَسْلِيمَ الِاعْتِرَاضِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيُؤَيِّدُ ما أَجَابَ بِهِ ابن الصَّبَّاغِ ما في التَّتِمَّةِ أَنَّهُ لو لم يَكُنْ بين بَنَاتِ اللَّبُونِ وَالْحِقَاقِ تَفَاوُتٌ في الْقِيمَةِ وَلَا فِيمَا يَعُودُ إلَى مَصْلَحَةِ الْمَسَاكِينِ فَأَيُّ السِّنِينَ أَخَذَ جَازَ
فَصْلٌ وَمَنْ وَجَبَ عليه سِنٌّ من الْإِبِلِ كَبِنْتِ لَبُونٍ ولم يَكُنْ عِنْدَهُ فَلَهُ الصُّعُودُ إلَى الْأَعْلَى بِدَرَجَةٍ وَيَأْخُذُ جَبْرَانَا وله الْهُبُوطُ إلَى الْأَسْفَلِ بِدَرَجَةٍ وَيُعْطِيهِ أَيْ الْجُبْرَانَ كما رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عن أَنَسٍ في خَبَرِهِ السَّابِقِ سَوَاءٌ أَسَاوَى ما عَدَلَ إلَيْهِ مع الْجُبْرَانِ ما عَدَلَ عنه أَمْ لَا لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ وإذا صَعِدَ من بِنْتِ الْمَخَاضِ مَثَلًا إلَى بِنْتِ اللَّبُونِ قال الزَّرْكَشِيُّ هل تَقَعُ كُلُّهَا زَكَاةً أو بَعْضُهَا الظَّاهِرُ الثَّانِي فإن زِيَادَةَ السِّنِّ فيها قد أَخَذَ الْجُبْرَانَ في مُقَابَلَتِهَا فَيَكُونُ قَدْرُ الزَّكَاةِ فيها خَمْسَةً وَعِشْرِينَ جُزْءًا من سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا وَتَكُونُ أَحَدَ عَشَرَ في مُقَابَلَةِ الْجُبْرَانِ وَالْجُبْرَانُ الْوَاحِدُ شَاتَانِ بِالصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ في الشَّاةِ الْمُخْرَجَةِ عن خَمْسٍ من الْإِبِلِ أو عِشْرُونَ دِرْهَمًا نَقْرَةً خَالِصَةً إسْلَامِيَّةً وَهِيَ الْمُرَادَةُ بِالدَّرَاهِمِ الشَّرْعِيَّةِ حَيْثُ أُطْلِقَتْ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ نعم إنْ لم يَجِدْهَا أو غَلَبَتْ الْمَغْشُوشَةُ وَقُلْنَا بِجَوَازِ التَّعَامُلِ بها
قال الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ منها ما يَكُونُ فيه من النَّقْرَةِ قَدْرُ الْوَاجِبِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إسْلَامِيَّةً من زِيَادَتِهِ وَالْخِيَرَةُ في الصُّعُودِ وَالْهُبُوطِ إلَى الْمَالِكِ لِأَنَّهُمَا شُرِعَا تَخْفِيفًا عليه فَقُوِّضَ الْأَمْرُ إلَيْهِ وَمِثْلُهُ وَلِيُّ الْيَتِيمِ وَنَحْوُهُ هذا إنْ أَخَذَ السَّاعِي الْجُبْرَانَ كَذَا زَادَهُ ولم أَرَ له فيه سَلَفًا بَلْ ليس بِصَحِيحٍ لِاقْتِضَائِهِ أَنْ لَا خِيَرَةَ لِلْمَالِكِ في ذلك لِامْتِنَاعِ الصُّعُودِ حِينَئِذٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَبَقَ قَلَمُهُ من وَجَدَ إلَى أَخْذٍ فَيُوَافِقُ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ طَلَبَ السَّاعِي النُّزُولَ وَالْمَالِكُ الصُّعُودَ فَإِنْ عَدِمَ السَّاعِي الْجُبْرَانَ فَالْخِيَرَةُ وَإِلَّا فَفِيهِ الْوَجْهَانِ أَيْ اللَّذَانِ أَطْلَقَهُمَا بَقِيَّةُ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحُوا مِنْهُمَا أَيْ الْخِيَرَةَ لِلْمَالِكِ وَمَعَ ذلك ما قَالَهُ ضَعِيفٌ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْإِمَامَ يَصْرِفُ الْجُبْرَانَ من بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَمِنْ مَالِ الْمَسَاكِينِ وَهَلْ يَجُوزُ الْجَمْعُ بين الْهُبُوطِ وَالصُّعُودِ كَأَنْ لَزِمَهُ بِنْتَا لَبُونٍ لِسِتٍّ وَسَبْعِينَ فَقَدَهُمَا وَأَرَادَ دَفْعَ بِنْتِ مَخَاضٍ وَحِقَّةٍ قال الزَّرْكَشِيُّ لم يَتَعَرَّضُوا له وَيَظْهَرُ الْجَوَازُ إنْ وَافَقَهُ السَّاعِي وَإِلَّا جاء الْخِلَافُ فِيمَنْ له الْخِيَرَةُ وَأَجَابَهُ الْمُمْتَنِعُ هُنَا أَظْهَرُ لَا إنْ صَعِدَ الْمَالِكُ وَهِيَ أَيْ إبِلُهُ مِرَاضٌ أو مَعِيبَةٌ فَلَا يَجُوزُ بِالْجُبْرَانِ لِأَنَّ وَاجِبَهَا مَعِيبٌ وَالْجُبْرَانُ لِلتَّفَاوُتِ بين السَّلِيمَيْنِ وهو فَوْقَ التَّفَاوُتِ بين الْمَعِيبَيْنِ وَمَقْصُودُ الزَّكَاةِ إفَادَةُ الْمُسْتَحَقِّينَ لَا الِاسْتِفَادَةُ منهم قال الْإِسْنَوِيُّ نعم إنْ رَأَى السَّاعِي مَصْلَحَةً في ذلك جَازَ كما أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وهو مُتَّجَهٌ وَلَوْ أَرَادَ الْعُدُولَ إلَى سَلِيمَةٍ
____________________
(1/344)
مع أَخْذِ الْجُبْرَانِ فَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ السَّابِقِ أَنَّهُ يَجُوزُ وهو ظَاهِرٌ أَمَّا هُبُوطُهُ مع إعْطَاءِ الْجُبْرَانِ فَجَائِزٌ لِتَبَرُّعِهِ بِالزِّيَادَةِ وَلَوْ حَذَفَ الْمَرِيضَةَ أَغْنَى عنها الْمَعِيبَةُ لِأَنَّ الْمَرَضَ عَيْبٌ والخيرة في الشَّاتَيْنِ وَالدَّرَاهِمِ إلَى الْمَأْخُوذِ منه من الْمَالِكِ أو السَّاعِي لِظَاهِرِ خَبَرِ أَنَسٍ وَيَصْرِفُ الْإِمَامُ الْجُبْرَانَ من بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْتَحِقِّينَ وهو نَاظِرٌ عليهم فَإِنْ تَعَذَّرَ فَمِنْ مَالِ الْمَسَاكِينِ هذا أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ فَإِنْ احْتَاجَ الْإِمَامُ إلَى إعْطَاءِ الْجُبْرَانِ ولم يَكُنْ في بَيْتِ الْمَالِ دَرَاهِمُ بَاعَ شيئا من مَالِ الْمَسَاكِينِ وَصَرَفَهُ في الْجُبْرَانِ
وَعَلَى الْعَامِلِ أَيْ السَّاعِي الْعَمَلُ بِالْمَصْلَحَةِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ في دَفْعِهِ الْجُبْرَانَ وَأَخْذِهِ
فَرْعٌ لو لَزِمَتْهُ جَذَعَةٌ وَفَقَدَهَا في إبِلِهِ فَأَخْرَجَ ثَنِيَّةً وَطَلَبَ جَبْرَانَا جَازَ على النَّصِّ وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عن تَصْحِيحِ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَإِنْ لم تَكُنْ الثَّنِيَّةُ من أَسْنَانِ الزَّكَاةِ لِزِيَادَةِ السِّنِّ وَلَا يَلْزَمُ من انْتِفَاءِ أَسْنَانِ الزَّكَاةِ عنها بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ انْتِفَاءُ نِيَابَتِهَا لَا يُقَالُ فَيَتَعَدَّدُ الْجُبْرَانُ إذَا كان الْمُخْرَجُ فَوْقَ الثَّنِيَّةِ لِأَنَّا نَقُولُ الشَّارِعُ اعْتَبَرَهَا في الْجُمْلَةِ كما في الْأُضْحِيَّةِ دُونَ ما فَوْقَهَا وَلِأَنَّ ما فَوْقَهَا تَنَاهَى نُمُوُّهَا أَمَّا إذَا أَخْرَجَهَا ولم يَطْلُبْ جُبْرَانًا فَجَائِزٌ قَطْعًا لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَفَقَدَهَا من زِيَادَتِهِ
وَيَجُوزُ الصُّعُودُ وَالنُّزُولُ دَرَجَتَيْنِ بِجُبْرَانَيْنِ وَثَلَاثٍ الْأَوْلَى وَثَلَاثًا بِثَلَاثِ جُبْرَانَاتٍ عِنْدَ الْفَقْدِ لِلدَّرَجَةِ الْقُرْبَى في جِهَةِ الْمُخْرَجَةِ فَقَطْ أَيْ لَا عِنْدَ وُجُودِهَا لِلِاسْتِغْنَاءِ عن زِيَادَةِ الْجُبْرَانِ بِدَفْعِ الْوَاجِبِ من الْقُرْبَى فَلَوْ صَعِدَ دَرَجَتَيْنِ لِيُخْرِجَ الثَّانِيَةَ مِنْهُمَا مع الْقُدْرَةِ على الْقُرْبَى في جِهَتِهَا لم يَجُزْ إلَّا إنْ قَنَعَ بِجُبْرَانٍ وَاحِدٍ وَكَذَا يَمْتَنِعُ النُّزُولُ مع الْقُدْرَةِ على ذلك أَمَّا لو كانت الْقُرْبَى في غَيْرِ جِهَةِ الْمُخْرَجَةِ كَأَنْ لَزِمَتْهُ بِنْتُ لَبُونٍ فلم يَجِدْهَا وَلَا حِقَّةَ وَوَجَدَ بِنْتَ مَخَاضٍ فَلَا يَتَعَيَّنُ عليه إخْرَاجُ بِنْتِ مَخَاضٍ مع جُبْرَانٍ بَلْ يَجُوزُ له إخْرَاجُ جَذَعَةٍ مع أَخْذِ جُبْرَانَيْنِ كما أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ وَصَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ وَإِنْ لم يَكُنْ في الْأَصْلِ تَرْجِيحٌ لِأَنَّ بِنْتَ الْمَخَاضِ وَإِنْ كانت أَقْرَبَ إلَى بِنْتِ اللَّبُونِ لَيْسَتْ في جِهَةِ الْجَذَعَةِ
فَرْعٌ يُؤْخَذُ جَوَازًا في جُبْرَانَيْنِ شَاتَانِ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا كَالْكَفَّارَتَيْنِ لَا شَاةَ وَعَشَرَةَ دَرَاهِمَ في جُبْرَانٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْخَبَرَ يَقْتَضِي التَّخْيِيرَ بين شَاتَيْنِ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَلَا تَجُوزُ خَصْلَةٌ ثَالِثَةٌ كما في الْكَفَّارَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَ خَمْسَةً وَيَكْسُوَ خَمْسَةً إلَّا إنْ أَعْطَاهُ الْمَالِكُ وَرَضِيَ بِهِ فَيَجُوزُ لِأَنَّهُ حَقُّهُ وَلَهُ إسْقَاطُهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَوْ لَزِمَتْهُ بِنْتُ لَبُونٍ فلم يَجِدْهَا في إبِلِهِ فَأَخْرَجَ ابْنَ لَبُونٍ وَجَبْرَانَا وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ بَلْ أو لم يَكُنْ عِنْدَهُ أو أَرَادَ من فَقَدَ بِنْتَ مَخَاضٍ إخْرَاجَ بِنْتِ لَبُونٍ لِيَأْخُذَ الْجُبْرَانَ وَمَعَهُ ابن لَبُونٍ لم يَجُزْ أَمَّا في الْأُولَى فَلِأَنَّ الْجُبْرَانَ مع أَنَّهُ على خِلَافِ الْقِيَاسِ إنَّمَا عُهِدَ مع الْإِنَاثِ فَلَا يَتَجَاوَزُهَا وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَلِلِاسْتِغْنَاءِ عنه بِإِخْرَاجِ ابْنِ اللَّبُونِ وَلِمُخَالَفَتِهِ خَبَرَ أَنَسٍ بِلَا مَصْلَحَةٍ وَلَوْ وَجَبَتْ جَذَعَةٌ فَأَخْرَجَ بَدَلَهَا وَلَوْ مع وُجُودِهَا بِنْتَيْ لَبُونٍ جَازَ لِأَنَّهُمَا يَجْزِيَانِ عَمَّا زَادَ على إبِلِهِ فَعَنْهَا أَوْلَى فَفُهِمَ بِالْأَوْلَى أَنَّهُ يُجْزِئُ بَدَلُهَا حِقَّةٌ وَبِنْتُ لَبُونٍ أو حِقَّتَانِ وَأَنَّهُ لو وَجَبَتْ حِقَّةٌ فَأَخْرَجَ بَدَلَهَا بِنْتَيْ لَبُونٍ جَازَ وَبِالْأَخِيرَتَيْنِ صَرَّحَ في الرَّوْضَةِ وَلَوْ مَلَكَ إحْدَى وَسِتِّينَ بِنْتَ لَبُونٍ فَأَخْرَجَ وَاحِدَةً منها بَدَلَ الْجَذَعَةِ عِنْدَ فَقْدِهَا لَزِمَهُ جُبْرَانَانِ لِنُزُولِهَا عنها بِدَرَجَتَيْنِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَلَوْ مَلَكَ إحْدَى وَسِتِّينَ بِنْتَ مَخَاضٍ فَأَخْرَجَ وَاحِدَةً منها فَالصَّحِيحُ الذي قَالَهُ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَجِبُ مَعَهَا ثَلَاثُ جُبْرَانَاتٍ وَسَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا وَالْكُلُّ صَحِيحٌ
فَصْلٌ أَسْبَابُ النَّقْصِ في الزَّكَاةِ خَمْسَةٌ منها الْمَرَضُ وَمِنْهَا الْعَيْبُ الْأُولَى أَنْ يُعَبِّرَ بِأَحَدِهَا وَبِالثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَالْخَامِسِ كما عَبَّرَ بها أَصْلُهُ فَمَنْ كان نَعَمُهُ مِرَاضًا أو مَعِيبَةً كُلَّهَا أَخْرَجَ مَرِيضًا أو مَعِيبًا فَلَا يُكَلَّفُ صَحِيحَةً لِأَنَّ فيه إضْرَارًا بِالْمَالِكِ مُتَوَسِّطًا جَمْعًا بين الْحَقَّيْنِ وَإِنْ كان فيها صَحِيحٌ قَدْرَ الْوَاجِبِ وَإِنْ تَعَدَّدَ فما فَوْقَهُ وَجَبَ صَحِيحٌ فَلَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ منه تُنْفِقُونَ وَلِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في خَبَرِ أَنَسٍ وَلَا يُؤْخَذُ في الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ وَلَا تَيْسُ الْغَنَمِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُصْدِقُ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ أَيْ السَّاعِي بِأَنْ يَرَى أَنَّ ذلك خَيْرٌ لِلْمُسْتَحِقِّينَ فَالِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ لِلْكُلِّ وَقِيلَ بِتَشْدِيدِهَا أَيْ الْمَالِكِ بِأَنْ تَمَخَّضَتْ غَنَمُهُ ذُكُورًا فَالِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ لِلْأَخِيرَةِ وَالْعَوَارُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَفْصَحُ من ضَمِّهَا وَأَشْهَرُ وهو الْعَيْبُ ذَكَرَ ذلك في الْمَجْمُوعِ لَائِقٌ بِمَالِهِ بِأَنْ يَكُونَ نِسْبَةُ قِيمَتِهِ إلَى قِيمَةِ الْجَمِيعِ
____________________
(1/345)
كَنِسْبَتِهِ إلَى الْجَمِيعِ جَمْعًا بين الْحَقَّيْنِ
مِثَالُهُ أَرْبَعُونَ شَاةً نِصْفُهَا أَمْرَاضٌ أو مَعِيبٌ وَقِيمَةُ الصَّحِيحَةِ أَيْ كل صَحِيحَةٍ دِينَارَانِ وَالْأُخْرَى أَيْ وَكُلُّ مَرِيضَةٍ أو مَعِيبَةٍ دِينَارٌ لَزِمَهُ صَحِيحَةٌ بِدِينَارٍ وَنِصْفِ دِينَارٍ وَذَلِكَ قِيمَةُ نِصْفِ صَحِيحَةٍ وَنِصْفِ مَرِيضَةٍ أو مَعِيبَةٍ وَلَوْ كان رُبْعُهَا مَرِيضًا أو مَعِيبًا وَالْقِيمَةُ بِحَالِهَا لَزِمَهُ صَحِيحَةٌ بِدِينَارٍ وَنِصْفٍ وَرُبْعٍ فَإِنْ لم يَكُنْ فيها إلَّا صَحِيحَةٌ وَالْقِيمَةُ بِحَالِهَا فَعَلَيْهِ صَحِيحَةٌ بِتِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا من أَرْبَعِينَ جُزْءًا من قِيمَةِ مَرِيضَةٍ أو مَعِيبَةٍ وَيُجْزِئُ من أَرْبَعِينَ جُزْءًا من قِيمَةِ صَحِيحَةٍ وَذَلِكَ دِينَارٌ وَرُبْعُ عُشْرِ دِينَارٍ وَالْمَجْمُوعُ رُبْعُ عُشْرِ الْمَالِ إذْ قِيمَةُ الْمِرَاضِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ دِينَارًا وَقِيمَةُ الصَّحِيحَةِ دِينَارَانِ وَالْجُمْلَةُ أَحَدٌ وَأَرْبَعُونَ دِينَارًا فَرُبْعُ عُشْرِهَا ما ذُكِرَ وَمَتَى قُوِّمَ جُمْلَةُ النِّصَابِ وَكَانَتْ الصَّحِيحَةُ الْمُخْرَجَةُ رُبْعَ عُشْرِ الْقِيمَةِ كَفَى وَعَلَى هذا الْقِيَاسِ فَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ من الْإِبِلِ أَخْرَجَ نَاقَةً قِيمَتُهَا جُزْءٌ من خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا من قِيمَةِ الْكُلِّ
وَلَوْ مَلَكَ ثَلَاثِينَ من الْإِبِلِ نِصْفُهَا صِحَاحٌ وَنِصْفُهَا مِرَاضٌ وَقِيمَةُ كل صَحِيحَةٍ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَكُلُّ مَرِيضَةٍ دِينَارَانِ لَزِمَهُ صَحِيحَةٌ بِقِيمَةِ نِصْفِ صَحِيحَةٍ وَنِصْفِ مَرِيضَةٍ وهو ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ ثُمَّ قال وَلَك أَنْ تَقُولَ إذَا مَنَعْنَا انْبِسَاطَ الزَّكَاةِ على الْوَقْصِ أَيْ وهو الْأَصَحُّ يُقَسَّطُ الْمَأْخُوذُ على خَمْسٍ وَعِشْرِينَ لَكِنْ ضَعَّفَهُ في الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ بِنْتُ مَخَاضٍ مُوَزَّعَةً بِالْقِيمَةِ نِصْفَيْنِ فَلَا اعْتِبَارَ بِالْوَقْصِ أَيْ فَلَا تَخْتَلِفُ الْقِيمَةُ بِالتَّقْدِيرَيْنِ كما يُعْرَفُ بِالنِّسْبَةِ السَّابِقَةِ وإذا كان الصَّحِيحُ من مَاشِيَتِهِ دُونَ قَدْرِ الْوَاجِبِ كَأَنْ وَجَبَ شَاتَانِ في غَنَمٍ ليس فيها إلَّا صَحِيحَةٌ وَاحِدَةٌ وَجَبَ صَحِيحَةٌ بِالْقِسْطِ وَمَرِيضَةٌ فَتُجْزِئَانِهِ وَالْعَيْبُ هُنَا ما أَثَّرَ في الْبَيْعِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ يَدْخُلُهَا التَّقْوِيمُ عِنْدَ التَّقْسِيطِ فَلَا يُعْتَبَرُ فيها إلَّا ما يُخِلُّ بِالْمَالِيَّةِ لَا في الْأُضْحِيَّةِ
قال الْإِمَامُ وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ في الشَّرْقَاءِ وَالْخَرْقَاءِ فإن عَيْبَهُمَا لَا يُنْقِصُ الْمَالِيَّةَ وَمِثْلُهُمَا الْحَامِلُ على ما يَأْتِي في الْأُضْحِيَّةِ وإذا لَزِمَتْهُ مَعِيبَةٌ أَخْرَجَ من الْوَسَطِ في الْمَعِيبِ لَا الْخِيَارِ فَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ بَعِيرًا مَعِيبَةً فيها بِنْتَا مَخَاضٍ إحْدَاهُمَا من أَجْوَدِ الْمَالِ وَالثَّانِيَةُ دُونَهَا أَخْرَجَ الثَّانِيَةَ لِأَنَّهَا الْوَسَطُ وَهَذَا عُلِمَ من أَوَّلِ الْفَصْلِ وَقِيلَ يُخْرِجُ الْأُولَى كَالْأَغْبَطِ في الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ وَلِلْأَوَّلِ أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ الْوُجُوبَ ثَمَّ تَعَلَّقَ بِأَحَدِ سِنِينَ وَهُنَا بِسِنٍّ وَاحِدٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَفْرَادُهُ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الْأُسْتَاذِ فَرَّقَ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَّ أَصْلٌ مَنْصُوصٌ عليه لَا نَقْصَ فيه وَالْكَلَامُ هُنَا في الْأَصْلِ ما هو الْأَجْوَدُ أو الْأَرْدَأُ وَمِنْهَا الذُّكُورَةُ فَإِنْ تَبَعَّضَتْ إبِلُهُ مَثَلًا بِأَنْ كان بَعْضُهَا ذُكُورًا وَبَعْضُهَا إنَاثًا أَخْرَجَ أُنْثَى بِذَلِكَ التَّقْسِيطِ السَّابِقِ بَيَانُهُ لَا ذَكَرًا إلَّا إنْ وَجَبَ فَيُخْرِجُهُ لِلنَّصِّ عليه كَابْنِ لَبُونٍ في خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بَعِيرًا عِنْدَ فَقْدِ بِنْتِ الْمَخَاضِ وَكَالتَّبِيعِ في الْبَقَرِ أو لِلْقِيَاسِ كَحَقِّ بَدَلِ ابْنِ لَبُونٍ في الْأَوْلَى وَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَعَمُّ من قَوْلِ أَصْلِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِبِلِ لم يَجُزْ الذَّكَرُ إلَّا في خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فإنه يُجْزِئُ فيها ابن لَبُونٍ عِنْدَ فَقْدِ بِنْتِ الْمَخَاضِ وَعُطِفَ على تَبَعَّضَتْ
قَوْلُهُ أو تَمَخَّضَتْ ذُكُورًا أَخْرَجَ الذَّكَرَ كَالْمَرِيضَةِ وَالْمَعِيبَةِ من مِثْلِهِمَا وَلِأَنَّ في تَكْلِيفِهِ التَّحْصِيلَ مَشَقَّةً عليه وَالزَّكَاةُ مَبْنِيَّةٌ على التَّخْفِيفِ وَلِهَذَا شُرِعَ الْجُبْرَانُ لَكِنَّهُ يُؤْخَذُ من سِتٍّ وَثَلَاثِينَ ابْنَ لَبُونٍ أَكْثَرُ قِيمَةً من ابْنِ لَبُونٍ يُؤْخَذُ في خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِالْقِسْطِ لِئَلَّا يُسَوَّى بين النِّصَابَيْنِ وَيُعْرَفُ ذلك بِالتَّقْوِيمِ وَالنِّسْبَةِ فَلَوْ كانت الْخَمْسُ وَالْعِشْرُونَ إنَاثًا وَقِيمَتُهَا أَلْفٌ وَقِيمَةُ بِنْتِ مَخَاضٍ منها مِائَةٌ وَبِتَقْدِيرِ كَوْنِهَا ذُكُورًا قِيمَتُهَا خَمْسُمِائَةٍ وَقِيمَةُ ابْنِ مَخَاضٍ منها خَمْسُونَ فَيَجِبُ ابن لَبُونٍ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْمَأْخُوذِ في سِتٍّ وَثَلَاثِينَ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ بِنِسْبَةِ زِيَادَةِ السِّتِّ وَثَلَاثِينَ على الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ وَهِيَ خُمُسَانِ وَخُمْسُ خُمْسٍ وَيُجْزِئُ في أَرْبَعِينَ أو خَمْسِينَ تَبِيعَانِ لِأَنَّهُمَا يُجْزِئَانِ عن سِتِّينَ فَعَمَّا دُونَهَا أَوْلَى بِخِلَافِ بِنْتَيْ مَخَاضٍ عن بِنْتِ لَبُونٍ لِأَنَّهُمَا مع نَقْصِهِمَا سِنًّا عنها لَيْسَا فَرْضَ نِصَابٍ وَمِنْهَا الصِّغَرُ فَإِنْ كانت نَعَمُهُ في سِنٍّ مَفْرُوضٍ أُخِذَ فَرْضُهَا منه كما لو كان له إحْدَى وَسِتُّونَ بِنْتَ مَخَاضٍ فَأَخْرَجَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا بَدَلَ الْجَذَعَةِ عِنْدَ فَقْدِهَا لَزِمَهُ ثَلَاثُ جُبْرَانَاتٍ لِنُزُولِهَا عنها بِثَلَاثِ دَرَجَاتٍ وزاد هذا الْمِثَالَ بِنَاءً على ما فَهِمَهُ من كَلَامِ الْأَصْلِ من أَنَّ السِّنَّ الْمَفْرُوضَ ما وَجَبَ في الزَّكَاةِ من الْأَسْنَانِ وَإِنْ لم يَجِبْ على الْمَالِكِ لَا ما وَجَبَ عليه فَقَطْ وَلِهَذَا حَذَفَ ما لو كان بَعْضُ نَعَمِهِ في سِنٍّ مَفْرُوضٍ اكْتِفَاءً بِقَوْلِهِ الْآتِي وَإِنْ كان بَعْضُهَا كِبَارًا فَالْقِسْطُ
وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَإِنْ احْتَمَلَتْ ذلك لَكِنَّهَا
____________________
(1/346)
ظَاهِرَةٌ فِيمَا وَجَبَ على الْمَالِكِ وَعِبَارَتُهُ مع زِيَادَةِ التَّعْلِيلِ لِلرَّافِعِيِّ وَلِلْمَاشِيَةِ في هذا الْفَصْلِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا أو بَعْضُهَا في سِنِّ الْفَرْضِ فَيُؤْخَذُ لِوَاجِبِهَا سِنُّ الْفَرْضِ وَلَا يُؤْخَذُ ما دُونَهُ لِلنُّصُوصِ الْمُقْتَضِيَةِ لِوُجُوبِ الْأَسْنَانِ الْمُقَدَّرَةِ وَلَا يُكَلَّفُ ما فَوْقَهُ لِلْإِضْرَارِ بِالْمَالِكِ أو كانت نَعَمُهُ في سِنٍّ لَا فَرْضَ فيه أَخَذَ السَّاعِي صَغِيرًا وقد يُسْتَبْعَدُ تَصْوِيرُهُ فإن من شَرْطِ الزَّكَاةِ الْحَوْلُ وَبَعْدَهُ يَبْلُغُ حَدَّ الْإِجْزَاءِ وَيُتَصَوَّرُ بِأَنْ تَمَاوَتَتْ وفي نُسْخَةٍ تَمُوتُ وفي نُسْخَةٍ تَتَمَاوَتُ الْأُمَّهَاتُ وقد تَمَّ حَوْلُهَا وَالنِّتَاجُ صِغَارًا أو مَلَكَ نِصَابًا من صِغَارِ الْمَعْزِ وَتَمَّ لها حَوْلٌ وَالْأَشْهَرُ في غَيْرِ الْآدَمِيَّاتِ الْأُمَّاتُ بِحَذْفِ الْهَاءِ وفي الْآدَمِيَّاتِ الْأُمَّهَاتُ بِإِثْبَاتِهَا فَيُؤْخَذُ من سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا فَصِيلٌ فَوْقَ الْمَأْخُوذِ من خَمْسٍ وَعِشْرِينَ ويؤخذ في الْأَنْسَبِ بِمَا قَدَّمَهُ من سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ بَعِيرًا فَصِيلٌ فَوْقَ الْمَأْخُوذِ من سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَعَلَى هذا فَقِسْ
وَمَحَلُّ إجْزَاءِ الصَّغِيرِ إذَا كان من الْجِنْسِ فَإِنْ كان من غَيْرِهِ كَخَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ صِغَارٍ وَأَخْرَجَ الشَّاةَ لم يَجُزْ إلَّا ما يُجْزِئُ في الْكِبَارِ ذَكَرَهُ في الْكِفَايَةِ وَإِنْ كان بَعْضُهَا كِبَارًا وَبَعْضُهَا صِغَارًا فَالْقِسْطُ مُعْتَبَرٌ أَيْ فَيَجِبُ إخْرَاجُ كَبِيرَةٍ بِالْقِسْطِ كما مَرَّ في نَظَائِرِهِ وَإِنْ كانت في سِنٍّ فَوْقَ سِنِّ فَرْضِهِ لم يُكَلَّفْ الْإِخْرَاجَ منها بَلْ له تَحْصِيلُ السِّنِّ الْوَاجِبِ وَلَهُ الصُّعُودُ وَالنُّزُولُ في الْإِبِلِ كما مَرَّ وَمِنْهَا رَدَاءَةُ النَّوْعِ بِأَنْ كان عِنْدَهُ من الْمَاشِيَةِ نَوْعَانِ مَثَلًا وَأَحَدُهُمَا رَدِيءٌ كَالْمَعْزِ وَالضَّأْنِ من الْغَنَمِ وَالْمَهْرِيَّةِ وَالْأَرْحَبِيَّةِ من الْإِبِلِ وَالْعِرَابِ وَالْجَوَامِيسِ من الْبَقَرِ فَيُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ في إكْمَالِ النِّصَابِ لِلِاتِّحَادِ في الْجِنْسِ وَيُؤْخَذُ الْفَرْضُ من نَوْعٍ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَالتَّقْسِيطِ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ كَمَنْ له من الْإِبِلِ عَشْرٌ أَرْحَبِيَّةٌ وَعَشْرٌ مُهْرِيَّة وَخَمْسُ مُجَيْدِيَّةٍ فَتَلْزَمُهُ بِنْتُ مَخَاضٍ بِقِيمَةِ خَمْسٍ مَهْرِيَّةٍ وَخَمْسٍ أَرْحَبِيَّةٍ وَخَمْسٍ مُجَيْدِيَّةٍ بِنِسْبَةِ كُلٍّ منها لِلْجَمِيعِ فإذا كانت قِيمَةُ بِنْتِ الْمَخَاضِ من الْمَهْرِيَّةِ عَشَرَةً وَمِنْ الْأَرْحَبِيَّةِ خَمْسَةً وَمِنْ الْمُجَيْدِيَّةِ دِينَارَيْنِ وَنِصْفًا أَخَذَ بِنْتَ مَخَاضٍ من أَيِّ أَنْوَاعِهَا شَاءَ قِيمَتُهَا سِتَّةٌ وَنِصْفٌ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْأَغْلَبُ وَلَا الْأَجْوَدُ
وَبَحَثَ ابن الصَّبَّاغِ وُجُوبَ الْأَجْوَدِ بِالْحِصَّةِ كما في الصِّحَاحِ وَالْمِرَاضِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّهْيَ عن أَخْذِ الْمَرِيضَةِ هو الْمَانِعُ ثَمَّ وَلَا نَهْيَ هُنَا أَمَّا إذَا كان عِنْدَهُ منها نَوْعٌ وَاحِدٌ فَإِنْ لم تَخْتَلِفْ صِفَتُهَا أَخَذَ الْفَرْضَ من أَيُّهَا شَاءَ إذْ لَا تَفَاوُتَ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صِفَتُهَا وَلَا شَيْءَ فيها من أَسْبَابِ النَّقْصِ أَخَذَ من خَيْرِهَا كما في الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْعِمْرَانِيِّ عن عَامَّةِ الْأَصْحَابِ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بين اخْتِلَافِهَا صِفَةً وَاخْتِلَافِهَا نَوْعًا شِدَّةُ اخْتِلَافِ النَّوْعِ فَفِي لُزُومِ الْإِخْرَاجِ من أَجْوَدِهَا زِيَادَةُ إجْحَافٍ بِالْمَالِكِ فَإِنْ وَجَدَ اخْتِلَافَ الصِّفَةِ في كل نَوْعٍ أَخْرَجَ من أَيِّ نَوْعٍ شَاءَ لَكِنْ من أَجْوَدِهِ وَالْمَعْزُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِهَا اسْمُ جِنْسٍ وَاحِدُهُ مَاعِزٌ وَالْأُنْثَى مَاعِزَةٌ وَالْمِعْزَى وَالْمَعِيزُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْأُمْعُوزُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ بِمَعْنَى الْمَعْزِ وَالْمَهْرِيَّةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعُهَا مَهَارِيٌّ مَنْسُوبَةٌ إلَى مَهْرَةَ بن جِيدَانِ أبو قَبِيلَةٍ وَالْأَرْحَبِيَّةُ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَنْسُوبَةٌ إلَى أَرْحَبَ قَبِيلَةٍ من هَمْدَانَ وَالْمُجَيْدِيَّةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَهِيَ دُونَ الْمَهْرِيَّةِ مَنْسُوبَةٌ إلَى فَحْلِ إبِلٍ يُقَالُ له مُجَيْدٌ وَالْجَمِيعُ لِقَبَائِلَ من الْيَمَنِ كما قَالَهُ في الْبَحْرِ وَيُقَالُ مُجَيْدِيَّةٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْجِيمِ مَنْسُوبَةٌ إلَى الْمَجِيدِ أَيْ الْكَرِيمِ من الْمَجْدِ وهو الْكَرْمُ وَلَوْ أَخْرَجَ عن أَرْبَعِينَ من الضَّأْنِ ثَنِيَّتَيْنِ من الْمَعْزِ تُسَاوَيَانِ قِيمَةَ جَذَعَةٍ من الضَّأْنِ أو عَكْسُهُ أَيْ أَخْرَجَ عن أَرْبَعِينَ من الْمَعْزِ جَذَعَتَيْنِ من الضَّأْنِ تُسَاوَيَانِ قِيمَةَ ثَنِيَّةٍ من الْمَعْزِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ الْمُتَسَاوِيَةَ مُجْزِئَةٌ فَالثِّنْتَانِ أَوْلَى وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وقد عُلِمَ من قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَلَا تُجْزِئُ إحْدَاهُمَا عن الْأُخْرَى إلَّا بِرِعَايَةِ الْقِيمَةِ
بَابُ الْخُلْطَةِ وَهِيَ نَوْعَانِ خُلْطَةُ شَرِكَةٍ وَتُسَمَّى خُلْطَةَ أَعْيَانٍ وَخُلْطَةَ شُيُوعٍ وَذَلِكَ حَيْثُ كان الْمَالُ مُشْتَرَكًا بِإِرْثٍ أو شِرَاءٍ أو نَحْوِهِ وَخُلْطَةَ جِوَارٍ بِكَسْرِ الْجِيمِ أَفْصَحُ من ضَمِّهَا وَتُسَمَّى خُلْطَةَ أَوْصَافٍ وذلك حَيْثُ مَالَ كُلُّ مُتَمَيِّزٍ إي مُعَيَّنٍ في نَفْسِهِ وَإِنْ لم يَتَمَيَّزْ عُرْفًا لَكِنَّهُمَا مُتَجَاوِرَانِ كَمُجَاوَرَةِ مِلْكِ الْوَاحِدِ على ما سَنَذْكُرُهُ فَيُزَكَّيَانِ زَكَاةَ الْمَالِ الْوَاحِدِ لِمَا في خَبَرِ الْبُخَارِيِّ عن أَنَسٍ وَلَا يُجْمَعُ بين مُتَفَرِّقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بين مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ نهى الْمُلَّاكُ عن التَّفْرِيقِ وَعَنْ الْجَمْعِ خَشْيَةَ وُجُوبِهَا أو كَثْرَتِهَا وَنَهَى السَّاعِي عنهما خَشْيَةَ
____________________
(1/347)
سُقُوطِهَا أو قِلَّتِهَا وَالْخَبَرُ ظَاهِرٌ في خُلْطَةِ الْجِوَارِ وَمِثْلُهَا خُلْطَةُ الشُّيُوعِ بَلْ أَوْلَى وَالْخُلْطَةُ في الْمَاشِيَةِ قد تُوجِبُ زَكَاةً لَا تَجِبُ لَوْلَا الْخُلْطَةُ كَخُلْطَةِ عِشْرِينَ لِوَاحِدٍ بِمِثْلِهَا لِآخَرَ فَتَجِبُ شَاةٌ وَلَوْ انْفَرَدَ لم يَجِبْ شَيْءٌ وقد تُقَلِّلُهَا عَلَيْهِمَا كَأَرْبَعِينَ بِمِثْلِهَا فَتَجِبُ شَاةٌ وَلَوْ انْفَرَدَا وَجَبَ على كل شَاةٍ وقد تُكْثِرُهَا عَلَيْهِمَا كَمِائَةٍ بِمِثْلِهَا وَشَاةٍ فَتَجِبُ على الْأَوَّلِ مِائَةُ جُزْءٍ من مِائَتَيْ جُزْءٍ وَجُزْءٌ من ثَلَاثِ شِيَاهٍ وَعَلَى الثَّانِي مِائَةُ جُزْءٍ وَجُزْءٌ منها من ذلك وَمَثَّلَ في الرَّوْضَةِ بِخَلْطِ مِائَةٍ وَشَاةٍ بِمِثْلِهَا فَتَجِبُ على كل شَاةٍ وَنِصْفٍ وَلَوْ انْفَرَدَا وَجَبَ على كل شَاةٍ فَقَطْ وقد تُقَلِّلُهَا على أَحَدِهِمَا وَتُكْثِرُهَا على الْآخَرِ كما شَمِلَهُ كَلَامُهُ كَأَرْبَعِينَ بِإِحْدَى وَثَمَانِينَ وقد لَا تُفِيدُ شيئا مِنْهُمَا كَمِائَةٍ بِمِثْلِهَا أَمَّا الْخُلْطَةُ في غَيْرِ الْمَاشِيَةِ فَلَا تُفِيدُ إلَّا تَثْقِيلًا إذْ لَا وَقْصَ فيه وَسَيَأْتِي
فَصْلٌ يُشْتَرَطُ في نَوْعِ الْأَوْلَى نَوْعَيْ الْخُلْطَةِ كَوْنُ الْمَجْمُوعِ نِصَابًا فَأَكْثَرَ لِيَثْبُتَ حُكْمُهَا فيه ثُمَّ يَسْتَتْبِعُ غَيْرَهُ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيمَا دُونَهُ فَإِنْ مَلَكَ كُلٌّ من اثْنَيْنِ عِشْرِينَ شَاةً فَخَلَطَا منها ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ تِسْعَةَ عَشَرَ بِتِسْعَةُ عَشَرَ وَمَيَّزَا شَاتَيْنِ نُظِرَتْ فَإِنْ لم يُفَرِّقَا بَيْنَهُمَا بَلْ خَلَطَاهُمَا أَيْضًا وَجَبَتْ أَيْ الزَّكَاةُ لِوُجُودِ الْخُلْطَةِ في نِصَابٍ وَإِلَّا فَلَا لِانْتِفَائِهَا نعم إنْ كان لِأَحَدِهَا نِصَابٌ فَأَكْثَرُ أَثَّرَتْ الْخُلْطَةُ وَإِنْ لم تَكُنْ في نِصَابٍ فَلَوْ خَلَطَ عَشَرَةَ شِيَاهٍ بِمِثْلِهَا لِآخَرَ وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِثَلَاثِينَ لَزِمَهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ شَاةٍ وَالْآخَرَ خُمْسُ شَاةٍ أو خَمْسَ عَشْرَةَ شَاةً بِمِثْلِهَا الْآخَرِ وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِخَمْسِينَ لَزِمَهُ سِتَّةُ أَثْمَانِ شَاةٍ وَنِصْفُ ثُمْنٍ وَالْآخَرَ ثُمْنٌ وَنِصْفُ ثُمْنٍ كما سَيَأْتِي وَيُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْجِنْسِ كما يُؤْخَذُ من الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فَلَا يُؤَثِّرُ خَلْطُ جِنْسٍ بِآخَرَ كَبَقَرٍ بِغَنَمٍ بِخِلَافِ خَلْطِ نَوْعٍ بِآخَرَ كَضَأْنٍ بِمَعْزٍ وَأَنْ يَكُونَا من أَهْلِ الزَّكَاةِ فَإِنْ كان أَحَدُهُمَا ذِمِّيًّا أو مُكَاتَبًا فَلَا خُلْطَةَ لِأَنَّ من ليس أَهْلًا لِوُجُوبِهَا عليه لَا يُمْكِنُ أَنْ يَصِيرَ مَالُهُ سَبَبًا لِتَغَيُّرِ زَكَاةِ غَيْرِهِ وَأَنْ تَدُومَ الْخُلْطَةُ سَنَةً فَلَا يَكْفِي وُجُودُهَا في دُونِهَا
وَتَخْتَصُّ خُلْطَةُ الْجِوَارِ بِشُرُوطِ اتِّحَادِ الْمُرَاحِ بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ مَأْوَاهَا لَيْلًا كما مَرَّ وَالْمَسْرَحِ أَيْ الْمَوْضِعِ الذي تَجْتَمِعُ فيه ثُمَّ تُسَاقُ إلَى الْمَرْعَى وَالْمَشْرَبِ أَيْ مَوْضِعِ شُرْبِهَا وَيُعَبَّرُ عنه بِالْمُشْرَعِ وَالْمَرْعَى أَيْ الْمَرْتَعِ الذي تَرْعَى فيه وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا اتِّحَادُ الْمَمَرِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْرَحِ وَالْمَكَانِ الذي تُوقَفُ فيه عِنْدَ إرَادَةِ سَقْيِهَا وَاَلَّذِي تُنَحَّى إلَيْهِ لِيَشْرَبَ غَيْرُهَا وَالْآنِيَةُ التي تُسْقَى فيها وَالدَّلْوُ وَالرَّاعِي وَمَكَانِ الْحَلْبِ بِفَتْحِ اللَّامِ يُقَالُ لِلَّبَنِ وَلِلْمَصْدَرِ وهو الْمُرَادُ هُنَا وَحُكِيَ إسْكَانُهَا وَيُقَالُ لِمَكَانِهِ الْمَحْلَبُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَخَالَفَ النَّوَوِيُّ في تَهْذِيبِهِ فقال لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادٌ بِلَا خِلَافٍ وَالْفَحْلِ بِقَيْدٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ إنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ فَإِنْ اخْتَلَفَ كَضَأْنٍ وَمَعْزٍ فَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُهُ لِلضَّرُورَةِ كما جَزَمَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ لَا اتِّحَادِ الْحَالِبِ فَلَا يُشْتَرَطُ كَالْجَازِّ ولا اتِّحَادِ الْإِنَاءِ الذي يُحْلَبُ فيه كَآلَةِ الْجَزِّ وَيُقَالُ له الْمِحْلَبُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَلَا اتِّحَادُ حَوْلِهِمَا وَلَا خَلْطِ اللَّبَنِ وَلَا نِيَّةِ الْخُلْطَةِ لِأَنَّ خِفَّةَ الْمُؤْنَةِ بِاتِّحَادِ الْمَرَافِقِ لَا تَخْتَلِفُ بِالْقَصْدِ وَعَدَمِهِ وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ الِاتِّحَادُ فِيمَا مَرَّ لِيَجْتَمِعَ الْمَالَانِ كَالْمَالِ الْوَاحِدِ وَلِتَخِفَّ الْمُؤْنَةُ على الْمُحْسِنِ بِالزَّكَاةِ وفي الدَّارَقُطْنِيِّ بَعْدَمَا مَرَّ في خَبَرِ أَنَسٍ من رِوَايَةِ سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ وَالْخَلِيطَانِ ما اجْتَمَعَا في الْحَوْضِ وَالْفَحْلِ وَالرَّاعِي نَبَّهَ بِذَلِكَ على بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ لَكِنْ الرِّوَايَةُ ضَعِيفَةٌ فَلَوْ افْتَرَقَتْ مَاشِيَتُهُمَا في شَيْءٍ مِمَّا شُرِطَ الِاتِّحَادُ فيه زَمَنًا طَوِيلًا بِأَنْ يُؤَثِّرَ فيه عَلَفُ السَّائِمَةِ وَلَوْ بِلَا قَصْدٍ مِنْهُمَا أو زَمَانًا يَسِيرًا إمَّا بِقَصْدٍ مِنْهُمَا أو من أَحَدِهِمَا أو عَلِمَا بِتَفَرُّقِهَا وَأَقَرَّاهُ ضَرَّ فَتَرْتَفِعُ الْخُلْطَةُ بِخِلَافِ ما إذَا خَلَا عن ذلك وَالظَّاهِرُ كما قال الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ عِلْمَ أَحَدِهِمَا كَعِلْمِهِمَا وَالِافْتِرَاقُ لَا يُقْطَعُ حَوْلَ النِّصَابِ بَلْ إنْ لم تَرْتَفِعْ بِهِ الْخُلْطَةُ فَذَاكَ وَإِلَّا فَمَنْ كان نَصِيبُهُ نِصَابًا زَكَّاهُ لِتَمَامِ حَوْلِهِ من يَوْمِ مِلْكِهِ لَا من يَوْمِ ارْتِفَاعِهَا وَمَعْنَى اتِّحَادِ الْفَحْلِ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا أَيْ مُرْسَلًا في الْإِبِلِ الْأَوْلَى في الْمَاشِيَةِ كما عَبَّرَ بها الْأَصْلُ وَإِنْ كان مِلْكًا لِأَحَدِهِمَا أو مُسْتَعَارًا له أَوَّلُهُمَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلًّا مِمَّا يُعْتَبَرُ الِاتِّحَادُ فيه يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَاحِدًا بِالذَّاتِ بَلْ أَنْ لَا يَخْتَصَّ مَالُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِهِ وَلَا يَضُرُّ التَّعَدُّدُ حِينَئِذٍ
فَصْلٌ تَثْبُتُ خُلْطَةُ الِاشْتِرَاكِ وَالْجِوَارِ في الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ وَالنَّقْدَيْنِ وَالتِّجَارَةِ كما في الْمَاشِيَةِ لِلِارْتِفَاقِ بِاتِّحَادِ الْجَرِينِ وَالنَّاطُورِ وَغَيْرِهِمَا وَلِعُمُومِ خَبَرِ لَا يُجْمَعُ بين مُتَفَرِّقٍ بِشَرْطِ أَنْ يَتَّحِدَ الْمُتَجَاوِرَانِ زَرْعًا وَثَمَرًا في الْحَائِطِ وَالْمُتَعَهِّدِ لَهُمَا وَالنَّاطُورِ بِالْمُهْمَلَةِ أَشْهَرُ من الْمُعْجَمَةِ أَيْ الْحَافِظِ لَهُمَا وَالْجِدَادِ
____________________
(1/348)
وَالْحَصَادِ وَالْحَمَّالِ وَالْمُلَقِّحِ وقد يَدْخُلُ في الْمُتَعَهِّدِ وَالْحَرَّاثِ وَالْمَاءِ الذي يُسْقَى بِهِ وَاللَّقَاطِ وَالْجَرِينِ بِفَتْحِ الْجِيمِ مَوْضِعُ تَجْفِيفِ الثِّمَارِ وَالْبَيْدَرِ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَوْضِعُ تَصْفِيَةِ الْحِنْطَةِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وقال الثَّعَالِبِيُّ الْجَرِينُ لِلزَّبِيبِ وَالْبَيْدَرُ لِلْحِنْطَةِ وَالْمِرْبَدُ لِلتَّمْرِ وهو بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ في الْحَائِطِ إلَى آخِرِهِ مُتَعَلِّقٌ بِيَتَّحِدُ وَقَوْلُهُ زَرْعًا وَثَمَرًا مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أو بِالتَّمْيِيزِ من الْمُتَجَاوِرَيْنِ إنْ أُرِيدَ بِهِمَا الْمَالِكَانِ وَبِالْحَالِ الْمُؤَوَّلَةِ إنْ أُرِيدَ بِهِمَا الْمَالَانِ وَنَظِيرُ ذلك يَأْتِي فِيمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَأَنْ يَتَّحِدَ الْمُتَجَاوِرَانِ تِجَارَةً في الدُّكَّانِ وَمَكَانِ الْحِفْظِ من خِزَانَةٍ وَنَحْوِهَا وَإِنْ كان مَالُ كُلٍّ بِزَاوِيَةٍ وَالْمِيزَانُ وَالْوَزَّانُ وَالْمِكْيَالُ وَالْكَيَّالُ وَالْحَمَّالُ وَالْحَارِسُ وَالْمُطَالَبُ بِالْأَمْوَالِ وَالنُّقَّادُ وَالْمُنَادِي وأن يَتَّحِدَ الْمُتَجَاوِرَانِ نَقْدًا في الصُّنْدُوقِ لِلْكِيسَيْنِ وَالْحَارِسِ وَنَحْوِهِمَا وَذِكْرُ الِاتِّحَادِ فِيمَا قَالَهُ غَيْرُ الْحَائِطِ وَالصُّنْدُوقِ وَمَكَانِ الْحِفْظِ الْمُعَبَّرِ عنه في الْأَصْلِ بِالْخِزَانَةِ من زِيَادَتِهِ فإذا اشْتَرَى مَثَلًا ثَمَرَةَ نَخْلَةٍ بين نَخْلٍ كَثِيرٍ بِشَرْطِ قَطْعِهَا وَصَوَّرَهَا الْأَصْلُ بِالِاسْتِئْجَارِ فقال لو اسْتَأْجَرَ أَجِيرُ التَّعَهُّدِ نَخِيلَهُ بِثَمَرَةِ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهَا بَعْدَ خُرُوجِ تَمْرَتِهَا وَقَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَشُرِطَ الْقَطْعُ فلم يَقْطَعْهَا حتى بَدَا الصَّلَاحُ وَبَلَغَ ما في الْحَائِطِ نِصَابًا لَزِمَهُ عُشْرُ ثَمَرَةِ النَّخْلَةِ أو نِصْفُ عُشْرِهَا قَالَهُ من زِيَادَتِهِ هَكَذَا نَصُّوا عليه وهو مُشْكِلٌ إلَّا إنْ اتَّحَدَ الْجَرِينُ وَنَحْوُهُ مِمَّا مَرَّ فَلَا إشْكَالَ وَلَا رَيْبَ أَنَّ هذا مُرَادُهُمْ وَإِنْ وَقَفَ على مُعَيِّنِينَ حَائِطٍ أَيْ نَخْلِ حَائِطٍ فَأَثْمَرَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَأَكْثَرَ لَزِمَتْهُمْ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ رُبْعَ الْمَوْقُوفِ مِلْكًا تَامًّا لَا إنْ وُقِفَتْ عليهم أَرْبَعُونَ شَاةً أو نِصَابٌ من سَائِرِ ما تَجِبُ الزَّكَاةُ في عَيْنِهِ فَلَا تَلْزَمُهُمْ الزَّكَاةُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ أو ضَعْفِهِ في الْمَوْقُوفِ وَنِتَاجُ النَّعَمِ الْمَوْقُوفَةِ كَالثَّمَرِ فِيمَا مَرَّ أَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنَيْنِ فَلَا تَلْزَمُهُمْ الزَّكَاةُ مُطْلَقًا كما سَيَأْتِي
فَصْلٌ لِلسَّاعِي الْأَخْذُ من مَالِ أَحَدِهِمَا أَيْ الْخَلِيطَيْ وَلَوْ لم يَضْطَرَّ إلَيْهِ بِأَنْ كان مَالُ كُلٍّ مِنْهُمَا كَامِلًا وَوُجِدَ فيه الْوَاجِبُ كما له الْأَخْذُ من مَالِهِمَا وَلِأَنَّ الْمَالَيْنِ كَالْمَالِ الْوَاحِدِ وَالْمَأْخُوذُ زَكَاةُ الْجَمِيعِ على الْإِشَاعَةِ وَالْخَلِيطَانِ يَتَرَاجَعَانِ بِأَنْ يَرْجِعَ كُلٌّ مِنْهُمَا على الْآخَرِ فِيمَا إذَا أَخَذَ السَّاعِي مِنْهُمَا وقد لَا يَتَرَاجَعَانِ فيه كما سَيَأْتِي وَيَرْجِعُ أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ فِيمَا إذَا أَخَذَ من أَحَدِهِمَا وَالْأَصْلُ في التَّرَاجُعِ خَبَرُ وما كان من خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ في خَبَرِ أَنَسٍ السَّابِقِ وإذا رَجَعَ الْمَأْخُوذُ منه رَجَعَ بِالْمِثْلِ في الْمِثْلِيِّ كَالثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ وَالْقِيمَةُ في الْمُتَقَوِّمِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فَإِنْ خَلَطَا عِشْرِينَ شَاةً بِعِشْرِينَ شَاةً فَأَخَذَ السَّاعِي وَاحِدَةً لِأَحَدِهِمَا رَجَعَ على صَاحِبِهِ بِنِصْفِ قِيمَتِهَا لَا بِقِيمَةِ نِصْفِهَا لِأَنَّ قِيمَةَ نِصْفِهَا أَنْقَصُ من نِصْفِ قِيمَتِهَا لِلتَّشْقِيصِ فَلَوْ قُلْنَا يَرْجِعُ بها لَأَجْحَفْنَا بِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِنِصْفِ شَاةٍ لِأَنَّهَا غَيْرُ مِثْلِيَّةٍ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ لَا بِقِيمَةِ نِصْفِهَا من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ
وَكَذَا لو خَلَطَا مِائَةً بِمِائَةٍ فَأَخَذَ السَّاعِي ثِنْتَيْنِ من أَحَدِهِمَا رَجَعَ على صَاحِبِهِ بِنِصْفِ قِيمَتِهَا لَا بِقِيمَةِ نِصْفِهِمَا وَلَا بِشَاةٍ وَلَا بِنِصْفَيْ شَاتَيْنِ فَإِنْ أَخَذَ من كُلٍّ مِنْهُمَا شَاةً فَلَا تَرَاجُعَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُمَا إذْ لم يَأْخُذْ من كُلٍّ مِنْهُمَا إلَّا وَاجِبَةً لو انْفَرَدَ وَإِنْ كان لِزَيْدٍ ثَلَاثُونَ شَاةً وَلِعَمْرٍو عَشْرٌ فَأَخَذَ السَّاعِي الشَّاةَ من عَمْرٍو وَرَجَعَ على زَيْدٍ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَتِهَا أو أَخَذَهَا من زَيْدٍ رَجَعَ على عَمْرٍو بِالرُّبْعِ أَيْ بِرُبْعِ قِيمَتِهَا وَإِنْ كان لِزَيْدٍ مِائَةٌ وَلِعَمْرٍو خَمْسُونَ فَأَخَذَ السَّاعِي الشَّاتَيْنِ من عَمْرٍو وَرَجَعَ على زَيْدٍ بِثُلُثَيْ قِيمَتِهِمَا أو أَخَذَهُمَا من زَيْدٍ رَجَعَ على عَمْرٍو بِالثُّلُثِ وَإِنْ أَخَذَ من كُلٍّ مِنْهُمَا شَاةً رَجَعَ زَيْدٌ بِثُلُثِ قِيمَةِ شَاتِه ورجع عَمْرٌو بِثُلُثَيْ قِيمَةِ شَاتِه فَإِنْ تَسَاوَى ما عَلَيْهِمَا تَقَاصَّا
وَإِنْ كان لِزَيْدٍ أَرْبَعُونَ من الْبَقَرِ وَلِعَمْرٍو ثَلَاثُونَ منها فَأَخَذَ السَّاعِي التَّبِيعَ وَالْمُسِنَّةَ من عَمْرٍو وَرَجَعَ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعِ قِيمَتِهِمَا أو أَخَذَهُمَا من زَيْدٍ رَجَعَ بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعٍ من قِيمَتِهِمَا فَإِنْ أَخَذَ من كُلٍّ مِنْهُمَا فَرْضَهُ بِأَنْ أَخَذَ من زَيْدٍ مُسِنَّةً وَمِنْ عَمْرٍو تَبِيعًا فَلَا تَرَاجُعَ كما مَرَّ نَظِيرُهُ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَغَيْرِهِ في قَوْلِهِمْ يَرْجِعُ زَيْدٌ بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعِ قِيمَةِ الْمُسِنَّةِ وَعَمْرٌو بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعِ قِيمَةِ التَّبِيعِ فَإِنْ أَخَذَ التَّبِيعَ من زَيْدٍ وَالْمُسِنَّةَ من عَمْرٍو وَرَجَعَ عَمْرٌو على زَيْدٍ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعِهَا أَيْ أَسْبَاعِ قِيمَةِ الْمُسِنَّةِ وَرَجَعَ عليه زَيْدٌ بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعِ قِيمَةِ التَّبِيعِ وَلَا يُعْتَبَرُ في الرُّجُوعِ فِيمَا ذُكِرَ إذْنُ الشَّرِيكِ الْآخَرِ في الدَّفْعِ كما هو
____________________
(1/349)
ظَاهِرُ الْخَبَرِ السَّابِقِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَكَلَامُ الْإِمَامِ مُصَرَّحٌ بِهِ لِإِذْنِ الشَّرْعِ فيه وَلِأَنَّ الْمَالَيْنِ بِالْخُلْطَةِ صَارَ كَالْمَالِ الْمُنْفَرِدِ وَجَرَى عليه ابن الْأُسْتَاذِ قال لِأَنَّ نَفْسَ الْخُلْطَةِ مُسَلَّطَةٌ على الدَّفْعِ الْمُبْرِئِ الْمُوجِبِ لِلرُّجُوعِ وقال الْجُرْجَانِيُّ لِكُلٍّ من الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُخْرِجَ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ نِيَّةَ أَحَدِهِمَا تُغْنِي عن نِيَّةِ الْآخَرِ وَأَنَّ قَوْلَ الرَّافِعِيِّ كَالْإِمَامِ في كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ من أَدَّى حَقًّا على غَيْرِهِ يَحْتَاجُ لِلنِّيَّةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَسْقُطُ عنه مَحْمُولٌ على غَيْرِ الْخَلِيطَيْنِ في الزَّكَاةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ كَالْخَبَرِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ في الرُّجُوعِ بِغَيْرِ إذْنٍ بين أَنْ يُخْرِجَ من الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ وَأَنْ يُخْرِجَ من غَيْرِهِ لَكِنْ نَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عن الْقَاضِي أبي مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ في فَتَاوِيهِ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا أَخْرَجَ من الْمُشْتَرَكِ
فَرْعٌ وَإِنْ ظَلَمَهُ أَيْ أَحَدُهُمَا السَّاعِي كَأَنْ أَخَذَ منه شَاةً زَائِدَةً أو كَرِيمَةً لم يَرْجِعْ على الْآخَرِ إلَّا بِقِسْطِ الْوَاجِبِ عليه من وَاجِبِيهِمَا فَلَا يَرْجِعُ بِقِسْطِ الْمَأْخُوذِ إذْ الْمَظْلُومُ إنَّمَا يَرْجِعُ على ظَالِمِهِ وَيَسْتَرِدُّهُ أَيْ وَيَسْتَرِدُّ الْمَأْخُوذَ منه الْمَأْخُوذَ من الظَّالِمِ إنْ بَقِيَ وَإِلَّا اسْتَرَدَّ ما فَضَلَ عن فَرْضِهِ وَالْفَرْضُ سَاقِطٌ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ أَخَذَ من أَحَدِهِمَا الْقِيمَةَ تَقْلِيدًا لِلْحَنَفِيِّ أو كَبِيرَةً من السِّخَالِ تَقْلِيدًا لِلْمَالِكِيِّ سَقَطَ الْفَرْضُ وَتَرَاجَعَا الْأَوْلَى وَرَجَعَ كما في الْأَصْلِ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فيه بِخِلَافِ ما قَبْلَهُ فإنه ظُلْمٌ مَحْضٌ وَالتَّصْرِيحُ بِسُقُوطِ الْفَرْضِ من زِيَادَتِهِ
فَرْعٌ قد يَجِبُ بِمَعْنًى يُثْبِتُ التَّرَاجُعَ الشَّامِلَ لِلرُّجُوعِ مَجَازًا في خُلْطَةِ الِاشْتِرَاكِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا خَمْسٌ من الْإِبِلِ فَيُعْطِي الشَّاةَ أَحَدَهُمَا فإنه يَرْجِعُ على الْآخَرِ بِنِصْفِ قِيمَتِهَا فَإِنْ كان بَيْنَهُمَا عَشْرٌ فَأَخَذَ من كُلٍّ مِنْهُمَا شَاةً تَرَاجَعَا أَيْضًا أَيْ كما في خُلْطَةِ الْجِوَارِ فإذا تَسَاوَيَا في الْقِيمَةِ تَقَاصَّا وَشَمِلَ كَلَامُهُ ما إذَا كان الْمَأْخُوذُ من غَيْرِ جِنْسِ الْمَالِ كما مَثَّلَ بِهِ وما إذَا كان من جِنْسِهِ بِأَنْ أَخَذَ الْفَرْضَ من مَالِ أَحَدِهِمَا كما صَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ أو تَفَاوَتَ قَدْرُ الْمِلْكَيْنِ كَأَنْ كان بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ شَاةً لِأَحَدِهِمَا في عِشْرِينَ منها نِصْفُهَا وفي الْعِشْرِينَ الْأُخْرَى ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا وَقِيمَةُ الشَّاةِ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ فَإِنْ أُخِذَتْ من الْعِشْرِينَ الْمُرَبَّعَةِ رَجَعَ صَاحِبُ الْأَكْثَرِ على الْآخَرِ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ أو من الْأُخْرَى رَجَعَ صَاحِبُ الْأَقَلِّ على الْآخَرِ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ قَالَهُ ابن الرِّفْعَةِ فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَوْلَى من تَخْصِيصِ الْأَصْلِ التَّرَاجُعَ بِأَخْذِ غَيْرِ الْجِنْسِ وَقَوْلُهُ أَيْضًا من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ هو مُوهِمٌ خِلَافَ الْمُرَادِ وما ذُكِرَ من التَّرَاجُعِ الْمَبْنِيِّ عليه التَّقَاصُّ إنَّمَا يَأْتِي على ما مَرَّ عن الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ أَمَّا على الْأَصَحِّ فَلَا تَرَاجُعَ كما صَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ وَحَيْثُ تَنَازَعَا في قَدْرِ الْقِيمَةِ وَلَا بَيِّنَةَ وَتَعَذَّرَ مَعْرِفَتُهَا صُدِّقَ الْمَرْجُوعُ عليه بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَقَوْلُهُ بِيَمِينِهِ من زِيَادَتِهِ
فَصْلٌ قد تَسْلَمُ الْخُلْطَةُ ابْتِدَاءً من الِانْفِرَادِ بِأَنْ يَرِثَا الْمَالَ أو يَبْتَاعَاهُ دُفْعَةً مُخْتَلَطًا شُيُوعًا أو جِوَارًا أو يَبْتَاعَاهُ غير مُخْتَلَطٍ فَيَخْلِطَانِهِ الْأَوْلَى فَيَخْلِطَاهُ بِحَذْفِ النُّونِ فَهَذَا يُزَكِّيَانِهِ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ وَلَا يَضُرُّ تَأْخِيرُ هَا عن ذلك بِقَدْرِ يَوْمٍ أو يَوْمَيْنِ لِأَنَّ ذلك يَسِيرٌ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ حُكْمُ السَّوْمِ لو عُلِفَتْ فيه السَّائِمَةُ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ أو بِأَنْ يَمْلِكَ كُلٌّ مِنْهُمَا دُونَ نِصَابٍ ثُمَّ يُكْمِلُ النِّصَابَ بِالْخُلْطَةِ فَيُزَكِّيَانِهِ زَكَاتَهَا لِعَدَمِ انْعِقَادِ الْحَوْلِ على ما مَلَكَاهُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فإذا طَرَأَتْ الْخُلْطَةُ على الِانْفِرَادِ وَالْحَوْلَانِ مُتَّفِقَانِ كَأَنْ مَلَكَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَرْبَعِينَ شَاةً غُرَّةَ الْمُحَرَّمِ وَخَلَطَا غُرَّةَ صَفَرٍ أو مُخْتَلِفَانِ كَأَنْ مَلَكَ أَحَدُهُمَا غُرَّةَ الْمُحَرَّمِ وَالْآخَرُ غُرَّةَ صَفَرٍ وَخَلَطَا غُرَّةَ شَهْرِ رَبِيعٍ زَكَّيَا في الْحَوْلِ الْأَوَّلِ زَكَاةَ الِانْفِرَادِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الِانْفِرَادِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَالْخُلْطَةُ طَارِئَةٌ وفي الْحَوْلِ الثَّانِي وما بَعْدَهُ يُزَكِّيَانِ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ بِأَنْ يُزَكِّيَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِحَوْلِهِ فَإِنْ مَلَكَ كُلٌّ مِنْهُمَا غُرَّةَ الْمُحَرَّمِ أَرْبَعِينَ شَاةً وَخَلَطَاهَا في صَفَرٍ وَجَبَ عَلَيْهِمَا في الْحَوْلِ الْأَوَّلِ شَاتَانِ على كُلٍّ مِنْهُمَا وَاحِدَةٌ وفي الْحَوْلِ الثَّانِي شَاةٌ على كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهَا وَكَذَا في كل حَوْلٍ بَعْدَهُ
وَإِنْ مَلَكَهَا أَيْ إحْدَى الْأَرْبَعِينَ أَحَدُهُمَا في غُرَّةِ الْمُحَرَّمِ وَالْآخَرُ الْأُخْرَى في غُرَّةِ صَفَرٍ وَخَلَطَا في غُرَّةِ شَهْرِ رَبِيعٍ لَزِمَهُمَا في الْحَوْلِ الثَّانِي كَكُلِّ حَوْلٍ بَعْدَهُ شَاةٌ نِصْفُهَا على الْأَوَّلِ في غُرَّةِ الْمُحَرَّمِ وَنِصْفُهَا على الثَّانِي في غُرَّةِ صَفَرٍ وَلَزِمَهُمَا في الْحَوْلِ الْأَوَّلِ شَاتَانِ إحْدَاهُمَا على الْأَوَّلِ في غُرَّةِ الْمُحَرَّمِ وَالْأُخْرَى على الثَّانِي في غُرَّةِ صَفَرٍ فإذا بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ من آخَرَ في أَثْنَاءِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ وَأَدَامَ الْمُشْتَرِي الْخُلْطَةَ زَكَّى الْمُشْتَرِي في حَوْلِهِ
____________________
(1/350)
@ 351 الْأَوَّلِ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ كَسَائِرِ أَحْوَالِهِ إذْ ليس له حَالَةُ انْفِرَادٍ دُونَ صَاحِبِهِ أَيْ الشَّرِيكِ الْآخَرِ فَيُزَكِّي في حَوْلِهِ الْأَوَّلِ زَكَاةَ الِانْفِرَادِ وَتَعْبِيرُهُ بِأَحَدِهِمَا أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالثَّانِي وَكَذَا حُكْمُ يَهُودِيٍّ الْأَوْلَى ذِمِّيٌّ كما في الْأَصْلِ وَأَوْلَى مِنْهُمَا كَافِرٌ مُخَالِطًا لِمُسْلِمٍ إذَا أَسْلَمَ الْيَهُودِيُّ في أَثْنَاءِ الْحَوْلِ فَيُزَكِّي في حَوْلِهِ الْأَوَّلِ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ دُونَ الْمُسْلِمِ وَتَعْبِيرُهُ بِأَثْنَاءِ الْحَوْلِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِغُرَّةِ صَفَرٍ
فَرْعٌ إذَا اخْتَلَفَ تَارِيخُ أَمْلَاكِ الرَّجُلِ فَلِكُلٍّ من الْأَمْلَاكِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ما بَعْدَهُ منها حُكْمُ الِانْفِرَادِ في الْحَوْلِ الْأَوَّلِ فَقَطْ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى ما قَبْلَهُ حُكْمُ الْخُلْطَةِ مُطْلَقًا كَنَظِيرِهِ في اخْتِلَافِ تَارِيخِ أَمْلَاكِ الرَّجُلَيْنِ وَهَذِهِ النُّسْخَةُ أَوْلَى من نُسْخَةٍ فيها تَأْخِيرُ قَوْلِهِ في الْحَوْلِ الْأَوَّلِ فَقَطْ عن قَوْلِهِ حُكْمُ الْخُلْطَةِ مِثَالُهُ مَلَكَ أَرْبَعِينَ غُرَّةَ الْمُحَرَّمِ وَأَرْبَعِينَ غُرَّةَ صَفَرٍ وَأَرْبَعِينَ غُرَّةَ شَهْرِ رَبِيعٍ فَفِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ يَجِبُ عليه غُرَّةَ الْمُحَرَّمِ شَاةٌ تَغْلِيبًا لِلِانْفِرَادِ كما مَرَّ ثُمَّ غُرَّةَ صَفَرٍ نِصْفُ شَاةٍ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ فيها كان خَلِيطًا لِلْأَوَّلِ كُلَّ الْحَوْلِ وَغُرَّةَ شَهْرِ رَبِيعٍ ثُلُثُ شَاةٍ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ فيها كان خَلِيطًا لِلْأَوَّلَيْنِ كُلَّ الْحَوْلِ ثُمَّ في كل حَوْلٍ بَعْدَهُ شَاةٌ في غُرَّةِ كل شَهْرٍ من الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ ثُلُثُهَا وإذا اخْتَلَفَ تَارِيخُ أَمْلَاك رَجُلَيْنِ كَأَنْ مَلَكَ رَجُلٌ أَرْبَعِينَ غُرَّةَ الْمُحَرَّمِ ثُمَّ مَلَكَ آخَرُ عِشْرِينَ غُرَّةَ صَفَرٍ وَخَلَطَاهَا حِينَئِذٍ فَفِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ على الْأَوَّلِ شَاةٌ في الْمُحَرَّمِ وَعَلَى الثَّانِي ثُلُثُ شَاةٍ في صَفَرٍ لِأَنَّهُ خَالَطَ في كل حَوْلِهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا في كل حَوْلٍ شَاةٌ على صَاحِبِ الْعِشْرِينَ ثُلُثُهَا لِحَوْلِهِ وَعَلَى الْآخَرِ ثُلُثَاهَا لِحَوْلِهِ وكان الْأَنْسَبُ ذِكْرَ هذا الْمِثَالِ قبل الْفَرْعِ
فَرْعٌ لو مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً ثُمَّ بَاعَ في أَثْنَاءِ الْحَوْلِ نِصْفَهَا مَشَاعًا مُطْلَقًا أو مُعَيَّنًا ولم يُفْرِدْ أَيْ يُمَيِّزْ بِالْقَبْضِ أَيْ معه لم يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ لِاسْتِمْرَارِ النِّصَابِ بِصِفَةِ الِانْفِرَادِ ثُمَّ بِصِفَةِ الِاخْتِلَاطِ فَيَلْزَمُ الْبَائِعَ لِحَوْلِهِ نِصْفُ شَاةٍ لِوُجُودِ الْخُلْطَةِ في مِلْكِهِ كُلَّ الْحَوْلِ وَلَا شَيْءَ على الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ تَعَلُّقَ شَرِكَةٍ فَيَنْقُصُ النِّصَابُ قبل تَمَامِ حَوْلِهِ وَإِنْ كان الْبَائِعُ أَخْرَجَهَا أَيْ الشَّاةَ أَيْ نِصْفَهَا من غَيْرِهِ أَيْ النِّصَابِ لِأَنَّ الْمَالِكَ فيها أَيْ في نِصْفِهَا عَادَ بَعْدَ زَوَالِهِ فَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ في كَلَامِهِ على زَكَاةِ الْأُجْرَةِ فِيمَا لو أَجَّرَ دَارًا بِثَمَانِينَ دِينَارًا مَحَلَّهُ إذَا كان الْإِخْرَاجُ من غَيْرِهَا لَا منها يُحْمَلُ على إخْرَاجِهِ من غَيْرِهَا مُعَجَّلًا أو من غَيْرِهَا مِمَّا لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ فيه وكان من جِنْسِ الْأُجْرَةِ أَمَّا إذَا بَاعَ نِصْفَهَا مُعَيِّنًا وَأَفْرَدَ مع قَبْضِهِ فَيَنْقَطِعُ الْحَوْلُ سَوَاءً أَكَثُرَ زَمَنُ التَّفْرِيقِ أَمْ لَا هذا تَقْرِيرُ كَلَامِهِ وهو ما في الْأَصْلِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْقَبْضَ ليس شَرْطًا في الِانْقِطَاعِ وَإِنْ كان لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَرْبَعُونَ فَبَاعَ غَنَمَهُ بِغَنَمِ صَاحِبِهِ في أَثْنَاءِ الْحَوْلِ انْقَطَعَ حَوْلُهُمَا لِانْقِطَاعِ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ غَنَمِهِ بِنِصْفِ غَنَمِ صَاحِبِهِ شَائِعَيْنِ في أَثْنَاءِ الْحَوْلِ ولم تَسْبِقْ خُلْطَةٌ لم يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ فِيمَا بَقِيَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا من الْغَنَمِ كما لو كان لِوَاحِدٍ أَرْبَعُونَ فَبَاعَ نِصْفَهَا شَائِعًا لَا يَنْقَطِعُ حَوْلُهُ كما مَرَّ فَعِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ أَيْ ما بَقِيَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَجِبُ على كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ شَاةٍ لِثُبُوتِ حُكْمِ الِانْفِرَادِ أَوَّلًا في أَرْبَعَيْهِ وَحِصَّةُ الْعِشْرِينَ منها النِّصْفُ وَبِتَمَامِ حَوْلِ التَّبَايُعِ يَلْزَمُ كُلًّا مِنْهُمَا لِمَا ابْتَاعَهُ رُبْعُ شَاةٍ لِلْخُلْطَةِ كُلَّ الْحَوْلِ وَفِيمَا بَعْدَهُ من الْأَحْوَالِ يَجِبُ على كُلٍّ مِنْهُمَا رُبْعُ شَاةٍ لِحَوْلِ الْمِلْكِ وَرُبْعٌ آخَرُ لِحَوْلِ التَّبَايُعِ كما عُرِفَ مِمَّا مَرَّ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ أَمَّا إذَا سَبَقَتْ خَلْطَةٌ فَإِنْ لم تَقَعْ عَقِبَ الْمِلْكَيْنِ على ما مَرَّ فَالْحُكْمُ كما ذُكِرَ وَإِلَّا فَيَلْزَمُ كُلًّا مِنْهُمَا رُبْعُ شَاةٍ لِحَوْلِ الْمِلْكِ وَرُبْعٌ أُخْرَى لِحَوْلِ التَّبَايُعِ مُطْلَقًا
فَرْعٌ رَجُلَانِ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ شَاةً مُخْتَلِطَةً ثُمَّ خَالَطَهُمَا ثَالِثٌ بِعِشْرِينَ في أَثْنَاءِ حَوْلِهِمَا وَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عُشْرَيْهِ قبل تَمَامِ الْحَوْلِ فَلَا شَيْءَ عليه عِنْدَ تَمَامِهِ لِأَنَّ مَالَهُ دُونَ نِصَابٍ وقد انْقَطَعَتْ الْخُلْطَةُ وَيَلْزَمُ صَاحِبَهُ نِصْفُ شَاةٍ لِحَوْلِهِ وَالثَّالِثَ نِصْفُ شَاةٍ لِحَوْلِهِ لِوُجُودِ الْخُلْطَةِ في جَمِيعِ حَوْلَيْهِمَا وإذا كان بَيْنَهُمَا ثَمَانُونَ مُشْتَرِكَةً فَاقْتَسَمَاهَا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَافْتَرَقَا عن الْخُلْطَةِ لَزِمَ كُلًّا عِنْدَ تَمَامِ بَاقِي الْحَوْلِ نِصْفُ شَاةٍ ثُمَّ لِكُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ نِصْفُ شَاةٍ بِنَاءً على أَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا إقْرَارٌ لَزِمَ كُلًّا عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ شَاةٌ كما لو مَيَّزَا في خُلْطَةِ الْجِوَارِ وَالتَّصْرِيحِ هُنَا بِالتَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ وَافْتَرَقَا وَبِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَخَرَجَ بِالتَّقْيِيدِ ما لو اسْتَمَرَّتْ الْخُلْطَةُ فَيَلْزَمُ كُلًّا عِنْدَ تَمَامِ بَاقِي الْحَوْلِ وَعِنْدَ كل سِتَّةِ أَشْهُرٍ رُبْعُ شَاةٍ وَكَذَا إذَا كان بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَزِمَهُ
____________________
(1/351)
لِكُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ نِصْفُ شَاةٍ في إطْلَاقِهِ كَالرَّوْضَةِ هُنَا مع بَعْضِ ما مَرَّ نَظَرًا لِمَا مَرَّ أَنَّ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ بِالنِّصَابِ يَمْنَعُ وُجُوبَهَا ثَانِيًا وَإِنْ أَخْرَجَ من غَيْرِهِ فَيُحْمَلُ ذلك على ما إذَا زَادَ النِّصَابُ بِالتَّوَالُدِ
فَصْلٌ إذَا خَالَطَ غَيْرَهُ بِبَعْضِ مِلْكِهِ خُلْطَةَ شُيُوعٍ أو خُلْطَةَ جِوَارٍ فَلِلْمُنْفَرِدِ من جِنْسِهِ حُكْمُ الْمُخْتَلَطِ لِأَنَّ الْخُلْطَةَ لَيْسَتْ خُلْطَةَ عَيْنٍ أَيْ يَخْتَصُّ حُكْمُهَا بِالْمَخْلُوطِ بَلْ خُلْطَةُ مِلْكٍ أَيْ يَثْبُتُ حُكْمُهَا في جَمِيعِ الْمِلْكِ لِأَنَّهَا تَجْعَلُ مَالَ الِاثْنَيْنِ كَمَالِ الْوَاحِدِ وَمَالُ الْوَاحِدِ يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ وَإِنْ تَفَرَّقَ فإذا كان لِرَجُلٍ سِتُّونَ شَاةً فَخَلَطَ عِشْرِينَ منها بِعِشْرِينَ لِآخَرَ فَعَلَيْهِمَا شَاةٌ على صَاحِبِ السِّتِّينَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا وَكَأَنَّهُ خَلَطَ جَمِيعَهَا بِعِشْرِينَ وَعَلَى صَاحِبِ الْعِشْرِينَ رُبْعُهَا وإذا خَلَطَ عِشْرِينَ بِعِشْرِينَ لِغَيْرِهِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَرْبَعُونَ مُنْفَرِدَةً فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ شَاةٍ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ وَلَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ في ذلك وَإِنْ اخْتَلَفَ الْحَوْلُ وَالْبَلَدُ كَمِلْكِ الْوَاحِدِ كما مَرَّ
فَرْعٌ فِيمَا إذَا خَالَطَ بِبَعْضِ مَالِهِ وَاحِدًا وَبِبَعْضِهِ آخَرَ ولم يُخَالِطْ أَحَدَ خَلِيطَيْهِ الْآخَرَ وإذا كان له أَرْبَعُونَ شَاةً فَخَلَطَ كُلَّ عِشْرِينَ منها بِعِشْرِينَ لِرَجُلٍ وَلَا يَمْلِكُونَ غَيْرَهَا لَزِمَهُ نِصْفُ شَاةٍ لِأَنَّهُ خَلِيطٌ لَهُمَا وَالْجُمْلَةُ ثَمَانُونَ وَوَاجِبُهَا شَاةٌ وَحِصَّةُ الْأَرْبَعِينَ نِصْفُهَا ثُمَّ على كُلٍّ من الْأَخِيرَيْنِ رُبْعُ شَاةٍ ضَمًّا إلَى الْخَلِيطِ وهو مَالُ الْأَوَّلِ وَخَلِيطُ الْخَلِيطِ وهو مَالُ الْآخَرِ كما انْضَمَّ مَالُ كُلٍّ مِنْهُمَا في حَقِّ الْأَوَّلِ وإذا كان له سِتُّونَ شَاةً فَخَلَطَ كُلَّ عِشْرِينَ منها بِعِشْرِينَ شَاةً لِآخَرَ وَلَا يَمْلِكُونَ غَيْرَهَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ شَاةٍ لِأَنَّ جُمْلَةَ الْخَلِيطِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ وَوَاجِبُهَا شَاةٌ وَحِصَّةُ السِّتِّينَ نِصْفُهَا ثُمَّ على كُلٍّ من خُلَطَائِهِ سُدُسُ شَاةٍ لِمَا مَرَّ وإذا كان له خَمْسٌ وَعِشْرُونَ من الْإِبِلِ فَخَلَطَ كُلَّ خَمْسٍ منها بِخَمْسٍ لِآخَرَ وَلَا يَمْلِكُونَ غَيْرَهَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ حِقَّةٍ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ خَمْسُونَ وَوَاجِبُهَا حِقَّةٌ وَحِصَّةُ الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ نِصْفُهَا ثُمَّ على كل وَاحِدٍ منهم أَيْ من الْآخَرِينَ عُشْرُ حِقَّةٍ لِمَا مَرَّ وإذا مَلَكَ عَشْرًا من الْإِبِلِ فَخَلَطَ كُلَّ خَمْسٍ منها بِخَمْسَ عَشْرَةَ لِآخَرَ وَلَا يَمْلِكُونَ غَيْرَهَا فَعَلَيْهِ رُبْعُ بِنْتِ لَبُونٍ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ أَرْبَعُونَ وَوَاجِبُهَا بِنْتُ لَبُونٍ وَحِصَّةُ الْعَشْرِ رُبْعُهَا ثُمَّ على كُلٍّ مِنْهُمَا أَيْ من الْآخَرَيْنِ رُبْعٌ وَثُمْنٌ من بِنْتِ لَبُونٍ لِمَا مَرَّ
وإذا مَلَكَ عِشْرِينَ من الْإِبِلِ فَخَلَطَ كُلَّ خَمْسٍ منها بِخَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ لِآخَرَ وَلَا يَمْلِكُونَ غَيْرَهَا لَزِمَهُ الْأَغْبَطُ من نِصْفِ بِنْتِ لَبُونٍ وَخُمُسَيْ حِقَّةٍ وَلَزِمَ كُلًّا من خُلَطَائِهِ تِسْعَةُ أَعْشَارِ حِقَّةٍ أو بِنْتُ لَبُونٍ وَثُمُنُهَا لِأَنَّ الْإِبِلَ مِائَتَانِ وَوَاجِبُهَا الْأَغْبَطُ من خَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ وَأَرْبَعِ حِقَاقٍ كما مَرَّ وَنِسْبَةُ مَالِ الْأَوَّلِ إلَى الْمِائَتَيْنِ عَشْرٌ فَلَزِمَهُ عُشْرُ الْأَغْبَطِ مِمَّا ذُكِرَ وهو نِصْفُ بِنْتِ لَبُونٍ أو خُمُسَا حِقَّةٍ كما ذُكِرَ وَلَزِمَ كُلًّا من خُلَطَائِهِ بِنِسْبَةِ ذلك وهو ما ذُكِرَ هذا كُلُّهُ إذَا اتَّفَقَتْ الْأَحْوَالُ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ زَكَّوْا في الْحَوْلِ الْأَوَّلِ زَكَاةَ الِانْفِرَادِ وَفِيمَا بَعْدَهُ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ كما سَبَقَ وكان الْأَوْلَى تَأْخِيرَ هذا عن قَوْلِهِ وإذا خَلَطَ من له خَمْسٌ وَسِتُّونَ شَاةً خَمْسَ عَشْرَةَ منها بِخَمْسَ عَشْرَةَ لِزَيْدٍ وَلَا يَمْلِكَانِ غَيْرَهَا فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِمَا شَاةٌ على زَيْدٍ منها ثُمْنٌ وَنِصْفٌ من ثُمْنٍ وَعَلَى الْأَوَّلِ سِتَّةُ أَثْمَانٍ وَنِصْفُ ثُمْنٍ بِنِسْبَةِ ما لِكُلٍّ مِنْهُمَا إلَى الْمَجْمُوعِ الشَّرْطُ الثَّالِثُ لِزَكَاةِ الْمَوَاشِي أَيْ لِوُجُوبِهَا الْحَوْلُ لِآثَارٍ صَحِيحَةٍ عن أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمْ
وَرَوَى أبو دَاوُد خَبَرَ لَا زَكَاةَ في مَالٍ حتى يَحُولَ عليه الْحَوْلُ وهو وَإِنْ كان ضَعِيفًا مَجْبُورٌ بِمَا قَبْلَهُ وهو شَرْطٌ في وُجُوبِهَا لَا في وُجُوبِ زَكَاةِ نِتَاجٍ بِكَسْرِ النُّونِ من تَسْمِيَةِ الْمَفْعُولِ بِاسْمِ الْمَصْدَرِ يُقَالُ نُتِجَتْ النَّاقَةُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ نِتَاجًا بِكَسْرِ النُّونِ أَيْ وَلَدَتْ وَإِنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فيه إذَا حَدَثَ قبل تَمَامِ الْحَوْلِ أَيْ حَوْلَ الْأُمَّهَاتِ فَلَوْ حَدَثَ بَعْدَهُ وَلَوْ قبل التَّمَكُّنِ من الْأَدَاءِ فَلَا يُزَكِّي لِذَلِكَ الْحَوْلِ لِتَقَرُّرِ وَاجِبِ أَصْلِهِ وَلِأَنَّ الْحَوْلَ الثَّانِيَ أَوْلَى بِهِ وَلَوْ حَدَثَ معه فَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فيه أَيْضًا وهو ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لم يَجْرِ في الْحَوْلِ وَبَعْدَ تَمَامِ النِّصَابِ من الْأُمَّهَاتِ فَلَوْ مَلَكَ مَاشِيَةً دُونَ النِّصَابِ ثُمَّ تَوَالَدَتْ فَبَلَغَتْ بِالنِّتَاجِ نِصَابًا فَالْحَوْلُ يَبْدَأُ من وَقْتِ كَمَالِ النِّصَابِ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ بها تَمَّ النِّصَابُ فَيَبْدَأُ الْحَوْلُ من وَقْتِ التَّمَامِ كَالْمُسْتَفَادِ بِالشِّرَاءِ وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ مِلْكِهِ له بِسَبَبِ مِلْكِ الْأُمَّهَاتِ بِخِلَافِ ما لو أَوْصَى الْمُوصَى له بِالْحَمْلِ بِهِ لِمَالِكِ الْأُمَّهَاتِ وَمَاتَ ثُمَّ حَصَلَ النِّتَاجُ
____________________
(1/352)
فَيُزَكِّي لِحَوْلِ الْأُمَّهَاتِ وَإِنْ لم يَبْقَ منها شَيْءٌ لِمَوْتٍ أو غَيْرِهِ
وَالنِّتَاجُ نِصَابٌ لِأَنَّ الْوَلَدَ إذَا تَبِعَ الْأُمَّ في الْحُكْمِ لم يَنْقَطِعْ الْحُكْمُ بِمَوْتِهَا كَالْأُضْحِيَّةِ وَالْأَصْلُ في زَكَاتِهِ أَمْرُ عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه سَاعِيَهُ بِأَنْ يَعْتَدَّ عليهم بِالسَّخْلَةِ التي يَرُوحُ بها الرَّاعِي على يَدَيْهِ رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَيُوَافِقُهُ أَنَّ الْمَعْنَى في اشْتِرَاطِ الْحَوْلِ أَنْ يَحْصُلَ النَّمَاءُ وَالنِّتَاجُ نَمَاءً عَظِيمًا فَيَتْبَعُ الْأُصُولَ في الْحَوْلِ وَاسْتَشْكَلَ إيجَابُ الزَّكَاةِ فيه بِمَا سَيَأْتِي من اشْتِرَاطِ السَّوْمِ في كَلَإٍ مُبَاحٍ وَيُجَابُ بِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ خَاصٌّ بِغَيْرِ النِّتَاجِ التَّابِعِ لِأُمِّهِ في الْحَوْلِ وَلَوْ سَلَّمَ عُمُومَهُ له فَاللَّبَنُ كَالْكَلَأِ لِأَنَّهُ نَاشِئٌ منه على أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ في الْكَلَأِ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا على ما يَأْتِي بَيَانُهُ وما مُلِكَ منه بِشِرَاءٍ وَنَحْوِهِ يُضَمُّ إلَى ما عِنْدَهُ في النِّصَابِ لِأَنَّهُ بِالْكَثْرَةِ فيه بَلَغَ حَدًّا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ لَا في الْحَوْلِ لِأَنَّهُ ليس في مَعْنَى النِّتَاجِ لِأَنَّهُ مُسْتَفَادٌ وهو أَصْلٌ بِنَفْسِهِ تَجِبُ الزَّكَاةُ في عَيْنِهِ فَيُفْرَدُ بِالْحَوْلِ كَالْمُسْتَفَادِ من غَيْرِ الْجِنْسِ فإذا مَلَكَ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً الْيَوْمَ وَعَشْرًا غَدًا زَكَّى ثَلَاثِينَ لِحَوْلِ الْيَوْمِ تَبِيعًا وعشرا لِغَدٍ أَيْ لِحَوْلِهِ وفي نُسْخَةٍ لِغَدِهِ رُبْعَ مُسِنَّةٍ لِأَنَّهَا خَالَطَتْ الثَّلَاثِينَ في جَمِيعِ حَوْلِهَا وَوَاجِبُ الْأَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ وَحِصَّةُ الْعَشْرِ رُبْعُهَا
ثُمَّ كُلُّ سَنَةٍ أَوَّلَ يَوْمٍ منها ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مُسِنَّةٍ لِلثَّلَاثِينَ وفي غَدٍ رُبْعُهَا لِلْعَشْرِ وإذا مَلَكَ إبِلًا عِشْرِينَ ثُمَّ اشْتَرَى في أَثْنَاءِ الْحَوْلِ عَشْرًا فَعَلَيْهِ لِحَوْلِ الْعِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَلِحَوْلِ الْعَشْرِ ثُلُثُ بِنْتِ مَخَاضٍ ثُمَّ عليه كُلَّ حَوْلٍ بِنْتُ مَخَاضٍ ثُلُثَاهَا لِحَوْلِهَا أَيْ الْعِشْرِينَ وَثُلُثٌ لِحَوْلِ الشِّرَاءِ وَقِسْ عليه فَلَوْ كان الْمُشْتَرَى في هذه خَمْسًا فَعَلَيْهِ لِحَوْلِ الْعِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَلِحَوْلِ الْخَمْسِ خُمْسُ بَنَاتِ مَخَاضٍ ثُمَّ كُلَّ حَوْلٍ بِنْتُ مَخَاضٍ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِحَوْلِ الْعِشْرِينَ وَخُمْسُهَا لِحَوْلِ الشِّرَاءِ وَهَذَا كما ما مَرَّ في طُرُقِ الْخُلْطَةِ على الِانْفِرَادِ يَجِبُ في السَّنَةِ الْأُولَى زَكَاةُ الِانْفِرَادِ وَبَعْدَهَا زَكَاةُ الْخُلْطَةِ وَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ اشْتَرَى كما في التي قَبْلَهَا كان أَعَمَّ وَأَخْصَرَ
فَرْعٌ خُرُوجُ بَعْضِ الْجَنِينِ في الْحَوْلِ وقد تَمَّ قبل انْفِصَالِهِ لَا يُؤَثِّرُ أَيْ لَا حُكْمَ له كَنَظَائِرِهِ فَلَوْ قال الْمَالِكُ نُتِجَتْ بَعْدَ الْحَوْلِ أو هِيَ أَيْ السِّخَالُ وَلَوْ قال هو أَيْ النِّتَاجُ كان أَوْلَى شِرَاءٌ أَيْ مُشْتَرَاةٌ أو نَحْوَهُ وَخَالَفَهُ السَّاعِي صُدِّقَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ما ادَّعَاهُ السَّاعِي وَعَدَمُ الْوُجُوبِ وَإِنْ اُتُّهِمَ حَلَفَ احْتِيَاطًا لِحَقِّ الْمُسْتَحِقِّينَ وَحَلِفُهُ مَنْدُوبٌ لَا وَاجِبٌ كما سَيَأْتِي في آخِرِ قِسْمِ الصَّدَقَاتِ وَإِنْ هَلَكَتْ وَاحِدَةٌ من النِّصَابِ وَنُتِجَتْ وَاحِدَةٌ منه مَعًا أو شَكَّ هل وَقَعَا أَيْ الْهَلَاكُ وَالنِّتَاجُ مَعًا أو لَا لم يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ لِأَنَّهُ في الْأُولَى لم يُخِلَّ من نِصَابٍ وَالْأَصْلُ في الثَّانِيَةِ بَقَاءُ الْحَوْلِ الشَّرْطُ الرَّابِعُ بَقَاءُ الْمِلْكِ في الْمَاشِيَةِ جَمِيعَ الْحَوْلِ فَمَنْ بَاعَ الْمَاشِيَةَ أو بَادَلَ بها غَيْرَهَا من جِنْسِهَا أو غَيْرِهِ في أَثْنَاءِ الْحَوْلِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ لِأَنَّهُ مِلْكٌ جَدِيدٌ فَلَا بُدَّ له من حَوْلٍ جَدِيدٍ وَكَذَا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَإِنْ كان الْمَالِكُ صَيْرَفِيًّا بَادَلَ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّهَا فيها ضَعِيفَةٌ نَادِرَةٌ وَالزَّكَاةُ الْوَاجِبَةُ زَكَاةُ عَيْنٍ بِخِلَافِهَا في الْعَرْضِ قال الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ يُسْتَثْنَى من هذا الشَّرْطِ ما لو مَلَكَ نِصَابًا من النَّقْدِ ثُمَّ أَقْرَضَهُ غَيْرَهُ فَلَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ فَإِنْ كان مَلِيًّا أو عَادَ إلَيْهِ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ آخِرَ الْحَوْلِ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَجَعَلَهُ أَصْلًا مَقِيسًا عليه انْتَهَى وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَكَذَا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِقَوْلِهِ وَكَذَا لو بَادَلَ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ أو بِالْوَرِقِ وَيُكْرَهُ ذلك أَيْ كُلٌّ من الْبَيْعِ وَالْمُبَادَلَةِ فِرَارًا من الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ فِرَارٌ من الْقُرْبَةِ بِخِلَافِ ما إذَا كان لِحَاجَةٍ أو لها وَلِلْفِرَارِ أو مُطْلَقًا على ما أَفْهَمَهُ كَلَامُهُمْ فَلَوْ عَاوَضَ غَيْرَهُ بِأَنْ أَخَذَ منه تِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا بِتِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا من عِشْرِينَ دِينَارًا زَكَّى الدِّينَارَ لِحَوْلِهِ وَتِلْكَ أَيْ
____________________
(1/353)
التِّسْعَةَ عَشَرَ لِحَوْلِهَا وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ هذا في الْمُبَادَلَةِ الصَّحِيحَةِ أَمَّا الْمُبَادَلَةُ الْفَاسِدَةُ فَلَا تَقْطَعُ الْحَوْلَ وَإِنْ اتَّصَلَتْ بِالْقَبْضِ لِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ
فَرْعٌ لو بَاعَ النِّصَابَ قبل تَمَامِ حَوْلِهِ ثُمَّ رُدَّ عليه بِعَيْبٍ أو أَقَالَهُ اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ من حِينِ الرَّدِّ وَلَوْ كان الرَّدُّ قبل الْقَبْضِ لِتَجَدُّدِ مِلْكِهِ فَإِنْ حَالَ الْحَوْلُ قبل الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ امْتَنَعَ الرَّدُّ في الْحَالِ لِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالْمَالِ فَهُوَ عَيْبٌ حَادِثٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي من حَيْثُ إنَّ لِلسَّاعِي أَخْذَهَا من عَيْنِ الْمَالِ لو تَعَذَّرَ أَخْذُهَا من الْمُشْتَرِي وَالتَّأْخِيرُ أَيْ تَأْخِيرُ الرَّدِّ لِإِخْرَاجِهَا لَا يَبْطُلُ بِهِ الرَّدُّ قبل التَّمَكُّنِ من أَدَائِهَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ من الرَّدِّ قَبْلَهُ فَإِنْ سَارَعَ إلَى إخْرَاجِهَا أو لم يَعْلَمْ بِهِ أَيْ بِالْعَيْبِ إلَّا بَعْدَ إخْرَاجِهَا نُظِرَتْ فَإِنْ أَخْرَجَهَا منه أَيْ من الْمَالِ وَالْوَاجِبُ من جِنْسِهِ أو من غَيْرِهِ بِأَنْ بَاعَ منه قَدْرَهَا وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ وَاجِبَهُ بُنِيَ الرَّدُّ أَيْ جَوَازُهُ على تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ في الرَّدِّ بِعَيْبٍ وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ فَالْأَصَحُّ لَا رَدَّ فَإِنْ قُلْنَا لَا رَدَّ فَلَهُ الْأَرْشُ وَإِنْ كان الْمُخْرَجُ بَاقِيًا بِيَدِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِالْتِحَاقِ نَقْصِ الْمَالِ عِنْدَهُ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ وَقِيلَ لَا أَرْشَ له إنْ كان الْمُخْرَجُ بَاقِيًا بِيَدِهِمْ لِأَنَّهُ قد يَعُودُ إلَى مِلْكِهِ فَيُرَدُّ الْجَمِيعُ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ تَبَعًا لِلْمَجْمُوعِ من زِيَادَتِهِ أو أَخْرَجَهَا من غَيْرِهِ رُدَّ إذْ لَا شَرِكَةَ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ جَوَازِ الْأَدَاءِ من مَالٍ آخَرَ
فَرْعٌ وَإِنْ بَاعَهُ أَيْ النِّصَابَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَحَكَمْنَا بِأَنَّ الْمَالِكَ في زَمَنِهِ لِلْبَائِعِ بِأَنْ كان الْخِيَارُ له أو مَوْقُوفٌ بِأَنْ كان لَهُمَا وَفُسِخَ الْعَقْدُ فِيهِمَا لم يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ لِعَدَمِ تَجَدُّدِ الْمِلْكِ وَإِنْ تَمَّ الْحَوْلُ في مُدَّةِ الْخِيَارِ في الْأُولَى مُطْلَقًا أو في الثَّانِيَةِ وَفُسِخَ الْعَقْدُ زَكَّاهُ أَيْ الْمَبِيعَ وَإِنْ وفي نُسْخَةٍ أو كان الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ فُسِخَ اسْتَأْنَفَ الْبَائِعُ الْحَوْلَ وَإِنْ أَجَازَ فَالزَّكَاةُ عليه وَحَوْلُهُ من الْعَقْدِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَيُفَارِقُ هذا عَدَمَ وُجُوبِهَا في مَالِ الْمُرْتَدِّ إذَا حَالَ عليه حَوْلٌ قبل مَوْتِهِ مُرْتَدًّا بِأَنَّ الْمِلْكَ ثَمَّ لم يَحْصُلْ لِمُعَيَّنٍ بِخِلَافِهِ هُنَا
فَرْعٌ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفٌ كما في بُضْعِ زَوْجَتِهِ وَكَذَا وفي نُسْخَةٍ وَكَذَلِكَ حَوْلُهُ وَزَكَاتُهُ مَوْقُوفَانِ فَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ تَبَيَّنَّا بَقَاءَ مِلْكِهِ وَحَوْلِهِ وَوُجُوبُ زَكَاتِهِ عليه عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُ في أَوَّلِ هذا الْكِتَابِ وَالتَّصْرِيحُ بِتَرْجِيحِ أَنَّ ما ذُكِرَ مَوْقُوفٌ من زِيَادَتِهِ هُنَا فإذا مَاتَ الْمَالِكُ في أَثْنَاءِ الْحَوْلِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ وَاسْتَأْنَفَ الْوَارِثُ حَوْلَهُ من وَقْتِ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ وَقْتُ مِلْكِهِ كما لو مَلَكَ بِالشِّرَاءِ وَغَيْرِهِ كَالسَّائِمَةِ فَلَا يَسْتَأْنِفُ الْوَارِثُ حَوْلَهَا من الْمَوْتِ بَلْ لَا يَسْتَأْنِفُهُ حتى يَقْصِدَ إسَامَتَهَا لِمَا سَيَأْتِي أنها شَرْطٌ وَلَا يَسْتَأْنِفُ لِعُرُوضِ تِجَارَةٍ ما لم يَتَصَرَّفْ فيها بِقَصْدِ التِّجَارَةِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ شَرْطٌ
الشَّرْطُ الْخَامِسُ السَّوْمُ لِمَا مَرَّ في خَبَرِ أَنَسٍ من التَّقْيِيدِ بِسَائِمَةِ الْغَنَمِ وَقِيسَ بها الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وفي خَبَرِ أبي دَاوُد وَغَيْرِهِ في كل سَائِمَةٍ إبِلٌ من أَرْبَعِينَ بِنْتَ لَبُونٍ
قال الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَاخْتَصَّتْ السَّائِمَةُ بِالزَّكَاةِ لِتَوَفُّرِ مُؤْنَتِهَا بِالرَّعْيِ في كَلَإٍ مُبَاحٍ على ما يَأْتِي بَيَانُهُ فَلَوْ عَلَفَهَا في أَثْنَاءِ الْحَوْلِ قَدْرًا أَيْ زَمَنًا إنْ لم تُطْعَمْ فيه هَلَكَتْ أو بَانَ ضَرَرُهَا أَيْ لَحِقَهَا ضَرَرٌ بَيِّنٌ كَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ انْقَطَعَ الْحَوْلُ لِكَثْرَةِ الْمُؤْنَةِ وَلَا أَثَرَ لِمَا دُونَهُ لِقِلَّتِهَا إلَّا إنْ قُصِدَ بِهِ قَطْعُ السَّوْمِ وكان مِمَّا يَتَمَوَّلُ كما يُؤْخَذُ من كَلَامِ الْأَصْلِ وَلَا أَثَرَ لِمُجَرَّدِ نِيَّةِ الْعَلْفِ بِإِسْكَانِ اللَّامِ مَصْدَرٌ وَلَوْ وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ اشْتَرَى كَلَأً وَرَعَاهَا فيه فَسَائِمَةٌ كَذَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ قال كما لو وُهِبَ له حَشِيشٌ فَأَطْعَمَهَا إيَّاهُ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَلَوْ أَسْمَيْت في كَلَإٍ مَمْلُوكٍ فَهَلْ هِيَ سَائِمَةٌ أو مَعْلُوفَةٌ وَجْهَانِ وَهِيَ صَادِقَةٌ بِالْمَمْلُوكِ بِالشِّرَاءِ وَبِغَيْرِهِ وهو مُشْكِلٌ وفي الشِّرَاءِ أَشْكَلَ لَا جُرْمَ رَجَّحَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ من الْوَجْهَيْنِ أنها مَعْلُوفَةٌ لِوُجُودِ الْمُؤْنَةِ وَرَجَّحَ السُّبْكِيُّ أنها سَائِمَةٌ إنْ لم يَكُنْ لِلْكَلَإِ قِيمَةٌ أو كانت قِيمَتُهُ يَسِيرَةً لَا يُعَدُّ مِثْلُهَا كُلْفَةً في مُقَابَلَةِ نَمَائِهَا وَإِلَّا فَمَعْلُومَةٌ وَالْمُصَنِّفُ تَبِعَ فِيمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ فَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَتِهِ وَالْمُنَاسِبُ لِمَا قَالَهُ فِيمَا يَأْتِي في الْمُعَشَّرَاتِ من أَنَّ فِيمَا سُقِيَ بِمَا اشْتَرَاهُ أو اتَّهَبَهُ نِصْفَ الْعُشْرِ كما لو سُقِيَ بِالنَّاضِحِ وَنَحْوِهِ أَنَّ الْمَاشِيَةَ هُنَا مَعْلُوفَةٌ بِجَامِعِ كَثْرَةِ الْمُؤْنَةِ وهو الْأَوْجَهُ نعم إنْ حُمِلَ الْكَلَأُ على ما لَا قِيمَةَ له وهو الشِّقُّ الْأَوَّلُ من كَلَامِ السُّبْكِيّ فَقَرِيبٌ وَإِنَّمَا لم أَحْمِلْهُ على الثَّانِي من كَلَامِهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْتِي على وَجْهٍ ضَعِيفٍ في مَسْأَلَةِ الْعَلْفِ في أَثْنَاءِ الْحَوْلِ حَكَاهُ الْأَصْلُ مع ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ وَصَحَّحَ منها في الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ ما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ لَا أَنَّ جَرَّهُ وَأَطْعَمَهَا إيَّاهُ وَلَوْ في الْمَرْعَى فَلَيْسَتْ سَائِمَةً هذا من زِيَادَتِهِ وَبِهِ أَفْتَى
____________________
(1/354)
الْقَفَّالُ قال وَلَوْ رَعَاهَا وَرَقًا تَنَاثَرَ فَسَائِمَةٌ فَلَوْ جُمِعَ وَقُدِّمَ لها فَمَعْلُوفَةٌ
فَرْعٌ لَا زَكَاةَ في الْعَامِلَةِ في حَرْثٍ أو غَيْرِهِ وَلَوْ مُحَرَّمًا وَإِنْ أُسْمِيَتْ لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَ ابن الْقَطَّانِ إسْنَادَهُ
ليس في الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ شَيْءٌ وَلِأَنَّهَا لَا تُقْتَنَى لِلنَّمَاءِ بَلْ لِلِاسْتِعْمَالِ كَثِيَابِ الْبُدْنِ وَمَتَاعِ الدَّارِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَسْتَعْمِلَهَا الْقَدْرَ الذي لو عَلَفَهَا فيه سَقَطَتْ الزَّكَاةُ كما نَقَلَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ عن الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَةَ في مُحَرَّمٍ وَبَيْنَ الْحُلِيِّ الْمُسْتَعْمَلِ فيه بِأَنَّ الْأَصْلَ فيها الْحِلَّ وفي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْحُرْمَةَ إلَّا ما رَخَّصَ فإذا اُسْتُعْمِلَتْ الْمَاشِيَةُ في الْمُحَرَّمِ رَجَعَتْ إلَى أَصْلِهَا وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْفِعْلِ الْخَسِيسِ وإذا اُسْتُعْمِلَ الْحُلِيُّ في ذلك فَقَدْ اُسْتُعْمِلَ في أَصْلِهِ وَلَوْ اعْتَلَفَتْ السَّائِمَةُ بِنَفْسِهَا أو عَلَفَهَا الْغَاصِبُ لها الْقَدْرَ الْمُؤَثِّرَ من الْعَلَفِ فِيهِمَا انْقَطَعَ الْحَوْلُ لِعَدِمِ السَّوْمِ وَكَالْغَاصِبِ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا وَلَوْ سُلِّمَتْ الْمَعْلُوفَةُ بِنَفْسِهَا أو بِالْغَاصِبِ أو الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا لم تَجِبْ الزَّكَاةُ لِعَدَمِ إسَامَةِ الْمَالِكِ فَالْعِبْرَةُ بِإِسَامَةِ الْمُعَبِّرِ عنها في الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ بِقَصْدِ السَّوْمِ
وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ قَصْدُهُ دُونَ قَصْدِ الِاعْتِلَافِ لِأَنَّ السَّوْمَ يُؤَثِّرُ في وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَاعْتُبِرَ قَصْدُهُ
وَالِاعْتِلَافُ يُؤَثِّرُ في سُقُوطِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ قَصْدُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِهَا وَنَظِيرُ ذلك اعْتِبَارُ الْقَصْدِ في ابْتِدَاءِ سَفَرِ الرُّخْصَةِ دُونَ انْتِهَائِهِ بِوُصُولِهِ إلَى مَقْصِدِهِ أو رُجُوعِهِ إلَى وَطَنِهِ وَتَجِبُ الزَّكَاةُ في ما يَتَعَذَّرُ الْإِخْرَاجُ منه نحو الضَّالِّ وَالْمَغْصُوبِ وَالْمَرْهُونِ وَالْغَائِبِ وما اشْتَرَاهُ وَتَمَّ حَوْلُهُ قبل الْقَبْضِ أو حُبِسَ هو دُونَهُ أَيْ عنه بِأَسْرٍ وَنَحْوِهِ لِمِلْكِ النِّصَابِ وَحَوَلَانِ الْحَوْلِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْإِخْرَاجُ لِزَكَاةِ ذلك عِنْدَ التَّمَكُّنِ من أَخْذِهِ فَيُخْرِجُهَا عن الْأَحْوَالِ الْمَاضِيَةِ وَلَوْ تَلِفَتْ قبل التَّمَكُّنِ سَقَطَتْ
فَرْعٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ في كل دَيْنٍ لَازِمٍ وَلَوْ مُؤَجَّلًا من نَقْدٍ وَعَرْضِ تِجَارَةٍ كَالْأَعْيَانِ لَا مَاشِيَةٍ لِامْتِنَاعِ سَوْمِ ما في الذِّمَّةِ
وَاعْتَرَضَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ يُتَعَرَّضُ في السَّلَمِ في اللَّحْمِ لِكَوْنِهِ لَحْمَ رَاعِيَةٍ أو مَعْلُوفَةٍ فإذا جَازَ أَنْ يُثْبِتَ في الذِّمَّةِ لَحْمَ رَاعِيَةٍ جَازَ أَنْ يُثْبِتَ فيها رَاعِيَةً
قال وَالْأَصَحُّ في التَّعْلِيلِ كَوْنُهُ لَا نَمَاءَ فيه وَلَا مُعَدًّا لِلْإِخْرَاجِ وَضَعَّفَ الْقُونَوِيُّ اعْتِرَاضَهُ بِأَنَّ لِلْمُدَّعِي امْتِنَاعَ ذلك تَحْقِيقًا لَا تَقْدِيرًا ولا نَحْوَهَا وهو الْمُعَشَّرَاتُ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ زَكَاتِهَا الزَّهْوُ في مِلْكِهِ ولم يُوجَدْ
وَتَعْبِيرُهُ بِنَحْوِهَا الْمُوَافِقُ لِتَعْبِيرِ الْإِسْنَوِيِّ بِالْمُعَشَّرَاتِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِالْحِنْطَةِ وَخَرَجَ بِاللَّازِمِ وَغَيْرِهِ كَدَيْنِ الْكِتَابَةِ فَلَا زَكَاةَ فيه لِقُدْرَةِ الْغَيْرِ على إسْقَاطِهِ فَإِنْ كان الدَّيْنُ حَالًّا على مَلِيءٍ بَاذِلٍ أو جَاحِدٍ عليه بَيِّنَةٌ أو يَعْلَمُهُ الْقَاضِي كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لَزِمَ إخْرَاجُهَا في الْحَالِ لِتَمَكُّنِهِ منه وَلَا بِأَنْ كان مُؤَجَّلًا وَلَوْ على مَلِيءٍ بَاذِلٍ أو حَالًّا على مُعْسِرٍ أو غَائِبٍ أو مُمَاطِلٍ أو جَاحِدٍ وَلَا بَيِّنَةَ ولم يَعْلَمْهُ الْقَاضِي فَعِنْدَ الْقُدْرَةِ على الْقَبْضِ يَلْزَمُ
____________________
(1/355)
إخْرَاجُهَا كَالضَّالِّ وَنَحْوِهِ مِمَّا مَرَّ وَلَوْ ضَلَّتْ شَاةٌ من أَرْبَعِينَ شَاةً فَوَجَدَهَا في أَثْنَاءِ الْحَوْلِ بَنَى أو بَعْدَهُ زَكَّى الْأَرْبَعِينَ بِنَاءً على ما مَرَّ من أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ في الضَّالِّ
فَرْعٌ زَكَاةُ اللُّقَطَةِ على الْمَالِكِ لها لِبَقَائِهَا على مِلْكِهِ ما لم يَتَمَلَّكْهَا الْمُلْتَقِطُ فَإِنْ تَمَلَّكَهَا لَزِمَتْهُ زَكَاتُهَا وَإِنْ لم يَقْدِرْ على غُرْمِ قِيمَتِهَا من غَيْرِهَا بِأَنْ لم يَمْلِكْ غَيْرَهَا أو مَلَكَهُ وَتَعَذَّرَ الْغُرْمُ منه ثُمَّ الْمَالِكُ مُسْتَحَقٌّ عليه قِيمَتُهَا فَلَهُ الْأَوْلَى فَلَهَا حُكْمُ دَيْنٍ آخَرَ اسْتَحَقَّهُ عليه فَتَجِبُ فيها الزَّكَاةُ وَيَجِبُ الْإِخْرَاجُ عِنْدَ التَّمَكُّنِ كما أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُ الْأَصْلِ فَفِي وُجُوبِ زَكَاةِ الْقِيمَةِ عليه خِلَافٌ من وَجْهَيْنِ كَوْنُهَا دَيْنًا وَكَوْنُهَا مَالًا ضَالًّا
فَرْعٌ وفي نُسْخَةٍ فَصْلٌ من اسْتَغْرَقَ دَيْنُهُ الذي عليه النِّصَابُ أو لم يَسْتَغْرِقُهُ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى لَزِمَهُ زَكَاتُهُ سَوَاءٌ كان لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لِآدَمِيٍّ لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ وَلِأَنَّ مَالَهُ لَا يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ إلَى الدَّيْنِ وَإِنْ حُجِرَ عليه فَكَالْمَغْصُوبِ فَتَجِبُ زَكَاتُهُ وَلَا يَجِبُ الْإِخْرَاجُ إلَّا عِنْدَ التَّمَكُّنِ
فَإِنْ عُيِّنَ لِكُلِّ غَرِيمٍ شَيْءٌ على ما يَقْتَضِيهِ التَّقْسِيطُ وَتَمَكَّنَ من أَخْذِهِ وَحَالَ عليه الْحَوْلُ ولم يَأْخُذْهُ فَلَا زَكَاةَ فيه عليهم لِعَدِمِ مِلْكِهِمْ وَلَا على الْمَالِكِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ وَكَوْنِهِمْ أَحَقَّ بِهِ وهو ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا أَخَذُوهُ بَعْدَ الْحَوْلِ فَلَوْ تَرَكُوهُ له فَيَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُ الزَّكَاةُ لِتَبَيُّنِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ ثُمَّ عَدَمِ لُزُومِهَا عليه
قال السُّبْكِيُّ إنَّهُ ظَاهِرٌ إنْ كان مَالُهُ من جِنْسِ دَيْنِهِمْ وَإِلَّا فَكَيْفَ يُمَكِّنُهُمْ من أَخْذِهِ بِلَا بَيْعٍ أو تَعْوِيضٍ قال وقد صَوَّرَهَا بِذَلِكَ الشَّيْخُ أبو مُحَمَّدٍ في السِّلْسِلَةِ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ في بَابِ الْحَجْرِ يَقْتَضِيهِ
فَرْعٌ لو مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاسْتَأْجَرَ من يَرْعَاهَا بِشَاةٍ منها مُعَيَّنَةٍ ولم يَنْقُلْهَا أَيْ يُفْرِدْهَا فَحَالَ الْحَوْلُ لَزِمَهُمَا شَاةٌ على الرَّاعِي منها رُبْعُ عُشْرِهَا وَالْبَاقِي على الْمُسْتَأْجِرِ وَإِنْ أَفْرَدَهَا فَلَا زَكَاةَ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا أو بِشَاةٍ في الذِّمَّةِ لم يَمْنَعْ ذلك الْوُجُوبَ وفي نُسْخَةٍ لم يَمْتَنِعْ الْوُجُوبُ على الْمُسْتَأْجِرِ لِمَا مَرَّ من أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ
فَرْعٌ لو مَلَكَ نِصَابًا فَنَذَرَ التَّصَدُّقَ بِهِ أو بِشَيْءٍ منه أو جَعَلَهُ صَدَقَةً أو أُضْحِيَّةً قبل وُجُوبِ الزَّكَاةِ فيه فَلَا زَكَاةَ فيه لِعَدِمِ مِلْكِ النِّصَابِ وإذا نَذَرَ التَّصَدُّقَ أو الْأُضْحِيَّةَ بِنِصَابٍ أو بَعْضِهِ في الذِّمَّةِ كَقَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَرْبَعُونَ شَاةً سَائِمَةً تَصَدُّقًا أو أُضْحِيَّةً أو لَزِمَهُ الْحَجُّ يَمْنَعُ ذلك الزَّكَاةَ في مَالِهِ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ
غَايَتُهُ أَنَّ ذلك دَيْنٌ عليه وفي نُسْخَةٍ لم تَمْتَنِعْ الزَّكَاةُ وَحُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى كَالزَّكَاةِ وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِالذِّمَّةِ بِأَنْ تَلِفَ الْمَالُ بَعْدَ وُجُوبِهَا وَالْإِمْكَانِ ثُمَّ مَاتَ وَلَهُ مَالٌ وَالْكَفَّارَةُ وَالْحَجُّ وَالنَّذْرُ وَجَزَاءُ الصَّيْدِ إذَا اجْتَمَعَتْ مع دَيْنِ الْآدَمِيِّ في التَّرِكَةِ تَقَدَّمَ على الدَّيْنِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى وَلِأَنَّ مُصَرِّفَهَا أَيْضًا الْآدَمِيُّ فُقِدَتْ لِاجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ فيها وَيُسْتَثْنَى منه اجْتِمَاعُ الْجِزْيَةِ وَالدَّيْنِ فَالْأَصَحُّ اسْتِوَاؤُهُمَا كما سَيَأْتِي في بَابِهَا مع أنها حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَوْ اجْتَمَعَ حُقُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى
قال السُّبْكِيُّ فَالْوَجْهُ التَّسْوِيَةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ مَوْجُودًا فَتُقَدَّمَ الزَّكَاةُ انْتَهَى
وَظَاهِرٌ أَنَّ بَعْضَ النِّصَابِ كَالنِّصَابِ وَخَرَجَ بِالتَّرِكَةِ ما إذَا اجْتَمَعَا على حَيٍّ وَضَاقَ مَالُهُ عنهما وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إنْ كان مَحْجُورًا عليه قُدِّمَ حَقُّ الْآدَمِيِّ وَإِلَّا قُدِّمَتْ الزَّكَاةُ قَطْعًا فِيهِمَا
وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لم تَتَعَلَّقْ الزَّكَاةُ بِالْعَيْنِ وَإِلَّا قُدِّمَتْ مُطْلَقًا
فَرْعٌ لَا زَكَاةَ في الْغَنِيمَةِ على الْغَانِمِينَ قبل اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ وَلَوْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ أو ضَعْفِهِ وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِالْأَعْرَاضِ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْسِمَهَا قِسْمَةً تَحْكُمُ فَيَخُصُّ بَعْضَهُمْ بِبَعْضِ الْأَنْوَاعِ وَالْأَعْيَانِ وَمَتَى اخْتَارُوهُ ثُمَّ مَضَى حَوْلٌ قبل الْقِسْمَةِ وَالْغَنِيمَةُ صِنْفٌ زَكَوِيٌّ وَبَلَغَ نَصِيبُ كل وَاحِدٍ منهم أو نُصِيبُ الْجَمِيعِ بِحُكْمِ الْخُلْطَةِ نِصَابًا غير الْخُمْسِ وَجَبَتْ زَكَاتُهُ لِوُجُودِ شَرِّهَا فَإِنْ كانت أَصْنَافًا وَلَوْ زَكَوِيَّةً وَإِنْ بَلَغَ كُلٌّ مِنْهُمَا نِصَابًا لم تَجِبْ لِجَهْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا ما نَصِيبُهُ وَكَمْ نَصِيبُهُ فَيَكُونُ الْمَالِكُ غير مُعَيَّنٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَيِّ صِنْفٍ فُرِضَ وَهَذَا فُهِمَ من كَلَامِهِ السَّابِقِ كما فُهِمَ منه عَدَمُ وُجُوبِهَا فِيمَا إذَا كانت الْغَنِيمَةُ صِنْفًا غير زَكَوِيٍّ
____________________
(1/356)
أو زَكَوِيًّا لم يَبْلُغْ نِصَابًا كما في غَيْرِ مَالِ الْغَنِيمَةِ أو بَلَغَ بِالْخُمْسِ إذْ الْخُلْطَةُ لَا تَثْبُتُ مع أَهْلِهِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِمْ كَمَالِ بَيْتِ الْمَالِ من الْفَيْءِ وَمَالِ الْمَسَاجِدِ وَالرَّبْطِ
فَصْلٌ وَإِنْ أَصْدَقَهَا نِصَابَ سَائِمَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَحَالَ الْحَوْلُ عليه من يَوْمِ الْإِصْدَاقِ لَزِمَتْهَا الزَّكَاةُ مُطْلَقًا عن التَّقْيِيدِ بِقَبْضِهَا له وَعَنْ الدُّخُولِ بها لِأَنَّهَا مَلَكَتْهُ بِالْعَقْدِ وَخَرَجَ بِالْمُعَيَّنَةِ ما في الذِّمَّةِ فَلَا زَكَاةَ لِأَنَّ السَّوْمَ لَا يَثْبُتُ في الذِّمَّةِ كما مَرَّ بِخِلَافِ إصْدَاقِ النَّقْدَيْنِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَا في الذِّمَّةِ فإذا طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ بها وَبَعْدَ الْحَوْلِ رَجَعَ في نِصْفِ الْجَمِيعِ شَائِعًا إنْ أَخَذَ السَّاعِي الزَّكَاةَ من غَيْرِ الْعَيْنِ الْمُصْدَقَةِ أو لم يَأْخُذْ شيئا فَإِنْ طَالَبَهُ السَّاعِي بَعْدَ الرُّجُوعِ وَأَخَذَهَا منها أو كان قد أَخَذَهَا منها قبل الرُّجُوعِ في بَقِيَّتِهَا رَجَعَ أَيْضًا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْمُخْرَجِ وَإِنْ طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ وَقَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ عَادَ إلَيْهِ نِصْفُهَا وَلَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا نِصْفُ شَاةٍ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ إنْ دَامَتْ الْخُلْطَةُ وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِعَدَمِ تَمَامِ النِّصَابِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ
فَصْلٌ لو آجَرَ غَيْرَهُ دَارًا أَرْبَعَ سِنِينَ بِمِائَةِ دِينَارٍ مُعَيَّنَةٍ أو في الذِّمَّةِ وَسَلَّمَهَا الْغَيْرَ إلَيْهِ لم يُزَكِّ يَعْنِي لم يَلْزَمْهُ أَنْ يُخْرِجَ إلَّا زَكَاةَ ما اسْتَقَرَّ عليه مِلْكُهُ لِأَنَّ ما لم يَسْتَقِرَّ مُعَرَّضٌ لِلسُّقُوطِ بِانْهِدَامِ الدَّارِ فَمِلْكُهُ ضَعِيفٌ وَإِنْ حَلَّ وَطْءُ الْجَارِيَةِ الْمَجْعُولَةِ أُجْرَةً لِأَنَّ الْحِلَّ لَا يَتَوَقَّفُ على ارْتِفَاعِ الضِّعْفِ من كل وَجْهٍ وَفَارَقَ ذلك ما مَرَّ في مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ تُسْتَحَقُّ في مُقَابَلَةِ الْمَنَافِعِ فَبِفَوَاتِهَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ من أَصْلِهِ بِخِلَافِ الصَّدَاقِ وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ قبل الدُّخُولِ وَإِنْ لم تُسَلَّمْ الْمَنَافِعُ لِلزَّوْجِ وَتَشْطُرُهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِتَصَرُّفِ الزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ فَيُزَكِّي في السَّنَةِ الْأُولَى أَيْ عنها خَمْسَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا لِأَنَّهَا التي اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عليها وفي الثَّانِيَةِ يُزَكِّي خَمْسِينَ دِينَارًا لِسَنَتَيْنِ وَهِيَ الْخَمْسَةُ وَالْعِشْرُونَ التي زَكَّاهَا وَالْخَمْسَةُ وَالْعِشْرُونَ التي اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عليها الْآنَ ولكن يَحُطُّ عنه من زَكَاتِهَا وَهِيَ دِينَارَانِ وَنِصْفٌ ما أَدَّى عن الْأُولَى وهو خَمْسَةُ أَثْمَانِ دِينَارٍ فَيَلْزَمُهُ الْآنَ دِينَارٌ وَسَبْعَةُ أَثْمَانِ دِينَارٍ وفي الثَّالِثَةِ يُزَكِّي خَمْسَةً وَسَبْعِينَ دِينَارًا لِثَلَاثٍ من السِّنِينَ ولكن يَحُطُّ عنه من زَكَاتِهَا وَهِيَ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ وَخَمْسَةُ أَثْمَانِ دِينَارٍ ما أَدَّى عن الْأَوَّلِيَّيْنِ فَيَلْزَمُهُ الْآنَ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ وَثُمْنُ دِينَارٍ وفي الرَّابِعَةِ يُزَكِّي الْمِائَةَ لِأَرْبَعِ سِنِينَ ولكن يَحُطُّ عنه من زَكَاتِهَا وَهِيَ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ ما أَدَّى عن الثَّلَاثِ فَيَلْزَمُهُ الْآنَ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَثَلَاثَةُ أَثْمَانِ دِينَارٍ وقد يُعَبَّرُ عن ذلك بِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَيُقَالُ يُخْرِجُ لِتَمَامِ السَّنَةِ الْأُولَى زَكَاةَ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ لِسَنَةٍ وَلِتَمَامِ الثَّانِيَةِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ لِسَنَتَيْنِ وَزَكَاةَ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ الْأُولَى لِسَنَةٍ وَلِتَمَامِ الثَّالِثَةِ زَكَاةَ الْخَمْسِينَ لِسَنَةٍ وَزَكَاةَ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ الْأُخْرَى لِثَلَاثِ سِنِينَ وَلِتَمَامِ الرَّابِعَةِ زَكَاةَ الْخَمْسَةِ وَالسَّبْعِينَ لِسَنَةٍ وَزَكَاةَ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ لِأَرْبَعِ سِنِينَ هذا إذَا أَدَّى الزَّكَاةَ من غَيْرِ ذلك فَإِنْ أَدَّى الزَّكَاةَ من عَيْنِهِ زَكَّى كُلَّ سَنَةٍ ما ذَكَرْنَاهُ نَاقِصًا قَدْرَ ما أَخْرَجَ عَمَّا قَبْلَهَا تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا قد اسْتَدْرَكَ الرَّافِعِيُّ هُنَا نَقْلًا عن الْأَكْثَرِينَ اسْتِدْرَاكًا صَحِيحًا وَذَلِكَ أَنَّهُ بِالسَّنَةِ الثَّانِيَةِ يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ على رُبْعِ الْمِائَةِ الذي هو حِصَّتُهَا وَلَهُ في مِلْكِهِ سَنَتَانِ وَإِنَّمَا لم يُخْرِجْ عنه زَكَاةَ السَّنَةِ الْأُولَى عَقِبَ انْقِضَائِهَا لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ إذْ ذَاكَ فَيَكُونُ قد مَلَكَ الْمُسْتَحِقُّونَ منه نِصْفَ وَثُمْنَ دِينَارٍ فَتَسْقُطُ حِصَّةُ ذلك وَهَكَذَا قِيَاسُ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ وقد بَسَطَ الْقَوْلَ في هذا الِاسْتِدْرَاكِ فقال ثُمَّ الْقَاطِعُونَ بِالْوُجُوبِ قد غَاصُوا فَقَالُوا كَذَا وَكَذَا إلَى آخِرِهِ وقد نَبَّهَ الْإِسْنَوِيُّ على ذلك قال وقد ذَهِلَ في الرَّوْضَةِ عنه وَاقْتَصَرَ على ما مَرَّ فَحَصَلَ الْغَلَطُ ثُمَّ عَزَاهُ إلَى شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ثَانِيهِمَا إذَا أَدَّى الزَّكَاةَ من مَحَلٍّ آخَرَ كما مَرَّ فَأَوَّلُ الْحَوْلِ الثَّانِي في رُبْعِ الْمِائَةِ بِكَمَالِهِ من حِينِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ لَا من أَوَّلِ السَّنَةِ لِأَنَّهُ بَاقٍ على مِلْكِهِمْ إلَى حِينِ الْأَدَاءِ ثُمَّ مَحَلُّ ما مَرَّ إذَا تَسَاوَتْ أُجْرَةُ السِّنِينَ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ أُجْرَةُ السِّنِينَ فَكُلٌّ منها بِحِسَابِهِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ إذَا انْفَسَخَتْ تُوَزَّعُ الْأُجْرَةُ الْمُسَمَّاةُ على أُجْرَةِ الْمِثْلِ في الْمُدَّتَيْنِ الْمَاضِيَةِ وَالْمُسْتَقْبِلَةِ
فَرْعٌ قال في الْمَجْمُوعِ لو انْهَدَمَتْ الدَّارُ في أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ فَقَطْ وَتَبَيَّنَّا اسْتِقْرَارَ مِلْكِهِ على قِسْطِ الْمَاضِي وَالْحُكْمُ في الزَّكَاةِ كما مَرَّ قال الْمَاوَرْدِيُّ
____________________
(1/357)
وَالْأَصْحَابُ فَلَوْ كان أَخْرَجَ زَكَاةَ جَمِيعِ الْأُجْرَةِ قبل الِانْهِدَامِ لم يَرْجِعْ بِمَا أَخْرَجَهُ منها عِنْدَ اسْتِرْجَاعِ قِسْطِ ما بَقِيَ لِأَنَّ ذلك حَقٌّ لَزِمَهُ في مِلْكِهِ فلم يَكُنْ له الرُّجُوعُ بِهِ على غَيْرِهِ فَرْعٌ لِلثَّمَنِ الْمَقْبُوضِ قبل قَبْضِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ حُكْمُ الْأُجْرَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ ما لم يَسْتَقِرَّ مِلْكُهُ عليه لِأَنَّ الثَّمَنَ قبل قَبْضِ الْمَبِيعِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ بِخِلَافِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ بَعْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ وَإِنْ لم يَقْبِضْ الْمُسْلَمَ فيه إذْ بِقَبْضِهِ يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ عليه بِنَاءً على أَنَّ تَعَذُّرَ الْمُسْلَمِ فيه لَا يُوجِبُ انْفِسَاخَ الْعَقْدِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّعْلِيلِ من زِيَادَتِهِ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْمَبِيعِ قبل قَبْضِهِ ثُمَّ لو تَأَخَّرَ الْقَبُولُ في الْوَصِيَّةِ عن الْمَوْتِ حتى حَالَ الْحَوْلُ بَعْدَ الْمَوْتِ لم يَلْزَمْ أَحَدًا زَكَاتُهَا فَلَا يَلْزَمُ الْمُوصِيَ لِخُرُوجِهَا عن مِلْكِهِ وَلَا الْوَارِثَ لِضَعْفِ مِلْكِهِ وَلَا الْمُوصَى له لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ وَفَارَقَ لُزُومُهَا الْمُشْتَرِيَ إذَا تَمَّ الْحَوْلُ في زَمَنِ الْخِيَارِ وَأُجِيزَ الْعَقْدُ كما مَرَّ بِأَنَّ وَضْعَ الْبَيْعِ على اللُّزُومِ وَتَمَامِ الصِّيغَةِ وُجِدَ فيه من ابْتِدَاءِ الْمِلْكِ بِخِلَافِهِمَا هُنَا
بَابُ أَدَاءِ الزَّكَاةِ أَدَاؤُهَا في وَقْتِهَا عِنْدَ التَّمَكُّنِ منه وَاجِبٌ على الْفَوْرِ لِلْأَمْرِ بِهِ مع نِجَازِ حَاجَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ نعم أَدَاءُ زَكَاةِ الْفِطْرِ مُوَسَّعٌ بِلَيْلَةِ الْعِيدِ وَيَوْمِهِ كما سَيَأْتِي وَلَهُ تَفْرِيقُ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ وَهِيَ النَّقْدَانِ وَعَرْضُ التِّجَارَةِ وَالرِّكَازُ بِنَفْسِهِ وَلَوْ بِوَكِيلِهِ وَأَلْحَقُوا بِزَكَاتِهَا زَكَاةَ الْفِطْرِ وَهِيَ مُرَادُ من عَدَّهَا من الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ كَالنَّوَوِيِّ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ تَبِعَهُ فلم يُفْرِدْهَا بِالذِّكْرِ وَكَذَا الظَّاهِرَةُ وَهِيَ النَّعَمُ وَالْمُعَشَّرُ وَالْمَعْدِنُ إنْ لم يَطْلُبْهَا الْإِمَامُ فَإِنْ طَلَبَهَا وَجَبَ تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ وَإِنْ كان جَائِرًا بِذَلِكَ لِلطَّاعَةِ بِخِلَافِ زَكَاةِ الْبَاطِنَةِ إذْ لَا نَظَرَ له فيها كما سَيَأْتِي وَالْحَقُّ الْجَائِرُ بِغَيْرِهِ لِنَفَاذِ حُكْمِهِ وَعَدَمِ انْعِزَالِهِ بِالْجَوْرِ وَالتَّصْرِيحُ بِحُكْمِهِ من زِيَادَتِهِ وَيُقَاتِلُهُمْ إنْ امْتَنَعُوا من تَسْلِيمِهَا إلَيْهِ وَإِنْ قالوا نُسَلِّمُهَا لِلْمُسْتَحِقِّينَ بِأَنْفُسِنَا لِامْتِنَاعِهِمْ من بَذْلِ الطَّاعَةِ وَالتَّسْلِيمُ فِيهِمَا أَيْ في الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ من تَسْلِيمِ الْمَالِكِ بِنَفْسِهِ أو وَكِيلِهِ إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ إنْ كان الْإِمَامُ عَادِلًا في الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِالْمُسْتَحَقِّينَ وَأَقْدَرُ على الِاسْتِيعَابِ وَلِتَيَقُّنِ الْبَرَاءَةِ بِتَسْلِيمِهِ
وَلَوْ اجْتَمَعَ الْإِمَامُ وَالسَّاعِي فَالدَّفْعُ إلَى الْإِمَامِ أَوْلَى قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كان جَائِزًا فَتَفْرِيقُهُ أَيْ الْمَالِكِ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ من التَّسْلِيمِ إلَى وَكِيلِهِ وَإِلَى الْجَائِرِ لِأَنَّهُ على يَقِينٍ من فِعْلِ نَفْسِهِ وفي شَكٍّ من فِعْلِ غَيْرِهِ وَصَرَّحَ من زِيَادَتِهِ بِقَوْلِهِ ثُمَّ تَفْرِيقُهُ بِوَكِيلِهِ أَفْضَلُ من التَّسْلِيمِ إلَى الْجَائِرِ قال في الْمَجْمُوعِ إلَّا في الظَّاهِرَةِ فَتَسْلِيمُهَا إلَى الْإِمَامِ وَإِنْ كان جَائِرًا أَفْضَلُ من تَفْرِيقِ الْمَالِكِ أو وَكِيلِهِ لها ثُمَّ إنْ لم يَطْلُبْهَا الْإِمَامُ فَلِلْمَالِكِ تَأْخِيرُهَا ما دَامَ يَرْجُو مَجِيءَ السَّاعِي فَإِنْ أَيِسَ من مَجِيءِ السَّاعِي وَفَرَّقَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ طَالَبَهُ السَّاعِي وَجَبَ تَصْدِيقُهُ وَيَحْلِفُ اسْتِحْبَابًا إنْ اُتُّهِمَ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ نَظَرٌ في الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ فَالْمَالِكُ أَحَقُّ بها منه لِلْإِجْمَاعِ وَلِآيَةِ إنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَقِيَاسًا على الْكَفَّارَةِ فَإِنْ عَلِمَ بِرَجُلٍ أَنَّهُ لَا يُؤَدِّيهَا هِيَ أو لَا يُؤَدِّي كَفَّارَةً وَنَحْوَهَا كَالنَّذْرِ فَتَعْبِيرُهُ بِنَحْوِهَا أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالنَّذْرِ أَجْبَرَهُ على أَدَائِهَا عِبَارَةُ الْأَصْلِ لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ له ادْفَعْ بِنَفْسِك أو إلَيَّ لَا فَرْقَ إزَالَةً لِلْمُنْكَرِ وَلَا يُمْنَعُ الْوَاجِبَ سَاعٍ طَلَبَ أَكْثَرَ منه أَيْ من الْوَاجِبِ خَوْفًا من مُخَالَفَةِ وُلَاةِ الْأَمْرِ وَلَا تَلْزَمُهُ زِيَادَةٌ عليه وَالْوَاجِبُ مَفْعُولُ يَمْنَعُ وَسَاعٍ نَائِبُ فَاعِلِهِ
فَائِدَةٌ الْإِمَامُ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ بِالْوِلَايَةِ لَا بِالنِّيَابَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ أَخْذُهَا على مُطَالَبَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ وَكَلَامُ غَيْرِهِ ظَاهِرٌ أو صَرِيحٌ في خِلَافِهِ
فَصْلٌ في النِّيَّةِ وَهِيَ رُكْنٌ على قِيَاسِ ما في الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا فَقَوْلُهُ تُشْتَرَطُ أَيْ تَجِبُ كما عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ نِيَّةُ زَكَاةِ الْمَالِ وَلَوْ بِدُونِ الْفَرْضِ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا فَرْضًا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ أو نِيَّةُ صَدَقَةِ الْمَالِ الْمَفْرُوضَةِ وفي مَعْنَاهَا ما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ نِيَّةُ فَرْضِ صَدَقَةِ الْمَالِ لِدَلَالَةِ كُلٍّ من ذلك على الْمَقْصُودِ وَلَا يُشْتَرَطُ النُّطْقُ بِالنِّيَّةِ وَلَا يُجْزِئُ النُّطْقُ وَحْدَهُ كما في غَيْرِ الزَّكَاةِ وَالتَّصْرِيحُ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ النُّطْقِ بِالنِّيَّةِ من زِيَادَتِهِ وَلَا تُجْزِئُ صَدَقَةُ الْمَالِ فَقَطْ لِأَنَّهَا قد تَكُونُ نَافِلَةً وَلَا فَرْضُ الْمَالِ لِأَنَّهُ قد يَكُونُ كَفَّارَةً
____________________
(1/358)
وَنَذْرًا وَلَا فَرْضُ الصَّدَقَةِ لِشُمُولِهِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ وَصَرَّحَ بِهِ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ لَكِنْ كَلَامُ الْأَصْلِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ
وَلَا يَجِبُ تَعْيِينٌ لِلْمَالِ الْمُزَكَّى لِأَنَّ الْغَرَضَ لَا يَخْتَلِفُ بِهِ فَإِنْ عَيَّنَهُ لم يَنْصَرِفْ أَيْ الْمُؤَدَّى إلَى غَيْرِهِ وَلَوْ بِأَنْ تَالِفًا لِأَنَّهُ لم يَنْوِ ذلك الْغَيْرَ فَإِنْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً وَخَمْسَةَ أَبْعِرَةٍ فَأَخْرَجَ الْفَرْضَ يَعْنِي شَاةً عن الْأَبْعِرَةِ فَبَانَتْ تَالِفَةً لم يَقَعْ عن الْغَنَمِ وَعِنْدَ عَدَمِ التَّعْيِينِ يَقَعُ بِجَعْلِهِ عنها فِيمَا ذُكِرَ وَيَقَعُ عن أَحَدِهِمَا فِيمَا إذَا بَقِيَتَا وَيُعَيِّنُهُ لِمَا شَاءَ مِنْهُمَا وَلَوْ قال هذه زَكَاةُ مَالِي الْغَائِبِ إنْ كان بَاقِيًا أَجْزَأَهُ عنه إنْ بَانَ بَاقِيًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ هذه زَكَاةُ مَالِي إنْ كان مُوَرِّثِي قد مَاتَ فَبَانَ مَوْتُهُ فإنه لَا يُجْزِئُهُ وَالْفَرْقُ عَدَمُ الِاسْتِصْحَابِ لِلْمَالِ في هذه إذْ الْأَصْلُ فيها بَقَاءُ الْحَيَاةِ وَعَدَمُ الْإِرْثِ وفي تِلْكَ بَقَاءُ الْمَالِ وَنَظِيرِهِ أَنْ يَقُولَ في آخِرِ شَهْرِ رَمَضَانَ أَصُومُ غَدًا عن شَهْرِ رَمَضَانَ إنْ كان منه فَيَصِحُّ وَلَوْ قال في أَوَّلِهِ أَصُومُ غَدًا إنْ كان من شَهْرِ رَمَضَانَ لم يَصِحَّ
فَإِنْ بَانَ مَالُهُ الْغَائِبُ تَالِفًا لم يَقَعْ أَيْ الْمُؤَدَّى عن غَيْرِهِ لِمَا مَرَّ ولم يَسْتَرِدَّ
إلَّا إنْ شَرَطَ الِاسْتِرْدَادَ كَأَنْ قال هذه زَكَاةُ مَالِي الْغَائِبِ فَإِنْ بَانَ تَالِفًا اسْتَرْدَدْته وإذا قال هذه زَكَاةٌ عن الْمَالِ الْغَائِبِ فَإِنْ كان تَالِفًا فَعَنْ الْحَاضِرِ فَبَانَ تَالِفًا أَجْزَأَتْهُ عن الْحَاضِرِ كما تُجْزِئُهُ عن الْغَائِبِ لو بَقِيَ وَلَا يَضُرُّ التَّرَدُّدُ في عَيْنِ الْمَالِ بَعْدَ الْجَزْمِ بِكَوْنِهِ زَكَاةَ مَالِهِ وَيُخَالِفُ ما لو نَوَى الصَّلَاةَ عن فَرْضِ الْوَقْتِ إنْ دخل الْوَقْتُ وَإِلَّا فَعَنْ الْفَائِتِ حَيْثُ لَا يُجْزِئُهُ لِاعْتِبَارِ التَّعْيِينِ في الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ إذْ الْأَمْرُ فيها أَضْيَقُ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ فيها النِّيَابَةُ بِخِلَافِ ما لو قال هذه زَكَاةُ مَالِي الْغَائِبِ فَإِنْ كان تَالِفًا فَعَنْ الْحَاضِرِ أو صَدَقَةٌ فَبَانَ تَالِفًا لَا تَجُوزُ عن الْحَاضِرِ كما لَا تَجُوزُ عن الْغَائِبِ هذه زَكَاةُ مَالِي الْغَائِبِ إنْ كان بَاقِيًا أو صَدَقَةٌ لِأَنَّهُ لم يَجْزِمْ بِقَصْدِ الْفَرْضِ وَإِنْ قال هذه زَكَاةُ مَالِي الْغَائِبِ فَإِنْ كان تَالِفًا فَصَدَقَةٌ أو إنْ كان الْغَائِبُ بَاقِيًا فَهَذِهِ زَكَاتُهُ وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ فَبَانَ تَالِفًا وَقَعَ صَدَقَةً أو بَاقِيًا وَقَعَ زَكَاةً لِأَنَّ هذه صِفَةُ إخْرَاجِ زَكَاةِ الْغَائِبِ لو اقْتَصَرَ عليها حتى لو بَانَ تَالِفًا لَا يَجُوزُ له الِاسْتِرْدَادُ إلَّا إذَا شَرَطَهُ كما مَرَّ وَلَوْ قال هذه زَكَاةٌ عن الْحَاضِرِ أو الْغَائِبِ أَجْزَأَهُ عن وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَعَلَيْهِ الْإِخْرَاجُ عن الْآخَرِ وَلَا يَضُرُّ التَّرَدُّدُ في عَيْنِ الْمَالِ كما مَرَّ نَظِيرُهُ وَالْمُرَادُ بِالْغَائِبِ هُنَا الْغَائِبُ عن مَجْلِسِ الْمَالِكِ في الْبَلَدِ أو الْغَائِبُ عنها في بَلَدٍ آخَرَ إنْ جَوَّزْنَا النَّقْلَ لِلزَّكَاةِ كَأَنْ يَكُونَ مَالُهُ بِبَلَدٍ لَا مُسْتَحِقَّ فيه وَبَلَدُ الْمَالِكِ أَقْرَبُ الْبِلَادِ إلَيْهِ أو كان غير مُسْتَقِرٍّ بَلْ سَائِرًا لَا يُعْرَفُ مَكَانُهُ وَلَا سَلَامَتُهُ فَتَبَرَّعَ وَأَخْرَجَ الزَّكَاةَ عنه أو كان مُسْتَقِرًّا بِبَلَدٍ مَثَلًا وَمَعَ مَالِكِهِ مَالٌ آخَرُ وهو بِبَادِيَةٍ أو سَفِينَةٍ وَالْبَلَدُ أَقْرَبُ الْبِلَادِ إلَيْهِ فإن مَوْضِعَ تَفْرِيقِ الْمَالَيْنِ وَاحِدٌ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ
فَرْعٌ صَرْفُ الزَّكَاةِ بِلَا نِيَّةٍ لَا يُجْزِئُ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَيَضْمَنُ بِذَلِكَ وَلِيُّ مَحْجُورٍ عليه بِصِبًا أو جُنُونٍ أو سَفَهٍ لِمُخَالَفَتِهِ الْوَاجِبَ فَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِوَلِيِّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَلَوْ دَفَعَ الْمُزَكِّي الزَّكَاةَ إلَى الْإِمَامِ بِلَا نِيَّةٍ لم تُجْزِهِ نِيَّةُ الْإِمَامِ على الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْتَحِقِّينَ وَلَوْ دَفَعَهَا الْمُزَكِّي إلَيْهِمْ بِلَا نِيَّةٍ لم تُجْزِهِ فَكَذَا نَائِبُهُمْ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وما في الْأُمِّ من أَنَّهُ يُجْزِئُهُ طَائِعًا كان أو مُكْرَهًا أَوَّلُهُ في الْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُ يُجْزِئُهُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا وَفِيهِ نَظَرٌ كَالْوَكِيلِ فإنه لَا تُجْزِئُ نِيَّتُهُ عن الْمُوَكِّلِ حَيْثُ دَفَعَهَا إلَيْهِ بِلَا نِيَّةٍ كما لو دَفَعَهَا إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ امْتَنَعَ من دَفْعِهَا فَأَخَذَهَا منه الْإِمَامُ قَهْرًا وَنَوَى عنه أَجْزَأَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ في النِّيَّةِ كما في
____________________
(1/359)
التَّفْرِقَةِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَنْوِ عنه فَلَا تُجْزِئُهُ لِعَدَمِ النِّيَّةِ وَأَثِمَ الْإِمَامُ بِتَرْكِهِ لها لِأَنَّهُ في الزَّكَاةِ كَالْوَلِيِّ وَالْمُمْتَنِعُ مَقْهُورٌ كَالْمَحْجُورِ عليه
وَيَجِبُ رَدُّ الْمَأْخُوذِ أو بَدَلُهُ وَالزَّكَاةُ بِحَالِهَا على من وَجَبَتْ عليه وَمَحَلُّ نِيَّتِهِ عِنْدَ الْأَخْذِ كما قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي لَا عِنْدَ الصَّرْفِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ كما بَحَثَهُ ابن الْأُسْتَاذِ وَجَزَمَ بِهِ الْقَمُولِيُّ وَلَا يَأْخُذُ الْإِمَامُ مَعَهَا أَيْ مع الزَّكَاةِ شيئا من مَالِ الْمُمْتَنِعِ لِأَنَّهَا الْوَاجِبَةُ فَقَطْ وَأَمَّا خَبَرُ من مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ فَضَعَّفَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَلَوْ نَوَى الْمَالِكُ عِنْدَ عَزْلِهَا أو إعْطَائِهَا الْوَكِيلَ وَفُرِّقَتْ على الْمُسْتَحِقِّينَ بِلَا نِيَّةٍ عِنْدَ التَّفْرِقَةِ أَجْزَأَهُ لِوُجُودِهَا من الْمُخَاطَبِ بِالزَّكَاةِ مُقَارَنَةً لِفِعْلِهِ وَكَمَا لو قَارَنَتْ الْإِعْطَاءَ إلَى الْإِمَامِ وَلَا يَضُرُّ تَقْدِيمُهَا على التَّفْرِقَةِ كَالصَّوْمِ لِعُسْرِ الِاقْتِرَانِ بِأَدَاءِ كل مُسْتَحِقٍّ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ من الزَّكَاةِ سَدَّ حَاجَةَ الْمُسْتَحِقِّينَ بها
وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ عِنْدَ عَزْلِهَا يُرَدُّ عليه ما لو نَوَى بَعْدَهُ وَقَبْلَ التَّفْرِقَةِ فإنه يُجْزِئُ وَإِنْ لم تُقَارِنْ النِّيَّةُ أَحَدَهُمَا كما في الْمَجْمُوعِ في الْكَلَامِ فِيمَا إذَا دَفَعَ إلَى الْوَكِيلِ بِلَا نِيَّةٍ وقال فيه عن زِيَادَةِ الْعَبَّادِيِّ إنَّهُ لو دَفَعَ مَالًا إلَى وَكِيلِهِ لِيُفَرِّقَهُ تَطَوُّعًا ثُمَّ نَوَى بِهِ الْفَرْضَ ثُمَّ فَرَّقَهُ الْوَكِيلُ وَقَعَ عن الْفَرْضِ إذَا كان الْقَابِضُ مُسْتَحِقًّا وَلَهُ تَفْوِيضُ النِّيَّةِ إلَى وَكِيلِهِ في الْأَدَاءِ إذَا كان أَهْلًا لها لِإِقَامَتِهِ إيَّاهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فيها بِخِلَافِ من ليس بِأَهْلٍ لها وَمِنْهُ الْكَافِرُ وَالصَّبِيُّ مع أَنَّهُ يَصِحُّ تَوْكِيلُهُمَا في أَدَائِهَا لَكِنْ يُشْتَرَطُ فيه تَعْيِينُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ قال الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَتَتَعَيَّنُ نِيَّةُ الْوَكِيلِ إذَا وَقَعَ الْفَرْضُ بِمَالِهِ بِأَنْ قال له مُوَكِّلُهُ أَدِّ زَكَاتِي من مَالِكِ لِيَنْصَرِفَ فِعْلُهُ عنه كما في الْحَجِّ نِيَابَةً فَلَا تَكْفِي نِيَّةُ الْمُوَكِّلِ وَنِيَّتُهُمَا مَعًا أَكْمَلُ من نِيَّةِ أَحَدِهِمَا وَمَنْ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ وَلَوْ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ ولم يَنْوِ الزَّكَاةَ لم تَسْقُطْ زَكَاتُهُ كما لو وَهَبَهُ أو أَتْلَفَهُ وَكَمَا لو كان عليه صَلَاةُ فَرْضٍ فَصَلَّى مِائَةَ صَلَاةٍ نَافِلَةٍ لَا تُجْزِئُهُ عن فَرْضِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ من زِيَادَتِهِ
فَصْلٌ وَيَبْعَثُ الْإِمَامُ وُجُوبًا لِأَخْذِ الزَّكَوَاتِ السُّعَاةَ وَهُمْ عُمَّالُهَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مع ما في ذلك من السَّعْيِ في إيصَالِ الْحُقُوقِ إلَى أَهْلِهَا وَلِأَنَّ كَثِيرًا من الناس لَا يَعْرِفُونَ الْخُرُوجَ عن عُهْدَةِ الْوَاجِبِ فَإِنْ عَلِمَ منهم أَنَّهُمْ يُؤَدُّونَهَا بِأَنْفُسِهِمْ لم يَجِبْ الْبَعْثُ وَيُنْدَبُ أَنْ يَبْعَثَهُمْ عِنْدَ إدْرَاكِ الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ بِحَيْثُ يَصِلُونَ أَرْبَابَهَا وَقْتَ الْجِدَادِ وَالْحَصَادِ وَلَوْ اعْتَبَرُوا في الْحُبُوبِ وُصُولَهُمْ عِنْدَ تَنْقِيَتِهَا كان أَقْرَبَ إذْ لَا يُمْكِنُ الْأَدَاءُ إلَّا حِينَئِذٍ وَالثِّمَارُ وَإِنْ كان لَا يُمْكِنُ الْأَدَاءُ فيها إلَّا حين جَفَافِهَا لَكِنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى خَرْصٍ غَالِبًا حين إدْرَاكِهَا فَنَاسَبَ اعْتِبَارَ الْوُصُولِ حِينَئِذٍ وَيُسْتَحَبُّ لِلسَّاعِي أَنْ يُعَيِّنَ لِلْحَوْلِيِّ شَهْرًا يَأْتِيهِمْ فيه لِأَخْذِ الزَّكَاةِ وَالْمُحَرَّمُ أَوْلَى صَيْفًا كان أو شِتَاءً لِقَوْلِ عُثْمَانَ رضي اللَّهُ عنه فيه هذا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلِأَنَّهُ أَوَّلُ السَّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ وأن يُخْرِجَ قَبْلَهُ لِيَحْضُرَ في أَوَّلِهِ فَمَنْ تَمَّ فيه حَوْلُهُ أَدَّاهَا وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ له التَّعْجِيلُ فَإِنْ كَرِهَ التَّعْجِيلَ عِبَارَةُ الْأَصْلِ فَإِنْ لم يَفْعَلْ أَمْهَلَهُ إلَى قَابِلٍ أو نَوَّبَ بِمَعْنَى أَنَابَ من يُطَالِبُهُ أو فَوَّضَ إلَيْهِ إنْ أَمِنَهُ وأن يَأْمُرَهُمْ أَيْ الْمُزَكِّينَ بِجَمْعِ الْمَاشِيَةِ على الْمَاءِ إنْ كانت تَرِدُهُ فَيَأْخُذَ زَكَاتَهَا عِنْدَهُ وَلَا يُكَلِّفُهُمْ رَدَّهَا إلَى الْبَلَدِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَتَبَّعَ الْمَرَاعِيَ وَبِهَذَا فُسِّرَ خَبَرُ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ لَا جَلْبَ وَلَا جَنَبَ أَيْ لَا تُكَلِّفُوهُمْ أَنْ يَجْلِبُوهَا من الْمَرْعَى إلَى الْبَلَدِ وَلَيْسَ لهم أَنْ يُجَنِّبُوهَا السَّاعِيَ أَيْ يُكَلِّفُوهُ بِأَنْ يُجَنِّبَهَا معه من الْمَرْعَى فَيَشُقُّوا عليه
قال الْمُتَوَلِّي وَلَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهَا إلَى الْأَئِمَّةِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ الْوَاجِبَ عليهم التَّمْكِينُ دُونَ التَّسْلِيمِ فَإِنْ كان لِلْمُزَكِّي ما إنْ أُمِرَ بِجَمْعِهَا عِنْدَ أَحَدِهِمَا وَالْخِيَرَةُ في تَعْيِينِهِ له كما نَصَّ عليه في الْأُمِّ فَإِنْ لم تَرِدْهُ كَأَنْ اكْتَفَتْ بِالْكَلَأِ في وَقْتِ الرَّبِيعِ فَفِي بُيُوتِ أَهْلِهَا وَأَفْنِيَتِهِمْ يَأْخُذُ زَكَاتَهَا قال في الْأَصْلِ وَمُقْتَضَاهُ تَجْوِيزُ تَكْلِيفِهِمْ الرَّدَّ إلَى الْأَفْنِيَةِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُسْتَحَبُّ جَمْعُهَا في مَضِيقٍ نَحْوِ حَظِيرَةٍ وَعَدُّهَا بِحَضْرَةِ الْمَالِكِ أو نَائِبِهِ إنْ لم يَثِقْ السَّاعِي بِقَوْلِهِ وأن يُخْرِجَهَا من مَحَلَّهَا بَعْدَ اجْتِمَاعِهَا وَاحِدَةً وَاحِدَةً لِيَسْهُلَ عَدُّهَا وَأَنْ يَقِفَ من جَانِبٍ وَالسَّاعِي من جَانِبٍ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وأن
____________________
(1/360)
يُشِيرَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى كل وَاحِدَةٍ عَدَّهَا بِقَضِيبٍ وَنَحْوِهِ أو يَضَعَهُ على ظَهْرِهَا فَهُوَ أَبْعَدُ من الْغَلَطِ
وَقَوْلُهُ وَنَحْوِهِ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ اخْتَلَفَا في الْوَاجِبِ لِاخْتِلَافِهِمَا في الْعَدَدِ أَعَادَا الْعَدَدَ الْأَوْلَى قَوْلُ الْأَصْلِ الْعَدَّ وَيَكْفِي في الْعَدِّ خَبَرُ الْمَالِكِ أو نَائِبِهِ الثِّقَةِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْفَقِيرِ الْأَوْلَى لِلْمُسْتَحِقِّ وَالسَّاعِي الدُّعَاءُ لِلْمَالِكِ عِنْدَ الْأَخْذِ تَرْغِيبًا له في الْخَيْرِ وَتَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ وقال تَعَالَى وَصَلِّ عليهم أَيْ اُدْعُ لهم وَلَا يَتَعَيَّنُ دُعَاءٌ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ ما اسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيُّ آجَرَك اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْت وَجَعَلَهُ لَك طَهُورًا وَبَارَكَ لَك فِيمَا أَبْقَيْت قال النَّوَوِيُّ في أَذْكَارِهِ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ دَفَعَ زَكَاةً أو صَدَقَةً أو نَذْرًا أو كَفَّارَةً أو نَحْوَهَا أَنْ يَقُولَ رَبَّنَا تَقَبَّلَ مِنَّا إنَّك أَنْت السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ عن إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَامْرَأَةِ عِمْرَانَ وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلَّى بِفَتْحِ اللَّامِ على غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ لِأَنَّ ذلك شِعَارُ أَهْلِ الْبِدَعِ وقد نُهِينَا عن شِعَارِهِمْ وَالْمَكْرُوهُ ما وَرَدَ فيه نَهْيٌ مَقْصُودٌ إلَّا تَبَعًا لهم فَلَا يُكْرَهُ على غَيْرِهِمْ كَالْآلِ فَيُقَالُ اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَأَتْبَاعِهِ لِأَنَّ السَّلَفَ لم يُمْنَعُوا منه وقد أُمِرْنَا بِهِ في التَّشَهُّدِ وَغَيْرِهِ وَذِكْرُ الْمَلَائِكَةِ من زِيَادَتِهِ وَهُمْ أَيْ الْآلُ بَنُو هَاشِمٍ وبنو الْمُطَّلِبِ من الْمُؤْمِنِينَ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ في الصَّدَقَةِ أنها لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ
وَاَلَّذِي حُرِّمَ عليه الصَّدَقَةُ الْوَاجِبَةُ من أَقَارِبِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من ذَكَرٍ دُونَ غَيْرِهِمْ وَهَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في صِفَةِ الصَّلَاةِ وَكَذَا لَا تُكْرَهُ تَبَعًا على غَيْرِهِمْ أَيْ غَيْرِ الْآلِ من الْأَصْحَابِ وَالْأَزْوَاجِ وَنَحْوِهِمَا وَهَذَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِعِلْمِهِ من الْكَافِ الدَّاخِلَةِ على الْآلِ وَبِالْجُمْلَةِ لَا يُقَالُ الصَّلَاةُ على الْآلِ وَالْأَصْحَابِ وَنَحْوِهِمَا وَإِنْ صَحَّ الْمَعْنَى لِأَنَّهَا صَارَتْ مُخْتَصَّةً بِالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ كما لَا يُقَالُ عز وجل إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى وَإِنْ صَحَّ الْمَعْنَى في غَيْرِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُخْتَصًّا بِهِ وَيُسْتَثْنَى من غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ من اُخْتُلِفَ في نُبُوَّتِهِ كَلُقْمَانَ وَمَرْيَمَ على الْأَشْهَرِ من أَنَّهُمَا لَيْسَا بِنَبِيَّيْنِ فَفِي الْأَذْكَارِ لِلنَّوَوِيِّ ما حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إفْرَادُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا يَرْتَفِعَانِ عن حَالِ من يُقَالُ فيه رضي اللَّهُ عنه لِمَا في الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ مِمَّا يَرْفَعُهُمَا هذا كُلُّهُ في الصَّلَاةِ من غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ أَمَّا مِنْهُمَا فَلَا كَرَاهَةَ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا حَقُّهُمَا فَلَهُمَا الْإِنْعَامُ بها على غَيْرِهِمَا وقد صَحَّ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال اللَّهُمَّ صَلِّ على آلِ أبي أَوْفَى
وَالسَّلَامُ كَالصَّلَاةِ فِيمَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَرَنَ بَيْنَهُمَا لَكِنْ الْمُخَاطَبَةُ بِهِ مُسْتَحَبَّةٌ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ من الْمُؤْمِنِينَ ابْتِدَاءً وَوَاجِبَةٌ جَوَابًا كما سَيَأْتِي في مَحَلِّهِ وما يَقَعُ منه غَيْبَةً في الْمُرَاسَلَاتِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ ما يَقَعُ خِطَابًا وَيُسْتَحَبُّ التَّرَضِّي وَالتَّرَحُّمُ على غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ من الْأَحْيَاءِ قال في الْمَجْمُوعِ وما قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ من أَنَّ التَّرَضِّيَ مُخْتَصٌّ بِالصَّحَابَةِ وَالتَّرَحُّمَ بِغَيْرِهِمْ ضَعِيفٌ
بَابُ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَشَرْطُهُ في الْمَالِ الْحَوْلِيِّ انْعِقَادُ الْحَوْلِ وَشَرْطُ انْعِقَادِهِ النِّصَابُ في السَّائِمَةِ وَالنَّقْدَيْنِ لَا في عُرُوضِ التِّجَارَةِ فَإِنْ عَجَّلَ عن مَعْلُوفَةِ سَيُسَمِّيهَا أو دُونَ نِصَابٍ من سَائِمَةٍ أو نَقْدٍ لم يَجُزْ إذْ لم يُوجَدْ سَبَبُ الْوُجُوبِ لِعَدَمِ انْعِقَادِ الْحَوْلِ فَأَشْبَهَ أَدَاءَ الثَّمَنِ قبل الْبَيْعِ وَالدِّيَةَ قبل الْقَتْلِ بِخِلَافِ ما إذَا انْعَقَدَ الْحَوْلُ وَوُجِدَ النِّصَابُ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَرْخَصَ في التَّعْجِيلِ لِلْعَبَّاسِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَلِأَنَّ الْحَقَّ الْمَالِيَّ إذَا تَعَلَّقَ بِسَبَبَيْنِ جَازَ تَقْدِيمُهُ على أَحَدِهِمَا كَتَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ على الْحِنْثِ وَاسْتُثْنِيَ الْوَلِيُّ فَلَا يَجُوزُ له التَّعْجِيلُ عن مُوَلِّيهِ أو عَجَّلَ عن عَرْضِ التِّجَارَةِ كَأَنْ اشْتَرَاهُ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ ثُمَّ عَجَّلَ زَكَاةَ عِشْرِينَ وَبَلَغَتْ قِيمَتُهُ عِنْدَ الْحَوْلِ عِشْرِينَ جَازَ وَإِنْ لم يَتِمَّ النِّصَابُ عِنْدَ التَّعْجِيلِ لِانْعِقَادِ حَوْلِهِ فَلَوْ مَلَكَ نِصَابًا فَعَجَّلَ لِعَامَيْنِ فَأَكْثَرَ أَجْزَأَهُ لِلْأَوَّلِ فَقَطْ أَيْ دُونَ غَيْرِهِ وَقَضِيَّتُهُ الْإِجْزَاءُ عنه مُطْلَقًا
قال الْإِسْنَوِيُّ كَالسُّبْكِيِّ وهو مُسْلَمٌ إنْ مَيَّزَ حِصَّةَ كل عَامٍ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْإِجْزَاءِ لِأَنَّ الْمُجْزِئَ عن خَمْسِينَ شَاةً مَثَلًا إنَّمَا هو شَاةٌ مُعَيَّنَةٌ لَا شَائِعَةٌ وَلَا مُبْهَمَةٌ وَأَيَّدَهُ غَيْرُهُمَا بِمَا ذَكَرَهُ في الْبَحْرِ من أَنَّهُ لو أَخْرَجَ من عليه خَمْسَةُ دَرَاهِمَ عَشَرَةً وَنَوَى بها الزَّكَاةَ وَالتَّطَوُّعَ وَقَعَ الْكُلُّ تَطَوُّعًا أَمَّا ما عَدَا الْعَامِ الْأَوَّلِ فَلَا يُجْزِئُ التَّعْجِيلُ عنه على الْأَصَحِّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ منهم مُعْظَمُ الْعِرَاقِيِّينَ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَحَمَلُوا تَسَلُّفَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ عَامَيْنِ على تَسَلُّفِهَا في عَامَيْنِ كَذَا في الْأَصْلِ وَتَعَقَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ وَجُمْهُورَ الخُرَاسانِييِّنَ إلَّا الْبَغَوِيّ على الْإِجْزَاءِ وَنَقَلَهُ ابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ عن النَّصِّ وَأَنَّ الرَّافِعِيَّ قد
____________________
(1/361)
حَصَلَ له في ذلك انْعِكَاسٌ في النَّقْلِ حَالَةَ التَّصْنِيفِ قال ولم أَظْفَرْ بِأَحَدٍ صَحَّحَ الْمَنْعَ إلَّا الْبَغَوِيّ بَعْدَ الْفَحْصِ الْبَلِيغِ وَالتَّتَبُّعِ الشَّدِيدِ
ا ه
وَتَبِعَهُ على ذلك جَمَاعَةٌ وَلَوْ مَلَكَ نِصَابًا فَعَجَّلَ لِنِصَابَيْنِ لِتَوَقُّعِ تَمَامِ النِّصَابِ الثَّانِي وَلَوْ بِنِتَاجٍ كَأَنْ مَلَكَ خَمْسَةَ أَبْعِرَةٍ فَعَجَّلَ شَاتَيْنِ فَبَلَغَتْ بِالتَّوَالُدِ عَشْرًا لم يُجْزِهِ عن الثَّانِي لِمَا فيه من تَقْدِيمِ زَكَاةِ الْعَيْنِ على النِّصَابِ فَأَشْبَهَ ما لو أَخْرَجَ زَكَاةَ أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ وهو لَا يَمْلِكُ إلَّا مِائَتَيْنِ بِخِلَافِ رِبْحِ التِّجَارَةِ كَأَنْ اشْتَرَى لها عَرْضًا بِمِائَتَيْنِ وَعَجَّلَ زَكَاةَ أَرْبَعِمِائَةٍ فَحَالَ الْحَوْلُ وهو يُسَاوِي أَرْبَعَمِائَةٍ فإنه يُجْزِئُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ في إخْرَاجِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ بِآخِرِ الْحَوْلِ وَلَوْ عَجَّلَ عن الْأُمَّهَاتِ كَأَنْ عَجَّلَ شَاةً عن أَرْبَعِينَ شَاةً فَوَلَدَتْ أَرْبَعِينَ فَتَمَاوَتَتْ لم تَقَعْ عن السِّخَالِ لِأَنَّهُ عَجَّلَ الزَّكَاةَ عن غَيْرِهَا فَلَا تُجْزِئُهُ عنها وَيَجُوزُ التَّعْجِيلُ في الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ إنْ ظَنَّ حُصُولَ نِصَابٍ مِنْهُمَا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ في الثِّمَارِ وَاشْتِدَادِ الْحَبِّ في الزُّرُوعِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ قد ثَبَتَ إلَّا أَنَّ الْإِخْرَاجَ لَا يَجِبُ أَمَّا قبل ذلك فَلَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ لِأَنَّهُ لم يَظْهَرْ ما تُمْكِنُ مَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ تَحْقِيقًا وَلَا ظَنًّا فَصَارَ كما لو أَخْرَجَ الزَّكَاةَ قبل خُرُوجِ الثِّمَارِ وَانْعِقَادِ الْحَبِّ وَلِأَنَّ وُجُوبَهَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وهو إدْرَاكُ الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ فَيَمْتَنِعُ التَّقْدِيمُ عليه ويجوز تَعْجِيلُهَا في الْفِطْرَةِ بِدُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِسَبَبَيْنِ رَمَضَانَ وَالْفِطْرِ منه وقد وُجِدَ أَحَدُهُمَا فَجَازَ تَقْدِيمُهَا على الْآخَرِ دُونَ تَقْدِيمِهَا عَلَيْهِمَا مَعًا كَزَكَاةِ الْمَالِ وَرَوَى مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وابن حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كان يُؤَدِّيهَا قبل الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ أو ثَلَاثَةٍ
فَرْعٌ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةٍ قبل يَمِينٍ وَقَتْلٍ وَظِهَارٍ وَجِمَاعٍ من مُحْرِمٍ أو صَائِمٍ في رَمَضَانَ فَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِجِمَاعٍ في شَهْرِ رَمَضَانَ وَعَطَفَ الْأَصْلُ على الْكَفَّارَةِ جَزَاءَ الصَّيْدِ وكان الْمُصَنِّفُ أَدْخَلَهُ في كَفَّارَةِ الْقَتْلِ لَكِنَّهُ قَاصِرٌ على كَفَّارَةِ قَتْلِهِ وَلَا تُقَدَّمُ فِدْيَةُ هَرَمٍ وَحَامِلٍ وَمَرَضٍ قبل رَمَضَانَ وَكَالْهَرَمِ من اشْتَدَّتْ مَشَقَّةُ الصَّوْمِ عليه وَالْمَرِيضُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَالْمُرَادُ بِهِ من لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ كما صَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعُ أَمَّا تَقْدِيمُهَا في رَمَضَانَ فَسَيَأْتِي في آخِرِ كِتَابِ الصَّوْمِ وَلَا تَقْدِيمَ أُضْحِيَّةٌ وَمَنْذُورَةٌ كَإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَزَكَاةُ مَعْدِنٍ وَرِكَازٌ قبل يَوْمِ النَّحْرِ في الْأُضْحِيَّةِ وَوُجُودُ الشَّرْطِ في الْمَنْذُورَةِ وَالْحُصُولُ لِلْمَقْصُودِ في الْأَخِيرَيْنِ وَلَا تَقْدِيمُ دَمِ التَّمَتُّعِ على الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ وَلَا دَمِ الْقِرَانِ قبل الْإِحْرَامِ بِالنُّسُكَيْنِ وَلَا دَمِ الْفَوَاتِ على الْإِحْرَامِ بِالْقَضَاءِ وما ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ من عَدَمِ إجْزَاءِ التَّقْدِيمِ في الْمَنْذُورِ ذَكَرَ في الْإِيمَانِ عَكْسَهُ كما نَبَّهَ عليه جَمَاعَةٌ في كَلَامِ الْأَصْلِ وما ذُكِرَ في الْمَعْدِنِ مَحَلُّهُ في الْمَوَاتِ فَلَوْ كان في مِلْكِهِ بِأَنْ أَحْيَا أَرْضًا فَظَهَرَ فيها مَعْدِنٌ فإنه يَمْلِكُهُ تَبَعًا لها كما سَيَأْتِي في الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ في أَبْوَابِهَا
فَصْلٌ شَرْطُ وُقُوعِ الْمُعَجَّلِ في الْحَوْلِيِّ زَكَاةُ بَقَاءِ الْقَابِضِ وَالْمَالِكِ أَهْلًا لِاسْتِحْقَاقِهَا في الْأَوَّلِ وَلِوُجُوبِهَا في الثَّانِي إلَى تَمَامِ الْحَوْلِ فَإِنْ مَاتَ الْقَابِضُ قَبْلَهُ أو ارْتَدَّ أو اسْتَغْنَى بِمَالٍ آخَرَ أَيْ غَيْرِ الْمُعَجَّلِ كَزَكَاةٍ أُخْرَى وَاجِبَةٍ أو مُعَجَّلَةٍ أَخَذَهَا بَعْدَ الْأُولَى أو نَقَصَ النِّصَابُ أو بَاعَهُ الْمَالِكُ وَلَيْسَ مَالَ تِجَارَةٍ وَالْأَوْلَى أو زَالَ عن مِلْكِهِ لم يُجْزِهِ لِخُرُوجِهِ عن الْأَهْلِيَّةِ عِنْدَ الْوُجُوبِ وَإِنْ عَرَضَ مَانِعٌ في الْقَابِضِ ثُمَّ زَالَ قبل الْحَوْلِ لم يَضُرَّ لِلْأَهْلِيَّةِ في الطَّرَفَيْنِ وَكَذَا لو لم يَعْلَمْ اسْتِحْقَاقَهُ أو حَيَاتَهُ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ كَغَيْرِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْحَنَّاطِيُّ وَغَيْرُهُ
____________________
(1/362)
أَمَّا الْمَالِكُ فَلَا يَأْتِي فيه حُكْمُ الْعُرُوضِ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا رِدَّتُهُ فَلَا تُؤَثِّرُ في سُقُوطِ الزَّكَاةِ وَإِنْ لم يَرْجِعْ عنها إلَّا بَعْدَ الْحَوْلِ كما مَرَّ وَلَا يَضُرُّ غِنَاهُ بِذَلِكَ الْمُعَجَّلِ وَلَا غَيْرِهِ أَيْ وَلَا بِغَيْرِهِ معه كَأَنْ تَاجَرَ فيه إذْ الْقَصْدُ بِصَرْفِ الزَّكَاةِ له غِنَاهُ وَلَوْ مَاتَ الْمُعَجِّلُ لِزَكَاتِهِ لم يَقَعْ ما عَجَّلَهُ عن زَكَاةِ وَارِثِهِ بِنَاءً على أَنَّهُ لَا يَبْنِي على حَوْلِهِ كما مَرَّ فَهُوَ تَعْجِيلٌ قبل مِلْكِ النِّصَابِ وَكَزَكَاةِ الْحَوْلِيِّ فِيمَا ذُكِرَ زَكَاةُ الْفِطْرِ
فَرْعٌ لِلْإِمَامِ فِيمَا يَأْخُذُهُ لِلْفُقَرَاءِ قبل الْحَوْلِ حَالَانِ الْأَوَّلُ أَنْ يَأْخُذَهُ زَكَاةً مُعَجَّلَةً فَإِنْ كان بِسُؤَالِ الْمَسَاكِينِ فَهُوَ من ضَمَانِهِمْ وَإِنْ لم يَدْفَعْهُ إلَيْهِمْ فَيَقَعُ زَكَاةً وَإِنْ تَلِفَ في أَيْدِيهِمْ قبل تَمَامِ الْحَوْلِ أو في يَدِ الْإِمَامِ كَذَلِكَ إنْ وُجِدَتْ شُرُوطُ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْوُجُوبِ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ وَإِلَّا بِأَنْ فَاتَتْ أو فَاتَ بَعْضُهَا اسْتَحَقَّ الْمَالِكُ الرُّجُوعَ بها عليهم هذا عُلِمَ من قَوْلِهِ فَهُوَ من ضَمَانِهِمْ فَكَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ وَإِلَّا فَلَا أَيْ فَلَا يَقَعُ زَكَاةً حتى لو فَاتَ شَرْطُ الِاسْتِحْقَاقِ لَزِمَ الْمَالِكَ الْإِخْرَاجُ ثَانِيًا وَلَيْسَ الْإِمَامُ طَرِيقًا في الضَّمَانِ وَإِنْ لم يَدْفَعْهَا إلَيْهِمْ إلَّا إنْ جَهِلَ الْمَالِكُ كَوْنَهُ أَيْ الْإِمَامِ أَخَذَهَا بِسُؤَالِهِمْ فَيَكُونُ طَرِيقًا في الضَّمَانِ فَيَرْجِع عليه الْمَالِكُ فَيَقْبِضُهُ له من الصَّدَقَةِ أو يَحْسِبُهُ له عن زَكَاتِهِ وَإِنْ أَخَذَهَا الْإِمَامُ بِسُؤَالِ الْمَالِكِ ولم يَدْفَعْهَا إلَيْهِمْ فَهِيَ من ضَمَانِهِ أَيْ الْمَالِكِ لِتَفْرِيطِهِ وَالْإِمَامُ وَكِيلُهُ فَتَلْغُو أَيْ الزَّكَاةُ إنْ تَلِفَتْ في يَدِ الْإِمَامِ قبل تَمَامِ الْحَوْلِ كما لو تَلِفَتْ في يَدِ وَكِيلِ الْمَالِكِ وَلَا يَضْمَنُ الْإِمَامُ إلَّا إنْ فَرَّطَ كَسَائِرِ الْوُكَلَاءِ
أَمَّا إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِمْ فَإِنْ تَمَّ الْحَوْلُ وَهُمْ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْمَالِكُ بِصِفَةِ الْوُجُوبِ أَجْزَأَتْ وَإِلَّا رَجَعَ الْمَالِكُ عليهم دُونَ الْإِمَامِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ من زِيَادَتِهِ قبل الْحَوْلِ ما لو تَلِفَتْ بَعْدَهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ في آخِرِ الْحَالِ الثَّانِي وَلَوْ أَخَذَهَا بِسُؤَالِ الْجَمِيعِ أَيْ الْمَالِكِ وَالْمَسَاكِينِ فَمِنْ ضَمَانِ الْمَسَاكِينِ لَا الْمَالِكِ وَإِنْ لم يَدْفَعْهَا الْإِمَامُ إلَيْهِمْ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَعُودُ عليهم كما في الْمُسْتَعِيرِ أو أَخَذَهَا لَا بِسُؤَالِ أَحَدٍ منهم وَمِنْ الْمَالِكِ فَهُوَ أَيْ الْمَأْخُوذُ من ضَمَانِهِ إلَّا إنْ أُخِذَ لِحَاجَةِ طِفْلٍ لَا وَلِيَّ له غَيْرُهُ فَلَا ضَمَانَ عليه لِأَنَّ حَاجَةَ الطِّفْلِ حِينَئِذٍ كَسُؤَالِ الرَّشِيدِ بِخِلَافِ الطِّفْلِ الذي وَلِيُّهُ غَيْرُ الْإِمَامِ لِأَنَّ له من يَسْأَلُ التَّسَلُّفَ لو كان صَلَاحُهُ فيه وَإِنَّمَا لم تَنْزِلُ حَاجَةُ غَيْرِ الطِّفْلِ مَنْزِلَةَ سُؤَالِهِ كما في الطِّفْلِ الذي وَلِيُّهُ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ أَهْلُ رُشْدٍ وَنَظَرٍ وَكَالطِّفْلِ فِيمَا ذُكِرَ الْمَجْنُونُ وَالْمَحْجُورُ عليه بِسَفَهٍ فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِمْ ما اسْتَبَدَّ بِأَخْذِهِ وَحَالَ الْحَوْلُ وَلَا مَانِعَ من الِاسْتِحْقَاقِ وَالْوُجُوبِ وَقَعَ الْمَوْقِعَ وَإِلَّا بِأَنْ كان ثَمَّ مَانِعٌ من ذلك اسْتَرَدَّهُ منهم الْإِمَامُ وَدَفَعَهُ لِغَيْرِهِمْ إنْ اخْتَصَّ الْمَانِعُ بِهِمْ أو دَفَعَهُ لِلْمَالِكِ إنْ سَقَطَتْ عنه الزَّكَاةُ الْأُولَى إنْ اخْتَصَّ الْمَانِعُ بِهِ لِأَنَّ سُقُوطَهَا يَقْتَضِي تَقَدُّمَ وُجُوبِهَا وَإِنَّمَا قُيِّدَ ذلك بِمَا اسْتَبَدَّ بِأَخْذِهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فيه وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ما مَرَّ مع أَنَّهُ مَفْهُومٌ بِالْأَوْلَى فَإِنْ تَعَذَّرَ الِاسْتِرْدَادُ لِلْمَأْخُوذِ أو تَلِفَ في يَدِ الْإِمَامِ قبل تَمَامِ الْحَوْلِ ضَمِنَهُ من مَالِهِ وَإِنْ لم يُفَرِّطْ وَأَخْرَجَ الْمَالِكُ الزَّكَاةَ ثَانِيًا تَعْبِيرُهُ بِالتَّعَذُّرِ أَعَمُّ من قَوْلِ أَصْلِهِ فَإِنْ لم يَكُنْ لهم مَالٌ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ أو تَلِفَ إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ وَحَاجَةُ طِفْلِ وَلِيِّهِ الْإِمَامِ كَسُؤَالِ الْبَالِغِ فَيَضْمَنُ الطِّفْلُ وَيَقَعُ الْمَأْخُوذُ زَكَاةً إنْ وُجِدَتْ الشُّرُوطُ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ وَهَذَا يُغْنِي عن قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ إلَّا إنْ أُخِذَ لِحَاجَةِ طِفْلٍ لَا وَلِيَّ له غَيْرُهُ
الْحَالُ الثَّانِي أَنْ يَأْخُذَهُ قَرْضًا لِلْمَسَاكِينِ بِسُؤَالٍ أو بِدُونِهِ فَلَهُ في الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ حُكْمُ الزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ في ما مَرَّ في الْحَالِ الْأَوَّلِ على تَفْصِيلٍ في عَيْنِ الضَّامِنِ يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِيمَا إذَا أَخَذَهُ لَا بِسُؤَالِ أَحَدٍ إلَّا أَنَّهُ أَيْ لَكِنَّهُ لَا يَقَعُ زَكَاةً لِأَنَّهُ لم يَأْخُذْهُ بِنِيَّتِهَا بَلْ يَقْضِيهِ الْإِمَامُ لِلْمَالِكِ إنْ أَخَذَهُ بِسُؤَالِ الْمَسَاكِينِ من الصَّدَقَةِ أو يَحْسِبُهُ له عن زَكَاتِهِ بِأَنْ يَنْوِيَ جَعْلَهُ عنها عِنْدَ دَفْعِهِ لهم بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَهَذَا أَوْلَى بِالْإِجْزَاءِ من دَفْعِ الْأَجْنَبِيِّ لها من مَالِهِ عن الْمَالِكِ بِإِذْنِهِ وَالْإِمَامُ طَرِيقٌ في الضَّمَانِ فَيَرْجِعُ عليه الْمَالِكُ فَيَقْضِيهِ له من الصَّدَقَةِ أو يَحْسِبُ له من زَكَاتِهِ كما ذُكِرَ إلَّا إنْ عَلِمَ الْمَالِكُ أو ظَنَّ كَوْنَهُ اقْتَرَضَهَا لهم بِسُؤَالِهِمْ فَلَا يَكُونُ طَرِيقًا في الضَّمَانِ وَإِنْ كان الْأَصَحُّ أَنَّ وَكِيلَ الْمُقْتَرِضِ يُطَالِبُ لِلْفَرْقِ الظَّاهِرِ بَيْنَهُمَا فَشَمِلَ الْمُسْتَثْنَى منه ما لو عَلِمَ أو ظَنَّ أَنَّهُ اقْتَرَضَهَا لِنَفْسِهِ أو لهم بِغَيْرِ سُؤَالِهِمْ أو جَهِلَ ذلك وَكَلَامُ الْأَصْلِ في مَسْأَلَةِ الْجَهْلِ مُتَدَافِعٌ
وَيَقَعُ الْقَرْضُ لِلْإِمَامِ حين يَقْتَرِضُ لَا بِسُؤَالِ أَحَدٍ من الْمَالِكِ وَالْمَسَاكِينِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ من مَالِهِ
____________________
(1/363)
وَإِنْ سَلَّمَهُ إلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُتَعَيِّنِينَ وَفِيهِمْ أو أَكْثَرُهُمْ أَهْلُ رُشْدٍ لَا وِلَايَةَ عليهم لَكِنَّهُ إذَا سَلَّمَهُ إلَيْهِمْ وقد اقْتَرَضَ لِحَاجَتِهِمْ بِغَيْرِ سُؤَالِهِمْ ضَمِنُوا وَالْإِمَامُ طَرِيقٌ في الضَّمَانِ وإذا أُخِذَتْ الزَّكَوَاتُ فَإِنْ كَانُوا بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ قَضَاهُ منها أو حَسِبَهُ لِلْمَالِكِ عن زَكَاتِهِ وَإِلَّا قَضَى من له ثُمَّ يَرْجِعُ عليهم إنْ وَجَدَ لهم مَالًا وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ بِغَيْرِ سُؤَالِهِمْ لِأَنَّ الْكَلَامَ فيه بَلْ يُوهِمُ أَنَّ عَدَمَ سُؤَالِ الْمَالِكِ ليس قَيْدًا في كَوْنِ الْإِمَامِ طَرِيقًا في الضَّمَانِ وَلَيْسَ مُرَادًا ثُمَّ بين مَالِهِ تَعَلُّقٌ بِالْحَالِ الْأُولَى بِقَوْلِهِ وَإِنْ تَلِفَ الْمُعَجَّلُ في يَدِ الْإِمَامِ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ وَقَعَ زَكَاةً على كل حَالٍ من الْأَحْوَالِ السَّابِقَةِ فيه لِأَنَّ الْحُصُولَ في يَدِهِ بَعْدَ الْحَوْلِ كَالْوُصُولِ إلَى الْمَسَاكِينِ كما لو أَخَذَ بَعْدَ الْحَوْلِ فَإِنْ كان قد تَلِفَ بِتَفْرِيطِهِ وَلَوْ بَعْدَ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ ضَمِنَهُ لِلْفُقَرَاءِ من مَالِ نَفْسِهِ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ على أَحَدٍ وَلَيْسَ انْتِظَارُ ما يَحْصُلُ من الزَّكَوَاتِ لِيُفَرِّقَهُ جميعا تَفْرِيطًا عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَيْسَ من التَّفْرِيطِ أَنْ يَنْتَظِرَ انْضِمَامَ غَيْرِهِ إلَيْهِ لِقِلَّتِهِ فإنه لَا يَجِبُ تَفْرِيقُ كل قَلِيلٍ يَحْصُلُ عِنْدَهُ وَهِيَ أَخَصُّ من عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَعَبَّرَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالزَّكَاةِ بِالْمَسَاكِينِ تَارَةً وَبِالْفُقَرَاءِ أُخْرَى عن الْأَصْنَافِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ في زَكَاةِ الْمَوَاشِي وَبِسُؤَالِهِمْ وَحَاجَتِهِمْ عن سُؤَالِ بَعْضِهِمْ وَحَاجَتِهِ أَيْ سُؤَالِ وَحَاجَةِ طَائِفَةٍ من كل صِنْفٍ لَا جَمِيعِ آحَادِهِ قال ابن الرِّفْعَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الْمَسَاكِينُ حَقِيقَةً لِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَصْرِفَ زَكَاةَ الْوَاحِدِ إلَى وَاحِدٍ من الْأَصْنَافِ
فَصْلٌ مَتَى عَجَّلَ الْمَالِكُ أو الْإِمَامُ دَفْعَ الزَّكَاةِ ولم يَعْلَمْ الْفُقَرَاءُ أَنَّهُ تَعْجِيلٌ لم يَسْتَرِدَّ وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَعْطَى قَاصِدًا له وَصَدَّقَهُ الْآخِذُ لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ الْإِعْلَامِ عِنْدَ الْأَخْذِ وهو نَظِيرُ ما لو وَكَّلَهُ في قَضَاءِ دَيْنٍ فَقَضَاهُ ولم يَشْهَدْ فإنه لَا يَرْجِعُ وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُوَكِّلُ في الْإِعْطَاءِ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِأَنَّ ما دُفِعَ إلَى الْفَقِيرِ لَا يُسْتَرَدُّ فَكَأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ إنْ وَجَدَ شَرْطَهَا وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ لِأَنَّهُ وَطَّنَ نَفْسَهُ على تَمَلُّكِهِ وَتَعَلَّقَتْ بِهِ أَطْمَاعُهُ فَإِنْ عِلْم ذلك وَلَوْ بِقَوْلِ الْمَالِكِ له هذه زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ وَحَالَ عليه الْحَوْلُ وقد خَرَجَ الْفَقِيرُ أو الْمَالِكُ عن أَهْلِيَّةِ الزَّكَاةِ وَلَوْ بِإِتْلَافِ مَالِهِ اسْتَرَدَّهُ أَيْ الْمُعَجِّلُ وَلَوْ لم يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ لِلْعِلْمِ بِالتَّعْجِيلِ وقد بَطَلَ وَإِنْ قال هذه زَكَاتِي الْمُعَجَّلَةُ فَإِنْ لم تَقَعْ زَكَاةً فَهِيَ نَافِلَةٌ لم يَسْتَرِدَّ وهو وَاضِحٌ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ اخْتَلَفَا في عِلْمِ التَّعْجِيلِ أَيْ في عِلْمِ الْقَابِضِ بِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْفَقِيرِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وفي تَحْلِيفِ وَارِثِهِ إذَا مَاتَ قبل حَلِفِهِ أَنَّهُ ما عَلِمَ أَنَّ مُوَرِّثَهُ عَلِمَ التَّعْجِيلَ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نعم وَصَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ لِإِمْكَانِ صِدْقِهِ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ من قَوْلِهِ هذه زَكَاتِي أنها وَاجِبَةٌ في الْحَالِ فَلَيْسَ له دَعْوَى خِلَافِهِ وَلَا يَجُوزُ اسْتِرْدَادٌ بِلَا سَبَبٍ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِالتَّعْجِيلِ فَهُوَ كَمَنْ عَجَّلَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا لَا يَسْتَرِدُّهُ قال في الْمَجْمُوعِ قال الْإِمَامُ وَمَتَى ثَبَتَ الِاسْتِرْدَادُ فَلَا حَاجَةَ إلَى نَقْضِ الْمِلْكِ وَالرُّجُوعِ بَلْ يُنْتَقَضُ بِنَفْسِهِ
فَرْعٌ لو دَفَعَ الزَّكَاةَ أو صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ وهو سَاكِتٌ أَجْزَأَهُ تَشْبِيهًا لِلْأَوَّلِ بِتَوْفِيَةِ ما في الذِّمَّةِ وَعَمَلًا بِالْعُرْفِ في الثَّانِي وقد نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْإِمَامِ وَعَنْ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ وَالْمُحَقِّقِينَ من غَيْرِهِمْ وَإِنْ اقْتَصَرَ الْأَصْلُ على نَقْلِهِ عن الْإِمَامِ وَلَيْسَ إعْلَامُهُ أَيْ إعْلَامُ الدَّافِعِ الْفَقِيرِ بِأَنَّهَا زَكَاةٌ فَقَطْ كَالْإِعْلَامِ بِالتَّعْجِيلِ فَلَا يَسْتَرِدُّهَا لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ ذلك
فَرْعٌ الْفَقِيرُ يَمْلِكُ الْمُعَجَّلَةَ بِالْقَبْضِ فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فيها ظَاهِرًا أو بَاطِنًا كَسَائِرِ الْمُلَّاكِ وَعِنْدَ وُجُوبِ الرَّدِّ أَيْ رَدِّهَا على الْمَالِكِ يَرُدُّهَا عَيْنًا أو بَدَلًا هو أَيْ الْفَقِيرُ إنْ كان حَيًّا أو وَارِثُهُ من تَرِكَتِهِ إنْ كان مَيِّتًا فَإِنْ لم تَكُنْ له تَرِكَةٌ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا السَّرَخْسِيُّ أَحَدُهَا يَلْزَمُ الْمَالِكَ دَفْعُ الزَّكَاةِ ثَانِيًا لِأَنَّ الْقَابِضَ ليس أَهْلًا لها وَقْتَ الْوُجُوبِ وَالثَّانِي تُجْزِئُهُ الْمُعَجَّلَةُ لِلْمَصْلَحَةِ وَالثَّالِثُ يَغْرَمُ الْإِمَامُ لِلْمَالِكِ من بَيْتِ الْمَالِ قَدْرَ الْمَدْفُوعِ وَيَلْزَمُ الْمَالِكَ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ جَمْعًا بين الْمَصْلَحَتَيْنِ وَالدَّلِيلَيْنِ قال في الْمَجْمُوعِ
وَالْأَوَّلُ هو الْقِيَاسُ الذي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْجُمْهُورِ وإذا رَدَّ فَلْيَرُدَّ بِالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ كَالسِّمْنِ وَالْكِبَرِ لَا الْمُنْفَصِلَةِ حَقِيقَةً كَالْوَلَدِ وَالْكَسْبِ أو حُكْمًا كَاللَّبَنِ بِضَرْعِ الدَّابَّةِ وَالصُّوفِ بِظَهْرِهَا كما في الْمَوْهُوبِ لِلْوَلَدِ وَالْمَبِيعِ لِلْمُفْلِسِ بِجَامِعِ حُدُوثِ الزِّيَادَةِ في مِلْكِ الْآخِذِ وَلَوْ نَقَصَتْ قِيمَةُ الْمُعَجَّلِ بِنَقْصِ صِفَةٍ كَمَرَضٍ وَهُزَالٍ لَا نَقْصِ جُزْءٍ كَتَلَفِ شَاةٍ من شَاتَيْنِ فَلَا أَرْشَ لِمَا مَرَّ آنِفًا هذا إذَا حَدَثَ الزِّيَادَةُ
____________________
(1/364)
وَالنَّقْصُ قبل حُدُوثِ سَبَبِ الرَّدِّ وَوُجِدَتْ أَهْلِيَّةُ الْمَالِكِ وَالْقَابِضِ لِلزَّكَاةِ فَإِنْ حَدَثَا بَعْدَهُ أو قَبْلَهُ وَبِأَنْ عَدِمَ تِلْكَ الْأَهْلِيَّةَ حين الْقَبْضِ رَدَّهُمَا مع الْمُعَجَّلِ صَرَّحَ بِالْأَوَّلِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ بِالثَّانِي الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ له رَدُّ بَدَلِهَا لَا إنْ تَلِفَتْ فَيَرُدُّ الْمِثْلَ في الْمِثْلِيِّ كَالدَّرَاهِمِ ويرد في غَيْرِهِ كَالْغَنَمِ قِيمَةَ يَوْمِ الْقَبْضِ كَنَظَائِرِهِ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ يوم الْقَبْضِ لَا يوم التَّلَفِ وَلَا أَقْصَى الْقِيَمِ لِأَنَّ ما زَادَ على قِيمَةِ يَوْمِ الْقَبْضِ زَادَ في مِلْكِ الْمُسْتَحِقِّ فلم يَضْمَنْهُ وَكَلَامُهُ كَأَصْلِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ ليس له رَدُّ مِثْلِهَا مع وُجُودِهَا بِغَيْرِ رِضَا الْمَالِكِ وهو كَذَلِكَ وَإِنْ اسْتَرَدَّ هَا لِإِمَامِ أو بَدَلَهَا وَلَوْ قِيمَتُهَا وَصَرَفَهَا لِلْفُقَرَاءِ جَازَ وَلَوْ لم يُجَدِّدْ الْمَالِكُ له إذْنًا اكْتِفَاءً بِالْإِذْنِ الْأَوَّلِ وَلِأَنَّهُ نَائِبُهُ في الدَّفْعِ وَنَائِبُ الْمُسْتَحِقِّينَ في الْأَخْذِ قال الْأَذْرَعِيُّ وكان هذا فِيمَا إذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ تَعْجِيلًا لِزَكَاتِهِ أَمَّا لو دَفَعَهُ إلَيْهِ لِيَصْرِفَهُ عنه فَهُوَ وَكِيلُهُ فإذا اُنْتُقِضَ ذلك الصَّرْفُ بِعَارِضٍ عَادَ الْمُخْرَجُ إلَى مِلْكِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى إذْنٍ جَدِيدٍ منه كَغَيْرِهِ من الْوُكَلَاءِ
فَرْعٌ والزكاة ( ( ( إذا ) ) ) الْمُعَجَّلَةُ كَالْبَاقِيَةِ بِمِلْكِ الْمَالِكِ فَيَكْمُلُ بها النِّصَابُ الثَّانِي وفي نُسْخَةٍ الْبَاقِي وَإِنْ تَلِفَتْ إذْ التَّعْجِيلُ إنَّمَا جَازَ رِفْقًا بِالْمُسْتَحِقِّ فَلَا يَكُونُ مُسْقِطًا لِحَقِّهِ هذا إنْ كانت منه أَيْ من النِّصَابِ لَا إنْ كانت مُشْتَرَاةً وَمَعْلُوفَةً في أَثْنَاءِ الْحَوْلِ فَلَيْسَتَا كَالْبَاقِيَتَيْنِ إذْ لَا يَكْمُلُ بِهِمَا النِّصَابُ وَإِنْ جَازَ إخْرَاجُهُمَا عن الزَّكَاةِ وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ كَالْبَاقِيَةِ أَنَّ الْمُعَجَّلَةَ لَيْسَتْ بَاقِيَةً بِمِلْكِهِ حَقِيقَةً وهو كَذَلِكَ بِدَلِيلِ صِحَّةِ تَصَرُّفِ الْمُسْتَحِقِّ فيها كما مَرَّ وَوَصْفُهُ النِّصَابَ بِالثَّانِي أو الْبَاقِي من زِيَادَتِهِ وَلَا يَخْفَى ما فيه على الْمُتَأَمِّلِ وَلَوْ عَجَّلَ شَاةً عن أَرْبَعِينَ فَاسْتَغْنَى مَثَلًا الْفَقِيرُ بِغَيْرِ ما تَعَجَّلَهُ وَاسْتَرَدَّهَا جَدَّدَ الْإِخْرَاجَ لِوُجُودِ الْمَانِعِ من إجْزَاءِ الْمُعَجَّلَةِ ولم يَسْتَأْنِفْ الْحَوْلَ لِمَا مَرَّ أنها كَالْبَاقِيَةِ بِمِلْكِهِ وَلَوْ تَلِفَتْ أَيْ الشَّاةُ الْمُعَجَّلَةُ بِيَدِ الْفَقِيرِ وَاسْتَرَدَّ الْمُزَكِّي عِوَضَهَا انْقَطَعَ الْحَوْلُ لِأَنَّهَا صَارَتْ دَيْنًا على الْفَقِيرِ فَلَا يَكْمُلُ بِهِ نِصَابُ السَّائِمَةِ نعم إذَا وَقَعَ مِثْلُهَا في النَّقْدِ وَجَبَتْ زَكَاتُهُ وَجُدِّدَ الْإِخْرَاجُ إذْ لَا مَانِعَ وَقَوْلُهُ وَاسْتَرَدَّهَا إنَّمَا ذَكَرَهُ في مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ وَاسْتَرَدَّ عِوَضَهَا وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بين اسْتِرْدَادِهَا وَعَدَمِهِ فَرْعٌ وَإِنْ عَجَّلَ بِنْتَ مَخَاضٍ عن خَمْسٍ وَعِشْرِينَ من الْإِبِلِ فَتَوَالَدَتْ إبِلُهُ وَبَلَغَتْ بها سِتًّا وَثَلَاثِينَ قبل الْحَوْلِ لم تُجْزِهِ بِنْتُ الْمَخَاضِ إنْ كانت بَاقِيَةً وَإِنْ صَارَتْ بِنْتَ لَبُونٍ لِأَنَّهُ دَفَعَهَا عن جِهَةٍ فإذا بَطَلَتْ اسْتَرَدَّهَا كَالْأُجْرَةِ بِانْهِدَامِ الدَّارِ فَيَسْتَرِدُّهَا ثُمَّ يُجَدِّدُ الْإِخْرَاجَ وَإِنْ تَلِفَتْ لم يَلْزَمْ إخْرَاجٌ لِبِنْتِ لَبُونٍ لِأَنَّا إنَّمَا نَجْعَلُ الْمُخْرَجَ كَالْبَاقِي إذَا وَقَعَ مَحْسُوبًا عن الزَّكَاةِ وَإِلَّا فَلَا بَلْ هو كَتَلَفِ بَعْضِ الْمَالِ قبل الْحَوْلِ وَلَا تَجْدِيدَ لِبِنْتِ الْمَخَاضِ لِوُقُوعِهَا مَوْقِعَهَا وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ
فَرْعٌ عِنْدَهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ بَعِيرًا ليس فيها بِنْتُ مَخَاضٍ فَعَجَّلَ ابْنَ لَبُونٍ ثُمَّ اسْتَفَادَ بِنْتَ مَخَاضٍ في آخِرِ الْحَوْلِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُجْزِئُ وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي الْمَنْعُ وَعَلَيْهِ إخْرَاجُ بِنْتِ مَخَاضٍ لِأَنَّ الْإِبْدَالَ لَا يُصَارُ إلَيْهَا قبل وُجُوبِ الْبَدَلِ وَيُؤَيِّدُهُ ما مَرَّ أَنَّ الْمُعَجَّلَ كَالْبَاقِي وَمَتَى وَجَدَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَابْنَ لَبُونٍ لَا يُجْزِئُ ابن اللَّبُونِ
بَابُ حُكْمِ تَأْخِيرِ الزَّكَاةِ إذَا حَالَ الْحَوْلُ على الْمَالِ الزَّكَوِيِّ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَإِنْ لم يَتَمَكَّنْ من الْأَدَاءِ لِأَنَّهُ لو تَأَخَّرَ التَّمَكُّنُ فَابْتِدَاءُ الْحَوْلِ الثَّانِي من تَمَامِ الْأَوَّلِ لَا من التَّمَكُّنِ وَلِأَنَّهُ لو حَدَثَ نِتَاجٌ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ ضُمَّ إلَى الْأَصْلِ في الْحَوْلِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ قال الْإِسْنَوِيُّ لَكِنْ إذَا قُلْنَا الْفُقَرَاءُ شُرَكَاءُ الْمَالِكِ فَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ الثَّانِي من الدَّفْعِ إنْ كان نِصَابًا فَقَطْ لَا الضَّمَانُ فَلَا يَجِبُ ما لم يَتَمَكَّنْ من الْأَدَاءِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ بِخِلَافِ ما إذَا تَمَكَّنَ نعم إنْ أَتْلَفَهُ وَلَوْ قبل التَّمَكُّنِ ضَمِنَ لِتَقْصِيرِهِ فَلَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ أو أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ تَعَلَّقَتْ أَيْ الزَّكَاةُ بِالْقِيمَةِ كما لو قُتِلَ لِعَبْدِ الْجَانِي أو الْمَرْهُونِ يَنْتَقِلُ الْحَقُّ إلَيْهَا فَرْعٌ الْوَقْصُ عَفْوٌ كما مَرَّ فَلَا يَتَعَلَّقُ الْفَرْضُ إلَّا بِالنِّصَابِ فإذا مَلَكَ خَمْسًا من الْإِبِلِ فَتَلِفَتْ وَاحِدَةٌ منها بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ أو مَلَكَ تِسْعًا منها فَهَلَكَتْ خَمْسٌ منها كَذَلِكَ لَزِمَهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ شَاةٍ بِنَاءً فِيهِمَا على أَنَّ التَّالِفَ لَا زَكَاةَ فيه مع الْبِنَاءِ في الْأُولَى على أَنَّ التَّمَكُّنَ ليس شَرْطًا في الْوُجُوبِ وفي الثَّانِيَةِ على أَنَّ الْوَقْصَ عَفْوٌ فَلَا قِسْطَ له حتى يَسْقُطَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَزِيدُ بِزِيَادَتِهِ لِخَبَرِ أبي دَاوُد وَغَيْرِهِ في خَمْسٍ من الْإِبِلِ شَاةٌ ثُمَّ لَا شَيْءَ فيها حتى تَبْلُغَ عَشْرًا فَلَا تَنْقُصُ
____________________
(1/365)
بِنَقْصِهِ وَإِنْ هَلَكَ أَرْبَعٌ من التِّسْعِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَلَوْ قبل التَّمَكُّنِ لَزِمَهُ شَاةٌ بِنَاءً على أَنَّ الْوَقْصَ عَفْوٌ
فَرْعٌ الْمُرَادُ بِالتَّمَكُّنِ من الْأَدَاءِ حُضُورُ الْمَالِ عِنْدَ الْمَالِكِ فَلَوْ غَابَ عنه لم يَجِبْ الْأَدَاءُ من مَحَلٍّ آخَرَ وَإِنْ جَوَّزْنَا نَقْلَ الزَّكَاةِ وحضور من يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِ كَالْإِمَامِ وَلَوْ في الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ لَا الْفَقِيرِ وفي نُسْخَةٍ من الْإِمَامِ أو نَائِبِهِ وَالْمُسْتَحِقِّ لَا الْمُسْتَحَقِّ حَيْثُ يَجِبُ الصَّرْفُ إلَى الْإِمَامِ بِأَنْ يَطْلُبَهُ من الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ كما مَرَّ فَلَا يَحْصُلُ التَّمَكُّنُ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِمَا مَرَّ مع الْفَرَاغِ من مُهِمَّاتِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا كما في رَدِّ الْوَدِيعَةِ وَمَعَ التَّصْفِيَةِ في الْحُبُوبِ وَالْمَعَادِنِ مِمَّا خَالَطَهَا وَالْجَفَافِ في الثِّمَارِ كما سَيَأْتِي ذلك وَالْوَاوُ في قَوْلِهِ وَالْمُسْتَحِقُّ على النُّسْخَةِ الثَّانِيَةِ بِمَعْنَى أو وَلَوْ أُخِّرَ لِطَلَبِ الْأَفْضَلِ من تَفْرِيقِهِ بِنَفْسِهِ أو الْإِمَامِ حَيْثُ كان تَفْرِيقُهُ أَفْضَلَ أو لِانْتِظَارِ قَرِيبٍ وَجَارٍ أو أَحْوَجَ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ جَازَ لِأَنَّهُ تَأْخِيرٌ لِغَرَضٍ ظَاهِرٍ وهو حِيَازَةُ الْفَضِيلَةِ وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أو التي عَبَّرَ بها أَصْلُهُ وَلَوْ عَطَفَ انْتِظَارَ الْقَرِيبِ على مَجْرُورِ من لَأَفَادَ أَنَّهُ أَفْضَلُ كما أَفَادَهُ قَوْلُ صَاحِبِ الْأَنْوَارِ وَلَوْ أَخَّرَ لِطَلَبِ الْأَفْضَلِ كَالدَّفْعِ إلَى الْإِمَامِ أو الصَّرْفِ إلَى الْقَرِيبِ أو الْجَارِ أو الْأَحْوَجِ لم يَعْصِ وَضَمِنَ إنْ تَلِفَ في مُدَّةِ التَّأْخِيرِ لِحُصُولِ الْإِمْكَانِ وَإِنَّمَا أَخَّرَ لِغَرَضِ نَفْسِهِ فَيَتَقَيَّدُ جَوَازُهُ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ وَلَوْ تَضَرَّرَ الْحَاضِرُ بِالْجُوعِ حَرُمَ التَّأْخِيرُ مُطْلَقًا لِأَنَّ دَفْعَ ضَرَرِهِ فَرْضٌ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ لِفَضِيلَةٍ
فَصْلٌ إذَا حَالَ الْحَوْلُ على غَيْرِ مَالِ التِّجَارَةِ بِقَرِينَةٍ ما يَأْتِي في زَكَاتِهَا تَعَلَّقَتْ الزَّكَاةُ بِالْعَيْنِ وَصَارَ الْفُقَرَاءُ شُرَكَاءَ حتى في الْإِبِلِ بِقِيمَةِ الشَّاةِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ يَتْبَعُ الْمَالَ في الصِّفَةِ حتى يُؤْخَذَ من الْمِرَاضِ مَرِيضَةٌ وَمِنْ الصِّحَاحِ صَحِيحَةٌ كما مَرَّ وَلِأَنَّهُ لو امْتَنَعَ من الزَّكَاةِ أَخَذَهَا الْإِمَامُ من الْعَيْنِ كما يُقَسِّمُ الْمَالَ الْمُشْتَرَكَ وَقَهْرًا إذَا امْتَنَعَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ من الْقِسْمَةِ إنَّمَا جَازَ الْأَدَاءُ من مَالٍ آخَرَ لِبِنَاءِ الزَّكَاةِ على الرِّفْقِ قال الْإِسْنَوِيُّ ولم يُفَرِّقُوا في الشَّرِكَةِ بين الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ فَيَلْزَمُ منه أُمُورٌ منها أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِرَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يَدَّعِيَ بِمِلْكِ جَمِيعِهِ وَلَا الْحَلِفُ عليه وَلَا لِلشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدُوا بِهِ بَلْ طَرِيقُ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ بَاقٍ في ذِمَّتِهِ وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ قَبْضَهُ لِأَنَّ له وِلَايَةَ التَّفْرِقَةِ في الْقَدْرِ الذي مَلَكَهُ الْفُقَرَاءُ قال غَيْرُهُ وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ بَعْدَ مُضِيِّ حَوْلٍ أو أَحْوَالٍ إنْ أَبْرَأْتنِي من صَدَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتُبْرِئْهُ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ على الْبَرَاءَةِ من جَمِيعِ الصَّدَاقِ ولم يَحْصُلْ لِأَنَّ مِقْدَارَ الزَّكَاةِ لَا يَسْقُطُ بِالْبَرَاءَةِ فَطَرِيقُهَا أَنْ تُعْطِيَ الزَّكَاةَ ثُمَّ تُبْرِئَهُ فإذا بَاعَ النِّصَابَ أو بَعْضَهُ أو رَهَنَهُ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ صَحَّ لَا في قَدْرِهَا من الْمَبِيعِ أو الْمَرْهُونِ وَإِنْ كان الْبَاقِي قَدْرُهَا في صُورَةِ الْبَعْضِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الْمُشْتَرَكَةِ بِنَاءً على تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَالْقَدْرِ الْبَاقِي بِلَا بَيْعٍ وَرَهْنٍ في صُورَةِ الْبَعْضِ قَدْرُ الزَّكَاةِ منه بَاقٍ بِحَالِهِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ
وَالتَّصْرِيحُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ فيها من زِيَادَتِهِ وَكَذَا بِالتَّرْجِيحِ فيها بِالنِّسْبَةِ لِلْبَيْعِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَإِنْ بَقِيَ قَدْرُ الزَّكَاةِ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ قال ابن الصَّبَّاغِ أَقْيَسُهُمَا الْبُطْلَانُ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ على كَيْفِيَّةِ ثُبُوتِ الشَّرِكَةِ وَفِيهَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الزَّكَاةَ شَائِعَةٌ في الْجَمِيعِ مُتَعَلِّقَةٌ بِكُلِّ
____________________
(1/366)
وَاحِدَةٍ من الشِّيَاهِ بِالْقِسْطِ وَالثَّانِي أَنَّ مَحَلَّ الِاسْتِحْقَاقِ قَدْرُ الْوَاجِبِ وَيَتَعَيَّنُ بِالْإِخْرَاجِ انْتَهَى وَالْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ الْأَوَّلُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ إذْ الْقَوْلُ بِالثَّانِي يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِيمَا ذُكِرَ لِإِبْهَامِ الْمَبِيعِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ إخْرَاجُ نِصْفَيْ شَاتَيْنِ مَثَلًا لِضَرَرِ التَّبْعِيضِ الْمُنَافِي لِمَا وُضِعَتْ عليه الزَّكَاةُ من الرِّفْقِ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ كان جَاهِلًا لِتَبْعِيضِ ما عَقَدَ عليه وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِإِخْرَاجِهَا من مَوْضِعٍ آخَرَ لِأَنَّهُ وَإِنْ فَعَلَ ذلك فَالْعَقْدُ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا في قَدْرِهَا وَمَتَى اخْتَارَ الْفَسْخَ فَذَاكَ أو الْإِجَازَةَ في الْبَاقِي فَبِقِسْطِهِ من الثَّمَنِ يُجِيزُ وَلَوْ كان الْبَائِعُ لِشَيْءٍ مِمَّنْ لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ اشْتَرَطَ رَهْنَهُ أَيْ جَمِيعِ النِّصَابِ أو بَعْضِهِ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ الْمُوَافِقُ مِنْهُمَا لِمَا سَيَأْتِي في الرَّهْنِ من أَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ تَرْجِيحُ عَدَمِ الصِّحَّةِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ وَلَا يَسْقُطُ بِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ من مَوْضِعٍ آخَرَ لِمَا مَرَّ وَوَقَعَ في الْأَصْلِ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وهو سَبْقُ قَلَمٍ وَالْمَنْقُولُ ما قَرَّرْته وَإِنْ بَاعَ الثَّمَرَةَ بَعْدَ الْخَرْصِ وَالتَّضْمِينِ جَازَ أَيْ حَلَّ وَصَحَّ إذْ بِالتَّضْمِينِ انْتَقَلَ الْحَقُّ إلَى ذِمَّتِهِ وَهَذَا مَذْكُورٌ في الْبَابِ الْآتِي أَيْضًا
فَرْعٌ إذَا مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً أو خَمْسَةَ أَبْعِرَةٍ حَوْلَيْنِ ولم يُزَكِّهَا ولم تَزِدْ على ذلك لَزِمَهُ شَاةٌ لِلْحَوْلِ الْأَوَّلِ فَقَطْ أَيْ دُونَ الثَّانِي إذْ الْمُسْتَحِقُّ شَرِيكٌ فَهُوَ شَرِيكٌ في الْمِثَالِ الْأَوَّلِ بِشَاةٍ وفي الثَّانِي بِقَدْرِ قِيمَةِ شَاةٍ وَالْخُلْطَةُ معه غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ إذْ لَا زَكَاةَ عليه لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ كما مَرَّ وَيُؤْخَذُ منه أَنَّهُ لو كان مُعَيَّنًا لِانْحِصَارِهِ في الْبَلَدِ أَثَّرَتْ الْخُلْطَةُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ ولم يُزَكِّهَا ما إذَا زَكَّاهَا فَإِنْ زَكَّاهَا من عَيْنِهَا فَالْحُكْمُ كما ذُكِرَ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ لِكُلِّ حَوْلٍ شَاةٌ وَبِقَوْلِهِ ولم تَزِدْ ما إذَا زَادَتْ كَأَنْ حَدَثَتْ سَخْلَةٌ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ حَوْلٍ شَاةٌ وما ذَكَرَهُ مِثَالٌ فَقِسْ عليه نَظَائِرَهُ أو مَلَكَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ من الْإِبِلِ حَوْلَيْنِ ولم يُزَكِّهَا ولم تَزِدْ أَخْرَجَ لِلْحَوْلِ الْأَوَّلِ بِنْتَ مَخَاضٍ وَلِلثَّانِي أَرْبَعَ شِيَاهٍ لِمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ
فَرْعٌ لو رَهَنَهُ أَيْ مَالِ الزَّكَاةِ قبل تَمَامِ الْحَوْلِ ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ وَلَهُ مَالٌ آخَرُ أُخِذَتْ زَكَاةُ الْمَرْهُونِ منه أَيْ من مَالِهِ الْآخَرِ وَلَا تُؤْخَذْ من الْمَرْهُونِ لِأَنَّهَا مُؤْنَةُ الْمَالِ فَأَشْبَهَتْ النَّفَقَةَ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ له مَالٌ آخَرُ أُخِذَتْ زَكَاتُهُ من الرَّهْنِ أَيْ الْمَرْهُونِ فَإِنْ كان الْوَاجِبُ من غَيْرِ الْجِنْسِ بَيْعَ جُزْءٍ من الْمَالِ فيها وَلَا يَلْزَمُهُ إبْدَالُهُ يَعْنِي بَدَلَ ما أُخِذَ من الْمَرْهُونِ إنْ أَيْسَرَ لِيَكُونَ رَهْنًا لِتَعَلُّقِهِ بِعَيْنِ الْمَالِ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ قال الْبَغَوِيّ وَلَا خِيَارَ لِلْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الزَّكَاةِ طَرَأَ على الرَّهْنِ فَصَارَ كَتَلَفِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ بَابُ زَكَاةِ الْمُعَشَّرَاتِ أَيْ الْأَمْوَالِ التي يَجِبُ فيها الْعُشْرُ أو بَعْضُهُ وَالْأَصْلُ في الْبَابِ قبل الْإِجْمَاعِ مع ما يَأْتِي قَوْله تَعَالَى وَآتُوا حَقَّهُ يوم حَصَادِهِ وَهِيَ أَيْ زَكَاةُ الْمُعَشَّرَاتِ وَاجِبَةٌ في نِصَابٍ مِمَّا يُقْتَاتُ حَالَ الِاخْتِيَارِ وَلَوْ نَادِرًا وهو من الثِّمَارِ ثَمَرُ النَّخْلِ وَالْعِنَبُ خَاصَّةً وَمِنْ الْحُبُوبِ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَيُقَالُ بِكَسْرِهَا وَالسُّلْتُ وَسَيَأْتِي وَالْأَرُزُّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ في أَشْهَرِ اللُّغَاتِ وَالذُّرَةُ بِمُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مُخَفَّفَةٍ وَالْهَاءُ عِوَضٌ من وَاوٍ أو يَاءٍ وَالدُّخْنُ بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ نَوْعٌ من الذُّرَةِ إلَّا أَنَّهُ أَصْغَرُ منها وَالْعَدَسُ بِفَتْحِ الدَّالِ وَمِثْلُهُ الْبِسِلَّا وَالْحِمَّصُ بِكَسْرِ الْحَاءِ مع كَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا وَالْبَاقِلَّا بِالتَّشْدِيدِ مع الْقَصْرِ وَيُكْتَبُ بِالْيَاءِ وَبِالتَّخْفِيفِ مع الْمَدِّ وَيُكْتَبُ بِالْأَلِفِ وقد تُقْصَرُ الْفُولُ
وَاللُّوبِيَا بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ قال الرَّافِعِيُّ وَتُسَمَّى الدِّجْرَ أَيْضًا بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْجِيمِ وَالرَّاءِ كما قَالَهُ ابن سِيدَهْ وَغَيْرُهُ وَالْمَاشُّ بِالْمُعْجَمَةِ نَوْعٌ من الْجُلُبَّانِ بِضَمِّ الْجِيمِ وَالْهُرْطُمَانُ بِضَمِّ الْهَاءِ وَالطَّاءِ الْجُلُبَّانُ وَيُقَالُ له الْخُلَّرُ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ وَبَعْدَهَا ر فَتَجِبُ الزَّكَاةُ في الْجَمِيعِ لِوُرُودِهَا في بَعْضِهِ في الْأَخْبَارِ الْآتِيَةِ وَأُلْحِقَ بِهِ الْبَاقِي وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَبِي مُوسَى
____________________
(1/367)
الْأَشْعَرِيِّ وَمُعَاذٍ حين بَعَثَهُمَا إلَى الْيَمَنِ فِيمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ لَا تَأْخُذْ الصَّدَقَةَ إلَّا من هذه الْأَرْبَعَةِ الشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ فَالْحَصْرُ فيه إضَافِيٌّ لِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ من قَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالسَّيْلُ وَالْبَعْلُ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذلك في التَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ وَالْحُبُوبِ فَأَمَّا الْقِثَّاءُ وَالْبِطِّيخُ وَالرُّمَّانُ وَالْقَضْبُ فَعَفْوٌ عَفَا عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْقَضْبُ بِسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّطْبُ بِسُكُونِ الطَّاءِ وَاخْتَصَّ الْوُجُوبُ بِالْمُقْتَاتِ وهو ما يَقُومُ بِهِ بَدَنُ الْإِنْسَانِ غَالِبًا لِأَنَّ الِاقْتِيَاتَ من الضَّرُورِيَّاتِ التي لَا حَيَاةَ بِدُونِهِ فَوَجَبَ فيه حَقٌّ لِأَرْبَابِ الضَّرُورَاتِ وَخَرَجَ بِمَا يُقْتَاتُ غَيْرُهُ وَمِنْهُ ما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ في زَيْتُونٍ وَزَعْفَرَانٍ وَوَرْسٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ نَبْتٌ أَصْفَرُ بِالْيَمَنِ تُصْبَغُ بِهِ الثِّيَابُ وَغَيْرُهَا وَعَسَلٍ من نَحْلٍ أو غَيْرِهِ وَقُرْطُمٍ بِكَسْرِ الْقَافِ وَالطَّاءِ وَضَمِّهِمَا حَبُّ الْعُصْفُرِ وَتُرْمُسٍ بِضَمِّ التَّاءِ وَالْمِيمِ وَحَبِّ فُجْلٍ بِضَمِّ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ وَنَحْوِ ذلك كَالْبِطِّيخِ وَالْكُمَّثْرَى وَالرُّمَّانِ وَخَرَجَ بِحَالِ الِاخْتِيَارِ ما يُقْتَاتُ حَالَ الضَّرُورَةِ كَحَبِّ الْغَاسُولِ وَالْحَنْظَلِ وَالْحُلْبَةِ
فَصْلٌ وَنِصَابُهَا أَيْ الْمُعَشَّرَاتِ بَعْدَ تَصْفِيَةِ الْحُبُوبِ من تِبْنٍ وَقِشْرٍ لَا يُؤْكَلُ مَعَهَا غَالِبًا وَغَيْرِهِمَا وَجَفَافِ الثِّمَارِ إنْ أتى منها تَمْرٌ وَزَبِيبٌ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ليس فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ من التَّمْرِ صَدَقَةٌ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ ليس في حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ حتى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وقد أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يُخْرَصَ الْعِنَبُ كما يُخْرَصُ النَّخْلُ وَتُؤْخَذُ زَكَاتُهُ زَبِيبًا كما تُؤْخَذُ زَكَاةُ النَّخْلِ تَمْرًا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وابن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ وَجَعَلَ فيه النَّخْلَ أَصْلًا لِأَنَّ خَيْبَرَ فُتِحَتْ أَوَّلًا وَبِهَا نَخْلٌ وقد بَعَثَ إلَيْهِمْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عَبْدَ اللَّهِ بن رَوَاحَةَ فَخَرَصَهَا فلما فَتَحَ الطَّائِفَ وَبِهَا الْعِنَبُ الْكَثِيرُ أَمَرَ بِخَرْصِهِ كَخَرْصِ النَّخْلِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَهُمْ وَلِأَنَّ النَّخْلَ كانت عِنْدَهُمْ أَكْثَرَ وَأَشْهَرَ ذَكَرَهُمَا في الْمَجْمُوعِ وقال إنَّ الْأَوَّلَ أَحْسَنُهُمَا وَهِيَ أَيْ الْأَوْسُقُ الْخَمْسَةُ
أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رِطْلٍ بِالْبَغْدَادِيِّ
وَالْوَسْقُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَأَشْهَرُ وَأَفْصَحُ من كَسْرِهَا سِتُّونَ صَاعًا كما رَوَاهُ ابن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَالصَّاعُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ فَالْجُمْلَةُ أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رِطْلٍ وَهِيَ بِالْمَنِّ الصَّغِيرِ ثَمَانُمِائَةِ مَنٍّ لِأَنَّ الْمَنَّ رِطْلَانِ وَبِالْكَبِيرِ الذي وَزْنُهُ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ كَالرِّطْلِ الدِّمَشْقِيِّ ثَلَاثُمِائَةِ مَنٍّ وَسِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ مَنًّا وَثُلُثًا من على قَوْلِ الرَّافِعِيِّ إنَّ رِطْلَ بَغْدَادَ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا وَأَمَّا على قَوْلِ النَّوَوِيِّ إنَّهُ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي في زَكَاةِ الْفِطْرِ فَهِيَ ثَلَثُمِائَةٍ مَنٍّ وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ مَنًّا وَسِتَّةُ أَسْبَاعِ مَنٍّ وَبِالْمِصْرِيِّ أَلْفُ رِطْلٍ وَأَرْبَعُمِائَةِ رِطْلٍ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ رِطْلًا وَنِصْفُ رِطْلٍ وَنِصْفُ أُوقِيَّةٍ وَثُلُثُهَا وَسُبْعَا دِرْهَمٍ وَبِالْإِرْدَبِّ الْمِصْرِيِّ قال الْقَمُولِيُّ سِتَّةُ أَرَادِبَّ وَرُبْعُ إرْدَبٍّ بِجَعْلِ الْقَدَحَيْنِ صَاعًا كَزَكَاةِ الْفِطْرِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ
وَالسُّبْكِيُّ خَمْسَةُ أَرَادِبَّ وَنِصْفٌ وَثُلُثٌ فَقَدْ اُعْتُبِرَتْ الْقَدَحُ الْمِصْرِيُّ بِالْمُدِّ الذي حَرَّرْته فَوَسِعَ مُدَّيْنِ وَسُبْعًا تَقْرِيبًا فَالصَّاعُ قَدْحَانِ إلَّا سُبْعَيْ مُدٍّ وَكُلُّ خَمْسَةَ عَشَرَ مُدًّا سَبْعَةُ أَقْدَاحٍ وَكُلُّ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَيْبَةٌ وَنِصْفٌ وَرُبْعٌ فَثَلَاثُونَ صَاعًا ثَلَاثُ وَيْبَاتٍ وَنِصْفٌ فَثَلَاثُمِائَةِ صَاعٍ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ وَيْبَةً وَهِيَ خَمْسَةُ أَرَادِبَّ وَنِصْفٌ وَثُلُثٌ فَالنِّصَابُ على قَوْلِهِ خَمْسُمِائَةٍ وَسِتُّونَ قَدَحًا وَعَلَى قَوْلِ الْقَمُولِيِّ سِتُّمِائَةٍ وَقَوْلُ السُّبْكِيّ أَوْجَهُ لِأَنَّ كَوْنَ الصَّاعِ قَدَحَيْنِ تَقْرِيبٌ وَتُعْتَبَرُ الْأَوْسُقُ كَيْلًا لَا وَزْنًا وَإِنَّمَا قُدِّرَتْ بِالْوَزْنِ اسْتِظْهَارًا أو إذَا وَافَقَ الْكَيْلَ وَتَحْدِيدًا لَا تَقْرِيبًا لِلْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ وَكَمَا في نِصَابِ الْمَوَاشِي وَغَيْرِهَا وَلَوْ لم يَأْتِ منه أَيْ الثَّمَرِ تَمْرٌ وَلَا زَبِيبٌ جَيِّدَانِ في الْعَادَةِ وَسْقٌ رَطْبًا بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ لِأَنَّهُ وَقْتُ كَمَالِهِ فَيَكْمُلْ بِهِ نِصَابُ ما يَجِفُّ من ذلك قال في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ ما إذَا كانت مُدَّةُ جَفَافِهِ طَوِيلَةً كَسَنَةٍ لِقِلَّةِ فَائِدَتِهِ ويكمل بِالْخُلْطَةِ أَيْ بِسَبَبِهَا الْمَالُ الْمَخْلُوطُ بِمِلْكِ الشَّرِيكِ وَالْجَارِ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ في بَابِهَا وما اُدُّخِرَ في قِشْرِهِ ولم يُؤْكَلْ معه كَالْأَرُزِّ وَالْعَلَسِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَاللَّامِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ نَوْعٌ من الْحِنْطَةِ فَنِصَابُهُ عَشَرُ أَوْسُقٍ اعْتِبَارُ الْقِشْرَةِ الذي ادِّخَارُهُ فيه أَصْلَحُ له أو أَبْقَى بِالنِّصْفِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ تَصْفِيَتُهُ من قِشْرِهِ وَأَنَّ قِشْرَهُ لَا يَدْخُلُ في الْحِسَابِ قال ابن الرِّفْعَةِ فَلَوْ كانت الْأَوْسُقُ الْخَمْسَةُ تَحْصُلُ من دُونِ الْعَشَرَةِ اعْتَبَرْنَاهُ دُونَهَا وَكَلَامُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ دَالٌّ عليه وَلَا يَدْخُلُ قِشْرَةُ الْبَاقِلَّا السُّفْلَى في الْحِسَابِ لِأَنَّهَا غَلِيظَةٌ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ
____________________
(1/368)
وَهَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن صَاحِبِ الْعُدَّةِ لَكِنْ اسْتَغْرَبَهُ في الْمَجْمُوعِ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو كما قال وَالْوَجْهُ تَرْجِيحُ الدُّخُولِ أو الْجَزْمُ بِهِ وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ كَجٍّ إنْ لم يَكُنْ الْمَنْصُوصُ فإنه ذَكَرَ النَّصَّ في الْعَلَسِ ثُمَّ قال فَأَمَّا الْبَاقِلَّا وَالْحِمَّصُ وَالشَّعِيرُ فَيُطْحَنُ في قِشْرِهِ وَيُؤْكَلُ فَلِأَجْلِ ذلك اعْتَبَرْنَاهُ مع قِشْرِهِ وَسِيَاقِهِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ من تَتِمَّةِ النَّصِّ
فَصْلٌ وَتَجِبُ الزَّكَاةُ على مَالِكِ الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ وَإِنْ كانت الْأَرْضُ مُسْتَأْجَرَةً أو ذَاتَ خَرَاجٍ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ مع الْأُجْرَةِ أو الْخَرَاجِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ وَكَمَا في الْحَانُوتِ الْمُكْتَرَى لِلتِّجَارَةِ وَلِأَنَّهُمَا حَقَّانِ اخْتَلَفَ سَبَبُهُمَا فَوَجَبَا كما في قِيمَةِ الصَّيْدِ وَجَزَائِهِ حتى لو كان الْخَرَاجُ عُشْرَ الزَّرْعِ أُخِذَ من كل عَشَرَةِ أَوْسُقٍ وَسْقَانِ وَسْقٌ زَكَاةً وَوَسْقٌ خَرَاجًا وَأَمَّا خَبَرُ لَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ في أَرْضِ مُسْلِمٍ فَضَعِيفٌ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ وَتَكُونُ الْأَرْضُ خَرَاجِيَّةً إذَا فَتَحَهَا الْإِمَامُ قَهْرًا وَقَسَمَهَا بين الْغَانِمِينَ ثُمَّ تُعَوِّضُهَا وَوَقْفُهَا عَلَيْنَا وَضَرَبَ عليها خَرَاجًا أو فَتَحَهَا صُلْحًا على أَنْ تَكُونَ لنا وَيَسْكُنُهَا الْكُفَّارُ بِخَرَاجٍ مَعْلُومٍ فَهِيَ لنا وَالْخَرَاجُ عليها أُجْرَةٌ لَا تَسْقُطُ بِإِسْلَامِهِمْ فَإِنْ لم تُشْرَطْ لنا لَكِنْ سَكَنَهَا الْكُفَّارُ بِخَرَاجٍ فَهُوَ جِزْيَةٌ تَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ وَسَيَأْتِي ذلك في السِّيَرِ وَالنَّوَاحِي التي يُؤْخَذُ الْخَرَاجُ من أَرْضِهَا وَلَا يُعْرَفُ أَصْلُهُ بِحُكْمِ جَوَازِ أَخْذِهِ منها لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ بِحَقٍّ وَيَحْكُمُ بِمِلْكِ أَهْلِهَا لها فَلَهُمْ التَّصَرُّفُ فيها بِبَيْعٍ وَرَهْنٍ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ في الْيَدِ الْمِلْكُ وَلَا يَقَعُ الْخَرَاجُ الْمَأْخُوذُ ظُلْمًا بَدَلًا عن الْعُشْرِ الْوَاجِبِ أو بَعْضِهِ فَلَوْ أَخَذَهُ السُّلْطَانُ بَدَلًا عنه وَقَعَ عنه كَأَخْذِ الْقِيمَةِ في الزَّكَاةِ بِالِاجْتِهَادِ فَإِنْ نَقَصَ الْمَأْخُوذُ بَدَلًا عن الْعُشْرِ أو بَعْضِهِ تَمَّمَهُ وَسَقَطَ بِهِ الْفَرْضُ
فَصْلٌ لَا زَكَاةَ فِيمَا يُسْتَغَلُّ من الْوَقْفِ لِلْمَسَاجِدِ أَيْ عليها وَنَحْوِهَا كَالرُّبُطِ وعلى الْجِهَةِ الْعَامَّةِ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ إذْ ليس لها مَالِكٌ مُعَيَّنٌ بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِينَ كما سَبَقَ في بَابِ الْخُلْطَةِ
فَصْلٌ لَا تُضَمُّ الْأَجْنَاسُ أَيْ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ لِتَكْمِيلِ النِّصَابِ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ لِانْفِرَادِ كُلٍّ بِاسْمٍ وَطَبْعٍ خَاصَّيْنِ كَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَتُضَمُّ أَنْوَاعُ الْجِنْسِ أَيْ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ لِتَكْمِيلِ النِّصَابِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ في الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ وَاللَّوْنِ وَغَيْرِهِمَا كَالْبَرْنِيِّ وَالصَّيْحَانِيُّ من التَّمْرِ وَالطَّبَرِيَّةِ وَالْبَغْلِيَّةِ من الدَّرَاهِمِ وَالْقَاسَانِيِّ وَالسَّابُورِيِّ من الذَّهَبِ فَالْعَلَسُ نَوْعٌ من الْحِنْطَةِ وهو قُوتُ صَنْعَاءِ الْيَمَنِ وَكُلُّ حَبَّتَيْنِ منه في كِمَامَةٍ فَيُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ وَالسُّلْتُ بِضَمِّ السِّينِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وهو حَبٌّ يُشْبِهُ الْحِنْطَةَ لَوْنًا وَالشَّعِيرَ طَبْعًا جِنْسٌ وفي نُسْخَةٍ نَوْعٌ مُنْفَرِدٌ فَلَا يُضَمُّ إلَى أَحَدِهِمَا وَلَا عَكْسُهُ لِأَنَّ تَرَكُّبَ الشَّبَهَيْنِ يَمْنَعُ إلْحَاقِهِ بِأَحَدِهِمَا وَيَقْتَضِي كَوْنَهُ جِنْسًا بِرَأْسِهِ وَعَلَى النُّسْخَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ ذلك مُسْتَثْنًى من جَوَازِ ضَمِّ الْأَنْوَاعِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ
فَرْعٌ إذَا وَرِثَا نَخْلًا مُثْمِرًا كُلَّهُ أو بَعْضَهُ وَاقْتَسَمَا قبل بُدُوِّ الصَّلَاحِ اشْتَرَطَهُ لِلْخُلْطَةِ أَيْ خُلْطَةِ الْجِوَارِ شُرُوطُهَا السَّابِقَةُ في بَابِهَا فَإِنْ وَجَدْت زُكِّيَا زَكَاةَ الْخُلْطَةِ كما قبل الْقِسْمَةِ وَإِلَّا فَزَكَاةُ الِانْفِرَادِ وَإِنْ بَدَا إصْلَاحُ ثَمَرِهَا أَيْ النَّخْلِ في مِلْكِهِمَا قبل الْقِسْمَةِ وَجَبَ عَلَيْهِمَا زَكَاةُ الْخُلْطَةِ وَإِنْ اقْتَسَمَا لِاشْتِرَاكِهِمَا حَالَةَ الْوُجُوبِ
وفي الْقِسْمَةِ وَهِيَ وَالْحَالَةُ أنها بَيْعٌ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ إشْكَالٌ لِأَنَّ الزَّكَاةَ مُتَعَلِّقَةٌ بها أَيْ بِالثَّمَرَةِ فَكَيْفَ تَصِحُّ الْقِسْمَةُ قبل إخْرَاجِهَا وَلِأَنَّ الرُّطَبَ لَا يُبَاعُ بِالرُّطَبِ لِمَا يَأْتِي في الرِّبَا وأجيب عن الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ قد تُمْكِنُ الْقِسْمَةُ بَعْدَ الْخَرْصِ لِلثِّمَارِ وَالتَّضْمِينِ لِحَقِّ الْمُسْتَحِقِّينَ وَعَنْ الثَّانِي بِمَا صُوِّرَ بِهِ لِقِسْمَةٍ بَعْدَ الْخَرْصِ وَالتَّضْمِينِ بِقَوْلِهِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ من إحْدَى النَّخْلَتَيْنِ ثَمَرَةً وَجِذْعًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا وَيَتَقَاصَّا أَيْ وَيَقَعُ بَيْنَهُمَا التَّقَاصُّ في الدَّرَاهِمِ قال الْأَئِمَّةُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ جُزْءٌ شَائِعٌ من الثَّمَرَةِ وَالنَّخْلِ مَعًا فَصَارَ كما لو بَاعَهَا كُلَّهَا بِثَمَرَتِهَا صَفْقَةً وَاحِدَةً وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ إذَا أُفْرِدَتْ الثَّمَرَةُ بِالْبَيْعِ أو بِأَنْ يَبِيعَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ من ثَمَرِهَا أَيْ ثَمَرِ إحْدَى النَّخْلَتَيْنِ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ من جِذْعِهَا فَإِنْ فَعَلَا ذلك قبل بُدُوِّ الصَّلَاحِ اُشْتُرِطَ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ بَيْعُ ثَمَرَةٍ تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي على جِذْعِ الْبَائِعِ إلَّا أَيْ لَكِنْ إنْ بَاعَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ من الثَّمَرَةِ وَالْجِذْعِ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ من الثَّمَرَةِ وَالْجِذْعِ جِذْعُ هذه بِثَمَرَةِ تِلْكَ وَعَكْسُهُ وَتَقَابَضَا بَلْ أو لم يَتَقَابَضَا فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ تَبِعَ فيه الْقَاضِي وهو مَبْنِيٌّ على أَنَّ بَيْعَ الثَّمَرِ لِمَالِكِ الشَّجَرِ لَا يُشْتَرَطُ فيه
____________________
(1/369)
الْقَطْعُ
وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ كما سَيَأْتِي بَيَانُهُ في بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ أو بِأَنْ كانت النَّخِيلُ الْمُثْمِرَةُ بَعْضَ النَّخْلِ فَاقْتَسَمُوا وَجَعَلُوا الْمُثْمِرَ قِسْمًا وَغَيْرَ الْمُثْمِرِ قِسْمًا وَهَذِهِ قِسْمَةُ تَعْدِيلٍ وَالْأَنْسَبُ بِمَا مَرَّ في هذا وما يَأْتِي أَنْ يُؤْتَى بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ وقد وُجِدَ كَذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي في نُسْخَةٍ هذا كُلِّهِ إنْ لم يَكُنْ على الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَإِنْ كان على الْمَيِّتِ دَيْنٌ وقد أَثْمَرَتْ نَخْلَةٌ قبل مَوْتِهِ لَا حَاجَةَ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ لِلْعِلْمِ بها مِمَّا مَرَّ أَوَّلَ الْفَرْعِ لَزِمَتْهُمْ الزَّكَاةُ إذَا بَدَا صَلَاحُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّهَا مِلْكُهُمْ ما لم تُبَعْ في الدَّيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّ لهم أَنْ يُمْسِكُوهَا وَيَقْضُوا الدَّيْنَ من غَيْرِهَا فَإِنْ كَانُوا مُوسِرِينَ أُخِذَتْ أَيْ الزَّكَاةُ من مَالِهِمْ وَصُرِفَ النَّخْلُ وَالثَّمَرَةُ لِلْغُرَمَاءِ في دَيْنِهِمْ أو كَانُوا مُعْسِرِينَ قُدِّمَتْ الزَّكَاةُ على دَيْنِ الْغُرَمَاءِ لِأَنَّ حَقَّهَا أَقْوَى تَعَلُّقًا بِالْمَالِ من حَقِّ الْمُرْتَهِنِ أَلَا تَرَى أنها تَسْقُطْ بِتَلَفِ الْمَالِ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَقَبْلَ إمْكَانِ الْأَدَاءِ وَالدَّيْنُ لَا يَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَرْهُونِ ثُمَّ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ مُقَدَّمٌ على حَقِّ غَيْرِهِ فَحَقُّ الزَّكَاةِ أَوْلَى وَيَرْجِعُ بها أَيْ بِالزَّكَاةِ أَيْ بِقَدْرِهَا الْغُرَمَاءُ على الْوَرَثَةِ إذَا أَيْسَرُوا لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عليهم وَبِسَبَبِهَا تَلِفَ ذلك الْقَدْرُ على الْغُرَمَاءِ قال الْبَغَوِيّ في التَّهْذِيبِ هذا إذَا قُلْنَا إنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ فَلَا رُجُوعَ أَمَّا إذَا طَلَعَ النَّخْلُ بَعْدِ الْمَوْتِ فَلَا حَقَّ لِلْغُرَمَاءِ في الثَّمَرَةِ بَلْ هِيَ حَقٌّ لِلْوَرَثَةِ لِحُدُوثِهَا على مِلْكِهِمْ
فَصْلٌ وَإِنْ أَثْمَرَ نَخْلٌ أو كَرْمٌ فَجُدَّ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُعْجَمَةِ أَيْ قُطِعَ ثُمَّ أَطْلَعَ في عَامِهِ وهو اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ غَيْرُ صَحِيحٍ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمُهُ فَلَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ لِأَنَّ كُلَّ حَمْلٍ كَثَمَرَةِ عَامٍ وَإِنْ أَطْلَعَ أَحَدُ نُخَلِّيه ثُمَّ أَطْلَعَ الثَّانِي قبل جَدَادِ الْأَوَّلِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا وَكَذَا بَعْدَهُ ضُمَّا أَيْ ضُمَّ أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ في إكْمَالِ النِّصَابِ إنْ اتَّحَدَ الْعَامُ وَالْعِبْرَةُ في الضَّمِّ هُنَا بِإِطْلَاعِهِمَا في عَامٍ كما صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في الزَّرْعَيْنِ كما سَيَأْتِي وَإِنْ اخْتَلَفَ قَدْرُ الْوَاجِبِ مِنْهُمَا لِلسَّقْيِ بِأَنْ سَقَى أَحَدَهُمَا بِمُؤْنَةٍ وَالْآخَرَ بِدُونِهَا لِأَنَّهَا ثَمَرَةُ عَامٍ وَاحِدٍ فَإِنْ اخْتَلَفَ الْعَامُ فَلَا ضَمَّ وَإِنْ أَطْلَعَ ثَمَرُ الْعَامِ الثَّانِي قبل جَدَادِ الْأَوَّلِ وَوَقْتُ الْجَدَادِ أَيْ نِهَايَةُ وَقْتِهِ كَالْجَدَادِ لِأَنَّ الثِّمَارَ بَعْدَ وَقْتِ الْجَدَادِ كَالْمَجْدُودَةِ فَلَوْ جاء وَقْتُ جَدَادِ ثَمَرِ نَخْلٍ ولم يَجِدَّ ثُمَّ أَطْلَعَ فَلَا ضَمَّ
فَرْعٌ لو كان له نَخْلٌ تِهَامِيَّةٌ تَحْمِلُ في الْعَامِ مَرَّتَيْنِ وَنَجْدِيَّةٌ تُبْطِئُ بِحَمْلِهَا فَحَمَلَتْ النَّجْدِيَّةُ بَعْدَ جَدَادِ حَمْلِ الْأُولَى أَيْ التِّهَامِيَّةِ في الْعَامِ ضُمَّتْ أَيْ النَّجْدِيَّةُ أَيْ ثَمَرَتُهَا إلَيْهِ أَيْ إلَى حَمْلِ التِّهَامِيَّةِ فَإِنْ أَدْرَكَهَا حَمْلُ التِّهَامِيَّةِ الثَّانِي لم يُضَمُّ إلَيْهَا وَلَوْ أَدْرَكَهَا قبل بُدُوِّ صَلَاحِهَا لِأَنَّا لو ضَمَمْنَاهُ إلَيْهَا لَزِمَ ضَمُّهُ إلَى حَمْلِ التِّهَامِيَّةِ الْأَوَّلِ وهو مُمْتَنِعٌ لِمَا مَرَّ أَنَّ كُلَّ حَمْلٍ كَثَمَرَةِ عَامٍ
فَصْلٌ وَإِنْ تَوَاصَلَ بَذْرٌ لِزَرْعٍ بِأَنْ امْتَدَّ شَهْرًا أو شَهْرَيْنِ مُتَلَاحِقًا عَادَةً فَذَلِكَ زَرْعٌ وَاحِدٌ لِضَرُورَةِ التَّدْرِيجِ وزاد قَوْلَهُ مُتَلَاحِقًا ظَنًّا منه أَنَّهُ يُفِيدُ قَوْلَنَا عَادَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَوْ زَادَ بَدَلَهُ عَادَةً كان أَوْلَى وَإِنْ تَفَاصَلَ وذلك بِأَنْ اخْتَلَفَتْ أَوْقَاتُهُ عَادَةً ضُمَّ ما حَصَلَ حَصَادُهُ أَيْ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ إنْ حُصِدَا في سَنَةٍ وَاحِدَةٍ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا عَرَبِيَّةً وَإِنْ لم يَقَعْ الزَّرْعَانِ في سَنَةٍ إذْ الْحَصَادُ هو الْمَقْصُودُ وَعِنْدَهُ يَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ وَاعْتِبَارُ الْحَصَادِ عَزَاهُ الشَّيْخَانِ إلَى الْأَكْثَرِينَ وَصَحَّحَاهُ قال في الْمُهِمَّاتِ وهو نَقْلٌ بَاطِلٌ يَطُولُ الْقَوْلُ في تَفْصِيلِهِ وَالْحَاصِلُ أَنِّي لم أَرَ من صَحَّحَهُ فَضْلًا عن عَزْوِهِ إلَى الْأَكْثَرِينَ بَلْ رَجَّحَ كَثِيرُونَ اعْتِبَارَ وُقُوعِ الزَّرْعَيْنِ في عَامٍ منهم الْبَنْدَنِيجِيُّ وابن الصَّبَّاغِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ ابن النَّقِيبِ وَالْمُسْتَخْلَفُ من أَصْلٍ كَذُرَةٍ سَنْبَلَتْ مَرَّةً ثَانِيَةً في عَامٍ يُضَمُّ إلَى الْأَصْلِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ من النَّخْلِ وَالْكَرْمِ كما مَرَّ لِأَنَّهُمَا يُرَادَانِ لِلتَّأْبِيدِ فَجُعِلَ كل حَمْلٍ كَثَمَرَةِ عَامٍ بِخِلَافِ الذُّرَةِ وَنَحْوِهَا فَأُلْحِقَ الْخَارِجُ منها ثَانِيًا بِالْأَوَّلِ كَزَرْعٍ تَعَجَّلَ إدْرَاكُ بَعْضِهِ
وما نَبَتَ من انْتِثَارِ الزَّرْعِ أَيْ مِمَّا انْتَثَرَ من حَبَّاتِهِ بِنَفْسِهِ أو بِنَقْرِ عُصْفُورٍ أو بِهُبُوبِ رِيحٍ في عَامٍ فَيُضَمُّ إلَى أَصْلِهِ قَطْعًا لِأَنَّهُ لم يَنْفَرِدْ بِقَصْدٍ وَقِيلَ كَالزَّرْعَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ وَقْتًا فَيُضَمُّ على الْأَصَحِّ وَهَذَا لَا يُنَاسِبُ طَرِيقَتَهُ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ يُضَمُّ أو يَحْذِفُ الْمَسْأَلَةَ لِعِلْمِهَا مِمَّا مَرَّ وَكَأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ الْأَصْلَ أَفْرَدَهَا بِالذِّكْرِ لِعَدَمِ عِلْمِهَا مِمَّا مَرَّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ أَفْرَدَهَا لِلْخِلَافِ فيها بِوَجْهٍ خَاصٍّ وَلِيُبَيِّنَ أنها مع صُورَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ
____________________
(1/370)
وَقَعَتْ تَصْوِيرًا لِكَلَامٍ نَقَلَهُ عن الشَّافِعِيِّ رضي اللَّهُ عنه
فَصْلٌ يَجِبُ الْعُشْرُ في الْبَعْلِ وهو ما يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ لِقُرْبِهِ من الْمَاءِ وَفِيمَا سُقِيَ بِمَاءِ مَطَرٍ أو نَهْرٍ وَنَحْوِهِ كَالْعُيُونِ وَكَذَا قَنَاةٌ وَسَاقِيَةٌ حُفِرَتَا من النَّهْرِ وَإِنْ احْتَاجَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا مُؤْنَةً ويجب فِيمَا سُقِيَ بِمُؤْنَةٍ كَالنَّضْحِ أَيْ السَّقْيِ بِنَاضِحٍ وَالدَّوَالِيبُ جَمْعُ دُولَابٍ بِضَمِّ الدَّالِ وقد يُفْتَحُ وَيُقَالُ له الدَّالِيَةُ وَهِيَ الْمَنْجَنُونُ وهو ما يُدِيرُهُ الْحَيَوَانُ وَقِيلَ الدَّالِيَةُ الْبَكَرَةُ وَالنَّاعُورُ وهو ما يُدِيرُهُ الْمَاءُ نِصْفُ الْعُشْرِ وَذَلِكَ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أو كان عَثَرِيًّا الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ فِيمَا سَقَتْ الْأَنْهَارُ وَالْغَيْمُ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَلِخَبَرِ أبي دَاوُد فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْأَنْهَارُ وَالْعُيُونُ أو كان بَعْلًا الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّوَانِي وَالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَالْمَعْنَى في ذلك كَثْرَةُ الْمُؤْنَةِ وَخِفَّتُهَا كما في السَّائِمَةِ وَالْمَعْلُوفَةِ بِالنَّظَرِ إلَى الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِمُؤْنَةِ الْقَنَاةِ وَالسَّاقِيَةِ لِأَنَّهُمَا لِعِمَارَةِ الصَّنِيعَةِ لَا لِنَفْسِ الزَّرْعِ فإذا تَهَيَّأَتْ وَصَلَ الْمَاءُ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ النَّضْحِ وَنَحْوِهِ وَالْعَثَرِيُّ بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَقِيلَ بِإِسْكَانِهَا ما سُقِيَ بِالسَّيْلِ الْجَارِي إلَيْهِ في حَفْرٍ وَتُسَمَّى الْحُفَرُ عَاثُورَاءَ لِتَعَثُّرِ الْمَارِّ بها إذَا لم يَعْلَمْهَا وَالْغَيْمُ الْمَطَرُ وَالسَّانِيَةُ وَالنَّاضِحُ ما يُسْتَقَى عليه من بَعِيرٍ وَنَحْوِهِ وَالْأُنْثَى نَاضِحَةٌ وَكَذَا يَجِبُ عليه نِصْفُ الْعُشْرِ إنْ اشْتَرَى الْمَاءَ أو غَصَبَهُ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ فِيهِمَا أو اتَّهَبَهُ لِعِظَمِ الْمِنَّةِ فيه وَكَمَا لو عُلِفَتْ مَاشِيَتُهُ بِعَلَفٍ مَوْهُوبٍ
فَرْعٌ إذَا سُقِيَ الزَّرْعُ الْوَاحِدُ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالدَّوَالِيبِ مَثَلًا وَجَبَ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ بِالْقِسْطِ لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ وَعَمَلًا بِوَاجِبِهِمَا فَإِنْ كان النِّصْفُ أَيْ نِصْفُ السَّقْيِ بهذا وَالنِّصْفُ بهذا وَجَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ أو ثُلُثَاهُ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَثُلُثُهُ بِالدُّولَابِ وَجَبَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْعُشْرِ وفي عَكْسِهِ ثُلُثَا الْعُشْرِ وَالْمُعْتَبَرُ في التَّقْسِيطِ نَفْعُ السَّقْيَاتِ بِاعْتِبَارِ الْمُدَّةِ وَلَوْ كان السَّقْيُ الثَّانِي أَيْ الْآخَرُ أَكْثَرَ عَدَدًا لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالسَّقْيِ وَرُبَّ سَقْيَةٍ أَنْفَعُ من سَقَيَاتٍ وَيُعَبَّرُ عن هذا بِعَيْشِ الزَّرْعِ وَنَمَائِهِ فَلَوْ كانت الْمُدَّةُ من يَوْمِ الزَّرْعِ إلَى يَوْمِ الْإِدْرَاكِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ واحتاج في سِتَّةِ أَشْهُرٍ زَمَنَ الشِّتَاءِ وَالرَّبِيعِ إلَى سَقِيَّتَيْنِ فَسَقَى بِالْمَطَرِ واحتاج في شَهْرَيْنِ من زَمَنِ الصَّيْفِ إلَى سَقِيَّات ثَلَاثَةٍ فَسَقَى بِالنَّضْحِ وَحَصَدَهُ وَجَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ لِلسَّقْيَتَيْنِ وَرُبْعُ نِصْفِهِ لِلثَّلَاثِ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ من زِيَادَتِهِ وَحَصَدَهُ بَلْ مُضِرٌّ لِإِيهَامِهِ أَنَّ الْوُجُوبَ يَتَوَقَّفُ على الْحَصَادِ فَلَوْ سَقَاهُ أَيْ الزَّرْعَ بِهِمَا أَيْ بِالْمَطَرِ وَالنَّضْحِ وَجَهِلَ الْمِقْدَارَ من نَفْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِاعْتِبَارِ الْمُدَّةِ وَجَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ أَخْذًا بِالْأَسْوَأِ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّحَكُّمُ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ زِيَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَإِنْ عُلِمَ تَفَاوُتُهُمَا بِلَا تَعْيِينٍ فَقَدْ عَلِمْنَا نَقْصَ الْوَاجِبِ عن الْعُشْرِ وَزِيَادَتَهُ على نِصْفِهِ فَيُؤْخَذُ الْمُتَيَقَّنُ وَيُوقَفُ الْبَاقِي إلَى الْبَيَانِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ في السَّقْيِ أَيْ فِيمَا سَقَى بِهِ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ الزِّيَادَةِ عليه فَإِنْ اتَّهَمَهُ السَّاعِي حَلَّفَهُ نَدْبًا قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ
فَصْلٌ وَإِنْ تَنَوَّعَتْ الْحُبُوبُ وَالثِّمَارُ بِأَنْ كانت أَنْوَاعًا أَخَذَهَا أَيْ الزَّكَاةَ من الْكُلِّ أَيْ من كُلٍّ منها بِالْحِصَّةِ إذْ لَا ضَرَرَ بِخِلَافِ الْمَوَاشِي فَإِنَّا نَعْتَبِرُ قِيمَةَ الْأَنْوَاعِ وَنَأْمُرُهُ بِدَفْعِ نَوْعٍ منها على ما يَقْتَضِيهِ التَّوْزِيعُ وَلَا يَأْخُذُ الْبَعْضَ من هذا وَالْبَعْضَ من هذا لِمَا فيه من ضَرَرِ التَّشْقِيصِ كما مَرَّ فَلَوْ عَسِرَ أَخْذُهَا من كُلٍّ منها لِكَثْرَتِهَا وَقِلَّةِ الثَّمَرِ أَخَذَ من الْوَسَطِ منها لَا من أَعْلَاهَا وَلَا من أَدْوَنِهَا رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ فَإِنْ أَخْرَجَ من الْأَعْلَى أو تَكَلَّفَ وَأَخْرَجَ الْحِصَّةَ من الْكُلِّ قُبِلَ لِأَنَّهُ أتى بِالْوَاجِبِ وزاد خَيْرًا في الْأُولَى وَالتَّصْرِيحُ بها من زِيَادَتِهِ
فَرْعٌ يَبْدَأُ السَّاعِي في الْكَيْلِ بِالْمَالِكِ في إخْرَاجِ حِصَّتِهِ لِأَنَّ حَقَّهُ أَكْثَرُ وَبِهِ يُعْرَفُ حَقُّ الْمُسْتَحِقِّينَ وَلَوْ بَدَأَ بِهِمْ رُبَّمَا لَا يَفِي الْبَاقِي بِحَقِّهِ فَيَحْتَاجُ إلَى رَدِّ ما كِيلَ لهم فَيَكِيلُ له تِسْعَةً من كل عَشَرَةٍ إنْ وَجَبَ الْعُشْرُ أو تِسْعَةَ عَشَرَ إنْ وَجَبَ نِصْفُ الْعُشْرِ ثُمَّ يَأْخُذُ السَّاعِي وَاحِدًا في كُلٍّ مِنْهُمَا أو يَكِيلُ له سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ وَيَأْخُذُ هو ثَلَاثَةً إنْ وَجَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ وَيُقَاسُ بِالْكَيْلِ في ذلك الْوَزْنُ وَالْعَدُّ وَلَا يَهُزُّ الْكَيَّالُ الْمِكْيَالَ وَلَا يَضَعُ يَدَهُ فَوْقَهُ وَلَا يَمْسَحُهُ بِالْيَدِ لِلِاخْتِلَافِ
____________________
(1/371)
بِذَلِكَ بَلْ يَجْعَلُ فيه ما يَحْتَمِلُهُ ثُمَّ يُفْرِغُ
فَصْلٌ بُدُوُّ الصَّلَاحِ أو الِاشْتِدَادِ في بَعْضِ الثَّمَرَةِ في الْأَوَّلِ أو الْحَبِّ في الثَّانِي مُوجِبٌ لِلزَّكَاةِ في الْكُلِّ أَيْ في كل الثَّمَرَةِ أو الْحَبِّ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ قد صَارَا قُوتَيْنِ وَقَبْلَهُمَا كَانَا من الْخَضْرَاوَاتِ قالوا وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَبْعَثُ الْخَارِصَ لِلْخَرْصِ حِينَئِذٍ وَلَوْ تَقَدَّمَ الْوُجُوبُ عليه لَبَعَثَهُ قبل ذلك وَلَوْ تَأَخَّرَ عنه لَمَا بَعَثَهُ إلَى ذلك الْوَقْتِ وَجَعَلَ بُدُوَّ الصَّلَاحِ وَالِاشْتِدَادَ في الْبَعْضِ كَهُمَا في الْجَمِيعِ كما في الْبَيْعِ فَإِنْ اشْتَرَى نَخِيلًا وَثَمَرَتَهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَبَدَا الصَّلَاحُ في مُدَّتِهِ فَالزَّكَاةُ على من له الْمِلْكُ فيها وهو الْبَائِعُ إنْ كان الْخِيَارُ له وَالْمُشْتَرِي إنْ كان له وَإِنْ لم يَبْقَ الْمِلْكُ له بِأَنْ أَمْضَى الْبَيْعَ في الْأُولَى وَفَسَخَ في الثَّانِيَةِ ثُمَّ إذَا لم يَبْقَ الْمِلْكُ له وَأَخَذَ السَّاعِي الزَّكَاةَ من الثَّمَرَةِ رَجَعَ عليه من انْتَقَلَتْ إلَيْهِ كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي قَرِيبًا وَهِيَ أَيْ الزَّكَاةُ مَوْقُوفَةٌ إنْ قُلْنَا بِالْوَقْفِ لِلْمِلْكِ بِأَنْ كان الْخِيَارُ لَهُمَا فَمَنْ ثَبَتَ له الْمِلْكُ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عليه وَإِنْ اشْتَرَاهَا أَيْ النَّخِيلَ بِثَمَرَتِهَا بَلْ أو ثَمَرَتُهَا فَقَطْ كَافِرٌ أو مُكَاتَبٌ فَبَدَا الصَّلَاحُ معه أَيْ في مِلْكِهِ ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ أو غَيْرِهِ كَإِقَالَةٍ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ سَقَطَتْ زَكَاتُهَا يَعْنِي فَلَا زَكَاةَ فيها على أَحَدٍ أَمَّا على الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّهُ ليس أَهْلًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ
وَأَمَّا الْبَائِعُ فَلِأَنَّهَا لم تَكُنْ مِلْكَهُ حين الْوُجُوبِ أو اشْتَرَاهَا مُسْلِمٌ فَبَدَا الصَّلَاحُ في مِلْكِهِ ثُمَّ وَجَدَ بها عَيْبًا لم يَرُدَّ هَا على الْبَائِعِ قَهْرًا لِتَعَلُّقِ الزَّكَاةَ بها وهو كَعَيْبٍ حَدَثَ بيده من حَيْثُ إنَّ لِلسَّاعِي أَخْذَهَا من عَيْنِ الْمَالِ لو تَعَذَّرَ أَخْذُهَا من الْمُشْتَرِي وَخَرَجَ بِقَهْرٍ أَمَّا لو رَدَّهَا عليه بِرِضَاهُ فَجَائِزٌ لِإِسْقَاطِ الْبَائِعِ حَقَّهُ فَإِنْ أَخْرَجَهَا منه أَيْ من الثَّمَرِ أو من غَيْرِهِ الْأَنْسَبُ منها أو من غَيْرِهَا فَكَمَا سَبَقَ في الشَّرْطِ الرَّابِعِ لِزَكَاةِ النَّعَمِ من أَنَّهُ يَرُدُّ في الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَلَهُ فيه الْأَرْشُ وَإِنْ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ وَحْدَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَبَدَا الصَّلَاحُ حَرُمَ الْقَطْعُ لَحِقَ الْفُقَرَاءِ أَيْ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بها فإذا لم يَرْضَ الْبَائِعُ بِالْإِبْقَاءِ فَلَهُ الْفَسْخُ لِتَضَرُّرِهِ بِمَصِّ الثَّمَرَةِ مَاءَ الشَّجَرَةِ
وَلَوْ رضي بِهِ وَأَبَى الْمُشْتَرِي إلَّا الْقَطْعَ لم يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ لِأَنَّ الْبَائِعَ قد زَادَهُ خَيْرًا وَالْقَاطِعَ إنَّمَا كان لِحَقِّهِ حتى لَا تَمْتَصَّ الثَّمَرَةُ مَاءَ الشَّجَرَةِ فإذا رضي تُرِكَتْ الثَّمَرَةُ بِحَالِهَا وَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ في الرِّضَا بِالْإِبْقَاءِ لِأَنَّ رِضَاهُ إعَارَةٌ أَمَّا الْمُشْتَرِي إذَا رضي بِالْإِبْقَاءِ فَلَيْسَ له الرُّجُوعُ كما نَصَّ عليه في الْأُمِّ وَنَقَلَهُ عنه الزَّرْكَشِيُّ وَأَقَرَّهُ بَلْ لَا مَعْنَى لِرُجُوعِهِ إذْ لَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُ أَصْلًا وإذا فُسِخَ الْبَيْعُ لم تَسْقُطْ الزَّكَاةُ عن الْمُشْتَرِي لِأَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ كان في مِلْكِهِ فإذا أَخَذَهَا السَّاعِي من الثَّمَرَةِ رَجَعَ الْبَائِعُ على الْمُشْتَرِي
فَرْعٌ قال الزَّرْكَشِيُّ لو بَدَا الصَّلَاحُ قبل الْقَبْضِ فَهَذَا عَيْبٌ حَدَثَ بِيَدِ الْبَائِعِ قبل الْقَبْضِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي قال وَهَذَا إذَا بَدَا بَعْدَ اللُّزُومِ وَإِلَّا فَهَذِهِ ثَمَرَةٌ اُسْتُحِقَّ إبْقَاؤُهَا في زَمَنِ الْخِيَارِ فَصَارَ كَالْمَشْرُوطِ في زَمَنِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْفَسِخَ الْعَقْدُ إنْ قُلْنَا الشَّرْطُ في زَمَنِ الْخِيَارِ مُلْحَقٌ بِالْعَقْدِ فَرْعٌ مُؤْنَةُ الْجَفَافِ وَالتَّصْفِيَةِ وَالْجِدَادِ وَالدِّيَاسِ وَالْحَمْلِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ على الْمَالِكِ لَا من مَالِ الزَّكَاةِ فَإِنْ أَخَذَ السَّاعِي الزَّكَاةَ مِمَّا يَجِفُّ رَطْبًا بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ رَدَّهَا وُجُوبًا إنْ كانت بَاقِيَةً لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ السَّابِقِ أَوَائِلَ الْبَابِ قال الرَّافِعِيُّ وَلِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ بَيْعٌ على الصَّحِيحِ وَبَيْعُ الرَّطْبِ بِالرَّطْبِ لَا يَجُوزُ وَخَالَفَ في الْمَجْمُوعِ
____________________
(1/372)
فَصَحَّحَ أنها إفْرَازٌ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ في بَابِهَا وَلَوْ تَلِفَتْ في يَدِ السَّاعِي فَقِيمَتُهَا يَرُدُّهَا كما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ بِنَاءً على أنها مُتَقَوِّمَةٌ وهو ما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ هُنَا في مَوْضِعَيْنِ وَصَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ وقال الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الْأَصَحُّ الْمُفْتَى بِهِ لَكِنَّهُ أَعْنِي الْمُصَنِّفَ صَحَّحَ كَأَصْلِهِ في بَابِ الْغَضَبِ أنها مِثْلِيَّةٌ وَالْقَائِلُ بِهِ حَمَلَ النَّصَّ على فَقْدِ الْمِثْلِ وَلَوْ جَفَّفَهَا ولم تَنْقُصْ أو نَقَصَتْ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى لم تُجْزِهِ هذا وَجْهٌ اخْتَارَهُ الْأَصْلُ وَمَنْقُولُ الْعِرَاقِيِّينَ خِلَافُهُ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَوْ جَفَّ عِنْدَ السَّاعِي فَإِنْ كان قَدْرَ الزَّكَاةِ أَجْزَأَ وَإِلَّا رَدَّ التَّفَاوُتَ أو أَخَذَهُ كَذَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْأَوْلَى وَجْهٌ ذَكَرَهُ ابن كَجٍّ أَنَّهُ لَا تُجْزِئُ بِحَالِ الْفَسَادِ الْقَبْضُ من أَصْلِهِ انْتَهَى وَحَكَى في الْمَجْمُوعِ كَلَامَ الْعِرَاقِيِّينَ ثُمَّ كَلَامَ ابْنِ كَجٍّ وَاخْتِيَارَ الرَّافِعِيِّ له ثُمَّ قال وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ
فَصْلٌ لَا خَرْصَ أَيْ حِرْزَ في الزَّرْعِ لِاسْتِتَارِ حَبِّهِ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ غَالِبًا رَطْبًا بِخِلَافِ التَّمْرِ وَيُسْتَحَبُّ خَرْصُ الثَّمَرَةِ على مَالِكِهَا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ الْمُشَارِ إلَيْهِ قَرِيبًا وَخَبَرِ أبي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بن رَوَاحَةَ إلَى خَيْبَرَ خَارِصًا وَحِكْمَتُهُ الرِّفْقُ بِالْمَالِكِ وَالْمُسْتَحِقِّ وَاسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ ثِمَارَ الْبَصْرَةِ فقال يَحْرُمُ خَرْصُهَا بِالْإِجْمَاعِ لِكَثْرَتِهَا وَلِكَثْرَةِ الْمُؤْنَةِ في خَرْصِهَا وَلِإِبَاحَةِ أَهْلِهَا الْأَكْلَ منها لِلْمُجْتَازِ وَتَبِعَهُ عليه الرُّويَانِيُّ قَالَا وَهَذَا في النَّخْلِ أَمَّا الْكَرْمُ فَهُمْ فيه كَغَيْرِهِمْ قال السُّبْكِيُّ وَعَلَى هذا يَنْبَغِي إذَا عُرِفَ من شَخْصٍ أو بَلَدٍ ما عُرِفَ من أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَجْرِي عليه حُكْمُهُمْ انْتَهَى وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يُخَالِفُ ذلك وَخَرَجَ بِبَعْدِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ ما قَبْلَهُ فإن الْخَرْصَ لَا يَتَأَتَّى فيه إذْ لَا حَقَّ لِلْمُسْتَحِقِّينَ وَلَا يَنْضَبِطُ الْمِقْدَارُ لِكَثْرَةِ الْعَاهَاتِ قبل بُدُوِّ الصَّلَاحِ عليه وَعَلَيْهِ أَيْ الْخَارِصِ أَنْ يُشَاهِدَ كُلَّ وَاحِدَةٍ من الْأَشْجَارِ بِأَنْ يَرَى جَمِيعَ عَنَاقِيدِهَا وَيُقَدِّرَ ثَمَرَتَهَا أو ثَمَرَةَ كل النَّوْعِ رَطْبًا بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الطَّاءِ ثُمَّ يَابِسًا لِأَنَّ الْأَرْطَابَ تَتَفَاوَتُ وَإِنَّمَا جَازَ في النَّوْعِ أَنْ يَخْرُصَ الْكُلَّ رَطْبًا ثُمَّ يَابِسًا لِأَنَّ لَحْمَهُ لَا يَتَفَاوَتُ وَخَرْصُهُ كَذَلِكَ أَسْهَلُ لَكِنْ خَرْصُ كل ثَمَرَةٍ أَحْوَطُ وَلَا يَتْرُكُ لِلْمَالِكِ شيئا خِلَافًا لِمَا نَصَّ عليه في الْقَدِيمِ من أَنَّهُ يَتْرُكُ له نَخْلَةً أو نَخَلَاتٍ يَأْكُلُهَا أَهْلُهُ لِخَبَرِ أبي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إذَا خَرَصْتُمْ فَجُذُّوا وَدَعُوا الثُّلُثَ فَإِنْ لم تَدَعُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبْعَ وَهَذَا الْخَبَرُ حَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ في أَحَدِ نَصَّيْهِ في الْجَدِيدِ على أَنَّهُمْ يَدَعُونَ له ذلك لِيُفَرِّقَهُ بِنَفْسِهِ على فُقَرَاءِ أَقَارِبِهِ وَجِيرَانِهِ لِطَمَعِهِمْ في ذلك منه وَهَذَا ما زَادَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لَا لِلتَّفْرِقَةِ
فَرْعٌ يَكْفِي الْخَارِصَ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْخَرْصَ يَنْشَأُ عن اجْتِهَادٍ فَكَانَ كَالْحَاكِمِ وَلِخَبَرِ أبي دَاوُد السَّابِقِ قال الرَّافِعِيُّ وما رُوِيَ أَنَّهُ بَعَثَ مع ابْنِ رَوَاحَةَ غَيْرَهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ في مَرَّةٍ أُخْرَى وَأَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا أو كَاتِبًا وَيُشْتَرَطُ عَدْلٌ في الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْفَاسِقَ وَالْكَافِرَ وَالصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُمْ عَالِمٌ بِالْخَرْصِ لِأَنَّ الْجَاهِلَ بِالشَّيْءِ ليس من أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فيه وَكَذَا يُشْتَرَطُ حُرٌّ ذَكَرٌ لِأَنَّ الْخَرْصَ وِلَايَةٌ وَغَيْرُ الْحُرِّ الذَّكَرِ ليس من أَهْلِهَا
فَرْعٌ الْخَرْصُ لِلتَّضْمِينِ يَنْتَقِلُ بِهِ الْحَقُّ من الْعَيْنِ إلَى ذِمَّةِ الْمَالِكِ لِأَنَّ الْخَرْصَ يُسَلِّطُهُ على التَّصَرُّفِ في الْجَمِيعِ كما سَيَأْتِي لَا لِلِاعْتِبَارِ لِلْمِقْدَارِ من غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِلَ بِهِ الْحَقُّ إلَى الذِّمَّةِ وَهُمَا قَوْلَانِ وَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَظْهَرُ فَيُشْتَرَطُ فيه تَضْمِينُ الْخَارِصِ الْحَقَّ لِلْمَالِكِ إنْ أَذِنَ له الْإِمَامُ أو السَّاعِي كَأَنْ يَقُولَ ضَمَّنْتُك نَصِيبَ الْمُسْتَحِقِّينَ من الرُّطَبِ بِكَذَا تَمْرًا وَقَبُولُ الْمَالِكِ وَلَوْ بِنَائِبِهِ لِذَلِكَ لِأَنَّ الْحَقَّ يَنْتَقِلُ إلَى الذِّمَّةِ كما قال وَحِينَئِذٍ يَنْتَقِلُ إلَى ذِمَّتِهِ فَلَا بُدَّ من رِضَاهُمَا كَالْمُتَبَايِعِينَ وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ في الْجَمِيعِ لِانْقِطَاعِ التَّعَلُّقِ عن الْعَيْنِ فَإِنْ انْتَفَى الْخَرْصُ
____________________
(1/373)
أو التَّضْمِينُ أو الْقَبُولُ لم يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ في الْجَمِيعِ بَلْ فِيمَا عَدَا الْوَاجِبَ شَائِعًا لِبَقَاءِ الْحَقِّ في الْعَيْنِ وَسَيُصَرِّحُ بِالْأَوْلَى وَإِنْ ضَمَّنَهُ ذلك قبل الْخَرْصِ وَلَوْ في وَقْتِهِ لم يُجْزِهِ أَيْ التَّضْمِينُ فَلَا يَقُومُ وَقْتُ الْخَرْصِ مَقَامَ الْخَرْصِ لِأَنَّ التَّضْمِينَ يَقْتَضِي تَقْدِيرَ الْمَضْمُونِ وهو مُنْتَفٍ هُنَا وَبِهَذَا فَارَقَ ما مَرَّ من إقَامَةِ وَقْتِ الْجَدَادِ مَقَامَ الْجَدَادِ وَإِنْ نُدِبَ أَيْ بُعِثَ خَارِصَانِ وَاخْتَلَفَا ولم يَتَّفِقَا على مِقْدَارٍ وُقِفَ الْأَمْرُ حتى يَتَبَيَّنَ الْمِقْدَارُ بِقَوْلِ غَيْرِهِمَا كما ذَكَرَهُ في نُسْخَةٍ بِقَوْلِهِ وَنُدِبَ غَيْرُهُمَا وَأَحْسَنُ من ذلك قَوْلُ الرَّوْضَةِ وَلَوْ اخْتَلَفَا تَوَقَّفْنَا حتى يَتَبَيَّنَ الْمِقْدَارُ مِنْهُمَا أو من غَيْرِهِمَا
فَرْعٌ وَإِنْ تَلِفَتْ الثَّمَرَةُ بَعْدَ الْخَرْصِ وَلَوْ مع التَّضْمِينِ وَالْقَبُولِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ من الْأَدَاءِ من غَيْرِ تَقْصِيرٍ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أو غَيْرِهَا كَسَرِقَةٍ قبل جَفَافِهَا أو بَعْدَهُ لم يَضْمَنْ كما لو تَلِفَتْ الْمَاشِيَةُ قبل التَّمَكُّنِ من الْأَدَاءِ فإذا بَقِيَ منها دُونَ النِّصَابِ أَخْرَجَ حِصْنَهُ لِأَنَّ التَّمَكُّنَ شَرْطٌ لِلضَّمَانِ لَا لِلْوُجُوبِ وَخَرَجَ بِغَيْرِ تَقْصِيرٍ ما لو قَصَّرَ كَأَنْ وَضَعَهُ في غَيْرِ حِرْزٍ فَيَضْمَنُ قال الْإِمَامُ وكان يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَضْمَنُ مُطْلَقًا بِنَاءً على أَنَّ الْخَرْصَ تَضْمِينٌ لَكِنْ قَطَعُوا بِخِلَافِهِ وَوُجِّهَ بِأَنَّ أَمْرَ الزَّكَاةِ مَبْنِيٌّ على الْمُسَاهَلَةِ لِأَنَّهَا عَلَقَةٌ تَثْبُتُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمَالِكِ فَبَقَاءُ الْحَقِّ مَشْرُوطٌ بِإِمْكَانِ الْأَدَاءِ وَلَا حَاجَةَ بِالْمُصَنِّفِ إلَى قَوْلِهِ بَعْدَ الْخَرْصِ وإذا أَتْلَفَهَا بَعْدَ الْخَرْصِ وَالتَّضْمِينِ وَالْقَبُولِ ضَمِنَهَا يَعْنِي ثَمَرَةَ الْمُسْتَحِقِّينَ جَافَّةً إنْ كانت تَجِفُّ لِثُبُوتِهَا في ذِمَّتِهِ فَإِنْ لم تَجِفَّ أو أَتْلَفَهَا قَبْلَهُ أَيْ قبل الْخَرْصِ بَلْ أو التَّضْمِينِ أو الْقَبُولِ لَزِمَهُ عُشْرُ الرَّطْبِ أَيْ قِيمَتُهُ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ في الذِّمَّةِ وَإِنَّمَا لم يَلْزَمْهُ مِثْلُ الرَّطْبِ كما يَلْزَمُهُ مِثْلُ الْمَاشِيَةِ التي لَزِمَهُ فيها الزَّكَاةُ وَأَتْلَفَهَا وَإِنْ كانت مُتَقَوِّمَةً لِأَنَّ الْمَاشِيَةَ أَنْفَعُ لِلْمُسْتَحِقِّينَ من الْقِيمَةِ بِالدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَالشَّعْرِ بِخِلَافِ الرَّطْبِ قال الرَّافِعِيُّ وَلَك أَنْ تَقُولَ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ الْجَافُّ لِأَنَّ الْوَاجِبَ غَايَتُهُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالرَّطْبِ وَإِتْلَافُهُ لَا يُغَيِّرُ الْحَقَّ عن صِفَتِهِ وَلِهَذَا لو أَتْلَفَ نِصَابَ الْإِبِلِ بَعْدَ الْحَوْلِ لَزِمَهُ لِلْمُسْتَحِقِّينَ الشِّيَاهُ دُونَ قِيمَةِ الْإِبِلِ وما بَحَثَهُ هو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ في الْمَسْأَلَةِ قال ابن الرِّفْعَةِ وهو ما في الْمُخْتَصَرِ ولم يُورِدْ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وابن الصَّبَّاغِ غَيْرَهُ انْتَهَى وَيُجَابُ عن الْبَحْثِ بِأَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ الْوَاجِبَ الْجَافُّ مُطْلَقًا بَلْ مَحَلُّهُ إذَا لم يُتْلِفْهُ الْمَالِكُ قبل الْخَرْصِ وما ذَكَرْته أَوَّلًا من التَّفْصِيلِ بين كَوْنِ الثَّمَرَةِ تَجِفُّ وَكَوْنِهَا لَا تَجِفُّ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَعُزِّرَ على إتْلَافِهِ إنْ كان عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً لَاحَدَّ فيها وَلَا كَفَّارَةَ فَيُعَزِّرُهُ الْإِمَامُ إنْ رَأَى ذلك لِأَنَّ التَّعْزِيرَ يَتَعَلَّقُ بِرَأْيِهِ
فَرْعٌ يَحْرُمُ الْأَكْلُ وَالتَّصَرُّفُ بِغَيْرِهِ في شَيْءٍ من الثَّمَرَةِ قبل الْخَرْصِ أو التَّضْمِينِ أو الْقَبُولِ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بها لَكِنَّهُ إنْ تَصَرَّفَ في الْكُلِّ أو الْبَعْضِ شَائِعًا صَحَّ فِيمَا عَدَا نَصِيبَ الْمُسْتَحِقِّينَ كما مَرَّ في الْبَابِ السَّابِقِ أَمَّا بَعْدَ ما ذُكِرَ فَلَا تَحْرِيمَ لِانْتِقَالِ الْحَقِّ من الْعَيْنِ إلَى الذِّمَّةِ فَإِنْ قُلْت هَلَّا جَازَ التَّصَرُّفُ فيه أَيْضًا في قَدْرِ نَصِيبِهِ كما في الْمُشْتَرَكِ قُلْت الشَّرِكَةُ هُنَا غَيْرُ حَقِيقِيَّةٍ كما مَرَّ بَلْ الْمُغَلَّبُ فيها جَانِبُ التَّوَثُّقِ فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ مُطْلَقًا فَإِنْ لم يُبْعَثْ خَارِصٌ بِأَنْ لم يَكُنْ ثَمَّ حَاكِمٌ أو كان ولم يَبْعَثْ خَارِصًا حَكَّمَ الْمَالِكُ عَدْلَيْنِ عَالِمَيْنِ بِالْخَرْصِ يَخْرُصَانِ عليه لِيَنْتَقِلَ الْحَقُّ إلَى الذِّمَّةِ وَيَتَصَرَّفَ في الثَّمَرَةِ
فَرْعٌ لو ادَّعَى الْمَالِكُ هَلَاكَ الثَّمَرَةِ كُلِّهَا أو بَعْضِهَا وَلَوْ بَعْدَ خَرْصِهَا بِسَبَبٍ خَفِيٍّ كَسَرِقَةٍ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَلِعُسْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عليه أو بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ كَنَهْبٍ وَحَرِيقٍ وَبَرْدٍ لم يُعْلَمْ وُقُوعُهُ بِأَنْ عَلِمْنَا خِلَافَهُ أو لم نَعْلَمْ شيئا فَلَا يُصَدَّقُ فَإِنْ عَلِمْنَا وُقُوعَهُ وَعُمُومَهُ أَيْ كَثْرَتَهُ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ وَحَلَفَ إنْ اُتُّهِمَ في التَّلَفِ بِهِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَإِنْ عَلِمْنَا وُقُوعَهُ دُونَ عُمُومِهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ كما في الْوَدِيعَةِ وَلَوْ أَمْكَنَ وُقُوعُهُ ولم نَعْلَمْهُ أَثْبَتَ أَيْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِالْوُقُوعِ وَصُدِّقَ في التَّلَفِ بِهِ بِيَمِينِهِ وَإِنَّمَا حَلَفَ لِاحْتِمَالِ سَلَامَةِ ما له بِخُصُوصِهِ فَإِنْ لم يُمْكِنْ بِأَنْ أَسْنَدَهُ إلَى سَبَبٍ يُكَذِّبُهُ فيه الْحِسُّ كَقَوْلِهِ تَلِفَ بِحَرِيقٍ وَقَعَ في الْجَرِينِ وَعَلِمْنَا خِلَافَهُ لم نُصَدِّقْهُ ولم نَسْمَعْ بَيِّنَتَهُ وَتَحْلِيفُهُ حَيْثُ حَلَّفْنَاهُ في ما مَرَّ وَفِيمَا يَأْتِي في الْبَابِ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ وَلَوْ اُتُّهِمَ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ في مَالِهِ وَإِنْ أَطْلَقَ دَعْوَى الْهَلَاكِ بِأَنْ لم يُسْنِدْهُ إلَى سَبَبٍ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ
فَرْعٌ لو ادَّعَى الْمَالِكُ ظُلْمَ الْخَارِصِ لم تُسْمَعْ دَعْوَاهُ بِهِ وَإِنْ أَمْكَنَ وُقُوعُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كما لو ادَّعَى جَوْرَ الْحَاكِمِ أو كَذِبَ الشَّاهِدِ بِخِلَافِ ما لو قال لم أَجِدْ إلَّا هذا فإنه يُصَدَّقُ إذْ
____________________
(1/374)
لَا تَكْذِيبَ فيه لِأَحَدٍ لِاحْتِمَالِ تَلَفِهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ أو ادَّعَى عليه غَلَطًا وَبَيَّنَهُ وكان مُمْكِنًا عَادَةً في الْخَرْصِ كَخَمْسَةِ أَوْسُقٍ في مِائَةٍ قال الْبَنْدَنِيجِيُّ وَكَعُشْرِ الثَّمَرَةِ وَسُدُسِهَا صُدِّقَ وَحُطَّ عنه ما ادَّعَاهُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ في دَعْوَى نَقْصِهِ عِنْدَ كَيْلِهِ وَلِأَنَّ الْكَيْلَ يَقِينٌ وَالْخَرْصَ تَخْمِينٌ فَالْإِحَالَةُ عليه أَوْلَى فَإِنْ لم يُبَيِّنْهُ لم تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَإِنْ ادَّعَى غير مُمْكِنٍ فَسَيَأْتِي فَإِنْ اُتُّهِمَ في دَعْوَاهُ حَلَفَ وَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَحَلَفَ إنْ اُتُّهِمَ كان أَنْسَبَ بِقَوْلِهِ وَلَوْ كان أَيْ ما ادَّعَاهُ غَلَطًا يَسِيرًا بِقَدْرٍ يَتَفَاوَتُ مِثْلُهُ في الْكَيْلَيْنِ فإنه يُصَدَّقُ وَيُحَطُّ عنه ذلك وَيَحْلِفُ إنْ اُتُّهِمَ نعم إنْ كان الْمَخْرُوصُ بَاقِيًا أُعِيدَ كَيْلُهُ وَعُمِلَ بِهِ وَذِكْرُ التَّحْلِيفِ في الْيَسِيرِ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ ذَكَرَ غَلَطًا فَاحِشًا أَيْ لَا يُمْكِنُ عَادَةً في الْخَرْصِ كَالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ لم يُصَدَّقْ فيه لِلْعِلْمِ بِبُطْلَانِهِ عَادَةً لَكِنْ حُطَّ عنه قَدْرُ الْمُمْكِنِ وهو الذي لو اقْتَصَرَ عليه لَصُدِّقَ فيه كما يُحْكَمُ بِانْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمَرْأَةِ بِالْإِقْرَاءِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ بِدَعْوَاهَا قَبْلَهُ
فَصْلٌ يَجُوزُ لِلْمَالِكِ فِيمَا لو أَصَابَ الْأَصْلَ عَطَشٌ أو نَحْوُهُ وَلَوْ تُرِكَتْ الثَّمَرَةُ عليه إلَى الْجَدَادِ لَأَضَرَّتْ بِهِ قَطْعُ ما يُضِرُّ بِضَمِّ الْيَاءِ بِالْأَصْلِ من الثَّمَرَةِ كُلِّهَا أو بَعْضِهَا لِأَنَّ إبْقَاءَ الْأَصْلِ أَنْفَعُ لِلْمَالِكِ وَالْمَسَاكِينِ من ثَمَرَةِ عَامٍ وَإِنَّمَا يَقْطَعُهَا بِالْإِذْنِ من الْإِمَامِ أو السَّاعِي إنْ أَمْكَنَ مُرَاجَعَتُهُ فَالِاسْتِئْذَانُ وَاجِبٌ على الْمَالِكِ كما صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ في الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ الثَّمَرَةَ مُشْتَرِكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْتَحِقِّينَ فَلَا يَجُوزُ قَطْعُهَا إلَّا بِإِذْنِ نَائِبِهِمْ وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فَلَوْ قَطَعَ بِلَا إذْنٍ عَصَى وَعُزِّرَ إنْ عَلِمَ بِالتَّحْرِيمِ أَيْ عَزَّرَهُ الْإِمَامُ إنْ رَأَى ذلك قَالَهُ في الْمُهَذَّبِ قال وَلَا يُغَرِّمُهُ ما نَقَصَ لِأَنَّهُ لو اسْتَأْذَنَهُ وَجَبَ عليه أَنْ يَأْذَنَ له في الْقَطْعِ وَإِنْ نَقَصَتْ بِهِ الثَّمَرَةُ وإذا أَرَادَ السَّاعِي الْقِسْمَةَ لِلثَّمَرَةِ قبل الْقَطْعِ بِأَنْ يَخْرُصَهَا وَيُعَيِّنَ الْوَاجِبَ في نَخْلَةٍ أو نَخَلَاتٍ لم تَجُزْ بِنَاءً على أَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ
وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ تَرْجِيحُ الْجَوَازِ لِأَنَّهُ صَحَّحَ أَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازٌ وَكَذَا لَا تَجُوزُ قِسْمَتُهَا لو أَرَادَهَا السَّاعِي بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ قَطْعِهَا وَقَبْلَ تَجْفِيفِهَا لِمَا مَرَّ بَلْ يَقْبِضُ السَّاعِي الْعُشْرَ من الْمَقْطُوعِ مَشَاعًا وَطَرِيقُهُ في قَبْضِهِ له تَسْلِيمُ الْجَمِيعِ له ثُمَّ يَبِيعُهُ من يَشَاءُ من الْمَالِكِ أو غَيْرِهِ قال في الْأَصْلِ أو يَبِيعُ هو وَالْمَالِكُ وَيَقْتَسِمَانِ الثَّمَنَ وَهَلْ له أَنْ يَأْخُذَ قِيمَةَ عُشْرِ الْمَقْطُوعِ بِنَاءً على جَوَازِ أَخْذِ الْقِيمَةِ لِلضَّرُورَةِ كما مَرَّ في شِقْصِ الْحَيَوَانِ أَمْ لَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نعم
وَقَضِيَّةُ كَلَامِ التَّهْذِيبِ تَرْجِيحُهُ وَالْأَشْبَهُ بِالتَّرْجِيحِ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ الْمَنْعُ قال في الْمَجْمُوعِ وهو الصَّحِيحُ الذي عليه الْأَكْثَرُونَ ثُمَّ قال فيه هذا كُلُّهُ إذَا كانت الثَّمَرَةُ بَاقِيَةً فَإِنْ أَتْلَفَهَا الْمَالِكُ أو تَلِفَتْ عِنْدَهُ بَعْدَ قَطْعِهَا لَزِمَهُ قِيمَةُ عُشْرِهَا رَطْبًا حين أَتْلَفَهَا وَهَذَا الْحُكْمُ يَجْرِي في رُطَبٍ لَا يَتَتَمَّرُ وَنَحْوِهِ أَيْ عِنَبٍ لَا يَتَزَبَّبُ وَإِنْ اخْتَلَفَا أَيْ السَّاعِي وَالْمَالِكُ في نَوْعِ أو جِنْسِ ثَمَرَةٍ تَلِفَتْ بَعْدَ الْخَرْصِ بِتَقْصِيرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ إنْ لم يُقِمْ أَيْ السَّاعِي بَيِّنَةً فَإِنْ أَقَامَ السَّاعِي بَيِّنَةً بِأَنْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ أو شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ قُضِيَ له أو شَاهِدًا لم يَحْلِفْ معه فَلَا يُقْضَى له وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْخَرْصِ من زِيَادَتِهِ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ فَالْوَجْهُ تَرْكُهُ وَإِنْ قال الْمَالِكُ بَعْدَ خَرْصِهَا أَكَلَتْ بَعْضَهَا وَتَلِفَ الْبَعْضُ بِآفَةٍ وَبَقِيَ بَعْضُهَا قِيلَ له إنْ لم تُبَيِّنْ قَدْرَ ما أَكَلْت سَلَّمْت زَكَاةَ الْجَمِيعِ أَيْ إلَّا ما تُيُقِّنَ تَلَفُهُ وَإِنْ بَيَّنْته زَكَّيْته مع الْبَاقِي فَإِنْ اتَّهَمْنَاك حَلَّفْنَاك وَإِنْ زَادَتْ الثَّمَرَةُ على الْخَرْصِ أَيْ الْمَخْرُوصِ زَكَّى الزَّائِدَ أَيْضًا
خَاتِمَةٌ قال الْمَاوَرْدِيُّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْجَدَادُ نَهَارًا لِيُطْعِمَ الْفُقَرَاءَ وقد وَرَدَ النَّهْيُ عن الْجَدَادِ لَيْلًا سَوَاءٌ أَوْجَبْت في الْمَجْدُودِ الزَّكَاةَ أَمْ لَا وإذا أَخْرَجَ زَكَاةَ الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ وَأَقَامَتْ عِنْدَهُ سِنِينَ لم يَجِبْ فيها شَيْءٌ آخَرُ بِخِلَافِ الْمَاشِيَةِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ بِحَصَادِهَا ولم يَتَكَرَّرْ فَلَا تُكَرَّرُ وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تَتَكَرَّرُ في الْأَمْوَالِ لِنَامِيَةٍ وَهَذِهِ مُنْقَطِعَةُ النَّمَاءِ مُعَرَّضَةٌ لِلْفَسَادِ
بَابُ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْأَصْلُ فيها مع ما يَأْتِي آيَةُ وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فُسِّرَتْ بِذَلِكَ تَجِبُ في مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِضَّةٍ وفي عِشْرِينَ مِثْقَالًا ذَهَبًا خَالِصَيْنِ بِوَزْنِ مَكَّةَ فما زَادَ على ذلك رُبْعُ الْعُشْرِ بَعْدَ الْحَوْلِ مَضْرُوبًا كان ذلك
____________________
(1/375)
أَمْ لَا فِيمَا دُونَ ذلك قال صلى اللَّهُ عليه وسلم ليس فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ من الْوَرِقِ صَدَقَةٌ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ في خَبَرِ أَنَسٍ السَّابِقِ في زَكَاةِ الْحَيَوَانِ وفي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ وَالرِّقَةُ وَالْوَرِقُ الْفِضَّةُ وَالْهَاءُ عِوَضٌ من الْوَاوِ وَالْأُوقِيَّةُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ على الْأَشْهَرِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا بِالنُّصُوصِ الْمَشْهُورَةِ وَالْإِجْمَاعِ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ قال وَرَوَى أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أو حَسَنٍ عن عَلِيٍّ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال ليس في أَقَلَّ من عِشْرِينَ دِينَارًا شَيْءٌ وفي عِشْرِينَ نِصْفُ دِينَارٍ
وَرَوَى أبو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلَيْسَ عَلَيْك شَيْءٌ حتى يَكُونَ عِشْرُونَ دِينَارًا فإذا كانت لَك وَحَالَ عليها الْحَوْلُ فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ وَالْمَعْنَى في ذلك أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مُعَدَّانِ لِلنَّمَاءِ كَالْمَاشِيَةِ السَّائِمَةِ وَدَلِيلُ قَوْلِهِ بِوَزْنِ مَكَّةَ خَبَرُ الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْوَزْنُ وَزْنُ مَكَّةَ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَخَرَجَ بِالْخَالِصِ الْمَغْشُوشِ فَلَا زَكَاةَ فيه حتى يَبْلُغَ خَالِصُهُ نِصَابًا وَسَيَأْتِي بَيَانُ ما يَتَعَلَّقُ بِهِ وَأَفَادَ قَوْلُهُ فما زَادَ أَنَّهُ لَا وَقْصَ في الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَالْمُعَشَّرَاتِ لِإِمْكَانِ التَّجَزِّي بِلَا ضَرَرٍ بِخِلَافِ الْمَوَاشِي وَلَا زَكَاةَ في غَيْرِهِمَا من سَائِرِ الْجَوَاهِرِ وَنَحْوِهَا كَيَاقُوتٍ وَفَيْرُوزَجَ وَلُؤْلُؤٍ وَمِسْكٍ وَعَنْبَرٍ لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِلِاسْتِعْمَالِ كَالْمَاشِيَةِ الْعَامِلَةِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الزَّكَاةِ إلَّا فِيمَا أَثْبَتَهَا الشَّرْعُ فيه
وَالْمُرَادُ بِالدَّرَاهِمِ الدَّرَاهِمُ الْإِسْلَامِيَّةُ التي كُلُّ عَشَرَةٍ منها سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَكُلُّ عَشَرَةِ مَثَاقِيلَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَسُبْعَانِ وَوَزْنُ الدِّرْهَمِ سِتَّةُ دَوَانِيقَ وَالدَّانَقُ ثَمَانِ حَبَّاتٍ وَخُمُسَا حَبَّةٍ فَالدِّرْهَمُ خَمْسُونَ حَبَّةً وَخُمُسَا حَبَّةٍ وَمَتَى زِيدَ على الدِّرْهَمِ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ كان مِثْقَالًا وَمَتَى نَقَصَ من الْمِثْقَالِ ثَلَاثَةُ أَعْشَارِهِ كان دِرْهَمًا وَالْمِثْقَالُ لم يَخْتَلِفْ في جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ وهو اثْنَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةً وَهِيَ شَعِيرَةٌ مُعْتَدِلَةٌ لم تُقَشَّرْ وَقُطِعَ من طَرَفَيْهَا ما دَقَّ وَطَالَ فَإِنْ نَقَصَ النِّصَابُ وَلَوْ بَعْضَ حَبَّةٍ وَلَوْ في بَعْضِ الْمَوَازِينِ أو رَاجَ رَوَاجَ التَّامِّ لم تَجِبْ فيه زَكَاةٌ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَالنِّصَابِ وَلَا يَكْمُلُ نِصَابُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ كما لَا يَكْمُلُ التَّمْرُ بِالزَّبِيبِ وَيَكْمُلُ جَيِّدُ نَوْعٍ بِرَدِيئِهِ
وَعَكْسُهُ الْمَفْهُومُ بِالْأَوْلَى كما في الْمَاشِيَةِ وَالْمُرَادُ بِالْجَوْدَةِ النُّعُومَةُ وَنَحْوُهَا وَبِالرَّدَاءَةِ الْخُشُونَةُ وَنَحْوُهَا وَعِبَارَتُهُ وقد تَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَكْمُلُ جَيِّدُ نَوْعٍ بِرَدِيءِ نَوْعٍ آخَرَ وَلَيْسَ مُرَادًا فَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِ الْأَصْلِ وَيَكْمُلُ الْجَيِّدُ بِالرَّدِيءِ من الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَسَلِمَ من ذلك وَيُؤْخَذُ من كل نَوْعٍ بِالْقِسْطِ إنْ سَهُلَ الْأَخْذُ بِأَنْ قَلَّتْ أَنْوَاعُهُ وَإِلَّا بِأَنْ كَثُرَتْ وَشَقَّ اعْتِبَارُ الْجَمِيعِ فَمِنْ الْوَسَطِ يُؤْخَذُ كما مَرَّ في الْمُعَشَّرَاتِ وَلَا يُجْزِئُ رَدِيءٌ وَمَكْسُورٌ عن جَيِّدٍ وَصَحِيحٍ كما لو أَخْرَجَ مَرِيضَةً عن صِحَاحٍ وَلَهُ اسْتِرْدَادُهُمَا كما سَيَأْتِي في الْفَرْعِ الْآتِي بِخِلَافِ الْعَكْسِ يُجْزِئُ بَلْ هو أَفْضَلُ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا فَيُسَلِّمُ الْمُخْرِجُ الدِّينَارَ الصَّحِيحَ أو الْجَيِّدَ إلَى من يُوَكِّلُهُ الْفُقَرَاءُ منهم أو من غَيْرِهِمْ فَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَعَمُّ من قَوْلِ أَصْلِهِ إلَى وَاحِدٍ بِإِذْنِ الْبَاقِينَ قال في الْمَجْمُوعِ وَإِنْ لَزِمَهُ نِصْفُ دِينَارٍ سَلَّمَ إلَيْهِمْ دِينَارًا نِصْفُهُ عن الزَّكَاةِ وَنِصْفُهُ يَبْقَى له مَعَهُمْ أَمَانَةً ثُمَّ بِتَفَاصِيلَ هو وَهُمْ فيه بِأَنْ يَبِيعُوهُ لِأَجْنَبِيٍّ وَيَتَقَاسَمُوا ثَمَنَهُ أو يَشْتَرُوا منه نِصْفَهُ أو يَشْتَرِي نِصْفَهُمْ لَكِنْ يُكْرَهُ له شِرَاءُ صَدَقَتِهِ مِمَّنْ تَصَدَّقَ عليه سَوَاءٌ فيه الزَّكَاةُ وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ
فَرْعٌ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ الْمَغْشُوشَةُ إنْ بَلَغَ خَالِصُهَا نِصَابًا أَخْرَجَ زَكَاتَهُ خَالِصًا أو مَغْشُوشًا خَالِصَةً قَدْرُهَا أَيْ قَدْرُ الزَّكَاةِ وكان مُتَطَوِّعًا بِالنُّحَاسِ فما قِيلَ إنَّ هذا ظَاهِرٌ على الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازٌ لَا على الْقَوْلِ بِأَنَّهَا بَيْعٌ لِامْتِنَاعِ بَيْعِ الْمَغْشُوشِ بمثله مَرْدُودٌ بِأَنَّ ذلك ليس قِسْمَةَ مَغْشُوشٍ لِأَنَّهُ في الْحَقِيقَةِ إنَّمَا أَعْطَى لِلزَّكَاةِ خَالِصًا عن خَالِصٍ وَالنُّحَاسُ وَقَعَ تَطَوُّعًا كما تَقَرَّرَ وَيَتَعَيَّنُ على وَلِيِّ الصَّبِيِّ أو نَحْوِهِ إخْرَاجُ الْخَالِصِ حِفْظًا لِنُحَاسِهِ إذْ لَا يَجُوزُ له التَّبَرُّعُ بِهِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وقد ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ تَفَقُّهًا وَقَيَّدَهُ بِمَا إذَا كانت مُؤْنَةُ السَّبْكِ تَنْقُصُ عن قِيمَةِ الْغِشِّ أَيْ إنْ كان ثَمَّ سَبْكٌ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ تَرَكَهُ لِأَنَّ إخْرَاجَ الْخَالِصِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بِسَبْكٍ وإذا أَخْرَجَ رَدِيئًا عن جَيِّدٍ كَأَنْ أَخْرَجَ خَمْسَةً مَعِيبَةً عن مِائَتَيْنِ جَيِّدَةٍ فَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ كما لو عَجَّلَ الزَّكَاةَ فَتَلِفَ مَالُهُ قبل الْحَوْلِ هذا إنْ بَيَّنَ ذلك عِنْدَ الدَّفْعِ وَإِلَّا فَلَا يَسْتَرِدُّهُ وإذا قُلْنَا له اسْتِرْدَادُهُ فَإِنْ كان بَاقِيًا أَخَذَهُ وَإِلَّا أَخْرَجَ التَّفَاوُتَ قال ابن سُرَيْجٍ وَكَيْفِيَّةُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ يَقُومَ الْمُخْرِجُ بِجِنْسٍ آخَرَ كَأَنْ يَكُونَ معه مِائَتَا دِرْهَمٍ جَيِّدَةٍ فَأَخْرَجَ عنها خَمْسَةً مَعِيبَةً
____________________
(1/376)
فَقَوَّمْنَا الْخَمْسَةَ الْجَيِّدَةَ بِذَهَبٍ فَسَاوَتْ نِصْفَ دِينَارٍ وَسَاوَتْ الْمَعِيبَةُ خُمُسَيْ دِينَارٍ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ بَقِيَ عليه دِرْهَمٌ جَيِّدٌ وفي نُسْخَةٍ وَهِيَ الْأَوْفَقُ بِالْأَصْلِ وإذا أَخْرَجَ مَغْشُوشًا عن خَالِصٍ لم يُجْزِهِ فَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ إنْ بَيَّنَ عِنْدَ الدَّفْعِ أَنَّهُ عن ذلك أَيْ عن ذلك الْمَالِ وَلَوْ فَرَضَ أَيْ قَدْرَ الْمُزَكِّي الْمَغْشُوشَ خَالِصًا وَأَخْرَجَ عنه خَالِصًا فَالزَّائِدُ تَطَوُّعٌ وَمَتَى ادَّعَى الْمَالِكُ أَنَّ قَدْرَ الْخَالِصِ في الْمَغْشُوشِ كَذَا وَكَذَا صُدِّقَ وَحَلَفَ إنْ اُتُّهِمَ وَلَوْ قال أَجْهَلُ قَدْرَ الْغِشِّ وَأَدَّى اجْتِهَادِي إلَى أَنَّهُ كَذَا وَكَذَا لم يَكُنْ لِلسَّاعِي قَبُولُهُ منه إلَّا بِشَاهِدَيْنِ من أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ فَلَوْ جَهِلَهُ مع عِلْمِهِ بِبُلُوغِ الْخَالِصِ نِصَابًا تَخَيَّرَ بين السَّبْكِ وَأَدَاءِ الْوَاجِبِ خَالِصًا وَبَيْنَ أَنْ يَحْتَاطَ وَيُؤَدِّيَ ما يَتَيَقَّنُ أَنَّ فيه الْوَاجِبَ خَالِصًا فَإِنْ سَبَكَ فَمُؤْنَةُ السَّبْكِ عليه كَمُؤْنَةِ الْحَصَادِ
فَرْعٌ يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ ضَرْبُ الْمَغْشُوشَةِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ من غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا وَلِئَلَّا يَغُشَّ بها بَعْضَ الناس بَعْضًا فَإِنْ عَلِمَ مِعْيَارَهَا صَحَّتْ الْمُعَامَلَةُ بها مُعَيَّنَةً في الذِّمَّةِ وَكَذَا تَصِحُّ كَذَلِكَ لو لم يَعْلَمْ عِيَارَهَا كَبَيْعِ الْغَالِيَةِ وَالْمَعْجُونَاتِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ رَوَاجُهَا وَهِيَ رَائِجَةٌ قال الزَّرْكَشِيُّ وَضَابِطُ ذلك أَنَّهُ إنْ كان الْخَلِيطُ غير مَقْصُودٍ وَقَدْرُ الْمَقْصُودِ مَجْهُولٌ كَمِسْكٍ مَخْلُوطٍ بِغَيْرِهِ وَلَبَنٍ مَشُوبٍ بِمَاءٍ بَطَلَتْ الْمُعَامَلَةُ بِهِ وَإِنْ كان مَقْصُودًا كَدَرَاهِمَ مَغْشُوشَةٍ وَمَعْجُونَاتٍ صَحَّتْ انْتَهَى وَظَاهِرٌ أَنَّ الْغِشَّ في الْمَغْشُوشَةِ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَالصِّحَّةُ فيها مُسْتَثْنَاةٌ لِحَاجَةِ الْمُعَامَلَةِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ على ذلك في الْبَيْعِ أَيْضًا وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ أَيْ الْإِمَامِ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَلَوْ خَالِصَةً لِأَنَّهُ من شَأْنِ الْإِمَامِ وَلِأَنَّ فيه افْتِيَاتًا عليه وَمَنْ مَلَكَ دَرَاهِمَ مَغْشُوشَةً كُرِهَ له إمْسَاكُهَا بَلْ يَسْبِكُهَا وَيُصَفِّيهَا قال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ إلَّا إذَا كانت دَرَاهِمُ الْبَلَدِ مَغْشُوشَةً فَلَا يُكْرَهُ إمْسَاكُهَا ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ
فَرْعٌ لو كان له إنَاءٌ وَزْنُهُ أَلْفٌ ذَهَبًا وَفِضَّةً أَحَدُهُمَا سِتُّمِائَةٍ وَالْآخَرُ أَرْبَعُمِائَةٍ وَأَشْكَلَ الْأَكْثَرُ مِنْهُمَا زَكَّى كُلًّا مِنْهُمَا بِفَرْضِهِ الْأَكْثَرَ إنْ احْتَاطَ وَلَا يَجُوزُ فَرْضُ كُلِّهِ ذَهَبًا لِأَنَّ أَحَدَ الْجِنْسَيْنِ لَا يُجْزِئُ وَإِنْ كان أَعْلَى منه كما مَرَّ أو مَيَّزَ بَيْنَهُمَا بِالنَّارِ قال في الْبَسِيطِ وَيَحْصُلُ ذلك بِسَبْكِ قَدْرٍ يَسِيرٍ إذْ تَسَاوَتْ أَجْزَاؤُهُ أو اُمْتُحِنَ بِالْمَاءِ فَيَضَعُ فيه أَلْفًا ذَهَبًا وَيَعْلَمُ ارْتِفَاعَهُ ثُمَّ يَخْرُجُهَا ثُمَّ يَضَعُ فيه أَلْفًا فِضَّةً وَيُعَلِّمُهُ وَهَذِهِ الْعَلَامَةُ فَوْقَ الْأُولَى لِأَنَّ الْفِضَّةَ أَكْبَرُ حَجْمًا من الذَّهَبِ ثُمَّ يُخْرِجُهَا ثُمَّ يَضَعُ فيه الْمَخْلُوطُ فَإِلَى أَيِّهِمَا كان ارْتِفَاعُهُ أَقْرَبَ فَالْأَكْثَرُ منه وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِوَضْعِ الْمَخْلُوطِ أَوَّلًا وَوَسَطًا أَيْضًا قال الْإِسْنَوِيُّ وَأَسْهَلُ من هذه وَأَضْبَطُ أَنْ يَضَعَ في الْمَاءِ قَدْرَ الْمَخْلُوطِ مِنْهُمَا مَعًا مَرَّتَيْنِ في أَحَدَيْهِمَا الْأَكْثَرُ ذَهَبًا وَالْأَقَلُّ فِضَّةً وفي الثَّانِيَةِ بِالْعَكْسِ وَيُعَلِّمُ في كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَامَةً ثُمَّ يَضَعُ الْمَخْلُوطَ فَيَلْحَقُ بِمَا وَصَلَ إلَيْهِ قال وَالطَّرِيقُ الْأَوْلَى تَأْتِي أَيْضًا في مُخْتَلَطِ جَهْلِ وَزْنِهِ بِالْكُلِّيَّةِ كما قَالَهُ الْفُورَانِيُّ فَإِنَّك إذَا وَضَعْت الْمُخْتَلِطَ الْمَذْكُورَ تَكُونُ عَلَامَتُهُ بين عَلَامَتَيْ الْخَالِصِ فَإِنْ كانت نِسْبَتُهُ إلَيْهِمَا سَوَاءٌ فَنِصْفُهُ ذَهَبٌ وَنِصْفُهُ فِضَّةٌ وَإِنْ كان بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلَامَةِ الذَّهَبِ شَعِيرَتَانِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلَامَةِ الْفِضَّةِ شَعِيرَةٌ فَثُلُثَاهُ فِضَّةٌ وَثُلُثُهُ ذَهَبٌ أو بِالْعَكْسِ فَبِالْعَكْسِ
قال الرَّافِعِيُّ وإذا تَعَذَّرَ الِامْتِحَانُ وَعَسِرَ التَّمْيِيزُ بِأَنْ تُفْقَدَ آلَاتُ السَّبْكِ أو يَحْتَاجُ فيه إلَى زَمَانٍ صَالِحٍ وَجَبَ الِاحْتِيَاطُ فإن الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ على الْفَوْرِ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا مع وُجُودِ الْمُسْتَحِقِّينَ ذَكَرَهُ في النِّهَايَةِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَجْعَلَ السَّبْكَ أو ما في مَعْنَاهُ من شُرُوطِ الْإِمْكَانِ انْتَهَى وَلَا يُعْتَمَدُ في مَعْرِفَةِ الْأَكْثَرِ غَلَبَةُ ظَنِّهِ أَيْ الْمَالِكِ وَلَوْ تَوَلَّى إخْرَاجَهَا بِنَفْسِهِ وَيُصَدَّقُ فيه إنْ أَخْبَرَ عن عِلْمٍ التَّصْرِيحُ بهذا وَبِالتَّرْجِيحِ فِيمَا قَبْلَهُ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ مَلَكَ نِصَابًا في يَدِهِ نِصْفُهُ وَبَاقِيهِ وهو النِّصْفُ الْآخَرُ مَغْصُوبٌ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ وَأَوْجَبْنَا الزَّكَاةَ فيه وهو الْأَصَحُّ زَكَّى النِّصْفَ الذي بيده في الْحَالِ بِنَاءً على أَنَّ الْإِمْكَانَ شَرْطٌ لِلضَّمَانِ لَا لِلْوُجُوبِ وَأَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ
فَصْلٌ لَا زَكَاةَ في حُلِيٍّ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا مع كَسْرِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَاحِدَةُ حَلْيٍ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ مُبَاحٌ لِأَنَّ زَكَاةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ تُنَاطُ بِالِاسْتِغْنَاءِ عن الِانْتِفَاعِ بِهِمَا لَا بِجَوْهَرِهِمَا إذْ لَا غَرَضَ في ذَاتِهِمَا فَلَا زَكَاةَ في الْحُلِيِّ لِحَاجَةِ الِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ وَلِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِاسْتِعْمَالِ مُبَاحٍ كَعَوَامِلِ الْمَاشِيَةِ وَصَحَّ عن ابْنِ عُمَرَ
____________________
(1/377)
أَنَّهُ كان يُحَلِّي بَنَاتَه وَجَوَارِيَهُ بِالذَّهَبِ وَلَا يُخْرِجُ زَكَاتَهُ وَصَحَّ نَحْوُهُ عن عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا وما وَرَدَ مِمَّا ظَاهِرُهُ يُخَالِفُ ذلك فَأَجَابُوا عنه بِأَنَّ الْحُلِيَّ كان مُحَرَّمًا أَوَّلَ الْإِسْلَامِ أو بِأَنَّ فيه إسْرَافًا
وَلَوْ انْكَسَرَ الْحُلِيُّ الْمُبَاحُ فإنه لَا زَكَاةَ فيه وَإِنْ دَارَتْ عليه أَحْوَالٌ إنْ قَصَدَ عِنْدَ عِلْمِهِ بِانْكِسَارِهِ إصْلَاحَهُ وَأَمْكَنَ بِغَيْرِ سَبْكٍ وَصَوْغٍ له بِأَنْ أَمْكَنَ بِالْإِلْجَامِ لِبَقَاءِ صُورَتِهِ وَقَصْدِ إصْلَاحِهِ فَإِنْ لم يَقْصِدْ إصْلَاحَهُ بَلْ قَصَدَ جَعْلَهُ تِبْرًا أو دَرَاهِمَ أو كَنَزَهُ أو لم يَقْصِدْ شيئا أو أَحْوَجَ انْكِسَارُهُ إلَى سَبْكٍ وَصَوْغٍ وَإِنْ قَصَدَهُمَا فَتَجِبُ زَكَاتُهُ وَيَنْعَقِدُ حَوْلُهُ من حِينِ انْكِسَارِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ وَلَا مُعَدٍّ لِلِاسْتِعْمَالِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ بِتَقْرِيرِي له أَنَّهُ لو لم يَعْلَمْ بِانْكِسَارِهِ إلَّا بَعْدَ عَامٍ أو أَكْثَرَ فَقَصَدَ إصْلَاحَهُ لَا زَكَاةَ أَيْضًا لِأَنَّ الْقَصْدَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كان مُرْصَدًا له وَبِهِ صَرَّحَ في الْوَسِيطِ فَلَوْ عَلِمَ انْكِسَارَهُ ولم يَقْصِدْ إصْلَاحَهُ حتى مَضَى عَامٌ وَجَبَتْ زَكَاتُهُ فَإِنْ قَصَدَ بَعْدَهُ إصْلَاحَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا وُجُوبَ في الْمُسْتَقْبَلِ
وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا حَرُمَ لِعَيْنِهِ كَالْأَوَانِي من الذَّهَبِ أو الْفِضَّةِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا أَثَرَ لِزِيَادَةِ قِيمَتِهِ بِالصَّنْعَةِ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ فَلَوْ كان له إنَاءٌ وَزْنُهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ ثَلَثُمِائَةٍ اُعْتُبِرَ وَزْنُهُ لَا قِيمَتُهُ فَيُخْرِجُ خَمْسَةً من غَيْرِهِ أو يَكْسِرُهُ وَيُخْرِجُ خَمْسَةً أو يُخْرِجُ رُبْعَ عُشْرِهِ مَشَاعًا كما سَيَأْتِي في كَلَامِهِ بِخِلَافِ الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ إذَا أَوْجَبْنَا فيه الزَّكَاةَ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ لَا وَزْنُهُ فَيُخْرِجُ رُبْعَ عُشْرِهِ مَشَاعًا ثُمَّ يَبِيعُهُ السَّاعِي بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَيُفَرِّقُ ثَمَنَهُ على الْمُسْتَحِقِّينَ أو يُخْرِجُ خَمْسَةً مَصُوغَةً قِيمَتُهَا سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ
وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَجُوزُ إخْرَاجُ سَبْعَةٍ وَنِصْفٍ نَقْدًا وَلَا يَجُوزُ كَسْرُهُ لِلْأَدَاءِ منه لِضَرَرِ الْجَانِبَيْنِ وتجب فِيمَا حَرُمَ بِالْقَصْدِ بِالْإِجْمَاعِ وَيُخَالِفُ ما لو قَصَدَ بِالْعُرُوضِ اسْتِعْمَالًا مُحَرَّمًا لِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ هُنَا بِالْعَيْنِ كَقَصْدِ الرَّجُلِ أَنْ يَلْبَسَ أو يُلْبِسَ رَجُلًا حُلِيَّ امْرَأَةٍ أو أَنْ يُلْبِسَ امْرَأَةً حُلِيَّ رَجُلٍ كَسَيْفٍ وَمِنْطَقَةٍ وَعَكْسُهُ أَيْ كَقَصْدِ الْمَرْأَةِ أَنْ تَلْبِسَ أو تَلْبِسُ امْرَأَةٌ حُلِيَّ رَجُلٍ أو أَنْ تُلْبِسَ رَجُلًا حُلِيَّ امْرَأَةٍ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمَكْرُوهَ كَالْمُحَرَّمِ وَكَذَا تَجِبُ في حُلِيٍّ اُتُّخِذَ لِلْكَنْزِ لِلصَّرْفِ له عن الِاسْتِعْمَالِ فَصَارَ مُسْتَغْنًى عنه كَالدَّرَاهِمِ الْمَضْرُوبَةِ لَا إنْ اُتُّخِذَ لِلُّبْسِ مُبَاحٌ فَلَا تَجِبُ فيه وَهَذَا وما قَبْلَهُ عُلِمَا مِمَّا مَرَّ أو تِبْرٍ قال الْجَوْهَرِيُّ التِّبْرُ ما كان من الذَّهَبِ غير مَضْرُوبٍ فإذا ضُرِبَ دَنَانِيرَ فَهُوَ عَيْنٌ وَلَا يُقَالُ تِبْرًا لَا لِلذَّهَبِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُهُ لِلْفِضَّةِ أَيْضًا انْتَهَى وَالْمُرَادُ هُنَا كِلَاهُمَا وقد عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ في كِتَابِ الْحَجِّ وَغَيْرِهِ بِالتِّبْرَيْنِ وَقَوْلُهُ تِبْرٍ مَعْطُوفٌ على حُلِيٍّ وَلَوْ عَطَفَهُ بِالْوَاوِ كان أَوْلَى أَيْ وَتَجِبُ في تِبْرٍ مَغْصُوبٍ صِيغَ حُلِيًّا فَتَجِبُ زَكَاتُهُ على مَالِكِهِ وإذا ثَبَتَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ في الْمُحَرَّمِ صَنْعَتُهُ فَيُزَكِّي مُحَرَّمَ الصَّنْعَةِ أَمَّا من بَعَّضَهُ بِالْكَسْرِ أو بِشَرِكَةِ الْإِشَاعَةِ أو من غَيْرِهِ بِوَزْنِهَا أَيْ الزَّكَاةِ أَيْ قَدْرِهَا من نَوْعِهِ لَا من نَوْعٍ آخَرَ دُونَهُ وَلَا من جِنْسٍ آخَرَ وَلَوْ أَعْلَى فَلَوْ كان الْحُلِيُّ الْمُحَرَّمُ فِضَّةً وَأَخْرَجَ عنه من الذَّهَبِ ما قِيمَتُهُ رُبْعُ عُشْرِ الْفِضَّةِ لم يَجُزْ لِإِمْكَانِ تَسْلِيمِ رُبْعِهِ مَشَاعًا وَبَيْعِهِ بِالذَّهَبِ بَعْدَهُ وَلِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ
فَرْعٌ لو لم يَقْصِدْ بِالْحُلِيِّ الذي اتَّخَذَهُ كَنْزًا وَلَا اسْتِعْمَالًا بِأَنْ أَطْلَقَ أو قَصَدَ إجَارَتَهُ مِمَّنْ له لُبْسُهُ فَكَالْمُسْتَعْمَلِ مُبَاحًا فَلَا زَكَاةَ فيه أَمَّا في الْأُولَى فَلِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ في مَالٍ نَامٍ وَالنَّقْدُ غَيْرُ نَامٍ وَإِنَّمَا أُلْحِقَ بِالنَّامِي لِتَهْيِئَتِهِ لِلْإِخْرَاجِ وَبِالصِّيَاغَةِ بَطَلَ تَهَيُّؤُهُ له وَيُخَالِفُ قَصْدُ كَنْزِهِ لِصَرْفِهِ هَيْئَةَ الصِّيَاغَةِ عن الِاسْتِعْمَالِ فَصَارَ مُسْتَغْنًى عنه كَالدَّرَاهِمِ الْمَضْرُوبَةِ وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَكَمَا لو اتَّخَذَهُ لِيُعَيِّرَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِالْأُجْرَةِ كَأُجْرَةِ الْعَامِلَةِ لَا إنْ وَرِثَهُ وَعَلِمَ بِأَنَّهُ وَرِثَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ فَتَجِبُ زَكَاتُهُ لِأَنَّهُ لم يَقْصِدْ إمْسَاكَهُ لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ ثُمَّ حَكَى عن وَالِدِهِ احْتِمَالَ وَجْهٍ فيه إقَامَةً لِنِيَّةِ مُوَرِّثِهِ مَقَامَ نِيَّتِهِ وَيُشْكِلُ الْأَوَّلُ بِالْحُلِيِّ الذي اتَّخَذَهُ بِلَا قَصْدِ شَيْءٍ وقد يُفَرَّقُ بِأَنَّ في تِلْكَ اتِّخَاذًا دُونَ هذه وَالِاتِّخَاذُ مُقَرَّبٌ لِلِاسْتِعْمَالِ بِخِلَافِ عَدَمِهِ
وَكُلَّمَا قَصَدَ الْمَالِكُ بِالْحُلِيِّ الْمُبَاحِ الِاسْتِعْمَالَ الْمُوجِبَ لِلزَّكَاةِ بِأَنْ قَصَدَ بِهِ اسْتِعْمَالًا مُحَرَّمًا أو مَكْرُوهًا ابْتَدَأَ الْحَوْلُ من حِينِ قَصَدَهُ وَكُلَّمَا غَيَّرَهُ إلَى الْمُسْقِطِ لها بِأَنْ قَصَدَ بِهِ اسْتِعْمَالًا مُحَرَّمًا أو مَكْرُوهًا ثُمَّ غَيَّرَ قَصْدَهُ إلَى الْمُبَاحِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ
فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ من الْحُلِيِّ الذَّهَبُ حَرَامٌ اسْتِعْمَالُهُ وَاِتِّخَاذُهُ على الرَّجُلِ لِخَبَرِ أبي دَاوُد السَّابِقِ في بَابِ ما يَجُوزُ لُبْسُهُ نعم إنْ صَدِئَ بِحَيْثُ لَا يُبَيَّنُ جَازَ له اسْتِعْمَالُهُ نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن قَطْعِ
____________________
(1/378)
الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبِ الْمَذْهَبِ وَآخَرِينَ وَقَوْلُ الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ إنَّهُ لَا يَصْدَأُ أَجَابُوا عنه بِأَنَّ منه نَوْعًا يَصْدَأُ وهو ما يُخَالِطُ غَيْرَهُ قال الْأَذْرَعِيُّ وما قَالُوهُ مُشْكِلٌ وَلَعَلَّهُمْ بَنَوْهُ على أَنَّ عِلَّةَ التَّحْرِيمِ الْخُيَلَاءُ وَالْعِلَّةُ الصَّحِيحَةُ إنَّمَا هِيَ الْعَيْنُ فَالصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ التَّحْرِيمُ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْجُمْهُورِ
ا ه
وَاَلَّذِي قَدَّمْته في بَابِ الْآنِيَةِ أَنَّ عِلَّةَ التَّحْرِيمِ الْعَيْنُ بِشَرْطِ الْخُيَلَاءِ فَالصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ ما قَالُوهُ
وَلَهُ تَعْوِيضُ سِنٍّ من الذَّهَبِ لِمَا سَيَأْتِي لَا سِنٍّ لِخَاتَمٍ وَهِيَ الشُّعْبَةُ التي يَسْتَمْسِكُ بها الْفَصُّ لِعُمُومِ أَدِلَّةِ الْمَنْعِ وَلِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وقال الْإِمَامُ لَا يَبْعُدُ إلْحَاقُ قَلِيلِهِ بِصَغِيرِ ضَبَّةِ الْإِنَاءِ وَفَرَّقَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْخَاتَمَ أَدْوَمُ اسْتِعْمَالًا من الْإِنَاءِ
وله تَعْوِيضُ أُنْمُلَةٍ بِتَثْلِيثِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ تِسْعُ لُغَاتٍ أَفْصَحُهَا وَأَشْهَرُهَا فَتْحُ الْهَمْزَةِ وَضَمُّ الْمِيمِ قال جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ الْأَنَامِلُ أَطْرَافُ الْأَصَابِعِ وقال الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا في كل أُصْبُعٍ غَيْرِ الْإِبْهَامِ ثَلَاثُ أَنَامِلَ وَكَذَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ من كِبَارِ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ ذَكَرَ ذلك النَّوَوِيُّ في تَحْرِيرِهِ
وله تَعْوِيضُ أَنْفٍ منه أَيْ من الذَّهَبِ لِأَنَّ عَرْفَجَةَ بن أَسْعَدَ قُطِعَ أَنْفُهُ يوم الْكُلَابِ بِضَمِّ الْكَافِ اسْمٌ لِمَاءٍ كانت الْوَقْعَةُ عِنْدَهُ في الْجَاهِلِيَّةِ فَاِتَّخَذَ أَنْفًا من وَرِقٍ فَأَنْتَنَ عليه فَأَمَرَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَاِتَّخَذَ أَنْفًا من ذَهَبٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وابن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَقِيسَ بِالْأَنْفِ السِّنُّ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ وَالْأُنْمُلَةُ وَلَوْ لِكُلِّ أُصْبُعٍ وقد شَدَّ عُثْمَانُ وَغَيْرُهُ أَسْنَانَهُمْ بِهِ ولم يُنْكِرْهُ أَحَدٌ وَجَازَ ذلك بِالذَّهَبِ وَإِنْ أَمْكَنَ بِالْفِضَّةِ الْجَائِزَةِ لِذَلِكَ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ لَا يَصْدَأُ وَلَا يُفْسِدُ الْمَنْبَتَ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَجِبُ أَنْ يُقَيَّدَ جَوَازُ تَعْوِيضِ الْأُنْمُلَةِ بِمَا إذَا كان ما تَحْتَهَا سَلِيمًا دُونَ ما إذَا كان أَشَلَّ كما أَرْشَدَ إلَيْهِ تَعْلِيلُهُمْ بِالْعَمَلِ
لَا تَعْوِيضُ كَفٍّ وَأُصْبُعٍ وَأُنْمُلَتَيْنِ من أُصْبُعٍ فَلَا يَجُوزُ من ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لِأَنَّهَا لَا تُعْمَلُ فَيَكُونُ لِمُجَرَّدِ الزِّينَةِ بِخِلَافِ السِّنِّ وَالْأُنْمُلَةِ وَلَا يَحِلُّ تَمْوِيهُ أَيْ تَطْلِيَةُ سَيْفٍ وَخَاتَمٍ وَغَيْرِهِمَا بِذَهَبٍ وَإِنْ لم يَحْصُلْ منه شَيْءٌ بِالنَّارِ كَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ هُنَا وَتَقَدَّمَ في الْأَوَانِي أَنَّهُ يَحِلُّ الْمُمَوَّهُ إنْ لم يَحْصُلْ منه شَيْءٌ قال السُّبْكِيُّ فَلْيُحْمَلْ الْحِلُّ على اسْتِعْمَالِ الْمُمَوَّهِ وَالْمَنْعُ على نَفْسِ التَّمْوِيهِ أو يُحْمَلُ الْحِلُّ على الْأَوَانِي وَالْمَنْعُ على الْمَلْبُوسِ أَيْ لِاتِّصَالِهِ بِالْبَدَنِ وَشِدَّةِ مُلَازَمَتِهِ له بِخِلَافِ الْأَوَانِي وَحَمْلُهُ الْأَوَّلُ هو ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ في الْمَوْضِعَيْنِ وَيُنَاسِبُهُ قَوْلُ الْمَجْمُوعِ وَتَمْوِيهُ بَيْتِهِ وَجِدَارِهِ بِذَهَبٍ أو فِضَّةٍ حَرَامٌ قَطْعًا ثُمَّ إنْ حَصَلَ منه شَيْءٌ بِالنَّارِ حَرُمَ اسْتِدَامَتُهُ وَإِلَّا فَلَا
وَالْخُنْثَى في حُلِيِّ كُلٍّ من الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ كَالْآخَرِ فَيَحْرُمُ عليه ما يَحْرُمُ على كُلٍّ مِنْهُمَا احْتِيَاطًا وَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ فَيَدْخُلُ في ذلك تَحْلِيَةُ آلَةِ الْحَرْبِ لِحُرْمَتِهَا على الْمَرْأَةِ وَجَعْلُهُ كَالْمَرْأَةِ من زِيَادَتِهِ وَلِلرَّجُلِ لُبْسُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ لِلْإِتْبَاعِ وَالْإِجْمَاعِ بَلْ يُسَنُّ له كما مَرَّ مع زِيَادَةٍ في بَابِ ما يَجُوزُ لُبْسُهُ لَا لُبْسُ السِّوَارِ بِكَسْرِ السِّينِ وَضَمِّهَا وَنَحْوِهِ كَالدُّمْلُجِ وَالطَّوْقِ فَلَا يَحِلُّ له وَلَوْ من فِضَّةٍ لِأَنَّ فيه خُنُوثَةٌ لَا تَلِيقُ بِشَهَامَةِ الرِّجَالِ
وَلَهُ تَحْلِيَةُ آلَةِ الْحَرْبِ بها أَيْ بِالْفِضَّةِ لَا بِالذَّهَبِ كَالسَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَالدِّرْعِ وَالْمِنْطَقَةِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهِيَ ما يُشَدُّ بِهِ الْوَسَطُ وَالْخُفِّ لِأَنَّهَا تَغِيظُ الْكُفَّارَ وقد ثَبَتَ أَنَّ قِبِّيعَةَ سَيْفِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كانت من فِضَّةٍ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم دخل مَكَّةَ يوم الْفَتْحِ وَعَلَى سَيْفِهِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ لَكِنْ خَالَفَهُ ابن الْقَطَّانِ فَضَعَّفَهُ وهو الْمُوَافِقُ لِجَزْمِ الْأَصْحَابِ بِتَحْرِيمِ تَحْلِيَةِ ذلك بِالذَّهَبِ ما لم يُسْرِفْ في ذلك فَيَحْرُمُ حِينَئِذٍ
وَلَوْ حَلَّى الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ السَّرْجَ وَاللِّجَامَ وَالرِّكَابَ وَبَرَّةَ النَّاقَةِ وَقِلَادَةَ الدَّابَّةِ وَالسِّكِّينَ وَالْكُتُبَ وَالْجَلَمَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَاللَّامِ أَيْ الْمِقْرَاضَ وَالدَّوَاةَ وَسَرِيرَ الْمُصْحَفِ وَنَحْوَهَا حَرُمَ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَلْبُوسَةٍ لِلرَّاكِبِ كَالْأَوَانِي
وَيَحْرُمُ على النِّسَاءُ تَحْلِيَةُ آلَةِ الْحَرْبِ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَإِنْ جَازَ لَهُنَّ الْمُحَارَبَةُ بِآلَتِهَا وَلُبْسُ زِيِّ الرِّجَالِ لِمَا في ذلك من التَّشَبُّهِ بِهِمْ وهو حَرَامٌ كَعَكْسِهِ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ لَعَنْ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ من الرِّجَالِ وَالْمُتَشَبِّهَات من النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ وَاللَّعْنُ لَا يَكُونُ على مَكْرُوهٍ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ في الْأُمِّ وَلَا أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسَ اللُّؤْلُؤِ إلَّا لِلْأَدَبِ وَإِنَّهُ من زِيِّ النِّسَاءِ لَا لِلتَّحْرِيمِ فَلَيْسَ مُخَالِفًا لِهَذَا لِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ من جِنْسِ زِيِّ النِّسَاءِ لَا أَنَّهُ زِيُّ لُبْسٍ مُخْتَصٍّ بِهِنَّ وَيُجَابُ عن قَوْلِ صَاحِبِ الْمُعْتَمَدِ أَنَّ في تَجْوِيزِ الْمُحَارَبَةِ لَهُنَّ في الْجُمْلَةِ تَجْوِيزُ لُبْسِ آلَتِهَا وإذا جَازَ اسْتِعْمَالُهَا غير مُحَلَّاةٍ جَازَ مع الْحِلْيَةِ لِأَنَّ التَّحَلِّي لَهُنَّ أَجْوَزُ منه لِلرِّجَالِ بِأَنَّهُ إنَّمَا جَوَّزَ لَهُنَّ لُبْسَ آلَةِ الْحَرْبِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ
____________________
(1/379)
وَلَا حَاجَةَ إلَى الْحِلْيَةِ
وَلَهُنَّ وَكَذَا لِلطِّفْلِ لُبْسُ حُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَمَّا هُنَّ فَلِخَبَرِ أبي دَاوُد الْمُشَارِ إلَيْهِ آنِفًا وَأَمَّا الطِّفْلُ فَلِأَنَّهُ ليس له شَهَامَةٌ تُنَافِي خُنُوثَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَلَا فَرْقَ في ذلك بين التَّاجِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّهُ في التَّاجِ مُقَيَّدٌ في حَقِّ النِّسَاءِ بِالْعَادَةِ كما ذَكَرَهُ في قَوْلِهِ وَكَذَا يَحِلُّ لَهُنَّ التَّاجُ إنْ تُعَوَّدْنَهُ وَإِلَّا فَهُوَ لِبَاسُ عُظَمَاءِ الْفَرَسِ فَيَحْرُمُ قال في الْأَصْلِ وَكَأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِعَادَةِ أَهْلِ النَّوَاحِي فَحَيْثُ اعْتَدْنَهُ جَازَ وَحَيْثُ لم يَعْتَدْنَهُ لَا يَجُوزُ حَذَرًا من التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ وَذَكَرَ مثله في الْمَجْمُوعِ هُنَا وقال فيه في بَابِ ما يَجُوزُ لُبْسُهُ وَالْمُخْتَارُ بَلْ الصَّوَابُ حِلُّهُ مُطْلَقًا بِلَا تَرْدِيدٍ لِعُمُومِ الْخَبَرِ لِدُخُولِهِ في اسْمِ الْحُلِيِّ
ويحل لَهُنَّ اتِّخَاذُ النِّعَالِ مِنْهُمَا أَيْ من الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلُبْسُ ما نُسِجَ بِهِمَا كَالْحُلِيِّ لِأَنَّ ذلك لِبَاسٌ حَقِيقَةً لَا إنْ أَسْرَفْنَ في شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ كَخَلْخَالٍ وَزْنُهُ مِائَتَا مِثْقَالٍ لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِإِبَاحَةِ الْحُلِيِّ لَهُنَّ هو التَّزَيُّنُ لِلرِّجَالِ الْمُحَرِّكُ لِلشَّهْوَةِ الدَّاعِي لِكَثْرَةِ النَّسْلِ وَلَا زِينَةَ في مِثْلِ ذلك بَلْ تَنْفِرُ منه النَّفْسُ لِاسْتِبْشَاعِهِ وَقَيَّدَ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَالْمَجْمُوعِ التَّحْرِيمَ بِالْمُبَالَغَةِ قال ابن الْعِمَادِ وهو الْمُتَّجَهُ لِأَنَّ ما أُبِيحَ أَصْلُهُ لَا يَمْنَعُ من إبَاحَتِهِ قَلِيلُ السَّرَفِ بِدَلِيلِ الْإِسْرَافِ الْيَسِيرِ في النَّفَقَةِ وَالزِّيَادَةِ على الشِّبَعِ ما لم يَنْتَهِ إلَى الْإِضْرَارِ بِالْبَدَنِ لَكِنْ مَتَى وُجِدَ أَدْنَى سَرَفٍ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَإِنْ لم يَحْرُمْ لُبْسُهُ لِأَنَّ السَّرَفَ وَإِنْ لم يَحْرُمْ كُرِهَ وَالْحُلِيُّ الْمَكْرُوهُ تَجِبُ فيه الزَّكَاةُ وَظَاهِرٌ أَنَّ الطِّفْلَ في ذلك كُلِّهِ كَالنِّسْوَةِ
وَلَوْ اتَّخَذَ شَخْصٌ خَوَاتِمَ كَثِيرَةً أو اتَّخَذَتْ امْرَأَةٌ خَلَاخِلَ كَثِيرَةً لِلْمُغَايَرَةِ في اللُّبْسِ جَازَ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ لِيَلْبَسَ الْوَاحِدَ منها بَعْدَ الْوَاحِدِ وَفِيهَا رَمْزٌ إلَى مَنْعِ لُبْسِهِ أَكْثَرَ من خَاتَمٍ جُمْلَةً وهو ما ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ تَفَقُّهًا وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ الْفِضَّةَ حَرَامٌ إلَّا ما وَرَدَتْ الرُّخْصَةُ بِهِ ولم تَرِدْ إلَّا في خَاتَمٍ وَاحِدٍ نَبَّهَ على ذلك الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ قالوا وَهَذَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الدَّارِمِيِّ وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسُ فَوْقَ خَاتَمَيْنِ وَقَوْلُ الْخُوَارِزْمِيَّ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ لُبْسُ زَوْجِ خَاتَمٍ في يَدٍ وَفَرْدٍ في كل يَدٍ وَزَوْجٍ في يَدٍ وَفَرْدٍ في أُخْرَى وَإِنْ لَبِسَ زَوْجَيْنِ في كل يَدٍ قال الصَّيْدَلَانِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا لِلنِّسَاءِ قال وَعَلَى قِيَاسِهِ لو تَخَتَّمَ في غَيْرِ الْخِنْصَرِ فَفِي حِلِّهِ وَجْهَانِ قال الْأَذْرَعِيُّ قُلْت أَصَحُّهُمَا التَّحْرِيمُ لِلنَّهْيِ الصَّحِيحِ عنه وَلِمَا فيه من التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ
ا ه
وَاَلَّذِي في شَرْحِ مُسْلِمٍ عَدَمُ التَّحْرِيمِ فَفِيهِ وَالسُّنَّةُ لِلرَّجُلِ جَعْلُ خَاتَمِهِ في الْخِنْصَرِ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ من الِامْتِهَانِ فِيمَا يَتَعَاطَى بِالْيَدِ لِكَوْنِهِ طَرَفًا وَلِأَنَّهُ لَا يَشْغَلُ الْيَدَ عَمَّا تَتَنَاوَلُهُ من أَشْغَالِهِمَا بِخِلَافِ غَيْرِ الْخِنْصَرِ وَيُكْرَهُ له جَعْلُهُ في الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ لِلْحَدِيثِ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ
ا ه
وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ احْتَمَلَتْ عِبَارَةَ الْأَصْلِ فَهِيَ إلَى عِبَارَةِ الْآخَرِينَ أَقْرَبُ وقال ابن الْعِمَادِ إنَّمَا عَبَّرَ الرَّافِعِيُّ بِمَا ذَكَرَ لِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ في الْحُلِيِّ الذي لَا تَجِبُ فيه زَكَاةٌ فَأَمَّا إذَا اتَّخَذُوا خَوَاتِمَ لِيَلْبَسَ اثْنَيْنِ منها أو أَكْثَرَ دُفْعَةً فَتَجِبُ فيها الزَّكَاةُ لِوُجُوبِهَا في الْحُلِيِّ الْمَكْرُوهِ وقال الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ لِيَلْبَسَ الْوَاحِدَ منها بَعْدَ الْوَاحِدِ أَنَّهُ يَلْبَسُ وَاحِدًا فَوْقَ آخَرَ بِقَرِينَةِ قَرْنِهِ بِالْخَلَاخِيلِ
وَلَوْ تَقَلَّدَتْ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ الْمَثْقُوبَةَ بِأَنْ جَعَلَتْهَا في قِلَادَتِهَا زُكِّيَتْ بِنَاءً على تَحْرِيمِهَا على ما صَحَّحَهُ الْأَصْلُ لَكِنْ رَدَّهُ في الْمَجْمُوعِ في بَابِ ما يُكْرَهُ لُبْسُهُ بِأَنَّ الْأَصَحَّ الْجَوَازُ لِدُخُولِهِ في اسْمِ الْحُلِيِّ وَعَلَيْهِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ في بَابِ الزَّكَاةِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فيها وَيُحْتَمَلُ كَرَاهَتُهَا فَتَجِبُ زَكَاتُهَا وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عليه إنْ قِيلَ بِكَرَاهَتِهَا مع أَنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُهُ أَيْضًا على ما قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ من أنها مُبَاحَةٌ وَتَجِبُ زَكَاتُهَا لِأَنَّهَا لم تَخْرُجْ بِالصَّنْعَةِ عن النَّقْدِيَّةِ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ لَا الْمُعَرَّاةَ أَيْ التي جُعِلَتْ لها عُرًا وَجُعِلَتْ في الْقِلَادَةِ فَلَا زَكَاةَ فيها كما قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ لِأَنَّهَا حُلِيٌّ مُبَاحٌ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ
وَلَوْ حَلَّى شَخْصٌ مُصْحَفًا وَلَوْ بِتَحْلِيَةِ غِلَافِهِ الْمُنْفَصِلِ عنه بِفِضَّةٍ أو حَلَّتْهُ امْرَأَةٌ بِذَهَبٍ جَازَ إكْرَامًا له فِيهِمَا وَلِلْخَبَرِ السَّابِقِ في الثَّانِيَةِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِالْمُصْحَفِ في ذلك اللَّوْحِ الْمُعَدِّ لِكِتَابَةِ الْقُرْآنِ وقال الْغَزَالِيُّ في فَتَاوِيهِ من كَتَبَ الْقُرْآنَ بِالذَّهَبِ فَقَدْ أَحْسَنَ وَلَا زَكَاةَ عليه
وَلَوْ حَلَّى الْمَسَاجِدَ وَالْكَعْبَةَ وَقَنَادِيلَهَا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ حَرُمَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ في مَعْنَى الْمُصْحَفِ وَلِأَنَّ ذلك لم يُنْقَلْ عن السَّلَفِ فَهُوَ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ إلَّا ما اُسْتُثْنِيَ بِخِلَافِ كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ بِالْحَرِيرِ وما ذَكَرَهُ من تَحْرِيمِ تَحْلِيَةِ الْقَنَادِيلِ عُلِمَ مِمَّا
____________________
(1/380)
مَرَّ وَالْأَصْلُ إنَّمَا ذَكَرَ تَحْرِيمَ تَعْلِيقِ قَنَادِيلِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَحْرُمُ أَيْضًا تَعْلِيقُ الْقَنَادِيلِ الْمُحَلَّاةِ بِذَلِكَ إذَا حَصَلَ منها شَيْءٌ بِالنَّارِ فَيُزْكِي ذلك لَا إنْ جُعِلَ وَقْفًا على الْمَسْجِدِ لِعَدَمِ الْمَالِكِ الْمُعَيَّنِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ صِحَّةِ وَقْفِهِ إذَا حَلَّ اسْتِعْمَالُهُ بِأَنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ وَإِلَّا فَوَقْفُ الْمُحَرَّمِ بَاطِلٌ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ وَقْفَهُ ليس على التَّحَلِّي كما تُوُهِّمَ فإنه بَاطِلٌ كَالْوَقْفِ على تَزْوِيقِ الْمَسْجِدِ وَنَقْشِهِ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ وَقَضِيَّةُ ما ذُكِرَ أَنَّهُ مع صِحَّةِ وَقْفِهِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ نَاقِلًا له عن الْعِمْرَانِيِّ عن أبي إِسْحَاقَ
وَيَجُوزُ سَتْرُ الْكَعْبَةِ بِالدِّيبَاجِ لِفِعْلِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ له تَعْظِيمًا لها بِخِلَافِ سَتْرِ غَيْرِهَا بِهِ
وما كُرِهَ اسْتِعْمَالُهُ كَضَبَّةِ الْإِنَاءِ الْكَبِيرَةِ لِلْحَاجَةِ أو الصَّغِيرَةِ لِلزِّينَةِ وَجَبَتْ زَكَاتُهُ كَالْمُحَرَّمِ
وَلَا زَكَاةَ في حُلِيٍّ مَوْقُوفٍ لِمُبَاحٍ هذا مَعْلُومٌ من قَوْلِهِ لَا إنْ جُعِلَ وَقْفًا وهو أَعَمُّ من قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَلَوْ وَقَفَ حُلِيًّا على قَوْمٍ يَلْبَسُونَهُ أو يَنْتَفِعُونَ بِأُجْرَتِهِ الْمُبَاحَةِ فَلَا زَكَاةَ فيه قَطْعًا وَكَذَا عَبَّرَ بهذا في الْمَجْمُوعِ فقال وَلَوْ وَقَفَ حُلِيًّا على قَوْمٍ يَلْبَسُونَهُ لُبْسًا مُبَاحًا أو يَنْتَفِعُونَ بِأُجْرَتِهِ الْمُبَاحَةِ فَلَا زَكَاةَ فيه قَطْعًا لِعَدَمِ الْمَالِكِ الْحَقِيقِيِّ الْمُعَيَّنِ تَتِمَّةٌ كُلُّ حُلِيٍّ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ من الناس حُكْمُ صَنْعَتِهِ حُكْمُ صَنْعَةِ الْإِنَاءِ فَلَا يَضْمَنُهُ كَاسِرُهُ على الْأَصَحِّ بِخِلَافِ ما يَحِلُّ لِبَعْضِ الناس لَا يُكْسَرُ لِإِمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَلَوْ كَسَرَهُ أَحَدٌ ضَمِنَهُ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ لَكِنَّهُ لم يُصَحِّحْ عَدَمَ الضَّمَانِ في الْأَوَّلِ بَلْ أَطْلَقَ فيه وَجْهَيْنِ وكان الْمُصَنِّفُ تَرَكَ ذلك اكْتِفَاءً بِمَا قَدَّمَهُ في الْأَوَانِي
بَابُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ الْأَصْلُ فيها ما رَوَاهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عن أبي ذَرٍّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال في الْإِبِلِ صَدَقَتُهَا وفي الْبَقَرِ صَدَقَتُهَا وفي الْغَنَمِ صَدَقَتُهَا وفي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ وما رَوَاهُ أبو دَاوُد عن سَمُرَةَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ من الذي نُعِدُّهُ لِلْبَيْعِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ أَنَّ حَمَاسًا كان يَبِيعُ الْأُدْمَ فقال له عُمَرُ قَوِّمْهُ وَأَدِّ زَكَاتَهُ قال فَفَعَلْت وَأَمَّا خَبَرُ ليس على الْمُسْلِمِ في عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ فَمَحْمُولٌ على ما ليس لِلتِّجَارَةِ وَالْبَزُّ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالزَّايِ يُقَالُ لِأَمْتِعَةِ الْبَزَّازِ وَلِلسِّلَاحِ وَلَيْسَ فيه زَكَاةُ عَيْنٍ فَصَدَقَتُهُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ
وَمَتَى مَلَكَ عَرْضًا بِمُعَاوَضَةٍ بِقَصْدِ التِّجَارَةِ وَهِيَ تَقْلِيبُ الْمَالِ بِالْمُعَاوَضَةِ لِغَرَضِ الرِّبْحِ تَهَيَّأَ لِلزَّكَاةِ أَيْ لِوُجُوبِهَا بَعْدَ مُضِيِّ حَوْلِهَا الْمُنْعَقِدِ من حِينَئِذٍ سَوَاءٌ اشْتَرَاهُ بِنَقْدٍ أو عَرْضِ قِنْيَةٍ بِكَسْرِ الْقَافِ وَضَمِّهَا أو دَيْنٍ حَالٍّ أو مُؤَجَّلٍ وَلَا يَحْتَاجُ تَجْدِيدَ الْقَصْدِ أَيْ قَصْدِ التِّجَارَةِ لِلتَّصَرُّفِ أَيْ في كل تَصَرُّفٍ ما لم يَنْوِ بِمَالِهَا الْقِنْيَةَ فَإِنْ نَوَاهَا بِهِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ فَيَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ قَصْدٍ مُقَارِنٍ لِلتَّصَرُّفِ وَقَضِيَّتُهُ انْقِطَاعُ الْحَوْلِ بِذَلِكَ سَوَاءٌ أَنَوَى بِهِ اسْتِعْمَالًا جَائِزًا أَمْ مُحَرَّمًا كَلُبْسِهِ الدِّيبَاجَ وَقَطْعِهِ الطَّرِيقَ بِالسَّيْفِ وقد حَكَى فيه الْمُتَوَلِّي وَجْهَيْنِ وَأَنَّ أَصْلَهُمَا أَنَّ من عَزَمَ على مَعْصِيَةٍ وَأَصَرَّ هل يَأْثَمُ أو لَا قال الْأَذْرَعِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنْ يَكُونَ الرَّاجِحُ دَلِيلًا وَالْأَقْرَبُ إلَى النَّصِّ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ بَلْ قَضِيَّتُهُ أَنْ يَكُونَ الرَّاجِحُ الِانْقِطَاعَ فَتَأَمَّلْ على أَنَّ مَسْأَلَتَنَا غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِالْإِصْرَارِ وَتِلْكَ مُقَيَّدَةٌ بِهِ فَلَا اتِّحَادَ بَيْنَهُمَا قال الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ نَوَى الْقِنْيَةَ بِبَعْضِ عَرْضِ التِّجَارَةِ ولم يُعَيِّنْهُ فَفِي تَأْثِيرِهِ وَجْهَانِ قُلْت أَقْرَبُهُمَا الْمَنْعُ
فَلَوْ لَبِسَ ثَوْبَ تِجَارَةٍ بِلَا نِيَّةِ قِنْيَةٍ فَهُوَ تِجَارَةٌ أَيْ مَالُهَا فَإِنْ نَوَاهَا بِهِ فَلَيْسَ مَالَ تِجَارَةٍ فَلَوْ وَرِثَهُ أَيْ الْعَرْضَ أو اصْطَادَهُ أو اتَّهَبَهُ نَاوِيًا التِّجَارَةَ لم يَصِرْ مَالَ تِجَارَةٍ لِأَنَّ ذلك لَا يُعَدُّ من أَسْبَابِهَا لِانْتِفَاءِ الْمُعَاوَضَةِ أو اشْتَرَاهُ مَثَلًا لِلْقِنْيَةِ ثُمَّ نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ لم يَصِرْ لِلتِّجَارَةِ كَنِيَّةِ السَّوْمِ وَيُفَارِقُ نِيَّةَ الْقِنْيَةِ بِمَالِ التِّجَارَةِ بِأَنَّ الْقِنْيَةَ هِيَ الْإِمْسَاكُ لِلِانْتِفَاعِ وقد اقْتَرَنَتْ نِيَّتُهَا بِهِ فَأَثَّرَتْ وَبِأَنَّ
____________________
(1/381)
@ 382 الْأَصْلَ في الْعُرُوضِ الْقِنْيَةُ وَالتِّجَارَةُ عَارِضَةٌ فَيَعُودُ حُكْمُ الْأَصْلِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ كما في الْإِقَامَةِ وَالسَّفَرِ وَمِنْ الْمَمْلُوكِ بِالْمُعَاوَضَةِ ما اتَّهِبْهُ بِثَوَابٍ أو صَالَحَ عليه وَلَوْ عن دَمٍ وَكَذَا لو الْأَوْلَى ما أَجَّرَ بِهِ نَفْسَهُ أو مَالَهُ أو ما اسْتَأْجَرَهُ بَلْ أو مَنْفَعَةُ ما اسْتَأْجَرَهُ أو ما تَزَوَّجَتْ بِهِ حُرَّةٌ أو أَمَةٌ أو ما خَالَعَ بِهِ حُرٌّ أو عَبْدٌ وَقَصَدَ في الْجَمِيعِ التِّجَارَةَ بِالْعِوَضِ من مَلَكَهُ بِذَلِكَ صَارَ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةً تَثْبُتُ فيها الشُّفْعَةُ فَأَشْبَهَتْ الشِّرَاءَ أَمَّا لو اقْتَرَضَ مَالًا نَاوِيًا بِهِ التِّجَارَةَ فَلَا يَصِيرُ مَالَ تِجَارَةٍ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ لها وَإِنَّمَا هو إرْفَاقٌ قَالَهُ الْقَاضِي تَفَقُّهًا وَجَزَمَ بِهِ الرُّويَانِيُّ
وَلَيْسَتْ الْإِقَالَةُ وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ مُعَاوَضَةً بَلْ فَسْخٌ لها فَمَنْ اشْتَرَى بِعَرْضٍ لِلْقِنْيَةِ عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ أو لِلْقِنْيَةِ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو عَكَسَ بِأَنْ اشْتَرَى بِعَرْضٍ لِلتِّجَارَةِ عَرْضًا لِلْقِنْيَةِ ثُمَّ رَدَّ عليه بِعَيْبٍ أو إقَالَةٍ لم يَصِرْ تِجَارَةً أَيْ مَالُهَا وَإِنْ نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ لِانْتِفَاءِ الْمُعَاوَضَةِ فَلَا يَعُودُ ما كان لِلتِّجَارَةِ مَالَ تِجَارَةٍ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِعَيْبٍ أو إقَالَةٍ من شِرَاءِ عَرْضِ التِّجَارَةِ بِعَرْضِ التِّجَارَةِ فإنه يَبْقَى حُكْمُ التِّجَارَةِ كما لو بَاعَ عَرْضَ التِّجَارَةِ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ عَرْضًا آخَرَ وَلَوْ اشْتَرَى لها أَيْ لِلتِّجَارَةِ صِبْغًا لِيَصْبُغَ بِهِ لِلنَّاسِ أو دِبَاغًا لِيَدْبُغَ بِهِ لهم صَارَ تِجَارَةً أَيْ مَالُهَا فَتَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ بَعْدَ مُضِيِّ حَوْلِهِ بِخِلَافِ الصَّابُونِ أو الْمِلْحِ الذي اشْتَرَاهُ لها لِيَغْسِلَ بِهِ لِلنَّاسِ أو لِيَعْجِنَ بِهِ لهم لَا يَصِيرُ مَالَ تِجَارَةٍ فَلَا زَكَاةَ فيه وَلَوْ بَقِيَ عِنْدَهُ حَوْلًا لِأَنَّهُ يُسْتَهْلَكُ فَلَا يَقَعُ مُسْلَمًا لهم وَقَوْلُهُ وَلَوْ اشْتَرَى لها إلَخْ من زِيَادَتِهِ وقد ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَكَلَامُهُ في تَتِمَّتِهِ يُوهِمُ أَنَّهُ إنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ في الصِّبْغِ وَنَحْوِهِ إذَا بَقِيَ بِعَيْنِهِ عِنْدَهُ عَامًا وَلَيْسَ مُرَادًا
فَصْلٌ وَإِنْ اشْتَرَى عُرُوضَ تِجَارَةٍ بِنَقْدٍ مُعَيَّنٍ نِصَابٍ أو دُونَهُ وفي مِلْكِهِ بَاقِيهِ كَأَنْ اشْتَرَاهَا بِعِشْرِينَ دِينَارًا أو بِعَشَرَةٍ وفي مِلْكِهِ عَشَرَةٌ أُخْرَى بَنَى حَوْلَهَا على حَوْلِهِ كما يَبْنِي حَوْلَ الدَّيْنِ على حَوْلِ الْعَيْنِ وَبِالْعَكْسِ من النَّقْدِ كَأَنْ مَلَكَ عِشْرِينَ دِينَارًا وَأَقْرَضَهَا في أَثْنَاءِ الْحَوْلِ أو كانت له قَرْضًا على غَيْرِهِ فَاسْتَوْفَاهَا في أَثْنَاءِ الْحَوْلِ وَذَلِكَ لِاتِّحَادِ وَاجِبَيْهِمَا قَدْرًا وَمُتَعَلَّقًا وَإِنْ صَارَ الْمُتَعَلِّقُ مُبْهَمًا بَعْدَ تَعَيُّنِهِ أو بِالْعَكْسِ بِخِلَافِ ما لو بَادَلَ النَّقْدَ بمثله حَيْثُ يَنْقَطِعُ حَوْلُهُ لِأَنَّ زَكَاتَهُ في عَيْنِهِ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ من الْعَيْنَيْنِ حُكْمُ نَفْسِهَا قال الرَّافِعِيُّ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِغَيْرِ ما ذُكِرَ فَمِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ يُبْتَدَأُ حَوْلُهَا إنْ اشْتَرَى بِعَرْضٍ قِنْيَةً وَلَوْ سَائِمَةً لِأَنَّ ما مَلَكَهُ قَبْلَهُ لم يَكُنْ مَالَ زَكَاةٍ فِيمَا إذَا اشْتَرَى بِغَيْرِ سَائِمَةٍ وَإِلَّا فَلِاخْتِلَافِ الزَّكَاتَيْنِ قَدْرًا وَمُتَعَلِّقَا أو بِنَقْدٍ في الذِّمَّةِ وَلَوْ نِصَابًا وَإِنْ نَقَدَهُ في الثَّمَنِ إذْ لم يَتَعَيَّنْ صَرْفُهُ فيه أو بِنَقْدٍ مُعَيَّنٍ دُونَ نِصَابٍ بِقَيْدٍ زَادَهُ هُنَا بِقَوْلِهِ لَا يَمْلِكُ بَاقِيَهُ لِأَنَّهُ لَا حَوْلَ له حتى يُبْنَى عليه بِخِلَافِ ما إذَا كان مَالِكًا لِبَاقِيهِ فإن حَوْلَهُ يُبْنَى على حَوْلِ النَّقْدِ كما مَرَّ
فَإِنْ بَلَغَ مَالَ التِّجَارَةِ في آخِرِ الْحَوْلِ بِأَنْ قَوَّمَهُ فيه فَبَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابَا زَكَاةٍ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِدُونِ النِّصَابِ أو بَاعَهُ بَعْدَ التَّقْوِيمِ الْمَذْكُورِ مَغْبُونًا بِدُونِهِ أَيْ بِدُونِ النِّصَابِ لِأَنَّ آخِرَ الْحَوْلِ وَقْتُ الْوُجُوبِ فَيُقْطَعُ النَّظَرُ عَمَّا سِوَاهُ لِاضْطِرَابِ الْقِيَمِ فَإِنْ نَقَصَ عن النِّصَابِ بِتَقْوِيمِهِ آخِرَ الْحَوْلِ وقد وُهِبَ له من جِنْسِ نَقْدِهِ ما يُتِمُّ بِهِ نِصَابًا زَكَّى الْجَمِيعَ لِحَوْلِ الْمَوْهُوبِ من يَوْمِ وُهِبَ له لَا من يَوْمِ الشِّرَاءِ لِانْقِطَاعِ حَوْلِ مَالِ تِجَارَتِهِ بِالنَّقْصِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُوهَبْ له شَيْءٌ أو وُهِبَ له من غَيْرِ جِنْسِ نَقْدِهِ ما يُتِمُّ بِهِ نِصَابًا أو من جِنْسِهِ ما لَا يُتِمُّ بِهِ نِصَابًا انْعَقَدَ الْحَوْلُ من حِينَئِذٍ أَيْ من حِينِ نَقْصِهِ آخِرَ الْحَوْلِ عن النِّصَابِ فَيَنْقَطِعُ حَوْلُهُ الْأَوَّلُ وَقِيلَ لَا يَنْقَطِعُ بَلْ مَتَى بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ ثُمَّ يَبْتَدِئُ حَوْلًا ثَانِيًا وفي مَعْنَى الْهِبَةِ ما سِوَاهَا مِمَّا يُفِيدُ الْمِلْكَ وَلَوْ بَاعَهُ بِدُونِ النِّصَابِ فَإِنْ كان من نَقْدِ التَّقْوِيمِ في أَثْنَاءِ الْحَوْلِ انْقَطَعَ لِتَحَقُّقِ النُّقْصَانِ عن النِّصَابِ بِالتَّنْضِيضِ أو من عَرْضٍ أو من نَقْدٍ آخَرَ بَنَى حَوْلَهُ على حَوْلِ مَالِ التِّجَارَةِ كما إذَا بَاعَهُ بِنِصَابٍ فإنه يَبْنِي حَوْلَهُ على حَوْلِهِ وَإِنَّمَا أُلْحِقَ نَقْدُ غَيْرِ التَّقْوِيمِ بِالْعَرْضِ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ التَّقْوِيمُ كما سَيَأْتِي وكان الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ قَوْلَهُ في أَثْنَاءِ الْحَوْلِ على قَوْلِهِ من نَقْدِ التَّقْوِيمِ وَالتَّصْرِيحِ
____________________
(1/382)
بِمَسْأَلَةِ الْمَغْبُونِ وَبِمَسْأَلَةِ الْهِبَةِ وَبِتَرْجِيحِ انْقِطَاعِ الْحَوْلِ فِيمَا إذَا بَاعَ بِدُونِ النِّصَابِ من زِيَادَتِهِ
فَصْلٌ رِبْحُ مَالِ التِّجَارَةِ إنْ ظَهَرَ في الْحَوْلِ أو معه من غَيْرِ نَضُوضٍ له بِنَقْدِ التَّقْوِيمِ كَأَنْ اشْتَرَى عَرْضًا بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَارَتْ قِيمَتُهُ في أَثْنَاءِ الْحَوْلِ ثَلَثُمِائَةٍ زَكَّى لِحَوْلِ الْأَصْلِ كَالنِّتَاجِ مع أُمِّهِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ على حَوْلِ كل زِيَادَةٍ مع اضْطِرَابِ الْأَسْوَاقِ في كل لَحْظَةٍ ارْتِفَاعًا وَانْخِفَاضًا في غَايَةِ الْعُسْرِ وَإِنْ نَضَّ بِهِ أَيْ بِنَقْدِ التَّقْوِيمِ في حَوْلِ الظُّهُورِ لِلرِّبْحِ انْفَرَدَ الرِّبْحُ عن الْأَصْلِ بِحَوْلٍ وَإِنْ اشْتَرَى بِهِ عَرْضًا كما يَأْتِي مِثَالُهُ في الْفَرْعِ الْآتِي لِخَبَرِ لَا زَكَاةَ في مَالٍ حتى يَحُولَ عليه الْحَوْلُ وَلِأَنَّهُ مُتَمَيِّزٌ مُحَقَّقٌ فَأُفْرِدَ بِالْحُكْمِ بِخِلَافِ النِّتَاجِ مع الْأُمِّ لَا يُفْرَدُ لِأَنَّهُ جُزْءٌ منها فَأُلْحِقَ بها بِخِلَافِ الرِّبْحِ أَمَّا إذَا نَضَّ بِهِ بَعْدَ حَوْلِ ظُهُورِ الرِّبْحِ أو معه فَيُزَكِّيهِ بِحَوْلِ أَصْلِهِ لِلْحَوْلِ الْأَوَّلِ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ آنِفًا وَيَسْتَأْنِفُ له حَوْلًا من نَضُوضِهِ
فَرْعٌ لو اشْتَرَى عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ بِعِشْرِينَ دِينَارًا ثُمَّ بَاعَهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا وَاشْتَرَى بها عَرْضًا آخَرَ وَبَلَغَ آخِرَ الْحَوْلِ بِالتَّقْوِيمِ أو بِالتَّنْضِيضِ مِائَةً زَكَّى خَمْسِينَ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ عِشْرُونَ وَنَصِيبُهَا من الرِّبْحِ ثَلَاثُونَ يُزَكِّي أَيْ الرِّبْحَ الذي هو ثَلَاثُونَ مع أَصْلِهِ الذي هو عِشْرُونَ لِأَنَّهُ حَصَلَ في آخِرِ الْحَوْلِ من غَيْرِ نَضُوضٍ له قَبْلَهُ ثُمَّ إنْ كان قد بَاعَ الْعَرْضَ قبل حَوْلِ الْعِشْرِينَ الرِّبْحَ كَأَنْ بَاعَهُ آخِرَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ زَكَّاهَا لِحَوْلِهَا أَيْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ من مُضِيِّ الْأَوَّلِ وَزَكَّى رِبْحَهَا وهو ثَلَاثُونَ لِحَوْلِهِ أَيْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أُخْرَى فَإِنْ كانت الْخَمْسُونَ التي زَكَّى عنها أَوَّلًا بَاقِيَةً زَكَّاهَا أَيْضًا لِحَوْلِ الثَّلَاثِينَ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ قد بَاعَ الْعَرْضَ قبل حَوْلِ الْعِشْرِينَ الرِّبْحَ زَكَّاهُ أَيْ رِبْحَهَا وهو الثَّلَاثُونَ مَعَهَا لِأَنَّهُ لم يَنِضَّ قبل فَرَاغِ حَوْلِهَا وإذا اشْتَرَى عَرْضًا بِعَشَرَةٍ من الدَّنَانِيرِ وَبَاعَ في أَثْنَاءِ الْحَوْلِ بِعِشْرِينَ منها ولم يَشْتَرِ بها عَرْضًا زَكَّى كُلًّا من الْعَشَرَتَيْنِ لِحَوْلِهِ بِحُكْمِ الْخُلْطَةِ وقد يَسْتَشْكِلُ زَكَاةُ الْعَشَرَةِ الرِّبْحُ بِأَنَّ النِّصَابَ نَقَصَ بِالْإِخْرَاجِ عن الْعَشَرَةِ الْأُخْرَى وَيُجَابُ بِمَا أَجَبْت بِهِ عن كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ في بَابِ الْخُلْطَةِ في فَرْعِ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً
فَصْلٌ لو كان مَالُ التِّجَارَةِ حَيَوَانًا أو شَجَرًا غير زَكَوِيٍّ كَخَيْلٍ وَإِمَاءٍ وَمَعْلُوفَةٍ من نَعَمٍ وَشَجَرِ مِشْمِشٍ أو تُفَّاحٍ فَلِلنِّتَاجِ وَالثَّمَرَةِ حُكْمُ الْأَصْلِ وَلَا يُفْرَدُ أَنْ يَحُولَ كَنِتَاجِ السَّائِمَةِ وَسَائِرِ الزَّوَائِدِ وَمِثْلُهُمَا الصُّوفُ وَالْوَبَرُ وَالرِّيشُ وَالشَّعْرُ وَالْوَرَقُ وَالْأَغْصَانُ وَنَحْوُهَا أَمَّا الزَّكَوِيُّ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ
فَصْلٌ الْوَاجِبُ في زَكَاةِ التِّجَارَةِ رُبْعُ عُشْرِ قِيمَةِ الْعَرْضِ لَا رُبْعُ عُشْرِ الْعَرْضِ أَمَّا أَنَّهُ رُبْعُ الْعُشْرِ فَكَمَا في النَّقْدَيْنِ لِأَنَّهُ يُقَوَّمُ بِهِمَا وَأَمَّا أَنَّهُ من الْقِيمَةِ فَلِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ كما دَلَّ عليه خَبَرُ حَمَاسٍ السَّابِقُ فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ من الْعَرْضِ فَإِنْ أَخَّرَ الْإِخْرَاجَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ منه وَنَقَصَتْ الْقِيمَةُ ضَمِنَ ما نَقَصَ لِتَقْصِيرِهِ بِخِلَافِهِ قَبْلَهُ وَإِنْ زَادَتْ وَلَوْ قبل التَّمَكُّنِ أو بَعْدَ الْإِتْلَافِ فَلَا شَيْءَ عليه في الْحَالِ أَيْ لِلْحَوْلِ السَّابِقِ فَلَوْ ابْتَاعَ مِائَتَيْ قَفِيزِ حِنْطَةٍ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ أو بِمِائَةٍ وَسَاوَتْ آخِرَ الْحَوْلِ مِائَتَيْنِ لَزِمَهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَلَوْ أَخَّرَ فَنَقَصَتْ قِيمَتُهَا فَعَادَتْ إلَى مِائَةٍ فَإِنْ كان قبل التَّمَكُّنِ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ أو بَعْدَهُ أو زَادَتْ قَبْلَهُ فَصَارَتْ أَرْبَعُمِائَةٍ أو أَتْلَفَهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ وَقِيمَتُهَا مِائَتَانِ فَصَارَتْ أَرْبَعُمِائَةٍ لَزِمَهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ لِأَنَّهَا الْقِيمَةُ وَقْتَ التَّمَكُّنِ أو الْإِتْلَافِ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ في الْحَالِ إيضَاحٌ
فَرْعٌ فِيمَا يُقَوَّمُ بِهِ مَالُ التِّجَارَةِ آخِرَ الْحَوْلِ لو اشْتَرَى الْعَرْضَ بِنِصَابٍ من نَقْدٍ أو بِبَعْضِهِ وَلَوْ في ذِمَّتِهِ قَوَّمَ بِهِ وَلَوْ لم يَمْلِكْ بَاقِيَهُ في الثَّانِيَةِ أو أَبْطَلَهُ الْإِمَامُ أو لم يَكُنْ هو الْغَالِبُ لِأَنَّهُ أَصْلُ ما بيده وَأَقْرَبُ إلَيْهِ من نَقْدِ الْبَلَدِ فَلَوْ لم يَبْلُغْ بِهِ نِصَابًا لم تَجِبْ الزَّكَاةُ وَإِنْ بَلَغَ بِغَيْرِهِ فَإِنْ اشْتَرَى عَرْضًا بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَبَاعَهُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَقَصْدُ التِّجَارَةِ مُسْتَمِرٌّ وَحَالَ الْحَوْلُ وَالْمِائَتَانِ بيده وَقِيمَةُ الْمِائَتَيْنِ دُونَ الْعِشْرِينَ دِينَارًا لم تَجِبْ زَكَاتُهَا لِأَنَّ الْمِائَتَيْنِ لم تَبْلُغْ ما قُوِّمَتَا بِهِ نِصَابًا وَإِنْ مَلَكَهُ بِنِصَابَيْنِ من النَّقْدَيْنِ كَأَنْ اشْتَرَاهُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا قُوِّمَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ لِمَعْرِفَةِ التَّقْسِيطِ يوم الْمِلْكِ فَإِنْ كانت قِيمَةُ الْمِائَتَيْنِ عِشْرِينَ دِينَارًا قُوِّمَ آخِرَ الْحَوْلِ بِهِمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُ قد تَبَيَّنَ أَنَّ نِصْفَ الْعُرُوضِ مُشْتَرًى بِالدَّرَاهِمِ وَنِصْفُهَا بِالدَّنَانِيرِ أو كانت قِيمَتُهَا عَشَرَةً من
____________________
(1/383)
الدَّنَانِيرِ قُوِّمَ آخِرَ الْحَوْلِ ثُلُثُهُ بِالدَّرَاهِمِ وَثُلُثَاهُ بِالدَّنَانِيرِ لِأَنَّهُ قد تَبَيَّنَ أَنَّ ثُلُثَهُ مُشْتَرًى بِالدَّرَاهِمِ وَثُلُثَاهُ بِالدَّنَانِيرِ وَكَذَا يُقَوَّمُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ لو كان أَحَدُهُمَا أو كِلَاهُمَا دُونَ النِّصَابِ ويزكيان إنْ كَمَّلَا أَيْ بَلَغَا في الْأَحْوَالِ كُلِّهَا نِصَابَيْنِ في آخِرِ الْحَوْلِ وَإِلَّا بِأَنْ لم يَبْلُغَا نِصَابَيْنِ فَلَا يُزَكَّيَانِ وَإِنْ بَلَغَهُمَا الْمَجْمُوعُ لو قُوِّمَ بِأَحَدِهِمَا إذْ لَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ وَإِنْ بَلَغَ أَحَدُهَا نِصَابًا زُكِّيَ وَحْدَهُ وَحَوْلُ الْمَمْلُوكِ بِالنِّصَابِ من حِينِ مِلْكِ ذلك النَّقْدِ وَحَوْلُ الْمَمْلُوكِ بِدُونِهِ من حِينِ مِلْكِ الْعَرْضِ كما مَرَّ وَإِنْ مَلَكَهُ أَيْ الْعَرْضَ كُلَّهُ أو بَعْضَهُ بِعَرْضِ قِنْيَةٍ أو بِخَلْعٍ أو نَحْوِهِ كَنِكَاحٍ وَصُلْحٍ عن دَمٍ أو بِنَقْدٍ وَنَسِيَ أو جَهِلَ جِنْسَهُ وَمَلَكَ بَعْضَهُ الْآخَرَ في الثَّانِيَةِ بِنَقْدٍ يُعْلَمُ جِنْسُهُ قَوَّمْنَاهُ كُلَّهُ في الْأُولَى وَالْبَعْضَ منه في الثَّانِيَةِ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ جَرْيًا على قَاعِدَةِ التَّقْوِيمِ كما في الْإِتْلَافِ وَنَحْوِهِ وَقَوَّمْنَا ما قَابَلَ النَّقْدَ بِهِ في الثَّانِيَةِ
فَإِنْ حَالَ عليه الْحَوْلُ بِمَوْضِعٍ لَا نَقْدَ فيه اُعْتُبِرَ أَقْرَبُ الْبِلَادِ إلَيْهِ وَمَسْأَلَةُ النِّسْيَانِ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ غَلَبَ فيه أَيْ في الْبَلَدِ نَقْدَانِ على التَّسَاوِي قُوِّمَ بِمَا بَلَغَ بِهِ مِنْهُمَا نِصَابًا لِتَحَقُّقِ تَمَامِ النِّصَابِ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ وَبِهَذَا فَارَقَ ما مَرَّ من أَنَّهُ إذَا تَمَّ النِّصَابَ في مِيزَانٍ دُونَ آخَرَ لَا تَجِبُ زَكَاتُهُ فَلَوْ بَلَغَ بِهِمَا أَيْ بِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصَابًا تَخَيَّرَ الْمَالِكُ فَيُقَوِّمُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا كما في شَاتَيْ الْجُبْرَانِ وَدَرَاهِمِهِ
وَصَحَّحَ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ يُقَوَّمُ بِالْأَنْفَعِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ رِعَايَةً لهم كما في اجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَالْأَوَّلُ ما عليه الْأَكْثَرُ فَلْتَكُنْ الْفَتْوَى عليه
ا ه
وَعَلَيْهِ يُجَابُ عن قِيَاسِ الثَّانِي بِأَنَّ الزَّكَاةَ في الْإِبِلِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعَيْنِ وفي مَالِ التِّجَارَةِ بِالذِّمَّةِ فَتَعَلُّقُ الْمُسْتَحِقِّينَ بِالْإِبِلِ فَوْقَ تَعَلُّقِهِمْ بِمَالِ التِّجَارَةِ وَيَجْرِي التَّقْسِيطُ في اخْتِلَافِ الصِّفَةِ كَأَنْ اشْتَرَى بِنِصَابٍ من الدَّنَانِيرِ بَعْضُهَا صَحِيحٌ وَبَعْضُهَا مُكَسَّرٌ وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ كَاخْتِلَافِ أَيْ كما يَجْرِي في اخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَيُقَوَّمُ ما يَخُصُّ الصَّحِيحَ بِالصَّحِيحِ وما يَخُصُّ الْمُكَسَّرَ بِالْمُكَسَّرِ لَكِنْ إنْ بَلَغَ بِمَجْمُوعِهِمَا نِصَابًا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُمَا من جِنْسٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِهِ في اخْتِلَافِ الْجِنْسِ
فَصْلٌ يَصِحُّ بَيْعُ عَرْضِ التِّجَارَةِ قبل إخْرَاجِ زَكَاتِهِ وَإِنْ كان بَعْدَ وُجُوبِهَا أو بَاعَهُ بِعَرْضِ قِنْيَةٍ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ زَكَاتِهِ الْقِيمَةُ وَهِيَ لَا تَفُوتُ بِالْبَيْعِ لَكِنْ هِبَتُهُ أَيْ عَرْضِ التِّجَارَةِ وَعِتْقُ عَبْدِهَا كَبَيْعِ الْمَاشِيَةِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فيها لِأَنَّهُمَا يُبْطِلَانِ مُتَعَلِّقَ زَكَاةِ التِّجَارَةِ كما أَنَّ الْبَيْعَ يُبْطِلُ مُتَعَلِّقَ زَكَاةِ الْعَيْنِ وَظَاهِرٌ أَنَّ جَعْلَهُ صَدَاقًا أو صُلْحًا عن دَمٍ أو نَحْوِهِمَا كَذَلِكَ لِأَنَّ مُقَابِلَهُ ليس مَالًا فَإِنْ بَاعَهُ مُحَابَاةً فَقَدْرُ الْمُحَابَاةِ كَالْمَوْهُوبِ فَيَبْطُلُ فِيمَا قِيمَتُهُ قَدْرُ الزَّكَاةِ من ذلك الْقَدْرِ وَيَصِحُّ في الْبَاقِي تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ
فَصْلٌ إذَا اشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ ما تَجِبُ الزَّكَاةُ في عَيْنِهِ كَنِصَابِ سَائِمَةٍ وَقِيمَتُهَا آخِرَ الْحَوْلِ نِصَابٌ غَلَّبْنَا فيه حُكْمَ السَّائِمَةِ الْأَوْلَى حُكْمُ زَكَاةِ الْعَيْنِ إنْ اتَّفَقَ الْحَوْلَانِ لِقُوَّةِ زَكَاتِهَا لِلِاتِّفَاقِ عليها بِخِلَافِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا تَجْتَمِعُ فيه الزَّكَاتَانِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ وَمَتَى اخْتَلَفَا أَيْ الْحَوْلَانِ وَسَبَقَ حَوْلُ التِّجَارَةِ حَوْلَ السَّائِمَةِ كَأَنْ اشْتَرَى بِمَتَاعِهَا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ نِصَابَ سَائِمَةٍ أو اشْتَرَى بِهِ مَعْلُوفَةً لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ أَسَامَهَا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ زَكَّاهَا أَيْ التِّجَارَةَ أَيْ مَالَهَا لِحَوْلِهَا لِتَقَدُّمِهِ وَلِئَلَّا يَبْطُلُ بَعْضُ حَوْلِهَا ثُمَّ يَنْعَقِدُ حَوْلُ السَّائِمَةِ من حِينَئِذٍ وَتَجِبُ زَكَاتُهَا لِسَائِرِ الْأَحْوَالِ فإذا اتَّفَقَ الْحَوْلَانِ كَأَنْ اشْتَرَى نِصَابَ سَائِمَةٍ لِلتِّجَارَةِ وَاشْتَرَى بها عَرْضًا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ من يَوْمِ شِرَائِهِ بِنَاءً على تَغْلِيبِ زَكَاةِ الْعَيْنِ هذا إنْ بَلَغَ الْمَالُ نِصَابًا بِكُلٍّ مِنْهُمَا أَمَّا إذَا كان لَا يَبْلُغُ نِصَابًا إلَّا بِأَحَدِهِمَا كَأَنْ كانت غَنَمُهُ أَرْبَعِينَ لَا تَبْلُغُ قِيمَتُهَا نِصَابًا أو تِسْعًا وَثَلَاثِينَ قِيمَتُهَا نِصَابٌ فَالْحُكْمُ لِمَا بَلَغَهُ بِهِ فَلَوْ حَدَثَ في أَثْنَاءِ الْحَوْلِ نَقَصَ في نِصَابِ السَّائِمَةِ حَيْثُ غَلَّبْنَاهُ انْتَقَلَ الْحُكْمُ إلَى زَكَاةِ التِّجَارَةِ وَاسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ لها كما لو مَلَكَ نِصَابَ سَائِمَةٍ لَا لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ عَرْضَ تِجَارَةٍ فإنه يَسْتَأْنِفُ حَوْلَهَا كما مَرَّ
فَلَوْ حَدَثَ نِتَاجٌ من السَّائِمَةِ بَعْدَ اسْتِئْنَافِ حَوْلِ التِّجَارَةِ فَلَوْ حَدَثَ نِتَاجٌ من السَّائِمَةِ بَعْدَ اسْتِئْنَافِ حَوْلِ التِّجَارَةِ لم يَنْتَقِلْ أَيْ الْحُكْمُ إلَى زَكَاةِ الْعَيْنِ لِأَنَّ الْحَوْلَ انْعَقَدَ لِلتِّجَارَةِ فَلَا يَتَغَيَّرُ
فَرْعٌ لو اشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ نَخْلًا أو أَرْضًا وَبَذْرًا وَزَرَعَهَا بِهِ أو أَرْضًا مَزْرُوعَةً فَأَثْمَرَ النَّخْلُ وَالزَّرْعُ وَأَدْرَكَتْ الثَّمَرَةُ فَلِلثَّمَرَةِ حُكْمُ السَّائِمَةِ في تَقْدِيمِ زَكَاتِهَا على زَكَاةِ التِّجَارَةِ وَكَذَا الْحُكْمُ إنْ اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَبَدَا صَلَاحُهَا في مِلْكِهِ قبل
____________________
(1/384)
قَطْعِهَا وَالتَّصْرِيحُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ هُنَا من زِيَادَتِهِ وَمَتَى زَكَّى الثَّمَرَةَ لِلْعَيْنِ زَكَّى الْأَرْضَ وَكَذَا الْجُذُوعُ وَالتِّبْنُ لِلتِّجَارَةِ إذْ ليس فيها زَكَاةُ عَيْنٍ فَلَا تَسْقُطُ عنها زَكَاةُ التِّجَارَةِ فَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا عن النِّصَابِ لم يُكْمِلْهُ بِقِيمَةِ الثَّمَرِ وَيَنْعَقِدُ الْحَوْلُ لِلتِّجَارَةِ على الثَّمَرِ من الْوَقْتِ الذي تَخْرُجُ زَكَاتُهُ فيه بَعْدَ الْجَدَادِ لَا من وَقْتِ الْإِدْرَاكِ وَإِنْ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ بِهِ لِأَنَّ عليه بَعْدَهُ تَرْبِيَةُ الثَّمَرِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ فَلَا يُحْسَبُ عليه زَمَنُهَا وَتَجِبُ عليه زَكَاةُ التِّجَارَةِ فيه أَبَدًا أَيْ في الْأَحْوَالِ الْآتِيَةِ فَإِنْ زَرَعَ زَرْعًا لِلْقِنْيَةِ في أَرْضٍ لِلتِّجَارَةِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمُهُ فَتَجِبُ زَكَاةُ الْعَيْنِ في الزَّرْعِ وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ في الْأَرْضِ وَهَذَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ
وَيُزَكِّي عبد التِّجَارَةِ وَيُخْرِجُ فِطْرَتَهُ لِأَنَّهُمَا يَجِبَانِ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ كَالْقِيمَةِ وَالْكَفَّارَةِ في الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ وَالْقِيمَةِ وَالْجَزَاءِ في الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ إذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ
فَصْلٌ زَكَاةُ مَالِ الْقِرَاضِ على الْمَالِكِ وَإِنْ ظَهَرَ فيه رِبْحٌ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ إذْ الْعَامِلُ إنَّمَا يَمْلِكُ حِصَّتَهُ بِالْقِسْمَةِ لَا بِالظُّهُورِ كما أَنَّ الْعَامِلَ في الْجَعَالَةِ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْجُعَلَ بِفَرَاغِهِ من الْعَمَلِ فَإِنْ أَخْرَجَهَا من عِنْدِهِ أَيْ من مَالٍ آخَرَ فَذَاكَ ظَاهِرٌ أو من هذا الْمَالِ حُسِبَتْ من الرِّبْحِ وَلَا يُجْعَلُ إخْرَاجُهَا كَاسْتِرْدَادِ الْمَالِكِ جُزْءًا من الْمَالِ تَنْزِيلًا لها مَنْزِلَةَ الْمُؤَنِ اللَّازِمَةِ من فِطْرَةِ عَبِيدِ التِّجَارَةِ وَأَرْشِ جِنَايَتِهِمْ وَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَالدَّلَّالِ وَنَحْوِهَا
بَابُ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ سَيَأْتِي بَيَانُ الرِّكَازِ وَأَمَّا الْمَعْدِنُ فَهُوَ الْجَوْهَرُ الْمُسْتَخْرَجُ من مَكَان خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فيه وَيُسَمَّى بِهِ مَكَانُهُ أَيْضًا لِإِقَامَةِ ما خَلَقَهُ اللَّهُ فيه تَقُولُ عَدَنَ بِالْمَكَانِ يَعْدِنُ إذْ أَقَامَ فيه وَالْأَصْلُ في زَكَاتِهِ قبل الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى أَنْفِقُوا من طَيِّبَاتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ من الْأَرْضِ وَخَبَرُ الْحَاكِمِ في صَحِيحِهِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخَذَ من الْمَعَادِنِ الْقَبْلِيَّةَ الصَّدَقَةَ
إذَا اسْتَخْرَجَ من تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ من مَعْدِنٍ أَيْ مَكَانِ مَوَاتٍ أو مِلْكٍ له نِصَابًا من ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ لَا من غَيْرِهِمَا كَلُؤْلُؤٍ وَيَاقُوتٍ وَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَاتَّصَلَ الْعَمَلُ وَالنَّيْلِ أَيْ بَعْضُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِبَعْضِهِ الْآخَرَ وَإِنْ أَتْلَفَهُ أَوَّلًا فَأَوَّلًا وَكَذَا إذَا انْقَطَعَ النَّيْلُ لَزِمَهُ رُبْعُ الْعُشْرِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ كَخَبَرِ وفي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ وَإِنْ كان مَدْيُونًا لِمَا مَرَّ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ وَإِنَّمَا لم يُعْتَبَرْ اتِّصَالُ النَّيْلِ لِأَنَّ الْعَادَةَ تُفَرِّقُهُ كَالثِّمَارِ وَاعْتُبِرَ كَوْنُهُ نِصَابًا لِأَنَّ ما دُونَهُ لَا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ كما في سَائِرِ الْأَمْوَالِ الزَّكَوِيَّةِ وَإِنَّمَا لم تَجِبْ الزَّكَاةُ فِيمَا اُسْتُخْرِجَ من لُؤْلُؤٍ وَنَحْوِهِ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَيَجِبُ ما ذُكِرَ في الْحَالِ فَلَا يُعْتَبَرُ فيه الْحَوْلُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِلتَّمَكُّنِ من تَنْمِيَةِ الْمَالِ وَهَذَا نَمَاءٌ في نَفْسِهِ فَإِنْ انْقَطَعَ الْعَمَلُ بِعُذْرٍ كَهَرَبِ الْأُجَرَاءِ وَإِصْلَاحِ الْآلَةِ وَكَذَا السَّفَرُ وَالْمَرَضُ ضُمَّ نَيْلُ كل عَمَلٍ إلَى نَيْلِ الْبَقِيَّةِ في النِّصَابِ وَلَوْ طَالَ زَمَنُ الِانْقِطَاعِ عُرْفًا لِعَدَمِ إعْرَاضِهِ عن الْعَمَلِ وَإِلَّا بِأَنْ انْقَطَعَ بِلَا عُذْرٍ فَلَا ضَمَّ وَإِنْ قَصُرَ الزَّمَانُ لِإِعْرَاضِهِ عنه وَالْمُرَادُ بِالضَّمِّ الْمَنْفِيِّ ضَمُّ الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي وَأَمَّا الثَّانِي فَمَضْمُومٌ إلَى مَالِهِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كان الْأَوَّلُ مِلْكًا له من غَيْرِ الْمَعْدِنِ كَإِرْثٍ وَهِبَةٍ وَنَحْوِهِمَا فَلَوْ اسْتَخْرَجَ من الْفِضَّةِ خَمْسِينَ دِرْهَمًا بِالْعَمَلِ الْأَوَّلِ وَمِائَةً وَخَمْسِينَ بِالثَّانِي فَلَا زَكَاةَ في الْخَمْسِينَ وَتَجِبُ في الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ كما تَجِبُ فيها لو كان مَالِكًا لِخَمْسِينَ من غَيْرِ الْمَعْدِنِ وَيَنْعَقِدُ الْحَوْلُ على الْمِائَتَيْنِ من حِينِ تَمَامِهِمَا إذَا أَخْرَجَ حَقَّ الْمَعْدِنِ من غَيْرِهِمَا وَشَرْطُ الضَّمِّ اتِّحَادُ الْمَعْدِنِ فَلَوْ تَعَدَّدَ لم يُضَمُّ تَقَارُبًا أو تَبَاعُدًا وَكَذَا في الرِّكَازِ نَقَلَهُ في الْكِفَايَةِ عن النَّصِّ
فَرْعٌ وَإِنْ اسْتَخْرَجَ دُونَ النِّصَابِ من مَعْدِنٍ أو رِكَازٍ وفي مِلْكِهِ نِصَابٌ من جِنْسَيْهِ أو من عَرْضِ تِجَارَةٍ بِقَيْدٍ صَرَّحَ بِهِ من زِيَادَتِهِ بِقَوْلِهِ يُقَوَّمُ بِهِ أَيْ بِمَا اسْتَخْرَجَهُ زَكَّى الْمُسْتَخْرَجَ في الْحَالِ لِضَمِّهِ إلَى ما في مِلْكِهِ لَا إنْ كان مِلْكُهُ غَائِبًا فَلَا تَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ حتى يَعْلَمَ سَلَامَتَهُ فَيَتَحَقَّقَ اللُّزُومُ وَالتَّصْرِيحُ بهذا في الْمَعْدِنِ من زِيَادَتِهِ وَكَذَا لو كان الْمِلْكُ دُونَ نِصَابٍ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُمَا جميعا نِصَابٌ كَأَنْ مَلَكَ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَنَالَ من الْمَعْدِنِ مِائَةً فَيُزَكِّي الْمَعْدِنَ في الْحَالِ وَيَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَيْهِمَا من حِينِ النَّيْلِ إنْ كان نَقْدًا وَأَخْرَجَ زَكَاةَ الْمَعْدِنِ من غَيْرِهِمَا في الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ أَمَّا عُرُوضُ التِّجَارَةِ فَحَوْلُهَا مُنْعَقِدٌ وَلَوْ كان الْأَوْلَى كانت دُونَ
____________________
(1/385)
النِّصَابِ فَيُزَكِّيهَا لِتَمَامِهِ أَيْ لِتَمَامِ حَوْلِهَا
فَرْعٌ الْمُكَاتَبُ يَمْلِكُ ما يَأْخُذُ من الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ كَسَائِرِ ما يَكْتَسِبُهُ بِاحْتِطَابٍ وَنَحْوِهِ وَلَا زَكَاةَ عليه كما مَرَّ وَيُفَارِقُ لُزُومُهُ خُمْسَ ما غَنِمَهُ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ثَمَّ إلَّا الْأَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ وَهُنَا يَمْلِكُ الْجَمِيعَ وَلَوْ يُوجَدُ فيه شَرْطُ لُزُومِ الزَّكَاةِ وأما ما يَأْخُذُهُ الْعَبْدُ فَلِسَيِّدِهِ فَيَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ وَيُمْنَعُ الذِّمِّيُّ من أَخْذِ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ كما يُمْنَعُ من الْإِحْيَاءِ بها لِأَنَّ الدَّارَ لِلْمُسْلِمِينَ وهو دخل فيها وَالْمَانِعُ له الْحَاكِمُ قال في الْأَصْلِ وَيَنْقَدِحُ جَوَازُ مَنْعِهِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ لِأَنَّهُ صَاحِبُ حَقٍّ فيه
ا ه
وَبِهِ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ فَإِنْ أَخَذَهُ قبل مَنْعِهِ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ مَلَكَهُ كما لو احْتَطَبَ وَيُفَارِقُ ما أَحْيَاهُ بِتَأَيُّدِ ضَرَرِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِنَاءً على أَنَّ صَرْفَ حَقِّ الْمَعْدِنِ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ لَا مَصْرِفُ الْفَيْءِ وهو الْأَصَحُّ
فَرْعٌ إذَا اسْتَخْرَجَ اثْنَانِ من مَعْدِنٍ نِصَابًا زَكَّيَاهُ لِلْخُلْطَةِ وَالْوَقْتُ لِلْوُجُوبِ أَيْ لِوُجُوبِ حَقِّ الْمَعْدِنِ حُصُولُ النَّيْلِ في يَدِهِ والوقت لِلْإِخْرَاجِ التَّنْقِيَةُ من التُّرَابِ وَنَحْوِهِ كما أَنَّ الْوَقْتَ لِلْوُجُوبِ في الزَّرْعِ اشْتِدَادُ الْحَبِّ وَلِلْإِخْرَاجِ التَّنْقِيَةُ وَيُجْبَرُ عليها كما في تَنْقِيَةِ الْحُبُوبِ وَمُؤْنَتُهَا عليه كَمُؤْنَةِ الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَلَا وفي نُسْخَةٍ فَلَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْوَاجِبِ قَبْلَهَا لِفَسَادِ الْقَبْضِ فَإِنْ قَبَضَهُ السَّاعِي قَبْلَهَا ضَمِنَ فَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ إنْ كان بَاقِيًا وَرَدَّ بَدَلَهُ إنْ كان تَالِفًا وَصُدِّقَ بِيَمِينِهِ في قَدْرِهِ إنْ اخْتَلَفَا فيه بَعْدَ التَّلَفِ أو قَبْلَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِمَّا زَادَ قال في الْمَجْمُوعِ فَإِنْ مَيَّزَهُ السَّاعِي فَإِنْ كان قَدْرُ الْوَاجِبِ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا رَدَّ التَّفَاوُتَ أو أَخَذَهُ وَلَا شَيْءَ لِلسَّاعِي بِعَمَلِهِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وإذا تَلِفَ في يَدِهِ قبل التَّمْيِيزِ وَغَرِمَهُ فَإِنْ كان تُرَابَ فِضَّةٍ قُوِّمَ بِذَهَبٍ أو تُرَابَ ذَهَبٍ قُوِّمَ بِفِضَّةٍ فَإِنْ اخْتَلَفَا في قِيمَتِهِ صُدِّقَ السَّاعِي لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَقِيلَ لَا يُجْزِئُهُ ذلك وَإِنْ مَيَّزَهُ لِأَنَّهُ لم يَكُنْ حَالَةَ الْإِخْرَاجِ بِهَيْئَةِ الْوَاجِبِ كَالسَّخْلَةِ إذَا كَمُلَتْ بِيَدِ الْمُسْتَحِقِّ وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِالْإِجْزَاءِ وَيُخَالِفُ السَّخْلَةُ لِأَنَّهَا لم تَكُنْ بِصِفَةِ الْوُجُوبِ وَحَقُّ الْمَعْدِنِ كان بِصِفَتِهِ لَكِنَّهُ مُخْتَلِطٌ بِغَيْرِهِ وَلَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ بِيَدِ الْمَالِكِ قبل التَّنْقِيَةِ وَالتَّمَكُّنِ منها وَمِنْ الْإِخْرَاجِ سَقَطَتْ زَكَاتُهُ لَا زَكَاةُ الْبَاقِي وَإِنْ نَقَصَ عن النِّصَابِ كَتَلَفِ بَعْضِ الْمَالِ قبل التَّمَكُّنِ
فَصْلٌ وَيَجِبُ على من تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ في الرِّكَازِ الْخُمُسُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَفَارَقَ وُجُوبُ رُبْعِ الْعُشْرِ في الْمَعْدِنِ بِعَدَمِ الْمُؤْنَةِ أو خِفَّتِهَا في الْحَالِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْحَوْلُ لِمَا مَرَّ في الْمَعْدِنِ هذا إنْ كان وَلَوْ بِضَمِّهِ إلَى مَالٍ آخَرَ له نِصَابًا من أَحَدِ النَّقْدَيْنِ يَعْنِي الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَإِلَّا بِأَنْ كان دُونَ نِصَابٍ من أَحَدِهِمَا أو نِصَابًا من غَيْرِهِمَا فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ مَالٌ مُسْتَفَادٌ من الْأَرْضِ فَاخْتَصَّ بِمَا تَجِبُ فيه الزَّكَاةُ قَدْرًا وَنَوْعًا كَالْمَعْدِنِ وَمَصْرِفُهُ كَالْمَعْدِنِ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ في الْمُسْتَفَادِ من الْأَرْضِ فَأَشْبَهَ الْوَاجِبَ في الْمُعَشَّرَاتِ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ كَالْمَعْدِنِ من زِيَادَتِهِ وَمَصْرِفٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ مَحَلُّ الصَّرْفِ وهو الْمُرَادُ هُنَا وَبِفَتْحِهَا مَصْدَرٌ
فَرْعٌ الرِّكَازُ بِمَعْنَى الْمَرْكُوزِ كَالْكِتَابِ بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ وَمَعْنَاهُ لُغَةً الثُّبُوتُ وَشَرْعًا ما دَفَنَهُ جَاهِلِيٌّ في مَوَاتٍ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَمْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَإِنْ كَانُوا يَذُبُّونَ عنه وَسَوَاءٌ أَحْيَاهُ الْوَاجِدُ أو أَقَطَعَهُ أَمْ لَا ما لم يُعَمِّرْهُ مُسْلِمٌ وَلَا مُعَاهَدٌ فَلَوْ دَفَنَهُ مُسْلِمٌ أو مُعَاهَدٌ فيه أو وُجِدَ عليه ضَرْبُ الْإِسْلَامِ أو قُرْآنٌ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وُجِدَ عليه ضَرْبُ الْإِسْلَامِ بِأَنْ كان عليه قُرْآنٌ أو اسْمُ مَلِكٍ من مُلُوكِ الْإِسْلَامِ فَلُقَطَةٌ إنْ لم يُعْرَفْ مَالِكُهُ كما لو وَجَدَهُ بِوَجْهِ الْأَرْضِ فَإِنْ عُرِفَ فَهُوَ له كما سَيَأْتِي وَإِنْ شَكَّ في أَنَّهُ إسْلَامِيٌّ أو جَاهِلِيٌّ كَالتِّبْرِ وَالْحُلِيِّ وما يُضْرَبُ مِثْلُهُ في الْإِسْلَامِ وَالْجَاهِلِيَّةِ فَلُقَطَةٌ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ قال وَكَذَا إنْ شَكَّ كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ وَخَرَجَ بِالْمَوَاتِ غَيْرُهُ كَطَرِيقٍ وَبِمَا لم يُعَمِّرْهُ مُسْلِمٌ وَلَا مُعَاهَدٌ ما إذَا عَمَّرَهُ أَحَدُهُمَا وَسَيَأْتِي حُكْمُهُمَا وَكَالْمَوَاتِ ما بِدَارِ الْإِسْلَامِ من قِلَاعٍ عَادِيَةٍ عُمِّرَتْ في الْجَاهِلِيَّةِ وَالْمُرَادُ بِالْجَاهِلِيَّةِ ما قبل الْإِسْلَامِ أَيْ قبل مَبْعَثِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كما صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أبو عَلِيٍّ وَيُعْتَبَرُ في كَوْنِ دَفِينِ الْجَاهِلِيَّةِ رِكَازًا أَنْ لَا يَعْلَمَ أَنَّ مَالِكَهُ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ فَإِنْ عَلِمَ أنها بَلَغَتْهُ وَعَائِدٌ فَلَيْسَ بِرِكَازٍ بَلْ فَيْءٌ حَكَاهُ في الْمَجْمُوعِ عن جَمَاعَةٍ وَأَقَرَّهُ وَيُؤْخَذُ منه أَنَّ دَفِينَ من أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ ولم تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ رِكَازٌ وَحُكِيَ فيه عن الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ ما ظَهَرَ بِالسَّيْلِ يَكُونُ رِكَازًا وَأَنَّهُ لو شَكَّ فِيمَا ظَهَرَ هل ظَهَرَ بِالسَّيْلِ أو لَا فَفِي كَوْنِهِ رِكَازًا أو لُقَطَةً وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا لو شَكَّ في الدَّفِينِ هل هو
____________________
(1/386)
إسْلَامِيٌّ أو جَاهِلِيٌّ وَكَالسَّيْلِ فِيمَا ذَكَرَهُ السَّبُعُ وَنَحْوُهُ
فَرْعٌ لو وَجَدَ رِكَازًا أَيْ كَنْزًا جُهِلَ مَالِكُهُ في طَرِيقٍ نَافِذٍ أو مَسْجِدٍ فَلُقَطَةٌ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْلِمِينَ عليه وقد جُهِلَ مَالِكُهُ أو وَجَدَهُ في مَمْلُوكٍ لِمُسْلِمٍ أو مُعَاهَدٍ أو في مَوْقُوفٍ عليه وَادَّعَاهُ الْمَالِكُ في الْأَوَّلِ أو من في يَدِهِ الْوَقْفُ في الثَّانِي أَخَذَهُ بِلَا يَمِينٍ كَأَمْتِعَةِ الدَّارِ وَالتَّقْيِيدُ بِدَعْوَى الْمَالِكِ ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ وَتَرَكَهُ ابن الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ بَلْ شَرَطَا أَنْ لَا يَنْفِيَهُ قال الْإِسْنَوِيُّ وهو الصَّوَابُ كَسَائِرِ ما بيده وَقَاسَ الْمُصَنِّفُ بِدَعْوَى الْمَالِكِ وَنَفْيِهِ الْآتِيَ مع ما رُتِّبَ عليه دَعْوَى الْمَوْقُوفِ عليه وَنَفْيَهُ مع ما رُتِّبَ عليه فَصَرَّحَ بِهِمَا وَالْمُعْتَمَدُ ما قَالَهُ الشَّيْخَانِ وَيُفَارِقُ سَائِرُ ما بيده بِأَنَّهَا ظَاهِرَةٌ مَعْلُومَةٌ له غَالِبًا بِخِلَافِهِ فَاعْتُبِرَ دَعْوَاهُ له لِاحْتِمَالِ أَنَّ غَيْرَهُ دَفَنَهُ
وَإِنْ نَفَاهُ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَدَّعِهِ بِأَنْ سَكَتَ أو نَفَاهُ فَلِمَنْ حَصَلَ التَّلَقِّي لِلْمِلْكِ منه وَتَقُومُ الْوَرَثَةُ إنْ مَاتَ مَقَامَهُ فَإِنْ نَفَاهُ بَعْضُهُمْ سَقَطَ حَقُّهُ وَسَلَكَ بِالْبَاقِي ما ذَكَرَ وَهَكَذَا يَجْرِي ما تَقَرَّرَ حتى يَنْتَهِيَ الْأَمْرُ إلَى الْمُحْيِي لِلْأَرْضِ فَهُوَ يَمْلِكُهُ وَإِنْ لم يَدَّعِهِ لِأَنَّهُ بِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ مَلَكَ ما فيها وَلَا يَدْخُلُ في الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ فَيُسَلَّمُ إلَيْهِ وَيُؤْخَذُ منه الْخُمُسُ الذي لَزِمَهُ يوم مَلَكَهُ وإذا أَخَذْنَاهُ منه أَلْزَمْنَاهُ زَكَاةَ الْبَاقِي لِلسِّنِينَ الْمَاضِيَةِ كما في الضَّالِّ وَالْمَغْصُوبِ فَإِنْ مَاتَ الْمُحْيِي قام وَرَثَتُهُ مَقَامه كما أَفَادَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ فَإِنْ لم يَنْفِهِ بَعْضُهُمْ أَعْطَى نَصِيبَهُ منه وَحَفِظَ الْبَاقِيَ فَإِنْ أَيِسَ من مَالِكِهِ تَصَدَّقَ بِهِ الْإِمَامُ أو من هو في يَدِهِ وفي الْمَجْمُوعِ لو وَجَدَ رِكَازًا بِدَارُ الْإِسْلَامِ أو الْعَهْدِ وَعَرَفَ مَالِكَ أَرْضَهُ لم يَمْلِكْهُ وَاجِدُهُ بَلْ يَجِبُ حِفْظُهُ حتى يَجِيءَ مَالِكُهُ فَإِنْ أَيِسَ منه كان لِبَيْتِ الْمَالِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ كَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنَّمَا لم يَكُنْ لُقَطَةً كما لو وَجَدَهُ في طَرِيقٍ أو نَحْوِهَا لِأَنَّهُ وَجَدَهُ في مِلْكٍ فَكَانَ لِلْمَالِكِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ
وَإِنْ ادَّعَاهُ اثْنَانِ وقد وُجِدَ في دَارٍ غَيْرِهِمَا وَصَدَّقَ مَالِكُ الدَّارِ أَحَدَهُمَا سَلَّمَ إلَيْهِ وَإِنْ تَنَازَعَ مُسْتَعِيرُ الدَّارِ أو مُسْتَأْجِرُهَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو مُشْتَرِيهَا وَالْمَالِكُ أو الْبَائِعُ فيه بِأَنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ له وَأَنَّهُ دَفَنَهُ أو ادَّعَى ذُو الْيَدِ ذلك وَالْمَالِكُ أو الْبَائِعُ أَنَّهُ مِلْكُهُ بِالْإِحْيَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْيَدِ بِيَمِينِهِ كما في الْأَمْتِعَةِ هذا إنْ أَمْكَنَ دَفْنُ مِثْلِهِ في مِثْلِهِ أَيْ في مِثْلِ زَمَنِ يَدِهِ وَلَوْ على بُعْدٍ وَإِلَّا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ قال في الْمَجْمُوعِ وَلَوْ اتَّفَقَا على أَنَّهُ لم يَدْفِنْهُ صَاحِبُ الْيَدِ فَهُوَ لِلْمَالِكِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ تَنَازَعَا فيه بَعْدَ رُجُوعِهَا أَيْ الدَّارِ إلَى يَدِ الْمَالِكِ الصَّادِقِ بِالْبَائِعِ وَادَّعَى أَيْ الْمَالِكُ دَفْنًا حَادِثًا أَيْ بَعْدَ الرُّجُوعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ بِشَرْطِ الْإِمْكَانِ
فَلَوْ أَسْنَدَ الدَّفْنَ إلَى ما قبل الْعَارِيَّةِ أو الْإِجَارَةِ كما صَرَّحَ بها الْأَصْلُ أو الْبَيْعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَعِيرِ أو الْمُسْتَأْجِرِ أو الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْمَالِكَ سَلَّمَ له حُصُولَ الرِّكَازِ في يَدِهِ فَيَدُهُ تَنْسَخُ الْيَدَ السَّابِقَةَ وَلِهَذَا لو تَنَازَعَا قبل الرُّجُوعِ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ أو الْبَيْعِ من زِيَادَتِهِ
وَإِنْ وُجِدَ في مِلْكٍ لِحَرْبِيٍّ في دَارِ الْحَرْبِ فَلَهُ حُكْمُ الْفَيْءِ كما قَالَهُ الْإِمَامُ إنْ أُخِذَ بِغَيْرِ قَهْرٍ لَا إنْ دخل دَارَهُمْ بِأَمَانِهِمْ فَيُرَدُّ على مَالِكِهِ وُجُوبًا إذْ لَا يَجُوزُ له أَخْذُهُ كما لَا يَجُوزُ له أَنْ يَأْخُذَ أَمْتِعَةَ بُيُوتِهِمْ قال في الْأَصْلِ وفي كَوْنِهِ فَيْئًا فِيمَا ذُكِرَ إشْكَالٌ لِأَنَّ من دخل بِلَا أَمَانٍ وَأَخَذَ مَالَهُمْ بِلَا قَهْرٍ إمَّا أَنْ يَأْخُذَهُ خُفْيَةً فَيَكُونَ سَارِقًا أو جِهَارًا فَيَكُونَ مُخْتَلِسًا وَهُمَا خَاصُّ مِلْكِ الْآخِذِ وَيُؤَيِّدُهُ إطْلَاقُ كَثِيرٍ من الْأَئِمَّةِ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ غَنِيمَةٌ قال في الْمُهِمَّاتِ وما ذُكِرَ من أَنَّ الْمَأْخُوذَ يَخْتَصُّ بِهِ آخِذُهُ خِلَافُ الصَّحِيحِ فإن الْأَكْثَرِينَ على أَنَّهُ غَنِيمَةٌ مُخَمَّسَةٌ كما ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ في السِّيَرِ وما قَالَهُ الْإِمَامُ هُنَا من أَنَّهُ فَيْءٌ مَرْدُودٌ بِمَا قَالَهُ في السِّيَرِ فإن الرَّافِعِيَّ حَكَى عنه وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهِ قال وهو الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ وَالثَّانِي أَنَّهُ غَنِيمَةٌ مُخَمَّسَةٌ ثُمَّ ضَعَّفَهُ ولم يذكر الْفَيْءَ بِالْكُلِّيَّةِ
وَإِنْ أُخِذَ قَهْرًا فَهُوَ غَنِيمَةٌ كَأَخْذِ سَائِرِ أَمْوَالِهِمْ كَذَلِكَ
بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ
____________________
(1/387)
وَيُقَالُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وفي نُسْخَةٍ زَكَاةُ الْفِطْرَةِ كَأَنَّهَا من الْفِطْرَةِ التي هِيَ الْخِلْقَةُ الْمُرَادَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِطْرَةَ اللَّهِ التي فَطَرَ الناس عليها وَالْمَعْنَى أنها وَجَبَتْ على الْخِلْقَةِ تَزْكِيَةً لِلنَّفْسِ أَيْ تَطْهِيرًا لها وَتَنْمِيَةً لِعِلْمِهَا وَيُقَالُ لِلْمُخْرَجِ هُنَا فِطْرَةٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ كما مَرَّ قال في الْمَجْمُوعِ وَهِيَ مُوَلَّدَةٌ لَا عَرَبِيَّةٌ وَلَا مُعَرَّبَةٌ بَلْ اصْطِلَاحِيَّةٌ لِلْفُقَهَاءِ
ا ه
فَتَكُونُ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً على الْمُخْتَارِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْأَصْلُ في الْبَابِ قبل الْإِجْمَاعِ خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ فَرَضَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ من رَمَضَانَ على الناس صَاعًا من تَمْرٍ أو صَاعًا من شَعِيرٍ على كل حُرٍّ أو عَبْدٍ ذَكَرٍ أو أُنْثَى من الْمُسْلِمِينَ وَخَبَرُ أبي سَعِيدٍ كنا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ إذْ كان فِينَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم صَاعًا من طَعَامٍ أو صَاعًا من تَمْرٍ أو صَاعًا من شَعِيرٍ أو صَاعًا من زَبِيبٍ أو صَاعًا من أَقِطٍ فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كما كُنْت أُخْرِجُهُ ما عِشْت رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَالْمَشْهُورُ أنها وَجَبَتْ في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ من الْهِجْرَةِ عَامَ فُرِضَ صَوْمُ رَمَضَانَ
تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْفِطْرِ من رَمَضَانَ أَيْ بِإِدْرَاكِ آخِرِ جُزْءٍ منه وَأَوَّلِ جُزْءٍ من شَوَّالٍ لِإِضَافَتِهَا إلَى الْفِطْرِ في الْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ فما يَحْدُثُ بَعْدَ الْغُرُوبِ من وَلَدٍ وَنِكَاحٍ وَإِسْلَامٍ وَمِلْكِ رَقِيقٍ وَغِنًى لَا يُوجِبُهَا أَيْ زَكَاةَ الْفِطْرِ لِعَدَمِ وُجُودِ ذلك وَقْتَ الْوُجُوبِ وَيُخَالِفُ الْقُدْرَةَ على الْكَفَّارَةِ بَعْدَ وَقْتِ وُجُوبِهَا لِتَقَدُّمِ وُجُوبِهَا أو ما يَحْدُثُ بَعْدَ الْغُرُوبِ من مَوْتٍ وَعِتْقٍ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَطَلَاقٍ وَلَوْ بَائِنًا وَارْتِدَادٍ وَغِنًى قَرِيبٍ وَلَوْ قبل التَّمَكُّنِ من الْأَدَاءِ لَا يُسْقِطُهَا عنه لِتَقَرُّرِهَا وَقْتَ الْوُجُوبِ إلَّا وفي نُسْخَةٍ لَا إنْ تَلِفَ الْمَالُ قَبْلَهُ أَيْ قبل التَّمَكُّنِ فَتَسْقُطُ زَكَاةُ الْفِطْرِ كما في زَكَاةِ الْمَالِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ
وَتُعَجَّلُ جَوَازًا من أَوَّلِ رَمَضَانَ كما سَبَقَ بَيَانُهُ في بَابِ التَّعْجِيلِ وإذا لم يُعَجِّلْهَا يُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهَا قبل الصَّلَاةِ أَيْ صَلَاةِ الْعِيدِ لِلْأَمْرِ بِهِ قبل الْخُرُوجِ إلَيْهَا في الصَّحِيحَيْنِ وَالتَّعْبِيرُ بِالصَّلَاةِ جَرَى على الْغَالِبِ من فِعْلِهَا أَوَّلَ النَّهَارِ فَإِنْ أُخِّرَتْ اُسْتُحِبَّ الْأَدَاءُ أَوَّلَ النَّهَارِ لِلتَّوْسِعَةِ على الْمُسْتَحِقِّينَ
وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا عن يَوْمِ الْعِيدِ بِلَا عُذْرٍ كَغَيْبَةِ مَالِهِ أو الْمُسْتَحِقِّينَ لِأَنَّ الْقَصْدَ إغْنَاؤُهُمْ عن الطَّلَبِ فيه وَتَقْتَضِي وُجُوبًا فَوْرًا فِيمَا إذَا أَخَّرَهَا بِلَا عُذْرٍ وَالتَّصْرِيحُ بِالْفَوْرِ من زِيَادَتِهِ قال في الْمَجْمُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ زَكَاةَ الْمَالِ الْمُؤَخَّرَةَ عن التَّمَكُّنِ تَكُونُ أَدَاءً وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفِطْرَةَ مُؤَقَّتَةٌ بِزَمَنٍ مَحْدُودٍ كَالصَّلَاةِ
فَرْعٌ قال في الْبَحْرِ لو عَجَّلَ فِطْرَةَ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاعَهُ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ إخْرَاجُهَا وَلَا يَصِحُّ ما دَفَعَهُ الْبَائِعُ
فَصْلٌ كُلُّ من وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ على غَيْرِهِ بِزَوْجِيَّةٍ أو مِلْكٍ أو قَرَابَةٍ وَجَبَتْ فِطْرَتُهُ عليه أَمَّا في الْمِلْكِ فَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ ليس على الْمُسْلِمِ في عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ إلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ في الرَّقِيقِ وَأَمَّا في الْبَاقِي فَبِالْقِيَاسِ عليه بِجَامِعِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَكِنْ لَا تَجِبُ عليه لِكَافِرٍ وَإِنْ وَجَبَتْ عليه نَفَقَتُهُ لِقَوْلِهِ في خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ من الْمُسْلِمِينَ وَلِأَنَّهَا طُهْرَةٌ وَالْكَافِرُ ليس من أَهْلِهَا ولا زَوْجَةِ أَبٍ وَمُسْتَوْلَدَتِهِ وَإِنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُمَا على الْوَلَدِ لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ لِلْأَبِ مع إعْسَارِهِ فَيَحْمِلُهَا الْوَلَدُ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ وَلِأَنَّ عَدَمَ الْفِطْرَةِ لَا يُمَكِّنُ الزَّوْجَةَ من الْفَسْخِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ أَمَّا من لَا تَجِبُ عليه نَفَقَتُهُ فَلَا تَجِبُ عليه فِطْرَتُهُ إلَّا الْمُكَاتَبَ كِتَابَةً فَاسِدَةً فَتَجِبُ فِطْرَتُهُ على سَيِّدِهِ وَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عليه وَإِلَّا الزَّوْجَةَ الْمُحَالَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا فَتَجِبُ فِطْرَتُهَا عليه دُونَ نَفَقَتِهَا كما سَيَأْتِي ذلك وَلَا تَجِبُ على الْأَبِ فِطْرَةُ وَلَدٍ له مَلَكَ قُوتَ يَوْمِ الْعِيدِ وَلَيْلَتَهُ فَقَطْ أو قَدَرَ على كَسْبِهِ وَلَوْ صَغِيرًا لِسُقُوطِ نَفَقَتِهِ عنه بِذَلِكَ وَتَسْقُطُ عن الْوَلَدِ أَيْضًا لِإِعْسَارِهِ وَتَجِبُ لِرَجْعِيَّةٍ وَكَذَا بَائِنٌ حَامِلٌ وَلَوْ أَمَةً كَنَفَقَتِهِمَا بِخِلَافِ الْبَائِنِ غَيْرِ الْحَامِلِ لِسُقُوطِ نَفَقَتِهَا وَلَوْ أَخْدَمَ زَوْجَتَهُ التي تَخْدُمُ عَادَةً أَمَتَهَا لَا أَجْنَبِيَّةً وَأَنْفَقَهَا أَيْ وَأَنْفَقَ عليها وَجَبَ عليه فِطْرَتُهَا كَنَفَقَتِهَا بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيَّةِ الْمَوْجُودَةِ لِخِدْمَتِهَا كما
____________________
(1/388)
لَا تَجِبُ عليه نَفَقَتُهَا وَكَذَا التي صَحِبَتْهَا لِتَخْدُمَهَا بِنَفَقَتِهَا بِإِذْنِهِ لِأَنَّهَا في مَعْنَى الْمُؤَجَّرَةِ وَبِهِ جَزَمَ في الْمَجْمُوعِ وقال الرَّافِعِيُّ في النَّفَقَاتِ تَجِبُ فِطْرَتُهَا وهو الْقِيَاسُ وَبِهِ جَزَمَ الْمُتَوَلِّي
فَرْعٌ الْوُجُوبُ لِلْفِطْرَةِ على الْغَيْرِ يُلَاقِي الْمُؤَدَّى عنه ثُمَّ يَتَحَمَّلُهُ عنه الْمُؤَدِّي لِأَنَّهَا شُرِعَتْ طُهْرَةً له وَاخْتَارَ الْإِمَامُ ما نَقَلَهُ عن طَوَائِفَ من الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ هذا مَحَلُّهُ في فِطْرَةِ الزَّوْجَةِ أَمَّا فِطْرَةُ الْمَمْلُوكِ وَالْقَرِيبِ فَتَجِبُ على الْمُؤَدِّي قَطْعًا لِأَنَّ الْمُؤَدَّى عنه لَا يَصْلُحُ لِلْإِيجَابِ لِعَجْزِهِ قال في الْمَجْمُوعِ وَالْمَشْهُورُ في الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ انْتَهَى وَيَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّ مَحَلَّهُ إذَا كان الْمُؤَدَّى عنه مُكَلَّفًا وَإِلَّا فَتَجِبُ على الْمُؤَدِّي قَطْعًا كما تَجِبُ على الْوَلِيِّ فِيمَا إذَا وَجَبَتْ في مَالِ مَحْجُورِهِ فَهُوَ كَالضَّامِنِ لِأَنَّهُ لو أَدَّاهَا الْمُتَحَمَّلُ عنه بِغَيْرِ إذْنِ الْمُتَحَمِّلِ أَجْزَأَهُ وَسَقَطَتْ عن الْمُتَحَمِّلِ كما سَيَأْتِي فَالْمُتَحَمِّلِ كَالضَّمَانِ لِذَلِكَ وَقِيلَ كَالْحَوَالَةِ لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ لِلْمُتَحَمِّلِ وَلَا يُطَالَبُ بها الْمُتَحَمَّلُ عنه وَصَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ وَنَقَلَهُ عن مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَلَا تَرْجِيحَ في الْأَصْلِ
وما رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ تَبِعَ فيه الْإِسْنَوِيُّ فإنه نَقَلَهُ عن جَمْعٍ وقال إنَّهُ الْمَعْرُوفُ في الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ عن مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ قال وما صَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ مَرْدُودٌ انْتَهَى وَالْأَوْجَهُ ما في الْمَجْمُوعِ لِمَا سَيَأْتِي من أَنَّ الْحُرَّةَ الْغَنِيَّةَ إذَا أَعْسَرَ زَوْجُهَا لَا يَلْزَمُهَا فِطْرَتُهَا إذْ لو كان كَالضَّمَانِ لَزِمَتْهَا لَا يُقَالُ الْكَلَامُ عِنْدَ التَّحَمُّلِ وَالزَّوْجُ حِينَئِذٍ لم يَتَحَمَّلْ لِأَنَّا نَقُولُ لو لم يَتَحَمَّلْ لَزِمَتْهَا قَطْعًا وما عَلَّلَ بِهِ الْأَوَّلَ لَا يَسْتَلْزِمُ بِنَاءً على قَوْلِ الضَّمَانِ غَايَتُهُ أَنَّهُ اغْتَفَرَ عَدَمَ الْإِذْنِ لِكَوْنِ الْمُتَحَمَّلِ عنه قد نَوَى ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ قال ما صَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ أَوْلَى وَأَطَالَ في بَيَانِهِ
فَتَسْقُطُ عن الزَّوْجِ وَالْقَرِيبِ الْغَنِيَّيْنِ بِإِخْرَاجِ زَوْجَتِهِ وَقَرِيبِهِ بِاقْتِرَاضٍ أو غَيْرِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا وَلَا تَسْقُطُ عن سَيِّدٍ فِطْرَةُ زَوْجَةِ مُعْسِرٍ أَيْ فِطْرَةُ أَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ بِمُعْسِرٍ حُرٍّ أو عَبْدٍ بِنَاءً على أنها تَجِبُ على الْمُؤَدَّى عنه ابْتِدَاءً وَتَسْقُطُ عن زَوْجَةٍ حُرَّةٍ غَنِيَّةٍ تَحْتَ زَوْجٍ مُعْسِرٍ لِكَمَالِ تَسْلِيمِهَا نَفْسَهَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ لِأَنَّ لِسَيِّدِهَا أَنْ يُسَافِرَ بها وَيَسْتَخْدِمَهَا وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فيها شَيْئَانِ الْمِلْكُ وَالزَّوْجِيَّةُ وَالْمِلْكُ أَقْوَى وَنُقِضَ ذلك بِمَا إذَا سَلَّمَهَا السَّيِّدُ لَيْلًا وَنَهَارًا وَالزَّوْجُ مُوسِرٌ فإن الْفِطْرَةَ وَاجِبَةٌ على الزَّوْجِ قَوْلًا وَاحِدًا قال السُّبْكِيُّ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عنه بِأَنَّهَا عِنْدَ الْيَسَارِ لم تَسْقُطْ عن السَّيِّدِ بَلْ تَحَمَّلَهَا الزَّوْجُ عنه
قال في الْمَجْمُوعِ قال الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْحُرَّةِ يَعْنِي الْمَذْكُورَةَ أَنْ تُخْرِجَ الْفِطْرَةَ عن نَفْسِهَا لِلْخُرُوجِ من الْخِلَافِ وَلِتَطْهِيرِهَا وَتَسْقُطُ عن وَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْغَنِيِّ بِإِخْرَاجِهِ لها عنه من مَالِ نَفْسِهِ لِأَنَّ له وِلَايَةً عليه وَيَسْتَقِلُّ بِتَمْلِيكِهِ فَيَقْدِرُ كَأَنَّهُ مَلَّكَهُ ذلك ثُمَّ تَوَلَّى الْأَدَاءَ عنه أَمَّا الْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ فَلَا يُخْرِجَانِ عنه من مَالِهِمَا إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْمَاوَرْدِيِّ وَالْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّهُ وَيُخَالِفُ ما لو قَضَيَا دَيْنَهُ من مَالِهِمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي فإنه يَبْرَأُ لِأَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ مُتَعَيِّنٌ بِخِلَافِ مُسْتَحِقِّي الزَّكَاةِ قال الْقَاضِي لَا عن وَلَدٍ كَبِيرٍ له فَلَا تَسْقُطُ بِإِخْرَاجِهِ عنه إلَّا بِإِذْنِهِ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ بِتَمْلِيكِهِ وَمَحَلُّهُ في الرَّشِيدِ كما في الْمَجْمُوعِ فَغَيْرُهُ كَالصَّبِيِّ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ في السَّفِيهِ وَصَرَّحَ بِهِ في الْمَجْنُونِ وما ذَكَرَهُ في السَّفِيهِ هو قِيَاسُ قَوْلِهِ إنَّهُ يَنْوِي عنه وَعَلَّلَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ في أَلْغَازِهِ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ عن الْكَبِيرِ بِقُدْرَتِهِ على النِّيَّةِ وَمُقْتَضَاهُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّفِيهِ كَذَا نَبَّهَ عليه في الْمُهِمَّاتِ وقد يُقَالُ كما تَصِحُّ نِيَّةُ السَّفِيهِ تَصِحُّ نِيَّةُ وَلِيِّهِ عنه لِنَقْصِهِ في الْجُمْلَةِ وَعَلَى صَاحِبِ النَّوْبَةِ الْوَاقِعُ فيها وَقْتَ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ فِيمَا لو كان من يُؤَدِّي عنه في نَفَقَةِ وَلَدَيْنِ أو شَرِيكَيْنِ أو بَعْضِهِ الْحُرِّ وَمَالِكُ بَاقِيهِ فِطْرَةُ وَالِدٍ وَعَبْدٍ مُشْتَرَكٍ أو مُبَعَّضٍ بِنَاءً على أَنَّ الْمُؤَنَ النَّادِرَةَ تَدْخُلُ في الْمُهَايَأَةِ وهو الْأَصَحُّ هذا إنْ تَنَاوَبَا وَإِلَّا فَعَلَيْهِمَا مَعًا وَتَسْقُطُ حِصَّةُ مُعْسِرٍ مِنْهُمَا وَذِكْرُ مَسْأَلَةِ الْوَالِدِ من زِيَادَتِهِ وَقَوْلُهُ إنْ تَنَاوَبَا إيضَاحٌ فإنه مَعْلُومٌ من قَوْلِهِ صَاحِبَ النَّوْبَةِ فَلَوْ قال فَإِنْ تَنَاوَبَا فَعَلَيْهِمَا كَفَى
فَرْعٌ فِطْرَةُ زَوْجَةِ الْعَبْدِ على من كانت عليه فَإِنْ كانت حُرَّةً فَعَلَيْهَا أو أَمَةً فَعَلَى سَيِّدِهَا وَلَا يَتَحَمَّلُهَا الْعَبْدُ وَإِنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا في كَسْبِهِ لِأَنَّهُ ليس أَهْلًا لِفِطْرَةِ نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَتَحَمَّلُ عن غَيْرِهِ وما ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ من أنها تَلْزَمُ زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ ذُكِرَ في مَوْضِعٍ من الْمَجْمُوعِ مِثْلُهُ وَذُكِرَ في آخَرَ منه كَالْمِنْهَاجِ أنها لَا تَلْزَمُهَا وهو ما جَرَى عليه في الْإِرْشَادِ وَشَرْحِهِ وهو الْمُعْتَمَدُ وَمَشَيْت عليه في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَإِنْ كان قد يُفَرِّقُ بين الْحُرِّ
____________________
(1/389)
الْمُعْسِرِ وَالْعَبْدِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ أَهْلٌ لِلتَّحَمُّلِ في الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَوَجَبَتْ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ عليها دُونَ فِطْرَةِ زَوْجَةِ الْأَوَّلِ
وفطرة النَّاشِزَةِ عليها لَا على الزَّوْجِ لِسُقُوطِ نَفَقَتِهَا عنه وَتَلْزَمُ مَالِكَ الْمُدَبَّرِ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُعَلَّقَ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ كَالْقِنِّ وتلزم مَالِكَ الْقِنِّ الْمَرْهُونِ وَالْجَانِي وَالْمُؤَجِّرَ وَالْمُوصِي بِمَنْفَعَتِهِ وَالْمَغْصُوبَ وَالضَّالَّ وَالْآبِقَ وَإِنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ ما لم تَنْتَهِ غَيْبَتُهُ إلَى مُدَّةٍ يُحْكَمُ فيها بِمَوْتِهِ كَنَفَقَتِهِمْ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ بَقَاءُ حَيَاتِهِ وَإِنْ لم يَجُزْ إعْتَاقُهُ عن الْكَفَّارَةِ احْتِيَاطًا فِيهِمَا وَتَعْبِيرُهُ بِمَالِكِ الْمُوصِي بِمَنْفَعَتِهِ أَعَمُّ من قَوْلِ الْأَصْلِ إذَا أَوْصَى بِمَنْفَعَةِ عَبْدٍ لِرَجُلٍ وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ فَفِطْرَتُهُ على الْمُوصَى له بِالرَّقَبَةِ وَيُخْرَجُ وُجُوبًا فِطْرَةُ هَؤُلَاءِ في الْحَالِ أَيْ في يَوْمِ الْعِيدِ وَلَيْلَتِهِ لِمَا مَرَّ وَفَارَقَ زَكَاةَ الْمَالِ الْغَائِبُ وَنَحْوُهُ بِأَنَّ التَّأْخِيرَ شُرِعَ فيه لِلنَّمَاءِ وهو غَيْرُ مُعْتَبَرٍ هُنَا وَكَذَا تَلْزَمُ مع إخْرَاجِهَا حَالًا من حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ وَقْتَ الْوُجُوبِ فَتَلْزَمُهُ فِطْرَتُهَا وَسَيَأْتِي في النَّفَقَاتِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا
وَلَا فِطْرَةَ في عبد بَيْتِ الْمَالِ وعبد الْمَسْجِدِ وَإِنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُمَا سَوَاءٌ أَكَانَ عبد الْمَسْجِدِ مِلْكًا له أَمْ وَقْفًا عليه فَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَعَمُّ من قَوْلِ الْأَصْلِ وَالْمَوْقُوفُ على مَسْجِدٍ وَلَا في عَبْدٍ مَوْقُوفٍ وَلَوْ على مُعَيَّنٍ كَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ وَرَجْلٍ
فَصْلٌ لَا فِطْرَةَ على كَافِرٍ إلَّا عن مُسْلِمٍ عليه مُؤْنَتُهُ كما عُلِمَ مع دَلِيلِهِ من أَوَّلِ الْفَصْلِ السَّابِقِ وَتُجْزِئُ الْفِطْرَةُ أَيْ إخْرَاجُهَا عنه بِلَا نِيَّةٍ إذْ لَا صَائِرَ إلَى أَنَّ الْمُتَحَمَّلَ عنه يَنْوِي وَالْكَافِرُ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ فَأَجْزَأَتْ بِلَا نِيَّةٍ تَغْلِيبًا لِسَدِّ الْحَاجَةِ كما في الْمُرْتَدِّ وَالْمُمْتَنِعِ وَهَذَا في الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ أَمَّا الْمُرْتَدُّ فَفِي وُجُوبِ الْفِطْرَةِ عليه وَعَلَى من يُمَوِّنُهُ الْأَقْوَالُ في بَقَاءِ مِلْكِهِ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ وَكَذَا في وُجُوبِ فِطْرَةِ الرَّقِيقِ الْمُرْتَدِّ الْأَقْوَالُ الْمَذْكُورَةُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لَكِنَّهُ صَحَّحَ منها الْوُجُوبَ وَإِنْ لم يَعُدْ إلَى الْإِسْلَامِ وَالْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الْجُمْهُورِ التَّفْصِيلُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ أَوَّلَ الْبَابِ في التَّفْرِيعِ على وَقْتِ الْوُجُوبِ من أنها لَا تَجِبُ مُطْلَقًا وَشَمِلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مُسْلِمُ الْقَرِيبِ وَالرَّقِيقُ وَالزَّوْجَةُ بِأَنْ تُسْلِمَ وَتَغْرُبَ الشَّمْسُ وَالزَّوْجُ مُتَخَلِّفٌ فَتَلْزَمُهُ فِطْرَتُهَا كَنَفَقَتِهَا
وَلَا فِطْرَةَ على رَقِيقٍ وَلَوْ مُكَاتَبًا أَمَّا غَيْرُ الْمُكَاتَبِ فَلِعَدَمِ مِلْكِهِ وَفِطْرَتُهُ على سَيِّدِهِ كما مَرَّ وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَلِضَعْفِ مِلْكِهِ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عليه زَكَاةُ مَالِهِ وَلَا نَفَقَةُ أَقَارِبِهِ وَلَا فِطْرَةَ على سَيِّدِهِ عنه لِنُزُولِهِ معه مَنْزِلَةَ الْأَجْنَبِيِّ وَمَحَلُّهُ في الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ أَمَّا الْفَاسِدَةُ فَتَجِبُ الْفِطْرَةُ فيها على السَّيِّدِ كما مَرَّ وَلَا على من لم يَفْضُلْ بِضَمِّ الضَّادِ وَفَتْحِهَا عن ثِيَابِهِ وَقُوتِهِ وَثِيَابُ وَقُوتُ مُمَوِّنِهِ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ شَيْءٌ بِالْإِجْمَاعِ وَاعْتُبِرَ الْفَضْلُ عَمَّا ذُكِرَ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ وَإِنَّمَا لم يَعْتَبِرْ زِيَادَةً على يَوْمِ الْعِيدِ وَلَيْلَتِهِ لِعَدَمِ ضَبْطِ ما وَرَاءَهُمَا وَتَعْبِيرُهُ بِمُمَوِّنِهِ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِمَنْ في نَفَقَتِهِ لِتَنَاوُلِهِ إلَيْهَا ثُمَّ بِلَا تَغْلِيبٍ بِخِلَافِ من وَكَذَا لَا فِطْرَةَ على من لم يَفْضُلْ عن ما يَحْتَاجُهُ من مَسْكَنٍ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَعَبْدِ خِدْمَةٍ يَلِيقَانِ بِهِ كَالْكَفَّارَةِ وَلِأَنَّهُمَا من الْحَوَائِجِ الْمُهِمَّةِ كَالثَّوْبِ فَلَوْ كَانَا نَفِيسَيْنِ يُمْكِنُ إبْدَالُهُمَا بِلَائِقَيْنِ بِهِ وَيَخْرُجُ التَّفَاوُتُ لَزِمَهُ ذلك كما قَالَهُ الرَّافِعِيُّ في الْحَجِّ قال لَكِنْ في لُزُومِ بَيْعِهِمَا إذَا كَانَا مَأْلُوفَيْنِ وَجْهَانِ في الْكَفَّارَةِ فَيَجْرِيَانِ هُنَا وَفَرَّقَ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالرَّوْضَةِ بِأَنَّ لِلْكَفَّارَةِ بَدَلًا أَيْ في الْجُمْلَةِ فَلَا يُنْتَقَضُ بِالْمَرْتَبَةِ الْأَخِيرَةِ منها وَالْحَاجَةُ لِلْعَبْدِ إمَّا لِمَنْصِبِهِ أو ضَعْفِهِ
وَالْمُرَادُ بها أَنْ يَحْتَاجَهُ لِخِدْمَتِهِ وَخِدْمَةِ من تَلْزَمُهُ خِدْمَتُهُ لَا لِعَمَلِهِ في أَرْضِهِ أو مَاشِيَتِهِ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ وَيُقَاسُ بِهِ حَاجَةُ الْمَسْكَنِ لَا عن دَيْنٍ وَلَوْ لِآدَمِيٍّ على ما رَجَّحَهُ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَاقْتَضَاهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ لو مَاتَ بَعْدَ أَنْ هَلَّ شَوَّالٌ فَالْفِطْرَةُ في مَالِهِ مُقَدَّمَةٌ على الدُّيُونِ وقد يُحْتَجُّ له أَيْضًا بِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ كما مَرَّ وَبِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ إيجَابَ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ فَلَا يَمْنَعُ إيجَابَ الْفِطْرَةِ التَّابِعَةِ لها لَكِنْ قال الْإِمَامُ كما نَقَلَهُ الْأَصْلُ دَيْنُ الْآدَمِيِّ بِمَنْعِ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ بِالِاتِّفَاقِ كما أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى صَرْفِهِ في نَفَقَةِ الْقَرِيبِ تَمْنَعُهُ وهو ما رَجَّحَهُ الْحَاوِي الصَّغِيرُ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ في نُكَتِهِ وَنَقَلَهُ عن الْأَصْحَابِ وهو الْمُعْتَمَدُ وَيُجَابُ عَمَّا ذُكِرَ
____________________
(1/390)
بِأَنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابَ مَحْمُولٌ على ما إذَا لم يَتَقَدَّمْ وُجُوبُ الدَّيْنِ على وُجُوبِ الْفِطْرَةِ وَبِأَنَّ زَكَاةَ الْمَالِ مُتَعَلِّقَةٌ بِعَيْنِهِ وَالنَّفَقَةُ ضَرُورِيَّةٌ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ فِيهِمَا وَسَيَأْتِي عن الْبَحْرِ ما يُؤَيِّدُ ذلك
وَيُبَاعُ وُجُوبًا جُزْءُ عبد غَيْرِ الْخِدْمَةِ فيها أَيْ في فِطْرَتِهِ إنْ لم يَجِدْ شيئا يُخْرِجُ منه كما يُبَاعُ في الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ لها بَدَلًا وَبِخِلَافِ عبد الْخِدْمَةِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ كما مَرَّ فَإِنْ لَزِمَتْ أَيْ الْفِطْرَةُ الذِّمَّةَ بِيعَ فيها وُجُوبًا عبد الْخِدْمَةِ وَالْمَسْكَنُ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَإِنْ لم يُبَاعَا فيها ابْتِدَاءً لِالْتِحَاقِهَا بِالدُّيُونِ وَلَوْ فَضَلَ معه عَمَّا لَا يُحْسَبُ عليه بَعْضُ صَاعٍ أَخْرَجَهُ وُجُوبًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ وَمُحَافَظَةً على الْوَاجِبِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَيُخَالِفُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا لَا تَتَبَعَّضُ وَلِأَنَّ لها بَدَلًا بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ فِيهِمَا فَإِنْ اجْتَمَعُوا أَيْ كُلُّ من يُمَوِّنُهُ معه بَدَأَ بِفِطْرَةِ نَفْسِهِ وُجُوبًا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ ابْدَأْ بِنَفْسِك فَتَصَدَّقْ عليها فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِك فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِك ثُمَّ زَوْجَتِهِ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا آكَدُ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ ثُمَّ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ أَعْجَزُ مِمَّنْ يَأْتِي وَنَفَقَتُهُ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ثُمَّ الْأَبِ وَإِنْ عَلَا وَلَوْ من قِبَلِ الْأُمِّ ثُمَّ الْأُمِّ كَذَلِكَ عَكْسُ ما في النَّفَقَاتِ قال في الْمَجْمُوعِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَاجَةِ وَالْأُمُّ أَحْوَجُ وَأَمَّا الْفِطْرَةُ فَلِلتَّطْهِيرِ وَالشَّرَفِ وَالْأَبُ أَوْلَى بهذا فإنه مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَيُشَرَّفُ بِشَرَفِهِ قال وَمُرَادُهُمْ بِأَنَّهَا كَالنَّفَقَةِ أَصْلُ التَّرْتِيبِ لَا كَيْفِيَّتُهُ وَأَبْطَلَ الْإِسْنَوِيُّ الْفَرْقَ بِالْوَلَدِ الصَّغِيرِ فإنه يُقَدَّمُ هُنَا على الْأَبَوَيْنِ وَهُمَا أَشْرَفُ منه فَدَلَّ على اعْتِبَارِهِمْ الْحَاجَةُ في الْبَابَيْنِ ثُمَّ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ ثُمَّ الرَّقِيقِ لِأَنَّ الْحُرَّ أَشْرَفُ منه وَعَلَاقَتَهُ لَازِمَةٌ بِخِلَافِ الْمِلْكِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ منه بِأُمِّ الْوَلَدِ ثُمَّ بِالْمُدَبَّرِ ثُمَّ بِالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ في الدَّرَجَةِ كَزَوْجَتَيْنِ وَابْنَيْنِ تَخَيَّرَ لِاسْتِوَائِهِمَا في الْوُجُوبِ وَإِنَّمَا لم يُوَزِّعْ بَيْنَهُمَا النَّقْصَ الْمُخْرِجَ عن الْوَاجِبِ في حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا بِلَا ضَرُورَةٍ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَجِدْ إلَّا بَعْضَ الْوَاجِبِ
فَرْعٌ قال في الْبَحْرِ لو كان الزَّوْجُ غَائِبًا فَلِلزَّوْجَةِ أَنْ تَقْتَرِضَ عليه لِنَفَقَتِهَا لَا لِفِطْرَتِهَا لِأَنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِانْقِطَاعِ النَّفَقَةِ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ وَلِأَنَّ الزَّوْجَ هو الْمُخَاطَبُ بِإِخْرَاجِهَا وَهَكَذَا الْحُكْمُ في الْأَبِ الزَّمِنِ وَمُرَادُهُ الْعَاجِزُ
فَصْلٌ وَالْوَاجِبُ في الْفِطْرَةِ صَاعٌ مِمَّا يَأْتِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ تَجِبُ عليه لِمَنْ مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ وهو خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ وَهِيَ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ لِمَا مَرَّ في زَكَاةِ الْمُعَشَّرَاتِ مع ذِكْرِ أَنَّ الْأَصْلَ الْكَيْلُ وَإِنَّهُمْ إنَّمَا قَدَّرُوهُ بِالْوَزْنِ اسْتِظْهَارًا على أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْوَزْنِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْحُبُوبِ كَالذُّرَةِ وَالْحِمَّصِ وَالْمُعْتَبَرُ في ذلك الْكَيْلُ بِالصَّاعِ النَّبَوِيِّ أَيْ الذي أَخْرَجَ بِهِ في عَصْرِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعِيَارُهُ أَيْ وَالْحَالَةُ أَنَّ عِيَارَهُ مَوْجُودٌ فَإِنْ فُقِدَ فَالْوَزْنُ تَقْرِيبٌ وَيَحْتَاطُ الْمُخْرِجُ في كَلَامِهِ تَسَمُّحٌ وَإِيهَامٌ وَالْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنْ فُقِدَ أَخْرَجَ قَدْرًا يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عن الصَّاعِ وإذا كان الْمُعْتَبَرُ الْكَيْلَ فَاعْتِبَارَ الْوَزْنِ تَقْرِيبٌ قال في الرَّوْضَةِ وقال جَمَاعَةٌ الصَّاعُ أَرْبَعُ حَفَنَاتٍ بِكَفَّيْ رَجُلٍ مُعْتَدٍّ لَهُمَا وَقَدَّمْت في الصَّاعِ كَلَامًا في زَكَاةِ الْمُعَشَّرَاتِ فَرَاجِعْهُ قال الْقَفَّالُ وَالْحِكْمَةُ في إيجَابِ الصَّاعِ أَنَّ الناس يَمْتَنِعُونَ غَالِبًا من التَّكَسُّبِ في يَوْمِ الْعِيدِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَهُ وَلَا يَجِدُ الْفَقِيرُ من يَسْتَعْمِلُهُ فيها لِأَنَّهَا أَيَّامُ سُرُورٍ وَرَاحَةٍ عَقِبَ الصَّوْمِ وَاَلَّذِي يَتَحَصَّلُ من الصَّاعِ عِنْدَ جَعْلِهِ خُبْزًا ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ فإن الصَّاعَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ كما مَرَّ وَيُضَافُ إلَيْهِ من الْمَاءِ نَحْوُ الثُّلُثِ وَيَأْتِي من ذلك ما قُلْنَا وَهِيَ كِفَايَةُ الْفَقِيرِ في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ في كل يَوْمٍ رِطْلَانِ
فَرْعٌ كُلُّ ما يَجِبُ فيه الْعُشْرُ صَالِحٌ لِإِخْرَاجِ الْفِطْرَةِ كَالْحِمَّصِ وَالْعَدَسِ وَكَذَا الْجُبْنُ وَاللَّبَنُ بِالزُّبْدِ فِيهِمَا كَالْأَقِطِ بِزُبْدَةٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَبِإِسْكَانِهَا مع تَثْلِيثِ الْهَمْزَةِ وَذَلِكَ لِثُبُوتِ بَعْضِ الْمُعَشَّرِ وَالْأَقِطِ في الْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ وَغَيْرِهَا وَقِيسَ بِهِمَا الْبَاقِي وَالْأَقِطُ لَبَنٌ يَابِسٌ وَعَلَّلَ ابن الرِّفْعَةِ إجْزَاءَهُ بِأَنَّهُ مُقْتَاتٌ مُتَوَلِّدٌ مِمَّا تَجِبُ فيه الزَّكَاةُ وَيُكَالُ فَكَانَ كَالْحَبِّ
____________________
(1/391)
لَا مَخِيضٍ وَسَمْنٍ وَلَحْمٍ فَلَا يُجْزِئُ شَيْءٌ منها وَإِنْ كان قُوتُ الْبَلَدِ لِأَنَّهُ ليس في مَعْنَى ما نُصَّ عليه وَكَمَا لَا يُجْزِئُ في سَائِرِ الزَّكَوَاتِ وَالتَّصْرِيحُ بِاللَّحْمِ من زِيَادَتِهِ وقال في الْمَجْمُوعِ إنَّهُ الصَّوَابُ الذي نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وما وَقَعَ في الْأَنْوَارِ من أَنَّهُ يُجْزِئُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ تَبِعَ فيه مُقْتَضَى نَقْلِ الْإِمَامِ عن الْعِرَاقِيِّينَ وقد قال في الْمَجْمُوعِ ما نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْهُمْ بَاطِلٌ ليس مَوْجُودًا في كُتُبِهِمْ بَلْ الْمَوْجُودُ فيها الْقَطْعُ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ
فَرْعٌ لَا يُجْزِئُ حَبٌّ مُسَوِّسٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ وفي نُسْخَةٍ مَغْشُوشٌ وَمَعِيبٌ وَدَقِيقٌ وَنَحْوُهَا كَسَوِيقٍ وَخُبْزٍ لِمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ وَمَعِيبٌ يُغْنِي عَمَّا قَبْلَهُ وَلَا أَقِطٌ بِمِلْحٍ يَعِيبُهُ هذا أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ وَلَا أَقِطٌ أَفْسَدَ كَثْرَةُ الْمِلْحِ جَوْهَرَهُ فَإِنْ كان الْمِلْحُ ظَاهِرًا عليه لَا يَعِيبُهُ فَالْمِلْحُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ في الْكَيْلِ فَيَجِبُ بُلُوغُ خَالِصِ الْأَقِطِ صَاعًا وَالتَّصْرِيحُ بِلَا يَعِيبُهُ من زِيَادَتِهِ وَيُجْزِئُ قَدِيمٌ غَيْرُ مُتَغَيِّرٍ طَعْمُهُ أو لَوْنُهُ أو رِيحُهُ وَإِنْ قَلَّتْ قِيمَتُهُ بِسَبَبِ قِدَمِهِ لِأَنَّ الْقِدَمَ ليس بِعَيْبٍ وَإِطْلَاقُهُ التَّغَيُّرَ أَوْلَى من تَقْيِيدِ أَصْلِهِ له بِالطَّعْمِ وَاللَّوْنِ فَقَدْ صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ بِالرِّيحِ أَيْضًا
وَلَا تُجْزِئُ الْأَقْوَاتُ النَّادِرَةُ التي لَا زَكَاةَ فيها كَحَبِّ الْحَنْظَلِ وَالْغَاسُولِ ثُمَّ لو وُجِدَتْ في بَلَدٍ مَثَلًا أَقْوَاتٌ فَالْوَاجِبُ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِهِ الْمُؤَدَّى عنه لَا غَالِبُ قُوتِ الْمُؤَدَّى عنه أو الْمُؤَدِّي أو بَلَدِهِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَلِتَشَوُّفِ النُّفُوسِ إلَيْهِ وما نُقِلَ عن النَّصِّ من أَنَّهُ يُعْتَبَرُ قُوتُ الْمُؤَدَّى عنه حُمِلَ على ما إذَا كان قُوتُهُ قُوتَ الْبَلَدِ كما هو الْغَالِبُ وَيَخْتَلِفُ الْغَالِبُ بِاخْتِلَافِ النَّوَاحِي فَأَوْفَى خَبَرُ صَاعًا من تَمْرٍ أو صَاعًا من شَعِيرٍ لِبَيَانِ الْأَنْوَاعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ كما في آيَةِ إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ بَلَدَ الْمُؤَدَّى عنه بِنَاءً على أنها تَجِبُ عليه ابْتِدَاءً ثُمَّ يَتَحَمَّلُهَا الْمُؤَدِّي كما مَرَّ فَإِنْ لم يَعْرِفْ بَلَدَهُ كَعَبْدٍ آبِقٍ فَيَحْتَمِلُ كما قال جَمَاعَةٌ اسْتِثْنَاءَ هذه أو يُخْرِجُ من قُوتِ آخِرِ بَلَدٍ عَهِدَ وُصُولَهُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ فيه أو يُخْرِجُ فِطْرَتَهُ لِلْحَاكِمِ لِأَنَّ له نَقْلَ الزَّكَاةِ
وَلَهُ الْعُدُولُ عن الْغَالِبِ إلَى الْأَصْلَحِ لِلِاقْتِيَاتِ بَلْ هو أَفْضَلُ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا فَأَشْبَهَ ما لو دَفَعَ بِنْتَ لَبُونٍ أو حِقَّةً أو جَذَعَةً عن بِنْتِ مَخَاضٍ وَيُخَالِفُ زَكَاةُ الْمَالِ حَيْثُ لَا يُجْزِئُ فيها جِنْسٌ أَعْلَى لِأَنَّ الزَّكَاةَ ثَمَّ مُتَعَلِّقَةٌ بِعَيْنِ الْمَالِ فَأُمِرَ بِمُوَاسَاةِ الْمُسْتَحِقِّينَ مِمَّا وَاسَاهُ اللَّهُ وَالْفِطْرَةُ زَكَاةُ الْبَدَنِ فَوَقَعَ النَّظَرُ فيها إلَى ما هو غِذَاؤُهُ وَبِهِ قِوَامُهُ وَالْأَعْلَى يَحْصُلُ بِهِ هذا الْغَرَضُ وَزِيَادَةً فَأَجْزَأَ وَلَوْ كان الْوَاجِبُ أَعْلَى قِيمَةً فَالشَّعِيرُ خَيْرٌ من التَّمْرِ وَالتَّمْرُ خَيْرٌ من الزَّبِيبِ فَالشَّعِيرُ خَيْرٌ من الزَّبِيبِ نَظَرًا لِلِاقْتِيَاتِ
وَلَا يُجْزِئُ صَاعٌ من جِنْسَيْنِ وَإِنْ كان أَحَدُهُمَا أَعْلَى من الْوَاجِبِ كَأَنْ وَجَبَ التَّمْرُ فَأَخْرَجَ نِصْفَ صَاعٍ منه وَنِصْفًا من الْبُرِّ لِظَاهِرِ خَبَرِ صَاعًا من تَمْرٍ أو صَاعًا من شَعِيرٍ كما لَا يُجْزِئُ في كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَنْ يَكْسُوَ خَمْسَةً وَيُطْعِمَ خَمْسَةً
وَلَوْ أَخْرَجَ عن اثْنَيْنِ كَعَبْدٍ بِهِ أو قَرِيبَيْهِ صَاعَيْنِ أَحَدُهُمَا من قُوتِ الْبَلَدِ وَالْآخَرُ من أَعْلَى جَازَ كما يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ لِأَحَدِ جُبْرَانَيْنِ شَاتَيْنِ وَلِلْآخَرِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَكَذَا إنْ مَلَكَ نِصْفَيْنِ من عَبْدَيْنِ جَازَ تَبْعِيضُ الصَّاعِ لِتَعَدُّدِ الْمُخْرَجِ عنه لَا إنْ مَلَكَا عَبْدًا فَلَا يَجُوزُ تَبْعِيضُ الصَّاعِ الْمُخْرَجِ عنه وَيُخْرِجُ من غَالِبِ قُوتِ بَلَدِ الْعَبْدِ بِنَاءً على أَنَّ الْفِطْرَةَ تَجِبُ ابْتِدَاءً على الْمُؤَدَّى عنه وَالْمُبَعَّضُ وَمَنْ في نَفَقَةٍ وَالِدَيْهِ كَالْعَبْدِ مع السَّيِّدَيْنِ فَلَا يَجُوزُ التَّبْعِيضُ في فِطْرَتِهِمَا وَيُخْرِجُ من غَالِبِ قُوتِ بَلَدَيْهِمَا وما ذَكَرَهُ في هَاتَيْنِ وَاَلَّتِي قَبْلَهُمَا من عَدَمِ جَوَازِ التَّبْعِيضِ عَكْسُ الْمُصَحَّحِ في الْأَصْلِ وفي الْمِنْهَاجِ في صُورَةِ الْعَبْدِ وَالْخِلَافُ كما قال الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مَبْنِيٌّ على أَنَّ الْفِطْرَةَ تَجِبُ ابْتِدَاءً على الْمُؤَدَّى عنه أو على الْمُؤَدِّي وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْأَصَحَّ ما قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا قال السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وقال الْمَحَامِلِيُّ إنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ على أَنَّ كَلَامَ الْأَصْلِ يُمْكِنُ حَمْلُهُ على أَنَّهُ مُفَرَّعٌ على أَنَّ الْفِطْرَةَ تَجِبُ على الْمُؤَدِّي ابْتِدَاءً بِقَرِينَةِ ذِكْرِهِ ذلك قبل التَّصْحِيحِ الْمَذْكُورِ
وَلَوْ مَلَكَا عَبْدًا وَأَحَدُهُمَا مُعْسِرٌ أَخْرَجَ الْمُوسِرُ نِصْفَ صَاعٍ هذا عُلِمَ من قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَتَسْقُطُ حِصَّةُ مُعْسِرٍ فَإِنْ كان لِلْبَلَدِ
____________________
(1/392)
أَقْوَاتٌ بِلَا غَالِبٍ أَخْرَجَ منها ما شَاءَ إذْ ليس تَعَيُّنُ الْبَعْضِ لِلْوُجُوبِ أَوْلَى من تَعَيُّنِ الْآخَرِ وَخَالَفَ تَعَيُّنُ الْأَصْلَحِ في اجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ لِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ ثَمَّ بِالْعَيْنِ وقد عُلِمَ من هذه وَمِنْ عَدَمِ جَوَازِ تَبْعِيضِ الْمُخْرَجِ أَنَّهُمْ لو كَانُوا يَقْتَاتُونَ بُرًّا مَخْلُوطًا بِشَعِيرٍ أو نَحْوِهِ تَخَيَّرَ إنْ كان الْخَلِيطَانِ على السَّوَاءِ وَإِنْ كان أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ وَجَبَ منه نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ وَالْأَعْلَى أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حتى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ فَإِنْ لم يَكُنْ قُوتُ الْبَلَدِ مُجْزِئًا اُعْتُبِرَ أَقْرَبُ الْبِلَادِ إلَيْهِ وَإِنْ كان بِقُرْبِهِ بَلَدَانِ مُتَسَاوِيَانِ قُرْبًا أَخْرَجَ من أَيِّهِمَا شَاءَ وَالْمُعْتَبَرُ في غَالِبِ الْقُوتِ غَالِبُ قُوتِ السَّنَةِ لَا غَالِبُ قُوتِ وَقْتِ الْوُجُوبِ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ في وَسِيطِهِ ولم يَنْقُلْ الْأَصْلُ سِوَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ ثُمَّ قال ولم أَظْفَرْ بِهِ في كَلَامِ غَيْرِهِ قال في الْمَجْمُوعِ وهو غَرِيبٌ كما قال الرَّافِعِيُّ وَالصَّوَابُ اعْتِبَارُ غَالِبِ قُوتِ السَّنَةِ وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُ السَّرَخْسِيِّ لو اخْتَلَفَ الْقُوتُ بِالْأَوْقَاتِ فَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ إجْزَاءُ أَدْنَاهَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عنه وَلِأَنَّهُ يُسَمَّى مُخْرِجًا من قُوتِ الْبَلَدِ قال ابن كَعْبٍ وما قَالَهُ الْغَزَالِيُّ هو الْقِيَاسُ على تَقْوِيمِ مَالِ التِّجَارَةِ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ حَالَ حَوَلَانَ الْحَوْلِ وَعَلَى الثَّمَنِ الْغَالِبِ حين الشِّرَاءِ في الذِّمَّةِ قال الْأَذْرَعِيُّ وقد تَابَعَهُ عليه صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وابن يُونُسَ وابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُمْ انْتَهَى وَتَبِعَهُمْ ابن الْوَرْدِيُّ في بَهْجَتِهِ
فَصْلٌ لو اشْتَرَى عَبْدًا فَغَرَبَتْ الشَّمْسُ لَيْلَةَ الْفِطْرِ وَهُمَا في خِيَارِ الْمَجْلِسِ أو الشَّرْطِ فَفِطْرَتُهُ على من له الْمِلْكُ بِأَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا وَإِنْ لم يَتِمَّ له الْمِلْكُ وَإِنْ قُلْنَا بِالْوَقْفِ لِلْمِلْكِ بِأَنْ كان الْخِيَارُ لَهُمَا فَعَلَى من يَئُولَ إلَيْهِ الْمِلْكُ فِطْرَتُهُ وَمَنْ مَاتَ قبل الْغُرُوبِ عن رَقِيقٍ فَفِطْرَةُ رَقِيقِهِ على الْوَرَثَةِ كُلٌّ بِقِسْطِهِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَلَوْ كان عليه دَيْنٌ واستغرق الدَّيْنُ التَّرِكَةَ فإن عليهم فِطْرَتَهُ وَإِنْ بِيعَ في الدَّيْنِ بِنَاءً على أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ قال الرَّافِعِيُّ وَلَا يُؤَثِّرُ في وُجُوبِهَا كَوْنُ الْمِلْكِ غير مُسْتَقِرٍّ لِأَنَّهَا تَجِبُ مع انْتِفَاءِ الْمِلْكِ فَمَعَ ضَعْفِهِ أَوْلَى وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الْغُرُوبِ عن أَرِقَّاءَ فَالْفِطْرَةُ عنه وَعَنْهُمْ في التَّرِكَةِ مُقَدَّمَةٌ على الدَّيْنِ فَعَلَى الْمِيرَاثِ وَالْوَصَايَا بِالْأَوْلَى وَذَلِكَ لِمَا مَرَّ في فَرْعٍ في الشَّرْطِ الْخَامِسِ لِزَكَاةِ الْمَوَاشِي
فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ وُجُوبِ فِطْرَةِ عَبْدٍ أَوْصَى بِهِ لِغَيْرِهِ قبل وُجُوبِهَا وَجَبَتْ في تَرِكَتِهِ لِبَقَائِهِ وَقْتَ الْوُجُوبِ على مِلْكِهِ أو مَاتَ قَبْلَهُ أَيْ قبل وُجُوبِهَا وَقَبْلَ الْمُوصَى له الْوَصِيَّةُ وَلَوْ بَعْدَ وُجُوبِهَا فَالْفِطْرَةُ عليه أَيْ على الْمُوصَى له بِنَاءً على أَنَّهُ بِقَبُولِهِ يَتَبَيَّنُ مِلْكُهُ من حِينِ مَوْتِ الصَّبِيِّ وَإِنْ رَدَّ الْوَصِيَّةَ فَعَلَى الْوَارِثِ فِطْرَتُهُ لِبَقَائِهِ وَقْتَ الْوُجُوبِ على مِلْكِهِ فَلَوْ مَاتَ الْمُوصَى له قبل الْقَبُولِ وَبَعْدَ الْوُجُوبِ فَوَارِثُهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ في الْقَبُولِ وَالرَّدِّ وبعد الْقَبُولِ يَقَعُ الْمِلْكُ لِلْمَيِّتِ وَفِطْرَتُهُ أَيْ الرَّقِيقِ في التَّرِكَةِ إنْ كان لِلْمَيِّتِ تَرِكَةٌ سِوَى الرَّقِيقِ أو يُبَاعُ جُزْءٌ منه إنْ لم يَكُنْ له تَرِكَةٌ سِوَاهُ كما مَرَّ نَظِيرُهُ وَإِنْ مَاتَ قبل الْوُجُوبِ أو معه فَالْفِطْرَةُ على وَرَثَتِهِ عن الرَّقِيقِ إنْ قَبِلُوا الْوَصِيَّةَ لِأَنَّهُ وَقْتَ الْوُجُوبِ كان في مِلْكِهِمْ
بَابُ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ أَيْ الزَّكَوَاتِ على مُسْتَحِقِّيهَا وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَشْعَارِهَا بِصِدْقِ بَاذِلِهَا وَالْأَصْلُ في الْبَابِ إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَأَضَافَ فيها الصَّدَقَاتِ إلَى الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى فَاللَّامُ الْمِلْكِ وَإِلَى الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ بِفِي الظَّرْفِيَّةِ لِلْإِشْعَارِ بِإِطْلَاقِ الْمِلْكِ في الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى وَتَقْيِيدِهِ في الْأَخِيرَةِ حتى إذَا لم يَحْصُلْ الصَّرْفُ في مَصَارِفِهَا اسْتَرْجَعَ بِخِلَافِهِ في الْأُولَى على ما يَأْتِي
أَهْلُ الزَّكَاةِ أَيْ مُسْتَحِقُّوهَا أَصْنَافٌ ثَمَانِيَةٌ الْأَوَّلُ الْفَقِيرُ وهو الذي لَا مَالَ له وَلَا كَسْبَ يَقَعُ مَوْقِعًا من كِفَايَتِهِ مَطْعَمًا وَمَلْبَسًا وَمَسْكَنًا وَغَيْرَهُمَا مِمَّا لَا بُدَّ له منه على ما يَلِيقُ بِهِ وَبِمَنْ في نَفَقَتِهِ لِخَبَرِ لَا حَظَّ فيها لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي قُوَّةٍ يَكْتَسِبُ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ فَمَنْ يَحْتَاجُ عَشَرَةً وَلَا يَجِدُ بِمِلْكِهِ أو كَسْبِهِ إلَّا دِرْهَمَيْنِ أو ثَلَاثَةً فَقِيرٌ وَإِنْ كان له مَسْكَنٌ وَثَوْبٌ يَحْتَمِلُ بِهِ وَعَبْدٌ يَخْدُمُهُ وَحِينَئِذٍ فَيُعْطَى من سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَإِنْ كان صَحِيحًا أو يَسْأَلُ الناس وَلَا يَسْلُبُهُ ذلك اسْمَ الْفَقْرِ قال السُّبْكِيُّ فَلَوْ اعْتَادَ السُّكْنَى بِالْأُجْرَةِ أو في الْمَدْرَسَةِ فَالظَّاهِرُ خُرُوجُهُ عن اسْمِ الْفَقِيرِ بِثَمَنِ الْمَسْكَنِ وَمَنْ مَالُهُ غَائِبٌ
____________________
(1/393)
بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ أو مُؤَجَّلٌ أُعْطِيَ كِفَايَتَهُ إلَى حُضُورِهِ أو حُلُولِهِ لِأَنَّهُ الْآنَ فَقِيرٌ وَمَنْ دَيْنُهُ كَمَالِهِ أَيْ قَدْرِهِ أو أَكْثَرَ منه كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى أو أَقَلَّ بِقَدْرٍ لَا يُخْرِجُهُ عن الْفَقْرِ لَا يُعْطَى من الزَّكَاةِ حتى يَصْرِفَهُ في الدَّيْنِ
فَرْعٌ يَخْرُجُ الشَّخْصُ عن الْفَقْرِ بِالْقُدْرَةِ على كَسْبٍ حَلَالٍ لَائِقٍ بِمُرُوءَتِهِ يَقَعُ مَوْقِعًا من حَاجَتِهِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَقْدِرْ على كَسْبٍ حَلَالٍ كَأَنْ لَا يَجِدَ من يَسْتَعْمِلُهُ أو قَدَرَ عليه لَكِنْ لَا يَلِيقُ بِهِ أو يَلِيقُ بِهِ لَكِنْ لَا يَقَعُ مَوْقِعًا من حَاجَتِهِ كما مَرَّ فَإِنْ اشْتَغَلَ عنه أَيْ عن الْمَكْسَبِ بِعِلْمٍ شَرْعِيٍّ يَتَأَتَّى منه تَحْصِيلُهُ وكان الْكَسْبُ يَمْنَعُهُ منه لَا نَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ وَمُلَازَمَةِ الْخَلَوَاتِ في الْمَدَارِسِ وَنَحْوِهَا حَلَّتْ الزَّكَاةُ لِأَنَّ تَحْصِيلَهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَيُعْطَى لِيَتَفَرَّغَ لِتَحْصِيلِهِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَمْنَعْهُ منه أو مَنَعَهُ منه وَلَا يَتَأَتَّى منه تَحْصِيلُهُ أو مَنَعَهُ من نَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ أو اعْتِكَافِهِ بِمَدْرَسَةٍ أو نَحْوِهَا وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِأَنَّ لِأَرْبَابِ الْبُيُوتِ الَّذِينَ لم تَجْرِي عَادَتُهُمْ بِالْكَسْبِ أَخْذًا منه الزَّكَاةَ
فَرْعٌ لو اكْتَفَى إنْسَانٌ بِنَفَقَةِ من تَلْزَمُهُ نَفَقَتَهُ لم يُعْطَ من سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لِغِنَاءٍ حِينَئِذٍ كَالْمُكْتَسِبِ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرَ كِفَايَتِهِ بِخِلَافِ الْمَكْفِيِّ بِنَفَقَةِ مُتَبَرِّعٍ وَلَهُ الْأَخْذُ من بَاقِي السِّهَامِ إنْ كان من أَهْلِهَا حتى يَجُوزَ له الْأَخْذُ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتَهُ لَكِنْ لَا يُعْطِيهِ قَرِيبَهُ الذي تَلْزَمُهُ نَفَقَتَهُ وهو فَقِيرٌ بِدُونِهَا من سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ النَّفَقَةَ عن نَفْسِهِ وَيُعْطِيهِ من سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ ما زَادَ على نَفَقَتِهِ الْوَاجِبَةِ لِحَاجَةٍ أَيْ ما زَادَ عليها بِسَبَبِ حَاجَةِ السَّفَرِ فَقَطْ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ الْوَاجِبَةَ مُسْتَحَقَّةٌ عليه سَفَرًا أو حَضَرًا وَيُعْطِي الزَّوْجُ الزَّوْجَةَ من سَهْمِ الْمُكَاتَبِ وَالْغَارِمِ وَكَذَا من سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ عُلِمَتْ من قَوْلِهِ وَلَهُ الْأَخْذُ من بَاقِي السِّهَامِ إنْ كان من أَهْلِهَا ويعطيها أَيْضًا من سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ كما عُلِمَ أَيْضًا من ذلك لَا إنْ سَافَرَتْ معه بِإِذْنٍ أو بِدُونِهِ أو وَحْدَهَا بِلَا إذْنٍ فَلَا يُعْطِيهَا منه لِأَنَّهَا في الْأُولَى مَكْفِيَّةٌ بِالنَّفَقَةِ وَإِنْ انْتَفَى الْإِذْنُ لِأَنَّهَا في قَبْضَةٍ وفي الثَّانِيَةِ عَاصِيَةٌ إلَّا في الرُّجُوعِ إلَيْهِ أَيْ الزَّوْجِ فَتُعْطَى لِرُجُوعِهَا عن الْمَعْصِيَةِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وهو مَعْلُومٌ من قَوْلِهِ بَعْدُ فَإِنْ تَرَكَتْ إلَى آخِرِهِ وَإِنْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا بِإِذْنِهِ وَأَوْجَبْنَا نَفَقَتَهَا كَأَنْ سَافَرَتْ لِحَاجَتِهِ أُعْطِيت من سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ بَاقِي كِفَايَتِهَا لِحَاجَةِ السَّفَرِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم نُوجِبْ نَفَقَتَهَا كَأَنْ سَافَرَتْ لِحَاجَتِهَا أُعْطِيت كِفَايَتَهَا منه وَمَنْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا بِلَا إذْنٍ تُعْطَى هِيَ وَالْعَاصِي بِالسَّفَرِ من سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وفي نُسْخَةٍ الْفَقِيرِ بِخِلَافِ النَّاشِزَةِ الْمُقِيمَةِ فَإِنَّهَا قَادِرَةٌ على الْغِنَى بِالطَّاعَةِ فَأَشْبَهَتْ الْقَادِرَ على الْكَسْبِ وَالْمُسَافِرَةُ لَا تَقْدِرُ على الْعَوْدِ في الْحَالِ وَقَضِيَّتُهُ أنها لو قَدَرَتْ عليه لم تُعْطَ وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الْمُقِيمَةِ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ تَرَكَتْ السَّفَرَ وَعَزَمَتْ على الْعَوْدِ إلَيْهِ أُعْطِيت من سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ مُؤْنَةَ الْإِيَابِ لِرُجُوعِهَا عن الْمَعْصِيَةِ وفي نُسْخَةٍ فَإِنْ كانت بِبُعْدٍ أُعْطِيت مُؤْنَةَ الْإِيَابِ
الصِّنْفُ الثَّانِي الْمِسْكِينُ وهو من يَمْلِكُ أو يَكْتَسِبُ ما يَقَعُ مَوْقِعًا من كِفَايَتِهِ وَلَا يَكْفِيهِ كَمَنْ يَحْتَاجُ عَشَرَةً وَعِنْدَهُ ثَمَانِيَةٌ لَا تَكْفِيهِ الْكِفَايَةَ اللَّائِقَةَ بِالْحَالِ من الْمَسْكَنِ وَالْمَلْبَسِ وَالْإِنْفَاقِ من غَيْرِ تَقْتِيرٍ وَلَا إسْرَافٍ له وَلَمِنْ في نَفَقَتِهِ وَسَوَاءٌ أَكَانَ ما يَمْلِكُهُ من الْمَالِ نِصَابًا أَمْ أَقَلَّ أَمْ أَكْثَرَ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْمِسْكِينَ أَحْسَنُ حَالًا من الْفَقِيرِ خِلَافًا لِمَنْ عَكَسَ وَاحْتَجُّوا له بِقَوْلِهِ تَعَالَى أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ حَيْثُ سَمَّى مَالِكِيهَا مَسَاكِينَ فَدَلَّ على أَنَّ الْمِسْكِينَ من يَمْلِكُ شيئا وَبِمَا رُوِيَ من قَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا مع أَنَّهُ كان يَتَعَوَّذُ من الْفَقْرِ وَالْعِبْرَةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ في عَدَمِ كِفَايَتِهِ بِالْعُمْرِ الْغَالِبِ بِنَاءً على أَنَّهُ يُعْطَى كِفَايَةَ ذلك وقد بَسَطْت ذلك في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وما جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَصَحَّحَهُ ابن الصَّلَاحِ في فَتَاوِيهِ وَالنَّوَوِيُّ في فَتَاوِيهِ الْغَيْرِ الْمَشْهُورَةِ وَاسْتَنْبَطَهُ الْإِسْنَوِيُّ من كَلَامِهِمْ من أَنَّ الْعِبْرَةَ في عَدَمِ كِفَايَتِهِ بِالسَّنَةِ إنَّمَا يَأْتِي على قَوْلِ من قال كَالْبَغَوِيِّ وَالْغَزَالِيِّ أَنَّهُ إنَّمَا يُعْطَى كِفَايَةَ سَنَةٍ
____________________
(1/394)
وَمِنْهُ اعْتِبَارُهَا فِيمَا يَأْتِي في الْإِثَاثِ وَالْكُتُبِ إذْ لم يَنْقُلْهُ النَّوَوِيُّ إلَّا عن الْغَزَالِيِّ تَفَقُّهًا وَلَا يُخْرِجُهُ عن الْمَسْكَنَةِ الْقُدْرَةُ على كَسْبٍ لَا يَلِيقُ بِهِ كَكَوْنِهِ من أَرْبَابِ الْبُيُوتِ الَّذِينَ لم تَجْرِ عَادَتُهُمْ بِالْكَسْبِ ولا مِلْكُ أَثَاثٍ يَحْتَاجُهُ في سَنَتِهِ وفي نُسْخَةٍ سَنَةٍ ولا مِلْكُ ثِيَابِ شِتَاءٍ يَحْتَاجُهَا في صَيْفٍ وَلَا عَكْسُهُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَا مِلْكُ كُتُبٍ وهو فَقِيهٌ يَحْتَاجُهَا لِلتَّكَسُّبِ كَالْمُؤَدِّبِ وَالْمُدَرِّسِ بِأُجْرَةٍ أو لِلْقِيَامِ بِفَرْضٍ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَاجَةٌ مُهِمَّةٌ وَإِنْ كان احْتِيَاجُهُ لها في السَّنَةِ مَرَّةً بِخِلَافِ ما لَا يَحْتَاجُهُ في السَّنَةِ على ما مَرَّ فَتَبْقَى له النُّسْخَةُ الصَّحِيحَةُ من النُّسَخِ الْمُتَكَرِّرَةِ عِنْدَهُ فَلَا يَبْقَيَانِ مَعًا لِاغْتِنَائِهِ بِالصَّحِيحَةِ وَإِنْ كانت إحْدَاهُمَا أَصَحَّ وَالْأُخْرَى أَحْسَنَ يَبْقَى الْأَصَحُّ كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ فَإِنْ كان له كِتَابَانِ من عِلْمٍ وَاحِدٍ وكان أَحَدُهُمَا أَبْسُطَ أَيْ مَبْسُوطًا وَالْآخَرُ وَجِيزًا بَاعَ الْوَجِيزَ وَبَقِيَ الْمَبْسُوطُ إنْ كان غير مُدَرِّسٍ بِأَنْ كان قَصْدُهُ الِاسْتِفَادَةَ وَالْمُدَرِّسُ يُبْقِهِمَا لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا في التَّدْرِيسِ أو مِلْكَ كُتُبٍ وهو كَطَبِيبٍ يَكْتَسِبُ بها أو لِعِلَاجِ نَفْسِهِ أو غَيْرِهِ لَفْظَةُ أو غَيْرِهِ من زِيَادَتِهِ وَكَذَا الْكَافُ لِيَدْخُلَ الْمُحَدِّثُ وَالْمُفَسِّرُ وَنَحْوُهُمَا وَعِلَاجِ مَعْطُوفٌ على يَكْتَسِبُ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أو يُعَالِجُ بها نَفْسَهُ أو غَيْرَهُ وَالْمُعَالِجُ مَعْدُومٌ من الْبَلَدِ أو مِلْكُ كُتُبِ وَعْظٍ وهو يَتَّعِظُ بها وَإِنْ كان ثَمَّ وَاعِظٌ إذْ ليس كُلُّ أَحَدٍ يَنْتَفِعُ بِالْوَاعِظِ كَانْتِفَاعِهِ في خَلْوَتِهِ وَعَلَى حَسْبِ إرَادَتِهِ لَا مِلْكُ ما أَيْ كِتَابٍ يَتَفَرَّجُ فيه وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكِتَابَ يُطْلَبُ لِلتَّعْلِيمِ وَلِلِاسْتِفَادَةِ فَلَا يُمْنَعُ الْمَسْكَنَةَ كما تَقَرَّرَ وَيُطْلَبُ لِلتَّفَرُّجِ فيه بِالْمُطَالَعَةِ كَكُتُبِ التَّوَارِيخِ وَالشِّعْرِ فَيُمْنَعُ وَمَنْ له عَقَارٌ مَثَلًا قَلِيلٌ أَيْ يَنْقُصُ دَخْلُهُ عن كِفَايَتِهِ فَهُوَ إمَّا فَقِيرٌ أو مِسْكِينٌ فَيُعْطَى من الزَّكَاةِ تَمَامَهَا وَلَا يُكَلَّفُ بَيْعُهُ الصِّنْفُ الثَّالِثُ الْعَامِلُ وَإِنْ كان غَنِيًّا وَبَعَثَهُ لِأَخْذِ الزَّكَوَاتِ وَاجِبٌ على الْإِمَامِ كما مَرَّ بَيَانُهُ في بَابِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَيَدْخُلُ في اسْمِهِ السَّاعِي وهو الذي يَبْعَثُهُ الْإِمَامُ لِأَخْذِ الزَّكَوَاتِ وَالْكَاتِبُ وهو من يَكْتُبُ ما يُؤْخَذُ وَيُدْفَعُ وَالْقَاسِمُ وَالْحَاشِرُ وهو الذي يَجْمَعُ أَرْبَابَ الْأَمْوَالِ وَالْعَرِيفُ وهو الذي يَعْرِفُ أَرْبَابَ الِاسْتِحْقَاقِ وهو كَالنَّقِيبِ لِلْقَبِيلَةِ وَالْحَاسِبُ وَالْحَافِظُ لِلْأَمْوَالِ وَالْجُنْدِيُّ وَالْجَابِي لَا الْإِمَامُ وَالْوَالِي وَالْقَاضِي فَلَا حَقَّ لهم في الزَّكَاةِ بَلْ رِزْقُهُمْ في خُمُسِ الْخُمُسِ الْمُرْصَدِ لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ إنْ لم يَتَطَوَّعُوا بِالْعَمَلِ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ عَامٌّ وَلِأَنَّ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه عنه شَرِبَ لَبَنًا فَأَعْجَبَهُ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ من نَعَمِ الصَّدَقَةِ فَأَدْخَلَ أُصْبُعَهُ وَاسْتَقَاءَهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَيُزَادُ فِيهِمْ أَيْ الْعُمَّالِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَالْكَيَّالُ وَالْوَزَّانُ وَالْعَدَّادُ عُمَّالٌ إنْ مَيَّزُوا بين أَنْصِبَاءِ الْأَصْنَافِ فَأُجْرَتُهُمْ من سَهْمِ الْعَامِلِ وَلَوْ أَلْزَمْنَاهَا الْمَالِكَ لَزِدْنَا في قَدْرِ الْوَاجِبِ لَا الْمُمَيِّزُونَ الزَّكَاةَ من الْمَالِ وَجَامِعُوهُ أَيْ الْمَالِ فإن أُجْرَتَهُمْ على الْمَالِكِ لَا من سَهْمِ الْعَامِلِ لِأَنَّهَا لِتَوْفِيَةِ الْوَاجِبِ كَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ في الْبَيْعِ فَإِنَّهَا على الْبَائِعِ وأجرة الرَّاعِي وَالْحَافِظِ بَعْدَ قَبْضِهَا وَالْمَخْزَنُ بِفَتْحِ الزَّاي وَالنَّاقِلُ على بِمَعْنَى في جُمْلَةِ السُّهْمَانِ لَا في سَهْمِ الْعَامِلِ الرَّابِعُ الْمُؤَلَّفَةُ فإذا كَانُوا كُفَّارًا يُتَأَلَّفُونَ لِخَوْفِ شَرِّهِمْ أو لِتَرْغِيبِهِمْ في الْإِسْلَامِ لِمَيْلِهِمْ إلَيْهِ لم يُعْطُوا من زَكَاةٍ وَلَا غَيْرِهَا لِلْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ وَأَغْنَى عن التَّأْلِيفِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِمُعَاذٍ أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عليهم صَدَقَةً تُؤْخَذُ من أَغْنِيَائِهِمْ فَتَرُدُّ على فُقَرَائِهِمْ لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَيَّالُ وَالْحَمَّالُ وَالْحَافِظُ وَنَحْوُهُمْ كُفَّارًا مُسْتَأْجَرِينَ من سَهْمِ الْعَامِلِ لِأَنَّ ذلك أُجْرَةٌ لَا زَكَاةٌ وَذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَكَأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ أَخْرَجَ ذلك عن كَوْنِهِ زَكَاةً أو ذلك مَبْنِيٌّ على أَنَّ ما يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ أُجْرَةً وَسَيَأْتِي ما فيه وإذا كَانُوا مُسْلِمِينَ أُعْطُوا منها وَهُمْ إمَّا ضَعِيفُ النِّيَّةِ في الْإِسْلَامِ فَيُعْطَى لِيَقْوَى إسْلَامُهُ أو شَرِيفٌ في قَوْمِهِ يُتَوَقَّعُ بِإِعْطَائِهِ إسْلَامُ نَظَائِرِهِ أو كَافٍ لنا شَرَّ جِيرَانِهِ أَيْ من يَلِيهِ من الْكَفَّارَةِ وَمَانِعِي أَيْ أو من مَانِعِي الزَّكَاةِ فَيُعْطَى حَيْثُ إعْطَاؤُهُمْ الْأَوْلَى إعْطَاؤُهُ أَهْوَنُ عَلَيْنَا من جَيْشٍ يُبْعَثُ لِبُعْدِ الْمَشَقَّةِ أو كَثْرَةِ الْمُؤْنَةِ أو غَيْرِهِمَا فَمُؤَلَّفَة الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ أو أَرْبَعَةٌ وَالتَّقْيِيدُ بِكَوْنِ الْإِعْطَاءِ أَهْوَنَ من بَعْثِ جَيْشٍ من زِيَادَتِهِ وَيُعْتَبَرُ في إعْطَائِهِمْ احْتِيَاجُنَا إلَيْهِمْ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ في الْكِفَايَةِ عن الْمُخْتَصَرِ الْخَامِسُ الرِّقَابُ فَيُعْطَوْنَ كما سَيَأْتِي لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى وفي الرِّقَابِ كَقَوْلِهِ وفي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُنَاكَ يُعْطَى الْمَالُ
____________________
(1/395)
لِلْمُجَاهِدِينَ فَيُعْطَى لِلرِّقَابِ فَلَا يُشْتَرَى بِهِ رِقَابٌ لِلْعِتْقِ كما قِيلَ بِهِ وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ كِتَابَةً صَحِيحَةً لَا فَاسِدَةً لِأَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ من جِهَةِ السَّيِّدِ فَيُعْطَوْنَ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِمْ ما يُؤَدُّونَ من النُّجُومِ إنْ عَجَزُوا عن الْوَفَاءِ وَلَوْ لم يَحِلَّ النَّجْمُ لِأَنَّ التَّعْجِيلَ مُتَيَسِّرٌ في الْحَالِ وَرُبَّمَا يَتَعَذَّرُ عليه الْإِعْطَاءُ عِنْدَ الْمَحَلِّ بِخِلَافِ غَيْرِ الْعَاجِزِينَ لِعَدَمِ حَاجَتِهِمْ وَقَوْلُهُ وَلَوْ لم يَحِلَّ النَّجْمُ يُخَالِفُ نَظِيرَهُ من الْغَارِمِ فإنه يُشْتَرَطُ فيه حُلُولُ دَيْنِهِ لِيَكُونَ مُحْتَاجًا إلَى وَفَائِهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِالِاعْتِنَاءِ بِالْحِرْصِ على تَعْجِيلِ الْعِتْقِ وَرُبَّمَا يُعْجِزُ السَّيِّدُ مُكَاتَبَهُ عِنْدَ الْحُلُولِ ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ فَرَّقَ بِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْخَلَاصِ من الرِّقِّ أَهَمُّ وَالْغَارِمُ يَنْتَظِرُ الْيَسَارَ فَإِنْ لم يُوسِرْ فَلَا حَبْسَ وَلَا مُلَازَمَةَ وَالتَّسْلِيمُ لِمَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُكَاتَبُ أو الْغَارِمُ الْآتِي بَيَانُهُ إلَى السَّيِّدِ أو الْغَرِيمِ بِإِذْنِ الْمُكَاتَبِ أو الْغَارِمِ أَحْوَطُ وَأَفْضَلُ إلَّا إنْ كان ما يَسْتَحِقُّهُ أَقَلُّ مِمَّا عليه وَأَرَادَ أَنْ يَتَّجِرَا فيه وَيُنَمِّيَاهُ فَلَا يُسْتَحَبُّ تَسْلِيمُهُ إلَى من ذُكِرَ لِأَنَّ الِاتِّجَارَ فيه أَقْرَبُ إلَى الْعِتْقِ وَبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَالْأَوْلَى وَأَرَادَ أَنْ يَتَّجِرَ كما في نُسْخَةٍ لَكِنْ فيها بَعْدَ يَتَّجِرُ أَلِفٌ وَكَأَنَّهَا دَاخِلَةٌ على كَلَامِهِ الْآتِي وَإِنْ كان فيه حِينَئِذٍ رَكَاكَةٌ وتسليمه إلَى من ذُكِرَ بِغَيْرِ الْإِذْنِ من الْمُكَاتَبِ أو الْغَارِمِ لَا يَقَعُ زَكَاةً فَلَا يُسَلَّمُ له إلَّا بِإِذْنِهِمَا لِأَنَّهُمَا الْمُسْتَحِقَّانِ ولكن يَنْقَضِي دَيْنُهُمَا لِأَنَّ من أَدَّى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَسْقُطُ عنهما بِقَدْرِ الْمَصْرُوفِ كما عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ
فَرْعٌ لو أُعْتِقَ الْمُكَاتَبُ بِإِعْتَاقِ سَيِّدِهِ له تَبَرُّعًا أو بِإِبْرَائِهِ أو بِأَدَاءِ غَيْرِهِ عنه أو بِأَدَائِهِ هو من مَالٍ آخَرَ أو أَبْرَأَ الْغَارِمُ أو اسْتَغْنَى وَبَقِيَ مَالُ الزَّكَاةِ في يَدَيْهِمَا اُسْتُرِدَّ مِنْهُمَا بِزِيَادَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ نعم قال الْمَاوَرْدِيُّ إنْ أَدَّى الْغَارِمُ الدَّيْنَ من قَرْضٍ لم يُسْتَرَدَّ منه ما أَخَذَهُ إذْ لم يَسْقُطْ عنه دَيْنُهُ وَإِنَّمَا صَارَ لِآخَرَ كَالْحَوَالَةِ قال فَلَوْ قَرَى منه أو أَدَّاهُ من غَيْرِ قَرْضٍ فلم يُسْتَرَدَّ منه ما أَخَذَهُ حتى لَزِمَهُ دَيْنٌ صَارَ بِهِ غَارِمًا فَهَلْ يُسْتَرَدُّ منه لِأَنَّهُ صَارَ كَالْمُسْتَسْلَفِ له قبل غُرْمِهِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُهُ إلَيْهِ انْتَهَى
وَالْأَوْجَهُ مِنْهُمَا الْأَوَّلُ وَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ على قَوْلِهِ أو اسْتَغْنَى الْغَارِمُ لَا غِنًى عَمَّا قَبْلَهُ وَلَوْ أَتْلَفَاهُ أو تَلِفَ وَلَوْ بِانْتِقَالِهِ إلَى غَيْرِهِمَا قبل الْإِعْتَاقِ وَالْبَرَاءَةِ لم يَغْرَمَا لِتَلَفِهِ على مِلْكِهِمَا مع حُصُولِ الْمَقْصُودِ أو بَعْدَهُمَا غَرِمَا لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ وَكَالْإِعْتَاقِ وَالْبَرَاءَةِ نَحْوِهِمَا مِمَّا ذُكِرَ فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَرُقَّ اُسْتُرِدَّ منه إنْ كان بَاقِيًا لِعَدَمِ حُصُولِ الْعِتْقِ فلم يَنْصَرِفْ الْمَأْخُوذُ فيه وَتَعَلَّقَ بَدَلُهُ بِذِمَّتِهِ لَا بِرَقَبَتِهِ لو كان تَالِفًا لِحُصُولِ الْمَالِ عِنْدَهُ بِرِضَا صَاحِبِهِ فَلَوْ قَبَضَهُ السَّيِّدُ وَعَجَزَ الْمُكَاتَبُ عن بَقِيَّةِ النُّجُومِ رَدَّهُ إنْ كان بَاقِيًا وَلَوْ تَلِفَ معه أَيْ في يَدِهِ قبل الْعَجْزِ أو بَعْدَهُ غَرِمَ بَدَلَهُ وَإِنْ كان التَّلَفُ بِبَيْعٍ أو نَحْوِهِ لِمَا مَرَّ وَلَا يُفْسَخُ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَوْ مَلَّكَهُ السَّيِّدُ شَخْصًا لم يَسْتَرِدَّ منه بَلْ يَغْرَمُ السَّيِّدُ قال في الْبَيَانِ وَلَوْ سَلَّمَ بَعْضَ الْمَالِ لِسَيِّدِهِ فَأَعْتَقَهُ فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُسْتَرَدُّ منه لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ إنَّمَا أَعْتَقَهُ لِلْمَقْبُوضِ قال في الْمَجْمُوعِ وما قَالَهُ مُتَعَيِّنٌ
فَرْعٌ لِلْمُكَاتَبِ وَالْغَارِمِ أَنْ يَتَّجِرَا في الْمَأْخُوذِ لِيَرْبَحَا فيه وَيُوَفِّيَا ما عَلَيْهِمَا وَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يُنْفِقَ ما أَخَذَهُ وَيُؤَدِّيَ ما عليه من كَسْبِهِ مُنِعَ من ذلك الْمَكَاتِبُ لَا الْغَارِمُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مَحْجُورٌ عليه وَمِلْكُهُ ضَعِيفٌ فَضَعِيفٌ تَصَرُّفُهُ على أَنَّهُ نُقِلَ عن الْإِمَامِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يُمْنَعُ لَكِنْ قال الزَّرْكَشِيُّ أَخْذًا من كَلَامِ غَيْرِهِ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا في الْمَعْنَى لِأَنَّ الثَّانِيَ مَحْمُولٌ على ما إذَا كان
____________________
(1/396)
يُتَوَقَّعُ له كَسْبٌ يَفِي بِمَا عليه وَالْأَوَّلُ على ما إذَا كان عِنْدَهُ كَسْبٌ حَاصِلٌ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَصِحُّ الثَّانِي مع أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى من الزَّكَاةِ وَمَعَهُ ما يَفِي بِمَا عليه قُلْت يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِمَا إذَا كان بيده قَدْرُ ما يَحْتَاجُهُ لِلنَّفَقَةِ وهو بِقَدْرِ ما يَحْصُلُ بِهِ الْعِتْقُ لو أَدَّاهُ وَلَوْ أَعْطَى السَّيِّدُ من زَكَاتِهِ مُكَاتَبَهُ لم يُجْزِهِ لِعَوْدِ الْفَائِدَةِ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْغَارِمِ فإن لِرَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يُعْطِيَهُ من زَكَاتِهِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ فَكَأَنَّهُ أَعْطَى مَمْلُوكَهُ بِخِلَافِ الْغَارِمِ وَلَا يُعْطَى من عَجَزَتْ الْوَصِيَّةُ بِكِتَابَتِهِ عن كُلِّهِ بِأَنْ أَوْصَى بِكِتَابَتِهِ عَبْدٌ فَعَجَزَ عنه الثُّلُثُ فَلَا يُعْطَى لِأَنَّ ما يَأْخُذُهُ يَنْقَسِمُ على الْقَدْرِ الرَّقِيقِ وَغَيْرِهِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في بَابِ الْكِتَابَةِ وَاسْتَحْسَنَ وَجْهًا أَنَّهُ كان بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ أَعْطَى في نَوْبَتِهِ وَإِلَّا فَلَا
فَرْعٌ لو قال لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ على أَلْفٍ فَقَبِلَ أو افْتَرَضَ الْمُكَاتَبُ نُجُومَهُ وَعَتَقَ أُعْطِيَ من سَهْمِ الْغَارِمِينَ فَقَطْ أَيْ لَا من سَهْمِ الرِّقَابِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ ليس منهم الصِّنْفُ السَّادِسُ الْغَارِمُونَ وَهُمْ أَرْبَابُ الدُّيُونِ يَعْنِي من لَزِمَتْهُمْ الدُّيُونُ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ دَيْنٌ لَزِمَهُ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ وَدَيْنٌ لَزِمَهُ لِضَمَانٍ لَا لِتَسْكِينِ فِتْنَةٍ وَدَيْنٌ لَزِمَهُ لِتَسْكِينِهَا وهو إصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ فَمَنْ ادَّانَ أَصْلُهُ ادْتَانَ اُسْتُثْقِلَتْ التَّاءُ بَعْدَ الدَّالِ فَأُبْدِلَتْ دَالًا وَأُدْغِمَتْ الْأُولَى فيها أَيْ فَمَنْ اسْتَدَانَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ أُعْطِيَ لَا إنْ اسْتَدَانَ في مَعْصِيَةٍ كَثَمَنِ خَمْرٍ وَإِسْرَافٍ في نَفَقَتِهِ فَلَا يُعْطَى إلَّا إنْ تَابَ عنها فَيُعْطَى كَالْمُسَافِرِ لِمَعْصِيَةٍ إذَا تَابَ فإنه يُعْطَى من سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ قال في الْأَصْلِ ولم يَتَعَرَّضُوا هُنَا لِاسْتِبْرَاءِ حَالِهِ بِمُضِيِّ مُدَّةٍ يَظْهَرُ فيها حَالُهُ إلَّا أَنَّ الرُّويَانِيَّ قال يُعْطَى على أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ إذَا غَلَبَ على الظَّنِّ صِدْقُهُ في تَوْبَتِهِ فَيُمْكِنُ حَمْلُ إطْلَاقِهِمْ عليه وقال في الْمَجْمُوعِ بَعْدَ كَلَامِ الرُّويَانِيِّ وهو الظَّاهِرُ قال الْإِمَامُ وَلَوْ اسْتَدَانَ لِمَعْصِيَةٍ ثُمَّ صَرَفَهُ في مُبَاحٍ أُعْطِيَ وفي عَكْسِهِ يُعْطَى أَيْضًا إنْ عُرِفَ قَصْدُ الْإِبَاحَةِ أَوَّلًا وَلَكِنَّا لَا نُصَدِّقُهُ فيه
وَالْأُولَى وَارِدَةٌ على كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَصْلِهِ وَجَوَابُ من قَوْلُهُ أُعْطِيَ إذَا احْتَاجَ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ من الزَّكَاةِ وذلك بِأَنْ كان بِحَيْثُ لو قَضَى دَيْنَهُ ما معه تَمَكَّنَ فَيُتْرَكُ له ما يَكْفِيهِ وَيُتِمُّ له الْبَاقِي يَعْنِي إذَا احْتَاجَ إلَى ذلك بِالْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ تُرِكَ له مِمَّا معه ما يَكْفِيهِ وَأُعْطِيَ ما يَقْضِي بِهِ بَاقِي دَيْنَهُ فَإِنْ انْتَفَى ذلك لم يُعْطَ لَأَنْ يَأْخُذَ لِحَاجَتِهِ إلَيْنَا فَاعْتُبِرَ عَجْزُهُ كَالْمُكَاتَبِ وَابْنِ السَّبِيلِ بِخِلَافِ الْغَارِمِ لِلْإِصْلَاحِ فإنه يَأْخُذُ لِحَاجَتِنَا إلَيْهِ كما سَيَأْتِي وَيُعْطَى الْغَارِمُ وَلَوْ قَدَرَ على قَضَاءِ دَيْنِهِ بِالْكَسْبِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِهِ لِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ على قَضَائِهِ غَالِبًا إلَّا بِالتَّدْرِيجِ وَبِذَلِكَ فَارَقَ الْفَقِيرَ وَالْمِسْكِينَ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ يُعْطَى وَلَوْ قَدَرَ على قَضَاءِ النُّجُومِ بِالْكَسْبِ وَيُشْتَرَطُ الْحُلُولُ لِلدَّيْنِ في إعْطَاءِ الْغَارِمِ وَإِنَّمَا لم يُعْطَ قبل الْحُلُولِ لِعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ الْآنَ وَذِكْرُهُ كَأَصْلِهِ هذا الشَّرْطَ عَقِبَ هذا الضَّرْبِ قد يَقْتَضِي أَنَّهُ ليس بِشَرْطٍ في الضَّرْبَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَيُمْكِنُ تَوَجُّهُهُ في الضَّرْبِ الثَّانِي بِأَنَّهُ كما يَجُوزُ الْإِعْطَاءُ فيه مع الْغَنِيِّ يَجُوزُ مع التَّأْجِيلِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ إذْ لَا طَلَبَ لِلدَّيْنِ الْآنَ
وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ منهم الْمُصَنِّفُ في الْإِرْشَادِ وَشَرْحِهِ له وَلَعَلَّ في عُدُولِهِ عن الضَّمِيرِ إلَى الظَّاهِرِ في قَوْلِهِ الْغَارِمُ إشَارَةً إلَيْهِ وَإِنْ ضَمِنَ لَا لَتَسْكِينِ فِتْنَةٍ وَوُجِدَ حَالَةَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وهو مُعْسِرٌ مُلْتَزِمٌ بِمُعْسِرٍ أَيْ بِمَا عليه أُعْطِيَ ما يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ وإذا قَضَى بِهِ دَيْنَهُ لم يَرْجِعْ على الْأَصِيلِ وَإِنْ ضَمِنَ بِإِذْنِهِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إذَا غَرِمَ من عِنْدَهُ كَبِمُوسِرٍ أَيْ كَمُعْسِرٍ مُلْتَزِمٍ بِمُوسِرٍ أَيْ بِمَا عليه بِلَا إذْنٍ من الْأَصِيلِ فإنه يُعْطَى لِأَنَّهُ إذَا غَرِمَ لَا يَرْجِعُ عليه بِخِلَافِ ما إذَا ضَمِنَ بِإِذْنِهِ وَصَرْفُهُ إلَى الْأَصِيلِ الْمُعْسِرِ أَوْلَى لِأَنَّ الضَّامِنَ فَرَّعَهُ بِخِلَافِ الْأَصِيلِ الْمُوسِرِ إذْ لَا حَقَّ له في الزَّكَاةِ أو وهو مُوسِرٌ مُلْتَزِمٌ بِمُوسِرٍ أَيْ بِمَا عليه فَلَا يُعْطَى لِأَنَّهُ إذَا غَرِمَ رَجَعَ وَشَمِلَ كَلَامُهُ الضَّمَانَ بِالْإِذْنِ وَبِدُونِهِ وفي الثَّانِي وَجْهَانِ في الْأَصْلِ بِلَا تَرْجِيحٍ
وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ يُعْطَى وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُعْطِي وهو الْأَوْجَهُ نَظِيرُ ما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ أو مُوسِرٌ مُلْتَزِمٌ بِمُعْسِرٍ أَيْ بِمَا عليه أُعْطِيَ الْأَصِيلُ دُونَ الضَّامِنِ وَالْغَارِمُ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ أَيْ الْحَالِ بين الْقَوْمِ كَأَنْ يَخَافَ فِتْنَةً بين قَبِيلَتَيْنِ تَنَازَعَتَا في قَتِيلٍ لم يَظْهَرْ قَاتِلُهُ فَتَحَمَّلَ الدِّيَةَ تَسْكِينًا لِلْفِتْنَةِ يُعْطِي مع الْغَنِيِّ وَلَوْ في غَيْرِ دَمٍ كَتَحَمُّلِ قِيمَةِ مَالٍ مُتْلَفٍ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَلِأَنَّا لو اعْتَبَرْنَا الْفَقْرَ فيه لَقُلْت الرَّغْبَةُ في هذه الْمَكْرُمَةِ فَإِنْ قَضَى الْغَارِمُ دَيْنَهُ أو سَلَّمَهُ يَعْنِي دَيْنَ غَيْرِهِ ابْتِدَاءً أَيْ من غَيْرِ لُزُومِ الدَّيْنِ ذِمَّتَهُ
____________________
(1/397)
من مَالِهِ فِيهِمَا لم يَسْتَحِقَّ شيئا من الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ لم يَبْقَ غَارِمًا في الْأُولَى وَلَيْسَ غَارِمًا في الثَّانِيَةِ فَإِطْلَاقُ الْغَارِمِ عليه فيها مَجَازٌ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْغَارِمَ إنَّمَا يُعْطَى عِنْدَ بَقَاءِ الدَّيْنِ وَبِهِ صَرَّحَ أَصْلُهُ
نعم إنْ قَضَاهُ بِقَرْضٍ أُعْطِيَ أَخْذًا من كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ السَّابِقِ وَكَذَا لو مَاتَ لَا يَسْتَحِقُّ شيئا وَإِنْ لم يَخْلُفْ وَفَاءً لِدَيْنِهِ وهو ظَاهِرٌ إنْ مَاتَ ولم يَتَعَيَّنْ لِلزَّكَاةِ بِالْبَلَدِ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْضَى دِينُهُ منه لِاسْتِحْقَاقِهِ له قبل مَوْتِهِ مع بَقَاءِ حَاجَتِهِ وَبِهَذَا فَارَقَ نَظِيرَهُ في الْمُكَاتَبِ وَالْغَازِي وَابْنِ السَّبِيلِ حَيْثُ يَنْقَطِعُ حَقُّهُمْ وفي إقْرَاءِ الْوَجْهِ قَوْلٌ أَصْلُهُ وفي قِرَى الضَّيْفِ وَعِمَارَةِ الْمَسْجِدِ وَبِنَاءِ الْقَنْطَرَةِ وَفَكِّ الْأَسِيرِ وَنَحْوِهَا من الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ يُعْطَى الْمُسْتَدِينُ لها من الزَّكَاةِ عِنْدَ الْعَجْزِ عن النَّقْدِ لَا عن غَيْرِهِ كَالْعَقَارِ وَعَلَى هذا جَرَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا وقال السَّرَخْسِيُّ حُكْمُهُ حُكْمُ ما اسْتَدَانَهُ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ وَحَكَى في الْأَصْلِ الْمَقَالَتَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ وَقَدَّمَ الثَّانِيَةَ وَلِتَقْدِيمِهَا فَهِمَ شَيْخُنَا أبو عبد اللَّهِ الْحِجَازِيُّ في مُخْتَصَرِ الرَّوْضَةِ أنها الْمُعْتَمَدَةُ فَرَجَّحَهَا عَكْسُ ما فَعَلَ الْمُصَنِّفُ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وقال الْأَذْرَعِيُّ الذي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْأَكْثَرِينَ ما قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ
قال وَالْحَاصِلُ من كَلَامِهِمْ في ذلك طَرِيقَانِ أَشْهُرُهُمَا أَنَّهُ كما لو اسْتَدَانَهُ لِنَفْسِهِ وَثَانِيهِمَا طَرِيقَةُ الْمَاوَرْدِيِّ وَهِيَ طَرِيقَةٌ مُتَرَدِّدَةٌ بين اسْتِدَانَتِهِ لِنَفْسِهِ وَاسْتِدَانَتِهِ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ
فَرْعٌ وَإِنْ بَانَ الْقَابِضُ لِلزَّكَاةِ من الْمَالِكِ غَنِيًّا أو غير غَارِمٍ أو غَيْرَهُ مِمَّنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا لم يُجْزِهِ وَإِنْ أَعْطَاهُ إيَّاهَا بِبَيِّنَةٍ شَهِدَتْ بِالْوَصْفِ الذي أَعْطَاهُ بِهِ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ وَخَرَجَ بِالْمَالِكِ الْإِمَامُ وَسَيَأْتِي أَوَاخِرَ الْبَابِ وفي مَعْنَى الْمَالِكِ وَلِيُّهُ وَوَكِيلُهُ وَإِنْ دَفَعَهَا لِمَدْيُونِهِ وَشَرَطَ أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهَا عن دَيْنِهِ لم يُجِزْهُ وَلَا يَصِحُّ قَضَاءُ الدَّيْنِ بها كما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ لَا إنْ نَوَيَا ذلك ولم يَشْتَرِطَاهُ فإنه يُجْزِئُ وَيَصِحُّ الْقَضَاءُ بها وَإِنْ وَعَدَهُ الْفَقِيرُ بِلَا شَرْطٍ من الْمَالِكِ بِأَنْ قال له أَعْطِنِي من زَكَاتِك حتى أَقْضِيَك دَيْنَك وَأَعْطَاهُ الْمَالِكُ أَجْزَأَهُ عنها وَلَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ وَالتَّعْبِيرِ بِالْفَقِيرِ من تَصَرُّفِهِ وَالْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرُ بِالْمَدْيُونِ كما عَبَّرَ بِهِ أَصْلُهُ
وَلَوْ قال الْغَرِيمُ لِمَدْيُونِهِ اقْضِنِي دَيْنِي الذي عَلَيْك وَأَرُدُّهُ لَك زَكَاةً فَأَعْطَاهُ بَرِئَ من الدَّيْنِ وَلَا يَلْزَمُهُ إعْطَاؤُهُ وَلَوْ قال لِفَقِيرٍ له عِنْدَهُ حِنْطَةٌ وَدِيعَةٌ اكْتَلْ لِنَفْسِك مِمَّا أَوْدَعْتُك إيَّاهُ صَاعًا مَثَلًا وَخُذْهُ لَك وَنَوَى بِهِ الزَّكَاةَ فَفَعَلَ أو قال جَعَلْت دَيْنِي الذي عَلَيْك زَكَاةً لم يُجْزِهِ
أَمَّا في الْأُولَى فَلِانْتِفَاءِ كَيْلِهِ له وَكَيْلُهُ لِنَفْسِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَالتَّرْجِيحُ فيها من زِيَادَتِهِ
وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ ما ذُكِرَ فيها إبْرَاءٌ لَا تَمْلِيكٌ وَإِقَامَتُهُ مَقَامَهُ إبْدَالٌ وهو مُمْتَنِعٌ في الزَّكَاةِ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ في بَابِ الْهِبَةِ عن صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَطَرِيقُ الْأَجْزَاءِ فيها أَنْ يَقْبِضَ الدَّيْنَ ثُمَّ يَرُدَّهُ إلَيْهِ إنْ شَاءَ ذَكَرَهُ في الرَّوْضَةِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِلْفَقِيرِ خُذْ ما اكْتَلْتَ لي بِأَنْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ صَاعِ حِنْطَةٍ مَثَلًا فَقَبَضَهُ أو بِشِرَائِهِ فَاشْتَرَاهُ وَقَبَضَهُ فقال له الْمُوَكِّلُ خُذْهُ لِنَفْسِك وَنَوَاهُ زَكَاةً فإنه يُجْزِئُ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى كَيْلِهِ لِنَفْسِهِ وَإِنْ ضَمِنَ دِيَةَ قَتِيلٍ عن قَاتِلٍ يُعْرَفُ لم يُعْطَ مع الْغِنَى بِشَرْطٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ إنْ كان هُنَاكَ حَاكِمٌ يُسْكِنُ الْفِتْنَةَ وَإِلَّا أُعْطِيَ مع الْغِنَى لِحَاجَتِنَا إلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا كان هُنَاكَ كَبِيرٌ يُصْلِحُ بين الناس يُغْنِي عن الْحَاكِمِ عِنْدَ فَقْدِهِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ يُعْرَفُ ما إذَا لم يُعْرَفْ فَيُعْطَى من ضَمِنَ عنه مع الْغِنَى كما مَرَّ هذا وَالتَّفْصِيلُ بين مَعْرِفَتِهِ وَعَدَمِهَا قال في الرَّوْضَةِ فيه نَظَرٌ وفي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِمَعْرِفَتِهِ وَعَدَمِهَا أَيْ فَيُعْطَى مع الْغِنَى مُطْلَقًا الصِّنْفُ السَّابِع في سَبِيلِ اللَّهِ وفي نُسْخَةٍ سَبِيلُ اللَّهِ بِتَرْكِ في وَهُمْ الْغُزَاةُ الْمُتَطَوِّعُونَ أَيْ الَّذِينَ لَا رِزْقَ لهم في الْفَيْءِ فَيُعْطَوْنَ وَإِنْ أَيْسَرُوا وفي نُسْخَةٍ وَلَوْ أَغْنِيَاءَ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَإِعَانَةً لهم على الْغَزْوِ وَتَحْرُمُ الزَّكَاةُ على الْغَازِي الْمُرْتَزِقِ وَلَوْ كان عَامِلًا كما يَحْرُمُ صَرْفُ شَيْءٍ من الْفَيْءِ لِلْمُتَطَوِّعِ فإذا عُدِمَ الْفَيْءُ وَاضْطُرِرْنَا إلَى الْمُرْتَزِقِ لِيَكْفِيَنَا شَرَّ الْكُفَّارِ
____________________
(1/398)
أَعَانَهُمْ الْأَوْلَى أَعَانَهُ أَيْ الْمُرْتَزِقَ الْأَغْنِيَاءُ أَيْ أَغْنِيَاؤُنَا من أَمْوَالِهِمْ لَا من الزَّكَاةِ كما لَا يُصْرَفُ الْفَيْءُ إلَى مَصَارِفِ الزَّكَاةِ الثَّامِنُ ابن السَّبِيلِ أَيْ الطَّرِيقِ وهو من يُنْشِئُ سَفَرًا مُبَاحًا من مَحَلِّ الزَّكَاةِ فَيُعْطَى وَلَوْ كَسُوبًا أو كان سَفَرُهُ لِنُزْهَةٍ لِعُمُومِ الْآيَةِ بِخِلَافِ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ لَا يُعْطَى فيه قبل التَّوْبَةِ كما مَرَّ أَوَائِلَ الْبَابِ وَأَلْحَقَ بِهِ الْإِمَامُ السَّفَرَ لَا لِقَصْدٍ صَحِيحٍ كَسَفَرِ الْهَائِمِ وَكَذَا يُعْطَى أَيْضًا الْمُسَافِرُ الْغَرِيبُ الْمُجْتَازُ بِمَحَلِّ الزَّكَاةِ وَإِنَّمَا يُعْطَيَانِ إنْ لم يَجِدَا مَعَهُمَا شيئا يَكْفِيهِمَا في سَفَرِهِمَا كما سَيَأْتِي بَيَانُهُ فَيُعْطَى من لَا مَالَ له وَمَنْ له مَالٌ غَائِبٌ نعم إنْ وَجَدَ الثَّانِي من يُقْرِضُهُ لم يُعْطَ نَصَّ عليه في الْبُوَيْطِيِّ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَوَقَعَ لِابْنِ كَجٍّ ما يُخَالِفُ النَّصَّ وَنَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ وَأَقَرَّهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وهو ضَعِيفٌ لِلنَّصِّ الْمَذْكُورِ
فَصْلٌ تَحْرُمُ الزَّكَاةُ على الْهَاشِمِيِّ وَالْمُطَّلِبِيِّ وَلَوْ انْقَطَعَ عنهما خُمُسُ الْخُمُسِ لِخُلُوِّ بَيْتِ الْمَالِ عن الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ أو لِاسْتِيلَاءِ الظَّلَمَةِ عَلَيْهِمَا أو كان من يُعْطَاهَا مَوْلًى لَهُمَا أَيْ الْهَاشِمِيِّ وَالْمُطَّلِبِيِّ أو عَامِلًا في الزَّكَاةِ قال صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّ هذه الصَّدَقَاتِ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ الناس لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وقال لَا أُحِلُّ لَكُمْ أَهْلِ الْبَيْتِ من الصَّدَقَاتِ شيئا وَلَا غُسَالَةَ الْأَيْدِي إنَّ لَكُمْ في خُمُسِ الْخُمُسِ ما يَكْفِيكُمْ أو يُغْنِيكُمْ أَيْ بَلْ يُغْنِيكُمْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وقال مولى الْقَوْمِ منهم رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ نعم لو اسْتَعْمَلَهُمْ الْإِمَامُ في الْحِفْظِ أو النَّقْلِ فَلَهُمْ أُجْرَتُهُ كَذَا في الْمَجْمُوعِ عن صَاحِبِ الْبَيَانِ وَجَزَمَ بِهِ ابن الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ وَهَذَا إمَّا ضَعِيفٌ أو مَبْنِيٌّ على أَنَّ ما يُعْطَاهُ الْعَامِلُ أُجْرَةً لَا زَكَاةً لَكِنَّ الصَّحِيحَ كما قال ابن الرِّفْعَةِ أَنَّهُ زَكَاةٌ بِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَحَكَاهُ عن الشَّافِعِيِّ مُسْتَدِلًّا بِآيَةِ إنَّمَا الصَّدَقَاتُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذلك مَحَلُّهُ إذَا اُسْتُؤْجِرُوا لِلنَّقْلِ وَنَحْوِهِ فَيَجُوزُ كما في الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ يَعْمَلَانِ فيها بِالْأُجْرَةِ وفي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أو كان مَوْلًى لَهُمَا تَسَمُّحٌ سَلِمَ منه عَطْفُ الْأَصْلِ له عَلَيْهِمَا
فَصْلٌ له أَيْ لِلْمُزَكِّي من إمَامٍ وَغَيْرِهِ إعْطَاءُ من عَلِمَ اسْتِحْقَاقَهُ لِلزَّكَاةِ وَإِنْ لم يَطْلُبْهَا منه بِخِلَافِ من عَلِمَ عَدَمَ اسْتِحْقَاقِهِ لها فَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَوْلَى من تَقْيِيدِ أَصْلِهِ بِالْإِمَامِ وَبِالطَّلَبِ وله إنْ لم يَعْلَمْ شيئا من ذلك تَصْدِيقٌ أَوْلَى منه وَأَخْصَرَ وَيُصَدَّقُ من ادَّعَى فَقْرًا أو مَسْكَنَةً أو عَجْزًا عن كَسْبٍ بِلَا يَمِينٍ وَلَوْ اُتُّهِمَ لِأَنَّ الزَّكَاةَ مَبْنِيَّةٌ على الْمُسَامَحَةِ وَالرِّفْقِ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَعْطَى من سَأَلَهُ منها بِغَيْرِ تَحْلِيفٍ وَعَلِمَ من كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ بَيِّنَةً لِعُسْرِهَا وَبِهِ صَرَّحَ أَصْلُهُ فَلَوْ عُرِفَ له مَالٌ وَادَّعَى تَلَفَهُ لم يُصَدَّقْ بَلْ يُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ لِسُهُولَتِهَا وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ قال في الْأَصْلِ ولم يُفَرِّقُوا بين دَعْوَاهُ التَّلَفَ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ كَالْحَرِيقِ أو خَفِيٍّ كَالسَّرِقَةِ كما في الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا قال الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَالظَّاهِرُ التَّفْرِيقُ كَالْوَدِيعَةِ وَفَرَّقَ ابن الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الْأَصْلَ ثَمَّ عَدِمُ الضَّمَانِ وَهُنَا عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ وَكَذَا لَا يُصَدَّقُ من ادَّعَى عِيَالًا له لَا يَفِي كَسْبُهُ بِكِفَايَتِهِمْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُمْ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ من تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ وَقَوْلُ السُّبْكِيّ تَفَقُّهًا وَكَذَا من لم تَلْزَمْهُ مِمَّنْ تَقْضِي الْمُرُوءَةُ بِقِيَامِهِ بِنَفَقَتِهِمْ مِمَّنْ يُمْكِنُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ من قَرِيبٍ وَغَيْرُهُ بَعِيدٌ وَيُصَدَّقُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ في دَعْوَى الْعَزْمِ على السَّفَرِ وَالْغَزْوِ مُدَّعِيًا هُمَا لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُمَا فَإِنْ تَخَلَّفَا عن الرُّفْقَةِ وَلَوْ بَعْدَ التَّأَهُّبِ لِلسَّفَرِ وَالْغَزْوِ اُسْتُرِدَّ مِنْهُمَا ما أَخَذَاهُ لِأَنَّ صِفَةَ الِاسْتِحْقَاقِ لم تَحْصُلْ
وَلَا يُصَدَّقُ الْعَامِلُ وَالْمُكَاتَبُ وَالْغَارِمُ في دَعْوَى الْعَمَلِ وَالْكِتَابَةِ وَلُزُومِ الدَّيْنِ الذِّمَّةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِسُهُولَتِهَا وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذلك فَلَوْ صَدَّقَهُمَا أَيْ الْمُكَاتَبُ وَالْغَارِمُ الْمَوْلَى أَيْ السَّيِّدُ وَالْغَرِيمُ أَيْ رَبُّ الدَّيْنِ كَفَى لِلْإِعْطَاءِ لِظُهُورِ الْحَقِّ بِالتَّصْدِيقِ وَلِأَنَّ الْإِعْطَاءَ فِيهِمَا مُرَاعًى فَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ أو أَدَّى
____________________
(1/399)
الدَّيْنَ فَذَاكَ وَإِلَّا اُسْتُرِدَّ وَإِنْ كَذَّبَاهُمَا لَغَا الْإِقْرَارُ وَالْمُؤَلَّفُ يُصَدَّقُ بِلَا يَمِينٍ في ضَعْفِ النِّيَّةِ بِأَنْ قال نِيَّتِي في الْإِسْلَامِ ضَعِيفَةٌ لِأَنَّ كَلَامَهُ يُصَدِّقُهُ وَيُثْبِتُ أَيْ يُقِيمُ بَيِّنَةً بِالشَّرَفِ الذي ادَّعَاهُ بِأَنْ قال أنا شَرِيفٌ مُطَاعٌ في قَوْمِي وَالْكِفَايَةِ التي ادَّعَاهَا بِأَنْ قال إنَّمَا أَكْفِيكُمْ شَرَّ من يَلِينِي من الْكُفَّارِ أو مَانِعِي الزَّكَاةِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَالْمُرَادُ بِالْإِثْبَاتِ في الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ إخْبَارُ عَدْلَيْنِ بِصِفَاتِ الشُّهُودِ وَلَوْ بِلَا قَاضٍ وَدَعْوَى وَإِشْهَادٍ وَالِاسْتِفَاضَةُ وَهِيَ اشْتِهَارُ الْحَالِ بين الناس كَافِيَةٌ عن الْبَيِّنَةِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ أو غَلَبَةِ الظَّنِّ قال في الْأَصْلِ وَيَشْهَدُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ من اعْتِبَارِ غَلَبَةِ الظَّنِّ ما قَالَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ من أَنَّهُ لو أَخْبَرَ عن الْحَالِ وَاحِدٌ يُعْتَمَدُ قَوْلُهُ كَفَى وما قَالَهُ الْإِمَامُ من أَنَّهُ رَأْيٌ لِلْأَصْحَابِ رَمْزًا إلَى تَرَدُّدٍ في أَنَّهُ لو حَصَلَ الْوُثُوقُ بِقَوْلِهِ من يَدَّعِي الْغُرْمَ وَغَلَبَ على الظَّنِّ صِدْقُهُ هل يَجُوزُ اعْتِمَادُهُ انْتَهَى وَالْأَقْرَبُ الْجَوَازُ وَيَكُونُ دَاخِلًا في قَوْلِهِ أَوَّلًا له إعْطَاءُ من عَلِمَ اسْتِحْقَاقَةَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ فِيمَا يَظْهَرُ ما يَشْمَلُ الظَّنَّ فَصْلٌ يُعْطَى الْمُكَاتَبُ وَالْغَارِمُ ما عَجَزَا عن أَدَائِهِ من كل الدَّيْنِ أو بَعْضِهِ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يُعْطَيَانِ لِلْحَاجَةِ إلَى وَفَائِهِ نعم لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ يُعْطَى الْكُلُّ وَلَوْ مع الْقُدْرَةِ على أَدَائِهِ كما مَرَّ وَمَنْ كان فَقِيرًا أو مِسْكِينًا وقد تَعَوَّدَ التِّجَارَةَ أُعْطِيَ كِفَايَتَهُ من رَأْسِ الْمَالِ الْأَوْلَى وَالْأَخْصَرُ وَإِلَّا وُفِّقَ بِعِبَارَةِ أَصْلِهِ أُعْطِيَ رَأْسَ مَالٍ يَكْفِيهِ رِبْحُهُ غَالِبًا وَيَخْتَلِفُ ذلك بِاخْتِلَافِ الناس وَالنَّوَاحِي فَيُعْطَى الْبَقْلِيُّ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَالْبَاقِلَّانِيّ عَشْرَةً وَالْفَاكِهِيُّ عِشْرِينَ وَالْخَبَّازُ خَمْسِينَ وَالْبَقَّالُ مِائَةً وَالْعَطَّارُ أَلْفًا وَالْبَزَّازُ أَلْفَيْنِ وَالصَّيْرَفِيُّ خَمْسَةَ آلَافٍ وَالْجَوْهَرِيُّ عَشْرَةَ آلَافٍ وَظَاهِرٌ أَنَّ كُلَّ ذلك على التَّقْرِيبِ فَلَوْ زَادَ على كِفَايَتِهِمْ أو نَقَصَ عنها نُقِصَ أو زِيدَ ما يَلِيقُ بِالْحَالِ وَمَنْ له حِرْفَةٌ لَا يَجِدُ آلَتَهَا أُعْطِيَ ما يَشْتَرِي بِهِ آلَتَهَا قَلَّتْ قِيمَتُهَا أو كَثُرَتْ قال الزَّرْكَشِيُّ تَفَقُّهًا وَلَوْ اجْتَمَعَ في وَاحِدٍ حِرَفٌ أُعْطِيَ بِأَقَلِّهَا فَإِنْ لم يَفِ بِحَالَةٍ تُمِّمَ له ما يَكْفِيهِ
ا ه
وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يُعْطَى بِالْحِرْفَةِ التي تَكْفِيهِ وَلَوْ لم يُحْسِنْ شيئا من حِرْفَةٍ أو تِجَارَةٍ أُعْطِيَ كِفَايَةَ الْعُمْرِ الْغَالِبِ بِأَنْ يُشْتَرَى له بِهِ عَقَارٌ تَكْفِيهِ غَلَّتُهُ وَيُسْتَغْنَى بها عن الزَّكَاةِ فَرْعٌ يُعْطَى ابن السَّبِيلِ ما يَكْفِيهِ في سَفَرِهِ ذَهَابًا وكذا إيَابًا لِقَاصِدِ الرُّجُوعِ إنْ لم يَكُنْ له في طَرِيقِهِ أو مَقْصِدِهِ مَالٌ أو ما يُبَلِّغُهُ مَالَهُ إنْ كان له فيه مَالٌ فَيُعْطَى نَفَقَةً وَكِسْوَةً إنْ احْتَاجَ إلَيْهَا بِحَسَبِ الْحَالِ شِتَاءً وَصَيْفًا لَا نَفَقَةَ إقَامَةٍ تُخْرِجُهُ عن السَّفَرِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ إقَامَةٍ لَا تُخْرِجُهُ عنه فَيُعْطَاهَا وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ ما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ من أَنَّهُ يُعْطَى جَمِيعَ كِفَايَتِهِ لَا ما زَادَ بِسَبَبِ السَّفَرِ فَقَطْ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ قد تَقْتَضِي أَنَّهُ وَلَوْ أَقَامَ لِحَاجَةٍ يُتَوَقَّعُ زَوَالُهَا أُعْطِيَ وهو وَجْهٌ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَا يُعْطَى لِمُدَّةِ الْإِقَامَةِ إلَّا مُدَّةَ إقَامَةِ الْمُسَافِرِينَ وَهِيَ سَالِمَةٌ من ذلك وَيُعَارُ أو يُسْتَأْجَرُ أو يُمَلَّكُ له ما يَحْمِلُهُ في سَفَرِهِ إنْ عَجَزَ عن الْمَشْيِ أو طَالَ السَّفَرُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَعْجَزْ وَقَصُرَ سَفَرُهُ ويعطى بِإِعَارَةٍ أو إجَارَةٍ أو تَمْلِيكٍ ما يَحْمِلُ زَادَهُ وَمَتَاعَهُ إنْ لم يُطِقْ وفي نُسْخَةٍ يُلْقِ حِمْلَهُ أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا
____________________
(1/400)
بِخِلَافِ ما إذَا أَطَاقَهُ بِأَنْ كان قَدْرًا يَعْتَادُ مِثْلُهُ حَمْلَهُ بِنَفْسِهِ لِانْتِفَاءِ الْحَاجَةِ وما زِدْتُهُ من التَّمْلِيكِ فِيمَا ذُكِرَ أَخَذْتُهُ من إطْلَاقِ الْأَصْلِ قَوْلُهُ وَيُهَيَّأُ له الْمَرْكُوبُ وَمِمَّا يَأْتِي في الْغَازِي وَإِنْ فُرِّقَ بِأَنَّ الْغَازِيَ يُعْطَى لِحَاجَتِنَا مع الْغِنَى وابن السَّبِيلِ يُعْطَى لِحَاجَتِهِ لِأَنَّ ذلك لَا يُؤَثِّرُ فِيمَا قُلْنَا لِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ اُسْتُرِدَّ منه كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي على أَنَّهُ نُقِلَ عن السَّرَخْسِيِّ وَأَقَرَّهُ أَنَّهُ إنْ قَلَّ الْمَالُ أُعْطِيَ كِرَاءَ الْمَرْكُوبِ وَإِلَّا اُشْتُرِيَ له ذلك وَقِيَاسُ ما يَأْتِي في الْمَغَازِي أَنَّهُ إنْ قَلَّ الْمَالُ تَعَيَّنَ الِاسْتِئْجَارُ أو الْإِعَارَةُ له فَرْعٌ وَالْغَازِي يُعْطَى النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ ذَهَابًا وَإِيَابًا وَإِقَامَةً في الثَّغْرِ إلَى الْفَتْحِ وَإِنْ طَالَتْ بِخِلَافِ ابْنِ السَّبِيلِ لَا يُعْطَى لِمُدَّةِ إقَامَتِهِ الزَّائِدَةِ على إقَامَةِ الْمُسَافِرِينَ كما مَرَّ لِزَوَالِ الِاسْمِ عنه وَاسْمُ الْغَازِي لَا يَزُولُ بِذَلِكَ بَلْ يَتَأَكَّدُ بِهِ وَلِأَنَّهُ قد يَحْتَاجُ إلَى ذلك لِتَوَقُّعِ فَتْحِ الْحِصْنِ ويعطى نَفَقَةَ عِيَالِهِ وَكِسْوَتَهُمْ لِذَلِكَ وَقِيمَةُ الْفَرَسِ إنْ كان مِمَّنْ يُقَابِلُ فَارِسًا وَإِلَّا فَلَا وقيمة آلَةِ الْحَرْبِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذلك وَيَصِيرُ جَمِيعُ ذلك مِلْكَهُ وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ أَنْ يُعْطِيَهُ الْفَرَسَ وَالْآلَةَ لِامْتِنَاعِ الْإِبْدَالِ في الزَّكَاةِ وَلِلْإِمَامِ ذلك لِأَنَّ له وِلَايَةً عليه فَيَشْتَرِي له ذلك وَيُعْطَاهُ أو يُسْتَأْجَرُ له أو يُعَارُ له مِمَّا اشْتَرَاهُ وَوَقَفَهُ كما سَيَأْتِي أو لم يَقِفْهُ لَكِنْ يَتَعَيَّنُ الِاسْتِئْجَارُ أو الْإِعَارَةُ إنْ قَلَّ الْمَالُ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيَخْتَلِفُ الْحَالُ بِحَسَبِ كَثْرَةِ الْمَالِ وَقِلَّتِهِ وَلِلْإِمَامِ لَا لِلْمَالِكِ أَنْ يَشْتَرِيَ من هذا السَّهْمِ خَيْلًا وَيَقِفَهَا في سَبِيلِ اللَّهِ وَيُعِيرَهُ إيَّاهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ وفي نُسْخَةٍ وَيُوقِفَهَا من أَوْقَفَهُ وَهِيَ لُغَةٌ شَاذَّةٌ وَحَمْلُ زَادِهِ وحمل نَفْسِهِ في الطَّرِيقِ كَابْنِ السَّبِيلِ فَيُعْطَى ما يَحْمِلُهُ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ فَرْعٌ إنَّمَا يُعْطَى الْغَازِي ذلك وَقْتَ الْخُرُوجِ لِيُهَيِّئَ بِهِ أَسْبَابَ السَّفَرِ فَإِنْ مَاتَ في الطَّرِيقِ أو في الْمَقْصِدِ أو امْتَنَعَ فيها من الْغَزْوِ اُسْتُرِدَّ منه ما بَقِيَ وَإِنْ غَزَا وَرَجَعَ وَبَقِيَ معه شَيْءٌ فَإِنْ قَتَّرَ أَيْ ضَيَّقَ على نَفْسِهِ أو كان الْبَاقِي قَدْرًا يَسِيرًا لم يُسْتَرَدَّ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يُقَتِّرْ وكان الْبَاقِي قَدْرًا كَثِيرًا اُسْتُرِدَّ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُعْطَى له فَوْقَ الْحَاجَةِ وَإِنَّ الْمُعْطِي أَخْطَأَ في الِاجْتِهَادِ وَيُسْتَرَدُّ فَاضِلُ ابْنِ السَّبِيلِ مُطْلَقًا عن التَّقْيِيدِ بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّا دَفَعْنَا إلَى الْغَازِي لِحَاجَتِنَا وقد تَحَصَّلْنَا على الْغَرَضِ لَمَّا غَزَا وَابْنِ السَّبِيلِ إلَيْهِ لِحَاجَتِهِ وقد زَالَتْ
فَرْعٌ الْمُؤَلَّفُ بِأَنْوَاعِهِ يُعْطَى ما يَرَاهُ الْإِمَامُ أو الْمَالِكُ إنْ فَرَّقَ على قِيَاسِ ما سَيَأْتِي من أَنَّهُ يُعْطَى الْمُؤَلَّفُ أو يُقَالُ ما يَرَاهُ الْإِمَامُ سَوَاءٌ أَفَرَّقَ هو أو الْمَالِكُ وَالْعَامِلُ يَسْتَحِقُّ من الزَّكَاةِ أُجْرَةَ مِثْلِ ما عَمِلَهُ فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ بَعَثَهُ بِلَا شَرْطٍ ثُمَّ أَعْطَاهُ إيَّاهَا وَإِنْ شَاءَ سَمَّاهَا له إجَارَةً كما سَيَأْتِي أو جَعَالَةً ثُمَّ أَدَّاهُ من الزَّكَاةِ وَبِمَا قَالَهُ عُلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالْعَمَلِ وَبِهِ صَرَّحَ أَوَاخِرَ الْبَابِ فَلَوْ أَدَّاهَا الْمَالِكُ قبل قُدُومِ الْعَامِلِ أو حَمَلَهَا إلَى الْإِمَامِ أو نَائِبِهِ فَلَا شَيْءَ له وَلِلْإِمَامِ اسْتِئْجَارُهُ لَا بِأَكْثَرَ من أُجْرَةِ مِثْلِهِ فَإِنْ زَادَ عليها بَطَلَتْ أَيْ الْإِجَارَةُ لِتَصَرُّفِهِ بِغَيْرِ الْمَصْلَحَةِ وَالزَّائِدُ من سَهْمِ الْعَامِلِ على أُجْرَتِهِ يَرْجِعُ لِلْأَصْنَافِ وَمَتَى نَقَصَ سَهْمُهُ عنها كَمَّلَ قَدْرَهَا من الزَّكَاةِ ثُمَّ قَسَّمَ الْبَاقِي وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يَجْعَلَ أُجْرَةَ الْعَامِلِ من بَيْتِ الْمَالِ إجَارَةً أو جَعَالَةً جَازَ وَبَطَلَ سَهْمُهُ فَتُقْسَمُ الزَّكَاةُ على بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ كما لو لم يَكُنْ عَامِلٌ
فَرْعٌ قال الدَّارِمِيُّ وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى الْعَامِلُ إذَا لم يُوجَدْ مُتَطَوِّعٌ نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عنه وَأَقَرَّهُ وهو يَقْتَضِي أَنَّ من عَمِلَ مُتَبَرِّعًا لَا يَسْتَحِقُّ شيئا على الْقَاعِدَةِ وهو ما جَزَمَ بِهِ ابن الرِّفْعَةِ لَكِنْ رَدَّهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ هذا فَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِمَنْ عَمَلَ كَالْغَنِيمَةِ يَسْتَحِقُّهَا الْمُجَاهِدُ وَإِنْ لم يَقْصِدْ إلَّا إعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فإذا عَمِلَ على أَنْ لَا يَأْخُذَ شيئا اسْتَحَقَّ وَإِسْقَاطُهُ بَعْدَ الْعَمَلِ لِمَا مَلَكَهُ بِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِمَا يُنْقَلُ الْمِلْكُ من هِبَةٍ أو نَحْوِهَا وَلَيْسَ كَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا بِقَصْدِ التَّبَرُّعِ حتى يُقَالَ إنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ لِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطٍ من الْمَخْلُوقِ وَهَذَا من اللَّهِ تَعَالَى كَالْمِيرَاثِ وَالْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ
فَرْعٌ مَتَى اجْتَمَعَ في رَجُلٍ مَثَلًا صِفَتَانِ كَفَقِيرٍ غَازٍ وَلَوْ كان عَامِلًا فَقِيرًا أَخَذْنَا بِأَيَّتِهِمَا شَاءَ لَا بِهِمَا لِأَنَّ الْعَطْفَ في الْآيَةِ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ وَالتَّرْجِيحُ في الْعَامِلِ من زِيَادَتِهِ وَعَلَى هذا فَإِنْ أَخَذَ فَقِيرٌ غَارِمٌ مع الْغَارِمِينَ نَصِيبَهُ من سَهْمِهِمْ فَأَعْطَاهُ غَرِيمُهُ أُعْطِيَ مع الْفُقَرَاءِ نَصِيبَهُ من سَهْمِهِمْ لِأَنَّهُ الْآنَ
____________________
(1/401)
مُحْتَاجٌ نَقَلَهُ في الرَّوْضَةِ عن الشَّيْخِ نَصْرٍ وَأَقَرَّهُ قال الزَّرْكَشِيُّ فَالْمُرَادُ امْتِنَاعُ أَخْذِهِ بِهِمَا دُفْعَةً قُلْت بَلْ أو مُرَتَّبًا ولم يَتَصَرَّفْ فِيمَا أَخَذَهُ أَوَّلًا فَصْلٌ وَيَجِبُ اسْتِيعَابُ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ بِالزَّكَاةِ إنْ أَمْكَنَ بِأَنَّ فَرَّقَهَا الْإِمَامُ وَوَجَدُوا كلهم لِظَاهِرِ الْآيَةِ سَوَاءٌ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَغَيْرُهَا وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ من أَصْحَابِنَا منهم الْإِصْطَخْرِيُّ جَوَازَ صَرْفِ الْفِطْرَةِ إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاكِينَ أو غَيْرِهِمْ من الْمُسْتَحِقِّينَ فَإِنْ شَقَّتْ الْقِسْمَةُ جَمَعَ جَمَاعَةٌ فِطْرَتَهُمْ وَفَرَّقُوا وَإِنْ فَرَّقَهَا الْمَالِكُ فَلَا عَامِلَ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَلَا مُؤَلَّفَ كما نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ عن النَّصِّ وَالرَّافِعِيُّ عن رِوَايَةِ الْحَنَّاطِيِّ له قَالَا وما في الرَّوْضَةِ من أَنَّ الْمَشْهُورَ خِلَافُهُ مَرْدُودٌ نَقْلًا وَدَلِيلًا وَأَطَالَا في بَيَانِ ذلك وَالْمُعْتَمَدُ ما في الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَجَرَى عليه الْمُصَنِّفُ وَغَايَتُهُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فيها كما دَلَّ عليه كَلَامُ الْأَصْلِ نَصَّانِ رَجَّحَ مِنْهُمَا كَثِيرُونَ هذا وَعَلَى الْإِمَامِ اسْتِيعَابُ الْآحَادِ من كل صِنْفٍ لِعَدَمِ تَعَذُّرِهِ عليه نعم إنْ قَلَّ الْمَالُ بِأَنْ كان قَدْرًا لو وَزَّعَهُ عليهم لم يَسُدَّ لم يَلْزَمْهُ الِاسْتِيعَابُ لِلضَّرُورَةِ بَلْ يُقَدِّمُ الْأَحْوَجَ فَالْأَحْوَجَ أَخْذًا من نَظِيرِهِ في الْفَيْءِ
وَنَبَّهَ عليه الزَّرْكَشِيُّ وَلَا يَجِبُ عليه ذلك من زَكَاةٍ وَاحِدَةٍ وَلَهُ أَنْ يَخُصَّ بَعْضَهُمْ بِنَوْعٍ من الْمَالِ وَآخَرِينَ بِنَوْعٍ وَأَنْ يُعْطِي زَكَاةَ وَاحِدٍ لِوَاحِدٍ لِأَنَّ الزَّكَوَاتِ كُلَّهَا في يَدِهِ كَالزَّكَاةِ الْوَاحِدَةِ وَإِنْ فَرَّقَ الْمَالِكُ وَأَمْكَنَ الِاسْتِيعَابُ لِكَوْنِهِمْ مَحْصُورِينَ ولم يَزِيدُوا على ثَلَاثَةٍ من كل صِنْفٍ أو زَادُوا عليها وَوَفَّى بِهِمْ الْمَالُ لَزِمَهُ الِاسْتِيعَابُ وَلَا يَكْفِي صَرْفٌ إلَى أَقَلَّ من ثَلَاثَةٍ من كل صِنْفٍ عَمَلًا بِأَقَلِّ الْجَمْعِ في غَيْرِ الْأَخِيرَيْنِ في الْآيَةِ وَبِالْقِيَاسِ عليه فِيهِمَا وَلَا عَدَدَ بَعْدَ ذلك أَوْلَى من عَدَدٍ وَهَذَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَكَأَنَّهُ ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ إلَّا الْعَامِلُ فَقَدْ يَكُونُ وَاحِدًا إذَا حَصَلَ بِهِ الْغَرَضُ وَلَوْ أَعْطَى الْمَالِكُ اثْنَيْنِ من صِنْفٍ وَالثَّالِثُ مَوْجُودٌ غَرِمَ له أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ لِأَنَّهُ لو أَعْطَاهُ ابْتِدَاءً خَرَجَ عن الْعُهْدَةِ فَهُوَ الْقَدْرُ الذي فَرَّطَ فيه سَوَاءٌ أَكَانَ الثَّلَاثَةُ مُتَعَيِّنِينَ أَمْ لَا لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا تَجِبُ عليه التَّسْوِيَةُ في الْآحَادِ وَلَوْ أَعْطَى وَاحِدًا وَالِاثْنَانِ مَوْجُودَانِ غَرِمَ لَهُمَا أَقَلَّ ما يُعْطَيَانِهِ ابْتِدَاءً كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَوْ وَجَدَ الْمَالِكُ من صِنْفٍ دُونَ الثَّلَاثَةِ أَعْطَاهُ الْكُلَّ إنْ احْتَاجَهُ فَلَيْسَ له نَقْلُ بَاقِي السَّهْمِ إلَى غَيْرِهِ لِانْحِصَارِ الِاسْتِحْقَاقِ فيه وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَحْتَجْهُ رَدَّ على الْبَاقِينَ إنْ احْتَاجُوهُ وَإِلَّا نُقِلَ إلَى غَيْرِهِمْ
فَرْعٌ يَجِبُ على من يُفَرِّقُ الزَّكَاةَ التَّسْوِيَةُ بين الْأَصْنَافِ وَإِنْ كانت حَاجَةُ بَعْضِهِمْ أَشَدَّ لِانْحِصَارِهِمْ وَلِاقْتِضَاءِ الْعَطْفِ التَّسْوِيَةَ إلَّا الْعَامِلُ فَلَا يُزَادُ على أُجْرَتِهِ كما مَرَّ وَإِلَّا الْفَاضِلُ نَصِيبُهُ عن كِفَايَتِهِ كما سَيَأْتِي قال الْمَاوَرْدِيُّ فَلَوْ أَخَلَّ الْإِمَامُ بِصِنْفٍ ضَمِنَ من مَالِ الصَّدَقَاتِ قَدْرَ سَهْمِهِ من تِلْكَ الصَّدَقَةِ وَإِنْ أَخَلَّ بِهِ الْمَالِكُ ضَمِنَ من مَالِ نَفْسِهِ وَهِيَ أَيْ التَّسْوِيَةُ مُسْتَحَبَّةٌ في آحَادِهِمْ إنْ تَسَاوَتْ حَاجَتُهُمْ فَإِنْ تَفَاوَتَتْ اُسْتُحِبَّ التَّفَاوُتُ بِقَدْرِهَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِفُقَرَاءِ بَلَدٍ فإنه تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ لِأَنَّ الْحَقَّ فيها لهم على التَّعْيِينِ حتى لو لم يَكُنْ ثَمَّ فَقِيرٌ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَهُنَا لم يَثْبُتْ الْحَقُّ لهم على التَّعْيِينِ وَإِنَّمَا تَعَيَّنُوا لِفَقْدِ غَيْرِهِمْ وَلِهَذَا لو لم يَكُنْ في الْبَلَدِ مُسْتَحِقٌّ لَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ بَلْ تُنْقَلُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ وَقِيلَ تَجِبُ التَّسْوِيَةُ إنْ فَرَّقَ الْإِمَامُ لِأَنَّ عليه الِاسْتِيعَابَ فَلَزِمَهُ التَّسْوِيَةُ وَلِأَنَّهُ نَائِبُهُمْ فَلَا يُفَاوِتُ بَيْنَهُمْ عِنْدَ تَسَاوِي حَاجَاتِهِمْ بِخِلَافِ الْمَالِكِ فِيهِمَا وَهَذَا جَزَمَ بِهِ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ في شَرْحَيْهِ عن التَّتِمَّةِ لَكِنْ زَادَ في الرَّوْضَةِ قُلْت ما في التَّتِمَّةِ وَإِنْ كان قَوِيًّا في الدَّلِيلِ فَهُوَ خِلَافُ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ اسْتِحْبَابَ التَّسْوِيَةِ وَعَلَيْهِ اخْتَصَرَ
____________________
(1/402)
الْمُصَنِّفُ وإذا لم يَجِبْ الِاسْتِيعَابُ يَجُوزُ الدَّفْعُ لِلْمُسْتَوْطَنَيْنِ وَلِلْغُرَبَاءِ ولكن الْمُسْتَوْطِنُونَ أَوْلَى من الْغُرَبَاءِ لِأَنَّهُمْ جِيرَانٌ فَصْلٌ نَقْلُ الزَّكَاةِ وَإِنْ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ مع وُجُودِ الْأَصْنَافِ أو بَعْضِهِمْ لَا يَجُوزُ وَلَا تُجْزِئُ الزَّكَاةُ معه أَيْ مع نَقْلِهَا قالوا لِخَبَرِ مُعَاذٍ وَلِأَنَّ نَقْلَهَا يُوحِشُ أَصْنَافَ الْبَلَدِ بَعْدَ امْتِدَادِ أَطْمَاعِهِمْ إلَيْهَا بِخِلَافِ نَقْلِ الْوَصِيَّةِ وَالْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ من مَحَالِّهَا فإنه يَجُوزُ وَيُجْزِئُ إذْ الْأَطْمَاعُ لَا تَمْتَدُّ إلَيْهَا امْتِدَادَهَا إلَى الزَّكَاةِ وَمِثْلُهَا الْأَوْقَافُ على صِنْفٍ نعم إنْ عَيَّنَ الْمُوصِي وَالنَّاذِرُ وَالْوَاقِفُ بَلَدًا تَعَيَّنَ فَإِنْ عُدِمَتْ الْأَصْنَافُ من الْبَلَدِ أو فَضُلَ عَنْهُمْ شَيْءٌ نُقِلَ كُلٌّ مِمَّا لهم في الْأُولَى وَمِمَّا فَضُلَ عَنْهُمْ في الثَّانِيَةِ إلَى جِنْسِهِ أَيْ جِنْسِ مُسْتَحِقِّهِ بِأَقْرَبِ بَلَدٍ إلَى بَلَدِ الزَّكَاةِ قال الْقَاضِي بِخِلَافِ دِمَاءِ الْحَرَمِ إذَا فَقَدَ مَسَاكِينَهُ لَا يَجُوزُ نَقْلُهَا لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لهم كَمَنْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ على مَسَاكِينِ بَلَدٍ فَعُدِمُوا وَيُفَارِقُ الزَّكَاةَ إذْ ليس فيها نَصٌّ صَرِيحٌ بِتَخْصِيصِ الْبَلَدِ وَعَلَيْهِ أَيْ الْمَالِكِ الْمُؤْنَةُ لِلنَّقْلِ فَإِنْ جَاوَزَهُ أَيْ الْأَقْرَبُ إلَى أَبْعَدَ منه فَهُوَ كما لو نَقَلَ إلَيْهِ ابْتِدَاءً فَلَا يَجُوزُ وَلَا يُجْزِئُ وَمَتَى عُدِمَ بَعْضُهُمْ أو فَضُلَ شَيْءٌ عَنْهُمْ أَيْ عن كِفَايَةِ بَعْضِهِمْ رَدَّ نَصِيبَهُمْ في الْأُولَى وَالْفَاضِلَ في الثَّانِيَةِ على الْبَاقِينَ منهم كما تُصْرَفُ الزَّكَاةُ فَلَا يَنْتَقِلَانِ إلَى غَيْرِهِمْ لِانْحِصَارِ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهِمْ وَمَحَلُّهُ إذَا نَقَصَ نَصِيبُهُمْ عن كِفَايَتِهِمْ وَإِلَّا نُقِلَ إلَى ذلك الصِّنْفِ على أَنَّ النَّوَوِيَّ صَحَّحَ في تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ أَنَّ الْفَاضِلَ يُنْقَلُ إلَيْهِ مُطْلَقًا أَمَّا لو عُدِمُوا من الْبَلَدِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهَا تُحْفَظُ حتى يُوجَدُوا أو بَعْضُهُمْ ثُمَّ مَحَلُّ ما تَقَرَّرَ إذَا لم يَأْمُرْ الْإِمَامُ بِنَقْلِهَا ولم يَأْذَنْ لِلسَّاعِي في أَخْذِهَا من الْمَالِكِ فَإِنْ أَمَرَ الْإِمَامُ بِنَقْلِهَا أو أَذِنَ لِلسَّاعِي في الْأَخْذِ فَقَطْ دُونَ التَّفْرِقَةِ وَجَبَ نَقْلُهَا إلَيْهِ وَفَرَّقَ حَيْثُ شَاءَ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَمْعِ بين فَقَطْ وَدُونَ التَّفْرِقَةِ فَرْعٌ الْعِبْرَةُ في نَقْلِ الزَّكَاةِ الْمَالِيَّةِ بِبَلَدِ الْمَالِ حَالَ الْوُجُوبِ وفي زَكَاةِ الْفِطْرَةِ بِبَلَدِ الْمُؤَدَّى عنه اعْتِبَارًا بِسَبَبِ الْوُجُوبِ فِيهِمَا وَلِأَنَّ نَظَرَ الْمُسْتَحِقِّينَ يَمْتَدُّ إلَى ذلك فَيُصْرَفُ الْعُشْرُ إلَى مُسْتَحِقِّ بَلَدِ الْأَرْضِ التي حَصَلَ منها الْعُشْرُ وَزَكَاةُ النَّقْدَيْنِ وَالْمَوَاشِي وَالتِّجَارَةِ إلَى مُسْتَحِقِّي الْبَلَدِ الذي تَمَّ فيه حَوْلُهَا فَإِنْ وَجَبَتْ عليه زَكَاةُ مَالٍ وهو أَيْ الْمَالُ بِبَادِيَةٍ وَلَا مُسْتَحِقَّ فيها نُقِلَ إلَى مُسْتَحِقِّي أَقْرَبِ بَلَدٍ إلَيْهِ وَلَوْ مَلَكَ غَنَمًا بِبَلَدَيْنِ وَوَجَبَتْ فِيهِمَا أَيْ في غَنَمَيْهِمَا شَاةٌ أَخْرَجَهَا في أَحَدِهِمَا حَذَرًا من التَّشْقِيصِ وَلَوْ وَجَبَ عليه في كُلٍّ من غَنَمَيْهِمَا شَاةٌ لم يَنْقُلْ لِانْتِفَاءِ التَّشْقِيصِ فَرْعٌ أَهْلُ الْخِيَامِ غَيْرُ الْمُسْتَقِرِّينَ بِمَوْضِعٍ بِأَنْ كَانُوا يَنْتَقِلُونَ من مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ دَائِمًا إنْ لم يَكُنْ فِيهِمْ مُسْتَحِقٌّ نُقِلَ وَاجِبُهُمْ إلَى أَقْرَبِ بَلَدٍ إلَيْهِمْ وَإِنْ اسْتَقَرُّوا بِمَوْضِعٍ لَكِنْ قد يَظْعَنُونَ عنه وَيَعُودُونَ إلَيْهِ ولم يَتَمَيَّزُوا أَيْ بَعْضُهُمْ عن بَعْضٍ في الْحِلَلِ جَمْعُ حِلَّةٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ فِيهِمَا وفي الْمَرْعَى وَالْمَاءِ صُرِفَ إلَى من هو فِيمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ من مَوْضِعِ الْوُجُوبِ لِكَوْنِهِ في حُكْمِ الْحَاضِرِ وَلِهَذَا عُدَّ مِثْلُهُ في الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ من حَاضِرِيهِ والصرف إلَى الظَّاعِنِينَ مَعَهُمْ أَوْلَى لِشِدَّةِ جِوَارِهِمْ فَلَوْ تَمَيَّزُوا أَيْ بَعْضُهُمْ عن بَعْضٍ بِمَا ذُكِرَ فَالْحِلَّةُ كَالْقَرْيَةِ في حُكْمِ النَّقْلِ مع وُجُودِ الْمُسْتَحِقِّ فيها فَيَحْرُمُ النَّقْلُ عنها فَصْلٌ يُشْتَرَطُ كَوْنُ السَّاعِي عَدْلًا في الشَّهَادَاتِ كُلِّهَا أَيْ مُسْلِمًا مُكَلَّفًا عَدْلًا حُرًّا ذَكَرًا سَمِيعًا بَصِيرًا لِأَنَّهُ نَوْعُ وِلَايَةٍ وَتَصَرُّفٍ في مَالِ الْغَيْرِ فَاعْتِبَارُ كَوْنِ الْعَامِلِ ذَكَرًا عُلِمَ مِمَّا هُنَا وَإِنْ قَدَّمَهُ الْأَصْلُ أَوَائِلَ الْبَابِ فَقِيهًا بِأَبْوَابِ الزَّكَاةِ لِيَعْلَمَ ما يَأْخُذَ وَمَنْ يَدْفَعُ إلَيْهِ لَا الْمُرْسَلُ لِقَبْضِ قَدْرٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يُعْتَبَرُ فيه شَيْءٌ من ذلك لِأَنَّهَا رِسَالَةٌ لَا وِلَايَةٌ نعم يُعْتَبَرُ فيه التَّكْلِيفُ وَالْعَدَالَةُ وَكَذَا الْإِسْلَامُ كما اخْتَارَهُ في الْمَجْمُوعِ وَمِثْلُهُ
____________________
(1/403)
أَعْوَانُ الْعَامِلِ من كُتَّابِهِ وَحُسَّابِهِ وَجُبَاتِهِ وَمُسْتَوْفِيهِ نَبَّهَ عليه الْمَاوَرْدِيُّ في حَاوِيهِ وَلَوْ اسْتَعْمَلَ الْإِمَامُ هَاشِمِيًّا أو مُطَّلِبِيًّا أو مُرْتَزِقًا أَعْطَاهُ من مَالِ الْمَصَالِحِ لَا من مَالِ الزَّكَاةِ لِمَا مَرَّ أنها تَحْرُمُ عليهم وَيَقْسِمُ سَاعٍ قُلِّدَ الْأَخْذَ وَالْقِسْمَةَ أو الْقِسْمَةَ وَحْدَهَا وَكَذَا إنْ أُطْلِقَ تَقْلِيدُهُ بِخِلَافِ ما لو قُلِّدَ الْأَخْذَ وَحْدَهُ ليس له أَنْ يَقْسِمَ فَإِنْ كان السَّاعِي جَائِزًا في الْأَخْذِ لِلزَّكَاةِ عَادِلًا في قِسْمَتِهَا جَازَ كَتْمُهَا عنه وَدَفْعُهَا إلَيْهِ أو كان جَائِزًا في الْقِسْمَةِ عَادِلًا في الْأَخْذِ وَجَبَ كَتْمُهَا عنه فَلَوْ أُعْطِيهَا طَوْعًا أو كَرْهًا أَجْزَأَتْ وَإِنْ لم يُوصِلْهَا إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ لِأَنَّهُ نَائِبُهُمْ كَالْإِمَامِ
فَصْلٌ يُسَنُّ وَسْمُ نَعَمِ الزَّكَاةِ وَالْفَيْءِ لِتَتَمَيَّزَ عن غَيْرِهَا وَلْيَرُدَّهَا وَاجِدُهَا لو شَرَدَتْ أو ضَلَّتْ وَالْأَصْلُ فيه خَبَرُ الْبُخَارِيِّ عن أَنَسٍ غَدَوْت إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِعَبْدِ اللَّهِ بن أبي طَلْحَةَ لِيُحَنِّكَهُ فَوَافَيْته وَبِيَدِهِ الْمِيسَمُ يَسِمُ إبِلَ الصَّدَقَةِ وَيُقَاسُ بها غَيْرُهَا أَمَّا نَعَمُ غَيْرِ الزَّكَاةِ وَالْفَيْءِ فَوَسْمُهُ مُبَاحٌ لَا مَنْدُوبٌ وَلَا مَكْرُوهٌ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ وَكَالنَّعَمِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالْفِيلَةِ والوسم في أُذُنِ الْغَنَمِ وفي أَفْخَاذِ غَيْرِهَا أَوْلَى لِقِلَّةِ الشَّعْرِ فيها فَيَظْهَرُ وَلِأَنَّهَا صُلْبَةٌ وَيَحْرُمُ الْوَسْمُ في الْوَجْهِ وقد لُعِنَ فَاعِلُهُ كما جاء في خَبَرِ مُسْلِمٍ وَلْيَكُنْ مَيْسَمُ الْبَقَرِ أَلْطَفُ من مَيْسَمِ الْإِبِلِ ثُمَّ مَيْسَمُ الْغَنَمِ أَلْطَفُ من مَيْسَمِ الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَيْسَمَ الْحُمُرِ أَلْطَفُ من مَيْسَمِ الْخَيْلِ وَمَيْسَمَ الْخَيْلِ أَلْطَفُ من مَيْسَمِ الْبِغَالِ وَالْبَقَرِ وَمَيْسَمَ الْبِغَالِ أَلْطَفُ من مَيْسَمِ الْإِبِلِ وَمَيْسَمَ الْإِبِلِ أَلْطَفُ من مَيْسَمِ الْفِيلَةِ وَيُكْتَبُ على نَعَمِ الزَّكَاةِ ما يُمَيِّزُهَا عن غَيْرِهَا فَيُكْتَبُ عليها زَكَاةٌ أو صَدَقَةٌ أو طُهْرَةٌ أو لِلَّهِ وهو أَبْرَكُ وَأَوْلَى اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ وَلِأَنَّهُ أَقَلُّ حُرُوفًا فَهُوَ أَقَلُّ ضَرَرًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَحَكَاهُ في الْمَجْمُوعِ عن ابْنِ الصَّبَّاغِ وَأَقَرَّهُ وَعَلَى نَعَمِ الْجِزْيَةِ جِزْيَةٌ أو صَغَارٌ بِفَتْحِ الصَّادِ أَيْ ذُلٌّ وهو أَوْلَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَهُمْ صَاغِرُونَ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْحَرْفُ الْكَبِيرُ كَكَافٍ الزَّكَاةِ أو صَادِ الصَّدَقَةِ أو جِيمِ الْجِزْيَةِ أو فَاءِ الْفَيْءِ كَافٍ وَإِنَّمَا جَازَ الْوَسْمُ بِاَللَّهِ مع إنَّهَا قد تَتَمَعَّكُ بِالنَّجَاسَةِ لِأَنَّ الْغَرَضَ التَّمْيِيزُ لَا الذِّكْرُ قال في الْمَجْمُوعِ وَيَجُوزُ الْكَيُّ إذَا دَعَتْ إلَيْهِ حَاجَةٌ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَإِلَّا فَلَا سَوَاءٌ نَفْسُهُ وَغَيْرُهُ من آدَمِيٍّ أو غَيْرِهِ
فَائِدَةٌ الْوَسْمُ بِالْمُهْمَلَةِ التَّأْثِيرُ بِكَيٍّ أو غَيْرِهِ وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ الْإِعْجَامَ حَكَاهُ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ وَبَعْضُهُمْ فَرَّقَ فَجَعَلَ الْمُهْمَلَةَ لِلْوَجْهِ وَالْمُعْجَمَةَ لِسَائِرِ الْجَسَدِ
فَصْلٌ يَجُوزُ خِصَاءُ صِغَارِ الْمَأْكُولِ لِطِيبِ لَحْمِهِ وقد صَحَّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ مَوْجُودِينَ لَا غَيْرِهِ الْأَوْلَى لَا غَيْرِهَا أَيْ لَا كِبَارِ الْمَأْكُولِ وَلَا غَيْرِ الْمَأْكُولِ مُطْلَقًا فَلَا يَجُوزُ خِصَاؤُهُمَا لِلنَّهْيِ عن خِصَاءِ الْبَهَائِمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وهو مَحْمُولٌ على ذلك فَرْعٌ يُكْرَهُ إنْزَاءُ الْحُمُرِ على الْخَيْلِ لِخَبَرٍ صَحِيحٍ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ قال الْعُلَمَاءُ وَسَبَبُ النَّهْيِ عنه أَنَّهُ سَبَبٌ لِقِلَّةِ الْخَيْلِ وَضَعْفِهَا ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وقال الْحَلِيمِيُّ هذا في عَتَاقِ الْخَيْلِ أَمَّا الْبَرَاذِينُ فَلَا قال الْأَذْرَعِيُّ وهو حَسَنٌ قال وَالظَّاهِرُ تَحْرِيمُ إنْزَاءِ الْخَيْلِ على الْبَقَرِ لِضَعْفِهَا وَتَضَرُّرِهَا بِكِبَرِ آلَةِ الْخَيْلِ وَأَلْحَقَ الدَّمِيرِيِّ بِإِنْزَاءِ الْحُمُرِ على الْخَيْلِ عَكْسَهُ مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أو نَائِبِهِ في تَفْرِيقِ الزَّكَاةِ مع الْفَرَاغِ من جَمْعِ الصَّدَقَةِ أَيْ الزَّكَاةِ أو قَبْلَهُ أَنْ يَعْرِفَ عَدَدَ الْمُسْتَحِقِّينَ وَقَدْرَ حَاجَتِهِمْ أَيْ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِذَلِكَ لِيَتَعَجَّلَ بِذَلِكَ حُقُوقَهُمْ وَلِيَأْمَنَ هَلَاكَ الْمَالِ عِنْدَهُ ويستحب له أَنْ يَبْدَأَ بِإِعْطَاءِ الْعَامِلِينَ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُمْ أَوْلَى لِكَوْنِهِمْ يَأْخُذُونَ مُعَاوَضَةً وَلِيَتَبَيَّنَ أَنَّ سَهْمَهُمْ يُوَافِقُ أُجْرَتَهُمْ أَوَّلًا فَإِنْ تَلِفَتْ تَحْتَ أَيْدِيهمْ أَيْ الْعَامِلِينَ بِلَا تَفْرِيطٍ قبل وُصُولِهَا إلَى الْإِمَامِ فَأُجْرَتُهُمْ من بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُمْ أُجَرَاءُ وَيَحْرُمُ على الْوَالِي من الْإِمَامِ أو نَائِبهِ بَيْعُ شَيْءٍ منها أَيْ من الزَّكَاةِ بَلْ يُوصِلُهَا بِأَعْيَانِهَا إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ رُشْدٍ لَا وِلَايَةَ عليهم غَالِبًا فلم يَجُزْ بَيْعُ مَالِهِمْ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا إلَّا عِنْدَ وُقُوعِهَا في خَطَرٍ كَأَنْ أَشْرَفَتْ على هَلَاكٍ أو لِحَاجَةِ مُؤْنَةِ نَقْلٍ أو رَدِّ جُبْرَانٍ أو نَحْوِهَا فَلَا يَحْرُمُ الْبَيْعُ وَيَصِحُّ لِلضَّرُورَةِ فَإِنْ بَاعَ بِلَا عُذْرٍ ضَمِنَ الْمَبِيعَ إنْ سَلَّمَهُ فَيَسْتَرِدُّهُ إنْ كان بَاقِيًا وَيَغْرَمُ بَدَلَهُ إنْ كان تَالِفًا فَإِنْ كَانُوا أَيْ الْمُسْتَحِقُّونَ جَمَاعَةً وَهِيَ أَيْ الزَّكَاةُ بَقَرَةٌ مَثَلًا أَخَذُوهَا وَلَا يَبِيعُهَا الْمَالِكُ وَلَا الْإِمَامُ لِيَقْسِمَ ثَمَنَهَا عليهم وَإِنْ أَعْطَى الْإِمَامُ من ظَنَّهُ مُسْتَحِقًّا فَبَانَ غَنِيًّا لم يَضْمَنْ
____________________
(1/404)
لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَصِّرٍ
وَيُجْزِئُ عن الْمَالِكِ وَإِنْ لم يُجْزِ عن الزَّكَاةِ كما نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْأَصْحَابِ وَلِهَذَا يُسْتَرَدُّ كما سَيَأْتِي وَالْإِجْزَاءُ ليس مُرَتَّبًا على بَيَانِ كَوْنِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ غَنِيًّا بَلْ هو حَاصِلٌ بِقَبْضِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْتَحِقِّينَ بِخِلَافِ إعْطَاءِ الْمَالِكِ من ظَنَّهُ مُسْتَحِقًّا فَبَانَ غَنِيًّا لَا يُجْزِئُهُ وَهَكَذَا لَا يَضْمَنُ الْإِمَامُ وَيُجْزِئُ ما دَفَعَهُ دُونَ ما دَفَعَهُ الْمَالِكُ إنْ بَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ هَاشِمِيًّا أو مُطَّلِبِيًّا أو عَبْدًا أو كَافِرًا أو أَعْطَاهُ من سَهْمِ الْغُزَاةِ أو الْعَامِلِينَ ظَانًّا أَنَّهُ رَجُلٌ فَبَانَ امْرَأَةً لِمَا مَرَّ وَاعْتَبَرَ في الرَّوْضَةِ هُنَا كَوْنَ الْمُؤَلَّفِ ذَكَرًا وهو مُخَالِفٌ لَمَّا قَدَّمَهُ فيها كَأَصْلِهَا أَوَائِلَ الْبَابِ وَذَاكَ هو الْمُعْتَمَدُ وَلِهَذَا اقْتَصَرَ عليه الْمُصَنِّفُ ثَمَّ وإذا بَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ وَاحِدًا مِمَّنْ ذُكِرَ فَيَسْتَرِدُّ الْإِمَامُ منه في الصُّوَرِ كُلِّهَا أو إنْ لم يُبَيِّنْ حَالَ الدَّفْعِ أنها زَكَاةٌ لِأَنَّ ما يُفَرِّقُهُ الْإِمَامُ على الْمُسْتَحِقِّينَ هو الْوَاجِبُ غَالِبًا كَالزَّكَاةِ بِخِلَافِ الْمَالِكِ لَا يَسْتَرِدُّ إلَّا إنْ بَيَّنَ أنها زَكَاةٌ لِأَنَّهُ قد يَتَطَوَّعُ فَإِنْ تَلِفَ الْمَدْفُوعُ رَجَعَ الدَّافِعُ بِبَدَلِهِ وَدَفَعَهُ لِلْمُسْتَحِقِّينَ وَيَتَعَلَّقُ في مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ بِذِمَّتِهِ لَا بِرَقَبَتِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ على الْإِمَامِ الِاسْتِرْدَادُ لم يَضْمَنْ إلَّا أَنْ يَكُونَ قد قَصَّرَ فيه حتى تَعَذَّرَ فَيَضْمَنُ وَكَالزَّكَاةِ فِيمَا ذُكِرَ الْكَفَّارَةُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَيَسْتَحِقُّهَا أَيْ الزَّكَاةَ الْعَامِلُ بِالْعَمَلِ
وَالْأَصْنَافُ بِالْقِسْمَةِ نعم إنْ انْحَصَرَ الْمُسْتَحِقُّونَ في ثَلَاثَةٍ فَأَقَلَّ اسْتَحَقُّوهَا من وَقْتِ الْوُجُوبِ فَلَا يَضُرُّهُمْ حُدُوثُ غِنًى أو غَيْبَةٍ لِأَحَدِهِمْ بَلْ حَقُّهُ بَاقٍ بِحَالِهِ وَلَوْ مَاتَ وَاحِدٌ منهم دُفِعَ نَصِيبُهُ إلَى وَارِثِهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْمُزَكِّي لو كان وَارِثُهُ أَخَذَ نَصِيبَهُ وَعَلَيْهِ فَتَسْقُطُ عنه النِّيَّةُ لِسُقُوطِ الدَّفْعِ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ عن نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وَلَا يُشَارِكُهُمْ قَادِمٌ وَلَا غَائِبٌ عَنْهُمْ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَقِيَاسُ ما قَدَّمْته في وُجُوبِ الِاسْتِيعَابِ على الْمَالِكِ أَنْ يُزَادَ هُنَا بَعْدَ قَوْلِهِ فَأَقَلَّ أو أَكْثَرَ وَوَفَّى بِهِمْ الْمَالُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُزَادَ ذلك وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ من وُجُوبِ الِاسْتِيعَابِ الْمِلْكُ
وَالْإِمَامُ إنْ أَخَّرَ التَّفْرِيقَ لِمَا جَمَعَهُ من الزَّكَاةِ بِلَا عُذْرٍ فَتَلِفَ ضَمِنَ لَا الْوَكِيلُ بِتَفْرِيقِهَا فَلَا يَضْمَنُ بِذَلِكَ إذْ لَا يَجِبُ عليه التَّفْرِيقُ بِخِلَافِ الْإِمَامِ وَلَوْ أَخْرَجَ لِفَقِيرٍ من الزَّكَاةِ قَدْرًا مَجْهُولًا كَأَنْ كان مَشْدُودًا في خِرْقَةٍ أو نَحْوِهَا لَا يُعْرَفُ جِنْسُهُ وَقَدْرُهُ أَجْزَأَهُ زَكَاةً وَإِنْ تَلِفَ في يَدِ الْفَقِيرِ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْقَابِضِ لَا تُشْتَرَطُ فَكَذَا مَعْرِفَةُ الدَّافِعِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ تَلِفَ أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ وَتَلِفَ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالتَّلَفِ وَإِنْ اتَّهَمَ رَبُّ الْمَالِ فِيمَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ كَأَنْ قال لم يَحُلْ عليه الْحَوْلُ لم يَجِبْ تَحْلِيفُهُ وَإِنْ خَالَفَ الظَّاهِرَ بِمَا يَدَّعِيهِ كَأَنْ قال بِعْته في الْحَوْلِ وَاشْتَرَيْته أو أَخْرَجْت زَكَاتَهُ أو هو وَدِيعَةٌ لِأَنَّ الزَّكَاةَ مَبْنِيَّةٌ على الْمُسَامَحَةِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَالِكِ إظْهَارُ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ كَالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَلِيَرَاهُ غَيْرُهُ فَيَعْمَلَ عَمَلَهُ وَلِئَلَّا يُسَاءَ الظَّنُّ بِهِ وَخَصَّهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِالْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ قال أَمَّا الْبَاطِنَةِ فَالْإِخْفَاءُ فيها أَوْلَى لِآيَةٍ إنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ وَأَمَّا الْإِمَامُ فَالْإِظْهَارُ له أَفْضَلُ مُطْلَقًا وَإِنْ ظَنَّ الْآخِذُ لِلزَّكَاةِ أَنَّهُ أَعْطَى ما يَسْتَحِقُّهُ غَيْرَهُ من الْأَصْنَافِ أو من آحَادِ صِنْفِهِ حَرُمَ عليه الْأَخْذُ وإذا أَرَادَ الْأَخْذَ منها لَزِمَهُ الْبَحْثُ عن قَدْرِهَا فَيَأْخُذُ بَعْضَ الثَّمَنِ بِحَيْثُ يَبْقَى منه ما يَدْفَعُهُ إلَى اثْنَيْنِ من صِنْفِهِ وَلَا أَثَرَ لِمَا دُونَ غَلَبَةِ الظَّنِّ من شَكٍّ أو وَهْمٍ في تَحْرِيمِ أَخْذِهَا
تَتِمَّةٌ قال في الْمَجْمُوعِ قال الدَّارِمِيُّ إذَا أَخَّرَ تَفْرِيقَ الزَّكَاةِ إلَى الْعَامِ الثَّانِي فَمَنْ كان فَقِيرًا أو مِسْكِينًا أو غَارِمًا أو مُكَاتَبًا من عَامِهِ إلَى الْعَامِ الثَّانِي خُصُّوا بِزَكَاةِ الْمَاضِي وَشَارَكُوا غَيْرَهُمْ في الْعَامِ الثَّانِي فَيُعْطَوْنَ من زَكَاةِ الْعَامَيْنِ وَمِنْ كان غَازِيًا أو ابْنَ سَبِيلٍ أو مُؤَلَّفًا لم يُخَصُّوا بِشَيْءٍ انْتَهَى وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَأْخُذُونَ لِمَا يُسْتَقْبَلُ بِخِلَافِ أُولَئِكَ
بَابُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ لِآيَةِ من ذَا الذي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَلِخَبَرِ ما تَصَدَّقَ أَحَدٌ من كَسْبٍ طَيِّبٍ إلَّا أَخَذَهَا اللَّهُ بِيَمِينِهِ فَيُرَبِّيهَا كما يُرَبِّي أحدكم فَلُوَّهُ أو فَصِيلَهُ حتى تَكُونَ أَعْظَمَ من الْجَبَلِ وَخَبَرِ لِيَتَصَدَّقَ الرَّجُلُ من دِينَارِهِ
____________________
(1/405)
وَلْيَتَصَدَّقْ من دِرْهَمِهِ وَلْيَتَصَدَّقْ من صَاعِ بُرِّهِ رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَخَبَرِ من أَطْعَمَ جَائِعًا أَطْعَمَهُ اللَّهُ من ثِمَارِ الْجَنَّةِ وَمَنْ سَقَى مُؤْمِنًا على ظَمَأٍ سَقَاهُ اللَّهُ عز وجل يوم الْقِيَامَةِ من الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ وَمَنْ كَسَا مُؤْمِنًا عَارِيًّا كَسَاهُ اللَّهُ تَعَالَى من خُضْرِ الْجَنَّةِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَخُضْرِ الْجَنَّةِ بِإِسْكَانِ الضَّادِ أَيْ ثِيَابِهَا الْخُضْرِ وقد يَعْرِضُ ما تَحْرُمُ بِهِ الصَّدَقَةُ كَأَنْ يَعْلَمَ من آخِذِهَا أَنَّهُ يَصْرِفُهَا في مَعْصِيَةٍ وما تَجِبُ بِهِ في الْجُمْلَةِ كَأَنْ وَجَدَ مُضْطَرًّا وَمَعَهُ ما يُطْعِمُهُ فَاضِلًا عنه وَذَلِكَ مَعْلُومٌ في مَحَلِّهِ
وَتَتَأَكَّدُ الصَّدَقَةُ في شَهْرِ رَمَضَانَ وَالصَّدَقَةُ فيه أَفْضَلُ منها فِيمَا يَأْتِي لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان أَجْوَدَ ما يَكُونُ في رَمَضَانَ وَلِأَنَّهُ أَفْضَلُ الشُّهُورِ وَلِأَنَّ الناس فيه مَشْغُولُونَ بِالطَّاعَةِ فَلَا يَتَفَرَّغُونَ لِمَكَاسِبِهِمْ فَتَكُونُ الْحَاجَةُ فيه أَشَدَّ وفي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ الْفَاضِلَةِ كَعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَأَيَّامِ الْعِيدِ لِفَضِيلَتِهَا وفي الْأَمَاكِنِ الشَّرِيفَةِ كَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَشُمُولِ كَلَامِهِ لِغَيْرِهِمَا من زِيَادَتِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ من قَصَدَ التَّصَدُّقَ في غَيْرِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَمَاكِنِ الْمَذْكُورَةِ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ إلَيْهَا بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ التَّصَدُّقَ فيها أَعْظَمُ أَجْرًا منه في غَيْرِهَا غَالِبًا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ ثُمَّ قال وفي كَلَامِ الْحَلِيمِيِّ ما يُخَالِفُهُ فإنه قال وإذا تَصَدَّقَ في وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ تَحَرَّى بِصَدَقَتِهِ من الْأَيَّامِ يوم الْجُمُعَةِ وَمِنْ الشُّهُورِ رَمَضَانَ وَعِنْدَ الْمُهِمَّاتِ من الْأُمُورِ كَغَزْوٍ وَحَجٍّ لِأَنَّهَا أَرْجَى لِقَضَائِهَا وَلِآيَةٍ إذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ وعند الْمَرَضِ وَالْكُسُوفِ وَالسَّفَرِ وَنَحْوِهَا وَيُسْتَحَبُّ اسْتِحْبَابًا مُؤَكَّدًا التَّوْسِيعُ على الْعِيَالِ وَالْإِحْسَانُ إلَى الْأَقَارِبِ وَالْجِيرَانِ في شَهْرِ رَمَضَانَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَقَالَتَا لِبِلَالٍ سَلْ لنا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم هل يُجْزِئُ أَنْ نَتَصَدَّقَ على أَزْوَاجِنَا وَيَتَامَى في حُجُورِنَا فقال نعم لَهُمَا أَجْرَانِ أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ وَلِخَبَرِ الصَّدَقَةُ على الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عن عَائِشَةَ قلت يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي فقال إلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْك بَابًا لَا سِيَّمَا في عَشْرِ آخِرِهِ لِأَنَّ فيه لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّا عَدَاهُ وَإِضَافَةُ عَشْرٍ إلَى آخِرِهِ من إضَافَةِ الْعَامِّ إلَى الْخَاصِّ كَشَجَرِ أَرَاك فَصْلٌ وَكَانَتْ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ حَرَامًا على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تَشْرِيفًا له وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ في الْبَابِ السَّابِقِ وَيَحِلُّ لِذَوِي الْقُرْبَى لِقَوْلِ جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه أَنَّهُ كان يَشْرَبُ من سِقَايَاتٍ بين مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَقِيلَ له أَتَشْرَبُ من الصَّدَقَةِ فقال إنَّمَا حَرُمَ عَلَيْنَا الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَمِثْلُهُمْ مَوَالِيهمْ بَلْ أَوْلَى وَلِلْأَغْنِيَاءِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ تَصَدَّقَ اللَّيْلَةَ على غَنِيٍّ وَفِيهِ لَعَلَّهُ أَنْ يَعْتَبِرَ فَيُنْفِقَ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ وَالْكُفَّارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ على حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ في كل كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ وَيُكْرَهُ لِلْغَنِيِّ التَّعَرُّضُ لها
قال الْإِسْنَوِيُّ وَأَخْذُهَا أَيْ وَإِنْ لم يَتَعَرَّضْ لها لَكِنْ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ تَقْتَضِي خِلَافَهُ فإنه قال وَيُسْتَحَبُّ لِلْغَنِيِّ التَّنَزُّهُ عنها وَيُكْرَهُ له التَّعَرُّضُ لِأَخْذِهَا وَيَحْرُمُ عليه أَخْذُهَا إنْ أَظْهَرَ الْفَاقَةَ وَعَلَيْهِ حَمَلُوا خَبَرَ الذي مَاتَ من أَهْلِ الصُّفَّةِ وَتَرَكَ دِينَارَيْنِ فقال صلى اللَّهُ عليه وسلم كَيَّتَانِ من نَارٍ وَيُعْتَبَرُ في حِلِّهَا له أَنْ لَا يَظُنَّ الدَّافِعُ فَقْرَهُ فَإِنْ أَعْطَاهُ ظَانًّا حَاجَتَهُ فَفِي الْإِحْيَاءِ إنْ عَلِمَ الْآخِذُ ذلك لم تَحِلَّ له وَكَذَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ لِعِلْمِهِ أو صَلَاحِهِ أو نَسَبِهِ لم تَحِلَّ له إلَّا أَنْ يَكُونَ بِالْوَصْفِ الْمَظْنُونِ أو سَأَلَ سَوَاءٌ أَكَانَ غَنِيًّا بِالْمَالِ أَمْ بِالْكَسْبِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ من سَأَلَ أَمْوَالَ الناس تَكَثُّرًا أَيْ بِلَا حَاجَةٍ بَلْ لِتَكْثِيرِ مَالِهِ إنَّمَا سَأَلَ جَمْرًا أَيْ يُعَذَّبُ بِهِ يوم الْقِيَامَةِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ تَكُونَ الصَّدَقَةُ سِرًّا لِأَيَّةٍ إنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ وَلِمَا في الصَّحِيحَيْنِ في خَبَرِ السَّبْعَةِ الذي يُظِلُّهُمْ اللَّهُ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ من قَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حتى لَا تَدْرِي شِمَالُهُ ما أَنْفَقَتْ يَمِينُهُ نعم إنْ أَظْهَرَهَا ولم يَقْصِدْ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً بَلْ لِيَقْتَدِيَ بِهِ وهو مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَأَذَّى الْآخِذُ بِهِ فَإِنْ تَأَذَّى بِهِ فَالْإِسْرَارُ أَفْضَلُ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وأن يَكُونَ مِمَّا يُحَبُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حتى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وأن تَكُونَ
____________________
(1/406)
بِبَشَاشَةٍ وَطِيبِ نَفْسٍ لِمَا فيه من تَكْثِيرِ الْأَجْرِ وَجَبْرِ الْقَلْبِ وَهِيَ في الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ رَحِمًا وَلَوْ كان مِمَّنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ على الْمُتَصَدِّقِ أَفْضَلُ منها في غَيْرِ الْقَرِيبِ وفي الْقَرِيبِ غَيْرِ الْأَقْرَبِ لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ السَّابِقِ قبل الْفَصْلِ وفي الْأَشَدِّ منهم يَعْنِي من الْأَقَارِبِ وَكَذَا من غَيْرِهِمْ فِيمَا يُظْهِرُ عَدَاوَةً أَفْضَلُ منها في غَيْرِهِ لِيَتَأَلَّفَ قَلْبَهُ وَلِمَا فيه من مُجَانَبَةِ الرِّيَاءِ وَكَسْرِ النَّفْسِ كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ فَهِيَ في الشَّيْئَيْنِ أَفْضَلُ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِأَشَدِّهِمْ عَدَاوَةً وَأَلْحَقَ بِهِمْ الْأَزْوَاجَ من الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ السَّابِقِ قبل الْفَصْلِ في الزَّوْجِ وَيُقَاسُ بِهِ الزَّوْجَةُ ثُمَّ هِيَ بَعْدَ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ من ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَمَنْ أُلْحِقَ بِهِ في الْأَقْرَبِ من ذِي الرَّحِمِ غَيْرِ الْمَحْرَمِ كَأَوْلَادِ الْعَمِّ وَالْخَالِ ثُمَّ في الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ من الْمَحْرَمِ رَضَاعًا ثُمَّ مُصَاهَرَةً ثُمَّ في الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ وَلَاءً من الْجَانِبَيْنِ أَيْ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ ثُمَّ جِوَارًا لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ السَّابِقِ قبل الْفَصْلِ وَقُدِّمَ الْجَارُ الْأَجْنَبِيُّ على قَرِيبٍ بَعِيدٍ عن دَارِ الْمُتَصَدِّقِ بَلْ أو قَرِيبٍ منها بِحَيْثُ لَا تُنْقَلُ إلَيْهِ الزَّكَاةُ فِيهِمَا وَلَوْ كان بِبَادِيَةٍ فَإِنْ كانت تُنْقَلُ إلَيْهِ بِأَنْ كان في مَحَلِّهَا قُدِّمَ على الْجَارِ الْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ بَعُدَتْ دَارُهُ وَأَهْلُ الْخَيْرِ منهم أَيْ من جَمِيعِ الْمَذْكُورِينَ وَالْمُحْتَاجُونَ منهم أَوْلَى من غَيْرِهِمْ وَلَفْظَةُ منهم من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا بَلْ رُبَّمَا تُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ وَتُكْرَهُ الصَّدَقَةُ بِالرَّدِيءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ منه تُنْفِقُونَ فَإِنْ لم يَجِدْ غَيْرَهُ فَلَا كَرَاهَةَ وَالشُّبْهَةُ أَيْ وما فيه شُبْهَةٌ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ
فَصْلٌ لو فَضُلَ عن كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ من تَلْزَمُهُ كِفَايَتُهُ وَعَنْ دَيْنِهِ مَالٌ وهو يَصْبِرُ على الْإِضَافَةِ اُسْتُحِبَّ له التَّصَدُّقُ بِالْجَمِيعِ أَيْ بِجَمِيعِ الْفَاضِلِ وَإِلَّا فَلَا بَلْ يُكْرَهُ وَعَلَيْهِ تَحَمُّلُ الْأَخْبَارِ الْمُخْتَلِفَةِ الظَّاهِرِ لِخَبَرٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَخَبَرِ جاء رَجُلٌ إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِمِثْلِ الْبَيْضَةِ من الذَّهَبِ وقال خُذْهَا فَهِيَ صَدَقَةٌ وما أَمْلِكُ غَيْرَهَا فَأَعْرَضَ عنه إلَى أَنْ أَعَادَ عليه الْقَوْلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَخَذَهَا وَرَمَاهُ بها رَمْيَةً لو أَصَابَتْهُ لَأَوْجَعَتْهُ ثُمَّ قال يَأْتِي أحدكم بِمَا يَمْلِكُ فيقول هذه صَدَقَةٌ ثُمَّ يَقْعُدُ يَتَكَفَّفُ وُجُوهَ الناس خَيْرُ الصَّدَقَةِ ما كان عن ظَهْرِ غِنًى رَوَاهُ أبو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَقَوْلُهُ عن ظُهْرِ غِنًى أَيْ غِنَى النَّفْسِ وَصَبْرِهَا على الْفَقْرِ أَمَّا التَّصَدُّقُ بِبَعْضِ الْفَاضِلِ فَمُسْتَحَبٌّ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْرًا يُقَارِبُ الْجَمِيعَ فَالْأَوْجَهُ جَرَيَانُ التَّفْصِيلِ السَّابِقِ فيه وَالظَّاهِرُ أَخْذًا من كَلَامِ الْغَزَالِيِّ في الْإِحْيَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكِفَايَةِ هُنَا ما يَكْفِيهِ لِيَوْمِهِ وَكِسْوَةِ فَصْلِهِ لَا ما يَكْفِيهِ في الْحَالِ فَقَطْ وَلَا ما يَكْفِيهِ في سَنَتِهِ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِمَا يَحْتَاجُهُ لِعِيَالِهِ لم يَجُزْ لِخَبَرِ كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا إنْ يُضَيِّعَ من يَقُوتُ رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وَلِأَنَّ كِفَايَتَهُمْ فَرْضٌ وهو أَوْلَى من النَّفْلِ وَلَا يُرَدُّ على ذلك خَبَرُ الْأَنْصَارِيِّ الذي نَزَلَ بِهِ الضَّيْفُ فَأَطْعَمَهُ قُوتَهُ وَقُوتَ صِبْيَانِهِ لِأَنَّ ذلك ليس بِصَدَقَةٍ بَلْ ضِيَافَةٌ وَالضِّيَافَةُ لَا يُشْتَرَطُ فيها الْفَضْلُ عن عِيَالِهِ وَنَفْسِهِ لِتَأَكُّدِهَا وَكَثْرَةِ الْحَثِّ عليها حتى أَنَّ جَمَاعَةً من الْعُلَمَاءِ أَوْجَبُوهَا وَلِأَنَّهُ مَحْمُولٌ على أَنَّ الصِّبْيَانَ لم يَكُونُوا مُحْتَاجِينَ حِينَئِذٍ إلَى الْأَكْلِ وَأَمَّا الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ فَتَبَرَّعَا بِحَقِّهِمَا وَكَانَا صَابِرَيْنِ وَإِنَّمَا قال فيه لِأُمِّهِمْ نَوِّمِيهِمْ خَوْفًا من أَنْ يَطْلُبُوا الْأَكْلَ على عَادَةِ الصِّبْيَانِ في الطَّلَبِ من غَيْرِ حَاجَةٍ وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا يَحْتَاجُهُ لِدَيْنِهِ أَيْ لِوَفَائِهِ إلَّا إنْ ظَهَرَ له حُصُولُهُ بِغَلَبَةِ ظَنِّهِ من جِهَةٍ أُخْرَى ظَاهِرَةٌ فَلَا بَأْسَ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ وقد يُسْتَحَبُّ نعم إنْ حَصَلَ بِذَلِكَ تَأْخِيرٌ وقد وَجَبَ وَفَاءُ الدَّيْنِ على الْفَوْرِ بِمُطَالَبَةٍ أو غَيْرِهَا فَالْوَجْهُ كما قال الْأَذْرَعِيُّ وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ إلَى إيفَائِهِ وَتَحْرِيمُ الصَّدَقَةِ بِمَا يَتَوَجَّهُ عليه دَفْعُهُ في دَيْنِهِ أو تَصَدَّقَ بِمَا يَحْتَاجُهُ لِنَفْسِهِ ولم يَصْبِرْ على الْإِضَافَةِ كُرِهَ التَّصْرِيحُ بِالْكَرَاهَةِ مع التَّقْيِيدِ بِعَدَمِ الصَّبْرِ من زِيَادَتِهِ وَالْأَوْجَهُ حَمْلُ الْكَرَاهَةِ على كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وهو مُرَادُ الرَّوْضَةِ لِأَنَّ ما صَحَّحَهُ فيها من عَدَمِ التَّحْرِيمِ مَحْمُولٌ على من صَبَرَ كما أَفَادَهُ كَلَامُهُ في الْمَجْمُوعِ وَحَيْثُ حَرَّمْنَا عليه التَّصَدُّقَ فَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ فَهَلْ يَمْلِكُهُ الْمُتَصَدَّقُ عليه قال ابن الرِّفْعَةِ يَنْبَغِي تَخَرُّجُهُ على الْخِلَافِ في هِبَةِ الْمَاءِ في الْوَقْتِ وَلَا يَأْنَفُ من التَّصَدُّقِ بِالْقَلِيلِ فإن قَلِيلَ الْخَيْرِ كَثِيرٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وما قَبِلَهُ اللَّهُ وَبَارَكَ فيه فَلَيْسَ بِقَلِيلٍ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَلِخَبَرِ اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ وَلِخَبَرِ
____________________
(1/407)
يا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ
وَتُسْتَحَبُّ الصَّدَقَةُ بِالْمَاءِ لِخَبَرِ أبي دَاوُد السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ وَرَوَى أبو دَاوُد خَبَرَ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قال الْمَاءُ وَإِنْ بَعَثَ بِشَيْءٍ مع غَيْرِهِ إلَى فَقِيرٍ لم يَزَلْ مِلْكُهُ عنه حتى يَقْبِضَهُ الْفَقِيرُ فَإِنْ ذَهَبَ إلَيْهِ الْمَبْعُوثُ ولم يَجِدْهُ اُسْتُحِبَّ لِلْبَاعِثِ أَنْ لَا يَعُودَ فيه بَلْ يَتَصَدَّقُ بِهِ على غَيْرِهِ لِأَنَّهُ في مَعْنَى الْعَائِدِ في صَدَقَتِهِ وَإِنْ نَذَرَ صَدَقَةً لَا صَوْمًا وَصَلَاةً في وَقْتٍ بِعَيْنِهِ جَازَ تَعْجِيلُهَا كما لو عَجَّلَ الزَّكَاةَ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ لِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ بَدَنِيَّتَانِ وَيُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَمَلَّكَ بِمُعَاوَضَةٍ أو هِبَةٍ أو نَحْوِهَا صَدَقَتَهُ أو زَكَاتَهُ أو كَفَّارَتَهُ أو نَذْرَهُ أو نَحْوَهَا من الْفَقِيرِ الذي أَخَذَهَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ الْعَائِدُ في صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ في قَيْئِهِ وَلِأَنَّهُ قد يَسْتَحِي منه فَيُحَابِيهِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ أَنَّ عُمَرَ تَصَدَّقَ بِفَرَسٍ ثُمَّ وَجَدَهُ يُبَاعُ في السُّوقِ فَسَأَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَشْتَرِيَهُ فقال لَا تَشْتَرِهِ وَلَا شيئا من نِتَاجِهِ أَيْ لِأَنَّ وَلَدَ الْحَيَوَانِ جُزْءٌ منه
قال الْبَغَوِيّ وَلَيْسَ من ذلك أَنْ يَشْتَرِيَ من غَلَّةِ أَرْضٍ كان قد تَصَدَّقَ بها لِأَنَّهَا غَيْرُ الْعَيْنِ الْمُتَصَدَّقِ بها أَيْ وَغَيْرُ جُزْئِهَا لَا من غَيْرِهِ أَيْ لَا يُكْرَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا من غَيْرِهِ وَلَا أَنْ يَمْلِكَهَا بِالْإِرْثِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عن بُرَيْدٍ قال بَيْنَمَا أنا جَالِسٌ عِنْدَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فقالت إنِّي تَصَدَّقْت على أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ فقال وَجَبَ أَجْرُك وَرَدَّهَا عَلَيْك الْمِيرَاثُ وَالْمَنُّ بِالصَّدَقَةِ حَرَامٌ مُحْبِطٌ لِلْأَجْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يوم الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قال أبو ذَرٍّ خَابُوا وَخَسِرُوا من هُمْ يا رَسُولَ اللَّهِ قال الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ وَقَبُولُ الزَّكَاةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وهو أَيْ قَبُولُ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا أَفْضَلُ من قَبُولِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ على وَاجِبٍ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا مِنَّةَ فيها وَعَكَسَ آخَرُونَ منهم الْجُنَيْدُ وَالْخَوَاصُّ لِئَلَّا يَضِيقَ على الْأَصْنَافِ وَلِئَلَّا يَخِلَّ بِشَرْطٍ من شُرُوطِ الْأَخْذِ وَلَا تَرْجِيحَ في الرَّوْضَةِ فَالتَّرْجِيحُ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ قال في الرَّوْضَةِ عَقِبَ ذلك قال الْغَزَالِيُّ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالْأَشْخَاصِ فَإِنْ عَرَضَ له شُبْهَةٌ في اسْتِحْقَاقِهِ لم يَأْخُذْ الزَّكَاةَ وَإِنْ قَطَعَ بِهِ فَإِنْ كان الْمُتَصَدِّقُ إنْ لم يَأْخُذْ هذا منه لَا يَتَصَدَّقُ فَلْيَأْخُذْهَا فإن إخْرَاجَ الزَّكَاةِ لَا بُدَّ منه وَإِنْ كان لَا بُدَّ من إخْرَاجِهَا ولم يُضَيِّقْ تَخَيَّرَ وَأَخْذُهَا أَشَدُّ في كَسْرِ النَّفْسِ وَأَخْذِ الصَّدَقَةِ في الْمَلَأِ وَتَرْكُهُ في الْخَلَاءِ أَفْضَلُ لِمَا في ذلك من كَسْرِ النَّفْسِ
فُرُوعٌ يُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسْأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى غير الْجَنَّةِ وَأَنْ يَمْنَعَ من سَأَلَ بِاَللَّهِ وَتَشَفَّعَ بِهِ لِخَبَرِ لَا يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا الْجَنَّةُ وَخَبَرِ من اسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَ بِاَللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ وَمَنْ صَنَعَ إلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لم تَجِدُوا ما تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوَا له حتى تَرَوْا أَنَّكُمْ كَافَأْتُمُوهُ رَوَاهُمَا أبو دَاوُد وَتُسْتَحَبُّ الصَّدَقَةُ عَقِبَ كل مَعْصِيَةٍ قَالَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَمِنْهُ التَّصَدُّقُ بِدِينَارٍ أو نِصْفِهِ في وَطْءِ الْحَائِضِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُتَصَدِّقِ أَنْ يُعْطِيَ الصَّدَقَةَ لِلْفَقِيرِ من يَدِهِ قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ قال الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَتُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الدَّفْعِ لِلْفَقِيرِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ قال الْعُلَمَاءُ وَلَا يَطْمَعُ الْمُتَصَدِّقُ في الدُّعَاءِ من الْفَقِيرِ قال تَعَالَى إنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا فَإِنْ دَعَا الْفَقِيرُ له اُسْتُحِبَّ له أَنْ يَرُدَّ عليه مِثْلَهَا لِئَلَّا يَنْقُصَ أَجْرُ الصَّدَقَةِ وفي الحديث من لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا ثُمَّ عَمِدَ إلَى ثَوْبِهِ الذي كان عليه فَتَصَدَّقَ بِهِ لم يَزَلْ في حِفْظِ اللَّهِ حَيًّا وَمَيِّتًا وَلَيْسَ هذا من التَّصَدُّقِ بِالرَّدِيءِ بَلْ مِمَّا يُحَبُّ وَهَذَا كما جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ من التَّصَدُّقِ بِالْفُلُوسِ دُونَ الْفِضَّةِ وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّاغِبِ في الْخَيْرِ أَنْ لَا يُخَلِّيَ يَوْمًا من الْأَيَّامِ من الصَّدَقَةِ بِشَيْءٍ وَإِنْ قَلَّ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ ما من يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فيه إلَّا وَمَلَكَانِ يقول أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الْآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا وَلِخَبَرِ الْحَاكِمِ في صَحِيحِهِ كُلُّ امْرِئٍ في ظِلِّ صَدَقَتِهِ حتى يُفْصَلَ بين الناس أو قال حتى يُحْكَمَ بين الناس كِتَابُ الصِّيَامِ هو لُغَةً الْإِمْسَاكُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عن مَرْيَمَ إنِّي نَذَرْت لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا أَيْ إمْسَاكًا وَسُكُوتًا عن الْكَلَامِ وَشَرْعًا إمْسَاكٌ عن الْمُفْطِرِ على وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَالْأَصْلُ في وُجُوبِهِ قبل الْإِجْمَاعِ مع ما يَأْتِي آيَةُ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ وَخَبَرُ بُنِيَ الْإِسْلَامُ على خَمْسٍ وَفُرِضَ في شَعْبَانَ في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ من الْهِجْرَةِ وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ صَائِمٌ وَنِيَّةٌ
____________________
(1/408)
وَإِمْسَاكٌ عن الْمُفْطِرَاتِ يَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ بِاسْتِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا أو بِالرُّؤْيَةِ لِهِلَالِهِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَافْطُرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ وَلِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ أَخْبَرْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ فَصَامَ وَأَمَرَ الناس بِصِيَامِهِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابن حِبَّانَ وَالْمَعْنَى في ثُبُوتِهِ بِالْوَاحِدِ الِاحْتِيَاطُ لِلصَّوْمِ
قال الْأَكْثَرُونَ وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ رَمَضَانُ بِدُونِ شَهْرِ وَرَدَّهُ في الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ الصَّوَابَ خِلَافُهُ كما ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَهْيٍ فيه بَلْ ثَبَتَ ذِكْرُهُ بِدُونِ شَهْرٍ في أَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ كَخَبَرِ من قام رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ فإذا شَهِدَ بِرَمَضَانَ وَكَذَا بِشَهْرٍ نُذِرَ صَوْمُهُ بِبِنَاءِ نَذَرَ لِلْمَفْعُولِ عَدْلٌ عِنْدَ الْقَاضِي كَفَى في وُجُوبِ صَوْمِهِ فَهُوَ بِطَرِيقِ الشَّهَادَةِ لَا بِطَرِيقِ الرِّوَايَةِ فَلَا يَكْفِي عَبْدٌ وَلَا امْرَأَةٌ وَقَضِيَّتُهُ اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ الْبَاطِنَةِ وَهِيَ التي يَرْجِعُ فيها إلَى قَوْلِ الْمُزَكِّينَ وَفِيهِ في الْأَصْلِ وَجْهَانِ صَحَّحَ مِنْهُمَا الْمَجْمُوعُ الْمَنْعَ وَهِيَ شَهَادَةٌ حَسَبَةٌ قالت طَائِفَةٌ منهم الْبَغَوِيّ وَيَجِبُ الصَّوْمُ أَيْضًا على من أخبره مَوْثُوقٌ بِهِ بِالرُّؤْيَةِ إذَا اعْتَقَدَ صِدْقَهُ وَإِنْ لم يَذْكُرْهُ عِنْدَ الْقَاضِي
وَيَكْفِي في الشَّهَادَةِ أَشْهَدُ أَنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ كما صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ منهم الرَّافِعِيُّ في صَلَاةِ الْعِيدِ خِلَافًا لِابْنِ أبي الدَّمِ قال لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ على فِعْلِ نَفْسِهِ وَلَا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ غَدًا من رَمَضَانَ لِأَنَّهُ قد يُعْتَقَدُ دُخُولُهُ بِسَبَبٍ لَا يُوَافِقُهُ عليه الْمَشْهُودُ عِنْدَهُ بِأَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ من حِسَابٍ أو يَكُونَ حَنَفِيًّا يَرَى إيجَابَ الصَّوْمِ لَيْلَةَ الْغَيْمِ أو غير ذلك وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا بِشَهْرٍ نُذِرَ صَوْمُهُ من زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ عن تَصْحِيحِ الرُّويَانِيِّ مُقَيَّدًا بِشَهْرٍ مُعَيَّنٍ وهو قَضِيَّةُ ما في الْمَجْمُوعِ من أَنَّ فيه الْخِلَافَ في رَمَضَانَ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ خِلَافُهُ وَالْفَرْقُ بين حُرْمَةِ الشَّهْرَيْنِ ظَاهِرٌ على أَنَّ ثُبُوتَ رَمَضَانَ بِالْوَاحِدِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِرُجُوعِهِ عنه فَفِي الْأُمِّ قال الشَّافِعِيُّ بَعْدُ لَا يَجُوزُ على هِلَالِ رَمَضَانَ إلَّا شَاهِدَانِ وَنَقَلَ الْبُلْقِينِيُّ مع هذا النَّصِّ نَصًّا آخَرَ صِيغَتُهُ رَجَعَ الشَّافِعِيُّ بَعْدُ فقال لَا يُصَامُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ لَكِنْ قال الزَّرْكَشِيُّ قال الصَّيْمَرِيُّ إنْ صَحَّ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَبِلَ شَهَادَةَ الْأَعْرَابِيِّ وَحْدَهُ أو شَهَادَةَ ابْنِ عُمَرَ قبل الْوَاحِدِ وَإِلَّا فَلَا يُقْبَلُ أَقَلُّ من اثْنَيْنِ وقد صَحَّ كُلٌّ مِنْهُمَا وَعِنْدِي أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ قَبُولُ الْوَاحِدِ وَإِنَّمَا رَجَعَ إلَى الِاثْنَيْنِ بِالْقِيَاسِ لِمَا لم يَثْبُتْ عِنْدَهُ في الْمَسْأَلَةِ سَنَةً فإنه تَمَسَّك لِلْوَاحِدِ بِأَثَرٍ عن عَلِيٍّ وَلِهَذَا قال في الْمُخْتَصَرِ وَلَوْ شَهِدَ بِرُؤْيَتِهِ عَدْلٌ وَاحِدٌ رَأَيْت أَنْ أَقْبَلَهُ لِلْأَثَرِ فيه لو شَهِدَ اثْنَانِ عن بِمَعْنَى على شَهَادَتِهِ أَيْ الْعَدْلِ صَحَّ بِخِلَافِ ما إذَا شَهِدَ عليها وَاحِدٌ لِمَا مَرَّ أَنَّ ذلك من بَابِ الشَّهَادَةِ لَا الرِّوَايَةِ
____________________
(1/409)
وَلَكِنْ لَا تَحِلُّ الدُّيُونُ الْمُؤَجَّلَةُ بِهِ ولا يَقَعُ نَحْوُهَا مِمَّا عَلَّقَ بِهِ من طَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَنَحْوِهِمَا سَوَاءٌ أَشَهِدَ بِهِ عَدْلٌ أَمْ شَهِدَ على شَهَادَتِهِ بِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ ذلك في حَقِّ غَيْرِ الرَّائِي قال الرَّافِعِيُّ وَلَوْ قِيلَ هَلَّا يَثْبُتُ ضِمْنًا كما يَثْبُتُ شَوَّالٌ بِثُبُوتِ رَمَضَانَ بِوَاحِدٍ وَالنَّسَبُ وَالْإِرْثُ بِثُبُوتِ الْوِلَادَةِ بِالنِّسَاءِ لَا حَوْجَ إلَى الْفَرْقِ وَفَرَّقَ هو في الشَّهَادَاتِ بِأَنَّ الضِّمْنِيَّ في هذه الْأُمُورِ لَازِمٌ لِلْمَشْهُودِ بِهِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَثْبُتُ ضِمْنًا إذَا كان التَّابِعُ من جِنْسِ الْمَتْبُوعِ كَالصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فَإِنَّهُمَا من الْعِبَادَاتِ كَالْوِلَادَةِ وَالنَّسَبِ وَالْإِرْثِ فَإِنَّهَا من الْمَالِ أو الْآيِلِ إلَيْهِ بِخِلَافِ ما هُنَا فإن التَّابِعَ من الْمَالِ أو الْآيِلِ إلَيْهِ وَالْمَتْبُوعَ من الْعِبَادَاتِ وَبِالْجُمْلَةِ إذَا ثَبَتَ رَمَضَانُ بِالْوَاحِدِ اخْتَصَّ بِالصَّوْمِ وَتَوَابِعِهِ من صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ الْمُعَلَّقِينَ بِدُخُولِ رَمَضَانَ نَبَّهَ عليه الزَّرْكَشِيُّ وقال إنَّهُ وَاضِحٌ ولم يَتَعَرَّضُوا له وَاشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ مَحِلُّهُ في حَقِّ غَيْرِ الرَّائِي
أَمَّا الرَّائِي فَيَجِبُ عليه الصَّوْمُ وَإِنْ لم يَكُنْ عَدْلًا كما سَيَأْتِي وَلَوْ ضِمْنًا بِشَهَادَةِ عَدْلٍ أو عَدْلَيْنِ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا أو عَيَّدْنَا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ ولم نَرَ الْهِلَالَ بَعْدَ ثَلَاثِينَ في الصُّوَرِ الثَّلَاثِ أَفْطَرْنَا في الْأُولَيَيْنِ ولم نَقْضِ في الثَّالِثَةِ وَلَوْ لم يَكُنْ غَيْمٌ لِكَمَالِ الْعِدَّةِ بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ وَلَا يُؤَثِّرُ في الْأَوْلَى عَدَمُ ثُبُوتِ شَوَّالٍ بِعَدْلٍ إذْ الشَّيْءُ يَثْبُتُ ضِمْنًا بِمَا لَا يَثْبُتُ بِهِ أَصْلًا بِدَلِيلِ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْإِرْثِ ضِمْنًا لِلْوِلَادَةِ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ عليها كما مَرَّ وَلَا عِبْرَةَ بِالْمُنَجِّمِ أَيْ بِقَوْلِهِ فَلَا يَجِبُ بِهِ الصَّوْمُ وَلَا يَجُوزُ وَالْمُرَادُ بِآيَةِ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ الِاهْتِدَاءُ في أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ وفي السَّفَرِ ولكن له أَنْ يَعْمَلَ بِحِسَابِهِ كَالصَّلَاةِ وَلِظَاهِرِ هذه الْآيَةِ وَقِيلَ ليس له ذلك وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ وَالتَّنْظِيرُ بِالصَّلَاةِ من زِيَادَتِهِ وَصَحَّحَ في الْمَجْمُوعِ أَنَّ له ذلك وَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ عن فَرْضِهِ وَصَحَّ في الْكِفَايَةِ أَنَّهُ إذَا جَازَ أَجْزَأَ وَنَقَلَهُ عن الْأَصْحَابِ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ قال وَصَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ فِيمَا يَأْتِي في الْكَلَامِ على أَنَّ شَرْطَ النِّيَّةِ الْجَزْمُ وهو كما قال وَالْحَاسِبُ وهو من يَعْتَمِدُ مَنَازِلَ الْقَمَرِ وَتَقْدِيرَ سَيْرِهِ في مَعْنَى الْمُنَجِّمِ وهو من يَرَى أَنَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ طُلُوعُ النَّجْمِ الْفُلَانِيِّ وقد صَرَّحَ بِهِمَا مَعًا في الْمَجْمُوعِ وَلَا عِبْرَةَ أَيْضًا بِقَوْلِ من قال أخبرني النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في النَّوْمِ بِأَنَّ اللَّيْلَةَ أَوَّلُ رَمَضَانَ فَلَا يَصِحُّ الصَّوْمُ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ
فَرْعٌ لو رَأَى الْهِلَالَ في بَلَدٍ لَزِمَ حُكْمُهُ من في غَيْرِهِ من سَائِرِ الْأَمَاكِنِ ما لم تَخْتَلِفْ الْمَطَالِعُ كَبَغْدَادَ وَالْكُوفَةِ وَالرَّيِّ وَقَزْوِينَ لِأَنَّهُ قَرِيبٌ من بَلَدِ الرُّؤْيَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ من هو بِبَلَدِهَا كما في حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ كَالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ لم يَجِبْ الصَّوْمُ على من اخْتَلَفَ مَطْلَعُهُ لِبُعْدِهِ وَلِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عن كُرَيْبٍ رَأَيْت الْهِلَالَ بِالشَّامِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْت الْمَدِينَةَ فقال ابن عَبَّاسٍ مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ قُلْت لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ قال أنت رَأَيْتَهُ قلت نعم وَرَآهُ الناس وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فقال لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حتى تُكْمِلَ الْعِدَّةَ فَقُلْت أو لَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ قال لَا هَكَذَا
____________________
(1/410)
أَمَرَنَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقِيَاسًا على طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ وَغُرُوبِهِمَا وَبِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ عُلِمَ أَنَّ الْقَرِيبَ من بَلَدِ الرُّؤْيَةِ ما اتَّحَدَ معه في الْمَطْلَعِ وَقِيلَ ما دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ وَصَحَّحَ في غَيْرِهِ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِلرُّؤْيَةِ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ وقال الْإِمَامُ اعْتِبَارُ الْمَطَالِعِ يُحْوِجُ إلَى حِسَابِ وَتَحْكِيمِ الْمُنَجِّمِينَ وَقَوَاعِدُ الشَّرْعِ تَأْبَى ذلك بِخِلَافِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ التي عَلَّقَ بها الشَّرْعُ كَثِيرًا من الْأَحْكَامِ فَإِنْ قُلْت اعْتِبَارُ اتِّحَادِ الْمَطَالِعِ على ما مَرَّ يَتَعَلَّقُ بِالْمُنَجِّمِ وَالْحَاسِبِ وقد تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُمَا في إثْبَاتِ رَمَضَانَ قُلْت لَا يَلْزَمُ من عَدَمِ اعْتِبَارِهِ في الْأُصُولِ وَالْأُمُورِ الْعَامَّةِ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ في التَّوَابِعِ وَالْأُمُورِ الْخَاصَّةِ فَإِنْ شَكَّ في الِاتِّفَاقِ في الْمَطَالِعِ لم يَجِبْ على الَّذِينَ لم يَرَوْا صَوْمٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِهِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ بِالرُّؤْيَةِ ولم تَثْبُتْ في حَقِّ هَؤُلَاءِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ قُرْبِهِمْ من بَلَدِ الرُّؤْيَةِ وَلَوْ صَامَ بِالرُّؤْيَةِ وَسَافَرَ من بَلَدِهَا إلَى بَلَدٍ مَطْلَعُهُ مُخَالِفٌ لِمَطْلَعِهِ ولم يَرَ أَهْلُهُ الْهِلَالَ وَافَقَهُمْ وُجُوبًا يوم عِيدِهِ في الصَّوْمِ لِأَنَّهُ بِالِانْتِقَالِ إلَيْهِمْ صَارَ منهم فَإِنْ لم يَكُنْ عِيدٌ صَامَهُ أو عِيدٌ أَمْسَكَ بَقِيَّةَ الْيَوْمِ أو بِالْعَكْسِ بِأَنْ سَافَرَ من بَلَدِ غَيْرِ الرُّؤْيَةِ إلَى بَلَدِهَا عَيَّدَ مَعَهُمْ لِمَا مَرَّ وَقَضَى يَوْمًا إذَا لم يَصُمْ إلَّا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا كما سَيَأْتِي وَكَذَا لو عَيَّدَ في بَلَدٍ وَجَرَتْ بِهِ السَّفِينَةُ إلَيْهِمْ أَيْ إلَى أَهْلِ بَلَدٍ مَطْلَعُهُ مُخَالِفٌ لِمَطْلَعِ بَلَدِهِ فَوَجَدَهُمْ صَائِمِينَ أَمْسَكَ بَقِيَّةَ الْيَوْمِ لِمَا مَرَّ أو بِالْعَكْسِ بِأَنْ كان صَائِمًا فَجَرَتْ بِهِ السَّفِينَةُ إلَيْهِمْ فَوَجَدَهُمْ مُفْطِرِينَ أَفْطَرَ لِمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ وَكَذَا إلَى آخِرِهِ يُعْلَمُ مِمَّا قَبْلَهُ وَإِنْ لم يَصُمْ إلَّا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا قَضَى يَوْمًا لِأَنَّ الشَّهْرَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ بِخِلَافِ ما إذَا صَامَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ لَا قَضَاءَ عليه لِأَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ كَذَلِكَ فَرْعٌ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ نَهَارًا يوم الثَّلَاثِينَ وَلَوْ قبل الزَّوَالِ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لَا الْمَاضِيَةِ فَلَا يَفْطُرُ إنْ كان في ثَلَاثِي رَمَضَانَ وَلَا يُمْسِكُ إنْ كان في ثَلَاثِي شَعْبَانَ فَعَنْ شَقِيقِ بن سَلَمَةَ جَاءَنَا كِتَابُ عُمَرَ بِخَانِقِينَ إنَّ الْأَهِلَّةَ بَعْضُهَا أَكْبَرُ من بَعْضٍ فإذا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ نَهَارًا فَلَا تُفْطِرُوا حتى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ بِالْأَمْسِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَخَانِقِينَ بِخَاءِ مُعْجَمَةٍ وَنُونٍ ثُمَّ قَافٍ مَكْسُورَةٍ بَلْدَةٌ بِالْعِرَاقِ قَرِيبَةٌ من بَغْدَادَ وَالْمُرَادُ بِمَا ذُكِرَ دَفْعُ ما قِيلَ إنَّ رُؤْيَتَهُ يوم الثَّلَاثِينَ تَكُونُ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَأَمَّا رُؤْيَتُهُ يوم التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ فلم يَقُلْ أَحَدٌ أنها لِلْمَاضِيَةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ الشَّهْرُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ فَلَا يُفْطِرْ وَلَا يُمْسِكْ من زِيَادَتِهِ
فَصْلٌ وَيَجِبُ في الصَّوْمِ نِيَّةٌ جَازِمَةٌ مُعَيِّنَةٌ كَالصَّلَاةِ وَلِخَبَرِ إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَمُعَيِّنَةٌ بِكَسْرِ الْيَاءِ لِأَنَّهَا تُعَيِّنُ الصَّوْمَ وَبِفَتْحِهَا لِأَنَّ النَّاوِي يُعَيِّنُهَا وَيُخْرِجُهَا عن التَّعَلُّقِ بِمُطْلَقِ الصَّوْمِ وَجَمِيعُ ذلك يَجِبُ قبل الْفَجْرِ في الْفَرْضِ وَلَوْ نَذْرًا أو قَضَاءً أو كَفَّارَةً أو كان النَّاوِي صَبِيًّا لِخَبَرِ من لم يُبَيِّتْ الصِّيَامَ قبل الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ له رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ وهو مَحْمُولٌ على الْفَرْضِ بِقَرِيبَةِ خَبَرِ عَائِشَةَ الْآتِي لِكُلِّ يَوْمٍ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ وَلِأَنَّ صَوْمَ كل يَوْمٍ عِبَادَةٌ لِتَخَلُّلِ الْيَوْمَيْنِ ما يُنَاقِضُ الصَّوْمَ كَالصَّلَاتَيْنِ يَتَخَلَّلُهُمَا السَّلَامُ وَخَرَجَ بِمُعَيِّنَةٍ ما لو نَوَى الصَّوْمَ عن فَرْضِهِ أو عن فَرْضِ وَقْتِهِ فَلَا يَكْفِي كما في الصَّلَاةِ وَسَيَأْتِي في الْفَرْعِ الْآتِي ما خَرَجَ بِجَازِمَةٍ وَإِلَّا كَمَّلَ في نِيَّةِ صَوْمِ رَمَضَانَ أَنْ يَنْوِيَ صَوْمَ غَدٍ عن أَدَاءِ فَرْضِ رَمَضَانَ هذه السَّنَةَ لِلَّهِ تَعَالَى بِإِضَافَةِ رَمَضَانَ وَذَلِكَ لِتَتَمَيَّزَ عن أَضْدَادِهَا لَكِنَّ فَرْضَ غَيْرِ هذه السَّنَةِ لَا يَكُونُ إلَّا قَضَاءً وقد خَرَجَ بِقَيْدِ الْأَدَاءِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَفْظُ الْأَدَاءِ لَا يُغْنِي عن السَّنَةِ لِأَنَّ الْأَدَاءَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْفِعْلُ قال في الْأَصْلِ وَلَفْظُ الْغَدِ اُشْتُهِرَ في كَلَامِهِمْ في تَفْسِيرِ التَّعْيِينِ وهو في الْحَقِيقَةِ ليس من حَدِّ التَّعْيِينِ وَإِنَّمَا وَقَعَ ذلك من نَظَرِهِمْ إلَى التَّبْيِيتِ وَلَوْ تَرَكَ ذِكْرَ السَّنَةِ وَالْأَدَاءِ وَالْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى جَازَ كما في الصَّلَاةِ قال الرَّافِعِيُّ وَلِأَنَّ ذِكْرَ الْغَدِ يُغْنِي عن ذِكْرِ السَّنَةِ وَرَدَّهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ الْفَرْقَ بين الْيَوْمِ الذي يَصُومُهُ وَالْيَوْمِ الذي يَصُومُ عنه مَعْلُومٌ فَالتَّعَرُّضُ لِلْغَدِ يُفِيدُ الذي يَصُومُهُ وَالتَّعَرُّضُ لِلسَّنَةِ يُفِيدُ الذي يَصُومُ عنه قال وَيُوَضِّحُهُ
____________________
(1/411)
أَنَّ من نَوَى صَوْمَ الْغَدِ من هذه السَّنَةِ عن فَرْضِ رَمَضَانَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ له صِيَامُك الْيَوْمَ الْمَذْكُورَ هل هو عن فَرْضِ هذه السَّنَةِ أو عن فَرْضِ سَنَةٍ أُخْرَى فَالْحَاصِلُ أَنَّ هذه السَّنَةَ إنَّمَا ذَكَرُوهَا آخِرًا لِتَعُودَ إلَى الْمُؤَدَّى عنه لَا إلَى الْمُؤَدَّى بِهِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَجَعْلُهَا من الْكَمَالِ ظَاهِرٌ إذَا لم يَكُنْ عليه قَضَاءُ رَمَضَانَ قَبْلَهُ وَإِلَّا فَيُشْبِهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لها أو لِلْأَدَاءِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ اشْتِرَاطُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ كما في الصَّلَاةِ لَكِنْ صَحَّحَ في الْمَجْمُوعِ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِينَ عَدَمَ اشْتِرَاطِهَا هُنَا بِخِلَافِهِ في الصَّلَاةِ لِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ من الْبَالِغِ لَا يَقَعُ إلَّا فَرْضًا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فإن الْمُعَادَةَ نَفْلٌ وَرُدَّ بِاشْتِرَاطِ نِيَّتِهَا في الْمُعَادَةِ على الْأَصَحِّ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ صَحَّحَ فيه أَيْضًا عَدَمَ اشْتِرَاطِهَا في الْمُعَادَةِ فَإِنْ قُلْت الْجُمُعَةُ لَا تَقَعُ من الْبَالِغِ إلَّا فَرْضًا مع أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فيها نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ قُلْت مَمْنُوعٌ فإنه لو صَلَّاهَا بِمَكَانٍ ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً في آخَرَ يُصَلُّونَهَا فَإِنَّهَا لَا تَقَعُ منه فَرْضًا وَلَوْ نَوَى صَوْمَ الشَّهْرِ كَفَاهُ لِلْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَيْ لِصَوْمِهِ لِدُخُولِهِ في صَوْمِ الشَّهْرِ وَلَوْ نَوَى صَوْمَ غَدٍ وهو يَعْتَقِدُهُ الِاثْنَيْنِ وكان الثُّلَاثَاءَ أو صَوْمَ رَمَضَانَ هذه السَّنَةَ وهو يَعْتَقِدُهَا سَنَةَ ثَلَاثٍ فَكَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ صَحَّ صَوْمُهُ بِخِلَافِ ما لو نَوَى صَوْمَ الثُّلَاثَاءِ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ أو صَوْمَ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ فَكَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ ولم يَخْطُرْ بِهِ أَيْ بِبَالِهِ في الْأُولَى الْغُدُوُّ في الثَّانِيَةِ السَّنَةَ الْحَاضِرَةَ لِأَنَّهُ لم يُعَيِّنْ الْوَقْتَ أَيْ الذي نَوَى في لَيْلَتِهِ وَتَصْوِيرُ مِثْلِهِ بَعِيدٌ وَقَوْلُهُ ولم يَخْطُرْ إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ كان عليه قَضَاءُ رَمَضَانَيْنِ فَنَوَى صَوْمَ غَدٍ عن قَضَاءِ رَمَضَانَ جَازَ وَإِنْ لم يُعَيِّنْ أَنَّهُ عن قَضَاءِ أَيِّهِمَا لِأَنَّهُ كُلُّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ قَالَهُ الْقَفَّالُ في فَتَاوِيهِ قال وَكَذَا إذَا كان عليه صَوْمُ نَذْرٍ من جِهَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فَنَوَى صَوْمَ النَّذْرِ جَازَ وَإِنْ لم يُعَيِّنْ نَوْعَهُ وَكَذَا الْكَفَّارَاتُ وَجَعَلَ الزَّرْكَشِيُّ ذلك مُسْتَثْنَى من وُجُوبِ التَّعْيِينِ
وَلَوْ تَسَحَّرَ لِيَصُومَ أو شَرِبَ لِدَفْعِ الْعَطَشِ نَهَارًا أو امْتَنَعَ من الْأَكْلِ أو الشُّرْبِ أو الْجِمَاعِ خَوْفَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَهُوَ نِيَّةٌ إنْ خَطَرَ بِبَالِهِ صَوْمُ فَرْضِ رَمَضَانَ لِيَتَضَمَّنَ كُلٌّ منها قَصْدَ الصَّوْمِ وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ إنْ خَطَرَ بِبَالِهِ الصَّوْمُ بِالصِّفَاتِ التي يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لها لَا إنْ تَسَحَّرَ لِيَقْوَى على الصَّوْمِ فَلَا يَكْفِي في النِّيَّةِ وَهَذَا مَحْذُوفٌ في بَعْضِ النُّسَخِ وَثُبُوتُهُ في بَقِيَّتِهَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُصَنِّفَ فَهِمَ من كَلَامِ أَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي مُطْلَقًا وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ بِبَادِئِ الرَّأْيِ لَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ يَكْفِي إنْ خَطَرَ بِبَالِهِ الصَّوْمُ وَكَلَامُ الْأَصْلِ صَالِحٌ لِأَخْذِهِ منه وَلَوْ نَوَى قبل الْغُرُوبِ أو مع طُلُوعِ الْفَجْرِ لم يُجْزِهِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ السَّابِقِ أو نَوَى قبل نِصْفِ اللَّيْلِ وقبل الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ وَالنَّوْمِ أَجْزَأَهُ فَلَا حَاجَةَ لِتَجْدِيدِ النِّيَّةِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ وَلِأَنَّ كُلًّا من الْأَكْلِ وما بَعْدَهُ مُبَاحٌ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَوْ أَبْطَلَ النِّيَّةَ لَامْتَنَعَ إلَى طُلُوعِهِ وَتَكْفِي نِيَّةٌ مُطْلَقَةٌ في النَّفْلِ الْمُطْلَقِ كما في نَظِيرِهِ من الصَّلَاةِ وَلَوْ قبل الزَّوَالِ لَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِعَائِشَةَ يَوْمًا هل عِنْدَكُمْ من غَدَاءٍ قالت لَا قال فَإِنِّي إذًا أَصُومُ قالت وقال لي يَوْمًا آخَرَ أَعِنْدَكُمْ شَيْءٌ قُلْت نعم قال إذًا أُفْطِرُ وَإِنْ كُنْت فَرَضْت الصَّوْمَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَاخْتَصَّ بِمَا قبل الزَّوَالِ لِلْخَبَرِ إذْ الْغَدَاءُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ قبل الزَّوَالِ وَالْعَشَاءُ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ بَعْدَهُ وَلِأَنَّهُ مَضْبُوطٌ بَيِّنٌ وَلِإِدْرَاكِ مُعْظَمِ النَّهَارِ بِهِ كما في رَكْعَةِ الْمَسْبُوقِ وَهَذَا جَرَى على الْغَالِبِ مِمَّنْ يُرِيدُ صَوْمَ النَّفْلِ وَإِلَّا فَلَوْ نَوَى قبل الزَّوَالِ وقد مَضَى مُعْظَمُ النَّهَارِ صَحَّ صَوْمُهُ ما لم يَسْبِقْ النِّيَّةَ مُنَاقِضٌ لِلصَّوْمِ من أَكْلٍ أو غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ من اجْتِمَاعِ شَرَائِطَ من أَوَّلِ النَّهَارِ وَيُحْكَمُ بِالصَّوْمِ في ذلك من أَوَّلِ النَّهَارِ حتى يُثَابَ على جَمِيعِهِ إذْ صَوْمُ الْيَوْمِ لَا يَتَبَعَّضُ كما في الرَّكْعَةِ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ وَصَوْمُ ما أَيْ نَفْلٍ له سَبَبٌ كَصَوْمِ الِاسْتِسْقَاءِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْإِمَامِ أو مُؤَقَّتٌ كَصَوْمِ الِاثْنَيْنِ يُقَاسُ على الصَّلَاةِ فَيَجِبُ تَعْيِينُهُ في النِّيَّةِ كما بَحَثَ الْأَوَّلَ في الْمُهِمَّاتِ وَالثَّانِي في الْمَجْمُوعِ وَأُجِيبَ عن الثَّانِي بِأَنَّ الصَّوْمَ في الْأَيَّامِ الْمُتَأَكِّدِ صَوْمِهَا مُنْصَرِفٌ إلَيْهَا بَلْ لو نَوَى بِهِ غَيْرَهَا حَصَلَتْ أَيْضًا كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وُجُودُ صَوْمٍ فيها وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَصَوْمٌ إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ وهو مع ما زِدْته خَارِجٌ بِمَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا الْمُطْلَقُ وَلَعَلَّهُ تَرَكَ هُنَا ما زِدْته لِأَنَّهُ لَا يَعْتَمِدُهُ نَظَرًا لِلْجَوَابِ الْمَذْكُورِ أو غَيْرِهِ أَمَّا صَوْمُ الِاسْتِسْقَاءِ بِأَمْرِ الْإِمَامِ إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِهِ كما أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ فَيَجِبُ فيه التَّبْيِيتُ كما شَمِلَهُ قَوْلُهُمْ في الْفَرْضِ وقال الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الظَّاهِرُ فَرْعٌ لو لم يَعْتَقِدْ غَدًا أَوَّلَ رَمَضَانَ أو اعْتَقَدَهُ لَا بِسَبَبٍ
____________________
(1/412)
وفي نُسْخَةٍ بِلَا سَبَبٍ وَنَوَى الصَّوْمَ جَازِمًا بِالنِّيَّةِ صُورَةً أو مُتَرَدِّدًا كَأَنْ قال لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ شَعْبَانَ أَصُومُ غَدًا إنْ دخل رَمَضَانُ سَوَاءٌ أَقَالَ معه وَإِلَّا فَأَنَا مُفْطِرٌ أو مُتَطَوِّعٌ أَمْ لَا لم تُجْزِهِ وَإِنْ دخل رَمَضَانُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ دُخُولِهِ وَلِأَنَّهُ صَامَ شَاكًّا ولم يَعْتَمِدْ سَبَبًا وَالْجَزْمُ في الْأُولَى كَلَا جَزْمٍ لِأَنَّهُ إذَا لم يَعْتَقِدْهُ من رَمَضَانَ بِسَبَبٍ لم يَتَأَتَّ منه الْجَزْمُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يَحْصُلُ له حَدِيثُ نَفْسٍ لَا اعْتِبَارَ بِهِ فَإِنْ اعْتَقَدَهُ أَوَّلَ رَمَضَانَ بِسَبَبٍ كَأَنْ اعْتَقَدَهُ بِخَبَرِ من يَثِقْ بِهِ من نَحْوِ امْرَأَةٍ أو عَبِيدٍ أو صِبْيَانٍ ذَوِي رُشْدٍ يَعْنِي مُخْتَبَرِينَ بِالصِّدْقِ
وَجَزَمَ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ أَجْزَأَهُ إنْ بَانَ من رَمَضَانَ لِظَنِّ أَنَّهُ منه حَالَةَ النِّيَّةِ وَلِلظَّنِّ في مِثْلِ هذا حُكْمُ الْيَقِينِ فَتَصِحُّ النِّيَّةُ الْمَبْنِيَّةُ عليه وَجَمْعُ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَةِ ليس بِمُعْتَبَرٍ فَفِي الْمَجْمُوعِ لو أخبره بِالرُّؤْيَةِ من يَثِقُ بِهِ من حُرٍّ أو عَبْدٍ أو امْرَأَةٍ أو فَاسِقٍ أو مُرَاهِقٍ وَنَوَى صَوْمَ رَمَضَانَ فَبَانَ منه أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ نَوَاهُ بِظَنٍّ وَصَادَفَهُ فَأَشْبَهَ الْبَيِّنَةَ وَلَوْ تَرَدَّدَ وَالْحَالَةُ هذه وَالْأَنْسَبُ رَدُّهُ فقال أَصُومُ غَدًا عن رَمَضَانَ فَإِنْ لم يَكُنْ منه فَهُوَ تَطَوُّعٌ وَبَانَ منه لم يُجْزِهِ كَذَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عن ظَاهِرِ النَّصِّ وَحَكَاهُ عنه الشَّيْخَانِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَالْمُتَّجَهُ الْإِجْزَاءُ لِأَنَّ النِّيَّةَ مَعْنًى قَائِمٌ بِالْقَلْبِ وَالتَّرَدُّدُ حَاصِلٌ في الْقَلْبِ قَطْعًا ذَكَرَهُ أَمْ لم يَذْكُرْهُ وَقَصْدُهُ لِلصَّوْمِ إنَّمَا هو بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ من رَمَضَانَ فَصَارَ كَالتَّرَدُّدِ في الْقَلْبِ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الزَّرْكَشِيُّ قال وهو الْمُوَافِقُ لِمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عن طَوَائِفَ وَكَلَامُ الْأُمِّ مُصَرِّحٌ بِهِ وَلَا نَقْلَ يُعَارِضُهُ إلَّا دَعْوَى الْإِمَامِ أَنَّهُ ظَاهِرُ النَّصِّ وَلَيْسَ كما ادَّعَى قال وَتَعْبِيرُهُ بِالتَّرَدُّدِ مَمْنُوعٌ فإن هذا تَرْدِيدٌ لَا تَرَدُّدٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّرَدُّدَ شَكٌّ لَا جَزْمَ فيه بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ بِخِلَافِ التَّرْدِيدِ فإن فيه الْجَزْمَ بِأَحَدِهِمَا لَكِنْ مُبْهَمًا انْتَهَى وَالْحَقُّ أَنَّ في ذلك تَرَدُّدًا وَتَرْدِيدًا وَلَوْ عَقَّبَ النِّيَّةَ بِمَشِيئَةِ زَيْدٍ ضَرَّ وَكَذَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنْ يَقْصِدَ التَّبَرُّكَ أو وُقُوعَ الصَّوْمِ وَتَمَامَهُ بها ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَإِنْ شَكَّ بِالنَّهَارِ هل نَوَى لَيْلًا ثُمَّ تَذَكَّرَ وَلَوْ بَعْدَ مُضِيِّ أَكْثَرِ النَّهَارِ أَجْزَأَهُ صَوْمُهُ وَكَذَا لو نَوَى ثُمَّ شَكَّ أَطَلَعَ الْفَجْرُ أَمْ لَا بِخِلَافِ ما لو شَكَّ عِنْدَ النِّيَّةِ في أنها مُتَقَدِّمَةٌ على الْفَجْرِ أَمْ لَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَقَدُّمِهَا أَمَّا إذَا لم يَتَذَكَّرْ بِالنَّهَارِ فَلَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النِّيَّةِ لَيْلًا ولم تَنْجَبِرْ بِالتَّذَكُّرِ نَهَارًا فَإِنْ جَهِلَ سَبَبَ ما عليه من الصَّوْمِ من كَوْنِهِ قَضَاءً عن رَمَضَانَ أو نَذْرًا أو كَفَّارَةً كَفَاهُ نِيَّةُ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ لِلضَّرُورَةِ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً من الْخَمْسِ لَا يَعْرِفُ عَيْنَهَا فإنه يُصَلِّي الْخَمْسَ وَيُجْزِئُهُ عَمَّا عليه وَيُعْذَرُ في عَدَمِ جَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ وَذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وقد يُقَالُ قِيَاسُ الصَّلَاةِ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَنْوِيَ يَوْمًا عن الْقَضَاءِ وَيَوْمًا عن النَّذْرِ وَيَوْمًا عن الْكَفَّارَةِ أو يُقَالُ يُصَلِّي ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ فَقَطْ الصُّبْحُ وَالْمَغْرِبُ وَإِحْدَى رُبَاعِيَةٍ يَنْوِي فيها الصَّلَاةَ الْوَاجِبَةَ وَيُجَابُ بِأَنَّ الذِّمَّةَ هُنَا لم تَشْتَغِلْ بِالثَّلَاثِ وَالْأَصْلُ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِصَوْمِ يَوْمٍ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِمَّا زَادَ بِخِلَافِ من نَسِيَ صَلَاةً من خَمْسٍ فإن ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِجَمِيعِهَا وَالْأَصْلُ بَقَاءُ كُلٍّ منها فَإِنْ فَرَضَ أَنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِصَوْمِ الثَّلَاثِ وَأَتَى بِاثْنَيْنِ منها وَنَسِيَ الثَّالِثَ الْتَزَمَ فيه ذلك وَإِنَّمَا لم يَكْتَفُوا ثَمَّ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ كَنَظَائِرِهَا هُنَا لِأَنَّهُمْ تَوَسَّعُوا هُنَا ما لم يَتَوَسَّعُوا ثَمَّ بِدَلِيلِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ في نِيَّةِ الصَّوْمِ وَعَدَمِ الْخُرُوجِ منه بِنِيَّةِ تَرْكِهِ بِخِلَافِهِمَا في الصَّلَاةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ شَكَّ إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ فَإِنْ قال آخِرَ رَمَضَانَ أَيْ لَيْلَةَ ثَلَاثِيهِ أَصُومُ غَدًا إنْ كان من رَمَضَانَ وَإِلَّا أَفْطَرْت أَجْزَأَهُ لِلِاسْتِصْحَابِ لِلْأَصْلِ لَا إنْ قال أَصُومُ غَدًا من رَمَضَانَ أو أُفْطِرُ أو أَتَطَوَّعُ فَلَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لم يَجْزِمْ وَلَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ في نِيَّتِهِ وَصَوْمِهِ على حُكْمِ الْحَاكِمِ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَمِمَّا ذَكَرَهُ في قَوْلِهِ وَلَا أَثَرَ لِارْتِيَابٍ يَبْقَى بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَلَوْ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ لِلِاسْتِنَادِ إلَى ظَنٍّ مُعْتَمَدٍ قال الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَنْ جَهِلَ حَالَ الشَّاهِدِ أَمَّا الْعَالِمُ بِفِسْقِهِ وَكَذِبِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ منه الْجَزْمُ بِالنِّيَّةِ بَلْ لَا يَجُوزُ له صَوْمُهُ حَيْثُ حَرُمَ صَوْمُهُ كَيَوْمِ الشَّكِّ قال في الْمَجْمُوعِ وَلَوْ قال لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ من شَعْبَانَ أَصُومُ غَدًا نَفْلًا إنْ كان منه وَإِلَّا فَمِنْ رَمَضَانَ ولم تَكُنْ أَمَارَةً فَبَانَ من شَعْبَانَ صَحَّ صَوْمُهُ نَفْلًا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَإِنْ بَانَ من رَمَضَانَ لم يَصِحَّ صَوْمُهُ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا وَالْأَسِيرُ وفي مَعْنَاهُ الْمَحْبُوسُ وَبِهِ عَبَّرَ أَصْلُهُ يَتَحَرَّى وُجُوبًا إنْ اشْتَبَهَ عليه رَمَضَانُ فَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ بِغَيْرِ تَحَرٍّ كما في الصَّلَاةِ وَالْقِبْلَةِ فَإِنْ وَافَقَ صَوْمُهُ بِالتَّحَرِّي الشَّهْرَ الْمَطْلُوبَ منه
____________________
(1/413)
صَوْمُهُ كَرَمَضَانَ أو ما بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ كما في الصَّلَاةِ وَلِأَنَّهُ صَامَ الشَّهْرَ بِنِيَّتِهِ بَعْدَ وُجُوبِهِ وَيَكُونُ في الثَّانِيَةِ قَضَاءٌ لِأَنَّهُ وَقَعَ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهِ وَيُجْزِئُهُ أَيْضًا فِيمَا لو لم يَعْلَمْ أَنَّهُ وَافَقَهُ أو لَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ من التَّحَرِّي الْإِصَابَةُ لَا إنْ وَافَقَ ما قَبْلَهُ فَلَا يُجْزِئُهُ لِوُقُوعِهِ قبل وَقْتِهِ كما في الصَّلَاةِ وَلَوْ وَافَقَ شَوَّالًا وكان نَاقِصًا وَرَمَضَانُ تَامًّا قَضَى يَوْمَيْنِ الْيَوْمَ النَّاقِصَ وَيَوْمَ الْعِيدِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ أو بِالْعَكْسِ بِأَنْ كان شَوَّالٌ تَامًّا وَرَمَضَانُ نَاقِصًا فَلَا قَضَاءَ أو كَانَا تَامَّيْنِ أو نَاقِصَيْنِ قَضَى يَوْمًا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو وَافَقَ الْحِجَّةَ أَيْ ذَا الْحِجَّةِ وَهُمَا أَيْ رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ نَاقِصَانِ أو كَامِلَانِ قَضَى أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ يوم الْعِيدِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ إذْ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا أو التَّامُّ ذُو الْحِجَّةِ وَالنَّاقِصُ رَمَضَانُ قَضَى ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أو التَّامُّ رَمَضَانُ وَالنَّاقِصُ ذُو الْحِجَّةِ فَخَمْسَةُ أَيَّامٍ يَقْضِيهَا وَلَوْ تَحَرَّى لِشَهْرِ نَذْرٍ فَوَافَقَ رَمَضَانَ لم يَسْقُطَا أَيْ لم يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ إنَّمَا نَوَى النَّذْرَ وَرَمَضَانُ لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَمِثْلُهُ لو كان عليه صَوْمُ قَضَاءٍ فَأَتَى بِهِ في رَمَضَانَ فَلَوْ تَحَرَّى فلم يَظْهَرْ له شَيْءٌ فَفِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَصُومَ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ تَخْمِينًا وَيَقْضِي كَنَظِيرِهِ في الْقِبْلَةِ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ هُنَا لم يَعْلَمْ دُخُولَ الْوَقْتِ ولم يَظُنَّهُ فلم يُؤْمَرْ بِالصَّوْمِ كَمَنْ شَكَّ في دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ فإنه عَلِمَ دُخُولَ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا عَجَزَ عن شَرْطِهَا فَأُمِرَ بِالصَّلَاةِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ فَرْعٌ لو نَوَتْ الْحَائِضُ أو النُّفَسَاءُ الصَّوْمَ قبل الِانْقِطَاعِ لِلدَّمِ ثِقَةً بِالْعَادَةِ وَانْقَطَعَ الدَّمُ لَيْلًا أَجْزَأَهَا الصَّوْمُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِمْرَارُ الْعَادَةِ سَوَاءٌ اتَّحَدَتْ أَمْ اخْتَلَفَتْ وَاتَّسَقَتْ ولم تَنْسَ اتِّسَاقَهَا بِخِلَافِ ما إذَا لم تَكُنْ لها عَادَةٌ ولم يَتِمَّ أَكْثَرُ الْحَيْضِ أو النِّفَاسِ لَيْلًا أو كان لها عَادَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ غَيْرُ مُتَّسِقَةٍ أو مُتَّسِقَةٍ وَنَسِيَتْ اتِّسَاقَهَا ولم يَتِمَّ أَكْثَرُ عَادَاتِهَا لَيْلًا لِأَنَّهَا لم تَجْزِمْ وَلَا بَنَتْ على أَصْلٍ وَلَا أَمَارَةٍ كَمَنْ نَوَتْ قبل انْقِطَاعِ الدَّمِ في لَيْلَةٍ يَتِمُّ بها أَكْثَرُ الْحَيْضِ أو النِّفَاسِ وَإِنْ لم يَكُنْ عَادَتُهَا فإنه يُجْزِئُهَا لِأَنَّهَا تَقْطَعُ بِأَنَّ نَهَارَهَا كُلَّهُ طُهْرٌ وَلَوْ نَوَى الصَّائِمُ تَرْكَ الصَّوْمِ مُنَجِّزًا أو مُعَلِّقًا كَأَنْ قال تَرَكْت صَوْمِي أو خَرَجْت منه أو إذَا جاء فُلَانٌ تَرَكْت صَوْمِي أو خَرَجْت منه أو نَوَى قَلْبَهُ نَفْلًا أو فَرْضًا آخَرَ لم يَضُرَّ كَالْحَجِّ بِجَامِعِ أَنَّ الْوَطْءَ في كُلٍّ مِنْهُمَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِشَرْطِهِ وَإِنْ لم يُوجِبْهَا هُنَا إلَّا في صَوْمِ رَمَضَانَ وَتَنْظِيرُهُ بِالْحَجِّ من زِيَادَتِهِ أَمَّا لو نَوَى ثُمَّ رَفَضَ النِّيَّةَ قبل الْفَجْرِ فَيَجِبُ تَجْدِيدُهَا بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وقد يُمْنَعُ بِأَنَّ الْأَكْلَ وَالْجِمَاعَ وَنَحْوَهُمَا بَعْدَ النِّيَّةِ لَا يُوجِبُ تَجْدِيدَهَا كما مَرَّ وَبِأَنَّ الْأَذْرَعِيَّ قال أَفْهَمَ كَلَامُ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لو ارْتَدَّ بَعْدَ النِّيَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ قبل الْفَجْرِ كان كَمَنْ أَكَلَ أو جَامَعَ بَعْدَهَا لَكِنَّهُ قال عَقِبَهُ وَفِيهِ وَقْفَةٌ انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّ رَفْضَ النِّيَّةِ يُنَافِيهَا فَأَثَّرَ فيها قبل الْفَجْرِ لِضَعْفِهَا حِينَئِذٍ بِخِلَافِ تِلْكَ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تُنَافِي الصَّوْمَ لَا النِّيَّةَ وَقَضِيَّةُ هذا أَنَّ الرِّدَّةَ مُؤَثِّرَةٌ وهو ظَاهِرٌ فَصْلٌ وَيُفْطِرُ الصَّائِمُ بِتَعَاطِي الْمُفْطِرَاتِ الْآتِي بَيَانُهَا فَيُفْطِرُ بِالْجِمَاعِ وَلَوْ بِغَيْرِ إنْزَالٍ عَمْدًا بِالْإِجْمَاعِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ وَقَوْلُهُ عَمْدًا من زِيَادَتِهِ وهو مَعْلُومٌ مِمَّا سَيَأْتِي وَالِاسْتِمْنَاءِ وهو إخْرَاجُ الْمَنِيِّ بِغَيْرِ جِمَاعٍ مُحَرَّمًا كان كَإِخْرَاجِهِ بيده أو غير مُحَرَّمٍ كَإِخْرَاجِهِ بِيَدِ زَوْجَتِهِ أو أَمَتِهِ أَيْ وَيُفْطِرُ بِالِاسْتِمْنَاءِ عَمْدًا وَلَوْ بِلَمْسٍ وَقُبْلَةٍ بِلَا حَائِلٍ لِأَنَّهُ إذَا أَفْطَرَ بِالْجِمَاعِ بِلَا إنْزَالٍ فَبِالْإِنْزَالِ بِمُبَاشَرَةٍ فيها نَوْعُ شَهْوَةٍ أَوْلَى بِخِلَافِ السَّهْوِ فيه وفي الْجِمَاعِ كَالْأَكْلِ وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ في الْجِمَاعِ لَا بِالِاسْتِمْنَاءِ بِنَحْوِ فِكْرٍ ولا نَظَرٍ وَلَا ضَمٍّ لِلْمَرْأَةِ أو نَحْوِهَا إلَى نَفْسِهِ بِحَائِلٍ وَإِنْ تَكَرَّرَتْ الثَّلَاثَةُ بِشَهْوَةٍ إذْ لَا مُبَاشَرَةَ كَالِاحْتِلَامِ مع أَنَّهُ يَحْرُمُ تَكْرِيرُهَا وَإِنْ لم يُنْزِلْ وَلَوْ لَمَسَ شَعْرَهَا فَأَنْزَلَ قال في الْمَجْمُوعِ قال الْمُتَوَلِّي فَفِي فِطْرِهِ وَجْهَانِ بِنَاءً على انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِلَمْسِهِ قال وَلَوْ حَكَّ ذَكَرَهُ
____________________
(1/414)
لِعَارِضِ سَوْدَاءَ أو حَكَّهُ فَأَنْزَلَ لم يُفْطِرْ على الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ من مُبَاشَرَةِ مُبَاحَةٍ وَلَوْ قَبَّلَهَا وَفَارَقَهَا سَاعَةً ثُمَّ أَنْزَلَ فَالْأَصَحُّ إنْ كانت الشَّهْوَةُ مُسْتَصْحَبَةً وَالذَّكَرُ قَائِمًا حتى أَنْزَلَ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ في الْبَحْرِ قال وَلَوْ أَنْزَلَ بِلَمْسِ عُضْوِهَا الْمُبَانِ لم يُفْطِرْ انْتَهَى وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ وَإِنْ اتَّصَلَ بها عُضْوُهَا الْمُبَانُ لِحَرَارَةِ الدَّمِ هذا كُلُّهُ في الْوَاضِحِ أَمَّا الْمُشْكِلُ فَلَا يَضُرُّ وَطْؤُهُ وَإِمْنَاؤُهُ بِأَحَدِ فَرْجَيْهِ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ جَزَمَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ في بَابِ ما يَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِمْنَاءِ وهو لَا يُنَافِي ما تَقَدَّمَ من أَنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ من غَيْرِ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ كَخُرُوجِهِ من طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ لِأَنَّ ذلك مَحَلُّهُ إذَا انْسَدَّ الْأَصْلِيُّ وَذَكَرَ هُنَا عن الْعِمْرَانِيِّ ما يُوَافِقُ ما جَزَمَ بِهِ ثُمَّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَنِيِّ وَالْحَيْضِ مع زِيَادَةِ بَيَانِ حُكْمِ ما إذَا أَمْنَى وَحَاضَ مَعًا فَرَاجِعْهُ وَالتَّقْبِيلُ في الْفَمِ أو غَيْرِهِ وَلَوْ من شَابٍّ مُبَاحٌ إنْ لم يُحَرِّكْ شَهْوَتَهُ بِأَنْ مَلَكَ معه نَفْسَهُ من الْجِمَاعِ أو الْإِنْزَالِ وَتَرْكُهُ أَوْلَى حَسْمًا لِلْبَابِ إذْ قد يَظُنُّهُ غير مُحَرِّكٍ وهو مُحَرِّكٌ وَلِأَنَّ الصَّائِمَ يُسْتَحَبُّ له تَرْكُ الشَّهَوَاتِ مُطْلَقًا وَلَوْ لم يَمْلِكْ معه نَفْسَهُ مِمَّا ذُكِرَ حَرُمَ لِأَنَّ فيه تَعْرِيضًا لِإِفْسَادِ الْعِبَادَةِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ من حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فيه وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عن عَائِشَةَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَخَّصَ في الْقُبْلَةِ لِلشَّيْخِ وهو صَائِمٌ وَنَهَى عنها الشَّبَابَ وقال الشَّيْخُ يَمْلِكُ إرْبَهُ وَالشَّابُّ يُفْسِدْ صَوْمَهُ فَفَهِمْنَا من التَّعْلِيلِ أَنَّهُ دَائِرٌ مع تَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ ويفطر بِاسْتِدْعَاءِ الْقَيْءِ وَإِنْ لم يَعُدْ شَيْءٌ منه إلَى جَوْفِهِ فإنه مُفْطِرٌ لَعَيْنِهِ لَا لِعَوْدِ شَيْءٍ منه لَا إنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ غَلَبَهُ فَلَا يُفْطِرُ بِهِ لِخَبَرِ من ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وهو صَائِمٌ فَلَيْسَ عليه قَضَاءٌ وَمَنْ اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ رَوَاهُ ابن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ وَلَا قَلْعِ النُّخَامَةِ من الْبَاطِنِ إلَى الظَّاهِرِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَقَلَعَهَا من دِمَاغِهِ أَمْ من بَاطِنِهِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ تَتَكَرَّرُ فَرَخَّصَ فيه وَالنُّخَامَةُ هِيَ الْفَضْلَةُ الْغَلِيظَةُ التي يَلْفِظُهَا الشَّخْصُ من فيه وَيُقَالُ لها أَيْضًا النُّخَاعَةُ بِالْعَيْنِ فَرْعٌ يُفْطِرُ الصَّائِمُ أَيْضًا بِوُصُولِ عَيْنٍ وَإِنْ قَلَّتْ كَسِمْسِمَةٍ ولم تُؤْكَلْ عَادَةً كَحَصَاةٍ من الظَّاهِرِ في مَنْفَذٍ بِفَتْحِ الْفَاءِ مَفْتُوحٍ عن قَصْدٍ لِوُصُولِهَا مع ذِكْرِ الصَّوْمِ إلَى ما يُسَمَّى جَوْفًا لِعُمُومِ مَفْهُومِ آيَةِ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حتى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ من الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أو صَحِيحٍ عن ابْنِ عَبَّاسٍ قال إنَّمَا الْفِطْرُ مِمَّا دخل وَلَيْسَ بِمَا خَرَجَ أَيْ الْأَصْلُ ذلك وَخَرَجَ بِالْعَيْنِ الْأَثَرُ كَوُصُولِ الرِّيحِ بِالشَّمِّ إلَى دِمَاغِهِ وَالطَّعْمِ بِالذَّوْقِ إلَى حَلْقِهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ مع ما يَخْرُجُ بِبَقِيَّةِ الْقُيُودِ وَلَوْ لم يَحِلَّ الْجَوْفَ الطَّعَامُ فإن الصَّائِمَ يُفْطِرُ بِهِ كما يُفْطِرُ بِالْوُصُولِ إلَى حَلْقِهِ وَإِنْ لم يَصِلْ إلَى مَعِدَتِهِ الْمُحِيلَةِ لِلطَّعَامِ فَيُفْطِرُ بِوُصُولِ الدَّوَاءِ من الْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ الْجَوْفِ في الْأَوَّلِ وَخَرِيطَةِ الدِّمَاغِ في الثَّانِي وَإِنْ لم يَصِلْ بَاطِنَ الْأَمْعَاءِ وَبَاطِنَ الْخَرِيطَةِ ويفطر بِالْحُقْنَةِ وَهِيَ الْأَدْوِيَةُ الْمَعْرُوفَةُ أَيْ بِوُصُولِهَا الْجَوْفَ وَفَارَقَ عَدَمَ الْحُرْمَةِ بِحُقْنَةِ الصَّبِيِّ بِاللَّبَنِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ من الْإِرْضَاعِ إثْبَاتُ اللَّحْمِ وَاسْتِثْبَاتُ الْعَظْمِ وَذَلِكَ مَفْقُودٌ في الْحُقْنَةِ وَالْإِفْطَارُ يَتَعَلَّقُ بِالْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ وقد وَصَلَ ذَكَرَهُ في الْمَطْلَبِ وَالسَّعُوطِ بِفَتْحِ السِّينِ وهو ما يُصَبُّ في الْأَنْفِ من الْأَدْوِيَةِ أَيْ بِوُصُولِهِ الْجَوْفَ ثُمَّ أَلْحَقَ وما وَرَاءَ الْخَيَاشِيمِ جَمْعُ خَيْشُومٍ وهو أَقْصَى الْأَنْفِ جَوْفَانِ فَالْوَاصِلُ إلَيْهِمَا مُفْطِرٌ وَحُدِّدَ الظَّاهِرُ بِمَخْرَجِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ كَالْمُعْجَمَةِ الْمَفْهُومَةِ بِالْأُولَى وقال الرَّافِعِيُّ نَقْلًا عن الْغَزَالِيِّ مَخْرَجُهَا من الْبَاطِنِ بِخِلَافِ مَخْرَجِ الْمُعْجَمَةِ فَالْحَلْقُ في قَوْلِهِمْ الْوَاصِلُ إلَى الْحَلْقِ مُفْطِرٌ مَحْمُولٌ على ما ضَبَطُوا بِهِ الْبَاطِنَ منه ثُمَّ دَاخِلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ إلَى مُنْتَهَى الْغَلْصَمَةِ وَهِيَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَلَامٍ سَاكِنَةٍ وَصَادٍ مُهْمَلَةٍ الْمَوْضِعُ النَّاتِئُ في الْحَلْقِ ومنتهى الْخَيْشُومِ ظَاهِرٌ من حَيْثُ إنَّ الصَّائِمَ يُفْطِرُ بِاسْتِخْرَاجِ الْقَيْءِ إلَيْهِ وَابْتِلَاعِ النُّخَامَةِ منه سَوَاءٌ اسْتَدْعَاهَا أَيْ اسْتَقْلَعَهَا إلَى الْفَمِ وَالْأَنْفِ أَمْ لَا بَلْ حَصَلَتْ فيه بِلَا اسْتِدْعَاءٍ فَإِنْ جَرَتْ بِنَفْسِهَا من الْفَمِ أو الْأَنْفِ وَنَزَلَتْ إلَى جَوْفِهِ عَاجِزًا عن الْمَجِّ لها فَلَا يُفْطِرُ لِلْعُذْرِ بِخِلَافِ ما إذَا أُجْرِيَ ظَاهِرًا وهو ظَاهِرٌ
____________________
(1/415)
أو جَرَتْ بِنَفْسِهَا قَادِرًا على مَجِّهَا لِتَقْصِيرِهِ مع أَنَّ نُزُولَهَا مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَبِهِ فَارَقَ ما إذَا طَعَنَهُ غَيْرُهُ كما سَيَأْتِي لَا بِدُخُولِ شَيْءٍ إلَيْهِ أَيْ إلَى دَاخِلِ الْفَمِ أو الْأَنْفِ أَيْ لَا يُفْطِرُ بِهِ وَإِنْ أَمْسَكَهُ فَإِنْ تَنَجَّسَ وَجَبَ غَسْلُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ له حُكْمَ الظَّاهِرِ فِيمَا ذُكِرَ وَلَهُ حُكْمُ الْبَاطِنِ في ابْتِلَاعٍ أَيْ في عَدَمِ الْإِفْطَارِ بِابْتِلَاعِ الرِّيقِ منه وفي سُقُوطِ غُسْلِهِ عن الْجُنُبِ وَيُفَارِقُ وُجُوبَ غُسْلِ النَّجَاسَةِ عنه بِأَنَّ تَنَجُّسَ الْبَدَنِ أَنْدَرُ من الْجَنَابَةِ فَضَيَّقَ فيه دُونَهَا فَرْعٌ لو أَدْخَلَ الصَّائِمُ في أُذُنِهِ أو إحْلِيلِهِ وهو مَخْرَجُ الْبَوْلِ من الذَّكَرِ وَاللَّبَنِ من ثَدْيٍ شيئا فَوَصَلَ إلَى الْبَاطِنِ أَفْطَرَ وَإِنْ كان لَا مَنْفَذَ منه إلَى الدِّمَاغِ في الْأَوْلَى لِأَنَّهُ نَافِذٌ إلَى دَاخِلِ قَحْفِ الرَّأْسِ وهو جَوْفٌ أو لم يُجَاوِزْ الدَّاخِلُ فيه الْحَشَفَةَ أو الْحَلَمَةَ في الثَّانِيَةِ لِوُصُولِهِ إلَى جَوْفٍ وَلَا يُفْطِرُ بِالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم احْتَجَمَ وهو صَائِمٌ وَقِيسَ بِالْحِجَامَةِ الْفَصْدُ وَأَمَّا خَبَرُ أبي دَاوُد أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ فَأَجَابُوا عنه بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ وَبِأَنَّ خَبَرَ الْبُخَارِيِّ أَصَحُّ وَيُعَضِّدُهُ أَيْضًا الْقِيَاسُ وَبِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُمَا تَعَرَّضَا لِلْإِفْطَارِ الْمَحْجُومِ لِلضَّعْفِ وَالْحَاجِمُ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَصِلَ شَيْءٌ إلَى جَوْفِهِ بِمَصِّ الْمِحْجَمَةِ وَبِأَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ في صَوْمِهِمَا كما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ في بَعْضِ طُرُقِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ ذَهَبَ أَجْرُهُمَا وَيُكْرَهَانِ له لِأَنَّهُمَا يُضْعِفَانِهِ وَهَذَا ما جَزَمَ بِهِ الْأَصْلُ وَجَزَمَ في الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ ذلك خِلَافُ الْأَوْلَى قال الْإِسْنَوِيُّ وهو الْمَنْصُوصُ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِينَ فَلْتَكُنْ الْفَتْوَى عليه وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الْمِنْهَاجِ وَأَصْلُهُ وَجَزَمَ الْمَحَامِلِيُّ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَحْجُمَ غَيْرَهُ أَيْضًا وَلَوْ طَعَنَ نَفْسَهُ أو طَعَنَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ كما في الْأَصْلِ بِحَدِيدَةٍ أو نَحْوِهَا فَوَصَلَتْ جَوْفَهُ لَا مُخَّ سَاقِهِ أَفْطَرَ لِتَقْصِيرِهِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَأْذَنْ وَإِنْ تَمَكَّنَ من دَفْعِهِ إذْ لَا فِعْلَ له وَبِخِلَافِ ما إذَا وَصَلَتْ مُخَّ سَاقِهِ أو نَحْوِهَا لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ عُضْوًا مُجَوَّفًا قَالَهُ في الْأَصْلِ وَاسْتَشْكَلَ عَدَمُ إفْطَارِهِ بِطَعْنِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إذَا تَمَكَّنَ من دَفْعِهِ بِمَا لو حَلَقَ شَعْرَ الْمُحْرِمِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَتَمَكَّنَ من الدَّفْعِ فإنه كما لو حَلَقَ بِإِذْنِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الشَّعْرَ في يَدِ الْمُحْرِمِ كَالْوَدِيعَةِ وَتَرْكُ الدَّفْعِ عنها مُضَمَّنٌ بِخِلَافِ ما هُنَا فإن الْإِفْطَارَ بِهِ مَنُوطٌ بِمَا يُنْسَبُ فِعْلُهُ إلَى الصَّائِمِ وَلَا يُفْطِرُ بِالْكُحْلِ أَيْ بِوُصُولِهِ الْعَيْنَ وَإِنْ وَجَدَ بِحَلْقِهِ منه طَعْمًا لِأَنَّ الْعَيْنَ لَيْسَتْ جَوْفًا وَلَا مَنْفَذَ منها لِلْحَلْقِ وَلِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ وهو صَائِمٌ لَكِنْ قال في الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ ضَعِيفٌ قال وَلَا كَرَاهَةَ في ذلك وفي حِلْيَةِ الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وما أَيْ وَلَا بِمَا تَشَرَّبَتْهُ الْمَسَامُّ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ ثُقُبُ الْبَدَنِ جَمْعُ سَمٍّ بِتَثْلِيثِ السِّينِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَذَلِكَ فِيمَا إذَا دَهَنَ بِدُهْنٍ فَلَا يُفْطِرُ بِهِ وَإِنْ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ لِأَنَّهُ لم يَصِلْ في مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ فَأَشْبَهَ الِانْغِمَاسَ في الْمَاءِ وَإِنْ وَجَدَا أَثَرَهُ في بَاطِنِهِ فَرْعٌ لو ابْتَلَعَ بِاللَّيْلِ طَرْفَ خَيْطٍ فَأَصْبَحَ صَائِمًا فَإِنْ ابْتَلَعَ بَاقِيَهُ أو نَزَعَهُ أَفْطَرَ وَإِنْ تَرَكَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَطَرِيقُهُ في صِحَّةِ صَوْمِهِ وَصَلَاتِهِ أَنْ يُنْزَعَ منه وهو غَافِلٌ قال الزَّرْكَشِيُّ وقد لَا يَطَّلِعُ عليه عَارِفٌ بهذا الطَّرِيقِ وَيُرِيدُ هو الْخَلَاصَ فَطَرِيقُهُ أَنْ يُجْبِرَهُ الْحَاكِمُ على نَزْعِهِ وَلَا يُفْطِرُ لِأَنَّهُ كَالْمُكْرَهِ بَلْ لو قِيلَ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِالنَّزْعِ بِاخْتِيَارِهِ لم يَبْعُدْ تَنْزِيلًا لِإِيجَابِ الشَّرْعِ مَنْزِلَةَ الْإِكْرَاهِ كما إذَا حَلَفَ لَيَطَأَهَا في هذه اللَّيْلَةِ فَوَجَدَهَا حَائِضًا لَا يَحْنَثُ بِتَرْكِ الْوَطْءِ انْتَهَى أَمَّا إذَا لم يَكُنْ غَافِلًا وَتَمَكَّنَ من دَفْعِ النَّازِعِ فإنه يُفْطِرُ لِأَنَّ النَّزْعَ مُوَافِقٌ لِغَرَضِ النَّفْسِ فَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ عِنْدَ تَمَكُّنِهِ من الدَّفْعِ وَبِهَذَا فَارَقَ من طَعَنَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَتَمَكَّنَ من دَفْعِهِ وإذا لم يَتَّفِقْ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ يَجِبُ نَزْعُهُ أو ابْتِلَاعُهُ مُحَافَظَةً على الصَّلَوَاتِ لِأَنَّ حُكْمَهَا أَغْلَظُ من حُكْمِ الصَّوْمِ لِقَتْلِ تَارِكِهَا دُونَ تَارِكِهِ وَلَا يُفْطِرُ بِغُبَارِ الطَّرِيقِ وَغَرْبَلَةِ الدَّقِيقِ لِعَدَمِ قَصْدِهِ لَهُمَا وَلِعُسْرِ تَجَنُّبِهِمَا وَلَوْ فَتَحَ فَاهُ عَمْدًا حتى دَخَل التُّرَاب جَوْفَهُ فإنه لَا يُفْطِرُ بِهِ لِأَنَّهُ مَعْفُوٌّ عن جِنْسِهِ قال في الْمَجْمُوعِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ وَشَبَّهُوهُ بِالْخِلَافِ في الْعَفْوِ عن دَمِ الْبَرَاغِيثِ الْمَقْتُولَةِ عَمْدًا وَقَضِيَّتُهُ تَصْحِيحُ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ الْإِفْطَارِ بِهِ إذَا كان قَلِيلًا وَلَوْ خَرَجَتْ مُقْعَدَةُ الْمَبْسُورِ ثُمَّ عَادَتْ لم يُفْطِرْ وَكَذَا إنْ أَعَادَهَا على الْأَصَحِّ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ كما لَا يَبْطُلُ طُهْرُ الْمُسْتَحَاضَةِ بِخُرُوجِ الدَّمِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَالْخُوَارِزْمِيّ وَيُوَجَّهُ أَيْضًا بِأَنَّهُ كَالرِّيقِ إذَا ابْتَلَعَهُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ عن الْفَمِ على اللِّسَانِ وَبِهِ يُفَارِقُ ما لو أَكَلَ جُوعًا فَرْعٌ لو ابْتَلَعَ رِيقَهُ الصِّرْفَ بِكَسْرِ الصَّادِ أَيْ الْخَالِصَ
____________________
(1/416)
لم يُفْطِرْ لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ عنه وَلَوْ بَعْدَ جَمْعِهِ وَلَوْ بِنَحْوِ مُصْطَكَى فإنه لَا يُفْطِرُ بِهِ لِأَنَّهُ لم يَخْرُجْ من مَعْدِنِهِ وَابْتِلَاعُهُ مُتَفَرِّقًا جَائِزٌ وَيُفْطِرُ بِهِ إنْ تَنَجَّسَ كَمَنْ دَمِيَتْ لِثَتُهُ أو أَكَلَ شيئا نَجِسًا ولم يَغْسِلْ فَمَهُ حتى أَصْبَحَ وَإِنْ ابْيَضَّ رِيقُهُ وَكَذَا لو اخْتَلَطَ بِطَاهِرٍ آخَرَ كما أَفْهَمَهُ قَوْلُهُ الصِّرْفُ كَمَنْ فَتَلَ خَيْطًا مَصْبُوغًا تَغَيَّرَ بِهِ رِيقُهُ أو زَايَلَ رِيقُهُ فَمَهُ أَيْ خَرَجَ منه وَلَوْ إلَى ظَاهِرِ الشَّفَةِ وَلَوْ في خَيْطِ الْخَيَّاطِ أو امْرَأَةٍ في غَزْلِهَا لِإِمْكَانِهِ التَّحَرُّزَ عن ذلك وَلِمُفَارِقَةِ الرِّيقِ مَعْدِنَهُ في الْأَخِيرَةِ لَا إنْ زَايَلَ رِيقُهُ فَمَهُ في لِسَانِهِ فَلَا يُفْطِرُ بِبَلْعِهِ إذْ اللِّسَانُ كَيْفَمَا تَقَلَّبَ مَعْدُودٌ من دَاخِلِ الْفَمِ فلم يُفَارِقْ ما عليه مَعْدِنَهُ فَرْعٌ لَا يُفْطِرُهُ وَلَا يَمْنَعُهُ من إنْشَاءِ صَوْمِ نَفْلٍ بِالنَّهَارِ سَبْقُ مَاءِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ الْمَشْرُوعَيْنِ إلَى بَاطِنِهِ أو دِمَاغِهِ إنْ لم يُبَالِغْ فيه أَيْ في كُلٍّ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ حَسَا من مَأْمُورٍ بِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ ما إذَا بَالَغَ فيه لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عن الْمُبَالَغَةِ وَبِخِلَافِ سَبْقِ مَاءَيْهِمَا غَيْرِ الْمَشْرُوعَيْنِ كَأَنْ جَعَلَ الْمَاءَ في فَمِهِ أو أَنْفِهِ لَا لِغَرَضٍ وَبِخِلَافِ سَبْقِ مَاءِ غُسْلِ التَّبَرُّدِ والمرة الرَّابِعَةِ من الْمَضْمَضَةِ أو الِاسْتِنْشَاقِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِذَلِكَ بَلْ مَنْهِيٌّ عنه في الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ وَلَا يُفْطِرُهُ وَلَا يَمْنَعُهُ من إنْشَاءِ صَوْمِ نَفْلٍ سَبْقُ مَاءٍ تَطْهِيرِ الْفَمِ من نَجَاسَةٍ وَإِنْ بَالَغَ فيه عِنْدَ الْحَاجَةِ لِوُجُوبِ إزَالَتِهَا وَلَا يُفْطِرُهُ وَلَا يَمْنَعُهُ مِمَّا ذُكِرَ جَرْيُ الرِّيقِ بِبَقَايَا طَعَامٍ بين أَسْنَانِهِ لم يُمْكِنْ تَمْيِيزُهُ حِسًّا لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فيه بِخِلَافِ ما إذَا أَمْكَنَهُ ذلك وَلَا جَرْيُهُ بِأَثَرِ مَاءِ الْمَضْمَضَةِ وَإِنْ أَمْكَنَهُ مَجَّهُ لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ عنه فَرْعٌ وَإِنْ أُوجِرَ بِأَنْ صُبَّ الْمَاءُ في حَلْقِهِ مُكْرَهًا أو مُغْمًى عليه أو ضُبِطَتْ امْرَأَةٌ فَجُومِعَتْ أو جُومِعَتْ مُكْرَهَةً كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ لم يُفْطِرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِانْتِفَاءِ الْفِعْلِ وَالْقَصْدِ وَكَذَا لَا يُفْطِرُ إذَا أَكَلَ أو وَطِئَ مُكْرَهًا كما في الْحِنْثِ وَلِأَنَّ أَكْلَهُ وَوَطْأَهُ ليس مَنْهِيًّا عنهما فَأَشْبَهَ النَّاسِيَ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْأَكْلِ وَالْوَطْءِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْإِكْرَاهِ عن نَفْسِهِ بِخِلَافِ النَّاسِي وَفَارَقَ الْأَكْلَ لِدَفْعِ الْجُوعِ بِأَنَّ الْإِكْرَاهَ قَادِحٌ في اخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ الْجُوعِ لَا يَقْدَحُ فيه بَلْ يَزِيدُهُ تَأْثِيرًا وَلَا يُفْطِرُ النَّاسِي لِلصَّوْمِ ولا الْجَاهِلُ بِتَحْرِيمِ ما فَعَلَهُ وَبِكَوْنِهِ مُفْطِرًا الْمَعْذُورُ بِأَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ أو نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عن الْعُلَمَاءِ بِالْأَكْلِ وَلَوْ كَثُرَ لِعُمُومِ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ من نَسِيَ وهو صَائِمٌ فَأَكَلَ أو شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ في رِوَايَةٍ صَحَّحَهَا ابن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَلَا قَضَاءَ عليه وَفَارَقَ الصَّلَاةَ بِأَنَّ لها هَيْئَةً تُذَكِّرُ الْمُصَلِّي أَنَّهُ فيها فَيَنْدُرُ ذلك فيها بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَلَا بِالْجِمَاعِ قِيَاسًا على الْأَكْلِ وَيَحْرُمُ أَكْلُ الشَّاكِّ هُجُومًا آخِرَ النَّهَارِ لَا آخِرَ اللَّيْلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ في الْأُولَى وَبَقَاءُ اللَّيْلِ في الثَّانِيَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَمْعِ بين الشَّكِّ وَالْهُجُومِ حتى يَجْتَهِدَ وَيَظُنَّ انْقِضَاءَ النَّهَارِ فَيَجُوزَ له الْأَكْلُ لَكِنَّ الْأَحْوَطَ أَنْ لَا يَأْكُلَ إلَّا بِيَقِينٍ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فَإِنْ غَلِطَ فِيهِمَا أَيْ في الطَّرَفَيْنِ أَيْ مَجْمُوعِهِمَا قَضَى سَوَاءٌ أَكَلَ شَاكًّا في الْبَقَاءِ أَمْ ظَانًّا له وَإِنْ أَشْكَلَ على الْهَاجِمِ الْحَالُ بِأَنْ لم يَتَبَيَّنْ له أَنَّهُ أَكَلَ نَهَارًا أو لَيْلًا قَضَى في الْأَوَّلَةِ أَيْ فِيمَا إذَا أَكَلَ آخِرَ النَّهَارِ فَقَطْ أَيْ دُونَ الثَّانِيَةِ لِلْأَصْلِ فِيهِمَا فَرْعٌ لو طَلَعَ الْفَجْرُ وفي فيه وفي نُسْخَةٍ فَمِهِ طَعَامٌ فَلَفَظَهُ صَحَّ صَوْمُهُ وَلَوْ سَبَقَ منه شَيْءٌ إلَى الْجَوْفِ لِانْتِفَاءِ الْفِعْلِ وَالْقَصْدِ بِخِلَافِ ما لو ابْتَلَعَ منه شيئا بِاخْتِيَارِهِ فإنه يُفْطِرُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ فَلَفَظَهُ ما لو أَمْسَكَهُ من فيه فإنه وَإِنْ صَحَّ صَوْمُهُ لَكِنَّهُ لَا يَصِحُّ مع سَبْقِ شَيْءٍ منه إلَى جَوْفِهِ كما لو وَضَعَهُ في فيه نَهَارًا فَسَبَقَ منه شَيْءٌ إلَى جَوْفِهِ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَكَذَا مُجَامِعٌ عَلِمَ بِالْفَجْرِ حين طَلَعَ فَنَزَعَ في الْحَالِ وَقَصَدَ بِالنَّزْعِ تَرْكَ الْجِمَاعِ فإنه يَصِحُّ صَوْمُهُ وَإِنْ أَنْزَلَ لِتَوَلُّدِهِ من مُبَاشَرَةٍ مُبَاحَةٍ وَلِأَنَّ النَّزْعَ تَرْكٌ لِلْجِمَاعِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ما يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ كما لو حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وهو لَابِسُهُ فَنَزَعَهُ في الْحَالِ وَأَوْلَى من ذلك بِالصِّحَّةِ ما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ من أَنْ يَحُسَّ وهو مُجَامِعٌ بِتَبَاشِيرِ الصُّبْحِ فَيَنْزِعَ بِحَيْثُ يُوَافِقُ
____________________
(1/417)
آخِرُ النَّزْعِ ابْتِدَاءَ الطُّلُوعِ
فَإِنْ اسْتَدَامَ الْجِمَاعَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالطُّلُوعِ أَفْطَرَ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَالْمُجَامِعِ بَعْدَ الطُّلُوعِ بِجَامِعِ مَنْعِ الصِّحَّةِ بِجِمَاعٍ آثِمَ بِهِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ بِخِلَافِ اسْتِمْرَارِ مُعَلِّقِ الطَّلَاقِ بِالْوَطْءِ لَا يَجِبُ بِهِ الْمَهْرُ وَالْفَرْقُ أَنَّ ابْتِدَاءَ فِعْلِهِ هُنَا لَا كَفَّارَةَ فيه فَتَعَلَّقَ بِآخَرَ لِئَلَّا يَخْلُوَ جِمَاعُ نَهَارِ رَمَضَانَ عنها وَالْوَطْءُ ثَمَّ غَيْرُ خَالٍ عن مُقَابَلَةِ الْمَهْرِ إذْ الْمَهْرُ في النِّكَاحِ يُقَابِلُ جَمِيعَ الْوَطْآتِ نعم إنْ اسْتَدَامَ لِظَنِّ أَنَّ صَوْمَهُ بَطَلَ وَإِنْ نَزَعَ فَلَا كَفَّارَةَ عليه لِأَنَّهُ لم يَقْصِدْ هَتْكَ الْحُرْمَةِ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَإِنْ لم يَعْلَمْ بِطُلُوعِهِ حتى طَلَعَ أَفْطَرَ لِأَنَّ بَعْضَ النَّهَارِ مَضَى وهو مُجَامِعٌ فَأَشْبَهَ الْغَالِطَ بِالْأَكْلِ وَلَا كَفَّارَةَ عليه وَإِنْ اسْتَدَامَ عَالِمًا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ لِأَنَّ اسْتِدَامَتَهُ مَسْبُوقَةٌ بِالْإِفْطَارِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ صَوْمَهُ في هذه وَاَلَّتِي قَبْلَهَا انْعَقَدَ ثُمَّ بَطَلَ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لم يَنْعَقِدْ أَصْلًا وَنَظِيرُهُ ما لو أَحْرَمَ مُجَامِعًا وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ لَكِنْ لم يُنْزِلُوا مَنْعَ الِانْعِقَادِ مَنْزِلَةَ الْإِفْسَادِ بِخِلَافِهِ هُنَا وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ النِّيَّةَ هُنَا مُتَقَدِّمَةٌ على طُلُوعِ الْفَجْرِ فَكَأَنَّ الصَّوْمَ انْعَقَدَ ثُمَّ أُفْسِدَ بِخِلَافِهَا ثَمَّ بِخِلَافِ من جَامَعَ نَاسِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ فَاسْتَدَامَ فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ لِبُطْلَانِ صَوْمِهِ بِجِمَاعٍ أَثِمَ بِهِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ وَلَا مُعَوِّلَ على ما يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ بَلْ بِالرُّؤْيَةِ نَظَرًا لِلظَّاهِرِ أَشَارَ إلَى جَوَابِ سُؤَالٍ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ مع السُّؤَالِ وَمَعَ جَوَابٍ آخَرَ بِقَوْلِهِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُعْلَمُ الْفَجْرُ بِمُجَرَّدِ طُلُوعِهِ وَطُلُوعُهُ الْحَقِيقِيُّ يَتَقَدَّمُ على عِلْمِنَا بِهِ فَأَجَابَ الشَّيْخُ أبو مُحَمَّدٍ بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا أنها مَسْأَلَةٌ وُضِعَتْ على التَّقْدِيرِ وَلَا يَلْزَمُ وُقُوعُهَا وَالثَّانِي أَنَّا تُعُبِّدْنَا بِمَا نَطَّلِعُ عليه وَلَا مَعْنَى لِلصُّبْحِ إلَّا ظُهُورُ الضَّوْءِ لِلنَّاظِرِ وما قَبْلَهُ لَا حُكْمَ له فَالْعَارِفُ بِالْأَوْقَاتِ وَمَنَازِلِ الْقَمَرِ يُدْرِكُ أَوَّلَ الصُّبْحِ الْمُعْتَبَرِ زَادَ في الرَّوْضَةِ قُلْت هذا الثَّانِي هو الصَّحِيحُ فَصْلٌ وَشُرُوطُهُ أَيْ الصَّوْمِ من حَيْثُ الْفَاعِلُ وَالْوَقْتُ أَرْبَعَةٌ الْإِسْلَامُ فَلَا يَصِحُّ صَوْمُ الْكَافِرِ أَصْلِيًّا كان أو مُرْتَدًّا وَلَوْ نَاسِيًا لِلصَّوْمِ وَالطُّهْرُ من حَيْضٍ وَنِفَاسٍ فَلَا يَصِحُّ صَوْمُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْعَقْلُ أَيْ التَّمْيِيزُ فَلَا يَصِحُّ صَوْمُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ كَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ وَلَوْ بِشُرْبِ دَوَاءٍ لَيْلًا كَالصَّلَاةِ في الثَّلَاثَةِ وَالْوَقْتُ الْقَابِلُ لِلصَّوْمِ لِمَا سَيَأْتِي وَعَدُّهُ كَأَصْلِهِ لِهَذَا شَرْطًا أَوْلَى من عَدِّ بَعْضِهِمْ له رُكْنًا وَإِنْ كُنْت تَبِعْته في مَوْضِعٍ فَالْأَوَّلَانِ من الْأَرْبَعَةِ يُشْتَرَطَانِ في جَمِيعِ النَّهَارِ فَلَوْ ارْتَدَّ أو حَاضَتْ أو نَفِسَتْ في بَعْضِهِ بَطَلَ صَوْمُهُ وَكَذَا لو وَلَدَتْ ولم تَرَ دَمًا كما صَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَيُفْصَلُ فيه بين زَوَالِهِ بِجُنُونٍ وَغَيْرِهِ فَتُشْتَرَطُ السَّلَامَةُ من الْجُنُونِ في جَمِيعِ النَّهَارِ فَلَوْ جُنَّ في بَعْضِهِ بَطَلَ صَوْمُهُ وَمِثْلُهُ عَدَمُ التَّمْيِيزِ لِلصَّغِيرِ وتشترط السَّلَامَةُ من الْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ في جُزْءٍ منه فَيَكْفِي انْتِفَاؤُهُمَا لَحْظَةً منه لِأَنَّهُمَا ما في الِاسْتِيلَاءِ على الْعَقْلِ فَوْقَ النَّوْمِ وَدُونَ الْجُنُونِ فَلَوْ قُلْنَا إنَّ الْمُسْتَغْرِقَ مِنْهُمَا لَا يَضُرُّ كَالنَّوْمِ لَأَلْحَقْنَا الْأَقْوَى بِالْأَضْعَفِ وَلَوْ قُلْنَا إنَّ اللَّحْظَةَ مِنْهُمَا تَضُرُّ كَالْجُنُونِ لَأَلْحَقْنَا الْأَضْعَفَ بِالْأَقْوَى فَتَوَسَّطْنَا وَقُلْنَا إنَّ الْإِفَاقَةَ في اللَّحْظَةِ كَافِيَةٌ
وَلَا يَضُرُّ اسْتِغْرَاقُ النَّهَارِ بِالنَّوْمِ لِبَقَاءِ أَهْلِيَّةِ الْخِطَابِ معه إذْ النَّائِمُ يَتَنَبَّهُ إذَا نُبِّهَ وَلِهَذَا يَجِبُ قَضَاءُ الصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ بِالنَّوْمِ دُونَ الْفَائِتَةِ بِالْإِغْمَاءِ وَالرَّابِعُ لِوَقْتٍ فَيَصِحُّ الصَّوْمُ في أَيَّامِ السَّنَةِ كُلِّهَا إلَّا في يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ فَحَرَامٌ فَلَا يَصِحُّ صَوْمُهُمَا وَلَوْ عن وَاجِبٍ لِلنَّهْيِ عنه في خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ وَكَذَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ الْأَضْحَى لِلنَّهْيِ عن صِيَامِهَا في خَبَرِ أبي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وفي خَبَرِ مُسْلِمٍ أنها أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ عز وجل وَلَوْ كان صَوْمُهَا لِلْمُتَمَتِّعِ الْعَادِمِ لِلْهَدْيِ لِعُمُومِ النَّهْيِ عنه هذا هو الْجَدِيدُ وفي الْقَدِيمِ يَجُوزُ له صَوْمُهَا عن الثَّلَاثَةِ الْوَاجِبَةِ في الْحَجِّ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عن عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ قَالَا لم يُرَخِّصْ في أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إلَّا لِمَنْ لم يَجِدْ الْهَدْيَ قال في الرَّوْضَةِ وهو الرَّاجِحُ دَلِيلًا أَيْ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ لم يُرَخِّصْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَكَذَا يَوْمُ الشَّكِّ صَوْمُهُ حَرَامٌ فَلَا يَصِحُّ لِقَوْلِ عَمَّارِ بن يَاسِرٍ من صَامَ يوم الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ قِيلَ وَالْمَعْنَى فيه الْقُوَّةُ على صَوْمِ رَمَضَانَ وَضَعَّفَهُ السُّبْكِيُّ بِعَدَمِ كَرَاهَةِ صَوْمِ شَعْبَانَ على أَنَّ الْإِسْنَوِيَّ قال إنَّ الْمَعْرُوفَ الْمَنْصُوصَ الذي عليه الْأَكْثَرُونَ الْكَرَاهَةُ
____________________
(1/418)
لَا التَّحْرِيمُ إلَّا ما أَيْ صَوْمًا له سَبَبٌ كَوِرْدٍ وَنَذْرٍ وَقَضَاءٍ فَيَصِحُّ إيقَاعُهُ يوم الشَّكِّ كَنَظِيرِهِ من الصَّلَاةِ في الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أو يَوْمَيْنِ إلَّا رَجُلٌ كان يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ بِأَنْ اعْتَادَ صَوْمَ الدَّهْرِ أو صَوْمَ يَوْمٍ وَفِطْرَ يَوْمٍ أو يَوْمٍ مُعَيَّنٍ كَالِاثْنَيْنِ فَصَادَفَهُ وَقِيسَ بِالْوِرْدِ الْبَاقِي بِجَامِعِ السَّبَبِ وَلَا يُشْكِلُ الْخَبَرُ بِخَبَرِ إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا لِتَقَدُّمِ النَّصِّ على الظَّاهِرِ
وَسَوَاءٌ في الْقَضَاءِ الْفَرْضُ وَالنَّفَلُ وَلَا كَرَاهَةَ في صَوْمِهِ لِوِرْدٍ وَكَذَا لِفَرْضٍ كما في الْمَجْمُوعِ عن مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ عن ابْنِ الصَّبَّاغِ وَنَقَلَ الْكَرَاهَةَ عن الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ وَنَقَلَهَا الْإِسْنَوِيُّ عن جَمْعٍ وَرَجَّحَهَا وَمَنَعَ قِيَاسَ الْفَرْضِ على النَّفْلِ بِأَنَّ ذِمَّتَهُ لَا تَبْرَأُ منه بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ من رَمَضَانَ قال فَلَوْ أَخَّرَ صَوْمًا لِيُوقِعَهُ يوم الشَّكِّ فَقِيَاسُ كَلَامِهِمْ في الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عنها تَحْرِيمُهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُهُ احْتِيَاطًا لِرَمَضَانَ وَهَذَا وَارِدٌ على جَوَازِ ما له سَبَبٌ لِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ له سَبَبٌ وهو الِاحْتِيَاطُ لَكِنَّهُ خَرَجَ بِقَوْلِهِمْ قَبْلُ لو نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ من شَعْبَانَ صَوْمَ غَدٍ عن رَمَضَانَ إنْ كان منه فَكَانَ منه لم يَقَعْ عنه أَيْ لِأَنَّهُ إذَا لم يَقَعْ عنه لَا يَكُونُ احْتِيَاطًا فَإِنْ قُلْت هَلَّا اُسْتُحِبَّ صَوْمُهُ إنْ أَطْبَقَ الْغَيْمُ خُرُوجًا من خِلَافِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ حَيْثُ قال بِوُجُوبِهِ حِينَئِذٍ قُلْنَا نَحْنُ لَا نُرَاعِي الْخِلَافَ إذَا خَالَفَ سُنَّةً صَرِيحَةً وَهِيَ هُنَا خَبَرٌ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ
فَلَوْ نَذَرَ صَوْمَهُ لم يَصِحَّ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ لَا نَذْرَ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ وهو أَيْ يَوْمُ الشَّكِّ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ من شَعْبَانَ الذي يَتَحَدَّثُ فيه بِالرُّؤْيَةِ من يُظَنُّ صِدْقُهُ ولم يَثْبُتْ بِأَنْ لم يَشْهَدْ بها أَحَدٌ أو شَهِدَ بها صِبْيَانٌ أو عَبِيدٌ أو فَسَقَةٌ أو نِسَاءٌ وَظُنَّ صِدْقُهُمْ أو عَدْلٌ ولم يَكْتَفِ بِهِ وَإِنَّمَا لم يَصِحَّ صَوْمُهُ عن رَمَضَانَ لِأَنَّهُ لم يَتَبَيَّنْ كَوْنُهُ منه نعم من اعْتَقَدَ صِدْقَ من قال إنَّهُ رَآهُ مِمَّنْ ذُكِرَ يَصِحُّ منه صَوْمُهُ بَلْ يَجِبُ عليه كما تَقَدَّمَ عن الْبَغَوِيّ في طَائِفَةٍ أَوَّلَ الْبَابِ وَتَقَدَّمَ في أَثْنَائِهِ صِحَّةُ نِيَّةِ مُعْتَقِدِ ذلك وَوُقُوعُ الصَّوْمِ عن رَمَضَانَ إذَا تَبَيَّنَ كَوْنُهُ منه فَلَا تَنَافِي بين ما ذُكِرَ في الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ على ما زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ وَأُجِيبَ عَمَّا زَعَمَهُ أَيْضًا بِأَجْوِبَةٍ أُخْرَى فيها نَظَرٌ وَذَكَرْت بَعْضَهَا في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ يوم الشَّكِّ يَحْصُلُ بِمَا ذُكِرَ سَوَاءٌ أَطْبَقَ الْغَيْمُ أَمْ لَا لَكِنْ قَيَّدَهُ صَاحِبُ الْبَهْجَةِ تَبَعًا لِلطَّاوُسِيِّ وَالْبَارِزِيِّ بِعَدَمِ إطْبَاقِهِ فَمَعَ إطْبَاقِهِ لَا يُورِثُ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ الشَّكَّ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ إذْ الْفَرْضُ ظَنُّ صِدْقِ من ذُكِرَ وَاعْتَبَرُوا هُنَا الْعَدَدَ فِيمَنْ يَشْهَدُ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ في صِحَّةِ النِّيَّةِ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ فِيهِمَا أَمَّا إذَا لم يَتَحَدَّثْ أَحَدٌ بِالرُّؤْيَةِ فَلَيْسَ الْيَوْمُ يوم شَكٍّ بَلْ هو من شَعْبَانَ وَإِنْ أَطْبَقَ الْغَيْمُ لِخَبَرِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَرْعٌ إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ حَرُمَ الصَّوْمُ بِلَا سَبَبٍ إنْ لم يَصِلْهُ بِمَا قَبْلَهُ على الصَّحِيحِ في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ لِخَبَرِ إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ لَكِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَإِنْ وَصَلَهُ بِمَا قَبْلَهُ وَلَيْسَ مُرَادًا حِفْظًا لِأَصْلِ مَطْلُوبِيَّةِ الصَّوْمِ فَصْلٌ الْفِطْرُ بين الصَّوْمَيْنِ وَاجِبٌ إذْ الْوِصَالُ في الصَّوْمِ نَفْلًا كان أو فَرْضًا حَرَامٌ لِلنَّهْيِ عنه في الصَّحِيحَيْنِ وهو أَنْ يَصُومَ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ وَلَا يَتَنَاوَلُ بِاللَّيْلِ مَطْعُومًا عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْجِمَاعَ وَنَحْوَهُ لَا يَمْنَعُ الْوِصَالَ قال في الْمُهِمَّاتِ وهو ظَاهِرُ الْمَعْنَى لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْوِصَالِ لِلضَّعْفِ أَيْ عن الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ وَتَرْكُ الْجِمَاعِ وَنَحْوِهِ لَا يُضْعِفُ بَلْ يُقَوِّي لَكِنْ قال في الْبَحْرِ هو أَنْ يَسْتَدِيمَ جَمِيعَ أَوْصَافِ الصَّائِمِينَ وَذَكَرَ الْجُرْجَانِيُّ وابن الصَّلَاحِ نَحْوَهُ قال وَتَعْبِيرُ الرَّافِعِيِّ أَيْ وَغَيْرِهِ بِأَنْ يَصُومَ يَوْمَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْإِمْسَاكِ كَتَارِكِ النِّيَّةِ لَا يَكُونُ امْتِنَاعُهُ لَيْلًا من تَعَاطِي الْمُفْطِرِ وِصَالًا لِأَنَّهُ ليس بين صَوْمَيْنِ إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ جَرَى على الْغَالِبِ وَيُسَنُّ تَعْجِيلُهُ أَيْ الْفِطْرِ بِتَحَقُّقِ الْغُرُوبِ أَيْ عِنْدَهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لَا يَزَالُ الناس بِخَيْرٍ ما عَجَّلُوا الْفِطْرَ زَادَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَخَّرُوا السُّحُورَ وفي ثِقَاتِ ابْنِ حِبَّانَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا كان صَائِمًا لم يُصَلِّ حتى نَأْتِيَهُ بِرُطَبٍ وَمَاءٍ فَيَأْكُلَ وَلِمَا في ذلك من مُخَالَفَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَيُكْرَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ إنْ قَصَدَ ذلك وَرَأَى أَنَّ فيه فَضِيلَةً وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن نَصِّ الْأُمِّ وَفِيهِ عن
____________________
(1/419)
صَاحِبِ الْبَيَانِ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَتَمَضْمَضَ بِمَاءٍ وَيَمُجَّهُ وَأَنْ يَشْرَبَهُ وَيَتَقَيَّأَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ قال وَكَأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالسِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ لِكَوْنِهِ يُزِيلُ الْخُلُوفَ قال الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي إذَا قُلْنَا إنَّ كَرَاهَةَ السِّوَاكِ لَا تَزُولُ بِالْغُرُوبِ وَالْأَكْثَرُونَ على خِلَافِهِ وَسَيَأْتِي وَخَرَجَ بِتَحَقُّقِ الْغُرُوبِ ظَنُّهُ بِاجْتِهَادٍ فَلَا يُسَنُّ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ بِهِ وَظَنُّهُ بِلَا اجْتِهَادٍ وَشَكُّهُ فَيَحْرُمُ بِهِمَا كما مَرَّ ذلك ويسن كَوْنُهُ على تَمْرٍ ثُمَّ حُلْوٍ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَجِدْ ذلك فَمَاءٍ وفي نُسْخَةٍ على تَمْرٍ وَإِلَّا فَمَاءٍ ثُمَّ حُلْوٍ وهو غَرِيبٌ وَالْأَوَّلُ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الرُّويَانِيِّ وَنُقِلَ عن الْقَاضِي أَنَّ الْأَوْلَى في زَمَانِنَا أَنْ يُفْطِرَ على مَاءٍ يَأْخُذُهُ بِكَفِّهِ من النَّهْرِ لِيَكُونَ أَبْعَدَ عن الشُّبْهَةِ قال في الْمَجْمُوعِ وَهَذَانِ شَاذَّانِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وهو الصَّوَابُ يَعْنِي فِطْرَهُ على تَمْرٍ ثُمَّ مَاءٍ لِخَبَرِ إذَا كان أحدكم صَائِمًا فَلْيُفْطِرْ على التَّمْرِ فَإِنْ لم يَجِدْ التَّمْرَ فَعَلَى الْمَاءِ فإنه طَهُورٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ وَلِخَبَرِ كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يُفْطِرُ قبل أَنْ يُصَلِّيَ على رُطَبَاتٍ فَإِنْ لم يَكُنْ فَعَلَى تَمَرَاتٍ فَإِنْ لم يَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ من مَاءٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَقَضِيَّتُهُ تَقْدِيمُ الرُّطَبِ على التَّمْرِ وهو كَذَلِكَ وَإِنَّ السُّنَّةَ تَثْلِيثُ ما يُفْطِرُ عليه وهو قَضِيَّةُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ في حَرْمَلَةَ وَجَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَعْبِيرِ جَمَاعَةٍ بِتَمْرَةٍ بِحَمْلِ ذَاكَ على أَصْلِ السَّنَةِ وَهَذَا على كَمَالِهَا قال الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَالْقَصْدُ بِذَلِكَ أَنْ لَا يَدْخُلَ أَوَّلًا جَوْفَهُ ما مَسَّتْهُ النَّارُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ هذا مع قَصْدِ الْحَلَاوَةِ تَفَاؤُلًا قال وَمَنْ كان بِمَكَّةَ سُنَّ له أَنْ يُفْطِرَ على مَاءٍ زَمْزَمَ لِبَرَكَتِهِ وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّمْرِ فَحَسَنٌ
ا ه
وَرُدَّ هذا بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأَخْبَارِ وَلِلْمَعْنَى الذي شُرِعَ الْفِطْرُ على التَّمْرِ لِأَجَلِهِ وهو حِفْظُ الْبَصَرِ أو أَنَّ التَّمْرَ إذَا نَزَلَ إلَى الْمَعِدَةِ فَإِنْ وَجَدَهَا خَالِيَةً حَصَلَ الْغِذَاءُ وَإِلَّا أَخْرَجَ ما هُنَاكَ من بَقَايَا الطَّعَامِ وَهَذَا لَا يُوجَدُ في مَاءِ زَمْزَمَ ويسن أَنْ يَتَسَحَّرَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ تَسَحَّرُوا فإن في السَّحُورِ بَرَكَةً وَلِخَبَرِ الْحَاكِمِ في صَحِيحِهِ اسْتَعِينُوا بِطَعَامِ السَّحَرِ على صِيَامِ النَّهَارِ وَبِقَيْلُولَةِ النَّهَارِ على قِيَامِ اللَّيْلِ وَالسَّحُورُ بِفَتْحِ السِّينِ الْمَأْكُولُ في السَّحَرِ وَبِضَمِّهَا الْأَكْلُ حِينَئِذٍ وَيَحْصُلُ بِقَلِيلِ الْمَطْعُومِ وَكَثِيرِهِ لِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ في صَحِيحِهِ تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجَرْعَةِ مَاءٍ وأن يُؤَخِّرَهُ ما لم يَشُكَّ في طُلُوعِ الْفَجْرِ لِخَبَرِ لَا يَزَالُ الناس بِخَيْرٍ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّقَوِّي على الْعِبَادَةِ فَإِنْ شَكَّ في ذلك لم يُسَنَّ التَّأْخِيرُ بَلْ الْأَفْضَلُ تَرْكُهُ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ دَعْ ما يَرِيبُك إلَى ما لَا يَرِيبُك وَيُسْتَحَبُّ اسْتِحْبَابًا مُؤَكَّدًا في رَمَضَانَ مُدَارَسَةُ الْقُرْآنِ وَهِيَ أَنْ يَقْرَأَ على غَيْرِهِ وَيَقْرَأَ غَيْرُهُ عليه لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ كان جِبْرِيلُ يَلْقَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في كل لَيْلَةٍ من رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ وَذَكَرَ الْأَصْلُ اسْتِحْبَابَ كَثْرَةِ تِلَاوَتِهِ وَالْمُصَنِّفُ قَدَّمَهُ في بَابِ الْأَحْدَاثِ لَكِنَّهُ لم يُقَيِّدْ بِرَمَضَانَ فَالْمُرَادُ منه أنها تُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا لَكِنَّهَا في رَمَضَانَ آكَدُ وَكَثْرَةُ الْجُودِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان أَجْوَدَ الناس بِالْخَيْرِ وكان أَجْوَدَ ما يَكُونُ في رَمَضَانَ حين يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وكثرة الِاعْتِكَافِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِصَوْنِ النَّفْسِ عن ارْتِكَابِ ما لَا يَلِيقُ وَذِكْرُ الْكَثْرَةِ في هذه من زِيَادَتِهِ إنْ عَطَفَ مَدْخُولَهَا على الْجُودِ كما قَرَّرْتُهُ فَإِنْ عَطَفَ على ما قَبْلَهُ فَلَا زِيَادَةَ لَا سِيَّمَا في الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ منه فَهُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ من غَيْرِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَرَوَيَا خَبَرَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان إذَا دخل الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ وفي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ كان يَجْتَهِدُ في الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ ما لَا يَجْتَهِدُ في غَيْرِهِ فَيَعْتَكِفُ قبل دُخُولِهَا لِطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَقَوْلُهُ وَأَنْ يَقِفَ أَيْ يَمْكُثَ مُعْتَكِفًا إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ مُعْتَرِضٌ بين الْمُعَلِّلِ وَالتَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهَا أَيْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فيها أَيْ في الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ لَا تَنْتَقِلُ منه إلَى غَيْرِهِ على الْأَصَحِّ وَإِنْ كانت تَنْتَقِلُ من لَيْلَةٍ منه إلَى أُخْرَى منه على ما اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ جَمْعًا بين الْأَخْبَارِ وَحَثًّا على إحْيَاءِ جَمِيعِ لَيَالِي الْعَشْرِ
وقال الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ بِلُزُومِهَا لَيْلَةً بِعَيْنِهَا فقال في مَوْضِعٍ إنَّهَا لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ وفي آخَرَ إنَّهَا لَيْلَةُ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ وَدَلِيلُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ في الصَّحِيحَيْنِ وَالثَّانِي في مُسْلِمٍ وَجَمَعَ في الْمُخْتَصَرِ بَيْنَهُمَا فقال وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ في لَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ أو ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ
ا ه
وَقِيلَ إنَّهَا لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَقِيلَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَقِيلَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ أو سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَقِيلَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ
____________________
(1/420)
وَقِيلَ آخِرُ لَيْلَةٍ من الشَّهْرِ وَقِيلَ إنَّهَا في غَيْرِ الْعَشْرِ الْأَخِيرَةِ وَقِيلَ إنَّهَا في لَيْلَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَقِيلَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَقِيلَ لَيْلَةُ النِّصْفِ وَقِيلَ غَيْرُ ذلك وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ خُصَّتْ بها هذه الْأَمَةُ فلم تَكُنْ لِمَنْ قَبْلَهُمْ وَهِيَ التي يَفْرُقُ فيها كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ وَسُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لِأَنَّهَا لَيْلَةُ الْحُكْمِ وَالْفَصْلِ وَقِيلَ لِعِظَمِ قَدْرِهَا وَهِيَ أَفْضَلُ لَيْلَةٍ في الْعَامِ قال تَعَالَى لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ من أَلْفِ شَهْرٍ أَيْ الْعَمَلُ فيها خَيْرٌ من الْعَمَلِ في أَلْفِ شَهْرٍ ليس فيها لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَبَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَيُسْتَحَبُّ طَلَبُهَا وَالِاجْتِهَادُ في إدْرَاكِهَا كُلَّ عَامٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم في خَبَرِ الْبُخَارِيِّ فَرُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ فَالْتَمِسُوهَا في السَّبْعِ وَالتِّسْعِ فَالْمُرَادُ رَفْعُ عِلْمِ عَيْنِهَا وَلَوْ كان الْمُرَادُ رَفْعُ وُجُودِهَا لم يَأْمُرْ بِالْتِمَاسِهَا وَمَعْنَى عَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ أَيْ لِتَرْغَبُوا في طَلَبِهَا وَالِاجْتِهَادِ في كل اللَّيَالِي وَأَرْجَاهَا لَيْلَةَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ أو الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ ثُمَّ سَائِرَ أَوْتَارِهِ لِأَخْبَارٍ منها غَيْرُ ما أَشَرْت إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ الْتَمِسُوهَا في الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَالْتَمِسُوهَا في كل وِتْرٍ فَلْيُكْثِرْ فيها وفي يَوْمِهَا من الدُّعَاءِ بِمَا أَحَبَّ من دِينٍ وَدُنْيَا مع الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَتَأَتَّى من سَائِرِ الْعِبَادَاتِ بِإِخْلَاصٍ وَصِحَّةِ يَقِينٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ من قام لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا أَيْ تَصْدِيقًا بِأَنَّهَا حَقٌّ وَطَاعَةٌ وَاحْتِسَابًا أَيْ طَلَبًا لِرِضَا اللَّهِ وَثَوَابِهِ لَا لِلرِّيَاءِ وَنَحْوِهِ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ وَقِيسَ بها يَوْمُهَا ومن قَوْلِهِ اللَّهُمَّ إنَّك عَفْوٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُوا عَنِّي لِقَوْلِ عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها يا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَاذَا أَقُولُ قال تَقُولِينَ اللَّهُمَّ إنَّك عَفْوٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَلَامَتُهَا عَدَمُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ فيها وأن تَطْلُعَ الشَّمْسُ صَبِيحَتَهَا بَيْضَاءَ بِلَا كَثِيرِ شُعَاعٍ لِخَبَرٍ في مُسْلِمٍ وَرَدَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وفي حِكْمَتِهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أنها عَلَامَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ لها ثَانِيهِمَا أَنَّ ذلك لِكَثْرَةِ اخْتِلَافِ الْمَلَائِكَةِ في لَيْلَتِهَا وَنُزُولِهَا إلَى الْأَرْضِ وَصُعُودِهَا بِمَا تَنْزِلُ بِهِ فَسَتَرَتْ بِأَجْنِحَتِهَا وَأَجْسَامِهَا اللَّطِيفَةِ ضَوْءَ الشَّمْسِ وَشُعَاعَهَا قال في الْمَجْمُوعِ فَإِنْ قِيلَ أَيُّ فَائِدَةٍ لِمَعْرِفَةِ صِفَتِهَا بَعْدَ فَوَاتِهَا فَإِنَّهَا تَنْقَضِي بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَالْجَوَابُ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ اجْتِهَادُهُ في يَوْمِهَا الذي بَعْدَهَا كَاجْتِهَادِهِ فيها ثَانِيهِمَا الْمَشْهُورُ في الْمَذْهَبِ أنها لَا تَنْتَقِلُ فإذا عُرِفَتْ لَيْلَتُهَا في سَنَةٍ اُنْتُفِعَ بِذَلِكَ في الِاجْتِهَادِ فيها في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وما بَعْدَهَا وَيُسَنُّ لِمَنْ رَآهَا كَتْمُهَا قال النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ لَا يَنَالُ فَضْلَهَا إلَّا من أَطْلَعَهُ اللَّهُ عليها فَلَوْ قَامَهَا إنْسَانٌ ولم يَشْعُرْ بها لم يَنَلْ فَضْلَهَا وقد يُنَازِعُهُ فيه قَوْلُ الْمُتَوَلِّي يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْصِدَ إلَى التَّعَبُّدِ في هذه اللَّيَالِي كُلِّهَا حتى يَحُوزَ الْفَضِيلَةَ وَلَوْ عَلَّقَ قبل دُخُولِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ في رَمَضَانَ أو قَبْلَهُ طَلَاقًا مَثَلًا بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ طَلُقَتْ بِأَوَّلِ آخِرِ لَيْلَةٍ منه لِأَنَّهُ قد مَرَّتْ بِهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ في إحْدَى لَيَالِي الْعَشْرِ أو عَلَّقَهُ في أَثْنَاءِ الْعَشْرِ طَلُقَتْ بِأَوَّلِ آخِرِ لَيْلَةٍ من سَنَةٍ تَمْضِي عليه لِأَنَّهُ قد مَرَّتْ بِهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَعَدَلَ إلَى ما قَالَهُ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِ الْمَجْمُوعِ طَلُقَتْ في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ في أَوَّلِ جُزْءٍ من اللَّيْلَةِ التي قبل كَلَامِهِ عن قَوْلِ الرَّافِعِيِّ لم تَطْلُقْ إلَى مُضِيِّ سَنَةٍ لِقَوْلِ النَّوَوِيِّ فيه تَجَوُّزٌ لِأَنَّهُ قد يُعَلِّقُ في آخِرِ الْيَوْمِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ فَتَطْلُقُ في أَوَّلِ لَيْلَةٍ من رَمَضَانَ الثَّانِي وَإِنْ لم يَمْضِ سَنَةٌ قُلْت بَلْ ليس لنا صُورَةٌ يُعْتَبَرُ فيها مُضِيُّ سَنَةٍ وما قَالُوهُ مَبْنِيٌّ على ما قَالَهُ النَّوَوِيُّ من أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا وَأَمَّا على ما اخْتَارَهُ من أنها تَنْتَقِلُ فَلَا تَطْلُقُ إلَّا في أَوَّلِ لَيْلَةٍ آخَرَ رَمَضَانَ الثَّانِي وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ وَالْمَجْمُوعُ أَنَّهُ لو عَلَّقَ في لَيْلَةِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ لم تَطْلُقْ إلَّا في لَيْلَتِهَا من السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ ما لو عَلَّقَ قبل دُخُولِ الْعَشْرِ فَإِنْ قُلْت هَلَّا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِأَوَّلِ لَيْلَةِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ فِيمَا إذَا عَلَّقَهُ قبل طُلُوعِ فَجْرِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ على قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ تَلْزَمُ لَيْلَةَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ أو الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ قُلْت ليس ذلك مَقْطُوعًا بِهِ وَلَا مَظْنُونًا ظَنًّا قَوِيًّا لِمُعَارَضَتِهِ ما صَحَّتْ فيه الْأَخْبَارُ من أنها لَا تَلْزَمُ مع أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ وَيَنْبَغِي له أَيْ لِلصَّائِمِ أَيْ يُسَنُّ له من حَيْثُ الصَّوْمُ كَفُّ اللِّسَانِ عن الْفُحْشِ كَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ الْمُحَرَّمَاتِ فَلَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ بِارْتِكَابِهَا بِخِلَافِ
____________________
(1/421)
ارْتِكَابِ ما يَجِبُ اجْتِنَابُهُ من حَيْثُ الصَّوْمُ كَالِاسْتِقَاءَةِ وَإِنَّمَا طُلِبَ الْكَفُّ عن ذلك لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ من لم يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَلِخَبَرِ الْحَاكِمِ في صَحِيحِهِ ليس الصِّيَامُ من الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطْ الصِّيَامُ من اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَلِأَنَّهُ يُحْبِطُ الثَّوَابَ فَالْمُرَادُ أَنَّ كَمَالَ الصَّوْمِ إنَّمَا يَكُونُ بِصِيَانَتِهِ عن اللَّغْوِ وَالْكَلَامِ الرَّدِيءِ لَا أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَبْطُلُ بِهِمَا فَإِنْ شَتَمَهُ أَحَدٌ فَلْيَقُلْ إنِّي صَائِمٌ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ الصِّيَامُ جُنَّةٌ فإذا كان أحدكم صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ فَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أو شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إنِّي صَائِمٌ إنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ يَقُولُهُ بِقَلْبِهِ لِنَفْسِهِ لِتَصْبِرَ وَلَا تُشَاتِمَ فَتَذْهَبَ بَرَكَةُ صَوْمِهَا كما نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن الْأَئِمَّةِ أو بِلِسَانِهِ بِنِيَّةِ وَعْظِ الشَّاتِمِ وَدَفْعِهِ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ كما نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عن جَمْعٍ وَصَحَّحَهُ ثُمَّ قال فَإِنْ جَمَعَهُمَا فَحَسَنٌ وقال إنَّهُ يُسَنُّ تَكْرَارُهُ مَرَّتَيْنِ أو أَكْثَرَ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى إمْسَاكِ صَاحِبِهِ عنه وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَلَا أَظُنُّ أَحَدًا يَقُولُهُ مَرْدُودٌ بِالْخَبَرِ السَّابِقِ وَيَنْبَغِي له كَفُّ النَّفْسِ عن الشَّهَوَاتِ التي لَا تُبْطِلُ الصَّوْمَ كَشَمِّ الرَّيَاحِينِ وَالنَّظَرِ إلَيْهَا وَلَمْسِهَا لِمَا في ذلك من التَّرَفُّهِ الذي لَا يُكَاسِبُ حِكْمَةَ الصَّوْمِ وَيُكْرَهُ ذلك وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُكْرَهُ له دُخُولُ الْحَمَّامِ وينبغي له تَرْكُ السِّوَاكِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَيُكْرَهُ فِعْلُهُ كما مَرَّ بَيَانُهُ في بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وينبغي له تَقْدِيمُ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ على طُلُوعِ الْفَجْرِ لِيُؤَدِّيَ الْعِبَادَةَ على الطَّهَارَةِ وَلِيَخْرُجَ من خِلَافِ أبي هُرَيْرَةَ الْقَائِلِ بِوُجُوبِهِ لِظَاهِرِ خَبَرِ الْبُخَارِيِّ الْآتِي وَخَشْيَةً من وُصُولِ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِ الْأُذُنِ أو الدُّبُرِ أو غَيْرِهِمَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَغْسِلَ هذه الْمَوَاضِعَ إنْ لم يَتَهَيَّأْ له الْغُسْلُ الْكَامِلُ قال الْإِسْنَوِيُّ وَقِيَاسُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ اسْتِحْبَابُ الْمُبَادَرَةِ إلَى الِاغْتِسَالِ عَقِبَ الِاحْتِلَامِ نَهَارًا فَإِنْ طَهُرَتْ أَيْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا أو نِفَاسُهَا وَصَامَتْ أو صَامَ الْجُنُبُ بِلَا غُسْلٍ صَحَّ الصَّوْمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يُصْبِحُ جُنُبًا من جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ وَقِيسَ بِالْجُنُبِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَأَمَّا خَبَرُ الْبُخَارِيِّ من أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا صَوْمَ له فَحَمَلُوهُ على من أَصْبَحَ مُجَامِعًا وَاسْتَدَامَ الْجِمَاعَ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ على النَّسْخِ وَاسْتَحْسَنَهُ ابن الْمُنْذِرِ وينبغي له أَنْ يَقُولَ بَعْدَ وفي نُسْخَةٍ عِنْدَ الْإِفْطَارِ اللَّهُمَّ لك صُمْت وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْت لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يقول حِينَئِذٍ اللَّهُمَّ ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنْ يُفْطِرَ الصَّائِمِينَ بِأَنْ يُعَشِّيَهُمْ لِخَبَرِ من فَطَّرَ صَائِمًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ وَلَا يَنْقُصُ من أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ فَإِنْ عَجَزَ عن عَشَائِهِمْ فَطَّرَهُمْ على تَمْرٍ أو مَاءٍ عِبَارَةُ الْأَصْلِ شَرْبَةٌ أو تَمْرَةٌ أو غَيْرُهُمَا قال الْمُتَوَلِّي لِمَا رُوِيَ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ قال يا رَسُولَ اللَّهِ ليس كُلُّنَا نَجِدُ ما يُفَطِّرُ بِهِ الصَّائِمَ فقال يُعْطِي اللَّهُ تَعَالَى هذا الثَّوَابَ من فَطَّرَ صَائِمًا على تَمْرَةٍ أو شَرْبَةِ مَاءٍ أو مَذْقَةِ لَبَنٍ وأن يَحْتَرِزَ عن الْعَلْكِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمَضْغُ وَبِكَسْرِهَا الْمَعْلُوكُ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الرِّيقَ فَإِنْ ابْتَلَعَهُ أَفْطَرَ في وَجْهٍ وَإِنْ أَلْقَاهُ عَطَّشَهُ وهو مَكْرُوهٌ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ وعن ذَوْقِ الطَّعَامِ خَوْفَ الْوُصُولِ إلَى حَلْقِهِ أو تَعَاطِيهِ لِغَلَبَةِ شَهْوَتِهِ فَصْلٌ وَيُبَاحُ الْفِطْرُ من الصَّوْمِ الْوَاجِبِ لِخَوْفِ الْهَلَاكِ على نَفْسِهِ أو عُضْوِهِ أو مَنْفَعَتِهِ من جُوعٍ وَعَطَشٍ وَإِنْ كان مُقِيمًا صَحِيحًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وما جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدِّينِ من حَرَجٍ وَقَوْلُهُ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إنَّ اللَّهَ كان بِكُمْ رَحِيمًا وَقَوْلُهُ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ وَلَا يُنَافِي التَّعْبِيرُ بِالْإِبَاحَةِ ما صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ من وُجُوبِ الْفِطْرِ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُجَامِعُهُ ويباح بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ الْمُبَاحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ كان مَرِيضًا أو على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ أَيْ فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ من أَيَّامٍ أُخَرَ وَقِيَاسًا على الْقَصْرِ بِخِلَافِ السَّفَرِ الْقَصِيرِ وَالطَّوِيلِ الْمُحَرَّمِ وَبِمَرَضٍ يُجْهِدُهُ أَيْ يَشُقُّ عليه الصَّوْمُ معه أو يَزِيدُهُ الصَّوْمُ في مَرَضِهِ كَنَظِيرِهِ في التَّيَمُّمِ وَلِلْآيَةِ السَّابِقَةِ سَوَاءٌ أَتَعَدَّى بِسَبَبِ الْمَرَضِ أَمْ لَا قَوْلُهُ أو يَزِيدُهُ إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ قال أو بِزِيَادَةٍ في مَرَضِهِ كان أَوْضَحَ
____________________
(1/422)
وَأَخْصَرَ وَعَلَيْهِ أَيْ الْمَرِيضِ أَنْ يَنْوِيَ إنْ خَفَّ مَرَضُهُ قُبَيْلَ الْفَجْرِ بِحَيْثُ لَا يُبَاحُ معه تَرْكُ الصَّوْمِ وَإِلَّا فَلَهُ تَرْكُ النِّيَّةِ وَلَهُ الْفِطْرُ بِحُدُوثِ الْمَرَضِ لِوُجُودِ الْمُحْوِجِ له بِلَا اخْتِيَارٍ لَا بِحُدُوثِ السَّفَرِ تَغْلِيبًا لِلْحَضَرِ فَإِنْ نَوَى الْمُقِيمُ لَيْلًا ثُمَّ سَافَرَ قبل الْفَجْرِ تَرَخَّصَ بِالْفِطْرِ وَغَيْرِهِ لِدَوَامِ الْعُذْرِ وقد أَفْطَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْدَ الْعَصْرِ بِكُرَاعِ الْغَمِيمِ بِقَدَحِ مَاءٍ لَمَّا قِيلَ له إنَّ الناس يَشُقُّ عليهم الصِّيَامُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَهُ تَتِمَّةٌ سَتَأْتِي وَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ فَإِنْ فَارَقَ الْعُمْرَانَ قبل الْفَجْرِ فَلَهُ الْفِطْرُ وَكَذَا لو أَصْبَحَ الْمُسَافِرُ صَائِمًا يَتَرَخَّصُ بِخِلَافِ من نَوَى إتْمَامَ الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ له الْقَصْرُ لِئَلَّا يَتْرُكَ ما الْتَزَمَهُ لَا إلَى بَدَلٍ وَأَمَّا الصَّائِمُ إذَا أَفْطَرَ فلم يَتْرُكْهُ إلَّا إلَى بَدَلٍ وهو الْقَضَاءُ ولم يُكْرَهْ له التَّرَخُّصُ في ذلك وَتَرْجِيحُ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ من زِيَادَتِهِ وهو ما في الْمَجْمُوعِ وَيُشْتَرَطُ في جَوَازِ التَّرَخُّصِ نِيَّتُهُ كَالْمُحْصَرِ يُرِيدُ التَّحَلُّلَ كما ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ أَقَامَ الْمُسَافِرُ أو شُفِيَ الْمَرِيضُ وهو صَائِمٌ لم يُفْطِرْ لِانْتِفَاءِ الْمُبِيحِ وَالصَّوْمُ لِلْمُسَافِرِ أَفْضَلُ من فِطْرِهِ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَلِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَفَضِيلَةِ الْوَقْتِ وَفَارَقَ ذلك أَفْضَلِيَّةَ الْقَصْرِ بِأَنَّ في الْقَصْرِ بَرَاءَةٌ لِلذِّمَّةِ وَمُحَافَظَةٌ على فَضِيلَةِ الْوَقْتِ بِخِلَافِ الْفِطْرِ وَبِأَنَّ فيه خُرُوجًا من الْخِلَافِ وَلَيْسَ هُنَا خِلَافٌ يُعْتَدُّ بِهِ في إيجَابِ الْفِطْرِ فَكَانَ الصَّوْمُ أَفْضَلَ إلَّا إنْ خَافَ منه ضَرَرًا في الْحَالِ أو الِاسْتِقْبَالِ فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ وَعَلَيْهِ حُمِلَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَرَّ بِرَجُلٍ في ظِلِّ شَجَرَةٍ يُرَشُّ عليه الْمَاءُ فقال ما هذا قالوا صَائِمٌ فقال ليس من الْبِرِّ الصِّيَامُ في السَّفَرِ وَلَا يَحْرُمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ بَعْد أَنْ أَفْطَرَ في كُرَاعِ الْغَمِيمِ وقد بَلَغَهُ أَنَّ نَاسًا صَامُوا أُولَئِكَ الْعُصَاةُ فَلِمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ لهم بِالْفِطْرِ لِيَتَقَوَّوْا لِعَدُوِّهِمْ فَرْعٌ كُلُّ شَخْصٍ مُفْطِرٌ بِعُذْرٍ أو غَيْرِهِ يَقْضِي ما فَاتَهُ لِآيَةِ وَمَنْ كان مَرِيضًا وَقِيسَ بِمَنْ فيها غَيْرُهُ لَا صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ كما لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْأَدَاءُ وَلِرَفْعِ الْقَلَمِ عنهما ولا كَافِرًا صلى لِقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لهم ما قد سَلَفَ وَلِلْإِجْمَاعِ وَتَرْغِيبًا له في الْإِسْلَامِ فَيَقْضِي الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ لِلْآيَةِ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ كما مَرَّ في بَابِ الْحَيْضِ وَذُو إغْمَاءٍ وَسُكْرٍ اسْتَغْرَقَا الْيَوْمَ بِالْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ أَمَّا الْإِغْمَاءُ فَلِأَنَّهُ نَوْعُ مَرَضٍ وَلِهَذَا يَجُوزُ على الْأَنْبِيَاءِ بِخِلَافِ الْجُنُونِ فَانْدَرَجَ في الْآيَةِ وَيُخَالِفُ الصَّلَاةَ لِتَكَرُّرِهَا وَأَمَّا السُّكْرُ فَلِأَنَّ من قام بِهِ في مَعْنَى الْمُكَلَّفِ وَلَوْ جُنَّ السَّكْرَانُ في سُكْرِهِ فإنه يَقْضِي ما فَاتَهُ هذا إنْ أَرَادَ ظَاهِرَ الْعِبَارَةِ من بَيَانِ حُكْمِ السُّكْرِ الذي تَخَلَّلَهُ جُنُونٌ وَإِنْ لم يُصَرِّحْ بِهِ أَصْلُهُ فَإِنْ أَرَادَ بَيَانَ حُكْمِ الْجُنُونِ الْمُتَّصِلِ بِالسُّكْرِ وَإِنْ قَصُرَتْ عنه عِبَارَتُهُ فما ذَكَرَهُ عَكْسُ ما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَشَبَّهَهُ بِالصَّلَاةِ وَصَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ وَيَقْضِي الْمُرْتَدُّ ما فَاتَهُ حتى زَمَنَ جُنُونِهِ كما في الصَّلَاةِ وَيُسْتَحَبُّ التَّتَابُعُ في الْقَضَاءِ لِرَمَضَانَ وَغَيْرِهِ تَعْجِيلًا لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ ولم يَجِبْ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى فَعِدَّةٌ من أَيَّامٍ أُخَرَ وَقِيسَ بِمَا فيه غَيْرُهُ قال في الْمُهِمَّاتِ وقد يَجِبُ بِطَرِيقِ الْعَرْضِ وَذَلِكَ في صُورَتَيْنِ ضِيقُ الْوَقْتِ وَتَعَمُّدُ التَّرْكِ قال غَيْرُهُ وَالنَّذْرُ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالَهُ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِقَضَاءِ رَمَضَانَ فَصْلٌ من تَعَدَّى بِالْفِطْرِ أو نَسِيَ النِّيَّةَ في رَمَضَانَ خَاصَّةً أَيْ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَالْقَضَاءِ لَزِمَهُ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَتَشْبِيهًا بِالصَّائِمِينَ مع عَدَمِ الْعُذْرِ فِيهِمَا وَلِأَنَّهُ بَعْضُ ما كان يَجِبُ عليه وَنِسْيَانُهُ
____________________
(1/423)
النِّيَّةَ يُشْعِرُ بِعَدَمِ الِاهْتِمَامِ بِأَمْرِ الْعِبَادَةِ فَهُوَ نَوْعُ تَقْصِيرٍ وَلَيْسَ الْمُمْسِكُ في صَوْمٍ شَرْعِيٍّ وَإِنْ أُثِيبَ عليه كما في الْمَجْمُوعِ وهو مُرَادُ الرَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ ليس في عِبَادَةٍ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ إذَا أَفْسَدَ إحْرَامَهُ وَيَظْهَرُ أَثَرُهُ في أَنَّهُ لو ارْتَكَبَ مَحْظُورًا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ بِخِلَافِ الْمُمْسِكِ هُنَا ليس عليه في ذلك إلَّا الْإِثْمُ وَإِنَّمَا كان الْإِمْسَاكُ من خَوَاصِّ رَمَضَانَ لِأَنَّ وُجُوبَ الصَّوْمِ فيه بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُ كما سَيَأْتِي بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنْ خَالَفَ فلم يُمْسِكْ أَثِمَ لِمُخَالَفَتِهِ الْوَاجِبَ وَيُسْتَحَبُّ الْإِمْسَاكُ لِمَرِيضٍ شُفِيَ من مَرَضِهِ في أَثْنَاءِ النَّهَارِ وَلِمُسَافِرٍ قَدِمَ من سَفَرِهِ كَذَلِكَ حَالَةَ كَوْنِهِمَا مُفْطِرَيْنِ أو لم يَنْوِيَا لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا لم يَلْزَمْهُمَا لِأَنَّ الْفِطْرَ مُبَاحٌ لَهُمَا مع الْعِلْمِ بِحَالِ الْيَوْمِ وَزَوَالُ الْعُذْرِ بَعْدَ التَّرَخُّصِ لَا يُؤَثِّرُ كما لو أَقَامَ في الْوَقْتِ بَعْدَ الْقَصْرِ وَلَوْ قال مُفْطِرِينَ وَلَوْ بِتَرْكِ النِّيَّةِ كان أَوْلَى لِأَنَّ من أَصْبَحَ تَارِكًا لِلنِّيَّةِ فَقَدْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا وَيُسْتَحَبُّ لَهُمَا إخْفَاؤُهُ أَيْ الْإِفْطَارِ إنْ أَفْطَرَا لِئَلَّا يَتَعَرَّضَا إلَى التُّهْمَةِ وَالْعُقُوبَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِاسْتِحْبَابِ الْإِمْسَاكِ في تَرْكِ النِّيَّةِ وَاسْتِحْبَابِ الْإِخْفَاءِ من زِيَادَتِهِ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا في جِمَاعِ مُفْطِرَةٍ نَحْوِ صَغِيرَةٍ مُفْطِرَةٍ وَمَجْنُونَةٍ وَكَافِرَةٍ وَحَائِضٍ طَهُرَتْ من حَيْضِهَا وَاغْتَسَلَتْ لِأَنَّهُمَا مُفْطِرَانِ فَأَشْبَهَا الْمُسَافِرَيْنِ وَالْمَرِيضَيْنِ وَهَذَا عُلِمَ من اسْتِحْبَابِ الْإِمْسَاكِ
فَرْعٌ إذَا ثَبَتَ يَوْمُ الشَّكِّ من رَمَضَانَ لَزِمَهُمْ أَيْ أَهْلَ الْوُجُوبِ الْمُفْطِرِينَ وَلَوْ شَرْعًا الْقَضَاءُ كَسَائِرِ أَيَّامِهِ وَالْإِمْسَاكُ لِأَنَّ صَوْمَهُ كان وَاجِبًا عليهم إلَّا أَنَّهُمْ جَهِلُوهُ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ إذَا قَدِمَ بَعْدَ الْإِفْطَارِ لِأَنَّهُ يُبَاحُ له الْأَكْلُ مع الْعِلْمِ بِأَنَّهُ من رَمَضَانَ كما مَرَّ ثُمَّ لو بَلَغَ الصَّبِيُّ مُفْطِرًا أو أَفَاقَ مَجْنُونٌ أو أَسْلَمَ كَافِرٌ لم يَلْزَمْ الْإِمْسَاكُ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِمْ بِالصَّوْمِ وَالْإِمْسَاكُ تَبَعٌ له وَلِأَنَّهُمْ أَفْطَرُوا بِعُذْرٍ فَأَشْبَهُوا الْمَرِيضَ وَالْمُسَافِرَ ولا الْقَضَاءُ لِأَنَّهُمْ لم يُدْرِكُوا زَمَنًا يَسَعُ الْأَدَاءَ وَإِتْمَامُهُ خَارِجَ الْوَقْتِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَأَشْبَهُوا من أَدْرَكَ زَمَنًا لَا يَسَعُ الصَّلَاةَ أَوَّلَ وَقْتِهَا ثُمَّ طَرَأَ عليه مَانِعٌ وَبِهَذَا فَارَقَ إدْرَاكَ ذلك آخِرَ وَقْتِهَا بَلْ يُسْتَحَبَّانِ أَيْ الْإِمْسَاكُ وَالْقَضَاءُ خُرُوجًا من الْخِلَافِ وَقَوْلُهُ بَلْ يُسْتَحَبَّانِ بَنُونِ الرَّفْعِ اسْتِئْنَافٌ أو عَطْفٌ بِنَاءً على ما قَالَهُ ابن مَالِكٍ من أَنَّ بَلْ تَعْطِفُ الْجُمَلَ وَهِيَ هُنَا لِلِانْتِقَالِ من غَرَضٍ إلَى آخَرَ لَا لِلْإِبْطَالِ وَلَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ بِالنَّهَارِ صَائِمًا بِأَنْ نَوَى لَيْلًا لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ بِلَا قَضَاءٍ وَالْكَفَّارَةُ لو جَامَعَ فيه بَعْدَ بُلُوغِهِ لِأَنَّهُ صَارَ من أَهْلِ الْوُجُوبِ وَلَا يَلْزَمُهَا أَيْ الْحَائِضَ الْإِمْسَاكُ لِانْقِطَاعِ الْحَيْضِ في أَثْنَاءِ النَّهَارِ لِمَا مَرَّ فِيمَا إذَا أَفَاقَ الْمَجْنُونُ وَمِثْلُهَا النُّفَسَاءُ كما صَرَّحَ بها الْأَصْلُ وَمَنْ أُبِيحَ له الْفِطْرُ في رَمَضَانَ كَمَرِيضٍ وَمُسَافِرٍ فَصَامَ غَيْرُهُ فيه لم يَصِحَّ وَلَوْ نَفْلًا بِنِيَّةٍ قبل الزَّوَالِ لِتَعَيُّنِهِ لِصَوْمِهِ فَصْلٌ وَمَنْ أَفْسَدَ صَوْمَهُ في يَوْمٍ من رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ تَامٍّ أَثِمَ بِهِ لِأَجْلِ الصَّوْمِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن أبي هُرَيْرَةَ جاء رَجُلٌ إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال هَلَكْت قال وما أَهْلَكَك قال وَاقَعْت امْرَأَتِي في رَمَضَانَ قال هل تَجِدُ ما تُعْتِقُ رَقَبَةً قال لَا قال فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعِينَ قال لَا قال
____________________
(1/424)
فَهَلْ تَجِدْ ما تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا قال لَا ثُمَّ جَلَسَ فَأَتَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِعَرَقٍ فيه تَمْرٌ فقال تَصَدَّقْ بهذا فقال على أَفْقَرَ مِنَّا يا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاَللَّهِ ما بين لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنَّا فَضَحِكَ صلى اللَّهُ عليه وسلم حتى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قال اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَك وفي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَأَعْتِقْ رَقَبَةً فَصُمْ شَهْرَيْنِ فَأَطْعِمْ سِتِّينَ بِالْأَمْرِ وفي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد فَأَتَى بِعَرَقِ تَمْرٍ قَدْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا قال الْبَيْهَقِيُّ وَهِيَ أَصَحُّ من رِوَايَةٍ فيه عِشْرُونَ صَاعًا وَالْعَرَقُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ مِكْتَلٌ يُنْسَخُ من خُوصِ النَّخْلِ فَمَنْ أَفْسَدَهُ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ كَأَكْلٍ وَاسْتِمْنَاءٍ لم تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ لِوُرُودِ النَّصِّ في الْجِمَاعِ وهو أَغْلَظُ من غَيْرِهِ وَهَذَا يُغْنِي عنه قَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي وَقَوْلُنَا بِجِمَاعٍ إلَى آخِرِهِ وَلَا تَلْزَمُ من جَامَعَ نَاسِيًا أو جَاهِلًا أو مُكْرَهًا أو جِمَاعًا ثَانِيًا إذْ لَا إفْسَادَ تَقَدَّمَ إنَّهَا تَلْزَمُ فِيمَا لو طَلَعَ الْفَجْرُ وهو مَجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ مع أَنَّهُ لَا إفْسَادَ لِأَنَّهُ فَرْعُ الِانْعِقَادِ ولم يَنْعَقِدْ كما مَرَّ مع تَوْجِيهِهِ أو جَامَعَ مُسَافِرًا إذْ لَا إثْمَ هذا مع إيهَامِهِ الْقُصُورَ على الْمُسَافِرِ يُغْنِي عنه قَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي وَقَوْلُنَا أَثِمَ بِهِ إلَى آخِرِهِ وَقَوْلُنَا صَوْمُهُ احْتِرَازًا من مُسَافِرٍ أو مَرِيضٍ أَفْسَدَ صَوْمَ امْرَأَةٍ فَلَا كَفَّارَةَ عليه لِأَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بِإِفْسَادِهَا صَوْمِهَا بِالْجِمَاعِ كما سَيَأْتِي فَبِالْأَوْلَى إفْسَادُ غَيْرِهَا له وَقَوْلُنَا في يَوْمٍ يَدُلُّ على أنها تَجِبُ لِكُلِّ يَوْمٍ وَإِنْ لم يُكَفِّرْ عن الْأَوَّلِ إذْ كُلُّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ بِرَأْسِهَا وقد تَكَرَّرَ الْإِفْسَادُ فَأَشْبَهَ ما لو تَكَرَّرَ في حَجَّتَيْنِ
وَقَوْلُنَا من رَمَضَانَ احْتِرَازًا من الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ وَغَيْرِهِ فَلَا كَفَّارَةَ في إفْسَادِهَا لِوُرُودِ النَّصِّ في رَمَضَانَ وهو مُخْتَصٌّ بِفَضَائِلَ لَا يُشْرِكُهُ فيها غَيْرُهُ وَقَوْلُنَا بِجِمَاعٍ احْتِرَازًا مِمَّنْ أَفْطَرَ أَوَّلًا بِغَيْرِهِ ثُمَّ جَامَعَ فإنه لَا كَفَّارَةَ في ذلك كما مَرَّ بَيَانُهُ وَقَوْلُنَا تَامٌّ احْتِرَازًا من الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا تُفْطِرُ بِدُخُولِ شَيْءٍ من الذَّكَرِ فَرْجَهَا وَلَوْ دُونَ الْحَشَفَةِ وَهَذَا الْقَيْدُ تَبِعَ فيه الْمُصَنِّفَ كَأَصْلِهِ الْغَزَالِيُّ وَزَيَّفُوهُ بِخُرُوجِ ذلك بِالْجِمَاعِ إذْ الْفَسَادُ فيه بِغَيْرِهِ وَبِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ فَسَادُ صَوْمِهَا بِالْجِمَاعِ بِأَنْ يُولِجَ فيها نَائِمَةً أو نَاسِيَةً أو مُكْرَهَةً ثُمَّ تَسْتَيْقِظَ أو تَتَذَكَّرَ أو تَقْدِرَ على الدَّفْعِ وَتَسْتَدِيمَ فَفَسَادُهُ فيها بِالْجِمَاعِ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْجِمَاعِ جِمَاعٌ مع أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عليها لِأَنَّهُ لم يُؤْمَرْ بها في الْخَبَرِ إلَّا الرَّجُلُ الْمَوَاقِعُ مع الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ وَلِنُقْصَانِ صَوْمِهَا بِتَعَرُّضِهِ لِلْبُطْلَانِ بِعُرُوضِ الْحَيْضِ أو نَحْوِهِ فلم تَكْمُلْ حُرْمَتُهُ حتى تَتَعَلَّقَ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَلِأَنَّهَا غُرْمٌ مَالِيٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ فَيَخْتَصُّ بِالرَّجُلِ الْوَاطِئِ كَالْمَهْرِ فَلَا يَجِبُ على الْمَوْطُوءَةِ وَلَا على الرَّجُلِ الْمَوْطُوءِ كما نَقَلَهُ ابن الرِّفْعَةِ
والجماع التَّامُّ يَحْصُلُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ فإذا مَكَّنَتْهُ منه فَالْكَفَّارَةُ عليه دُونَهَا لِذَلِكَ وَالتَّصْرِيحُ بِأَنَّ التَّامَّ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ من زِيَادَتِهِ قَوْلُنَا أَثِمَ بِهِ احْتِرَازًا مِمَّنْ ظَنَّ غَالِطًا بَقَاءَ اللَّيْلِ أو دُخُولَهُ على ما يَأْتِي فَجَامَعَ وَمِنْ جِمَاعِ الصَّبِيِّ وَجِمَاعِ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ فَلَا كَفَّارَةَ عليهم لِعَدَمِ إثْمِهِمْ وَمُقْتَضَى الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ وُجُوبُهَا على من شَكَّ في دُخُولِ اللَّيْلِ فَجَامَعَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ جَامَعَ نَهَارًا وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْأَصْلِ في مَسْأَلَةِ ظَنِّ الدُّخُولِ السَّابِقَةِ بَعْدَ نَقْلِهَا عن التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُفَرَّعًا على تَجْوِيزِ الْإِفْطَارِ بِالظَّنِّ وَإِلَّا فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَفَاءً بِالضَّابِطِ لَكِنْ صَرَّحَ الْقَاضِي بِعَدَمِ وُجُوبِهَا وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ الْإِفْطَارُ بِالظَّنِّ بَلْ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ بِخِلَافِ الْمُقْتَضَى الْمَذْكُورِ في مَسْأَلَةِ الشَّكِّ وَبِالتَّسْوِيَةِ بين شَكِّهِ في دُخُولِ اللَّيْلِ وَخُرُوجِهِ وَعَلَّلَ عَدَمَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِإِنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لم يُصَرِّحْ في التَّهْذِيبِ بِمَسْأَلَةِ الظَّنِّ لَكِنَّهَا مَفْهُومَةٌ بِالْأَوْلَى من مَسْأَلَةِ الشَّكِّ وَلَوْ أَكَلَ نَاسِيًا وَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِالْأَكْلِ فَجَامَعَ أَفْطَرَ كما لو جَامَعَ ظَانًّا بَقَاءَ اللَّيْلِ فَبَانَ خِلَافُهُ وَلَا كَفَّارَةَ عليه لِأَنَّهُ جَامَعَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ غَيْرُ صَائِمٍ وَهَذَا خَارِجٌ بِقَوْلِهِ لِأَجْلِ الصَّوْمِ إنْ عَلِمَ وُجُوبَ الْإِمْسَاكِ عن الْجِمَاعِ وَإِلَّا فَبِقَوْلِهِ أَثِمَ بِهِ وَقَوْلُنَا لِأَجْلِ الصَّوْمِ احْتِرَازًا من مُسَافِرٍ أو مَرِيضٍ زَنَى أو جَامَعَ حَلِيلَتَهُ بِغَيْرِ نِيَّةِ التَّرَخُّصِ فَلَا كَفَّارَةَ عليه فإنه أَثِمَ لِأَجْلِ الزِّنَا أو لِأَجْلِ الصَّوْمِ مع عَدَمِ نِيَّةِ التَّرَخُّصِ لَا لِأَجْلِ الصَّوْمِ وَلِأَنَّ الْإِفْطَارَ مُبَاحٌ فَيَصِيرُ شُبْهَةً في دَرْءِ الْكَفَّارَةِ وَحَذَفَ من أَصْلِهِ قَوْلَهُ بَعْدَ زِنًى مُتَرَخِّصًا لِإِيهَامِهِ أَنَّهُ إذَا لم يَنْوِ التَّرَخُّصَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلِلِّوَاطِ وَإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ حُكْمُ الْجِمَاعِ هُنَا فِيمَا ذُكِرَ من وُجُوبِ كَفَّارَةِ الصَّوْمِ بِالْإِفْسَادِ لِأَنَّ الْجَمِيعَ وَطْءٌ فَرْعٌ من رَأَى الْهِلَالَ أَيْ هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ صَامَ وُجُوبًا وَإِنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِخَبَرِ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ جَامَعَ في صَوْمِهِ بِذَلِكَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ هَتْكُ حُرْمَةِ يَوْمٍ من رَمَضَانَ عِنْدَهُ
____________________
(1/425)
بِإِفْسَادِ صَوْمِهِ بِالْجِمَاعِ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْأَيَّامِ وَمَتَى رَأَى شَوَّالًا أَيْ هِلَالَهُ وَحْدَهُ لَزِمَهُ الْفِطْرُ عَمَلًا بِمُقْتَضَى رُؤْيَتِهِ وَلِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ فَإِنْ شَهِدَ بِرُؤْيَتِهِ ثُمَّ أَفْطَرَ لم يُعَزَّرْ وَإِنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ حَالَ الشَّهَادَةِ وَإِلَّا بِأَنْ أَفْطَرَ ثُمَّ شَهِدَ بِرُؤْيَتِهِ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ لِتُهْمَةِ دَفْعِ التَّعْزِيرِ عنه وَعُزِّرَ لِإِفْطَارِهِ في رَمَضَانَ في الظَّاهِرِ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو مُشْكِلٌ لِأَنَّ صِدْقَهُ مُحْتَمَلٌ وَالْعُقُوبَةُ تُدْرَأُ بِدُونِ هذا وقد يَخْفَى هذا على كَثِيرٍ وَلِمَ لَا يُفَرَّقُ بين من يُعْلَمُ دِينَهُ وَأَمَانَتَهُ وَمَنْ يُعْلَمْ منه ضِدُّ ذلك وَحَقُّهُ إذَا أَفْطَرَ أَنْ يُخْفِيَهُ أَيْ الْإِفْطَارَ لِئَلَّا يُتَّهَمَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ على جِهَةِ النَّدْبِ فَرْعٌ مَتَى وفي نُسْخَةٍ من جَامَعَ جِمَاعًا مُفْسِدًا ثُمَّ سَافَرَ لم تَسْقُطْ عنه الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ فَيَتَحَقَّقُ هَتْكُ حُرْمَتِهِ وَلِأَنَّ طُرُوَّهُ لَا يُبِيحُ الْفِطْرَ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيمَا وَجَبَ من الْكَفَّارَةِ وَتَسْقُطُ إذَا جُنَّ أو مَاتَ يوم الْجِمَاعِ لِأَنَّهُ بَانَ بِطُرُوِّ ذلك أَنَّهُ لم يَكُنْ في صَوْمٍ لِمُنَافَاتِهِ له لَا إنْ مَرِضَ فيه فَلَا تَسْقُطُ لِلتَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ في طُرُوُّ السَّفَرِ وَلَوْ ذَكَرَهُ معه كان أَنْسَبَ وَمِثْلُهُمَا طُرُوُّ الرِّدَّةِ وَحُذِفَ من أَصْلِهِ ما لو طَرَأَ الْحَيْضُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَفْطَرَتْ بِالْجِمَاعِ لَا يَلْزَمُهَا الْكَفَّارَةُ إلَّا على وَجْهٍ مَرْجُوحٍ فَرْعٌ وَهِيَ أَيْ هذه الْكَفَّارَةُ مُرَتَّبَةٌ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَهِيَ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَإِنْ لم يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ وَلَوْ لِغِلْمَةٍ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا غير أَهْلِهِ لِخَبَرِ أبي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ وَالْكَلَامُ على صِفَةِ الْكَفَّارَةِ مُسْتَوْفًى في بَابِهَا وَمِنْهَا كَوْنُ الرَّقَبَةِ مُؤْمِنَةً وَإِنَّ كُلًّا من الْمَسَاكِينِ الشَّامِلِينَ لِلْفُقَرَاءِ يُعْطَى مُدًّا مِمَّا يَكُونُ فُطْرَةً وَالْغُلْمَةُ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ الْحَاجَةُ إلَى النِّكَاحِ وَوَجْهُ جَوَازِ عُدُولِهِ بها إلَى الْإِطْعَامِ أَنَّ حَرَارَةَ الصَّوْمِ مَعَهَا قد تَقْضِي بِهِ إلَى الْوَطْءِ وَلَوْ في يَوْمٍ وَاحِدٍ من الشَّهْرَيْنِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي اسْتِئْنَافَهُمَا وهو حَرَجٌ شَدِيدٌ وَوَرَدَ في خَبَرِ سَلَمَةَ بن صَخْرٍ الْمُظَاهِرِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا أَمَرَهُ بِالصَّوْمِ بَعْدَ وَطْئِهِ الْمُعَلَّقِ بِهِ ظِهَارَةٌ قال له سَلَمَةُ وَهَلْ أَتَيْت إلَّا من الصَّوْمِ وَالْحُكْمُ وَاحِدٌ في الْبَابَيْنِ وَعَبَّرَ في الْأَصْلِ وَالْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِمَا بِشِدَّةِ الْغُلْمَةِ فَلَوْ قال الْمُصَنِّفُ وَلَوْ لِشِدَّةِ غُلْمَةٍ لَوَافَقَ ذلك أَمَّا أَهْلُهُ فَلَا يَصْرِفُ الْمُكَفِّرُ من كَفَّارَتِهِ شيئا له وَلَوْ كان فَقِيرًا كَالزَّكَوَاتِ وَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْخَبَرِ أَطْعِمْهُ أَهْلَك فَفِي الْأُمِّ كما في الرَّافِعِيِّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمَّا أخبره بِفَقْرِهِ صَرَفَهُ له صَدَقَةً أو أَنَّهُ مَلَّكَهُ إيَّاهُ وَأَمَرَهُ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ فلما أخبره بِفَقْرِهِ أَذِنَ له في صَرْفِهَا لهم لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بَعْدَ الْكِفَايَةِ أو أَنَّهُ تَطَوَّعَ بِالتَّكْفِيرِ عنه وَسَوَّغَ له صَرْفَهَا لِأَهْلِهِ لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّ لِغَيْرِ الْمُكَفِّرِ التَّطَوُّعَ بِالتَّكْفِيرِ عنه بِإِذْنِهِ وَأَنَّ له صَرْفَهَا لِأَهْلِ الْمُكَفِّرِ عنه أَيْ وَلَهُ فَيَأْكُلُ هو وَهُمْ منها كما صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أبو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَالْقَاضِي نَقْلًا عن الْأَصْحَابِ وَحَاصِلُ الِاحْتِمَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَنَّهُ صَرَفَ له ذلك تَطَوُّعًا قال ابن دَقِيقِ الْعِيدِ وهو الْأَقْرَبُ وَيَجِبُ لِإِفْسَادِ الصَّوْمِ بِالْجِمَاعِ الْقَضَاءُ مع الْكَفَّارَةِ وَلَوْ بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ على الْمَعْذُورِ فَعَلَى غَيْرِهِ أَوْلَى وَلِلْأَمْرِ بِهِ في الْخَبَرِ السَّابِقِ في رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَيَجِبُ مَعَهَا التَّعْزِيرُ أَيْضًا كما يُعْلَمُ من مَحَلِّهِ وَنُقِلَ عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْبَغَوِيِّ وَابْنِ الصَّلَاحِ وَابْنِ عبد السَّلَامِ وإذا عَجَزَ عن جَمِيعِ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ ثَبَتَتْ في ذِمَّتِهِ وَكَذَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ وَالظِّهَارِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ الْأَعْرَابِيَّ بِأَنْ يُدَارَ مِمَّا دَفَعَهُ إلَيْهِ مع إخْبَارِهِ بِعَجْزِهِ فَدَلَّ على أنها ثَابِتَةٌ في الذِّمَّةِ حِينَئِذٍ وَلِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ الْمَالِيَّةَ إذَا عَجَزَ عنها الْعَبْدُ وَقْتَ وُجُوبِهَا فَإِنْ كانت لَا بِسَبَبٍ منه كَزَكَاةِ الْفِطْرِ لم تَسْتَقِرَّ في ذِمَّتِهِ وَإِنْ كانت بِسَبَبٍ منه اسْتَقَرَّتْ في ذِمَّتِهِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ على وَجْهِ الْبَدَلِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْحَلْقِ أَمْ لَا كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَالْيَمِينِ وَالْجِمَاعِ وَدَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ لَا يُقَالُ لو اسْتَقَرَّتْ في ذِمَّتِهِ لَأَمَرَ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمَوَاقِعَ بِإِخْرَاجِهَا بَعْدُ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ما دَفَعَهُ إلَيْهِ لم يَقَعْ كَفَّارَةً على ما مَرَّ وَلَوْ سَلَّمَ فَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ وهو وَقْتُ الْقُدْرَةِ وَمَتَى قَدَرَ على إحْدَى الْخِصَالِ فَعَلَهَا كما لو كان قَادِرًا عليها حَالَ الْوُجُوبِ وَكَلَامُ التَّنْبِيهِ يَقْتَضِي أَنَّ الثَّابِتَ في ذِمَّتِهِ هو الْخَصْلَةُ الْأَخِيرَةُ وَكَلَامُ الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إحْدَى الْخِصَالِ الثَّلَاثِ وَأَنَّهَا مُخْبِرَةٌ وَكَلَامُ الْجُمْهُورِ يَقْتَضِي أَنَّهُ الْكَفَّارَةُ وَأَنَّهَا مُرَتَّبَةٌ في الذِّمَّةِ وَبِهِ صَرَّحَ ابن دَقِيقِ الْعِيدِ وهو الْمُعْتَمَدُ ثُمَّ إنْ قَدَرَ على خَصْلَةٍ فَعَلَهَا أو أَكْثَرَ رَتَّبَ فَصْلٌ تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِثَلَاثَةِ طُرُقٍ الْأَوَّلُ بِالْبَدَلِيَّةِ عن الصَّوْمِ أَيْ بِفَوَاتِهِ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَأَصْلِهِ كان أَوْلَى فَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ قَضَاءً أو نَذْرًا أو كَفَّارَةً بَعْدَ التَّمَكُّنِ منه وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ في تَرِكَتِهِ سَوَاءٌ أَتَرَكَ الْأَدَاءَ بِعُذْرٍ أَمْ
____________________
(1/426)