بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ على أَشْرَفِ الْخَلْقِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وسلم
قال الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْحَبْرُ الْبَحْرُ الْفِهَامُ فَرِيدُ دَهْرِهِ وَوَحِيدُ عَصْرِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ مُحْيِي السُّنَّةِ في الْعَالَمِينَ مُفْتِي الْمُسْلِمِينَ زَيْنُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ أبو يحيى زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ الشَّافِعِيُّ فَسَّحَ اللَّهُ تَعَالَى في مُدَّتِهِ وَنَفَعَنَا وَالْمُسْلِمِينَ بِبَرَكَتِهِ وَبِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ إنَّهُ وَلِيُّ ذلك وَقَادِرٌ عليه بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي أَظْهَرَ لنا ثَمَرَ الرَّوْضِ من كِمَامِهِ وَأَسْبَغَ عَلَيْنَا بِفَضْلِهِ مَلَابِسَ إنْعَامِهِ وَبَصَّرَنَا من شَرْعِهِ بِحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمُؤَيَّدُ بِمُعْجِزَاتِهِ الْعِظَامِ صلى اللَّهُ وسلم عليه وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْغُرِّ الْكِرَامِ وَبَعْدُ فَهَذَا ما دَعَتْ إلَيْهِ حَاجَةُ الْمُتَفَهِّمِينَ لِلرَّوْضِ في الْفِقْهِ تَأْلِيفُ الْإِمَامِ الْعَلَّامَةِ شَرَفِ الدِّينِ إسْمَاعِيلَ بن الْمُقْرِي الْيَمَنِيِّ من شَرْحٍ يُحِلُّ أَلْفَاظَهُ وَيُبَيِّنُ مُرَادَهُ وَيُذَلِّلُ صِعَابَهُ وَيَكْشِفُ لِطُلَّابِهِ نِقَابَهُ مع فَوَائِدَ لَا بُدَّ منها وَدَقَائِقَ لَا يَسْتَغْنِي الْفَقِيهُ عنها على وَجْهٍ لَطِيفٍ وَمَنْهَجٍ حَنِيفٍ خَالٍ عن الْحَشْوِ وَالتَّطْوِيلِ حَاوٍ لِلدَّلِيلِ وَالتَّعْلِيلِ وَاَللَّهَ أَسْأَلُ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ وهو حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَسَمَّيْته أَسْنَى الْمَطَالِبِ في شَرْحِ رَوْضِ الطَّالِبِ قال رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ أَيْ أَبْتَدِئُ وَأَوْلَى منه أُؤَلِّفُ إذْ كُلُّ فَاعِلٍ يَبْدَأُ في فِعْلِهِ بِبَسْمِ اللَّهِ يُضْمِرُ ما جَعَلَ التَّسْمِيَةَ مَبْدَأً له كما أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا حَلَّ أو ارْتَحَلَ فقال بِسْمِ اللَّهِ كان الْمَعْنَى بِسْمِ اللَّهِ أَحِلُّ وَبِسْمِ اللَّهِ أَرْتَحِلُ وَالِاسْمُ مُشْتَقٌّ من السُّمُوِّ وهو الْعُلُوُّ وَقِيلَ من الْوَسْمِ وهو الْعَلَامَةُ وَإِنَّمَا حَذَفُوا أَلِفَه وَإِنْ كان وَضْعُ الْخَطِّ على حُكْمِ الِابْتِدَاءِ دُونَ الدَّرْجِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ مع أَنَّهُمْ طَوَّلُوا الْبَاءَ لِتَكُونَ كَالْعِوَضِ من الْأَلْفِ وَاَللَّهُ عَلَمٌ على الذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ الْمُسْتَحِقِّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ وَالرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ صِفَتَانِ مُشَبَّهَتَانِ بُنِيَتَا لِلْمُبَالَغَةِ من رَحِمَ كَغَضْبَانَ من غَضِبَ وَسَقِيمٍ من سَقِمَ وَالرَّحْمَةُ رِقَّةُ الْقَلْبِ وَهِيَ كَيْفِيَّةٌ نَفْسَانِيَّةٌ تَسْتَحِيلُ في حَقِّهِ تَعَالَى فَتُحْمَلُ على غَايَتِهَا وَهِيَ الْإِنْعَامُ وَبُنِيَتْ الصِّفَةُ الْمُشَبَّهَةُ من رَحِمَ مع أَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِجَعْلِهِ لَازِمًا وَنَقْلِهِ إلَى فَعُلَ
____________________
(1/2)
بِالضَّمِّ وَالرَّحْمَنُ أَبْلَغُ من الرَّحِيمِ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْبِنَاءِ تَدُلُّ على زِيَادَةِ الْمَعْنَى كما في قَطَعَ وَقَطَّعَ وَعَلَيْهِ نَقْضٌ ذَكَرْته مع جَوَابِهِ في شَرْحِ الْبَهْجَةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَدَأَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْبَسْمَلَةِ وَبِالْحَمْدَلَةِ اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَعَمَلًا بِخَبَرِ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فيه بِبَسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ فَهُوَ أَقْطَعُ وفي رِوَايَةٍ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَحَسَّنَهُ ابن الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ وَجَمَعَ بين الِابْتِدَاءَيْنِ عَمَلًا بِالرِّوَايَتَيْنِ وَإِشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا إذْ الِابْتِدَاءُ حَقِيقِيٌّ وَإِضَافِيٌّ فَبِالْبَسْمَلَةِ حَصَلَ الْحَقِيقِيُّ وَبِالْحَمْدَلَةِ حَصَلَ الْإِضَافِيُّ وَقَدَّمَ الْبَسْمَلَةَ عَمَلًا بِالْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْحَمْدُ لُغَةً هو الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ على الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ على جِهَةِ التَّبْجِيلِ سَوَاءٌ أَتَعَلَّقَ بِالْفَضَائِلِ أَمْ بِالْفَوَاضِلِ وَعُرْفًا فِعْلٌ يُنْبِئُ عن تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ لِكَوْنِهِ مُنْعِمًا على الْحَامِدِ أو غَيْرِهِ فَيَتَنَاوَلُ الْقَوْلَ وَالْفِعْلَ قال بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ من الصُّوفِيَّةِ وهو بِالْفِعْلِ أَقْوَى منه بِالْقَوْلِ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ التي هِيَ آثَارُ السَّخَاوَةِ مَثَلًا تَدُلُّ عليها دَلَالَةً عَقْلِيَّةً قَطْعِيَّةً لَا يُتَصَوَّرُ فيها تَخَلُّفٌ بِخِلَافِ الْأَقْوَالِ فإن دَلَالَتَهَا عليها وَضْعِيَّةً وقد يَتَخَلَّفُ عنها مَدْلُولُهَا وَمِنْ هذا الْقَبِيلِ حَمْدًا لِلَّهِ وَثَنَاؤُهُ على ذَاتِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى حين بَسَطَ بِسَاطَ الْوُجُودِ على مُمْكِنَاتٍ لَا تُحْصَى وَوَضَعَ عليه مَوَائِدَ كَرَمِهِ التي لَا تَتَنَاهَى فَقَدْ كَشَفَ سُبْحَانَهُ عن صِفَاتِ كَمَالِهِ وَأَظْهَرَهَا بِدَلَالَاتٍ قَطْعِيَّةٍ تَفْصِيلِيَّةٍ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةٍ فإن كُلَّ ذَرَّةٍ من ذَرَّاتِ الْوُجُودِ تَدُلُّ عليها وَلَا يُتَصَوَّرُ في الْعِبَارَاتِ مِثْلُ هذه الدَّلَالَاتِ وَمِنْ ثَمَّ قال عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سُبْحَانَك لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أنت كما أَثْنَيْت على نَفْسِك
وقد بَسَطْت الْكَلَامَ على الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَغَيْرِهِ الذي جَعَلَ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ أَيْ الْقُرْآنَ رَوْضَةً دَانِيَةً قُطُوفُهَا أَيْ قَرِيبَةً ثِمَارُهَا وَالْمُرَادُ فَوَائِدُهَا وَالرَّوْضَةُ تُقَالُ لِبُقْعَةٍ ذَاتِ أَشْجَارٍ كَثِيرَةِ الثِّمَارِ وَالْبَقْلِ وَالْعُشْبِ وقد اسْتَعَارَ لَفْظَهَا لِلْقُرْآنِ وَرَشَّحَ الِاسْتِعَارَةَ بِدَانِيَةٍ قُطُوفُهَا وَأَوْجَزَ أَيْ قَلَّلَ مَبَانِيَهُ وَكَثَّرَ مَعَانِيهِ فَأَعْجَزَ خَلْقَهُ عن إدْرَاكِ مَعَانِيهِ وَعَنْ إتْيَانِهِمْ بمثله وَجَمَعَ فيه عِلْمَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ في كَلِمٍ عِدَّتُهَا على ما رُوِيَ عن ابْنِ مَسْعُودٍ سَبْعٌ وَسَبْعُونَ أَلْفًا وَتِسْعُمِائَةٍ وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ مَعْدُودَةٌ حُرُوفُهَا وَهِيَ على ما رُوِيَ عن ابْنِ مَسْعُودٍ ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةُ آلَافٍ وَسَبْعُمِائَةٍ وَأَرْبَعُونَ وَفِيهَا وفي الْكَلِمِ أَقْوَالٌ أُخَرُ أَحْمَدُهُ حَمْدَ من رَتَعَ في رَوْضِ مَوَاهِبِهِ جَمْعُ مَوْهِبَةٍ بِالْكَسْرِ وَبِالْفَتْحِ الْعَطِيَّةُ وَبِالْفَتْحِ نَقْرَةٌ في الْجَبَلِ يُسْتَنْقَعُ فيها الْمَاءُ وَرَوْضٌ جَمْعُ رَوْضَةٍ ذَكَرَ ذلك الْجَوْهَرِيُّ
وقد اسْتَعَارَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَ الرُّتُوعِ وهو التَّنَعُّمُ بِالْأَكْلِ لِلتَّنَعُّمِ بِالْمَعَانِي ثُمَّ رَشَّحَ الِاسْتِعَارَةَ بِالرَّوْضِ وحمد من تَعَاوَرَتْ أَيْ تَدَاوَلَتْ رَبَوَاتُ أَيْ مُرْتَفَعَاتُ أَرْضِهِ هو أَطَلُّ سَحَائِبِهِ فَاعِلُ تَعَاوَرَتْ أَيْ سَحَائِبُهُ الْهَوَاطِلُ أَيْ كَثِيرَةَ الْمَطَرِ وَالسَّحَائِبُ جَمْعُ سَحَابَةٍ وَهِيَ الْغَيْمُ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَالْمُرَادُ من تَوَالَتْ عليه نِعَمُ اللَّهِ تَعَالَى فَالضَّمِيرُ في أَرْضِهِ لِلْحَامِدِ وفي سَحَائِبِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وقد ذَكَرَ الْحَمْدَ مَرَّتَيْنِ لِيَجْمَعَ بين نَوْعَيْهِ الْوَاقِعِ في مُقَابَلَةِ صِفَاتِ اللَّهِ الْعِظَامِ وَالْوَاقِعِ في مُقَابَلَةِ نِعَمِهِ الْجِسَامِ التي من جُمْلَتِهَا التَّوْفِيقُ لِتَأْلِيفِ هذا الْكِتَابِ وَلَمَّا كانت صِفَاتُهُ تَعَالَى قَدِيمَةً مُسْتَمِرَّةً وَالنِّعَمُ مُتَجَدِّدَةٌ مُتَعَاقِبَةٌ ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الدَّالَّةِ على الثُّبُوتِ وَالِاسْتِمْرَارِ وَالثَّانِي بِالْفِعْلِيَّةِ الدَّالَّةِ على التَّجَدُّدِ وَالتَّعَاقُبِ وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ على رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ الذي أَرْسَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالصَّلَاةُ من اللَّهِ رَحْمَةٌ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ وَمِنْ الْآدَمِيِّ تَضَرُّعٌ وَدُعَاءٌ وَالرَّسُولُ إنْسَانٌ أُوحِيَ إلَيْهِ بِشَرْعٍ وَأُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ وَالنَّبِيُّ إنْسَانٌ أُوحِيَ
____________________
(1/3)
إلَيْهِ بِشَرْعٍ وَإِنْ لم يُؤْمَرْ بِتَبْلِيغِهِ فَهُوَ أَعَمُّ مُطْلَقًا من الرَّسُولِ وقد بَسَطْت الْكَلَامَ على ذلك في غَيْرِ هذا الْكِتَابِ وَسُمِّيَ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُحَمَّدًا لِكَثْرَةِ خِصَالِهِ الْحَمِيدَةِ فَشَرَعَ الشَّرَائِعَ أَيْ سَنَّهَا وَفَقِهَ أَيْ فَهِمَ في الدِّينِ أَيْ الشَّرِيعَةِ صلى اللَّهُ وسلم عليه وَعَلَى آلِهِ وَهُمْ مُؤْمِنُو بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ كما سَيَأْتِي في الزَّكَاةِ وَصَحْبِهِ وَهُمْ من لَقُوا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مُؤْمِنِينَ أَجْمَعِينَ تَأْكِيدٌ لِآلِهِ وَصَحْبِهِ وَقَرَنَ الثَّنَاءَ عليه تَعَالَى بِالصَّلَاةِ على من ذُكِرَ أَمَّا على مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى وَرَفَعْنَا لَك ذِكْرَك أَيْ لَا أُذْكَرُ إلَّا وَتُذْكَرُ مَعِي كما في صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ
وَأَمَّا على آلِهِ وَصَحْبِهِ فَتَبَعًا له لِخَبَرِ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَيَصْدُقُ على الصَّحْبِ في قَوْلٍ وَلِأَنَّهَا إذَا طُلِبَتْ على الْآلِ غَيْرِ الصَّحْبِ فَعَلَى الصَّحْبِ أَوْلَى وهو اسْمُ جَمْعٍ لِصَاحِبٍ وَقِيلَ جَمْعٌ له وَكَرَّرَ الصَّلَاةَ عليه صلى اللَّهُ عليه وسلم إظْهَارًا لِعَظَمَتِهِ وَجَمْعًا بين إسْنَادِهَا إلَى نَفْسِهِ وَإِسْنَادِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَا بَيَّنَ الْجُمْلَةَ الْمُضَارِعِيَّةَ وَالْمَاضَوِيَّةَ وَلَوْ ذَكَرَ مَعَهَا السَّلَامَ كان أَوْلَى لِيَخْرُجَ من كَرَاهَةِ إفْرَادِ أَحَدِهِمَا عن الْآخَرِ وَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ لَفْظًا أَمَّا بَعْدُ وفي نُسْخَةٍ وَبَعْدُ أَيْ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ فَهَذَا الْمُؤَلِّفُ الْحَاضِرُ ذِهْنًا إنْ أَلَّفَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ أو خَارِجًا أَيْضًا إنْ أَلَّفَ قَبْلَهَا كِتَابٌ اخْتَصَرْت فيه ما في الرَّوْضَةِ لِلْإِمَامِ النَّوَوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمُخْتَصَرَةُ من الْعَزِيزِ شَرْحِ الْوَجِيزِ لِلْإِمَامِ الرَّافِعِيِّ وَقَرَّبْته أَيْ أَدْنَيْته على الطَّالِبِ لِلْعِلْمِ بِعِبَارَةٍ بَيِّنَةٍ وَلَفْظٍ وَجِيزٍ أَيْ مُخْتَصَرٍ وَحَذَفْت منه الْخِلَافَ الذي فيه تَصْحِيحٌ وَقَطَعْت بِالْأَصَحِّ غَالِبًا وَاخْتَصَرْت اسْمَهُ أَيْ الْكِتَابَ من اسْمِ أَصْلِهِ وهو رَوْضَةُ الطَّالِبِينَ فَسَمَّيْته رَوْضَ الطَّالِبِ وَأَرْجُو من الرَّجَاءِ بِالْمَدِّ وهو الْأَمَلُ يُقَالُ رَجَوْت فُلَانًا رُجُوًّا وَرَجَاءً وَرَجَاوَةً وَتَرَجَّيْته وَارْتَجَيْته وَرُجِيته كُلُّهُ بِمَعْنَى رَجَوْته قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ أَيْ أُؤَمِّلُ أَنْ يَنْفَعَ اللَّهُ بِهِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ يَجْعَلَهُ لي وَسِيلَةً أَيْ سَبَبًا أَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى النَّجَاةِ من كل هَوْلٍ يوم الدِّينِ أَيْ الْجَزَاءِ وهو يَوْمُ الْقِيَامَةِ آمِينَ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى اسْتَجِبْ وَسَيَأْتِي بَيَانُ لُغَاتِهِ في صِفَةِ الصَّلَاةِ كِتَابُ الطَّهَارَةِ هو لُغَةً الضَّمُّ وَالْجَمْعُ يُقَالُ كَتَبَ كُتُبًا وَكِتَابَةً وَكِتَابًا وَمِثْلُهُ الْكُثُبُ بِالْمُثَلَّثَةِ وَمِنْهُ كَثِيبُ الرَّمَلِ لَكِنَّهُ يَنْظُرُهُ إلَى الِانْصِبَابِ وَاصْطِلَاحًا اسْمٌ لِضَمٍّ مَخْصُوصٍ أو لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ من الْعِلْمِ مُشْتَمِلَةٍ على أَبْوَابٍ وَفُصُولٍ غَالِبًا فَهُوَ إمَّا مَصْدَرٌ لَكِنْ لِضَمٍّ مَخْصُوصٍ أو اسْمِ مَفْعُولٍ بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ أو اسْمُ فَاعِلٍ بِمَعْنَى الْجَامِعِ لِلطَّهَارَةِ وَهِيَ مَصْدَرُ طَهَرَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَضَمِّهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ يَطْهُرُ بِضَمِّهَا فِيهِمَا وَهِيَ لُغَةً النَّظَافَةُ وَالْخُلُوصُ من الْأَدْنَاسِ حِسِّيَّةً كَالْأَنْجَاسِ أو مَعْنَوِيَّةً كَالْعُيُوبِ يُقَالُ تَطَهَّرْت بِالْمَاءِ وَهُمْ قَوْمٌ يَتَطَهَّرُونَ أَيْ يَتَنَزَّهُونَ عن الْعَيْبِ كما قال تَعَالَى إنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ وَشَرْعًا رَفْعُ حَدَثٍ أو إزَالَةُ نَجَسٍ أو ما في مَعْنَاهُمَا وَعَلَى صُورَتِهِمَا كَالتَّيَمُّمِ وَالْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ وَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وما اعْتَرَضَ بِهِ على ذلك ذَكَرْته مع جَوَابِهِ وَفَوَائِدُ أُخَرُ في شَرْحِ الْبَهْجَةِ
____________________
(1/4)
قال اللَّهُ تَعَالَى وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ من السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ عَدَلَ إلَيْهِ عن قَوْلِ الْأَصْلِ قال اللَّهُ تَعَالَى وَأَنْزَلْنَا من السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا لِمَا قِيلَ أَنَّهُ أَصْرَحُ منه دَلَالَةً الْمُطَهِّرُ لِلْحَدَثِ وهو هُنَا أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ يَقُومُ بِالْأَعْضَاءِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ وَالْخَبَثُ وهو مُسْتَقْذَرٌ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ أَيْ لَا غَيْرَهُ من تُرَابِ تَيَمُّمٍ وَحَجَرِ اسْتِنْجَاءٍ وَأَدْوِيَةِ دِبَاغٍ وَشَمْسٍ وَرِيحٍ وَنَارٍ وَغَيْرِهَا حتى التُّرَابَ في غَسَلَاتِ الْكَلْبِ فإن الْمُزِيلَ هو الْمَاءُ بِشَرْطِ امْتِزَاجِهِ بِالتُّرَابِ في غَسْلِهِ منها كما سَيَأْتِي في بَابِهِ فَالْجُمْلَةُ مُفِيدَةٌ لِلْحَصْرِ بِتَعْرِيفِ طَرَفَيْهَا وَدَلِيلُ ذلك قَوْله تَعَالَى فلم تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا وَقَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم في خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ حين بَالَ الْأَعْرَابِيُّ في الْمَسْجِدِ صُبُّوا عليه ذَنُوبًا من مَاءٍ وَالذَّنُوبُ الدَّلْوُ الْمُمْتَلِئَةُ مَاءً
وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَلَوْ رَفَعَ غير الْمَاءِ لم يَجِبْ التَّيَمُّمُ عِنْدَ فَقْدِهِ وَلَا غَسْلُ الْبَوْلِ بِهِ وَلَا يُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ لِأَنَّ اخْتِصَاصَ الطُّهْرِ بِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ تَعَبُّدٌ وَعِنْدَ غَيْرِهِ لِمَا فيه من الرِّقَّةِ وَاللَّطَافَةِ التي لَا تُوجَدُ في غَيْرِهِ وَحَذَفَ من كَلَامِ الْأَصْلِ من الْمَائِعَاتِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَإِنْ قُلْت بَلْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِخْرَاجِ التُّرَابِ فإنه مُطَهِّرٌ وَلَيْسَ بِمَاءٍ قُلْت مُسَلَّمٌ أَنَّهُ مُطَهِّرٌ لَكِنَّهُ مُطَهِّرٌ لِلْحَدَثِ لَا لِلْخَبَثِ وَالْكَلَامُ في الْمُطَهِّرِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مع أَنَّ كَلَامَنَا في الرَّافِعِ لَا في الْمُبِيحِ فَقَطْ وَلِهَذَا عَبَّرَ الْمُحَرَّرُ بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ رَفْعُ حَدَثٍ وَلَا إزَالَةُ نَجِسٍ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَالْمِنْهَاجُ بِقَوْلِهِ يُشْتَرَطُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ مَاءٌ مُطْلَقٌ وَإِنَّمَا اقْتَصَرُوا على رَفْعِهِمَا لِأَنَّهُمَا الْأَصْلُ وَإِلَّا فَالطَّهَارَةُ الْمَسْنُونَةُ مَثَلًا كَالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وهو الْعَارِي عن إضَافَةٍ لَازِمَةٍ أَيْ قَيْدٍ لَازِمٍ فَخَرَجَ الْمُقَيَّدُ بِذَلِكَ سَوَاءٌ أَقَيَّدَ بِإِضَافَةٍ نَحْوِيَّةٍ كَمَاءِ الْوَرْدِ أَمْ بِصِفَةٍ كَمَاءٍ دَافِقٍ أَيْ مَنِيٍّ أَمْ فَاللَّامُ عَهْدٍ كَقَوْلِهِ في الحديث نعم إذَا رَأَتْ الْمَاءَ أَيْ الْمَنِيَّ وَأَوْرَدَ على التَّعْرِيفِ الْمُتَغَيِّرِ كَثِيرًا بِمَا لَا يُؤَثِّرُ كَطِينٍ وَطُحْلُبٍ فإنه مُطْلَقٌ مع أَنَّهُ لم يُقِرَّ عَمَّا ذُكِرَ وَأُجِيبَ بِمَنْعٍ أَنَّهُ مُطْلَقٌ
وَإِنَّمَا أَعْطَى حُكْمَهُ في جَوَازِ التَّطْهِيرِ بِهِ لِلضَّرُورَةِ فَهُوَ مُسْتَثْنًى من غَيْرِ الْمُطْلَقِ على أَنَّ الرَّافِعِيَّ قال أَهْلُ اللِّسَانِ وَالْعُرْفِ لَا يَمْتَنِعُونَ من إيقَاعِ اسْمِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ عليه فَعَلَيْهِ لَا إيرَادَ أَصْلًا وَلَوْ كان الْعَارِي عَمَّا ذُكِرَ مَاءً يَنْعَقِدُ بِجَوْهَرِهِ أو بِغَيْرِهِ الْمَفْهُومِ بِالْأَوْلَى كَسَبُوخَةِ الْأَرْضِ مِلْحًا لِأَنَّ اسْمَ الْمَاءِ يَتَنَاوَلُهُ في الْحَالِ وَإِنْ تَغَيَّرَ بَعْدُ أو كان بُخَارُهُ أَيْ رَشْحُ بُخَارِ الْمَاءِ الْمَغْلِيِّ لِأَنَّهُ مَاءٌ حَقِيقَةً وَيَنْقُصُ منه بِقَدْرِهِ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ تَلْوِيحًا في الرَّوْضَةِ وَصَرِيحًا في غَيْرِهَا وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عن الرُّويَانِيِّ ثُمَّ قال وَنَازَعَ فيه عَامَّةُ الْأَصْحَابِ وَقَالُوا يُسَمَّى بُخَارًا أو رَشْحًا لَا مَاءً على الْإِطْلَاقِ لَا قَلِيلُ بِالرَّفْعِ عَطْفًا على الْمُطْلَقِ أو الْعَارِي أَيْ لَا مَاءٍ قَلِيلٌ مُسْتَعْمَلٌ في فَرْضٍ من رَفْعِ حَدَثٍ أو خَبَثٍ فَلَا يُطَهِّرُ شيئا لِانْتِقَالِ الْمَنْعِ إلَيْهِ وَلِأَنَّ السَّلَفَ لم يَجْمَعُوهُ في أَسْفَارِهِمْ لِاسْتِعْمَالِهِ ثَانِيًا مع احْتِيَاجِهِمْ إلَيْهِ وَعَدَمِ اسْتِقْذَارِهِ في الطَّهَارَةِ بَلْ عَدَلُوا إلَى التَّيَمُّمِ فَإِنْ قُلْت طَهُورٌ في الْآيَةِ السَّابِقَةِ بِوَزْنِ فَعُولٌ فَيَقْتَضِي تَكَرُّرِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ قُلْت فَعُولٌ يَأْتِي اسْمًا لِلْآلَةِ كَسَحُورٍ لِمَا يُتَسَحَّرُ بِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ طَهُورًا كَذَلِكَ وَلَوْ سَلَّمَ اقْتِضَاؤُهُ التَّكَرُّرَ فَالْمُرَادُ جَمْعًا بين الْأَدِلَّةِ ثُبُوتُ ذلك لِجِنْسِ الْمَاءِ وفي الْمَحَلِّ الذي يَمُرُّ عليه فإنه يُطَهِّرُ كُلَّ جُزْءٍ منه
وَالْمُرَادُ بِالْفَرْضِ ما لَا بُدَّ منه أَثِمَ بِتَرْكِهِ أَمْ لَا كما أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ من حَنَفِيٍّ بِلَا نِيَّةٍ وَصَبِيٍّ إذْ لَا بُدَّ لِصِحَّةِ صَلَاتِهِمَا من الْوُضُوءِ وَالْأَوَّلُ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ دُونَ الثَّانِي وَلَا أَثَرَ لِاعْتِقَادِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مَاءَ الْحَنَفِيِّ فِيمَا ذُكِرَ لم يَرْفَعْ حَدَثًا بِخِلَافِ اقْتِدَائِهِ بِحَنَفِيٍّ مَسَّ فَرْجَهُ حَيْثُ لَا يَصِحُّ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِهِ لِأَنَّ الرَّابِطَةَ مُعْتَبَرَةٌ في الِاقْتِدَاءِ دُونَ الطَّهَارَاتِ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ بِالِاسْتِعْمَالِ قد يُوجَدُ من غَيْرِ نِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ كما في إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَغُسْلِ الْمَجْنُونَةِ وَالْمُمْتَنِعَةِ من الْغُسْلِ بِخِلَافِ الِاقْتِدَاءِ لَا بُدَّ فيه من نِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ وَنِيَّةُ الْإِمَامِ فِيمَا ذُكِرَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ في ظَنِّ الْمَأْمُومِ ثُمَّ الْمُسْتَعْمَلُ ليس بِمُطْلَقٍ على ما صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ في تَحْقِيقِهِ وَغَيْرِهِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَالرَّوْضَةِ وَمُطْلَقٌ على ما جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وقال النَّوَوِيُّ في شَرْحِ التَّنْبِيهِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَ
____________________
(1/5)
الْأَكْثَرِينَ لَكِنْ مُنِعَ من اسْتِعْمَالِهِ تَعَبُّدًا فَهُوَ على هذا مُسْتَثْنًى من الْمُطْلَقِ كما اُسْتُثْنِيَ منه الْقَلِيلُ الْمُتَنَجِّسُ بِوُصُولِ نَجَسٍ
وَغَسْلٍ بِالْجَرِّ عَطْفًا على حَنَفِيٍّ أَيْ وَلَوْ كان الْمُسْتَعْمَلُ من طَهَارَةِ حَنَفِيٍّ بِلَا نِيَّةٍ وَمِنْ غَسْلٍ بَدَلَ مَسْحٍ كما لو اسْتَعْمَلَ في طَهَارَتِهِ أَكْثَرَ من قَدْرِ حَاجَتِهِ وَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِمَا جَزَمَ بِهِ الْبَارِزِيُّ من غَسْلِ الْخُفِّ وَالْجَبِيرَةِ بَدَلَ مَسْحِهِمَا فَهُوَ أَعَمُّ من قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَلَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بَدَلَ مَسْحِهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ أو غُسْلِ مَيِّتٍ من زِيَادَتِهِ عِطْفه بَاءَ وَتَنْبِيهًا على أَنَّهُ نَوْعٌ آخَرُ لِأَنَّ وُجُوبَهُ ليس لِلْحَدَثِ بَلْ لِلْمَوْتِ بِخِلَافِ ما قَبْلَهُ وما بَعْدَهُ وغسل كَافِرَةٍ بِقَصْدِ حِلِّهَا لِمُسْلِمٍ زَوْجٍ أو سَيِّدٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهَا تَمْكِينُهُ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِغُسْلِهَا فَيَجِبُ وَلَوْ عَبَّرَ كَالرَّوْضَةِ بِالْكِتَابِيَّةِ كان أَوْلَى لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ ما سِوَاهَا من الْكَافِرَاتِ حَرَامٌ وَكَالْمُسْلِمِ الْكَافِرِ فِيمَا يَظْهَرُ بِنَاءً على أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِالْفُرُوعِ وَهِيَ مُكَلَّفَةٌ بِالْغُسْلِ له كَالْمُسْلِمَةِ ثُمَّ تَرَجَّحَ عِنْدِي خِلَافَ ذلك عَمَلًا بِتَقْيِيدِهِمْ الْحُكْمَ بِالْمُسْلِمِ لِأَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِهَذِهِ النِّيَّةِ إنَّمَا هو لِلتَّخْفِيفِ عليه وَالْكَافِرُ لَا يَسْتَحِقُّهُ لِقُدْرَتِهِ على الِاكْتِفَاءِ بها بِأَنْ يُسْلِمَ وغسل مَجْنُونَةٍ بِأَنْ غُسِلَتْ بِقَصْدِ حِلِّهَا لِزَوْجٍ أو سَيِّدٍ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ
وَلَوْ قال كما في التي قَبِلَهَا الْمُسْلِمُ كان أَنْسَبَ لَا مُسْتَعْمَلَ في نَفْلٍ فإنه طَهُورٌ لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ في فَرْضٍ وَلَك أَنْ تَقُولَ شَرْطُ الْعَطْفِ بِلَا أَنْ يُسْبَقَ بِإِيجَابٍ أو أَمْرٍ أو نِدَاءٍ وهو مُنْتَفٍ هُنَا ولا في تَجْدِيدٍ هذا دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ فَلَوْ قال كَتَجْدِيدٍ كان أَوْلَى
فَإِنْ جَمَعَ الْمُسْتَعْمَلَ فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ صَارَ طَهُورًا لِخَبَرِهِمَا الْآتِي وَكَمَا لو جَمَعَ الْمُتَنَجِّسَ فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ ولم يَتَغَيَّرْ بَلْ أَوْلَى وَطَهُورٌ بِفَتْحِ الطَّاءِ ما يُتَطَهَّرُ بِهِ وهو الْمُرَادُ هُنَا وَبِضَمِّهَا الْفِعْلُ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا فِيهِمَا وَقِيلَ بِضَمِّهَا فِيهِمَا
وَلَوْ نَوَى وفي نُسْخَةٍ وَإِنْ نَوَى جُنُبٌ رَفْعَ حَدَثِهِ الْأَكْبَرِ وَلَوْ قبل تَمَامُ الِانْغِمَاسِ في مَاءٍ قَلِيلٍ أَجْزَأَهُ الْغُسْلُ بِهِ في ذلك الْحَدَثِ لَا في غَيْرِهِ فَلَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ مَثَلًا من الْجَنَابَةِ ثُمَّ تَمَّمَ الِانْغِمَاسَ لَزِمَهُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ لِلْوُضُوءِ بِالنِّيَّةِ بِمَاءٍ آخَرَ وَلَا يُجْزِئُهُ ما انْغَمَسَ فيه وَهَذَا ما بَحَثَهُ الْأَصْلُ وَإِنْ لم يُصَرِّحْ بِهَذِهِ الصُّورَةِ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ أَيْضًا وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَئِمَّةِ كما قال الْأَصْلُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وهو الْمُعْتَمَدُ فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْخُوَارِزْمِيّ
وَأَمَّا الْبَحْثُ فَجَوَابُهُ ما ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ الْوَسِيطِ عن الْأَصْحَابِ أَنَّ صُورَةَ الِاسْتِعْمَالِ بَاقِيَةٌ إلَى الِانْفِصَالِ وَالْمَاءُ في حَالِ اسْتِعْمَالِهِ على طَهُورِيَّتِهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لو كان بِهِ خَبَثٌ بِمَحِلَّيْنِ فَمَرَّ الْمَاءُ بِأَعْلَاهُمَا ثُمَّ بِأَسْفَلِهِمَا طَهُرَا مَعًا كما قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَإِنْ نَوَى جُنُبَانِ مَعًا بَعْدَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ فيه أَيْ في الْمَاءِ الْقَلِيلِ طَهُرَا أو نَوَيَا مُرَتَّبًا وَلَوْ قبل تَمَامِ الِانْغِمَاسِ فَالْأَوَّلُ طَهُرَ دُونَ الثَّانِي لِأَنَّ الْمَاءَ صَارَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ مُسْتَعْمَلًا أو نَوَيَا مَعًا في أَثْنَائِهِ أَيْ الِانْغِمَاسِ لم يَرْتَفِعْ حَدَثُهُمَا عن بَاقِيهِمَا لِأَنَّ مَاءَ كُلٍّ مِنْهُمَا صَارَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ مُسْتَعْمَلًا وَلَوْ شَكَّا في الْمَعِيَّةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا يَطْهُرَانِ لِأَنَّا لَا نَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ بِالشَّكِّ وَسَلْبُهَا في حَقِّ أَحَدِهِمَا فَقَطْ تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ
والماء الْمُتَرَدِّدُ على عُضْوِ الْمُتَوَضِّئِ وعلى الْمُتَنَجِّسِ وَبَدَنِ الْجُنُبِ إنْ لم يَتَغَيَّرْ طَهُورٌ لِلْحَاجَةِ إلَى تَطْهِيرِ الْبَاقِي وَعَسُرَ إفْرَادُ كل جُزْءٍ بِمَاءٍ جَدِيدٍ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ إنْ لم يَتَغَيَّرْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فإنه يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي مع أَنَّهُ في بَعْضِ النُّسَخِ مُقَدَّمٌ على قَوْلِهِ وَبَدَنُ الْجُنُبِ فَإِنْ جَرَى الْمَاءُ من عُضْوِ الْمُتَوَضِّئِ إلَى عُضْوِهِ الْآخَرِ وَإِنْ لم يَكُنْ من أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَأَنْ جَاوَزَ مَنْكِبَهُ أو تَقَاطَرَ من عُضْوٍ وَلَوْ من عُضْوِ بَدَنِ الْجُنُبِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا لِانْفِصَالِهِ عن الْعُضْوِ سَوَاءٌ أَتَقَاطَرَ على عُضْوٍ آخَرَ أَمْ لَا وَالتَّرْجِيحُ في مَسْأَلَةِ الْجُنُبِ مع
____________________
(1/6)
التَّصْرِيحِ بِحُكْمِ التَّقَاطُرِ في غَيْرِهِ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ في التَّحْقِيقِ
وَلَوْ غَرَفَ بِكَفِّهِ جُنُبٌ نَوَى رَفْعَ الْجَنَابَةِ أو مُحْدِثٌ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ أَيْ الْغَسْلَةِ الْأُولَى كما قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ لِصِحَّةِ غَسْلِ الْيَدِ حِينَئِذٍ أو الْغَسَلَاتِ الثَّلَاثِ كما قَالَهُ الْعِزُّ بن عبد السَّلَامِ عَمَلًا بِالْعَادَةِ من أَنَّ الْيَدَ تَدْخُلُ في الْإِنَاءِ لِلِاغْتِرَافِ دُونَ تَطْهِيرِهَا في نَفْسِهَا وهو الْأَوْجَهُ من مَاءٍ قَلِيلٍ ولم يَنْوِ الِاغْتِرَافَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا بِخِلَافِ ما إذَا نَوَاهُ فَلَوْ غَسَلَ بِمَا في كَفِّهِ قبل انْفِصَالِهِ كما صَرَّحَ بِهِ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ بَاقِيَ يَدِهِ لَا غَيْرِهَا أَجْزَأَهُ التَّصْرِيحُ بهذا وَبِقَوْلِهِ قَلِيلٌ من زِيَادَتِهِ
وَقَوْلُ الْجُوَيْنِيِّ في تَبْصِرَتِهِ إذَا نَوَى بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ وَالْمَاءُ بِكَفِّهِ ثُمَّ غَسَلَ بِهِ سَاعِدَهُ ارْتَفَعَ حَدَثُ كَفِّهِ دُونَ حَدَثِ سَاعِدِهِ مَحْمُولٌ على ما إذَا انْفَصَلَ الْمَاءُ عنها وَالْأَخْذُ بهذا التَّفْصِيلِ أَوْجَهُ من الْأَخْذِ بِإِطْلَاقِ التَّبْصِرَةِ وَإِنْ جَرَى عليه الْإِسْنَوِيُّ حَيْثُ قال بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَهَا وقد اسْتَفَدْنَا منه أَنَّ انْفِصَالَ الْعُضْوِ مع الْمَاءِ يَقْتَضِي الْحُكْمَ على الْمَاءِ بِالِاسْتِعْمَالِ وَإِنْ كان الْمَاءُ مُتَّصِلًا بِالْعُضْوِ فَتَفَطَّنَ لِهَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّهَا مُقَيَّدَةٌ لِإِطْلَاقِهِمْ انْتَهَى وقد يُؤَيِّدُ التَّفْصِيلُ قَوْلَ الْمَجْمُوعِ فِيمَا لو نَزَلَ الْجُنُبُ في الْمَاءِ وَنَوَى رَفْعَ الْجَنَابَةِ قبل تَمَامِ الِانْغِمَاسِ أَمَّا لو اغْتَرَفَ الْمَاءَ بِإِنَاءٍ أو يَدِهِ وَصَبَّهُ على رَأْسِهِ أو غَيْرِهِ فَلَا تَرْتَفِعُ جَنَابَةُ ذلك الْقَدْرِ الذي اغْتَرَفَ له بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا وهو أَوْضَحُ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ انْتَهَى فَصْلٌ الْمَاءُ الْمُتَغَيِّرُ طَعْمًا أو لَوْنًا أو رِيحًا بِمُخَالَطَةِ طَاهِرٍ يُسْتَغْنَى الْمَاءُ عنه كَالْمَنِيِّ وَالزَّعْفَرَانِ تَغَيُّرًا يَمْنَعُهُ الْإِطْلَاقَ أَيْ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ عليه غَيْرُ طَهُورٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطْلَقٍ ولهذا لَا يَحْنَثُ بِشُرْبِهِ الْحَالِفُ على أَنْ لَا يَشْرَبَ مَاءً فَلَوْ لم يُغَيِّرْهُ الطَّاهِرُ الْمَذْكُورُ لِمُوَافَقَتِهِ الْمَاءَ في صِفَاتِهِ كَمَاءِ الْوَرْدِ الْمُنْقَطِعِ الرَّائِحَةِ فَرَضْنَاهُ مُخَالِفًا له فيها لِأَنَّهُ لِمُوَافَقَتِهِ لَا يُغَيَّرُ فَاعْتُبِرَ بِغَيْرِهِ كَالْحُكُومَةِ وَسَطًا في الصِّفَاتِ كَلَوْنِ الْعَصِيرِ وَطَعْمِ الرُّمَّانِ وَرِيحِ الْأُذُن فَلَا يُقَدَّرُ بِالْأَشَدِّ كَلَوْنِ الْحِبْرِ وَطَعْمِ الْخَلِّ وَرِيحِ الْمِسْكِ بِخِلَافِ الْخَبَثِ كما يَأْتِي لَفْظُهُ فَلَوْ لم يُؤَثِّرْ فيه الْخَلِيطُ حِسًّا أو فَرْضًا اسْتَعْمَلَهُ كُلَّهُ وَمِثْلُهُ ما لو اسْتَهْلَكَتْ النَّجَاسَةُ الْمَائِعَةُ في الْمَاءِ الْكَثِيرَ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وإذا لم يَكْفِهِ الْمَاءُ وَحْدَهُ وَلَوْ كَمَّلَهُ بِمَائِعٍ يَسْتَهْلِكُ فيه لَكَفَاهُ وَجَبَ تَكْمِيلُ الْمَاءِ بِهِ إنْ سَاوَى قِيمَتُهُ قِيمَةَ مَاءٍ مثله أو نَقَصَتْ عنها كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَلَوْ قال إنْ لم تَزِدْ قِيمَتُهُ على قِيمَةِ مَاءٍ مِثْلِهِ لَشَمِلَهُ مَنْطُوقًا كما شَمِلَهُ كَذَلِكَ تَعْبِيرُ أَصْلِهِ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ تَزِيدَ قِيمَةُ الْمَائِعِ على ثَمَنِ مَاءِ الطَّهَارَةِ وَتَعْبِيرُهُ بِقِيمَةِ مَاءٍ مِثْلُهُ أَيْ وهو ما عَجَزَ عنه أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِثَمَنِ مَاءِ الطَّهَارَةِ وَيُفْرَضُ في النَّجَاسَةِ الْمُوَافِقَةِ لِلْمَاءِ في الصِّفَاتِ الْأَشَدِّ فيها لِمَا مَرَّ والماء الْمُسْتَعْمَلِ كَمَائِعٍ في أَنَّهُ يُفْرَضُ مُخَالِفًا لِلْمَاءِ في صِفَاتِهِ وَسَطًا لَا في تَكْثِيرِ الْمَاءِ فَلَوْ ضَمَّهُ إلَى مَاءٍ قَلِيلٍ فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ صَارَ طَهُورًا وَإِنْ أَثَّرَ في الْمَاءِ بِفَرْضِهِ مُخَالِفًا وَهَذَا من زِيَادَتِهِ مع أَنَّهُ عُلِمَ من قَوْلِهِ كَأَصْلِهِ فِيمَا مَرَّ فَإِنْ جَمَعَ قُلَّتَيْنِ صَارَ طَهُورًا وَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرٌ يَسِيرٌ بِطَاهِرٍ وَلَوْ مُخَالِطًا لِتَعَذُّرِ صَوْنِ الْمَاءِ عنه وَلِبَقَاءِ إطْلَاقِ الِاسْمِ وَكَذَا لو شَكَّ في أَنَّهُ تَغَيَّرَ بِهِ يَسِيرًا أو كَثِيرًا نعم لو تَغَيَّرَ كَثِيرًا ثُمَّ زَالَ بَعْضُهُ بِنَفْسِهِ أو بِمَاءٍ مُطْلَقٍ ثُمَّ شَكَّ في أَنَّ التَّغَيُّرَ الْآنَ يَسِيرٌ أو كَثِيرٌ لم يَطْهُرْ عَمَلًا بِالْأَصْلِ في الْحَالَيْنِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرٌ كَثِيرٌ بِمُجَاوِرِهِ أَيْ الْمَاءِ كَعُودٍ وَدُهْنٍ وَلَوْ مُطَيَّبَيْنِ وَكَافُورٍ صَلْبٍ لِأَنَّ تَغَيُّرَهُ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ تَرَوُّحًا
____________________
(1/7)
لَا يَمْنَعُ إطْلَاقَ الِاسْمِ عليه وَالْمُجَاوِرُ ما يَتَمَيَّزُ في رَأْيِ الْعَيْنِ وَقِيلَ ما يُمْكِنُ فَصْلُهُ بِخِلَافِ الْخَلِيطِ فِيهِمَا وَقِيلَ الْمُعْتَبَرُ الْعُرْفُ وَلَا بِمَكْثٍ بِتَثْلِيثِ مِيمِهِ مع إسْكَانِ كَافِهِ قال في الْمَطْلَبِ وَبِفَتْحِهِمَا وَلَا بِمَا لَا يُسْتَغْنَى الْمَاءُ عنه في مَمَرِّهِ وَمَقَرِّهِ كَطُحْلُبٍ بِضَمِّ الطَّاءِ مع ضَمِّ اللَّامِ وَبِفَتْحِهَا شَيْءٌ أَخْضَرُ يَعْلُو الْمَاءَ من طُولِ الْمَكْثِ وَنَوْرَةٍ لم تُطْبَخْ وَأَوْرَاقِ شَجَرٍ تَنَاثَرَتْ وَتَفَتَّتَتْ أَيْ وَاخْتَلَطَتْ وَإِنْ كانت رَبِيعِيَّةً أو بَعِيدَةً عن الْمَاءِ لِتَعَذُّرِ صَوْنِ الْمَاءِ عن ذلك وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ لم تُطْبَخْ مُضِرٌّ إذْ الْكَلَامُ فِيمَا لَا يَسْتَغْنِي الْمَاءُ عن الْمُسْتَلْزِمِ لِعَدَمِ طَرْحِهِ فيه فَلَا فَرْقَ بين الْمَطْبُوخَةِ وَغَيْرِهَا
أَمَّا الْمَطْرُوحَةُ فَتَضُرُّ بِلَا طَبْخٍ وَكَذَا بِهِ بِلَا خِلَافٍ كما في الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا وَخَرَجَ بِأَوْرَاقِ الشَّجَرِ ثِمَارُهَا لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ عنها غَالِبًا وَبِقَوْلِهِ تَنَاثَرَتْ ما صَرَّحَ بِهِ في قَوْلِهِ لَا إنْ طُرِحَتْ فَتَضُرُّ لِذَلِكَ وَبِقَوْلِهِ وَتَفَتَّتَتْ غَيْرُ الْمُتَفَتِّتَةِ فَلَا تَضُرُّ وَإِنْ طُرِحَتْ لِأَنَّهَا مُجَاوِرَةٌ وَعَطْفُهُ أَوْرَاقَ الشَّجَرِ على ما قَبْلَهَا يَقْتَضِي أَنَّ عَدَمَ تَأْثِيرِهَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كانت في مَمَرِّ الْمَاءِ وَمَقَرِّهِ وَلَيْسَ مُرَادًا وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ سَالِمَةٌ من ذلك وَكَذَا إنْ تَغَيَّرَ كَثِيرًا بِمِلْحٍ مَائِيٍّ وَتُرَابٍ مَطْرُوحٍ فإنه طَهُورٌ وَلِانْعِقَادِ الْأَوَّلِ من الْمَاءِ كَالْجَمْدِ بِخِلَافِ الْمِلْحِ الْجَبَلِيِّ أَيْ إذَا لم يَكُنْ بِمَمَرِّ الْمَاءِ وَمَقَرِّهِ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِمُوَافَقَتِهِ الْمَاءَ في الطَّهُورِيَّةِ وَلِأَنَّ تَغَيُّرَهُ بِهِ مُجَرَّدُ كُدُورَةٍ وَهِيَ لَا تَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ نعم إنْ تَغَيَّرَ حتى صَارَ لَا يُسَمَّى إلَّا طِينًا رَطْبًا سَلَبَهَا كما صُرِّحَ بِهِ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَقَوْلُهُ كَثِيرًا مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ وَتَخْصِيصُهُ الطَّرْحَ بِالتُّرَابِ تَبِعَ فيه الرَّوْضَةِ وَالرَّافِعِيُّ ذَكَرَهُ فيه وفي الْمِلْحِ وَكَذَا صَنَعَ هو في شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَطْرُوحَيْنِ وَأَوْلَى منه أَنْ يَقُولَ وَإِنْ طَرْحًا
وَكُرِهَ شَرْعًا تَنْزِيهًا اسْتِعْمَالُ مُتَشَمِّسٍ في الْبَدَنِ بِمُنْطَبِعٍ أَيْ مُطْرَقٍ من غَيْرِ النَّقْدَيْنِ كَالْحَدِيدِ في قُطْرٍ حَارٍّ كَمَكَّةَ ما لم يَبْرُدْ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ عن عُمَرَ أَنَّهُ كان يَكْرَهُ الِاغْتِسَالَ بِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ وقال أَنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ وَلِأَنَّ الشَّمْسَ بِحِدَّتِهَا تَفْصِلُ منه زُهُومَةً تَعْلُو الْمَاءَ فإذا لَاقَتْ الْبَدَنَ بِسُخُونَتِهَا خِيفَ منها الْبَرَصُ بِخِلَافِ الْمُتَسَخَّنِ بِالنَّارِ لَا يُكْرَهُ كما سَيَأْتِي لِذَهَابِ الزُّهُومَةِ بها لِقُوَّةِ تَأْثِيرِهَا وَبِخِلَافِ الْمُتَشَمِّسِ بِغَيْرِ الْمُنْطَبِعِ كَالْخَزَفِ وَالْحِيَاضِ أو بِالْمُنْطَبِعِ من النَّقْدَيْنِ لِصَفَاءِ جَوْهَرِهِمَا أو بِالْمُنْطَبِعِ من غَيْرِهِمَا في قُطْرٍ بَارِدٍ أو مُعْتَدِلٍ أو قُطْرٍ حَارٍّ لَكِنْ يُرَدُّ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ من بَقَاءِ الْكَرَاهَةِ بَعْدَ التَّبْرِيدِ وَتَعْبِيرُهُ بِمُتَشَمِّسٍ أَوْلَى من تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِمُشَمَّسٍ إذْ لَا فَرْقَ بين الْمُتَشَمِّسِ بِنَفْسِهِ وَالْمُتَشَمِّسِ بِغَيْرِهِ فَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ في غَيْرِ الْبَدَنِ كَالثَّوْبِ أو في مَأْكُولٍ غَيْرِ مَائِعٍ لم يُكْرَهْ
وَالثَّانِيَةُ من زِيَادَتِهِ مَذْكُورَةٌ في الْمَجْمُوعِ وَهِيَ مُقَيَّدَةٌ لِقَوْلِ الرَّوْضَةِ وَيَخْتَصُّ بِاسْتِعْمَالِهِ في الْبَدَنِ وقال ابن الصَّلَاحِ يَنْبَغِي فيها الْكَرَاهَةُ لِأَنَّ الْأَجْزَاءَ الْمُنْفَصِلَةَ من الْإِنَاءِ تُمَازِجُ الطَّعَامَ فَتُؤَثِّرُ في الْبَدَنِ وَاسْتَحْسَنَهُ الزَّرْكَشِيُّ قال وَغَيْرُ الْمَاءِ من الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ كَرَاهَةَ اسْتِعْمَالِهِ في بَدَنِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ كما في الْحَيَاةِ وَكَلَامُ الشَّامِلِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ
وَلَوْ عَدِمَ غَيْرَهُ اسْتَعْمَلَهُ وُجُوبًا إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ ولم يَتَيَمَّمْ لِقُدْرَتِهِ على مَاءٍ مُطَهِّرٍ وَوَجَبَ شِرَاؤُهُ كَغَيْرِهِ من الْمِيَاهِ وَلِأَنَّ تَحْصِيلَ مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ أَوْلَى من دَفْعِ مَفْسَدَةِ الْمَكْرُوهِ وَقَوْلُهُ وَلَوْ عَدِمَ إلَخْ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ ابن عبد السَّلَامِ وما ذُكِرَ من كَرَاهَةِ الْمُتَشَمِّسِ هو الْمَشْهُورُ وَصَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ
ولكن الْمُخْتَارَ عِنْدَ النَّوَوِيِّ دَلِيلًا عَدَمُ الْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا عن شُرُوطِهَا السَّابِقَةِ وَصَحَّحَهُ في تَنْقِيحِهِ وقال في مَجْمُوعِهِ إنَّهُ الصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِلدَّلِيلِ وَلِنَصِّ الْأُمِّ حَيْثُ قال فيها لَا أَكْرَهُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ من جِهَةِ الطِّبِّ أَيْ إنَّمَا أَكْرَهُهُ شَرْعًا حَيْثُ يَقْتَضِي الطِّبُّ مَحْذُورًا فيه وَأَثَرُ عُمَرَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ من رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بن مُحَمَّدِ بن أبي يحيى وقد اتَّفَقُوا على تَضْعِيفِهِ وَجَرَّحُوهُ إلَّا الشَّافِعِيُّ فَوَثَّقَهُ فَثَبَتَ
____________________
(1/8)
أَنَّهُ لَا أَصْلَ لِكَرَاهَتِهِ ولم يَثْبُتْ عن الْأَطِبَّاءِ فيه شَيْءٌ انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّ دَعْوَاهُ أَنَّ الْمُوَافِقَ لِلدَّلِيلِ وَلِنَصِّ الْأُمِّ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ مَمْنُوعَةٌ وَأَثَرُ عُمَرَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ آخَرَ صَحِيحٍ على أَنَّ الْحَصْرَ في قَوْلِهِ إلَّا الشَّافِعِيُّ فَوَثَّقَهُ مَمْنُوعٌ بَلْ وَثَّقَهُ ابن جُرَيْجٍ وابن عَدِيٍّ وَغَيْرُهُمَا كما ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَقَوْلُهُ ولم يَثْبُتْ عن الْأَطِبَّاءِ فيه شَيْءٌ شَهَادَةُ نَفْيٍ لَا يُرَدُّ بها قَوْلُ الشَّافِعِيِّ
وَيَكْفِي في إثْبَاتِهِ إخْبَارُ السَّيِّدِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه الذي هو أَعْرَفُ بِالطِّبِّ من غَيْرِهِ وَتَمَسُّكُهُ بِهِ من حَيْثُ إنَّهُ خَبَرٌ لَا تَقْلِيدٌ وَضَابِطُ الْمُشَمَّسِ على ما أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ أَنْ يَنْتَقِلَ بِالشَّمْسِ عن حَالَتِهِ إلَى حَالَةٍ أُخْرَى حتى لو كان شَدِيدَ الْبُرُودَةِ فَخَفَّ بَرْدُهُ بِالشَّمْسِ فَمُتَشَمَّسٌ وَنَقَلَهُ في الْبَحْرِ عن الْأَصْحَابِ فقال قال أَصْحَابُنَا تَأْثِيرُ الشَّمْسِ في مِيَاهِ الْأَوَانِي تَارَةً تَكُونُ بِالْحُمَّى وَتَارَةً بِزَوَالِ بَرْدِهِ وَالْكَرَاهَةُ في الْحَالَيْنِ سَوَاءٌ قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ بَعْدَ نَقْلِهِمْ ذلك وَالْمَفْهُومُ من كَلَامِ من اشْتَرَطَ الْآنِيَةَ الْمُنْطَبِعَةَ وَالْبِلَادَ الْحَارَّةَ أَنَّ ذلك يَخْتَصُّ بِمَا يَظْهَرُ تَأْثِيرُ الشَّمْسِ فيه فَإِنَّهَا في مِثْلِ هذه الْآنِيَةِ تَفْصِلُ أَجْزَاءَ سُمِّيَّةً تُؤَثِّرُ في الْبَدَنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ ظُهُورِ السُّخُونَةِ وما قَالُوهُ أَوْجَهُ
وَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا شَدِيدُ حَرَارَةِ وشديد بُرُودَةِ لِمَنْعِ كُلٍّ منها الْإِسْبَاغَ نعم إنْ فَقَدَ غَيْرَهُ وَضَاقَ الْوَقْتُ وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ أو خَافَ منه ضَرَرًا حَرُمَ وهو وَاضِحٌ وتكره مِيَاهُ ثَمُودَ وَكُلُّ مَاءٍ مَغْضُوبٍ عليه كَمَاءِ دِيَارِ قَوْمِ لُوطٍ وَمَاءِ دِيَارِ بَابِلَ لَا مَاءِ بِئْرِ النَّاقَةِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ الناس النَّازِلِينَ على الْحِجْرِ أَرْضِ ثَمُودَ بِأَنْ يُهْرِيقُوا ما اسْتَقَوْا وَيَعْلِفُوا الْإِبِلَ الْعَجِينَ وَأَنْ يَسْتَقُوا من بِئْرِ النَّاقَةِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقَوْلُهُ وَمِيَاهُ ثَمُودَ لَا بِئْرُ النَّاقَةِ من زِيَادَتِهِ أَخْذًا من الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَلَا يُكْرَهُ مَاءُ بَحْرٍ لِأَخْبَارٍ كَخَبَرِ هو الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَخَبَرُ من لم يُطَهِّرْهُ مَاءُ الْبَحْرِ فَلَا طَهَّرَهُ اللَّهُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلِأَنَّهُ لم يَتَغَيَّرْ عن أَصْلِ خِلْقَتِهِ فَأَشْبَهَ غَيْرَهُ وما رُوِيَ من أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال تَحْتَ الْبَحْرِ نَارٌ وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرٌ حتى عَدَّ سَبْعَةً وَسَبْعَةً ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ
وَلَوْ ثَبَتَ لم يَكُنْ فيه دَلِيلٌ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ لَا يُكْرَهُ كان أَنْسَبَ وَأَخْصَرَ ولا مَاءُ زَمْزَمَ لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَهْيٍ فيه نعم تُكْرَهُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِهِ كما قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلِاسْتِنْجَاءِ فَائِدَةٌ قال الْبُلْقِينِيُّ في مُخْتَصَرِ تَارِيخِ مَكَّةَ مَاءُ زَمْزَمَ أَفْضَلُ من الْكَوْثَرِ لِأَنَّ بِهِ غُسِلَ صَدْرُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَوْ لم يَكُنْ يُغْسَلُ إلَّا بِأَفْضَلِ الْمِيَاهِ وَلَا مُتَغَيِّرَ بِمَا لَا بُدَّ منه كَمُتَغَيِّرٍ بِمَا في مَقَرِّهِ وَمَمَرِّهِ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عنه ولا مُتَسَخِّنٍ بِالنَّارِ وَلَوْ بِنَجَاسَةٍ لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَهْيٍ فيه وَكَلَامُهُمْ شَامِلٌ لِلنَّجَاسَةِ الْغِلْظَةِ وَفِيهِ وَقْفَةٌ
بَابُ بَيَانِ النَّجَاسَةِ وَالْمَاءِ النَّجِسِ عَرَّفَهَا بَعْضُهُمْ بِكُلِّ عَيْنٍ حَرُمَ تَنَاوُلُهَا مُطْلَقًا في حَالَةِ الِاخْتِيَارِ مع سُهُولَةِ تَمْيِيزِهَا وَإِمْكَانِ تَنَاوُلِهَا لَا لِحُرْمَتِهَا وَلَا لِاسْتِقْذَارِهَا وَلَا لِضَرَرِهَا في بَدَنٍ أو عَقْلٍ فَاحْتَرَزَ بِمُطْلَقًا عَمَّا يُبَاحُ قَلِيلُهُ كَبَعْضِ النَّبَاتَاتِ السُّمِّيَّةِ وبحالة الِاخْتِيَارِ عن حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَيُبَاحُ فيها تَنَاوُلُ النَّجَاسَةِ بِسُهُولَةِ تَمْيِيزِهَا عن دُودِ الْفَاكِهَةِ وَنَحْوِهَا فَيُبَاحُ تَنَاوُلُهُ مَعَهَا وَهَذَانِ الْقَيْدَانِ لِلْإِدْخَالِ لَا لِلْإِخْرَاجِ وَبِإِمْكَانِ تَنَاوُلِهَا عن الْأَشْيَاءِ الصُّلْبَةِ كَالْحَجَرِ وَبِالْبَقِيَّةِ عن الْآدَمِيِّ وَعَنْ الْمُخَاطِ وَنَحْوِهِ وَعَنْ الْحَشِيشَةِ الْمُسْكِرَةِ وَالسُّمِّ الذي يَضُرُّ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ وَالتُّرَابِ فإنه لم يُحَرَّمْ تَنَاوُلُهَا لِنَجَاسَتِهَا بَلْ لِحُرْمَةِ الْآدَمِيِّ وَاسْتِقْذَارِ الْمُخَاطِ وَنَحْوِهِ وَضَرَرِ الْبَقِيَّةِ وَعَرَّفَهَا الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ بِالْعَدِّ فقال مُبْتَدِئًا بِتَقْسِيمِ ما يَشْمَلُهَا وَغَيْرَهَا الْأَعْيَانُ جَمَادٌ وَحَيَوَانٌ فَالْجَمَادُ طَاهِرٌ على الْأَصْلِ فيها إذْ الْأَصْلُ فيها الطَّهَارَةُ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ وَلَوْ من بَعْضِ الْوُجُوهِ قال تَعَالَى هو الذي خَلَقَ لَكُمْ ما في الْأَرْضِ جميعا
وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الِانْتِفَاعُ أو يَكْمُلُ بِالطَّهَارَةِ لَا خَمْرٌ وَهِيَ الْمُشْتَدُّ من مَاءِ الْعِنَبِ وَلَوْ مُحْتَرَمَةً وَبِبَاطِنِ حَبَّاتِ عُنْقُودٍ فَنَجِسَةٌ تَغْلِيظًا وَزَجْرًا عنها كَالْكَلْبِ وَلِأَنَّهَا رِجْسٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالرِّجْسُ النَّجِسُ وَالْمُحْتَرَمَةُ قال الشَّيْخَانِ في الْغَصْبِ هِيَ ما عُصِرَ لَا بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ وفي الرَّهْنِ ما عُصِرَ بِقَصْدِ الْخَلِّيَّةِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ النَّوَوِيُّ في
____________________
(1/9)
مَجْمُوعِهِ هُنَا وَالْمُصَنِّفُ في الرَّهْنِ وَالْأَوَّلُ أَعَمُّ وَأَوْجَهُ ولا نَبِيذٌ مُسْكِرٌ وهو الْمُشْتَدُّ من مَاءِ الزَّبِيبِ أو نَحْوِهِ فَنَجِسٌ كَالْخَمْرِ بِخِلَافِ الْجَامِدِ الْمُسْكِرِ كَالْحَشِيشَةِ فإنه وَإِنْ أَسْكَرَ طَاهِرٌ كما صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ في دَقَائِقِهِ وَلَوْ كان الْخَمْرُ مُثَلَّثًا وهو الْمَغْلِيُّ من مَاءِ الْعِنَبِ حتى صَارَ على الثُّلُثِ فإنه نَجِسٌ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَجَرَى فيه على لُغَةِ تَذْكِيرِ الْخَمْرِ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ أو أَنَّهُ أَرَادَ وَلَوْ كان كُلٌّ من الْخَمْرِ وَالنَّبِيذِ مُثَلَّثًا فَيَكُونُ قد غَلَبَ
وَالْحَيَوَانُ طَاهِرٌ لِمَا مَرَّ لَا كَلْبٌ وَلَوْ مُعَلَّمًا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فيه الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الطَّهَارَةَ إمَّا لِحَدَثٍ أو خَبَثٍ أو تَكْرُمَةٍ وَلَا حَدَثَ على الْإِنَاءِ وَلَا تَكْرُمَةً فَتَعَيَّنَتْ طَهَارَةُ الْخَبَثِ فَثَبَتَ نَجَاسَةُ فَمِهِ وهو أَطْيَبُ أَجْزَائِهِ بَلْ هو أَطْيَبُ الْحَيَوَانِ نَكْهَةً لِكَثْرَةِ ما يَلْهَثُ فَبَقِيَّتُهَا أَوْلَى ولا خِنْزِيرٌ لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا من الْكَلْبِ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَنَى قال النَّوَوِيُّ وَلَيْسَ لنا دَلِيلٌ وَاضِحٌ على نَجَاسَتِهِ ولا فَرْعُ كُلٍّ مِنْهُمَا مع الْآخَرِ أو غَيْرِهِ تَغْلِيبًا لِلنَّجَاسَةِ وَلِتَوَلُّدِهِ منها وَالْفَرْعُ يَتْبَعُ الْأَبَ في النَّسَبِ وَالْأُمَّ في الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَأَشْرَفُهُمَا في الدِّينِ وَإِيجَابِ الْبَدَلِ وَتَقْرِيرِ الْجِزْيَةِ وَأَخَفَّهُمَا في عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَأَخَسَّهُمَا في النَّجَاسَةِ وَتَحْرِيمَ الذَّبِيحَةِ وَالْمُنَاكَحَةِ ولا مَيْتَةٌ وَإِنْ لم يَسِلْ دَمُهَا لِحُرْمَةِ تَنَاوُلِهَا قال تَعَالَى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَتَحْرِيمُ ما ليس بِمُحْتَرَمٍ وَلَا بِمُسْتَقْذَرٍ وَلَا ضَرَرَ فيه يَدُلُّ على نَجَاسَتِهِ وَالْمَيْتَةُ مَازَالَ حَيَاتُهُ لَا بِذَكَاةٍ شَرْعِيَّةٍ ولا شَعْرُهَا وَعَظْمُهَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَحِلُّهُ الْحَيَاةُ لِأَنَّهُ يَنْمُو وَالْعَظْمُ يُحِسُّ وَيَأْلَمُ وفي مَعْنَاهُ الصُّوفُ وَالْوَبَرُ وَالرِّيشُ وَالشَّعَرُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَفْصَحُ من إسْكَانِهَا غَيْرُ مَيْتَةِ آدَمِيٍّ وَسَمَكٍ وَجَرَادٍ وَصَيْدٍ لم تُدْرَكُ ذَكَاتُهُ وَإِنْ مَاتَ بِالضَّغْطَةِ وَجَنِينُ مُذَكَّاةٍ لِحِلِّ تَنَاوُلِهَا في غَيْرِ الْآدَمِيِّ على أَنَّ الْأَخِيرَيْنِ لَيْسَا مَيْتَةً بَلْ جَعَلَ الشَّارِعُ هذا ذَكَاتَهُمَا وَلِهَذَا صَرَّحَ في خَبَرِ الْجَنِينَ بِأَنَّهُ مُذَكًّى وَإِنْ لم تُبَاشِرْهُ السِّكِّينُ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ
وَأَمَّا الْآدَمِيُّ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَقَضِيَّةُ التَّكْرِيمِ أَنْ لَا يَحْكُمَ بِنَجَاسَتِهِمْ بِالْمَوْتِ وَسَوَاءٌ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَالْمُرَادُ بِهِ نَجَاسَةُ الِاعْتِقَادِ أو اجْتِنَابِهِمْ كَالنَّجَسِ لَا نَجَاسَةُ الْأَبْدَانِ وَأَمَّا خَبَرُ الْحَاكِمِ لَا تُنَجِّسُوا مَوْتَاكُمْ فإن الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا فَجَرَى على الْغَالِبِ وإذا ثَبَتَ أَنَّ الْمَيْتَةَ غَيْرُ ما ذُكِرَ نَجِسَةٌ فَمَيْتَةُ دُودِ نَحْوِ خَلٍّ وَتُفَّاحٍ نَجِسَةٌ لَكِنْ لَا تُنَجِّسُهُ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ عنها وَيَجُوزُ أَكْلُهُ معه لِعُسْرِ تَمْيِيزِهِ بِخِلَافِ أَكْلِهِ مُنْفَرِدًا وَأَكْلُهُ مع ما لم يَتَوَلَّدْ منه وَلَا يَنْجُسُ مَاءٌ ولا مَائِعٌ غَيْرُهُ بِمَيْتَةٍ لَا نَفْسَ لها سَائِلَةٌ بِفَتْحِهَا وَنَصْبِهَا وَرَفْعِهَا بِالتَّنْوِينِ فِيهِمَا على ما في الْمَجْمُوعِ أَيْ لَا دَمَ لها يَسِيلُ عِنْدَ شَقِّ جُزْءٍ منها في حَيَاتِهَا وَإِنْ طُرِحَتْ فيه كَزُنْبُورٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَعَقْرَبٍ وَوَزَغٍ وَذُبَابٍ وَنَحْلٍ وَقَمْلٍ وَبُرْغُوثٍ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ في شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ فإن في أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وفي الْآخَرِ شِفَاءً زَادَ أبو دَاوُد وَأَنَّهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الذي فيه الدَّاءُ وقد يُفْضِي غَمْسُهُ إلَى مَوْتِهِ فَلَوْ نَجُسَ لَمَا أَمَرَ بِهِ
وَقِيسَ بِالذُّبَابِ ما في مَعْنَاهُ من مَيِّتَةٍ لَا يَسِيلُ دَمُهَا وَالْأَصْلُ مَثَّلَ بِالذُّبَابِ فَأَبْدَلَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا ذَكَرَهُ لَا نَحْوُ حَيَّةٍ وَفَأْرَةٍ وَسُلَحْفَاةٍ وَضُفْدُع بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ على الْأَشْهَرِ فَيَتَنَجَّسُ بها ما ذُكِرَ لِسَيَلَانِ دَمِهَا بِخِلَافِ تِلْكَ لَا يَتَنَجَّسُ بها ما لم يَتَغَيَّرْ بها فَإِنْ تَغَيَّرَ بها لِكَثْرَتِهَا تَنَجَّسَ لِتَغَيُّرِهِ بِنَجَاسَةٍ وَلِأَنَّهُ لَا يَشُقُّ
____________________
(1/10)
الِاحْتِرَازُ عنها حِينَئِذٍ وَقَوْلُهُ وَإِنْ طُرِحَتْ ظَاهِرُهُ أَنَّ طَرْحَهَا مَيِّتَةً لَا يَضُرُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنْ كانت أَجْنَبِيَّةً من الْمَائِعِ ضَرَّ طَرْحُهَا جَزْمًا كما في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَإِنْ كان نَشْؤُهَا فيه فَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ فَلَوْ أُخْرِجَ منه وَطُرِحَ فيه عَادَ الْخِلَافُ أَيْ في الْحَيَوَانِ الْأَجْنَبِيِّ الذي وَقَعَ بِنَفْسِهِ وَعَبَّرَ النَّوَوِيُّ عن هذا بِقَوْلِهِ فَلَوْ أُخْرِجَ منه وَطُرِحَ في غَيْرِهِ أو رُدَّ إلَيْهِ عَادَ الْقَوْلَانِ
وقال الْإِسْنَوِيُّ الصَّوَابُ فِيمَا أُلْقِيَ في غَيْرِهِ أَنَّهُ يَضُرُّ وَيُتَّجَهُ تَرْجِيحُهُ أَيْضًا فِيمَا أُلْقِيَ فيه فَاعْتَمَدَهُ انْتَهَى وَيُؤَيِّدُهُ تَصْوِيرُ الْبَغَوِيّ ذلك بِمَا إذْ أُلْقِيَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ وَيُجَابُ عن تَعْبِيرِ الشَّيْخَيْنِ بِعَوْدِ الْخِلَافِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ منه الِاتِّحَادُ في التَّرْجِيحِ أو بِأَنَّ كَلَامَهُمَا مُصَوَّرٌ بِمَا صَوَّرَ بِهِ الْبَغَوِيّ لَكِنَّ كَلَامَ الْمَجْمُوعِ يُنَافِيهِ وَتَوْجِيهُ الْبُلْقِينِيُّ لِكَلَامِهِمَا بِأَنَّهُ لَمَّا اُغْتُفِرَ بِلَا طَرْحٍ اُغْتُفِرَ مع الطَّرْحِ مُنْتَقَضٌ بِطَرْحِ الْمَيْتَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ فَلَوْ شَكَكْنَا في سَيْلِ دَمِهَا اُمْتُحِنَ بِجِنْسِهَا فَتَخْرُجُ لِلْحَاجَةِ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ في فَتَاوِيهِ وَلَوْ كانت مِمَّا يَسِيلُ دَمُهَا لَكِنْ لَا دَمَ فيها أو فيها دَمٌ لَا يَسِيلُ لِصِغَرِهَا فَلَهَا حُكْمُ ما يَسِيلُ دَمُهَا قَالَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ تَبَعًا لِلْمَجْمُوعِ لَا حَيَّةٌ وَضِفْدِعٌ من زِيَادَتِهِ
فَرْعٌ الْفَرْعُ ما انْدَرَجَ تَحْتَ أَصْلٍ كُلِّيِّ الْجُزْءِ الْمُبَانِ من حَيٍّ وَمَشِيمَتِهِ وَهِيَ غِلَافُ الْوَلَدِ وَعَطْفُهَا على الْمُبَانِ من عَطْفِ الْخَاصِّ على الْعَامِّ كَمَيْتَتِهِ أَيْ كَمَيْتَةِ ذلك الْحَيِّ طَهَارَةً وَنَجَاسَةً لِخَبَرِ ما قُطِعَ من حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ فَالْيَدُ من الْآدَمِيِّ طَاهِرَةٌ وَمِنْ الْبَقَرِ نَجِسَةٌ وَسَوَاءٌ في الْمَشِيمَةِ مَشِيمَةُ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ لَا شَعَرُ مَأْكُولٍ وَرِيشُهُ فَطَاهِرَانِ وَلَوْ اُنْتُتِفَ كُلٌّ مِنْهُمَا أو نُتِفَ وما في مَعْنَاهُمَا من صُوفٍ وَوَبَرٍ قال تَعَالَى وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إلَى حِينٍ وهو مَحْمُولٌ على ما أُخِذَ بَعْدَ التَّذْكِيَةِ أو في الْحَيَاةِ كما هو الْمَعْهُودُ وَذَلِكَ مُخَصِّصٌ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَلَا هُنَا لِكَوْنِهَا لَا يُعْطَفُ بها ما شَمِلَهُ ما قَبْلَهَا اسْمٌ بِمَعْنَى غَيْرٍ ظَهَرَ إعْرَابُهَا فِيمَا بَعْدَهَا لِكَوْنِهَا بِصُورَةِ الْحَرْفِ وَهِيَ معه حَالٌ مِمَّا قَبْلَهَا أو صِفَةٌ له بِجَعْلِ أَلْ لِلْجِنْسِ وَلَا مَشْكُوكٌ فيه أَيْ في أَنَّ الشَّعَرَ وَنَحْوَهُ من مَأْكُولٍ أو غَيْرِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ ولا مِسْكٌ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ الْمِسْكُ أَطْيَبُ الطِّيبِ وَكَذَا فَأْرَتُهُ بِالْهَمْزِ وَتَرَكَهُ لِانْفِصَالِهَا بِالطَّبْعِ كَالْجَنِينِ
قال الرَّافِعِيُّ وَلِأَنَّ الْمِسْكَ فيها طَاهِرٌ وَلَوْ كانت نَجِسَةً لَكَانَ الْمَظْرُوفُ وَهِيَ خُرَّاجٌ بِجَانِبِ سُرَّةِ الظَّبْيَةِ كَالسَّلْعَةِ فَتَحْتَكُّ حتى تُلْقِيَهَا هذا إنْ انْفَصَلَتْ من ظَبْيَةٍ حَيَّةٍ فَإِنْ انْفَصَلَتْ من مَيِّتَةٍ فَنَجِسَةٌ كَاللَّبَنِ بِخِلَافِ الْبَيْضِ الْمُتَصَلِّبِ لِنُمُوِّهِ بِخِلَافِهَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَالْأَصْلِ أَنَّ الْمِسْكَ طَاهِرٌ مُطْلَقًا وَجَرَى عليه الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ كَالْإِنْفَحَةِ كما جَرَى عليه جَمَاعَةٌ منهم الطَّاوُسِيُّ
____________________
(1/11)
وَالْبَارِزِيُّ جَرْيًا على الْأَصْلِ في أَنَّ الْمُبَانَ من الْمَيْتَةِ النَّجِسَةِ نَجِسٌ وَيُؤَيِّدُهُ تَعْلِيلُ الرَّافِعِيِّ السَّابِقِ
وَلَهُ أَيْ لِلشَّخْصِ إيقَادٌ في التَّنُّورِ وَغَيْرِهِ بِعَظْمِ مَيْتَةِ غَيْرِ آدَمِيٍّ وَإِنْ نَجُسَ دُخَّانُهُ لِعَدَمِ مُبَاشَرَتِهِ لِلنَّجَاسَةِ وَالْإِنَاءُ النَّجِسُ الْجَافُّ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ في جَافٍّ وفي مَاءٍ كَثِيرٍ وَيَحْرُمُ فِيمَا عَدَاهُمَا لِلتَّنَجُّسِ بِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ جَرَيَانُ الْكَرَاهَةِ في جِلْدِ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ وهو ظَاهِرٌ وَلَا يُشْكِلُ بِتَحْرِيمِ لُبْسِهِ لِأَنَّهُ هُنَاكَ مُلَابِسٌ لِلْبَدَنِ بِخِلَافِهِ هُنَا وَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَعَمُّ من كَلَامِ الرَّوْضَةِ
فَرْعٌ لِلْمُتَرَشِّحِ أَيْ لِمَا يَغْلِبُ تَرْشِيحُهُ حُكْمُ حَيَوَانِهِ طَهَارَةً وَنَجَاسَةً وهو كَدَمْعٍ وَمُخَاطٍ وَعَرَقٍ وَلُعَابٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَكِبَ فَرَسًا مَعْرُورًا وَرَكَضَهُ فلم يَجْتَنِبْ عَرَقَهُ وَيُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ مِمَّا في مَعْنَاهُ فَإِنْ سَالَ من فَمِ نَائِمٍ فَكَانَ من الْمَعِدَةِ كَأَنْ خَرَجَ مُنْتِنًا بِصُفْرَةٍ فَنَجِسٌ لَا إنْ كان من غَيْرِهَا أو شَكَّ في أَنَّهُ منها أو لا فإنه طَاهِرٌ وَقِيلَ إنْ كان مُتَغَيِّرًا فَنَجِسٌ وَإِلَّا فَطَاهِرٌ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَيُحْتَاطُ في صُورَةِ الشَّكِّ فَيَغْسِلُهُ نَدْبًا فَإِنْ اُبْتُلِيَ بِهِ شَخْصٌ لِكَثْرَتِهِ منه فَالظَّاهِرُ الْعَفْوُ كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَالزَّبَادُ طَاهِرٌ قال في الْمَجْمُوعِ لِأَنَّهُ إمَّا لَبَنُ سِنَّوْرٍ بَحْرِيٍّ كما قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أو عَرَقُ سِنَّوْرٍ بَرِّيٍّ كما سَمِعْته من ثِقَاتٍ من أَهْلِ الْخِبْرَةِ بهذا لَكِنَّهُ يَغْلِبُ اخْتِلَاطُهُ بِمَا يَتَسَاقَطُ من شَعَرِهِ فَلْيُحْتَرَزْ عَمَّا وُجِدَ فيه فإن الْأَصَحَّ مَنْعُ أَكْلِ السِّنَّوْرِ الْبَرِّيِّ وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا شَعَرُ وفي نُسْخَةٍ لَا شُعُورُ سِنَّوْرِهِ اعْتِمَادُ الثَّانِي وَقَوْلُهُ وَالزَّبَادُ إلَخْ من زِيَادَتِهِ
فَرْعٌ الْمُسْتَحِيلُ في الْبَاطِنِ نَجِسٌ كَدَمٍ وَلَوْ تَحَلَّبَ من كَبِدٍ أو طِحَالٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلِخَبَرِ فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمِ وَصَلِّي وَقَيْحٌ وَمَاءُ قَرْحٍ تَغَيَّرَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّهَا أَيْ جُرْحٍ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا دَمٌ مُسْتَحِيلٌ فَإِنْ لم يَتَغَيَّرْ مَاءُ الْقَرْحِ فَطَاهِرٌ كَالْعَرَقِ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ وَقَيْءٌ وَإِنْ لم يَتَغَيَّرْ وَقِيلَ غَيْرُ الْمُتَغَيِّرِ مُتَنَجِّسٌ لَا نَجِسٌ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو حَقٌّ وَجِرَّةٌ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهِيَ ما يُخْرِجُهُ الْبَعِيرُ أو غَيْرُهُ لِلِاجْتِرَارِ وَتَعْبِيرُهُ أَوْلَى من تَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ بِجِرَّةِ الْبَعِيرِ إذْ لَا فَرْقَ بين جِرَّتِهِ وَجِرَّةِ غَيْرِهِ
وَمِرَّةٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ ما في الْمَرَارَةِ قِيَاسًا لِلثَّلَاثَةِ على الدَّمِ بِجَامِعِ الِاسْتِحَالَةِ في الْبَاطِنِ على ما مَرَّ في الْقَيْءِ وَعَذِرَةٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَبَوْلٌ لِلْأَمْرِ بِصَبِّ الْمَاءِ عليه في بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ في الْمَسْجِدِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقِيسَ بِهِ سَائِرُ الْأَبْوَالِ وَأَمَّا أَمْرُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْعُرَنِيِّينَ بِشُرْبِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ فَكَانَ لِلتَّدَاوِي وَرَوْثٌ بِالْمُثَلَّثَةِ وَلَوْ من سَمَكٍ وَجَرَادٍ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا جِيءَ له بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ لِيَسْتَنْجِيَ بها أَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَرَدَّ الرَّوْثَةَ وقال هذا رِكْسٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالْعَذِرَةُ وَالرَّوْثُ قِيلَ مُتَرَادِفَانِ وقال النَّوَوِيُّ في دَقَائِقِهِ الْعَذِرَةُ مُخْتَصَّةٌ بِفَضْلَةِ الْآدَمِيِّ وَالرَّوْثُ أَعَمُّ قال الزَّرْكَشِيُّ وقد يُمْنَعُ بَلْ هو مُخْتَصٌّ بِغَيْرِ الْآدَمِيِّ ثُمَّ نُقِلَ عن صَاحِبِ الْمُحْكَمِ وَابْنِ الْأَثِيرِ ما يَقْتَضِي أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِذِي الْحَافِرِ قال وَعَلَيْهِ فَاسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ له في سَائِرِ الْبَهَائِمِ تَوَسُّعٌ انْتَهَى
وَعَلَى قَوْلِ التَّرَادُفِ فَأَحَدُهُمَا يُغْنِي عن الْآخَرِ وَعَلَى قَوْلِ النَّوَوِيِّ الرَّوْثُ يُغْنِي عن الْعَذِرَةِ وَمَذْيٌ بِالْمُعْجَمَةِ لِلْأَمْرِ بِغَسْلِ الذَّكَرِ منه في خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ في قِصَّةِ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه وهو مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ يَخْرُجُ بِلَا شَهْوَةٍ عِنْدَ ثَوَرَانِهَا وَوَدْيٌ بِالْمُهْمَلَةِ إجْمَاعًا وَقِيَاسًا على ما قَبْلَهُ وهو مَاءٌ أَبْيَضُ كَدِرٌ ثَخِينٌ يَخْرُجُ عَقِبَ الْبَوْلِ أو عِنْدَ حَمْلِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ وَالتَّصْرِيحُ بِهِ وَبِالْمَذْيِ من زِيَادَتِهِ وَالْجُمْهُورُ كما في الْأَصْلِ على نَجَاسَةِ هذه الْفَضَلَاتِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ في شَرْحِهِ الصَّغِيرِ وَالنَّوَوِيُّ في تَحْقِيقِهِ وَجَزَمَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ بِطَهَارَتِهَا وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
وَلَبَنُ ما لَا يُؤْكَلُ كَلَبَنِ الْأَتَانِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ في الْبَاطِنِ
____________________
(1/12)
كَالدَّمِ إلَّا لَبَنَ الْآدَمِيِّ فَطَاهِرٌ إذْ لَا يَلِيقُ بِكَرَامَتِهِ أَنْ يَكُونَ مُنْشَؤُهُ نَجِسًا فَإِنْ مَاتَ فَفِي لَبَنِهِ وَجْهَانِ لم يُذْكَرْ هذا في الْأَصْلِ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ تَصْحِيحُ طَهَارَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عن الرُّويَانِيِّ قال لِأَنَّهُ في إنَاءٍ طَاهِرٍ وَكَلَامُهُمْ شَامِلٌ لِلَّبَنِ الذَّكَرِ وَالصَّغِيرَةِ وهو الْمُخْتَارُ الْمُوَافِقُ لِتَعْبِيرِ الصَّيْمَرِيِّ بِقَوْلِهِ أَلْبَانُ الْآدَمِيِّينَ وَالْآدَمِيَّاتِ لم يَخْتَلِفْ الْمَذْهَبُ في طَهَارَتِهَا وَجَوَازِ بَيْعِهَا وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَقَوْلُ الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ لَبَنُ الْمَيْتَةِ وَالرَّجُلِ نَجِسٌ مُفَرَّعٌ على نَجَاسَةِ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ كما أَفَادَهُ الرُّويَانِيُّ
أَمَّا لَبَنُ ما يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَلَبَنِ الْفَرَسِ وَإِنْ وَلَدَتْ بَغْلًا فَطَاهِرٌ قال تَعَالَى لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ
وَالْإِنْفَحَةُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَتَخْفِيفِ الْحَاءِ على الْأَفْصَحِ وَهِيَ لَبَنٌ في جَوْفِ نَحْوِ سَخْلَةٍ في جِلْدَةٍ تُسَمَّى إنْفَحَةٌ أَيْضًا إنْ أُخِذَتْ من سَخْلَةٍ مَثَلًا مَذْبُوحَةٍ وَهِيَ أَيْ وَالْحَالُ أنها من السَّخْلَةِ التي لم تُطْعَمْ غير اللَّبَنِ طَاهِرَةٌ لِمَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا في عَمَلِ الْجُبْنِ بِخِلَافِ ما إذَا أُخِذَتْ من مَيْتَةٍ وهو ظَاهِرٌ أو مَذْبُوحَةٍ أَكَلَتْ غير اللَّبَنِ على الْأَصْلِ في الْمُسْتَحِيلَاتِ في الْبَاطِنِ قال الزَّرْكَشِيُّ أو أَكَلَتْ لَبَنًا نَجِسًا كَلَبَنِ أَتَانٍ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ
وَالْبَيْضُ الْمَأْخُوذُ من حَيَوَانٍ طَاهِرٍ وَلَوْ من غَيْرِ مَأْكُولٍ وَكَذَا الْمَأْخُوذُ من مَيْتَةٍ أَنْ تُصْلَبَ وَبِزْرِ الْقَزِّ بِكَسْرِ الْبَاءِ أَفْصَحُ من فَتْحِهَا وهو الْبَيْضُ الذي يَخْرُجُ منه دُودُ الْقَزِّ وَمَنِيُّ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرْعُ أَحَدِهِمَا أَيْ كُلٍّ منها طَاهِرٌ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ في مَنِيِّ غَيْرِ الْآدَمِيِّ لِأَنَّهُ أَصْلُ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ نعم يُسَنُّ كما في الْمَجْمُوعِ غَسْلُهُ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فيه وَخُرُوجًا من الْخِلَافِ وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ بَيْضُ الْمَيْتَةِ غَيْرِ الْمُتَصَلِّبِ وَمَنِيُّ الْكَلْبِ وما بَعْدَهُ وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ الْبَيْضَ إذَا اسْتَحَالَ دَمًا وهو ما صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ هُنَا في تَنْقِيحِهِ لَكِنَّ الذي صَحَّحَهُ في شُرُوطِ الصَّلَاةِ منه وفي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ نَجِسٌ وهو ظَاهِرٌ على الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ مَنِيِّ غَيْرِ الْآدَمِيِّ وَأَمَّا على غَيْرِهِ فَالْأَوْجَهُ حَمْلُهُ على ما إذَا لم يَسْتَحِلَّ حَيَوَانًا وَالْأَوَّلُ على خِلَافِهِ
وَكَذَا رُطُوبَةُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ بَلْ وَغَيْرِهَا من كل حَيَوَانٍ طَاهِرٍ وَالْعَلَقَةُ وَالْمُضْغَةُ منه فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ كَعَرَقِهِ وَمَنِيِّهِ وَالْمُضْغَةُ مَفْهُومَةٌ من كَلَامِهِ بِالْأَوْلَى وَمُصَرَّحٌ بها في الرَّوْضَةِ قال في الْمَجْمُوعِ وَرُطُوبَةُ الْفَرْجِ مَاءٌ أَبْيَضُ مُتَرَدِّدٌ بين الْمَذْيِ وَالْعَرَقِ وَأَمَّا الرُّطُوبَةُ الْخَارِجَةُ من بَاطِنِ الْفَرْجِ فَتُنَجِّسُهُ وَالْعَلَقَةُ دَمٌ غَلِيظٌ يَسْتَحِيلُ إلَيْهِ الْمَنِيُّ وَالْمُضْغَةُ لَحْمَةٌ مُنْعَقِدَةٌ من ذلك وَيَنْجُسُ مَنِيُّ من لم يَسْتَنْجِ بِمَاءٍ لِاتِّصَالِهِ بِنَجِسٍ كَدُودِ مَيْتَةٍ رَحْبٍ رَجِيعٍ أَيْ رَوْثٍ فيه قُوَّةُ الْإِنْبَاتِ فَإِنْ لم يَكُنْ فيه ذلك فَنَجِسُ الْعَيْنِ كما عُرِفَ مِمَّا مَرَّ وَيُقَاسُ بِحَبِّ الرَّجِيعِ حَبُّ الْقَيْءِ كما أَفَادَهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ
وَيُعْفَى عن رَوْثِ سَمَكٍ فَلَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عنه ما لم يُغَيِّرْهُ فَإِنْ غَيَّرَهُ نَجَّسَهُ وَهَذِهِ من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهَا الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ ويعفى عن الْيَسِيرِ عُرْفًا من شَعَرٍ نَجِسٍ بِقَيْدٍ زَادَهُ كَالزَّرْكَشِيِّ تَبَعًا لِصَاحِبِ الِاسْتِقْصَاءِ بِقَوْلِهِ من غَيْرِ كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ وَفَرْعُ كُلٍّ منها بِخِلَافِ شَعَرِ الثَّلَاثَةِ لِغِلَظِ نَجَاسَتِهَا وَسَيَأْتِي بَيَانُ حُكْمِ الزَّرْعِ النَّابِتِ في النَّجَاسَةِ في بَابِ الِاجْتِهَادِ وَبَيَانُ حُكْمِ حَبَّاتِهِ في كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ ويعفى عن كَثِيرِهِ أَيْ الشَّعَرِ النَّجِسِ من مَرْكُوبٍ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ عنه وَهَذَا ما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَخَالَفَ فيه الْقَاضِي فقال لو رَكِبَ حِمَارًا فَانْتُتِفَ منه شَعَرٌ وَالْتَصَقَ بِثِيَابِهِ فَلَا يُعْفَى إلَّا عن الْيَسِيرِ وَلَا يَجِبُ غَسْلُ الْبَيْضَةِ وَالْوَلَدِ إذَا خَرَجَا من فَرْجٍ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لم يَكُنْ مَعَهُمَا رُطُوبَةٌ نَجِسَةٌ وَلِوَسَخٍ انْفَصَلَ من حَيَوَانٍ حُكْمُ عَرَقِهِ طَهَارَةً وَنَجَاسَةً لِأَنَّهُ عَرَقٌ جَامِدٌ وَهَذَا ما ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ تَفَقُّهًا بَعْدَ نَقْلِهِ عن الْمُتَوَلِّي أَنَّ لِذَلِكَ حُكْمُ مَيْتَتِهِ وَحَمَلَ الْإِسْنَوِيُّ كَلَامَ الْمُتَوَلِّي على قِطَعٍ تَخْرُجُ من الْجِلْدِ الْخَشِنِ
فَصْلٌ كَثِيرُ الْمَاءِ قُلَّتَانِ وَالْقُلَّةُ لُغَةً الْجَرَّةُ الْعَظِيمَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الرَّجُلَ الْعَظِيمَ يُقِلُّهَا بِيَدَيْهِ أَيْ يَرْفَعُهَا
____________________
(1/13)
وَهُمَا أَيْ الْقُلَّتَانِ خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ أَفْصَحُ من فَتْحِهَا بَغْدَادِيٍّ تَقْرِيبًا رَوَى الشَّافِعِيُّ خَبَرَ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ بِقِلَالِ هَجَرَ لم يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ ثُمَّ رُوِيَ عن ابن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قال رَأَيْت قِلَالَ هَجَرَ فإذا الْقُلَّةُ منها تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أو قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا أَيْ من قِرَبِ الْحِجَازِ فَاحْتَاطَ الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ عنه فَحَسِبَ الشَّيْءَ نِصْفًا إذْ لو كان فَوْقَهُ لَقَالَ تَسَعُ ثَلَاثَ قِرَبٍ الْأَشْيَاءُ على عَادَةِ الْعَرَبِ فَتَكُونُ الْقُلَّتَانِ خَمْسُ قِرَبٍ
وَالْغَالِبُ أَنَّ الْقِرْبَةَ لَا تَزِيدُ على مِائَةِ رِطْلٍ بِالْبَغْدَادِيِّ فَالْمَجْمُوعُ بِهِ خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ تَقْرِيبًا فَيُعْفَى عن نقص ( ( ( نقصر ) ) ) رِطْلٍ وَرِطْلَيْنِ هذا ما صَحَّحَهُ في الرَّوْضَةِ وَصُحِّحَ في التَّحْقِيقِ ما جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ نَقْصُ قَدْرٍ لَا يَظْهَرُ بِنَقْصِهِ تَفَاوُتٌ في التَّغَيُّرِ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ من الْأَشْيَاءِ الْمُغَيَّرَةِ ومقدار الْقُلَّتَيْنِ بِالْمِسَاحَةِ بِكَسْرِ الْمِيمِ في الْمُرَبَّعِ ذِرَاعٌ وَرُبْعٌ طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا وفي الْمُدَوَّرِ ذِرَاعَانِ طُولًا وَذِرَاعٌ عَرْضًا قَالَهُ الْعِجْلِيّ وَالْمُرَادُ فيه بِالطُّولِ الْعُمْقُ وَبِالْعَرْضِ ما بين حَائِطَيْ الْبِئْرِ من سَائِرِ الْجَوَانِبِ وَالْمُرَادُ بِالذِّرَاعِ في الْمُرَبَّعِ ذِرَاعُ الْآدَمِيِّ الْمَذْكُورِ في قَصْرِ الصَّلَاةِ كما قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وهو شِبْرَانِ تَقْرِيبًا وقال الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ ذِرَاعُ النَّجَّارِ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالذِّرَاعِ مَحْكِيٌّ عِنْدَ الْمُهَنْدِسِينَ وَأَمَّا في الْمُدَوَّرِ فَالْمُرَادُ في الطُّولِ ذِرَاعُ النَّجَّارِ الذي هو بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ ذِرَاعٌ وَرُبْعٌ تَقْرِيبًا إذْ لو كان الذِّرَاعُ في طُولِهِ وَطُولِ الْمُرَبَّعِ وَاحِدًا مِمَّا مَرَّ لَاقْتَضَى ذلك أَنْ يَكُونَ الطُّولُ في الْمُدَوَّرِ ذِرَاعَيْنِ وَنِصْفًا تَقْرِيبًا إذَا كان الْعَرْضُ ذِرَاعًا
وَوَجْهُهُ أَنْ يُبَسَّطَ كُلٌّ من الْعَرْضِ وَمُحِيطِهِ وهو ثَلَاثَةُ أَمْثَالِهِ وَسُبْعٌ وَالطُّولِ أَرْبَاعًا لِوُجُودِ مَخْرَجِهَا في مِقْدَارِ الْقُلَّتَيْنِ في الْمُرَبَّعِ ثُمَّ يَضْرِبُ نِصْفَ الْعَرْضِ وهو اثْنَانِ في نِصْفِ الْمُحِيطِ وهو سِتَّةٌ وَسُبْعَانِ يَبْلُغُ اثْنَيْ عَشَرَ وَأَرْبَعَةَ أَسْبَاعٍ وهو بَسْطُ الْمُسَطَّحِ فَيُضْرَبُ في بَسْطِ الطُّولِ وهو عَشَرَةٌ يَبْلُغُ مِائَةً وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ رُبْعًا يَبْلُغُ مِقْدَارَ مَسْحِ الْقُلَّتَيْنِ في الْمُرَبَّعِ وهو مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ رُبْعًا مع زِيَادَةِ خَمْسَةِ أَسْبَاعٍ رُبْعٌ وَبِهَا حَصَلَ التَّقْرِيبُ فَلَوْ كان الذِّرَاعُ في طُولِ الْمُدَوَّرِ وَالْمُرَبَّعُ واحدا ( ( ( واحد ) ) ) وَطُولُ الْمُدَوَّرِ ذِرَاعَيْنِ لَكَانَ الْحَاصِلُ مِائَةَ رُبْعٍ وَأَرْبَعَةَ أَسْبَاعِ رُبْعٍ وَهِيَ أَنْقَصُ من مِقْدَارِ مَسْحِ الْقُلَّتَيْنِ بِخُمُسٍ تَقْرِيبًا وَدُونَهُمَا أَيْ وَدُونَ الْقُلَّتَيْنِ من مَاءٍ قَلِيلٍ فَيُنَجِّسُ هو وَرَطْبٌ غَيْرُهُ كَزَيْتٍ وَإِنْ كَثُرَ بِمُلَاقَاةِ نَجَاسَةٍ مُؤَثِّرَةٍ في التَّنْجِيسِ وَإِنْ لم يَتَغَيَّرْ بها أَمَّا الْمَاءُ فَلِخَبَرِ مُسْلِمٌ إذَا اسْتَيْقَظَ أحدكم من نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسُ يَدَهُ في الْإِنَاءِ حتى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فإنه لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ نَهَاهُ عن الْغَمْسِ خَشْيَةَ النَّجَاسَةِ
وَمَعْلُومٌ أنها إذَا خَفِيَتْ لَا تُغَيِّرُ الْمَاءَ فَلَوْلَا أنها تُنَجِّسُهُ بِوُصُولِهَا لم يَنْهَهُ وَلِمَفْهُومِ خَبَرِ أبي دَاوُد وَالْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لم يَحْمِلْ خَبَثًا وفي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ لم يَنْجُسْ فَمَعْنَى لم يَحْمِلْ خَبَثًا لم يَقْبَلْهُ وَمَفْهُومُ الْخَبَرِ مُخَصِّصٌ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال أَنَّهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ وَأَمَّا غَيْرُ الْمَاءِ فَبِالْأَوْلَى وَفَارَقَ كَثِيرُ الْمَاءِ كَثِيرَ غَيْرِهِ بِأَنَّ كَثِيرَهُ قَوِيٌّ وَيَشُقُّ حِفْظُهُ من النَّجَسِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَإِنْ كَثُرَ وَخَرَجَ بِالرَّطْبِ الْجَامِدُ الْخَالِي عن رُطُوبَةٍ عِنْدَ الْمُلَاقَاةِ وَبِالْمُؤَثِّرَةِ غَيْرُهَا مِمَّا يَأْتِي وَمِمَّا مَرَّ لَا إنْ شَكَّ في قِلَّتِهِ أَيْ الْمَاءِ فَلَا يَنْجُسُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَتُهُ وَشَكَكْنَا في نَجَاسَةٍ مُنَجِّسَةٍ وَلَا يَلْزَمُ من النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ هذا ما اخْتَارَهُ وَصَوَّبَهُ في الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا بَعْدَ نَقْلِهِ عن الْمَاوَرْدِيِّ وَآخَرِينَ أَنَّهُ نَجِسٌ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّ فيه احْتِمَالَيْنِ فَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ نَجِسٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ فيه الْقِلَّةُ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ لَكِنَّ مُدْرِكَهُ قَوِيٌّ
وَلَا يَنْجُسُ الْمَاءُ وَلَا غَيْرُهُ بِمَا لَا يُدْرِكُهُ طَرْفٌ أَيْ بَصَرٌ لِقِلَّتِهِ كما أَيْ كَنَجِسٍ يَحْمِلُهُ ذُبَابٌ بِرِجْلِهِ أو غَيْرِهَا لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عنه وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين وُقُوعِهِ في مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَوُقُوعِهِ في مَحَالَّ وهو قَوِيٌّ لَكِنْ قال الجيلي ( ( ( الجبلي ) ) ) صُورَتُهُ أَنْ يَقَعَ في مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَإِلَّا فَلَهُ حُكْمُ ما يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ
____________________
(1/14)
على الْأَصَحِّ قال ابن الرِّفْعَةِ وفي كَلَامِ الْإِمَامِ إشَارَةٌ إلَيْهِ كَذَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَقَرَّهُ وهو غَرِيبٌ وَالْأَوْجَهُ تَصْوِيرُهُ بِالْيَسِيرِ عُرْفًا لَا بِوُقُوعِهِ في مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ جَارٍ على الْغَالِبِ بِقَرِينَةِ تَعْلِيلِهِمْ السَّابِقَ قال وَقِيَاسُ اسْتِثْنَاءِ دَمِ الْكَلْبِ من يَسِيرِ الدَّمِ الْمَعْفُوِّ عنه أَنْ يَكُونَ هُنَا مِثْلُهُ
وَلَوْ تَنَجَّسَ فَمُ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ وَإِنْ لم يَعُمَّ اخْتِلَاطُهُ بِالنَّاسِ كَسَبُعٍ وَغَابَ غَيْبَةً وَأَمْكَنَ فيها وُرُودُهُ مَاءً كَثِيرًا ثُمَّ وَلَغَ في طَاهِرٍ مَاءٍ أو غَيْرِهِ لم يُنَجِّسْهُ مع الْحُكْمِ بِنَجَاسَةِ فَمِهِ لِأَنَّا لَا نُنَجِّسُ بِالشَّكِّ وفي ذلك عَمَلٌ بِالْأَصْلَيْنِ فَإِنْ لم يُمْكِنْ وُرُودُهُ مَاءً كَثِيرًا تَنَجَّسَ ما وَلَغَ فيه لِتَيَقُّنِ نَجَاسَةِ فَمِهِ وَالِاحْتِرَازُ وَإِنْ عَسُرَ إنَّمَا يَعْسُرُ عن مُطْلَقِ الْوُلُوغِ لَا عن وُلُوغٍ بَعْدَ تَيَقُّنِ النَّجَاسَةِ وَتَعْبِيرُهُ بِالْحَيَوَانِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِالْهِرَّةِ فَغَيْرُ الْهِرَّةِ من كل حَيَوَانٍ طَاهِرٍ مِثْلُهَا كما قَدَّمْته خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ وَلِمَا أَفْتَى بِهِ السُّبْكِيُّ من تَخْصِيصِ الْحُكْمِ بها
وَلَا يَنْجُسُ الْمَاءُ الْكَثِيرُ إلَّا بِتَغَيُّرٍ وَإِنْ قَلَّ التَّغَيُّرُ بِنَجَاسَةٍ مُلَاقِيَةٍ له لِلْإِجْمَاعِ الْمُخَصِّصِ لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ كما خَصَّصَهُ مَفْهُومُ خَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ كما مَرَّ وَإِنَّمَا أَثَّرَ التَّغَيُّرُ الْقَلِيلُ بِالنَّجَاسَةِ بِخِلَافِهِ في الطَّاهِرِ لِغِلَظِ أَمْرِهَا وَخَرَجَ بِالْمُلَاقِيَةِ ما صَرَّحَ بِهِ في قَوْلِهِ لَا بِجِيفَةٍ بِقُرْبِهِ فَلَا يَنْجُسُ بِتَغَيُّرِهِ بها وَإِنْ تَغَيَّرَ بَعْضُهُ فَالْمُتَغَيِّرُ كَنَجَاسَةٍ جَامِدَةٍ لَا يَجِبُ التَّبَاعُدُ عنها بِقُلَّتَيْنِ وَالْبَاقِي إنْ قَلَّ فَنَجِسٌ وَإِلَّا فَطَاهِرٌ وَفَرَّعَ على حُكْمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ من زِيَادَتِهِ تَبَعًا لِلْمَجْمُوعِ قَوْلُهُ فَإِنْ غَرَفَ دَلْوًا من مَاءٍ قُلَّتَيْنِ فَقَطْ وَفِيهِ نَجَاسَةٌ جَامِدَةٌ لم يَغْرِفْهَا مع الْمَاءِ فَبَاطِنُ الدَّلْوِ طَاهِرٌ لِانْفِصَالِ ما فيه عن الْبَاقِي قبل أَنْ يَنْقُصَ عن قُلَّتَيْنِ لَا ظَاهِرُهَا وفي نُسْخَةٍ لَا ظَاهِرُهُ لِتَنَجُّسِهِ بِالْبَاقِي الْمُتَنَجِّسِ بِالنَّجَاسَةِ لِقِلَّتِهِ فَإِنْ غَرَفَهَا مع الْمَاءِ بِأَنْ دَخَلَتْ معه أو قَبْلَهُ في الدَّلْوِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ وَالدَّلْوُ يُؤَنَّثُ وَيُذَكَّرُ لَكِنَّ التَّأْنِيثَ أَفْصَحُ وَلَوْ زَالَ التَّغَيُّرُ الْحِسِّيُّ أو التَّقْدِيرِيُّ يَرَى لِلْمَاءِ بِنَفْسِهِ بِأَنْ لم يَحْدُثْ فيه شَيْءٌ كَأَنْ زَالَ بِطُولِ مَكْثٍ أو بِمَاءٍ انْضَمَّ إلَيْهِ أو نَقَصَ منه وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ طَهُرَ لِزَوَالِ سَبَبِ التَّنَجُّسِ وَلَا يَضُرُّ عَوْدُ تَغَيُّرِهِ إنْ خَلَا عن نَجِسٍ جَامِدٍ قال بَعْضُهُمْ وَيُعْرَفُ زَوَالُ تَغَيُّرِهِ التَّقْدِيرِيُّ بِأَنْ يَمْضِيَ عليه زَمَنٌ لو كان تَغَيُّرُهُ حِسِّيًّا لَزَالَ عَادَةً أو يُضَمُّ إلَيْهِ مَاءٌ لو ضُمَّ إلَى الْمُتَغَيِّرِ حِسًّا لَزَالَ تَغَيُّرُهُ
وَذَلِكَ كَأَنْ يَكُونَ بِجَنْبِهِ غَدِيرٌ فيه مَاءٌ مُتَغَيِّرٌ فَزَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ أو بِمَاءٍ صُبَّ عليه فَيُعْلَمُ أَنَّ هذا أَيْضًا زَالَ تَغَيُّرُهُ لَا إنْ زَالَ حِسًّا بِعَيْنٍ سَاتِرَةٍ له كَالتُّرَابِ وَالْجِصِّ فَلَا يَطْهُرُ لِلشَّكِّ في أَنَّ التَّغَيُّرَ زَالَ أو اسْتَتَرَ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتَتَرَ وفي ذلك تَنْبِيهٌ على أَنَّهُ إنْ صَفَا الْمَاءُ ولم يَبْقَ تَغَيُّرٌ أو زَالَ تَغَيُّرُهُ بِمُجَاوِرٍ طَهُرَ وَبِالْأَوَّلِ صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ وَبِالثَّانِي الْقَفَّالُ في فَتَاوِيهِ
فَرْعٌ لو كَثُرَ وَلَوْ بِإِيرَادِ طَهُورِ مَاءٍ قَلِيلٍ أَيْ دُونَ قُلَّتَيْنِ مُتَنَجِّسٍ لم يَطْهُرْ حتى يَبْلُغَهُمَا بِالْمَاءِ لِأَنَّهُ قَلِيلٌ فيه نَجَاسَةٌ وَلِمَفْهُومِ خَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ فَإِنْ بَلَغَهُمَا بِالْمَاءِ وَلَوْ مُسْتَعْمَلًا وَمُتَنَجِّسًا طَهُرَ لَا إنْ بَلَغَهُمَا بِمَائِعٍ آخَرَ فَلَا يَطْهُرُ وَإِنْ اسْتَهْلَكَ فيه لِأَنَّهُ لم يَبْلُغْهُمَا بِالْمَاءِ الْمَعْلُومِ اعْتِبَارًا من خَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ وَإِبَاحَةِ التَّطَهُّرِ بِالْجَمِيعِ حَيْثُ لَا نَجَاسَةَ لِاسْتِهْلَاكِ الْمَائِعِ فيه لَا لِأَنَّهُ صَارَ مَاءً فَإِنْ قُلْت لِمَ جَعَلَ الْمُسْتَهْلَكَ كَالْمَاءِ في إبَاحَةِ التَّطَهُّرِ بِهِ ولم يَجْعَلْ كَذَلِكَ في دَفْعِ النَّجَاسَةِ عن نَفْسِهِ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ قُلْت لِأَنَّ هذا من بَابِ الدَّفْعِ وَالْأَوَّلُ من بَابِ الرَّفْعِ وَالدَّفْعُ أَقْوَى من الرَّفْعِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الدَّافِعُ أَقْوَى من الرَّافِعِ
____________________
(1/15)
وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ يَجُوزُ التَّطَهُّرُ بِهِ وَلَا يَدْفَعُ عن نَفْسِهِ النَّجَاسَةَ إذَا وَقَعَتْ فيه وَيُؤْخَذُ من الْحُكْمِ بِتَنَجُّسِهِ أَنَّهُ لو انْغَمَسَ فيه جُنُبٌ صَارَ مُسْتَعْمَلًا لِأَنَّهُ كما لَا يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ لَا يَدْفَعُ الِاسْتِعْمَالَ نَبَّهَ على ذلك الزَّرْكَشِيُّ وَيَكْفِي الضَّمُّ وَإِنْ لم يَمْتَزِجْ صَافٍ بِكَدِرٍ لِحُصُولِ الْقُوَّةِ بِالضَّمِّ لَكِنْ إنْ انْضَمَّا بِفَتْحِ حَاجِزٍ اُعْتُبِرَ اتِّسَاعُهُ وَمُكْثُهُ زَمَنًا يَزُولُ فيه التَّغَيُّرُ لو كان أَخْذًا من مَسْأَلَةِ الْكُوزِ الْآتِيَةِ وَلَا يَضُرُّ تَفْرِيقٌ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الضَّمِّ
وَلَوْ غُمِسَ كُوزُ مَاءٍ وَاسِعِ الرَّأْسِ في مَاءٍ كَمَّلَهُ قُلَّتَيْنِ وَسَاوَاهُ بِأَنْ كان الْإِنَاءُ مُمْتَلِئًا أو امْتَلَأَ بِدُخُولِ الْمَاءِ فيه وَمَكَثَ قَدْرًا يَزُولُ فيه تَغَيُّرٌ لو كان وَأَحَدُ الْمَاءَيْنِ نَجِسٌ أو مُسْتَعْمَلٌ طَهُرَ لِأَنَّ تَقَوِّي أَحَدِ الْمَاءَيْنِ بِالْآخَرِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَإِلَّا بِأَنْ كان ضَيِّقَ الرَّأْسِ أو وَاسِعَهُ بِحَيْثُ يَتَحَرَّك ما فيه بِتَحَرُّكِ الْآخَرِ تَحَرُّكًا عَنِيفًا لَكِنْ لم يَكْمُلْ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أو كَمُلَ لَكِنْ لم يَمْكُثْ زَمَنًا يَزُولُ فيه التَّغَيُّرُ لو كان أو مَكَثَ لَكِنْ لم يُسَاوِهِ الْمَاءُ فَلَا يَطْهُرُ فَأَفَادَ قَوْلُهُ وَسَاوَاهُ أَنَّ الْمَاءَ ما دَامَ يَدْخُلُ في الْإِنَاءِ لم يَطْهُرْ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَكَلَامُهُ أَعَمُّ من كَلَامِ أَصْلِهِ كما يُعْلَمُ بِالْوُقُوفِ عليه
وَلَا يَنْجُسُ أَسْفَلُ ما يَفُورُ بِتَنَجُّسِ أَعْلَاهُ كَعَكْسِهِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَكَذَا الرَّافِعِيُّ في بَابِ الصَّيْدِ وَلَوْ وُضِعَ كُوزٌ على نَجَاسَةٍ وَمَاؤُهُ خَارِجٌ من أَسْفَلِهِ لم يَنْجُسْ ما فيه ما دَامَ يَخْرُجُ فَإِنْ تَرَاجَعَ تَنَجَّسَ كما لو سَدَّ بِنَجِسٍ فَرْعٌ إذْ قَلَّ مَاءُ الْبِئْرِ وَتَنَجَّسَ لم يَطْهُرْ بِالنَّزَحِ بَلْ بِالتَّكْثِيرِ كَأَنْ يُتْرَكَ أو يَصُبَّ عليه مَاءٌ لِيَكْثُرَ قال في الْأَصْلِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُنْزَحَ لِيَنْبُعَ الْمَاءُ الطَّهُورُ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ نُزِحَ فَقَعْرُ الْبِئْرِ يَبْقَى نَجِسًا وقد تُنَجَّسُ جُدْرَانُ الْبِئْرِ أَيْضًا بِالنَّزَحِ
وَإِنْ كَثُرَ الْمَاءُ وَتَمَعَّطَ فيه فَأْرَةٌ مَثَلًا عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَتَفَتَّتَ فيه شَيْءٌ نَجِسٌ كَفَأْرَةٍ تَمَعَّطَ شَعْرُهَا ولم يَتَغَيَّرْ فَهُوَ طَاهِرٌ بِمَعْنَى طَهُورٍ تَعَذَّرَ وفي نُسْخَةٍ لَكِنْ يَتَعَذَّرُ اسْتِعْمَالُهُ بِاغْتِرَافِ شَيْءٌ منه بِدَلْوٍ أو نَحْوِهَا إذْ لَا يَخْلُو دَلْوٌ وفي نُسْخَةٍ كُلُّ دَلْوٍ منه أَيْ مِمَّا تَمَعَّطَ فَلْيَنْزِحْ ما غَلَبَ على ظَنِّهِ خُرُوجُهُ فيه عِبَارَةُ الْأَصْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَقَى الْمَاءُ كُلُّهُ لِيَخْرُجَ الشَّعْرُ معه فَإِنْ كانت الْعَيْنُ فَوَّارَةً وَتَعَذَّرَ نَزْحُ الْجَمِيعِ نَزَحَ ما يَغْلِبُ على الظَّنِّ أَنَّ الشَّعْرَ كُلَّهُ خَرَجَ معه فَإِنْ اغْتَرَفَ قبل النَّزَحِ ولم يَتَيَقَّنْ فِيمَا اغْتَرَفَهُ شَعْرًا لم يَضُرَّ وَإِنْ ظَنَّهُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ عَمَلًا بِتَقْدِيمِ الْأَصْلِ على الظَّاهِرِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعَذُّرِ فِيمَا مَرَّ التَّعَسُّرُ
فَصْلٌ الْمَاءُ الْجَارِي وهو ما يَجْرِي في مُسْتَوٍ أو مُنْخَفِضٍ مُتَفَاصِلٌ جَرَيَانُهُ حُكْمًا وَإِنْ اتَّصَلَتْ حِسًّا إذْ كُلُّ جَرْيَةٍ طَالِبَةٌ لِمَا أَمَامَهَا هَارِبَةٌ عَمَّا خَلْفَهَا وَالْمُتَغَيِّرُ منه بِنَجَاسَةٍ مُلَاقِيَةٍ له كَنَجَاسَةٍ جَامِدَةٍ في حُكْمِهَا وَالْجَامِدَةُ إنْ جَرَتْ بِجَرْيِهِ بِهَاءِ الضَّمِيرِ أو بِهَاءِ التَّأْنِيثِ أَيْ بِجَرْيِ الْمَاءِ أو بِجَرْيِهِ من جَرَيَانِهِ فما قَبْلَهَا أَيْ قبل جَرْيَةِ النَّجَاسَةِ وما بَعْدَهَا من الْجِرْيَات طَاهِرٌ وَجَرْيَةُ النَّجَاسَةِ وَهِيَ قَدْرُهَا أَيْ النَّجَاسَةِ في عَرْضِ النَّهْرِ لها حُكْمُ الرَّاكِدِ فِيمَا مَرَّ فينظر ( ( ( فينتظر ) ) ) إنْ بَلَغَتْ قُلَّتَيْنِ فَطَاهِرَةٌ مُطَهِّرَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ تَبَاعُدٌ عن النَّجَاسَةِ بِقُلَّتَيْنِ وَإِنْ لم تَبْلُغْهُمَا فنجسة ( ( ( فتنجسه ) ) ) وَلِلْجَرْيَةِ الثَّانِيَةِ وللجريات السَّبْعِ إنْ كانت أَيْ النَّجَاسَةُ كَلْبِيَّةً حُكْمُ الْغُسَالَةِ الْآتِي بَيَانُهُ في الْبَابِ الْآتِي لِأَنَّهَا تَغْسِلُ مَحَلَّ النَّجَاسَةِ في طُولِ النَّهْرِ التَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَتَفْسِيرُهُ الْجَرْيَةُ من زِيَادَتِهِ بِقَوْلِهِ وَهِيَ قَدْرُهَا في عَرْضِ النَّهْرِ قَرِيبٌ من قَوْلِ الْمُتَوَلِّي هِيَ الْقَدْرُ الْمُقَابِلُ لِحَافَّتَيْ النَّجَاسَةِ إلَى حَافَّتَيْ النَّهْرِ وقد بَيَّنْته في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وهو مع مُخَالَفَتِهِ لِلْمَشْهُورِ قَاصِرٌ على جَرْيَةِ النَّجَاسَةِ وَالْمَشْهُورُ ما في الْمَجْمُوعِ عن الْأَصْحَابِ أنها الدَّفْعَةُ بين حَافَّتَيْ النَّهْرِ عَرْضًا
وَإِنْ وَقَعَتْ
____________________
(1/16)
أَيْ النَّجَاسَةُ أو كان جَرْيُ الْمَاءِ أَسْرَعَ وَالْجَرْيَةُ أَيْ وَكُلُّ جَرْيَةٍ تَمُرُّ عليها قَلِيلَةٌ تُنَجِّسُ ما مَرَّ عليها من ذلك وَإِنْ امْتَدَّ فَرَاسِخَ وَبَلَغَ قِلَالًا لِمَا مَرَّ أَنَّ الْجَرْيَاتِ مُتَفَاصِلَةٌ حُكْمًا فَلَا يَتَقَوَّى بَعْضُهَا بِبَعْضٍ بِخِلَافِ الرَّاكِدِ وَالْجَرْيَةُ إذَا بَلَغَ كُلٌّ مِنْهُمَا قُلَّتَيْنِ وَيُعْرَفُ كَوْنُ الْجَرْيَةِ قُلَّتَيْنِ بِطَرِيقٍ ذَكَرْته في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَإِنْ كان أَمَامَ الْجَارِي ارْتِفَاعٌ يَرُدُّهُ فَلَهُ حُكْمُ الرَّاكِدِ هذا من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَفِيهِ وَلَوْ كان في وَسَطِ النَّهْرِ حُفْرَةٌ قال صَاحِبُ التَّقْرِيبِ نَقْلًا عن النَّصِّ لها حُكْمُ الرَّاكِدِ وَإِنْ جَرَى الْمَاءُ فَوْقَهَا قال الْغَزَالِيُّ وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كان الْجَارِي يَغْلِبُ مَاءَهَا وَيُبَدِّلُهُ فَلَهُ حُكْمُ الْجَارِي أَيْضًا وَإِنْ كان يَلْبَثُ فيها قَلِيلًا ثُمَّ يُزَايِلُهَا فَلَهُ في وَقْتِ اللُّبْثِ حُكْمُ الرَّاكِدِ وَكَذَا إنْ كان لَا يَلْبَثُ وَلَكِنْ تَتَثَاقَلُ حَرَكَتُهُ فَلَهُ في وَقْتِ التَّثَاقُلِ حُكْمُ الْمَاءِ الذي بين يَدَيْهِ ارْتِفَاعٌ
وَإِنْ كان يَتَوَضَّأُ من بِئْرٍ مَاؤُهَا قَلِيلٌ فَخَرَجَ منها دَجَاجَةٌ مَثَلًا مَيِّتَةٌ مُنْتَفِخَةٌ وَدَالُهَا مُثَلَّثَةٌ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ أَعَادَ من صَلَاتِهِ ما تَيَقَّنَ أَنَّهُ صَلَّاهُ بِالنَّجَسِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لو غَلَبَ على ظَنِّهِ اسْتِعْمَالُ النَّجَسِ لَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَفِيهِ نَظَرٌ قُلْت الْأَوْجَهُ عَدَمُ لُزُومِهَا أَخْذًا مِمَّا قَدَّمْته قُبَيْلَ الْفَصْلِ وَوَصَفْت الدَّجَاجَةَ بِالِانْتِفَاخِ لِأَنَّهُ يَدُلُّ على تَقَادُمِ مَوْتِهَا مع أَنَّ ذِكْرَهُ مِثَالٌ لَا تَقْيِيدٌ
فَرْعٌ لو وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ في مَاءٍ كَثِيرٍ فلم تُغَيِّرْهُ في الْحَالِ وَتَغَيَّرَ بَعْدَ مُدَّةٍ قال ابن كَجٍّ رَجَعْنَا إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَإِنْ قالوا تَغَيَّرَ بها حُكِمَ بِنَجَاسَتِهِ وَإِلَّا فَلَا قال الْأَذْرَعِيُّ ولم أَرَ ما يُوَافِقُهُ وَلَا ما يُخَالِفُهُ قُلْت نُقِلَ في الْمَجْمُوعِ عن الدَّارِمِيِّ ما يُخَالِفُهُ لَكِنَّهُ نَظَرَ فيه وَبَيَّنْته في شَرْحِ الْبَهْجَةِ قال أَعْنِي الْأَذْرَعِيَّ وإذا كان أَهْلُ الْخِبْرَةِ يَعْرِفُونَ التَّغَيُّرَ النَّاشِئَ عن النَّجَاسَةِ وَغَيْرِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُرْجَعَ إلَيْهِمْ فِيمَا سَيَأْتِي في بَوْلِ الظَّبْيَةِ
بَابُ بَيَانِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ تَجِبُ إزَالَتُهَا لِلصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا كما سَيَأْتِي وَلَا يُشْتَرَطُ فيها النِّيَّةُ لِأَنَّهَا تَرْكٌ كَتَرْكِ الزِّنَا وَالْغَصْبِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهِمَا وَالصَّوْمِ لِكَوْنِهِ كَفًّا مَقْصُودًا لِقَمْعِ الشَّهْوَةِ وَمُخَالَفَةِ الْهَوَى الْتَحَقَ بِالْفِعْلِ وَلَمَّا كان لِلذَّكَاةِ شَبَهٌ ما بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ ذَكَرَ هُنَا حُكْمَهَا الْمُنَاسِبَ لِذَلِكَ فقال الذَّكَاةُ أَيْ الْآتِي بَيَانُهَا في مَحَلِّهَا تَحْفَظُ طَهَارَةَ الْمَأْكُولِ حتى جِلْدَهُ لِمَا سَيَأْتِي من حِلِّ أَكْلِهِ فَقَطْ أَيْ دُونَ طَهَارَةِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ وفي نُسْخَةٍ طَهَارَةِ جِلْدِ الْمَأْكُولِ وَيَلْزَمُهَا إيهَامُ نَجَاسَةِ غَيْرِ الْجِلْدِ وَعَدَمُ الْوَفَاءِ بِمَا في الْأَصْلِ وَالدِّبَاغُ بِمَعْنَى الِانْدِبَاغِ وَلَوْ بِإِلْقَاءِ الرِّيحِ لِمَا يُدْبَغُ فِيمَا يُدْبَغُ بِهِ أو بِالْعَكْسِ بِحِرِّيفٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ نَازِعٌ لِلْفُضُولِ بِحَيْثُ لَا يُفْسِدُهُ أَيْ لَا يُنْتِنُهُ ما يَقَعُ هو فيه
وَلَوْ كان الِانْدِبَاغُ بِنَجِسٍ كَذَرْقِ حَمَامٍ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَبِغَيْرِ مَاءٍ في أَثْنَاءِ الدِّبَاغِ لَا بِتَمْلِيحٍ وَتَشْمِيسٍ مَعْطُوفٌ على بِحِرِّيفٍ يُطَهِّرُ أَيْ الِانْدِبَاغُ جِلْدَ غَيْرِ كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ وَفَرْعِهِمَا أَيْ فَرْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا مع غَيْرِهِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ وَخَبَرِ أبي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال في شَاةٍ مَيِّتَةٍ لو أَخَذْتُمْ إهَابَهَا قالوا إنَّهَا مَيِّتَةٌ فقال يُطَهِّرُهَا الْمَاءُ وَالْقَرْظُ وَقِيسَ بِهِ ما في مَعْنَاهُ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْإِحَالَةُ من طَاهِرٍ وَنَجِسٍ بِخِلَافِ الْمِلْحِ وَالشَّمْسِ وَنَحْوِهِمَا إذْ ليس فيها ذلك وهو مَفْهُومٌ من قَوْلِهِ نَازَعَ إلَخْ فَقَوْلُهُ لَا بِتَمْلِيحٍ وَتَشْمِيسٍ إيضَاحٌ وَلِكَوْنِ
____________________
(1/17)
الدَّبْغِ إحَالَةٌ لم يَجِبْ فيه الْمَاءُ وَلِهَذَا جَازَ بِالنَّجِسِ الْمُحَصِّلِ لِذَلِكَ كما تَقَرَّرَ وَأَمَّا خَبَرُ يُطَهِّرُهَا الْمَاءُ وَالْقَرْظُ فَمَحْمُولٌ على النَّدْبِ أو على الطَّهَارَةِ الْمُطْلَقَةِ أَمَّا جِلْدُ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ فَلَا يُطَهِّرُهُ ذلك لِأَنَّ سَبَبَ نَجَاسَةِ الْمَيِّتَةِ تَعَرُّضُهَا لِلْعُفُونَةِ وَالْحَيَاةُ أَبْلَغُ في دَفْعِهَا فإذا لم تُفِدْ الطَّهَارَةُ فَالِانْدِبَاغُ أَوْلَى لَا شَعْرُهُ فَلَا يُطَهِّرُهُ الِانْدِبَاغُ لِعَدَمِ تَأَثُّرِهِ بِهِ
وَهَذَا مَفْهُومٌ من الْجِلْدِ فَذِكْرُهُ إيضَاحٌ قال النَّوَوِيُّ وَيُعْفَى عن قَلِيلِهِ فَيَطْهُرُ تَبَعًا وَاسْتَشْكَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ ما لَا يَتَأَثَّرُ بِالدَّبْغِ كَيْفَ يَطْهُرُ قَلِيلُهُ وَأَجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ يَطْهُرُ أَيْ يُعْطَى حُكْمَ الطَّاهِرِ انْتَهَى وقد يُوَجَّهُ ذلك بِأَنَّهُ يَطْهُرُ تَبَعًا لِلْمَشَقَّةِ وَإِنْ لم يَتَأَثَّرْ بِالدَّبْغِ كما يَطْهُرُ دَنُّ الْخَمْرِ تَبَعًا وَإِنْ لم يَكُنْ فيه تَخَلُّلٌ على أَنَّ السُّبْكِيَّ قال بِطَهَارَةِ الشَّعْرِ مُطْلَقًا أخذا ( ( ( أخذ ) ) ) بِخَبَرٍ في صَحِيحِ مُسْلِمٍ قال وَهَذَا لَا شَكَّ عِنْدِي فيه وهو الذي اخْتَارَهُ وَأَفْتَى بِهِ وَيَصِيرُ الْمُنْدَبِغُ كَثَوْبٍ نَجِسٍ في أَنَّهُ يُصَلِّيَ فيه إنْ غُسِلَ وَيُبَاعُ وَإِنْ لم يُغْسَلْ ما لم يَمْنَعْ مَانِعٌ وَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إنَّمَا حُرِّمَ من الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا وَيَحْرُمُ ذَبْحُ ما لَا يُؤْكَلُ كَبَغْلٍ وَحِمَارٍ وَلَوْ لِجِلْدِهِ أَيْ لِدَبْغِ جِلْدِهِ أو اصْطِيَادٍ بِلَحْمِهِ لِلنَّهْيِ عن ذَبْحِ الْحَيَوَانِ إلَّا لِمَأْكَلِهِ رَوَاهُ ابن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَالتَّصْرِيحُ بِمَسْأَلَةِ الِاصْطِيَادِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَتَطْهُرُ خَمْرٌ وَلَوْ غير مُحْتَرَمَةٍ تَخَلَّلَتْ وَلَوْ بِتَشْمِيسٍ أو فَتْحِ رَأْسِ الدَّنِّ لِزَوَالِ الشِّدَّةِ من غَيْرِ نَجَاسَةٍ حَلَّتْهَا لَا إنْ تَخَلَّلَتْ مع وُجُودِ عَيْنٍ فيها وَإِنْ لم تُؤَثِّرْ في التَّخَلُّلِ كَحَصَاةٍ وَحَبَّةِ عِنَبٍ تَخَمَّرَ جَوْفُهَا أو مع تَنَجُّسٍ لها بِنَجِسٍ وَلَوْ وَقَعَ كُلٌّ من الْعَيْنِ وَالنَّجِسِ في عَصِيرِهِ أَيْ الْخَلِّ أو الْخَمْرِ على لُغَةِ من يُذَكِّرُهَا وَنُزِعَ النَّجَسُ منها قبل تَخَلُّلِهَا فَلَا تَطْهُرُ لِبَقَائِهَا على نَجَاسَتِهَا في الثَّانِيَةِ وَلِتَنْجِيسِهَا بَعْدَ تَخَلُّلِهَا بِالْعَيْنِ التي تَنَجَّسَتْ بها في الْأُولَى وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ كَغَيْرِهِ أنها تَطْهُرُ بِالتَّخَلُّلِ إذَا نُزِعَتْ منها الْعَيْنُ الطَّاهِرَةُ قَبْلَهُ وهو ظَاهِرٌ وَيَتْبَعُهَا في الطَّهَارَةِ لِلضَّرُورَةِ الدَّنُّ وَإِنْ غَلَتْ حتى ارْتَفَعَتْ وَتَنَجَّسَ بها ما فَوْقَهَا منه وَتَشْرَبُ منها فَإِنْ ارْتَفَعَتْ بِلَا غَلَيَانٍ بَلْ بِفِعْلِ فَاعِلٍ قال الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ فَلَا يَطْهُرُ الدَّنُّ إذْ لَا ضَرُورَةَ وَكَذَا الْخَمْرُ لِاتِّصَالِهَا بِالْمُرْتَفِعِ النَّجِسِ نعم لو غُمِرَ الْمُرْتَفِعُ قبل جَفَافِهِ بِخَمْرٍ أُخْرَى طَهُرَتْ بِالتَّخَلُّلِ انْتَهَى وفي تَقْيِيدِهِ بِالْجَفَافِ كَلَامٌ ذَكَرْته في شَرْحِ الْبَهْجَةِ قال وَلَوْ نُقِلَتْ من دَنٍّ إلَى آخَرَ طَهُرَتْ بِالتَّخَلُّلِ بِخِلَافِ ما لو أُخْرِجَتْ منه ثُمَّ صُبَّ فيه عَصِيرٌ فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ وما نُقِلَ عنه من أنها نَجِسَةٌ فِيهِمَا وَهْمٌ وَخَرَجَ بِالْخَمْرِ النَّبِيذُ فَلَا يَطْهَرُ بِالتَّخَلُّلِ لِوُجُودِ الْمَاءِ فيه وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ يَطْهُرُ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ لِأَنَّ الْمَاءَ من ضَرُورَتِهِ
وَإِنْ وفي نُسْخَةٍ وَلَوْ اخْتَلَطَ عَصِيرٌ بِخَلٍّ مَغْلُوبٍ ضَرَّ لِأَنَّهُ لِقِلَّةِ الْخَلِّ فيه يَتَخَمَّرُ فَيَتَنَجَّسُ بِهِ بَعْدَ تَخَلُّلِهِ أو بِخَلٍّ غَالِبٍ فَلَا يَضُرُّ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالظَّاهِرَ عَدَمُ التَّخَمُّرِ وَسَيَأْتِي فيه في الرَّهْنِ زِيَادَةٌ وَقَوْلُهُ وَلَوْ بِتَشْمِيسٍ إلَى هُنَا مَذْكُورٌ في الْأَصْلِ في الرَّهْنِ ما عَدَا عَدَمِ طُهْرِهَا عِنْدَ مُصَاحَبَةِ نَجِسٍ فَمِنْ زِيَادَتِهِ تَبَعًا لِلْمُتَوَلِّي وَبِهِ أَفْتَى النَّوَوِيُّ
وَيَطْهُرُ كُلُّ نَجِسٍ اسْتَحَالَ حَيَوَانًا كَدَمِ بَيْضَةٍ اسْتَحَالَ فَرْخًا على الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ وَلَوْ كان الْحَيَوَانُ دُودَ كَلْبٍ لِأَنَّ
____________________
(1/18)
لِلْحَيَاةِ أَثَرًا بَيِّنًا في دَفْعِ النَّجَاسَةِ وَلِهَذَا نَظَرَا بِزَوَالِهَا وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ دُودَ كَلْبٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ تَخَلَّقَ من الْكَلْبِ وقد مَنَعَهُ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ بِأَنَّ الدُّودَ الْمُتَوَلِّدَ من النَّجَاسَةِ لَا يُخَلَّقُ منها وَإِنَّمَا يَتَوَلَّدُ فيها كَدُودِ الْخَلِّ لَا يُخَلَّقُ منه بَلْ يَتَوَلَّدُ فيه لَا إنْ اسْتَحَالَ رَمَادًا وَمِلْحًا وَنَحْوَهُمَا فَلَا يَطْهُرُ
وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ ثُمَّ النَّجَاسَةُ إمَّا عَيْنِيَّةٌ وَهِيَ التي تَحُسُّ أو حُكْمِيَّةٌ وَهِيَ بِخِلَافِهَا كَبَوْلٍ جَفَّ ولم يُوجَدْ له أَثَرٌ وَلَا رِيحٌ وقد بَيَّنَ حُكْمَهُمَا فقال وَيَطْهُرُ مُتَنَجِّسٌ بِعَيْنِيَّةٍ بِغَسْلٍ مُزِيلٍ لِلطَّعْمِ وَإِنْ عَسُرَ إزَالَتُهُ لِسُهُولَتِهَا غَالِبًا فَأَلْحَقَ بِهِ نَادِرُهَا وَلِأَنَّ بَقَاءَهُ يَدُلُّ على بَقَاءِ الْعَيْنِ وَكَذَا مُزِيلٌ لِلَوْنٍ وَرِيحٍ سَهْلَيْنِ فَإِنْ عَسُرَ أو بَقِيَا مَعًا بِمَحْمَلٍ وَاحِدٍ لم يَطْهُرْ أَيْ الْمُتَنَجِّسُ لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِمَا على بَقَاءِ الْعَيْنِ أو بَقِيَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ وَلَوْ رِيحًا طَهُرَ لِلْمَشَقَّةِ وَمُزِيلُ الْعَيْنِ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ تَعَدَّدَ الْفِعْلُ وَلَوْ كان الْغَسْلُ من نَجَاسَةٍ كَلْبِيَّةٍ حتى لو لم يُزِلْهَا إلَّا سِتُّ غَسَلَاتٍ مَثَلًا حُسِبَتْ مَرَّةً وَصُحِّحَ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أنها تُحْسَبُ سِتًّا وَيَطْهُرُ بِالْغَسْلِ مَصْبُوغٌ بِمُتَنَجِّسٍ انْفَصَلَ عنه ولم يَزِدْ أَيْ الْمَصْبُوغُ وَزْنًا بَعْدَ الْغَسْلِ على وَزْنِهِ قبل الصَّبْغِ وَإِنْ بَقِيَ اللَّوْنُ لِعُسْرِ زَوَالِهِ بِخِلَافِ ما إذَا زَادَ وَزْنًا أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي في الْغُسَالَةِ فَإِنْ لم يَنْفَصِلْ عنه لِتَعَقُّدِهِ بِهِ لم يَطْهُرْ لِبَقَاءِ النَّجَاسَةِ فيه
وَقَوْلُهُ وَيَطْهُرُ بِالْغَسْلِ إلَخْ من زِيَادَتِهِ إلَّا صَدَّرَهُ من غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَا مَرَّ فَفِي الرَّوْضَةِ في الْبَيْعِ وَيَطْهُرُ الْمُتَنَجِّسُ في الْحُكْمِيَّةِ بِجَرَيَانِ الْمَاءِ عليه وَلَوْ لم يُعْصَرْ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَالصَّقِيلُ من سَيْفٍ وَسِكِّينٍ وَنَحْوِهِمَا كَغَيْرِهِ في أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِغَسْلِهِ فَلَا يَطْهُرُ بِمَسْحِهِ وَيُبَادِرُ وُجُوبًا بِهِ أَيْ بِغَسْلِ الْمُتَنَجِّسِ عَاصٍ بِالتَّنْجِيسِ كَأَنْ اسْتَعْمَلَ النَّجَاسَةَ في بَدَنِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ خُرُوجًا من الْمَعْصِيَةِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَعْصِ بِهِ فَلِلصَّلَاةِ أَيْ فَلْيُبَادِرْ بِذَلِكَ وُجُوبًا لِلصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا فَقَطْ وَنُدِبَ تَعْجِيلٌ بِهِ فِيمَا عَدَا ذلك نعم إنْ كانت مُغَلَّظَةً فَيَنْبَغِي وُجُوبُ تَعْجِيلِ إزَالَتِهَا مُطْلَقًا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ قال الْإِسْنَوِيُّ وَالْعَاصِي بِالْجَنَابَةِ يُحْتَمَلُ إلْحَاقُهُ بِالْعَاصِي بِالتَّنْجِيسِ قال وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ لِأَنَّ الذي عَصَى بِهِ هُنَا مُتَلَبِّسٌ بِهِ بِخِلَافِهِ ثُمَّ وندب حَتٌّ بِالْمُثَنَّاةِ وَقَرْصٌ بِالْمُهْمَلَةِ إذَا لم يَجِبَا بِأَنْ لم تَتَوَقَّفْ الْإِزَالَةُ عَلَيْهِمَا فَإِنْ تَوَقَّفَتْ عَلَيْهِمَا وَجَبَا وَقَوْلُهُ لِنَحْوِ دَمٍ مُتَعَلِّقٌ بِهِمَا وَتَقْيِيدُ نَدْبِهِمَا بِمَا ذُكِرَ من زِيَادَتِهِ جَمَعَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ بين إطْلَاقِ قَوْلَيْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وندب التَّثْلِيثُ بَعْدَ الْإِزَالَةِ اسْتِظْهَارًا كَطُهْرِ الْحَدَثِ وندب لِنَحْوِ ثَوْبٍ أَيْ لِغَسْلِهِ من نَجَاسَةٍ عَصْرٌ له خُرُوجًا من الْخِلَافِ في وُجُوبِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِنَدْبِ الْعَصْرِ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ أَوْرَدَ إنْسَانٌ أو غَيْرُهُ كَرِيحٍ مُتَنَجِّسًا على مَاءٍ قَلِيلٍ نَجَّسَهُ لِمَا مَرَّ في الْبَابِ السَّابِقِ وَالْمَاءُ الْوَارِدُ على الْمُتَنَجِّسِ طَهُورٌ ما لم يَتَغَيَّرْ أو يَنْفَصِلْ عنه لِقُوَّتِهِ لِكَوْنِهِ فَاعِلًا فَإِنْ تَغَيَّرَ فَنَجِسٌ كما مَرَّ أو انْفَصَلَ عنه فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي في آخِرِ الْبَابِ وَالتَّصْرِيحُ بِالْقَيْدِ الثَّانِي من زِيَادَتِهِ وإذا كان طَهُورًا فِيمَا ذُكِرَ فَلْيُدِرْهُ في الْإِنَاءِ يَطْهُرُ وَلَا يَطْهُرُ مَائِعٌ وَلَوْ كان دُهْنًا لِخَبَرِ أبي دَاوُد وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ ابن حِبَّانَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم سُئِلَ
____________________
(1/19)
عن الْفَأْرَةِ تَمُوتُ في السَّمْنِ فقال إنْ كان جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وما حَوْلَهَا وَإِنْ كان مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ وفي رِوَايَةٍ لِلْخَطَّابِيِّ فَأَرِيقُوهُ فَلَوْ أَمْكَنَ تَطْهِيرُهُ لم يَقُلْ فيه ذلك وَالْجَامِدُ هو الذي إذَا أُخِذَ منه قِطْعَةٌ لَا يَتَرَادَّ من الْبَاقِي ما يَمْلَأُ مَحَلَّهَا على قُرْبٍ وَالْمَائِعُ بِخِلَافِهِ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ
وَلَوْ صُبَّ على مَوْضِعِ بَوْلٍ أو خَمْرٍ أو نَحْوِهِمَا من أَرْضٍ ما أَغْمَرَهُ طَهُرَ وَلَوْ لم يَنْضُبْ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يَغُرْ وَاللَّبِنُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ إنْ خَالَطَ نَجَاسَةً جَامِدَةً كَالرَّوْثِ لم يَطْهُرْ وَإِنْ طُبِخَ بِأَنْ صَارَ آجُرًّا لِعَيْنِ النَّجَاسَةِ أو خَالَطَ غَيْرَهَا كَالْبَوْلِ طَهُرَ ظَاهِرُهُ بِالْغَسْلِ وَكَذَا بَاطِنُهُ إنْ نَقَعَ فيه أَيْ في الْمَاءِ وَلَوْ مَطْبُوخًا إنْ كان رَخْوًا يَصِلُهُ الْمَاءُ كَالْعَجِينِ بِمَائِعٍ نَجِسٍ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ رَخْوًا فَمَدْقُوقًا أَيْ فَيَظْهَرُ بَاطِنُهُ مَدْقُوقًا بِحَيْثُ يَصِيرُ تُرَابًا بِخِلَافِهِ غير مَدْقُوقٍ وَوَقَعَ في نُسْخَةٍ ما يُخَالِفُ ما شَرَحْت عليه فَاعْلَمْهُ وَإِنْ سُقِيَتْ سِكِّينٌ أو طُبِخَ لَحْمٌ بِمَاءٍ نَجِسٍ كَفَى غَسْلُهُمَا وَلَا يُحْتَاجُ إلَى سَقْيِ السِّكِّينِ وَإِغْلَاءِ اللَّحْمِ بِالْمَاءِ وَقَوْلُهُ كَالرَّوْضَةِ مع عَصْرِ اللَّحْمِ مَبْنِيٌّ على ضَعِيفٍ وهو اشْتِرَاطُ الْعَصْرِ وَاسْتَشْكَلَ الِاكْتِفَاءُ بِغَسْلِ ظَاهِرِ السِّكِّينِ بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِهِ في الْآجُرِّ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لم يَكْتَفِ بِهِ في الْآجُرِّ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ مُتَأَتٍّ من غَيْرِ مُلَابَسَةٍ له فَلَا حَاجَةَ لِلْحُكْمِ بِتَطْهِيرِ بَاطِنِهِ من غَيْرِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَيْهِ بِخِلَافِ السِّكِّينِ وقال بَعْضُهُمْ مُرَادُ الْقَائِلِ بِطَهَارَةِ بَاطِنِهَا الِاكْتِفَاءُ بِغَسْلِ ظَاهِرِهَا قال وَبِهِ صَرَّحَ في الشَّامِلِ في صَلَاةِ الْخَوْفِ فقال طَهُرَتْ وَإِنْ لم يَصِلْ الْمَاءُ إلَى بَاطِنِهَا لِتَعَذُّرِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَيْهِ فَعُفِيَ عنه
وَيَطْهُرُ الزِّئْبَقُ الْمُتَنَجِّسُ بِغَسْلِ ظَاهِرِهِ إنْ لم يَتَخَلَّلْ بين تَنَجُّسِهِ وَغَسْلِهِ تَقَطَّعَ وَإِلَّا لم يَطْهُرْ كَالدُّهْنِ لِأَنَّهُ لَا يَتَقَطَّعُ عِنْدَ مُلَاقَاةِ الْمَاءِ على الْوَجْهِ الذي يَتَقَطَّعُ عِنْدَ إصَابَةِ النَّجَاسَةِ وَلَا يَنْجُسُ إلَّا بِتَوَسُّطِ رُطُوبَةٍ لِأَنَّهُ جَافٌّ فَلَوْ وَقَعَتْ فيه فَأْرَةٌ فَمَاتَتْ وَلَا رُطُوبَةَ لم يَنْجُسْ قَالَهُ ابن الْقَطَّانِ وَالزِّئْبَقُ بِالْهَمْزِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَيُقَالُ بِكَسْرِهَا وَيَكْفِي غَسْلُ مَوْضِعِ نَجَاسَةٍ وَقَعَتْ على ثَوْبٍ وَلَوْ عَقِيبَ عَصْرِهِ وَلَا يَجِبُ غَسْلُ جَمِيعِهِ وَعَقِيبُ بِالْيَاءِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَالْكَثِيرُ تَرْكُ الْيَاءِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَكَذَا يَكْفِي غَسْلُ مَكَانِ نَجَاسَةٍ لو صُبَّ مَاءٌ على مَكَانِهَا وَانْتَشَرَ حَوْلَهَا فَلَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ مَحَلِّ الِانْتِشَارِ لِأَنَّ الْمَاءَ الْوَارِدَ على النَّجَاسَةِ طَهُورٌ ما لم يَتَغَيَّرْ ولم يَنْفَصِلْ كما مَرَّ
ويكفي في تَطْهِيرِ بَوْلِ صَبِيٍّ لم يُطْعَمْ غير اللَّبَنِ لِلتَّغَذِّي لَا صَبِيَّةٍ وَخُنْثَى نَضْحٌ بِالْمَاءِ بِشَرْطِ غَلَبَتِهِ وَإِنْ لم يَسِلْ أَمَّا بَوْلُ الصَّبِيَّةِ وَالْخُنْثَى فَلَا بُدَّ فيه من الْغَسْلِ وَيَحْصُلُ بِالسَّيَلَانِ مع الْغَلَبَةِ فَالنَّضْحُ الْمُرَادُ غَلَبَةُ الْمَاءِ بِلَا سَيَلَانَ وَالْأَصْلُ في ذلك خَبَرُ يُغْسَلُ من بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَيُرَشُّ من بَوْلِ الْغُلَامِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وابن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الِابْتِلَاءَ بِحَمْلِهِ أَكْثَرُ وَبِأَنَّ بَوْلَهُ أَرَقُّ من بَوْلِهَا فَلَا يَلْصَقُ بِالْمَحَلِّ لُصُوقَ بَوْلِهَا بِهِ وَأُلْحِقَ بِبَوْلِهَا بَوْلُ الْخُنْثَى من أَيِّ فَرْجَيْهِ خَرَجَ وَعُلِمَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ النَّضْحَ تَحْنِيكُ الصَّبِيِّ بِتَمْرٍ وَنَحْوِهِ وَلَا تَنَاوَلَهُ السَّفُوفُ وَنَحْوُهُ لِلْإِصْلَاحِ
وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ النَّضْحِ قبل تَمَامِ الْحَوْلَيْنِ إذْ الرَّضَاعُ بَعْدَهُ كَالطَّعَامِ كما نُقِلَ عن النَّصِّ وَسِيَاقُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالْأَصْلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ فيه التَّثْلِيثُ وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ كما اقْتَضَاهُ تَوْجِيهُهُمْ السَّابِقُ في التَّثْلِيثِ في غَيْرِهِ وَتَصْرِيحُهُمْ بِذَلِكَ في النَّجَاسَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ وَأَنَّهُ يَكْتَفِي فيه بِالنَّضْحِ مع بَقَاءِ أَوْصَافِهِ وَجَرَى عليه الزَّرْكَشِيُّ في اللَّوْنِ وَالرِّيحِ وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ
____________________
(1/20)
وَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ على الْغَالِبِ من سُهُولَةِ زَوَالِهِ قال وَلَوْ شَرِبَ صَبِيٌّ لَبَنًا نَجِسًا أو مُتَنَجِّسًا فَيَنْبَغِي وُجُوبُ الْغَسْلِ من بَوْلِهِ كما لو شَرِبَتْ السَّخْلَةُ لَبَنًا نَجِسًا يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ إنْفَحَتِهَا وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ كما مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ في الْمَقِيسِ عليه
فَصْلٌ لَا يَطْهُرُ مُتَنَجِّسٌ بِكَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ وَفَرْعِ كُلٍّ أَيْ بِوَاحِدٍ منها أو بِمُتَنَجِّسٍ بِذَلِكَ إلَّا بِسَبْعٍ من الْغَسَلَاتِ بِالْمَاءِ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ لِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ في الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وفي رِوَايَةٍ له وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ أَيْ بِأَنْ يُصَاحِبَ السَّابِعَةَ كما في رِوَايَةِ أبي دَاوُد السَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ وفي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ أُولَاهُنَّ أو أُخْرَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَبَيْنَ رِوَايَتَيْ مُسْلِمٍ تَعَارُضٌ في مَحَلِّ التُّرَابِ فَتَتَسَاقَطَانِ في تَعْيِينِ مَحَلِّهِ وَيُكْتَفَى بِوُجُودِهِ في وَاحِدَةٍ من السَّبْعِ كما في رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ إحْدَاهُنَّ بِالْبَطْحَاءِ وَيُقَاسُ بِالْوُلُوغِ غَيْرُهُ كَبَوْلِهِ وَبِالْكَلْبِ غَيْرُهُ مِمَّا ذُكِرَ وَلَوْ تَنَجَّسَ خُفٌّ بِشَعْرِ خِنْزِيرٍ لم يَطْهُرْ بِمَا ذُكِرَ مَحَلُّ الْخَرْزِ لَكِنَّهُ يُعْفَى عنه فَيُصَلَّى فيه الْفَرَائِضُ وَالنَّوَافِلُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ وَإِنَّمَا لم يُصَلِّ فيه أبو زَيْدٍ الْفَرَائِضَ احْتِيَاطًا لها ذَكَرَهُ في الرَّوْضَةِ في الْأَطْعِمَةِ وَالْمُصَنِّفُ في شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَلَا يَقُومُ غَيْرُ التُّرَابِ كَأُشْنَانٍ وَصَابُونٍ مَقَامَهُ وَإِنْ أَفْسَدَ الثَّوْبَ وزاد في الْغَسَلَاتِ فَجَعَلَهَا ثَمَانِيًا مَثَلًا لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ التَّطْهِيرُ الْوَارِدُ وهو لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ
وَلْيَكُنْ التُّرَابُ الذي يُغْسَلُ بِهِ ذلك طَاهِرًا غير مُسْتَعْمَلٍ في حَدَثٍ أو خَبَثٍ كَالْمَاءِ وَالتَّصْرِيحُ بِغَيْرِ الْمُسْتَعْمَلِ من زِيَادَتِهِ يَعُمُّ مَحَلَّ النَّجَاسَةِ بِأَنْ يَكُونَ قَدْرًا يُكَدِّرُ الْمَاءَ وَيَصِلُ بِوَاسِطَتِهِ إلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمَحَلِّ وَلْيَكُنْ مَمْزُوجًا بِالْمَاءِ قبل وَضْعِهِمَا على الْمَحَلِّ أو بَعْدَهُ بِأَنْ يُوضَعَا وَلَوْ مرتين ( ( ( مر ) ) ) ثُمَّ يُمْزَجَا قبل الْغَسْلِ وَإِنْ كان الْمَحَلُّ رَطْبًا إذْ الطَّهُورُ الْوَارِدُ على الْمَحَلِّ بَاقٍ على طَهُورِيَّتِهِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ ابن الرِّفْعَةِ فِيمَا لو وَضَعَ التُّرَابَ أَوَّلًا وَمِثْلُهُ عَكْسُهُ بِلَا رَيْبٍ وَهَذَا مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ وهو الْمُعْتَمَدُ كما قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وما وَقَعَ لِلْإِسْنَوِيِّ من أَنَّهُ يَجِبُ الْمَزْجُ قبل الْوَضْعِ كما صَرَّحَ بِهِ الْجُوَيْنِيُّ في التَّبْصِرَةِ وَأَنَّ ما قَالَهُ ابن الرِّفْعَةِ مَرْدُودٌ يُرَدُّ بِأَنَّهُ خِلَافُ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ فَلَا يُرْتَكَبُ بِلَا ضَرُورَةٍ وَكَلَامُ الْجُوَيْنِيِّ عليه لَا له إذْ عِبَارَتُهُ ليس كَيْفِيَّةُ التَّعْفِيرِ تَغْبِيرُ الثَّوْبِ بِغُبَارِ التُّرَابِ ثُمَّ غَسْلُهُ بَعْدَ نَفْضِهِ وَإِنَّمَا التَّعْفِيرُ أَنْ يُخْلَطَ التُّرَابُ بِالْمَاءِ خَلْطًا ثُمَّ يُغْسَلُ الْمَحَلُّ وَهِيَ دَالَّةٌ على أَنَّ الْمَمْنُوعَ إنَّمَا هو غَسْلُهُ بَعْدَ نَفْضِ التُّرَابِ أو بِلَا مَزْجٍ وَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَزْجُهُ قبل الْغَسْلِ سَوَاءٌ أَكَانَ قبل الْوَضْعِ أَمْ بَعْدَهُ وهو الْمَطْلُوبُ لَا يُقَالُ قَوْلُهُ ثُمَّ يُغْسَلُ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ مَزْجِهِ قبل الْوَضْعِ لِأَنَّا نَقُولُ مَمْنُوعٌ فَتَأَمَّلْ وَعُلِمَ من تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِالْمَاءِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي الْمَزْجُ بِغَيْرِهِ وهو كَذَلِكَ فَتَعْبِيرُهُ بِهِ أَوْلَى من تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِالْمَائِعِ وَإِنْ وَفَّى كَلَامُهُ آخِرًا بِالْغَرَضِ نعم إنْ مَزَجَهُ بِالْمَاءِ بَعْدَ مَزْجِهِ بِغَيْرِهِ كَفَى قَالَهُ ابن الصَّلَاحِ وَفَرْضُهُ في الْخَلِّ وَيَجِبُ حَمْلُهُ على ما إذَا لم يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ بِذَلِكَ تَغَيُّرًا فَاحِشًا وَيُسَنُّ جَعْلُ التُّرَابِ في غَيْرِ الْأَخِيرَةِ وَالْأُولَى أَوْلَى لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ بَعْدَ ذلك إلَى تَثْرِيبِ ما يَتَرَشَّشُ من جَمِيعِ الْغَسَلَاتِ وَكَفَتْ أَيْ السَّبْعُ مع
____________________
(1/21)
إذْ لَا مَعْنَى لِتَتْرِيبِ التُّرَابِ وَتَعْبِيرُهُ بِ يَسْقُطُ يَقْتَضِي أَنَّهُ وَجَبَ ثُمَّ سَقَطَ وَلَيْسَ مُرَادًا وَتَعْبِيرُ الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ تَنَجَّسَتْ أَرْضٌ تُرَابِيَّةٌ بِنَجَاسَةِ كَلْبٍ كَفَى الْمَاءُ وَحْدَهُ سَالِمٌ من ذلك وَالْغَمْسُ في مَاءٍ رَاكِدٍ كَثِيرٍ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ يَحْسَبُ مَرَّةً وَإِنْ مَكَثَ الْمَحَلُّ فيه نعم إنْ حَرَّكَهُ فيه سَبْعَ مَرَّاتٍ حُسِبَتْ سَبْعًا وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ من زِيَادَتِهِ رَاكِدُ الْجَارِي فإنه إذَا جَرَى منه على الْمَحَلِّ سَبْعَ جِرْيَاتٍ حُسِبَتْ سَبْعًا كما صَرَّحَ بِهِ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وفي بَعْضِ النُّسَخِ بَعْدَ قَوْلِهِ رَاكِدٍ لَا جَارٍ وهو إيضَاحٌ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ يُحْسَبُ مَرَّةً وَإِنْ مَكَثَ من زِيَادَتِهِ وَلَا يَنْجُسُ كَثِيرُ الْمَاءِ الطَّهُورِ وَلَا إنَاؤُهُ بِوُلُوغِهِ أَيْ الْكَلْبِ أو نَحْوِهِ فيه إنْ لم يُنْقِصْهُ عن قُلَّتَيْنِ نعم إنْ أَصَابَ من الْإِنَاءِ ما لم يَصِلْهُ مع رُطُوبَةِ أَحَدِهِمَا نَجَّسَهُ كما ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ لَكِنَّ هذا لَا يُرَدُّ على الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ تَنَجُّسَهُ حِينَئِذٍ ليس بِالْوُلُوغِ وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لو أَصَابَ الْإِنَاءَ من دَاخِلِ الْمَاءِ لم يَنْجُسْ وَتَكُونُ كَثْرَةُ الْمَاءِ مَانِعَةٌ من تَنَجُّسِهِ وهو كَذَلِكَ وَلَوْ تَنَجَّسَ الْإِنَاءُ بِالْوُلُوغِ في مَاءٍ قَلِيلٍ فيه ثُمَّ كَثُرَ حتى بَلَغَ قُلَّتَيْنِ طَهُرَ الْمَاءُ دُونَ الْإِنَاءِ كما نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ عن ابْنِ الْحَدَّادِ وَأَقَرَّهُ وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُهُ خِلَافًا لِلْإِمَامِ في قَوْلِهِ بِطَهَارَةِ الْإِنَاءِ أَيْضًا وقد بَسَطْت الْكَلَامَ على ذلك في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَخَرَجَ بِالطَّهُورِ غَيْرُهُ كَالْمُتَغَيِّرِ بِمُخَالَطَةِ طَاهِرٍ يَسْهُلُ الِاحْتِرَازُ عنه فإنه يَنْجُسُ بِالْوُلُوغِ مُطْلَقًا وَيَلْقَى سَمْنٌ جَامِدٌ تَنَجَّسَ وكذا ما حَوْلَهُ مِمَّا لَا يَتَحَقَّقُ إلْقَاءُ الْمُتَنَجِّسِ إلَّا بِإِلْقَائِهِ وَيَبْقَى الْبَاقِي على طَهَارَتِهِ لِخَبَرِ أبي دَاوُد السَّابِقِ في أَثْنَاءِ الْبَابِ وَذِكْرُ السَّمْنِ مِثَالٌ فَسَائِرُ الْأَطْعِمَةِ مِثْلُهُ وَلِهَذَا عَبَّرَ في الرَّوْضَةِ بِالطَّعَامِ فَإِنْ قُلْت يَنْبَغِي إلْقَاءُ الْجَمِيعِ لِأَنَّ ما حَوْلَ الْمُتَنَجِّسِ إذَا تَنَجَّسَ تَنَجَّسَ ما حَوْلَهُ وَهَكَذَا لِوُجُودِ الرُّطُوبَةِ قُلْت رُدَّ بِأَنَّ ما حَوْلَهُ تَنَجَّسَ بِمُلَاقَاةِ عَيْنِ النَّجَاسَةِ وما حَوْلَ هذا لم يُلَاقِهَا وَإِنَّمَا لَاقَى الْمُتَنَجِّسَ حُكْمًا فَلَا يَنْجُسُ وَلِهَذَا قال في الْخَبَرِ أَلْقُوهَا وما حَوْلَهَا فَحَكَمَ بِتَنَجُّسِ ما لَاقَى عَيْنَ النَّجَاسَةِ فَقَطْ مع رُطُوبَةِ السَّمْنِ وَنُدِبَ إرَاقَةُ سُؤْرِ الْكَلْبِ أَيْ بَاقِي ما وَلَغَ فيه فَوْرًا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ في إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ وَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَيُقَاسُ بِالْكَلْبِ الْخِنْزِيرُ وَفَرْعُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَمَحَلُّ نَدْبِ الْإِرَاقَةِ إذَا لم يُرِدْ اسْتِعْمَالَ الْإِنَاءِ فَإِنْ أَرَادَهُ وَجَبَتْ وَالتَّصْرِيحُ بِنَدْبِهَا من زِيَادَتِهِ وَلِلْغُسَالَةِ حُكْمُ الْمَحَلِّ بَعْدَ الْغَسْلِ طَهَارَةً وَنَجَاسَةً فَإِنْ طَهُرَ طَهُرَتْ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ بَلَلَ الْمَحَلِّ بَعْضُهَا وَالْمَاءُ الْوَاحِدُ الْقَلِيلُ لَا يَتَبَعَّضُ طَهَارَةً وَنَجَاسَةً هذا إنْ لم تَتَغَيَّرْ ولم تَزِدْ وَزْنًا فَإِنْ تَغَيَّرَتْ أو زَادَ وَزْنُهَا أَيْ بَعْدَ اعْتِبَارِ ما أَخَذَهُ الْمَحَلُّ من الْمَاءِ وَأَعْطَاهُ من الْوَسَخِ الطَّاهِرِ فَنَجَّسَهُ وَالْمَحَلُّ حِينَئِذٍ نَجِسٌ وَعَلَيْهِ فَقَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ لِلشَّرْطِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ قد تَبَيَّنَ أَنَّ لِلْغُسَالَةِ الْقَلِيلَةِ حُكْمُ الْمَحَلِّ مُطْلَقًا وَيُجَابُ بِأَنَّ نَجَاسَتَهَا هُنَا دَلِيلُ نَجَاسَةِ الْمَحَلِّ وَفِيمَا مَرَّ بِالْعَكْسِ وإذا كان لها حُكْمُ الْمَحَلِّ فَيُغْسَلُ من رَشَاشِ غُسَالَةِ النَّجَاسَةِ الْكَلْبِيَّةِ في الْمَرَّةِ الْأُولَى سِتًّا هذا كُلُّهُ إذَا لم تَبْلُغْ الْغُسَالَةُ قُلَّتَيْنِ فَإِنْ بَلَغَتْ قُلَّتَيْنِ ولم تَتَغَيَّرْ فَطَهُورٌ مُطْلَقًا وَغُسَالَةُ الْمَنْدُوبِ أَيْ ما يُنْدَبُ غَسْلُهُ أَصَالَةً كَالتَّثْلِيثِ طَهُورٌ أَمَّا غُسَالَةُ ما يُنْدَبُ غَسْلُهُ عَرْضًا وَهِيَ غُسَالَةُ ما يُعْفَى عنه كَدَمٍ قَلِيلٍ فَهِيَ كَغُسَالَةِ ما لَا يُعْفَى عنه لِأَنَّ الْأَصْلَ فيه وُجُوبُ غَسْلِهِ لَكِنْ عُفِيَ عنه لِلْمَشَقَّةِ خَاتِمَةٌ إذَا غَسَلَ فَمَه الْمُتَنَجِّسَ فَلْيُبَالِغْ في الْغَرْغَرَةِ لِيَغْسِلَ كُلَّ ما في حَدِّ الظَّاهِرِ وَلَا يَبْتَلِعُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا قبل غَسْلِهِ لِئَلَّا يَكُونَ آكِلًا لِلنَّجَاسَةِ نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْجُوَيْنِيِّ وَأَقَرَّهُ بَابُ الِاجْتِهَادِ في الْمِيَاهِ وَغَيْرِهَا من الْأَعْيَانِ
الِاجْتِهَادُ وَالتَّحَرِّي وَالتَّأَخِّي بَذْلُ الْمَجْهُودِ في طَلَبِ الْمَقْصُودِ يَجِبُ التَّحَرِّي وُجُوبًا مُضَيَّقًا بِضِيقِ الْوَقْتِ
____________________
(1/22)
وَمُوَسَّعًا بِسَعَتِهِ لِلتَّطَهُّرِ إنْ اشْتَبَهَ عليه مَاءٌ طَاهِرٌ بِمُتَنَجِّسٍ ولم يَبْلُغَا قُلَّتَيْنِ بِالْخَلْطِ ولم يَجِدْ غَيْرَهُ يَتَطَهَّرُ بِهِ لِأَنَّ التَّطَهُّرَ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ إلَيْهِ بِالِاجْتِهَادِ فَوَجَبَ كَالْقِبْلَةِ وَجَازَ فِيمَا عَدَا ما ذُكِرَ وَالتَّصْرِيحُ بِالْوُجُوبِ وَبِقَوْلِهِ ولم يَجِدْ غَيْرَهُ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ هَجَمَ وَأَخَذَ أَحَدَهُمَا بِلَا اجْتِهَادٍ وَتَوَضَّأَ بِهِ لم يَصِحَّ وُضُوءُهُ وَإِنْ وَافَقَ الطَّهُورَ بِأَنْ انْكَشَفَ له الْحَالُ لِتَلَاعُبِهِ وَسَوَاءٌ في وُجُوبِ الِاجْتِهَادِ وَجَوَازِهِ رَأَى أَيْ عَلِمَ نَجَاسَةَ أَحَدِهِمَا بِمُشَاهَدَةٍ أو غَيْرِهَا فَتَعْبِيرُهُ بِرَأْيٍ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِالْعِلْمِ بِالْمُشَاهَدَةِ أو أخبره بها عَدْلُ الرِّوَايَةِ وَبَيَّنَ سَبَبَهَا أو كان فَقِيهًا مُوَافِقًا له وَلَوْ كان أَعْمَى أو أُنْثَى أو عَبْدًا لَا إنْ كان الْمُخْبِرُ صَبِيًّا أو فَاسِقًا أو كَافِرًا نعم إنْ أَخْبَرَ عن فِعْلِهِ كَقَوْلِهِ بُلْت في هذا الْإِنَاءِ قُبِلَ خَبَرُهُ كما قَبِلُوهُ فِيمَا لو أَخْبَرَ ذِمِّيٌّ عن شَاةٍ بِأَنَّهُ ذَكَّاهَا وَلَهُ الِاجْتِهَادُ وَلَوْ كان على الشَّطِّ أَيْ شَطِّ النَّهْرِ أو بَلَغَا أَيْ الْمَاءَانِ قُلَّتَيْنِ بِالْخَلْطِ بِلَا تَغَيُّرٍ لِجَوَازِ الْعُدُولِ إلَى الْمَظْنُونِ مع وُجُودِ الْمُتَيَقَّنِ وَإِنْ كان الْأَوْلَى اسْتِعْمَالُ الْمُتَيَقَّنِ وَكَذَا له الِاجْتِهَادُ إذَا اشْتَبَهَ عليه مَاءٌ طَهُورٌ بِمُسْتَعْمَلٍ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَهَذَا يَعْنِي الْعَمَلَ بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا مَرَّ وَفِيمَا يَأْتِي إنْ وَجَدَ عَلَامَةً كَنَقْصِ أَحَدِ الْمَاءَيْنِ أو ابْتِلَالِ طَرَفِ إنَائِهِ وَتَأَيَّدَ الِاجْتِهَادُ بِأَصْلٍ أَيْ بِأَصْلِ الْحِلِّ قال في الرَّوْضَةِ وكان لِلْعَلَامَةِ في الْمُجْتَهَدِ فيه مَجَالٌ بِأَنْ يَتَوَقَّعَ ظُهُورَ الْحَالِ فيه بِعَلَامَةٍ لِيَخْرُجَ ما لو اشْتَبَهَ عليه مَحْرَمُهُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ مَحْصُورَاتٍ أو مَيْتَةٍ بِمُذَكَّاةٍ أو نَحْوُ ذلك فَلَا اجْتِهَادَ لِفَقْدِ الْعَلَامَةِ وكان الْمُصَنِّفُ رَأَى كَالرَّافِعِيِّ أَنَّ هذه الْأَشْيَاءَ تَخْرُجُ بِتَأَيُّدِ الِاجْتِهَادِ بِالْأَصْلِ فَاكْتَفَى بِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ ظُهُورَ الْعَلَامَةِ شَرْطٌ لِلْعَمَلِ بِالِاجْتِهَادِ وَأَنَّ بَقِيَّةَ الشُّرُوطِ شُرُوطٌ لِلِاجْتِهَادِ أو أَنَّ الْجَمِيعَ شُرُوطٌ لِلْعَمَلِ بِهِ كما أَشَرْت إلَيْهِ أَوَّلًا فَقَوْلُ الرَّوْضَةِ كَالْغَزَالِيِّ أَنَّ الْجَمِيعَ شُرُوطٌ لِلِاجْتِهَادِ مُرَادُهُ بِهِ ما قُلْنَاهُ بِقَرِينَةِ ما ذَكَرَهُ أَوَّلَ الْبَابِ وقد نَبَّهَ عليه الرَّافِعِيُّ في تَقْرِيرِهِ لِكَلَامِ الْغَزَالِيِّ فقال وَلَعَلَّك تَقُولُ الِاجْتِهَادُ هو الْبَحْثُ وَالنَّظَرُ وَثَمَرَتُهُ ظُهُورُ الْعَلَامَاتِ وَثَمَرَةُ الشَّيْءِ تَتَأَخَّرُ عنه وَالشَّرْطُ يَتَقَدَّمُ فَكَيْفَ جَعَلَ ظُهُورَ الْعَلَامَاتِ شَرْطًا فَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ لِلِاجْتِهَادِ شَرَائِطُ أَيْ لِلْعَمَلِ بِهِ أو لِكَوْنِهِ مُفِيدًا أو نَحْوِ ذلك
وَلَوْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا بِأَنْ صَبَّ أو انْصَبَّ لم يَجْتَهِدْ وَيَتَيَمَّمُ وَلَا إعَادَةَ وَإِنْ بَقِيَ الْآخَرُ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ من اسْتِعْمَالِهِ غَيْرُ قَادِرٍ على الِاجْتِهَادِ أَيْ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ في مُتَعَدِّدٍ بَاقٍ وقال الرَّافِعِيُّ يَجْتَهِدُ فَقَدْ تَظْهَرُ أَمَارَةُ النَّجَاسَةِ في التَّالِفِ فَيَأْخُذُ الْبَاقِي وَعَلَى الْأَوَّلِ يُخَالِفُ جَوَازَ إلْحَاقِ الْقَائِفِ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ وَتَخْيِيرِ من أَسْلَمَ على أَكْثَرَ من أَرْبَعٍ بَعْدَ مَوْتِ بَعْضِهِنَّ لِأَنَّ حُكْمَ النَّسَبِ وَالنِّكَاحِ من إرْثٍ وَغَيْرِهِ بَاقٍ في الْمَوْتَى وَالْمَاءُ بَعْدَ تَلَفِهِ لَا حُكْمَ فيه نَبَّهَ عليه الْمُتَوَلِّي
وَيَجْتَهِدُ وُجُوبًا إنْ اُضْطُرَّ وَإِلَّا فَجَوَازًا في غَيْرِ الْمَاءِ أَيْضًا وَلَوْ في جِنْسَيْنِ كَلَبَنٍ وَخَلٍّ وَإِنْ اشْتَبَهَ عليه مَاءٌ وَبَوْلٌ أو مَاءٌ وَمَاءُ وَرْدٍ أو مَيِّتَةٌ وَمُذَكَّاةٌ أو لَبَنُ بَقَرَةٍ ولبن أَتَانٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا وَبِالْمُثَنَّاةِ الْأُنْثَى من الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ أو نَحْوِ ذلك لم يَجْتَهِدْ لِأَنَّهُ لَا أَصْلَ لِغَيْرِ الْمَاءِ وَالْمُذَكَّاةُ وَلَبَنُ الْبَقَرَةِ مِمَّا ذُكِرَ في حِلِّ الْمَطْلُوبِ وَيَتَيَمَّمُ في الْأُولَى بَعْدَ الْإِرَاقَةِ لِلْمَاءِ وَالْبَوْلِ أو لِأَحَدِهِمَا أو لِشَيْءٍ منه في الْآخَرِ وَصَلَّى وَلَا إعَادَةَ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ تَيَمَّمَ قَبْلَهَا أَعَادَ ما صَلَّاهُ بِالتَّيَمُّمِ لِأَنَّهُ تَيَمَّمَ بِحَضْرَةِ مَاءٍ طَاهِرٍ بِيَقِينٍ له طَرِيقٌ إلَى إعْدَامِهِ وَبِهَذَا فَارَقَ صِحَّةَ التَّيَمُّمِ بِحَضْرَةِ مَاءٍ مَنَعَ منه سَبُعٌ
وَقَوْلُهُ بَعْدَ إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ الْمِنْهَاجُ وَغَيْرُهُ وَلَزِمَ في الثَّانِيَةِ الْوُضُوءُ بِكُلٍّ من الْمَاءِ وَمَاءِ الْوَرْدِ مَرَّةً وَيُعْذَرُ في تَرَدُّدِهِ في النِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً من الْخَمْسِ هذا إنْ لم تَزِدْ قِيمَتُهُ أَيْ مَاءِ الْوَرْدِ على قِيمَةِ مَاءِ الطَّهَارَةِ كما لو كان له مَاءٌ لَا يَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بِمُؤْنَةِ رُكُوبٍ وَنَحْوِهِ فإنه يَلْزَمُهُ إحْضَارُهُ وَالتَّطَهُّرُ بِهِ إنْ لم تَزِدْ الْمُؤْنَةُ على قِيمَةِ الْمَاءِ فَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ فَلَهُ التَّيَمُّمُ وَيُعِيدُ إنْ لم يُرِقْهُ يَعْنِي أَحَدَهُمَا أو
____________________
(1/23)
شيئا منه في الْآخَرِ قبل التَّيَمُّمِ بِحَيْثُ يَسْلُبُهُ الِاسْمَ لو قُدِّرَ مُخَالِفًا له لِمَا مَرَّ وَذِكْرُ اللُّزُومِ من زِيَادَتِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ إنْ لم تَزِدْ إلَى آخِرِهِ أَخْذًا من قَوْلِ الْمُهِمَّاتِ قد تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا كان معه مَاءٌ لَا يَكْفِيهِ وَعِنْدَهُ مَائِعٌ كَمَاءِ وَرْدٍ لَزِمَهُ أَنْ يُكَمِّلَ بِهِ إنْ لم تَزِدْ قِيمَتُهُ على ثَمَنِ مَاءِ الطَّهَارَةِ فإذا لم يَلْزَمْهُ التَّكْمِيلُ بِهِ عِنْدَ زِيَادَةِ قِيمَتِهِ فَلَأَنْ لَا يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ الْكَامِلُ بِهِ أَوْلَى لَكِنْ أُجِيبَ عنه بِأَنَّ قَوْلَهُ وَعِنْدَهُ مَائِعٌ لم يَتَقَدَّمْ وَإِنَّمَا الذي تَقَدَّمَ وَمَعَهُ مَاءٌ لَا يَكْفِيهِ وَلَوْ كَمَّلَهُ بِمَائِعٍ يُسْتَهْلَكُ فيه لَكَفَاهُ لَزِمَهُ ذلك وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَائِعَ ليس معه لَكِنْ يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ ذلك مع زِيَادَةِ قِيمَتِهِ وَالْمَائِعُ في مَسْأَلَتِنَا معه فَيَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ مع الزِّيَادَةِ كما يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الْمُتَيَسِّرِ معه في مَحَلٍّ يُبَاعُ فيه الْمَاءُ بِأَكْثَرَ من ثَمَنِ الْمِثْلِ وَبِأَنَّ الْفَرْضَ هُنَا في مَاءِ وَرْدٍ مُنْقَطِعِ الرَّائِحَةِ وَذَلِكَ لَا قِيمَةَ له غَالِبًا أو قِيمَتُهُ تَافِهَةٌ بِخِلَافِ ما تَقَدَّمَ وَبِأَنَّ إلْزَامَهُ بِالْوُضُوءِ بِهِمَا إنَّمَا يَأْتِي فِيمَا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ ولم يَجِدْ سِوَاهُمَا وَفِيمَا أُجِيبَ بِهِ نَظَرٌ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَلَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِيهِمَا لِشُرْبِ مَاءِ الْوَرْدِ فإذا بَانَ له بِالِاجْتِهَادِ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَاءُ وَرْدٍ أَعَدَّهُ لِلشُّرْبِ وَلَهُ التَّطَهُّرُ بِالْآخَرِ لِلْحُكْمِ عليه بِأَنَّهُ مَاءٌ وَأَفْسَدَهُ الشَّاشِيُّ بِأَنَّ الشُّرْبَ لَا يُحْتَاجُ فيه إلَى اجْتِهَادٍ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا طَاهِرٌ
وَالْمُخْتَارُ ما قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّ الشُّرْبَ وَإِنْ لم يَحْتَجْ فيه إلَى اجْتِهَادٍ لَكِنَّ شُرْبَ مَاءِ الْوَرْدِ في ظَنِّهِ يُحْتَاجُ فيه إلَيْهِ
وَإِنْ اشْتَبَهَ عليه مَحْرَمٌ له بِغَيْرِهَا فَلَا اجْتِهَادَ عليه مُطْلَقًا وَلَا له إنْ اشْتَبَهَتْ بِأَجْنَبِيَّاتٍ مَحْصُورَاتٍ إذْ لَا عَلَامَةَ تَمْتَازُ بها الْمَحْرَمُ عن غَيْرِهَا كما مَرَّ فَإِنْ ادَّعَى امْتِيَازًا بِعَلَامَةٍ فَلَا اجْتِهَادَ أَيْضًا لِأَنَّهَا إنَّمَا تَعْتَمِدُ عِنْدَ اعْتِضَادِ الظَّنِّ بِأَصْلِ الْحِلِّ كما مَرَّ وَالْأَصْلُ في الْأَبْضَاعِ الْحُرْمَةُ وَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ مِمَّا وَقَعَ فيه الِاشْتِبَاهُ وَلَوْ بِلَا اجْتِهَادٍ لَكِنْ يَجْتَنِبُ الْمَحْصُورَاتِ كما سَيَأْتِي ذلك في مَوَانِعِ النِّكَاحِ وَهَلْ يَنْكِحُ إلَى أَنْ تَبْقَى وَاحِدَةً أو إلَى أَنْ تَبْقَى جُمْلَةً لو كان الِاخْتِلَاطُ بِهِنَّ ابْتِدَاءً مُنِعَ مِنْهُنَّ حَكَى فيه الرُّويَانِيُّ عن وَالِدِهِ احْتِمَالَيْنِ وقال الْأَقْيَسُ عِنْدِي الثَّانِي لَكِنْ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ الْأَوَّلَ في نَظِيرِهِ من الْأَوَانِي وَنَحْوِهَا وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ كما سَيَأْتِي وقد يُفَرَّقُ بِأَنَّ ذَاكَ يَكْفِي فيه الظَّنُّ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الطُّهْرِ وَالصَّلَاةِ بِمَظْنُونِ الطَّهَارَةِ وَحَلَّ تَنَاوُلُهُ مع الْقُدْرَةِ على مُتَيَقَّنِهَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ قال الْإِمَامُ وَالْمَحْصُورُ ما يَسْهُلُ على الْآحَادِ عَدُّهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وفي الْإِحْيَاءِ كُلُّ عَدَدٍ لو اجْتَمَعَ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ لَعَسُرَ على النَّاظِرِ عَدُّهُ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ كَالْأَلْفِ فَغَيْرُ مَحْصُورٍ وَإِنْ سَهُلَ عَدُّهُ كَعِشْرِينَ فَمَحْصُورٌ وَبَيْنَهُمَا وَسَائِطُ تَلْحَقُ بِأَحَدِهِمَا بِالظَّنِّ وما وَقَعَ فيه الشَّكُّ اُسْتُفْتِيَ فيه الْقَلْبُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي التَّحْرِيمُ عِنْدَ الشَّكِّ عَمَلًا بِالْأَصْلِ وقد ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَ الْإِمَامِ في مَوَانِعِ النِّكَاحِ وَكَلَامُ الْإِحْيَاءِ في الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ وَإِنْ اشْتَبَهَتْ الزَّوْجَةُ عليه بِأَجْنَبِيَّاتٍ اجْتَنَبَ الْكُلَّ فَلَا يَطَأُ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يُبَاحُ إلَّا بِالْعَقْدِ أو اشْتَبَهَ عليه شَاتُه بِشَاةِ غَيْرِهِ مَثَلًا أو طَعَامٌ طَاهِرٌ بِمُتَنَجِّسٍ اجْتَهَدَ وَالْأَوَّلِيَّانِ من زِيَادَتِهِ وَكَذَا تَعْلِيلُ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ يُؤْخَذُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ فَلَوْ عَقِبَهَا بِهِ كان أَوْلَى فَإِنْ نُوزِعَ في الْمِلْكِ قُدِّمَ ذُو الْيَدِ
وَيَجْتَهِدُ الْأَعْمَى كما في الْوَقْتِ وَلِأَنَّ له طَرِيقًا غير الْبَصَرِ كَالشَّمِّ وَاللَّمْسِ وَالذَّوْقِ وَفَارَقَ مَنْعُهُ في الْقِبْلَةِ بِأَنَّ أَدِلَّتَهَا بَصَرِيَّةٌ فَإِنْ تَحَيَّرَ قَلَّدَ بَصِيرًا لِعَجْزِهِ كَالْعَامِّيِّ يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا بِخِلَافِ ما لو اشْتَبَهَ عليه الْوَقْتُ له أَنْ يُقَلِّدَ وَإِنْ لم يَتَحَيَّرْ كما سَيَأْتِي لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ ثَمَّ إنَّمَا يَأْتِي بِتَعَاطِي أَعْمَالٍ مُسْتَغْرِقَةٍ لِلْوَقْتِ وَفِيهِ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ بِخِلَافِهِ هُنَا وَقُيِّدَ بِالْبَصِيرِ من زِيَادَتِهِ كَالْحَاوِي وَغَيْرِهِ أَخْذًا من كَلَامِ الشَّافِعِيِّ لِيَخْرُجَ الْأَعْمَى لِنَقْصِهِ عن الْبَصِيرِ وَلِهَذَا اُخْتُلِفَ في جَوَازِ اجْتِهَادِهِ هُنَا وَمُنِعَ منه في الْقِبْلَةِ بِخِلَافِ الْبَصِيرِ فِيهِمَا فَإِنْ لم يَجِدْهُ أو اخْتَلَفَ عليه بَصِيرَانِ أو تَحَرَّى بَصِيرٌ وَتَحَيَّرَ لَزِمَهُ وفي نُسْخَةٍ لَزِمَهَا أَيْ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ فِيمَا ذُكِرَ خَلْطُ الْمَاءَيْنِ لِيَتَطَهَّرَ بِهِمَا إنْ بَلَغَا قُلَّتَيْنِ فَإِنْ لم يَبْلُغَا هُمَا لم تَجِبْ إرَاقَةٌ وَلَا خَلْطٌ هذا من تَصَرُّفِهِ وَالْوَجْهُ وُجُوبُ أَحَدِهِمَا لِيَصِحَّ
____________________
(1/24)
تَيَمُّمُهُ كما يُؤْخَذُ من كَلَامِ الْأَصْلِ وَمِنْ قَوْلِهِ بَلْ تَجِبُ الْإِعَادَةُ إنْ لم يَفْعَلْ وفي نُسْخَةٍ يَفْعَلَا أَيْ شيئا مِنْهُمَا لَكِنَّ كَلَامَهُ هذا قد يَقْتَضِي أَنَّ ذلك شَرْطٌ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ لَا لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَذِكْرُ مَسْأَلَةِ اخْتِلَافِ الْبَصْرِيِّينَ من زِيَادَتِهِ
فَرْعٌ إذَا ظَنَّ طَهَارَةَ أَحَدِهِمَا اُسْتُحِبَّ له قبل اسْتِعْمَالِهِ أَنْ يُرِيقَ الْآخَرَ لِئَلَّا يَغْلَطَ فَيَسْتَعْمِلَهُ أو يَتَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فَيَشْتَبِهُ عليه الْأَمْرُ فَإِنْ لم يَفْعَلْ أَيْ لم يُرِقْهُ وَصَلَّى بِالْأَوَّلِ الصُّبْحَ مَثَلًا فَحَضَرَتْ الظُّهْرُ وهو مُحْدِثٌ ولم يَبْقَ من الْأَوَّلِ شَيْءٌ لم يَجِبْ الِاجْتِهَادُ لِعَدَمِ التَّعَدُّدِ وَأَمَّا جَوَازُهُ فَثَابِتٌ على رَأْيِ الرَّافِعِيِّ دُونَ النَّوَوِيُّ فَلَوْ اجْتَهَدَ فَظَنَّ طَهَارَةَ الثَّانِي تَيَمَّمَ وَلَا يَسْتَعْمِلُهُ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ وَإِنْ بَقِيَ من الْأَوَّلِ شَيْءٌ وَأَحْدَثَ لَزِمَهُ الِاجْتِهَادُ لِلصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ لم يَكْفِ الْبَاقِي طَهَارَتُهُ فَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ اجْتَنَبَهُمَا أَيْ الْمَاءَيْنِ وَتَيَمَّمَ لِمَا مَرَّ وَأَعَادَ ما صَلَّاهُ بِالتَّيَمُّمِ لِبَقَائِهِمَا مُنْفَرِدَيْنِ لِأَنَّهُ تَيَمَّمَ بِحَضْرَةِ مَاءٍ طَاهِرٍ بِيَقِينٍ له طَرِيقٌ إلَى إعْدَامِهِ وَفَرَّقُوا بين مَنْعِ الْعَمَلِ بِالثَّانِي هُنَا وَتَجْوِيزِهِ في نَظِيرِهِ من الثَّوْبِ وَالْقِبْلَةِ بِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِ هُنَا يُؤَدِّي إلَى نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ إنْ غَسَلَ ما أَصَابَهُ الْأَوَّلُ وَإِلَى الصَّلَاةِ بِنَجَاسَةٍ إنْ لم يَغْسِلْهُ وَهُنَاكَ لَا يُؤَدِّي إلَى صَلَاةٍ بِنَجَاسَةٍ وَلَا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَمَنَعَ ابن الصَّبَّاغِ ذلك بِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤَدِّي إلَى نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ لو أَبْطَلْنَا ما مَضَى من طُهْرِهِ وَصَلَاتِهِ ولم نُبْطِلْهُ بَلْ أَمَرْنَاهُ بِغَسْلِ ما ظَنَّ نَجَاسَتَهُ كما أَمَرْنَاهُ بِاجْتِنَابِ بَقِيَّةِ الْمَاءِ الْأَوَّلِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ يَكْفِي في النَّقْضِ وُجُوبُ غَسْلِ ما أَصَابَهُ الْأَوَّلُ وَاجْتِنَابُ الْبَقِيَّةِ
وَإِنْ اخْتَلَفَ خَبَرُ عَدْلَيْنِ فَصَاعِدًا كَأَنْ قال أَحَدُهُمَا وَلَغَ الْكَلْبُ في هذا دُونَ ذَاكَ وقال الْآخَرُ بَلْ في ذَاكَ دُونَ هذا صُدِّقَا إنْ أَمْكَنَ صِدْقُهُمَا فَيُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ الْمَاءَيْنِ لِاحْتِمَالِ الْوُلُوغِ في وَقْتَيْنِ فَلَوْ تَعَارَضَا في الْوَقْتُ أَيْضًا بِأَنْ عَيَّنَاهُ صُدِّقَ أَوْثَقُهُمَا أو الْأَكْثَرُ عَدَدًا كما في الرِّوَايَةِ وَذِكْرُ الْأَكْثَرِ من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ في التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ تَعَارَضَ الْأَوْثَقُ وَالْأَكْثَرُ فَيَظْهَرُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ ما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ اسْتَوَيَا سَقَطَا أَيْ سَقَطَ خَبَرُهُمَا لِعَدَمِ التَّرْجِيحِ وَحُكِمَ بِطَهَارَتِهِمَا أَيْ الْمَاءَيْنِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ وَكَذَا لو عَيَّنَ أَحَدُهُمَا كَلْبًا كَأَنْ قال وَلَغَ هذا الْكَلْبُ في هذا الْمَاءِ وَقْتَ كَذَا وقال الْآخَرُ كان حِينَئِذٍ بِبَلَدٍ آخَرَ فإنه يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ لِذَلِكَ وَإِنْ رَفَعَ كَلْبٌ أو نَحْوَهُ رَأْسَهُ من إنَاءٍ فيه مَاءٌ وَفَمُهُ رَطْبٌ لم يَضُرَّ بِشَرْطٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ إنْ احْتَمَلَ تَرَطُّبُهُ من غَيْرِهِ أَيْ الْمَاءِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ وَإِلَّا ضَرَّ وَإِنْ تَحَرَّيَا في إنَاءَيْنِ وَأَخَذَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَاحِدًا فَلَا قُدْوَةَ لِأَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً وَالْآنِيَةُ كَذَلِكَ وَالنَّجَسُ منها وَاحِدٌ وَظَنَّ كُلَّ طَهَارَةِ إنَائِهِ فَلِكُلٍّ منهم الِاقْتِدَاءُ بِوَاحِدٍ فَقَطْ لِتَعَيُّنِ الْإِنَاءِ الثَّالِثِ لِلنَّجَاسَةِ في حَقِّهِ أو كَانُوا أَرْبَعَةً وَالْآنِيَةُ كَذَلِكَ وَالنَّجَسُ منها وَاحِدٌ فَبِاثْنَيْنِ فَقَطْ أو كَانُوا خَمْسَةً وَالْآنِيَةُ كَذَلِكَ وَالنَّجَسُ منها وَاحِدٌ فَبِثَلَاثَةٍ فَقَطْ وَإِنْ كَانُوا خَمْسَةً وَالْآنِيَةُ كَذَلِكَ وَالنَّجَسُ منها اثْنَانِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ أَيْ كُلٍّ منهم بِرَجُلَيْنِ فَقَطْ أو النَّجَسُ منها ثَلَاثَةٌ فَبِوَاحِدٍ فَقَطْ وبذلك عُلِمَ أَنَّ من تَأَخَّرَ منهم تَعَيَّنَ الِاقْتِدَاءُ بِهِ لِلْبُطْلَانِ وَلَوْ كان النَّجَسُ أَرْبَعَةً امْتَنَعَ الِاقْتِدَاءُ بَيْنَهُمْ وَبَعْضُ هذه الْأَمْثِلَةِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في صِفَةِ الْأَئِمَّةِ وَكَذَا إذَا سمع كُلٌّ منهم صَوْتًا من وَاحِدٍ منهم وَأَنْكَرُوا أَيْ أَنْكَرَ كُلٌّ منهم وُقُوعَهُ منه فإنه يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِغَيْرِ الْأَخِيرِ وَإِنْ بَانَ لِمَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ ظَنَّ طَهَارَتَهُ ما تَوَضَّأَ بِهِ نَجِسًا وَلَوْ بِخَبَرِ عَدْلٍ أَعَادَ ما صَلَّاهُ بِهِ وَغَسَلَ مَوْضِعَهُ من بَدَنِهِ وَمَلْبُوسِهِ وَإِنْ رَأَى ظَبْيَةً تَبُولُ في مَاءٍ
____________________
(1/25)
كَثِيرٍ فَوَجَدَهُ عَقِبَ الْبَوْلِ مُتَغَيِّرًا أو شَكَّ في أَنَّ تَغَيُّرَهُ بِهِ أو بِنَحْوِ طُولِ مُكْثٍ لِاحْتِمَالِ أَيْ عِنْدَ احْتِمَالِ تَغَيُّرِهِ بِهِ فَنَجِسٌ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ لِاسْتِنَادِهِ إلَى سَبَبٍ مُعَيَّنٍ كَخَبَرِ الْعَدْلِ مع أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ غَيْرِهِ أَمَّا لو غَابَ عنه زَمَنًا ثُمَّ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا أو وَجَدَهُ عَقِبَ الْبَوْلِ غير مُتَغَيِّرٍ ثُمَّ تَغَيَّرَ أو مُتَغَيِّرًا لَكِنْ لم يُحْتَمَلْ تَغَيُّرُهُ بِهِ لِقِلَّتِهِ مَثَلًا فَطَاهِرٌ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّقْيِيدِ بِاحْتِمَالِ تَغَيُّرِهِ بِالْبَوْلِ من زِيَادَتِهِ قال النَّوَوِيُّ وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ بِالشَّكِّ هُنَا وفي مُعْظَمِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ التَّرَدُّدُ سَوَاءٌ الْمُسْتَوَى وَالرَّاجِحُ وَعِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ التَّرَدُّدُ إنْ كان على السَّوَاءِ فَشَكٌّ وَإِلَّا فَالرَّاجِحُ ظَنٌّ وَالْمَرْجُوحُ وَهْمٌ وَإِنْ وَجَدَ قِطْعَةَ لَحْمٍ في إنَاءٍ أو خِرْقَةٍ بِبَلَدٍ لَا مَجُوسَ فيه فَطَاهِرَةٌ أو وَجَدَهَا مَرْمِيَّةً مَكْشُوفَةً أو في إنَاءٍ أو خِرْقَةٍ وَالْمَجُوسِ بين الْمُسْلِمِينَ فَنَجِسَةٌ نعم إنْ كان الْمُسْلِمُونَ أَغْلَبُ كَبِلَادِ الْإِسْلَامِ فَطَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ يَغْلِبُ على الظَّنِّ أنها ذَبِيحَةُ مُسْلِمٍ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمْ فَرْعٌ لو اغْتَرَفَ مَاءً أو مَائِعًا غَيْرَهُ من دَنَّيْنِ في كُلٍّ مِنْهُمَا مَاءٌ قَلِيلٌ أو مَائِعٌ في إنَاءٍ فَوَجَدَ فيه فَأْرَةً مَيِّتَةً لَا يَدْرِي من أَيِّهِمَا هِيَ اجْتَهَدَ فَإِنْ ظَنَّهَا من الْأَوَّلِ وَاتَّحَدَتْ الْمِغْرَفَةُ ولم تُغْسَلْ بين الِاغْتِرَافَيْنِ حُكِمَ بِنَجَاسَتِهِمَا وَإِنْ ظَنَّهَا من الثَّانِي أو من الْأَوَّلِ وَاخْتَلَفَتْ الْمِغْرَفَةُ أو اتَّحَدَتْ وَغُسِلَتْ بين الِاغْتِرَافَيْنِ حُكِمَ بِنَجَاسَةِ ما ظَنَّهَا فيه فَقَطْ فَرْعٌ لو اشْتَبَهَ عليه إنَاءُ بَوْلٍ بِأَوَانِي بَلَدٍ أو مَيْتَةٌ بِمُذَكَّاتِهِ أَخَذَ منها ما شَاءَ بِلَا اجْتِهَادٍ إلَّا وَاحِدًا كما لو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ ثَمَرَةً بِعَيْنِهَا فَاخْتَلَطَتْ بِثَمَرٍ فَأَكَلَ كُلَّ الْجَمِيعِ إلَّا ثَمَرَةً لم يَحْنَثْ فَرْعٌ إذَا غَلَبَتْ النَّجَاسَةُ في شَيْءٍ وَالْأَصْلُ فيه أَنَّهُ طَاهِرٌ كَثِيَابِ مُدْمِنِي الْخَمْرِ وثياب مُتَدَيِّنَيْنِ بِالنَّجَاسَةِ كَالْمَجُوسِ وثياب صِبْيَانِ بِكَسْرِ الصَّادِ أَشْهَرُ من ضَمِّهَا وَمَجَانِينَ وَقَصَّابِينَ أَيْ جَزَّارِينَ حُكِمَ له بِالطَّهَارَةِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ وَمَحَلُّ الْعَمَلِ بِهِ إذَا اسْتَنَدَ ظَنَّ النَّجَاسَةِ إلَى غَلَبَتِهَا وَإِلَّا عَمِلَ بِالْغَالِبِ كما مَرَّ في بَوْلِ الظَّبْيَةِ وَذِكْرُ الْمَجَانِينِ من زِيَادَتِهِ وما عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى من ذلك كَعُرْفِ الدَّوَابِّ وَلُعَابِهَا وَلُعَابِ الصَّبِيِّ وَالْحِنْطَةِ التي تُدَاسُ وَالثَّوْرُ يَبُولُ عليها جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَالْجُوخُ وقد اُشْتُهِرَ اسْتِعْمَالُهُ بِشَحْمِ الْخِنْزِيرِ مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَلَوْ قال وَكَذَا ما عَمَّتْ إلَخْ وَحَذَفَ قَوْلِهِ مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهِ كان أَوْضَحَ وَأَخْصَرَ
وَالْبَقْلُ النَّابِتُ في نَجَاسَةِ مُتَنَجِّسٍ لَا ما ارْتَفَعَ عن مَنْبِتِهِ فإنه طَاهِرٌ وَتَعْبِيرُهُ بِالنَّجَاسَةِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ الشَّيْخَيْنِ بِالسَّرْجَيْنِ لَكِنْ في كَلَامِهِ إيهَامٌ سَلِمَ منه قَوْلُهُمَا وَأَمَّا الزَّرْعُ النَّابِتُ في السَّرْجَيْنِ فقال الْأَصْحَابُ ليس نَجِسَ الْعَيْنِ لَكِنْ يَنْجُسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ فإذا غُسِلَ طَهُرَ وإذا سَنْبَلَ فَحَبَّاتُهُ الْخَارِجَةُ طَاهِرَةٌ بَابُ الْآنِيَةِ جَمْعُ إنَاءٍ كَسِقَاءٍ وَأَسْقِيَةٍ وَجَمْعُ الْآنِيَةِ أَوَانٍ وَهِيَ ظُرُوفُ الْمِيَاهِ فَلِذَا عَقِبَهَا بها يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ كل إنَاءٍ طَاهِرٍ أَيْ من حَيْثُ إنَّهُ طَاهِرٌ فَلَا يَرِدُ تَحْرِيمُ اسْتِعْمَالِ جِلْدٍ أو غَيْرِهِ من آدَمِيٍّ وَلَا مَغْصُوبٍ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُمَا
____________________
(1/26)
لَا من هذه الْحَيْثِيَّةِ بَلْ من حَيْثُ حُرْمَةُ الْآدَمِيِّ وَالِاسْتِيلَاءُ على حَقِّ الْغَيْرِ وَخَرَجَ بِالطَّاهِرِ النَّجَسُ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا في جَافٍّ أو مَاءٍ كَثِيرٍ كما مَرَّ بَيَانُهُ إلَّا إنَاءً وَلَوْ مِلْعَقَةً من ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ فإنه يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ في الطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا لِخَبَرِ لَا تَشْرَبُوا في آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا تَأْكُلُوا في صِحَافِهَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقِيسَ غَيْرُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِهِمَا وَلِأَنَّ عِلَّةَ التَّحْرِيمِ وُجُودُ عَيْنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مُرَاعًى فيها الْخُيَلَاءُ وقد يُعَلِّلُونَهُ بِالْخُيَلَاءِ مُرَاعِينَ فيه الْعَيْنَ وَلَا فَرْقَ في التَّحْرِيمِ بين الرِّجَالِ وَالْخَنَاثَى وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَنَحْوِهِمْ حتى يَحْرُمَ على الْوَلِيِّ سَقْيُ الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ بِمِسْعَطٍ الْفِضَّةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَلَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ وَلِوُضُوءٍ منه صَحِيحٌ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لِلِاسْتِعْمَالِ لَا لِخُصُوصِ الْوُضُوءِ وَالْمَأْكُولُ كَالْمَشْرُوبِ حَلَالٌ إذْ لَا مُقْتَضَى لِلتَّحْرِيمِ
وَإِنَّمَا يَحْرُمُ الْفِعْلُ لِمَا مَرَّ فَيَحْرُمُ الِاكْتِحَالُ وَالتَّجَمُّرُ أَيْ التَّبَخُّرُ بِالِاحْتِوَاءِ على الْمِجْمَرَةِ أو بِإِتْيَانِ رَائِحَتِهَا من قُرْبٍ كما فَهِمَ من الْأَصْلِ بِأَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يُعَدُّ مُتَطَيِّبًا بها وَالتَّطَيُّبُ بِمَاءِ الْوَرْدِ أو غَيْرِهِ مِنْهُمَا أَيْ من إنَاءَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وفي نُسْخَةٍ منها أَيْ من آنِيَتِهِمَا وَلَوْ قال منه أَيْ من إنَاءِ أَحَدِهِمَا كان أَوْلَى لِعِطْفِهِ بِأَوْ وَلِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ فَلْيُفَرِّغْهُ أَيْ الْإِنَاءَ بِأَنْ يَصُبَّ ما فيه وَلَوْ في يَدِهِ التي لَا يَسْتَعْمِلُهُ بها فَيَصُبُّهُ أَوَّلًا في يَدِهِ الْيُسْرَى ثُمَّ في الْيُمْنَى ثُمَّ يَسْتَعْمِلُهُ لِيَنْدَفِعَ عنه ارْتِكَابُ الْمَعْصِيَةِ
وَيَحْرُمُ اتِّخَاذُهُ بِغَيْرِ اسْتِعْمَالِ أَيْضًا لِأَنَّ اتِّخَاذَهُ يَجُرُّ إلَى اسْتِعْمَالِهِ كَآلَةِ اللَّهْوِ ويحرم تَزْيِينٌ بِهِ لِوُجُودِ الْعَيْنِ وَالْخُيَلَاءِ فَلَا أُجْرَةَ لِصَنْعَتِهِ وَلَا أَرْشَ لِكَسْرِهِ كَآلَةِ اللَّهْوِ وَيُكْرَهُ إنَاءٌ من جَوْهَرٍ نَفِيسٍ كَفَيْرُوزَجَ وَيَاقُوتٍ وَبِلَّوْرٍ وَزَبَرْجَدٍ لِمَا فيه من الْخُيَلَاءِ وَالتَّصْرِيحُ بِالْكَرَاهَةِ من زِيَادَتِهِ وَمِثْلُهُ الْإِنَاءُ الْمُتَّخَذُ من طِيبٍ مُرْتَفِعٍ كَمِسْكٍ وَعَنْبَرٍ وَعُودٍ وَكَافُورٍ فَلَوْ حَذَفَ الْجَوْهَرَ كان أَوْلَى لِيَكُونَ الْمَعْنَى من نَفِيسٍ بِالذَّاتِ لَا نَفِيسِ صَنْعَةٍ كَزُجَاجٍ وَخَشَبٍ مُحْكَمِ الْخَرْطِ فَلَا يُكْرَهُ كَنَفِيسِ الْكَتَّانِ وَأَلْحَقَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ فَصًّا اتَّخَذَهُ من جَوْهَرٍ نَفِيسٍ لِخَاتَمِهِ وَإِنْ مُوِّهَ أَيْ طُلِيَ إنَاءُ نُحَاسٍ بِضَمِّ النُّونِ أو غَيْرَهُ بِذَهَبٍ أو فِضَّةٍ يَتَحَصَّلُ منه شَيْءٌ بِالنَّارِ حَرُمَ لِمَا مَرَّ أو لَا يَتَحَصَّلُ منه شَيْءٌ بها فَلَا يَحْرُمُ لِقِلَّةِ الْمُمَوَّهِ بِهِ فَكَأَنَّهُ مَعْدُومٌ وَحُكْمُ عَكْسِهِ بِأَنْ مَوَّهَ إنَاءَ ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ بِنُحَاسٍ أو غَيْرِهِ عُكِسَ حُكْمُهُ فَلَا يَحْرُمُ إنْ حَصَلَ من ذلك شَيْءٌ بِالنَّارِ وَإِلَّا حَرُمَ لِأَنَّ الْمُمَوَّهَ بِهِ لِقِلَّتِهِ كَالْمَعْدُومِ وَهَذَا ما صَرَّحَ بِهِ ابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ أَخْذًا من كَلَامِ الْإِمَامِ وهو حَسَنٌ وَإِنْ خَالَفَ مُقْتَضَى ما في الرَّافِعِيِّ من أَنَّهُ يَحْرُمُ مُطْلَقًا وما في الرَّوْضَةِ من أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ مُطْلَقًا وَذَكَرَا مع التَّمْوِيهِ في الثَّانِيَةِ التَّغْشِيَةَ
وَاكْتَفَى الْمُصَنِّفُ عنها بِالتَّمْوِيهِ وَتَضْبِيبُ الْإِنَاءِ بِذَهَبٍ حَرَامٍ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْخُيَلَاءَ فيه أَشَدُّ من الْفِضَّةِ وَكَذَا كَبِيرَةٌ أَيْ وَكَذَا تَضْبِيبُهُ بِضَبَّةٍ كَبِيرَةٍ في الْعُرْفِ بِفِضَّةٍ لِغَيْرِ حَاجَةٍ بِأَنْ كانت لِزِينَةٍ أو بَعْضُهَا لِزِينَةٍ وَبَعْضُهَا لِحَاجَةٍ فَإِنْ كانت صَغِيرَةً لِحَاجَةِ الْإِنَاءِ إلَى الْإِصْلَاحِ لم تُكْرَهْ لِصِغَرِهَا مع الْحَاجَةِ وَلِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ قَدَحَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الذي كان يَشْرَبُ فيه كان مُسَلْسَلًا بِفِضَّةٍ لِانْصِدَاعِهِ أَيْ مُشَبَّعًا بِخَيْطِ فِضَّةٍ لِانْشِقَاقِهِ أو صَغِيرَةٌ فَوْقَ حَاجَتِهِ بِأَنْ كانت لِزِينَتِهِ أو بَعْضُهَا لِزِينَتِهِ وَبَعْضُهَا لِحَاجَتِهِ أو كَبِيرَةٌ لِحَاجَتِهِ كُرِهَتْ ولم تَحْرُمْ لِصِغَرِهَا في الْأَوَّلِ وَلِلْحَاجَةِ إلَيْهَا في الثَّانِي فَإِنْ شَكَّ في كِبَرِهَا فَالْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ وَأَصْلُ ضَبَّةِ الْإِنَاءِ ما يَصْلُحُ بِهِ خَلَلُهُ من صَفِيحَةٍ أو غَيْرِهَا وَإِطْلَاقُهَا على ما هو لِلزِّينَةِ تَوَسُّعٌ
وَمَعْنَى الْحَاجَةِ غَرَضُ إصْلَاحِ مَوْضِعِ الْكَسْرِ كما نَبَّهَ عليه بِقَوْلِهِ لِحَاجَةِ الْإِنَاءِ فَيُؤْخَذُ منه ما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْعَجْزُ عن غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّ الْعَجْزَ عن
____________________
(1/27)
غَيْرِهِمَا يُبِيحُ اسْتِعْمَالَ الْإِنَاءِ الذي كُلُّهُ ذَهَبٌ أو فِضَّةٌ فَضْلًا عن الْمُضَبَّبِ بِهِ وفي مَعْنَى الْإِنَاءِ فِيمَا ذُكِرَ الْبَابُ وَالْخِلَالُ وَنَحْوُهُمَا وَاسْتَشْكَلَ حُرْمَةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِيمَا ذُكِرَ بِحِلِّ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِمَا الْآتِي في بَابِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ ثُمَّ في قِطْعَةِ ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ لَا فِيمَا هُيِّئَ مِنْهُمَا لِذَلِكَ كَالْإِنَاءِ الْمُهَيَّأِ مِنْهُمَا لِلْبَوْلِ فيه وَسَمْرُ الدَّرَاهِمِ في الْإِنَاءِ لَا طَرْحُهَا فيه كَالتَّضْبِيبِ فَيَأْتِي فيه التَّفْصِيلُ السَّابِقُ بِخِلَافِ طَرْحِهَا فيه لَا يَحْرُمُ بِهِ اسْتِعْمَالُ الْإِنَاءِ مُطْلَقًا وَلَا يُكْرَهُ وَكَذَا لو شَرِبَ بِكَفِّهِ وفي أُصْبُعِهِ خَاتَمٌ أو في فَمِهِ دَرَاهِمُ كما صَرَّحَ بِذَلِكَ في الرَّوْضَةِ وَكَذَا لو شَرِبَ بِكَفِّهِ وَفِيهَا دَرَاهِمُ فَإِنْ جَعَلَ له أَيْ لِلْإِنَاءِ حَلْقَةً من فِضَّةٍ بِإِسْكَانِ اللَّامِ أَشْهَرُ من فَتْحِهَا أو سِلْسِلَةً فِضَّةً أو رَأْسًا منها جَازَ لِأَنَّهُ مُنْفَصِلٌ عن الْإِنَاءِ لَا يُسْتَعْمَلُ قال الرَّافِعِيُّ وَلَك مَنْعُهُ بِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ بِحَسَبِهِ وَإِنْ سَلِمَ فَلْيَكُنْ فيه خِلَافُ الِاتِّخَاذِ وَخَرَجَ بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فَلَا يَجُوزُ منه ذلك
بَابُ صِفَةِ الْوُضُوءِ أَيْ كَيْفِيَّتُهُ وهو من الْوَضَاءَةِ وَهِيَ الْحُسْنُ وفي الشَّرْعِ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ في أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ مُفْتَتَحًا بِنِيَّةٍ وهو بِضَمِّ الْوَاوِ الْفِعْلُ وهو الْمُرَادُ هُنَا وَبِفَتْحِهَا ما يُتَوَضَّأُ بِهِ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا فِيهِمَا وَقِيلَ بِضَمِّهَا كَذَلِكَ وَلَهُ فُرُوضٌ وَسُنَنٌ وَشُرُوطٌ فَشُرُوطُهُ مَاءٌ مُطْلَقٌ وَالْعِلْمُ بِأَنَّهُ مُطْلَقٌ وَإِسْلَامٌ وَتَمْيِيزٌ وَمَعْرِفَةُ كَيْفِيَّةِ الْوُضُوءِ كَنَظِيرِهِ الْآتِي في الصَّلَاةِ وَعَدَمُ الْحَائِلِ وَجَرْيُ الْمَاءِ على الْعُضْوِ وَدُخُولُ الْوَقْتِ في وُضُوءِ دَائِمِ الْحَدَثِ وَالْعِلْمُ بِدُخُولِهِ وَعَدَمُ الْمُنَافِي من نَحْوِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَمَسِّ ذَكَرٍ وَعَدَمُ الصَّارِفِ وَيُعَبَّرُ عنه بِدَوَامِ النِّيَّةِ لو قَطَعَهَا في أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ احْتَاجَ في بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ إلَى نِيَّةٍ جَدِيدَةٍ وَفُرُوضُهُ سِتَّةٌ الْأَوَّلُ النِّيَّةُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ أَيْ الْأَعْمَالُ الْمُعْتَدُّ بها شَرْعًا وَحَقِيقَتُهَا لُغَةً الْقَصْدُ وَشَرْعًا قَصْدُ الشَّيْءِ مُقْتَرِنًا بِفِعْلِهِ وَحُكْمُهَا الْوُجُوبُ كما عُلِمَ وَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ وَالْمَقْصُودُ بها تَمْيِيزُ الْعِبَادَةِ عن الْعَادَةِ أو تَمْيِيزُ رُتَبِهَا وَشَرْطُهَا إسْلَامُ النَّاوِي وَتَمْيِيزُهُ وَعِلْمُهُ بِالْمَنْوِيِّ وَعَدَمُ إتْيَانِهِ بِمَا يُنَافِيهَا بِأَنْ يَسْتَصْحِبَهَا حُكْمًا وَوَقْتُهَا أَوَّلُ الْفُرُوضِ كَأَوَّلِ غَسْلِ جُزْءٍ من الْوَجْهِ هُنَا كما سَيَأْتِي وَإِنَّمَا لم يُوجِبُوا الْمُقَارَنَةَ في الصَّوْمِ لِعُسْرِ مُرَاقَبَةِ الْفَجْرِ وَتَطْبِيقِ النِّيَّةِ عليه وَكَيْفِيَّتُهَا تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَبْوَابِ كَأَنْ يَنْوِيَ هُنَا رَفْعَ الْحَدَثِ أو التَّطَهُّرَ عنه كما سَيَأْتِي وَتَجِبُ عِنْدَ غَسْلِ أَوَّلِ جُزْءٍ من الْوَجْهِ قِيلَ تَبِعَ في هذه الْعِبَارَةِ الرَّوْضَةِ وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ أَوَّلَ غَسْلِ الْوَجْهِ وَهِيَ أَصَحُّ لِإِيهَامِ تِلْكَ اشْتِرَاطُ غَسْلِ الْوَجْهِ من أَوَّلِهِ لِمُقَارَنَةِ النِّيَّةِ أو جَوَازِ خُلُوِّ غَسْلِ آخِرِهِ عن النِّيَّةِ إنْ غَسَلَ آخِرَهُ أَوَّلًا وَكِلَاهُمَا فَاسِدٌ وَيُرَدُّ بِأَنَّ هذا إنَّمَا يَرِدُ على التَّعْبِيرِ بِغَسْلِ أَوَّلِ الْوَجْهِ لَا على التَّعْبِيرِ بِغَسْلِ أَوَّلِ جُزْءٍ من الْوَجْهِ كما عَبَّرَ في الرَّوْضَةِ وَالرَّوْضِ لِمُسَاوَاتِهِ في الْمَعْنَى لِعِبَارَةِ الرَّافِعِيِّ فَالْعِبْرَةُ بِأَوَّلِ غَسْلِ جُزْءٍ منه فَلَا يَكْفِي قَرْنُهَا بِمَا بَعْدَهُ لِخُلُوِّ أَوَّلِ الْمَغْسُولَاتِ وُجُوبًا عنها وَلَا بِمَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ تَابِعَةٌ لِلْوَاجِبِ الذي هو الْمَقْصُودُ وَلَوْ وُجِدَتْ النِّيَّةُ في أَثْنَاءِ غَسْلِ الْوَجْهِ كَفَتْ وَوَجَبَ إعَادَةُ الْمَغْسُولِ منه قَبْلَهَا وَتُجْزِئُ عِنْدَ غَسْلِ ذلك وَلَوْ مع مَضْمَضَةٍ وَإِنْ عَزَبَتْ النِّيَّةُ بَعْدَهُ سَوَاءٌ أَغَسَلَهُ بِنِيَّةِ الْوَجْهِ وهو ظَاهِرٌ أَمْ لَا لِوُجُودِ غَسْلِ جُزْءٍ من الْوَجْهِ مَقْرُونًا بِالنِّيَّةِ لَكِنْ تَجِبُ إعَادَةُ غَسْلِ الْجُزْءِ مع الْوَجْهِ على الْأَصَحِّ في الرَّوْضَةِ لِوُجُودِ الصَّارِفِ وَلَا تُجْزِئُ الْمَضْمَضَةُ في الشِّقِّ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ تَقَدُّمِهَا على غَسْلٍ لِوَجْهٍ قَالَهُ الْقَاضِي مُجَلِّيٌّ فَالنِّيَّةُ لم تَقْتَرِنْ فيه بِمَضْمَضَةٍ حَقِيقِيَّةٍ
وَلَا تَصِحُّ نِيَّةٌ من كَافِرٍ وَلَوْ أَصْلِيًّا لِأَنَّهُ ليس أَهْلًا لها فَلَا يَصِحُّ تَطَهُّرُهُ فَغُسْلُ الذِّمِّيَّةِ من الْحَيْضِ أو النِّفَاسِ وَالْمَجْنُونَةِ وَالْمُسْلِمَةِ الْمُكْرَهَةِ وَلَوْ بِغُسْلِ حَلِيلِهِنَّ لَهُنَّ عِنْدَ امْتِنَاعِهِنَّ منه ليس بِصَحِيحٍ وَإِنَّمَا يُبِيحُهُنَّ لِلزَّوْجِ وَلِلسَّيِّدِ لِضَرُورَةِ حَقِّهِمَا فَعَلَيْهَا أَيْ الْأَخِيرَةِ الْإِعَادَةُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِمَا أَيْ الْأَوَّلِيَّيْنِ الْإِعَادَةُ عِنْدَ الْكَمَالِ بِالْإِسْلَامِ وَالْإِفَاقَةِ وَلَوْ أَخَّرَ من الْحَيْضِ عن الْمَجْنُونَةِ وَالْمُكْرَهَةِ كان أَوْلَى وَيُشْتَرَطُ أَنْ
____________________
(1/28)
تَنْوِيَ الذِّمِّيَّةُ وَمَنْ يَغْسِلُ الْمَجْنُونَةَ وَالْمُمْتَنِعَةَ اسْتِبَاحَةَ التَّمَتُّعِ كما صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ في تَحْقِيقِهِ في الْأَوَّلِيَّيْنِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُهُ فيه مع مَجْمُوعِهِ في الثَّالِثَةِ وما في تَحْقِيقِهِ في الذِّمِّيَّةِ مَحِلَّهُ في الْمُطَاوِعَةِ فَلَا يُنَافِي ما في الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا من عَدَمِ اشْتِرَاطِ نِيَّتِهَا لِأَنَّهُ في الْمُمْتَنِعَةِ الْمُغْتَسِلَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّ اغْتِسَالَ الْمَجْنُونَةِ وَالْمُسْلِمَةِ الْمُكْرَهَةِ لَا يُشْتَرَطُ فيه نِيَّةٌ لِلضَّرُورَةِ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ في مَوَانِعِ النِّكَاحِ فِيهِمَا وَكَلَامُ أَصْلِهِ ثُمَّ في الْأُولَى وَذَكَرَ الْمَجْنُونَةَ التي غَسَلَهَا زَوْجُهَا مع ذِكْرِ الْمُسْلِمَةِ الْمُكْرَهَةِ وَالْإِعَادَةُ من زِيَادَتِهِ وقد أَعَادَ إبَاحَةَ الذِّمِّيَّةِ وَتَالِيَتَيْهَا في مَوَانِعِ النِّكَاحِ
وَيَبْطُلُ بِرِدَّةٍ تَيَمُّمُ وَوُضُوءُ نَحْوِ مُسْتَحَاضَةٍ لِأَنَّهُمَا لِإِبَاحَةِ ما امْتَنَعَ بِالْحَدَثِ وَلَا إبَاحَةَ مع الرِّدَّةِ وَالثَّانِيَةُ من زِيَادَتِهِ تَبِعَ فيها بَحْثَ الْإِسْنَوِيِّ أَخْذًا من تَعْلِيلِ الْأُولَى بِمَا ذُكِرَ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَاءَ الْأَصْلُ فيه أَنْ يَرْفَعَ الْحَدَثَ فَكَانَ أَقْوَى من التُّرَابِ الذي لَا يَرْفَعُهُ أَصْلًا وَسَيَأْتِي نَظِيرُهُ في بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ ويبطل بها نِيَّةُ وُضُوءٍ وَغُسْلٍ فَلَوْ ارْتَدَّ في أَثْنَائِهِمَا لم يُعْتَدَّ بِمَا أتى بِهِ في الرِّدَّةِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ ابن الرِّفْعَةِ لَا وُضُوءَ وَغُسْلَ فَلَا يَبْطُلَانِ بها حتى لَا تَجِبَ إعَادَتُهُمَا بَعْدَ الْعَوْدِ إلَى الْإِسْلَامِ كَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِ وَهَلْ يَقْطَعُ النِّيَّةَ نَوْمُ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَتَهُ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا فَرَّقَ تَفْرِيقًا كَثِيرًا نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الرُّويَانِيِّ مُقَيَّدًا بِالنَّوْمِ الْيَسِيرِ وَمُقْتَضَاهُ تَرْجِيحُ عَدَمِ قَطْعِهَا في الْيَسِيرِ وَأَنَّ الْكَثِيرَ يَقْطَعُهَا وَلَوْ تَيَمَّمَ صَبِيٌّ فَبَلَغَ صلى بِهِ مع النَّفْلِ الْفَرْضَ كَالْوُضُوءِ كَذَا نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن تَصْحِيحِ صَاحِبَيْ التَّهْذِيبِ وَالْعُدَّةِ ثُمَّ نُقِلَ فيه عن الْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ عن أَهْلِ الْعِرَاقِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِهِ الْفَرْضَ لِأَنَّ صَلَاتَهُ نَفْلٌ وَصَحَّحَهُ في التَّحْقِيقِ وَالْحَدَثُ الْأَصْغَرُ لَا يَحِلُّ كُلُّ الْبَدَنِ بَلْ أَعْضَاءُ الْوُضُوءِ خَاصَّةً كما صَحَّحَهُ في التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْغَسْلِ مُخْتَصٌّ بها وَإِنَّمَا لم يَجُزْ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِغَيْرِهَا لِأَنَّ شَرْطَ الْمَاسِّ أَنْ يَكُونَ مُتَطَهِّرًا وَلَا تَكْفِيهِ طَهَارَةُ مَحَلِّ الْمَسِّ وَحْدَهُ وَلِهَذَا لو غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ لم يَجُزْ مَسُّهُ بِهِمَا مع قَوْلِنَا بِالْمَذْهَبِ أَنَّ الْحَدَثَ يَرْتَفِعُ عن الْعُضْوِ بِمُجَرَّدِ غَسْلِهِ وَقَوْلُهُ وَهَلْ يَقْطَعُ إلَى هُنَا من زِيَادَتِهِ
ثُمَّ أَخَذَ في بَيَانِ كَيْفِيَّةِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وهو ضَرْبَانِ وُضُوءُ رَفَاهِيَةٍ وَوُضُوءُ ضَرُورَةٍ وهو وُضُوءُ دَائِمٌ الْحَدَثِ فقال وَلْيَنْوِ الْمُتَوَضِّئُ غَيْرُ دَائِمِ الْحَدَثِ أَحَدَ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ الْأَوَّلُ رَفْعُ الْحَدَثِ أَيْ رَفْعُ حُكْمِهِ وَلَوْ لِمَاسِحِ الْخُفِّ لِأَنَّ الْقَصْدَ من الْوُضُوءِ رَفْعُ الْمَانِعِ فإذا نَوَاهُ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلْمَقْصُودِ أو الطَّهَارَةِ عن الْحَدَثِ أو لِلصَّلَاةِ أو غَيْرِهَا مِمَّا لَا يُبَاحُ إلَّا بِالْوُضُوءِ لَا مُطْلَقًا بِأَنْ نَوَى الطَّهَارَةَ فَقَطْ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ تَكُونُ عن حَدَثٍ وَعَنْ خَبَثٍ فَاعْتُبِرَ التَّمْيِيزُ وَقِيلَ تَصِحُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَقَوَّاهُ في الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ نِيَّةَ الطَّهَارَةِ لِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ على الْوَجْهِ الْخَاصِّ لَا يَكُونُ عن خَبَثٍ قال وَهَذَا ظَاهِرُ نَصِّ الْبُوَيْطِيِّ لَكِنْ حَمَلَهُ الْأَصْحَابُ على إرَادَةِ نِيَّةِ الْحَدَثِ فَإِنْ فَرَّقَ النِّيَّةَ على أَعْضَائِهِ كَأَنْ نَوَى عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ رَفْعَ الْحَدَثِ عنه وَهَكَذَا جَازَ وَإِنْ نَفَى غَيْرَهُ من بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ كما يَجُوزُ تَفْرِيقُ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ أو نَوَى غير حَدَثِهِ كَأَنْ نَوَى رَفْعَ حَدَثِ الْمَسِّ وَلَيْسَ عليه إلَّا حَدَثُ الْبَوْلِ غَالَطَا جَازَ وَإِنْ نَفَى غَيْرَهُ الصَّادِقُ بِمَا عليه لِأَنَّ التَّعَرُّضَ لِسَبَبِ الْحَدَثِ لَا يَجِبُ فَلَا يَضُرُّ الْغَلَطُ فيه بِخِلَافِ ما إذَا تَعَمَّدَ ذلك لِتَلَاعُبِهِ أو نَوَى بَعْضَ أَحْدَاثِهِ التي عليه جَازَ وَإِنْ نَفَى غَيْرَهُ لِأَنَّ الْحَدَثَ لَا يَتَجَزَّأُ فإذا ارْتَفَعَ بَعْضُهُ ارْتَفَعَ كُلُّهُ وَعُورِضَ بمثله وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْأَسْبَابَ لَا تَرْتَفِعُ وَإِنَّمَا يَرْتَفِعُ حُكْمُهَا وهو وَاحِدٌ تَعَدَّدَتْ أَسْبَابُهُ وَلَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لها فَيَلْغُو ذِكْرُهَا
الثَّانِي اسْتِبَاحَةُ الصَّلَاةِ إذْ نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ إنَّمَا تُطْلَبُ لِذَلِكَ فإذا نَوَاهُ فَقَدْ نَوَى غَايَةَ الْقَصْدِ فَإِنْ عَيَّنَ بِنِيَّتِهِ صَلَاةً جَازَ أَيْ صَحَّ الْوُضُوءُ لها وَلِغَيْرِهَا وَلَوْ نَفَى غَيْرَهَا كَأَنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الظُّهْرِ وَنَفَى غَيْرَهَا لِأَنَّ الْحَدَثَ لَا يَتَجَزَّأُ كما مَرَّ وَالتَّعَرُّضُ لِمَا عَيَّنَهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فَيَلْغُو ذِكْرُهُ وما نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عن فَتَاوَى الْبَغَوِيّ من أَنَّهُ لو نَوَى رَفْعَ حَدَثِهِ في حَقِّ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ لَا في حَقِّ
____________________
(1/29)
غَيْرِهَا لم يَصِحَّ وُضُوءُهُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ ارْتِفَاعَ حَدَثِهِ لَا يَتَجَزَّأُ فإذا بَقِيَ بَعْضُهُ بَقِيَ كُلُّهُ مَرْدُودًا مع أَنِّي لم أَرَهُ فيها وَكَذَا كُلٌّ أَيْ اسْتِبَاحَةُ كُلٍّ ما لِوُضُوءٍ شَرْطٌ لَا مُسْتَحَبٌّ فيه وَلَوْ طَوَافًا لِبَعِيدٍ ظَنَّ أَنَّهُ بِمَكَّةَ بِخِلَافِ ما لو نَوَى اسْتِبَاحَةَ ما لَا يُشْتَرَطُ فيه الْوُضُوءُ وَلَوْ مُسْتَحَبًّا كَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَحَدِيثٍ وَرِوَايَتِهِ وَدَرْسِ عِلْمٍ وَدُخُولِ مَسْجِدٍ وَأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ لِأَنَّهُ يَسْتَبِيحُهُ بِلَا وُضُوءٍ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ ظَنَّ أَنَّهُ بِمَكَّةَ مُضِرٌّ فإنه يَصِحُّ وَإِنْ لم يَظُنَّ أَنَّهُ بها فَفِي الْمَجْمُوعِ لو نَوَى بِوُضُوئِهِ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً لَا يُدْرِكُهَا بِأَنْ تَوَضَّأَ في رَجَبٍ وَنَوَى أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ الْعِيدَ قال الرُّويَانِيُّ قال وَالِدِي قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَصِحُّ وُضُوءُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ جَمِيعَ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّهُ نَوَى ما لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا بِالْوُضُوءِ
الثَّالِثُ أَدَاءُ الْوُضُوءِ أو فَرْضِ الْوُضُوءِ وَإِنْ كان الْمُتَوَضِّئُ صَبِيًّا وَكَذَا الْوُضُوءُ فَقَطْ لِتَعَرُّضِهِ لِلْمَقْصُودِ فَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِلْفَرْضِيَّةِ وَهَذِهِ من زِيَادَتِهِ قال الرَّافِعِيُّ وَالْأَوْلَى اعْتِبَارُ كَوْنِ النِّيَّةِ في الْوُضُوءِ لِلتَّمْيِيزِ لَا لِلْقُرْبَةِ وَإِلَّا لَمَا اكْتَفَى بِنِيَّةِ أَدَاءِ الْوُضُوءِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ اعْتِبَارُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ في الْعِبَادَاتِ وَمِثْلُ نِيَّةِ الْوُضُوءِ فِيمَا قَالَهُ نِيَّةُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ قال أَعْنِي الرَّافِعِيَّ وَإِنَّمَا صَحَّ الْوُضُوءُ بِنِيَّةِ فَرْضِهِ قبل الْوَقْتِ مع أَنَّهُ لَا وُضُوءَ عليه بِنَاءً على قَوْلِ الشَّيْخِ أبي عَلِيٍّ أَنَّ مُوجِبَهُ الْحَدَثُ أو يُقَالُ ليس الْمُرَادُ بِالْفَرْضِ هُنَا لُزُومُ الْإِتْيَانِ بِهِ وَإِلَّا لَامْتَنَعَ وُضُوءُ الصَّبِيِّ بِهَذِهِ النِّيَّةِ بَلْ الْمُرَادُ فِعْلُ طَهَارَةِ الْحَدَثِ الْمَشْرُوطِ لِلصَّلَاةِ وَشَرْطُ الشَّيْءِ يُسَمَّى فَرْضًا وَلَوْ لم يُضِفْهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فإنه يَصِحُّ كما في الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا
وَلَوْ تَوَضَّأَ الشَّاكُّ بَعْدَ وُضُوئِهِ في حَدَثِهِ احْتِيَاطًا فَبَانَ مُحْدِثًا لم يُجْزِهِ لِلتَّرَدُّدِ في النِّيَّةِ بِلَا ضَرُورَةٍ كما لو قَضَى فَائِتَةَ الظُّهْرِ مَثَلًا شَاكًّا في أنها عليه ثُمَّ بَانَ أنها عليه لَا يَكْفِيهِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَبِنْ مُحْدِثًا فإنه يُجْزِئُهُ لِلضَّرُورَةِ أو تَوَضَّأَ الشَّاكُّ وُجُوبًا بِأَنْ شَكَّ بَعْدَ حَدَثِهِ في وُضُوئِهِ فَتَوَضَّأَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كان مُتَرَدِّدًا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَدَثِ بَلْ لو نَوَى في هذه إنْ كان مُحْدِثًا فَعَنْ حَدَثِهِ وَإِلَّا فَتَجْدِيدٌ صَحَّ أَيْضًا وَإِنْ تَذَكَّرَ نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْبَغَوِيّ وَأَقَرَّهُ وَدَائِمُ الْحَدَثِ تُجْزِئُهُ نِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ وَنِيَّةُ أَدَاءِ الْوُضُوءِ وَنَحْوُهُمَا وَإِنْ فَرَّقَ النِّيَّةَ إلَى آخِرِ ما مَرَّ لَا نِيَّةَ رَفْعِ الْحَدَثِ لِبَقَائِهِ عليه كَالْمُتَيَمِّمِ في أَنَّهُ يُجْزِئُهُ نِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ لَا نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ لِذَلِكَ بَلْ وفي أَنَّهُ إنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الْفَرْضِ اسْتِبَاحَةً وَإِلَّا فَلَا كما جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عن الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ وَتَنْظِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْمُتَيَمِّمِ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَنُدِبَ له الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا خُرُوجًا من خِلَافِ من أَوْجَبَهُ لِتَكُونَ نِيَّةُ الرَّفْعِ لِلْحَدَثِ السَّابِقِ وَنِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ أو نَحْوِهَا لِلْأَحَقِّ فَإِنْ قُلْت نِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ وَنَحْوِهَا تُفِيدُ الرَّفْعَ كَنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ فَالْفَرْضُ يَحْصُلُ بها وَحْدَهَا قُلْت لَا إذْ الْغَرَضِ الْخُرُوجُ من الْخِلَافِ وهو إنَّمَا يَحْصُلُ بِمَا يُؤَدِّي الْمَعْنَى مُطَابَقَةً لَا الْتِزَامًا وَذَلِكَ بِجَمْعِ النِّيَّتَيْنِ
تَنْبِيهٌ ما تَقَرَّرَ من الِاكْتِفَاءِ بِالْأُمُورِ السَّابِقَةِ مَحَلُّهُ في الْوُضُوءِ غَيْرِ الْمُجَدَّدِ أَمَّا الْمُجَدَّدُ فَالْقِيَاسُ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ فيه بِنِيَّةِ الرَّفْعِ أو الِاسْتِبَاحَةِ وقد يُقَالُ يُكْتَفَى بها كَالصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ غير أَنَّ ذَاكَ مُشْكِلٌ خَارِجٌ عن الْقَوَاعِدِ فَلَا يُقَاسُ عليه ذَكَرَهُ في الْمُهِمَّاتِ قال ابن الْعِمَادِ وَتَخْرِيجُهُ على الصَّلَاةِ ليس بِبَعِيدٍ لِأَنَّ قَضِيَّةَ التَّجْدِيدِ أَنْ يُعِيدَ الشَّيْءَ بِصِفَتِهِ الْأُولَى وَإِلَّا لم يَكُنْ تَجْدِيدًا
فَرْعٌ لو نَوَى التَّبَرُّدَ وَلَوْ في أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ حَالَةَ كَوْنِهِ مُسْتَحْضِرًا عِنْدَ نِيَّةِ التَّبَرُّدِ نِيَّةَ الْوُضُوءِ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِهِ من غَيْرِ نِيَّةٍ كَمُصَلٍّ نَوَاهَا أَيْ نَوَى الصَّلَاةَ وَدَفَعَ غَرِيمٌ فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ لِأَنَّ اشْتِغَالَهُ عن الْغَرِيمِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ مُسْتَحْضِرًا في أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ نِيَّتَهُ تَبَعَّضَ الْوُضُوءُ فَيَصِحُّ منه ما قبل نِيَّةِ التَّبَرُّدِ دُونَ ما بَعْدَهَا لِوُجُودِ الصَّارِفِ وَمِثْلُهَا نِيَّةُ التَّنْظِيفِ
فَرْعٌ لو نَسِيَ لُمْعَةً
____________________
(1/30)
بِضَمِّ اللَّامِ في وُضُوئِهِ أو غُسْلِهِ فَانْغَسَلَتْ في تَثْلِيثٍ يَعْنِي في الثَّانِيَةِ أو الثَّالِثَةِ بِنِيَّةِ التَّنَقُّلِ أو في إعَادَةِ وُضُوءٍ أو غُسْلٍ لِنِسْيَانٍ له لَا تَجْدِيدَ ولا احْتِيَاطَ أَجْزَأَهُ أَمَّا في الْأُولَى فَلِأَنَّ قَضِيَّةَ نِيَّتِهِ الْأُولَى كَمَالُ الْغَسْلَةِ الْأُولَى قبل غَيْرِهَا وَتَوَهُّمُهُ الْغُسْلَ عن غَيْرِهَا لَا يَمْنَعُ الْوُقُوعَ عنها كما لو جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ ظَانًّا أَنَّهُ الْأَوَّلُ فإنه يَكْفِي وَإِنْ تَوَهَّمَهُ الْأَوَّلُ وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ أتى بِذَلِكَ بِنِيَّةِ الْوُجُوبِ وَأَمَّا عَدَمُ إجْزَائِهِ في التَّجْدِيدِ فَلِأَنَّهُ طُهْرٌ مُسْتَقِلٌّ بِنِيَّةٍ لم تَتَوَجَّهْ لِرَفْعِ الْحَدَثِ أَصْلًا وَأَمَّا في الِاحْتِيَاطِ فَلِمَا مَرَّ فيه وَالتَّصْرِيحُ بِهِ هُنَا من زِيَادَتِهِ وَلَوْ انْغَسَلَ بَعْضُ أَعْضَاءِ من نَوَى الطُّهْرَ بِسَقْطَةٍ حَصَلَتْ في مَاءٍ أو غَسَلَهَا فُضُولِيٌّ وَنِيَّتُهُ فِيهِمَا عَازِبَةٌ لم يُجْزِهِ لِانْتِفَاءِ فِعْلِهِ مع النِّيَّةِ فَقَوْلُهُمْ لَا يُشْتَرَطُ فِعْلُهُ مَحَلَّهُ إذَا كان مُتَذَكِّرًا لِلنِّيَّةِ
وَعَلَّلَ الرُّويَانِيُّ الثَّانِيَةَ بِأَنَّ النِّيَّةَ تَنَاوَلَتْ فِعْلَهُ لَا فِعْلَ غَيْرِهِ نَقَلَهُ عنه في الْمَجْمُوعِ مع أَشْيَاءَ ثُمَّ قال وفي بَعْضِ ما قَالَهُ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ كما فَهِمَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّ هذا مِمَّا أَرَادَهُ بِالنَّظَرِ أو غَسَلَهَا من أَمْرِهِ هو بِغُسْلِهَا جَازَ وَإِنْ كَرِهَهُ لِشِدَّةِ بَرْدٍ مَثَلًا كما لو غَسَلَهَا هو لَا إنْ نَهَاهُ فَغَسَلَهَا فَلَا يُجْزِئُهُ وَقَوْلُهُ أو غَسَلَهَا فُضُولِيٌّ إلَى هُنَا من زِيَادَتِهِ وَإِنْ نَوَى قَطْعَ الْوُضُوءِ بَعْدَ فَرَاغِهِ منه لم يَبْطُلْ وَكَذَا في أَثْنَائِهِ لَكِنْ انْقَطَعَتْ النِّيَّةُ فَيُعِيدَهَا لِلْبَاقِي أو نَوَى أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ وَلَا يُصَلِّيَ بِهِ لَغَتْ نِيَّتُهُ فَلَا يَصِحُّ وُضُوءُهُ لِتَلَاعُبِهِ وَتَنَاقُضِهِ وَلَوْ أَلْقَاهُ غَيْرُهُ في نَهْرٍ مُكْرَهًا فَنَوَى فيه رَفْعَ الْحَدَثِ صَحَّ وُضُوءُهُ كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ وفي الْمَجْمُوعِ عن الرُّويَانِيِّ لو نَوَى بِهِ الصَّلَاةَ بِمَكَانٍ نَجِسٍ يَنْبَغِي الْمَنْعُ وإذا بَطَلَ وُضُوءُهُ في أَثْنَائِهِ بِحَدَثٍ أو غَيْرِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُثَابَ على الْمَاضِي كما في الصَّلَاةِ وَأَنْ يُقَالَ إنْ بَطَلَ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا أو بِغَيْرِهِ فَنَعَمْ وَمِنْ أَصْحَابِنَا من قال لَا ثَوَابَ له بِحَالٍ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ ا ه الْفَرْضِ
الثَّانِي غَسْلُ الْوَجْهِ قال تَعَالَى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَالْمُرَادُ انْغِسَالُهُ على ما مَرَّ وَكَذَا بَقِيَّةُ الْأَعْضَاءِ وهو أَيْ الْوَجْهُ طُولًا ظَاهِرٌ ما بين مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ غَالِبًا وَأَسْفَلِ طَرَفِ الْمُقْبِلِ من الذَّقَنِ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْقَافِ مُجْتَمَعُ اللَّحْيَيْنِ ومن اللَّحْيَيْنِ بِفَتْحِ اللَّامِ على الْمَشْهُورِ الْعَظَمَتَانِ اللَّذَانِ تَنْبُتُ عَلَيْهِمَا الْأَسْنَانُ السُّفْلَى وعرضا ظَاهِرُ ما بين أُذُنَيْهِ لِأَنَّ الْمُوَاجَهَةَ الْمَأْخُوذَ منها الْوَجْهُ تَقَعُ بِذَلِكَ شَعْرًا وَبَشَرًا كَظَاهِرِ حُمْرَةِ شَفَتَيْهِ وما ظَهَرَ من الْوَجْهِ بِقَطْعٍ وَمَوْضِعِ غَمَمٍ وهو ما نَبَتَ عليه الشَّعْرُ من الْجَبْهَةِ لِأَنَّهُ في تَسْطِيحِ الْجَبْهَةِ وَلَا عِبْرَةَ بِنَبَاتِ الشَّعْرِ على خِلَافِ الْغَالِبِ كما لَا عِبْرَةَ بِانْحِسَارِهِ كما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ لَا مَوْضِعَ صَلَعٍ وهو ما انْحَسَرَ عنه الشَّعْرُ من مُقَدِّمِ الرَّأْسِ
وَهَذَا وما قَبْلَهُ تَصْرِيحٌ بِمَا احْتَرَزَ عنه بِقَوْلِهِ من زِيَادَتِهِ غَالِبًا مع أَنَّهُ كما قال الْإِمَامُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّ مَوْضِعَ الصَّلَعِ مَنْبِتُ شَعْرِ الرَّأْسِ وَإِنْ انْحَسَرَ عنه الشَّعْرُ بِسَبَبٍ وَالْجَبْهَةُ لَيْسَتْ مَنْبِتُهُ وَإِنْ نَبَتَ الشَّعْرُ عليها وَحَدُّ الْأَصْلِ الْوَجْهُ بِقَوْلِهِ وَحْدَهُ من مُبْتَدَأِ تَسْطِيحِ الْجَبْهَةِ إلَى مُنْتَهَى الذَّقَنِ طُولًا وَمِنْ الْأُذُنِ إلَى الْأُذُنِ عَرْضًا وَبَيْنَ عَقِبِهِ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ وَيَدْخُلُ الْغَايَتَانِ في حَدِّ الطُّولِ وَلَا تَدْخُلَانِ في الْعَرْضِ فَعَدَلَ عنه الْمُصَنِّفُ إلَى ما قَالَهُ على ما فيه كما عُرِفَ لِيَسْلَمَ من إيهَامِ مُبْتَدَأِ التَّسْطِيحِ وَلِيُفِيدَ بِذِكْرِ اللَّحْيَيْنِ شُمُولَ حَدِّ الْوَجْهِ لِجَوَانِبِهَا وَلَا بَاطِنُ لِحْيَةِ رَجُلٍ كَثَّةٍ أَيْ كَثِيفَةٍ بِالْمُثَلَّثَةِ فِيهِمَا لِعُسْرِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَيْهِ مع الْكَثَافَةِ الْغَيْرِ النَّادِرَةِ فَإِنْ خَفَّ بَعْضُهَا وَكَثُفَ بَعْضُهَا فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ بِتَفْصِيلٍ زَادَهُ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ بِقَوْلِهِ إنْ تَمَيَّزَ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَتَمَيَّزْ بِأَنْ كان الْكَثِيفُ مُتَفَرِّقًا بين أَثْنَاءِ الْخَفِيفِ غَسَلَ الْكُلَّ وُجُوبًا وَعَلَّلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ إفْرَادَ الْكَثِيفِ بِالْغَسْلِ يَشُقُّ وَإِمْرَارُ الْمَاءَ على الْخَفِيفِ لَا يُجْزِئُ وَنُقِلَ عنه في الْمَجْمُوعِ ذلك ثُمَّ قال وهو خِلَافُ ما قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَلَيْسَ فِيمَا قَالَهُ دَلَالَةٌ ا ه
وَالْكَثَّةُ ما سَتَرَتْ الْبَشَرَةَ عن الْمُخَاطَبِ بِخِلَافِ الْخَفِيفَةِ وَلَيْسَ النَّزَعَتَانِ بِفَتْحِ الزَّايِ أَفْصَحُ من إسْكَانِهَا وَهُمَا بَيَاضَانِ يَكْتَنِفَانِ النَّاصِيَةَ وَمَوْضِعُ التَّحْذِيفِ بِإِعْجَامِ الذَّالِ وهو ما يَنْبُتُ عليه الشَّعْرُ الْخَفِيفُ بين ابْتِدَاءِ الْعَذَارِ وَالنَّزَعَةِ وَرُبَّمَا يُقَالُ بين الصُّدْغِ وَالنَّزَعَةِ قال الرَّافِعِيُّ وَالْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ لِأَنَّ الصُّدْغَ وَالْعَذَارَ مُتَلَاصِقَانِ وَالصُّدْغَانِ وَهُمَا فَوْقَ الْأُذُنَيْنِ مُتَّصِلَانِ بِالْعِذَارَيْنِ من الْوَجْهِ أَمَّا مَوْضِعُ التَّحْذِيفِ فَلِاتِّصَالِ شَعْرِهِ بِشَعْرِ الرَّأْسِ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِاعْتِيَادِ النِّسَاءِ إزَالَةَ شَعْرِهِ لِيَتَّسِعَ الْوَجْهُ وَأَمَّا الْآخَرَانِ فَلِأَنَّهُمَا في تَدْوِيرِ الرَّأْسِ وَيُسَنُّ لِلْخُرُوجِ من الْخِلَافِ غَسْلُ الثَّلَاثَةِ وَمَوْضِعِ
____________________
(1/31)
الصَّلَعِ وَصَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ في النَّزَعَتَيْنِ وَيَجِبُ غَسْلُ بَاطِنِ الْعِذَارَيْنِ بِإِعْجَامِ الذَّالِ وَإِنْ كَثُفَا وَهُمَا حِذَاءُ الْأُذُنَيْنِ أَيْ مُحَاذِيَانِ لَهُمَا بين الصُّدْغِ وَالْعَارِضِ وَقِيلَ هُمَا الْعَظَمَتَانِ النَّاتِئَانِ بِإِزَاءِ الْأُذُنَيْنِ ويجب غَسْلُ بَاطِنِ سَائِرِ أَيْ بَاقِي شُعُورِ الْوَجْهِ التي لم تَخْرُجْ عن حَدِّ الْوَجْهِ وَإِنْ كَثُفَتْ لِأَنَّ كَثَافَتَهَا نَادِرَةٌ فَأُلْحِقَتْ بِالْغَالِبَةِ لَا الْعَارِضَيْنِ الْكَثِيفَيْنِ وَهُمَا الْمُنْحَطَّانِ عن الْقَدْرِ الْمُحَاذِي لِلْأُذُنَيْنِ فَلَا يَجِبُ غَسْلُ بَاطِنِهِمَا لِمَا مَرَّ في اللِّحْيَةِ وَلَوْ ذَكَرَهُمَا مَعَهَا كما في الْأَصْلِ كان أَنْسَبَ
وَإِنَّمَا وَجَبَ غَسْلُ بَاطِنِ الْكَثِيفِ في الْغُسْلِ من الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فيه لِقِلَّةِ وُقُوعِهِ ويجب غَسْلُ بَاطِنِ لِحْيَةِ امْرَأَةٍ وَخُنْثَى مُشْكِلٍ وَإِنْ كَثُفَتْ لِنُدْرَتِهَا وَنُدْرَةِ كَثَافَتِهَا وَلِأَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْمَرْأَةِ إزَالَتُهَا لِأَنَّهَا مِثْلُهُ في حَقِّهَا وَالْأَصْلُ في أَحْكَامِ الْخُنْثَى الْعَمَلُ بِالْيَقِينِ ويجب غَسْلُ سِلْعَةٍ وَظَاهِرِ شَعْرٍ من الْوَجْهِ كَلِحْيَةٍ وَعَذَارٍ وَسِبَالٍ إذَا كَانَا خَارِجَيْنِ عن حَدِّهِ تَبَعًا له لِحُصُولِ الْمُوَاجَهَةِ بِهِمَا أَيْضًا وَأَطْلَقَ كَالْأَصْلِ الِاكْتِفَاءَ بِغَسْلِ ظَاهِرِ الشَّعْرِ الْمَذْكُورِ وَمَحَلُّهُ إذَا كان كَثِيفًا وَإِلَّا وَجَبَ غَسْلُ بَاطِنِهِ أَيْضًا كما نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن جَمَاعَةٍ وَصَوَّبَهُ قال وَكَلَامُ الْمُطْلِقِينَ مَحْمُولٌ عليه وَمُرَادُهُمْ الْكَثِيفُ كما هو الْغَالِبُ
وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ الْحُكْمَ في السِّلْعَةِ وَالشَّعْرِ بِالْخَارِجَيْنِ لِأَنَّ الدَّاخِلَيْنِ تَقَدَّمَ حُكْمُهُمَا وَلِأَنَّ ذلك مَحَلُّ الْخِلَافِ ويجب غَسْلُ جُزْءٍ من الرَّأْسِ وسائر الْجَوَانِبِ الْمُجَاوِرَةِ لِلْوَجْهِ احْتِيَاطًا لِيَتَحَقَّقَ اسْتِيعَابُهُ وَمَنْ له وَجْهَانِ غَسَلَهُمَا وُجُوبًا كَالْيَدَيْنِ على عَضُدٍ وَاحِدٍ أو رَأْسَانِ كَفَى مَسْحُ بَعْضِ أَحَدِهِمَا كما سَيَأْتِي وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَاجِبَ في الْوَجْهِ غَسْلُ جَمِيعِهِ فَيَجِبُ غَسْلُ جَمِيعِ ما يُسَمَّى وَجْهًا وفي الرَّأْسِ مَسْحُ بَعْضِ ما يُسَمَّى رَأْسًا وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِبَعْضِ أَحَدِهِمَا ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَيُسَنُّ غَرْفُ مَاءِ الْوَجْهِ بِالْكَفَّيْنِ لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَنَّهُ أَمْكَنُ وَلَوْ أَخَّرَ هذه إلَى السُّنَنِ كان أَنْسَبَ الْفَرْضِ
الثَّالِثُ غَسْلُ الْيَدَيْنِ مع الْمِرْفَقَيْنِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَعَكْسِهِ قال تَعَالَى وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَدَلَّ على دُخُولِهَا الْآيَةُ وَالْإِجْمَاعُ وَفِعْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُبَيِّنُ لِلْوُضُوءِ الْمَأْمُورِ بِهِ كما رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَوَجْهُ دَلَالَةِ الْآيَةِ أَنْ تُجْعَلَ الْيَدُ التي هِيَ حَقِيقَةٌ إلَى الْمَنْكِبِ على الْأَصَحِّ مَجَازًا إلَى الْمِرْفَقِ مع جَعْلِ إلَى لِلْغَايَةِ الدَّاخِلَةِ هُنَا في الْمُغَيَّا بِمَا يَأْتِي أو لِلْمَعِيَّةِ كما في من أَنْصَارِي إلَى اللَّهِ أو تُجْعَلَ بَاقِيَةً على حَقِيقَتِهَا إلَى الْمَنْكِبِ مع جَعْلِ إلَى غَايَةً لِلْغَسْلِ أو لِلتَّرْكِ الْمُقَدَّرِ كما قال بِكُلٍّ مِنْهُمَا جَمَاعَةٌ فَعَلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا تَدْخُلُ الْغَايَةُ بِقَرِينَتَيْ الْإِجْمَاعِ وَالِاحْتِيَاطِ لِلْعِبَادَةِ وَالْمَعْنَى اغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ من رُءُوسِ أَصَابِعِهَا إلَى الْمَرَافِقِ وَعَلَى الثَّانِي تَخْرُجُ الْغَايَةُ
وَالْمَعْنَى اغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ وَاتْرُكُوا منها إلَى الْمَرَافِقِ فَإِنْ قُطِعَتْ يَدُهُ من الْمِرْفَقِ بِأَنْ سُلَّ عَظْمُ الذِّرَاعِ وَبَقِيَ الْعَظْمَتَانِ الْمُسَمَّيَانِ بِرَأْسِ الْعَضُدِ وَجَبَ غَسْلُ رَأْسِ الْعَضُدِ لِأَنَّهُ من الْمِرْفَقِ بِنَاءً على أَنَّهُ مَجْمُوعُ الْعَظْمَاتِ وَالْإِبْرَةُ الدَّاخِلَةُ بَيْنَهُمَا لَا الْإِبْرَةُ وَحْدَهَا وَنُدِبَ غَسْلُ بَاقِيهِ أَيْ الْعَضُدِ فَلَوْ قُطِعَتْ من تَحْتِ الْمِرْفَقِ وَجَبَ غَسْلُ الْبَاقِي كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَنُدِبَ غَسْلُ الْعَضُدِ كما فُهِمَا مَعًا بِالْأَوْلَى من الصُّورَةِ السَّابِقَةِ وَالتَّصْرِيحُ يُنْدَبُ غَسْلُ الْبَاقِي فيها من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ كَأَنْ قُطِعَ من فَوْقِهِ فإنه يُنْدَبُ غَسْلُ بَاقِي عَضُدِهِ لِئَلَّا يَخْلُو الْعُضْوُ عن طَهَارَةٍ وَلِتَطْوِيلِ التَّحْجِيلِ كَالسَّلِيمِ وَإِنَّمَا لم يَسْقُطْ التَّابِعُ بِسُقُوطِ الْمَتْبُوعِ كَرَوَاتِبِ الْفَرَائِضِ أَيَّامَ الْجُنُونِ لِأَنَّ سُقُوطَ الْمَتْبُوعِ ثَمَّ رُخْصَةٌ فَالتَّابِعُ أَوْلَى بِهِ وَسُقُوطُهُ هُنَا ليس رُخْصَةً بَلْ لِتَعَذُّرِهِ فَحُسْنُ الْإِتْيَانِ بِالتَّابِعِ مُحَافَظَةٌ على الْعِبَادَةِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ كَإِمْرَارِ الْمُحْرِمِ الْمُوسَى على رَأْسِهِ عِنْدَ عَدَمِ شَعْرِهِ وَلِأَنَّ التَّابِعَ ثَمَّ شُرِعَ تَكْمِلَةً لِنَقْصِ الْمَتْبُوعِ فإذا لم يَكُنْ
____________________
(1/32)
مَتْبُوعٌ فَلَا تَكْمِلَةَ بِخِلَافِهِ هُنَا ليس تَكْمِلَةً لِلْمَتْبُوعِ لِأَنَّهُ كَامِلٌ بِالْمُشَاهَدَةِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مَطْلُوبًا لِنَفْسِهِ وَإِنْ قُطِعَ من مَنْكِبِهِ نُدِبَ غَسْلُ مَحَلِّ الْقَطْعِ بِالْمَاءِ كما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَجَرَى عليه الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ
وَيَجِبُ غَسْلُ شَعْرٍ عَلَيْهِمَا أَيْ الْيَدَيْنِ ظَاهِرًا أو بَاطِنًا وَإِنْ كَثُفَ لِنُدْرَتِهِ وغسل ظُفْرٍ وَإِنْ طَالَ وغسل يَدٍ زَائِدَةٍ إنْ نَبَتَتْ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ وَلَوْ من الْمِرْفَقِ كَأُصْبُعٍ زَائِدَةٍ وَسِلْعَةٍ سَوَاءٌ أَجَاوَزَتْ الْأَصْلِيَّةَ أَمْ لَا وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ نَبَتَتْ بِغَيْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ غَسَلَ وُجُوبًا ما حَاذَى منها مَحَلَّهُ لِوُقُوعِ اسْمِ الْيَدِ عليه مع مُحَاذَاتِهِ لِمَحَلِّ الْفَرْضِ بِخِلَافِ ما لم يُحَاذِهِ إلَّا إذَا لم تَتَمَيَّزْ الزَّائِدَةُ كما سَيَأْتِي
وتجري هذه الْأَحْكَامُ كُلُّهَا في الرِّجْلَيْنِ كَذَلِكَ أَيْ كَجَرَيَانِهَا في الْيَدَيْنِ وَلَوْ أَخَّرَ هذا عَمَّا يَأْتِي من الْأَحْكَامِ الْمُشْتَرَكِ فيها الْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ كان أَوْلَى فَإِنْ لم تَتَمَيَّزْ النَّاقِصَةُ يَعْنِي الزَّائِدَةَ عن الْأَصْلِيَّةِ بِأَنْ كَانَتَا أَصْلِيَّتَيْنِ أو إحْدَاهُمَا زَائِدَةٌ ولم تَتَمَيَّزْ بِفُحْشِ قِصَرٍ وَنَقْصِ أَصَابِعَ وَضَعْفِ بَطْشٍ وَنَحْوِهِ أَيْ نَحْوِ كُلٍّ منها غَسَلَهُمَا وُجُوبًا سَوَاءٌ أَخَرَجَتَا من الْمَنْكِبِ أَمْ من غَيْرِهِ وَلِيَتَحَقَّقَ إتْيَانُهُ بِالْفَرْضِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ من السَّرِقَةِ بِقَطْعِ إحْدَاهُمَا فَقَطْ كما سَيَأْتِي في بَابِهَا لِأَنَّ الْوُضُوءَ مَبْنَاهُ على الِاحْتِيَاطِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَالْحَدُّ على الدَّرْءِ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَإِنْ تَدَلَّتْ جِلْدَةُ الْعَضُدِ منه لم يَجِبْ غَسْلُهَا أَيْ غَسْلُ شَيْءٍ منها لَا الْمُحَاذِي وَلَا غَيْرِهِ لِأَنَّ اسْمَ الْيَدِ لَا يَقَعُ عليها مع خُرُوجِهَا عن مَحَلِّ الْفَرْضِ أو تَقَلَّصَتْ جِلْدَةُ الذِّرَاعِ منه وَجَبَ غَسْلُهَا لِأَنَّهَا منه أو تَدَلَّتْ جِلْدَةُ أَحَدِهِمَا من الْآخَرِ بِأَنْ تَقَلَّعَتْ من أَحَدِهِمَا وَبَلَغَ التَّقَلُّعُ إلَى الْآخَرِ ثُمَّ تَدَلَّتْ منه فَالِاعْتِبَارُ بِمَا تَدَلَّتْ منه أَيْ بِمَا انْتَهَى إلَيْهِ تَقَلُّعُهَا لَا بِمَأْمَنِهِ تَقَلُّعَهَا فَيَجِبُ غَسْلُهَا فِيمَا إذَا بَلَغَ تَقَلُّعُهَا من الْعَضُدِ إلَى الذِّرَاعِ دُونَ ما إذَا بَلَغَ من الذِّرَاعِ إلَى الْعَضُدِ لِأَنَّهَا صَارَتْ جُزْءًا من مَحَلِّ الْفَرْضِ في الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فَإِنْ الْتَصَقَتْ بَعْدَ تَقَلُّعِهَا من أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَجَبَ غَسْلُ مُحَاذِي الْفَرْضِ منها دُونَ غَيْرِهِ ثُمَّ إنْ تَجَافَتْ عنه لَزِمَهُ غَسْلُ ما تَحْتَهَا أَيْضًا لِنُدْرَتِهِ بِخِلَافِ ما تَحْتَ كَثِيفِ لِحْيَةِ الرَّجُلِ وَإِنْ سَتَرَتْهُ اكْتَفَى بِغَسْلِ ظَاهِرِهَا وَلَا يَلْزَمُهُ فَتْقُهَا فَلَوْ غَسَلَهُ ثُمَّ زَالَتْ لَزِمَهُ غَسْلُ ما طَهُرَ من تَحْتِهَا لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ على ظَاهِرِهَا كان لِلضَّرُورَةِ وقد زَالَتْ بِخِلَافِ ما تَحْتَ اللِّحْيَةِ إذَا حُلِقَتْ لِأَنَّ غَسْلَ بَاطِنِهَا كان مُمْكِنًا وَإِنَّمَا كان عليه غَسْلُ الظَّاهِرِ وقد فَعَلَهُ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ تَدَلَّتْ جِلْدَةٌ إلَخْ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ
وَإِنْ تَوَضَّأَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ أو تَثَقَّبَتْ لم يَجِبْ غَسْلُ ما ظَهَرَ لِأَنَّ ذلك ليس بِبَدَلٍ عَمَّا تَحْتَهُ بِخِلَافِ الْخُفِّ إلَّا لِحَدَثٍ فَيَجِبُ غَسْلُ ذلك كَالظَّاهِرِ أَصَالَةً وَخَرَجَ بِمَا ظَهَرَ ما لو كان لِلثَّقْبِ غَوْرٌ في اللَّحْمِ فَلَا يَلْزَمهُ غَسْلُ بَاطِنِهِ مُطْلَقًا كما لَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ إلَّا غَسْلُ ما ظَهَرَ منها بِالِاقْتِضَاضِ نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ في صِفَةِ الْغُسْلِ عن الْجُوَيْنِيِّ وَأَقَرَّهُ وَالْعَاجِزُ عن الْوُضُوءِ لِقَطْعِ يَدِهِ أو نَحْوِهِ يَسْتَأْجِرُ وُجُوبًا مُوَضِّئًا أَيْ من يُوَضِّئُهُ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ فَاضِلَةٍ عن قَضَاءِ دَيْنِهِ وَكِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مُؤْنَةِ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ كما يَلْزَمُ فَاقِدِ الْمَاءِ شِرَاؤُهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَالْمُرَادُ كما في الْأَصْلِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَحْصِيلُ من يُوَضِّئُهُ مُتَبَرِّعًا أو بِأُجْرَةِ مِثْلٍ كما ذُكِرَ فَإِنْ تَعَذَّرَ عليه ذلك تَيَمَّمَ لِعَجْزِهِ عن اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَأَعَادَ ما صَلَّاهُ بِهِ لِنُدْرَةِ ذلك الْفَرْضِ الرَّابِعُ مَسْحُ الرَّأْسِ قال تَعَالَى وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ وَيُجْزِئُهُ الْمَسْحُ وَلَوْ بَعْضَ شَعْرَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَوْ بِعُودٍ لَا ما خَرَجَ من الشَّعْرِ وَلَوْ بِالْمَدِّ إلَى جِهَةِ سُفْلِهِ عن الْحَدِّ أَيْ حَدِّ الرَّأْسِ فَلَا يَكْفِي الْمَسْحُ عليه وَيَكْفِي تَقْصِيرُهُ في الْحَجِّ لِتَعَلُّقِ فَرْضِهِ بِشَعْرِ الرَّأْسِ وهو صَادِقٌ بِالْخَارِجِ وَفَرْضُ الْمَسْحِ بِالرَّأْسِ وهو ما تَرَأَّسَ وَعَلَا وَالْخَارِجُ لَا يُسَمَّى رَأْسًا أو قَدْرُهُ أَيْ قَدْرُ بَعْضِ شَعْرِهِ من الْبَشَرَةِ وَلَوْ من ذِي رَأْسَيْنِ فَيَكْفِي مَسْحُ بَعْضِ أَحَدِهِمَا وَاكْتَفَى بِمَسْحِ الْبَعْضِ فِيمَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ من الْمَسْحِ عِنْدَ إطْلَاقِهِ ولم يَقُلْ أَحَدٌ
____________________
(1/33)
بِوُجُوبِ خُصُوصِ النَّاصِيَةِ وَهِيَ الشَّعْرُ الذي بين النَّزْعَتَيْنِ وَالِاكْتِفَاءُ بها يَمْنَعُ وُجُوبَ الِاسْتِيعَابِ وَيَمْنَعُ وُجُوبَ التَّقْدِيرِ بِالرُّبْعِ أو أَكْثَرَ لِأَنَّهَا دُونَهُ وَالْبَاءُ إذَا دَخَلَتْ على مُتَعَدِّدٍ كما في الْآيَةِ تَكُونُ لِلتَّبْعِيضِ أو على غَيْرِهِ كما في قَوْلِهِ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ تَكُونُ لِلْإِلْصَاقِ
وَإِنَّمَا وَجَبَ التَّعْمِيمُ في التَّيَمُّمِ مع أَنَّ آيَاتِهِ كَالْآيَةِ هُنَا لِثُبُوتِ ذلك بِالسُّنَّةِ وَلِأَنَّهُ بَدَلٌ فَاعْتُبِرَ مُبْدَلُهُ وَمَسْحُ الرَّأْسِ أَصْلٌ فَاعْتُبِرَ لَفْظُهُ وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِهِ في الْخُفِّ فَلِلْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّ التَّعْمِيمَ يُفْسِدُهُ مع أَنَّ مَسْحَهُ مَبْنِيٌّ على التَّخْفِيفِ لِجَوَازِهِ مع الْقُدْرَةِ على الْغُسْلِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ وَالرَّأْسُ مُذَكَّرٌ وَلَوْ قَطَّرَ الْمَاءَ على رَأْسِهِ أو وَضَعَ يَدَهُ الْمُبْتَلَّةَ عليه أو تَعَرَّضَ لِلْمَطَرِ نَاوِيًا الْمَسْحَ ولم يَمْسَحْ بِالْمَاءِ في شَيْءٍ منها أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ من وُصُولِ الْبَلَلِ إلَيْهِ وَالتَّصْرِيحُ بِالثَّالِثَةِ من زِيَادَتِهِ وَاعْتِبَارُهُ النِّيَّةَ فيها تَبِعَ فيه الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ وَغَيْرَهُ وَقَضِيَّةُ الْمَذْهَبِ أنها لَا تُعْتَبَرُ وَلَوْ غَسَلَهُ لم يُكْرَهْ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ إذْ بِهِ تَحْصُلُ النَّظَافَةُ ولم يُسْتَحَبَّ لِأَنَّهُ تَرْكُ ما يُشْبِهُ الرُّخْصَةَ بِخِلَافِ الْخُفِّ يُكْرَهُ غَسْلُهُ كما سَيَأْتِي لِأَنَّهُ يَعِيبُهُ فَعُلِمَ أَنَّ الْغَسْلَ كَافٍ لِأَنَّهُ مَسْحٌ وَزِيَادَةٌ فَالْوَاجِبُ مَسْحُهُ أو غَسْلُهُ على نَظِيرِ ما يَأْتِي في غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَيُجْزِئُ مَسْحٌ بِبَرَدٍ وَثَلْجٍ لَا يَذُوبَانِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ ويجزئ غَسْلٌ بِهِمَا إنْ ذَابَا وَجَرَيَا على الْعُضْوِ لِذَلِكَ وَالتَّصْرِيحُ بِهَاتَيْنِ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ حَلَقَ رَأْسَهُ بَعْدَ مَسْحِهِ لِمَ بَعْدَهُ أَيْ الْمَسْحُ لِمَا مَرَّ في قَطْعِ يَدِهِ الْفَرْضُ الْخَامِسُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ مع الْكَعْبَيْنِ من كل رِجْلٍ وَهُمَا الْعَظْمَتَانِ النَّاتِئَانِ عِنْدَ مَفْصِلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ قال تَعَالَى وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ قُرِئَ بِالنَّصْبِ وَبِالْجَرِّ عَطْفًا على الْوُجُوهِ لَفْظًا في الْأَوَّلِ وَمَعْنًى في الثَّانِي لِجَرِّهِ على الْجِوَارِ وَدَلَّ على دُخُولِ الْكَعْبَيْنِ في الْغَسْلِ ما دَلَّ على دُخُولِ الْمِرْفَقَيْنِ فيه وقد مَرَّ وَعَلَى أَنَّهُمَا الْعَظْمَتَانِ الْمَذْكُورُ أَنَّ قَوْلَ النُّعْمَانِ بن بَشِيرٍ لَمَّا أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِإِقَامَةِ الصُّفُوفِ فَرَأَيْت الرَّجُلَ يُلْصِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ أَخِيهِ وَكَعْبَهُ بِكَعْبِهِ رَوَاهُ ابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ وَلَا يَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ عَيْنًا في حَقِّ لَابِسِ الْخُفِّ بَلْ إمَّا هو وهو الْأَفْضَلُ لِأَصَالَتِهِ وَلِمُوَاظَبَةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم غَالِبًا أو مَسْحُ الْخُفِّ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ السَّادِسُ التَّرْتِيبُ في أَفْعَالِهِ لِفِعْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُبَيِّنِ لِلْوُضُوءِ الْمَأْمُورِ بِهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَلِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في حَجَّتِهِ ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ مَمْسُوحًا بين مَغْسُولَاتٍ وَتَفْرِيقُ الْمُتَجَانِسِ لَا تَرْتَكِبُهُ الْعَرَبُ إلَّا لِفَائِدَةِ وَهِيَ هُنَا وُجُوبُ التَّرْتِيبِ لَا نَدْبُهُ بِقَرِينَةِ الْأَمْرِ في الْخَبَرِ وَلِأَنَّ الْآيَةَ بَيَانٌ لِلْوُضُوءِ الْوَاجِبِ وَقَدَّمَ الْوَجْهَ لِشَرَفِهِ ثُمَّ الْيَدَانِ لِأَنَّهُمَا بَارِزَتَانِ وَيَعْمَلُ بِهِمَا غَالِبًا بِخِلَافِ الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ ثُمَّ الرَّأْسُ لِشَرَفِهِ قَالَهُ الْقَفَّالُ فَلَوْ عَكَسَ بِأَنْ تَرَكَهُ وَلَوْ سَاهِيًا أو وَضَّأَهُ أَرْبَعَةً بِأَمْرِهِ دَفْعَةً حَصَلَ الْوَجْهُ أَيْ غَسْلُهُ فَقَطْ بِقَيْدٍ صَرَّحَ بِهِ من زِيَادَتِهِ بِقَوْلِهِ إنْ نَوَى عِنْدَهُ فَلَا يَحْصُلُ غَيْرُهُ فَإِنْ لم يَنْوِ عِنْدَهُ لم يَحْصُلْ شَيْءٌ وَلَا يُعْذَرُ بِالسَّهْوِ كما في سَائِرِ الْأَرْكَانِ وَقَوْلُهُ بِأَمْرِهِ الْمُعَبَّرُ عنه في الْأَصْلِ بِإِذْنِهِ قَيْدٌ مُضِرٌّ فَإِنْ غَسَلَ الْوَجْهَ يَحْصُلُ إذَا نَوَى عِنْدَهُ وَإِنْ لم يَأْمُرْ ولم يَأْذَنْ كما أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ فِيمَا مَرَّ في مَسْأَلَةِ غُسْلِ الْفُضُولِيِّ وَلَوْ نَكَّسَ وُضُوءَهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ غَسْلِ كل عُضْوٍ في مَرَّةٍ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ
وَلَوْ اغْتَسَلَ مُحْدِثٌ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ أو نَحْوِهِ وَلَوْ مُتَعَمِّدًا أو بِنِيَّةِ رَفْعِ الْجَنَابَةِ أو نَحْوِهَا غَالَطَا وَرَتَّبَ فِيهِمَا أو انْغَمَسَ بِنِيَّةِ ما ذُكِرَ وَلَوْ مُبْتَدِئًا بِأَسَافِلِهِ
____________________
(1/34)
أَجْزَأَهُ عن الْوُضُوءِ وَلَوْ لم يَمْكُثْ في الِانْغِمَاسِ زَمَنًا يُمْكِنُ فيه التَّرْتِيبُ لِأَنَّ الْغُسْلَ يَكْفِي لِلْأَكْبَرِ فَلِلْأَصْغَرِ أَوْلَى وَلِتَقْدِيرِ التَّرْتِيبِ في لَحَظَاتٍ لَطِيفَةٍ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ في قَوْلِهِ إنَّمَا يُجْزِئُهُ إنْ مَكَثَ وَلَوْ أَغْفَلَ لُمْعَةً من غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ قَطَعَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ لَا يَكْفِي وهو على الرَّاجِحِ مَمْنُوعٌ وَعَلَى غَيْرِهِ مَحْمُولٌ على ما إذَا لم يَمْكُثْ فَإِنْ مَكَثَ أَجْزَأَهُ وَاكْتَفَى بِنِيَّةِ الْجَنَابَةِ وَنَحْوِهَا مع أَنَّ الْمَنْوِيَّ طُهْرٌ غَيْرُ مُرَتَّبٍ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِ التَّرْتِيبِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ من زِيَادَتِهِ غَالِطًا ما لو تَعَمَّدَ فَلَا يُجْزِئُهُ لِتَلَاعُبِهِ بِاعْتِبَارِهِ التَّرْتِيبَ أو الِانْغِمَاسَ ما لو غَسَلَ الْأَسَافِلَ قبل الْأَعَالِي فَلَا يُجْزِئُهُ وَلَوْ أَحْدَثَ وَأَجْنَبَ مَعًا أو مُرَتَّبًا أَجْزَأَهُ الْغُسْلُ عنهما لِانْدِرَاجِ الْأَصْغَرِ وَإِنْ لم يَنْوِهِ في الْأَكْبَرِ لِظَوَاهِرِ الْأَخْبَارِ كَخَبَرِ أَمَّا أنا فَيَكْفِينِي أَنْ أَصُبَّ على رَأْسِي ثَلَاثًا ثُمَّ أُفِيضُ على سَائِرِ جَسَدِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَلِأَنَّ وَضْعَ الطَّهَارَاتِ على التَّدَاخُلِ فِعْلًا وَنِيَّةً بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ عليه أَحْدَاثٌ كَفَى فِعْلٌ وَاحِدٌ وَنِيَّةٌ وَاحِدَةٌ فَلَوْ اغْتَسَلَ إلَّا رِجْلَيْهِ أو إلَّا يَدَيْهِ مَثَلًا ثُمَّ أَحْدَثَ ثُمَّ غَسَلَهُمَا عن الْجَنَابَةِ تَوَضَّأَ ولم يَجِبْ إعَادَةُ غَسْلِهِمَا لِارْتِفَاعِ حَدَثِهِمَا بِغُسْلِهِمَا عن الْجَنَابَةِ وَهَذَا وُضُوءٌ خَالٍ عن غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ أو الْيَدَيْنِ وَهُمَا مَكْشُوفَتَانِ بِلَا عِلَّةٍ قال ابن الْقَاصِّ وَعَنْ التَّرْتِيبِ وَغَلَّطَهُ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ غَيْرُ خَالٍ عنه بَلْ لم يَجِبْ فيه غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ قال في الْمَجْمُوعِ وهو إنْكَارٌ صَحِيحٌ وَلَوْ غَسَلَ بَدَنَهُ إلَّا أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ ثُمَّ أَحْدَثَ لم يَجِبْ تَرْتِيبَهَا فَصْلٌ في سُنَنِ الْوُضُوءِ وَمِنْ سُنَنِهِ السِّوَاكُ وهو لُغَةً الدَّلْكُ وَآلَتُهُ وَشَرْعًا اسْتِعْمَالُ عُودٍ أو نَحْوِهِ كَأُشْنَانٍ في الْأَسْنَانِ وما حَوْلَهَا كما سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَأَحْسَنُ بِزِيَادَتِهِ من لِأَنَّ السُّنَنَ لَا تَنْحَصِرُ فِيمَا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ وهو سُنَّةٌ مُطْلَقًا لِخَبَرِ السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ رَوَاهُ ابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ في صَحِيحَيْهِمَا وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ وَالْمَطْهَرَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا كُلُّ إنَاءٍ يُتَطَهَّرُ بِهِ فَشُبِّهَ السِّوَاكُ بِهِ لِأَنَّهُ يُطَهِّرُ الْفَمَ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ وقال الْجَوْهَرِيُّ الْمَطْهَرَةُ وَالْمِطْهَرَةُ الْإِدَاوَةُ وَالْفَتْحُ أَعْلَى وَيُقَالُ السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ ا ه
قال أبو الْخَيْرِ الْقَزْوِينِيُّ في كِتَابِ خَصَائِصِ السِّوَاكِ وَيَجِبُ السِّوَاكُ على من أَكَلَ الْمَيْتَةَ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ لِإِزَالَةِ الدُّسُومَةِ النَّجِسَةِ وَيُؤْخَذُ من تَعْلِيلِهِ أَنَّ الْوَاجِبَ إزَالَتُهَا بِسِوَاكٍ أو غَيْرِهِ فَلَا يَجِبُ السِّوَاكُ عَيْنًا وهو ظَاهِرٌ وَلَا يُكْرَهُ السِّوَاكُ إلَّا لِصَائِمٍ بَعْدَ الزَّوَالِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ من رِيحِ الْمِسْكِ وَالْخُلُوفُ بِضَمِّ الْخَاءِ تَغَيُّرُ رَائِحَةِ الْفَمِ وَالْمُرَادُ الْخُلُوفُ بَعْدَ الزَّوَالِ لِخَبَرِ أُعْطِيت أُمَّتِي في شَهْرِ رَمَضَانَ خَمْسًا ثُمَّ قال وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَإِنَّهُمْ يُمْسُونَ وَخُلُوفُ أَفْوَاهِهِمْ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ من رِيحِ الْمِسْكِ رَوَاهُ السَّمْعَانِيُّ وقال حَدِيثٌ حَسَنٌ كما ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ عن حِكَايَةِ ابْنِ الصَّلَاحِ وَالْمَسَاءُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَأَطْيَبِيَّةُ الْخُلُوفِ تَدُلُّ على طَلَبِ إبْقَائِهِ فَكُرِهَتْ إزَالَتُهُ فِيمَا ذُكِرَ وَقِيلَ لَا تُكْرَهُ وَاخْتَارَهُ في الْمَجْمُوعِ على ما وَقَعَ في بَعْضِ نُسَخِهِ وَصُحِّحَ فيه ما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَزُولُ بِالْغُرُوبِ وَالْمَعْنَى في اخْتِصَاصِهَا بِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ إنْ تَغَيَّرَ الْفَمُ بِالصَّوْمِ إنَّمَا يَظْهَرُ حِينَئِذٍ قَالَهُ
____________________
(1/35)
الرَّافِعِيُّ وَيَتَأَكَّدُ السِّوَاكُ لِكُلِّ وُضُوءٍ وَإِنْ لم يُصَلِّ بِهِ لِخَبَرِ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ على أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كل وُضُوءٍ أَيْ أَمْرَ إيجَابٍ وفي رِوَايَةٍ لَفَرَضْت عليهم السِّوَاكَ رَوَاهُ ابن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ ولكل صَلَاةٍ وَلَوْ نَفْلًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ على أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كل صَلَاةٍ أَيْ أَمْرَ إيجَابٍ وَلِخَبَرِ رَكْعَتَانِ بِسِوَاكٍ أَفْضَلُ من سَبْعِينَ رَكْعَةٍ بِلَا سِوَاكٍ رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ فَإِنْ قُلْت حَاصِلُهُ أَنَّ صَلَاةً بِهِ أَفْضَلُ من خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ بِدُونِهِ وَقَضِيَّتُهُ مع خَبَرِ صَلَاةِ الرَّجُلِ في جَمَاعَةٍ تَضْعُفُ على صَلَاتِهِ مُنْفَرِدًا خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا أَنَّ السِّوَاكَ لِلصَّلَاةِ أَفْضَلُ من الْجَمَاعَةِ لها فَتَكُونُ السُّنَّةُ أَفْضَلُ من الْفَرْضِ وهو خِلَافُ الْمَشْهُورِ قُلْت هذا الْخَبَرُ لَا يُقَاوِمُ خَبَرَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ في الصِّحَّةِ وَلَوْ سَلِمَ فَيُجَابُ بِأَنَّ السِّوَاكَ أَفْضَلُ لِكَثْرَةِ آثَارِهِ وَمِنْهَا تَعَدِّي نَفْعِهِ من طِيبِ الرَّائِحَةِ إلَى الْغَيْرِ بِخِلَافِ نَفْعِ الْجَمَاعَةِ وقد تَفْضُلُ السُّنَّةُ الْفَرْضَ كما في ابْتِدَاءِ السَّلَامِ مع رَدِّهِ وَإِبْرَاءِ الْمُعْسِرِ مِمَّا في ذِمَّتِهِ مع الصَّبْرِ عليه إلَى الْيَسَارِ أو يُحْمَلُ خَبَرُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ على ما إذَا كانت صَلَاتُهَا وَصَلَاةُ الِانْفِرَادِ بِسِوَاكٍ أو بِدُونِهِ
وَالْخَبَرُ الْآخَرُ ما إذَا كانت صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ بِسِوَاكٍ وَالْأُخْرَى بِدُونِهِ فَصَلَاةُ الْجَمَاعَةِ بِسِوَاكٍ أَفْضَلُ منها بِدُونِهِ بِعَشْرٍ فَعَلَيْهِ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ بِلَا سِوَاكٍ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ بِسِوَاكٍ بَخَمْسَةَ عَشَرَ ولكل طَوَافٍ وَسُجُودِ شُكْرٍ أو تِلَاوَةٍ كَالصَّلَاةِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وهو الْمُتَّجَهُ في الْمُهِمَّاتِ وقد يُقَالُ لَعَلَّ الْأَصْحَابَ أَدْرَجُوا الِاسْتِيَاكَ لِذَلِكَ في الِاسْتِيَاكِ لِلصَّلَاةِ تَسْمِيَةَ الشَّارِعِ لِلطَّوَافِ صَلَاةً وَلِصِدْقِ ضَابِطِ الصَّلَاةِ في الْأَخِيرَيْنِ بِأَنَّهَا أَفْعَالٌ وَأَقْوَالٌ مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةٌ بِالتَّسْلِيمِ عَلَيْهِمَا في الْجُمْلَةِ ثُمَّ ما قِيلَ في سُجُودِ التِّلَاوَةِ يَظْهَرُ أَنَّ مَحِلَّهُ في غَيْرِ الْقَارِئِ الذي اسْتَاكَ لِقِرَاءَتِهِ أَمَّا فيه فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِي بِاسْتِيَاكِهِ لِلْقِرَاءَةِ كَنَظِيرِهِ من الْغُسْلِ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مع الْغُسْلِ بِمُزْدَلِفَةَ وَإِنْ لم يَكْتَفِ بِهِ فَلْيُسْتَحَبَّ لِقِرَاءَتِهِ أَيْضًا بَعْدَ السُّجُودِ وَقِرَاءَةٍ لِقُرْآنٍ أو حَدِيثٍ بَلْ أو عِلْمٍ شَرْعِيٍّ فِيمَا يَظْهَرُ تَعْظِيمًا له فَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَصُفْرَةِ أَسْنَانٍ وَإِنْ لم يَتَغَيَّرْ الْفَمُ وَلَوْ قال وَتَغَيُّرِ أَسْنَانٍ كان أَعَمَّ وَتَغَيُّرُ فَمٍ بِنَوْمٍ أو غَيْرِهِ
وَعِنْدَ يَقِظَةٍ من نَوْمٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان إذَا قام من اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ أَيْ يُدَلِّكُهُ بِهِ وَقِيسَ بِالنَّوْمِ غَيْرُهُ بِجَامِعِ التَّغَيُّرِ وعند دُخُولِ مَنْزِلٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان إذَا دخل الْبَيْتَ بَدَأَ بِالسِّوَاكِ قال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَعِنْدَ الْأَكْلِ وَعِنْدَ إرَادَةِ النَّوْمِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَبَعْدَ الْوِتْرِ وفي السَّحَرِ كما قَالَهُ ابن عبد الْبَرِّ وَلِلصَّائِمِ قبل أَوَانِ الْخُلُوفِ كما يُسَنُّ التَّطَيُّبُ قبل الْإِحْرَامِ كما ذَكَرَهُ الْإِمَامُ في كِتَابِ الْحَجِّ وَعِنْدَ الِاحْتِضَارِ كما دَلَّ عليه خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ وَيُقَالُ إنَّهُ يُسَهِّلُ خُرُوجَ الرُّوحِ
ا ه
وَيُسَنُّ له إذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَاكَ ثَانِيًا أَنْ يَغْسِلَ سِوَاكَهُ إنْ حَصَلَ عليه وَسَخٌ أو رِيحٌ أو نَحْوُهُ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَلْيَنْوِ بِهِ أَيْ بِالسِّوَاكِ السُّنَّةَ لِخَبَرِ إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ نعم الِاسْتِيَاكُ لِلْوُضُوءِ إذَا وَقَعَ بَعْدَ نِيَّتِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِشُمُولِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ له كَسَائِرِ سُنَنِهِ وَيُعَوِّدَهُ نَدْبًا الصَّبِيَّ لِيَأْلَفَهُ وَيَحْصُلُ السِّوَاكُ بِكُلِّ مُزِيلٍ لِلْوَسَخِ كَخِرْقَةٍ وَأُصْبُعٍ خَشِنَيْنِ لَا أُصْبُعِهِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ وَلَوْ خَشِنَةً قالوا لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى سِوَاكًا لِأَنَّهَا جُزْءٌ منه وَاخْتَارَ في الْمَجْمُوعِ تَبَعًا لِلرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْخَشِنَةَ تَكْفِي لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بها وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالَهُ أَوْلَى من تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِأُصْبُعٍ فَإِنْ انْفَصَلَتْ قال في الْمُهِمَّاتِ إنْ قُلْنَا بِطَهَارَتِهَا اتَّجَهَ الْإِجْزَاءُ وَإِنْ كان دَفْنُهَا وَاجِبًا فَوْرًا وَإِنْ قُلْنَا بِنَجَاسَتِهَا فَفِي الْإِجْزَاءِ نَظَرٌ يَجْرِي في كل آلَةٍ نَجِسَةٍ وَلَا يَبْعُدُ الْإِجْزَاءُ وَوُجُوبُ غَسْلِ الْفَمِ لِلنَّجَاسَةِ وَإِنْ عَصَى بِاسْتِعْمَالِهَا وَاعْتَرَضَ عليه بِأَنَّهَا كما لَا تُجْزِئُ في الِاسْتِنْجَاءِ لَا تُجْزِئُ هُنَا بِجَامِعِ الْإِزَالَةِ وَيُجَابُ بِأَنَّ
____________________
(1/36)
الِاسْتِنْجَاءَ بِالْحَجَرِ رُخْصَةٌ وَهِيَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي مع أَنَّ الْغَرَضَ منه الْإِبَاحَةُ وَهِيَ لَا تَحْصُلُ بِالنَّجَاسَةِ بِخِلَافِ الِاسْتِيَاكِ فإنه عَزِيمَةٌ مع أَنَّ الْغَرَضَ منه إزَالَةُ الرِّيحِ الْكَرِيهَةِ وهو حَاصِلٌ بِذَلِكَ
وَالْأُصْبُعُ تُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وهو بِتَثْلِيثِ الْهَمْزَةِ وَالْبَاءِ وَيُقَالُ فيه الْأُصْبُوعُ وَعُودٍ وكونه من أَرَاكٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا له رِيحٌ طَيِّبٌ وَيَابِسٍ مُنَدَّى بِمَاءٍ أَوْلَى فَالْعُودُ أَوْلَى من غَيْرِهِ وَالْأَرَاكُ وَنَحْوُهُ أَوْلَى من غَيْرِهِ من الْعِيدَانِ وَالْيَابِسُ الْمُنَدَّى بِالْمَاءِ أَوْلَى من الرَّطْبِ وَمِنْ الْيَابِسِ الذي لم يُنَدَّ وَمِنْ الْيَابِسِ الْمُنَدَّى بِغَيْرِ الْمَاءِ كَمَاءِ الْوَرْدِ وَالرِّيقِ وَقَوْلُهُ وَنَحْوُهُ من زِيَادَتِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ فيه مُسَاوَاتُهُ لِلْأَرَاكِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْأَرَاكُ أَوْلَى من غَيْرِهِ مُطْلَقًا كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ قال ابن مَسْعُودٍ كُنْت أَجْتَنِي لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سِوَاكًا من أَرَاكٍ رَوَاهُ ابن حِبَّانَ وَعِبَارَةُ الْأَذْرَعِيِّ أَوْلَاهُ الْعُودُ وَأَوْلَاهُ ذُو الرِّيحِ وَأَوْلَاهُ الْأَرَاكُ اتِّبَاعًا ثُمَّ بَعْدَهُ النَّخْلُ فَالنَّخْلُ أَوْلَى من غَيْرِ الْأَرَاكِ كما صَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ وَيُسْتَحَبُّ الِاسْتِيَاكُ عَرْضًا لِخَبَرِ إذَا اسْتَكْتُمْ فَاسْتَاكُوا عَرْضًا رَوَاهُ أبو دَاوُد في مَرَاسِيلِهِ وَالْمُرَادُ عَرْضُ الْأَسْنَانِ ظَاهِرُهَا وَبَاطِنُهَا وَيُجْزِئُ طُولًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ وَإِنْ كان مَكْرُوهًا لِأَنَّهُ قد يُدْمِي اللِّثَةَ وَيُفْسِدُ لَحْمَ الْأَسْنَانِ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَنَقَلَ الْكَرَاهَةَ في الرَّوْضَةِ أَيْضًا عن جَمَاعَاتٍ وَالتَّصْرِيحُ بِالْإِجْزَاءِ مَزِيدٌ عليها أَمَّا اللِّسَانُ فَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَاكَ فيه طُولًا ذَكَرَهُ ابن دَقِيقِ الْعِيدِ وَاسْتَدَلَّ له بِخَبَرٍ في سُنَنِ أبي دَاوُد وَيَتَيَامَنُ بِهِ نَدْبًا في الْيَدِ وَالْفَمِ لِشَرَفِ الْأَيْمَنِ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يُحِبُّ التَّيَمُّنَ ما اسْتَطَاعَ في شَأْنِهِ كُلِّهِ في طَهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ وَسِوَاكِهِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَذِكْرُ التَّيَامُنِ في الْيَدِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ في أَذْكَارِهِ وَيُمِرُّهُ على كَرَاسِيَّ أَضْرَاسِهِ وَأَطْرَافِ أَسْنَانِهِ لِيَجْلُوَهَا من التَّغَيُّرِ بِصُفْرَةٍ أو غَيْرِهَا وعلى سَقْفِ حَلْقِهِ بِلُطْفٍ لِيُزِيلَ الْخُلُوفَ عنه
قال في الْمَجْمُوعِ قال الْمَاوَرْدِيُّ أَمَّا جَلَاءُ أَسْنَانِهِ وَبَرْدِهَا بِالْمِبْرَدِ فَمَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ يُذِيبُ الْأَسْنَانَ وَيُفْضِي إلَى تَكْسِيرِهَا وَلِأَنَّهَا تَخْشُنُ فَتَتَرَاكَمُ الصُّفْرَةُ عليها وَلِذَلِكَ لَعَنَ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْوَاشِرَةَ وَالْمُسْتَوْشِرَة وَالْوَاشِرَةُ هِيَ التي تَبْرُدُ أَسْنَانَهَا بِالْمِبْرَدِ وَالْمُسْتَوْشِرَة هِيَ التي تَسْأَلُ أَنْ يُفْعَلَ بها ذلك وَبِسِوَاكِ غَيْرٍ بِإِذْنٍ كُرِهَ الِاسْتِيَاكُ وَهَذَا من تَصَرُّفِهِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَغَيْرُهَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَاكَ بِسِوَاكِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ بَلْ زَادَ في الْمَجْمُوعِ وقد جاء ذلك في الحديث الصَّحِيحِ فَالْكَرَاهَةُ لَا أَصْلَ لها وَبِلَا إذْنٍ حَرُمَ الِاسْتِيَاكُ لِاسْتِعْمَالِهِ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ قال بَعْضُهُمْ وَيَقُولُ عِنْدَ الِاسْتِيَاكِ اللَّهُمَّ بَيِّضْ بِهِ أَسْنَانِي وَشُدَّ بِهِ لِثَاتِي وَثَبِّتْ بِهِ لَهَاتِي وَبَارِكْ لي فيه يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ قال في الْمَجْمُوعِ وَهَذَا وَإِنْ لم يَكُنْ له أَصْلٌ لَا بَأْسَ بِهِ ومن سُنَنِ الْوُضُوءِ التَّسْمِيَةُ أَوَّلَهُ لِخَبَرِ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عن أَنَسٍ قال طَلَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَضُوءًا فلم يَجِدُوا فقال صلى اللَّهُ عليه وسلم هل مع أَحَدٍ مِنْكُمْ مَاءٌ فَأُتِيَ بِمَاءٍ فَوَضَعَ يَدَهُ في الْإِنَاءِ الذي فيه الْمَاءُ ثُمَّ قال تَوَضَّئُوا بِسْمِ اللَّهِ فَرَأَيْت الْمَاءَ يَفُورُ من بَيْنِ أَصَابِعِهِ حتى تَوَضَّئُوا نَحْوُ سَبْعِينَ رَجُلًا وَقَوْلُهُ بِسْمِ اللَّهِ أَيْ قَائِلِينَ ذلك وَإِنَّمَا لم تَجِبْ لِآيَةِ الْوُضُوءِ الْمُبَيِّنَةِ لِوَاجِبَاتِهِ وَلِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلْأَعْرَابِيِّ تَوَضَّأْ كما أَمَرَك اللَّهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَلَيْسَ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ تَسْمِيَةٌ وَأَمَّا خَبَرُ لَا وُضُوءَ لِمَنْ لم يُسَمِّ اللَّهَ عليه فَضَعِيفٌ أو مَحْمُولٌ على الْكَامِلِ وَأَقَلُّهَا بِسْمِ اللَّهِ وَأَكْمَلُهَا بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ زَادَ الْغَزَالِيُّ بَعْدَهَا في بِدَايَةِ الْهِدَايَةِ رَبِّ أَعُوذُ بِك من هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِك رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ وَحَكَى الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ عن بَعْضِهِمْ التَّعَوُّذَ قَبْلَهَا وَتُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ أَيْ حَالَ يَهْتَمُّ بِهِ من عِبَادَةٍ وَغَيْرِهَا حتى الْجِمَاعَ لِلتَّبَرُّكِ بها وَلِعُمُومِ خَبَرِ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَال وَرَوَى الشَّيْخَانِ خَبَرَ لو أَنَّ أَحَدَكُمْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قال بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ ما رَزَقْتَنَا فإنه إنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ في ذلك لم يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبَدًا فَإِنْ تَرَكَهَا أَوَّلَ طَعَامٍ أو وُضُوءٍ عَمْدًا أو سَهْوًا تَدَارَكَهَا في الْأَثْنَاءِ فيقول بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ لِخَبَرِ إذَا أَكَلَ أحدكم فَلْيَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى في أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ وَيُقَاسُ بِالْأَكْلِ الْوُضُوءُ وَبِالنِّسْيَانِ الْعَمْدُ وَلَا يَأْتِي بها بَعْدَ فَرَاغِ الْوُضُوءِ كما في الْمَجْمُوعِ لِفَوَاتِ مَحِلِّهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْتِي بها بَعْدَ فَرَاغِ الْأَكْلِ لِيَقِيءَ الشَّيْطَانُ ما أَكَلَهُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا تَرَكَ السِّوَاكَ في أَوَّلِهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ في أَثْنَائِهِ كَالتَّسْمِيَةِ
____________________
(1/37)
وَأَوْلَى
ومن سُنَنِهِ غَسْلُ الْكَعْبَيْنِ قبل الْمَضْمَضَةِ وَإِنْ لم يَشُكَّ في طَهَارَةِ يَدِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ولكن كُرِهَ لِقَائِمٍ من نَوْمٍ إنْ شَكَّ في طَهَارَةِ يَدِهِ وَشَاكٍّ في طَهَارَةِ يَدِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ نَوْمٍ غَمَسَهَا في مَاءٍ قَلِيلٍ وفي سَائِرِ الْمَائِعَاتِ وَإِنْ كَثُرَتْ قبل غَسْلِهَا ثَلَاثًا لِخَبَرِ إذَا اسْتَيْقَظَ أحدكم من نَوْمِهِ السَّابِقِ في بَابِ النَّجَاسَةِ أَشَارَ بِمَا عَلَّلَ بِهِ فيه إلَى احْتِمَالِ نَجَاسَةِ الْيَدِ في النَّوْمِ كَأَنْ تَقَعَ على مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِهِ فَيَحْصُلُ لهم التَّرَدُّدُ وَيَلْحَقُ بِالتَّرَدُّدِ بِالنَّوْمِ التَّرَدُّدُ بِغَيْرِهِ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ هذه الثَّلَاثَ هِيَ الثَّلَاثُ الْمَنْدُوبَةُ أَوَّلَ الْوُضُوءِ لَكِنْ نُدِبَ تَقْدِيمُهَا عِنْدَ الشَّكِّ على غَمْسِ يَدِهِ وَأَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَزُولُ إلَّا بِغَسْلِهَا ثَلَاثًا وهو كَذَلِكَ لِلْخَبَرِ كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ وَحِكْمَتُهُ أَنَّ الشَّارِعَ إذَا غَيَّا حُكْمًا بِغَايَةٍ فَإِنَّمَا يَخْرُجُ من عُهْدَتِهِ بِاسْتِيعَابِهَا فَسَقَطَ ما قِيلَ يَنْبَغِي زَوَالُ الْكَرَاهَةِ بِوَاحِدَةٍ لِتَيَقُّنِ الطُّهْرِ بها كما لَا كَرَاهَةَ إذَا تَيَقَّنَ طُهْرَهَا ابْتِدَاءً
وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ ما بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ تَيَقُّنِ طُهْرِهَا إذَا كان مُسْتَنِدَ الْيَقِينِ غَسَلَهَا ثَلَاثًا فَلَوْ غَسَلَهَا فِيمَا مَضَى من نَجَاسَةٍ مُتَيَقِّنَةٍ أو مَشْكُوكَةٍ مَرَّةً أو مَرَّتَيْنِ كُرِهَ غَمْسُهَا قبل إكْمَالِ الثَّلَاثِ وَتَعْبِيرُهُ بِالشَّكِّ في الطَّهَارَةِ أَوْلَى من تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِعَدَمِ تَيَقُّنِهَا لِسَلَامَتِهِ من تَنَاوُلِهِ ما ليس مُرَادًا وهو تَيَقُّنُ النَّجَاسَةِ لَكِنَّهُ لو تَرَكَ قَوْلَهُ من زِيَادَتِهِ لِقَائِمٍ من نَوْمٍ وقال لِشَاكٍّ إلَى آخِرِهِ كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ وَالتَّصْرِيحُ بِقَلِيلٍ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ كان الْإِنَاءُ كَبِيرًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَصُبَّ منه على يَدِهِ التي شَكَّ في طَهَارَتِهَا ولم يَجِدْ ما يَغْرِفُ بِهِ الْمَاءَ لِيَغْسِلَهَا بِهِ فَبِثَوْبِهِ أو فيه يَغْرِفُ أو يَسْتَعِينُ بِغَيْرِهِ وَلَا يُكْرَهُ لِمَنْ تَيَقَّنَ طُهْرَ يَدِهِ غَمْسُهَا بَلْ وَلَا يُسَنُّ غَسْلُهَا قَبْلَهُ فَتَتَأَدَّى السُّنَّةُ بِغَسْلِهَا في الْإِنَاءِ وَخَارِجِهِ
وَمِنْ سُنَنِهِ مَضْمَضَةٌ ثُمَّ اسْتِنْشَاقٌ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ ما مِنْكُمْ رَجُلٌ يُمَضْمِضُ وَيَسْتَنْشِقُ فَيَسْتَنْثِرُ إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ وَفِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ وَإِنَّمَا لم يَجِبَا لِمَا مَرَّ في التَّسْمِيَةِ وَأَمَّا خَبَرُ تَمَضْمَضُوا وَاسْتَنْشِقُوا فَضَعِيفٌ وَحَصَلَا بِوُصُولِ الْمَاءِ إلَى الْفَمِ وَالْأَنْفِ إنْ قَدَّمَ الْمَضْمَضَةَ على الِاسْتِنْشَاقِ وَلَوْ ابْتَلَعَهُ أَيْ الْمَاءَ أو لم يُدِرْهُ فَلَوْ أتى بِالِاسْتِنْشَاقِ مع الْمَضْمَضَةِ أو قَدَّمَهُ عليها أو أتى بِهِ فَقَطْ لم يُحْسَبْ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ شَرْطٌ كَتَرْتِيبِ الْأَرْكَانِ في صَلَاةِ النَّفْلِ وَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وقد فَوَّتَهُ فَفَائِدَةُ ذِكْرِ الشَّرْطِ مع أَنَّهُ عُلِمَ من الْعَطْفِ بِثُمَّ الْإِعْلَامُ بِأَنَّ التَّقْدِيمَ مُسْتَحَقٌّ لَا مُسْتَحَبٌّ عَكْسَ تَقْدِيمِ الْيُمْنَى على الْيُسْرَى وَفَرَّقَ الرُّويَانِيُّ بِأَنَّ الْيَدَيْنِ مَثَلًا عُضْوَانِ مُتَّفِقَانِ اسْمًا وَصُورَةً بِخِلَافِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ فَوَجَبَ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا كَالْيَدِ وَالْوَجْهِ وَكَذَا ما تَرَتَّبَ على سَبِيلِ الِاسْتِحْقَاقِ من السُّنَنِ أَيْ من سَائِرِهَا كَغَسْلِ الْكَفَّيْنِ قبل الْمَضْمَضَةِ وَمَسْحِ الْأُذُنَيْنِ بَعْدَ مَسْحِ الرَّأْسِ فإنه إنَّمَا يُحْسَبُ منها ما وَقَعَ مُرَتَّبًا وَهَذَا مع التَّصْرِيحِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ ابْتَلَعَهُ من زِيَادَتِهِ
وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ أَنَّ الْمُؤَخَّرَ يُحْسَبُ وهو الْوَجْهُ كَنَظَائِرِهِ في الصَّلَاةِ وَالْوُضُوءِ فَقَوْلُ الرَّوْضَةِ لو قَدَّمَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ على غَسْلِ الْكَفِّ لم يُحْسَبْ الْكَفُّ على الْأَصَحِّ مَعْكُوسٌ وَصَوَابُهُ لِيُوَافِقَ ما في الْمَجْمُوعِ كما قال الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ لم تُحْسَبْ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ على الْأَصَحِّ أَمَّا غَسْلُ الْكَفِّ فَيُحْسَبُ لِفِعْلِهِ في مَحِلِّهِ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الِابْتِدَاءَ بِهِمَا كَالِابْتِدَاءِ بِغَسْلِ الْوَجْهِ فَيُحْسَبَانِ دُونَ الْكَفِّ لِأَنَّ تَقَدُّمَهُ شَرْطٌ لِلْحُكْمِ بِحُسْبَانِهِ وهو مُخَالِفٌ لِنَظَائِرِهِ من التَّرْتِيبَاتِ الْمُسْتَحَقَّةِ وَلِكَلَامِ الْمَجْمُوعِ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ
____________________
(1/38)
الِابْتِدَاءَ بِمَا ذُكِرَ كَالِابْتِدَاءِ بِغَسْلِ الْوَجْهِ وَجَمَعَهُمَا أَيْ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ بِثَلَاثٍ يَتَمَضْمَضُ من كُلٍّ ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ أَفْضَلُ من الْفَصْلِ بِسِتِّ غَرْفَاتٍ أو بِغَرْفَتَيْنِ يَتَمَضْمَضُ من وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثَلَاثًا ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ من الْأُخْرَى ثَلَاثًا وَمِنْ الْجَمْعِ بِغَرْفَةٍ يَتَمَضْمَضُ منها ثَلَاثًا ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ منها ثَلَاثًا أو يَتَمَضْمَضُ منها ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ مَرَّةً ثُمَّ كَذَلِكَ ثَانِيَةٌ وَثَالِثَةٌ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ في ذلك فَعُلِمَ من كَلَامِهِ أَنَّ السُّنَّةَ تَتَأَدَّى بِالْجَمِيعِ وَأَنَّ الْأُولَى أَوْلَى وَلَوْ قال وَبِثَلَاثٍ بِالْوَاوِ لَأَفَادَ ما صَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ من أَنَّ الْجَمْعَ مُطْلَقًا أَفْضَلُ من الْفَصْلِ كَذَلِكَ وَمِنْ سُنَنِهِ الْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا لِمُفْطِرٍ لِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلَقِيطِ بن صَبِرَةَ أَسْبِغْ الْوُضُوءَ وَخَلِّلْ بين الْأَصَابِعِ وَبَالِغِ في الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وفي رِوَايَةٍ لِلدُّولَابِيِّ في جَمْعِهِ لِحَدِيثِ الثَّوْرِيِّ صَحَّحَ ابن الْقَطَّانِ إسْنَادَهَا إذَا تَوَضَّأْتَ فَأَبْلِغْ في الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ ما لم تَكُنْ صَائِمًا أَمَّا الصَّائِمُ فَلَا تُسَنُّ له الْمُبَالَغَةُ بَلْ تُكْرَهُ لِخَوْفِ الْإِفْطَارِ كما في الْمَجْمُوعِ وَاسْتَشْكَلَ بِتَحْرِيمِ الْقُبْلَةِ إذَا خَشِيَ الْإِنْزَالَ مع أَنَّ الْعِلَّةَ في كُلٍّ مِنْهُمَا خَوْفُ الْفَسَادِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقُبْلَةَ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ بَلْ دَاعِيَةٌ لِمَا يُضَادُّ الصَّوْمَ من الْإِنْزَالِ بِخِلَافِ الْمُبَالَغَةِ فِيمَا ذُكِرَ وَبِأَنَّهُ هُنَا يُمْكِنُهُ إطْبَاقُ الْحَلْقِ وَمَجُّ الْمَاءِ وَهُنَاكَ لَا يُمْكِنُهُ رَدُّ الْمَنِيِّ إذَا خَرَجَ لِأَنَّهُ مَاءٌ دَافِقٌ وَبِأَنَّهُ رُبَّمَا كان في الْقُبْلَةِ إفْسَادٌ لِعِبَادَةِ اثْنَيْنِ
وَالْمُبَالَغَةُ في الْمَضْمَضَةِ أَنْ يَبْلُغَ بِالْمَاءِ أَقْصَى الْحَنَكِ وَوَجْهَيْ الْأَسْنَانِ وَاللِّثَاتِ وفي الِاسْتِنْشَاقِ أَنْ يَصْعَدَ الْمَاءُ بِالنَّفَسِ إلَى الْخَيْشُومِ كما يُؤْخَذُ ذلك مع زِيَادَةٍ من قَوْلِهِ فَيُمِرُّ أُصْبُعَهُ أَيْ الْيُسْرَى كما قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ لِأَنَّ الْيُمْنَى يَكُونُ فيها بَقِيَّةُ الْمَاءِ إذَا جُمِعَ على وَجْهَيْ أَسْنَانِهِ وَيُوصِلُ الْمَاءَ إلَى أَقْصَى الْحَنَكِ وإلى خَيْشُومِ الْأَنْفِ أَيْ أَقْصَاهُ وَلَوْ أَخَّرَ الْجُمْلَةَ الْأُولَى عن الثَّانِيَةِ كان أَوْلَى وَيُخْرِجُ أَذَاهَا الْأَوْلَى أَذَاهُ أَيْ الْأَنْفِ بِإِصْبَعِ الْيُسْرَى أَيْ الْخِنْصَرِ أَخْذًا مِمَّا سَيَأْتِي في الْجَنَائِزِ وَهَذَا يُسَمَّى الِاسْتِنْثَارُ وَدَلِيلُهُ خَبَرُ مُسْلِمٌ السَّابِقِ وَيُسَنُّ إدَارَةُ الْمَاءِ في الْفَمِ وَمَجُّهُ وإذا بَالَغَ غَيْرُ الصَّائِمِ في الِاسْتِنْشَاقِ فَلَا يَسْتَقْصِي فَيَصِيرُ سَعُوطًا لَا اسْتِنْشَاقًا ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ ومن سُنَنِهِ تَثْلِيثُ مَغْسُولٍ وَمَمْسُوحٍ مَفْرُوضٍ وَمَسْنُونٍ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَتَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَلَوْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ التَّثْلِيثَ كان أَوْلَى لِيَشْمَلَ التَّخْلِيلَ وَالْقَوْلُ كَالتَّسْمِيَةِ وَالتَّشَهُّدُ آخِرَهُ وَتَثْلِيثُ التَّخْلِيلِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَتَثْلِيثُ الْقَوْلِ في التَّشَهُّدِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وابن مَاجَهْ وَصَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وزاد الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ وَيَقْتَصِرُ وُجُوبًا على الْفَرْضِ لِضِيقِ وَقْتٍ عن إدْرَاكِ الصَّلَاةِ وَقِلَّةِ مَاءٍ بِحَيْثُ لَا يَكْفِيهِ إلَّا لِلْفَرْضِ أو يَحْتَاجُ إلَى الْفَاضِلِ عنه لِعَطَشٍ وَنَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ ذلك عن الْجِيلِيُّ إلَّا حَالَةَ كَوْنِ الْمَاءِ لَا يَكْفِيهِ إلَّا لِلْفَرْضِ فَأَلْحَقَهَا بِغَيْرِهَا وَعَلَى ذلك نَبَّهَ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ التَّنْبِيهِ وَسَيَأْتِي في مَسْحِ الْخُفِّ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَكْرِيرُهُ قال الزَّرْكَشِيُّ
وَالظَّاهِرُ الْتِحَاقُ الْجَبِيرَةِ وَالْعِمَامَةِ إذَا كَمُلَ بِالْمَسْحِ عَلَيْهِمَا بِالْخُفِّ وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ على الثَّلَاثِ وَالنَّقْصُ عنها لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قال هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ على هذا أو نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ وقال في الْمَجْمُوعِ إنَّهُ صَحِيحٌ قال نَقْلًا عن الْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ وَالْمَعْنَى فَمَنْ زَادَ على الثَّلَاثِ أو نَقَصَ منها فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ في كُلٍّ من الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ وَقِيلَ أَسَاءَ في النَّقْصِ وَظَلَمَ في الزِّيَادَةِ وَقِيلَ عَكْسُهُ ثُمَّ قال فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ النَّقْصُ عن الثَّلَاثِ إسَاءَةً وَظُلْمًا وَمَكْرُوهًا وقد ثَبَتَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَعَلَهُ فإنه تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَتَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ قُلْنَا ذلك كان لِبَيَانِ الْجَوَازِ وكان في ذلك الْحَالِ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْبَيَانَ وَاجِبٌ
____________________
(1/39)
وَلَوْ شَكَّ في الْعَدَدِ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ عَمَلًا بِالْيَقِينِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ذلك رُبَّمَا يَزِيدُ رَابِعَةً وَهِيَ بِدْعَةٌ وَتَرْكُ سُنَّةٍ أَسْهَلُ من اقْتِحَامِ بِدْعَةٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بِدْعَةً إذَا عَلِمَ أنها رَابِعَةٌ وَلَا يُجْزِئُ تَعَدُّدٌ قبل تَمَامِ عُضْوٍ فَلَا تُحْسَبُ الْغَسْلَةُ مَرَّةً إلَّا إذَا اسْتَوْعَبَتْهُ كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ في إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَلَا يُجْزِئُ تَعَدُّدٌ بَعْدَ تَمَامِ الْوُضُوءِ فَلَوْ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً ثُمَّ تَوَضَّأَ ثَانِيًا وَثَالِثًا كَذَلِكَ لم يَحْصُلْ التَّثْلِيثُ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ في الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ أَنَّ الْوَجْهَ وَالْيَدَ مُتَبَاعِدَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْرُغَ من أَحَدِهِمَا ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْآخَرِ وَأَمَّا الْفَمُ وَالْأَنْفُ فَكَعُضْوٍ فَجَازَ تَطْهِيرُهُمَا مَعًا كَالْيَدَيْنِ كَذَا نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْجُوَيْنِيِّ وَأَقَرَّهُ وَبِهِ أَفْتَى الْبَارِزِيُّ لَكِنْ خَالَفَ الرُّويَانِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا فَقَالُوا بِحُصُولِ ذلك
وَمِنْ سُنَنِهِ التَّخْلِيلُ لِمَا لَا يَجِبُ غَسْلُهُ من شَعْرِ الْوَجْهِ بِالْأَصَابِعِ من أَسْفَلِهِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَرَوَى أبو دَاوُد أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان إذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا من مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ وقال هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي أَمَّا ما يَجِبُ غَسْلُهُ من ذلك كَالْخَفِيفِ وَالْكَثِيفِ من لِحْيَةِ غَيْرِ الرَّجُلِ فَيَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَمَنَابِتِهِ بِتَخْلِيلٍ أو غَيْرِهِ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَقَوْلُهُ من أَسْفَلِهِ من زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن السَّرَخْسِيِّ لَا إنْ كان ما ذُكِرَ لِمُحْرِمٍ فَلَا يُسَنُّ تَخْلِيلُهُ لِئَلَّا يَتَسَاقَطَ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُحْرِمَ كَغَيْرِهِ وَاعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ في الْخَادِمِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْمُتَوَلِّي فقال بَلْ السُّنَّةُ تَخْلِيلُهَا أَيْ اللِّحْيَةِ بِرِفْقٍ كما قَالُوهُ في تَخْلِيلِ شَعْرِ الْمَيِّتِ وَكَالْمَضْمَضَةِ لِلصَّائِمِ فَإِنَّهَا سُنَّةٌ مع خَوْفِ الْمُفْسِدِ وَلِهَذَا لَا يُبَالِغُ وقد قال في التَّهْذِيبِ وَيُدَلِّكُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ في الْغُسْلِ بِرِفْقٍ حتى لَا يُنْتَتَفَ شَعْرُهُ ومنها تَقْدِيمُ الْيُمْنَى على الْيَسَارِ لِخَبَرِ إذَا تَوَضَّأْتُمْ فَابْدَءُوا بِمَيَامِنِكُمْ رَوَاهُ ابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانُ في صَحِيحَيْهِمَا وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن عَائِشَةَ قالت كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ في تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ أَيْ تَسْرِيحِ شَعْرِهِ وَطَهُورِهِ وفي شَأْنِهِ كُلِّهِ أَيْ مِمَّا هو من بَابِ التَّكْرِيمِ كَاكْتِحَالٍ وَنَتْفِ إبِطٍ وَحَلْقِ رَأْسٍ وَالْأَيْسَرُ لِضِدِّ ذلك كَامْتِخَاطٍ وَدُخُولِ خَلَاءٍ وَنَزْعِ مَلْبُوسٍ لِمَا رَوَاهُ أبو دَاوُد وقال في الْمَجْمُوعِ إنَّهُ صَحِيحٌ كانت يَدُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْيُمْنَى لِطَهُورِهِ وَطَعَامِهِ وَالْيُسْرَى لِخَلَائِهِ وما كان من أَذًى لَا الْيَمِينُ من الْأُذُنَيْنِ وَالْخَدَّيْنِ وَالْكَفَّيْنِ فَلَا يُسَنُّ تَقْدِيمُهَا بَلْ يُسَنُّ غَسْلُهُمَا مَعًا إلَّا لِأَقْطَعَ أو نَحْوِهِ مِمَّنْ بِهِ عِلَّةٌ لَا يُمْكِنُهُ مَعَهَا ذلك فَيُسَنُّ له تَقْدِيمُ الْيَمِينِ وَلَوْ عَكَسَ فَقَدَّمَ الْيَسَارَ فِيمَا سُنَّ فيه تَأْخِيرُهَا كُرِهَ لِلنَّهْيِ عنه في صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَهَذَا من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ وَقِيَاسُ ذلك أَنَّ تَقْدِيمَهَا في كل ما فيه تَكْرِيمٌ وَتَقْدِيمُ الْيَمِينِ في ضِدِّهِ مَكْرُوهٌ وقد يُؤْخَذُ من كَلَامِهِ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَقْدِيمُ إحْدَى الْأُذُنَيْنِ أو الْخَدَّيْنِ أو الْكَفَّيْنِ لِغَيْرِ أَقْطَعَ بِحَمْلِ الْعَكْسِ على ما يَشْمَلُ ذلك إذْ عَكَسَ الْمَعِيَّةَ التَّرْتِيبُ وَمِنْهَا تَطْوِيلُ الْغُرَّةِ بِغَسْلِ زَائِدٍ على الْوَاجِبِ من الْوَجْهِ من جَمِيعِ جَوَانِبِهِ وتطويل التَّحْجِيلِ بِغَسْلِ زَائِدٍ على الْوَاجِبِ من الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ من جَمِيعِ الْجَوَانِبِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يوم الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ من آثَارِ الْوُضُوءِ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ أَنْتُمْ الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ يوم الْقِيَامَةِ من إسْبَاغِ الْوُضُوءِ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ فَلْيُطِلْ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ وَمَعْنَى غُرًّا مُحَجَّلِينَ بِيضَ الْوُجُوهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ كَالْفَرَسِ الْأَغَرِّ وهو الذي في وَجْهِهِ بَيَاضٌ وَالْمُحَجَّلِ وهو الذي قَوَائِمُهُ بِيضٌ وَغَايَتُهُ أَيْ تَطْوِيلِ التَّحْجِيلِ الْمَنْكِبُ وَالرُّكْبَةُ لِلِاتِّبَاعِ كما يُؤْخَذُ من خَبَرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمِنْهَا اسْتِيعَابُ مَسْحِ الرَّأْسِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَخُرُوجًا من
____________________
(1/40)
خِلَافِ من أَوْجَبَهُ وَالْحُكْمُ عليه بِالسُّنِّيَّةِ لَا يُنَافِي وُقُوعَهُ فَرْضًا على الْقَوْلِ بِهِ كما سَيَأْتِي في صِفَةِ الصَّلَاةِ وأن يَبْدَأَ في مَسْحِهِ من مُقَدِّمِهِ فَلْيُلْصِقْ بين سَبَّابَتَيْهِ أَيْ طَرَفَيْهِمَا وَإِبْهَامَاهُ في صُدْغَيْهِ لو قال كَالرَّوْضَةِ وَإِبْهَامَيْهِ كانت إفَادَتُهُ لِسُنِّيَّتِهِ إلْصَاقَهُمَا بِالصُّدْغِ أَظْهَرُ ثُمَّ يَذْهَبُ بِهِمَا أَيْ بِسَبَّابَتَيْهِ إلَى قَفَاهُ وَذُو الْوَفْرَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَنْقَلِبُ قال الْجَوْهَرِيُّ وَهِيَ الشَّعْرُ إلَى شَحْمَةِ الْأُذُنِ بِرَدِّهِمَا أَيْ السَّبَّابَتَيْنِ إلَى ما بَدَأَ منه لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَيَصِلُ الْمَاءُ بِالذَّهَابِ إلَى بَاطِنِ الْقَدَمِ وَظَاهِرِ الْمُؤَخَّرِ وَبِالرَّدِّ إلَى عَكْسِ ذلك وَلَا يُحْسَبُ الرَّدُّ مَرَّةً لِعَدَمِ تَمَامِ الْمَرَّةِ الْأُولَى فَإِنْ لم يَنْقَلِبْ شَعْرُهُ لِظُفْرِهِ أو طُولِهِ أو قِصَرِهِ أو عَدَمِهِ كما فُهِمَا بِالْأَوْلَى لم يَرُدَّ هُمَا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فَإِنْ رَدَّهُمَا لم تُحْسَبْ ثَانِيَةً كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لِأَنَّ الْمَاءَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا
وَالضَّفْرُ بِالضَّادِ لَا بِالظَّاءِ وَإِنْ عَبَّرَ بها الْمُصَنِّفُ في مَوَاضِعَ كما هُنَا وَيَمْسَحُ نَدْبًا النَّاصِيَةَ وَهِيَ الشَّعْرُ الذي بين النَّزْعَتَيْنِ وَيُتَمِّمُ على الْعِمَامَةِ أو نَحْوِهَا وَإِنْ لَبِسَهَا على حَدَثٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ سَوَاءٌ عَسُرَ عليه تَنْحِيَتُهَا أَمْ لَا كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَالرَّوْضَةِ وَالتَّحْقِيقِ وَصَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عن الْأَصْحَابِ وَوَقَعَ في الْمِنْهَاجِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ وَالشَّرْحَيْنِ تَقْيِيدُ ذلك بِالْعُسْرِ وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ وَيُتَمِّمُ ما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي الِاقْتِصَارُ على مَسْحِ الْعِمَامَةِ وَمِنْهَا مَسْحُ وَجْهَيْ كل أُذُنٍ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَسَحَ في وُضُوئِهِ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا وَأَدْخَلَ أُصْبُعَيْهِ في صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أو صَحِيحٍ وَمَحِلُّ ذلك بَعْدَ مَسْحِ الرَّأْسِ لَا مَسْحُ الرَّقَبَةِ فَلَا يُسَنُّ إذْ لم يَثْبُتْ فيه شَيْءٌ قال النَّوَوِيُّ بَلْ هو بِدْعَةٌ قال وَأَمَّا خَبَرُ مَسْحُ الرَّقَبَةِ أَمَانٌ من الْغُلِّ فَمَوْضُوعٌ وَأَثَرُ ابْنِ عُمَرَ من تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عُنُقَهُ وُقِيَ الْغُلَّ يوم الْقِيَامَةِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ بِمَاءٍ أَيْ وَمَسْحُ وَجْهَيْ الْأُذُنَيْنِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ أَيْ غَيْرِ مَاءِ الرَّأْسِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَلَوْ أَخَذَ بِأَصَابِعِهِ مَاءً لِرَأْسِهِ فلم يَمْسَحْهُ بِمَاءِ بَعْضِهَا بَلْ مَسَحَ بِهِ الْأُذُنَيْنِ كَفَى لِأَنَّهُ مَاءٌ جَدِيدٌ وَغَسْلُهُمَا أَيْضًا مع الْوَجْهِ وَمَسْحُهُمَا مع الرَّأْسِ حَسَنٌ لِلْخُرُوجِ من الْخِلَافِ فِيهِمَا فَقَدْ قِيلَ إنَّهُمَا من الرَّأْسِ وَقِيلَ من الْوَجْهِ وَالْمَشْهُورُ لَا وَلَا
وَأَمَّا خَبَرُ الْأُذُنَانِ من الرَّأْسِ فَضَعِيفٌ وكان ابن سُرَيْجٍ يَفْعَلُ ذلك لِمَا قُلْنَاهُ قال في الرَّوْضَةِ وَفِعْلُهُ هذا حَسَنٌ وقد غَلِطَ من غَلَّطَهُ فيه زَاعِمًا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا لم يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَدَلِيلُ ابْنِ سُرَيْجٍ نَصَّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابُ على اسْتِحْبَابِ غَسْلِ النَّزَعَتَيْنِ مع الْوَجْهِ مع أَنَّهُمَا يُمْسَحَانِ في الرَّأْسِ أَيْ ولم يَقُلْ بِذَلِكَ أَحَدٌ ثُمَّ يَأْخُذُ الْأَوْلَى لِيُوَافِقَ ما في الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا وَيَأْخُذُ لِصِمَاخَيْهِ وَهُمَا خَرْقَا الْأُذُنَيْنِ مَاءً لِخَبَرِ أبي دَاوُد السَّابِقِ جَدِيدًا أَيْ غير مَاءِ الرَّأْسِ وَالْأُذُنَيْنِ لِظَاهِرِ خَبَرِ الْبَيْهَقِيّ وَلِأَنَّهُمَا من الْأُذُنَيْنِ كَالْفَمِ وَالْأَنْفِ من الْوَجْهِ ثَلَاثًا هذا عُلِمَ من قَوْلِهِ وَتَثْلِيثُ مَغْسُولٍ وَمَمْسُوحٍ قال الرَّافِعِيُّ وَالْأَحَبُّ في كَيْفِيَّةِ مَسْحِهِمَا مع الْأُذُنَيْنِ أَنْ يُدْخِلَ مِسْبَحَتَيْهِ في صِمَاخَيْهِ وَيُدِيرَهُمَا على الْمَعَاطِفِ وَيُمِرَّ إبْهَامَيْهِ على ظُهُورِهِمَا ثُمَّ يُلْصِقُ كَفَّيْهِ مَبْلُولَتَيْنِ بِالْأُذُنَيْنِ اسْتِظْهَارًا وَنَقَلَهُمَا في الْمَجْمُوعِ عن جَمَاعَاتٍ ثُمَّ نَقَلَ عن آخَرِينَ أَنْ يَمْسَحَ بِالْإِبْهَامَيْنِ ظَاهِرَ الْأُذُنَيْنِ بِالْمُسْبَحَتَيْنِ بَاطِنَهُمَا وَيُمِرَّ رَأْسَ الْأُصْبُعِ في الْمَعَاطِفِ وَيُدْخِلَ الْخِنْصَرَ في صِمَاخَيْهِ وَكَلَامُهُ في نُكَتِ التَّنْبِيهِ يَقْتَضِي اخْتِيَارَ هذه الْكَيْفِيَّةِ
وَالْمُرَادُ من الْأُولَى أَنْ يَمْسَحَ بِرَأْسِ مُسَبِّحَتَيْهِ صِمَاخَيْهِ وَبِبَاطِنِ أُنْمُلَتَيْهِمَا بَاطِنَ الْأُذُنَيْنِ وَمَعَاطِفَهُمَا فَانْدَفَعَ ما قِيلَ أنها لَا تُنَاسِبُ سُنِّيَّةَ مَسْحِ الصِّمَاخَيْنِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ وَاسْتَشْكَلَ الزَّرْكَشِيُّ امْتِنَاعَ مَسْحِهِمَا بِبَلَلِ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ وَبِبَلَلِ الرَّأْسِ في الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مع أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ في ذلك طَهُورٌ ثُمَّ قال وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَكْمَلُ لَا أَصْلُ السُّنَّةِ فإنه يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَبِهِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ وَمِنْهَا تَخْلِيلُ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ لِخَبَرِ لَقِيطٍ السَّابِقِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كما في الْمَجْمُوعِ عن عُثْمَانَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَخَلَّلَ بين أَصَابِعِ قَدَمَيْهِ وقال رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَعَلَ كما فَعَلْت فَيُخَلِّلُهَا من أَسْفَلَ بِخِنْصِرِ يَدِهِ الْيُسْرَى بِكَسْرِ الصَّادِ أَشْهَرُ من فَتْحِهَا يَبْدَأُ بِخِنْصِرِ الرِّجْلِ الْيُمْنَى وَيَخْتِمُ بِخِنْصِرِ الرِّجْلِ
____________________
(1/41)
الْيُسْرَى هذا ما ذَكَرَهُ الْأَكْثَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْأَصْلُ وَخَالَفَهُ في الْمَجْمُوعِ فَحَكَى فيه ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا هذا وَالثَّانِي بِخِنْصِرِ الْيَدِ الْيُمْنَى وَالثَّالِثُ ما قَالَهُ الْإِمَامُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ ثُمَّ قال وهو الرَّاجِحُ الْمُخْتَارُ وقال في التَّحْقِيقِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَإِيصَالُ الْمَاءِ إلَى ما بَيْنَهُمَا وَاجِبٌ إذَا كانت مُلْتَفَّةً لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَيْهِ إلَّا بِالتَّخْلِيلِ أو نَحْوِهِ وَلَوْ كانت مُلْتَحِمَةً لم يَجُزْ فَتْقُهَا وكان الْأَوْلَى تَأْخِيرُ هذا عن قَوْلِهِ وَنُدِبَ تَخْلِيلُ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ بِالتَّشْبِيكِ بَيْنَهَا لِخَبَرِ لَقِيطٍ وَمِنْهَا تَرْكُ الِاسْتِعَانَةِ في صَبِّ الْمَاءِ عليه لِأَنَّهُ الْأَكْثَرُ من فِعْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلِأَنَّهَا تَرَفُّهٌ وَتَكَبُّرٌ لَا يَلِيقُ بِالْمُتَعَبِّدِ فَهِيَ خِلَافُ الْأَوْلَى حَيْثُ لَا عُذْرَ وَإِنَّمَا لم تُكْرَهْ لِمَا في الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم صَبَّ عليه أُسَامَةُ في حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَالْمُغِيرَةُ في غَزْوَةِ تَبُوكَ لَا تَرْكُ الِاسْتِعَانَةِ في إحْضَارِهِ أَيْ الْمَاءِ فَلَيْسَ بِسُنَّةٍ فَلَا تَكُونُ هِيَ خِلَافُ الْأَوْلَى لِثُبُوتِهَا عنه صلى اللَّهُ عليه وسلم كَثِيرًا وَكُرِهَ ما ذُكِرَ من الِاسْتِعَانَةِ في غَسْلِ الْعُضْوِ بِلَا عُذْرٍ لِأَنَّهَا تَرَفُّهٌ زَائِدٌ لَا يَلِيقُ بِالْمُتَعَبِّدِ فَإِنْ كان بِعُذْرٍ لم تُكْرَهْ بَلْ قد تَجِبُ وَلَوْ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ كما مَرَّ بَيَانُهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَيْ في عَدَمِ كَرَاهَتِهَا أَنْ يَكُونَ الْمُعِينُ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ لِيَخْرُجَ الْكَافِرُ وَنَحْوُهُ وَتَعْبِيرُهُمْ بِلَفْظِ الِاسْتِعَانَةِ الْمُقْتَضِي طَلَبَهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو حَلَفَ لَا يَسْتَخْدِمُهُ فَخَدَمَهُ سَاكِتًا لم يَحْنَثْ جَرَى على الْغَالِبِ وَإِلَّا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين طَلَبِهَا وَعَدَمِهِ كما يَدُلُّ عليه تَعْلِيلُهُمْ السَّابِقُ وَيَضَعُ نَدْبًا الْمُتَوَضِّئُ الْمَاءَ عن يَمِينِهِ إنْ كان يَغْتَرِفُ منه وَعَنْ يَسَارِهِ إنْ كان يَصُبُّ منه على يَدِهِ كَإِبْرِيقٍ لِأَنَّ ذلك أَمْكَنُ فِيمَا قال في الْمَجْمُوعِ
وَاسْتَثْنَى السَّرَخْسِيُّ ما إذَا فَرَغَ من غَسْلِ وَجْهِهِ وَيَمِينِهِ فَيُحَوِّلُ الْإِنَاءَ إلَى يَمِينِهِ وَيَصُبُّ على يَسَارِهِ حتى يَفْرَغَ من وُضُوئِهِ لِأَنَّ السُّنَّةَ في غَسْلِ الْيَدَانِ يَصُبُّ الْمَاءَ على كَفِّهِ فَيَغْسِلُهَا ثُمَّ يَغْسِلُ سَاعِدَهُ ثُمَّ مِرْفَقَهُ قال ولم يذكر الْجُمْهُورُ هذا التَّحْوِيلَ وَيَقِفُ الْمُعِينُ له بِالصَّبِّ على يَسَارِهِ لِأَنَّهُ أَعْوَنُ وَأَمْكَنُ وَأَحْسَنُ أَدَبًا وَقَوْلُهُ وَيَضَعُ إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ على الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ ومنها تَرْكُ التَّنْشِيفِ من بَلَلِ مَاءِ الْوُضُوءِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن مَيْمُونَةَ قالت أَتَيْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْدَ اغْتِسَالِهِ بِمِنْدِيلٍ فَرَدَّهُ وَجَعَلَ يَنْفُضُ الْمَاءَ بيده وَلِأَنَّهُ أَثَرُ عِبَادَةٍ فَكَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى وَاخْتَارَ في شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ مُبَاحٌ تَرْكُهُ وَفِعْلُهُ سَوَاءٌ هذا إذَا لم يَحْتَجَّ إلَيْهِ لِخَوْفِ بَرْدٍ وَالْتِصَاقِ نَجَاسَةٍ أو نَحْوِهِ وَإِلَّا فَلَا يُسَنُّ تَرْكُهُ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ قال الْأَذْرَعِيُّ بَلْ يَتَأَكَّدُ سُنَّةً إذَا خَرَجَ عَقِبَ الْوُضُوءِ في مَحَلِّ النَّجَاسَاتِ عِنْدَ هُبُوبِ الرِّيحِ وَكَذَا لو آلَمَهُ شِدَّةُ بَرْدِ الْمَاءِ أو الْمَرَضِ أو الْجُرْحِ أو كان يَتَيَمَّمُ أَثَرَهُ أو نَحْوَهَا قال في الْمَجْمُوعِ قال الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ كان معه من يَحْمِلُ الثَّوْبَ الذي يَتَنَشَّفُ بِهِ وَقَفَ عن يَمِينِهِ انْتَهَى وَقِيَاسُ ما مَرَّ في الْمُعِينِ أَنْ يَقِفَ عن يَسَارِهِ قال في الذَّخَائِرِ وإذا تَنَشَّفَ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ بِذَيْلِهِ وَطَرَفِ ثَوْبِهِ وَنَحْوِهِمَا وَأَمَّا النَّفْضُ لِلْمَاءِ فَمُبَاحٌ تَرْكُهُ وَفِعْلُهُ سَوَاءٌ لَا مَكْرُوهٌ كما قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ لم يَثْبُتْ في النَّهْيِ شَيْءٌ وَثَبَتَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَعَلَهُ كما مَرَّ
وَأَمَّا خَبَرُ إذَا تَوَضَّأْتُمْ فَلَا تَنْفُضُوا أَيْدِيَكُمْ فَإِنَّهَا مَرَاوِحُ الشَّيْطَانِ فَضَعِيفٌ وَهَذَا ما رَجَّحَهُ في الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَجَزَمَ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ بِأَنَّ تَرْكَهُ سُنَّةٌ وَرَجَّحَهُ في التَّحْقِيقِ لِأَنَّهُ كَالتَّبَرِّي من الْعِبَادَةِ وقال في شَرْحَيْ مُسْلِمٍ وَالْوَسِيطِ أَنَّهُ الْأَشْهَرُ قال في الْمُهِمَّاتِ وَبِهِ الْفَتْوَى فَقَدْ نَقَلَهُ ابن كَجٍّ عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَمِنْهَا مَنْدُوبَاتٌ أُخَرُ وَهِيَ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ وَهِيَ أَوَّلُ السُّنَنِ غَيْرُ النِّيَّةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي جَعَلَ الْمَاءَ طَهُورًا لِمُنَاسَبَتِهِ الْمَقَامَ لَكِنَّهُ جَعَلَ في الْأَذْكَارِ هذا من جُمْلَةِ دُعَاءِ الْأَعْضَاءِ الذي لَا أَصْلَ له وَاسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ في جَمِيعِ الْأَفْعَالِ ذِكْرًا كَالصَّلَاةِ وَلِئَلَّا يَخْلُوَ عَمَلُهُ عنها حَقِيقَةً أَمَّا اسْتِصْحَابُهَا حُكْمًا بِأَنْ لَا يَأْتِيَ بِمَا يُنَافِيهَا فَوَاجِبٌ كما مَرَّ وَالتَّلَفُّظُ بها لِيُسَاعِدَ اللِّسَانُ الْقَلْبَ وَلِلْخُرُوجِ من خِلَافِ من أَوْجَبَهُ سِرًّا من زِيَادَتِهِ وَتَقْدِيمُهَا مع أَوَّلِ السُّنَنِ عِنْدَ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ لِتَحْصُلَ أَيْ السُّنَنُ
____________________
(1/42)
الْمُتَقَدِّمَةُ على غَسْلِ الْوَجْهِ أَيْ ثَوَابِهَا فَيَنْوِيَ مع التَّسْمِيَةِ عِنْدَ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ كما صَرَّحَ بِهِ ابن الْفِرْكَاحِ بِأَنْ يَقْرِنَهَا بها عِنْدَ أَوَّلِ غَسْلِهِمَا كما يَقْرِنُهَا بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَانْدَفَعَ ما قِيلَ أَنَّ قَرْنَهَا بها مُسْتَحِيلٌ لِأَنَّهُ يُسَنُّ التَّلَفُّظُ بِالنِّيَّةِ وَلَا يُعْقَلْ التَّلَفُّظُ معه بِالتَّسْمِيَةِ
وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ يَنْوِي عِنْدَ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وابن الصَّبَّاغِ فَالْمُرَادُ بِتَقْدِيمِ التَّسْمِيَةِ عليه تَقْدِيمُهَا على الْفَرَاغِ منه وَبِذَلِكَ عُلِمَ مَحِلُّ النِّيَّةِ الْمَسْنُونَةِ لَكِنْ الْغَزَالِيُّ في الْإِحْيَاءِ جَعَلَ مَحِلَّهَا بَعْدَ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ وَجَعَلَ كَالْمَاوَرْدِيِّ وَالْقَفَّالِ مَحِلَّ السِّوَاكِ قبل التَّسْمِيَةِ فَعَلَى قَوْلِهِ يَلْزَمُ خُلُوُّهُ عنها وَتَحْتَاجُ الثَّلَاثَةُ إلَى نِيَّةٍ أُخْرَى وَإِلَّا فَيَلْزَمُ خُلُوُّهَا عن النِّيَّةِ وَجَعَلَهُ ابن الصَّلَاحِ وابن النَّقِيبِ في عُمْدَتِهِ بَعْدَ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ وَكَلَامُ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ يَمِيلُ إلَيْهِ وَعَلَيْهِ بَنَيْت كَلَامِي أَوَّلًا وَخَالَفَ ابن النَّقِيبِ في نُكَتِهِ فقال مَحِلُّهُ قبل التَّسْمِيَةِ أو مَعَهَا أَمَّا إذَا تَرَكَ النِّيَّةَ أَوَّلًا فَلَا يُثَابُ على ما قَبْلَهَا بِخِلَافِ نَاوِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ ضَحْوَةً لِأَنَّ الصَّوْمَ خُصْلَةٌ وَاحِدَةٌ فإذا صَحَّ بَعْضُهَا صَحَّ كُلُّهَا بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَلِأَنَّهُ لَا ارْتِبَاطَ لِصِحَّةِ الْوُضُوءِ بِسُنَنِهِ بِخِلَافِ إمْسَاكِ بَقِيَّةِ النَّهَارِ وَتَعَهُّدِ الْغُضُونِ أَيْ مَكَاسِرِ الْجِلْدِ احْتِيَاطًا وَكَذَا الْمُوقُ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ وهو طَرَفُ الْعَيْنِ الذي يَلِي الْأَنْفَ يَتَعَهَّدُهُ بِالسَّبَّابَةِ الْأَيْمَنُ بِالْيُمْنَى وَالْأَيْسَرُ بِالْيُسْرَى وَمِثْلُهُ اللِّحَاظُ وهو الطَّرَفُ الْآخَرُ وَمَحِلُّ سَنِّ غَسْلِهِمَا إذَا لم يَكُنْ فِيهِمَا رَمْصٌ يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى مَحِلِّهِ وَإِلَّا فَغَسْلُهُمَا وَاجِبٌ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ لَا غَسْلُ بَاطِنِ الْعَيْنِ فَلَا يَجِبُ وَلَا يُسَنُّ لِمَا فيه من الضَّرَرِ وَلِأَنَّهُ لم يُنْقَلْ عنه صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمِنْهَا إمْرَارُ الْيَدِ على الْأَعْضَاءِ بَعْدَ إفَاضَةِ الْمَاءِ عليها اسْتِظْهَارًا وَخُرُوجًا من خِلَافِ من أَوْجَبَهُ وَكَرَّرَ منها لِرَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ ما بَعْدَهَا مَعْطُوفٌ على الْمَنْفِيِّ قَبْلَهَا وَتَحْرِيكُ الْخَاتَمِ إلَّا إذَا لم يَصِلْ الْمَاءُ إلَى ما تَحْتَهُ إلَّا بِهِ فَيَجِبُ وَالْبُدَاءَةُ بِأَعْلَى وَجْهِهِ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ لِكَوْنِهِ مَحَلُّ السُّجُودِ وَبِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ إنْ صَبَّ على نَفْسِهِ فَإِنْ صَبَّ عليه فَبِالْمِرْفَقِ وَالْكَعْبِ تَبِعَ كَالْأَصْلِ في هذا الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ على الْبُدَاءَةِ بِالْأَصَابِعِ مُطْلَقًا كما نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ وَاخْتَارَهُ وَجَرَى عليه في التَّحْقِيقِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَالْفَتْوَى عليه قال في الْمَجْمُوعِ فَيُجْرِي الْمَاءَ على يَدِهِ وَيُدِيرُ كَفَّهُ الْأُخْرَى عليها مُجْرِيًا لِلْمَاءِ بها إلَى مِرْفَقِهِ وَيُجْرِيهِ على رِجْلِهِ وَيُدِيرُ كَفَّهُ عليها مُجْرِيًا لِلْمَاءِ بها إلَى كَعْبِهِ وَلَا يَكْتَفِي بِجَرَيَانِهِ بِطَبْعِهِ وأن يَقْتَصِدَ في الْمَاءِ فَلَا يُسْرِفُ فيه وهو مَكْرُوهٌ كما عُلِمَ من كَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ على الثَّلَاثِ وَبِهِ صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ وأن لَا يَنْقُصَ الْمَاءُ في الْوُضُوءِ عن مُدٍّ وَالْغُسْلِ عن صَاعٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْكَلَامِ عَلَيْهِمَا في بَابِ الْغُسْلِ فإنه ذَكَرَهُمَا ثُمَّ أَيْضًا مع زِيَادَةٍ وَذِكْرُ حُكْمِ الصَّاعِ هُنَا من زِيَادَتِهِ وَالْمُنَاسِبُ تَرْكُهُ لِأَنَّهُ ليس من سُنَنِ الْوُضُوءِ وأن يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ في وُضُوئِهِ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وأن لَا يَلْطِمَ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ وَلَا يَتَكَلَّمُ في أَثْنَاءِ وُضُوئِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وأن يَتَوَقَّى الرَّشَاشَ فَلَا يَتَوَضَّأُ في مَوْضِعٍ يَرْجِعُ إلَيْهِ رَشَاشُ الْمَاءِ وأن يَقُولَ بَعْدَهُ أَيْ الْوُضُوءِ وهو مُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ من تَوَضَّأَ فقال أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ إلَى آخِرِهِ فُتِحَتْ له أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ يَدْخُلُ من أَيُّهَا شَاءَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي من التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي من الْمُتَطَهِّرِينَ زَادَهُ التِّرْمِذِيُّ على مُسْلِمٍ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أنت أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك لِخَبَرِ الْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ من تَوَضَّأَ ثُمَّ قال سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك إلَى آخِرِهِ كُتِبَ في رَقٍّ ثُمَّ طُبِعَ بِطَابَعٍ فلم يُكْسَرْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالطَّابَعُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا الْخَاتَمُ وَمَعْنَى لم يُكْسَرْ لم يَتَطَرَّقْ إلَيْهِ إبْطَالٌ وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ معه وَصَلَّى اللَّهُ على مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَدُعَاءُ الْأَعْضَاءِ وهو أَنْ يَقُولَ عِنْدَ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ اللَّهُمَّ احْفَظْ يَدِي من مَعَاصِيك كُلِّهَا وَعِنْدَ الْمَضْمَضَةِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي على ذِكْرِك وَشُكْرِك وَعِنْدَ الِاسْتِنْشَاقِ اللَّهُمَّ أَرِحْنِي رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَعِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ اللَّهُمَّ بَيِّضْ وَجْهِي يوم تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ وَعِنْدَ غَسْلِ الْيَدِ الْيُمْنَى اللَّهُمَّ اعْطِنِي كِتَابِي بِيَمِينِي وَحَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا وَعِنْدَ غَسْلِ الْيَدِ الْيُسْرَى اللَّهُمَّ لَا تُعْطِنِي كِتَابِي بِشِمَالِي وَلَا من وَرَاءِ ظَهْرِي وَعِنْدَ مَسْحِ الرَّأْسِ اللَّهُمَّ حَرِّمْ شَعْرِي وَبَشَرِي على النَّارِ وَعِنْدَ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي من الَّذِينَ
____________________
(1/43)
يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ وَعِنْدَ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَدَمِي على الصِّرَاطِ يوم تَزِلُّ فيه الْأَقْدَامُ لَا أَصْلَ له أَيْ في الصِّحَّةِ وَإِلَّا فَقَدْ رُوِيَ عنه صلى اللَّهُ عليه وسلم من طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ في تَارِيخِ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ وَمِثْلُهُ يُعْمَلُ بِهِ في فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ فَرْعٌ التَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ في طَهَارَةِ الْحَدَثِ لَا يَضُرُّ وَالْكَثِيرُ وَلَوْ في الْغُسْلِ بِلَا عُذْرٍ كَالنِّسْيَانِ مَكْرُوهٌ فَلَا يُبْطِلُ الطَّهَارَةَ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَا يُبْطِلُهَا التَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ فَلَا يُبْطِلُهَا الْكَثِيرُ كَالْحَجِّ لَكِنَّهُ نُقِضَ بِالْأَذَانِ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يَجُوزُ تَفْرِيقُ النِّيَّةِ فيها على أَبْعَاضِهَا فَجَازَ فيها التَّفْرِيقُ الْكَثِيرُ كَالزَّكَاةِ وَقَوْلُهُ كَالنِّسْيَانِ مِثَالٌ لِلْعُذْرِ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ مَكْرُوهٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ على الصَّحِيحِ لَا وفي نُسْخَةٍ وَلَا يُوجِبُ التَّفْرِيقَ الْكَثِيرَ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ عِنْدَ عُزُوبِهَا لِأَنَّ حُكْمَهَا بَاقٍ وهو أَيْ التَّفْرِيقُ الْكَثِيرُ ما أَيْ تَفْرِيقٌ يَجِفُّ الْمَغْسُولُ آخِرًا فيه أَيْ في زَمَنِهِ حَالَ الِاعْتِدَالِ أَيْ اعْتِدَالِ الْهَوَاءِ وَالزَّمَانِ وَالْمِزَاجِ فإذا غَسَلَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَالْعِبْرَةُ بِالْأَخِيرَةِ قال في الْكِفَايَةِ وَيُقَدَّرُ الْمَمْسُوحُ مَغْسُولًا وَسَيَأْتِي في التَّيَمُّمِ أَنَّ جَوَازَ التَّفْرِيقِ الْكَثِيرِ مَحَلُّهُ في وُضُوءِ الرَّفَاهِيَةِ فَصْلٌ وفي نُسْخَةٍ فَرْعٌ من لَا كَعْبَ له وَلَا مِرْفَقَ يُقَدِّرُ قَدْرَهُ من الْعُضْوِ وَيُشْتَرَطُ جَرَيَانُ الْمَاءِ على الْعُضْوِ في غَسْلِهِ فَلَا يَكْفِي أَنْ يَمَسَّهُ الْمَاءُ بِلَا جَرَيَانٍ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى غُسْلًا فَيَجِبُ قَلْعُ وَسَخِ ظُفْرٍ وَشُقُوقٍ يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ وقلع دُهْنٍ جَامِدٍ كَالشَّمْعِ لَا قَلْعُ دُهْنٍ جَارٍ أَيْ مَانِعًا وَلَا قَلْعُ لَوْنِ حِنَّاءٍ وَلَوْ شَكَّ في طَهَارَةِ عُضْوٍ بَعْدَ تَمَامِ الْوُضُوءِ لم يُؤَثِّرْ كَنَظِيرِهِ في الصَّلَاةِ بِخِلَافِ ما لو شَكَّ في أَثْنَائِهِ وَبِمَا قَالَهُ قَطَعَ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ فَأَلْزَمَ بِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الدُّخُولِ في الصَّلَاةِ بِطُهْرٍ مَشْكُوكٍ فيه فَالْتَزَمَهُ كما لو شَكَّ في حَدَثِهِ وَقِيلَ يُؤَثِّرُ لِأَنَّ الطُّهْرَ يُرَادُ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالشَّكُّ في حَدَثِهِ وُجِدَ فيه يَقِينُ الطُّهْرِ فلم يُؤَثِّرْ بِخِلَافِ هذا وَيُجَابُ بِأَنَّ الشَّرْعَ كَثِيرًا ما يُقِيمُ الظَّنَّ الْقَوِيَّ مَقَامَ الْيَقِينِ فَلَا يُؤَثِّرُ فيه الشَّكُّ وَيَرْتَفِعُ حَدَثُ الْعُضْوِ بِغَسْلِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ على فَرَاغِ الْأَعْضَاءِ وَنُدِبَ لِمَنْ تَوَضَّأَ أَنْ يُصَلِّيَ عَقِيبَ وُضُوئِهِ رَكْعَتَيْنِ في أَيِّ وَقْتٍ كان لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عن عُثْمَانَ رضي اللَّهُ عنه قال رَأَيْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تَوَضَّأَ ثُمَّ قال من تَوَضَّأَ نحو وُضُوئِي هذا ثُمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ لَا يحدث فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ
فَرْعٌ من زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ من الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ لو صلى فَرِيضَتَيْنِ بِوُضُوءَيْنِ عن حَدَثَيْنِ أو كان الثَّانِي مُجَدِّدًا وقد نَسِيَ الْمَسْحَ لِلرَّأْسِ في أَحَدِهِمَا وَأَشْكَلَ عليه الْحَالُ مَسَحَ رَأْسَهُ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ فَقَطْ بِنَاءً على جَوَازِ تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ وَأَعَادَهُمَا أَيْ الْفَرِيضَتَيْنِ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا بَاطِلَةٌ وقد جَهِلَهَا فَهُوَ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً من صَلَاتَيْنِ وَلَوْ تَوَضَّأَ مُحْدِثٌ وَصَلَّى فَرِيضَةً ثُمَّ نَسِيَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ فَتَوَضَّأَ أو أَعَادَ هَا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَ الْمَسْحَ في أَحَدِ وُضُوءَيْهِ وَسَجْدَةً في إحْدَى صَلَاتَيْهِ وَجَهِلَ مَحَلَّهُمَا أَعَادَ الصَّلَاةَ لِاحْتِمَالِ تَرْكِ الْمَسْحِ من الْوُضُوءِ الْأَوَّلِ وَالسَّجْدَةِ من الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ لَا الْوُضُوءِ لِصِحَّتِهِ بِكُلِّ تَقْدِيرٍ وَذِكْرُ الْمَسْحِ في هذه وَاَلَّتِي قَبْلَهَا مِثَالٌ فَبَقِيَّةُ الْفُرُوضِ كَذَلِكَ وَلَا يَصِحُّ وُضُوءُ من خَفِيَ عليه مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ من بَدَنِهِ إنْ لم يَكْتَفِ بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ لِلْحَدَثِ وَالْخَبَثِ لِاحْتِمَالِ اتِّصَالِ النَّجَاسَةِ بِمَحَلِّ وُضُوئِهِ فَإِنْ اكْتَفَى بها وهو الْأَصَحُّ صَحَّ وُضُوءُهُ بَابُ الِاسْتِنْجَاءِ وَآدَابِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ هو مَأْخُوذٌ من نَجَوْت الشَّجَرَةَ وَأَنْجَيْتهَا إذَا قَطَعْتهَا كَأَنَّهُ يَقْطَعُ الْأَذَى عنه وَقِيلَ من النَّجْوَةِ وَهِيَ ما ارْتَفَعَ من الْأَرْضِ لِأَنَّهُ يَسْتَتِرُ عن الناس بها وهو وَالِاسْتِطَابَةُ وَالِاسْتِجْمَارُ بِمَعْنَى إزَالَةِ الْخَارِجِ من الْفَرْجِ عنه لَكِنَّ الثَّالِثَ مُخْتَصٌّ بِالْحَجَرِ مَأْخُوذٌ من الْجِمَارِ وَهِيَ الْحَصَى الصِّغَارُ وَإِلَّا قَوْلَانِ يَعُمَّانِ الْمَاءَ وَالْحَجَرَ وقد بَدَأَ بِالْآدَابِ
____________________
(1/44)
فقال قَاضِي الْحَاجَةِ من بَوْلٍ أو غَائِطٍ أَيْ من أَرَادَ قَضَاءَهَا يَبْعُدُ عن الناس في الصَّحْرَاءِ إلَى حَيْثُ لَا يُسْمَعُ لِلْخَارِجِ منه صَوْتٌ وَلَا يُشَمُّ له رِيحٌ وَذِكْرُ الصَّحْرَاءِ من زِيَادَتِهِ وَتَرْكُهَا أَوْلَى فإن غَيْرَهَا مِمَّا لم يُهَيَّأْ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ مِثْلُهَا كما نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عن الْحَلِيمِيِّ قال ابن عبد السَّلَامِ فَإِنْ تَعَذَّرَ عليه الْإِبْعَادُ عَنْهُمْ اُسْتُحِبَّ لهم الْإِبْعَادُ عنه إلَى مَكَان لَا يَسْمَعُونَ
وَيَسْتَتِرُ عن أَعْيُنِهِمْ لِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من أتى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ فَإِنْ لم يَجِدْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا من رَمْلٍ فَلْيَسْتَتِرْ بِهِ فإن الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ من فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ وقال النَّوَوِيُّ إنَّهُ حَسَنٌ وَيَحْصُلُ ذلك وَلَوْ بِقَدْرِ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرَ وَيَدْنُو منه ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ فَأَقَلَّ بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ الْمُعْتَدِلِ هذا إنْ كان بِصَحْرَاءَ أو بِبِنَاءٍ لَا يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ كَأَنْ جَلَسَ في وَسَطِ مَكَان وَاسِعٍ كَبُسْتَانٍ فَإِنْ كان بِبِنَاءٍ يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ كَفَى كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَلَوْ تَسَتَّرَ في الصَّحْرَاءِ أو نَحْوِهَا بِرَاحِلَتِهِ أو بِوَهْدَةٍ أو إرْخَاءِ ذَيْلِهِ أو نَحْوِهَا كَفَى وَلَوْ تَعَارَضَ التَّسَتُّرُ وَالْإِبْعَادُ فَالظَّاهِرُ رِعَايَةُ التَّسَتُّرِ وَيُعَدُّ النُّبَلُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَقِيلَ بِفَتْحِهِمَا وَقِيلَ بِضَمِّهِمَا أَيْ أَحْجَارُ الِاسْتِنْجَاءِ إنْ أَرَادَ الِاسْتِنْجَاءَ بها لِخَبَرِ إذَا ذَهَبَ أحدكم إلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ معه بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ يَسْتَطِيبُ بِهِنَّ فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عنه رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ
وقال الدَّارَقُطْنِيُّ إسْنَادُهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَحَذَرًا من الِانْتِشَارِ إذَا طَلَبَهَا بَعْدَ فَرَاغِهِ أو الْمَاءُ إنْ أَرَادَ الِاسْتِنْجَاءَ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ ويقدم رِجْلَهُ الْيُسْرَى دُخُولًا لِمَحِلِّ قَضَاءِ الْحَاجَةِ ولو لِلْجُلُوسِ بِصَحْرَاءَ أو نَحْوِهَا وَلَوْ تَرَكَ الْجُلُوسَ كما تَرَكَهُ فِيمَا يَأْتِي عَقِبَهُ كان أَوْلَى لَكِنَّهُ جَرَى كَغَيْرِهِ فيه على الْغَالِبِ وَيَعْتَمِدُهَا وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى بِأَنْ يَضَعَ أَصَابِعَهَا على الْأَرْضِ وَيَرْفَعَ بَاقِيَهَا لِأَنَّ ذلك أَسْهَلُ لِخُرُوجِ الْخَارِجِ وَلِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ هُنَا سَوَاءٌ أَقَضَى حَاجَتَهُ قَائِمًا أَمْ قَاعِدًا كما اقْتَضَاهُ تَعْلِيلُهُمْ فَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَوْلَى من قَوْلِ الْأَصْلِ وَأَنْ يَعْتَمِدْ في جُلُوسِهِ على رِجْلِهِ الْيُسْرَى ويقدم الْيُمْنَى خُرُوجًا من الْمَحَلِّ كَالْحَمَّامِ في تَقْدِيمِ الْيُسْرَى دُخُولًا وَالْيُمْنَى خُرُوجًا لِأَنَّ الْيُسْرَى لِلْأَذَى وَالْيُمْنَى لِغَيْرِهِ كما مَرَّ وفي مَعْنَى الرِّجْلِ بَدَلُهَا في أَقْطَعْهَا وَيَضُمُّ كما في الْكِفَايَةِ عن الْبَنْدَنِيجِيِّ عِنْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ فَخْذَيْهِ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ وَأَسْهَلُ لِخُرُوجِ الْخَارِجِ وَهَذَا وَذِكْرُ الْحَمَّامِ من زِيَادَتِهِ وَلَا يَدْخُلُ الْمَحِلَّ حَافِيًا وَلَا حَاسِرًا أَيْ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مُرْسَلًا لَكِنْ قال في الْمَجْمُوعِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ على أَنَّ الحديث الْمُرْسَلَ وَالضَّعِيفَ وَالْمَوْقُوفَ يُتَسَامَحُ بِهِ في فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ وَيَكْفِي في كَوْنِهِ غير حَاسِرٍ تَقَنُّعٌ بِكُمِّهِ وفي نُسْخَةٍ بِكُمٍّ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَيُكْرَهُ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ حَمْلُ مَكْتُوبِ قُرْآنٍ وَاسْمٍ لِلَّهِ تَعَالَى واسم لِنَبِيٍّ وَكُلِّ اسْمٍ مُعَظَّمٍ كما في الْكِفَايَةِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ تَعْظِيمًا لِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان إذَا دخل الْخَلَاءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ وكان نَقْشُ خَاتَمِهِ مُحَمَّدٌ رسول اللَّهِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَرَوَى ابن حِبَّانَ في صَحِيحِهِ عن أَنَسٍ قال كان نَقْشُ خَاتَمِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثَلَاثَةُ أَسْطُرٍ مُحَمَّدٌ سَطْرٌ وَرَسُولُ سَطْرٌ وَاَللَّهِ سَطْرٌ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْأَسْمَاءُ الْمُخْتَصَّةُ بِاَللَّهِ وَبِنَبِيِّهِ مَثَلًا دُونَ ما لَا يَخْتَصُّ كَعَزِيزٍ وَكَرِيمٍ وَمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ إذَا لم
____________________
(1/45)
يَكُنْ ما يُشْعِرُ بِأَنَّهُ الْمُرَادُ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ في تَنْقِيحِهِ وَمِثْلُ ما يُشْعِرُ بِذَلِكَ ما إذَا قَصَدَهُ بِهِ حتى حَمْلُ ما كُتِبَ من ذلك في دِرْهَمٍ أو نَحْوِهِ لَا حَمْلُ تَوْرَاةٍ وَإِنْجِيلٍ وَنَحْوِهِمَا كما أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ وَالتَّصْرِيحُ بِكَرَاهَةِ حَمْلِ اسْمِ النبي من زِيَادَتِهِ وَتَعْبِيرُهُ بِنَبِيٍّ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِرَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ نَسِيَ ذلك أَيْ تَرَكَهُ وَلَوْ عَمْدًا حتى قَعَدَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ ضَمَّ كَفَّهُ عليه أو وَضَعَهُ في عِمَامَتِهِ أو غَيْرِهَا وَلَا يَتَكَلَّمُ بِذِكْرٍ وَلَا غَيْرِهِ أَيْ يُكْرَهُ ذلك كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ لِخَبَرِ لَا يَخْرُجُ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عن عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ فإن اللَّهَ يَمْقُتُ على ذلك رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وفي رِوَايَةٍ له أَنْ يَتَحَدَّثَا فإن اللَّهَ يَمْقُتُ على ذلك
وَمَعْنَى يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ يَأْتِيَانِهِ وَالْمَقْتُ الْبُغْضُ وَقِيلَ أَشَدُّهُ وَالْمَقْتُ وَإِنْ كان على الْمَجْمُوعِ فَبَعْضُ مُوجِبَاتِهِ مَكْرُوهٌ وَيُؤَيِّدُهُ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَأَنْ رَأَى أَعْمَى يَقَعُ في بِئْرٍ أو حَيَّةً أو غَيْرَهَا تَقْصِدُ حَيَوَانًا مُحْتَرَمًا فَلَا يُكْرَهُ له التَّكَلُّمُ بَلْ قد يَجِبُ كَالْمُجَامِعِ يُكْرَهُ له التَّكَلُّمُ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَإِنْ عَطَسَ بِفَتْحِ الطَّاءِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ أو الْجِمَاعِ حَمِدَ اللَّهَ بِقَلْبِهِ وَلَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ وَلَا يَنْظُرُ بِلَا حَاجَةٍ إلَى الْفَرْجِ ولا إلَى الْخَارِجِ منه ولا إلَى السَّمَاءِ وَلَا يَعْبَثُ بيده وَلَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَيُكْرَهُ له اسْتِقْبَالُ الْقَمَرَيْنِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَاسْتِدْبَارُهَا أَيْ الثَّلَاثَةِ بِبَوْلٍ وَغَائِطٍ في الصَّحْرَاءِ وَالْبُنْيَانِ إكْرَامًا لها وَالْوَاوُ في قَوْلِهِ وَغَائِطٍ بِمَعْنَى أو وَتَسْوِيَتُهُ في الْكَرَاهَةِ بين اسْتِقْبَالِ الْقَمَرَيْنِ وَاسْتِدْبَارِهِمَا هو ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ بَلْ صَرَّحَ بِهِ في تَذْنِيبِهِ وَوَافَقَهُ النَّوَوِيُّ في مُخْتَصَرِهِ غير أَنَّهُ صَرَّحَ في أَكْثَرِ كُتُبِهِ بِمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَنَقَلَهُ هو في أَصْلِ الرَّوْضَةِ عن الْجُمْهُورِ من أَنَّ الْكَرَاهَةَ مُخْتَصَّةٌ بِالِاسْتِقْبَالِ فقال في الْمَجْمُوعِ وهو الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وقال في نُكَتِهِ إنَّهُ الْمَذْهَبَ وَقَوْلَ الْجُمْهُورِ وَالصَّوَابُ وَكَأَنَّهُ اعْتَمَدَ على ما في الرَّوْضَةِ نَقْلًا عن الرَّافِعِيِّ بِنَاءً على ما فَهِمَهُ عنه وَالرَّافِعِيُّ بَرِيءٌ منه كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ نَبَّهَ على ذلك الْإِسْنَوِيُّ ثُمَّ قال وقد نُقِلَ عن الْجُمْهُورِ في كُتُبِهِ الْمَبْسُوطَةِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الِاسْتِقْبَالُ أَيْضًا فقال في شَرْحِ الْوَسِيطِ لم يذكر الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ تَرْكَهُ فَالْمُخْتَارُ إبَاحَتُهُ
وفي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ نَحْوُهُ وفي التَّحْقِيقِ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لِلْكَرَاهَةِ فَدَلَّ على أَنَّ ما نَقَلَهُ في الرَّوْضَةِ عن الْجُمْهُورِ ليس مُوَافِقًا لِمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَإِنَّمَا هو من فَهْمِهِ فَالصَّوَابُ عَدَمُ اجْتِنَابِهِمَا على خِلَافِ ما في الرَّوْضَةِ وَأَكْثَرِ الْمُخْتَصَرَاتِ ويكره طُولٌ بِمَعْنَى إطَالَةِ مُكْثٍ في الْمَحَلِّ لِمَا رُوِيَ عن لُقْمَانَ أَنَّهُ يُورِثُ وَجَعًا في الْكَبِدِ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْمُكْثِ أَوْلَى من تَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ بِالْقُعُودِ أَمَّا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا بِلَا حَائِلٍ قَرِيبٍ مُرْتَفِعٍ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرَ بِأَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّ حَائِلٌ أو يَكُونَ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ بِأَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ من ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ أو قَرِيبٌ لَكِنَّهُ دُونَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ أو بِلَا بُنْيَانٍ يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ بُنْيَانٌ أو يَكُونَ لَكِنْ لَا يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ فَحَرَامٌ وَمَعَهُ أَيْ وَمَعَ حَائِلٍ قَرِيبٍ مُرْتَفِعٍ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ أو بُنْيَانٍ يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ خِلَافَ الْأُولَى قال صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أو غَرِّبُوا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَرَوَيَا أَيْضًا أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى حَاجَتَهُ في بَيْتِ حَفْصَةَ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ وقال جَابِرٌ نهى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ تُسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةُ بِبَوْلٍ فَرَأَيْته قبل أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ فَحَمَلُوا الْخَبَرَ الْأَوَّلَ الْمُفِيدَ لِلْحُرْمَةِ على الْفَضَاءِ لِسُهُولَةِ اجْتِنَابِ الْمُحَاذَاةِ فيه بِخِلَافِ الْبِنَاءِ فَيَجُوزُ فيه ذلك كما فَعَلَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم بَيَانًا لِلْجَوَازِ وَإِنْ كان الْأَوْلَى لنا تَرْكُهُ وقد أَنَاخَ ابن عُمَرَ رَاحِلَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إلَيْهَا فَقِيلَ له
____________________
(1/46)
أَلَيْسَ قد نهى اللَّهُ عن هذا قال بَلَى إنَّمَا نهى عنه في الْفَضَاءِ فإذا كان بَيْنَك وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُكَ فَلَا بَأْسَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ على شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَلِأَنَّ الْفَضَاءَ لَا يَخْلُوَ غَالِبًا من مُصَلٍّ إنْسِيٍّ أو غَيْرِهِ فَقَدْ يَرَى دُبُرَهُ إنْ اسْتَقْبَلَهَا أو قُبُلَهُ إنْ اسْتَدْبَرَهَا
وفي هذا كَلَامٌ ذَكَرْته مع جَوَابِهِ في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ من زِيَادَتِهِ أو بِلَا بُنْيَانٍ يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ أَوَّلَهُ مُكَرَّرٌ مع ما قَبْلَهُ وَآخِرُهُ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ من أَنَّهُ يُعْتَبَرُ لِعَدَمِ الْحُرْمَةِ قُرْبَ السَّاتِرِ وَإِنْ كان بِبِنَاءٍ يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِنَاءً مُهَيَّأً لِذَلِكَ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في السُّتْرَةِ عن الْعُيُونِ لَا يُعْتَبَرُ لِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ ذلك فِيمَا إذَا كان بِبِنَاءٍ يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ وَالْمُوقِعُ له في ذلك تَوَهُّمُهُ اتِّحَادَ الْمَسْأَلَتَيْنِ في اعْتِبَارِ ذلك وَعَدَمِ اعْتِبَارِهِ فَعَلَى الْمَنْقُولِ لو كان بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَائِطِ هذا الْبِنَاءِ أَكْثَرُ من ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ كَفَى في السَّتْرِ عن الْعُيُونِ كما مَرَّ لَا في السَّتْرِ عن الْقِبْلَةِ إلَّا أَنْ يَشُقَّ عليه التَّحَوُّلُ وَلَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ عن يَمِينِ الْقِبْلَةِ وَشِمَالِهَا جَازَ اسْتِقْبَالُهَا وَاسْتِدْبَارُهَا قَالَهُ الْقَفَّالُ في فَتَاوِيهِ فَلَوْ تَعَارَضَ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ فَالظَّاهِرُ رِعَايَةُ الِاسْتِقْبَالِ كما يُرَاعَى الْقُبُلُ في السَّتْرِ وإذا لم يَحْرُمَا فَقِيلَ يُكْرَهَانِ وَبِهِ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ في تَذْنِيبِهِ وَنَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْمُتَوَلِّي ثُمَّ قال ولم يَتَعَرَّضْ الْجُمْهُورُ لِلْكَرَاهَةِ وَالْمُخْتَارُ عَدَمُهَا لَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَرْكُ ذلك إذَا أَمْكَنَ بِلَا مَشَقَّةٍ وَلَا يُكْرَهُ شَيْءٌ من اسْتِقْبَالِهَا وَاسْتِدْبَارِهَا حَالَ الِاسْتِنْجَاءِ وَالْجِمَاعِ وَإِخْرَاجِ الرِّيحِ إذْ النَّهْيُ عن اسْتِقْبَالِهَا وَاسْتِدْبَارِهَا مُقَيَّدٌ بِحَالَةِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ في الثَّلَاثَةِ وَالْأُولَى وَالْأَخِيرَةُ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِمَا في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ
وَيُكْرَهُ قَضَاءُ الْحَاجَةِ في طَرِيقٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ قالوا وما اللَّعَّانَانِ قال الذي يَتَخَلَّى في طَرِيقِ الناس أو في ظِلِّهِمْ وَلِخَبَرِ أبي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَ الْبِرَازَ في الْمَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ وَالْمَلَاعِنُ مَوَاضِعُ اللَّعْنِ وَالْمَوَارِدُ طُرُقُ الْمَاءِ وَالتَّخَلِّي التَّغَوُّطُ وَكَذَا الْبِرَازُ وهو بِكَسْرِ الْبَاءِ على الْمُخْتَارِ وَقِيسَ بِالْغَائِطِ الْبَوْلُ وَصَرَّحَ في الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ بِكَرَاهَةِ ذلك في الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ
وفي الْمَجْمُوعِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ كَرَاهَتُهُ وَيَنْبَغِي حُرْمَتُهُ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وَلِإِيذَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَنَقَلَ الْأَصْلُ في الشَّهَادَاتِ عن صَاحِبِ الْعُدَّةِ أَنَّ التَّغَوُّطَ في الطَّرِيقِ حَرَامٌ وَأَقَرَّهُ وفي مَعْنَى الطَّرِيقِ بَقِيَّةُ الْمَلَاعِنِ وَقَارِعَةُ الطَّرِيقِ أَعْلَاهُ وَقِيلَ صَدْرُهُ وَقِيلَ ما بَرَزَ منه وفي مُسْتَحَمٍّ وهو الْمُغْتَسَلُ مَأْخُوذٌ من الْحَمِيمِ وهو الْمَاءُ الْحَارُّ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى أَنْ يَمْتَشِطَ أَحَدُنَا كُلَّ يَوْمٍ أو يَبُولَ في مُغْتَسَلِهِ وقال لَا يَبُولَنَّ أحدكم في مُسْتَحَمِّهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فيه فإن عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ منه رَوَاهُمَا أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ لِلْأَوَّلِ وَحَسَنٍ لِلثَّانِي وَمَحَلُّ ذلك إذَا لم يَكُنْ ثَمَّ مَنْفَذٌ يَنْفُذُ فيه الْبَوْلُ وَالْمَاءُ وفي مُتَحَدِّثٍ لِلنَّاسِ لِلنَّهْيِ عن التَّخَلِّي في ظِلِّهِمْ كما مَرَّ وَأُلْحِقَ بِظِلِّهِمْ أَيْ صَيْفًا مَوْضِعُ اجْتِمَاعِهِمْ في الشَّمْسِ شِتَاءً وَشَمِلَهُمَا قَوْلُهُ مُتَحَدِّثٌ وَعِنْدَ قَبْرٍ مُحْتَرَمٍ احْتِرَامًا له قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَجِبُ أَنْ يُحَرَّمَ عِنْدَ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ
وَتَشْتَدُّ الْكَرَاهَةُ عِنْدَ قُبُورِ الْأَوْلِيَاءِ وَالشُّهَدَاءِ قال وَالظَّاهِرُ تَحْرِيمُهُ بين الْقُبُورِ الْمُتَكَرِّرِ نَبْشُهَا لِاخْتِلَاطِ تُرْبَتِهَا بِأَجْزَاءِ الْمَيِّتِ وَتَحْتَ شَجَرٍ يُثْمِرُ وَلَوْ مُبَاحًا وفي غَيْرِ وَقْتِ الثَّمَرَةِ صِيَانَةً لها عن التَّلْوِيثِ عِنْدَ الْوُقُوعِ فَتَعَافُهَا الْأَنْفُسُ ولم يُحَرِّمُوهُ لِأَنَّ التَّنَجُّسَ غَيْرُ مُتَيَقِّنٍ قال في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ النَّهْيُ في الْبَوْلِ آكَدُ منه في الْغَائِطِ لِأَنَّ لَوْنَ الْغَائِطِ يَظْهَرُ فَتَطْهُرُ الثَّمَرَةُ عنه أو يُحْتَرَزُ عنه وَالْبَوْلُ قد يَجِفُّ وقد يَخْفَى وَالتَّصْرِيحُ بِكَرَاهَةِ قَضَائِهَا في الْمُتَحَدِّثِ وَتَحْتَ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ وَبِحُكْمِ الْمُسْتَحِمِّ من
____________________
(1/47)
زِيَادَتِهِ وفي مَاءٍ رَاكِدٍ وَلَوْ كَثِيرًا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى أَنْ يُبَالَ في الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَالْكَرَاهَةُ في الْقَلِيلِ أَشَدُّ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لِتَنْجِيسِهِ وفي جَارٍ قَلِيلٍ كما نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن جَمَاعَةٍ ثُمَّ قال وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ في الْقَلِيلِ مُطْلَقًا لِإِتْلَافِهِ وَأُجِيبَ بِإِمْكَانِ طُهْرِهِ بِالْكَثْرَةِ أَمَّا الْجَارِي الْكَثِيرُ فَلَا يُكْرَهُ فيه ذلك لَكِنَّ الْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ وقال في الْكِفَايَةِ يُكْرَهُ بِاللَّيْلِ لِأَنَّ الْمَاءَ بِاللَّيْلِ مَأْوَى الْجِنِّ وَكَذَا يُكْرَهُ قَضَاؤُهَا بِقُرْبِهِ أَيْ الْمَاءِ الذي يُكْرَهُ ذلك فيه لِعُمُومِ النَّهْيِ عن الْبَوْلِ في الْمَوَارِدِ وَقَوْلُهُ وَجَارٍ إلَى هُنَا من زِيَادَتِهِ وقضاؤها فيه بِاللَّيْلِ أَشَدُّ كَرَاهَةً لِمَا مَرَّ آنِفًا وَيَحْرُمُ تَنْجِيسُهُ أَيْ الْمَاءِ بِأَنْ يَكُونَ قَلِيلًا وَلَوْ بِانْغِمَاسِ مُسْتَجْمَرٍ فيه هذا من زِيَادَتِهِ وهو لَا يُجَامِعُ ما قَدَّمَهُ آنِفًا من الْكَرَاهَةِ مع أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ وَإِنَّمَا هو بَحْثٌ لِلنَّوَوِيِّ كما قَدَّمْته لَكِنَّهُ قَوِيٌّ من حَيْثُ الْمَعْنَى وَيَحْرُمُ قَضَاؤُهَا على قَبْرٍ مُحْتَرَمٍ وَبِمَسْجِدٍ وَلَوْ في إنَاءٍ تَنْزِيهًا لَهُمَا عن ذلك وقد ذَكَرَ الثَّانِيَةَ في الِاعْتِكَافِ أَيْضًا وَسَيَأْتِي فيها ثَمَّ مَزِيدُ بَيَانٍ وَيَحْرُمُ أَيْضًا على ما يَمْتَنِعُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ لِحُرْمَتِهِ كَعَظْمٍ
وَيُرْفَعُ نَدْبًا لِلْقُعُودِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ ثَوْبَهُ عن عَوْرَتِهِ شيئا فَشَيْئًا نعم إنْ خَافَ تَنَجُّسَ ثَوْبِهِ رَفَعَ قَدْرَ حَاجَتِهِ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَيُسْبِلُهُ نَدْبًا كَذَلِكَ أَيْ شيئا فَشَيْئًا إنَّ الْأَوْلَى قَوْلُ الرَّوْضَةِ إذَا قام قبل انْتِصَابِهِ وَيَجُوزُ فَتْحُ هَمْزَةِ إنَّ لِتَكُونَ مَصْدَرِيَّةً وَيَقُولُ نَدْبًا عِنْدَ إرَادَةِ الدُّخُولِ لِذَلِكَ بِسْمِ اللَّهِ رَوَاهُ ابن السَّكَنِ في صِحَاحِهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك من الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَفَارَقَ تَأْخِيرُ التَّعَوُّذِ عن الْبَسْمَلَةِ هُنَا تَعَوُّذُ الْقِرَاءَةِ حَيْثُ قَدَّمُوهُ عليها بِأَنَّهُ ثَمَّ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْبَسْمَلَةُ منه فَقُدِّمَ عليها بِخِلَافِهِ هُنَا قال الْأَذْرَعِيُّ فَإِنْ نَسِيَ تَعَوَّذَ بِقَلْبِهِ كما يَحْمَدُ الْعَاطِسُ وَالْخُبُثُ بِضَمِّ الْخَاءِ مع ضَمِّ الْبَاءِ وَإِسْكَانِهَا جَمْعُ خَبِيثِ وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ خَبِيثَةٍ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ ذُكْرَانُ الشَّيَاطِينَ وَإِنَاثِهِمْ وَالِاسْتِعَاذَةُ منهم في الْبِنَاءِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ لِأَنَّهُ مَأْوَاهُمْ وفي غَيْرِهِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَأْوًى لهم بِخُرُوجِ الْخَارِجِ ويقول نَدْبًا عِنْدَ الْخُرُوجِ أَيْ عَقِبَهُ غُفْرَانَك الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَاقْتَصَرَ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ على غُفْرَانَك لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ ابن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ قال الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيَّ وَغَيْرُهُ وَيُكَرِّرُ غُفْرَانَك مَرَّتَيْنِ وَالْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ ثَلَاثًا قِيلَ وَسَبَبُ سُؤَالِهِ تَرْكُهُ ذِكْرَ اللَّهِ في تِلْكَ الْحَالَةِ أو خَوْفُهُ من تَقْصِيرِهِ في شُكْرِ نِعْمَةِ اللَّهِ التي أَنْعَمَهَا عليه فَأَطْعَمَهُ ثُمَّ هَضَمَهُ ثُمَّ سَهَّلَ خُرُوجَهُ فَرَأَى شُكْرَهُ قَاصِرًا عن بُلُوغِ حَقِّ هذه النِّعَمِ فَتَدَارَكَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَلَا يَبُولُ في مَكَان صَلْبٍ لِئَلَّا يَتَرَشَّشَ بِالْبَوْلِ وَلِخَبَرِ اسْتَنْزِهُوا من الْبَوْلِ فإن عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ منه رَوَاهُ الْحَاكِمُ وقال صَحِيحٌ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ فَإِنْ لم يَجِدْ غَيْرَهُ دَقَّهُ بِحَجَرٍ أو نَحْوِهِ لِذَلِكَ ولا في ثَقْبٍ بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ أَفْصَحُ من ضَمِّهَا وهو
____________________
(1/48)
ما اسْتَدَارَ لِخَبَرِ أبي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عن قَتَادَةَ عن عبد اللَّهِ بن سَرْجِسَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الْبَوْلِ في الْحِجْرِ قالوا لِقَتَادَةَ ما يُكْرَهُ منه في الْجُحْرَةِ فقال كان يُقَالُ أنها مَسَاكِنُ الْجِنِّ ولا في سَرَبٍ بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ ما اسْتَطَالَ وَيُقَالُ له الشَّقُّ إلْحَاقًا له بِالثَّقْبِ وَالنَّهْيُ فِيهِمَا لِلْكَرَاهَةِ وقال في الْمَجْمُوعِ يَنْبَغِي تَحْرِيمُ ذلك لِلنَّهْيِ الصَّحِيحِ إلَّا أَنْ يُعَدَّ لِذَلِكَ فَلَا تَحْرِيمَ وَلَا كَرَاهَةَ وَالتَّصْرِيحُ بِالسَّرَبِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ ولا في مَهَبِّ رِيحٍ لِمَا مَرَّ في الْبَوْلِ بِمَكَانٍ صَلْبٍ وَمِنْهُ الْمَرَاحِيضُ الْمُشْتَرَكَةُ
وَلَا يَبُولُ قَائِمًا لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ أَنَّ عَائِشَةَ قالت من حَدَّثَكُمْ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَبُولُ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ ما كان يَبُولُ إلَّا قَاعِدًا إلَّا لِعُذْرٍ فَلَهُ أَنْ يَبُولَ قَائِمًا بِلَا كَرَاهَةٍ بَلْ وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أتى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا وَسَبَبُ بَوْلِهِ قَائِمًا ما قِيلَ إنَّ الْعَرَبَ كانت تَسْتَشْفِي بِهِ لِوَجَعِ الصُّلْبِ فَلَعَلَّهُ كان بِهِ أو أَنَّهُ لم يَجِدْ مَكَانًا يَصْلُحُ لِلْقُعُودِ أو أَنَّهُ لِعِلَّةٍ بِمَأْبِضَيْهِ أَيْ بَاطِنَيْ رُكْبَتَيْهِ قال النَّوَوِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْغَائِطَ كَالْبَوْلِ فِيمَا ذُكِرَ إلَّا في الْمَكَانِ الصَّلْبِ وَمَهَبِّ الرِّيحِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ ليس كَذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ التَّفْصِيلُ بين الْمَائِعِ وَالْجَامِدِ
وَيَسْتَبْرِئُ نَدْبًا من الْبَوْلِ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ وَقَبْلَ قِيَامِهِ إنْ كان قَاعِدًا لِئَلَّا يَقْطُرَ عليه وَلِخَبَرِ الْحَاكِمِ السَّابِقِ وَيَحْصُلُ بِتَنَحْنُحٍ وَنَتْرٍ لِلذَّكَرِ ثَلَاثًا وَمَشْيٍ وَأَكْثَرُهُ فِيمَا قِيلَ سَبْعُونَ خُطْوَةً وَذِكْرُ الْمَشْيِ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَكَيْفِيَّةُ النَّتْرِ أَنْ يَمْسَحَ بِيَسَارِهِ من دُبُرِهِ إلَى رَأْسِ ذَكَرِهِ وَيَنْثُرُهُ بِلُطْفٍ لِيَخْرُجَ ما بَقِيَ إنْ كان وَيَكُونُ ذلك بِالْإِبْهَامِ وَالْمُسَبِّحَةِ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ بِهِمَا من الْإِحَاطَةِ بِالذَّكَرِ وَتَضَعُ الْمَرْأَةُ أَطْرَافَ أَصَابِعِ يَدِهَا الْيُسْرَى على عَانَتِهَا قال في الْمَجْمُوعِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ ذلك يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الناس وَالْقَصْدُ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ لم يَبْقَ بِمَجْرَى الْبَوْلِ شَيْءٌ يَخَافُ خُرُوجَهُ فَمِنْهُمْ من يَحْصُلُ له هذا بِأَدْنَى عَصْرٍ وَمِنْهُمْ من يَحْتَاجُ إلَى تَكَرُّرِهِ وَمِنْهُمْ من يَحْتَاجُ إلَى تَنَحْنُحٍ وَمِنْهُمْ من يَحْتَاجُ إلَى مَشْيِ خُطُوَاتٍ وَمِنْهُمْ من يَحْتَاجُ إلَى صَبْرٍ لَحْظَةً وَمِنْهُمْ من لَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ من هذا وَيَنْبَغِي لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ لَا يَنْتَهِيَ إلَى حَدِّ الْوَسْوَسَةِ وَإِنَّمَا لم يَجِبْ الِاسْتِبْرَاءُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ من انْقِطَاعِ الْبَوْلِ عَدَمُ عَوْدِهِ وقال الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ بِوُجُوبِهِ بِهِ وَجَرَى عليه النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ لِصِحَّةِ التَّحْذِيرِ من عَدَمِ التَّنَزُّهِ من الْبَوْلِ وَكُرِهَ بِغَيْرِ حَاجَةٍ حَشْوُ إحْلِيلٍ وهو مَخْرَجُ الْبَوْلِ من الذَّكَرِ بِقُطْنٍ أو غَيْرِهِ وَلَا يَنْتَقِلُ مُسْتَنْجٍ بِحَجَرٍ عن مَحَلِّ قَضَاءِ حَاجَتِهِ لِئَلَّا تَنْتَشِرَ النَّجَاسَةُ وَلَا مُسْتَنْجٍ بِمَاءٍ وهو آمِنٌ من رَشَاشٍ يُنَجِّسُهُ كَأَنْ كان في الْأَخْلِيَةِ الْمُتَّخَذَةِ لِذَلِكَ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَأْمَنْ منه فإنه يَنْتَقِلُ وَمِنْ الْآدَابِ ما قَالَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ تَفَقُّهًا أَنْ لَا يَأْكُلَ وَلَا يَشْرَبَ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَسْتَاكَ لِأَنَّهُ يُورِثُ النِّسْيَانَ فَصْلٌ في بَيَانِ الِاسْتِنْجَاءِ يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ لَا على الْفَوْرِ بِالْمَاءِ على الْأَصْلِ في إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أو بِالْحَجَرِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَوَّزَهُ بِهِ حَيْثُ فَعَلَهُ كما رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَرَ بِفِعْلِهِ بِقَوْلِهِ فِيمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَفِيمَا رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ كما مَرَّ إذَا ذَهَبَ أحدكم إلَى الْغَائِطِ الحديث من خَارِجٍ من مَخْرَجٍ مُعْتَادٍ فَلَا يَجِبُ من الْخَارِجِ من غَيْرِهِ كَالْخَارِجِ بِالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَإِنَّمَا تَجِبُ إزَالَتُهُ بِالْمَاءِ وَيُجْزِئُ الْحَجَرُ في الْخَارِجِ من الْمُعْتَادِ لِمَا مَرَّ لَا من مُنْفَتِحٍ آخَرَ وَلَوْ انْسَدَّ الْمُعْتَادُ لِنُدْرَتِهِ بَلْ يَتَعَيَّنُ فيه الْمَاءُ على الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ إذَا كان الْخَارِجُ مُلَوَّثًا وَلَوْ نَادِرًا كَدَمٍ وَمَذْيٍ وَوَدْيٍ لَا نَحْوِ دُودٍ وَبَعْرٍ جَافَّيْنِ فَلَا يَجِبُ بِهِمَا الِاسْتِنْجَاءُ لِفَوَاتِ مَقْصُودِهِ من إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أو تَخْفِيفِهَا لَكِنْ يُسْتَحَبُّ الِاسْتِنْجَاءُ من ذلك خُرُوجًا من خِلَافِ من أَوْجَبَهُ وَيُجْزِئُ الْحَجَرُ فِيمَا ذُكِرَ لَا في بَوْلِ خُنْثَى مُشْكِلٍ
وَإِنْ كان الْخَارِجُ من أَحَدِ قُبُلَيْهِ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ نعم إنْ لم يَكُنْ له آلَتَا الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بَلْ آلَةٌ لَا تُشْبِهُ وَاحِدًا مِنْهُمَا يَخْرُجُ منها الْبَوْلُ فَالظَّاهِرُ فيه الْإِجْزَاءُ بِالْحَجَرِ ولا في بَوْلِ ثَيِّبٍ تَيَقَّنَتْهُ دخل مَدْخَلَ
____________________
(1/49)
الذَّكَرِ لِانْتِشَارِهِ عن مَخْرَجِهِ بِخِلَافِ ما لم تَتَيَقَّنْ دُخُولَهُ ذلك وَبِخِلَافِ الْبِكْرِ لِأَنَّ الْبَكَارَةَ تَمْنَعُ نُزُولَ الْبَوْلِ إلَى مَدْخَلِ الذَّكَرِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَيُجْزِئُ الْحَجَرُ في دَمِ حَائِضٍ أو نُفَسَاءَ وَفَائِدَتُهُ فِيمَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا وَعَجَزَتْ عن اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَاسْتَنْجَتْ بِالْحَجَرِ ثُمَّ تَيَمَّمَتْ لِسَفَرٍ أو مَرَضٍ أو نَحْوِهِ فَإِنَّهَا تُصَلِّي وَلَا إعَادَةَ قال الْإِسْنَوِيُّ وَمَحِلُّهُ في الْبِكْرِ دُونَ الثَّيِّبِ كما حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ عن النَّصِّ وَوَجَّهَهُ ابن الرِّفْعَةِ بِأَنَّ مَدْخَلَ الذَّكَرِ قد تَنَجَّسَ بِالدَّمِ وَالْحَجَرُ لَا يَصِلُهُ كما قَالُوهُ فِيمَنْ تَحَقَّقَ وُصُولُ بَوْلِهَا إلَيْهِ انْتَهَى وَرُدَّ بِمَنْعِ أَنَّ الْحَجَرَ لَا يَصِلُهُ لَا سِيَّمَا وَالْخِرْقَةُ مَثَلًا تَقُومُ مَقَامُهُ
وَالْأَصْحَابُ إنَّمَا مَنَعُوا ذلك في الْبَوْلِ لِانْتِشَارِهِ عن مَخْرَجِهِ بِخِلَافِ دَمِ الْحَيْضِ فَيَتَعَيَّنُ فيه إجْزَاءُ الْحَجَرِ كما في الْبِكْرِ وَالنَّصُّ إنْ صَحَّ حُمِلَ على دَمِ حَيْضٍ انْتَشَرَ إلَى ظَاهِرِ الْفَرْجِ كما هو الْغَالِبُ وَهَذَا هو الْأَوْجَهُ وَلَا يُجْزِئُ الْحَجَرُ في بَوْلِ الْأَقْلَفِ قَالَهُ ابن الْمُسْلِمِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا وَصَلَ الْبَوْلُ إلَى الْجِلْدَةِ كما هو الْغَالِبُ ويجزئ في خَارِجٍ مُنْتَشِرٍ حَوْلَ الْمَخْرَجِ فَوْقَ عَادَةِ الناس بِقَيْدٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ مُتَّصِلٍ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ لم يُجَاوِزْ الْحَشَفَةَ في الْبَوْلِ وَهِيَ ما فَوْقَ الْخِتَانِ وَالصَّفْحَتَيْنِ في الْغَائِطِ وَهُمَا ما يَنْضَمُّ من الْأَلْيَتَيْنِ عِنْدَ الْقِيَامِ لِمَا صَحَّ أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ أَكَلُوا التَّمْرَ لَمَّا هَاجَرُوا ولم يَكُنْ ذلك عَادَتُهُمْ وهو مِمَّا يُرِقُّ الْبُطُونَ وَمَنْ رَقَّ بَطْنُهُ انْتَشَرَ ما يَخْرُجُ منه وَمَعَ ذلك لم يُؤْمَرُوا بِالِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ وَلِأَنَّ ذلك يَتَعَذَّرُ ضَبْطُهُ فَنِيطَ الْحُكْمُ بِالْحَشَفَةِ وَالصَّفْحَةِ وَتَعْبِيرُهُ بِالصَّفْحَتَيْنِ أَوْلَى من تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِالْأَلْيَتَيْنِ إذْ الْحُكْمُ دَائِرٌ مَعَهُمَا لَا مع الْأَلْيَتَيْنِ
وَالْمُتَّجَهُ في الْمُهِمَّاتِ أَنَّ مَقْطُوعَ الْحَشَفَةِ يَقُومُ قَدْرُهَا مَقَامَهَا فَإِنْ تَقَطَّعَ الْخَارِجُ هذا تَصْرِيحٌ بِمَا أَفْهَمَهُ قَوْلُهُ مُتَّصِلٌ أو انْتَقَلَ عن الْمَحَلِّ الذي أَصَابَهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ وَاسْتَقَرَّ فيه وَإِنْ لم يُجَاوِزْ فِيهِمَا ما ذُكِرَ أو لم يَتَقَطَّعْ ولم يَنْتَقِلْ لَكِنْ جَاوَزَ ذلك أو جَفَّ تَعَيَّنَ الْمَاءُ في ذلك حتى في الدَّاخِلِ في الثَّالِثَةِ لِخُرُوجِهِ عَمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَإِنْ تَقَطَّعَ فيها كَفَى في الدَّاخِلِ الْمُتَّصِلِ بِالْمَخْرَجِ الْحَجَرُ وَمِثْلُهُ الْمُتَّصِلُ بِهِ في الْأُولَى وَيُسْتَثْنَى مِمَّا إذَا جَفَّ ما لو جَفَّ بَوْلُهُ ثُمَّ بَالَ ثَانِيًا فَوَصَلَ بَوْلُهُ إلَى ما وَصَلَ إلَيْهِ بَوْلُهُ الْأَوَّلُ فَيَكْفِي فيه الْحَجَرُ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْقَفَّالُ قال وَمِثْلُهُ الْغَائِطُ وهو ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كان مَائِعًا وما ذَكَرُوهُ من اشْتِرَاطِ عَدَمِ الِانْتِقَالِ مُقَيَّدٌ بِمَا لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ وَكَذَا يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ إنْ لَاقَى الْخَارِجُ نَجَسًا وَلَوْ رَشَاشَهُ أَيْ الْخَارِجُ أو لَاقَى بَلَلًا
وَلَوْ كان الْبَلَلُ بِالْحَجَرِ لِخُرُوجِ ذلك عَمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَقَوْلُهُ أو بَلَلًا وَلَوْ بِالْحَجَرِ من زِيَادَتِهِ وَيُغْنِي عن قَوْلِهِ وَلَوْ بِالْحَجَرِ قَوْلُهُ الْآتِي لَا رَطْبٌ وَكُلُّ جَامِدٍ طَاهِرٌ قَالِعٌ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي كَخَشَبٍ وَخَزَفٍ وَحَشِيشٍ كَالْحَجَرِ في أَنَّهُ يُجْزِئُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ وَالتَّنْصِيصُ على الْحَجَرِ في الْأَخْبَارِ جَرَى على الْغَالِبِ بِدَلِيلِ خَبَرِ الْبُخَارِيِّ عن ابْنِ مَسْعُودٍ قال أتى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْغَائِطَ فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَوَجَدْت حَجَرَيْنِ وَالْتَمَسْت الثَّالِثَ فلم أَجِدْهُ فَأَخَذْت رَوْثَةً فَأَتَيْته بها فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وقال هذا رِكْسٌ فَتَعْلِيلُهُ مَنَعَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالرَّوْثَةِ بِكَوْنِهَا رِكْسًا لَا بِكَوْنِهَا غير حَجَرٍ دَلِيلٌ على أَنَّ ما في مَعْنَى الْحَجَرِ كَالْحَجَرِ فِيمَا ذُكِرَ وَفَارَقَ تَعَيُّنَهُ في رَمْيِ الْجِمَارِ وَتَعَيُّنِ التُّرَابِ في التَّيَمُّمِ بِأَنَّ الرَّمْيَ لَا يَعْقِلُ مَعْنَاهُ بِخِلَافِ الِاسْتِنْجَاءِ وَالتُّرَابُ فيه الطَّاهِرِيَّةُ وَالطَّهُورِيَّةُ وَهُمَا مَفْقُودَتَانِ في غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْإِنْقَاءِ يُوجَدُ في غَيْرِ الْحَجَرِ ثُمَّ بَيَّنَ ما احْتَرَزَ عنه بِمَا قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ لَا رَطْبَ لِأَنَّ رُطُوبَتَهُ تَنْجُسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ وَيَعُودُ شَيْءٌ منها إلَى مَحَلِّ الْخَارِجِ فَتَصِيرُ كَنَجَاسَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ ولا مُتَنَجِّسَ كما في الطُّهْرِ بِالْمَاءِ وَلِلنَّهْيِ عن الِاسْتِنْجَاءِ بِالرَّوْثِ
وَإِنَّمَا جَازَ الدَّبْغُ بِالنَّجَسِ لِأَنَّهُ عِوَضُ الذَّكَاةِ الْجَائِزَةِ بِالْمُدْيَةِ النَّجِسَةِ بِخِلَافِ الْحَجَرِ ولا أَمْلَسَ كَزُجَاجٍ وَتُرَابٍ وَفَحْمٍ رِخْوَيْنِ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَالِعٍ بِخِلَافِ التُّرَابِ وَالْفَحْمِ الصُّلْبَيْنِ وَالنَّهْيُ عن الِاسْتِنْجَاءِ بِالْفَحْمِ ضَعِيفٌ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ وَإِنْ صَحَّ حُمِلَ على الرِّخْوِ
وَيَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَجَوْهَرٍ وَبِقِطْعَةِ دِيبَاجٍ نعم حِجَارَةُ الْحَرَمِ وَالْمَطْبُوعُ من الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ يَمْتَنِعُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِمَا لِحُرْمَتِهِمَا فَإِنْ اسْتَنْجَى بِهِمَا أَسَاءَ وَأَجْزَأَهُ لَا بِمُحْتَرَمٍ كَمَطْعُومٍ لِلْآدَمِيِّ كَالْخُبْزِ
____________________
(1/50)
أو لِلْجِنِّ كَالْعَظْمِ كما سَيَأْتِي لِمَا رَوَى مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الِاسْتِنْجَاءِ بِالْعَظْمِ وقال إنَّهُ زَادُ إخْوَانِكُمْ يَعْنِي من الْجِنِّ فَمَطْعُومُ الْآدَمِيِّ أَوْلَى وَلِأَنَّ الْمَسْحَ بِالْحَجَرِ رُخْصَةٌ وَهِيَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي فَيَجُوزُ بِرُمَّانَةِ قَالِعَةِ لم تُكْسَرْ ولكنه يُكْرَهُ فَإِنْ كُسِرَتْ وَانْفَصَلَ حَبُّهَا فَلَا كَرَاهَةَ وَيَجُوزُ بِقِشْرِ مَوْزٍ يَبِسَ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ فَيَجُوزُ إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ
وَصَرَّحَ بِجَوَازِهِ بِذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ في كَلَامٍ اسْتَحْسَنَهُ في الْمَجْمُوعِ فقال وَأَمَّا الثِّمَارُ وَالْفَوَاكِهُ فَمِنْهَا ما يُؤْكَلُ رَطْبًا لَا يَابِسًا كَالْيَقْطِينِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ رَطْبًا وَيَجُوزُ يَابِسًا إذَا كان مُزِيلًا وَمِنْهَا ما يُؤْكَلُ رَطْبًا وَيَابِسًا وهو أَقْسَامٌ أَحَدُهُمَا مَأْكُولُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ كَالتِّينِ وَالتُّفَّاحِ وَالسَّفَرْجَلِ فَلَا يَجُوزُ بِرَطِبِهِ وَلَا بِيَابِسِهِ وَالثَّانِي ما يُؤْكَلُ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ كَالْخَوْخِ وَالْمِشْمِشِ وَكُلُّ ذِي نَوًى فَلَا يَجُوزُ بِظَاهِرِهِ وَيَجُوزُ بِنَوَاهُ الْمُنْفَصِلُ وَالثَّالِثُ ما له قِشْرٌ وَمَأْكُولُهُ في جَوْفِهِ فَلَا يَجُوزُ بِلُبِّهِ وَأَمَّا قِشْرُهُ فَإِنْ كان لَا يُؤْكَلُ رَطْبًا وَلَا يَابِسًا كَالرُّمَّانِ جَازَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ فيه الْحَبُّ أَمْ لَا وَإِنْ أُكِلَ رَطْبًا وَيَابِسًا كَالْبِطِّيخِ لم يَجُزْ في الْحَالَيْنِ وَإِنْ أُكِلَ رَطْبًا فَقَطْ كَاللَّوْزِ وَالْبَاقِلَا جَازَ يَابِسًا لَا رَطْبًا انْتَهَى وَأَمَّا مَطْعُومُ الْبَهَائِمِ فَيَجُوزُ وَالْمَطْعُومُ لها وَلِلْآدَمِيِّ يُعْتَبَرُ فيه الْأَغْلَبُ فَإِنْ اسْتَوَيَا فَوَجْهَانِ بِنَاءً على ثُبُوتِ الرِّبَا فيه وَالْأَصَحُّ الثُّبُوتُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَإِنَّمَا جَازَ بِالْمَاءِ مع أَنَّهُ مَطْعُومٌ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ النَّجَسَ عن نَفْسِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَدَمَ اسْتِعْمَالِ الْمَطْعُومِ لَا يَتَعَدَّى الِاسْتِنْجَاءَ إلَى سَائِرِ النَّجَاسَاتِ فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْمِلْحِ مع الْمَاءِ في غَسْلِ الدَّمِ
وَظَاهِرُهُ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ الْخُبْزِ وَنَحْوُهُ في ذلك وَفِيهِ نَظَرٌ وَجِلْدٍ أَيْ وَبِجِلْدِ مُذَكًّى أو غَيْرِهِ دُبِغَ لِأَنَّ الدِّبَاغَ يُزِيلُ ما فيه من الدُّسُومَةِ وَيُقَلِّبُهُ عن طَبْعِ اللُّحُومِ إلَى طَبْعِ الثِّيَابِ بِخِلَافِ ما لم يُدْبَغْ لِلدُّسُومَةِ الْمَانِعَةِ من التَّنْشِيفِ وَلِنَجَاسَتِهِ إنْ لم يَكُنْ مَأْكُولًا وَلِاحْتِرَامِهِ إنْ كان مَأْكُولًا لِأَنَّهُ يُعَدُّ حِينَئِذٍ من الْمَطْعُومَاتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُؤْكَلُ على الرُّءُوسِ وَغَيْرِهَا وَمَحَلُّ الْمَنْعِ إذَا اسْتَنْجَى بِهِ من الْجَانِبِ الذي لَا شَعْرَ عليه وَإِلَّا جَازَ إذْ لَا دُسُومَةَ فيه وَلَيْسَ بِطَعَامٍ قَالَهُ ابن الْقَطَّانِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي نَبَّهَ عليه الزَّرْكَشِيُّ وقال كَالْأَذْرَعِيِّ الظَّاهِرُ الْجَوَازُ بِجِلْدِ الْحُوتِ الْكَبِيرِ الْجَافِّ وَإِنْ كان أَصْلُهُ مَأْكُولًا لِأَنَّهُ صَارَ كَالْمَدْبُوغِ
وما قَالَاهُ بَعِيدٌ لَا عَظْمَ وَإِنْ أُحْرِقَ حتى خَرَجَ عن حَالِهِ وَإِنَّمَا لم يَجُزْ إذَا أُحْرِقَ كَالْجِلْدِ إذَا دُبِغَ لِأَنَّهُ بِالْإِحْرَاقِ لم يَخْرُجْ عن كَوْنِهِ مَطْعُومًا لِلْجِنِّ بِخِلَافِ الْجِلْدِ بِالدَّبْغِ وَلَا جُزْءُ حَيَوَانٍ مُتَّصِلٍ كَيَدِهِ وَعَقِبِهِ وَصُوفِهِ وَوَبَرِهِ بِخِلَافِ ما إذَا انْفَصَلَ عنه قال في شَرْحِ إرْشَادِهِ وَهَذَا في حَيَوَانٍ لَا تَبْقَى حُرْمَتُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنْ بَقِيَتْ كَالْآدَمِيِّ امْتَنَعَ الِاسْتِنْجَاءُ بِجُزْئِهِ مُطْلَقًا وَهَذَا بَحْثٌ أَخَذَهُ من قَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ فيه نَظَرٌ وَالْقِيَاسُ الْمَنْعُ وَدَخَلَ في إطْلَاقِهِمْ ما يَجُوزُ قَتْلُهُ كَفَأْرَةٍ وَبِهِ صَرَّحَ الْفُورَانِيُّ وَاسْتَثْنَى ابن الْعِمَادِ من الْمَنْعِ بِجُزْءِ الْحَيَوَانِ جُزْءَ الْحَرْبِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ مَأْخَذُهُ كَلَامُ الْفُورَانِيِّ وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ
وَيُجْزِئُ الْحَجَرُ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ بِشَيْءٍ مُحْتَرَمٍ وَزُجَاجٍ لم يَنْقُلَا النَّجَاسَةَ فَإِنْ نَقْلَاهَا تَعَيَّنَ الْمَاءُ كما مَرَّ وزاد الْمُحْتَرَمَ بِالْإِثْمِ وَذُكِرَ لِزُجَاجٍ مِثَالٌ وَالْمُرَادُ غَيْرُ الْقَالِعِ وَمِنْ الْمُحْتَرَمِ ما كُتِبَ عليه عِلْمٌ كَحَدِيثٍ وَفِقْهٍ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ قال في الْمُهِمَّاتِ وَلَا بُدَّ من تَقْيِيدِ الْعِلْمِ بِالْمُحْتَرَمِ سَوَاءٌ أَكَانَ شَرْعِيًّا كما مَرَّ أَمْ لَا كَحِسَابٍ وَطِبٍّ وَنَحْوٍ وَعَرُوضٍ لِأَنَّهَا تَنْفَعُ في الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ
أَمَّا غَيْرُ الْمُحْتَرَمِ كَمَنْطِقٍ وَفَلْسَفَةٍ فَلَا أَثَرَ له وفي إطْلَاقِهِ في الْمَنْطِقِ نَظَرٌ وَأُلْحِقَ بِمَا فيه عِلْمٌ مُحْتَرَمٌ جِلْدُهُ الْمُتَّصِلُ بِهِ دُونَ الْمُنْفَصِلِ عنه بِخِلَافِ جِلْدِ الْمُصْحَفِ يَمْتَنِعُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ مُطْلَقًا كما في عُقُودِ الْمُخْتَصَرِ لِلْغَزَالِيِّ وَجَوَّزَهُ الْقَاضِي بِوَرِقِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَيَجِبُ حَمْلُهُ على ما عُلِمَ تَبَدُّلُهُ مِنْهُمَا وَخَلَا عن اسْمِ اللَّهِ وَنَحْوِهِ وَيُشْتَرَطُ إنْقَاءً لِلْمَحَلِّ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى إلَّا أَثَرٌ لَا يُزِيلُهُ إلَّا الْمَاءُ أو صِغَارُ الْخَزَفِ ويشترط ثَلَاثُ مَسْحَاتٍ وَلَوْ كانت بِجَوَانِبِ حَجَرٍ لِلْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ عن سَلْمَانَ نَهَانَا رسول اللَّهِ صلى
____________________
(1/51)
اللَّهُ عليه وسلم أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ من ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وفي مَعْنَاهَا ثَلَاثَةُ أَطْرَافِ حَجَرٍ بِخِلَافِ رَمْيِ الْجِمَارِ لَا يَكْفِي حَجَرٌ له ثَلَاثَةُ أَطْرَافٍ عن ثَلَاثِ رَمْيَاتٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ثَمَّ عَدَدُ الرَّمْيِ وَهُنَا عَدَدُ الْمَسْحَاتِ أو غُسِلَ الْحَجَرَ وَجَفَّ فإنه يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ ثَانِيًا كَدَوَاءٍ دُبِغَ بِهِ وَتُرَابٍ اُسْتُعْمِلَ في غَسْلِ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ
وَلَوْ لم يَتَلَوَّثْ الْحَجَرُ في غَيْرِ الْأُولَى جَازَ اسْتِعْمَالُهُ أَيْضًا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَفَارَقَ الْمَاءَ بِأَنَّهُ لم يُزِلْ حُكْمَ النَّجَاسَةِ بَلْ خَفَّفَهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ تَنَجَّسَ ما لَاقَاهَا مع رُطُوبَةٍ بِخِلَافِ الْمَاءِ فإنه أَزَالَ حُكْمَ الْحَدَثِ وَيُفَارِقُ تُرَابَ التَّيَمُّمِ أَيْضًا بِأَنَّ التُّرَابَ طَهُورٌ كَالْمَاءِ وَبُدِّلَ عنه فَأُعْطِيَ حُكْمُهُ بِخِلَافِ الْحَجَرِ وَمَعَ جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ لَا يُكْرَهُ بِخِلَافِ رَمْيِ الْجِمَارِ إذْ جاء أَنَّ ما تُقُبِّلَ من الْحَصَيَاتِ رُفِعَ وما لَا تُرِكَ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعَدُّدُ الْمُرْمَى بِهِ فَإِنْ لم يَنْقَ الْمَحَلُّ بِالثَّلَاثِ زَادَ عليها إلَى أَنْ يَحْصُلَ الْإِنْقَاءُ
وَسُنَّ بَعْدُهُ إنْ لم يَحْصُلْ بِوِتْرَانِ يَمْسَحُ وِتْرًا بِالْمُثَنَّاةِ كَأَنْ حَصَلَ بِرَابِعَةٍ فَيَأْتِي بِخَامِسَةٍ قال صلى اللَّهُ عليه وسلم من اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وسن في الِاسْتِنْجَاءِ تَقْدِيمُ قُبُلٍ على دُبُرٍ وَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِلِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ وَبِالْحَجَرِ وهو مُخَالِفٌ لِمَا في الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا من التَّقْيِيدِ بِالْأَوَّلِ وهو الْمُوَافِقُ لِقَوْلِ الْحَلِيمِيِّ في الْكَلَامِ على الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ يَبْدَأُ بِدُبُرِهِ ثُمَّ يُثَنِّي بِقُبُلِهِ
وقال بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّهُ سُنَّةٌ فَيُحْتَمَلُ ذلك لِأَنَّ الْأَغْلَظَ أَهَمُّ وَالْبُدَاءَةُ بِالْأَهَمِّ أَوْلَى أو لِأَنَّهُ إذَا اسْتَنْجَى من الْغَائِطِ أَوَّلًا قَدَرَ على التَّمَكُّنِ من الْجُلُوسِ فَاسْتَنْجَى من الْبَوْلِ أو لِأَنَّهُ قد يَنْزِلُ منه بَوْلٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الِاسْتِنْجَاءِ منه إذَا بَدَأَ بِالدُّبُرِ نَقَلَهُ عنه الزَّرْكَشِيُّ وَأَقَرَّهُ وَيُسَنُّ النَّظَرُ إلَى الْحَجَرِ الْمُسْتَنْجَى بِهِ قبل رَمْيِهِ لِيَعْلَمَ هل قَلَعَ أَمْ لَا ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وسن في كَيْفِيَّةِ الِاسْتِنْجَاءِ في الدُّبُرِ وَضْعُ الْحَجَرِ أَوَّلًا على مُقَدَّمِ الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى على مَحَلٍّ طَاهِرٍ قُرْبَ النَّجَاسَةِ ثُمَّ يُمِرُّهُ على الْمَحَلِّ وأن يُدِيرَهُ بِرِفْقٍ أَيْ قَلِيلًا قَلِيلًا حتى يَرْفَعَ كُلُّ جُزْءٍ منه جُزْءًا منها إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى الْمَبْدَأِ وأن يَعْكِسَ الثَّانِيَ كَذَلِكَ وأن يُمِرَّ الثَّالِثَ على الصَّفْحَتَيْنِ وَالْمُسْرَبَةَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا قال في الْكِفَايَةِ وَبِضَمِّ الْمِيمِ مَجْرَى الْغَائِطِ وَقِيلَ وَاحِدٌ لِلْيُمْنَى وَآخَرُ لِلْيُسْرَى وَالثَّالِثُ لِلْوَسَطِ وَقِيلَ وَاحِدٌ لِلْوَسَطِ مُقْبِلًا وَآخَرُ له مُدْبِرًا وَيَحْلِقَ بِالثَّالِثِ وَالْخِلَافُ في الْأَفْضَلِ لَا في الْوُجُوبِ على الصَّحِيحِ في الْأَصْلِ وَلَا بُدَّ في كل قَوْلٍ أَنْ يَعُمَّ بِكُلِّ مَسْحَةٍ جَمِيعَ الْمَحَلِّ لِيَصْدُقَ أَنَّهُ مَسَحَهُ ثَلَاثَ مَسْحَاتٍ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ في شَرْحِ إرْشَادِهِ
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعُمَّ بِالْمَسْحَةِ الْوَاحِدَةِ الْمَحَلَّ وَإِنْ كان أَوْلَى بَلْ يَكْفِي مَسْحَةٌ لِصَفْحَةٍ وَأُخْرَى لِلْأُخْرَى وَالثَّالِثَةُ لِلْمُسْرَبَةِ مَرْدُودٌ وَالْوَجْهُ الثَّانِي الذي أُخِذَ منه ذلك غَلَطُ الْأَصْحَابِ كما في الْمَجْمُوعِ قَائِلُهُ من حَيْثُ الِاكْتِفَاءُ بِمَا لَا يَعُمُّ الْمَحَلَّ بِكُلِّ حَجَرٍ لَا من حَيْثُ الْكَيْفِيَّةُ قال الْمُتَوَلِّي فَإِنْ احْتَاجَ إلَى زَائِدٍ على الثَّلَاثِ فَصِفَةُ اسْتِعْمَالِهِ كَصِفَةِ الثَّالِثِ وَإِنْ أَمَرَّ الْحَجَرَ ولم يُدِرْهُ ولم يَنْقُلْ شيئا من الْخَارِجِ أَجْزَأَهُ فَإِنْ نَقَلَ تَعَيَّنَ الْمَاءُ كما مَرَّ وَمَحَلُّهُ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْعِرَاقِيِّينَ وَصَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ فِيمَا لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ أَمَّا الْقَدْرُ الْمَضْرُورُ إلَيْهِ في ذلك فَيُعْفَى عنه إذْ لو كُلِّفَ أَنْ لَا يَنْقُلَ النَّجَاسَةَ في مُحَاوَلَةِ رَفْعِهَا أَصْلًا لَكَانَ ذلك تَكْلِيفُ أَمْرٍ يَتَعَذَّرُ الْوَفَاءُ بِهِ وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِغَيْرِ الرُّخَصِ فَكَيْفَ بها قال وهو كَإِلْقَاءِ الْجَبِيرَةِ على مَحَلِّ الْخَلْعِ فَإِنَّهَا تَأْخُذُ أَطْرَافًا من الْمَوَاضِعِ الصَّحِيحَةِ لِتَسْتَمْسِكَ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ وَضْعَ الْحَجَرِ على طَاهِرٍ سُنَّةٌ
وَكَلَامُ الْأَصْلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ وَاجِبٌ لَكِنَّ الْأَوَّلَ هو الصَّحِيحُ في الْمَجْمُوعِ حَيْثُ قال فيه بَعْدَ نَقْلِهِ ما في الْأَصْلِ عن الْخُرَاسَانِيِّينَ ولم يَشْتَرِطْ الْعِرَاقِيُّونَ شيئا من ذلك وهو الصَّحِيحُ فإن اشْتِرَاطُهُ تَضْيِيقٌ لِلرُّخْصَةِ وَلَيْسَ له أَصْلٌ في السُّنَّةِ قال الْإِسْنَوِيُّ
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْوَضْعُ على طَاهِرٍ وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّ النَّقْلُ الْحَاصِلُ من عَدَمِ الْإِدَارَةِ وأن يَمْسَحَ في اسْتِنْجَائِهِ بِالْحَجَرِ وَيَغْسِلَ في اسْتِنْجَائِهِ بِالْمَاءِ بِيَسَارِهِ لِأَنَّهَا الْأَلْيَقُ بِذَلِكَ وَلِخَبَرِ أبي دَاوُد عن عَائِشَةَ كانت يَدُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْيُمْنَى لِطَهُورِهِ وَطَعَامِهِ وَكَانَتْ الْيُسْرَى لِخَلَائِهِ وما كان من أَذًى وأن يَحْمِلَ بها في اسْتِنْجَائِهِ الْحَجَرَ لَا الْمَاءَ بَلْ يَصُبُّهُ بِالْيُمْنَى وَيَغْسِلُ بِالْيُسْرَى كما مَرَّ وأن يَأْخُذَ بها ذَكَرَهُ إنْ مَسَحَ الْبَوْلَ على جِدَارٍ أو حَجَرٍ عَظِيمٍ أو نَحْوِهِمَا وأن يَضَعَهُ أَيْ الْحَجَرَ لِصِغَرٍ فيه تَحْتَ عَقِبَيْهِ يَعْنِي بَيْنَهُمَا كما عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ أو بين إبْهَامَيْ رِجْلَيْهِ أو يَتَحَامَلُ عليه إنْ أَمْكَنَهُ وَالذَّكَرَ بِيَسَارِهِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أو يَضَعَهُ في يَمِينِهِ إنْ لم يَتَمَكَّنْ من وَضْعِهِ بين عَقِبَيْهِ أو إبْهَامَيْ رِجْلَيْهِ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وأن يَضَعَهُ أَيْ الذَّكَرَ في مَوْضِعَيْنِ
____________________
(1/52)
وَضْعًا لِيَنْتَقِلَ الْبَلَّةُ وفي الْمَوْضِعِ الثَّالِثِ مَسْحًا بِيَسَارِهِ وَيُحَرِّكُهَا وَحْدَهَا فَإِنْ حَرَّكَ الْيُمْنَى أو حَرَّكَهُمَا جميعا كان مُسْتَنْجِيًا بِالْيَمِينِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ
وَإِنَّمَا لم يَضَعْ الْحَجَرَ في يَسَارِهِ وَالذَّكَرَ في يَمِينِهِ لِأَنَّ مَسَّ الذَّكَرِ بها مَكْرُوهٌ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إذَا بَال أحدكم فَلَا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَإِنَّمَا لم يَقْتَضِ النَّهْيُ الْحُرْمَةَ وَالْفَسَادَ في الْيَمِينِ كما اقْتَضَاهُمَا في الْعَظْمِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْإِزَالَةَ هُنَا بِغَيْرِ الْيَمِينِ وَثَمَّ بِالْعَظْمِ نَفْسِهِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ النَّهْيَ هُنَا لِمَعْنًى في الْفَاعِلِ فلم يَقْتَضِ الْفَسَادَ كما في الصَّلَاةِ في الْمَغْصُوبِ وَثَمَّ لِمَعْنًى في الْعَظْمِ فَاقْتَضَاهُ كما في الصَّلَاةِ بِالنَّجِسِ وما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ من كَيْفِيَّةِ وَضْعِ الذَّكَرِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ لَكِنَّهُ ليس في الْأَصْلِ بَلْ الذي فيه أَنَّهُ يَمْسَحُهُ على ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ وزاد الْمُصَنِّفُ قَوْلُهُ وَشَرَطَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنْ لَا يَمْسَحَهُ في الْجِدَارِ صُعُودًا وَجَوَّزَ مَسْحَهُ فيه نُزُولًا قال في الْمَجْمُوعِ وفي هذا التَّفْصِيلِ نَظَرٌ وَأَمَّا قُبُلُ الْمَرْأَةِ فَظَاهِرٌ على ما في الْأَصْلِ أنها تَأْخُذُ الْحَجَرَ بِيَسَارِهَا وَتَمْسَحُهُ ثَلَاثًا وَالْأَفْضَلُ إتْبَاعُهُ أَيْ الْحَجَرَ بِالْمَاءِ أَيْ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُقَدِّمَ الْحَجَرَ أَفْضَلُ من الِاقْتِصَارِ على أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْعَيْنَ تَزُولُ بِالْحَجَرِ وَالْأَثَرَ بِالْمَاءِ من غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى مُخَامَرَةِ عَيْنِ النَّجَاسَةِ
وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ طَهَارَةُ الْحَجَرِ حِينَئِذٍ وَأَنَّهُ يُكْتَفَى بِدُونِ الثَّلَاثِ مع الْإِنْقَاءِ وَبِالْأَوَّلِ صَرَّحَ الْجِيلِيُّ نَقْلًا عن الْغَزَالِيِّ وقال الْإِسْنَوِيُّ في الثَّانِي الْمَعْنَى وَسِيَاقُ كَلَامِهِمْ يَدُلَّانِ عليه وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ أَفْضَلِيَّةَ الْجَمْعِ لَا فَرْقَ فيها بين الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَبِهِ صَرَّحَ سُلَيْمٌ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ الْقَفَّالُ بِاخْتِصَاصِهِ بِالْغَائِطِ وَصَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ فَإِنْ اقْتَصَرَ على أَحَدِهِمَا فَالْمَاءُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْعَيْنَ وَالْأَثَرَ وَيَكْفِي الْمَرْأَةَ بِكْرًا أو ثَيِّبًا في اسْتِنْجَائِهَا بِالْمَاءِ غَسْلُ ما يَظْهَرُ منها بِجُلُوسٍ على الْقَدَمَيْنِ وَمِثْلُهُ الْخُنْثَى قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ وَصَحَّ وُضُوءٌ قَبْلَهُ أَيْ قبل الِاسْتِنْجَاءِ لَا تَيَمُّمٌ لِأَنَّ الْوُضُوءَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَارْتِفَاعُهُ يَحْصُلُ مع قِيَامِ الْمَانِعِ وَالتَّيَمُّمُ لَا يَرْفَعُهُ وَإِنَّمَا يُبِيحُ الصَّلَاةَ وَلَا اسْتِبَاحَةَ مع الْمَانِعِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ صِحَّةِ وُضُوءِ دَائِمِ الْحَدَثِ قبل الِاسْتِنْجَاءِ لِكَوْنِهِ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَاءَ الْأَصْلُ فيه أَنْ يَرْفَعَ الْحَدَثَ فَكَانَ أَقْوَى من التُّرَابِ الذي لَا يَرْفَعُهُ أَصْلًا
وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُمْ لَمَّا تَعَرَّضُوا الْوُجُوبَ تَقْدِيمُ غَسْلِ فَرْجٍ دَائِمِ الْحَدَثِ على الْوُضُوءِ لم يَتَعَرَّضُوا لِتَقْدِيمِ الِاسْتِنْجَاءِ في الدُّبُرِ وَسُنَّ لِلْمُسْتَنْجِي بِمَاءٍ أَنْ يُدَلِّكَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ أو نَحْوَهَا ثُمَّ يَغْسِلَهَا بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وأن يَنْضَحَ بَعْدَهُ أَيْضًا فَرْجَهُ وَإِزَارَهُ من دَاخِلِهِ دَفْعًا لِلْوَسْوَاسِ وَلَوْ أَخَّرَ كَالرَّوْضَةِ بَعْدَهُ عن نَضْحِ ما ذُكِرَ كان أَوْلَى وَأَنْ يَعْتَمِدَ في الْغَسْلِ لِلدُّبُرِ على أُصْبُعِهِ الْوُسْطَى لِأَنَّهُ أَمْكَنُ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِلْبَاطِنِ فإنه مَنْبَعُ الْوَسْوَاسِ نعم يُسْتَحَبُّ لِلْبِكْرِ أَنْ تُدْخِلَ أُصْبُعَهَا في الثُّقْبِ الذي في الْفَرْجِ فَتَغْسِلَهُ نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْعِمْرَانِيِّ وَغَيْرِهِ وَأَقَرَّهُ وَكُلُّ ما لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَيْهِ فَبَاطِنٌ فَإِنْ غَلَبَ على ظَنِّهِ زَوَالُهَا أَيْ النَّجَاسَةِ كَفَى ذلك في إزَالَتِهَا وَلَا يَضُرُّ شَمُّ رِيحٍ لها بيده فَلَا يَدُلُّ على بَقَائِهَا على الْمَحَلِّ وَإِنْ حَكَمْنَا على يَدِهِ بِالنَّجَاسَةِ
وَيُوَجَّهُ بِأَنَّا لَا نَتَحَقَّقُ أَنَّ مَحَلَّ الرِّيحِ بَاطِنُ الْإِصْبَعِ الذي كان مُلَاصِقًا لِلْمَحَلِّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ جَوَانِبُهُ فَلَا تَنْجُسُ بِالشَّكِّ أو بِأَنَّ الْمَحَلَّ قد خَفَّفَ فيه في الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ فَخَفَّفَ فيه هُنَا فَاكْتَفَى بِغَلَبَةِ ظَنِّ زَوَالِ النَّجَاسَةِ قال الْغَزَالِيُّ في الْإِحْيَاءِ وَمِنْ الْآدَابِ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْفَرَاغِ من الِاسْتِنْجَاءِ اللَّهُمَّ طَهِّرْ قَلْبِي من النِّفَاقِ وَحَصِّنْ فَرْجِي من الْفَوَاحِشِ بَابُ الْأَحْدَاثِ
____________________
(1/53)
جَمْعُ حَدَثٍ وَيُطْلَقُ كما في الْأَصْلِ على ما يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَعَلَى ما يُوجِبُ الْغُسْلَ فَيُقَالُ حَدَثٌ أَصْغَرُ وَحَدَثٌ أَكْبَرُ وإذا أُطْلِقَ فَالْمُرَادُ بِهِ الْأَصْغَرُ غَالِبًا وهو الْمُرَادُ هُنَا نَوَاقِضُ الْوُضُوءِ يَعْنِي ما يَنْتَهِي بِهِ الْوُضُوءُ أَرْبَعَةٌ ثَابِتَةٌ بِالْأَدِلَّةِ الْآتِيَةِ وَعِلَّةُ النَّقْضِ بها غَيْرُ مَعْقُولَةٍ فَلَا يُقَاسُ بها وَأَمَّا شِفَاءُ دَائِمِ الْحَدَثِ فَنَادِرٌ وقد ذَكَرُوهُ في بَابِهِ وَنَزْعُ الْخُفِّ يُوجِبُ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ فَقَطْ كما سَيَأْتِي الْأَوَّلُ الْخَارِجُ الْأَوْلَى ما عَبَّرَ بِهِ الرَّافِعِيُّ خُرُوجُ الْخَارِجِ من أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَلَوْ رِيحًا من قُبُلٍ قال تَعَالَى أو جاء أَحَدٌ مِنْكُمْ من الْغَائِطِ الْآيَةَ وَالْغَائِطُ الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ من الْأَرْضِ تُقْضَى فيه الْحَاجَةُ سُمِّيَ بِاسْمِهِ الْخَارِجُ لِلْمُجَاوَرَةِ قال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وفي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ تَقْدِيرُهَا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ من النَّوْمِ أو جاء أَحَدٌ مِنْكُمْ من الْغَائِطِ أو لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ إلَى قَوْلِهِ أو على سَفَرٍ فَيُقَالُ عَقِبَهُ فلم تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا قال وَزَيْدٌ من الْعَالِمِينَ بِالْقُرْآنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَرَّرَهَا تَوْقِيفًا مع أَنَّ التَّقْدِيرَ فيها لَا بُدَّ منه فإن نَظْمَهَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَرَضَ وَالسَّفَرَ حَدَثَانِ وَلَا قَائِلَ بِهِ انْتَهَى
وَذَكَرْت في شَرْحِ الْبَهْجَةِ زِيَادَةً على ذلك وفي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال في الْمَذْيِ يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ وَفِيهِمَا شُكِيَ إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ في الصَّلَاةِ فقال لَا يَنْصَرِفُ حتى يَسْمَعَ صَوْتًا أو يَجِدَ رِيحًا وَالْمُرَادُ الْعِلْمُ بِخُرُوجِهِ لَا سَمْعِهِ وَلَا شَمِّهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَصْرُ النَّاقِضِ في الصَّوْتِ وَالرِّيحِ بَلْ نَفْيُ وُجُوبِ الْوُضُوءِ بِالشَّكِّ في خُرُوجِ الرِّيحِ وَيُقَاسُ بِمَا في الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ كُلُّ خَارِجٍ مِمَّا ذَكَرَ وَإِنْ لم تَدْفَعْهُ الطَّبِيعَةُ كَعُودٍ أُخْرِجَ من الْفَرْجِ بَعْدَ أَنْ أُدْخِلَ فيه وَخَرَجَ بِالسَّبِيلَيْنِ غَيْرُهُمَا فَلَا نَقْضَ بِالْخَارِجِ منه لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا نَقْضَ حتى يَثْبُتَ بِالشَّرْعِ ولم يَثْبُتْ وَالْقِيَاسُ مُمْتَنِعٌ هُنَا لِأَنَّ عِلَّةَ النَّقْضِ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ كما مَرَّ نعم اسْتَثْنَوْا من ذلك الْمُنْفَتِحَ تَحْتَ الْمَعِدَةِ الْآتِيَ بَيَانُهُ أو الْمَنِيَّ أَيْ مَنِيَّهُ كان أَمْنَى بِمُجَرَّدِ نَظَرٍ أو احْتِلَامٍ مُمَكِّنًا مَقْعَدَهُ فَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ أَعْظَمَ الْأَمْرَيْنِ وهو الْغُسْلُ بِخُصُوصِهِ فَلَا يُوجِبُ أَدْوَنَهُمَا بِعُمُومِهِ كَزِنَا الْمُحْصَنِ لَمَّا أَوْجَبَ أَعْظَمَ الْحَدَّيْنِ لِكَوْنِهِ زِنَا الْمُحْصَنِ فَلَا يُوجِبُ أَدْوَنَهُمَا لِكَوْنِهِ زِنًا وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ مع إيجَابِهِمَا الْغُسْلَ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ صِحَّةَ الْوُضُوءِ فَلَا يُجَامِعَانِهِ بِخِلَافِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ يَصِحُّ معه الْوُضُوءُ وفي صُورَةِ سَلَسِ الْمَنِيِّ فَيُجَامِعُهُ والخارج ( ( ( باب ) ) ) من قَبْلِي الْمُشْكِلِ فَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَمَّا الْخَارِجُ من أَحَدِهِمَا فَكَمُنْفَتِحٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ وهو أَيْ الْمُنْفَتِحُ تَحْتَهَا لَا يَثْبُتُ له أَحْكَامُ الْفَرْجِ لَا بِمَسٍّ وَلَا إيلَاجٍ ولا غَيْرُهُ كَالْخَارِجِ منه بِالنِّسْبَةِ لِلِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ لِخُرُوجِهِ عن مَظِنَّةِ الشَّهْوَةِ وَلِخُرُوجِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ عن الْقِيَاسِ فَلَا يَتَعَدَّى الْأَصْلِيَّ إلَّا أَنْ خَرَجَ منه خَارِجٌ وَالْمُعْتَادُ مُنْسَدٌّ فإنه يَنْقُضُ إذْ لَا بُدَّ لِلْإِنْسَانِ من مَخْرَجٍ يَخْرُجُ منه ما تَدْفَعُهُ الطَّبِيعَةُ فإذا انْسَدَّ بِأَنْ لم يَخْرُجْ منه شَيْءٌ وَإِنْ لم يَلْتَحِمْ أُقِيمَ هذا مَقَامَهُ فَإِنْ لم يَنْسَدَّ الْمُعْتَادُ أو انْسَدَّ وَانْفَتَحَ فَوْقَ الْمَعِدَةِ أو عليها أو بِجَنْبِهَا لم يَنْقُضْ إذْ لَا ضَرُورَةَ له في الْأَوَّلِ وَالْخَارِجُ منه بِالْقَيْءِ أَشْبَهُ في الثَّانِي لِأَنَّهُ مِمَّا لَا تُحِيلُهُ الطَّبِيعَةُ إذْ ما تُحِيلُهُ تُلْقِيهِ إلَى أَسْفَلَ قال الْمَاوَرْدِيُّ هذا في الِانْسِدَادِ الْعَارِضِ أَمَّا الْخِلْقِيُّ فَيَنْقُضُ معه الْخَارِجُ من الْمُنْفَتِحِ مُطْلَقًا وَالْمُنْسَدُّ حِينَئِذٍ كَعُضْوٍ زَائِدٍ من الْخُنْثَى لَا وُضُوءَ بِمَسِّهِ وَلَا غُسْلَ بِإِيلَاجِهِ
____________________
(1/54)
وَالْإِيلَاجِ فيه قال في الْمَجْمُوعِ ولم أَرَ لِغَيْرِهِ تَصْرِيحًا بِمُوَافَقَتِهِ أو مُخَالَفَتِهِ انْتَهَى
وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الْمَاوَرْدِيِّ وَالْمُنْسَدُّ إلَى آخِرِهِ الْمُنْسَدُّ بِالِالْتِحَامِ وقد يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّ الْحُكْمَ حِينَئِذٍ لِلْمُنْفَتِحِ مُطْلَقًا حتى يَجِبَ الْوُضُوءُ بِمَسِّهِ وَالْغُسْلُ بِإِيلَاجِهِ وَبِالْإِيلَاجِ فيه وَغَيْرِ ذلك وهو بَعِيدٌ وَالْمَعِدَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ بِكَسْرِهِمَا وَبِفَتْحِ الْمِيمِ أو كَسْرِهَا مع سُكُونِ الْعَيْنِ فِيهِمَا وَهِيَ من السُّرَّةِ إلَى الصَّدْرِ كما قَالَهُ الْأَطِبَّاءُ وَالْفُقَهَاءُ وَاللُّغَوِيُّونَ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ الرَّوْضَةِ وَمُرَادُهُمْ بِتَحْتِ الْمَعِدَةِ ما تَحْتَ السُّرَّةِ وَبِفَوْقِهَا السُّرَّةُ وَمُحَاذِيهَا وما فَوْقَهَا لِأَنَّ ذلك تَفْسِيرٌ لِمُرَادِهِمْ بها بِالنَّظَرِ إلَى الْحُكْمِ وَإِنْ كان حَقِيقَتُهَا ما ذَكَرَ وَلَوْ أَخْرَجَتْ دُودَةٌ رَأْسَهَا انْتَقَضَ الْوُضُوءُ وَإِنْ رَجَعَتْ لِخُرُوجِ شَيْءٍ من الْفَرْجِ وَيَنْقُضُ الْخَارِجُ من أَحَدِ ذَكَرَيْنِ بِقَيْدٍ ذَكَرَهُ أَخْذًا من كَلَامِ الرَّوْضَةِ في بَابِ الْغُسْلِ بِقَوْلِهِ يَبُولَانِ فَإِنْ كان يَبُولُ بِأَحَدِهِمَا فَالْحُكْمُ له وَالْآخَرُ زَائِدٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ نَقْضٌ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْحُكْمَ في الْحَقِيقَةِ مَنُوطٌ بِالْأَصَالَةِ لَا بِالْبَوْلِ حتى لو كَانَا أَصْلِيَّيْنِ وَيَبُولُ بِأَحَدِهِمَا وَيَطَأُ بِالْآخَرِ نَقَضَ كُلٌّ مِنْهُمَا أو كان أَحَدُهُمَا أَصْلِيًّا وَالْآخَرُ زَائِدًا نَقَضَ الْأَصْلِيُّ فَقَطْ وَإِنْ كان يَبُولُ بِهِمَا وَقِيَاسُ ما يَأْتِي من النَّقْضِ بِمَسِّ الزَّائِدِ إذَا كان على سُنَنِ الْأَصْلِيِّ أَنْ يَنْقُضَ بِالْبَوْلِ منه إذَا كان كَذَلِكَ وَإِنْ الْتَبَسَ الْأَصْلِيُّ بِالزَّائِدِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّقْضَ مَنُوطٌ بِهِمَا مَعًا لَا بِأَحَدِهِمَا وَلَوْ خُلِقَ لِلْمَرْأَةِ فَرْجَانِ فَبَالَتْ وَحَاضَتْ بِهِمَا انْتَقَضَ الْوُضُوءُ بِالْخَارِجِ من كُلٍّ مِنْهُمَا فَإِنْ بَالَتْ وَحَاضَتْ بِأَحَدِهِمَا فَقَطْ اخْتَصَّ الْحُكْمُ بِهِ وَلَوْ بَالَتْ بِأَحَدِهِمَا وَحَاضَتْ بِالْآخَرِ فَالْوَجْهُ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِقَهْقَهَةِ مُصَلٍّ إذْ لو انْتَقَضَ بها لم يَخْتَصَّ بِالصَّلَاةِ كَسَائِرِ النَّوَاقِضِ وما رُوِيَ من أنها تَنْقُضُ ضَعِيفٌ ولا أَكْلٍ مُطْلَقًا وَلَوْ لِمَا مَسَّتْهُ النَّارُ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ وَصَلَّى ولم يَتَوَضَّأْ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ الْوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ فَمَنْسُوخٌ بِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ في أبي دَاوُد عن جَابِرٍ كان آخِرَ الْأَمْرَيْنِ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتْ النَّارُ وفي الْقَدِيمِ يَنْقُضُ لَحْمُ الْجَزُورِ وَقَوَّاهُ في الْمَجْمُوعِ من حَيْثُ الدَّلِيلُ وقال إنَّهُ الذي أَعْتَقِدُ رُجْحَانَهُ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عن جَابِرِ بن سَمُرَةَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَأَتَوَضَّأُ من لُحُومِ الْغَنَمِ قال إنْ شِئْت فَتَوَضَّأْ وَإِنْ شِئْت فَلَا تَتَوَضَّأْ قال أَأَتَوَضَّأُ من لُحُومِ الْإِبِلِ قال نعم فَتَوَضَّأَ من لُحُومِ الْإِبِلِ وَعَنْ الْبَرَاءِ رضي اللَّهُ عنه سُئِلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الْوُضُوءِ من لُحُومِ الْإِبِلِ فَأَمَرَ بِهِ قال وَجَوَابُ الْأَصْحَابِ عن ذلك بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ جَابِرٍ ضَعِيفٌ أو بَاطِلٌ لِأَنَّ حَدِيثَ تَرْكِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ عَامٌّ وَحَدِيثَ الْوُضُوءِ من لَحْمِ الْجَزُورِ خَاصٌّ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ على الْعَامِّ تَقَدَّمَ أو تَأَخَّرَ قال وَأَقْرَبُ ما يُسَتَرْوَحُ إلَيْهِ أَيْ فِيمَا رَجَّحُوهُ قَوْلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَجَمَاهِيرِ الصَّحَابَةِ الثَّانِي زَوَالُ الْعَقْلِ وهو غَرِيزَةٌ مَنْبَعُهَا الْعِلْمُ بِالضَّرُورِيَّاتِ عِنْدَ سَلَامَةِ الْآلَاتِ سَوَاءٌ أَزَالَ بِجُنُونٍ وهو زَوَالُ الشُّعُورِ من الْقَلْبِ مع بَقَاءِ حَرَكَةِ الْأَعْضَاءِ وَقُوَّتِهَا أَمْ بِإِغْمَاءٍ وهو زَوَالُهُ منه مع فُتُورِهَا أَمْ بِسُكْرٍ وهو زَوَالُهُ منه مع طَرَبٍ وَاخْتِلَاطِ نُطْقٍ أَمْ بِنَوْمٍ وهو زَوَالُهُ منه مع اسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ أَمْ بِغَيْرِ ذلك لِخَبَرِ الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ رَوَاهُ أبو دَاوُد وابن السَّكَنِ في صِحَاحِهِ
وَغَيْرُ النَّوْمِ مِمَّا ذَكَرَ أَبْلَغُ منه في الذُّهُولِ الذي هو مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ شَيْءٍ من دُبُرِهِ كما أَشْعَرَ بِهِ الْخَبَرُ إذْ السَّهُ الدُّبُرُ وَوِكَاؤُهُ حِفَاظُهُ عن أَنْ يَخْرُجَ منه شَيْءٌ لَا يَشْعُرُ بِهِ وَالْعَيْنَانِ كِنَايَةٌ عن الْيَقِظَةِ وَلَا يَضُرُّ في النَّقْضِ بِزَوَالِ الْعَقْلِ الذي هو مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ الْخَارِجِ كَوْنَ الْأَصْلِ عَدَمَ
____________________
(1/55)
خُرُوجِ شَيْءٍ لِأَنَّهُ لَمَّا جُعِلَ مَظِنَّةً لِخُرُوجِهِ من غَيْرِ شُعُورٍ بِهِ أُقِيمَ مَقَامَ الْيَقِينِ كما أُقِيمَتْ الشَّهَادَةُ الْمُفِيدَةُ لِلظَّنِّ مَقَامَ الْيَقِينِ في شَغْلِ الذِّمَّةِ لَا بِنَوْمِ مُمَكِّنِ مَقْعَدَهُ من مَقَرِّهِ فَلَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ وَلَوْ مُسْتَنِدًا إلَى ما لو زَالَ لَسَقَطَ أو مُحْتَبِيًا بِأَنْ يَجْلِسَ على أَلْيَيْهِ رَافِعًا رُكْبَتَيْهِ مُحْتَوِيًا عَلَيْهِمَا بِيَدَيْهِ أو غَيْرِهِمَا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عن أَنَسٍ رضي اللَّهُ عنه كان أَصْحَابُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّؤُنَّ وَحُمِلَ على نَوْمِ الْمُمَكِّنِ مَقْعَدَهُ جَمْعًا بين الْأَخْبَارِ وَلَا منه حِينَئِذٍ خُرُوجُ الْخَارِجِ
وَلَا عِبْرَةَ بِاحْتِمَالِ خُرُوجِ رِيحٍ من الْقُبُلِ لِنُدْرَتِهِ وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ وَلَوْ مُحْتَبِيًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين النَّحِيفِ وَغَيْرِهِ وهو ما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا وقال ابن الرِّفْعَةِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ لَكِنْ نَقَلَ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عن الرُّويَانِيِّ أَنَّ النَّحِيفَ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ وقال الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْحَقُّ وَخَرَجَ بِزَوَالِ الْعَقْلِ النُّعَاسُ وَحَدِيثُ النَّفْسِ وَأَوَائِلُ نَشْوَةِ الشُّكْرِ فَلَا نَقْضَ بها وَيُقَالُ لِلنُّعَاسِ سِنَةٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّوْمِ أَنَّ النَّوْمَ فيه غَلَبَةٌ على الْعَقْلِ وَسُقُوطُ الْحَوَاسِّ وَالنُّعَاسُ ليس فيه ذلك وَإِنَّمَا فيه فُتُورُ الْحَوَاسِّ لِأَنَّهُ رِيحٌ لَطِيفٌ يَأْتِي من قِبَلِ الدِّمَاغِ يُغَطِّي الْعَيْنَ وَلَا يَصِلُ إلَى الْقَلْبِ فَإِنْ وَصَلَ إلَيْهِ كان نَوْمًا وَمِنْ عَلَامَتِهِ سَمَاعُ كَلَامِ الْحَاضِرِينَ وَإِنْ لم يَفْهَمْهُ وَمِنْ عَلَامَةِ النَّوْمِ الرُّؤْيَا وَلَا تَمْكِينَ لِمَنْ نَامَ على قَفَاهُ مُلْصِقًا لِمَقْعَدِهِ بِمَقَرِّهِ وَلَوْ مُسْتَثْفِرًا وَلَوْ زَالَتْ إحْدَى أَلْيَتَيْهِ أَيْ النَّائِمِ الْمُمَكِّنِ قبل انْتِبَاهِهِ وَلَوْ كان مُسْتَثْفِرًا نَقَضَ وُضُوءَهُ وَإِنْ لم تَقَعْ يَدُهُ على الْأَرْضِ لِمُضِيِّ لَحْظَةٍ وهو نَائِمٌ غَيْرُ مُمَكِّنٍ أو زَالَتْ مع انْتِبَاهِهِ أو بَعْدَهُ الْمَفْهُومُ بِالْأَوْلَى وفي نُسْخَةٍ بَدَلُ مع انْتِبَاهِهِ معه أو شَكَّ فيه أَيْ في أَنَّ زَوَالَهَا قبل انْتِبَاهِهِ أو لَا أو في أَنَّهُ مُمَكِّنٌ مَقْعَدَهُ أو لَا أو في أَنَّهُ نَامَ أو نَعَسَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ فَلَا نَقْضَ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ نعم لو رَأَى رُؤْيَا وَشَكَّ أَنَامَ أَمْ لَا فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ لِأَنَّ الرُّؤْيَا لَا تَكُونُ إلَّا بِنَوْمٍ نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن نَصِّ الْبُوَيْطِيِّ ثُمَّ قال فيه وَلَوْ تَيَقَّنَ النَّوْمَ وَشَكَّ هل كان مُمَكِّنًا أو لَا فَلَا وُضُوءَ عليه قال وَقَوْلُ الْبَغَوِيّ لو تَيَقَّنَ رُؤْيَا وَلَا تَذَكَّرَ نَوْمًا فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَلَا يُحْمَلُ على النَّوْمِ مُتَمَكِّنًا لِأَنَّهُ خِلَافُ الْعَادَةِ مُؤَوَّلٌ أو ضَعِيفٌ انْتَهَى
وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ النَّصِّ أَنَّ الرُّؤْيَا في تِلْكَ اعْتَضَدَتْ بِأَحَدِ طَرَفَيْ الشَّكِّ الْمُوَافِقِ لها بِخِلَافِهَا في هذه أو أَنَّهُ فَهِمَ من كَلَامِ الْبَغَوِيّ أَنَّ مُرَادَهُ بِعَدَمِ التَّذَكُّرِ أَنَّهُ شَكَّ هل نَامَ مُتَمَكِّنًا أَمْ لَا وهو ما فَهِمَهُ الْإِسْنَوِيُّ في أَلْغَازِهِ وقد يَسْتَشْكِلُ على الْأَوَّلِ بِتَحَقُّقِ الرُّؤْيَا مع عَدَمِ تَحَقُّقِ النَّوْمِ مع أنها من عَلَامَتِهِ كما مَرَّ وَيُجَابُ بِأَنَّ عَلَامَةَ الشَّيْءِ ظَنِّيَّةٌ لَا تَسْتَلْزِمُ وُجُودَهُ وَلَوْ سُلِّمَ اسْتِلْزَامُهَا له فَلَا يَلْزَمُ من وُجُودِ الشَّيْءِ الْعِلْمُ بِهِ قال في الرَّوْضَةِ قال الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ من النَّوْمِ مُمَكِّنًا لِلْخُرُوجِ من الْخِلَافِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَلْيَتَيْهِ لُغَةٌ غَيْرُ فَصَيْحَةٍ وَالْفَصِيحَةُ أَلْيَيْهِ بِلَا تَاءٍ كما عَبَّرَ بها في الرَّوْضَةِ وَعَلَيْهَا اقْتَصَرَ الْجَوْهَرِيُّ فقال الْأَلْيَةُ بِالْفَتْحِ وَلَا تَقُلْ إلْيَةٌ وَلَا لِيَّةٌ فإذا ثُنِّيَتْ قُلْت أَلْيَانِ فَلَا تَلْحَقُهُ التَّاءُ الثَّالِثُ الْتِقَاءُ بَشَرَتِهِ أَيْ الذَّكَرِ وَبَشَرَتِهَا أَيْ الْأُنْثَى وَلَوْ كان الذَّكَرُ مَمْسُوحًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى أو لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ أَيْ لَمَسْتُمْ كما قُرِئَ بِهِ لَا جَامَعْتُمْ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَاللَّمْسُ الْجَسُّ بِالْيَدِ وَبِغَيْرِهَا أو بِالْيَدِ فَقَطْ كما فَسَّرَهُ بِهِ ابن عُمَرَ وَغَيْرُهُ وَأُلْحِقَ بِالْيَدِ غَيْرُهَا وَالْمَعْنَى في النَّقْضِ بِهِ أَنَّهُ مَظِنَّةُ التَّلَذُّذِ الْمُثِيرِ لِلشَّهْوَةِ لَا إنْ كان مُحَرَّمًا لها بِنَسَبٍ أو رَضَاعٍ أو مُصَاهَرَةٍ فَلَا يَنْقُضُ الِالْتِقَاءُ وَلَا بِشَهْوَةٍ لِانْتِفَاءِ مَظِنَّتِهَا بَيْنَهُمَا وَلَا أَنْ
____________________
(1/56)
كانت الْأُنْثَى صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى عُرْفًا فَلَا تَنْقُضُ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَحِلًّا لِلشَّهْوَةِ وَمِثْلُهَا الذَّكَرُ الصَّغِيرُ كما فُهِمَ منها بِالْأَوْلَى وَتَنْقُضُ أُنْثَى مَيِّتَةٌ وَذَكَرٌ مَيِّتٌ وَعَجُوزٌ وَهَرَمٌ وَعُضْوٌ أَشَلُّ أو زَائِدٌ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَلِقَبُولِ الْمَحِلِّ في الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ وَلَوْ كان أَحَدُهُمَا مَلْمُوسًا فإن وُضُوءَ كُلٍّ مِنْهُمَا يَنْتَقِضُ بِالِالْتِقَاءِ لِاشْتِرَاكِهِمَا في لَذَّةِ اللَّمْسِ كَالْمُشْتَرَكِينَ في لَذَّةِ الْجِمَاعِ سَوَاءٌ أَكَانَ الِالْتِقَاءُ عَمْدًا أَمْ سَهْوًا بِشَهْوَةٍ أَمْ بِدُونِهَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَوْ بِغَيْرِ الْيَدِ بِخِلَافِ النَّقْضِ بِمَسِّ الْفَرْجِ يَخْتَصُّ بِبَطْنِ الْكَفِّ كما سَيَأْتِي لِأَنَّ الْمَسَّ إنَّمَا يُثِيرُ الشَّهْوَةَ بِبَطْنِ الْكَفِّ بِخِلَافِ اللَّمْسِ يُثِيرُهَا بِهِ وَبِغَيْرِهِ
لَا عُضْوٌ مَقْطُوعٌ وَشَعْرٌ وَسِنٌّ وَظُفْرٌ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مع إسْكَانِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا وَبِكَسْرِهِ مع إسْكَانِهَا وَكَسْرِهَا وَيُقَالُ فيه أُظْفُورٌ فَلَا نَقْضَ بِلَمْسِ شَيْءٍ منها لِانْتِفَاءِ الْمَظِنَّةِ إذْ لَا يُلْتَذُّ بِلَمْسِهَا بَلْ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا وَلِأَنَّ لَامِسَهَا لم يَلْمِسْ امْرَأَةً وَلَا رَجُلًا وَلَا يَنْقُضُ أَمْرَدُ وُضُوءَ الذَّكَرِ وَلَوْ حَسَنَ الصُّورَةِ أو كان الِالْتِقَاءُ بِشَهْوَةٍ لِأَنَّهُ لم يَدْخُلْ في الْآيَةِ وَهَذَا فُهِمَ من أَوَّلِ الْكَلَامِ كما فُهِمَ منه عَدَمُ النَّقْضِ بِالْتِقَاءِ بَشَرَتَيْ ذَكَرَيْنِ أو أُنْثَيَيْنِ أو خُنْثَيَيْنِ أو خُنْثَى وَذَكَرٍ أو أُنْثَى أو ذَكَرٍ وَأُنْثَى بِحَائِلٍ وَلَوْ بِشَهْوَةٍ لِانْتِفَاءِ مَظِنَّتِهَا وَلِاحْتِمَالِ التَّوَافُقِ في صُوَرِ الْخُنْثَى وَلَا إنْ شَكَّ في مَحْرَمِيَّةِ الْمَلْمُوسِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ وَإِنْ اخْتَلَطَتْ مَحْرَمَةٌ بِأَجْنَبِيَّاتٍ غَيْرِ مَحْصُورَاتٍ وهو ظَاهِرٌ فَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ الِالْتِقَاءَ في هذه الْحَالَةِ يَنْقُضُ لِأَنَّهُ لو نَكَحَهَا جَازَ بَعِيدٌ لِأَنَّ الطُّهْرَ لَا يُرْفَعُ بِالشَّكِّ وَلَا بِالظَّنِّ كما سَيَأْتِي وَالنِّكَاحُ لو مُنِعَ منه الشَّاكُّ فِيمَا ذَكَرَ لَانْسَدَّ عليه بَابُ النِّكَاحِ كما سَيَأْتِي وَاللِّسَانُ وَلَحْمُ الْأَسْنَانِ كَالْبَشَرَةِ فِيمَا ذَكَرَ الرَّابِعُ مَسُّ فَرْجِ آدَمِيٍّ قُبُلٍ أو دُبُرٍ من نَفْسِهِ أو غَيْرِهِ عَمْدًا أو سَهْوًا وَاضِحًا كان الْمَاسُّ أو خُنْثَى على ما سَيَأْتِي لِخَبَرِ من مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ وفي رِوَايَةٍ من مَسَّ فَرْجَهُ وفي رِوَايَةٍ ذَكَرًا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ في صَحِيحِهِ إذَا أَفْضَى أحدكم بيده إلَى فَرْجِهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سِتْرٌ وَلَا حِجَابٌ فَلْيَتَوَضَّأْ وَمَسُّ فَرْجِ غَيْرِهِ أَفْحَشُ من مَسِّ فَرْجِهِ لِهَتْكِهِ حُرْمَةَ غَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ أَشْهَى له وَالْمُرَادُ بِمَسِّ قُبُلِ الْمَرْأَةِ وَالدُّبُرِ مَسُّ مُلْتَقَى الْمَنْفَذِ فَلَا نَقْضَ بِمَسِّ غَيْرِهِ وَغَيْرِ الذَّكَرِ كَالْأُنْثَيَيْنِ وَبَاطِنِ الْأَلْيَيْنِ وَالْعَانَةِ وما أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ من أَنَّ مَسَّ شَعْرِ الْفَرْجِ يَنْقُضُ جَرَى فيه على طَرِيقِ الْمَرَاوِزَةِ من أَنَّ لَمْسَ الشَّعْرِ يَنْقُضُ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ لَا فَرْجُ بَهِيمَةٍ فَلَا نَقْضَ بِمَسِّهِ كما لَا يَجِبُ سِتْرُهُ وَلَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ خِتَانٌ وَلَا اسْتِنْجَاءٌ وَبِالْقِيَاسِ على لَمْسِهَا وَلَوْ كان الْآدَمِيُّ مَيِّتًا وَصَغِيرًا والممسوس ذَكَرًا مَقْطُوعًا أو أَشَلَّ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَمَحِلَّهُ بَعْدَ قَطْعِهِ فإنه يَنْقُضُ لِأَنَّ مَحِلَّهُ في مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ أَصْلُهُ وَلِشُمُولِ الِاسْمِ في غَيْرِهِ مِمَّا ذَكَرَ وَمَسُّ بَعْضِهِ الْمَقْطُوعِ كَذَلِكَ إلَّا ما قُطِعَ في الْخِتَانِ إذْ لَا يَقَعُ عليه اسْمُ الذَّكَرِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَمَّا قُبُلُ الْمَرْأَةِ وَالدُّبُرُ فَالْمُتَّجِهُ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ اسْمُهُمَا بَعْدَ قَطْعِهِمَا نَقَضَ مَسُّهُمَا وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الْحُكْمَ مَنُوطٌ بِالِاسْمِ كما أَنَّهُ مَنُوطٌ بِالْمَسِّ بِبَطْنِ كَفٍّ وَلَوْ كانت شَلَّاءَ لِأَنَّ التَّلَذُّذَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِهِ وَلِخَبَرِ الْإِفْضَاءِ بِالْيَدِ السَّابِقِ إذْ الْإِفْضَاءُ بها لُغَةً الْمَسُّ بِبَطْنِ الْكَفِّ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ إطْلَاقُ الْمَسِّ في بَقِيَّةِ الْإِخْبَارِ وَاعْتَرَضَ الْقُونَوِيُّ بِأَنَّ الْمَسَّ وَإِنْ كان مُطْلَقًا إلَّا أَنَّهُ هُنَا عَامٌّ لِأَنَّهُ صِلَةُ الْمَوْصُولِ الذي هو من صِيَغِ الْعُمُومِ وَالْإِفْضَاءُ فَرْدٌ من الْعَامِّ وَإِفْرَادُ فَرْدٍ من الْعَامِّ لَا يُخَصِّصُ على الصَّحِيحِ قال وَالْأَقْرَبُ ادِّعَاءُ تَخْصِيصِ عُمُومِ الْمَسِّ بِمَفْهُومِ خَبَرِ الْإِفْضَاءِ وَقَوْلُهُ وهو أَيْ بَطْنُ الْكَفِّ ما انْطَبَقَ عليه الْكَفَّانِ بِتَحَامُلٍ يَسِيرٍ فيه قُصُورٌ بِالنَّظَرِ إلَى بَطْنِ الْإِبْهَامِ وَقَيَّدَ بِالْيَسِيرِ لِيَدْخُلَ فيه الْمُنْحَرِفُ الذي يَلِي الْكَفَّ لَا رُءُوسُ الْأَصَابِعِ ولا ما بَيْنَهَا وَلَا حَرْفُ الْكَفِّ فَلَا يَنْقُضُ الْمَسُّ بِشَيْءٍ منها لِخُرُوجِهَا عن سَمْتِ الْكَفِّ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَجْرُورَةٌ عَطْفًا على بَطْنِ كَفٍّ أو مَرْفُوعَةٌ عَطْفًا على ما انْطَبَقَ وَشَمَلَ حَرْفُ الْكَفِّ بِحَسَبِ ما اقْتَضَاهُ تَفْسِيرُ بَاطِنِهَا السَّابِقِ حَرْفَ الْأَصَابِعِ الْمُصَرَّحِ بِهِ في الْأَصْلِ وَأُلْحِقَ الْحَرْفُ هُنَا بِالظَّاهِرِ وفي الْخُفِّ بِالْبَاطِنِ رُجُوعًا لِلْأَصْلِ فِيهِمَا وَمَنْ له كَفَّانِ نَقَضَتَا بِالْمَسِّ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَتَا عَامِلَتَيْنِ أَمْ غير عَامِلَتَيْنِ فَقَوْلُهُ من زِيَادَتُهُ مُطْلَقًا تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ أَوْلَى من تَقْيِيدِ الرَّوْضَةِ بِالْعَامِلَتَيْنِ لَا زَائِدَةٌ مع عَامِلَةٍ فَلَا تَنْقُضُ بَلْ الْحُكْمُ لِلْعَامِلَةِ فَقَطْ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ الْأَصْلُ لَكِنَّهُ صَحَّحَ في التَّحْقِيقِ النَّقْضَ بِالزَّائِدَةِ أَيْضًا وَعَزَاهُ في الْمَجْمُوعِ لِإِطْلَاقِ
____________________
(1/57)
الْجُمْهُورِ ثُمَّ نُقِلَ الْأَوَّلُ عن الْبَغَوِيّ فَقَطْ قال في الْمُهِمَّاتِ وَيُؤَيِّدُ ما في الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لو كان له ذَكَرَانِ أَحَدُهُمَا عَامِلٌ فَمَسَّ الْآخَرَ لم يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمَا في بَابِ الْغُسْلِ وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ في غَيْرِهَا وَجَمَعَ ابن الْعِمَادِ بين الْكَلَامَيْنِ فقال كَلَامُ الرَّوْضَةِ فِيمَا إذَا كان الْكَفَّانِ على مِعْصَمَيْنِ وَكَلَامُ التَّحْقِيقِ فِيمَا إذَا كَانَتَا على مِعْصَمٍ وَاحِدٍ فَتَنْقُضُ الزَّائِدَةُ سَوَاءٌ أَعَمِلَتْ أَمْ لَا كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهَا بِمَا إذَا كانت على سَمْتِ الْأَصْلِيَّةِ كَنَظِيرَةِ في الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَمَحِلُّ عَدَمِ النَّقْضِ بِمَسِّ غَيْرِ الْعَامِلِ من الذَّكَرَيْنِ إذَا لم يَكُنْ مُسَامِتًا لِلْعَامِلِ وَإِلَّا فَهُوَ كَأُصْبُعٍ زَائِدَةٍ مُسَامِتَةٍ لِلْبَقِيَّةِ فَيَنْقُضُ قَالَهُ الْفُورَانِيُّ وَلَا يَنْتَقِضُ مَمْسُوسُ فَرْجٍ بِخِلَافِ الْمَلْمُوسِ كما مَرَّ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالْمَسِّ وَالْمَمْسُوسُ لم يُمَسَّ وَوَرَدَ بِالْمُلَامَسَةِ وَهِيَ تَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ إلَّا ما خَرَجَ بِدَلِيلٍ وَكَالْأَصَابِعِ في النَّقْضِ بها أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ سَامَتَتْهَا بِأَنْ تَكُونَ على سُنَنِهَا بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُسَامِتَةِ لها خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْجُمْهُورِ من إطْلَاقِ النَّقْضِ بِالزَّائِدَةِ وقال إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَإِنْ مَسَّ مُشْكِلٌ فَرْجَيْ مُشْكِلٍ أو فَرْجَيْ مُشْكِلَيْنِ أَيْ آلَةَ الرِّجَالِ من أَحَدِهِمَا وَآلَةَ النِّسَاءِ من الْآخَرِ أو فَرْجَيْنِ من نَفْسِهِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ لِأَنَّهُ مَسَّ في غَيْرِ الثَّانِيَةِ وَمَسَّ أو لَمَسَ في الثَّانِيَةِ الصَّادِقَةِ بِمُشْكِلَيْنِ غَيْرِهِ وَبِنَفْسِهِ وَمُشْكِلٍ آخَرَ فَعِبَارَتُهُ فيها كَالرَّافِعِيِّ أَوْلَى من اقْتِصَارِ الرَّوْضَةِ على نَفْسِهِ وَمُشْكِلٍ آخَرَ لَكِنْ يُعْتَبَرُ فيها أَنْ لَا يَمْنَعَ من النَّقْضِ مَانِعٌ من مَحْرَمِيَّةٍ أو غَيْرِهَا كما عُرِفَ مِمَّا مَرَّ لَا بِمَسِّ أَحَدِهِمَا فَقَطْ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ وَإِنْ مَسَّ أَحَدَهُمَا وَصَلَّى صَلَاةً كَصُبْحٍ ثُمَّ مَسَّ الْآخَرَ ثُمَّ صلى صَلَاةً أُخْرَى كَظُهْرٍ أَعَادَ الْأُخْرَى إنْ لم يَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا أَيْ بين الْمَسَّيْنِ لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ عِنْدَهَا قَطْعًا بِخِلَافِ الصُّبْحِ إذْ لم يُعَارِضْهَا شَيْءٌ وَقَوْلُ صَاحِبِ الذَّخَائِرِ الذي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ وُجُوبُ إعَادَتِهِمَا مَعًا كما لو صلى صَلَاتَيْنِ بِوُضُوءَيْنِ عن حَدَثَيْنِ ثُمَّ تَيَقَّنَ نِسْيَانَ عُضْوٍ في أَحَدِهِمَا رُدَّ بِأَنَّهُ لم يُتَيَقَّنْ هُنَاكَ الْحَدَثُ في إحْدَاهُمَا عَيْنًا بَلْ الشَّكُّ فِيهِمَا على السَّوَاءِ فَوَجَبَ إعَادَتُهُمَا مَعًا وَأَمَّا هُنَا فَالصَّلَاةُ الثَّانِيَةُ حَصَلَ تَيَقُّنُ الْحَدَثِ فيها لِاجْتِمَاعِ مَسِّ الْفَرْجَيْنِ فيها بِخِلَافِ الْأُولَى وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَدَّ بِأَنَّهُ في تِلْكَ لم يَتَيَقَّنْ رَفْعَ حَدَثٍ بِخِلَافِهِ هُنَا فإنه تَيَقَّنَ رَفْعَهُ وَشَكَّ في رَافِعِهِ أَمَّا إذَا تَوَضَّأَ بَيْنَهُمَا فَلَا تَجِبُ إعَادَةُ وَاحِدَةٍ من الصَّلَاتَيْنِ وَإِنْ وَقَعَتْ إحْدَاهُمَا مع الْحَدَثِ قَطْعًا لِأَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ مُفْرَدَةٌ بِحُكْمِهَا وقد بَنَى كُلًّا مِنْهُمَا على ظَنٍّ صَحِيحٍ فَصَارَ كما لو صلى صَلَاتَيْنِ لِجِهَتَيْنِ بِاجْتِهَادَيْنِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ تَوَضَّأَ عن حَدَثٍ آخَرَ أو عن الْمَسِّ احْتِيَاطًا ولم يَبِنْ الْحَالُ كما مَرَّ بَيَانُهُ في صِفَةِ الْوُضُوءِ وَإِنْ مَسَّ رَجُلٌ ذَكَرَ خُنْثَى أو مَسَّتْ امْرَأَةٌ فَرْجَهُ لَا عَكْسُهُ انْتَقَضَ الْمَاسُّ أَيْ وُضُوءُهُ لِأَنَّهُ إنْ كان مِثْلُهُ فَقَدْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بِالْمَسِّ وَإِلَّا فَبِاللَّمْسِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ بِأَنْ مَسَّ الرَّجُلُ فَرْجَ الْخُنْثَى وَالْمَرْأَةُ ذَكَرَهُ لَا نَقْضَ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ وَمَحِلُّ الْأَوَّلِ إذَا لم يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ أو غَيْرُهَا مِمَّا يَمْنَعُ النَّقْضَ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا وَلَوْ مَسَّ أَحَدُ مُشْكِلَيْنِ ذَكَرَ صَاحِبِهِ وَالْآخَرُ فَرْجَهُ أو فَرْجَ نَفْسِهِ انْتَقَضَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لَا بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُمَا إنْ كَانَا رَجُلَيْنِ فَقَدْ انْتَقَضَ لِمَاسِّ الذَّكَرِ أو امْرَأَتَيْنِ فَلِمَاسِّ الْفَرْجِ أو مُخْتَلِفَيْنِ فَلِكِلَيْهِمَا بِاللَّمْسِ إلَّا أَنَّ هذا غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فلم يَتَعَيَّنْ الْحَدَثُ فِيهِمَا وَقَوْلُهُ أو فَرْجَ نَفْسِهِ من زِيَادَتِهِ وَلِكُلٍّ أَنْ يُصَلِّيَ وَفَائِدَةُ الِانْتِقَاضِ لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ أَنَّهُ إذَا اقْتَدَتْ بِهِ امْرَأَةٌ في صَلَاةٍ لَا تَقْتَدِي بِالْآخَرِ وَلَا يَرْتَفِعُ تَعَيُّنُ حَدَثٍ أو طُهْرٍ بِظَنٍّ لِضِدِّهِ وَلَا بِالشَّكِّ فيه الْمَفْهُومُ بِالْأَوْلَى فَيَأْخُذُ بِالْيَقِينِ اسْتِصْحَابًا له وَالْأَصْلُ فيه خَبَرُ مُسْلِمٍ إذَا وَجَدَ أحدكم في بَطْنِهِ شيئا فَأَشْكَلَ عليه أَخَرَجَ منه شَيْءٌ أَمْ لَا فَلَا يَخْرُجَنَّ من الْمَسْجِدِ حتى يَسْمَعَ صَوْتًا أو يَجِدَ رِيحًا فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين التَّسَاوِي وَالرُّجْحَانِ وَبِهِ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ في دَقَائِقِهِ وَغَيْرِهَا فقال الشَّكُّ هُنَا وفي مُعْظَمِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ هو التَّرَدُّدُ سَوَاءٌ الْمُسْتَوِي وَالرَّاجِحُ انْتَهَى
وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ يَعْمَلُ بِظَنِّ الطُّهْرِ بَعْدَ تَيَقُّنِ الْحَدَثِ قال ابن الرِّفْعَةِ لم أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَأَسْقَطَهُ من الرَّوْضَةِ وَقِيلَ مُرَادُ الرَّافِعِيِّ أَنَّ الْمَاءَ الْمَظْنُونَ طَهَارَتُهُ بِالِاجْتِهَادِ مَثَلًا يَرْفَعُ يَقِينَ الْحَدَثِ وَإِنْ
____________________
(1/58)
تَيَقَّنَ حَدَثًا وَطُهْرًا كَأَنْ وُجِدَا منه بَعْدَ الْفَجْرِ وَجَهِلَ السَّابِقَ مِنْهُمَا نَظَرَ فِيمَا قَبْلُ فَإِنْ كان فيه مُحْدِثًا فَهُوَ الْآنَ مُتَطَهِّرٌ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ في تَأَخُّرِ الْحَدَثِ عنها وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ أو كان فيه مُتَطَهِّرًا فَهُوَ الْآنَ مُحْدِثٌ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ في تَأَخُّرِ الطَّهَارَةِ عنه وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ هذا إنْ اعْتَادَ التَّجْدِيدَ لها وَإِنْ لم تَطَّرِدْ عَادَتُهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَعْتَدْ تَجْدِيدَهَا فَمُتَطَهِّرٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ تَأَخُّرُهَا عن الْحَدَثِ وَلَوْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كان قَبْلَهُمَا مُتَطَهِّرًا أو مُحْدِثًا أَخَذَ بِمَا قبل الْأَوَّلَيْنِ عَكْسُ ما مَرَّ قَالَهُ في الْبَحْرِ قال وَهُمَا في الْمَعْنَى سَوَاءٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ كان الْوَقْتُ الذي وَقَعَ فيه الِاشْتِبَاه وِتْرًا أَخَذَ بِالضِّدِّ أو شَفْعًا فَبِالْمِثْلِ بَعْدَ اعْتِبَارِ اعْتِيَادِ التَّجْدِيدِ وَعَدَمِهِ وَإِنْ جَهِلَ ما قَبْلَهُمَا وَجَبَ الْوُضُوءُ لِتَعَارُضِ الِاحْتِمَالَيْنِ بِلَا مُرَجِّحٍ وَلَا سَبِيلَ إلَى الصَّلَاةِ مع التَّرَدُّدِ الْمَحْضِ في الطَّهَارَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّ هذا فِيمَنْ يَعْتَادُ التَّجْدِيدَ فإن غَيْرَهُ يَأْخُذُ بِالطَّهَارَةِ مُطْلَقًا كما مَرَّ فَلَا أَثَرَ لِتَذَكُّرِهِ ثُمَّ ما ذَكَرَ من التَّفْصِيلِ بين التَّذَكُّرِ وَعَدَمِهِ هو ما صَحَّحَهُ الْأَصْلُ وَالنَّوَوِيُّ في مِنْهَاجِهِ وَتَحْقِيقُهُ وَصَحَّحَ في شَرْحَيْ الْمُهَذَّبِ وَالْوَسِيطِ وُجُوبَ الْوُضُوءِ مُطْلَقًا لِأَنَّ ما قبل الْفَجْرِ بَطَلَ يَقِينًا وما بَعْدَهُ مُتَعَارِضٌ وَلَا بُدَّ من طُهْرٍ مَعْلُومٍ أو مَظْنُونٍ وَاخْتَارَهُ في التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وقال في الرَّوْضَةِ إنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَ جَمَاعَاتٍ من مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا وقال في الْمُهِمَّاتِ إنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ لِذَهَابِ الْأَكْثَرِينَ إلَيْهِ وَمُوجِبُ الطَّهَارَةِ وُضُوءً وَغُسْلًا الْحَدَثُ أو الْوَقْتُ أو هُمَا وهو الْأَصَحُّ هذا من زِيَادَتِهِ هُنَا وَتَعْبِيرُهُ بِالْوَقْتِ تَبِعَ فيه الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ وَالْمُرَادُ بِهِ الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا الذي عَبَّرَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَالْمُرَجَّحُ عِنْدَهُمَا ما أَفَادَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا مع ما يَأْتِي في الْغُسْلِ أَنَّ مُوجِبَهَا الْحَدَثُ عِنْدَ الِانْقِطَاعِ وَالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا لَكِنَّ النَّوَوِيَّ خَالَفَ في مَجْمُوعِهِ في مُوجِبِ الْغُسْلِ من الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَصَحَّحَ أَنَّهُ الِانْقِطَاعُ فَرْعٌ فِيمَا يَتَّضِحُ بِهِ الْخُنْثَى وهو من له آلَتَا الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أو ليس له وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا بَلْ له ثُقْبَةٌ يَبُولُ منها وَالثَّانِي لَا دَلَالَةَ لِلْبَوْلِ فيه بَلْ يُوقَفُ أَمْرُهُ حتى يَصِيرَ مُكَلَّفًا فَيُخْبِرُ بِمَيْلِهِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَنَقَلَهُ عنه النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ وَأَقَرَّهُ قال الْإِسْنَوِيُّ وَلَا يَنْحَصِرُ ذلك في الْمَيْلِ بَلْ يُعْرَفُ أَيْضًا بِالْحَيْضِ وَالْمَنِيِّ الْمُتَّصِفِ بِصِفَةِ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فذكر الْمُصَنِّفُ اتِّضَاحَهُ بِقَوْلِهِ يَتَّضِحُ الْخُنْثَى بِالْبَوْلِ من فَرْجٍ فَإِنْ بَالَ من فَرْجِ الرِّجَالِ فَرَجُلٌ أو من فَرْجِ النِّسَاءِ فَامْرَأَةٌ أو مِنْهُمَا فَبِالسَّبْقِ لِأَحَدِهِمَا وَإِنْ تَأَخَّرَ انْقِطَاعُ الْآخَرِ ثُمَّ إنْ اتَّفَقَا ابْتِدَاءً اتَّضَحَ بِالتَّأَخُّرِ لَا الْكَثْرَةِ وَتَزْرِيقٌ وَتَرْشِيشٌ فَلَا يَتَّضِحُ بِشَيْءٍ منها فَلَوْ اتَّفَقَا ابْتِدَاءً وَانْقِطَاعًا وزاد أَحَدُهُمَا أو زَرِقَ أو رَشَشَ بِهِ فَلَا اتِّضَاحَ
قال في الْمُهِمَّاتِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ آلَةَ الرِّجَالِ إذَا نَقَضَ منها الْأُنْثَيَانِ كان الْخُنْثَى مُشْكِلًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُسْتَدَلُّ بِنَقْصِهِمَا على الْأُنُوثَةِ وقد صَرَّحَ بِهِ ابْن الْمُسْلِم وَجَعَلَ الضَّابِطَ في ذلك أَنْ يَكُونَ الْعُضْوَانِ تَامَّيْنِ على الْعَادَةِ وَأَقُولُ بَلْ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ هذا إلَّا ذَاكَ إذْ هو الْمُتَبَادَرُ من قَوْلِهِمْ له آلَتَا الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَيَدُلُّ له قَوْلُهُ إذَا نَقَصَ منها الْأُنْثَيَانِ فَجَعَلَهُمَا من جُمْلَةِ آلَةِ الرَّجُلِ وَيَتَّضِحُ أَيْضًا بِحَيْضٍ أو إمْنَاءٍ إنْ لَاقَ بِوَاحِدٍ من الْفَرْجَيْنِ
وسواء خَرَجَ منه أو مِنْهُمَا بِشَرْطِ التَّكَرُّرِ لِيَتَأَكَّدَ الظَّنُّ وَلَا يُتَوَهَّمُ كَوْنُهُ اتِّفَاقِيًّا وَقَوْلُهُ إنْ لَاقَ بِوَاحِدٍ من زِيَادَتِهِ في الْأُولَى وفي نُسْخَةٍ إنْ لَاقَ بِوَاحِدٍ وَتَكَرَّرَ وَخَرَجَ منه أو منها وَبِالْجُمْلَةِ في عِبَارَتِهِ قَلَاقَةٌ وَتَرَكَ ما في الْأَصْلِ من اعْتِبَارِ خُرُوجِ الْحَيْضِ أو الْمَنِيِّ في وَقْتِهِ لِأَنَّهُ إذَا أَخْرَجَ قَبْلَهُ لَا يُسَمَّى حَيْضًا وَلَا مَنِيًّا وَقَوْلُهُ بِشَرْطِ التَّكَرُّرِ أَيْ في جَمِيعِ ما مَرَّ حتى في الْبَوْلِ على الْمُتَّجَهِ في الْمُهِمَّاتِ قال حتى لو بَالَ بِفَرْجِ الرِّجَالِ مَرَّةً ثُمَّ مَاتَ لم يَرِثْ إرْثَ الذُّكُورِ وَإِلَّا بِأَنْ اتَّفَقَا ابْتِدَاءً وَانْقِطَاعًا في الْبَوْلِ أو خَرَجَ الْحَيْضُ أو الْمَنِيُّ من غَيْرِ لَائِقٍ بِهِ كَأَنْ خَرَجَ الْمَنِيُّ من الذَّكَرِ بِصِفَةِ مَنِيِّ النِّسَاءِ أو من الْفَرْجِ بِصِفَةِ مَنِيِّ الرِّجَالِ أو من أَحَدِهِمَا بِصِفَةٍ وَمِنْ الْآخَرِ بِأُخْرَى أو خَرَجَ من لَائِقٍ بِهِ لَكِنْ بِلَا تَكَرُّرٍ فَمُشْكِلٌ وَظَاهِرٌ أَنَّ هذا إنَّمَا يَأْتِي على الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنِيَّ الرِّجَالِ يُخَالِفُ مَنِيَّ النِّسَاءِ في الصِّفَاتِ وَالْأَكْثَرُونَ على خِلَافِهِ كما سَيَأْتِي قال في الْمُهِمَّاتِ وَالْقِيَاسُ فِيمَا إذَا اتَّفَقَا في الْبَوْلِ ابْتِدَاءً وَانْقِطَاعًا اعْتِبَارُ أَكْثَرِ الْمَرَّاتِ في الْخُرُوجِ وَالسَّبْقِ وَالِانْقِطَاعِ حتى لو بَالَ بِفَرْجٍ مَرَّتَيْنِ وَبِالْآخَرِ ثَلَاثًا
____________________
(1/59)
أَخَذْنَا بِذِي الثَّلَاثِ وَكَذَا في السَّبْقِ وَالِانْقِطَاعِ وقد جَزَمَ بِذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وابن الْمُسْلِمِ وَكَذَا إنْ بَالَ أو أَمْنَى بِذَكَرِهِ وَحَاضَ بِفَرْجِهِ أو بَالَ بِأَحَدِهِمَا وَأَمْنَى بِالْآخَرِ فَمُشْكِلٌ وَذَكَرَ الثَّانِيَةَ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَذَكَرَهَا الرَّافِعِيُّ في الْحَجْرِ وَلَا أَثَرَ لِتَقَدُّمِ الْبَوْلِ وَتَكَرُّرِهِ الْمُقْتَضَيَيْنِ لِلِاتِّضَاحِ قبل وُجُودِ الْمُعَارِضِ فَإِنْ قُلْت فيه نَقْضُ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ لِمَا فيه من الْحُكْمِ بِالْإِشْكَالِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِالِاتِّضَاحِ قُلْنَا ليس ذلك من نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ لِأَنَّا لم نَتَعَرَّضْ لِلْأَحْكَامِ الْمَاضِيَةِ وَإِنَّمَا غَيَّرْنَا الْحُكْمَ لِانْتِفَاءِ الْمُرَجِّحِ الْآنَ وَصَارَ كَالْمُجْتَهِدِ إذَا غَلَبَ على ظَنِّهِ دَلِيلٌ أَخَذَ بِهِ ثُمَّ إذَا عَارَضَهُ دَلِيلٌ يَتَوَقَّفُ عن الْأَخْذِ بِهِ في الْمُسْتَقْبَلِ وَلَا يَنْقُضُ ما مَضَى نَبَّهَ على ذلك الْإِسْنَوِيُّ وَلَا أَثَرَ لِلِحْيَةٍ ولا لِنُهُودِ ثَدْيٍ ولا لِتَفَاوُتِ أَضْلَاعٍ وَإِنْ غَلَبَتْ اللِّحْيَةُ وَنُقْصَانُ ضِلْعٍ من الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ لِلذَّكَرِ وَالنُّهُودِ وَتَسَاوِي الْأَضْلَاعِ لِلْأُنْثَى وَعَدَّ الْأَصْلُ خُرُوجَ الْوَلَدِ عَلَامَةً مُفِيدَةً لِلْقَطْعِ بِالْأُنُوثَةِ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ اكْتِفَاءً بِالْمَنِيِّ أو بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ بِقَوْلِ الْآتِي إلَّا إنْ حَبِلَ وَإِنْ عُدِمَ الدَّالُّ السَّابِقُ اُخْتُبِرَ وفي نُسْخَةٍ أُخْبِرَ وفي أُخْرَى سُئِلَ بَعْدَ بُلُوغٍ وَعَقْلٍ فَإِنْ مَالَ بِإِخْبَارِهِ إلَى النِّسَاءِ فَرَجُلٌ أو إلَى الرِّجَالِ فَامْرَأَةٌ فَلَا يَكْفِي إخْبَارُهُ قبل بُلُوغِهِ وَعَقْلِهِ كَسَائِرِ الْأَخْبَارِ وَلَا بَعْدَهُمَا مع وُجُودِ شَيْءٍ من الْعَلَامَاتِ السَّابِقَةِ لِأَنَّهَا مَحْسُوسَةٌ مَعْلُومَةُ الْوُجُودِ وَقِيَامُ الْمَيْلِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فإنه رُبَّمَا يَكْذِبُ في إخْبَارِهِ وَيَحْرُمُ عليه بَعْدَهُمَا أَنْ يَكْتُمَ ما عَلِمَ من نَفْسِهِ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ حَالًا فَإِنْ أَخَّرَهُ أَثِمَ وَفَسَقَ نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ وَأَقَرَّهُ قال في الْمُهِمَّاتِ وَقَضِيَّةُ التَّعْبِيرِ بِالْإِخْبَارِ الِاكْتِفَاءُ بِذِكْرِهِ لِوَاحِدٍ وهو بَعِيدٌ وَالْقِيَاسُ اعْتِبَارُ شَاهِدَيْنِ أو ما يَقُومُ مَقَامَهُمَا كَإِخْبَارِ الْحَاكِمِ كما في بُلُوغِهِ وأصلامه وَغَيْرِهِمَا ويحرم عليه أَنْ يُخْبِرَ بِلَا مَيْلٍ فَلَا يُخْبِرُ بِالتَّشَهِّي فَإِنْ قال لَا أَمِيلُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا أو أَمِيلُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فَمُشْكِلٌ وَلَوْ حَكَمَ بِذُكُورَتِهِ أو أُنُوثَتِهِ بِقَوْلِهِ لم يَنْقُضْ بِرُجُوعِهِ عنه لِاعْتِرَافِهِ بِمُوجِبِهِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَمَحِلُّهُ فِيمَا عليه أَمَّا فِيمَا له فَيُقْبَلُ رُجُوعُهُ عنه قَطْعًا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالنَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ وَلَا بِظُهُورِ عَلَامَةٍ إلَّا إنْ حَبِلَ فَيُنْقَضُ بِهِ الْحُكْمُ السَّابِقُ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا خِلَافَ ما ظَنَنَّاهُ حتى لو أَخْبَرَ بِمَيْلِهِ إلَى النِّسَاءِ وَتَزَوَّجَ وَأَتَتْ امْرَأَتُهُ بِوَلَدٍ ثُمَّ حَبِلَ حُكِمَ بِأَنَّهُ امْرَأَةٌ وَبِأَنَّ حَبَلَ امْرَأَتِهِ كان من غَيْرِهِ وَأَنَّهُ لَا نِكَاحَ وَعَلِمَ من اسْتِثْنَائِهِ حَبَلَهُ فَقَطْ أَنَّهُ لو أَخْبَرَ بِمَيْلِهِ إلَى الرِّجَالِ ثُمَّ جَامَعَ فَأَتَتْ مَوْطُوءَتُهُ بِوَلَدٍ لَا يُحْكَمُ بِذُكُورَتِهِ وهو كَذَلِكَ لِأَنَّ الْحِسَّ لَا يُكَذِّبُهُ وَيَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ منه احْتِيَاطًا حَكَى ذلك ابن يُونُسَ عن جَدِّهِ ثُمَّ قال وهو في غَايَةِ الْحُسْنِ وَالدِّقَّةِ انْتَهَى
لَكِنَّ ما تَقَرَّرَ من أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ قَوْلُهُ بِظُهُورِ عَلَامَةٍ غَيْرِ الْحَبَلِ إنَّمَا هو أَحَدُ احْتِمَالَيْنِ لِلرَّافِعِيِّ وَصَوَّبَهُ في الرَّوْضَةِ وقال فيها كَالْمَجْمُوعِ إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَتَعَقَّبَهُمَا في الْمُهِمَّاتِ فقال وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمَا أَنَّهُمَا لم يَظْفَرَا فيها بِنَقْلٍ وهو غَرِيبٌ فَقَدْ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ بِالْعَمَلِ بِالْعَلَامَةِ وفي الرَّافِعِيِّ في خِيَارِ النِّكَاحِ ما يَقْتَضِيهِ وهو الصَّوَابُ الْجَارِي على الْقَوَاعِدِ وَيُحْكَمُ بِمِيلِهِ فِيمَا له وَعَلَيْهِ وَلَا يُرَدُّ قَوْلُهُ لِتُهْمَةٍ كما لو أَخْبَرَ صَبِيٌّ بِبُلُوغِهِ لِلْإِمْكَانِ فَصْلٌ يَحْرُمُ بِالْحَدَثِ صَلَاةٌ وَلَوْ نَافِلَةً وَصَلَاةُ جِنَازَةٍ وَطَوَافٌ وهو هُنَا الْمَنْعُ الْمُتَرَتِّبُ على نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ صَلَاةٌ وَلَوْ نَافِلَةً وَصَلَاةُ جِنَازَةٍ إجْمَاعًا وَلِآيَةِ إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ أَيْ قُمْتُمْ مُحْدِثِينَ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حتى يَتَوَضَّأَ وَالْقَبُولُ يُقَالُ لِحُصُولِ الثَّوَابِ وَلِوُقُوعِ الْفِعْلِ صَحِيحًا وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي بِقَرِينَةِ الْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ الذي يَلْزَمُ من نَفْيِهِ نَفْيَ الصِّحَّةِ فَالْمَعْنَى لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ إلَّا بِوُضُوءٍ وفي مَعْنَاهَا خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ وَطَوَافٌ وَلَوْ نَفْلًا لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَوَضَّأَ له وقال لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِخَبَرِ الطَّوَافِ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ اللَّهَ قد أَحَلَّ فيه الْمَنْطِقَ فَمَنْ نَطَقَ فَلَا يَنْطِقْ إلَّا بِخَيْرٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ على شَرْطِ مُسْلِمٍ وَسُجُودٌ لِتِلَاوَةِ أو شُكْرٍ لِأَنَّهُ في مَعْنَى الصَّلَاةِ
أَمَّا سُجُودُ عَوَامِّ الْفُقَرَاءِ بين يَدَيْ الْمَشَايِخِ فَحَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ بِالطُّهْرِ قال ابن الصَّلَاحِ وَيُخْشَى أَنْ يَكُونَ كُفْرًا وقَوْله تَعَالَى وَخَرُّوا له سُجَّدًا مَنْسُوخٌ أو مُؤَوَّلٌ وَمَسُّ مُصْحَفٍ بِتَثْلِيثِ مِيمِهِ لَكِنَّ الْفَتْحَ غَرِيبٌ وَلَوْ كان بِغَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ بِمَعْنَى الْمُتَطَهِّرِينَ وهو خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ وَلَوْ كان بَاقِيًا على أَصْلِهِ لَزِمَ الْخُلْفُ في كَلَامِهِ تَعَالَى لِأَنَّ غير الْمُتَطَهِّرِ يَمَسُّهُ وَرَوَى ابن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ خَبَرَ
____________________
(1/60)
لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ فَإِنْ قُلْت لَا يَمَسَّهُ في الْآيَةِ نَهْيٌ لَا خَبَرٌ بِمَعْنَاهُ قُلْت يَلْزَمُ عليه وُقُوعُ الطَّلَبِ صِفَةً وهو مُمْتَنِعٌ ومس وَرَقِهِ حتى حَوَاشِيهِ وما بين سُطُورِهِ لِأَنَّ اسْمَ الْمُصْحَفِ يَقَعُ على الْجَمِيعِ وُقُوعًا وَاحِدًا ومس جِلْدِهِ الْمُتَّصِلِ بِهِ لِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ منه وَلِهَذَا يَتْبَعُهُ في الْبَيْعِ فَإِنْ انْفَصَلَ عنه فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْبَيَانِ حِلُّ مَسِّهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حُرْمَةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِ بِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ أَفْحَشُ لَكِنْ نَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عن الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ يَحْرُمُ مَسُّهُ أَيْضًا ولم يُنْقَلْ ما يُخَالِفُهُ وقال ابن الْعِمَادِ إنَّهُ الْأَصَحُّ إبْقَاءً لِحُرْمَتِهِ قبل انْفِصَالِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحِلَّهُ إذَا لم تَنْقَطِعْ نِسْبَتُهُ عن الْمُصْحَفِ فَإِنْ انْقَطَعَتْ كَأَنْ جُعِلَ جِلْدَ كِتَابٍ لم يَحْرُمْ مَسُّهُ قَطْعًا ومس ظَرْفٍ فيه الْمُصْحَفُ كَصُنْدُوقٍ وَخَرِيطَةٍ وَعِلَاقَةٍ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مُتَّخَذٌ وَمُعَدٌّ له كَالْجِلْدِ وَإِنْ لم يَتْبَعْهُ في بَيْعِهِ وَقَوْلُهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ لَكِنَّهُ أَسْقَطَ قَيْدَ كَوْنِهِ فيه وَلَوْ مَسَّ من وَرَاءِ ثَوْبِهِ أو ثَوْبِ غَيْرِهِ أو فَقَدَ الْمَاسُّ الطَّهُورَيْنِ فإنه يَحْرُمُ ذلك لِمَا مَرَّ كَحَمْلِهِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ من مَسِّهِ لَا حَمْلِهِ في أَمْتِعَةٍ إذَا لم يَكُنْ مَقْصُودًا بِالْحَمْلِ لِعَدَمِ الْإِخْلَالِ بِتَعْظِيمِهِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ ما إذَا كان مَقْصُودًا بِالْحَمْلِ وَلَوْ مع الْأَمْتِعَةِ وَفَارَقَتْ الظَّرْفَ في الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْمُصْحَفِ بِخِلَافِهَا وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمَتَاعَ الْوَاحِدَ كَالْأَمْتِعَةِ وَبِهِ عَبَّرَ في الرَّوْضَةِ وَلَا يَحْرُمُ كَتْبُهُ أَيْ الْقُرْآنَ بِلَا مَسٍّ وحمل لَا قَلْبِ وَرَقِهِ بِعُودِ لِأَنَّهُ ليس بِحَمْلٍ وَلَا مَسٍّ وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ تَحْرِيمَهُ قال لِأَنَّهُ حَمْلُ بَعْضِ الْمُصْحَفِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَحْسَنُ ما قَالَهُ ابن الْأُسْتَاذِ أَنَّهُ إنْ كانت الْوَرَقَةُ قَائِمَةً فَمَيَّلَهَا بِالْعُودِ أو وَضَعَ طَرَفَهُ عليها لم يَحْرُمْ وَإِلَّا حَرُمَ لِأَنَّهُ حَامِلٌ وَيَنْزِلُ الْكَلَامَانِ على هذا وَكَذَا فَعَلَ شَيْخُنَا أبو عبد اللَّهِ الْحِجَازِيُّ في مُخْتَصَرِ الرَّوْضَةِ وَفِيهِ إحَالَةٌ لِلْخِلَافِيَّةِ لِعَدَمِ التَّوَارُدِ على مَحِلٍّ وَاحِدٍ وَيَجُوزُ مَسُّ وَحَمْلُ تَوْرَاةٍ وَإِنْجِيلٍ وما نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ وَإِنْ لم يُنْسَخْ حُكْمُهُ لِزَوَالِ حُرْمَتِهَا بِالنَّسْخِ بَلْ وَبِالتَّبْدِيلِ في الْأَوَّلَيْنِ بِخِلَافِ ما نُسِخَ حُكْمُهُ فَقَطْ قال الْمُتَوَلِّي فَإِنْ ظَنَّ أَنَّ في التَّوْرَاةِ وَنَحْوِهَا غير مُبَدَّلٍ كُرِهَ مَسُّهُ ويجوز مَسُّ وَحَمْلُ ما كُتِبَ من الْقُرْآنِ لِغَيْرِ دِرَاسَةٍ كَالتَّمَائِمِ جَمْعِ تَمِيمَةٍ أَيْ عَوْذَةٍ وَهِيَ ما يُعَلَّقُ على الصَّغِيرِ وما كُتِبَ منه على الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالثِّيَابِ لِمَا في الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كَتَبَ كِتَابًا إلَى هِرَقْلَ وَفِيهِ يا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْآيَةَ ولم يَأْمُرْ حَامِلَهَا بِالْمُحَافَظَةِ على الطَّهَارَةِ وَلِأَنَّ هذه الْأَشْيَاءَ لَا تُقْصَدُ بِإِثْبَاتِ الْقُرْآنِ فيها قِرَاءَتُهُ فَلَا يَجْرِي عليها أَحْكَامُ الْقُرْآنِ وَالتَّمْثِيلُ بِالتَّمَائِمِ من زِيَادَتِهِ قال ابن الصَّلَاحِ في فَتْوَى كِتَابِهِ الْحُرُوزِ مَكْرُوهَةٌ وَالْمُخْتَارُ تَرْكُ تَعْلِيقِهَا وقال في أُخْرَى الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَعْلِيقُهَا إذَا جُعِلَ عليها شَمْعٌ أو نَحْوُهُ ويجوز مَسُّ وَحَمْلُ كُتُبِ التَّفْسِيرِ لِمَا مَرَّ وَلَيْسَ هو في مَعْنَى الْمُصْحَفِ لَا كُتُبُ تَفْسِيرٍ وَالْقُرْآنُ أَكْثَرُ منه لِأَنَّهُ في مَعْنَى الْمُصْحَفِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ الْجَوَازُ فِيمَا إذَا اسْتَوَيَا وهو قِيَاسُ اسْتِوَاءِ الْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ قَوْلَ التَّحْقِيقِ وَالْأَصَحَّ حِلُّ حَمْلِهِ في تَفْسِيرٍ هو أَكْثَرُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ فيه وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْتِوَاءِ الْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ لَائِحٌ وإذا لم يَحْرُمْ مَسُّ التَّفْسِيرِ وَلَا حَمْلُهُ كُرِهَا ويجوز مَسُّ وَحَمْلُ كُتُبِ الحديث وَالْفِقْهِ وَالْأُصُولِ وَغَيْرِهَا لِمَا مَرَّ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ كُتُبَ التَّفْسِيرِ وَكُتُبَ الحديث مَعْطُوفَانِ على تَوْرَاةٍ وَيَجُوزُ عَطْفُهُمَا على التَّمَائِمِ وَيُسْتَحَبُّ التَّطَهُّرُ له أَيْ لِكُلِّ من مَسَّ وَحَمَلَ كُتُبَ الحديث
____________________
(1/61)
وَيَحْرُمُ مَسُّ وَحَمْلُ ما كُتِبَ بِلَوْحٍ أَيْ فيه لِدِرَاسَةٍ على بَالِغٍ كَالْمُصْحَفِ وَلَا يُمْنَعُ صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ من مَسَّ وَحَمْلِ مُصْحَفٍ أو لَوْحٍ يَتَعَلَّمُ منه لِحَاجَةِ تَعَلُّمِهِ وَمَشَقَّةِ اسْتِمْرَارِهِ مُتَطَهِّرًا وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَحِلَّ ذلك في الْحَمْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِالدِّرَاسَةِ فَإِنْ لم يَكُنْ لِغَرَضٍ أو كان الْغَرَضُ آخَرَ مُنِعَ منه جَزْمًا قَالَهُ في الْمُهِمَّاتِ قال ابن الْعِمَادِ وَقَضِيَّةُ هذا أَنَّ الصَّبِيَّ لو مَسَّهُ لِلتَّبَرُّكِ بِهِ حَرُمَ وهو بَاطِلٌ بَلْ إذَا أَبَحْنَا مَسَّهُ له فَلَا فَرْقَ بين حَمْلِهِ لِلدِّرَاسَةِ وَلِلتَّبَرُّكِ وَلِنَقْلِهِ إلَى مَكَان آخَرَ قال وَهَذَا ما يَقْتَضِيهِ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ أَمَّا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فَلَا يُمَكَّنُ منه لِئَلَّا يَنْتَهِكَهُ وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُمَيِّزِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِلْعِلْمِ بِهِ من قَوْلِهِ يَتَعَلَّمُ منه وَصَرَّحَ النَّوَوِيُّ في فَتَاوِيهِ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ في عَدَمِ مَنْعِ الْمُمَيِّزِ بين الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ وَجَزَمَ بِهِ ابن السُّبْكِيّ في مُعِيدِ النِّعَمِ ولم يَطَّلِعْ عليه الْإِسْنَوِيُّ فقال ولم أَجِدْ تَصْرِيحًا بِتَمْكِينِهِ من ذلك حَالَ جَنَابَتِهِ وَالْقِيَاسُ الْمَنْعُ لِأَنَّهَا نَادِرَةٌ وَحُكْمُهَا أَغْلَطُ وما قَالَهُ حَسَنٌ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يُمْنَعُ صَبِيٌّ أَيْ لَا يَجِبُ مَنْعُهُ لِيُوَافِقَ قَوْلَ الْأَصْلِ وَلَا يَجِبُ على الْوَلِيِّ وَالْمُعَلِّمِ مَنْعُ الصَّبِيِّ إلَى آخِرِهِ فَيُفِيدُ جَوَازَ مَنْعِهِ وهو ظَاهِرٌ بَلْ يُنْدَبُ مَنْعُهُ وَيُكْرَهُ كَتْبُهُ أَيْ الْقُرْآنِ على حَائِطٍ وَلَوْ لِمَسْجِدٍ وَعِمَامَةٍ لو قال وَثِيَابٌ كما في الرَّوْضَةِ كان أَوْلَى وَطَعَامٌ وَنَحْوُهَا وَمَسْأَلَةُ الطَّعَامِ من زِيَادَتِهِ ويكره إحْرَاقُ خَشَبٍ نُقِشَ بِهِ أَيْ بِالْقُرْآنِ نعم إنْ قُصِدَ بِهِ صِيَانَةُ الْقُرْآنِ فَلَا كَرَاهَةَ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ تَحْرِيقُ عُثْمَانَ رضي اللَّهُ عنه الْمَصَاحِفَ
وقد قال ابن عبد السَّلَامِ من وَجَدَ وَرَقَةً فيها الْبَسْمَلَةُ وَنَحْوُهَا لَا يَجْعَلْهَا في شِقٍّ وَلَا غَيْرِهِ لِأَنَّهَا قد تَسْقُطُ فَتُوطَأُ وَطَرِيقُهُ أَنْ يَغْسِلَهَا بِالْمَاءِ أو يَحْرِقَهَا بِالنَّارِ صِيَانَةً لِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عن تَعَرُّضِهِ لِلِامْتِهَانِ وَيَجُوزُ هَدْمُهُ أَيْ الْحَائِطِ وَلُبْسُهَا أَيْ الْعِمَامَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِهِ من زِيَادَتِهِ وَأَكْلُهُ أَيْ الطَّعَامِ وَلَا تَضُرُّ مُلَاقَاتُهُ ما في الْمَعِدَةِ بِخِلَافِ ابْتِلَاعِ قِرْطَاسٍ عليه اسْمُ اللَّهِ فإنه يَحْرُمُ كما جَزَمَ بِهِ في الْأَنْوَارِ قال في الْمَجْمُوعِ وَلَا يُكْرَهُ كَتْبُ شَيْءٍ من الْقُرْآنِ في إنَاءٍ لِيُسْقَى مَاؤُهُ لِلشِّفَاءِ فِيمَا يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ انْتَهَى
وَوَقَعَ في فَتَاوَى ابْنِ عبد السَّلَامِ تَحْرِيمُهُ لِمَا يُلَاقِي من النَّجَاسَةِ التي في الْمَعِدَةِ وَأَمَّا أَكْلُ الطَّعَامِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فيه كَشُرْبِ ما ذَكَرَ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْمَكْتُوبَ في الشُّرْبِ يُمْحَى قبل وَضْعِهِ في الْفَمِ بِخِلَافِهِ في الطَّعَامِ وَحَرُمَ كَتْبُهُ أَيْ الْقُرْآنِ بِنَجِسٍ وَعَلَى نَجِسٍ وكذا مَسُّهُ بِهِ لَا بِطَاهِرٍ من بَدَنٍ تَنَجَّسَ فَلَوْ كان على بَعْضِ بَدَنِ الْمُتَطَهِّرِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عنها فَمَسَّ الْمُصْحَفَ بِمَوْضِعِهَا حَرُمَ أو بِغَيْرِهِ فَلَا قال الْمُتَوَلِّي لَكِنْ يُكْرَهُ قال في الْمَجْمُوعِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالتَّقْيِيدُ بِغَيْرِ الْمَعْفُوِّ عنها ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ فَإِنْ خِيفَ على مُصْحَفٍ تَنَجُّسٌ أو كَافِرٌ أو تَلَفٌ بِحَرْقٍ أو غَرَقٍ أو نَحْوِهِمَا أو ضَيَاعٌ ولم يَتَمَكَّنْ من تَطَهُّرٍ حَمَلَهُ مع الْحَدَثِ جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ بَلْ وُجُوبًا في غَيْرِ الْأَخِيرَةِ صِيَانَةً له كما قَالَهُ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ وَغَيْرِهِ قال وَاتَّفَقُوا على أَنْ يَحْرُمَ السَّفَرُ بِهِ إلَى أَرْضِ الْكُفَّارِ إذَا خِيفَ وُقُوعُهُ في أَيْدِيهِمْ وَيَجُوزُ كَتْبُ آيَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا إلَيْهِمْ في أَثْنَاءِ كِتَابٍ أَيْ لِمَا مَرَّ وَيُمْنَعُ الْكَافِرُ من مَسِّهِ لِإِسْمَاعِهِ وَإِنْ كان مُعَانِدًا لم يَجُزْ تَعْلِيمُهُ وَيُمْنَعُ تَعَلُّمَهُ في الْأَصَحِّ وَغَيْرُ الْمُعَانِدِ إنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ جَازَ تَعْلِيمُهُ في الْأَصَحِّ وَإِلَّا فَلَا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ من زِيَادَتِهِ أو ضَيَاعٌ أَخَذَهُ من الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ كَالرَّوْضَةِ ولم يَتَمَكَّنْ من تَطَهُّرٍ شَامِلٌ لِلتَّطَهُّرِ بِالتُّرَابِ عِنْدَ عَجْزِهِ عن الْمَاءِ وهو ما أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ وَبَحَثَهُ في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ في التِّبْيَانِ بَعْدَ نَقْلِهِ عن الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّيَمُّمُ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَكُرِهَ دَرْسُهُ أَيْ الْقُرْآنِ أَيْ قِرَاءَتُهُ بِفَمٍ نَجِسٍ احْتِرَامًا له وَجَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ قِرَاءَتُهُ بِحَمَّامٍ وَبِطَرِيقٍ إنْ لم يَلْتَهِ عنها وَإِلَّا كُرِهَتْ وَحَرُمَ تَوَسُّدُ مُصْحَفٍ وَإِنْ خَافَ سَرِقَتَهُ وَكَذَا عِلْمٍ أَيْ تَوَسَّدَ كِتَابَ عِلْمٍ إلَّا لِخَوْفٍ من سَرِقَتِهِ أو نَحْوِهَا وما ذَكَرَهُ في تَوَسُّدِ الْمُصْحَفِ حَالَةَ الْخَوْفِ هو ما صَوَّبَهُ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ على قَوْلِ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ كما في تَوَسُّدِ الْعِلْمِ حِينَئِذٍ وَيَنْبَغِي جَوْزُ تَوَسُّدِهِ بَلْ وُجُوبُهُ إذَا خَافَ عليه من تَلَفٍ أو تَنَجُّسٍ أو كَافِرٍ وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ الْعِلْمُ الْمُحْتَرَمُ وَيُسْتَحَبُّ كَتْبُهُ وَإِيضَاحُهُ إكْرَامًا له وَنَقْطُهُ وَشَكْلُهُ صِيَانَةً له من اللَّحْنِ وَالتَّحْرِيفِ وَقِرَاءَتُهُ نَظَرًا في الْمُصْحَفِ أَفْضَلُ منها عن ظَهْرِ الْقَلْبِ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ الْقِرَاءَةَ وَالنَّظَرَ في الْمُصْحَفِ وهو عِبَادَةٌ أُخْرَى نعم إنْ زَادَ خُشُوعُهُ وَحُضُورُ قَلْبِهِ في الْقِرَاءَةِ عن ظَهْرِ قَلْبٍ فَهِيَ أَفْضَلُ في حَقِّهِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ وَغَيْرِهِ تَفَقُّهًا وهو حَسَنٌ وَهِيَ أَيْ الْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ من ذِكْرٍ لم يُخَصَّ بِمَحِلٍّ أَمَّا ذِكْرُ خُصَّ بِمَحِلٍّ بِأَنْ وَرَدَ الشَّرْعُ
____________________
(1/62)
بِهِ فيه فَهُوَ أَفْضَلُ منها لِتَنْصِيصِ الشَّارِعِ عليه وَنُدِبَ تَعَوُّذٌ لها أَيْ لِلْقِرَاءَةِ جَهْرًا لِآيَةِ فإذا قَرَأْت الْقُرْآنَ أَيْ أَرَدْت قِرَاءَتَهُ فَقُلْ أَعُوذُ بِاَللَّهِ من الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وكان جَمَاعَةٌ من السَّلَفِ يَقُولُونَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ من الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ قال النَّوَوِيُّ وَلَا بَأْسَ بِهِ لَكِنَّ الِاخْتِيَارَ الْأَوَّلُ
قال وَيَحْصُلُ بِكُلِّ ما اشْتَمَلَ على تَعَوُّذٍ بِاَللَّهِ من الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِالتَّعَوُّذِ وَإِنْ أَسَرَّ بِالْقِرَاءَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هو على سُنَنِهَا إنْ جَهْرًا فَجَهْرٌ وَإِنْ سِرًّا فَسِرٌّ إلَّا في الصَّلَاةِ فَيُسِرُّ بِهِ مُطْلَقًا على الْأَصَحِّ وندب إعَادَتُهُ لِفَصْلٍ طَوِيلٍ كَالْفَصْلِ بين الرَّكَعَاتِ لَا يَسِيرٍ كَالْفَصْلِ بِنَحْوِ سُجُودِ تِلَاوَةٍ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ في ذلك وَيَكْفِيهِ تَعَوُّذٌ وَاحِدٌ ما لم يَقْطَعْ قِرَاءَتَهُ بِكَلَامٍ أو سُكُوتٍ طَوِيلٍ فَإِنْ قَطَعَهَا بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْتَأْنَفَ التَّعَوُّذَ وَلَوْ سَجَدَ لِتِلَاوَةٍ ثُمَّ عَادَ لم يَتَعَوَّذْ لِأَنَّهُ ليس بِفَصْلٍ أو فَصْلٍ يَسِيرٍ وَمَعَ ذلك قال لو مَرَّ الْقَارِئُ على قَوْمٍ سَلَّمَ عليهم وَعَادَ إلَى الْقِرَاءَةِ فَإِنْ أَعَادَ التَّعَوُّذَ كان حَسَنًا وندب أَنْ يَجْلِسَ لِلْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّوْقِيرِ وأن يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ وأن يَقْرَأَ بِتَدَبُّرٍ وَتَخَشُّعٍ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ وَبِهِ تَنْشَرِحُ الصُّدُورُ وَتَسْتَنِيرُ الْقُلُوبُ قال تَعَالَى كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إلَيْك مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وقال أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَالْأَخْبَارُ فيه كَثِيرَةٌ وَنُدِبَ تَحْسِينُ صَوْتٍ بِالْقُرْآنِ وَرَفْعُهُ بِهِ لِخَبَرِ ما أَذِنَ اللَّهُ لِنَبِيٍّ ما أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَمَعْنَى أَذِنَ اسْتَمَعَ وهو إشَارَةٌ إلَى الرِّضَا وَالْقَبُولِ وَلِخَبَرِ زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ وَخَبَرِ من لم يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ فَلَيْسَ مِنَّا رَوَاهُمَا أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَمَحِلُّ أَفْضَلِيَّةِ رَفْعِ الصَّوْتِ إذَا لم يَخَفْ رِيَاءً ولم يَتَأَذَّ بِهِ أَحَدٌ وَإِلَّا فَالْإِسْرَارُ أَفْضَلُ وَهَذَا جَمْعٌ بين الْأَخْبَارِ الْمُقْتَضِيَةِ لِأَفْضَلِيَّةِ الرَّفْعِ وَالْأَخْبَارِ الْمُقْتَضِيَةِ لِأَفْضَلِيَّةِ الْإِسْرَارِ نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْعُلَمَاءِ قال فيه وَاسْتَحَبَّ الْعُلَمَاءُ افْتِتَاحَ مَجْلِسِ حديث رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِقِرَاءَةِ قَارِئٍ حَسَنِ الصَّوْتِ ما تَيَسَّرَ من الْقُرْآنِ وَنُدِبَ تَرْتِيلٌ له قال تَعَالَى وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا وَلِأَنَّ قِرَاءَتَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كانت مُرَتَّلَةً وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّوْقِيرِ وَأَشَدُّ تَأْثِيرًا في الْقَلْبِ وَلِهَذَا يُنْدَبُ التَّرْتِيلُ لِلْأَعْجَمِيِّ الذي لَا يَفْهَمُ مَعْنَاهُ وندب إصْغَاءٌ إلَيْهِ لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عن ابْنِ مَسْعُودٍ قال قال لي النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ فَقُلْت يا رَسُولَ اللَّهِ أَقْرَأُ عَلَيْك وَعَلَيْك أُنْزِلَ قال إنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ من غَيْرِي فَقَرَأْت عليه سُورَةَ النِّسَاءِ حتى جِئْت إلَى هذه الْآيَةِ فَكَيْفَ إذَا جِئْنَا من كل أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِك على هَؤُلَاءِ شَهِيدًا قال حَسْبُك الْآنَ فَالْتَفَتُّ إلَيْهِ فإذا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ وندب بُكَاءٌ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ وهو من صِفَةِ الْعَارِفِينَ قال تَعَالَى وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا وَلِأَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ منها خَبَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ السَّابِقُ وَطَرِيقُهُ في تَحْصِيلِهِ أَنْ يَتَأَمَّلَ ما يَقْرَأُ من التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ وَالْمَوَاثِيقِ وَالْعُهُودِ ثُمَّ يُفَكِّرَ في تَقْصِيرِهِ فيها فَإِنْ لم يَحْضُرْهُ حُزْنٌ وَبُكَاءٌ فَلْيَبْكِ على فَقْدِ ذلك فإنه من الْمَصَائِبِ قال في الْأَذْكَارِ وَيُنْدَبُ التَّبَاكِي لِمَنْ لم يَقْدِرْ على الْبُكَاءِ وَحَرُمَ أَنْ يَقْرَأَ في الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا بِالشَّوَاذِّ وَهِيَ ما نُقِلَ آحَادًا قُرْآنًا كَأَيْمَانِهِمَا في قِرَاءَةٍ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا لِأَنَّ الْأَصَحَّ أنها لَيْسَتْ قُرْآنًا لِأَنَّ الْقُرْآنَ لِإِعْجَازِهِ الناس عن الْإِتْيَانِ بِمِثْلِ أَقْصَرِ سُورَةٍ تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي على نَقْلِهِ تَوَاتُرًا وَالشَّاذُّ عِنْدَ جَمَاعَةٍ منهم النَّوَوِيُّ ما وَرَاءَ السَّبْعَةِ أبي عَمْرٍو وَنَافِعٍ وَابْنِ كَثِيرٍ وَعَامِرٍ وَعَاصِمٍ وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيُّ وَعِنْدَ آخَرِينَ منهم الْبَغَوِيّ ما وَرَاءَ الْعَشَرَةِ السَّبْعَةِ السَّابِقَةِ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبَ وَخَلَفٍ قال في الْمَجْمُوعِ وإذا قَرَأَ بِقِرَاءَةٍ من السَّبْعِ اسْتَحَبَّ أَنْ يُتِمَّ الْقِرَاءَةَ بها فَلَوْ قَرَأَ بَعْضَ الْآيَاتِ بها وَبَعْضَهَا بِغَيْرِهَا من السَّبْعِ جَازَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ ما قَرَأَهُ بِالثَّانِيَةِ مُرْتَبِطًا بِالْأَوَّلِ وحرم أَنْ يَقْرَأَ بِعَكْسِ الْآيِ لِأَنَّهُ يُذْهِبُ إعْجَازَهُ وَيُزِيلُ حِكْمَةَ التَّرْتِيبِ وَكُرِهَ الْعَكْسُ في السُّوَرِ لِفَوَاتِ التَّرْتِيبِ إلَّا في تَعْلِيمٍ فَلَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ يَقَعُ مُتَفَرِّقًا وَلِأَنَّهُ أَسْهَلُ لِلتَّعْلِيمِ وَنُدِبَ خَتْمُهُ أَيْ الْقُرْآنِ أَوَّلَ نَهَارٍ أو
____________________
(1/63)
أَوَّلُ لَيْلٍ رُوِيَ عن عَمْرِو بن مُرَّةَ التَّابِعِيِّ قال كَانُوا يُحِبُّونَ أَنْ يُخْتَمَ الْقُرْآنُ من أَوَّلِ اللَّيْلِ أو من أَوَّلِ النَّهَارِ قال النَّوَوِيُّ وَخَتْمُهُ أَوَّلَ النَّهَارِ أَفْضَلُ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَإِنْ خَتَمَ وَحْدَهُ فَالْخَتْمُ في الصَّلَاةِ أَفْضَلُ وَنُدِبَ صِيَامٌ يوم الْخَتْمِ إلَّا أَنْ يُصَادِفَ يَوْمًا نهى الشَّرْعُ عن صِيَامِهِ وندب الدُّعَاءُ بَعْدَهُ وَحُضُورُهُ لِآثَارٍ وَرَدَتْ فِيهِمَا وفي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ الْحُيَّضَ بِالْخُرُوجِ يوم الْعِيدِ فَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ وندب الشُّرُوعُ بَعْدَهُ في خَتْمَةٍ أُخْرَى لِمَا رُوِيَ عن أَنَسٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال خَيْرُ الْأَعْمَالِ الْحِلُّ وَالرِّحْلَةُ قِيلَ وما هُمَا قال افْتِتَاحُ الْقُرْآنِ وَخَتْمُهُ وَعَنْ ابْنِ كَثِيرٍ أَنَّهُ كان إذَا انْتَهَى في آخِرِ الْخَتْمَةِ إلَى سُورَةِ الناس قَرَأَ بِالْفَاتِحَةِ وَإِلَى الْمُفْلِحُونَ من أَوَّلِ الْبَقَرَةِ وندب كَثْرَةُ تِلَاوَتِهِ قال تَعَالَى إنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ الْآيَةَ وَالْأَخْبَارُ في ذلك كَثِيرَةٌ
وَنِسْيَانُهُ كَبِيرَةٌ وَكَذَا نِسْيَانُ شَيْءٍ منه لِخَبَرِ عُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فلم أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ من سُورَةٍ من الْقُرْآنِ أو آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا وَخَبَرُ من قَرَأَ الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ لَقِيَ اللَّهَ عز وجل يوم الْقِيَامَةِ أَجْذَمَ رَوَاهُمَا أبو دَاوُد وَلْيَقُلْ نَدْبًا أُنْسِيت كَذَا أو أَسْقَطَتْهُ لَا نَسِيته لِخَبَرِ لَا يَقُلْ أحدكم نَسِيت آيَةَ كَذَا وَكَذَا بَلْ هو نُسِّيَ وَخَبَرِ بِئْسَمَا لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيت آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ هو نُسِّيَ وَخَبَرِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سمع رَجُلًا يَقْرَأُ فقال رَحِمَهُ اللَّهُ لقد ذَكَّرَنِي آيَةً كُنْت أُسْقِطْتُهَا وفي رِوَايَةٍ كُنْت أُنْسِيتهَا رَوَاهَا كُلَّهَا الشَّيْخَانِ وَحَرُمَ تَفْسِيرُهُ بِلَا عِلْمٍ أَيْ الْكَلَامُ في مَعَانِيه لِمَنْ ليس من أَهْلِهِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وَالْإِجْمَاعِ فَكُلُّ من ليس من أَهْلِهِ لِكَوْنِهِ غير جَامِعٍ لِأَدَوَاتِهِ يَحْرُمُ عليه تَفْسِيرُهُ لَكِنْ له أَنْ يَنْقُلَهُ عن الْمُعْتَمَدِينَ من أَهْلِهِ قال في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ سُورَةُ الْبَقَرَةِ أو الْعَنْكَبُوتِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وَيُحَافِظَ على قِرَاءَةِ يس وَالْوَاقِعَةِ وَتَبَارَكَ الْمُلْكِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ كُلَّ وَقْتٍ وَكُلَّ لَيْلَةٍ إذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ وَالْآيَتَيْنِ من آخِرِ الْبَقَرَةِ آمَنَ الرَّسُولُ إلَى آخِرِهَا كُلَّ لَيْلَةٍ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَكُرِهَ دَرْسُهُ إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ مع أَنَّ بَعْضَهُ مَذْكُورٌ في الرَّوْضَةِ في بَابِ الشَّهَادَاتِ وَغَيْرِهَا بَلْ هو نَفْسُهُ أَعَادَ بَعْضَهُ ثَمَّ بَابُ الْغُسْلِ
هو بِفَتْحِ الْغَيْنِ مَصْدَرُ غَسَلَ الشَّيْءَ وَبِمَعْنَى الِاغْتِسَالِ كَقَوْلِهِ غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ وَبِضَمِّهَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَاءِ الذي يُغْتَسَلُ بِهِ فَفِيهِ على الْأَوَّلَيْنِ لُغَتَانِ الْفَتْحُ وهو أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ لُغَةً وَالضَّمُّ وهو ما يَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَهَاءُ أو أَكْثَرُهُمْ وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَاسْمٌ لِمَا يُغْتَسَلُ بِهِ من سِدْرٍ وَنَحْوِهِ وهو بِالْمَعْنَيَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لُغَةً سَيَلَانُ الْمَاءِ على الشَّيْءِ وَشَرْعًا سَيَلَانُهُ على جَمِيعِ الْبَدَنِ مُوجِبُهُ وفي نُسْخَةٍ وَمُوجِبُهُ خَمْسَةٌ وَعَدَّهُ الْأَصْلُ أَرْبَعَةً لِجَعْلِهِ النِّفَاسَ مُلْحَقًا بِالْحَيْضِ وَيَصِحُّ تَنْزِيلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عليه مَوْتٌ لِمُسْلِمٍ غَيْرِ شَهِيدٍ لِمَا سَيَأْتِي في الْجَنَائِزِ وَالْمَوْتُ عَدَمُ الْحَيَاةِ وَيُعَبَّرُ عنه بِمُفَارَقَةِ الرُّوحِ الْجَسَدَ وَقِيلَ عَدَمُ الْحَيَاةِ عَمَّا من شَأْنِهِ الْحَيَاةُ وَقِيلَ عَرَضٌ يُضَادُّهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَعْنَى قَدَّرَ وَالْعَدَمُ مُقَدَّرٌ وَخُرُوجُ حَيْضٍ أو نِفَاسٍ بِانْقِطَاعِهِ أَيْ معه لِآيَةِ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ في الْمَحِيضِ أَيْ الْحَيْضِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أبي حُبَيْشٍ إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وإذا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمَ وَصَلِّي وفي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي وَقِيسَ بِالْحَيْضِ النِّفَاسُ بَلْ هو دَمُ حَيْضٍ مُجْتَمِعٌ وَيُعْتَبَرُ مع خُرُوجِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَانْقِطَاعِهِ الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ كما في الرَّافِعِيِّ وَالتَّحْقِيقِ وَإِنْ صَحَّحَ في الْمَجْمُوعِ أَنَّ مُوجِبَهُ الِانْقِطَاعُ فَقَطْ كما قَدَّمْت ذلك في بَابِ الْأَحْدَاثِ وخروج ( ( ( باب ) ) ) وَلَدٍ وَلَوْ عَلَقَةً وَمُضْغَةً وبلا بَلَلٍ لِأَنَّهُ مَنِيٌّ مُنْعَقِدٌ وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عن بَلَلٍ غَالِبًا فَأُقِيمَ مَقَامَهُ كَالنَّوْمِ مع الْخَارِجِ وَتُفْطِرُ بِهِ الْمَرْأَةُ على الْأَصَحِّ في التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وَجَنَابَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَيَحْصُلُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ الْأَوَّلُ بِإِدْخَالِ حَشَفَةٍ وَلَوْ من ذَكَرٍ أَشَلَّ أو بِلَا قَصْدٍ أو غَيْرِ مُنْتَشِرٍ أو بِإِدْخَالِ قَدْرِهَا من فَاقِدِهَا في فَرْجٍ وَلَوْ من غَيْرِ مُشْتَهًى أو دُبُرٍ أو بِحَائِلٍ كَخِرْقَةٍ لَفَّهَا على ذَكَرِهِ وَلَوْ غَلِيظَةً لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ وفي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَإِنْ لم يُنْزِلْ وَأَمَّا الْأَخْبَارُ الدَّالَّةُ على اعْتِبَارِ الْإِنْزَالِ كَخَبَرِ إنَّمَا الْمَاءُ من الْمَاءِ فَمَنْسُوخَةٌ وَأَجَابَ ابن
____________________
(1/64)
عَبَّاسٍ عن هذا الْخَبَرِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِالِاحْتِلَامِ إلَّا أَنْ يُنْزِلَ وَذِكْرُ الْخِتَانِ جَرَى على الْغَالِبِ بِدَلِيلِ إيجَابِ الْغُسْلِ بِإِيلَاجِ ذَكَرٍ لَا حَشَفَةَ له في دُبُرٍ أو فَرْجِ بَهِيمَةٍ لِأَنَّهُ جِمَاعٌ في فَرْجٍ فَكَانَ في مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عليه وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ انْضِمَامَهُمَا لِعَدَمِ إيجَابِهِ الْغُسْلَ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ تَحَاذِيهِمَا يُقَالُ الْتَقَى الْفَارِسَانِ إذَا تَحَاذَيَا وَإِنْ لم يَنْضَمَّا وَذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِإِدْخَالِ الْحَشَفَةِ في الْفَرْجِ إذْ الْخِتَانُ مَحِلُّ الْقَطْعِ في الْخِتَانِ وَخِتَانُ الْمَرْأَةِ فَوْقَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ وَمَخْرَجُ الْبَوْلِ فَوْقَ مَدْخَلِ الذَّكَرِ وَهَذَا أَعْنِي أَثَرَ الْإِدْخَالِ بِالْحَائِلِ جَارٍ في سَائِرِ الْأَحْكَامِ كَإِفْسَادِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَلَوْ كان الْفَرْجُ من بَهِيمَةٍ وَمَيِّتٍ فإنه يُوجِبُ الْغُسْلَ على الْمُولِجِ وَلَا يُعَادُ غُسْلُهُ أَيْ الْمَيِّتِ لِانْقِطَاعِ تَكْلِيفِهِ وَإِنَّمَا وَجَبَ غُسْلُهُ بِالْمَوْتِ تَنْظِيفًا وَإِكْرَامًا وَلَا يَجِبُ بِوَطْئِهِ حَدٌّ لِخُرُوجِهِ عن مَظِنَّةِ الشَّهْوَةِ كما سَيَأْتِي ويجب الْغُسْلُ بِاسْتِدْخَالِ امْرَأَةٍ حَشَفَةً أو قَدْرَهَا في فَرْجِهَا وَلَوْ من ذَكَرٍ مَقْطُوعٍ كَالنَّقْضِ بِمَسِّهِ وَمِنْ بَهِيمَةٍ من قِرْدٍ أو غَيْرِهِ كَالْآدَمِيِّ وَأَوْلَى تَغْلِيظًا وَيَجْنُبُ صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ أَوْلَجَ كُلٌّ مِنْهُمَا أو أُولِجَ فيه سَوَاءٌ أَكَانَ مُشْتَهًى أَمْ لَا وَبِكَمَالٍ له بِبُلُوغٍ وَإِفَاقَةٍ يَجِبُ عليه غُسْلٌ وَصَحَّ الْغُسْلُ من مُمَيِّزٍ وَيُجْزِئُهُ فَلَا يَجِبُ إعَادَتُهُ إذَا بَلَغَ وَقَوْلُهُ وَصَحَّ يُغْنِي عن قَوْلِهِ وَيُجْزِئُهُ وَيُؤْمَرُ بِهِ بِأَنْ يَأْمُرَهُ بِهِ الْوَلِيُّ وُجُوبًا كَالْوُضُوءِ وإدخال دُونَ الْحَشَفَةِ مُلْغًى فَلَا يُوجِبُ شيئا من أَحْكَامِ الْجِمَاعِ لِمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَإِيلَاجُ الْخُنْثَى ذَكَرَهُ في أَيْ فَرْجٍ كان لَا أَثَرَ له لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ إلَّا نَقَضَ وُضُوءَ غَيْرِهِ وهو الْمُولَجُ فيه بِنَزْعٍ من دُبُرٍ مُطْلَقًا أو قُبُلٍ وَاضِحٍ أَيْ أُنْثَى أو يُخَيَّرُ الْخُنْثَى بين الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ بِإِيلَاجِهِ في دُبُرِ ذَكَرٍ لَا مَانِعَ من النَّقْضِ بِلَمْسِهِ أو في دُبُرِ خُنْثَى أَوْلَجَ ذَكَرَهُ في قُبُلِهِ أَيْ الْمُولِجِ لِأَنَّهُ إمَّا جُنُبٌ بِتَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِ فِيهِمَا وَأُنُوثَته وَذُكُورَةِ الْآخَرِ في الثَّانِيَةِ أو مُحْدِثٌ بِتَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِ فِيهِمَا مع أُنُوثَةِ الْآخَرِ في الثَّانِيَةِ فَخُيِّرَ بَيْنَهُمَا لِمَا سَيَأْتِي أَمَّا إيلَاجُهُ في قُبُلِ خُنْثَى أو في دُبُرِهِ ولم يُولِجْ الْآخَرَ في قُبُلِهِ فَلَا يُوجِبُ عليه شيئا وَقَوْلُهُ أو في دُبُرِ خُنْثَى أُولِجَ في قُبُلِهِ من زِيَادَتِهِ وَكَذَا التَّخْيِيرُ في الْأُولَى وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْلِ في بَابِ الْوُضُوءِ كَمَنْ شَكَّ هل الْخَارِجُ من ذَكَرِهِ مَنِيٌّ أو مَذْيٌ فإنه يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَيَعْمَلُ بِمُقْتَضَى اخْتِيَارِهِ فَإِنْ جَعَلَهُ مَنِيًّا اغْتَسَلَ أو مَذْيًا تَوَضَّأَ وَغَسَلَ ما أَصَابَهُ لِأَنَّهُ إذَا أتى بِمُقْتَضَى أَحَدِهِمَا بَرِئَ منه يَقِينًا وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ من الْآخَرِ وَلَا مُعَارِضَ له بِخِلَافِ من نَسِيَ صَلَاةً من صَلَاتَيْنِ حَيْثُ يَلْزَمُهُ فِعْلُهُمَا لِاشْتِغَالِ ذِمَّتِهِ بِهِمَا جميعا وَالْأَصْلُ بَقَاءُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَفَارَقَ ما هُنَا ما سَيَأْتِي في الزَّكَاةِ من وُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ بِتَزْكِيَةِ الْأَكْثَرِ ذَهَبًا وَفِضَّةً في الْإِنَاءِ الْمُخْتَلَطِ لِأَنَّ الْيَقِينَ ثَمَّ مُمْكِنٌ بِسَبْكِهِ بِخِلَافِهِ هُنَا على أَنَّهُ قِيلَ بِذَلِكَ هُنَا أَيْضًا وقال في الْمَجْمُوعِ وَهَذَا الذي يَظْهَرُ رُجْحَانُهُ لِاشْتِغَالِ ذِمَّتِهِ بِطُهْرٍ وَلَا يَسْتَبِيحُ الصَّلَاةَ إلَّا بِطُهْرٍ مُتَيَقَّنٍ أو مَظْنُونٍ وَلَا يَحْصُلُ ذلك إلَّا بِفِعْلِ مُقْتَضَى الْحَدَثَيْنِ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ غُسْلُ ما أَصَابَ ثَوْبَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَتُهُ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ لِاشْتِغَالِ ذِمَّتِهِ بِأَحَدِهِمَا وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ وَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ أتى بِهِ إلَّا إذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ غَلَبَ على ظَنِّهِ أَحَدُهُمَا فإنه يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ حُكْمَ الظَّنِّ وَالشَّكِّ في أَبْوَابِ الطَّهَارَةِ وَاحِدٌ كما مَرَّ وَإِنْ أَوْلَجَ رَجُلٌ في قُبُلِ خُنْثَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا من غُسْلٍ وَلَا وُضُوءٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ فَإِنْ أَوْلَجَ ذلك الْخُنْثَى في وَاضِحٍ آخَرَ أَجْنَبَ يَقِينًا وَحْدَهُ لِأَنَّهُ جَامَعَ أو جُومِعَ بِخِلَافِ الْآخَرِينَ لَا جَنَابَةَ عَلَيْهِمَا وَأَحْدَثَ الْوَاضِحُ الْآخَرُ بِالنَّزْعِ منه وَقَوْلُهُ في وَاضِحٍ أَعَمُّ من قَوْلِ أَصْلِهِ في فَرْجِ امْرَأَةٍ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ آخَرَ ما لو أَوْلَجَ الْخُنْثَى في الرَّجُلِ الْمُولِجِ فإن كُلًّا مِنْهُمَا يَجْنُبُ وَمَنْ أَوْلَجَ أَحَدَ ذَكَرَيْهِ أَجْنَبَ إنْ كان يَبُولُ بِهِ وَحْدَهُ وَلَا أَثَرَ لِلْآخَرِ في نَقْضِ الطَّهَارَةِ نعم إنْ كَانَا على سَنَنٍ وَاحِدٍ أَجْنَبَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا كما مَرَّ نَظِيرُهُ في بَابِ الْأَحْدَاثِ وَكَذَا إنْ كان يَبُولُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا أو لَا يَبُولُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وكان الِانْسِدَادُ عَارِضًا الْأَمْرُ الثَّانِي خُرُوجُ الْمَنِيِّ أَيْ مَنِيِّ الشَّخْصِ نَفْسِهِ الْخَارِجِ أَوَّلَ مَرَّةٍ من رَجُلٍ أو امْرَأَةٍ وَلَوْ بَعْدَ غُسْلٍ من جَنَابَةٍ أو لم يُجَاوِزْ فَرْجَ الثَّيِّبِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ إنَّمَا الْمَاءُ من الْمَاءِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن أُمِّ سَلَمَةَ قالت جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقالت إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي من الْحَقِّ هل على الْمَرْأَةِ من غُسْلٍ
____________________
(1/65)
إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ قال نعم إذَا رَأَتْ الْمَاءَ سَوَاءٌ أَخَرَجَ من الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ مُطْلَقًا أو من تَحْتِ الصُّلْبِ مُسْتَحْكِمًا مع انْسِدَادِ الْأَصْلِيِّ فَإِنْ لم يَسْتَحْكِمْ بِأَنْ خَرَجَ لِمَرَضٍ لم يَجِبْ الْغُسْلُ بِلَا خِلَافٍ كما في الْمَجْمُوعِ عن الْأَصْحَابِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْخَارِجَ من الدُّبُرِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ قَوْلِ الْأَصْلِ أو ثُقْبَةٍ في الصُّلْبِ أو الْخُصْيَةِ على الْمَذْهَبِ وما صَحَّحَهُ الْأَصْلُ من أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين خُرُوجِهِ من الْمُعْتَادِ وَغَيْرِهِ جَزَمَ بِهِ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَصَحَّحَهُ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ لَكِنْ جَزَمَ في التَّحْقِيقِ بِمَا ضَعَّفَهُ الْأَصْلُ من أَنَّ لِلْخَارِجِ من غَيْرِ الْمُعْتَادِ حُكْمَ الْمُنْفَتِحِ في بَابِ الْحَدَثِ وَصَوَّبَهُ في الْمَجْمُوعِ وَالصُّلْبُ هُنَا على هذا كَالْمَعِدَةِ هُنَاكَ كما جَزَمَ بِهِ الْأَصْلُ فَعُدُولُ الْمُصَنِّفِ عن عِبَارَةِ الْأَصْلِ إلَى قَوْلِهِ أو تَحْتَ الصُّلْبِ لَعَلَّهُ لِاخْتِيَارِهِ ما في التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ لَكِنْ كان يَنْبَغِي له أَنْ يَقُولَ مع انْسِدَادِ الْأَصْلِيِّ كما تَقَرَّرَ قال في الْمُهِمَّاتِ وَالصُّلْبُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِلرَّجُلِ أَمَّا الْمَرْأَةُ فما بين تَرَائِبِهَا وَهِيَ عِظَامُ الصَّدْرِ وَيُعْرَفُ الْمَنِيُّ بِتَدَفُّقٍ بِأَنْ يَخْرُجَ بِدَفَعَاتٍ قال تَعَالَى من مَاءٍ دَافِقٍ أو تَلَذُّذٍ بِخُرُوجِهِ وَإِنْ لم يَتَدَفَّقْ مع فُتُورِ الذَّكَرِ عَقِبَهُ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَأَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ لِاسْتِلْزَامِ التَّلَذُّذِ له أو رِيحٍ طَلَعَ أو عَجِينٍ رَطْبًا وريح بَيَاضِ بَيْضٍ يَابِسًا وَإِنْ لم يَتَدَفَّقْ ولم يَتَلَذَّذْ بِهِ كَالْخَارِجِ منه بَعْدَ الْغُسْلِ فَإِنْ فُقِدَتْ هذه الْخَوَاصُّ فَلَا غُسْلَ وَرَطْبًا وَيَابِسًا حَالَانِ من الْمَنِيِّ وَعُلِمَ من كَلَامِهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ كَالرَّجُلِ في أَنَّ مَنِيَّهَا يُعْرَفُ بِالْخَوَاصِّ الْمَذْكُورَةِ وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْأَكْثَرِينَ وَنَقَلَ عن الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالتَّلَذُّذِ وَلَا أَثَرَ لِثَخَانَةٍ وَلَوْنٍ وَغَيْرِهِمَا من صِفَاتِ الْمَنِيِّ فَالثَّخَانَةُ وَالْبَيَاضُ في مَنِيِّ الرَّجُلِ وَالرِّقَّةُ وَالِاصْفِرَارُ في مَنِيِّ الْمَرْأَةِ في حَالِ اعْتِدَالِ الطَّبْعِ فَعَدَمُهَا لَا يَنْفِيهِ وَوُجُودُهَا لَا يَقْتَضِيهِ وَإِنْ خَرَجَ منها أَيْ الْمَرْأَةِ مَنِيُّهُ أَيْ الرَّجُلِ بَعْدَ غُسْلِهَا من جِمَاعٍ وقد قَضَتْ وَطَرَهَا أَيْ شَهْوَتَهَا بِهِ اغْتَسَلَتْ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَغْلِبُ على الظَّنِّ اخْتِلَاطُ مَنِيِّهَا بِمَنِيِّهِ وإذا خَرَجَ منها الْمُخْتَلَطُ فَقَدْ خَرَجَ منها مَنِيُّهَا وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أنها لو قَضَتْ وَطَرَهَا بِمَنِيٍّ اسْتَدْخَلَتْهُ ثُمَّ خَرَجَ منها وَجَبَ الْغُسْلُ وهو مُتَّجِهٌ لَكِنَّ تَصْوِيرَهُمْ ذلك بِالْجِمَاعِ كما صَوَّرَتْهُ بِهِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ وَلَعَلَّهُمْ جَرَوْا في ذلك على الْغَالِبِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم تَقْضِ وَطَرَهَا كَصَغِيرَةٍ وَنَائِمَةٍ وَمُكْرَهَةٍ فَلَا غُسْلَ عليها كَمَنْ اسْتَدْخَلَتْهُ أَيْ الْمَنِيَّ في قُبُلِهَا أو دُبُرِهَا فإنه لَا غُسْلَ عليها لِأَنَّ الِاسْتِدْخَالَ لم تَتَنَاوَلْهُ النُّصُوصُ الْوَارِدَةُ في الْبَابِ وَلَا هو في مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عليه وَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِغُسْلِ مَيِّتٍ ولا بِسَبَبِ جُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ وَغَيْرِهَا مِمَّا سِوَى الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ حتى يَثْبُتَ ما يُخَالِفُهُ وَأَمَّا خَبَرُ من غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ فَمَحْمُولٌ على النَّدْبِ كما سَيَأْتِي في الْجُمُعَةِ وَاعْتُرِضَ على الْحَصْرِ في الْخَمْسَةِ بِتَنَجُّسِ جَمِيعِ الْبَدَنِ أو بَعْضِهِ مع الِاشْتِبَاهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذلك ليس مُوجِبًا لِلْغُسْلِ بَلْ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ حتى لو فُرِضَ كَشْطُ جِلْدِهِ حَصَلَ الْغَرَضُ وَإِنْ رَأَى في فِرَاشِهِ أو ثَوْبِهِ مَنِيًّا وَلَوْ بِظَاهِرِهِ لَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ من غَيْرِهِ لَزِمَهُ الْغُسْلُ وَأَعَادَ كُلَّ صَلَاةٍ لَا يُحْتَمَلُ خُلُوُّهَا عنه وَيُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ وإعادة ما أَيْ صَلَاةٍ اُحْتُمِلَ خُلُوُّهَا عنه كما إذَا اُحْتُمِلَ كَوْنُهُ من آخَرَ نَامَ معه في فِرَاشٍ مَثَلًا فإنه يُسْتَحَبُّ لَهُمَا الْغُسْلُ فَيُسْتَحَبُّ لَهُمَا الْإِعَادَةُ وَلَوْ أَحَسَّ بِنُزُولِ الْمَنِيِّ فَأَمْسَكَ ذَكَرَهُ فلم يَخْرُجْ منه شَيْءٌ فَلَا غُسْلَ عِنْدَنَا ذَكَرَهُ في الرَّوْضَةِ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا مَرَّ فَصْلٌ في حُكْمِ الْجُنُبِ وَنَحْوِهِ يَحْرُمُ على الْجُنُبِ ما يَحْرُمُ على الْمُحْدِثِ وَشَيْئَانِ أَحَدُهُمَا الْقِرَاءَةُ لِلْقُرْآنِ بِقَصْدِهَا وَلَوْ بَعْضَ آيَةٍ كَحَرْفٍ لِلْإِخْلَالِ بِالتَّعْظِيمِ سَوَاءٌ أَقَصَدَ مع ذلك غَيْرَهَا أَمْ لَا فَلَا يَضُرُّ
____________________
(1/66)
قِرَاءَةٌ بِنِيَّةِ الذِّكْرِ أَيْ ذِكْرِ الْقُرْآنِ أو نَحْوِهِ كَمَوْعِظَةٍ وَحِكْمَةٍ كَ سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لنا هذا
الْآيَةَ لِلرُّكُوبِ ولا ما جَرَى بِهِ لِسَانُهُ بِلَا قَصْدٍ لِشَيْءٍ من قُرْآنٍ وَذِكْرٍ وَنَحْوِهِ لِعَدَمِ الْإِخْلَالِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ قُرْآنًا إلَّا بِالْقَصْدِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذلك جَارٍ فِيمَا يُوجَدُ نَظْمُهُ في غَيْرِ الْقُرْآنِ وما لَا يُوجَدُ نَظْمُهُ إلَّا فيه لَكِنَّ أَمْثِلَتَهُمْ تُشْعِرُ بِأَنَّ مَحِلَّ ذلك فِيمَا يُوجَدُ نَظْمُهُ في غَيْرِ الْقُرْآنِ كَالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدِ له وَإِنَّ ما لَا يُوجَدُ نَظْمُهُ إلَّا في الْقُرْآنِ كَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ يُمْنَعُ منه وَإِنْ لم يُقْصَدْ بِهِ الْقِرَاءَةُ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الشَّيْخُ أبو عَلِيٍّ وَالْأُسْتَاذُ أبو طَاهِرٍ وَالْإِمَامُ كما حَكَاهُ عَنْهُمْ الزَّرْكَشِيُّ ثُمَّ قال وَلَا بَأْسَ بِهِ وَكَفَاقِدٍ لَا حَاجَةَ لِلْكَافِ بَلْ لَا وَجْهَ لها إلَّا بِتَعَسُّفٍ وَالْمَعْنَى وَفَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ يَقْرَأُ أَيْ وُجُوبًا الْفَاتِحَةَ فَقَطْ لِلصَّلَاةِ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهَا خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ في قَوْلِهِ لَا يَجُوزُ له قِرَاءَتُهَا كَغَيْرِهَا وَأَفَادَ قَوْلُهُ فَقَطْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ له مَسُّ الْمُصْحَفِ وَلَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَلَا وَطْءُ الْحَائِضِ وَبِهِ صَرَّحَ أَصْلُهُ في كِتَابِ التَّيَمُّمِ وَلَهُ أَيْ الْجُنُبِ إجْرَاؤُهُ أَيْ الْقُرْآنِ على قَلْبِهِ وَنَظَرٌ في الْمُصْحَفِ وَالتَّصْرِيحُ بِهِمَا من زِيَادَتِهِ وَقِرَاءَةُ ما نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ وَتَحْرِيكُ لِسَانِهِ وَهَمْسُهُ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ نَفْسَهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ بِخِلَافِ إشَارَةِ الْأَخْرَسِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ في تَحْرِيمِ الْقِرَاءَةِ كَالْجُنُبِ وَكَذَا في الْمُكْثِ في الْمَسْجِدِ لَكِنْ لَمَّا كان فيه زِيَادَةٌ أَخَّرَهُ إلَى كِتَابِ الْحَيْضِ الثَّانِي الْمُكْثُ وَالتَّرَدُّدُ في الْمَسْجِدِ لَا عُبُورُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ الْآيَةَ قال ابن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ أَيْ لَا تَقْرَبُوا مَوْضِعَ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ ليس فيها عُبُورُ سَبِيلٍ بَلْ في مَوْضِعِهَا وهو الْمَسْجِدُ وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَيُعْذَرُ فِيهِمَا لِلضَّرُورَةِ من ذَكَرَ أَنْ أُغْلِقَ عليه بَابُ الْمَسْجِدِ أو خَافَ من خُرُوجِهِ وَلَوْ على مَالٍ أو مَنَعَهُ منه مَانِعٌ آخَرُ ولم يَجِدْ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ فَيَتَيَمَّمُ أَيْ وُجُوبًا كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ أَخْذًا من قَوْلِ أَصْلِهَا وَلْيَتَيَمَّمْ فَاللَّامُ الْأَمْرِ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَيَحْسُنُ أَنْ يَتَيَمَّمَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ حَسَنٌ إنْ وَجَدَ غير تُرَابِهِ أَيْ الْمَسْجِدِ فَإِنْ لم يَجِدْ إلَّا تُرَابَهُ وهو الدَّاخِلُ في وَقْفِهِ لم يَجُزْ له التَّيَمُّمُ بِهِ كما لو لم يَجِدْ إلَّا تُرَابًا مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ فَإِنْ خَالَفَ وَتَيَمَّمَ بِهِ صَحَّ وَيُكْرَهُ له عُبُورٌ فيه وَهَذَا ما جَزَمَ بِهِ الْأَصْلُ وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى لَا إنْ كان الْعُبُورُ لِغَرَضٍ كَقُرْبِ طَرِيقٍ فَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى وَخَالَفَ الْمُكْثَ لِلْآيَةِ وَلِأَنَّهُ لَا قُرْبَةَ فيه وفي الْمُكْثِ قُرْبَةُ الِاعْتِكَافِ وما ذَكَرَ من تَحْرِيمِ الْقِرَاءَةِ وَالْمُكْثِ في الْمَسْجِدِ على الْجُنُبِ وَنَحْوِهِ مَحِلُّهُ في الْمُسْلِمِ أَمَّا الْكَافِرُ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ ذلك لَكِنْ لِقِرَاءَتِهِ شَرْطٌ قَدَّمْته وَلَيْسَ لِلْكَافِرِ وَلَوْ غير جُنُبٍ دُخُولُ الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِحَاجَةٍ كَإِسْلَامٍ وَسَمَاعِ قُرْآنٍ وَأَنْ يَأْذَنَ له مُسْلِمٌ في دُخُولِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ له خُصُومَةٌ وقد قَعَدَ الْحَاكِمُ فيه لِلْحُكْمِ كما سَيَأْتِي ذلك في شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَلَا بَأْسَ بِنَوْمٍ فيه وَلَوْ لِغَيْرِ أَعْزَبَ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ وَغَيْرَهُمْ كَانُوا يَنَامُونَ فيه في زَمَنِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نعم إنْ ضَيَّقَ على الْمُصَلِّينَ أو شَوَّشَ عليهم حَرُمَ النَّوْمُ فيه قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ قال وَلَا يَحْرُمُ إخْرَاجُ الرِّيحِ فيه لَكِنَّ الْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ لِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فإن الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى منه بَنُو آدَمَ
____________________
(1/67)
فَإِنْ احْتَلَمَ فيه خَرَجَ منه وُجُوبًا كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَيْضًا وخروجه من أَقْرَبِ بَابٍ أَوْلَى فَإِنْ عَدَلَ إلَى الْأَبْعَدِ وَلَوْ لِغَيْرِ عَرَضٍ لم يُكْرَهْ كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ وَفَضْلُ مَاءِ جُنُبٍ وَحَائِضٍ طَهُورٌ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ ولا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ وَإِنَّمَا لم يُرَاعَ خِلَافُ الْمُخَالِفِ فيه لِضَعْفِ شُبْهَتِهِ وَثُبُوتِ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فيه كَخَبَرِ عَائِشَةَ كُنْت أَغْتَسِلُ أنا وَالنَّبِيُّ صلى اللَّهُ عليه وسلم من الْجَنَابَةِ من إنَاءٍ وَاحِدٍ تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا فيه رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَسُنَّ لِلْجُنُبِ غَسْلُ فَرْجٍ وَوُضُوءٌ لِجِمَاعٍ وَلِأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنَوْمٍ كَحَائِضٍ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ أَيْ الْحَيْضِ قال صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا أتى أحدكم أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءًا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وزاد الْبَيْهَقِيُّ فإنه أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ وفي الصَّحِيحَيْنِ كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وهو جُنُبٌ غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وكان صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا كان جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أو يَنَامَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَقِيسَ بِالْجُنُبِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ إذَا انْقَطَعَ دَمُهُمَا وَبِالْأَكْلِ الشُّرْبُ وَالْحِكْمَةُ في ذلك تَخْفِيفُ الْحَدَثِ غَالِبًا وَالتَّنْظِيفُ وَقِيلَ لَعَلَّهُ يُنَشِّطُ لِلْغُسْلِ فَلَوْ فَعَلَ شيئا من ذلك بِلَا وُضُوءٍ كُرِهَ له نَقَلَهُ في شَرْحِ مُسْلِمٍ عن الْأَصْحَابِ قال وَأَمَّا طَوَافُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم على نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كان تَوَضَّأَ بَيْنَهُمَا أو تَرَكَهُ بَيَانًا لِلْجَوَازِ فَصْلٌ في كَيْفِيَّةِ الْغُسْلِ وَأَقَلُّ الْغُسْلِ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا نِيَّةُ رَفْعِ الْجَنَابَةِ أو نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ عن جَمِيعِ الْبَدَنِ كما صَرَّحَ بها الْأَصْلُ وَحَذَفَهَا الْمُصَنِّفُ لِلْعِلْمِ بها من قَوْلِهِ أو نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ مُطْلَقًا عن التَّعَرُّضِ لِلْجَنَابَةِ وَغَيْرِهَا أَمَّا الِاكْتِفَاءُ بِغَيْرِ الْأَخِيرَةِ فَلِتَعَرُّضِهِ لِلْمَقْصُودِ وَأَمَّا بِالْأَخِيرَةِ فَلِاسْتِلْزَامِ رَفْعِ الْمُطْلَقِ رَفْعُ الْمُقَيَّدِ وَلِأَنَّهَا تَنْصَرِفُ إلَى حَدَثِهِ فَلَوْ نَوَى الْحَدَثَ الْأَكْبَرَ كان تَأْكِيدًا وهو أَفْضَلُ وَلَوْ نَوَى جَنَابَةَ الْجِمَاعِ وَجَنَابَتَهُ بِاحْتِلَامٍ أو عَكْسِهِ أو الْجَنَابَةَ وَحَدَثَهُ الْحَيْضُ أو عَكْسُهُ صَحَّ مع الْغَلَطِ دُونَ الْعَمْدِ كَنَظِيرِهِ في الْوُضُوءِ ذَكَرَ ذلك في الْمَجْمُوعِ وَالظَّاهِرُ ارْتِفَاعُ النِّفَاسِ بِنِيَّةِ الْحَيْضِ وَعَكْسِهِ مع الْعَمْدِ كما اعْتَمَدَهُ ابن الْعِمَادِ قال لِاشْتِرَاكِهِمَا في الِاسْمَيْنِ ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ الْبَيَانِ صَرَّحَ بِهِ في الْأَوْلَى في بَابِ صِفَةِ الْغُسْلِ فَلَوْ نَوَى الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ أَيْ رَفْعَهُ عَمْدًا فَلَا تَرْتَفِعُ جَنَابَتُهُ لِتَلَاعُبِهِ أو غَلَطًا ارْتَفَعَتْ عن أَعْضَائِهِ أَيْ الْأَصْغَرُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُحِلُّهَا كما مَرَّ لِأَنَّ غُسْلَهَا وَاجِبٌ في الْحَدَثَيْنِ وقد غَسَلَهَا بِنِيَّتِهِ لَا الرَّأْسُ فَلَا تَرْتَفِعُ عنه لِأَنَّ غُسْلَهُ وَقَعَ بَدَلًا عن مَسْحِهِ الذي هو فَرْضُهُ في الْأَصْغَرِ وهو إنَّمَا نَوَى الْمَسْحَ وَالْمَسْحُ لَا يُغْنِي عن الْغَسْلِ وما قِيلَ من أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِهِ بَاطِنُ لِحْيَةِ الرَّجُلِ الْكَثِيفَةِ لِكَوْنِ إيصَالِ الْمَاءِ غَيْرِ وَاجِبٍ في الْوُضُوءِ فلم تَتَضَمَّنْهُ نِيَّتُهُ رُدَّ بِأَنَّ غَسْلَ الْوَجْهِ هو الْأَصْلُ فإذا غَسَلَهُ فَقَدْ أتى بِالْأَصْلِ وَأَمَّا الرَّأْسُ فَالْأَصْلُ فيه الْمَسْحُ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْأَصْلَ فيه الْغَسْلُ وَالْمَسْحُ رُخْصَةً فَغَسْلُهُ غَيْرُ مَنْدُوبٍ بِخِلَافِ بَاطِنِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ فإنه يُنْدَبُ غُسْلُهُ وَالْمَنْدُوبُ يَقَعُ عن الْوَاجِبِ بِدَلِيلِ ما مَرَّ في انْغِسَالِ اللَّمْعَةِ في الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ أو الثَّالِثَةِ وَخَرَجَ بِأَعْضَاءِ الْأَصْغَرِ غَيْرُهَا فَلَا تَرْتَفِعُ عنه الْجَنَابَةُ لِأَنَّهُ لم يَنْوِهِ أو نَوَتْ الْحَائِضُ الْغُسْلَ منه أَيْ من الْحَيْضِ أو من حَدَثِهِ أو لِتُوطَأَ صَحَّ الْغُسْلُ التَّصْرِيحُ بِالْأَوْلَى من زِيَادَتِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ هُنَا أنها لو اغْتَسَلَتْ لِوَطْءِ مُحْرِمٍ صَحَّ لَكِنَّهُ قَيَّدَ في الرَّوْضَةِ في بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ بِالزَّوْجِ فقال لو نَوَتْ تَمْكِينَ الزَّوْجِ من وَطْءٍ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيمَا قُلْنَا قال الْإِسْنَوِيُّ وهو ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْخُوَارِزْمِيِّ فإنه قَيْدٌ بِمَا إذَا نَوَتْ الْوَطْءَ الْحَلَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى وَيُجْزِئُ فَرِيضَةُ الْغُسْلِ أو الْغُسْلُ الْمَفْرُوضُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَقَوْلُهُ لَا الْغُسْل من زِيَادَتِهِ أَيْ لَا نِيَّةَ الْغُسْلِ فَلَا تُجْزِئُ كما جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فَارِقًا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ نِيَّةِ الْوُضُوءِ بِأَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَكُونُ إلَّا عِبَادَةً بِخِلَافِ الْغُسْلِ وقد يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الِاكْتِفَاءَ بِنِيَّةِ أَدَاءِ
____________________
(1/68)
الْغُسْلِ وَبِهِ صَرَّحَ الْحَاوِي الصَّغِيرُ وَمَنْ تَبِعَهُ وَلَا الْغُسْلُ لِمَا يُسَنُّ هو له كَعُبُورِ مَسْجِدٍ وَأَذَانٍ من جُنُبٍ أو نَحْوِهِ وَكَجُمُعَةٍ وَعِيدٍ فَلَا تُجْزِئُ وَكَذَا لو نَوَاهُ لِمَا لَا يُسَنُّ له كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ وَيَجِبُ قَرْنُهَا أَيْ النِّيَّةِ بِأَوَّلِ فَرْضٍ وهو أَوَّلُ ما يُغْسَلُ من الْبَدَنِ وفي تَقْدِيمِهَا على السُّنَنِ وَعُزُوبِهَا قبل غُسْلِ شَيْءٍ من الْمَفْرُوضِ ما مَرَّ في الْوُضُوءِ فَلَوْ خَلَا عنها شَيْءٌ من السُّنَنِ لم يُثَبْ عليه وَلَوْ أتى بها من أَوَّلِ السُّنَنِ لَكِنَّهَا غَرَبَتْ قبل أَوَّلِ الْمَفْرُوضِ لم يَجُزْ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْتَدِئَ بِالنِّيَّةِ مع التَّسْمِيَةِ وَبِهِ صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ هُنَا قال وإذا اغْتَسَلَ من إنَاءٍ كَإِبْرِيقٍ يَنْبَغِي له أَنْ يَنْوِيَ عِنْدَ غُسْلِ مَحِلِّ الِاسْتِنْجَاءِ بَعْدَ فَرَاغِهِ منه لِأَنَّهُ قد يَغْفُلُ عنه أو يَحْتَاجُ إلَى الْمَسِّ فَيُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ أو إلَى كُلْفَةٍ في لَفِّ خِرْقَةِ على يَدِهِ والشيء الثَّانِي تَعْمِيمُ الْبَدَنِ بِالْمَاءِ شَعْرًا وَإِنْ كَثُفَ وَبَشَرًا وَظُفْرًا وما ظَهَرَ من صِمَاخٍ وَأَنْفٍ مَجْدُوعٍ بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ أَيْ مَقْطُوعٍ وَغَيْرِهِمَا وَمِنْ ثَيِّبٍ قَعَدَتْ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ لِفِعْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كما في الصَّحِيحَيْنِ وَفِعْلُهُ مُبَيِّنٌ لِلتَّطَهُّرِ الْمَأْمُورِ بِهِ في قَوْله تَعَالَى وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنَّمَا وَجَبَ غُسْلُ الْكَثِيفِ هُنَا دُونَ الْوُضُوءِ لِقِلَّةِ الْمَشَقَّةِ هُنَا وَكَثْرَتِهَا في الْوُضُوءِ لِتَكَرُّرِهِ كُلَّ يَوْمٍ وَعَطَفَ على شَعْرًا قَوْلَهُ وما تَحْتَ قُلْفَةٍ من الْأَقْلَفِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ لِأَنَّهَا مُسْتَحِقَّةُ الْإِزَالَةِ وَلِهَذَا لو أَزَالَهَا إنْسَانٌ لم يَضْمَنْهَا فما تَحْتَهَا كَالظَّاهِرِ وَهِيَ بِضَمِّ الْقَافِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَبِفَتْحِهِمَا ما يَقْطَعُهُ الْخِتَانُ من ذَكَرِ الْغُلَامِ وَيُقَالُ لها غُرْلَةٌ بِمُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ وَرَاءٍ سَاكِنَةٍ وَلَا تَجِبُ مَضْمَضَةٌ وَاسْتِنْشَاقٌ في الْغُسْلِ وَإِنَّمَا يُنْدَبَانِ فيه كما في غُسْلِ الْمَيِّتِ فَإِنْ تَرَكَهُمَا جَمِيعَهُمَا أو مَجْمُوعَهُمَا أَسَاءَ أَيْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا كَالْوُضُوءِ لِتَرْكِهِ سُنَّةً أو سُنَنًا مُؤَكَّدَةً وَأَعَادَهُمَا أَيْ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ لَا هو أَيْ الْوُضُوءَ هذا تَبِعَ فيه الْإِسْنَوِيَّ فإنه اعْتَرَضَ على نَقْلِ الرَّوْضَةِ عن الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ لو تَرَكَ الْمَضْمَضَةَ أو الِاسْتِنْشَاقَ أو الْوُضُوءَ فَقَدْ أَسَاءَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَدَارَكَ ذلك بِأَنَّ ما نَقَلَهُ عن الشَّافِعِيِّ من اسْتِحْبَابِ إعَادَةِ الْوُضُوءِ سَهْوٌ بَلْ حَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِ انْتَهَى
وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ الرَّوْضَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَدَارَكَ ذلك ليس صَرِيحًا في نَقْلِهِ عن الشَّافِعِيِّ وَلَوْ سُلِّمَ فَلَيْسَ حَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِالْوُضُوءِ كما زَعَمَهُ الْمُعْتَرِضُ بَلْ حَاصِلُهُ أَنَّهُ سَاكِتٌ عنه لِنُكْتَةٍ تُعْرَفُ مِمَّا يَأْتِي وَعِبَارَتُهُ كما نَقَلَهَا هو كَالنَّوَوِيِّ في مَجْمُوعِهِ عنه فَإِنْ تَرَكَ الْوُضُوءَ لِلْجَنَابَةِ أو الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ فَقَدْ أَسَاءَ وَيَسْتَأْنِفُ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ قال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَأَمَرَهُ بِاسْتِئْنَافِهِمَا دُونَ الْوُضُوءِ لِأَنَّ الْخِلَافَ في وُجُوبِهِمَا كان في زَمَنِهِ فَأُحِبُّ الْخُرُوجَ منه بِخِلَافِ الْخِلَافِ في وُجُوبِ الْوُضُوءِ وَلِأَنَّ الْمَاءَ قد وَصَلَ مَوْضِعَ الْوُضُوءِ دُونَ مَوْضِعِهِمْ فَأَمَرَهُ بِإِيصَالِهِ إلَيْهِمَا انْتَهَى
وَيُمْكِنُ أَنَّهُ أَمَرَ بِاسْتِئْنَافِهِمَا دُونَهُ لِأَنَّهُمَا آكَدُ منه وَلِاسْتِبْعَادِ اسْتِئْنَافِهِمَا دُونَهُ إذْ قد عُهِدَ أَنَّهُمَا إذَا فَاتَا في الْوُضُوءِ لم يَتَدَارَكَا وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَعْرُوفُ سَنُّ تَدَارُكِ الثَّلَاثَةِ وقد صَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ أَيْضًا فقال بَعْدَمَا قَدَّمْته عنه قال أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ لَكِنَّ اسْتِحْبَابَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ آكَدُ وَلَا يَجِبُ غَسْلُ شَعْرِ بَاطِنِ الْعَيْنِ بَلْ لَا يُسَنُّ كما لَا يَجِبُ وَلَا يُسَنُّ غَسْلُ بَاطِنِهَا وَلَا غَسْلُ بَاطِنِ عُقَدِ شَعْرٍ بَلْ يُسَامَحُ بِهِ وَلَا يَجِبُ نَقْضُ ضَفْر أَيْ شَعْرٍ مَضْفُورٍ يَصِلُهُ الْمَاءُ أَيْ يَصِلُ بَاطِنَهُ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَصِلْهُ وَقَدَّمْت أَنَّ الضَّفْرَ بِالضَّادِ لَا بِالظَّاءِ وَأَكْمَلُهُ أَيْ الْغُسْلِ إزَالَةُ قَذَرٍ ظَاهِرٍ كَبُصَاقٍ وَمَنِيٍّ وَنَجَسٍ أو لَا أَيْ قبل الْغُسْلِ اسْتِظْهَارًا وَإِنْ كَفَى لَهُمَا غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إلَّا بِانْفِصَالِهِ عن الْعُضْوِ كما مَرَّ ثُمَّ بَعْدَ إزَالَةِ ذلك الْوُضُوءُ كَامِلًا
____________________
(1/69)
لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَهُوَ أَفْضَلُ من تَأْخِيرِ قَدَمَيْهِ عن الْغُسْلِ كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ وَإِنْ ثَبَتَ تَأْخِيرُهُمَا في الْبُخَارِيِّ أَيْضًا قال في الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عن الْأَصْحَابِ وَسَوَاءٌ أَقَدَّمَ الْوُضُوءَ كُلَّهُ أَمْ بَعْضَهُ أَمْ أَخَّرَهُ أَمْ فَعَلَهُ في أَثْنَاءِ الْغُسْلِ فَهُوَ مُحَصِّلٌ لِلسُّنَّةِ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَقْدِيمُهُ يَنْوِي بِهِ سُنَّةَ الْغُسْلِ إنْ تَجَرَّدَتْ الْجَنَابَةُ عن الْحَدَثِ وَإِلَّا نَوَى بِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَإِنْ قُلْنَا يَنْدَرِجُ في الْغُسْلِ وهو الْأَصَحُّ كما مَرَّ في بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ خُرُوجًا من خِلَافِ من أَوْجَبَهُ وَهَذَا ما اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِابْنِ الصَّلَاحِ وقال الرَّافِعِيُّ لَا حَاجَةَ إلَى إفْرَادِهِ بِنِيَّةٍ لِأَنَّهُ إنْ لم يَكُنْ عليه حَدَثٌ أَصْغَرُ أو كان وَقُلْنَا بِانْدِرَاجِهِ لم يَكُنْ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً بَلْ من كَمَالِ الْغُسْلِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ تَكْفِي فيه نِيَّةُ الْغُسْلِ كما يَكْفِي في الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ نِيَّةُ الْوُضُوءِ وَبِهِ صَرَّحَ أبو خَلَفٍ الطَّبَرِيُّ وابن الرِّفْعَةِ وَلَا يُنَافِي ارْتِفَاعَ الْجَنَابَةِ عن أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فِيمَا إذَا قَدَّمَهُ على الْغُسْلِ حُصُولُ صُورَةِ الْوُضُوءِ قال النَّسَائِيّ وَلَعَلَّ مُرَادَ الرَّافِعِيِّ بِمَا قَالَهُ الْإِشَارَةُ إلَى ما صَحَّحَهُ في بَابِ الْوُضُوءِ من عَدَمِ وُجُوبِ نِيَّتِهِ مع نِيَّةِ الْغُسْلِ لَا نَفْيُ الِاسْتِحْبَابِ أَيْ فَيُرْجَعُ إلَى ما اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ وَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا قَائِلًا بِاسْتِحْبَابِ النِّيَّةِ لَا بِوُجُوبِهَا وهو الْمُوَافِقُ لِحُكْمِ كل ما هو دَاخِلٌ تَحْتَ عِبَادَةٍ كَالطَّوَافِ لِلْحَجِّ وَالسِّوَاكِ لِلْوُضُوءِ فلم يَزِدْ النَّوَوِيُّ على الرَّافِعِيِّ إلَّا التَّفْصِيلَ في كَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ وَتَجَرُّدُهَا أَيْ الْجَنَابَةِ عن الْحَدَثِ أَيْ حُصُولُهَا مع بَقَاءِ الْوُضُوءِ يَكُونُ بِنَحْوِ لِوَاطٍ كَوَطْءِ بَهِيمَةٍ وإنزال بِنَحْوِ ضَمٍّ بِحَائِلٍ لِامْرَأَةٍ وَفِكْرٍ وَنَظَرٍ وَنَوْمٍ مُمَكِّنٍ ثُمَّ بَعْدَ الْوُضُوءِ تَعَهَّدَ مَعَاطِفَهُ كَالْأُذُنِ وَغُضُونِ الْبَطْنِ وتعهد أُصُولَ شَعْرٍ له بِالْمَاءِ اسْتِظْهَارًا ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ على رَأْسِهِ ثُمَّ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ بِتَثْلِيثٍ لِغُسْلِ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَذَلِكَ في كل مَرَّةٍ لِمَا تَصِلُهُ يَدُهُ كَالْوُضُوءِ وَتَأَسِّيًا بِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيَتَعَهَّدُ ما ذُكِرَ ثُمَّ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَيُدَلِّكُهُ ثَلَاثًا ثُمَّ بَاقِيَ جَسَدِهِ كَذَلِكَ بِأَنْ يَغْسِلَ وَيُدَلِّكَ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ الْمُقَدِّمَ ثُمَّ الْمُؤَخِّرَ ثُمَّ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ مَرَّةً ثُمَّ ثَانِيَةً ثُمَّ ثَالِثَةً كَذَلِكَ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الدَّالَّةِ على ذلك وما قِيلَ من أَنَّ الْمُتَّجِهَ إلْحَاقُهُ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ حتى لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْمُؤَخَّرِ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ من الْمُقَدَّمِ رُدَّ بِسُهُولَةِ ما ذُكِرَ هُنَا على الْحَيِّ بِخِلَافِهِ في الْمَيِّتِ لِمَا يَلْزَمُ فيه من تَكْرِيرِ تَقْلِيبِ الْمَيِّتِ قبل الشُّرُوعِ في شَيْءٍ من الْأَيْسَرِ وَأُخِّرَتْ إفَاضَةُ الْمَاءِ عَمَّا قَبْلَهَا لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عن الْإِسْرَافِ فيه وَأَقْرَبُ إلَى الثِّقَةِ بِوُصُولِهِ فَإِنْ انْغَمَسَ في مَاءٍ فَإِنْ كان في جَارٍ كَفَى في التَّثْلِيثِ أَنْ يُمِرَّ عليه منه ثَلَاثَ جَرْيَاتٍ لَكِنْ قد يَفُوتُهُ الدَّلْكُ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ منه غَالِبًا تَحْتَ الْمَاءِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُضَيِّقُ نَفَسَهُ وإن كان في رَاكِدٍ لم يَكْفِ مُكْثُهُ بَلْ يَنْغَمِسُ فيه ثَلَاثًا بِأَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ منه وَيَنْقُلَ قَدَمَيْهِ وَاعْتِبَارُ انْفِصَالِهِ بِجُمْلَتِهِ بَعِيدٌ قال الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَضِيَّةُ ذلك أَنَّهُ لَا يَكْفِي التَّحَرُّكُ فيه من مَقَامِهِ إلَى آخَرَ ثَلَاثًا وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِهِ كما في التَّسْبِيعِ من نَجَاسَةِ الْكَلْبِ فإن حَرَكَتَهُ تَحْتَ الْمَاءِ كَجَرْيِ الْمَاءِ عليه وكان الرَّافِعِيُّ إنَّمَا اعْتَبَرَ الْغَمْسَ ثَلَاثًا لِيَأْتِيَ بِالدَّلْكِ في كل مَرَّةٍ خَارِجَ الْمَاءِ وَعَدَلَ الْمُصَنِّفُ إلَى تَعْبِيرِهِ بِرَاكِدٍ عن تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِنَهْرٍ لِيَسْلَمَ من الِاعْتِرَاضِ بِأَنَّ النَّهْرَ لَا يَكُونُ إلَّا جَارِيًا وَأَتْبَعَتْ أَيْ وَأَكْمَلَهُ ما مَرَّ وَأَنْ تُتْبِعَ ذَاتُ الْحَيْضِ أو النِّفَاسِ وَلَوْ بِكْرًا وَخَلِيَّةً بَعْدَ غُسْلِهَا أَثَرَ الدَّمِ مِسْكًا بِأَنْ تَجْعَلَهُ على قُطْنَةٍ أو نَحْوِهَا وَتُدْخِلَهَا في قُبُلِهَا إلَى الْمَحِلِّ الذي يَجِبُ غُسْلُهُ كما قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ تَطْيِيبًا لِلْمَحِلِّ وَلِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِسَائِلَتِهِ عن الْغُسْلِ من الْحَيْضِ خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرِي بها فلم تَعْرِفْ مُرَادَهُ قالت عَائِشَةُ فَقُلْت تَتَبَّعِي بها أَثَرَ الدَّمِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالْفِرْصَةُ قِطْعَةُ صُوفٍ أو قُطْنٍ أو نَحْوِهِ وَالْأَوْلَى الْمِسْكُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم تَجِدْهُ فَطِيبًا آخَرَ وَإِلَّا فَطِينًا بِالنُّونِ وَالْمَاءُ كَافٍ وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ لم تَجِدْ فَالْمَاءُ كَافٍ وَعَبَّرَ في الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ بِقَوْلِهِ فَإِنْ لم تَفْعَلْ فَالْمَاءُ كَافٍ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ لَكِنَّ الثَّانِيَ أَحْسَنُ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ قال وَمُرَادُ الْمُعَبِّرِينَ بِالْأَوَّلِ أَنَّ هذه سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ يُكْرَهُ تَرْكُهَا بِلَا عُذْرٍ وَبِهَذَا بَطَلَ ما اعْتَرَضَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ من أَنَّ عِبَارَةَ الرَّوْضَةِ لَيْسَتْ صَحِيحَةً وَمَعْنَاهَا فَإِنْ لم تَفْعَلْ فَالْمَاءُ كَافٍ عن الْحَدَثِ مع الْخُلُوِّ عن سُنَّةِ الِاتِّبَاعِ وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ كَافٍ عن السُّنَّةِ وَيُسْتَثْنَى مِمَّا ذَكَرَ الْمُحِدَّةُ فَلَا تُطَيِّبُ الْمَحِلَّ إلَّا بِقَلِيلِ قُسْطٍ أو أَظْفَارٍ لِقَطْعِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ في الْعَدَدِ وَاسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيُّ الْمُسْتَحَاضَةَ أَيْضًا فقال يَنْبَغِي لها أَنْ لَا تَسْتَعْمِلَهُ لِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِخُرُوجِ الدَّمِ فَيَجِبُ غُسْلُهُ
____________________
(1/70)
فَلَا يَبْقَى فيه فَائِدَةٌ انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ وَأَنْ لَا يَنْقُصَ فيه أَيْ في الْغُسْلِ عن صَاعٍ أَيْ أَرْبَعَةِ أَمْدَادٍ وفي الْوُضُوءِ عن مُدٍّ أَيْ رَطْلٍ وَثُلُثٍ بَغْدَادِيٍّ تَقْرِيبًا كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَذَلِكَ لِخَبَرِ كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ فَعُلِمَ أَنَّ مَاءَهُمَا لَا يَجِبُ تَقْدِيرُهُ فَلَوْ نَقَصَ وَأَسْبَغَ كَفَى فَفِي خَبَرِ أبي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَوَضَّأَ بِإِنَاءٍ فيه قَدْرُ ثُلُثَيْ مُدٍّ قال الشَّافِعِيُّ قد يُرْفَقُ بِالْقَلِيلِ فَيَكْفِي وَيُخْرَقُ بِالْكَثِيرِ فَلَا يَكْفِي وَمَحِلُّ سَنِّ الْمُدِّ وَالصَّاعِ كما قال ابن عبد السَّلَامِ فِيمَنْ حَجْمُهُ كَحَجْمِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِلَّا فَيُعْتَبَرُ بِالنِّسْبَةِ زِيَادَةً وَنَقْصًا وَالتَّعْبِيرُ بِأَنْ لَا يَنْقُصَ مَاءُ الْوُضُوءِ عن مُدٍّ وَالْغُسْلِ عن صَاعٍ ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ وَكَثِيرٌ وَعَبَّرَ آخَرُونَ بِأَنَّهُ يُنْدَبُ الْمُدُّ وَالصَّاعُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُنْدَبُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِمَا قال ابن الرِّفْعَةِ وَيَدُلُّ له الْخَبَرُ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ لِأَنَّ الرِّفْقَ مَحْبُوبٌ لَكِنْ نَازَعَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِيمَا نَسَبَهُ لِلْأَصْحَابِ وأن يَسْتَصْحِبَ النِّيَّةَ ذِكْرًا في جَمِيعِ الْأَفْعَالِ لِمَا مَرَّ في الْوُضُوءِ وأن لَا يَغْتَسِلَ في مَاءٍ رَاكِدٍ وَلَوْ كَثِيرًا أو بِئْرٍ مُعَيَّنَةٍ كما في الْمَجْمُوعِ بَلْ يُكْرَهُ ذلك لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عن أبي هُرَيْرَةَ قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَغْتَسِلُ أحدكم في الْمَاءِ الدَّائِمِ وهو جُنُبٌ فَقِيلَ كَيْفَ يَفْعَلُ يا أَبَا هُرَيْرَةَ قال يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا قال في الْمَجْمُوعِ قال في الْبَيَانِ وَالْوُضُوءُ فيه كَالْغُسْلِ انْتَهَى
وهو مَحْمُولٌ على وُضُوءِ الْجُنُبِ وَإِنَّمَا كُرِهَ ذلك لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ في طَهُورِيَّةِ ذلك الْمَاءِ أو لِشَبَهِهِ بِالْمَاءِ الْمُضَافِ وَإِنْ كانت الْإِضَافَةُ لَا تُغَيِّرُهُ إذْ الْأَعْضَاءُ في الْأَغْلَبِ لَا تَخْلُو عن الْأَعْرَاقِ وَالْأَوْسَاخِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذلك في غَيْرِ الْمُسْتَبْحِرِ وَأَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الْغُسْلِ بِأَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا مع ما بَعْدَهُمَا كما في الْوُضُوءِ فَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَوْلَى من قَوْلِ الْأَصْلِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ في آخِرِهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ الْغُسْلَ يُخَالِفُ الْوُضُوءَ في ذلك وَلَيْسَ كَذَلِكَ قال فيه وَتَقَدَّمَ في صِفَةٍ لِوُضُوءِ سُنَنِ كَثِيرَةٍ تَدْخُلُ هُنَا وَجَازَ تَكَشُّفٌ له أَيْ لِلْغُسْلِ في خَلْوَةٍ أو بِحَضْرَةِ من يَجُوزُ نَظَرُهُ إلَى عَوْرَتِهِ وَالسِّتْرُ أَفْضَلُ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عن بَهْزِ بن حَكِيمٍ قُلْت يا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا ما نَأْتِي منها وما نَذَرُ قال احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا من زَوْجَتِك أو ما مَلَكَتْ يَمِينُك قُلْت أَرَأَيْت إذَا كان أَحَدُنَا خَالِيًا قال اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا منه من الناس أَمَّا غُسْلُهُ بِحَضْرَةِ من يَحْرُمُ نَظَرُهُ إلَى عَوْرَتِهِ فَلَا يَجُوزُ مع كَشْفِهَا كما لَا يَجُوزُ كَشْفُهَا في الْخَلْوَةِ بِلَا حَاجَةٍ وَيُسَنُّ تَرْتِيبٌ لِلْغُسْلِ على الْوَجْهِ الْآتِي لَا تَجْدِيدٌ له فَلَا يُسَنُّ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ يُسَنُّ تَجْدِيدُهُ إذَا صلى بِالْأَوَّلِ صَلَاةً ما لِأَنَّ مُوجِبَ الْوُضُوءِ أَغْلَبُ وُقُوعًا وَاحْتِمَالُ عَدَمِ الشُّعُورِ بِهِ أَقْرَبُ فَيَكُونُ الِاحْتِيَاطُ فيه أَهَمَّ وَرَوَى أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ خَبَرَ من تَوَضَّأَ على طُهْرٍ كُتِبَ له عَشْرُ حَسَنَاتٍ ثُمَّ بَيَّنَ تَرْتِيبَ الْغُسْلِ بِقَوْلِهِ فَيَبْدَأُ بَعْدَ الْوُضُوءِ بِأَعْضَائِهِ كما في الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا لِشَرَفِهَا ثُمَّ بِالرَّأْسِ ثُمَّ أَعْلَى الْبَدَنِ بِأَنْ يُفِيضَ الْمَاءَ على كُلٍّ منها مُبْتَدِئًا بِالْأَيْمَنِ من كُلٍّ منها كما مَرَّ وَلَوْ قال ثُمَّ الْبَدَنِ مُبْتَدِئًا بِأَعْلَى ذلك كان أَوْلَى مع أَنَّ التَّرْتِيبَ قد عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فَلَوْ قال ثُمَّ بَعْدَ قَوْلِهِ وَذَلِكَ مُبْتَدِئًا بِالْأَعْلَى كان أَخْصَرَ وَأَوْلَى وَإِنْ أَحْدَثَ في أَثْنَائِهِ أَيْ الْغُسْلِ أَتَمَّ وَتَوَضَّأَ إنْ أَحْدَثَ بَعْدَ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَإِلَّا غَسَلَ منها بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ ما أَحْدَثَ بَعْدَهُ منها كما مَرَّ وَنُدِبَ لِمَنْ يَغْتَسِلُ من إنْزَالِ الْمَنِيِّ الْبَوْلُ قَبْلَهُ أَيْ قبل الْغُسْلِ وَمُرَادُهُ لِيُوَافِقَ أَصْلَهُ وَغَيْرَهُ أَنَّهُ يُنْدَبُ الْغُسْلُ بَعْدَ الْبَوْلِ لِئَلَّا يَخْرُجَ بَعْدَهُ مَنِيٌّ وَعُلِمَ بِنَدْبِ ذلك جَوَازُ عَكْسِهِ وَبِهِ صَرَّحَ في الرَّوْضَةِ وَلَوْ بَقِيَتْ شَعْرَةٌ لم تُغْسَلْ فَنَتَفَهَا يَعْنِي أَزَالَهَا بِنَتْفٍ أو غَيْرِهِ وَجَبَ غَسْلُ ما تَحْتَهَا وَإِنْ كان الْمَاءُ وَصَلَ إلَى أَصْلِهَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْغَسْلُ وَالْقَطْعُ ليس بِغَسْلٍ وَإِنْ اغْتَسَلَ جُنُبٌ يوم جُمُعَةٍ أو عِيدٍ مَثَلًا لِلْفَرْضِ لم يَحْصُلْ النَّفَلُ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْفَرْضُ فَقَطْ كَعَكْسِهِ عَمَلًا بِمَا نَوَاهُ وَإِنَّمَا لم يَنْدَرِجْ النَّفَلُ في الْفَرْضِ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فَأَشْبَهَ سُنَّةَ الظُّهْرِ مع فَرْضِهِ وَفَارَقَ ما لو نَوَى بِصَلَاتِهِ الْفَرْضَ دُونَ التَّحِيَّةِ حَيْثُ تَحْصُلُ التَّحِيَّةُ وَإِنْ لم يَنْوِهَا بِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ إشْغَالُ الْبُقْعَةِ وقد حَصَلَ وَلَيْسَ الْقَصْدُ هُنَا النَّظَافَةَ فَقَطْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ عِنْدَ عَجْزِهِ عن الْمَاءِ وَإِنْ وَجَبَ عليه فَرْضَانِ كَغُسْلَيْ جَنَابَةٍ وَحَيْضٍ كَفَاهُ الْغُسْلُ لِأَحَدِهِمَا كَنَفْلَيْنِ نَحْوُ غُسْلَيْ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ وَلَا يَضُرُّ التَّشْرِيكُ بِخِلَافِ نَحْوِ الظُّهْرِ مع سُنَّتِهِ لِأَنَّ مَبْنَى الطَّهَارَةِ على التَّدَاخُلِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ كَعَكْسِهِ
إلَخْ من زِيَادَتِهِ
____________________
(1/71)
فَصْلٌ الْحَمَّامُ أَيْ دُخُولُهُ لِلْغُسْلِ فيه مُبَاحٌ ولكن يُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ بِلَا عُذْرٍ لِخَبَرِ ما من امْرَأَةٍ تَخْلَعُ ثِيَابَهَا في غَيْرِ بَيْتِهَا إلَّا هَتَكَتْ ما بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَلِمَا رَوَى أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ وَسَتَجِدُونَ فيها بُيُوتًا يُقَالُ لها الْحَمَّامَاتُ فَلَا يَدْخُلَنَّهَا الرِّجَالُ إلَّا بِالْأُزُرِ وَامْنَعُوهَا النِّسَاءَ إلَّا مَرِيضَةً أو نُفَسَاءَ وَلِأَنَّ أَمْرَهُنَّ مَبْنِيٌّ على الْمُبَالَغَةِ في التَّسَتُّرِ وَلِمَا في خُرُوجِهِنَّ وَاجْتِمَاعِهِنَّ من الْفِتْنَةِ وَالشَّرِّ وَالْخَنَاثَى كَالنِّسَاءِ فِيمَا يَظْهَرُ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَزِيدَ في الْمَاءِ على الْحَاجَةِ وَآدَابُهُ أَيْ دَاخِلُ الْحَمَّامِ قَصْدُ التَّنْظِيفِ وَالتَّطْهِيرِ الدَّاخِلِ في التَّنْظِيفِ أو الْمَفْهُومِ بِالْأَوْلَى لَا التَّرَفُّهُ وَالتَّنَعُّمُ وَتَسْلِيمُ الْأُجْرَةِ أَوَّلًا أَيْ قبل دُخُولِهِ وَالتَّسْمِيَةُ لِلدُّخُولِ ثُمَّ التَّعَوُّذُ كان يقول بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ أَعُوذُ بِاَللَّهِ من الرِّجْسِ النَّجِسِ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَيُقَدِّمُ في دُخُولِهِ يَسَارَهُ وفي خُرُوجِهِ يَمِينَهُ كما مَرَّ في الِاسْتِنْجَاءِ وَيَذْكُرُ بِحَرِّهِ النَّارَ وَالْجَنَّةَ وَاقْتَصَرَ في الْمَجْمُوعِ على ذِكْرِ النَّارِ فقال وَأَنْ يَذْكُرَ بِحَرَارَتِهِ حَرَارَةَ نَارِ جَهَنَّمَ لِشَبَهِهِ بها وَرُجُوعُهُ أَيْ آدَابُهُ ما ذَكَرَ وَرُجُوعُهُ عن عُرْيَانَ فيه فإذا رَأَى فيه عُرْيَانَا لَا يَدْخُلُهُ بَلْ يَرْجِعُ وَتَرْكُ الْمَاءِ الْحَارِّ إلَى أَنْ يَعْرَقَ وَالصَّمْتُ عِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ وَأَنْ لَا يُعَجِّلَ بِدُخُولِ الْبَيْتِ الْحَارِّ حتى يَعْرَقَ في الْأَوَّلِ وَأَنْ لَا يُكْثِرَ الْكَلَامَ وَأَنْ يَدْخُلَ وَقْتَ الْخَلْوَةِ أو يَتَكَلَّفَ إخْلَاءَ الْحَمَّامِ فإنه وَإِنْ لم يَكُنْ فيه إلَّا أَهْلُ الدِّينِ فَالنَّظَرُ إلَى الْأَبْدَانِ مَكْشُوفَةً فيه شَوْبٌ من قِلَّةِ الْحَيَاءِ وهو مُذَكِّرٌ لِلْفِكْرِ في الْعَوْرَاتِ ثُمَّ لَا يَخْلُو الناس في الْحَرَكَاتِ عن انْكِشَافِ الْعَوْرَاتِ فَيَقَعُ عليها الْبَصَرُ وإذا خَرَجَ منه اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَقَدْ كَانُوا يَقُولُونَ يَوْمُ الْحَمَّامِ يَوْمُ إثْمٍ وَيَشْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى إذَا فَرَغَ على هذه النِّعْمَةِ وَهِيَ النَّظَافَةُ وَكُرِهَ دُخُولُهُ قُبَيْلَ الْمَغْرِبِ وَبَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ وَدُخُولُهُ لِلصَّائِمِ ذَكَرَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وكره من جِهَةِ الطِّبِّ صَبُّ الْمَاءِ الْبَارِدِ على الرَّأْسِ وَشُرْبُهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ منه فِيهِمَا لَا دَلْكُ غَيْرِهِ لِمُبَاحٍ عِبَارَةُ التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وَلَا بَأْسَ بِدَلْكِ غَيْرِهِ إلَّا عَوْرَةً أو مَظِنَّةَ شَهْوَةٍ وقال في الْمَجْمُوعِ وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ عَافَاك اللَّهُ وَلَا بِالْمُصَافَحَةِ وَهَذَا الْفَصْلُ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ أَخَذَهُ من الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ ما عَدَا إبَاحَةَ دُخُولِ الْحَمَّامِ لِلنِّسَاءِ وَكَرَاهَتَهُ لَهُنَّ بِلَا عُذْرٍ فَقَدْ ذَكَرَهُمَا في الرَّوْضَةِ في الْجِزْيَةِ كِتَابُ التَّيَمُّمِ هو لُغَةً الْقَصْدُ يُقَالُ تَيَمَّمْت فُلَانًا وَيَمَّمْته وَتَأَمَّمْته وَأَمَّمْته أَيْ قَصَدْته وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ منه تُنْفِقُونَ وَشَرْعًا إيصَالُ التُّرَابِ إلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ وَخُصَّتْ بِهِ هذه الْأُمَّةُ وهو رُخْصَةٌ وَقِيلَ عَزِيمَةٌ وَأَجْمَعُوا على أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَإِنْ كان الْحَدَثُ أَكْبَرَ وَالْأَصْلُ فيه قبل الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أو على سَفَرٍ إلَى قَوْلِهِ فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا أَيْ تُرَابًا طَاهِرًا وَقِيلَ تُرَابًا حَلَالًا وَخَبَرُ مُسْلِمٍ جُعِلَتْ لنا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا وَغَيْرُهُ من الْأَخْبَارِ الْآتِي بَعْضُهَا وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ فِيمَا يُبِيحُهُ وهو الْعَجْزُ عن اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ بِتَعَذُّرِهِ أو تَعَسُّرِهِ لِخَوْفِ ضَرَرٍ ظَاهِرٍ وَأَسْبَابُ الْعَجْزِ سَبْعَةٌ هذا ما في الْأَصْلِ وَالْمُصَنِّفِ كَالْمِنْهَاجِ جَعَلَ الْمُبِيحَ السَّبْعَةَ نَظَرًا لِلظَّاهِرِ فقال وهو سَبْعَةٌ الْأَوَّلُ فَقْدُ الْمَاءِ فَإِنْ تَيَقَّنَ فَقْدَهُ حَوْلَهُ فَلَا طَلَبَ عليه لِأَنَّهُ عَبَثٌ وَإِلَّا بِأَنْ جَوَّزَ وُجُودَهُ وَجَبَ عليه طَلَبُهُ في الْوَقْتِ أو طَلَبُ مَأْذُونِهِ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فلم تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا وَلَا يُقَالُ لم يَجِدْ إلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ مع إمْكَانِهَا بِالْمَاءِ وَلَا قبل الْوَقْتِ لَا غَيْرُهُ أَيْ غَيْرُ مَأْذُونِهِ فَلَا يَكْفِي طَلَبُهُ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لو تَيَمَّمَ أو طَلَبَ قبل الْوَقْتِ أو شَاكًّا فيه لم يَصِحَّ وَبِهِ صَرَّحَ بَعْدُ نعم كَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُشْعِرُ بِجَوَازِ تَقْدِيمِ الْإِذْنِ في الطَّلَبِ عليه قال في الْمُهِمَّاتِ وهو مُتَّجِهٌ انْتَهَى
وَصُورَتُهُ أَنْ يَأْذَنَ له قبل الْوَقْتِ لِيَطْلُبَ له فيه أو يُطْلَقُ لَا لِيَطْلُبَ له قَبْلَهُ
____________________
(1/72)
كَنَظِيرِهِ في الْمُحْرِمِ يُوَكِّلُ رَجُلًا لِيَعْقِدَ له النِّكَاحَ وإذا طَلَبَ في الْوَقْتِ ولم يَتَيَمَّمْ عَقِبَ الطَّلَبِ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ لِمَا فيه من الْمَشَقَّةِ بِخِلَافِ ما إذَا طَلَبَ قَبْلَهُ فإنه مُفَرِّطٌ بِالطَّلَبِ في غَيْرِ وَقْتِهِ فَيَطْلُبُهُ بِأَنْ يُفَتِّشَ رَحْلَهُ ثُمَّ يَنْظُرَ حَوَالَيْهِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَأَمَامًا وَخَلْفًا إنْ كان في مُسْتَوٍ من الْأَرْضِ وَيَتَأَمَّلَ مَوْضِعَ الْخُضْرَةِ وَالطَّيْرِ بِأَنْ يَخُصَّهُ بِمَزِيدِ احْتِيَاطٍ وإن كان في غَيْرِ مُسْتَوٍ كَأَنْ كان في وَهْدَةٍ أو جَبَلٍ تَرَدَّدَ إنْ أَمِنَ نَفْسًا وَمَالًا وَعُضْوًا وَاخْتِصَاصًا مُحْتَرَمَاتٍ وَانْقِطَاعَاتٍ عن الرُّفْقَةِ ولم يَضِقْ الْوَقْتُ عن تِلْكَ الصَّلَاةِ فَإِنْ لم يَأْمَنْ ما ذَكَرَهُ أو ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ بِأَنْ لم يَبْقَ منه إلَّا ما يَسَعُهَا لم يَجِبْ التَّرَدُّدُ لِلضَّرَرِ وَلِلْوَحْشَةِ في انْقِطَاعِهِ وَإِخْرَاجُ بَعْضِ الصَّلَاةِ عن وَقْتِهَا سَوَاءٌ كَثُرَ الْمَالُ أَمْ قَلَّ وَحَذْفُ مَعْمُولِ أَمِنَ لِيَشْمَلَ ما قُلْنَاهُ فَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَوْلَى من تَقْيِيدِ الْأَصْلِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَقَوْلِهِ ولم يَضِقْ الْوَقْتُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْبَارِزِيُّ وَحَيْثُ طَلَبَ الْمَاءَ فَإِنَّمَا يَطْلُبُهُ من مَحِلٍّ يُتَوَهَّمُ وُجُودُهُ فيه وإذا وَجَبَ تَرَدُّدُهُ فِيمَا ذَكَرَ تَرَدَّدَ إلَى حَدٍّ تُسْمَعُ اسْتِغَاثَتُهُ بِأَنْ يَسْمَعَهَا رُفْقَتُهُ مع ما الرُّفْقَةُ فيه بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا من تَشَاغُلِهِمْ بِأَشْغَالِهِمْ وَتَفَاوُضِهِمْ في أَقْوَالِهِمْ وَيَخْتَلِفُ ذلك بِاسْتِوَاءِ الْأَرْضِ وَاخْتِلَافِهَا صُعُودًا وَهُبُوطًا وَيُسَمَّى ذلك حَدَّ الْغَوْثِ قال في الْمَجْمُوعِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَدُورَ الْحَدُّ الْمَذْكُورُ لِأَنَّ ذلك أَكْثَرُ ضَرَرًا عليه من إتْيَانِ الْمَاءِ في الْمَوْضِعِ الْبَعِيدِ بَلْ الْمُرَادُ أَنْ يَصْعَدَ جَبَلًا أو نَحْوَهُ بِقُرْبِهِ ثُمَّ يَنْظُرَ حَوَالَيْهِ انْتَهَى فَإِنْ كان هذا مُرَادُ من عَبَّرَ بِالتَّرَدُّدِ إلَيْهِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَبَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ بِخِلَافِ وَاجِدِ الْمَاءِ لو خَافَ الْفَوَاتَ أَيْ فَوَاتِ الْوَقْتِ إنْ تَوَضَّأَ فإنه لَا يَتَيَمَّمُ لِأَنَّهُ ليس بِفَاقِدٍ لِلْمَاءِ ثُمَّ إذَا تَيَمَّمَ لَا يُجَدِّدُ طَلَبًا أَيْ لَا يَلْزَمُهُ تَجْدِيدُهُ لِتَيَمُّمٍ آخَرَ إلَّا إنْ تَوَهَّمَ وُجُودَ الْمَاءِ ولم يَجْرِ أَمْرٌ يُحْتَمَلُ بِسَبَبِهِ وُجُودُهُ فَيَلْزَمُهُ التَّجْدِيدُ ولكن يَكُونُ طَلَبُهُ الْمُجَدَّدُ أَخَفَّ من طَلَبِهِ الْأَوَّلِ وَإِنْ جَرَى أَمْرٌ يُحْتَمَلُ بِسَبَبِهِ وُجُودُ الْمَاءِ كَأَنْ انْتَقَلَ من مَكَانِهِ أو طَلَعَ رَكْبٌ أو سَحَابَةٌ أَعَادَ الطَّلَبَ أَيْضًا لَكِنْ لَا يَكُونُ الثَّانِي أَخَفَّ من الْأَوَّلِ وَسَوَاءٌ في هذا كُلِّهِ تَخَلَّلَ بين التَّيَمُّمَيْنِ زَمَنٌ أَمْ لَا وَيُنَادِي في الرُّفْقَةِ أَيْ رُفْقَةِ مَنْزِلِهِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ بِحَيْثُ يَعُمُّهُمْ إلَّا أَنْ يَضِيقَ وَقْتُ تِلْكَ الصَّلَاةِ من معه مَاءٌ أو من يَجُودُ بِالْمَاءِ أو نَحْوِهِ فَلَا يَجِبُ أَنْ يَطْلُبَ من كُلٍّ منهم بِعَيْنِهِ وَيَكْفِي أَنْ تَأْذَنَ الرُّفْقَةُ لِوَاحِدٍ ثِقَةٍ يَطْلُبُ لهم وَلَوْ عَبَّرَ كَأَصْلِهِ بَدَلَ قَوْلِهِ لِوَاحِدٍ بِثِقَةٍ كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ فَإِنْ تَيَقَّنَهُ أَيْ وُجُودَ الْمَاءِ بِحَدِّ الْقُرْبِ وهو ما يَقْصِدُهُ الرُّفْقَةُ لِلِاحْتِطَابِ وَنَحْوِهِ كَالِاحْتِشَاشِ وهو فَوْقَ حَدِّ الْغَوْثِ الذي يَقْصِدُهُ عِنْدَ التَّوَهُّمِ قال محمد بن يحيى لَعَلَّهُ يَقْرَبُ من نِصْفِ فَرْسَخٍ وَجَبَ الطَّالِبُ منه إنْ أَمِنَ مع ما مَرَّ الْفَوَاتَ أَيْ فَوَاتَ الْوَقْتِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ تَيَقَّنَ وُجُودَهُ فَوْقَ حَدِّ الْقُرْبِ أو بِحَدِّهِ لَكِنْ لم يَأْمَنْ ما ذَكَرَ فَلَا يَجِبُ الطَّلَبُ لِمَا فيه من الْمَشَقَّةِ وَالضَّرَرِ قال في الْمَجْمُوعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ قَدْرًا يَجِبُ بَذْلُهُ في تَحْصِيلِ الْمَاءِ ثَمَنًا أو أُجْرَةً أَيْ فَيَجِبُ الطَّلَبُ مع خَوْفِ ضَرَرِهِ وما شَمِلَهُ قَوْلُهُ الْمُصَنِّفُ وَإِلَّا فَلَا من أَنَّهُ لو انْتَهَى إلَى الْمَنْزِلِ في آخِرِ الْوَقْتِ وَلَوْ طَلَبَ الْمَاءَ خَرَجَ الْوَقْتُ لم يَجِبْ طَلَبُهُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وقال الرَّافِعِيُّ يَجِبُ طَلَبُهُ كما لو كان في رَحْلِهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا نَقَلَ ما قَالَهُ عن مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ بِحَسَبِ ما فَهِمَهُ وزاد النَّوَوِيُّ نَقْلَهُ عن ظَاهِرِ نَصِّ الْأُمِّ وَغَيْرِهِ وقال السُّبْكِيُّ إنَّهُ الْحَقُّ وَمَنْ تَيَقَّنَ الْمَاءَ أَيْ وُجُودَهُ آخِرَ الْوَقْتِ فَانْتِظَارُهُ أَفْضَلُ من تَعْجِيلِ التَّيَمُّمِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ هو الْأَصْلُ وَالْأَكْمَلُ وَلِأَنَّ فَضِيلَةَ
____________________
(1/73)
الصَّلَاةِ وَلَوْ آخِرَ الْوَقْتِ أَبْلَغُ منها بِالتَّيَمُّمِ أَوَّلَهُ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا إلَى آخِرِ الْوَقْتِ جَائِزٌ مع الْقُدْرَةِ على أَدَائِهَا أَوَّلَهُ وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مع الْقُدْرَةِ على الْوُضُوءِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَمَحِلُّهُ إذَا تَيَقَّنَهُ في غَيْرِ مَنْزِلِهِ الذي هو فيه أَوَّلَ الْوَقْتِ وَإِلَّا وَجَبَ التَّأْخِيرُ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ كُلَّهُ مَحِلُّ الطَّلَبِ فَلَا وَجْهَ لِمَنْ أَطْلَقَ اسْتِحْبَابَ التَّأْخِيرِ من أَصْحَابِنَا وَإِلَّا بِأَنْ تَيَقَّنَ عَدَمَهُ آخِرَ الْوَقْتِ أو ظَنَّهُ أو شَكَّ فيه أو تَوَهَّمَهُ فَالتَّعْجِيلُ أَفْضَلُ لِتَحَقُّقِ فَضِيلَتِهِ دُونَ فَضِيلَةِ الْوُضُوءِ وَفَارَقَ نَدْبَ التَّأْخِيرِ فِيمَنْ رَجَا زَوَالَ عُذْرِهِ الْمُسْقِطِ لِلْجُمُعَةِ قبل فَوَاتِهَا بِأَنَّ الْجُمُعَةَ تُفْعَلُ أَوَّلَ الْوَقْتِ غَالِبًا وَتَأْخِيرُ الظُّهْرِ إلَى فَوَاتِهَا ليس بِفَاحِشٍ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ مع أَنَّ رَاجِيَ الْمَاءِ لَا حَدَّ لِتَأْخِيرِهِ فَيَلْزَمُ منه التَّأْخِيرُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ وَيَخَافُ معه فَوَاتَ الصَّلَاةِ كَمَرِيضٍ عَجَزَ عن الْقِيَامِ مَثَلًا وَعَارٍ عَجَزَ عن السُّتْرَةِ فَإِنَّهُمَا إنْ تَيَقَّنَّا الْقُدْرَةَ عَلَيْهِمَا آخِرَ الْوَقْتِ فَالْأَفْضَلُ أَنَّهُمَا يَنْتَظِرَانِ الْقُدْرَةَ وَالسُّتْرَةَ آخِرَهُ وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ التَّعْجِيلُ فَفِي كَلَامِهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مع أَنَّهُ لو اقْتَصَرَ على الْقُدْرَةِ كَفَى وَإِدْخَالُ الْكَافِ على الْمَرِيضِ من زِيَادَتِهِ فَيَشْمَلُ كَلَامُهُ من بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ أو نَحْوُهُ فَيَنْظُرُ فيه هل يَرْجُو الِانْقِطَاعَ أو لَا وما مَرَّ في التَّيَمُّمِ مَحِلُّهُ في الْمُسَافِرِ أَمَّا الْمُقِيمُ فَلَا يَتَيَمَّمُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى إلَى الْمَاء وَإِنْ فَاتَ بِهِ الْوَقْتُ قال في الْأَصْلِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ من الْقَضَاءِ أَيْ لِتَيَمُّمِهِ مع الْقُدْرَةِ على اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَلَا يُرَدُّ جَوَازُ التَّيَمُّمِ لِلْبَرْدِ مع وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَيُؤْخَذُ من التَّعْلِيلِ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ فِيمَا إذَا خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ لو سَعَى إلَى الْمَاءِ جَرَى على الْغَالِبِ وَإِنَّ الْحُكْمَ مَنُوطٌ بِمَنْ هو بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فيه وُجُودُ الْمَاءِ كما سَيَأْتِي إيضَاحُهُ وَالْأَفْضَلُ لِلْمُنْفَرِدِ الرَّاجِي يَقِينًا لِلْجَمَاعَةِ آخِرَ الْوَقْتِ التَّأْخِيرُ إنْ لم يُفْحَشْ عُرْفًا فَإِنْ لم يَرْجُهَا أو رَجَاهَا مع فُحْشِ التَّأْخِيرِ فَالتَّقْدِيمُ أَفْضَلُ وَقَوْلُهُ إنْ لم يُفْحَشْ بَحْثٌ لِلنَّوَوِيِّ فإنه قال قَطَعَ مُعْظَمُ الْعِرَاقِيِّينَ بِأَنَّ التَّأْخِيرَ أَفْضَلُ وَمُعْظَمُ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِأَنَّ التَّقْدِيمَ أَفْضَلُ وقال جَمَاعَةٌ هو كَالتَّيَمُّمِ فَإِنْ تَيَقَّنَ الْجَمَاعَةَ آخِرَ الْوَقْتِ فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ إلَى آخِرِهِ ثُمَّ قال وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَسَّطَ فَيُقَالُ إنْ فَحُشَ التَّأْخِيرُ فَالتَّقْدِيمُ أَفْضَلُ وَإِنْ خَفَّ فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ وَهَذَا جَعَلَهُ في الْمَجْمُوعِ احْتِمَالًا فإنه نَقَلَ أَوَّلًا الْكَلَامَ السَّابِقَ ثُمَّ اخْتَارَ أَنَّهُ إنْ تَيَقَّنَ حُصُولَ الْجَمَاعَةِ فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ لِتَحْصِيلِ شِعَارِهَا الظَّاهِرِ وَلِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ على الصَّحِيحِ وَفَرْضُ عَيْنٍ على وَجْهٍ ثُمَّ قال وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنْ فَحُشَ التَّأْخِيرُ فَالتَّقْدِيمُ أَفْضَلُ وَإِنْ خَفَّ فَالِانْتِظَارُ أَفْضَلُ ثُمَّ مَحِلُّ الْخِلَافِ في هذه وفي نَظِيرَتِهَا السَّابِقَةِ إذَا اقْتَصَرَ على أَحَدِهِمَا فَإِنْ صَلَّاهَا الْمُتَيَمِّمُ أو الْمُنْفَرِدُ أَوَّلَ الْوَقْتِ ثُمَّ أَعَادَهَا آخِرَهُ بِالْوُضُوءِ وَالْجَمَاعَةِ فَهُوَ النِّهَايَةُ في إحْرَازِ الْفَضِيلَةِ وَاعْتَرَضَ ابن الرِّفْعَةِ في صُورَةِ التَّيَمُّمِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ بِهِ لَا يُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا بِالْوُضُوءِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ هذا فِيمَنْ لَا يَرْجُو الْمَاءَ بَعْدُ بِقَرِينَةِ سِيَاقِ الْكَلَامِ وَلِلْمُسَافِرِ الْقَصْرُ وَإِنْ تَيَقَّنَ الْإِقَامَةَ آخِرَهُ أَيْ آخِرَ الْوَقْتِ لِوُجُودِ السَّبَبِ حين الْفِعْلِ وَإِدْرَاكُ الْجَمَاعَةِ أَوْلَى من تَثْلِيثِ الْوُضُوءِ وَسَائِرِ آدَابِهِ فَلَوْ خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ لو أَكْمَلَ الْوُضُوءَ بِآدَابِهِ فَإِدْرَاكُهَا أَوْلَى من إكْمَالِهِ كَذَا جَزَمَ بِهِ في التَّحْقِيقِ وَنَقَلَهُ في الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ عن صَاحِبِ الْفُرُوعِ ثُمَّ قال وَفِيهِ نَظَرٌ وَرُدَّ النَّظَرُ بِأَنَّ الْجَمَاعَةَ فَرْضُ كِفَايَةٍ بَلْ قِيلَ فَرْضُ عَيْنٍ وَهُمَا أَفْضَلُ من النَّفْلِ وَإِدْرَاكُ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ لَا غَيْرِهَا من الرَّكَعَاتِ أَوْلَى من إدْرَاكِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ لِيُدْرِكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ غَيْرِ الْأَخِيرَةِ فإن إدْرَاكَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْلَى من إدْرَاكِهِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ في الْأَمْرِ بِإِتْمَامِهِ وَفَضْلِهِ وَالِازْدِحَامِ عليه وَالِاسْتِهَامِ ذَكَرَ ذلك في الْمَجْمُوعِ تَفَقُّهًا وَلِلْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ ذَكَرَ الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ بَعْضَهَا وفي بَعْضِ ما ذَكَرَهُ نَظَرٌ نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ وَلَا يَلْزَمُ الْبَدْوِيَّ النَّقْلَةُ لِلْمَاءِ أَيْ لِلتَّطَهُّرِ بِهِ عن التَّيَمُّمِ وَقَوْلُهُ وَإِدْرَاكُ الرَّكْعَةِ إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ وَلَا يَنْتَظِرُ مُزَاحِمٌ على بِئْرٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَقِيَ منها إلَّا وَاحِدٌ وَاحِدٌ وقد تَنَاوَبَهَا جَمْعٌ أو ثَوْبٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَلْبَسَهُ إلَّا وَاحِدٌ وَاحِدٌ وقد تَنَاوَبَهُ عُرَاةٌ أو مَقَامٌ لَا يَسَعُ إلَّا قَائِمًا وَاحِدًا وقد تَنَاوَبَهُ جَمْعٌ لِلصَّلَاةِ فيه نَوْبَةً له إنْ عَلِمَ انْتِهَاءَهَا إلَيْهِ بَعْدَ الْوَقْتِ بَلْ يُصَلِّي فيه بِتَيَمُّمٍ أو عَارِيًّا أو قَاعِدًا وَلَا إعَادَةَ
____________________
(1/74)
عليه لِأَنَّهُ عَاجِزٌ في الْحَالِ وَجِنْسُ عُذْرِهِمْ غَيْرُ نَادِرٍ وَالْقُدْرَةُ بَعْدَ الْوَقْتِ لَا تُؤَثِّرُ كما في الْعَاجِزِ عن الْقِيَامِ وَعَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ في الْوَقْتِ مع غَلَبَةِ ظَنِّ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِمَا بَعْدَهُ بِخِلَافِ ما لو تَنَجَّسَ ثَوْبُهُ وكان معه مَاءٌ لو اشْتَغَلَ بِغُسْلِهِ بِهِ خَرَجَ الْوَقْتُ فإنه يَجِبُ انْتِظَارُهُ لِأَنَّ الْبِئْرَ وَالثَّوْبَ وَالْمَقَامَ هُنَا لَيْسَتْ في قَبْضَتِهِ وَالثَّوْبُ ثَمَّ في قَبْضَتِهِ فَيَنْتَظِرُ كما لو كان معه مَاءٌ يَتَوَضَّأُ بِهِ أو يَغْتَرِفُهُ من بِئْرٍ وَلَا مُزَاحِمَ له وَضَاقَ الْوَقْتُ فإنه يَنْتَظِرُ وَلَا يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ وَيَنْتَظِرُهَا أَيْ نَوْبَتَهُ إذَا تَوَقَّعَ انْتِهَاءَهَا إلَيْهِ في الْوَقْتِ لِيُصَلِّيَ مُتَوَضِّئًا وَمَسْتُورًا وَقَائِمًا وَعَلَيْهِ شِرَاءُ مَاءٍ لَا يَكْفِيهِ لِطَهَارَتِهِ لِيَسْتَعْمِلَ ه وَلَوْ كان اسْتِعْمَالُهُ لِمَيِّتٍ وَإِنْ لم يَجِدْ تُرَابًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إذَا أَمَرَتْكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ وَلِأَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ وكان الْأَنْسَبُ بِالْغَايَةِ أَنْ يَقُولَ وَإِنْ وَجَدَ تُرَابًا وَقَوْلُهُ وَلَوْ لِمَيِّتٍ من زِيَادَتِهِ وَيُقَدِّمُ الْمَاءَ على التُّرَابِ وُجُوبًا في الِاسْتِعْمَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فلم تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا وَهَذَا وَاجِدٌ لِلْمَاءِ وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ لِلضَّرُورَةِ فَيَخْتَصُّ بِمَحِلِّهَا كَمَسْحِ الْجَبِيرَةِ وَفَارَقَ ذلك عَدَمَ وُجُوبِ إعْتَاقِ بَعْضِ الرَّقَبَةِ في الْكَفَّارَةِ بِالنَّصِّ حَيْثُ قال ثَمَّ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ لم يَجِدْ أَيْ لِرَقَبَةٍ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ وَهَذَا لم يَجِدْهَا وقال هُنَا فلم تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا وَهَذَا وَاجِدُهُ وَبِأَنَّ في وُجُوبِ بَعْضِ الرَّقَبَةِ مع الشَّهْرَيْنِ جَمْعًا بين الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ وهو غَيْرُ لَازِمٍ وَالتَّيَمُّمُ يَقَعُ عن غَيْرِ الْمَغْسُولِ خَاصَّةً وَبِأَنَّ عِتْقَ بَعْضِ الرَّقَبَةِ لَا يُفِيدُ غير ما أَفَادَهُ الصَّوْمُ وَغُسْلُ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ يُفِيدُ ما لَا يُفِيدُهُ التَّيَمُّمُ وهو رَفْعُ حَدَثِ الْعُضْوِ الْمَغْسُولِ وَالْمُحْدِثُ الْوَاجِدُ لِمَاءٍ لَا يَكْفِيهِ يُرَتِّبُ كما لو وَجَدَ ما يَكْفِيهِ لَا الْجُنُبُ الْوَاجِدُ لِذَلِكَ فَلَا تَرْتِيبَ عليه وَإِنْ كان مُحْدِثًا كما لو وَجَدَ مَاءً يَكْفِيهِ لِانْدِرَاجِ الْحَدَثِ في الْجَنَابَةِ ولكن أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ أَوْلَى بِالْغُسْلِ لِشَرَفِهَا قال في الْمَجْمُوعِ قال أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِمَوَاضِع الْوُضُوءِ وَرَأْسِهِ وَأَعَالِي بَدَنِهِ وَأَيُّهُمَا أَوْلَى فيه خِلَافٌ نَقَلَ صَاحِبَا الْبَحْرِ وَالْبَيَانِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِرَأْسِهِ وَأَعَالِيهِ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ بِاسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَالرَّأْسِ وَالْمُخْتَارُ تَقْدِيمُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ ثُمَّ الرَّأْسِ ثُمَّ الشِّقِّ الْأَيْمَنِ كما يَفْعَلُ من يَغْسِلُ كُلَّ بَدَنِهِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لِلْبَاقِي وَكَالْجُنُبِ فِيمَا ذَكَرَ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ وَيَجِبُ اسْتِعْمَالُ وَشِرَاءُ تُرَابٍ نَاقِصٍ في التَّيَمُّمِ واستعمال وَشِرَاءُ مَاءٍ نَاقِصٍ في بَعْضِ النَّجَاسَةِ لِمَا مَرَّ في مَاءِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ لَا ثَلْجَ أو بَرَدَ لَا يَذُوبُ فَلَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ لِعَدَمِ صُلُوحِهِ لِلْغُسْلِ الْوَاجِبِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُحْدِثَ اسْتِعْمَالُهُ في رَأْسِهِ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ فَلَا يَصِحُّ مَسْحُ الرَّأْسِ مع بَقَاءِ فَرْضِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ التَّيَمُّمُ مع وُجُودِ ما يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ الْمَسْحُ بِهِ في الرَّأْسِ فَيَتَيَمَّمُ عن الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِ الرَّأْسَ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ عن الرِّجْلَيْنِ وَلَا يُؤَثِّرُ هذا الْمَاءُ في صِحَّةِ التَّيَمُّمِ لِلْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا قال في الْمَجْمُوعِ وَهَذَا أَقْوَى في الدَّلِيلِ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ وَالْمَحْذُورُ يَزُولُ بِمَا ذَكَرَ وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ النَّاقِصِ عن تَكْمِيلِ الطُّهْرِ وَبِتَوَهُّمِهِ كما في الْكَامِلِ وَهَذَا مَعْلُومٌ من كَلَامِهِ الْآتِي في الْبَابِ الثَّالِثِ وَتَعَيَّنَ لِلنَّجَاسَةِ مَاءٌ قَلِيلٌ لَا يَكْفِي إلَّا لها أو لِلْحَدَثِ فِيمَا إذَا وَجَدَهُ مُحْدِثٌ حَدَثًا أَصْغَرَ أو أَكْبَرَ مُتَنَجِّس لِأَنَّ إزَالَتَهَا لَا بَدَلَ لها بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَلِيلَ يَتَعَيَّنُ لها وَإِنْ لم يَكْفِهَا سَوَاءٌ أَكَفَى الْحَدَثَ أَمْ لَا كما شَمِلَهُ كَلَامُهُ وَمَحِلُّ تَعَيُّنِهِ لها في الْمُسَافِرِ أَمَّا الْحَاضِرُ فَلَا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ من الْإِعَادَةِ نعم النَّجَاسَةُ أَوْلَى ذَكَرَ ذلك الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَجَرَى عليه النَّوَوِيُّ في تَحْقِيقِهِ وَمَجْمُوعِهِ لَكِنْ أَفْتَى الْبَغَوِيّ بِوُجُوبِ اسْتِعْمَالِهِ في النَّجَاسَةِ أَيْضًا كما هو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ وَيَجِبُ غَسْلُهَا أَيْ النَّجَاسَةِ قبل التَّيَمُّمِ فَلَوْ تَيَمَّمَ قبل إزَالَتِهَا لم يَجُزْ كما صَحَّحَهُ في الرَّوْضَةِ وَالتَّحْقِيقِ في بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لِلْإِبَاحَةِ وَلَا إبَاحَةَ مع الْمَانِعِ فَأَشْبَهَ التَّيَمُّمَ قبل الْوَقْتِ لَكِنَّهُ صَحَّحَ منه في الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ هُنَا الْجَوَازَ وَالْأَوَّلُ هو الرَّاجِحُ فإنه الْمَنْصُوصُ في الْأُمِّ كما في الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَالذَّخَائِرِ وَإِلَّا قِيسَ كما في الْبَحْرِ وَنَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ
____________________
(1/75)
هُنَاكَ عن تَصْحِيحِ الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالشَّيْخِ نَصْرٍ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرِهِمْ وَنَقَلَ فيه تَصْحِيحَ الْجَوَازِ عن الْإِمَامِ وَالْبَغَوِيِّ كَمَنْ تَيَمَّمَ عُرْيَانَا وَعِنْدَهُ سُتْرَةٌ قال وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ أَخَفُّ من إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَلِهَذَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مع الْعُرْيِ بِلَا إعَادَةٍ بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ مَحِلُّهُ على قَوْلِ الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ في السَّفَرِ وَإِنْ أَتْلَفَ الْمَاءَ في الْوَقْتِ لِغَرَضٍ كَتَبَرُّدٍ وَتَنَظُّفٍ وَتَحَيُّرِ مُجْتَهِدٍ لم يَعْصِ لِلْعُذْرِ أو أَتْلَفَهُ عَبَثًا لَا قبل الْوَقْتِ بَلْ فيه أو بَعْدَهُ عَصَى لِتَفْرِيطِهِ بِإِتْلَافِ ما تَعَيَّنَ لِلطَّهَارَةِ وَلَا إعَادَةَ عليه إذَا تَيَمَّمَ في الْحَالَيْنِ لِأَنَّهُ تَيَمَّمَ وهو فَاقِدٌ لِلْمَاءِ فَأَشْبَهَ ما لو لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَلَهُ عَبْدٌ فَقَتَلَهُ أو أَعْتَقَهُ وَكَفَّرَ بِالصَّوْمِ فإنه يَكْفِيهِ أَمَّا إذَا أَتْلَفَهُ قبل الْوَقْتِ فَلَا إعَادَةَ أَيْضًا وَلَا عِصْيَانَ أَيْ من حَيْثُ إتْلَافُ مَاءِ الطَّهَارَةِ وَإِلَّا فَالْعِصْيَانُ ثَابِتٌ من حَيْثُ إنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ مع أَنَّ عَدَمَ الْعِصْيَانِ لم يَذْكُرْهُ في الرَّوْضَةِ نعم هو قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وهو مَحْمُولٌ على ما قَرَّرْته قال في الْمُهِمَّاتِ وَلَوْ أَحْدَثَ عَمْدًا بِلَا حَاجَةٍ فَيَتَّجِهُ إلْحَاقُهُ بِالْإِتْلَافِ بِلَا سَبَبٍ وَلَوْ بَاعَهُ أو وَهَبَهُ في الْوَقْتِ بِلَا حَاجَةٍ له وَلَا لِلْمُشْتَرِي أو الْمُتَّهِبِ كَعَطَشٍ لم يَصِحَّ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عن تَسْلِيمِهِ شَرْعًا لِتَعَيُّنِهِ لِلطُّهْرِ وَبِهَذَا فَارَقَ صِحَّةَ هِبَةِ من لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ أو دُيُونٌ فَوَهَبَ ما يَمْلِكُهُ وَلَا تَيَمُّمُهُ ما قَدَرَ عليه لِبَقَائِهِ على مِلْكِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ فَإِنْ عَجَزَ عن اسْتِرْدَادِهِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَقَضَى تِلْكَ الصَّلَاةَ التي فَوَّتَ الْمَاءَ في وَقْتِهَا التَّقْصِيرُ دُونَ ما سِوَاهَا لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْمَاءَ قبل دُخُولِ وَقْتِهَا وَلَا يَقْضِيهَا أَيْ تِلْكَ الصَّلَاةَ بِتَيَمُّمٍ في الْوَقْتِ بَلْ يُؤَخِّرُ الْقَضَاءَ إلَى وُجُودِ الْمَاءِ أو حَالَةَ يَسْقُطُ الْفَرْضُ فيها بِالتَّيَمُّمِ وَإِنْ تَلِفَ الْمَاءُ في يَدِ الْمُتَّهِبِ أو الْمُشْتَرِي فَكَالْإِرَاقَةِ في أَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ وَصَلَّى لَا إعَادَةَ عليه لَا إذَا أَتْلَفَ صَارَ فَاقِدًا له عِنْدَ التَّيَمُّمِ وَلَا يَضْمَنُهُ الْمُتَّهِبُ بِتَلَفِهِ في يَدِهِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْهِبَةَ الصَّحِيحَةَ لَا ضَمَانَ فيها عليه بِخِلَافِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَفَاسِدُ كل عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ في الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ كما سَيَأْتِي نعم لو وَهَبَ الْمَرِيضُ في مَرَضِ مَوْتِهِ عَيْنًا لَا تَخْرُجُ من الثُّلُثِ ولم تُجِزْ الْوَرَثَةُ فما لم يَخْرُجْ منه مَضْمُونٌ على الْمُتَّهِبِ لِأَنَّ الْحَجْرَ فيه لِحَقِّ الْآدَمِيِّ وَلَوْ مَرَّ بِمَاءٍ في الْوَقْتِ وَأَبْعَدَ الْأَوْلَى ما في الْأَصْلِ وَبَعُدَ عنه بِحَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَبُهُ ثُمَّ تَيَمَّمَ فَلَا إعَادَةَ عليه لِأَنَّهُ صَارَ فَاقِدًا لِلْمَاءِ عِنْدَ التَّيَمُّمِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُوهِمُ عَدَمَ وُجُوبِ الْوُضُوءِ وَالْقِيَاسُ وُجُوبُهُ وَيَدُلُّ له وُجُوبُ قَبُولِ الْهِبَةِ وَعَلَى ما قَالَهُ يَتَقَيَّدُ الْوُجُوبُ بِمَا سَيَأْتِي في وُجُوبِ قَبُولِ الْهِبَةِ الْمُبِيحِ الثَّانِي الْخَوْفُ فَإِنْ خَافَ من بِقُرْبِهِ مَاءٌ على مُحْتَرَمٍ من نَفْسٍ أو عُضْوٍ أو مَالٍ وَلَوْ قَلِيلًا على ما مَرَّ يَصْحَبُهُ معه أو يُفَارِقُهُ أَيْ يَخْلُفُهُ في رَحْلِهِ أو خَافَ من انْقِطَاعِ رُفْقَةٍ أَيْ انْقِطَاعِهِ عنها وَإِنْ لم يَتَضَرَّرْ بِهِ إنْ طَلَبَهُ شَرْطٌ لِلْخَوْفِ أَيْ فَإِنْ خَافَ على شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَ إنْ طَلَبَ الْمَاءَ تَيَمَّمَ لِفَقْدِهِ شَرْعًا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى وما جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدِّينِ من حَرَجٍ وَجَعَلُوا الْوَحْشَةَ بِانْقِطَاعِ الرُّفْقَةِ هُنَا مُرَخَّصَةً بِخِلَافِهَا في الْجُمُعَةِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الطُّهْرَ وَسِيلَةٌ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ وَالْوَسَائِلُ يُغْتَفَرُ فيها ما لَا يُغْتَفَرُ في الْأُصُولِ وَبِأَنَّ السَّفَرَ يوم الْجُمُعَةِ مَنْهِيٌّ عنه في الْجُمْلَةِ وَتَعْبِيرُهُ بِنَفْسٍ وَعُضْوٍ وَمَالٍ شَامِلٌ لِلطَّالِبِ وَلِغَيْرِهِ فَهُوَ أَحْسَنُ من تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِنَفْسِهِ وَعُضْوِهِ وَمَالِهِ وَكَذَا يَتَيَمَّمُ من في سَفِينَةٍ وَخَافَ من الْبَحْرِ لو اسْتَقَى عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَخَافَ لو اسْتَقَى من الْبَحْرِ وَبَيْنَهُمَا تَسَاوٍ إنْ قُدِّرَ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ اسْتَقَى من الْبَحْرِ وَجَعَلَ من الْبَحْرِ في كَلَامِ أَصْلِهِ مُتَنَازَعًا فيه وَإِنْ لم يُقَدَّرْ ذلك فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ مُطْلَقٌ إنْ لُوحِظَ التَّنَازُعُ وَإِلَّا فَعُمُومٌ من وَجْهٍ وَيَجِبُ اتِّهَابُ الْمَاءِ على عَادِمِهِ بِقَيْدٍ زَادَهُ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ بِقَوْلِهِ في الْوَقْتِ إنْ لم يَحْتَجْ إلَيْهِ الْوَاهِبُ وَضَاقَ الْوَقْتُ عن طَلَبِ الْمَاءِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُعَدُّ وَاجِدًا لِلْمَاءِ وَلَا تَعْظُمُ فيه الْمِنَّةُ وَبِهَذَا فَارَقَ عَدَمَ وُجُوبِ اتِّهَابِ الرَّقَبَةِ في الْكَفَّارَةِ فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ لِعَطَشٍ وَلَوْ مَآلًا أو لِغَيْرِهِ حَالًا أو اتَّسَعَ الْوَقْتُ لم يَجِبْ اتِّهَابُهُ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عن بَعْضِهِمْ وَأَقَرَّهُ ويجب اقْتِرَاضُهُ وَاسْتِعَارَةُ الْآلَةِ أَيْ
____________________
(1/76)
آلَةِ السَّقْيِ من دَلْوٍ وَحَبْلٍ وَغَيْرِهِمَا في الْوَقْتِ بِالشَّرْطَيْنِ السَّابِقَيْنِ لِخِفَّةِ الْمِنَّةِ فِيهِمَا سَوَاءٌ أَجَاوَزَتْ قِيمَةُ الْآلَةِ ثَمَنَ الْمَاءِ أَمْ لَا إذْ الظَّاهِرُ السَّلَامَةُ لَا اتِّهَابُهَا أَيْ الْآلَةِ فَلَا يَجِبُ لِثِقَلِ الْمِنَّةِ وَالْمُرَادُ بِالِاتِّهَابِ وَالِاقْتِرَاضِ وَالِاسْتِعَارَةِ ما يَعُمُّ الْقَبُولَ وَالسُّؤَالَ فَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَوْلَى من تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِالْقَبُولِ وَإِنْ كان معه ثَوْبٌ إنْ شَقَّهُ وَشَدَّ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ كَفَاهُ وَلَوْ بِعَصْرِ مَاؤُهُ لَزِمَهُ ذلك إنْ لم يَنْقُصْ بِشِقِّهِ أَكْثَرَ من الْأَكْثَرِ من أُجْرَةِ الْآلَةِ وَثَمَنِ الْمَاءِ وَذَكَرَ الْأَصْلُ أَنَّهُ لو كان معه ثَوْبٌ يَصِلُ إلَى الْمَاءِ بِلَا شِقٍّ لَزِمَهُ إدْلَاؤُهُ لِيَبْتَلَّ وَيَعْصِرَ مَاءَهُ لِيَتَوَضَّأَ بِهِ إنْ لم يَنْقُصْ أَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرَ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِفَهْمِهِ بِالْأَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ أو لِأَنَّ النَّظَرَ فيه إلَى ثَمَنِ مِثْلِ الْمَاءِ فَقَطْ كما نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْأَصْحَابِ مع مُوَافَقَتِهِ على ما تَقَرَّرَ في مَسْأَلَةِ الشِّقِّ من النَّظَرِ إلَى الْأَكْثَرِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فَقَدْ قال الْأَذْرَعِيُّ وما في الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا من النَّظَرِ إلَى الْأَكْثَرِ هو احْتِمَالٌ لِلشَّاشِيِّ وَادَّعَى أَنَّهُ الصَّوَابُ وَالْمَنْقُولُ النَّظَرُ إلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ قال في الْمَجْمُوعِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ عَدِمَ الْمَاءَ وَعَلِمَ أَنَّهُ لو حَفَرَ مَحِلَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ فَإِنْ كان يَحْصُلُ بِحَفْرٍ قَرِيبٍ لَا مَشَقَّةَ فيه وَجَبَ الْحَفْرُ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَجِبُ قَبُولُ هِبَةِ الثَّمَنِ أَيْ ثَمَنِ الْمَاءِ أو الْآلَةِ ولا قَبُولُ قَرْضِهِ وَلَوْ كان قَبُولُهُمَا من أَبٍ أو ابْنٍ وَلَوْ كان قَابِلُ الْقَرْضِ مُوسِرًا بِمَالٍ غَائِبٍ لِمَا في الْأَوَّلِ من ثِقَلِ الْمِنَّةِ وفي الثَّانِي من الْحَرَجِ إنْ يَكُنْ له مَالٌ وَعَدِمَ أَمْنَ مُطَالَبَتِهِ قبل وُصُولِهِ إلَى مَالِهِ إنْ كان له مَالٌ إذْ لَا يَدْخُلُهُ أَجَلٌ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ وَالِاسْتِئْجَارِ كما سَيَأْتِيَانِ وَإِنَّمَا وَجَبَ قَبُولُ قَرْضِ الْمَاءِ كما مَرَّ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عليه عِنْدَ تَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ أَغْلَبُ منها على الثَّمَنِ وَيَجِبُ شِرَاءُ الْمَاءِ وَآلَةِ السَّقْيِ وَاسْتِئْجَارُهَا لِأَنَّ ذلك وَسِيلَةٌ لِتَحْصِيلِ الْمَاءِ بِعِوَضِ الْمِثْلِ من ثَمَنٍ وَأُجْرَةٍ هُنَاكَ أَيْ في ذلك الْمَكَان في تِلْكَ الْحَالِ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ التَّقْوِيمِ بِقَيْدٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ إنْ لم يَكُنْ حَالَ عَطَشٍ يَعْنِي إنْ لم يَنْتَهِ الْأَمْرُ إلَى سَدِّ الرَّمَقِ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ حِينَئِذٍ وَرُبَّمَا يَرْغَبُ في الشَّرْبَةِ حِينَئِذٍ بِدَنَانِيرَ وَيَبْعُدُ في الرُّخْصِ إيجَابُ ذلك وَهَذَا ما قَيَّدَ بِهِ الْإِمَامُ وَنَقَلَهُ عنه في الْمَجْمُوعِ وَأَقَرَّهُ لَا إنْ بِيعَ أو أُوجِرَ بِزِيَادَةٍ على عِوَضِ الْمِثْلِ فَلَا يَجِبُ شِرَاءٌ وَلَا اسْتِئْجَارٌ وَإِنْ تُغُوبِنَ بِمِثْلِهَا لِأَنَّهَا مُحْتَرَمَةٌ قال في الْأَصْلِ كَذَا قَالُوهُ وَلَوْ قِيلَ يَجِبُ التَّحْصِيلُ ما لم تُجَاوِزْ الزِّيَادَةُ ثَمَنَ مِثْلِ الْمَاءِ لَكَانَ حَسَنًا قال الرَّافِعِيُّ لِأَنَّ الْآلَةَ الْمُشْتَرَاةَ تَبْقَى له وَقَدْرُ ثَمَنِ الْمَاءِ يَحْتَمِلُ التَّلَفَ في هذه الْجِهَةِ وَرَدَّ الْبُلْقِينِيُّ الْبَحْثَ بِأَنَّهُ يَصِيرُ اللَّازِمُ لِلْمُكَلَّفِ أَمْرَيْنِ ثَمَنُ الْآلَةِ وَثَمَنُ الْمَاءِ وَرُبَّمَا تَقَعُ الْآلَةُ في الْبِئْرِ فَتُفَوِّتُ عليه وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ ثَمَنُ الْمَاءِ قال وَلَوْ قِيلَ في صُورَةِ الْإِجَارَةِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا إذَا لم تَزِدْ الْأُجْرَةُ على ثَمَنِ الْمَاءِ لَكَانَ هو الْمُعْتَمَدَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا كَلَّفَ بِالْمَاءِ فَلَا يُزَادُ على ثَمَنِهِ فَإِنْ بِيعَ ما ذَكَرَ من الْمَاءِ وَالْآلَةِ نَسِيئَةً بِزِيَادَتِهَا بِأَنْ زِيدَ بِسَبَبِهَا ما يَلِيقُ بها وَجَبَ قَبُولُهُ لِأَنَّ ذلك ثَمَنُ مِثْلِهِ وَإِنْ زَادَ على ثَمَنِ مِثْلِهِ نَقْدًا وَمِثْلُهُ الِاسْتِئْجَارُ نَسِيئَةً هذا إنْ كان مُوسِرًا وَالْأَجَلُ يُوصِلُهُ أَيْ مُمْتَدًّا إلَى أَنْ يَصِلَ مَوْضِعُ مَالِهِ إنْ فَضَلَ الْأَحْسَنُ وَفَضَلَ أَيْ الثَّمَنُ عن دَيْنِهِ وَلَوْ مُؤَجَّلًا وعن مُؤْنَتِهِ من مَطْعُومٍ وَمَلْبُوسٍ وَمَرْكُوبٍ بَلْ وَمَسْكَنٍ وَخَادِمٍ كما صَرَّحَ بِهِمَا ابن كَجٍّ في التَّجْرِيدِ وقال في الْمُهِمَّاتِ إنَّهُ الْمُتَّجِهُ ذَهَابًا وَإِيَابًا إنْ كان مُسَافِرًا وعن نَفَقَةِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ معه وَكِسْوَةِ عَبْدِهِ لِأَنَّ هذه الْأَشْيَاءَ لَا بَدَلَ لها بِخِلَافِ الْمَاءِ فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ من ذلك لم يَجِبْ الْقَبُولُ وَخَرَجَ بِمَعَهُ ما ليس معه كَأَنْ يَكُونَ مع رُفْقَتِهِ ولم يَعْدَمُوا نَفَقَتَهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ ما يَكُونُ له وَلَيْسَ معه حُكْمُهُ حُكْمُ ما معه وَقَوْلُهُ وَكِسْوَةُ عَبْدِهِ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ قال وَكِسْوَةُ من تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كان أَوْلَى وَيُفَارِقُ ما تَقَرَّرَ من أَنَّ الْقَادِرَ على شِرَاءِ الْمَاءِ بِمُؤَجَّلٍ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْبَدَلِ جَوَازُ الِانْتِقَالِ إلَيْهِ لِلْقَادِرِ على حُرَّةٍ بِمُؤَجَّلٍ بِأَنَّ ما حَصَّلَهُ هُنَا بِالْمُؤَجَّلِ مَالٌ يَصْلُحُ لِجَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فإنه إنَّمَا هو ضَرْبٌ من الِانْتِفَاعِ وَالْمُحْتَرَمُ من الْحَيَوَانِ ما يَحْرُمُ قَتْلُهُ وَغَيْرُهُ بِخِلَافِهِ كَحَرْبِيٍّ وَمُرْتَدٍّ وَخِنْزِيرٍ وَكَلْبٍ لَا يَنْفَعُ وَوَقَعَ لِلنَّوَوِيِّ فيه إذَا لم يَكُنْ عَقُورًا تَنَاقُضٌ قال في الْمُهِمَّاتِ
____________________
(1/77)
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ جَوَازُ قَتْلِهِ فَقَدْ نَصَّ عليه في الْأُمِّ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في الْأَطْعِمَةِ وَنَبَّهَ عليه الْأَصْلُ في بَابِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ الْمُبِيحِ الثَّالِثُ الْعَطَشُ فَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ أَيْ بِالْمَاءِ أَيْ لَا يَجُوزُ له كما صَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وهو يَخَافُ عَطَشَ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ من نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ في الْحَالِ أو الْمَآلِ وَإِنْ رَجَا أَيْ ظَنَّ وُجُودَهُ بَلْ يَتَيَمَّمُ دَفْعًا لِمَا يَلْحَقُهُ من الضَّرَرِ وَضَبْطُ الْعَطَشِ الْمُبِيحِ كَضَبْطِ الْمَرَضِ وَسَيَأْتِي وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ إنْ احْتَاجَ بَيْعُهُ لِشِرَاءِ طَعَامٍ لِأَكْلِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ أو لِدَيْنٍ أو نَحْوِهِ مِمَّا مَرَّ لِمَا قُلْنَاهُ وَلَا يَدَّخِرُهُ أَيْ الْمَاءَ لِطَبْخٍ بَلْ كَعْكٍ وَفَتِيتٍ بَلْ يَتَوَضَّأُ وَيَأْكُلُ ذلك يَابِسًا وَهَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا من زِيَادَتِهِ وَجَزَمَ بِالْأُولَى صَاحِبُ الْمَجْمُوعِ وَبِهِمَا مَعًا الْقَمُولِيُّ ولم يُعَبِّرْ في الثَّانِيَةِ بِالِادِّخَارِ بَلْ بِمَا يَشْمَلُ الْحَالَ وَالْمَآلَ وَالْأَوْجَهُ فيها أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ في ذلك لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ في الْمَأْكَلِ وقد قال الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ في فَتَاوِيهِ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ إنَّ حَاجَةَ الْعَطَشِ مُقَدَّمَةٌ على الْوُضُوءِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثَالًا وَيَلْحَقُ بِهِ حَاجَةُ الْبَدَنِ بِغَيْرِ الشُّرْبِ كَالِاحْتِيَاجِ لِلْمَاءِ لِعَجْنِ دَقِيقٍ وَلَتِّ سَوِيقٍ وَطَبْخِ طَعَامٍ بِلَحْمٍ وَغَيْرِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لم يَقِفْ على غَيْرِهِ وَإِلَّا لَنَبَّهَ عليه وَيُقَدَّمُ وُجُوبًا شِرَاءُ الْمَاءِ لِعَطَشِ بَهِيمَتِهِ وَكَلْبِ صَيْدِهِ وَنَحْوِهِ على شِرَائِهِ لِطُهْرِهِ وَلَا يَتَقَيَّدُ ذلك بِبَهِيمَتِهِ وَكَلْبِ صَيْدِهِ بَلْ يَجْرِي في كل ما معه من حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ كما صَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ فَإِنْ وَجَدَ من يَبِيعُهُ الْمَاءَ لِحَاجَةِ الْعَطَشِ بِقِيمَتِهِ لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ فَلَوْ امْتَنَعَ الْبَائِعُ من بَيْعِهِ إلَّا بِزِيَادَةٍ على الْقِيمَةِ فَاشْتَرَاهُ الْعَطْشَانُ كَارِهًا لَزِمَهُ الزَّائِدُ لِأَنَّهُ عَقْدٌ صَدَرَ من أَهْلِهِ فَهُوَ كما لو بَاعَهُ غير الْمَاءِ بِأَضْعَافِ ثَمَنِهِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ هُنَا وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ كَالْمُكْرَهِ عليه لِوُجُوبِ الشِّرَاءِ عليه وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ حَكَاهُمَا في الْمَجْمُوعِ ولم يُرَجِّحْ مِنْهُمَا شيئا وَلَهُ أَيْ لِلْعَطْشَانِ أَخْذُهُ أَيْ الْمَاءِ من مَالِكِهِ قَهْرًا إذَا امْتَنَعَ من بَذْلِهِ بَيْعًا وَغَيْرَهُ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ حتى لو أَدَّى إلَى هَلَاكِهِ كان هَدَرًا لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِمَنْعِهِ أو إلَى هَلَاكِ الظَّامِئِ مَضْمُونًا لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ وَكَالْعَطْشَانِ في هذه وَاَلَّتِي قَبْلَهَا من معه مُحْتَرَمٌ عَطْشَانُ كما صَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ لَا أَخْذُهُ من مَالِكٍ عَطْشَانَ لِأَنَّ الْمَالِكَ أَحَقُّ بِبَقَاءِ مُهْجَتِهِ قال في الْمَجْمُوعِ وَلَوْ كان مَالِكُهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ في الْمَنْزِل الثَّانِي وَثَمَّ من يَحْتَاجُ إلَيْهِ في الْأَوَّلِ فَهَلْ يُقَدَّمُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ أو الثَّانِي لِتَحَقُّقِ حَاجَتِهِ في الْحَالِ وَجْهَانِ وَالرَّاجِحِ الثَّانِي كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي في الْأَطْعِمَةِ قال وإذا عَطِشَ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ وَمَعَهُ مَاءٌ لم يَجُزْ له التَّيَمُّمُ حتى يَتُوبَ ا ه فَلَوْ خَالَفَ وَشَرِبَهُ قبل التَّوْبَةِ وَتَيَمَّمَ بَعْدَهَا لَا قَضَاءَ عليه لَكِنَّهُ يَعْصِي كما لو أَتْلَفَهُ عَبَثًا وَهَلْ يَذْبَحُ قَهْرًا شَاةَ الْغَيْرِ الذي لم يَحْتَجْ إلَيْهَا لِكَلْبِهِ الْمُحْتَرَمِ الْمُحْتَاجِ إلَى طَعَامٍ وَجْهَانِ في الْمَجْمُوعِ عن الْقَاضِي هُنَا أَحَدُهُمَا وَعَلَى نَقْلِهِ عن الْقَاضِي اقْتَصَرَ في الْأَطْعِمَةِ نعم كَالْمَاءِ فَيَلْزَمُ مَالِكَهَا بَذْلُهَا له
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّ لِلشَّاةِ حُرْمَةٌ أَيْضًا لِأَنَّهَا ذَاتُ رُوحٍ وَقَوْلُهُ لَا من عَطْشَانَ
إلَخْ من زِيَادَتِهِ وَلَا يُكَلَّفُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ أَيْ الْمَاءَ في وُضُوءٍ أو غُسْلٍ ثُمَّ يُشْرِبُهُ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ وَتَعْبِيرُهُ بِالِاسْتِعْمَالِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالتَّوَضُّؤِ وَلَا أَنْ يَشْرَبَ النَّجِسَ من الْمَاءَيْنِ وَيَتَطَهَّرَ بِالطَّاهِرِ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ فإنه يُكَلَّفُ لها ذلك لِأَنَّهَا لَا تَعَافُهُ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَأَفْهَمَ تَعْبِيرُهُ بِأَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ شُرْبُ ما ذَكَرَ جَوَازَ شُرْبِهِ وهو كَذَلِكَ خِلَافًا لِلنَّوَوِيِّ في النَّجِسِ فَصَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ شُرْبُهُ بِنَاءً على ما صَوَّبَهُ فيه وَصَحَّحَهُ في الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِاخْتِيَارِ الشَّاشِيِّ من أَنَّهُ يَشْرَبُ الطَّاهِرَ وَيَتَيَمَّمُ وَاَلَّذِي نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ هو تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ عن الزُّجَاجِيِّ بِضَمِّ الزَّايِ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَآخَرِينَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّطَهُّرُ بِالطَّاهِرِ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَحِقًّا لِلتَّطَهُّرِ وَيَشْرَبُ النَّجِسَ وقال في الْمُهِمَّاتِ إنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ عليه في حَرْمَلَةَ كما نَقَلَهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلِقَوْلِ النَّوَوِيِّ في تَحْقِيقِهِ الْمُخْتَارُ شُرْبُ الطَّاهِرِ فإنه يَقْتَضِي أَنَّ الْمَشْهُورَ مُقَابِلُهُ لِاصْطِلَاحِهِ على أَنَّ الْمُخْتَارَ ما رَجَّحَ دَلِيلًا وكان الْمَشْهُورُ خِلَافُهُ ا ه وَلَا فَرْقَ بين الْعَطَشِ الْحَالِيِّ وَالْمَآلِيِّ كما صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ بَلْ نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ وَعِبَارَتُهُ في الْمَآلِيِّ وإذا كان مع الرَّجُلِ في السَّفَرِ مَاءٌ طَاهِرٌ وَنَجِسٌ
____________________
(1/78)
وَاشْتَبَهَا عليه وكان يَخَافُ الْعَطَشَ فِيمَا بَعْدُ إنْ تَوَضَّأَ بِالْمَاءِ فإنه يَتَحَرَّى وَيَتَوَضَّأُ بِالطَّاهِرِ في ظَنِّهِ وَيُمْسِكُ الْآخَرَ حتى إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ لِعَطَشِهِ شَرِبَهُ وَلَوْ عَطِشُوا وَلِمَيِّتٍ مَاءٌ شَرِبُوهُ وَضَمِنُوهُ لِلْوَارِثِ بِقِيمَتِهِ هُنَاكَ أَيْ بِمَكَانِ الشُّرْبِ بَلْ وَبِبَرِّيَّةٍ كما في الْأَصْلِ كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ لَا مِثْلُهُ أَيْ بِقِيمَةِ الْمَاءِ لَا بمثله وَإِنْ كان مِثْلِيًّا لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا كَانُوا بِبَرِّيَّةٍ لِلْمَاءِ فيها قِيمَةٌ ثُمَّ رَجَعُوا إلَى وَطَنِهِمْ وَلَا قِيمَةَ له فيه وَأَرَادَ الْوَارِثُ تَغْرِيمَهُمْ فَلَوْ رَدُّوا الْمَاءَ لَكَانَ إسْقَاطًا لِلضَّمَانِ فَإِنْ فَرَضَ الْغُرْمَ بِمَكَانِ الشُّرْبِ أو مَكَان آخَرَ لِلْمَاءِ فيه قِيمَةٌ وَلَوْ دُونَ قِيمَتِهِ بِمَكَانِ الشُّرْبِ وَزَمَانِهِ غَرِمَ مثله كَسَائِرِ الْمِثْلِيَّاتِ وَلَوْ اجْتَمَعَا أَيْ الشَّارِبُ وَالْوَارِثُ في ذلك الْمَكَانِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ أَيْ تَسْلِيمِ الْقِيمَةِ في الْوَطَنِ فإنه لَا يَتَغَيَّرُ الْحَالُ فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ رَدُّ الْقِيمَةِ وَالْمُطَالَبَةُ بِالْمِثْلِ كما لو أَتْلَفَ مِثْلِيًّا وَتَعَذَّرَ الْمِثْلُ فَغَرِمَ الْقِيمَةَ ثُمَّ وَجَدَ الْمِثْلَ ليس لِلْمَالِكِ رَدُّ الْقِيمَةِ وَطَلَبُ الْمِثْلِ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ اجْتَمَعَا
إلَخْ من زِيَادَتِهِ وَيَمَّمُوهُ أَيْ شَرِبُوا مَاءَ الْمَيِّتِ وَيَمَّمُوهُ حِفْظًا لَمُهَجِهِمْ وَلِأَنَّ الشُّرْبَ لَا بَدَلَ له بِخِلَافِ الْغُسْلِ وَخَرَجَ بِعَطَشِهِمْ ما لو احْتَاجُوا له لِلطَّهَارَةِ فَإِنَّهُمْ يَغْسِلُونَ الْمَيِّتَ منه بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وما بَقِيَ حَفِظُوهُ لِلْوَارِثِ وَيَحْرُمُ عليهم الطَّهَارَةُ بِهِ بَلْ يَتَيَمَّمُونَ فَإِنْ تَطَهَّرُوا بِهِ أَثِمُوا وَضَمِنُوهُ فَإِنْ أَوْصَى مَثَلًا بِمَاءٍ أَيْ بِصَرْفِهِ لِلْأَوْلَى بِهِ وقد حَضَرَ مُحْتَاجُونَ إلَيْهِ قُدِّمَ بِهِ وُجُوبًا عِنْدَ ضِيقِهِ وَنَدْبًا عِنْدَ اتِّسَاعِهِ الْعَطْشَانُ الْمُحْتَرَمُ حِفْظًا لِمُهْجَتِهِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ ثُمَّ إنْ لم يَكُنْ عَطْشَانَ أو فَضَلَ منه شَيْءٌ قُدِّمَ الْمَيِّت وَلَوْ غير مُتَنَجِّسٍ لِأَنَّ ذلك خَاتِمَةُ أَمْرِهِ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ من غُسْلِهِ تَنْظِيفُهُ وهو لَا يَحْصُلُ بِالتُّرَابِ وَمِنْ طُهْرِ الْحَيِّ اسْتِبَاحَةُ الصَّلَاةِ وَهِيَ تَحْصُلُ بِالتَّيَمُّمِ فَإِنْ مَاتَ اثْنَانِ وَوُجِدَ الْمَاءُ قبل مَوْتِهِمَا قُدِّمَ الْأَوَّلُ لِسَبْقِهِ فَإِنْ مَاتَا مَعًا أو جُهِلَ السَّابِقُ بِأَنْ لم يُعْلَمْ تَرْتِيبٌ وَلَا مَعِيَّةٌ أو عُلِمَ التَّرْتِيبُ ولم يُعْلَمْ السَّابِقُ أو عُلِمَ وَنُسِيَ أو وُجِدَ الْمَاءُ بَعْدَهُمَا قُدِّمَ الْأَفْضَلُ لِأَفْضَلِيَّتِهِ وَقَوْلُهُ أو جُهِلَ السَّابِقُ الشَّامِلُ لِنِسْيَانِهِ كما تَقَرَّرَ كما سَيَأْتِي نَظِيرُهُ من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ في الْمُهِمَّاتِ قال وَالْأَقْرَبُ اعْتِبَارُ الْأَفْضَلِيَّةِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ بِكَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَى الرَّحْمَةِ فَلَا يُقَدَّمُ بِالْحُرِّيَّةِ وَالنَّسَبِ كما ذَكَرُوهُ في تَقْدِيمِ الْأَفْضَلِ من الْجَنَائِزِ لِلْإِمَامِ قال وَيَتَّجِهُ تَقْدِيمُ الصَّبِيِّ على الْبَالِغِ وفي التَّقْدِيمِ بِالْأُبُوَّةِ على الْبُنُوَّةِ وَبِالذُّكُورَةِ على الْأُنُوثَةِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ عَدَمُهُ إلَّا أَنَّهُمْ قالوا في الْوَضْعِ في اللَّحْدِ يُقَدَّمُ الْأَبُ على الِابْنِ وَالْأُمُّ على الْبِنْتِ هو الظَّاهِرُ ما قَالَهُ وَيُفَارِقُ ما قَالُوهُ في اللَّحْدِ بِأَنَّ التَّقْدِيمَ فيه دَائِمٌ وَلَا بَدَلَ بِخِلَافِهِ هُنَا وَالْمُتَّجِهُ أَيْضًا في الصَّبِيِّ وَالْبَالِغِ اعْتِبَارُ الْأَفْضَلِيَّةِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فَالْقُرْعَةُ يُقَدَّمُ بها لِعَدَمِ التَّرْجِيحِ وَظَاهِرٌ له إذَا تَعَدَّدَ الْعَطْشَانُ أو من سَيَأْتِي فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَيِّتِينَ فِيمَا ذَكَرَ وَلَا يُشْتَرَطُ لِاسْتِحْقَاقِ الْمَيِّتِ ذلك قَبُولُ الْوَارِثِ له كَالْكَفَنِ الْمُتَطَوَّعِ بِهِ عليه ثُمَّ إنْ لم يَكُنْ مَيِّتٌ أو فَضَلَ منه شَيْءٌ قُدِّمَ الْمُتَنَجِّسُ لِأَنَّ طُهْرَهُ لَا بَدَلَ له فَإِنْ قُلْت قِيَاسُ ما مَرَّ عن التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ في مُحْدِثٍ مُتَنَجِّسٍ حَاضِرٍ من أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بين صَرْفِ الْمَاءِ لِلنَّجَاسَةِ وَالْحَدَثِ لِلُّزُومِ الْإِعَادَةِ مَجِيئُهُ هُنَا في حَاضِرَيْنِ لِذَلِكَ وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا قُلْت الْعِبْرَةُ هُنَا بِالْأَوْلَى لِتَنْصِيصِ الْمَالِكِ عليه وقد تَقَدَّمَ ثَمَّ أَنَّ الْمُتَنَجِّسَ وَإِنْ تَخَيَّرَ فَالنَّجِسُ أَوْلَى لَكِنْ لَا على سَبِيلِ الِاسْتِحْقَاقِ ثُمَّ الْحَائِضُ أو النُّفَسَاءُ لِعَدَمِ خُلُوِّهَا عن النَّجِسِ غَالِبًا وَلِغِلَظِ حَدَثِهَا فَإِنْ اجْتَمَعَتَا قُدِّمَ أَفْضَلُهُمَا فَإِنْ اسْتَوَيَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ الْجُنُبُ لِأَنَّ حَدَثَهُ أَغْلَظُ من حَدَثِ الْمُحْدِثِ وَهَذَا على تَفْصِيلِ ذِكْرِهِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ اجْتَمَعَ جُنُبٌ وَمُحْدِثٌ فَالْجُنُبُ أَوْلَى لِغِلَظِ حَدَثِهِ إلَّا إنْ كَفَى الْمَاءُ الْمُحْدِثَ دُونَهُ أَيْ الْجُنُبِ فَالْمُحْدِثُ أَوْلَى سَوَاءٌ فَضَلَ عن وُضُوئِهِ شَيْءٌ أَمْ لَا لِأَنَّهُ يَرْتَفِعُ بِهِ حَدَثُهُ بِكَمَالِهِ دُونَ الْجُنُبِ فَقَوْلُهُ في نُسْخَةٍ ولم يَفْضُلْ عنه قَيْدٌ مُضِرٌّ قال الرَّافِعِيُّ وَقِيَاسُ هذا التَّفْصِيلِ يَأْتِي في الْمَيِّتِ مع الْمُتَنَجِّسِ وفي الْجُنُبِ مع الْحَائِضِ قُلْت بَلْ وفي كُلٍّ مِنْهُمَا وَمِمَّنْ ذَكَرَ مَعَهُمَا مع مِثْلِهِ قال وَهَذَا كُلُّهُ إذَا عُيِّنَ الْمَكَانُ فقال
____________________
(1/79)
اصْرِفُوهُ لِلْأَوْلَى في هذه الْمَفَازَةِ فَإِنْ أَطْلَقَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْحَثَ عن مُحْتَاجِي غَيْرِهَا كما لو أَوْصَى لِأَعْلَمِ الناس إلَّا أَنَّ حِفْظَ الْمَاءِ وَنَقْلَهُ إلَى مَفَازَةٍ أُخْرَى كَالْمُسْتَبْعَدِ وَهَذَا حَذَفَهُ من الرَّوْضَةِ وَخَرَجَ بِالْوَصِيَّةِ وَنَحْوِهَا ما لو صَرَفَ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَجِبُ كما في الْمَجْمُوعِ التَّرْتِيبُ بَلْ يَصْرِفُهُ لِمَنْ شَاءَ إلَّا لِعَطْشَانَ فَيَجِبُ تَقْدِيمُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ التَّرْتِيبَ في غَيْرِهِ مَنْدُوبٌ وَلَوْ اغْتَسَلَ الْجُنُبُ إلَّا عُضْوًا وَتَيَمَّمَ له ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَيَمَّمَ لِلْحَدَثِ ثُمَّ وَجَدَ ما عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ على ذلك الْعُضْوِ تَعَيَّنَ له ولم يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ الثَّانِي لِأَنَّهُ وَقَعَ عن الْحَدَثِ ولم يَقْدِرْ بَعْدَهُ على ما يَرْفَعُهُ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وهو الْأَظْهَرُ في الْمَجْمُوعِ وَلَوْ انْتَهَوْا أَيْ الْمُحْتَاجُونَ إلَى ما يُبَاحُ ولم يُحْرِزُوهُ اُسْتُحِبَّ لِغَيْرِ الْأَحْوَجِ إيثَارُ الْأَحْوَجِ بِإِحْرَازِهِ فَإِنْ أَحْرَزُوهُ لم يَجُزْ الْإِيثَارُ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهُ مع حَاجَتِهِمْ إلَيْهِ وَهَذَا ما جَمَعَ بِهِ الرَّافِعِيُّ بين ما أَطْلَقَهُ الْأَكْثَرُونَ من طَلَبِ الْإِيثَارِ من غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِمِلْكِهِمْ له وما قَالَهُ الْإِمَامُ من تَحْرِيمِهِ بِنَاءً على أَنَّهُمْ مَلَكُوهُ لِفَرْضِهِ أَنَّهُمْ اسْتَوَوْا في إحْرَازِهِ وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ لَا يَفِي بِذَلِكَ ثُمَّ قال الرَّافِعِيُّ وَتَبِعَهُ في الرَّوْضَةِ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُنَازِعَهُمْ الْإِمَامُ في الِاسْتِحْبَابِ وَيَقُولُ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَمَّا يُتَمَكَّنُ منه لِلطَّهَارَةِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَهَذَا الْإِشْكَالُ ظَاهِرٌ فإن إطْلَاقَهُمْ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَالِكَ لو وَهَبَ لِغَيْرِهِ الْأَحْوَجِ لَزِمَهُ الْقَبُولُ فَكَذَا ما نَحْنُ فيه أَيْ فَيَلْزَمُهُ تَحْصِيلُ الطُّهْرِ وَمِنْ ثَمَّ ضَعَّفَ الزَّرْكَشِيُّ الْجَمْعَ بِمَا ذَكَرَ ثُمَّ قال وَإِنَّمَا يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ أَيْ الْمُحْوِجِ إلَى الْجَمْعِ بِحَمْلِ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ على أَنَّ الْمُحْتَاجِينَ لَا يَمْلِكُونَ الْمَاءَ بِالِاسْتِيلَاءِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ الْأَحْوَجُ فَالْأَحْوَجُ كما في الْوَصِيَّةِ لِأَوْلَى الناس فَحُمِلَ كَلَامُهُمْ على اسْتِحْبَابِ تَرْكِ الِاسْتِيلَاءِ لِلْإِيثَارِ لِلْأَحْوَجِ لَا يَصِحُّ بَلْ لو اسْتَوْلَى عليه غَيْرُ الْأَحْوَجِ وَأَحْرَزَهُ لَزِمَهُ دَفْعُهُ لِلْأَحْوَجِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ كما في مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ وَقَوْلُ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْوَارِدِينَ على مَاءٍ مُبَاحٍ يَمْلِكُونَهُ مَحْمُولٌ على ما إذَا لم يُعَارِضْهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وهو تَعَلُّقُ الْأَحْوَجِ بِهِ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ وَالْوَجْهُ دَفْعُ الْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ رُبَّمَا جَمَعَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَيُدْفَعُ إشْكَالُهُ بِأَنْ يُقَالَ يَجُوزُ لِغَيْرِ الْأَحْوَجِ الْعُدُولُ عَمَّا يُتَمَكَّنُ منه لِلطَّهَارَةِ في الْمَاءِ الْمُبَاحِ مع وُجُودِ أَحْوَجَ منه وَيَلْتَزِمُ هذا في مَسْأَلَةِ الْهِبَةِ أَيْضًا الْمُبِيحُ الرَّابِعُ الْجَهْلُ بِالْمَاءِ وَأَرَادَ بِالْجَهْلِ ما يَشْمَلُ النِّسْيَانَ بِقَرِينَةٍ قَوْلِهِ فإذا نَسِيَ بِئْرًا هُنَاكَ أَيْ بِمَحَلِّ نُزُولِهِ أو مَاءٍ في رَحْلِهِ أو ثَمَنِهِ أو أَضَلَّهُمَا فيه وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ تَذَكَّرَهُ وَوَجَدَهُ أَعَادَ الصَّلَاةَ وَإِنْ أَمْعَنَ في الطَّلَبِ لِوُجُودِ الْمَاءِ معه وَنِسْبَتُهُ في إهْمَالِهِ حتى نَسِيَهُ أو أَضَلَّهُ إلَى تَقْصِيرٍ وَالتَّصْرِيحُ بِإِضْلَالِ الثَّمَنِ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ أَضَلَّ رَحْلَهُ في رِحَالٍ وَأَمْعَنَ في الطَّلَبِ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ أو أُدْرِجَ فيه أَيْ في رَحْلِهِ مَاءٌ ولم يَشْعُرْ بِهِ أو لم يُعْلَمْ بِئْرٌ خَفِيَّةٌ هُنَاكَ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى فَلَا إعَادَةَ وَإِنْ وُجِدَ ذلك لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ بِخِلَافِهِ في النِّسْيَانِ وَالْإِضْلَالُ في رَحْلِهِ وَتَحْرِيرُ الْفَرْقِ بين مَسْأَلَتَيْ الْإِضْلَالِ بِأَنَّ مُخَيَّمَ الرُّفْقَةِ أَوْسَعُ من مُخَيَّمِهِ فَكَانَ أَبْعَدَ عن التَّقْصِيرِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ من زِيَادَتِهِ خَفِيَّةٌ ما لو كانت ظَاهِرَةً فَيَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ كما في الْمَجْمُوعِ الْمُبِيحِ الْخَامِسُ الْمَرَضُ وَلَوْ في الْحَضَرِ لِآيَةِ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَيْ وَخِفْتُمْ من اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ مَحْذُورًا فَتَيَمَّمُوا بِقَرِينَةِ تَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَرَضَ بِالْجُرْحِ وَالْجُدَرِيِّ وَنَحْوِهِمَا وَلِمَا في اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ مع ذلك من الضَّرَرِ فَيَتَيَمَّمُ مَرِيضٌ خَافَ تَلَفِ نَفْسٍ أو عُضْوٍ أو مَنْفَعَتِهِ أَيْ الْعُضْوِ وَلَوْ أَبْدَلَ لَفْظَةَ تَلَفٍ بِعَلَى كما فَعَلَ فِيمَا مَرَّ في الْمُبِيحِ الثَّانِي لَكَانَ أَوْلَى وَأَغْنَاهُ عن قَوْلِهِ أو مَنْفَعَتِهِ وَكَذَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ لِمُرِيدِهِ خَوْفَ مَرَضٍ مَخُوفٍ أو خَوْفَ زِيَادَةٍ فيه بِأَنْ خَافَ زِيَادَةَ الْأَلَمِ وَإِنْ لم تَزِدْ مُدَّتُهُ أو خَوْفَ زِيَادَةٍ في مُدَّتِهِ وَإِنْ لم يَزِدْ الْأَلَمُ أو لم يَحْصُلْ بها شِدَّةُ الضَّنَا وهو الْمَرَضُ الْمُدْنِفُ أَيْ اللَّازِمُ أو خَوْفَ حُصُولِ شَيْنٍ قَبِيحٍ أَيْ فَاحِشٍ في عُضْوٍ ظَاهِرٍ لِأَنَّهُ يُشَوِّهُ الْخِلْقَةَ وَيَدُومُ ضَرَرُهُ قال الرَّافِعِيُّ هُنَا وَالظَّاهِرُ ما يَبْدُو في حَالِ الْمِهْنَةِ غَالِبًا كَالْوَجْهِ وَالْيَدِ وَفِيهِ في الْجِنَايَاتِ ما يُؤْخَذُ منه أَنَّهُ ما لَا يُعَدُّ كَشْفُهُ هَتْكًا لِلْمُرُوءَةِ وَقِيلَ ما عَدَا الْعَوْرَةَ وَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا يُوَافِقُ ما هُنَا وَالشَّيْنُ الْأَثَرُ الْمُسْتَكْرَهُ من تَغَيُّرِ لَوْنٍ وَتَحَوُّلٍ وَاسْتِحْشَافٍ وَثُغْرَةٍ تَبْقَى وَلُحْمَةٍ تَزِيدُ قال الرَّافِعِيُّ في أَثْنَاءِ الدِّيَاتِ وَإِنَّمَا يَتَيَمَّمُ بِمَا ذَكَرَ إنْ أخبره بِكَوْنِهِ مَخُوفًا طَبِيبٌ
____________________
(1/80)
مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ وَلَوْ عَبْدًا أو امْرَأَةً أو عَرَفَ هو ذلك وَإِلَّا بِأَنْ لم يُخْبِرْهُ من ذَكَرَ وَلَا كان عَارِفًا بِذَلِكَ فَلَا يَتَيَمَّمُ هذا ما جَزَمَ بِهِ في التَّحْقِيقِ وَنَقَلَهُ في الرَّوْضَةِ عن أبي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ وَأَقَرَّهُ قال في الْمَجْمُوعِ ولم أَرَ من وَافَقَهُ وَلَا من خَالَفَهُ قال في الْمُهِمَّاتِ لَكِنْ جَزَمَ الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ بِأَنَّهُ يَتَيَمَّمُ فَتَعَارَضَ الْجَوَابَانِ وَإِيجَابُ الطُّهْرِ بِالْمَاءِ مع الْجَهْلِ بِحَالِ الْعِلَّةِ التي هِيَ مَظِنَّةٌ لِلْهَلَاكِ بَعِيدٌ عن مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ فَنَسْتَخِيرُ اللَّهَ تَعَالَى وَنُفْتِي بِمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَيَدُلُّ له ما في شَرْحِ الْمُهَذَّبِ في الْأَطْعِمَةِ عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ إنْ الْمُضْطَرَّ إذَا خَافَ من الطَّعَامِ الْمُحْضَرِ إلَيْهِ أَنَّهُ مَسْمُومٌ جَازَ له تَرْكُهُ وَالِانْتِقَالُ إلَى الْمَيِّتَةِ ا ه
قال الْبَغَوِيّ وإذا صلى بِالتَّيَمُّمِ أَعَادَ إذَا وَجَدَ الْمُخْبِرَ كَمِنْ اشْتَبَهَتْ عليه الْقِبْلَةُ ولم يَجِدْ من يَدُلُّهُ وَقَوْلُهُ إذَا وَجَدَ الْمُخْبِرَ أَيْ وَأَخْبَرَهُ بِجَوَازِ التَّيَمُّمِ أو بِعَدَمِهِ قَيْدٌ لِلْإِعَادَةِ لَا لِوُجُوبِهَا لِأَنَّهَا وَجَبَتْ قبل ذلك وَإِنَّمَا قَيَّدَهَا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لها قَبْلَهُ فَإِنْ لم يَجِدْ الْمُخْبِرَ وَاسْتَمَرَّ يَتَيَمَّمُ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ إذَا بَرِئَ وَاكْتَفَى بِطَبِيبٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ طَرِيقَ ذلك الرِّوَايَةُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِخْبَارِ بِكَوْنِ الْمَرَضِ مَخُوفًا في الْوَصِيَّةِ يُشْتَرَطُ فيه اثْنَانِ لِلِاحْتِيَاطِ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ وَلِأَنَّ لِلطُّهْرِ بِالْمَاءِ بَدَلًا لَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ وَلَا يُبِيحُهُ أَيْ التَّيَمُّمَ شَيْنٌ يَسِيرٌ كَأَثَرِ جُدَرِيٍّ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِفَتْحِهِمَا وَكَقَلِيلِ سَوَادٍ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ وَلَا شَيْنٌ قَبِيحٌ في عُضْوٍ مَسْتُورٍ لِسَتْرِهِ عن أَعْيُنِ الناس غَالِبًا قال في الْمُهِمَّاتِ وَالْحُكْمُ الْمَذْكُورُ في هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْمُتَطَهِّرَ قد يَكُونُ رَقِيقًا فَتَنْقُصُ قِيمَتُهُ نَقْصًا فَاحِشًا فَكَيْفَ لَا يُبَاحُ له التَّيَمُّمُ مع إبَاحَتِهِ فِيمَا لو امْتَنَعَ الْمَالِكُ من بَيْعِ الْمَاءِ إلَّا بِزِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ وهو ظَاهِرٌ لَا جَوَابَ عنه اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَلْتَزِمُوهُ فَيَلْزَمَهُمْ اسْتِثْنَاؤُهُ ولم يَسْتَثْنِهِ أَحَدٌ بَلْ الْمَنْعُ من التَّيَمُّمِ مُشْكِلٌ مُطْلَقًا وَلَوْ كان حُرًّا فإن الْفَلَسَ مَثَلًا أَهْوَنُ على النُّفُوسِ من آثَارِ الْجُدَرِيِّ على الْوَجْهِ وَمِنْ الشَّيْنِ الْفَاحِشِ في الْبَاطِنِ لَا سِيَّمَا الشَّابَّةَ الْمَقْصُودَةَ لِلِاسْتِمْتَاعِ
ا ه
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْخُسْرَانَ في الزِّيَادَةِ مُحَقَّقٌ بِخِلَافِهِ في نَقْصِ الرَّقِيقِ وَبِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَ الرَّقِيقَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ مع نَقْصِ الْمَالِيَّةِ لِأَنَّهُ قد تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وهو مُقَدَّمٌ على حَقِّ السَّيِّدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو تَرَكَ الصَّلَاةَ قُتِلَ وَإِنْ فَاتَتْ الْمَالِيَّةُ على السَّيِّدِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ تَفْوِيتَ الْمَالِ إنَّمَا يُؤَثِّرُ إذَا كان سَبَبُهُ تَحْصِيلَ الْمَاءِ لَا اسْتِعْمَالَهُ وَإِلَّا لَأَثَّرَ نَقْصُ الثَّوْبِ بِبَلِّهِ بِالِاسْتِعْمَالِ وَلَا قَائِلَ بِهِ وَأَمَّا الشَّيْنُ فَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ إذَا كان سَبَبُهُ الِاسْتِعْمَالَ وَالضَّرَرُ الْمُعْتَبَرُ في الِاسْتِعْمَالِ فَوْقَ الضَّرَرِ الْمُعْتَبَرِ في التَّحْصِيلِ كما يَشْهَدُ له ما مَرَّ من أَنَّهُ لو خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ بِطَلَبِ الْمَاءِ تَيَمَّمَ وَلَوْ خَافَ خُرُوجَهُ بِالِاسْتِعْمَالِ لَا يَتَيَمَّمُ فَاعْتُبِرَ في الشَّيْنِ ما يُشَوِّهُ الْخِلْقَةَ وهو الْفَاحِشُ في الْعُضْوِ الظَّاهِرِ دُونَ الْيَسِيرِ وَالْفَاحِشُ في الْبَاطِنِ لِمَا مَرَّ وَلَا يُبِيحُهُ التَّأَلُّمُ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ بِقَرْحٍ أَيْ جُرْحٍ أو بَرْدٍ أو حَرٍّ أو غَيْرِهِ كَصُدَاعٍ وَوَجَعِ ضِرْسِ وَحُمَّى لَا يَخَافُ من اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ معه مَحْذُورًا في الْعَاقِبَةِ أو يَخَافُ مع الْبَرْدِ مَحْذُورًا وَوَجَدَ نَارًا يُسَخِّنُ بها الْمَاءَ أو ما يُدَثِّرُ بِهِ أَعْضَاءَهُ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ قَادِرٌ على اسْتِعْمَالِهِ بِلَا ضَرَرٍ شَدِيدٍ وَلَا بُدَّ أَنْ يَجِدَ مع النَّارِ قِيمَةَ ما يَحْتَاجُ إلَيْهِ في التَّسْخِينِ كَقِدْرٍ وَحَطَبٍ وَقَوْلُهُ أو يَخَافُ إلَخْ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ الْمُبِيحُ السَّادِسُ وَالسَّابِعُ الْجَبِيرَةُ وَهِيَ أَخْشَابٌ وَنَحْوُهَا تُرْبَطُ على الْكَسْرِ وَالِانْخِلَاعِ وَاللَّصُوقُ بِفَتْحِ اللَّام وهو ما كان على جُرْحٍ من قُطْنَةٍ أو خِرْقَةٍ أو نَحْوِهِمَا فَإِنْ احْتَاجَ إلَى وَضْعِهَا أَيْ الْجَبِيرَةِ لِكَسْرٍ أو انْخِلَاعٍ أو إلَى وَضْعِ لَصُوقٍ لِجِرَاحَةٍ بِأَنْ خَافَ شيئا مِمَّا مَرَّ في الْمَرَضِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلْيَضَعْهُمَا على طُهْرٍ كَالْخُفِّ وَيَسْتُرُ من الصَّحِيحِ تَحْتَهُمَا قَدْرَ الْحَاجَةِ لِلِاسْتِمْسَاكِ فَإِنْ لم يَفْعَلْ ذلك فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ فَإِنْ خَافَ من نَزْعِهِمَا ما ذَكَرْنَاهُ من الْخَوْفِ على شَيْءٍ مِمَّا مَرَّ غَسَلَ وُجُوبًا ما يُمْكِنُ غَسْلُهُ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ فَاضِلَةٍ عَمَّا مَرَّ في نَظِيرِهِ في صِفَةِ الْوُضُوءِ لِأَنَّ
____________________
(1/81)
عِلَّةَ بَعْضِ الْعُضْوِ لَا تَزِيدُ على فَقْدِهِ وَلَوْ فُقِدَ وَجَبَ غَسْلُ الْبَاقِي فَكَذَا غَسْلُ ما ذَكَرَ هُنَا ولو ما تَحْتَ أَطْرَافِ الْجَبِيرَةِ من صَحِيحٍ بِبَلِّ خِرْقَةٍ وَعَصْرِهَا وَنَحْوِ ذلك مِمَّا فيه رِفْقُ لِتَغْسِل تِلْكَ الْمَحَالِّ بِالْمُتَقَاطَرِ فَإِنْ تَعَذَّرَ أَمَسَّهُ مَاءً بِلَا إفَاضَةٍ نَصَّ عليه وَجَزَمُوا بِهِ ذَكَرَهُ في التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وما قِيلَ أَنَّهُ قال مَسَحَهُ بِمَاءٍ سَهْوٌ وَقَوْلُهُ وَنَحْوُ ذلك من زِيَادَتِهِ وَيَجِبُ اسْتِيعَابُهُمَا أَيْ الْجَبِيرَةِ وَاللَّصُوقِ إذَا كَانَا بِأَعْضَاءِ الطُّهْرِ مَسْحًا بِالْمَاءِ حين يَغْسِلُ الْمُحْدِثُ الْعُضْوَ الْعَلِيلَ لِلتَّرْتِيبِ بِخِلَافِ الْجُنُبِ يَمْسَحُ مَتَى شَاءَ أَمَّا الْمَسْحُ فَلِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في مَشْجُوجٍ احْتَلَمَ وَاغْتَسَلَ فَدَخَلَ الْمَاءُ شَجَّتَهُ وَمَاتَ إنَّمَا كان يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِبَ رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ ثُمَّ يَمْسَحَ عليها وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَأَمَّا اسْتِيعَابُهُ فَلِأَنَّهُ مَسْحٌ أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ كَالتَّيَمُّمِ وَخَرَجَ بِالْمَاءِ التُّرَابُ فَلَا يَجِبُ الْمَسْحُ بِهِ كما سَيَأْتِي وَلَا يَتَقَدَّرُ الْمَسْحُ بِمُدَّةِ لِأَنَّهُ لم يَرِدْ فيه تَوْقِيفٌ وَلِأَنَّ السَّاتِرَ لَا يُنْزَعُ لِلْجَنَابَةِ بِخِلَافِ الْخُفِّ فِيهِمَا ثُمَّ بَعْدَمَا تَقَرَّرَ نَقُولُ يَجِبُ التَّيَمُّمُ لِخَبَرِ الْمَشْجُوجِ السَّابِقِ وَهَذَا التَّيَمُّمُ بَدَلٌ عن غَسْلِ الْعُضْوِ الْعَلِيلِ وَمَسْحِ السَّاتِرِ له بَدَلٌ عن غَسْلِ ما تَحْتَ أَطْرَافِهِ من الصَّحِيحِ كما في التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ بَدَلٌ عَمَّا تَحْتَ الْجَبِيرَةِ وَقَضِيَّةُ ذلك أَنَّهُ لو كان السَّاتِرُ بِقَدْرِ الْعِلَّةِ فَقَطْ أو بِأَزْيَدَ وَغَسَلَ الزَّائِدِ كُلَّهُ لَا يَجِبُ الْمَسْحُ وهو الظَّاهِرُ فَإِطْلَاقُهُمْ وُجُوبُ الْمَسْحِ جَرَى على الْغَالِبِ من أَنَّ السَّاتِرَ يَأْخُذُ زِيَادَةً على مَحِلِّ الْعِلَّةِ وَلَا يُغْسَلُ فَلَوْ كانت أَيْ الْجَبِيرَةُ مَثَلًا بِمَحَلِّ التَّيَمُّمِ وهو الْوَجْهُ وَالْيَدَانِ كما سَيَأْتِي لم يُمْسَحْ عليها بِالتُّرَابِ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ فَلَا يُؤَثِّرُ فَوْقَ حَائِلٍ بِخِلَافِ الْمَاءِ فإن تَأْثِيرَهُ فَوْقَ مَعْهُودٍ في الْخُفِّ لَكِنَّهُ يُسَنُّ خُرُوجًا من خِلَافِ من أَوْجَبَهُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ فَإِنْ خَافَ
إلَخْ ما إذَا لم يَخَفْ فَيَجِبُ النَّزْعُ وَغَسْلُ مَوْضِعِ الْعِلَّةِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَمَسْحُهُ بِالتُّرَابِ إنْ كان بِمَحَلِّ التَّيَمُّمِ وَإِنْ وَضَعَ الْجَبِيرَةَ مَثَلًا على عَلِيلٍ وهو على غَيْرِ طُهْرٍ وَإِنْ لم يَكُنْ بِمَحَلِّ التَّيَمُّمِ أو على صَحِيحٍ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلِاسْتِمْسَاكِ وَإِنْ كان على طُهْرٍ نَزَعَهَا لِيَفْعَلَ ما مَرَّ هذا إذَا لم يَخَفْ من نَزْعِهَا فَإِنْ خَافَ منه تَرَكَ هَا لِلضَّرُورَةِ وَصَلَّى لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَقَضَى لِفَوَاتِ شَرْطِ الْوَضْعِ على الطُّهْرِ وَبِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَسَيَأْتِي هذا مع زِيَادَةٍ وَقَوْلُهُ أو على صَحِيحٍ من زِيَادَتِهِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْجُنُبِ وَنَحْوِهِ تَقْدِيمُ التَّيَمُّمِ على الْغُسْلِ لِيُزِيلَ الْمَاءُ أَثَرَ التُّرَابِ وَذِكْرُ الِاسْتِحْبَابِ من زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْأَصْحَابِ عن الشَّافِعِيِّ قال الْإِسْنَوِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْأَوْلَى تَقْدِيمُ ما نُدِبَ تَقْدِيمُهُ في الْغُسْلِ فَإِنْ كانت جِرَاحَتُهُ في رَأْسِهِ غَسَلَ ما صَحَّ منه ثُمَّ يَتَيَمَّمُ عن جَرِيحِهِ ثُمَّ غَسَلَ بَاقِيَ جَسَدِهِ وفي الْبَيَانِ فِيمَا إذَا كان حَدَثُهُ أَصْغَرَ مِثْل ذلك وَنَقَلَهُ عنه في الرَّوْضَةِ ثُمَّ قال إنَّهُ حَسَنٌ
ا ه
وَالْمُحْدِثُ لَا يَنْتَقِلُ عن عُضْوٍ بِهِ عِلَّةٌ حتى يُكْمِلَهُ غُسْلًا وَمَسْحًا على السَّاتِرِ وَتَيَمُّمًا عنه أَيْ عن الْعُضْوِ لِأَنَّ الْمَسْحَ وَالتَّيَمُّمَ بَدَلَانِ عن غُسْلِهِ على ما مَرَّ مُقَدِّمًا ما شَاءَ منها على الْبَاقِي لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ في ذلك لَكِنْ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ التَّيَمُّمِ هُنَا أَيْضًا كما في الْمَجْمُوعِ وَجَازَ تَقْدِيمُ التَّيَمُّمِ لِأَنَّهُ لِلْعِلَّةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ في اسْتِعْمَالِ النَّاقِضِ فإنه لِفَقْدِ الْمَاءِ فَلَا بُدَّ من فَقْدِهِ بَلْ الْأَوْلَى هُنَا تَقْدِيمُهُ كما مَرَّ آنِفًا وَالْيَدَانِ كَعُضْوٍ فَيَتَيَمَّمُ لَهُمَا تَيَمُّمًا وَاحِدًا وَيُسْتَحَبُّ جَعْلُهُمَا كَعُضْوَيْنِ فَيَغْسِلُ وَجْهَهُ ثُمَّ صَحِيحُ الْيُمْنَى ثُمَّ يَتَيَمَّمُ عن عَلِيلِهَا أو يُقَدِّمُ التَّيَمُّمُ على غَسْلِ صَحِيحِهَا ثُمَّ يَغْسِلُ صَحِيحَ الْيُسْرَى ثُمَّ يَتَيَمَّمُ عن عَلِيلِهَا أو بِعَكْسٍ قال في الرَّوْضَةِ وَكَذَا الرِّجْلَانِ فَإِنْ كان في أَعْضَائِهِ الْأَرْبَعَةِ جِرَاحَةٌ ولم تَعُمَّهَا وَجَبَ ثَلَاثُ تَيَمُّمَاتٍ تَيَمُّمٌ لِلْوَجْهِ وَتَيَمُّمٌ لِلْيَدَيْنِ وَتَيَمُّمٌ لِلرِّجْلَيْنِ وَالرَّأْسُ يَكْفِي فيه مَسْحُ ما قَلَّ منه كما مَرَّ فَإِنْ عَمَّتْ الرَّأْسَ فَأَرْبَعَةٌ من التَّيَمُّمَاتِ وَإِنْ عَمَّتْ الْجَمِيعَ فَتَيَمُّمٌ وَاحِدٌ عن الْجَمِيعِ لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ بِسُقُوطِ الْغُسْلِ قال في الْمَجْمُوعِ فَإِنْ قِيلَ إذَا كانت الْجِرَاحَةُ في وَجْهِهِ وَيَدِهِ وَغَسَلَ صَحِيحَ الْوَجْهِ أَوَّلًا جَازَ تَوَالِي تَيَمُّمَيْهَا فَلِمَ لَا يَكْفِيهِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ كَمَنْ عَمَّتْ الْجِرَاحَةُ أَعْضَاءَهُ فَالْجَوَابُ إنَّ التَّيَمُّمَ هُنَا في طُهْرٍ تَحَتَّمَ فيه التَّرْتِيبُ فَلَوْ كَفَاهُ تَيَمُّمٌ حَصَلَ تَطْهِيرُ الْوَجْهِ وَالْيَدِ في حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وهو مُمْتَنِعٌ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ عن الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا
____________________
(1/82)
لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ بِسُقُوطِ الْغُسْلِ وَفِيهِ كَلَامٌ ذَكَرْته مع الْجَوَابِ عنه في شَرْحِ الْبَهْجَةِ فَإِنْ لم يَحْتَجْ إلَى الْجَبِيرَةِ وإلى السَّتْرِ بِاللَّصُوقِ في الْكَسْرِ وَالِانْخِلَاعِ وفي الْجُرْحِ وَخَافَ من الْغُسْلِ شيئا مِمَّا مَرَّ غَسَلَ وُجُوبًا الصَّحِيحَ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ فَاضِلَةٍ عَمَّا مَرَّ فِيمَا لو احْتَاجَ إلَيْهِمَا كَالْأَقْطَعِ الذي يَحْتَاجُ إلَى من يُطَهِّرُهُ ثُمَّ تَيَمَّمَ وُجُوبًا كما سَبَقَ في أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْجُنُبِ تَقْدِيمُ التَّيَمُّمِ وَإِنَّ الْمُحْدِثَ لَا يَنْتَقِلُ عن عُضْوٍ حتى يُكْمِلَهُ غَسْلًا وَتَيَمُّمًا عنه مُقَدِّمًا ما شَاءَ وَيُمِرُّ وُجُوبًا تُرَابُ تَيَمُّمِهِ على مَوْضِعِ الْعِلَّةِ بِمَحِلِّ التَّيَمُّمِ إنْ أَمْكَنَ وَلَوْ على أَفْوَاهِ الْجُرْحِ إذْ لَا ضَرَرَ فيه وَلَا يَجِبُ مَسْحُ الْعَلِيلِ بِالْمَاءِ وَإِنْ لم يَضُرَّهُ إذْ لَا فَائِدَةَ فيه بِلَا حَائِلٍ بِخِلَافِ مَسْحِ السَّاتِرِ فإنه مَسْحٌ على حَائِلٍ كَالْخُفِّ وقد وَرَدَ الْخَبَرُ بِهِ وَلَا يَجِبُ إلْقَاءُ أَيْ وَضْعُ الْجَبِيرَةِ أو اللَّصُوقِ عليه أَيْ على الْعَلِيلِ لِمَسْحٍ أَيْ لِيَسْمَحَ عليها بِالْمَاءِ وَلَا لُبْسِ الْخُفِّ لِحَدَثٍ أَرْهَقَهُ لِيَكْفِيَ الْمَاءُ الذي معه لِوُضُوئِهِ لِأَنَّ الْمَسْحَ فِيهِمَا رُخْصَةٌ فَلَا يَلِيقُ بها وُجُوبُ ذلك وَلَوْ أَحْدَثَ وهو لَابِسُهُ وَمَعَهُ ما يَكْفِيهِ لِغَيْرِ رِجْلَيْهِ قال ابن الرِّفْعَةِ وَجَبَ الْمَسْحُ فِيمَا يَظْهَرُ كما يَلْزَمُهُ حِفْظُ الْمَاءِ وَشِرَاؤُهُ قال الْإِسْنَوِيُّ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَحَكَى فيه الِاتِّفَاقَ ا ه وهو ظَاهِرٌ خُصُوصًا إنْ لَزِمَ من تَرْكِهِ إخْرَاجُ الصَّلَاةِ أو بَعْضِهَا عن وَقْتِهَا أو قَضَاؤُهَا لِكَوْنِهِ فَقَدَ التُّرَابَ أو وَجَدَهُ بِمَحِلٍّ لَا يَسْقُطُ فيه فَرْضُهُ بِالتَّيَمُّمِ وَلَوْ لَبِسَهُ وهو يُدَافِعُ الْحَدَثَ فَفِي الْمَجْمُوعِ لم يُكْرَهْ لِأَنَّهُ لم يَثْبُتْ فيه نَهْيٌ وَفَارَقَ الصَّلَاةَ بِأَنَّ مُدَافَعَتَهُ فيها تُذْهِبُ الْخُشُوعَ الذي هو مَقْصُودُهَا بِخِلَافِ لُبْسِ الْخُفِّ وَالْفَصْدُ كَالْجُرْحِ الذي يَخَافُ من غُسْلِهِ ما مَرَّ فَيَتَيَمَّمُ له إنْ خَافَ الْمَاءَ أَيْ اسْتِعْمَالَهُ وَعِصَابَتُهُ كَالْجَبِيرَةِ في حُكْمِهَا السَّابِقِ وَالْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ كَاللَّصُوقِ وَلِمَا بين حَبَّاتِ الْجُدَرِيِّ حُكْمُ الْعُضْوِ الْجَرِيحِ إنْ خَافَ من غَسْلِهِ ما مَرَّ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَالْفَصْدُ إلَى هُنَا من زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ الْقَمُولِيُّ في بَحْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في جَوَاهِرِهِ فَرْعٌ لو غَسَلَ الصَّحِيحَ وَتَيَمَّمَ عن غَيْرِهِ مع مَسْحِ السَّاتِرِ إنْ كان ثُمَّ صلى فَرِيضَةً ولم يُحْدِثْ أَعَادَ التَّيَمُّمَ وَحْدَهُ لِلْفَرِيضَةِ الْأُخْرَى لَا لِلنَّفْلِ وَإِنْ كَثُرَ إنْ كان جُنُبًا إذْ لَا تَرْتِيبَ في غُسْلِهِ وَكَذَا الْمُحْدِثُ يُعِيدُ التَّيَمُّمَ وَحْدَهُ وَإِنْ تَعَدَّدَ هُنَا حتى لو تَيَمَّمَ في الْأَوَّلِ أَرْبَعَ تَيَمُّمَاتٍ أَعَادَهَا خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ في أَنَّهُ لَا يُعِيدُهُ وَحْدَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوُضُوءَ الْكَامِلَ لَا يُعَادُ فَكَذَا بَعْضُهُ وَلِأَنَّ ما غَسَلَهُ ارْتَفَعَ حَدَثُهُ وَنَابَ التَّيَمُّمُ عن غَيْرِهِ فَتَمَّ طُهْرُهُ وَإِنَّمَا أُعِيدَ التَّيَمُّمُ لِضَعْفِهِ عن أَدَاءِ الْفَرْضِ لَا لِبُطْلَانِهِ وَإِلَّا لم يَتَنَفَّلْ بِهِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ أَمَّا إذَا أَحْدَثَ فَيُعِيدُ مع التَّيَمُّمِ الْوُضُوءَ قال في الْمَجْمُوعِ وَلَا يَلْزَمُهُ النَّزْعُ لو كان حَدَثُهُ أَكْبَرَ بِخِلَافِ الْخُفِّ لِمَا في ذلك من الْمَشَقَّةِ هُنَا وَإِنْ اغْتَسَلَ الْجُنُبُ وَتَيَمَّمَ عن جِرَاحِهِ في غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ ثُمَّ أَحْدَثَ بَعْدَ أَدَاءِ فَرِيضَةٍ من صَلَاةٍ أو طَوَافٍ لم يَبْطُلْ حُكْمُ تَيَمُّمِهِ لِأَنَّهُ وَقَعَ عن غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَلَا يُؤَثِّرُ فيه الْحَدَثُ فَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي بِوُضُوئِهِ ما شَاءَ من النَّوَافِلِ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ حُكْمٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَإِنْ بَرِئَ بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ وهو على طَهَارَةٍ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِزَوْلِ عِلَّتِهِ وَوَجَبَ غَسْلُ مَوْضِعِ الْجَبِيرَةِ لو قال كَأَصْلِهِ مَوْضِعُ الْعُذْرِ كان أَعَمَّ جُنُبًا كان أو مُحْدِثًا ووجب غَسْلُ ما بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ مَوْضِعِ الْعُذْرِ إنْ كان مُحْدِثًا رِعَايَةً لِلتَّرْتِيبِ فإنه لَمَّا وَجَبَ إعَادَةُ تَطْهِيرِ عُضْوٍ لِبُطْلَانِهِ خَرَجَ عن كَوْنِهِ تَامَّ الطُّهْرِ فإذا أَتَمَّهُ وَجَبَ إعَادَةُ ما بَعْدَهُ كما لو أَغْفَلَ لَمْعَةً بِخِلَافِ الْجُنُبِ وَلَا يَسْتَأْنِفَانِ أَيْ الْجُنُبُ وَالْمُحْدِثُ الطَّهَارَةَ وَبُطْلَانُ بَعْضِهَا لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ كُلِّهَا وَلَوْ تَوَهَّمَ الْبُرْءَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا فَرَفَعَ السَّاتِرَ فَبَانَ خِلَافُهُ لم يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ بِخِلَافِ تَوَهُّمِ الْمَاءِ فإنه يُبْطِلُهُ وَإِنْ بَانَ أَنْ لَا مَاءَ لِأَنَّ تَوَهُّمَهُ يُوجِبُ الطَّلَبَ وَتَوَهُّمَ الْبُرْءِ لَا يُوجِبُ الْبَحْثَ عنه وَتَوَقَّفَ فيه الْإِمَامُ وَيُرَدُّ تَوَقُّفُهُ بِأَنَّ طَلَبَ الْمَاءِ سَبَبٌ لِتَحْصِيلِهِ بِخِلَافِ طَلَبِ الْبُرْءِ ليس سَبَبًا لِتَحْصِيلِهِ وَلَا يُشْكِلُ عَدَمُ بُطْلَانِ التَّيَمُّمِ بِقَوْلِ النَّوَوِيِّ في مَجْمُوعِهِ وَتَحْقِيقُهُ لو سَقَطَتْ جَبِيرَتُهُ عن عُضْوِهِ في الصَّلَاةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ لم يَبْرَأْ كَانْخِلَاعِ الْخُفِّ لِأَنَّ بُطْلَانَهَا ليس لِبُطْلَانِ تَيَمُّمِهِ بَلْ لِلتَّرَدُّدِ في بُطْلَانِهِ وَعَلَى هذا يَنْبَغِي تَقْيِيدُ بُطْلَانِهَا بِمَا إذَا طَالَ التَّرَدُّدَ أو مَضَى معه رُكْنٌ لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ التَّرَدُّدِ ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ أَجَابَ بِحَمْلِ ما هُنَا على ما إذَا لم يَطْهُرْ من الصَّحِيحِ ما يَجِبُ غَسْلُهُ وما هُنَاكَ على ما إذَا ظَهَرَ منه ذلك وهو أَوْلَى وَلَوْ انْدَمَلَ ما تَحْتَ الْجَبِيرَةِ وهو لَا يَعْلَمُ وَصَلَّى بَعْدَهُ صَلَوَاتٍ وَجَبَ قَضَاؤُهَا وَلَوْ كان على عُضْوِهِ جَبِيرَتَانِ فَرَفَعَ إحْدَاهُمَا لم يَلْزَمْهُ رَفْعُ الْأُخْرَى بِخِلَافِ الْخُفَّيْنِ لِأَنَّ لُبْسَهُمَا جميعا
____________________
(1/83)
شَرْطٌ بِخِلَافِ الْجَبِيرَتَيْنِ ذَكَرَ ذلك في الْمَجْمُوعِ الْبَابُ الثَّانِي في كَيْفِيَّةِ التَّيَمُّمِ وَلَهُ سَبْعَةُ أَرْكَانٍ على ما في أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَسِتَّةٌ على ما في الْمَجْمُوعِ بِإِسْقَاطِ التُّرَابِ فإنه شَرْطٌ لَا رُكْنٌ وَخَمْسَةٌ على ما في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ بِإِسْقَاطِ الْقَصْدِ أَيْضًا لِذَلِكَ وَكَذَا صَنَعَ الرَّافِعِيُّ فقال وَحَذَفَهُمَا جَمَاعَةٌ وهو أَوْلَى إذْ لو حَسُنَ عَدُّ التُّرَابِ رُكْنًا لَحَسُنَ عَدُّ الْمَاءِ رُكْنًا في الطُّهْرِ بِهِ فَأَمَّا الْقَصْدُ فَدَاخِلٌ في النَّقْلِ الْوَاجِبِ قَرْنَ النِّيَّةُ بِهِ الْأَوَّلُ من السَّبْعَةِ التُّرَابُ الطَّاهِرُ الْخَالِصُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا أَيْ تُرَابًا طَاهِرًا وهو مُتَضَمِّنٌ لِخُلُوصِهِ غَيْرِ الْمُسْتَعْمَلِ كما في الْمَاءِ فَيَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِالتُّرَابِ الْمَذْكُورِ بِأَيِّ لَوْنٍ كان كما في الْمَاءِ فَيَصِحُّ بِبَطْحَاءَ وهو تُرَابٌ بِمَسِيلِ الْمَاءِ فيه دِقَاقُ حَصًى وَسَبِخٍ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وهو ما لَا يُنْبِتُ هذا إذَا لم يَعْلُهُ الْمِلْحُ فَإِنْ عَلَاهُ لم يَصِحَّ التَّيَمُّمُ بِهِ لِأَنَّ الْمِلْحَ ليس بِتُرَابٍ وَتُرَابِ أَرَضِهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ خَرَجَتْ بِهِ من مَدَرٍ لِأَنَّهُ تُرَابٌ لَا من خَشَبٍ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى تُرَابًا وَإِنْ أَشْبَهَهُ وَالتَّصْرِيحُ بِهِ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَلَا أَثَرَ لِلُعَابِهَا الْمُخْتَلِطِ بِالتُّرَابِ كَتُرَابٍ مَعْجُونٍ بِخَلٍّ كما سَيَأْتِي وَتَغَيَّرَ أَيْ وَلَا أَثَرَ لِتَغَيُّرِ حَمْأَةٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَتَسْكِينِ ثَانِيهِ أَيْ طِينٍ أَسْوَدَ ولا تَغَيُّرِ طِينٍ هذا من عَطْفِ الْعَامِّ على الْخَاصِّ وَالتَّصْرِيحُ بِهِمَا من زِيَادَتِهِ وَلَوْ اقْتَصَرَ على الْعَامِّ كَفَى وكان أَوْضَحَ وَأَخْصَرَ وَلَوْ شُوِيَ الطِّينُ وَتَسَوَّدَ فإنه يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِهِ إذَا سُحِقَ لِأَنَّهُ تُرَابٌ لَا ما صَارَ رَمَادًا أو خَرِفًا أو آجُرًّا لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى تُرَابًا وفي نُسْخَةٍ وَآجُرٌّ بِالْوَاوِ وَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِرَمْلٍ وَلَوْ نَاعِمًا بِلَا غُبَارٍ أو بِغُبَارٍ لَكِنَّ الرَّمْلَ يَلْصَقُ بِالْعُضْوِ بِخِلَافِهِ إذَا لم يَلْصَقْ بِهِ فَإِطْلَاقُهُ الرَّمْلِ أَوْلَى من تَقْيِيدِ الْأَصْلِ له بِالْخَشِنِ وَلَا بِمَعْدِنٍ كَنَوْرَةٍ وَزِرْنِيخٍ وَجَصٍّ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى تُرَابًا وَلَوْ جَازَ التَّيَمُّمُ بِجَمِيعِ الْأَرْضِ لَمَا عَدَلَ عنها إلَى التُّرَابِ في خَبَرِ مُسْلِمٍ جُعِلَتْ لنا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا وَطَهَارَةُ التَّيَمُّمِ تَعَبُّدِيَّةٌ فَاخْتُصَّتْ بِمَا وَرَدَ كَالْوُضُوءِ بِخِلَافِ الدِّبَاغِ فإنه نَزْعُ الْفُضُولِ وهو يَحْصُلُ بِأَنْوَاعٍ وَإِنْ انْتَفَضَ من كَلْبٍ تُرَابٌ أو بَقِيَ عليه فَتَيَمَّمَ بِهِ ولم يَعْلَمْ تَرَطُّبَهُ عِنْدَ الْتِصَاقِهِ بِهِ بِمَاءٍ أو عَرَقٍ أو غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ حَقِيقَةً أو أَصَالَةً بِخِلَافِ ما إذَا عَلِمَ ذلك وَلَا بِمُتَنَجِّسٍ كَمَقْبَرَةٍ تَيَقَّنَ نَبْشَهَا لِاخْتِلَاطِهَا بِصَدِيدِ الْمَوْتَى سَوَاءٌ أَوَقَعَ الْمَطَرُ عليها أَمْ لَا لِأَنَّ الصَّدِيدَ لَا يُذْهِبُهُ الْمَطَرُ كما لَا يُذْهِبُ التُّرَابُ وَكَذَا كُلُّ ما اخْتَلَطَ من الْأَنْجَاسِ بِالتُّرَابِ مِمَّا يَصِيرُ كَالتُّرَابِ أَمَّا إذَا لم يَتَيَقَّنْ نَبْشَهَا فَيَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِتُرَابِهَا بِلَا كَرَاهَةٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَتُهُ
وَلَا بِمُخْتَلِطٍ بِدَقِيقٍ وَزَعْفَرَانٍ وَنَحْوِهِ أَيْ نَحْوُ كُلٍّ مِنْهُمَا كَرَمْلٍ نَاعِمٍ يَلْصَقُ بِالْعُضْوِ وَلَوْ قَلَّ الْخَلِيطُ بِأَنْ لم يَظْهَرْ في التُّرَابِ لِمَنْعِهِ وُصُولَهُ إلَى الْعُضْوِ لِكَثَافَتِهِ بِخِلَافِهِ في الْمَاءِ فَلَوْ عَجَنَ التُّرَابَ بِخَلٍّ فَتَغَيَّرَ بِهِ ثُمَّ جَفَّ لم يَضُرَّ فَيَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِهِ وَلَا بِمُسْتَعْمَلٍ وَلَوْ مُتَنَاثِرًا من الْعُضْوِ بَعْدَ مَسِّهِ كَالْمَاءِ لِأَنَّهُ قد تَأَدَّى بِهِ فَرْضٌ قال الرَّافِعِيُّ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمُتَنَاثِرِ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ إذَا انْفَصَلَ بِالْكُلِّيَّةِ وَأَعْرَضَ الْمُتَيَمِّمُ عنه الرُّكْنُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ النَّقْلُ أَيْ نَقْلُ التُّرَابِ إلَى الْعُضْوِ وَالْقَصْدُ إلَيْهِ لِلْآيَةِ فَإِنَّهَا آمِرَةٌ بِالتَّيَمُّمِ وهو الْقَصْدُ وَالنَّقْلُ طَرِيقُهُ فَإِنْ مَسَحَ بِمَا أَيْ تُرَابٍ سَفَتْهُ عليه الرِّيحُ أو يَمَّمَهُ رَجُلٌ بِلَا إذْنٍ منه لم يُجْزِهِ وَلَوْ صَمَدَ بِفَتْحِ الْمِيمِ لِذَلِكَ وَقَصَدَهُ لِانْتِفَاءِ الْقَصْدِ من جِهَتِهِ بِانْتِفَاءِ النَّقْلِ الْمُحَقِّقِ له وَمُجَرَّدًا لِقَصْدِ الْمَذْكُورِ لَا يَكْفِي وَهَذَا بِخِلَافِ ما لو بَرَزَ لِلْمَطَرِ في الطُّهْرِ بِالْمَاءِ فَانْغَسَلَتْ أَعْضَاؤُهُ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فيه الْغُسْلُ وَاسْمُهُ يُطْلَقُ وَلَوْ بِغَيْرِ قَصْدٍ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ أَمَّا إذَا يَمَّمَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ فَيَجُوزُ وَلَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ صَمَدَ حَشْوٌ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى قَصَدَ فَلَوْ تَلَقَّاهُ أَيْ التُّرَابَ من الرِّيح بِكُمِّهِ أو يَدِهِ وَمَسَحَ بِهِ وَجْهَهُ أو تَمَعَّكَ في التُّرَابِ وَلَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ قَصْدَهُ التُّرَابَ قد تَحَقَّقَ بِذَلِكَ وَاسْتَشْكَلَ ذلك بِأَنَّ الْحَدَثَ بَعْدَ الضَّرْبِ وَقَبْلَ مَسْحِ الْوَجْهِ
____________________
(1/84)
يَضُرُّ وَكَذَا الضَّرْبُ قبل الْوَقْتِ أو مع الشَّكِّ في دُخُولِهِ مع أَنَّ الْمَسْحَ بِالضَّرْبِ الْمَذْكُورِ لَا يَتَقَاعَدُ عن التَّمَعُّكِ وَالضَّرْبُ بِمَا على الْكُمّ أو الْيَدِ فَيَنْبَغِي جَوَازُهُ في ذلك وَيُجَابُ بِأَنَّا نَقُولُ بِجَوَازِهِ عِنْدَ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ كما لو كان التُّرَابُ على يَدَيْهِ ابْتِدَاءً وَالْمَنْعُ إنَّمَا هو عِنْدَ عَدَمِ تَجْدِيدِهَا لِبُطْلَانِهَا وَبُطْلَانِ النَّقْلِ الذي قَارَنَتْهُ وَإِنْ نَقَلَهُ من عُضْوٍ وَلَوْ من عُضْوٍ تَيَمَّمَ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ جَازَ لِتَحَقُّقِ النَّقْلِ بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ رَدَّهُ مَعْطُوفٌ على نَقَلَهُ الْمُقَدَّرِ بَعْدَ لو الرُّكْنُ الرَّابِعُ النِّيَّةُ لِخَبَرِ إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَيَجِبُ قَرْنُهَا بِالنَّقْلِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْأَرْكَانِ ويجب اسْتِصْحَابُهَا ذِكْرًا إلَى مَسْحِ شَيْءٍ من الْوَجْهِ فَلَوْ غَرَبَتْ قبل الْمَسْحِ لم يَكْفِ لِأَنَّ النَّقْلَ وَإِنْ كان رُكْنًا غير مَقْصُودٍ في نَفْسِهِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَالْمُتَّجِهُ الِاكْتِفَاءُ بِاسْتِحْضَارِهَا عِنْدَهُمَا وَإِنْ غَرَبَتْ بَيْنَهُمَا وَاسْتَشْهَدَ له بِكَلَامٍ لِأَبِي خَلَفٍ الطَّبَرِيِّ وَلَا تُجْزِيهِ إلَّا نِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ لِمُفْتَقِرٍ إلَى طُهْرٍ كَصَلَاةٍ لِأَنَّهُ نَوَى مُقْتَضَاهُ لَا نِيَّةَ التَّيَمُّمِ ولا نِيَّةَ فَرْضِهِ أو نِيَّةَ فَرْضِ الطُّهْرِ أو التَّيَمُّمِ الْمَفْرُوضِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في الْوُضُوءِ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إنَّمَا يُؤْتَى بِهِ عن ضَرُورَةٍ فَلَا يَصْلُحُ مَقْصِدًا وَلِهَذَا لَا يُنْدَبُ تَجْدِيدُهُ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ نعم إنْ تَيَمَّمَ نَدْبًا كَأَنْ تَيَمَّمَ لِلْجُمُعَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ غُسْلِهِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ تُجْزِيهِ نِيَّةُ التَّيَمُّمِ بَدَلَ الْغُسْلِ وَلَا نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ أو الْجَنَابَةِ أو الطَّهَارَةِ عنه أَيْ عن أَحَدِهِمَا لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُهُ لِبُطْلَانِهِ بِزَوَالِ مُقْتَضَيْهِ وَلِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِعَمْرِو بن الْعَاصِ وقد تَيَمَّمَ عن الْجَنَابَةِ من شِدَّةِ الْبَرْدِ يا عَمْرُو وَصَلَّيْت بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ فقال إنِّي سَمِعْت اللَّهَ يقول وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إنَّ اللَّهَ كان بِكُمْ رَحِيمًا فَضَحِكَ صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم يُنْكِرْ عليه رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَقَوْلُهُ أو الطَّهَارَةِ عنه من زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَإِنْ نَوَى بِتَيَمُّمِهِ فَرْضًا وَنَفْلًا أو فَرْضًا صَحَّ وكان مُسْتَبِيحًا لِفَرْضٍ وَنَفْلٍ عَمَلًا بِمَا نَوَاهُ في الْأُولَى وَاسْتِتْبَاعًا لِلنَّفْلِ في الْبَاقِي وَصَحَّ التَّيَمُّمُ في الْأَخِيرَةِ مع أَنَّهُ نَوَى ما لَا يُبَاحُ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ نَوَى فَرْضًا وزاد فَلَغَتْ الزِّيَادَةُ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ لِلْفَرْضِ الذي يَنْوِي اسْتِبَاحَتَهُ كما لَا يُشْتَرَطُ في الْوُضُوءِ تَعْيِينُ الْحَدَثِ الذي يَنْوِي رَفْعَهُ فَإِنْ عَيَّنَ فَرْضًا وَلَوْ نَذْرًا وَصَلَّى بِهِ غَيْرَهُ فَرْضًا أو نَفْلًا في الْوَقْتِ أو غَيْرِهِ أو صلى بِهِ الْفَرْضَ الْمَنْوِيَّ في غَيْرِ وَقْتِهِ جَازَ وإذا لم يُشْتَرَطْ التَّعْيِينُ فَإِنْ عَيَّنَ فَرْضًا وَأَخْطَأَ في التَّعْيِينِ كَمَنْ نَوَى فَائِتَةً وَلَا شَيْءَ عليه أو ظُهْرًا أو إنَّمَا عليه عَصْرٌ لم يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ لِأَنَّ نِيَّةَ الِاسْتِبَاحَةِ وَاجِبَةٌ في التَّيَمُّمِ وَإِنْ لم يَجِبْ التَّعْيِينُ فإذا عَيَّنَ وَأَخْطَأَ لم يَصِحَّ كما في تَعْيِينِ الْإِمَامِ وَالْمَيِّتِ في الصَّلَاةِ بِخِلَافِ مِثْلِهِ في الْوُضُوءِ لِعَدَمِ وُجُوبِ نِيَّةِ الِاسْتِبَاحَةِ فيه فَلَا يَضُرُّ الْخَطَأُ فيها كما لو عَيَّنَ الْمُصَلِّي الْيَوْمَ وَأَخْطَأَ وَلِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَيَسْتَبِيحُ ما شَاءَ وَالتَّيَمُّمُ يُبِيحُ وَلَا يَرْفَعُ فَنِيَّتُهُ صَادَفَتْ اسْتِبَاحَةَ ما لَا يُسْتَبَاحُ وَكَذَا لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُ من شَكَّ أو ظَنَّ هل عليه فَائِتَةٌ فَتَيَمَّمَ لها ثُمَّ ذَكَرَهَا لِأَنَّ وَقْتَ الْفَائِتَةِ بِالتَّذَكُّرِ كما سَيَأْتِي قال الْمُتَوَلِّي وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ من التَّيَمُّمِ اسْتِبَاحَةُ الصَّلَاةِ وما لم يَتَحَقَّقْهَا لَا يُبَاحُ له فِعْلُهَا قال في الْمَجْمُوعِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ فَاسِدٌ فإن فِعْلَهَا مُبَاحٌ بَلْ مُسْتَحَبٌّ قُلْت ليس بِفَاسِدٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ من اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ هُنَا اسْتِبَاحَتُهَا بِالتَّيَمُّمِ الْمَذْكُورِ لَا اسْتِبَاحَتُهَا مُطْلَقًا
وَيَتَنَفَّلُ من نَوَى بِتَيَمُّمِهِ فَرْضًا ما شَاءَ من النَّوَافِلِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ اسْتِتْبَاعًا وَلَوْ ذَكَرَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ عَقِبَ قَوْلِهِ وَنَفْلٌ كان أَخْصَرَ من ذلك أو نَوَى نَفْلًا اسْتَبَاحَهُ مع ما في مَعْنَاهُ من نَحْوِ مَسِّ مُصْحَفٍ وَسُجُودِ تِلَاوَةٍ أو شُكْرٍ وَقِرَاءَةِ جُنُبٍ أو نَحْوِهِ وَمُكْثِهِ بِمَسْجِدٍ وَحِلِّ وَطْءٍ وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ وَإِنْ تَعَيَّنَتْ فَقَطْ أَيْ لَا الْفَرْضُ الْعَيْنِيُّ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ ضَرُورَةً
____________________
(1/85)
وَالنَّفَلُ تَابِعٌ فَلَا يُجْعَلُ مَتْبُوعًا وَإِنْ تَيَمَّمَ لِصَلَاةٍ أَيْ لِمُطْلَقِهَا أو مَسُّ مُصْحَفٍ أو سَجْدَةِ تِلَاوَةٍ أو شُكْرٍ كما صَرَّحَ بها الْأَصْلُ أو تَيَمَّمَتْ حَائِضٌ انْقَطَعَ حَيْضُهَا لِوَطْءٍ أَيْ لِحِلِّهِ وَإِنْ لم يَكُنْ لها زَوْجٌ أو تَيَمَّمَ جُنُبٌ لِاعْتِكَافٍ أو قِرَاءَةِ قُرْآنٍ فَكَنَفَلٍ تَيَمَّمَ له في أَنَّهُ يَسْتَبِيحُ ما نَوَاهُ وما في مَعْنَاهُ لَا الْفَرْضُ في الْأُولَى وَلَا الْفَرْضُ وَالنَّفَلُ فِيمَا عَدَاهَا وَوُجِّهَ في النَّفْلِ بِأَنَّهُ آكَدُ وَإِنَّمَا لم يَسْتَبِحْ الْفَرْضَ في الْأُولَى لِأَنَّ مُطْلَقَ الصَّلَاةِ مَحْمُولٌ على النَّفْلِ كما في التَّحَرُّمِ وَكَذَا لو تَيَمَّمَ لِجِنَازَةٍ أَيْ لِلصَّلَاةِ عليها وَإِنْ تَعَيَّنَتْ فإنه كَتَيَمُّمِهِ لِلنَّفْلِ في أَنَّهُ يَسْتَبِيحُ ما نَوَاهُ وما في مَعْنَاهُ لَا الْفَرْضِ الْعَيْنِيِّ وَإِنْ غَلِطَ في تَيَمُّمِهِ من الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ إلَى الْأَكْبَرِ أو عَكَسَ نَاوِيًا بِهِ الِاسْتِبَاحَةَ لِلصَّلَاةِ صَحَّ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُمَا وَاحِدٌ وَلِأَنَّ الْجُنُبَ وَالْمُحْدِثَ يَنْوِيَانِ بِتَيَمُّمِهِمَا اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ فَلَا فَرْقَ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فإنه يَجِبُ تَعْيِينُهَا في نِيَّتِهَا فإذا نَوَى الظُّهْرَ فَقَدْ نَوَى غير ما عليه نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْجُوَيْنِيِّ وَأَقَرَّهُ أَمَّا إذَا تَعَمَّدَ ذلك فَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ لِتَلَاعُبِهِ فَلَوْ نَسِيَ من أَجْنَبَ في سَفَرِهِ الْجَنَابَةَ وكان يَتَيَمَّمُ فيه يَوْمًا وَيَتَوَضَّأُ يَوْمًا عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَقْتًا بَدَلَ يَوْمًا وَالْمُرَادُ منها ما في الْمَجْمُوعِ يَتَوَضَّأُ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ وَيَتَيَمَّمُ عِنْدَ عَدَمِهِ أَعَادَ صَلَوَاتِ الْوُضُوءِ دُونَ صَلَوَاتِ التَّيَمُّمِ لِاسْتِبَاحَةِ ما صَلَّاهُ في الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى الرُّكْنُ الْخَامِسُ مَسْحُ الْوَجْهِ وَظَاهِرِ اللِّحْيَةِ وَلَوْ بِغَيْرِ يَدِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ لَا مَسْحُ مَنْبَتِ شَعْرٍ وَإِنْ خَفَّ أو نَدَرَ فَلَا يَجِبُ وَلَا يُنْدَبُ لِمَا فيه من الْمَشَقَّةِ بِخِلَافِ الْمَاءِ السَّادِسُ مَسْحُ الْيَدَيْنِ مع الْمِرْفَقَيْنِ لِلْآيَةِ لَا مَسْحُ مَنْبَتِ شَعْرٍ وَإِنْ خَفَّ أو نَدَرَ فَلَوْ قال الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ مَسْحُ الْوَجْهِ وَظَاهِرِ اللِّحْيَةِ وَالْيَدَيْنِ مع الْمِرْفَقَيْنِ لَا مَنْبَتِ شَعْرٍ وَإِنْ خَفَّ كان أَخْصَرَ وَأَوْلَى السَّابِعُ التَّرْتِيبُ بِتَقْدِيمِ مَسْحِ الْوَجْهِ على مَسْحِ الْيَدَيْنِ كما في الْوُضُوءِ وَإِنْ كان حَدَثُهُ أَكْبَرَ بِخِلَافِ الْغُسْلِ منه لِأَنَّ الْبَدَنَ فيه وَاحِدٌ فَهُوَ كَعُضْوٍ في الْوُضُوءِ وَأَمَّا الْوَجْهُ وَالْيَدَانِ في التَّيَمُّمِ فَمُخْتَلِفَانِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ التَّمَعُّكَ يَجِبُ فيه التَّرْتِيبُ وهو ظَاهِرٌ إذْ تَعْمِيمُ الْبَدَنِ لَا يَجِبُ في حَالَةٍ حتى يَكُونَ كَالْغُسْلِ فَقَطْ أَيْ لَا تَقْدِيمُ الْيُمْنَى على الْيُسْرَى وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ هُنَا وَلَا يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِالنِّسْيَانِ كَسَائِرِ الْأَرْكَانِ وَيَجِبُ النَّقْلُ مَرَّتَيْنِ وَإِنْ أَمْكَنَ بِمَرَّةٍ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا
لِخَبَرِ الْحَاكِمِ التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَرَوَى أبو دَاوُد أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَيَمَّمَ بِضَرْبَتَيْنِ مَسَحَ بِإِحْدَاهُمَا وَجْهَهُ وَبِالْأُخْرَى ذِرَاعَيْهِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ مَوْقُوفٌ على ابْنِ عُمَرَ وَالثَّانِي فيه رَاوٍ ليس بِالْقَوِيِّ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَمَعَ هذا صَحَّحَ وُجُوبَ الضَّرْبَتَيْنِ وقال إنَّهُ الْمَعْرُوفُ من مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ الِاكْتِفَاءَ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ لِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِعَمَّارٍ لَمَّا أَجْنَبَ وَتَمَرَّغَ في التُّرَابِ لِعَدَمِ الْمَاءِ إنَّمَا كان يَكْفِيك أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْك هَكَذَا ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً ثُمَّ نَفَّضَهُمَا ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ على الْيَمِينِ وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَجَابَ عنه النَّوَوِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَيَانُ صُورَةِ الضَّرْبِ لِلتَّعْلِيمِ لَا بَيَانُ جَمِيعِ ما يَحْصُلُ بِهِ التَّيَمُّمُ
قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ على مَرَّتَيْنِ نعم إنْ لم يَحْصُلْ الِاسْتِيعَابُ بِهِمَا لم تُكْرَهْ الزِّيَادَةُ بَلْ تَجِبُ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَزِيدَ على ضَرْبَتَيْنِ فَذِكْرُ الْكَرَاهَةِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَحَامِلِيُّ وَالرُّويَانِيُّ كما نَقَلَهُ عنهما في الْمَجْمُوعِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْعِبَارَةَ الْأُولَى وَعِبَارَتُهُ السَّادِسَةُ أَيْ من السُّنَنِ أَنْ لَا يَزِيدَ على ضَرْبَتَيْنِ قال الْمَحَامِلِيُّ في اللُّبَابِ وَالرُّويَانِيُّ في الْبَحْرِ الزِّيَادَةُ على مَسْحَةٍ لِلْوَجْهِ وَمَسْحِهِ لِلْيَدَيْنِ مَكْرُوهَةٌ وَلَا تَرْتِيبَ وَاجِبٌ فيه أَيْ في النَّفْلِ فَلَوْ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ مَعًا وَمَسَحَ بِوَاحِدَةٍ الْوَجْهَ وَبِالْأُخْرَى الْيَدَ جَازَ
____________________
(1/86)
وَفَارَقَ الْمَسْحَ بِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ وَالْمَسْحَ أَصْلٌ وَلَا يَتَعَيَّنُ الضَّرْبُ فَلَوْ وَضَعَ يَدَهُ على تُرَابٍ نَاعِمٍ وَعَلِقَ بها غُبَارٌ كَفَى وَإِنْ نَقَلَ هو أو مَأْذُونُهُ فَأَحْدَثَ الْآمِرُ الْأُولَى لِيَشْمَلَ الصُّورَتَيْنِ فَأَحْدَثَ الْمُتَيَمِّمُ بَطَلَ نَفْلُهُ أَمَّا في الْأُولَى فَكَمَا لو غَسَلَ في الْوُضُوءِ وَجْهَهُ ثُمَّ أَحْدَثَ بِخِلَافِ ما لو أَحْدَثَ بَعْدَ أَخْذِ الْمَاءِ وَقَبْلَ غَسْلِ وَجْهِهِ لَا يَبْطُلُ لِعَدَمِ وُجُوبِ نَقْلِ الْمَاءِ وَقَصْدِهِ وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَقِيَاسًا على الْأُولَى كَذَا بَحَثَهُ الْأَصْلُ فيها بَعْدَ نَقْلِهِ عن الْقَاضِي عَدَمَ الْبُطْلَانِ لِعَدَمِ وُجُودِ الْقَصْدِ الْحَقِيقِيِّ من الْآمِرِ فَصَارَ كما لو اكْتَرَاهُ لِيَحُجَّ عنه ثُمَّ جَامَعَ في زَمَنِ إحْرَامِ الْأَجِيرِ لَا يَبْطُلُ حَجُّهُ وَعَلَى هذا يُجَابُ عن قِيَاسِ الْأَصْلِ بِأَنَّ الْمُتَيَمِّمَ في الْمَقِيسِ عليها بَاشَرَ النَّقْلَ بِنَفْسِهِ فَبَطَلَ بِحَدَثِهِ بِخِلَافِهِ في الْمَقِيسَةِ هذا وَلَكِنَّ الْقَاضِي فَرَّعَ ما قَالَهُ على أَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَجِبُ على الْآمِرِ عِنْدَ الْمَسْحِ لَا عِنْدَ النَّقْلِ كما صَرَّحَ بِهِ في فَتَاوِيهِ وَحِينَئِذٍ لم يَتَوَارَدْ كَلَامُهُ وَكَلَامُ الْأَصْلِ على مَحَلٍّ وَاحِدٍ لَكِنَّهُ صَرَّحَ في تَعْلِيقِهِ بِأَنَّ نِيَّتَهُ تَجِبُ عِنْدَ النَّقْلِ فَتَوَارَدَا على مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَنَقَلَهُ عنه في الْمَجْمُوعِ وَالْكِفَايَةِ فَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ ما فِيهِمَا غَلِطَ عليه غَلَطٌ اسْتَنَدَ فيه لِرُؤْيَتِهِ الْفَتَاوَى فَقَطْ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَاضِيَ أَفْتَى بِخِلَافِ ما في مُصَنَّفِهِ وَالْأَخْذُ بِمَا في الْمُصَنِّفِ أَوْلَى أَمَّا حَدَثُ الْمَأْمُورِ فَلَا يُؤَثِّرُ وَإِنَّمَا لم يُؤَثِّرْ كَنَظِيرِهِ في حَجِّ الْأَجِيرِ لِأَنَّ النِّيَّةَ هُنَا من الْآمِرِ وَثَمَّ من الْمَأْمُورِ كَنَقْلٍ لِتُرَابٍ بِمَسٍّ من بَشَرَةِ امْرَأَةٍ تَنْقُضُ فإنه بَاطِلٌ لِمُقَارَنَةِ الْحَدَثِ له بِخِلَافِ ما إذَا لم يَمَسَّهَا كَأَنْ كَثُرَ التُّرَابُ فَرْعٌ وَسُنَنُهُ أَيْ التَّيَمُّمِ التَّسْمِيَةُ وَلَوْ جُنُبًا وَنَحْوَهُ وَالْبُدَاءَةُ بِالْيُمْنَى وَأَعْلَى الْوَجْهِ كَالْوُضُوءِ لَكِنْ قال في الْمَجْمُوعِ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا اسْتِحْبَابَ في الْبُدَاءَةِ بِشَيْءٍ من الْوَجْهِ دُونَ شَيْءٍ والإتيان في مَسْحِ الْيَدَيْنِ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ في الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ وَهِيَ أَنْ يَضَعَ بُطُونَ أَصَابِعِ الْيُسْرَى سِوَى الْإِبْهَامِ على ظُهُورِ أَصَابِعِ الْيُمْنَى سِوَى الْإِبْهَامِ بِحَيْثُ لَا يُخْرِجُ أَنَامِلَ الْيُمْنَى عن مَسْبَحَةِ الْيُسْرَى وَلَا مَسْبَحَةَ الْيُمْنَى عن أَنَامِلِ الْيُسْرَى وَيُمِرُّهَا على ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُمْنَى فإذا بَلَغَ الْكُوعَ ضَمَّ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ إلَى حَرْفِ الذِّرَاعِ وَيُمِرُّهَا إلَى الْمِرْفَقِ ثُمَّ يُدِيرُ بَطْنَ كَفِّهِ إلَى بَطْنِ الذِّرَاعِ فَيُمِرُّهَا عليه رَافِعًا إبْهَامَهُ فإذا بَلَغَ الْكُوعَ أَمَرَّ إبْهَامَ الْيُسْرَى على إبْهَامِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَفْعَلُ بِالْيُسْرَى كَذَلِكَ ثُمَّ يَمْسَحُ إحْدَى الرَّاحَتَيْنِ بِالْأُخْرَى كما سَيَأْتِي وَإِمْرَارُ التُّرَابِ على كل الْعَضُدِ كَالْوُضُوءِ وَخُرُوجًا من خِلَافِ من أَوْجَبَهُ وزاد قَوْلَهُ كُلٌّ تَأْكِيدًا وَكَذَا الْمُوَالَاةُ بين الْمَسْحَيْنِ بِتَقْدِيرِ التُّرَابِ مَاءً وَبَيْنَهُ أَيْ التَّيَمُّمَ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ خُرُوجًا من خِلَافِ من أَوْجَبَهَا وَتَجِبُ الْمُوَالَاةُ بِقِسْمَيْهَا في تَيَمُّمِ دَائِمِ الْحَدَثِ وَوُضُوئِهِ تَخْفِيفًا لِلْمَانِعِ لِأَنَّ الْحَدَثَ يَتَكَرَّرُ وهو مُسْتَغْنٍ عنه بِالْمُوَالَاةِ وَقَوْلُهُ وَبَيْنَهُ
إلَخْ من زِيَادَتِهِ مع أَنَّهُ ذَكَرَ كَأَصْلِهِ في بَابِ الْحَيْضِ ما يُؤْخَذُ منه وُجُوبُ الْمُوَالَاةِ بين الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ في دَائِمِ الْحَدَثِ ويسن أَنْ لَا يَرْفَعَ الْيَدَ عن عُضْوٍ قبل تَمَامِهِ مَسْحًا خُرُوجًا من خِلَافِ من أَوْجَبَهُ لِأَنَّ الْبَاقِيَ بِالْمَاسِحَةِ يَصِيرُ بِالْفَصْلِ مُسْتَعْمَلًا وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ هو الْبَاقِي بِالْمَمْسُوحَةِ وَأَمَّا الْبَاقِي بِالْمَاسِحَةِ فَفِي حُكْمِ التُّرَابِ الذي تَضْرِبُ عليه الْيَدُ مَرَّتَيْنِ وَتَفْرِيقُ أَصَابِعِهِ في الضَّرْبَتَيْنِ أَمَّا في الْأُولَى فَلِزِيَادَةِ آثَارِ الْغُبَارِ بِاخْتِلَافِ مَوَاقِعِ الْأَصَابِعِ إذَا تَفَرَّقَتْ وَأَمَّا في الثَّانِيَةِ فَلِيُسْتَغْنَى بِالْوَاصِلِ عن الْمَسْحِ بِمَا على الْكَفِّ لَا يُقَالُ يَلْزَمُ على التَّفْرِيقِ في الْأُولَى عَدَمُ صِحَّةِ تَيَمُّمِهِ لِمَنْعِ الْغُبَارِ الْحَاصِلِ فيها بين الْأَصَابِعِ وَوُصُولِ الْغُبَارِ في الثَّانِيَةِ لِأَنَّا نَمْنَعُ ذلك فإنه لو اقْتَصَرَ على التَّفْرِيقِ في الْأُولَى أَجْزَأَهُ لِعَدَمِ وُجُوبِ تَرْتِيبِ النَّقْلِ كما مَرَّ فَحُصُولُ التُّرَابِ الثَّانِي إنْ لم يَزِدْ الْأَوَّلَ قُوَّةً لم يَنْقُصْهُ وَأَيْضًا الْغُبَارُ على الْمَحَلِّ لَا يَمْنَعُ الْمَسْحَ بِدَلِيلِ أَنَّ من غَشِيَهُ غُبَارُ السَّفَرِ لَا يُكَلَّفُ نَفْضُهُ لِلتَّيَمُّمِ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَقَوْلُ الْبَغَوِيّ يُكَلَّفُ نَفْضُ التُّرَابِ مَحْمُولٌ على تُرَابٍ يَمْنَعُ وُصُولَ التُّرَابِ إلَى الْمَحَلِّ وَالتَّخْلِيل لِلْأَصَابِعِ بَعْدَ مَسْحِ الْيَدَيْنِ احْتِيَاطًا وَيَجِبُ التَّخْلِيلُ إنْ لم يُفَرِّقْ أَصَابِعَهُ في الثَّانِيَةِ لِأَنَّ ما وَصَلَ إلَيْهِ قبل مَسْحِ الْوَجْهِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ في حُصُولِ الْمَسْحِ وَمَسْحُ إحْدَى الرَّاحَتَيْنِ بِالْأُخْرَى عِنْدَ الْفَرَاغِ من مَسْحِ الذِّرَاعَيْنِ وَإِنَّمَا لم يَجِبْ لِأَنَّ فَرْضَهُمَا تَأَدَّى بِضَرْبِهِمَا بَعْدَ مَسْحِ الْوَجْهِ وَإِنَّمَا جَازَ مَسْحُ الذِّرَاعَيْنِ بِتُرَابِهِمَا لِعَدَمِ انْفِصَالِهِ وَلِلْحَاجَةِ إذْ لَا يُمْكِنُ مَسْحُ الذِّرَاعُ بِكَفِّهَا فَصَارَ كَنَقْلِ الْمَاءِ من بَعْضِ الْعُضْوِ إلَى بَعْضِهِ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِنَقْلِ الْمَاءِ تَقَاذُفَهُ الذي يَغْلِبُ كما عَبَّرَ بِهِ الرَّافِعِيُّ
____________________
(1/87)
وَتَخْفِيفُ التُّرَابِ من كَفَّيْهِ أو ما يَقُومُ مَقَامَهُمَا إنْ كان كَثِيرًا بِالنَّفْضِ أو النَّفْخِ بِحَيْثُ يَبْقَى قَدْرُ الْحَاجَةِ لِخَبَرِ عَمَّارٍ وَغَيْرِهِ وَلِئَلَّا تَتَشَوَّهَ بِهِ الْخِلْقَةُ أَمَّا مَسْحُ التُّرَابِ من أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ فَالْأَحَبُّ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ حتى يَفْرُغَ من الصَّلَاةِ كما نَصَّ عليه في الْأُمِّ وَنَزْعُ الْخَاتَمِ في الْأُولَى لِيَكُونَ الْمَسْحُ بِجَمِيعِ الْيَدِ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ وَيَجِبُ نَزْعُهُ في الثَّانِيَةِ لِيَصِلَ التُّرَابُ إلَى مَحَلِّهِ وَلَا يَكْفِي تَحْرِيكُهُ بِخِلَافِهِ في الطُّهْرِ بِالْمَاءِ لِأَنَّ التُّرَابَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ بِخِلَافِ الْمَاءِ وَإِيجَابُ نَزْعِهِ إنَّمَا هو عِنْدَ الْمَسْحِ لَا عِنْدَ الضَّرْبِ وَإِيجَابُهُ ليس لِعَيْنِهِ بَلْ لِإِيصَالِ التُّرَابِ لِمَا تَحْتَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى غَالِبًا إلَّا بِالنَّزْعِ وَعَدَمِ التَّكْرَارِ لِلْمَسْحِ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فيه تَخْفِيفُ التُّرَابِ وَأَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَهُ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَنُدِبَ الِاسْتِقْبَالُ بِهِ لِلْقِبْلَةِ كَالْوُضُوءِ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ نُدِبَ وَلَوْ مَسَحَ وَجْهَهُ بيده النَّجِسَةِ لم يَجُزْ كَالْمَسْحِ عليها كما لَا يَصِحُّ غُسْلُهَا عن الْحَدَثِ مع بَقَاءِ النَّجَاسَةِ وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ لِإِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَلَا إبَاحَةَ مع الْمَانِعِ فَأَشْبَهَ التَّيَمُّمَ قبل الْوَقْتِ وَيَجْرِي ذلك في تَنَجُّسِ سَائِرِ الْبَدَنِ وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُ في الِاسْتِنْجَاءِ وما قَالَهُ في الْمَقِيس عَكْسُ ما صَحَّحَهُ في الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ هُنَا لَكِنَّهُ صَحَّحَ فيها كَالتَّحْقِيقِ في بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ الْمَنْعَ وهو الْمُفْتَى بِهِ فإنه الْمَنْصُوصُ في الْأُمِّ كما مَرَّ بَسْطُهُ في الْبَابِ السَّابِقِ وَيَصِحُّ تَيَمُّمُ الْعُرْيَانِ وَعِنْدَهُ سُتْرَةٌ وَهَذَا ذَكَرَهُ في الرَّوْضَةِ في الِاسْتِنْجَاءِ وَلَوْ تَنَجَّسَ بَعْدَ أَنْ تَيَمَّمَ لم يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ وَالتَّيَمُّمُ قبل الِاجْتِهَادِ في الْقِبْلَةِ كَتَيَمُّمِ من عليه نَجَاسَةٌ جَزَمَ بِهِ في التَّحْقِيقِ وَنَقَلَهُ في الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا عن الرُّويَانِيِّ وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصِّحَّةِ مع الْعُرْيِ بِنَحْوِ ما مَرَّ في الْبَابِ السَّابِقِ بِأَنْ يُقَالَ السِّتْرُ أَخَفُّ من مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ مع الْعُرْي بِلَا إعَادَةٍ بِخِلَافِهَا مع عَدَمِ مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ الْبَابُ الثَّالِثُ في أَحْكَامِ التَّيَمُّمِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ أَنَّهُ يُبْطِلُهُ غَيْرُ الْحَدَثِ الْمُبْطِلُ كَالْوُضُوءِ أُمُورٌ رُؤْيَةُ الْمَاءِ قبل شُرُوعِهِ في الصَّلَاةِ إنْ تَيَمَّمَ لِفَقْدِهِ لِخَبَرِ أبي ذَرٍّ التُّرَابُ كَافِيك وَلَوْ لم تَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ حِجَجٍ فإذا وَجَدْت الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَك رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالتِّرْمِذِيُّ وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلِأَنَّهُ لم يَشْرَعْ في الْمَقْصُودِ فَصَارَ كما لو رَآهُ في أَثْنَاءِ التَّيَمُّمِ وَكَذَا تَوَهَّمَهُ وَإِنْ زَالَ سَرِيعًا لِوُجُوبِ طَلَبِهِ وَلِأَنَّهُ لم يَشْرَعْ في الْمَقْصُودِ بِخِلَافِ تَوَهُّمِهِ السُّتْرَةَ لِعَدَمِ وُجُوبِ طَلَبِهَا لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ وُجْدَانِهَا بِالطَّلَبِ لِلضِّنَةِ بها وَيُبْطِلُهُ أَيْضًا الرِّدَّةُ كما مَرَّ في الْوُضُوءِ وَتَوَهُّمِ الْمَاءِ يَكُونُ بِرُؤْيَةِ سَرَابٍ وهو ما يُرَى نِصْفَ النَّهَارِ كَأَنَّهُ مَاءٌ أو بِرُؤْيَةِ غَمَامَةٍ مُطْبَقَةٍ بِقُرْبِهِ أو بِرُؤْيَةِ رَكْبٍ طَلَعَ أو نَحْوُهَا مِمَّا يُتَوَهَّمُ معه مَاءٌ لَا بِرُؤْيَةِ مَاءٍ دُونَهُ مَانِعٌ كَسَبُعٍ وَحَاجَةِ عَطَشٍ لِأَنَّ وُجُودَهُ حِينَئِذٍ كَالْعَدَمِ فَلَوْ سمع قَائِلًا يقول عِنْدِي مَاءٌ لِغَائِبٍ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِعِلْمِهِ بِالْمَاءِ قبل الْمَانِعِ أو يقول عِنْدِي لِغَائِبٍ مَاءٌ فَلَا يَبْطُلُ لِمُقَارَنَةِ الْمَانِعِ وُجُودَ الْمَاءِ وَالتَّصْرِيحُ بِالْأُولَى من هَاتَيْنِ من زِيَادَته وَصَرَّحَ بها الرَّافِعِيُّ في الْكَفَّارَاتِ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ فِيهِمَا بِمَا قَالَهُ أَعَمُّ من تَعْبِيرِهِ غَيْرَهُ في الْأُولَى بِقَوْلِهِ عِنْدِي مَاءٌ أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ وفي الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ أَوْدَعَنِي فُلَانٌ مَاءً وهو يَعْلَمُ غَيْبَتَهُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ لِغَائِبٍ ما لو قال عِنْدِي لِحَاضِرٍ مَاءٌ فَيَجِبُ طَلَبُهُ منه وما لو قال لِفُلَانٍ مَاءٌ ولم يَعْلَمْ السَّامِعُ غَيْبَتَهُ وَلَا حُضُورَهُ فَيَجِبُ السُّؤَالُ عنه وإذا أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ فَرْضًا أو نَفْلًا كَصَلَاةِ جِنَازَةٍ أو عِيدٍ وَصَلَاتُهُ تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ كَالْمُسَافِرِ إذَا تَيَمَّمَ لِفَقْدِ الْمَاءِ ثُمَّ رَآهُ فَلَهُ إتْمَامُهَا لِتَلَبُّسِهِ بِالْمَقْصُودِ بِلَا مَانِعٍ من اسْتِمْرَارِهِ فيه كَوُجُودِ الْمُكَفِّرِ الرَّقَبَةَ في الصَّوْمِ وَلِأَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ ليس حَدَثًا لَكِنَّهُ مَانِعٌ من ابْتِدَاءِ التَّيَمُّمِ وَلَيْسَ كَالْمُصَلِّي بِالْخُفِّ فَيَتَخَرَّقُ فيها إذْ لَا يَجُوزُ افْتِتَاحُهَا مع تَخَرُّقِهِ بِحَالٍ وَلِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ تَعَهُّدِهِ وَلَا كَالْمُعْتَدَّةِ بِالْأَشْهُرِ فَتَحِيضُ فيها لِقُدْرَتِهَا على الْأَصْلِ قبل الْفَرَاغِ من الْبَدَلِ بِخِلَافِ الْمُتَيَمِّمِ فِيهِمَا وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لو رَآهُ في أَثْنَاءِ تَحَرُّمِهِ لَا يُتِمُّهَا وهو كَذَلِكَ وَقَطَعَهَا لِيَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّي بَدَلَهَا أَفْضَلَ من إتْمَامِهَا فَرْضَا كانت أو نَفْلًا كَوُجُودِ الْمُكَفِّرِ الرَّقَبَةِ في أَثْنَاءِ الصَّوْمِ وَلْيَخْرُجْ من خِلَافِ من حَرُمَ إتْمَامُهَا وَحَرُمَ قَطْعُهَا إنْ كانت فَرْضَا لِضِيقِ وَقْتٍ لها لِئَلَّا يُخْرِجَهَا عن وَقْتِهَا مع قُدْرَتِهِ على أَدَائِهَا فيه وَهَذَا ما جَزَمَ بِهِ في التَّحْقِيقِ وَنَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْإِمَامِ وقال إنَّهُ مُتَعَيِّنٌ ولم أَعْلَمْ أَحَدًا يُخَالِفُهُ لَكِنْ جَعَلَهُ الْأَصْلُ ضَعِيفًا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ إلَى أَنْ يَبْقَى من وَقْتِهَا ما لَا يَسَعُ إلَّا رَكْعَةً مُغْتَفَرٌ لِلْخُرُوجِ من الْخِلَافِ كما جَرَى عليه في الْكِفَايَةِ فِيمَا إذَا
____________________
(1/88)
كان عليه فَائِتَةٌ وَأَرَادَ قَضَاءَهَا قبل الْمُؤَدَّاةِ فإنه يُغْتَفَرُ له ذلك لِلْخُرُوجِ من خِلَافِ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ قال الشَّاشِيُّ وَإِنَّمَا لم يُفِيدُوا أَفْضَلِيَّةَ الْخُرُوجِ منها هُنَا بِقَلْبِهَا نَفْلًا وَالتَّسْلِيمُ من رَكْعَتَيْنِ كما قَيَّدُوهَا بِهِ فِيمَا لو قَدَرَ الْمُنْفَرِدُ في صَلَاتِهِ على جَمَاعَةٍ لِأَنَّ تَأْثِيرَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ في النَّفْلِ كما هو في الْفَرْضِ وَاسْتَشْكَلَ عَدَمُ الْبُطْلَانِ فِيمَا ذَكَرَ بِالْبُطْلَانِ فِيمَا لو قَلَّدَ الْأَعْمَى غَيْرَهُ في الْقِبْلَةِ ثُمَّ أَبْصَرَ في الصَّلَاةِ مع أَنَّ الضَّرُورَةَ زَالَتْ فِيهِمَا وَيُجَابُ بِأَنَّهُ هُنَا قد فَرَغَ من الْبَدَلِ وهو التَّيَمُّمُ بِخِلَافِهِ ثُمَّ فإنه ما دَامَ في الصَّلَاةِ فَهُوَ مُقَلِّدٌ
فَرْعٌ لو يَمَّمَ مَيِّتًا وَصَلَّى عليه ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ وَجَبَ غَسْلُهُ وَالصَّلَاةُ عليه سَوَاءٌ أَكَانَ في أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَمْ بَعْدَهَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ ثُمَّ قال وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجِبَ وما قَالَهُ مَحَلُّهُ في الْحَضَرِ أَمَّا في السَّفَرِ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ من ذلك كَالْحَيِّ جَزَمَ بِهِ ابن سُرَاقَةَ في تَلْقِينِهِ لَكِنَّهُ فَرَضَهُ في الْوُجْدَانِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَعُلِمَ أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ كَغَيْرِهَا وَأَنَّ تَيَمُّمَ الْمَيِّتِ كَتَيَمُّمِ الْحَيِّ وَلَوْ لم يَنْوِ عَدَدًا في النَّفْلِ الْمُطْلَقِ ثُمَّ رَأَى الْمَاءَ قبل تَمَامِ رَكْعَتَيْنِ وَجَبَ الِاقْتِصَارُ على رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ الْأَحَبُّ وَالْمَعْهُودُ في النَّفْلِ فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا كَافْتِتَاحِ صَلَاةٍ بَعْدَ وُجُودِ الْمَاءِ لِافْتِقَارِهَا إلَى قَصْدٍ جَدِيدٍ نعم إنْ وَجَدَهُ في ثَالِثَةٍ قال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ يُتِمُّهَا لِأَنَّهَا لَا تَتَبَعَّضُ وَظَاهِرٌ أَنَّ ذِكْرَ الثَّالِثَةِ مِثَالٌ فما فَوْقَهَا كَذَلِكَ وَإِنْ نَوَى عَدَدًا أَتَمَّهُ وَإِنْ جَاوَزَ رَكْعَتَيْنِ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ لِانْعِقَادِ نِيَّتِهِ عليه وَلَوْ كان الْمَنْوِيُّ رَكْعَةً لم يَزِدْ عليها وَيَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ بِسَلَامِهِ من صَلَاتِهِ التي رَأَى الْمَاءَ فيها وَكَانَتْ تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ وَلَوْ عُلِمَ تَلَفُهُ قَبْلَهُ أَيْ قبل سَلَامِهِ لِأَنَّهُ ضَعُفَ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ وكان مُقْتَضَاهُ بُطْلَانَ الصَّلَاةِ التي هو فيها لَكِنْ خَالَفْنَاهُ لِحُرْمَتِهَا وَيُسَلِّمُ الثَّانِيَةَ لِأَنَّهَا من جُمْلَةِ الصَّلَاةِ كما بَحَثَهُ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِلرُّويَانِيِّ فإنه بَحَثَهُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عن وَالِدِهِ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُهَا لِعَوْدِ حُكْمِ الْحَدَثِ بِالْأُولَى كما لو أَحْدَثَ بَعْدَهَا وَقَطَعَ في حِلْيَتِهِ بِمَا قَالَهُ وَالِدُهُ وَصَوَّبَ الزَّرْكَشِيُّ الْبَحْثَ وَلَوْ رَأَتْ حَائِضٌ تَيَمَّمَتْ لِفَقْدِ الْمَاءِ الْمَاءَ وهو يُجَامِعُهَا نَزَعَ وُجُوبًا كما في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ لِبُطْلَانِ طُهْرِهَا قال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَيَحْرُمُ عليها تَمْكِينُهُ لَا إنْ رَآهُ هو فَلَا يَجِبُ نَزْعُهُ لِبَقَاءِ طُهْرِهَا كما قد يُفْهِمُهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ لَكِنْ فيه في طَبَقَاتِ الْعَبَّادِيِّ وَجْهَانِ وَجَزَمَ في الْأَنْوَارِ بِالْوُجُوبِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَلَوْ رَأَى الْمَاءَ في أَثْنَاءِ قِرَاءَةٍ وقد تَيَمَّمَ لها بَطَلَ تَيَمُّمُهُ بِالرُّؤْيَةِ سَوَاءٌ أَنَوَى قِرَاءَةَ قَدْرٍ مَعْلُومٍ أَمْ لَا لِعَدَمِ ارْتِبَاطِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ رَأَتْ إلَى آخِرَ من زِيَادَتِهِ وَإِنْ كانت صَلَاتُهُ لَا تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ كَصَلَاةِ الْمُقِيمِ أو نَوَى الْإِقَامَةَ أو الْإِتْمَامَ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ وهو في الْأَخِيرَتَيْنِ كما صَرَّحَ بِهِ في الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ قَاصِرٌ بَطَلَتْ إذْ لَا فَائِدَةَ في اسْتِمْرَارِهِ في الْأُولَى وَتَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْإِقَامَةِ في الثَّانِيَةِ وَلِحُدُوثِ ما لم يَسْتَبِحْهُ فيها وفي الثَّالِثَةِ لِأَنَّ الْإِتْمَامَ كَافْتِتَاحِ صَلَاةٍ أُخْرَى وَبِتَصْوِيرِهِ الثَّانِيَةَ بِالْقَصْرِ كَالثَّالِثَةِ انْدَفَعَ ما قِيلَ إنَّ ما ذَكَرَ فيها غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ إنْ تَيَمَّمَ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فيه وُجُودُ الْمَاءِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ لم يَنْوِ الْإِقَامَةَ أو بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فيه عَدَمُهُ فَلَا وَإِنْ نَوَاهَا فَلَا تَأْثِيرَ لِنِيَّتِهَا وَخَرَجَ بِبَعْدَ رُؤْيَتِهِ ما لو تَأَخَّرَتْ الرُّؤْيَةُ عن نِيَّةِ الْإِقَامَةِ أو الْإِتْمَامِ أو قَارَنَتْهَا فَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ كما جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ في تَحْقِيقِهِ وَغَيْرُهُ في التَّأَخُّرِ حَيْثُ قال وَلَوْ نَوَى إتْمَامَهَا ثُمَّ رَآهُ فَلَا تَبْطُلُ وَكَذَا لو اتَّصَلَتْ سَفِينَتُهُ بِوَطَنِهِ أو نَوَى مَقْصُورَةً ثُمَّ نَوَى إقَامَةً ولم يَرَ مَاءً في الْأَصَحِّ أَيْ ولم يَرَ مَاءً حَالَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ ثُمَّ رَآهُ بَعْدُ لِيُوَافِقَ ما في الشَّامِلِ وَالْبَحْرِ فإنه أَخَذَهُ مِنْهُمَا كما دَلَّ عليه كَلَامُهُ في الْمَجْمُوعِ لَكِنَّ كَلَامَهُ فيه
____________________
(1/89)
آخِرًا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لم يَرَهُ فيها أَصْلًا وَالْحُكْمُ صَحِيحٌ كما لَا يَخْفَى وَشِفَاءُ الْمَرِيضِ من مَرَضِهِ في الصَّلَاةِ كَوُجْدَانِ الْمُسَافِرِ الْمَاءَ فيها فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ كانت مِمَّا تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ وَإِلَّا كَأَنْ تَيَمَّمَ وقد وَضَعَ الْجَبِيرَةَ على حَدَثٍ فَتَبْطُلُ الْحُكْمُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ بِالتَّيَمُّمِ لِلْفَرِيضَةِ إلَّا فَرِيضَةً وَاحِدَةً مَكْتُوبَةً أو طَوَافًا أو مَنْذُورَةً فَلَا يَسْتَبِيحُ بِهِ أَكْثَرَ منها لِقَوْلِهِ تَعَالَى إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ إلَى قَوْلِهِ فَتَيَمَّمُوا فَاقْتَضَى وُجُوبَ الطُّهْرِ لِكُلِّ صَلَاةٍ خَرَجَ الْوُضُوءُ بِالسُّنَّةِ فَبَقِيَ التَّيَمُّمُ على مُقْتَضَاهُ وَلِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عن ابْنِ عُمَرَ قال يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَإِنْ لم يُحْدِثْ وَلِأَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورَةٌ فَتَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَخَرَجَ بِتَقْيِيدِهِ الْفَرِيضَةَ بِمَا ذَكَرَ تَمْكِينُ الْحَائِضِ من الْوَطْءِ مِرَارًا وَجَمْعُهُ مع فَرْضٍ آخَرَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُمَا جَائِزَانِ وَأَمَّا خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ فَسَيَأْتِي حُكْمُهَا في كَلَامِهِ وَيَتَنَفَّلُ مع الْفَرِيضَةِ وَبِدُونِهَا بِتَيَمُّمِ ما شَاءَ لِأَنَّ النَّوَافِلَ تَكْثُرُ فَتَشْتَدُّ الْمَشَقَّةُ بِإِعَادَةِ التَّيَمُّمِ لها فَخَفَّفَ أَمْرَهَا كما خَفَّفَ بِتَرْكِ الْقِيَام فيها مع الْقُدْرَةِ وَبِتَرْكِ الْقِبْلَةِ في السَّفَرِ وَلِأَنَّهَا وَإِنْ تَعَدَّدَتْ في حُكْمِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ له إذَا أَحْرَمَ بِرَكْعَةٍ أَنْ يَجْعَلَهَا مِائَةً وَبِالْعَكْسِ وَلَوْ نَذَرَ إتْمَامَ كل صَلَاةٍ دخل فيها فَلَهُ جَمْعُهَا مع فَرْضٍ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهَا نَفْلٌ ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ وَهِيَ دَاخِلَةٌ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهَا في الْحَقِيقَةِ نَفْلٌ وَالْفَرْضُ إنَّمَا هو إتْمَامُهَا كما في حَجِّ النَّفْلِ وَالصَّبِيُّ كَالْبَالِغِ في أَنَّهُ لَا يُؤَدِّي بِتَيَمُّمٍ إلَّا فَرِيضَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ ما يُؤَدِّيهِ كَالْفَرْضِ في النِّيَّةِ وَغَيْرِهَا نعم لو تَيَمَّمَ لِلْفَرْضِ ثُمَّ بَلَغَ لم يَصِلْ بِهِ الْفَرْضُ لِأَنَّ صَلَاتَهُ نَفْلٌ كما مَرَّ بَيَانُهُ في صِفَةِ الْوُضُوءِ وَيَجْمَعُ الْمُتَيَمِّمُ الطَّوَافَ الْوَاجِبَ وَرَكْعَتَيْهِ بِتَيَمُّمٍ بِنَاءً على أَنَّهُمَا سُنَّةٌ وهو الْأَصَحُّ وَهَذَا مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ لَا الْجُمُعَةُ وَالْخُطْبَةُ أَيْ خُطْبَتُهَا إنْ تَيَمَّمَ لِلْخُطْبَةِ فَقَطْ لِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَلَا يُؤَدِّي بِالتَّيَمُّمِ لها فَرْضَ عَيْنٍ ثُمَّ نَقُولُ الْجِنَازَةُ كَالنَّافِلَةِ في أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ منها بِمَا شَاءَ وَأَنْ يَجْمَعَهَا مع مَكْتُوبِهِ بِتَيَمُّمٍ وَإِنْ تَعَيَّنَتْ عليه بِأَنْ لم يَحْضُرْ غَيْرُهُ لِأَنَّهَا كَالنَّفْلِ في جَوَازِ التَّرْكِ في الْجُمْلَةِ وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ الْقِيَامُ فيها مع الْقُدْرَةِ لِأَنَّ الْقِيَامَ قِوَامُهَا لِعَدَمِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فيها فَتَرَكَهُ بِحَقِّ صُورَتِهَا فَرْعٌ لو نَسِيَ صَلَاةً من صَلَوَاتٍ مُتَّفِقَةٍ كَظُهْرٍ من أُسْبُوعٍ لَزِمَهُ ظُهْرٌ وَاحِدٌ بِتَيَمُّمٍ وَلَا أَثَرَ لِلتَّرَدُّدِ في يَوْمِهِ أو من الْخَمْسِ لَزِمَهُ الْخَمْسُ لِيَبْرَأَ بِيَقِينٍ وَكَفَاهُ لَهُنَّ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْفَرْضَ وَاحِدٌ وما عَدَاهُ وَسِيلَةٌ وَلَوْ نَسِيَ منها أَكْثَرَ من وَاحِدَةٍ تَيَمَّمَ بِعَدَدِ ما نَسِيَ لِأَنَّهُ الْفَرْضُ وما عَدَاهُ وَسِيلَةٌ فَإِنْ اتَّفَقَتْ مَنْسِيَّاتُهُ كَصُبْحَيْنِ أو ظُهْرَيْنِ أو شَكَّ في اخْتِلَافِهَا صلى بِكُلِّ من تَيَمُّمَاتِهِ الْخَمْسَ لِيَبْرَأَ بِيَقِينٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ كَصُبْحٍ وَظُهْرٍ صلى الْخَمْسَ بِخَمْسَةٍ من التَّيَمُّمَاتِ وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ الْقَاصِّ وَإِنْ شَاءَ تَيَمَّمَ بِعَدَدِ الْمَنْسِيِّ كما مَرَّ وصلى بِكُلِّ تَيَمُّمٍ بِعَدَدِ غَيْرِ الْمَنْسِيِّ وَزِيَادَةِ صَلَاةٍ لَكِنَّهُ يَتْرُكُ الْمَبْدُوءَ بها في كل مَرَّةٍ وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ الْحَدَّادِ الْمَشْهُورَةُ الْمُسْتَحْسَنَةُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ فَلَوْ نَسِيَ صَلَاتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ تَيَمَّمَ مَرَّتَيْنِ وصلى بِالْأَوَّلِ أَرْبَعًا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ مَثَلًا وبالتيمم الثَّانِيَ أَرْبَعًا يَبْدَأُ فيها من الْعَصْرِ وَيَخْتِمُ بِالصُّبْحِ فَيَبْرَأُ بِيَقِينٍ لِأَنَّ الْمَنْسِيَّتَيْنِ إمَّا الظُّهْرُ وَالصُّبْحُ أو إحْدَاهُمَا مع إحْدَى الثَّلَاثِ الْأُخَرِ أو هُمَا من الثَّلَاثِ وَعَلَى كل تَقْدِيرٍ صلى كُلًّا مِنْهُمَا بِتَيَمُّمٍ وفي ثَلَاثِ صَلَوَاتٍ يَتَيَمَّمُ ثَلَاثَ تَيَمُّمَاتٍ وَيُصَلِّي بِكُلٍّ منها ثَلَاثًا لِأَنَّهَا عَدَدٌ غَيْرُ الْمَنْسِيِّ وَزِيَادَةُ صَلَاةٍ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ في الثَّانِي الْبُدَاءَةُ بِالْعَصْرِ وَالْخَتْمُ بِالصُّبْحِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الشَّرْطُ تَرْكُ الْأُولَى فَلَوْ قال وَبِالثَّانِي أَرْبَعٌ ليس منها الْأُولَى لَسَلِمَ من ذلك وكان أَخْصَرَ وَأَوْضَحَ أَمَّا إذَا كان منها الْأُولَى كَأَنْ صلى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالصُّبْحَ فَلَا يَبْرَأُ بِيَقِينٍ لِجَوَازِ كَوْنِ الْمَنْسِيَّتَيْنِ الْعِشَاءَ وَوَاحِدَةً غير الصُّبْحِ فَبِالتَّيَمُّمِ الْأَوَّلِ تَصِحُّ تِلْكَ الْوَاحِدَةُ دُونَ الْعِشَاءِ وَبِالثَّانِي لم يُصَلِّ الْعِشَاءَ وَلِضَبْطِ ما يُصَلِّيهِ ثَلَاثُ عِبَارَاتٍ الْأُولَى ما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَلَيْسَتْ في الْأَصْلِ
____________________
(1/90)
الثَّانِيَةِ ما في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَنْ تَضْرِبَ الْمَنْسِيَّ في الْمَنْسِيِّ فيه وَتَزِيدَ على الْحَاصِلِ قَدْرَ الْمَنْسِيِّ ثُمَّ تَضْرِبَ الْمَنْسِيَّ في نَفْسِهِ وَتُسْقِطَ الْحَاصِلَ من الْجُمْلَةِ فَالْبَاقِي عَدَدُ الصَّلَوَاتِ فَفِي الْمِثَالِ تَضْرِبُ اثْنَيْنِ في خَمْسَةٍ يَحْصُلُ عَشَرَةٌ تَزِيدُ عليه اثْنَيْنِ ثُمَّ تَضْرِبُهُمَا فِيهِمَا وَتُسْقِطُ الْحَاصِلَ وهو أَرْبَعَةٌ من الْجُمْلَةِ تَبْقَى ثَمَانِيَةٌ الثَّالِثَةُ ما في الْأَصْلِ أَنْ تَزِيدَ في عَدَدِ الْمَنْسِيِّ فيه ما لَا يَنْقُصُ عَمَّا يَبْقَى من الْمَنْسِيِّ فيه بَعْدَ إسْقَاطِ الْمَنْسِيِّ وَيَنْقَسِمُ الْمَجْمُوع صَحِيحًا عليه فَفِي الْمِثَال الْمَنْسِيِّ اثْنَانِ يُزَادُ على الْمَنْسِيِّ فيه ثَلَاثَةٌ وَهِيَ أَوَّلُ عَدَدٍ يُوجَدُ فيه الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ وَالْمَجْمُوعُ وهو ثَمَانِيَةٌ يَنْقَسِمُ على الِاثْنَيْنِ صَحِيحًا وَعَلَى الْعِبَارَاتِ كُلِّهَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَتْرُكَ في كل مَرَّةٍ ما بَدَأَ بِهِ في الْمَرَّةِ قَبْلَهَا كما عُرِفَ فَائِدَةٌ لو تَذَكَّرَ الْمَنْسِيَّةُ بَعْدَ ذلك لم تَجِبْ إعَادَتُهَا كما صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَرَجَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ من احْتِمَالَيْنِ ثَانِيهِمَا تَخْرِيجُهُ على ما لو ظَنَّ حَدَثًا فَتَوَضَّأَ له ثُمَّ تَيَقَّنَهُ وَمُقْتَضَاهُ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَجَزَمَ بِهِ ابن الصَّلَاحِ فَعَلَى هذا وهو أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ بِعَدَدِ الْمَنْسِيِّ لو شَكَّ هل تَرَكَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ مَثَلًا أو صَلَاةً من الْخَمْسِ صلى الْخَمْسَ وَطَافَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ لِمَا مَرَّ وَلَوْ صلى بِتَيَمُّمٍ فَرْضَا وَأَعَادَهُ بِهِ اسْتِحْبَابًا كَأَنْ صَلَّاهُ بِهِ مُنْفَرِدًا وَأَعَادَهُ بِهِ مع جَمَاعَةٍ لَا وُجُوبًا بِأَنْ صَلَّاهُ بِهِ على وَجْهٍ تَجِبُ معه إعَادَتُهُ كَمَرْبُوطٍ على خَشَبَةٍ وَأَرَادَ إعَادَتَهُ بِهِ جَازَ لِأَنَّهُ جَمَعَ بين فَرْضٍ وَنَافِلَةٍ وهو جَائِزٌ بِخِلَافِ ما إذَا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ بِنَاءً على أَنَّ الْفَرْضَ الثَّانِيَةُ أو كِلَاهُمَا وَهَذَا تَبِعَ فيه الرَّافِعِيُّ وقال في الرَّوْضَةِ يَنْبَغِي إذَا قُلْنَا الثَّانِيَةُ فَرْضٌ أَيْ وهو الْأَصَحُّ أَنْ يَجُوزَ لِأَنَّهُ جَمَعَ بين فَرْضٍ وَنَافِلَةٍ وَاخْتَارَهُ في الْمَجْمُوعِ وَصَحَّحَهُ في التَّحْقِيقِ فقال وَإِنْ صلى فَرِيضَةً بِتَيَمُّمٍ ثُمَّ أَعَادَهَا جَمَاعَةً بِهِ أو صَلَّاهَا على وَجْهٍ تَجِبُ إعَادَتُهَا فَأَعَادَهَا بِهِ جَازَ على الْمَذْهَبِ وَإِنَّمَا جَازَ جَمْعُهُمَا بِالتَّيَمُّمِ لِلْأُولَى مع وُقُوعِهَا نَفْلًا لِأَنَّهَا وَإِنْ وَقَعَتْ نَفْلًا فَالْإِتْيَانُ بها فَرْضٌ فَإِنْ قُلْت فَكَيْفَ جَمَعَهُمَا بِتَيَمُّمٍ مع أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فَرْضٌ قُلْت هذا كَالْمَنْسِيَّةِ من خَمْسٍ يَجُوزُ جَمْعُهَا بِتَيَمُّمٍ وَإِنْ كانت فُرُوضًا لِأَنَّ الْفَرْضَ بِالذَّاتِ وَاحِدَةٌ فَصْلٌ في بَيَانِ وَقْتِ التَّيَمُّم وَالتَّيَمُّمُ لِلصَّلَاةِ وَلَوْ نَافِلَةً قبل وَقْتِهَا بَاطِلٌ لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ وَفِيهِ أَيْ التَّيَمُّمِ في الْوَقْتِ قبل الِاجْتِهَادِ في الْقِبْلَةِ خِلَافٌ حَكَاهُ في الرَّوْضَةِ عن الرُّويَانِيِّ وَشَبَّهَهُ بِمَا لو تَيَمَّمَ وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ عَدَمِ الصِّحَّةِ كما قَدَّمْته في الْبَابِ السَّابِقِ لَكِنْ قد يُقَالُ قِيَاسُ ما جَزَمُوا بِهِ من الصِّحَّةِ في نَظِيرِ ذلك من طُهْرِ الْمُسْتَحَاضَةِ الصِّحَّةُ هُنَا وَيُجَابُ بِأَنَّ طُهْرَ الْمُسْتَحَاضَةِ أَقْوَى من طُهْرِ الْمُتَيَمِّمِ لِأَنَّ الْمَاءَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ في حَدِّ ذَاتِهِ بِخِلَافِ التُّرَابِ هذا وَالْأَوْجَهُ الصِّحَّةُ كَصِحَّتِهِ قبل السِّتْرِ وَيُفَارِقُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِأَنَّهُ أَخَفُّ منها وَلِهَذَا تَصِحُّ صَلَاةُ من صلى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لِأَرْبَعِ جِهَاتٍ بِالِاجْتِهَادِ بِلَا إعَادَةٍ بِخِلَافِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَالتَّشْبِيهُ الْمَذْكُورُ لَا يَسْتَلْزِمُ اتِّحَادَ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ في التَّرْجِيحِ وَتَيَمَّمَ لِجَمْعِ الْعَصْرِ أَيْ لِلْعَصْرِ لِيَجْمَعَهَا مع الظُّهْرِ تَقْدِيمًا عَقِيبَ الظُّهْرِ في وَقْتِهَا بِحُكْمِ التَّبَعِيَّةِ فَإِنْ دخل وَقْتُ الْعَصْرِ قبل أَنْ يُصَلِّيَهَا بَطَلَ التَّيَمُّمُ لِوُقُوعِهِ قبل وَقْتِهَا وَزَوَالِ التَّبَعِيَّةِ بِانْحِلَالِ رَابِطَةِ الْجَمْعِ بِخِلَافِ ما لو تَيَمَّمَ لِفَائِتَةٍ قبل وَقْتِ الْحَاضِرَةِ فَإِنَّهَا تُبَاحُ بِهِ وَفَرَّقَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ ثَمَّ اسْتَبَاحَ ما نَوَى فَاسْتَبَاحَ غَيْرَهُ بَدَلًا وَهُنَا لم يَسْتَبِحْ ما نَوَى بِالصِّفَةِ التي نَوَى فلم يَسْتَبِحْ غَيْرَهُ وابن الرِّفْعَةِ بِأَنَّهُ في الْفَائِتَةِ تَيَمَّمَ لها بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا الْحَقِيقِيِّ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا وَلَا جَمْعَ لِمَا مَرَّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لو لم يَدْخُلْ وَقْتُ الْعَصْرِ لَكِنْ بَطَلَ الْجَمْعُ لِطُولِ الْفَصْلِ لم يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ حتى يُصَلِّيَ بِهِ فَرِيضَةً غَيْرَهَا وَنَافِلَةً وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ تَأْبَاهُ هذا وَلَكِنَّ التَّعْبِيرَ بِبُطْلَانِ التَّيَمُّمِ لم يَذْكُرْهُ الرَّافِعِيُّ بَلْ كَلَامُهُ يَقْتَضِي بَقَاءَهُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ حتى لو صلى بِهِ ما ذَكَرَ صَحَّ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الصَّوَابُ قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إنَّمَا صَحَّ تَبَعًا على خِلَافِ الْقِيَاسِ وَلِأَنَّ ذلك يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ يَسْتَبِيحُ بِالتَّيَمُّمِ غير ما نَوَاهُ دُونَ ما نَوَاهُ وَيَدْخُلُ وَقْتُ فَائِتَةٍ بِتَذَكُّرِهَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ من نَسِيَ صَلَاةً أو نَامَ عنها فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا وَلَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً فَتَيَمَّمَ لها ثُمَّ صلى بِهِ حَاضِرَةً أو عَكْسُهُ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ قد صَحَّ لِمَا قَصَدَهُ فَصَحَّ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ غَيْرَهُ كما لو تَيَمَّمَ لِإِحْدَى فَائِتَتَيْنِ جَازَ له أَنْ يُصَلِّيَ الْأُخْرَى دُونَ التي تَيَمَّمَ لها وَلَوْ تَيَمَّمَ لِمُؤَدَّاةٍ في أَوَّلِ وَقْتِهَا وَصَلَّاهَا بِهِ في آخِرِهِ أو بَعْدَهُ جَازَ وَأَوْقَاتُ الرَّوَاتِبِ
____________________
(1/91)
وَسَائِرُ الْمُؤَقَّتَاتِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ مَعْرُوفَةٌ في مَحَالِّهَا وَمِنْ الْمُؤَقَّتَاتِ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ وَالْجِنَازَةِ وقد بَيَّنَ وَقْتَهُمَا بِقَوْلِهِ وَوَقْتُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ لها بِالصَّحْرَاءِ أو نَحْوِهَا إذَا أَرَادُوا أَنْ يُصَلُّوهَا جَمَاعَةً إذْ لو أَرَادُوا أَنْ يُصَلُّوهَا فُرَادَى صَحَّ التَّيَمُّمُ وَإِنْ لم يَجْتَمِعُوا ووقت صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بَعْدَ الْغُسْلِ أو التَّيَمُّمِ لِلْمَيِّتِ وَإِنْ لم يُكَفَّنْ وَهَذَا شَخْصٌ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ حتى يُيَمِّمْ غَيْرَهُ وَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ في وَقْتِ الْكَرَاهَةِ لِغَيْرِ الْمُؤَقَّتَةِ وَذَاتِ السَّبَبِ غَيْرِ الْمُتَأَخِّرِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هذا فِيمَا إذَا تَيَمَّمَ في وَقْتِهَا لِيُصَلِّيَ في وَقْتِهَا فَلَوْ تَيَمَّمَ فيه لِيُصَلِّيَ مُطْلَقًا أو في غَيْرِهِ فَلَا يَنْبَغِي مَنْعُهُ وَيَنْبَغِي أَيْضًا أَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ في غَيْرِ وَقْتِهَا لِيُصَلِّيَ فيه لَا يَصِحُّ وَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ على غَيْرِ الْمُؤَقَّتَةِ كَالْأَصْلِ كَفَى وَإِنْ كَانُوا قد يَقُولُونَ الصَّلَاةُ إمَّا ذَاتُ وَقْتٍ أو ذَاتُ سَبَبٍ أو مُطْلَقَةٌ وَلَا يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ لِنَافِلَةٍ وَإِنْ لم يَكُنْ لها سَبَبٌ بِدُخُولِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ قَطْعًا وَلَوْ طَلَبَ الْمَاءَ أو أَخَذَ التُّرَابَ قبل الْوَقْتِ أو شَاكًّا فيه لم يُجْزِهِ وَإِنْ صَادَفَهُ في الشَّكِّ لِانْتِفَاءِ مَعْرِفَتِهِ حَالَ الْفِعْلِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَمَسْحِ الْخُفِّ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ في نَفْسِهَا بِرَفْعِ الْحَدَثِ وَمَسْحُ الْخُفِّ رُخْصَةٌ لِلتَّخْفِيفِ لِلْجَوَازِ مع الْقُدْرَةِ على غُسْلِ الرِّجْلِ فَلَا يَضِيقُ بِاشْتِرَاطِ الْوَقْتِ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ طَهَارَةُ رَفَاهِيَةٍ فَالْتَحَقَتْ بِالْوُضُوءِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ فإنه ضَرُورَةٌ فَاخْتَصَّ بِحَالِهَا كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَلِأَنَّهُ لِإِبَاحَةِ الصَّلَاةِ ولم تُبِحْ قبل الْوَقْتِ الْحُكْمَ الثَّالِثُ الْقَضَاءُ وَلَا قَضَاءَ على الْمُصَلِّي مع الْعُذْرِ الْعَامِّ وَإِنْ لم يَدُمْ لِلْحَرَجِ وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِالْحَيْضِ وَذَلِكَ كَالتَّيَمُّمِ أَيْ كَالصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ لِعَدَمِ الْمَاءِ في الْكَرَوَانِ كان قَصِيرًا أو وَجَدَ الْمَاءَ في الْوَقْتِ لِعُمُومِ فَقْدِهِ في السَّفَرِ وَلِمَا رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّ رَجُلَيْنِ تَيَمَّمَا في سَفَرٍ وَصَلَّيَا ثُمَّ وَجَدَا الْمَاءَ في الْوَقْتِ فَأَعَادَ أَحَدُهُمَا بِالْوُضُوءِ دُونَ الْآخَرِ ثُمَّ ذَكَرَ ذلك لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال لِلَّذِي أَعَادَ لَك الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ وَلِلْآخَرِ أَصَبْتَ السُّنَّةَ وَأَجْزَأَتْك صَلَاتُك لَا في سَفَرِ مَعْصِيَةٍ كَعَبْدٍ آبِقٍ وَامْرَأَةٍ نَاشِزَةٍ فإنه يَجِبُ بِهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّ عَدَمَ الْقَضَاءِ رُخْصَةٌ فَلَا يُنَاطُ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ بِخِلَافِ ما لو عَصَى في سَفَرٍ لم يَعْصِ بِهِ كَأَنْ زِنَا أو سَرَقَ فيه لَا قَضَاءَ عليه لِأَنَّ الْمُرَخَّصَ غَيْرُ ما بِهِ الْمَعْصِيَةُ وَشَمِلَ كَلَامُهُ التَّيَمُّمَ لِفَقْدِ الْمَاءِ وَالْمُتَيَمِّمَ لِمَرَضٍ أو عَطَشٍ أو نَحْوِهِ وَالْحُكْمُ صَحِيحٌ بَلْ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُ الثَّانِي لِأَنَّهُ قَادِرٌ على التَّوْبَةِ وَوَاجِدٌ لِلْمَاءِ حِينَئِذٍ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ في بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ وَنَقَلَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فيه وَكَصَلَاةِ الْمَرِيضِ بِالتَّيَمُّمِ أو قَاعِدًا أو مُضْطَجِعًا أو مُسْتَلْقِيًا أو صَلَاةِ الْخَائِفِ بِالْإِيمَاءِ وَالْمُرَادُ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَأَمَّا الْعُذْرُ النَّادِرُ فَمِنْهُ ما يَدُومُ غَالِبًا كَالِاسْتِحَاضَةِ وَسَلَسِ الْبَوْلِ وَالْجُرْحِ السَّائِلِ واستمرار الرِّيحِ أو غَيْرِهِ من سَائِرِ ما يُوجِبُ الْحَدَثَ فَكَالْعَامِّ فَلَا يَجِبُ بِهِ الْقَضَاءُ لِلْحَرَجِ وَإِنْ زَالَ سَرِيعًا إذْ الْعِبْرَةُ بِالْجِنْسِ سَوَاءٌ أَكَانَ مع ذلك بَدَلٌ أَمْ لَا وَمِنْهُ ما لَا يَدُومُ غَالِبًا وَلَا بَدَلَ معه فَهَذَا قد يَجِبُ معه الْقَضَاءُ وَإِنْ دَامَ لِنُدْرَتِهِ مع فَوَاتِ الْبَدَلِ وَعَدَمِ غَلَبَةِ الدَّوَامِ كَمَنْ لم يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا وَصَلَّى فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِرُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا فيها لَكِنَّ مَحَلَّهُ في التُّرَابِ إذَا رَآهُ بِمَحَلٍّ يُغْنِي التَّيَمُّمُ فيه عن الْقَضَاءِ كما صَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ كَذَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عنه ولم أَرَهُ فيه وَفِيهِ نَظَرٌ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ يُفْهِمُ أَنَّ صَلَاتَهُ بِلَا رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا صَحِيحَةٌ وَإِنْ وَجَبَ قَضَاؤُهَا وهو الْأَصَحُّ في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ فَتَبْطُلُ بِمَا تَبْطُلُ بِهِ ما لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا وَمَحِلُّ شُرُوعِ قَضَائِهَا إذَا قَدَرَ على الْمَاءِ أو على التُّرَابِ بِمَحَلٍّ يُغْنِي التَّيَمُّمُ فيه عن الْقَضَاءِ وَإِلَّا فَلَا يُشْرَعُ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فيه جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ في تَحْقِيقِهِ وَفَتَاوِيهِ وَمَجْمُوعِهِ وَنَقَلَهُ فيه عن الْأَصْحَابِ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا وَقَعَ له في نُكَتِهِ مِمَّا يُخَالِفُ ذلك
____________________
(1/92)
كَمَنْ الْمُنَاسِبِ لِكَلَامِ الْأَصْلِ وَمَنْ على بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ يَخَافُ من غَسْلِهَا شيئا مِمَّا مَرَّ في مُبِيحَاتِ التَّيَمُّمِ أو حُبِسَ عليها فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَيُصَلِّي وُجُوبًا إيمَاءً بِالسُّجُودِ فِيمَا إذَا حُبِسَ على نَجَاسَةٍ بِحَيْثُ لو سَجَدَ لَسَجَدَ عليها وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْحَنِيَ له بِحَيْثُ لو زَادَ أَصَابَهَا وَقِيلَ يَلْزَمُهُ وَضْعُ جَبْهَتِهِ على الْأَرْضِ وَإِنْ كان الْقَضَاءُ لَازِمًا على التَّقْدِيرَيْنِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْلِ تَرْجِيحُهُ وَالْأَوَّلُ هو ما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ وَتَحْقِيقِهِ في بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ بَدَلُ السُّجُودِ وَلَيْسَ لِطَهَارَةِ النَّجَاسَةِ بَدَلٌ وَلِأَنَّ اجْتِنَابَ النَّجَاسَةِ آكَدُ من اسْتِيفَاءِ السُّجُودِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ سُقُوطُ الْقَضَاءِ مع الْإِيمَاءِ بِخِلَافِهِ مع النَّجَاسَةِ وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ وَهُمْ من لم يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا وَمَنْ على بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ يَخَافُ من غَسْلِهَا وَمَنْ حُبِسَ عَلَيْهِمَا يُصَلُّونَ وُجُوبًا الْفَرِيضَةَ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ كَالْعَاجِزِ عن السُّتْرَةِ فَقَطْ أَيْ لَا النَّافِلَةَ فَلَا يُصَلُّونَهَا إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهَا وَتَقَدَّمَ أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ كَالنَّفْلِ في أنها تُؤَدَّى مع مَكْتُوبَةٍ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ وَقِيَاسُهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يُصَلُّونَهَا وَجَرَى عليه الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ في فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَنَقَلَهُ في بَابِهَا عن مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَفَّالِ وَعَطَفَ على كَمَنْ لم يَجِدْ قَوْلَهُ وَكَالْغَرِيقِ وَالْمَصْلُوبِ حَيْثُ يُصَلِّيَانِ وَيُومِئَانِ وُجُوبًا وَكَالْمَرِيضِ إذَا لم يَجِدْ من يُحَوِّلُهُ إلَى الْقِبْلَةِ وقد لَا يَجِبُ معه الْقَضَاءُ كَالْمُصَلِّي عُرْيَانَا لِفَقْدِ السُّتْرَةِ حِسًّا أو شَرْعًا بِأَنْ لم يَجِدْ إلَّا ثَوْبًا نَجِسًا أو وَجَدَ ثَوْبًا طَاهِرًا لو فَرَشَهُ على النَّجِسِ بَقِيَ عُرْيَانَا وَإِنْ لم يَعْتَدْ الْعُرْيَ لِأَنَّ وُجُوبَ السَّتْرِ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ فَاخْتِلَالُهُ لَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ وَلِأَنَّ الْعُرْيَ عُذْرٌ نَادِرٌ أو عَامٌّ يَدُومُ سَوَاءٌ أَكَانَ في حَضَرٍ أَمْ سَفَرٍ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ لِفَقْدِ الْمَاءِ لِأَنَّ السُّتْرَةَ في مَظِنَّةِ الضِّنَةِ بها وَلَوْ في الْحَضَرِ بِخِلَافِ الْمَاءِ
وَيُتِمُّ الْعَارِي الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَلَا يُومِئُ بِهِمَا لِأَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ وَكَلَامُهُمْ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الْعُرْيَ عُذْرٌ عَامٌّ أو نَادِرٌ يَدُومُ وَالْمُصَنِّفُ جَعَلَهُ من قِسْمِ النَّادِرِ الذي لَا يَدُومُ أَخْذًا من تَعْلِيلِ الرَّافِعِيِّ الْوَجْهَ الْقَائِلَ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ بِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ لَا يَدُومُ مع اسْتِشْكَالِهِ التَّعْلِيلَيْنِ السَّابِقَيْنِ لِعَدَمِ الْقَضَاءِ فيه بِأَنَّ مَسَاقَ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ وَإِنْ لم يَعْجِزْ عن السُّتْرَةِ كَالِاحْتِرَازِ عن الْكَوْنِ في الْمَكَانِ الْمَغْصُوبِ وَبِأَنَّ الطَّبْعَ في الثَّانِي لَا يَنْقَادُ لِكَوْنِ الْعُرْيِ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ أو معه أَيْ النَّادِرِ الذي لَا يَدُومُ بَدَلٌ وَهَذَا أَيْضًا قد يَجِبُ معه الْقَضَاءُ كَالتَّيَمُّمِ لِلْبَرْدِ وَلَوْ في سَفَرٍ لِأَنَّ الْبَرْدَ وَإِنْ لم يَنْدُرْ فَالْعَجْزُ عَمَّا يُسَخِّنُ بِهِ الْمَاءَ وَيَتَدَفَّأُ بِهِ نَادِرٌ لَا يَدُومُ وَأَمَّا عَدَمُ أَمْرِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَمْرَو بن الْعَاصِ بِالْقَضَاءِ في خَبَرِهِ السَّابِقِ فَلَا يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ على التَّرَاخِي وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ وَلِجَوَازِ أَنَّهُ كان عَالِمًا بِهِ أو أَنَّهُ كان قد قَضَى وكتيمم الْمُقِيم لِفَقْدِ الْمَاءِ لِأَنَّ فَقْدَهُ في الْإِقَامَةِ نَادِرٌ بِخِلَافِهِ في السَّفَرِ وَهَذَا جَرَى على الْغَالِبِ وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ في الْقَضَاءِ بِنُدْرَةِ فَقْدِ الْمَاءِ لَا بِالْإِقَامَةِ وفي عَدَمِهِ بِغَلَبَةِ فَقْدِ الْمَاءِ لَا بِالسَّفَرِ كما بَيَّنَ ذلك بِقَوْلِهِ فَإِنْ أَقَامَ أَيْ الْمُتَيَمِّمُ في مَفَازَةٍ فَكَالْمُسَافِرِ في أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عليه وَإِنْ طَالَتْ إقَامَتُهُ أو تَيَمَّمَ الْمُسَافِرُ لِعَدَمِ الْمَاءِ في مَوْضِعٍ يَنْدُرُ فيه عَدَمُهُ كَقَرْيَةٍ في طَرِيقِهِ فَكَالْحَاضِرِ في أَنَّهُ يَقْضِي وقد لَا يَجِبُ معه الْقَضَاءُ كَمَنْ وَضَعَ الْجَبِيرَةَ على طُهْرٍ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى لِعَدَمِ أَمْرِ الْمَشْجُوجِ بِهِ في خَبَرِهِ السَّابِقِ إلَّا إذَا وَضَعَهَا عليه في أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ فإنه يُعِيدُ لِنُقْصَانِ الْبَدَلِ وَالْمَبْدُولِ جميعا وَمَنْ أَيْ وَكَمَنْ تَيَمَّمَ لِجِرَاحَةٍ وَلَيْسَ بها دَمٌ كَثِيرٌ وَكُلٌّ من الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ مَذْكُورٌ في بَابِهِ وَفَرْضُ من وَجَبَتْ عليه الْإِعَادَةُ هو الثَّانِيَةُ لِأَنَّهَا الْمُسْقِطَةُ له مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ لَا يُسْتَحَبُّ تَجْدِيدُ التَّيَمُّمِ لِلنَّافِلَةِ بِخِلَافِ التَّجْدِيدِ في الْمَغْسُولِ معه فإنه مُسْتَحَبٌّ كما جَزَمَ بِهِ
____________________
(1/93)
الْقَفَّالُ قال ابن الرِّفْعَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِبَعْضِ الطَّهَارَةِ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا تَعَذَّرَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ في الْبَاقِي وَالتَّيَمُّمُ عنه غَيْرُ مَشْرُوعٍ صَارَ ذلك الْبَعْضُ كَالْمَفْقُودِ وَلَوْ وَجَدَ مَاءً مُسَبَّلًا لِلشُّرْبِ تَيَمَّمَ لم يذكر في الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا لِلشُّرْبِ بَلْ قال خَابِيَةُ مَاءٍ مُسَبَّلٍ تَيَمَّمَ وَلَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ منها لِأَنَّهَا إنَّمَا تُوضَعُ لِلشُّرْبِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لو لم يَعْلَمْ أَنَّهُ مُسَبَّلٌ لِلشُّرْبِ كان الْحُكْمُ كَذَلِكَ نَظَرًا لِلْغَالِبِ وهو ظَاهِرٌ ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ نَبَّهَ على ذلك ولم يَقْضِ صَلَاتَهُ كما لو تَيَمَّمَ بِحَضْرَةِ مَاءٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِعَطَشٍ وَصَلَّى بِهِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَلَوْ تَيَمَّمَ عن جَنَابَةٍ أو حَيْضٍ ثُمَّ أَحْدَثَ انْتَقَضَ طُهْرُهُ الْأَصْغَرُ لَا الْأَكْبَرُ كما لو أَحْدَثَ بَعْدَ غُسْلِهِ فَيَحْرُمُ عليه ما يَحْرُمُ على الْمُحْدِثِ وَيَسْتَمِرُّ تَيَمُّمُهُ عن الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ حتى يَجِدَ الْمَاءَ بِلَا مَانِعٍ وَإِنْ مَنَعَ شَخْصٌ تَرْتِيبَ الْوُضُوءِ عَكَسَ التَّرْتِيبَ وُجُوبًا لِتَمَكُّنِهِ من بَعْضِ الْوُضُوءِ فَيَحْصُلُ له غَسْلُ الْوَجْهِ وَتَيَمَّمَ لِلْبَاقِي لِعَجْزِهِ عن الْمَاءِ وَلَا إعَادَةَ عليه لِأَنَّهُ في مَعْنَى من غُصِبَ مَاؤُهُ بِخِلَافِ ما لو أُكْرِهَ على الصَّلَاةِ مُحْدِثًا فإنه يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ لم يَأْتِ عن وُضُوئِهِ ثُمَّ يُبَدِّلُ بِخِلَافِهِ هُنَا فَهُوَ كما لو تَيَمَّمَ لِحَيْلُولَةِ سَبُعٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ لَا تَلْزَمُهُ إعَادَةٌ وَقَوْلُهُ وَإِنْ مَنَعَ تَرْتِيبَ الْوُضُوءِ أَعَمُّ من قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَلَوْ مُنِعَ من الْوُضُوءِ إلَّا مَنْكُوسًا وَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ عَكْسٍ بِغَسْلِ وَجْهِهِ كان أَوْلَى وَأَوْفَقَ بِكَلَامِ الرَّوْضَةِ بَابُ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ هو أَحْسَنُ من تَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ بِمَسْحِ الْخُفِّ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْجِنْسُ وَأَخْبَارُهُ كَثِيرَةٌ كَخَبَرِ ابْنَيْ خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ في صَحِيحَيْهِمَا عن أبي بَكْرَةَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَرْخَصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً إذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا وَخَبَرُ التِّرْمِذِيِّ وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ عن صَفْوَانَ أَمَرَنَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا كنا مُسَافِرِينَ أو سَفْرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ إلَّا من جَنَابَةٍ لَكِنْ من غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ يَعْنِي أَرْخَصَ لنا في الْمَسْحِ على خِفَافِنَا مع هذه الثَّلَاثَةِ أَيْ وَنَحْوِهَا ولم نُؤْمَرْ بِنَزْعِهَا إلَّا في حَالِ الْجَنَابَةِ أَيْ وَنَحْوِهَا وَالْأَمْرُ فيه لِلْإِبَاحَةِ لِأَفْضَلِيَّةِ الْغُسْلِ كما مَرَّ في الْوُضُوءِ وَكَمَا سَيَأْتِي في الْجَمْعِ بين الصَّلَاتَيْنِ وَلِمَجِيئِهِ في النَّسَائِيّ بِلَفْظِ أَرْخَصَ لنا نعم الْمَسْحُ أَفْضَلُ إذَا تَرَكَهُ رَغْبَةً عن السُّنَّةِ أو شَكًّا في جَوَازِهِ أو خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ أو عَرَفَةَ أو إنْقَاذَ أَسِيرٍ أو نَحْوَهَا بَلْ سَيَأْتِي في بَابِ الْجَمْعِ أَيْضًا كَرَاهَةَ عَدَمِ التَّرَخُّصِ في الْأُولَى بَلْ يَنْبَغِي وُجُوبُ الْمَسْحِ في خَوْفِ فَوَاتِ عَرَفَةَ أو نَحْوِهَا كما أَخَذَهُ الْإِسْنَوِيُّ من وُجُوبِهِ فِيمَا لو أَحْدَثَ وهو لَابِسُ الْخُفِّ وَمَعَهُ مَاءٌ يَكْفِي الْمَسْحَ فَقَطْ كما قَدَّمْته في التَّيَمُّمِ وَمَسْحُ الْخُفِّ خَاصٌّ بِالْوُضُوءِ كما يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ ثَمَّ وَالنَّظَرُ في شَرْطِهِ وَكَيْفِيَّته وَحُكْمِهِ وقد أَخَذَ في بَيَانِهَا فقال يُجْزِئُ مَسْحُهُمَا عن غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَيَرْفَعُ حَدَثَهُمَا بِشَرْطَيْنِ الْأَوَّلُ لُبْسُهُمَا على طَهَارَةٍ من الْحَدَثَيْنِ لِخَبَرِ أبي بَكْرَةَ السَّابِقِ
____________________
(1/94)
وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ قال الْمُغِيرَةُ سَكَبْت الْوُضُوءَ على رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فلما انْتَهَيْت إلَى رِجْلَيْهِ أَهْوَيْت لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فقال دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ من لُبْسِهِمَا على طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ بِحَيْثُ لَا يُقِرُّ قَدَمَهُ في قَدَمِ الْخُفِّ قبل غَسْلِ الْأُخْرَى لِأَنَّ ما كان شَرْطًا لِشَيْءٍ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عليه بِكَمَالِهِ كَشُرُوطِ الصَّلَاةِ وَخَرَجَ بِكَامِلَةِ ما لو غَسَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَأَدْخَلَهَا الْخُفَّ وما لو أَدْخَلَهُمَا ثُمَّ غَسَلَهُمَا فيه فَلَا يَكْفِي الْمَسْحُ عليه كما سَيَأْتِي وقد يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فإن ما يَخْرُجُ بِهِ يَخْرُجُ بِمَا قَبْلَهُ كما نَبَّهَ عليه الرَّافِعِيُّ في كَلَامِ الْوَجِيزِ وَإِنْ قَرَّتْ قَدَمُهُ قَبْلَهُ أَيْ قبل غَسْلِ الْأُخْرَى وَنَزَعَهَا وَحْدَهَا وَلَوْ بَعْدَ لُبْسِهِمَا جميعا وَأَعَادَهَا إلَى الْخُفِّ أَجْزَأَهُ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَنْزِعْهَا وَلَوْ غَسَلَهُمَا فيه أَيْ الْخُفِّ لم يَجُزْ وَإِنْ تَمَّ وُضُوءُهُ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ إلَّا إذَا غَسَلَهُمَا فيه قبل قَرَارِهِمَا فإنه يُجْزِئُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمَقَرِّ كما عَرَفَ فَإِنْ قُلْت هَلَّا اكْتَفَى بِاسْتِدَامَةِ اللُّبْسِ لِأَنَّهَا كَالِابْتِدَاءِ كما سَيَأْتِي في الْأَيْمَانِ قُلْنَا إنَّمَا تَكُونُ كَالِابْتِدَاءِ إذَا كان الِابْتِدَاءُ صَحِيحًا وَهُنَا ليس كَذَلِكَ وَأَيْضًا الْحُكْمُ هُنَا إنَّمَا هو مَنُوطٌ بِالِابْتِدَاءِ كما يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم في خَبَرِ أبي بَكْرَةَ إذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ وفي خَبَرِ الْمُغِيرَةِ دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ حَيْثُ عَلَّقَ الْحُكْمَ بِإِدْخَالِهِمَا طَاهِرَتَيْنِ وَنَظِيرُهُ من الْأَيْمَان أَنْ يَحْلِفَ على أَنْ لَا يَدْخُلَ الدَّارَ وهو فيها فإنه لَا يَحْنَثُ بِاسْتِدَامَةِ الدُّخُولِ وَلَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ اللُّبْسِ مُتَطَهِّرًا وَقَبْلَ قَرَارِهِمَا في الْخُفِّ لم يَمْسَحْ عليه لِعَدَمِ إدْخَالِهِمَا طَاهِرَتَيْنِ وَلَوْ أَخْرَجَهُمَا بَعْدَ اللُّبْسِ من مَقَرِّهِمَا وَمَحِلُّ الْفَرْضِ مَسْتُورٌ وَالْخُفُّ مُعْتَدِلٌ لم يَضُرَّ وَفَارَقَتْ ما قَبْلَهَا بِالْعَمَلِ بِالْأَصْلِ فِيهِمَا وَبِأَنَّ الدَّوَامَ أَقْوَى من الِابْتِدَاءِ كَالْإِحْرَامِ وَالْعِدَّةِ يَمْنَعَانِ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ دُونَ دَوَامِهِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ من زِيَادَتِهِ مُعْتَدِلٌ ما لو جَاوَزَ طُولُ الْخُفِّ الْعَادَةَ وَبَلَغَتْ رِجْلُهُ حَدًّا لو كان الْخُفُّ مُعْتَادًا لَظَهَرَ شَيْءٌ منها فإنه يَبْطُلُ كما نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْعِمْرَانِيِّ وَأَقَرَّهُ وَإِنْ أَحْدَثَ دَائِمُ الْحَدَثِ كَمُسْتَحَاضَةٍ وَسَلَسِ بَوْلٍ غَيْرِ حَدَثِهِ جَازَ له الْمَسْحُ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى اللُّبْسِ وَالِاتِّفَاق بِهِ كَغَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ الصَّلَاةَ بِطَهَارَتِهِ فَيَسْتَفِيدُ الْمَسْحَ أَيْضًا ثُمَّ إنْ أَحْدَثَ قبل أَنْ يُصَلِّيَ بِوُضُوءِ اللُّبْسِ فَرْضًا مَسَحَ لِفَرِيضَةٍ وَنَوَافِلَ وَإِنْ أَحْدَثَ وقد صلى بِوُضُوءِ اللُّبْسِ فَرْضًا لم يَمْسَحْ إلَّا لِلنَّفْلِ لِأَنَّ مَسْحَهُ مُرَتَّبٌ على طُهْرِهِ وهو لَا يُفِيدُ أَكْثَرَ من ذلك فَلَوْ أَرَادَ فَرِيضَةً أُخْرَى وَجَبَ نَزْعُ الْخُفِّ وَالطُّهْرِ الْكَامِلِ لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى ما زَادَ على فَرِيضَةٍ وَنَوَافِلَ فَكَأَنَّهُ لَبِسَ على حَدَثٍ حَقِيقَةً فإن طُهْرَهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ على الْمَذْهَبِ وَخَرَجَ بِغَيْرِ حَدَثِهِ حَدَثُهُ فَلَا يَضُرُّ وَلَا يَحْتَاجُ معه إلَى اسْتِئْنَافِ طُهْرٍ إلَّا إذَا أَخَّرَ الدُّخُولَ في الصَّلَاةِ بَعْدَ الطُّهْرِ لِغَيْرِ مَصْلَحَتِهَا وَحَدَثُهُ يَجْرِي فَيَأْتِي فيه ما تَقَرَّرَ في غَيْرِ حَدَثِهِ وَكَذَا لَابِسُهُ مُتَلَبِّسًا بِوُضُوءٍ وَتَيَمُّمٍ لِجِرَاحَةٍ أو نَحْوِهَا فإنه إنَّمَا يَمْسَحُ لِفَرِيضَةٍ وَنَوَافِلَ أو لِنَوَافِلَ على ما تَقَرَّرَ وَكَذَا لو لَبِسَهُ لِمَحْضِ التَّيَمُّمِ لِمَرَضٍ أو نَحْوِهِ لَا لِفَقْدِ مَاءٍ فَأَحْدَثَ ثُمَّ تَكَلَّفَ الْوُضُوءَ لِيَمْسَحَ فإنه إنَّمَا يَمْسَحُ لِذَلِكَ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ ثُمَّ تَكَلَّفَ الْوُضُوءَ لِيَمْسَحَ جَوَابٌ لِمَا يُقَالُ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْمَسْحُ في التَّيَمُّمِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ لِعُذْرِهِ وَلَبِسَ الْخُفَّ وَأَحْدَثَ وَأَرَادَ الصَّلَاةَ فَإِنْ زَالَ الْعُذْرُ وَجَبَ نَزْعُ الْخُفِّ كَدَائِمِ الْحَدَثِ إذَا شُفِيَ وَإِنْ لم يَزُلْ فَلَا مَسْحَ لِأَنَّهُ يَمْحَضُ التَّيَمُّمَ كما كان يَمْحَضُهُ قبل اللُّبْسِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ ذلك يُتَصَوَّرُ بِمَا إذَا لم يَزُلْ عُذْرُهُ لَكِنَّهُ تَكَلَّفَ الْغُسْلَ وَأَرَادَ الْمَسْحَ غير أَنَّهُ يَبْقَى النَّظَرُ في أَنَّ هذا الْفِعْلَ جَائِزٌ أو لَا ذَكَرَهُ في الْمُهِمَّاتِ أَمَّا لُبْسُهُ بِمَحْضِ التَّيَمُّمِ لِفَقْدِ الْمَاءِ فَلَا مَسْحَ فيه لِأَنَّهُ لِضَرُورَةٍ وقد زَالَ بِزَوَالِهَا فَإِنْ شُفِيَ دَائِمُ الْحَدَثِ أو الْمُتَيَمِّمُ لَا لِفَقْدِ الْمَاءِ فَلَا مَسْحَ لِبُطْلَانِ الطَّهَارَةِ الْمُرَتَّبِ هو عليها الشَّرْطُ الثَّانِي صَلَاحِيَّتُهُ أَيْ الْخُفِّ لِلْمَسْحِ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا سَاتِرًا مَحَلَّ الْفَرْضِ وهو الْقَدَمُ بِكَعْبَيْهِ فَلَا يَكْفِي ما لَا يَسْتُرُهُ وَلَوْ من مَحَلِّ الْفَرْضِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْأَصْلِ وهو الْغُسْلُ وَقَوْلُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا إيضَاحٌ وَالْمُرَادُ بِالسَّاتِرِ الْحَائِلُ لَا ما يَمْنَعُ الرُّؤْيَةَ فَيَكْفِي الشَّفَّافُ عَكْسُ سَاتِرِ الْعَوْرَةِ لِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا عَدَمُ نُفُوذِ الْمَاءِ وَثَمَّ مَنْعُ الرُّؤْيَةِ وَلَوْ مَشْقُوقًا وقال إنْ شُدَّ في أَزْرَارِهِ شَرَجُهُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ أَيْ عُرَاهُ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ شَيْءٌ من مَحَلِّ الْفَرْضِ لِحُصُولِ السِّتْرِ وَسُهُولَةِ
____________________
(1/95)
الِارْتِفَاقِ بِهِ في الْإِزَالَةِ وَالْإِعَادَةِ وَبِهَذَا فَارَقَ عَدَمَ الِاكْتِفَاءِ بِقِطْعَةِ أَدَمٍ لَفَّهَا على قَدَمَيْهِ وَأَحْكَمَهَا بِالشَّدِّ فَإِنْ لم يَشُدَّ شَرَجَهُ لم يَكْفِ لِظُهُورِ مَحِلِّ الْفَرْضِ إذَا مَشَى وفي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ ما يَدُلُّ على أَنَّ الشَّرَجَ هو الْأَزْرَارُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ هُنَا يَصْلُحُ له أَيْضًا وَكَالْمَشْقُوقِ الزَّرْيُونُ كما صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ نَصْرٌ ولو مُحَرَّمًا كَمَغْصُوبٍ ومتخذ من فِضَّةٍ أو ذَهَبٍ كَالتَّيَمُّمِ بِتُرَابٍ مَغْصُوبٍ قال ابن الرِّفْعَةِ عن الْبَنْدَنِيجِيِّ وَلِأَنَّ اللُّبْسَ مُسْتَوْفَى بِهِ ما شَرَعَ لِلَّابِسِ لَا أَنَّهُ الْمُجَوِّزُ لِلرُّخْصَةِ قال وَبِهِ فَارَقَ مَنْعَ الْقَصْرِ في سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ إذَا الْمُجَوِّزُ له السَّفَرَ وما قَالَهُ قد يُقَالُ يُشْكِلُ بِعَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِجْمَارِ بِالْمُحْتَرَمِ كما مَرَّ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْحُرْمَةَ ثَمَّ لِمَعْنًى قَائِمٍ بِالْآلَةِ بِخِلَافِهَا هُنَا لَا مَخْرَقًا يَصِفُ الْبَشَرَةَ بِأَنْ يَظْهَرَ منها شَيْءٌ وَإِنْ قَلَّ فَلَا يَكْفِي لِظُهُورِ مَحَلِّ الْفَرْضِ كما أَفَادَهُ أَيْضًا قَوْلُهُ سَاتِرًا مَحَلَّ الْفَرْضِ وَإِنَّمَا لم يُلْحِقُوهُ بِالصَّحِيحِ كما في فِدْيَةِ الْمُحْرِمِ لِأَنَّ الْمَسْحَ نِيطَ بِالسِّتْرِ ولم يَحْصُلْ بِالْمَخْرَقِ وَالْفِدْيَةِ بِالتِّرْفَةِ وهو حَاصِلٌ بِهِ وَلَا لَفَائِفَ لِأَنَّهَا لَا تَمْنَعُ نُفُوذَ الْمَاءِ غَالِبًا وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْمَشْيُ عليها مع سُهُولَةِ نَزْعِهَا وَلُبْسِهَا ولا جِلْدًا لَفَّهُ على رِجْلِهِ وَشَدَّهُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خُفًّا وَلَا ما في مَعْنَاهُ ولا جَوْرَبُ صُوفِيَّةٍ وهو الذي يُلْبَسُ مع الْمُكَعَّبِ وَمِنْهُ خِفَافُ الْفُقَهَاءِ وَالْقُضَاةِ كما ذَكَرَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَمَحَلُّ ذلك بِقَرِينَةِ ما يَأْتِي إذَا لم يُمْكِنْ التَّرَدُّدُ فيها لِلْحَوَائِجِ الْآتِي بَيَانُهَا أو لم يَمْنَعْ نُفُوذَ الْمَاءِ وَهَذِهِ وَاللَّتَانِ قَبْلَهَا ذَكَرَهَا الْأَصْلُ ثُمَّ وهو الْأَنْسَبُ فَإِنْ تَخَرَّقَتْ ظِهَارَةُ الْخُفِّ أو بِطَانَتُهُ أو هُمَا ولم يَتَحَاذَيَا بِخَرْقَيْهِمَا وَالْبَاقِي في الثَّلَاثَةِ صَفِيقٌ أَيْ مَتِينٌ أَجْزَأَهُ وَإِنْ نَفَذَ الْمَاءُ منه إلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ لو صَبَّ عليه في الثَّالِثَةِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ الْبَاقِي صَفِيقًا أو تَحَاذَى الْخَرْقَانِ في الثَّالِثَةِ فَلَا يُجْزِئُهُ وَلَوْ تَخَرَّقَ وَتَحْتَهُ جَوْرَبٌ يَسْتُرُ مَحَلَّ الْفَرْضِ لم يَكْفِ بِخِلَافِ الْبِطَانَةِ لِأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِالْخُفِّ وَلِهَذَا تَتَبَّعَهُ في الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْجَوْرَبِ نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ وَأَقَرَّهُ وَبِأَنْ يَكُونَ قَوِيًّا بِأَنْ يُمْكِنَ التَّرَدُّدُ فيه لَا فَرْسَخًا وَلَا مَرْحَلَةً بَلْ قَدْرُ ما يَحْتَاجُهُ الْمُسَافِرُ من ذلك لِلْحَوَائِجِ عِنْدَ الْحَطِّ وَالتِّرْحَالِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَلَوْ كان لَابِسُهُ مُقْعَدًا وَالْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ كما قَالَهُ ابن الْعِمَادِ أَنَّ الْمُرَادَ التَّرَدُّدُ فيه لِحَوَائِجِ سَفَرِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِلْمُقِيمِ وَسَفَرِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا لِلْمُسَافِرِ لِأَنَّهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ يَجِبُ نَزْعُهُ فَقُوَّتُهُ تُعْتَبَرُ بِأَنْ يُمْكِنَ التَّرَدُّدُ فيه لِذَلِكَ وبأن يَمْنَعَ نُفُوذَ الْمَاءِ وَالْمَطَرِ إلَى الرِّجْلِ من غَيْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَإِنْ كان مَنْسُوجًا فَلَوْ تَعَذَّرَ الْمَشْيُ فيه لِضِيقٍ أو سَعَةٍ أو ثِقَلٍ أو لِضَعْفٍ كَلَفَائِفَ وَجَوْرَبِ صُوفِيَّةٍ بِشَرْطٍ قَدَّمْته لم يَجُزْ لِأَنَّهَا خِلَافُ الْغَالِبِ من الْخِفَافِ الْمُنْصَرِفِ إلَيْهَا نُصُوصُ الْمَسْحِ وَالْمُرَادُ من الْمَاءِ مَاءُ الْغُسْلِ لَا مَاءُ الْمَسْحِ لِأَنَّهُ لَا يَنْفُذُ كما صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَبِتَقْدِيرِ نُفُوذِهِ فَالْعِبْرَةُ بِهِمَا مَعًا لَا بِمَاءِ الْمَسْحِ فَقَطْ كما زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ مع أَنَّ الْأَوْلَى اعْتِبَارُ مَاءِ الْغُسْلِ لِأَنَّهُ الْمُخْتَلَفُ فيه بِخِلَافِ مَاءِ الْمَسْحِ وفي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ من زِيَادَتِهِ وَالْمَطَرُ إشَارَةٌ إلَيْهِ وَإِنْ تَأَتَّى الْمَشْيُ في خُفٍّ حَدِيدٍ أو خَشَبٍ أو زُجَاجٍ أو نَحْوِهَا جَازَ كَسَائِرِ الْخِفَافِ وَبِأَنْ يَكُونَ طَاهِرًا لَا نَجِسًا لِعَدَمِ إمْكَانِ الصَّلَاةِ فيه وَفَائِدَةُ الْمَسْحِ وَإِنْ لم تَنْحَصِرْ فيها فَالْقَصْدُ الْأَصْلِيُّ منه الصَّلَاةُ وَغَيْرُهَا تَبَعٌ لها وَلِأَنَّ الْخُفَّ بَدَلٌ عن الرِّجْلِ وَهِيَ لَا تَطْهُرُ عن الْحَدَثِ ما لم تَزُلْ نَجَاسَتُهَا فَكَيْفَ يَمْسَحُ على الْبَدَلِ وهو نَجِسُ الْعَيْنِ فَإِنْ تَنَجَّسَ الْخُفُّ وَمَسَحَ جُزْءًا منه طَاهِرًا جَازَ وَاسْتَفَادَ بِهِ مَسَّ الْمُصْحَفِ قبل غُسْلِهِ وَالصَّلَاةَ بَعْدَهُ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ في الْكَلَامِ على كَيْفِيَّةِ الْمَسْحِ وَصَرَّحَ بِهِ الْجُوَيْنِيُّ في التَّبْصِرَةِ وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَوَّبَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ لَكِنْ قال النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ كَصَاحِبَيْ الِاسْتِقْصَاءِ وَالذَّخَائِرِ أَنَّ الْمُتَنَجِّسَ كَالنَّجَسِ ثُمَّ قال في الْكَلَامِ على كَيْفِيَّةِ الْمَسْحِ
____________________
(1/96)
لو تَنَجَّسَ أَسْفَلَ الْخُفِّ بِمَعْفُوٍّ عنه لَا يَمْسَحُ على أَسْفَلِهِ لِأَنَّهُ لو مَسَحَهُ زَادَ التَّلْوِيثُ وَلَزِمَهُ حِينَئِذٍ غَسْلُهُ وَغَسْلُ الْيَدِ فَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الْمَسْحُ على الْمُتَنَجِّسِ بِمَا لَا يُعْفَى عنه وهو الذي اعْتَمَدَهُ كَشَيْخِي شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْقَايَاتِيِّ وَإِنَّمَا لم يُؤَثِّرْ النَّجِسُ الْمَعْفُوُّ عنه في الْمَسْحِ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ في الصَّلَاةِ التي هِيَ الْمَقْصُودَةُ فَيَكُونُ النَّجِسُ الْمَعْفُوُّ عنه مُسْتَثْنًى هُنَا كما هو مُسْتَثْنًى ثَمَّ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ كَلَامَ التَّبْصِرَةِ ضَعِيفٌ أو مُؤَوَّلٌ وقد أَوَّلَهُ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَذْكُورُ آنِفًا بِأَنَّ كَلَامَهَا مُحْتَمَلٌ بَلْ ظَاهِرٌ فِيمَا لو طَرَأَتْ النَّجَاسَةُ بَعْدَ الْمَسْحِ وما أَوَّلَ بِهِ لَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهَا فَضْلًا عن ظُهُورِهِ فيه كما يُعْرَفُ بِمُرَاجَعَتِهَا وَلَوْ رَأَى الْقَدَمَ من رَأْسِهِ أَيْ الْخُفِّ لِسَعَتِهِ لم يَضُرَّ لِأَنَّهُ سَاتِرٌ لِمَحَلِّ الْفَرْضِ
فَرْعٌ لو وَضَعَ الْخُفَّ على الْجَبِيرَةِ أو نَحْوِهَا لم يَجُزْ الْمَسْحُ عليه لِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ فَوْقَ مَمْسُوحٍ فَأَشْبَهَ الْعِمَامَةَ أَمَّا الْجُرْمُوقُ وهو في الْأَصْلِ شَيْءٌ كَالْخُفِّ فيه وُسْعٌ يُلْبَسُ فَوْقَ الْخُفِّ لِلْبَرْدِ وَأَطْلَقَ الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ خُفٌّ فَوْقَ خُفٍّ وَإِنْ لم يَكُنْ وَاسِعًا لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهِ فَإِنْ لم يَصْلُحَا لِلْمَسْحِ مُفْرَدَيْنِ لم يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا وَلَا على وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِضَعْفِهِمَا وَإِنْ صَلَحَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ مَسَحَ عليه دُونَ الْآخَرِ لِأَنَّهُ إنْ كان الْأَسْفَلَ فَظَاهِرٌ أو الْأَعْلَى فَالْأَسْفَلُ كَاللِّفَافَةِ فَإِنْ صَلَحَ الْأَسْفَلُ فَقَطْ فَمَسَحَ الْأَعْلَى وَوَصَلَ الْبَلَلُ الْأَسْفَلَ بِقَصْدِ مَسْحِهِ أَجْزَأَهُ وَكَذَا لو قَصَدَهُمَا إلْغَاءٌ لِقَصْدِ الْأَعْلَى كما في اجْتِمَاعِ نِيَّةِ التَّبَرُّدِ وَالْوُضُوءِ أو لم يَقْصِدْ وَاحِدًا مِنْهُمَا لِأَنَّهُ قَصَدَ إسْقَاطَ الْفَرْضِ بِالْمَسْحِ وقد وَصَلَ الْمَاءُ إلَيْهِ لَا إنْ قَصَدَ الْأَعْلَى فَقَطْ لِقَصْدِهِ ما لَا يَكْفِي الْمَسْحُ عليه وَإِنْ صَلُحَا جميعا لم يَجُزْ أَيْ الْمَسْحُ على الْجُرْمُوقِ لِوُرُودِ الرُّخْصَةِ في الْخُفِّ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَالْجُرْمُوقُ لَا تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ نعم إنْ وَصَلَ الْبَلَلُ إلَى الْأَسْفَلِ بِأَنْ وَصَلَ من مَحَلِّ الْفَرْضِ كان كما لو صَلَحَ الْأَسْفَلُ فَقَطْ فَإِنْ أَدْخَلَ يَدَهُ مَثَلًا فَمَسَحَ الْأَسْفَلَ جَازَ كَغَسْلِ الرِّجْلِ في الْخُفِّ فَإِنْ تَخَرَّقَ الْأَسْفَلُ وهو على طَهَارَةٍ لَبِسَهُمَا مَسَحَ الْأَعْلَى لِأَنَّهُ صَارَ أَصْلًا لِخُرُوجِ الْأَسْفَلِ عن صَلَاحِيَّته لِلْمَسْحِ أو وهو مُحْدِثٌ فَلَا مَسْحَ كَاللُّبْسِ على حَدَثٍ أو وهو على طَهَارَةِ الْمَسْحِ فَوَجْهَانِ قال في الْأَصْلِ كما ذَكَرْنَا في التَّفْرِيعِ على الْقَدِيمِ أَشَارَ بِهِ إلَى ما قَدَّمَهُ من الطَّرِيقَيْنِ فِيمَا لو لَبِسَ الْأَسْفَلَ بِطَهَارَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ وَمَسَحَهُ ثُمَّ لَبِسَ الْجُرْمُوقَ فَهَلْ يَجُوزُ مَسْحُهُ فيه طَرِيقَانِ إلَى آخِرِهِ وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ الْمَسْحِ هُنَا وَعَلَيْهِ اخْتَصَرَ شَيْخُنَا أبو عبد اللَّهِ الْحِجَازِيُّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ قال الْبَغَوِيّ وَالْخُفُّ ذُو الطَّاقَيْنِ غَيْرُ الْمُلْتَصِقَيْنِ كَالْجُرْمُوقَيْنِ قال وَعِنْدِي يَجُوزُ مَسْحُ الْأَعْلَى فَقَطْ لِأَنَّ الْجَمِيعَ خُفٌّ وَاحِدٌ فَمَسْحُ الْأَسْفَلِ كَمَسْحِ بَاطِنِ الْخُفِّ فَصْلٌ في كَيْفِيَّةِ الْمَسْحِ وَيَكْفِي أَدْنَى مَسْحٍ بِأَعْلَى الْخُفِّ من ظَاهِرِهِ لِتَعَرُّضِ النُّصُوصِ لِمُطْلَقِهِ كما في مَسْحِ الرَّأْسِ في مَحَلِّ الْفَرْضِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عن الْغُسْلِ لَا أَسْفَلَهُ وَعَقِبَهُ وهو مُؤَخِّرُ الْقَدَمِ وَحُرُوفُهُ لِأَنَّ اعْتِمَادَ الرُّخْصَةِ الِاتِّبَاعُ ولم يَرِدْ الِاقْتِصَارُ على غَيْرِ الْأَعْلَى وَيَكْفِي الْمَسْحُ بِيَدٍ أو عُودٍ أو غَيْرِهِمَا أو وَضْعُ شَيْءٍ منها مُبْتَلًّا كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ وَكَذَا غَسْلُهُ وَتَعْرِيضُهُ لِلْمَطَرِ مَثَلًا حتى قَطَرَ عليه وَيُسْتَحَبُّ مَسْحُ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ وَعَقِبِهِ خُطُوطًا لِمَا رَوَاهُ ابن مَاجَهْ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَسَحَ على خُفَّيْهِ خُطُوطًا من الْمَاءِ وَالْأَوْلَى في كَيْفِيَّتِهِ أَنْ يَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى تَحْتَ عَقِبِهِ وَالْيُمْنَى على ظَهْرِ أَصَابِعِهِ وَيُمِرَّ الْيُسْرَى إلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ من أَسْفَلَ وَالْيُمْنَى إلَى السَّاقِ مُفَرِّجًا بين أَصَابِعِ يَدَيْهِ لِأَثَرٍ عن ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَلِأَنَّهُ أَسْهَلُ وَأَلْيَقُ بِالْيُمْنَى وَالْيُسْرَى وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ خُطُوطًا أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ وَلَا يُنْدَبُ اسْتِيعَابُهُ وَيُكْرَهُ غَسْلُهُ لِأَنَّهُ يَعِيبُهُ بِلَا فَائِدَةٍ ويكره تَكْرِيرُ مَسْحِهِ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُهُ لِلتَّعَيُّبِ وَلِأَنَّهُ بَدَلٌ كَالتَّيَمُّمِ بِخِلَافِ مَسْحِ الرَّأْسِ فَصْلٌ في حُكْمِ الْمِسْحِ وَيَسْتَبِيحُ الْمُقِيمُ بِمَسْحِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً ما يَسْتَبِيحُ بِالْوُضُوءِ ويستبيح الْمُسَافِرُ بِهِ ذلك ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا إنْ طَالَ السَّفَرُ وَأُبِيحَ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ وَالْمُرَادُ بِلَيَالِيِهَا ثَلَاثُ لَيَالٍ مُتَّصِلَةٍ
____________________
(1/97)
بها سَوَاءٌ أَسَبَقَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ لَيْلَتَهُ أَمْ لَا فَلَوْ أَحْدَثَ في أَثْنَاءِ اللَّيْلِ أو النَّوْمِ اُعْتُبِرَ قَدْرُ الْمَاضِي منه من اللَّيْلَةِ الرَّابِعَةِ أو الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَعَلَى قِيَاسِ ذلك يُقَالُ في مُدَّةِ الْمُقِيمِ فَلَوْ عَصَى بِهِ أَيْ بِالسَّفَرِ أو بِالْإِقَامَةِ كَعَبْدٍ خَالَفَ سَيِّدَهُ فِيهِمَا تَرَخَّصَ يَوْمًا وَلَيْلَةً إذْ غَايَتُهُ في الْأَوَّلِ إلْحَاقُ سَفَرِهِ بِالْعَدَمِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْإِقَامَةَ لَيْسَتْ سَبَبَ الرُّخْصَةِ وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةَ أَيْ مُدَّةَ الْمَسْحِ من حِينِ يُحْدِثُ أَيْ يَنْتَهِي حَدَثُهُ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفِّ لِأَنَّ وَقْتَ جَوَازِ الْمَسْحِ أَيْ الرَّافِعِ لِلْحَدَثِ يَدْخُلُ بِهِ فَاعْتُبِرَتْ مُدَّتُهُ منه إذْ لَا مَعْنَى لِوَقْتِ الْعِبَادَةِ غَيْرُ الزَّمَنِ الذي يَجُوزُ فِعْلُهَا فيه كَوَقْتِ الصَّلَاةِ وَغَايَةُ ما يُصَلِّي الْمُقِيمُ من الصَّلَوَاتِ الْمُؤَدَّاةِ سِتٌّ إنْ لم يَجْمَعْ بِأَنْ يُحْدِثَ بَعْدَ ما مَضَى من وَقْتِ الظُّهْرِ مَثَلًا ما يَسَعُهَا وقد بَقِيَ مِثْلُهُ أو قَرِيبٌ منه فَيَمْسَحُ وَيُصَلِّيهَا وَمِنْ الْغَدِ يُصَلِّيهَا قبل وَقْتِ الْحَدَثِ وَإِلَّا فَسَبْعٌ وَغَايَةُ ما يُصَلِّي الْمُسَافِرُ من ذلك سِتَّ عَشَرَةَ إنْ لم يَجْمَعْ وَإِلَّا فَسَبْعَ عَشْرَةَ وَأَمَّا الْمَقْضِيَّاتُ فَلَا يَنْحَصِرُ وَأَفْهَمْ كَلَامُهُ أَنَّهُ لو تَوَضَّأَ بَعْدَ حَدَثِهِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ في الْخُفِّ ثُمَّ أَحْدَثَ كان ابْتِدَاءُ مُدَّتِهِ من حَدَثِهِ الْأَوَّلِ وَبِهِ صَرَّحَ الشَّيْخُ أبو عَلِيٍّ في شَرْحِ الْفُرُوعِ فَرْعٌ من ابْتَدَأَ بِالْمَسْحِ في السَّفَرِ أَتَمَّ مَسْحَ مُسَافِرٍ سَوَاءٌ أَلْبَسَ في الْحَضَرِ وَأَحْدَثَ فيه أَمْ لَا وَسَوَاءٌ سَافَرَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أو قَبْلَهُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ في الْمَسْحِ بِالتَّلَبُّسِ بِهِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْعِبَادَةِ فَلَا يَضُرُّ اللُّبْسُ وَالْحَدَثُ في الْحَضَرِ وَلَا خُرُوجُ الْوَقْتِ فيه وَعِصْيَانُهُ إنَّمَا هو بِالتَّأْخِيرِ لَا بِالسَّفَرِ الذي بِهِ الرُّخْصَةُ كما لو أَخَّرَ الصَّلَاةَ عن وَقْتِهَا حَضَرًا له أَنْ يَقْضِيَهَا بِالتَّيَمُّمِ سَفَرًا فَإِنْ مَسَحَ في حَضَرٍ ثُمَّ سَافَرَ أو عَكَسَ أَيْ مَسَحَ في سَفَرٍ ثُمَّ أَقَامَ أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيمٍ تَغْلِيبًا لِلْحَضَرِ لِأَصَالَتِهِ فَيَقْتَصِرُ على مُدَّتِهِ في الْأَوَّلِ وَكَذَا في الثَّانِي إنْ أَقَامَ قبل مُضِيِّهَا فَإِنْ أَقَامَ بَعْدَهُ لم يَمْسَحْ وَيُجْزِئُهُ ما مَضَى وَإِنْ زَادَ على مُدَّةِ الْمُقِيمِ وَكَذَا يُتِمُّ مَسْحَ مُقِيمٍ لو مَسَحَ أَحَدَ الْخُفَّيْنِ في الْحَضَرِ وَالْآخَرَ في السَّفَرِ لِمَا قُلْنَاهُ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يُتِمُّ مَسْحَ مُسَافِرٍ اعْتِبَارًا بِتَمَامِ الْمَسْحِ وَلَوْ شَكَّ الْمَاسِحُ في حَضَرٍ أو سَفَرٍ هل انْقَضَتْ الْمُدَّةُ أو لَا أو شَكَّ الْمُسَافِرُ هل ابْتَدَأَ الْمَسْحَ في السَّفَرِ أو في الْحَضَرِ أَخَذَ بِمَا يُوجِبُ الْغُسْلَ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَإِنْ شَكَّ من مَسَحَ بَعْدَ الْحَدَثِ هل صَلَاتُهُ الرَّابِعَةُ أَمْ الثَّالِثَةُ لم يَثْبُتْ الرَّابِعَةُ أَيْ لم يَبْرَأْ منها وَحُسِبَ عليه وَقْتُهَا فَلَوْ أَحْدَثَ وَمَسَحَ وَصَلَّى الْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَشَكَّ أَتَقَدَّمَ حَدَثُهُ وَمَسْحُهُ أَوَّلَ وَقْتِ الظُّهْرِ وَصَلَّاهَا بِهِ أَمْ تَأَخَّرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ولم يُصَلِّ الظُّهْرَ فَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا عليه وَتُجْعَلُ الْمُدَّةُ من أَوَّلِ الزَّوَالِ لِأَنَّ الْأَصْلَ غَسْلُ الرِّجْلِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَلَوْ مَسَحَ شَاكًّا فِيمَا ذَكَرَ وَصَلَّى بِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَسْحِهِ لِتَأْدِيَتِهِمَا على الشَّكِّ فَإِنْ بَانَ بَقَاءُ الْمُدَّةِ أَعَادَ الْمَسْحَ مع الصَّلَاةِ بِخِلَافِ ما لو مَسَحَ غير شَاكٍّ كَأَنْ مَسَحَ في الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَاسْتَمَرَّ على طَهَارَتِهِ إلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ صَحِيحٌ لَكِنْ يُعِيدُ ما صَلَّاهُ بِهِ على الشَّكِّ فَصْلٌ فَإِنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ أو ظَهَرَتْ الرِّجْلُ أو بَعْضُهَا أو الْخَرْقُ التي عليها أو فَسَدَ الْخُفُّ بِأَنْ لم يَصْلُحْ لِلْمَسْحِ أو انْفَتَحَ شَرَجُهُ وهو مُصَلٍّ بِطَهَارَةِ الْمَسْحِ في الْجَمِيعِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِبُطْلَانِ طُهْرِ رِجْلَيْهِ وَإِنْ غَسَلَهُمَا بَعْدَ الْمَسْحِ لِأَنَّهُ لم يَغْسِلْهُمَا بِاعْتِقَادِ الْفَرْضِ لِسُقُوطِهِ عنه بِالْمَسْحِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ ثُمَّ قال وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ وَكَفَى غَسْلُ رِجْلَيْهِ لِبُطْلَانِ بَدَلِهِ وَخَرَجَ بِطَهَارَةِ الْمَسْحِ طَهَارَةُ الْغَسْلِ بِأَنْ لم يُحْدِثْ بَعْدَ اللُّبْسِ أو أَحْدَثَ لَكِنْ تَوَضَّأَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ في الْخُفِّ فَطَهَارَتُهُ كَامِلَةٌ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ لُبْسَ الْخُفِّ في الثَّانِيَةِ بِهَذِهِ الطَّهَارَةِ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ إلَى وُجُوبِ النَّزْعِ إذَا أَرَادَ الْمَسْحَ حتى لو كان الْمَقْلُوعُ وَاحِدَةً فَقَطْ فَلَا بُدَّ من نَزْعِ الْأُخْرَى وهو كَذَلِكَ وَلَوْ بَقِيَ من الْمُدَّة ما يَسَعُ رَكْعَةً أو اعْتَقَدَ طَرَيَانَ حَدَثٍ غَالِبٍ فَأَحْرَمَ بِرَكْعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ وفي نُسْخَةٍ انْعَقَدَ أَيْ إحْرَامُهُ لِأَنَّهُ على طَهَارَةٍ في الْحَالِ وَصَحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَلَوْ مع عِلْمِ الْمُقْتَدِي بِحَالِهِ وَيُفَارِقُ إمَامَهُ عِنْدَ عُرُوضِ الْمُبْطِلِ وَلَهُ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِرَكْعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ الِاقْتِصَارُ على رَكْعَةٍ وَالتَّصْرِيحُ بِمَسْأَلَةِ اعْتِقَادِ طَرَيَان الْحَدَثِ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ وَجَبَ
____________________
(1/98)
الْغُسْلُ لِجَنَابَةٍ أو حَيْضٍ أو نَحْوِهِ وَجَبَ النَّزْعُ إنْ أَرَادَ الْمَسْحَ لِخَبَرِ صَفْوَانَ السَّابِقِ في الْجَنَابَةِ وَقِيسَ بها ما في مَعْنَاهَا وَلِأَنَّ ذلك لَا يَتَكَرَّرُ تَكَرُّرَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَلَا يَشُقُّ النَّزْعُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَأْتِي ذلك في الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ لِوُجُودِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فيها صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَالِاسْتِقْصَاءِ وَغَيْرُهُمَا وما قَالَهُ سَهْوٌ فإن ما قَالَهُ هَؤُلَاءِ إنَّمَا هو أَنَّ الْمَسْحَ لَا يَكْفِي عن الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ كما لَا يَكْفِي عن غُسْلِ الْجَنَابَةِ لِنُدْرَتِهَا لَا لِنَجَاسَةٍ أَمْكَنَ إزَالَتُهَا في الْخُفِّ أَيْ لَا يَجِبُ النَّزْعُ لها فَلَوْ أَزَالَهَا فيه فَلَهُ إتْمَامُ الْمُدَّةِ لِعَمْدِ الْأَمْرِ بِالنَّزْعِ لها بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ وَلَيْسَتْ في مَعْنَاهَا أَمَّا ما لَا يُمْكِنُ إزَالَتُهَا فيه فَيَجِبُ النَّزْعُ لها وَلِلْأَقْطَعِ لُبْسٌ في السَّالِمَةِ بِلَا خِلَافٍ إلَّا وفي نُسْخَةٍ لَا إنْ بَقِيَ بَعْضُ الْمَقْطُوعَةِ فَلَا يَكْفِي ذلك حتى يَلْبَسَهُ أَيْ بَعْضَ الْمَقْطُوعَةِ خُفًّا وَلَوْ كانت إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلِيلَةً بِحَيْثُ لَا يَجِبُ غَسْلُهَا لم يَجُزْ إلْبَاسُ الْأُخْرَى الْخُفَّ لِيَمْسَحَ عليه لِأَنَّهُ يَجِبُ التَّيَمُّمُ عن الْعَلِيلَةِ فَهِيَ كَالصَّحِيحَةِ وهو لو لَبِسَ الْخُفَّ على إحْدَى الصَّحِيحَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى لم يَجُزْ الْمَسْحُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَعْهُودِ في مَقْصُودِ الِارْتِفَاعِ بِاللُّبْسِ وَلِأَنَّهُمَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ خُيِّرَ فيه بين خَصْلَتَيْنِ فَلَا يُوَزَّعُ كَالْكَفَّارَةِ كِتَابُ الْحَيْضِ وما يُذْكَرُ معه من الِاسْتِحَاضَةِ وَالنِّفَاسِ وَتَرْجَمَ الْكِتَابُ بِالْحَيْضِ لِأَنَّهُ مع أَحْكَامِهِ أَغْلِبُ وَلَهُ عَشَرَةُ أَسْمَاءٍ حَيْضٌ وَطَمْثٌ وَإِكْبَارٌ وَإِعْصَارٌ وَضِحْكٌ وَدِرَاسٌ وَعِرَاكٌ وَفِرَاكٌ بِالْفَاءِ وَطَمْسٌ وَنِفَاسٌ وهو لُغَةً السَّيَلَانُ يُقَالُ حَاضَ الْوَادِي إذَا سَالَ وَشَرْعًا دَمُ جِبِلَّةٍ يَخْرُجُ من أَقْصَى رَحِمِ الْمَرْأَةِ في أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ وَالِاسْتِحَاضَةُ دَمُ عِلَّةٍ يَخْرُجُ من عِرْقِ فَمِهِ في أَدْنَى الرَّحِمِ يُسَمَّى الْعَاذِلُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَحَكَى ابن سِيدَهْ إهْمَالَهَا وَالْجَوْهَرِيُّ مع إعْجَامِهَا بَدَلَ اللَّامِ رَاءٌ سَوَاءٌ خَرَجَ أَثَرُ الْحَيْضِ أَمْ لَا كما سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَالنِّفَاسُ الدَّمُ الْخَارِجُ بَعْدَ فَرَاغِ رَحِمِ الْمَرْأَةِ من الْحَمْلِ كما سَيَأْتِي وَالْأَصْلُ في الْحَيْضِ آيَةُ وَيَسْأَلُونَكَ عن الْمَحِيضِ أَيْ الْحَيْضِ وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عن عَائِشَةَ قالت قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْحَيْضِ هذا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ على بَنَاتِ آدَمَ وَقِيلَ إنَّ أُمَّنَا حَوَّاءَ لَمَّا أَكَلَتْ من الشَّجَرَةِ وَأَدْمَتْهَا قال اللَّهُ تَعَالَى لَأَدْمَيْنَك كما أَدْمَيْتِيهَا وَابْتَلَاهَا بِالْحَيْضِ وَفِيهِ خَمْسَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ في أَحْكَامِهِ وَبَعْضِ أَحْكَامِ الِاسْتِحَاضَةِ وَالنِّفَاسِ وَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا مَعْرِفَةَ سِنِّهِ وَقَدْرِهِ وَقَدْرِ الطُّهْرِ فقال وَالصَّحِيحُ أَنَّ أَقَلَّ سِنِّهِ تِسْعُ سِنِينَ قَمَرِيَّةً وَلَوْ بِالْبِلَادِ الْبَارِدَةِ لِلْوُجُودِ لِأَنَّ ما وَرَدَ في الشَّرْعِ وَلَا ضَابِطَ له شَرْعِيٌّ وَلَا لُغَوِيٌّ يُتَّبَعُ فيه الْوُجُودُ كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ قال الشَّافِعِيُّ أَعْجَلُ من سَمِعْت من النِّسَاءِ يَحِيضُ نِسَاءُ تِهَامَةَ يَحِضْنَ لِتِسْعِ سِنِينَ وَقِيلَ أَقَلُّهُ أَوَّلُ التَّاسِعَةِ وَقِيلَ مُضِيُّ نِصْفِهَا تَقْرِيبًا لَا تَحْدِيدًا فَيُسَامَحُ قبل تَمَامِهَا بِمَا لَا يَسَعُ حَيْضًا وَطُهْرًا دُونَ ما يَسَعُهُمَا وَأَقَلُّهُ أَيْ زَمَنًا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَيْ قَدْرُهُمَا وهو أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ سَاعَةً وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا كَأَقَلِّ طُهْرٍ بَعْدَهُ حَيْضٌ لِلْوُجُودِ في الثَّلَاثَةِ أَيْضًا وَلِأَنَّ الشَّهْرَ لَا يَخْلُو غَالِبًا عن حَيْضٍ وَطُهْرٍ فإذا كان أَكْثَرُ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ أَقَلُّ الطُّهْرِ كَذَلِكَ وَأَمَّا خَبَرُ أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَضَعِيفٌ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لو انْقَطَعَ نِفَاسُهَا دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ أَكْثَرِ النِّفَاسِ لَا يَكُونُ زَمَنُ الِانْقِطَاعِ طُهْرًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هو طُهْرٌ وَالدَّمُ بَعْدَهُ حَيْضٌ فَلَوْ عَبَّرَ كَالْأَصْلِ بِقَوْلِهِ أَقَلُّ طُهْرٍ بين الْحَيْضَتَيْنِ لَسَلِمَ من ذلك إذْ ذَكَرَ الْحَيْضَتَيْنِ لِلِاحْتِرَازِ عن حَيْضٍ وَنِفَاسٍ تَقَدَّمَ الْحَيْضُ
____________________
(1/99)
عن النِّفَاسِ أو تَأَخَّرَ عنه فَلَا يُشْتَرَطُ في الطُّهْرِ بَيْنَهُمَا أَنْ يَكُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَغَالِبُهُ أَيْ الْحَيْضِ سِتٌّ أو سَبْعٌ وَبَاقِي الشَّهْرِ غَالِبُ الطُّهْرِ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ في أبي دَاوُد وَغَيْرِهِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ رضي اللَّهُ عنها تَحَيَّضِي في عِلْمِ اللَّهِ سِتَّةَ أَيَّامٍ أو سَبْعَةً كما تَحِيضُ النِّسَاءُ وَيَطْهُرْنَ مِيقَاتُ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ أَيْ الْتَزِمِي الْحَيْضَ وَأَحْكَامَهُ فِيمَا أَعْلَمَكِ اللَّهُ من عَادَةِ النِّسَاءِ من سِتَّةٍ أو سَبْعَةٍ وَالْمُرَادُ غَالِبُهُنَّ لِاسْتِحَالَةِ اتِّفَاقِ الْكُلِّ عَادَةً وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ أَيْ الطُّهْرِ بِالْإِجْمَاعِ فَقَدْ لَا تَحِيضُ الْمَرْأَةُ في عُمْرِهَا إلَّا مَرَّةً وقد لَا تَحِيضُ أَصْلًا وَلَوْ اسْتَمَرَّتْ عَادَةٌ لِامْرَأَةٍ أو أَكْثَرَ تُخَالِفُ الْأَقَلَّ من الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالْأَكْثَرَ أَيْ أو الْأَكْثَرَ من الْحَيْضِ لم تُعْتَبَرْ تِلْكَ الْعَادَةُ لِأَنَّ بَحْثَ الْأَوَّلِينَ أَتَمُّ وَإِحَالَةَ ما وَقَعَ على عِلَّةٍ أَقْرَبَ من خَرْقِ ما مَضَتْ عليه الْعُصُورُ فَصْلٌ يَحْرُمُ على الْمَرْأَةِ بِهِ أَيْ بِالْحَيْضِ وَبِالنِّفَاسِ ما يَحْرُمُ بِالْجَنَابَةِ من صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا مع زِيَادَةِ تَحْرِيمِ الصَّوْمِ وَعَدَمِ صِحَّتِهِ لِلْإِجْمَاعِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَلَيْسَ إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ لم تُصَلِّ ولم تَصُمْ وَتَقْضِيهِ وُجُوبًا لَا الصَّلَاةَ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عن عَائِشَةَ كنا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّهَا تَكْثُرُ فَتَشُقُّ بِخِلَافِهِ وَلِأَنَّ أَمْرَهَا لم يُبْنَ على أَنْ تُؤَخَّرَ وَلَوْ بِعُذْرٍ ثُمَّ تُقْضَى بِخِلَافِ الصَّوْمِ فإنه قد يُؤَخَّرُ بِعُذْرِ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ ثُمَّ يُقْضَى وَهَلْ يَحْرُمُ قَضَاؤُهَا أو يُكْرَهُ فيه خِلَافٌ ذَكَرَهُ في الْمُهِمَّاتِ فَنَقَلَ فيها عن ابْنِ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيِّ عن الْبَيْضَاوِيِّ أَنَّهُ يَحْرُمُ لِأَنَّ عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها نَهَتْ السَّائِلَةَ عن ذلك وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ مَحَلُّهُ فِيمَا إذَا أَمَرَ بِفِعْلِهِ وَعَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيِّ وَالْعِجْلِيِّ أَنَّهُ يُكْرَهُ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عليه فَيُسَنُّ لَهُمَا الْقَضَاءُ انْتَهَى وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ وَلَا يُؤَثِّرُ فيه نَهْيُ عَائِشَةَ وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ مُنْتَقِضٌ بِقَضَاءِ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عليه وَذَلِكَ أَيْ وُجُوبُ قَضَاءِ الصَّوْمِ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فلم يَكُنْ وَاجِبًا حَالَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ منه وَالْمَنْعُ وَالْوُجُوبُ لَا يَجْتَمِعَانِ وَيَحْرُمُ على زَوْجِهَا الطَّلَاقُ في ذلك وفي نُسْخَةٍ وَتَحْرِيمُ الطَّلَاقِ أَيْ وَمَعَ زِيَادَةِ تَحْرِيمِ الطَّلَاقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ أَيْ في الْوَقْتِ الذي يَشْرَعْنَ فيه في الْعِدَّةِ وَبَقِيَّةُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ لَا تُحْسَبُ من الْعِدَّةِ وَالْمَعْنَى فيه تَضَرُّرُهَا بِطُولِ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ فَإِنْ كانت حَامِلًا لم يَحْرُمْ طَلَاقُهَا لِأَنَّ عِدَّتَهَا إنَّمَا تَنْقَضِي بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَكَذَا يَحْرُمُ وَطْءٌ في فَرْجِهَا وَلَوْ بِحَائِلٍ وما أَيْ وَاسْتِمْتَاعٌ بين السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ أَيْ بِمَا بَيْنَهُمَا لِآيَةِ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ في الْمَحِيضِ وَلِخَبَرِ أبي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم سُئِلَ عَمَّا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ من امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ فقال ما فَوْقَ الْإِزَارِ وَخَصَّ بِمَفْهُومِهِ عُمُومَ خَبَرِ مُسْلِمٍ اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ وَلِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِمَا تَحْتَ الْإِزَارِ يَدْعُو إلَى الْجِمَاعِ فَحَرُمَ لِأَنَّ من حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فيه وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ تَحْرِيمَ الْوَطْءِ فَقَطْ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ بِجَعْلِهِ مُخَصِّصًا لِمَفْهُومِ خَبَرِ أبي دَاوُد وما قَالَهُ الْأَصْحَابُ أَوْجَهُ لِمَا فيه من رِعَايَةِ الْأَحْوَطِ لِخَبَرِ من حَامَ حَوْلَ الْحَمْيِ يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فيه أَمَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا عَدَا ما بين السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَلَوْ بِوَطْءٍ فَجَائِزٌ وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ في كَلَامِهِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَسَكَتُوا عن مُبَاشَرَةِ الْمَرْأَةِ لِلزَّوْجِ وَالْقِيَاسُ أَنَّ مَسَّهَا لِلذَّكَرِ وَنَحْوِهِ من الِاسْتِمْتَاعَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَا بين السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ تَمَتُّعَاتِهِ بها في ذلك الْمَحَلِّ وَاعْتُرِضَ عليه بِأَنَّهُ ليس في الرَّجُلِ دَمٌ حتى يَكُونَ ما بين سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ كما بين سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا فَمَسُّهَا لِذَكَرِهِ غَايَتُهُ أَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ بِكَفِّهَا وهو جَائِزٌ قَطْعًا وَبِأَنَّهَا إذَا لَمَسَتْ ذَكَرَهُ بِيَدِهَا فَقَدْ اسْتَمْتَعَ هو بِمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وهو جَائِزٌ وَبِأَنَّهُ كان الصَّوَابُ في نَظْمِ الْقِيَاسِ أَنْ يَقُولَ كُلُّ ما مَنَعْنَاهُ منه نَمْنَعُهَا أَنْ تَلْمِسَهُ بِهِ فَيَجُوزُ له أَنْ يَلْمِسَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ سَائِرَ بَدَنِهَا إلَّا ما بين سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا وَيَحْرُمُ عليه تَمْكِينُهَا من لَمْسِهِ بِمَا بَيْنَهُمَا وَفِيمَا اعْتَرَضَ بِهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى
تَنْبِيهٌ لَفْظُ الِاسْتِمْتَاعِ هو ما في الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا وهو يَشْمَلُ النَّظَرَ وَاللَّمْسَ بِشَهْوَةٍ وَعَبَّرَ في التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ بِالْمُبَاشَرَةِ وَمُقْتَضَاهُ تَحْرِيمُ اللَّمْسِ بِلَا شَهْوَةٍ فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ من وَجْهٍ نَبَّهَ عليه في الْمُهِمَّاتِ وَالْمُتَّجَهُ أَنَّ التَّحْرِيمَ مَنُوطٌ بِالْمُبَاشَرَةِ وَلَوْ بِلَا شَهْوَةٍ بِخِلَافِ النَّظَرِ وَلَوْ بِشَهْوَةٍ وَلَيْسَ هو أَعْظَمَ من تَقْبِيلِهَا في وَجْهِهَا بِشَهْوَةٍ وَوَطْؤُهَا في الْفَرْجِ عَالِمًا عَامِدًا مُخْتَارًا كَبِيرَةٌ كما في الْمَجْمُوعِ هُنَا وَالرَّوْضَةِ في الشَّهَادَاتِ عن الشَّافِعِيِّ يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ
____________________
(1/100)
كما في الْمَجْمُوعِ عن الْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ لَا جَاهِلًا وَلَا نَاسِيًا وَلَا مُكْرَهًا فَلَا يَحْرُمُ لِخَبَرِ إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لي عن أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وما اُسْتُكْرِهُوا عليه وهو حَسَنٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ
وَيُسْتَحَبُّ لِلْوَاطِئِ عَمْدًا أَيْ مُتَعَمِّدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ وَالْحَيْضِ أو النِّفَاسِ مُخْتَارًا في أَوَّلِ الدَّمِ وَقُوَّتِهِ التَّصَدُّقُ وَيُجْزِئُ وَلَوْ على فَقِيرٍ وَاحِدٍ بِمِثْقَالٍ إسْلَامِيٍّ من الذَّهَبِ الْخَالِصِ وفي آخِرِهِ أَيْ الدَّمِ وَضَعْفِهِ بِنِصْفِهِ أَيْ بِنِصْفِ مِثْقَالٍ كَذَلِكَ لِخَبَرِ إذَا وَقَعَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ وَهِيَ حَائِضٌ إنْ كان دَمًا أَحْمَرَ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ وَإِنْ كان أَصْفَرَ فَلْيَتَصَدَّقْ بِنِصْفِ دِينَارٍ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَقِيسَ بِالْحَيْضِ النِّفَاسُ وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْوَاطِئُ زَوْجًا أَمْ غَيْرَهُ وَكَالْوَطْءِ في آخِرِ الدَّمِ الْوَطْءُ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ إلَى الطُّهْرِ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَإِنَّمَا لم يَجِبْ ذلك لِأَنَّهُ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ لِلْأَذَى فَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ كَوَطْءِ الْمَجُوسِيَّةِ وَاللِّوَاطِ وَمَحَلُّ ذلك في غَيْرِ الْمُتَحَيِّرَةِ أَمَّا الْمُتَحَيِّرَةُ فَلَا كَفَّارَةَ بِوَطْئِهَا وَإِنْ حَرُمَ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ في الْأَوَّلِ وَقُوَّتِهِ وفي الثَّانِي وَضَعْفِهِ جَرَى على الْغَالِبِ مع أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ بِمِثْقَالٍ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّصَدُّقِ وَقَوْلُهُ وَيُجْزِئُ على فَقِيرٍ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ وَالْفَقِيرُ عِنْدَ انْفِرَادِهِ يَشْمَلُ الْمِسْكِينَ كَعَكْسِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ تَعَيُّنُ الدِّينَارِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ كما قَالَهُ ابن الْأُسْتَاذِ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بَلْ قَدْرُهُ فَلَوْ أَخْبَرَتْهُ بِالْحَيْضِ ولم يُمْكِنْ صِدْقُهَا لم يَلْتَفِتْ إلَيْهَا وَإِنْ أَمْكَنَ فَكَذَّبَهَا لم يَحْرُمْ وَطْؤُهَا لِأَنَّهَا رُبَّمَا عَانَدَتْهُ وَمَنَعَتْ حَقَّهُ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ ولم يَثْبُتْ سَبَبُهُ بِخِلَافِ من عَلَّقَ بِهِ طَلَاقَهَا فَأَخْبَرَتْهُ بِهِ فإنه يَقَعُ عليه الطَّلَاقُ وَإِنْ كَذَّبَهَا لِتَقْصِيرِهِ في تَعْلِيقِهِ بِمَا لَا يُعْرَفُ إلَّا من جِهَتِهَا أَمَّا إذَا صَدَّقَهَا فَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا وَإِنْ لم يُكَذِّبْهَا ولم يُصَدِّقْهَا فَظَاهِرُ كَلَامِهِ حُرْمَةُ وَطْئِهَا وَظَاهِرُ التَّعْلِيلَيْنِ السَّابِقَيْنِ حِلُّهُ وهو الْأَوْجَهُ لِلشَّكِّ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمَجْمُوعِ لو شَكَّ هل حَاضَتْ الْمَجْنُونَةُ أو الْعَاقِلَةُ أو لَا لم يَحْرُمْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ وَعَدَمُ الْحَيْضِ وَلَوْ اتَّفَقَا على الْحَيْضِ وَادَّعَى انْقِطَاعَهُ وَادَّعَتْ بَقَاءَهُ في مُدَّةِ الْإِمْكَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِلَا خِلَافٍ لِلْأَصْلِ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَتَصْرِيحُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ فَلَوْ أَخْبَرَتْهُ إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ هُنَا وَلَا يُكْرَهُ طَبْخُهَا ولا اسْتِعْمَالُ ما مَسَّتْهُ من عَجِينٍ أو مَاءٍ أو غَيْرِهِمَا وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْقَمُولِيُّ وَلَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِبَاقِيهَا أَيْ بِمَا عَدَا ما بين السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ بِوَطْءٍ أو غَيْرِهِ وَلَوْ بِلَا حَائِلٍ وَكَذَا بِمَا بَيْنَهُمَا بِحَائِلٍ بِغَيْرِ وَطْءٍ في الْفَرْجِ وَلَوْ تَلَطَّخَ ذلك دَمًا لِخَبَرِ أبي دَاوُد السَّابِقِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن عَائِشَةَ كانت إحْدَانَا إذَا كانت حَائِضًا فَأَرَادَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يُبَاشِرَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ ثُمَّ يُبَاشِرُهَا وَتَعْبِيرُهُ بِبَاقِيهَا أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ لِشُمُولِهِ السُّرَّةَ وَالرُّكْبَةَ وَيُكْرَهُ لها عُبُورُ الْمَسْجِدِ إنْ لم تَخْشَ تَلْوِيثَهُ بِالدَّمِ وَذِكْرُ الْكَرَاهَةِ من زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهَا في الْمَجْمُوعِ عن النَّصِّ وَمَحَلُّهَا إذَا عَبَرَتْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَإِنْ خَشِيَتْ هِيَ أو ذُو نَجَاسَةٍ كَمَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ أو مَذْيٌ أو اسْتِحَاضَةٌ تَلْوِيثَهُ حَرُمَ عُبُورُهُ صِيَانَةً له عن تَلْوِيثِهِ بِالنَّجَسِ وَخَرَجَ بِالْمَسْجِدِ غَيْرُهُ كَمُصَلَّى الْعِيدِ وَالْمَدْرَسَةِ وَالرِّبَاطِ فَلَا يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ عُبُورُهُ على من ذَكَرَ وَلَا تَصِحُّ طَهَارَتُهَا بِنِيَّةِ التَّعَبُّدِ بَلْ وَتَحْرُمُ لِتَلَاعُبِهَا فَإِنْ اغْتَسَلَتْ لِمَا لَا يُفْتَقَرُ إلَى الطَّهَارَةِ كَالْإِحْرَامِ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ حَصَلَتْ السُّنَّةُ لِأَنَّ الْغَرَضَ منه التَّنْظِيفُ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَرَ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ وَكَانَتْ نُفَسَاءَ بِالِاغْتِسَالِ لِلْإِحْرَامِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِلْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ أَحْكَامٌ أُخَرُ تُذْكَرُ في مَحَالِّهَا وقد ذَكَرَ الْأَصْلُ هُنَا بَعْضَهَا وَيَرْتَفِعُ بِانْقِطَاعِهِ تَحْرِيمُ الصَّوْمِ وَالطَّهَارَةِ وَالطَّلَاقِ وَسُقُوطِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ تَحْرِيمَ ما عَدَا الطَّلَاقَ لِلْحَيْضِ أو النِّفَاسِ وَتَحْرِيمَ الطَّلَاقِ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وقد زَالَ ذلك بِالِانْقِطَاعِ وَبَقَاءُ الْغُسْلِ لَا يَمْنَعُ ذلك كَالْجَنَابَةِ وَيَرْتَفِعُ أَيْضًا عَدَمُ صِحَّةِ طَهَارَتِهَا وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِظُهُورِهِ لَا الْبَاقِي من تَمَتُّعٍ وَغَيْرِهِ كَمَسِّ مُصْحَفٍ وَحَمْلِهِ فَلَا يَرْتَفِعُ حتى تَغْتَسِلَ
____________________
(1/101)
أو تَتَيَمَّمَ أَمَّا غَيْرُ التَّمَتُّعِ فَلِأَنَّ الْمَنْعَ منه لِلْحَدَثِ وهو بَاقٍ إلَى الطُّهْرِ وَأَمَّا التَّمَتُّعُ فَلِآيَةِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ فَلَوْ عَدِمَتْهُمَا أَيْ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ صَلَّتْ فَرِيضَتَهَا لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ ولم يَحِلَّ وَطْؤُهَا وَلَا غَيْرُهُ من التَّمَتُّعِ الْمُحَرَّمِ وَالْقِرَاءَةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَنَحْوِهَا فَصْلٌ في الِاسْتِحَاضَةِ كُلُّ ما لَا يُعَدُّ حَيْضًا وَنِفَاسًا من الدَّمِ الْخَارِجِ من الْفَرْجِ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ سَوَاءٌ اتَّصَلَ بِالْحَيْضِ أَمْ لَا كَالْمَرْئِيِّ لِسَبْعِ سِنِينَ مَثَلًا وَهَذَا ما صَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ وَقِيلَ هِيَ الْمُتَّصِلُ خَاصَّةً وَيُسَمَّى غَيْرُهُ دَمَ فَسَادٍ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ الِاسْتِحَاضَةُ قد تُطْلَقُ على كل دَمٍ تَرَاهُ الْمَرْأَةُ غير دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ سَوَاءٌ اتَّصَلَ بِالْحَيْضِ كَالْمُجَاوِزِ أَكْثَرَهُ أَمْ لَا كَاَلَّذِي تَرَاهُ لِسَبْعِ سِنِينَ مَثَلًا وقد تُطْلَقُ على الْمُتَّصِلِ خَاصَّةً وَيُسَمَّى غَيْرُهُ دَمَ فَسَادٍ وَلَا تَخْتَلِفُ الْأَحْكَامُ في ذلك وَهِيَ حَدَثٌ دَائِمٌ كَسَلَسِ بَوْلٍ وَمَذْيٍ تُصَلِّي معه الْمُسْتَحَاضَةُ وَتَصُومُ وَتُوطَأُ وَالدَّمُ يَجْرِي كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ الدَّائِمَةِ قال الزَّرْكَشِيُّ لَكِنْ يَنْبَغِي مَنْعُهَا من صَوْمِ النَّفْلِ لِأَنَّهَا إنْ حَشَتْ فَرْجَهَا أَفْطَرَتْ وَإِلَّا فَقَدْ ضَيَّعَتْ فَرْضَ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ صَوْمِ الْفَرْضِ لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ إلَيْهِ وما قَالَهُ قَوِيٌّ لَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يُخَالِفُهُ وَتَسْتَبِيحُ بِالْوُضُوءِ فَرْضًا وَاحِدًا وَنَوَافِلَ كَالتَّيَمُّمِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أبي حُبَيْشٍ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أنها تَسْتَبِيحُ النَّوَافِلَ في الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ وَبِهِ صَرَّحَ في الرَّوْضَةِ فقال وَالصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ أنها تَسْتَبِيحُ النَّوَافِلَ مُسْتَقِلَّةً وَتَبَعًا لِلْفَرِيضَةِ ما دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا وَبَعْدَهُ أَيْضًا على الْأَصَحِّ لَكِنَّهُ خَالَفَ ذلك في أَكْثَرِ كُتُبِهِ فَصَحَّحَ في التَّحْقِيقِ وَشَرْحَيْ الْمُهَذَّبِ وَمُسْلِمٍ أنها لَا تَسْتَبِيحُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ وَفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ بِأَنَّ حَدَثَهَا مُتَجَدِّدٌ وَنَجَاسَتَهَا مُتَزَايِدَةٌ وَإِنَّمَا تَسْتَبِيحُ ما ذَكَرَ إنْ احْتَاطَتْ قَبْلَهُ أَيْ قبل الْوُضُوءِ أو بَدَلَهُ بِغُسْلِ الدَّمِ وَالشَّدِّ وَالتَّلَجُّمِ بِأَنْ تَشُدَّ بِوَسَطِهَا خِرْقَةً أو نَحْوَهَا كَالتِّكَّةِ وَتَتَلَجَّمَ بِأُخْرَى مَشْقُوقَةِ الطَّرَفَيْنِ تَجْعَلُ أَحَدَهُمَا قُدَّامَهَا وَالْآخَرَ وَرَاءَهَا وَتَشُدُّهُمَا بِتِلْكَ الْخِرْقَةِ فَإِنْ احْتَاجَتْ في دَفْعِ الدَّمِ أو تَقْلِيلِهِ حَشْوَهُ بِقُطْنٍ أو نَحْوِهِ وَهِيَ مُفْطِرَةٌ ولم تَتَأَذَّ بِهِ وَجَبَ عليها الْحَشْوُ قبل الشَّدِّ وَالتَّلَجُّمِ وَتَكْتَفِي بِهِ إنْ لم تَحْتَجْ إلَيْهِمَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ كانت صَائِمَةً أو تَأَذَّتْ بِاجْتِمَاعِ الدَّمِ لم يَلْزَمْهَا الْحَشْوُ بَلْ يَلْزَمُ الصَّائِمَةَ تَرْكُهُ وَإِنَّمَا حَافَظُوا على صِحَّةِ الصَّوْمِ هُنَا لَا على صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَكْسُ ما فَعَلُوهُ فِيمَنْ ابْتَلَعَ بَعْضَ خَيْطٍ قبل الْفَجْرِ وَطَلَعَ الْفَجْرُ وَطَرَفُهُ خَارِجٌ لِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ عِلَّةٌ مُزْمِنَةٌ فَالظَّاهِرُ دَوَامُهَا فَلَوْ رَاعَيْنَا الصَّلَاةَ هُنَا لِتَعَذُّرِ قَضَاءِ الصَّوْمِ لِلْحَشْوِ وَلِأَنَّ الْمَحْذُورَ هُنَا لَا يَنْتَفِي بِالْكُلِّيَّةِ فإن الْحَشْوَ يَتَنَجَّسُ وَهِيَ حَامِلَتُهُ بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِالْوُضُوءِ أو بَدَلِهِ عَقِبَ الِاحْتِيَاطِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ كان قَوْلُهُ قَبْلَهُ لَا يُفِيدُ ذلك إلَّا أَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْغَرَضِ من عَطْفِ الْأَصْلِ له بِثُمَّ الْمُفِيدَةِ لِلتَّرَاخِي وَذُو السَّلَسِ يَحْتَاطُ مِثْلَهَا أَيْ مِثْلَ الْمُسْتَحَاضَةِ بِأَنْ يُدْخِلَ قُطْنَةً في إحْلِيلِهِ فَإِنْ انْقَطَعَ وَإِلَّا عَصَبَ مع ذلك رَأْسَ الذَّكَرِ فَإِنْ كان السَّلَسُ مَنِيًّا فَبِالْغُسْلِ لِكُلِّ فَرْضٍ يَحْتَاطُ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَلَوْ حَذَفَ يَحْتَاطُ وَأَخَّرَ قَوْلَهُ وَذُو السَّلَسِ مِثْلُهَا إلَى آخِرِهِ إلَى فَرَاغِهِ من أَحْكَامِ الْمُسْتَحَاضَةِ كان أَخَصْرَ وَأَفْيَدَ وَتَتَوَضَّأُ الْمُسْتَحَاضَةُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ أَيْ وَقْتِ الصَّلَاةِ
____________________
(1/102)
وَلَوْ نَافِلَةً لَا قَبْلَهُ كَالْمُتَيَمِّمِ قال الزَّرْكَشِيُّ أَطْلَقُوا الْوُضُوءَ وَيَنْبَغِي وُجُوبُ الِاقْتِصَارِ على مَرَّةٍ وَامْتِنَاعُ التَّثْلِيثِ مُبَادَرَةٌ لِلصَّلَاةِ قال وَيَشْهَدُ له مَسْأَلَةُ اسْتِمْسَاكِ الْبَوْلِ بِالْقُعُودِ وَسَتَأْتِي فإذا سَامَحُوا في فَرْضِ الْقِيَامِ لِحِفْظِ الطَّهَارَةِ فَفِي التَّثْلِيثِ الْمَنْدُوبِ أَوْلَى وما قَالَهُ مَمْنُوعٌ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ ما هُنَاكَ يَدْفَعُ الْخُبْثَ أَصْلًا وما هُنَا يُقَلِّلُهُ وَتُجَدِّدُ وُجُوبًا الِاحْتِيَاطَ لِكُلِّ فَرْضٍ وَلَوْ لم تُزِلْ الْعِصَابَةَ تَقْلِيلًا لِلنَّجَسِ كَالْوُضُوءِ تَقْلِيلًا لِلْحَدَثِ كما لو انْتَقَضَ طُهْرُهَا بِخُرُوجِ بَوْلٍ أو رِيحٍ أو نَحْوِهِ فَإِنَّهَا تُجَدِّدُ الِاحْتِيَاطَ قبل الْوُضُوءِ وَتُبَادِرُ وُجُوبًا بَعْدَهُ بِالصَّلَاةِ تَقْلِيلًا لِلْحَدَثِ بِخِلَافِ الْمُتَيَمِّمِ وَتُمْهَلُ لِأَذَانٍ وَسِتْرٍ وَسَائِرِ أَسْبَابِ الصَّلَاةِ أَيْ مَصَالِحِهَا كَانْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ وَالِاجْتِهَادِ في الْقِبْلَةِ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقَصِّرَةٍ بِذَلِكَ قال في الْمَجْمُوعِ وَحَيْثُ وَجَبَتْ الْمُبَادَرَةُ قال الْإِمَامُ ذَهَبَ ذَاهِبُونَ من أَئِمَّتِنَا إلَى الْمُبَالَغَةِ وَاغْتَفَرَ آخَرُونَ الْفَصْلَ الْيَسِيرَ وَضَبَطَهُ بِقَدْرِ ما بين صَلَاتَيْ الْجَمْعِ وقد اسْتَشْكَلَ التَّمْثِيلُ بِأَذَانِ الْمَرْأَةِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ لها وَأُجِيبَ بِحَمْلِهِ على الْإِجَابَةِ وَبِأَنَّ تَأْخِيرَهَا لِلْأَذَانِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَذَانَهَا فَلَوْ أَخَّرَتْ صَلَاتَهَا عن الْوُضُوءِ بِلَا سَبَبٍ من أَسْبَابِ الصَّلَاةِ كَأَكْلٍ وَغَزْلٍ بَطَلَ وُضُوءُهَا فَتَجِبُ إعَادَتُهُ وَإِعَادَةُ الِاحْتِيَاطِ لِتَكَرُّرِ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ مع اسْتِغْنَائِهَا عن احْتِمَالِ ذلك بِقُدْرَتِهَا على الْمُبَادَرَةِ وَخُرُوجُ الدَّمِ بِلَا تَقْصِيرٍ منها لَا يَضُرُّ فَإِنْ كان خُرُوجُهُ بِتَقْصِيرٍ في الشَّدِّ وَنَحْوِهِ كَالْحَشْوِ بَطَلَ وُضُوءُهَا وكذا صَلَاتُهَا إنْ كانت في صَلَاةٍ وَقَوْلُهُ وَنَحْوِهِ من زِيَادَتِهِ وَيَبْطُلُ وُضُوءُهَا أَيْضًا بِالشِّفَاءِ وَإِنْ اتَّصَلَ بِآخِرِهِ وَبِانْقِطَاعٍ يَسَعُ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ لِزَوَالِ الضَّرُورَةِ مع أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عَوْدِ الدَّمِ وَالْمُرَادُ بِبُطْلَانِهِ بِذَلِكَ إذَا خَرَجَ منها دَمٌ في أَثْنَائِهِ أو بَعْدَهُ وَإِلَّا فَلَا يَبْطُلُ فَإِنْ انْقَطَعَ عنها وَعَادَتُهُ الْعَوْدُ قبل إمْكَانِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ أو أَخْبَرَهَا بِعَوْدِهِ كَذَلِكَ ثِقَةٌ صَلَّتْ اعْتِمَادًا على الْعَادَةِ أو الْإِخْبَارِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ كَغَيْرِهِ ما لو كان عَادَتْهُ الْعَوْدُ على نُدُورٍ وهو ما نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن مُقْتَضَى كَلَامِ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ ثُمَّ قال وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تُلْحَقَ هذه النَّادِرَةُ بِالْمَعْدُومَةِ وهو مُقْتَضَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ فَإِنْ امْتَدَّ الِانْقِطَاعُ زَمَنًا يَسَعُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ أَعَادَتْ هُمَا لِتَبَيُّنِ بُطْلَانِ الْوُضُوءِ أو انْقَطَعَ وَلَوْ في الصَّلَاةِ وعادته الْعَوْدُ بَعْدَ إمْكَانِهِمَا أو لم تَعْتَدْ انْقِطَاعَهُ وَعَوْدَهُ ولم يُخْبِرْهَا ثِقَةٌ بِعَوْدِهِ كَذَلِكَ أُمِرَتْ بِالْوُضُوءِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عَوْدِهِ فَلَوْ خَالَفَتْ وَصَلَّتْ بِلَا وُضُوءٍ لم تَنْعَقِدْ صَلَاتُهَا سَوَاءٌ امْتَدَّ الِانْقِطَاعُ أَمْ لَا لِشُرُوعِهَا مُتَرَدِّدَةً في طُهْرِهَا فَلَوْ عَادَ الدَّمُ فَوْرًا لم يَبْطُلْ وُضُوءُهَا إذْ لم يُوجَدْ الِانْقِطَاعُ الْمُغْنِي عن الصَّلَاةِ بِالْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَمَنْ اعْتَادَتْ انْقِطَاعَهُ في أَثْنَاءِ الْوَقْتِ وَوَثِقَتْ بِانْقِطَاعِهِ فيه بِحَيْثُ تَأْمَنُ الْفَوَاتَ لَزِمَهَا انْتِظَارُهُ لِاسْتِغْنَائِهَا حِينَئِذٍ عن الصَّلَاةِ بِالْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم تَثِقْ بِانْقِطَاعِهِ على ما ذَكَرَ قَدَّمَتْ جَوَازًا صَلَاتَهَا قال في الرَّوْضَةِ فَإِنْ كانت تَرْجُو انْقِطَاعَهُ آخِرَ الْوَقْتِ فَهَلْ الْأَفْضَلُ أَنْ تُعَجِّلَهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ أَمْ تُؤَخِّرَهَا إلَى آخِرِهِ وَجْهَانِ في التَّتِمَّةِ بِنَاءً على الْقَوْلَيْنِ في مِثْلِهِ في التَّيَمُّمِ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ اكْتِفَاءً بِمَا قَدَّمَهُ ثَمَّ لَكِنْ صَاحِبُ الشَّامِلِ جَزَمَ بِوُجُوبِ التَّأْخِيرِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو الْوَجْهُ كما لو كان على بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ وَرَجَا الْمَاءَ آخِرَ الْوَقْتِ فإنه يَجِبُ التَّأْخِيرُ عن أَوَّلِ الْوَقْتِ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَكَذَا هُنَا وَطَهَارَتُهَا مُبِيحَةٌ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا لَا تَرْفَعُ حَدَثًا وَقِيلَ تَرْفَعُهُ وَقِيلَ تَرْفَعُ الْمَاضِيَ دُونَ غَيْرِهِ وَالْمَذْهَبُ في الرَّوْضَةِ الْأَوَّلُ لَكِنْ الْأَكْثَرُونَ على الثَّالِثِ كما في الْمَجْمُوعِ في بَابِ الْوُضُوءِ حَيْثُ قال الْأَشْهَرُ التَّفْصِيلُ بين الْمَاضِي وَغَيْرِهِ وقال في التَّنْقِيحِ قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ لَكِنَّهُ قال الْأَصَحُّ دَلِيلًا الْأَوَّلُ وفي الْمَجْمُوعِ هُنَا مِثْلُهُ نَبَّهَ على ذلك في الْمُهِمَّاتِ ثُمَّ قال فَظَهَرَ خَطَأُ تَعْبِيرِهِ بِالْمَذْهَبِ وَلَوْ اسْتَمْسَكَ السَّلَسُ بِالْعُقُودِ دُونَ الْقِيَامِ صلى قَاعِدًا حِفْظًا لِلطَّهَارَةِ وَلَا إعَادَةَ عليه قال في الْمَجْمُوعِ وَذُو الْجُرْحِ السَّائِلِ كَالْمُسْتَحَاضَةِ في الشَّدِّ وَغُسْلِ الدَّمِ لِكُلِّ فَرْضٍ الْبَابُ الثَّانِي في بَيَانِ الْمُسْتَحَاضَاتِ غير النَّاسِيَةِ الْمَعْقُودِ لها بَابٌ فِيمَا يَأْتِي وَهُنَّ أَرْبَعٌ لِأَنَّ التي جَاوَزَ دَمُهَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ إمَّا مُبْتَدَأَةً أو مُعْتَادَةً وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا مُمَيِّزَةً أو غير مُمَيِّزَةٍ فَهُنَّ أَرْبَعٌ الْأُولَى مُبْتَدَأَةٌ مُمَيِّزَةٌ وَهِيَ ذَاتُ قَوِيٍّ وَضَعِيفٍ لم يُسْبَقْ لها
____________________
(1/103)
حَيْضٌ وَطُهْرٌ فَالْحَيْضُ في حَقِّهَا الْقَوِيُّ وَغَيْرُهُ اسْتِحَاضَةٌ تَقَدَّمَ الْقَوِيُّ أو تَأَخَّرَ أو تَوَسَّطَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أبي حُبَيْشٍ رضي اللَّهُ عنها قالت لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنِّي أُسْتَحَاضُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ فقال لَا إنَّمَا ذلك عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ فإذا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وإذا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمَ وَصَلِّي وَلِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحُوهُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لها إنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فإذا كان كَذَلِكَ فَدَعِي الصَّلَاةَ وإذا كان الْآخَرُ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي هذا إنْ لم يَنْقُصْ أَيْ الْقَوِيُّ عن أَقَلِّهِ أَيْ الْحَيْضِ ولم يُجَاوِزْ أَكْثَرَهُ لِيُمْكِنَ جَعْلُهُ حَيْضًا ولم يَنْقُصْ الضَّعِيفُ عن خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَاءً لِيُمْكِنَ جَعْلُهُ طُهْرًا فَلَوْ رَأَتْ الْأَسْوَدَ يَوْمًا فَقَطْ أو سِتَّةَ عَشَرَ أو الضَّعِيفَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أو رَأَتْ أَبَدًا يَوْمًا أَسْوَدَ وَيَوْمَيْنِ أَحْمَرَ فَكَغَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ وَإِنَّمَا تَفْتَقِرُ إلَى الْقَيْدِ الثَّالِثِ إذَا اسْتَمَرَّ الدَّمُ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لو رَأَتْ عَشَرَةً سَوَادًا ثُمَّ رَأَتْ عَشَرَةً حُمْرَةً أو نَحْوَهَا وَانْقَطَعَ الدَّمُ فَإِنَّهَا تَعْمَلُ بِتَمْيِيزِهَا مع أَنَّ الضَّعِيفَ نَقَصَ عن خَمْسَةَ عَشَرَ وَهَذَا مَعْلُومٌ
وَالْقُوَّةُ لَوْنٌ وَثَخَانَةٌ وَنَتِنٌ وَسَبْقٌ كما بَيَّنَهَا مع بَيَانِ الْأَقْوَى لَوْنًا بِقَوْلِهِ سَوَادٌ ثُمَّ حُمْرَةٌ ثُمَّ شُقْرَةٌ ثُمَّ صُفْرَةٌ وَالثَّخَانَةُ وَالنَّتِنُ أَيْ الرَّائِحَةُ فما جُمِعَ من هذه الْقُوَى الثَّلَاثِ أَكْثَرُ فَهُوَ الْقَوِيُّ فَإِنْ اسْتَوَيَا في الصِّفَاتِ كَأَنْ كان أَحَدُهُمَا أَسْوَدَ بِلَا ثِخَنٍ وَنَتَنٍ وَالْآخَرُ أَحْمَرَ بِأَحَدِهِمَا أو كان الْأَسْوَدُ بِأَحَدِهِمَا وَالْأَحْمَرُ بِهِمَا اعْتَبَرَ السَّبَقُ لِقُوَّتِهِ وَإِنْ اجْتَمَعَ قَوِيٌّ وَضَعِيفٌ وَأَضْعَفُ فَالْقَوِيُّ مع ما يُنَاسِبُهُ في الْقُوَّةِ مِنْهُمَا الْأَخْصَرُ وَالْأَوْضَحُ مع الضَّعِيفِ لَكِنْ فِيمَا عَبَّرَ بِهِ تَنْبِيهٌ على الْمَأْخَذِ حَيْضٌ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ وَهِيَ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْقَوِيُّ وَأَنْ يَتَّصِلَ بِهِ الْمُنَاسِبُ أَيْ الضَّعِيفُ وَأَنْ يَصْلُحَا مَعًا لِلْحَيْضِ بِأَنْ لَا يَزِيدَ مَجْمُوعُهُمَا على أَكْثَرِهِ كَخَمْسَةٍ سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةٍ حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَتْ الصُّفْرَةُ فَالْأَوَّلَانِ حَيْضٌ وَتَرْجِيحُ كَوْنِ الثَّانِي مِنْهُمَا حَيْضًا من زِيَادَتِهِ وهو ما رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالنَّوَوِيُّ في التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ وَحَكَى فيه الْأَصْلُ طَرِيقَيْنِ بِلَا تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا ما ذُكِرَ إلْحَاقًا له بِالْقَوِيِّ لِأَنَّهُمَا قَوِيَّانِ بِالْإِضَافَةِ إلَى ما بَعْدَهُمَا وَالثَّانِي وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا ما ذَكَرَ وَالثَّانِي إلْحَاقُهُ بِالضَّعِيفِ بَعْدَهُ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَاتِ وَإِنْ لم يَصْلُحَا مَعًا لِلْحَيْضِ كَعَشَرَةٍ سَوَادًا وَسِتَّةٍ حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَتْ الصُّفْرَةُ أو صَلُحَا لَكِنْ تَقَدَّمَ الضَّعِيفُ كَخَمْسَةٍ حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةٍ سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الصُّفْرَةُ أو تَأَخَّرَ لَكِنْ لم يَتَّصِلْ الضَّعِيفُ بِالْقَوِيِّ كَخَمْسَةٍ سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةٍ صُفْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَالْحَيْضُ السَّوَادُ فَقَطْ وَالثَّلَاثُ مَفْهُومَةٌ من كَلَامِهِ السَّابِقِ فَتَصْرِيحُهُ بِالْأُولَى منها إيضَاحٌ وكان الْأَوْلَى التَّصْرِيحَ بِالثَّلَاثِ أو تَرْكَ التَّصْرِيحِ أَصْلًا لِئَلَّا يَقَعَ إيهَامٌ وما ذَكَرْتُهُ في الثَّالِثَةِ هو ما صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ في تَحْقِيقِهِ وَشُرَّاحُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ لَكِنَّهُ في الْمَجْمُوعِ كَالْأَصْلِ جَعَلَهَا كَتَوَسُّطِ الْحُمْرَةِ بين سِوَادَيْنِ وقال في تِلْكَ لو رَأَتْ سَوَادًا ثُمَّ حُمْرَةً ثُمَّ سَوَادًا كُلَّ وَاحِدٍ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فَحَيْضُهَا السَّوَادُ الْأَوَّلُ مع الْحُمْرَةِ فَإِنْ رَأَتْ مُبْتَدَأَةٌ خَمْسَةَ عَشَرَ حُمْرَةً ثُمَّ مِثْلَهَا سَوَادًا تَرَكَتْ الصَّلَاةَ وَغَيْرَهَا مِمَّا تَتْرُكُهُ الْحَائِضُ كَالصَّوْمِ شَهْرًا ثُمَّ إنْ اسْتَمَرَّ الْأَسْوَدُ فَلَا تَمْيِيزَ لها وَحَيْضُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ من أَوَّلِ كل شَهْرٍ وَقَضَتْ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ قال في الْأَصْلِ وَلَا تُتَصَوَّرُ مُسْتَحَاضَةٌ تُؤْمَرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ أَحَدًا وَثَلَاثِينَ يَوْمًا إلَّا هذه وَأَوْرَدَ عليه إنَّهَا قد تُؤْمَرُ بِالتَّرْكِ أَضْعَافَ ذلك كما لو رَأَتْ كُدْرَةً ثُمَّ صُفْرَةً ثُمَّ شُقْرَةً ثُمَّ حُمْرَةً ثُمَّ سَوَادًا من كل خَمْسَةَ عَشَرَ فَتُؤْمَرُ بِالتَّرْكِ في جَمِيعِ ذلك لِوُجُودِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ في الثَّلَاثِينَ وَهِيَ قُوَّةُ الْمُتَأَخِّرِ على الْمُتَقَدِّمِ مع رَجَاءِ انْقِطَاعِهِ وَأُجِيبَ عنه بِأَنَّهُمْ إنَّمَا اقْتَصَرُوا على الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ دَوْرَ الْمَرْأَةِ غَالِبًا شَهْرٌ وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ الْأُولَى ثَبَتَ لها حُكْمُ الْحَيْضِ بِالظُّهُورِ فإذا جاء بَعْدَهَا ما يَنْسَخُهَا لِلْقُوَّةِ رَتَّبْنَا الْحُكْمَ عليه فلما جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ عَلِمْنَا أنها غير مُمَيِّزَةٍ أَمَّا الْمُعْتَادَةُ فَيُتَصَوَّرُ كما قال الْبَارِزِيُّ أَنْ تَتْرُكَ الصَّلَاةَ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا بِأَنْ تَكُونَ عَادَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ من أَوَّلِ كل شَهْرٍ فَرَأَتْ من أَوَّلِ شَهْرٍ خَمْسَةَ عَشَرَ حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَ السَّوَادَ فَتُؤْمَرُ بِالتَّرْكِ في الْخَمْسَةَ عَشَرَ الْأُولَى أَيَّامَ عَادَتِهَا وفي الثَّانِيَةِ لِقُوَّتِهَا رَجَاءَ اسْتِقْرَارِ التَّمْيِيزِ وفي الثَّالِثَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَمَرَّ السَّوَادُ تَبَيَّنَ أَنَّ مَرَدَّهَا الْعَادَةُ فَرْعٌ الْمُبْتَدَأَةُ الْمُمَيِّزَةُ وَغَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ وَالْمُعْتَادَةُ كَذَلِكَ يَتْرُكْنَ الصَّلَاةَ وَغَيْرَهَا مِمَّا تَتْرُكُهُ الْحَائِضُ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الدَّمِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ حَيْضٌ فَيَتَرَبَّصْنَ فَإِنْ انْقَطَعَ لِدُونِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ في حَقِّهِنَّ لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ فَيَقْضِينَ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ فَإِنْ كُنَّ
____________________
(1/104)
صَائِمَاتٍ بِأَنْ نَوَيْنَ قبل وُجُودِ الدَّمِ أو عِلْمِهِنَّ بِهِ أو لِظَنِّهِنَّ أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ أو لِجَهْلِهِنَّ بِالْحُكْمِ صَحَّ بِخِلَافِ ما لو نَوَيْنَ مع الْعِلْمِ بِالْحُكْمِ لِتَلَاعُبِهِنَّ أو انْقَطَعَ لِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَأَكْثَرَ لَكِنْ لِدُونِ أَكْثَرَ من خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَالْكُلُّ حَيْضٌ وَلَوْ كان قَوِيًّا وَضَعِيفًا وَإِنْ تَقَدَّمَ الضَّعِيفُ على الْقَوِيِّ فَإِنْ جَاوَزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ رُدَّتْ كُلٌّ مِنْهُنَّ إلَى مَرَدِّهَا وهو لِلْأُولَى الدَّمُ الْقَوِيُّ وَلِلثَّانِيَةِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَلِلثَّالِثَةِ دَمُهَا الْقَوِيُّ أو عَادَتُهَا وَقَضَتْ كُلٌّ مِنْهُنَّ صَلَاةَ وَصَوْمَ ما زَادَ على مَرَدِّهَا ثُمَّ في الشَّهْرِ الثَّانِي وما بَعْدَهُ يَتْرُكْنَ التَّرَبُّصَ وَيُصَلِّينَ وَيَفْعَلْنَ ما تَفْعَلُهُ الطَّاهِرَةُ فِيمَا زَادَ على مَرَدِّهِنَّ لِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ عِلَّةٌ مُزْمِنَةٌ فَالظَّاهِرُ دَوَامُهَا فَإِنْ شُفِينَ في دَوْرٍ قبل مُجَاوَزَةِ الْأَكْثَرِ من الْحَيْضِ كان الْجَمِيعُ حَيْضًا كما في الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَيُعِدْنَ الْغُسْلَ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ صِحَّتِهِ لِوُقُوعِهِ في الْحَيْضِ وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ يَتْرُكْنَ التَّرَبُّصَ وَيُصَلِّينَ ما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ من أَنَّهُنَّ لَا يَأْثَمْنَ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْوَطْءِ فِيمَا وَرَاءَ الْمَرَدِّ وَإِنْ كان قد وَقَعَ في الْحَيْضِ لِجَهْلِهِنَّ وَالْمُرَادُ بِالضَّعِيفِ الضَّعِيفُ الْمَحْضُ فَلَوْ بَقِيَ خُطُوطُ قُوًى فَقَوِيَ كما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وما فيه خُطُوطٌ سَوَادٌ عُدَّ سَوَادًا الْمُسْتَحَاضَةُ الثَّانِيَةُ مُبْتَدَأَةٌ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ لِفَقْدِ شَرْطِهِ أَيْ حُكْمِ التَّمْيِيزِ أو اتِّحَادِ صِفَتِهِ أَيْ الدَّمِ فَإِنْ لم تَعْرِفْ ابْتِدَاءَهُ فَكَمُتَحَيِّرَةِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا وَإِنْ عَرَفَتْ ه فَحَيْضُهَا في كل شَهْرٍ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ من أَوَّلِهِ أَيْ الدَّمِ وَإِنْ كان ضَعِيفًا لِأَنَّ ذلك هو الْمُتَيَقَّنُ وما زَادَ مَشْكُوكٌ فيه فَلَا يُحْكَمُ بِأَنَّهُ حَيْضٌ وَأَمَّا خَبَرُ حَمْنَةَ تَحِيضِي في عِلْمِ اللَّهِ سِتَّةً أو سَبْعَةً فَذَاكَ لِكَوْنِهَا كانت مُعْتَادَةً على الرَّاجِحِ وَمَعْنَاهُ سِتَّةً إنْ اعْتَدْتهَا أو سَبْعَةً كَذَلِكَ أو لَعَلَّهَا شَكَّتْ هل عَادَتُهَا سِتَّةٌ أو سَبْعَةٌ فقال سِتَّةً إنْ لم تَذْكُرِي عَادَتَك أو سَبْعَةً إنْ ذَكَرْت أنها عَادَتُكِ أو لَعَلَّ عَادَتَهَا كانت تَخْتَلِفُ فِيهِمَا فقال سِتَّةً في شَهْرِ السِّتَّةِ وَسَبْعَةً في شَهْرِ السَّبْعَةِ وَطُهْرُهَا تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ تَتِمَّةُ الشَّهْرِ لِيَتِمَّ الدَّوْرُ ثَلَاثِينَ مُرَاعَاةً لِغَالِبِهِ وَإِنَّمَا لم نُحَيِّضْهَا الْغَالِبَ احْتِيَاطًا لِلْعَادَةِ وَنَصَّ على أَنَّ طُهْرَهَا ذلك لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ أَقَلُّ الطُّهْرِ أو غَالِبُهُ وَإِنَّهُ يَلْزَمُهَا الِاحْتِيَاطُ فِيمَا عَدَا أَقَلِّ الْحَيْضِ إلَى أَكْثَرِهِ كما قِيلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا لم يَقُلْ وَطُهْرُهَا بَقِيَّةُ الشَّهْرِ لِأَنَّ الشَّهْرَ قد يَكُونُ نَاقِصًا فَنَصَّ على الْمُرَادِ إلَّا إنْ طَرَأَ لها في أَثْنَاءِ الدَّمِ تَمْيِيزٌ فَإِنَّهَا تَعُودُ إلَيْهِ نَسْخًا لِمَا مَضَى بِالتَّنْجِيزِ الْمُسْتَحَاضَةُ الثَّالِثَةُ مُعْتَادَةٌ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ فَتُرَدُّ إلَيْهَا أَيْ إلَى عَادَتِهَا قَدْرًا وَوَقْتًا لِأَنَّ امْرَأَةً كانت تُهَرَاقُ الدَّمَ على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَاسْتَفْتَتْهُ لها أُمُّ سَلَمَةَ فقال لِتَنْظُرْ عَدَدَ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِيِ التي كانت تَحِيضُهُنَّ من الشَّهْرِ قبل أَنْ يُصِيبَهَا الذي أَصَابَهَا فَلْتَدَعْ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذلك من الشَّهْرِ فإذا خَلَّفَتْ ذلك فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ ثُمَّ لِتُصَلِّ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَتُهْرَاقُ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ تَصُبُّ وَالدَّمَ مَنْصُوبٌ بِالتَّشْبِيهِ بِالْمَفْعُولِ بِهِ أو بِالتَّمْيِيزِ على مَذْهَبِ الْكُوفِيِّ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَا حَاجَةَ لِهَذَا التَّكَلُّفِ وَإِنَّمَا هو مَفْعُولٌ بِهِ وَالْمَعْنَى تَهْرِيقُ الدَّمِ قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ قالوا لَكِنَّ الْعَرَبَ تَعْدِلُ بِالْكَلِمَةِ إلَى وَزْنِ ما هو في مَعْنَاهَا وَهِيَ في مَعْنَى تُسْتَحَاضُ وَتُسْتَحَاضُ على وَزْنِ ما لم يُسَمَّ فَاعِلُهُ
وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ إنْ لم تَخْتَلِفْ بِمَرَّةٍ فَلَوْ حَاضَتْ في شَهْرٍ خَمْسَةً ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ رُدَّتْ إلَيْهَا لِلْخَبَرِ السَّابِقِ فَإِنْ كانت تَحِيضُ في كل شَهْرٍ خَمْسَةً فَحَاضَتْ في شَهْرٍ سِتَّةً ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ في الشَّهْرِ الثَّانِي فَحَيْضُهَا السِّتُّ لِلْخَبَرِ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أنها فيه كَاَلَّذِي يَلِيهِ لِقُرْبِهِ إلَيْهَا فَهُوَ أَوْلَى مِمَّا انْقَضَى فَإِنْ اخْتَلَفَتْ عَادَتُهَا وَانْتَظَمَتْ بِأَنْ كانت تَحِيضُ في شَهْرٍ ثَلَاثَةً مَثَلًا وفي الثَّانِي خَمْسَةً مَثَلًا وفي الثَّالِثِ سَبْعَةً مَثَلًا وفي الرَّابِعِ ثَلَاثَةً وفي الْخَامِسِ خَمْسَةً وفي السَّادِسِ سَبْعَةً فَهَذَا الدَّوَرَانُ يَثْبُتُ بِمَرَّةٍ نَشَأَ من عَادَةٍ تَثْبُتُ بِمَرَّتَيْنِ وَالْعَادَةُ الْمُخْتَلِفَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِمَرَّتَيْنِ سَوَاءٌ انْتَظَمَتْ عَادَتُهَا كما ذَكَرَ أَمْ على وَجْهٍ آخَرَ كَأَنْ تَرَى خَمْسَةً ثُمَّ ثَلَاثَةً ثُمَّ سَبْعَةً ثُمَّ تَعُودُ الْخَمْسَةُ وَسَوَاءٌ أَرَأَتْ كُلَّ قَدْرٍ مَرَّةً كما ذَكَرَ أَمْ أَكْثَرَ كَأَنْ تَرَى في شَهْرَيْنِ ثَلَاثَةً ثَلَاثَةً ثُمَّ في شَهْرَيْنِ خَمْسَةً خَمْسَةً ثُمَّ في شَهْرَيْنِ سَبْعَةً سَبْعَةً
وَيَتَّفِقُ أَيْ وَأَقَلُّ ما يَحْصُلُ ما ذَكَرْنَاهُ من الْمِثَالِ في سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ اُسْتُحِيضَتْ بَعْدَ الدَّوَرَانِ الْمَذْكُورِ في شَهْرٍ بَنَتْ أَمْرَهَا عليه فَلَوْ اُسْتُحِيضَتْ في السَّابِعِ رُدَّتْ إلَى الثَّلَاثَةِ أو في الثَّامِنِ فَإِلَى الْخَمْسَةِ أو في التَّاسِعِ فَإِلَى السَّبْعَةِ فَإِنْ لم تَدُرْ بِضَمِّ الدَّالِ دَوْرًا ثَانِيًا على النَّظْمِ السَّابِقِ بِأَنْ اُسْتُحِيضَتْ في الدَّوْرِ الرَّابِعِ مَثَلًا رُدَّتْ إلَى
____________________
(1/105)
السَّبْعِ لَا إلَى الْعَادَاتِ السَّابِقَةِ فَلَوْ نَسِيَتْ كَيْفِيَّةَ الدَّوَرَانِ فَقَطْ أَيْ دُونَ الْعَادَاتِ حَيَّضْنَاهَا في كل شَهْرٍ ثَلَاثَةً لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنُ وَتَحْتَاطُ إلَى آخِرِ أَكْثَرِهَا أَيْ أَكْثَرِ الْعَادَاتِ وَتَغْتَسِلُ آخِرَ كل نَوْبَةٍ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ عِنْدَهُ
فَلَوْ كان الِاخْتِلَافُ لِلْعَادَاتِ غير مُنْتَظِمٍ بِأَنْ تَتَقَدَّمَ هذه مَرَّةً وَهَذِهِ مَرَّةً رُدَّتْ إلَى ما قبل شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ إنْ ذَكَرَتْهُ بِنَاءً على ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ ثُمَّ بَعْدَ رَدِّهَا إلَى ذلك تَحْتَاطُ إلَى آخِرِ أَكْثَرِهَا أَيْ أَكْثَرِ الْعَادَاتِ إنْ لم يَكُنْ هو الذي قبل شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ وَإِنْ نَسِيَتْهُ أَيْ ما قبل الشَّهْرِ فَكَالْأُولَى أَيْ فَكَالنَّاسِيَةِ لِكَيْفِيَّةِ الدَّوَرَانِ فَقَطْ فَتَحِيضُ في كل شَهْرٍ ثَلَاثَةً وَتَحْتَاطُ إلَى آخِرِ أَكْثَرِ الْعَادَاتِ
وَإِنْ كانت تَحِيضُ خَمْسَةً أَوَّلَ كل شَهْرٍ فَحَاضَتْ في شَهْرٍ أَرْبَعَةً أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ من خَمْسَةٍ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ فِيمَا بَعْدَهُ رُدَّتْ إلَيْهِ لِأَنَّهُ نَاسِخٌ لِمَا قَبْلَهُ وَهَذَا يُغْنِي عن قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ فَإِنْ كانت تَحِيضُ خَمْسَةً إلَى آخِرِهِ وَلَوْ قال هُنَا فَحَاضَتْ في شَهْرٍ أَقَلَّ من خَمْسَةٍ أو أَكْثَرَ كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ وَهَذِهِ تُسَمَّى الْمُنْتَقِلَةَ وَإِنْ لم يَتَغَيَّرْ عليها إلَّا الْوَقْتُ وَتُسَمَّى الْمُنْتَقِلَةَ أَيْضًا فَحَاضَتْ في دَوْرِ الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ رُدَّتْ إلَيْهَا وكان أَيْ وَصَارَ دَوْرُهَا بِتَأَخُّرِ الْحَيْضِ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ إنْ تَنَقَّلَتْ عن الدَّوْرِ الثَّانِي بِأَنْ حَاضَتْ في الدَّوْرِ الثَّالِثِ الْخَمْسَةَ الثَّالِثَةَ وَهَكَذَا أو اُسْتُحِيضَتْ في الثَّانِي سَوَاءٌ تَكَرَّرَ ذلك أَمْ لَا وَكَلَامُهُ يُفْهِمُ إنَّهَا لو لم تَنْتَقِلْ وَلَا اُسْتُحِيضَتْ في الثَّانِي بِأَنْ اُسْتُحِيضَتْ في الْأَوَّلِ لَا يَكُونُ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ بَلْ ثَلَاثِينَ وهو كَذَلِكَ لَكِنَّهَا تَخْرُجُ عن كَوْنِهَا تَغَيَّرَ عليها الْوَقْتُ فَلَوْ قال بَدَلَ ذلك سَوَاءٌ انْتَقَلَتْ أَمْ اُسْتُحِيضَتْ في الثَّانِي لَسَلِمَ من ذلك وفي نُسْخَةٍ بَدَلَ قَوْلِهِ إنْ تَنَقَّلَتْ أو اُسْتُحِيضَتْ فَإِنْ تَكَرَّرَ هذا ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ بِأَنْ حَاضَتْ في الدَّوْرِ الْآخَرِ الْخَمْسَةَ الثَّالِثَةَ وَهَكَذَا رُدَّتْ إلَيْهِ فَتَحِيضُ أَوَّلَ الدَّمِ خَمْسَةً وَتَطْهُرُ ثَلَاثِينَ وَهَذِهِ النُّسْخَةُ هِيَ الْمُوَافِقَةُ لِكَلَامِ الْأَصْلِ لَكِنَّهَا تُوهِمُ أَنَّ عَدَمَ التَّكَرُّرِ يُخَالِفُ ذلك وهو وَجْهٌ والأصح أَنَّهُ لَا فَرْقَ فَلَوْ قال وَهَكَذَا إنْ لم يَتَكَرَّرْ لَسَلِمَ من ذلك وَوَفَّى بِكَلَامِ أَصْلِهِ وَإِنْ حَاضَتْ الْخَمْسَةَ الْأُولَى وَطَهُرَتْ عِشْرِينَ ثُمَّ حَاضَتْ الْخَمْسَةَ الْأَخِيرَةَ ثُمَّ طَهُرَتْ عِشْرِينَ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ حَيَّضْنَاهَا خَمْسَةً من أَوَّلِ الدَّمِ الْمُسْتَمِرِّ وَطُهْرُهَا عِشْرُونَ بَعْدَهُ وَهَكَذَا وَصَارَ دَوْرُهَا بِالتَّقَدُّمِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَإِنْ لم تَطْهُرْ بَعْدَ الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ بَلْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ حَيَّضْنَاهَا أَيْضًا خَمْسَةً من أَوَّلِهِ وَصَارَ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ بَلْ لو لم تَطْهُرْ بَعْدَ الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ إلَّا أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ كَمَّلْنَا الطُّهْرَ بِيَوْمٍ وَصَارَ دَوْرُهَا عِشْرِينَ وَحَيْثُ أَطْلَقَ شَهْرَ الِاسْتِحَاضَةِ فَهُوَ ثَلَاثُونَ يَوْمًا الْمُسْتَحَاضَةُ الرَّابِعَةُ الْمُعْتَادَةُ الْمُمَيِّزَةُ الْأَنْسَبُ بِبَقِيَّةِ الْأَقْسَامِ مُعْتَادَةٌ مُمَيِّزَةٌ فَيُقَدَّمُ التَّمْيِيزُ على الْعَادَةِ إنْ لم يَتَوَافَقَا ولم يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ الطُّهْرِ كَأَنْ رَأَتْ ذَاتُ تَمْيِيزٍ عَشَرَةً سَوَادًا ثُمَّ حُمْرَةً مُسْتَمِرَّةً فَحَيْضُهَا الْعَشَرَةُ لِخَبَرِ دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ وَلِأَنَّ التَّمْيِيزَ عَلَامَةٌ في الدَّمِ وَالْعَادَةُ عَلَامَةٌ في صَاحِبَتِهِ وَلِأَنَّهُ عَلَامَةٌ حَاضِرَةٌ وَالْعَادَةُ عَلَامَةٌ انْقَضَتْ وَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ الطُّهْرِ كَأَنْ رَأَتْ بَعْدَ خَمْسَتِهَا عِشْرِينَ ضَعِيفًا ثُمَّ خَمْسَةً قَوِيًّا ثُمَّ ضَعِيفًا فَقَدْرُ الْعَادَةِ حَيْضٌ لِلْعَادَةِ وَالْقَوِيُّ حَيْضٌ آخَرُ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا طُهْرًا كَامِلًا وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ بِالتَّمْيِيزِ حَالَ الِاسْتِحَاضَةِ كَمُبْتَدَأَةٍ اُسْتُحِيضَتْ مُمَيِّزَةً ثُمَّ زَالَ التَّمْيِيزُ كَأَنْ رَأَتْ مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ حُمْرَةً ثُمَّ اسْتَمَرَّ أَحَدُهُمَا فَعَادَتُهَا بِالتَّمْيِيزِ خَمْسَةٌ من أَوَّلِ كل شَهْرٍ فَتُرَدُّ إلَيْهَا عِنْدَ زَوَالِهِ فَإِنْ لم تَرَ ذلك إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً كَأَنْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ ضَعِيفًا وَاحِدًا كَحُمْرَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ فما بَعْدَ الْقَوِيِّ طُهْرٌ وَاحِدٌ وَإِنْ طَالَ زَمَنُهُ كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ في أَوَائِلِ هذا الْبَابِ لِأَنَّهُ لم يَسْتَقِرَّ لها بِذَلِكَ مع الْحَيْضِ طُهْرٌ مُمَيَّزٌ عن الدَّمِ الْمُسْتَمِرِّ وَإِنْ انْقَطَعَ الضَّعِيفُ آخِرَ الشَّهْرِ مَثَلًا ثُمَّ أَطْبَقَ السَّوَادَ رُدَّتْ من أَوَّلِهِ إلَى الْخَمْسَةِ
وَبِذَلِكَ مع ما مَرَّ قَرِيبًا عُلِمَ أَنَّ عَادَةَ التَّمْيِيزِ تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ في الْمُعْتَادَةِ وَالْمُبْتَدَأَةِ وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا حَيْضٌ وَنِفَاسٌ وَلَوْ في غَيْرِ عَادَتِهِمَا لِأَنَّ ذلك أَذًى فَشَمِلَتْهُ الْآيَةُ وَلِأَنَّهُ هو الْأَصْلُ فِيمَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ في زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَقَوْلُ أُمِّ عَطِيَّةَ كنا لَا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ شيئا مُعَارَضٌ بِقَوْلِ عَائِشَةَ لَمَّا كانت النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إلَيْهَا بِالدُّرْجَةِ فيها الْكُرْسُفُ فيه الصُّفْرَةُ من دَمِ الْحَيْضِ تَقُولُ لَا تَعْجَلْنَ حتى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ من الْحَيْضَةِ رَوَاهُ مَالِكٌ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ وَالدُّرْجَةُ بِضَمِّ الدَّالِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْجِيمِ وَرُوِيَ بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَهِيَ خِرْقَةٌ أو قُطْنَةٌ أو نَحْوُهُمَا
____________________
(1/106)
تُدْخِلُهَا الْمَرْأَةُ فَرْجَهَا ثُمَّ تُخْرِجُهَا لِتَنْظُرَ هل بَقِيَ شَيْءٌ من أَثَرِ الدَّمِ أَمْ لَا وَالْكُرْسُفُ الْقُطْنُ فَحَاصِلُ ذلك أنها تَضَعُ قِطْعَةً في أُخْرَى أَكْبَرَ منها أو في خِرْقَةٍ أو نَحْوِهَا وَتُدْخِلُهَا فَرْجَهَا وَكَأَنَّهَا تَفْعَلُ ذلك لِئَلَّا تَتَلَوَّثَ يَدُهَا بِالْقُطْنَةِ الصُّغْرَى وَالْقَصَّةُ بِفَتْحِ الْقَافِ الْجِصُّ شُبِّهَتْ الرُّطُوبَةُ النَّقِيَّةُ الصَّافِيَةُ بِالْجِصِّ في الصَّفَاءِ وَالصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ قال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ هُمَا مَاءٌ أَصْفَرُ وَمَاءٌ كَدِرٌ وَلَيْسَا بِدَمٍ وَالْإِمَامُ هُمَا شَيْءٌ كَالصَّدِيدِ تَعْلُوهُ صُفْرَةٌ وَكُدْرَةٌ لَيْسَتَا على لَوْنِ الدِّمَاءِ ذَكَرَ ذلك في الْمَجْمُوعِ وَجَزَمَ الْأَصْلُ بِالثَّانِي الْبَابُ الثَّالِثُ في الْمُتَحَيِّرَةِ سُمِّيَتْ بِهِ لِتَحَيُّرِهَا في أَمْرِهَا وَتُسَمَّى بِالْمُحَيِّرَةِ أَيْضًا كما في الْأَصْلِ لِأَنَّهَا حَيَّرَتْ الْفَقِيهَ في أَمْرِهَا وَهِيَ الْمُسْتَحَاضَةُ غَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ النَّاسِيَةُ لِلْعَادَةِ وَلَهَا أَحْوَالٌ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهَا أَنْ تَنْسَاهَا أَيْ عَادَتَهَا قَدْرًا وَوَقْتًا وَهِيَ الْمُتَحَيِّرَةُ الْمُطَلَّقَةُ فَعَلَيْهَا الِاحْتِيَاطُ لِاحْتِمَالِ كل زَمَنٍ يَمُرُّ عليها لِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ فَيَلْزَمُهَا ما يَلْزَمُ الطَّاهِرَةَ من صَوْمٍ وَصَلَاةٍ وَغَيْرِهِمَا أَصْلِيٌّ أو عَارِضٌ كَمَنْذُورِ فَرْضِ عَيْنٍ أو كِفَايَةٍ وَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَوْلَى من كَلَامِ أَصْلِهِ كما يُعْلَمُ بِالْوُقُوفِ عليه وَيَحْرُمُ عليها ما يَحْرُمُ على الْحَائِضِ من تَمَتُّعٍ وَمَسَّ مُصْحَفٍ وَغَيْرِهِمَا إلَّا الْقِرَاءَةَ لِلْفَاتِحَةِ وَلِلسُّورَةِ بَعْدَهَا في الصَّلَاةِ فَتُبَاحُ فيها تَبَعًا لها وَلَهَا أَنْ تَصُومَ وَتُصَلِّي النَّوَافِلَ وَتَطُوفَ هَا اهْتِمَامًا بها فَلَوْ أَخَّرَهَا عن الْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ كان أَوْلَى وَأَمَّا طَوَافُ الْفَرْضِ فَدَخَلَ في أَوَّلِ كَلَامِهِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ تَحْرِيمَ الْمُكْثِ في الْمَسْجِدِ عليها وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ قال في الْمُهِمَّاتِ وهو مُتَّجَهٌ إذَا كان لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ أَيْ أو لَا لِغَرَضٍ فَإِنْ كان لِلصَّلَاةِ فَكَقِرَاءَةِ السُّورَةِ فيها أو لِاعْتِكَافٍ أو طَوَافٍ فَكَالصَّلَاةِ فَرْضًا وَنَفْلًا قال وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ ذلك إذَا أَمِنَتْ التَّلْوِيثَ وَيَجِبُ أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ لِاحْتِمَالِ تَقَدُّمِ الِانْقِطَاعِ نعم إنْ عَلِمَتْ وَقْتَهُ كَعِنْدِ الصُّبْحِ دَائِمًا لم تَغْتَسِلْ إلَّا له في الْوَقْتِ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورَةً كَالتَّيَمُّمِ وَتَعْبِيرُهُ كَأَصْلِهِ بِالْفَرِيضَةِ يُخْرِجُ النَّفَلَ وهو احْتِمَالٌ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ في النَّفْلِ بَعْدَهَا بَعْدَ نَقْلِهِ عن الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ قُلْنَا عليها الْوُضُوءُ لِكُلِّ فَرْضٍ فَلَهَا صَلَاةُ النَّفْلِ وَكُلَّ مَوْضِعٍ قُلْنَا عليها الْغُسْلُ لِكُلِّ فَرْضٍ لم يَجُزْ النَّفَلُ إلَّا بِالْغُسْلِ أَيْضًا ا ه وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ التَّقْيِيدُ بِالْفَرْضِ وهو أَيْسَرُ وَكَلَامُ الْقَاضِي أَحْوَطُ وَلَا يَبْطُلُ الْغُسْلُ بِتَأْخِيرٍ لِلصَّلَاةِ عنه كما يَبْطُلُ الْوُضُوءُ بِذَلِكَ إذْ لَا يَلْزَمُهَا الْمُبَادَرَةُ إلَيْهَا بَعْدَهُ بِخِلَافِهَا بَعْدَ الْوُضُوءِ لِمَا فيها من تَعْلِيلِ الْحَدَثِ وَالْغُسْلُ إنَّمَا وَجَبَ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ وَلَا يُمْكِنُ تَكَرُّرُهُ بين الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ وَأَمَّا احْتِمَالُ وُقُوعِ الْغُسْلِ في الْحَيْضِ وَالِانْقِطَاعِ بَعْدَهُ فَلَا حِيلَةَ في دَفْعِهِ بَادَرَتْ أَمْ لَا
قال الرَّافِعِيُّ وَلَك أَنْ تَقُولَ نعم دَفْعُ أَصْلِ الِاحْتِمَالِ لَا يُمْكِنُ لَكِنْ الِاحْتِمَالُ في الزَّمَنِ الطَّوِيلِ أَظْهَرُ منه في الْقَصِيرِ فَالْمُبَادَرَةُ تُقَلِّلُ الِاحْتِمَالَ فَإِنْ كانت تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي أَوَّلَ الْوَقْتِ لَزِمَهَا الْقَضَاءُ كما لو صَلَّتْ مَتَى اتَّفَقَ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِ الْأَدَاءِ أو الْغُسْلِ في الْحَيْضِ مع إدْرَاكِ ما يَسَعُ تَكْبِيرَةً من الْوَقْتِ وَلَوْ من الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ وَهَذَا ما رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ لَكِنْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ على عَدَمِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ كما نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ وقال في الْمَجْمُوعِ إنَّهُ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ نَصَّ على وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّوْمِ دُونَ الصَّلَاةِ قال وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أبو الطِّيبِ وابن الصَّبَّاغِ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ لِأَنَّهَا إنْ كانت حَائِضًا فَلَا صَلَاةَ عليها أو طَاهِرًا فَقَدْ صَلَّتْ قال في الْمُهِمَّاتِ وهو الْمُفْتِي بِهِ قُلْت لَكِنْ الْأَوَّلُ أَفْقَهُ وَأَحْوَطُ وما قِيلَ
____________________
(1/107)
في التَّعْلِيلِ من أنها إنْ كانت حَائِضًا فَلَا صَلَاةَ عليها مَمْنُوعٌ لِاحْتِمَالِ أنها تَطْهُرُ بَعْدَ صَلَاتِهَا فَتَجِبُ عليها وَكَفَاهَا الْقَضَاءُ على الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ وقد صَلَّتْ أَوَّلَ الْوَقْتِ مَرَّةً تَأْتِي بها بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الضَّرُورَةِ فَلَوْ فَرَضَ إمْكَانَ غُسْلٍ وَابْتِدَاءَ إحْرَامٍ بِالْمَقْضِيَّةِ فِيمَا لَا يَسَعُ تَكْبِيرَةً من آخِرِهِ أَيْ الْوَقْتِ جَازَ ذلك لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَاقِعِ بَعْدَهُ لِأَنَّ زَمَنَهُ لَا يُدْرَكُ بِهِ الْوُجُوبُ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي قَضَاءُ أُولَى صَلَاتَيْ الْجَمْعِ في وَقْتِ الثَّانِيَةِ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ وَقْتَ لُزُومِهَا
وَيَمْتَدُّ الْقَضَاءُ إلَى انْتِهَاءِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا من أَوَّلِ وَقْتِ الْأُولَى فَتَقْضِي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءَيْنِ أَيْ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَالصُّبْحَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَتَبْرَأُ لِأَنَّ الْحَيْضَ إنْ انْقَطَعَ في الْوَقْتِ لم يَعُدْ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عليها وَالْأُولَى في الْقَضَاءِ أَنْ تَبْدَأَ بِالْحَاضِرَةِ لِيَكْفِيَهَا الْوُضُوءُ بَعْدَهَا لِلْقَضَاءِ فَتَقْضِي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بَعْدَ أَدَاءِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءَيْنِ بَعْدَ أَدَاءِ الصُّبْحِ وَالصُّبْحَ بَعْدَ أَدَاءِ الظُّهْرِ فَتَبْرَأُ لِأَنَّ أَدَاءَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ مَثَلًا إنْ وَقَعَ في طُهْرِهَا فَذَاكَ وَإِلَّا فَإِنْ اسْتَمَرَّ حَيْضُهَا إلَى الْغُرُوبِ فَلَا وُجُوبَ أو انْقَطَعَ قَبْلَهُ وَقَعَ الْقَضَاءُ في طُهْرِهَا لَا مَحَالَةَ
وَالْغُسْلُ لِلْمَغْرِبِ كَافٍ لَهُمَا لِأَنَّهُ إنْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا قبل الْغُرُوبِ فَلَا يَعُودُ إلَى تَمَامِ مُدَّةِ الطُّهْرِ أو بَعْدَهُ لم يَكُنْ عليها شَيْءٌ مِنْهُمَا لَكِنْ تَتَوَضَّأُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا كَسَائِرِ الْمُسْتَحَاضَاتِ فَمَجْمُوعُ ما تَأْتِي بِهِ في الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ خَمْسَةُ أَغْسَالٍ وَخَمْسُ وُضُوءَاتٍ فَإِنْ قَضَتْ الصُّبْحَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَجَبَ الْغُسْلُ لها فَمَجْمُوعُ ما تَأْتِي بِهِ سِتَّةُ أَغْسَالٍ وَأَرْبَعُ وُضُوءَاتٍ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ ابْتَدَأَتْ بِغَيْرِ الْحَاضِرَةِ كَأَنْ قَضَتْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ قبل أَدَاءِ الْمَغْرِبِ أَعَادَتْ الْغُسْلَ لها بَعْدَ اغْتِسَالِهَا لِلْأُولَى من الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ وَوُضُوئِهَا لِلثَّانِيَةِ وَإِنَّمَا أَعَادَتْ الْغُسْلَ لِلْمَغْرِبِ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ قبل أَدَائِهَا وَاكْتَفَى بِغُسْلٍ وَاحِدٍ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لِأَنَّهُ إنْ انْقَطَعَ الْحَيْضُ قبل الْغُرُوبِ فَقَدْ اغْتَسَلَتْ بَعْدَهُ أو بَعْدَهُ فَلَيْسَ عليها وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا فَمَجْمُوعُ ما تَأْتِي بِهِ على هذا ثَمَانِيَةُ أَغْسَالٍ وَوُضُوءَانِ وَكَانَتْ بِمَا ذَكَرَ مُؤَخِّرَةً لها أَيْ لِلْحَاضِرَةِ عن أَوَّلِ وَقْتِهَا فَتَكُونُ من قَبِيلِ ما إذَا صَلَّتْ مَتَى اتَّفَقَ وَسَيَأْتِي
وَالتَّصْرِيحُ بِأَوْلَوِيَّةِ الِابْتِدَاءِ بِالْحَاضِرَةِ من زِيَادَتِهِ وَإِنَّمَا كان أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَمَلًا كما أَشَارَ إلَيْهِ أَوَّلًا وَلِأَنَّهُ مُخْرَجٌ عن عُهْدَةِ الْوَظَائِفِ الْخَمْسِ بِخِلَافِ ما إذَا ابْتَدَأَتْ بِغَيْرِهَا لِاسْتِلْزَامِهِ تَأْخِيرَهَا عن أَوَّلِ وَقْتِهَا فَلَا تَخْرُجُ عن عُهْدَتِهَا بِقَضَائِهَا بِذَلِكَ لِجَوَازِ كَوْنِهَا طَاهِرًا أَوَّلَ الْوَقْتِ ثُمَّ يَطْرَأُ الْحَيْضُ فَتَلْزَمُهَا الصَّلَاةُ وَتَكُونُ الْمَرَّتَانِ في الْحَيْضِ وَإِنْ كانت تُصَلِّي مَتَى اتَّفَقَ أَيْ في وَسَطِ الْوَقْتِ أو آخِرِهِ لَزِمَهَا الْقَضَاءُ أَيْضًا لِمَا مَرَّ مَرَّتَيْنِ بِغُسْلَيْنِ الثَّانِيَةُ مِنْهُمَا من السَّادِسَ عَشَرَ بَعْدَ قَدْرِ ما أَمْهَلَتْ وَصَلَّتْ في الْمَرَّةِ الْأُولَى كما سَيَأْتِي بَيَانُهُ فَإِنْ لم تَقْضِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَاقْتَصَرَتْ على أَدَاءِ الْفَرَائِضِ كَفَاهَا لِكُلِّ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا قَضَاءُ الْخَمْسِ إنْ كانت تُصَلِّي أَوَّلَ الْوَقْتِ إذْ وُجُوبُ الْقَضَاءِ إنَّمَا هو لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ كما مَرَّ وَلَا يُمْكِنُ في سِتَّةَ عَشَرَ إلَّا مَرَّةً ضَرُورَةَ تَخَلُّلِ أَقَلَّيْ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ بين كل انْقِطَاعَيْنِ فَيَجُوزُ أَنْ تَجِبَ بِهِ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ أو صَلَاتَا جَمْعٍ لِوُقُوعِ الِانْقِطَاعِ في الْأَخِيرَةِ فَتَكُونُ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً أو صَلَاتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ صَلَّتْ مَتَى اتَّفَقَ فَقَضَاءُ الْعَشْرِ لِكُلِّ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا لَازِمٌ لِاحْتِمَالِ طُرُوُّ الْحَيْضِ في أَثْنَاءِ صَلَاةٍ فَتَبْطُلُ وَانْقِطَاعُهُ في أَثْنَاءِ أُخْرَى أو بَعْدَهَا في الْوَقْتِ فَتَجِبُ وقد تَكُونَانِ مُتَمَاثِلَيْنِ فَتَكُونُ كَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاتَانِ لَا يَعْلَمُ اخْتِلَافَهُمَا وَيُخَالِفُ ما لو صَلَّتْ أَوَّلَ الْوَقْتِ فإنه لو فَرَضَ الطُّرُوَّ في الصَّلَاةِ لم تَجِبْ لِعَدَمِ إدْرَاكِ ما يَسَعُهَا وَفَرَضَ الشَّيْخَانِ ما ذَكَرَ في خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَصَوَّبَ النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ فَرْضَهُ في سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا كما في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ وفي كَلَامِ الْغَزَالِيِّ رَمْزٌ إلَيْهِ وَجَرَى عليه الْمُصَنِّفُ كما عَرَفْت وَتَصُومُ رَمَضَانَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا طَاهِرَةً جَمِيعَهُ وبعده ثَلَاثِينَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً فَيَحْصُلُ لها من كُلٍّ مِنْهُمَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَحِيضَ فِيهِمَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَيَطْرَأَ الدَّمُ في يَوْمٍ وَيَنْقَطِعَ في آخَرَ فَيَفْسُدَ سِتَّةَ عَشَرَ من كُلٍّ مِنْهُمَا فَإِنْ نَقَصَ رَمَضَانُ حَصَلَ لها منه ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَيَبْقَى عليها يَوْمَانِ وَإِنْ نَقَصَ لَا إنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ أَيْ دَمُهَا كان يَنْقَطِعُ لَيْلًا فَلَا يَبْقَى عليها شَيْءٌ لِأَنَّهُ إنْ تَمَّ رَمَضَانُ فَقَدْ حَصَلَ من كُلٍّ خَمْسَةَ عَشَرَ وَإِلَّا فَأَرْبَعَةَ عَشَرَ منه وَخَمْسَةَ عَشَرَ من الثَّلَاثِينَ وَالضَّابِطُ في الْقَضَاءِ أَنَّ من عليها سَبْعَةُ أَيَّامٍ فما دُونَهَا فَصَوْمُهَا بِزِيَادَةِ يَوْمٍ مُتَفَرِّقَةٌ بِأَيِّ وَجْهٍ شَاءَتْ في
____________________
(1/108)
خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تُعِيدُ صَوْمَ كل يَوْمٍ غير الزِّيَادَةِ يوم سَابِعَ عَشَرَةَ ولا يَتَعَيَّنُ بَلْ لها تَأْخِيرُهُ إلَى خَامِسَ عَشَرَ ثَانِيهِ أَيْ ثَانِي كل صَوْمٍ من صَوْمِهَا الْأَوَّلِ وَسَابِعَ عَشَرَ كُلٍّ وَخَامِسَ عَشَرَ ثَانِيهِ وَاحِدٌ إنْ فَرَّقَتْ صَوْمَهَا بِيَوْمٍ فَإِنْ فَرَّقَتْهُ بِأَكْثَرَ تَغَايَرَا
وَالتَّصْرِيحُ بهذا الضَّابِطِ من زِيَادَتِهِ فَلِقَضَاءِ الْيَوْمَيْنِ تَصُومُ يَوْمًا وَثَالِثَةً وَخَامِسَةً وَسَابِعَ عَشَرَةَ وَتَاسِعَ عَشَرَةَ لِأَنَّهُ إنْ اُبْتُدِئَ الْحَيْضُ في الْأَوَّلِ فَغَايَةُ امْتِدَادِهِ إلَى السَّادِسَ عَشَرَ فَيَحْصُلُ السَّابِعَ عَشَرَ وَالتَّاسِعَ عَشَرَ أو في الثَّانِي أو الثَّالِثِ حَصَلَ الْأَوَّلُ وَالتَّاسِعَ عَشَرَ أو في الرَّابِعِ أو ما بَعْدَهُ إلَى الْخَامِسَ عَشَرَ حَصَلَ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ أو في السَّادِسَ عَشَرَ أو ثَانِيهِ حَصَلَ الثَّالِثُ وَالْخَامِسُ أو في الثَّامِنَ عَشَرَ أو ثَانِيهِ حَصَلَ الْخَامِسُ وَالسَّابِعَ عَشَرَ أو في الْعِشْرِينَ حَصَلَ السَّابِعَ عَشَرَ وَثَالِثِهِ فَإِنْ صَامَتْ مَثَلًا لِقَضَاءِ الْيَوْمَيْنِ يَوْمًا وَرَابِعَةً وَسَادِسَةً صَامَتْ السَّابِعَ عَشَرَ وَالْعِشْرِينَ وَلَهَا تَأْخِيرُ السَّابِعَ عَشَرَ إلَى الثَّامِنَ عَشَرَ لِأَنَّهُ خَامِسَ عَشَرَ الثَّانِي وَلَوْ قال بَدَلَ وَسَادِسَةٍ وَسَابِعَةٍ كان أَنْسَبَ بِقَدْرِ ما فَرَّقَ بِهِ بين الْأَوَّلَيْنِ وَبَيْنَ الْآخَرَيْنِ وَتَكُونُ الْأُولَى حِينَئِذٍ زِيَادَةً وَلَهَا تَأْخِيرُ الْعِشْرِينَ إلَى الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ وَمَتَى أَخَلَّتْ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ لم تَبْرَأْ فَلَوْ أَخَلَّتْ في الْمِثَالِ الْأَوَّلِ بِزِيَادَةِ يَوْمٍ بِأَنْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَثَالِثَهُ وَسَابِعَ عَشَرَةَ وَتَاسِعَ عَشَرَةَ احْتَمَلَ فَسَادُ الْأَوَّلَيْنِ بِالْحَيْضِ وَانْقِطَاعِهِ في الثَّالِثِ وَعَوْدِهِ في الثَّامِنَ عَشَرَ فَلَا يَصِحُّ إلَّا لِسَابِعَ عَشَرَ أو بِزِيَادَتِهِ في الْمَرَّةِ الْأُولَى بِأَنْ زَادَتْهُ في الثَّانِيَةِ فَصَامَتْ الْأَوَّلَ وَثَالِثَهُ وَسَابِعَ عَشَرَةَ وَتَاسِعَ عَشَرَةَ وَحَادِيَ عَشَرَيْهِ احْتَمَلَ الِانْقِطَاعُ في الثَّانِي وَالْعَوْدُ في السَّابِعِ عَشَرَ فَلَا يَصِحُّ إلَّا الثَّالِثُ أو بِتَوْزِيعِ الْخَمْسَةِ على نِصْفَيْ الشَّهْرِ فَصَامَتْ جَمِيعَهَا في خَمْسَةَ عَشَرَ احْتَمَلَ وُقُوعُ كُلِّهَا في الْحَيْضِ أو بِالتَّفْرِيقِ
فَإِنْ جَمَعَتْ في النِّصْفَيْنِ بِأَنْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَثَانِيَهُ وَثَالِثَهُ وَسَابِعَ عَشَرَةَ وَثَامِنَ عَشَرَةَ أو في الْأَوَّلِ فَقَطْ بِأَنْ صَامَتْ التَّاسِعَ عَشَرَ بَدَلَ الثَّامِنَ عَشَرَ احْتَمَلَ الِانْقِطَاعُ في الثَّالِثِ وَالْعَوْدُ في الثَّامِنَ عَشَرَ فَلَا يَصِحُّ إلَّا السَّابِعَ عَشَرَ أو في الثَّانِي فَقَطْ بِأَنْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَثَالِثَهُ وَخَامِسَهُ وَسَابِعَ عَشَرَةَ وَثَامِنَ عَشَرَةَ احْتَمَلَ الطُّرُوُّ في الثَّالِثِ وَالِانْقِطَاعُ في الثَّامِنِ عَشَرَ فَلَا يَصِحُّ إلَّا الْأَوَّلُ وَأَمَّا جَوَازُ التَّأْخِيرِ عن سَابِعَ عَشَرَ كُلٌّ إلَى خَامِسَ عَشَرَ ثَانِيهِ فِيمَا إذَا فَرَّقَتْ بِأَكْثَرَ من يَوْمٍ كَأَنْ صَامَتْ لِقَضَاءِ يَوْمَيْنِ الْأَوَّلَ وَخَامِسَهُ وَعَاشِرَهُ وَسَابِعَ عَشَرَةَ وَحَادِيَ عَشَرَيْهِ فَلِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ إنْ كَانَا طُهْرًا فَذَاكَ أو حَيْضًا فَغَايَةُ امْتِدَادِهِ إلَى السَّادِسَ عَشَرَ ثُمَّ لَا يَعُودُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ أو الْأَوَّلُ حَيْضًا دُونَ الْخَامِسِ صَحَّ الْخَامِسُ وَالْعَاشِرُ أو بِالْعَكْسِ فَغَايَةُ امْتِدَادِهِ إلَى الْعِشْرِينَ فَيَصِحُّ الْأَوَّلُ وما بَعْدَ الْعِشْرِينَ وَمَنْ عليها أَرْبَعَةَ عَشَرَ فما دُونَهَا تَصُومُهُ أَيْ ما عليها من ذلك وَلَاءُ مَرَّتَيْنِ الثَّانِيَةُ مِنْهُمَا من السَّابِعَ عَشَرَ وَتَزِيدُ يَوْمَيْنِ بَيْنُهُمَا تَوَالَيَا أو تَفَرَّقَا اتَّصَلَا بِالصَّوْمِ الْأَوَّلِ أو بِالثَّانِي أو أَحَدُهُمَا بِالْأَوَّلِ وَالْآخَرُ بِالثَّانِي أو لم يَتَّصِلَا بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا حَيْثُ يَتَأَتَّى ذلك فَلِقَضَاءِ يَوْمَيْنِ تَصُومُ يَوْمًا وَثَانِيهِ وَسَابِعَ عَشَرَةَ وَثَامِنَ عَشَرَةَ وَيَوْمَيْنِ بَيْنَهُمَا كَيْفَ شَاءَتْ فَتَبْرَأُ لِأَنَّ الْأَوْلَيْنَ إنْ فُقِدَ الْحَيْضُ فِيهِمَا فَقَدْ صَحَّ صَوْمُهُمَا أو وُجِدَ فِيهِمَا صَحَّ صَوْمُ الْأَخِيرَيْنِ إنْ لم يَعُدَّ فِيهِمَا وَإِلَّا فَالْمُتَوَسِّطَانِ أو في الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي صَحَّ الثَّانِي وَالْمُتَوَسِّطَانِ أو أَوَّلُهُمَا أو في الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ صَحَّ الْأَوَّلُ وَالثَّامِنَ عَشَرَ فَظَهَرَ أَنَّ الْبَرَاءَةَ عن يَوْمَيْنِ تَحْصُلُ بِالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ في تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَبِهَذَا الطَّرِيقِ بِسِتَّةٍ في ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَذَاكَ لِتَقْلِيلِ الْعَمَلِ وَهَذَا لِتَعْجِيلِ الْبَرَاءَةِ
وَإِنَّمَا وَجَبَ التَّوْزِيعُ في هذا أَيْضًا على نِصْفَيْ الشَّهْرِ لِأَنَّهَا لو صَامَتْ الْجَمِيعَ في أَحَدِهِمَا احْتَمَلَ وُقُوعُهُ في الْحَيْضِ وَإِنَّمَا وَجَبَ الْوَلَاءُ في الطَّرَفِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا لو فَرَّقَتْ فيه كَأَنْ صَامَتْ في الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ الْأَوَّلَ وَثَالِثَهُ احْتَمَلَ الطُّرُوُّ في الثَّالِثِ وَالِانْقِطَاعُ في الثَّامِنَ عَشَرَ فَلَا يَصِحُّ إلَّا الْأَوَّلُ وَإِنَّمَا وَجَبَ في الطَّرَفِ الْأَخِيرِ لِأَنَّهَا لو فَرَّقَتْ فيه كَأَنْ صَامَتْ السَّابِعَ عَشَرَ وَالتَّاسِعَ عَشَرَ وقد صَامَتْ الْأَوَّلَ وَثَانِيَهُ وَثَالِثَهُ وَرَابِعَهُ احْتَمَلَ الِانْقِطَاعُ في الرَّابِعِ وَالْعَوْدُ في التَّاسِعَ عَشَرَ فَلَا يَصِحُّ إلَّا السَّابِعَ عَشَرَ
وَإِنَّمَا جَازَ في الْمُتَوَسِّطِ وُقُوعُهُ كَيْفَ شَاءَتْ لِأَنَّهُ إنْ صَحَّ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَالْمُتَوَسِّطُ طَهُرَ بِيَقِينٍ هذا كُلُّهُ في غَيْرِ الْمُتَتَابِعِ وَأَمَّا الْمُتَتَابِعُ بِنَذْرٍ أو غَيْرِهِ فَإِنْ كان سَبْعًا فما دُونَهَا صَامَتْهُ وَلَاءً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ الثَّالِثَةُ منها من سَابِعَ عَشَرَ شُرُوعُهَا في الصَّوْمِ بِشَرْطِ أَنْ تُفَرِّقَ بين كل مَرَّتَيْنِ من الثَّلَاثِ بِيَوْمٍ فَأَكْثَرَ حَيْثُ يَتَأَتَّى الْأَكْثَرُ وَذَلِكَ فِيمَا دُونَ
____________________
(1/109)
السَّبْعِ فَلِقَضَاءِ يَوْمَيْنِ وَلَاءً تَصُومُ يَوْمًا وَثَانِيَهُ وَسَابِعَ عَشَرَةَ وَثَامِنَ عَشَرَةَ وَيَوْمَيْنِ بَيْنَهُمَا وَلَاءٌ غَيْرُ مُتَّصِلَيْنِ بِشَيْءٍ من الصَّوْمَيْنِ فَتَبْرَأُ لِأَنَّهُ إنْ فُقِدَ الْحَيْضُ في الْأَوَّلَيْنِ صَحَّ صَوْمُهُمَا وَإِنْ وُجِدَ فِيهِمَا صَحَّ الْأَخِيرَانِ إنْ لم يَعُدَّ فِيهِمَا وَإِلَّا فَالْمُتَوَسِّطَانِ وَإِنْ وُجِدَ في الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي صَحَّا أَيْضًا أو بِالْعَكْسِ فَإِنْ انْقَطَعَ قبل السَّابِعَ عَشَرَ صَحَّ مع ما بَعْدَهُ وَإِنْ انْقَطَعَ فيه صَحَّ الْأَوَّلُ وَالثَّامِنَ عَشَرَ وَتَخَلُّلُ الْحَيْضِ لَا يَقْطَعُ الْوَلَاءَ
وَإِنْ كان الصَّوْمُ الذي تَخَلَّلَهُ قَدْرًا يَسَعُهُ وَقْتَ الطُّهْرِ لِضَرُورَةِ تَحَيُّرِ الْمُسْتَحَاضَةِ فَلَوْ أَخَلَّتْ بِالْوَلَاءِ في مَرَّةٍ من الْمَرَّاتِ الثَّلَاثِ لم تَبْرَأْ أَمَّا في الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ فَلِمَا مَرَّ في غَيْرِ الْمُتَتَابِعِ في الطَّرِيقِ الثَّانِي وَأَمَّا في الْمُتَوَسِّطَةِ فَلِأَنَّهَا لو صَامَتْ الرَّابِعَ وَالسَّادِسَ مَثَلًا احْتَمَلَ الِانْقِطَاعُ في الثَّالِثِ وَالْعَوْدُ في الثَّامِنَ عَشَرَ فَيَقَعُ مُتَفَرِّقًا بِغَيْرِ حَيْضٍ لِأَنَّ الذي يَصِحُّ لها حِينَئِذٍ الرَّابِعُ وَالسَّادِسُ وَالسَّابِعَ عَشَرَ وَإِنَّمَا وَجَبَ التَّفْرِيقُ بين الْمَرَّاتِ أَمَّا بين الْأُولَيَيْنِ فَلِأَنَّهَا لو وَالَتْ بَيْنَهُمَا كَأَنْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَثَانِيَهُ وَثَالِثَهُ وَرَابِعَهُ احْتَمَلَ الِانْقِطَاعُ في الثَّالِثِ وَالْعَوْدُ في الثَّامِنَ عَشَرَ فَلَا يَصِحُّ إلَّا الرَّابِعُ وَالسَّابِعَ عَشَرَ وَيَقَعُ التَّفْرِيقُ بِغَيْرِ حَيْضٍ وَأَمَّا بين الْأَخِيرَتَيْنِ فَلِأَنَّهَا لو صَامَتْ الْخَامِسَ عَشَرَ وَثَانِيَهُ وَثَالِثَهُ وَرَابِعَهُ احْتَمَلَ الِانْقِطَاعُ في الْأَوَّلِ وَالْعَوْدُ في السَّادِسَ عَشَرَ فَلَا يَصِحُّ إلَّا الثَّانِي وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَيَقَعُ التَّفْرِيقُ بِغَيْرِ حَيْضٍ أَيْضًا وَإِنَّمَا لم يَأْتِ ذلك في الزَّائِدِ على السَّبْعِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ صَوْمُ أَكْثَرَ منها مَرَّتَيْنِ مُتَفَرِّقَتَيْنِ في خَمْسَةَ عَشَرَ
وَتَقْيِيدُهُ ما ذَكَرَ بِالسَّبْعِ فما دُونَهَا مع شَرْطِ التَّفْرِيقِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرُهُ فَإِنْ زَادَ الْمُتَتَابِعُ على السَّبْعِ وَنَقَصَ عن خَمْسَةَ عَشَرَ الْأَوْلَى فَإِنْ كان أَرْبَعَةَ عَشَرَ فما دُونَهَا لِيَشْمَلَ ما دُونَ السَّبْعِ صَامَتْ له سِتَّةَ عَشَرَ وَلَاءً ثُمَّ تَصُومُ قَدْرَ الْمُتَتَابِعِ أَيْضًا وَلَاءً بين أَفْرَادِهِ وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ السِّتَّةَ عَشَرَ فَلِقَضَاءِ ثَمَانِيَةٍ مُتَتَابِعَةٍ تَصُومُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَلَاءً فَتَبْرَأُ إذْ الْغَايَةُ بُطْلَانُ سِتَّةَ عَشَرَ فَتَبْقَى ثَمَانِيَةٌ من الْأَوَّلِ أو الْآخِرِ أو مِنْهُمَا أو من الْوَسَطِ وَلِقَضَاءِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ تَصُومُ ثَلَاثِينَ وَإِنَّمَا وَجَبَ الْوَلَاءُ في مَجْمُوعِ الْمُدَّةِ لِأَنَّهَا لو صَامَتْ ثَمَانِيَةً من الْأَوَّلِ وَأَفْطَرَتْ التَّاسِعَ ثُمَّ صَامَتْ سِتَّةَ عَشَرَ من الْعَاشِرِ إلَى الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ احْتَمَلَ الِانْقِطَاعُ في الْأَوَّلِ وَالْعَوْدُ في السَّادِسَ عَشَرَ فَلَا يَصِحُّ من الثَّمَانِيَةِ إلَّا سَبْعَةٌ وَمِنْ السِّتَّةَ عَشَرَ إلَّا سِتَّةٌ مع تَخَلُّلِ إفْطَارِ يَوْمٍ في الطُّهْرِ وَذَلِكَ يَقْطَعُ الْوَلَاءَ فَلَا يَحْصُلُ الثَّمَانِيَةُ الْمُتَتَابِعَةُ وَكَذَا لو صَامَتْ سِتَّةَ عَشَرَ أَوَّلًا وَلَاءً ثُمَّ أَفْطَرَتْ السَّابِعَ عَشَرَ وَصَامَتْ بَعْدَهُ ثَمَانِيَةً احْتَمَلَ الِانْقِطَاعُ في التَّاسِعِ وَالْعَوْدُ في الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ فَلَا يَصِحُّ من السِّتَّةَ عَشَرَ إلَّا سَبْعَةٌ وَمِنْ الثَّمَانِيَةِ إلَّا سِتَّةٌ مع تَخَلُّلِ الْقَاطِعِ
وَإِنَّمَا لم يَأْتِ ذلك في الزَّائِدِ على الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ لِأَنَّ الشَّهْرَ لَا يَسَعُ أَكْثَرَ منها وَمِنْ سِتَّةَ عَشَرَ وَقَوْلُهُ فَإِنْ زَادَ إلَخْ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ كان ما عليها شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ صَامَتْ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَاءً فَتَبْرَأُ إذْ يَحْصُلُ من كل ثَلَاثِينَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَيَحْصُلُ من مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ وَمِنْ عِشْرِينَ الْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ وَإِنَّمَا وَجَبَ الْوَلَاءُ لِأَنَّهَا لو فَرَّقَتْ احْتَمَلَ وُقُوعُ الْفِطْرِ في الطُّهْرِ فَيَقْطَعُ الْوَلَاءَ فَإِنْ أَرَادَتْ قَضَاءَ صَلَاةٍ فَائِتَةٍ أو مَنْذُورَةٍ اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْهَا مَتَى شَاءَتْ وَأَمْهَلَتْ قَدْرَ ما اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ ثُمَّ تُصَلِّيهَا بِغُسْلٍ آخَرَ بِحَيْثُ تَقَعُ في خَمْسَةَ عَشَرَ من أَوَّلِ غُسْلِ الصَّلَاةِ الْأُولَى ثُمَّ تُمْهِلُ من أَوَّلِ لَيْلَةِ السَّادِسَ عَشَرَ قَدْرَ الْإِمْهَالِ الْأَوَّلِ ثُمَّ تُعِيدُهَا بِغُسْلٍ آخَرَ قبل تَمَامِ شَهْرٍ من الْمَرَّةِ الْأُولَى وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا تُؤَخِّرَ الثَّالِثَةَ عن أَوَّلِ لَيْلَةِ السَّادِسَ عَشَرَ أَكْثَرَ من الزَّمَنِ الْمُتَخَلَّلِ بين آخِرِ الْمَرَّةِ الْأُولَى وَأَوَّلِ الثَّانِيَةِ كما مَرَّ في الصَّوْمِ
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ في صَلَوَاتٍ كَخَمْسٍ إلَّا أَنَّهُ وفي نُسْخَةٍ أنها يَكْفِيهَا الْوُضُوءُ لِمَا بَعْدَ الْأُولَى بِأَنْ تَتَوَضَّأَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ بَعْدَهَا
وَالطَّوَافُ بِرَكْعَتَيْهِ كَالصَّلَاةِ فِيمَا ذَكَرَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلًّا من الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالطَّوَافِ وَإِنْ تَعَدَّدَ كَصَوْمِ يَوْمٍ وَالْإِمْهَالُ الْأَوَّلُ كَإِفْطَارِ الْيَوْمِ الثَّانِي وَالْإِمْهَالُ الثَّانِي كَإِفْطَارِ السَّادِسَ عَشَرَ وَأَمَّا الْعَشَرُ فَكَصَوْمِ يَوْمَيْنِ وَلَهَا في قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ طَرِيقٌ آخَرُ أَنْ تُصَلِّيَهَا إنْ لم تَخْتَلِفْ كَخَمْسَةِ أَصْبَاحٍ مَرَّةً بِالِاغْتِسَالِ بِزِيَادَةِ صَلَاةٍ ثُمَّ مَرَّةً بِالزِّيَادَةِ في أَوَّلِ لَيْلَةِ السَّادِسَ عَشَرَ من شُرُوعِهَا الْأَوَّلِ وَقِيَاسُ ما مَرَّ في الصَّوْمِ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ إيقَاعُ الصَّلَاتَيْنِ الزَّائِدَتَيْنِ مع الْمَرَّتَيْنِ بَلْ الشَّرْطُ أَنَّ تُوقِعَهُمَا بَيْنَهُمَا كَيْفَ شَاءَتْ إنْ أَخَّرَتْ الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ عن أَوَّلِ اللَّيْلَةِ بِزَمَنٍ يَسَعُ صَلَاةً بِشَرْطِهَا فَإِنْ اخْتَلَفَتْ صَلَّتْهَا وَلَاءً مَرَّتَيْنِ الثَّانِيَةُ مِنْهُمَا بِتَرْتِيبِ الْأُولَى حين يَمْضِي من السَّادِسَ عَشَرَ ما يَسَعُ الصَّلَاةَ
____________________
(1/110)
الْمُسْتَفْتَحَ بها مِنْهُنَّ وَتَزِيدُ بَيْنَهُمَا صَلَاتَيْنِ من كل نَوْعٍ تُوقِعُهُمَا في خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا من أَوَّلِ الشُّرُوعِ مِثَالُهُ عليها ثَلَاثَةُ أَصْبَاحٍ وَظُهْرَانِ تُصَلِّي الْكُلَّ وَلَاءً ثُمَّ تَزِيدُ صُبْحَيْنِ وَظُهْرَيْنِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ لَفَظَّةُ دُونَ من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا بَلْ قد تُوهِمُ مَحْذُورًا ثُمَّ تُمْهِلُ من السَّادِسَ عَشَرَ ما يَسَعُ صُبْحًا بِشُرُوطِهَا من غُسْلٍ وَغَيْرِهِ ثُمَّ تُعِيدُ الْخَمْسَ كما فَعَلَتْ أَوَّلًا وَقَوْلُهُ بِشُرُوطِهَا من زِيَادَتِهِ فَفِي الْأُولَى وَالْأَوْفَقُ بِكَلَامِ أَصْلِهِ وفي هذه الطَّرِيقِ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ بِخِلَافِ الطَّرِيقِ الْأُولَى وما ذَكَرَهُ من أَنَّ الْإِمْهَالَ في السَّادِسَ عَشَرَ بِقَدْرِ ما يَسَعُ الصَّلَاةَ الْمُفْتَتَحَ بها تَبِعَ فيه أَصْلَهُ وهو صَحِيحٌ وَإِنْ عَبَّرَ كَثِيرٌ بِقَدْرِ ما يَسَعُ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا لِأَنَّ الدَّمَ إنْ طَرَأَ في أَثْنَاءِ صَلَاةٍ مِنْهُنَّ في الْمَرَّةِ الْأُولَى انْقَطَعَ في مِثْلِ ذلك الْوَقْتِ من السَّادِسَ عَشَرَ فَرْعٌ الْمُتَحَيِّرَةُ يُنْفِقُهَا أَيْ يُنْفِقُ عليها الزَّوْجُ كَغَيْرِهَا وَلَا خِيَارَ له في الْفَسْخِ لِلنِّكَاحِ لِأَنَّ جِمَاعَهَا مُتَوَقَّعٌ بِخِلَافِ الرَّتْقَاءِ وَعِدَّتِهَا لِفُرْقَةِ الْحَيَاةِ إذَا لم تَكُنْ حَامِلًا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ في الْحَالِ لِتَضَرُّرِهَا بِطُولِ الِانْتِظَارِ إلَى سِنِّ الْيَأْسِ وَتُعْتَبَرُ الْأَشْهُرُ بِالْأَهِلَّةِ ما أَمْكَنَ فَإِنْ انْطَبَقَ الْفِرَاقُ على أَوَّلِ الْهِلَالِ فَذَاكَ وَإِلَّا اُعْتُبِرَ بَعْدَهُ شَهْرَانِ بِالْهِلَالِ ثُمَّ تُكْمِلُ الْمُنْكَسِرَ من الشَّهْرِ ثَلَاثِينَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْفِرَاقُ حَصَلَ وقد بَقِيَ من الشَّهْرِ أَكْثَرُ من خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَكْمِلَةٍ بَلْ يُحْسَبُ ذلك قُرْءً كما سَيَأْتِي في الْعَدَدِ لِأَنَّ الْأَشْهُرَ غَيْرُ مُتَأَصِّلَةٍ في حَقِّهَا بَلْ يُحْسَبُ كُلُّ شَهْرٍ في حَقِّهَا قُرْءً لِاشْتِمَالِهِ عليه غَالِبًا وَإِنْ ذَكَرَتْ الْأَدْوَارَ فَثَلَاثَةٌ أَيْ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةٌ منها سَوَاءٌ أَكَانَتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ أَمْ أَكْثَرَ أَمْ أَقَلَّ لِاشْتِمَالِهَا على ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ فَلَوْ شَكَّتْ في قَدْرِهَا أَخَذَتْ بِالْأَكْثَرِ قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَيُسْتَثْنَى من ذلك أَخْذًا مِمَّا مَرَّ آنِفًا ما إذَا حَصَلَ الْفِرَاقُ وقد بَقِيَ من الدَّوْرِ زِيَادَةٌ على أَكْثَرِ ما يُمْكِنُ جَعْلُهُ حَيْضًا كَأَنْ كان دَوْرُهَا عِشْرِينَ وَفَارَقَهَا وقد بَقِيَ منه أَكْثَرُ من خَمْسَةِ أَيَّامٍ وَلَا تُقَدِّمُ الْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ أَيْ لَا تَجْمَعُهُمَا تَقْدِيمًا لِسَفَرٍ وَنَحْوِهِ من مَطَرٍ لِأَنَّ شَرْطَهُ تَقَدُّمُ الْأُولَى صَحِيحَةً يَقِينًا أو بِنَاءً على أَصْلٍ ولم يُوجَدْ هُنَا وَلَيْسَ كَمَنْ شَكَّ هل أَحْدَثَ أَمْ لَا فَصَلَّى الظُّهْرَ فإن له أَنْ يَجْمَعَ مَعَهَا الْعَصْرَ لِأَنَّهُ يَبْنِي على أَصْلِ الطَّهَارَةِ السَّابِقَةِ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ كَالرَّوْضَةِ جَوَازَ الْجَمْعِ تَأْخِيرًا وهو ظَاهِرٌ وَلَا يَمْنَعُ منه احْتِمَالُ طُرُوُّ الْحَيْضِ قبل الْعَصْرِ وَإِنْ أَدَّى إلَى تَفْوِيتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يُجْبِرُ ذلك نعم قد يَشْكُلُ ذلك على الْقَوْلِ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَلَا تَؤُمُّ في صَلَاتِهَا بِطَاهِرَةٍ وَلَا مُتَحَيِّرَةٍ بِنَاءً على ما مَرَّ من وُجُوبِ الْقَضَاءِ عليها في الْأُولَى وَلِاحْتِمَالِ أنها حَائِضٌ دُونَ الْمُؤْتَمَّةِ بها في الثَّانِيَةِ وَلَا تَفْدِي أَيْ لَا يَلْزَمُهَا الْفِدَاءُ عن صَوْمِهَا إنْ أَفْطَرَتْ لِلرَّضَاعِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا حَائِضًا وَظَاهِرٌ أَخْذًا من هذا التَّعْلِيلِ أَنَّ مَحَلَّ ذلك إذَا أَفْطَرَتْ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَقَلَّ أَمَّا إذَا زَادَتْ عليها فَيَلْزَمُهَا الْفِدَاءُ عن الزَّائِدِ لِأَنَّ الْمُتَيَقَّنَ فيه طُهْرُهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لها من رَمَضَانَ التَّامِّ إلَّا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا كما مَرَّ وَشَكُّهَا في نِيَّةِ صَوْمِ يَوْمٍ بَعْدَ الْغُرُوبِ لَا يَضُرُّ كَغَيْرِهَا لِأَنَّ الشَّكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَا يُؤَثِّرُ وَقِيلَ يَضُرُّ لِأَنَّ هذا الصَّوْمَ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ فَصَارَ كَالشَّكِّ في أَثْنَائِهِ الْحَالُ الثَّانِي لِلنَّاسِيَةِ أَنْ تَذْكُرَ الْوَقْتَ أَيْ وَقْتَ الْحَيْضِ دُونَ قَدْرِهِ فَهَذِهِ تَكُونُ حَائِضًا حين لَا يَحْتَمِلُ زَمَنُهَا الطُّهْرَ وَطَاهِرًا حين لَا يَحْتَمِلُ الْحَيْضَ وَإِنْ احْتَمَلَهُمَا احْتَاطَتْ لِلشَّكِّ كما تَقَدَّمَ في الْمُتَحَيِّرَةِ الْمُطَلَّقَةِ وَلَا يَلْزَمُهَا الْغُسْلُ إلَّا لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ فَإِنْ قالت كُنْت أَحِيضُ أَوَّلَ كل شَهْرٍ ثَلَاثِينَ وَعَيَّنَتْهَا أَيْ الثَّلَاثِينَ فَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ من أَوَّلِهَا حَيْضٌ بِيَقِينٍ ثُمَّ هِيَ بَعْدَهُمَا إلَى آخِرِ خَمْسَةَ عَشَرَ في شَكٍّ يَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ وَالْحَيْضَ وَالطُّهْرَ وَالْبَاقِي طُهْرٌ بِيَقِينٍ فَإِنْ قالت كان انْقِطَاعُهُ آخِرَهَا أَيْ الثَّلَاثِينَ فَالنِّصْفُ الْأَوَّلُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالْيَوْمُ الْأَخِيرُ وَلَيْلَتُهُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وما بَيْنَهُمَا شَكٌّ يَحْتَمِلُ الِابْتِدَاءَ وَالطُّهْرَ دُونَ الِانْقِطَاعِ وَإِنْ قالت كُنْت أَخْلِطُ شَهْرًا بِشَهْرٍ حَيْضًا أَيْ يُوجَدُ آخَرُ كل شَهْرٍ وَأَوَّلُ تَالِيهِ فَلَحْظَتَانِ من مُلْتَقَى الشَّهْرَيْنِ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَلَحْظَتَانِ من مُلْتَقَى النِّصْفَيْنِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالنِّصْفُ الْأَوَّلُ أَيْ بَاقِيهِ يَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ وَالْحَيْضَ وَالطُّهْرَ والنصف الْأَخِيرُ أَيْ بَاقِيهِ يَحْتَمِلُ
____________________
(1/111)
الِابْتِدَاءَ وَالطُّهْرَ دُونَ الِانْقِطَاعِ فَإِنْ قالت وَالْحَالَةُ هذه أَيْ كُنْت أَخْلِطُ شَهْرًا بِشَهْرٍ حَيْضًا وَكُنْت في الْيَوْمِ الْخَامِسِ حَائِضًا فَلَحْظَةٌ من آخِرِ كل شَهْرٍ إلَى آخِرِ خَمْسَةِ أَيَّامٍ من الذي بَعْدَهُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَلَحْظَةٌ بِيَقِينٍ وَلَحْظَةٌ من آخِرِ الْخَامِسَ عَشَرَ إلَى آخِرِ الْعِشْرِينَ طُهْرٌ بِيَقِينٍ ثُمَّ بَعْدَهَا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ يَحْتَمِلُ الِابْتِدَاءَ وَالطُّهْرَ دُونَ الِانْقِطَاعِ وما بين الْخَامِسِ وَآخِرِ الْخَامِسَ عَشَرَ يَحْتَمِلُ الثَّلَاثَةَ وَإِنْ قالت كُنْت أَخْلِطُهُمَا طُهْرًا فَلَا حَيْضَ لها مُتَيَقَّنٌ وَاللَّحْظَتَانِ من مُلْتَقَى الشَّهْرَيْنِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ بَعْدَهُمَا لَا يَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ وَالْبَاقِي مُحْتَمِلٌ له وَلِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ الْحَالُ الثَّالِثُ لِلنَّاسِيَةِ أَنْ تَحْفَظَ قَدْرَ عَادَتِهَا دُونَ وَقْتِهَا كَأَنْ قالت كان حَيْضِي خَمْسَةً أَضْلَلْتهَا في دَوْرِي أو حَيْضِي خَمْسَةً وَدَوْرِي ثَلَاثِينَ وَهَذَا لَا يُفِيدُ خُرُوجَهَا عن التَّحَيُّرِ الْمُطْلَقِ لِاحْتِمَالِ كل زَمَنٍ الْحَيْضَ وَالطُّهْرَ وَالِانْقِطَاعَ إلَّا إنْ حَفِظَتْ معه أَيْ من حِفْظِ الْقَدْرِ قَدْرَ الدَّوْرِ مع ابْتِدَائِهِ كَأَنْ قالت كان حَيْضِي عَشَرَةً من الثَّلَاثِينَ الْمُعَيَّنَةِ أَيْ التي عَيَّنْتهَا فَزَمَانُهَا أَيْ الثَّلَاثِينَ شَكٌّ يَحْتَمِلُ الْحَيْضَ وَالطُّهْرَ وَبَعْدَ مُضِيِّ عَشَرٍ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ أَيْضًا بِخِلَافِ الْعَشَرِ الْأُوَلِ لَا يَحْتَمِلُهُ فَإِنْ قالت كان حَيْضِي إحْدَى الْعَشَرَاتِ اغْتَسَلَتْ آخِرَ كل عَشَرَةٍ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ فَإِنْ قالت كان حَيْضِي عَشَرَةً من الْعِشْرِينَ الْأَوَّلَةِ الْأَفْصَحُ الْأُولَى فَالْعَشَرَةُ الْأَخِيرَةُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالْبَاقِي مَشْكُوكٌ فيه يَحْتَمِلُ الْحَيْضَ وَغَيْرَهُ لَكِنْ الْعَشَرَةُ الثَّانِيَةُ تَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ دُونَ الْأُولَى وَإِنْ قالت كان حَيْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ من الْعِشْرِينَ الْأُولَى فَالْخَمْسَةُ الْأُولَى شَكٌّ لَا تَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ وَتَحْتَمِلُ الْحَيْضَ وَالطُّهْرَ والخمسة الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالرَّابِعَةُ تَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ وَالْحَيْضَ وَالطُّهْرَ وما بَعْدَ هُمَا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَلَوْ قالت كان حَيْضِي خَمْسَةً من الشَّهْرِ أَيْ من أَحَدِ نِصْفَيْهِ وَكُنْت طَاهِرًا في الثَّالِثَ عَشَرَ فَالْخَمْسَةُ الْأُولَى تَحْتَمِلُ الِابْتِدَاءَ وَالطُّهْرَ دُونَ الِانْقِطَاعِ وَمِنْهَا إلَى آخِرِ الثَّانِيَ عَشَرَ تَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ وَالْحَيْضَ وَالطُّهْرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ وَالْيَوْمَانِ بَعْدَهُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالْخَمْسَةُ بَعْدَهَا لَا تَحْتَمِلُ انْقِطَاعًا وَتَحْتَمِلُ الْحَيْضَ وَالطُّهْرَ وَالْبَاقِي مُحْتَمِلٌ لِلْجَمِيعِ وَحَيْثُ زَادَ الْمَنْسِيُّ على نِصْفِ الْمَنْسِيِّ فيه فَالزَّائِدُ وَمِثْلُهُ أَيْ فَضِعْفُ الزَّائِدِ قال الرَّافِعِيُّ وَإِنْ شِئْت قُلْت فَالزَّائِدُ من ضِعْفِ الْمَنْسِيِّ على الْمَنْسِيِّ فيه حَيْضٌ في الْوَسَطِ فَفِي مِثَالِ نِسْيَانِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ في الْعِشْرِينَ الْأُولَى الزَّائِدُ من الْمَنْسِيِّ على نِصْفِ الْمَنْسِيِّ فيه خَمْسَةٌ وَضِعْفُهَا عَشَرَةٌ وَبِالْعِبَارَةِ الثَّانِيَةِ ضِعْفُ الْمَنْسِيِّ ثَلَاثُونَ وَالْمَنْسِيُّ فيه عِشْرُونَ وَالثَّلَاثُونَ تَزِيدُ عليها بِعَشَرَةٍ الْبَابُ الرَّابِعُ في التَّلْفِيقِ لو قال في التَّقَطُّعِ أو في السَّحْبِ كان أَوْلَى وَإِنَّمَا عَبَّرَ الشَّيْخَانِ بِالتَّلْفِيقِ لِأَنَّهُمَا حَكَيَا الْخِلَافَ في مَسْأَلَةِ التَّقَطُّعِ هل يُؤْخَذُ بِالسَّحْبِ أو بِالتَّلْفِيقِ وَالْمُصَنِّفُ جَازِمٌ بِالْأَوَّلِ إذَا رَأَتْ وَقْتًا دَمًا وَوَقْتًا نَقَاءً بِحَيْثُ تَخْرُجُ الْقُطْنَةُ التي أَدْخَلْتهَا في فَرْجِهَا بَيْضَاءَ ولم يُجَاوِزْ ذلك الْأَكْثَرَ أَيْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَلَا نَقَصَ مَجْمُوعُ الدَّمِ عن الْأَقَلِّ فَكُلُّ نَقَاءٍ مُحْتَوَشٍ بِدَمٍ أَيْ دَمَيْنِ حَيْضٌ تَبَعًا لَهُمَا وَقَوْلُهُ بِحَيْثُ تَخْرُجُ الْقُطْنَةُ بَيْضَاءَ تَعْرِيفٌ لِلنَّقَاءِ الْمُخْتَلَفِ في كَوْنِهِ حَيْضًا أو طُهْرًا فَإِنْ قُلْت فَلَا حَاجَةَ بِالْمُصَنِّفِ إلَى ذِكْرِهِ لِأَنَّهُ جَازِمٌ بِأَنَّ النَّقَاءَ حَيْضٌ سَوَاءٌ أَكَانَ بِالْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ أَمْ لَا قُلْت بَلْ له بِهِ حَاجَةٌ من حَيْثُ إنَّهُ يَلْزَمُهَا فيه أَنْ تَغْتَسِلَ وَتَسْتَبِيحَ فيه الصَّلَاةَ وَالْوَطْءَ وَنَحْوَهُمَا كما سَيَأْتِي فَرْعٌ الْمُبْتَدَأَةُ وَغَيْرُهَا بَعْدَ رُؤْيَةِ الدَّمِ قَدْرَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ تَغْتَسِلُ وُجُوبًا لِكُلِّ انْقِطَاعٍ وَتَسْتَبِيحُ الصَّلَاةَ وَالْوَطْءَ وَنَحْوَهُمَا مِمَّا يَمْتَنِعُ بِالْحَيْضِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ عَوْدِ الدَّمِ فإذا انْقَطَعَ الدَّمُ قبل خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَالْكُلُّ أَيْ فَكُلٌّ من الدَّمِ وَالنَّقَاءِ الْمُحْتَوَشِ حَيْضٌ فَلَا تُصَلِّي وَلَا تَفْعَلُ شيئا مِمَّا ذَكَرَ في الشَّهْرِ الثَّانِي لِلِانْقِطَاعِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أنها فيه كَالشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَهَذَا ما في الرَّوْضَةِ عن تَصْحِيحِ الرَّافِعِيِّ لَكِنَّهُ تَعَقَّبَهُ بِأَنَّ الْأَصَحَّ أنها فِيمَا عَدَا الشَّهْرَ الْأَوَّلَ كَهِيَ فيه وَصَحَّحَهُ في التَّحْقِيقِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَإِنْ جَاوَزَهَا أَيْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَرَدَدْنَاهَا إلَى مَرَدٍّ من يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِلْمُبْتَدَأَةِ وَعَادَةٍ لِلْمُعْتَادَةِ وَتَمْيِيزٍ لِلْمُمَيِّزَةِ أَجْزَأَهَا في الشَّهْرِ
____________________
(1/112)
@ 113 الْأَوَّلِ ما صَلَّتْ وَصَامَتْ في أَيَّامِ النَّقَاءِ الْوَاقِعَةِ فِيمَا وَرَاءَ الْمَرَدِّ وَقَضَتْ منه أَيَّامَ الدَّمِ الْوَاقِعَةَ في ذلك فَإِنْ كانت عَادَتُهَا سِتَّةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةً وَتَقَطَّعَ الدَّمُ يَوْمًا يَوْمًا حَيَّضْنَاهَا خَمْسَةً لِأَنَّ السَّادِسَ نَقَاءٌ لم يَحْتَوِشْهُ حَيْضٌ وَلَا بُدَّ من احْتِوَاشِهِ بِهِ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَأَيَّامُ الْعَادَةِ كَالْخَمْسَةَ عَشَرَ بِلَا مُجَاوَزَةٍ وَلَوْ كانت عَادَتُهَا خَمْسَةً من أَوَّلِ الثَّلَاثِينَ فَرَأَتْ الدَّمَ يوم الثَّلَاثِينَ وَتَقَطَّعَ حَيَّضْنَاهَا خَمْسَةً مُتَوَالِيَةً أَوَّلُهَا الثَّلَاثُونَ وَلَوْ رَأَتْهُ في الْيَوْمِ الثَّانِي وَتَقَطَّعَ أَيْضًا حَيَّضْنَاهَا من أَوَّلِ الثَّانِي خَمْسَةً مُتَوَالِيَةً وَيَثْبُتُ انْتِقَالُ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ وحينئذ إذَا انْطَبَقَ الدَّمُ في الْمُسْتَقْبَلِ على أَوَّلِ الدَّوْرِ فَلَا إشْكَالَ في أَنَّهُ ابْتِدَاءُ الْحَيْضِ وَإِنْ اخْتَلَفَ بِتَقَدُّمٍ أو تَأَخُّرٍ جَعَلْنَا أَوَّلَ الدَّوْرِ أَقْرَبَ النَّوْبِ أَيْ نَوْبِ الدَّمِ إلَيْهِ أَيْ إلَى أَوَّلِ دَوْرِهَا فَإِنْ اسْتَوَيَا تَقَدُّمًا وَتَأَخُّرًا فَالْمُتَأَخِّرَةُ هِيَ أَوَّلُ الدَّوْرِ قال في الْأَصْلِ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذلك أَنْ تَأْخُذَ نَوْبَةَ دَمٍ وَنَوْبَةَ نَقَاءٍ وَتَطْلُبَ عَدَدًا صَحِيحًا يَحْصُلُ من ضَرْبِ مَجْمُوعِ النَّوْبَتَيْنِ فيه مِقْدَارُ دَوْرِهَا فَإِنْ وَجَدْته عُلِمَ الِانْطِبَاقُ وَإِلَّا فَاضْرِبْهُ في عَدَدٍ يَكُونُ الْحَاصِلُ منه أَقْرَبَ إلَى دَوْرِهَا أَيْ أَوَّلِهِ زَائِدًا أو نَاقِصًا وَاجْعَلْ حَيْضَهَا الثَّانِيَ أَقْرَبَ الدِّمَاءِ إلَى أَوَّلِ الدَّوْرِ فَإِنْ اسْتَوَى طَرَفَا الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ فَالْعِبْرَةُ بِالزَّائِدِ مِثَالُ ذلك في الِانْطِبَاقِ عَادَتُهَا خَمْسَةٌ من ثَلَاثِينَ وَالتَّقَطُّعُ يَوْمٌ يَوْمٌ فَنَوْبَتَا الدَّمِ وَالنَّقَاءِ يَوْمَانِ وَتَجِدُ عَدَدًا إذَا ضَرَبَتْهُمَا فيه يَبْلُغُ ثَلَاثِينَ وهو خَمْسَةَ عَشَرَ فَيُعْلَمُ انْطِبَاقُ الدَّمِ على أَوَّلِ دَوْرِهَا أَبَدًا ما دَامَ التَّقَطُّعُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَدَوْرُهَا أَبَدًا ثَلَاثُونَ وَمِثَالُهُ في غَيْرِ الِانْطِبَاقِ مع التَّسَاوِي عَادَتُهَا الْعَشَرَةُ الْأُولَى من الشَّهْرِ فَرَأَتْهُ من أَوَّلِهِ وَتَقَطَّعَ يَوْمَيْنِ يَوْمَيْنِ فَيَكُونُ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي من الدَّوْرِ الثَّانِي نَقَاءً فَيَسْتَوِي ابْتِدَاءُ النَّوْبَتَيْنِ أَيْ نَوْبَتَيْ الدَّمِ في الْقُرْبِ من أَوَّلِ الدَّوْرِ وقد قُلْنَا أَنَّ النَّوْبَةَ الْمُتَأَخِّرَةَ أَوْلَى فَتَحَيُّضُهَا من الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَا من التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ لِأَنَّك لم تَجِدْ عَدَدًا يَحْصُلُ من ضَرْبِ أَرْبَعَةٍ فيه مِقْدَارُ الدَّوْرِ بَلْ ما يَقْرُبُ منه وهو سَبْعَةٌ وَثَمَانِيَةٌ فَيَحْصُلُ بِالْأَوَّلِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَبِالثَّانِي اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ فَاسْتَوَى الطَّرَفَانِ فَخُذْ بِالزِّيَادَةِ ثُمَّ في الدَّوْرِ الذي يَلِيهِ تَحَيُّضُهَا من أَوَّلِ الثَّلَاثِينَ لِانْطِبَاقِ الدَّمِ عليه لِأَنَّك إذَا ضَرَبْت الْأَرْبَعَةَ في سَبْعَةٍ حَصَلَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ آخِرُهَا الثَّلَاثُونَ ثُمَّ تَحَيُّضُهَا في الذي يَلِيهِ من الْيَوْمِ الثَّالِثِ من الشَّهْرِ فَدَوْرُ أَوَّلِ شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ وَاَلَّذِي يَلِيهِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَاَلَّذِي يَلِيهِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ وَهَكَذَا وَمِثَالُهُ في غَيْرِ الِانْطِبَاقِ مع عَدَمِ التَّسَاوِي ما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ تَقَطَّعَ ثَلَاثَةً دَمًا وَأَرْبَعَةً نَقَاءً حَيَّضْنَاهَا من التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الدَّوْرِ لِأَنَّك إذَا ضَرَبْت مَجْمُوعَ النَّوْبَتَيْنِ في أَرْبَعَةٍ حَصَلَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وفي خَمْسَةٍ حَصَلَ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى الدَّوْرِ فَخُذْ بِهِ وفي الدَّوْرِ الذي يَلِيهِ نُحَيِّضُهَا من الرَّابِعِ لَا من السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَقْرَبُ إلَى الدَّوْرِ لِأَنَّك إذَا ضَرَبْت مَجْمُوعَ النَّوْبَتَيْنِ في أَرْبَعَةٍ حَصَلَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ آخِرُهَا السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ وفي خَمْسَةٍ حَصَلَ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ آخِرُهَا الثَّالِثُ وهو أَقْرَبُ إلَى الدَّوْرِ من الْأَوَّلِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرَةَ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ أَوْلَى لَا يَصْلُحُ تَعْلِيلًا لِجَمِيعِ ذلك بَلْ لِلْأُولَى منه خَاصَّةً مع أَنَّ قَوْلَهُ فيه وقد قُلْنَا أَنَّ الْمُتَأَخِّرَةَ أَوْلَى يُغْنِي عنه وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا لِلْأَخِيرِ بِمَعْنَى أَنَّ الْمُتَأَخِّرَةَ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ أَوْلَى فَكَيْفَ إذَا كانت أَقْرَبَ وَلَوْ كانت عَادَتُهَا سِتَّةً وَالتَّقَطُّعُ سِتَّةً سِتَّةً كان حَيْضُهَا في الدَّوْرِ الثَّانِي السِّتَّةَ الثَّانِيَةَ لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرَةَ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ أَوْلَى كما مَرَّ ثُمَّ في الذي يَلِيهِ السِّتَّةُ الْأُولَى لِانْطِبَاقِهَا على أَوَّلِهِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَلَوْ كانت عَادَتُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً فَرَأَتْ في شَهْرٍ يَوْمًا دَمًا وَلَيْلَةً نَقَاءً وَاسْتَمَرَّ هَكَذَا فَلَا حَيْضَ لها إذْ لم يَكُنْ مَجْمُوعُ دَمِ الْعَادَةِ أَيْ الدَّمِ الْوَاقِعِ فيها حَيْضًا وَالتَّعْلِيلُ من زِيَادَتِهِ وَالْأَوْلَى ما عَلَّلَ بِهِ غَيْرُهُ أَنَّهُ لو كان لها حَيْضٌ لَزِمَ كَوْنُ حَيْضِهَا أَقَلَّ من أَقَلِّ الْحَيْضِ أو أَكْثَرَ من مَرَدِّهَا أو كَوْنُ النَّقَاءِ الذي لم يَحْتَوِشْ بِدَمَيْ الْحَيْضِ حَيْضًا وَكُلٌّ مُمْتَنِعٌ وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا سَوَادًا وَيَوْمًا حُمْرَةً فَإِنْ انْقَطَعَ الْأَسْوَدُ لِخَمْسَةَ عَشَرَ فَكُلُّهَا حَيْضٌ كما لو انْقَطَعَ الْجَمِيعُ فيها وَإِنْ اسْتَمَرَّ الْجَمِيعُ فَمُسْتَحَاضَةٌ فَيَأْتِي فيها أَحْوَالُهَا السَّابِقَةُ من أنها مُبْتَدَأَةٌ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ أو مُعْتَادَةٌ كَذَلِكَ مُتَحَيِّرَةٌ مُطْلَقَةٌ أو من وَجْهٍ وَأَحْكَامُهَا كُلُّهَا عُرِفَتْ مِمَّا مَرَّ الْبَابُ الْخَامِسُ في النِّفَاسِ
____________________
(1/113)
يُقَالُ في فِعْلِهِ نُفِسَتْ الْمَرْأَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا وَبِكَسْرِ الْفَاءِ فِيهِمَا وَالضَّمُّ أَفْصَحُ وهو لُغَةً الْوِلَادَةُ وَشَرْعًا دَمُ الْوِلَادَةِ وَأَوَّلُ وَقْتِهِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَلَدِ وَقِيلَ أَقَلُّ الطُّهْرِ فَأَوَّلُهُ فِيمَا إذَا تَأَخَّرَ خُرُوجُهُ عن الْوِلَادَةِ من الْخُرُوجِ لَا منها وهو ما صَحَّحَهُ في التَّحْقِيقِ وَمَوْضِعٍ من الْمَجْمُوعِ عَكْسُ ما صَحَّحَهُ في الْأَصْلِ وَمَوْضِعٍ آخَرَ من الْمَجْمُوعِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُحْتَمِلٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا لَكِنَّهُ إلَى الثَّانِي أَقْرَبُ وَقَضِيَّةُ الْأَخْذِ بِالْأَوَّلِ أَنَّ زَمَنَ النَّقَاءِ لَا يُحْسَبُ من السِّتِّينَ لَكِنْ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ بِخِلَافِهِ فقال ابْتِدَاءُ السِّتِّينَ من الْوِلَادَةِ وَزَمَنُ النَّقَاءِ لَا نِفَاسَ فيه وَإِنْ كان مَحْسُوبًا من السِّتِّينَ ولم أَرَ من حَقَّقَ هذا انْتَهَى وَإِنْ كان الْوَلَدُ عَلَقَةً أو مُضْغَةً فإن الدَّمَ الْخَارِجَ بَعْدَهُ نِفَاسٌ وَأَقَلُّهُ لَحْظَةٌ وَأَكْثَرُهُ سِتُّونَ يَوْمًا وَغَالِبُهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا اعْتِبَارًا بِالْوُجُودِ وَأَمَّا خَبَرُ أبي دَاوُد كانت النُّفَسَاءُ تَجْلِسُ على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَمَحْمُولٌ على الْغَالِبِ أو على نِسْوَةٍ مَخْصُوصَاتٍ فَفِي رِوَايَةٍ كانت الْمَرْأَةُ من نِسَاءِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم تَقْعُدُ في النِّفَاسِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَعَبَّرَ بَدَلَ اللَّحْظَةِ في التَّحْقِيقِ كَالتَّنْبِيهِ بِالْمَجَّةِ أَيْ الدَّفْعَةِ وفي الْأَصْلِ بِأَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ أَيْ لَا يَتَقَدَّرُ بَلْ ما وُجِدَ منه وَإِنْ قَلَّ يَكُونُ نِفَاسًا وَلَا يُوجَدُ أَقَلُّ من مَجَّةٍ وَيُعَبِّرُ عن زَمَنِهَا بِاللَّحْظَةِ فَالْمُرَادُ من الْعِبَارَاتِ وَاحِدٌ وَدَمُ الْحَامِلِ حَيْضٌ إذَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُهُ وَلَوْ تَعَقَّبَهُ الطَّلْقُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ فَتَثْبُتُ له أَحْكَامُهُ لَكِنْ لَا يُحَرِّمُ الطَّلَاقَ لِانْتِفَاءِ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ بِهِ وَلَا تَقْضِي الْعِدَّةَ إنْ كان له حُكْمُ الْحَمْلِ في انْقِضَائِهَا بِالْحَمْلِ بِأَنْ كانت لِصَاحِبِهِ فَإِنْ لم تَكُنْ له بِأَنْ كان الْحَمْلُ من زِنًا كَأَنْ فَسَخَ نِكَاحَ صَبِيٍّ بِعَيْبِهِ أو غَيْرِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ وَهِيَ حَامِلٌ من زِنًا أو تَزَوَّجَ الرَّجُلُ حَامِلًا من زِنًا وَطَلَّقَهَا أو فَسَخَ نِكَاحَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالْحَيْضِ مع وُجُودِ الْحَمْلِ وَإِنْ كان من غَيْرِ زِنًا كَأَنْ طَلَّقَهَا حَامِلًا منه فَوَطِئَهَا غَيْرُهُ بِشُبْهَةٍ أو بِالْعَكْسِ لم تَنْقَضِ بِهِ خِلَافًا لِلْقَاضِي والدم الْخَارِجُ مع الْوَلَدِ وَدَمُ الطَّلْقِ ليس شَيْءٌ مِنْهُمَا بِحَيْضٍ لِأَنَّهُ من آثَارِ الْوِلَادَةِ وَلَا نِفَاسَ لِتَقَدُّمِهِ على خُرُوجِ الْوَلَدِ بَلْ دَمُ فَسَادٍ نعم الْمُتَّصِلُ من ذلك بِحَيْضِهَا الْمُتَقَدِّمِ حَيْضٌ وَالدَّمُ الْخَارِجُ بين التَّوْأَمَيْنِ حَيْضٌ كما أَيْ كَالْخَارِجِ بَعْدَ عُضْوٍ انْفَصَلَ من الْوَلَدِ الْمُجْتَنِّ لِخُرُوجِهِ قبل فَرَاغِ الرَّحِمِ فَصْلٌ فَإِنْ جَاوَزَ دَمُ النُّفَسَاءِ السِّتِّينَ جَرَتْ على عَادَتِهَا في النِّفَاسِ إنْ كانت مُعْتَادَةً فيه وَيُفْرَضُ ذلك أَيْ الْخَارِجُ في عَادَتِهَا حَيْضَةٌ ثُمَّ تَمْكُثُ بَعْدَهُ إنْ كانت مُعْتَادَةً في الْحَيْضِ قَدْرَ طُهْرِهَا منها أَيْ من الْحَيْضَةِ في الْعَادَةِ في الطُّهْرِ ثُمَّ تَحَيُّضُهَا كَالْعَادَةِ في الْحَيْضِ فإذا تَعَوَّدَتْ النِّفَاسَ بِأَنْ سَبَقَ لها فيه عَادَةٌ دُونَ الْحَيْضِ بِأَنْ كانت مُبْتَدَأَةً فيه جَعَلْنَا طُهْرَهَا بَعْدَ عَادَةِ النِّفَاسِ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَحَيَّضْنَاهَا بَعْدَهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَاسْتَمَرَّتْ وَهَكَذَا مُبْتَدَأَةٌ فِيهِمَا أَيْ في النِّفَاسِ وَالْحَيْضِ إلَّا أَنَّ هذه أَيْ الْمُبْتَدَأَةَ فِيهِمَا نِفَاسُهَا لَحْظَةٌ وهو الْأَقَلُّ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَكَذَا من وَلَدَتْ مِرَارًا ولم تَرَ نِفَاسًا نِفَاسُهَا فِيمَا ذَكَرَ لَحْظَةٌ إلَّا أنها تُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا في الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ إنْ كانت مُعْتَادَةً فِيهِمَا وَالْمُمَيِّزَةُ في النِّفَاسِ تُرَدُّ إلَى الدَّمِ الْقَوِيِّ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ على سِتِّينَ وَأَمَّا أَقَلُّهُ وَأَقَلُّ الضَّعِيفِ فَلَا ضَبْطَ لَهُمَا وَلَوْ انْقَطَعَ دَمُهَا ولم تَرَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ دَمًا وَلَبِثَتْ طَاهِرَةً خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَرَ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ بِمَعْنَى أو لم تَرَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ دَمًا وَلَبِثَتْ طَاهِرَةً خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَرَ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ حَكَمْنَا بِهِ حَيْضًا وَلَوْ كان في مُدَّةِ النِّفَاسِ لِتَخَلُّلِ طُهْرٍ صَحِيحٍ وَلَوْ حَكَمْنَا بِهِ نِفَاسًا لَكَانَ الْمُتَخَلِّلُ نِفَاسًا بِالسَّحْبِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَإِنْ لَبِثَتْ طَاهِرَةً أَقَلَّ من خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ فَهُوَ نِفَاسٌ كما في الْحَيْضِ وَإِنْ نَقَصَ الدَّمُ الْعَائِدُ في التي قبل هذه عن أَقَلِّ الْحَيْضِ فَدَمٌ فَسَادٌ لَا حَيْضٌ لِنَقْصِهِ عن أَقَلِّهِ وَلَا نِفَاسٌ لِقَطْعِ الطُّهْرِ حُكْمَهُ أو جَاوَزَ الْعَائِدُ الْأَكْثَرَ أَيْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ تُرَدُّ إلَى مَرَدِّهَا من يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أو عَادَةٍ أو تَمْيِيزٍ وَلَوْ نَسِيَتْ الْعَادَةَ من النِّفَاسِ احْتَاطَتْ أَبَدًا سَوَاءٌ كانت مُبْتَدَأَةً في الْحَيْضِ أو مُعْتَادَةً فيه فَإِنْ ذَكَرَتْ عَادَةَ الْحَيْضِ قَدْرًا فَقَطْ فَكَالنَّاسِيَةِ لِوَقْتِهِ
____________________
(1/114)
دُونَ قَدْرِهِ وقد سَبَقَ بَيَانُهُ وَإِنْ تَطَهَّرَتْ بَعْدَ انْقِطَاعِ دَمِهَا ولم تَأْمَنْ الْعَوْدَ سُنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ لَا يَطَأَهَا احْتِيَاطًا فَإِنْ وَطِئَهَا لم يُكْرَهْ كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ كِتَابُ الصَّلَاةِ هِيَ لُغَةً الدُّعَاءُ بِخَيْرٍ قال تَعَالَى وَصَلِّ عليهم أَيْ اُدْعُ لهم وَشَرْعًا أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةٌ بِالتَّسْلِيمِ وَالْأَصْلُ فيها قبل الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ أَيْ حَافِظُوا عليها دَائِمًا بِإِكْمَالِ وَاجِبَاتِهَا وَسُنَنِهَا وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال فَرَضَ اللَّهُ على أُمَّتِي لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ خَمْسِينَ صَلَاةً فلم أَزَلْ أُرَاجِعُهُ وَأَسْأَلُهُ التَّخْفِيفَ حتى جَعَلَهَا خَمْسًا في كل يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَفِيهِ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ في الْمَوَاقِيتِ صَدَّرَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ كِتَابَ الصَّلَاةِ لِأَنَّ أَهَمَّهَا الْخَمْسُ وَأَهَمُّ شُرُوطِهَا مَوَاقِيتُهَا إذْ بِدُخُولِهَا تَجِبُ وَبِخُرُوجِهَا تَفُوتُ وَالْأَصْلُ فيها آيَةُ فَسُبْحَانَ اللَّهِ حين تُمْسُونَ قال ابن عَبَّاسٍ أَرَادَ بِحِينِ تُمْسُونَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَبِحِينِ تُصْبِحُونَ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَبِعَشِيًّا صَلَاةَ الْعَصْرِ وَبِحِينِ تُظْهِرُونَ صَلَاةَ الظُّهْرِ وَخَبَرُ أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى بِي الظُّهْرَ حين زَالَتْ الشَّمْسُ وكان الْفَيْءُ قَدْرَ الشِّرَاكِ وَالْعَصْرَ حين كان ظِلُّهُ أَيْ الشَّيْءِ مثله وَالْمَغْرِبَ حين أَفْطَرَ الصَّائِمُ أَيْ دخل وَقْتُ إفْطَارِهِ وَالْعِشَاءَ حين غَابَ الشَّفَقُ وَالْفَجْرَ حين حَرُمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ على الصَّائِمِ فلما كان الْغَدُ صلى بِي الظُّهْرَ حين كان ظِلُّهُ مثله وَالْعَصْرَ حين كان ظِلُّهُ مِثْلَيْهِ وَالْمَغْرِبَ حين أَفْطَرَ الصَّائِمُ وَالْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَالْفَجْرَ فَأَسْفَرَ وقال هذا وَقْتُك وَوَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ من قَبْلِك وَالْوَقْتُ ما بين هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ صلى بِي الظُّهْرَ حين كان ظِلُّهُ مثله أَيْ فَرَغَ منها حِينَئِذٍ كما شَرَعَ في الْعَصْرِ في الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَئِذٍ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ عنه نَافِيًا بِهِ اشْتِرَاكَهُمَا في وَقْتٍ وَيَدُلُّ له خَبَرُ مُسْلِمٍ وَقْتُ الظُّهْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ما لم تَحْضُرْ الْعَصْرُ وَأَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ زَوَالُ الظِّلِّ يَعْنِي زِيَادَتَهُ بَعْدَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ أَيْ انْتِهَائِهَا إلَى وَسَطِ السَّمَاءِ أو حُدُوثُهُ بَعْدَ ذلك إنْ لم يَبْقَ عِنْدَهُ ظِلٌّ قال في الْأَصْلِ وَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ في بَعْضِ الْبِلَادِ كَمَكَّةَ وَصَنْعَاءِ الْيَمَنِ في أَطْوَلِ أَيَّامِ السَّنَةِ وَحُكِيَ معه في الْمَجْمُوعِ عن أبي جَعْفَرٍ الرَّاسِبِيِّ
____________________
(1/115)
أَنَّهُ يَكُونُ بِمَكَّةَ قبل أَطْوَلِ يَوْمٍ بِسِتَّةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَبَعْدَهُ كَذَلِكَ وَاعْتَرَضَهُ في الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّ الْمَحْكِيَّ عن أبي جَعْفَرٍ أَنَّهُ يَكُونُ في يَوْمَيْنِ قبل أَطْوَلِ يَوْمٍ بِسِتَّةٍ وَعِشْرِينَ وَبَعْدَهُ كَذَلِكَ لَا أَنَّهُ يَكُونُ في جَمِيعِ الْمُدَّةِ انْتَهَى وَظَاهِرٌ أَنَّ كَلَامَ الْمَجْمُوعِ ليس صَرِيحًا في أَنَّهُ في جَمِيعِ الْمُدَّةِ وَسَائِرُ أَيْ جَمِيعُ وَقْتِهِ أَيْ الظُّهْرِ اخْتِيَارٌ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ الشَّيْءِ مثله غير ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ أَيْ الظِّلِّ الْمَوْجُودِ عِنْدَهُ ن كان ظِلٌّ وَاعْتَبِرْ الْمِثْلَ بِقَامَتِك أو غَيْرِهَا قال الْعُلَمَاءُ وَقَامَةُ الْإِنْسَانِ سِتَّةُ أَقْدَامٍ وَنِصْفٌ بِقَدَمِ نَفْسِهِ وما ذَكَرَهُ كَالرَّوْضَةِ من أَنَّ الْجَمِيعَ وَقْتُ اخْتِيَارٍ صَحِيحٌ وَتَحْرِيرُهُ ما في الْمَجْمُوعِ حَيْثُ قال قال الْأَكْثَرُونَ وَلِلظُّهْرِ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ وَقْتُ فَضِيلَةٍ أَوَّلُهُ وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ إلَى آخِرِهِ وَوَقْتُ عُذْرِ وَقْتِ الْعَصْرِ لِمَنْ يَجْمَعُ وقال الْقَاضِي لها أَرْبَعَةُ أَوْقَاتٍ وَقْتُ فَضِيلَةٍ أَوَّلُهُ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَ رُبُعِهِ وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ إلَى أَنْ يَصِيرَ مِثْلَ نِصْفِهِ وَوَقْتُ جَوَازٍ إلَى آخِرِهِ وَوَقْتُ عُذْرِ وَقْتِ الْعَصْرِ لِمَنْ يَجْمَعُ وَلَهَا أَيْضًا وَقْتُ ضَرُورَةٍ وَسَيَأْتِي وَوَقْتُ حُرْمَةٍ وهو آخِرُ وَقْتِهَا بِحَيْثُ لَا يَسَعُهَا وَلَا عُذْرَ وَيَجْرِيَانِ في سَائِرِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ ثُمَّ بَعْدَ مَصِيرِ ظِلِّ الشَّيْءِ مثله غير ما ذَكَرَ يَدْخُلُ الْعَصْرُ أَيْ وَقْتُهُ لَا بِحُدُوثِ زِيَادَةٍ فَاصِلَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَقْتِ الظُّهْرِ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فإذا جَاوَزَ ظِلُّ الشَّيْءِ مثله بِأَقَلِّ زِيَادَةٍ فَقَدْ دخل وَقْتُ الْعَصْرِ فَلَيْسَ مُخَالِفًا لِذَلِكَ بَلْ مَحْمُولٌ على أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ لَا يَكَادُ يُعْرَفُ إلَّا بها وَهِيَ منه وَيَمْتَدُّ إلَى الْغُرُوبِ لِخَبَرِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ مع خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ من أَدْرَكَ رَكْعَةً من الصُّبْحِ قبل أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً من الْعَصْرِ قبل أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ وَقَوْلُهُ في خَبَرِ جِبْرِيلَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا وَإِلَى الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ وَالْوَقْتِ ما بين هَذَيْنِ مَحْمُولٌ على وَقْتِ الِاخْتِيَارِ جَمْعًا بين الْأَدِلَّةِ وَقَوْلُهُ لَا بِحُدُوثِ زِيَادَةٍ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَالِاخْتِيَارُ أَيْ وَقْتُهُ منه أَيْ من أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ يَمْتَدُّ إلَى مَصِيرِ الظِّلِّ لِلشَّيْءِ مِثْلَيْهِ غير ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ وَالْمَغْرِبُ أَيْ وَقْتُهُ بِسُقُوطِ قُرْصِ الشَّمْسِ وَإِنْ بَقِيَ الشُّعَاعُ في الصَّحَارِي وهو الضَّوْءُ الْمُسْتَعْلَى كَالْمُتَّصِلِ بِالْقُرْصِ وَذَهَابُهُ عن أَعْلَى الْحِيطَانِ وَالْجِبَالِ دَلِيلٌ لِسُقُوطِ الْقُرْصِ في الْعُمْرَانِ وَالْجِبَالِ وَيَبْقَى وَقْتُ الْمَغْرِبِ قَدْرَ زَمَنِ أَذَانَيْنِ أَيْ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَخَمْسِ رَكَعَاتٍ وَسَطًا كَذَا أَطْلَقَهُ الْجُمْهُورُ وَاعْتَبَرَ الْقَفَّالُ في حَقِّ كل أَحَدٍ الْوَسَطَ من فِعْلِ نَفْسِهِ لِاخْتِلَافِ الناس في الْحَرَكَاتِ وَالْجِسْمِ وَالْقِرَاءَةِ خِفَّةً وَثِقَلًا قال في الْمُهِمَّاتِ وهو حَسَنٌ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شَرْحًا لِكَلَامِ غَيْرِهِ فَلْيُحْمَلْ عليه بِشُرُوطِهَا أَيْ مع شُرُوطِ الصَّلَاةِ كَالطَّلَبِ الْخَفِيفِ في التَّيَمُّمِ وَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ ومع السُّنَنِ الْمَطْلُوبَةِ لها وَلِشُرُوطِهَا كَتَعَمُّمٍ وَتَقَمُّصٍ وَتَثْلِيثٍ بِلَا إزْعَاجٍ أَيْ إسْرَاعٍ وَبِكَسْرٍ أَيْ وَمَعَ كَسْرِ حِدَّةِ جُوعٍ بِلُقَمٍ وَصَوَّبَ في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الشِّبَعُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إذَا قَدِمَ الْعَشَاءُ فَابْدَءُوا بِهِ قبل أَنْ تُصَلُّوا الْمَغْرِبَ وَلَا تُعَجِّلُوا عن عِشَائِكُمْ
وَإِنَّمَا كان وَقْتُهَا ما ذَكَرَ لِأَنَّ جِبْرِيلَ صَلَّاهَا في الْيَوْمَيْنِ في وَقْتٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ غَيْرِهَا وَلِلْحَاجَةِ إلَى فِعْلِ ما ذَكَرَ مَعَهَا اعْتَبَرَ قَدْرَ زَمَنِهِ قال الرَّافِعِيُّ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَقِيَاسُ اسْتِحْبَابِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَهَا اعْتِبَارُ سَبْعِ رَكَعَاتٍ وقد صَحَّحَ النَّوَوِيُّ اسْتِحْبَابَهُمَا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَالطَّلَبِ الْخَفِيفِ مع قَوْلِهِ وَالسُّنَنِ بِلَا إزْعَاجٍ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ أَحْرَمَ بها فَلَهُ مَدُّهَا بِالتَّطْوِيلِ في الْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا إلَى دُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ كَغَيْرِهَا وَإِنْ كان وَقْتُهَا ضَيِّقًا وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَقْرَأُ فيها بِالْأَعْرَافِ في الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وفي الْبُخَارِيِّ نَحْوُهُ وَقِرَاءَتُهُ لها تَقْرُبُ من مَغِيبِ الشَّفَقِ لِتَدَبُّرِهِ لها وَالْقَدِيمُ وهو الْمُخْتَارُ في
____________________
(1/116)
التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وَالصَّوَابُ في الرَّوْضَةِ وَالْأَظْهَرُ في الْمِنْهَاجِ وَالصَّحِيحُ في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ امْتِدَادُهُ أَيْ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ قال في الْمَجْمُوعِ بَلْ هو الْجَدِيدُ أَيْضًا لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ عَلَّقَ الْقَوْلَ بِهِ في الْإِمْلَاءِ وهو من الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ على ثُبُوتِ الحديث فيه وقد ثَبَتَتْ فيه أَحَادِيثُ في مُسْلِمٍ منها حَدِيثُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ ما لم يَغِبْ الشَّفَقُ وَأَمَّا حَدِيثُ صَلَاةِ جِبْرِيلَ في الْيَوْمَيْنِ في وَقْتٍ وَاحِدٍ فَمَحْمُولٌ على وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَأَيْضًا أَحَادِيثُ مُسْلِمٍ مُقَدَّمَةٌ عليه لِأَنَّهَا مُتَأَخِّرَةٌ بِالْمَدِينَةِ وهو مُتَقَدِّمٌ بِمَكَّةَ وَلِأَنَّهَا أَكْثَرُ رُوَاةً وَأَصَحُّ إسْنَادًا منه قال وَعَلَى هذا لِلْمَغْرِبِ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَاخْتِيَارٍ أَوَّلُ الْوَقْتِ وَوَقْتُ جَوَازٍ ما لم يَغِبْ الشَّفَقُ وَوَقْتُ عُذْرِ وَقْتِ الْعِشَاءِ لِمَنْ يَجْمَعُ وَعَلَى الْأَوَّلِ لها وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَاخْتِيَارٍ وَوَقْتُ عُذْرٍ وَذَلِكَ أَيْ مَغِيبُ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ لَا ما بَعْدَهُ من الْأَصْفَرِ ثُمَّ الْأَبْيَضِ أَوَّلُ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَمَنْ لَا عِشَاءَ لهم بِأَنْ يَكُونَ بِنَوَاحٍ لَا يَغِيبُ فيها شَفَقُهُمْ يُقَدِّرُونَ قَدْرَ ما يَغِيبُ فيه الشَّفَقُ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ كَعَادِمِ الْقُوتِ الْمُجْزِئِ في الْفِطْرَةِ بِبَلَدِهِ وَالِاخْتِيَارُ أَيْ وَقْتُهُ يَمْتَدُّ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ لِخَبَرِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ وَالْجَوَازُ أَيْ وَقْتُهُ مع الْكَرَاهَةِ كما صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ يَمْتَدُّ إلَى الْفَجْرِ الصَّادِقِ لِخَبَرِ جِبْرِيلَ مع خَبَرِ مُسْلِمٍ ليس في النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ على من لم يُصَلِّ الصَّلَاةَ حتى يَجِيءَ وَقْتُ الْأُخْرَى ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي امْتِدَادَ وَقْتِ كل صَلَاةٍ إلَى دُخُولِ وَقْتِ الْأُخْرَى من الْخَمْسِ أَيْ في غَيْرِ الصُّبْحِ لِمَا سَيَجِيءُ في وَقْتِهَا وَخَرَجَ بِالصَّادِقِ الْكَاذِبُ وهو ما يَطْلُعُ مُسْتَطِيلًا بِأَعْلَاهُ ضَوْءٌ كَذَنَبِ السِّرْحَانِ وهو الذَّنَبُ ثُمَّ يَذْهَبُ وَتَعْقُبُهُ ظُلْمَةٌ ثُمَّ يَطْلُعُ الْفَجْرُ الصَّادِقُ مُسْتَطِيرًا بِالرَّاءِ أَيْ مُنْتَشِرًا وَسُمِّيَ الْأَوَّلُ كَاذِبًا لِأَنَّهُ يُضِيءُ ثُمَّ يَسْوَدُّ وَيَذْهَبُ وَالثَّانِي صَادِقًا لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عن الصُّبْحِ وَيُبَيِّنُهُ وَذَكَرَ في الْمَجْمُوعِ لِلْعِشَاءِ أَرْبَعَةَ أَوْقَاتٍ الْوَقْتَانِ الْمَذْكُورَانِ وَوَقْتُ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَوَقْتِ عُذْرِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ لِمَنْ يَجْمَعُ وهو أَيْ الْفَجْرُ الصَّادِقُ أَوَّلُ وَقْتِ الصُّبْحِ وَيَمْتَدُّ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ وَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ من طُلُوعِ الْفَجْرِ ما لم تَطْلُعْ الشَّمْسُ وَالِاخْتِيَارُ أَيْ وَقْتُهُ يَمْتَدُّ إلَى الْأَسْفَارِ أَيْ الْإِضَاءَةِ لِخَبَرِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ فَلَهُ الْأُولَى وَلَهُ وَلِلْعَصْرِ أَرْبَعَةُ أَوْقَاتٍ الْفَضِيلَةُ وَهِيَ أَوَّلُهُ ثُمَّ الِاخْتِيَارُ إلَى الْأَسْفَارِ في الصُّبْحِ وَإِلَى مَصِيرِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَيْهِ في الْعَصْرِ كما مَرَّ ثُمَّ الْجَوَازُ بِلَا كَرَاهَةٍ إلَى الْحُمْرَةِ التي قبل طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالصُّفْرَةِ التي قبل غُرُوبِهَا ثُمَّ الْكَرَاهَةُ أَيْ ثُمَّ الْجَوَازُ بِالْكَرَاهَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا إلَيْهِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حتى إذَا كانت بين قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ قام فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فيها إلَّا قَلِيلًا
وَهِيَ أَيْ الْكَرَاهَةُ أَيْ وَقْتُهَا وَقْتُ الِاصْفِرَارِ مِنْهُمَا أَيْ من وَقْتَيْ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وفي تَعْبِيرِهِ بِالِاصْفِرَارِ تَغْلِيبٌ فإنه بِالنِّسْبَةِ إلَى الصُّبْحِ احْمِرَارٌ لَا اصْفِرَارٌ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ قد ثَبَتَ في مُسْلِمٍ عن النَّوَّاسِ بن سَمْعَانَ قال ذَكَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الدَّجَّالَ قُلْنَا يا رَسُولَ اللَّهِ ما لَبْثُهُ في الْأَرْضِ قال أَرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ قُلْنَا يا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الذي كَسَنَةٍ أَيَكْفِينَا فيه صَلَاةُ يَوْمٍ قال لَا اُقْدُرُوا له قَدْرَهُ فَيُسْتَثْنَى هذا الْيَوْمُ مِمَّا ذَكَرَ في الْمَوَاقِيتِ ذَكَرَهُ في الْمُهِمَّاتِ وَيُقَاسُ بِهِ الْيَوْمَانِ التَّالِيَانِ له وَلِلْعَصْرِ وَقْتُ عُذْرٍ وهو وَقْتُ الظُّهْرِ لِمَنْ يَجْمَعُ وَصَلَاةُ الصُّبْحِ نَهَارِيَّةٌ لِآيَةِ كُلُوا وَاشْرَبُوا حتى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ وَلِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ في ذلك وَهِيَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى لِآيَةِ حَافِظُوا على الصَّلَوَاتِ إذْ لَا قُنُوتَ إلَّا في الصُّبْحِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ قالت عَائِشَةُ لِمَنْ يَكْتُبُ لها مُصْحَفًا
____________________
(1/117)
اُكْتُبْ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ قالت سَمِعْتهَا من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ الْعَطْفُ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ قال النَّوَوِيُّ عن صَاحِبِ الْحَاوِي الْكَبِيرِ صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ أنها الْعَصْرُ كَخَبَرِ شَغَلُونَا عن الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ الْحَدِيثُ أَيْ اتِّبَاعُهُ فَصَارَ هذا مَذْهَبُهُ وَلَا يُقَالُ فيه قَوْلَانِ كما وَهَمَ فيه بَعْضُ أَصْحَابِنَا وقال في شَرْحِ مُسْلِمٍ الْأَصَحُّ أنها الْعَصْرُ كما قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَوْلَى أَنْ تُسَمَّى الصُّبْحُ صُبْحًا وَفَجْرًا لِأَنَّ الْقُرْآنَ جاء بِالثَّانِي وَالسُّنَّةَ بِهِمَا مَعًا لَا غَدَاةً وَلَا يُقَالُ تَسْمِيَتُهَا غَدَاةً مَكْرُوهَةٌ كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ وَتُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الْمَغْرِبِ عِشَاءً وَالْعِشَاءِ عَتَمَةً لِلنَّهْيِ عن الْأَوَّلِ في خَبَرِ الْبُخَارِيِّ لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ على اسْمِ صَلَاتِكُمْ الْمَغْرِبِ وَتَقُولُ الْأَعْرَابُ هِيَ الْعِشَاءُ وَعَنْ الثَّانِي في خَبَرِ مُسْلِمٍ لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ على اسْمِ صَلَاتِكُمْ أَلَا إنَّهَا الْعِشَاءُ وَهُمْ يَعْتِمُونَ بِالْإِبِلِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ وفي رِوَايَةٍ بِحِلَابِ الْإِبِلِ قال في شَرْحِ مُسْلِمٍ مَعْنَاهُ إنَّهُمْ يُسَمُّونَهَا الْعَتَمَةَ لِكَوْنِهِمْ يُعْتِمُونَ بِحِلَابِ الْإِبِلِ أَيْ يُؤَخِّرُونَهُ إلَى شِدَّةِ الظَّلَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا سَمَّاهَا في كِتَابِهِ الْعِشَاءَ فَإِنْ قُلْت قد سُمِّيَتْ في الحديث عَتَمَةً كَقَوْلِهِ لو تَعْلَمُونَ ما في الصُّبْحِ وَالْعَتَمَةِ قُلْنَا اسْتَعْمَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ أو أَنَّهُ خَاطَبَ بِالْعَتَمَةِ من لَا يَعْرِفُ الْعِشَاءَ وما ذُكِرَ من كَرَاهَةِ تَسْمِيَتِهَا عَتَمَةً هو ما في الرَّوْضَةِ وَالتَّحْقِيقِ وَالْمِنْهَاجِ لَكِنْ في الْمَجْمُوعِ نَصَّ في الْأُمِّ على أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُسَمَّى بِذَلِكَ وَذَهَبَ إلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ من أَصْحَابِنَا وَقَالَتْ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ تُكْرَهُ قال في الْمُهِمَّاتِ فَظَهَرَ أَنَّ الْفَتْوَى على عَدَمِ الْكَرَاهَةِ وَيُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَكْرَهُهُمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عن أبي بَرْزَةَ وَعَلَّلَ في الْمَجْمُوعِ الثَّانِيَ بِأَنَّ نَوْمَهُ يَتَأَخَّرُ فَيُخَافُ معه فَوَاتُ الصُّبْحِ عن وَقْتِهَا أو عن أَوَّلِهِ أو فَوَاتُ صَلَاةِ اللَّيْلِ إنْ اعْتَادَهَا وَعَلَّلَهُ غَيْرُهُ بِوُقُوعِ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ خَاتِمَةَ عَمَلِهِ وَرُبَّمَا مَاتَ في نَوْمِهِ وَبِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَهَذَا يُخْرِجُهُ عن ذلك لَا في خَيْرٍ أو لِعُذْرٍ كَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَحَدِيثٍ وَمُذَاكَرَةِ فِقْهٍ وَإِينَاسِ ضَيْفٍ وَتَكَلُّمٍ بِمَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ كَحِسَابٍ فَلَا كَرَاهَةَ لِأَنَّ ذلك خَيْرٌ نَاجِزٌ فَلَا يُتْرَكُ لِمَفْسَدَةٍ مُتَوَهَّمَةٍ وَكَرَاهَةُ النَّوْمِ قَبْلَهَا قال في الْمُهِمَّاتِ قال ابن الصَّلَاحِ تَعُمُّ سَائِرَ الْأَوْقَاتِ وهو مُتَّجَهٌ قال وَإِطْلَاقُ الرَّافِعِيِّ كَرَاهَةَ الحديث بَعْدَهَا يَشْمَلُ ما إذَا جَمَعَهَا تَقْدِيمًا وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ النَّوْمِ قَبْلَهَا إذَا ظَنَّ تَيَقُّظَهُ في الْوَقْتِ وَالْإِحْرَامِ كما قَالَهُ ابن الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ فَصْلٌ تَجِبُ الصَّلَاةُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا ومعناه أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا إلَى آخِرِهِ بِقَيْدٍ زَادَهُ تَبَعًا لِلْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ إنْ عَزَمَ في أَوَّلِهِ على فِعْلِهَا فيه ولو مَاتَ قبل فَوَاتِهَا بِأَنْ مَاتَ وقد بَقِيَ من وَقْتِهَا ما يَسَعُهَا وَالْحَجُّ مُوَسَّعٌ ولكنه يَأْثَمُ بِالْمَوْتِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ من فِعْلِهِ ولم يَفْعَلْهُ لِأَنَّ آخِرَ وَقْتِهِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَأُبِيحَ له تَأْخِيرُهُ بِشَرْطِ أَنْ يُبَادِرَ الْمَوْتَ فإذا لم يُبَادِرْهُ كان مُقَصِّرًا بِخِلَافِ آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فإنه مَعْلُومٌ فَإِنْ غَلَبَ على ظَنِّهِ أَنَّهُ يَمُوتُ في أَثْنَاءِ الْوَقْتِ كَأَنْ لَزِمَهُ قَوْدٌ فَطَالَبَهُ وَلِيُّ الدَّمِ بِاسْتِيفَائِهِ فَأَمَرَ الْإِمَامُ بِقَتْلِهِ تَعَيَّنَتْ أَيْ الصَّلَاةُ فيه أَيْ في أَوَّلِهِ فَيَعْصِي بِتَأْخِيرِهِ عنه لِأَنَّ الْوَقْتَ تَضَيَّقَ عليه بِظَنِّهِ
____________________
(1/118)
وَقِيَاسُ ما مَرَّ عن ابْنِ الصَّلَاحِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الشَّكَّ كَالظَّنِّ وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ لو لم يَمُتْ في أَثْنَائِهِ كَأَنْ عَفَا عنه وَلِيُّ الدَّمِ لَا تَصِيرُ بِفِعْلِهَا في بَاقِيهِ أَيْ الْوَقْتِ قَضَاءً نَظَرًا إلَى أَنَّهُ فَعَلَهَا في الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ لها شَرْعًا وَإِنْ عَزَمَ على فِعْلِهَا فيه ثُمَّ نَامَ مع ظَنِّهِ فَوَاتَهَا أو شَكِّهِ فيه حتى فَاتَتْ بَلْ أو لم تَفُتْ عَصَى لِتَقْصِيرِهِ بِذَلِكَ لَا إنْ غَلَبَهُ النَّوْمُ فَلَا يَعْصِي بَلْ وَلَا يُكْرَهُ له ذلك لِعُذْرِهِ وَقَوْلُهُ فَإِنْ غَلَبَ إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَمُولِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ أَدْرَكَ في الْوَقْتِ رَكْعَةً لَا دُونَهَا فَالْكُلُّ أَدَاءٌ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ من أَدْرَكَ رَكْعَةً من الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ أَيْ مُؤَدَّاةً وَالْفَرْقُ بين الرَّكْعَةِ وَدُونَهَا أنها تَشْتَمِلُ على مُعْظَمِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ إذْ مُعْظَمُ الْبَاقِي كَالتَّكْرِيرِ لها فَجَعَلَ ما بَعْدَ الْوَقْتِ تَابِعًا لها بِخِلَافِ ما دُونَهَا وَبِإِخْرَاجِ بَعْضِهَا أَيْ الصَّلَاةِ عن الْوَقْتِ يَأْثَمُ لِحُرْمَتِهِ وَإِنْ كانت أَدَاءً فِيمَا ذَكَرَ لَا إنْ اتَّسَعَ وَقْتُهَا ولم تَكُنْ جُمُعَةً فَطَوَّلَ هَا بِقِرَاءَةٍ وَنَحْوِهَا حتى خَرَجَ الْوَقْتُ وَأَتَى بِرَكْعَةٍ فيه فَلَا يَأْثَمُ وَلَا يُكْرَهُ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى كما في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ وَأَتَى بِرَكْعَةٍ فيه هو ما بَحَثَهُ في الْمُهِمَّاتِ وَحَمَلَ إطْلَاقَهُمْ عليه وقال إنَّهُ الْمُتَّجَهُ لِأَنَّهُمْ قَرَّرُوا أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَكُونُ أَدَاءً إلَّا بِفِعْلِ رَكْعَةٍ في الْوَقْتِ قال وَيُحْتَمَلُ الْأَخْذُ بِإِطْلَاقِهِمْ لِأَنَّ الْمَحَلَّ الذي جَعَلُوهَا فيه قَضَاءً بِفِعْلِ ما دُونَ الرَّكْعَةِ إنَّمَا هو عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ وَأَمَّا مَسْأَلَتُنَا فَالْوَقْتُ يَسَعُهَا وقد نَقَلَ عنه الزَّرْكَشِيُّ ذلك ثُمَّ قال قُلْت لَا فَرْقَ بين إيقَاعِ رَكْعَةٍ وَدُونَهَا كما صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ مُحْتَجًّا بِقَوْلِ الصِّدِّيقِ حين طَوَّلَ في صَلَاةِ الصُّبْحِ حتى كَادَتْ الشَّمْسُ أَنْ تَطْلُعَ لو طَلَعَتْ لم تَجِدْنَا غَافِلِينَ قال وهو كما قال لِأَنَّهُ اسْتَغْرَقَ الْوَقْتَ بِالْعِبَادَةِ وَإِدْرَاكُ الرَّكْعَةِ في الْوَقْتِ لَا يَمْنَعُ الْإِثْمَ كما مَرَّ وَذَلِكَ غَيْرُ مَلْحُوظٍ هُنَا لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ غَيْرُ مُقَصِّرٍ
ا ه
وما عَزَاهُ لِفَتَاوَى الْبَغَوِيّ من أَنَّهُ صَرَّحَ فيها بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ لم أَرَهُ فيها نعم فيها الِاحْتِجَاجُ الْمَذْكُورُ لِأَمْرٍ آخَرَ فَصْلٌ وَتَعْجِيلُهَا أَيْ الصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَفْضَلُ وَلَوْ عِشَاءً لِقَوْلِهِ تَعَالَى حَافِظُوا على الصَّلَوَاتِ وَمِنْ الْمُحَافَظَةِ عليها تَعْجِيلُهَا وَلِخَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه سَأَلْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قال الصَّلَاةُ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ وَلِخَبَرِ كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُصَلِّي الْعِشَاءَ لِسُقُوطِ الْقَمَرِ لِثَالِثَةٍ رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قال في الْمَجْمُوعِ وَأَمَّا خَبَرُ أبي دَاوُد أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فإنه أَعْظَمُ لِلزَّجْرِ فَمُعَارَضٌ بِذَلِكَ وَبِغَيْرِهِ وَلِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِسْفَارِ ظُهُورُ الْفَجْرِ الذي بِهِ يُعْلَمُ طُلُوعُهُ فَالتَّأْخِيرُ إلَيْهِ أَفْضَلُ من تَعْجِيلِهِ عِنْدَ ظَنِّ طُلُوعِهِ قال وَأَمَّا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ فَجَوَابُهُ أَنَّ تَعْجِيلَهَا هو الذي وَاظَبَ عليه النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَكِنْ الْأَقْوَى دَلِيلًا تَأْخِيرُهَا إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أو نِصْفِهِ فَلَوْ اشْتَغَلَ بِالتَّهَيُّؤِ لها أَيْ لِلصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَالدُّخُولِ فيها بِأَنْ اشْتَغَلَ بِأَسْبَابِهَا كَطُهْرٍ وَأَذَانٍ وَسِتْرٍ ثُمَّ
____________________
(1/119)
أَحْرَمَ بها حَصَلَتْ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ بَلْ لو لم يَحْتَجْ إلَى أَسْبَابِهَا وَأَخَّرَ بِقَدْرِهَا حَصَلَتْ الْفَضِيلَةُ ذَكَرَهُ في الذَّخَائِرِ وَلَا يُكَلَّفُ عَجَلَةَ غَيْرِ الْعَادَةِ وَلَا يَضُرُّ التَّأْخِيرُ لِأَكْلِ لُقَمٍ وَكَلَامٍ قَصِيرٍ ولا لِتَحَقُّقِ دُخُولِ الْوَقْتِ وَتَحْصِيلِ الْمَاءِ وَإِخْرَاجِ خُبْثٍ يُدَافِعُهُ وَنَحْوِ ذلك وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ تَحَقُّقِ الْوَقْتِ إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ وَيُسْتَحَبُّ في شِدَّةِ حَرٍّ بِقُطْرٍ حَارٍّ إبْرَادٌ بِظُهْرٍ أَيْ تَأْخِيرُهُ لِجَمَاعَةٍ تَقْصِدُ الْمَسْجِدَ أو نَحْوَهُ من بُعْدٍ في غَيْرِ ظِلٍّ حتى يَمْتَدَّ ظِلُّ الْحِيطَانِ بِحَيْثُ يَمْشِي فيه طَالِبُ الْجَمَاعَةِ
وَالْأَصْلُ فيه خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ وفي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ بِالظُّهْرِ فإن شِدَّةَ الْحَرِّ من فَيْحِ جَهَنَّمَ أَيْ هَيَجَانِهَا وَالْمَعْنَى فيه أَنَّ في التَّعْجِيلِ في شِدَّةِ الْحَرِّ مَشَقَّةً تَسْلُبُ الْخُشُوعَ أو كَمَالَهُ فَسُنَّ له التَّأْخِيرُ كَمَنْ حَضَرَهُ طَعَامٌ يَتَوَقَّ إلَيْهِ أو دَافَعَهُ الْخَبَثُ وما وَرَدَ مِمَّا يُخَالِفُ ذلك فَمَنْسُوخٌ فَلَا يُسَنُّ الْإِبْرَادُ في غَيْرِ شِدَّةِ الْحَرِّ وَلَوْ بِقُطْرٍ حَارٍّ وَلَا في قُطْرٍ بَارِدٍ أو مُعْتَدِلٍ وَإِنْ اتَّفَقَ فيه شِدَّةُ الْحَرِّ وَلَا لِمَنْ يُصَلِّي مُنْفَرِدًا أو جَمَاعَةً بِبَيْتِهِ أو بِمَحَلٍّ حَضَرَهُ جَمَاعَةٌ لَا يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ أو يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ من قُرْبٍ أو من بُعْدٍ لَكِنْ يَجِدُ ظِلًّا يَمْشِي فيه إذْ ليس في ذلك كَبِيرُ مَشَقَّةٍ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ الْإِبْرَادُ لِمُنْفَرِدٍ يُرِيدُ الصَّلَاةَ في الْمَسْجِدِ وفي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ إشْعَارٌ بِسَنِّهِ وهو الْأَوْجَهُ نَبَّهَ عليه الْإِسْنَوِيُّ
وَيُؤْخَذُ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبُعْدِ ما يَذْهَبُ معه الْخُشُوعُ أو كَمَالُهُ وَيُسْتَثْنَى من نَدْبِ التَّعْجِيلِ أَيْضًا أَشْيَاءُ منها أَنَّهُ يُنْدَبُ التَّأْخِيرُ لِمَنْ يَرْمِي الْجِمَارَ وَلِمُسَافِرٍ سَائِرُ وَقْتَ الْأُولَى وَلِلْوَاقِفِ بِعَرَفَةَ فَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ وَإِنْ كان نَازِلًا وَقْتَهَا لِيَجْمَعَهَا مع الْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ وَلِمَنْ تَيَقَّنَ وُجُودَ الْمَاءِ أو السُّتْرَةِ أو الْجَمَاعَةِ أو الْقُدْرَةِ على الْقِيَامِ آخِرَ الْوَقْتِ وَلِدَائِمِ الْحَدَثِ إذَا رَجَا الِانْقِطَاعَ آخِرَهُ وَلِمَنْ اشْتَبَهَ عليه الْوَقْتُ في يَوْمِ غَيْمٍ حتى يَتَيَقَّنَهُ أو يَظُنَّ فَوَاتَهُ لو أَخَّرَهُ لَا بِالْجُمُعَةِ أَيْ لَا يُسْتَحَبُّ الْإِبْرَادُ بها لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن سَلَمَةَ كنا نَجْمَعُ مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَلِشِدَّةِ الْخَطَرِ في فَوَاتِهَا الْمُؤَدِّي إلَيْهِ تَأْخِيرُهَا بِالتَّكَاسُلِ وَلِأَنَّ الناس مَأْمُورُونَ بِالتَّبْكِيرِ إلَيْهَا فَلَا يَتَأَذَّوْنَ بِالْحَرِّ وما في الصَّحِيحَيْنِ من أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يُبْرِدُ بها بَيَانٌ لِلْجَوَازِ فيها جَمْعًا بين الْأَدِلَّةِ مع أَنَّ الْخَبَرَ رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ في صَحِيحِهِ في الظُّهْرِ فَتَعَارَضَتْ الرِّوَايَتَانِ فَيُعْمَلُ بِخَبَرِ سَلَمَةَ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ
وَلَا يُسْتَحَبُّ الْإِبْرَادُ بِالْأَذَانِ كما أَفْهَمَهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ في الْمَطْلَبِ وَحَمَلَ أَمْرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْإِبْرَادِ بِهِ على ما إذَا عَلِمَ من حَالِ السَّامِعِينَ حُضُورَهُمْ عَقِبَ الْأَذَانِ لِتَنْدَفِعَ عَنْهُمْ الْمَشَقَّةُ ثُمَّ قال وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ على الْإِقَامَةِ وهو بَعِيدٌ وَرُدَّ بِأَنَّهُ ليس بَعِيدًا فَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ التَّصْرِيحُ بِهِ وَلَا تَأْخِيرَ بِالْإِبْرَادِ فَوْقَ نِصْفِ الْوَقْتِ لِذَهَابِ مُعْظَمِهِ
فَصْلٌ وَلِلْبَصِيرِ وَالْأَعْمَى وَإِنْ قَدَرَا على الْيَقِينِ بِالصَّبْرِ أو بِغَيْرِهِ الِاجْتِهَادُ لِلْوَقْتِ في الْغَيْمِ أو نَحْوِهِ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الِاشْتِبَاهُ في الْوَقْتِ بِمُغَلِّبٍ ظَنًّا بِدُخُولِهِ كَالْأَوْرَادِ وَصَوْتِ الدِّيكِ الْمُجَرَّبِ إصَابَتُهُ الْوَقْتَ هذا إنْ لم يُخْبِرْهُمَا ثِقَةٌ عن عِلْمٍ أَيْ مُشَاهَدَةٍ وَإِنْ أَخْبَرَهُمَا عن عِلْمٍ امْتَنَعَ عَلَيْهِمَا الِاجْتِهَادُ كَوُجُودِ النَّصِّ وَمَنْ قَدَرَ على الِاجْتِهَادِ لم يُقَلِّدْ مُجْتَهِدًا لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا نعم لِلْأَعْمَى أَيْ أَعْمَى الْبَصَرِ وَأَعْمَى الْبَصِيرَةِ تَقْلِيدُ بَصِيرٍ ثِقَةٍ عَارِفٍ لِعَجْزِهِمَا وَبِمَا ذَكَرَ عُلِمَ أَنَّ الْأَعْمَى يَتَخَيَّرُ بين الِاجْتِهَادِ وَالتَّقْلِيدِ وهو كَذَلِكَ بِخِلَافِهِ في الْأَوَانِي لَا يُقَلِّدُ إلَّا إذَا تَحَيَّرَ وَفَرَّقَ بِأَنَّ الِاجْتِهَادَ هُنَا إنَّمَا يَتَأَتَّى بِتَعَاطِي أَعْمَالٍ مُسْتَغْرِقَةٍ لِلْوَقْتِ وَفِيهِ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَقَوْلُهُ وَأَعْمَى الْبَصِيرَةِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَأَذَانُ الْعَدْلِ الْعَارِفِ بِالْمَوَاقِيتِ في الصَّحْوِ كَالْإِخْبَارِ عن عِلْمٍ فَيُقَلِّدُهُ الْقَادِرُ وَلَا يَجْتَهِدُ وَلَهُ تَقْلِيدُهُ أَيْضًا إذَا أَذَّنَ في الْغَيْمِ لِأَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ عَادَةً إلَّا في الْوَقْتِ وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يُقَلِّدُهُ في الصَّحْوِ دُونَ الْغَيْمِ لِأَنَّهُ فيه مُجْتَهِدٌ وهو لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا وفي الصَّحْوِ مُخْبَرٌ عن عِيَانٍ وَإِنْ صلى من لَزِمَهُ الِاجْتِهَادُ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ أَعَادَ وَإِنْ وَافَقَ الْوَقْتَ وَظَنَّ دُخُولَهُ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ الِاجْتِهَادِ وَعَلَى الْمُجْتَهِدِ التَّأْخِيرُ حتى يَغْلِبَ على ظَنِّهِ دُخُولُ الْوَقْتِ وتأخيره إلَى خَوْفِ الْفَوَاتِ أَيْ إلَى أَنْ يَغْلِبَ على ظَنِّهِ أَنَّهُ لو أَخَّرَ فَاتَتْ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ وَيَعْمَلُ الْمُنَجِّمُ بِحِسَابِهِ جَوَازًا لَا وُجُوبًا وَلَا يُقَلِّدُهُ غَيْرُهُ كَنَظِيرِهِ في الصَّوْمِ فَرْعٌ وَإِنْ صلى بِالِاجْتِهَادِ ولم يَتَبَيَّنْ له كَوْنُ الصَّلَاةِ وَقَعَتْ في الْوَقْتِ أو لَا أو تَبَيَّنَ كَوْنُهَا وَقَعَتْ في الْوَقْتِ أَجْزَأَهُ ما صَلَّاهُ وَكَذَا إذَا تَبَيَّنَ وُقُوعُهَا بَعْدَهُ ولكنها تَكُونُ قَضَاءً لَا إنْ تَبَيَّنَ وُقُوعُهَا قَبْلَهُ فَلَا تُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ الْبَدَنِيَّةَ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا على وَقْتِهَا
____________________
(1/120)
فَتَجِبُ إعَادَتُهَا وَيَقَعُ ما أَعَادَهُ في الْوَقْتِ أَدَاءً وما أَعَادَهُ بَعْدَهُ قَضَاءً وَيَحْصُلُ التَّبَيُّنُ بِخَبَرِ عَدْلٍ عن عِلْمٍ أَيْ مُشَاهَدَةٍ كما يَحْصُلُ بِعِلْمِهِ أَيْ عِلْمِ الْمُصَلِّي نَفْسِهِ بِخِلَافِ ما لو أخبره عَدْلٌ عن اجْتِهَادٍ حتى لو أخبره بِأَنَّ صَلَاتَهُ وَقَعَتْ قبل الْوَقْتِ لم يَلْزَمْهُ إعَادَتُهَا فَصْلٌ فِيمَنْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَتَجِبُ عليه وَمَنْ لَا وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا من مُسْلِمٍ فَلَا تَصِحُّ من كَافِرٍ لِأَنَّهُ ليس أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ وَتَجِبُ على كل بَالِغٍ عَاقِلٍ ذَكَرًا أو أُنْثَى أو خُنْثَى طَاهِرٍ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا وَبِخِلَافِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ بِالْإِجْمَاعِ فَالْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ مُخَاطَبٌ بها خِطَابَ عِقَابٍ عليها في الْآخِرَةِ لِتَمَكُّنِهِ من فِعْلِهَا بِالْإِسْلَامِ لَا خِطَابَ مُطَالَبَةٍ بها في الدُّنْيَا لِعَدَمِ صِحَّتِهَا منه وَتَسْقُطُ عنه بِإِسْلَامِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لهم ما قد سَلَفَ لَا عن الْمُرْتَدِّ فَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا بَعْدَ إسْلَامِهِ تَغْلِيظًا عليه وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَهَا بِالْإِسْلَامِ فَلَا تَسْقُطُ عنه بِالْجُحُودِ كَحَقِّ الْآدَمِيِّ وَلَا صَلَاةَ على صَبِيٍّ لِمَا مَرَّ وَعَلَى أَبَوَيْهِ أَيْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِنْ عَلَا أو الْقَيِّمِ من جِهَةِ الْحَاكِمِ أو الْوَصِيِّ أَمْرُهُ بها وَذِكْرُ الْقَيِّمِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ
قال في الْمُهِمَّاتِ وَالْمُلْتَقِطُ وَمَالِكُ الرَّقِيقِ في مَعْنَى الْأَبِ وَكَذَا الْمُودِعُ وَالْمُسْتَعِيرُ وَنَحْوُهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ قال الطَّبَرِيُّ وَلَا يَقْتَصِرُ في الْأَمْرِ على مُجَرَّدِ صِيغَتِهِ بَلْ لَا بُدَّ معه من التَّهْدِيدِ وَكَذَا عليهم أَمْرُهُ بِالصَّوْمِ وَمَحَلُّ أَمْرِهِ بِهِ وَبِالصَّلَاةِ إنْ مَيَّزَ بِأَنْ انْفَرَدَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالِاسْتِنْجَاءِ وَأَطَاقَ فِعْلَهُمَا لِسَبْعٍ من السِّنِينَ أَيْ بَعْدَ تَمَامِهَا وعليهم ضَرْبُهُ عَلَيْهِمَا لِعَشْرٍ كَذَلِكَ لِخَبَرِ أبي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعٍ وَاضْرِبُوهُمْ عليها وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ في الْمَضَاجِعِ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَكَذَا التِّرْمِذِيُّ بِدُونِ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ في الْمَضَاجِعِ وَقِيسَ بِالصَّلَاةِ الصَّوْمُ وَذَكَرُوا لِاخْتِصَاصِ الضَّرْبِ بِالْعَشْرِ مَعْنَيَيْنِ أَنَّهُ زَمَنُ احْتِمَالِ الْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ وَأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَحْتَمِلُ الضَّرْبَ وَكَذَا يُضْرَبُ في أَثْنَاءِ الْعَاشِرَةِ وَلَوْ عَقِبَ اسْتِكْمَالِ التِّسْعِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ السَّبْعَ لَا بُدَّ منها في وُجُوبِ الْأَمْرِ وَإِنْ وُجِدَ التَّمْيِيزُ قَبْلَهَا
وقد صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ بِمَا يَدُلُّ عليه وقال في الْكِفَايَةِ إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَحَكَى معه وَجْهًا أَنَّهُ يَكْفِي التَّمْيِيزُ وَحْدَهُ كما في التَّخْيِيرِ بين الْأَبَوَيْنِ وَبِهِ جَزَمَ في الْإِقْلِيدِ وَهَلْ يُضْرَبُ على الْقَضَاءِ وَيُؤْمَرُ بِهِ أو تَصِحُّ منه الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ على الْمُكَلَّفِ قَاعِدًا وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا ما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ يُضْرَبُ وَيُؤْمَرُ بِهِ كما في الْأَدَاءِ وَبِهِ صَرَّحَ ابن عبد السَّلَامِ في الْأَمْرِ وَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ منه قَاعِدًا وَإِنْ كانت نَفْلًا في حَقِّهِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَجَرَيَانُهُمَا في الصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ مُحْتَمَلٌ وَكَلَامُ الْأَكْثَرِينَ مُشْعِرٌ بِالْمَنْعِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا في أَثْنَاءِ الْعَاشِرَةِ إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ في الْأُولَى وَعَلَيْهِمْ نَهْيُهُ عن الْمُحَرَّمَاتِ وَتَعْلِيمُهُ الْوَاجِبَاتِ وسائر الشَّرَائِعِ كَالسِّوَاكِ وَحُضُورِ الْجَمَاعَاتِ وَتَبِعَ في هذا التَّعْبِيرِ الْقَمُولِيَّ وهو حَسَنٌ وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ يَجِبُ تَعْلِيمُ الْأَوْلَادِ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ وَالشَّرَائِعَ قال في الْمُهِمَّاتِ الْمُرَادُ بِالشَّرَائِعِ ما كان في مَعْنَى الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ كَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ الْمَضْرُوبُ على تَرْكِهِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الزَّرْكَشِيُّ ثُمَّ قال وَقَضِيَّةُ ما ذَكَرَ انْتِفَاءُ ذلك بِالْبُلُوغِ وهو كَذَلِكَ إذَا بَلَغَ رَشِيدًا فَإِنْ بَلَغَ سَفِيهًا فَوِلَايَةُ الْأَبِ مُسْتَمِرَّةٌ فَيَكُونُ
____________________
(1/121)
كَالصَّبِيِّ وَالْأُجْرَةُ أَيْ أُجْرَةُ تَعْلِيمِهِ الْوَاجِبَاتِ من مَالِهِ ثُمَّ إنْ لم يَكُنْ له مَالٌ فَتَجِبُ على الْأَبِ وَإِنْ عَلَا ثُمَّ على الْأُمِّ وَإِنْ عَلَتْ ويخرج من مَالِهِ أَيْضًا تَعْلِيمُ أَيْ أُجْرَةُ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْآدَابِ لِأَنَّهُ يَسْتَمِرُّ معه وَيَنْتَفِعُ بِهِ بِخِلَافِ حَجِّهِ وَالصَّبِيَّةُ كَالصَّبِيِّ فِيمَا ذَكَرَ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَمَّا زَوَالُ الْعَقْلِ فَإِنْ كان بِمُحَرَّمٍ كَخَمْرٍ وَحَشِيشَةٍ وَوَثْبَةٍ عَبَثًا وَدَوَاءٍ بِلَا حَاجَةٍ فَلَا يُسْقِطُهَا أَيْ الصَّلَاةَ إلَّا إنْ جَهِلَ كَوْنَهُ مُحَرَّمًا أو فَعَلَهُ مُكْرَهًا أو أَكَلَهُ لِيَقْطَعَ غَيْرَهُ بَعْدَ زَوَالِ عَقْلِهِ يَدًا له مُتَأَكِّلَةً فَيُسْقِطُهَا لِلْعُذْرِ وَالتَّصْرِيحُ بِمَسْأَلَةِ الْأَكْلِ لِلْقَطْعِ من زِيَادَتِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ تَحْرِيمُ الْوَثْبَةِ عَبَثًا بِخِلَافِ كَلَامِ أَصْلِهِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ جِنْسَهُ مُزِيلٌ لِلْعَقْلِ وَظَنَّهُ أَيْ ما تَنَاوَلَهُ منه لَا يُزِيلُ الْعَقْلَ لِقِلَّتِهِ وَجَبَتْ فَيَجِبُ قَضَاؤُهَا لِتَقْصِيرِهِ وَعَلَى النَّاسِي لِلصَّلَاةِ وَالنَّائِمِ عنها وَالْجَاهِلِ لِوُجُوبِهَا الْقَضَاءُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ من نَسِيَ صَلَاةً أو نَامَ عنها فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا وَيُقَاسُ بِالنَّاسِي وَالنَّائِمِ الْجَاهِلُ لَا الْأَدَاءُ فَلَا يَجِبُ عليهم لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ وَالتَّصْرِيحُ بِمَسْأَلَتِهِمْ من زِيَادَتِهِ فَرْعٌ من ارْتَدَّ ثُمَّ جُنَّ قَضَى أَيَّامَ الْجُنُونِ مع ما قَبْلَهَا تَغْلِيظًا عليه بِخِلَافِ من كَسَرَ رِجْلَيْهِ تَعَدِّيًا وَصَلَّى قَاعِدًا لَا قَضَاءَ عليه لِانْتِهَاءِ مَعْصِيَتِهِ بِانْتِهَاءِ كَسْرِهِ وَلِإِتْيَانِهِ بِالْبَدَلِ حَالَةَ الْعَجْزِ أو سَكِرَ ثُمَّ جُنَّ قَضَى منها أَيْ من الْأَيَّامِ مُدَّةَ السُّكْرِ أَيْ الْمُدَّةَ التي يَنْتَهِي إلَيْهَا السُّكْرُ لَا مُدَّةَ جُنُونِهِ بَعْدَهَا بِخِلَافِ مُدَّةِ جُنُونِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّ من جُنَّ في رِدَّتِهِ مُرْتَدٌّ في جُنُونِهِ حُكْمًا وَمَنْ جُنَّ في سُكْرِهِ ليس بِسَكْرَانَ في دَوَامِ جُنُونِهِ قَطْعًا لَا مُدَّةَ الْحَيْضِ فَلَا تَقْضِي فِيهِمَا أَيْ في مَسْأَلَتَيْ الرِّدَّةِ وَالسُّكْرِ بِأَنْ ارْتَدَّتْ أو سَكِرَتْ ثُمَّ حَاضَتْ وَفَارَقَتْ الْمَجْنُونَ لِأَنَّ إسْقَاطَ الصَّلَاةِ عنها عَزِيمَةٌ لِأَنَّهَا مُكَلَّفَةٌ بِالتَّرْكِ وَعَنْهُ رُخْصَةٌ وَالْمُرْتَدُّ وَالسَّكْرَانُ لَيْسَا من أَهْلِهَا وَالنُّفَسَاءُ كَالْحَائِضِ في ذلك وَيُوَضِّحُ الْفَرْقَ الْمَذْكُورَ ما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ اسْتَخْرَجَتْ بِدَوَاءٍ أو نَحْوِهِ جَنِينًا فَنَفِسَتْ لم تَقْضِ صَلَاتَهَا كَمُسْتَعْجِلَةِ الْحَيْضِ بِدَوَاءٍ ثُمَّ أَخَذَ في بَيَانِ وَقْتِ الضَّرُورَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ وَقْتُ زَوَالِ مَوَانِعِ الْوُجُوبِ وَهِيَ الصِّبَا وَالْكُفْرُ وَالْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ فقال وإذا زَالَتْ الْأَعْذَارُ الْمَانِعَةُ من وُجُوبِ الصَّلَاةِ وقد بَقِيَ من الْوَقْتِ قَدْرُ تَكْبِيرَةٍ فَأَكْثَرُ لَزِمَتْ الصَّلَاةُ أَيْ صَلَاةُ الْوَقْتِ كما تَلْزَمُ وقد بَقِيَ منه قَدْرُ رَكْعَةٍ لِخَبَرِ من أَدْرَكَ رَكْعَةً بِجَامِعِ إدْرَاكِ ما يَسَعُ رُكْنًا وَلِأَنَّ الْإِدْرَاكَ الذي يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ يَسْتَوِي فيه الرَّكْعَةُ وَدُونَهَا كَاقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُتِمِّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أنها لَا تَلْزَمُ بِإِدْرَاكٍ دُونَ تَكْبِيرَةٍ وَفِيهِ تَرَدُّدٌ لِلْجُوَيْنِيِّ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ جُزْءًا من الْوَقْتِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسَعُ رُكْنًا والأوجه عَدَمُ لُزُومِهَا كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْأَنْوَارِ وَمَتَى لَزِمَتْ بِمَا ذَكَرَ لَزِمَتْ مع التي قَبْلَهَا إنْ صَلَحَتَا لِجَمْعٍ بِأَنْ صَلَحَتْ لِجَمْعِهَا مَعَهَا لِأَنَّ وَقْتَهَا وَقْتٌ لها حَالَةَ الْعُذْرِ فَحَالَةُ الضَّرُورَةِ أَوْلَى بِخِلَافِ ما لَا تُجْمَعُ مَعَهَا فَلَا تَلْزَمُ الْعِشَاءُ مع الصُّبْحِ وَالصُّبْحُ مع الظُّهْرِ وَالْعَصْرُ مع الْمَغْرِبِ وَتُلْزَمُ الظُّهْرُ مع الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبُ مع الْعِشَاءِ بِشَرْطِ أَنْ يَخْلُوَ الشَّخْصُ من الْمَوَانِعِ قَدْرًا يَسَعُ الطَّهَارَةَ وَقَضَاءَ ما لَزِمَهُ من صَلَاةٍ أو صَلَاتَيْنِ مع مُؤَدَّاةٍ وَجَبَتْ عليه حَالَةَ كَوْنِ ذلك أَخَفَّ ما يُجْزِئُ كَرَكْعَتَيْنِ في صَلَاةِ الْمُسَافِرِ
قال في الْمُهِمَّاتِ وَيَدْخُلُ في الطَّهَارَةِ طَهَارَةُ الْخُبْثِ وَالْحَدَثِ أَصْغَرَ أو أَكْبَرَ وهو مُتَّجَهٌ قال وَالْقِيَاسُ اعْتِبَارُ وَقْتِ السَّتْرِ وَالتَّحَرِّي في الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُمَا من شُرُوطِ الصَّلَاةِ فَلَوْ بَلَغَ ثُمَّ جُنَّ بَعْدَمَا لَا يَسَعُ ذلك فَلَا لُزُومَ نعم إنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً آخِرَ الْعَصْرِ مَثَلًا وَخَلَا من الْمَوَانِعِ ما يَسَعُهَا وَطُهْرَهَا فَعَادَ الْمَانِعُ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَ من وَقْتِ الْمَغْرِبِ ما يَسَعُهَا
____________________
(1/122)
تَعَيَّنَ صَرْفُهُ إلَى الْمَغْرِبِ وما فَضَلَ لَا يَكْفِي لِلْعَصْرِ فَلَا تَلْزَمُ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ وهو ظَاهِرٌ إذَا لم يَشْرَعْ في الْعَصْرِ قبل الْغُرُوبِ وَإِلَّا فَيَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ لها لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ من الْمَغْرِبِ لِاشْتِغَالِهِ بِالْعَصْرِ التي شَرَعَ فيها وُجُوبًا قبل الْغُرُوبِ وَبِهِ جَزَمَ ابن الْعِمَادِ وَلَوْ أَدْرَكَ ما يَسَعُ الْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ مع الطَّهَارَةِ دُونَ الظُّهْرِ تَعَيَّنَ صَرْفُهُ لِلْمَغْرِبِ وَالْعَصْرِ وزاد الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ مع مُؤَدَّاةٍ وَجَبَتْ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَإِنْ طَرَأَ الْمَانِعُ في الْوَقْتِ بَعْدَ أَنْ خَلَا عنه الشَّخْصُ أَوَّلَ الْوَقْتِ قَدْرَ ما يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةِ دُونَ طَهَارَةٍ يُمْكِنُ تَقْدِيمُهَا عليه حَالَةَ كَوْنِ تِلْكَ الصَّلَاةِ مُخَفَّفَةً ولو مَقْصُورَةً لِلْمُسَافِرِ لَزِمَتْ وَحْدَهَا لِأَنَّهُ أَدْرَكَ من وَقْتِهَا ما يُمْكِنُ فيه فِعْلُهَا وَكَذَا لو خَلَا عنه الْمَانِعُ في وَسَطِ الْوَقْتِ الْقَدْرَ الْمَذْكُورَ لَكِنْ لَا يَتَأَتَّى اسْتِثْنَاءُ الطَّهَارَةِ التي يُمْكِنُ تَقْدِيمُهَا في غَيْرِ الصَّبِيِّ وفي نُسْخَةٍ بَدَلَ قَدْرَ وَقَدْرَ بِالْوَاوِ وَهِيَ أَوْضَحُ وَلَوْ اتَّسَعَ زَمَنُ الْخُلُوِّ من وَقْتِ الْأُولَى لِلثَّانِيَةِ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ مع الْأُولَى وَفَارَقَ الْعَكْسَ بِأَنَّ وَقْتَ الْأُولَى لَا يَصْلُحُ لِلثَّانِيَةِ إلَّا إذَا صَلَّاهُمَا جَمْعًا بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَبِأَنَّ وَقْتَ الْأُولَى في الْجَمْعِ وَقْتٌ لِلثَّانِيَةِ تَبَعًا بِخِلَافِ الْعَكْسِ بِدَلِيلِ عَدَمِ جَوَازِ تَقْدِيمِ الثَّانِيَةِ في جَمْعِ التَّقْدِيمِ وَجَوَازِ تَقْدِيمِ الْأُولَى بَلْ وُجُوبُهُ على وَجْهٍ في جَمْعِ التَّأْخِيرِ وَاعْتُبِرَ الْأَخَفُّ لِحُصُولِ التَّمَكُّنِ بِفِعْلِهِ فَلَوْ طَوَّلَتْ صَلَاتَهَا فَحَاضَتْ فيها وقد مَضَى من الْوَقْتِ ما يَسَعُهَا لو خَفَّفَتْ أو مَضَى لِلْمُسَافِرِ من وَقْتِ الْمَقْصُورَةِ ما يَسَعُ رَكْعَتَيْنِ لَزِمَهُمَا الْقَضَاءُ وَخَرَجَ بِمَا يَسَعُ الصَّلَاةَ ما لَا يَسَعُهَا فَلَا وُجُوبَ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ آخِرَ الْوَقْتِ كما مَرَّ لِإِمْكَانِ الْبِنَاءِ على ما أَوْقَعَهُ فيه بَعْدَ خُرُوجِهِ بِخِلَافِهِ هُنَا وَبِقَوْلِهِ يُمْكِنُ تَقْدِيمُهَا ما لَا يُمْكِنُ تَقْدِيمُهُ كَتَيَمُّمٍ وَطُهْرِ سَلَسٍ فَلَا بُدَّ في وُجُوبِ تِلْكَ الصَّلَاةِ من زَمَنٍ يُمْكِنُ فيه فِعْلُ ذلك وَإِنْ صلى صَبِيٌّ وَظِيفَةَ الْوَقْتِ ثُمَّ بَلَغَ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَلَوْ عن الْجُمُعَةِ وَإِنْ أَمْكَنَ إدْرَاكُهَا لِأَنَّهُ أَدَّاهَا صَحِيحَةً فَلَا تَجِبُ إعَادَتُهَا كَأَمَةٍ صَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ وَعَتَقَتْ في الْوَقْتِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في الْحَجِّ لِأَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ فَاعْتُبِرَ وُقُوعُهُ حَالَ الْكَمَالِ أو بَلَغَ في أَثْنَائِهَا لَزِمَهُ إتْمَامُهَا لِأَنَّهُ أَدْرَكَ الْوُجُوبَ وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَلَزِمَهُ إتْمَامُهَا وَأَجْزَأَتْهُ وَلَوْ عن الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ صلى الْوَاجِبَ بِشَرْطِهِ وقد تَجِبُ إتْمَامُ الْعِبَادَةِ وَإِنْ كان أَوَّلُهَا تَطَوُّعًا كَحَجِّ تَطَوُّعٍ وَصَوْمِ مَرِيضٍ شُفِيَ في أَثْنَائِهِ وَتُسْتَحَبُّ له الْإِعَادَةُ في الصُّورَتَيْنِ لِيُؤَدِّيَهَا حَالَةَ الْكَمَالِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ لَزِمَهُ إتْمَامُهَا إنَّمَا هو جَوَابٌ لِلثَّانِيَةِ وَأَنَّ ما بَعْدَهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأُولَى وَأَنَّ مَحَلَّ لُزُومِ الصَّلَاةِ بِزَوَالِ الْمَانِعِ في الْوَقْتِ إذَا لم تُؤَدَّ حَالَةَ الْمَانِعِ وَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا في الصَّبِيِّ لِأَنَّ بَقِيَّةَ الْمَوَانِعِ كما تَمْنَعُ الْوُجُوبَ تَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَلَوْ زَالَتْ أَيْ الْمَوَانِعُ في وَقْتِ الْعَصْرِ أَوَّلَهُ أو وَسَطَهُ وَلَبِثَ الشَّخْصُ بِلَا مَانِعٍ ما يَسَعُ الطَّهَارَةَ إنْ لم يُمْكِنْ تَقْدِيمُهَا وما يَسَعُ أَدَاءُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ثُمَّ جُنَّ لَزِمَتَاهُ كما تَلْزَمُهُ بِآخِرِهِ وَهَذَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ وَمِثْلُهُ الْمَغْرِبُ مع الْعِشَاءِ فَصْلٌ في أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ وَهِيَ خَمْسَةٌ وَتُكْرَهُ تَحْرِيمًا الصَّلَاةُ في ثَلَاثَةِ أَوْقَاتٍ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حتى تَرْتَفِعَ رُمْحًا أَيْ قَدْرَهُ تَقْرِيبًا وعند اسْتِوَائِهَا حتى تَزُولَ وعند اصْفِرَارِهَا حتى تَغْرُبَ لِلنَّهْيِ عن الصَّلَاةِ فيها في خَبَرِ مُسْلِمٍ وَلَيْسَ فيه ذِكْرُ الرُّمْحِ وَبَعْدَ فِعْلَيْنِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ أَدَاءً لِمَنْ صَلَّاهَا وَلَوْ قَدَّمَهَا مَجْمُوعَةً في وَقْتِ الظُّهْرِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَتَسْتَمِرُّ الْكَرَاهَةُ إلَى الْغُرُوبِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ أَدَاءً إلَى الطُّلُوعِ لِمَنْ صَلَّاهَا لِلنَّهْيِ عن الصَّلَاةِ فِيهِمَا في خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ وما ذَكَرَ من أَنَّ أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ خَمْسَةٌ هِيَ عِبَارَةُ الْجُمْهُورِ وقال جَمَاعَةٌ هِيَ ثَلَاثَةٌ من صَلَاةِ الصُّبْحِ حتى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ وَمِنْ الْعَصْرِ حتى تَغْرُبَ وَحَالَةَ
____________________
(1/123)
الِاسْتِوَاءِ قال في الْمَجْمُوعِ وَهِيَ تَشْمَلُ الْخَمْسَةَ وَالْعِبَارَةُ الْأُولَى أَجْوَدُ لِأَنَّ من لم يُصَلِّ الصُّبْحَ حتى طَلَعَتْ الشَّمْسُ أو الْعَصْرَ حتى اصْفَرَّتْ يُكْرَهُ له التَّنَفُّلُ حتى تَرْتَفِعَ أو تَغْرُبَ وَهَذَا يُفْهَمُ من الْعِبَارَةِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ وَلِأَنَّ حَالَ الِاصْفِرَارِ يُكْرَهُ التَّنَفُّلُ فيه على الْعِبَارَةِ الْأُولَى بِسَبَبَيْنِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ قال في الْمُهِمَّاتِ وَالْمُرَادُ بِحَصْرِ الْكَرَاهَةِ في الْأَوْقَاتِ إنَّمَا هو بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَوْقَاتِ الْأَصْلِيَّةِ فَسَتَأْتِي كَرَاهَةُ التَّنَفُّلِ في وَقْتِ إقَامَةِ الصَّلَاةِ وَوَقْتِ صُعُودِ الْإِمَامِ لِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وفي إيرَادِهِ الْأُولَى نَظَرٌ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فيها لِلتَّنْزِيهِ وَالْكَلَامُ في كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ في شَيْءٍ من ذلك أَيْ من الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ بِمَكَّةَ وَسَائِرِ الْحَرَمِ لِخَبَرِ يا بَنِي عبد مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بهذا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ من لَيْلٍ أو نَهَارٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلِمَا فيه من زِيَادَةِ فَضْلِ الصَّلَاةِ فَلَا تُكْرَهُ بِحَالٍ نعم هِيَ خِلَافُ الْأَوْلَى كما في مُقْنِعِ الْمَحَامِلِيِّ خُرُوجًا من الْخِلَافِ وَلَا تُكْرَهُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ يوم الْجُمُعَةِ لِأَحَدٍ وَإِنْ لم يَحْضُرْهَا لِخَبَرِ أبي دَاوُد وَغَيْرِهِ في ذلك وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ مُرْسَلًا لِاعْتِضَادِهِ بِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم اسْتَحَبَّ التَّبْكِيرَ إلَيْهَا ثُمَّ رَغَّبَ في الصَّلَاةِ إلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ من غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ وَلَا تُكْرَهُ ما أَيْ صَلَاةٌ لها سَبَبٌ مُتَقَدِّمٌ أو مُقَارِنٌ كَالْجِنَازَةِ وَالْمَنْذُورَةِ وَالْمُعَادَةِ كَصَلَاةِ مُنْفَرِدٍ وَمُتَيَمِّمٍ وَالْقَضَاءِ بِمَعْنَى الْمَقْضِيَّةِ حتى مَقْضِيَّةَ النَّوَافِلِ التي اتَّخَذَهَا وِرْدًا لِأَنَّ لِكُلٍّ منها سَبَبًا مُتَقَدِّمًا أو مُقَارِنًا على ما يَأْتِي وَلِخَبَرِ فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا وَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ وقال هُمَا اللَّتَانِ بَعْدَ الظُّهْرِ وفي مُسْلِمٍ لم يَزَلْ يُصَلِّيهِمَا حتى فَارَقَ الدُّنْيَا وَكَذَا رَكْعَتَا الْوُضُوءِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْكُسُوفِ وَالطَّوَافِ وَنَحْوِهَا كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ لِأَنَّ بَعْضَهَا له سَبَبٌ مُتَقَدِّمٌ كَرَكْعَتَيْ الْوُضُوءِ وَبَعْضَهَا له سَبَبٌ مُقَارِنٌ كَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَالْكُسُوفِ بِخِلَافِ ما لها سَبَبٌ مُتَأَخِّرٌ كَصَلَاةِ الْإِحْرَامِ وَصَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ كما سَيَأْتِي وَالْمُرَادُ بِالتَّقَدُّمِ وَقَسِيمَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاةِ على ما في الْمَجْمُوعِ وَإِلَى الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ على ما في الْأَصْلِ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ مُحْتَمِلَةٌ لَهُمَا وَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا أَظْهَرُ كما قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَعَلَيْهِ جَرَى ابن الرِّفْعَةِ فَعَلَيْهِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ سَبَبُهَا مُتَقَدِّمٌ وَعَلَى الثَّانِي قد يَكُونُ مُتَقَدِّمًا وقد يَكُونُ مُقَارِنًا بِحَسَبِ وُقُوعِهِ في الْوَقْتِ أو قَبْلَهُ وَلَيْسَ لِمَنْ قَضَى فيها أَيْ في أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ فَائِتَةً الْمُدَاوَمَةُ عليها وَجَعْلُهَا وِرْدًا وَأَمَّا مُدَاوَمَتُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم على الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ كما مَرَّ فَمِنْ خَصَائِصِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَتُكْرَهُ رَكْعَتَا الِاسْتِخَارَةِ وَالْإِحْرَامِ فيها أَيْ في أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ لِأَنَّ سَبَبَهُمَا وهو الِاسْتِخَارَةُ وَالْإِحْرَامُ مُتَأَخِّرٌ عنهما وَلَوْ دخل الْمَسْجِدَ فيها لَا لِغَرَضٍ سِوَى اسْتِحْبَابِهَا أَيْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لم تَصِحَّ كَمَنْ أَخَّرَ فَائِتَةً عليه لِيَقْضِيَهَا وَقْتَ الْكَرَاهَةِ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ كَخَبَرِ لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا وَلِلسُّبْكِيِّ هُنَا بَحْثٌ ذَكَرْته مع جَوَابِهِ في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَغَيْرِهِ أَمَّا إذَا دخل الْمَسْجِدَ لَا لِغَرَضٍ أو لِغَرَضٍ غَيْرِ التَّحِيَّةِ أو لِغَرَضِهِمَا فَلَا تُكْرَهُ بَلْ تُسَنُّ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إذَا دخل أحدكم الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حتى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فَهُوَ مُخَصِّصٌ لِخَبَرِ النَّهْيِ فَإِنْ قلت خَبَرُ النَّهْيِ عَامٌّ في الصَّلَوَاتِ خَاصٌّ في الْأَوْقَاتِ وَخَبَرُ التَّحِيَّةِ بِالْعَكْسِ فَلِمَ رَجَّحْتُمْ تَخْصِيصَ خَبَرِ النَّهْيِ قُلْنَا لِأَنَّ التَّخْصِيصَ دَخَلَهُ بِمَا مَرَّ من الْأَخْبَارِ في صَلَاةِ الْعَصْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ وَبِالْإِجْمَاعِ على جَوَازِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بَعْدَهُمَا وَأَمَّا خَبَرُ التَّحِيَّةِ فَهُوَ على عُمُومِهِ وَلِهَذَا أَمَرَ صلى اللَّهُ عليه وسلم الدَّاخِلَ يوم الْجُمُعَةِ في حَالِ الْخُطْبَةِ بِالتَّحِيَّةِ بَعْدَ أَنْ قَعَدَ وَلَوْ كانت تُتْرَكُ في وَقْتٍ لَكَانَ هذا الْوَقْتَ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ حَالَ الْخُطْبَةِ من الصَّلَاةِ إلَّا التَّحِيَّةَ وَلِأَنَّهُ تَكَلَّمَ في الْخُطْبَةِ وَبَعْدَ أَنَّ قَعَدَ الدَّاخِلُ وَكُلُّ هذا مُبَالَغَةٌ في تَعْمِيمِ التَّحِيَّةِ ذَكَرَ ذلك في الْمَجْمُوعِ وَلَوْ أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ أو نَذَرَهَا فيه أَيْ في وَقْتِ الْكَرَاهَةِ لم يَنْعَقِدْ كُلٌّ من الْإِحْرَامِ وَالنَّذْرِ كَصَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ
____________________
(1/124)
وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لو أَحْرَمَ بها قبل الْوَقْتِ ثُمَّ جاء الْوَقْتُ وهو فيها لم تَبْطُلْ وهو ظَاهِرٌ إنْ لم يَتَحَرَّ دُخُولَ بَعْضِهَا في وَقْتِ الْكَرَاهَةِ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي الْبُطْلَانُ قال الرُّويَانِيُّ وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ في وَقْتِ جَوَازِ الصَّلَاةِ ثُمَّ سَجَدَ في وَقْتِ الْكَرَاهَةِ لم يَجُزْ وهو ظَاهِرٌ إنْ تَحَرَّى السُّجُودَ فيه وَإِلَّا فَهُوَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِمَّا إذَا قَرَأَهَا في وَقْتِ الْكَرَاهَةِ الْبَابُ الثَّانِي في الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ الْأَذَانُ وَالْأَذِينُ وَالتَّأْذِينُ بِالْمُعْجَمَةِ لُغَةً الْإِعْلَامُ قال تَعَالَى وَأَذَانٌ من اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَشَرْعًا قَوْلٌ مَخْصُوصٌ يُعْلَمُ بِهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَالْأَصْلُ فيه قبل الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ من يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَقَوْلُهُ إذَا نَادَيْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أحدكم وفي أبي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عن عبد اللَّهِ بن زَيْدِ بن عبد رَبِّهِ قال لَمَّا أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيَضْرِبَ بِهِ الناس لِجَمْعِ الصَّلَاةِ طَافَ بِي وأنا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا في يَدِهِ فَقُلْت يا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ فقال وما تَصْنَعُ بِهِ فَقُلْت نَدْعُو بِهِ إلَى الصَّلَاةِ قال أَوَلَا أَدُلُّك على ما هو خَيْرٌ من ذلك فَقُلْت بَلَى فقال تَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ إلَى آخِرِ الْأَذَانِ ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غير بَعِيدٍ ثُمَّ قال وَتَقُولُ إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ إلَى آخِرِ الْإِقَامَةِ فلما أَصْبَحْت أَتَيْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْت فقال إنَّهَا رُؤْيَا حَقٍّ إنْ شَاءَ اللَّهُ قُمْ مع بِلَالٍ فَأَلْقِ عليه ما رَأَيْت فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ فإنه أَنْدَى صَوْتًا مِنْك فَقُمْت مع بِلَالٍ فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عليه فَيُؤَذِّنُ بِهِ فَسَمِعَ ذلك عُمَرُ بن الْخَطَّابِ وهو في بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ يقول وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ يا رَسُولَ اللَّهِ لقد رَأَيْت مِثْلَ ما رَأَى فقال صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلِلَّهِ الْحَمْدُ هو أَيْ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ سُنَّتَانِ على الْكِفَايَةِ لِلْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ قالوا وَإِنَّمَا لم يَجِبَا لِأَنَّهُمَا إعْلَامٌ بِالصَّلَاةِ وَدُعَاءٌ إلَيْهَا كَقَوْلِهِ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ وَضَعَّفَهُ في الْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُ ليس في ذَاكَ شِعَارٌ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ الْأَذَانِ وفي الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّ ذَاكَ دُعَاءٌ إلَى مُسْتَحَبٍّ وَهَذَا دُعَاءٌ إلَى وَاجِبٍ وَإِنَّمَا يُسَنَّانِ في الْمَكْتُوبَاتِ الْخَمْسِ فَقَطْ أَيْ لَا في غَيْرِهَا كَالسُّنَنِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْمَنْذُورَةِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ فيه بَلْ يُكْرَهَانِ فيه كما صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُ فَلْيُظْهِرْ الْأَذَانَ أَيْ يُسَنُّ إظْهَارُهُ في الْبَلَدِ مَثَلًا بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ كُلُّ مُصْغٍ إلَيْهِ من أَهْلِ الْبَلَدِ فَفِي بَلْدَةٍ صَغِيرَةٍ يَكْفِي في مَحَلٍّ وفي كَبِيرَةٍ لَا بُدَّ منه في مَحَالٍّ لِيَنْتَشِرَ في جَمِيعِ أَهْلِهَا فَلَوْ أَذَّنَ وَاحِدٌ في جَانِبٍ فَقَطْ حَصَلَتْ السُّنَّةُ فيه دُونَ غَيْرِهِ فَلَوْ تَرَكُوهُ وَلَوْ في الْجُمُعَةِ لم يُقَاتَلُوا كَسَائِرِ السُّنَنِ وَيُسَنُّ الْأَذَانُ لِلْمُنْفَرِدِ بِالصَّلَاةِ وَلَوْ سَمِعَهُ من غَيْرِهِ وَيَكْفِي في أَذَانِهِ إسْمَاعُ نَفْسِهِ بِخِلَافِ أَذَانِ الْإِعْلَامِ كما سَيَأْتِي وَالتَّرْجِيحُ في قَوْلِهِ وَلَوْ سَمِعَهُ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ في التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وَيُعْلِنُ أَيْ يَرْفَعُ بِهِ صَوْتَهُ نَدْبًا رَوَى الْبُخَارِيُّ عن عبد اللَّهِ بن عبد الرحمن بن أبي صَعْصَعَةَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قال له إنِّي أَرَاك تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ فإذا كُنْت في غَنَمِك أو بَادِيَتِك فَأَذَّنْت لِلصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَك بِالنِّدَاءِ فإنه لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا شَهِدَ له يوم الْقِيَامَةِ سَمِعْته من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا إنْ صلى في مَسْجِدٍ أَذَّنَ وَصَلَّى فيه وَإِنْ لم تُقَمْ الصَّلَاةُ جَمَاعَةً بِأَنْ أُقِيمَتْ فُرَادَى أو في مَسْجِدٍ أَذَّنَ وأقيمت فيه جَمَاعَةً فَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ فِيهِمَا وَالْأُولَى من زِيَادَتِهِ وَلَوْ قال فيها وفي الثَّانِيَةِ ما قَدَّرْته كان أَوْلَى وَاعْتَبَرَ الْأَصْلَ مع إقَامَةِ الْجَمَاعَةِ انْصِرَافَهُمْ حَيْثُ قال ما حَاصِلُهُ لَا إنْ صلى في مَسْجِدٍ أُقِيمَتْ فيه جَمَاعَةٌ وَانْصَرَفُوا فَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ لِئَلَّا يُوهِمُ السَّامِعِينَ دُخُولَ وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى لَا سِيَّمَا في يَوْمِ الْغَيْمِ وَذَكَرَ أَيْضًا ما يُفْهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِالْأُولَى أَنَّهُ لو أُقِيمَتْ جَمَاعَةٌ ثَانِيَةٌ في الْمَسْجِدِ سُنَّ لهم
____________________
(1/125)
الْأَذَانُ بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ وَإِنَّمَا سُنَّ الْأَذَانُ ثَانِيًا لِأَنَّ الْأَوَّلَ قد انْتَهَى حُكْمُهُ بِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ الْأُولَى وَالتَّقْيِيدُ بِانْصِرَافِهِمْ يَقْتَضِي سَنَّ الرَّفْعِ قَبْلَهُ لِعَدَمِ خَفَاءِ الْحَالِ عليهم قال في الْمُهِمَّاتِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُوهِمُ غَيْرَهُمْ من أَهْلِ الْبَلَدِ وكان الْمُصَنِّفُ حَذَفَ التَّقْيِيدَ الْمَذْكُورَ لِهَذَا لِنَظَرٍ قال الْإِسْنَوِيُّ وَإِنَّمَا قَيَّدُوا بِوُقُوعِ جَمَاعَةٍ لِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ له الْأَذَانُ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ مَدْعُوٌّ بِالْأَوَّلِ ولم يَنْتَهِ حُكْمُهُ وَذِكْرُ الْمَسْجِدِ جَرَى على الْغَالِبِ فَمِثْلُهُ الرِّبَاطُ وَنَحْوُهُ من أَمْكِنَةِ الْجَمَاعَةِ وَتُقِيمُ الْمَرْأَةُ لها وَلِلنِّسَاءِ نَدْبًا وَلَا تُؤَذِّنُ أَيْ لَا يُنْدَبُ أَذَانُهَا لها وَلَا لَهُنَّ لِأَنَّهُ يُخَافُ من رَفْعِهَا الصَّوْتَ بِهِ الْفِتْنَةُ فَإِنْ أَذَّنَتْ لها أو لَهُنَّ سِرًّا لم يُكْرَهْ وكان ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى أو جَهْرًا بِأَنْ رَفَعَتْ صَوْتَهَا فَوْقَ ما تُسْمِعُ صَوَاحِبَهَا وَثَمَّ أَجْنَبِيٌّ حَرُمَ كما يَحْرُمُ تَكَشُّفُهَا بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ لِأَنَّهُ يُفْتَتَنُ بِصَوْتِهَا كما يُفْتَتَنُ بِوَجْهِهَا أو اسْتَشْكَلَ بِجَوَازِ غِنَائِهَا عِنْدَ اسْتِمَاعٍ لِرَجُلٍ له وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْغِنَاءَ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ اسْتِمَاعُهُ وَإِنْ أَمِنَ الْفِتْنَةَ وَالْأَذَانُ يُسْتَحَبُّ له اسْتِمَاعُهُ فَلَوْ جَوَّزْنَا لِلْمَرْأَةِ لَأَدَّى إلَى أَنْ يُؤْمَرَ الرَّجُلُ بِاسْتِمَاعِ ما يَخْشَى منه الْفِتْنَةَ وهو مُمْتَنِعٌ أَمَّا أَذَانُهَا لِلرِّجَالِ أو لِلْخَنَاثَى فَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ وَيُنَادَى لِجَمَاعَةِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالتَّرَاوِيحِ وَالْوِتْرِ حَيْثُ يُسَنُّ جَمَاعَةً فِيمَا يَظْهَرُ الصَّلَاةَ جَامِعَةً لِوُرُودِهِ في الصَّحِيحَيْنِ في كُسُوفِ الشَّمْسِ وَقِيسَ بِهِ الْبَاقِي وَالْجُزْءَانِ مَنْصُوبَانِ الْأَوَّلُ بِالْإِغْرَاءِ وَالثَّانِي بِالْحَالِيَّةِ أَيْ اُحْضُرُوا الصَّلَاةَ أو الْزَمُوهَا حَالَةَ كَوْنِهَا جَامِعَةً وَيَجُوزُ رَفْعُهُمَا على الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ وَرَفْعُ أَحَدِهِمَا على أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ أو عَكْسُهُ وَنَصْبُ الْآخِرِ على الْإِغْرَاءِ في الْجُزْءِ الْأَوَّلِ وَعَلَى الْحَالِيَّةِ في الثَّانِي وَكَالصَّلَاةَ جَامِعَةً الصَّلَاةَ كما نَصَّ عليه في الْأُمِّ لَا لِجِنَازَةٍ وَمَنْذُورَةٍ وَنَافِلَةٍ لَا تُسَنُّ جَمَاعَةً كَالضُّحَى أو صُلِّيَتْ فُرَادَى فَلَا يُسَنُّ لها ذلك أَمَّا غَيْرُ الْجِنَازَةِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْجِنَازَةُ فَلِأَنَّ الْمُشَيِّعِينَ لها حَاضِرُونَ فَلَا حَاجَةَ لِلْإِعْلَامِ وَإِنْ وَالَى بين فَوَائِتَ أَذَّنَ لِلْأُولَى فَقَطْ وَأَقَامَ لِلْكُلِّ أَيْ لِكُلٍّ منها كما جاء الْخَبَرُ بِذَلِكَ من رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ يوم الْخَنْدَقِ وكان قبل نُزُولِ صَلَاةِ الْخَوْفِ وهو وَإِنْ كان مُنْقَطِعًا مُعْتَضِدٌ بِخَبَرٍ في مُسْلِمٍ يَدُلُّ على أَنَّهُ يُؤَذِّنُ لِلْفَائِتَةِ فَإِنْ لم يُوَالِ بَيْنَهَا أَذَّنَ وَأَقَامَ لِكُلٍّ وَلَوْ أَتْبَعَهَا أَيْ الْفَائِتَةَ بِحَاضِرَةٍ بِلَا فَصْلٍ طَوِيلٍ لم يُعِدْهُ أَيْ الْأَذَانَ لِلْحَاضِرَةِ إلَّا إنْ دخل وَقْتُهَا فَيُعِيدُهُ لِلْإِعْلَامِ بِوَقْتِهَا وَيُؤَذَّنُ لِلْأُولَى فَقَطْ أَيْ دُونَ الثَّانِيَةِ في جَمْعِ تَقْدِيمٍ أو جَمْعِ تَأْخِيرٍ وَالَى فيه لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم جَمَعَ بين الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ من رِوَايَةِ جَابِرٍ وَرَوَيَا من رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا بِإِقَامَتَيْنِ وَأَجَابُوا عنه بِأَنَّهُ إنَّمَا حَفِظَ الْإِقَامَةَ وقد حَفِظَ جَابِرٌ الْأَذَانَ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ لِأَنَّ معه زِيَادَةَ عِلْمٍ وَبِأَنَّ جَابِرًا اسْتَوْفَى أُمُورَ حَجَّةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَتْقَنَهَا فَهُوَ أَوْلَى بِالِاعْتِمَادِ فَصْلٌ في صِفَةِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ
وَكَلِمَاتُهُ مع كَلِمَاتِهَا مَشْهُورَةٌ وَعِدَّةُ كَلِمَاتِهِ بِالتَّرْجِيعِ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً وَعِدَّةُ كَلِمَاتِهَا إحْدَى عَشْرَةَ فَإِنْ زَادَ الْمُؤَذِّنُ في أَذَانِهِ شيئا منه وفي نُسْخَةٍ منها أو من ذِكْرٍ آخَرَ لَا يُؤَدِّي إلَى اشْتِبَاهٍ بِغَيْرِ الْأَذَانِ أو قال اللَّهُ الْأَكْبَرُ أو لُقِّنَ الْأَذَانَ لم يَضُرَّ لِأَنَّ ذلك لَا يُخِلُّ بِالْإِعْلَامِ وَقَوْلُهُ لَا يُؤَدِّي إلَى اشْتِبَاهٍ من زِيَادَتِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَيَفْتَحُ أَيْ الْمُؤَذِّنُ الرَّاءَ في الْأُولَى من لَفَظَّتَيْ التَّكْبِيرِ وَيُسَكِّنُ هَا في الثَّانِيَةِ لِلْوَقْفِ وَفَتْحُهَا في الْأُولَى هو قَوْلُ الْمُبَرِّدِ قال لِأَنَّ الْأَذَانَ سُمِعَ مَوْقُوفًا فَكَانَ الْأَصْلُ إسْكَانَهَا لَكِنْ لَمَّا وَقَعَتْ قبل فَتْحَةِ هَمْزَةِ اللَّهِ الثَّانِيَةِ فُتِحَتْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى الم اللَّهُ وقال الْهَرَوِيُّ عَوَامُّ الناس على رَفْعِهَا وما قَالَهُ هو الْقِيَاسُ وما عَلَّلَ بِهِ الْمُبَرِّدُ مَمْنُوعٌ إذْ الْوَقْفُ ليس على أَكْبَرِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ هو مِثْلَ مِيمٍ من الم كما لَا يَخْفَى قَارِنًا في الْأَذَانِ بين كل تَكْبِيرَتَيْنِ بِصَوْتٍ لِخِفَّتِهِمَا وَيُفْرِدُ بَاقِيَ الْكَلِمَاتِ أَيْ كُلًّا منه
____________________
(1/126)
بِصَوْتٍ وَصَرَّحَ من زِيَادَتِهِ بِقَوْلِهِ وفي الْإِقَامَةِ يَجْمَعُ كُلَّ كَلِمَتَيْنِ منها بِصَوْتٍ وَالْكَلِمَةَ الْأَخِيرَةَ بِصَوْتٍ قَوْلُهُمْ الْأَذَانُ مَثْنَى وَالْإِقَامَةُ فُرَادَى يُرِيدُونَ بِهِ مُعْظَمَهُمَا فإن كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ في آخِرِ الْأَذَانِ مُفْرَدَةٌ وَالتَّكْبِيرَ في أَوَّلِهِ أَرْبَعٌ وَلَفْظُ الْإِقَامَةِ وَالتَّكْبِيرُ في أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا مَثْنَى لِوُرُودِ ذلك في خَبَرَيْ عبد اللَّهِ بن زَيْدٍ وَبِلَالٍ وَيُسْتَحَبُّ تَرْتِيلُ الْأَذَانِ أَيْ التَّأَنِّي فيه وَإِدْرَاجُ الْإِقَامَةِ أَيْ الْإِسْرَاعُ بها لِلْأَمْرِ بِهِمَا فِيمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَلِأَنَّ الْأَذَانَ لِلْغَائِبِينَ فَالتَّرْتِيلُ فيه أَبْلَغُ وَالْإِقَامَةُ لِلْحَاضِرِينَ فَالْإِدْرَاجُ فيها أَشْبَهُ ويستحب الْخَفْضُ بها لِذَلِكَ وَالتَّرْجِيعُ فيه أَيْ في الْأَذَانِ كما رَوَاهُ مُسْلِمٌ عن أبي مَحْذُورَةَ وَحِكْمَتُهُ تَدَبُّرُ كَلِمَتَيْ الْإِخْلَاصِ لِكَوْنِهِمَا الْمُنْجِيَتَيْنِ من الْكُفْرِ الْمُدْخَلَتَيْنِ في الْإِسْلَامِ وَتَذَكُّرُ خَفَائِهِمَا في أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ ظُهُورِهِمَا وهو الْإِسْرَارُ بِكَلِمَاتِ الشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ وَهُنَّ أَرْبَعٌ ثُمَّ بَعْدَ ذِكْرِهَا سِرًّا يُعِيدُهَا جَهْرًا وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى الرَّفْعِ بَعْدَ أَنْ تَرَكَهُ أو إلَى الشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَ ذِكْرِهِمَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ اسْمٌ لِلْمَجْمُوعِ لَكِنْ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ وَتَحْقِيقِهِ وَدَقَائِقِهِ وَتَحْرِيرِهِ بِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْأَوَّلِ وفي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِأَنَّهُ اسْمٌ لِلثَّانِي وَالْمُرَادُ بِالْإِسْرَارِ بِهِمَا أَنْ يُسْمِعَ من بِقُرْبِهِ أو أَهْلَ الْمَسْجِدِ إنْ كان وَاقِفًا عليهم وَالْمَسْجِدُ مُتَوَسِّطُ الْخُطَّةِ كما صَحَّحَهُ ابن الرِّفْعَةِ وَنَقَلَهُ عن النَّصِّ وَغَيْرِهِ ويستحب التَّثْوِيبُ بِالْمُثَلَّثَةِ وَيُقَالُ التَّثْوِيبُ في أَذَانَيْ الصُّبْحِ وهو أَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْحَيْعَلَتَيْنِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ من النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ لِوُرُودِهِ في خَبَرِ أبي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كما في الْمَجْمُوعِ وهو من ثَابَ إذَا رَجَعَ لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ دَعَا إلَى الصَّلَاةِ بِالْحَيْعَلَتَيْنِ ثُمَّ عَادَ فَدَعَا إلَيْهَا بِذَلِكَ وَخُصَّ بِالصُّبْحِ لِمَا يَعْرِضُ لِلنَّائِمِ من التَّكَاسُلِ بِسَبَبِ النَّوْمِ وَيُثَوِّبُ في أَذَانِ الْفَائِتِ أَيْضًا كما صَرَّحَ بِهِ ابن عُجَيْلٍ الْيَمَنِيُّ نَظَرًا إلَى أَصْلِهِ وَيُكْرَهُ أَنْ يُثَوِّبَ لِغَيْرِهَا أَيْ لِغَيْرِ الصُّبْحِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ من أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليس منه فَهُوَ رَدٌّ ويستحب الْقِيَامُ في الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ يا بِلَالُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ في الْإِعْلَامِ وَالِاسْتِقْبَالُ فِيهِمَا لِلْقِبْلَةِ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ وَلِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ سَلَفًا وَخَلَفًا فَلَوْ تَرَكَهُمَا مع الْقُدْرَةِ كُرِهَ لِمُخَالِفَتِهِ السَّلَفَ وَالْخَلَفَ وَأَجْزَأَهُ لِأَنَّ ذلك لَا يُخِلُّ بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالِاضْطِجَاعُ فِيمَا ذَكَرَ أَشَدُّ كَرَاهَةً من الْقُعُودِ فيه وَيُسْتَحَبُّ الِالْتِفَاتُ في الشِّعَارِ الْمَذْكُورِ وَلَوْ في الْإِقَامَةِ بِوَجْهِهِ لَا بِصَدْرِهِ من غَيْرِ انْتِقَالٍ عن مَحَلِّهِ وَلَوْ بِمَنَارَةٍ أَيْ عليها مُحَافَظَةً على الِاسْتِقْبَالِ يَمِينًا مَرَّةً في قَوْلِهِ حَيَّ على الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ وَيَسَارًا مَرَّةً في قَوْلِهِ حَيَّ على الْفَلَاحِ مَرَّتَيْنِ حتى يُتِمَّهُمَا في الِالْتِفَاتَتَيْنِ رَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّ أَبَا جُحَيْفَةَ قال رَأَيْت بِلَالًا يُؤَذِّنُ فَجَعَلْت أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَاهُنَا وَهَاهُنَا يقول يَمِينًا وَشِمَالًا حَيَّ على الصَّلَاةِ حَيَّ على الْفَلَاحِ وَاخْتَصَّتْ الْحَيْعَلَتَانِ بِالِالْتِفَاتِ لِأَنَّ غَيْرَهُمَا ذِكْرُ اللَّهِ وَهُمَا خِطَابُ الْآدَمِيِّ كَالسَّلَامِ في الصَّلَاةِ يَلْتَفِتُ فيه دُونَ غَيْرِهِ من الْأَذْكَارِ وَفَارَقَ كَرَاهَةَ الِالْتِفَاتِ في الْخُطْبَةِ بِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ دَاعٍ لِلْغَائِبِينَ وَالِالْتِفَاتُ أَبْلَغُ في إعْلَامِهِمْ وَالْخَطِيبُ وَاعِظٌ لِلْحَاضِرِينَ فَالْأَدَبُ أَنْ لَا يُعْرِضَ عَنْهُمْ وَإِنَّمَا لم يُكْرَهْ في الْإِقَامَةِ بَلْ يُنْدَبُ كما مَرَّ لِأَنَّ الْقَصْدَ منها الْإِعْلَامُ فَلَيْسَ فيه تَرْكُ أَدَبٍ وَلَا يَلْتَفِتُ في قَوْلِهِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ من النَّوْمِ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ ابن عُجَيْلٍ الْيَمَنِيُّ وَيُسْتَحَبُّ الْمُبَالَغَةُ في رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْأَذَانِ لِخَبَرِ أبي سَعِيدٍ السَّابِقِ أَوَائِلَ الْبَابِ بِلَا إجْهَادٍ لِلنَّفْسِ لِئَلَّا يَضُرَّ بها وَلَوْ أَسَرَّ بِأَذَانِهِ أو بِشَيْءٍ منه ما عَدَا التَّرْجِيعَ غير الْمُنْفَرِدِ يَعْنِي الْمُؤَذِّنَ لِجَمَاعَةٍ لم يُجْزِهِ لِفَوَاتِ الْإِعْلَامِ فَيَجِبُ الْإِسْمَاعُ وَلَوْ لِوَاحِدٍ وَإِسْمَاعُ النَّفْسِ لَا ما دُونَهُ يُجْزِئُ الْمُنْفَرِدَ أَيْ الْمُؤَذِّنَ لِنَفْسِهِ لِأَنَّ الْغَرَضَ منه الذِّكْرُ لَا الْإِعْلَامُ وَعَلَى هذا حُمِلَ ما نُقِلَ عن النَّصِّ من أَنَّهُ لو أَسَرَّ بِبَعْضِهِ صَحَّ وَلَا يُجْزِئُ إسْمَاعُ نَفْسِهِ الْمُقِيمَ لِلْجَمَاعَةِ كما في الْأَذَانِ لَكِنْ الرَّفْعُ بها أَخْفَضُ كما مَرَّ وَيَجِبُ
____________________
(1/127)
التَّرْتِيبُ في كُلٍّ مِنْهُمَا لِلِاتِّبَاعِ كما رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَلِأَنَّ تَرْكَهُ يُوهِمُ اللَّعِبَ وَيُخِلُّ بِالْإِعْلَامِ فَإِنْ نَكَسَ وفي نُسْخَةٍ عَكَسَ لم يَصِحَّ لِذَلِكَ وبنى على الْمُنْتَظِمِ منه وَالِاسْتِئْنَافُ أَوْلَى قال في الْأَصْلِ وَلَوْ تَرَكَ بَعْضَ الْكَلِمَاتِ في خِلَالِهِ أتى بِالْمَتْرُوكِ وَأَعَادَ ما بَعْدَهُ وتجب الْمُوَالَاةُ بين كَلِمَاتِهِ لِأَنَّ تَرْكَهَا يُخِلُّ بِالْإِعْلَامِ وَلَا يَضُرُّ يَسِيرُ سُكُوتٍ وَكَلَامٍ وفي نُسْخَةٍ أو كَلَامٍ وَنَوْمٍ وَإِغْمَاءٍ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْإِعْلَامِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَأْنِفَ في الْأَخِيرَيْنِ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ فإذا كَثُرَ شَيْءٌ من ذلك أو بَنَى غَيْرُ أَيْ غَيْرُ الْمُؤَذِّنِ على ما أتى بِهِ بَطَلَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُخِلُّ بِالْإِعْلَامِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ صُدُورَهُ من شَخْصَيْنِ يُورِثُ اللُّبْسَ وَيُؤْخَذُ منه صِحَّةُ الْبِنَاءِ إذَا اشْتَبَهَا صَوْتًا وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ وَيُسْتَحَبُّ له أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ في نَفْسِهِ إذَا عَطَسَ بِفَتْحِ الطَّاءِ وأن يُؤَخِّرَ رَدَّ السَّلَامِ إذَا سَلَّمَ عليه غَيْرُهُ وأن يُؤَخِّرَ التَّشْمِيتَ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ إذَا عَطَسَ غَيْرُهُ وَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى إلَى الْفَرَاغِ من الْأَذَانِ فَيَرُدُّ السَّلَامَ وَيُشَمِّتُ حِينَئِذٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين طُولِ الْفَصْلِ وَقِصَرِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ قال في الْأَصْلِ فَإِنْ رَدَّ أو شَمَّتَ أو تَكَلَّمَ بِمَصْلَحَةٍ لم يُكْرَهْ وكان تَارِكًا لِلْمُسْتَحَبِّ وَلَوْ رَأَى أَعْمَى يَخَافُ وُقُوعَهُ في بِئْرٍ وَجَبَ إنْذَارُهُ فَصْلٌ في صِفَةِ الْمُؤَذِّنِ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا فَلَا يَصِحُّ من كَافِرٍ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْعِبَادَةِ وَلِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ مَضْمُونَهُ وَلَا الصَّلَاةَ التي هو دُعَاءٌ إلَيْهَا فَإِتْيَانُهُ بِهِ ضَرْبٌ من الِاسْتِهْزَاءِ وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِهِ على تَفْصِيلٍ يَأْتِي عَاقِلًا فَلَا يَصِحُّ من غَيْرِهِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْعِبَادَةِ ذَكَرًا وَلَوْ عَبْدًا أو صَبِيًّا فَلَا يَصِحُّ أَذَانُ غَيْرِهِ لِلرِّجَالِ كما سَيَأْتِي فَلَوْ أَذَّنَ كَافِرٌ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ إنْ لم يَكُنْ عِيسَوِيًّا بِخِلَافِ الْعِيسَوِيِّ وَالْعِيسَوِيَّةُ فِرْقَةٌ من الْيَهُودِ تُنْسَبُ إلَى أبي عِيسَى إِسْحَاقَ بن يَعْقُوبَ الْأَصْبَهَانِيِّ كان في خِلَافَةِ الْمَنْصُورِ يَعْتَقِدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رسول اللَّهِ إلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً وَخَالَفَ الْيَهُودَ في أَشْيَاءَ غَيْرِ ذلك منها أَنَّهُ حَرَّمَ الذَّبَائِحَ وَيُعْتَدُّ بِأَذَانِهِ أَيْ غَيْرِ الْعِيسَوِيِّ إنْ أَعَادَهُ بِخِلَافِ ما إذَا لم يُعِدْهُ وَبِخِلَافِ الْعِيسَوِيِّ وَإِنْ أَعَادَهُ لِمَا مَرَّ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ يُعْتَدُّ إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ وهو مَعْلُومٌ مع أَنَّ في عِبَارَتِهِ إيهَامًا أَنَّ أَذَانَهُ الْأَوَّلُ هو الْمُعْتَدُّ بِهِ إذَا أُعِيدَ وَإِنْ ارْتَدَّ الْمُؤَذِّنُ ثُمَّ أَسْلَمَ قَرِيبًا بَنَى على أَذَانِهِ لِأَنَّ الرِّدَّةَ إنَّمَا تَمْنَعُ الْعِبَادَةَ في الْحَالِ وَلَا تُبْطِلُ ما مَضَى إلَّا إذَا اقْتَرَنَ بها الْمَوْتُ أَمَّا إذَا طَالَ الْفَصْلُ فَلَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ أو ارْتَدَّ بَعْدَهُ أَيْ الْأَذَانِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَقَامَ جَازَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُعِيدَهُمَا أَيْ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ غَيْرُهُ حتى لَا يُصَلَّى بِأَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ لِأَنَّ رِدَّتَهُ تُورِثُ شُبْهَةً في حَالِهِ وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْأَوْقَاتِ في النَّصْبِ لِذَلِكَ أَيْ نَصْبِ الْمُؤَذِّنِ لِلْأَذَانِ بِخِلَافِ من يُؤَذِّنُ لِنَفْسِهِ أو يُؤَذِّنُ لِجَمَاعَةٍ مَرَّةً فَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بها بَلْ إذَا عَلِمَ دُخُولَ الْوَقْتِ صَحَّ أَذَانُهُ بِدَلِيلِ أَذَانِ الْأَعْمَى وَهَذَا من زِيَادَتِهِ تَبِعَ فيه النَّوَوِيَّ في مَجْمُوعِهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ شَرْطَ أَذَانِ الرَّاتِبِ مَعْرِفَتُهُ الْأَوْقَاتَ بِالْأَمَارَةِ وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ صِحَّةِ أَذَانِهِ إذَا لم يَعْرِفْهَا بها وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَصِحُّ إذَا عَرَفَهَا بِخَبَرِ ثِقَةٍ كَغَيْرِ الرَّاتِبِ كما دَلَّ عليه كَلَامُ أَئِمَّتِنَا فَشَرْطُ أَذَانِ الْمُؤَذِّنِ رَاتِبًا أو غَيْرِهِ مَعْرِفَتُهُ الْأَوْقَاتَ بِأَمَارَةٍ أو غَيْرِهَا وهو الْوَجْهُ فإن ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ كان رَاتِبًا مع أَنَّهُ لَا يَعْرِفُهَا بِالْأَمَارَةِ فإنه كان لَا يُؤَذِّنُ لِلصُّبْحِ حتى يُقَالَ له أَصْبَحْت أَصْبَحْت كما رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وقد بَسَطْت الْكَلَامَ على ذلك في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَغَيْرِهِ
____________________
(1/128)
نعم لو أَذَّنَ جَاهِلًا بِدُخُولِ الْوَقْتِ فَصَادَفَهُ اعْتَدَّ بِهِ على الْأَصَحِّ وَفَارَقَ التَّيَمُّمَ وَالصَّلَاةَ بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ ثُمَّ بِخِلَافِهِ هُنَا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَلَا يَصِحُّ أَذَانُ سَكْرَانَ لِمَا مَرَّ إلَّا في أَوَّلِ نَشْوَتِهِ بِفَتْحِ النُّونِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا فَيَصِحُّ أَذَانُهُ لِانْتِظَامِ قَصْدِهِ وَفِعْلِهِ وَلَا يَصِحُّ أَذَانُ امْرَأَةٍ وَخُنْثَى لِرِجَالٍ وَخَنَاثَى كما لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُمَا لهم وَتَقَدَّمَ أَذَانُهُمَا لِغَيْرِ الرِّجَالِ وَالْخَنَاثَى وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ في الرِّجَالِ بين الْمَحَارِمِ وَغَيْرِهِمْ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ كما أَشَارَ إلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَيُكْرَهُ أَذَانُ صَبِيٍّ كَفَاسِقٍ وأذان أَعْمَى وَحْدَهُ أَيْ ليس معه بَصِيرٌ يَعْرِفُ الْوَقْتَ لِأَنَّهُ رُبَّمَا غَلِطَ في الْوَقْتِ وَلِأَنَّهُ يُفَوِّتُ على الناس فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ بِاشْتِغَالِهِ بِالسُّؤَالِ عنه وَالتَّحَرِّي فيه وأذان فَاسِقٍ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُؤَذِّنَ في غَيْرِ الْوَقْتِ وَلَا أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْعَوْرَاتِ لَكِنْ يَحْصُلُ بِأَذَانِهِ السُّنَّةُ وَإِنْ لم يُقْبَلْ خَبَرُهُ في الْوَقْتِ وأذان مُحْدِثٍ وَلَوْ حَدَثًا أَصْغَرَ لِخَبَرِ كَرِهْت أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلَّا على طُهْرٍ أو قال على طَهَارَةٍ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ وقال في الْمَجْمُوعِ إنَّهُ صَحِيحٌ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مُتَطَهِّرًا لِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ يَدْعُو إلَى الصَّلَاةِ فَلْيَكُنْ بِصِفَةِ من يُمْكِنُهُ فِعْلُهَا وَإِلَّا فَهُوَ وَاعِظٌ غَيْرُ مُتَّعِظٍ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُسَنُّ له التَّطَهُّرُ من الْخُبْثِ أَيْضًا وَالْكَرَاهَةُ في الْأَذَانِ من الْجُنُبِ أَشَدُّ فيه من الْمُحْدِثِ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ ثُمَّ الْكَرَاهَةُ في الْإِقَامَةِ من كُلٍّ مِنْهُمَا أَشَدُّ منها في الْأَذَانِ منه لِذَلِكَ إنْ اخْتَلَفَ سَبَبُهَا وَإِلَّا فَلِأَنَّ الْإِقَامَةَ تَعْقُبُهَا الصَّلَاةُ فَإِنْ انْتَظَرَهُ الْقَوْمُ لِيَتَطَهَّرَ شَقَّ عليهم وَإِلَّا سَاءَتْ بِهِ الظُّنُونُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ كَرَاهَةَ إقَامَةِ الْمُحْدِثِ أَشَدُّ من كَرَاهَةِ أَذَانِ الْجُنُبِ لَكِنْ قال الْإِسْنَوِيُّ يُتَّجَهُ مُسَاوَاتُهُمَا وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْحَيْضَ وَالنِّفَاسَ أَغْلَظُ من الْجَنَابَةِ فَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ مَعَهُمَا أَشَدَّ منها مَعَهَا وَيُجْزِئُ الْجُنُبَ أَذَانُهُ وَإِقَامَتُهُ وَإِنْ كان في الْمَسْجِدِ وَمَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ وَلَا يُؤَثِّرُ في الْإِجْزَاءِ ارْتِكَابُهُ الْمُحَرَّمَ لِأَنَّ الْمُرَادَ حُصُولُ الْإِعْلَامِ وقد حَصَلَ وَالتَّحْرِيمُ لِمَعْنًى آخَرَ وهو حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ وَكَشْفُ الْعَوْرَةِ فَإِنْ أَحْدَثَ وَلَوْ حَدَثًا أَكْبَرَ في أَذَانِهِ اُسْتُحِبَّ إتْمَامُهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ قَطْعُهُ لِيَتَوَضَّأَ لِئَلَّا يُوهِمَ التَّلَاعُبَ فَإِنْ تَوَضَّأَ ولم يَبْطُلْ زَمَنُهُ بَنَى على أَذَانِهِ وَالِاسْتِئْنَافُ أَوْلَى كما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ أَيْ الْمُؤَذِّنُ حُرًّا لِأَنَّهُ أَكْمَلُ من غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ وَيُجْزِئُ إلَى هُنَا من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ عَدْلًا لِأَنَّهُ أَمِينٌ على الْوَقْتِ وَلِأَنَّهُ يُؤَذِّنُ بِعُلْوٍ وَالْفَاسِقُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْعَوْرَاتِ كما مَرَّ صَيِّتًا لِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في خَبَرِ عبد اللَّهِ بن زَيْدٍ أَلْقِهِ على بِلَالٍ فإنه أَنْدَى مِنْكَ صَوْتًا أَيْ أَبْعَدُ لِزِيَادَةِ الْإِبْلَاغِ حَسَنَ الصَّوْتِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم اخْتَارَ أَبَا مَحْذُورَةَ لِحُسْنِ صَوْتِهِ وَلِأَنَّهُ أَرَقُّ لِسَامِعِيهِ فَيَكُونُ مَيْلُهُمْ إلَى الْإِجَابَةِ أَكْثَرَ وَأَنْ يُؤَذِّنَ على شَيْءٍ عَالٍ كَمَنَارَةٍ وَسَطْحٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ كان لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُؤَذِّنَانِ بِلَالٌ وابن أُمِّ مَكْتُومٍ ولم يَكُنْ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَنْزِلَ هذا وَيَرْقَى هذا وَلِزِيَادَةِ الْإِعْلَامِ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ لَا تُسَنُّ على عَالٍ إلَّا في مَسْجِدٍ كَبِيرٍ يَحْتَاجُ فيه إلَى عُلْوٍ لِلْإِعْلَامِ بها وَأُصْبُعَاهُ في صِمَاخَيْهِ لِأَنَّهُ رُوِيَ في خَبَرِ أبي جُحَيْفَةَ وَأُصْبُعَاهُ في أُذُنَيْهِ وَالْمُرَادُ أُنْمُلَتَا سَبَّابَتَيْهِ وَلِأَنَّهُ أَجْمَعُ لِلصَّوْتِ وَيَسْتَدِلُّ بِهِ من صُمَّ أو بَعُدَ على الْأَذَانِ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ لَا يُسَنُّ فيها ذلك وَأَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ من وَلَدِ مُؤَذِّنِي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كَبِلَالٍ وَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَأَبِي مَحْذُورَةَ وَسَعْدٍ الْقَرَظِ ومن وَلَدِ مُؤَذِّنِي أَصْحَابِهِ بَعْدَ فَقْدِ وَلَدِ مُؤَذِّنَيْهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ لم يَكُنْ أَحَدٌ منهم فَمِنْ أَوْلَادِ الصَّحَابَةِ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَيُكْرَهُ تَمْطِيطُهُ أَيْ تَمْدِيدُهُ وَالتَّغَنِّي أَيْ التَّطْرِيبُ له وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِمَا في الْمُهَذَّبِ وَشَرْحِهِ وَالرُّكُوبُ
____________________
(1/129)
فيه لِمُقِيمٍ لِمَا فيه من تَرْكِ الْقِيَامِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ لَا يُكْرَهُ أَذَانُهُ رَاكِبًا لِلْحَاجَةِ إلَى الرُّكُوبِ في السَّفَرِ فَإِنْ أَذَّنَ مَاشِيًا أَجْزَأَهُ إنْ لم يَبْعُدْ عن مَكَانِ ابْتِدَاءِ أَذَانِهِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ آخِرَهُ من سمع أَوَّلَهُ وَإِلَّا لم يُجْزِئْهُ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْمَاوَرْدِيِّ ثُمَّ قال وَفِيهِ نَظَرٌ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْزِئَهُ في الْحَالَيْنِ وَيَتَحَوَّلُ نَدْبًا من مَكَانِ الْأَذَانِ لِلْإِقَامَةِ وَلَا يُقِيمُ وهو يَمْشِي لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَدَبِ وَيَفْصِلُ الْمُؤَذِّنُ مع الْإِمَامِ بين الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ بِقَدْرِ اجْتِمَاعِ الناس في مَكَانِ الصَّلَاةِ وبقدر أَدَاءِ السُّنَّةِ التي قبل الْفَرِيضَةِ إنْ كان قَبْلَهَا سُنَّةٌ ويفصل بَيْنَهُمَا في الْمَغْرِبِ بِسَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ أو نَحْوِهَا كَقُعُودٍ لَطِيفٍ لِضِيقِ وَقْتِهَا وَلِاجْتِمَاعِ الناس لها قبل وَقْتِهَا عَادَةً وَعَلَى ما صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ من أَنَّ لِلْمَغْرِبِ سُنَّةً قَبْلَهَا يَفْصِلُ بِقَدْرِ أَدَائِهَا أَيْضًا وَإِنْ وفي نُسْخَةٍ فَإِنْ وفي أُخْرَى فإذا دخل غَيْرُهُ الْمَسْجِدَ مَثَلًا وهو يُقِيمُ الصَّلَاةَ فَهَلْ يَقْعُدُ لِيَقُومَ أو لَا وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا لَا ثُمَّ رَأَيْت النَّوَوِيَّ في مَجْمُوعِهِ في بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ نَقَلَهُ عن الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ وقال إنَّهُ ظَاهِرٌ قال وَقَوْلُ أبي عَاصِمٍ إنَّهُ يَقْعُدُ غَلَطٌ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيَفْصِلُ إلَى هُنَا من زِيَادَتِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُجِيبَ السَّامِعُ الْمُؤَذِّنَ وَالْمُقِيمَ وَإِنْ كان جُنُبًا أو حَائِضًا بِمِثْلِ قَوْلِهِ عَقِيبَهُ بِأَنْ يُجِيبَهُ عَقِبَ كل كَلِمَةٍ لِخَبَرِ إذَا قال الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فقال أحدكم اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قال أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قال أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ثُمَّ قال أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رسول اللَّهِ قال أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رسول اللَّهِ ثُمَّ قال حَيَّ على الصَّلَاةِ قال لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ثُمَّ قال حَيَّ على الْفَلَاحِ قال لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ثُمَّ قال اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قال اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قال لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قال لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ من قَلْبِهِ دخل الْجَنَّةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وهو مُبَيِّنٌ لِخَبَرِهِ الْآتِي إلَّا في الْحَيْعَلَتَيْنِ فإنه يُحَوْلِقُ بِأَنْ يَقُولَ عَقِبَهُمَا في الْأَذَانِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ أَرْبَعًا وفي الْإِقَامَةِ مَرَّتَيْنِ أَيْ لَا حَوْلَ لي عن الْمَعْصِيَةِ وَلَا قُوَّةَ لي على ما دَعَوْتنِي إلَيْهِ إلَّا بِك وَذَلِكَ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَلِأَنَّ الْحَيْعَلَتَيْنِ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ لَا يَلِيقُ بِغَيْرِ الْمُؤَذِّنِ فَسُنَّ لِلْمُجِيبِ ذلك لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ مَحْضٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتَعْبِيرُهُ بِالْحَوْلَقَةِ جَائِزٌ وَبِهِ عَبَّرَ الْجَوْهَرِيُّ بِتَرْكِيبِهِ من حَوْلِ وَقَافِ قُوَّةِ وَعَبَّرَ عنه الْأَزْهَرِيُّ بِالْحَوْقَلَةِ بِأَخْذِ الْحَاءِ وَالْوَاوِ من حَوْلَ وَالْقَافِ من قُوَّةَ وَاللَّامِ من اسْمِ اللَّهِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَهَذَا حَسَنٌ لِتَضَمُّنِهِ جَمِيعَ الْأَلْفَاظِ وفي التَّثْوِيبِ يقول صَدَقْت وَبَرِرْت مَرَّتَيْنِ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْأُولَى لِخَبَرٍ وَرَدَ فيه قال ابن الرِّفْعَةِ أَيْ صِرْت ذَا بِرٍّ أَيْ خَيْرٍ كَثِيرٍ وَيُصَلِّي وَيُسَلِّمُ كُلٌّ من الْمُؤَذِّنِ وَالسَّامِعِ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَعْدَهُ أَيْ الْأَذَانِ فيقول أَيْ ثُمَّ يقول عَقِبَ ذلك اللَّهُمَّ رَبَّ هذه الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ إلَى آخِرِهِ وهو كما في الْأَصْلِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الذي وَعَدْته لِخَبَرِ مُسْلِمٍ إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ ما يقول ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فإنه من صلى عَلَيَّ صَلَاةً صلى اللَّهُ عليه بها عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ في الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إلَّا لِعَبْدٍ من عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أنا هو فَمَنْ سَأَلَ لي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ له الشَّفَاعَةُ وَيَقُولُ في كَلِمَتَيْ الْإِقَامَةِ أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا وَجَعَلَنِي من صَالِحِي أَهْلِهَا لِمَا فيه من الْمُنَاسَبَةِ وَذَكَرَهُ في النِّهَايَةِ بِلَفْظِ اللَّهُمَّ أَقِمْهَا بِالْأَمْرِ إلَى آخِرِهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ في أَلَا صَلُّوا في رِحَالِكُمْ الْآتِي ذِكْرُهُ ما يَقُولُهُ في الْحَيْعَلَتَيْنِ ذَكَرَهُ في الْمُهِمَّاتِ فَإِنْ تَرَكَ الْمُتَابَعَةَ في أَذَانِ الْمُؤَذِّنِ حتى فَرَغَ تَدَارَكَ إنْ قَرُبَ الْفَصْلُ وَفَارَقَ هذا تَكْبِيرَ الْعِيدِ الْمَشْرُوعَ عَقِبَ الصَّلَاةِ حَيْثُ يَتَدَارَكُهُ الناس وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ بِوُجُودِ ما دَلَّ على التَّعْقِيبِ وهو الْفَاءُ في خَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ
____________________
(1/130)
وَبِأَنَّ الْإِجَابَةَ تَنْقَطِعُ مع الطُّولِ بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ فِيهِمَا قال في الْمُهِمَّاتِ وَإِنْ ابْتَدَأَ مع ابْتِدَائِهِ أو بَعْدَهُ لَكِنْ فَرَغَ من الْكَلِمَةِ قبل فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ فَالْمُتَّجَهُ الِاعْتِدَادُ بِهِ وَإِنْ قَارَنَهُ في اللَّفْظِ بِكَمَالِهِ اعْتَدَّ بِهِ وَلَا تُشْرَعُ الْإِجَابَةُ لِلْأَصَمِّ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ لَا يَسْمَعُ الْأَذَانَ وَإِنْ عَلِمَ بِهِ لِأَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ بِالسَّمَاعِ في خَبَرِ إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ وَكَمَا في تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ ويقول غَيْرُ الْمُؤَذِّنِ في التَّرْجِيعِ مثله وَإِنْ لم يَسْمَعْهُ لِقَوْلِهِ في الْخَبَرِ مِثْلَ ما يقول ولم يَقُلْ مِثْلَ ما تَسْمَعُونَ وَأَفْتَى الْبَارِزِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ وَنَقَلَهُ عنه صَاحِبُ التَّوْشِيحِ وَيُؤْخَذُ من كَلَامِ الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لو سمع بَعْضَ الْأَذَانِ فَقَطْ سُنَّ له أَنْ يُجِيبَ في الْجَمِيعِ وَبِهِ صَرَّحَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ تَعَدَّدُوا أَيْ الْمُؤَذِّنُونَ وَتَرَتَّبُوا في أَذَانِهِمْ أَجَابَ السَّامِعُ لِكُلٍّ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى بِالْإِجَابَةِ لِتَأَكُّدِهِ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ تَرْكُهُ إلَّا في أَذَانَيْ الصُّبْحِ وَالْجُمُعَةِ فَهُمَا سَوَاءٌ لِتَقَدُّمِ الْأَوَّلِ في الصُّورَتَيْنِ وَوُقُوعِ الثَّانِي في الْوَقْتِ في الْأُولَى وَمَشْرُوعِيَّتِهِ في زَمَنِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الثَّانِيَةِ وَقَوْلُهُ فَإِنْ تَرَكَ الْمُتَابَعَةَ إلَى هُنَا من زِيَادَتِهِ وهو في الْمَجْمُوعِ ما عَدَا الْمُسْتَثْنَى فَفِي فَتَاوَى ابْنِ عبد السَّلَامِ وَيَقْطَعُ الْقِرَاءَةَ وَالذِّكْرَ نَدْبًا لِلْجَوَابِ وَأَمَّا الْمُجَامِعُ وَقَاضِي الْحَاجَةِ فَلَا يُجِيبَانِ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ إذَا قَرُبَ الْفَصْلُ وَيُكْرَهُ الْجَوَابُ في الصَّلَاةِ فَإِنْ أَجَابَ بِالْمُسْتَحَبِّ من أَلْفَاظِ ما ذَكَرَ لم تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ إلَّا إنْ أَجَابَ بِصَدَقْت وَبَرِرْت فَتَبْطُلُ لِأَنَّهُ كَلَامُ آدَمِيٍّ بِخِلَافِ صَدَقَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا تَبْطُلُ بِهِ كما صَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ وَإِنْ قال حَيَّ على الصَّلَاةِ أو حَيَّ على الْفَلَاحِ أو الصَّلَاةُ خَيْرٌ من النَّوْمِ بَطَلَتْ لِمَا مَرَّ وَإِنْ أَجَابَهُ في أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ أَعَادَهَا وُجُوبًا لِأَنَّ الْإِجَابَةَ في الصَّلَاةِ غَيْرُ مَنْدُوبَةٍ وَنُدِبَ الدُّعَاءُ بين الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِخَبَرِ الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بين الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَادْعُوا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَأَنْ يَقُولَ الْمُؤَذِّنُ وَمَنْ سَمِعَهُ بَعْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ اللَّهُمَّ هذا إقْبَالُ لَيْلِك إلَى آخِرِهِ وهو كما في الْأَصْلِ وَإِدْبَارُ نَهَارِك وَأَصْوَاتُ دُعَاتِك اغْفِرْ لي ويقول كُلٌّ مِنْهُمَا بَعْدَ أَذَانِ الصُّبْحِ اللَّهُمَّ هذا إقْبَالُ نَهَارِك وَإِدْبَارُ لَيْلِك وَأَصْوَاتُ دُعَاتِك اغْفِرْ لي وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُؤَذِّنِ في الْأُولَى وَذِكْرُ الثَّانِيَةِ من زِيَادَتِهِ فَرْعٌ الْأَذَانُ مع الْإِقَامَةِ كما صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ في نُكَتِهِ أَفْضَلُ من الْإِمَامَةِ وَاحْتَجَّ له بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إلَى اللَّهِ قالت عَائِشَةُ نَزَلَتْ في الْمُؤَذِّنِينَ وَبِخَبَرِ إنَّ خِيَارَكُمْ عِبَادُ اللَّهِ الَّذِينَ يُرَاعُونَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ وَالْأَظِلَّةَ لِذِكْرِ اللَّهِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَبِخَبَرِ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا شَهِدَ له يوم الْقِيَامَةِ وَبِخَبَرِ مُسْلِمٍ الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ أَعْنَاقًا يوم الْقِيَامَةِ أَيْ أَكْثَرُ رَجَاءً لِأَنَّ رَاجِيَ الشَّيْءِ يَمُدُّ عُنُقَهُ إلَيْهِ وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ أَنَّ الْإِمَامَةَ أَفْضَلُ لِأَنَّهَا أَشَقُّ وَلِمُوَاظَبَةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ عليها دُونَ الْأَذَانِ وَيُسْتَحَبُّ لِلشَّخْصِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إنْ تَأَهَّلَ لَهُمَا قال في الرَّوْضَةِ وَفِيهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ في التِّرْمِذِيِّ فَرْعٌ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهِ أَيْ بِالْأَذَانِ لِخَبَرِ من أَذَّنَ
____________________
(1/131)
سَبْعَ سِنِينَ مُحْتَسِبًا كُتِبَتْ له بَرَاءَةٌ من النَّارِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنْ أبي رَزَقَهُ الْإِمَامُ من مَالِ الْمَصَالِحِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ قال في الْمَجْمُوعِ قال أَصْحَابُنَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْزُقَ مُؤَذِّنًا وهو يَجِدُ مُتَبَرِّعًا عَدْلًا كما نَصَّ عليه قال الْقَاضِي حُسَيْنٌ لِأَنَّ الْإِمَامَ في مَالِ بَيْتِ الْمَالِ كَالْوَصِيِّ في مَالِ الْيَتِيمِ وَالْوَصِيُّ لو وَجَدَ من يَعْمَلُ في مَالِ الْيَتِيمِ مُتَبَرِّعًا لم يَجُزْ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عليه من مَالِ الْيَتِيمِ فَكَذَا الْإِمَامُ فَإِنْ تَطَوَّعَ بِهِ فَاسِقٌ وَثَمَّ أَمِينٌ أو أَمِينٌ وَثَمَّ أَمِينٌ أَحْسَنُ صَوْتًا منه وَأَبَى الْأَمِينُ في الْأُولَى وَكَذَا الْأَحْسَنُ صَوْتًا في الثَّانِيَةِ إلَّا بِالرِّزْقِ رَزَقَهُ الْإِمَامُ من سَهْمِ الْمَصَالِحِ عِنْدَ حَاجَتِهِ بِقَدْرِهَا أو من مَالِهِ ما شَاءَ إنْ شَاءَ فَقَوْلُهُ قَدْرَ حَاجَتِهِ كان يَنْبَغِي ذِكْرُهُ عَقِبَ سَهْمِ الْمَصَالِحِ كما قَرَّرْته أَخْذًا من كَلَامِ الْأَصْلِ
وَقَيَّدَ في الرَّوْضَةِ مَسْأَلَةَ الْأَحْسَنِ صَوْتًا بِقَوْلِهِ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً وَإِنْ تَعَدَّدُوا أَيْ الْمُؤَذِّنُونَ بِعَدَدِ الْمَسَاجِدِ فإن لِلْإِمَامِ أَنْ يَرْزُقَهُمْ وَإِنْ تَقَارَبَتْ وَأَمْكَنَ جَمْعُ الناس بِأَحَدِهَا لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ وَيَبْدَأُ وُجُوبًا إنْ ضَاقَ بَيْتُ الْمَالِ وَنَدْبًا إنْ اتَّسَعَ بِالْأَهَمِّ كَمُؤَذِّنِ الْجَامِعِ وَهَذَا أَوْلَى من قَوْلِ الْأَصْلِ وهو رِزْقُ مُؤَذِّنِ الْجَامِعِ وَأَذَانُ الْخُطْبَةِ الْأُولَى قَوْلُ أَصْلِهِ وَأَذَانُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَهَمُّ من غَيْرِهِ لِكَثْرَةِ جَمَاعَتِهَا وَقَصْدِ الناس لها وَلِكُلٍّ من الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ اسْتِئْجَارُهُ على الْأَذَانِ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مَعْلُومٌ يُرْزَقُ عليه كَكِتَابَةِ الصَّكِّ وَلِرُجُوعِ نَفْعِهِ إلَى عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ كَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَأَمَّا خَبَرُ التِّرْمِذِيِّ اتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ على أَذَانِهِ أَجْرًا فَمَحْمُولٌ على النَّدْبِ وَإِنَّمَا يَسْتَأْجِرُهُ من بَيْتِ الْمَالِ حَيْثُ يَجُوزُ له الرِّزْقُ منه قال الْبُلْقِينِيُّ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ جَوَازِ اسْتِئْجَارِ غَيْرِ الْإِمَامِ بِالْمُسْلِمِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَكْفِي الْإِمَامَ لَا غَيْرَهُ إنْ اسْتَأْجَرَ من بَيْتِ الْمَالِ أَنْ يَقُولَ اسْتَأْجَرْتُك كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا فَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْمُدَّةِ كَالْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ بِخِلَافِ ما إذَا اسْتَأْجَرَ من مَالِهِ أو اسْتَأْجَرَ غَيْرُهُ لَا بُدَّ من بَيَانِهَا على الْأَصْلِ في الْإِجَارَةِ وَتَدْخُلُ الْإِقَامَةُ في الِاسْتِئْجَارِ لِلْأَذَانِ ضِمْنًا فَيَبْطُلُ إفْرَادُهَا بِإِجَارَةٍ إذْ لَا كُلْفَةَ فيها وفي الْأَذَانِ كُلْفَةٌ لِرِعَايَةِ الْوَقْتِ قال في الْأَصْلِ وَلَيْسَتْ هذه الصُّورَةُ بِصَافِيَةٍ عن الْإِشْكَالِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَالْمَجْمُوعِ يُفِيدُ جَوَازَ جَمْعِ الْإِقَامَةِ وَالْأَذَانِ في الْإِجَارَةِ وهو ظَاهِرٌ بِخِلَافِ قَوْلِ أَصْلِهِ وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لِلْإِقَامَةِ فَصْلٌ وَيُسْتَحَبُّ مُؤَذِّنَانِ لِلْمَسْجِدِ تَأَسِّيًا بِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمِنْ فَوَائِدِهِ أَنْ يُؤَذِّنَ أَحَدُهُمَا لِلصُّبْحِ قبل الْفَجْرِ وَالْآخَرُ بَعْدَهُ كما سَيَأْتِي وَيُزَادُ عَلَيْهِمَا نَدْبًا من الْمُؤَذِّنَيْنِ قَدْرُ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَيَتَرَتَّبُونَ في أَذَانِهِمْ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ له لِأَنَّهُ أَبْلَغُ في الْإِعْلَامِ وَيَقْتَرِعُونَ لِلْبُدَاءَةِ إنْ تَنَازَعُوا فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَالْمَسْجِدُ كَبِيرٌ تَفَرَّقُوا في أَقْطَارِهِ كُلُّ وَاحِدٍ في قُطْرٍ لِيُسْمِعَ أَهْلَ تِلْكَ النَّاحِيَةِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ صَغُرَ اجْتَمَعُوا على الْأَذَانِ إنْ لم يُؤَدِّ اجْتِمَاعُهُمْ إلَى تَهْوِيشٍ أَيْ اضْطِرَابٍ وَاخْتِلَاطٍ وَيَقِفُونَ عليه كَلِمَةً كَلِمَةً فَإِنْ أَدَّى إلَى تَهْوِيشٍ أَذَّنَ بَعْضُهُمْ بِالْقُرْعَةِ عِنْدَ التَّنَازُعِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لو يَعْلَمُ الناس ما في النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لم يَجِدُوا إلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عليه لَاسْتَهَمُوا وَتَعْبِيرُهُ بِبَعْضِهِمْ أَوْلَى من تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِوَاحِدٍ قال في الْمَجْمُوعِ وَعِنْدَ التَّرْتِيبِ لَا يَتَأَخَّرُ بَعْضُهُمْ عن بَعْضٍ لِئَلَّا يَذْهَبَ أَوَّلُ الْوَقْتِ وَلِئَلَّا يَظُنَّ من سمع الْأَخِيرَ أَنَّ هذا أَوَّلُ الْوَقْتِ قال في الْأُمِّ وَلَا أُحِبُّ لِلْإِمَامِ إذَا أَذَّنَ الْأَوَّلُ أَنْ يُبْطِئَ بِالصَّلَاةِ لِيَفْرُغَ من بَعْدَهُ بَلْ يَخْرُجُ وَيَقْطَعُ من بَعْدَهُ الْأَذَانَ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ وَيُقِيمُ الْمُؤَذِّنُ الرَّاتِبُ وَإِنْ تَأَخَّرَ أَذَانُهُ لِأَنَّ له وِلَايَةَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وقد أَذَّنَ ثُمَّ إنْ لم يَكُنْ رَاتِبٌ أو كَانُوا كلهم رَاتِبِينَ فَلْيُقِمْ الْأَوَّلُ
____________________
(1/132)
لِتَقَدُّمِهِ وَذِكْرُ الثَّانِيَةِ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ أَقَامَ غَيْرُهُ أَيْ غَيْرُ كُلٍّ من الرَّاتِبِ وَالْأَوَّلِ اُعْتُدَّ بِهِ لِأَنَّهُ جاء في خَبَرِ عبد اللَّهِ بن زَيْدٍ يا رَسُولَ اللَّهِ أَرَى الرُّؤْيَا وَيُؤَذِّنُ بِلَالٌ قال فَأَقِمْ أنت قال في الْمَجْمُوعِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَقِيلَ مَكْرُوهٌ وَإِنْ أَذَّنَا مَعًا وَتَنَازَعَا فِيمَنْ يُقِيمُ فَالْقُرْعَةُ يَرْجِعُ إلَيْهَا وَلَا يُقِيمُ في الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ أو نَحْوِهِ إلَّا وَاحِدٌ كما عليه السَّلَفُ إلَّا أَنْ لَا يَكْفِيَ فَيُزَادَ عليه بِحَسَبِ الْحَاجَةِ فُرُوعٌ الْأَذَانُ أَيْ وَقْتُهُ مُفَوَّضٌ إلَى نَظَرِ الْمُؤَذِّنِ لَا يَحْتَاجُ فيه إلَى مُرَاجَعَةِ الْإِمَامِ لِخَبَرِ الْمُؤَذِّنُ أَمْلَكُ بِالْأَذَانِ وَالْإِمَامُ أَمْلَكُ بِالْإِقَامَةِ رَوَاهُ ابن عَدِيٍّ وَلِأَنَّ الْأَذَانَ لِبَيَانِ الْوَقْتِ فَيَتَعَلَّقُ بِنَظَرِ الرَّاصِدِ له وهو الْمُؤَذِّنُ وَالْإِقَامَةُ أَيْ وَقْتُهَا مُفَوَّضٌ إلَى نَظَرِ الْإِمَامِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَلِأَنَّهَا لِلْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ فَلَا تُقَامُ إلَّا بِإِشَارَتِهِ فَإِنْ أُقِيمَتْ بِدُونِهَا اُعْتُدَّ بها على الْأَصَحِّ في التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وَيُؤَذِّنُ لِلصُّبْحِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَاحْتُجَّ له بِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حتى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ مَكْتُومٍ وَجَعَلَ وَقْتَهُ في النِّصْفِ الثَّانِي لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى وَقْتِ الصُّبْحِ قال النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ في كَلَامِهِ على إنَّهُ لم يَكُنْ بين أَذَانَيْهِمَا إلَّا أَنْ يَنْزِلَ هذا وَيَرْقَى هذا قال الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ بِلَالًا كان يُؤَذِّنُ قبل الْفَجْرِ وَيَتَرَبَّصُ بَعْدَ أَذَانِهِ لِلدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ ثُمَّ يَرْقُبُ الْفَجْرَ فإذا قَارَبَ طُلُوعُهُ نَزَلَ فَأَخْبَرَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ فَيَتَأَهَّبُ ثُمَّ يَرْقَى وَيَشْرَعُ في الْأَذَانِ مع أَوَّلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيُسْتَحَبُّ له أَيْ لِلصُّبْحِ أَذَانَانِ وَلَوْ من مُؤَذِّنٍ وَاحِدٍ أَذَانٌ قبل الْفَجْرِ وآخر بَعْدَهُ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ فَإِنْ اقْتَصَرَ على أَحَدِهِمَا فَبَعْدَهُ أَيْ فَإِيقَاعُهُ بَعْدَ الْوَقْتِ أَوْلَى من إيقَاعِهِ قَبْلَهُ أو فِيهِمَا مع صِحَّتِهِ في الْجَمِيعِ وَلَا يَصِحُّ الْأَذَانُ بِالْعَجَمِيَّةِ وَهُنَاكَ من يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَكُنْ هُنَاكَ من يُحْسِنُهَا كَأَذْكَارِ الصَّلَاةِ هذا إذَا أَذَّنَ لِجَمَاعَةٍ فَإِنْ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ وكان لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ صَحَّ وَإِنْ كان هُنَاكَ من يُحْسِنُهَا وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ حَكَاهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْمَاوَرْدِيِّ وَأَقَرَّهُ وَتَرْكُ الْمُسَافِرِ الْأَذَانَ وَالْمَرْأَةِ الْإِقَامَةَ أَخَفُّ كَرَاهَةً من تَرْكِ الْمُقِيمِ الْأَذَانَ وَالرَّجُلِ الْإِقَامَةَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ السَّفَرَ مَبْنِيٌّ على التَّخْفِيفِ وَفِعْلِ الرُّخَصِ وَلِأَنَّ أَصْلَ الْأَذَانِ الْإِعْلَامُ بِالْوَقْتِ وَالْمُسَافِرُونَ لَا يَتَفَرَّقُونَ غَالِبًا وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مَطْلُوبِيَّةَ الْإِقَامَةِ في حَقِّ الرَّجُلِ آكَدُ منها في حَقِّ الْمَرْأَةِ وَكَالْمَرْأَةِ في ذلك الْخُنْثَى وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَقُولَ في اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ وَإِنْ لم تَكُنْ ذَاتَ رِيحٍ أو الْمُظْلِمَةِ ذَاتِ الرِّيحِ بَعْدَ الْأَذَانِ أو بَعْدَ الْحَيْعَلَةِ أَلَا صَلُّوا في رِحَالِكُمْ لِلْأَمْرِ بِهِ في خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ وَلَفْظُهُ عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّهُ قال لِمُؤَذِّنِهِ في يَوْمٍ مَطِيرٍ إذَا قُلْت أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رسول اللَّهِ فَلَا تَقُلْ حَيَّ على الصَّلَاةِ بَلْ قُلْ صَلُّوا في بُيُوتِكُمْ فَكَأَنَّ الناس اسْتَنْكَرُوا ذلك فقال أَتَعْجَبُونَ من ذَا قد فَعَلَهُ من هو خَيْرٌ مِنِّي يَعْنِي النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال في الْمُهِمَّاتِ وَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّهُ يَقُولُهُ عِوَضًا عن الْحَيْعَلَةِ وهو خِلَافُ ما نَقَلَهُ يَعْنِي النَّوَوِيَّ من كَوْنِهِ يَقُولُهُ بَعْدَهَا انْتَهَى وقد يُجَابُ بِأَنَّ الْمَعْنَى فَلَا تَقُلْ حَيَّ على الصَّلَاةِ مُقْتَصِرًا عليه وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ حَيَّ على خَيْرِ الْعَمَلِ لِخَبَرِ من أَحْدَثَ في أَمَرْنَا هذا ما ليس منه فَهُوَ رَدٌّ وَمُقْتَضَى الْكَرَاهَةِ الصِّحَّةُ وَنَازَعَ فيها ابن الْأُسْتَاذِ وقال لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ أَبْدَلَ الْحَيْعَلَتَيْنِ بِغَيْرِهِمَا وما قَالَهُ ظَاهِرٌ إنْ كان الْمُرَادُ أَنَّهُ يقول ذلك بَدَلَهُمَا كما فَهِمَهُ لَا بَعْدَهُمَا قال في الرَّوْضَةِ وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ الْأَذَانُ بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ الْبَابُ الثَّالِثُ في بَيَانِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وهو شَرْطٌ في صِحَّةِ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَوَلِّ وَجْهَك شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ أَيْ جِهَتَهُ وَالِاسْتِقْبَالُ لَا يَجِبُ في غَيْرِ الصَّلَاةِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ فيها وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ قُبُلَ الْكَعْبَةِ وقال هذه الْقِبْلَةُ مع خَبَرِ صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَقُبُلُ بِضَمِّ الْقَافِ وَالْبَاءِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا قال بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ مُقَابِلُهَا وقال بَعْضُهُمْ ما اسْتَقْبَلَك منها أَيْ وَجْهَهَا وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ في وَجْهِ الْكَعْبَةِ وَأَمَّا خَبَرُ التِّرْمِذِيِّ ما بين الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ فَمَحْمُولٌ على أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ دَانَاهُمْ وَسُمِّيَتْ قِبْلَةً لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ
____________________
(1/133)
يُقَابِلُهَا وَكَعْبَةً لِارْتِفَاعِهَا وَقِيلَ لِاسْتِدَارَتِهَا وَارْتِفَاعِهَا إلَّا ما اسْتَثْنَى من صَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ من قِتَالٍ أو غَيْرِهِ وَنَحْوِهَا كَصَلَاةِ الْمَصْلُوبِ وَالْغَرِيقِ كما سَيَأْتِي وَنَفْلُ السَّفَرِ الْمُبَاحِ فَلَا يُشْتَرَطُ الِاسْتِقْبَالُ فيها وَإِنْ وَجَبَ قَضَاءُ صَلَاةِ الْمَصْلُوبِ وَنَحْوِهِ وَالرَّافِعِيُّ وَكَثِيرٌ لم يَسْتَثْنُوا صَلَاةَ الْمَصْلُوبِ وَنَحْوِهِ وَفَرَضُوا الْكَلَامَ في الْقَادِرِ قال الرَّافِعِيُّ لِأَنَّ الْعَاجِزَ لَا يُكَلَّفُ بِمَا ليس في وُسْعِهِ فَلَهُ أَيْ لِلشَّخْصِ أَنْ يُصَلِّيَ غير الْفَرَائِضِ وَلَوْ عِيدًا وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ في السَّفَرِ وَإِنْ قَصُرَ السَّفَرُ لَا في الْحَضَرِ وَإِنْ اُحْتِيجَ فيه لِلتَّرَدُّدِ كما في السَّفَرِ صَوْبَ بِنَصَبِهِ بِنَزْعِ الْخَافِضِ مَقْصِدَهُ بِكَسْرِ الصَّادِ أَيْ يُصَلِّي إلَى صَوْبِ مَقْصِدِهِ الْمُعَيَّنِ وَإِنْ لم يُعَيِّنْ طَرِيقَهُ رَاكِبًا وَمَاشِيًا لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يُصَلِّي على رَاحِلَتِهِ في السَّفَرِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ أَيْ في جِهَةِ مَقْصِدِهِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وفي رِوَايَةٍ لَهُمَا غير أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عليها الْمَكْتُوبَةَ وَقِيسَ بِالرَّاكِبِ الْمَاشِي وَالسَّفَرُ الْقَصِيرُ قال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ مِثْلُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى ضَيْعَةٍ مَسِيرَتُهَا مِيلٌ أو نَحْوُهُ وَالْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مَكَان لَا تَلْزَمُهُ فيه الْجُمُعَةُ لِعَدَمِ سَمَاعِهِ النِّدَاءَ إلَّا رَاكِبَ سَفِينَةٍ أو هَوْدَجٍ أو نَحْوِهِمَا فَعَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ وَإِتْمَامُ الْأَرْكَانِ لِتَمَكُّنِهِ من الِاسْتِقْبَالِ وَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِقْبَالُ رُبَّانِ السَّفِينَةِ بِرَاءٍ مَضْمُومَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ مُثَقَّلَةٍ وهو رَئِيسُ الْمَلَّاحِينَ قَالَهُ صَاحِبُ الْقَامُوسِ وَالْمُرَادُ مَلَّاحُ السَّفِينَةِ الذي يَسِيرُهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ تَكْلِيفَهُ الِاسْتِقْبَالَ يَقْطَعُهُ عن النَّفْلِ أو عَمَلِهِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ من في السَّفِينَةِ وَهَذَا ما جَرَى عليه النَّوَوِيُّ وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ الِاشْتِرَاطَ فَرْعٌ لو رَكِبَ سَرْجًا وَنَحْوَهُ مِمَّا لَا يَسْهُلُ معه الِاسْتِقْبَالُ في جَمِيعِ الصَّلَاةِ وَإِتْمَامِ الْأَرْكَانِ لَزِمَهُ الِاسْتِقْبَالُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَقَطْ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان إذَا سَافَرَ فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ فَكَبَّرَ ثُمَّ صلى حَيْثُ وَجَّهَهُ رِكَابُهُ رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلِيَكُونَ ابْتِدَاءُ صَلَاتِهِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ ثُمَّ يُخَفِّفُ دَوَامًا لِلْمَشَقَّةِ كما في النِّيَّةِ في الْعِبَادَةِ هذا إنْ كانت الدَّابَّةُ سَهْلَةً غير مَقْطُورَةٍ بِأَنْ كانت وَاقِفَةً أو سَائِرَةً وَزِمَامُهَا بيده أو يَسْتَطِيعُ رَاكِبُهَا الِانْحِرَافَ إلَى الْقِبْلَةِ بِنَفْسِهِ فَإِنْ كانت عَسِرَةً أو مَقْطُورَةً أو لَا يَسْتَطِيعُ الِانْحِرَافَ لِعَجْزِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ في التَّحْرِيمِ أَيْضًا لِلْمَشَقَّةِ وَاخْتِلَالِ أَمْرِ السَّيْرِ عليه وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ فِيمَا إذَا كانت سَهْلَةً أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ في غَيْرِ التَّحَرُّمِ أَيْضًا وَإِنْ كانت وَاقِفَةً
قال في الْمُهِمَّاتِ وهو بَعِيدٌ قال ابن الصَّبَّاغِ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ مَهْمَا دَامَ وَاقِفًا لَا يُصَلِّي إلَّا إلَى الْقِبْلَةِ وهو مُتَعَيِّنٌ وفي الْكِفَايَةِ عن الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لو وَقَفَ لِاسْتِرَاحَةٍ أو انْتِظَارِ رُفْقَةٍ لَزِمَهُ الِاسْتِقْبَالُ ما دَامَ وَاقِفًا فَإِنْ سَارَ أَتَمَّ صَلَاتَهُ إلَى جِهَةِ سَفَرِهِ إنْ كان سَيْرُهُ لِأَجْلِ سَيْرِ الرُّفْقَةِ وَإِنْ كان مُخْتَارًا له بِلَا ضَرُورَةٍ لم يَجُزْ أَنْ يَسِيرَ حتى تَنْتَهِيَ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ بِالْوُقُوفِ لَزِمَهُ فَرْضُ التَّوَجُّهِ وفي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عن الْحَاوِي نَحْوُهُ
ا ه
وَلَهُ كما في الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ أَنْ يُتِمَّهَا بِالْإِيمَاءِ أَمَّا الرَّاكِبُ في مَرْقَدٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَسْهُلُ فيه الِاسْتِقْبَالُ وَإِتْمَامُ الْأَرْكَانِ فَعَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ في جَمِيعِ الصَّلَاةِ وَإِتْمَامُ الْأَرْكَانِ كما مَرَّ قبل الْفَرْعِ فَلَوْ انْحَرَفَ وَلَوْ بِرُكُوبِهِ مَقْلُوبًا عن مَقْصِدِهِ إلَى الْقِبْلَةِ لم يَضُرَّ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ أو انْحَرَفَ إلَى غَيْرِهَا عَمْدًا وَلَوْ قَهْرًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ مُطْلَقًا كَالْمُصَلِّي على الْأَرْضِ
وَكَذَا النِّسْيَانُ أو ضَلَالُهُ الطَّرِيقَ أَيْ خَطَؤُهُ له أو جِمَاحٌ من الدَّابَّةِ أَيْ غَلَبَتُهَا فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِانْحِرَافِهِ بِكُلٍّ منها إنْ طَالَ الزَّمَنُ كَالْكَلَامِ الْكَثِيرِ وَإِلَّا فَلَا
____________________
(1/134)
تَبْطُلُ كَالْيَسِيرِ نِسْيَانًا ولكن يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّ عَمْدَ ذلك مُبْطِلٌ وَفِعْلَ الدَّابَّةِ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَبِهَذَا جَزَمَ ابن الصَّبَّاغِ وَصَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ في الْجِمَاحِ وَالرَّافِعِيُّ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ في النِّسْيَانِ وَنَقَلَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ فيه عن الشَّافِعِيِّ وقال الْإِسْنَوِيُّ تَتَعَيَّنُ الْفَتْوَى بِهِ لَكِنَّهُمَا أَعْنِي الشَّيْخَيْنِ نَقَلَا عن الشَّافِعِيِّ فيه أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ وَصَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَسَكَتَا عن ذلك في الْخَطَأِ فَذِكْرُهُ فيه من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا التَّرْجِيحُ في النِّسْيَانِ خِلَافًا لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَلِمَا صَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ من تَرْجِيحِ عَدَمِ السُّجُودِ وَلَوْ انْحَرَفَتْ بِنَفْسِهَا بِغَيْرِ جِمَاحٍ وهو غَافِلٌ عنها ذَاكِرٌ لِلصَّلَاةِ فَفِي الْوَسِيطِ إنْ قَصُرَ الزَّمَانُ لم تَبْطُلْ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ ا ه وَأَوْجَهُهُمَا الْبُطْلَانُ وَلَوْ خَرَجَ الرَّاكِبُ في مَعَاطِفِ الطَّرِيقِ أو عَدَلَ لِزَحْمَةٍ وَغُبَارٍ وَنَحْوِهِمَا لم يَضُرَّ لِحَاجَةِ السَّيْرِ إلَى ذلك فَالشَّرْطُ سُلُوكُ صَوْبِ الطَّرِيقِ لَا سُلُوكُهَا نَفْسُهَا كما أَفْهَمَهُ أَيْضًا قَوْلُهُ فِيمَا مَرَّ صَوَّبَ مَقْصِدَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ على عُرْفِ الدَّابَّةِ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَنَحْوِهِ بَلْ يَكْفِيهِ انْحِنَاءٌ أَخْفَضُ من انْحِنَاءِ رُكُوعِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُمَا لِتَعَذُّرِهِ أو تَعَسُّرِهِ وَالنُّزُولُ لَهُمَا أَعْسَرُ قال الْإِمَامُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بَذْلُ وُسْعِهِ في الِانْحِنَاءِ وَإِنْ نَوَى الرُّجُوعَ من سَفَرِهِ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى وَطَنِهِ أو غَيْرِهِ فَلْيَنْحَرِفْ إلَيْهَا فَوْرًا وَيَسْتَمِرُّ على صَلَاتِهِ وَتَصِيرُ الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ قِبْلَتَهُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ فَرْعٌ وَمَنْ لَا مَقْصِدَ له مُعَيَّنٌ كَهَائِمٍ أو له مَقْصِدٌ مُعَيَّنٌ غَيْرُ مُبَاحٍ كَآبِقٍ وَنَاشِزَةٍ لَا رُخْصَةَ له في تَنَفُّلٍ على الدَّابَّةِ وَلَا غَيْرِهِ كَالْمُقِيمِ وَذِكْرُ الثَّانِيَةِ هُنَا من زِيَادَتِهِ مع أَنَّهُ ذَكَرَهَا في صَلَاةِ الْمُسَافِرِ كَأَصْلِهِ وَإِنْ كان السَّفَرُ مُبَاحًا وَتَوَجَّهَ إلَيْهِ أَيْ إلَى مَقْصِدِهِ في غَيْرِ الطَّرِيقِ لم يَضُرَّ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ سُلُوكُ نَفْسِ الطَّرِيقِ أَمَّا الْمَاشِي فَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ في الْإِحْرَامِ كَالرَّاكِبِ فِيمَا مَرَّ وفي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْجُلُوسِ بين السَّجْدَتَيْنِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إتْمَامُهَا مَاكِثًا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ في الْأَوَّلَيْنِ لِسُهُولَتِهِ عليه بِخِلَافِ الرَّاكِبِ وَيَمْشِي جَوَازًا في الْقِيَامِ وَالتَّشَهُّدِ لِطُولِ زَمَنِهِمَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا نعم السَّلَامُ كَالتَّشَهُّدِ وَالِاعْتِدَالُ كَالْقِيَامِ بَلْ هو دَاخِلٌ فيه وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُلُوسِ بين السَّجْدَتَيْنِ بِأَنَّ مَشْيَ الْقَائِمِ سَهْلٌ فَسَقَطَ عنه التَّوَجُّهُ فيه لِيَمْشِيَ فيه شيئا من سَفَرِهِ قَدْرَ ما يَأْتِي بِالذِّكْرِ الْمُسِنُّونَ فيه وَمَشْيُ الْجَالِسِ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالْقِيَامِ وهو غَيْرُ جَائِزٍ فَلَزِمَهُ التَّوَجُّهُ فيه فَإِنْ بَلَغَ الْمُسَافِرُ الْمَحَطَّ بِقَيْدٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ الذي يَنْقَطِعُ بِهِ السَّيْرُ أو بَلَغَ طَرَفَ بُنْيَانِ بَلَدِ الْإِقَامَةِ أو نَوَى وهو مُسْتَقِلٌّ مَاكِثٌ بِمَحَلِّ الْإِقَامَةِ بِهِ وَإِنْ لم يَصْلُحْ لها لَزِمَهُ أَنْ يَنْزِلَ عن دَابَّتِهِ إنْ لم يَسْتَقِرَّ في نَحْوِ هَوْدَجٍ ولم يُمْكِنْهُ أَنْ يُتِمَّهَا مُسْتَقْبِلًا وَهِيَ وَاقِفَةٌ لِانْقِطَاعِ سَفَرِهِ الذي هو سَبَبُ الرُّخْصَةِ وَعَطَفَ على ضَمِيرِ لَزِمَهُ قَوْلَهُ إلَّا الْمَارَّ بِذَلِكَ وَلَوْ بِقَرْيَةٍ له فيها أَهْلٌ فَلَا يَلْزَمُهُ النُّزُولُ
فَالشَّرْطُ في جَوَازِ التَّنَفُّلِ رَاكِبًا وَمَاشِيًا دَوَامُ السَّفَرِ وَالسَّيْرِ فَلَوْ نَزَلَ في أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّهَا لِلْقِبْلَةِ قبل رُكُوبِهِ وَلَوْ نَزَلَ وَبَنَى أو ابْتَدَأَهَا لِلْقِبْلَةِ ثُمَّ أَرَادَ الرُّكُوبَ وَالسَّيْرَ فَلْيُتِمَّهَا وَيُسَلِّمْ منها ثُمَّ يَرْكَبُ فَإِنْ رَكِبَ بَطَلَتْ إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ إلَى الرُّكُوبِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ إلَّا الْمُسْتَثْنَى فَالْأَذْرَعِيُّ وهو مُرَادُ النَّوَوِيِّ أَمَّا إذَا اسْتَقَرَّ في نَحْوِ هَوْدَجٍ وَأَمْكَنَهُ إتْمَامُهَا مُسْتَقْبِلًا فَلَا يَلْزَمُهُ النُّزُولُ وَلَهُ الرَّكْضُ لِلدَّابَّةِ وَالْعَدْوُ لِحَاجَةٍ فَلَوْ أَجْرَى الدَّابَّةَ أو عَدَا الْمَاشِي في صَلَاتِهِ بِلَا حَاجَةٍ بَطَلَتْ لِوُجُوبِ الِاحْتِرَازِ عن الْأَفْعَالِ التي لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ في جَوَازِ الرَّكْضِ وَالْعَدْوِ لِحَاجَةٍ بين تَعَلُّقِهَا بِسَفَرِهِ كَخَوْفِ تَخَلُّفِهِ عن الرُّفْقَةِ وَعَدَمِ تَعَلُّقِهَا بِهِ كَصَيْدٍ يُرِيدُ إمْسَاكَهُ وَلَهُ وَجْهٌ لَكِنْ قال الْأَذْرَعِيُّ فيه نَظَرٌ
وَالْوَجْهُ الْبُطْلَانُ في الثَّانِي وَلَوْ أَوَطِئَهَا نَجَاسَةً أو وَطِئَتْهَا أو بَالَتْ كما فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لم يَضُرَّ لِأَنَّهُ لم يُلَاقِهَا لَا إنْ وَطِئَهَا الْمَاشِي نَاسِيًا وَهِيَ رَطْبَةٌ لَا يُعْفَى عَمَّا يَعْلَقُ بِهِ منها فَتَبْطُلُ لِمُلَاقَاتِهِ لها مع عَدَمِ مُفَارَقَتِهِ لها حَالًا بِخِلَافِ الْيَابِسَةِ كما صَرَّحَ بِهِ في الْمَطْلَبِ لِلْجَهْلِ بها مع مُفَارَقَتِهِ لها حَالًا فَأَشْبَهَ ما لو وَقَعَتْ عليه فَنَحَّاهَا في الْحَالِ وَبِخِلَافِ
____________________
(1/135)
الْمَعْفُوِّ عنها كَذَرْقِ طُيُورٍ عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى وَالتَّصْرِيحُ بِحُكْمِ وَطْئِهَا نِسْيَانًا وَبِالتَّقْيِيدِ بِعَدَمِ الْعَفْوِ عَمَّا ذَكَرَ من زِيَادَتِهِ أو وَطِئَهَا عَامِدًا وَلَوْ يَابِسَةً فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَإِنْ لم يَجِدْ مَصْرِفًا أَيْ مَعْدِلًا عن النَّجَاسَةِ وَالتَّرْجِيحُ في الْيَابِسَةِ إذَا لم يَجِدْ عنها مَصْرِفًا من زِيَادَتِهِ وَلَا يُكَلَّفُ التَّحَفُّظُ عنها في الْمَشْيِ لِأَنَّهَا تَكْثُرُ في الطُّرُقِ وَتَكْلِيفُهُ ذلك يُشَوِّشُ عليه غَرَضَ السَّيْرِ فَرْعٌ يُشْتَرَطُ في صِحَّةِ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ الِاسْتِقْرَارُ وَالِاسْتِقْبَالُ وَتَمَامُ الْأَرْكَانِ احْتِيَاطًا لها وَلِمَا مَرَّ في خَبَرِ الشَّيْخَيْنِ أَوَائِلَ الْبَابِ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَخَوْفِ فَوْتِ رُفْقَةٍ وَإِنْ لم يَتَضَرَّرْ بِهِ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ هُنَا وَصَرَّحُوا بِهِ في نَظِيرِهِ من التَّيَمُّمِ لِمَا في ذلك من الْوَحْشَةِ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا على الدَّابَّةِ سَائِرَةً إلَى مَقْصِدِهِ وَيُعِيدَ هَا وَتَقَدَّمَ في بَابِ التَّيَمُّمِ ضَابِطُ ما تَجِبُ إعَادَتُهُ وما لَا تَجِبُ فَلَوْ صَلَّاهَا في هَوْدَجٍ على دَابَّةٍ وَاقِفَةٍ أو سَرِيرٍ يَحْمِلُهُ رِجَالٌ وَإِنْ مَشَوْا بِهِ أو في الْأُرْجُوحَةِ أو الزَّوْرَقِ الْجَارِي صَحَّتْ بِخِلَافِهَا على الدَّابَّةِ السَّائِرَةِ لِأَنَّ سَيْرَهَا مَنْسُوبٌ إلَيْهِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الطَّوَافِ عليها وَفَرَّقَ الْمُتَوَلِّي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرِّجَالِ السَّائِرِينَ بِالسَّرِيرِ بِأَنَّ الدَّابَّةَ لَا تَكَادُ تَثْبُتُ على حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا تُرَاعِي الْجِهَةَ بِخِلَافِ الرِّجَالِ قال حتى لو كان لِلدَّابَّةِ من يَلْزَمُ لِجَامَهَا وَيَسِيرُهَا بِحَيْثُ لَا تَخْتَلِفُ الْجِهَةُ جَازَ ذلك وَالزَّوْرَقُ نَوْعٌ من السُّفُنِ وَلَوْ صلى مَنْذُورَةً أو صَلَاةَ جِنَازَةٍ على الرَّاحِلَةِ لم يَجُزْ لِسُلُوكِهِمْ بِالْأُولَى مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ وَلِأَنَّ الرُّكْنَ الْأَعْظَمَ في الثَّانِيَةِ الْقِيَامُ وَفِعْلُهَا على الدَّابَّةِ السَّائِرَةِ يَمْحُو صُورَتَهُ وَإِنْ فَرَضَ إتْمَامَهُ عليها فَكَذَلِكَ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ كَالْقُونَوِيِّ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ في النَّفْلِ إنَّمَا كانت لِكَثْرَتِهِ وَتَكَرُّرِهِ وَهَذِهِ نَادِرَةٌ وَصَرَّحَ الْإِمَامُ بِالْجَوَازِ وَصَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ قال وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَقْتَضِيهِ وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ وَلَوْ صلى إلَى آخِرِهِ لَأَغْنَى عنه كَلَامُهُ أَوَّلَ الْفَرْعِ وَالْمَصْلُوبُ وَالْغَرِيقُ وَنَحْوُهُ أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا يُصَلِّيَ حَيْثُ تَوَجَّهَ لِلضَّرُورَةِ وَيُعِيدُ صَلَاتَهُ وَالتَّصْرِيحُ هُنَا بِالْإِعَادَةِ من زِيَادَتِهِ فَصْلٌ النَّافِلَةُ وَصَلَاةُ من لم يَرْجُ جَمَاعَةً دَاخِلَ الْكَعْبَةِ أَفْضَلُ لِمَا فيه من الْبُعْدِ من الرِّيَاءِ وَقَوْلُهُ لم يَرْجُ جَمَاعَةً أَيْ خَارِجَ الْكَعْبَةِ فَقَطْ بِأَنْ لم يَرْجُهَا أَصْلًا أو يَرْجُوهَا دَاخِلَهَا أو دَاخِلَهَا وَخَارِجَهَا فَإِنْ رَجَاهَا خَارِجَهَا فَقَطْ فَخَارِجُهَا أَفْضَلُ لِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ على فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى من الْمُحَافَظَةِ على فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِمَكَانِهَا كَالْجَمَاعَةِ بِبَيْتِهِ فَإِنَّهَا أَفْضَلُ من الِانْفِرَادِ في الْمَسْجِدِ وَكَالنَّافِلَةِ بِبَيْتِهِ فَإِنَّهَا أَفْضَلُ منها في الْمَسْجِدِ وَإِنْ كان الْمَسْجِدُ أَفْضَلَ منه وَإِنَّمَا لم يُرَاعِ خِلَافَ من قال بِعَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ في الْكَعْبَةِ لِعَدَمِ احْتِرَامِهِ لِمُخَالَفَتِهِ لِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ فإنه صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى فيها وَقَوْلُهُ وَصَلَاةُ من لم يَرْجُ جَمَاعَةً أَيْ فِيمَا تُطْلَبُ فيه الْجَمَاعَةُ من فَرْضٍ وَسُنَّةٍ فَهُوَ أَوْلَى من تَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ بِالْفَرْضِ وَيَكْفِي اسْتِقْبَالُ بَابِهَا الْمَرْدُودِ أو الْمَفْتُوحِ وَعَتَبَتُهُ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لِأَنَّ ذلك من أَجْزَائِهَا وَالْعِبْرَةُ في الِاسْتِقْبَالِ بِالصَّدْرِ لَا بِالْوَجْهِ وَمَنْ وَقَفَ على سَطْحِهَا أو عَرْصَتِهَا وَهِيَ غَيْرُ مَبْنِيَّةٍ بِأَنْ انْهَدَمَتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ شَاخِصٌ قَدْرُ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرَ تَقْرِيبًا بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ مُتَّصِلٌ أَيْ الشَّاخِصُ بها أَيْ بِالْكَعْبَةِ بِأَنْ يَكُونَ منها كما عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ وَإِنْ لم يَكُنْ قَدْرَ قَامَتِهِ طُولًا وَعَرْضًا كَشَجَرَةٍ نَابِتَةٍ وَعَصًا مُسَمَّرَةٍ أو مُثَبَّتَةٍ كما صَرَّحَ بها الْأَصْلُ وَبَقِيَّةِ جِدَارٍ أَجْزَأَهُ بِخِلَافِ ما إذَا كان الشَّاخِصُ أَقَلَّ من ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ سُتْرَةُ الْمُصَلِّي فَاعْتُبِرَ فيه قَدْرُهَا وقد سُئِلَ صلى اللَّهُ عليه وسلم عنها فقال كَمُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ قال
____________________
(1/136)
الْإِمَامُ وَكَأَنَّهُمْ رَاعُوا في اعْتِبَارِ ذلك أَنْ يُسَامِتَ في سُجُودِهِ الشَّاخِصِ بِمُعْظَمِ بَدَنِهِ لَا نحو حَشِيشٍ نَابِتٍ وَعَصًا مَغْرُوزَةٍ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ من أَجْزَائِهَا وَتُخَالِفُ الْعَصَا لِأَوْتَادِ الْغَرُوزَةِ في الدَّارِ حَيْثُ تُعَدُّ منها بِدَلِيلِ دُخُولِهَا في بَيْعِهَا لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِغَرْزِهَا لِلْمَصْلَحَةِ فَعُدَّتْ من الدَّارِ لِذَلِكَ وَإِنْ جَمَعَ تُرَابَهَا أَمَامَهُ أو نَزَلَ في مُنْخَفَضٍ منها كَحُفْرَةٍ كَفَى لِأَنَّ ذلك يُعَدُّ من أَجْزَائِهَا وَإِنْ وَقَفَ خَارِجَ الْعَرْصَةِ أو على جَبَلٍ كَجَبَلِ أبي قُبَيْسٍ أَجْزَأَهُ وَلَوْ بِغَيْرِ شَاخِصٍ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مُتَوَجِّهًا إلَيْهَا بِخِلَافِ من وَقَفَ فيها وَتَوَجَّهَ إلَى هَوَائِهَا كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ أو بِقَوْلِهِ وَلَوْ كان أَوْلَى وَلَوْ خَرَجَ عن مُحَاذَاةِ الْكَعْبَةِ بِبَعْضِ بَدَنِهِ بِأَنْ وَقَفَ بِطَرَفِهَا وَخَرَجَ عنه بَعْضُهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إذْ يُقَالُ ما اسْتَقْبَلَهَا إنَّمَا اسْتَقْبَلَهَا بَعْضُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّاذَرْوَانَ كَالْحَجَرِ فِيمَا يَأْتِي فيه وَلَوْ اسْتَقْبَلَ الرُّكْنَ فَالْوَجْهُ كما قال الْأَذْرَعِيُّ الْجَزْمُ بِالصِّحَّةِ لِأَنَّهُ مُسْتَقْبِلٌ لِلْبِنَاءِ الْمُجَاوِرِ لِلرُّكْنِ وَإِنْ كان بَعْضُ بَدَنِهِ خَارِجًا عن الرُّكْنِ من الْجَانِبَيْنِ وَإِنْ امْتَدَّ صَفٌّ طَوِيلٌ بِقُرْبِ الْكَعْبَةِ وَخَرَجَ بَعْضُهُمْ عن الْمُحَاذَاةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ أَيْ الْبَعْضِ الْمَذْكُورِينَ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مُسْتَقْبِلِينَ لها وَلَا شَكَّ إنَّهُمْ إذَا بَعُدُوا عنها حَاذَوْهَا وَصَحَّتْ صَلَاتُهُمْ وَإِنْ طَالَ الصَّفُّ لِأَنَّ صَغِيرَ الْجِرْمِ كُلَّمَا زَادَ بُعْدُهُ زَادَتْ مُحَاذَاتُهُ كَغَرَضِ الرُّمَاةِ وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّ ذلك إنَّمَا يَحْصُلُ مع الِانْحِرَافِ وَلَوْ اسْتَدْبَرَ هَا نَاسِيًا وَطَالَ الزَّمَنُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِمُنَافَاةِ ذلك لها لَا إنْ قَصُرَ كَيَسِيرِ الْكَلَامِ وَإِنْ أُمِيلَ عنها قَهْرًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ قَلَّ الزَّمَنُ لِنُدْرَةِ ذلك وَبِهَذَا فَارَقَ عَدَمَ بُطْلَانِهَا فِيمَا لو حَوَّلَتْ الرِّيحُ السَّفِينَةَ فَتَحَوَّلَ وَجْهُهُ عن الْقِبْلَةِ وَرَدَّهُ إلَيْهَا حَالًا وَلَوْ اسْتَقْبَلَ الْحِجْرِ بِكَسْرِ الْحَاءِ دُونَ الْكَعْبَةِ لم يُجْزِهِ لِأَنَّ كَوْنَهُ من الْبَيْتِ مَظْنُونٌ لَا مَقْطُوعٌ بِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا ثَبَتَ بِالْآحَادِ وَالْفَرْضُ في الْقِبْلَةِ إصَابَةُ الْعَيْنِ في الْقُرْبِ يَقِينًا وفي الْبُعْدِ ظَنَّا فَلَا يَكْفِي إصَابَةُ الْجِهَةِ لِلْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ أَوَّلَ الْبَابِ وَلَا يَسْتَيْقِنُ الْخَطَأَ بِالِانْحِرَافِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً مع الْبُعْدِ عن مَكَّةَ وَإِنَّمَا يُظَنُّ وَمَعَ الْقُرْبِ يُمْكِنُ الْيَقِينُ وَالظَّنُّ وَمَنْ دَارُهُ بِمَكَّةَ ولم يَتَيَقَّنْ الْإِصَابَةَ لَعَيْنِ الْقِبْلَةِ لِحَائِلٍ وَلَوْ طَارِئًا كَبِنَاءٍ اجْتَهَدَ جَوَازًا لِلْمَشَقَّةِ في تَكْلِيفِهِ الْمُعَايَنَةَ وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا في النِّهَايَةِ عن الْعِرَاقِيِّينَ إنَّهُ لو بَنَى حَائِلًا مَنَعَ الْمُشَاهَدَةَ بِلَا حَاجَةٍ لم تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِالِاجْتِهَادِ لِتَفْرِيطِهِ فَإِنْ لم يَكُنْ حَائِلٌ صلى بِالْمُعَايَنَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا في كل صَلَاةٍ وفي مَعْنَى الْمُعَايِنِ من نَشَأَ بِمَكَّةَ وَتَيَقَّنَ إصَابَةَ الْقِبْلَةِ وَإِنْ لم يُعَايِنْهَا حين يُصَلِّي فَيَمْتَنِعُ فيها الِاجْتِهَادُ لِلْقُدْرَةِ على يَقِينِ الْقِبْلَةِ وَلَا اجْتِهَادَ في مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ وَمَحَارِيبِ جَادَّتِهِمْ بِالْجِيمِ أَيْ مُعْظَمِ طَرِيقِهِمْ وَقُرَاهُمْ الْقَدِيمَةِ بِأَنْ نَشَأَ بها قُرُونٌ من الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ صَغُرَتْ وَخَرِبَتْ إنْ سَلِمَتْ من الطَّعْنِ لِأَنَّهَا لم تُنْصَبْ إلَّا بِحَضْرَةِ جَمْعٍ من أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِسَمْتِ الْكَوَاكِبِ وَالْأَدِلَّةِ فَجَرَى ذلك مَجْرَى الْخَبَرِ لَا في خَرِبَةٍ أَمْكَنَ أَنَّ بَانِيَهَا الْكُفَّارُ فَيَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فيها وَكَذَا في طَرِيقٍ يَنْدُرُ مُرُورُ الْمُسْلِمِينَ بها أو يَسْتَوِي مُرُورُ الْفَرِيقَيْنِ بها كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَبَانِيهَا اسْمُ فَاعِلٍ من الْبِنَاءِ إلَّا أَيْ لَا اجْتِهَادَ في الْمَحَارِيبِ الْمَذْكُورَةِ إلَّا تَيَامُنًا وَتَيَاسُرًا فَيَجُوزُ إذْ لَا يَبْعُدُ الْخَطَأُ فِيهِمَا بِخِلَافِهِ في الْجِهَةِ وَهَذَا في غَيْرِ مِحْرَابِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمَسَاجِدِهِ التي صلى فيها إنْ ضُبِطَتْ أَيْ عُلِمَتْ أَمَّا فيها فَيَمْتَنِعُ الِاجْتِهَادُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ على خَطَأٍ فَلَوْ تَخَيَّلَ حَاذِقٌ فيها يَمْنَةً أو يَسْرَةً فَخَيَالُهُ بَاطِلٌ وَمَحَارِيبُهُ كُلُّ ما ثَبَتَتْ صَلَاتُهُ فيه إذْ لم يَكُنْ في زَمَنِهِ مَحَارِيبُ وَالْمِحْرَابُ لُغَةً صَدْرُ الْمَجْلِسِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يُحَارِبُ فيه الشَّيْطَانَ وَمَنْ عَجَزَ عن الْيَقِينِ في الْقِبْلَةِ أو نَالَهُ مَشَقَّةٌ في تَحْصِيلِهِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ في الِاجْتِهَادِ فَأَخْبَرَهُ مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ وَلَوْ عَبْدًا أو امْرَأَةً عن عِلْمٍ بِالْقِبْلَةِ أو الْمِحْرَابِ الْمُعْتَمَدِ لم يَجْتَهِدْ بَلْ يَعْتَمِدُ الْخَبَرَ كما في الْوَقْتِ وَغَيْرِهِ وَصَرَّحَ الْأَصْلُ بِأَنَّ وُجُودَ من يُخْبِرُهُ يَمْنَعُ جَوَازَ الِاجْتِهَادِ وقد يَفْهَمُ منه وُجُوبَ السُّؤَالِ وهو ظَاهِرٌ وَلَا يَشْكُلُ بِمَا مَرَّ أَنَّ من كان بِمَكَّةَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ حَائِلٌ له الِاجْتِهَادُ لِأَنَّ السُّؤَالَ لَا مَشَقَّةَ فيه بِخِلَافِ الطُّلُوعِ نعم إنْ فَرَضَ أَنَّ عليه في السُّؤَالِ مَشَقَّةً لِبُعْدِ الْمَكَانِ أو نَحْوِهِ كان الْحُكْمُ فيها كما في تِلْكَ نَبَّهَ على ذلك الزَّرْكَشِيُّ وَخَرَجَ بِمَقْبُولِ الرِّوَايَةِ غَيْرُهُ كَصَبِيٍّ وَكَافِرٍ فَلَا يُقْبَلُ إخْبَارُهُ بِمَا ذَكَرَ كَغَيْرِهِ نعم قال الْمَاوَرْدِيُّ لو اسْتَعْلَمَ مُسْلِمٌ من مُشْرِكٍ دَلَائِلَ الْقِبْلَةِ وَوَقَعَ في نَفْسِهِ صِدْقُهُ وَاجْتَهَدَ لِنَفْسِهِ في جِهَاتِ الْقِبْلَةِ جَازَ لِأَنَّهُ عَمِلَ في الْقِبْلَةِ على اجْتِهَادِ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا قُبِلَ خَبَرُ الْمُشْرِكِ في
____________________
(1/137)
غَيْرِهَا قال الشَّاشِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إذَا لم يُقْبَلْ خَبَرُهُ في الْقِبْلَةِ لَا يُقْبَلُ في أَدِلَّتِهَا إلَّا أَنْ يُوَافِقَ عليها مُسْلِمٌ وَسُكُونُ نَفْسِهِ إلَى خَبَرِهِ لَا يُوجِبُ أَنْ يَقُولَ عليه الْحُكْمُ تَنْبِيهٌ عُلِمَ من عَدَمِ جَوَازِ الِاجْتِهَادِ مع الْقُدْرَةِ على الْخَبَرِ عَدَمُ جَوَازِ الْأَخْذِ بِالْخَبَرِ مع الْقُدْرَةِ على الْيَقِينِ وهو كَذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لِلْأَعْمَى وَلَا لِمَنْ هو في لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ الْأَخْذُ بِهِ مع الْقُدْرَةِ على الْيَقِينِ بِالْمَسِّ وَيَعْتَمِدُ الْأَعْمَى وَكَذَا من في ظُلْمَةٍ الْمِحْرَابَ بِالْمَسِّ وَلَوْ لم يَرَهُ قبل الْعَمَى كما يَعْتَمِدُهُ الْبَصِيرُ الذي ليس في ظُلْمَةٍ بِالْمُشَاهَدَةِ فَالْمِحْرَابُ الْمُعْتَمَدُ كَصَرِيحِ الْخَبَرِ فَلَوْ اشْتَبَهَ عليه مَوَاضِعُ لَمَسَهَا صَبَرَ فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ صلى كَيْفَ اتَّفَقَ وَأَعَادَ كما يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَا يَجْتَهِدُ في الْقِبْلَةِ إلَّا بَصِيرٌ عَارِفٌ بِالْأَدِلَّةِ لها كَالنُّجُومِ وَالْقَمَرَيْنِ تَثْنِيَةُ شَمْسٍ وَقَمَرٍ وَغَلَّبَ الْقَمَرَ لِكَوْنِهِ مُذَكَّرًا وَأَضْعَفُهَا الرِّيَاحُ لِاخْتِلَافِهَا وَأَقْوَاهَا الْقُطْبُ قال الشَّيْخَانِ وهو نَجْمٌ صَغِيرٌ في بَنَاتِ نَعْشٍ الصُّغْرَى بين الْفَرْقَدَيْنِ وَالْجَدْيِ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَقَالِيمِ فَفِي الْعِرَاقِ يَجْعَلُهُ الْمُصَلِّي خَلْفَ أُذُنِهِ الْيُمْنَى وفي مِصْرَ خَلْفَ الْيُسْرَى وفي الْيَمَنِ قُبَالَتَهُ مِمَّا يَلِي جَانِبَهُ الْأَيْسَرَ وفي الشَّامِ وَرَاءَهُ وفي كَوْنِ الْقُطْبِ نَجْمًا كَلَامٌ ذَكَرْته في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَلَيْسَ له اعْتِمَادُ ظَنٍّ بِلَا عَلَامَةٍ كما في الِاشْتِبَاهِ في الْمَاءِ فَالْقَادِرُ على الِاجْتِهَادِ لَا يُقَلِّدُ غَيْرَهُ وَإِنْ حَصَلَ غَيْمٌ وَظُلْمَةٌ وَتَعَارُضُ أَدِلَّةٍ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا وَالْأُمُورُ الْمَذْكُورَةُ عَارِضَةٌ لَا تَطُولُ بَلْ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ عن الِاجْتِهَادِ أو قَلَّدَ غَيْرَهُ صلى كَيْفَ اتَّفَقَ في الْأُولَى وَأَعَادَ فِيهِمَا وُجُوبًا وَالْأَعْمَى وَمَنْ لَا يَعْرِفُ الْأَدِلَّةَ وَيَعْجِزُ بِكَسْرِ الْجِيمِ أَفْصَحُ من فَتْحِهَا عن تَعَلُّمِهَا الْبَلَادَةَ يُقَلِّدُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَارِفًا ثِقَةً يَجْتَهِدُ له أو لِغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ وَلِعَجْزِهِمَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مُعْظَمَ أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ يَتَعَلَّقُ بِالْمُشَاهَدَةِ كَالْقَمَرَيْنِ وَالرِّيحُ ضَعِيفَةٌ كما مَرَّ وَالِاشْتِبَاهُ عليه فيها أَكْثَرُ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا من فَاقِدِ الْبَصَرِ وَيُجْزِئُ أَيْ يَكْفِي فِيمَنْ يُقَلِّدُ أَنَّهُ عَبْدٌ أو امْرَأَةٌ لَا صَبِيٌّ وَالتَّقْلِيدُ قَبُولُ قَوْلِ الْغَيْرِ الْمُسْتَنِدِ لِلِاجْتِهَادِ فَإِنْ قال الْمُخْبِرُ رَأَيْت الْقُطْبَ أو الْجَمُّ الْغَفِيرُ أَيْ جَمَاعَةُ الناس وَالْمُرَادُ الْخَلْقُ الْكَثِيرُ من الْمُسْلِمِينَ يُصَلُّونَ هَكَذَا فَهُوَ إخْبَارٌ عن عِلْمٍ فَالْأَخْذُ بِهِ قَبُولُ خَبَرٍ لَا تَقْلِيدٌ فَلَوْ اخْتَلَفَ عليه في الِاجْتِهَادِ اثْنَانِ قَلَّدَ من شَاءَ مِنْهُمَا إذْ ليس أَحَدُهُمَا أَوْلَى من الْآخَرِ لَكِنْ الْأَكْمَلُ أَيْ الْأَوْثَقُ وَالْأَعْلَمُ عِنْدَهُ أَوْلَى وَقِيلَ وَاجِبٌ وهو الْأَشْبَهُ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وقال ابن الرِّفْعَةِ إنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبَ حَكَاهُ عن نَصِّ الْأُمِّ وَإِنَّ الْأَكْثَرِينَ على التَّخْيِيرِ فَرْعٌ تَعَلُّمُ الْأَدِلَّةِ أَيْ أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ عِنْدَ إرَادَةِ السَّفَرِ فَرْضُ عَيْنٍ لِعُمُومِ حَاجَةِ الْمُسَافِرِ إلَيْهَا وَكَثْرَةِ الِاشْتِبَاهِ عليه بِخِلَافِهِ في الْحَضَرِ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ إذْ لم يُنْقَلْ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ السَّلَفُ بَعْدَهُ أَلْزَمُوا آحَادَ الناس تَعَلُّمَهَا بِخِلَافِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَأَرْكَانِهَا وَهَذَا ما صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ في غَيْرِ الْمِنْهَاجِ وَأَطْلَقَ في الْمِنْهَاجِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ تَصْحِيحَ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ كَتَعَلُّمِ الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ وَحَمَلَ السُّبْكِيُّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ في السَّفَرِ على سَفَرٍ يَقِلُّ فيه الْعَارِفُونَ بِأَدِلَّتِهَا دُونَ ما يَكْثُرُ فيه كَرَكْبِ الْحَاجِّ فَهُوَ كَالْحَضَرِ
ا ه
وَظَاهِرٌ أَنَّ السَّفَرَ من قَرْيَةٍ إلَى أُخْرَى قَرِيبَةٍ بِحَيْثُ يَقْطَعُ الْمَسَافَةَ قبل خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ كَالْحَضَرِ فَلَوْ قَدَرَ على التَّعَلُّمِ لها وَقُلْنَا إنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ لم يَجُزْ له التَّقْلِيدُ فَإِنْ قَلَّدَ قَضَى لِتَقْصِيرِهِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ جَازَ له التَّقْلِيدُ كَالْأَعْمَى فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ عن التَّعَلُّمِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مُجْتَهِدٍ تَحَيَّرَ فَيُصَلِّي كَيْفَ اتَّفَقَ وَيُعِيدُ وَلَوْ صلى فَرِيضَةً بِالِاجْتِهَادِ في الْقِبْلَةِ أو الثَّوْبِ لَزِمَهُ إعَادَتُهُ أَيْ الِاجْتِهَادِ لِلْأُخْرَى أَيْ لِلْفَرِيضَةِ الْأُخْرَى في الْقِبْلَةِ إنْ لم يَكُنْ ذَاكِرًا لِلدَّلِيلِ الْأَوَّلِ سَعْيًا في إصَابَةِ الْحَقِّ لِتَأَكُّدِ الظَّنِّ عِنْدَ الْمُوَافَقَةِ وَقُوَّةِ الثَّانِي عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا عن أَمَارَةٍ أَقْوَى وَالْأَقْوَى أَقْرَبُ إلَى الْيَقِينِ لَا إعَادَتُهُ لِلنَّافِلَةِ وَمِثْلُهَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ كما في
____________________
(1/138)
التَّيَمُّمِ وَخَرَجَ بِالْقِبْلَةِ الثَّوْبُ فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ فيه
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقِبْلَةَ مَبْنِيَّةٌ في الْأَصْلِ على الْيَقِينِ وَمُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ وَكَمَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الِاجْتِهَادِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ يَلْزَمُ الْأَعْمَى إعَادَةُ التَّقْلِيدِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ فَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ في الْقِبْلَةِ أو الثَّوْبِ عَمِلَ بِالثَّانِي وُجُوبًا إنْ تَرَجَّحَ وَلَوْ فيها أَيْ في الصَّلَاةِ وَعَمِلَ بِالْأَوَّلِ إنْ تَرَجَّحَ وَفَرَّقَ بين عَمَلِهِ بِالثَّانِي وَعَدَمِ عَمَلِهِ بِهِ في الْمِيَاهِ بِلُزُومِ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ إنْ غَسَلَ ما أَصَابَهُ الْأَوَّلُ وَالصَّلَاةُ بِنَجَاسَةٍ إنْ لم يَغْسِلْهُ وَهُنَا لَا يَلْزَمُ منه الصَّلَاةُ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَلَا بِنَجَاسَةٍ وَمَنَعَ ابن الصَّبَّاغِ ذلك بِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ النَّقْضُ لو أَبْطَلْنَا ما مَضَى من طُهْرِهِ وَصَلَاتِهِ ولم نُبْطِلْهُ بَلْ أَمَرْنَاهُ بِغُسْلِ ما ظَنَّ نَجَاسَتَهُ كما أَمَرْنَاهُ بِاجْتِنَابِ بَقِيَّةِ الْمَاءِ الْأَوَّلِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ يَكْفِي في النَّقْضِ وُجُوبُ غُسْلِ ما أَصَابَهُ الْأَوَّلُ وَاجْتِنَابُ الْبَقِيَّةِ
فَإِنْ اسْتَوَيَا فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَهُمَا لَا إنْ كان فيها أَيْ في الصَّلَاةِ فَلَا خِيَارَ له بَلْ يَعْمَلُ بِالْأَوَّلِ وَالتَّفْصِيلُ فيها بين التَّسَاوِي وَعَدَمِهِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عن الْبَغَوِيّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ تَصْحِيحُ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالثَّانِي وَلَوْ مع التَّسَاوِي قال في الْمُهِمَّاتِ وَالصَّوَابُ ما قَالَهُ الْبَغَوِيّ
ا ه
وَفَارَقَ حُكْمَ التَّسَاوِي قَبْلَهَا بِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِدُخُولِهِ فيها جِهَةً فَلَا يَتَحَوَّلُ إلَّا بِأَرْجَحَ مع أَنَّ التَّحَوُّلَ فِعْلٌ أَجْنَبِيٌّ لَا يُنَاسِبُ الصَّلَاةَ فَاحْتِيطَ لها وَلَا يُنْقَضُ الِاجْتِهَادُ الْأَوَّلُ بِالثَّانِي لِامْتِنَاعِ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بمثله وَلَوْ اتَّحَدَتْ الصَّلَاةُ وَأَدَّى ذلك إلَى اسْتِقْبَالِ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ بِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ وَإِنْ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ في ثَلَاثٍ قد أَدَّى كُلًّا منها بِاجْتِهَادٍ لم يَتَعَيَّنْ فيه الْخَطَأُ وَهَذَا أَيْ الْعَمَلُ بِالثَّانِي في الصَّلَاةِ إذَا ظَنَّ الصَّوَابَ مُقَارِنًا لِظُهُورِ الْخَطَأِ فَلَا تَبْطُلُ لِمَا فيه من نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بمثله وَإِلَّا بِأَنْ لم يَظُنَّهُ مُقَارِنًا بَطَلَتْ وَإِنْ قَدَرَ على الصَّوَابِ على قُرْبٍ لِمُضِيِّ جُزْءٍ من صَلَاتِهِ إلَى غَيْرِ قِبْلَةٍ مَحْسُوبَةٍ وَإِنْ طَرَأَ على الْمُجْتَهِدِ في أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ شَكٌّ في جِهَةِ الْقِبْلَةِ ولم يَتَرَجَّحْ له شَيْءٌ من الْجِهَاتِ لم يُؤَثِّرْ هذا من زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن نَصِّ الْأُمِّ وَاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وإذا عَلِمَ الْمُجْتَهِدُ خَطَأَهُ أو خَطَأَ من قَلَّدَهُ الْأَعْمَى أَيْ أو عَلِمَ الْأَعْمَى وَلَوْ أَعْمَى الْبَصِيرَةِ خَطَأَ من قَلَّدَهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ أو في أَثْنَائِهَا بَطَلَتْ إنْ تَعَيَّنَ الْخَطَأُ وَأَعَادَ وَإِنْ لم يَتَبَيَّنْ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ فِيمَا يَأْمَنُ مِثْلُهُ في الْإِعَادَةِ كَالْحَاكِمِ يَحْكُمُ بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ يَجِدُ النَّصَّ بِخِلَافِهِ وَاحْتَرَزُوا بِقَوْلِهِمْ فِيمَا يَأْمَنُ مِثْلُهُ في الْإِعَادَةِ عن الْأَكْلِ في الصَّوْمِ نَاسِيًا وَالْخَطَأِ في الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ حَيْثُ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِثْلُهُ فيها وَخَرَجَ بِعِلْمِ الْخَطَأِ ظَنُّهُ وَبِتَعَيُّنِ الْخَطَأِ إبْهَامُهُ كما في الصَّلَاةِ إلَى جِهَاتٍ بِاجْتِهَادَاتٍ فَلَا إعَادَةَ فِيهِمَا كما مَرَّ وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ ما يَمْتَنِعُ معه الِاجْتِهَادُ فَيَدْخُلُ فيه خَبَرُ الْعَدْلِ عن عِيَانٍ كما يُعْلَمُ من كَلَامِهِ الْآتِي وَإِنْ اجْتَهَدَ اثْنَانِ في الْقِبْلَةِ وَاتَّفَقَ اجْتِهَادُهُمَا وَصَلَّى أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَتَغَيَّرَ اجْتِهَادُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَزِمَهُ الِانْحِرَافُ إلَى الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ وَيَنْوِي الْمَأْمُومُ الْمُفَارَقَةَ وَذَلِكَ أَيْ تَغَيُّرُ اجْتِهَادِ أَحَدِهِمَا عُذْرٌ في مُفَارَقَةِ الْمَأْمُومِ وَلَوْ أَخَّرَ هذا عن قَوْلِهِ
وَإِنْ اخْتَلَفَا تَيَامُنًا وَتَيَاسُرًا كان أَوْلَى وَلَوْ قال مُجْتَهِدٌ لِلْمُقَلِّدِ وهو في الصَّلَاةِ أَخْطَأَ بِك فُلَانٌ وهو أَيْ الْمُجْتَهِدُ الثَّانِي أَعْرَفُ عِنْدَهُ من الْأَوَّلِ أو قال له أنت على الْخَطَأِ قَطْعًا وَإِنْ لم يَكُنْ أَعْرَفَ عِنْدَهُ من الْأَوَّلِ تَحَوَّلَ إنْ بَانَ له الصَّوَابُ مُقَارِنًا لِلْقَوْلِ بِأَنْ أَخْبَرَ بِهِ وَبِالْخَطَأِ مَعًا كما عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ لِبُطْلَانِ تَقْلِيدِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِ من هو أَرْجَحُ منه في الْأُولَى وَبِقَطْعِ الْقَاطِعِ في الثَّانِيَةِ فَلَوْ كان الْأَوَّلُ أَيْضًا في الثَّانِيَةِ قَطَعَ بِأَنَّ الصَّوَابَ ما ذَكَرَهُ ولم يَكُنْ الثَّانِي أَعْلَمَ لم يُؤَثِّرْ قَوْلُهُ قَالَهُ الْإِمَامُ وَإِلَّا بِأَنْ لم يَبْنِ الصَّوَابُ مُقَارِنًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ بَانَ الصَّوَابُ عن قُرْبٍ لِمُضِيِّ جُزْءٍ من صَلَاتِهِ إلَى غَيْرِ قِبْلَةٍ مَحْسُوبَةٍ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ وهو في الصَّلَاةِ ما لو قال ذلك بَعْدَهَا فَلَا تَلْزَمُ الْإِعَادَةُ كما لو تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ الْبَصِيرِ بَعْدَهَا صَرَّحَ بِهِ
____________________
(1/139)
الْأَصْلُ في الْأُولَى وَيُقَاسُ بها الثَّانِيَةُ وما لو قَالَهُ قَبْلَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُ ما مَرَّ قَبِيلَ الْفَرْعِ لَكِنْ في التَّتِمَّةِ يَعْمَلُ بِقَوْلِ الْأَوْثَقِ عِنْدَهُ فَإِنْ تَسَاوَيَا اسْتَخْبَرَ ثَالِثًا فَإِنْ لم يَجِدْ فَكَمُتَحَيَّرِ فَيُصَلِّي كَيْفَ اتَّفَقَ وَيُعِيدُ وَبِقَوْلِهِ مُجْتَهِدٌ ما لو قال مُعَايِنٌ فَيَتَحَوَّلُ مُطْلَقًا وَبِقَوْلِهِ في الْأُولَى وهو أَعْرَفُ ما لو كان مِثْلَ الْأَوَّلِ أو دُونَهُ أو لم يَعْرِفْ أَنَّهُ مِثْلُهُ أو لَا فَلَا يَتَحَوَّلُ وَمِنْ قَبِيلِ قَوْلِ الْمُعَايِنِ ما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ قِيلَ لِلْأَعْمَى وهو في صَلَاتِهِ صَلَاتُك إلَى الشَّمْسِ وهو يَعْلَمُ أَنَّ قِبْلَتَهُ غَيْرُهَا اسْتَأْنَفَ لِبُطْلَانِ تَقْلِيدِ الْأَوَّلِ بِذَلِكَ وَإِنْ أَبْصَرَ وهو في أَثْنَائِهَا وَعَلِمَ أَنَّهُ على الْإِصَابَةِ لِلْقِبْلَةِ بِمِحْرَابٍ أو نَجْمٍ أو خَبَرِ ثِقَةٍ أو غَيْرِهَا أَتَمَّهَا أو على الْخَطَأِ أو تَرَدَّدَ بَطَلَتْ لِانْتِفَاءِ ظَنِّ الْإِصَابَةِ وَإِنْ ظَنَّ الصَّوَابَ غَيْرَهَا أَيْ غير جِهَتِهِ انْحَرَفَ إلَى ما ظَنَّهُ كما لو تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ الْبَصِيرِ فيها وَقَوْلُهُ وَإِنْ أَبْصَرَ إلَخْ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ الْبَابُ الرَّابِعُ في صِفَةِ الصَّلَاةِ أَيْ كَيْفِيَّتِهَا
وَهِيَ تَشْتَمِلُ على أَرْكَانٍ تُسَمَّى فُرُوضًا وعلى سُنَنٍ وَالرُّكْنُ كَالشَّرْطِ في أَنَّهُ لَا بُدَّ منه وَيُفَارِقُهُ بِأَنَّ الشَّرْطَ ما اُعْتُبِرَ في الصَّلَاةِ بِحَيْثُ يُقَارِنُ كُلَّ مُعْتَبَرٍ سِوَاهُ كَالطُّهْرِ وَالسَّتْرِ تُعْتَبَرُ مُقَارَنَتُهُمَا لِلرُّكُوعِ وَغَيْرِهِ وَالرُّكْنُ ما اُعْتُبِرَ فيها لَا بهذا الْوَجْهِ فَشَمِلَ تَعْرِيفَ الشَّرْطِ الْمَتْرُوكِ كَتَرْكِ الْكَلَامِ فَهِيَ شُرُوطٌ كما قال الْغَزَالِيُّ وَوَافَقَهُ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ في الْبَابِ الْآتِي
وَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ الصَّوَابُ أنها لَيْسَتْ شُرُوطًا بَلْ مُبْطِلَةٌ لِلصَّلَاةِ كَقَطْعِ النِّيَّةِ قد يُتَوَقَّفُ فيه لَكِنْ يَشْهَدُ له أَنَّ الْكَلَامَ نَاسِيًا لَا يَضُرُّ وَلَوْ كان تَرْكُهُ من الشُّرُوطِ لَضَرَّ فَمِنْهَا أَيْ السُّنَنِ الْأَبْعَاضُ وَهِيَ ما تُجْبَرُ من حَيْثُ تَرْكُهَا عَمْدًا أو سَهْوًا وَالْمُرَادُ أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَتْرُوكَ فيها شَيْءٌ من ذلك تُجْبَرُ بِالسُّجُودِ وَسُمِّيَتْ أَبْعَاضًا لِتَأَكُّدِ شَأْنِهَا بِالْجَبْرِ تَشْبِيهًا بِالْبَعْضِ حَقِيقَةً وَهِيَ سِتَّةٌ الْقُنُوتُ الرَّاتِبُ وهو قُنُوتُ الصُّبْحِ وَقُنُوتُ الْوِتْرِ في النِّصْفِ الثَّانِي من رَمَضَانَ دُونَ قُنُوتِ النَّازِلَةِ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ في الصَّلَاةِ لَا منها أَيْ لَا بَعْضِهَا وَالْكَلَامُ فِيمَا هو بَعْضٌ منها
وَتَرْكُ بَعْضِ الْقُنُوتِ كَتَرْكِ كُلِّهِ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي على الْقَوْلِ بِتَعَيُّنِ كَلِمَاتِهِ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي مُجَلِّيٌّ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ إذَا شَرَعَ في قُنُوتٍ تَعَيَّنَ في أَدَاءِ السُّنَّةِ ما لم يَعُدْ إلَى بَدَلِهِ وَقِيَامُهُ أَيْ الْقُنُوتِ الرَّاتِبِ قِيَاسًا له وَلِلْقُنُوتِ على ما يَأْتِي وما قَالَهُ الْقَفَّالُ من أَنَّهُ لو تَرَكَ تَبَعًا لِإِمَامِهِ الْحَنَفِيِّ الْقُنُوتَ لم يَسْجُدْ كَإِمَامِهِ لِأَنَّ ذلك ليس سَهْوًا من الْإِمَامِ بِنَاءً على طَرِيقَتِهِ من أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَقِيدَةِ الْإِمَامِ لَكِنْ الْأَصَحُّ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَقِيدَةِ الْمَأْمُومِ فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كما سَيَأْتِي في صِفَةِ الْأَئِمَّةِ وَالتَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَرَكَهُ نَاسِيًا وَسَجَدَ قبل أَنْ يُسَلِّمَ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقِيسَ بِالنِّسْيَانِ الْعَمْدُ بِجَامِعِ الْخَلَلِ بَلْ خَلَلُ الْعَمْدِ أَكْثَرُ فَكَانَ لِلْجَبْرِ أَحْوَجُ وَالْمُرَادُ بِالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ اللَّفْظُ الْوَاجِبُ في الْأَخِيرِ وَقِيَاسُ ما مَرَّ آنِفًا أَنَّ تَرْكَ بَعْضِهِ كَتَرْكِ كُلِّهِ وَاسْتَثْنَى منه ما لو نَوَى أَرْبَعًا وَأَطْلَقَ أو قَصَدَ أَنْ يَتَشَهَّدَ تَشَهُّدَيْنِ فَلَا يَسْجُدُ لِتَرْكِ أَوَّلِهِمَا ذَكَرَهُ في الذَّخَائِرِ وَكَذَا ابن الرِّفْعَةِ عن الْإِمَامِ لَكِنْ فَصَّلَ الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ فقال يَسْجُدُ لِتَرْكِهِ إنْ كان على عَزْمِ الْإِتْيَانِ بِهِ فَنَسِيَهُ وَإِلَّا فَلَا وَجُلُوسُهُ أَيْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ السُّجُودَ إذَا شُرِعَ لِتَرْكِ التَّشَهُّدِ شُرِعَ لِتَرْكِ جُلُوسِهِ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ له وَصُورَةُ تَرْكِهِ وَتَرْكِ قِيَامِ الْقُنُوتِ أَنْ لَا يُحْسِنَ التَّشَهُّدَ أو الْقُنُوتَ فإنه يُسَنُّ له أَنْ يَجْلِسَ أو يَقِفَ بِقَدْرِهِ فإذا لم يَفْعَلْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَالصَّلَاةُ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________
(1/140)
فيه لِأَنَّهُ ذِكْرٌ يَجِبُ الْإِتْيَانُ بِهِ في الْجُلُوسِ الْأَخِيرِ فَيَسْجُدُ لِتَرْكِهِ في الْأَوَّلِ كَالتَّشَهُّدِ والصلاة على الْآلِ في التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ كَالصَّلَاةِ عليه صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَنْ يَتَيَقَّنَ تَرْكَ إمَامِهِ لها بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ إمَامُهُ وَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ هو أو بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ وَقَصُرَ الْفَصْلُ وَبَقِيَ سَابِعٌ وهو الصَّلَاةُ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْقُنُوتِ كما بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَبِهِ جَزَمَ ابن الْفِرْكَاحِ وما عَدَا الْمَذْكُورَاتِ من السُّنَنِ لَا سُجُودَ لِتَرْكِهِ كما سَيَأْتِي في الْبَابِ السَّادِسِ
وَأَرْكَانُهَا سَبْعَةَ عَشَرَ بِجَعْلِ الطُّمَأْنِينَةِ في مَحَالِّهَا الْأَرْبَعَةِ من الرُّكُوعِ وما بَعْدَهُ أَرْكَانًا وَعَدَّهَا في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ بِإِسْقَاطِ الطُّمَأْنِينَةِ لِجَعْلِهَا كَالْهَيْئَةِ التَّابِعَةِ وَيُؤَيِّدُهُ كَلَامُهُمْ في التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ بِرُكْنٍ أو أَكْثَرَ وَبِهِ يُشْعِرُ خَبَرُ إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ الْآتِي وَالْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ الْأَوَّلُ النِّيَّةُ لِمَا مَرَّ في الْوُضُوءِ وَجَعَلَهَا الْغَزَالِيُّ شَرْطًا قال الرَّافِعِيُّ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ فَتَكُونُ خَارِجَةً عنها وَإِلَّا لَتَعَلَّقَتْ بِنَفْسِهَا أو افْتَقَرَتْ إلَى نِيَّةٍ أُخْرَى قال وَالْأَظْهَرُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ رُكْنِيَّتُهَا وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ من الصَّلَاةِ وَتَتَعَلَّقُ بِمَا عَدَاهَا من الْأَرْكَانِ أَيْ لَا بِنَفْسِهَا أَيْضًا وَلَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ وَلَك أَنْ تَقُولَ يَجُوزُ تَعَلُّقُهَا بِنَفْسِهَا أَيْضًا كما قال الْمُتَكَلِّمُونَ كُلُّ صِفَةٍ تَتَعَلَّقُ وَلَا تُؤَثِّرُ يَجُوزُ تَعَلُّقُهَا بِنَفْسِهَا وَبِغَيْرِهَا كَالْعِلْمِ وَالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لم تَفْتَقِرْ إلَى نِيَّةٍ لِأَنَّهَا شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ الصَّلَاةِ فَتُحَصِّلُ نَفْسَهَا وَغَيْرَهَا كَشَاةٍ من أَرْبَعِينَ فَإِنَّهَا تُزَكِّي نَفْسَهَا وَغَيْرَهَا
وَتَجِبُ مُقَارَنَتُهَا لِلتَّكْبِيرَةِ أَيْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهَا أَوَّلُ الْأَرْكَانِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَأْتِيَ بها عِنْدَ أَوَّلِهَا وَيَسْتَمِرَّ ذَاكِرًا لها إلَى آخِرِهَا كما يَجِبُ حُضُورُ شُهُودِ النِّكَاحِ إلَى الْفَرَاغِ منه وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ في شَرْحَيْ الْمُهَذَّبِ وَالْوَسِيطِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ الِاكْتِفَاءَ بِالْمُقَارَنَةِ الْعُرْفِيَّةِ عِنْدَ الْعَوَامّ بِحَيْثُ يُعَدُّ مُسْتَحْضِرًا لِلصَّلَاةِ اقْتِدَاءً بِالْأَوَّلَيْنِ في تَسَامُحِهِمْ بِذَلِكَ وقال ابن الرِّفْعَةِ إنَّهُ الْحَقُّ وَصَوَّبَهُ السُّبْكِيُّ فَلَوْ عَزَبَتْ أَيْ النِّيَّةُ قبل تَمَامِهَا أَيْ التَّكْبِيرَةِ لم تَصِحَّ الصَّلَاةُ لِأَنَّ النِّيَّةَ مُعْتَبَرَةٌ في الِانْعِقَادِ
وَالِانْعِقَادُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِتَمَامِ التَّكْبِيرَةِ بِدَلِيلِ بُطْلَانِ التَّيَمُّمِ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ قبل تَمَامِهَا وَلَا يَجِبُ اسْتِصْحَابُهَا أَيْ النِّيَّةَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ لِلْعُسْرِ لَكِنَّهُ يُسَنُّ كما في نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَيُعْتَبَرُ عَدَمُ الْمُنَافِي كما في عَقْدِ الْإِيمَانِ فَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ من الصَّلَاةِ أو تَرَدَّدَ في أَنْ يَخْرُجَ أو يَسْتَمِرَّ بَطَلَتْ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْوُضُوءِ وَالِاعْتِكَافِ لِأَنَّهَا أَضْيَقُ بَابًا من الْأَرْبَعَةِ فَكَانَ تَأَثُّرُهَا بِاخْتِلَالِ النِّيَّةِ أَشَدَّ وَلَا أَثَرَ لِلْوَسَاوِسِ الطَّارِقَةِ لِلْفِكْرِ بِلَا اخْتِيَارٍ بِأَنْ وَقَعَ في الْفِكْرِ أَنَّهُ لو تَرَدَّدَ في الصَّلَاةِ كَيْفَ يَكُونُ الْحَالُ فَقَدْ يَقَعُ مِثْلُهَا في الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلَا مُبَالَاةَ بِهِ وَلِأَنَّ ذلك مِمَّا يُبْتَلَى بِهِ الْمُوَسْوِسُ فَإِنْ عَلَّقَ الْخُرُوجَ من الصَّلَاةِ بِحُصُولِ شَيْءٍ بَطَلَتْ في الْحَالِ وَلَوْ لم يَقْطَعْ بِحُصُولِهِ كَتَعْلِيقِهِ بِدُخُولِ شَخْصٍ كما لو عَلَّقَ بِهِ الْخُرُوجَ من الْإِسْلَامِ فإنه يَكْفُرُ في الْحَالِ قَطْعًا وَفَارَقَ ذلك ما لو نَوَى في الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَنْ يَفْعَلَ في الثَّانِيَةِ فِعْلًا مُبْطِلًا لِلصَّلَاةِ كَتَكَلُّمٍ وَأَكْلٍ حَيْثُ لَا تَبْطُلُ في الْحَالِ بِأَنَّهُ هُنَا ليس بِجَزْمٍ وَهُنَاكَ جَازِمٌ وَالْمُحَرَّمُ عليه إنَّمَا هو فِعْلُ الْمُنَافِي لِلصَّلَاةِ ولم يَأْتِ بِهِ وَلَوْ شَكَّ هل أتى بِتَمَامِ النِّيَّةِ أو لَا أو هل نَوَى ظُهْرًا أو عَصْرًا فَإِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ طُولِ زَمَانٍ أو بَعْدَ إتْيَانِهِ بِرُكْنٍ وَلَوْ قَوْلِيًّا كَالْقِرَاءَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِانْقِطَاعِ نَظْمِهَا وَنُدْرَةِ مِثْلِ ذلك في الْأُولَى وَلِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ التَّوَقُّفِ إلَى التَّذَكُّرِ في الثَّانِيَةِ وَإِنْ كان جَاهِلًا بِخِلَافِ من زَادَ في صَلَاتِهِ رُكْنًا نَاسِيًا إذْ لَا حِيلَةَ في النِّسْيَانِ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَبَعْضُ الرُّكْنِ الْقَوْلِيِّ فِيمَا ذَكَرَ كَكُلِّهِ على الْأَصَحِّ كما صَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيَّ وَنَقَلَهُ عن النَّصِّ ذَكَرَهُ في الْمُهِمَّاتِ وَمَحَلُّهُ إذَا طَالَ زَمَنُ الشَّكِّ أو لم يَعُدْ ما قَرَأَهُ فيه كما صَوَّرَ بِهِ الْقَاضِي وَأَلْحَقَ الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ قِرَاءَةَ السُّورَةِ فِيمَا ذَكَرَ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَفِيهَا عن الْأَصْحَابِ لو ظَنَّ أَنَّهُ في صَلَاةٍ أُخْرَى فَأَتَمَّ عليه صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَهَذَا خَارِجٌ بِتَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ ما ذُكِرَ بِالشَّكِّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ مُطْلَقَ التَّرَدُّدِ أو تَذَكَّرَ قَبْلَهُمَا أَيْ قبل طُولِ الزَّمَانِ وَإِتْيَانِهِ بِرُكْنٍ فَلَا تَبْطُلُ لِكَثْرَةِ عُرُوضِ مِثْلِ ذلك وَإِنْ قَنَتَ في سُنَّةِ الْفَجْرِ ظَانًّا أنها الصُّبْحُ وَأَطَالَ الزَّمَانَ أو أتى
____________________
(1/141)
بِرُكْنٍ ثُمَّ تَذَكَّرَ بَطَلَتْ لِمَا مَرَّ وَكَذَا تَبْطُلُ لو شَكَّ في الطَّهَارَةِ وهو جَالِسٌ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَقَامَ إلَى الثَّالِثَةِ ثُمَّ تَذَّكَّرَهَا أَيْ الطَّهَارَةَ كما لو شَكَّ في النِّيَّةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ بَعْدَ إحْدَاثِ فِعْلٍ لَا إنْ قام لِيَتَوَضَّأَ فَتَذَكَّرَهَا فَلَا تَبْطُلُ بَلْ يَعُودُ وَيَبْنِي وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ
وَقَوْلُهُ وَإِنْ قَنَتَ إلَى هُنَا من زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ الْقَمُولِيُّ عن الْقَاضِي فَرْعٌ تَجِبُ نِيَّةُ فِعْلِ الصَّلَاةِ لِتَمْتَازَ عن بَقِيَّةِ الْأَفْعَالِ فَلَا يَكْفِي إحْضَارُهَا في الذِّهْنِ مع الْغَفْلَةِ عن الْفِعْلِ لِأَنَّهُ الْمَطْلُوبُ وَتَقَدَّمَ دَلِيلُهَا وما يَتَعَلَّقُ بها في صِفَةِ الْوُضُوءِ ويجب تَعْيِينُهَا كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لِتَمْتَازَ عن غَيْرِهَا فَلَوْ اقْتَصَرَ على فَرْضِ الْوَقْتِ أو صلى الْجُمُعَةَ بِنِيَّةِ الظُّهْرِ أو الظُّهْرَ الْمَقْصُورَةَ أو عَكَسَهُ بِأَنْ صلى الظُّهْرَ بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ لم يُجْزِهِ لِأَنَّهُ لم يُمَيِّزْ في الْأُولَى لِصِدْقِهَا بِفَائِتَةٍ تَذَكَّرَهَا وَنَوَى غير ما عليه في غَيْرِهَا وَتُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ في الْفَرْضِ وَلَوْ كِفَايَةً أو نَذْرًا وَإِنْ كان النَّاوِي صَبِيًّا لِيَتَمَيَّزَ عن النَّفْلِ فَيُحْضِرُ الْمُصَلِّي ذلك في ذِهْنِهِ وَيَقْصِدُهُ وما ذُكِرَ من اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ في صَلَاةِ الصَّبِيِّ هو ما صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ لَكِنَّهُ خَالَفَ في الْمَجْمُوعِ فَضَعَّفَهُ وقال الصَّوَابُ أنها لَا تُشْتَرَطُ في حَقِّهِ وَكَيْفَ يَنْوِيهَا وَصَلَاتُهُ لَا تَقَعُ فَرْضًا وَبِهَذَا صَرَّحَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ وفي التَّحْقِيقِ نَحْوُهُ
وَأَمَّا الْمُعَادَةُ فَسَيَأْتِي حُكْمُهَا في صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَلْيَنْوِ نَدْبًا إضَافَتَهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَأَنْ يَقُولَ لِلَّهِ أو فَرِيضَةً لِلَّهِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الْإِخْلَاصِ وَكَوْنَهَا أَدَاءً أو قَضَاءً وَعَدَدُ الرَّكَعَاتِ لِتَمْتَازَ عن غَيْرِهَا وَالتَّصْرِيحُ بِطَلَبِ هذه الْمَذْكُورَاتِ من زِيَادَتِهِ فَلَوْ لم يَنْوِ ذلك صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ كُلَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا له تَعَالَى وَكُلٌّ من الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ يَأْتِي بِمَعْنَى الْآخَرِ وَالْعَدَدُ مَحْصُورٌ بِالشَّرْعِ لَكِنْ لو عَيَّنَ عَدَدًا وَأَخْطَأَ الْعَدَدَ وفي نُسْخَةٍ لو غَيَّرَ الْعَدَدَ بَطَلَتْ لِأَنَّهُ نَوَى غير الْوَاقِعِ وَفَرَضَهُ الرَّافِعِيُّ في الْعَالِمِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ في الْغَلَطِ وَأَيَّدَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِمَا ذَكَرَ وفي نِيَّةِ الْخُرُوجِ وَغَيْرِهَا من أَنَّ الْخَطَأَ في التَّعْيِينِ لَا يَضُرُّ وَلَوْ ظَنَّ خُرُوجَ الْوَقْتِ فَصَلَّاهَا قَضَاءً فَبَانَ بَقَاؤُهُ أو عَكْسَهُ بِأَنْ ظَنَّ بَقَاءَ الْوَقْتِ فَصَلَّاهَا أَدَاءً فَبَانَ خُرُوجُهُ أَجْزَأَهُ لِمَا مَرَّ بِخِلَافِ ما لو فَعَلَ ذلك عَالِمًا لِتَلَاعُبِهِ وَلَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لِلِاسْتِقْبَالِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَا لِلْوَقْتِ كَالْيَوْمِ إذْ لَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لِلشُّرُوطِ فَلَوْ عَيَّنَ الْيَوْمَ وَأَخْطَأَ
قال الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي صَحَّ في الْأَدَاءِ لِأَنَّ مَعْرِفَتَهُ بِالْوَقْتِ الْمُتَعَيَّنِ لِلْفِعْلِ بِالشَّرْعِ تُلْغِي خَطَأَهُ فيه وَلَا يَصِحُّ في الْقَضَاءِ لِأَنَّ وَقْتَ الْفِعْلِ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ له بِالشَّرْعِ ولم يَنْوِ قَضَاءَ ما عليه وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْلِ في التَّيَمُّمِ الصِّحَّةُ مُطْلَقًا وَيَجِبُ تَعْيِينُ الرَّوَاتِبِ وسائر السُّنَنِ الْمُؤَقَّتَةِ أو ذَاتِ السَّبَبِ بِالْإِضَافَةِ إلَى ما يُعَيِّنُهَا كَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَسُنَّةِ الْعِشَاءِ أو رَاتِبَتِهَا وَكَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ أو الْكُسُوفِ أو عِيدِ الْفِطْرِ أو النَّحْرِ أو الضُّحَى قال في الْمَجْمُوعِ وَكَسُنَّةِ الظُّهْرِ التي قَبْلَهَا أو التي بَعْدَهَا وَتَبِعَهُ السُّبْكِيُّ وَوَجْهُهُ أَنَّ تَعْيِينَهُمَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ لِاشْتِرَاكِهِمَا في الِاسْمِ وَالْوَقْتِ وَإِنْ لم يُقَدِّمْ الْمُؤَخَّرَةَ كما يَجِبُ تَعْيِينُ الظُّهْرِ لِئَلَّا تَلْتَبِسَ بِالْعَصْرِ فَانْدَفَعَ ما قِيلَ إنَّ مَحَلَّ هذا إذَا أَخَّرَ الْمُقَدَّمَةَ عن الْفَرْضِ وَتُسْتَثْنَى تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَرَكْعَتَا الْإِحْرَامِ وَالْوُضُوءِ وَالِاسْتِخَارَةِ فَيَكْفِي فيها نِيَّةُ فِعْلِهَا كما في الْكِفَايَةِ في الْأُولَى وَالْإِحْيَاءِ في
____________________
(1/142)
الثَّانِيَةِ وَقِيَاسًا عَلَيْهِمَا في الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ كما بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِكُلِّ صَلَاةٍ لَكِنَّ الْمَنْقُولَ في الْكِفَايَةِ عن الْأَصْحَابِ في الثَّالِثَةِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فيها ذلك إلَّا الْوِتْرَ فَلَا يُضَافُ إلَى الْعِشَاءِ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بَلْ يَنْوِي سُنَّةَ الْوِتْرِ وَيَنْوِي بِجَمِيعِهِ إنْ أَوْتَرَ بِأَكْثَرَ من رَكْعَةٍ الْوِتْرَ أَيْضًا وَإِنْ فَصَلَهُ كما يَنْوِي التَّرَاوِيحَ بِجَمِيعِهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَنْوِي في الْأَخِيرَةِ منه وَفِيمَا سِوَاهَا الْوِتْرَ أو سُنَّتَهُ أو يَتَخَيَّرُ وفي نُسْخَةٍ وَيَتَخَيَّرُ فِيمَا سِوَى الْأَخِيرَةِ منه إذَا فَصَلَهُ بين نِيَّةِ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَمُقَدَّمَةِ الْوِتْرِ وَسُنَّتِهِ وَهِيَ أَوْلَى قال في الْمُهِمَّاتِ وَمَحَلُّ ذلك إذَا نَوَى عَدَدًا فَإِنْ لم يَنْوِ فَهَلْ يَلْغُو لِإِبْهَامِهِ أو يَصِحُّ وَيُحْمَلُ على رَكْعَةٍ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنُ أو ثَلَاثٍ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ كَنِيَّةِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ رَكْعَتَيْنِ مع صِحَّةِ الرَّكْعَةِ أو إحْدَى عَشْرَةَ لِأَنَّ الْوِتْرَ له غَايَةٌ هِيَ أَفْضَلُ فَحَمَلْنَا الْإِطْلَاقَ عليها بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فيه نَظَرٌ
ا ه
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَصِحُّ وَيُحْمَلُ على ما يُرِيدُهُ من رَكْعَةٍ أو ثَلَاثٍ أو خَمْسٍ أو سَبْعٍ أو تِسْعٍ أو إحْدَى عَشْرَةَ وَتَكْفِي نِيَّةُ الصَّلَاةِ في النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ وَهِيَ ما لَا وَقْتَ لها وَلَا سَبَبَ لِأَنَّهَا أَدْنَى دَرَجَاتِ الصَّلَاةِ فإذا نَوَاهَا وَجَبَ أَنْ تَحْصُلَ له وَالصَّوَابُ أَنَّ نِيَّةَ النَّفْلِ لَا تَجِبُ في الْجَمِيعِ أَيْ جَمِيعِ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ وَغَيْرِهَا لِمُلَازَمَتِهِ لها وَالِاعْتِبَارُ في النِّيَّةِ بِالْقَلْبِ كما مَرَّ وَيُسْتَحَبُّ النُّطْقُ مع النِّيَّةِ بها قُبَيْلَ التَّكْبِيرِ وَالتَّصْرِيحُ بِهِ من زِيَادَتِهِ
فَإِنْ نَوَى الظُّهْرَ بِقَلْبِهِ وَجَرَى على لِسَانِهِ الْعَصْرُ لم يَضُرَّ إذْ الْعِبْرَةُ بِمَا في الْقَلْبِ وَإِنْ عَقَبَ النِّيَّةَ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ بِأَنْ لَفَظَ بها أو نَوَاهَا وَقَصَدَ بها فِيهِمَا التَّبَرُّكَ أو أَنَّهُ أَيْ الْفِعْلَ وَاقِعٌ بِالْمَشِيئَةِ لم يَضُرَّ أو نَوَى بها التَّعْلِيقَ أو أَطْلَقَ بَطَلَتْ لِلْمُنَافَاةِ وإذا أتى بِمَا يُنَافِي الْفَرْضَ دُونَ النَّفْلِ كَأَنْ قَلَبَ الصَّلَاةَ التي هو فيها صَلَاةً أُخْرَى أو أَحْرَمَ الْقَادِرُ بِالْفَرْضِ قَاعِدًا أو أَحْرَمَ بِهِ الشَّخْصُ قبل الْوَقْتِ عَالِمًا بِذَلِكَ بِلَا عُذْرٍ بَطَلَتْ ولم تَنْقَلِبْ نَفْلًا لِتَلَاعُبِهِ
وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ بِلَا عُذْرٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مع أَنَّهُ مَفْهُومٌ من قَوْلِهِ فَإِنْ كان مَعْذُورًا كَمَنْ قَلَبَ صَلَاتَهُ الْفَرْضَ نَافِلَةً جَاهِلًا أو أَحْرَمَ بها الْقَادِرُ قَاعِدًا كَذَلِكَ أو ظَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ فَأَحْرَمَ بِالْفَرْضِ فَبَانَ خِلَافُهُ أو قَلَبَهُ نَفْلًا مُطْلَقًا لِيُدْرِكَ جَمَاعَةً مَشْرُوعَةً وهو مُنْفَرِدٌ فَسَلَّمَ من رَكْعَتَيْنِ لِيُدْرِكَهَا أو رَكَعَ الْمَسْبُوقُ قبل إتْمَامِ التَّكْبِيرِ جَاهِلًا انْقَلَبَتْ نَفْلًا لِلْعُذْرِ وَلَا يَلْزَمُ من بُطْلَانِ الْخُصُوصِ بُطْلَانُ الْعُمُومِ أَمَّا لو قَلَبَهُ نَفْلًا مُعَيَّنًا كَرَكْعَتَيْ الضُّحَى فَلَا يَصِحُّ لِافْتِقَارِهِ إلَى التَّعْيِينِ وَأَمَّا إذَا لم تُشْرَعْ الْجَمَاعَةُ كما لو كان يُصَلِّي الظُّهْرَ فَوَجَدَ من يُصَلِّي الْعَصْرَ فَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ كما ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ في بَابِهَا وَإِنْ قال لِإِنْسَانٍ صَلِّ فَرْضَك وَلَك عَلَيَّ دِينَارٌ فَصَلَّى بِهَذِهِ النِّيَّةِ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الدِّينَارَ وَهَذِهِ ذَكَرَهَا الْأَصْلُ في كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ وَكَذَا يُجْزِئُهُ لو نَوَى الصَّلَاةَ وَدَفْعَ الْغَرِيمِ لِأَنَّ دَفْعَهُ حَاصِلٌ وَإِنْ لم يَنْوِهِ فَأَشْبَهَ التَّبَرُّدَ مع نِيَّةِ الْوُضُوءِ لَا إنْ نَوَى بِصَلَاتِهِ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ غير التَّحِيَّةِ أو نَحْوَهَا فَلَا تَنْعَقِدُ لِتَشْرِيكِهِ بين عِبَادَتَيْنِ لَا تَنْدَرِجُ إحْدَاهُمَا في الْأُخْرَى بِخِلَافِ الْفَرْضِ وَالتَّحِيَّةِ أو نَحْوِهَا وَهَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا من زِيَادَتِهِ هُنَا وقد ذَكَرَ الْأُولَى كَأَصْلِهِ في صِفَةِ الْوُضُوءِ وَالثَّانِيَةُ مَعْلُومَةٌ من كَلَامِ أَصْلِهِ
ثُمَّ الرُّكْنُ الثَّانِي تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ في الْقِيَامِ أو بَدَلِهِ لِخَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ ما تَيَسَّرَ مَعَك من الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حتى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حتى تَعْتَدِلَ قَائِمًا ثُمَّ اُسْجُدْ حتى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حتى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ثُمَّ افْعَلْ ذلك في صَلَاتِك كُلِّهَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وفي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ ثُمَّ اُسْجُدْ حتى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حتى تَسْتَوِيَ قَائِمًا ثُمَّ افْعَلْ ذلك في صَلَاتِك كُلِّهَا وفي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ بَدَلَ قَوْلِهِ حتى تَعْتَدِلَ قَائِمًا حتى تَطْمَئِنَّ قَائِمًا وَلَفْظُهَا أَيْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ أَيْ ما يُسَمَّى تَكْبِيرًا مُتَعَيِّنٌ على الْقَادِرِ فَلَا يُجْزِئُ اللَّهُ كَبِيرٌ وَلَا الرَّحْمَنُ أو الرَّحِيمُ أَكْبَرُ وَلَا اللَّهُ أَعْظَمُ أو أَجَلُّ لِمَا مَرَّ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَبْتَدِئُ بِقَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ رَوَاهُ ابن مَاجَهْ وَغَيْرُهُ وقال صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلِفَوَاتِ مَعْنَى افْعَلْ في الْأُولَى
فَإِنْ عَكَسَهَا بِأَنْ قال أَكْبَرُ اللَّهُ أو الْأَكْبَرُ اللَّهُ بَطَلَتْ أَيْ لم تَنْعَقِدْ قالوا لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى تَكْبِيرًا بِخِلَافِ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَلَوْ قال اللَّهُ أَكْبَرُ أو أَلْحَقَهَا بِأَوْصَافٍ لِلَّهِ تَعَالَى كَاللَّهُ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ وَأَعْظَمُ لم يَضُرَّ كما لو قال اللَّهُ أَكْبَرُ من كل شَيْءٍ وَكَذَا إنْ تَخَلَّلَتْ صِفَاتُهُ تَعَالَى بين كَلِمَتَيْ التَّكْبِيرِ وَقُصِرَتْ كَقَوْلِهِ اللَّهُ عز وجل أَكْبَرُ أو اللَّهُ الذي لَا إلَهَ إلَّا هو أَكْبَرُ
____________________
(1/143)
لم يَضُرَّ لِبَقَاءِ النَّظْمِ وَالْمَعْنَى بِخِلَافِ ما لو تَخَلَّلَ غَيْرُ صِفَاتِهِ تَعَالَى فَلَا يَكْفِي اللَّهُ هو أَكْبَرُ صَرَّحَ بِهِ ابن الرِّفْعَةِ لَا إنْ طَالَتْ صِفَاتُهُ تَعَالَى كَاللَّهُ الذي لَا إلَهَ إلَّا هو الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ أَكْبَرُ أو طَالَ سَكْتُهُ بِالْإِضَافَةِ إلَى هَاءِ الضَّمِيرِ من سَكَتَ سَكْتًا وَسُكُوتًا وَسُكَاتًا وفي نُسْخَةٍ سُكُوتُهُ بين كَلِمَتَيْ التَّكْبِيرِ أو زَادَ حَرْفًا فيه يُغَيِّرُ الْمَعْنَى كَمَدِّ هَمْزَةِ اللَّهِ وَأَلِفٍ بَعْدَ الْبَاءِ أو زَادَ وَاوًا سَاكِنَةً أو مُتَحَرِّكَةً بَيْنَهُمَا أَيْ بين الْكَلِمَتَيْنِ لِأَنَّ ذلك لَا يُسَمَّى حِينَئِذٍ تَكْبِيرًا وَالْعِبْرَةُ في الطُّولِ وَالْقِصَرِ بِالْعُرْفِ
وَتَقْيِيدُهُ السُّكُوتَ بِالطُّولِ من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وفي فَتَاوَى ابْنِ رَزِينٍ أَنَّهُ لو شَدَّدَ الرَّاءَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَالْوَجْهُ خِلَافُهُ وَيَجِبُ أَنْ يُكَبِّرَ قَائِمًا حَيْثُ يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ السَّابِقِ وأن يُسْمِعَ نَفْسَهُ إذَا كان صَحِيحَ السَّمْعِ لَا عَارِضَ عِنْدَهُ من لَغَطٍ أو غَيْرِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُقَصِّرَهُ أَيْ التَّكْبِيرَ بِحَيْثُ لَا يُفْهَمُ وأن لَا يَمْطُطُهُ بِأَنْ يُبَالِغَ في مَدِّهِ بَلْ يَأْتِي بِهِ مُبَيَّنًا وَقَصْرُهُ أَيْ الْإِسْرَاعَ بِهِ أَوْلَى من مَدِّهِ لِئَلَّا تَزُولَ النِّيَّةُ وَيُخَالِفَ تَكْبِيرَ الِانْتِقَالَاتِ لِئَلَّا يَخْلُوَ بَاقِيهَا عن الذِّكْرِ وأن يَجْهَرَ بِالتَّكْبِيرَاتِ أَيْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامُ لِيَسْمَعَ الْمَأْمُومُونَ فَيَعْلَمُوا صَلَاتَهُ لَا غَيْرُهُ من مَأْمُومٍ وَمُنْفَرِدٍ فَلَا يَجْهَرُ بَلْ يُسِرُّ إلَّا أَنْ لَا يَبْلُغَ صَوْتُ الْإِمَامِ جَمِيعَ الْمَأْمُومِينَ فَيَجْهَرُ بَعْضُهُمْ وَاحِدًا أو أَكْثَرَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ لِيُبَلِّغَ عنه لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى في مَرَضِهِ بِالنَّاسِ وأبو بَكْرٍ رضي اللَّهُ عنه يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ
وَلَا يُجْزِئُهُ يَعْنِي الْقَادِرَ على تَعَلُّمِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ التَّكْبِيرُ بِالْعَجَمِيَّةِ لِتَقْصِيرِهِ وَعَلَيْهِ التَّعَلُّمُ وَلَوْ بِالرِّحْلَةِ إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى لِدَوَامِ نَفْعِهِ بِخِلَافِ مَاءٍ لِطُهْرٍ وَلِهَذَا يَجُوزُ له التَّيَمُّمُ أَوَّلَ الْوَقْتِ مع قُدْرَتِهِ على الْمَاءِ آخِرَهُ بِخِلَافِ التَّرْجَمَةِ إذْ لو جَوَّزْنَاهَا لم يَلْزَمْهُ التَّعَلُّمُ أَصْلًا لِعَدَمِ لُزُومِهِ له في الْوَقْتِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَفَارَقَ الْمَاءَ بِأَنَّ وُجُودَهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِهِ فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ عنه أَيْ عن التَّعَلُّمِ بِلَا تَفْرِيطٍ تَرْجَمَ بِأَيِّ لُغَةٍ كانت من فَارِسِيَّةٍ وَسُرْيَانِيَّةٍ وَعِبْرَانِيَّةٍ وَغَيْرِهَا وَلَا إعَادَةَ لِعُذْرِهِ وَإِنْ فَرَّطَ تَرْجَمَ ثُمَّ أَعَادَ الصَّلَاةَ وَالْأَخْرَسُ يُحَرِّكُ وُجُوبًا لِسَانَهُ وَفَمَهُ بِأَنْ يُحَرِّكَ شَفَتَيْهِ وَلَهَاتَهُ قَدْرَ إمْكَانِهِ قال ابن الرِّفْعَةِ فَإِنْ عَجَزَ عن ذلك نَوَاهُ بِقَلْبِهِ كما في الْمَرِيضِ وَمِثْلُ ذلك يَجْرِي في الْقِرَاءَةِ وَالتَّشَهُّدِ وَالسَّلَامِ وَسَائِرٍ الْأَذْكَارِ
وَغَيْرُ الْأَخْرَسِ إذَا لم يُطَاوِعْهُ لِسَانُهُ يُتَرْجِمُ التَّكْبِيرَ لِأَنَّهُ رُكْنٌ عَجَزَ عنه فَلَا بُدَّ له من بَدَلٍ وَتَرْجَمَتُهُ أَوْلَى ما يُجْعَلُ بَدَلًا عنه لِأَدَائِهَا مَعْنَاهُ بِخِلَافِ الْفَاتِحَةِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ مُعْجِزٌ وَتَرْجَمَتُهُ بِالْفَارِسِيَّةِ خداي بَرَزَ كتر فَلَا يَكْفِي برزك لِتَرْكِهِ التَّفْضِيلَ كَاللَّهُ كَبِيرٌ وَإِنْ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ تَكْبِيرَاتٍ نَاوِيًا بِهِ أَيْ بِكُلٍّ منها الِافْتِتَاحَ دخل في الصَّلَاةِ بِالْأَوْتَارِ وَخَرَجَ منها بِالْأَشْفَاعِ لِأَنَّ من افْتَتَحَ صَلَاةً ثُمَّ نَوَى افْتِتَاحَ صَلَاةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ هذا إنْ لم يَنْوِ بَيْنَهُمَا أَيْ بين كل تَكْبِيرَتَيْنِ خُرُوجًا وَافْتِتَاحًا وَإِلَّا فَيَخْرُجُ بِالنِّيَّةِ وَيَدْخُلُ بِالتَّكْبِيرِ وَإِنْ وفي نُسْخَةٍ فَإِنْ لم يَنْوِ بِغَيْرِ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى شيئا من خُرُوجٍ وَافْتِتَاحٍ لم يَضُرَّ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ هذا كُلُّهُ مع الْعَمْدِ كما قَالَهُ ابن الرِّفْعَةِ أَمَّا مع السَّهْوِ فَلَا بُطْلَانَ
فَرْعٌ وَيُسَنُّ لِلْمُصَلِّي رَفْعُ يَدَيْهِ
____________________
(1/144)
وَلَوْ مُضْطَجِعًا مع التَّكْبِيرِ لِلْإِحْرَامِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مُسْتَقْبِلًا بِكَفَّيْهِ الْقِبْلَةَ قال الْمَحَامِلِيُّ مُمِيلًا أَطْرَافَ أَصَابِعِهِمَا نَحْوَهَا قال الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وهو غَرِيبٌ كَاشِفًا لَهُمَا قال الْأَذْرَعِيُّ وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِكَرَاهَةِ خِلَافِهِ مُفَرِّقًا أَصَابِعَهُ تَفْرِيقًا وَسَطًا وَخَالَفَ في الْمَجْمُوعِ فقال بَعْدَ نَقْلِهِ ذلك وَالْمَشْهُورُ اسْتِحْبَابُ التَّفْرِيقِ أَيْ بِغَيْرِ تَقْيِيدٍ بِوَسَطٍ وَفُهِمَ عنه في الْمُهِمَّاتِ اسْتِحْبَابُ الْمُبَالَغَةِ في التَّفْرِيقِ فَصَرَّحَ بها قال الْمُتَوَلِّي وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ قبل الرَّفِعِ وَالتَّكْبِيرِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَيَطْرُقَ رَأْسَهُ قَلِيلًا انْتَهَى وَيَرْفَعَ يَدَيْهِ حتى يُحَاذِيَ أَيْ يُقَابِلَ بِأَطْرَافِهِمَا أَيْ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِمَا أَعْلَى أُذُنَيْهِ وَبِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتَيْهِمَا أَيْ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ وَبِكَفَّيْهِ مَنْكِبَيْهِ وَالْمَنْكِبُ مَجْمَعُ عَظْمِ الْعَضُدِ وَالْكَتِفِ فإذا لم يُمْكِنْ الرَّفْعُ إلَّا بِزِيَادَةٍ على الْمَشْرُوعِ أو نَقْصٍ عنه أتى بِالْمُمْكِنِ مِنْهُمَا وَإِنْ أَمْكَنَ ذلك بِهِمَا أتى بِالزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ أتى بِالْمَأْمُورِ بِهِ وَبِزِيَادَةٍ هو مَغْلُوبٌ عليها
فَإِنْ لم يُمْكِنْهُ رَفْعُ إحْدَى يَدَيْهِ رَفَعَ الْأُخْرَى وَأَقْطَعُ الْكَفَّيْنِ يَرْفَعُ سَاعِدَيْهِ وأقطع الْمِرْفَقَيْنِ يَرْفَعُ عَضُدَيْهِ تَشْبِيهًا بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ وَأَقْطَعُ أَحَدِهِمَا كَذَلِكَ وَإِنْ قَرَنَ الرَّفْعَ بِالتَّكْبِيرِ في الِابْتِدَاءِ كَفَى في الْإِتْيَانِ بِالسُّنَّةِ وَلَوْ لم يَنْتَهِيَا مَعًا فَالسَّنَةُ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ الْمَعِيَّةُ في الِابْتِدَاءِ دُونَ الِانْتِهَاءِ فَإِنْ فَرَغَ من أَحَدِهِمَا قبل تَمَامِ الْآخَرِ أَتَمَّ الْآخَرَ لَكِنْ صَحَّحَ في التَّحْقِيقِ وَشَرْحَيْ الْمُهَذَّبِ وَالْوَسِيطِ أنها تُسَنُّ في الِانْتِهَاءِ أَيْضًا وَنَقَلَهُ في الْأَخِيرَيْنِ عن نَصِّ الْأُمِّ قال في الْمُهِمَّاتِ فَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ وَاسْتَشَكَلَ ذلك بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ كَبَّرَ وقد يُجَابُ بِأَنَّهُ فَعَلَهُ بَيَانًا لِلْجَوَازِ فَإِنْ تَرَكَهُ أَيْ رَفَعَهُمَا وَلَوْ عَمْدًا حتى شَرَعَ في التَّكْبِيرِ أتى بِهِ في أَثْنَائِهِ لَا بَعْدَهُ لِزَوَالِ سَبَبِهِ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُمَا يَحُطُّ يَدَيْهِ وَلَا يَسْتَدِيمُ الرَّفْعَ كما يُعْلَمُ من قَوْلِهِ وَرَدَّهُمَا من الرَّفْعِ إلَى تَحْتِ الصَّدْرِ أَوْلَى من الْإِرْسَالِ لَهُمَا بِالْكُلِّيَّةِ ثُمَّ اسْتِئْنَافُ رَفْعِهِمَا إلَى تَحْتَ الصَّدْرِ بَلْ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ بِكَرَاهَةِ الْإِرْسَالِ لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ على من لم يَأْمَنْ الْعَبَثَ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ في الْأُمِّ وَالْقَصْدُ من وَضْعِ الْيُمْنَى على الْيُسْرَى تَسْكِينُ يَدَيْهِ فَإِنْ أَرْسَلَهُمَا بِلَا عَبَثٍ فِلَا بَأْسَ
وَهَذَانِ الْأَمْرَانِ ذَكَرَهُمَا في الرَّوْضَةِ وَجْهَيْنِ وَصَحَّحَ مِنْهُمَا الْأَوَّلَ فَفَهِمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْخِلَافَ في الْأَوْلَوِيَّةِ فَصَرَّحَ بها وهو قَرِيبٌ وَيَقْبِضُ بِكَفِّهِ الْيُمْنَى كُوعَ الْيُسْرَى وَبَعْضَ السَّاعِدِ وَالرُّسْغَ الْمَعْلُومَ من قَوْلِهِ بَاسِطًا أَصَابِعَهَا في عَرْضِ الْمَفْصِلِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الصَّادِ أو نَاشِرًا لها صَوْبَ السَّاعِدِ لِأَنَّ الْقَبْضَ بها على الْيُسْرَى حَاصِلٌ بِهِمَا وَيَضَعُهُمَا أَيْ الْيَدَيْنِ بين السُّرَّةِ وَالصَّدْرِ رَوَى ابن خُزَيْمَةَ في صَحِيحِهِ عن وَائِلِ بن حُجْرٌ صَلَّيْت مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى على يَدِهِ الْيُسْرَى على صَدْرِهِ أَيْ آخِرِهِ فَتَكُونُ الْيَدُ تَحْتَهُ بِقَرِينَةِ رِوَايَةِ تَحْتَ صَدْرِهِ وَرَوَى أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ على ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَالرُّسْغِ وَالسَّاعِدِ وَالْحِكْمَةُ في جَعْلِهِمَا تَحْتَ الصَّدْرِ أَنْ يَكُونَا فَوْقَ أَشْرَفِ الْأَعْضَاءِ وهو الْقَلْبُ فإنه تَحْتَ الصَّدْرِ وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فيه أَنَّ الْقَلْبَ مَحَلُّ النِّيَّةِ وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِأَنَّ من احْتَفَظَ على شَيْءٍ جَعَلَ يَدَيْهِ عليه وَلِهَذَا يُقَالُ في الْمُبَالَغَةِ أَخَذَهُ بِكِلْتَا يَدَيْهِ وَالْكُوعُ الْعَظْمُ الذي يَلِي إبْهَامَ الْيَدِ وَالرُّسْغُ بِالسِّينِ أَفْصَحُ من الصَّادِ وهو الْمِفْصَلُ بين الْكَفِّ وَالسَّاعِدِ وَالتَّخْيِيرُ الْمَذْكُورُ بِقَوْلِهِ بَاسِطًا إلَى آخِرِهِ ظَاهِرُهُ أو صَرِيحُهُ أَنَّهُ بَيَانٌ لِكَيْفِيَّةِ الْقَبْضِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ أَخْذًا من قَوْلِ الرَّوْضَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْقَبْضِ قال الْقَفَّالُ بِحَذْفِ الْوَاوِ قبل قال وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هو قَوْلٌ لِلْقَفَّالِ مُقَابِلٌ لِلْقَوْلِ بِالْقَبْضِ الْمَذْكُورِ كما صَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَمِنْ ثَمَّ حَذَفَ التَّخْيِيرَ شَيْخُنَا الشَّمْسُ الْحِجَازِيُّ في مُخْتَصَرِ الرَّوْضَةِ
الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْقِيَامُ أو بَدَلُهُ الْآتِي بَيَانُهُ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ كانت بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الصَّلَاةِ فقال صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لم تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لم تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ زَادَ النَّسَائِيّ فَإِنْ لم تَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِيًا لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا وَإِنَّمَا أَخَّرُوا الْقِيَامَ عن النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ مع أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا رُكْنَانِ في الصَّلَاةِ مُطْلَقًا وهو رُكْنٌ في الْفَرِيضَةِ فَقَطْ وَشَرْطُهُ أَيْ الْقِيَامِ نَصْبُ فَقَارِ الظَّهْرِ وهو عِظَامُهُ لَا نَصْبُ الرَّقَبَةِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إطْرَاقُ الرَّأْسِ فَلَوْ اسْتَنَدَ إلَى شَيْءٍ كَجِدَارٍ أَجْزَأَهُ وَلَوْ تَحَامَلَ عليه وكان بِحَيْثُ لو رُفِعَ السِّنَادُ لَسَقَطَ لِوُجُودِ اسْمِ الْقِيَامِ وَكُرِهَ أَيْ اسْتِنَادُهُ
وَإِنْ كان بِحَيْثُ يَرْفَعُ قَدَمَيْهِ إنْ شَاءَ وهو مُسْتَنِدٌ أو انْحَنَى
____________________
(1/145)
قَرِيبًا من حَدِّ الرُّكُوعِ أو انْحَنَى على أَحَدِ جَنْبَيْهِ لم يَصِحَّ في الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى فيها قَائِمًا بَلْ مَائِلًا في الْأَخِيرَتَيْنِ وَمُعَلِّقًا نَفْسَهُ في الْأُولَى وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ فيها إنْ شَاءَ وَعَبَّرَ في الْأَصْلِ وَالْمَجْمُوعِ في الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ أَقْرَبُ إلَى حَدِّ الرُّكُوعِ
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لو كان أَقْرَبَ إلَى الْقِيَامِ أو اسْتَوَى الْأَمْرَانِ صَحَّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ مَتَى وُجِدَ الِانْحِنَاءُ زَالَ بِهِ اسْمُ الْقِيَامِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ مُطْلَقًا وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَكَلَامُ الْكِفَايَةِ دَالٌّ عليه وَلَوْ قَدَرَ الْعَاجِزُ عن الْقِيَامِ مُسْتَقِلًّا على الْقِيَامِ مُتَّكِئًا على شَيْءٍ أو على الْقِيَامِ على رُكْبَتَيْهِ أو قَدَرَ على النُّهُوضِ بِمُعِينٍ وَلَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ وَجَدَهَا فَاضِلَةً عن مُؤْنَةٍ مُمَوَّنِهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ لَزِمَهُ ذلك لِأَنَّهَا مَيْسُورَةٌ وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ من زِيَادَتِهِ وَنُقِلَتْ عن الْإِمَامِ وَلَوْ تَقَوَّسَ ظَهْرُهُ كَالرَّاكِعِ أَجْزَأَهُ بَلْ يَلْزَمُهُ قِيَامُهُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْقِيَامِ من غَيْرِهِ وَيَزِيدُ لِلرُّكُوعِ انْحِنَاءً إنْ قَدَرَ لِيَتَمَيَّزَ الرُّكْنَانِ وَإِنْ عَجَزَ عن الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَقَطْ فَعَلَ الْمُمْكِنَ فَيَقُومَ ثُمَّ يَأْتِي بِهِمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَيَحْنِي صُلْبَهُ طَاقَتَهُ ثُمَّ رَقَبَتَهُ وَلَوْ بِاعْتِمَادٍ أو مَيْلٍ وفي نُسْخَةٍ قام وَفَعَلَ الْمُمْكِنَ ثُمَّ إنْ لم يُطِقْ انْحِنَاءً أَوْمَأَ بِهِمَا قَائِمًا قَدْرَ إمْكَانِهِ لِأَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ وَمَنْ قَدَرَ على الْقِيَامِ وَالِاضْطِجَاعِ فَقَطْ قام بَدَلَ الْقُعُودِ قال في الرَّوْضَةِ عن الْبَغَوِيّ لِأَنَّهُ قُعُودٌ وَزِيَادَةٌ وَأَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَكَانَهُ وَتَشَهَّدَ قَائِمًا وَلَا يَضْطَجِعُ هذا من زِيَادَتِهِ إيضَاحٌ وَيُكْرَهُ لِلصَّحِيحِ الْقِيَامُ على رِجْلٍ وَإِلْصَاقُ الْقَدَمَيْنِ وَتَقْدِيمُ إحْدَاهُمَا على الْأُخْرَى لِأَنَّ ذلك تَكَلُّفٌ يُنَافِي هَيْئَةَ الْخُشُوعِ بِخِلَافِ الْمَعْذُورِ وَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ الْأَخِيرَةَ فإنه ذَكَرَهَا تَبَعًا لِلرَّوْضَةِ في بَحْثِ الْجُلُوسِ بين السَّجْدَتَيْنِ لَكِنَّهُ لم يُصَرِّحْ ثَمَّ بِالْكَرَاهَةِ وَعَبَّرَ بِالنُّهُوضِ بَدَلَ الْقِيَامِ فَلَعَلَّهُ لَحَظَ أَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ وَنُدِبَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا أَيْ بِأَرْبَعِ أَصَابِعَ على ما في الْأَنْوَارِ أو بِشِبْرٍ قِيَاسًا على ما في الرَّوْضَةِ عن الْأَصْحَابِ من أَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا في السُّجُودِ بِشِبْرٍ قال في الْمَجْمُوعِ وَنُدِبَ أَنْ يُوَجِّهَ أَصَابِعَهُمَا إلَى الْقِبْلَةِ وَالتَّطْوِيلُ في الْقِيَامِ ثُمَّ في السُّجُودِ ثُمَّ في الرُّكُوعِ أَفْضَلُ أَمَّا أَفْضَلِيَّةُ الْأَوَّلِ فَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ أَيْ الْقِيَامُ وَلِأَنَّ الْمَنْقُولَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ كان يُطَوِّلُ الْقِيَامَ أَكْثَرَ من الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلِأَنَّ ذِكْرَهُ الْقِرَاءَةَ وَهِيَ أَفْضَلُ من ذِكْرِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَأَمَّا أَفْضَلِيَّةُ الثَّانِي فَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ أَقْرَبُ ما يَكُونُ الْعَبْدُ من رَبِّهِ وهو سَاجِدٌ خَرَجَ منه تَطْوِيلُ الْقِيَامِ لِلْخَبَرِ وَالْمَعْنَى السَّابِقَيْنِ
وَلَوْ طَوَّلَ الرُّكْنَ على ما يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ فَالْكُلُّ فَرْضٌ أَيْ يَقَعُ فَرْضًا وَكَذَا مَسْحُ جَمِيعِ الرَّأْسِ وَإِنْ وَقَعَ مُرَتَّبًا كما صَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ وَإِخْرَاجُ بَعِيرٍ في الْخُمُسِ وَبَدَنَةٍ مُضَحًّى بها بَدَلًا عن شَاةٍ مَنْذُورَةٍ كما صَحَّحَهُ في الرَّوْضَةِ وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِ ذلك في هذه الْأَشْيَاءِ أَيْضًا هُنَا في الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ لَكِنْ صَحَّحَ فِيهِمَا في بَابِ الْوُضُوءِ وفي الرَّوْضَةِ في بَابِ الْأُضْحِيَّةِ أَنَّ الزَّائِدَ يَقَعُ نَفْلًا وَكَذَا صَحَّحَ في الرَّوْضَةِ في بَابِ الدِّمَاءِ وفي الْمَجْمُوعِ في بَابِ النَّذْرِ في الْبَدَنَةِ أو الْبَقَرَةِ الْمُخْرَجَةِ عن شَاةٍ أَنَّ الْفَرْضَ سُبْعُهَا وَصَحَّحَ في الْمَجْمُوعِ في الزَّكَاةِ ما أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ هُنَاكَ أَنَّ الزَّائِدَ في بَعِيرِ الزَّكَاةِ فَرْضٌ وفي بَقِيَّةِ الصُّوَرِ نَفْلٌ وَادَّعَى اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ على تَصْحِيحِهِ وَفَرَّقَ بِأَنَّ الِاقْتِصَارَ على بَعْضِ الْبَعِيرِ لَا يُجْزِئُ بِخِلَافِ بَعْضِ الْبَقِيَّةِ قال الزَّرْكَشِيُّ وما صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ هُنَا هو ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ في الْأُمِّ كما نَقَلَهُ في الْبَحْرِ في بَابِ الْكِتَابَةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ طَوَّلَ أَعَمُّ من قَوْلِ الرَّوْضَةِ طَوَّلَ الثَّالِثَةَ
فَرْعٌ لو شَقَّ عليه الْقِيَامُ في الْفَرِيضَةِ مَشَقَّةً شَدِيدَةً كَخَوْفِ غَرَقٍ وَدَوْرَانِ رَأْسٍ لِرَاكِبِ سَفِينَةٍ قَعَدَ كَيْفَ شَاءَ لِخَبَرِ عِمْرَانَ السَّابِقِ
____________________
(1/146)
وقعوده مُفْتَرِشًا أَفْضَلُ لِأَنَّهُ قُعُودٌ لَا يَعْقُبُهُ سَلَامٌ كَالْقُعُودِ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالْإِقْعَاءُ في قُعُودِهِ هذا وَسَائِرِ قَعَدَاتِ الصَّلَاةِ وهو كما في الْأَصْلِ أَنْ يَجْلِسَ على وَرِكَيْهِ وَيَنْصِبَ فَخِذَيْهِ وزاد أبو عُبَيْدَةَ وَيَضَعَ يَدَيْهِ على الْأَرْضِ مَكْرُوهٌ لِلنَّهْيِ عنه في الصَّلَاةِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وقال صَحِيحٌ على شَرْطِ الْبُخَارِيِّ قال في الرَّوْضَةِ وَتَفْسِيرُ الْإِقْعَاءِ الْمَكْرُوهِ بِأَنْ يَفْرِشَ رِجْلَيْهِ يَعْنِي أَصَابِعَهُمَا وَيَضَعُ أَلْيَيْهِ على عَقِبَيْهِ غَلَطٌ
فَفِي مُسْلِمٍ الْإِقْعَاءُ سُنَّةُ نَبِيِّنَا صلى اللَّهُ عليه وسلم وَفَسَّرَهُ الْعُلَمَاءُ بهذا قالوا فَالْإِقْعَاءُ مَكْرُوهٌ وهو الْأَوَّلُ وَمُسْتَحَبٌّ وهو الثَّانِي وَنَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في الْبُوَيْطِيِّ وَالْإِمْلَاءِ في الْجُلُوسِ بين السَّجْدَتَيْنِ
ا ه
وَاسْتِحْبَابُ ذلك فيه لَا يُنَافِي تَصْحِيحَ اسْتِحْبَابِ الِافْتِرَاشِ فيه فَقَدْ ذَكَرَ في شَرْحَيْ الْمُهَذَّبِ وَمُسْلِمٍ جَوَابَهُ فقال وَكِلَاهُمَا سُنَّةٌ لَكِنْ أَحَدُهُمَا أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ فَكَانَتْ أَفْضَلَ
وَحَاذَى الْمُصَلِّي قَاعِدًا في رُكُوعِهِ بِجَبْهَتِهِ قُدَّامَ رُكْبَتَيْهِ فَهَذَا أَقَلُّ رُكُوعِهِ وَالْأَكْمَلُ أَنْ يُحَاذِيَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ وَهُمَا على وِزَانِ رُكُوعِ الْقَائِمِ في الْمُحَاذَاةِ وَسَيَأْتِي كَذَا قِيلَ وَالْحَقُّ أَنَّهُمَا لَيْسَا على وِزَانِهِ وَإِنْ كُنْت مَشَيْت عليه في غَيْرِ هذا الْكِتَابِ لِأَنَّ الرَّاكِعَ من قِيَامٍ لَا يُحَاذِي مَوْضِعَ سُجُودِهِ وَإِنَّمَا يُحَاذِي ما دُونَهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْجُدُ فَوْقَ ما يُحَاذِيه وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ بِمُحَاذَاتِهِ ذلك مُحَاذَاتُهُ له بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّظَرِ فإنه يُسَنُّ له النَّظَرُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ كما سَيَأْتِي وَلَا يَنْقُصُ ثَوَابُهُ عن ثَوَابِ الْمُصَلِّي قَائِمًا لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ
وَإِنْ خَافَ رَقِيبُ الْغُزَاةِ أو الْكَمِينُ منهم إنْ صَلَّوْا قِيَامًا رُؤْيَةَ عَدُوٍّ لهم صَلُّوا قُعُودًا ثُمَّ أَعَادُوا لِنُدْرَةِ الْعُذْرِ لَا وفي نُسْخَةٍ إلَّا إنْ خَافُوا قَصْدَهُمْ أَيْ قَصْدَ الْعَدُوِّ لهم فَلَا تَلْزَمُهُمْ الْإِعَادَةُ كما صَحَّحَهُ في التَّحْقِيقِ وَنَقَلَهُ في الرَّوْضَةِ عن تَصْحِيحِ الْمُتَوَلِّي لَكِنْ نَقَلَ الرُّويَانِيُّ عن النَّصِّ لُزُومَهَا أَيْضًا لِمَا ذُكِرَ
نَقَلَهُ عنه الْأَذْرَعِيُّ وقال إنَّهُ الْمَذْهَبُ
ا ه
وَصَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ في الثَّانِيَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْعُذْرَ هُنَا أَعْظَمُ منه ثَمَّ
وَإِنْ شَرَعَ في السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ثُمَّ عَجَزَ في أَثْنَائِهَا قَعَدَ لِيُكْمِلَهَا وَلَا يُكَلَّفُ قَطْعَهَا لِيَرْكَعَ وَلَا يُكَلَّفُ تَرْكَ جَمَاعَةٍ يُصَلِّي مَعَهَا قَاعِدًا لِيُصَلِّيَ مُنْفَرِدًا قَائِمًا وَإِنْ كان التَّرْكُ لِلْقِرَاءَةِ وَلِلْجَمَاعَةِ فِيهِمَا أَيْ في الصُّورَتَيْنِ أَحَبُّ وَإِنَّمَا كان أَحَبَّ لِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ على الْقِيَامِ أَوْلَى لِكَوْنِهِ رُكْنًا
وَذِكْرُ أَحَبِّيَّةِ تَرْكِ الْقِرَاءَةِ من زِيَادَتِهِ وفي نُسْخَةٍ فيها فَلَا زِيَادَةَ وَلَوْ كان بِحَيْثُ لو اقْتَصَرَ على قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ وَإِنْ زَادَ عَجَزَ صلى بِالْفَاتِحَةِ ذَكَرَهُ في الرَّوْضَةِ وَقَضِيَّتُهُ لُزُومُ ذلك لَكِنْ صَرَّحَ ابن الرِّفْعَةِ نَقْلًا عن الْأَصْحَابِ بِأَفْضَلِيَّتِهِ وهو وَاضِحٌ وَيُمْكِنُ أَخْذُهُ من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالْأَوْلَى
فَرْعٌ لو نَالَهُ من الْقُعُودِ تِلْكَ الْمَشَقَّةَ الْحَاصِلَةَ من الْقِيَامِ اضْطَجَعَ وُجُوبًا على جَنْبِهِ مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ بِوَجْهِهِ وَمُقَدَّمِ بَدَنِهِ واضطجاعه على الْأَيْمَنِ أَفْضَلُ وَيُكْرَهُ على الْأَيْسَرِ بِلَا عُذْرٍ جَزَمَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ ثُمَّ إنْ تَعَذَّرَ الِاضْطِجَاعُ صلى مُسْتَلْقِيًا وَأَخْمَصَاهُ لِلْقِبْلَةِ كَالْمُحْتَضَرِ في تَأَخُّرِ اسْتِلْقَائِهِ عن اضْطِجَاعِهِ على جَنْبِهِ وَرَأْسُهُ أَرْفَعُ بِأَنْ يَرْفَعَ وِسَادَتَهُ لِيَتَوَجَّهَ بِوَجْهِهِ لِلْقِبْلَةِ
قال في الْمُهِمَّاتِ هذا في غَيْرِ الْكَعْبَةِ أَمَّا فيها فَالْمُتَّجَهُ جَوَازُ الِاسْتِلْقَاءِ على ظَهْرِهِ وَعَلَى وَجْهِهِ لِأَنَّهُ كَيْفَمَا تَوَجَّهَ فَهُوَ مُتَوَجِّهٌ لِجُزْءٍ منها نعم إنْ لم يَكُنْ لها سَقْفٌ اتَّجَهَ مَنْعُ الِاسْتِلْقَاءِ أَيْ على ظَهْرِهِ وَالْمَسْأَلَةُ مُحْتَمَلَةٌ وَلَعَلَّنَا نَزْدَادُ فيها عِلْمًا أو نَشْهَدُ فيها نَقْلًا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَالْمُخْتَصَرِ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ أَخَّرَهُ عَمَّا بَعْدَهُ كان أَوْلَى
وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ بِقَدْرِ إمْكَانِهِ فَإِنْ قَدَرَ الْمُصَلِّي على الرُّكُوعِ فَقَطْ كَرَّرَهُ لِلسُّجُودِ وَمَنْ قَدَرَ على زِيَادَةٍ على أَكْمَلِ الرُّكُوعِ تَعَيَّنَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ لِلسُّجُودِ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَاجِبٌ على الْمُتَمَكِّنِ
وَلَوْ عَجَزَ عن السُّجُودِ إلَّا أَنْ يَسْجُدَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ أو صُدْغِهِ وكان
____________________
(1/147)
بِذَلِكَ أَقْرَبَ إلَى الْأَرْضِ وَجَبَ لِأَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ فَإِنْ عَجَزَ عن ذلك أَيْضًا أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ من الرُّكُوعِ فَإِنْ عَجَزَ عن إيمَائِهِ بِرَأْسِهِ فَبِطَرْفِهِ أَيْ بَصَرِهِ فَإِنْ عَجَزَ عن الْإِيمَاءِ بِطَرْفِهِ إلَى أَفْعَالِ الصَّلَاةِ أَجْرَاهَا على قَلْبِهِ بِسُنَنِهَا وَلَا إعَادَةَ عليه وَلَا تَسْقُطُ عنه الصَّلَاةُ وَعَقْلُهُ ثَابِتٌ لِوُجُودِ مَنَاطِ التَّكْلِيفِ
فَرْعٌ لو خَافَ من بِعَيْنِهِ وَجَعٌ الْعَمَى أو بُطْءَ الْبُرْءِ أو نَحْوَهُ إلَّا إذَا صلى مُسْتَلْقِيًا بِإِخْبَارِ طَبِيبٍ ثِقَةٍ أو بِمَعْرِفَتِهِ صلى كَذَلِكَ أَيْ مُسْتَلْقِيًا كما في التَّيَمُّمِ وَالْإِفْطَارِ وَأَمَّا نَهْيُ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا ابْنَ عَبَّاسٍ عنه لَمَّا اسْتَفْتَاهُمْ فلم يَصِحَّ نعم رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ قِيلَ له افْعَلْ ذلك فَكَرِهَهُ وَذَلِكَ لَا يَقْدَحُ وَكَالِاسْتِلْقَاءِ الِاضْطِجَاعُ وَالْقُعُودُ كما فُهِمَ من كَلَامِهِ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِمَا الْأَصْلُ وَعَدَلَ عن تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِمَنْ أَصَابَهُ رَمَدٌ إلَى ما قَالَهُ لِيَشْمَلَ غير الرَّمَدِ وَلِأَنَّ نُزُولَ الْمَاءِ في الْعَيْنِ الذي هذا عِلَاجُهُ لَا يُسَمَّى رَمَدًا
وَمَنْ قَدَرَ في أَثْنَائِهَا أَيْ الصَّلَاةِ على الْقِيَامِ أو الْقُعُودِ أو عَجَزَ عنه أتى بِالْمَقْدُورِ له وَبَنَى على قِرَاءَتِهِ وَتُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا في الْأُولَيَيْنِ لِتَقَعَ حَالَ الْكَمَالِ وَإِنْ قَدَرَ على الْقِيَامِ أو الْقُعُودِ قبل الْقِرَاءَةِ قَرَأَ قَائِمًا أو قَاعِدًا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ في الْأُولَى وَلَا تُجْزِئُ قِرَاءَتُهُ في نُهُوضِهِ لِقُدْرَتِهِ عليها فِيمَا هو أَكْمَلُ منه فَلَوْ قَرَأَ فيه شيئا أَعَادَهُ وَتَجِبُ الْقِرَاءَةُ في هُوِيِّ الْعَاجِزِ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِمَّا بَعْدَهُ وَالْهُوِيُّ بِضَمِّ الْهَاءِ السُّقُوطُ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ ثُمَّ قال وقال الْجَوْهَرِيُّ وَآخَرُونَ بِفَتْحِهَا وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ بِفَتْحِهَا السُّقُوطُ وَبِضَمِّهَا الصُّعُودُ وَالْخَلِيلُ هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَإِنْ قَدَرَ على الْقِيَامِ بَعْدَهَا أَيْ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَجَبَ قِيَامٌ بِلَا طُمَأْنِينَةٍ لِيَرْكَعَ منه لِقُدْرَتِهِ عليه وَإِنَّمَا لم تَجِبْ الطُّمَأْنِينَةُ فيه لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِنَفْسِهِ أو قَدَرَ عليه في الرُّكُوعِ قبل الطُّمَأْنِينَةِ ارْتَفَعَ لها إلَى حَدِّ الرُّكُوعِ عن قِيَامٍ فَإِنْ انْتَصَبَ ثُمَّ رَكَعَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِمَا فيه من زِيَادَةِ رُكُوعٍ أو بَعْدَ الطُّمَأْنِينَةِ فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ إلَى حَدِّ الرَّاكِعِينَ صَرَّحَ بِهِ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ له ذلك وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ وَقَيَّدَهُ بِمَا إذَا انْتَقَلَ مُنْحَنِيًا وَمَنَعَهُ فِيمَا إذَا انْتَقَلَ مُنْتَصِبًا وَعَلَى الْأَوَّلِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ الرَّوْضَةِ الْجَوَازَ وَعَلَى الثَّانِي يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْمَجْمُوعِ الْمَنْعَ أو قَدَرَ عليه في الِاعْتِدَالِ قبل الطُّمَأْنِينَةِ قام وَاطْمَأَنَّ وَكَذَا بَعْدَهَا إنْ أَرَادَ قُنُوتًا في مَحَلِّهِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ لِأَنَّ الِاعْتِدَالَ رُكْنٌ قَصِيرٌ فَلَا يَطُولُ وَقَضِيَّةُ الْمُعَلَّلِ جَوَازُ الْقِيَامِ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ مَنْعُهُ وهو الْأَوْجَهُ فَإِنْ قَنَتَ قَاعِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ
فَرْعٌ لِلْقَادِرِ على الْقِيَامِ فِعْلُ غَيْرِ الْفَرَائِضِ أَيْ النَّوَافِلِ قَاعِدًا وَلَوْ عِيدًا بِنِصْفِ ثَوَابِ الْقَائِمِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ من صلى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ وَمَنْ صلى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ وَمَنْ صلى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ وهو وَارِدٌ فِيمَنْ صلى النَّفَلَ كَذَلِكَ مع قُدْرَتِهِ على الْقِيَامِ أو الْقُعُودِ وَهَذَا في حَقِّنَا أَمَّا في حَقِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَثَوَابُ نَفْلِهِ قَاعِدًا مع قُدْرَتِهِ كَثَوَابِهِ قَائِمًا وهو من خَصَائِصِهِ كما سَيَأْتِي فيها
وَلَوْ اضْطَجَعَ في النَّافِلَةِ وَرَكَعَ وَسَجَدَ بَعْدَ جُلُوسِهِ لَهُمَا جَازَ بِنِصْفِ ثَوَابِ الْقَاعِدِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ لَا إنْ أَوْمَأَ أو اسْتَلْقَى وَإِنْ أَتَمَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَلَا يَجُوزُ لِعَدَمِ وُرُودِهِ
فَصْلٌ وَلْيَأْتِ نَدْبًا عَقِبَ التَّكْبِيرِ لِلْإِحْرَامِ وَلَوْ لِلنَّفْلِ بِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ سِرًّا لَا من خَافَ فَوْتَ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ أو فَوْتَ الْوَقْتِ أَيْ وَقْتِ الصَّلَاةِ أو وَقْتِ الْأَدَاءِ بِأَنْ لم يَبْقَ من وَقْتِهَا إلَّا ما يَسَعُ رَكْعَةً فَلَا يُنْدَبُ له دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ بَلْ يَأْتِي بِالْقِرَاءَةِ لِأَنَّهَا فَرْضٌ فَلَا يَشْتَغِلُ عنه بِالنَّفْلِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ هُنَا وَبِهِ صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أو أَدْرَكَ إمَامَهُ قَاعِدًا فَلَا يُنْدَبُ له دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ إمَامُهُ أو يَقُومَ قبل قُعُودِهِ معه فِيهِمَا فَمَحَلُّ عَدَمِ نَدْبِهِ إذَا قَعَدَ معه لِفَوْتِ وَقْتِهِ بِالْقُعُودِ
وَلَا يَأْتِي بِهِ كَالسُّورَةِ في صَلَاةِ جِنَازَةٍ طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ هُنَا قال ابن الْعِمَادِ وَيُتَّجَهُ فِيمَا لو صلى على غَائِبٍ أو قَبْرٍ أَنْ يَأْتِيَ بِالِافْتِتَاحِ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى الذي شُرِعَ له التَّخْفِيفُ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالسُّورَةِ أَيْضًا وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ فِيهِمَا نَظَرًا لِلْأَصْلِ وهو أَيْ دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ وَجَّهْت وَجْهِي إلَى آخِرِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلْيَقُلْ آخِرَهُ وأنا من الْمُسْلِمِينَ
وَإِنْ كان
____________________
(1/148)
الذي في الْآيَةِ وأنا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ إلَّا كَلِمَةَ مُسْلِمًا فَابْنُ حِبَّانَ وفي رِوَايَةٍ وأنا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ وكان صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول بِمَا فيها لِأَنَّهُ أَوَّلُ مُسْلِمِي هذه الْأُمَّةِ وَيُبَادِرُ أَيْ يُسْرِعُ بِهِ الْمَأْمُومُ وَيَقْتَصِرُ عليه لِيَسْتَمِعَ الْقِرَاءَةَ أَيْ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْجُوَيْنِيِّ وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ وَمَنْ أَيْ وَإِمَامٌ عَلِمَ رِضَا مُقْتَدِيهِ بِهِ اللَّهُمَّ أنت الْمَلِكُ إلَى آخِرِهِ كما في الْأَصْلِ أَيْ لَا إلَهَ إلَّا أنت سُبْحَانَك وَبِحَمْدِك أنت رَبِّي وأنا عَبْدُك ظَلَمْت نَفْسِي وَاعْتَرَفْت بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لي ذُنُوبِي جميعا إنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنت وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إلَّا أنت وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أنت لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ في يَدَيْك وَالشَّرُّ ليس إلَيْك أَيْ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَيْك وَقِيلَ لَا يُفْرِدُ بِالْإِضَافَةِ إلَيْك وَقِيلَ لَا يَصْعَدُ إلَيْك وَإِنَّمَا يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ وَقِيلَ ليس شَرًّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْك فَإِنَّك خَلَقْته لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ وَإِنَّمَا هو شَرٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَخْلُوقِينَ أنا بِك وَإِلَيْك تَبَارَكْت وَتَعَالَيْت أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك قال جَمَاعَةٌ من أَصْحَابِنَا وَيُقَدَّمُ على وَجَّهْت وَجْهِي إلَى آخِرِهِ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك تَبَارَكَ اسْمُك وَتَعَالَى جَدُّك وَلَا إلَهَ غَيْرُك ذَكَرَهُ الْأَصْلُ قال في الْمَجْمُوعِ وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ وزاد الرَّافِعِيُّ قبل قَوْلِهِ أنا بِك وَإِلَيْك وَالْمَهْدِيُّ من هَدَيْت وقد صَحَّ في دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ أَخْبَارٌ أُخَرُ منها اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كما بَاعَدْت بين الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ اللَّهُمَّ نَقِّنِي من خَطَايَايَ كما يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ من الدَّنَسِ اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي من خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَمِنْهَا الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فيه وَمِنْهَا اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ قال النَّوَوِيُّ وَبِأَيِّهِمَا افْتَتَحَ أتى بِأَصْلِ السُّنَّةِ لَكِنْ أَفْضَلُهَا الْأَوَّلُ
ثُمَّ بَعْدَ الِافْتِتَاحِ يَتَعَوَّذُ سِرًّا وَلَوْ في صَلَاةٍ جَهْرِيَّةٍ وَيَحْصُلُ بِكُلِّ ما اشْتَمَلَ على التَّعَوُّذِ من الشَّيْطَانِ وَأَفْضَلُهُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ من الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ في كل رَكْعَةٍ قبل الْقِرَاءَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فإذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ أَيْ أَرَدْت قِرَاءَتَهُ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ من الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَلِحُصُولِ الْفَصْلِ بين الْقِرَاءَتَيْنِ بِالرُّكُوعِ وَغَيْرِهِ ولكن الْأُولَى آكَدُ بِهِ لِأَنَّ افْتِتَاحَ قِرَاءَتِهِ في الصَّلَاةِ إنَّمَا يَكُونُ فيها وَيُسْتَثْنَى خَوْفُ فَوْتِ الْقِرَاءَةِ وَفَوْتِ الْوَقْتِ كما مَرَّ نَظِيرُهُ فِيمَا قَبْلَهُ وَلَوْ فَصَلَ بين الْقِرَاءَتَيْنِ بِسُجُودِ التِّلَاوَةِ لَا يُسَنُّ إعَادَةُ التَّعَوُّذِ كما صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ وَتَقَدَّمَ في بَابِ الْأَحْدَاثِ وَإِنْ تَعَوَّذَ وَلَوْ بِالشُّرُوعِ فيه قبل اسْتِفْتَاحٍ لم يَتَدَارَكْ أَيْ الِاسْتِفْتَاحَ سَوَاءٌ تَرَكَهُ عَمْدًا أو سَهْوًا فَلَا يَتَدَارَكْهُ بِالْعَوْدِ إلَيْهِ وَلَا في بَاقِي الرَّكَعَاتِ لِفَوْتِ مَحَلِّهِ فَإِنْ فَعَلَهُ أَيْ تَدَارَكَهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ أو أَمَّنَّ مَسْبُوقٌ مع تَأْمِينِ إمَامِهِ قبل اسْتِفْتَاحِهِ تَدَارَكَ لِأَنَّ التَّأْمِينَ يَسِيرٌ وَعُلِمَ أَنَّ التَّعَوُّذَ مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ من يُرِيدُ الشُّرُوعَ في قِرَاءَةٍ في صَلَاةٍ أو غَيْرِهَا وَيَجْهَرُ بِهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَيَكْفِيهِ التَّعَوُّذُ الْوَاحِدُ ما لم يَقْطَعْ قِرَاءَتَهُ بِكَلَامٍ أو سُكُوتٍ طَوِيلٍ ذَكَرَ ذلك في الْمَجْمُوعِ وَتَقَدَّمَ ذلك مع زِيَادَةٍ في بَابِ الْأَحْدَاثِ
الرُّكْنُ الرَّابِعُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ في قِيَامِ كل رَكْعَةٍ أو بَدَلِهِ لِلْمُنْفَرِدِ وَغَيْرِهِ في السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ حِفْظًا أو تَلْقِينًا أو نَظَرًا في مُصْحَفٍ أو نَحْوِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لم يَقْرَأْ فيها بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَلِخَبَرِ لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فيها بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ رَوَاهُ ابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ في صَحِيحَيْهِمَا وَلِفِعْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كما في مُسْلِمٍ مع خَبَرِ الْبُخَارِيِّ صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى فَاقْرَءُوا ما تَيَسَّرَ منه فَوَارِدٌ في قِيَامِ اللَّيْلِ لَا في قَدْرِ الْقِرَاءَةِ أو مَحْمُولٌ مع خَبَرِ اقْرَأْ ما تَيَسَّرَ مَعَك من الْقُرْآنِ على الْفَاتِحَةِ أو على الْعَاجِزِ عنها جَمْعًا بين الْأَدِلَّةِ يَجْهَرُ بها نَدْبًا الْإِمَامُ
وَالْمُنْفَرِدُ في الصُّبْحِ وَالْأُولَيَيْنِ من الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وَالْإِجْمَاعِ
____________________
(1/149)
في الْإِمَامِ وَلِلْقِيَاسِ عليه في الْمُنْفَرِدِ لِاشْتِرَاكِهِمَا في الْحَاجَةِ إلَى الْجَهْرِ لِتَدَبُّرِ الْقِرَاءَةِ بَلْ الْمُنْفَرِدُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَكْثَرُ تَدَبُّرًا لها لِعَدَمِ ارْتِبَاطِ غَيْرِهِ بِهِ وَقُدْرَتِهِ على إطَالَةِ الْقِرَاءَةِ وَتَرْدِيدِهَا لِلتَّدَبُّرِ وَيُسِرُّ كُلٌّ مِنْهُمَا فِيمَا عَدَا ذلك لَكِنَّهُ يَجْهَرُ في الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَخُسُوفِ الْقَمَرِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالتَّرَاوِيحِ وَالْوِتْرِ عَقِبَهَا وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَقْتَ الْجَهْرِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا في مَحَالِّهَا ولو تَرَكَ الْجَهْرَ فِيمَا يُجْهَرُ فيه لَا يَتَدَارَكُ في غَيْرِهِ لِأَنَّ السُّنَّةَ فيه الْإِسْرَارُ فَلَا يُفَوَّتُ بِالْجَهْرِ
وَقَوْلُهُ يَجْهَرُ بها إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ وَالْمَسْبُوقُ بِالْفَاتِحَةِ يَتَحَمَّلُهَا عنه الْإِمَامُ فَيُدْرِكُ الرَّكْعَةَ بِإِدْرَاكِهِ معه رُكُوعَهُ الْمَحْسُوبَ له وَيُسِرُّ بها الْمَأْمُومُ نَدْبًا مُطْلَقًا بِحَيْثُ يُسْمِعُ السَّمِيعُ نَفْسَهُ إذَا خَلَا عن شَاغِلٍ
عِبَارَةُ الْأَصْلِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ لو كان سَمِيعًا لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالِاسْتِمَاعِ وَلِئَلَّا يُشَوِّشَ على الْإِمَامِ بَلْ يُكْرَهُ له الْجَهْرُ وَيَسْكُتُ له الْإِمَامُ نَدْبًا بَعْدَ التَّأْمِينِ قَدْرَ قِرَاءَتِهَا أَيْ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ الْفَاتِحَةَ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ حِينَئِذٍ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالذِّكْرِ أو الدُّعَاءِ أو الْقِرَاءَةِ سِرًّا لِأَنَّ الصَّلَاةَ ليس فيها سُكُوتٌ حَقِيقِيٌّ في حَقِّ الْإِمَامِ جَزَمَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ وَالْفَتَاوَى وَغَيْرِهِمَا وَنَقَلَ هو عن السَّرَخْسِيِّ أَنَّهُ يقول اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ إلَى آخِرِهِ ثُمَّ قال وما قَالَهُ حَسَنٌ لَكِنْ الْمُخْتَارُ الْقِرَاءَةُ لِأَنَّ هذا مَوْضِعُهَا وَالْبَسْمَلَةُ آيَةٌ منها أَيْ من الْفَاتِحَةِ لِعَدِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إيَّاهَا آيَةً منها رَوَاهُ ابن خُزَيْمَةَ في صَحِيحِهِ وآية من كل سُورَةٍ إلَّا بَرَاءَةً لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عن أَنَسٍ بَيْنَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ بين أَظْهُرِنَا إذْ أَغْفَى إغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا فَقُلْنَا ما أَضْحَكَك يا نَبِيَّ اللَّهِ قال أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ إنَّا أَعْطَيْنَاك الْكَوْثَرَ إلَى آخِرِهَا وَلِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ على إثْبَاتِهَا في الْمُصْحَفِ بِخَطِّهِ أَوَائِلَ السُّوَرِ سِوَى بَرَاءَةٍ دُونَ الْأَعْشَارِ وَتَرَاجِمِ السُّوَرِ وَالتَّعَوُّذِ فَلَوْ لم تَكُنْ قُرْآنًا لَمَا أَجَازُوا ذلك لِأَنَّهُ يُحْمِلُ على اعْتِقَادِ ما ليس بِقُرْآنٍ قُرْآنًا فَإِنْ قُلْت الْقُرْآنُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالتَّوَاتُرِ قُلْنَا هذا فِيمَا يَثْبُتُ قُرْآنًا قَطْعًا أَمَّا ما يَثْبُتُ قُرْآنًا حُكْمًا فَيَكْفِي فيه الظَّنُّ كما يَكْفِي في كل ظَنِّيٍّ وَأَيْضًا إثْبَاتُهَا في الْمُصْحَفِ بِخَطِّهِ من غَيْرِ نَكِيرٍ في مَعْنَى التَّوَاتُرِ فَإِنْ قُلْت لو كانت قُرْآنًا لَكَفَرَ جَاحِدُهَا قُلْنَا وَلَوْ لم تَكُنْ قُرْآنًا لَكَفَرَ مُثْبِتُهَا وَأَيْضًا التَّكْفِيرُ لَا يَكُونُ بِالظَّنِّيَّاتِ وَلَا يُشْكِلُ وُجُوبُهَا في الصَّلَاةِ بِقَوْلِ أَنَسٍ كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وأبو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كما رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَا بِقَوْلِهِ صَلَّيْتُ مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَبِي بِكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فلم أَسْمَعْ أَحَدًا منهم يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ كما رَوَاهُ مُسْلِمٌ لِأَنَّ مَعْنَى الْأَوَّلِ كَانُوا يَفْتَتِحُونَ بِسُورَةِ الْحَمْدُ يُبَيِّنُهُ ما صَحَّ عن أَنَسٍ كما قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّهُ كان يَجْهَرُ بِالْبَسْمَلَةِ وقال لَا آلُو أَنْ أَقْتَدِيَ بِصَلَاةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَمَّا الثَّانِي فقال أَئِمَّتُنَا إنَّهُ رِوَايَةُ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ بِالْمَعْنَى الذي عَبَّرَ عنه الرَّاوِي بِمَا ذَكَرَ بِحَسَبِ فَهْمِهِ وَلَوْ بَلَّغَ الْخَبَرَ بِلَفْظِهِ كما في الْبُخَارِيِّ لَأَصَابَ إذْ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ هو الذي اتَّفَقَ عليه الْحُفَّاظُ
فَرْعٌ لو خَفَّفَ مع سَلَامَةِ لِسَانِهِ حَرْفًا مُشَدَّدًا من الْفَاتِحَةِ
____________________
(1/150)
أو أَبْدَلَ بِهِ أَيْ بِحَرْفٍ حَرْفًا آخَرَ كَظَاءٍ بِضَادٍ بَطَلَتْ قِرَاءَتُهُ لِتِلْكَ الْكَلِمَةِ لِتَغْيِيرِهِ النَّظْمَ وَكَإِبْدَالِ ذَالِ الَّذِينَ الْمُعْجَمَةِ بِالْمُهْمَلَةِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ نعم لو نَطَقَ بِالْقَافِ مُتَرَدِّدَةً بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَافِ كما تَنْطِقُ بها الْعَرَبُ صَحَّ مع الْكَرَاهَةِ جَزَمَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ قال في الْمَجْمُوعِ وَفِيهِ نَظَرٌ
وَخَرَجَ بِتَخْفِيفِ الْمُشَدَّدِ عَكْسُهُ
فَيَجُوزُ وَإِنْ أَسَاءَ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالْبَاءُ مع كَلِمَةِ الْإِبْدَالِ الْمُقْتَصَرِ فيه على الْمُتَقَابِلَيْنِ إنَّمَا تَدْخُلُ على الْمَأْخُوذِ كما اسْتَعْمَلَهَا الْأَصْلُ لَا على الْمَتْرُوكِ كما تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ وَاسْتَعْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وقد بَسَطْت الْكَلَامَ عليه في غَيْرِ هذا الْكِتَابِ فَالْقَوْلُ بِأَنَّ الثَّانِيَ فَاسِدٌ حَقٌّ إلَّا أَنْ يُضَمَّنَ الْإِبْدَالُ مَعْنَى التَّبَدُّلِ
وَإِنْ لَحَنَ فيها فَغَيَّرَ الْمَعْنَى كَضَمِّ تَاءِ أَنْعَمْت أو كَسْرِهَا وَأَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ ولم يَتَعَلَّمْ فَإِنْ تَعَمَّدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَقِرَاءَتُهُ قال في الْكِفَايَةِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَبَدَلُ الْفَاتِحَةِ كَالْفَاتِحَةِ فِيمَا ذُكِرَ كما نَبَّهَ عليه الزَّرْكَشِيُّ وَإِنْ لم يُغَيِّرْ الْمَعْنَى كَفَتْحِ دَالِ نَعْبُدُ لم يَضُرَّ لَكِنَّهُ إنْ تَعَمَّدَهُ حَرُمَ وَإِلَّا كُرِهَ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَعَدَّ الْقَاضِي من اللَّحْنِ الذي لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى الْهَمْدُ لِلَّهِ بِالْهَاءِ وَأَقَرَّهُ في الْكِفَايَةِ لَكِنْ عَدَّهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وابن كَجٍّ من الْمُغَيِّرِ لِلْمَعْنَى قال الزَّرْكَشِيُّ وهو أَصَحُّ وَلِغَيْرِ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ من الْقِرَاءَةِ الزَّائِدَةِ عليها حُكْمُ اللَّحْنِ فَإِنْ غَيَّرَ مَعْنَى وَتَعَمَّدَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ لم يَتَعَمَّدْ فَقِرَاءَتُهُ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَتَصِحُّ بِالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ إنْ لم يَكُنْ فيها تَغْيِيرُ مَعْنَى وَلَا زِيَادَةُ حَرْفٍ وَلَا نُقْصَانُهُ فَفِيهَا زِيَادَةٌ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا مع ما صَرَّحَ بِهِ في الْأَحْدَاثِ تَحْرِيمُ الْقِرَاءَةِ بها مُطْلَقًا وَبِهِ صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ وَتَقَدَّمَ في الْأَحْدَاثِ بَيَانُ الشَّاذَّةِ مع زِيَادَةٍ
وَيَجِبُ تَرْتِيبُ الْفَاتِحَةِ لِأَنَّهُ مَنَاطُ الْبَلَاغَةِ وَالْإِعْجَازِ فَإِنْ تَرَكَهُ عَامِدًا ولم يُغَيِّرْ الْمَعْنَى اسْتَأْنَفَ الْقِرَاءَةَ وَإِنْ غَيَّرَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَاسْتَشْكَلَ وُجُوبُ الِاسْتِئْنَافِ بِالْوُضُوءِ وَالْأَذَانِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَيُجَابُ بِأَنَّ التَّرْتِيبَ هُنَا لَمَّا كان مَنَاطُ الْإِعْجَازِ كما مَرَّ كان الِاعْتِنَاءُ بِهِ أَكْثَرَ فَجُعِلَ قَصْدُ التَّكْمِيلِ بِالْمُرَتَّبِ صَارِفًا عن صِحَّةِ الْبِنَاءِ بِخِلَافِ تِلْكَ الصُّوَرِ وَمَنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ يَبْنِي في ذلك مُرَادُهُ ما إذَا لم يَقْصِدْ التَّكْمِيلَ بِالْمُرَتَّبِ أو تَرَكَهُ سَاهِيًا ولم يَطُلْ غَيْرُ الْمُرَتِّبِ بَنَى وَإِنْ طَالَ اسْتَأْنَفَ وَلَا يَجِبُ تَرْتِيبُ التَّشَهُّدِ إذْ لَا إعْجَازَ فيه كَالسَّلَامِ فَإِنْ أَخَلَّ تَرَكَ تَرْتِيبَهُ بِمَعْنَاهُ لم يُجْزِهِ وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ تَعَمَّدَ ذلك وَعَلِمَ بِتَحْرِيمِهِ فُرُوعٌ
وفي نُسْخَةٍ فَرْعٌ تَجِبُ مُوَالَاةُ الْفَاتِحَةِ لِلِاتِّبَاعِ مع خَبَرِ صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي قال ابن الرِّفْعَةِ عن الْمُتَوَلِّي وَكَذَا التَّشَهُّدُ وَلَا تَضُرُّ نِيَّةُ قَطْعِ الْقِرَاءَةِ بِلَا سُكُوتٍ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ بِاللِّسَانِ ولم يَقْطَعْهَا وَكَمَا لو نَوَى التَّعَدِّيَ في الْوَدِيعَةِ بِغَيْرِ نَقْلٍ وَيُخَالِفُ ذلك نِيَّةُ قَطْعِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ النِّيَّةَ رُكْنٌ فيها تَجِبُ إدَامَتُهَا حُكْمًا وَلَا يُمْكِنُ ذلك مع نِيَّةِ الْقَطْعِ وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ لَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ خَاصَّةٍ فَلَا تَتَأَثَّرُ بِنِيَّةِ الْقَطْعِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ قال الْإِسْنَوِيُّ
وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ نِيَّةَ قَطْعِ الرُّكُوعِ أو غَيْرِهِ من الْأَذْكَارِ لَا تُؤَثِّرُ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ وما قَالَهُ ظَاهِرٌ وما رُدَّ عليه بِهِ ليس بِظَاهِرٍ لِلْمُتَأَمِّلِ فَإِنْ سَكَتَ يَسِيرًا مع نِيَّةِ قَطْعِهَا أَيْ الْقِرَاءَةِ أو طَوِيلًا
____________________
(1/151)
عَمْدًا بِحَيْثُ يَزِيدُ على سَكْتَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَإِنْ لم يَنْوِ الْقَطْعَ اسْتَأْنَفَ الْقِرَاءَةَ لِإِشْعَارِ الطُّولِ بِالْإِعْرَاضِ عنها في الثَّانِيَةِ وَلِاقْتِرَانِ الْفِعْلِ بِنِيَّةِ الْقَطْعِ في الْأُولَى كَنَقْلِ الْوَدِيعَةِ بِنِيَّةِ التَّعَدِّي
فَإِنْ لم يَنْوِ الْقَطْعَ ولم يُطِلْ السُّكُوتَ لم يَضُرَّ كَنَقْلِ الْوَدِيعَةِ بِلَا نِيَّةِ تَعَدٍّ وَلِأَنَّ ذلك قد يَكُونُ لِتَنَفُّسٍ أو سُعَالٍ أو نَحْوِهِ وما ضَبَطَ بِهِ الْمُصَنِّفُ الطُّولَ أَخَذَهُ من الْمَجْمُوعِ وَعَدَلَ إلَيْهِ عن ضَبْطِ الْأَصْلِ له بِمَا أَشْعَرَ بِقَطْعِ الْقِرَاءَةِ أو إعْرَاضِهِ عنها مُخْتَارًا أو لِعَائِقٍ لِيُفِيدَانِ السُّكُوتَ لِلْإِعْيَاءِ لَا يُؤَثِّرُ وَإِنْ طَالَ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَنَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن نَصِّ الْأُمِّ وَيُسْتَثْنَى من كُلٍّ من الضَّابِطَيْنِ ما لو نَسِيَ آيَةً فَسَكَتَ طَوِيلًا لِتَذَكُّرِهَا فإنه لَا يُؤَثِّرُ كما قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَكَذَا يَسْتَأْنِفُهَا إنْ أتى في أَثْنَائِهَا بِذِكْرٍ وَإِنْ قَلَّ أو آيَةٍ أُخْرَى من غَيْرِ الْفَاتِحَةِ عَامِدًا لِإِشْعَارِهِ بِالْإِعْرَاضِ وَلِتَغْيِيرِ النَّظْمِ بِلَا عُذْرٍ بِخِلَافِهِ مع النِّسْيَانِ وَلَوْ كَرَّرَ آيَةً منها قال في الْمَجْمُوعِ قال الْجُوَيْنِيُّ وَالْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ بَنَى وابن سُرَيْجٍ اسْتَأْنَفَ وَالْمُتَوَلِّي إنْ كَرَّرَ ما هو فيه أو ما قَبْلَهُ وَاسْتَصْحَبَ بَنَى وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْهُودٍ في التِّلَاوَةِ وَالْأَوَّلُ هو الْمَذْهَبُ في التَّحْقِيقِ وَالْأَوْجَهُ الثَّالِثُ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَلَا يَقْطَعُهَا أَيْ الْقِرَاءَةَ شَيْءٌ مُسْتَحَبٌّ فيها وَإِنْ كان الِاحْتِيَاطُ اسْتِئْنَافَهَا لِلْخُرُوجِ من الْخِلَافِ وَذَلِكَ كَالتَّأْمِينِ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ وَالْفَتْحُ أَيْ الرَّدُّ على الْإِمَامِ إذَا تَوَقَّفَ فيها وَمَحَلُّهُ كما في التَّتِمَّةِ إذَا سَكَتَ فَلَا يُفْتَحُ عليه ما دَامَ يُرَدِّدُ التِّلَاوَةَ وَالسُّجُودُ لِتِلَاوَتِهِ أَيْ تِلَاوَةِ إمَامِهِ وَسُؤَالُ الرَّحْمَةِ وَالِاسْتِعَاذَةِ من الْعَذَابِ بِقِرَاءَةِ وفي نُسْخَةٍ لِقِرَاءَةِ آيَتِهِمَا الْكَائِنَةِ منه أو من إمَامِهِ وَسَأُبَيِّنُ كَيْفِيَّتَهُمَا قُبَيْلَ الرُّكْنِ الْخَامِسِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالْمُتَّجَهُ أَنَّ الْإِمَامَ يَجْهَرُ بِهِمَا أَيْ في الْجَهْرِيَّةِ بِخِلَافِ الْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ فَإِنْ أَهْمَلَهُ الْإِمَامُ فَيَنْبَغِي لِلْمَأْمُومِ الْجَهْرُ بِهِمَا لِيُنَبِّهَ الْإِمَامَ على قِيَاسِ التَّأْمِينِ
فَإِنْ عَطَسَ في أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ فَحَمِدَ اللَّهَ اسْتَأْنَفَ الْقِرَاءَةَ وَإِنْ كان الْحَمْدُ عِنْدَ الْعُطَاسِ مَنْدُوبًا في الصَّلَاةِ كَخَارِجَهَا لِاخْتِصَاصِ الْحُكْمِ السَّابِقِ بِمَنْدُوبٍ مُخْتَصٍّ بها لِمَصْلَحَتِهَا فَلَا يُشْعِرُ بِالْإِعْرَاضِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ
وَنِسْيَانُ مُوَالَاةِ الْفَاتِحَةِ لَا نِسْيَانُ الْفَاتِحَةِ عُذْرٌ كَتَرْكِهِ الْمُوَالَاةَ في الصَّلَاةِ بِأَنْ طَوَّلَ رُكْنًا قَصِيرًا نَاسِيًا وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِسْيَانِ الْفَاتِحَةِ بِأَنَّ الْمُوَالَاةَ صِفَةٌ وَالْقِرَاءَةَ أَصْلٌ وَاسْتُشْكِلَ بِنِسْيَانِ التَّرْتِيبِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ أَمْرَ الْمُوَالَاةِ أَسْهَلُ من التَّرْتِيبِ بِدَلِيلِ تَطْوِيلِ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ نَاسِيًا كما مَرَّ بِخِلَافِ التَّرْتِيبِ إذْ لَا يُعْتَدُّ بِالْمُقَدَّمِ من سُجُودٍ على رُكُوعٍ مَثَلًا
وَإِنْ شَكَّ هل تَرَكَ حَرْفًا فَأَكْثَرَ من الْفَاتِحَةِ بَعْدَ تَمَامِهَا لم يُؤَثِّرْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ حِينَئِذٍ مُضِيُّهَا تَامَّةً أو شَكَّ في ذلك قَبْلَهُ أَيْ قبل تَمَامِهَا أو شَكَّ هل قَرَأَهَا أو لَا اسْتَأْنَفَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ قِرَاءَتِهَا وَقَوْلُهُ وَإِنْ شَكَّ إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَمُولِيُّ
وَيَجِبُ على الْعَاجِزِ عن قِرَاءَتِهَا التَّوَصُّلُ إلَى تَعَلُّمِهَا الْأَوْلَى إلَى قِرَاءَتِهَا بِتَعَلُّمٍ أو غَيْرِهِ حتى بِشِرَاءِ مُصْحَفٍ أو اسْتِعَارَتِهِ أو سِرَاجٍ في ظُلْمَةٍ فَإِنْ تَرَكَ التَّوَصُّلَ إلَى ذلك مع تَمَكُّنِهِ منه أَعَادَ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِلَا قِرَاءَةٍ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عليها لِتَقْصِيرِهِ وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ ظَرْفٌ لِأَعَادَ وَالتَّصْرِيحُ بِهِ من زِيَادَتِهِ قال في الْكِفَايَةِ وَلَوْ لم يَكُنْ بِالْبَلَدِ إلَّا مُصْحَفٌ وَاحِدٌ ولم يُمْكِنْ التَّعَلُّمُ إلَّا منه لم يَلْزَمْ مَالِكَهُ إعَارَتُهُ وَكَذَا لو لم يَكُنْ إلَّا مُعَلِّمٌ وَاحِدٌ لم يَلْزَمْهُ التَّعْلِيمُ أَيْ بِلَا أُجْرَةٍ على ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ كما لو احْتَاجَ إلَى السُّتْرَةِ أو الْوُضُوءِ وَمَعَ غَيْرِهِ ثَوْبٌ أو مَاءٌ فَيَنْتَقِلُ إلَى الْبَدَلِ وَلَوْ لم يُمْكِنْهُ التَّوَصُّلُ إلَى الْقِرَاءَةِ لِضِيقِ الْوَقْتِ أو بَلَادَتِهِ أو عَدَمِ مُعَلِّمٍ أو مُصْحَفٍ أو نَحْوِهِ قَرَأَ قَدْرَ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ سَبْعَ آيَاتٍ فَأَكْثَرَ من غَيْرِهَا لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بها فَلَا يُجْزِئُ دُونَ عَدَدِ آيِهَا وَإِنْ طَالَ لِرِعَايَتِهِ فيها وَلَا دُونَ حُرُوفِهَا كَالْآيِ بِخِلَافِ صَوْمِ يَوْمٍ قَصِيرٍ عن طَوِيلٍ لِعُسْرِ رِعَايَةِ السَّاعَاتِ وَلَا التَّرْجَمَةُ لِأَنَّ نَظْمَ الْقُرْآنِ مُعْجِزٌ كما مَرَّ
وَلَوْ تَفَرَّقَتْ أَيْ الْآيَاتُ فَإِنَّهَا تُجْزِئُ مع حِفْظِهِ الْمُتَوَالِيَةَ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَنَقَلَهُ عن النَّصِّ وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ أنها إنَّمَا تُجْزِئُ عِنْدَ الْعَجْزِ عن الْمُتَوَالِيَةِ
____________________
(1/152)
وَاعْتَرَضَ في الْمُهِمَّاتِ ما صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ الذي في كَلَامِ من نُقِلَ عنه ذلك جَوَازُ كَوْنِهَا من سُورَةٍ أو سُوَرٍ فَيُحْمَلُ على حَالَةِ الْعَجْزِ عن الْمُتَوَالِيَةِ كما فَصَّلَهُ غَيْرُهُمْ
قال وقد صَرَّحَ بِالْمَنْعِ الشَّيْخُ أبو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْقَاضِي مُجَلِّيٌّ وَالرَّافِعِيُّ لَا سِيَّمَا أَنَّ الْمَعَانِيَ الْحَاصِلَةَ من اتِّصَالِ الْآيَاتِ تَفُوتُ فَقَدْ لَا يُفْهَمُ أَنَّ الْمُتَفَرِّقَةَ قُرْآنٌ ثُمَّ إنَّمَا تُجْزِئُ الْمُتَفَرِّقَةُ إنْ أَفَادَتْ مَعْنًى مَنْظُومًا بِخِلَافِ ما إذَا لم تُفِدْهُ كَثَمَّ نَظَرٌ كَذَا شَرَطَهُ الْإِمَامُ قال في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَالْمُخْتَارُ ما أَطْلَقَهُ الْجُمْهُورُ لِإِطْلَاقِ الْأَخْبَارِ وَلَوْ عَجَزَ عن السَّبْعِ أتى بِقَدْرِهَا أَيْ الْفَاتِحَةِ ذِكْرًا كَتَسْبِيحٍ وَتَهْلِيلٍ وَنَحْوِهِ لِخَبَرِ إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَتَوَضَّأْ كما أَمَرَك اللَّهُ ثُمَّ تَشَهَّدْ وَأَقِمْ ثُمَّ كَبِّرْ فَإِنْ كان مَعَك قُرْآنٌ فَاقْرَأْ بِهِ وَإِلَّا فَاحْمَدْ اللَّهَ وَهَلِّلْهُ وَكَبِّرْهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ قال الْإِمَامُ وَلَا يُرَاعِي عَدَدَ أَنْوَاعِهِ وقال الْبَغَوِيّ تَجِبُ رِعَايَتُهُ لِيَكُونَ كُلُّ نَوْعٍ مَكَانَ آيَةٍ قال الشَّيْخَانِ وهو أَقْرَبُ تَشْبِيهًا لِمَقَاطِعِ الْأَنْوَاعِ بِغَايَاتِ الْآيِ وَخَالَفَهُمَا ابن الرِّفْعَةِ فقال لَكِنْ قَوْلُ الْإِمَامِ أَقْرَبُ لِلْحَدِيثِ يَعْنِي حَدِيثَ التِّرْمِذِيِّ السَّابِقِ فإنه كَالنَّصِّ في عَدَمِ اعْتِبَارِ سَبْعَةِ أَنْوَاعٍ وفي الدُّعَاءِ الْمَحْضِ تَرَدُّدٌ لِلْجُوَيْنِيِّ قال في الْأَصْلِ قال الْإِمَامُ وَالْأَشْبَهُ إجْزَاءُ دُعَاءٍ يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ دُونَ الدُّنْيَا وَرَجَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ قال الْإِمَامُ فَإِنْ لم يَعْرِفْ غير ما يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا أتى بِهِ وَأَجْزَأَهُ وقال في الْمُهِمَّاتِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ على أَنَّهُ لَا يُجَزِّئُ غَيْرُ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءُ ليس بِذِكْرٍ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ من شَغَلَهُ ذِكْرِي عن مَسْأَلَتِي وَيُجَابُ بِحَمْلِهِ على ما إذَا قَدَرَ على الذِّكْرِ وَعَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِغَيْرِ الذِّكْرِ الدُّعَاءُ الْمَحْضُ الدُّنْيَوِيُّ إذْ الْفَاتِحَةُ نَفْسُهَا مُشْتَمِلَةٌ على الدُّعَاءِ وَالدُّعَاءُ الْأُخْرَوِيُّ كَافٍ كما مَرَّ
فَإِنْ عَجَزَ عن الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ حتى عن تَرْجَمَتِهِمَا فَسُكُوتًا يَسْكُتُ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ في مَحَلِّهَا فَالْوَاجِبُ الْإِتْيَانُ بِمَحَلِّهَا لِأَنَّهُ الْمَقْدُورُ وهو مَقْصُودٌ قال في الْكِفَايَةِ وَمِثْلُهُ التَّشَهُّدُ وَالْقُنُوتُ وَلَا يُشْتَرَطُ في الْبَدَلِ قَصْدُ الْبَدَلِيَّةِ بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُقْصَدَ بِهِ غَيْرُهَا فَلَوْ أتى بِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ أو التَّعَوُّذِ ولم يَقْصِدْهُ اُعْتُدَّ بِهِ بَدَلًا لِعَدَمِ الصَّارِفِ
وَلَوْ عَرَفَ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ فَقَطْ وَعَرَفَ لِبَعْضِهَا الْآخَرِ بَدَلًا أتى بِبَدَلِ الْبَعْضِ الْآخَرِ مَوْضِعَهُ فَيَجِبُ التَّرْتِيبُ بين ما يَعْرِفُهُ منها وَالْبَدَلِ حتى يُقَدِّمَ بَدَلَ النِّصْفِ الْأَوَّلِ على الثَّانِي أو عَرَفَ مع الذِّكْرِ آيَةً من غَيْرِهَا ولم يَعْرِفْ شيئا منها أتى بها ثُمَّ بِالذِّكْرِ تَقْدِيمًا لِلْجِنْسِ على غَيْرِهِ وَتَقْيِيدُهُ كَأَصْلِهِ في هذه دُونَ ما قَبْلَهَا بِالْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لو عَرَفَ بَعْضَ آيَةٍ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ في تِلْكَ دُونَ هذه وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ ابن الرِّفْعَةِ عَدَمُ لُزُومِ الْإِتْيَانِ بها فِيهِمَا قال لِأَنَّهُ لَا إعْجَازَ فيه أَيْ مع كَوْنِهِ بَعْضَ آيَةٍ وَإِلَّا فَالْآيَةُ وَالْآيَتَانِ بَلْ وَالثَّلَاثُ الْمُتَفَرِّقَةُ لَا إعْجَازَ فيها مع أَنَّهُ يَلْزَمُ الْإِتْيَانُ بها هذا وَلَكِنْ قال الْأَذْرَعِيُّ وَفِيمَا زَعَمَهُ ابن الرِّفْعَةِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ من أَحْسَنَ مُعْظَمَ آيَةِ الدَّيْنِ أو آيَةَ كان الناس أُمَّةً وَاحِدَةً أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قِرَاءَتُهُ وهو بَعِيدٌ بَلْ هو أَوْلَى من كَثِيرٍ من الْآيَاتِ الْقِصَارِ فَإِنْ لم يَعْرِفْ بَدَلَهُ أَيْ بَدَلَ بَعْضِهَا الْآخَرِ كَرَّرَهُ أَيْ
____________________
(1/153)
كَرَّرَ ما يَعْرِفُهُ منها لِيَبْلُغَ سَبْعًا
وَلَوْ قَدَرَ على قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ في أَثْنَاءِ الْبَدَلِ أو قَبْلَهُ الْمَفْهُومِ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ لم يُجْزِهِ الْبَدَلُ وَأَتَى بها كَنَظِيرِهِ في رُؤْيَةٍ لِمَاءٍ في التَّيَمُّمِ وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وُجُودِ الْمُتَمَتِّعِ الْهَدْيَ وَالْمُكَفِّرِ الرَّقَبَةَ في أَثْنَاءِ صَوْمِهِمَا بِأَنَّ الْبَدَلَ هُنَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَالصَّوْمَ بَدَلٌ مُعَيَّنٌ فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْأَصْلِ وهو مُنْتَقِضٌ بِالتَّيَمُّمِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الصَّوْمَ عُهِدَ وُجُوبُهُ أَصَالَةً في الْكَفَّارَةِ وَالذِّكْرَ في مَحَلِّ الْقِرَاءَةِ لَا يَجِبُ إلَّا بَدَلًا فَأَشْبَهَ التَّيَمُّمَ أو قَدَرَ عليها بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الْبَدَلِ ولو قبل الرُّكُوعِ أَجْزَأَهُ الْبَدَلُ لِتَأَدِّي الْفَرْضِ كَقُدْرَتِهِ على الْمَاءِ بَعْدَ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ وَعَلَى الْإِعْتَاقِ عن الْكَفَّارَةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ من الصَّوْمِ وَفَارَقَ وُجُوبَ الْوُضُوءِ بِقُدْرَتِهِ على الْمَاءِ بَعْدَ التَّيَمُّمِ بِأَنَّهُ هُنَاكَ لم يَشْرَعْ في الْمَقْصُودِ بِخِلَافِهِ هُنَا
وَيُسْتَحَبُّ لِقَارِئِهَا وَلَوْ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ فَرَاغِهَا آمِينَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ في الصَّلَاةِ وَلِخَبَرِ صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَقِيسَ بِالصَّلَاةِ خَارِجَهَا وَحَسُنَ أَنْ يَزِيدَ عليها رَبَّ الْعَالَمِينَ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ قال الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ لو قال آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَغَيْرَهُ من ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى كان حَسَنًا بِمَدٍّ أو قَصْرٍ لها بِلَا تَشْدِيدٍ فِيهِمَا وَالْمَدُّ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَحَكَى الْوَاحِدِيُّ الْمَدَّ مع الْإِمَالَةِ وَالتَّخْفِيفِ وَالْمَدَّ مع التَّشْدِيدِ وَزَيَّفَ الْأَخِيرَةَ
وقال النَّوَوِيُّ إنَّهَا شَاذَّةٌ مُنْكَرَةٌ وَحَكَى ابن الْأَنْبَارِيِّ الْقَصْرَ مع التَّشْدِيدِ وَهِيَ شَاذَّةٌ أَيْضًا وَكُلُّهَا إلَّا الرَّابِعَةَ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى اسْتَجِبْ وَمَعْنَى الرَّابِعَةِ قَاصِدِينَ إلَيْك فَلَوْ شَدَّدَ لم تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِقَصْدِهِ الدُّعَاءَ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَصَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ ويستحب أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَا الضَّالِّينَ بِسَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ لِيُمَيِّزَهَا عن الْقُرْآنِ فَيَجْهَرَ الْأَوْلَى وَيَجْهَرَ أَيْ وَأَنْ يَجْهَرَ بها الْمُصَلِّي في الْجَهْرِيَّةِ حتى الْمَأْمُومُ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ ابن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ مع خَبَرِ صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَجَهْرُ الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى بها كَهُوَ بِالْقِرَاءَةِ وَسَيَأْتِي وأن يُقَارِنَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينُ الْإِمَامِ لِخَبَرِ إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فإنه من وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ وَخَبَرِ إذَا قال أحدكم آمِينَ وَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ في السَّمَاءِ آمِينَ فَوَافَقَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ في الثَّانِي إذَا قال أحدكم في الصَّلَاةِ آمِينَ فَظَاهِرُهُمَا الْأَمْرُ بِالْمُقَارَنَةِ بِأَنْ يَقَعَ تَأْمِينُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمَلَائِكَةِ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَلِأَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يُؤَمِّنُ لِتَأْمِينِ إمَامِهِ بَلْ لِقِرَاءَتِهِ وقد فَرَغَتْ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ إذَا أَرَادَ التَّأْمِينَ وَيُوَضِّحُهُ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ إذَا قال الْإِمَامُ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عليهم وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ قال النَّوَوِيُّ وَمَعْنَى مُوَافَقَتِهِ الْمَلَائِكَةَ أَنَّهُ وَافَقَهُمْ في الزَّمَنِ وَقِيلَ في الصِّفَاتِ من الْإِخْلَاصِ وَغَيْرِهِ قال وَهَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةُ قِيلَ هُمْ الْحَفَظَةُ وَقِيلَ غَيْرُهُمْ لِخَبَرِ فَوَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ أَهْلِ السَّمَاءِ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ إذَا قَالَهَا الْحَفَظَةُ قَالَهَا من فَوْقَهُمْ حتى تَنْتَهِيَ إلَى أَهْلِ السَّمَاءِ وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُمْ الْحَفَظَةُ وَسَائِرُ الْمَلَائِكَةِ لَكَانَ أَقْرَبَ
فَإِنْ فَاتَهُ قَرْنُ تَأْمِينَهُ بِتَأْمِينِ إمَامِهِ أتى بِهِ أَيْ بِتَأْمِينِهِ عَقِبَهُ أَيْ عَقِبَ تَأْمِينِ إمَامِهِ فَإِنْ لم يَعْلَمْ تَأْمِينَهُ أو أَخَّرَهُ عن وَقْتِهِ الْمَنْدُوبِ أَمَّنَ قال في الْمَجْمُوعِ وَلَوْ قَرَأَ معه وَفَرَغَا مَعًا كَفَى تَأْمِينُ وَاحِدٍ أو فَرَغَ قَبْلَهُ قال الْبَغَوِيّ يَنْتَظِرُهُ وَالْمُخْتَارُ أو الصَّوَابُ أَنَّهُ يُؤَمِّنُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ لِلْمُتَابَعَةِ وَمَحَلُّ اسْتِحْبَابِ تَأْمِينِ الْقَارِئِ ما لم يَشْتَغِلْ بِغَيْرِهِ وَإِلَّا فَاتَ وَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ
فَرْعٌ قال الرُّويَانِيُّ لو أتى بِسَبْعِ آيَاتٍ مُتَضَمِّنَةٍ لِلْفَاتِحَةِ بَدَلَهَا فَعِنْدِي أَنَّهُ يُؤَمِّنُ عَقِيبَهَا وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ وَمِثْلُهُ بَلْ أَوْلَى ما لو عَجَزَ عن بَعْضِ الْفَاتِحَةِ من أَوَّلِهَا وَأَتَى بِبَدَلِهِ أو عنه من آخِرِهَا وَأَتَى بِمَا يَتَضَمَّنُهُ
فَرْعٌ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ قِرَاءَةُ شَيْءٍ من الْقُرْآنِ غير الْفَاتِحَةِ وَلَوْ آيَةً وَالْأَوْلَى ثَلَاثُ آيَاتٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ في رَكْعَتَيْ الصُّبْحِ وَالْأُولَيَيْنِ من غَيْرِهَا دُونَ
____________________
(1/154)
ما عَدَاهُمَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ في غَيْرِ الْمَغْرِبِ وَالنَّسَائِيُّ فيها بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَتَقَدَّمَ أَنَّ فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ إذَا كان جُنُبًا لَا يَقْرَأُ غير الْفَاتِحَةِ وَسَيَأْتِي في آخِرِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أَنَّ من سُبِقَ بِأَخِيرَتَيْهِ قَرَأَهَا فِيهِمَا إذَا تَدَارَكَهُمَا وَكَالصُّبْحِ الْجُمُعَةُ وَالْعِيدُ وَنَحْوُهُمَا فَلَوْ أَعَادَ الْفَاتِحَةَ أو قَدَّمَ عليها السُّورَةَ لم يُجْزِهِ عن السُّورَةِ لِأَنَّهُ خِلَافُ ما وَرَدَ في السُّنَّةِ وَلِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يُؤَدِّي بِهِ فَرْضٌ وَنَفْلٌ في مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَالْأُولَى من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بها في الْمَجْمُوعِ وَيُتَّجَهُ فِيهِمَا كما أَشَارَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ إذَا لم يَعْرِفْ غير الْفَاتِحَةِ وَأَعَادَهَا تُجْزِئُهُ وَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ على الْغَالِبِ وَسُورَةٌ كَامِلَةٌ أَفْضَلُ من قَدْرِهَا من طَوِيلَةٍ لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ بها وَالْوَقْفَ على آخِرِهَا صَحِيحَانِ بِالْقَطْعِ بِخِلَافِهِمَا في بَعْضِ السُّوَرِ فَإِنَّهُمَا قد يَخْفَيَانِ كَذَا عَلَّلَ في الْمَجْمُوعِ لَكِنَّهُ لم يذكر الِابْتِدَاءَ وَيُؤْخَذُ منه وَمِنْ شَرْحَيْ الرَّافِعِيِّ أنها أَفْضَلُ من بَعْضِ طَوِيلَةٍ وَإِنْ طَالَ كَالتَّضْحِيَةِ بِشَاةٍ أَفْضَلُ من الْمُشَارَكَةِ في بَدَنَةٍ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَالنَّوَوِيِّ من قَدْرِهَا غَيْرُ وَافٍ بِكَلَامِ الرَّافِعِيِّ كما نَبَّهَ عليه في الْمُهِمَّاتِ ثُمَّ مَحَلُّ أَفْضَلِيَّتِهَا في غَيْرِ التَّرَاوِيحِ أَمَّا فيها فَقِرَاءَةُ بَعْضِ الطَّوِيلَةِ أَفْضَلُ كما أَفْتَى بِهِ ابن عبد السَّلَامِ وَغَيْرُهُ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ السُّنَّةَ فيها الْقِيَامُ بِجَمِيعِ الْقُرْآنِ وَعَلَيْهِ لَا يَخْتَصُّ ذلك بِالتَّرَاوِيحِ بَلْ كُلُّ مَحَلٍّ وَرَدَ فيه الْأَمْرُ بِالْبَعْضِ فَالِاقْتِصَارُ عليه أَفْضَلُ كَقِرَاءَةِ آيَتَيْ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ في الْفَجْرِ
ويستحب أَنْ تَكُونَ قِرَاءَةُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَطْوَلَ لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَنَّ النَّشَاطَ فيها أَكْثَرُ فَخُفِّفَ في غَيْرِهَا حَذَرًا من الْمَلَلِ نعم ما وَرَدَ من تَطْوِيلِ قِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ يُتَّبَعُ كَسَبِّحْ وَهَلْ أَتَاك في الْعِيدِ وأن تَكُونَ قِرَاءَةُ الْأُولَى أَسْبَقَ في التِّلَاوَةِ بِأَنْ يَقْرَأَ على تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ حتى لو قَرَأَ في الْأُولَى قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الناس قَرَأَ في الثَّانِيَةِ أَوَّلَ الْبَقَرَةِ فَلَوْ خَالَفَ فَخِلَافُ الْأَوْلَى وَهَذِهِ من زِيَادَتِهِ
وأن يَقْرَأَ في الصُّبْحِ من طِوَالِ الْمُفَصَّلِ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَضَمِّهَا وفي الظُّهْرِ قَرِيبًا منه أَيْ مِمَّا يُقْرَأُ في الصُّبْحِ وفي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ من أَوْسَاطِهِ وفي الْمَغْرِبِ من قِصَارِهِ لِخَبَرِ النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ في ذلك وَأَوَّلُ الْمُفَصَّلِ الْحُجُرَاتُ كما صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ في دَقَائِقِهِ وَتَحْرِيرِهِ وَسُمِّيَ مُفَصَّلًا لِكَثْرَةِ الْفُصُولِ فيه بين سُوَرِهِ وَقِيلَ لِقِلَّةِ الْمَنْسُوخِ فيه وَمَحَلُّ اسْتِحْبَابِ الطِّوَالِ وَالْأَوْسَاطِ إذَا انْفَرَدَ الْمُصَلِّي أو آثَرَ الْمَحْصُورُونَ التَّطْوِيلَ وَإِلَّا خَفَّفَ جُزِمَ بِهِ في التَّحْقِيقِ وَشَرْحَيْ الْمُهَذَّبِ وَمُسْلِمٍ وَيُسَنُّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَقْرَأَ في أُولَى الصُّبْحِ سُورَةَ الْكَافِرِينَ وفي الثَّانِيَةِ الْإِخْلَاصَ كما في الْإِحْيَاءِ وَعُقُودِ الْمُخْتَصَرِ لَلْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِمَا وأن يَقْرَأَ في صُبْحِ الْجُمُعَةِ في الْأُولَى الم تَنْزِيلُ وفي الثَّانِيَةِ هل أتى بِكَمَالِهِمَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
قال الْفَارِقِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ عن قِرَاءَةِ جَمِيعِهَا قَرَأَ بِمَا أَمْكَنَ منها وَلَوْ لِآيَةِ السَّجْدَةِ وَكَذَا في الْأُخْرَى يَقْرَأُ ما أَمْكَنَهُ من هل أتى فَإِنْ قَرَأَ غير ذلك كان تَارِكًا لِلسُّنَّةِ وأن يَسْتَمِعَ الْمَأْمُومُ في الْجَهْرِيَّةِ قِرَاءَةَ إمَامِهِ السُّورَةَ فَلَا يُسَنُّ له أَنْ يَقْرَأَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وإذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا له وَلِلنَّهْيِ عن قِرَاءَتِهَا خَلْفَهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلَوْ لم يَسْمَعْهُ لِصَمَمٍ أو غَيْرِهِ أو سمع صَوْتًا لَا يَفْهَمُهُ كما قَالَهُ النَّوَوِيُّ في أَذْكَارِهِ قَرَأَهَا إذْ لَا مَعْنَى لِسُكُوتِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لو جَهَرَ الْإِمَامُ في السِّرِّيَّةِ أو عَكَسَ
____________________
(1/155)
اُعْتُبِرَ فِعْلُهُ
وهو ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ وَصَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ وَصَحَّحَ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ اعْتِبَارَ الْمَشْرُوعِ في الْفَاتِحَةِ وأن تَجْهَرَ الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى حَيْثُ لَا يَسْمَعُ أَجْنَبِيٌّ وَيَكُونُ جَهْرُهُمَا دُونَ جَهْرِ الرَّجُلِ فَإِنْ كَانَا بِحَيْثُ يَسْمَعُهُمَا أَجْنَبِيٌّ أَسَرَّا وَوَقَعَ في الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ في الْخُنْثَى ما يُخَالِفُ ذلك وهو مَرْدُودٌ كما بَيَّنَهُ في الْمُهِمَّاتِ وفي نَوَافِلِ اللَّيْلِ الْمُطْلَقَةِ يَتَوَسَّطُ بين الْإِسْرَارِ وَالْجَهْرِ إنْ لم يُشَوِّشْ على نَائِمٍ أو مُصَلٍّ أو نَحْوِهِمَا وَإِلَّا أَسَرَّ وَخَرَجَ بِالْمُطْلَقَةِ وَهِيَ من زِيَادَتِهِ غَيْرُهَا كَسُنَّةِ الْعِشَاءَيْنِ فَيُسِرُّ فيها كما أَفَادَهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَأَفْتَى بِهِ ابن عبد السَّلَامِ خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ من أَنَّهُ يُتَوَسَّطُ فيها بين الْإِسْرَارِ وَالْجَهْرِ
وَكَالتَّرَاوِيحِ فَيَجْهَرُ فيها كما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَيَجْهَرُ بِالتَّرَاوِيحِ أَيْ فيها وَكَذَا في الْوِتْرِ عَقِبَهَا وَالْجَهْرُ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ إلَّا أَنْ يَخَافَ مَفْسَدَةً من إعْجَابٍ أو رِيَاءٍ أو غَيْرِهِ وَحَدُّ الْجَهْرِ أَنْ يُسْمِعَ من يَلِيه وَالْإِسْرَارُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ حَيْثُ لَا مَانِعَ كما مَرَّ وَالتَّوَسُّطُ بَيْنَهُمَا قال بَعْضُهُمْ يَعْرِفُ بِالْمُقَايَسَةِ بِهِمَا كما أَشَارَ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِك الْآيَةَ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَحْسَنُ في تَفْسِيرِهِ ما قَالَهُ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ أَنْ يَجْهَرَ تَارَةً وَيُسِرَّ أُخْرَى كما وَرَدَ في فِعْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في صَلَاةِ اللَّيْلِ
فَرْعٌ فَإِنْ قَرَأَ في الصَّلَاةِ آيَةَ رَحْمَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاَللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ سَأَلَهَا كَأَنْ يَقُولَ رَبِّ اغْفِرْ لي وَارْحَمْنِي وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ أو آيَةَ عَذَابٍ كَقَوْلِهِ وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ على الْكَافِرِينَ اسْتَعَاذَ منه كَأَنْ يَقُولَ رَبِّ إنِّي أَعُوذُ بِك من الْعَذَابِ أو آيَةَ تَسْبِيحٍ كَقَوْلِهِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّك الْعَظِيمِ سَبِّحْ كَأَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ أو آيَةَ مَثَلٍ كَقَوْلِهِ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا الْآيَةَ تَفَكَّرَ فيها أو قَرَأَ كَآخِرِ أَيْ مِثْلَ آخِرِ وَالتِّينِ قال بَلَى وأنا على ذلك من الشَّاهِدِينَ وَكَقَوْلِهِ أَيْ أو قَرَأَ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ قال آمَنَّا بِاَللَّهِ وَكَآخِرِ وَكَقَوْلِهِ من زِيَادَتِهِ
وَكَذَا يَفْعَلُ الْمَأْمُومُ ذلك لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ كما يَفْعَلُهُ لِقِرَاءَةِ نَفْسِهِ وكذا غَيْرُ الْمُصَلِّي يَفْعَلُهُ لِقِرَاءَةِ نَفْسِهِ وَقِرَاءَةِ غَيْرِهِ
وَيَفْصِلُ الْمُصَلِّي الْقِرَاءَةَ لِلْفَاتِحَةِ وَحْدَهَا أو مع السُّورَةِ عن تَكْبِيرِهِ الْوَاقِعِ قَبْلَهَا وهو تَكْبِيرُ الْإِحْرَامِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ والواقع بَعْدَهَا وهو تَكْبِيرُ الرُّكُوعِ بِسَكْتَةٍ قال الْغَزَالِيُّ في بِدَايَةِ الْهِدَايَةِ في الثَّانِيَةِ بِقَدْرِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِهَذَا مع ما مَرَّ عُلِمَ أَنَّ السَّكَتَاتِ الْمَنْدُوبَةَ في الصَّلَاةِ أَرْبَعٌ سَكْتَةٌ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ يُفْتَتَحُ فيها وَسَكْتَةٌ بين وَلَا الضَّالِّينَ وَآمِينَ وَسَكْتَةٌ لِلْإِمَامِ بَعْدَ التَّأْمِينِ في الْجَهْرِيَّةِ بِقَدْرِ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ الْفَاتِحَةَ وَسَكْتَةٌ قبل تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ وَكَذَا قَرَّرَهَا في الْمَجْمُوعِ ثُمَّ قال وَتَسْمِيَةُ كُلٍّ من الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ سَكْتَةً مَجَازٌ فإنه لَا يُسْكَتُ حَقِيقَةً لِمَا تَقَرَّرَ فِيهِمَا وَالزَّرْكَشِيُّ عَدَّ السَّكَتَاتِ خَمْسَةً الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ وَسَكْتَةٌ بين تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالِافْتِتَاحِ وَسَكْتَةٌ بين الِافْتِتَاحِ وَالْقِرَاءَةِ وَعَلَيْهِ لَا مَجَازَ إلَّا في سَكْتَةِ الْإِمَامِ بَعْدَ التَّأْمِينِ
الرُّكْنُ الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ الرُّكُوعُ وَطُمَأْنِينَتُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ارْكَعُوا وَلِخَبَرِ إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ وَأَقَلُّهُ أَيْ الرُّكُوعِ لِلْقَائِمِ انْحِنَاءٌ خَالِصٌ لَا انْخِنَاسَ فيه بِحَيْثُ يُوَصِّلُ الِانْحِنَاءُ الْمَذْكُورُ يَدَيْ أَيْ رَاحَتَيْ الْمُعْتَدِلِ خِلْقَةً رُكْبَتَيْهِ فَلَا يَحْصُلُ بِانْخِنَاسٍ وَلَا بِهِ مع انْحِنَاءٍ أَمَّا رُكُوعُ الْقَاعِدِ فَتَقَدَّمَ فَإِنْ عَجَزَ عن ذلك إلَّا بِمُعِينٍ وَلَوْ بِاعْتِمَادٍ على شَيْءٍ أو انْحِنَاءٍ على الشِّقِّ أَيْ شِقِّهِ لَزِمَهُ وَالْعَاجِزُ عن الِانْحِنَاءِ الْمَذْكُورِ يَنْحَنِي قَدْرَ إمْكَانِهِ فَإِنْ عَجَزَ عن الِانْحِنَاءِ أَصْلًا أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ بِطَرْفِهِ فَتَعْبِيرُهُ بِأَوْمَأَ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِأَوْمَأَ بِطَرْفِهِ ثُمَّ يَطْمَئِنُّ في رُكُوعِهِ
وَأَقَلُّهُ أَيْ اطْمِئْنَانِهِ فيه أَنْ تَسْتَقِرَّ أَعْضَاؤُهُ رَاكِعًا بِحَيْثُ يَنْفَصِلُ هُوِيُّهُ عن ارْتِفَاعِهِ من رُكُوعِهِ وَلَا تَقُومُ زِيَادَةُ الْهُوِيِّ مَقَامَهَا أَيْ مَقَامَ الطُّمَأْنِينَةِ لِعَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ وَلَوْ قال فَلَا بِالْفَاءِ كان أَوْلَى وَلَوْ هَوَى بِسُجُودِ تِلَاوَةٍ ثُمَّ بَدَا له أَنْ يَجْعَلَهُ رُكُوعًا فَجَعَلَهُ رُكُوعًا لم يُجْزِهِ بَلْ يَنْتَصِبُ لِيَرْكَعَ إذْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَقْصِدَ
____________________
(1/156)
بِهُوِيِّهِ غير الرُّكُوعِ كَنَظَائِرِهِ الْآتِيَةِ وَلَوْ رَكَعَ إمَامُهُ فَظَنَّ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلتِّلَاوَةِ فَهَوَى لِذَلِكَ فَرَآهُ لم يَسْجُدْ فَوَقَفَ عن السُّجُودِ هل يُحْسَبُ له هذا عن الرُّكُوعِ قال الزَّرْكَشِيُّ فيه نَظَرٌ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ له عَمَلًا بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ عَقِبَ سَلَامِ إمَامِهِ وَيَصِيرُ كما لو أَدْرَكَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَيَحْتَمِلُ وهو الْأَقْرَبُ أَنَّهُ يُحْسَبُ له وَيُغْتَفَرُ ذلك لِلْمُتَابَعَةِ
وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنَّهُ يَعُودُ لِلْقِيَامِ ثُمَّ يَرْكَعُ وَأَكْمَلُهُ أَيْ الرُّكُوعِ أَنْ يَنْحَنِي حتى يَسْتَوِي ظَهْرُهُ وَعُنُقُهُ كَالصَّفِيحَةِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَإِنْ تَرَكَهُ كُرِهَ نُصَّ عليه في الْأُمِّ وَلَا يَثْنِي رُكْبَتَيْهِ بَلْ يَنْصَبُ سَاقَيْهِ وَفَخِذَيْهِ لِأَنَّهُ أَعْوَنُ وَيَأْخُذُهُمَا بِكَفَّيْهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَيُوَجِّهُ أَصَابِعَهُ لِلْقِبْلَةِ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ مُتَفَرِّقَةً تَفْرِيقًا وَسَطًا لِلِاتِّبَاعِ من غَيْرِ ذِكْرِ الْوَسَطِ رَوَاهُ ابن حِبَّانَ في صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَيُجَافِي الرَّجُلُ مِرْفَقَيْهِ عن جَنْبَيْهِ وَبَطْنَهُ عن فَخِذَيْهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَإِنْ تَرَكَ ذلك كُرِهَ نُصَّ عليه في الْأُمِّ وَتَضُمُّ الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى بَعْضَهُمَا إلَى بَعْضٍ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لها وَأَحْوَطُ له فَيَبْتَدِئُ بِالتَّكْبِيرِ لِرُكُوعِهِ أَوَّلَ هُوِيِّهِ رَافِعًا يَدَيْهِ كما تَقَدَّمَ في رَفْعِهِمَا لِلتَّكْبِيرِ لِلْإِحْرَامِ وهو قَائِمٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الرَّفْعَ هُنَا كَالرَّفْعِ لِلْإِحْرَامِ وَأَنَّ الْهُوِيَّ مُقَارِنٌ لِلرَّفْعِ وَالْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ لِقَوْلِ الْمَجْمُوعِ قال أَصْحَابُنَا وَيَبْتَدِئُ التَّكْبِيرَ قَائِمًا وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَكُونُ ابْتِدَاءُ رَفْعِهِ وهو قَائِمٌ مع ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ فإذا حَاذَى كَفَّاهُ مَنْكِبَيْهِ انْحَنَى وفي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ نَحْوُهُ
قال في الْمُهِمَّاتِ وَهَذَا هو الصَّوَابُ قال في الْإِقْلِيدِ لِأَنَّ الرَّفْعَ حَالَ الِانْحِنَاءِ مُتَعَذِّرٌ أو مُتَعَسِّرٌ وَدَلِيلُ التَّكْبِيرِ وَالرَّفْعِ فِيمَا ذُكِرَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيَمُدُّهُ أَيْ التَّكْبِيرَ جَهْرًا إلَى الِانْتِهَاءِ أَيْ انْتِهَاءِ هُوِيِّهِ وَهَذَا يَجْرِي فيه وفي سَائِرِ أَذْكَارِ الِانْتِقَالَاتِ فَيَمُدُّهَا إلَى الرُّكْنِ الْمُنْتَقَلِ إلَيْهِ وَلَوْ فَصَلَ بِجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ لِئَلَّا يَخْلُوَ جُزْءٌ من الصَّلَاةِ عن الذِّكْرِ وَلَا نَظَرَ إلَى طُولِ الْمَدِّ بِخِلَافِ تَكْبِيرِ الْإِحْرَامِ يُنْدَبُ الْإِسْرَاعُ بِهِ لِئَلَّا تَزُولَ النِّيَّةُ كما مَرَّ وَيَقْتَصِرُ الْإِمَامُ في الرُّكُوعِ على سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثًا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَتَخْفِيفًا عن الْمَأْمُومِينَ وَهَذَا أَدْنَى الْكَمَالِ وَيَأْتِي الْمُنْفَرِدُ وَإِمَامُ من رضي بِالتَّطْوِيلِ بِبَاقِي الذِّكْرِ وهو مَعْرُوفٌ في الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ وهو اللَّهُمَّ لَك رَكَعْتُ وَبِك آمَنْت وَلَك أَسْلَمْت خَشَعَ لَك سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي وَشَعْرِي وَبَشَرِي وما اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَأْتِي قَبْلَهُ كما في التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ بِالتَّسْبِيحِ السَّابِقِ خَمْسًا أو سَبْعًا أو تِسْعًا أو إحْدَى عَشْرَةَ وهو أَكْمَلُ وَقَوْلُهُ في الحديث وما اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمِي أَيْ قَامَتْ بِهِ وَحَمَلَتْهُ وَمَعْنَاهُ جَمِيعُ جَسَدِي وهو من ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ وَقَوْلُهُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بَعْدَ قَوْلِهِ لَك تَأْكِيدٌ
وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فيه أَيْ في الرُّكُوعِ وفي السُّجُودِ بَلْ وفي سَائِرِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ غير الْقِيَامِ كما قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَحَلَّ الْقِرَاءَةِ وقد قال عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه نَهَانِي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وأنا رَاكِعٌ أو سَاجِدٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ قال الزَّرْكَشِيُّ وَمَحَلُّ كَرَاهَتِهَا إذَا قَصَدَ بها الْقِرَاءَةَ فَإِنْ قَصَدَ بها الدُّعَاءَ وَالثَّنَاءَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كما لو قَنَتَ بِآيَةٍ من الْقُرْآنِ
وَالذِّكْرُ في مَوْضِعِهِ أَفْضَلُ منه في غَيْرِ مَوْضِعِهِ صَلَاةً كان أو طَوَافًا أو غَيْرَهُمَا وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَلَيْسَ له هُنَا كَبِيرُ جَدْوًى وَإِلَّا قُطِعَ وَنَحْوُهُ كَقَصِيرِ الْيَدَيْنِ لَا يُوصِلُ يَدَيْهِ في الرُّكُوعِ رُكْبَتَيْهِ حِفْظًا لِهَيْئَةِ الرُّكُوعِ بَلْ يُرْسِلُهُمَا إنْ لم تَسْلَمَا مَعًا أو يُرْسِلُ وَاحِدَةً إنْ سَلِمَتْ الْأُخْرَى وَيَحْصُلُ الذِّكْرُ في الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِتَسْبِيحَةٍ وَاحِدَةٍ
الرُّكْنُ السَّابِعُ وَالثَّامِنُ الِاعْتِدَالُ وَطُمَأْنِينَتُهُ لِخَبَرِ إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ وَلَيْسَ الِاعْتِدَالُ مَقْصُودًا في نَفْسِهِ بَلْ لِلْعَوْدِ إلَى ما كان عليه قبل الرُّكُوعِ وَإِنْ صلى غير قَائِمٍ وَلِهَذَا عُدَّ رُكْنًا قَصِيرًا فَلَا يُطِيلُهُ فَإِنْ أَطَالَهُ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كما يَأْتِي في سُجُودِ السَّهْوِ مع زِيَادَةٍ وَيَطْمَئِنُّ فيه كما سَبَقَ في الرُّكُوعِ بِأَنْ تَسْتَقِرَّ أَعْضَاؤُهُ على ما كان قبل رُكُوعِهِ بِحَيْثُ يَنْفَصِلُ ارْتِفَاعُهُ عن عَوْدِهِ إلَى ما كان عليه
وَلَوْ رَكَعَ عن قِيَامٍ فَسَقَطَ عن رُكُوعِهِ قبل الطُّمَأْنِينَةِ فيه عَادَ
____________________
(1/157)
وُجُوبًا إلَيْهِ وَاطْمَأَنَّ ثُمَّ اعْتَدَلَ أو سَقَطَ عنه بَعْدَهَا نَهَضَ مُعْتَدِلًا ثُمَّ سَجَدَ
وَإِنْ سَجَدَ وَشَكَّ هل تَمَّ اعْتِدَالُهُ اعْتَدَلَ وُجُوبًا ثُمَّ يَسْجُدُ وَلَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ خَوْفًا من حَيَّةٍ مَثَلًا لم يُحْسَبْ رَفْعُهُ اعْتِدَالًا لِوُجُودِ الصَّارِفِ فَالْوَاجِبُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِرَفْعِهِ شيئا آخَرَ
وَيُسْتَحَبُّ له أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ كما سَبَقَ في تَكْبِيرِ الْإِحْرَامِ حين يَرْفَعُ رَأْسَهُ من الرُّكُوعِ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ رَفْعِهِمَا مع ابْتِدَاءِ رَفْعِهِ قَائِلًا في ارْتِفَاعِهِ لِلِاعْتِدَالِ سمع اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مع خَبَرِ صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَسَوَاءٌ في ذلك الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا خَبَرُ إذَا قال سمع اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ فَمَعْنَاهُ قُولُوا ذلك مع ما عَلِمْتُمُوهُ من سمع اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لِعِلْمِهِمْ بِقَوْلِهِ صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي مع قَاعِدَةِ التَّأَسِّي بِهِ مُطْلَقًا
وَإِنَّمَا خَصَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَسْمَعُونَهُ غَالِبًا وَيَسْمَعُونَ سمع اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وأن يَجْهَرَ بها أَيْ بِكَلِمَةِ التَّسْمِيعِ الْإِمَامُ وَالْمُبَلِّغُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِلْإِعْلَامِ بِانْتِقَالِ الْإِمَامِ وَذِكْرُ حُكْمِ الْمُبَلِّغِ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ فإن الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ فإذا اسْتَوَى الْمُصَلِّي قَائِمًا أَرْسَلَهُمَا أَيْ يَدَيْهِ وقال كُلٌّ من الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ سِرًّا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ أو رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ أو اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك أو وَلَك الْحَمْدُ أو لَك الْحَمْدُ رَبَّنَا أو الْحَمْدُ لِرَبِّنَا
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِوُرُودِ السُّنَّةِ بِهِ لَكِنْ قال في الْأُمِّ الثَّانِي أَحَبُّ إلَيَّ وَوُجِّهَ بِأَنَّهُ يَجْمَعُ مَعْنَيَيْنِ الدُّعَاءَ وَالِاعْتِرَافَ أَيْ رَبَّنَا اسْتَجِبْ لنا وَلَك الْحَمْدُ على هِدَايَتِك إيَّانَا إلَى قَوْلِهِ من شَيْءٍ بَعْدُ فيقول بَعْدَ ما ذُكِرَ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ ما شِئْت من شَيْءٍ بَعْدُ وَغَيْرُ الْإِمَامِ يَزِيدُ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ إلَى آخِرِهِ فيقول بَعْدَمَا ذُكِرَ أُحِقُّ ما قال الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ وَكَذَا الْإِمَامُ يَزِيدُ ذلك إنْ رَضُوا أَيْ الْمَأْمُومُونَ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَرْضَوْا بِهِ كُرِهَ له ذلك كَذَا في الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ وفي الْمَجْمُوعِ عن الْأَصْحَابِ إذَا لم يَرْضَوْا اقْتَصَرَ على رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وفي التَّحْقِيقِ مِثْلُ ما في الْأَصْلِ وزاد عليه حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فيه عَقِبَ لَك الْحَمْدُ وهو غَرِيبٌ وَلَوْ قال من حَمِدَ اللَّهَ سمع له أو حَمِدَ اللَّهُ من سَمِعَهُ أَجْزَأَهُ في تَأْدِيَةِ أَصْلِ السُّنَّةِ لِأَنَّهُ أتى بِاللَّفْظِ وَالْمَعْنَى بِخِلَافِ أَكْبَرُ اللَّهُ لَكِنْ ما مَرَّ أَوْلَى كما لَوَّحَ له بِقَوْلِهِ أَجْزَأَهُ وَصَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ لِوُرُودِ السُّنَّةِ بِهِ
وَلَوْ عَجَزَ الرَّاكِعُ عن الِاعْتِدَالِ سَجَدَ من رُكُوعِهِ وَسَقَطَ الِاعْتِدَالُ لِتَعَذُّرِهِ فَلَوْ زَالَ الْعُذْرُ قبل وَضْعِ جَبْهَتِهِ على مَسْجِدِهِ رَجَعَ إلَيْهِ أَيْ إلَى الِاعْتِدَالِ أو زَالَ بَعْدَهُ فَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِ بَلْ يَسْقُطُ عنه فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ وَلَوْ عَامِدًا لم تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا بَطَلَتْ
وَلَهُ أَيْ لِلْمُصَلِّي تَرْكُ الِاعْتِدَالِ من رُكُوعٍ وَسُجُودٍ في نَافِلَةٍ هذا أَخَذَهُ من ظَاهِرِ ما في الرَّوْضَةِ عن الْمُتَوَلِّي من أَنَّ في صِحَّتِهَا بِتَرْكِ ذلك وَجْهَيْنِ بِنَاءً على صَلَاتِهَا مُضْطَجِعًا مع قُدْرَتِهِ على الْقِيَامِ لَكِنْ الذي صَحَّحَهُ في التَّحْقِيقِ عَدَمُ صِحَّتِهَا
فَصْلٌ الْقُنُوتُ مُسْتَحَبٌّ بَعْدَ التَّحْمِيدِ في اعْتِدَالِ ثَانِيَةِ الصُّبْحِ وَأَخِيرَةِ الْوِتْرِ في النِّصْفِ الْأَخِيرِ من رَمَضَانَ لِلِاتِّبَاعِ فِيهِمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ في الْأُولَى وَالْبَيْهَقِيُّ في الثَّانِيَةِ وقال الْحَسَنُ بن عَلِيٍّ عَلَّمَنِي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ في الْوِتْرِ اللَّهُمَّ اهْدِنِي إلَى آخِرِهِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عن ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يُعَلِّمُهُمْ هذه الْكَلِمَاتِ لِيَقْنُتَ بها في الصُّبْحِ وَالْوِتْرِ قال وقد صَحَّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَنَتَ قبل الرُّكُوعِ أَيْضًا لَكِنْ رُوَاةُ الْقُنُوتِ بَعْدَهُ أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ فَهُوَ أَوْلَى وَعَلَيْهِ دَرَجَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ في أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُمْ وَأَكْثَرِهَا وَكَذَا سَائِرُ الْفَرَائِضِ أَيْ الْمَكْتُوبَاتِ يُسْتَحَبُّ الْقُنُوتُ بَعْدَ التَّحْمِيدِ في اعْتِدَالِ الْأَخِيرَةِ منها عِنْدَ النَّازِلَةِ لو نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ من خَوْفٍ أو قَحْطٍ أو وَبَاءٍ أو جَرَادٍ أو نَحْوِهَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مع خَبَرِ صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي بِخِلَافِ النَّفْلِ
____________________
(1/158)
وَالْمَنْذُورِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَلَا يُسَنُّ فيها الْقُنُوتُ فَفِي الْأُمِّ وَلَا قُنُوتَ في صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ فَإِنْ قَنَتَ لِنَازِلَةٍ لم أَكْرَهْهُ وَإِلَّا كَرِهْته قال في الْمُهِمَّاتِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ في النَّفْلِ وفي كَرَاهَتِهِ التَّفْصِيلُ انْتَهَى وَيُقَاسُ بِالنَّفْلِ في ذلك الْمَنْذُورُ
وَالظَّاهِرُ كَرَاهَتُهُ مُطْلَقًا في صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِبِنَائِهَا على التَّخْفِيفِ وهو أَيْ الْقُنُوتُ اللَّهُمَّ اهْدِنِي إلَى آخِرِهِ أَيْ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْت وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْت وَبَارِكْ لي فِيمَا أَعْطَيْت وَقِنِي شَرَّ ما قَضَيْت فَإِنَّك تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ من وَالَيْت تَبَارَكَتْ رَبَّنَا وَتَعَالَيْت قال الرَّافِعِيُّ وزاد الْعُلَمَاءُ فيه وَلَا يَعِزُّ من عَادَيْت قبل تَبَارَكْت رَبَّنَا وَتَعَالَيْت وَبَعْدَهُ فَلَكَ الْحَمْدُ على ما قَضَيْت أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك زَادَ في الرَّوْضَةِ قال جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا لَا بَأْسَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وقال أبو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَعَبَّرَ عنه في تَحْقِيقِهِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ وَيُسَنُّ بَعْدَهُ الصَّلَاةُ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ في ذلك وَجُزِمَ في الْأَذْكَارِ بِسَنِّ السَّلَامِ وَبِسَنِّ الصَّلَاةِ على الْآلِ وَأَنْكَرَهُ ابن الْفِرْكَاحِ فقال لَا أَصْلَ لِزِيَادَةِ وَسَلِّمْ وَلَا لِمَا اُعْتِيدَ من ذِكْرِ الْآلِ وَالْأَصْحَابِ وَالْأَزْوَاجِ وَاسْتَشْهَدَ الْإِسْنَوِيُّ لِسَنِّ السَّلَامِ بِالْآيَةِ وَالزَّرْكَشِيُّ لِسَنِّ الْآلِ بِخَبَرِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك وَيَقُولُ الْإِمَامُ اهْدِنَا وما عُطِفَ عليه بِلَفْظِ الْجَمْعِ لِأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ رَوَاهُ في إحْدَى رِوَايَتَيْهِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَحُمِلَ على الْإِمَامِ وَعَلَّلَهُ النَّوَوِيُّ في أَذْكَارِهِ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ تَخْصِيصُ نَفْسِهِ بِالدُّعَاءِ لِخَبَرِ لَا يَؤُمُّ عَبْدٌ قَوْمًا فَيَخُصَّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَيُسْتَثْنَى من هذا ما وَرَدَ بِهِ النَّصُّ كَخَبَرِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان إذَا كَبَّرَ في الصَّلَاةِ يقول اللَّهُمَّ نَقِّنِي اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي الدُّعَاءَ الْمَعْرُوفَ
قال في الْمَجْمُوعِ عن الْبَغَوِيّ وَتُكْرَهُ إطَالَةُ الْقُنُوتِ كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وهو ظَاهِرٌ على ما اخْتَارَهُ فيه وفي تَحْقِيقِهِ في بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ من أَنَّ إطَالَةَ الِاعْتِدَالِ لَا تَضُرُّ أَمَّا على الْمَنْقُولِ من أَنَّ الِاعْتِدَالَ قَصِيرٌ فَقَدْ يُقَالُ الْقِيَاسُ الْبُطْلَانُ لِأَنَّ تَطْوِيلَ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ عَمْدًا مُبْطِلٌ وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ وَيُجَابُ بِحَمْلِ ذلك على غَيْرِ مَحَلِّ الْقُنُوتِ مِمَّا لم يَرِدْ الشَّرْعُ بِتَطْوِيلِهِ إذْ الْبَغَوِيّ نَفْسُهُ الْقَائِلُ بِكَرَاهَةِ الْإِطَالَةِ قَائِلٌ بِأَنَّ تَطْوِيلَ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ يُبْطِلُ عَمْدُهُ وَلَا تَتَعَيَّنُ كَلِمَاتُهُ بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ لِأَنَّهُ فَرْضٌ أو من جِنْسِهِ فَلَوْ قَنَتَ بِقُنُوتِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه الْآتِي بَيَانُهُ في بَابِ التَّطَوُّعِ فَحَسُنَ لَكِنْ الْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَيُؤَخِّرُهُ عن الْأَوَّلِ لو جَمَعَهُمَا هذا من زِيَادَتِهِ وقد ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ في بَابِ التَّطَوُّعِ بِالنِّسْبَةِ لِقُنُوتِ الْوِتْرِ وَجَمْعُهُمَا لِلْمُنْفَرِدِ وَلِلْإِمَامِ بِرِضَا الْمَحْصُورِينَ مُسْتَحَبٌّ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ فَتُحْمَلُ كَرَاهَةُ إطَالَةِ الْقُنُوتِ على إطَالَتِهِ بِغَيْرِ قُنُوتِ عُمَرَ وفي الْجَمِيعِ أَيْ جَمِيعِ ذَوَاتِ الْقُنُوتِ حتى السِّرِّيَّةِ يَجْهَرُ بِهِ الْإِمَامُ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ
قال الْمَاوَرْدِيُّ وَلْيَكُنْ جَهْرُهُ بِهِ دُونَ جَهْرِهِ بِالْقِرَاءَةِ لَا الْمُنْفَرِدُ فَلَا يَجْهَرُ بِهِ وَيُؤَمِّنُ الْمَأْمُومُ لِلدُّعَاءِ كما كانت الصَّحَابَةُ يُؤَمِّنُونَ خَلْفَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في ذلك رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أو صَحِيحٍ وَيَجْهَرُ بِهِ كما في تَأْمِينِ الْقِرَاءَةِ وفي الثَّنَاءِ يُشَارِكُ الْإِمَامَ سِرًّا أو يَسْتَمِعُ له لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ وَذِكْرٌ لَا يَلِيقُ بِهِ التَّأْمِينُ قال في الْمَجْمُوعِ
____________________
(1/159)
وَغَيْرِهِ
وَالْمُشَارَكَةُ أَوْلَى وَالصَّلَاةُ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم دُعَاءٌ فَيُؤَمِّنُ لها صَرَّحَ بِهِ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فَلَوْ لم يَسْمَعْ قُنُوتَ إمَامِهِ قَنَتَ معه سِرًّا كَبَقِيَّةِ الْأَذْكَارِ وَالدَّعَوَاتِ التي لَا يَسْمَعُهَا وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فيه وفي سَائِرِ الْأَدْعِيَةِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ فيه الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وفي سَائِرِ الْأَدْعِيَةِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا وَيَجْعَلُ ظَهْرَهُمَا لِلسَّمَاءِ إنْ دَعَا لِرَفْعِ بَلَاءٍ وَعَكْسَهُ إنْ دَعَا لِتَحْصِيلِ شَيْءٍ كما سَيَأْتِي في الِاسْتِسْقَاءِ دُونَ مَسْحِ الْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ بَعْدَهُ فَلَا يُسْتَحَبُّ إذْ لم يَثْبُتْ فيه شَيْءٌ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَهُ وَرُوِيَ فيه خَبَرٌ ضَعِيفٌ مُسْتَعْمَلٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَبِاسْتِحْبَابِهِ خَارِجَهَا جُزِمَ في التَّحْقِيقِ وَأَمَّا مَسْحُ غَيْرِ الْوَجْهِ كَالصَّدْرِ فقال في الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا لَا يُسْتَحَبُّ قَطْعًا بَلْ نَصَّ جَمَاعَةٌ على كَرَاهَتِهِ وَيُجْزِئُهُ لِلْقُنُوتِ آيَةٌ فيها مَعْنَى الدُّعَاءِ كَآخِرِ الْبَقَرَةِ إنْ قَصَدَهُ بها لِحُصُولِ الْغَرَضِ بها فَإِنْ لم يَكُنْ فيها مَعْنَى الدُّعَاءِ كَآيَةِ الدَّيْنِ وتبت أو فيها مَعْنَاهُ ولم يَقْصِدْ بها الْقُنُوتَ لم تُجْزِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقِرَاءَةَ في الصَّلَاةِ في غَيْرِ الْقِيَامِ مَكْرُوهَةٌ
وَلَوْ قَنَتَ شَافِعِيٌّ قبل الرُّكُوعِ لم يُجْزِهِ لِوُقُوعِهِ في غَيْرِ مَحَلِّهِ وَيُعِيدُهُ بَعْدَهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ قال في الْأُمِّ لِأَنَّ الْقُنُوتَ عَمَلٌ من عَمَلِ الصَّلَاةِ فإذا عَمِلَهُ في غَيْرِ مَحَلِّهِ أُوجِبَ سُجُودُ السَّهْوِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ بِنِيَّةِ الْقُنُوتِ وَإِلَّا فَلَا يَسْجُدْ قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ وَخَرَجَ بِالشَّافِعِيِّ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَرَى الْقُنُوتَ قبل الرُّكُوعِ كَالْمَالِكِيِّ فَيُجْزِئُهُ عِنْدَهُ
الرُّكْنُ التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ السُّجُودُ مَرَّتَيْنِ في كل رَكْعَةٍ وَطُمَأْنِينَتُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَلِخَبَرِ إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ وَأَقَلُّهُ وَضْعُ شَيْءٍ مَكْشُوفٍ من الْجَبْهَةِ لِخَبَرِ إذَا سَجَدْت فَمَكِّنْ جَبْهَتَك وَلَا تَنْقُرُ نَقْرًا رَوَاهُ ابن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَلِخَبَرِ خَبَّابُ بن الْأَرَتِّ شَكَوْنَا إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَرَّ الرَّمْضَاءِ في جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا فلم يُشْكِنَا أَيْ لم يُزِلْ شَكْوَانَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِغَيْرِ جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا وَلَا يَضُرُّ نَسْخُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ
وَجْهُ الدَّلَالَةِ منه أَنَّهُ لو لم يَجِبْ كَشْفُ الْجَبْهَةِ لَأَرْشَدَهُمْ إلَى سَتْرِهَا وَاعْتُبِرَ كَشْفُهَا دُونَ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ لِسُهُولَتِهِ فيها دُونَ الْبَقِيَّةِ وَلِحُصُولِ مَقْصُودِ السُّجُودِ وهو غَايَةُ التَّوَاضُعِ بِكَشْفِهَا لَا وَضْعُ الْجَبِينِ وَالْأَنْفِ فَلَا يَكْفِي وَلَا يَجِبُ لِمَا سَيَأْتِي وَاكْتُفِيَ بِبَعْضِ الْجَبْهَةِ وَإِنْ كان مَكْرُوهًا كما نُصَّ عليه في الْأُمِّ لِصِدْقِ اسْمِ السُّجُودِ عليها بِذَلِكَ فَيَضَعُهُ على الْمَوْضِعِ الْمَسْجُودِ عليه بِتَحَامُلٍ عليه بِثِقَلِ رَأْسِهِ وَعُنُقِهِ بِحَيْثُ لو سَجَدَ على قُطْنٍ أو نَحْوِهِ لَانْدَكَّ لِمَا مَرَّ من الْأَمْرِ بِتَمْكِينِ الْجَبْهَةِ وَاكْتَفَى الْإِمَامُ بِإِرْخَاءِ رَأْسِهِ قال بَلْ هو أَقْرَبُ إلَى هَيْئَةِ التَّوَاضُعِ من تَكَلُّفِ التَّحَامُلِ وَتَعْبِيرُهُ بِالْمَوْضِعِ أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْأَرْضِ وَتَنْكِيسٍ بِارْتِفَاعِ أَسَافِلِهِ أَيْ عَجِيزَتِهِ وما حَوْلَهَا على أَعَالِيهِ حتى يَطْمَئِنَّ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ ابن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ مع خَبَرِ صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فَلَا يَكْتَفِي بِرَفْعِ أَعَالِيهِ على أَسَافِلِهِ وَلَا بِتَسَاوِيهِمَا لِعَدَمِ اسْمِ السُّجُودِ كما لو أَكَبَّ وَمَدَّ رِجْلَيْهِ
فَلَوْ أَمْكَنَ الْعَاجِزَ عن وَضْعِ جَبْهَتِهِ على الْمَوْضِعِ السُّجُودُ على وِسَادَةٍ بِلَا تَنْكِيسٍ لم يَلْزَمْهُ السُّجُودُ عليه خِلَافًا لِمَا في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ لِفَوَاتِ هَيْئَةِ السُّجُودِ بَلْ يَكْفِيهِ الِانْحِنَاءُ الْمُمْكِنُ وَلَا يُشْكِلُ بِمَا مَرَّ من أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا لم يُمْكِنْهُ الِانْتِصَابُ إلَّا بِاعْتِمَادِهِ على شَيْءٍ لَزِمَهُ لِأَنَّهُ هُنَاكَ إذَا اعْتَمَدَ على شَيْءٍ أتى بِهَيْئَةِ الْقِيَامِ وَهُنَا إذَا وَضَعَ الْوِسَادَةَ لَا يَأْتِي بِهَيْئَةِ السُّجُودِ فَلَا فَائِدَةَ في الْوَضْعِ أو بِتَنْكِيسٍ لَزِمَهُ ذلك قَطْعًا لِحُصُولِ هَيْئَةِ السُّجُودِ بِذَلِكَ وَيَجِبُ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ وَضْعُ جُزْءٍ من الرُّكْبَتَيْنِ وَمِنْ بَاطِنِ الْكَفَّيْنِ سَوَاءٌ الْأَصَابِعُ وَالرَّاحَةُ ومن بَاطِنِ أَصَابِعِ الْقَدَمَيْنِ على مُصَلَّاهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ على سَبْعَةِ أَعْظُمٍ على الْجَبْهَةِ وَأَشَارَ بيده إلَى أَنْفِهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ وَإِنَّمَا لم يَجِبْ الْإِيمَاءُ بها عِنْدَ الْعَجْزِ وَتَقْرِيبُهَا من الْأَرْضِ كَالْجَبْهَةِ لِأَنَّ مُعْظَمَ السُّجُودِ وَغَايَةَ الْخُضُوعِ بِالْجَبْهَةِ دُونَهَا وَاكْتُفِيَ بِوَضْعِ جُزْءٍ من كُلٍّ منها لِمَا مَرَّ في الْجَبْهَةِ وَلَوْ
____________________
(1/160)
مَسْتُورًا فَلَا يَجِبُ كَشْفُهُ بَلْ يُكْرَهُ كَشْفُ الرُّكْبَتَيْنِ لِأَنَّهُ قد يُفْضِي إلَى كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَقِيلَ يَجِبُ كَشْفُ بَاطِنِ الْكَفَّيْنِ أَخْذًا بِظَاهِرِ خَبَرِ خَبَّابُ السَّابِقِ وَأُجِيبَ عنه بِأَنَّ قَوْلَهُ فيه فلم يُشْكِنَا أَيْ في مَجْمُوعِ الْجَبْهَةِ وَالْكَفَّيْنِ وَأُيِّدَ بِمَا رَوَاهُ ابن مَاجَهْ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى في مَسْجِدِ بَنِي الْأَشْهَلِ وَعَلَيْهِ كِسَاءٌ مُلَفَّعٌ بِهِ يَضَعُ يَدَيْهِ عليه يَقِيهِ الْحَصَى ثُمَّ مَحَلُّ وُجُوبِ الْوَضْعِ إذَا لم يَتَعَذَّرْ وَضْعُ شَيْءٍ منها وَإِلَّا فَيَسْقُطُ الْفَرْضُ فَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ من الزَّنْدِ لم يَجِبْ وَضْعُهُ لِفَوْتِ مَحَلِّ الْفَرْضِ
وَلَا يَجُوزُ السُّجُودُ على مُتَحَرِّكٍ من مَلْبُوسِهِ بِحَرَكَتِهِ لِقِيَامِهِ وَقُعُودِهِ لِظَاهِرِ خَبَرِ خَبَّابُ السَّابِقِ وَلِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ منه فَلَوْ سَجَدَ عليه عَامِدًا عَالِمًا بِتَحْرِيكِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا وَتَجِبُ إعَادَةُ السُّجُودِ وَأَمَّا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عن أَنَسٍ كنا نُصَلِّي مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في شِدَّةِ الْحَرِّ فإذا لم يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ من الْأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ فَسَجَدَ عليه فَمَحْمُولٌ على ثَوْبٍ مُنْفَصِلٍ أو على مُتَّصِلٍ لم يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ كَطَرْفِ كُمِّهِ الطَّوِيلِ لِأَنَّهُ في حُكْمِ الْمُنْفَصِلِ وَمِنْ هُنَا عُلِمَ أَنَّهُ لو سَجَدَ على ما يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ وكان في حُكْمِ الْمُنْفَصِلِ كَعُودٍ بيده كَفَى كما أَفْهَمَهُ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَلْبُوسِهِ وَبِهِ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ في نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ وَفَرَّقَ بين صِحَّةِ صَلَاتِهِ فِيمَا إذَا سَجَدَ على طَرْفِ مَلْبُوسِهِ ولم يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ وَعَدَمِ صِحَّتِهَا فِيمَا إذَا كان بِهِ نَجَاسَةٌ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُنَا وَضْعُ جَبْهَتِهِ على قَرَارٍ لِلْأَمْرِ بِتَمْكِينِهَا كما مَرَّ وَإِنَّمَا يَخْرُجُ الْقَرَارُ بِالْحَرَكَةِ وَالْمُعْتَبَرُ ثَمَّ أَنْ لَا يَكُونَ شَيْءٌ مِمَّا يُنْسَبُ إلَيْهِ مُلَاقِيًا لها لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَثِيَابَك فَطَهِّرْ وَالطَّرْفُ الْمَذْكُورُ من ثِيَابِهِ وَمَنْسُوبٌ إلَيْهِ وإذا سَجَدَ على عِصَابَةِ جُرْحٍ أو نَحْوِهِ بِجَبْهَتِهِ بِقَيْدٍ صَرَّحَ بِهِ من زِيَادَتِهِ بِقَوْلِهِ لِلضَّرُورَةِ بِأَنْ شَقَّ عليه إزَالَتُهَا لم تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهَا إذَا لم تَلْزَمْهُ مع الْإِيمَاءِ لِلْعُذْرِ فَهُنَا أَوْلَى وَكَذَا لو سَجَدَ على شَعْرٍ نَبَتَ على جَبْهَتِهِ لِأَنَّ ما نَبَتَ عليها مِثْلُ بَشَرَتِهِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ ولم يَطَّلِعْ عليه في الْمُهِمَّاتِ فقال يُحْتَمَلُ الْإِجْزَاءُ مُطْلَقًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُتَيَمِّمَ نَزْعُهُ وهو مُتَّجَهٌ ثُمَّ قال وَأَوْجَهُ منه أَنَّهُ إنْ اسْتَوْعَبَ الْجَبْهَةَ كَفَى وَإِلَّا وَجَبَ أَنْ يَسْجُدَ على الْخَالِي منه لِقُدْرَتِهِ على الْأَصْلِ
وَيَجِبُ أَنْ لَا يَهْوِيَ لِغَيْرِ السُّجُودِ بِأَنْ يَهْوِيَ له أو بِغَيْرِ قَصْدٍ فَلَوْ سَقَطَ على جَبْهَتِهِ من الِاعْتِدَالِ لَزِمَهُ الْعَوْدُ إلَيْهِ لِيَهْوِيَ منه لِانْتِفَاءِ الْهُوِيِّ في السُّقُوطِ لَا إنْ سَقَطَ من الْهُوِيِّ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ بَلْ يُحْسَبُ ذلك سُجُودًا نعم إنْ قَصَدَ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ الِاعْتِمَادَ عليها أَعَادَ السُّجُودَ لِوُجُودِ الصَّارِفِ وَلَوْ سَقَطَ من الْهُوِيٍّ لِجَنْبِهِ أَيْ عليه فَانْقَلَبَ بِنِيَّةِ السُّجُودِ أو بِلَا نِيَّةٍ أَصْلًا أو بِنِيَّتِهِ ونية الِاسْتِقَامَةِ وَسَجَدَ أَجْزَأَهُ وَالْأَخِيرَةُ من زِيَادَتِهِ وَبِهَا صَرَّحَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ
وَكَلَامُ الْمُهَذَّبِ يَقْتَضِيهِ لَا بِنِيَّةِ الِاسْتِقَامَةِ فَقَطْ فَلَا يُجْزِئُهُ السُّجُودُ لِوُجُودِ الصَّارِفِ بَلْ يَجْلِسُ وَلَا يَقُومُ فَإِنْ
____________________
(1/161)
قام عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا ثُمَّ يَسْجُدُ وَإِنْ نَوَى مع ذلك صَرْفَهُ عن السُّجُودِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ زَادَ فِعْلًا لَا يُزَادُ مِثْلُهُ في الصَّلَاةِ عَامِدًا وَإِلَّا كَمَّلَ في السُّجُودِ أَنْ يَضَعَ رُكْبَتَيْهِ وَقَدَمَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ أَيْ كَفَّيْهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ وَصَحَّحَاهُ ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مَكْشُوفًا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أبو دَاوُد فَلَوْ خَالَفَ التَّرْتِيبَ أو اقْتَصَرَ على الْجَبْهَةِ كُرِهَ نُصَّ عليه في الْأُمِّ وَيَضَعُ الْجَبْهَةَ وَالْأَنْفَ مَعًا كما جُزِمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْأَصْلِ وَنَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ وفي مَوْضِعٍ آخَرَ منه عن الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ هُمَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ يُقَدِّمُ أَيَّهمَا شَاءَ
وَإِنَّمَا لم يَجِبْ وَضْعُ الْأَنْفِ كَالْجَبْهَةِ مع أَنَّ خَبَرَ أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ على سَبْعَةِ أَعْظُمٍ ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الْمُقْتَصِرَةِ على الْجَبْهَةِ قالوا وَتُحْمَلُ أَخْبَارُ الْأَنْفِ على النَّدْبِ قال في الْمَجْمُوعِ وَفِيهِ ضَعْفٌ لِأَنَّ رِوَايَاتِ الْأَنْفِ زِيَادَةُ ثِقَةٍ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا مُكَبِّرًا أَيْ مُبْتَدِئًا بِالتَّكْبِيرِ من ابْتِدَاءِ الْهُوِيِّ كما سَبَقَ في تَكْبِيرِ الرُّكُوعِ بِأَنْ يَمُدَّهُ إلَى انْتِهَاءِ الْهُوِيِّ فَلَوْ أَخَّرَهُ عن الْهُوِيِّ أو كَبَّرَ مُعْتَدِلًا أو تَرَكَ التَّكْبِيرَ كُرِهَ كما نُصَّ عليه في الْأُمِّ وَلَا يَرْفَعُ الْيَدَ مع التَّكْبِيرِ فيه أَيْ في الْهُوِيِّ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وأن يَقُولَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ في سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ بِغَيْرِ تَثْلِيثٍ مُسْلِمٌ وَبِهِ أبو دَاوُد وزاد في رِوَايَةٍ وَبِحَمْدِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وابن الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ
وهو قِيَاسُ ما مَرَّ في الرُّكُوعِ وأن يَزِيدَ الْمُنْفَرِدُ وَالْإِمَامُ لِقَوْمٍ إنْ رَضُوا بِالتَّطْوِيلِ اللَّهُمَّ لَك سَجَدْتُ إلَى آخِرِهِ أَيْ وَبِك آمَنْت وَلَك أَسْلَمْت سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ زَادَ في الرَّوْضَةِ قبل تَبَارَكَ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ قال فيها وَيُسْتَحَبُّ فيه سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ قال في الْمَجْمُوعِ وَكَذَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي كُلَّهُ دِقَّهُ وَجُلَّهُ وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاك من سَخَطِك وَبِعَفْوِك من عُقُوبَتِك وَأَعُوذُ بِك مِنْك لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أنت كما أَثْنَيْت على نَفْسِك وأن يُكْثِرَ كُلٌّ من الْمُنْفَرِدِ وَالْإِمَامِ بِرِضَا الْمَأْمُومِينَ الدُّعَاءَ فيه وَعَلَى ذلك حُمِلَ خَبَرُ مُسْلِمٍ أَقْرَبُ ما يَكُونُ الْعَبْدُ من رَبِّهِ وهو سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا فيه الدِّعَاءَ
وَذِكْرُ هذا في الْإِمَامِ من زِيَادَتِهِ وأن يُفَرِّقَ الْمُصَلِّي بين رُكْبَتَيْهِ وَفَخِذَيْهِ بِقَدْرِ شِبْرٍ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي في الْقَدَمَيْنِ وأن يُجَافِيَ الرَّجُلُ بَطْنَهُ وَمِرْفَقَيْهِ عن فَخِذَيْهِ وَجَنْبَيْهِ وَتَضُمُّ الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى بَعْضَهُمَا إلَى بَعْضٍ لِمَا مَرَّ في الرُّكُوعِ وَذِكْرُ الْخُنْثَى هُنَا من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ في الْمِنْهَاجِ وَالْمَجْمُوعِ وَفِيهِ عن نَصِّ الْأُمِّ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَضُمُّ في جَمِيعِ الصَّلَاةِ أَيْ الْمِرْفَقَيْنِ إلَى الْجَنْبَيْنِ وأن يَضَعَ كُلَّ يَدَيْهِ أَيْ كَفَّيْهِ على الْأَرْضِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهٍ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ رَافِعًا ذِرَاعَيْهِ عن الْأَرْضِ لِلْأَمْرِ بِهِ في خَبَرِ مُسْلِمٍ وَيُكْرَه بَسْطُهُمَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ وَلَا يَبْسُطُ أحدكم ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ وَالتَّصْرِيحُ بِالْكَرَاهَةِ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ طَوَّلَ الْمُنْفَرِدُ السُّجُودَ فَلَحِقَهُ مَشَقَّةٌ بِالِاعْتِمَادِ على كَفَّيْهِ وَضَعَ سَاعِدَيْهِ على رُكْبَتَيْهِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَيُلْصِقُ أَصَابِعَهُ أَيْ يَضُمُّهَا وَلَا يُفَرِّقُهَا وَيَنْشُرُهَا قُبَالَةَ الْقِبْلَةِ فيه أَيْ في السُّجُودِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ في الضَّمِّ وَالنَّشْرِ الْبُخَارِيُّ وفي الْبَاقِي الْبَيْهَقِيُّ وفي الْجِلْسَاتِ قِيَاسًا على السُّجُودِ وَيُفَرِّجُهَا قَصْدًا أَيْ وَسَطًا في بَاقِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ فيه كَذَا في الْأَصْلِ وَاَلَّذِي في الْمَجْمُوعِ لَا يُفَرِّجُهَا حَالَةَ الْقِيَامِ وَالِاعْتِدَالِ من الرُّكُوعِ فَيُسْتَثْنَيَانِ من ذلك وَيُفَرِّقُ بين قَدَمَيْهِ بِشِبْرٍ وَيَنْصِبُهُمَا مُوَجِّهًا أَصَابِعَهُمَا إلَى الْقِبْلَةِ وَيُخْرِجُهُمَا عن ذَيْلِهِ مَكْشُوفَيْنِ حَيْثُ لَا خُفَّ وَيُحَصَّلُ تَوْجِيهُ أَصَابِعِهِمَا الْقِبْلَةَ بِأَنْ يَكُونَ مُعْتَمِدًا على بُطُونِهَا وفي نُسْخَةٍ بُطُونِهِمَا وَلَوْ ذَكَرَ هذا عَقِبَ قَوْلِهِ إلَى الْقِبْلَةِ كما في الْأَصْلِ كان أَوْلَى قال في الْكِفَايَةِ وَيَرْفَعُ ظَهْرَهُ وَلَا يَحْدَوْدِبُ
وَيُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي ضَمُّ شَعْرِهِ وَثِيَابِهِ في سُجُودِهِ أو غَيْرِهِ لِغَيْرِ
____________________
(1/162)
حَاجَةٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ على سَبْعَةِ أَعْظُمٍ وَلَا أَكُفَّ ثَوْبًا وَلَا شَعْرًا أَيْ لَا أَضُمُّهُمَا فَمِنْ ذلك أَنْ يَعْقِصَ شَعْرَهُ أو يَرُدَّهُ تَحْتَ عِمَامَتِهِ أو يُشَمِّرَ ثَوْبَهُ أو كُمَّهُ أو يَشُدَّ وَسَطَهُ أو يَغْرِزَ عَذْبَتَهُ وَالْحِكْمَةُ في النَّهْي عنه أَنْ يَسْجُدَ معه سَوَاءٌ أَتَعَمَّدَهُ لِلصَّلَاةِ أَمْ كان قَبْلَهَا لِمَعْنَى وَصَلَّى على حَالِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُهُ في الشَّعْرِ بِالرَّجُلِ أَمَّا في الْمَرْأَةِ فَفِي الْأَمْرِ بِنَقْضِهَا الضَّفَائِرَ مَشَقَّةٌ وَتَغْيِيرٌ لِهَيْئَتِهَا الْمُنَافِيَةِ لِلتَّجْمِيلِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ في الْإِحْيَاءِ وَيَنْبَغِي إلْحَاقُ الْخُنْثَى بها
ا ه
الرُّكْنُ الْحَادِي عَشَرَ وَالثَّانِي عَشَرَ الْجُلُوسُ بين السَّجْدَتَيْنِ وَالطُّمَأْنِينَةُ فيه وَلَوْ في نَفْلٍ لِخَبَرِ إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَيَرْفَعُ رَأْسَهُ من السَّجْدَةِ الْأُولَى مُكَبِّرًا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ لَا بِقَصْدِ غَيْرِهِ أَيْ الْجُلُوسِ كما مَرَّ نَظِيرُهُ وَيَجْلِسُ فيه مُفْتَرِشًا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ وَيَضَعُ يَدَيْهِ على فَخِذَيْهِ قَرِيبًا من رُكْبَتَيْهِ مُسْتَقْبِلًا بِأَصَابِعِهِ الْقِبْلَةَ
وَالتَّصْرِيحُ بِاسْتِقْبَالِهَا الْقِبْلَةَ من زِيَادَتِهِ وَلَا يَضُرُّ انْعِطَافُ رُءُوسِهَا على الرُّكْبَةِ قَالَهُ الْإِمَامُ وَتَبِعَهُ الشَّيْخَانِ وَأَنْكَرَهُ ابن يُونُسَ وقال يَنْبَغِي تَرْكُهُ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِتَوْجِيهِهَا الْقِبْلَةَ وَتَرْكُهُمَا أَيْ الْيَدَيْنِ على الْأَرْضِ حَوَالَيْهِ كَإِرْسَالِهِمَا في الْقِيَامِ فَيَأْتِي فيه ما مَرَّ ثُمَّ وَيَقُولُ فيه اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي إلَى آخِرِهِ أَيْ وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَارْفَعْنِي وَارْزُقْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي لِلِاتِّبَاعِ رَوَى بَعْضَهُ أبو دَاوُد وَبَاقِيَهُ ابن مَاجَهْ ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى في الْأَقَلِّ وَالْأَكْمَلِ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا بِلَا رَفْعٍ لِعُمُومِ خَبَرِ كان صلى اللَّهُ عليه وسلم يُكَبِّرُ في كل خَفْضٍ وَرَفْعٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ وَيَجْلِسُ قبل قِيَامِهِ لَحْظَةً لِلِاسْتِرَاحَةِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا خَبَرُ وَائِلِ بن حُجْرٌ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ من السُّجُودِ اسْتَوَى قَائِمًا فَغَرِيبٌ أو مَحْمُولٌ على بَيَانِ الْجَوَازِ فَلَوْ تَرَكَهَا الْإِمَامُ وَأَتَى بها الْمَأْمُومُ ولم يَضُرَّ تَخَلُّفُهُ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ وَبِهِ فَارَقَ ما لو تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ وَلَا تُسَنُّ بَعْدَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ كما سَيَأْتِي في بَابِهَا وَلَا لِلْمُصَلِّي قَاعِدًا
قال الْبَغَوِيّ وَلَوْ صلى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِتَشَهُّدٍ جَلَسَ لِلِاسْتِرَاحَةِ في كل رَكْعَةٍ منها لِأَنَّهَا إذَا ثَبَتَتْ في الْأَوْتَارِ فَمَحَلُّ التَّشَهُّدِ أَوْلَى وَيُكْرَهُ تَطْوِيلُهَا على الْجُلُوسِ بين السَّجْدَتَيْنِ ذَكَرَهُ في التَّتِمَّةِ مُفْتَرِشًا فيها لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ ثُمَّ يَنْهَضُ مُعْتَمِدًا على يَدَيْهِ مَبْسُوطَتَيْنِ على الْأَرْضِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ خُشُوعًا وَتَوَاضُعًا وَأَعْوَنُ لِلْمُصَلِّي وما رُوِيَ من النَّهْيِ عن ذلك فَضَعِيفٌ وَلَا يُقَدِّمُ نَاهِضًا إحْدَى رِجْلَيْهِ على الْأُخْرَى مُعْتَمِدًا عليها عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَيُكْرَه أَنْ يُقَدِّمَ إحْدَى رِجْلَيْهِ حَالَ الْقِيَامِ وَيَعْتَمِدُ عليها وَتَقَدَّمَتْ مَسْأَلَةُ كَرَاهَةِ تَقْدِيمِ إحْدَاهُمَا على الْأُخْرَى مع زِيَادَةٍ في الرُّكْنِ الثَّالِثِ
وَجِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ لَيْسَتْ من الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ على الْأَصَحِّ وَلَا من الْأُولَى بَلْ فَاصِلَةٌ بَيْنَهُمَا كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَجُلُوسِهِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ في التَّعْلِيقِ على رَكْعَةٍ
الرُّكْنُ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ التَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ وَالْجُلُوسُ له أَمَّا التَّشَهُّدُ فَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عن ابْنِ مَسْعُودٍ كنا نَقُولُ قبل أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ السَّلَامُ على اللَّهِ قبل عِبَادِهِ السَّلَامُ على جِبْرِيلَ السَّلَامُ على مِيكَائِيلَ السَّلَامُ على فُلَانٍ فقال صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا تَقُولُوا السَّلَامُ على اللَّهِ فإن اللَّهَ هو السَّلَامُ وَلَكِنْ قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَى آخِرِهِ
وَالْمُرَادُ فَرْضُهُ في جُلُوسِ آخِرِ الصَّلَاةِ لِمَا سَيَأْتِي وَأَمَّا الْجُلُوسُ له فَلِأَنَّهُ مَحَلُّهُ فَيَتْبَعُهُ وَيَجِبُ الْجُلُوسُ أَيْضًا لِلصَّلَاةِ
____________________
(1/163)
على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في التَّشَهُّدِ وهو أَيْ التَّشَهُّدُ مَعْرُوفٌ وهو التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النبي وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رسول اللَّهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عن ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَاءَ في الصَّحِيحَيْنِ عن ابْنِ مَسْعُودٍ بِلَفْظِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْك إلَى آخِرِهِ إلَّا أَنَّهُ قال وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَفِيهِ أَخْبَارٌ أُخَرُ بِنَحْوِ ذلك قال النَّوَوِيُّ وَكُلُّهَا مُجْزِئَةٌ يَتَأَدَّى بها الْكَمَالُ وَأَصَحُّهَا خَبَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ ثُمَّ خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَكِنْ الْأَفْضَلُ تَشَهُّدُ ابن عَبَّاسٍ لِزِيَادَةِ لَفْظِ الْمُبَارَكَاتِ فيه وَلِمُوَافَقَتِهِ قَوْله تَعَالَى تَحِيَّةً من عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً وَلِتَأَخُّرِهِ عن تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالسُّنَنُ منه أَيْ من التَّشَهُّدِ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ وَأَشْهَدُ الثَّانِي فَأَقَلُّهُ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْك أَيُّهَا النبي وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول اللَّهِ أو مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ لِأَنَّ ما بَعْدَ التَّحِيَّاتِ من الْكَلِمَاتِ الثَّلَاثِ تَابِعٌ لها وَلَا يَكْفِي وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَصَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ وَغَيْرُهُ وَوَقَعَ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَكْفِي وَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يقول في تَشَهُّدِهِ وَأَشْهَدُ أَنِّي رسول اللَّهِ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ في الْأَذَانِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو مَمْنُوعٌ بَلْ الْمَنْقُولُ أَنَّ تَشَهُّدَهُ كَتَشَهُّدِنَا وَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ في الْمُوَطَّإِ وهو ما ذَكَرَهُ ابن الرِّفْعَةِ في الْكِفَايَةِ وَتَعْرِيفُ السَّلَامِ في الْمَوْضِعَيْنِ فيه أَيْ في التَّشَهُّدِ أَوْلَى من تَنْكِيرِهِ لِكَثْرَتِهِ في الْأَخْبَارِ وَكَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَلِزِيَادَتِهِ وَمُوَافَقَتِهِ سَلَامَ التَّحَلُّلِ وَلَا تُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ قَبْلَهُ لِعَدَمِ ثُبُوتِهَا
وَأَمَّا التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ وَجُلُوسُهُ أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا فَسُنَّةٌ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وَصَرَفَنَا عن وُجُوبِهِمَا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قام من رَكْعَتَيْنِ من الظُّهْرِ ولم يَجْلِسْ فلما قَضَى صَلَاتَهُ كَبَّرَ وهو جَالِسٌ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قبل السَّلَامِ ثُمَّ سَلَّمَ دَلَّ عَدَمُ تَدَارُكِهِمَا على عَدَمِ وُجُوبِهِمَا
وَكَيْفَ جَلَسَ في جِلْسَاتِ الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُ لَكِنْ الْأَفْضَلُ أَنْ يَتَوَرَّكَ في جُلُوسِهِ الْأَخِيرِ لَا مَسْبُوقٌ حَالَ الْمُتَابَعَةِ لِإِمَامِهِ ولا من يُرِيدُ سُجُودَ سَهْوٍ فَلَا يَتَوَرَّكُ بَلْ يَفْتَرِشُ كما شَمِلَهُ قَوْلُهُ وَيَفْتَرِشُ في سَائِرِ الْجِلْسَاتِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ وَالْأَصْلُ في ذلك الِاتِّبَاعُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالْحِكْمَةُ في الْمُخَالَفَةِ بين الْأَخِيرِ وَغَيْرِهِ أنها أَقْرَبُ لِعَدَمِ اشْتِبَاهِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وفي تَخْصِيصِ الِافْتِرَاشِ بِغَيْرِ الْأَخِيرِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ مُسْتَوْفِزٌ فيه لِلْحَرَكَةِ بِخِلَافِهِ في الْأَخِيرِ وَالْحَرَكَةُ عن الِافْتِرَاشِ أَهْوَنُ وَتَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ بِالْإِرَادَةِ تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ من زِيَادَتِهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا لم يُرِدْ السُّجُودَ يَتَوَرَّكُ وهو ظَاهِرٌ إنْ أَرَادَ عَدَمَهُ فَإِنْ لم يُرِدْ شيئا فَالْأَوْجَهُ أَنْ يَفْتَرِشَ نَظَرًا لِلْغَالِبِ من السُّجُودِ مع قِيَامِ سَبَبِهِ وَالِافْتِرَاشُ أَنْ يَجْلِسَ على بَطْنِ قَدَمِهِ الْيُسْرَى وَيَنْصِبَ الْيُمْنَى وَيَضَعَ أَصَابِعَهَا على الْأَرْضِ مُوَجِّهًا لها إلَى الْقِبْلَةِ وَالتَّوَرُّكُ أَنْ يُخْرِجَ يُسْرَاهُ وهو بِهَيْئَةِ أَيْ بَاقِي هَيْئَةِ الِافْتِرَاشِ عن يَمِينِهِ وَيُمَكِّنَ وَرِكَهُ من الْأَرْضِ لِلِاتِّبَاعِ فِيهِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
والأفضل في التَّشَهُّدَيْنِ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ على فَخِذَيْهِ
____________________
(1/164)
وَيَبْسُطَ الْيُسْرَى كما سَبَقَ أَيْ مُسْتَقْبِلًا بِأَصَابِعِهَا الْقِبْلَةَ قَرِيبًا من رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى بِحَيْثُ تُسَاوِي رُءُوسُهُمَا الرُّكْبَةَ وَيَقْبِضَ أَصَابِعَ الْيُمْنَى وَيَضَعُهَا على طَرَفِ رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى إلَّا الْمُسَبِّحَةَ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ التي تَلِي الْإِبْهَامَ فَيُرْسِلُهَا وَيَقْبِضُ الْإِبْهَامَ بِجَنْبِهَا بِأَنْ يَضَعَ الْإِبْهَامَ تَحْتَهَا على حَرْفِ رَاحَتِهِ كَالْعَاقِدِ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاعْتَرَضَ في الْمَجْمُوعِ ذلك بِأَنَّ شَرْطَهُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِسَابِ أَنْ يَضَعَ الْخِنْصَرَ على الْبِنْصِرِ وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا بَلْ مُرَادُهُمْ أَنْ يَضَعَهَا على الرَّاحَةِ كَالْبِنْصِرِ وَالْوُسْطَى وَهِيَ التي يُسَمُّونَهَا تِسْعَةً وَخَمْسِينَ ولم يَنْطِقُوا بها تَبَعًا لِلْخَبَرِ وَأَفَادَ ابن الْفِرْكَاحِ وَغَيْرُهُ أَنَّ عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ طَرِيقَةٌ لِبَعْضِ الْحِسَابِ وَعَلَيْهِ يَكُونُ لِتِسْعَةٍ وَخَمْسِينَ هَيْئَةٌ أُخْرَى أو تَكُونُ الْهَيْئَةُ الْوَاحِدَةُ مُشْتَرَكَةً بين الْعَدَدَيْنِ فَيُحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ وما ذُكِرَ في الْوُسْطَى وَالْإِبْهَامِ هو الْأَصَحُّ وَقِيلَ يُحَلِّقُ بَيْنَهُمَا وفي كَيْفِيَّتِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يُحَلِّقُ بَيْنَهُمَا بِرَأْسَيْهِمَا وَثَانِيهمَا يَضَعُ أُنْمُلَةَ الْوُسْطَى بين عُقْدَتَيْ الْإِبْهَامِ وَقِيلَ يَضَعُ الْإِبْهَامَ على الْوُسْطَى كَأَنَّهُ عَاقِدٌ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ وَقِيلَ يُرْسِلُهُمَا مع الْمُسَبِّحَةِ قال في الْأَصْلِ وَكَيْفَ فَعَلَ من هذه الْهَيْئَاتِ فَقَدْ أتى بِالسُّنَّةِ قَالَهُ ابن الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ قال الرَّافِعِيُّ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ قد وَرَدَتْ بها جميعا وَكَأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَصْنَعُ مَرَّةً هَكَذَا وَمَرَّةً هَكَذَا انْتَهَى فَالْخِلَافُ في الْأَصْلِ وَصَحَّحُوا الْأَوَّلَ لِأَنَّ رُوَاتَهُ أَفْقَهُ قَالَهُ ابن الرِّفْعَةِ وَيَرْفَعُ الْمُسَبِّحَةَ في أَثْنَاءِ كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ في التَّشَهُّدِ عِنْدَ بُلُوغِ هَمْزَةِ إلَّا اللَّهُ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وفي رَوْنَقِ الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ وَلُبَابِ الْمَحَامِلِيِّ يَرْفَعُهَا مُنْحَنِيَةً قَلِيلًا وَفِيهِ خَبَرٌ صَحِيحٌ في أبي دَاوُد وَخُصَّتْ الْمُسَبِّحَةُ بِذَلِكَ بِأَنَّ لها اتِّصَالًا بِنِيَاطِ الْقَلْبِ فَكَأَنَّهَا سَبَبٌ لِحُضُورِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ رَفْعُهَا إلَى الْقِبْلَةِ وَأَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْإِخْلَاصَ بِالتَّوْحِيدِ قال الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيَّ وَأَنْ يُقِيمَهَا وَلَا يَضَعَهَا وَلَا يُحَرِّكَهَا أَيْ وَلَا يُسْتَحَبُّ تَحْرِيكُهَا بَلْ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ قد يُذْهِبُ الْخُشُوعَ فَإِنْ حَرَّكَ لم تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْحَرَكَاتِ الْخَفِيفَةَ لَا تُؤَثِّرُ وَهَذَا مَعْلُومٌ من بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ فَإِنْ قُطِعَتْ يُمْنَاهُ لم يُشِرْ بِالْيُسْرَى بَلْ يُكْرَهُ لِفَوْتِ سُنَّةِ بَسْطِهَا الرُّكْنُ الْخَامِسَ عَشَرَ الصَّلَاةُ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَإِنْ لم يَكُنْ لِلصَّلَاةِ تَشَهُّدٌ أَوَّلُ كما في صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْجُمُعَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى صَلُّوا عليه قالوا وقد أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ على أنها لَا تَجِبُ في غَيْرِ الصَّلَاةِ فَتَعَيَّنَ وُجُوبُهَا فيها وَالْقَائِلُ بِوُجُوبِهَا مَرَّةً في غَيْرِهَا مَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ من قَبْلَهُ وَلِخَبَرِ كَعْبِ بن عُجْرَةَ قد عَرَفْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْك فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْك في صَلَاتِنَا قال قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كما صَلَّيْت على إبْرَاهِيمَ إلَى آخِرِهِ رَوَاهُ ابن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَأَصْلُهُ في الصَّحِيحَيْنِ وَالْمُنَاسِبُ لها من الصَّلَاةِ التَّشَهُّدُ آخِرَهَا فَتَجِبُ فيه أَيْ بَعْدَهُ كما صَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ وقد صلى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على نَفْسِهِ في الْوِتْر كما رَوَاهُ أبو عَوَانَةَ في مُسْنَدِهِ وقال صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ولم يُخْرِجْهَا شَيْءٌ عن الْوُجُوبِ بِخِلَافِهَا في التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ لِمَا مَرَّ فيه وَأَمَّا عَدَمُ ذِكْرِهَا في خَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ فَمَحْمُولٌ على أنها كانت مَعْلُومَةً له وَلِهَذَا لم يذكر له التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ وَالْجُلُوسَ له وَالنِّيَّةَ وَالسَّلَامَ
وَهِيَ أَيْ الصَّلَاةُ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ سُنَّةٌ تَبَعًا له وَعَلَى الْآلِ الْأَخِيرِ سُنَّةٌ لِخَبَرِ كَعْبٍ السَّابِقِ حَمْلًا له على النَّدْبِ كَالْبَاقِي بَعْدَهَا بِخِلَافِهَا في التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ لِبِنَائِهِ على التَّخْفِيفِ وَأَقَلُّهَا في الصَّلَاةِ عليه اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَنَحْوُهُ كَصَلَّى اللَّهُ على مُحَمَّدٍ أو على رَسُولِهِ أو على النبي دُونَ أَحْمَدَ أو عليه على الصَّحِيحِ في التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وأقلها في الصَّلَاةِ على الْآلِ مع اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ أو نَحْوِهِ مِمَّا مَرَّ وَآلِهِ وَالْأَكْمَلُ فِيهِمَا مَعْرُوفٌ وهو كما في الْأَصْلِ اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كما صَلَّيْت على إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ على مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كما بَارَكْت على إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ وفي الْأَذْكَارِ وَغَيْرِهِ الْأَفْضَلُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ عَبْدِك وَرَسُولِك النبي الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كما صَلَّيْت على إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ على مُحَمَّدٍ النبي الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كما بَارَكَتْ على إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ في الْعَالَمِينَ
____________________
(1/165)
إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَكَذَا في التَّحْقِيقِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَاشْتُهِرَ زِيَادَةُ سَيِّدِنَا قبل مُحَمَّدٍ وفي كَوْنِهِ أَفْضَلَ نَظَرٌ وفي حِفْظِي أَنَّ الشَّيْخَ عِزَّ الدِّينِ بَنَاهُ على أَنَّ الْأَفْضَلَ سُلُوكُ الْأَدَبِ أَمْ امْتِثَالُ الْأَمْرِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يُسْتَحَبُّ دُونَ الثَّانِي انْتَهَى
وَإِنْ تَشَهَّدَ الْمُصَلِّي بِمَا رَوَاهُ عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه كما رَوَاهُ مَالِكٌ وهو التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْك إلَى قَوْلِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أو بِمَا رَوَاهُ ابن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه وقد قَدَّمْته فَحَسَنٌ وَأَحْسَنُ منه التَّشَهُّدُ بِمَا رَوَاهُ ابن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما وقد قَدَّمْته أَيْضًا وَلَوْ ذُكِرَ هذا في الْكَلَامِ على التَّشَهُّدِ كما في الْأَصْلِ كان أَوْلَى
وَيُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ بَعْدَهَا أَيْ بَعْدَ الصَّلَاةِ عليه وَعَلَى آلِهِ في التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ بِمَا شَاءَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا نحو اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي جَارِيَةً حَسْنَاءَ لِخَبَرِ إذَا قَعَدَ أحدكم في الصَّلَاةِ فَلْيَقْرَأْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَى آخِرِهَا ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ من الْمَسْأَلَةِ ما شَاءَ أو أَحَبَّ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ من الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ فَيَدْعُوَ بِهِ والدعاء بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ أَفْضَلُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ وَالدُّعَاءُ الْمَأْثُورُ بِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ الْمَنْقُولُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَفْضَلُ من غَيْرِهِ وَمِنْهُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْت وما أَخَّرْت وما أَسْرَرْت وما أَعْلَنْت وما أَسْرَفْت وما أنت أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أنت الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إلَهَ إلَّا أنت وَمِنْهُ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك من عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَمِنْهُ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك من الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ وَمِنْهُ إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنت فَاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً من عِنْدِك وَارْحَمْنِي إنَّك أنت الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَلْيَكُنْ دُعَاؤُهُ أَقَلَّ من التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُمَا وَاَلَّذِي في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ يُسَنُّ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَيْهِمَا فَإِنْ زَادَ لم يَضُرَّ ولكن يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ تَطْوِيلُهُ بِغَيْرِ رِضَا الْمَأْمُومِينَ وما شَمِلَهُ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ من أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ دُعَاؤُهُ أَقَلَّ من التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خِلَافُ ما في كُتُبِ الْمَذْهَبِ فإن الذي فيها أَنَّهُ يُطِيلُ ما أَرَادَ ما لم يَخَفْ وُقُوعَهُ بِهِ في سَهْوٍ جَزَمَ بِهِ خَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ وَنُصَّ عليه في الْأُمِّ وقال فَإِنْ لم يَزِدْ على التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كَرِهْت ذلك وقد جَزَمَ بِذَلِكَ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ فإنه ذَكَرَ النَّصَّ ولم يُخَالِفْهُ نَبَّهَ على ذلك في الْمُهِمَّاتِ ويكره أَنْ يُزَادَ في التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ على الصَّلَاةِ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِبِنَائِهِ على التَّخْفِيفِ فَإِنْ طَوَّلَهُ لم تَبْطُلْ صَلَاتُهُ ولم يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ سَوَاءٌ أَطَوَّلَهُ عَمْدًا أُمّ سَهْوًا
فَرْعٌ الْعَاجِزُ عن التَّشَهُّدِ وَالتَّصْلِيَةِ أَيْ الصَّلَاةِ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَآلِهِ بَعْدَهُ وَكَذَا سَائِرُ أَذْكَارِ الصَّلَاةِ وَأَدْعِيَتِهَا الْمَأْثُورَةِ يُتَرْجِمُ عنها بِالْعَجَمِيَّةِ وُجُوبًا في الْوَاجِبِ وَنَدْبًا في الْمَنْدُوبِ فَإِنْ تَرْجَمَ بها قَادِرًا على الْعَرَبِيَّةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِتَقْصِيرِهِ وَتَبْطُلُ بِدُعَاءٍ مُخْتَرَعٍ بِالْعَجَمِيَّةِ وَمِثْلُهُ الذِّكْرُ كما ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ
فَإِنْ فَرَغَ من التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ قام مُكَبِّرًا وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ أَيْ لَا يُسْتَحَبُّ رَفْعُهُمَا في قِيَامِهِ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ اسْتِحْبَابَهُ فقال إنَّهُ الصَّحِيحُ أو الصَّوَابُ لِثُبُوتِهِ في صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ قال في الرَّوْضَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ في الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً وفي الثُّلَاثِيَّةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وفي الثُّنَائِيَّةِ إحْدَى عَشْرَةَ
الرُّكْنُ السَّادِسَ عَشَرَ السَّلَامُ لِخَبَرِ مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَالْمَعْنَى فيه أَنَّهُ كان مَشْغُولًا عن الناس ثُمَّ أَقْبَلَ عليهم وَأَقَلُّهُ أَنْ يَقُولَ قَاعِدًا بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ بِمَا يَتَّصِلُ بِهِ من الصَّلَاةِ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم السَّلَامُ عَلَيْكُمْ لِلِاتِّبَاعِ مع خَبَرِ صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَالتَّصْرِيحُ بِبَعْدِ التَّشَهُّدِ من زِيَادَتِهِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَوْهَرِيَّ قال إنَّ السِّلْمَ بِكَسْرِ السِّينِ وَسُكُونِ
____________________
(1/166)
اللَّامِ هو السَّلَامُ وَحِينَئِذٍ فَيُتَّجَهُ جَوَازُهُ ا ه
وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ لِأَنَّهُ مع عَدَمِ وُرُودِهِ يُطْلَقُ على الصُّلْحِ أَيْضًا
فَلَوْ نَكَّرَهُ فقال سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لم يُجْزِهِ لِعَدَمِ وُرُودِهِ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا أَجْزَأَ في التَّشَهُّدِ لِوُرُودِهِ فيه وَالْقَوْلُ بِأَنَّ التَّنْوِينَ يَقُومُ مَقَامَ أَلْ مَرْدُودٌ وَإِنْ لم يَجْتَمِعَا لِأَنَّهُ لَا يَسُدُّ مَسَدَّهُ في الْعُمُومِ وَالتَّعْرِيفِ وَغَيْرِهِمَا
وَلَوْ عَكَسَ بِأَنْ قال عَلَيْكُمْ السَّلَامُ أَجْزَأَهُ لِتَأْدِيَتِهِ مَعْنَى السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَكُرِهَ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِلْوَارِدِ بِلَا فَائِدَةٍ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن النَّصِّ كَالرَّافِعِيِّ
فَإِنْ قال سَلَامِي أو سَلَامٌ عَلَيْك أو عَلَيْكُمْ أو سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أو السَّلَامُ عَلَيْك أو سَلَامُ عَلَيْكُمْ بِلَا تَنْوِينٍ أو سَلَّمَ عَلَيْكُمْ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِلْخِطَابِ بِغَيْرِ ما وَرَدَ أو السَّلَامُ أو سَلَامُ اللَّهِ أو سَلَامٌ أو عليهم أو عليه أو عَلَيْهِمَا لم تَبْطُلْ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ لَا خِطَابَ فيه ولم يُجْزِهِ وفي عَلَيْكُمَا السَّلَامُ وَجْهَانِ في الْكِفَايَةِ وَالْأَوْجَهُ فيه وفي عَكْسِهِ أَنَّهُ كَالسَّلَامُ عَلَيْك
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْوِيَ بِالسَّلَامِ الْأَوَّلِ الْخُرُوجَ من الصَّلَاةِ خُرُوجًا من خِلَافِ من أَوْجَبَهَا كَنِيَّةِ التَّحَرُّمِ لِأَنَّ السَّلَامَ ذِكْرٌ وَاجِبٌ في أَحَدِ طَرَفَيْ الصَّلَاةِ كَالتَّكْبِيرِ وَأَجَابَ من لم يُوجِبْهَا بِالْقِيَاسِ على سَائِرِ الْعِبَادَاتِ لِأَنَّ النِّيَّةَ تَلِيقُ بِالْإِقْدَامِ دُونَ التَّرْكِ وإذا نَوَى فَلَا يَضُرُّ تَعْيِينُ غَيْرِ صَلَاتِهِ خَطَأً كما لو دخل في ظُهْرٍ وَظَنَّهَا في الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ عَصْرًا ثُمَّ تَذَكَّرَ في الثَّالِثَةِ لَا يَضُرُّ وَلِأَنَّ ما لَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ له لَا يَضُرُّ الْخَطَأُ فيه كَتَعْيِينِ الْيَوْمِ لِلصَّلَاةِ وَتَبِعْت في تَقْيِيدِي بِالْخَطَإِ الْأَصْلَ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِقَوْلِ الْمُهِمَّاتِ الْمُرَادُ بِذَلِكَ تَعْيِينُ خِلَافِ ما هو عليه عَمْدًا أو سَهْوًا فإن الْأَكْثَرِينَ مِمَّنْ تَكَلَّمَ على الْمَسْأَلَةِ قد صَرَّحُوا بِذَلِكَ منهم الْقَفَّالُ وَالْبَغَوِيُّ وَالطَّبَرِيُّ في الْعُدَّةِ وَالْعِمْرَانِيُّ وهو مَفْهُومٌ من عِبَارَةِ الرَّافِعِيِّ وما قَالَهُ وَإِنْ كان قَوِيًّا فَفِيهِ نَظَرٌ من حَيْثُ إنَّ هَؤُلَاءِ لم يُصَرِّحُوا بِذَلِكَ بَلْ بَعْضُهُمْ أَطْلَقَ وَبَعْضُهُمْ قَيَّدَ بِالْخَطَإِ وَعِبَارَةُ الْمُطْلِقِ تُفْهِمُ التَّقْيِيدَ بِالْخَطَإِ
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ في سَلَامِهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ دُونَ وَبَرَكَاتِهِ كما صَحَّحَهُ في الْمَجْمُوعِ وَصَوَّبَهُ وَأَنْ يُسَلِّمَ ثَانِيَةً إلَّا أَنْ يَعْرِضَ له عَقِبَ الْأُولَى ما يُنَافِي صَلَاتَهُ فَيَجِبُ الِاقْتِصَارُ عليها وَذَلِكَ كَأَنْ خَرَجَ وَقْتُ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْأُولَى أو انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ أو شَكَّ فيها أو تَخَرَّقَ الْخُفُّ أو نَوَى الْقَاصِرُ الْإِقَامَةَ وَيُسْتَحَبُّ إذَا أتى بِهِمَا أَنْ يَفْصِلَ بَيْنهمَا كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْعَبَّادِيِّ في طَبَقَاتِهِ عن الشَّافِعِيِّ رضي اللَّهُ عنه وَصَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ في الْإِحْيَاءِ وَأَنْ تَكُونَ الْأُولَى يَمِينًا وَالْأُخْرَى يَسَارًا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ ابن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ يَبْتَدِئُ بِالسَّلَامِ مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ ثُمَّ يَلْتَفِتُ مَرَّةً عن يَمِينِهِ وَمَرَّةً عن يَسَارِهِ حتى يُرَى في كُلٍّ مِنْهُمَا خَدُّهُ الْوَاحِدُ لَا خَدَّاهُ وَيُتِمُّهُ أَيْ السَّلَامَ بِتَمَامِ الِالْتِفَاتِ وَيَنْوِي الْمُصَلِّي السَّلَامَ على من الْتَفَتَ هو إلَيْهِ من مَلَائِكَةٍ وَمُسْلِمِي إنْسٍ وَجِنٍّ وينوي الْمَأْمُومُ الرَّدَّ على من سَلَّمَ عليه وَعَلَى الْإِمَامِ حين يَلْتَفِتُ هو جِهَتَهُ أَيْ جِهَةَ من سَلَّمَ عليه من الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ وَعَلَى الْإِمَامِ دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ هذا إنْ كان عن يَمِينِ الْإِمَامِ أو يَسَارِهِ وَإِنْ كان خَلْفَهُ سَلَّمَ عليه الْإِمَامُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَرَدَّ هو عليه كَذَلِكَ كما عُلِمَ ذلك مع بَيَانِ الْأَوْلَى بِقَوْلِهِ فَبِالْأُولَى أَوْلَى وَالْأَصْلُ في ذلك خَبَرُ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يُصَلِّي قبل الظُّهْرِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا وَقَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا يَفْصِلُ بين كل رَكْعَتَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ على الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَالنَّبِيِّينَ وَمَنْ مَعَهُمْ من الْمُؤْمِنِينَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَخَبَرُ سَمُرَةَ رضي اللَّهُ عنه أَمَرَنَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم
____________________
(1/167)
أَنْ نَرُدَّ على الْإِمَامِ وَأَنْ نَتَحَابَّ وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا على بَعْضٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَيُسَنُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ لَا يُسَلِّمَ إلَّا بَعْدَ تَسْلِيمَتَيْ الْإِمَامِ وَلَا يَضُرُّ مُقَارَنَتُهُ كَبَقِيَّةِ الْأَذْكَارِ وَفَارَقَ تَكْبِيرَةَ التَّحَرُّمِ بِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ في الصَّلَاةِ حتى يَفْرُغَ منها فَلَا يَرْبُطُ صَلَاتَهُ بِمَنْ ليس في صَلَاةٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَمُدَّ لَفْظَ السَّلَامِ لِخَبَرِ جَزْمُ السَّلَامِ سُنَّةٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ
الرُّكْنُ السَّابِعَ عَشَرَ التَّرْتِيبُ بين الْأَرْكَانِ كما ذَكَرْنَاهُ في عَدِّهَا الْمُشْتَمِلِ على قَرْنِ النِّيَّةِ بِالتَّكْبِيرِ وَجَعْلِهِمَا مع الْقِرَاءَةِ في الْقِيَامِ وَجَعْلِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْقُعُودِ فَالتَّرْتِيبُ عِنْدَ من أَطْلَقَهُ مُرَادٌ فِيمَا عَدَا ذلك وَمِنْهُ الصَّلَاةُ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنَّهَا من التَّشَهُّدِ كما جَزَمَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ فَهِيَ مُرَتَّبَةٌ وَغَيْرُ مُرَتَّبَةٍ بِاعْتِبَارَيْنِ وَدَلِيلُ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ الِاتِّبَاعُ كما في الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ مع خَبَرِ صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَعَدُّهُ من الْأَرْكَانِ بِمَعْنَى الْفُرُوضِ كما مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ صَحِيحٌ وَبِمَعْنَى الْإِجْزَاءِ فيه تَغْلِيبٌ وَسَكَتَ عن عَدِّ الْوِلَاءِ رُكْنًا وَحَكَى الْأَصْلُ أَنَّهُ رُكْنٌ وَصَوَّرَهُ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِلْإِمَامِ بِعَدَمِ تَطْوِيلِ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ وابن الصَّلَاحِ بِعَدَمِ طُولِ الْفَصْلِ بَعْدَ سَلَامِهِ نَاسِيًا ولم يَعُدَّهُ الْأَكْثَرُونَ رُكْنًا لِكَوْنِهِ كَالْجُزْءِ من الرُّكْنِ الْقَصِيرِ أو لِكَوْنِهِ أَشْبَهَ بِالْمَتْرُوكِ وقال النَّوَوِيُّ في تَنْقِيحِهِ الْوِلَاءُ وَالتَّرْتِيبُ شَرْطَانِ وهو أَظْهَرُ من عَدِّهِمَا رُكْنَيْنِ
ا ه
وَالْمَشْهُورُ عَدُّ التَّرْتِيبِ رُكْنًا وَالْوِلَاءِ شَرْطًا
وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ أَنْ يُكْثِرَ ذِكْرَ اللَّهِ بَعْدَ السَّلَامِ وأن يَدْعُوَ بَعْدَهُ لِأَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ أَوْضَحَهَا النَّوَوِيُّ في أَذْكَارِهِ وَهَذَا ذَكَرَهُ أَيْضًا في الْمَجْمُوعِ ثُمَّ قال بَعْدُ قال الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا سَلَّمَ أَنْ يَقُومَ من مُصَلَّاهُ عَقِبَ سَلَامِهِ إذَا لم يَكُنْ خَلْفَهُ نِسَاءٌ قال الْأَصْحَابُ لِئَلَّا يَشُكَّ هو أو من خَلْفَهُ هل سَلَّمَ أو لَا وَلِئَلَّا يَدْخُلَ غَرِيبٌ فَيَظُنَّهُ بَعْدُ في صَلَاتِهِ فَيَقْتَدِيَ بِهِ
ا ه
وَهَذَا لَا يُنَافِي الْأَوَّلَ إذْ لَا يَلْزَمُ من الْقِيَامِ عَقِبَ السَّلَامِ تَرْكُ الذِّكْرِ عَقِبَهُ وَلَا من الذِّكْرِ عَقِبَهُ تَرْكُ الْقِيَامِ عَقِبَهُ قال الْأَذْرَعِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْمَجْمُوعِ وَالْعِلَّتَانِ تَنْتَفِيَانِ إذَا حَوَّلَ وَجْهَهُ إلَيْهِمْ أو انْحَرَفَ عن الْقِبْلَةِ وَعِبَارَةُ الْكَافِي وَإِنْ لم يَكُنْ وَرَاءَهُ نِسَاءٌ تَحَوَّلَ عن مَوْضِعِ صَلَاتِهِ لِيَعْلَمَ الدَّاخِلُ أَنَّ الصَّلَاةَ قد انْقَضَتْ قال في الْمُهِمَّاتِ وَقَيَّدَ الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ عنه اسْتِحْبَابَ إكْثَارِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ بِالْمُنْفَرِدِ وَالْمَأْمُومِ وَنَقَلَهُ عنه في الْمَجْمُوعِ لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَخْتَصِرَ فِيهِمَا بِحَضْرَةِ الْمَأْمُومِينَ فإذا انْصَرَفُوا طَوَّلَ وَهَذَا هو الْحَقُّ
ا ه
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا سِرًّا لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ ولكن يَجْهَرُ بِهِمَا إمَامٌ يُرِيدُ تَعْلِيمَ مَأْمُومِينَ فإذا تَعَلَّمُوا أَسَرَّ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ تُفْهِمُ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ في الذِّكْرِ الْجَهْرُ لَا الْإِسْرَارُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كما حَكَاهُ في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ فَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَوْلَى قال الْأَذْرَعِيُّ وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ عنه أَحَادِيثَ الْجَهْرِ على من يُرِيدُ التَّعْلِيمَ قال وفي كَلَامِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ ما يَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ رَفْعِ الْجَمَاعَةِ الصَّوْتَ بِالذِّكْرِ دَائِمًا وهو ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وفي النَّفْسِ من حَمْلِهَا على ما ذَكَرَهُ رضي اللَّهُ عنه شَيْءٌ قال في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقْبِلَ عليهم في الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ
وَالْأَفْضَلُ جَعْلُ يَمِينِهِ إلَيْهِمْ وَيَسَارِهِ إلَى الْمِحْرَابِ وَقِيلَ عَكْسُهُ وقال الصَّيْمَرِيُّ وَغَيْرُهُ يَسْتَقْبِلُهُمْ بِوَجْهِهِ في الدُّعَاءِ وَقَوْلُهُمْ من أَدَبِ الدُّعَاءِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ مُرَادُهُمْ غَالِبًا لَا دَائِمًا وأن يَفْصِلَ الْمُصَلِّي النَّافِلَةَ التي بَعْدَ الْفَرِيضَةِ بِانْتِقَالٍ إلَى بَيْتِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ صَلُّوا أَيُّهَا الناس في بُيُوتِكُمْ فإن أَفْضَلَ
____________________
(1/168)
صَلَاةِ الْمَرْءِ في بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ إذَا قَضَى أحدكم صَلَاتَهُ في مَسْجِدِهِ فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ من صَلَاتِهِ فإن اللَّهَ جَاعِلٌ في بَيْتِهِ من صَلَاتِهِ خَيْرًا ثُمَّ إنْ لم يَرْجِعْ إلَى بَيْتِهِ انْتَقَلَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لِتَشْهَدَ له الْمَوَاضِعُ
وَظَاهِرُ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ السَّابِقِ أَنَّ صَلَاةَ سَائِرٍ النَّوَافِلِ في بَيْتِهِ حتى الرَّوَاتِبِ مع الْفَرَائِضِ وَغَيْرِهَا أَفْضَلُ وهو ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ في بَابِ التَّطَوُّعِ وَصَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ ثُمَّ نَقَلَهُ عن أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَسَيَأْتِي ثَمَّ ما يُسْتَثْنَى منه قال في الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ لم يَنْتَقِلْ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَصَلَ بِكَلَامِ إنْسَانٍ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ الذي لَا يُطْلَبُ منه الِانْصِرَافُ عَقِبَ سَلَامِ إمَامِهِ أَنْ يَمْكُثَ حتى يَقُومَ الْإِمَامُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ الْإِمَامُ وَمَنْ معه من الرِّجَالِ بَعْدَ انْصِرَافِ النِّسَاءِ فَيُسْتَحَبُّ لهم أَنْ يَمْكُثُوا في مُصَلَّاهُمْ يَذْكُرُونَ اللَّهَ حتى يَنْصَرِفْنَ وَيُسْتَحَبُّ لَهُنَّ أَنْ يَنْصَرِفْنَ عَقِبَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْخَنَاثَى مِثْلُهُنَّ وَأَنَّهُمْ يَنْصَرِفُونَ بَعْدَهُنَّ مُتَفَرِّقِينَ وَيَنْصَرِفُ الْمُصَلِّي صَوْبَ حَاجَتِهِ إنْ كانت وَإِلَّا فَيَمِينًا لِأَنَّ جِهَتَهَا أَفْضَلُ وَلِلْمَأْمُومِ الْمُوَافِقِ تَأْخِيرُ السَّلَامِ وَتَطْوِيلُ الدُّعَاءِ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ لِانْقِطَاعِ الْقُدْوَةِ بِسَلَامِهِ أَمَّا الْمَسْبُوقُ فَإِنْ كان جُلُوسُهُ مع الْإِمَامِ في مَحَلِّ تَشَهُّدِهِ الْأَوَّلِ فَكَذَلِكَ لَكِنْ مع كَرَاهَةِ تَطْوِيلِهِ كما مَرَّ وَإِلَّا فَيَقُومُ على الْفَوْرِ فَإِنْ قَعَدَ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أو سَهْوًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ كما هو مَعْرُوفٌ في مَحَلِّهِ ويستحب لِلْمَأْمُومِ الْإِتْيَانُ بِالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ تَرَكَهَا إمَامُهُ لِخُرُوجِهِ عن مُتَابَعَتِهِ بِالْأُولَى بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ لو تَرَكَهُ إمَامُهُ لَا يَأْتِي بِهِ لِوُجُوبِ مُتَابَعَتِهِ قبل السَّلَامِ وَعِبَارَتُهُ تُفْهِمُ أَنَّ ما قَالَهُ جَائِزٌ لَا مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ مُرَادًا كما قَرَّرْته تَبَعًا لِلرَّوْضَةِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُصَلِّي الْخُشُوعُ قال تَعَالَى قد أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ في صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَنَظَرُ مَوْضِعِ سُجُودِهِ في جَمِيعِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْخُشُوعِ نعم يُسْتَحَبُّ في التَّشَهُّدِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ بَصَرُهُ إشَارَتَهُ لِحَدِيثٍ فيه وَالدُّخُولُ فيها بِنَشَاطٍ لِلذَّمِّ على ضِدِّهِ قال تَعَالَى وإذا قَامُوا إلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى وَفَرَاغُ قَلْبٍ من الشَّوَاغِلِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْخُشُوعِ وَلَا يُكْرَهُ تَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ إنْ لم يَخَفْ ضَرَرًا كما اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ إذْ لم يَرِدْ فيه نَهْيٌ وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ وكان الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ إنْ لم تَكُنْ فيه مَصْلَحَةٌ فيه نَظَرٌ
فَرْعٌ لو قَضَى فَرِيضَةً جَهْرِيَّةً أو سِرِّيَّةً كما فُهِمْت بِالْأَوْلَى ما بين طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا أَسَرَّ وَبِعَكْسِهِ بِأَنْ قَضَى سِرِّيَّةً أو جَهْرِيَّةً كما فُهِمَتْ بِالْأَوْلَى ما بين غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِهَا يَجْهَرُ فَالْعِبْرَةُ في الْإِسْرَارِ وَالْجَهْرِ بِوَقْتِ الْقَضَاءِ لَا بِوَقْتِ الْأَدَاءِ
وَيَجِبُ قَضَاءُ فَوَائِتِ الْفَرَائِضِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ من نَامَ عن صَلَاةٍ أو نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا ثُمَّ إنْ فَاتَتْ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَجَبَ قَضَاؤُهَا على الْفَوْرِ وَإِلَّا نُدِبَ وَيُسْتَحَبُّ تَرْتِيبُهَا لِتَرْتِيبِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَوَائِتَ الْخَنْدَقِ وَخُرُوجًا من خِلَافِ من أَوْجَبَهُ وَإِنَّمَا لم تَجِبْ لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَالتَّرْتِيبُ فيها من تَوَابِعِ الْوَقْتِ وَضَرُورَاتِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ في الْقَضَاءِ كَصَوْمِ أَيَّامِ رَمَضَانَ ويستحب تَقْدِيمُهَا على حَاضِرَةٍ لم يَخَفْ فَوَاتَهَا لِمَا مَرَّ فَإِنْ خَافَ فَوَاتَهَا وَجَبَ تَقْدِيمُهَا على الْفَائِتَةِ لِئَلَّا تَصِيرَ الْأُخْرَى فَائِتَةً وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لو أَمْكَنَهُ بَعْدَ فِعْلِ الْفَائِتَةِ إدْرَاكُ رَكْعَةٍ جَازَ تَقْدِيمُهَا وَيُحْمَلُ تَحْرِيمُ إخْرَاجِ بَعْضِ الصَّلَاةِ عن وَقْتِهَا على غَيْرِ هذا وَلِإِفَادَةِ ذلك عَدَلَ إلَى ما قَالَهُ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ وَالْمِنْهَاجِ وَالتَّحْقِيقِ وَالتَّنْبِيهِ عن قَوْلِ الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحَيْنِ على حَاضِرَةٍ اتَّسَعَ وَقْتُهَا لَا إنْ خَافَ فَوَاتَ
____________________
(1/169)
جَمَاعَتِهَا أَيْ الْحَاضِرَةِ فَلَا يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهَا بَلْ يُصَلِّي الْفَائِتَةَ نَدْبًا أَوَّلًا مُنْفَرِدًا أو جَمَاعَةً لِأَنَّ التَّرْتِيبَ مُخْتَلَفٌ في وُجُوبِهِ وَالْقَضَاءُ خَلْفَ الْأَدَاءِ مُخْتَلَفٌ في جَوَازِهِ فَاسْتُحِبَّ الْخُرُوجُ من الْخِلَافِ وَاعْتَرَضَهُ في الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّهُ مَرْدُودٌ نَقْلًا وَبَحْثًا أَمَّا النَّقْلُ فَالنُّقُولُ مُتَظَاهِرَةٌ على تَقْدِيمِ الْحَاضِرَةِ بِالْجَمَاعَةِ وَأَمَّا الْبَحْثُ فَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِ الْجَمَاعَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَرُدَّ بِأَنَّ ما ذُكِرَ قد جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا وهو الْجَارِي على الْقَاعِدَةِ من اسْتِحْبَابِ الْخُرُوجِ من الْخِلَافِ وَهَذَا كما تُؤَخَّرُ الصَّلَاةُ عن أَوَّلِ وَقْتِهَا لِلِاشْتِغَالِ بِالْفَائِتَةِ وَتُقْطَعُ وُجُوبًا فَائِتَةٌ شَرَعَ فيها لِحَاضِرَةٍ ضَاقَ وَقْتُهَا لِئَلَّا تَصِيرَ فَائِتَةً لَا حَاضِرَةٌ أَيْ لَا يَقْطَعُهَا لِفَائِتَةٍ بَلْ يُتِمُّهَا وَإِنْ اتَّسَعَ وَقْتُهَا ثُمَّ يُصَلِّي الْفَائِتَةَ وَيُسْتَحَبُّ إعَادَةُ الْحَاضِرَةِ بَعْدَهَا بِقَيْدٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ إنْ اتَّسَعَ أَيْ وَقْتُهَا
وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ فَوَائِتَهُ لَا تَنْقُصُ عن عَشْرٍ وَلَا تَزِيدُ على عِشْرِينَ لَزِمَهُ الْعِشْرُونَ لِيَبْرَأَ يَقِينًا وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا عَرَفَ نَوْعَهَا وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ مِائَةٌ كُلُّ عِشْرِينَ من نَوْعٍ لِأَنَّ من فَاتَهُ صَلَاةٌ ولم يَعْرِفْ عَيْنَهَا لَزِمَهُ الْخَمْسُ
وَلَوْ جَهِلَ كَوْنَ أَصْلِ الصَّلَاةِ أو صَلَاتِهِ التي شَرَعَ فيها أو الْوُضُوءِ فَرْضًا أو عَلِمَ أَنَّ فيها فَرَائِضَ وَسُنَنًا ولم يُمَيِّزْ بَيْنَهُمَا لم يَصِحَّ ما فَعَلَهُ لِتَرْكِهِ مَعْرِفَةَ التَّمْيِيزِ الْوَاجِبَةَ وَنُقِلَ عن الْغَزَالِيِّ أَنَّ من لم يُمَيِّزْ من الْعَامَّةِ فَرْضَ الصَّلَاةِ من سُنَنِهَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَقْصِدَ النَّفَلَ بِالْفَرْضِ وَاخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ بَلْ صَحَّحَهُ في مَجْمُوعِهِ وَلَوْ اعْتَقَدَ عَامِّيٌّ أو غَيْرُهُ أَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِهَا فَرْضٌ صَحَّتْ لِأَنَّهُ ليس فيه أَكْثَرُ من أَنَّهُ أَدَّى سُنَّةً بِاعْتِقَادِ الْفَرْضِ وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ الْبَابُ الْخَامِسُ في شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَمَوَانِعِهَا
الشَّرْطُ بِالسُّكُونِ لُغَةً إلْزَامُ الشَّيْءِ وَالْتِزَامُهُ لَا الْعَلَامَةُ وَإِنْ عَبَّرَ بها بَعْضُهُمْ فَإِنَّهَا إنَّمَا هِيَ مَعْنَى الشَّرَطِ بِالْفَتْحِ وَاصْطِلَاحًا ما يَلْزَمُ من عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ من وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ وَالْمَانِعُ لُغَةً الْحَائِلُ وَاصْطِلَاحًا ما يَلْزَمُ من وُجُودِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ من عَدَمِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ كَالْكَلَامِ فيها عَمْدًا وَلَمَّا كان انْتِفَاءُ الْمَانِعِ مُعْتَبَرًا كَالشَّرْطِ أَدْخَلَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْأَصْلِ فيه فقال وَهِيَ أَيْ شُرُوطُهَا ما عَدَا تَمْيِيزَ فَرَائِضِهَا من سُنَنِهَا على ما مَرَّ ثَمَانِيَةٌ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي الِاسْتِقْبَالُ وَالْوَقْتُ وَتَقَدَّمَا
والثالث ( ( ( الباب ) ) ) طَهَارَةُ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِغَيْرِ أَيْ بِحَدَثٍ غَيْرِ الْحَدَثِ الدَّائِمِ وَإِنْ سَبَقَهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ وَخَبَرِ إذَا فَسَا أحدكم في صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُعِدْ صَلَاتَهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَقَوْلُهُ بِلَا اخْتِيَارٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ سَبَقَهُ وَلَوْ قال وَلَوْ بِلَا اخْتِيَارٍ بِأَنْ سَبَقَهُ كان أَوْلَى وَأَوْفَقَ بِعِبَارَةِ الْأَصْلِ أَمَّا الْحَدَثُ الدَّائِمُ فَلَا يَضُرُّ على تَفْصِيلٍ مَرَّ في الْحَيْضِ كَمَنْ تَنَجَّسَ ثَوْبُهُ أو تَخَرَّقَ خُفُّهُ أو أَبْعَدَتْ الرِّيحُ ثَوْبَهُ وهو في الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ وَإِنْ حَصَلَ بِلَا تَقْصِيرٍ فَإِنْ نَحَّى النَّجَاسَةَ وَلَوْ رَطْبَةً بِأَنْ نَحَّى مَحَلَّهَا أو رَدَّ الثَّوْبَ على عَوْرَتِهِ فَوْرًا لم يَضُرَّ وَيُغْتَفَرُ هذا الْعَارِضُ وَإِنْ نَحَّاهَا بِكُمِّهِ أو غَيْرِهِ كَيَدِهِ بَطَلَتْ لِأَنَّهُ لَاقَاهَا قَصْدًا أو بِعُودٍ فَوَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا بُطْلَانُهَا
وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَحْدَثَ في صَلَاتِهِ أَنْ يَأْخُذَ بِأَنْفِهِ ثُمَّ يَنْصَرِفَ لِيُوهِمَ أَنَّهُ رَعَفَ سَتْرًا على نَفْسِهِ وَهَذَا وما قَبْلَهُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ ابن الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ فُصِدَ مَثَلًا بِمَعْنَى اُفْتُصِدَ فَنَزَلَ الدَّمُ أَيْ خَرَجَ ولم يُلَوِّثْ بَشَرَتَهُ قال الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ أو لَوَّثَهَا قَلِيلًا لم تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْمُنْفَصِلَ غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ أو مُغْتَفَرٌ
الشَّرْطُ الرَّابِعُ طَهَارَةُ النَّجَسِ الْمُتَّصِلِ بِبَدَنِهِ أو مَحْمُولِهِ أو مُلَاقِيهِمَا فَتَبْطُلُ بِهِ وَلَوْ مع جَهْلِهِ بِوُجُودِهِ
____________________
(1/170)
أو بِكَوْنِهِ مُبْطِلًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَثِيَابَك فَطَهِّرْ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وإذا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمَ وَصَلِّي ثَبُتَ الْأَمْرُ بِاجْتِنَابِ النَّجَسِ وهو لَا يَجِبُ بِغَيْرِ تَضَمُّخٍ في غَيْرِ الصَّلَاةِ فَيَجِبُ فيها وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عن ضِدِّهِ وَالنَّهْيُ في الْعِبَادَاتِ يَقْتَضِي فَسَادَهَا
فَإِنْ تَنَجَّسَ ثَوْبُهُ بِمَا لَا يُعْفَى عنه من النَّجَاسَةِ ولم يَجِدْ مَاءً وَجَبَ قَطْعُ مَوْضِعِهَا إنْ لم تَنْقُصْ قِيمَتُهُ بِالْقَطْعِ أَكْثَرَ من أُجْرَتِهِ أَيْ أُجْرَةِ ثَوْبٍ يُصَلِّي فيه لو اكْتَرَاهُ قال في الْمُهِمَّاتِ وَهَذَا تَبِعَ فيه الشَّيْخَانِ الْمُتَوَلِّيَ وَالصَّوَابُ اعْتِبَارُ أَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ من ذلك وَمِنْ ثَمَنِ الْمَاءِ لو اشْتَرَاهُ مع أُجْرَةِ غَسْلِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لو انْفَرَدَ وَجَبَ تَحْصِيلُهُ وَقَيَّدَ الشَّيْخَانِ وُجُوبَ الْقَطْعِ بِحُصُولِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ بِالطَّاهِرِ
قال الزَّرْكَشِيُّ ولم يَذْكُرْهُ الْمُتَوَلِّي وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ليس بِقَيْدٍ بِنَاءً على أَنَّ من وَجَدَ ما يَسْتُرُ بِهِ الْعَوْرَةَ لَزِمَهُ ذلك وهو الصَّحِيحُ وكان الْمُصَنِّفُ حَذَفَهُ لِذَلِكَ وَإِنْ جَهِلَ مَكَانَهَا في جَمِيعِ الْبَدَنِ أو الثَّوْبِ غَسَلَ الْجَمِيعَ وُجُوبًا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا ما بَقِيَ منه جُزْءٌ بِلَا غَسْلٍ أو في ما يَرَاهُ من بَدَنِهِ أو ثَوْبِهِ وَجَبَ غَسْلُهُ فَقَطْ إنْ عَلِمَ النَّجَاسَةَ بِرُؤْيَتِهِ لِأَنَّ تَيَقُّنَ الطَّهَارَةِ يَحْصُلُ بِهِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وَيَجُوزُ عَطْفُ ما يَرَاهُ على الْجَمِيعِ أَيْ أو غَسَلَ ما يَرَاهُ على إلَى آخِرِهِ وَمَنْ مَسَّ بِشَيْءٍ بَعْضَهُ أَيْ بَعْضَ ما جَهِلَ مَكَانَ النَّجَاسَةِ فيه وكان أَحَدُهُمَا رَطْبًا لم يَنْجُسْ لِأَنَّا لَا نَتَيَقَّنُ نَجَاسَةَ مَحَلِّ الْإِصَابَةِ وَيُفَارِقُ ما لو صلى عليه حَيْثُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنَّ الْمَحَلَّ الذي صلى عليه طَاهِرٌ بِأَنَّ الشَّكَّ في النَّجَاسَةِ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ دُونَ الطَّهَارَةِ وَلَوْ شَقَّ الثَّوْبَ الْمَذْكُورَ نِصْفَيْنِ لم يَجُزْ التَّحَرِّي فِيهِمَا لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ الشَّقُّ في مَحَلِّ النَّجَاسَةِ فَيَكُونَانِ نَجِسَيْنِ وَإِنْ غَسَلَ نِصْفَهُ أو نِصْفَ ثَوْبٍ نَجِسٍ كُلُّهُ ثُمَّ غَسَلَ النِّصْفَ الثَّانِيَ بِمَا أَيْ مع ما جَاوَرَهُ من الْأَوَّلِ طَهُرَ كُلُّهُ سَوَاءٌ أَغَسَلَهُ بِصَبِّ الْمَاءِ عليه في غَيْرِ جَفْنَةٍ أَمْ فيها وما وَقَعَ في الْمَجْمُوعِ من تَقْيِيدِهِ بِالْأَوَّلِ مَرْدُودٌ كما بَيَّنْته في شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَلَوْ اقْتَصَرَ عليه أَيْ الثَّانِي دُونَ الْمُجَاوِرِ له فَالْمُنْتَصَفُ بِفَتْحِ الصَّادِ نَجِسٌ من الثَّوْبِ النَّجِسِ كُلُّهُ مُجْتَنَبٌ من الثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ بَعْضُهُ الذي جُهِلَ مَكَانُ النَّجَاسَةِ فيه فَفِي كَلَامِهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مَعْكُوسٌ وَإِنْ وَقَعَتْ النَّجَاسَةُ في مَوْضِعٍ ضَيِّقٍ كَالْبِسَاطِ وَالْبَيْتِ الصَّغِيرَيْنِ وَأَشْكَلَ مَحَلُّهَا منه وَجَبَ غَسْلُهُ فَلَا يَجْتَهِدُ كما في الثَّوْبِ الْوَاحِدِ أو في مَوْضِعٍ وَاسِعٍ كَالصَّحْرَاءِ اجْتَهَدَ أَيْ نَدْبًا كما نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ عن الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فيه بِلَا اجْتِهَادٍ وَسَكَتُوا عن ضَبْطِ الْوَاسِعِ وَالضَّيِّقِ قال ابن الْعِمَادِ وَالْمُتَّجَهُ فيه أَنْ يُقَالَ إنْ بَلَغَتْ بِقَاعُ الْمَوْضِعِ لو فُرِّقَتْ حَدَّ الْعَدَدِ غَيْرِ الْمَحْصُورِ فَوَاسِعٌ وَإِلَّا فَضَيِّقٌ وَيُقَدِّرُ كُلَّ بُقْعَةٍ بِمَا يَسَعُ الْمُصَلِّيَ انْتَهَى وَالظَّاهِرُ ضَبْطُهُمَا بِالْعُرْفِ قال في الْمَجْمُوعِ عن الْمُتَوَلِّي وإذا جَوَّزْنَا الصَّلَاةَ في الْمُتَّسِعِ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فيه إلَى أَنْ يَبْقَى مَوْضِعٌ قَدْرَ النَّجَاسَةِ وهو نَظِيرُ ما صَحَّحَهُ في الرَّوْضَةِ من الْأَوَانِي وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ
وَلَوْ تَنَجَّسَ أَحَدُ كُمَّيْ الْقَمِيصِ أو إحْدَى يَدَيْهِ مَثَلًا وَأَشْكَلَ النَّجَسُ مِنْهُمَا فَغَسَلَ أَحَدَهُمَا بِالِاجْتِهَادِ فِيهِمَا وَصَلَّى بَعْدَ غَسْلِهِ لم تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ ثَوْبٌ أو بَدَنٌ وَاحِدٌ تُيُقِّنَ نَجَاسَتُهُ فَيُسْتَصْحَبُ الْيَقِينُ كما لو خَفِيَ مَحَلُّهَا فيه ولم يَنْحَصِرْ في مَحَلٍّ منه إلَّا إنْ فَصَلَهُ قبل التَّحَرِّي ثُمَّ غَسَلَ النَّجِسَ مِنْهُمَا بِالتَّحَرِّي فإن صَلَاتَهُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا تَصِحُّ كما في الثَّوْبَيْنِ وَإِنْ اشْتَبَهَ عليه ثَوْبَانِ فَغَسَلَ أَحَدَهُمَا بِالِاجْتِهَادِ فَلَهُ الصَّلَاةُ فِيهِمَا وَلَوْ جَمَعَهُمَا عليه بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ في الْكُمَّيْنِ قبل الْفَصْلِ وَفَرَّقُوا بِأَنَّ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ الِاشْتِبَاهُ بين شَيْئَيْنِ فَتَأْثِيرُهُ في إجْزَاءِ الْوَاحِدِ ضَعِيفٌ وَلَوْ تَحَيَّرَ في اجْتِهَادِهِ فِيهِمَا اجْتَنَبَهُمَا وُجُوبًا كما لو لم يَجِدْ إلَّا ثَوْبًا نَجِسًا وَلَا يَكْفِي أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَاةَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مَرَّةً فَلَوْ لم يَجِدْ غَيْرَهُمَا وَلَا مَاءَ يَغْسِلُهُمَا أو أَحَدَهُمَا بِهِ صلى عُرْيَانًا لِلضَّرُورَةِ وَأَعَادَ لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ إدْرَاكِ الْعَلَامَةِ وَلِأَنَّ معه ثَوْبًا طَاهِرًا بِيَقِينٍ وَبِهَذَا فَارَقَ ما لو كان الِاشْتِبَاهُ في ثَوْبٍ
____________________
(1/171)
وَاحِدٍ حَيْثُ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ كما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وَلَوْ ظَنَّ طَهَارَةَ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ وَصَلَّى فيه ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ عَمِلَ بِالثَّانِي كما مَرَّ بَيَانُهُ مع زِيَادَةٍ في اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ
فَرْعٌ تَبْطُلُ صَلَاةُ من لَاقَى ثَوْبَهُ أو بَدَنَهُ نَجَسًا مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَتَحَرَّكَ ثَوْبُهُ بِحَرَكَتِهِ أَمْ لَا وَكَذَا تَبْطُلُ صَلَاةُ من لَاقَى مَحْمُولُهُ نَجَاسَةً ولم يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ كَمَنْ قَبَضَ على حَبْلٍ مُتَّصِلٍ بِمَيْتَةٍ أو مَشْدُودٍ بِكَلْبٍ وَلَوْ بِسَاجُورِهِ وهو ما يُجْعَلُ في عُنُقِهِ أو مَشْدُودٍ بِدَابَّةٍ أو سَفِينَةٍ صَغِيرَةٍ بِحَيْثُ تَنْجَرُّ بِجَرِّهِ أَيْ الْحَبْلِ أو قَابِضِهِ يَحْمِلَانِ نَجَسًا أو مُتَّصِلًا بِهِ بِخِلَافِ سَفِينَةٍ كَبِيرَةٍ بِحَيْثُ لَا تَنْجَرُّ بِجَرِّهِ فَإِنَّهَا كَالدَّارِ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ مَشْدُودٍ بَلْ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَصُورَةُ مَسْأَلَةِ السَّفِينَةِ كما في الْكِفَايَةِ أَنْ تَكُونَ في الْبَحْرِ فَإِنْ كانت في الْبَرِّ لم تَبْطُلْ قَطْعًا صَغِيرَةً كانت أو كَبِيرَةً انْتَهَى وَظَاهِرٌ أَنَّ الصَّغِيرَةَ إذَا أَمْكَنَ جَرُّهَا في الْبَرِّ تَبْطُلُ كما اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ لَا إنْ وَضَعَ الْحَبْلَ الْمَذْكُورَ تَحْتَ قَدَمِهِ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ وَإِنْ تَحَرَّكَ بِحَرَكَتِهِ لِأَنَّهُ ليس حَامِلًا لِنَجَاسَةٍ وَلَا لِمُتَّصِلٍ بها كَبِسَاطٍ صلى عليه وَطَرْفُهُ نَجِسٌ
فَرْعٌ لو جُبِّرَ من انْكَسَرَ عَظْمُهُ وَخَافَ الضَّرَرَ بِتَرْكِ الْجَبْرِ عَظْمُهُ بِعَظْمٍ نَجِسٍ لَا يُصْلَح لِلْجَبْرِ غَيْره من غَيْرِ آدَمِيٍّ جَازَ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ نَزْعُهُ قال السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِمَا إلَّا إذَا لم يَخَفْ من النَّزْعِ ضَرَرًا وَإِنْ جَبَّرَهُ بِهِ وَثَمَّ طَاهِرٌ يَصْلُحُ لِلْجَبْرِ من غَيْرِ آدَمِيٍّ حُرِّمَ لِتَعَدِّيهِ وَأُجْبِرَ على نَزْعِهِ إنْ لم يَخَفْ ضَرَرًا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ وَلَوْ اكْتَسَى لَحْمًا لِحَمْلِهِ نَجَاسَةً تَعَدَّى بِحَمْلِهَا مع تَمَكُّنِهِ من إزَالَتِهَا كَوَصْلِ الْمَرْأَةِ شَعْرَهَا بِشَعْرٍ نَجِسٍ فَإِنْ امْتَنَعَ لَزِمَ الْحَاكِمَ نَزْعُهُ لِأَنَّهُ مِمَّا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ كَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَلَا مُبَالَاةَ بِأَلَمِهِ في الْحَالِ إذَا لم يُخَفْ منه في الْمَآلِ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ معه لِحَمْلِهِ نَجَاسَةً في غَيْرِ مَعْدِنِهَا لَا ضَرُورَةَ إلَى تَبْقِيَتِهَا بِخِلَافِ شَارِبِ الْخَمْرِ لِحُصُولِهِ في مَعْدِنِ النَّجَاسَةِ وَإِنْ مَاتَ لم يُنْزَعْ وَإِنْ لَزِمَهُ النَّزْعُ قبل مَوْتِهِ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ وَلِسُقُوطِ التَّعَبُّدِ عنه قال الرَّافِعِيُّ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ تَحْرِيمُ النَّزْعِ وَالثَّانِي حِلُّهُ وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ الذي صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَنَقَلَهُ في الْبَيَانِ عن عَامَّةِ الْأَصْحَابِ تَحْرِيمُهُ مع تَعْلِيلِهِمْ بِالثَّانِي وَإِنْ خَافَ الضَّرَرَ الْمُبِيحَ لِلتَّيَمُّمِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ النَّزْعُ لِلضَّرَرِ الظَّاهِرِ وفي صِحَّةِ إمَامَتِهِ وَجْهَانِ في الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا أَحَدُهُمَا نعم لِاحْتِيَاجِ الناس إلَى الْجَمَاعَةِ وَالثَّانِي لَا لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ وقد يُقَالُ الْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِصِحَّةِ صَلَاةِ الطَّاهِرِ خَلْفَ الْمُسْتَحَاضَةِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ
وَإِنْ خَاطَ جُرْحَهُ أو دَاوَاهُ بِنَجَسٍ فَكَالْجَبْرِ بِعَظْمٍ نَجِسٍ فِيمَا مَرَّ وَكَذَا الْوَشْمُ وهو غَرْزُ الْجِلْدِ بِالْإِبْرَةِ حتى يَخْرُجَ الدَّمُ ثُمَّ يُذَرُّ عليه الصَّدَأُ الْآتِي بَيَانُهُ وهو حَرَامٌ مُطْلَقًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَة وَالْوَاشِرَةَ وَالْمُسْتَوْشِرَة وَالنَّامِصَةَ وَالْمُتَنَمِّصَةَ أَيْ فَاعِلَةَ ذلك وَسَائِلَتَهُ وَلِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ فيه الصَّدَأُ وهو ما يُحْشَى بِهِ الْمَحَلُّ من نِيلَةٍ أو نَحْوِهَا لِيَزْرَقَّ بِهِ أو يَخْضَرَّ بِالْغَرْزِ أَيْ بِسَبَبِ
____________________
(1/172)
الدَّمِ الْحَاصِلِ بِغَرْزِ الْجِلْدِ بِالْإِبْرَةِ فَتَجِبُ إزَالَتُهُ ما لم يَخَفْ ضَرَرًا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ فَإِنْ خَافَهُ لم تَجِبْ إزَالَتُهُ وَلَا إثْمَ عليه بَعْدَ التَّوْبَةِ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا كُلُّهُ إذَا فَعَلَ بِرِضَاهُ وَإِلَّا فَلَا تَلْزَمُهُ إزَالَتُهُ صَرَّحَ بِهِ ابن أبي هُرَيْرَةَ وَالْمَاوَرْدِيُّ قال وَذَكَرَ مثله في الذَّخَائِرِ في نَزْعِ الْعَظْمِ عن بَعْضِ الْأَصْحَابِ
وَإِنْ غَسَلَ شَارِبُ الْخَمْرِ أو نَجَسٍ آخَرَ فَمَهُ وَصَلَّى صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَيَجِبُ عليه أَنْ يَتَقَيَّأَهُ إنْ قَدَرَ عليه وَإِنْ شَرِبَهُ لِعُذْرٍ وَأَلْحَقُوا بَاطِنَ الْفَمِ بِالظَّاهِرِ في تَطْهِيرِهِ من النَّجَاسَةِ دُونَ الْجَنَابَةِ وَالْفَرْقُ غِلَظُ النَّجَاسَةِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ غَسَلَ إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ وَيَطْهُرُ بِالتَّطْهِيرِ الْمَعْرُوفِ في النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ ظَاهِرُ خُفٍّ خُرِّزَ بِشَعْرِ الْخِنْزِيرِ وَيُعْفَى عن بَاطِنِهِ وهو مَوْضِعُ الْخَرْزِ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ فَتَصِحُّ الصَّلَاةُ فيه وَلَوْ فَرْضًا وَإِنَّمَا كان أبو زَيْدٍ يُصَلِّي فيه الْفَرْضَ احْتِيَاطًا له وَإِلَّا فَمُقْتَضَى كَلَامِهِ الْعَفْوُ مُطْلَقًا على الْقَاعِدَةِ من أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ في اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ ذُكِرَ ذلك في الرَّوْضَةِ في الْأَطْعِمَةِ كما نَبَّهْت عليه في بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ لَكِنَّهُ خَالَفَ في التَّحْقِيقِ فقال وَلَوْ خُرِّزَ خُفٌّ بِشَعْرٍ نَجَسٍ رَطْبٍ طَهُرَ ظَاهِرُهُ بِالْغَسْلِ على الصَّحِيحِ فَيُصَلِّي عليه لَا فيه وَلَوْ أَدْخَلَ رِجْلَهُ رَطْبَةً فيه لم تَنْجُسْ
فَرْعٌ وَصْلُ الشَّعْرِ من الْآدَمِيِّ بِشَعْرٍ نَجِسٍ أو شَعْرِ آدَمِيٍّ حَرَامٌ مُطْلَقًا لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَلِلتَّغْرِيرِ وَلِلتَّعَرُّضِ لِلتُّهْمَةِ وَلِأَنَّهُ في الْأَوَّلِ مُسْتَعْمَلٌ لِلنَّجَسِ الْعَيْنِيِّ في بَدَنِهِ كَالْإِدْهَانِ بِنَجَسٍ وَالِامْتِشَاطِ بِعَاجٍ مع رُطُوبَةٍ وَأَمَّا في الثَّانِي فَلِأَنَّهُ يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَبِسَائِرِ أَجْزَاءِ الْآدَمِيِّ لِكَرَامَتِهِ وَكَذَا شَعْرُ غَيْرِهِمَا يَحْرُمُ وَصْلُ الشَّعْرِ بِهِ لِمَا مَرَّ ما عَدَا الْأَخِيرَ وَكَالشَّعْرِ الصُّوفُ وَالْخِرَقُ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ قال وَأَمَّا رَبْطُ الشَّعْرِ بِخُيُوطِ الْحَرِيرِ الْمُلَوَّنَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يُشْبِهُ الشَّعْرَ فَلَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عنه
ويحرم تَجْعِيدُهُ أَيْ الشَّعْرِ وَوَشْرُ الْأَسْنَانِ أَيْ تَحْدِيدُهَا وَتَرْقِيقُهَا لِلتَّغْرِيرِ وَلِلتَّعَرُّضِ لِلتُّهْمَةِ فِيهِمَا وَلِلْخَبَرِ السَّابِقِ في الثَّانِي وَالْخِضَابُ بِالسَّوَادِ لِخَبَرِ يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ في آخَرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ لَا يَرِيحُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَتَحْمِيرُ الْوَجْنَةِ بِالْحِنَّاءِ أو نَحْوِهِ وَتَطْرِيفُ الْأَصَابِعِ بِهِ مع السَّوَادِ لِلتَّعَرُّضِ لِلتُّهْمَةِ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجٍ أو سَيِّدٍ لها في جَمِيعِ ما ذُكِرَ بَعْدَ قَوْلِهِ حَرَامٌ فَيَجُوزُ لها ذلك لِأَنَّ له غَرَضًا في تَزَيُّنِهَا له وقد أَذِنَ لها فيه وَخَالَفَ في التَّحْقِيقِ في الْوَصْلِ وَالْوَشْرِ فَأَلْحَقَهُمَا بِالْوَشْمِ في الْمَنْعِ مُطْلَقًا
وَيَحْرُمُ على الْمَرْأَةِ التَّنْمِيصُ فِعْلًا وَسُؤَالًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ السَّابِقِ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجٍ أو سَيِّدٍ وهو الْأَخْذُ من شَعْرِ الْوَجْهِ وَالْحَاجِبِ لِلْحُسْنِ وَتَحْرِيمُ ذلك مع التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ من زِيَادَتِهِ وَلَوْ زَادَهُ قبل قَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجٍ أو سَيِّدٍ كان أَوْلَى وَعَطْفُ الْحَاجِبِ على ما قَبْلَهُ من عَطْفِ الْخَاصِّ على الْعَامِّ وَيُسْتَثْنَى من تَحْرِيمِ ما ذُكِرَ بِقَرِينَةِ ما يَأْتِي اللِّحْيَةُ وَالشَّارِبُ
وَالنَّتْفُ لِلشَّيْبِ من الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ مَكْرُوهٌ لِخَبَرِ لَا تَنْتِفُوا الشَّيْبَ فإنه نُورُ الْمُسْلِمِ يوم الْقِيَامَةِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ قال في الْمَجْمُوعِ وَلَوْ قِيلَ بِتَحْرِيمِهِ لم يَبْعُدْ وَنَقَلَ ابن الرِّفْعَةِ تَحْرِيمَهُ عن نَصِّ الْأُمِّ والنتف لِلِحْيَةِ الْمَرْأَةِ وَشَارِبِهَا مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّ ذلك مِثْلُهُ في حَقِّهَا وَذِكْرُ هذا وما قَبْلَهُ من زِيَادَتِهِ مع أَنَّهُ ذَكَرَ الْأَوَّلَ تَبَعًا لِلرَّوْضَةِ في بَابِ الْعَقِيقَةِ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ الثَّانِيَ في مَجْمُوعِهِ عن الْقَاضِي وَأَقَرَّهُ لَكِنَّهُ اقْتَصَرَ على اللِّحْيَةِ وَمِثْلُهَا الشَّارِبُ كَخَضْبِ الشَّيْبِ بِالْحِنَّاءِ أو نَحْوِهِ فإنه مُسْتَحَبٌّ لِلْمَرْأَةِ أو غَيْرِهَا لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ في ذلك وكذا يُسْتَحَبُّ خَضْبُ كَفَى الْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَةِ وَالْمَمْلُوكَةِ وَقَدَمَيْهَا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ زِينَةٌ وَهِيَ مَطْلُوبَةٌ منها لِزَوْجِهَا أو سَيِّدِهَا تَعْمِيمًا لَا تَطْرِيقًا وَلَا نَقْشًا فَلَا يُسْتَحَبُّ وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهَا كما سَيَأْتِي في بَابِ الْإِحْرَامِ وَخَرَجَ بِالْمَرْأَةِ الرَّجُلُ وَالْخُنْثَى فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا الْخِضَابُ إلَّا لِعُذْرٍ كما سَيَأْتِي في بَابِ الْعَقِيقَةِ مع زِيَادَةٍ وَلَا بَأْسَ بِتَصْفِيفِ شَعْرِهَا كَشَعْرِ النَّاصِيَةِ وَالْأَصْدَاغِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ لِمَا سَيَأْتِي في بَابِ الْعَقِيقَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ قال في التَّحْقِيقِ وَيُكْرَهُ رَدُّ رَيْحَانٍ وَطِيبٍ فَرْعٌ وَإِنْ صلى على بِسَاطٍ أو سَرِيرٍ في طَرْفِهِ أو تَحْتَ قَوَائِمِهِ أَيْ السَّرِيرِ نَجَاسَةٌ لم يَضُرَّ وَإِنْ تَحَرَّكَ بِحَرَكَتِهِ لِعَدَمِ مُلَاقَاتِهَا له وَلَوْ سَجَدَ الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ وَلَوْ صلى على طَاهِرٍ كَبِسَاطٍ وَصَدْرُهُ أو غَيْرِهِ كما في الْأَصْلِ مُحَاذٍ في سُجُودِهِ أو غَيْرِهِ لِلنَّجَاسَةِ لم تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِمَا مَرَّ وَكُرِهَ لِمُحَاذَاتِهِ النَّجَاسَةَ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَإِنْ فَرَشَ ثَوْبًا مُهَلْهَلًا على نَجَاسَةٍ وَمَاسَّتْهُ من الْفُرَجِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ
____________________
(1/173)
أو فَرَشَهُ على ثَوْبٍ حَرِيرٍ وَمَاسَّهُ فَفِي بَقَاءِ التَّحْرِيمِ وَجْهَانِ في الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمَا تَرْجِيحُ بَقَائِهِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ
فَرْعٌ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ في الْمَزْبَلَةِ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا مَوْضِعُ الزِّبْلِ وَالْمَجْزَرَةِ بِفَتْحِ الزَّاي مَوْضِعُ جَزْرِ الْحَيَوَانِ أَيْ ذَبْحِهِ وَالطَّرِيقِ في الْبُنْيَانِ دُونَ الْبَرِّيَّةِ وَالْحَمَّامِ وَكَذَا مَسْلَخَةٌ الْأَوْلَى وَلَوْ بِمَسْلَخَةٍ وَظَهْرُ الْكَعْبَةِ وَأَعْطَانُ الْإِبِلِ أَيْ الْمَوَاضِعُ التي تُنَحَّى إلَيْهَا الْإِبِلُ الشَّارِبَةُ لِيَشْرَبَ غَيْرُهَا كما قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أو لِتَشْرَبَ هِيَ عَلَلًا بَعْدَ نَهَلٍ كما قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَمُرَاحُهَا بِضَمِّ الْمِيمِ وهو مَأْوَاهَا لَيْلًا لَا مُرَاحُ الْغَنَمِ فَلَا يُكْرَهُ فيه وتكره في الْمَقْبَرَةِ بِتَثْلِيثِ الْبَاءِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن الصَّلَاةِ في الْمَذْكُورَاتِ خَلَا مُرَاحِ الْإِبِلِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْمَعْنَى في الْكَرَاهَةِ في الْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ وَالْمَقْبَرَةِ نَجَاسَتُهَا فِيمَا يُحَاذِي الْمُصَلِّيَ وفي الطَّرِيقِ اشْتِغَالُ الْقَلْبِ بِمُرُورِ الناس فيها وَقَطْعُ الْخُشُوعِ وفي الْحَمَّامِ أَنَّهُ مَأْوَى الشَّيَاطِينِ وفي ظَهْرِ الْكَعْبَةِ اسْتِعْلَاؤُهُ عليها وفي عَطَنِ الْإِبِلِ وَمُرَاحِهَا نِفَارُهَا الْمُشَوِّشُ لِلْخُشُوعِ وَلِهَذَا لم تُكْرَهْ في مُرَاحِ الْغَنَمِ وَلَا فِيمَا يُتَصَوَّرُ منها من مِثْلِ عَطَنِ الْإِبِلِ وَالْكَرَاهَةُ في عَطَنِ الْإِبِلِ أَشَدُّ منها في مُرَاحِهَا إذْ نِفَارُهَا عِنْدَ الصُّدُورِ من الْمَنْهَلِ أَقْرَبُ لِاجْتِمَاعِهَا وَازْدِحَامِهَا وَالْبَقَرُ كَالْغَنَمِ قَالَهُ ابن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاسْتَثْنَى الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ من الْمَقَابِرِ مَقْبَرَةَ الْأَنْبِيَاءِ فَلَا كَرَاهَةَ فيها لِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ على الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَهُمْ وَلِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ في قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ قال الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا بَاطِلٌ بَلْ الْكَرَاهَةُ فيها أَشَدُّ قُلْت الْمُتَّجَهُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فيها النَّجَاسَةُ كما مَرَّ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ هُنَا بِمَا ذُكِرَ ثُمَّ ما كان نَجِسًا من ذلك كَالْمَقْبَرَةِ الْمَنْبُوشَةِ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ فيه ما لم يَحُلْ طَاهِرٌ وإذا شَكَّ في ذلك أَيْ في نَبْشِهَا أو في النَّجَسِ لم تَبْطُلْ صَلَاتُهُ
فَإِنْ بَسَطَ شيئا على نَجَسٍ وَصَلَّى عليه كُرِهَ له لِأَنَّهُ في مَعْنَى الْمَقْبَرَةِ
وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ في الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ وَالْحُشُوشِ أَيْ الْأَخْلِيَةِ وَمَوْضِعِ الْخَمْرِ شُرْبًا وَغَيْرَهُ وَالْمُكُوسِ وَنَحْوِهَا من مَوَاضِعِ الْمَعَاصِي كَالْقِمَارِ إلْحَاقًا لها بِالْحَمَّامِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وفي الْوَادِي الذي نَامَ فيه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمَنْ معه عن الصَّلَاةِ أَيْ صَلَاةِ الصُّبْحِ وقال اُخْرُجُوا بِنَا من هذا الْوَادِي فإن فيه شَيْطَانًا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَكَرَاهَةُ الصَّلَاةِ فيه لِأَنَّهُ مَأْوَى الشَّيْطَانِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ فِيمَا ذُكِرَ أَنَّهُ لو خَشِيَ فَوَاتَهَا بِلَا كَرَاهَةٍ
ويكره اسْتِقْبَالُ الْقَبْرِ فيها أَيْ في الصَّلَاةِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ لَا تَجْلِسُوا على الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إلَيْهَا وَيُسْتَثْنَى قَبْرُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيَحْرُمُ اسْتِقْبَالُهُ فيها كما جَزَمَ بِهِ في التَّحْقِيقِ وَنَقَلَهُ في غَيْرِهِ عن الْمُتَوَلِّي وَيُقَاسُ بِهِ سَائِرُ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ صلى اللَّه عليهم وسلم وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مُسْتَقْبِلَ آدَمِيٍّ
فَصْلٌ يُعْفَى عن أَثَرِ اسْتِنْجَاءٍ لِجَوَازِ الِاقْتِصَارِ على الْحَجَرِ وَلَوْ عَرِقَ مَحَلُّ الْأَثَرِ وَتَلَوَّثَ بِالْأَثَرِ غَيْرُهُ فإنه يُعْفَى عنه لِعُسْرِ تَجَنُّبِهِ بِخِلَافِ حَمْلِهِ في الصَّلَاةِ وَهَذَا ما في الْأَصْلِ وَالْمَجْمُوعِ هُنَا وقال فيه وفي غَيْرِهِ في بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ إذَا اسْتَنْجَى بِالْأَحْجَارِ وَعَرِقَ مَحَلُّهُ وَسَالَ الْعَرَقُ منه وَجَاوَزَهُ وَجَبَ غَسْلُ ما سَالَ إلَيْهِ وَلَا مُنَافَاةَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيمَا لم يُجَاوِزْ الصَّفْحَةَ وَالْحَشَفَةَ وَالثَّانِي فِيمَا جَاوَزَهُمَا لَا إنْ لَاقَى الْأَثَرُ رَطْبًا آخَرَ فَلَا يُعْفَى عنه لِنُدْرَةِ الْحَاجَةِ إلَى مُلَاقَاتِهِ ذلك وَتَعْبِيرُهُ بِرَطْبًا أَعَمُّ من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِمَاءٍ
وَلَوْ حَمَلَ الْمُصَلِّي مُسْتَجْمَرًا أو ما عليه نَجَاسَةٌ أُخْرَى مَعْفُوٌّ عنها كَثَوْبٍ فيه دَمُ بَرَاغِيثَ مَعْفُوٌّ عنه على ما يَأْتِي أو حَيَوَانًا مُتَنَجِّسَ الْمَنْفَذِ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَبِالْمُعْجَمَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إذْ الْعَفْوُ لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَى حَمْلِهِ فيها لَكِنْ لو دخل هذا الْحَيَوَانُ أَيْ الذي على مَنْفَذِهِ نَجَاسَةٌ مَاءً قَلِيلًا أو مَائِعًا آخَرَ كما في الْأَصْلِ وَخَرَجَ حَيًّا عُفِيَ عنه لِلْمَشَقَّةِ في تَجَنُّبِهِ وَلَوْ
____________________
(1/174)
حَمَلَ حَيَوَانًا لَا نَجَاسَةَ عليه صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَلَا نَظَرَ لِمَا في بَاطِنِهِ لِأَنَّهُ في مَعْدِنِهِ الْخِلْقِيِّ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَمَلَ أُمَامَةَ بِنْتَ بِنْتِهِ زَيْنَبَ في صَلَاتِهِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَتَبْطُلُ إنْ حَمَلَ حَيَوَانًا مَذْبُوحًا وَإِنْ غَسَلَ الدَّمَ عن الْمَذْبَحِ لِلنَّجَاسَةِ التي بِبَاطِنِهِ لِأَنَّهَا كَالظَّاهِرَةِ وتبطل أَيْضًا إنْ حَمَلَ آدَمِيًّا أو سَمَكًا أو جَرَادًا مَيِّتًا وَبَيْضَةً مَذِرَةً وَعِنَبًا في بَاطِنِهِمَا دَمٌ وَخَمْرٌ لِذَلِكَ بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ الْحَيِّ لِأَنَّ لِلْحَيَاةِ أَثَرًا في دَفْعِ النَّجَاسَةِ كَقَارُورَةٍ خُتِمَتْ على دَمٍ أو نَحْوِهِ وَلَوْ بِرَصَاصٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ فإن حَمْلَهَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ لِأَنَّ اسْتِتَارَ ذلك عَارِضٌ
وَيُعْفَى عن قَلِيلِ طِينِ الشَّوَارِعِ النَّجَسِ لِعُسْرِ تَجَنُّبِهِ بِخِلَافِ كَثِيرِهِ كَدَمِ الْأَجْنَبِيِّ قال الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ الْعَفْوَ عنه وَلَوْ اخْتَلَطَ بِنَجَاسَةِ كَلْبٍ أو نَحْوِهِ وهو الْمُتَّجَهُ لَا سِيَّمَا في مَوْضِعٍ يَكْثُرُ فيه الْكِلَابُ لِأَنَّ الشَّوَارِعَ مَعْدِنُ النَّجَاسَاتِ وَالْقَلِيلُ ما لَا يُنْسَبُ صَاحِبُهُ إلَى سَقْطَةٍ أَيْ على شَيْءٍ من بَدَنِهِ أو كَبْوَةٍ على وَجْهِهِ أو قِلَّةِ تَحَفُّظٍ وهو ما يَتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ منه غَالِبًا وَيَخْتَلِفُ بِالْوَقْتِ وَبِمَوْضِعِهِ من الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَخَرَجَ بِالنَّجَسِ غَيْرُهُ فَطَاهِرٌ وَإِنْ ظُنَّ نَجَاسَتُهُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ
وَلَا يُجْزِئُ في الطَّهَارَةِ دَلْكُ خُفٍّ أو نَعْلٍ تَنَجَّسَ بِأَرْضٍ أو نَحْوِهَا كَالثَّوْبِ وَأَمَّا خَبَرُ أبي دَاوُد إذَا أَصَابَ خُفَّ أَحَدِكُمْ أَذًى فَلْيَدْلُكْهُ في الْأَرْضِ فَمَحْمُولٌ على الْمُسْتَقْذَرِ الظَّاهِرِ وَقَوْلُهُ بِأَرْضٍ مُتَعَلِّقٌ بِدَلْكِ خُفٍّ
وَيُعْفَى عن قَلِيلِ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَنَحْوِهَا مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى كَبَقٍّ وَقَمْلٍ وقليل وَنِيمُ الذُّبَابِ أَيْ رَوْثِهِ وقليل بَوْلِ الْخُفَّاشِ وَالْقِيَاسُ أَنَّ رَوْثَهُ وَبَوْلَ الذُّبَابِ كَذَلِكَ
وقليل دَمِ بَثَرَاتِ الْمَرْءِ بِالْمُثَلَّثَةِ وَهِيَ خُرَّاجٌ صَغِيرٌ وَإِنْ عَصَرَهَا ودم دَمَامِلِهِ وَقَيْحِهَا وَصَدِيدَهَا وَهُمَا دَمَانِ مُسْتَحِيلَانِ إلَى نَتْنٍ وَفَسَادٍ وَذَلِكَ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِمَا ذُكِرَ
وَكَذَا لو كَثُرَتْ وَلَوْ بِعَرَقِهِ لِأَنَّهَا من جِنْسِ ما يُتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ عنه فَأُلْحِقَ نَادِرُهَا بِغَالِبِهَا كَالتَّرَخُّصِ في السَّفَرِ بِلَا مَشَقَّةٍ وَلِلْحَرَجِ في تَمْيِيزِ الْكَثِيرِ وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ في مَلْبُوسِهِ أَيْ ولم يَتَعَمَّدْهُ فَلَوْ حَمَلَ ثَوْبَ بَرَاغِيثَ في كُمِّهِ أو فَرَشَهُ وَصَلَّى عليه أو لَبِسَهُ وَكَانَتْ الْإِصَابَةُ بِفِعْلِهِ قَصْدًا كَأَنْ قَتَلَهَا في ثَوْبِهِ أو بَدَنِهِ لم يُعْفَ إلَّا عن الْقَلِيلِ كما في التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وَأَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ في الصَّوْمِ فَيُسْتَثْنَى من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في الْكَثِيرِ الْعَصْرُ قَصْدًا فَلَا يُعْفَى عنه كما هو حَاصِلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَالْمَجْمُوعِ وَبِهِ صَرَّحَ ابن الرِّفْعَةِ ثُمَّ مَحَلُّ الْعَفْوِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ فَلَوْ وَقَعَ الثَّوْبُ في مَاءٍ قَلِيلٍ
قال الْمُتَوَلِّي حُكِمَ بِتَنَجُّسِهِ قال وَالْعَفْوُ جَارٍ وَلَوْ كان الْبَدَنُ رَطْبًا وقال الشَّيْخُ أبو عَلِيٍّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جَافًّا فَلَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ وَبَدَنُهُ رَطْبٌ لم يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَلْوِيثِ بَدَنِهِ وَبِهِ جَزَمَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ تَفَقُّهًا وَبِالْأَوَّلِ أَفْتَيْت فِيمَا إذَا كانت الرُّطُوبَةُ بِمَاءِ الْوُضُوءِ أو الْغُسْلِ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ كما لو كانت بِالْعَرَقِ وعن دَمِ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ من نَفْسِهِ قَلَّ أو كَثُرَ وَالْعَفْوُ عن الْكَثِيرِ فِيهِمَا وفي الدَّمَامِيلِ وَالْجُرُوحِ هو ما في الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ لَكِنَّهُ خَالَفَ في التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ فَصَحَّحَ ما عليه الْجُمْهُورُ أَنَّهُ كَدَمِ الْأَجْنَبِيِّ وهو الْأَوْجَهُ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ على طُهْرِ التَّيَمُّمِ لِمَا مَرَّ فيه وعن قَلِيلِ دَمِ الْأَجْنَبِيِّ بِقَيْدٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا وعن قَلِيلِ قَيْحِهِ لِأَنَّ جِنْسَ الدَّمِ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الْعَفْوُ فَيَقَعُ الْقَلِيلُ من ذلك في مَحَلِّ الْمُسَامَحَةِ لَا عن الْكَثِيرِ منه في الْعُرْفِ أَمَّا دَمُ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ فَلَا يُعْفَى عن شَيْءٍ منه لِغِلَظِ حُكْمِهِ نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْعِمْرَانِيِّ وَأَقَرَّهُ فَإِنْ زَادَ الدَّمُ الْكَائِنُ بِجُرْحِهِ على الْمَعْفُوِّ عنه وَخَشِيَ من غَسْلِ الزَّائِدِ وفي نُسْخَةٍ عنها وَخَشِيَ من غَسْلِهَا صلى فَرْضَهُ لِلضَّرُورَةِ وَأَعَادَ وُجُوبًا وَالْقَلِيلُ فِيمَا ذُكِرَ ما يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ منه بِخِلَافِ الْكَثِيرِ فَالرُّجُوعُ فِيهِمَا إلَى الْعُرْفِ وَهَذَا يُغْنِي عن قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ في الْعُرْفِ وَإِنْ كان ذَاكَ في الْكَثِيرِ وَهَذَا في الْقَلِيلِ وَذَكَرُوا لِذَلِكَ تَقْرِيبًا في طِينِ الشَّارِعِ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَيَخْتَلِفُ ذلك بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالْبِلَادِ وَنَحْوِهَا فَقَدْ يَكْثُرُ دَمُ الْبَرَاغِيثِ مَثَلًا في وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ وَمَكَانٍ دُونَ مَكَان فَيَجْتَهِدُ الْمُصَلِّي فيه وَلِلْمَشْكُوكِ في كَثْرَتِهِ حُكْمُ الْقَلِيلِ فَيُعْفَى عنه لِأَنَّ الْأَصْلَ في هذه النَّجَاسَةِ الْعَفْوُ إلَّا إذَا تَيَقَّنَّا الْكَثْرَةَ
وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ مع جُدَرِيٍّ وَلَوْ يَبِسَتْ على مِدَّتِهِ جِلْدَتُهُ بِكَسْرِ الْمِيم ما يَجْتَمِعُ في الْجُرْحِ من الْقَيْحِ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ
وإذا عَلِمَ بَعْدَ الْفَرَاغِ من الصَّلَاةِ بِنَجَاسَةٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عنها لَا يُمْكِنُ حُدُوثُهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ في بَدَنِهِ أو ثَوْبِهِ أو مَكَانِهِ أو خَرْقٍ لَا يُمْكِنُ حُدُوثُهُ بَعْدَهَا في ثَوْبِهِ السَّاتِرِ لِعَوْرَتِهِ أَعَادَ صَلَاتَهُ وُجُوبًا
وَمَاءُ الْقُرُوحِ طَاهِرٌ كَالْعَرَقِ
____________________
(1/175)
إنْ لم يَتَغَيَّرْ وَإِلَّا فَنَجَسٌ كَالنَّفَّاطَاتِ فإن مَاءَهَا طَاهِرٌ إنْ لم يَتَغَيَّرْ
وَيُعْفَى عن دَمِ اسْتِحَاضَةٍ وَسَلَسِ بَوْلٍ أو نَحْوِهِ أَيْ يُعْفَى عَمَّا يُسْتَصْحَبُ منه بَعْدَ الِاحْتِيَاطِ وعن سِلَاحٍ دَمِيَ بِحَرْبٍ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ فيها وَسَيَأْتِي فيه كَلَامٌ في صَلَاةِ الْخَوْفِ
الشَّرْطُ الْخَامِسُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ عن الْعُيُونِ فَإِنْ تَرَكَهُ مع الْقُدْرَةِ لم تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كل مَسْجِدٍ قال ابن عَبَّاسٍ يَعْنِي الثِّيَابَ فيها وَلِخَبَرِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ أَيْ بَالِغَةٍ إلَّا بِخِمَارٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ غير الْبَالِغَةِ كَالْبَالِغَةِ لَكِنَّهُ قُيِّدَ بها جَرْيًا على الْغَالِبِ وَيَجِبُ سَتْرُهَا مُطْلَقًا أَيْ في الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَلَوْ كان في خَلْوَةٍ لِخَبَرِ لَا تَمْشُوا عُرَاةً رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِجَرْهَدٍ غَطِّ فَخِذَك فإن الْفَخِذَ من الْعَوْرَةِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَلِأَنَّ اللَّهَ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا منه وَلِيَسْتَتِرَ عن الْجِنِّ وَالْمَلَكِ لَا سَتْرُهَا عن نَفْسِهِ فَلَا يَجِبُ وَيُكْرَهُ نَظَرُهُ سَوْأَتَيْهِ أَيْ قُبُلَهُ وَدُبُرَهُ بِلَا حَاجَةٍ وَسُمِّيَا سَوْأَتَيْنِ لِأَنَّ انْكِشَافَهُمَا يَسُوءُ صَاحِبَهُمَا وَحُكْمُهُمَا الْمَذْكُورُ مع ما قَبْلَهُ مُكَرَّرٌ فإنه ذَكَرَهُ في النِّكَاحِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْأَصْلُ ثَمَّ وَيُبَاحُ كَشْفُهَا لِغَسْلِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُحْوِجُ إلَى الْكَشْفِ كَالِاسْتِحْدَادِ خَالِيًا عن الناس وَمَسْأَلَةُ الْغُسْلِ تَقَدَّمَتْ في بَابِهِ
وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ وَالْأَمَةِ وَلَوْ مُبَعَّضَةً وَكَذَا الْحُرَّةُ عِنْدَ الْمَحَارِمِ وفي الْخَلْوَةِ في غَيْرِ الصَّلَاةِ ما بين السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لِخَبَرِ عَوْرَةُ الْمُؤْمِنِ ما بين سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ رَوَاهُ الْحَارِثُ بن أبي أُسَامَةَ في مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ فيه رَجُلٌ مُخْتَلَفٌ فيه لَكِنْ له شَوَاهِدُ تَجْبُرُهُ وَقِيسَ بِالرَّجُلِ الْبَقِيَّةُ بِجَامِعِ أَنَّ رَأْسَ كُلٍّ ليس بِعَوْرَةٍ وَرَوَى أبو دَاوُد إذَا زَوَّجَ أحدكم أَمَتَهُ عَبْدَهُ أو أَجِيرَهُ فَلَا يَنْظُرْ إلَى ما تَحْتَ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ لَا هُمَا أَيْ السُّرَّةُ وَالرُّكْبَةُ فَلَيْسَتَا بِعَوْرَةٍ لَكِنْ يَجِبُ سَتْرُ بَعْضِهِمَا لِيَحْصُلَ سَتْرُهَا
وَعَوْرَةُ الْحُرَّةِ في الصَّلَاةِ وَعِنْدَ الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ خَارِجَهَا جَمِيعُ بَدَنِهَا إلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ ظَهْرًا وَبَطْنًا إلَى الْكُوعَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا ما ظَهَرَ منها قال ابن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ ما ظَهَرَ منها وَجْهُهَا وَكَفَّاهَا وَإِنَّمَا لم يَكُونَا عَوْرَةً لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى إبْرَازِهِمَا وَإِنَّمَا حُرِّمَ النَّظَرُ إلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا مَظِنَّةُ الْفِتْنَةِ وَمِثْلُهُمَا في ذلك ما عَدَا ما بين سُرَّةِ وَرُكْبَةِ من فيها رِقٌّ كما يُعْلَمُ ذلك من بَابِ النِّكَاحِ وَتَقْيِيدُ عَوْرَةِ الْحُرَّةِ فِيمَا ذُكِرَ بِمَا قَالَهُ من زِيَادَتِهِ وَسَوَاءٌ في عَوْرَةِ من ذُكِرَ الْبَالِغُ وَغَيْرُهُ نعم يَجُوزُ النَّظَرُ لِعَوْرَةِ غَيْرِ الْبَالِغِ إذَا لم يُشْتَهَ على ما سَيَأْتِي بَيَانُهُ في النِّكَاحِ وَعُلِمَ من كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ هُنَا ما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ثُمَّ إنَّ صَوْتَ الْمَرْأَةِ ليس بِعَوْرَةٍ وَسَيَأْتِي ثَمَّ حُكْمُ الْإِصْغَاءِ له وَالْخُنْثَى كَالْأُنْثَى أَيْ الْخُنْثَى الرَّقِيقُ كَالْأَمَةِ وَالْحُرُّ كَالْحُرَّةِ فَلَوْ اسْتَتَرَ كَالرَّجُلِ بِأَنْ اقْتَصَرَ على سَتْرِ ما بين سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ وَصَلَّى لم تَصِحَّ صَلَاتُهُ على الْأَصَحِّ في الرَّوْضَةِ وَالْأَفْقَهُ في الْمَجْمُوعِ لِلشَّكِّ في السَّتْرِ وَصَحَّحَ في التَّحْقِيقِ صِحَّتَهَا وَنَقَلَ في الْمَجْمُوعِ في نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ عن الْبَغَوِيّ وَكَثِيرٍ الْقَطْعَ بِهِ لِلشَّكِّ في عَوْرَتِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ على الْأَوَّلِ يَجِبُ الْقَضَاءُ وَإِنْ بَانَ ذَكَرًا لِلشَّكِّ حَالَ الصَّلَاةِ
فَرْعٌ لَا يَكْفِي سُتْرَةٌ تَحْكِي اللَّوْنَ أَيْ لَوْنَ الْبَشَرَةِ أَيْ تَصِفُهُ بِمَعْنَى يَصِفُهُ النَّاظِرُ من وَرَائِهَا كَمُهَلْهَلٍ لَا يَمْنَعُ إدْرَاكَ اللَّوْنِ لِأَنَّ مَقْصُودَ السَّتْرِ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَلَا يَضُرُّ هَا بَعْدَ سَتْرِهَا اللَّوْنَ أَنْ تَحْكِيَ الْحَجْمَ لَكِنَّهُ لِلْمَرْأَةِ مَكْرُوهٌ وَلِلرَّجُلِ خِلَافُ الْأَوْلَى قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ
وَلَوْ طَيَّنَ نَفْسَهُ أَيْ عَوْرَتَهُ أو اسْتَتَرَ بِمَاءٍ كَدِرٍ جَازَ وَلَوْ وَجَدَ ثَوْبًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَتُفْرَضُ الصَّلَاةُ في الْمَاءِ فِيمَنْ يُمْكِنُهُ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وفي صَلَاةِ الْعَاجِزِ عنهما لِعِلَّةٍ أو نَحْوِهَا وفي الصَّلَاةِ على الْجِنَازَةِ قال في الْمَجْمُوعِ عن الدَّارِمِيِّ وَلَوْ قَدَرَ على أَنْ يُصَلِّيَ فيه وَيَسْجُدَ على الشَّطِّ لم يَلْزَمْهُ أَيْ لِمَا فيه من الْحَرَجِ وَخَرَجَ بِالْكَدِرِ الصَّافِي فَلَا يَكْفِي إلَّا إذَا تَرَاكَمَ بِالْخَضِرَةِ بِحَيْثُ مَنَعَتْ الرُّؤْيَةَ وَيَلْزَمُهُ التَّطْيِينُ لو عَدِمَهُ أَيْ الثَّوْبَ أَيْ وَنَحْوَهُ لِقُدْرَتِهِ
____________________
(1/176)
على الْمَقْصُودِ وَكَالطِّينِ الْمَاءُ الْكَدِرُ وَنَحْوُهُ وَيَكْفِي السَّتْرُ بِلِحَافٍ الْتَحَفَ بِهِ امْرَأَتَانِ وَبِإِزَارٍ ائْتَزَرَ بِهِ رَجُلَانِ قَالَهُ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ
وَلَا يَجِبُ عليه السِّتْرُ إلَّا من أَعْلَاهُ وَجَوَانِبِهِ لِأَنَّهُ السِّتْرُ الْمُعْتَادُ بِخِلَافِهِ من أَسْفَلَ فَلَوْ رُئِيَتْ عَوْرَتُهُ من أَسْفَلَ بِأَنْ صلى بِمَكَانٍ عَالٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ فَلْيُزِرَّ قَمِيصَهُ أَيْ جَيْبَهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ أو يَسْتُرْ مَوْضِعَهُ بِشَيْءٍ أو يَشُدَّ وَسَطَهُ إنْ اتَّسَعَ جَيْبُ الْقَمِيصِ وَلَوْ سَتَرَهُ أَيْ جَيْبَهُ بِلِحْيَتِهِ أو بِشَعْرِ رَأْسِهِ أو سَتَرَ خَرْقًا في قَمِيصِهِ بِكَفِّهِ كَفَى لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ
وَلَوْ كانت عَوْرَتُهُ لَا تَنْكَشِفُ إلَّا عِنْدَ الرُّكُوعِ أو نَحْوِهِ صَحَّ إحْرَامُهُ ثُمَّ يَسْتُرُهُ أَيْ ما انْكَشَفَ منه إنْ قَدَرَ وَفَائِدَتُهُ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ بِهِ قبل الرُّكُوعِ أو غَيْرِهِ وَصِحَّةُ صَلَاتِهِ لو أَلْقَى ثَوْبًا على عَاتِقِهِ قبل ذلك
وَلَوْ وَقَفَ في حَبٍّ مَثَلًا في حَبٍّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ أَيْ خَابِيَةٍ أو حُفْرَةٍ ضَيِّقَيْ الرَّأْسِ بِحَيْثُ يَسْتُرَانِ الْوَاقِفَ فِيهِمَا جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ وهو كَثَوْبٍ وَاسِعِ الذَّيْلِ لَا إنْ وَقَفَ في زُجَاجٍ يَحْكِي اللَّوْنَ فَلَا يَكْفِي لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَلَا تَكْفِي الظُّلْمَةُ وَإِنْ سَتَرَتْ اللَّوْنَ
وَشَرْطُ السَّاتِرِ أَنْ يَشْمَلَ الْمَسْتُورَ لُبْسًا وَنَحْوَهُ فَلَا يَكْفِي الْخَيْمَةُ الضَّيِّقَةُ وَنَحْوُهَا قال الْأَذْرَعِيُّ وَقَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِمْ بِمَا يَسْتُرُ اللَّوْنَ الِاكْتِفَاءُ بِالْأَصْبَاغِ التي لَا جِرْمَ لها من حُمْرَةٍ وَصُفْرَةٍ وَغَيْرِهِمَا وهو مُشْكِلٌ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَحَامِلِيِّ وَالْمَاوَرْدِيِّ الْجَزْمُ بِخِلَافِهِ وهو الْوَجْهُ فَلْيُحْمَلْ كَلَامُ أُولَئِكَ على ما إذَا كان لِلسَّاتِرِ جِرْمٌ قُلْت لَكِنْ يُوَافِقُ إطْلَاقُهُمْ ما يَأْتِي من أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْضِبَ وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا بِالْحِنَّاءِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بين الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهَا
فَرْعٌ لو عَدِمَ السُّتْرَةَ فلم يَجِدْهَا بِمِلْكٍ وَلَا إجَارَةٍ وَلَا غَيْرِهِمَا مِمَّا يُبِيحُ الِانْتِفَاعَ أو وَجَدَهَا نَجِسَةً وَلَا مَاءَ يَغْسِلُهَا بِهِ أو وَجَدَ الْمَاءَ ولم يَجِدْ من يَغْسِلُهَا وهو عَاجِزٌ عن غَسْلِهَا أو وَجَدَهُ ولم يَرْضَ إلَّا بِأُجْرَةٍ ولم يَجِدْهَا أو وَجَدَهَا ولم يَرْضَ إلَّا بِأَكْثَرَ من أُجْرَةِ الْمِثْلِ أو حُبِسَ على نَجَاسَةٍ وَاحْتَاجَ فَرْشَ أَيْ إلَى فَرْشِ السُّتْرَةِ عليها صلى عُرْيَانًا وَأَتَمَّ الْأَرْكَانَ وَلَا إعَادَةَ عليه لِلْعُذْرِ كما مَرَّ في التَّيَمُّمِ
وَالْعُرَاةُ إنْ كَانُوا عُمْيًا أو في ظُلْمَةٍ أو في ضَوْءٍ لَكِنْ إمَامُهُمْ مُكْتَسٍ اُسْتُحِبَّ لهم الْجَمَاعَةُ لِإِدْرَاكِ فَضِيلَتِهَا قال الْأَذْرَعِيُّ وكان يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ شُرِعَ لهم الْجَمَاعَةُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذِكْرَ الِاسْتِحْبَابِ صَادِرٌ مِمَّنْ يَرَى الْجَمَاعَةَ سُنَّةً أَمَّا من يَرَاهَا فَرْضًا فَقِيَاسُهُ تَوَجُّهُ الْفَرْضِ عليهم وَإِلَّا بِأَنْ كَانُوا بُصَرَاءَ بِحَيْثُ يَتَأَتَّى نَظَرُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فَهِيَ أَيْ الْجَمَاعَةُ في حَقِّهِمْ وَانْفِرَادُهُمْ سَوَاءٌ لِأَنَّ في الْجَمَاعَةِ إدْرَاكَ فَضِيلَتِهَا وَفَوَاتَ فَضِيلَةِ سُنَّةِ الْمَوْقِفِ وفي الِانْفِرَادِ إدْرَاكَ فَضِيلَةِ الْمَوْقِفِ وَفَوَاتَ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ فَاسْتَوَيَا خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ في قَوْلِهِ أنها مُسْتَحَبَّةٌ أَيْضًا
وَلِمُكْتَسٍ اقْتِدَاءٌ بِعَارٍ كما يَقْتَدِي الْمُتَوَضِّئُ بِالْمُتَيَمِّمِ وَالْقَائِمُ بِالْمُضْطَجِعِ وَيَقِفُ إمَامُهُمْ الْعَارِي وَسْطَهُمْ بِسُكُونِ السِّينِ إذَا كَانُوا بِحَيْثُ يَتَأَتَّى نَظَرُ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ كَجَمَاعَةِ النِّسَاءِ فَتَقِفُ إمَامَتُهُنَّ وَسْطَهُنَّ كما سَيَأْتِي في صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ ثَمَّ ما ذُكِرَ قال ابن الرِّفْعَةِ عن الْإِمَامِ وَالْمُتَوَلِّي مَحَلُّهُ إذَا أَمْكَنَ وُقُوفُهُمْ صَفًّا وَإِلَّا وَقَفُوا صُفُوفًا مع غَضِّ الْبَصَرِ وما نَقَلَهُ جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ في مَجْمُوعِهِ في بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ
وَالنِّسَاءُ إذَا اجْتَمَعْنَ مع الرِّجَالِ وَالْجَمِيعُ عُرَاةٌ لَا يُصَلِّينَ مَعَهُمْ لَا في صَفٍّ وَلَا صَفَّيْنِ بَلْ يَتَنَحَّيْنَ وَيَجْلِسْنَ خَلْفَهُمْ وَيَسْتَدْبِرْنَ الْقِبْلَةَ حتى يُصَلِّيَ الرِّجَالُ وَكَذَا عَكْسُهُ أَيْ يَجْلِسُ خَلْفَهُنَّ الرِّجَالُ مَسْتَدْبِرِينَ حتى يُصَلِّينَ وَكُلُّ ذلك مُسْتَحَبٌّ لَا تُبْطِلُ مُخَالَفَتُهُ الصَّلَاةَ فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ تَتَوَارَى كُلُّ طَائِفَةٍ بِمَكَانٍ آخَرَ حتى تُصَلِّيَ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَهُوَ أَفْضَلُ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَشْمَلُهُ
فَرْعٌ لو وَجَدَ بَعْضَ سُتْرَةٍ لَزِمَهُ التَّسَتُّرُ بِهِ فَإِنْ كَفَى سَوْأَتَيْهِ وَلَوْ مع زِيَادَةٍ لَزِمَهُ الْبُدَاءَةُ بِالسَّوْأَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا
____________________
(1/177)
أَغْلَظُ من غَيْرِهِمَا وَلِأَنَّ غَيْرَهُمَا كَالتَّابِعِ وَإِنْ كَفَى أَحَدُهُمَا لَزِمَهُ الْبُدَاءَةُ بِسَتْرِ الْقُبُلِ ذَكَرًا أو غَيْرَهُ ثُمَّ الدُّبُرِ لِأَنَّهُ يَتَوَجَّهُ بِالْقُبُلِ الْقِبْلَةَ فَسَتْرُهُ أَهَمُّ تَعْظِيمًا لها وَلِأَنَّ الدُّبُرَ مَسْتُورٌ غَالِبًا بِالْأَلْيَتَيْنِ بِخِلَافِ الْقُبُلِ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ يَبْدَأُ وُجُوبًا بِمَا شَاءَ من قُبُلَيْهِ إذَا وَجَدَ كَافِيَ أَحَدِهِمَا وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتُرَ ذَكَرَهُ عِنْدَ النِّسَاءِ وَلَوْ امْرَأَةً وَفَرْجَهُ عِنْدَ الرِّجَالِ وَلَوْ رَجُلًا وَأَيَّهُمَا شَاءَ عِنْدَ الْخُنْثَى قِيَاسًا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ
فَرْعٌ لو صَلَّتْ أَمَةٌ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ وَتَرَكَتْ السُّنَّةَ وَهِيَ أَنْ تَسْتَتِرَ في صَلَاتِهَا كَالْحُرَّةِ فَعَتَقَتْ في صَلَاتِهَا وَوَجَدَتْ خِمَارًا بَعِيدًا بِحَيْثُ إنْ مَضَتْ إلَيْهِ احْتَاجَتْ أَفْعَالًا أَيْ إلَى أَفْعَالٍ كَثِيرَةٍ كَثَلَاثِ خُطُوَاتٍ وقد مَضَتْ إلَيْهِ أو انْتَظَرَتْ من يُلْقِيه عليها وَمَضَتْ مُدَّةٌ في التَّكَشُّفِ يُحْتَاجُ في تَنَاوُلِ ذلك فيها إلَى أَفْعَالٍ تُبْطِلُ الصَّلَاةَ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا لِكَثْرَةِ الْأَفْعَالِ في الْأُولَى وَطُولِ الْمُدَّةِ في الثَّانِيَةِ فَإِنْ لم تَجِدْهُ أَيْ الْخِمَارَ بَنَتْ على صَلَاتِهَا لِعَجْزِهَا عن السَّتْرِ وَكَذَا إنْ وَجَدَتْهُ قَرِيبًا منها فَتَنَاوَلَتْهُ ولم تَسْتَدْبِرْ قِبْلَتَهَا وَسَتَرَتْ بِهِ رَأْسَهَا فَوْرًا كَرَدِّ ما كَشَفَتْهُ الرِّيحُ فَوْرًا وَتَنَاوُلُ غَيْرِهَا فِيمَا ذُكِرَ كَتَنَاوُلِهَا كَعَارٍ وَجَدَ سُتْرَةً في صَلَاتِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْأَمَةِ فِيمَا ذُكِرَ وَلَوْ لم تَعْلَمْ بِالسُّتْرَةِ التي يُمْكِنُهَا السَّتْرُ بها أو بِالْعِتْقِ حتى مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُهَا التَّسَتُّرُ فيها لو عَلِمَتْ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا كَمَنْ صلى جَاهِلًا بِالنَّجَسِ
فَإِنْ قال شَخْصٌ لِأَمَتِهِ إنْ صَلَّيْت صَلَاةً صَحِيحَةً فَأَنْت حُرَّةٌ قَبْلَهَا فَصَلَّتْ بِلَا خِمَارٍ عَاجِزَةً عن سَتْرِ رَأْسِهَا عَتَقَتْ وَصَحَّتْ صَلَاتُهَا أو قَادِرَةً عليه صَحَّتْ صَلَاتُهَا ولم تَعْتِقْ لِلدَّوْرِ إذْ لو عَتَقَتْ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا وإذا بَطَلَتْ صَلَاتُهَا لَا تَعْتِقُ فَإِثْبَاتُ الْعِتْقِ يُؤَدِّي إلَى بُطْلَانِهِ وَبُطْلَانِ الصَّلَاةِ فَبَطَلَ وَصَحَّتْ الصَّلَاةُ وَلَوْ عَبَّرَ في هذه وَاَلَّتِي قَبْلَهَا بِالسُّتْرَةِ بَدَلَ الْخِمَارِ كان أَوْلَى وَالْخِمَارُ ثَوْبٌ يَسْتُرُ الرَّأْسَ وَالْعُنُقَ وَيُقَالُ له الْمِقْنَعَةُ
فَرْعٌ ليس لِلْعَارِي غَصْبُ الثَّوْبِ من مُسْتَحِقِّهِ بِخِلَافِ الطَّعَامِ في الْمَخْمَصَةِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا وَلَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ نعم إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ لِدَفْعِ حَرٍّ أو بَرْدٍ أو نَحْوِهِمَا جَازَ ذلك كَالْمُضْطَرِّ إلَى الطَّعَامِ وَيَجِبُ عليه قَبُولُ عَارِيَّةٍ وَإِنْ لم يَكُنْ لِلْمُعِيرِ غَيْرُهُ وقبول هِبَةِ الطِّينِ وَنَحْوِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِهِ من زِيَادَتِهِ لَا قَبُولُ هِبَةِ الثَّوْبِ فَلَا يَجِبُ لِثِقَلِ الْمِنَّةِ وَاقْتِرَاضُهُ كَاقْتِرَاضِ ثَمَنِ الْمَاءِ فَلَا يَجِبُ وَاسْتِئْجَارُهُ وَاشْتِرَاؤُهُ كَشِرَاءِ الْمَاءِ فَيَجِبَانِ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ وَثَمَنُهُ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ في التَّيَمُّمِ فَلَوْ تَرَكَ الْوَاجِبَ مِمَّا ذُكِرَ وَصَلَّى عَارِيًّا لم تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِقُدْرَتِهِ على السَّتْرِ
وَإِنْ وَجَدَ ثَمَنَ الثَّوْبِ أو الْمَاءِ أَيْ ما يَكْفِي أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ وهو مُحْتَاجٌ إلَيْهِمَا قُدِّمَ الثَّوْبُ وُجُوبًا لِدَوَامِ النَّفْعِ بِهِ وَلِأَنَّهُ يَجِبُ تَحْصِيلُهُ لِلصَّلَاةِ وَلِلصَّوْنِ عن الْعُيُونِ وَلِأَنَّهُ لَا بَدَلَ له بِخِلَافِ مَاءِ الطَّهَارَةِ
وَإِنْ أَوْصَى بِهِ أَيْ بِالثَّوْبِ أَيْ بِصَرْفِهِ لِلْأَوْلَى بِهِ قُدِّمَتْ الْمَرْأَةُ وُجُوبًا لِأَنَّ عَوْرَتَهَا أَعْظَمُ ثُمَّ الْخُنْثَى لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ ثُمَّ الرَّجُلُ وَقِيَاسُ ما مَرَّ في التَّيَمُّمِ فِيمَا لو أَوْصَى بِمَاءٍ لِلْأَوْلَى بِهِ أَنَّهُ لو كَفَى الثَّوْبُ لِلْمُؤَخَّرِ دُونَ الْمُقَدَّمِ قُدِّمَ الْمُؤَخَّرُ وَكَالْوَصِيَّةِ في ذلك التَّوْكِيلُ وَالْوَقْفُ أَمَّا لو كان الثَّوْبُ لِوَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ لِغَيْرِهِ وَيُصَلِّي عُرْيَانًا لَكِنْ يُصَلِّي فيه وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيرَهُ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ سَوَاءٌ فيه الرَّجُلُ وَغَيْرُهُ ثُمَّ إنْ أَعَارَهُ لِوَاحِدٍ أو لِجَمَاعَةٍ وَرَتَّبَهُمْ فَذَاكَ وَإِنْ لم يُرَتِّبْهُمْ صَلُّوا فيه بِالتَّرَاضِي فَإِنْ تَشَاحُّوا أُقْرِعَ
وإذا صلى الشَّخْصُ في ثَوْبِ الْجِمَاعِ الشَّامِلِ لِثَوْبِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَالْحَائِضِ وَالصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ أَيْ نَحْوِ من ذُكِرَ كَالنُّفَسَاءِ وَالْمَجْنُونِ جَازَ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ وَالتَّصْرِيحُ بهذا من زِيَادَتِهِ وهو مَعْلُومٌ مِمَّا قَدَّمَهُ في بَابِ الِاجْتِهَادِ
وَلَوْ وَجَدَ ثَوْبًا حَرِيرًا فَقَطْ صلى فيه لِأَنَّهُ يُبَاحُ لِلْحَاجَةِ بَلْ يَلْزَمُ السَّتْرُ بِهِ وَلَوْ في خَلْوَةٍ فَإِنْ زَادَ على قَدْرِ الْعَوْرَةِ قال في الْمُهِمَّاتِ فَيُتَّجَهُ لُزُومُ قَطْعِهِ إذَا لم يَنْقُصْ أَكْثَرَ من أُجْرَةِ الثَّوْبِ وَرُدَّ بِالْمَنْعِ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ وَهِيَ حَرَامٌ وَيُمْنَعُ بِأَنَّ ذلك إنَّمَا يُفْعَلُ لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ كَالْمُتَنَجِّسِ إذَا لم يَجِدْ غَيْرَهُ يَلْزَمُهُ السَّتْرُ بِهِ في غَيْرِ الصَّلَاةِ وَلَوْ في خَلْوَةٍ وَيُقَدَّمُ على الْحَرِيرِ لِأَنَّ الْقَصْدَ من السَّاتِرِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ لَا الْعِبَادَةِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ
وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَلْبَسَ لِلصَّلَاةِ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَيَتَقَمَّصَ وَيَتَعَمَّمَ وَيَتَطَيْلَسَ وَيَرْتَدِيَ وَيَتَّزِرَ أو يَتَسَرْوَلَ لِأَنَّهُ يُرِيدُ التَّمَثُّلَ بين يَدَيْ اللَّهِ فَيَتَجَمَّلُ بِذَلِكَ وَالْأَخِيرَانِ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ اقْتَصَرَ على ثَوْبَيْنِ فَقَمِيصٌ مع رِدَاءٍ أو إزَارٍ أو سَرَاوِيلَ أَوْلَى من رِدَاءٍ مع إزَارٍ أو سَرَاوِيلَ وَمِنْ إزَارٍ مع سَرَاوِيلَ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ في ثَوْبَيْنِ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كل مَسْجِدٍ وَالثَّوْبَانِ أَهَمُّ الزِّينَةِ وَلِخَبَرِ
____________________
(1/178)
إذَا صلى أحدكم فَلْيَلْبَسْ ثَوْبَيْهِ فإن اللَّهَ أَحَقُّ أَنْ يَزَّيَّنَ له فَإِنْ لم يَكُنْ له ثَوْبَانِ فَلْيَتَّزِرْ إذَا صلى وَلَا يَشْتَمِلْ اشْتِمَالَ الْيَهُودِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ثُمَّ إنْ اقْتَصَرَ على وَاحِدٍ فَالْأَوْلَى قَمِيصٌ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لِلْبَدَنِ ثُمَّ رِدَاءٌ ثُمَّ إزَارٌ ثُمَّ سَرَاوِيلُ وَإِنَّمَا كان الْإِزَارُ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَتَجَافَى عنه وَلَا يُبَيِّنُ منه حَجْمَ أَعْضَائِهِ بِخِلَافِ السَّرَاوِيلِ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عن الْأَصْحَابِ عَكْسَهُ وَنَقَلَهُ ابن الرِّفْعَةِ عن الْمَحَامِلِيِّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ عن النَّصِّ لِأَنَّ السَّرَاوِيلَ أَجْمَعُ في السَّتْرِ وَيَلْتَحِفُ بِإِزَارِهِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ ثُمَّ الثَّوْبُ الْوَاحِدُ يَلْتَحِفُ بِهِ إنْ اتَّسَعَ وَيُخَالِفُ بين طَرَفَيْهِ كما يَفْعَلُهُ الْقَصَّارُ في الْمَاءِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ ضَاقَ اتَّزَرَ بِهِ وَجَعَلَ شيئا منه على عَاتِقِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن جَابِرٍ رضي اللَّهُ عنه إذَا صَلَّيْت وَعَلَيْك ثَوْبٌ وَاحِدٌ فَإِنْ كان وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ وَإِنْ كان ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ فَإِنْ كان وَاسِعًا فَخَالِفْ بين طَرَفَيْهِ وَإِنْ كان ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ على حِقْوَيْك وفي الصَّحِيحَيْنِ خَبَرُ لَا يُصَلِّي أحدكم في الثَّوْبِ الْوَاحِدِ ليس على عَاتِقِهِ منه شَيْءٌ قال في الْمُهَذَّبِ وَشَرْحِهِ فَإِنْ لم يَجِدْ ثَوْبًا يَجْعَلُهُ على عَاتِقِهِ جَعَلَ حَبْلًا حتى لَا يَخْلُوَ من شَيْءٍ وَيُكْرَهُ تَرْكُ ذلك
وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ في الصَّلَاةِ قَمِيصٌ سَابِغٌ لِجَمِيعِ بَدَنِهَا وَخِمَارٌ وَجِلْبَابٌ كَثِيفٌ فَوْقَ ثِيَابِهَا لِيَتَجَافَى عنها وَلَا يُبَيِّنَ حَجْمَ أَعْضَائِهَا وَالْجِلْبَابُ الْمِلْحَفَةُ وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ قَالَهُ في الْمَطْلَبِ ويجب عليه إذَا لم يَجِدْ سُتْرَةً عَمَلُ سُتْرَةٍ يَسْتَتِرُ بها حتى من حَشِيشٍ وَهَذَا أَعَمُّ من قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَلَوْ لم يَجِدْ سُتْرَةً وَوَجَدَ حَشِيشًا يُمْكِنُهُ عَمَلُ سُتْرَةٍ منه لَزِمَهُ ذلك
وَإِتْلَافُ الثَّوْبِ وَبَيْعُهُ الْمَزِيدُ على الْأَصْلِ في الْوَقْتِ كَالْمَاءِ إذَا أَتْلَفَهُ أو بَاعَهُ فيه فَيَعْصِي بِذَلِكَ إنْ لم تَكُنْ حَاجَةٌ وَيُصَلِّي عُرْيَانًا في الْأُولَى وَلَا إعَادَةَ عليه وَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ في الثَّانِيَةِ ما قَدَرَ على الثَّوْبِ وهو بَاقٍ على مِلْكِهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَكَالْبَيْعِ الْهِبَةُ وَنَحْوُهَا وَلَا يُبَاعُ له أَيْ لِلسِّتْرِ مَسْكَنٌ وَلَا خَادِمٌ كما في الْكَفَّارَةِ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عن ابْنِ كَجٍّ في الْكَفَّارَاتِ وَأَقَرَّهُ وَغَلِطَ من خَالَفَهُ وَهَذِهِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ على الرَّوْضَةِ
وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُتَلَثِّمًا وَالْمَرْأَةُ مُتَنَقِّبَةً أو مُغَطِّيًا الْمُصَلِّي فَاهُ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نهى أَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ في الصَّلَاةِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَقِيسَ بِالرَّجُلِ غَيْرُهُ فَإِنْ تَثَاءَبَ الْمُصَلِّي سُنَّ له أَنْ يُغَطِّيَ فَاهُ وفي نُسْخَةٍ سَدَّ أَيْ فَاهُ بيده لِخَبَرِ مُسْلِمٍ إذَا تَثَاءَبَ أحدكم فَلْيُمْسِك بيده على فيه فإن الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ وَهَذِهِ أَعَادَهَا في السِّيَرِ وَيُكْرَه أَنْ يُصَلِّيَ في ثَوْبٍ فيه تَصْوِيرٌ أَيْ صُورَةٌ وَأَنْ يُصَلِّيَ إلَيْهِ وَعَلَيْهِ كما سَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ في الشَّرْطِ السَّابِعِ وأن يُصَلِّيَ بِالِاضْطِبَاعِ بِأَنْ يَجْعَلَ وَسَطَ رِدَائِهِ تَحْتَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَطَرَفَيْهِ على الْأَيْسَرِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَاشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ بِأَنْ يُخَلِّلَ بَدَنَهُ بِالثَّوْبِ ثُمَّ يَرْفَعُ طَرَفَيْهِ على عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ واشتمال الْيَهُودِ بِأَنْ يُخَلِّلَ بَدَنَهُ بِالثَّوْبِ بِدُونِ رَفْعِ طَرَفَيْهِ لِلنَّهْيِ عن ذلك في الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وَلِأَنَّهُ في الْأَخِيرَتَيْنِ إذَا أَتَاهُ ما يَتَوَفَّاهُ لَا يُمْكِنُ إخْرَاجُ يَدِهِ بِسُرْعَةٍ وإذا أَخْرَجَ يَدَهُ رُبَّمَا انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ
الشَّرْطُ السَّادِسُ تَرْكُ الْكَلَامِ أَيْ كَلَامِ الناس وَإِنْ لم يَقْصِدْ خِطَابَهُمْ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عن زَيْدِ بن أَرْقَمَ كنا نَتَكَلَّمُ في الصَّلَاةِ حتى نَزَلَتْ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عن الْكَلَامِ وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بن الْحَكَمِ بَيْنَمَا أنا أُصَلِّي مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ عَطَسَ رَجُلٌ من الْقَوْمِ فَقُلْت يَرْحَمُك اللَّهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْت وَاثُكْلَ أُمِّيَاهُ ما شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إلَيَّ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ على أَفْخَاذِهِمْ فلما رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي سَكَتُّ فلما صلى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إنَّ هذه الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فيها شَيْءٌ من كَلَامِ الناس فَإِنْ نَطَقَ فيها بِحَرْفَيْنِ فَأَكْثَرَ وَلَوْ بِغَيْرِ إفْهَامٍ أو حَرْفٍ يُفْهَمُ نحو قِ من الْوِقَايَةِ وَعِ من الْوَعْيِ أو حَرْفٍ مَمْدُودٍ وَإِنْ لم يُفْهَمْ نحو آ وَالْمَدُّ أَلِفٌ أو وَاوٌ أو يَاءٌ فَالْمَمْدُودُ في الْحَقِيقَةِ حَرْفَانِ وَلَوْ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ كَقَوْلِهِ لِإِمَامِهِ قُمْ أو اُقْعُدْ بَطَلَتْ لِأَنَّ الْحَرْفَيْنِ من جِنْسِ الْكَلَامِ وَالْكَلَامُ يَقَعُ على الْمُفْهِمِ وَغَيْرِهِ مِمَّا هو حَرْفَانِ فَأَكْثَرُ وَتَخْصِيصُهُ بِالْمُفْهِمِ اصْطِلَاحٌ لِلنُّحَاةِ وَالْحَرْفُ الْمُفْهِمُ مُتَضَمِّنٌ لِمَقْصُودِ الْكَلَامِ وَإِنْ أَخْطَأَ بِحَذْفِ هَاءِ السَّكْتِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُفْهِمِ فَاعْتُبِرَ فيه أَقَلُّ ما يُبْنَى عليه الْكَلَامُ في اللُّغَةِ وهو حَرْفَانِ
وَلَوْ تَنَحْنَحَ مَغْلُوبًا عليه أو لِلْعَجْزِ عن الْقِرَاءَةِ لَا عن الْجَهْرِ فَمَعْذُورٌ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ وَإِنَّمَا لم يُعْذَرْ في الْعَجْزِ عن الْجَهْرِ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ لَا ضَرُورَةَ إلَى التَّنَحْنُحِ له وَالْمُرَادُ بِالْقِرَاءَةِ الْقِرَاءَةُ الْوَاجِبَةُ وفي مَعْنَاهَا بَدَلُهَا وَكُلُّ وَاجِبٍ قَوْلِيٍّ كَالتَّشَهُّدِ وفي مَعْنَى الْجَهْرِ سَائِرُ السُّنَنِ كَقِرَاءَةِ السُّورَةِ وَالْقُنُوتِ لَكِنْ الْمُتَّجَهُ في الْمُهِمَّاتِ جَوَازُ التَّنَحْنُحِ
____________________
(1/179)
لِلْجَهْرِ بِأَذْكَارِ الِانْتِقَالِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى إسْمَاعِ الْمَأْمُومِينَ وَإِلَّا بِأَنْ تَنَحْنَحَ بِلَا عُذْرٍ فَإِنْ بَانَ منه حَرْفَانِ بَطَلَتْ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ تَنَحْنَحَ إمَامُهُ فَبَانَ منه حَرْفَانِ لم يُفَارِقْهُ حَمْلًا على الْعُذْرِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ تَحَرُّزُهُ عن الْمُبْطِلِ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْعِبَادَةِ وقد تَدُلُّ قَرِينَةُ الْإِمَامِ على خِلَافِ ذلك فَتَجِبُ الْمُفَارَقَةُ قَالَهُ السُّبْكِيُّ قال الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ لَحَنَ في الْفَاتِحَةِ لَحْنًا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى وَجَبَتْ مُفَارَقَتُهُ كما لو تَرَكَ وَاجِبًا لَكِنْ هل يُفَارِقُهُ في الْحَالِ أو حتى يَرْكَعَ لِجَوَازِ أَنَّهُ لَحَنَ سَاهِيًا وقد يَتَذَكَّرُ فَيُعِيدُ الْفَاتِحَةَ الْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ مُتَابَعَتُهُ في فِعْلِ السَّهْوِ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ إذْ لو سَجَدَ إمَامُهُ قبل رُكُوعِهِ لم تَجِبْ مُفَارَقَتُهُ في الْحَالِ
وَتَبْطُلُ بِبُكَاءٍ وَأَنِينٍ وَتَأَوُّهٍ وَإِنْ كان لِلْآخِرَةِ وَبِضَحِكٍ وَسُعَالٍ وَنَفْخٍ إنْ بَانَ مع كُلٍّ منها حَرْفَانِ وَإِلَّا فَلَا
فَلَوْ تَكَلَّمَ نَاسِيًا أَنَّهُ في الصَّلَاةِ أو جَاهِلًا تَحْرِيمَهُ فيها أو سَبَقَ لِسَانُهُ إلَيْهِ أو غَلَبَهُ الضَّحِكُ وَالسُّعَالُ وَالْعُطَاسُ كما في الْمَجْمُوعِ وَنَحْوِهَا مِمَّا مَرَّ وكان كُلٌّ منها كَثِيرًا في الْعُرْفِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ ذلك يَقْطَعُ نَظْمَهَا أو يَسِيرًا في الْعُرْفِ لم تَبْطُلْ لِلْعُذْرِ وفي الصَّحِيحَيْنِ عن أبي هُرَيْرَةَ صلى بِنَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الظُّهْرَ أو الْعَصْرَ فَسَلَّمَ من رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أتى خَشَبَةً بِالْمَسْجِدِ وَاتَّكَأَ عليها كَأَنَّهُ غَضْبَانُ فقال له ذُو الْيَدَيْنِ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ يا رَسُولَ اللَّهِ فقال لِأَصْحَابِهِ أَحَقٌّ ما يقول ذُو الْيَدَيْنِ قالوا نعم فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ تَكَلَّمَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ ليس في الصَّلَاةِ وَهُمْ تَكَلَّمُوا مُجَوِّزِينَ النَّسْخَ ثُمَّ بَنَى هو وَهُمْ عليها وفي مَعْنَى الْمَذْكُورَاتِ التَّنَحْنُحُ لِلْغَلَبَةِ كما أَشَرْتُ إلَيْهِ آنِفًا قال الْإِسْنَوِيُّ فيه وفي السُّعَالِ وَالْعُطَاسِ لِلْغَلَبَةِ الصَّوَابُ أنها لَا تَبْطُلُ وَإِنْ كَثُرَتْ إذْ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عنها
وَلَوْ جَهِلَ بُطْلَانَهَا بِالتَّنَحْنُحِ مع عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ فَمَعْذُورٌ لِخَفَاءِ حُكْمِهِ على الْعَوَامّ وَكَذَا تَحْرِيمُ الْكَلَامِ أَيْ جَهْلُهُ بِهِ وهو يَسِيرٌ يُعْذَرُ بِهِ إنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ أو نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عن الْعُلَمَاءِ كَنَظَائِرِهِ وَلِخَبَرِ مُعَاوِيَةَ السَّابِقِ وَلَوْ جَمَعَ مَسْأَلَةَ الْجَاهِلِ بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ في مَحَلٍّ وَاحِدٍ كان أَوْلَى وَقَوْلُهُ أو نَشَأَ بِبَادِيَةٍ من زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عن الْكَافِي وَلَوْ تَكَلَّمَ نَاسِيًا لِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ في الصَّلَاةِ بَطَلَتْ كَنِسْيَانِ النَّجَاسَةِ على ثَوْبِهِ صَرَّحَ بِهِ الْجُوَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنْ عَلِمَ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ وَجَهِلَ كَوْنَهُ مُبْطِلًا لم يُعْذَرْ كما لو عَلِمَ تَحْرِيمَ شُرْبِ الْخَمْرِ دُونَ إيجَابِهِ الْحَدَّ فإنه يُحَدُّ إذْ حَقُّهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ الْكَفُّ وَلَوْ جَهِلَ تَحْرِيمَ ما أتى بِهِ منه مع عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِ جِنْسِ الْكَلَامِ فَمَعْذُورٌ كما شَمِلَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ السَّابِقُ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَكَذَا لو سَلَّمَ نَاسِيًا ثُمَّ تَكَلَّمَ عَامِدًا أَيْ يَسِيرًا كما ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ في الصَّوْمِ
وَإِجَابَةُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِمَّنْ دَعَاهُ في عَصْرِهِ في الصَّلَاةِ وَإِنْذَارُ الْهَالِكِ أَيْ الْمُشْرِفِ على الْهَلَاكِ كَأَعْمَى أَشْرَفَ على وُقُوعِهِ في بِئْرٍ في الصَّلَاةِ وَاجِبَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ وَلِإِنْقَاذِ الرُّوحِ لَكِنْ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِالْإِنْذَارِ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ في التَّحْقِيقِ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ دُونَ الْإِجَابَةِ لِشَرَفِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلِهَذَا أُمِرَ الْمُصَلِّي بِأَنْ يَقُولَ سَلَامٌ عَلَيْك أَيُّهَا النبي وَيَمْتَنِعَ أَنْ يَقُولَ ذلك لِغَيْرِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ إلْحَاقُ إجَابَةِ عِيسَى عليه السَّلَامُ وَقْتَ نُزُولِهِ بِإِجَابَةِ نَبِيِّنَا صلى اللَّهُ عليه وسلم وَتَبْطُلُ بِإِجَابَةِ أَبَوَيْهِ وَإِنْ أَوْجَبْنَاهَا
وتبطل بِكَلَامِ الْمُكْرَهِ كما تَبْطُلُ لو أُكْرِهَ على أَنْ يُصَلِّيَ بِلَا وُضُوءٍ لِنُدْرَةِ ذلك
فَرْعٌ يُسَبِّحُ الرَّجُلُ وَتُصَفِّقُ الْمَرْأَةُ بِأَيِّ كَيْفِيَّةٍ شَاءَتْ غير ما يَأْتِي ولكن الْأَوْلَى لها أَنْ تُصَفِّقَ بِبَطْنِ كَفٍّ على ظَهْرِ الْكَفِّ الْآخَرِ هذا أَوْلَى وَأَعَمُّ من قَوْلِ الْأَصْلِ وَالتَّصْفِيقُ أَنْ تَضْرِبَ بَطْنَ كَفِّهَا الْيُمْنَى على ظَهْرِ
____________________
(1/180)
الْيُسْرَى وَذَكَّرَ الْكَفَّ مع أَنَّ الْمَعْرُوفَ تَأْنِيثُهَا وَإِنَّمَا يُسَبِّحُ الرَّجُلُ وَتُصَفِّقُ الْمَرْأَةُ إنْ نَابَهُمَا شَيْءٌ في صَلَاتِهِمَا كَتَنْبِيهِ إمَامِهِمَا وَإِذْنِهِمَا لِدَاخِلٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ من نَابَهُ شَيْءٌ في صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ فإنه إذَا سَبَّحَ اُلْتُفِتَ إلَيْهِ وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ فَلَوْ صَفَّقَ الرَّجُلُ وَسَبَّحَتْ الْمَرْأَةُ جَازَ لَكِنْ خَالَفَا السُّنَّةَ مع أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَجْهَرُ إذَا خَلَتْ عن الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ فَالْأَوْجَهُ أنها تُسَبِّحُ حِينَئِذٍ لِأَنَّ التَّسْبِيحَ من جِنْسِ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّهَا إنَّمَا أُمِرَتْ بِالْعُدُولِ عنه إلَى التَّصْفِيقِ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ وهو مُنْتَفٍ فِيمَا قُلْنَا وَالْخُنْثَى مِثْلُهَا فِيمَا ذُكِرَ ولم يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ التَّنْبِيهَ بِمَا ذُكِرَ مَنْدُوبٌ أو مُبَاحٌ أو وَاجِبٌ وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ لِمَنْدُوبٍ وَمُبَاحٌ لِمُبَاحٍ كَإِذْنِهِ لِدَاخِلٍ وَوَاجِبٌ لِوَاجِبٍ كَإِنْذَارِهِ أَعْمَى وَيُعْتَبَرُ في التَّسْبِيحِ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ الذِّكْرَ وَحْدَهُ أو مع التَّنْبِيهِ كَنَظِيرِهِ الْآتِي في الْقِرَاءَةِ
وَالتَّصْفِيقَةُ وَالْخُطْوَةُ بِقَصْدِ اللَّعِبِ مع الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ فِيهِمَا مُبْطِلَانِ لِلصَّلَاةِ لِمُنَافَاتِهِمَا لها حِينَئِذٍ بِخِلَافِهِمَا بِغَيْرِ قَصْدِ اللَّعِبِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى كما أَفْهَمَهُ تَعْبِيرُهُ أَوَّلًا بِالْأَوْلَى بِالنِّسْبَةِ لِلتَّصْفِيقَةِ وَذِكْرُ حُكْمِ الْخُطْوَةِ مع تَرْكِ تَقْيِيدِ التَّصْفِيقَةِ بِبَطْنِ كَفٍّ على بَطْنِ أُخْرَى من زِيَادَتِهِ وَحُسْنِ تَصَرُّفِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ فقال شَرْطُ عَدَمِ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِالْقَلِيلِ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهِ مُنَافَاتَهَا فَإِنْ قَصَدَ بِهِ مُنَافَاتَهَا كما لو خَطَا خُطْوَةً أو اسْتَنَدَ إلَى جِدَارٍ أو الْتَفَتَ بِوَجْهِهِ قَاصِدًا بِهِ مُنَافَاتَهَا
فَإِنْ عَدَلَ عن الْكَلَامِ أَيْ التَّسْبِيحِ إلَى الْقُرْآنِ الْأَوْلَى فَإِنْ أتى بِشَيْءٍ من نَظْمِ الْقُرْآنِ فَنَبَّهَ بِهِ أو أَذِنَ بِهِ لِدَاخِلٍ أو نَحْوِهِ كَأَنْ قال لِجَمَاعَةٍ اسْتَأْذَنُوا في الدُّخُولِ عليه اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ وَقَصَدَ بِهِ الْقُرْآنَ وَحْدَهُ أو مع التَّنْبِيهِ لم تَبْطُلْ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ انْتَهَى في قِرَاءَتِهِ إلَيْهِ أَمْ أَنْشَأَهَا حِينَئِذٍ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ وَأَذِنَ لِانْدِرَاجِهِ فِيمَا قَبْلَهُ فَإِنْ لم يَقْصِدْ معه أَيْ مع التَّنْبِيهِ الْعُدُولَ إلَيْهِ أَيْ إلَى الْقُرْآنِ بِأَنْ قَصَدَ التَّنْبِيهَ وَحْدَهُ أو أَطْلَقَ بَطَلَتْ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ وَلَا يَكُونُ قُرْآنًا إلَّا بِالْقَصْدِ وَمَسْأَلَةُ الْإِطْلَاقِ من زِيَادَتِهِ وَبِهَا جَزَمَ في التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ غَيَّرَ نَظْمَهُ بِأَنْ أتى بِكَلِمَاتٍ منه على غَيْرِ نَظْمِهِ كَيَا إبْرَاهِيمُ سَلَامٌ كُنْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ نعم إنْ فَرَّقَهَا أو قَصَدَ بها الْقُرْآنَ لم تَبْطُلْ نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ وَنَقَلَ فيه عن الْعَبَّادِيِّ أَنَّهُ لو قَرَأَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ بَطَلَتْ إنْ تَعَمَّدَ وَإِلَّا فَلَا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ثُمَّ قال وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ قال الْأَذْرَعِيُّ وَلَيْسَ كما قال وما قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ ظَاهِرٌ وقال الْقَفَّالُ في فَتَاوِيهِ إنْ قال ذلك مُتَعَمِّدًا مُعْتَقِدًا كَفَرَ وَلَوْ قال قال اللَّهُ أو النبي كَذَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كما شَمِلَهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي قال في التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ قَرَأَ إمَامُهُ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ فَقَالَهَا بَطَلَتْ إنْ لم يَقْصِدْ تِلَاوَةً أو دُعَاءً لَكِنَّهُ في الْمَجْمُوعِ نَقَلَهُ عن صَاحِبِ الْبَيَانِ ثُمَّ قال وَلَا يُوَافِقُ عليه أَيْ كَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ وهو ما بَحَثَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَتَبِعَهُ عليه الْإِسْنَوِيُّ وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ بَطَلَتْ الْأُولَى وَعَبَّرَ فِيمَا بَعْدَهَا بِقَوْلِهِ أو غَيَّرَ نَظْمَهُ كان أَوْلَى وَأَخْصَرَ
وَإِنْ فَتَحَ على إمَامِهِ بِالْقُرْآنِ أو جَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ أو التَّسْمِيعِ بِالْإِعْلَامِ أَيْ مع قَصْدِهِ الْإِعْلَامَ بِذَلِكَ لم تَبْطُلْ صَلَاتُهُ هذا من تَصَرُّفِهِ وهو يُوهِمُ عَدَمَ الْبُطْلَانِ مع قَصْدِ الْإِعْلَامِ فَقَطْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ نعم بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِيمَا لَا يَصْلُحُ لِكَلَامِ الْآدَمِيِّينَ قال وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ
وَلَا تَبْطُلُ بِذِكْرٍ وَدُعَاءٍ وَإِنْ لم يُنْدَبَا وَكَذَا نَذْرُ قُرْبَةٍ قال في الْمَجْمُوعِ لِأَنَّهُ مُنَاجَاةٌ لِلَّهِ تَعَالَى
____________________
(1/181)
فَهُوَ من جِنْسِ الدُّعَاءِ وَهَذَا قد يَقْتَضِي أَنَّ النَّذْرَ قُرْبَةٌ وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ في بَابِهِ وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ لَكِنَّهُ أَعْنِي النَّوَوِيَّ جَزَمَ في مَجْمُوعِهِ ثَمَّ بِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَسَيَأْتِي بَسْطُهُ ثَمَّ إلَّا ما عَلَّقَ من ذلك كَقَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي إنْ أَرَدْت أو إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ أو إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَعَلَيَّ كَذَا فَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ وَهَذَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ تَفَقُّهًا لَكِنَّهُ فَرَضَهُ في النَّذْرِ فَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ عليه وَأَضَافَ إلَيْهِ ما في مَعْنَاهُ
وَقَوْلُهُ وَكَذَا نَذْرُ قُرْبَةٍ إلَّا ما عَلَّقَ من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ قُرْبَةٍ لِأَنَّ النَّذْرَ إنَّمَا يَكُونُ في قُرْبَةٍ أو إلَّا ما تَضَمَّنَ من ذلك خِطَابَ مَخْلُوقٍ غَيْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من إنْسٍ وَجِنٍّ وَمَلَكٍ وَغَيْرِهِمْ كَقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ سُبْحَانَ رَبِّي وَرَبِّك أو لِعَاطِسٍ رَحِمَك اللَّهُ أو لِعَبْدِهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَك فَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ وَاسْتَثْنَى منه الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا دُعَاءٌ فيه خِطَابٌ لِمَا لَا يَعْقِلُ كَقَوْلِهِ يا أَرْضَ رَبِّي وَرَبِّك اللَّهُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ من شَرِّك وَشَرِّ ما فِيك وَشَرِّ ما دَبَّ عَلَيْك وَكَقَوْلِهِ إذَا رَأَى الْهِلَالَ آمَنْت بِاَلَّذِي خَلَقَك رَبِّي وَرَبُّك اللَّهُ ثَانِيَتُهَا إذَا أَحَسَّ بِالشَّيْطَانِ فإنه يُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَاطِبَهُ بِقَوْلِهِ أَلْعَنُك بِلَعْنَةِ اللَّهِ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْك لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال ذلك في الصَّلَاةِ
ثَالِثَتُهَا لو خَاطَبَ الْمَيِّتَ في الصَّلَاةِ عليه فقال رَحِمَك اللَّهُ عَافَاك اللَّهُ غَفَرَ اللَّهُ لَك لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ خِطَابًا وَلِهَذَا لو قال لِامْرَأَتِهِ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْت طَالِقٌ فَكَلَّمَتْهُ مَيِّتًا لم تَطْلُقْ أَمَّا خِطَابُ الْخَالِقِ كَإِيَّاكَ نَعْبُدُ وَخِطَابُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كَالسَّلَامِ عَلَيْك في التَّشَهُّدِ فَلَا يُبْطِلَانِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لو سمع بِذِكْرِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال السَّلَامُ عَلَيْك أو الصَّلَاةُ عَلَيْك يا رَسُولَ اللَّهِ أو نَحْوَهُ لم تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْأَرْجَحُ بُطْلَانَهَا من الْعَالِمِ لِمَنْعِهِ من ذلك وفي إلْحَاقِهِ بِمَا في التَّشَهُّدِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ خِطَابٌ غَيْرُ مَشْرُوعٍ انْتَهَى وفي قَوْلِهِ وَيُشْبِهُ إلَى آخِرِهِ وَقْفَةٌ وَيَرُدُّ السَّلَامَ بِالْإِشَارَةِ بيده أو رَأْسِهِ نَدْبًا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَيَمْتَنِعُ ذلك بِاللَّفْظِ إنْ كان فيه خِطَابٌ فَلَوْ قال لِمَنْ سَلَّمَ عليه وَعَلَيْهِ السَّلَامُ أو لِعَاطِسٍ يَرْحَمُهُ اللَّهُ لم تَبْطُلْ لِانْتِفَاءِ الْخِطَابِ
فَرْعٌ لَا تَبْطُلُ بِسُكُوتٍ وَلَوْ طَالَ بِلَا عُذْرٍ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِهَيْئَتِهَا وَلَا تَبْطُلُ بِإِشَارَةٍ وَلَوْ بِغَيْرِ رَدِّ السَّلَامِ فَإِنْ بَاعَ بها الْأَخْرَسُ في الصَّلَاةِ صَحَّ كُلٌّ من الْبَيْعِ وَالصَّلَاةِ بِمَعْنَى أنها لَا تَبْطُلُ بِهِ إذْ لَا نُطْقَ منه
الشَّرْطُ السَّابِعُ تَرْكُ الْأَفْعَالِ الْكَثِيرَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَأْتِي فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَعَمُّدِ زِيَادَةِ رُكْنٍ فِعْلِيٍّ لِغَيْرِ الْمُتَابَعَةِ وَإِنْ لم يَطْمَئِنَّ فيه لِتَلَاعُبِهِ بها لَكِنْ لو جَلَسَ من اعْتِدَالِهِ قَدْرَ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ ثُمَّ سَجَدَ أو جَلَسَ من سُجُودِ التِّلَاوَةِ لِلِاسْتِرَاحَةِ قبل قِيَامِهِ لم يَضُرَّ لِأَنَّ هذه الْجِلْسَةَ مَعْهُودَةٌ في الصَّلَاةِ غَيْرُ رُكْنٍ بِخِلَافِ نَحْوِ الرُّكُوعِ فإنه لم يُعْهَدْ فيها إلَّا رُكْنًا فَكَانَ تَأْثِيرُهُ في تَغْيِيرِ نَظْمِهَا أَشَدَّ نعم لو انْتَهَى من قِيَامِهِ إلَى حَدِّ الرُّكُوعِ لِقَتْلِ حَيَّةٍ أو نَحْوِهَا لم يَضُرَّ قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ لَا بِزِيَادَةِ رُكْنٍ قَوْلِيٍّ كَالْفَاتِحَةِ لِأَنَّهَا لَا تُغَيِّرُ نَظْمَ الصَّلَاةِ وَلَا بِزِيَادَةِ شَيْءٍ من أَفْعَالِهَا نَاسِيًا لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى الظُّهْرَ خَمْسًا وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ ولم يُعِدْهَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
وَالْكَثِيرُ من غَيْرِ أَفْعَالِهَا كَالْمَشْيِ وَالضَّرْبِ في غَيْرِ شِدَّةِ الْخَوْفِ لَا الْقَلِيلُ مُبْطِلٌ لها وَلَوْ سَهْوًا لِمُنَافَاتِهِ لها بِخِلَافِ الْقَلِيلِ وَلَوْ عَمْدًا
____________________
(1/182)
وَفَارَقَ الْفِعْلُ الْقَوْلَ حَيْثُ اسْتَوَى قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ في الْإِبْطَالِ بِأَنَّ الْفِعْلَ يَتَعَذَّرُ أو يَتَعَسَّرُ الِاحْتِرَازُ عنه فَعُفِيَ عن الْقَدْرِ الذي لَا يُخِلُّ بِالصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْقَوْلِ وَالرُّجُوعُ في الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ إلَى الْعُرْفِ فَالْإِشَارَةُ بِرَدِّ السَّلَامِ وَاللُّبْسُ الْخَفِيفُ كَلُبْسِ خَاتَمٍ أو نَعْلٍ وَقَتْلُ قَمْلَةٍ وَدَمُهَا عَفْوٌ وَالْخُطْوَتَانِ وَالضَّرْبَتَانِ قَلِيلٌ فَلَا يُبْطِلُ شَيْءٌ منها الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَدَّ السَّلَامَ فيها بِالْإِشَارَةِ كما مَرَّ وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فيها رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَأَخَذَ بِأُذُنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وهو فيها فَأَدَارَهُ من يَسَارِهِ إلَى يَمِينِهِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَرَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ فيها رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ قَلِيلٌ خَبَرُ الْإِشَارَةِ وما عُطِفَ عليها وَقَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ وَدَمُهَا عَفْوٌ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ في مَحَلِّ الْحَالِ وَالْمُرَادُ مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ في الشَّرْطِ الرَّابِعِ وَخَرَجَ بِدَمِهَا جِلْدُهَا فَلَا يُعْفَى عنه وَالْخَطْوَةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ وَهِيَ الْمُرَادَةُ هُنَا وَبِضَمِّهَا ما بين الْقَدَمَيْنِ وهو الْمُرَادُ في صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَقِيلَ لُغَتَانِ فِيهِمَا وَتَبْطُلُ بِثَلَاثٍ مُتَوَالِيَةٍ وَبِوَاحِدَةٍ مع نِيَّتِهِنَّ بِأَنْ نَوَى فِعْلَ الثَّلَاثِ ثُمَّ أتى بِوَاحِدَةٍ وَالثَّانِيَةُ من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بها الْعِمْرَانِيُّ وَلَوْ فَرَّقَ الْفِعْلَ بِأَنْ أتى بِالثَّلَاثِ مُتَفَرِّقَةً بِحَيْثُ تُعَدُّ الثَّانِيَةُ مُنْقَطِعَةً عن الْأُولَى أو الثَّالِثَةُ مُنْقَطِعَةً عن الثَّانِيَةِ لم يَضُرَّ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَمَلَ أُمَامَةَ وَوَضَعَهَا في الصَّلَاةِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ بِجَعْلِ الْخُطْوَةِ الْمُغْتَفَرَةِ ثَلَاثًا مُتَوَالِيَةً وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ قال وَلَا أُنْكِرُ الْبُطْلَانَ بِتَوَالِي خُطْوَتَيْنِ وَاسِعَتَيْنِ جِدًّا فَإِنَّهُمَا قد تُوَازِيَانِ الثَّلَاثَ عُرْفًا
وَلَوْ فَحُشَتْ الْفِعْلَةُ كَوَثْبَةٍ بَطَلَتْ إلْحَاقًا لها بِالْكَثِيرِ وَهَذَا أَوْلَى من قَوْلِ الْأَصْلِ كَالْوَثْبَةِ الْفَاحِشَةِ إذْ التَّقْيِيدُ بِالْفَاحِشَةِ يُفْهِمُ أَنَّ لنا وَثْبَةً غير فَاحِشَةٍ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ أو خَفَّتْ الْفِعْلَاتُ كَعَدِّ سُبْحَةٍ وَآيَاتٍ وَعَقْدٍ وَحَلٍّ وَحَكِّهِ بَدَنَهُ لِجَرَبٍ أو نَحْوِهِ بِأَصَابِعَ في الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ لم يَضُرَّ لِأَنَّهَا لَا تُخِلُّ بِالصَّلَاةِ ولكن الْأَوْلَى تَرْكُهُ أَيْ ما ذُكِرَ من الْفِعْلَاتِ الْخَفِيفَةِ قال في الْمَجْمُوعِ وَلَا يُقَالُ مَكْرُوهٌ لَكِنْ جَزَمَ في التَّحْقِيقِ بِكَرَاهَتِهِ وهو غَرِيبٌ أَمَّا تَحْرِيكُ الْيَدِ بِذَلِكَ ثَلَاثًا فَمُبْطِلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ جَرَبٌ لَا يَقْدِرُ معه على عَدَمِ الْحَكِّ فَلَا تَبْطُلُ قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ قال وَرَفْعُ الْيَدِ عن الصَّدْرِ وَوَضْعُهَا في مَحَلِّ الْحَكِّ مَرَّةً وَاحِدَةً
وَلَوْ فَضَّ كِتَابًا أَيْ فَتَحَهُ وَفَهِمَ ما فيه أو قَرَأَ في مُصْحَفٍ ولو قَلَبَ أَوْرَاقَهُ أَحْيَانًا لم تَبْطُلْ لِأَنَّ ذلك يَسِيرٌ أو غَيْرُ مُتَوَالٍ لَا يُشْعِرُ بِالْإِعْرَاضِ وَالْقَلِيلُ من الْفِعْلِ الذي يُبْطِلُ كَثِيرُهُ إذَا تَعَمَّدَهُ بِلَا حَاجَةٍ مَكْرُوهٌ لَا في فِعْلٍ مَنْدُوبٍ كَقَتْلِ حَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يُكْرَهُ بَلْ يُنْدَبُ لِلْأَمْرِ بِهِ كما مَرَّ
وَيُكْرَهُ الِالْتِفَاتُ بِوَجْهِهِ في الصَّلَاةِ بِلَا حَاجَةٍ لِخَبَرِ عَائِشَةَ سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الِالْتِفَاتِ في الصَّلَاةِ فقال هو اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ من صَلَاةِ الْعَبْدِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَى مُسْلِمٌ عن جَابِرٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم اشْتَكَى فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ وهو قَاعِدٌ فَالْتَفَتَ إلَيْنَا فَرَآنَا قِيَامًا فَأَشَارَ إلَيْنَا الحديث وَنَظَرُ السَّمَاءِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ ما بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ في صَلَاتِهِمْ لَيَنْتَهُنَّ عن ذلك أو لَتُخَطَّفَنَّ أَبْصَارُهُمْ ونظر ما يُلْهِي عن الصَّلَاةِ كَثَوْبٍ له أَعْلَامٌ وَرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ يَسْتَقْبِلَانِ الْمُصَلِّي لِخَبَرِ عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يُصَلِّي وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ ذَاتُ أَعْلَامٍ فلما فَرَغَ قال أَلْهَتْنِي أَعْلَامُ هذه اذْهَبُوا بها إلَى أبي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّتِهِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتَّثَاؤُبُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ إذَا تَثَاءَبَ أحدكم وهو في الصَّلَاةِ فَلْيَرُدَّهُ ما اسْتَطَاعَ فإن أَحَدَكُمْ إذَا قال هَا هَا ضَحِكَ الشَّيْطَانُ منه قال في الْمَجْمُوعِ وَيُكْرَهُ التَّثَاؤُبُ في غَيْرِ الصَّلَاةِ أَيْضًا وَالنَّفْخُ لِأَنَّهُ عَبَثٌ وَمَسْحُ الْحَصَى وَنَحْوُهُ حَيْثُ يَسْجُدُ لِخَبَرِ أبي دَاوُد بِإِسْنَادٍ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ لَا تَمْسَحْ الْحَصَى وَأَنْتَ تُصَلِّي فَإِنْ كُنْت لَا بُدَّ فَاعِلًا فَوَاحِدَةً تَسْوِيَةً لِلْحَصَى وَلِأَنَّهُ يُخَالِفُ التَّوَاضُعَ وَالْخُشُوعَ وَالِاخْتِصَارُ بِأَنْ يَجْعَلَ يَدَهُ على خَاصِرَتِهِ لِلنَّهْيِ عنه رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِأَنَّهُ يُخَالِفُ ما ذُكِرَ وَتَفْقِيعُ الْأَصَابِعِ وَتَشْبِيكُهَا لِأَنَّ ذلك عَبَثٌ قال في الْمَجْمُوعِ وَيُكْرَهُ أَنْ يُرَوِّحَ على نَفْسِهِ في الصَّلَاةِ وَأَنْ يَمْسَحَ وَجْهَهُ فيها وَقَبْلَ الِانْصِرَافِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ
____________________
(1/183)
من غُبَارٍ وَنَحْوِهِ وَأَنْ يَتْرُكَ شيئا من سُنَنِ الصَّلَاةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالْقَلِيلُ مَكْرُوهٌ إلَى هُنَا من زِيَادَتِهِ إلَّا كَرَاهَةَ تَشْبِيكِ الْأَصَابِعِ فَمَذْكُورَةٌ في الرَّوْضَةِ في الْجُمُعَةِ مع أَنَّهُ ذَكَرَهَا ثَمَّ أَيْضًا
فَرْعٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى سُتْرَةٍ كَجِدَارٍ وَعَمُودٍ لِخَبَرِ اسْتَتِرُوا في صَلَاتِكُمْ وَلَوْ بِسَهْمٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ على شَرْطِ مُسْلِمٍ وَخَبَرِ إذَا صلى أحدكم فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شيئا فَإِنْ لم يَجِدْ فَلْيَنْصِبْ عَصًا فَإِنْ لم يَكُنْ معه عَصًا فَلْيَخُطَّ خَطًّا ثُمَّ لَا يَضُرُّهُ ما مَرَّ أَمَامَهُ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَلِخَبَرِ إذَا صلى أحدكم إلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ منها لَا يَقْطَعْ الشَّيْطَانُ عليه صَلَاتَهُ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وقال على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وأن يُمِيلَهَا أَيْ السُّتْرَةَ عن وَجْهِهِ يَمْنَةً أو يَسْرَةً لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أبو دَاوُد لَكِنْ في إسْنَادِهِ من ضُعِّفَ وَلَا يُبْعِدُهَا من قَدَمَيْهِ عن ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ لِخَبَرِ بِلَالٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَّا صلى في الْكَعْبَةِ جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَائِطِ قَرِيبًا من ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَلِأَنَّ ذلك قَدْرُ مَكَانِ السُّجُودِ وَلِذَلِكَ اُسْتُحِبَّ التَّفْرِيقُ بين الصَّفَّيْنِ بِقَدْرِ ذلك ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فَإِنْ لم يَجِدْ سُتْرَةً من جِدَارٍ أو نَحْوِهِ فَعَصًا مَثَلًا يَغْرِزُهَا أو مَتَاعٌ يَجْمَعُهُ وَلْيَكُنْ كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْرَ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرَ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ إذَا وَضَعَ أحدكم بين يَدَيْهِ مِثْلَ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ فَلْيُصَلِّ وَلَا يُبَالِي بِمَا مَرَّ وَرَاءَ ذلك وَإِلَّا بِأَنْ لم يَجِدْ شَاخِصًا افْتَرَشَ مُصَلَّى كَسَجَّادَةٍ بِفَتْحِ السِّينِ أو خَطَّ خَطًّا وَكَلَامُهُ كَالْأَصْلِ وَالْمِنْهَاجِ يَقْتَضِي التَّخْيِيرَ بَيْنَهُمَا وَاَلَّذِي في التَّحْقِيقِ وَشَرْحِ مُسَلَّمٌ فَإِنْ عَجَزَ عن سُتْرَةٍ بَسَطَ مُصَلًّى فَإِنْ عَجَزَ خَطَّ خَطًّا من قَدَمَيْهِ نحو الْقِبْلَةِ طُولًا لَا عَرْضًا قال في الْمُهِمَّاتِ وَالْحَقُّ أَنَّهُمَا في مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ وَبِهِ صَرَّحَ في الْإِقْلِيدِ لِأَنَّ الْمُصَلَّى لم يَرِدْ فيه خَبَرٌ وَلَا أَثَرٌ وَإِنَّمَا قَاسُوهُ على الْخَطِّ فَكَيْفَ يَكُونُ مُقَدَّمًا عليه قال وَسَكَتُوا عن قَدْرِهِمَا وَالْقِيَاسُ أَنَّهُمَا كَالشَّاخِصِ
ا ه
وَيُجَابُ عن اسْتِبْعَادِهِ بِأَنَّ الْمَقِيسَ قد يَكُونُ أَوْلَى نَظَرًا لِلْمَقْصُودِ كما في الْخَطِّ مع الْإِيتَاءِ في الْكِتَابَةِ وإذا اسْتَتَرَ بِسُتْرَةٍ فَيَحْرُمُ الْمُرُورُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حِينَئِذٍ أَيْ حين اسْتِتَارِهِ وَلَوْ لِضَرُورَةٍ بِأَنْ لم يَجِدْ الْمَارُّ سَبِيلًا غَيْرَهُ على ما صَوَّبَهُ في الرَّوْضَةِ لِخَبَرِ لو يَعْلَمُ الْمَارُّ بين يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عليه من الْإِثْمِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا خَيْرٌ له من أَنْ يَمُرَّ بين يَدَيْهِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ إلَّا من الْإِثْمِ فَالْبُخَارِيُّ وَإِلَّا خَرِيفًا فَالْبَزَّارُ في رِوَايَةٍ وهو مُقَيَّدٌ بِالِاسْتِتَارِ الْمَعْلُومِ من الْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ وَمَحَلُّ الْحُرْمَةِ إذَا لم يُقَصِّرْ الْمُصَلِّي بِصَلَاتِهِ في الْمَكَانِ
فَإِنْ قَصَّرَ كَأَنْ وَقَفَ بِقَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَلَا حُرْمَةَ بَلْ وَلَا كَرَاهَةَ كما قَالَهُ في الْكِفَايَةِ أَخْذًا من كَلَامِهِمْ وَلِلْمُصَلِّي حِينَئِذٍ الْأَوْلَى وَلِلْمُصَلِّي وَغَيْرِهِ حِينَئِذٍ أَيْ حين حُرْمَةِ الْمُرُورِ الدَّفْعُ لِلْمَارِّ بَلْ يُنْدَبُ وَإِنْ أَدَّى إلَى قَتْلِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إذَا صلى أحدكم إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ من الناس فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بين يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هو شَيْطَانٌ أَيْ معه شَيْطَانٌ أو هو شَيْطَانُ الْإِنْسِ وَقَضِيَّتُهُ وُجُوبُ الدَّفْعِ
وقد بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ لِحُرْمَةِ الْمُرُورِ وهو قَادِرٌ على إزَالَتِهَا وَلَيْسَ كَدَفْعِ
____________________
(1/184)
الصَّائِلِ فإن من لم يُوجِبْهُ احْتَجَّ بِخَبَرِ كُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَظْلُومَ وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الظَّالِمَ انْتَهَى وَالْمَنْقُولُ عَدَمُ وُجُوبِهِ وكان الصَّارِفُ عن وُجُوبِهِ شِدَّةَ مُنَافَاتِهِ لِمَقْصُودِ الصَّلَاةِ من الْخُشُوعِ وَالتَّدَبُّرِ وَذِكْرُ النَّدْبِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَغَيْرِهِ وَالْأَوَّلُ جَزَمَ بِهِ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَغَيْرِهِ وَالثَّانِي بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ فَقَدْ قال وَالْمُتَّجَهُ أَنْ يُلْحَقَ بِالْمُصَلِّي غَيْرُهُ في الدَّفْعِ وَإِنَّمَا عَبَّرُوا بِهِ نَظَرًا لِلْغَالِبِ وَفُهِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ إذَا لم تَكُنْ سُتْرَةٌ أو تَبَاعَدَ عنها فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ أو كانت دُونَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ لم يَجُزْ الدَّفْعُ ولم يَحْرُمْ الْمُرُورُ لِتَقْصِيرِهِ نعم الْمُرُورُ حِينَئِذٍ خِلَافُ الْأَوْلَى كما في الرَّوْضَةِ أو مَكْرُوهٌ كما في شَرْحَيْ الْمُهَذَّبِ وَمُسْلِمٍ وَالتَّحْقِيقِ وَلَك أَنْ تَحْمِلَ الْكَرَاهَةَ على الْكَرَاهَةِ غَيْرِ الشَّدِيدَةِ فَلَا تَنَافِيَ وقال الْخُوَارِزْمِيَّ إنَّهُ حَرَامٌ في حَرِيمِ الْمُصَلَّى وهو قَدْرُ إمْكَانِ سُجُودِهِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَقِيَاسُهُ جَوَازُ الدَّفْعِ بِالتَّدْرِيجِ كَدَفْعِ الصَّائِلِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ وَلَا يَزِيدُ في الدَّفْعِ على مَرَّتَيْنِ إلَّا مُتَفَرِّقًا كما ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ نعم لِدَاخِلٍ وَجَدَ فُرْجَةً قِبَلَهُ أَيْ أَمَامَهُ تَخَطَّى صَفَّيْنِ لِيُصَلِّيَ فيها لِتَقْصِيرِهِمْ بِتَرْكِهَا وَالْمُصَنِّفُ تَوَهَّمَ أَنَّ ما في الْأَصْلِ هُنَا هو مَسْأَلَةُ التَّخَطِّي فَعَبَّرَ بِهِ وَقَيَّدَهُ بِصَفَّيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَتِلْكَ ذَكَرَهَا تَبَعًا له في بَابِ الْجُمُعَةِ وما هُنَا مَسْأَلَةُ خَرْقِ الصُّفُوفِ وَالْمُرُورِ أَمَامَهَا الْمُنَاسِبُ لها التَّعْبِيرُ بِنَعَمْ فَلِلدَّاخِلِ أَنْ يَخْرِقَهَا وَإِنْ كَثُرَتْ وَيَمُرَّ بين يَدَيْهَا وَيَقِفَ في الْفُرْجَةِ وقد ذَكَرَهَا في صِفَةِ الْأَئِمَّةِ وَلَوْ كان بين الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَالْإِمَامِ أو بين صَفَّيْنِ ما يَسَعُ صَفًّا آخَرَ فَلِلدَّاخِلِينَ أَنْ يُصَفُّوا فيه وَلَوْ كان الدَّاخِلُ وَاحِدًا وَأَمْكَنَهُ أَنْ يَقِفَ بِيَمِينِ الْإِمَامِ وَحْدَهُ لم يَخْرِقْ الصَّفَّ وَالْفُرْجَةُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا وَيُقَالُ وَكَسْرِهَا الْخَلَلُ بين الشَّيْئَيْنِ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَيْ الْمُصَلِّي بِمُرُورِ شَيْءٍ بين يَدَيْهِ كَامْرَأَةٍ وَكَلْبٍ وَحِمَارٍ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الدَّالَّةِ عليه وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ تَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ وَالْحِمَارُ فَالْمُرَادُ منه قَطْعُ الْخُشُوعِ لِلشُّغْلِ بها
الشَّرْطُ الثَّامِنُ الْإِمْسَاكُ عن الْمُفْطِرِ وَإِنْ قَلَّ لِأَنَّ تَرْكَهُ مُشْعِرٌ بِالْإِعْرَاضِ عن الصَّلَاةِ فَتَبْطُلُ بِإِدْخَالِ مُفْطِرٍ جَوْفَهُ وَلَوْ بِلَا مَضْغٍ كَسُكَّرَةٍ تَذُوبُ وَابْتِلَاعِ ما بين أَسْنَانِهِ لَا إنْ جَرَى ما بَيْنَهُمَا فَابْتَلَعَهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ وَلَوْ أَكَلَ كَثِيرًا عُرْفًا نَاسِيًا أَنَّهُ في الصَّلَاةِ أو جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ وَقَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ أو نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عن الْعُلَمَاءِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في الصَّوْمِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ ذَاتُ أَفْعَالٍ مَنْظُومَةٍ وَالْفِعْلُ الْكَثِيرُ يَقْطَعُ نَظْمَهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ فإنه كَفٌّ وَلِأَنَّ الْمُصَلِّيَ مُتَلَبِّسٌ بِهَيْئَةٍ يَبْعُدُ مَعَهَا النِّسْيَانُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ أَمَّا الْقَلِيلُ فَلَا يُبْطِلُهَا وَالْمَضْغُ وَحْدَهُ في الصَّلَاةِ فِعْلٌ يُبْطِلُهَا كَثِيرُهُ وَإِنْ لم يَصِلْ شَيْءٌ الْجَوْفَ
فَصْلٌ في أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ
يُعَزَّرُ كَافِرٌ دخل مَسْجِدًا بِغَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ لَا مُصَلًّى غير مَسْجِدٍ وَإِنَّمَا يُعَزَّرُ بِذَلِكَ إنْ دَخَلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ مُسْلِمٍ إذْ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَدْخُلَهُ على غَفْلَةٍ من الْمُسْلِمِينَ فَيُلَوِّثَهُ وَيَسْتَهِينَ بِهِ وَلِأَنَّهُ ليس من أَهْلِ ما بُنِيَ له فَصَارَ مُخْتَصًّا بِالْمُسْلِمِينَ
أَمَّا إذَا دَخَلَهُ بِإِذْنِ مُسْلِمٍ فَلَا شَيْءَ عليه لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَدِمَ عليه وَفْدُ ثَقِيفٍ فَأَنْزَلَهُمْ في الْمَسْجِدِ قبل إسْلَامِهِمْ رَوَاهُ أبو دَاوُد يُعْتَبَرُ في الْمُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا كما أَفَادَهُ الْجُوَيْنِيُّ في فُرُوقِهِ بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وفي الْكَافِرِ أَنْ لَا يَشْتَرِطَ عليه في عَهْدِهِ عَدَمَ الدُّخُولِ كما صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَسَيَجِيءُ في الْجِزْيَةِ الْكَلَامُ على دُخُولِهِ في الْحَرَمِ أَيْ حَرَمِ مَكَّةَ الشَّامِلِ لِمَسَاجِدِهَا فَإِنْ قَعَدَ فيه أَيْ في الْمَسْجِدِ قَاضٍ لِلْحُكْمِ فَلِلذِّمِّيِّ وَنَحْوِهِ دُخُولُهُ لِلْمُحَاكَمَةِ بِغَيْرِ إذْنٍ وَيَنْزِلُ قُعُودُهُ مَنْزِلَةَ الْإِذْنِ له وَيَنْبَغِي كما قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَنْ يَكُونَ قُعُودُ الْمُفْتَى فيه لِلِاسْتِفْتَاءِ كَذَلِكَ
وَلَوْ كان الْكَافِرُ جُنُبًا فإن له بِمَا ذُكِرَ أَنْ يَدْخُلَهُ وَيَمْكُثَ فيه لِمَا رَوَى أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ أَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَدْخُلُونَ مَسْجِدَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيَمْكُثُونَ فيه وَلَا شَكَّ أَنَّ فِيهِمْ الْجُنُبَ وَيُخَالِفُ الْمُسْلِمَ لِاعْتِقَادِهِ حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ الْكَافِرِ وَيُسْتَحَبُّ الْإِذْنُ له فيه لِسَمَاعِ قُرْآنٍ وَنَحْوِهِ كَفِقْهٍ وَحَدِيثٍ رَجَاءَ إسْلَامِهِ فَإِنْ لم يُرْجَ إسْلَامُهُ بِأَنْ كان حَالُهُ يُشْعِرُ بِالِاسْتِهْزَاءِ أو الْعِنَادِ لم يُؤْذَنْ له كما جَزَمَ بِهِ في
____________________
(1/185)
الْمَطْلَبِ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالَهُ أَعَمُّ من قَوْلِ الْأَصْلِ لِسَمَاعِ قُرْآنٍ أو عِلْمٍ وَالتَّصْرِيحُ بِالِاسْتِحْبَابِ من زِيَادَتِهِ قال في الْمَطْلَبِ وَالظَّاهِرُ جَوَازُ الدُّخُولِ لِذَلِكَ بِلَا إذْنٍ لَا أَكْلٍ وَنَوْمٍ فيه فَلَا يُسْتَحَبُّ الْإِذْنُ له في دُخُولِهِ لِشَيْءٍ مِنْهُمَا بَلْ يُسْتَحَبُّ عَدَمُ الْإِذْنِ كما أَفَادَهُ قَوْلُ الْأَصْلِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُؤْذَنَ له بَلْ قال الزَّرْكَشِيُّ يَنْبَغِي تَحْرِيمُهُ قال وَأَلْحَقَ بِذَلِكَ الْفَارِقِيُّ ما إذَا دخل لِتَعَلُّمِ الْحِسَابِ وَاللُّغَةِ وما في مَعْنَاهُ وَيُمْنَعُ الصِّبْيَانُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِينَ وَالْبَهَائِمُ وَالْمَجَانِينُ وَالسَّكْرَانُ دُخُولَهُ لِخَوْفِ تَلْوِيثِهِ وَكَذَا الْحَائِضُ وَنَحْوُهَا عِنْدَ خَوْفِ ذلك وَالْمَنْعُ كما يَكُونُ عن الْمُحَرَّمِ يَكُونُ عن الْمَكْرُوهِ وَإِنْ كان في الْأَوَّلِ وَاجِبًا وفي الثَّانِي مَنْدُوبًا وَالْمَذْكُورُونَ إنْ غَلَبَ تَنْجِيسُهُمْ لِلْمَسْجِدِ حَرُمَ تَمْكِينُهُمْ من دُخُولِهِ وَإِلَّا كُرِهَ كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي في بَابِ الشَّهَادَاتِ وَذِكْرُ السَّكْرَانِ من زِيَادَتِهِ
وَيُكْرَهُ نَقْشُ الْمَسْجِدِ وَاِتِّخَاذُ الشُّرَافَاتِ له لِلْأَخْبَارِ الْمَشْهُورَةِ في ذلك وَلِئَلَّا يَشْغَلَ قَلْبَ الْمُصَلِّي بَلْ إنْ كان ذلك من رَيْعِ ما وُقِفَ على عِمَارَتِهِ فَحَرَامٌ ويكره دُخُولُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ لِمَنْ أَكَلَ ثُومًا بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَنَحْوَهُ مِمَّا له رِيحٌ كَرِيهٌ وَبَقِيَ رِيحُهُ لِخَبَرِ من أَكَلَ ثُومًا أو بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا وَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وفي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ من أَكَلَ الثُّومَ وَالْبَصَلَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فإن الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا تَتَأَذَّى منه بَنُو آدَمَ ويكره حَفْرُ بِئْرٍ وَغَرْسُ شَجَرٍ فيه بَلْ إنْ حَصَلَ بِذَلِكَ ضَرَرٌ حَرُمَ فَيُزِيلُهُ الْإِمَامُ لِئَلَّا يُضَيِّقَ على الْمُصَلِّينَ هذا وقد قال الْأَذْرَعِيُّ في غَرْسِ الشَّجَرَةِ في الْمَسْجِدِ الصَّحِيحُ تَحْرِيمُهُ لِمَا فيه من تَحْجِيرِ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ وَالتَّضْيِيقِ وَجَلْبِ النَّجَاسَاتِ من ذَرْقِ الطُّيُورِ وَنُقِلَ عن جَمَاعَةٍ قَطْعُ الْعِرَاقِيِّينَ بِمَنْعِ الزَّرْعِ وَالْغَرْسِ فيه وقال في الْحَفْرِ فيه الْوَجْهُ تَحْرِيمُهُ وَلَعَلَّ من ذَكَرَ الْكَرَاهَةَ أَرَادَ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ انْتَهَى وَسَيَأْتِي في كِتَابِ الصُّلْحِ ما له تَعَلُّقٌ بِغَرْسِ الشَّجَرَةِ وَكَذَا يُكْرَهُ عَمَلُ صِنَاعَةٍ فيه إنْ كَثُرَ كما ذَكَرَهُ في الِاعْتِكَافِ هذا كُلُّهُ إذَا لم تَكُنْ خَسِيسَةً تُزْرِي بِالْمَسْجِدِ ولم يَتَّخِذْهُ حَانُوتًا يَقْصِدُ فيه بِالْعَمَلِ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ ذَكَرَهُ ابن عبد السَّلَامِ في فَتَاوِيهِ
وَبُصَاقٌ فيه خَطِيئَةٌ أَيْ حَرَامٌ كما صَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ كَفَّارَتُهَا دَفْنُهُ وَلَوْ في تُرَابِ الْمَسْجِدِ لِظَاهِرِ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ الْبُصَاقُ في الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا وَالْأَوْلَى مَسْحُهُ بِيَدٍ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ الْمَسْحَ يُذْهِبُهُ وَالدَّفْنَ يُبْقِيه وَإِنْ بَدَرَهُ الْبُصَاقُ فيه بَصَقَ في جَانِبِ ثَوْبِهِ الْأَيْسَرِ أو خَارِجَهُ بَصَقَ عن يَسَارِهِ في ثَوْبِهِ أو تَحْتَ قَدَمِهِ أو بِجَنْبِهِ وَأَوْلَاهُ في ثَوْبِهِ وَيَدْلُكُهُ أو يَتْرُكُهُ وَيُكْرَهُ عن يَمِينِهِ وَأَمَامِهِ وَمَنْ رَأَى بُصَاقًا أو نَحْوَهُ في الْمَسْجِدِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يُزِيلَهُ بِدَفْنِهِ أو رَفْعِهِ أو إخْرَاجِهِ وَأَنْ يُطَيِّبَ مَحَلَّهُ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ
وَلَا بَأْسَ بِإِغْلَاقِهِ في غَيْرِ الْأَوْقَاتِ أَيْ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ صِيَانَةً له وَحِفْظًا لِمَا فيه قال في الْمَجْمُوعِ هذا إذَا خِيفَ امْتِهَانُهُ وَضَيَاعُ ما فيه ولم تَدْعُ حَاجَةٌ إلَى فَتْحِهِ وَإِلَّا فَالسُّنَّةُ عَدَمُ إغْلَاقِهِ وَلَوْ كان فيه مَاءٌ مُسَبَّلٌ لِلشُّرْبِ لم يَجُزْ غَلْقُهُ وَمَنْعُ الناس من الشُّرْبِ وَلَا بَأْسَ بِالنَّوْمِ وَالْوُضُوءِ وَالْأَكْلِ فيه إنْ لم يَتَأَذَّ بِهِ أَيْ بِوَاحِدٍ منها الناس وَتَقْيِيدُ مَسْأَلَةِ النَّوْمِ بِمَا ذَكَرَ من زِيَادَتِهِ وَهِيَ مُكَرَّرَةٌ فإنه قَدَّمَهَا في بَابِ الْغُسْلِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ وَلَا يُخَالِفُ حُكْمُ الْوُضُوءِ فيه عَدَمَ جَوَازِ نَضْحِهِ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ كما صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَسَيَأْتِي في الِاعْتِكَافِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ بِخِلَافِ النَّضْحِ بِالْمُسْتَعْمَلِ وَلِأَنَّ تَلْوِيثَهُ يَحْصُلُ في الْوُضُوءِ ضِمْنًا بِخِلَافِهِ في النَّضْحِ وَالشَّيْءُ يُغْتَفَرُ ضِمْنًا ما لَا يُغْتَفَرُ مَقْصُودًا وَلَا يَجُوزُ قَصْدُ الْمَسْجِدِ بِالْأَشْيَاءِ الْمُسْتَقْذَرَةِ فَقَوْلُ النَّوَوِيِّ في مَجْمُوعِهِ ما قَالَهُ الْبَغَوِيّ ضَعِيفٌ وَالْمُخْتَارُ الْجَوَازُ كما يَجُوزُ الْوُضُوءُ فيه مع أَنَّ مَاءَهُ مُسْتَعْمَلٌ مَمْنُوعٌ
وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى دُخُولًا
____________________
(1/186)
وَالْيُسْرَى خُرُوجًا لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَنَّ في الدُّخُولِ شَرَفًا وفي الْخُرُوجِ خِسَّةً وَيَأْتِي فِيهِمَا بِالدَّعَوَاتِ الْمَشْهُورَةِ وَهِيَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ من الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ على مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لي أَبْوَابَ رَحْمَتِك ثُمَّ يقول بِسْمِ اللَّهِ وَيَدْخُلُ وَكَذَا يقول عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَّا أَنَّهُ يقول أَبْوَابَ فَضْلِك قال في الْمَجْمُوعِ فَإِنْ طَالَ عليه هذا فَلْيَقْتَصِرْ على ما في مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال إذَا دخل أحدكم الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وإذا خَرَجَ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك من فَضْلِك وَلِحَائِطِهِ أَيْ الْمَسْجِدِ وَلَوْ من خَارِجِهِ مِثْلُ حُرْمَتِهِ في كل شَيْءٍ من بُصَاقٍ وَغَيْرِهِ قال في الْمَجْمُوعِ وَتُكْرَهُ الْخُصُومَةُ وَرَفْعُ الصَّوْتِ وَنَشْدُ الضَّالَّةِ فيه وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُعْطِي السَّائِلُ فيه شيئا وَلَا بِإِنْشَادِ الشِّعْرِ فيه إذَا كان مَدْحًا لِلنُّبُوَّةِ أو لِلْإِسْلَامِ أو كان حِكْمَةً أو في مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ أو الزُّهْدِ وَنَحْوِهَا الْبَابُ السَّادِسُ في السَّجَدَاتِ التي لَيْسَتْ من صُلْبِ الصَّلَاةِ
وَهِيَ ثَلَاثٌ الْأُولَى سُجُودُ السَّهْوِ قَدَّمَهُ على سُجُودِ التِّلَاوَةِ لِكَوْنِهِ لَا يُفْعَلُ إلَّا في الصَّلَاةِ وَقَدَّمَ سُجُودَ التِّلَاوَةِ على سُجُودِ الشُّكْرِ لِكَوْنِهِ يُفْعَلُ فيها وَخَارِجَهَا وَسُجُودُ الشُّكْرِ لَا يُفْعَلُ إلَّا خَارِجَهَا وهو أَيْ سُجُودُ السَّهْوِ ليس وَاجِبًا كَمُبْدَلِهِ وَلِأَنَّ تَرْكَهُ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ بَلْ سُنَّةٌ في الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ لِخَبَرِ أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ إذَا شَكَّ أحدكم فلم يَدْرِ أَصَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيُلْقِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ على الْيَقِينِ وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قبل السَّلَامِ فَإِنْ كانت صَلَاتُهُ تَامَّةً كانت الرَّكْعَةُ وَالسَّجْدَتَانِ نَافِلَةً له وَإِنْ كانت نَاقِصَةً كانت الرَّكْعَةُ تَمَامًا لِلصَّلَاةِ وَالسَّجْدَتَانِ يُرْغِمَانِ أَنْفَ الشَّيْطَانِ رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ فَثَبَتَ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ سُنَّةٌ يَقْتَضِيهِ شَيْئَانِ الْأَوَّلُ تَرْكُ مَأْمُورٍ بِهِ من الْأَبْعَاضِ وقد بَيَّنَّاهَا في صِفَةِ الصَّلَاةِ فَمَنْ تَرَكَ أَحَدَهَا وَلَوْ عَمْدًا جَبَرَهُ بِالسُّجُودِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذلك ثَمَّ وَلَا يَسْجُدُ لِبَاقِي السُّنَنِ أَيْ لِتَرْكِهِ كَتَرْكِ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَتَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلِأَنَّهُ لم يُنْقَلْ وَلَا هو في مَعْنَى ما نُقِلَ إذْ الْقُنُوتُ مَثَلًا ذِكْرٌ مَقْصُودٌ إذْ شُرِعَ له مَحَلٌّ خَاصٌّ بِخِلَافِ السُّنَنِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهَا كَالْمُقَدِّمَةِ لِبَعْضِ الْأَرْكَانِ كَدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ أو التَّابِعِ كَالسُّورَةِ فَإِنْ سَجَدَ لِشَيْءٍ منها ظَانًّا جَوَازَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إلَّا لِمَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ أو نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عن الْعُلَمَاءِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ أَمَّا الْأَرْكَانُ فَلَا بُدَّ من تَدَارُكِهَا وقد يُشْرَعُ مع تَدَارُكِهَا السُّجُودُ كَزِيَادَةٍ حَصَلَتْ بِتَدَارُكِ رُكْنٍ وقد لَا يُشْرَعُ بِأَنْ لَا تَحْصُلَ زِيَادَةٌ كما لو تَرَكَ السَّلَامَ ثُمَّ تَذَكَّرَهُ كما سَيَأْتِي ذلك الثَّانِي فِعْلُ الْمَنْهِيِّ عنه فيها وَلَوْ بِالشَّكِّ كما سَيَأْتِي فِيمَا لو شَكَّ أَصَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَكُلُّ ما يُبْطِلُ عَمْدُهُ الصَّلَاةَ يُسْجَدُ لِسَهْوِهِ إنْ لم يُبْطِلْهَا سَهْوُهُ فَيَسْجُدُ السَّاهِي بِزِيَادَةِ رُكْنٍ فِعْلِيٍّ وَكَلَامٍ قَلِيلٍ وَنَحْوِهِ كَأَكْلٍ قَلِيلٍ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى الظُّهْرَ خَمْسًا وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقِيسَ غَيْرُ ذلك عليه بِخِلَافِ ما يُبْطِلُ سَهْوُهُ أَيْضًا كَكَلَامٍ كَثِيرٍ وَحَدَثٍ لِأَنَّهُ ليس في صَلَاةٍ وَبِخِلَافِ سَهْوِ ما لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ كَالِالْتِفَاتِ كما صَرَّحَ بِهِ في قَوْلِهِ إلَّا بِخُطْوَةٍ وَخُطْوَتَيْنِ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَعَلَ الْفِعْلَ الْقَلِيلَ في الصَّلَاةِ وَرَخَّصَ فيه كما مَرَّ ولم يَسْجُدْ وَلَا أَمَرَ بِهِ وَكَمَا لَا يُسْجَدُ لِسَهْوِهِ لَا يُسْجَدُ لِعَمْدِهِ كما ذَكَرَهُ في التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ فَرْعٌ الِاعْتِدَالُ رُكْنٌ قَصِيرٌ وَكَذَا الْجُلُوسُ بين السَّجْدَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مَقْصُودَيْنِ في أَنْفُسِهِمَا بَلْ لِلْفَصْلِ وَإِلَّا لَشُرِعَ فِيهِمَا ذِكْرٌ وَاجِبٌ لِيَتَمَيَّزَا بِهِ عن الْعَادَةِ كَالْقِيَامِ ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ هُنَا لَكِنَّهُمَا قَالَا في صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَالْأَكْثَرُ على أَنَّ الرُّكْنَ الْقَصِيرَ مَقْصُودٌ في نَفْسِهِ وَمَالَ الْإِمَامُ إلَى الْجَزْمِ بِهِ وَصَحَّحَهُ ثَمَّ في التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ حَيْثُ قِيلَ إنَّهُ مَقْصُودٌ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا بُدَّ من قَصْدِهِ وَوُجُودِ صُورَتِهِ وَحَيْثُ قِيلَ إنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا يُطَوَّلُ وَتَطْوِيلُهُمَا عَمْدًا بِسُكُوتٍ أو ذِكْرٍ لم يُشْرَعْ فِيهِمَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ كما لو قَصَّرَ الطَّوِيلَ فلم يُتِمَّ الْوَاجِبَ قال الْإِمَامُ وَلِأَنَّ تَطْوِيلَهُ يُخِلُّ بِالْمُوَالَاةِ لَا تَطْوِيلَ الِاعْتِدَالِ بِقُنُوتٍ في مَوْضِعِهِ وَتَسْبِيحٍ أَيْ وَلَا بِتَسْبِيحٍ في صَلَاةِ التَّسْبِيحِ الْآتِي بَيَانُهَا في الْبَابِ
____________________
(1/187)
الْآتِي فَلَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ لِوُرُودِهِ وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ من حَيْثُ الدَّلِيلُ جَوَازَ تَطْوِيلِ كل اعْتِدَالٍ بِذِكْرٍ غَيْرِ رُكْنٍ بِخِلَافِ تَطْوِيلِهِ بِرُكْنٍ كَالْفَاتِحَةِ وَالتَّشَهُّدِ قال في الْمُهِمَّاتِ وكان يَنْبَغِي طَرْدُ اخْتِيَارِهِ في الْجُلُوسُ بين السَّجْدَتَيْنِ أَيْضًا فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ما يَقْتَضِي جَوَازَ إطَالَتِهِ بِالذِّكْرِ وَكَأَنَّهُ لم يَسْتَحْضِرْهُ على أَنَّهُ في التَّحْقِيقِ هُنَا صَحَّ أَنَّهُ رُكْنٌ طَوِيلٌ وَعَزَاهُ في الْمَجْمُوعِ إلَى الْأَكْثَرِينَ وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَوَافَقَ في التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ في صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ على أَنَّهُ قَصِيرٌ وَمِقْدَارُ التَّطْوِيلِ كما نَقَلَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ عن الْأَصْحَابِ أَنْ يُلْحَقَ الِاعْتِدَالُ بِالْقِيَامِ وَالْجُلُوسُ بين السَّجْدَتَيْنِ بِالْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ وَالْمُرَادُ قِرَاءَةُ الْوَاجِبِ فَقَطْ لَا قِرَاءَتُهُ مع الْمَنْدُوبِ ثُمَّ ما اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ من جَوَازِ تَطْوِيلِ الِاعْتِدَالِ قال الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الصَّحِيحُ مَذْهَبًا وَدَلِيلًا وَأَطَالَ في ذلك وَنَقَلَهُ عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ رضي اللَّهُ عنه وَغَيْرِهِ وَيَسْجُدُ السَّاهِي بِتَطْوِيلِهِمَا أَيْ الِاعْتِدَالِ وَالْجُلُوسِ بين السَّجْدَتَيْنِ سَوَاءٌ أَقُلْنَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ أَمْ لَا فَهِيَ على الشِّقِّ الثَّانِي مُسْتَثْنَاةٌ من قَوْلِهِمْ ما لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ لَا سُجُودَ لِسَهْوِهِ وَلَوْ نَقَلَ رُكْنًا قَوْلِيًّا كَفَاتِحَةٍ وَتَشَهُّدٍ أو بَعْضِهِمَا إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَلِلْعَمْدِ كما في الْمَجْمُوعِ لِتَرْكِهِ التَّحَفُّظَ الْمَأْمُورَ بِهِ في الصَّلَاةِ مُؤَكَّدًا كَتَأْكِيدِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَتُسْتَثْنَى هذه الصُّورَةُ أَيْضًا مِمَّا قُلْنَا آنِفًا وَيُضَمُّ إلَيْهَا ما تَقَدَّمَ في صِفَةِ الصَّلَاةِ من أَنَّهُ لو قَنَتَ قبل الرُّكُوعِ بِنِيَّةِ الْقُنُوتِ لم يُحْسَبْ بَلْ يُعِيدُهُ في اعْتِدَالِهِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وما سَيَأْتِي في صَلَاةِ الْخَوْفِ من أَنَّهُ لو صلى بِفِرْقَةٍ رَكْعَةً وَبِأُخْرَى ثَلَاثًا أو فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ وَصَلَّى بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً سَجَدَ بِالْأَخِيرَةِ سُجُودَ السَّهْوِ لِلْمُخَالَفَةِ بِالِانْتِظَارِ في غَيْرِ مَحَلِّهِ وما لو قَرَأَ سُورَةً غير الْفَاتِحَةِ في غَيْرِ مَحَلِّهَا كما في الْمَجْمُوعِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَقِيَاسُهُ السُّجُودُ لِلتَّسْبِيحِ في الْقِيَامِ وهو مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ عَبْدَانَ نَعَم لو قَرَأَ السُّورَةَ قبل الْفَاتِحَةِ لم يَسْجُدْ قَالَهُ ابن الصَّبَّاغِ لِأَنَّ الْقِيَامَ مَحَلُّهَا في الْجُمْلَةِ وما اسْتَثْنَاهُ الزَّرْكَشِيُّ من أَنَّهُ لو قَعَدَ قُعُودًا قَصِيرًا بِأَنْ هَوَى لِلسُّجُودِ فَقَعَدَ قَبْلَهُ سَجَدَ لِلسَّهْوِ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ الْآتِي في فَرْعِ لو تَشَهَّدَ ولم تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِنَقْلِ رُكْنٍ قَوْلِيٍّ بِخِلَافِ نَقْلِ الْفِعْلِيِّ لِأَنَّ نَقْلَ الْفِعْلِيِّ يُغَيِّرُ هَيْئَتَهَا بِخِلَافِ نَقْلِ الْقَوْلِيِّ إلَّا بِنَقْلِ السَّلَامِ عَامِدًا فَتَبْطُلُ وَكَذَا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ كما يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ في مَحَلِّهَا وَذَكَرَ ما اسْتَثْنَاهُ من زِيَادَتِهِ هُنَا
فَصْلٌ تَرْتِيبُ الْأَرْكَانِ وَاجِبٌ فَلَوْ تَرَكَ رُكْنًا عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كما عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أو سَاهِيًا وكان غير مَأْمُومٍ عَادَ إلَيْهِ إنْ تَذَكَّرَ وَإِلَّا لم يُعْتَدَّ بِمَا فَعَلَهُ حتى يَأْتِيَ بِالْمَتْرُوكِ فَتَتِمَّ بِهِ الرَّكْعَةُ الْمُخْتَلَّةُ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ لَا يَخْفَى ما في كَلَامِهِ مع إيهَامِهِ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ مُخْتَصٌّ بِغَيْرِ ما يَأْتِي فَكَانَ الْأَوْجَهُ أَنْ يَقُولَ كما في الْأَصْلِ لو تَرَكَهُ سَاهِيًا لم يُعْتَدَّ بِمَا فَعَلَهُ حتى يَأْتِيَ بِمَا تَرَكَهُ فَإِنْ تَذَكَّرَ قبل بُلُوغِ مِثْلِهِ فَعَلَهُ أو بَعْدَهُ تَمَّتْ بِهِ رَكْعَتُهُ هذا إنْ عَلِمَ عَيْنَهُ وَمَكَانَهُ وَإِلَّا أَخَذَ بِالْأَسْوَإِ وَبَنَى وفي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إلَّا إذَا وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ وقد أَخَذَ في بَيَانِ أَحْوَالِ الْجَهْلِ فقال وَإِنْ جَهِلَ عَيْنَهُ وَأَمْكَنَ بِأَنْ جَوَّزَ أَنَّهُ النِّيَّةُ أو التَّكْبِيرُ لِلْإِحْرَامِ أَعَادَ أَيْ اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ لِشَكِّهِ في انْعِقَادِهَا وَإِنْ كان هو أَيْ الْمَتْرُوكُ سَهْوًا السَّلَامَ ولم يَطُلْ الْفَصْلُ سَلَّمَ ولم يَسْجُدْ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ بِالسَّلَامِ وَكَذَا إنْ طَالَ الْفَصْلُ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ سُكُوتٌ طَوِيلٌ وَتَعَمُّدُ طُولِ السُّكُوتِ لَا يَضُرُّ كما مَرَّ فَلَا يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ أَمَّا لو سَلَّمَ التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ على اعْتِقَادِ أَنَّهُ سَلَّمَ الْأُولَى ثُمَّ شَكَّ في الْأُولَى أو تَبَيَّنَ أَنَّهُ لم يُسَلِّمْهَا لم يُحْسَبْ سَلَامُهُ عن فَرْضِهِ لِأَنَّهُ أتى بِهِ على اعْتِقَادِ النَّفْلِ فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ثُمَّ يُسَلِّمُ بَعْدَ تَسْلِيمَتَيْنِ كَذَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ وَفِيهِ نَظَرٌ يُعْلَمُ وَجْهُهُ مِمَّا يَأْتِي قَرِيبًا أو لم يُمْكِنْ بِأَنْ لم يُجَوِّزْ أَنَّهُ النِّيَّةُ أو تَكْبِيرُ الْإِحْرَامِ وَجَهِلَ مَكَانَهُ أَخَذَ بِالْأَسْوَإِ وَبَنَى على ما فَعَلَهُ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَقَوْلُهُ وَجَهِلَ إنْ أَرَادَ بِهِ جَهِلَ عَيْنَهُ فَتَكْرَارٌ أو جَهِلَ مَكَانَهُ كما قُلْنَا فَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ ذلك مع جَهْلِ عَيْنِهِ أَيْضًا وَلَيْسَ مُرَادًا وَكَلَامُ الْأَصْلِ سَالِمٌ من ذلك وَلَوْ ذَكَرَ بَعْدَ الْقِيَامِ من رَكْعَةٍ أَنَّهُ تَرَكَ منها السَّجْدَةَ مع الْجُلُوسِ أو شَكَّ فِيهِمَا لَزِمَهُ أَنْ يَجْلِسَ مُطْمَئِنًّا ثُمَّ يَسْجُدَ تَدَارُكًا لِمَا فَاتَهُ وَلَا يُجْزِئُ قِيَامُهُ عن الْجُلُوسِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْفَصْلُ بين السَّجْدَتَيْنِ بِهَيْئَةِ الْجُلُوسِ فَإِنْ كان قد أتى بِهِ أَيْ بِالْجُلُوسِ وَلَوْ لِلِاسْتِرَاحَةِ سَجَدَ من قِيَامٍ وَإِجْزَاءُ الْجُلُوسِ وَإِنْ نَوَى بِهِ الِاسْتِرَاحَةَ كَتَشَهُّدٍ أَخِيرٍ ظَنَّهُ الْأَوَّلَ وَكَغَسْلِ اللُّمْعَةِ الْمَتْرُوكَةِ من الْمَرَّةِ الْأُولَى في الثَّانِيَةِ أو الثَّالِثَةِ وَذَلِكَ
____________________
(1/188)
لِأَنَّ قَضِيَّةَ نِيَّتِهِ السَّابِقَةِ أَنْ لَا تَكُونَ جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ إلَّا بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ
وَلَا تَقُومُ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَنَحْوِهَا كَسَجْدَةِ سَهْوٍ أو سَجْدَةِ شُكْرٍ فَعَلَهَا نَاسِيًا مَقَامَ السُّجُودِ لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ لم تَشْمَلْهَا بِخِلَافِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فِيمَا مَرَّ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ على الرَّوْضَةِ وَبِهِ صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ
وَإِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ السَّجْدَةِ الْأُولَى من الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ تَرْكَ سَجْدَةٍ من الْأُولَى فَإِنْ كان قد سَبَقَ له جُلُوسٌ وَلَوْ بِنِيَّةِ الِاسْتِرَاحَةِ تَمَّتْ بها أَيْ بِالسَّجْدَةِ الْأُولَى من الثَّانِيَةِ رَكْعَتُهُ الْأُولَى وَلَغَا ما بَيْنَهُمَا لِوُقُوعِهِ في غَيْرِ مَحَلِّهِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَسْبِقْ له جُلُوسٌ فَتَمَامُهَا أَيْ رَكْعَتِهِ الْأُولَى بِالسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ وَكَذَا الْحُكْمُ في تَرْكِ سَجْدَتَيْنِ فَأَكْثَرَ تَذَكَّرَ مَكَانَهُمَا أو مَكَانَهَا فَإِنْ كان قد سَبَقَ له جُلُوسٌ فِيمَا سَبَقَ له من الرَّكَعَاتِ تَمَّتْ رَكْعَتُهُ السَّابِقَةُ بِالسَّجْدَةِ الْأُولَى وَإِلَّا فَبِالثَّانِيَةِ فَإِنْ جَهِلَهُ أَيْ مَكَانَ الْمَتْرُوكِ أو شَكَّ فيه لَزِمَهُ لِتَرْكِ سَجْدَةِ رَكْعَةٍ لِاحْتِمَالِ أنها من غَيْرِ الْأَخِيرَةِ وَلِسَجْدَتَيْنِ أَيْ لِتَرْكِهِمَا ولترك ثَلَاثٍ من رُبَاعِيَّةٍ رَكْعَتَانِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ السَّجْدَتَانِ وَاحِدَةٌ من الْأُولَى وَوَاحِدَةٌ من الثَّالِثَةِ وَأَنْ تَكُونَ الثَّلَاثُ من الثَّلَاثِ الْأُوَلِ أو وَاحِدَةٌ من الْأُولَى وَثِنْتَانِ من الثَّالِثَةِ وَلِتَرْكِ أَرْبَعٍ من رُبَاعِيَّةٍ سَجْدَةٌ وَرَكْعَتَانِ لِاحْتِمَالِ تَرْكِ ثِنْتَيْنِ من رَكْعَةٍ وَثِنْتَيْنِ من رَكْعَتَيْنِ غَيْرِ مُتَوَالِيَتَيْنِ لم يَتَّصِلَا بها كَتَرْكِ وَاحِدَةٍ من الْأُولَى وَثِنْتَيْنِ من الثَّانِيَةِ وَوَاحِدَةٍ من الرَّابِعَةِ فَالْحَاصِلُ رَكْعَتَانِ إلَّا سَجْدَةً إذْ الْأُولَى تَتِمُّ بِالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةُ نَاقِصَةٌ سَجْدَةً فَيُتِمُّهَا وَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ بِخِلَافِ ما إذَا اتَّصَلَتَا بها كَتَرْكِ وَاحِدَةٍ من الْأُولَى وَثِنْتَيْنِ من الثَّانِيَةِ وَوَاحِدَةٍ من الثَّالِثَةِ فَلَا يَلْزَمُ فيه إلَّا رَكْعَتَانِ وَلِخَمْسٍ أَيْ لِتَرْكِهَا ولترك سِتٍّ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ إذْ الْحَاصِلُ له في تَرْكِ السِّتِّ رَكْعَةٌ وَأَمَّا في تَرْكِ الْخَمْسِ فَلِاحْتِمَالِ تَرْكِ وَاحِدَةٍ من الْأُولَى وَثِنْتَيْنِ من الثَّانِيَةِ وَثِنْتَيْنِ من الثَّالِثَةِ وَلِسَبْعٍ أَيْ لِتَرْكِهَا سَجْدَةٌ وَثَلَاثٌ من الرَّكَعَاتِ إذْ الْحَاصِلُ له رَكْعَةٌ إلَّا سَجْدَةً وَلِثَمَانٍ أَيْ لِتَرْكِهَا سَجْدَتَانِ وَثَلَاثُ رَكَعَاتٍ وَيُتَصَوَّرُ تَرْكُ ذلك بِمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا وَالتَّذَكُّرُ بَعْدَ السَّلَامِ كَقَبْلِهِ إنْ قَرُبَ الْفَصْلُ كما سَيَأْتِي قُلْت ذَكَرَ بَعْضُهُمْ كَالْأُصْفُونِيِّ وَالْإِسْنَوِيِّ اعْتِرَاضًا على الْجُمْهُورِ فقال يَلْزَمُ بِتَرْكِ ثَلَاثٍ من السَّجَدَاتِ سَجْدَةٌ وَرَكْعَتَانِ لِأَنَّ أَسْوَأَ الْأَحْوَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ السَّجْدَةَ الْأُولَى من الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ من الثَّانِيَةِ فَيَحْصُلُ منها أَيْ من الثَّانِيَةِ جَبْرُ الْجُلُوسِ بين السَّجْدَتَيْنِ لَا جَبْرُ السُّجُودِ إذْ لَا جُلُوسَ مَحْسُوبٌ في الْأُولَى فَتَكْمُلُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى بِالسَّجْدَةِ الْأُولَى من الثَّالِثَةِ وَتَفْسُدُ الثَّانِيَةُ وَتُجْعَلُ السَّجْدَةُ الثَّالِثَةُ مَتْرُوكَةً من الرَّابِعَةِ فَيَلْزَمُهُ سَجْدَةٌ وَرَكْعَتَانِ وَهَذَا يُتَصَوَّرُ فِيمَنْ سَجَدَ نَاسِيًا أو جَاهِلًا على طَرَفِ ثَوْبِهِ أو كَوْرِ عِمَامَتِهِ أو لم يَطْمَئِنَّ أو الْتَصَقَتْ وَرَقَةٌ بِجَبْهَتِهِ وَعَلَّلَ لُزُومَ ذلك بِقَوْلِهِ فإنه قد أتى في الْأُولَى بِجُلُوسٍ غَيْرِ مَحْسُوبٍ وَلَا مَحِيصَ عن هذا الِاعْتِرَاضِ وَعَلَى هذا يَلْزَمُهُ بِتَرْكِ أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ وَخَمْسٍ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ لِأَنَّا نَقُولُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَرَكَ السَّجْدَةَ الْأُولَى من الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ من الثَّانِيَةِ فَتَحْصُلُ منها رَكْعَةٌ إلَّا سَجْدَةً وأنه تَرَكَ ثِنْتَيْنِ من الثَّالِثَةِ فَلَا تَتِمُّ الرَّكْعَةُ إلَّا بِسَجْدَةٍ من الرَّابِعَةِ وَيَلْغُو ما بَعْدَهَا أَيْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى ما سِوَاهَا ويلزمه في تَرْكِ السِّتِّ وَالسَّبْعِ ثَلَاثٌ وَسَجْدَةٌ لِأَنَّا نَقُولُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَرَكَ السَّجْدَةَ الْأُولَى من الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ من الثَّانِيَةِ وَثِنْتَيْنِ من الثَّالِثَةِ وَثِنْتَيْنِ من الرَّابِعَةِ وَأُجِيبَ عن الِاعْتِرَاضِ بِأَنَّ ما ذُكِرَ فيه خِلَافُ فَرْضِ الْأَصْحَابِ فَإِنَّهُمْ فَرَضُوا ذلك فِيمَا إذَا أتى بِالْجَلَسَاتِ أَيْ الْمَحْسُوبَاتِ وَحَكَى ابن السُّبْكِيّ في التَّوْشِيحِ أَنَّ له رَجَزًا في الْفِقْهِ وَفِيهِ اعْتِمَادُ هذا الِاعْتِرَاضِ وَأَنَّ وَالِدَهُ وَقَفَ عليه فَكَتَبَ على الْحَاشِيَةِ من رَأْسِ الْقَلَمِ لَكِنَّهُ مَعْ حُسْنِهِ لَا يَرِدُ إذْ الْكَلَامُ في الذي لَا يُفْقَدُ
____________________
(1/189)
إلَّا السُّجُودَ فإذا ما انْضَمَّ لَهْ تَرْكُ الْجُلُوسِ فَلْيُعَامَلْ عَمَلَهْ وَإِنَّمَا السَّجْدَةُ لِلْجُلُوسِ وَذَاكَ مِثْلُ الْوَاضِحِ الْمَحْسُوسِ وَذِكْرُ الْمُصَنِّفِ الْخَمْسَ سَجَدَاتٍ وَالسَّبْعَ فِيمَا فَرَّعَهُ على الِاعْتِرَاضِ غَيْرُ حَسَنٍ فإن ما ذَكَرَهُ فِيهِمَا لَا يُخَالِفُ ما ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ مع أَنَّ الْمُعْتَرِضَ لم يَذْكُرْهُمَا
فَرْعٌ لو قام قبل التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ نَاسِيًا فَلَهُ الْعَوْدُ إلَيْهِ
عِبَارَةُ الْأَصْلِ نَقْلًا عن الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ تَقْتَضِي طَلَبَ الْعَوْدِ إلَيْهِ حَيْثُ قال يَرْجِعُ إلَيْهِ ما لم يَنْتَصِبْ قَائِمًا لِأَنَّهُ لم يَتَلَبَّسْ بِفَرْضٍ فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ وهو إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبُ منه إلَى الْقُعُودِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذلك أَيْ النُّهُوضَ مع الْعَوْدِ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فَالسُّجُودُ لِلنُّهُوضِ مع الْعَوْدِ لَا لِلنُّهُوضِ فَقَطْ وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ إنَّهُ لِلنُّهُوضِ لَا لِلْعَوْدِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ مَرْدُودٌ
وَشُمُولُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ عَامِدًا لِلْعَوْدِ من زِيَادَتِهِ
أَمَّا إذَا كان إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ أو كانت نِسْبَتُهُ إلَيْهِمَا على السَّوَاءِ فَلَا يَسْجُدُ لِقِلَّةِ ما فَعَلَهُ حِينَئِذٍ وَهَذَا ما جَزَمَ بِهِ في الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَصَحَّحَهُ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ لَكِنْ صَحَّحَ في التَّحْقِيقِ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ مُطْلَقًا وفي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَأَطْلَقَ في تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ تَصْحِيحَهُ قال الْإِسْنَوِيُّ وَبِهِ الْفَتْوَى وَإِنْ انْتَصَبَ قَائِمًا لم يَعُدْ لِتَلَبُّسِهِ بِفَرْضٍ فَلَا يَقْطَعُهُ لِسُنَّةٍ فَإِنْ عَادَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِزِيَادَتِهِ رُكْنًا عَمْدًا لَا إنْ عَادَ جَاهِلًا فَلَا تَبْطُلُ لَكِنْ عليه أَنْ يَقُومَ عِنْدَ تَعَلُّمِهِ ولا إنْ عَادَ نَاسِيًا فَلَا تَبْطُلُ لَكِنْ عليه أَنْ يَقُومَ إنْ ذَكَرَ أَيْ عِنْدَ تَذَكُّرِهِ وَيَسْجُدَ فِيهِمَا لِلسَّهْوِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وإذا قام الْإِمَامُ وَتَخَلَّفَ الْمَأْمُومُ لِلتَّشَهُّدِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِفُحْشِ الْمُخَالَفَةِ وَفَارَقَ ما لو قام هو وَحْدَهُ كما سَيَأْتِي بِأَنَّهُ في تِلْكَ اشْتَغَلَ بِفَرْضٍ وفي هذه بِسُنَّةٍ فَإِنْ قُلْت سَيَأْتِي في الْجَمَاعَةِ أَنَّهُ لو تَرَكَ إمَامُهُ الْقُنُوتَ فَلَهُ أَنْ يَتَخَلَّفَ لِيَقْنُتَ إذَا لَحِقَهُ في السَّجْدَةِ الْأُولَى قُلْت في تِلْكَ لم يُحْدِثْ في تَخَلُّفِهِ وُقُوفًا وَهُنَا أَحْدَثَ فيه جُلُوسًا نعم إنْ جَلَسَ إمَامُهُ لِلِاسْتِرَاحَةِ فَالْأَوْجَهُ أَنَّ له التَّخَلُّفَ لِيَتَشَهَّدَ إذَا لَحِقَهُ في قِيَامِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لم يُحْدِثْ جُلُوسًا فَمَحَلُّ بُطْلَانِهَا إذَا لم يَجْلِسْ إمَامُهُ وَإِنْ نَوَى مُفَارَقَتَهُ لِيَتَشَهَّدَ فَلَا تَبْطُلُ وَذَلِكَ أَيْ التَّخَلُّفُ لِلتَّشَهُّدِ عُذْرٌ في عَدَمِ بُطْلَانِهَا وفي الْمُفَارَقَةِ فَإِنْ انْتَصَبَا مَعًا أو انْتَصَبَ الْإِمَامُ وَحْدَهُ ثُمَّ عَادَ فِيهِمَا لَزِمَ الْمَأْمُومَ الْقِيَامُ بِأَنْ يَسْتَمِرَّ في الْأُولَى قَائِمًا وَيَقُومَ في الثَّانِيَةِ لِوُجُوبِ الْقِيَامِ عليه فيها بِانْتِصَابِ الْإِمَامِ وَأَمَّا في الْأُولَى فَإِمَامُهُ إمَّا مُخْطِئٌ بِالْعَوْدِ فَلَا يُوَافِقُهُ في الْخَطَإِ أو عَامِدٌ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ وَلَهُ فِيهِمَا مُفَارَقَتُهُ وَلَوْ انْتَظَرَهُ قَائِمًا لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ عَادَ نَاسِيًا جَازَ لَكِنَّ الْمُفَارَقَةَ أَوْلَى كما يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُهُ وَلَوْ قال وَانْتِظَارُهُ بَدَلَ وَلَوْ انْتَظَرَهُ وَحَذَفَ جَازَ كَفَى لَكِنْ تَفُوتُهُ هذه الْإِشَارَةُ وَهَذَانِ الْحُكْمَانِ مع الْحُكْمِ الذي عَقَبَهُمَا بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِيَةِ من زِيَادَتِهِ فَإِنْ عَادَ معه عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أو نَاسِيًا أو جَاهِلًا فَلَا وَلَوْ انْتَصَبَ الْمَأْمُومُ وَحْدَهُ نَاسِيًا لَزِمَهُ الْعَوْدُ لِوُجُوبِ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَإِنْ الْأَوْلَى فَإِنْ لم يَعُدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِمُخَالَفَةِ الْوَاجِبِ فَلَوْ لم يَعْلَمْ حتى قام إمَامُهُ لم يَعُدْ ولم تُحْسَبْ قِرَاءَتُهُ كَمَسْبُوقٍ سمع حِسًّا ظَنَّهُ سَلَامَ إمَامِهِ فَقَامَ وَأَتَى بِمَا فَاتَهُ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لم يُسَلِّمْ لَا يُحْسَبُ له ما أتى بِهِ قبل سَلَامِ إمَامِهِ أو انْتَصَبَ وَحْدَهُ عَامِدًا فَالْعَوْدُ حَرَامٌ كما لو رَكَعَ قبل إمَامِهِ مُبْطِلٌ لِأَنَّهُ زَادَ رُكْنًا عَمْدًا كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَخُولِفَ بِكَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ فَإِنَّهُمْ في الْمَقِيسِ عليه اسْتَحَبُّوا الْعَوْدَ فَضْلًا عن الْجَوَازِ فَيَأْتِي مِثْلُهُ في الْمَقِيسِ وَرَجَّحَهُ فيه في التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ فَرَّقَ الزَّرْكَشِيُّ بين هذه وما لو قام نَاسِيًا حَيْثُ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ كما مَرَّ بِأَنَّ الْعَامِدَ انْتَقَلَ إلَى وَاجِبٍ وهو الْقِيَامُ فَيُخَيَّرُ بين الْعَوْدِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّهُ تَخْيِيرٌ بين وَاجِبَيْنِ بِخِلَافِ النَّاسِي فإن فِعْلَهُ غَيْرُ مُعْتَدٍ بِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا كان مَعْذُورًا كان قِيَامُهُ كَالْعَدَمِ فَتَلْزَمُهُ الْمُتَابَعَةُ كما لو لم يَقُمْ لِيَعْظُمَ أَجْرُهُ وَالْعَامِدُ كَالْمُفَوِّتِ لِتِلْكَ السُّنَّةِ بِتَعَمُّدِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَيْهَا وَإِنْ رَكَعَ قَبْلَهُ نَاسِيًا تَخَيَّرَ بين
____________________
(1/190)
الْعَوْدِ وَالِانْتِظَارِ وَيُفَارِقُ ما مَرَّ من أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ فِيمَا لو قام نَاسِيًا بِفُحْشِ الْمُخَالَفَةِ ثَمَّ لَكِنَّ قَضِيَّةَ فَرْقِ الزَّرْكَشِيّ السَّابِقِ ثَمَّ عَكْسُ ما هُنَا
مع أَنَّ فَرْقَهُ لَا يَخْتَصُّ بِالتَّفْرِيعِ على قَوْلِ الْعِرَاقِيِّينَ كما يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُ وَلَوْ ظَنَّ الْمُصَلِّي قَاعِدًا أَنَّهُ تَشَهَّدَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ فَقَرَأَ أَيْ افْتَتَحَ الْقِرَاءَةَ لِلثَّالِثَةِ لم يَعُدْ إلَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ وَإِنْ سَبَقَهُ لِسَانُهُ بِالْقِرَاءَةِ وهو ذَاكِرٌ أَنَّهُ لم يَتَشَهَّدْ عَادَ جَوَازًا إلَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ لِأَنَّ تَعَمُّدَ الْقِرَاءَةِ كَتَعَمُّدِ الْقِيَامِ وَسَبْقُ اللِّسَانِ إلَيْهَا غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ
وَإِنْ نَسِيَ الْقُنُوتَ فَعَادَ إلَيْهِ قبل وَضْعِ الْجَبْهَةِ على مُصَلَّاهُ جَازَ أو بَعْدَهُ فَلَا لَكِنْ إنْ وَضَعَ شيئا من يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَقُلْنَا بِوُجُوبِ وَضْعِهَا كان كَوَضْعِ الْجَبْهَةِ نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عن صَاحِبِ الذَّخَائِرِ وَاسْتَحْسَنَهُ قال الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الْقِيَاسُ ولم يَطَّلِعْ عليه الْإِسْنَوِيُّ فَسَأَلَهُ وَأَجَابَ عنه بِأَنَّ الْغَرَضَ من الْوَضْعِ هو الْوَضْعُ الْمُقَارِنُ لِلسُّجُودِ خَاصَّةً وهو الْأَوْجَهُ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ إنْ بَلَغَ حَدَّ الرَّاكِعِينَ لِزِيَادَتِهِ رُكُوعًا بِخِلَافِ ما إذَا لم يَبْلُغْهُ فَلَا يَسْجُدُ وَإِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا فَكَتَرْكِهِ التَّشَهُّدَ كما شَمِلَهُ قَوْلُ الْأَصْلِ قبل ذِكْرِ صُورَةِ النِّسْيَانِ وَتَرْكُ الْقُنُوتِ يُقَاسُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ في التَّشَهُّدِ
فَرْعٌ لو تَشَهَّدَ سَهْوًا بَعْدَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أو ثَالِثَةٍ لِرُبَاعِيَّةٍ أو قَعَدَ سَهْوًا بَعْدَ اعْتِدَالٍ من الْأُولَى أو غَيْرِهَا فَتَشَهَّدَ وَالْمُرَادُ فيها وَفِيمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ أتى بِالتَّشَهُّدِ أو بَعْضِهِ أو جَلَسَ لِلِاسْتِرَاحَةِ أو بَعْدَ اعْتِدَالٍ سَهْوًا بِلَا تَشَهُّدٍ فَوْقَ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ تَدَارَكَ ما عليه وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ أَمَّا في الْأَخِيرَةِ فَلِزِيَادَةِ قُعُودٍ طَوِيلٍ وَأَمَّا في غَيْرِهَا فَلِذَلِكَ أو لِنَقْلِ رُكْنٍ قَوْلِيٍّ فَإِنْ كانت الْجِلْسَةُ في الْأَخِيرَةِ كَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فَلَا سُجُودَ لِأَنَّ عَمْدَهَا مَطْلُوبٌ أو مُغْتَفَرٌ كَمُطِيلِ الْجُلُوسِ بين السَّجْدَتَيْنِ بِأَنْ أَلْحَقَهُ بِجُلُوسِ التَّشَهُّدِ وَمَنْ مَكَثَ في السُّجُودِ يَتَذَكَّرُ هل رَكَعَ أو لَا وَأَطَالَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أو هل سَجَدَ السَّجْدَةَ الْأُولَى فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَإِنْ أَطَالَ إذْ لَا يَلْزَمُهُ تَرْكُ السُّجُودِ في هذه بِخِلَافِهِ في تِلْكَ وَالْمَسْأَلَتَانِ من زِيَادَتِهِ ذَكَرَهُمَا الْقَمُولِيُّ وَغَيْرُهُ فَلَوْ قَعَدَ في هذه من سَجْدَتِهِ وَتَذَكَّرَهَا أنها الثَّانِيَةُ وكان في الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ فَتَشَهَّدَ قال الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ إنْ كان قُعُودُهُ على الشَّكِّ فَوْقَ الْقُعُودِ بين السَّجْدَتَيْنِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ عليه أَنْ يَعُودَ إلَى السُّجُودِ وَإِلَّا فَلَا تَبْطُلُ وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ
فَرْعٌ لو قام إلَى خَامِسَةٍ في رُبَاعِيَّةٍ نَاسِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ قبل السَّلَامِ عَادَ إلَى الْجُلُوسِ فَإِنْ كان قد تَشَهَّدَ في الرَّابِعَةِ أو الْخَامِسَةِ أَجْزَأَهُ وَلَوْ ظَنَّهُ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ كما مَرَّ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَيُسَلِّمُ وَإِنْ كان لم يَتَشَهَّدْ أتى بِهِ أَيْ بِالتَّشَهُّدِ ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وسلم وَلَوْ سَجَدَ ثُمَّ تَذَكَّرَ في سُجُودِهِ أَنَّهُ لم يَرْكَعْ لَزِمَهُ أَنْ يَقُومَ ثُمَّ يَرْكَعَ وَلَا يَكْفِيهِ أَنْ يَقُومَ رَاكِعًا لِأَنَّهُ قَصَدَ بِالرُّكُوعِ غَيْرَهُ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ في الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ بِحَسَبِ ما فَهِمَهُ من كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ لُزُومِ ذلك مَرْدُودٌ
فَصْلٌ في قَاعِدَةٍ مُكَرَّرَةٍ في أَبْوَابِ الْفِقْهِ ما كان الْأَصْلُ وُجُودَهُ أو عَدَمَهُ وَشَكَكْنَا في تَغْيِيرِهِ رَجَعْنَا إلَى الْأَصْلِ وَاطَّرَحْنَا الشَّكَّ كما مَرَّ بَيَانُهُ في بَابِ الْإِحْدَاثِ
عِبَارَةُ غَيْرِهِ وَطَرَحْنَا الشَّكَّ يُقَالُ طَرَحْت الشَّيْءَ أَيْ رَمَيْته وَاطَّرَحْته أَيْ أَبْعَدْته وَكُلٌّ صَحِيحٌ هُنَا وَإِنْ كان الْأَوَّلُ أَقْرَبَ فَإِنْ صلى وَشَكَّ هل تَرَكَ مَأْمُورًا بِهِ مُعَيَّنًا يَنْجَبِرُ بِالسُّجُودِ كَالْقُنُوتِ سَجَدَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ أو غير مُعَيَّنٍ أو شَكَّ في فِعْلِ مَنْهِيٍّ عنه كَالْكَلَامِ نَاسِيًا لم يَسْجُدْ كما لو شَكَّ هل سَهَا أَمْ لَا وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فِعْلِ الْمَنْهِيِّ عنه وَإِنْ تَيَقَّنَ سَهْوًا وَنَسِيَ عَيْنَهُ هذا أَعَمُّ من قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَشَكَّ هل هو تَرْكُ مَأْمُورٍ أو ارْتِكَابُ مَنْهِيٍّ أو شَكَّ هل سَجَدَ له أو لَا سَجَدَ لِتَحَقُّقِ الْمُقْتَضِي وَالْأَصْلُ عَدَمُ السُّجُودِ في الثَّانِيَةِ أو هل سَجَدَ له سَجْدَتَيْنِ أو وَاحِدَةً زَادَ وفي نُسْخَةٍ سَجَدَ وَاحِدَةً لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا أو هل صلى ثَلَاثًا أو أَرْبَعًا أَخَذَ بِالْأَقَلِّ وَسَجَدَ لِخَبَرِ أبي سَعِيدٍ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ وَلَا يُقَلِّدُ غَيْرَهُ وَإِنْ كَثُرُوا وَرَاقَبُوهُ لِقَوْلِهِ في خَبَرِ أبي سَعِيدٍ وَلْيَبْنِ على الْيَقِينِ وَلِأَنَّهُ تَرَدَّدَ في فِعْلِ نَفْسِهِ فَلَا يَأْخُذُ بِقَوْلِ غَيْرِهِ فيه كَالْحَاكِمِ إذَا نَسِيَ حُكْمَهُ
____________________
(1/191)
لَا يَأْخُذُ بِقَوْلِ الشُّهُودِ عليه وَأَمَّا مُرَاجَعَتُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلصَّحَابَةِ ثُمَّ عَوْدُهُ لِلصَّلَاةِ في خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ فَمَحْمُولٌ على تَذَكُّرِهِ بَعْدَ مُرَاجَعَتِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُ ذلك بِمَا إذَا لم يَبْلُغُوا حَدَّ التَّوَاتُرِ وَلَا يَنْفَعُهُ في ذلك ظَنٌّ وَلَا اجْتِهَادٌ لِمَا مَرَّ في خَبَرِ أبي سَعِيدٍ ثُمَّ إنْ فَعَلَ مع شَكِّهِ ما يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَلَوْ تَذَكَّرَ قبل السَّلَامِ وَإِنْ فَعَلَ معه ما لَا يَحْتَمِلُهَا فَلَا يَسْجُدُ مِثَالُهُ شَكَّ هل هذه الرَّكْعَةُ التي هو فيها ثَالِثَةٌ أو رَابِعَةٌ فَتَذَكَّرَ قبل الْقِيَامِ إلَى ما بَعْدَهَا أنها ثَالِثَةٌ أو رَابِعَةٌ لم يَسْجُدْ لِأَنَّ ما فَعَلَهُ مع التَّرَدُّدِ لَا بُدَّ منه وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَتَذَكَّرْ قبل الْقِيَامِ سَوَاءٌ أَتَذَكَّرَ بَعْدَهُ أَمْ لَا سَجَدَ جَبْرًا لِتَرَدُّدِهِ في زِيَادَتِهَا يَعْنِي التي قام إلَيْهَا أَيْ لِأَنَّ ما فَعَلَهُ منها مع التَّرَدُّدِ مُحْتَمِلٌ لِلزِّيَادَةِ وَإِنَّمَا اقْتَضَى التَّرَدُّدُ في زِيَادَتِهَا السُّجُودَ لِأَنَّهَا إنْ كانت زَائِدَةً فَظَاهِرٌ وَإِلَّا فَالتَّرَدُّدُ يُضْعِفُ النِّيَّةَ وَيُحْوِجُ إلَى الْجَبْرِ وَاعْتَرَضَهُ الْإِمَامُ بِمَا لو شَكَّ في أَنَّهُ قَضَى الْفَائِتَةَ التي كانت عليه أَمْ لَا فَإِنَّا نَأْمُرُهُ بِالْقَضَاءِ بِلَا سُجُودٍ وَإِنْ كان مُتَرَدِّدًا في أنها عليه أَمْ لَا
وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّرَدُّدَ ثَمَّ لم يَقَعْ في بَاطِلٍ بِخِلَافِهِ هُنَا وَبِأَنَّ السُّجُودَ إنَّمَا يَكُونُ لِلتَّرَدُّدِ الطَّارِئِ في الصَّلَاةِ لَا لِلسَّابِقِ عليها وَقَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِمْ بِقَبْلَ الْقِيَامِ أَنَّهُ لو زَالَ تَرَدُّدُهُ بَعْدَ نُهُوضِهِ وَقَبْلَ انْتِصَابِهِ لم يَسْجُدْ إذْ حَقِيقَةُ الْقِيَامِ الِانْتِصَابُ وما قَبْلَهُ انْتِقَالٌ لَا قِيَامٌ فَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ إنَّهُمْ أَهْمَلُوهُ مَرْدُودٌ وَكَذَا قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ إنْ صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ سَجَدَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ صَيْرُورَتَهُ إلَى ما ذَكَرَ لَا تَقْتَضِي السُّجُودَ لِأَنَّ عَمْدَهُ لَا يُبْطِلُ وَإِنَّمَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ مع عَوْدِهِ كما مَرَّ
نَبَّهَ على ذلك ابن الْعِمَادِ
وَلَوْ شَكَّ الْمَسْبُوقُ هل أَدْرَكَ رُكُوعَ الْإِمَامِ أو لَا قام بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَأَتَى بِرَكْعَةٍ بَدَلَ الرَّكْعَةِ الْمَشْكُوكِ فيها وَسَجَدَ لِتَرَدُّدِهِ فِيمَا انْفَرَدَ بِهِ وَلَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ الْقِيَامِ لها أَنَّهُ أَدْرَكَهُ أَيْ الرُّكُوعَ لِأَنَّ ما فَعَلَهُ مع تَرَدُّدِهِ فِيمَا ذَكَرَ مُحْتَمِلٌ لِلزِّيَادَةِ وَمِثْلُهُ لو شَكَّ مَأْمُومٌ في تَرْكِ فَرْضٍ كما نَبَّهَ عليه في الْمُهِمَّاتِ
فَرْعٌ لَا أَثَرَ لِلشَّكِّ بَعْدَ السَّلَامِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُهُ عن تَمَامٍ وَلِأَنَّهُ لو اعْتَبَرَ الشَّكَّ بَعْدَهُ لَعَسُرَ الْأَمْرُ لِكَثْرَةِ عُرُوضِهِ نعم إنْ شَكَّ في النِّيَّةِ أو تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ وَكَذَا لو شَكَّ في أَنَّهُ نَوَى الْفَرْضَ أو النَّفَلَ كما لو شَكَّ هل صلى أَمْ لَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ قال وَلَوْ شَكَّ أَنَّ ما أَدَّاهُ ظُهْرٌ أو عَصْرٌ وقد فَاتَتَاهُ لَزِمَهُ إعَادَتُهُمَا جميعا وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الشَّرْطَ كَالرُّكْنِ فَلَا يُؤَثِّرُ فيه الشَّكُّ وهو ظَاهِرٌ
وَنَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ بِالنِّسْبَةِ لِلطُّهْرِ في بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ عن جَمْعٍ لَكِنَّهُ جَزَمَ قبل حِكَايَتِهِ له وفي مَحَلٍّ آخَرَ بِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فَارِقًا بِأَنَّ الشَّكَّ في الرُّكْنِ يَكْثُرُ بِخِلَافِهِ في الطُّهْرِ وَبِأَنَّ الشَّكَّ في الرُّكْنِ حَصَلَ بَعْدَ تَيَقُّنِ الِانْعِقَادِ وَالْأَصْلُ الِاسْتِمْرَارُ على الصِّحَّةِ بِخِلَافِهِ في الطُّهْرِ فإنه شَكٌّ في الِانْعِقَادِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَهَذَا ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ هو الْمَنْقُولُ الْمُوَافِقُ لِمَا نَقَلَهُ هو عن الْقَائِلِينَ بِهِ عن النَّصِّ أَنَّهُ لو شَكَّ بَعْدَ طَوَافِ نُسُكِهِ هل طَافَ مُتَطَهِّرًا أو لَا لَا تَلْزَمُهُ إعَادَةُ الطَّوَافِ وقد بَسَطْت الْكَلَامَ على ذلك في شَرْحِ الْبَهْجَةِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالسَّلَامِ الذي لَا أَثَرَ لِلشَّكِّ بَعْدَهُ سَلَامٌ لم يَحْصُلْ بَعْدَهُ عَوْدٌ إلَى الصَّلَاةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَلَوْ سَلَّمَ نَاسِيًا لِسُجُودِ السَّهْوِ ثُمَّ عَادَ وَشَكَّ في تَرْكِ رُكْنٍ لَزِمَهُ تَدَارُكُهُ كما يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ وَخَرَجَ بِالشَّكِّ الْعِلْمُ وهو ما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ فَلَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَهُ أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا بَنَى على ما فَعَلَهُ إنْ لم يَطُلْ الْفَصْلُ ولم يَطَأْ نَجَاسَةً وَإِنْ تَكَلَّمَ قَلِيلًا وَاسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ وَخَرَجَ من الْمَسْجِدِ
وَتُفَارِقُ هذه الْأُمُورُ وَطْءَ النَّجَاسَةِ بِاحْتِمَالِهَا في الصَّلَاةِ في الْجُمْلَةِ وَالْمَرْجِعُ في طُولِهِ وَقِصَرِهِ إلَى الْعُرْفِ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْقِصَرُ بِالْقَدْرِ الذي نُقِلَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ وَالطُّولُ بِمَا زَادَ عليه وَالْمَنْقُولُ في الْخَبَرِ أَنَّهُ قام وَمَضَى إلَى نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ وَرَاجَعَ ذَا الْيَدَيْنِ وَسَأَلَ الصَّحَابَةَ فَأَجَابُوهُ
فَصْلٌ لَا يَتَعَدَّدُ السُّجُودُ لِلسَّهْوِ لِتَعَدُّدِ السَّهْوِ لِخَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ فإنه صلى اللَّهُ عليه وسلم سَلَّمَ وَتَكَلَّمَ
____________________
(1/192)
وَاسْتَدْبَرَ وَمَشَى ولم يَزِدْ على سَجْدَتَيْنِ وَلِأَنَّهُ لو تَعَدَّدَ لِذَلِكَ لَأَمَرَ بِهِ عِنْدَ السَّهْوِ كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَأَمَّا خَبَرُ لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ فَضَعِيفٌ لَكِنَّهُ قد يَتَعَدَّدُ صُورَةً كما لو سَجَدَ في صَلَاةٍ مَقْصُورَةٍ أو جُمُعَةٍ ثُمَّ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا لِوُجُودِ مُسَوِّغِ الْإِتْمَامِ أَعَادَ السُّجُودَ آخِرَهَا لِأَنَّهُ مَحَلُّهُ وَلَوْ سَهَا كَأَنْ تَكَلَّمَ سَاهِيًا في سُجُودِهِ لِلسَّهْوِ وَلَوْ في جُلُوسِهِ في أَثْنَائِهِ أو بَعْدَهُ لم يَسْجُدْ إذْ لَا يُؤْمَنُ وُقُوعُ مِثْلِهِ في الْعَادَةِ فَيَتَسَلْسَلُ وَلَوْ ظَنَّ سَهْوًا فَسَجَدَ ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ أو تَرَكَ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ مَثَلًا فَسَجَدَ جَاهِلًا بِأَنْ تَرْكَ ذلك لَا سُجُودَ له قال في الرَّوْضَةِ أو شَكَّ هل سَهَا أو لَا فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ جَاهِلًا سَجَدَ لِلْخَلَلِ الْحَاصِلِ بِزِيَادَةِ السُّجُودِ وَالثَّانِيَةُ من زِيَادَتِهِ ذَكَرَهَا بَدَلَ مَسْأَلَةِ الرَّوْضَةِ وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ فيها أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَبْطُلُ بِسُجُودِ السَّهْوِ لِتَرْكِ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ وَنَحْوِهَا جَاهِلًا وهو مُقَيَّدٌ بِمَا مَرَّ عن الْبَغَوِيّ أَوَّلَ الْبَابِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَسْأَلَةَ الرَّوْضَةِ مُقَيَّدَةٌ بِذَلِكَ أَيْضًا وَلَوْ سَهَا إمَامٌ فَاسْتَخْلَفَ مَسْبُوقًا جَرَى على تَرْتِيبِ صَلَاةِ إمَامِهِ وَسَجَدَ آخِرَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَآخِرَ صَلَاةِ نَفْسِهِ وَلَوْ ظَنَّ أَنَّهُ تَرَكَ الْقُنُوتَ مَثَلًا فَسَجَدَ له فَبَانَ أَنَّهُ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ أو غَيْرُهُ مِمَّا يُجْبَرُ بِالسُّجُودِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ قَصَدَ جَبْرَ الْخَلَلِ وهو يَجْبُرُ كُلَّ خَلَلٍ
فَرْعٌ يَتَحَمَّلُ الْإِمَامُ سَهْوَ الْمَأْمُومِ حَالَ قُدْوَتِهِ وَإِنْ تَخَلَّفَ عنه حَالَ سَهْوِهِ بِعُذْرٍ كَزِحَامٍ كما يَتَحَمَّلُ عنه الْقُنُوتَ وَالْجَهْرَ وَالسُّورَةَ وَغَيْرَهَا وَلِأَنَّ مُعَاوِيَةَ شَمَّتَ الْعَاطِسَ خَلْفَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كما مَرَّ ولم يَسْجُدْ وَلَا أَمَرَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالسُّجُودِ وَلِخَبَرِ الْإِمَامُ ضَامِنٌ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابن حِبَّانَ فَيَتَحَمَّلُ عَمَّنْ سَهَا خَلْفَهُ لَا عَمَّنْ سَهَا مُنْفَرِدًا ثُمَّ تَابَعَهُ لِعَدَمِ اقْتِدَائِهِ بِهِ حَالَ سَهْوِهِ وَإِنَّمَا لم يَتَحَمَّلْهُ عنه كما أَنَّهُ يَلْحَقُهُ سَهْوُ إمَامِهِ الْوَاقِعِ قبل الْقُدْوَةِ كما سَيَأْتِي لِأَنَّهُ قد عُهِدَ تَعَدِّي الْخَلَلِ من صَلَاةِ الْإِمَامِ إلَى صَلَاةِ الْمَأْمُومِ دُونَ عَكْسِهِ فَإِنْ تَرَكَ الْمَأْمُومُ رُكْنًا نَاسِيًا غير النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ وَالسَّلَامِ أتى بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَلَا يَسْجُدُ لِأَنَّهُ سَهَا حَالَ الْقُدْوَةِ وقد لَا تَلْزَمُهُ رَكْعَةٌ بِأَنْ تَرَكَ من الْأَخِيرَةِ سُجُودًا وَتَعْبِيرُ الْأَصْلِ بِتَرْكِ الرُّكُوعِ أو الْفَاتِحَةِ سَالِمٌ من ذلك وَإِنْ كانت عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَعَمَّ وَيَسْجُدُ مَسْبُوقٌ سَلَّمَ مع الْإِمَامِ سَهْوًا لِأَنَّ سَهْوَهُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْقُدْوَةِ فَإِنْ ظَنَّهُ الْمَسْبُوقُ بِرَكْعَةٍ مَثَلًا سَلَّمَ فَقَامَ وَأَتَى بِرَكْعَةٍ قبل سَلَامِهِ لم تُحْسَبْ لِفِعْلِهَا في غَيْرِ مَوْضِعِهَا فإذا سَلَّمَ إمَامُهُ أَعَادَهَا ولم يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ لِبَقَاءِ حُكْمِ الْقُدْوَةِ وَلَوْ عَلِمَ في الْقِيَامِ أَنَّهُ قام قبل سَلَامِ إمَامِهِ وَلَوْ بَعْدَ سَلَامِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَجْلِسَ وَلَوْ جَوَّزْنَا مُفَارَقَةَ الْإِمَامِ لِأَنَّ قِيَامَهُ غَيْرُ مُعْتَدٍ بِهِ فإذا جَلَسَ وَوَجَدَهُ لم يُسَلِّمْ إنْ شَاءَ فَارَقَهُ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ سَلَامَهُ فَلَوْ أَتَمَّهَا جَاهِلًا بِالْحَالِ وَلَوْ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ لم تُحْسَبْ فَيُعِيدَهَا لِمَا قُلْنَاهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِلزِّيَادَةِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ
فَصْلٌ سَهْوُ الْإِمَامِ غَيْرِ الْمُحْدِثِ يَلْحَقُ الْمَأْمُومَ وَإِنْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ بَعْدَ ذلك لِتَطَرُّقِ الْخَلَلِ لِصَلَاتِهِ من صَلَاةِ إمَامِهِ وَلِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ عنه السَّهْوَ فَيَسْجُدُ له وَإِنْ فَارَقَهُ أَمَّا إذَا بَانَ إمَامُهُ مُحْدِثًا فَلَا يَلْحَقُهُ سَهْوُهُ وَلَا يَتَحَمَّلُ هو عنه إذْ لَا قُدْوَةَ حَقِيقَةً حَالَ السَّهْوِ وَكَوْنُ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْمُحْدِثِ صَلَاةَ جَمَاعَةٍ لَا يَقْتَضِي لُحُوقَ السَّهْوِ لِأَنَّ لُحُوقَهُ تَابِعٌ لِمَطْلُوبِيَّتِهِ من الْإِمَامِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُحْدِثِ لِبُطْلَانِهَا لَا يُطْلَبُ منه جَبْرُهَا فَكَذَا صَلَاةُ الْمُؤْتَمِّ بِهِ وإذا سَجَدَ معه الْمَسْبُوقُ لِلسَّهْوِ أَعَادَهُ في آخِرِ صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ مَحَلُّهُ كما مَرَّ وَيَلْحَقُهُ سَهْوُ إمَامِهِ وَلَوْ كان السَّهْوُ قبل اقْتِدَائِهِ بِهِ لِدُخُولِهِ في صَلَاةٍ نَاقِصَةٍ وَلَوْ قام الْمَسْبُوقُ بَعْدَ انْفِرَادِهِ فَاقْتَدَى بِهِ مَسْبُوقٌ آخَرُ وَبِالْآخَرِ آخَرُ وَهَكَذَا لَحِقَ الْجَمِيعَ سَهْوُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَيَسْجُدُ كُلٌّ منهم مع إمَامِهِ وفي آخِرِ صَلَاتِهِ وَعَلَى الْمَأْمُومِ مُوَافَقَةُ الْإِمَامِ في السُّجُودِ لِخَبَرِ إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ
____________________
(1/193)
وَإِنْ لم يَعْرِفْ سَهْوَهُ فإنه يُوَافِقُهُ حَمْلًا على أَنَّهُ سَهَا فَإِنْ تَخَلَّفَ عنه عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لَا إنْ تَيَقَّنَ غَلَطَهُ في سُجُودِهِ كَمَنْ عَلِمَهُ سَجَدَ لِنُهُوضٍ قَلِيلٍ مَثَلًا فَلَا يُوَافِقُهُ إذَا سَجَدَ اعْتِبَارًا بِعَقِيدَتِهِ كما لو فَعَلَ إمَامُهُ ما يَقْتَضِي السُّجُودَ عِنْدَهُ ولم يَرَهُ هو كَفِعْلِ الْجَهْرِ في مَحَلِّ السِّرِّ أو عَكْسُهُ لَا يَلْحَقُهُ ذلك نعم يَلْحَقُهُ في مَسْأَلَتِنَا سَهْوُ إمَامِهِ بِسُجُودِهِ لِذَلِكَ فَيَسْجُدُ له وَهَذَا نَظِيرُ ما لو ظَنَّ سَهْوًا فَسَجَدَ فَبَانَ عَدَمُهُ نَبَّهَ على ذلك الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ
وَإِنْ قام الْإِمَامُ إلَى خَامِسَةٍ نَاسِيًا لم يَجُزْ لِلْمَأْمُومِ مُتَابَعَتُهُ حَمْلًا على أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا من رَكْعَةٍ وَإِنْ كان مَسْبُوقًا وَيُفَارِقُ وُجُوبَ مُتَابَعَتِهِ له في سُجُودِ السَّهْوِ إذَا لم يَعْرِفْ سَهْوَهُ بِأَنَّ قِيَامَهُ لِخَامِسَةٍ لم يُعْهَدْ بِخِلَافِ سُجُودِهِ فإنه مَعْهُودٌ لِسَهْوِ إمَامِهِ وَأَمَّا مُتَابَعَةُ الْمَأْمُومِينَ له صلى اللَّهُ عليه وسلم في قِيَامِهِ لِلْخَامِسَةِ في صَلَاةِ الظُّهْرِ فَإِنَّهُمْ لم يَتَحَقَّقُوا زِيَادَتَهَا لِأَنَّ الزَّمَنَ كان زَمَنَ الْوَحْيِ وَإِمْكَانِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَلِهَذَا قالوا أَزِيدَ في الصَّلَاةِ يا رَسُولَ اللَّهِ
فَإِنْ سَلَّمَ الْإِمَامُ ولم يَسْجُدْ لِسَهْوِهِ أو سَجَدَ له وَاحِدَةً سَجَدَ الْمَأْمُومُ مُطْلَقًا أو تَمَّمَ السُّجُودَ إنْ كان مُوَافِقًا حَمْلًا على أَنَّهُ نَسِيَ بِخِلَافِ تَرْكِهِ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ وَسَجْدَةَ التِّلَاوَةِ لَا يَأْتِي الْمَأْمُومُ بِهِمَا لِأَنَّهُمَا يَقَعَانِ خِلَالَ الصَّلَاةِ فَلَوْ انْفَرَدَ بِهِمَا لَخَالَفَ الْإِمَامَ فَلَوْ تَخَلَّفَ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ بِقَيْدٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ لِيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ فَعَادَ الْإِمَامُ إلَى السُّجُودِ لم يُتَابِعْهُ سَوَاءٌ سَجَدَ قبل عَوْدِ إمَامِهِ أَمْ لَا لِقَطْعِهِ الْقُدْرَةَ بِسُجُودِهِ في الْأُولَى وَبِاسْتِمْرَارِهِ في الصَّلَاةِ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ في الثَّانِيَةِ بَلْ يَسْجُدُ فيها مُنْفَرِدًا بِخِلَافِ ما لو قام الْمَسْبُوقُ لِيَأْتِيَ بِمَا عليه فَالْقِيَاسُ لُزُومُ الْعَوْدِ لِلْمُتَابَعَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ قِيَامَهُ لِذَلِكَ وَاجِبٌ وَتَخَلُّفُهُ لِيَسْجُدَ مُخَيَّرٌ فيه وقد اخْتَارَهُ فَانْقَطَعَتْ الْقُدْوَةُ وَذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ فَلَوْ سَلَّمَ الْمَأْمُومُ معه نَاسِيًا فَعَادَ الْإِمَامُ إلَى السُّجُودِ لَزِمَتْهُ مُوَافَقَتُهُ فيه لِمُوَافَقَتِهِ له في السَّلَامِ نَاسِيًا فَإِنْ تَخَلَّفَ عنه بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ من سَلَّمَ نَاسِيًا ثُمَّ عَادَ إلَى السُّجُودِ عَادَ إلَى الصَّلَاةِ وَإِنْ سَلَّمَ عَامِدًا فَعَادَ الْإِمَامُ لم يُوَافِقْهُ لِقَطْعِهِ الْقُدْوَةَ لِسَلَامِهِ عَمْدًا وَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَوْلَى من قَوْلِ أَصْلِهِ لم تَلْزَمْهُ مُتَابَعَتُهُ وَإِنْ قام الْإِمَامُ لِخَامِسَةٍ نَاسِيًا فَفَارَقَهُ بَعْدَ بُلُوغِ حَدِّ الرَّاكِعِينَ لَا قَبْلَهُ سَجَدَ لِلسَّهْوِ كَالْإِمَامِ وَإِنْ كان إمَامُهُ حَنَفِيًّا فَسَلَّمَ قبل أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ سَجَدَ الْمَأْمُومُ قبل سَلَامِهِ اعْتِبَارًا بِعَقِيدَتِهِ وَلَا يَنْتَظِرُهُ لِيَسْجُدَ معه لِأَنَّهُ فَارَقَهُ بِسَلَامِهِ
وَلَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا فَسَهَا في رَكْعَةٍ من رُبَاعِيَّةٍ ثُمَّ اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ يَقْصُرُ فَسَهَا إمَامُهُ ولم يَسْجُدْ ثُمَّ أتى هو بِالرَّابِعَةِ بَعْدَ سَلَامِهِ فَسَهَا فيها كَفَاهُ لِلْجَمِيعِ سَجْدَتَانِ كما عُلِمَ من أَوَّلِ الْفَصْلِ السَّابِقِ وَهُمَا لِلْجَمِيعِ أو لِمَا نَوَاهُ منه وَيَكُونُ تَارِكًا لِسُجُودِ الْبَاقِي في الثَّانِيَةِ
فَصْلٌ وهو أَيْ سُجُودُ السَّهْوِ سَجْدَتَانِ مَحَلُّهُمَا قُبَيْلَ السَّلَامِ بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ من الصَّلَاةِ كما أَفَادَهُ تَصْغِيرُهُ قَبْلُ وَذَلِكَ لِخَبَرِ أبي سَعِيدٍ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى بِهِمْ الظُّهْرَ فَقَامَ من الْأُولَيَيْنِ ولم يَجْلِسْ فَقَامَ الناس معه حتى إذَا قَضَى الصَّلَاةَ وَانْتَظَرَ الناس تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ وهو جَالِسٌ فَسَجَدَ
____________________
(1/194)
سَجْدَتَيْنِ قبل أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ سَلَّمَ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ قال الزُّهْرِيُّ وَفِعْلُهُ قبل السَّلَامِ هو آخِرُ الْأَمْرَيْنِ من فِعْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلِأَنَّهُ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ فَكَانَ قبل السَّلَامِ كما لو نَسِيَ سَجْدَةً منها وَأَجَابُوا عن سُجُودِهِ بَعْدَهُ في خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ بِحَمْلِهِ على أَنَّهُ لم يَكُنْ عن قَصْدٍ مع أَنَّهُ لم يَرِدْ لِبَيَانِ حُكْمِ سُجُودِ السَّهْوِ سَوَاءٌ أَكَانَ السَّهْوُ بِزِيَادَةٍ أَمْ نَقْصٍ أَمْ بِهِمَا وَقَضِيَّةُ كَوْنِهِ سَجْدَتَيْنِ أَنَّهُ لو سَجَدَ وَاحِدَةً بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وهو ما حُكِيَ عن ابْنِ الرِّفْعَةِ لَكِنْ جَزَمَ الْقَفَّالُ في فَتَاوِيهِ بِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ وهو مُقْتَضَى تَعْلِيلِ الرَّافِعِيِّ الْآتِي فِيمَا إذَا هَوَى لِسُجُودِ التِّلَاوَةِ ثُمَّ بَدَا له فَتَرَكَ وقد يُحْمَلُ كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ على ما إذَا قَصَدَ سَجْدَةً ابْتِدَاءً وَكَلَامُ الْقَفَّالِ على ما إذَا قَصَدَ الِاقْتِصَارَ عليها بَعْدَ فِعْلِهَا بِقَرِينَةِ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَكَيْفِيَّتُهَا كَسَجْدَتَيْ الصَّلَاةِ يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا بَيْنَهُمَا كما مَرَّ في صِفَةِ الصَّلَاةِ وَيَأْتِي بِذِكْرِ السُّجُودِ لِلصَّلَاةِ فِيهِمَا وَحَكَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُنْدَبُ أَنْ يَقُولَ فِيهِمَا سُبْحَانَ من لَا يَنَامُ وَلَا يَسْهُو قال الشَّيْخَانِ وهو لَائِقٌ بِالْحَالِ قال الزَّرْكَشِيُّ إنَّمَا يُتِمُّ إذَا لم يَتَعَمَّدْ ما يَقْتَضِي السُّجُودَ فَإِنْ تَعَمَّدَهُ فَلَيْسَ ذلك لَائِقًا اللَّائِقُ الِاسْتِغْفَارُ ثُمَّ أَيْ بَعْدَ السُّجُودِ يَتَوَرَّكُ وَيُسَلِّمُ وَلَا يَتَشَهَّدُ بَعْدَ السُّجُودِ فَلَوْ سَلَّمَ قَبْلَهُ أَيْ قبل السُّجُودِ عَامِدًا أَيْ ذَاكِرًا لِلسَّهْوِ فَقَدْ فَوَّتَهُ لِأَنَّهُ قَطَعَ الصَّلَاةَ بِالسَّلَامِ أو نَاسِيًا لِذَلِكَ وَأَرَادَ السُّجُودَ سَجَدَ وَإِنْ فَارَقَ الْمَجْلِسَ وَاسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ إذَا لم يَطُلْ فَصْلٌ عُرْفًا بين السَّلَامِ وَتَيَقَّنَ التَّرْكَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى الظُّهْرَ خَمْسًا فلما انْفَتَلَ قِيلَ له ذلك فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ وَيَكُونُ بِسُجُودِهِ عَائِدًا إلَى الصَّلَاةِ بِلَا إحْرَامٍ كما لو تَذَكَّرَ بَعْدَ سَلَامِهِ رُكْنًا قال في الْمُهِمَّاتِ وَالْمُتَّجَهُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ يَعُودُ إلَيْهَا بِالْهُوِيِّ بَلْ بِإِرَادَةِ السُّجُودِ كما أَفَادَهُ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَجَمَاعَةٌ فَلَوْ أَحْدَثَ فيه بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَسَائِرُ مُفْسِدَاتِهَا كَالْحَدَثِ وَلَوْ خَرَجَ فيه وَقْتُ الْجُمُعَةِ فَاتَتْ وَأَتَمَّهَا ظُهْرًا وَلَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ فيه الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ لَكِنْ يَحْرُمُ الْعَوْدُ إلَيْهِ إنْ عَلِمَ ضِيقَ وَقْتِ الصَّلَاةِ لِإِخْرَاجِهِ بَعْضَهَا عن وَقْتِهَا كَذَا في الْمُهِمَّاتِ عن فَتَاوَى الْبَغَوِيّ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّا نَتَبَيَّنُ بِعَوْدِهِ إلَى السُّجُودِ أَنَّهُ لم يَخْرُجْ عن الصَّلَاةِ لِاسْتِحَالَةِ الْخُرُوجِ منها ثُمَّ الْعُودِ إلَيْهَا وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ فيه في الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ لَا تَتَقَيَّدُ بِهِ أَحْكَامُهَا بَلْ يَجْرِي فِيمَا بَعْدَهُ وَقَبْلَ السَّلَامِ فَإِنْ خَرَجَ وَقْتُ الْجُمُعَةِ أو نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ السَّلَامِ وَقَبْلَ السُّجُودِ فِيهِمَا فَاتَ السُّجُودُ فَلَا يَأْتِي بِهِ لِمَا فيه من تَفْوِيتِ الْجُمُعَةِ في الْأُولَى وَفِعْلِ بَعْضِ الصَّلَاةِ بِدُونِ سَبَبِهَا في الثَّانِيَةِ وَصَحَّتْ جُمُعَتُهُ وَصَلَاتُهُ الْمَقْصُورَةُ وَقَوْلُهُ فَإِنْ خَرَجَ إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ أَفْتَى الْبَغَوِيّ وَظَاهِرٌ أَنَّ السُّجُودَ يَفُوتُ أَيْضًا فِيمَا لو رَأَى الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ عَقِبَ السَّلَامِ أو انْتَهَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ أو تَخَرَّقَ الْخُفُّ أو شُفِيَ دَائِمُ الْحَدَثِ وَنَحْوِهَا أَمَّا إذَا طَالَ الْفَصْلُ أو لم يَطُلْ لَكِنْ لم يُرِدْ السُّجُودَ فَلَا سُجُودَ لِفَوْتِ مَحَلِّهِ وَتَعَذُّرِ الْبِنَاءِ بِطُولِ الْفَصْلِ في الْأُولَى وَلِعَدَمِ الرَّغْبَةِ فيه في الثَّانِيَةِ فَصَارَ كَالْمُسَلِّمِ عَمْدًا في أَنَّهُ فَوَّتَهُ على نَفْسِهِ بِالسَّلَامِ وَكَنِيَّةِ الْإِتْمَامِ وَالْإِقَامَةِ فِيمَا ذُكِرَ وُصُولُ سَفِينَتِهِ دَارَ إقَامَتِهِ
وَمَنْ نَسِيَ من صَلَاةٍ رُكْنًا وَفَرَغَ منها بِأَنْ سَلَّمَ منها ثُمَّ أَحْرَمَ عَقِبَهَا بِأُخْرَى لم تَنْعَقِدْ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِالْأُولَى فَإِنْ ذَكَرَ قبل طُولِ الْفَصْلِ بين السَّلَامِ وَتَيَقَّنَ التَّرْكَ بَنَى على الْأُولَى وَإِنْ تَخَلَّلَ كَلَامٌ يَسِيرٌ أو بَعْدَ طُولِهِ اسْتَأْنَفَهَا لِبُطْلَانِهَا بِطُولِ الْفَصْلِ مع السَّلَامِ منها وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ من زِيَادَتِهِ عَقِبَهَا أَخْذًا من كَلَامِ الْمَجْمُوعِ ما لو أَحْرَمَ بِأُخْرَى بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ لَا إنْ تَخَلَّلَ حَدَثٌ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ فَلَا يَبْنِي هُنَا وَلَا يَعُودُ إلَى السُّجُودِ ثُمَّ وَإِنْ تَوَضَّأَ عن قُرْبٍ
وَلَوْ تَشَهَّدَ في رُبَاعِيَّةٍ أو ثُلَاثِيَّةٍ شَاكًّا في كَوْنِهِ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ أو الثَّانِيَ فَتَبَيَّنَ بَعْدَ الْقِيَامِ أَنَّهُ الْأَوَّلُ سَجَدَ لِتَرَدُّدِهِ في زِيَادَةِ هذا الْقِيَامِ وَإِنْ تَبَيَّنَ وهو في التَّشَهُّدِ فَلَا سُجُودَ قال في الْمُهِمَّاتِ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ إنْ قَرَأَ شيئا من أَلْفَاظِهِ سَجَدَ لِإِيقَاعِهِ إيَّاهُ مع التَّرَدُّدِ في وُجُوبِهِ وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلسُّجُودِ التَّرَدُّدُ فِيمَا يَفْعَلُهُ زَائِدًا بِاحْتِمَالٍ وهو هُنَا جَازِمٌ بِأَنَّ ما فَعَلَهُ ليس بِزَائِدٍ وَإِنَّمَا هو مُتَرَدِّدٌ في أَنَّهُ وَاجِبٌ أو سُنَّةٌ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي السُّجُودَ على أَنَّ ما قَالَهُ يَلْزَمُ منه أَنَّهُ يَسْجُدُ وَإِنْ لم يَقْرَأْ شيئا من التَّشَهُّدِ لَتَرَدُّدِهِ بِمُجَرَّدِ الْقُعُودِ في وُجُوبِهِ
وَلَوْ صلى الْجُمُعَةَ
____________________
(1/195)
أَرْبَعًا نَاسِيًا أو أَحْرَمَ بِمَقْصُورَةٍ فَأَتَمَّهَا نَاسِيًا وَنَسِيَ من وفي نُسْخَةٍ في كل رَكْعَةٍ من كُلٍّ مِنْهُمَا سَجْدَةً حَصَلَتْ له الرَّكْعَتَانِ لِأَنَّ الْأُولَى تَتِمُّ بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةَ بِالرَّابِعَةِ فَيَسْجُدُ الْأُولَى وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَيُسَلِّمُ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ في الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ لم يَنْوِهِ قُلْت إنَّمَا تَحْصُلُ الرَّكْعَتَانِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لم يَتْرُكْ السَّجْدَةَ الْأُولَى من الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَلَا الثَّانِيَةَ من الثَّانِيَةِ وَلَا الْأُولَى من الثَّالِثَةِ وَلَا الثَّانِيَةَ من الرَّابِعَةِ فَإِنْ لم يَعْلَمْ ذلك حَصَلَ له رَكْعَةٌ وَسَجْدَةٌ بِنَاءً على ما قَدَّمَهُ في تَرْكِ السَّجَدَاتِ وَتَقَدَّمَ ثَمَّ جَوَابُهُ وَلَوْ رُبُعَ الْمَغْرِبِ نَاسِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ من كل رَكْعَةٍ سَجْدَةً حُسِبَ له رَكْعَتَانِ
وَلَوْ أَرَادَ الْقُنُوتَ في غَيْرِ الصُّبْحِ وَالْوِتْرِ لِنَازِلَةٍ فَنَسِيَهُ لم يَسْجُدْ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ في الصَّلَاةِ لَا منها وَلِعَدَمِ تَأَكُّدِهِ بِخِلَافِ قُنُوتِ الصُّبْحِ وَالْوِتْرِ
وَإِنْ دخل في الصَّلَاةِ وَظَنَّ أَنَّهُ لم يُكَبِّرْ لِلْإِحْرَامِ فَاسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ فَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ فَرَاغِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ كان كَبَّرَ تَمَّتْ بها الْأُولَى أو عَلِمَ قَبْلَهُ بَنَى على الْأُولَى وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ في الْحَالَيْنِ لِأَنَّهُ أتى نَاسِيًا بِمَا لو أتى بِهِ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وهو الْإِحْرَامُ الثَّانِي
فَرْعٌ لو شَرَعَ في الظُّهْرِ ثُمَّ ظَنَّ في الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ في الْعَصْرِ ثُمَّ في الثَّالِثَةِ أَنَّهُ في الظُّهْرِ لم يَضُرَّهُ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَالْعِمْرَانِيُّ قال الزَّرْكَشِيُّ وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لو أَحْرَمَ بِالْعِشَاءِ قَضَاءً ثُمَّ ظَنَّ في الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَنَّهُ في الصُّبْحِ وفي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ في الظُّهْرِ وفي الثَّالِثَةِ أَنَّهُ في الْعَصْرِ وفي الرَّابِعَةِ أَنَّهُ في الْمَغْرِبِ ثُمَّ تَذَكَّرَ قبل السَّلَامِ أَنَّهُ في الْعِشَاءِ لم يَضُرَّهُ وهو نَظِيرُ ما لو نَوَى أَنْ يَصُومَ غَدًا يَظُنُّهُ أَنَّهُ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ فَكَانَ السَّبْتَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَصَوْمُهُ ا ه
وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ قَضَاءً
الثَّانِيَةُ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَقْرَأُ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ فإذا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ كَبَّرَ وَسَجَدَ وَسَجَدْنَا معه رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَإِنَّمَا لم تَجِبْ لِأَنَّ زَيْدَ بن ثَابِتٍ قَرَأَ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالنَّجْمِ فلم يَسْجُدْ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِقَوْلِ عُمَرَ أُمِرْنَا بِالسُّجُودِ يَعْنِي لِلتِّلَاوَةِ فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ وَمَنْ لم يَسْجُدْ فَلَا إثْمَ عليه رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهِيَ في أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا منها سَجْدَتَا الْحَجِّ وَاثْنَتَا عَشْرَةَ في الْأَعْرَافِ وَالرَّعْدِ وَالنَّحْلِ وَالْإِسْرَاءِ وَمَرْيَمَ وَالْفُرْقَانِ وَالنَّمْلِ وَالَمْ تَنْزِيلُ وَحُمَّ السَّجْدَةِ وَالنَّجْمِ وَالِانْشِقَاقِ وَالْعَلَقِ وَالْأَصْلُ فيها خَبَرُ عَمْرِو بن الْعَاصِ أَقْرَأَنِي رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً في الْقُرْآنِ منها ثَلَاثٌ في الْمُفَصَّلِ وفي الْحَجِّ سَجْدَتَانِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالسَّجْدَةُ الْبَاقِيَةُ منه سَجْدَةُ ص وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا وَأَمَّا خَبَرُ لم يَسْجُدْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في شَيْءٍ من الْمُفَصَّلِ مُنْذُ تَحَوَّلَ لِلْمَدِينَةِ فَضَعِيفٌ وَنَافٍ وَغَيْرُهُ صَحِيحٌ وَمُثْبَتٌ وَأَيْضًا التَّرْكُ إنَّمَا يُنَافِي في الْوُجُوبِ دُونَ النَّدْبِ وفي مُسْلِمٍ عن أبي هُرَيْرَةَ سَجَدْنَا مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ واقرأ بِاسْمِ رَبِّك وكان إسْلَامُ أبي هُرَيْرَةَ سَنَةَ سَبْعٍ من الْهِجْرَةِ وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ بِسَجْدَتَيْ الْحَجِّ لِخِلَافِ أبي حَنِيفَةَ في الثَّانِيَةِ لَا سَجْدَةِ ص أَيْ لَيْسَتْ من سَجَدَاتِ التِّلَاوَةِ فَإِنَّمَا هِيَ سَجْدَةُ شُكْرٍ لِمَا زَادَهُ على الرَّوْضَةِ بِقَوْلِهِ لِتَوْبَةِ اللَّهِ تَعَالَى على دَاوُد عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَيْ لِقَبُولِهَا وَالتِّلَاوَةُ سَبَبٌ لِتَذَكُّرِ ذلك لِخَبَرِ أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ خَطَبَنَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَوْمًا فَقَرَأَ ص فلما مَرَّ بِالسُّجُودِ نَشَزْنَا لِلسُّجُودِ أَيْ تَهَيَّأْنَا له فلما رَآنَا قال إنَّمَا هِيَ تَوْبَةُ نَبِيٍّ وَلَكِنْ قد اسْتَعْدَدْتُمْ لِلسُّجُودِ فَنَزَلَ وَسَجَدَ رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ على شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَيَجُوزُ قِرَاءَةُ ص بِالْإِسْكَانِ وَبِالْفَتْحِ وَبِالْكَسْرِ بِلَا تَنْوِينٍ وَبِهِ مع التَّنْوِينِ وإذا كُتِبَتْ في الْمُصْحَفِ كُتِبَتْ حَرْفًا وَاحِدًا وَأَمَّا في غَيْرِهِ فَمِنْهُمْ من يَكْتُبُهَا كَذَلِكَ وَمِنْهُمْ من يَكْتُبُهَا بِاعْتِبَارِ اسْمِهَا ثَلَاثَةَ أَحْرُفٍ فَلَوْ سَجَدَ قبل تَمَامِ الْآيَةِ وَلَوْ بِحَرْفٍ لم يَصِحَّ لِأَنَّ وَقْتَهُ إنَّمَا يَدْخُلُ بِتَمَامِهَا وَتَمَامُهَا في حم السَّجْدَةِ يَسْأَمُونَ لِتَمَامِ الْكَلَامِ عِنْدَهُ وفي النَّحْلِ يُؤْمَرُونَ وفي النَّمْلِ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ وفي الِانْشِقَاقِ لَا يَسْجُدُونَ وَمَوَاضِعُ بَقِيَّةِ السَّجَدَاتِ بَيِّنَةٌ وَاقْتَصَرَ على هذه لِاقْتِصَارِ أَصْلِهِ على الْخِلَافِ فيها وَنَفْيِهِ عن غَيْرِهَا لَكِنْ ذَكَرَ غَيْرُهُ الْخِلَافَ فِيمَا بَيَّنْته أَيْضًا وكان الْأَوْلَى أَنْ يُقَدَّمَ على هذه وَاَلَّتِي قَبْلَهَا قَوْلُهُ وَتُسْتَحَبُّ يَعْنِي سَجْدَةَ ص في غَيْرِ الصَّلَاةِ لِلِاتِّبَاعِ كما مَرَّ وَتَحْرُمُ فيها فَلَوْ سَجَدَ لها أَيْ لِسَجْدَةِ ص عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ في الصَّلَاةِ بَطَلَتْ أو جَاهِلًا أو نَاسِيًا فَلَا لَكِنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَسَجْدَةِ الشُّكْرِ وَإِنْ سَجَدَهَا إمَامُهُ بِاعْتِقَادٍ منه لها كَحَنَفِيٍّ فَلَهُ مُفَارَقَتُهُ وَانْتِظَارُهُ قال في الْمَجْمُوعِ كما لو قام إمَامُهُ إلَى خَامِسَةٍ وَيَنْتَظِرُهُ هُنَا قَائِمًا وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إذَا انْتَظَرَهُ قال
____________________
(1/196)
في الرَّوْضَةِ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ لَا سُجُودَ لِسَهْوِهِ أَيْ لَا سُجُودَ عليه في فِعْلٍ يَقْتَضِي سُجُودَ السَّهْوِ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَتَحَمَّلُهُ عنه فَلَا يَسْجُدُ لِانْتِظَارِهِ وَإِنْ سَجَدَ لِسَجْدَةِ إمَامِهِ
فَرْعٌ يُسَنُّ لِلْقَارِئِ وَالْمُسْتَمِعِ أَيْ قَاصِدِ السَّمَاعِ وَالسَّامِعِ أَيْ غَيْرِ قَاصِدِهِ هذه السَّجْدَةُ أَيْ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ لِلْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ وَلَوْ لِقِرَاءَةِ مُحْدِثٍ وَصَبِيٍّ وَكَافِرٍ وَامْرَأَةٍ وَمُصَلٍّ وَتَارِكٍ لها لَكِنَّهَا من الْمُسْتَمِعِ وَالسَّامِعِ عِنْدَ سُجُودِ الْقَارِئِ آكَدُ منها عِنْدَ عَدَمِ سُجُودِهِ لِمَا قِيلَ إنَّ سُجُودَهُمَا مُتَوَقِّفٌ على سُجُودِهِ قال الْقَاضِي وَلَا سُجُودَ لِقِرَاءَةِ جُنُبٍ وَسَكْرَانَ أَيْ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ لَهُمَا قال الْإِسْنَوِيُّ وَلَا سَاهٍ وَنَائِمٍ لِعَدَمِ قَصْدِهِمَا التِّلَاوَةَ وقال الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي السُّجُودُ لِقِرَاءَةِ مَلَكٍ أو جِنِّيٍّ لَا لِقِرَاءَةِ دُرَّةٍ وَنَحْوِهَا لِعَدَمِ الْقَصْدِ قال تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ وَلَوْ قَرَأَ أو سمع أَوَّلَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ آيَةَ سَجْدَةٍ فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَسْجُدُ لَكِنْ هل يَكُونُ ذلك عُذْرًا في عَدَمِ فَوَاتِ التَّحِيَّةِ أو لَا فيه نَظَرٌ ا ه
وَهِيَ لِلْمُسْتَمِعِ آكَدُ من السَّامِعِ أَيْ منها لِلسَّامِعِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّجْدَةُ لِمَنْ جَلَسَ لها وَعُثْمَانُ السَّجْدَةُ على من اسْتَمَعَ رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ قَرَأَهَا الْمُصَلِّي فَرَكَعَ ثُمَّ بَدَا له أَنْ يَسْجُدَ لم يَجُزْ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ من فَرْضٍ إلَى سُنَّةٍ فَلَوْ لم يَبْلُغْ حَدَّ الرَّاكِعِ جَازَ أو هَوَى لِيَسْجُدَ ثُمَّ بَدَا له فَتَرَكَ بِأَنْ عَادَ إلَى الْقِيَامِ جَازَ لِأَنَّهُ كما قال الرَّافِعِيُّ مَسْنُونٌ فَلَهُ أَنْ لَا يُتِمَّهُ كما له أَنْ لَا يَشْرَعَ فيه وَكَمَالُهُ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَلَوْ سَجَدَ الْمُصَلِّي الْمُسْتَقِلُّ لِكَوْنِهِ إمَامًا أو مُنْفَرِدًا لِقِرَاءَةِ غَيْرِ نَفْسِهِ الْأَوْلَى لِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ أو سَجَدَ الْمَأْمُومُ لِقِرَاءَةِ غَيْرِ إمَامِهِ من نَفْسِهِ أو غَيْرِهِ أو لِقِرَاءَتِهِ دُونَهُ أو تَخَلَّفَ عن سُجُودٍ معه بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ التَّعَمُّدِ وَالْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ وَإِنْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ نُدِبَ لِلْمَأْمُومِ قَضَاؤُهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ من الصَّلَاةِ كما يُنْدَبُ لِسَامِعِ الْمُؤَذِّنِ وهو فيها إجَابَتُهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ منها وَلَعَلَّ مَحَلَّهُ إذَا لم يَطُلْ الْفَصْلُ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْقَضَاءِ الْأَدَاءَ وقال في الْمُهِمَّاتِ الْقَضَاءُ طَرِيقَةُ الْبَغَوِيّ وَحَكَاهُ عنه الرَّافِعِيُّ في صُورَةٍ أُخْرَى وَحُكِيَ عن جَمَاعَةٍ ما يُخَالِفُهُ وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَكَذَا الرَّافِعِيُّ في مَوْضِعٍ فَتَلَخَّصَ أَنَّ الرَّاجِحَ في مَسْأَلَتِنَا عَدَمُ الْقَضَاءِ ا ه
وَلَا يَتَأَكَّدُ قَضَاؤُهُ فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَسْجُدَ معه وَهَوَى أو لم يَهْوِ أو هَوَى معه فَضَعُفَ مَثَلًا فَرَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ رَجَعَ معه في إطْلَاقِ الرُّجُوعِ معه على ما إذَا لم يَهْوِ في صُورَةِ النِّسْيَانِ تَجَوُّزٌ
وَيُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ قِرَاءَةُ آيَةِ سَجْدَةٍ وَإِصْغَاءٌ لِقِرَاءَةِ غَيْرِ إمَامِهِ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ من السُّجُودِ
وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لو سَجَدَ لِأَحَدِهِمَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَيُكْرَهُ أَيْضًا لِلْمُنْفَرِدِ وَالْإِمَامِ الْإِصْغَاءُ لِقِرَاءَةِ غَيْرِهِمَا كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَا يُكْرَهُ لَهُمَا قِرَاءَةُ آيَةِ سَجْدَةٍ حتى في السِّرِّيَّةِ كما يُؤْخَذُ من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَيَأْتِي وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ في الْإِمَامِ
الْمَفْهُومُ منه الْمُنْفَرِدُ بِالْأَوْلَى فَرْعٌ لو سَجَدَ لِآيَةٍ ثُمَّ أَعَادَهَا وَلَوْ مِرَارًا فَوْرًا سَجَدَ وَإِنْ كان في الصَّلَاةِ لِتَجَدُّدِ السَّبَبِ بَعْدَ تَوْفِيَةِ حُكْمِ الْأَوَّلِ فَإِنْ لم يَسْجُدْ كَفَاهُ لَهُمَا أو لها سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِمْ بِكَفَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَعَدُّدُهَا وَفِيهِ نَظَرٌ
فَصْلٌ وَهِيَ أَيْ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَلِكَوْنِهَا صَلَاةً أو في مَعْنَاهَا تَفْتَقِرُ إلَى شَرَائِطِ الصَّلَاةِ كَطَهَارَةٍ وَسِتْرٍ وَاسْتِقْبَالٍ وَتَرْكِ كَلَامٍ وَإِلَى دُخُولِ وَقْتِهَا من قِرَاءَةٍ أو سَمَاعِ آيَةِ السَّجْدَةِ جَمِيعِهَا وَلَوْ سَجَدَ غَيْرُ الْمُصَلِّي وَجَبَ أَنْ يُكَبِّرَ لِلْإِحْرَامِ نَاوِيًا السُّجُودَ لِمَا مَرَّ في خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ وَنُدِبَ رَفْعُ يَدَيْهِ مع التَّكْبِيرِ كَإِحْرَامِ الصَّلَاةِ فَيَرْفَعُهُمَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَلَا يُحْدِثُ من قَرَأَ قَاعِدًا قِيَامًا لِيَسْجُدَ منه أَيْ لَا يُسَنُّ له ذلك إذَا لم يَثْبُتْ فيه شَيْءٌ وَالْمُخْتَارُ تَرْكُهُ ذَكَرَهُ في الرَّوْضَةِ ثُمَّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ يَهْوِي مُكَبِّرًا بِلَا رَفْعٍ كما في الصَّلَاةِ وَيَأْتِي نَدْبًا بِالذِّكْرِ الْمَنْدُوبِ فيه أَيْ في سُجُودِ التِّلَاوَةِ في الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا بِأَنْ يَقُولَ فيه سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ اُكْتُبْ لي بها
____________________
(1/197)
عِنْدَك أَجْرًا وَاجْعَلْهَا لي عِنْدَك ذُخْرًا وَضَعْ عَنِّي بها وِزْرًا وَاقْبَلْهَا مِنِّي كما قَبِلْتهَا من عَبْدِك دَاوُد رَوَاهُمَا الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُمَا وَيُنْدَبُ كما في الْمَجْمُوعِ عن الشَّافِعِيِّ أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إنْ كان وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا قال في الْأَصْلِ وَلَوْ قال ما يَقُولُهُ في سُجُودِ صَلَاتِهِ جَازَ وَلَوْ أَبْدَلَ جَازَ بِكَفَى كان أَحْسَنَ قال الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَيُسَنُّ أَنْ يَدْعُوَ بَعْدَ التَّسْبِيحِ وفي الْإِحْيَاءِ يَدْعُو في سُجُودِهِ بِمَا يَلِيقُ بِالْآيَةِ فيقول في سَجْدَةِ الْإِسْرَاءِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي من الْبَاكِينَ إلَيْك وَالْخَاشِعِينَ لَك وفي سَجْدَةِ الم السَّجْدَةِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي من السَّاجِدِينَ لِوَجْهِك الْمُسَبِّحِينَ بِحَمْدِك وَأَعُوذُ بِك أَنْ أَكُونَ من الْمُسْتَكْبِرِينَ عن أَمْرِك وَعَلَى أَوْلِيَائِك ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا وَيَجْلِسُ وَيُشْتَرَطُ له السَّلَامُ لِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى الْإِحْرَامِ فَافْتَقَرَ إلَى التَّحَلُّلِ كَالصَّلَاةِ لَا التَّشَهُّدِ فَلَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّهُ في مُقَابَلَةِ الْقِيَامِ وَلَا قِيَامَ فيه وَكَمَا لَا يُشْتَرَطُ لَا يُسَنُّ على الْأَصَحِّ في الرَّوْضَةِ فَإِنْ كان السُّجُودُ في الصَّلَاةِ كَبَّرَ لِلْهُوِيِّ وَلِلرَّفْعِ من السَّجْدَةِ نَدْبًا كما في سَجَدَاتِ الصَّلَاةِ لِلْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ في صَلَاةٍ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ في الْهُوِيِّ إلَيْهَا وَلَا في الرَّفْعِ منها كما في سَجَدَاتِ الصَّلَاةِ وَلَا يَجْلِسُ أَيْ وَلَا يُنْدَبُ له أَنْ يَجْلِسَ لِلِاسْتِرَاحَةِ بَعْدَهَا لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ لم تَرِدْ وَيَجِبُ أَنْ يَقُومَ منها ثُمَّ يَرْكَعَ فَلَوْ قام رَاكِعًا لم يَصِحَّ لِأَنَّ الْهُوِيَّ من الْقِيَامِ وَاجِبٌ كما مَرَّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ قبل رُكُوعِهِ في قِيَامِهِ من سُجُودِهِ شيئا من الْقُرْآنِ
فَصْلٌ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدَ عَقِيبَ قِرَاءَةِ أو سَمَاعِ الْآيَةِ وَلَوْ قال بَعْدَ الْآيَةِ كان أَنْسَبَ بِقَوْلِهِ ما لم يَطُلْ الْفَصْلُ عُرْفًا فَإِنْ طَالَ وَلَوْ بِعُذْرٍ لم يَقْضِ لِأَنَّهُ لِعَارِضٍ فَأَشْبَهَ صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَاعْتِبَارُ السَّمَاعِ مَحَلُّهُ فِيمَنْ لم يَكُنْ مُقْتَدِيًا بِالْقَارِئِ في صَلَاةٍ وَإِلَّا فَلْيُتَابِعْهُ وَإِنْ كان الْقَارِئُ أو السَّامِعُ مُحْدِثًا فَتَطَهَّرَ على قُرْبٍ سَجَدَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ قَرَأَهَا قبل الْفَاتِحَةِ سَجَدَ لِأَنَّ الْقِيَامَ مَحَلُّ الْقِرَاءَةِ لَا إنْ قَرَأَهَا في رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَاعْتِدَالٍ وَجُلُوسٍ وَلَا إنْ قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ لِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ ذلك وَلَا يَقْتَدِي السَّامِعُ بِالْقَارِئِ في سُجُودِهَا في غَيْرِ الصَّلَاةِ وَلَا يَرْتَبِطُ بِهِ فَلَهُ الرَّفْعُ من السُّجُودِ قَبْلَهُ كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ ذلك مَنْعُ الِاقْتِدَاءِ بِهِ لَكِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيِّ جَوَازُهُ وَلَا تُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ لِآيَةِ سَجْدَةٍ أو أَكْثَرَ لِقَصْدِ السُّجُودِ بَلْ تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ لِقَصْدِهِ في الصَّلَاةِ وفي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ كما لو دخل الْمَسْجِدَ في وَقْتِ النَّهْيِ لِيُصَلِّيَ التَّحِيَّةَ فَالْكَرَاهَةُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِالسُّجُودِ لِذَلِكَ كما أَفْتَى بِهِ ابن عبد السَّلَامِ فَعُلِمَ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ اسْتِحْبَابِ قِرَاءَتِهِ لِذَلِكَ إذَا كان خَارِجًا عن الصَّلَاةِ وَعَنْ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَهَلْ يَسْجُدُ لها فيه نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ لَا لِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهَا كَالْقِرَاءَةِ في صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ لِقَصْدِ السُّجُودِ ما لو قَصَدَهُ مع غَيْرِهِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْقِرَاءَةِ فَلَا كَرَاهَةَ مُطْلَقًا كما صَرَّحَ بِهِ في الرَّوْضَةِ وما ذَكَرَهُ من الْحُكْمِ بِعَدَمِ الِاسْتِحْبَابِ وَبِالْكَرَاهَةِ على الْقِرَاءَةِ فِقْهٌ حَسَنٌ وَإِنْ كان ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ على السُّجُودِ لِأَنَّ لِوَسِيلَةِ الشَّيْءِ حُكْمَهُ
وَإِنْ سَلَّمَ الْمُصَلِّي قبل أَنْ يَسْجُدَ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ أو قَرَأَ بَعْدَ آيَتِهَا آيَاتٍ ولم يَطُلْ فَصْلٌ سَجَدَ وَإِنْ طَالَ فَلَا وَلَا يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ لِقِرَاءَةِ أَجْنَبِيٍّ سَمِعَهَا منه في صَلَاتِهِ وَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ لِأَنَّ قِرَاءَةَ غَيْرِ إمَامِهِ لَا تَقْتَضِي سُجُودَهُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ له الْإِصْغَاءُ لها وَيُسْتَحَبُّ تَرْكُهَا لِلْخَطِيبِ إذَا قَرَأَ آيَتَهَا على الْمِنْبَرِ ولم يُمْكِنْهُ السُّجُودُ مَكَانَهُ لِكُلْفَةِ النُّزُولِ وَالصُّعُودِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ ذلك سَجَدَ مَكَانَهُ إنْ خَشِيَ طُولَ الْفَصْلِ وَإِلَّا نَزَلَ وَسَجَدَ إنْ لم يَكُنْ فيه كُلْفَةٌ كما يُعْرَفُ ذلك مِمَّا سَيَأْتِي في الْجُمُعَةِ ويستحب لِلْإِمَامِ تَأْخِيرُهَا في الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ إلَى الْفَرَاغِ منها لِئَلَّا يُشَوِّشَ على الْمَأْمُومِينَ وَمَحَلُّهُ إذَا قَصُرَ الْفَصْلُ وَلَا سُجُودَ لِقِرَاءَةٍ في صَلَاةِ جِنَازَةٍ لَا فيها وَلَا بَعْدَ الْفَرَاغِ منها لِأَنَّ قِرَاءَةَ ما عَدَا الْفَاتِحَةَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فيها
الثَّالِثَةُ سَجْدَةُ الشُّكْرِ وَتُسْتَحَبُّ عِنْدَ هُجُومِ نِعْمَةٍ
____________________
(1/198)
كَحُدُوثِ وَلَدٍ أو جَاهٍ أو مَالٍ أو قُدُومِ غَائِبٍ أو نَصْرٍ على عَدُوٍّ أو عِنْدَ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ كَنَجَاةٍ من غَرَقٍ أو حَرِيقٍ وَالْأَصْلُ في ذلك خَبَرُ سَأَلْت رَبِّي وَشَفَعْت لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي فَسَجَدْت شُكْرًا لِرَبِّي ثُمَّ رَفَعْت رَأْسِي فَسَأَلْت رَبِّي لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي فَسَجَدْت شُكْرًا لِرَبِّي ثُمَّ رَفَعْت رَأْسِي فَسَأَلْت رَبِّي لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي الثُّلُثَ الْآخَرَ فَسَجَدْت شُكْرًا لِرَبِّي رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم سَجَدَ لَمَّا جَاءَهُ كِتَابُ عَلِيٍّ من الْيَمَنِ بِإِسْلَامِ هَمْدَانَ لَا لِاسْتِمْرَارِهِمَا أَيْ النِّعْمَةِ وَانْدِفَاعِ النِّقْمَةِ وفي نُسْخَةٍ لَا لِاسْتِمْرَارِهَا أَيْ النِّعْمَةِ وَهِيَ الْمُوَافِقَةُ لِمَا في الْأَصْلِ كَالْعَافِيَةِ وَالْإِسْلَامِ وَالْغِنَى عن الناس لِأَنَّ ذلك يُؤَدِّي إلَى اسْتِغْرَاقِ الْعُمُرِ في السُّجُودِ وَقَيَّدَ في الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عن الْأَصْحَابِ النِّعْمَةَ وَالنِّقْمَةَ بِكَوْنِهِمَا ظَاهِرَتَيْنِ لِيُخْرِجَ الْبَاطِنَتَيْنِ كَالْمَعْرِفَةِ وَسَتْرِ الْمَسَاوِئِ وَقَيَّدَهُمَا الْأَصْلُ وَالْمُحَرَّرُ بِقَوْلِهِ من حَيْثُ لَا يُحْتَسَبُ أَيْ يُدْرَى وَحَذَفَهُ الْمُخْتَصَرُ لِقَوْلِ صَاحِبِ الْمُهِمَّاتِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ بين أَنْ يَتَسَبَّبَ فيه أو لَا وَلِهَذَا لم يَذْكُرْهُ في الْمَجْمُوعِ وَتُسْتَحَبُّ لِرُؤْيَةِ مُبْتَلًى بِبَلِيَّةٍ من زَمَانَةٍ وَنَحْوِهَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَشُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى على السَّلَامَةِ أو لِرُؤْيَةِ مُبْتَلًى بِمَعْصِيَةٍ مُجَاهِرٍ بها لِأَنَّ الْمُصِيبَةَ في الدِّينِ أَشَدُّ منها في الدُّنْيَا وَلَوْ حَضَرَ الْمُبْتَلَى أو الْعَاصِي في ظُلْمَةٍ أو عِنْدَ أَعْمَى أو سمع صَوْتَهُمَا سَامِعٌ ولم يَحْضُرَا فَالْمُتَّجَهُ في الْمُهِمَّاتِ اسْتِحْبَابُهَا أَيْضًا وَيُظْهِرُهَا لِلْعَاصِي بِكُفْرٍ أو غَيْرِهِ تَعْبِيرًا له لَعَلَّهُ يَتُوبُ لَا لِلْمُبْتَلَى لِئَلَّا يَتَأَذَّى نعم إنْ كان غير مَعْذُورٍ كَمَقْطُوعٍ في سَرِقَةٍ أَظْهَرَهَا له قَالَهُ الْقَاضِي وَالْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقَيَّدَهُ في الْمُهِمَّاتِ بِمَا إذَا لم يَعْلَمْ تَوْبَتَهُ وَإِلَّا فَلْيُسِرَّهَا وَيُظْهِرُهَا أَيْضًا لِحُصُولِ نِعْمَةٍ أو انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ كما في الْأَصْلِ وفي الْمَجْمُوعِ فَإِنْ خَافَ من إظْهَارِهَا لِلْفَاسِقِ مَفْسَدَةً أو ضَرَرًا أَخْفَاهَا قال ابن يُونُسَ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يُظْهِرُهَا لِتَجَدُّدِ ثَرْوَةٍ بِحَضْرَةِ فَقِيرٍ لِئَلَّا يَنْكَسِرَ قَلْبُهُ قال في الْمُهِمَّاتِ وهو حَسَنٌ وفي قَضَائِهَا وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ في قَضَاءِ النَّوَافِلِ كَذَا نَقَلَهُ في أَصْلِ الرَّوْضَةِ عن صَاحِبِ التَّقْرِيبِ ثُمَّ قال وَقَطَعَ غَيْرُهُ بِعَدَمِ الْقَضَاءِ
وَذِكْرُهُ هذا في سَجْدَةِ الشُّكْرِ عَجِيبٌ فإن الرَّافِعِيَّ إنَّمَا ذَكَرَهُ في سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ في مَحَلِّهَا وَتَبِعَهُ هو أَيْضًا ثَمَّ مع أَنَّ الْأَوْجَهَ عَدَمُ قَضَائِهَا كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا أَيْ مع سَجْدَةِ الشُّكْرِ كما صَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ الصَّدَقَةُ وَالصَّلَاةُ لِلشُّكْرِ وزاد لَفْظَةَ أَيْضًا لِيُفِيدَ ما نَقَلْته عن الْمَجْمُوعِ لَكِنَّ الْخُوَارِزْمِيَّ تِلْمِيذَ الْبَغَوِيّ الذَّاكِرَ لِاسْتِحْبَابِ ما ذُكِرَ فَهِمَ من كَلَامِ شَيْخِهِ خِلَافَهُ فقال لو أَقَامَ التَّصَدُّقَ أو صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ مَقَامَ السُّجُودِ كان حَسَنًا
وَهِيَ أَيْ سَجْدَةُ الشُّكْرِ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ الْمَفْعُولَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ شَرْطًا وَكَيْفِيَّةً وَلَا تَدْخُلُ الصَّلَاةَ إذْ لَا تَتَعَلَّقُ بها فَإِنْ سَجَدَهَا في الصَّلَاةِ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ في الصَّلَاةِ لِيَسْجُدَ بها لِلشُّكْرِ لم يَجُزْ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِسُجُودِهِ كما لو دخل الْمَسْجِدَ في وَقْتِ النَّهْيِ لِيُصَلِّيَ التَّحِيَّةَ فَرْعٌ لو سَجَدَ له أَيْ لِلشُّكْرِ وَلِلتِّلَاوَةِ بِالْإِيمَاءِ على الرَّاحِلَةِ في سَفَرٍ وَلَوْ قَصِيرًا جَازَ بِخِلَافِ الْمَاشِي فيه فإنه يَسْجُدُ على الْأَرْضِ كَالْمُتَنَفِّلِ فِيهِمَا وَلَوْ تَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِسَجْدَةٍ من غَيْرِ سَبَبٍ حَرُمَ وَلَوْ بَعْدَ صَلَاةٍ كما يَحْرُمُ بِرُكُوعٍ مُفْرَدٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ إلَّا ما اُسْتُثْنِيَ وَعُلِمَ من كَلَامِهِ حُرْمَةُ ما يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ من الْجَهَلَةِ من السُّجُودِ بين يَدَيْ الْمَشَايِخِ وَلَوْ إلَى الْقِبْلَةِ أو قَصَدَهُ لِلَّهِ تَعَالَى وفي بَعْضِ صُوَرِهِ ما يَقْتَضِي الْكُفْرَ عَافَانَا اللَّهُ تَعَالَى وقَوْله تَعَالَى خَرُّوا له سُجَّدًا مَنْسُوخٌ أو مُؤَوَّلٌ
الْبَابُ السَّابِعُ في صَلَاةِ التَّطَوُّعِ
____________________
(1/199)
هو وَالنَّفَلُ وَالسُّنَّةُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُسْتَحَبُّ وَالْمُرَغَّبُ فيه وَالْحَسَنُ بِمَعْنًى وهو ما رَجَّحَ الشَّرْعُ فِعْلَهُ على تَرْكِهِ وَجَازَ تَرْكُهُ وقال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ غَيْرُ الْفَرْضِ ثَلَاثَةٌ تَطَوُّعٌ وهو ما لم يَرِدْ فيه نَقْلٌ بِخُصُوصِهِ بَلْ يُنْشِئُهُ الْإِنْسَانُ ابْتِدَاءً وَسُنَّةٌ وَهِيَ ما وَاظَبَ عليه النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمُسْتَحَبٌّ وهو ما فَعَلَهُ أَحْيَانًا أو أَمَرَ بِهِ ولم يَفْعَلْهُ ولم يَتَعَرَّضُوا لِلْبَقِيَّةِ لِعُمُومِهَا لِلثَّلَاثَةِ مع أَنَّهُ لَا خِلَافَ في الْمَعْنَى فإن بَعْضَ الْمَسْنُونَاتِ آكَدُ من بَعْضٍ قَطْعًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ في الِاسْمِ أَفْضَلُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ الصَّلَاةُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ فقال الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا وَقِيلَ الصَّوْمُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ قال اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له إلَّا الصَّوْمَ فإنه لي وأنا أَجْزِي بِهِ وَقِيلَ إنْ كان بِمَكَّةَ فَالصَّلَاةُ أو بِالْمَدِينَةِ فَالصَّوْمُ قال في الْمَجْمُوعِ وَالْخِلَافُ في الْإِكْثَارِ من أَحَدِهِمَا مع الِاقْتِصَارِ على الْآكَدِ من الْآخَرِ وَإِلَّا فَصَوْمُ يَوْمٍ أَفْضَلُ من رَكْعَتَيْنِ بِلَا شَكٍّ وإذا كانت الصَّلَاةُ أَفْضَلَ الْعِبَادَاتِ كما تَقَرَّرَ فَفَرْضُهَا أَفْضَلُ الْفُرُوضِ وَتَطَوُّعُهَا أَفْضَلُ التَّطَوُّعِ وَلَا يَرِدُ الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ وَحِفْظُ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ من الْقُرْآنِ لِأَنَّهُمَا فَرْضَا كِفَايَةٍ وَهَذَا وما قَبْلَهُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِمَا صَرَّحَ في التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وهو أَيْ التَّطَوُّعُ قِسْمَانِ قِسْمٌ تُسَنُّ له الْجَمَاعَةُ وهو أَفْضَلُ مِمَّا لَا تُسَنُّ له جَمَاعَةٌ لِتَأَكُّدِهِ بِسَنِّهَا له وَلَهُ مَرَاتِبُ أَخَذَ في بَيَانِهَا فقال وَأَفْضَلُهُ الْعِيدَانِ لِشَبَهِهِمَا الْفَرْضَ في الْجَمَاعَةِ وَتَعَيُّنِ الْوَقْتِ وَلِلْخِلَافِ في أَنَّهُمَا فَرْضَا كِفَايَةٍ وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ فَمَحْمُولٌ على النَّفْلِ الْمُطْلَقِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ تَسَاوِي الْعِيدَيْنِ في الْفَضِيلَةِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ في شَرْحِ إرْشَادِهِ وَعَنْ ابْنِ عبد السَّلَامِ أَنَّ عِيدَ الْفِطْرِ أَفْضَلُ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ من تَفْضِيلِهِمْ تَكْبِيرَهُ على تَكْبِيرِ الْأَضْحَى لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عليه لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ على ما هَدَاكُمْ قال الزَّرْكَشِيُّ لَكِنَّ الْأَرْجَحَ في النَّظَرِ تَرْجِيحُ عِيدِ الْأَضْحَى لِأَنَّهُ في شَهْرٍ حَرَامٍ وَفِيهِ نُسُكَانِ الْحَجُّ وَالْأُضْحِيَّةُ
وَقِيلَ إنَّ عَشْرَهُ أَفْضَلُ من الْعَشْرِ الْأَخِيرِ من رَمَضَانَ ثُمَّ الْكُسُوفُ لِلشَّمْسِ ثُمَّ الْخُسُوفُ لِلْقَمَرِ لِخَوْفِ فَوْتِهِمَا بِالِانْجِلَاءِ كَالْمُؤَقَّتِ بِالزَّمَانِ وَلِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِمَا قال تَعَالَى لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ الْآيَةَ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَتْرُكْ الصَّلَاةَ لَهُمَا بِخِلَافِ الِاسْتِسْقَاءِ فإنه تَرَكَهُ أَحْيَانًا وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْكُسُوفِ على الْخُسُوفِ فَلِتَقَدُّمِ الشَّمْسِ على الْقَمَرِ في الْقُرْآنِ وَالْأَخْبَارِ وَلِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بها أَكْثَرُ من الِانْتِفَاعِ بِهِ وَخَصَّ الْكُسُوفَ بِالشَّمْسِ وَالْخُسُوفَ بِالْقَمَرِ بِنَاءً على ما اُشْتُهِرَ من الِاخْتِصَاصِ وَعَلَى قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ أَنَّهُ الْأَجْوَدُ وَإِنْ كان الْأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى ثُمَّ الِاسْتِسْقَاءُ لِتَأَكُّدِ طَلَبِ الْجَمَاعَةِ فيها ثُمَّ التَّرَاوِيحُ وَغَيْرُ الضُّحَى من الرَّوَاتِبِ وَهِيَ التَّابِعَةُ لِلْفَرَائِضِ أَفْضَلُ من التَّرَاوِيحِ وَإِنْ سُنَّ لها الْجَمَاعَةُ لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَاظَبَ على الرَّوَاتِبِ دُونَ التَّرَاوِيحِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا تَبِعَ فيه الرَّافِعِيُّ الْإِمَامَ وهو خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ
وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ أَنَّ التَّرَاوِيحَ أَفْضَلُ من الرَّوَاتِبِ ما عَدَا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْوِتْرِ وَأَطَالَ في بَيَانِهِ وَلَفْظُ غَيْرُ الضُّحَى من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ قد يُوهِمُ أَنَّ الضُّحَى من الرَّوَاتِبِ فَلَوْ قال كَأَصْلِهِ وَالرَّوَاتِبُ أَفْضَلُ من التَّرَاوِيحِ كان أَوْلَى وَسَيَأْتِي بَيَانُ حُكْمِ الضُّحَى وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً بِعَشْرِ تَسْلِيمَاتٍ في كل لَيْلَةٍ من رَمَضَانَ وَالْأَصْلُ فيها خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عن عَائِشَةَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم صَلَّاهَا لَيَالِيَ فَصَلَّوْهَا معه ثُمَّ تَأَخَّرَ وَصَلَّى في بَيْتِهِ بَاقِيَ الشَّهْرِ وقال
____________________
(1/200)
خَشِيت أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عنها وَلِأَنَّ عُمَرَ جَمَعَ الناس على قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ الرِّجَالَ على أُبَيِّ بن كَعْبٍ وَالنِّسَاءَ على سُلَيْمَانَ بن أبي حَثْمَةَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَى أَيْضًا هو وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ على عَهْدِ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه في شَهْرِ رَمَضَانَ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً وَرَوَى مَالِكٌ في الْمُوَطَّإِ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَجَمَعَ الْبَيْهَقِيّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُمْ كَانُوا يُوتِرُونَ بِثَلَاثٍ وَسُمِّيَتْ كُلُّ أَرْبَعٍ منها تَرْوِيحَةً لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَرَوَّحُونَ عَقِبَهَا أَيْ يَسْتَرِيحُونَ قال الْحَلِيمِيُّ وَالسِّيرَافِيُّ كَوْنُهَا عِشْرِينَ أَنَّ الرَّوَاتِبَ في غَيْرِ رَمَضَانَ عَشْرُ رَكَعَاتٍ فَضُوعِفَتْ لِأَنَّهُ وَقْتُ جِدٍّ وَتَشْمِيرٍ وَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ فِعْلُهَا سِتًّا وَثَلَاثِينَ لِأَنَّ الْعِشْرِينَ خَمْسُ تَرْوِيحَاتٍ فَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَطُوفُونَ بين كل تَرْوِيحَتَيْنِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ فَجَعَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بَدَلَ كل أُسْبُوعٍ تَرْوِيحَةً لِيُسَاوُوهُمْ
قال الشَّيْخَانِ وَلَا يَجُوزُ ذلك لِغَيْرِهِمْ لِأَنَّ لِأَهْلِهَا شَرَفًا بِهِجْرَتِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمَدْفِنِهِ وَهَذَا يُخَالِفُهُ قَوْلُ الْحَلِيمِيِّ وَمَنْ اقْتَدَى بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقَامَ بِسِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَحَسَنٌ أَيْضًا لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَرَادُوا بِمَا صَنَعُوا الِاقْتِدَاءَ بِأَهْلِ مَكَّةَ في الِاسْتِكْثَارِ من الْفَضْلِ لَا الْمُنَافَسَةِ كما ظَنَّ بَعْضُهُمْ قال وَالِاقْتِصَارُ على عِشْرِينَ مع الْقِرَاءَةِ فيها بِمَا يَقْرَؤُهُ غَيْرُهُ في سِتٍّ وَثَلَاثِينَ أَفْضَلُ لِفَضْلِ طُولِ الْقِيَامِ على كَثْرَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْقَلْبُ إلَى ما قَالَهُ أَمْيَلُ وَغَيْرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ من سَائِرِ الْبِلَادِ أَحْوَجُ إلَى الِازْدِيَادِ في الْفَضْلِ من أَهْلِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ قال وإذا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ فَزَادَ على عِشْرِينَ رَكْعَةً بِنِيَّةِ التَّرَاوِيحِ أو قِيَامِ رَمَضَانَ هل يَكُونُ كما لو زَادَ في الْوِتْرِ على إحْدَى عَشْرَةَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مِثْلُهُ وَقِيَاسُ كَلَامِ الْحَلِيمِيِّ وَجَمَاعَةٍ الصِّحَّةُ وهو الْمُخْتَارُ وَلَا يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ بَلْ يَنْوِي بِإِحْرَامٍ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ التَّرَاوِيحَ أو قِيَامَ رَمَضَانَ لِيَتَمَيَّزَ بِذَلِكَ عن غَيْرِهَا وَأَفَادَ كَلَامُهُ ما صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ أَنَّهُ يُسَلِّمُ من رَكْعَتَيْنِ فَلَوْ صلى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ لم يَصِحَّ لِشَبَهِهَا بِالْفَرْضِ في طَلَبِ الْجَمَاعَةِ فَلَا تَغَيُّرَ عَمَّا وَرَدَ بِخِلَافِ سُنَّةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَبِهِ أَفْتَى النَّوَوِيُّ ثُمَّ الْجَمَاعَةُ فيها أَيْ في التَّرَاوِيحِ أَفْضَلُ من فِعْلِهَا فُرَادَى لِمَا مَرَّ وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ عنها النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ عليهم كما مَرَّ في الْخَبَرِ وفعلها بِالْقُرْآنِ في جَمِيعِ الشَّهْرِ أَفْضَلُ من تَكْرِيرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ في كل رَكْعَةٍ مَثَلًا قال ابن الصَّلَاحِ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالسُّنَّةِ وَيُكْرَهُ الْقِيَامُ بِالْأَنْعَامِ في رَكْعَةٍ منها لِاعْتِقَادِ أنها نَزَلَتْ جُمْلَةً وقال ابن الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ إنَّهُ بِدْعَةٌ تَشْتَمِلُ على مَفَاسِدَ وَصَوَّرَهَا في التِّبْيَانِ بِأَنْ يَقْرَأَهَا في الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ من اللَّيْلَةِ السَّابِعَةِ وَهَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ أَخْذًا من الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ
وَقِسْمٌ لَا تُسَنُّ له الْجَمَاعَةُ وهو الرَّوَاتِبُ التَّابِعَةِ لِلْفَرَائِضِ وَغَيْرِهَا كَالضُّحَى وَأَفْضَلُهَا الْوِتْرُ لِخَبَرِ أَوْتِرُوا فإن اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلِخَبَرِ الْوِتْرِ حَقٌّ على كل مُسْلِمٍ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ أو بِثَلَاثٍ فَلْيَفْعَلْ أو بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَلِوُجُوبِهِ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَالصَّارِفُ عن وُجُوبِهِ عِنْدَنَا قَوْله تَعَالَى وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى إذْ لو وَجَبَ لم يَكُنْ لِلصَّلَوَاتِ وُسْطَى وَقَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كل يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالْمُرَادُ من التَّفْضِيلِ مُقَابَلَةُ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ وَلَا بُعْدَ أَنْ يَجْعَلَ الشَّرْعُ الْعَدَدَ الْقَلِيلَ أَفْضَلَ من الْكَثِيرِ مع اتِّحَادِ النَّوْعِ دَلِيلُهُ الْقَصْرُ في السَّفَرِ فَمَعَ اخْتِلَافِهِ أَوْلَى
ذَكَرَهُ ابن الرِّفْعَةِ ثُمَّ رَكْعَتَا الْفَجْرِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن عَائِشَةَ لم يَكُنْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على شَيْءٍ من النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا منه على رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ من الدُّنْيَا وما فيها وَهُمَا أَفْضَلُ من رَكْعَتَيْنِ في جَوْفِ
____________________
(1/201)
اللَّيْلِ لِمَا ذُكِرَ وَقِيلَ عَكْسُهُ قال في الرَّوْضَةِ وهو قَوِيٌّ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ وفي رِوَايَةٍ الصَّلَاةُ في جَوْفِ اللَّيْلِ وَالْأَوَّلُ حَمَلَ هذا على النَّفْلِ الْمُطْلَقِ كما مَرَّ ثُمَّ بَاقِي رَوَاتِبِ الْفَرَائِضِ الْآتِي بَيَانُهَا لِتَأَكُّدِهَا بِمُوَاظَبَةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عليها ثُمَّ الضُّحَى لِأَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ بِزَمَانٍ ثُمَّ ما يَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ كَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَالْإِحْرَامِ وَالتَّحِيَّةِ لِاسْتِنَادِهَا إلَى أَسْبَابٍ فَفُضِّلَتْ على النَّفْلِ الْمُطْلَقِ وَلَا تَرْتِيبَ في الْأَفْضَلِيَّةِ بين الثَّلَاثَةِ كما أَفْهَمَهُ الْعَطْفُ بِالْوَاوِ وَصَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَالْمُتَّجَهُ تَقْدِيمُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ لِلْخِلَافِ في وُجُوبِهِمَا عِنْدَنَا ثُمَّ رَكْعَتَيْ التَّحِيَّةِ لِأَنَّ سَبَبَهُمَا وَقَعَ ثُمَّ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَقَعَ سَبَبُهُمَا وما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هو ما في الْأَصْلِ وَخَالَفَ في التَّحْقِيقِ فقال وَبَعْدَ الرَّوَاتِبِ رَكْعَتَا الطَّوَافِ وَالضُّحَى وَالتَّرَاوِيحُ وَالتَّحِيَّةُ وَسُنَّةُ الْوُضُوءِ وَسَائِرُ ما لها سَبَبٌ ثُمَّ غَيْرُهَا
وَرَوَاتِبُ الْفَرَائِضِ الْمُؤَكَّدَةِ عَشْرٌ وَالْحِكْمَةُ فيها تَكْمِيلُ ما نَقَصَ من الْفَرَائِضِ فَضْلًا من اللَّه وَنِعْمَةً وَهِيَ رَكْعَتَانِ قبل الصُّبْحِ وركعتان قبل الظُّهْرِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الظُّهْرِ وركعتان بَعْدَ الْمَغْرِبِ وركعتان بَعْدَ الْعِشَاءِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَتُسَنُّ زِيَادَةُ رَكْعَتَيْنِ قبل الظُّهْرِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِمَا سَيَأْتِي وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا لِخَبَرِ من حَافَظَ على أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قبل الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ على النَّارِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ وتسن أَرْبَعٌ قبل الْعَصْرِ لِلِاتِّبَاعِ وَلِخَبَرِ رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صلى قبل الْعَصْرِ أَرْبَعًا رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُمَا وَرَكْعَتَانِ قبل الْمَغْرِبِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ بين كل أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ وَالْمُرَادُ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ صَلُّوا قبل صَلَاةِ الْمَغْرِبِ أَيْ رَكْعَتَيْنِ كما رَوَاهُ أبو دَاوُد وَيُسَنُّ تَخْفِيفُهُمَا كما في الْمِنْهَاجِ كَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ قال في الْمَجْمُوعِ وَتُسَنُّ رَكْعَتَانِ قبل الْعِشَاءِ لِخَبَرِ بين كل أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عن الْبُوَيْطِيِّ وَالْجُمُعَةُ كَالظُّهْرِ في الرَّوَاتِبِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا من الْمُؤَكَّدِ وَغَيْرِهِ قِيَاسًا على الظُّهْرِ وَلِلْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ في ذلك كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَخَبَرِ بين كل أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ وَخَبَرِ مُسْلِمٍ إذَا صلى أحدكم الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا وفي التِّرْمِذِيِّ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كان يُصَلِّي قبل الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِتَوْقِيفٍ وَلَا تُقَدَّمُ الرَّوَاتِبُ اللَّاحِقَةُ لِلْفَرَائِضِ عليها لِأَنَّ وَقْتَهَا إنَّمَا يَدْخُلُ بِفِعْلِهَا وَتُؤَخَّرُ عنها السَّابِقَةُ عليها جَوَازًا لَا اخْتِيَارًا لِامْتِدَادِ وَقْتِهَا بِامْتِدَادِ وَقْتِ الْفَرَائِضِ وقد يَخْتَارُ تَأْخِيرَهَا كَمَنْ حَضَرَ وَالصَّلَاةُ تُقَامُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ
فَصْلٌ يَحْصُلُ الْوِتْرُ بِرَكْعَةٍ وَبِالْأَوْتَارِ إلَى إحْدَى عَشْرَةَ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فيه فَأَقَلُّهُ وَاحِدَةٌ وَأَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثٌ وَأَكْمَلُ منه خَمْسٌ ثُمَّ سَبْعٌ ثُمَّ تِسْعٌ ثُمَّ إحْدَى عَشْرَةَ وَهِيَ أَكْثَرُهُ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ كَخَبَرِ عَائِشَةَ ما كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَزِيدُ في رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ على إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَلَا تَصِحُّ زِيَادَةٌ عليها كَسَائِرِ الرَّوَاتِبِ فَلَوْ زَادَ عليها لم يَجُزْ ولم يَصِحَّ وِتْرُهُ بِأَنْ أَحْرَمَ بِالْجَمِيعِ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَإِنْ سَلَّمَ من كل ثِنْتَيْنِ صَحَّ إلَّا الْإِحْرَامَ السَّادِسَ فَلَا يَصِحُّ وِتْرًا ثُمَّ إنْ عَلِمَ الْمَنْعَ وَتَعَمَّدَ فَالْقِيَاسُ الْبُطْلَانُ وَإِلَّا وَقَعَ نَفْلًا كَإِحْرَامِهِ بِالظُّهْرِ قبل الزَّوَالِ غَالِطًا وَقِيلَ أَكْثَرُ الْوِتْرِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَفِيهِ أَخْبَارٌ صَحِيحَةٌ تَأَوَّلَهَا الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّ من ذلك رَكْعَتَيْنِ سُنَّةَ الْعِشَاءِ قال النَّوَوِيُّ وهو تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ مُبَاعِدٌ لِلْأَخْبَارِ قال السُّبْكِيُّ وأنا أَقْطَعُ بِحِلِّ الْإِيتَارِ بِذَلِكَ وَصِحَّتِهِ لَكِنِّي أُحِبُّ الِاقْتِصَارَ على إحْدَى عَشْرَةَ فَأَقَلَّ لِأَنَّهُ غَالِبُ أَحْوَالِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَوْ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ مَوْصُولَةٍ فَأَكْثَرَ وَتَشَهَّدَ في الْأَخِيرَتَيْنِ أو في الْأَخِيرَةِ جَازَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ لَا إنْ تَشَهَّدَ في غَيْرِهِمَا فَقَطْ أو مَعَهُمَا أو مع أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ بِخِلَافِ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ لَا حَصْرَ لِرَكَعَاتِهِ وَتَشَهُّدَاتِهِ وَالْفَصْلُ وَلَوْ بِوَاحِدَةٍ أَفْضَلُ
____________________
(1/202)
من الْوَصْلِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ إخْبَارًا وَعَمَلًا ثُمَّ الْوَصْلُ بِتَشَهُّدٍ أَفْضَلُ منه بِتَشَهُّدَيْنِ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَوَرَدَ لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ وَلَا تُشَبِّهُوا الْوِتْرَ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وقال رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَثَلَاثٌ مَوْصُولَةٌ أَفْضَلُ من رَكْعَةٍ لِزِيَادَةِ الْعِبَادَةِ بَلْ قال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ إنَّ الْإِيتَارَ بِرَكْعَةٍ مَكْرُوهٌ
فَرْعٌ وَوَقْتُ الْوِتْرِ وَالتَّرَاوِيحِ من بَعْدِ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ وَإِنْ جَمَعَهَا تَقْدِيمًا إلَى الْفَجْرِ الثَّانِي لِنَقْلِ الْخَلْفِ عن السَّلَفِ وَرَوَى أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ خَبَرَ إنَّ اللَّهَ قد أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ من حُمْرِ النَّعَمِ وَهِيَ الْوِتْرُ فَجَعَلَهَا لَكُمْ من الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ قال الْمَحَامِلِيُّ وَوَقْتُهُ الْمُخْتَارُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وقال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ إلَى نِصْفِهِ أو ثُلُثِهِ وَالْأَقْرَبُ مِنْهُمَا أَنْ يُقَالَ إلَى بُعَيْدِ ذلك لِيُجَامِعَ وَقْتَ الْعِشَاءِ الْمُخْتَارَ مع أَنَّ ذلك مُنَافٍ لِقَوْلِهِمْ يُسَنُّ جَعْلُهُ آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ وقد عُلِمَ أَنَّ التَّهَجُّدَ في النِّصْفِ الثَّانِي أَفْضَلُ فَكَيْفَ يَكُونُ تَأْخِيرُهُ مُسْتَحَبًّا وَوَقْتُهُ الْمُخْتَارُ إلَى ما ذُكِرَ وَحَمَلَ الْبُلْقِينِيُّ ذلك على من لَا يُرِيدُ التَّهَجُّدَ وَأَمَّا وَقْتُ التَّرَاوِيحِ الْمُخْتَارُ فَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ إلَى ذلك أَيْضًا وَإِنْ صلى الْعِشَاءَ وَأَوْتَرَ فَبَانَ بُطْلَانُ عِشَائِهِ لم يَصِحَّ وِتْرُهُ تَبَعًا لِلْعِشَاءِ وكان نَافِلَةً كما لو صلى الظُّهْرَ قبل الزَّوَالِ غَالِطًا وَلَوْ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ لم يَتَقَدَّمْهَا نَفْلٌ من سُنَّةِ الْعِشَاءِ وَغَيْرِهَا صَحَّ وَيَكْفِي كَوْنُهُ في نَفْسِهِ وِتْرًا أو مُوتِرًا لِمَا قَبْلَهُ فَرْضًا أو نَفْلًا وَالْمُسْتَحَبُّ جَعْلُهُ آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَلَوْ نَامَ قَبْلَهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا هذا إنْ اعْتَادَ الْقِيَامَ أَيْ التَّهَجُّدَ وهو الصَّلَاةُ بَعْدَ الْهُجُودِ أَيْ النَّوْمِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَإِلَّا فَبُعَيْدَ سُنَّةِ الْعِشَاءِ يَجْعَلُهُ وَقَيَّدَهُ في الْمَجْمُوعِ بِمَا إذَا لم يَثِقْ بِتَيَقُّظِهِ آخِرَ اللَّيْلِ وَإِلَّا فَتَأْخِيرُهُ أَفْضَلُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ من خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ آخِرَ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ فإن صَلَاتَهُ آخِرَ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ وَذَلِكَ أَفْضَلُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُهُ أَيْضًا بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوِتْرِ وَأَمَّا خَبَرُ أبي هُرَيْرَةَ أَوْصَانِي خَلِيلِي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِثَلَاثٍ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ من كل شَهْرٍ وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى وَأَنْ أُوتِرَ قبل أَنْ أَنَامَ فَمَحْمُولٌ على من لم يَثِقْ بِتَيَقُّظِهِ آخِرَ اللَّيْلِ جَمْعًا بين الْأَخْبَارِ وَلَوْ أَوْتَرَ ثُمَّ قام أَيْ تَهَجَّدَ لم يُعِدْهُ لِخَبَرِ لَا وِتْرَانِ في لَيْلَةٍ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْوِتْرُ نَفْسُهُ تَهَجُّدٌ إنْ فَعَلَهُ بَعْدَ النَّوْمِ فَإِنْ فَعَلَهُ قَبْلَهُ كان وِتْرًا لَا تَهَجُّدًا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ ما سَيَأْتِي في النِّكَاحِ من تَغَايُرِهِمَا وَلَا تُسْتَحَبُّ فيه الْجَمَاعَةُ كَرَوَاتِبِ الْفَرَائِضِ إلَّا تَبَعًا لِلتَّرَاوِيحِ أَيْ لِاسْتِحْبَابِهَا فيها فَتُسْتَحَبُّ فيه حِينَئِذٍ وَإِنْ صُلِّيَتْ التَّرَاوِيحُ فُرَادَى أو لم تُصَلَّ فَإِنْ أَرَادَ تَهَجُّدًا بَعْدَهَا أَخَّرَ الْوِتْرَ كما مَرَّ فَإِنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ صلى نَافِلَةً مُطْلَقَةً وَأَوْتَرَ آخِرَ اللَّيْلِ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَلَوْ قَنَتَ فيه في غَيْرِ النِّصْفِ الْأَخِيرِ من رَمَضَانَ أو تَرَكَهُ فيه أَيْ في النِّصْفِ الْمَذْكُورِ كُرِهَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ كَقُنُوتِ الصُّبْحِ وَلَعَلَّ مَحَلَّهُ في الْأُولَى إذَا لم يَطُلْ بِهِ الِاعْتِدَالُ أو كان سَهْوًا وَذِكْرُ الْكَرَاهَةِ في الثَّانِيَةِ من زِيَادَتِهِ وَقُنُوتُهُ أَيْ الْوِتْرِ كَالصُّبْحِ أَيْ كَقُنُوتِهِ لَفْظًا وَمَحَلًّا وَجَهْرًا وَإِسْرَارًا وغيرها وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ مع زِيَادَةٍ وَيُتْبِعُهُ اسْتِحْبَابًا بِقُنُوتِ عُمَرَ وهو اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَغْفِرُك وَنَسْتَهْدِيك وَنُؤْمِنُ بِك وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْك وَنُثْنِي عَلَيْك الْخَيْرَ كُلَّهُ نَشْكُرُك وَلَا نَكْفُرُك وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ من يَفْجُرُكَ اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ نُسْرِعُ نَرْجُو رَحْمَتَك وَنَخْشَى عَذَابَك إنَّ عَذَابَك الْجِدَّ بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ الْحَقَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ على الْمَشْهُورِ أَيْ لَاحِقٌ بِهِمْ فَهُوَ كَأَنْبَتَ الزَّرْعُ بِمَعْنَى نَبَتَ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْحَقَهُ بِهِمْ اللَّهُمَّ عَذِّبْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ أَيْ يَمْنَعُونَ عن سَبِيلِك وَيُكَذِّبُونَ رُسُلَك وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَك أَيْ أَنْصَارَك اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ أَيْ أُمُورَهُمْ وَمُوَاصَلَاتِهِمْ وَأَلِّفْ أَيْ اجْمَعْ بين قُلُوبِهِمْ وَاجْعَلْ في قُلُوبِهِمْ الْإِيمَانَ وَالْحِكْمَةَ وَهِيَ كُلُّ ما مَنَعَ الْقَبِيحَ وَثَبِّتْهُمْ على مِلَّةِ رَسُولِك وَأَوْزِعْهُمْ أَيْ أَلْهِمْهُمْ أَنْ يُوفُوا بِعَهْدِك الذي عَاهَدْتهمْ عليه وَانْصُرْهُمْ على عَدُوِّك وَعَدُوِّهِمْ إلَهَ الْحَقِّ وَاجْعَلْنَا منهم قال الرُّويَانِيُّ قال ابن الْقَاصِّ وَيَزِيدُ فيه رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إلَى آخِرِ السُّورَةِ وَاسْتَحْسَنَهُ نَقَلَهُ الْأَصْلُ ولم يَتَعَقَّبْهُ وَتَعَقَّبَهُ في الْمَجْمُوعِ فقال وما قَالَهُ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَالْمَشْهُورُ كَرَاهَةُ الْقِرَاءَةِ في غَيْرِ الْقِيَامِ قال الْأَذْرَعِيُّ قُلْت إنَّمَا يَأْتِي بِهِ على قَصْدِ الدُّعَاءِ لَا على قَصْدِ الْقِرَاءَةِ فَلَا يَحْسُنُ ما ذَكَرَهُ وإذا قُلْنَا بِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلْقُنُوتِ لَفْظٌ وهو الصَّحِيحُ فَحَسَنٌ أَنْ يَدْعُوَ بِأَدْعِيَةِ الْقُرْآنِ
____________________
(1/203)
قَاصِدًا الدُّعَاءَ وَقَدَّمَ قُنُوتَ الصُّبْحِ على قُنُوتِ عُمَرَ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْوِتْرِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ بَدَلَ عَذِّبْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ عَذِّبْ الْكَفَرَةَ لِيَعُمَّ كُلَّ كَافِرٍ وَأَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ في الرَّكَعَاتِ الثَّلَاثِ إذَا أَوْتَرَ بها سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك في الْأُولَى ثُمَّ قُلْ يا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ في الثَّانِيَةِ ثُمَّ الْإِخْلَاصُ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ في الثَّالِثَةِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ يُسَنُّ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْوِتْرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ وَأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاك من سَخَطِك وَبِمُعَافَاتِك من عُقُوبَتِك وَأَعُوذُ بِك مِنْك لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أنت كما أَثْنَيْت على نَفْسِك
وَأَقَلُّ الضُّحَى رَكْعَتَانِ لِخَبَرِ أبي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ يُصْبِحُ على كل سُلَامَى من أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ وَيُجْزِئُ من ذلك رَكْعَتَانِ يُصَلِّيهِمَا من الضُّحَى وَأَدْنَى الْكَمَالِ أَرْبَعٌ وَأَكْمَلُ منه سِتٌّ وَأَكْثَرُهُ الْأَنْسَبُ بِمَا يَأْتِي وَأَكْثَرُهَا ثَمَانٌ يُسَلِّمُ نَدْبًا كما قَالَهُ الْقَمُولِيُّ من كل رَكْعَتَيْنِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا هذا ما في الْمَجْمُوعِ عن الْأَكْثَرِينَ وَصَحَّحَهُ في التَّحْقِيقِ وَاَلَّذِي في الْأَصْلِ أَفْضَلُهَا ثَمَانٌ وَأَكْثَرُهَا ثِنْتَا عَشْرَةَ وَاقْتَصَرَ في الْمِنْهَاجِ كَالْمُحَرَّرِ على ما نَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الرُّويَانِيِّ بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ من أَنَّ أَكْثَرَهَا ثِنْتَا عَشْرَةَ لِخَبَرِ أبي ذَرٍّ قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنْ صَلَّيْت الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لم تُكْتَبْ من الْغَافِلِينَ أو أَرْبَعًا كُتِبْت من الْمُحْسِنِينَ أو سِتًّا كُتِبْت من الْقَانِتِينَ أو ثَمَانِيًا كُتِبْت من الْفَائِزِينَ أو عَشْرًا لم يُكْتَبْ عَلَيْك ذلك الْيَوْمَ ذَنْبٌ أو ثِنْتَيْ عَشْرَةَ بَنَى اللَّهُ لَك بَيْتًا في الْجَنَّةِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وقال في إسْنَادِهِ نَظَرٌ قال الْإِسْنَوِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ ما قَدَّمْته فَظَهَرَ أَنْ ما في الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِمَا عليه الْأَكْثَرُونَ ا ه
فَعُدُولُ الْمُصَنِّفِ عن كَلَامِ الْأَصْلِ لِذَلِكَ وَوَقْتُهَا من ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إلَى الِاسْتِوَاءِ كما في الرَّافِعِيِّ وَالْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ وَخَالَفَ في الرَّوْضَةِ فقال قال أَصْحَابُنَا وَقْتُ الضُّحَى من طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى ارْتِفَاعِهَا أَيْ كَالْعِيدِ وَيَدُلُّ له خَبَرُ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عن أبي مُرَّةَ الطَّائِفِيِّ قال سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول قال اللَّهُ ابْنَ آدَمَ صَلِّ لي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ من أَوَّلِ نَهَارِك أَكْفِك آخِرَهُ لَكِنْ قال الْأَذْرَعِيُّ نَقْلُ ذلك عن الْأَصْحَابِ فيه نَظَرٌ وَالْمَعْرُوفُ في كَلَامِهِمْ الْأَوَّلُ
قال وَعَلَيْهِ يَنْطَبِقُ خَبَرُ عَمْرِو بن عَبَسَةَ في صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَالِاخْتِيَارُ فِعْلُهَا عِنْدَ مُضِيِّ رُبْعِ النَّهَارِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حين تَرْمَضُ الْفِصَالُ بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ تَبْرُكُ من شِدَّةِ الْحَرِّ في أَخْفَافِهَا وَلِئَلَّا يَخْلُوَ كُلُّ رُبْعٍ من النَّهَارِ عن عِبَادَةٍ
وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ رَكْعَتَانِ لِكُلِّ دُخُولٍ له وَلَوْ تَقَارَبَ ما بين الدُّخُولَيْنِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إذَا دخل أحدكم الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حتى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَمِنْ ثَمَّ يُكْرَهُ له أَنْ يَجْلِسَ من غَيْرِ تَحِيَّةٍ بِلَا عُذْرٍ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ في سَنِّهَا بين مُرِيدِ الْجُلُوسِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ قَيَّدَهُ الشَّيْخُ نَصْرٌ لِمُرِيدِهِ وَيُؤَيِّدُهُ الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ وقال الزَّرْكَشِيُّ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِذَلِكَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَأَنَّ الْأَمْرَ بِذَلِكَ مُعَلَّقٌ على مُطْلَقِ الدُّخُولِ تَعْظِيمًا لِلْبُقْعَةِ وَإِقَامَةً لِلشَّعَائِرِ كما يُسَنُّ لِدَاخِلِ مَكَّةَ الْإِحْرَامُ سَوَاءٌ أَرَادَ الْإِقَامَةَ بها أَمْ لَا قال في الْمَجْمُوعِ وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ على رَكْعَتَيْنِ إذَا أتى بِسَلَامٍ وَاحِدٍ وَتَكُونُ كُلُّهَا تَحِيَّةً لِاشْتِمَالِهَا على الرَّكْعَتَيْنِ وَتَحْصُلُ التَّحِيَّةُ بِفَرِيضَةٍ وَوَرَدَ وَسُنَّةٍ وَإِنْ لم تُنْوَ لِأَنَّ الْقَصْدَ بها أَنْ لَا يُنْتَهَكَ الْمَسْجِدُ بِلَا صَلَاةٍ بِخِلَافِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ بِنِيَّةِ الْجَنَابَةِ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ نعم الْأَوْجَهُ أَنْ لَا يَحْصُلَ فَضْلُهَا إلَّا إذَا نُوِيَتْ ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ قال إنَّهُ الْقِيَاسُ لَا بِرَكْعَةٍ وَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ أو شُكْرٍ وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَيُكْرَهُ الِاشْتِغَالُ بها عن الْجَمَاعَةِ كَأَنْ قَرُبَتْ إقَامَتُهَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ وَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَوْلَى من تَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا بِقَوْلِهِ وَتُكْرَهُ التَّحِيَّةُ إذَا دخل
____________________
(1/204)
وَالْإِمَامُ في الْمَكْتُوبَةِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَيَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّ ذلك إذَا لم يَكُنْ الدَّاخِلُ قد صلى فَإِنْ صلى جَمَاعَةً لم تُكْرَهْ التَّحِيَّةُ أو فُرَادَى فَالْمُتَّجَهُ الْكَرَاهَةُ ويكره الِاشْتِغَالُ بها عن الطَّوَافِ لِدَاخِلِ الْحَرَمِ لِأَنَّهُ الْأَهَمُّ حِينَئِذٍ مع انْدِرَاجِهَا تَحْتَ رَكْعَتَيْهِ وَكَذَا إذَا خَافَ فَوَاتَ رَاتِبِهِ وَتَفُوتُ بِجُلُوسِهِ قبل فِعْلِهَا وَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ إلَّا إذَا جَلَسَ سَهْوًا وَقَصُرَ الْفَصْلُ كما جَزَمَ بِهِ في التَّحْقِيقِ وَنَقَلَهُ في الرَّوْضَةِ عن ابْنِ عَبْدَانَ وَاسْتَغْرَبَهُ لَكِنَّهُ أَيَّدَهُ بِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال وهو قَاعِدٌ على الْمِنْبَرِ يوم الْجُمُعَةِ لِسُلَيْكٍ الْغَطَفَانِيِّ لَمَّا قَعَدَ قبل أَنْ يُصَلِّيَ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ إذْ مُقْتَضَاهُ كما في الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ إذَا تَرَكَهَا جَهْلًا أو سَهْوًا شُرِعَ له فِعْلُهَا إنْ قَصُرَ الْفَصْلُ قال وهو الْمُخْتَارُ في الْإِحْيَاءِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ بِغَيْرِ وُضُوءٍ فَإِنْ دخل فَلْيَقُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ فَإِنَّهَا تَعْدِلُ رَكْعَتَيْنِ في الْفَضْلِ وفي الْأَذْكَارِ لِلنَّوَوِيِّ قال بَعْضُ أَصْحَابِنَا من دخل الْمَسْجِدَ فلم يَتَمَكَّنْ من صَلَاةِ التَّحِيَّةِ لِحَدَثٍ أو شُغْلٍ وَنَحْوِهِ فَيُسْتَحَبُّ له أَنْ يَقُولَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ قال وَلَا بَأْسَ بِهِ زَادَ ابن الرِّفْعَةِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ
وَتُسَنُّ رَكْعَتَانِ لِلْإِحْرَامِ بِحَجٍّ أو عُمْرَةٍ أو مُطْلَقًا وركعتان بَعْدَ الطَّوَافِ لِمَا سَيَأْتِي في مَحَلِّهِمَا وركعتان بَعْدَ الْوُضُوءِ كما مَرَّ مع دَلِيلِهِ في بَابِهِ يَنْوِي بِكُلٍّ من الثَّلَاثَةِ سُنَّتَهُ نَدْبًا على ما مَرَّ بَيَانُهُ في صِفَةِ الصَّلَاةِ وَيَحْصُلُ كُلٌّ منها بِمَا تَحْصُلُ بِهِ التَّحِيَّةُ وَرَكْعَتَا الِاسْتِخَارَةِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عن جَابِرٍ قال كان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ في الْأُمُورِ كُلِّهَا كما يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ من الْقُرْآنِ يقول إذَا هَمَّ أحدكم بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ من غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لْيَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُك بِعِلْمِك وَأَسْتَقْدِرُك بِقُدْرَتِك وَأَسْأَلُك من فَضْلِك الْعَظِيمِ فَإِنَّك تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ اللَّهُمَّ إنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ هذا الْأَمْرَ خَيْرٌ لي في دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أو قال عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاقْدُرْهُ لي وَيَسِّرْهُ لي ثُمَّ بَارِكْ لي فيه اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ هذا الْأَمْرَ شَرٌّ لي في دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أو قال عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عنه وَاقْدُرْ لي الْخَيْرَ حَيْثُ كان ثُمَّ أَرْضِنِي بِهِ وفي رِوَايَةٍ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ
قال النَّوَوِيُّ وَالظَّاهِرُ أنها تَحْصُلُ بِرَكْعَتَيْنِ من السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ وَبِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهَا من النَّوَافِلِ وَلَوْ تَعَذَّرَتْ عليه الصَّلَاةُ اسْتَخَارَ بِالدُّعَاءِ وإذا اسْتَخَارَ مَضَى بَعْدَهَا لِمَا يَنْشَرِحُ له صَدْرُهُ وركعتا الْحَاجَةِ لِخَبَرِ من كانت له حَاجَةٌ إلَى اللَّهِ أو أَحَدٍ من بَنِي آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُحْسِنْ الْوُضُوءَ ثُمَّ لِيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ لِيُثْنِ على اللَّهِ تَعَالَى وَلْيُصَلِّ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ لْيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَسْأَلُك مُوجِبَاتِ رَحْمَتِك وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِك وَالْغَنِيمَةَ من كل بِرٍّ وَالسَّلَامَةَ من كل إثْمٍ لَا تَدَعْ لي ذَنْبًا إلَّا غَفَرْته وَلَا هَمًّا إلَّا فَرَّجْته وَلَا حَاجَةً هِيَ لَك رِضًا إلَّا قَضَيْتهَا يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ وَاقْتَصَرَ في الْمَجْمُوعِ على حَدِيثِهَا وَتَضْعِيفِهِ ولم يُصَرِّحْ بِحُكْمِهَا وفي التَّحْقِيقِ لَا تُكْرَهُ وَإِنْ كان حَدِيثُهَا ضَعِيفًا إذْ لَا تَغْيِيرَ فيها وما ذُكِرَ من أنها رَكْعَتَانِ هو الْمَشْهُورُ وَنُقِلَ في الْإِحْيَاءِ أنها اثْنَتَا عَشْرَةَ وَسَكَتَ عليه وركعتان عِنْدَ الْقَتْلِ إنْ أَمْكَنَ لِقِصَّةِ خُبَيْبِ الْمَشْهُورَةِ في الصَّحِيحَيْنِ وركعتان عِنْدَ التَّوْبَةِ لِخَبَرِ ليس عَبْدٌ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيَقُومُ فَيَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إلَّا غَفَرَ له
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وركعتان عِنْدَ الْخُرُوجِ من الْمَنْزِلِ وعند دُخُولِهِ له قَالَهُ في الْإِحْيَاءِ قال وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ عِنْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ قال وَهِيَ صَلَاةُ الْإِشْرَاقِ الْمَذْكُورَةِ في قَوْله تَعَالَى يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ أَيْ يُصَلِّينَ وَجَعَلَهَا غير الضُّحَى لَكِنْ ذَكَرَ الْحَاكِمُ في مُسْتَدْرَكِهِ عن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ صَلَاةً الْإِشْرَاقِ هِيَ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ وَهِيَ صَلَاةُ الضُّحَى وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِخَبَرِ لَا يُحَافِظُ على صَلَاةِ الضُّحَى إلَّا أَوَّابٌ وَهِيَ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وقال صَحِيحٌ على شَرْطِ مُسْلِمٍ قال في الْكِفَايَةِ وَرَكْعَتَانِ عَقِبَ الْأَذَانِ وركعتان في الْمَسْجِدِ لِلْقَادِمِ من سَفَرٍ يَبْدَأُ بِهِمَا قبل دُخُولِهِ مَنْزِلَهُ وَيَكْتَفِي بِهِمَا عن الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ دُخُولِهِ مَنْزِلَهُ كما دَلَّ عليه كَلَامُ الْإِحْيَاءِ وَصَلَاةُ التَّسْبِيحِ وَهِيَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ يقول في كل رَكْعَةٍ بَعْدَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً وفي كُلٍّ من الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ منه وَكُلٍّ من السَّجْدَتَيْنِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا وَالْجُلُوسِ بَعْدَ رَفْعِهِ من السَّجْدَةِ
____________________
(1/205)
الثَّانِيَةِ عَشْرَ مَرَّاتٍ فَذَلِكَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ مَرَّةً في كل رَكْعَةٍ عَلَّمَهَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلْعَبَّاسِ كما رَوَاهُ ابْنُهُ عبد اللَّهِ رضي اللَّهُ عنهما وهو في سُنَنِ أبي دَاوُد وَصَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَفِيهِ إنْ اسْتَطَعْت أَنْ تُصَلِّيَهَا في كل يَوْمٍ مَرَّةً فَافْعَلْ فَإِنْ لم تَفْعَلْ فَفِي كل جُمُعَةٍ مَرَّةً فَإِنْ لم تَفْعَلْ فَفِي كل شَهْرٍ مَرَّةً فَإِنْ لم تَفْعَلْ فَفِي كل سَنَةٍ مَرَّةً فَإِنْ لم تَفْعَلْ فَفِي عُمُرِك مَرَّةً وفي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ فَلَوْ كانت ذُنُوبُك مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ أو رَمْلِ عَالِجٍ غَفَرَ اللَّهُ لَك وَصَلَاةُ التَّسْبِيحِ أَشَارَ إلَيْهَا الْأَصْلُ في سُجُودِ السَّهْوِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أنها سُنَّةٌ وهو ما أَفْهَمَهُ الْمُصَنِّفُ وَجَرَى عليه وَصَرَّحَ بِهِ ابن الصَّلَاحِ فقال إنَّهَا سُنَّةٌ وَإِنَّ حَدِيثَهَا حَسَنٌ وَلَهُ طُرُقٌ يُعَضِّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيُعْمَلُ بِهِ وَلَا سِيَّمَا في الْعِبَادَاتِ وَكَذَا قال النَّوَوِيُّ في تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ لَكِنَّهُ قال في الْمَجْمُوعِ بَعْدَ نَقْلِ اسْتِحْبَابِهَا عن جَمْعٍ وفي هذا الِاسْتِحْبَابِ نَظَرٌ لِأَنَّ حَدِيثَهَا ضَعِيفٌ وَفِيهَا تَغْيِيرٌ لِنَظْمِ الصَّلَاةِ الْمَعْرُوفِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُفْعَلَ وَكَذَا قال في التَّحْقِيقِ حَدِيثُهَا ضَعِيفٌ وقال في أَذْكَارِهِ عن ابْنِ الْمُبَارَكِ فَإِنْ صَلَّاهَا لَيْلًا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُسَلِّمَ من رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ صلى نَهَارًا فَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ وَإِنْ شَاءَ لم يُسَلِّمْ
وَصَلَاةُ الْأَوَّابِينَ وَتُسَمَّى صَلَاةُ الْغَفْلَةِ لِغَفْلَةِ الناس عنها وَاشْتِغَالِهِمْ بِغَيْرِهَا من عِشَاءٍ وَنَوْمٍ وَغَيْرِهِمَا وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً بين الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وفي التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من صلى سِتَّ رَكَعَاتٍ بين الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ كُتِبَتْ له عِبَادَةُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وقال الْمَاوَرْدِيُّ كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يُصَلِّيهَا وَيَقُولُ هذه صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ وَيُؤْخَذُ منه وَمِنْ خَبَرِ الْحَاكِمِ السَّابِقِ أَنَّ صَلَاةَ الْأَوَّابِينَ مُشْتَرَكَةٌ بين هذه وَصَلَاةِ الضُّحَى وَهَذِهِ وَالصَّلَاةِ عِنْدَ الْقَتْلِ مع الثَّلَاثَةِ بَعْدَهَا وَبَيَانُ عَدَدِ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَقَدَّمَ في الْغُسْلِ أَنَّهُ تُسَنُّ رَكْعَتَانِ عَقِبَ الْخُرُوجِ من الْحَمَّامِ وَتُسَنُّ أَيْضًا صَلَوَاتٌ أُخَرُ منها إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ من مَسْجِدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يُسَنُّ له أَنْ يُوَدِّعَهُ بِرَكْعَتَيْنِ كما قَالَهُ النَّوَوِيُّ في أَذْكَارِهِ وَمِنْهَا إذَا دخل أَرْضًا لَا يُعْبَدُ اللَّهُ فيها كَدَارِ الشِّرْكِ يُسَنُّ أَنْ لَا يَخْرُجَ منها حتى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَمِنْهَا إذَا مَرَّ بِأَرْضٍ لم يَمُرَّ بها قَطُّ يُسَنُّ له أَنْ يُصَلِّيَ فيها رَكْعَتَيْنِ وَمِنْهَا إذَا عَقَدَ على امْرَأَةٍ وَزُفَّتْ إلَيْهِ يُسَنُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قبل الْوِقَاعِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ نَبَّهَ على ذلك ابن الْعِمَادِ قال في الْمَجْمُوعِ وَمِنْ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ صَلَاةُ الرَّغَائِبِ ثِنْتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً بين الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لَيْلَةَ أَوَّلِ جُمُعَةِ رَجَبٍ وَصَلَاةُ لَيْلَةِ نِصْفِ شَعْبَانَ مِائَةُ رَكْعَةٍ وَلَا يُغْتَرُّ بِمَنْ ذَكَرَهُمَا
فَصْلٌ لَا حَصْرَ في التَّطَوُّعَاتِ التي لَا سَبَبَ لها من وَقْتٍ وَغَيْرِهِ أَيْ لَا حَصْرَ لِأَعْدَادِهَا وَلَا لِرَكَعَاتِ الْوَاحِدَةِ منها لِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَبِي ذَرٍّ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مَوْضُوعٌ اسْتَكْثِرْ منها أو أَقِلَّ رَوَاهُ ابن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ في صَحِيحَيْهِمَا فَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِرَكْعَةٍ وَبِمِائَةٍ مَثَلًا وفي كَرَاهَةِ الِاقْتِصَارِ على رَكْعَةٍ فِيمَا لو أَحْرَمَ مُطْلَقًا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نعم بِنَاءً على الْقَوْلِ بِأَنَّهُ إذَا نَذَرَ صَلَاةً لَا يَكْفِيهِ رَكْعَةٌ وَالثَّانِي لَا بَلْ قال في الْمَطْلَبِ الذي يَظْهَرُ اسْتِحْبَابُهُ خُرُوجًا من خِلَافِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَإِنْ لم يَخْرُجْ من خِلَافِ أبي حَنِيفَةَ من أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِالشُّرُوعِ رَكْعَتَانِ فَإِنْ لم يَنْوِ عَدَدًا وَعَلِمَ أو جَهِلَ كَمْ صلى جَازَ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ السَّابِقِ وَلِمَا رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ في مُسْنَدِهِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ صلى عَدَدًا كَثِيرًا فلما سَلَّمَ قال له الْأَحْنَفُ بن قَيْسٍ هل تَدْرِي انْصَرَفْت على شَفْعٍ أو على وِتْرٍ فقال إنْ لَا أَكُنْ أَدْرِي فإن اللَّهَ يَدْرِي فَإِنْ نَوَى عَدَدًا فَلَهُ أَنْ يَنْوِيَ الزِّيَادَةَ عليه وَالنُّقْصَانَ عنه وَالْعَدَدُ عِنْدَ النُّحَاةِ ما وُضِعَ لِكَمِّيَّةِ الشَّيْءِ فَالْوَاحِدُ عَدَدٌ فَتَدْخُلُ فيه الرَّكْعَةُ وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْحُسَّابِ ما سَاوَى نِصْفَ مَجْمُوعِ حَاشِيَتَيْهِ الْقَرِيبَتَيْنِ أو الْبَعِيدَتَيْنِ على السَّوَاءِ فَالْوَاحِدُ ليس بِعَدَدٍ فَلَا يَدْخُلُ فيه الرَّكْعَةُ لَكِنَّهَا تَدْخُلُ في حُكْمِهِ هُنَا بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ إذَا جَازَ التَّغْيِيرُ بِالزِّيَادَةِ في الرَّكْعَتَيْنِ فَفِي الرَّكْعَةِ التي قِيلَ يُكْرَهُ الِاقْتِصَارُ عليها في الْجُمْلَةِ أَوْلَى وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَغْيِيرَهَا بِالنَّقْصِ مُمْتَنِعٌ فَإِنْ نَوَى أَرْبَعًا وسلم من رَكْعَتَيْنِ أو من رَكْعَةٍ أو قام إلَى خَامِسَةٍ عَامِدًا قبل تَغْيِيرِ النِّيَّةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِمُخَالَفَتِهِ ما نَوَاهُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لِأَنَّ الزَّائِدَةَ صَلَاةٌ ثَانِيَةٌ فَتَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَلِهَذَا لو كان الْمُصَلِّي مُتَيَمِّمًا وَرَأَى الْمَاءَ لم يَجُزْ له الزِّيَادَةُ كما مَرَّ في التَّيَمُّمِ وَلَوْ قام إلَيْهَا نَاسِيًا فَتَذَكَّرَ وَأَرَادَ الزِّيَادَةَ أو لم يُرِدْهَا لَزِمَهُ الْعَوْدُ إلَى الْقُعُودِ لِأَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ سَهْوًا لَغْوٌ ثُمَّ أتى إنْ شَاءَ بِمُرَادِهِ بَعْدَ نِيَّتِهِ له في الْأُولَى وَاقْتَصَرَ على الْأَرْبَعِ في الثَّانِيَةِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ فِيهِمَا آخِرَ صَلَاتِهِ لِزِيَادَةِ الْقِيَامِ وَكَذَا لو لم يُتِمَّ الْقِيَامَ لَكِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ أَنْ صَارَ
____________________
(1/206)
إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ كما مَرَّ في بَابِهِ وَإِنْ زَادَ رَكْعَتَيْنِ سَهْوًا ثُمَّ نَوَى زِيَادَةَ عَدَدٍ هذا أَعَمُّ من قَوْلِ الْأَصْلِ إكْمَالَ أَرْبَعٍ لم تُحْسَبَا منه أَيْ من الْعَدَدِ لِمَا مَرَّ فَيَأْتِي بِمَا نَوَاهُ إنْ شَاءَ وَمَنْ نَوَى عَدَدًا فَلَهُ الِاقْتِصَارُ على تَشَهُّدٍ آخِرَ صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ لو اقْتَصَرَ عليه في الْفَرِيضَةِ جَازَ وهو أَيْ هذا التَّشَهُّدُ رُكْنٌ كَسَائِرِ التَّشَهُّدَاتِ الْأَخِيرَةِ وَلَهُ أَنْ يَتَشَهَّدَ بِلَا سَلَامٍ بين يَعْنِي في كل رَكْعَتَيْنِ كما في الرُّبَاعِيَّةِ وفي كل ثَلَاثٍ أو أَكْثَرَ كما في التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ لِأَنَّ ذلك مَعْهُودٌ في الْفَرَائِضِ في الْجُمْلَةِ لَا في كل رَكْعَةٍ لِأَنَّهُ اخْتِرَاعُ صُورَةٍ في الصَّلَاةِ لم تُعْهَدْ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُسَلِّمَ من كل رَكْعَتَيْنِ في لَيْلٍ أو نَهَارٍ لِخَبَرِ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى صَحَّحَهُ الْبُخَارِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَأَنْ يَقْرَأَ السُّورَةَ فِيمَا أَيْ في الرَّكَعَاتِ التي قبل التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ إذَا صلى بِتَشَهُّدَيْنِ فَأَكْثَرَ كما في الْفَرِيضَةِ فَإِنْ صلى بِتَشَهُّدٍ قَرَأَهَا في الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا كما ذَكَرَهُ الْأَصْلُ
فَرْعٌ يَقْضِي نَدْبًا من النَّوَافِلِ ما له وَقْتٌ مَخْصُوصٌ وَإِنْ لم يُشْرَعْ له جَمَاعَةٌ كَالْعِيدِ وَالضُّحَى وَرَوَاتِبِ الْفَرَائِضِ طَالَ الزَّمَانُ أو قَصُرَ لِعُمُومِ خَبَرِ من نَامَ عن صَلَاةٍ أو نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى بَعْدَ الشَّمْسِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَلِخَبَرِ أبي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ من نَامَ عن وِتْرِهِ أو سُنَّتِهِ فَلْيُصَلِّهِ إذَا ذَكَرَهُ وَلِأَنَّ ذلك مُؤَقَّتٌ كَالْفَرْضِ لَا ما يُفْعَلُ لِعَارِضٍ كَالْكُسُوفَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالتَّحِيَّةِ فَلَا يَقْضِي إذَا فَعَلَهُ لِعَارِضٍ وقد زَالَ وَكَذَا النَّفَلُ الْمُطْلَقُ وَإِنْ تَدَافَعَ فيه كَلَامُ الْمُصَنِّفِ نعم إنْ شَرَعَ فيه ثُمَّ أَفْسَدَهُ قَضَاهُ كَذَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ في صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَدَاؤُهُ كما قِيلَ بِهِ في نَظِيرِهِ من الْفَرْضِ إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا الْأَدَاءُ اللُّغَوِيُّ قال الْغَزَالِيُّ وَيَنْبَغِي لِمَنْ فَاتَهُ وِرْدٌ أَنْ يَتَدَارَكَهُ في وَقْتٍ آخَرَ لِئَلَّا تَمِيلَ نَفْسُهُ إلَى الدَّعَةِ وَالرَّفَاهِيَةِ وَيُسْتَحَبُّ قَضَاءُ النَّوَافِلِ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا فِعْلُ الرَّوَاتِبِ في السَّفَرِ كَالْحَضَرِ لَكِنَّهَا لَا تَتَأَكَّدُ فيه كَالْحَضَرِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْكِلُ على ذلك ما في الصَّحِيحِ عن ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ صلى الظُّهْرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ ثُمَّ أَقْبَلَ فَحَانَتْ منه الْتِفَاتَة فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا فقال ما يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ قِيلَ يُسَبِّحُونَ فقال لو كُنْت مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْت صَلَاتِي يا ابْنَ أَخِي إنِّي صَحِبْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في السَّفَرِ فلم يَزِدْ على رَكْعَتَيْنِ حتى قَبَضَهُ اللَّهُ ثُمَّ ذَكَرَ في أبي بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ مِثْلَ ذلك وقد قال تَعَالَى لقد كان لَكُمْ في رسول اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ قال وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ في السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ مع الْفَرَائِضِ وفي الْجَوَابِ عنه عُسْرٌ انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّ ذلك قَوْلُ صَحَابِيٍّ خُولِفَ فيه وَبِأَنَّ قَوْلَهُ فلم يَزِدْ على رَكْعَتَيْنِ أَيْ في الْفَرْضِ ما عَدَا الْمَغْرِبَ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ اسْتِشْكَالُ رِوَايَتِهِ هذه بِرِوَايَتِهِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَتَنَفَّلُ على رَاحِلَتِهِ في السَّفَرِ كما انْدَفَعَ أَيْضًا بِحَمْلِ قَوْلِهِ السَّابِقِ على غَيْرِ الرَّوَاتِبِ ويستحب أَنْ يَفْصِلَ بين سُنَّةِ الْفَجْرِ وَالْفَرِيضَةِ بِاضْطِجَاعٍ على يَمِينِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِخَبَرِ إذَا صلى أحدكم الرَّكْعَتَيْنِ قبل الصُّبْحِ فَلْيَضْطَجِعْ على يَمِينِهِ فقال مَرْوَانُ بن الْحَكَمِ أَمَا يُجْزِئُ أَحَدَنَا مَمْشَاهُ في الْمَسْجِدِ حتى يَضْطَجِعَ على يَمِينِهِ قال لَا رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَالتِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لم يَفْصِلْ بِاضْطِجَاعٍ فَبِحَدِيثٍ أو تَحَوُّلٍ من مَكَانِهِ أو نَحْوِهِمَا وَاسْتَحَبَّ الْبَغَوِيّ في شَرْحِ السُّنَّةِ الِاضْطِجَاعَ بِخُصُوصِهِ وَاخْتَارَهُ في الْمَجْمُوعِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وقال فَإِنْ تَعَذَّرَ عليه فَصَلَ بِكَلَامٍ وَأَنْ يَقْرَأَ في أُولَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالِاسْتِخَارَةِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ قُلْ يا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وفي الثَّانِيَةِ الْإِخْلَاصَ أو في الْأُولَى قُولُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ ثُمَّ في الثَّانِيَةِ قُلْ يا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا الْآيَتَيْنِ في سُنَّةِ الصُّبْحِ خَاصَّةً لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَكِلَاهُمَا سُنَّةٌ وَاسْتَحْسَنَ الْغَزَالِيُّ في كِتَابِ وَسَائِلِ الْحَاجَاتِ أَنْ يَقْرَأَ في الْأُولَى منها أَلَمْ نَشْرَحْ وفي الثَّانِيَةِ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ وَقِيلَ إنَّ ذلك يَرُدُّ شَرَّ ذلك الْيَوْمِ وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقْرَأَ في الْأُولَى من رَكْعَتَيْ الِاسْتِخَارَةِ وَرَبُّك يَخْلُقُ ما يَشَاءُ وَيَخْتَارُ الْآيَاتِ الثَّلَاثَ وفي الثَّانِيَةِ وما كان لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ الْآيَتَيْنِ وهو مُنَاسِبٌ لِمَعْنَى الِاسْتِخَارَةِ
وَتَطَوُّعُ اللَّيْلِ أَيْ وَالتَّطَوُّعُ فيه وفي الْبَيْتِ أَفْضَلُ منه في النَّهَارِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ الْآتِي وفي الْمَسْجِدِ لِمَا مَرَّ في صِفَةِ الصَّلَاةِ وَلِخَبَرِ فَضْلُ صَلَاةِ النَّفْلِ في الْبَيْتِ على مِثْلِهَا في الْمَسْجِدِ كَفَضْلِ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ في الْمَسْجِدِ على فَضْلِهَا في الْبَيْتِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَلِبُعْدِهِ عن الرِّيَاءِ وَهَذَا من قَاعِدَةِ أَنَّهُ إذَا دَارَ الْأَمْرُ بين فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ وَفَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِمَكَانِهَا أو زَمَانِهَا فَالْمُتَعَلِّقُ بِنَفْسِهَا أَوْلَى وَمُرَادُهُ
____________________
(1/207)
بِالتَّطَوُّعِ في الْأُولَى النَّفَلُ الْمُطْلَقُ وفي الثَّانِيَةِ النَّفَلُ الذي لَا تُسَنُّ له الْجَمَاعَةُ لَكِنْ يُسْتَثْنَى منه رَكْعَتَا الْإِحْرَامِ إذَا كان بِالْمِيقَاتِ مَسْجِدٌ وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ كما هُمَا مَعْرُوفَانِ في مَحَلِّهِمَا وَالنَّافِلَةُ قبل صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَفِعْلُهُمَا في الْجَامِعِ أَفْضَلُ لِفَضِيلَةِ الْبُكُورِ نَصَّ عليه في الْأُمِّ وَنَقَلَهُ الْجُرْجَانِيُّ عن الْأَصْحَابِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَصَلَاةُ الضُّحَى لِخَبَرٍ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَصَلَاةُ الِاسْتِخَارَةِ وَصَلَاةُ مُنْشِئِ السَّفَرِ وَالْقَادِمِ منه وَالْمَاكِثِ بِالْمَسْجِدِ لِاعْتِكَافٍ وَتَعَلُّمٍ أو تَعْلِيمٍ وَالْخَائِفِ فَوْتَ الرَّاتِبَةِ قال وَاسْتَثْنَى الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ السَّاكِنَ في الْمَسْجِدِ وَمَنْ يُخْفِي صَلَاتَهُ فيه وَقَرِيبٌ منه ما يُفْهِمُهُ قَوْلُ الْمُهَذَّبِ وَأَفْضَلُ التَّطَوُّعِ بِالنَّهَارِ ما كان في الْبَيْتِ وَلَمَّا كان بَعْضُ اللَّيْلِ أَفْضَلَ لِلتَّطَوُّعِ فيه من بَعْضٍ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ وَنِصْفُهُ الْأَخِيرُ إنْ قَسَمَهُ نِصْفَيْنِ أو ثُلُثُهُ الْأَوْسَطُ إنْ قَسَمَهُ أَثْلَاثًا أَفْضَلُ من نِصْفِهِ الْأَوَّلِ وَمِنْ ثُلُثَيْهِ الْأَخِيرَيْنِ وَأَفْضَلُ منه أَيْ من ثُلُثِهِ الْأَوْسَطِ السُّدُسُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ سُئِلَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ فقال جَوْفُ اللَّيْلِ وقال أَحَبُّ الصَّلَاةِ إلَى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُد كان يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ وقال يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حين يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ فيقول من يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ له وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ له رَوَى الْأَوَّلَ مُسْلِمٌ وَالثَّانِيَتَيْنِ الشَّيْخَانِ وَمَعْنَى يَنْزِلُ رَبُّنَا يَنْزِلُ أَمْرُهُ وَيُكْرَهُ تَرْكُ تَهَجُّدٍ اعْتَادَهُ وَنَقْصُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ قال صلى اللَّهُ عليه وسلم لِعَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ يا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كان يَقُومُ اللَّيْلَ ثُمَّ تَرَكَهُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ويكره تَخْصِيصُ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ لَا تَخُصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ من بَيْنِ اللَّيَالِي وَاسْتَحَبَّ في الْإِحْيَاءِ قِيَامَهَا
وَحُمِلَ على إحْيَائِهَا مُضَافًا إلَى أُخْرَى قَبْلَهَا أو بَعْدَهَا كما في الصَّوْمِ وَقَوْلُهُ وَيُكْرَهُ إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ جَزَمَ الْمِنْهَاجُ وَغَيْرُهُ ويكره قِيَامُ كل اللَّيْلِ دَائِمًا قال صلى اللَّهُ عليه وسلم لِعَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّك تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ فَقُلْت بَلَى يا رَسُولَ اللَّهِ قال فَلَا تَفْعَلْ صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ فإن لِجَسَدِك عَلَيْك حَقًّا إلَى آخِرِهِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِأَنَّهُ يَضُرُّ الْبَدَنَ إذْ لَا يُمْكِنُهُ نَوْمُ النَّهَارِ لِمَا فيه من تَفْوِيتِ مَصَالِحِهِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ وَلِهَذَا فَارَقَ عَدَمَ كَرَاهَةِ صَوْمِ الدَّهْرِ غير أَيَّامِ النَّهْيِ إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ في اللَّيْلِ ما فَاتَهُ من أَكْلِ النَّهَارِ قال في الْمُهِمَّاتِ وَالتَّقْيِيدُ بِكُلِّ اللَّيْلِ ظَاهِرُهُ انْتِفَاءُ الْكَرَاهَةِ بِتَرْكِ ما بين الْعِشَاءَيْنِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْمُتَّجَهُ تَعَلُّقُهَا بِالْقَدْرِ الْمُضِرِّ وَلَوْ بَعْضَ اللَّيْلِ وَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ يَقْتَضِيهِ وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ قَرِيبًا منه فقال إنْ لم يَجِدْ بِذَلِكَ مَشَقَّةً اُسْتُحِبَّ لَا سِيَّمَا الْمُتَلَذِّذِ بِمُنَاجَاةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ وَجَدَ نَظَرَ إنْ خَشِيَ منها مَحْذُورًا كُرِهَ وَإِلَّا فَلَا وَرِفْقُهُ بِنَفْسِهِ أَوْلَى وَاحْتَرَزُوا بِدَائِمًا عن إحْيَاءِ لَيَالٍ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عن عَائِشَةَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان إذَا دخل الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ من رَمَضَانَ أَحْيَا اللَّيْلَ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُخْلِيَهُ من صَلَاةٍ وَإِنْ قُلْت ويستحب أَنْ يُوقِظَ من يَطْمَعُ في تَهَجُّدِهِ لِيَتَهَجَّدَ فَاسْتِحْبَابُ إيقَاظِ النَّائِمِ لِلرَّاتِبَةِ أَوْلَى لَا سِيَّمَا إنْ ضَاقَ وَقْتُهَا وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَتَعَاوَنُوا على الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يُصَلِّي صَلَاتَهُ من اللَّيْلِ وأنا مُعْتَرِضَةٌ بين يَدَيْهِ فإذا بَقِيَ الْوِتْرُ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْت هذا إنْ لم يَخَفْ ضَرَرًا وَإِلَّا فَلَا يُسْتَحَبُّ ذلك بَلْ يَحْرُمُ قال في الْمَجْمُوعِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْوِيَ الشَّخْصُ الْقِيَامَ عِنْدَ النَّوْمِ وَأَنْ يَمْسَحَ الْمُسْتَيْقِظُ النَّوْمَ عن وَجْهِهِ وَأَنْ يَنْظُرَ إلَى السَّمَاءِ وَأَنْ يَقْرَأَ إنَّ في خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إلَى آخِرِهَا وَأَنْ يَفْتَتِحَ تَهَجُّدَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ
وَإِطَالَةُ الْقِيَامِ أَفْضَلُ من تَكْثِيرِ الرَّكَعَاتِ وَأَنْ يَنَامَ من نَعَسَ في صَلَاتِهِ حتى يَذْهَبَ نَوْمُهُ وَلَا يَعْتَادُ منه غير ما يَظُنُّ إدَامَتَهُ عليه
وَيَتَأَكَّدُ إكْثَارُ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ في جَمِيعِ سَاعَاتِ اللَّيْلِ وفي النِّصْفِ الْأَخِيرِ آكَدُ وَعِنْدَ السَّحَرِ أَفْضَلُ كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ
الْأَصْلُ فيها قبل الْإِجْمَاعِ وإذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لهم الصَّلَاةَ الْآيَةَ أَمَرَ بها في الْخَوْفِ فَفِي الْأَمْنِ أَوْلَى وَالْأَخْبَارُ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ من صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وفي رِوَايَةٍ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَلَا مُنَافَاةَ لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يَنْفِي الْكَثِيرَ أو أَنَّهُ أُخْبِرَ أَوَّلًا بِالْقَلِيلِ ثُمَّ أَعْلَمَهُ اللَّهُ بِزِيَادَةِ الْفَضْلِ فَأَخْبَرَ
____________________
(1/208)
بها أو أَنَّ ذلك يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُصَلِّينَ وَالصَّلَاةُ هِيَ أَيْ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ في غَيْرِ الْجُمُعَةِ بِقَرِينَةِ ما يَأْتِي في بَابِهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ في أَدَاءِ مَكْتُوبَاتِ الْمُقِيمِينَ من الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ لِخَبَرِ أبي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ما من ثَلَاثَةٍ في قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمْ الْجَمَاعَةُ إلَّا اسْتَحْوَذَ عليهم الشَّيْطَانُ أَيْ غَلَبَ وَلَيْسَتْ فَرْضَ عَيْنٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ السَّابِقِ فإن الْمُفَاضَلَةَ تَقْتَضِي جَوَازَ الِانْفِرَادِ وَأَمَّا خَبَرُهُمَا أَثْقَلُ الصَّلَاةِ على الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ ما فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ من حَطَبٍ إلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عليهم بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ
فَوَارِدٌ في قَوْمٍ مُنَافِقِينَ يَتَخَلَّفُونَ عن الْجَمَاعَةِ وَلَا يُصَلُّونَ فُرَادَى وَالسِّيَاقُ يُؤَيِّدُهُ وَلِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يُحَرِّقْهُمْ وَإِنَّمَا هَمَّ بِتَحْرِيقِهِمْ فَإِنْ قُلْت لو لم يَجُزْ تَحْرِيقُهُمْ لَمَا هَمَّ بِهِ قُلْنَا لَعَلَّهُ هَمَّ بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ نَزَلَ وَحْيٌ بِالْمَنْعِ أو تَغَيَّرَ الِاجْتِهَادُ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَخَرَجَ بِالْأَدَاءِ الْقَضَاءُ وَبِالْمَكْتُوبَاتِ الْمَنْذُورَةُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَالنَّوَافِلُ وَسَتَأْتِي إلَّا النَّوَافِلَ فَتَقَدَّمَ بَيَانُ حُكْمِهَا وَبِالْمُقِيمِينَ الْمُسَافِرُونَ فَلَا يَجِبُ عليهم على ما أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ وَنَقَلَهُ في الرَّوْضَةِ عن الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ وَبِهِ جَزَمَ في التَّحْقِيقِ لَكِنْ نَقَلَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ عن نَصِّ الْأُمِّ أنها تَجِبُ عليهم أَيْضًا وَبِالرِّجَالِ النِّسَاءُ وَالْخَنَاثَى وَسَيَأْتِي حُكْمُهُمَا وَبِالْأَحْرَارِ الْأَرِقَّاءُ فَلَيْسَتْ فَرْضًا في حَقِّهِمْ قَطْعًا قَالَهُ في الْكِفَايَةِ وَصَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ لِاشْتِغَالِهِمْ بِخِدْمَةِ السَّادَةِ وزاد الْمُصَنِّفُ هُنَا قَوْلَهُ لَا الْعُرَاةِ فَلَيْسَتْ فَرْضًا عليهم بَلْ هِيَ وَالِانْفِرَادُ في حَقِّهِمْ سَوَاءٌ عِنْدَ النَّوَوِيِّ على تَفْصِيلٍ مَرَّ بَيَانُهُ في شُرُوطِ الصَّلَاةِ سُنَّةٌ أَيْ هِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ في الْمُؤَدَّاةِ سُنَّةٌ في الْمَقْضِيَّةِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى بِأَصْحَابِهِ الصُّبْحَ جَمَاعَةً حين فَاتَتْهُمْ في الْوَادِي وَبَيَّنَ في الْمَجْمُوعِ أَنَّ سُنِّيَّتَهَا في ذلك مَحَلُّهُ فِيمَا يَتَّفِقُ فيه الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ كَأَنْ يَفُوتَهُمَا ظُهْرٌ أو عَصْرٌ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فيه لَا الْمَنْذُورَةِ فَلَا تَجِبُ فيها الْجَمَاعَةُ وَلَا تُسَنُّ وإذا كانت فَرْضَ كِفَايَةٍ فِيمَا تَقَدَّمَ فَيُقَاتَلُ الْمُمْتَنِعُونَ أَيْ يُقَاتِلُهُمْ الْإِمَامُ أو نَائِبُهُ عليها كَسَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ حتى يَظْهَرَ الشِّعَارُ أَيْ شِعَارُ الْجَمَاعَةِ بِإِقَامَتِهَا بِمَكَانٍ في قَرْيَةٍ أو أَمْكِنَةٍ في الْبَلَدِ الْكَبِيرِ وَتَعْبِيرُهُ بِالْقَرْيَةِ يَشْمَلُ الصَّغِيرَةَ وَالْكَبِيرَةَ وَتَقْيِيدُهُ الْبَلَدَ بِالْكَبِيرِ يُخْرِجُ الصَّغِيرَ وَلَيْسَ ذلك مُرَادًا
وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ فَفِي الْقَرْيَةِ الصَّغِيرَةِ يَكْفِي إقَامَتُهَا في مَحَلٍّ وفي الْكَبِيرَةِ وَالْبِلَادِ تُقَامُ في مَحَالَّ أَيْ يَظْهَرُ بها الشِّعَارُ لَا في وَسَطِ الْبُيُوتِ وَإِنْ ظَهَرَتْ في الْأَسْوَاقِ فَلَا يَكْفِي لِأَنَّ الشِّعَارَ لَا يَظْهَرُ بها وَقَضِيَّةُ هذا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ بها الشِّعَارُ يَكْفِي وهو ما نَقَلَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ عن الْقَائِلِ بِالْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وهو أبو إِسْحَاقَ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ من زِيَادَتِهِ وَسَطِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ وَلَا تُشْتَرَطُ الْجَمَاعَةُ أَيْ إقَامَتُهَا بِجُمْهُورِهِمْ أَيْ الْمُقِيمِينَ بَلْ تَسْقُطُ بِطَائِفَةٍ قَلِيلَةٍ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بها وَتَلْزَمُ أَهْلَ الْبَوَادِي السَّاكِنِينَ بها لِخَبَرِ أبي دَاوُد السَّابِقِ بِخِلَافِ النَّاجِعِينَ لِلرَّعْيِ وَنَحْوِهِ
وَلَا فَرْضَ فيها أَيْ الْجَمَاعَةِ على النِّسَاءِ بَلْ تُسْتَحَبُّ في حَقِّهِنَّ وَلَا يَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهَا لهم تَأَكُّدَهُ لِلرِّجَالِ لِمَزِيَّتِهِمْ عَلَيْهِنَّ قال تَعَالَى وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وهي في الْبُيُوتِ لَهُنَّ أَفْضَلُ منها في الْمَسَاجِدِ لِخَبَرِ لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ رَوَاهُ أبو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلِأَنَّهَا أَسْتَرُ لَهُنَّ وَلَوْ تَرَكْنَهَا أَيْ الْجَمَاعَةَ لم يُكْرَهْ لِعَدَمِ تَأَكُّدِهَا لَهُنَّ وَمِثْلُهُنَّ الْخَنَاثَى فِيمَا ذُكِرَ كما يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُ وَتَقِفُ نَدْبًا إمَامَتُهُنَّ وَسْطَهُنَّ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ
____________________
(1/209)
صَحِيحَيْنِ أَنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ رضي اللَّهُ عنهما أَمَّتَا نِسَاءً فَقَامَتَا وَسْطَهُنَّ وَلِأَنَّ ذلك أَسْتَرُ لها بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَالْخُنْثَى يَقِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَمَامَهُنَّ كما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَاقْتِدَاؤُهُنَّ بِرَجُلٍ ثُمَّ خُنْثَى أَفْضَلُ من اقْتِدَائِهِنَّ بِالْمَرْأَةِ لِمَزِيَّتِهِمَا عليها وَذِكْرُ الْخُنْثَى من زِيَادَتِهِ لَكِنَّ خَلْوَةَ الْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ تَعَدَّدَ من رَجُلٍ أو خُنْثَى بها أَيْ بِالْمَرْأَةِ حَرَامٌ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ نعم إنْ وَجَدَهَا مُنْقَطِعَةً بِبَرِّيَّةٍ أو نَحْوِهَا جَازَ له لِلضَّرُورَةِ اسْتِصْحَابُهَا بَلْ وَجَبَ عليه إذَا خَافَ عليها لو تَرَكَهَا لِخَبَرِ عَائِشَةَ في قِصَّةِ الْإِفْكِ ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ وَخَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بها خَلْوَتُهُ بِهِنَّ فَجَائِزٌ إذَا كُنَّ ثِقَاتٍ كما سَيَأْتِي في الْعَدَدِ فَعُدُولُهُ عن قَوْلِ الْأَصْلِ بِهِنَّ إلَى بها حَسَنٌ وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ الْعَجَائِزِ الْأَوْلَى لِذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ حُضُورُ الْمَسْجِدِ مع الرِّجَالِ وَيُكْرَهُ لِلزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ وَالْوَلِيِّ تَمْكِينُهُنَّ منه لِمَا في الصَّحِيحَيْنِ عن عَائِشَةَ لو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَأَى ما أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كما مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلِخَوْفِ الْفِتْنَةِ وَالنَّهْيِ في خَبَرِ مُسْلِمٍ لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ لِلتَّنْزِيهِ لِأَنَّ الْحَقَّ الْوَاجِبَ لَا يُتْرَكُ لِلْفَضِيلَةِ أو مَحْمُولٌ على من لَا تُشْتَهَى فإنه كما يُنْدَبُ لها الْحُضُورُ وَإِنْ لم يَقْتَضِهِ كَلَامُهُ يُنْدَبُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَأْذَنَ لها إذَا اسْتَأْذَنَتْهُ وَأَمِنَ الْمَفْسَدَةَ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ إذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إلَى الْمَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ وفي الصَّحِيحَيْنِ إذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمْ امْرَأَتُهُ إلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعْهَا فَإِنْ لم يَكُنْ زَوْجٌ أو سَيِّدٌ أو وَلِيٌّ وَوُجِدَتْ شُرُوطُ الْحُضُورِ حَرُمَ الْمَنْعُ قال في الْمَجْمُوعِ قال الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِحُضُورِ الْمَسَاجِدِ وَجَمَاعَاتِ الصَّلَاةِ لِيَعْتَادَهَا وَتَصِحُّ نَافِلَةٌ وَمَنْذُورَةٌ في جَمَاعَةٍ بِلَا كَرَاهَةٍ وَإِنْ لم تُسَنَّ فِيهِمَا الْجَمَاعَةُ
فَرْعٌ وَيَحُوزُ فَضِيلَتَهَا أَيْ الْجَمَاعَةِ بِصَلَاتِهِ في بَيْتِهِ أو نَحْوِهِ بِزَوْجَةٍ أو وَلَدٍ أو رَقِيقٍ أو غَيْرِهِمْ إذْ أَقَلُّهَا اثْنَانِ وَهِيَ في الْبَيْتِ وَنَحْوِهِ أَفْضَلُ من الِانْفِرَادِ بِمَسْجِدٍ لِخَبَرِ صَلَاةُ الرَّجُلِ مع الرَّجُلِ أَزْكَى من صَلَاتِهِ وَحْدَهُ وَصَلَاتُهُ مع الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى من صَلَاتِهِ مع الرَّجُلِ وما كان أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ رَوَاهُ ابن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ وَلِمَا مَرَّ أَنَّ الْفَضِيلَةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ من الْفَضِيلَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَكَانِهَا أو زَمَانِهَا وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ في الْحَجِّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ مع ما يَأْتِي أَنَّ قَلِيلَ الْجَمْعِ في الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ من كَثِيرِهِ في الْبَيْتِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَعَكَسَ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَظَاهِرُ النَّصِّ يُومِئُ إلَيْهِ وَتُعَضِّدُهُ الْقَاعِدَةُ الْمَشْهُورَةُ أَنَّ الْمُحَافَظَةَ على الْفَضِيلَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعِبَادَةِ أَوْلَى من الْمُحَافَظَةِ على الْفَضِيلَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَكَانِهَا قال وَيَتَعَيَّنُ الْجَزْمُ بِهِ لو كان إذَا ذَهَبَ إلَى الْمَسْجِدِ وَتَرَكَ أَهْلَ بَيْتِهِ لَصَلَّوْا فُرَادَى أو لَتَهَاوَنُوا أو بَعْضُهُمْ في الصَّلَاةِ نعم يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هذا فِيمَنْ لَا تَتَعَطَّلُ جَمَاعَةُ الْمَسْجِدِ لِغَيْبَتِهِ
ا ه
وَالْمَسَاجِدُ أَفْضَلُ من غَيْرِهَا لِلْأَخْبَارِ الْمَشْهُورَةِ في فَضْلِ الْمَشْيِ إلَيْهَا وَلِأَنَّهَا أَشْرَفُ وَلِأَنَّ فيها إظْهَارَ شِعَارِ الْجَمَاعَةِ فَالصَّلَاةُ فيها أَفْضَلُ منها في غَيْرِهَا إلَّا ما اُسْتُثْنِيَ وَأَكْثَرُهَا أَيْ الْمَسَاجِدِ جَمَاعَةً أَفْضَلُ لِلْمُصَلِّي وَإِنْ بَعُدَ عنه لِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ السَّابِقِ نعم الْجَمَاعَةُ في الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ أَفْضَلُ منها في غَيْرِهَا وَإِنْ قَلَّتْ بَلْ قال الْمُتَوَلِّي الِانْفِرَادُ فيها أَفْضَلُ من الْجَمَاعَةِ في غَيْرِهَا وَيُنَازِعُ فيه الْقَاعِدَةُ السَّابِقَةُ كما قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ إذَا كان لو صلى مُنْفَرِدًا خَشَعَ وَلَوْ صلى في جَمَاعَةٍ لم يَخْشَعْ فَالِانْفِرَادُ أَفْضَلُ وَتَبِعَهُ ابن عبد السَّلَامِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالْمُخْتَارُ بَلْ الصَّوَابُ خِلَافُ ما قَالَاهُ إلَّا إنْ تَعَطَّلَ الْمَسْجِدُ الْقَرِيبُ منه لِغَيْبَتِهِ عنه لِكَوْنِهِ إمَامَهُ أو يَحْضُرُ الناس بِحُضُورِهِ قال الْأَذْرَعِيُّ أو كان الْبَعِيدُ بُنِيَ من أَمْوَالٍ خَبِيثَةٍ أو كان إمَامُ الْأَكْثَرِينَ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ بَعْضِ الْأَرْكَانِ أو الشُّرُوطِ من حَنَفِيٍّ وَغَيْرِهِ أو كان مُبْتَدِعًا كَمُعْتَزِلِيٍّ وَقَدَرِيٍّ وَرَافِضِيٍّ أو فَاسِقًا فَقَلِيلُ الْجَمْعِ أَفْضَلُ من كَثِيرِهِ لِتَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ في الْمَسَاجِدِ في الْأُولَى وَيُؤْمَنُ النَّقْصُ في الْبَقِيَّةِ وَالتَّصْرِيحُ بِالْأَخِيرَةِ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ وَتَعْبِيرُهُ في الْأُولَى بِالْقَرِيبِ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَعِيدَ بِخِلَافِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ كما يَدُلُّ له تَعْلِيلُهُمْ السَّابِقُ وَتَعْبِيرُهُ في الثَّانِيَةِ بِمَا قَالَهُ أَوْلَى من قَوْلِ الْأَصْلِ وَكَذَا لو كان الْإِمَامُ حَنَفِيًّا لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ بَعْضِ الْأَرْكَانِ
____________________
(1/210)
وَتَعْبِيرُهُ فيها وفي الثَّانِيَةِ بِالْأَكْثَرِينَ الشَّامِلِ لِلْقَرِيبِ مع تَعْبِيرِهِ قبل بِمَا يَشْمَلُهُ أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْبَعِيدِ إذْ لَا يَتَقَيَّدُ الْحُكْمُ بِهِ كما يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ تَبَعًا لِلرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ من ذُكِرَ مَكْرُوهَةٌ مُطْلَقًا بَلْ الِانْفِرَادُ هُنَا أَفْضَلُ من الصَّلَاةِ مع هَؤُلَاءِ كما قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ عن أبي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ لَكِنْ في مَسْأَلَةِ الْحَنَفِيِّ فَقَطْ وَمِثْلُهَا الْبَقِيَّةُ بَلْ أَوْلَى لَكِنْ قال السُّبْكِيُّ كَلَامُهُمْ يُشْعِرُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ مع هَؤُلَاءِ أَفْضَلُ من الِانْفِرَادِ وَبِهِ جَزَمَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ الدَّمِيرِيِّ فَإِنْ اسْتَوَيَا أَيْ الْمَسْجِدَانِ في الْجَمَاعَةِ قَدَّمَ ما يَسْمَعُ نِدَاءَهُ وَإِلَّا فَالْأَقْرَبُ مَسَافَةً لِحُرْمَةِ الْجِوَارِ ثُمَّ ما انْتَفَتْ الشُّبْهَةُ فيه عن مَالِ بَانِيهِ وَوَافَقَهُ م يَتَخَيَّرُ نعم إنْ سمع النِّدَاءَ مُتَرَتِّبًا قال الْأَذْرَعِيُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَهَابُهُ إلَى الْأَوَّلِ أَفْضَلَ لِأَنَّ مُؤَذِّنَهُ دَعَاهُ أَوَّلًا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ اسْتَوَيَا إلَى آخِرِهِ من زِيَادَتِهِ وهو مَأْخُوذٌ من كَلَامِ الرُّويَانِيِّ
فَرْعٌ يُدْرِكُ الْمَسْبُوقُ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ بِالْإِحْرَامِ قبل السَّلَامِ من الْإِمَامِ وَإِنْ لم يَقْعُدْ معه بِأَنْ سَلَّمَ عَقِبَ تَحَرُّمِهِ لِإِدْرَاكِهِ رُكْنًا معه لَكِنَّهُ دُونَ فَضْلِ من يُدْرِكُهَا من أَوَّلِهَا وَلِأَنَّهُ لو لم يُدْرِكْ فَضْلَهَا بِذَلِكَ لَمُنِعَ من الِاقْتِدَاءِ لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ زِيَادَةً بِلَا فَائِدَةٍ وَمُقْتَضَاهُ إدْرَاكُ فَضْلِهَا وَإِنْ فَارَقَهُ وهو ظَاهِرٌ إنْ فَارَقَهُ بِعُذْرٍ وَلَا يَخْفَى كما قال الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ مَحَلَّ ذلك في غَيْرِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهَا لَا تُدْرَكُ إلَّا بِرَكْعَةٍ كما سَيَأْتِي قال الرُّويَانِيُّ وَلَوْ سُبِقَ شَخْصٌ في الْجَمَاعَةِ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ وَرَجَا جَمَاعَةً وَلَوْ بِمَسْجِدٍ آخَرَ أَخَّرَ نَدْبًا لِيُدْرِكَ الْكُلَّ أَيْ كُلَّ الصَّلَاةِ مع الْجَمَاعَةِ الْأُخْرَى وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَيُعْلَمُ منه أَنَّهُ لو حَضَرَ جَمَاعَةً وَالْإِمَامُ في التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ نُدِبَ لهم أَنْ يُؤَخِّرُوا لِيُصَلُّوا جَمَاعَةً وهو مَوْجُودٌ في نُسْخَةٍ قبل كَلَامِ الرُّويَانِيِّ وَتُسَنُّ الْمُحَافَظَةُ على إدْرَاكِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَيُدْرِكُ فَضْلَ التَّكْبِيرَةِ بِشُهُودِهَا وَالِاشْتِغَالِ بِالْمُتَابَعَةِ عَقِبَهَا بِعَقْدِ صَلَاتِهِ لِخَبَرِ إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فإذا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَخَبَرِ من صلى أَرْبَعِينَ يَوْمًا في جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى كُتِبَ له بَرَاءَتَانِ بَرَاءَةٌ من النَّارِ وَبَرَاءَةٌ من النِّفَاقِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُنْقَطِعًا فَلَوْ أَبْطَأَ بِالْمُتَابَعَةِ لِوَسْوَسَةٍ غَيْرِ ظَاهِرَةٍ كما في الْمَجْمُوعِ عُذِرَ بِخِلَافِ ما لو أَبْطَأَ لِغَيْرِ وَسْوَسَةٍ وَلَوْ بِسَبَبٍ لِلصَّلَاةِ كَالطَّهَارَةِ أو لِوَسْوَسَةٍ ظَاهِرَةٍ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِمْ إنَّ الْوَسْوَسَةَ في الْقِرَاءَةِ غَيْرُ عُذْرٍ في التَّخَلُّفِ بِتَمَامِ رُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ لِطُولِ زَمَنِهَا وَالتَّقْيِيدُ بها هُنَا من زِيَادَتِهِ وَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَهَا أَيْ التَّكْبِيرَةِ لم يَسْعَ أَيْ لم يُسْرِعْ نَدْبًا لِيُدْرِكَهَا بَلْ يَمْشِي بِسَكِينَةٍ كما لو لم يَخَفْ فَوْتَهَا وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ وَائْتُوهَا تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فما أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وما فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا قال الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لم يَضِقْ الْوَقْتُ أو يَفْحُشْ التَّأْخِيرُ وَيَخْرُجْ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ
ا ه
أَمَّا لو خَافَ فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُسْرِعُ وَبِهِ صَرَّحَ الْفَارِقِيُّ بَحْثًا وَتَبِعَهُ ابن أبي عَصْرُونٍ وَالْمَنْقُولُ خِلَافُهُ فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُ الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ وَالْبَحْرِ وَنَقَلَهُ في الْمَجْمُوعِ عن الْأَصْحَابِ نعم لو ضَاقَ الْوَقْتُ وَخَشِيَ فَوَاتَهُ فَيُسْرِعُ كما لو خَشِيَ فَوَاتَ الْجُمُعَةِ وَكَذَا لو امْتَدَّ الْوَقْتُ وَكَانَتْ لَا تَقُومُ إلَّا بِهِ وَلَوْ لم يُسْرِعْ لَتَعَطَّلَتْ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ
فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ التَّخْفِيفُ لِلصَّلَاةِ لَا بِتَرْكِ الْأَبْعَاضِ وَالْهَيْئَاتِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إذَا صلى أحدكم لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فإن فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَذَا الْحَاجَةِ قال في الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عن الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ
____________________
(1/211)
بِأَنْ يُخَفِّفَ الْقِرَاءَةَ وَالْأَذْكَارَ بِحَيْثُ لَا يَقْتَصِرُ على الْأَقَلِّ وَلَا يَسْتَوْفِي الْأَكْمَلَ الْمُسْتَحَبَّ لِلْمُنْفَرِدِ من طِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَأَوْسَاطِهِ وَأَذْكَارِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِنْ رضي الْمَأْمُومُونَ الْمَحْصُورُونَ بِالتَّطْوِيلِ وَهُمْ أَحْرَارٌ غَيْرُ أُجَرَاءَ طَوَّلَ بِهِمْ نَدْبًا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ ما وَقَعَ من فِعْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ جَهِلَ حَالَهُمْ أو اخْتَلَفُوا لم يُطَوِّلْ قال ابن الصَّلَاحِ إلَّا إنْ قَلَّ من لم يَرْضَ كَوَاحِدٍ وَاثْنَيْنِ وَنَحْوِهِمَا لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ فَإِنْ كان ذلك مَرَّةً أو نَحْوَهَا خَفَّفَ وَإِنْ كَثُرَ حُضُورُهُ طَوَّلَ مُرَاعَاةً لِحَقِّ الرَّاضِينَ وَلَا يُفَوِّتُ حَقَّهُمْ لِهَذَا الْفَرْدِ الْمُلَازِمِ قال في الْمَجْمُوعِ وهو حَسَنٌ مُتَعَيِّنٌ قال الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُطَوِّلُ مُطْلَقًا كما اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ لِإِنْكَارِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على مُعَاذٍ التَّطْوِيلَ لَمَّا شَكَاهُ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ وَسَبَقَهُ إلَى نَحْوِ ذلك الْأَذْرَعِيُّ وَخَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ من زِيَادَتِهِ وَهُمْ أَحْرَارٌ غَيْرُ أُجَرَاءَ الْأَرِقَّاءُ وَالْأُجَرَاءُ أَيْ إجَارَةَ عَيْنٍ على عَمَلٍ نَاجِزٍ إذَا أَذِنَ لهم السَّادَةُ وَالْمُسْتَأْجَرُونَ في حُضُورِ الْجَمَاعَةِ فَلَا عِبْرَةَ بِرِضَاهُمْ بِالتَّطْوِيلِ بِغَيْرِ إذْنٍ فيه من أَرْبَابِ الْحُقُوقِ نَبَّهَ على ذلك الْأَذْرَعِيُّ وَإِنْ طَوَّلَ الْإِمَامُ لِتَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ بِمَنْ يَلْحَقُهُ أو لِانْتِظَارِ شَرِيفٍ كُرِهَ لِإِضْرَارِ الْحَاضِرِينَ وَلِمُخَالَفَةِ الْخَبَرِ السَّابِقِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَفِيمَا أَطْلَقُوهُ في الْأُولَى نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ إطَالَةُ الْأُولَى على الثَّانِيَةِ على الْأَصَحِّ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ يُدْرِكُهَا قَاصِدُ الْجَمَاعَةِ وَصَحَّ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يُطِيلُ في الْأُولَى من الظُّهْرِ كَيْ يُدْرِكَهَا الناس فَالْمُخْتَارُ دَلِيلًا أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ في ذلك وَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ على تَطْوِيلٍ يَضُرُّ الْحَاضِرِينَ وَقَضِيَّةُ هذا الْحَمْلِ أَنَّهُمْ لو رَضُوا بِهِ فِيمَا ذُكِرَ لَا يُكْرَهُ مع أَنَّهُ يُكْرَهُ كما ذَكَرَهُ في الْمَجْمُوعِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ يُحْمَلُ كَلَامُهُمْ على تَطْوِيلٍ زَائِدٍ على هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَطْوِيلَ الْأُولَى على الثَّانِيَةِ من هَيْئَاتِهَا فَلَوْ لم يَدْخُلْ الْإِمَامُ في الصَّلَاةِ وقد جاء وَقْتُ الدُّخُولِ وَحَضَرَ بَعْضُ الْقَوْمِ وَرَجَوْا زِيَادَةً نُدِبَ له أَنْ يُعَجِّلَ وَلَا يَنْتَظِرَهُمْ لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَوَّلَ الْوَقْتِ بِجَمَاعَةٍ قَلِيلَةٍ أَفْضَلُ منها آخِرَهُ بِجَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ فَلَوْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ قال الْمَاوَرْدِيُّ لم يَحِلَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْتَظِرَ من لم يَحْضُرْ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فيه وإذا أَحَسَّ وهو في الصَّلَاةِ بِدَاخِلٍ في الْمَسْجِدِ أو غَيْرِهِ من الْمَوَاضِعِ التي أُقِيمَتْ فيها الصَّلَاةُ اُسْتُحِبَّ له أَنْ يَنْتَظِرَهُ إنْ كان في الرُّكُوعِ غَيْرِ الثَّانِي من صَلَاةِ الْكُسُوفِ أو في التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ ولم يُفْحِشْ في الِانْتِظَارِ ولم يُمَيِّزْ بين الدَّاخِلِينَ لِمُلَازَمَةٍ أو دَيْنٍ أو صَدَاقَةٍ أو اسْتِمَالَةٍ أو نَحْوِهَا بَلْ يُسَوِّي بَيْنَهُمْ في الِانْتِظَارِ لِلَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ لِلْإِعَانَةِ على إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَفَضْلِ الْجَمَاعَةِ في الثَّانِيَةِ وَاسْتُثْنِيَ من ذلك ثَلَاثُ صُوَرٍ الْأُولَى إذَا كان الدَّاخِلُ يَعْتَادُ الْبُطْءَ وَتَأْخِيرَ الْإِحْرَامِ إلَى الرُّكُوعِ فَلَا يَنْتَظِرْهُ زَجْرًا له الثَّانِيَةُ أَنْ يَخْشَى خُرُوجَ الْوَقْتِ بِالِانْتِظَارِ الثَّالِثَةُ أَنْ يَكُونَ الدَّاخِلُ مِمَّنْ لَا يَعْتَقِدُ إدْرَاكَ الرَّكْعَةِ أو فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ بِإِدْرَاكِ ما ذُكِرَ إذْ لَا فَائِدَةَ في الِانْتِظَارِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ كان الذي أَحَسَّ بِهِ خَارِجَ مَوْضِعِ إقَامَةِ الصَّلَاةِ أو دَاخِلَهُ وكان الِانْتِظَارُ في غَيْرِ الرُّكُوعِ وَالتَّشَهُّدِ أو فِيهِمَا وَأَفْحَشَ فيه أو مَيَّزَ بين الدَّاخِلِينَ كُرِهَ لِتَقْصِيرِ الْمُتَأَخِّرِ وَضَرَرِ الْحَاضِرِ مع أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ له إنْ انْتَظَرَ في غَيْرِ الرُّكُوعِ وَالتَّشَهُّدِ بَلْ إنْ انْتَظَرَ لِلتَّرَدُّدِ حَرُمَ كما جَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ مع الْكَرَاهَةِ لَكِنْ نُقِلَ في الْكِفَايَةِ الِاتِّفَاقُ على بُطْلَانِهَا إذَا قَصَدَ غير وَجْهِ اللَّهِ وَعَلَّلَهُ بِالتَّشْرِيكِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ وَفُحْشُ الِانْتِظَارِ بِأَنْ يُطَوِّلَ تَطْوِيلًا لو وُزِّعَ على جَمِيعِ الصَّلَاةِ لَظَهَرَ أَثَرُهُ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ فَصْلٌ من صلى مَكْتُوبَةً مُؤَدَّاةً وَلَوْ في جَمَاعَةٍ ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً أو وَجَدَ مُنْفَرِدًا اُسْتُحِبَّ أَنْ يُعِيدَهَا مَعَهُمْ أو معه في الْوَقْتِ وَلَوْ كان وَقْتَ كَرَاهَةٍ أو كان إمَامُ الثَّانِيَةِ مَفْضُولًا لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى الصُّبْحَ فَرَأَى رَجُلَيْنِ لم يُصَلِّيَا معه فقال ما مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا قَالَا صَلَّيْنَا في رِحَالِنَا فقال إذَا صَلَّيْتُمَا في رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَاهَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ وقال وقد جاء بَعْدَ صَلَاتِهِ الْعَصْرَ رَجُلٌ إلَى الْمَسْجِدِ من يَتَصَدَّقُ على هذا فَيُصَلِّيَ معه فَصَلَّى معه رَجُلٌ رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُمَا وَخَرَجَ بِالْمَكْتُوبَةِ أَيْ على الْأَعْيَانِ الْمَنْذُورَةُ
____________________
(1/212)
إذْ لَا تُسَنُّ فيها الْجَمَاعَةُ كما مَرَّ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ إذْ لَا يُتَنَفَّلُ بها كما سَيَأْتِي وَالنَّافِلَةُ لَكِنَّ الْقِيَاسَ في الْمُهِمَّاتِ أَنَّ ما تُسَنُّ فيه الْجَمَاعَةُ منها كَالْفَرْضِ في سَنِّ الْإِعَادَةِ وَيُسْتَثْنَى من اسْتِحْبَابِ الْإِعَادَةِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهَا لَا تُقَامُ بَعْدَ أُخْرَى فَإِنْ فُرِضَ الْجَوَازُ لِعُسْرِ الِاجْتِمَاعِ فَالْقِيَاسُ في الْمُهِمَّاتِ أنها كَغَيْرِهَا وَقَوْلُهُ لِعُسْرِ الِاجْتِمَاعِ مِثَالٌ فإنه لو صلى بِقَرْيَةٍ ثُمَّ سَافَرَ لِأُخْرَى قَرِيبَةٍ فَوَجَدَهَا تُصَلِّي كان الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَمَحَلُّ اسْتِحْبَابِ الْإِعَادَةِ لِمَنْ لو اقْتَصَرَ عليها لَأَجْزَأَتْهُ بِخِلَافِ الْمُتَيَمِّمِ لِبَرْدٍ أو لِفَقْدِ الْمَاءِ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فيه وُجُودُ الْمَاءِ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ إذَا كان الْإِمَامُ مِمَّنْ لَا يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَلَا يُسْتَحَبُّ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً كما أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَقُوَّةُ كَلَامِ غَيْرِهِ تُرْشِدُ إلَيْهِ ذَكَرَ ذلك الْأَذْرَعِيُّ وما أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ قال في الْمُهِمَّاتِ وَتَصْوِيرُهُمْ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْإِعَادَةَ إنَّمَا تُسْتَحَبُّ إذَا حَضَرَ في الثَّانِيَةِ من لم يَحْضُرْ في الْأُولَى وهو ظَاهِرٌ وَإِلَّا لَزِمَ اسْتِغْرَاقُ ذلك لِلْوَقْتِ وَالْفَرْضُ مِنْهُمَا الْأُولَى لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَلِسُقُوطِ الْخِطَابِ بها وَلْيَنْوِ وفي نُسْخَةٍ فَلْيَنْوِ بِالثَّانِيَةِ الْوَقْتَ أَيْ ذَاتَ الْوَقْتِ من كَوْنِهَا ظُهْرًا أو عَصْرًا مَثَلًا لَا الْفَرْضَ إذْ كَيْفَ يَنْوِي فَرْضَ ما لَا يَقَعُ فَرْضًا وَهَذَا ما رَجَّحَهُ في الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِاخْتِيَارِ الْإِمَامِ وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ في الْمِنْهَاجِ وَأَصْلِهِ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ يَنْوِي بها الْفَرْضَ مع كَوْنِهَا نَفْلًا وَأَجَابَ السُّبْكِيُّ عن تَعْلِيلِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّهُ يَنْوِي إعَادَةَ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ حتى لَا يَكُونَ نَفْلًا مُبْتَدَأً لَا إعَادَتُهَا فَرْضًا وَالْعَلَّامَةُ الرَّازِيّ بِأَنَّهُ يَنْوِي ما هو فَرْضٌ على الْمُكَلَّفِ لَا الْفَرْضَ عليه كما في صَلَاةِ الصَّبِيِّ
فَصْلٌ يُرَخَّصُ في تَرْكِ الْجَمَاعَةِ بِعُذْرٍ
فَلَا رُخْصَةَ بِدُونِهِ لِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ في صَحِيحَيْهِمَا من سمع النِّدَاءَ فلم يَأْتِهِ فَلَا صَلَاةَ له أَيْ كَامِلَةً إلَّا من عُذْرٍ عَامٍّ كَمَطَرٍ وَثَلْجٍ يَبُلُّ كُلٌّ مِنْهُمَا الثَّوْبَ لَيْلًا أو نَهَارًا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَرَوَى مُسْلِمٌ عن جَابِرٍ قال خَرَجْنَا مع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَمُطِرْنَا فقال لِيُصَلِّ من شَاءَ في رَحْلِهِ فَإِنْ كان خَفِيفًا أو وَجَدَ كِنًّا يَمْشِي فيه فَلَيْسَ بِعُذْرٍ وَبِالرِّيحِ الْأَوْلَى وَالرِّيحِ الْعَاصِفَةِ أَيْ الشَّدِيدَةِ لَيْلًا لِلْمَشَقَّةِ لِأَمْرِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُنَادِيَهُ في اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ وَذَاتِ الرِّيحِ أَلَا صَلُّوا في رِحَالِكُمْ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالظُّلْمَةُ الشَّدِيدَةُ لَيْلًا كَذَلِكَ وَخَرَجَ بِذَلِكَ الرِّيحُ الْخَفِيفَةُ لَيْلًا وَالشَّدِيدَةُ نَهَارًا إلَّا الصُّبْحَ فَالْمُتَّجَهُ في الْمُهِمَّاتِ أَنَّهُ كَاللَّيْلِ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فيه أَشَدُّ منها في الْمَغْرِبِ وَالْوَحَلِ بِفَتْحِ الْحَاءِ الشَّدِيدِ لَيْلًا أو نَهَارًا كَالْمَطَرِ بِخِلَافِ الْخَفِيفِ منه لَكِنْ تَرَكَ في الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ التَّقْيِيدَ بِالشَّدِيدِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَفِيفِ قال الْأَذْرَعِيُّ وهو الصَّحِيحُ وَالْأَحَادِيثُ دَالَّةٌ عليه وَالسَّمُومِ بِفَتْحِ السِّينِ أَيْ الرِّيحِ الْحَارَّةِ لَيْلًا أو نَهَارًا لِمَشَقَّةِ الْحَرَكَةِ فيها وَشِدَّةِ الْحَرِّ ظُهْرًا بِخِلَافِ الْخَفِيفِ منه وَتَبِعَ في تَقْيِيدِهِ بِالظُّهْرِ الرَّوْضَةَ وَكَذَا
____________________
(1/213)
أَصْلُهَا في أَوَّلِ كَلَامِهِ لَكِنَّ كَلَامَهُ بَعْدُ يَقْتَضِي عَدَمَ التَّقْيِيدِ بِهِ وَجَرَى عليه في الْمُحَرَّرِ وَتَبِعَهُ في الْمِنْهَاجِ قال الْأَذْرَعِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ فقال لَيْلًا أو نَهَارًا وشدة الْبَرْدِ لَيْلًا وَنَهَارًا بِخِلَافِ الْخَفِيفِ منه وَزَلْزَلَةٍ بِفَتْحِ الزَّايِ وَهِيَ تَحَرُّكُ الْأَرْضِ لِلْمَشَقَّةِ أو عُذْرٍ خَاصٍّ كَشِدَّةِ نُعَاسٍ وَلَوْ في انْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ هذا أَوْلَى من تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالنَّوْمِ الْمَفْهُومِ من كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالْأَوْلَى وَمَرَضٍ يَشُقُّ كَمَشَقَّةِ الْمَطَرِ وَإِنْ لم يَبْلُغْ حَدًّا يُسْقِطُ الْقِيَامَ في الْفَرِيضَةِ لِلْحَرَجِ قال تَعَالَى وما جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدِّينِ من حَرَجٍ فَإِنْ كان خَفِيفًا كَوَجَعِ ضِرْسٍ وَصُدَاعٍ يَسِيرٍ وَحُمَّى خَفِيفَةٍ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ ويرخص بِتَمْرِيضِ قَرِيبٍ لَا مُتَعَهِّدَ له وَإِنْ لم يُشْرِفْ على الْمَوْتِ وَتَمْرِيضُهُ له بِأَنْ يُطْعِمَهُ وَيَسْقِيَهُ وَيَتَعَاطَى ما يَحْتَاجُهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَرِيبِ مُطْلَقُ الْقَرَابَاتِ أو يَسْتَأْنِسُ أَيْ أو بِاسْتِئْنَاسِهِ بِهِ أو إشْرَافِهِ على الْمَوْتِ وَإِنْ كان له مُتَعَهِّدٌ فِيهِمَا لِتَضَرُّرِهِ بِغَيْبَتِهِ عنه فَحِفْظُهُ أو تَأْنِيسُهُ أَفْضَلُ من حِفْظِ الْجَمَاعَةِ ثُمَّ الزَّوْجَةُ وَالصِّهْرُ وَالْمَمْلُوكُ وَالصِّدِّيقُ كَالْقَرِيبِ فِيمَا ذُكِرَ وَتَعْبِيرُهُ بِثُمَّ ليس له كَبِيرُ مَعْنًى لَا بِتَمْرِيضِ أَجْنَبِيٍّ فَلَا يُرَخَّصُ بِهِ لِأَنَّهُ دُونَ الْقَرِيبِ في الشَّفَقَةِ وَلَا بِحُضُورِهِ عِنْدَهُ لِلِاسْتِئْنَاسِ أو الْإِشْرَافِ على الْمَوْتِ كما فُهِمَ ذلك مِمَّا قَالَهُ بِالْأَوْلَى وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عليه لِيَسْتَثْنِيَ منه قَوْلَهُ إلَّا إنْ خَشِيَ عليه ضَيَاعًا يَتَضَرَّرُ بِهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ له مُتَعَهِّدٌ أو كان لَكِنَّهُ لم يَفْرُغْ لِخِدْمَتِهِ لِاشْتِغَالِهِ بِشِرَاءِ الْأَدْوِيَةِ أو الْكَفَنِ وَحَفْرِ الْقَبْرِ إذَا كان مَنْزُولًا بِهِ لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ عن الْآدَمِيِّ من الْمُهِمَّاتِ وَلَا حَاجَةَ لِلْجَمْعِ بين الضَّيَاعِ وَالتَّضَرُّرِ وَلَعَلَّ الثَّانِيَ بَيَانٌ لِلْأَوَّلِ ويرخص أَيْضًا بِالْخَوْفِ على كل مَعْصُومٍ من نَفْسٍ أو مَالٍ أو غَيْرِهِمَا حتى على خُبْزِهِ في التَّنُّورِ وَطَبِيخِهِ في الْقِدْرِ على النَّارِ وَلَا مُتَعَهِّدَ يَخْلُفُهُ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا إذَا لم يَقْصِدْ بِذَلِكَ إسْقَاطَ الْجَمَاعَةِ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِعُذْرٍ وَلَوْ وَقَعَ ذلك يوم الْجُمُعَةِ حَرُمَ عليه كَالسَّفَرِ يَوْمَهَا إذَا قَصَدَ إسْقَاطَهَا ولم تُمْكِنْهُ في طَرِيقِهِ وَكَالتَّحِيَّةِ إذَا دخل الْمَسْجِدَ بِقَصْدِهَا في وَقْتِ الْكَرَاهَةِ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالَهُ أَعَمُّ من قَوْلِ أَصْلِهِ أَنْ يَخَافَ على نَفْسِهِ أو مَالِهِ أو على من يَلْزَمُهُ الذَّبُّ عنه وبالخوف من حَبْسٍ أو مُلَازَمَةِ غَرِيمٍ وَبِهِ أَيْ بِالْخَائِفِ إعْسَارٌ يَعْسُرُ عليه إثْبَاتُهُ بِخِلَافِ الْمُوسِرِ بِمَا يَفِي بِمَا عليه وَالْمُعْسِرُ الْقَادِرُ على الْإِثْبَاتِ بِبَيِّنَةٍ أو حَلِفٍ وَالْغَرِيمُ يُطْلَقُ لُغَةً على الْمَدِينِ وَالدَّائِنِ وهو الْمُرَادُ هُنَا وَقَوْلُهُ يَعْسُرُ إثْبَاتُهُ من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ في الْبَسِيطِ وبالخوف من قِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ يَرْجُو بِغَيْبَتِهِ الْعَفْوَ عنهما مَجَّانًا أو على مَالٍ وَيُلْحَقُ بِهِمَا التَّعْزِيرُ لِآدَمِيٍّ أو لِلَّهِ تَعَالَى إذْ لِلْإِمَامِ الْعَفْوُ عنه لَا بِالْخَوْفِ من حَدِّ زِنًا وَنَحْوِهِ كَحَدِّ سَرِقَةٍ وَشُرْبٍ إذَا بَلَغَتْ الْإِمَامَ لِأَنَّهُ لَا يَرْجُو الْعَفْوَ عن ذلك فَلَا يُرَخَّصُ بِهِ بَلْ يَحْرُمُ التَّغَيُّبُ عنه إذْ لَا فَائِدَةَ فيه وَاسْتَشْكَلَ الْإِمَامُ جَوَازَ التَّغْيِيبِ لِمَنْ عليه قِصَاصٌ فإن مُوجِبَهُ كَبِيرَةٌ وَالتَّخْفِيفُ يُنَافِيهِ وَأَجَابَ بِأَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَالتَّغَيُّبُ طَرِيقُهُ قال الْأَذْرَعِيُّ وَالْإِشْكَالُ أَقْوَى وَقَيَّدَ الشَّيْخَانِ رَجَاءَ الْعَفْوِ بِتَغْيِيبِهِ أَيَّامًا قال بَعْضُهُمْ وَيُسْتَفَادُ منه أَنَّ الْقِصَاصَ لو كان لِصَبِيٍّ لم يَجُزْ التَّغْيِيبُ لِأَنَّ الْعَفْوَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يَتْرُكَ الْجَمَاعَةَ سِنِينَ وقال الْأَذْرَعِيُّ قَوْلُهُمَا أَيَّامًا لم أَرَهُ إلَّا في كَلَامِهِمَا وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ أَطْلَقُوا وَيَظْهَرُ الضَّبْطُ بِأَنَّهُ ما دَامَ يَرْجُو الْعَفْوَ يَجُوزُ له التَّغْيِيبُ وَإِنْ يَئِسَ أو غَلَبَ على ظَنِّهِ عَدَمُ الْعَفْوِ حَرُمَ التَّغْيِيبُ فَالْمُصَنِّفُ تَرَكَ التَّقْيِيدَ لِذَلِكَ وَبِمُدَافَعَةِ أَحَدِ الْأَخْبَثَيْنِ بِالْمُثَلَّثَةِ من بَوْلٍ أو غَائِطٍ أو مُدَافَعَةِ الرِّيحِ بَلْ يُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَهَا أو الْجُوعِ الْأَوْلَى وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ قال في الْأَصْلِ الشَّدِيدَيْنِ وَالْمَطْعُومُ حَاضِرٌ قال ابن الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِابْنِ يُونُسَ أو ليس بِحَاضِرٍ أَيْ وَقَرُبَ حُضُورُهُ وَنَفْسُهُ تَتُوقُ بِالْمُثَنَّاةِ أَيْ تَشْتَاقُ إلَيْهِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ وَلَا وهو يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إذْ وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ وَلَا يَعْجَلَنَّ حتى يَفْرُغَ منه وَقَوْلُ الْمُهِمَّاتِ الظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِالتَّوَقَانِ وَإِنْ لم يَكُنْ بِهِ جُوعٌ وَلَا عَطَشٌ فإن كَثِيرًا من الْفَوَاكِهِ وَالْمَشَارِبِ اللَّذِيذَةِ تَتُوقُ النَّفْسُ إلَيْهَا عِنْدَ حُضُورِهَا بِلَا جُوعٍ وَعَطَشٍ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ يَبْعُدُ مُفَارَقَتُهُمَا لِلتَّوَقَانِ إذْ التَّوَقَانُ إلَى الشَّيْءِ الِاشْتِيَاقُ إلَيْهِ لَا الشَّوْقُ فَشَهْوَةُ النَّفْسِ لِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ بِدُونِهِمَا لَا تُسَمَّى تَوَقَانًا وَإِنَّمَا
____________________
(1/214)
تُسَمَّاهُ إذَا كانت بِهِمَا بَلْ بِشِدَّتِهِمَا وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ وَصْفَهُمَا بها لِلْعِلْمِ بها من التَّوَقَانِ وَقَضِيَّتُهُ حَذْفُهُمَا أَيْضًا لِذَلِكَ فَيَتَخَلَّفُ عن الْجَمَاعَةِ نَدْبًا لِيَتَفَرَّغَ عن الْحَدَثَيْنِ وَالرِّيحِ وَيَكْسِرَ شَهْوَتَهُ فَقَطْ في الْجُوعِ بِأَنْ يَأْكُلَ لُقَيْمَاتٍ تَكْسِرُ سَوْرَتَهُ
وَخَالَفَ في شَرْحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ فَصَوَّبَ إكْمَالَ حَاجَتِهِ من الْأَكْلِ قال وما تَأَوَّلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا على أَنَّهُ يَأْكُلُ لُقَمًا تَكْسِرُ سَوْرَةَ الْجُوعِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَيَأْتِيَ على الْمَشْرُوبِ كَاللَّبَنِ لِكَوْنِهِ مِمَّا يُؤْتَى عليه مَرَّةً وَاحِدَةً فَلَوْ خَشِيَ بِتَخَلُّفِهِ فَوَاتَ الْوَقْتِ صلى وُجُوبًا مُدَافِعًا وَجَائِعًا وَعَطْشَانَ وَلَا كَرَاهَةَ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَبِعَجْزِهِ عن لِبَاسٍ لَائِقٍ بِهِ وَإِنْ وَجَدَ سَاتِرَ الْعَوْرَةِ لِأَنَّ عليه مَشَقَّةً في خُرُوجِهِ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَلِيقَ بِهِ بِأَنْ يَعْتَادَهُ كما أَفْهَمَهُ قَوْلُهُ من زِيَادَتِهِ أَخْذًا من الْمَجْمُوعِ لَائِقٍ وَخُرُوجِ الرُّفْقَةِ لِمُرِيدِ السَّفَرِ الْمُبَاحِ لِمَشَقَّةِ تَخَلُّفِهِ وَبِالْبَحْثِ عن ضَالَّةٍ يَرْجُوهَا بِتَخَلُّفِهِ عن الْجَمَاعَةِ وَبِالسَّعْيِ في اسْتِرْدَادِ مَغْصُوبٍ له أو لِغَيْرِهِ فَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَوْلَى من تَخْصِيصِ أَصْلِهِ ذلك بِغَصْبِ مَالِهِ وَبِأَكْلِ نِيءِ بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ بَصَلٍ وَنَحْوِهِ كَثُومٍ وَكُرَّاثٍ وَفُجْلٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ من أَكَلَ بَصَلًا أو ثُومًا أو كُرَّاثًا فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا وفي رِوَايَةٍ الْمَسَاجِدَ فإن الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى منه بَنُو آدَمَ زَادَ الْبُخَارِيُّ قال جَابِرٌ ما أَرَاهُ يَعْنِي إلَّا نِيئَهُ وزاد الطَّبَرَانِيُّ أو فُجْلًا هذا إنْ تَعَذَّرَ أَيْ تَعَسَّرَ زَوَالُ رِيحِهِ بِغَسْلٍ وَمُعَالَجَةٍ بِخِلَافِ ما إذَا لم يَتَعَسَّرْ وَخَرَجَ بِالنِّيءِ الْمَطْبُوخُ لِزَوَالِ رِيحِهِ وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ يُعْذَرُ بِالْبَخَرِ وَالصُّنَانِ الْمُسْتَحْكِمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى قَالَهُ في الْمُهِمَّاتِ وَتَوَقَّفَ في الْجُذَامِ وَالْبَرَصِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ يُعْذَرُ بِهِمَا لِأَنَّ التَّأَذِّي بِهِمَا أَشَدُّ منه بِأَكْلِ الثُّومِ قال وقد نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عن الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمَجْذُومَ وَالْأَبْرَصَ يُمْنَعَانِ من الْمَسْجِدِ وَمِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَمِنْ اخْتِلَاطِهِمَا بِالنَّاسِ وَمِنْ الْأَعْذَارِ السِّمَنُ الْمُفْرِطُ كما ذَكَرَهُ ابن حِبَّانَ في صَحِيحِهِ وَرَوَى فيه خَبَرًا وَكَوْنُهُ مُتَّهَمًا كما نُقِلَ عن الذَّخَائِرِ وَزِفَافُ زَوْجَةٍ في الصَّلَوَاتِ اللَّيْلِيَّةِ كما سَيَأْتِي في الْقَسَمِ قال الْإِسْنَوِيُّ وَإِنَّمَا يُتَّجَهُ جَعْلُ هذه الْأُمُورِ أَعْذَارًا لِمَنْ لَا تَتَأَتَّى له إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ في بَيْتِهِ وَإِلَّا لم يَسْقُطْ عنه طَلَبُهَا لِكَرَاهَةِ الِانْفِرَادِ لِلرَّجُلِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا سُنَّةٌ قال في الْمَجْمُوعِ وَمَعْنَى كَوْنِهَا أَعْذَارًا سُقُوطُ الْإِثْمِ على قَوْلِ الْفَرْضِ وَالْكَرَاهَةِ على قَوْلِ السُّنَّةِ لَا حُصُولُ فَضْلِهَا وَيُوَافِقُهُ جَوَابُ الْجُمْهُورِ عن خَبَرِ مُسْلِمٍ سَأَلَ أَعْمَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يُرَخِّصَ له في الصَّلَاةِ بِبَيْتِهِ لِكَوْنِهِ لَا قَائِدَ له فَرَخَّصَ له فلما وَلَّى دَعَاهُ فقال هل تَسْمَعُ النِّدَاءَ فقال نعم قال فَأَجِبْ بِأَنَّهُ سَأَلَ هل له رُخْصَةٌ في الصَّلَاةِ بِبَيْتِهِ مُنْفَرِدًا تُلْحِقُهُ بِفَضِيلَةِ من صلى جَمَاعَةً فَقِيلَ لَا
هذا كما قال السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ ظَاهِرٌ فِيمَنْ لم يَكُنْ يُلَازِمُهَا وَإِلَّا فَيَحْصُلُ له فَضْلُهَا لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أو سَافَرَ كَتَبَ اللَّهُ له ما كان يَعْمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا وقد نَقَلَ في الْكِفَايَةِ عن تَلْخِيصِ الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّهُ حُصُولَهُ إذَا كان نَاوِيًا الْجَمَاعَةَ لَوْلَا الْعُذْرُ وَنَقَلَهُ في الْبَحْرِ عن الْقَفَّالِ وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي مُجَلِّيٌّ وَغَيْرُهُمَا وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ كَلَامَ الْمَجْمُوعِ على مُتَعَاطِي السَّبَبِ كَآكِلِ بَصَلٍ وَثُومٍ وَكَوْنِ خُبْزِهِ في التَّنُّورِ
وَكَلَامُ هَؤُلَاءِ على غَيْرِهِ كَمَطَرٍ وَمَرَضٍ وَجَعْلِ حُصُولِهَا له كَحُصُولِهَا لِمَنْ حَضَرَهَا لَا من كل وَجْهٍ بَلْ في أَصْلِهَا لِئَلَّا يُنَافِيَهُ خَبَرُ الْأَعْمَى بَابُ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ في الصَّلَاةِ
لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَ كَافِرٍ وَلَوْ مُخْفِيًا كُفْرَهُ إذْ لَا يُعْتَدُّ بِصَلَاتِهِ وَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بها وَإِنْ كانت بِدَارِ الْحَرْبِ ما لم تُسْمَعْ منه الشَّهَادَتَانِ فَإِنْ سُمِعَتَا منه وَلَيْسَ بِعِيسَوِيٍّ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِهِمَا وإذا لم يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ فَعَلَيْهِ التَّعْزِيرُ كما نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابُ لِإِفْسَادِهِ صَلَاةَ من خَلْفَهُ وَاسْتِهْزَائِهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو مَحْمُولٌ على ما إذَا لم يَقْصِدْ بها الْإِسْلَامَ كما قَالَهُ في الِاسْتِقْصَاءِ أَيْ فَإِنْ قَصَدَهُ لم يُعَزَّرْ وهو ظَاهِرٌ إنْ نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ بَعْدُ أو مَنَعَهُ منه مَانِعٌ شَرْعِيٌّ وَلَا تَصِحُّ خَلْفَ من عَلِمَهُ ارْتَكَبَ مُبْطِلًا لها في اعْتِقَادِهِمَا كَمُحْدِثٍ وَمُتَنَجِّسٍ لِعَدَمِ صِحَّةِ الِارْتِبَاطِ بِالْبَاطِلِ مع التَّقْصِيرِ وَكَذَا في اعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ
____________________
(1/215)
لَا الْإِمَامِ لِذَلِكَ سَوَاءٌ أَكَانَ اخْتِلَافُ اعْتِقَادِهِمَا لَا لِلِاخْتِلَافِ في الْفُرُوعِ الِاجْتِهَادِيَّةِ كما سَيَأْتِي أَمْ لِلِاخْتِلَافِ فيها كَحَنَفِيٍّ أَمَّ شَافِعِيًّا عَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَ وَاجِبًا عِنْدَهُ كَتَرْكِهِ الْوُضُوءَ من مَسِّ فَرْجِهِ بِخِلَافِ ما لو تَرَكَ وَاجِبًا عِنْدَ الْحَنَفِيِّ فَتَصِحُّ صَلَاةُ الشَّافِعِيِّ خَلْفَ حَنَفِيٍّ احْتَجَمَ أو افْتَصَدَ لَا خَلْفَ مَاسِّ فَرْجِهِ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِهِ أَنَّ الْمَسَّ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ دُونَ الْحَجْمِ وَالْفَصْدِ وَاسْتَشْكَلَ هذا التَّعْلِيلُ بِمَا سَيَأْتِي في بَابِ الْجَمْعِ بين الصَّلَاتَيْنِ أَنَّهُ لو نَوَى مُسَافِرَانِ شَافِعِيٌّ وَحَنَفِيٌّ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِمَوْضِعٍ انْقَطَعَ بِوُصُولِهِمَا سَفَرُ الشَّافِعِيِّ دُونَ الْحَنَفِيِّ وَجَازَ له بِكُرْهٍ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ مع اعْتِقَادِهِ بُطْلَانَ صَلَاةِ الْقَاصِرِ في الْإِقَامَةِ وَيُجَابُ بِأَنَّ كَلَامَهُمْ هُنَا في تَرْكِ وَاجِبٍ لَا يُجَوِّزُهُ الشَّافِعِيُّ مُطْلَقًا بِخِلَافِهِ ثَمَّ فإنه يُجَوِّزُ الْقَصْرَ في الْجُمْلَةِ وَسَتَأْتِي فيه زِيَادَةٌ في الْبَابِ الْمَذْكُورِ
وَكَذَا حَنَفِيٌّ تَارِكٌ الْبَسْمَلَةَ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الشَّافِعِيِّ خَلْفَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَنَفِيُّ كَالْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَيْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أو نَائِبِهِ فَتَصِحُّ صَلَاةُ الشَّافِعِيِّ خَلْفَهُ عَالِمًا كان أو عَامِّيًّا وَلَا يُفَارِقُهُ خَوْفَ الْفِتْنَةِ كَذَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عن الْأَوْدَنِيِّ وَالْحَلِيمِيِّ وَاسْتَحْسَنَاهُ لَكِنْ بَعْدَ نَقْلِهِمَا عن تَصْحِيحِ الْأَكْثَرِينَ
وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ عَدَمَ الصِّحَّةِ وهو الْمُعْتَمَدُ وما اسْتَحْسَنَاهُ مُخَالِفٌ لِنَظَائِرِهِ كَصِحَّةِ الْجُمُعَةِ السَّابِقَةِ وَإِنْ كان السُّلْطَانُ مع الْأُخْرَى فَإِنْ لم يَعْلَمْهُ تَرَكَ وَاجِبًا صَحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَلَوْ شَكَّ في أَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَاتِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ أتى بها فَذَاكَ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ إتْيَانُهُ بها مُحَافَظَةً على الْكَمَالِ عِنْدَهُ وَخُرُوجًا من الْخِلَافِ وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ اعْتِقَادِهِ الْوُجُوبَ وَإِنَّمَا ضَرَّ في الْإِمَامِ الْمُوَافِقِ لِعِلْمِ الْمَأْمُومِ بِبُطْلَانِهَا عِنْدَهُمَا فَإِنْ تَرَكَ إمَامُهُ الْحَنَفِيُّ الْقُنُوتَ في صَلَاةِ الصُّبْحِ لِاعْتِقَادِهِ عَدَمَ سُنِّيَّتِهِ وَأَمْكَنَهُ هو أَنْ يَقْنُتَ وَيُدْرِكُهُ في السَّجْدَةِ الْأُولَى قَنَتَ نَدْبًا وَإِلَّا تَابَعَهُ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِهِ وَلَهُ فِرَاقُهُ لِيَقْنُتَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ إذَا قَنَتَ لَا يَسْجُدُ وهو مَبْنِيٌّ على أَنَّ الْعِبْرَةَ بِاعْتِقَادِ الْإِمَامِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِاعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْجُدُ كما لو كان إمَامُهُ شَافِعِيًّا فَتَرَكَهُ وَلَوْ تَرَكَ شَافِعِيٌّ الْقُنُوتَ وَخَلَفَهُ حَنَفِيٌّ فَسَجَدَ الشَّافِعِيُّ لِلسَّهْوِ تَابَعَهُ الْحَنَفِيُّ وَلَوْ تَرَكَ السُّجُودَ لم يَسْجُدْ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِهِ وَلَوْ اقْتَدَى شَافِعِيٌّ بِمَنْ يَرَى تَطْوِيلَ الِاعْتِدَالِ فَطَوَّلَهُ لم يُوَافِقْهُ بَلْ يَسْجُدْ وَيَنْتَظِرْهُ سَاجِدًا كما يَنْتَظِرُهُ قَائِمًا إذَا سَجَدَ في سَجْدَةِ ص وَكَمَا لو اقْتَدَى شَافِعِيٌّ بمثله فَقَرَأَ إمَامُهُ الْفَاتِحَةَ وَرَكَعَ وَاعْتَدَلَ ثُمَّ شَرَعَ في قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فإنه لَا يَتْبَعُهُ بَلْ يَسْجُدُ وَيَنْتَظِرُهُ سَاجِدًا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَكَلَامُ الْبَغَوِيّ يَقْتَضِيهِ قال الزَّرْكَشِيُّ وهو وَاضِحٌ قُلْت وَكَلَامُ الْقَفَّالِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَنْتَظِرُهُ في الِاعْتِدَالِ وَيُحْتَمَلُ تَطْوِيلُ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ في ذلك وَالْمُخْتَارُ جَوَازُ كُلٍّ من الْأَمْرَيْنِ وقد أَفْتَيْت بِهِ في نَظِيرِهِ من الْجُلُوسِ بين السَّجْدَتَيْنِ وَلَا قُدْوَةَ بين من اخْتَلَفَ اجْتِهَادُهُمَا في الْقِبْلَةِ أو في إنَاءَيْنِ طَاهِرٍ وَنَجِسٍ كما سَبَقَ بَيَانُهُ مع بَيَانِ حُكْمِ ما لو كَثُرَتْ الْآنِيَةُ في بَابِ الِاجْتِهَادِ
فَصْلٌ لَا قُدْوَةَ صَحِيحَةَ بِمَنْ تَجِبُ عليه الْإِعَادَةُ كَمُقِيمٍ تَيَمَّمَ لِفَقْدِ الْمَاءِ وَمُحْدِثٍ صلى على حَسَبِ حَالِهِ لِإِكْرَاهٍ أو لِفَقْدِ الطَّهُورَيْنِ وَلَوْ كان الْمُقْتَدِي مثله لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِصَلَاتِهِ كَالْفَاسِدَةِ وَأَمَّا عَدَمُ أَمْرِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من صلى خَلْفَ عَمْرِو بن الْعَاصِ بِالْإِعَادَةِ حَيْثُ صلى بِالتَّيَمُّمِ لِلْبَرْدِ فَلِمَا مَرَّ أَوَاخِرَ التَّيَمُّمِ
وَلَا بِمَأْمُومٍ إذْ لَا يَجْتَمِعُ وَصْفَا الِاسْتِقْلَالِ وَالتَّبَعِيَّةِ وما في الصَّحِيحَيْنِ من أَنَّ الناس اقْتَدَوْا بِأَبِي بَكْرٍ خَلْفَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مَحْمُولٌ على أَنَّهُمْ كَانُوا مُقْتَدِينَ بِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وأبو بَكْرٍ يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ كما في الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا وقد رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى في مَرَضِ وَفَاتِهِ خَلْفَ أبي بَكْرٍ قال في الْمَجْمُوعِ إنْ صَحَّ هذا كان ذلك مَرَّتَيْنِ كما أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ ولا من تَوَهَّمَهُ مَأْمُومًا كَأَنْ وَجَدَ رَجُلَيْنِ يُصَلِّيَانِ جَمَاعَةً وَتَرَدَّدَ في أَيِّهِمَا الْإِمَامُ وَيُفْهَمُ منه بِالْأَوْلَى حُكْمُ الظَّنِّ وَالشَّكِّ الذي عَبَّرَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا قال الزَّرْكَشِيُّ كَذَا أَطْلَقُوهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ إذَا هَجَمَ فَإِنْ اجْتَهَدَ في أَيِّهِمَا الْإِمَامُ وَاقْتَدَى بِمَنْ غَلَبَ على ظَنِّهِ أَنَّهُ الْإِمَامُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ كما يُصَلِّي بِالِاجْتِهَادِ في الْقِبْلَةِ وَالثَّوْبِ وَالْأَوَانِي وَإِنْ اعْتَقَدَ كُلٌّ من مُصَلِّيَيْنِ أَنَّهُ إمَامٌ صَحَّتْ صَلَاتُهُمَا إذْ لَا مُقْتَضَى لِلْبُطْلَانِ لَا عَكْسَهُ بِأَنْ اعْتَقَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَأْمُومٌ فَلَا تَصِحُّ لِأَنَّ كُلًّا مُقْتَدٍ بِمَنْ يَقْصِدُ الِاقْتِدَاءَ بِهِ وَكَذَا لو شَكَّ فَمَنْ شَكَّ وَلَوْ بَعْدَ السَّلَامِ كما صَرَّحَ بِهِ في الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ إمَامٌ أو مَأْمُومٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِشَكِّهِ في أَنَّهُ تَابِعٌ أو مَتْبُوعٌ فَلَوْ شَكَّ أَحَدُهُمَا وَظَنَّ الْآخَرُ صَحَّتْ لِلظَّانِّ أَنَّهُ
____________________
(1/216)
إمَامٌ دُونَ الْآخَرِ كما صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَهَذَا من الْمَوَاضِعِ التي فَرَّقُوا فيها بين الظَّنِّ وَالشَّكِّ قال ابن الرِّفْعَةِ وَالْبُطْلَانُ بِمُجَرَّدِ الشَّكِّ بِنَاءً على طَرِيقِ الْعِرَاقِيِّينَ أَمَّا على طَرِيقِ الْمَرَاوِزَةِ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ في الشَّكِّ في النِّيَّةِ وقد مَرَّ بَيَانُهُ في صِفَةِ الصَّلَاةِ وَلَا قُدْوَةَ بِمَنْ يَعْجِزُ بِكَسْرِ الْجِيمِ أَفْصَحُ من فَتْحِهَا عن الْفَاتِحَةِ أو عن إخْرَاجِ حَرْفٍ منها من مَخْرَجِهِ أو عن تَشْدِيدٍ منها لِرَخَاوَةِ لِسَانِهِ وَلَوْ في السِّرِّيَّةِ لِأَنَّ الْإِمَامَ بِصَدَدِ تَحَمُّلِ الْقِرَاءَةِ وَهَذَا لَا يَصْلُحُ لِلتَّحَمُّلِ وَكَذَا من يُصَلِّي بِسَبْعِ آيَاتٍ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ لَا يَقْتَدِي بِمَنْ يُصَلِّي بِالذِّكْرِ فَلَوْ عَجَزَ إمَامُهُ في أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ عن الْقِرَاءَةِ لِخَرَسٍ فَارَقَهُ بِخِلَافِ عَجْزِهِ عن الْقِيَامِ لِصِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ بِخِلَافِ اقْتِدَاءِ الْقَارِئِ بِالْأَخْرَسِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ في فَتَاوِيهِ قال وَلَوْ لم يَعْلَمْ بِحُدُوثِ الْخَرَسِ حتى فَرَغَ من الصَّلَاةِ أَعَادَ لِأَنَّ حُدُوثَ الْخَرَسِ نَادِرٌ بِخِلَافِ حُدُوثِ الْحَدَثِ وَلَا بِمَنْ بَانَ أَنَّهُ تَرَكَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ لَا النِّيَّةَ وَإِنْ سَهَا بِتَرْكِ التَّكْبِيرَةِ لِأَنَّهَا لَا تَخْفَى فَيُنْسَبُ إلَى تَقْصِيرٍ بِخِلَافِ النِّيَّةِ وَالتَّصْرِيحُ بِهَاتَيْنِ تَبَعًا لِلْمَجْمُوعِ من زِيَادَتِهِ وَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ عَاجِزٍ عن الْفَاتِحَةِ أو بَعْضِهَا وَيُسَمَّى أُمِّيًّا بمثله إنْ اتَّفَقَا عَجْزًا لِاسْتِوَائِهِمَا نُقْصَانًا كَالْمَرْأَتَيْنِ وَلَا يُشْكِلُ بِمَنْعِ اقْتِدَاءِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَنَحْوِهِ بمثله لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ ثَمَّ بِخِلَافِهِ هُنَا لَا اقْتِدَاءُ قَارِئِ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ دُونَ آخِرِهَا بِقَارِئِ آخِرِهَا دُونَ أَوَّلِهَا وَإِنْ كَثُرَ الْآخِرُ وَلَا عَكْسُهُ وَلَا اقْتِدَاءُ قَارِئِ أَوَّلِهَا أو آخِرِهَا بِقَارِئِ وَسَطِهَا وَلَا عَكْسُهُ الشَّامِلُ لها كَلَامُ أَصْلِهِ وَلَا أَلْثَغَ الرَّاءِ مَثَلًا بِأَلْثَغِ السِّينِ كَذَلِكَ لِاخْتِلَافِهِمَا وَلَا أَرَتَّ بِأَرَتَّ إنْ اخْتَلَفَتْ رَتَّتُهُمَا
الْأَلْثَغُ بِالْمُثَلَّثَةِ من في لِسَانِهِ لُثْغَةٌ بِضَمِّ اللَّامِ وهو من يُبْدِلُ حَرْفًا بِآخَرَ كَأَنْ يُبْدِلَ السِّينَ بِالْمُثَلَّثَةِ أو الرَّاءَ بِالْغَيْنِ فيقول الْمُثْتَقِيمَ غَيْغِ الْمَغْضُوبِ وَالْأَرَتُّ بِالْمُثَنَّاةِ من في لِسَانِهِ رُتَّةٌ بِضَمِّ الرَّاءِ وهو من يُدْغِمُ في غَيْرِ مَوْضِعِ الْإِدْغَامِ
وَظَاهِرٌ أَنَّ الْعِبْرَةَ في الِاتِّفَاقِ وَالِاخْتِلَافِ بِالْحَرْفِ الْمَعْجُوزِ عنه فَلَوْ أَبْدَلَ أَحَدُهُمَا السِّينَ تَاءً وَالْآخَرُ زَايًا كَانَا مُتَّفِقَيْنِ وَلَوْ كانت لُثْغَتُهُ يَسِيرَةً بِأَنْ يَأْتِيَ بِالْحَرْفِ غير صَافٍ لم يُؤَثِّرْ
وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ خَلْفَ التِّمْتَام وَالْفَأْفَاءِ هذا مُسَاوٍ لِكَلَامِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَالْمُحَرَّرِ وَتُكْرَهُ إمَامَةُ التَّمْتَامِ وَالْفَأْفَاءِ وَكُلٌّ صَحِيحٌ وَهُمَا الْمُكَرِّرَانِ الْفَاءَ وَالتَّاءَ وَلَا يَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِهِمَا بَلْ يَجْرِي في الْوَأْوَاءِ وهو من يُكَرِّرُ الْوَاوَ وفي غَيْرِهِ مِمَّنْ يُكَرِّرُ شيئا من سَائِرِ الْحُرُوفِ لِلزِّيَادَةِ وَلِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ بِتَكْرَارِ الْحَرْفِ وَلِنَفْرَةِ الطِّبَاعِ من سَمَاعِ كَلَامِهِمْ وَصَحَّتْ إمَامَتُهُمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَنْقُصُونَ شيئا بَلْ يَزِيدُونَ زِيَادَةً هُمْ مَعْذُورُونَ فيها وَالْفُقَهَاءُ يُعَبِّرُونَ بِالتَّمْتَامِ وَاَلَّذِي في الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ وهو الْقِيَاسُ التَّأْتَاءُ وتكره خَلْفَ لَحَّانٍ كَثْرَةُ اللَّحْنِ الْمُفَادَةُ بِلَحَّانٍ لَيْسَتْ مُرَادَةً وفي نُسْخَةٍ لَاحِنٍ وَهِيَ الْمُوَافِقَةُ لِتَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِمَنْ يَلْحَنُ لَحْنًا لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى كَرَفْعِ هَاءِ لِلَّهِ وَنَصْبِهِ وَيَحْرُمُ تَعَمُّدُهُ فَإِنْ غَيَّرَهُ كَضَمِّ تَاءِ أَنْعَمْتَ أو كَسْرِهَا فَإِنْ كان لِعَجْزٍ فَكَالْأَلْثَغِ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ وَقُدْوَةُ مِثْلِهِ بِهِ أو لِتَقْصِيرٍ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ في صِفَةِ الصَّلَاةِ من أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ فَلَا تَصِحُّ الْقُدْوَةُ بِهِ وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي في الْفَاتِحَةِ أو بَدَلِهَا فَقَطْ كما مَرَّ فَإِنْ لَحَنَ في غَيْرِ ذلك لَحْنًا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى كَقَوْلِهِ إنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ من الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ بِجَرِّ اللَّامِ فَإِنْ كان قَادِرًا عَالِمًا عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَتَصِحُّ وَتَصِحُّ الْقُدْوَةُ بِهِ لِأَنَّ تَرْكَ السُّورَةِ جَائِزٌ قال الْإِمَامُ وَلَوْ قِيلَ ليس لِهَذَا اللَّاحِنِ قِرَاءَةُ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ مِمَّا يَلْحَنُ فيه لم يَكُنْ بَعِيدًا لِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَا ليس بِقُرْآنٍ بِلَا ضَرُورَةٍ وَقَوَّاهُ السُّبْكِيُّ قال وَمُقْتَضَاهُ الْبُطْلَانُ في الْقَادِرِ وَالْعَاجِزِ
وَلَا يَقْتَدِي رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً مع خَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ لَا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا وَلَا بِخُنْثَى مُشْكِلٍ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ وَلَا خُنْثَى مُشْكِلٌ بِهِمَا أَيْ بِامْرَأَةٍ وَبِخُنْثَى مُشْكِلٍ لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ مع تَحَقُّقِ أُنُوثَةِ الْإِمَامِ في الْأُولَى مع احْتِمَالِهَا في الثَّانِيَةِ وَلَا تَتَبَيَّنُ الصِّحَّةُ إذَا خَالَفَ أَحَدٌ من هَؤُلَاءِ ما ذُكِرَ ثُمَّ بَانَ الْإِمَامُ رَجُلًا وَالْمَأْمُومُ امْرَأَةً أو بَانَا رَجُلَيْنِ أو امْرَأَتَيْنِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقُدْوَةِ في الظَّاهِرِ لِلتَّرَدُّدِ عِنْدَهَا وَيُكْرَهُ اقْتِدَاءُ خُنْثَى بَانَتْ أُنُوثَتُهُ بِامْرَأَةٍ وَرَجُلٍ بِخُنْثَى بَانَتْ ذُكُورَتُهُ
____________________
(1/217)
قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَتَقْتَدِي الْمَرْأَةُ بِالْجَمِيعِ أَيْ بِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى
فَرْعٌ لو اقْتَدَى بِمَنْ لَا يَقْضِي كَمُسْتَحَاضَةٍ غَيْرِ مُتَحَيِّرَةٍ وَمُسْتَجْمِرٍ وَمُتَيَمِّمٍ وَعَارٍ وَمُضْطَجِعٍ وَنَحْوِ ذلك كَمَاسِحِ خُفٍّ وَقَاعِدٍ وَمُسْتَلْقٍ وَمُومٍ بِشُرُوطِهَا الْمَعْرُوفَةِ في مَحَالِّهَا صَحَّ لِصِحَّةِ صَلَاتِهِمْ من غَيْرِ إعَادَةٍ أَمَّا الْمُتَحَيِّرَةُ فَلَا تَصِحُّ قُدْوَةَ غَيْرِهَا وَلَوْ مُتَحَيِّرَةً بها لِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ عليها على ما مَرَّ في الْحَيْضِ وَالتَّصْرِيحُ بِالْعَارِي من زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ لِمَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ وَنَحْوِ ذلك لِلْعِلْمِ بِهِ من الْكَافِ الدَّاخِلَةِ على الْمَذْكُورَاتِ
فَرْعٌ إذَا بَانَ لِلْمَأْمُومِ في أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ على خِلَافِ ظَنِّهِ حَدَثُ إمَامِهِ أو تَنَجُّسُهُ وَلَوْ بِنَجَاسَةٍ خَفِيَّةٍ فَارَقَهُ وُجُوبًا لِعِلْمِهِ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ إمَامِهِ قال في الْمَجْمُوعِ وَلَا يُغْنِي عن الْمُفَارَقَةِ تَرْكُ الْمُتَابَعَةِ قَطْعًا بَلْ تَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ صلى بَعْضَ صَلَاتِهِ خَلْفَ من عَلِمَ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ أو بِأَنَّ ذلك بَعْدَ غَيْرِ الْجُمُعَةِ لم يَقْضِ صَلَاتَهُ لِانْتِفَاءِ التَّقْصِيرِ منه وَلِمَا رَوَى أبو دَاوُد وَغَيْرُهُ من رِوَايَةِ أبي بَكْرَةَ وقال الْبَيْهَقِيُّ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَحْرَمَ وَأَحْرَمَ الناس خَلْفَهُ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ فَأَشَارَ إلَيْهِمْ كما أَنْتُمْ ثُمَّ خَرَجَ وَاغْتَسَلَ وَرَجَعَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ ولم يَأْمُرْهُمْ بِالْإِعَادَةِ وَلَا يُنَافِيهِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ من رِوَايَةِ أبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ قبل أَنْ يُحْرِمَ لِأَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ قَالَهُ في الْمَجْمُوعِ وَالْخَبَرَانِ صَحِيحَانِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ في النَّجَاسَةِ بين الْخَفِيَّةِ وَالظَّاهِرَةِ وهو ما صَحَّحَهُ في التَّحْقِيقِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ من جِنْسِ الْخَفِيَّةِ وقال الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ في الظَّاهِرَةِ لِأَنَّهُ يُنْسَبُ فيها إلَى تَقْصِيرٍ وَجَرَى عليه الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وقال في الْمَجْمُوعِ إنَّهُ أَقْوَى وَحَمَلَ فيه وفي تَصْحِيحِهِ كَلَامَ التَّنْبِيهِ عليه وَبِهِ أَفْتَيْت وَالْخَفِيَّةُ ما تَكُونُ بِبَاطِنِ الثَّوْبِ وَالظَّاهِرَةُ ما تَكُونُ بِظَاهِرِهِ فَيَجِبُ فيها الْقَضَاءُ على الثَّانِي نعم لو كانت بِعِمَامَتِهِ وَأَمْكَنَهُ رُؤْيَتُهَا إذَا قام لَكِنَّهُ صلى جَالِسًا لِعَجْزِهِ فلم تُمْكِنْهُ رُؤْيَتُهَا لم يَقْضِ لِأَنَّ فَرْضَهُ الْجُلُوسُ فَلَا تَفْرِيطَ منه ذَكَرَ ذلك الرُّويَانِيُّ قال الْأَذْرَعِيُّ وَقَضِيَّتُهُ الْفَرْقُ بين الْمُقْتَدِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ أَيْ حتى لَا يَجِبَ الْقَضَاءُ على الْأَعْمَى مُطْلَقًا انْتَهَى فَالْأَوْلَى الضَّبْطُ بِمَا في الْأَنْوَارِ أَنَّ الظَّاهِرَ ما تَكُونُ بِحَيْثُ لو تَأَمَّلَهَا الْمَأْمُومُ رَآهَا وَالْخَفِيَّةُ بِخِلَافِهَا إلَّا إنْ عَلِمَهُ مُحْدِثًا أو مُتَنَجِّسًا وَنَسِيَ ولم يَحْتَمِلْ أَنَّهُ تَوَضَّأَ الْأَوْلَى تَطَهَّرَ بِأَنْ لم يَفْتَرِقَا فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِتَقْصِيرِهِ وفي الْجُمُعَةِ تَفْصِيلٌ سَيَأْتِي بَيَانُهُ فيها من كَوْنِ الْإِمَامِ زَائِدًا على الْأَرْبَعِينَ أو لَا وَيَقْضِي إنْ بَانَ إمَامُهُ امْرَأَةً أو خُنْثَى أو مَجْنُونًا أو أُمِّيًّا أو قَادِرًا على الْقِيَامِ أو كَافِرًا وَلَوْ زِنْدِيقًا وَمُرْتَدًّا لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ الْبَحْثِ عَنْهُمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْفَوْنَ غَالِبًا بِخِلَافِ ما لو بَانَ مُحْدِثًا كما مَرَّ وَلِنَقْصِ ما عَدَا الْقَادِرَ على الْقِيَامِ وَذِكْرُ حُكْمِ الْقَادِرِ من زِيَادَتِهِ وَالْمَنْقُولُ عن الصَّيْمَرِيِّ وَغَيْرِهِ خِلَافُهُ وهو قَضِيَّةُ قَوْلِهِ كَأَصْلِهِ في خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ لو خَطَبَ جَالِسًا فَبَانَ قَادِرًا فَكَمَنْ بَانَ جُنُبًا إلَّا إنْ اقْتَدَى بِمَنْ أَسْلَمَ ثُمَّ قال بَعْدَ الْفَرَاغِ كُنْت غير مُسْلِمٍ أَيْ لم أَكُنْ أَسْلَمْت حَقِيقَةً أو أَسْلَمْت ثُمَّ ارْتَدَدْت فَلَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِأَنَّ إمَامَهُ كَافِرٌ بِذَلِكَ فَلَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ وَهَذَا قد نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ بِخِلَافِ ما لو اقْتَدَى بِمَنْ جَهِلَ إسْلَامَهُ أو شَكَّ فيه ثُمَّ أخبره بِكُفْرِهِ
فَرْعٌ تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَ مَجْهُولٍ إسْلَامُهُ أو قِرَاءَتُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِسْلَامُ وَالظَّاهِرُ من حَالِ الْمُسْلِمِ الْمُصَلِّي أَنَّهُ يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ فَإِنْ أَسَرَّ هذا في جَهْرِيَّةٍ أَعَادَ الْمَأْمُومُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لو كان قَارِئًا لَجَهَرَ وَيَلْزَمُهُ الْبَحْثُ عن حَالِهِ كما نَقَلَهُ الْإِمَامُ عن أَئِمَّتِنَا لِأَنَّ إسْرَارَ الْقِرَاءَةِ في الْجَهْرِيَّةِ يُخَيِّلُ أَنَّهُ لو كان يُحْسِنُهَا لَجَهَرَ بها أَمَّا في السِّرِّيَّةِ فَلَا إعَادَةَ عليه عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْبَحْثُ عن حَالِهِ كما لَا يَلْزَمُهُ الْبَحْثُ عن طَهَارَةِ الْإِمَامِ نَقَلَهُ ابن الرِّفْعَةِ عن الْأَصْحَابِ
____________________
(1/218)
لَا إنْ قال بَعْدَ سَلَامِهِ من الْجَهْرِيَّةِ نَسِيت الْجَهْرَ وَصَدَّقَهُ الْمَأْمُومُ فَلَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بَلْ تُسْتَحَبُّ كَمَنْ جَهِلَ من إمَامِهِ الذي له حَالَتَا جُنُونٍ وَإِفَاقَةٍ أو إسْلَامٍ وَرِدَّةٍ وَقْتَ جُنُونِهِ أو رِدَّتِهِ فإنه لَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بَلْ تُسْتَحَبُّ وَتَصِحُّ خَلْفَ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ وَعَبْدٍ وَلَوْ في نَفْلٍ لِلِاعْتِدَادِ بِصَلَاتِهِمَا وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ عَمْرَو بن سَلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ كان يَؤُمُّ قَوْمَهُ على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو ابن سِتِّ أو سَبْعِ سِنِينَ وَأَنَّ عَائِشَةَ كان يَؤُمُّهَا عَبْدُهَا ذَكْوَانُ ولكن الْبَالِغَ وَالْحُرَّ أَوْلَى مِنْهُمَا وَإِنْ اخْتَصَّا بِفَضْلٍ من وَرَعٍ أو نَحْوِهِ لِكَمَالِهِمَا وَخُرُوجًا من خِلَافِ من مَنَعَ الِاقْتِدَاءَ بِالصَّبِيِّ وَمَنْ كَرِهَ الِاقْتِدَاءَ بِهِ وَبِالْعَبْدِ قال في الْمَجْمُوعِ فَالْعَبْدُ الْبَالِغُ أَوْلَى من الْحُرِّ الصَّبِيِّ وَلَوْ اجْتَمَعَ عَبْدٌ وَحُرٌّ وزاد بِالْفِقْهِ فَهُمَا سَوَاءٌ على الْأَصَحِّ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ في صَلَاةِ الْجِنَازَةِ حَيْثُ صَحَّحُوا فيها أَوْلَوِيَّةَ صَلَاةِ الْحُرِّ لِأَنَّ الْقَصْدَ منها الدُّعَاءُ وَالشَّفَاعَةُ وَالْحُرُّ بِهِمَا أَلْيَقُ
وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُبَعَّضَ أَوْلَى من كَامِلِ الرِّقِّ
فَصْلٌ يُقَدَّمُ في الْإِمَامَةِ الْعَدْلُ على الْفَاسِقِ وَإِنْ كان أَفْقَهَ وَأَقْرَأَ
لِأَنَّهُ لَا يُوثَقُ بِهِ بَلْ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ خَلْفَ الْفَاسِقِ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا صَحَّتْ لِمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كان يُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ قال الشَّافِعِيُّ وَكَفَى بِهِ فَاسِقًا وخلف الْمُبْتَدِعِ الذي لَا يُكَفَّرُ بِبِدْعَتِهِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي كَالْفَاسِقِ بَلْ أَوْلَى لِمُلَازَمَةِ اعْتِقَادِهِ في الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْفَاسِقِ وَالْأَعْمَى كَالْبَصِيرِ في الْإِمَامَةِ لِتَعَارُضِ فَضِيلَتَيْهِمَا لِأَنَّ الْأَعْمَى لَا يَنْظُرُ ما يَشْغَلُهُ فَهُوَ أَخْشَعُ وَالْبَصِيرُ يَنْظُرُ الْخَبَثَ فَهُوَ أَحْفَظُ لِتَجَنُّبِهِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ من زِيَادَتِهِ إنْ لم يَبْتَذِلْ بِالْمُعْجَمَةِ ما إذَا تَبَذَّلَ أَيْ تَرَكَ الصِّيَانَةَ من الْمُسْتَقْذَرَاتِ كَأَنْ لَبِسَ ثِيَابَ الْبِذْلَةِ فإن الْبَصِيرَ أَوْلَى منه نَقَلَهُ ابن كَجٍّ بِصِيغَةِ قِيلَ عن النَّصِّ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ ذِكْرُهُ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِمَّا يَأْتِي في نَظَافَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَلَا يَخْتَصُّ ذلك بِتَبَذُّلِ الْأَعْمَى بَلْ لو تَبَذَّلَ الْبَصِيرُ كان الْأَعْمَى أَوْلَى منه قال الْمَاوَرْدِيُّ وَإِمَامُهُ الْحُرُّ الْأَعْمَى أَفْضَلُ من إمَامِهِ الْعَبْدِ الْبَصِيرِ وَتَصِحُّ خَلْفَ مُبْتَدِعٍ يقول بِخَلْقِ الْقُرْآنِ أو بِغَيْرِهِ من الْبِدَعِ وَلَا يُكَفَّرُ بِهِ كَذَا أَطْلَقَهُ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ وقال في الرَّوْضَةِ إنَّهُ الصَّحِيحُ أو الصَّوَابُ فَقَدْ قال الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ عنه أَقْبَلُ شَهَادَةَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إلَّا الْخَطَّابِيَّةِ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ بِالزُّورِ لِمُوَافِقِيهِمْ ولم يَزَلْ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ على الصَّلَاةِ خَلْفَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ وَإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ عليهم وقد تَأَوَّلَ لِأَجْلِ ذلك الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ ما جاء عن الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ من تَكْفِيرِ الْقَائِلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ على كُفْرَانِ النِّعَمِ وَيُسْتَثْنَى من ذلك ما سَيَأْتِي في الشَّهَادَةِ من تَكْفِيرِ مُنْكِرِي الْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّاتِ وَبِالْمَعْدُومِ وما في الْمَجْمُوعِ من تَكْفِيرِ من يُصَرِّحُ بِالتَّجْسِيمِ فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ كَسَائِرِ الْكُفَّارِ وما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا عُلِمَ من قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَتُكْرَهُ خَلْفَ الْمُبْتَدِعِ وَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ يقول بِخَلْقِ الْقُرْآنِ أو ذَكَرَ معه ما ذَكَرْته كان أَوْلَى وَالْأَفْقَهُ في بَابِ الصَّلَاةِ الْأَقْرَأُ أَيْ الْأَكْثَرُ قُرْآنًا أَوْلَى من غَيْرِهِ لِفَضْلِهِ بِزِيَادَةِ الْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ ثُمَّ الْأَفْقَهُ أَوْلَى من الْأَقْرَإِ لِأَنَّ افْتِقَارَ الصَّلَاةِ لِلْفِقْهِ لَا يَنْحَصِرُ بِخِلَافِ الْقُرْآنِ وَلِتَقْدِيمِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ في الصَّلَاةِ على غَيْرِهِ مع أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَصَّ على أَنَّ
____________________
(1/219)
غَيْرَهُ أَقْرَأُ منه ثُمَّ الْأَقْرَأُ على الْأَوْرَعِ لِأَنَّهَا أَشَدُّ احْتِيَاجًا إلَيْهِ من الْوَرَعِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ عن أبي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ كَانُوا في الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا في السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا في الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا وفي رِوَايَةِ سَلْمَانَ وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سُلْطَانِهِ وَلَا يَقْعُدْ في بَيْتِهِ على تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَظَاهِرُهُ تَقْدِيمُ الْأَقْرَإِ على الْأَفْقَهِ كما هو وَجْهٌ وَأَجَابَ عنه الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ الصَّدْرَ الْأَوَّلَ كَانُوا يَتَفَقَّهُونَ مع الْقِرَاءَةِ فَلَا يُوجَدُ قَارِئٌ إلَّا وهو فَقِيهٌ قال النَّوَوِيُّ لَكِنْ في قَوْلِهِ فَإِنْ كَانُوا في الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ دَلِيلٌ على تَقْدِيمِ الْأَقْرَإِ مُطْلَقًا انْتَهَى وقد يُجَابُ بِأَنَّهُ قد عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْرَإِ في الْخَبَرِ الْأَفْقَهُ في الْقُرْآنِ فإذا اسْتَوَوْا في الْقُرْآنِ فَقَدْ اسْتَوَوْا في فِقْهِهِ فإذا زَادَ أَحَدُهُمْ بِفِقْهِ السُّنَّةِ فَهُوَ أَحَقُّ فَلَا دَلَالَةَ في الْخَبَرِ على تَقْدِيمِ الْأَقْرَإِ مُطْلَقًا بَلْ على تَقْدِيمِ الْأَقْرَإِ الْأَفْقَهِ في الْقُرْآنِ على من دُونَهُ وَلَا نِزَاعَ فيه ثُمَّ الْأَوْرَعُ وهو مُتَّقِي أَيْ مُجْتَنِبُ الشُّبُهَاتِ خَوْفًا من اللَّهِ تَعَالَى وهو بَعْدَهُمَا أَيْ بَعْدَ الْأَفْقَهِ وَالْأَقْرَإِ وَلَا حَاجَةَ بِهِ لِهَذَا بَعْدَ تَعْبِيرِهِ بِثُمَّ وَقَوْلُهُ وهو مُتَّقِي الشُّبُهَاتِ أَخَذَهُ من تَفْسِيرِ التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ الْوَرَعَ بِأَنَّهُ اجْتِنَابُ الشُّبُهَاتِ خَوْفًا من اللَّهِ تَعَالَى وَفَسَّرَهُ الْأَصْلُ بِأَنَّهُ زِيَادَةٌ على الْعَدَالَةِ من حُسْنِ السِّيرَةِ وَالْعِفَّةِ ثُمَّ بَعْدَ الْأَوْرَعِ يُقَدَّمُ الْأَسَنُّ على الْأَنْسَبِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عن مَالِكِ بن الْحُوَيْرِثِ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ وَلِأَنَّ فَضِيلَةَ الْأَسَنِّ في ذَاتِهِ وَالْأَنْسَبِ في آبَائِهِ وَفَضِيلَةُ الذَّاتِ أَوْلَى وَالْعِبْرَةُ بِالْأَسَنِّ في الْإِسْلَامِ لَا بِكِبَرِ السِّنِّ فَيُقَدَّمُ شَابٌّ أَسْلَمَ أَمْسِ على شَيْخٍ أَسْلَمَ الْيَوْمَ لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ السَّابِقَةِ فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا بَدَلَ سِنًّا فَإِنْ أَسْلَمَا مَعًا فَالشَّيْخُ مُقَدَّمٌ على الشَّابِّ لِعُمُومِ خَبَرِ مَالِكٍ وَهَذَا من زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ قال الْبَغَوِيّ وَيُقَدَّمُ من أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ على من أَسْلَمَ تَبَعًا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ وَإِنْ تَأَخَّرَ إسْلَامُهُ لِأَنَّهُ اكْتَسَبَ الْفَضْلَ لِنَفْسِهِ قال ابن الرِّفْعَةِ وهو ظَاهِرٌ إذَا كان إسْلَامُهُ قبل بُلُوغِ من أَسْلَمَ تَبَعًا أَمَّا بَعْدَهُ فَيَظْهَرُ تَقْدِيمُ التَّابِعِ وَلَوْ قِيلَ بِتَسَاوِيهِمَا حِينَئِذٍ لم يَبْعُدْ ثُمَّ بَعْدَ الْأَسَنِّ الْأَنْسَبُ فَيُقَدَّمُ الْقُرَشِيُّ على غَيْرِهِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ الناس تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ في هذا الشَّأْنِ مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ وَالْمُرَادُ بهذا الشَّأْنِ الْإِمَامَةُ الْكُبْرَى فَقِسْنَا عليها الصُّغْرَى
وَعَلَى قُرَيْشٍ كُلَّ من في نَسَبِهِ شَرَفٌ
وَيُعْتَبَرُ بِمَا تُعْتَبَرُ بِهِ الْكَفَاءَةُ كَالْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ فَيُقَدَّمُ الْهَاشِمِيُّ وَالْمُطَّلِبِيُّ ثُمَّ سَائِرُ قُرَيْشٍ ثُمَّ الْعَرَبِيُّ ثُمَّ الْعَجَمِيُّ وَيُقَدَّمُ ابن الْعَالِمِ أو الصَّالِحِ على ابْنِ غَيْرِهِ ثُمَّ بَعْدَ الْأَنْسَبِ الْأَقْدَمُ هو أو أَبُوهُ وَإِنْ عَلَا هِجْرَةً إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أو إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَقِيَاسُ ما مَرَّ من تَقْدِيمِ من أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ على من أَسْلَمَ تَبَعًا تَقْدِيمُ من هَاجَرَ بِنَفْسِهِ على من هَاجَرَ أَحَدُ آبَائِهِ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ هِجْرَتُهُ وما ذَكَرَهُ من تَقْدِيمِ الْوَرَعِ على الثَّلَاثَةِ بَعْدَهُ هو ما أَشْعَرَ بِتَصْحِيحِهِ كَلَامُ الْأَصْلِ وهو ما في الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَمُتَابِعِيهِ لَكِنْ أَخَّرَهُ في التَّنْبِيهِ عنها وَارْتَضَاهُ النَّوَوِيُّ في تَصْحِيحِهِ قال الْإِسْنَوِيُّ وهو ظَاهِرُ ما في الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ وما ذَكَرَهُ أَيْضًا من تَأْخِيرِ الْهِجْرَةِ عن السِّنِّ وَالنَّسَبِ هو ما أَشْعَرَ بِتَصْحِيحِهِ كَلَامُ الْأَصْلِ أَيْضًا وَاَلَّذِي في التَّحْقِيقِ وَاخْتَارَهُ في الْمَجْمُوعِ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِمَا لِخَبَرِ أبي مَسْعُودٍ السَّابِقِ
قال وَأَمَّا خَبَرُ مَالِكٍ فَإِنَّمَا كان خِطَابًا له وَلِرُفْقَتِهِ وَكَانُوا مُتَسَاوِينَ نَسَبًا وَهِجْرَةً وَإِسْلَامًا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ كَانُوا مُتَسَاوِينَ أَيْضًا في الْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُمْ هَاجَرُوا إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَأَقَامُوا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً فَالظَّاهِرُ تَسَاوِيهِمْ في جَمِيعِ الْخِصَالِ إلَّا السِّنَّ فَلِهَذَا قَدَّمَهُ ثُمَّ الْأَنْظَفُ ثَوْبًا وَبَدَنًا وَصَنْعَةً عن الْأَوْسَاخِ لِإِفْضَاءِ النَّظَافَةِ إلَى اسْتِمَالَةِ الْقُلُوبِ وَكَثْرَةِ الْجَمْعِ ثُمَّ الْأَحْسَنُ صَوْتًا لِمَيْلِ الْقَلْبِ إلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَاسْتِمَاعِ كَلَامِهِ ثُمَّ الْأَحْسَنُ صُورَةً لِمَيْلِ الْقَلْبِ إلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ كَذَا رَتَّبَ الْأَصْلُ عن الْمُتَوَلِّي وَجَزَمَ بِهِ في الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَاَلَّذِي في التَّحْقِيقِ فَإِنْ اسْتَوَيَا قُدِّمَ بِحُسْنِ الذِّكْرِ ثُمَّ بِنَظَافَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَطِيبِ الصَّنْعَةِ وَحُسْنِ الصَّوْتِ ثُمَّ الْوَجْهِ وفي الْمَجْمُوعِ الْمُخْتَارُ تَقْدِيمُ أَحْسَنِهِمْ ذِكْرًا ثُمَّ صَوْتًا ثُمَّ هَيْئَةً فَإِنْ تَسَاوَيَا وَتَشَاحَّا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِحُسْنِ الْهَيْئَةِ حُسْنُ الْوَجْهِ لِيُوَافِقَ ما في التَّحْقِيقِ وَالْمُقِيمُ أَوْلَى من الْمُسَافِرِ الذي يَقْصُرُ لِأَنَّهُ إذَا أَمَّ أَتَمُّوا كلهم فَلَا يَخْتَلِفُونَ وإذا أَمَّ الْقَاصِرُ اخْتَلَفُوا وَهَذَا من زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ في الْمَجْمُوعِ مع ما يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي من أَنَّ هذا إذَا لم يَكُنْ فِيهِمْ السُّلْطَانُ أو نَائِبُهُ فَإِنْ كان فَهُوَ أَحَقُّ وَإِنْ كان مُسَافِرًا
قال وَمَعْرُوفُ
____________________
(1/220)