فلا بد وأن يكون قد سماه ونواه ووجب أن يقال المبيع للموكل وله الرد ولو أراد فقال البائع إنه قد عرفه الموكل ورضى به وليس لك الرد نظر إن لم يحتمل بلوغ الخبر إليه لم يلتفت
إلى قوله وإن احتمل وأنكر الوكيل حلف على نفى العلم برضى الموكل لانه لو أقر به للزمه حكم إقراره وعن أبى حامد القاضى وغيره وجه آخر أنه لا يخاف والمذهب الاول وقوله في المختصر وإن وكله بشراء سلعه فأصاب بها عيبا كان له الرد بالعيب وليس عليه أن يخلفه أنه ما رضى به الامؤول عند الاصحاب محمول على ما إذا لم يكن ما يدعيه محتملا أو على ما إذا احتمل طلب اليمين منه على البت أو على ما إذا لم يجزم بالدعوى بل قال أجز فلعله بلغه الخبر ورضى به ومنهم من غلط المزني في النقل وقال انه أدخل جواب مسأله في مسأله إذا عرفت ذلك فإذا عرضنا اليمين على الوكيل لم يخل اما أن يخلف أو ينكل ان حلف رده فان حضر الموكل وصدق البائع فعن سريج أن له استرداد المبيع من البائع لموافقته اياه على الرضى قبل الرد وفى التتمه أن القاضى الحسين قال لا يسترد وينفذ فسخ الوكيل فان مكل حلف البائع وسقط رد الوكيل ثم إذا حضر الموكل وصدق البائع فذاك وان كذبه قال في التهذيب لزم العقد للوكيل ولا رد له لابطاله الحق بالنكول وفيه من الاشكال ما قدمناه هذا كله في طرف الشراء أما الوكيل بالبيع إذا بالع فوجد المشترى بالمبيع عيبا رده عليه ان لم يعلمه وكيلا وان علمه وكيلا رده عليه ان شاء ثم هو يرد على الموكل وعلى الوكيل ان شاء(11/42)
وهل للوكيل حط بعض الثمن المعيب فيه قولان عن ابن سريج ولو زعم الموكل حدوث العيب في يد المشترى وصدق الوكيل المشترى رد المشترى على الوكيل ولم يرد الوكيل على الموكل.
(فرع) سيأتي في القراض أن الوكيل بالشراء هل يشترى من يعتق على الموكل ان قلنا يشتريه فلو كان معيبا فللوكيل رده لانه لا يعتق على الموكل قبل الرضى بالعيب ذكره في التهذيب.
قال (الرابعة الوكيل بتصرف معين لا يوكل الا إذا أذن له فيه.
فلو وكل بتصرفات كثيرة وأذن في التوكيل وكل.
وان اطلق فثلاثة اوجه.
وفى الثالث يوكل في المقدار المعجوز عنه ويباشر الباقي.
ثم لا يوكل الا أمينا رعاية للغبطة) .
مقصود الفصل الكلام في أن الوكيل هل يوكل لا يخلو اما أن ياذن له الموكل في التوكيل صريحا أو يسكت عنه ان سكت عنه فينظر ان كان أمرا يتاتى له الاتيان به لم يوكل فيه لانه لم
يرض بتصرف غيره وان لم يتأت ذلك منه اما لانه لا يحسن أو لان الاتيان به لا يليق بمنصببه فله التوكيل فيه لان الشخص لا يقصد منه الا الاستنابة فيه وفيه وجه أنه لا يوكل لقصور قضية اللفظ ولو كثرت التصرفات التى وكله بها ولم يمكنه الاتيان بالكل لكثرتها ففيه ثلاثة طرق (أصحهما) أنه يوكل فيما يزيد على قدر الامكان وفى قدر الامكان وجهان (أحدهما) يوكل فيه أيضا لانه ملك التوكل في البعض فيوكل في الكل كما لو أذن صريحا (وأصحهما) أنه لا يوكل في القدر المقدور له لانه لاضرورة إليه (والثانية) أنه لا يوكل في قدر الامكان وفيما يزيد عليه وجهان (الثالثة) اطلاق(11/43)
الوجهين في الكل قال الامام رحمه الله تعالى والخلاف على اختلاف الطرق ناظر إلى اللفظ والقرينة وفى القرينة تردد في التعميم والتخصيص أما إذا أذن له في التوكيل فله أن يوكل ثم له ثلاث صور لانه اما أن يقول وكل عن نفسك أو وكل عنى أو يطلق (الصورة الاولى) إذا قال وكل عن نفسك ففعل انعزل الثاني بعزل الاول لانه نائبه وفيه وجه أنه لا ينعزل الا بالاذن واجري هذا الخلاف في انعزاله بموت الاول وجنونه (والاصح) الانعزال ولو عزل الموكل الوكيل الاول انعزل وفى انعزال الثاني بانعزاله هذا الخلاف ولو عزل الثاني ففى انعزاله وجهان (أحدهما) لا ينعزل لانه ليس بوكيل من جهته (وأصحهما) أنه ينعزل كما ينعزل بموته وجنونه والعبارة المعبرة عن هذا الخلاف أن الثاني وكيل الوكيل كما صرح به في التوكيل أو وكيل الاول ومعنى كلامه أقم غيرك مقام نفسك والاصح أنه وكيل الوكيل الوكيل لكنه إذا كان وكيل الوكيل كان فرع الفرع وفرع الفرع فرع الاصل فينعزل بانعزاله (الصورة الثانية) إذا قال وكل عنى ففعل فالثاني وكيل الموكل كالاول وله عزل أيهما شاء وليس لواحد منهما عزل الآخر ولا ينعزل بانعزال الآخر (الثالثة) إذا قال وكلتك بكذا واذنت لك في أن تو كل به وكيلا ولم يقل عنى ولا عن نفسك ففيه وجهان (أحدهما) ان الحكم كما في الصورة الاولى لان المقصود في الاذن في التوكيل تسهيل الامر عليه (وأصحهما) أنه كالصورة الثانية لان التوكيل تصرف يتولاه باذن الموكل فيقع عنه وإذا(11/44)
جوزنا للوكيل أن يوكل في صورة سكوت الموكل عنه فينبغي أن يوكل عن موكله فلو وكله عن نفسه ففيه وجهان وهذا لان القرينة المجوزة للتوكيل كالاذن في مطلق التوكيل ويشترط على الوكيل حيث ملك التوكيل أن يوكل أمينا رعاية لمصحلة الموكل الا أن يعين له من ليس بامين ولو وكل أمينا ففسق فهل له عزله فيه وجهان.
(فرع) إذا وكله بتصرف وقال له افعل فيه ما شئت هل يكون ذلك كالاذن في التوكيل فيه وجهان عن ابن سريج (أصحهما) لا وقوله افعل ما شئت ينصرف إلى تصرفه بنفسه (وقوله) في الكتاب الوكيل بتصرف معين لا يوكل إلا إذا أذن فيه غير معمول بظاهره بل المعنى إلا إذا كان الموكل فيه مالا يتأتى للوكيل مباشرته فان الظاهر جواز التوكيل والحالة هذه كما تقرر (وقوله) فان أطلق فثلاثة أوجه هي حاصل مايخرج من الطرق الثلاثة التى قدمناها واعلم أن الصورة المذكورة في أول الباب إلى هذه الغاية موضوعة في الوكيل المطلق ومن هذا الموضع إلى آخره في التوكيل المقرون بضرب من التقييد.
قال (الخامسة تتبع مخصصات الموكل.
فلو قال بع من زيد لم يبع من غيره.
وان خصص زمانا تعين.
وان خصص سوقا يتفاوت بها الغرض تعين والا فلا.
وإذا صرح بالنهي عن غير المخصوص امتنع قطعا.
ولو قال بع بمائة يبيع بما فوقه الا إذا نهاه عنه.
ولا يبيع بما دونه بحال.
ولو قال اشتر بمائة يشترى بما دونها الا إذا نهاه.
ولا يشترى بما فوقها بحال.
ولو قال بع بمائة نسيئة فباع نقدا بمائة.
أو قال اشتر بمائة نقدا فاشترى بمائة فوجهان لان التفاوت فيه يشبه(11/45)
اختلاف الجنس.
ولا خلاف أنه لو قال بع بألف درهم فباع بألف دينار لم يجز وفيه احتمال) .
الاصل في هذه الصورة وما بعدها أنه يجب النظر بتقييدات الموكل في الوكالة ويشترط على الوكيل رعاية المفهوم منها بحسب العرف وفى الفصل صور (احدها) إذا عين الموكل شخصا بأن قال بع من زيد أو وقتا بأن قال بع في يوم كذا لم يجز أن يبيع من غيره ولا قبل ذلك الزمان ولابعده أما الاول فلان ذلك الشخص المعين قد يكون أقرب إلى الحل وأبعد عن الشبهة وربما يريد تخصيصه بذلك المبيع وأما الثاني فلانه ربما يحتاج إلى البيع في ذلك الوقت ولو عين مكانا من سوق ونحوها
نظر ان كان له في المكان المعين غرض بأن كان الراغبون فيه أكثر أو النقد فيه أجود لم يجز أن يبيع في غيره وان لم يكن غرض ظاهر فوجهان (أحدهما) يجوز والتعيين في مثل ذلك يقع اتفاقا هذا ما أورده في الكتاب وبه قال القاضى أبو حامد وقطع به الغزالي (والثانى) لا يجوز لانه ربما يكون له غرض لا يطلع عليه وهذا أصح عند ابن الفطان وصاحب التهذيب ولو نهاه صريحا عن البيع في غير ذلك الموضع امتنع بلا خلاف وذكر ابن كج أن قوله بع في بلد كذا كقوله بع في سوق كذا حتى لو باعه في بلد آخر جاء في التفصيل المذكور وهذا صحيح ولكنه يصير ضامغا للمال لنقله من ذلك البلد وكذا الثمن يكون مضمونا في يده بل لو أطلق التوكيل بالبيع وهو في بلد فليبعه في ذلك البلد ولو نقله صار ضامنا (الثانية) لو قال بع بمائة درهم لم يبع بما دونها وله أن يبيع بما فوقها والمقصود من التقدير أن لا ينقص ثمنها عن المقدار نعم لو نهاه صريحا لم يبع بما فوقها وحكي العبادي أن(11/46)
بعض البصريين من أصحابنا لم يجوز أن يبيع بما فوق المائة والمشهور الاول وهل له أن يبيع بمائة وهناك من يرغب بالزيادة على المائة فيه وجهان (أحدهما) نعم لموافقة صريح اذنه (والثانى) لا كما لو أطلق الوكالة فباع بثمن المثل وهناك من يرغب بالزيادة وذكر الائمة أنه لو كان المشترى معينا بأن قال بع كلا من فلان بمائة لم يجز أن يبيع باكثر منها وكان المعنى فيه أنه ربما يقصد ارفاقه ولو قال بع كذا ولا تبعه بأكثر من مائة لم يبع بالاكثر ويبيع بها وبما دونها ما لم ينقص عن ثمن المثل ولو قال بعه بمائة ولا تبعه بمائة وخمسين فله أن يبيع بما فوق المائة دون المائة والخمسين ولا يبيع بالمائة والخمسين وفيما فوق ذلك وجهان عن ابن سريج (أصحهما) المنع لانه لما نهى عن زيادة خمسين فعن ما فوقها أولى وكذلك في طرف الشراء لو قال اشتر بمائة له أن يشترى بما دونها إلا إذا نهاه ولا يشترى بما فوقها ولو قال اشتر بمائة ولا تشترى بخمسين يجوز أن يشترى بما بين المائة والخمسين ولا يشترى بخمسين وفيما دونها الوجهان (الثالثة) لو قال بعه إلى أجل وبين قدره أو قلنا لا حاجة إلى البيان وحملناه على المعتاد فخالف وباع حالا نظر إن باعه بما يساويه حالا لم يصح لانه يكن ناقصا عن ما أمر به فان ما يشترى به الشئ نقدا أقل مما يشترى به نسئة ولو باعه بما يساويه إلى ذلك الاجل حالا نظر إن كان في وقت
لا يؤمن فيه من نهب أو سرقة أو كان لحفظه مؤنة في الحال لم يصح أيضا وان لم يكن شئ من ذلك(11/47)
فوجهان (أحدهما) المنع أيضا فانه ربما كان يحتاج إلى الثمن في ذلك الوقت ويخاف من التعجيل خروجه في نفقته (وأصحهما) على ما ذكره في التهذيب الجواز لانه زاد خيرا ولافرق فيما ذكره بين ثمن المثل عند الاطلاق وبين ما يقدره من الثمن بأن قال بع بمائة نسيئة نقدا كما صور في الكتاب ولو قال بع بكذا إلى شهرين فباعه إلى شهر ففيه وجهان ولو قال اشتر حالا فاشتراه مؤجلا نظر ان اشتراه بما يرغب به فيه حالا إلى ذلك الاجل فوجهان كما في طرف البيع (وجه) الجواز ما مر (ووجه) المنع أنه ربما يخاف هلاك المال وبقاء الدين في ذمته قال أبو سعيد المتولي هذا إذا قلنا ان مستحق الدين المؤجل إذا عجل حقه يلزمه القبول (أما) إذا قلنا لا يلزمه القبول لا يصح الشراء ههنا للموكل بحال وذكر هو وغيره تخريجا على المسألة التى نحن فيها أن الوكيل بالشراء مطلقا لو اشترى نسيئة بثمن مثله جاز لانه زاد خيرا والموكل بسبيل من تفريغ ذمته بالتعجيل (وقوله) في الكتاب لان التفاوت فيه نسيئة اختلاف الجنس أي في النقد ونسيئة وانما يشبهه باختلاف الجنس لما بين الدين والعين أو بين الحال والمؤجل من شدة اختلاف الاغراض وهذا توجيه وجه المنع في صورتي البيع والشراء ولذلك عقبة بقوله ولا خلاف أنه لو قال بع بألف درهم فباع بألف دينار لم يجز وانما كان كذلك لان المأتى به ليس هو المأمور به ولا هو مشتمل على تحصيل ما أمر بتحصيله والوكيل متصرف بالاذن فإذا عزل عن المأذون فيه لغا تصرفه وأما قوله وفيه احتمال فقد أورد القاضى ابن كج نحوا منه وليس له(11/48)
ذكر في الوسيط ولا في كتاب الامام رحمه الله تعالى ويمكن توجيهه بأنا عرفنا بالتوكيل رغبته في البيع ومن رغب في البيع بالدراهم فهو في البيع بمثل عددها من الدنانير أرغب هذا هو العرف الغالب وكما أن البيع بالدنانير غير المأذون فيه وهو البيع بالدارهم كذلك اللبيع بالمائتين غير المأذون فيه وهو البيع بالمائة ألا ترى أنه لو قال بعتك بمائة درهم لم يصح القبول بمائتي درهم كما لا يصح بمائتي دينار فإذا صححنا البيع بالمائتين اعتمادا على العرف فكذلك البيع بالدنانير وعلى هذا الاحتمال فالبيع بعرض
يساوى مائتي دينار يشبه أن يكون كالبيع بمائة دينار.
قال (ولو سلم إليه دينارا ليشترى شاة فاشترى شاتين تساوى كل واحدة منهما دينارا وباع احداهما بدينار ورد الدينار والشاة فقد فعل هذا عروة البارقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا له فهو صحيح على أسد القولين.
وفى بيع الشاة خلاف ظاهر.
وتأويل الحديث أنه لعله كان وكيلا مطلقا) .
صور المسألة أن يسلم دينارا إلى وكيله ليشترى له شاة ووصفها فاشترى الوكيل شاتين بتلك الصفة بدينار فينظر إن لم تساوى كل واحدة منهما دينارا لم يصح الشراء للموكل وان زادتا معا على الدينار لانه ربما يبغى شاة تساوى دينارا فان كانت كل واحدة منهما تساوى دينارا فقولان (أصحهما) صحة الشراء وحصول الملك فيهما للموكل لانه اذن له في شراء شاة بدينار فإذا اشترى شاتين كل واحدة منهما تساوى دينارا بدينار فقد زاد خيرا مع تحصيل ما طلبه الموكل فأشبه ما إذا أمره ببيع شاة(11/49)
بدرهم فباعها بدرهمين أو يشترى شاة بدرهم فاشتراهما بنصف درهم (والثانى) أنه لا تقع الشاتان معا للموكل لانه لم يأذن الا في شراء واحدة ولكن ينظر ان اشتراها في الذمة فللموكل واحدة بنصف دينار والاخرى للوكيل ويرد على الموكل نصف دينار وللموكل أن ينزع الثانية منه ويقرر العقد فيهما لانه عقد العقد له وان اشتراهما بعين الدينار فكأنه اشترى واحدة باذنه واخرى بغير اذنه فينبنى على أن العقود هل تتوقف على الاجازة (ان قلنا) لا تتوقف بطل العقد في واحدة وفى الثانية قولا تفريق الصفقة (وان قلنا) تتوقف فأن شاء الموكل أخذهما بالدينار وان شاء اقتصر على واحدة ورد الاخرى على المالك والقول في وضعه مشكل لان تعيين واحدة للموكل أو بطلان العقد فيهما ليس باولى من الاخرى والتخيير مشبه بما إذا باع شاة من شاتين على أن يتخير المشترى وهو باطل ونقل الامام رحمه الله تعالى فيما إذا اشترى في الذمة قولا ثالثا وهو ان الشراء لا يصح للموكل في واحدة منهما بل يقعان للوكيل وإذا قلنا بصحة الشراء فيهما للموكل فلو باع الوكيل أحدهما عن غير اذن الموكل ففى صحة البيع قولان عن ابن سريج (أحدهما) المنع لانه لم يأذن في البيع فاشبه ما إذا اشترى شاة بدينار ثم باعها بدينارين (والثانى) أنه يصح لانه إذا جاء بالشاة فقد حصل مقصود الموكل فلا فرق فيما زاد بين
أن يكون ذهبا أو غيره وعلى هذا يخرج ما إذا اشترى شاة بدينار وباعها بدينارين ويقال هذا الخلاف هو بعينه القولان في بيع الفضولي فعلى القول الجديد يلغو وعلى القديم ينعقد موقوفا على اجازة(11/50)
الموكل واعلم أن صورة المسألة شراءا وبيعا قد نقل في حديث عروة الباقي وهو مذكور في أول البيع في مسألة الفضولي واحتج بهذا الحديث لكل واحد من القولين في أصل المسألة اما للقول الاصح فلان النبي صلى الله عليه وسلم فرره على شرائهما وألزم العقد فيهما واما للقول الثاني فلان الشاتين لو وقعتا للنبى صلى الله عليه وسلم لما باع أحداهما قبل مراجعته لان الانسان لا يبيع مال الغير كيف وقد سلم وتصرف الفضولي وان حكم بانعقاده فلا كلام في أنه ليس له التسليم قبل مراجعة المالك واجازته فلما باع أحدهما دل على أنها دخلت في ملكه وقد يقال هب أن واحدة منهما ملكه لكنها لاتتعين ما لم يختر الموكل واحدة منهما أو يجرى فيهما اصطلاح في ذلك وإذا لم تكن التى ملكها معينة فكيف يبيع واحدة منهما على التعيين ثم القائلون بالقول الاول والاحتجاج الاول احتج من ذهب منهم إلى صحة بيع احدى الشاتين بالحديث ومن منع حمل القضية على أن عروة كان وكيلا مطلقا من جهة النبي صلى الله عليه وسلم في بيع أمواله إذا رآى رأى المصلحة فيه ولكن في هذا التأويل بحث لانه ان كان قد وكله في بيع أمواله وما سيملكه وقع في الخلاف المذكور في التوكيل ببيع ما سيملكه الا أن يقال ذلك الخلاف فيما إذا خصص بيع ما سيملكه بالتوكيل أما إذا حصل تابعا لامواله الموجودة في الحال فيجوز وهذا كما أنه لو قال وقفت على من سيولد من أولادي لا يجوز ولو قال على أولادي ومن سيولد لى جاز.(11/51)
(فرع) لو قال بع عبدى بمائة درهم فباعه بمائة درهم وعبد أو ثوب يساوى مائة درهم فعن ابن سريج أنه على قولين بالترتيب على مسألة الشاتين وأولى بالمنع لانه عدل عن الجنس الذى أمره بالبيع به ان منع فيمتنع في القدر الذى يقابل غير الجنس وهو الصنف أم في الجمع كيلا تتفرق الصفقة فيه قولان (ان قلنا) في ذلك القدر خاصة ففى التتمة أنه لاخيار للبائع لانه إذا رضى ببيع الجميع بالمائة كان ارضى ببيع النصفف بها وأما المشترى ان لم يعلم كونه وكيلا بالبيع بالدراهم فله الخيار فان
علمه فوجهان لشروعه في العقد مع العلم بان بعض المعقود عليه لا يسلم له.
قال (السادسة الوكيل بالخصومة لايقر على موكله كما لا يصالح.
ولا يبرئ الوكيل بالصلح عن الدم على خمر إذا فعل حصل العفو كما لو فعله الموكل.
ولو صالح على خنزير ففيه تردد.
والوكيل بالشراء الفاسد لا يستفيد به الصحيح فلا معنى لوكالته.
وليس للوكيل بالخصومة ان يشهد لموكله الا إذا عزل قبل الخوض في الخصومة ثم شهد.
وان كان قد خاض لم يقبل لانه متهم بتصديق نفسه وإذا وكل رجلين بالخصومة فهل لكل واحد الاستبداد وجهان) .
قال الشارح في أول هذه الصورة وفى آخرها مسائل تتعلق بالتوكيل بالخصومة في خلالها ما لا يتعلق بالخصومة ونحن نستوفي ما يتعلق بالخصومة ثم نذكر المدرج في مسائلها أما ما يتعلق بالخصومة فثلاث مسائل (احداها) الوكيل بالخصومة من جهة المدعى يدعى ويقيم البينة ويسعى في تعديلها(11/52)
ويحلف ويطلب الحكم والقضاء ويفعل ما يقع وسيلة إلى الاثبات والوكيل بالخصومة من جهة المدعى عليه ينكر ويطعن في الشهود ويسعى في الدفع بما يمكنه ولو أقر وكيل المدعى بالقبض أو الابراء أقبول الحوالة أو المصالحة على مال أو بأن الحق مؤجل أو أقر وكيل المدعى عليه بالحق المدعى لم يقبل سواء أقر في مجلس الحكم أو غيره وبهذا قال أحمد وقال أبو حنيفة تقبل إذا أقر في مجلس الحكم وسلم أنه لا يقبل في دعوى النكاح والطلاق والقصاص والعفو (ولنا) القياس على ما سلمه وأيضا فانه لا يصالح ولا يبرئ لان اسم الخصومة لا يتناولهما فكذلك الاقرار ثم وكيل المدعى إذا أقر بالقبض أو الابراء انعزل عن الوكالة وان لم يلزم اقراره الموكل وكذلك وكيل المدعى عليه إذا أقر بالحق لانه بعد الاقرار ظالم في الخصومة بزعمه وأطلق القاضى ابن كج وجهين في أنه هل تبطل وكالته بالاقرار وهل يشترط في التوكيل بالخصومة بيان من يخاصم.
معه.
(فرع) نقل في النهاية أن الوكيل بالخصومة من جهة المدعى عليه لا يقبل منه تعديل بينة المدعى لانه كالاقرار في كونه قاطعا للخصومة وليس للوكيل قطع الخصومة بالاختيار وقال المصنف في الوسيط لاشك أن تعديله وحده لا ينزل منه منزلة اقرار الموكل بعدالتهم لكن رده مطلقا بعيد لان التعديل
غير مستفاد من الوكالة إلا أن يوجه بأنه بالتعديل مقصر في الوكالة وتارك حق النصح (الثانية) تقبل شهادة الوكيل على موكله ولموكله في غير ما هو وكيل فيه كما لو شهد له بعبد وقد وكله ببيع(11/53)
دار وان شهد فيما هو وكيل فيه نظر إن كان ذلك قبل العزل لم تقبل لانه يثبت لنفسه محل ولاية التصرف وان كان بعده فان كان قد خاصم فه لم تقبل أيضا لانه متهم بتمشية قوله واظهار الصدق وإن لم يخاصم فوجهان (أحدهما) لاتقبل كما لو شهد قبل العزل (وأصحهما) ويحكى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه تقبل لانه ما انتصب خصما ولا يثبت لنفسه حقا فأشبه ما لو شهد قبل التوكيل هذه هي الطريقة المشهورة وقال الامام رحمه الله تعالى قياس المراوزة أنه يعكس فيقال إن لم يخاصم تقبل شهادته وإن كان قد خاصم فوجهان ورأى هذا التفصيل فيما إذا جرى الامر على تواصل فأما إذا طال الفصل فالوجه القطع بقبول الشهادة مع احتمال فيه ويجوز أن يعلم لما ذكرنا قوله في الكتاب ثم يشهد - بالواو - (وقوله) فان كان قد خاصم إلى آخره في حكم المكرر لان فيما قبله ما يغني عنه (الثالثة) لو وكل رجلين بالخصومة ولم يصرح باستقلال كل واحد منهما (فأصح) الوجهين أن كل واحد منهما لا يستقل بها بل يتساويان ويتناصران كما لو وكل رجلين ببيع أو طلاق أو غيرهما أو وصى إلى رجلين (والثانى) أن لكل واحد منهما الاستقلال لعسر الاجتماع على الخصومة ويقرب منهما الوجهان فيما إذا وكل رجلين بحفظ متاع فعلى الاصح لا ينفرد واحد منهما بحفظه بل يحفظانه في حرز بينهما وعلى الثاني ينفرد به كل منهما فان قبل القسمة قسم ليحفظ كل واحد منهما بعضه واعلم أنه إذا ادعى عند القاضي أنه وكيل فلان في خصومة فلان فان كان المقصود بالخصومة حاضرا وصدقة ثبتت الوكالة وله مخاصمته(11/54)
وإن كذبه فأقام البينة على الوكالة ولايحتاج أن يدعى حقا لموكله وان كان غائبا وأقام المدعى البينة على الوكالة سمعها القاضى واتبعها ولا يعتبر حضور المقصود بالخصومة في اثبات الوكالة خلافا لابي حنيفة رحمه الله تعالى حيث قال لا تسمع البينة الا في وجه الخصم قال الامام رحمه الله تعالى هو بناء على امتناع القضاء على الغائب ثم حكى عن القاضى الحسين أنه لابد وان ينسب القاضى مسخرا ينوب
عن الغائب ليقيم المدعى البينة في وجهه ثم استبعده وقال لاأعرف لهذا أصلا فهما فيه من مخالفة الاصحاب وحكى ايضا عنه أن القضاة اصطلحوا على أن من وكل في مجلس القاضى وكيلا بالخصومة يختص التوكيل بالخصومة في ذلك المجلس وقال الامام رحمه الله تعالى والذى نعرفه للاصحاب أنه يخاصمه في ذلك المجلس وبعده ولا نعرف للقضاة العرف الذى ادعاه.
(فرع) وكل رجلا عند االقاش بالخصومة عنه وطلب حقوقه فللوكيل أن يخاصم عنه مادام حاضرا اعتمادا على العيان فإذا غاب وأراد الوكيل الخصومة عنه بناء على اسم وسبب يذكره فلابد من اقامة البينة على أن فلان بن فلان وكله أو على أن الذى وكله هو فلان ابن فلان ذكره أصحابنا العراقيون والشيخ أبو عاصم العبادي وعبارة العبادي أنه لابد وأن يعرف الموكل شاهدان يعرفهما القاضى ويثق بهما في أدب مختصر صفة القضاة ووراء ذلك شيئان (أحدهما) روى الامام رحمه الله(11/55)
تعالى عن القاضى الحسين أن الحكام عادتهم التساهل في هذه البينة بالعدالة الظاهرة وترك البحث والاستزكاء تسهيلا على الغرماء (والثانى) قال القاضى أبو سعيد يمكن أن يكتفى بمعرفة واحد إذا كان موثوقا به كما ذكر الشيخ أبو محمد أن تعريف المرأة في تحمل الشهادة عليها يحصل بمعرف واحد لانه اخبار وليس بشهادة وأما ما أدرجهه في خلال مسائل الخصومة فمسألتان (احداهما) لو وكله الصلح عن الدم على خمر ففعل حصل العفو كما لو فعله الموكل بنفسه وهذا لان في الصلح على الخمر وان كان فاسدا فيما يتعلق بالعوض ولكنه صحيح فيما يتعلق بالقصاص فيصح التوكيل فيما لو فعله بنفسه ليصح لا أنا نصحح التوكيل في العقد الفاسد ولو وكله بالصلح عن القصاص على خمر فصالح على خنزير ففيه جوابان عن ابن سريج أشبههما أنه لغو ويبقى القصاص على ما كان لانه مستبد بما فعل غير موافق لامر الموكل (والثانى) أنه كما لو عفا على خمر لان الوكالة بالصلح ثابتة والخمر لا تثبت وان ذكرت وانما نثبت الدية فلا فرق فيما يصح ويثبت بين أن يذكر الخمر أو الخنزير وعلى هذا لو صالح على ما يصلح عوضا وعلى الدية نفسها يجوز ولا خلاف في أنه لو اجرى هذا الاختلاف(11/56)
بين الموجب والقابل في المصالحة يلغو لعدم انتظام الخطاب والجواب ولو وكله بأن يخالع زوجته على خمر فخالع على خمر أو خنزير فعلى ما ذكرنا في الصلح عن الدم (الثانية) لو وكله ببيع أو شراء فاسد مثل أن يقول بع أو اشتر إلى وقت العطاء أو قدوم زيد لم يملك الوكيل العقد الصحيح لان الموكل ما أذن فيه ولا الفاسد لان الشرع ما أذن فيه وعن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه يملك الصحيح.
قال (السابعة إذا سلم إليه ألفا وقال اشتر بعينه شيئا فاشترى في الذمة لم يقع عن الموكل.
وان قال اشتر في الذمة وسلم الالف فاشترى بعينه ففى صحته وجهان) .
لو سلم إليه الفا وقال اشتر كذا بعينه فاشترى في الذمة لينقد ما سلمه إليه في ثمنه لم يصح الشراء للموكل لانه أمره بعقد ينفس لو تلف ما سلمه اليهه وقد لا يريد لزوم الف آخر والوكيل ابى العقد لا ينفسخ لو تلف ما سلم إليه ويلزم الرد ولو قال اشتر في الذمة وسلم هذا في ثمنه فاشترى بعينه فوجهان (أحدهما) أنه يصح للموكل لانه زاد خيرا حيث عقد على وجه لو تلف المسلم إليه لم يلزمه شئ آخر (وأصحهما) المنع لانه ربما يريد حصول ذلك المبيع لو سلم ما يسلمه إليه أو تلف ولو سلمه(11/57)
إليه وقال اشتر كذا ولم يقل بعينه ولا قال في الذمة فوجهان (أحدهما) أنه كما لو قال اشتر بعينه لان قرينة التسليم تشعر به (وظهرهما) ان الوكيل يتخير بين ان يشترى بعينه أو في الذمة لانه على النقد يرين يكون اتيانا بالمأمور ويجوز ان يكون غرضه من تسليمه إليه مجرد انصرافه إلى ثمن ذلك الشئ.
قال (ثم الوكيل مهما خالف في البيع بطل تصرفه.
ومهما خالف الشراء بعين مال الموكل فكمثل.
فان اشترى في الذمة وقع عن الوكيل الا إذا صرح بالاضافة إلى الموكل ففى وقوعه عن الوكيل وجهان) .
لما تكلم فيما اراد من صور مخالفة الوكيل الموكل وموافقته بين حكم البيع والشراء إذا وقعا مخالفين لامر الموكل اما البيع فإذا قال بع هذا العبد فباع عبدا آخر فهو باطل لان المالك لم يرض بازالة ملكه عنه واما الشراء فان وقع بعين مال الموكل فهو كالبيع أو اشترى في الذمة نظر ان لم يسم الموكل
فهو واقع عن الوكيل لان الخطاب جامعة وانما ينصرف إلى الموكل بشرط كونه موافقا لاذنه فاما إذا لم يوافق لغت النية وكان كأجنبي يشترى لغيره بالذمة وهذا كله جواب على الجديد في منع وقف العقود والغاء تصرف الفضولي واما على القديم فسبيل الوكيل فيه سبيل الاجانب يتوقف الشراء في الذمة(11/58)
على اجازته ان شاء وقع عنه والا فعن الوكيل وكذا القول في مخالفة الموكل في البيع على ما ذكرنا في اول البيع وكذا الشراء بعين ماله والبيع ينعقدان موقوفان على ذلك القول فيجوز ان يعلم قوله وقع عن الوكيل وقوله بطل تصرفه - بالواو - وكذلك القول وان سمى الموكل فوجهان (احدهما) انه يبطلل العقد راسا لانه صرح باضافته إلى الموكل وامتنع ايقاعه عنه فيلغو (واظهرهما) يقع عن الوكيل وتلغو تسمية الموكل وهذا لان تسمية الموكل غيره معتبرة في الشراء فإذا سماه ولم يمكن صرف العقد إليه صار كانه لم يسمه هذا فيما إذا قال البائع بعت منك وقال المشترى اشتريته لفلان يعنى موكله (اما) إذا قال البائع بعت من فللان يعنى موكله وقال المشترى اشتريت لفلان يعنى موكله فظاهر المذهب بطلان العقد لانه لم تجر بينهما مخاطبة ويفارق النكاح حيث يقع من الزوج ووكيل الزوج على هذه الصيغة بل لا يجوز الا كذلك لان للبيع احاما تتعلق بمجلس العقد كالخيار وغيره وتلك الاحكام انما يمكن الاعتبار فيها بالمتعاقدين فاعتبر جريان الخاطبة بينهما والنكاح سفارة مخضة.
(فرع) في فتاوى القفال ان وكيل المتهب بالقبول يجب ان يسمى موكلة والا وقع عنه لجريان الخطاب معه ولا ينصرف بالنية إلى الموكل لان الواهب قد يقصده بالتبرع بعينه وما لكل اخذ تسمح النفس بالتبرع عليه ويخالف الشراء فان المقصود فيه حصول العوض.(11/59)
قال (الحكم الثاني للوكله العهد في حق الوكيل.
ويده يد امانه في حق الموكل حتى لا يضمن سواء كان وكيلا بجعل أو بغير جعل.
ثم ان سلم إليه الثمن فهو مطالب به مهما وكل بالشراء.
وان لم يسلم الثمن وتنكر البائع كونه وكيلا طالبه.
وان اعترف بوكالته ففيه ثلاثه اوجه.
والظاهر انه يطالبه به دون الموكل.
وفى الثاني يطالب الموكل دونه.
وفى الثالث يطالبهما.
ثم ان طولب
الوكيل فالصحيح رجوعه على الموكل.
وكذلك لو تلف الثمن في يده بعد ان خرج ما اشتراه مستحقا فالمستحق يطالب البائع.
وفى مطالبته الوكيل والموكل هذه الاوجه.
وكذا الوكيل بالبيع إذا قبض الثمن وتلف في يده فخرج المبيع مستحقا فرجع المشترى بالثمن على الوكيل أو على الموكل ففيه هذا الخلاف) .
ترجم الحكم بالعهدة لكنه قد مر على الكلام في العهدة اصل اخر جعله في الوسيط حكما براسه واشتغل الحكم على مقصودين (احدهما) ان يد الوكيل يد امانه فلو تلف المال في يده من غير تصرفه فلا ضمان عليه سواء كان وكيلا بجعل أو بغير جعل وان تعدي فيه كان ركب الدابة أو(11/60)
لبس الثوب ضمن وهل ينعزل عن الوكالة فيه وجهان (احدهما) نعم لانها امانه فترجع بالتعدي كالوديعه (واصحهما) لا وبه قطع بعضهم لان الوكالة امانه واذن في التصرف والامانة حكم يترتب عليه فلا يلزم من ارتفاع هذا الحكم بطلان اصل العقد وهذا كما ان الرهن لما كان القصود منه التوثيق ومن حكمه الامانه لا يلزم من الارتفاع حكم الامانه فيه بطلان اصل الرهن وتخالف الوديعة فانها ائتمان محض فلا تبقى مع التعدي فعلى هذا يصح تصرفه وإذا باع وسلم زال عنه الضمان لانه اخرجه من يده باذن الملك وهل يزول الضمان بمجرد البيع فيه (احدهما) نعم لزوال ملك الموكل بالبيع (واصحهما) لا لانه ربما يرتفع العقد بتلفه قبل قبض المشترى فيكون التلف على ملك الموكل والثمن الذى يقبضه لا يكون مضمونا على لانه لم يتعد فيه ولو رد المشترى المبيع عليه بعيب عاد الضمان ولو دفع لوكيله دراهم ليشتري بها طعاما مثلا فتصرف فيها على ان تكون قرضا عليه صار ضامنا وليس له ان يشترى للموكل بدراهم نفسه ولا في الذمه ولو فعل كان ما اشتراه له دون الموكل وقال ابو حنيفة رحمه الله تعالى تكون للموكل ولو عادت الدراهم التى انفقها إلى يده فاراد ان يشترى بها للموكل فهو على الخلاف المذكور في ان الوكيل هل ينعزل بالتعدي والاصح انه لا ينعزل ولا يكون(11/61)
ما اشتراه مضمونا عليه لانه لم يتعد فيه ولو رد ما اشتراه بعينه واسترد الثمن عاد مضمونا عليه ومتى
طالب الموكل الوكيل برد ماله فعليه ان يخلي بينه وبينه فان امتنع صار ضامنا كالمودع (المقصود الثاني) الكلام في العهده ونقدم عليه اصليين (احدهما) الوكيل بالشراء إذا اشترى لموكله ما وكله بشرائه فالملك يثبت للوكيل ثم ينتقل إلى الموكل ام يثبت للموكل ابتداء فيه وجهان لابن سريج (احدهما) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى انه يثبت للوكيل اولا ثم ينتقل إلى الموكل لان الخطاب جرى معه واحكام العقد تتعلق به (واصحهما) انه يثبت للموكل ابتداء كما لو اشترى الاب للطفل يثبت الملك للطفل ابتداء ولانه لو ثبت للوكيل لعتق عليه ابوه إذا اشتراه لموكله ولا يعتق (الاصل الثاني) ان احكام العقد في البيع والشراء تتعلق بالوكيل دون الموكل حيث تعتبر رؤيه الوكيل دون الموكل وتلزم بمفارقه الوكيل مجلس العقد ولا تلزم بمفارقة الموكل ان كان حاضرا فيه وتسليم رأس المال في السلم والتقابض حيث يشترط التقابض يعتبران قبل مفارقه الوكيل والفسخ بخيار المجلس وخيار الرؤية ان اثبتناه ثبت للوكيل دون الموكل حتى لو أراد الموكل الاجازه كان للوكيل ان يفسخ ذكره في التتمه وفرق بينه وبين خيار العيب حيث قلنا لا رد للوكيل إذا رضى الموكل بمالا يكاد تسكن النفس إليه إذا تقرر ذلك ففى الفصل مسائل (احدهما) إذا اشترى الوكيل بثمن معين نظر ان كان في يده طالبه البائع به والا فلا وإذا اشترى في الذمه فان كان الموكل قد سلم(11/62)
إليه ما يصرفه إلى الثمن طالبه البائع وان لم يسلمه نظر ان انكر كونه وكيلا أو قال لا ادرى هل هو وكيل طالبه به وان اعترف بوكالته فمن الذى يطالبه البائع بالثمن فيه ثلاثه اوجه (احدهما) ان المطالب الوكيل لاغير لان احكام العقد تتعلق به والالتزام وجد منه (والثانى) ان المطالب الموكل لاغير لان العقد له والوكيل سفير ومعبر (والثالث) انه يطالب من شاء منهما نظر إلى المعنين وهذا اظهر عند صاحب التهذيب والامام وغيرهما وان رجح صاحب الكتاب الاول.
(التفريغ) ان قلنا بالاول فهل الوكيل مطالبة الموكل قبل ان يغرم فيه وجهان لان بعضهم قال يثبت الثمن للبائع على الوكيل وللوكيل مثله على الموكل بناء على ان الوكيل يثبت له الملك ثم ينتقل الموكل فعلى هذا للوكيل مطالبته بما ثبت له وان لم يؤد ما عليه وقال آخرون ينزل الوكيل
منزله المحال عليه الذى لادين عليه فعلى هذا ففى رجوعه قبل الغرم وجهان كالمحال عليه والاصح المنع وإذا غرم الوكيل للبائع فقياس تنزيله منزله المحال عليه الذى لا دين عليه الخلاف المذكور هناك في انه هل في الرجوع كون الاداء بالاذن وشرط الرجوع وذكر في النهاية ان المذهب القطع بالرجوع والا لخرج المبيع عن أن يكون مملوكا للموكل بالعوض وفى ذلك تغيير لوضع العقد (وان قلنا) بالوجه الثالث فالوكيل كالضامن والموكل كالمضمون عنه فيرجع الوكيل إذا غرم والقول في اعتبار(11/63)
شرط الرجوع وفى انه هل يطالبه بتخليصه قبل الغرم كما سبق في الضمان وحكى الامام ان ابن سريج فرع على الخلاف في المسالة فقال لو سلم دراهم إلى الوكيل ليصرفها إلى الثمن الملتزم في الذمة ففعل ثم ردها البائع عليه بعيب (فان قلنا) بالوجه الثاني والثالث فعلى الوكيل رد تلك الدارهم باعيانها إلى االموكل وليس له امساكها وابدالها (وان قلنا) بالوجه الاول فله ذلك لان ما دفعه الموكل إليه على هذا الوجه كانه اقرضه منه لتبرأ ذمته فإذا عاد إليه فهو ملكه وللمستقرض امساك ما استقرضه ورد مثله فهو ملكه ولك ان تقول للاخلاف ان للوكيل ان يرجع على الموكل في الجملة وانما الكلام في انه متى يرجع وباى شئ يرج وإذا كان ذلك فيتجه ان يكون تسليم الدارهم دفعا له وبه التراجع لا اقرضا (المسالة الثانية) الوكيل بالبيع إذا قبض الثمن اما باذن صريح أو بالاذن في البيع على راى وتلف المقبوض في يده وخرج المبيع مستتحقا والمشترى معترف بالوكالة فحق رجوعه بالثمن يكون على الوكيل لانه الذى يتولى القض وحصل التلف في يده أو على الموكل لان الوكيل سفير ويده ويده يده أو على من شاء منهما فيه الاوجه الثلاثة السابقة (فان قلنا) حق الرجوع على الموكل فإذا غرم لم يرجع على الوكيل وكذا إذا جعلناه على الوكيل فغرم لا يرجع على الموكل قاله الامام (وان قلنا) يرجع على من شاء منهما فثلاثة اوجه (اشهرها) انه ان غرم اللموكل لم يرجع على الوكيل وان غرم الوكيل رجع على الموكل لان الموكل قد غر الوكيل(11/64)
والمغرور يرجع على الغار دون العكس (والثانى) ان واحدا منهماا لا يرجع على الاخر اما الموكل فلانه غارم واما الوكيل فلحصول التلف في يده (والثالث) ان الموكل يرجع على الوكيل دون العكس
لحصول التلف في يد الوكيل والذى يعنى به من هذه الاختلافات ان المشترى يغرم من شاء منهما والقرار على اللموكل ولذلك اقتصرنا على هذا الجواب في عزل الراهن وان كان يطرد فيه الخلاف (الثالثة) وهى مقدمة على الثانية في الكتاب الوكيل بالشراء إذا قبض المبيع وتلف في يده ثم تبين انه كان مستحقا لغير البائع فللمستق مطالبة البائع بقيمة المبيع أو مثله لانه غاصب ومن يده خرج المال وفى مطالبة الوكيل والموكل الاوجه الثلاثة قال الامام رحمه الله تعالى والا قيس في المسالتين انه لا رجوع له الا على االوكيل لحصول التلف عنده ولانه إذا ظهر الاستحقاق بان فساد العقد وصار الوكيل قابضا ملك الغير بغغير حق ويجرى الخلاف في القرار في هذه الصورة ايضا (الرابعة) ولم يذكرها في الكتاب الوكيل بالبيع إذا باع بثمن في الذمة واستوفاه ودفعه إلى الموكل فخرج مستحقا أو معيبا ورده فللموكل ان يطالب المشترى بالثمن وله ان يرغم الوكيل لانه صار مسلما للمبيع قبل اخذ عوضه وفيما يغرمه وجهان (احدهما) قيمة العين لانه فوت عليه العين (والثانى) الثمن لان حقه انتقل من العين إلى الثمن باليبع فان قلنا بالاول فإذا اخذ منه القيمة طالب الوكيل المشترى بالثمن فإذا اخذه(11/65)
دفعه إلى الموكل واسترد القيمة (الخامسة) دفع إليه دراهم ليشترى بعينها عبدا ففعل وتلف في يده قبل التسليم انفسخ البيع ولا شئ على الوكيل وان تلف قبل الشراء ارتفعت الوكالة ولو قال اشتر في الذمة واصرفها إلى الثمن الملتزم فتلف في يد الوكيل بعد الشراء لم ينفسخ العقد لكنه ينقلب إلى الوكيل ويلزمه الثمن أو يبقى للموكل وعلليه ان ياتي بمثلها فيه وجهان قال القفال ووجه ثالث يحتمل وهو ان يعرض الحال على الموكل فان رغغب فيه واتى بمصل تلك الدراهم فالشراء له والا وقع للوكيل وعليه الثمن ولو تلف قبل الشراء لم ينعزل فان اشترى للموكل فيقع له ام للوكيل فيه الوجهان (وقوله) في الكتاب فالصحيح رجوعه به على الموكل ليس الوجه الاخر انه لا يرجع اصلا وانما الخلاف في انه هل يشترط الرجوع بشرط الرجوع وكون الاداء بالاذن كما تقدم (وقوله) لو تلف الثمن في يده بعد ان خرج ما اشتراه الجمع بين اللفظين موحش فالوجه ان تطرح لفظه ما اشتراه.
(فرع) إذا اشترى الوكيل شراء فاسدا وقبض وتلف المبيع اما في يده أو بعد تسليمه إلى
الموكل فللماكل مطالبته بالضمان ثم هو يرجع على الموكل ولو ارسل رسولا ليستقرض له فاستقرض فهو وكيل كوكيل وفى مطالبته المشترى مافى مطالبة وكيل المشترى بالثمن والظاهر انه يطالب ثم إذ اغرم رجع على الموكل.
قال (الحكم الثالث للوكالة الجواز من الجانبين فينعزل بعزل الموكل اياه في حضرته وكذا في غيبته (ح) قبل بلوغ الخبر في اقيس القولين.
كما ينعزل ببيع الموكل واعتاقه.
ينعزل بعزل نفسه.
وبرده الوكالة.
وجحوده مع العلم رد لها.
ومع الجهل أو لغرض في الاخفاء ليس برد.
وينعزل(11/66)
بخروج كل واحد منهما عن اهلية كالموت والجنون.
وكذا الاغماء على الاظهر.
وفى انعزال العبد بالعتق والكتابة والبيع خلاف.
لخروجه عن اهلية الاستخدام.
والامر في حقهه منزل على الخدمة) .
الوكالة جائزة من جانب الموكل والوكيل جميعا لانها اذن وانابة وقد يبدو للموكل في الامر الذى اناب فيه أو في نيابة ذلك الشخص وقد لا يتفرغ له الوكيل فالالزام يصير بهما جميعا ولارتفاعهما اسباب (فمنهما) ان يعزله الموكل في حضرته اما بلفظ العزل أو بان يقول رفعت الوكالة أو فسختها أو اخرجته فينعزل سواء ابتدأ بالتوكيل أو وكل بمسالة الخصم كما إذا سألت المرأة زوجها ان يوكل بالطلاق أو الخلع أو المرتهن الراهن ان يوكل ببيع الرهن أو الخصم الخصم ان يوكل في الخصومة ففعل المسؤول التوكيل وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا كان التوكيل بمسالة الخصم لم ينعزل وان عزله في غيبته ففى انعزاله قببل بلوغ الخبر إليه قولان (احدهما) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى انه لا ينعزل كما ان القاضى لا ينعزل ما لم يبلغه الخبر وحكم الفسخ لا يلزم المسكلفين قبل بلوغ الخبر ولان تنفيذ العزل قبل بلوغ الخبر إليه يسقط الثقة بتصرفه (واصحهما) الانعزال لانه رفع عقد لا يحتاج فيه إلى الرضا فلا يحتاج إلى العلم كالطلاق ولانه لوجن الموكل انعزل الوكيل وان لم يبلغه الخبر وكذا لو وكله ببيع عبد أو اعتاقه ثم باعه الموكل أو اعتقه نفذ تصرفه وانعزل الوكيل وان لم يشعر بالحال ضمنا لنفوذ تصرفه وإذا لم يعتبر بلوغ الخبر في العزل الضمنى ففى صريح العزل أولى واما انعزال القاضى فمنهم من طرد الخلاف فيه وعلى التسليم وهو الظاهر فالفرق تعلق المصالح الكلية بعمله وأما الفسخ فلا فرق بينه
وبين ما نحن فيه لان حكم الفسخ اما إيجاب امتثال الامر الثاني واما إحراج الاول عن الاعتداد به(11/67)
فيما يرجع إلى الايجاب والا لزام ولا يثبت قبل العلم لاستحالة التكليف بغير المعلوم وهذا النوع لا يثبت الوكالة أصلا ورأسا لان أمر الموكل غير واجب الامتثال (وأما) النوع الثاني فهو ثابت هناك أيضا قبل العلم حتى يلزمه القضاء ولا تبرأ ذمته بالاول وعن احمد روايتان كالقولين ومن أصحاب مالك اختلاف في المسألة فان قلنا لا ينعزل قبل بلوغ الخبر إليه فالمعتبر اخبار من تقبل روايته دون الصبى والفاسق إذا قلنا بالانعزال فينبغي ان يشهد الموكل على العزل لان قوله بع تصرف الوكيل كنت قد عزلته غير مقبول (ومنها) إذا قال الوكيل عزلت نفسي أو أخرجتها عن الوكالة أو رددت الوكالة انعزل وقال بعض المتأخرين ان كانت صيغة التوكيل بع أو اعتق ونحوهما من صيغ الامر لم ينعزل برد الوكالة وعزله نفسه لان ذلك اذن واباحة فأشبه ما إذا أباح الطعام لغيره لا يرتد برد المباح له وقد أورد الامام رحمه الله تعالى هذا الكلام على سبيل الاحتمال ولا يشترط في انعزال الوكيل بعزله نفسه حضور الموكل خلافا لابي حنيفة (ومنها) ينعزل الوكيل بخروجه أو خروج الموكل عن أهلية ذلك التصرف بالموت أو بالجنون الذى يطرأ أو يزول عن قرب حكاية تردد عن صاحب التقريب وضبط الامام موضع التردد بان لا يكون امتداده بحيث تعطل المهمات ويحوج إلى نصب قوام فليلتحق حينئذ بالاغماء وفى الاغماء وجهان (أظهرهما) وبه قال في الكتاب أنه كالجنون في اقتضاء الانعزال (والثانى) وهو الاظهر عند الامام رحمه الله تعالى وبه قال في الوسيط أنه لا يقتضى الانعزال واحتج له بأن المغمي عليه لا يلتحق بمن تولى عليه والمعتبر في الانعزال التحاق الوكيل أو الموكل بمن يولى عليه وفى على الجنون الحجر بالسفه أو الفلس في كل تصرف لا ينفذ من السفيه والمفلس وكذا(11/68)
لو طرأ الرق بأن وكل حربيا فاسترق (ومنها) خروج محل التصرف عن ملك الموكل كما إذا باع العبد الذي وكله ببيعه وقد مر ذلك وان وكله ببيع شئ آخر ثم اجره قال في التتمة ينعزل الوكيل لان الاجارة ان منعت البيع لم يبق مالكا للتصرف وان لم يمنعه فهو علامة الندم لان من يريد البيع
لا يؤاجر لقلة الرغبات بسبب الاجارة وكذا تزويج الجارية وفى طحن الحنطة الموكل بيعها وجهان (وجه) اقتضائه الانعزال بطلان اسم الحنطة واشعاره بالامساك والعرض على البيع وتوكيل وكيل آخر لا يقتضى الانعزال (ومنها) لو وكل السيد عبده ببيع أو تصرف آخر ثم أعتقه أو باعه ففى انعزله وجهان عن ابن سريج مبنيان على أنه توكيل محقق أو استخدام وأمر (ان قلنا) بالاول ففى الاذن بحاله لانه صار أكمل حالا مما كان (وان قلنا) بالثاني ارتفع الاذن لزوال الملك وعلى الثاني فلو قال عزلت نفسي فهو لغو وفصل بعضهم وقال ان كانت الصيغة وكلتك بكذا ففى الاذن ان أمره به ارتفع الاذن بالعتق والبيع وان حكمنا ببقاء الاذن في صورة البيع فعليه استئذان المشترى لان منافعه صارت مستحقة له والكتابة كالبيع والاعتاق في جريان الوجهين ولو وكل عبد غيره باذن المالك للعبد فباعه مالكه ففى ارتفاع الوكالة وجهان أيضا وجه الارتفاع بطلان اذنه بزوال ملكهه وعلى الثاني يلزمه استئذان المشترى ولو لم يستاذن في الصورتين بعد تصرفه لدوام الاذن وان ترك واجبا قال الامام رحمه الله تعالى وفيه احتمال بقى علينا مما في متن الكتاب مسألة غفلنا عنها إلى الآن وهى أن الوكيل لو جحد الوكالة وأنكرها هل يكون يكون ذلك ردا للوكالة روى في الوسيط فيها أوجها (أصحها) وهو المذكور في الكتاب انه ان كان لنسيان أو غرض في الاخفاء فهو رد ولم أعثر على المسألة في النهاية ولكنه أورد قريبا(11/69)
من هذه الاوجه في انكار الموكل التوكيل هل يكون عزلا أولا (اعلم) أن قولنا ان الجواز من أحكام الوكالة يرير به الوكالة الخالية عن الجعل فأما إذا شرط فيها جعلا معلوما واجمتع شرائط الاجارة وعقد العقد بصيغة الاجارة فهو لازم وان عقد بصيغة الوكالة فيمكن تخريجه على أن الاعتبار بصيغ العقود أو بمعانيها هذا شرح مسائل الكتاب ونختمه بصور نوردها على الاختصار.
لو وكل رجلا بالبيع فباع ورد عليه المبيع بعيب أو أمره بشرط الخيار فشرط ففسخ البيع لم يكن له بيعه ثانيا خلافا لابي حنيفة رحمه الله تعالى ولو قال بع نصيبي من كذا أو اقسم مع شركائي أو خذ بالشفعة فانكر الخصم ملكه هل له الاثبات يخرج على الوجهين في أن الوكيل بالاستيفاء هل يثبت ولو قال بع واشترط الخيار فباع مطلقا لم يصح ولو أمره بالمبيع واطلق لم يكن للوكيل شرط الخيار للمشترى وكذا ليس للوكيل
بالشراء شرط الخيار للبائع وفى شرطهما الخيار لنفسهما وللموكل وجهان فان اطلاق العقد يقتضى عقدا بلا شرط ولو أمره بشراء عبد أو بيع عبد لم يكن له ان يعقد على بعضه لضرر التبعيض ولو فرضت فيه غبطة كما إذا امره بشراء عبد بألف فاشترى نصفه بأربعمائة ثم نصفه الآخر بأربعمائة فكذلك ولا ينقلب الكل إليه بعد انصراف العقد عنه وفيه وجه ضعيف ولو قال اشتره بهذا الثوب فاشتراه بنصف الثوب صح لانه إذا رضى بزوال كل الثوب في مقابلته فهو بزوال بعضه اشد رضى ولو قال بع هؤلاء العبيد واشتر لي خمسة أعبد ووصفهم فله الجمع والتفريق إذ لاضرر ولو قال اشترهم صفقة واحدة لم يفرق ولو فرق لم يصح للموكل ولو اشترى خمسة من مالكين لاحدهما ثلاثة وللآخر اثنان دفعة واحدة وصححنا مثل هذا العقد ففى وقوع شرائهم عن الموكل وجهان (أحدهما) وبه قال ابن سريج يقع حملا(11/70)
لكلامه على الامر بتمليكهم دفعة واحدة ولو قال بع هؤلاء الا عبد الثلاثة بألف لم يبع واحدا منهم بما دون الالف لجواز أن لا يشترى الباقيان بالباقي من الالف ولو باعه بالف صح ثم هل يبيع الآخرين فيه وجهان (أصحهما) نعم ولو قال بع من عبيدى من شئت أبقى بعضهم ولو واحدا ولو وكله باستيفاء دينه على زيد فمات نظر إن قال وكتلك في طلب حقى من زيد لم يطالب الورثة وان قال بطلب حق الذى على زيد طالبهم ولو أمره بالبيع نسيئة فباع لم يلزمه التقاضى بعد حلول الاجل ولكن عليه بيان المعامل حتى لا يكون مضيعا لحقه وكذلك لو قال ادفع هذا الذهب إلى صائغ فقال دفعته فطالبة الآمر ببيانه قال القفال عليه البيان ولو امتنع كان متعديا حتى إذا بينه من بعد وكان قد تلف في يد الصائغ يلزمه الضمان قال القفال والاصحاب كانوا يقولون لا يلزمه البيان ولو قال لغيره بع عبدك من فلان بالف وأنا أدفعه اليك فباعه منه قال ابن سريج يستحق البائع الالف على الآمر دون المشترى فإذا غرم الآمر رجع على المشترى ولو قال لغيره اشتر عبد فلان بثوبك هذا أو بدراهمك ففعل حصل الملك للآمر ويرجع المأمور عليه بالقيمة أو المثل وفيه أنه إذا لم يجر شرط الرجوع لا يرجع ومتى قبض وكيل المشترى المبيع وغرم الثمن من ماله لم يكن له حبس المبيع ليغرم الموكل له وفيه وجه ان له الحبس وبه قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى بناء على أن الملك يحصل للوكيل ثم(11/71)
ينتقل إلى الموكل ولو وكله باستيفاء دينه من زيد فقال زيد للوكيل خذ هذه العشرة واقض بها دينى عن فلان يعنى موكله فاخذها صار وكيل زيد في قضاء دينه حتى يجوز لزيد استردادها مادامت في يد الوكيل ولو تلف عنده بقى الدين بحاله ولو قال زيد خذها عن الذى تطالبني به لفلان فاخذها كان قبضا للموكل وبرئت ذمة زيد وليس له الاسترداد ولو قال خذها قضاء عن دين فلان فهذا محتمل للوجيهن جميعا ولو نتازع الموكل وزيد فالقول قول زيد مع يمينه ولو دفع عشرة إلى رجل فقال تصدق بها على الفقراء فتصدق بها ونوى نفسه لغت نيته وكانت الصدقة للآمر ولو وكل عبدا ليشترى نفسه أو مالا آخر من سيده ففى وجه لا يجوز لان يده يد السيد فاشبه مالو وكل انسانا ليشترى له من نفسه والاظهر الجواز كما يجوز توكيله في الشراء من غير سيده وعلى هذا فعن صاحب التقريب أنه يجب أن يصرح بذكر الموكل فيقول اشتريت نفسي منك لموكلي فلان والا فقوله اشتريت نفسي صريح في اقتضاء العتق لا يندفع بمجرد النية ولو قال العبد لرجل اشتر لى نفسي من سيدى ففعل قال صاحب التقريب يجوز ويشترط التصريح بالاضافة إلى العبد فلو أطلق وقع الشراء للوكيل إذ البائع لا يرضى بعقد يتضمن الاعتاق قبل توفير الثمن ولو قال لغيره أسلم في كذا ورأس المال من مالك ثم ارجع على قال ابن سريج يصح ويكون رأس المال قرضا على الآمر وقيل لا يصح لان الاقراض لايتم الا بالاقباض ولم يوجد من المستقرض قبض وإذا أبرأ وكيل المسلم المسلم إليه لم يلزم ابراؤه الموكل لكن المسلم إليه لو قال لا أعرفك وكيلا وانما(11/72)
التزمت لك شيئا فبرأتني عنه نفذ في الظاهر وتعطل بفعله حق المسلم وفى وجوب الضمان عليه قولا الغرم بالحيلولة (والاظهر) وجوبه لكن لا يغرم مثل المسلم فيه ولاقيمته كيلا يكون اعتياضا عن المسلم وانما يغرم له رأس المال حكاه الامام عن العراقيين وشهد له الحسن ورأيت في تعليق الشيخ أبى حامد أنه يغرم للموكل مثل المسلم فيه ولو قال اشتر لى طعاما بكذا نص الشافعي رضى الله عنه أن يحمل على الحنطة اعتبارا بعرفهم قال الرويانى وعلى هذا لو كان بطبرستان لم يجز التوكيل لانه لا
عرف فيه لهذا اللفظ عندهم فيكون التوكيل في مجهول ولو قال وكلتك بابراء غرمائي لم يملك الوكيل ابراء نفسه فان كان قد قال وان شئت تبرئ نفسك فافعل فعلى الخلاف السابق في أنه هل يجوز توكيل المديون بابراء نفسه ولو قال فرق ثلثى مالى على الفقراء وان شئت أن تضعه في نفسك فافعل فعلى الخلاف فيما إذا أذن للوكيل في البيع من نفسه.
(الباب الثالث في النزاع) قال (وهو في ثلاثة مواضع (الاول) في أصل الاذن وصفته وقدره.
والقول فيه قول الموكل فإذا اشترى جارية بعشرين فقال ما أذنت إلا في الشراء بعشرة وحلف.
فان كان اشتراه بعين مال الموكل وصدقه البائع في أنه وكيل فالبيع باطل وغرم له الوكيل العشرين.
وان اشتراه في الذمة واعترف البائع بالوكالة فباطل.
وان أنكر البائع الوكالة لم يقبل.
فان أنكر الوكالة وبقيت الجارية في يد الوكيل فليتلطف الحاكم بالموكل حتى يقول للوكيل بعتك بعشرين.
فان قال إن كنت أذنت لك فقد بعتك بعشرين صح على النص.
فان امتنع والوكيل صادق في الباطن فالصحيح أنها لا تحل له ولا يملكها.
ولكن له بيعها وأخذ العشرين من ثمنها لانه ظفر بغير جنس حقه.
ومن له الحق لا يدعى عين المال فيقطع بجواز أخذه) .(11/73)
الاختلاف في الوكالة في مواضع (منها) أصل فإذا قال وكلتني في كذا فانكر فالقول قوله مع يمينه لان الاصل عدم الاذن ولو توافقا على العقد واختلفا في الكيفيات أو المقادير كما إذا قال وكلتني ببيع كله أو بيعه نسيئة أو بشرائه بعشرين وقال الموكل لا بل ببيع بعضه أو بيعه نقدا أو بشرائه بعشرة فالقول قول الموكل أيضا لان الاصل عدم الاذن فيما يدعيه الوكيل والموكل أعرف بحال الاذن الصادر منه ولانه لما كان القول في أصل العقد قوله وجب أن يكون في الصفة والمقدار كذلك كما أن الزوجين إذا اختلفا في عدد الاطلاق كان القول فيه قول الزوج لانهما لو اختلفا في أصله كان القول فيه قوله وفرقوا بينه وبين ما إذا قطع الخياط ثوب غيره قباء وقال كذلك أمرتنى وقال المالك بل أمرتك أن تقطعه قميصا حيث كان القول قول الخياط على قول مع أنهما لو اختلفا
في أصل الاذن كان القول قول المالك بان المالك هناك يريد الزام الخياط الارش والاصل عدمه وههنا الموكل لا يلزم الوكيل غرامه وان لزمه الثمن وانما يلزمه بحكم اطلاق البيع على ما سيأتي.
إذا تقرر ذلك فلو وكله بشراء جارية فاشتراها الوكيل بعشرين وزعم أن الموكل أذن فيه وقال الموكل ما أذنت إلا في الشراء بعشرة وحلفناه فحلف فينظر في الشراء أكان بعين مال الموكل أم في الذمه إن كان بعين مال الموكل فان ذكر في العقد أن المال لفلان والشراء له فهو باطل لان المال في يده لم يتعلق به حق الغير قبل الشراء فيقبل اقراره فيه وحينئذ يكون العقد واقعا بمال الغير وقد ثبت بيمين من له المال أنه لم يأذن في الشراء الذى باشره الوكيل فيلغو فان لم يذكره في العقد وقال بعد الشراء إنى اشتريت له فان صدقه البائع فالعقد باطل أيضا وإذا بطل الشراء كانت الجارية باقية على ملك البائع وعليه رد ما أخذه وان كذبه البائع وقال إنما اشتريت لنفسك والمال لك حلف على(11/74)
نفى العلم بالوكالة وحكم بصحة الشراء للوكيل في الظاهر وسلم الثمن المعين إلى البائع وغرم الوكيل مثله للموكل.
وان كان الشراء في الذمة نظر إن لم يسم الموكل ولكن نواه كانت الجارية للوكيل والشراء له ظاهرا وان سماه فان صدقه البائع بطل الشراء لاتفاقهما على كونه للغير وثبوت كونه بغير إذنه بيمنه وان كذبه البائع وقال انت مبطل في تسميته فيلزم الشراء الوكيل ويكون كما لو اقتصر على النية أو يبطل الشراء من أصله فيه وجهان سبق ذكرهما في أخوات هذه الصورة (والاظهر) وبه قال أبو إسحق صحته ووقوعه للوكيل وحيث صححنا الشراء وجعلنا الجارية للوكيل ظاهرا وزعمه أنها للموكل قال المزني عن الشافعي رضى الله عنه يستحب في مثل هذا أن يرفق الحاكم بالموكل فيقول له ان كنت امرته ان يشتريها بعشرين فقل بعته إياها بعشرين ويقول الآخر قد قبلت فيحل له الفرج قال الائمة ان أطلق الموكل وقال بعتكها بعشرين وقال الوكيل اشتريت صارت الجارية له ظاهرا وباطنا وان علق كما ذكره المزني ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح البيع للتعليق والتعليق مما حكاه المزني من كلام الحاكم لا من الموكل (وأصحهما) الصحة لانه لا يتمكن من البيع إلا بهذا الشرط فلا يضر التعرض له كما لو قال هذا زكاة مالى الغائب ان كان سالما يجزئه لانه إنما يقع زكاة عن الغائب
بهذا الشرط وسواء أطلق البيع أو علق فلا يجعل ذلك إقرارا بما قاله الوكيل وتكذيبا لنفسه وان امتنع الموكل من الاجابة أو لم يرفق الحاكم به نظر ان كان الوكيل كاذبا لم يحل له وطؤها ولا التصرف فيها بالبيع وغيره وان كان الشراء بعين مال الموكل لان الجارية حينئذ تكون للبائع وإن كان الشراء في الذمة ثبت الحل لوقوع الشراء عن الوكيل ضرورة كونه مخالفا للموكل وذكر في التتمة أنه إذا كان كاذبا والشراء بمال الموكل فللوكيل بيعها اما بنفسه أو بالحاكم لان البائع حينئذ يكون أخذ مال الموكل(11/75)
لا عن استحقاق وقد غرم الوكيل للموكل فله أن يقول للبائع رد مال الموكل أو اغرمه ان كان تالفا لكنه قد تعذر ذلك بسبب اليمين فله أخذ حقه من الجارية التى هي ماله ولو كان الوكيل صادقا ففيه اوجه (أحدها) ويحكى عن الاصطخرى أنها تكون للوكيل ظاهرا وباطنا حتى يحل له الوطئ وكل تصرف وبه قال أبو حنيفة رحمه الله بناء على أن الملك يثبت للوكيل ثم ينتقل إلى الموكل فإذا تعذر نقله منه بقى على ملكه ومنهم من خص هذا الوجه بما إذا كان الشراء في الذمة ولم يطرده في الحالين واليه مال الامام رحمه الله تعالى (وثانيها) أنه ان ترك الوكيل مخاصمة الموكل فالجارية له ظاهرا وباطنا وكأنه كذب نفسه والا فلا (وثالثها) وهو الاصح أنه لا يملكها باطنا بل هي للموكل وللوكيل الثمن عليه فهو كمن له على رجل دين لم يؤده فظفر بغير جنس حقه من ماله فيجئ الخلاف أنه هل له بيعه وأخذ الحق من ثمنه (والاصح) أن له ذلك ثم يباشر البيع بنفسه أو يرفع الامر إلى القاضى حتى يبيعه فيه وجهان (الاصح) ههنا أن له بيعها بنفسه لان القاضى لا يجيبه إلى البيع ولان المظفور بماله في سائر الصور يدعي المال لنفسه وتسلط غيره عليه قد يستبعد وههنا الموكل لا يدعى المال لنفسه (وإذا قلنا) انه ليس له أن يأخذ الحق من ثمنها فتوقف في يده حتى يظهر مالكها أو يأخذها القاضى ويحفظها فيه وجهان نذكرهما في نظائره.
ولو اشترى جارية فقال له الموكل ما وكلتك بشرائها وانما وكلتك بشراء غيرها وحلف عليه بقيت الجارية المشتراه في يد الوكيل ويتلطف كما مر (وقوله) في أول الباب القول فيه قول الموكل اطلاق لفظ الموكل على المشترى في الصورتين بالخلاف في صفة الاذن أو قدره قويم حسن لكنه في صورة الاختلاف في أصل الاذن غير مستحق وكيف ونحن نصدقه
بأنه غير موكل (قوله) صح على النص المراد منه ما حكيناه من كلام المزني وهو ظاهر في تصحيح البيع(11/76)
يأبى عن قبول التأويل المذكور (وقوله) ولكن له بيعها واخذ العشرين من ثمنها معلم - بالواو - لما مر (وقوله) لا يملكها - بالحاء - (وقوله) لانه ظفر بغير جنس حقه اشارة إلى ما ذكرنا من أن الظافر ههنا أولى بالتمكن.
(فرع) لو باع الوكيل بالبيع نسيئه وقال كنت مأذونا فيه وقال الموكل ما أذنت لك الا في بيعه نقدا فالقول قول الوكل كما مر ثم لا يخلو اما ان ينكر المشترى الوكالة أو يعترف بها (الحالة الاولى) أن ينكر الوكالة أو يقول إنما عرفت البائع مالكا فالموكل يحتاج إلى البينة فان لم تكن بينة فالقول قول المشترى على نفي العلم بالوكالة فان حلف قرر المبيع في يده والا ردت على الموكل فان حلف حكم ببطلان البيع ولا فهو كما لو حلف المشترى ونكل الموكل عن يمين الرد في خصومة المشترى لا يمنعه من الحلف على التوكيل فإذا حلف عليه فله أن يغرم الوكيل قيمة المبيع أو مثله ان كان مثليا والوكيل لا يطالب المشترى بشئ حتى يحل الاجل مؤاخذة له بموجب تصرفه فإذا حل نظران رجع عن قوله الاول فصدفه الموكل فلا يأخذ من المشترى الا أقل الامرين من الثمن أو القيمة لانه ان كان الثمن أقل فهو موجب عقده وتصرفه فلا يقبل رجوعه فيما يلزم زيادة على الغير وان كانت القيمة أقل فهو الذى غرمها فلا يرجع الا بما غرم لانه قد اعترف آخرا بفساد العقد فان لم يرجع وأصر على قوله الاول فيطالبه بالثمن بتمامه وان كان مثل القيمة أو أقل فذاك وان كان أكثر فالزيادة في يده للموكل ينكرها فيحفظها أو يلزم دفعها إلى القاضى فيه خلاف مذكور في موضعه وسأل الامام نفسه ههنا وقال إذا أنكر الموكل التوكيل بالبيع نسيئة كان ذلك عزلا للوكيل على رأى فكيف يملك الوكيل بعد استيفاء الثمن وأجاب عنه بأنه إنما استوفى الثمن لان الموكل ظلمه بتغريمه في زعمه واعتقاده والثمن على المشترى ملكه فان كان من جنس حقه فقد ظفر بجنس حقه من مال من ظلمه وان كان من غير الجنس(11/77)
فيأخذه أيضا ولا يخرج على القولين بالظفر بغير جنس الحق في غير هذه الصورة لان المالك يدعيه لنفسه ويمنع الغير عنه والموكل لا يدعى الثمن ههنا وأول مصرف يعرض له التسليم إلى الغارم الوكيل وهذا ما
أراد صاحب الكتاب بقوله في مسألة الجارية فيقطع بجواز أخذه والمذهب المشهور تخريجه على الخلاف في ذلك الاصل على ما مر ولك أن تعلم قوله ويقطع بجواز أخذه وعليك أن تعلم أن الظاهر خلافه (الحالة الثانية) أن يعترف المشتري بالوكالة فينظر ان صدقة الموكل فالبيع باطل وعليه رد المبيع ان كان ياقيا وان تلف فالموكل بالخيار ان شاء غرم الوكيل لتعديه وان شاء غرم المشترى لتفرع يده على يد مضمونه وقرار الضمان على المشترى لحصول الضمان في يده (نعم) يرجع بالثمن الذى دفعه إلى الوكيل لخروج المبيع مستحقا وان صدق الوكيل فالقول قول الموكل فان حلف أخذ العين وان نكل حلف المشترى وبقيت له.
قال (الثاني في المأذون فإذا قال تصرفت كما أذنت من بيع أو عتق فقال الموكل بعد لم تتصرف فقولان (أحدهما) القول قول الوكيل لانه أمين وقادر على الانشاء والتصرف إليه (والآخر) لا فانه اقرار على الموكل ملزم والاصل عدمه.
وأما إذا ادعى تلف المال فالقول قوله لانه يبغى دفع الضمان عن نفسه.
وكذا إذا ادعى رد المال سواء كان بجعل أو بغير جعل.
وذكر العراقيون في تصديق الوكيل بالجعل وجهين) .
في الفصل مسألتان (الاولى) إذا وكله ببيع أو هبة أو صلح أو طلاق أو إعتاق أو إبراء فقال الوكيل تصرفت كما أذنت وقال الموكل لم تتصرف بعد نظر ان جرى هذا الخلاف بعد انعزال الوكيل لم يقبل قوله إلا ببينة لانه غير مالك للتصرف حينئذ وان وقع قبله فقولان (أحدهما) أنه يصدق(11/78)
الوكيل بيمنه لانه ائتمنه فعليه تصديقة ولانه مالك لانشاء التصرف ومن يملك الانشاء يقبل إقراره كالولي المجبر إذا أقر بنكاح موليته وبهذا قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إلا في النكاح إذا اختلف فيه الوكيل والموكل فالقول قول الموكل (والثانى) ان القول قول الموكل لان الاصل العدم ولان الوكيل مفر عليه بزوال الملك عن السلعة فوجب أن لا يقبل بخلاف ما إذا ادعى الرد أو التلف فانه يبغى دفع الضمان عن نفسه لا إلزام الموكل شيئا وما الاصح من القولين وما كيفيتهما (أما الاول) فكلام أكثر الاصحاب ترجيح تصديق قول الموكل وهو اختيار ابن الحداد ورجحه الشيخ أبو على من جهة القياس (وأما
الثاني) فان قول تصديق الموكل منقول عن الشافعي رضى الله عنه في مواضع واختلف الناقلون في القول الآخر فذكر الرويانى وغيره أنه منصوص عليه في الرهن الكبير قال الشيخ أبو على انه مخرج خرجه ابن سريح على هذه الطريقة وربما أبدلوا لفظ القولين بالوجهين وفى المسألة وجه ثالث وهو أن ما يستقل به الوكيل كالطلاق والاعتاق والابراء يقبل ففيه قوله مع يمينه وما لا يستقل كالبيع لابد فيه من البينة ولو صدق الموكل في البيع ونحوه ولكن قال كنت عزلتك قبل التصرف وقال الوكيل بل كان العزل بعد التصرف فهو كما لو قال الزوج راجعتك قبل انقضاء العدة وقالت انقضت عدتي قبل أن تراجعني ولو قال الموكل قد باع الوكيل فقال الوكيل لم أبع فان صدق المشترى الموكل حكم بانتقال الملك إليه وإلا فالقول قوله (الثانية) دعوى الوكيل تلف المال مقبول مع يمنيه كما في المودع وكذا دعواه الرد على اختلاف ذكرناه في الرهن والظاهر القبول أيضا وقد ذكر صاحب(11/79)
الكتاب حكم دعواه الرد مرة في باب الرهن الا أن لفظه في حكاية طريقة العراقيين هناك جواب على احد وجهيهم وهو أن الوكيل بالجعل غير مصدق وههنا نص على الوجهين كما ذكرناهما في شرح طريقتهم هنا ك وقد بينا ثم ان تسويته بين دعوى التلف والرد في نقل الخلاف على خلاف ما أورده الجمهور ولفظه ههنا صالح لما ذكره هناك ولما هو الحق أن يفصل بين قوله وكذا إذا ادعى رب المال عما قبله وكل ما ذكرناه ههنا وهناك فيما إذا ادعى الامين الرد على من ائتمنه أما إذا ادعى الرد على غيره فقد ذكره صاحب الكتاب في الوديعة وستأتى إن شاء الله تعالى ومن مسائله دعوى القيم الرد على اليتيم الذى كان يقوم بأمره وهى مذكورة في هذا الباب من بعد (ومنها) أن يدعى الوكيل الرد على رسول المالك لاسترداد ما عنده فلا خلاف في أن الرسول إذا أنكر القبض كان القول قوله مع يمينه وأما الوكيل فالمذهب أنه لا يلزمه تصديق الوكيل لانه يدعى الرد على من لم يأتمنه فليقم البينة وفى وجه عليه التصديق لانه معترف برسالته ويد رسوله يده فكأنه ادعى الرد عليه.
قال (وكذلك لو قال قبضت الثمن وتلف في يدى وكان ذلك بعد التسليم فالقول قوله لان
الموكل يريد أن يجعله خائنا بالتسليم قبل الاستيفاء.
فأما إذا كان قبل التسليم فالقول فيه قول الموكل والاصل بقاء حقه) .
إذا وكل وكيلا باستيفاء دين له على إنسان فقال استوفيته وأنكر الموكل نطر إن قال استوفيته وهو قائم في يد فخذه فعليه أخذه ولا معنى لهذا الاختلاف ولو قال استوفيته وتلف في يدى فالقول قول الموكل مع يمينه على نفى العلم باستيفاء الوكيل لان الاصل بقاء حقه فلا يقبل قول الوكيل(11/80)
والمديون إلا ببينة هذا ظاهر المذهب وجعله بعضهم على الخلاف المذكور فيما إذا اختلفا في البيع ونحوه وعلى الاول فإذا حلف الموكل أخذ حقه ممن كان عليه ولا رجوع له على الوكيل لاعترافه أنه مظلوم ولو وكله بالبيع وقبض الثمن أو البيع مطلقا وقلنا الوكيل بالبيع يملك قبض الثمن واتفقا على البيع واختلفا في قبض الثمن فقال الوكيل قبضته وتلف في يدى وأنكر الموكل فهذه مسألة الكتاب وفى معناها ما إذا قال قبضته ودفعته اليك فأنكر الموكل القبض ففى المصدق منهما طريقان (أحدهما) أنه على الخلاف المذكور في البيع وسائر التصرفات (وأظهرهما) أن هذا الاختلاف ان كان قبل تسليم المبيع فالقول قول الموكل كما في المسألة السابقة وان كان بعد تسليمه فوجهان (أحدهما) الجواب هكذا لان الاصل بقاء حقه (وأصحهما) وبه قال ابن الحداد أن القول قول الوكيل لان الموكل ينسبه إلى الخيانة قبل قبض الثمن ولزوم الضمان والوكيل ينكر فاشبه ما إذا قال للوكيل طالبتك برد الثمن الذى دفعته اليك أو بثمن المبيع الذى قبضته فامتنعت مقصرا إلى أن تلف فقال الوكيل لم تطالبني ولم أكن مقصرا فان القول قوله وهذا التفصيل فيما إذا أذن في البيع مطلقا أو حالا فان أذن في التسليم قبل قبض الثمن أو أذن في البيع بثمن مؤجل وتنازعا في القبض بعد الاجل فههنا لا يكون خائنا بالتسليم قبل القبض والاختلاف كالاختلاف قبل التسليم فإذا صدق الوكيل فحلف فهل تبرأ ذمة المشترى فيه وجهان (أحدهما) نعم لانا قبلنا قول الوكيل في قبضه الثمن فاكتفى بموجبه (والثانى) لا لان الاصل عدم الاداء وإنما قبلناه من الوكيل في حقه لائتمانه إياه(11/81)
وهذا أصح عند صاحب التهذيب والاول عند الامام وعلى الاول فإذا حلف الوكيل وبرأنا المشترى ثم وجد المشترى عيبا فان رده على الموكل وغرم الثمن لم يكن له الرجوع على الوكيل لاعترافه بان الوكيل لم يأخذ شيئا وان رده على الوكيل وغرمه لم يرجع على الموكل والقول قوله مع يمينه في أنه لم يأخذ شيئا ولا يلزم من تصديقنا الوكيل في الدفع عن نفسه بثمنه أن نثبت بها حقا على غيره ولو خرج المبيع مستحقا قال في التهذيب يرجع المشترى بالثمن على الوكيل لانه دفعه إليه ولا رجوع له على الموكل لما مر ولو اتفقا على قبض الوكيل الثمن فقال الوكيل دفعته إليك وقال الموكل بل هو باق عندك فهو كما لو اختلفا في رد المال المسلم إليه والظاهر أن القول قول الوكيل ولو قال الموكل قبضت الثمن فادفعه لى وقال الوكيل لم أقبضه بعد فالقول قول الوكيل مع يمينه وليس للموكل طلبه الثمن فهو متعد بفعله وللموكل أن يغرمه قيمة المبيع قال (الثالث إذا وكله بقضاء الدين فليشهد فان قصر ضمن بترك الاشهاد.
وكذا قيم اليتيم لا يصدق (و) في دعوى رد المال.
قال الله تعالى (فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم) .
ومن يصدق في الرد إذا طولب بالرد هل له التأخير بقدر الاشهاد وجهان) .
ذكر في أول الباب أن نزاع الموكل والوكيل في ثلاثة مواضع (وثالثها) في الوسيط النزاع في القبض وهو ما سبق في الفصل المتقدم على هذا الفصل وههنا جعل الثالث مما يشرع فيه الآن وترتيب الوسيط أحسن لان أكثر المسائل من هذا الموضع إلى آخر الباب لاتعلق له بالاختلاف وفى الفصل الثالث ثلاث صور (احداها) إذا دفع إليه مالا ووكله بقضاء دينه ثم قال الوكيل دفعته إلى رب(11/82)
الدين وأنكر رب الدين فالقول قوله مع يمينه لانه لم يأتمن الوكيل حتى يلزمه تصديقه والاصل عدم الدفع فإذا حلف طالب الموكل بحقه وليس له مطالبة الوكيل وهل يقبل قول الوكيل على الموكل فيه قولان (أحدهما) نعم خرجه ابن سريج ويحكى عن أبى حنيفة لان الموكل قد ائتمنه فاشبه ما إذا ادعى الرد عليه (وأصحهما) لا بل لابد من البينة لانه أمره بالدفع إلى من لم يأتمنه فكان من حقه الاشهاد عليه فعلى الاول يحلف الوكيل وتنقطع مطالبة المالك عنه ولا يغنيه تصديق المدفوع إليه
عن اليمين وعلى الاصح ينظر إن ترك الاشهاد على الدفع فان دفع بحضور الموكل فلا رجوع للموكل عليه في أصح الوجهين وان دفع في غيبته فله الرجوع ولا فرق بين أن يصدقه الموكل على الدفع أو لا يصدقه وعن أبى الطيب وجه أنه لا يرجع عند التصديق وان اختلفا فقال الوكيل دفعت بحضرتك وأنكر الموكل فالقول قول الموكل مع يمينه وإن كان قد اشهد عليه لكن مات الشهود أو جنوا أو غابوا فلا رجوع وإن كان قد أشهد شاهدا واحدا أو فاسقين فيه خلاف وكل ذلك على ما ذكرنا في رجوع الضامن على الاصيل فإذا عرفت ذلك اعلمت قوله ضمن بترك الاشهاد وتنزيله على الحالة التى يجب التنزيل عليها ولو أمره بايداع ماله ففى لزوم الاشهاد وجهان مذكوران في الوديعة (الثانية) إذا قيم اليتيم أو الوصي دفع المال إليه بعد البلوغ فظاهر المذهب أنه لا يقبل قوله بل يحتاج إلى البينة لان الاصل عدم الدفع وهو لم يأتمنه حتى يكلف تصديقه واحتج له أيضا بأن الله تعالى قال (فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم) أمر بالاشهاد ولو كان قوله مقبولا لما أمر لكن يجوز أن يكون الامر بالاشهاد إرشادا أو ندبا إلى التورع عن اليمين وعن رواية ابن المرزبان وغيره وجه آخر أنه يقبل قوله(11/83)
مع يمينه لانه أمين (الثالثة) إذا طلب المالك من في يده المال بالرد فقال لا أرد إلا بالاشهاد ينظر إن كان ممن يقبل قوله في الرد كالمودع والوكيل ففيه وجهان (أشهرهما) وهو الذى أورده العراقيون أنه ليس له ذلك لان قوله في الرد مقبول فلا حاجة إلى البينة (والثانى) ويروى عن ابن أبى هريرة رحمه الله أن له الامتناع كيلا يحتاج إلى اليمين فان الامناء يتحرزون عنها ما أمكنهم وفيه وجه ثالث أنه إن كان التوقف إلى الاشهاد يورث تأخيرا أو تعويقا في التسليم لم يكن له الامتناع وإلا فله ذلك وان كان ممن لا يقبل قوله كالغاصب فان كان عليه بينة بالاخذ فله الامتناع إلى الاشهاد لانه يحتاج إلى بينة الاداء إن توجهت عليه بينة الاخذ وإن لم تكن عليه بينة بالاخذ فوجهان (أصحهما) عند صاحب التهذيب أن له أن يمتنع إلى الاشهاد لان قوله في الرد غير مقبول (والثانى) المنع لانه يمكنه أن يقول ليس عندي شئ ويحلف عليه هذا ما أورده المشايخ العراقيون والمديون في هذا الحكم كمن لا يقبل قوله في رد الاعيان.
قال (ولمن عليه الحق (ح وز) أن لا يسلم إلى الوكيل المستحق إلا بالاشهاد وان اعترف به وان كان في يده تركه وأقر لانسان بانه لا وراث سواه لزمه (و) التسليم.
ولم يجز له تكليفه شهادة (و) على أن لا وارث سواه.
ولو اعترف لشخص بأنه المستحق الفا عن جهة الحوالة ولكن خاف انكار المحيل فهو كخوف انكار الموكل فعلى وجهين) .
إذا كان له دين في ذمة غيره أو عين في يد غيره فأتى ذلك الغير إنسان وقال أنا وكيل بقبضه فله حالتان (إحداهما) أن يصدقه في دعوى الوكالة فله دفعه إليه وإذا دفع ثم ظهر المستحق وأنكر(11/84)
الوكالة فالقول قوله مع يمينه فإذا حلف فان كان الحق عينا أخذها فان تلف فله تغريم من شاء منهما ولا رجوع للغارم منهما على الآخر لانه مظلوم بزعمه والمظلوم لا يؤاخذ إلا من ظلمه قال في التتمة هذا إذا تلف من غير تفريط منه فان تلف بتفريط من القابض فينظر ان غرم المستحق القابض فلا رجوع وان غرم الدافع فله الرجوع لان القابض وكيل عنده والوكيل يضمن بالتفريط والمستحق ظلمه بأخذ القيمة منه وماله في ذمة القابض فيستوفيه بحقه.
وان كان الحق دينا فله مطالبة الدافع بحقه وإذا غرمه قال المتولي ان كان المدفوع باقيا فله استرداده وان صار ذلك للمستحق في زعمه لانه ظلمه بتغريمه وذلك مال له ظفر به وان كان تالفا فان فرط فيه غرم والا ففلا وهل للمستحق مطالبة القابض ينظر ان تلف المدفوع عنده فلا لان المال للدافع بزعمه وضمانه له وان كان باقيا فوجهان عن أبى اسحق أن له مطالبته بتسليمه إليه لانه انما دفعه إليه ليدفعه إلى المستحق فكأنه انتصب وكيلا في الدفع من جهته وبهذا أجاب الشيخ أبو حامد في التعليق (وقال الاكثرون) لا مطالبة لان الآخذ فضولي بزعمه والمأخوذ ليس حقا له وانما هو مال المديون فلا تعلق للمستحق به (فان قلنا) بالاول فأخذه برئ الدافع عن الدين وهل يلزم من عنده الحق دفعه إليه بالتصديق أم له الامتناع إلى قيام البينة على الوكالة نص أنه لا يلزمه الا بعد البينة ونص فيما إذا أقر بدين أو عين من تركة انسان أنه مات ووارثه فلان أنه يلزمه الدفع إليه ولا يكلف البينة وللاصحاب طريقان (أحدهما) ونقل عن أبى اسحق أن المسألتين على قولين في قول يلزم الدفع إلى الوكيل والوارث لانه اعترف باستحقاقه الاخذ فلا يجوز له
منع الحق عن المستحق وفيه قول لا يلزمه الدفع إلى واحد منهما الا بالبينة (أما) في الصورة الاولى(11/85)
فلاحتمال انكار الموكل (وأما) في الثانية فلاحتمال استناد اقراره بالموت إلى ظن خطأ (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب تقرير النصين والفرق حصول اليأس بزعمه عن عود الموت وصيرورة الحق للوارث وعدم اليأس عن انكار الموكل الوكالة وبقاء الحق له (الثانية) أن لا يصدقه فلا يكلف الدفع إليه فان دفع ثم حضر الموكل وحلف على نفى الوكالة وغرم كان له أن يرجع على القابض دينا كان أو عينا لانه لم يصرح بتصديقه وانما بنى الامر على ظاهر قوله فإذا تبين خلافه غرم ما غرم ولو أنكر الوكالة أو الحق وكان الوكيل مأذونا في اقامة البينة أو قلنا ان الوكيل بالقبض مطلقا يملك اقامه البينة فله أن يقيم البينة ويأخذ فان لم تكن بينة فهل له التحليف ينبنى على أن إذا صدقه هل يلزمه الدفع إليه (إن قلنا) نعم فله تحليفه فلعله يصدقه إذا عرضت اليمين عليه (ان قلنا) لا ينبنى على أن النكول ورد اليمين كاقامة البينة من المدعى أو كالاقرار من المدعى عليه (إن قلنا) بالاول فله تحليفه طمعا في أن ينكل فيحلف الوكيل (وان قلنا) بالثاني فلا ولو جاء رجل وقال لمن عليه الدين أحالني عليك فلان فصدقه وقلنا إذا صدق مدعى الوكالة لا يلزمه الدفع إليه فوجهان (أحدهما) أنه لا يلزم أيضا لانه قد ينكر صاحب الحق كما ينكر صاحب الوكالة (وأصحهما) اللزوم لاعترافه بانتقال الحق إليه كالوارث وينبنى على الوجهين أنه لو كذبه ولم تكن بينة هل له تحليفه إن ألزمناه الدفع إليه له تحليفه والا فكما سبق.
ولو قال مات فلان وله عندي كذا فهذا وصية فهو كما لو قال هذا وارثه ولو قال مات وقد أوصي به لهذا الرجل فهو كما لو أقر بالحوالة وإذا أوجبنا الدفع إلى الوارث والوصى أو لم نوجب فدفع ثم بان أن المالك حى ثم غرم الدافع فله الرجوع على المدفوع إليه بخلاف صورة الوكالة لانه صدقه على الوكالة وانكار صاحب الحق لا يرفع بتصديقه وصدق الوكيل لاحتمال أنه وكله ثم جحد وهل هنا بخلافه والحوالة في ذلك كالوكالة (وقوله) في الكتاب ولمن عليه الحق أن لا يسلم إلى الوكيل المستحق له الا بالاشهاد كان الاحسن أن يقول إلى من يدعى الوكالة عن المستحق ولفظ الاشهاد ههنا بعيد عما هو المراد أن أراد(11/86)
به البينة لان المفهوم من الاشهاد ما استعمل اللفظ له في المسائل قبل هذا الفصل ويمكن أن يراد اشهاد الوكيل على الموكل (قوله) وان اعترف معلم - بالواو - لما نقلناه من طريقة القولين والحالان عند أبى حنيفة يجب دفع الدين إلى من أقر بوكالته ولا يجب دفع العين وفرق بينهما بانه في الدين أقر بثبوت المطالبة المدعى الوكالة في ماله وفى العين يقر بمال الغير فلا يلتفت إليه وبالزاى لان أبا اسحق الشيرازي وغيره حكوا عن المزني أنه يلزمه تسليم الحق إليه ولم يفرقوا بين الدين والعين (وقوله) في مسألة الوارث لزمه التسليم معلم - بالواو - لما مر.
قال (ولو ادعى على الوكيل قبض الثمن فجحد فاقيم عليه بينة بالقبض فادعى تلفا أو ردا قبل الجحود للقبض لم يقبل قوله لانه خائن ولا بينته (و) لانه لا تسمع دعواه.
ولو ادعى بعد الجحود ردا سمع الدعوى (و) ولا يصدق لانه خائن.
ولكن تسمع البينة.
ولو ادعى التلف صدق ليبرأ من العين ولكنه خائن فيلزمه الضمان) .
إذا ادعى على انسان أنه دفع إليه متاعا ليبيعه ويقبض ثمنه وطالبه برده أو قال بعته وقبضت الثمن فسلمه إلى فأنكر المدعى عليه فأقام المدعى بينة على ما ادعاه فادعى المدعى عليه أنه كان قد تلف أو رده فينظر في صيغة جحوده ان قال مالك عندي شئ أو لا يلزمني تسليم شئ اليك قبل قوله في الرد والتلف لانه إذا كان قد تلف أو رده كان صادقا في انكاره ولم يكن بين كلاميه تناقض وان أقام عليه بينه سمعت بينة وان كان صيغة جحوده أنك ما وكلتني أو ما دفعت إلى شيئا أو ما قبضت الثمن وهذه صورة مسألة الكتاب فينظر ان ادعى التلف أو الرد قبل أن يجحد لم يصدق لانه مناقض(11/87)
لقوله الاول ولزمه الضمان وان أقام بينة على ما ادعاه فوجهان (أولاهما) أنها تسمع لانه لو صدقة المدعى لسقط عنه الضمان فكذلك إذا قامت الحجة عليه وأيضا فلما يذكر في الوديعة (الثاني) وهو الاظهر عند الامام وهو الذى أورده في الكتاب أنها لا تسمع لان جحوده الاول كذب هذه البينة وعلل في الكتاب عدم سماع البينة بعدم سماع الدعوى ونجئ فيه نحو الامام فانه قال كل بينة تقام فان قيامها يستدعى دعوى من يقيمها فان فسدت الدعوى استقلت البينة وهى غير مسموعة
من غير دعوى لكن من يقول بسماع الدعوى كيف يسلم عدم سماع الدعوى إذ الدعوى قد تسمع بمجرد تحليف الخصم لما سبق في باب الرهن وقبله وان ادعى الرد بعد الجحود لم يصدقه لصيرورته خائنا لكن لو أقام بينة فالمشهور في هذا الباب أنها تسمع ورأى الامام رحمه الله تعالى أن يكون سماع البينة على الوجهين السابقين لتناقص دعوى الرد والجحود وهو حسن موافق لما ذكرناه في باب الوديعة وان ادعى التلف بعد الجحود صدق بيمينه لتنقطع عنه المطالبة برد العين ولكن يلزمه الضمان لخيانته وهذا كما إذا ادعى الغاصب التلف.
(فرع) لو قال بع هذا ثم هذا لزمه رعاية الترتيب قاله القفال ولو جعل للوكيل بالبيع جعلا فباع استحقه وان تلف الثمن في يده لان استحقاقه بالعمل وقد عمل وإذا ادعى خيانة عليه لم تسمع حتى يتبين القدر الذى خان به بأن يقول بعت بعشرة وما دفعت إلى الا خمسة وإذا وكل بقبض دين أو استرداد وديعة فقال المديون أو المودع دفعت وصدقة الموكل والوكيل منكر هل يغرم الدافع بترك الاشهاد فيه وجهان كما لو ترك الوكيل بقضاء الدين الاشهاد ومن قال أنا وكيل في بيع أو نكاح وصدقه من يعامله صح العقد فلو قال الوكيل بعد العقد لم أكن مأذونا فيه لم يلتفت(11/88)
إلى قوله ولم يحكم ببطلان العقد وكذا لو صدقة المشترى بحق من يوكل عنه الا أن يقيم المشترى بينة على اقراره بانه لم يكن مأذونا من جهته في ذلك التصرف والله أعلم.
(كتاب الاقرار.)
وفيه أربعة أبواب
(الباب الاول في أركانه) وهى أربعة (الركن الاول) المقر وهو ينقسم إلى مطلق ومحجور.
فالمطلق ينفذ إقراره بكل ما يقدر على انشائه.
والمحجور عليه سبعة أشخاص.
الصبى واقراره مسلوب مطللقا.
نعم لو ادعى أنه بلع بالاحتلام في وقت إمكانه يصدق اذلا يمكن معرفته الا من جهته.
ولو ادعى البلوغ بالسن طولب بالبينة.
والمجنون وهو مسلوب القول مطلقا.
والسكران وهو ملتحق بالمجنون أو الصاحي فيه خلاف مشهور والمبذر والمفلس وقد ذكرنا حكمهما) .
الاقرار أصله الاثبات من قولك قر الشئ يقر وقررته إذا أقر به القرار ولم يسم ما يسوغ فيه اقرارا من حيث إنه افتتاح اثبات ولكن لانه اخبار عن ثبوت ووجوب سابق والاصل فيه من حيث الكتاب قوله تعالى (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم) قال المفسرون شهادة المرء على نفسه اقراره وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (قولوا الحق ولو على أنفسكم) ولا شك أن في الاقرار(11/89)
مقرا ومقرا به وصيغة تترتب عليها المؤاخذة وهذه الامور سماها في الكتاب أركانا له ثم المقر به قد يكون مالا وقد يكون غيره وعلى التقديرين فأما أن يعقب الاقرار بما يرفعه أو لا يعقب وإذا لم يكن المقر به مالا قد يكون عقوبة من قصاص أو حد وقد يكون نسبا أو غيره فجعل أبواب الكتاب أربعة (الاول) في الاركان (والثانى) في الاقارير المجملة (والثالث) في تعقب الاقرار بما يرفعه (والرابع) في الاقرار بالنسب وأما ما عدا النسب فما يقع في قسم ما عدا المال فلم يورده قدما الاصحاب في هذا الباب فنجرى على أمثالهم (الركن الاول) من الباب المقر وهو إما مطلق أو محجور أما المطلق وهو المنفك عن أنواع الحجر فاقراره صحيح (وقوله) ينفذ اقراره بكل مايقر به على اسبابه كالدخيل في هذا الركن فان الكلام فيه في المقر وهذا لا يضبط المقر به والضبط ما ينفذ اقرار المقر فيه على أنه يحتاج إلى استثناء صور أقر بها بناء على أن الوكيل إذا قال تصرفت كما أذنت لى فقال الموكل لم تتصرف لم يقبل قول الوكيل على أحد القولين مع قدرته على الانشاء وكذا لو قال استوفيت ما أمرتنى باستيفائه ونازعه الموكل (ومنها) أن انشاء نكاح البنت إلى وليها فاقراره غير مقبول ويمكن أن يزاد فيه فيقال ينفذ اقرار(11/90)
الانسان في التصرفات المتعلقة به التى يستقل بأسبابها أو يقال ما يقدر على أسبابه ويؤاخذ المقر بموجب الاقرار به ولا يلزم نفوذه في حق الغير فتخرج المسائل (وأما) المحجور فقد ذكرنا في كتاب الحجر أقسامه فمنها حجر الصبى وأقاريره لاغية خلافا لابي حنيفة رحمه الله تعالى حيث قال ان كان مميزا مأذونا من جهة الولى صح اقراره كتصرفاته ولنا قول في صحة تدبيره ووصيته فعلى ذلك القول يصح اقراره بهما ولو ادعى أنه بلغ بالاحتلام أو ادعت الجارية البلوغ بالحيض في وقت امكانها وقد سبق بيانه صدقا وان
فرض ذلك في خصومة لم يحلفهما لانه لايعرف ذلك الا من جهتهما فأشبه ما إذا علق العتق على مشيئة الغير فقال شئت يصدق من غير يمين وأيضا فانهما ان صدقا فلا تحليف وان كذبا فكيف يحلفان واعتقاد المكذب أنهما صغيران وقرب الامام رحمه الله تعالى المسألة من الدائرات الفقهية فان في تحليفه تصديق الصبى وبتصديق الصبى لا يحلف فإذا لو حلف لما حلف هذا ما نقله صاحب الكتاب وشيخه وبه قال أبو زيد وعلى هذا فإذا بلغ مبلغا تيقن بلوغه قال الامام رحمه الله تعالى انه لا يحلف أيضا على أنه كان بالغا حينئذ لانا إذا حكمنا بموجب قوله فقد أنهينا الخصومة نهايتها فلا عود إلى تحليفه وفى التهذيب وغيره أنه إذا جاء واحد من الغزاة يطلب سهم المقاتلة وذكر أنه احتلم حلف واخذ السهم فان لم يحلف فوجهان عن صاحب التخليص تخريجا انه لا يعطى وقال غيره يعطى لان الظاهر اسحقاقه بحضور الواقعة ولو ادعى البلوغ بالسن طولب بالبينة لامكانها نعم لو كان غريبا خامل الذكر فليحق بدعوى الاحتلام أو يطالب بالبينة لامكانها من حيث المدعى وينظر في الاثبات لتعذر معرفة التاريخ كما في صبيان الكفار فيه ثلاثة احتمالات للامام رحمه الله تعالى (والظاهر) الثاني لانه إذا أمكن(11/91)
اقامة البينة كلف اقامتها ولم ينظر إلى حال المدعى وعجزه هذا فقه المسألة ولفظ الكتاب يشعر بأنه عد دعوى الاحتلام اقرارا فان قوله نعم لو ادعى أنه بلغ بالاحتلام اقرارا كالاستدراك لقوله قبله واقراره مسلوب مطلقا لكن عدها اقرار بعيد فان المفهوم من الاقرار الاخبار عن ثبوت حق عليه للغير ونفس البلوغ ليس كذلك ولهذا يطالب مدعى البلوغ بالسن بالبينة واختلفوا في تحليف مدعي البلوغ بالاحتلام والمقر لا يكلف البينة ولا اليمين نعم لو قال أنا بالغ فقد اعترف بثبوت الحقوق المنوطة بالبلوغ فهو من هذا الوجه يكون متضمنا للاقرار لا أن نفسه إقرار وبتقدير كونه إقرارا فليس ذلك كاقرار الصبى بأنه إذا قال أنا بالغ يحكم ببلوغه سابقا على قوله فلا يكون إقراره إقرار الصبى حتى يحتاج إلى الاستدراك (ومنها) حجر المجنون وهو مسلوب القول أيضا بلا استثناء والسكران بين الصاحي والمجنون فبأيهما يحلق في إقراره وتصرفاته فيه طرق للاصحاب تبسط في كتاب الطلاق (ومنها) حجر المبذر والمفلس وقد بينا حكم إقرارهما في بابيهما ويقبل اقرار المفلس المحجور عليه في النكاح دون السفيه المحجور اعتبارا
للاقرار بالانشاء قال الامام رحمه الله تعالى واقرار السفيهة بأنها منكوحة فلان كاقرار الرشيدة إذ لا أثر للسفه في النكاح من جانب المرأة (قال) وفيه احتمال من جهة ضعف قولها وخبل عقلها والعلم عند الله.
قال (والرقيق واقراره مقبول بما يوجب عليه عقوبة.
ولو أقر بسرقة مال ووجب عليه القطع ففى قبوله في وجوب المال قولان.
ولو أقر باتلاف مال وكذبه السيد لم يتعلق برقبته بل يطالب به بعد العتق.
ولو كان مأذونا فأقر بدين معاملة قبل وأدى من كسبه.
ولو لم يستند إلى معاملة بل(11/92)
أطلق ففى القبول خلاف.
ولو أقر بعد الحجر بدين أسنده إلى حال الاذن فالظاهر رده لانه في الحال عاجز عن انشائه) .
أحد المحجورين الرقيق وإذا أقر اما أن يقر بما يوجب عليه عقوبة أو بغيره (اما) القسم الاول كالاقرار بالزنا وشرب الخمر والسرقة والقذف وما يوجب القصاص في النفس والطرف فذلك مقبول ويقام عليه موجب ما أقر به خلافا لاحمد والمزنى حيث قالا لا يقبل اقراره على نفسه بالعقوبات لانه ملك السيد والاقرار في ملك الغير لا يقبل ويروى عن احمد أنه لا يقبل اقراره بما يوجب القتل ويقبل بما يوجب سائر العقوبات.
لنا ماروى أن عليا رضى الله عنه قطع عبدا باقراراه وأيضا فانه لو ظهر الحال بالبينة لاقيمت عليه العقوبات فإذا ظهر بالاقرار كان أولى لانه أبعد عن التهمة فان كل نفس مجبولة على حب الحياة والاحتراز عن الالم وإذا أقر بسرقة توجب القطع قبل في القطع وفى قبوله في المال قولان إذا كان المقر بسرقته تالفا (أحدهما) أنه يقبل ويتعلق الضمان برقبة لان اقراره لما تضمن عقوبة القطع انقطعت التهمة عنه (وأصحهما) أنه لا يقبل كما لو أقر بمال ويتعلق الضمان بذمته اما أن يصدقه السيد فيقبل وان كان المقر بسرقته باقيا نظر ان كان في يد السيد لم ينزع من يده الا بتصديقه كما لو أقر حر بسرقته ودفعه إليه وان كان في يد العبد فطريقان عن ابن سريج أن في انتزاعه القولين في التالف (فان قلنا) لا تنزع ثبت بدله في ذمته ويروى هذا عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى ومالك رحمه الله تعالى ويروى عنهما أنه لا يوجب القطع أيضا والحالة هذه ومن الاصحاب من قطع بنفى القبول في المال كما لو كان في يد السيد لان يده يد السيد ويخالف مالو كان تالفا(11/93)
لان غاية ما في الباب فوات رقبته على السيد إذا بيع في الضمان والاعيان التى تفوت عليه لو قبلنا اقراره منها لا ينضبط فيعظم ضرر السيد ومنهم من عكس وقال ان كان المال باقيا في يد العبد قبل اقراره بناء على ظاهر اليد وان كان تالفا لم يقبل لان الضمان حينئذ يتعلق بالرقبة وهو محكوم بها للسيد وإذا اختصرت قلت في قبول اقراره بالمال أربعة أقوال يقبل مطلقا لا يقبل مطلقا يقبل إذا كان المال باقيا يقبل إذا كان المال تالفا وقد أوردها صاحب الكتاب مجموعة هكذا في السرقة واقتصر ههنا على القولين الاولين.
ولو أقر ثم رجع عن الاقرار كان كما لو أقر بسرقة لا توجب القطع ولو أقر بالقصاص على نفسه فعفى المستحق على مال أو عفى مطلقا وقنا انه يوجب المال فوجهان (أصحهما) عند صاحب التهذيب أنه يتعلق برقبته وان كذبه السيد لانه انما أقر بالعقوبة والمال يوخذ بالعفو ولا ينظر احتمال أنه واطأه المستحق على أن يقر ويعفو المستحق لتفوت الرقبة على السيد لان هذه التهمة ضعيفة إذ المستحق ربما يموت أو لا يفي فيكون المقر مخاطرا بنفسه (والثانى) أن الجواب هكذا ان قلنا موجب العمد القصاص (أما) إذا قنا موجبه أحد الامرين ففي ثبوت المال قولان بناء على الخلاف في ثبوت المال إذا أقر بالسرقة الموجبة للقطع وينسب هذا إلى صاحب الافصاح (وأما القسم الثاني) فإذا أقر بدين خيانة من جهة غصب أو سرقة لا توجب القطع أو اتلاف فصدقه السيد تعلق برقبته كما لو قامت عليه بينة فيباع فيه الا أن يختار السيد الفداء وإذا بيع فيه وبقى شئ من الدين فهل يتبع به إذا عتق فيه قولان مذكوران في الجنايات وان كذبه السيد لم يتعلق برقبته ولكن يتعلق بذمته يتبع به إذا عتق ولا يخرج على الخلاف فيما إذا بيع في الدين وبقى شئ لانه إذا ثبت التعلق(11/94)
في الذمة فكان الحق الحصر فيها وتعينت محلا للاداء وفى النهاية أن القياسيين خرجوه على ذلك الخلاف وقالوا الفاضل عن قدر الدين غير متعلق بالرقبة كما أن أصل الحق غير متعلق بها ههنا.
ولو أقر بدين معاملة نظر ان لم يكن مأذونا له في التجارة فلا يقبل اقراره على السيد ويتعلق المقر به بذمته
يتبع به إذا عتق ولا فرق فيه بين أن يصدقه السيد أو يكذبه وان كان مأذونا له في التجارة قبل وأدى من كسبه وما في يده الا إذا كان مما لا يتعلق بالتجارة كالقرض فلو أطلق المأذون الاقرار بالدين ولم يبين جهته فينزل على جهة دين المعاملة أو لا ينزل على ذلك لاحتمال أنه أراد دين الاتلاف فيه وجهان (وأظهرهما) الثاني ولا فرق في دين الاتلاف بين المأذون وغيره ولو أقر عليه فأقر بعد الحجر بدين معاملة أسنده إلى حال الاذن ففيه وجهان مبنيان على القولين فيما لو أقر المفلس بدين لزمه قبل الحجر هل يقبل في مزاحمته الغرماء (والاظهر) ههنا المنع لعجزه عن الانشاء في الحال وتمكن التهمة.
وإذا عرفت ما ذكرناه لم تخف عليك المواضع التى ينبغى أن تعلم بعلامات الاختلاف ورأى الامام رحمه الله تعالى أن يخرج وجوب القطع في مسألة الاقرار بالسرقة إذا نقبله في المال على الخلاف فيما إذا أقر الحر بسرقة مال زيد هل يقطع قبل مراجعة زيد وذلك لارتباط كل واحد منهما بالآخر وعلى هذا يجوز اعلام قوله ووجب عليه القطع - بالواو -.
(فرع) قال في التتمة من نصفه حر ونصفه رقيق إذا أقر بدين جناية لم يقبل فيما يتعلق بالسيد إلا أن يصدقه ويقبل في نصفه وعليه قضاؤه مما في يده وان أقر بدين معاملة فمتى صححنا تصرفه قبلنا اقراره عليه وقضيناه مما في يده ومتى لم نصححه فاقراره كاقرار العبد.(11/95)
(فرع) اقرار السيد على عبده بما يوجب عقوبته مردود وبدين الجناية مقبول الا أنه إذا بيع منه شئ لم يتبع به بعد العتق الا أن نصدقه وكذا اقراره بدين المعاملة لا يقبل على العبد.
قال (والمريض وهو غير محجور عليه عن الاقرار في حق الاجانب.
وفى حق الوارث أيضا على الصحيح.
وقيل فيه قولان.
ولو أقر بانه كان وهب من الوارث في الصحه فالظاهر أنه لا يقبل لعجزه عن الانشاء في الحال.
ولو أقر بدين مستغرق فمات وأقر وارثه عليه بدين مستغرق فيتزاحمان أو يقدم اقرار المورث لوقوع اقرار الوارث بعد الحجر فيه قولان.
ولو أقر بعين ماله في المرض لشخص ثم أقر بدين مستغرق سلم العين للاول ولا شئ للثاني لانه مات مفلسا.
وان أخر الاقرار بالعين
فكمثل.
وفيه وجه آخر أنه إذا تأخر يتزاحمان) .
ومن المحجورين المريض مرض الموت وفى اقراره مسألتان (احدهما) يصح اقراره بالنكاح بموجبات العقوبات وكذا لو أقر بدين أو عين لاجنبي وفى اقراره للوارث طريقتان (أحدهما) أنه على القولين (أحدهما) انه لا يقبل وبه قال أبو حنيفة وأحمد رحمهما الله لانه موضع التهمه لقعد حرمان بعض الورثة فاشبه الوصيه للوارث (وأصحهما) القبول كما لو أقر في حال الصحة والظاهر أنه لايقر الا عن حقيقة ولا يقصد حرمانا فانه انتهى إلى حال يصدق فيها الكاذب ويتوب الفاجر (والثانى) القطع بالقبول وحمل قول الشافعي رضي الله عنه فيمن أجاز الاقرار لوارث اجازه ومن أبي رده على حكاية مذهب الغير وهذه الطريقة أصح عند صاحب الكتاب والاكثرون رجحوا(11/96)
طريقة القولين ونقلوا عن الاملاء نصه على المنع وفى تعليق الشيخ أبى حامد أنه رجح إليها بعد ما كان يقول بطريق القطع بالقبول وقال مالك رحمه الله ان كان المقر منهما لم يقبل اقراره والا قبل ويجتهد الحاكم فيه واختاره القاضى الرويانى لفساد الزمان.
(التفريع) ان قلنا لا يقبل فالاعتبار في كونه وارثا بحال الموت أم بحال الاقرار قيل فيه وجهان وقيل قولان (الجديد) أن الاعتبار بحال الموت كما في الوصية وهذا لان المنع من القبول كونه وارثا والوراثة تتعلق بحالة الموت وبهذا قال أبو حامد (والقديم) وبه قال مالك رحمه الله الاعتبار بحال الاقرار لان التهمة حينئذ تمكن (والاول) أظهر في المذهب وأشهر (وبالثانى) قال أبو إسحق واختاره القاضى الرويانى فعلى الاول لو أقر لزوجته ثم أبانها أو لاخته ثم ولد له ابن صح الاقرار ولو أقر لاجنبية ثم نكحها أو لاخته وله ابن فمات لا يصح وعلى الثاني الحكم فيهما بالعكس ولو أقر في المرض انه كان قد وهب من وارثه وأقبض في الصحة أشار الامام رحمه الله إلى طريقين (أحدهما) القطع بالمنع لذكره ما هو عاجز عن انشائه في الحال (والثانى) أنه على القولين في الاقرار للوارث ورجح صاحب الكتاب ههنا عدم القبول واختار القاضى الحسين القبول لانه قد يكون صادقا فيه فليكن ذلك له طريق إلى ايصال الحق إلى المستحق ولو أقر لوارثه ولاجنبي معا هل يصح في نصفه للاجنبي إذا لم يقبل
فيه قولان لابن سريج الظاهر الصحة (المسألة الثانية) أقر في صحته بدين لانسان وفى مرضه بدين لآخر فهما سواء كما لو ثبتا بالبينة وكما إذا أقر بهما في الصحة أو المرض وقال أبو حنيفة رحمه الله يقدم ما أقر به في الصحة حتى لو لم يفضل عنه شئ له ولو أقر في صحته أو مرضه بدين ثم مات(11/97)
فاقر وارثه عليه بدين آخر فوجهان (أحدهما) أنهما سواء يتضاربان بان في التركة كما لو ثبت الدينان بالبينة وكما لو أقر بهما في حياته فان الوارث خليفته واقراره كاقراره (والثانى) أنه يقدم مايقر به المورث لانه بالموت تعلق بالتركة فليس للوارث صرف التركة عنه والوجهان جاريان فيما لو أقر لوارث بدين عليه ثم أقر لآخر بدين آخر عليه وهما مبنيان على أن المحجور عليه بالفلس إذا أقر بدين أسنده إلى ما قبل الحجر هل يقبل اقراره في زحمة الغرماء فيه قولان والتركة كمال المحجوز عليه من حيث ان الورثة ممنوعون من التصرف فيها وهذا معنى قوله في الكتاب لوقوع اقرار الوارث بعد الحجر واطلاقه القولين في المسألة خلاف رواية الجمهور فانهم جعلوها وجهين ويمكن تنزيلهما على أنهما مخرجان من مسألة الفلس (وقوله) في تصوير المسألة بدين مستغرق غير محتاج إليه بل الخلاف ثابت فيما إذا زادت التركة على قدر الدين الاول ففى وجه يوزع عليهما وفى وجه يوفى الاول بتمامه ويصرف الفاضل إلى الثاني ولو ثبت عليه دين في حياته بالبينة ثم مات فاقر وارثه عليه بدين جرى الخلاف أيضا فاذن ليس من الشرط أن يكون بوت الدين الاول بالاقرار وماله الاظهر من الخلاف أشار بعضهم إلى ترجيح وجه التقديم وقال في التهذيب التسوية أصح وهو موافق لما مر في مسألة المفلس وان ثبت عليه دين في حياته أو موته ثم تردت بهيمة في بئر كان قد احتفرها في محل عدوان ففى مزاحمة صاحب البهيمة رب الدين القديم ما سبق فيما إذا جني المفلس بعد الحجر عليه قاله في التتمة وإذا مات وخلف الف درهم فجاء وادعي أنه أوصى له بثلث ماله فصدقه الوارث ثم جاء آخر وادعي عليه الف درهم دينا فصدقه الوارث قيل يصرف الثلث إلى الوصية لتقدمها وقيل يخرج على قولنا بأن اقرارى(11/98)
الوارث والموروث يتساويان ولو صدق مدعى الدين أولا صرف المال إليه على قياس الوجهين جميعا ولو
صدق المدعيين معا فالحكاية عن الاكثر أنه يقسم الالف بينهما أرباعا لانا نحتاج إلى الالف للدين وإلى ثلث الالف للوصية فيتزاحم على الالف وثلث الالف فيخص الوصية بثلث عائل وهو الربع وعن الصيدلانى أنه تسقط الوصية ويقدم الدين كما لو ثبتا بالبينة وهذا هو الحق سواء قدمنا عند ترتيب الاقرارين الاول منهما أو سوينا بينهما ولو أقر المريض بعين ماله لانسان ثم أقر بدين آخر مستغرق أو غير مستغرق سلمت العين للمقر له بها ولا شئ للثاني لانه مات المقر ولا يعرف له مال ولو أقر بالدين أولا ثم أقر بعين ماله فوجهان (أصحهما) أن الحكم كما في الصورة الاولى لان الاقرار بالدين لا يتضمن حجرا في العين ألا ترى أنه تنفذ تصرفاته فيه (والثانى) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله أنهما يتزاحمان لان لاحد الاقرارين قوة السبق وللآخر الاضافة إلى العين فاستويا ولا يخفى أن التعرض للاستغراق في المسألة اتفاق غير محتاج إليه والله أعلم.
ويشترط في المقر الاختيار فاقرار المكره على الاقرار باطل كسائر تصرفاته.
قال (الركن الثاني المقر له وله شرطان (الاول) أن يكون أهلا للاستحقاق.
ولو قال لهذا الحمار على الف بطل قوله.
ولو قال بسببه على الف لزمه لمالكه على تقدير الاستئجار.
ولو أقر لعبد(11/99)
لزم الحق لمولاه.
ولو قال لحمل فلانة على الف من إرث أو وصية قبل.
ولو أطلق ولم يذكر الجهة فظاهر النص أنه لا يقبل.
وفيه قول أنه يقبل وينزل على هذا الاحتمال.
وكذلك إذا قال للمسجد إو للمقبرة على الف ان أضاف إلى وقف عليه قبل.
وان أطلق فعلى الخلاف) .
يشترط في المقر له أهلية استحقاق الحق المقر به والا كان الكلام لغوا وهزوا وفيه ثلاثة صور (إحداها) لو قال لهذا الحمار أو لدابة فلان علي الف بطل اقراره ولو قال بسبها على الف صح ولزمه حملا على أنه جني عليها أو اكتراها وعن الشيخ أبى عاصم العبادي وجه أنه لا يصح لان الغالب لزوم المال بالمعاملة ولا تتصور المعاملة معها ولو قال لعبد فلان على أو عبدى كذا صح وكان الاقرار لسيده ويخالف مسألة الدابة لانه لا تتصور المعاملة معها وتتصور مع العبد والاضافة إليه كالاضافة في الهبة وسائر الانشاءات (وقوله) في الكتاب ولو قال بسببه على الف لزمه لمالكه المراد ما إذا قال لمالكه بسببه على
الف فاما إذا اقتصر على اللفظ المذكور في الكتاب لم يلزم أن يكون الالف لمالك الدابة في الحال ولكن يسأل ويحكم بموجب بيانه (الثانية) إذا قال لحمل فلانة على الف أو عندي الف فله ثلاثة أحوال (إحداها) أن يسنده إلى جهة صحيحة بان يقول ورثه من أبيه أو يقول أوصى به فلان له فيعتبر اقراره ثم ان انفصل الحمل ميتا فلا حق له بل هو لورثة من قال انه ورثه منه أو للموصى أو ورثته ان(11/100)
أسنده إلى وصيته وان انفصل حيا فان انفصل لما دون ستة أشهر من يوم الاقرار استحق لانا تيقنا وجوده يومئذ وان انفصل لاكثر من أربع سنين فلا لانا تقينا عدمه يومئذ وان انفصل لستة أشهر أو أكثر ولما دون أربع سنين فان كانت مستفرشة لم يستحق لاحتمال تجدد العلوق بعد الاقرار والاصل عدم الاستحقاق وعدمه عند الاقرار فان لم تكن مستفرشة فقولان (أحدهما) أنه لا يستحق لانا لا نتيقن وجوده عند الاقرار (وأظهرهما) الاستحقاق إذ لاسبب في الظاهر يتجدد به العلوق والظاهر وجوده وقت الاقرار لحكم ثبوت نسبه ممن كانت فراشا له وإذا ثبت الاستحقاق فان ولدت تلك المرأة ذكر فهو له وان ولدت ذكرين فصاعدا فلهم بالسوية وان ولدت أنثى فهو لها ان أسنده إلى وصية وان أسنده إلى الارث من الاب فنصفه لها وان ولدت ذكرا وأنثى فهو بينهما بالسوية ان أسنده إلى وصية وثلثاه ان أسنده إلى الارث من الاب (وقوله) ونصفه لها وهذا إذا اقتضت جهة الوراثة ما ذكرنا فان اقضت التسوية بان يكونا ولدى الام كان ثلثه بينهما بالسوية قال الامام رحمه الله تعالى ولو أطلق الارث سألناه عن الجهة وحكمنا بمقتضاها (الحالة الثانية) أن يطلق الاقرار ففيه قولان (أحدهما) وهو نصه في المختصر أنه باطل لان المال في الغالب إنما يجب المعاملة أو جناية ولامتناع المعاملة مع الجهل ولا الجناية عليه (وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله وأبو إسحق أنه يصح ويحمل(11/101)
على الجهة الممكنة في حقه وان كانت نادرة (الثالثة) أن يسنده إلى جهة فاسدة بان يقول الف أقرضنيه أو ثمن ما باعه منى فان لم نصصحه بالاقرار المطلق فهذا أولى وان صححناه فطريقان (أحدهما) أنه على القولين في تعقيب الاقرار بما يرفعه (وأظهرهما) الصحة لانه عقبه بما هو غير مقبول ولا منتظم
فاشبه ما إذا قال لفلان على الف لا يلزمني وإذا صححنا الاقرار في الحالتين الاخيرتين فان انفصل الحمل ميتا فلا حق له ويسأل المقر عن جهة اقراره من الميراث أو الوصيه ويحكم بموجبه قال في النهاية وليس لهذا السؤال والبحث طالب معين فكان القاضى يسأل حسبة ليصل الحق إلى المستحق فان مات قبل البيان كان كما لو أقر لانسان فرده وفى تعليق الشيخ أبى حامد أنه يطالب ورثته ليفسروا فان انفصل حيا للمدة التى قدرنا من قبل فالكل له ذكرا كان أو أنثى وان انفصل ذكرا وأنثى فهو لهما بالسوية لان ظاهر الاقرار يقتضى التسوية ومن المحتمل أن تكون الجهة الوصية ومتى انفصل حي وميت فيجعل الميت كان لم يكن وينظر في الحى على ما ذكرنا ولو أقر بحمل جارية أو بهيمة لانسان ففيه التفصيل المذكور فيما إذا أقر للحمل فان قال أنه أوصى له به صح وينظر كم بين انفصاله وبين الاقرار من المدة على ما سبق وفى حمل البهيمة يرجع إلى اهل الخبرة وان أطلق أو أسند إلى جهة فاسدة خرج على ما تقدم من الخلاف ولو أقر بالحمل لرجل وبالام لآخر إن جوزنا الاقرار بالحمل صح الاقرار(11/102)
والا فلا قال صاحب التهذيب هما جميعا للآخر وهذا البناء على أن الاقرار بالحامل إقرار بالحمل وفيه خلاف يأتي من بعد (الصورة الثالثة) لو أقر لمسجد أو مقبرة أو نحوها بمال وأسنده إلى جهة صحيحه كغلة وقف عليه صح وان أطلق فعلى وجهين تخريجا من القول في مسألة الحمل وعلى قياسه ما إذا أضاف إلى جهة فاسدة.
قال (الثاني) أن لا يكذبه المقر له فان كذبه لم يسلم إليه ويترك في يد المقر في وجه.
ويحفظه القاضى في وجه.
فان رجع المقر له عن الانكار سلم إليه.
فان رجع المقر في حال انكار المقر له فالاظهر أنه لا يقبل لانه أثبت الحق لغيره بخلاف المقر له فانه اقتصر على الانكار) .
يشترط في الحكم بالاقرار عدم تكذيب المقر له في انكاره وان لم يشترط قبوله لفظا على رسم الايجاب والقبول في الانشاءات فان كذبه نظر ان كان المقر به مالا لم يدفعه إليه وفيما يفعل به ثلاثة أوجة (أظهرها) أنه يترك في يد المقر كما كان لان يده تشعر بالملك ظاهرا والاقرار الثاني عارضه انكار المقر له فيسقط وأيضا فانا لا نعرف مالكه ونراه في يده المقر فهو أولى الناس بحفظه (وثانيها) واختاره صاحب التهذيب والتتمة أنه ينتزعه القاضى ويتولى حفظه إلى أن يظهر مالكه فانه في حكم مال
ضائع فيحتاط لمالكه فان رأى استحفاظ صاجب اليد فهو كما لو أستحفظ عدلا آخر (وثالثها) أنه يخير المقر له على القبول والقبض وهو بعيد وقال الشيخ أبو محمد موضع الخلاف ما إذا قال صاحب اليد هذا لفلان وكذبه(11/103)
فلان فأما إذا قال صاحب اليد للقاضى في يدى مال لا أعرف مالكه فالوجه القطع بأن القاضى يتولى حفظه وأبعد بعضهم فلم يجوز انتزاعه ههنا ولو رجع المقر له عن الانكار فصدق المقر فقد حكى الامام رحمه الله الجزم بقبوله وتسليم المقر به إليه لكن الاظهر وهو الذى أورده المتولي وغيره تفريعه على الخلاف السابق (ان قلنا) يترك في يد المقر فهذا حكم منا ببطلان ذلك الاقرار فلا يصرف إلى المقر له الا باقرار جديد (وان قلنا) انه ينتزعه القاضى ويحفظه فكذلك لا يسلم إليه بل لو أراد اقامة البينة على أنه ملكه لم تسمع وانما يسلم له إذا فرعنا على الوجه البعيد فان الظاهر أنه لا يسلم إليه على خلاف ما ذكر في الكتاب ولو رجع المقر في حال انكار المقر له وقال غلطت أو تعمدت الكذب لم يقبل رجوعه ان قلنا ينتزعه القاضي وان تركناه في يده فعلى وجهين رواهما الامام رحمه الله (أظهرهما) عنده وعند صاحب الكتاب أنه لا يقبل أيضا بناء على أنه لو عاد المقر له إلى التصديق قبل منه فإذا كان ذلك متوقعا لم يلتفت إلى رجوعه (والثانى) أنه يقبل بناء على أن الترك في يده ابطال الاقرار وقضية كلام الاكثرين ترجيح هذا الوجه ويعزى إلى ابن سريج ومن قال به لا يسلم لصاحب الكتاب قوله لانه أثبت الحق لغيره بل يقول يشترط كونه اثباتا سلامته مع معارضة الانكار وجميع ما ذكرناه فيما إذا كان الاقرار بثوب ونحوه أما إذا كان اقراره بعبد فأنكر ففيه وجهان (أحدهما) يحكم بعتقه لان صاحب اليد لا يدعيه والمقر له ينفيه فيصير(11/104)
العبد في يد نفسه فيعتق وهذا كما إذا أقر اللقيط بعد البلوغ بأنه مملوك زيد فأنكر يحكم بحريته (وأظهرهما) المنع لانه مملوك بالرق فلا يرفع الا بيقين وتخالف صورة اللقيط فانه محكوم بحريته بالدار فإذا أقر ونفاه المقر له بقى على أصل الحرية فعلى هذا الحكم فيه ما ذكرنا في الثوب وغيره فان كان المقر قصاصا أو حد قذف وكذبه المقر له سقط الاقرار وكذا لو أقر بسرقة توجب القطع فأنكر رب المال السرقة فلا قطع وفى المال ما سبق وان أقرت بالنكاح وأنكر سقط حكم الاقرار في حقه.
(فرع) لو قال من في يده عبدان أحد هذين لفلان طولب بالبيان فلو عين أحدهما فقال المقر له ان عبدى هو الآخر فهو مكذب للمقر ففى المعين ومدع في العبد الآخر.
(فرع) ادعى على آخر الفا من ثمن مبيع فقال المدعى عليه قد أقبضتك الالف وأقام بينة على اقراره بالقبض يوم كذا وأقام المدعي بينة على اقرار المشتري بعد بينته بانه ما أقبضه الثمن بعد سمعت وألزم المشترى الثمن لانه وان قامت البينة على اقراره بالقبض فقد قامت أيضا على أن صاحبه كذبه فيبطل حكم الاقرار ويبقى الثمن على المشترى ويعتبر في المقر له شرط آخر وهو أن يكون معينا فلو قال لانسان أو لواحد من بني آدم أو من أهل البلد على الف هل يصح اقراره خرجه الشيخ أبو على على وجهين بناء على أنه إذا أقر لمعين بشئ وكذبه المقر له هل يخرج من يده (إن قلنا)(11/105)
نعم لانه مال ضائع فكذا هاهنا ويفيد الاقرار (وان قلنا) لا لم يصح هذا الاقرار وهو الصحيح قال في التتمة ولو جاء واحد وقال أنا الذى أردتني ولى عليك الالف فالقول قول المقر مع يمينه في نفى الارادة ونفى الالف ويخالف الاقرار على هذا الابهام ما إذا قال غصبت هذا من أحد هذين الرجلين أو هولاء الثلاثة حيث يعتبر ذلك على ما سنذكره ونفرعه من بعد والفرق أنه إذا قال هو لاحد هذين فله مدع وطالب فلا يبقى في يده مع قيام الطالب واعترافه بأنه ليس له وإذا قال لواحد من بنى آدم فلا طالب له فيبقى في يده وكان الشرط أن يكون المقر له معينا ضرب تعين تتوقع معه الدعوى والطلب.
قال (الركن الثالث المقر به ولا يشترط أن يكون معلوما بل يصح الاقرار بالمجهول.
ولا أن يكون مملوكا للمقر بل لو كان ملكا بطل اقراره.
فلو قال داري لفلان أو مالى لفلان فهو متناقض ولو شهد الشاهد أنه أقر له بدار وكان ملكه إلى أن أقر كانت الشهادة باطلة.
ولو قال هذا الدار لفلان وكانت ملكى إلى وقت الاقرار آخذناه بأول كلامه ولم نقبل آخره) .
لا يشترط أن يكون المقر به معلوما بل يصح الاقرار بالمجاهيل على ما سيأتي ولا أن يكون مملوكا له حين يقر لان الاقرار ليس ازالة ملك وانما هو أخبار عن كونه مملوكا للمقر له فلا بد من تقدم المخبر(11/106)
به على الخبر فلو قال دارى هذه أو ثوبي الذى أملكه لفلان فهو متناقض والمفهوم منه الوعد بالهبة ولو قال مسكني هذا لفلان يكون اقرارا لانه أضاف إلى نفسه السكنى وقد يسكن ملك الغير ولو شهدت بينة على أن فلانا اقر أن له دار كذا وكانت ملكه إلى أن أقر كانت الشهادة باطلة نص عليه ولو قال المقر هذه الدار لفلان وكانت ملكى إلى وقت الاقرار فاقراره نافذ والذي ذكره مناقض لاوله فليلغو كما لو قال هذه الدار لفلان وليست له هذا في الاعيان وكذلك في الديون إذا كان له دين على غيره في الظاهر من قرض أو أجرة أو ثمن مبيع فقال دينى الذى لى على زيد لعمرو فهو باطل ولو قال الدين الذى لى على زيد لعمرو واسمى في الكتاب عارية فهو صحيح فلعله كان وكيلا عنه في الاقراض والاجارة والبيع ثم عمرو ويدعى المال على زيد لنفسه فان أنكر فهو بالخيار بين أن يقيم البينة على دين المقر على زيد ثم على اقراره له بما على زيد وبين أن يقيم البينة أولا على الاقرار ثم على الذين ذكره القفال واستثني صاحب التلخيص ثلاثة ديون ومنع الاقرار بها (أحدها) الصداق في ذمة الزوج لاتقر المرأة به (والثانى) بدل الخلع في ذمة المرأة لايقر الزوج به (والثالث) أرش الجناية لايقر به المجني عليه لان الصداق لا يكون الا للمرأة وبدل الخلع الا للزوج وأرش الجناية الا للمجني عليه نعم لو كانت الجناية على عبد أو مال آخر جاز أن يقر به الغير لاحتمال كونه له يوم الجناية قال(11/107)
الائمة هذه الديون وان لم يتصور فيها الثبوت للغير ابتداء وتقديرا بوكالة ولكن يجوز انتقالها إلى الغير بالحوالة وكذلك في البيع على قوله فيصح الاقرار بها عند احتمال جريان الناقل وحملوا ما ذكره صاحب التخليص على ما إذا أقر بها عقيب ثبوتها بحيث لا يحتمل جريان الناقل لكن سائر الديون كذلك فلا ينتظم الاستثناء بها بل الاعيان أيضا يرتد المستثنى به حتى لو أعتق عبده ثم أقر له السيد أو غيره عقيب العتق بدين أو عين لم يصح لان أهلية الملك لم تثبت له الا في الحال ولم يجز بينهما ما يوجب المال وزاد أبو العباس الجرجاني في الفصل شيئا فقال ان أسند الاقارير الثلاثة إلى جهة حوالة أو بيع ان جوزناه فذلك والا فعلى قولين بناء على مالو أقر للحمل بمال وأطلق.
قال (نعم يشترط أن يكون المقر به تحت يده وتصرفه.
فلو أقر بحرية عبد في يد غيره لم يقبل.
فلو أقدم على شرائه صح تعويلا على قول صاحب اليد.
ثم قيل انه شراء.
وقيل انه فداء من جانبه بيعع من جانبه البائع.
والصحيح أن خيار الشرط والمجلس لا يثبت فيه.
كما لا يثبت في بيعه عبده من نفسه.
ولا يثبت في بيع العبد من قريبه الذى يعتق عليه على الصحيح.
ثم يحكم بعتق العبد على المشترى ولا يكون الولاء له ولا للبائع.
فان مات العبد وله كسب فللمشترى أن يأخذ من تركته قدر الثمن لانه ان كذب فكله له.
وان صدق فهو للبائع وله الولاء وقد ظلمه بالثمن.
وقد ظفر هو بماله هكذا ذكره المزني رحمه الله.
ومن الاصحاب من خالفه لانه غير مصدق في هذه الجهة) .(11/108)
قوله يشترط أن يكون المقر به تحت يده وتصرفه أراد به أنه إذا لم يكن تحت يده لم يسلطنا اقراره على الحكم بثبوت الملك للمقر له بل يكون ذلك دعوى أو شهادة وليس معناه أنه يلغو قوله من كل وجه بل لو حصل المقر به في يده يوما من الدهر يؤمر بتسليمه إليه فقال فلو قال العبد الذى في يد زيد مرهون عند عمرو بكذا ثم حصل العبد في يده يؤمر ببيعه في دين عمرو ولو أقر بحرية عبد في يد غيره أو شهد بحريته فلم تقبل شهادته لم يحكم بحريته في الحال ولو أقدم المقر على شرائه صح تنزيلا للعقد على قول من صدقه الشرع وهو صاحب اليد البائع ويخالف ما إذا قال فلانه اختى من الرضاع ثم أراد أن ينكحها لا يمكنه منها لان في الشراء غرض استنقاذه من أسر السرق ومثل هذا الغرض لا يوجد هناك فيمنع من الاستمتاع بفرج اعترف بأنه حرام ثم إذا اشتراه حكم بحرية العبد وأمر برفع اليد عنه ثم للاقرار حالتان (أحدهما) أن تكون الصيغة أنك اعتقته وتسترقه ظلما وهى التى تكلم بها في الكتاب فالعقد الجارى بينه وبين البائع ما حكمه أهو شراء أم افتداء حكى صاحب الكتاب فيه أوجها ثلاثة (أصحهما) أنه بيع من جهة البائع وافتداء من جهة المقر (والثانى) أنه بيع من الجانبين (والثالث) أنه افتداء من الجانبين وهذا الثالث مما ينبو الطبع عنه في جانب البائع وكيف ينتظم أن يقال انه يأخذ المال لينقذ من يسترقه ويعرفه حرا يفتديه بل لو قيل فيه المعنيان جميعا والخلاف في أن الاغلب منهما ما إذا كان أو بما رآه والمعتمد الذى رواه
الاكثرون أنه بيع من جانب البائع لا محالة ومن جانب المشترى وجهان (أحدهما) أنه شراء كما في جانب البائع (وأصحهما) أنه افتداء لاعترافه بحريته وامتناع شراء الحر وينبنى على هذا الخلاف الكلام في ثبوت الخيار في هذا العقد أما البائع فيثبت له خيار المجلس والشرط بناء على ظاهر(11/109)
المذهب في أنه بيع من جانبه ولو كان المبيع بثمن معين فخرج معيبا ورده كان له أن يسترد العبد بخلاف مالو باع عبدا أو أعتقه المشترى ثم خرج الثمن المعين معيبا ورده لا نسترد العبد بل يعدل إلى القيمة لاتفاقهما على العتق هناك وأما المقر المشترى فان جعلناه شراء في حقه فيه الخيار وان جعلناه فداء فلا وعلى الوجهين لارد له لو خرج العبد معيبا لكن يأخذ الارش على وجه الشراء ولا يأخذ على الوجه الآخر وذكر الامام رحمه الله أنه إذا لم يثبت خيار المجلس والشرط لا يثبت فيه إلى آخره يشعر باثبات الخلاف فيه نعم مع الحكم بكونه شراء وبيعا لاستعقابه العتق كالخلاف في شراء القريب واعلم أن مسألتي بيع العبد من نفسه وبيعه من قريبه قد ذكرناهما بما فيهما في البيع وتبين أن كلامه في شراء القريب بخلاف كلام الاكثرين والحكم بان الصحيح ههنا منع الخيار غير مسلم على اطلاقه بل الصحيح ثبوتهما في طرف البائع نعم في طرف المشترى الفتوى بالمنع بناء على أنه فداء والله أعلم.
ثم إذا حكمنا بالعتق والحالة هذه فلا نقول بان ولاءه للمشترى لاعترافه انه لم يعتقه ولا للبائع لزعمه أنه ليس بعتق بل هو موقوف فان مات وقد اكتسب مالا فان كان له وارث بالنسب فهو له والا فينظر إن صدق البائع المشترى أخذه ورد الثمن وان كذبه وأصر على كلامه الاول فظاهر النص أنه يوقف المال كما كان الولاء موقوفا وأعترض المزني فقال للمشترى أن يأخذ قدر الثمن مما تركه فان فضل شئ كان الفاضل موقوفا وعلله بان المشترى إذا كان كابا فالميت رقيق وجميع أكسابه له أو صادقا فالاكساب للبائع إرثا بالولاء وهو قد ظلمه باخذ الثمن وتعذر استرداده فإذا ظفر بماله كان له أن ياخذ به حقه وافترض الاصحاب في المسألة فذهبت فرقة إلى تقرير النصين تخطئة المزني فالتوجيه من(11/110)
وجهين (أحدهما) أنه لو أخذ شيئا فاما أن يأخذه بجهة أنه كسب مملوكه وقد نفاه باقراره أو بجهة
الظفر بمال من ظلمه وهو ممتنع لانه إنما بذله تقربا إلى الله تعالى باستنقاذه حرا فيكون سبيله سبيل الصدقات والصدقات لا يرجع فيها (والثانى) لا ايدرى أنه يأخذه بجهة الملك أو بجهة الظفر بمال من ظلمه فيمتنع من الاخذ إلى ظهور جهته وقال ابن سريج وأبو إسحق وأكثر مشايخ المذهب الامر كما ذكره المزني وعن ابن سريج والقاضى أبى حامد أن الشافعي رحمه الله نص عليه في غير هذا الموضع وحملوا ما ذكره ههنا على أن ما يأخذه بجهة الولاء لا يكون موقوفا وهو ما زاد على قدر الثمن فاما المستحق بكل حال فلا معنى للتوقف فيه قالوا ويجوز الرجوع في المبذول على جهة الفدية كما لو فدى أسيرا في يد المشركين ثم استولى المسلمون على بلادهم ووجد الباذل عين ماله أخذه (وأما) اختلاف الجهة فلا يسلم أنه يمتنع أخذه بعد الاتفاق على أصل الاستحقاق (الحالة الثانية) أن يكون صفة إقراره أنه حر الاصل وأنه عتق قبل ان اشتريته فإذا اشتراه فهو فداء من جهته بلا خلاف كذلك ذكره صاحب التهذيب وإذا مات وقد اكتسب مالا وليس له وارث فالمال لبيت المال وليس للمشترى أن يأخذ منه شيئا لان تقدير صدقه لا يكون المال للبائع حتى يأخذ عوضا عن الثمن ولو مات العبد قبل أن يقبضه المشترى لم يكن للبائع أن يطالبه الثمن لانه لاحرية في زعمه والمبيع قد تلف قبل القبض هذا شرح المسألة وقد اندرج فيه بعض ما يتعلق بلفظ الكتاب خاصة (وقوله) لم يحكم بعتق العبد على المشترى على من صلة الحكم لامن صله العتق فانا لانحكم بانه عتيق على المشترى وانما نحكم على المشترى بانه عتيق (وقوله) لانه غير مصدق في الجهة أراد به ما ذكرنا في التوجيه الثاني وشبه هذا الخلاف فيما إذا قال عليك الف ضمنته فقال ما ضمنت شيئا ولكن لك على الف قيمة متلف والاصح الثبوت وقطع النظر عن الجهة.(11/111)
(فرع) لو أستأجر العبد المقر بحريته بدلا عن الشراء لم يحل له استخدامه والانتفاع به وللمكرى مطالبته بالاجرة ولو أقر بحرية جارية ثم قبل نكاحها منه لم يحل له وطؤها وللزوج مطالبته بالمهر.
(فرع) لو قال العبد الذى في يدك غصبته من فلان ثم اشتراه منه ففي صحة العقد وجهان
نقلهما الامام رحمه الله (أصحهما) الصحة كما لو أقر بحريته ثم اشتراه (والثانى) المنع لان الصحيح ثم الافتداء والانقاذ من الرق ولا يتجه مثاه في تخليص ملك الغير (ثالث) لو أقر بعبد في يده لزيد وقال العبد بل أنا ملك لعمر وسلم إلى زيد دون عمرو لانه في يد من يسترقه لافى يد نفسه فلو أعتقه لم يكن لعمرو تسليم رقبته والتصرف فيها أيضا لما فيها من ابطال الولاء على المعتق وهل له أخذ اكسابه فيه وجهان (وجه المنع) أن استحقاق الاكساب فرع الربح وأنه لم يثبت.
قال (الركن الرابع الصيغة فإذا قال لفلان على أو عندي الف فهو اقرار.
ولو قال المدعى لى عليك الف فقال زن أو خذ لم يكن اقرار.
وكذا إذا قال زنه أو خذه (و) ولو قال بلى أو أجل أو نعم أو صدقت أو أنا مقر به أو لست منكر له فهو اقرار.
ولو قال أنا مقر ولم يقل به فلا يكون اقرار به.
ولو قال أنا أقر به قيل أنه اقرار.
وقيل انه وعد بالاقرار.
ولو قال اليس لى عليك الف فقال بلى لزمه.
ولو قال نعم قيل إنه لا يلزمه والاصح التسوية.
ولو قال اشتر منى هذا العبد فقال نعم فهو اقرار بالعبد) .
في الفصل صور (أحدهما) قول القائل كذا لفلان صيغة إقرار (وقوله) لفلان على أو ذمتي إقرار بالدين ظاهرا (وقوله) عندي أو معى إقرار بالعين ولو قال له قبلى الف قال في التهذيب هو(11/112)
دين ويشبه أن يكون هو صالح للدين والعين جميعا (الثانيه) إذا قال لغير لى عليك الف وقال في الجواب زن أو خذ لم يكن إقرارا لانه لم توجد منه صيغة التزام وقد يذكر مثل ذلك من يستهزئ ويبالغ في الجحود ولو قال استوف أو اتزن فكذلك وفى التتمة نقل وجه في قوله اتزن أنه اقرار لانه يستعمل في العادة فيما يستوفيه الانسان لنفسه بخلاف قوله زن ويقال هو مذهب أبى حنيفة رحمه الله ولو قال خذه أو زنه فظاهر المذهب أنه ليس باقرار أيضا وقال الزبيري انه اقرار ووجهه أن الكناية تعود إلى ما تقدم في الدعوى ولو قال سده في همنا بك أو اجعله في كسبك أو اختم عليه فهو كقوله زنه أو خذه واعلم أن الوجه الذى رويناه عن الزبيري نسبه صاحب الكتاب في الوسيط إلى صاحب التخليص فلم يورد فيه المسألة ولو قال المدعى عليه في الجواب بلى أو نعم أو أجل أو
صدقت فهو اقرار لان هذه الالفاظ موضوعة للتصديق والموافقة ومثله أجابوا فيما إذا قال لعمري ولعل العرف يختلف فيه ولو قال أنا مقر به أو بما يدعيه ولست بمنكر له فهو اقرار ولو قال أنا مقر ولم يقل به أو قال لست بمنكر أو أنا أقر لم يكن اقرارا لجواز ان يريد الاقرار ببطلان دعواه أو بأن الله تعالى واحد وهذا يدل على أن الحكم بأن قوله انى مقر به اقرار فيما إذا خاطبه فقال أنا مقر لك به والا فيجوز أن يريد الاقرار به لغيره ولو قال أنا أقر لك به فوجهان (أحدهما) أنه ليس باقرار لجواز أن يريد به الوعد بالاقرار في ثانى الحال (والثانى) أنه اقرار لان قرينة الخصومة تشعر بالتمييز ونسب الامام رحمه الله الثاني للاكثرين واختاره كذلك القاضيان الحسين والرويانى ولا يحكى الثاني الا نادرا فضلا عن الذهاب إليه (وأما) المختار فهو مؤيد بأنهم اتفقوا على أنه لو قال لا أنكر ما تدعيه كان اقرارا غير محمول على الوعد ورأيت بعض أصحاب أبى عاصم العبادي أجاب عن هذا الالزام(11/113)
بأن العموم إلى النفس أسرع منه إلى الاثبات ألا ترى ان النكرة في معرض النفي تعم وفى معرض الاثبات لاتعم ولك ان تقول هب ان هذا الفرق بين لكن لا ينفى الاحتمال وقلدة الاقرار الاخذ بالقين قال الامام رحمه الله وبتقدير حمله على الوعد فالقياس ان الوعد بالاقرار اقرار كما انا نقول التوكيل بالاقرار اقرار ولو قال في الجواب لا انكر ان يكون محقا لم يكن مقرا بما يدعيه لجواز ان يريد في شئ آخر فلو قال فيما تدعيه فهو اقرار ولو قال لا اقر به ولا انكر فهو كما لو سألت فيجعل منكرا وتعرض عليه اليمين ولو قال ابرأتني عنه أو قبضته فهو اقرار وعليه بينة القضاء أو الابراء وعن بعض الاصحاب ان قوله ابرأتني ليس باقرار لقوله تعالى (فبرأه الله مما قالوا) وتبرئته عن عيب الادرة لا يقتضى اثباته له ولو قال اقررت بأنك ابرأتني واستوفيت مني لم يكن اقرارا ولو قال في الجواب لعل أو عسى أو اظن أو أحسب أو أقدر لم يكن مقرا وههنا مباحثة وهو أن اللفظ وان كان صريحا في التصديق فقد تنضم إليه قرائن تصرفه عن موضوعه إلى الاستهزاء والكذب ومن جملة الاداء والابراء وتحريك الرأس على شدة التعجب والانكار ويشبه أن يحمل قول الاصحاب ان صدقت وما في معناه اقرار على غير هذه الحالة اما إذا اجتمعت القرائن فلا يجعل إقرارا إو يقال فيه خلاف لتعارض اللفظ والقرينة كما لو
قال لى عليك الف فقال في الجواب على سبيل الاستهزاء لك على الف فان أبا سعيد المتولي حكى فيه وجهين (الثالثة) لو قال اليس لى عليك الف فقال بلى كان مقرا ولزمه الالف ولو قال نعم فوجهان (أحدهما) أنه لا يلزمه لان نعم تصديق لما دخل عليه حرف الاستفهام ويلى تكذيب له من حيث أن أصل بلى بل وزيدت عليها الياء وهو الرد والاستدراك وإذا كان كذلك فقوله بلى رد لقوله اليس لى عليك الف فانه الذى أدخل عليه حرف الاستفهام ونفى له ونفى النفى اثبات فكأنه قال لى(11/114)
عليك لك على الف وقوله نعم تصديق فكأنه قال ليس لى لك على عليك الف هذا تلخيص ما نقل عن الكسائي وغيره من أئمة اللغة وعلى وفاقه ورد القرآن قال الله (الست ربكم قالوا بلى) وقال تعالى (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون) وقال تعالى (أيحسب الانسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه) وقال تعالى في لفظة نعم (فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم) وقال تعالى (أإن لنا لاجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم) والوجه الثاني أن يكون مقرا بان كل واحد منهما يقام مقام الآخر في العرف والوجه الاول هو الذى أورده صاحب التهذيب وغيره لكن الثاني أصح عند الامام وصاحب الكتاب وبه أجاب الشيخ أبو محمد وأبو سعيد المتولي ووجهوه بان الاقارير تحمل على معهود العرف لاعلى حقائق العربية ولو قال هل لى عليك الف فقال نعم فهو اقرار (الرابعة) إذا قال اشتر مني عبدى هذا فقال نعم فهو اقرار به للقائل كما لو قال اعتق عبدى هذا فقال ويمكن أن يجئ فيه خلاف ما ذكرنا في الصلح فيما إذا قال بعني هذا العبد هل هو اقرار بالعبد للمخاطب وليس في لفظ الكتاب في المسألة اضافة العبد إلى نفسه ولكن المراد ما إذا أضاف وكذلك صور في الوسيط ولو كان اللفظ اشتر منى هذا العبد كما في الكتاب فالتصديق بنعم يقتضى الاعتراف بملكية البيع لا بانه يملك المبيع ولو ادعى عليه عبدا في يده فقال اشتريته من وكيلك فلان فهو اقرار له ويحلف المدعى عليه أنه ما وكل فلانا بالبيع ثم انا نردف شرح صور الفصل بصور تقرب منها لو قال له على كذا في علمي أو فيما أعلمه وأشهد فهو اقرار ولو قال كان على الف لفلان أو كانت هذه الدار في السنة الماضية له فوجهان (أحدهما) أنه اقرار في الحال بحكم الاستصحاب(11/115)
(والثانى) لا لانه لم يعرف في الحال بشئ والاصل براءة الذمة ويقرب منه الخلاف فيما إذا قال هذه دارى أسكنت فيها فلانا ثم أخرجته منها قيل هو اقرار باليد لانه اعترف بثبوتها من قبل وادعى زوالها وعن أبى على الزجاجي في جواب الجامع الصغير أنه ليس اقراره بالملك لزيد ودعوى انتقالها منه لانه لم يعترف بيد فلان الا من جهته ولو قال ملكتها من زيد فهو اقرار فان لم يصدقه زيد أمر بالرد إليه وقول قال اقض الالف الذى لى عليك فقال نعم فهو اقرار ولو قال في الجواب اعطني غدا أو ابعث من يأخذه أو امهلني يوما أو حتى اصرف الدراهم أو حتى افتح باب الصندوق أو اقعد حتى تأخذ أو لا أجد اليوم أولا تزال تتاقضى أو قال ما أكثر ما تتقاضى والله لاقضينك فجميع هذه الصور اقرار عند أبى حنيفة رحمه الله والاصحاب فيه مضطربون واللميل إلى موافقته في أكثر الصور اكثر وتردد بعضهم في قوله اقض الالف الذى لى عليك فقال نعم أيضا وكذا لو قال اسرح دابة فلان هذه فقال نعم أو قال متى تقضى حقى فقال غدا ولو قال له قائل غصبت ثوبي فقال ما غصبت من أحد قبلك ولا بعدك لم يكن مقرا لان نفى الغصب من غيره لا يوجب الغصب منه وكذا لو قال ما لزيد أكثر من مائة درهم لان نفى الزائد على المائة لا يوجب اثبات المائة وفيه وجه آخر أنه اقرار بالمائة ولو قال معسر لفلان على الف درهم ان رزقني الله مالا قيل ليس باقرار للتعليق وقيل هو اقرار وذلك بيان لوقت الاداء والاصح أن يستفسر فان فسر بالتأجيل صح وان فسر بالتعليق لغا ولو شهد عليه شاهد فقال هو صادق أو عدل لم يكن مقرا وان قال صادق فيما شهد به أو عدل فيه كان مقرا قاله في التهذيب ولو قال ان شهد على فلان وفلان أو شاهدان بكذا فهما صادقان قال في الحيلة فيه قولان (أصحهما) أنه اقرار وان لم يشهدا وبه أجاب صاحب التلخيص في المفتاح (والثاني) أنه ليس باقرار لما فيه من التعليق فان قال ان شهدا صدقتهما لم يكن مقرا لان غير الصادق قد يصدق(11/116)
(الباب الثاني في الاقارير المجملة) قال (وهى سبعة (الاول) إذا قال لفلان على شئ يقبل تفسيره بأقل ما يتمول (ح) لانه
محتمل.
وهل يقبل بحبة من الحنطة فيه خلاف.
وهل يقبل بالكلب والسرجين وجلد الميتة فيه خلاف.
والاظهر القبول لانه شئ لازم.
ولا يقبل بالخمر والخنزير لانه لا يلزم ردهما.
ولا يقبل برد جواب السلام والعيادة فانه لا مطالبة بهما.
وان قال غصبت شيئا قبل بالخمر والخنزير.
ولو قال له عندي شئ لم يقبل بالسلام لانه لا يملك.
وفيه وجه) .
المقر به يكون مفصلا وقد يكون مجملا مجهول الحال وانما احتمل فيه الاجمال لانه اخبار عن سابق والشئ يخبر عنه مفصلا تارة ومجملا تارة ويخالف الانشاءات حيث لا تحتمل الجهالة والاجمال في أغلبها احتياطا لابتداء الثبوت وتحرزا عن الغرر ولا فرق في الاقارير المجملة بين أن تقع ابتداء أو في جواب دعوى معلومة كما إذا ادعى عليه الف درهم وقال لك على شئ والالفاظ التى تقع فيها الجهالة والاجمال لاحصر لها فاشتغل الشافعي رضى الله عنه والاصحاب ببيان ما هو اكثر استعمالا ودورانا على الالسنة ليعرف حكمهما ويقاس بها غيرها (منها) إذا قال لفلان على شئ رجعنا في التفسير إليه فان فسره بما يتمول قبل قليلا كان أو كثيرا كفلس ورغيف وتمرة حيث يكون لها قيمة وان فسره بما لا يتمول فاما أن يكون من جنس ما يتمول أولا يكون ان كان كحبة من الحنطة والشعير والسمسم وقمع الباذنجانة ففيه وجهان (أحدهما) لا يقبل التفسير به لانه لاقيمة له فلا يصح التزامه بكلمة على ولهذا لا تصح الدعوى به (وأصحهما)(11/117)
القبول لانه شئ يحرم أخذه وعلى من أخذه رده (وقوله) ان الدعوى به لا تسمع ممنوع والتمرة الواحدة حيث لاقيمة لها من هذا القبيل وعن القاضى أن الخلاف فيها بالترتيب وهو أولى بالقبول وان لم يكن من جنس ما يتمول فاما أن يجوز اقتناؤه ... أولا يجوز (القسم الاول) لكلب المعلم والسرجين وجلد الميتة القابل للدباغ ففى التفسير بها وجهان (أحدهما) لا يقبل لانها ليست بمال وظاهر الاقرار المال (وأصحهما) القبول لانها أشياء يثبت فيها الحق والاختصاص ويحرم أخذها ويجب ردها ومن هذا القسم الخمر المحترمة والكلب القابل للتعليم ومثال الثاني الخمرة التى لاحرمة لها والخنزير وجلد الميتة والكلب الذي لا منفعة به ففى التفسير بها وجهان لكن الاصح ههنا المنع وهو الذى ذكره في الكتاب لانه ليس فيه حق اختصاص ولا يلزم ردها (وقوله) على مقتضى ثبوت حق المقر له
ولو فسره بوديعة قبل لان عليه ردها عند الطلب وقد يتعدى فتكون مضمونة عليه وروى الامام رحمه الله وجها أنه لا يقبل لانها في يده لا عليه ولو أقر بحق الشفعة يقبل ذكره القاضى الرويانى وبالعيادة(11/118)
ورد السلام لا يقبل لانه بعيد عن الفهم في معرض الاقرار إذ لا مطالبة بهما والاقرار في العادة يجرى بما يطلب المقر ويدعيه قال في التهذيب ولو قال له على حق قبل التفسير بهما وظني أن الفرق بينهما عسير وكيف لا والحق أخص من الشئ ويبعد أن يقبل تفسير الاخص بما لا يقبل به الاعم وبتقدير ان يكون الامر كما ذكره فينتقض التوجيه المذكور (وقوله) في الكتاب لا يقبل برد جواب السلام أخذ اللفظين من الرد والجواب كاف والآخر زائد ولو كان الاقرار بلفظ الغصب فقال غصبت منه شيئا فبما يقببل تفسيره في الصورة السابقة يقبل ههنا بطريق الاولى إذا احتمله اللفظ وهذا القيد لتخرج الوديعة وحق الشفعة ويقبل أيضا بالخمر والخنزير نص عليه في الام لان الغصب لا يقتضى الا الاخذ قهرا وليس في لفظه ما يشعر بالتزام وثبوت حق بخلاف قوله على ولو قال له عندي شئ فكذلك يقبل االتفسى بالخمر والخنزير على المشهور لانه شئ مما عنده وقال الشيخ أبو محمد لا يقبل واختاره(11/119)
الامام وصاحب الكتاب ووجهوه بان قوله عندي يشعر بثبوت ملك أو حق وللاولين أن يمنعوا ذلك ويحتجوا عليه بانتظام قو القائل لفلان عندي خمر أو خنزير ثم لهم أن يدعوا مثل ذلك في قوله غصبت من فلان.
قال (ثم ان امتنع عن التفسير حبس إلى أن يفسر على رأى.
وجعل نا كلا عن اليمين على رأى حتى يحلف المدعي.
فلو فسر بدرهم فقال المدعى بل أردت عشرة لم يقبل دعوى الارادة بل عليه أن يدعي نفس العشرة.
والقول قول المقر في عدم الارادة وعدم اللزوم) .
عرفت أنه بم يقبل تفسير الاقرار بالشئ وبم لا يقبل وفى الفصل وردت مسألتان لا اختصاص لهما بلفظ الشئ بل يعمان سائر المبهمات وانما أوردهما في هذا الموضع لان الاقرار بالشئ أول ما ذكره من الاقارير المحملة (المسألة الاولى) إذا اقر بمجمل وطالبناه بالتفسير فامتنع ففيه ثلاثة أوجه جمعها
الامام رحمه الله اظهرها انا نحبسه حبسنا إياه إذا امتنع من أداء الحق لان التفسير والبيان حق واجب (والثانى) أنه لا يحبس بل ينظر ان وقع الاقرار المبهم في جواب دعوى وامتنع عن التفسير جعل(11/120)
ذلك انكارا منه وتعرض عليه اليمين فان أصر جعل نا كلا عن اليمين وحلف المدعى وان أقر ابتداء قلنا للمقر له ادعى عليه حقك فإذا ادعاه وأقر بما ادعاه أو أنكر فذاك وأجرينا عليه الحكم وان قال لا أدرى جعلناه منكرا فان أصر جعلناه نا كلا وذلك انه إذا أمكن تحصيل الغرض من غير حبس لا يحبس (والثالث) عن حكاية صاحب التقريب انه ان أقر بغصب وامتنع من بيان المغصوب حبس وان أقر بدين مبهم فالحكم كما ذكرنا في الوجه الثاني وذكر أبو عاصم العبادي أنه إذا قال على شئ وامتنع من التفسير لم يحبس وان قال على ثوب أو فضة ولم يبين يحبس وأشار من شرح كلامه إلى أن الفرق مبني على قبول التفسير بالخمر والخنزير فانه لا يتوجه بذلك مطالبته وحبسه (الثانية) إذا فسر اقراره المبهم بتفسير صحيح وصدقه المقر له فذاك والا فليبين جنس الحق وقدره وليدعيه والقول قول المقر في نفيه ثم لا يخلو اما أن يكون ما ادعاه من جنس ما فسره المقر أو من غير جنسه فان كان من جنسه كما إذا فسر اقراره بمائة درهم وقال المقر له لى عليه مائتان فان صدقه على ارادة المائة فهى ثابتة بالاتفاق ويحلف المقر على نفى الزيادة ولو قال أراد به المائتين حلف المقر على أنه ما أراد مائتين وليس عليه إلا مائة ويجمع بينهما في يمين واحدة وعن ابن المرزبان أنه لابد من يمينين والمشهور الاول فلو نكل حلف المقر له على استحقاق المائتين ولا يحلف على الارادة لانه لا يطلع(11/121)
عليها بخلاف ما إذا مات المقر وفسر الوارث وادعى ليقر له زيادة حيث يحلف الوارث على نفي ارادة الموروث لانه قد يطلع من حال مورثه على مالا يطلع عليه غيره قال صاحب التهذيب ومثله لو أوصى بمجمل ومات فبينه الوارث فزعم الموصي له أنه أكثر يحلف الوارث على نفى العلم باستحقاق الزيادة ولا يتعرض للارادة والفرق أن الاقرار اخبار عن سابق وقد يعرض فيه اطلاع والوصية انشاء أمر على الجهالة وبيانه إذا مات الموصى إلى الوراث وان كان ما ادعاه من غير جنس ما فسر به
المقر نظر ان صدقه في الارادة وقال ليس لى عليه ما فسر به إنما لى عليه كذا بطل حكم الاقرار برده وكان مدعيا في غيره وان كذبه في دعوى الارادة وقال إنما أراد ما ادعيته حلف المقر على نفى الارادة ونفى ما يدعيه ثم إن كذبه في استحقاق المقر به بطل الاقرار فيه والا ثبت ولو اقتصر المقر على نفى دعوى الارادة وقال ما أرددت بكلامك ما فسرته وانما أردت كذا اما من جنس المقر به أو من غيره لم يسمع منه ذلك لان الاقرار والارادة لا يثبتان حقا له بل الاقرار اخبار عن حق سابق وعليه أن يدعى الحق لنفسه وقال الامام وفيه وجه ضعيف أنه تقبل دعوى الارادة المجردة وهو كالخلاف فيمن ادعى على خصمه أنه أقر بألف درهم هل تسمع منه أم عليه أن يدعى بعين الالف (وقوله) في(11/122)
الكتاب لم تقبل منه دعوى الارادة بل عليه أن يدعى نفس العشرة ربما يفهم منه أن دعوى الارادة لا التفات إليها أصلا وليس كذلك وانما المراد أنها وحدها غير مسموعة فأما إذا ضم إليها دعوى الاستحقاق فيحلف المقر على نفيهما على التفصيل الذى تبين الذى اتفقت النقلة عليه ويدل عليه من لفط الكتاب قوله والقول قول المقر في نفى الارادة ونفى اللزوم ولكن فيه كلام وهو انا حكينا في البيع وجهين وهو أن المشترى إذا ادعى عيبا قديما بالمبيع وقال البائع بعته أو قبضته سليما يلزمه أن يحلف كذلك أم يكفيه الاقتصار على أنه لا يستحق به الرد فليجئ ههنا وجه أنه يكفيه نفس اللزوم ولايحتاج إلى التعرض للارادة.
(فرع) لو مات المبهم قبل التفسير طولب به الوار ث فان امتنع فقولان (أحدهما) أنه يوقف مما ترك أقل ما يتمول (وأظهرهما) أنه يوقف الكل لان الجميع وان لم يدخل في التفسير فهو مرتهن بالدين.
قال (الثاني إذا قال على مال يقبل بأقل ما يتمول ولا يقبل بالكلب وجلد الميتة.
والاظهر قبول المستولدة.
ولو قال مال عظيم أو نفيس أو كثير أو مال كان كما لو قال مال وحمل على عظم الرتبة بالاضافة.
فلو قال مال أكثر من مال فلان أو مما شهد به الشهود على فلان قبل تفسيره بما دونه.
ومعناه أن الدين أكثر بقاء من العين أو الحلال أكثر من الحرام) .(11/123)
في الفصل ثلاث صور (إحداها) إذا قال له على مال قبل تفسيره بأقل ما يتمول ولا يقبل بما ليس بمال كالكلب وجلد الميتة والوجه القبول بالتمرة الواحدة ولو كان بحيث يكثر التمر وتوجيهه أنه مال وان لم يتمول في ذلك الموضع هكذا يذكره العراقيون ويقولون كل ما يتمول مال ولا ينعكس وتلتحق الحبة من الحنطة بالتمرة الواحدة وفى قبول التفسير بالمستولدة وجهان حكاها الشيخ أبو محمد (أظهرهما) وهو اختيار الشيخ القبول لانه ينتفع بها وتستأجر وان كانت لاتباع وان فسر بوقف عليه فيشبه أن يخرج على الخلاف في أن الملك في الوقف هل للموقوف عليه (الثانية) إذا قال على مال عظيم أو كبير أو كثير أو جليل أو نفيس أو خطير أو غير تافه أو مال وأى مال قبل تفسيره بأقل ما يتمول لانه يحتمل أن يريد به عظيم خطره يكفر مستحله أو وزر غاصبه والخائن فيه وقد قال الشافعي رضى الله عنه أصل ما أبنى عليه الاقرار أن لا الزم الا اليقين وأطرح الشك ولا استعمل الغلبة وعن أبى حنيفة رحمه الله أنه لا يقبل في العظيم والكثير باقل من عشرة دراهم ويروى مائتا درهم وساعدنا في الجليل والنفيس والخطير وعن مالك رحمه الله أنه لا يقبل التفسير بأقل مما تقطع فيه يد السارق وذهب بعض الاصحاب فيما حكاه القاضى الحسين وغيره إلى أنه يجب أن يزيد تفسير المال العظيم على تفسير مطلق المال ليكون لوصفه بالعظيم فائدة واكتفي بعضهم بالعظيم من حيث(11/124)
الجرم والجثة ولو قال على مال قليل أو حقير أو خسيس أو طفيف أو تافه أو نذر أو يسير فهو كما لو قال مال وتحمل هذه الصفات على استحقار الناس إياه أو على انه فان زائل فكثيره بهذا الاعتبار قليل وقليله بالاعتبار الاول كثير (وقوله) في الكتاب وحمل على عظم الرتبة بالاضافة إلى أحوال الناس وطباعهم فقد يستعظم الفقير ما يستحقره السرى (الثالثة) قال لزيد على مال أكثر مما لفلان قبل تفسيره باقل ما يتمول وان كثر مال فلان لانه يحتمل أن يريد به انه دين لا يتطرق إليه الهلاك وذلك عين متعرض الهلاك أو يريد أن ما لزيد على حلال ومال فلان حرام والقليل من الحلال أكثر بركة من الحرام وكما أن القدر مبهم في هذا الاقرار فكذلك الجنس والنوع مبهمان ولو قال له على اكثر
من مال فلان عددا فالابهام في الجنس والنوع ولو قال له على من الذهب أكثر مما لفلان فالابهام في القدر والنوع ولو قال من صحاح الذهب فالابهام في القدر والنوع ولو قال من الذهب فالابهام في القدر وحده ولو قال لزيد على أكثر مما شهد به الشهود على فلان قبل تفسيره باقل ما يتمول أيضا لاحتمال أن يعتقد أنهم شهدوا زورا ويريد أن القليل من الحلال أكثر بركة ولو قال أكثر مما قضى به القاضى على فلان فوجهان (أحدهما) أنه يلزمه القدر المقضى به لان قضاء القاضي محمول على الصدق والحق (وأظهرهما) أنه كما قال أكثر مما شهد به الشهود لان قضاء القاضى قد يستند إلى شهادة الزور والحكم الظاهر لا يغير ما عند الله تعالى ولو قال لفلان على أكثر مما ففى يد فلان قبل تفسيره(11/125)
باقل ما يتمول كما لو قال من مال فلان ولو قال له على أكثر مما في يد فلان من الدراهم لا يلزم التفسير من جنس الدراهم لكن يلزمه بذلك العدد من أي جنس شاء وزيادة بأقل ما يتمول هكذا ذكره في التهذيب لكنه يخالف ما سبق من وجهين (أحدهما) التزام ذلك العدد (والثاني) التزام زيادة عليه فان التأويل الذى تقدم الاكثرية يتبعهما جميعا ولو قال على من الدراهم أكثر مما في يد فلان من الدراهم وكان في يد فلان ثلاثة دراهم فجواب صاحب التهذيب أنه يلزمه ثلاثة دراهم وزيادة باقل مما يتمول (والاظهر) ما نقله الامام رحمه الله وهو أنه لا يلزمه زيادة حملا للاكثر على ما سبق وحكى عن شيخه أنه لو فسر بما دون الثلاثة يقبل أيضا ولو كان في يده عشرة دراهم وقال المقر لم أعلم وظننت أنها ثلاثة قبل قوله مع يمينه (وقوله) في الكتاب إذ الحلال أكثر من الحرام أي أكثر بركة أو رغبة وما أشبه ذلك.
قال (الثالث إذا قال له على كذا فهو كالشئ.
وإذا قال كذا كذا درهم فهو تكرار.
ولو قال كذا درهم (ح و) يلزمه درهم واحد.
وكذلك كذا وكذا (ح) درهم.
ولو قال كذا وكذا درهما نقل المزني رحمه الله قولين (أحدهما) أنه تفسير لهما فهما درهمان (ح) (والثانى) أنه درهم (ح و) واحد.
وهذا في قوله درهما بالنصب.
وفى قوله درهم بالرفع الاصح انه درهم واحد) .(11/126)
إذا قال لفلان على كذا فهو كما لو قال شئ ويقبل تفسيره بما يقبل به تفسير الشئ ولو قال كذا كذا فهو كما لو قال كذا والتكرار للتأكيد لا للتحديد ولو قال كذا وكذا فعليه التفسير بشيئين مختلفين أو متفقين يقبل كل واحد منهما في تفسير كذا من غير عطف وكذا لو قال على شئ أو قال شئ وشئ ولو قال على كذا درهما يلزمه درهم واحد وكان الدرهم تفسيرا لما أبهم وفى النهاية أن عند أبى حنيفة رحمه الله يلزمه عشرون لانه أول اسم مفرد ينتصب الدرهم المفسر عقبه وان أبا اسحق المروزى وافقه فيما إذا كان المقر عارفا بالعربية وأجاب الاصحاب في أن تفسير الالفاظ المبهمة لا ينظر إلى الاعراب ولا توازن المبهمات بالمبينات بدليل أنه لو قال على كذا درهم صحيح لا يلزمه مائه درهم بالاتفاق وان كانت الموازنة المذكورة تقتضي لزوم مائة والتقييد بالصحيح لئلا يحمل على نصف درهم أو ثلث درهم لكن نقل البندنيجى ان الطحاوي حكى عن بعض أصحاب أبى حنيفة أنه يلزمه مائة درهم والمشهور أنه لا يلزمه الا درهم واحد كما هو قولنا ولو قال كذا درهم من غير صفة الصحة فكذلك وفيه وجه أنه يلزم بعض درهم وهو اختيار ابن الصباغ ولو قال كذا درهم بالرفع فلا خلاف أنه يلزمه درهم واحد ولو قال كذا درهم ووقف فهو كما لو خفض ولو قال كذا كذا درهما لم يلزمه أيضا إلا درهم وقال أبو حنيفة رحمه الله يلزمه احد عشر درهما ووافقه أبو إسحق في العالم بالعربية ولو قال كذا وكذا(11/127)
درهم أو درهم فكذلك لا يلزمه إلا درهم ويجئ في الحفض الوجه الذى مر ولو قال على كذا وكذا درهما قال في المختصر يعطيه درهمين لان كذا يقع درهم يعنى لما وصل الخمس بالدرهم كان كل واحد من المعطوف والمعطوف عليه واقعا على درهم وكناية عنه هكذا قال المزني وقال في موضع آخر إذا قال على كذا وكذا درهما قيل اعطه درهما أو أكثر من قبل ان كذا يقع على أقل من درهمين (وقوله) أكثر إذا فسر بأكثر من درهم لزمه والا فالدرهم تعيين هذا ما نقله المزني واختلف الاصحاب في المسألة على طريقين (أشهرهما) أنه على قولين وبه قال ابن خيران وأبو سعيد (وأصحهما) أنه يلزمه درهمان لانه أقر بجملين مبهمتين وعقبهما بالدرهم منصوبا والظاهر كونه تفسيرا (والثانى) وهو اختيار المزني أنه لا يلزمه الا الدرهم لجواز أن يريد تفسير اللفظين معا بالدرهم وحينئذ يكون المراد من
كل واحد نصف درهم ومنهم من زاد قولا ثالثا وهو أنه يلزمه درهم شئ فاما الدرهم فلتفسير الجملة الثانية وأما الشئ فلان الاولى باقية على ابهاما وهذا ينطبق على رواية من روى اعطه درهم وأكثر (والطريق الثاني) وبه قال أبو إسحق القطع بأنه يلزمه درهما واختلفوا في نقل المزني والتصرف فيه من وجوه (أحدها) حمل ما نقل عن موضع آخر على ما إذا قال كذا وكذا درهم بالرفع كانه يقول وكذا والعرض أبهمته درهم (الثاني) أنه حيث قال درهمان أراد مااذا أطلق اللفظ وحيث(11/128)
قال درهم أراد به ما إذا نواه ويصرف اللفظ عن ظاهره بالنية (والثالث) أنه حيث قال درهم أراد ما إذا قال كذا وكذا درهم فشك ان الذى يلزمه شيئان أو شئ واحد (والرابع) أنه حيث قال يلزمه درهم صور فيما إذا قال كذا وكذا درهما وقال أبو حنيفة رحمه الله يلزمه احد وعشرون درهما للموازنة السابقة وبه قال أبو إسحق في العارف بالعربية وخصص اختلاف الطرق وتفرق الاصحاب بغيره ولو قال كذا وكذا درهم بالرفع فطريقان (أحدهما) طرد القولين لانه يسبق إلى الفهم أنه تفسير لهما وان أخطأ في اعراب التفسير (وأصحهما) القطع بانه لا يلزمه الا درهم واحد لما سبق وكذا لو قال كذا وكذا درهم بالخفض لم يلزمه الا واحد ويمكن أن يخرج مما سبق أنه يلزمه شئ وبعض درهم أولا يلزمه الا بعض درهم ولو قال كذا وكذا وكذا درهما (فان قلنا) لو ذكر مرتين لزمه درهمان فههنا يلزمه ثلاثة (وان قلنا) يلزمه درهم فكذلك ههنا وإذا عرفت ما ذكرناه أعلمت قوله ثم كذا درهما يلزمه درهم - بالحاء - والواو - كما ذهب إليه أبو إسحق وكذا قوله وكذا كذا كذا درهما ويجوز اعلام قوله فهما درهمان وقوله أنه درهم في مسألة كذا وكذا درهما بهما أيضا (وقوله) وهذا في قوله درهما بالنصب أي موضع القولين ذلك فاما إذا رفع فاصح الطريقين القطع بلزوم درهم.(11/129)
قال (ولو قال على الف ودرهم فالالف مبهم وله تفسيره بما شاء بخلاف مالو قال الف وخمشة عشر درهما أو الف ومائة وخمسة وعشرون درهما فان الدرهم لم يثبت بنفسه فكان تفسيرا
للكل ولو قال درهم ونصف ففى النصف خلاف) .
إذا قال لفلان على الف ودرهم أو درهم أو الف وثوب أو الف وعبد فهذا عطف مبين على مبهم فله تفسير الالف بغير جنس المعطوف وقال أبو حنيفة رحمه الله ان كان المعطوف مكيلا أو موزونا أو معدودا يفسر الالف به وان كان متقوما كالثوب والعبد بقى على ابهامه.
لنا القياس على ما سلمه وعن مالك رحمه الله مثل مذهبنا.
واختلف أصحاب أحمد فمنهم من ساعدنا ومنهم من قال يفسر بالمعطوف بكل حال.
ولو قال خمسة عشر درهما فالكل دراهم لانه لاعطف وانما هما اسمان جعلا واحدا فالمذكور تفسير له ولو قال خمسة وعشرون درهما فظاهر المذهب ان الكل دراهم لان لفظ الدراهم فيه لا يجب به شئ زائد بل هو تفسير لبعض الكلام والكلام يحتاج إلى التفسير فيكون تفسيرا للكل وقال ابن خيران والاصطخري الخمسة مجملة والعشرون مفسرة بالدراهم لمكان العطف وعلى هذا الخلاف قوله مائة وخمسة عشرون درهما وقوله الف ومائة وخمسة وعشرون درهما والف وثلاثة أثواب ومائة وأربعة دنانير وقوله مائة ونصف درهم.
ولو قال درهم ونصف أو عشرة دراهم ونصف فوجهان أيضا (قال) الاصطخرى وجماعة من الاصحاب النصف مبهم لانه معطوف على ما تقدم مفسر به فلايتأتى فيه (وقال) الاكثرون الكل دراهم لجريان العادة به حتى انه من قال درهم ونصف درهم عد ذلك تطويلا منه زائدا على قدر الحاجة.
ولو قال نصف ودرهم فالنصف مبهم ولو قال مائة وقفيز حنطة فالمائة مبهمة بخلاف قوله مائة وثلاثة دراهم لان الدراهم تصلح تفسيرا للكل والحنطة لا تصلح تفسيرا للمائة لانه لا يصلح أن يقال مائة حنطة ولو قال على الف درهم برفعهما وتنوينهما فسر الالف بما لا تنقض قيمته عن درهم كأنه قال الالف مما قيمة الالف منه درهم.(11/130)
قال (الرابع إذا قال على درهم يلزمه درهم فيه ستة دوانيق عشرة منه تساوى سبعة مثاقيل وهى دراهم الاسلام.
فان فسر بالناقص في الوزن متصلا قبل (ح) .
وان كان منفصلا لم يقبل إلا إذا كان التعامل به غالبا ففيه وجهان.
وعليه يخرج التفسير بالدراهم المغشوشة.
ولو فسر بالفلوس لم يقبل بحال.
وكذا لو قال على دريهمات أو دراهم صغار وفسر بالناقص لم يقبل.
ولو قال على
دراهم يلزمه ثلاثة) .
ذكرنا في الزكاة ان الدرهم الاسلامي المعتبر به نص الزكاة والديات وغيرها عشرة من الدراهم سبع مثاقيل وكل واحد منها ستة دوانيق ونزيد الآن ان كل دانق ثمان حبات وخمسا حبة فيكون الدرهم الواحد خمسين حبة وخمسى حبة والمراد من الحبة حبة الشعير المتوسطة التى لم نقشر لكن قطع من طرفها مادق وطال والدينار اثنان وسبعون حبة منها كذا نقل عن رواية أبى عبيد القاسم وحكاه الخطابى عن ابن سريج وفى حلية الرويانى ان الدانق ثمان حبات فعلى هذا يكون الدرهم ثمانية وأربعون حبة.
إذا عرفت ذلك ففى الفصل مسائل (احداها) إذا قال على درهم أو الف درهم ثم قال وهى ناقصة فدراهم طبرية الشام الواحد منها أربعة دوانيق فأما أن يتفق الاقرار في بلد دراهمه تامة أو بلد دراهمه ناقصة ان كان الاول فاما أن يذكره منفصلا أو متصلا فان ذكره متصلا فطريقان (أصحهما) القبول كما لو استثني وكانه استشنى من كل درهم دانقين (والثانى) وبه قال ابن خيران أنه على قولين بناء على أن الاقرار هل يتبعض وقد يوجه القبول بما سبق والمنع بأن اللفظ صريح فيه وما كل لفظ يتضمن نقصانا يصلح للاستشناء ألا ترى أنه لو قال على الف بل خمسمائة يلزمه الالف وان ذكره منفصلا لم يقبل وعليه وزن درهم الاسلام إلا أن يصدقه المقر له لان لفظ الدراهم صريح في القدر المعلوم وعرف البلد مؤيد له واختار الرويانى أنه يقبل لان اللفظ محتمل له والاصل براءة الذمة وحكاه عن جماعة من(11/131)
الاصحاب وهو غريب وان كان الثاني فان ذكره متصلا قبل لان اللفظ والعرف يصدقان وان ذكره منفصلا فوجهان (أحدهما) لا يقبل ويحمل مطلق قراره على وزن الاسلام وهذا كما أن نصب الزكاة لا تختلف باختلاف البلاد (وأظهرهما) وهو المحكى عن نصه أنه يقبل حملا لكلامه على نقد البلاد لان للعرف أثرا بينا في تقييد الالفاظ باهل العرف وصار كما في المعاملات ويجرى الخلاف فيما إذا أقر في بلد وزن دراهمه أكثر من وزن دراهم الاسلام مثل غزنه انه يحمل اقراره على دراهم البلد أو على دراهم الاسلام (ان قلنا) بالاول فلو قال عنيت دراهم الاسلام منفصلا لم يقبل وان قاله متصلا ففيه الطريقان السابقان (والاصح) القبول مطلقا وقد ذكرنا فيه خلافا إذا كان الاقرار في بلد وزن دراهمه كامل (وقوله) وان كان منفصلا لم يقبل
يجوز اعلامه - بالواو - كما قاله الرويانى (الثانية) الدراهم عند الاطلاق إنما تستعمل في النقرة فلو أقر بدارهم وفسرها بالفلوس لم يقبل والتفسير بالدراهم المغشوشة كالتفسير بالناقصة لان نقرتها لا تبلغ وان الدراهم فيعود فيه التفصيل المذكور في الناقصة ولو فسر بجنس ردئ من الفضة أو قال أردت من سكة كذا وهى غير جارية في تلك البلد قبل كما لو قال على ثوب ثم فسره بجنس ردئ أو بمالا يعتاد أهل البلد لبسه ويخالف مالو فسر بالناقصة لان يرفع شيئا مما أقر به وههنا بخلافه ويخالف البيع حيث يحمل على سكة البلد لان البيع انشاء معاملة والغالب أن المعاملة في كل بلد تقع بما يروج فيها ويتعامل الناس بها إقراره اخبار عن سابق ربما ثبت بمعاملة في تلك البلدة وربما ثبت بغيرها فوجب الرجوع إلى ارادته ولانه لابد من صيانة البيع عن الجهالة والحمل على ما يروج في البلد اصلح طريق تنتفى به الجهالة والاقرار لا تجب صيانته عن الجهالة وقال المزني لا يقبل تفسيره بغير سكة البلد وحكاه الشيخ أبو حامد عن غيره من الاصحاب (الثالثة) إذا قال على دريهم أو دريهمات أو درهم صغير أو دراهم صغار ففيه اضطراب رواية الذى ذكره الامام رحمه الله وصاحب الكتاب أنه كما لو(11/132)
قال درهم أو دراهم فيعود في التفسير بالنقص التفصيل السابق وليس التقييد بالصغر كالتقييد بالنقصان لان لفظ الدراهم صريح في الوزن والوصف بالصغر يجوز أن يكون من حيث الشكل ويجوز أن يكون بالاضافة إلى الدراهم البغلية وساعدهما صاحب التهذيب على ما ذكره في الدريهم وقال في قوله درهم صغير ان كان بطبرية لزمه نقد البلد وان كان ببلد وزنه وزن مكة فعليه وزن مكة وكذلك ان كان بغزنة ولك أن تقول الجواب فيما إذا كان بطبرية لا يلائم الجواب فيما إذا كان بغزنة لانه اما أن يعتبر اللفظ أو عرفت البلد ان اعتبرنا اللفظ فيجب الوزن بالطبرية وان اعتبرنا عرف البلد فيجب نقد البلد نقرة وقال الشيخ أبو حامد ومن تابعه إذا قال دريهم أو درهم صغير لزمه درهم من الدراهم الطبرية لانها أصغر من دراهم الاسلام وهى أصغر من البغلية على ما بينا في الزكاة فهى صغر الصغيرين باليقين فيؤخذ باليقين ولم يفرق بين بلدة وبلدة ويشبه أن يكون الاظهر من هذه الاختلافات ما تضمنه الكتاب ولانا لا نفرق بين أن يقول مال وبين أن يقول مال صغير
وكذلك في الدراهم وهو ظاهر ما ذكره في المختصر وولو قال على درهم كبير فعلى قياس مافى الكتاب هو كما لو قال درهم ونقله الشيخ أبو حامد وهو أفقه وقال في التهذيب ان كان ببلد وزنه وزن مكة أو طبرية لزمه وزن مكة وان كان بغيره لزمه من نقد البلد وفيه الاشكال الذى ذكرناه (الرابعة) عرفت أن قدر الدراهم وجنسه ماذا أما من حيث العدد فإذا قال على دراهم يلزمه ثلاثة ولا يقبل تفسيره بأقل منها وكذلك لو قال على دراهم كثيرة أو عظيمة ويجئ فيه الوجه المذكور في المال العظيم والكثير ولو قال على أقل اعداد الدراهم لزمه درهمان لان العدد هو المعدود وكل معدود متعدد فيخرج عنه الواحد ولو قال على مائة درهم عددا لزمه مائة درهم بوزن الاسلام صحاح قال في التهذيب ولا يشترط أن يكون كل واحد ستة دوانق وكذلك في البيع ولا يقبل مائة من العدد ناقصة الوزن(11/133)
الا أن يكون نقد البلد عدده ناقصة فظاهر المذهب القبول ولو قال على مائة عدد من الدراهم فههنا يعتبر العدد دون الوزن.
قال (ولو قال على من واحد إلى عشرة فالاصح أنه يلزمه تسعة وقيل ثمانية وقيل عشرة ولو قال درهم في عشر ولم يرد الحساب لم يلزمه إلا واحد) .
إحدى مسألتي الفصل إذا قال له على من درهم إلى عشرة ففيما يلزمه ثلاثة أوجه (أحدها) عشرة ويدخل الطرفان فيه كما يقال من فلان إلى فلان لا يرضى أحد بكذا (والثانى) تسعة لان الملتزم زائد على الواحد والواحد مبدأ العدد والالتزام فيبعد اخراجه عما يلزمه (والثالث) ثمانية ولا يدخل الطرفان كما لو قال بعتك من هذه الجدار إلى الجدار لايدخل الجداران في البيع والاول أصح عند صاحب التهذيب وقال الشيخ أبو حامد والعراقيون الاصح الثاني ووافقهم صاحب الكتاب واحتج له الشيخ أبو حامد بأنه لو قال لفلان من هذه النخلة إلى هذه النخلة تدخل النخلة الاولى في الاقرار دون الاخيرة وما ينبغى أن يكون الحكم في هذه الصورة كما ذكر بل هو كما لو قال بعتك من هذا الجدار إلى هذا الجدار (وقوله) في الكتاب ثمانية وعشرة معلمان - بالحاء - لان مذهب أبى حنيفة رحمه الله كالوجه الثاني وبه قال أحمد رحمه الله.
ولو قال على مابين درهم إلى عشرة فالمشهور
أنه يلزمه ثمانية توجيها بأن ما بمعنى الذى كأنه قال له العدد الذى يقع بين الواحد والعشرة وهو صريح في اخراج الطرفين وذكره ابن الحداد حكاية عن نصه ونقل في المفتاح عن نصه أنه يزمه تسعة ووجه بأن الحد إذا كان من جنس المحدود يدخل فيه فيضم الدرهم العاشر إلى الثمانية وحكى أبو خلف السلمى عن القفال أنه يلزمه عشرة والمقصود بيان غاية ما عليه فحصل في المسألة ثلاث أوجه كما في الصورة الاولى ولم يفرقوا بين أن يقول مابين واجد إلى عشرة وبين أن يقول مابين واحد وعشرة(11/134)
وربما سووا بينهما ويجوز أن يفرق ويقطع بالثمانية في الصيغة الاخرى (الثانية) إذا قال على درهم في عشرة ان أراد الظرف لم يلزمه الا واحد وان أراد الحساب فعليه عشرة وان أراد المعية فعلية احد عشر درهما وان أطلق لم يلزمه الا واحد أخذا باليقين وفيما إذا قال أنت طالق واحدة في اثنتين في قول آخر أنه يحمل على الحساب وان أطلق لانه أظهر في الاستعمال وذلك القول عائد ههنا وان لم يذكروه ولفظ الكتاب يفتقر إلى تأويل لانه حكم بأنه لا يلزمه الا واحد إذا يرد الحساب وله شرط وهو أنه يريد المعية.
قال (الخامس إذا قال له عندي زيت في جرة أو سيف في غمد لا يكون مقرا بالظرف (ح) .
ولو قال له عندي غمد فيه سيف أو جرة فيها زيت لم يكن مقرا الا بالظرف.
وعلى قياس ذلك قوله فرس في اصطبل.
وحمار على ظهره اكاف.
وعمامة في رأس عبد ونظائره.
ولو قال له عندي خاتم وجاء به وفيه فص وقال ما أردت الفص فالظاهر انه لا يقبل.
ولو قال جارية فجاء بها وهى حامل ففى استثناء الحمل وجهان) .
الاضافة إلى الظرف صور تبينها فصول هذا النوع والاصل المقرر فيها أن الاقرار بالمظروف لا يقتضى الاقرار بالظرف وبالعكس أيضا وأصل هذا الاصل البناء على اليقين فإذا قال لفلان عندي زيت في جرة أو سيف في غمد لا يكون مقرا بالجرة والغمد وكذا لو قال ثوب في منديل أو تمره في جراب أو لبن في كوز أو طعام في سفينة لاحتمان أن يريد في جرة أو منديل لى وكذا لو قال غصبت زيتا ثم رأيناه في جرة لا يكون مقرا الا بغصب الزيت ولو قال عندي غمد فيه سيف أو جرة
فيها زيت أو جراب فيه تمر فهو اقرار بالظرف دون المظروف وعلى هذا القياس إذا قال فرس في اصطبل أو حمار على ظهر اكاف أو دابة عليها سرج أو زمام أو عبد على رأسه عمامة أوفى وسطه منطقة أو في رجليه خف فلا(11/135)
يكون مقرا الا بالدابة والعبد وعند أبى حنيفة الاقرار بالمظروف في الظرف يكون اقرارا بهما إذا كان مما يحرز في الظرف غالبا كالزيت في الجرة والتمر في الجراب دون الفرس في الاصطبل وقل صاحب التلخيص إذا قال عبد على رأسه عمامة أو عليه قميص أو في رجله خف فهو اقرار بما مع العبد لان العبد له يد على ملبوسه وما في يد العبد فهو في يد سيده فإذا أقر بالعبد للغير كان مافى يده لذلك الغير بخلاف المنسوب إلى الفرس وعامة الاصحاب على أنه لافرق بينهما وذكر الامام رحمه الله أنه قال ذلك في التخليص وفى المفتاح أجاب بما يوافق قول الجمهور وهو وهم بل جوابه في المفتاح كجوابه في التلخيص ولو قال عندي دابة مسرجة أو دار مفروشة لم يكن مقرا بالسرج ولا الفرش بخلاف ما إذا قال سرجها وفرشها وبخلاف ما لو قال ثوب مطرز لان الطراز جزء من الثوب ومنهم من قال ان ركب عليه بعد النسج فهو على وجهين نذكرهما في أخوات المسألة ولو قال فص في خاتم فهو اقرار بالفص دون الخاتم ولو قال خاتم فيه فص ففى كونه مقرا بالفص وجهان (أصحهما) ما ذكره في التهذيب أنه ليس بمقر لجواز أن يريد فيه فص لى فصار كالصورة السابقة (والثانى) أنه يكون مقرا بالفص لان الفص من الخاتم حتى لو باعه دخل فيه بخلاف تلك الصورة ولو اقتصر على قوله عندي خاتم ثم قال بعد ذلك ما أردت الفص فد ذكر صاحب الكتاب فيه وجهين (أحدهما) أنه يقبل منه لان اسم الخاتم يطلق مع نزع الفص (وأصحهما) الذى ينبغى أن يقطع به أنه لا يقبل لان الفص متناول باسم الخاتم فهو رجوع عن بعض المقر به ولو قال حمل في بطن جارية لم يكن مقرا بالجارية وكذا لو قال نعل في حافر دابة وعروة على قمقمة ولو قال جارية في بطنها حمل أو دابة في حافرها نعل وقمقمة عليها عروة فوجهان كما في قوله خاتم فيه فص ويشبه أن يترتب الوجهان في مسألة الكتاب على الوجهين في صورة الحمل وهى ماذا قال هذه الجارية لفلان وكانت حاملا(11/136)
يتناول الاقرار الحمل فيه وجهان (أحدهما) نعم كما في البيع وبه أجاب القفال (وأظهرهما) لا وله ان يقول لم أرد الحمل بخلاف البيع لان الاقرار اخبار عن سابق وربما كانت الجارية له دون الحمل بان كان الحمل موصى به وسلم القفال أنه لو قال هذه الجارية لفلان إلا حملها يجوز بخلاف البيع (فان قلنا) الاقرار بالجارية يتناول الحمل ففيه الوجهان المذكوران في الصورة السابقة والا فيقطع بانه لا يكون مقرا بالحمل كما إذا قال جارية في بطنها حمل ولو قال ثمرة على شجرة لم يكن مقرا بالشجرة ولو قال شجرة عليها ثمرة فليرتب ذلك على أن الثمرة هل تدخل في مطلق الاقرار بالشجرة وهى لا تدخل بعد التأبير كما في البيع وفى فتاوى القفال أنها تدخل وهو بعيد وقيل التأبير وجهان (أظهرهما) وهو الذى أطلقه في التهذيب أنها لا تدخل أيضا لان الاسم لا يتناولها في البيع والبيع ينزل على المعتاد وذكر القفال وغيره لضبط الباب أن ما يدخل تحت البيع المطلق يدخل تحت الاقارير ومالا فلا قال القفال(11/137)
إلا الثمار المؤبرة وما ذكرنا من المسائل يقتضى أن يقال في الضبط مالا يتبع في البيع ولا يتناوله الاسم ففيه وجهان (وقوله) في الكتاب لا يكون مقرا بالظرف معلم - بالحاء - لان عند أبى حنيفة رحمه الله الاقرار بالمظروف في الظرف اقرار بهما إذا كان ذلك مما يحرز في الظرف غالبا كالتمر في الجراب والزيت في الجرة بخلاف الفرس في الاصطبل.
قال (ولو قال الف في هذا الكيس ولم يكن فيه شئ لزمه الالف.
فان كان الالف ناقصا يلزمه الاتمام عند القفال.
ولا يلزمه عند أبى زيد للحصر.
ولو قال الالف الذى في الكيس لا يلزمه الاتمام.
فان لم يكن فيه شئ فهل يلزمه الالف فوجهان) .(11/138)
إذا قال على الف في هذا الكيس لزمه سواء كان فيه شئ أو لم يكن فيه شئ أصلا لان قوله على يقتضى اللزوم ولا يكون مقرا بالكيس على ما عرفت وان كان فيه دون الالف ففيه وجهان قال أبو زيد لا يلزمه إلا ذلك القدر لحصر المقر به وقال القفال يلزمه الاتمام كما أنه لو لم يكن فيه شئ يلزمه الالف وهذا أقوى ولو قال على الالف الذى في هذا الكيس فان كان فيه دون الالف لم يلزمه
إلا ذلك القدر لجمعه بين التعريف والاضافة إلى الكيس وعن أبى على وجه آخر ضعفوه أنه يلزمه الاتمام ويمكن أن يخرج هذا على الخلاف في أن الاشارة تقدم أم اللفظ وان لم يكن في الكيس شئ ففيه وجهان ويقال قولان بناء على ما إذا حلف ليشربن ماء من هذا الكوز ولا ماء فيه هل تنعقد يمينه ويحنث أم لا.(11/139)
قال (ولو قال له في هذا العبد الف درهم إن فسر بارش الجنابة قبل.
وان فسر بكون العبد مرهونا فالاظهر أنه يقبل.
ولو قال وزن في شراء عشره الفا وأنا اشتريت جميع الباقي بألف قبل ولا يلزمه إلا عشر العبد) .
إذا قال لفلان في هذا العبد الف درهم فهذا لفظ مجمل فيسأل عنه إن قال أردت أنه جني عليه أو على ماله جناية أرشها الف قبل وتعلق الالف برقبته وان قال انه رهن عنده بألف على ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا يقبل لان اللفظ يقتضى كون العبد محلا للالف ومحل الدين الذمة لا المرهون وانما المرهون وثيقة له وعلى هذا إذا نازعه المقر له وأخذناه بالالف الذى ذكره في التفسير وطالبناه للاقرار الجملى بتفسير صالح (وأظهرهما) القبول لان الدين وان كان في الذمة فله تعلق ظاهر بالمرهون فصار كالتفسير بأرش الجناية ولو قال انه وزن في شراء عشره الفا وأنا اشتريت الباقي بألف أو بما دون الالف قبل لانه محتمل ولا يلزمه بهذا الاقرار الا عشر العبد وان قال أردت انه وزن في ثمنه الفا قيل(11/140)
له هل وزنت شيئا فان قال لا فالعبد كله للمقر له وان قال نعم سئل عن كيفية الشراء أكان دفعة واحدة أم لا فان قال دفعة واحدة سئل عن قدر ما وزن فان قال وزنت الفا أيضا فالعبد بينهما وان قال وزنت الفين فثلثا العبد له والثلث للمقر له وعلى هذا القياس ولا نظر إلى قيمته خلافا لمالك رحمه الله حيث قال لو كان يساوى الفين وقد زعم أنه وزن الفين والمقر له الفا يكون العبد بينهما بالسوية ولا يقبل قوله انى وزنت الفين في ثلثه وقد يعبر عن مذهبه بأن المقر له من العبد ما يساوى الفا وان قال اشتريناه دفعتين ووزن في شراء عشره مثلا الفا وأنا اشتريت تسعة اعشاره بالف قبل لانه
يحتمل ولو قال أردت به أنه أوصى له بألف من ثمنه قبل البيع ودفع له الف ثمنه وليس له دفع الالف من ماله وان فسرنا به دفع إليه الالف ليشترى له العبد ففعل فان صدقه المقر له فالعبد له وان(11/141)
كذبه فقد رد اقراره بالعبد وعليه رد الالف الذى أخذه وان قال أردت أنه أقرضه ألفا فصرفته إلى ثمنه قبل ولزمه الالف وتوجيه الخلاف المذكور فيما إذا فسره بالرهن يقتضى عوده ههنا ولو قال له على من هذا العبد الف درهم فهو كما لو قال في هذا العبد ولو قال من ثمن هذا العبد الف درهم فكذلك ذكره في التهذيب ولو قال على درهم في دينار فهو كما لو قال الف في هذا العبد فان أراد النفى معه لزماه.
قال (ولو قال له في هذا المال الف أو في ميراث أبى الف لزمه ولو قال له في مالى الف أو في ميراثي من أبى الف لم يلزمه للتناقض) .
قال الشافعي رضى الله عنه في المختصر لو قال له في ميراث أبى الف درهم كان اقرارا منه على أبيه بدين ولو قال له في ميراثي من أبى الف درهم كانت هبة الا أن يريد اقرارا وما الفرق(11/142)
قيل انه الصورة الثانية أضاف الميراث إلى نفسه وما يكون له لا يصيره لغيره بالاقرار فكان كما لو قال دارى أو مالى لفلان وفي الاول لم يضف الميراث إلى نفسه فكان مقرا بتعلق الالف بالتركة وهذا ما أشار إليه صاحب الكتاب بقوله للتناقض ولك أن تمنع التناقض بين اضافة الميراث إلى نفسه وبين تعلق دين الغير به فان تركة على كل مديون مملوكه لورثته على الصحيح والدين يتعلق بها وقال الاكثرون الفرق أنه إذا قال في ميراث أبى فقد أثبت حق المقر له في التركة وذلك لا يحتمل الا شيئا واجبا فان التبرعات التى لا تلزم ترتفع بالموت ولا تتعلق بالتركة وإذا قال في ميراثي من أبى فقد أضاف التركية إلى نفسه ثم جعل المقر به شيئا منها وأضافه إليه وذلك قد يكون بطريق لازم وقد يكون بطريق التبرع وإذا فسر بالتبرع قبل واعتبره فيه شرطه وعن صاحب التقريب الاشارة إلى التسوية بين الصورتين كأنه قل وخرج فان كان كذلك جاز إعلام قوله في الكتاب أو في ميراث أبى
- بالوار - والمذهب المشهور الفرق بمثله ولو قال له في هذه الدار نصفها فهو إقرار وان قال له في دارى(11/143)
نصفها فهو وعد هبة حكاه الشيخ أبو علي عن النص أيضا واشتهر عن نصه أنه لو قال له في مالى الف درهم كان اقرارا ولو قال من مالى كان وعد هبة لااقرارا وهذا الموضع البحث فيه من وجهين (أحدهما) أن هذا النص في قوله في مالى يخالف ما نقلناه في قوله في ميراثي وفى دارى فما حال هذه النصوص (والثانى) انه لافرق بين في ومن وهل المذهب الظاهر ما نص عليه أم الاول فللاصحاب طريقين فيما إذا قال في مالى الف درهم منهم من قال فيه قولان (أحدهما) أنه وعد هبة لاضافة المال إلى نفسه (والثانى) أنه اقرار لان قوله له يقتضى الملك وبوعد الهبة لا يحصل الملك ومنهم من قطع بأنه وعد هبة وحمل ما روى عن النص الاخير على خطأ النساخ وربما تأوله على ما إذا أتى بصيغة التزام فقال على في مالى الف درهم فانه يكون إقرارا على ما سيأتي وإذا أثبتنا الخلاف فعن الشيخ أبى على أنه يطرد فيما إذا قال في دارى نصفها وامتنع من طرده فيما إذا قال في ميراثي من أبى وعن صاحب التقريب وغيره أنه يلزمه تخريجه فيه بطريق الاولى لان قوله في ميراثي من أبى أولى بأن يجعل(11/144)
اقرارا من قوله في مالى أو في دارى لان التركه مملوكه للورثة مع تعلق الدين بها فيحسن اضافة الميراث إلى نفسه مع الاقرار بالدين بخلاف المال والدار (واما) الثاني فمنهم من قال لافرق ولم يثبت هذا النص أو أوله ومنهم من فرق بان في تقتضي كون مال المقر ظرفا لمال المقر له وقوله من مالى يقتضى الفصل والتبعيض وهو ظاهر في الوعد بانه يقطع شيئا من ماله فإذا فرقنا بينهما لزمه مثله في الميراث والدار لا محالة والظاهر انه لافرق بينهما وان الحكم في قوله في مالى كما ذكرنا أولا في ميراثي واستبعد الامام رحمه الله ان تخريج الخلاف فيما إذا قال له في داري نصفها لانه إذا أضاف الكل إلى نفسه لم ينتظم الاقرار ببعضه كمالا ينتظم منه الاقرار بكله بأن يقول دارى لفلان وتخصص طريقة الخلاف بما إذا لم يكن المقر به جزءا من مسمى ما أضافه إلى نفسه كقوله في مالى ألف درهم أو في دارى ألف ولا يخفى عليك مما ذكرنا حاجة قوله في الكتاب لم يلزمه التناقض إلى الاعلام - بالواو - وحيث قلنا في هذه الصورة إنه وعد هبة لااقرار
فذلك فيما لم يذكر كلمة التزام فأما إذا ذكر بأن يقول على ألف درهم في هذا المال أو في مالى أو في(11/145)
ميراث أبى أو في ميراثي أو دارى أو عبدى أو في هذا العبد فهو إقرار بكل حال ولو قال له في ميراثي عن أبى أو في مالى كذا بحق لزمني أو بحق ثابت وما أشبهه فهو كما لو قال على فيكون اقرارا بكل حال ذكره ابن القاص (واعلم) أن قضية قولنا ان قوله على في هذا المال أو في هذا العبد ألف درهم قرار له بالالف وان لم يبلغ ذلك المال الفا وربما يخطر ذلك الخلاف المذكور فيما إذا قال لفلان على ألف في هذا الكيس وكان فيه دون الالف إلا أن ظرفية العبد للدراهم ليست كظرفيه الكيس لها فيمكن أن يختلفا في الحكم لكن لو قال في هذا العبد ألف درهم من غير كلمة على وفسره بأنه أوصى له بألف من ثمنه فلم يبلغ ثمنه الفا فلا ينبغى أن يجب عليه تتمة الالف بحال.
قال (السادس إذا قال له على درهم درهم درهم لم يلزمه الا درهم واحد لاحتمال التكرار.
ولو قال درهم ودرهم أو درهم لزمه درهما لامتناع التكرار.
ولو قال درهم مع درهم أو درهم تحت درهم أو فوق درهم لا يلزمه إلا واحد تقديره مع درهم لى بخلاف نظيره من الطلاق.
ولو قال(11/146)
درهم قبل درهم أو بعد درهم لزمه درهمان إذ التقدم والتأخر لا يحتمل إلا في الوجوب.
ولو قال درهم ودرهم ودرهم وقال أردت بالثالث تكرار الثاني قبل.
ولو قال أردت بالثالث تكرار الاول لم يقبل لتخلل الفاصل.
وكذا في قوله طالق وطالق وطالق.
فإذا أطلق ففى الطلاق قولان (أحدهما) يلزمه ثلاثة لصورة اللفظ (والثانى) ثنتان لجرى العادة في التكرار.
والاظهر في الاقرار أنه يلزمه عند الاطلاق ثلاثة لانه أبعد عن قبول التأكيد اعتيادا.
ولو قال على درهم فدرهم يلزمه درهم واحد.
ولو قال أنت طالق فطالق يقع طلقتان.
وتقدير الاقرار فدرهم لازم.
وقيل بتخريج فيه من الطلاق ولو قال درهم بل درهمان فدرهمان.
ولو قال درهم بل ديناران فدرهم وديناران.
إذ إعادة الدرهم في الدينار غير ممكن) .
في الفصل صور نذكرها مع ما يناسبها وان احتجنا إلى تقدير وتأخير فعلناه (الاولى) لو قال له على
درهم درهم درهم لم يلزمه إلا درهم واحد لاحتمال ارادة التأكيد بالتكرار وكذا لو كرر عشرا فصاعدا(11/147)
ولو قال درهم ودرهم أو درهم ثم درهم لزمه درهمان لاقتضاء العطف المغايرة ولو قال درهم ودرهم ودرهم لزمه بالاول والثانى درهمان وأما الثالث فان أراد به درهما آخر لزمه وان قال أردت به تكرار الثاني قبل ولا يلزمه الا درهمان وان قال أردت به تكرار الاول فوجهان ذكرهما في النهاية (وأظهرهما) وهو المذكور في الكتاب أنه لا يقبل ويلزمه ثلاثة لان التكرار انما يؤكد به إذا لم يتخلل بينهما فاصل وهذا الحكم فيما إذا قال أنت طالق وطالق وطالق ففى الطلاق قولان ينظر في أحدهما إلى صورة اللفظ وفى الثاني إلى احتمال التكرار وجريان العادة وسيعود ذكرهما في الطلاق وفى الاقرار طريقان (قال) ابن خيران انه على قولين في الطلاق (وقطع) الاكثرون بأنه يلزمه ثلاثة وفرقوا بأن دخول التأكيد في الطلاق أكثر منه في الاقرار لانه لا يقصد به التخويف والتهديد ولانه يؤكد بالمصدر فيقال هي طالق طلاقا والاقرار بخلافه وعلى هذا لو كرر عشر مرات أو أكثر لزمه من الدراهم بعدد ما كرر ولو قال على درهم ثم درهم ثم درهم فهو كما لو قال درهم ودرهم ودرهم ولو(11/148)
قال درهم ودرهم ثم درهم لزمه ثلاثة لا محالة (الثانية) إذا قال على درهم مع درهم أو معه درهم أو فوق درهم أو فوقه درهم أو تحت درهم أو تحته درهم فرواية المزني في المختصر انه لا يلزمه الا درهم واحد لجواز ان يريد مع درهم لى أو فوق درهم لى وايضا فقد يريد فوقه الجودة وتحته الرداءة وبهذه الرواية اخذ أكثر الاصحاب وهى التى اوردها في الكتاب ووراء هذا مذهبان للاصحاب (احدهما) انه يلزمه درهمان واختلف القائلون به فمن ناسب له إلى النص في رواية الربيع ومن قائل انه مخرج واختلف هؤلاء فقيل هو مخرج من الطلاق فانه لو قال انت طالق طلقه مع طلقة أو فوق طلقة تقع طلقتان وقيل هو مخرج مما لو قال علي درهم قبل درهم فانه يلزمه درهمان ومن قال بالاول فانه اعتذر عن قوله قبل درهم وأما الطلاق فالفرق أن لفظه الصريح موقع فإذا أنشأه عمل عمله والاقرار اخبار عن سابق فإذا كان فيه اجمال روجع حتى يبين أنه عم اخبر (والذهب الثاني) قال الداركى ان قال درهم معه درهم أو فوقه درهم لزمه
درهمان لرجوع الكناية إلى الاول الذى التزمه ولو قال درهم على عليه درهم أو على درهم فهو كما لو قال(11/149)
فوقه درهم أو فوق درهم ولو قال على درهم قبل درهم فرواية المزني وبها أجاب الاكثرون انه يلزمه درهمان بخلاف الصورة السابقة والفرق ان الفوقية والتحتية يرجعان إلى المكان ويتصف بهما نفس الدرهم فلا بد من امر يرجع إليه التقديم والتأخير وليس ذلك الا الوجوب عليه وفيه قول آخر انه لا يلزمه الا درهم منهم من حكاه نصا عن رواية الربيع ومنهم من خرجه من الصورة السابقة وسوى بينهما جميعا فجعلهما على قولين ولمن قال به ان يقول القبلية والبعدية كما يكونان بالزمان يكونان بالرتبة وغيرها ثم هب أنهما زمانيان وان نفس الدرهم لا يتصف بهما لكن يجوز رجوعهما إلى غير الواجب بان يريد درهما مضروبا قبل درهم وما أشبهه ثم هب انهما راجعان إلى الواجب لكن يجوز أن يريد لزيد درهم وجب له قبله وجوب درهم لعمرو وفى المسألة وجه آخر عن ابن خيران وغيره انه ان قال قبله درهم وبعده درهم لزمه درهمان وان قال قبل درهم وبعد درهم لم يلزمه الا درهم واحد لاحتمال(11/150)
ان يريد قبل لزوم درهم أو بعد درهم كان لازما (وقوله) في الكتاب لا يلزم الا واحد يجوز اعلامه مع - الواو - بالحاء والالف - اما الحاء فلان عند أبى حنيفه رحمه الله يلزم درهمان فيما إذا قال فوق درهم واما الالف فلان عند احمد يلزمه في جميع الصور درهمان (الثالثة) إذا قال له على أو عندي درهم فدرهم ان أراد العطف لزمه درهمان والا فالنص أنه لا يلزمه الا درهم ونص فيما إذا قال انت طالق فطالق انه يقع طلقتان فنقل ابن خيران الجواب من كل واحدة إلى الاخرى وجعلهما على قولين (أحدهما) يلزمه ودرهمان يقع طلقتان لان الفاء حرف عطف كالواو وثم (والثاني) لا يلزمه الا واحد ولا يقع إلا طلقه لان الفاء قد تستعمل لغير العطف فيؤخذ باليقين وذهب الاكثرون إلى تقرير النصين وفرقوا بوجهين (أحدهما) أنه يحتمل في الاقرار أن يريد فدرهم لازم أو فدرهم أجود والاقرار اخبار والانشاء أقوى وأسرع نفوذا ولهذا لو أقر اليوم بدرهم وغدا بدرهم لا يلزمه الا درهم ولو تلفظ بالطلاق في اليومين وقعت طلقتان وهذا أظهر في المذهب لكن لابن خيران ان يمنع الفرق الاول ويقول يجوز أن يريد فطالق مهجورة(11/151)
أو لاتراجع ويجوز أن يريد فطالق حرمتك وما أشبهه (وأما) الثاني فانه يناقض الفرق المذكور في مسألة درهم ودرهم وطالق وطالق (وقوله) في الكتاب يلزمه درهم واحد معلم - بالحاء والالف - لان عندهما يلزمه درهمان (وقوله) يقع طلقتان يجوز اعلامه - بالواو - لانه لم يذكر طريقة النقل والتخريج بتمامها حتى يستغنى عن الاعلام وانما ذكر التخريج من الطلاق في الاقرار ورأيت في بعض الشروح ان ابن أبى هريرة حكى قولا منصوصا للشافعي رضى الله عنه أنه يلزمه درهمان ويتأيد هذا القول بما إذا قال درهم ودرهم فانه يلزمه درهمان ولا يمتنع فيه مثل التقديرات المذكورة في الفاء ولو قال على درهم فقفيز حنطة فلا يلزمه الا درهم أو يلزمانه جمعيا فيه هذا الخلاف وذكر أبو العباس الرويانى في الجرجانيات ان قياس ما ذكرنا في الطلاق أنه إذا قال بعتك بدرهم فدرهم يكون بائعا بدرهمين لانه انشاء (الرابعة) قال على درهم بل دهم لم يلزمه الا درهم لجواز أن يقصد الاستدراك فيتذكر أنه لا حاجة إليه فيعيد الاول ولو قال درهم لابل درهم اولا درهم فكذلك ولو قال درهم لابل درهمان أو قفيز حنطة لابل فقيزان لم يلزمه الا درهمان وقفيزان لان بل للاستدراك ولا يمكن ان يكون المقصود(11/152)
هاهنا نفي المذكور اولا لاشتمال الدرهمين على الدرهم والقفيزين على القفيز وانما المقصود نفى الاقتصار على الواحد واثبات الزيادة عليه وهذا يشكل بما إذا قال انت طالق طلقة بل طلقتين فانه يقع الثلاثة ولا أدرى لم لم يتصرفوا فيهما ههنا تصرفهم فيما سبق من المسائل ثم ما ذكرناه مفروض فيما إذا أرسل ذكر المقر به أما إذا قال له عندي هذا القفيز بل هذان القفيزان لزمه الثلاث لان القفيز المعين لايدخل في القفيزين المعينين وكذلك لو اختلف جنس الاول والثانى مع الارسال بان قال على درهم بل ديناران أو قفيز حنطة بل قفيزا شعير لزمه الدرهم والديناران أو قفيز الحنطة وقفيز الشعير لان الاول غير داخل في الثاني فهو راجع عن الاول مثبت الثاني والرجوع لا يقبل وما اقر به ثانيا يلزمه ولو قال درهمان بل درهم أو عشرة بل تسعة يلزمه الدرهمان والعشرة لان الرجوع عن الاكثر لا يقبل ولا يدخل الاقل فيه ولو قال دينار بل ديناران بل ثلاثة يلزمه ثلاثة ولو قال دينار بل ديناران بل
قفيز بل قفيزان لزمه ديناران وقفيزان ولو قال دينار وديناران بل قفيز وقفيزان فثلاثة دنانير وثلاثة أقفزة وقس على ما ذكرنا ما شئت.(11/153)
قال (السابع إذا قال يوم السبت على ألف وقال ذلك يوم الاحد لم يلزمه الا ألف واحد.
الا أن يضيف إلى سببين مختلفين.
فلو أضاف أحدهما إلى سبب وأطلق الآخر نزل المطلق على المضاف.
وكذلك لو قامت الحجة على اقرارين بتاريخين جمع بينهما.
وكذلك إذا كان بلغتين احداهما بالعجمية والاخرى بالعربية.
وكذلك لو شهد على كل واحد شاهد واحد فالاصح أنه يجمع نظرا إلى المخبر عنه.
وفى الافعال لا يجمع أصلا.
القول الجملى في الفصل أن تكرير الاقرار لا يقتضي تعدد المقر به لان الاقرار إخبار ألا ترى أنه يحتمل فيه الابهام ولو كان انشاء لما احتمل وتعدد الخبر لا يقتضى تعدد المخبر عنه فيجمع إلا إذا عرض ما يمنع الجمع والتنزيل على واحد فحينئذ يحكم بالمغايرة وفيه مسألتان (إحداهما) إذا إقر لزيد يوم السبت بألف وأقر له يوم الاحد بألف لم يلزمه إلا ألف واحد سواء اتفق الاقراران في مجلس واحد أو مجلسين وسواء كتب به صكا وأشهد عليه شهودا على التعاقب أو كتب صكا بألف وأشهد عليه ثم(11/154)
كتب صكا بألف وأشهد عليه وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله خلافا لابي حنيفة رحمه الله فيما إذا كتب صكين وأشهد عليهما وفيما إذا أقرفى مجلسين ومن أصحابه من لا يفرق بين المجلس والمجلسين ولو أقر في أحد اليومين بالالف وفى الآخر بخمسمائة دخل الاقل في الاكثر ولو أقر مرة بالعربية وأخرى بالعجمية لم يلزمه إلا واحد ولا اعتبار باختلاف اللغات والعبارات.
وإذا لم يمكن الجمع كما إذا أقر في يوم السبت بألف من ثمن عبد ويوم الاحد بألف من ثمن جارية أو قال مرة صحاح ومرة مكسرة لزمه الالفان ولم يجمع وكذا لو قال قبضت منه يوم السبت عشرة ثم قال قبضت منه يوم الاحد عشرة أو طلقتها يوم السبت طلقة ثم قال طلقتها يوم الاحد طلقة ولو قال يوم السبت طلقتها طلقة ثم أقر يوم الاحد بطلقتين لم يلزمه إلا طلقتان ولو أضاف أحد الاقرارين إلى سبب أو وصف الدرهم بصفة وأطلق الاقرار الآخر نزل المطلق
على المضاف لامكانه (وقوله) في الكتاب وكذا لو قامت الحجة على الاقرارين بتاريخين جمع بينهما كان الغرض منه الاشارة إلى تكرير الاشهاد والصك لا تأثير له والا فالحجة على الاقرارين لا توجب(11/155)
تعدد المقر به (المسألة الثانية) لو شهد شاهد على أنه أقر يوم السبت بألف أو بغصب تلك الدار وآخر يوم الاحد لفقنا بين الشهادتين وأثبتنا الالف والغصب لان الاقرار لا يوجب حقا بنفسه انما هو اخبار عن ثابت فينظر إلى المخبر عنه وإلى اتفاقهما على الاخبار عنه وكذا لو شهد أحدهما على اقراره بألف بالعربية والآخر على اقراره بالعجمية ولو شهد شاهد أنه طلق يوم السبت وآخر أنه طلقها يوم الاحد لم تثبت شهادتهما لانهما لم يتفقا على شئ واحد وليس هو اخبار حتى ينظر إلى المقصود والمخبر عنه وعن صاحب التقريب ان من الاصحاب من جعل الاقرارين والطلاقين على قولين بالنقل والتخريج قال الامام رحمه الله (أما) التخريج من الطلاق في الاقرار فهو قريب في المعنى وان بعد في النقل لان الشاهدين لم يشهدا على شئ واحد بل شهد هذا على اقرار وشهد ذاك على اقرار آخر والمقصود من اشتراط العدد في الشهادة زيادة التوثق والاستظهار وإذا شهد كل واحد على شئ لم يحصل هذا المقصود فاتجه أن لا يحكم بقولهما (وأما) التخريج من الاقرار في الطلاق فبعيد نقلا ومعنى لان من(11/156)
طلق اليوم ثم طلق غدا والمرأة رجعية فزعم أنه أراد طلقة واحدة لم يقبل منه فكيف يجمع بين شهادة شاهد على طلاق اليوم وشهادة آخر على طلاق الغد حتى لو شهد أحدهما أنه قذف يوم السبت أو بالعربية والثانى على أنه قذف يوم الاحد أو بالعجمية لم يثبت بشهادتهما شئ أو شهد احدهما على اقراره بانه يوم السبت قذف أو بالعربية قذفه والثانى على اقراره بانه يوم الاحد قذفه أو بالعجمية قذفه فلا تلفيق ايضا لان المقر به شيئان مختلفان وقد قطع به الشيخ أبو محمد ولو شهد شاهد بالف من ثمن مبيع وآخر بالف من قرض أو شهد أحدهما بالف استقرضه يوم السبت وآخر بالف استقرضه يوم الاحد لم تثبت شهادتهما لكن للمدعى أن يعين أحدهما ويستأنف الدعوى عليه ويحلف مع الذى شهد له وله أن يدعيهما ويحلف مع كل واحد من الشاهدين وإن كانت الشهادتان على الاقرار شهد
احدهما أنه أقر بألف من ثمن مبيع وشهد الثاني على إقراره بألف من قرض ففي ثبوت الالف وجهان (الظاهر) انه لا يثبت أيضا وربما بنو الوجهين على الوجهين فما إذا ادعى عليه الفا من ثمن مبيع فقال المدعى عليه لك على ألف ولكن من قرض هل يحل للمدعى أخذ الالف لاتفقاقهما على ولاختلافهما في(11/157)
الجهة (ان قلنا) اختلاف الجهة يمنع الاخذ لم يثبت الالف والا ثبت ولو ادعى الفا فشهد أحد الشاهدين على أنه ضمن الفا والثانى على أنه ضمن خمسمائة في ثبوت خمسمائة قولان عن ابن سريج وهذا قريب من التخريج المذكور في الانشاءات أو هو هو ولو شهد أحد شاهدى المدعى عليه أن المدعي استوفى الدين والآخر على أنه أبرأه فلا يلفق على المذهب ولو شهد الثاني على أنه برئ إليه منه قال أبو عاصم العبادي يلفق لان اضافة البراءة إلى المديون عبارة عن ايفائه وقيل بخلافه.
(فرع) أورده في هذا الموضع ادعى رجل ألفين وشهد له شاهد بألفين وآخر بألف ثبت الالف وله أن يحلف مع الذى شهد بالالفين ويأخذ الكل وكذا الحكم لو كانت الشهادتان على الاقرار وقال أبو حنيفة رحمه الله انه لا يثبت الالف وسلم أنه لو شهد أحدهما بثلاثين والآخر بعشرين العشرون كالالف والالفين وفيه وجه لان لفظ الثلاثين لا يشتمل على العشرين ولفظ الالفين يشتمل على الالف وربما سمع أحد الشاهدين بالالف وغفل عن الآخر ولو ادعى الفا فشهد له شاهد بألف والآخر بألفين فالثاني شهد بالزيادة قبل أن يستشهد ففى مصيره بذلك مجروحا وجهان(11/158)
ان لم يصر مجروحا فشهادته في الزيادة مردودة وفى المدعى قولا تبعيض الشهادة وقطع بعضهم بثبوت الالف وخص الخلاف بالتبعيض بما إذا اشتملت الشهادة على ما يقتضى الرد كما إذا شهد لنفسه ولغيره فأما إذا زاد على المدعى فقوله في الزيادة ليس بشهادة بل هو كما لو أتى بلفظ الشهادة في غير مجلس الحكم (وان قلنا) انه يصير مجروحا فقد ذكر في التهذيب أنه يحلف مع شاهد الالف ويأخذه قال الامام رحمه الله تعالى انه على هذا الوجه بما يصير مجروحا في الزيادة فاما الالف المدعى فلا جرح في الشهادة عليه لكن إذا ردت
الشهادة في الزائد كانت الشهادة في المدعى على قولى التبعي ض فان لم نبعضها فلو اعاد الشهادة بالف قبلت لموافقتها الدعوى وهل يحتاج إلى إعادة الدعوى قال فيه وجهان (أظهرهما) المنع ونختم الباب بخاتمتين (احدهما) في فروع لائقة بالباب (منها) لو اقر بجميع في يده أو ينسب إليه صح فلو تنازعا في شئ انه هل كان في يده يومئذ فالقول قول المقر وعلى المقر له البينة ولو قال ليس لى مما في يدك الا ألف صح وعمل(11/159)
بمقتضاه ولو قال لاحق لى في شئ مما في يد فلان ثم الدعى شيئا منه وقال لم اعلم كونه في يده يوم الاقرار صدق بيمينه ولو قال لفلان على درهم أو دينار لزمه احدهما وطولب بالتعيين وعن رواية الشيخ أبى على وجه ضعيف انه لا يلزمه شئ ولو قال على الف أو على زيد أو على عمر ولم يلزمه شئ وكذا لو قال على سبيل الاقرار انت طالق اولا فان ذكره في معرض الانشاء طلقت كما لو قال أنت طالق طلاقا لا يقع عليك ولو قال على الف درهم والا لفلان على الف دينار لزمه وهذا للتأكيد والاقرار المطلق يلزمه ويؤاخذ به المقر على المذهب المشهور وخرج فيه وجه أنه لا يلزمه حتى يسأل المقر عن سبب اللزوم لان الاصل براءة الذمة والاقرار ليس موجبا في نفسه وأسباب الوجوب مختلف فيها فربما ظن ما ليس بموجب موجبا وهذا كما أن الجرح المطلق لا يقبل وكما لو اقر بان فلانا وارثه لا يقبل حتى يبين جهة الوراثة ولو قال وهبت منك كذا أو خرجت منه إليك لم يكن مقرا بالقبض لجواز أن يريد الخروج منه بالهبة وعن القفال أنه مقر بالقبض لانه نسب إلى نفسه ما يشعر بالاقباض بعد العقد المفروغ عنه ولو أقر الآن بعين مال لابنه فيمكن أن يكون مستند اقراره ما يمنع الرجوع(11/160)
ويمكن أن يكون مستنده مالا يمنع وهو الهبة فهل له الرجوع عن الماوردى وأبى الطيب أنهما أفتيا بثبوت الرجوع تنزيلا الاقرار على أضعف الملكين وأدنى السببين لما ينزل على أقل المقدارين عن الشيخ العبادي أنه لا رجوع لان الاصل بقاء الملك للمقر له ويمكن أن يتوسط فيقال أن أقر بانتقال الملك منه إلى الابن فالامر كما قال القاضيان وان أقر بالملك المطلق فالامر كما قال العبادي ولو أقر في وثيقة انه لا دعوى له على فلان ولا طلب بوجه من الوجوه ولا سبب من الاسباب ثم قال انما اردت في عمامته أو قميصه لافى داره وكرمه قال القاضى
أبو سعيد بن يوسف هذا موضع تردد والقياس أنه يقبل لان غايته تخصيص عموم وهو محتمل (الثانية) المقر به المجهول قد تمكن معرفته من غير رجوع إلى المقر وتفسيره وذلك بان يحيله على معروف وذلك ضربان (أحدهما) أن يقول له على من الدراهم بوزن هذه الصنجة أو بالعدد المكتوب في كتاب كذا أو بقدر ما باع به فلان عبده وما أشبه ذلك فيرجع إلى ما أحال عليه (والثانى) أن يذكر ما يمكن استخراجه من الحساب فمن أمثلته مسألة المفتاح وهو أن يقول لزيد على الف درهم إلا نصف مالا بينه على ولا بينه على الف إلا ثلث ما لزيد على ولمعرفته طرق (أحدها) أن يجعل لزيد شيئا ويقول للابن الف إلا ثلث شئ فيأخذ نصفه وهو خمسمائة الا سدس شئ ويسقط من الالف يبقى خمسمائة وسدس شئ وذلك يعدل شيئا فالمفروض لزيد لانه جعل له الفا إلا نصف ما لابنه(11/161)
فسقط سدس شئ لسدس شئ يبقى خمسة أسداس شئ في مقابلة خمسمائة فيكون الشئ التام ستمائة وهو ما لزيد فإذا أخذت ثلثها وهو مائتين وأسقطته من الالف فبقي ثمانمائة وهى ما أقر به للاثنين (والثانى) أن يجعل لزيد ثلاثا أشياء لاستثنائه الثلث منه ويسقط ثلثها من الالف المضاف إلى الابن فيكون لهما الف ناقص شئ، ثم تأخذ نصفه وهو خمسمائه قصة نصف شئ وتزيده على ما فرضناه لزيد وهو ثلاثة أشياء تكون خمسمائة وستين ونصف شئ وذلك يعدل الالف درهم فسقط خمسمائة بخمسمائة تبقى خمسمائة في مقابلة ستين ونصف شئ فيكون الشئ ما بين وقد كان لزيد ثلاثة أشياء فهى اذن ستمائة (والثالث) أن تقول استثني من أحد الاقرارين النصف ومن الآخر الثلث فيضرب مخرج احدهما في مخرج الآخر يكن ستة ثم ينظر في الجزء المستثني من الاقرارين وكلاهما واحد فتضرب واحدا في واحد يكون واحد اتنقصه من الستة يبقى خمسة فتحفظها وتسميها المقسوم عليه ثم تضرب ما يبقى من مخرج كل واحد من الجزءين بعد اسقاطه في مخرج الثاني وذلك بان تضرب ما يبقي في مخرج النصف بعد النصف وهو واحد في مخرج الثلث وهو ثلاثة يحصل ثلاثة تضربها في الالف المذكور في الاقرار يكون ثلاثة آلاف تقسمها على العدد المقسوم عليه وهو خمسة يخرج نصيب الواحد وهو ستمائة وهو ما لزيد وتضرب ما يبقى في مخرج الثلث بعد الثلث وهو اثنان في مخرج النصف وهو اثنان يكون اربعة تضربها في الالف يكون اربعة ألاف تقسمها على
الخمسة يخرج من القسمة ثمانمائة فهو ما للابن.
ولو قال لزيد على عشره إلا ثلثي ما لعمرو ولعمرو عشرة(11/162)
إلا ثلاثة أرباع ما لزيد تضرب المخرج في المخرج يحصل اثنى عشر ثم تضرب أحد الجزءين في الباقي وهو اثنين في ثلاثة يكن ستة تسقطها من اثني عشر يبقى ستة تضرب الباقي في مخرج الثلث بعد اخراج الثلثين وهو واحد في اربعة يكون اربعة تضربها في العشرة المذكوة في الاقرار يكون اربعين تقسمها على الستة يكون ستة وثلثين وذلك ما أقر به لزيد ثم يضرب واحد وهو الباقي في مخرج الربع بعد اخراج الارباع الثلاثة في ثلاثة يكون ثلاثة تضربها في العشرة يكون ثلاثين تقسمها على الستة يكون خمسة وهو ما أقر به لعمرو والطريقان الاولان يجريان في أمثال هذه الصور بأسرها (وأما) الطريق الثالثة فانه لا تطرد فيما إذا اختلف المبلغ المذكور في الاقرارين وتخرج فيما إذا كانت الاقارير ثلاثة فصاعدا مثل أن يقول لزيد عشرة الا نصف ما لعمرو ولعمرو عشرة الا ثلث مالبكر ولبكر عشرة الاربع ما لزيد إلى تطويل لا يؤثر ذكره في هذا الموضع.
ولو قال لزيد على عشرة الا نصف ما لعمرو ولعمرو ستة الا ربع ما لزيد يكون مقرا لزيد بثمانية ولعمرو باربعة ولو قال لزيد على عشرة الا نصف ما لعمرو ولعمرو عشرة الاربع ما لزيد يكون مقرا لزيد بخمسة وخمسة أسباع ولعمرو ثمانية وأربعة أسباع وقد يصور صدور كل اقرار من شخص بان يدعى مالا على زيد وعلى عمرو فيقول زيد لك على عشرة الا نصف مالك على عمرو ويقول عمرو لك على عشرة الا ثلث ما على زيد فطريق الحساب لا يختلف.(11/163)
(الباب الثالث.
في تعقيب الاقرار بما يرفعه) قال (وله صور (الاولى) إذ قال على الف من ثمن خمر أو خنزير أو من ضمان شرط فيه الخيار ففى لزومه قولان يجريان في تعقيب الاقرار بما ينتظم لفظا في العادة ويبطل حكمه.
وكذلك إذا قال على الف من ثمن عبد ان سلم سلمت.
فعلى قول لا يطالب الا بتسليم العبد.
وعلى قول يؤاخذ بأول الاقرار.
ولو قال الف لا يلزم يلزمه لانه غير منتظم.
وقيل قولان.
ولو قال على الف
قضيته فالاصح انه يلزمه.
وقيل قولان.
ولو قال الف ان شاء الله فالاصح أنه لا يلزمه.
وقيل قولان.
ولو قال الف مؤجل فالاصح أنه لا يطالب في الحال.
وقيل قولان.
ولو ذكر الاجل بعد الاقرار لم يقبل.
ولو قال الف مؤجل من جهة تحمل العقل قبل قولا واحدا.
ولو قال من جهة القرض لم يقبل قولا واحدا.
ولو قال على الف ان جاء رأس الشهر فهو على القولين إذ وقع لزوم الاقرار بالتعليق.
ولو قال ان جاء رأ س الشهر فعلى الف لم يلزمه أصلا.
لان الاقرار المعلق باطل (الثانية) إذا قال له على الف ثم جاء بألف وقال هو وديعة عندي قبل.
لانه يتصور أن يكون مضمونا عليه بالتعدي وكان لازما عليه.
ولا يقبل قوله في سقوط الضمان لو ادعى التلف بعد الاقرار وفيه قول آخر أنه لا يقبل تفسيره بالوديعة أصلا فيلزمه الف آخر.
وهو اظهر فيما إذ قال على وفى ذمتي أو قال الف دينا) .(11/164)
يعقب الاقرار بما ينافيه اما بالاستثناء أو غيره (والثانى) ينقسم إلى ما يرفعه أصلا والى غيره (والاول) ينقسم إلى مالا ينتظم لفظا فيلغو والى ما ينتظم فان كان مفصولا لم يقبل وان كان موصولا ففيه خلاف بالترتيب هذا عقد الباب وإذا مرت بك مسائله عرفت أن كل واحدة من أي قبيل هي (أما) الاستثناء فسيأتي حكمه فمن المسائل إذا قال لفلان على الف من ثمن خمر أو كلب أو خنزير نظر ان وقع قوله من ثمن خمر منفصلا عن قوله على الف فتلزمه الالف وان كان موصولا ففيه قولان (أحدهما) وهو اختيار المزني وأبى اسحق انه يقبل ولا يلزمه شئ لان الكل كلام واحد فيعتبر بآخره ولا يتبعض كلامه (والثانى) لا يقبل فيعتبر األه ويلغى آخره لانه وصل باقراره ما يرفع فاشبه ما إذا قال على الف لا تلزمني أو فصل قوله عن ثمن خمر عن الاقرار وبهذا قال أبو حنيفة رحمه الله فعلى هذا لو قال المقر كان ذلك من ثمن خمر وظننته لازما فله تحليف المقر له على نفيه ويجرى القولان فيما إذا وصل باقراره ما ينتظم لفظه في العادة ولكنه يبطل حكمه شرعا إذا أضاف المقر به إلى بيع فاسد كالبيع باجل مجهول وخيار مجهول أو قال تكفلت ببدن فلا شرط الخيار أو ضمنت لفلان كذا بشرط الخيار وما أشبه ذلك في كلام الائمة ذكر مأخذين لهذا الخلاف(11/165)
(أحدهما) بناءه على القولين في تبعيض الشهادة إذا شهد لابنه واجنبي ولك أن تقول هذا لا يشبه مسألة الشهادة لان الشهادة للاجنبي والشهادة للابن أمران لاتعلق لاحدهما بالآخر وأنما قرن بينهما الشاهد لفظا والخلاف فيها شبيه بالخلاف في تفريق الصفقة وأما ههنا فالمذكور أولا مستند إلى المذكور آخرا ولكنه فاسد في نفسه مفسد للاول ولهذا لو قدم ذكر الخمر فقال لفلان على من ثمن الخمر الف لم يلزمه شئ بحال وفى الشهادة لافرق بين أن يقدم الابن أو الأجنبي ثم هب انهما متقاربان لكن ليس بناء الخلاف في الاقرار على الخلاف في الشهادة بأولى من القلب والعكس (والثانى) أنه يجوز بناء هذا الخلاف على الخلاف في حد المدعى والمدعى عليه (ان قلنا) المدعي من لو سكت تر ك فههنا لو سكت عن قوله من ثمن خمر لترك فهو باضافته إلى الخمر مدع فلا يفبل قوله ويحلف المقر له (وان قلنا) المدعى من يدعى أمرا باطنا قبل قول المقر لان الظاهر معه وهو براءة الذمة والمقر له هو الذي يدعى أمرا باطنا وهو زوال أصل البراءة ولك أن تقول لو صح هذا البناء لما افترق الحال بين أن يضيفه إلى الخمر موصولا أو مفصولا ولوجب أن يخرج التعقب بالاستثناء على هذا الخلاف وقال الامام رحمه الله بعد ذكر القولين كنت أود لو فصل بين أن يكون المقر جاهلا بان(11/166)
ثمن الخمر لا يلزم وبين أن يكون عالما فيعذر الجاهل دون العالم لكن لم يصر إليه أحد من الاصحاب.
(ومنها) إذا قال على الف من ثمن عبد لم أقبضه إذا سلمه سلمت الالف ففيه طريقان (أحدهما) أن قبول قوله من ثمن عبد لم أقبضه على القولين السابقين وفى قول يقبل ولا يطالب بالالف الا بعد تسليم العبد وفى قول يؤاخذ بأول الاقرار ولا يحكم بثبوت الالف ثمنا وهذا ما أورده في الكتاب (وأصحهما) القطع بالقبول وثبوته ثمنا ويفارق صور القولين فان المذكور آخرا منها يرفع المقر به وههنا بخلافه وعلى هذا فلو قال على الف من ثمن عبد واقتصر عليه ثم قال مفصولا لم أقبض ذلك العبد قبل أيضا لانه علق الاقرار بالعبد والاصل فيه عدم القبض نعم لو اقتصر على قوله لفلان على الف ثم قال مفصولا هو من ثمن عبد لم اقبضه لم يقبل ولا فرق عندنا بين أن يعين العبد فيقول على الف
من ثمن هذا العبد إذا سلمه سلمت الالف وبين أن يطلق فيقول من ثمن عبد وقال أبو حنيفة رحمه الله ان عين قبل وأن اطلق للم يقبل ولزمه الالف (ومنها) لو قال على الف قضيته ففيه طريقان (أحدهما) القطع بلزوم الالف لقرب اللفظ من عدم الالتزام فان ما قضاه لا يكون عليه بخلاف قوله من ثمن الخمر فانه ربما يظن لزومه وهذا أصح عند صاحب الكتاب (وأصحهما) عند الجمهور أنه على القولين لان مثله يطلق في العرف والتقدير كان له على الف فقضيته ويجرى الطريقان فيما إذا قال لفلان على الف ابرأنى عنه ولو ادعى عليه الفا فقال قد قضيته فالمشهور ما ذكرناه في الباب الاول وهو انه اقرار وجعله أبو على البندنيجى بمثابة ما لو قال على الف قضيته (ومنها) إذا قال على الف ان شاء الله فالصحيح أنه لا يلزمه شئ لانه لم يلزم بالاقرار وقد علقه على المشيئة وهى غيب عنا وأيضا فان الاقرار اخبار عن واجب سابق والواقع لا يتعلق بالغير وعن صاحب التقريب ان من الاصحاب(11/167)
من جعله على الخلاف فيما إذا قال من ثمن خمر لانه لو اقتصر على أول الكلام لكان اقرارا جازما ولو خرجوا طريقا آخر جازما باللزوم لكان قريبا بناء على أن تعليق السابق لا ينتظم وبهذا قال احمد.
ولو قال على الف ان شئت أو شاء فلان فالمشهور بطلان الاقرار وقال الامام رحمه الله الوجه تخريجه على القولين لانه نفي بآخر كلامه مقتضى أوله قال وليس ذلك كقوله ان شاء الله وان شاء زيد فان مثل هذا الكلام يطللق للالتزام في المستقبل ألا ترى أنه لو قال لك على كذا ان رددت عبدى الابق كان ذلك التزاما في المستقبل ولو قال على الف إذا جاء رأس الشهر أو إذا قدم فلان اطلق مطلقون أنه لا يكون اقرارا لان الشرط لا أثر له في ايجاب المال والواقع لا يعلق بالشرط وذكر الامام رحمه الله وغيره أنه على القولين لان صدر الكلام صيغة التزام والتعليق يرفع حكمه ويمكن أن يكون اطلاق من أطلق اقتصارا على الاظهر من القولين في المسألة وهذا إذا أطلق وقال قصدت التعليق أما إذا قال قصدت به كونه مؤجلا إلى رأس الشهر فسيأتي ولو قدم التعليق فقال ان جاء رأس الشهر قبل فعلى الف لم يلزمه شئ لانه لم توجد صيغة التزام جازمة نعم لو قال أردت به التأجيل برأس الشهر قبل وفى التتمة حكاية وجه أن مطلقه يحمل على التاجيل برأس الشهر وبهذا أجاب
فيما إذا أخر صيغة التعليق فقال على الف إذا جاء رأس الشهر ولم يذكر غيره فيجوز أن يعلم لذلك قوله في الكتاب لم يلزمه أصلا - بالواو - وكذا قوله في الصورة الاولى فهو على قولين أيضا ولعلك تقول ما حكيت في صورة التعليق افهمني أن ظاهر المذهب بطلان الاقرار فيما إذا قال من ثمن الخمر والخنزير ان الاصح عند العراقيين وغيرهم لزوم ما أقر به فهل من فارق (والجواب) أنه يمكن أن يقال دخول الشرط على الجملة يصير الجملة جزأ من الجملة الشرطية والجملة إذا صارت جزأ من جملة أخرى(11/168)
تغير معناها (وقوله) من ثمن خمر أو خنزير لا يغير معنى صدر الكلام وانما هو بيان جهته فلا يلزم من أن لايبعض الاقرار عند التعليق بل يلغى تحرزا من اتخاذ جزء الجملة جملة برأسها أن لا ينبعض في الصورة الاخرى (ومنها) لو قال على الف مؤجل إلى وقت كذا نظر ان ذكر الاجل مفصولا لم يقبل وان ذكره موصولا ففيه طريقان كالطريقين فيما إذا قال ألف من ثمن عبد لم أقبضه والظاهر القبول وبه قال أحمد وإذا قلنا لا يقبل فالقول قول المقر له مع يمينه في نفى الاجل وبه قال أبو حنيفة رحمه الله واعلم لذلك (قوله) في الكتاب لا يطالب في الحال بالحاء قال الامام وموضع الطريقين ما إذا كان الدين المقر به مطلقا أو مستندا إلى سبب وهو بحيث يتعجل ويتأجل (أما) إذا استند إلى جهة لاتقبل التأجيل كما إذا قال ألف أقرضنيه مؤجلا فيلغو ذكر الاجل بلا خلاف وان أسند إلى جهة يلازمها التأجيل كالدية المضروبة على العاقلة فان ذكر ذلك في صدر إقراره بان قال قتل ابن عمى فلانا خطأ ولزمني من دية ذلك القتل كذا مؤجلا إلى سنة انتهاؤها كذا فهو مقبول لا محالة وان قال علي كذا م جهة تحمل العقل مؤجلا إلى وقت كذا فطريقان (أحدهما) القطع بالقبول لانه كذلك يثبت (والثانى) أنه على القولين والطريق الاول هو المذكور في الكتاب لكن الثاني أظهر لان أول كلامه ملزم لو اقتصر عليه وهو في الاسناد إلى تلك الجهة مدع كما في التأجيل.
(فرع) لو قال بعتك أمس كذا فلم تقبل فقال قد قبلت فهو على قولى تبعيض الاقرار ان بعضناه فهو مصدق بيمينه في قوله قبلت وكذا الحكم فيما إذا قال لعبده أعتقتك على ألف فلم تقبل ولامرأته خالعتك على الف فلم تقبلي وقالا قبلنا.
(فرع) إذا قال إنى الآن بما ليس على لفلان على الف أو ما طلقت امرأتي ولكن أقر بطلاقها فأقول طلقتها عن الشيخ أبى عاصم أنه لا يصح اقراره وقال صاحب التتمة الصحيح انه كما قال على الف لا يلزمني لفلان ولو قال على الف وزعم أنه وديعة فاما أن يذكر ذلك منفصلا أو متصلا (الحالة الاولى) وهى المذكورة في الكتاب أن يذكره منفصلا فان اتى بألف بعد اقراره وقال أردت هذا وهو وديعة عندي فقال المقر له هو وديعة ولى عليك الف آخر دينا وهو الذى(11/169)
أردته باقرارك ففيه قولان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله وأحمد أن القول قول المقر له فما أتى به وديعة وعليه الف دينا لان كلمة علي تقتضي الثبوت في الذمة ولهذا ولو قال على ما على فلان كان ضامنا والوديعة لا تثبت في الذمة فلا يجوز التفسير بها (وأصحهما) أن القول قول المقر مع يمينه لان الوديعة يجب حفظها والتخلية بينها وبين المالك فلعله أراد بكلمة على الاخبار عن هذا الواجب ويحتمل أيضا أنه تعدى فيها حتى صارت مضمونة عليه فلذلك قال هي على وأيضا فقد تستعمل على بمعنى عندي وفسر بذلك قوله تعالى مخبرا (ولهم على ذنب) وحكى الامام طريقة قاطعة بالقول الثاني والمشهور اثبات القولين وقد نسبهما الشيخ أبو حامد إلى نصه في الام ولو كان قد قال على الف في ذمتي أو ألف دينا ثم جاء بألف وفسر كما ذكرنا فان لم تقبل في الصورة الاولى فههنا أولى وان قبلنا هناك فوجهان (أحدهما) يقبل لجواز أن يريد الالف في ذمته ان تلفت الوديعة لانى تعديت فيها (وأصحهما) أنه لا يقبل والقول قول المقر له مع يمينه لان العين لا تثبت في الذمة (وقوله) في الكتاب تفريعا على قبول التفسير بالوديعة فلا يقبل قوله في سقوط الضمان لو ادعى التلف أراد به ما ذكره الامام من أن الاصحاب قالوا الالف مضمون وليس بأمانة لان قوله على يتضمن الالزام فلو ادعى تلف الالف الذى زعم أنه وديعة لم يسقط الضمان عنه ولو ادعى رده لم يصدق لانه ضامن وانما يصدق المؤمن والمفهوم من هذا الكلام أنه لا يصدق في دعوى تلفه بعد الاقرار أو رده لكن فيه إشكال توجيها ونقلا أما التوجيه فان كلمة على يجوز أن يريد بها صيرورتها مضمونة عليه لتعديه ويجوز أن يريد بها وجوب الحفظ والتخلية ويجوز أن يريد بها عندي كما سبق وهذان المعنيان لا
ينافيان الامانة وأما النقل فلان قضية ايراد غيرهما أنه ان ادعى أنه تلف أو رده قبل الاقرار لم يصدق لان التالف والمردود لا يكون عليه بمعنى من المعاني فان ادعى التلف بعد الاقرار فيصدق وقد صرح به صاحب الشامل في موضعين من الباب (الحالة الثانية) أن يذكره على الاتصال فيقول لفلان على الف وديعة وتأويل كلامه على ما مر وعن الشيخ أبى اسحق أنه على القولين فيما لو قال على(11/170)
الف قضيته وهو متوجه تفريعا على عدم القبول حالة الانفصال (وإذا قلنا) القبول فإذا أتى بألف وقال هذا هو فبع به وان لم يأت بشئ وادعى التلف أو الرد ففى القبول وجهان بناهما في التهذيب على تأويل كلمة على ان حملناها على وجوب الحفظ قبل وهو الاصح وان حملناها على صيرورته مضمونا عليه فلا يحوز ان يثبت في الحالة الاولى مثل هذا الخلاف نظرا إلى المعنيين ولو قال معى أو عندي الف فهو محتمل للامانة مصدق في قوله انه كان وديعة وفى دعوى التلف والرد ولو قال له عندي الف درهم مضاربة دينا أو وديعة دينا فهو مضمون عليه ولا يقبل قوله في دعوى التلف والرد نص عليه ووجهوه بان كونه دينار عبارة عن كونه مضومنا فان قال أردت به أنه دفعه إلى مضاربة أو وديعة بشرط الضمان لم يقبل قوله لان شرط الضمان في الامانة لا يوجب الضمان هذا إذا فسر منفصلا وان فسره متصلا ففيه قولا تبعيض الاقرار ولو قال عندي الف عارية فهى مضمونة عليه صححنا اعارة الدارهم أو أفسدناها لان الفاسد كالصحيح في الضمان ولو قال دفع إلى الفا ثم فسره بوديعة وزعم تلفها في يده صدق بيمينه وكذا لو قال أخذت منه الفا وقال أبو حنيفة رحمه الله إذ قال اخذت منه الفا ثم فسره بوديعة وقال المأخوذ منه بل غصبته فالقول قول المقر له لان الاخذ منه قد لا يكون برضاه ودفعه يكون برضاه وعن القفال انه قال المذهب عندي انه يفرق بين اللفظين كما قال أبو حنيفة رحمه الله ولو ذكره على الاتصال فقال أخذت من فلان الفا وديعة فعند أبى حنيفة لا يقبل وعلى ما ذكره القفال يجئ فيه القولان في تبعيض الاقرار وظاهر المذهب لا يخفى.
قال (الثالثة إذا قال هذه الدار لك عارية قبل لان الاضافة باللام تحتمل العارية إذا وصل به.
وقيل وفيه قولان.
ولو قال هي لك هبة ثم قال أردت هبة قبل القبض قبل أيضا ولو قال وهبت وأقبضت.
أو رهنت أو قبضت ثم قال كذبت لم يقبل.
ولو قال ظنت أن القبض بالقول قبض.
أو شهدت على الصك على العادة.
وهل تقبل دعواه ليحلف الخصم فيه خلاف.
ولو أقر ثم قال لقنت بالعربية وهو عجمى لا يفهم قبل دعواه بالتحليف) .(11/171)
الفصل يشتمل على ثلاث مسائل (احدها) إذا قال هذه الدار لك عارية فهو اقرار بالاعارة وله الرجوع عنها وقال صاحب القريب هي لك اقرار بالمالك لو اقتصر عليه وذكر العارية معه ينافيه فيكون على القولين في تبعيض الاقرار واجابوا عنه الاضافة باللام تقتضي الاختصاص بالملك أو غيره فان تجردت وامكن الحمل على الملك حمل عليه لانه اظهر وجوه الاختصاص وان وصل بها وذكر وجها آخر من الاختصاص أو لم يمكن الحمل على الملك كقولنا الجل للفرس حمل عليه ولو قال هذه الدار لك هبة عارية باضافة الهبة إلى العارية أو هبة سكني فهو كما لو قال لك عارية بلا فرق (الثانية) الاقرار بالهبة لا يتضمن الاقرار بالقبض على المشهور وفى الشامل ذكر خلاف في المسالة إذا كانت العين في يد الموهوب منه وقال اقبضتني ولو قال وهبته وخرجت منه إليه فقد مر ان الظاهر انه ليس باقرار بالقبض ايضا وكذا لو قال وهبت منه وملكها قاله في التهذيب اما إذا اقر بالقبض مع الهبة فقال وهبت واقبضت أو سلمته منه أو حازه منى لزمه الاقرار فلو عاد وانكر القبض وذكر لاقراره تأويلا أو لم يذكره فهو كما ذكرنا في الرهن إذا قال رهنت واقبضته ثم عاد وانكر المذكور في الرهن انه له تحليفه وقيل لا يحلفه الا ان يذكر للاقرار تأويلا (وقوله) في الكتاب أو رهنت واقبضت كالمكرر لانه اورده ثم الا انه اورد الخلاف ههنا فيما إذا ذكر لاقراره تاريلا وهناك اجاب بالاصح وهو انه يحلف ولو اقر ببيع أو هبة وقبض ثم قال كان ذلك فاسدا واقررت لظنى الصحة لم يصدق لكن له تحليف المقر له فان نكل حلف المقر وحكم ببطلان البيع والهبة ولو اقر باتلاف مال على انسان واشهد عليه ثم قال كنت عازما على الاتلاف فقدمت الاشهاد على الاتلاف لم يلتفت إليه بحال بخلاف مالو اشهد على نفسه ثم قال
كنت عازما على ان استقرض منه فقدمت الاشهاد على الاستقراض لان هذا معتاد وذلك غير معتاد (الثالث) اقرار اهل كل لغة بلغتهم إذا عرفوها صحيحة فلو اقر عجمى بالعربية أو بالعكس وقال لم افهم معناه ولكن لقنته فتلقنته صدق بيمينه ان كان ممن يجوز ان لا يعرفه وكذلك الحكم في جميع العقود والحلول وكذا لو اقر ثم قال كنت يوم الاقرار صغيرا وهو محتمل صدق بيمينه إذ(11/172)
الاصل الصغر وكذلك لو قال كنت مجنونا وقد عهد له جنون ولو قال كنت مكرها وثم امارات الاكراه من حبس أو توكيل فكذلك وان لم تكن امارة لم يقبل قوله والامارة انما تثبت باقرار المقر له أو بالبينة وانما تؤثر إذا كان الاقرار لمن ظهر منه الحبس والتوكيل اما إذا كان في حبس زيد لم يقدح ذلك في الاقرار لعمرو ولو شهد الشهود على إقراره وتعرضوا لبلوغه وصحة عقله واختياره فادعي المقر خلافه لم يقبل لما فيه من تكذيب الشهود ولا يشترط في الشهادة التعرض للبلوغ والعقل والطواعية والحرية الرشد ويكتفي بان الظاهر وقوع الشهادة على الاقرار الصحيح وفى مجهول الحرية قول انه يشترط التعرض للحرية وخرج منه اشتراط التعرض لسائر الشروط والمذهب الاول قال الائمة وما يكتب في الوثائق انه اقرطائعا مع صحة عقله وبلوغه احتياط ولا تقيد به شهادة الاقرار لكون طائعا واقام الشهود عليه بينة على كونه مكرها قدم بينة الاكراه ولا تقبل الشهادة على الاكراه مطلقا بل لابد من التفصيل (وقوله) في الكتاب في مسالة التلقين تقبل دعواه التحليف انما قيد اللفظ فيما لا يصدق فيه الشخص لكنه يحلف فيه الخصم وههنا هو مصدق على ما بينا.
قال (الرابعة إذا قال الدار لزيد بل لعمرو وسلم إلى زيد ويغرم لعمرو في اقيس القولين.
ولو قال غصبتها من زيد وملكها لعمروا ويبرا بالتسليم إلى زيد فلعله مرتهن أو مستاجر) .
فيها مسالتان (احداهما) إذا قال غصبت هذه الدار من زيد لابل من عمرو أو قال غصبت هذه الدار من زيد وغصبها زيد من عمرو أو قال هذه الدار لزيد لابل لعمرو فئسلم الدار لزيد وهل يغرم المقر قيمتها لعمرو فيه قولان منصوصان (احدهما) وهو الذى نقله في المختصر في الصورة الاولى انه لا يغرم لانه اعترف للثاني بما يدعيه وانما منع الحكم من قبوله وايضا فان الاقرار الثاني صادف ملك الغير فلا يلزمه شئ كما لو اقر لعمرو
بالدار التى هي في يد زيد لعمرو (والثانى) انه يغرم وبه قال احمد لانه حال عمرو وبين داره باقراه الاول والحيلولة تثبت الضمان بالاتلاف الا ترى انه لو غصبت عبدا فابق من يده ضمنه وهذا اصح عند الاكثرين وفى الصورة الثالثة طريقة قاطعة بانه يجب الغرم مذكورة في التهذيب والتتمة موجهة بانه لم يقر بجناية في ملك الغير بخلاف الصورتين الاولتين فانه اقر فيهما بالغصب فضمن لذلك وقال أبو حنيفة رحمه(11/173)
الله إذا قال غصبت هذه الدار من فلان بل من فلان غرم للثاني ولو قال هذه لفلان بل لفلان لا يغرم للثاني فيجوز ان يعلم لذلك (قوله) في الكتاب ويغرم لعمرو بالحاء ويجوز ان يعلم (قوله) على اقيس القولين بالواو اشارة إلى الطريقة القاطعة بنفي الغرم واختلفوا في الموضع القولين حيث ثبتنا فقال قائلون هما مخصومان بما إذا انتزعها الحاكم من يد المقر وسلمها إلى زيد فاما إذا سلمها إلى زيد بنفسه غرمها لعمرو بلا خلاف وقال آخرون يجريان في الحالين لان سبب انتزاع القاضي ايضا اقراره ولو باع عينا واقبضها واستوفى الثمن ثم قال كنت قد بعته من فلان أو غصبته لم يقبل قوله على المشترى وفى غرامته القيمة للمقر له طريقان (احدهما) انه على القولين (اصحهما) عند صاحب التهذيب ورواه الماسرخسى عن ابن ابى هريرة القطع بانه يغرم لتفويته عليه بتصرفه وتسليمه لانه استوفى عوضه وللعوض مدخل في الضمان الا ترى انه لو غر بحرية امة فنكحها واحبلها ثم اجهضت بجناية جان يرغم المثرر المغرور الجنين لمالك الجارية لانه ياخذ الغرة ولو سقط ميتا من غير جناية لا يغرم وينبنى على هذا الخلاف ان المدعى العين المبيعة هل له دعوى القيمة عللى البائع مع بقاء العين في يد المشترى (ان قلنا) لو اقر يغرمه القيمة فله دعواها والا فلا ولو كان في يد انسان عين فانتزعهاا منه مدع بيمينه بعد نكول صاحب اليد ثم جاء آخر يدعيها هل له طلب القيمة من الاول (ان قلنا) النكول ورد اليمين كالبينة فلا كما لو كان الانتزاع بالبينة وان جعلناهها كلاقرار ففى سماع دعوى الثاني عليه القيمة الخلاف (الثانية) إذا قال غضبت هذه الدار من زيد وملكها لعمرو سلمت الدار إلى زيد لانه اعترف له باليد (والظاهر) كونه حقاا فيها ثم الخصومة في الدار تكون بين زيد وعمرو ولاتقبل شهادة المقر لعمرو لانه غاصب وفى غرامته لعمرو طريقان (احدهما) انه على القولين فيما إذا قال غصبتها من زيد المقر لا
بل من عمرو واختاره في التهذيب (واصحهما) القطع بانه لا يرغم لان الاقرارين هناك متنافين والاقرار الاول مانع من الحكم بالثاني وههنا لا منافاة لجواز ان يكون الملك لعمر وتكون في يد زيد باجارة أو رهن أو وصية بالمنافع فيكون الآخذ منه غاصبا منه ولو اخر ذكر الغصب فقال هذه الدار ملكها لعمرو وغصبتها من زيد فوجهان (اظهرهما) ان الحكم كما في الصورة الاولى لعدم التنافى(11/174)
فتسلم إلى زيد ولا يغرم لعمرو (والثانى) انه إذا اقر بالملك اولا لم يقبل إقراره باليد لغيره فتسلم إلى عمرو وفى الغرم لزيد القولان هكذا اطلقوه وفيه مباحثة لانا إذا غرمنا المقر في الصورة السابقة للثاني فانا نغرمه القيمة لانه اقر بالملك وههنا جعلناه مقرا باليد دون الملك فلا وجه لتغريمه القيمة بل القياس ان يسأل عن يد اكانت باجارة أو برهن أو غيرهما فان اسندهها إلى الاجارة غرم قيمة المنفعة وان اسندها إلى الرهن غرم قيمة المرهون ليتوثق به في دينه وكانه اتلف المرهون ثم ان وفى الدين من موضع آخر فترد القيمة عليه (وقوله) في الكتاب يبرأ بالتسليم إلى زيد يجوز اعلامه بالواو لانه اراد البراءة عن الغرم لعمرو على ما هو بين في الوسيط وقد عرفت الخلاف فيه.
(فرع) إذا قال غصببت هذه العين من احدكما فيطالب بالتعيين فانه عين احدهما سلمت إليه وهل للثاني تحليفه ينبنى على انه لو اقر للثاني هل يغرم له القيمة (ان قلنا) لا فلا (وان قلنا) نعم فنعم لانه ربما يقر له إذا عرضت اليمين عليه فيغرم فعلى هذا ان نكل ردت اليمين على الثاني وإذا حلف فليس له الا القيمة ومنهم من قال (ان قلنا) النكول ورد اليمين كالاقرار منن المدعى عليهه فالجواب كذلك اماا إذا قلنا كالبينة فتنتزع الدار من الاول وتسلم إلى الثاني ولا غرم عليهه للاول وعلى هذا فله التحليف (وان قلنا) لا يرغم القيمة لو اقر للثاني طمعا في ان ينكل فيحلف المدعى وياخذذ العين وان قال المقر لا ادرى من ايكما غصبت واصر عليه فان صدقاه فالعين موقوفة بينهما حتى يتبين المالك أو يصطلحا وكذا ان كذباه وحلف لهما على نفى العلم هذا ظاهر المذهب في الفرع وللشيخ ابى على فيه تطويل في شرح الفروع لكنه لم يتنقح لى تنقيح كلامه فتركته.
قال (الخامسة إذا استثنى عن الاقرار مالا يستغرق صح كقوله على عشرة الا تسعة يلزمهه واحد.
ولو قال عشرة الا تسعة الا ثمانية يلزمه تسعة لان الاستثناء من النفى اثبات كما انه منن الاثبات نفى) .
الكلام من هذا الموضع إلى آخر الباب في الاستثناء وهو جائز في الاقرار والطلاق وغيرهما بشرط ان يكون متصلا ولا يكون متفرقا فان سكت بعد الاقرار طويلا أو تكلم بكلام اجنبي عما هو فيهه ثم استثنى لم ينفع الاستثناء ولو استغرق فقال عشرة الا عشرة فعليه العشرة(11/175)
لان هذا الاستثناء غير منتظم في البيان ولو قال على عشرة الا تسعة أو سواء واحد صح الاستثناء ولزمه في الصورة الاولى درهم وفى الثانية تسعة ولا فرق بين استثناء الاقل من الاكثر وبين عكسه وعن احمد انه لا يجوز استثناء الاكثر من الاقل (فقوله) في الكتاب يلزمه واحد يصح اعلامه بالالف لذلك ويصح اعلامه بالميم لان في التتمة ان مالكا لا يصح عنده استثناء الآحاد من العشرات ولا المئين من الالوف وانما يصح استثناء العشرات من المئين والالوف وفى الذخيرة للبندنيجى ان مالكا لا يصحح الاستثناء في الاقرار اصلا ثم الاستثناء من الاثبات نفى ومن النفى اثبات لانه مشتق من الثنى وهو الصرف انما يكون من الاثبات إلى النفى وبالعكس فلو قال عشرة الا تسعة الا ثمانية فعليه تسعة المعنى الا تسعة لا يلزم الا ثمانية فتلزم فتكون الثمانية والواحد الباقي من العشرة والطريق فيه وفى نظائره ان يجمع كل ما هو اثبات وكل ما هو نفى فيسقط المنفى من المثبت فيكون الباقي هو الواجب فالعشرة في الصورة المذكورة والثمانية مثبتتان يجمعهما وبسقط التسعة المنفية من المجموع يبقى تسعة ولو قال عشرة الا تسعة الا ثمانية الا سبعة وهكذا إلى الواحد فعليه خمسة لان الاعداد المثبتة ثلاثون والمنفية خمسة وعشرون قال الامام وطريق تمييز المثبتات من المنفيات ان ينظر إلى العدد المذكور اولا فان كان شفعا فالاوتار منفية والاشفاع مثبتة وان كان وترا فالعكس ولهذا شرط وهو ان تكون الاعداد المذكورة على التوالى الطبيعي أو يتلو كل شفع منها وترا وبالعكس ولو قال ليس لفلان على شئ الا خمسة فعليه خمسة ولو قال ليس له على عشرة الا خمسة لم يلزمه شئ عند الاكثرين لان عشرة الا خمسة خمسة فكأنه قال ليس على خمسة وفى النهاية وجه آخر انه يلزمه خمسة بناء على ان الاستثناء من النفى اثبات ولو اتى باستثناء بعد
استثناء والثانى مستغرق صح الاول وبطل الثاني مثاله قال على عشرة الا خمسة الا عشرة أو عشرة الا خمسة الا خمسة يلزمه خمسة وان كان الاول مستغرقا كقوله عشرة الا عشرة الااربعة فيه ثلاثة اوجه (احدها) يلزمه عشرة ويبطل الاستثناء الاول لاستغراقه والثانى يلزمه اربعة ويصح الاستثناء آن لان الكلام انما يتم بآخره وآخره يخرج الاول عن كونه مستغرقا ويصيره كانه استثنى من(11/176)
اول الكلام ستة قال في الشامل وهذا اقيس (والثالث) يلزمه ستة لان الاستثناء الاول باطل لاستغراقه فيكون وجوده كعدمه ويرجع الاستثناء إلى اول الكلام ولو قال على عشرة الا عشرة الا خمسة فعلى الوجه الاول يلزمه عشرة وعلى الاخيرين خمسة هذا إذا لم يكن في الاستثناء عطف اما إذا قال عشرة الا خمسة والا ثلاثة أو على عشرة الا خمسة وثلاثة فهما جمعا مستثنيان من العشرة ولا يلزمه الا درهمان فان كان العدد ان بحيث لو جمعا حصل الاستغارق كما إذا قال على عشرة الا سبعة وثلاثة فيلزمه عشر لان الواو تجمعهما وتوجب الاستغراق أو يخص الثاني بالبطلان لان الاول صح استثناؤه والثانى مثل العدد الباقي فهو المستغرق فيه وجهان قال الشيخ أبو على (اصحهما) الثاني وراى ان يفرق بين قوله عشرة الا سبعة وثلاثة وبين قوله عشرة الا سبعة الا ثلاثة فيقطع في الصورة الثانية بالبطلان لانهما استثنا آن مستقلان فيحصل من ذلك وجه ثالث فارق ومهما كان في المستثنى والمستثنى منه عدد ان معطوف احدهما على الاخر ففى الجمع بينهما وجهان كما الصورة السابقة اصحهما ويحكى عن نصه في الطلاق وبه اجاب ابن الحداد والاكثرون انه لا يجمع لان الوالو العاطفة وان اقتضت الجمع لكنها لا تخرج الكلام عن كونه ذا جملتين من جهة اللفظ والاستثناء ويدور على اللفظ مثاله إذا قال على درهمان ودرهم الا درهمان ان لم يجمعه لزمه ثلاثة لانه استثنى درهمان من درهم وان جمعنا لزمه درهم فكان الاستثناء مستغرقا ولو قال ثلاثة الا درهما ودرهمين فان لم نجمع لزمه درهمان وان جمعتا فثلاثة ولو قال درهم فدرهم ودرهم الا درهما ودرهما ودرهما لزمه(11/177)
ثلاثة على الوجهين لاناا ان جمعنا جمعنا من الطرفين وان لم نجمع كان مستثنيا درهما من درهم وحكم
هذه الصورة في الطلاق كحكمها في الاقرار وقد ذكر صاحب الكتاب اكثرها في الطلاق ولو قال على عشرة الا خمسة أو ستة قال في التتمة يلزمه اربعة لان الدرهم الزائد مشكوك فيه فصار كما لو قال خمسة أو ستة يلزمه الا خمسة ويمكن ان يقال يلزمه خمسة لانه اثبت العشرة واستثنى منه خمسة واستثنى درهم زاد مشكوك فيه فلو قال على درهم غير دانق فقضية النحو وبه قال بعض الاصحاب انه ان نصب غير فعليه خمسة دوانيق لانه استثناء والا فعليه درهم تمام إذ المعنى عليه درهم لاداقنق وقال الاكثرون السابق إلى فهم اهل العرف منه الاستثناء فيحمل عليه وان أخطأ في الاعراب والله اعلم.
قال (السادسة الاستثناء من غير الجنس صحيح كقوله على الف درهم لاوب معناه قيمة ثوب.
ثم ليفسر بما ينقص قيمته عن الالف.
فلو استغرق بطل تفسيره في وجه.
واصل استثناؤه في وجه) .
الاستثناء من غير جنس صحيح كما إذا قال على الف درهم الا ثوبا أو عبدا وقال مالك وابو حنيفة لا يصح الا المكيل والموزون والمعدود ويستثنى بعضها من بعض مع اختلاف الجنس وقال احمد لا يصح ذلك بحال وحجة المذهب مشهورة في الاصول ثم عليه ان يبين ثوبا وتستغرق قيمته الالف فان استغرق فالتفسير لغو وفى الاستثناء وجهان (احدهما) انه لا يبطل لانه صحيح من حيث اللفظ وانما الخلل(11/178)
فيما فسر به اللفظ فيقال له هذا التفسير غير صحيح ففسره صحيح (والثانى) انه يبطل الاستثناء ويلزمه الالف لانه بين ما اراد باللفظ فكأنه تلفظ به والوجه الاول اصح عند صاحب التهذيب وقال الامام وغيره الثاني اصح وهو الاشبه ويصح استثناء المجمل من المجمل والمجمل من المفضل وبالعكس فالاول كما إذا قال الف الا شيئا فيبين جنس الالف أو لا ثم يفسر الشئ بما لا يستغرق الالف من الجنس الذى بينه المفسر به (والثانى) كما إذا قال شئ الا درهما يفسر الشئ بما يزيد على الدرهم وان قل وكذا لو قال الف الا درهما ولا يلزمه من استثناء الدرهم ان يكون الالف درهم ومهما بطل التفسير هذا الصورة ففى بطلان الاستثناء الوجهان وان اتفق اللفظ في المستثني والمستثني منه
كما إذا قال على شئ الا شيئا أو مال الا مالا فقد حكي الامام الامام عن القاضى وجهين (احدهما) انه يبطل الاستثناء كما لو قال على عشرة الا عشرة (والثانى) لا يبطل لوقوعه على القليل والكثير فلا يمتنع حمل الثاني على اقل ما يتمول وحمل الاول على الزائد على اقل ما يتمول قال وفى هذا التردد غفلة لانا ان الغينا استثناءه اكتفينا باقل ما يتمول وان صححناه الزمناه ايضا اقل ما يتمول فيتفق الجوابان ويمكن ان يقال حاصل الواجب لا يختلف لكن التردد غير خال عن الفائدة فانما إذا ابطلنا الاستثناء لم نطالبه الا بتفسير اللفظ الاول وان نبطله طالباه بتفسيرهما وله آثار في الامتناع من التفسير وكون التفسير الثاني التفسر الثاني صالح للاستثناء الاول وما وما اشبه ذلك.
قال (السابعة الاستثناء عن العين صحيح كقوله هذه الدار لفلان الا ذلك البيت.
والخاتم(11/179)
الا الفص.
وهؤلاء العبيد الا واحدا.
ثم له التعيين.
فان ماتوا الا واحدا فقال هو المستثني قبل.
وقيل فيه قولان) .
صحته من المطلقان كما إذا قال هذه الدار لفلان الا هذا البيت وهذا القميص الا كميه وهذه الدراهم الا هذا الواحد وهذا القطيع الا هذه الشاة ونظائره وفيه وجه انه لا يصح لان الاستثناء المعتاد هو الاستثناء من الاعداد المطلقة واما المعينات فالاستثناء فيها غير معهود ولانه إذا اقر بالمعين كان ناصا على ثبوت الملك فيه فيكون الاستثناء بعده رجوعا والاول ظاهر المذهب وقد نص عليه في بعض الصور المذكورة واقتصر فب الكتاب ههنا على ما هو الظاهر لكنه قال في الطلاق لو قال اربعتكن طوالق الا ثلاثة لم يصح هذا الاستثناء عند القاضى الحسين كما لو قال هؤلاء الا عبد الاربعة لفلان إلا هذا الواحد لم يصح لان الاستثناء في المعين لا يعتاد وأجاب بعدم الصحة من غير ذكر الخلاف والكلام في مسألة الطلاق يأتي في موضعه ولو قال هؤلاء العبيد لفلان الا واحدا فالمستثنى منه معين والمستثنى غير معين وهو الصحيح إذا جوزنا الاستثناء من المعين والرجوع إليه في غير المعين فان ماتوا إلا واحدا فقال هو الذى أردته بالاستثناء قبل قوله مع يمينه لانه محتمل وفيه وجه أنه لا يقبل للتهمة وندرة مثل مثل هذا الاتفاق وهو ضعيف باجماع من نقله (وقوله) في الكتاب قبل وقيل فيه قولان يقتضى أولا أن
يكون الخلاف قولا وثانيا إثبات طريقين طريقة جازمة وطريقة خلافية وفيهما نظر من جهة النقل ولو قال غصبتهم إلا واحدا فماتوا الا واحدا فقال هو المستثنى قبل بلا خلاف لان أثر الاقرار ينفى(11/180)
في الضمان وكذا لو قتلوا في الصورة الاولى الا واحدا لان حقه يثبت في القيمة فلو قال هذه الدار لفلان وهذا البيت منها لى أو هذا الخاتم لفلان وفصه لى قبل لانه اخراج بعض مما يتناوله اللفظ فكان كالاستثناء وقد فرغنا من شرح أبواب الكتاب سوى الاخير ونذكر قبل الشروع فيه مسائل وفروع بقيت علينا مما يورد تعدد في الاقرار وان كان بعضها أجبنا عنه (منها) جارية في يد انسان جاء غيره وقال بعتك هذه الجارية بكذا أو سلمتها اليك فأد الثمن وقال من في يده بل زوجتنيها على صداق كذا وهو على فاما أن يجرى هذا التنازع وصاحب اليد لم يولدها أو يجرى بعد أن أولدها (فاما) في الحالة الاولى فيحلف كل واحد منهما على نفي ما يدعيه الآخر فان حلفا سقط دعوى الثمن والنكاح ولا مهر سواء دخل بها صاحب اليد أو لم يدخل لانه وان أقر بالمهر لمن كان مالكا فهو منكر له وتعود الجارية إلى المالك ثم أحد الوجهين أنها تعود إليه كما يعود المبيع إلى البائع كما لافلاس المشتري بالثمن (والثانى) أنها تعود بجهة أنها لصاحب اليد بزعمه وهو يستحق الثمن عليه فقد ظفر بغير جنس حقه من ماله فعلى هذا يبيعها ويستوفى ثمنها فان فضل شئ فهو لصاحب اليد ولا يحل له وطؤها وعلى الاول يحل له وطؤها والتصرف فيها ولا بد من التلفظ بالفسخ وان حلف أحدهما دون الآخر نظر ان حلف مدعى الثمن على نفى التزويج ونكل صاحب اليد عن اليمين على نفى الشراء حلف المدعى اليمين المردودة على المشتري ووجب الثمن وان حلف صاحب اليد على نفى الشراء ونكل الآخر على نفى التزويج حلف صاحب اليد المردودة على النكاح وحكم له بالنكاح وبان رقبتها للآخر ثم لو ارتفع النكاح بطلاق أو(11/181)
غيره حلت للسيد في الظاهر وكذا في الباطن ان كان كاذبا وعن القاضى الحسين أنه إذا نكل أحدهما عن اليمين المعروضة عليه اكتفى من الثاني بيمين واحدة يجمع فيها بين النفى والاثبات والمذهب الاول (الحالة الثانية) إذا كان قد أولدها صاحب اليد فالولد حر والجارية أم ولد باعتراف المالك القديم
وهو يدعى الثمن فيحلف صاحب اليد على نفيه فان حلف على نفى الشراء لسقط عنه الثمن المدعى وهل يرجع المالك عليه بشئ فيه وجهان (أحدهما) أنه يرجع بأقل الامرين من الثمن أو المهر لانه يدعي الثمن وصاحب اليد مقر له بالمهر فالاقل منهما متفق عليه (والثانى) لا يرجع بشئ لان صاحب اليد أسقط الثمن عن نفسه بيمينه والمهر الذى يقر به لا يدعيه الآخر ولا يتمكن من المطالبة به وهل لصاحب اليد تحليف المالك على نفى الزوجية بعد ما حلف على نفى الشراء فيه وجهان (أحدهما) لا لانه لو ادعى ملكها وتزويجها يعد اعترافه بأنها أم ولد لآخر لم يقبل فكيف يحلف على ما لو أقر به لم يقبل (والثانى) نعم طمعا في أن ينكل فيحلف ويثبت له بالنكاح فلو نكل صاحب اليد عن اليمين على نفى الشراء حلف المالك القديم المردودة واستحق الثمن وعلى كل حال فالجارية مقررة في يد صاحب اليد فانها أم ولده أو زوجته وله وطؤها في الباطن وفى الظاهر وجهان (أحدهما) الحل ووجه المنع أنه لا يدري أنه يطأ زوجته أو أمته اعتذر الامام عن هذا النص فقال ليس المنع في هذه الصورة لاختلاف الجهة بل لان الملك في زمن الخيار للمشترى على قول وإذا ثبت الملك انفسخ النكاح والملك الثابت ضعيف لا يقيد حل الوطئ ونفقتها(11/182)
على صاحب اليد إن جوزنا له الوطئ وإلا فوجهان ذكرهما أبو إسحق (احدهما) أنه على المالك القديم لانها كانت عليه فلا يقبل قوله في سقوطها وإن قبل هما عليه وهو زوال الملك وزوال الاستيلاد (وأصحهما) أنها في كسب الجارية ولا يكلف بها المالك القديم كما لا يكلف بنفقة الولد وان كانت حريته مستفادة من قوله أيضا فعلى هذا لو لم يكن لها كسب كانت من محاويج المسلمين ولو ماتت الجارية قبل موت المستولد ماتت رقيقة وللمالك القديم اخذ الثمن مما تركته من اكتسابها لان المستولد يقول انها باسرها له وهو يقول انها للمستولدة وله عليه الثمن فيأخذ حقه منها والفاضل موقوف لا يدعيه أحد وإن ماتت بعد موت المستولد ماتت حرة وما لها لوارثها النسيب فان لم يكن فهو موقوف لان الولاء لا يدعيه واحد منهما وليس للمالك القديم أخذ الثمن من تركتها لان الثمن بزعمه على المستولدة وهى قد عتقت فلا يؤدى دينه بما جمعته بعد
الحرية هذا كله فيما إذا أصرا على كلاهما أما إذا رجع المالك القديم وصدق صاحب اليد لم يقبل في حرية الولد وثبوت الاستيلاد ويكون اكتسابها له مادام المستولد حيا فإذا مات عتقت وكان اكتسابها له ولو رجع المستولد وصدق المالك القديم لزمه الثمن وكان ولاؤها له (ومنها) اقرار الورثة على الميت بالدين والعين مقبول كاقراره ولو اقر بعض الورثة عليه بدين وانكر البعض فقولان القديم وبه قال أبو حنيفة رحمه الله ان على المقر أيضا جميع الدين من نصيبه من التركة إن كان وافيا والاصرف جميع نصيبه إليه لان الدين مقدم على الميراث فإذا أقر بدين على الميت لا يحل له شئ(11/183)
من التركة ما بقى شئ من الدين ويحكى هذا عن ابن سريج واختاره القاضى الرويانى والجديد أنه لا يلزمه من الدين الا نسبة نصيبه من التركة لان الوارث لايقر بالدين على نفسه وانما يقر على الميت بحكم الخلافة عنه وأيضا فان أحد الشريكين في العبد المشترك إذا أقر بجناية لم تلزمه الا بحصته فكذلك ههنا وقال بعض المتلقين عن الشيخ ابن عاصم يجب القطع بأن على المقر توفية جميع الدين مما في يده عند الامكان فان المقر في نصيبه لا يتقاعد عن الأجنبي في جملة التركة ولو أقر أجنبي بدين في التركة يستغرقها لزمه اقراره حتى لو وقعت التركة يوما من الدهر الزم بصرفها إلى ذلك الدين والقولان محمولان على أن باقراره ثبت جميع الدين على الميت تبعا لثوبته على المقر أم لا يثبت الا حصته وفائدته التقدم على الوصية فعلى قول يتقدم جميع الدين المقر به على الوصايا وعلى قول حصته والمشهور الاول (وإذا قلنا) بالجديد فلو مات المنكر ووارثه المقر فهل نلزمه جميع لنقر به الآن فيه وجهان (أصحهما) نعم لحصول جميع التركة في يده ويتفرع على القولين فرعان (أحدهما) لو شهد بعض الورثة بدين على المورث (ان قلنا) لا يلزمه بالاقرار الا حصته تقبل (وان قلنا) الجميع لم تقبل لانه متهم باسقاط بعض الدين عن نفسه ولا فرق بين أن تكون الشهادة بعد الاقرار أو قبله لانه متهم بالعدول من طريق الاقرار إلى طريق الشهادة وعليه اظهار ما على مورثه بأحد الطريقين وعند أبى حنيفة ان شهد قبل الاقرار قبل وان شهد بعده فلا (الثاني) كيس في يد رجلين فيه ألف درهم فقال أحدهما لثالث لك نصف ما في الكيس فيحمل اقراره على النصف الذى في يده أو على نصف ما في يده وهو ربع الجميع فيه وجهان بناء على القولين السابقين وبني على
الخلاف فيما إذا أقر أحد الشريكين في العبد المشترك بالسوية بنصفه أنه يحمل على نصيبه أم يوزع النصف(11/184)
المقر بة على النصفين وهذا الخلاف الثاني مذكور في الكتاب في باب العتق (ومنها) مات عن اثنين فأقر أحدهما بأن أباه أوصى لزيد بعشرة فهو كما لو أقر عليه بدين فعلى القديم تتعلق كل العشرة بثلث نصيبه وعلى الجديد يتعلق نصف العشرة بثلث نصيبه وبه قال أبو حنيفة بخلاف ما قال في الاقرار بالدين ولو أقر أحدهما بأنه أوصى بربع ماله وانكر الآخر فعلى المقر أن يدفع ربع ما في يده إلى الموصى له ولو أقر بأنه أوصى بعين من أعيان أمواله نظر ان لم يقتسما التركة فنصيب المقر في تلك العين يصرف إلى الموصى له وان كانت في يد المنكر فللموصى له أخذ نصف القيمة من المقر لانه فوته عليه بالقسمة ولو شهد المقر للموصي له قبلت شهادته ويغرم المشهود عليه نصف قيمة العين كما لو خرج بعض أعيان التركة مستحقا (ومنها) لو قال لعبد أعتقتك على ألف وطالبه بالالف فأنكر العبد وحلف سقط دعوى المال ويحكم بعتق العبد لاقراره وكذلك لو قال بعت منك ابنك بكذا فأنكر فكذلك لاعترافه بصيرورته حرا إذا دخل في ملك أبيه (ومنها) إذا قال لفلان عندي خاتم ثم جاء بخاتم وقال هذا الذى أقررت به فعن الشافعي رضى الله عنه أنه قال في موضع لا يلزمه التسليم قال الاصحاب الاول محمول على ما إذا صدقه المقر له والثانى على ما إذا قال الذى أقررت به غيره وليس هذا لى فلا يسلم ما جاء(11/185)
به إليه والقول قول المقر في نفى غيره.
(الباب الرابع في الاقرار بالنسب.
ومن هو من أهل الاقرار) قال (إذا قال لغيره هذا ابني به شرط أن لا يكذبه الحس بأن يكون أكبر سنا منه.
أو الشرع بأن يكون مشهور النسب.
أو المقر له بأن يكون بالغا فينكر.
فلو استلحق مجهولا بالغا ووافقه لحق.
ولو كان صغيرا لحق في الحال حتى يتوارثان في الصغر.
فلو بلغ وأنكر ففى اعتبار انكاره بعد الحكم به خلاف.
ولو مات صبى وله مال فاستلحقه ثبت نسبه وورث.
وان كان بالغا فاستلحقه بعد الموت ففيه خلاف.
لان تأخيره إلى الموت يوشك أن يكون خوفا من انكاره) .
الاقرار بالنسبة لا يصح الا إذا كان المقر بالصفات المعتبرة في المقرين كما سبق ثم لا يخلو اما ان يلحق النسب بنفسه أو بغيره (القسم الاول) أن يلحق النسب بنفسه فيشترط فيه أمور (أحدها) أن لا يكذبه الحس ويكون ما لديه ممكنا فلو كان في ممن لا يتصور أن يكون ولدا للمستحق بأن كان أكبر سنا منه أو كان المستحق أكبر ولكن بقدر لا يولد لمثله فلا اعتبار باقراره ولو قدمت(11/186)
امرأه من الروم أو غيرها من بلاد الكفر ومعها صبى فادعاه رجل من المسلمين لحقه إن احتمل أنه خرج إليها أو أنها قدمت قبل ذلك وان لم ينقدح احتمال لم يلحقه (والثانى) ان لا يكذبه الشرع بان يكون المستلحق معروف النسب من غيره لان النسب الثابت من شخص لا ينتقل إلى غيره ولا فرق بين أن يصدقه المستلحق أو يكذبه وفيما جمع من الفتاوى القفال أن المنفى باللعان لا يصح استلحاقه لان فيها شبهة للملاعن (والثالث) أن يصدقه المقر له إذا كان ممن يعتبر تصديقه فان استلحق بالغا فكذبه لم يثبت النسب إلا أن يقيم عليه بينة فان لم تكن بينة حلفه فان حلف سقط دعواه فان نكل المدعى وثبت نسبه حتى يرث نسبه وكذا لو قال رجل لآخر أنت أبى فالقول قول المنكر مع يمينه وان استلحق صغيرا ثبت نسبه حتى يرث منه الصغير لو مات ويرث هو لو مات الصفير وان استلحق صغيرا فلما بلغ كذبه ففيه وجهان (أحدهما) أنه يندفع النسب لانا إنما حكمنا به حين لم يكن انكار (وأظهرهما) أنه لا يندفع لان النسب مما يحتاط له فإذا حكم ثبوته لم يتأثر بالانكار كما لو ثبت بالبينة وعلى هذا فلو أراد المقر تحليفه قال ابن الصباغ ينبغى أن لا يمكن منه لانه لو رجع لم يقبل فلا معنى لتحليفه ولو استلحق مجنونا فافاق وأنكر فهو على الوجهين ولو استلحق مجنونا فافاق وأنكر فهو على الوجهين ولو استلحق صبيا بعد موته لحقه كان له(11/187)
مال أو لم يكن ولم ينظر إلى التهمة بطلب المال بل يورث لان أمر النسب مبني على التغلب ولهذا نثبته لمجرد الامكان حتى أنه لو قتله ثم استلحقه قبل ويحكم بسقوط القصاص وقال أبو حنيفة رحمه الله لايلحقه (وأما) إذا كان بالغا ففيه وجهان لان شرط لحقوق البالغ تقديقه ولا تصديق ولان تأخير الاستلحاق إلى موت يوشك ان يكون خوفا من انكاره وهذا أظهر عند القاضى الحسين وصاحب
التهذيب والاكثرون على أنه يلحقه كالصغير ومنعوا كون التصديق شرطا على الاطلاق بل هو شرط إذا كان المستلحق أهلا للتصديق (وأما الكلام الثاني) فهو تمسك بالتهعمة وقد بينا أنه لااعتبار بها في النسب ويجرى الوجهان فيما إذا استلحق مجنونا طرأ جنونه بعد ما بلغ عاقلا ولو ازدحم اثنان فصاعدا على الاستلحاق نظران كان المستلحق بالغا ثبت نسبه ممن صدقه وان كان صبيا لم يلحق بواحد منهما بل الحكم ما هو مذكور في الكتاب في باب اللقيط فإذا عدم زحمة الغير شرط رابع للحوق وهذا كله فيما إذا كان ذكرا حرا (أما) استلحلق المرأة والعبد فسيأتيان في اللقيط ولو استلحق عبد الغير أو معتقته لم يلحقه ان كان صغيرا محافطة على حق الولاء للسيد بل يحتاج إلى البينة وان كان بالغا وصدقه ففيه خلاف نذكره هناك ولو استلحق عبدا في يده نظر ان لم يوجد الامكان بان(11/188)
كان أكبر سنا منه كفى قوله وان وجد فان كان مجهول النسب لحقه إن كان صغيرا وحكم بعتقه وكذا إن كان بالغا وصدقه وان كذبه لم يثبت النسب وفى العتق وجهان وكذا لو كان المستلحق معروف النسب من غيره (وأما) لفظ الكتاب فقوله التحق به يجوز اعلامه - بالميم - لان البندنيجى حكى عن مالك أنه ان شاع في الناس انه استلحق من ليس ولدا له لم يلحقه وان اجتمعت الشرائط التى ذكرناها (وقوله) أو المقر له ليس فيه الاعتبار عدم التكذيب وهو معتبر لكنه غير مكفى به بل المعتبر تصديقه عند الامكان صرح به صاحب الشامل وغيره وقضيته أنه لو سكت لم يثبت النسب (وقوله) فلو استلحق مجهولا بالغا لفظ المجهول لاضرورة إليه في هذا الموضع فانه قد بين اشتراطه من قبل وإذا كنا في شرط لم نحتج فيه إلى التعرض لسائر الشرائط إلا للايضاح.
(فرع) لو استلحق بالغا عاقلا ووافقه ثم رجعا قال ابن أبى هريرة رحمه الله يسقط النسب كما لو أقر بمال ورجع وصدقه المقر له وعن الشيخ أبى حامد أنه لا يسقط لان النسب المحكوم بثبوته لا يرتفع بالاتفاق كما لو ثبت بالفراش.
قال (ولو كان له أمتان ولكل واحدة ولد ولا زوج لهما فقال أحدهما ابني علقت به أمه في(11/189)
ملكي طولب بالتعيين.
فان عين ثبت نسبه وعتقه وأمية الولد للام.
فان مات كان تعيين الوارث كتعيينه.
فان عجزنا عنه فالحاق القائف كتعيينه.
فان عجزنا فيقرع بينهما فمن خرجت قرعته عتق ولم يثبت نسبه ولا ميراثه إذ القرعة لاتعمل إلا في العتق.
وهل يقرع بين الامتين للاستيلاد فيه خلاف من حيث أن أمية الولد فرع النسب وقد أيس عنه.
وهل يوقف نصيب ابن من الميراث فيه خلاف لانه نسب أيس من ظهوره فيمتنع التوريث به.
ولو كانت له أمة لها ثلاثة أولاد فقال أحدهم ابني فان عين الاصغر تعيين.
وان عين الاوسط عتق معه الاصغر وثبت نسبهما.
الا أن يدعى استبراء بعد ولادة الاوسط ورأينا ذلك نافيا للنسب.
فان مات قبل البيان وعجزنا عن تعيين الوارث والقائف أقرع بينهم.
وأدخل الصغير في القرعة.
وفائدة خروج القرعة عليه اقتصار العتق عليه والا فهو عتيق في كل حال.
وفى وقف الميراث الخلاف الذى مضى) .
في الفصل مسألتان تقدم أن من له جارية ذات ولد إذا قال هذا ولدى من هذه الجارية ثبت نسبه عند الامكان وهل تكون الجارية أم ولد فيه قولان ويقال وجهان (أحدهما) لا لاحتمال أنه استولدها بالنكاح ثم ملكها وحينئذ لا تكون أم ولد على أحد القولين (والثانى) نعم(11/190)
لان الظاهر انه استولدها في الملك لانه حاصل محقق والنكاح غير معلوم والاصل فيه العدم وللمسألة خروج ظاهر على قول يقابل الاصل والظاهر وما الاظهر من الخلاف في المسألة ذكر الشيخ أبو حامد وجماعة أن الثاني أظهر وهو ظاهر نصه في المختصر لكن الاول أقرب إلى القياس وأشبه بقاعدة الاقرار وهى البناء على اليقين ولقربه أعرض الاكثرون عن الترجيح وأرسلوا ذكر الخلاف ومن ذهب البه لم يصعب عليه جعل النص على الصورة الآتية ولو قال انه ولدى ولدته في ملكي فطريقان (أحدهما) القطع بثبوت أمية الولد لتصريحه بالولادة في الملك (وأصحهما) أنه على القولين لاحتمال أن يحبلها قبل الملك بالنكاح ثم يشتريها وتلد بالملك ولو قال انه ولدى استولدتها به في ملكي أو علقت به في ملكى انقطع الاحتمال وكانت أم ولد له لا محالة وكذا لو قال هذا ولدى منها وهى في ملكى منذ عشرين سنة وكان الولد ابن سنة وهذا كله مفروض إذا لم تكن الام مزوجة ولا فراشا
أما إذا كانت مزوجة لم ينسب الولد إلى السيد ولم يعتد باستلحاقه للحوقه بالزوج وان كانت فراشا له فان أقر بوطئها فالولد يلحقه بحكم الفراش لا بالاقرار ولا يعتبر فيه الا الامكان ولافرق في الاقرار بالاستيلاد بين أن يكون في الصحة أو في المرض لان انشاءه نافذ في الحالتين إذ تبين ذلك فالمسألة(11/191)
الاولى إذا كان له امتان لكل واحدة منهما ولد فقال أحدهما ولدى فللامتين أحوال (احداها) أن لا تكون واحدة منهما مزوجة ولا فراشا للسيد فيؤمر بالتعيين كما لو أقر بطلاق احدى امرأتيه فإذا عين أحدهما ثبت نسبه وكان حرا وورثه وهل أمه أم ولد له وان صرح بأنه استولدها في النكاح لم تصرأم ولد وان أضافه إلى وطئ شبهة ففيه قولان يذكران في موضعهما ولو قال استولدتها بالزنا مفصولا عن الاستلحاق لم يقبل وكانت أمية الولد على القولين فيما إذا أطلق الاستلحاق وان وصله باللفظ قال في التهذيب لا يثبت النسب ولا أمية الولد ولك أن تقول ينبغى أن يخرج على قولى تبعيض الاقرار ولو ادعت الامة الاخرى أن ولدها هو الذى استلحقه وأنها التى استولدها فالقول قول السيد مع يمينه ولو ان السيد مات قبل التعيين قام ورثته مقامه في التعيين وحكم تعيينهم حكم تعينه في النسب والحرية والارث وتكون أم المعين مستولدة ان ذكر السيد ما يقتضى ثبوت الاستيلاء والاسئلوا وحكم بيانهم حكم بيان المورث فان قالوا لا نعلم أنه بما استولدها فعلى الخلاف فيما إذا أطلق المستلحق استلحاقه ولو لم يكن وارث أو قال الورثة لا نعلم عرض الولدان على القائف فايهما الحقه به(11/192)
لحق والحكم في النسب والحرية والارث كتعين المورث أو الوارث وفى الاستيلاد كما وأطلق الاستلحاق ويجوز ظهور الحال للقائف مع موت المستلحق بان كان قد رآه أو بان يرى قبل الدفن أو بان يرى عصبته فيجد الشبه فان عجز عن الاستفادة من القائف لعدمه أو لالحاقه الولدين به أو نفسيهما أو أشكل الامر عليه أقرعنا بينهما لنعرف الحر منهما ولا ينتظر بلوغ الولدين حتى ينتسبا بخلاف ما لو تنازع اثنان في ولد ولا قائف لان الاشتباه ههنا في أن الولد أيهما فلو اعتبر الانتساب فربما انتسب كل واحد منهما إليه فلا يرتفع الاشكال ولا يحكم لمن خرجت قرعته بالنسب والميراث لان القرعة على خلاف القياس
وانما ورد الخبر بها في العتق فلا تعمل في النسب والميراث.
نعم هل يوقف نصيب ابن بين من خرجت القرعة له وبين الآخر فيه وجهان ثانى توجيههما (والاظهر) منهما في المسألة الثانية واختيار المزني أنه يوقف (واما الاستيلاد) فهو على التفصيل السابق فان لم يوجد من السيد ما يقتضيه لم يثبت وان وجد فهل تحصل أمية الولد في أم ذلك الولد بخروج القرعة حكى الامام فيه وجهين وقال المذهب أنها لا تحصل لانها نتبع النسب فإذا لم يجعله ولدا لم يجعلها أم ولد والذى أورده الاكثرون أنها تحصل لان المقصود العتق والقرعة عاملة فيه فكما تفيد حريته تفيد حريتها وعلى هذا الخلاف يحمل قوله في الكتاب وهل يقرع بين الامتين في الاستيلاد فيه خلاف وقد يتبادر إلى الفهم من ظاهره اخراج القرعة بهما مرة أخرى ولا يفعل ذلك إذ لا يؤمن خروج القرعة على غير التى خرج لولدها.
(فرعان) أحدهما حيث يثبت الاستيلاد فالولد حر الاصل لاولاء عليه وحيث لا يثبت فعليه الولاء إلا(11/193)
إذا نسبه إلى وطئ شبهه وقلنا انها لا تصير أم ولد إذا ملكها بعد ذلك (والثانى) إذا لم يثبت الاستيلاد ومات السيد ورث الولد أمه وعتقت عليه وهذا إذا تعين لا بالقرعة وان كان معه وارث آخر عتق نصيبه عليه ولم يشتر هذا تمام الكلام في الصورة الاولى وهى المذكورة في الكتاب (الثانية) إذا كانت الامتان مزوجتين لم يقبل قول السيد وولد كل أمة يلحق بزوجها وان كانت فراشا للسيد فان كان قد أقر بوطئها لحقه الولدان بحكم الفراش (الثالثة) إذا كانت أحداهما مزوجة لم يتعين أقراره في الاخرى بل يطالب بالتعيين فان عين ولد المزوجة لم يقبل وان عين ولد الاخرى قبل وثبت نسبه وان كانت احداهما فراشا له لم يتعين اقراره في ولدها بل يؤمر بالتعيين فان عين في ولد الاخرى لحقه بالاقرار والولد الآخر ملحق به بالفراش (المسألة الثانية) إذا قال من له أمة لها ثلاثة أولاد أحد هؤلاء ولدى والتصوير فيما إذا لم تكن مزوجة ولا فراشا للسيد قبل ولادتهم فيطالب بالتعيين فمن عينه منهم فهو نسيب حر وارث والقول في الاستيلاد على التفصيل الذى مر ثم إذا كان المعين الاصغر فالاكبران رقيقان فلكل واحد منهما أن يدعى انه الولد والقول قول المنكر مع يمينه فان كان المعين الاوسط فالاكبر رقيق وأمر الصبى مبنى على استيلاد الامة فإذا لم نجعلها مستولدة فهو رقيق كالام
وان جعلناها مستولدة فينظر ان لم يدع الاستبراء بعد الاوسط فقد صارت فراشا له بالاوسط فيلحقه الاصغر ويرثه وادعى الاستبراء فينبنى على أن نسب ملك اليمين هل ينتفى بدعوى الاستبراء فيه خلاف مذكور في اللعان (وان قلنا) لا ينتفى فهو كما لو لم يدع الاستبراء (وان قلنا) ينتفى فلا يلحقه الاصغر وفى حكمه وجهان (أظهرهما) انه كالام يعتق بوفاة السيد لانه ولد أم ولد(11/194)
وأم الولد إذا ولدت من زوج أو زنا عنق بعتقها (والثانى) أنه يكون قنا لان ولد أم الولد قد لا يكون كذلك كما لو أحبل الراهن الجارية المرهونة وقلنا انها لا تصير أم ولد له فبيعت في الحق وولدت أولادا ثم ملكها وأولادها فانا نحكم بأنها أم ولد على الصحيح والاولاد أرقاء لا يأخذون حكمها وأيضا فانه إذا أحبل جاريه بالشبهة ثم أتت بأولاد من زوج أو زنا ثم ملكها وأولادها تكون أم ولد له على قول والاولاد لا يأخذون حكمها وأذا أمكن ذلك لم يلزمه من ثبوت الاستيلاء أن يأخذ الولد حكمها بالشك والاحتمال ولصاحب الوجه الاول أن يقول الاولاد في الصورتين ولدوا قبل الحكم بالاستيلاد فالاصغر ولد بعد الحكم بالاستيلاد على أن بعظهم حكى في صورة الرهن وجها أن الاولاد يأخذون حكمها ولا يبعد أن يجئ مثله في صورة الاحبال بالشبهة وذكر في التتمة وجها آخر فيما إذا لم يكن يدع الاستبراء أنه لا يثبت نسبه ويكون حكمه حكم الام يعتق بموت السيد لان الاستبراء حصل بالاوسط ولم أر لغيره ذكر وان كان المعين الاكبر فالقول في حكم الاوسط والاصغر كما ذكرناه في الاصغر إذا عين الاوسط ولو مات السيد قبل التعيين عين وارثه فان لم يكن وارث أو قال لاأعرف عرضوا على القائف ليعين والحكم على التقديرين كما لو عين السيد فان تعذر معرفة القائف نص أنه يقرع بينهم لمعرفة الحرية وثبوت الاستيلاد على التفصيل الذى سبق واعترض المزني في المختصر بأن الاصغر حر بكل حال عند موت السيد لانه اما ان يكون هو المقر أو يكون أو يكون ولد أم الولد يعتق بموت السيد وان كان حرا بكل حال وجب أن لايدخل في القرعة أيضا لاحتمال أنها لا تخرج على غيره فيلزم ارقاقه واختلف الاصحاب في الجواب عنه فسلم بعظهم حريته وقالوا انه لايدخل في القرعة ليرق(11/195)
ان خرج لغيره بل ليرق غيره ان خرجت عليه ويقتصر العتق عليه وهذا ما ذكره في الكتاب ومنعها آخرون بناء على أنها وان كانت أم ولد فولد أم الولد يحوز أن يكون رقيقا (والاظهر الاول) وهو عين الوجه الاول المذكور فيما إذا عين الاوسط وادعى الاستبراء بعده وقلنا انه ينتفى به النسب ثم إذا أقرعنا بينهم وخرجت القرعة لواحد منهم فهو حر والمشهور ان النسب والميراث لا يثبتان كما ذكرنا في المسألة الاولى وعن المزني في المختصر الكبير ان الاصغر نسيب بكل حال لانه بين أن يكون هو المراد بالاستلحاق وبين أن يكون ولد أمته التى صارت فراشا له بولادة من قبل وجرى الاصحاب على رأيهم في الطعن على اعتراضاته متبادرين لكن الحق المطابق لما تقدم أن يفرق بين ما إذا كان السيد قد ادعى الاستبراء قبل ولادة الاصغر وبين مااذا لم يدعه ويساعده في الحاله الثانية وإذا ثبت النسب ثبتت الحريه لا محالة وحيث لانحكم بثبوت النسب فهل يوقف الميراث فيه وجهان (أحدهما) نعم لانا بتيقين ان أحدهما ابنه وان لم تفد القرعة تعيينه فأشبه ما إذا طلق احدى امرأتيه ومات قبل البيان حيث يوقف نصيب امرأة (والثانى) لا لانه اشكال دفع الناس من زوائه فأشبه ما إذا غرق المتوارثان فلم يدر أنهما ماتا معا أو على التعاقب لا توريث ولا وقف وهذا أصح عند الاكثرين واختار المزني الوقف واختلف الرواية عنه في كيفيته ففى رواية ابن خزيمة وجماعة أنه إذا كان له ابن معروف النسب يدفع إليه ربع الميراث ويدفع ربعه إلى الاصغر ويوقف النصف وفى رواية ابن عبد ابن المروزى في آخرين أنه يدفع نصف الميراث إلى المعروف النسب ويوقف النصف للمجهول واعلم أن الرواية الاولى مبنية على ما ذهب إليه المزني من أن الاصغر نسيب بكل حال فهو والمعروف ابنان يقينا فيدفع النصف اليهما ويوقف النصف(11/196)
بينهما وبين الاكبرين فيجوز أن يكون الاوسط ابنا دون الاكبر والرواية الثانية اختيار للشافعي رضى الله عنه جوابا على أنه لا يثبت نسب واحد منهم على التعيين ولكن يعلم أن فيهم ابنا فيقف النصف له ويدفع النصف إلى الابن المعروف وأما لفظ الكتاب (فقوله) فقال أحدهم ابني أراد ما إذا ذكر معه ما يقتضى الاستيلاد على أمة صور في المسألة الاولى حيث قال فقال أحدهما انى علقت به في ملكى ألا ترى أنه حكم بعتق الاصغر عند تعيين الاوسط وانما يكون كذلك إذا ثبت الاستيلاد
(وقوله) عتق معه الاصغر يجوز اعلامه بالواو للوجه المنقول عن التهذيب (وقوله) أقرع بينهم بالحاء لان الحكاية عن أبى حنيفة أن الاصغر حر كله ويعتق من الاوسط ثلثاه لانه حر في الحالتين وهما إذا عينه أو عين الاكبر فالاكبر رقيق في حاله وهى إذا عين الاصغر ومن الاكبر ثلثه لانه حر في حالة وهي إذا عين فيه رقيق في حالتين وهما إذا عين في الاوسط أو الاصغر قال ويعتق من الام ثلثاها لانه قد عتق ثلثا ولدها (وقوله) وان دخل الصغير في القرعة اعلم بالزاى لما تقدم ويجوز أن يعلم بالواو أيضا لانه نقل في النهاية وجها عن بعض الاصحاب أن الصغير يخرج عن القرعة قال وهو ضعيف لانه انما يقرع بين عبدين يتعين ان فيهم حرا ومن الجائز أن يكون المستلحق الاصغر ويكون الاكبر ان رقيقان فكيف يقرع بينهما وقوله والا فهو عتق بكل حال معلم - بالواو - لما مر.
قال (أما إذا أقر باخوة غيره أو بعمومته فهو اقرار بالنسب على الغير فلا يقبل إلا من وارث مستغرق.
كمن مات وخلف ابنا واحدا فأقر باخ آخر ثبت نسبه وميراثه.
وان كان معه زوجة اعتبر موافقتهما (و) لشركتهما في الارث.
وكذا موافقته المولى (و) المعتق.
وان خلف بنتا واحدة وهى معتقة ثبت النسب باقرارها لانها مستغرقة.
فان لم تكن معتقة فوافقها الامام ففيه(11/197)
خلاف لان الامام ليس بوارث انما هو نائب.
ولو خلف اثنين فاقر أحدهما بأخ ثالث وأنكر الآخر لم يثبت النسب ولا الميراث (ح) على القول المنصوص.
وقيل انه يثبت باطنا وفى الظاهر خلاف فلو مات وخلف ابنا مقرا فهل يثبت الآن فيه خلاف.
لان اقرار الفرع مسبوق بانكار الاصل.
وكذا الخلاف فيما إذا لم يخلف إلا الاخ المقر.
ولو كان ساكتا فمات فأقر ابنه ثبت لا محالة.
والاخ الكبير مع الصغير لا ينفرد بالاقرار بالنسب على الاصح.
ولو أقر بشخص فأنكر المقر له نسب المقر فقيل انه لا يشارك لان موجب قوله أن من أقر له ليس من أهل الاقرار.
وقيل إنه يستحق الكل) .
القسم الثاني أن يلحق النسب بغيره مثل أن يقول هذا أخى ابن أبى أو ابن أمي أو بعمومة غيره فيكون ملحقا للنسب بالجد والكلام في فصلين (أحدهما) في ثبوت النسب ويثبت النسب
بهذا الالحاق بالشرائط المقدمة فيما إذا لحق بنفسه وبشرائط أخر (أحدها) أن يكون الملحق به ميتا فما دام حيا ليس لغيره الالحاق به وان كان مجنونا (والثانية) أن لا يكون الملحق به قد نفى المقر به أما إذا نفاه ثم استلحقه وارثه بعد موته ففيه وجهان (أحدهما) اللحوق كما لو استلحقه المورث بعد مانفاه بلعان وغيره (والثانى) المنع لانه نسب قد سبق الحكم ببطلانه ففى الحاقه بعد الموت الحاق عار بنسبه وشرط الوارث أن يفعل ما فيه حظ الموروث لا ما يضر به ولم يورد صاحب التهذيب من الوجهين الا الثاني ولا معظم العراقيين الا الاول وهو الاشبه (والثالثة) صدور الاقرار من الورثة الحائزين للتركة وفيه مسائل (أحدها) اقرار الاجانب لا يثبت به النسب ولو مات مسلم عن ابن كافر أو قاتل أو رقيق(11/198)
لم يقبل اقراره عليه بالنسب كما لا يقبل اقراره عليه بالمال ولو كان له ابنان مسلم وكافر لم تعتبر موافقة الكافر ولو كان الميت كافرا كفى استلحاق الكافر ولا فرق في ثبوت النسب بين أن يكون المقر به كافرا أو مسلما (الثانية) لو مات وخلف ابنا واحدا وأقر بأخ آخر يثبت نسبه ولو مات وخلف ابنين أو ابنتين أو بنات فلابد من اتفاقهم جميعا وكذلك تعتبر موافقة الزوج والزوجة لانهما من الورثة وفيهما وجه لان الزوجية تنصرم بالموت ولان المقر به النسب ولا شركة لهما في النسب ويجرى مثل هذا الخلاف في المعتق ولو خلف بنتا واحدة فان كانت حائزة بان كانت معتقه يثبت النسب باقرارها وان لم تكن حائزة ووافقها الامام فوجهان جاريان فيما إذا مات من لا وارث له فالحق الامام به مجهولا والخلاف مبني على أن الامام له حكم الوارث أم لا والذى أجاب به العراقيون انه يثبت النسب بموافقة الامام ثم هذا الكلام فيما إذا ذكر الامام ذلك لا على وجه الحكم أما إذا ذكر على وجه الحكم (فان قلنا) أنه يضئ لعلم نفسه ثبت النسب والا فلا (الثالثة) لافرق بين أن تكون حيازة الملحق تركة المحلق به بغير واسطة أو بواسطة كما إذا أقر بعمومة مجهول وهو حائز لتركة أبيه الحائز لتركة جده الملحق به فان كان قد مات أبوه قبل جده والوارث ابن الابن فلا واسطة (الرابعة) البالغ من الوارثين لا ينفرد بالاقرار ونقل الامام وجها أنه ينفرد ويحكم بثبوت السنب في الحال وربما يوجه بأن أمر النسب خطر فالظاهر من حال كامل الحال من الورثة أن يعتنى به ولا يجازف فيه وعلى الاول ينتظر بلوغ الصبى
فإذا بلغ الصبى ووافق البالغ ثبت النسب حينئذ فان مات قبل البلوغ نظر أن لم يخلف سوى المقر ثبت النسب وان لم يجدد اقراره وان خلف ورثة سواه اعتبر موافقتهم وإذا كان أحد الوارثين مجنونا فهو كما لو كان أحدهم صبيا ولو خلف بالغين عاقلين وأقر أحدهما وأنكر الآخر ثم مات ولم يخلف(11/199)
الا أخاه المقر فاظهر الوجهين أنه يثبت النسب لان جميع الميراث قد صار له وثانيهما المنع لان اقرار الفرع مسبوق بانكار الاصل ويجرى الخلاف فيما إذا أخلف المنكر وارثا فاقر ذلك الوارث والوجهان عند القاضي الحسين مبنيان على الوجهين في استلحاق من نفاه المورث ولو أقر أحد الاثنين وسكت الآخر ثم مات الساكت وابنه مقر ثبت النسب لا محالة لان اقراره غير مسبوق بتكذيب الاصل (الخامسة) لو أقر الوارث المستغرق بأخوة مجهول فأنكر المجهول نسب المعروف لم يتأثر بقوله النسب المشهور وفيه وجه أن المقر يحتاج إلى البينة على نسبه لاعترافه بنسب المجهول وانكاره اياه والمذهب الاول وفى ثبت نسب المجهول وجهان (وجه المنع) أن المقر ليس بوارث بزعمه (والثانى) وهو الاصح انه يثبت لحكمنا بأنه وارث حائز ولو أقر باخوة مجهول ثم أنهما أقرا بسنب ثالث وأنكر الثالث نسب الثاني ففى سقوط نسب الثاني وجهان (أصحهما) السقوط لانه ثبت بنسب الثالث فاعتبر موافقته لثبوت نسب الثاني ولو اقر باخوة مجهولين فصدق كل واحد منهما الاخر ثبت نسبهما وان كذب كل واحد منهما الآخر فوجهان (أصحهما) ثبوت النسب لوجود الاقرار ممن يجوز التركة فان صدق أحدهما وكذبه الآخر ثبت نسب المصدق دون المكذب هذا إذا لم يكن المجهولان توأمين فان كانا توأمين فلا أثر لتكذيب أحدهما الآخر فإذا أقر الوارث بأحدهما ثبت نسب كليهما (السادسة) إذا أقر بنسب من يحجب المقر كما إذا مات عن أخ أو عم فاقر بان للميت فاحد الوجهين انه لا يثبت نسبه لانه لو ثبت لورث ولو ورث لحجب المقر وإذا حجب خرج عن الاهلية(11/200)
للاقرار وإذا بطل الاقرار بطل النسب (وأصحهما) الثبوت لان ثبوت النسب بمجرده لا يرفع الاقرار وانما يلزم ذلك من التوريث وسيأتى الكلام في الفصل الثاني ثم التوريث قد ينتفى
باسباب وموانع ولا يبعد أن يكون هذا منها.
(الفصل الثاني في ثبوت الميراث) قال (والمقر يحتاج إلى البينة.
ولو أقر الاخ بابن لاخيه الميت فالظاهر أنه يثبت النسب دون الميراث إذ لو ثبت لحرم الاخ وخرج عن أهلية الاقرار.
وقيل انهما يثبتان.
وقيل أنهما لا يثبتان) .
المقر به لا يخلو أما أن يكون ممن لا يحجب المقر عن الميراث أو ممن يحجبه أو يحجب بعض الورثة المقرين دون البعض (الحالة الاولى) إذا لم يحجب المقر فيشتركان في التركة على فرائض الله تعالى ولو أقر أحد الابنين المستغرقين بأخ وأنكر الآخر فظاهر المذهب وهو المنصوص أنه لا يرث لان(11/201)
الارث فرع النسب وانه غير ثابت كما سبق وإذا لم يثبت الاصل لم يثبت الفرع وعن صاحب التقريب حكاية وجه تخريج أن المقر له يرث ويشارك المقر بما في يده ورأيت ذلك لابن سريج وبه قال أبو حنيفة رحمه الله ومالك وأحمد رحمهما الله ويتأيد بمسائل (منها) لو قال أحد الابنين فلانة بنت أبينا وأنكر الآخر حرم على المقر نكاحها مع أنه فرع النسب الذي لم يثبت ولو قال أحدهما لعبد في التركة إنه ابن ابينا هل يحكم بعتقه فيه وجهان (ومنها) لو قال أحد شريكي العقار لثالث بعت منك نصيبي فأنكر لا يثبت الشراء وفي ثبوت الشفعة للشريك خلاف (ومنها) لو قال لزيد على عمرو كذا وأنا به ضامن فانكر عمرو ففي مطالة المقر بالضمان خلاف (والاصح) المطالبة (ومنها) إذا اعترف الزوج بالخلع وأنكرت المرأة ثبتت البينونة وان لم يثبت المال الذي هو الاصل (وإذا قلنا) بظاهر المذهب كذلك في ظاهر الحكم (فأما) في الباطن فهل على المقر إذا كان صادقا أن يشركه فيما في يده فيه وجهان (أحدهما) لا كما في الظاهر (والثاني) نعم قال ابن الصباغ وهو الصحيح لانه عالم باستحقاقه محرم عليه منع حقه منه وعلى فيه وجهان (أحدهما) بنصف ما في(11/202)
يده لان قضية البنتين التسوية فلا يسلم لاحدهما شئ والا ويسلم للآخر مثله والثالث بزعمهما غصبهما بعض حقهما وبها قال أبو حنيفة رحمه الله (وأصحهما) وبه قال مالك رحمه الله وأحمد
بثلث ما في يده لان حق الثالث بزعم المقر شائع فيما في يده ويد صاحبه فله الثلث من هذا وله الثلث من ذاك ويقال الوجهان مبنيان من القولين فيما إذا أقر أحد الابنين بدين على أبيه فانكر الآخر هل على المقر توفية جميع الدين مما في يده أم لا يلزمه إلا القسط (فان قلنا بالثاني) لم يلزمه إلا الثلث لجعلنا الحق الثابت بالاقرار شائعا في التركة ولكل واحد من الوجهين عبارة تجرى مجرى الضابط لاخوات هذه الصورة فالعبارة على وجه النصف اننا ننظر في أصل المسألة على قول المنكر ونصرف إليه نصيبه منها ثم نقسم الباقي بين المقر والمقر به فان انكسر صححناه بالضرب فاصل المسألة في الصورة التى نحن فيها اثنان على قول المنكر يدفع إليه واحدا منهما يبقى واحد لا ينقسم على اثنين نضرب اثنين في أصل المسألة يكون أربعة سهمان منها من منكر ولكل واحد من الآخرين سهم وعلى وجه الثلث نأخذ أصل المسألة على قول المنكر وأصلها على قول المقر ونضرب أحدهما(11/203)
في الآخر ونقسم الحاصل باعتبار مسألة الانكار فيدفع نصيب المنكر منه إليه باعتبار الاقرار ويدفع نصيب المقر منه إليه ويدفع الباقي إلى المقر به ومسألة الانكار فيما نحن فيه من اثنين ومسألة الاقرار من ثلاثة فنضرب أحدهما في الآخر يكون ستة ثلاثة منها للمنكر وسهمان للمقر وواحد للمقر له ولو كانت المسألة بحالها وأقر أحد الابنين بآخرين فعلى الوجه الاول المسألة على قول المنكر من اثنين يدفع نصيبه إليه يبقى واحد لا ينقسم على ثلاثة يضرب ثلاثة في اثنين يكون ستة ثلاث منها للمنكر ولكل واحد من الباقين واحد وعلى الوجه الثاني أصلها على قول المنكر من اثنين وعلى قول المقر من أربعة يضرب أحدهما في الآخر يكون ثمانية اربعة منها للمنكر واثنان للمقر ولكل واحد من المقر بهما سهم وعن صاحب التقريب يصرف بالتوسط بين الوجهين وهو أن ينظر فيما حصل في يد المقر أحصل بقسمة اجبر المنكر عليها أم بقسمة وهو مختار فيها أما على تقدير الاجبار (فالجواب) ما ذكرنا في الوجه الثاني وأما على تقدير الاختيار فينظر ان كان عالما عند القسمة بان معهما ثالث مستحقا (والجواب) ما ذكرناه في الوجه الاول لانه معتد بتسليم نصف حقه الثابت إليه فيغرمه ما حصل في يد(11/204)
صاحبه كما يغرم الحاصل في يده فان لم يكن عالما حينئذ ثم علم فوجهان يوجه أحدهما بانه لا تقصير منه (والثانى) بانه لافرق بين العلم والجهل فيما يرجع الي الغرم (الحالة الثانية) إذا كان المقر به ممن يحجب المقرين عن الميراث أو بعضهم كما لو كان للوارث في الظاهر أخا أو ابن عم أو معتقا فاقر بابن للميت فان لم نثبت نسبة فذاك وان أثبتناه ففى الميراث وجهان (أظهرهما) المنع لانه لو ورث لحجب الاخ ولو حجبه لخرج عن أهلية الاقرار وإذا بطل الاقرار فلا نسب ولا ميراث فإذا يلزم من توريثه منعه (والثاني) وبه قال ابن سريج أنه يرث ويحجب المقر وهو اختيار صاحب التقريب وابن الصباغ وجماعة ومنعوا لزوم بطلان الاقرار من حرمانه وقالوا المعتبر كونه وارثا لولا اقراره ذلك لا ينافي خروجه عن الوارثية بالاقرار كما أن المعتبر كونه حائزا للتركه لو أقر الابن المستغرق في الظاهر بأخوة غيره قبل وتشاركا في الارث كذلك ههنا ولو خلف بنتا هي مقتنعة فاقرت بأخ ففي ميراثه وجهان تفريعا على الوجه الاول في المسألة (أحدهما) يرث ويكون المال بينهما اثلاثا لان توريثها لا يحجبها (والثانى) لا لانه عن عصوبة الولاء فصار كما لو خلف بنتا ومعتقا وأقر بابن للميت لا يثبت(11/205)
لحجبه المعتق ولو أدعي المجهول على أخى الميت أنه ابن الميت فانكر الاخ ونكل عن اليمين فحلف المدعى المردودة ثبت نسبه ثم ان جعلنا النكول ورد اليمين كالبينة ورث وحجب الاخ وان جعلناهما كالاقرار ففيه الخلاف المذكور فيما إذا أقر الاخ ولو مات عن بنت وأخت فاقرنا بابن للميت فنصيب الاخت على الوجه الاظهر يسلم لها لانه لو ورث الابن لحجبها وعلى الثاني ياخذ متفى يدها كله وهدا الحكم فيما إذا خلف زوجة وأخا فأقر بابن يكون للزوجة الربع على الوجه الاظهر وهذا الابن لا ينقض حكمها كما لا يسقط الاخ ولنعد إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب (أما) قوله فلا يقبل الامن وارث مستغرق معلم - بالحاء والميم - وكذلك قوله ثبت نسبه وميراثه لان عند أبى حنيقة في روايته المشهورة لا يشترط اقرار جميع الورثة وإنما المعتبر عدد الشهادة فإذا لم يكن الا ابن واحد لم يثبت النسب باقراره فإذا خلف أبناء فأقر اثنان منهم كفى وبه قال مالك (وقوله) اعتبر موافقتهما معلم - بالواو - وكذلك قوله موافقة المولى المعتق (وقوله) ولان الامام ليس بوارث انما هو(11/206)
نائب أي نائب المسلمين في أخذ حقهم وحفظه وهو اشارة إلى ما سبق أن الامام هل له حكم الوارث أم لا (وقوله) ولا الميرا ث عند قوله لم يثبت النسب ولا الميراث على القول المنصوص إلى الميراث معلم - بالالف - وحده وأما أن النسب لا يثبت فلا خلاف فيه (وأعلم) أن حاصل الخلاف في المسألة طريقان جمعهما صاحب التقريب (أحدهما) أن الارث يثبت باطنا وفى الظاهر خلاف (والثانى) أنه لا يثبت ظاهرا إلا أن المقابل للقول المنصوص هو المخرج الذى عزاه بعضهم إلى ابن سريج على ما بينه في الوسيط وانما خرج ابن سريج ذلك في الارث الظاهر وإذا كان جازما بثبوته باطنا فيكون قوله بعد ذلك وقيل يثبت باطنا وفى الظاهر خلاف غير ما ذكره مرة فلا ينبغى أن بقول وقيل لا يثبت ظاهرا وفى الباطن خلاف إن اراد الطريقة الاخرى والاوجه الثلاثة التي ذكرناها في الميرا ث إذا أقر لشخص وأنكر المقر له نسب المقر حاصلة من الخلاف الذى أسلفناه في أن النسب المقر هل يتأثر بانكار المقر له وان لم يتأثر فهل يثبت نسب المجهول (فقوله) لا يشارك مبني على أن نسب المقر بحالة ونسب المقر له يثبت(11/207)
(وقوله) وقيل انهما يشتركان ولا يبالى بتكذيبه مبنى على أن نسب المقر بحاله ونسب المقر له يثبت والوجه الآخر مبني على أن نسب المقر يتأثر بانكار المجهول (وأما) الوجوه الثلاثة المذكورة فيما إذا أقر الاخ بابن لاخيه الميت فلا يخفى عليك خروجها مما مر إذا جمع بين النسب والميراث وقد وقع في شرح الفصل تغيير ترتيب بعض المسائل للحاجة إليه فلا يبالى به.
(فرع) إقرار الورثة بزوج أو زوجة للميت مقبول وعلى القديم قول أنه لا يقبل فلو أقر أحد الابنين المستغرقين وأنكر الآخر فالتوريث على ما ذكرنا فيما إذا أقر أحدهما بأخ وأنكر الآخر.
(فرع) لو أقر انسان وقال فلان أخى ثم فسر بالاخوة من الرضاع حكي القاضى الرويانى عن أبيه أن الاشبه بالمذهب أن لا يقبل لانه خلاف الظاهر ولهذا لو فسر باخوة الاسلام لا يقبل.
(فرع) في فتاوى القفال أنه إذا أقر على أبيه بالولاء فقال هو معتق فلان ثبت الولاء عليه إن كان المقر مستغرقا كما في النسب والله تعالى أعلم بالصواب.(11/208)
(كتاب العارية)
قال (والنظر في أركانها وأحكامها * أما الاركان فأربعة (الاول المعير) ولا يعتبر فيه الا كونه مالكا للمنفعة غير محجور عليه في التبرع * فيصح من المستأجر ولا يصح من المستعير على الاظهر لانه مستبيح بالاذن كالضيف * نعم له أن يستوفى المنفعة بالوكيل يوكله لنفسه (الثاني المستعير) ولا يعتبر فيه الا كونه أهلا للتبرع) قال في الصحاح العارية بالتشديد كأنها منسوبة إلى العار لان طلبها عار وقال غيره منسوبة إلى العارة وهى مصدر يقال أعار يعير إعارة كما يقال أجاب يجيب إجابة وجابة وأطاق إطاقة وطاقة وقيل هي من عار يعير أي جاء وذهب فسميت عارية لتحويلها من يد إلى يد وقال إنه من التعاور والاعتوار هو أن يتداول القوم الشئ بينهم وذكر الخطابى في الغريب أن لغة العارية بالتشديد وقد تخفف والاصل فيها قوله تعالى (ويمنعون الماعون) فسره بعضهم بما يستعيرة بعض الجيران من بعض كالدلو والفأس والقدر وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال (العارية مضمونة والزعيم غارم)(11/209)
وروى أيضا أنه صلى الله عليه وسلم (أستعار درعا من صفوان فقال اغصبا يا محمد فقال عليه السلام بل عارية مضمونة) قال صاحب الكتاب ولها أركان وأحكام أما الاركان (فاحدها) المعير والمعتبر فيه ملكه المنفعة وأن لا يكون محجورا عليه في التبرعات وانما اعتبرت ملكية المنفعة دون العين لان الاعارة ترد على المنفعة دون العين وانما اعتبر عدم الحجر في التبرعات لان الاعارة تبرع ويتعلق بقيد المالكية صورتان (احداهما) أن المستأجر يجوز له أن يعير لانه مالك المنفعة ألا ترى أنه يجوز له أخذ العوض عنها بعقد الاجارة وكذا الموصى له بخدمة العبد وسكني الدار له أن يعيرهما (والثانيه) أن المستعير هل يعير فيه وجهان (أحدهما) نعم كالمستأجر فان للمستأجر أن يؤجر فكذلك المستعير(11/210)
له أن يعير ويحكي هذا عن أبى حنيفة (وأصحهما) المنع لانه غير مالك للمنفعة ألا ترى أنه لا يجوز له
أن يؤجر وانما أبيح له الانتفاع والمستبيح لا يملك نقل الملك بالاباحة إلى غيره والضيف الذى أبيح له الطعام ليس له أن يبيح لغيره نعم للمستعير أن يستوفى المنفعة بنفسه وبوكيله (الركن الثاني) في المستعير قال في الكتاب ولا يعتبر فيه الا لكونه أهلا للتبرع أي يتبرع عليه وكأنه أراد التبرع بعقد يشتمل على الايجاب والقبول اما بقول أو فعل والا فالصبي والبهيمة لهما أهلية التبرع والاحسان اليهما ولكن لا يوهل منهما ولا يعار.
قال (الثالث المستعار وشرطه أن يكون منتفعا به مع بقائه.
وفى اعارة الدنانير والدراهم لمنفعة التزيين خلاف لانها منفعة ضعيفة.
فإذا جرت فهى مضمونة لانها عارية فاسدة.
وأن يكون الانتفاع مباحا فلا تستعار الجوارى للاستمتاع.
ويكره الاستخدام الا لمحرم.
وكذا يكره استعارة أحد الابوين للخدمة.
واعره العبد المسلم من الكافر.
ويحرم اعارة الصيد من المحرم) .
(الركن الثالث) المستعار وله شرطان (أحدهما) أن يكون منتفها له مع بقاء عينه كالعبيد والدواب والدور والثياب أما الاطعمة فلا يجوز اعارتها لان منفعتها في استهلاكها وفى اعارة الدراهم والدنانير وجهان (أحدهما) الجواز لانها تصلح للتزين بها على طبعها (وأصحهما) المنع لان(11/211)
هذه منفعة ضعيفة قلما تقصد ومعظم منفعتها في الانفاق والاخراج قال الامام وما ذكرناه في الدراهم يجرى في استعارة الحنطة والشعير وما في معناهما ولك أن تبحث عن مواضع الخلاف أهو ما إذا صرح بالاعارة للتزين أم إذا أطلق فالجواب ان الاسبق إلى الفهم من كلامهم في مسألة الدراهم ان الخلاف في حالة الاطلاق فاما إذا صرح بغرض التزين فقد اتخذ هذه المنفعة مقصدا وان ضعفت فينبغي أن يصح وبصحته أجاب في التتمة وعلى هذا قوله في الكتاب لمنفعة التزيين ليس هو من كلام المعير وانما هو اشارة إلى صورة الجواز لكن هذا يتفرع على تصحيح الاعارة مطلقا أما إذا شرطنا تعيين جهة الانتفاع فلا بد من التعر ض للتزيين أو غيره وسيأتى الخلاف فيه وحيث قلنا انه لا يصح اعارتها فان جرت فهى مضمونة لان العارية صحيحة مضمونة وللفاسدة حكم الصحيحة في الضمان وفيه وجه أنها غير مضمونة لان العارية صحت أو فسدت تعتمد منفعة معتبره فإذا لم توجد فما جرى بينهما ليس
بعارية لاأنه عارية فاسدة ومن قبض مال الغير باذنه لا لمنفعة كان أمانة في يده (الشرط الثاني) ان تكون المنفعة مباحة فلا يجوز استعارة الجوارى للاستمتاع وأما للخدمة فيحوزان كانت الاعارة من محرم أو امرأة والافلا يجوز لخوف الفتنة الا إذا كانت صغيرة لا تشتهي أو قبيحة ففيها وجهان (وقوله) في الكتاب زيكره الاستخدام الا لمحرم لفظ الكراهية يستعمل للتحريم تارة وللتنزيه أخرى وأراد ههنا التحريم على ما صرح به الوسيط وهو جواب على نفى الفرق بين الصغيرة والكبيرة ثم انه حكم في الوسيط بالصحة وان كانت الاعارة محظورة فيشبه أن يقال بالفساد(11/212)
فالاجارة للمنفعة المحرمة ويشعر بهما ما أطلقه المعظم من نفى الجواب ويكره استعارة أحد الابويين للخدمة لان استخدمهما مكروة ولفظ الامام في مسألة نفى الحل ويكره اعارة العبد المسلم من الكافر وهى كراهة تنزيه ولا يجوز للحلال اعارة الصيد من المحرم لانه يحرم عليه امساكه فلو فعل وتلف في يد المحرم ضمن الجزاء لله تعالى والقيمة للحلال وان أعار محرم من حلال (فان قلنا) ان المحرم يزول ملكه عن الصيد فلا قيمة له على الحلال لانه أعار ما ليس ملكا له وعلى المحرم الجزاء لو تلف في يد الحلال لانه متعد بالاعارة وكان من حقه الارسال (وان قلنا) لاتزول صحت الاعارة وعلى الحلال القيمة لو تلف الصيد عنده.
(فرع) دفع شاة إلى رجل وقال ملكتك درها ونسلها فهي هبة فاسدة ولما حصل في يده من الدر والنسل كالمقبوض بالهبة الفاسدة والشاة مضمونة عليه بالعارية الفاسدة ولو قال ابحت لك درها ونسلها فهو كما لو قال ملكتك على أحد الوجهين (والثانى) أنها اباحة صحيحة والشاة عارية صحيحة وهذا ما أورده صاحب التتمة وعلى هذا فقد تكون العارية لاستيفاء عين وليس من شرطها أن يكون المقصود مجرد المنفعة بخلاف الاجارة ولو قال ملكت لك درها وأبحته لك على أن تعلفها قال في التهذيب العلف اجره وثمن الدر والنسل والشاة غير مضمونة لانها مقبوضة باجارة فاسدة(11/213)
والدر والنسل مضمون عليه بالشراء الفاسد وكذلك لو دفع قراضة إلى سقاء وأخذ الكوز ليشرب
فسقط من يده وانكسر ضمن الماء لانه مأخوذ بالشراء الفاسد ولم يضمن الكوز لانه في يده باجارة فاسدة فان أخذه مجانا فالكوز عارية والماء كالمقبوض بالهبة الفاسدة (الثاني) قال في التتمة تعيين المستعار ليس بشرط عند الاستعارة حتى لو قال أعرني دابتك فقال المالك ادخل الاسطبل وخذ ما أردت صحت العارية بخلاف الاجارة تصان عن مثلها لان الغرر لا يحتمل في المعاوضة.
قال (الرابع صيغة الاعارة وهو كل لفظ يدل على الاذن في الانتفاع.
ويكفي القبول بالفعل.
ولو قال أعرتك حماري لتعير لى فرسك فهو أجارة فاسدة غير صحيحة ولا مضمونة.
ولو قال اغسل هذا الثوب فهو استعارة لبدنه.
وان كان الغاسل ممن يعمل بالاجرة اعتياديا استحق الاجرة) في الباب ما يدل على الاذن في الانتفاع لقوله أعرتك أو خذه لتنتفع به وما أشبه ثم ضاهر لفظ الكتاب انه يعتبر اللفظ من جهة المعير وانه لا يعتبر من جهة المستعير وانما يعتبر منه القبول اما باللفظ واما بالفعل كما في الضيف وقد صرح بهذا في الوسيط وقال صاحب التهذيب وغيره المعتبر في الاعارة اللفظ من احد الطرفين والفعل من الآخر حتى لو قال المستعير أعرني فسلمه المالك إليه صحت الاعارة وكان كما لو قال خذه لتنتفع به فأخذه تشبيها للاعارة باباحة الطعام وذكر أبو سعيد المتولي ان اللفظ(11/214)
لا يعتبر في أحد من الطرفين حتى لو رآه عاريا فاعطاه قميصا فلبسه تمت العارية وكذلك لو فرش لضيفه فراشا أو بساطا أو مصلى أو القى به وسادة فجلس عليها كان ذلك اعارة بخلاف مالو دخل مجلسا على البسط المفروشة لانه لم يقصد بها انتفاع شخص معين ولا بد في العارية من تعين الشخص المستعير وهذا الذي ذكره يشبه تمام الشبة بالضيافة ويوافقه ما ذكره عن الشيخ ابي عاصم انه إذا انتفع بظرف الهدية المبعوثة إليه حيث جرت العادة باستعمالها كل الطعام من القصعة فيها كان عارية لانه منتفع بملك الغير بأذنه والاشهر الرواية الوسطى ولو أعلم قولة في الكتاب وصيغة الاعارة - بالواو - لما ذكره في التتمة لكان صحيحا ثم الفصل مسألتان (الاولى) إذا قال أعرتك حماري لتعيرني فرسك فهو اجارة فاسدة على كل واحد منهما أجرة مثل دابة الآخر وكذلك الحكم إذا اعاره شيئا بعوض مجهول كما لو أعار دابته ليعلفها أو داره ليطين سطحها وكذلك لو كان العوض معلوما ولكن
مدة الاعارة مجهولة كما لو قال لك أعرتك بعشر دراهم أو لتعيرني ثوبك شهرا وفيه وجه أنه عارية فاسدة نظرا إلى اللفظ فعلى هذا تكون مضمونة عليه وعلى الاول لا ضمان ولو بين مدة الاعارة وذكر عوضا معلوما فقال أعرتك هذه الدار شهرا واليوم بعشرة دراهم لتعيرني ثوبك شهرا من اليوم فهى اجارة(11/215)
صحيحة مضمونه أو إعارة فاسدة فيه وجهان مبنيان على النظر إلى اللفظ أو المعنى ولو دفع دراهم إلى رجل وقال اجلس في هذا الحانوت واتجر عليها بنفسك أو دفع إليه بذرا وقال ازرع به هذه الارض فهو معير الحانوت والارض واما الدراهم والبذر فتكون هبة أو قرضا فيه وجهان (الثانية) لو قال لقصار اغسل هذا الثوب أو لخياط خطه مجانا ففعل فلا أجره له ولو قال اغسله أو خيطه وأنا أعطيك حقك أو أجرتك استحق أجره المثل وهذا اجارة فاسدة ولو أقتصر على قوله اغسله أو خيطه ففيه أوجه نذكرها في الاجارة فان ذلك الموضع أحق بذكرها وصاحب الكتاب قد أعاد المسألة هناك وذكر بعض تلك الاوجه واعرف في هذا المقام سببين (أحدهما) أن قوله فهو استعارة أراد به استعارة بدنه لذلك العمل ولا يعد في أطلاق الاستعارة والاعارة في منافع الحر كالاجارة (والثانى) أن حاصل جوابه في المسألة انه إن كان ممن يعتاد ذلك بالاجرة استحق الاجرة والا فلا وهذا أحد الوجوه المشار إليها لكن ظاهر المذهب غيره على ما سيأتي.(11/216)
قال (أما أحكامها فأربعة (الاول الضمان) والعارية مضمونة الرد والعين بقيمتها (ح) يوم التلف.
وقيل باقصى القيم من يوم القبض إلى يوم التلف كالغصب.
وما ينمحق من أجزائها بالاستعمال غير مضمون.
والمستعير من المستأجر هل يضمن فيه خلاف.
والمستعير من الغاصب يستقر عليه الضمان إذا تلف تحت يده.
ولو طولب بأجرة المنفعة فما تلف تحت يده فلا خلاف في قرار ضمانه على المعير.
وما تلف باستيفائه فقولان لانه مغرور فيه) .
من أحكام العارية الضمان والكلام في ضمان الرد والعين والاجزاء أما ضمان الرد فمعناه أن مؤنة الرد على المستعير وقوله عليه السلام (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) وأيضا فان الاعارة نوع بر
ومعروف فلو لم تجعل مؤنة الرد على المستعير لامتنع الناس من الاعارة (وأما) ضمان العين فانها إذا تلفت في يد المستعير ضمنها سواء تلفت بآفة سماوية أو بغفلة بتقصير أو من غير تقصير وبه قال أحمد(11/217)
وقال أبو حنيفة لا يضمن الا إذا تعدى فيها وعن رواية الشيخ أبى على ان للشافعي رضى الله عنه قولا مثله في الامالى ووجه ظاهر المذهب الخبر المذكور في صدر هذا الباب وأيضا فانه مال يجب رده إلى مالكه فتجب قيمته عند التلف كالمأخوذ على سبيل السوم وايضا فان المستعير من الغاصب يستقر عليه الضمان ولو كانت العارية أمانة لما استقر كالمودع من الغاصب وذهب مالك إلى ان العارية مضمونة الا ان تكون حيوانا فهو امانة ولو اعار بشرط ان تكون امانة لغى الشرط وكانت مضمونة وإذا وجب الضمان فاى قيمة تجب فيه ثلاثة أوجه وسماها الزجاجي أقوالا وكذلك فعل الوسيط (أحدها) أقصى القيم من يوم القبض إلى التلف لانه لو تلف في حالة زيادة القيمة لوجبت القيمة الزائدة فاشبه المغصوب (والثانى) قيمة يوم القبض تشبيها بالقرض يومئذ (والثالث) وهو الاصح قيمة يوم التلف لان ايجاب أقصى القيم بمثابة ضمان الاجزاء التالفة بالاستعمال وهي غير مضمونة على الصحيح كما سيأتي ومن قال بالاول منع كون تلك الاجزاء غير مضمونة بالاستعمال على الاطلاق وقال انما لا يضمن إذا رد العين وينبنى على هذا الخلاف ان العارية إذا ولدت في يد المستعير هل يكون الولد مضمونا في يده ان قلنا ان العارية مضمونة ضمان الغصب كان مضمونا عليه والا فلا وليس له استعماله بلا خلاف والخلاف المذكور في العارية انها كيف تضمن جار في المأخوذ على سبيل السوم الا ان الاصح هناك على ما ذكره في النهاية ان الاعتبار بقيمة يوم القبض لان تضمين أجزائه غير ممتنع وقال غيره الاصح فيه كهو في العارية وهذا كله فيما إذا تلفت العين لا بالاستعمال اما إذا تلفت بالاستعمال بأن انمحق الثوب(11/218)
باللبس فوجهان (أصحهما) أنه لا يجب ضمانها كالاجزاء (والثانى) يجب لان حق العارية ان تردد فإذا تعذر الرد لزم الضمان وعلى هذا فما الذى يضمن فيه وجهان (أحدهما) وهو المذكور في النهاية انه يضمن العين بجميع أجزائها (وأصحهما) وهو المذكور في التهذيب انه يضمن في آخر حالات التقويم وصححه
في التتمة (واما) ضمان الاجزاء فما تلف منها بسبب الاستعمال المأذون فيه كانمحاق الثوب باللبس لا يلزم ضمانها لحدوثه عن سبب واذن فيه وفيه وجه ضعيف أنه يلزم لان العارية مؤداة فإذا تلف بعضها فات رده فيضمن بدله وما تلف منها بغير هذا السبب وفيه وجهان مذكوران في التهذيب (أحدهما) انه لا يلزم ضمانها أيضا كما لو تلف بالاستعمال ويكتفى برد الباقي (وأصحهما) اللزوم كما لو تلفت العين كلها وهلاك الدابة بسبب الركوب والحمل المعتاد كانمحاق الثاوب وتعييبها به كالانمحاق كذا ذكره الامام وفيما جمع من فتاوى القفال انه أو قرح ظهرها بالحمل وتلفت منه يضمن سواء كان متعديا بما حمل أو لم يكن لانه انما اذن في الحمل لافى الجراحة وردها إلى المالك لا يخرجه عن الضمان لان السراية تولدت من مضمون فصار كما لو جرح دابة الغير في يده وهذا في الجمل الذى هو غير متعد به جوابا على وجوب الضمان في صورة تفسير الانمحاق والله أعلم.
وجميع ما ذكرنا فيما إذا أستعار من المالك ووراءه صورتان (إحداهما) إذا استعار من المستأجر أو الموصى له بالمنفعة فاحد الوجهين انه يضمن كما لو استعار من المالك (وأصحهما) أنه لا يضمن لان المستأجر لا يضمن وهو نائب المستأجر الا ترى أنه إذا أنقضت مدة الاجارة ارتفعت(11/219)
الاعارة وانه استقرت الاجرة على المستأجر بانتفاع المستعير ومؤنة الرد في هذه الاستعارة على المستعير إن رد على المستأجر وعلى المالك إن رد عليه كما لو رد عليه المستأجر (الثانية) إذا استعار المغصوب من الغاصب وتلف في يده غرم المالك قيمته يوم التلف من شاء منهما فان الضمان على المستعير لان المال حصل في يده بجهة مضمونة وان كانت قيمته يوم التلف أكثر نظران كانت الزيادة في يد المعير الغاصب لم يطالب بها غيره وان كانت في يد المستعير (فان قلنا) العارية تضمن ضمان العصب فهو كقيمته يوم التلف (وان قلنا) لا تضمن ضمان المغصوب فغرامة الزياة كغرامة المنافع وإذا طالبه المالك فغرامة المنافع وغرمها بالمنفعة التى تلفت في يده قرار ضمانها على المعير لان يد المستعير في المنافع ليست يد ضمان والتى استوفاها بنفسه فيها قولان مشروحان في الغصب النظر في احدهما إلى تغرير المعير اياه وفى الثاني إلى مباشرة الاتلاف وهو الاظهر والمستعير من المستأجر من الغاصب حكمه حكم المستعير من الغاصب إن ضمنا المستعير من المستأجر والا فليرجع بالقيمة التى غرمها على المستأجر ويرجع
المستأجر على الغاصب.
قال (والمستعير كل طالب أخذ المال لغرض نفسه من غير استحقاق.
فلو اركب وكيله المستعمل في شغله دابته فتلفت فلا ضمان عليه.
ولو أركب في الطريق فقير اتصدقا عليه فالاظهر أنه لا يضمن) .(11/220)
ذكر حد المستعير ليبنى عليه مسائل فقال والمستعير كل طالب اخذ المال لغرض نفسه من غير استحقاق وزاد بعضهم فقال من غير استحقاق وتملك وقصد بهذه الزيادة الاحتراز عن المستقرض (وأما) نفى الاستحقاق والقصد منه الاحتراز عن المستأجر والحد مع هذه الزيادة ودونها معترض من وجهين (أحدهما) أنه منقوض بالمستام من الغاصب (والثانى) أن التعرض لكونه طالبا غير محتاج إليه إذ لافرق بين أن يلتمس المستعير حتى يعير وبين أن يبتدئ المعير بالاعارة (وأما) المسائل المشار إليها (فمنها) أنه لو أركب وكيله الذى استعمله في أشغاله دابته وسيره إلى موضع فتلفت الدابة في يده من غير تعد فلا ضمان عليه لانه لم يأخذها لغرض نفسه وكذلك لو سلمها إلى رائض ليروضها أو كان عليها متاع نفيس فاركب انسانا فوقه احرازا للمال (ومنها) لو وجد من أعيى في الطريق فأركبه فالمشهور أنه يضمن سواء التمس المعيى أو أبتدأ المركب وقال الامام انه لا يضمن لان القصد من هذه العارية التصدق والقربة والصدقات في الاعيان تفارق الهبات ألا ترى أنه يرجع في الهبة ولا يرجع بالصدقة وكذلك يجوز أن تفارق العارية التى هي صدقة سائر العوارى في الضمان وأقام صاحب الكتاب هذا وجها وحكم بانه أظهر.
ولو أركبه مع نفسه فعلى الرديف نصف الضمان ورأى الامام أنه لا يلزمه شئ تشبيها بالضيف وعلى الاول لو وضع متاعه على دابة غيره وأمره أن يسير الدابة ففعل كان صاحب المتاع مستعيرا للدابة بقسط متاعه مما عليها حتى لو كان عليها مثل متاعة وتلف ضمن(11/221)
نصف الدابة ولو لم يقل صاحب المتاع سيرها ولكن سيرها المالك لم يكن صاحب المتاع مستعيرا ودخل المتاع في ضمان صاحب الدابة لانه كان من حقه أن يطرحها وان كان لاحد الرفيقين في السفر متاع
وللآخر دابة فقال صاحب المتاع للآخر احمل متاعى على دابتك فاجابه فصاحب المتاع مستعير لها ولو قال صاحب الدابة اعطني متاعك لاضعه على الدابة فهو مستودع متاعه ولا تدخل الدابة في ضمان صاحب المتاع أورده في التهذيب.
(فرع) لو استعار دابة ليركبها إلى موضع فجاوزه فهو متعد من وقت المجاوزة وعليه أجرة المثل ذهابا ورجوعا إلى ذلك الموضع وفى لزوم الاجرة من ذلك الموضع إلى أن يرجع إلى البلد الذي استعار منه وجهان (وجه المنع) أنه مأذون فيه من جهة المالك (ووجه) اللزوم ان ذلك قد انقطع بالمجاوزة وعلى هذا فليس له الركوب من ذلك الموضع بل يسلمه إلى حاكم الموضع الذى استعار إليه (فرع) أودعه ثوبا وقال ان شئت تلبسه فالبسه فهو قبل اللبس وديعة وبعده عارية وعن صاحب التقريب تخريج وجه آخر من السوم لانه مقبوض على توقع عقد ضمان قال ولو قيل لا ضمان في السوم أيضا تخريجا مما نحن فيه لم يبعد.(11/222)
(فرع) استعار صندوقا فوجد فيه دراهم فهى أمانة عنده كما لو طير الريح الثوب في داره.
قال (الحكم الثاني التسلط على الانتفاع وهو بقدر التسليط فان أذن له في زراعة الحنطة لم يزرع ما ضرره فوقها وزرع ما ضرره مثلها أو دونها إلا إذا نهاه.
ولو أذن في الغراس فبني أو في البناء فغرس فوجهان لاختلاف جنس الضرر.
ولو أعار الارض ولم يعين فسدت العارية فان عين جنس الزراعة كفاه) من أحكام العارية تسلط المستعير على الانتفاع بحسب اذن المعير وتسليطه وفيه مسائل (الاولى) إذا أعار أرضا للزراعة فاما يبين ما يزرعه أو يطلق كما إذا قال أعرتكها لزراعة الحنطة نظر ان لم ينه عن زراعة غيرها فله أن يزرع الحنطة وما ضرره مثل ضرر الحنطة أو دونه وليس له أن يزرع ما ضرره فوق ضرره كالذرة والقطن فان نهاه عن زراعة غيرها لم يكن له زراعة غيرها وحيث زرع ما ليس له أن يزرعه فلصاحب الارض قلعه مجانا وان أطلق ذكر الزراعة ولم يبين المزروع فوجهان
(أصحهما) وهو المذكور في الكتاب ان الاعارة صحيحة وله أن يزرع ما شاء لاطلاق اللفظ (والثانى) أنها لا تصح للتفاوت الظاهر بين أنواع المزروع ولو قيل تصح الاعارة ولا يزرع إلا أقل الانواع ضررا لكان مذهبا (الثانية) إذا أعار للزراعة لم يكن له البناء ولا الغراس لان ضررهما أكثر والقصد منهما الدوام ولو أعار للغراس هل له أن يبني أو للبناء هل له أن يغرس فيه وجهان (أحدهما) نعم(11/223)
لتقارب ضررهما فان كلا منهما للابد (وأصحهما) لا لاختلاف جنس الضرر فان ضرر الغراس في باطن الارض أكثر لانتشار عروقه وضرر البناء في ظاهرها أكثر (الثالثة) ان كان المستعار لا ينتفع به إلا بجهة واحدة كالبساط الذى لا يصلح الا أن يفرش فلا حاجة في اعارته إلى التعرض للانتفاع وان كان ينتفع به بجهتين فصاعدا كالارض تصلح للزراعة والبناء والغراس والدابة تصلح للحمل والركوب فهل تصلح اعارته مطلقا أم لابد من التعرض لجهة الانتفاع فيه وجهان (أحدهما) وهو الذى أورده الروياني وصاحب التهذيب انها تصح ولا يضر ما فيها من الجهالة بخلاف الاجارة يشترط فيها التعيين لانه يحتمل في العارية ما لا يحتمل في الاجارة (وأظهرهما) عند الامام وهو المذكور في الكتاب انه لابد من تعيين نوع المنفعة لان الاعارة معونة شرعية جوزت للحاجة فلتكن على حسب الحاجة ولا حاجة إلى الاعارة المرسلة وعلى هذا فلو قال اعرتك كذا لتفعل به ما بدا لك أو لتنتفع به كيف شئت فوجهان على الوجه الاول للمستعير أن ينتفع به كيف شاء لاطلاق الاذن وقال القاضي الرويانيى ينتفع به على العادة فيه وهذا أحسن.
قال (الحكم الثالث جواز الرجوع عن العارية.
الا إذا أعار لدفن ميت فيمتنع نبش القبر إلى أن يندرس أثر المدفون.
وإذا أعار جدارا لوضع الجذوع عليه فلا يستفيد بالرجوع قبل الانهدام شيئا إذ لا أجرة له حتى يطالب به ولا يمكن هدمه والطرف الآخر في خاص ملك الجار.(11/224)
الاصل في العارية الجواز حتى يجوز للمعير الرجوع متى شاء وللمستعير الرد متى شاء لانه مبرة وتبرع فلا يليق بها الالتزام فيما يتعلق بالمستقبل ولا فرق بين العارية المطلقة والمؤقتة وعن مالك أنه لا يجوز
الرجوع في المؤقتة واستثني الاصحاب من الاصل المذكور صورتين (احداهما) إذا أعار أرضا لدفن ميت قال في النهاية وله سقى الاشجار التى فيها ان لم يفض إلى ظهور شئ من بدن الميت وله الرجوع قبل الحفر وبعده ما لم يوضع فيه الميت قال في التتمة كذا بعد الوضع ما لم يواره لتراب وذكر أن مؤنة الحفر إذا رجع بعد الحفر وقبل الدفن على ولى الميت ولا يلزمه الطم.
واعلم أن الدفن في الارض احدى منافعها كالبناء والغراس وقد ذكرنا خلافا في أن التعرض للمنفعة يشترط في الاعارة أم اطلاق الاعارة تسليط عليه لما فيه من ضرر اللزوم ولو قدر تسليطه عليه لكان ذلك ذريعة إلى الزام عارية الارضين (الثانية) إذا أعار جدارا لوضع الجذوع عليه ففى جوز الجذوع وجهان (ان جوزناه) ففائدته طلب الاجرعة للمستقبل أو التخيير بينه وبين القلع وضمان أرش النقصان فيه وجهان وكل ذلك بالشرح مذكور في كتاب الصلح والذى أجاب به صاحب الكتاب هناك جواز الرجوع وأورد تفريعا عليه الوجهين في فائدة الرجوع (وقوله) ههنا فلا يستفيد بالرجوع قبل الانهدام شيئا حاصله الجواب منع الرجوع لان أثر الرجوع اما طلب الاجرة أو الهدم أو ضمان النقصان وقد تفاهما جميعا في هذا الموضع وكان ذلك منعا من الرجوع الا ترى انه لما امتنع في الصورة السابقة طلب الاجرة والنبش أطلقنا القول بمنع الرجوع إذا كان كذلك جاز اعلام قوله فلا يستفيد بالرجوع قبل الانهدام شيئا - بالواو - وكذلك قوله أذ لا أجرة له وقوله ولا يمكن هدمه وقد بين في الصلح الاصح من الوجهين ماذا وحاول بعض(11/225)
من شرح هذا الكتاب الجمع بين كلامه ههنا وبين قوله في الصلح فمهما رجع كان له النقص بشرط أن يغرم النقض فحمل ما ذكره في الصلح على ما إذا كان طرف الجذوع على المستعار وما ذكره ههنا على ما إذا كان أحد الطرفين على خاص ملك المستعير لكن فيه نظر من حيث ان الوجه الثاني هناك وهو قوله وقيل فائدة الرجوع المطالبة بالاجرة للمستقبل موجه في الوسيط وغيره بأن الطرف الآخر من خالص ملك المستعير فلا يمكن تمكينه من نقضه فلو كان التصوير هناك فيما إذا كان الطرفان على ملك المعير انتظم ذلك وبالجملة فالائمة لم يفرقوا في حكاية الوجهين في ثبوت الرجوع والوجهين في فائدة الرجوع إذا أثبتناه بين أن يكون على ملك المعير أحد طرفي
الجذوع أو كلاهما قال (فان أعار البتاء والغراس مطلقا لم يكن له نقضه مجانا لانه محترم بل يتخير بين أن يبقى باجرة أو ينقض بأرش أو يتملك ببدل فأيها أراد أجير المستعير عليه.
فان أبى كلف تفريغ الملك.
فان بادر إلى التفريغ بالقلع ففى وجوب تسوية الحفر خلاف لانه كالمأذون في القلع بأصل العارية.
ويجوز للمعير دخول الارض وبيعها قبل التفريغ.
ولايجوز للمستعير الدخول بعد الرجوع الا لمرمة البناء على وجه.
وفى جواز بيعه البناء خلاف لانه معرض للنقض.
ولو قال أعرتك سنة فإذا مضت قلعت مجابا فله ذلك.
ولو لم يشترط القلع لم يكن له الا التخيير بين الخصال الثلاثة كما في العارية المطلقة.
وأذا أعار للزراعة ورجح قبل الادراك لزمه الابقاء إلى الادراك.
وله أخذ الاجرة من وقت الرجوع.
وأذا حمل السيل نواة إلى أرض فأنبتت فالشجرة لمالك النواة.
والظاهر أن لمالك الارض قلعها مجانا إذ لا تسليط من جهته) .(11/226)
اعارة الارض للبناء والغراس تنقسم إلى مطلقة وهى التى لم تبين لها مدة والى مؤقتة وهو التى بين لها مدة (القسم الاول) المطلقة للمستعير فيها ان يبنى ويغرس ما لم يرجع المعير فإذا رجع لم يكن له البناء والغراس ولو فعل وهو عالم بالرجوع قلع مجانا وكلف تسوية الارض كالغاصب وان كان جاهلا فوجهان كالوجهين فيما لو حمل السيل تواة إلى أرض فنبتت وربما شبهها بالخلاف في تصرف الوكيل جاهلا بالعزل وأما ما بني وغرس قبل الرجوع فان أمكن رفعه من غير نقصان يدخله رفع والا فينظر إن كان قد شرط عليه قلعه مجانا عند رجوعه وتسوية الحفر ألزم ذلك فان امتنع قلعة المعير مجانا وان كان قد شرط القلع دون التسوية لم يجب على المستعير التسوية لان شرط القلع رضاء بالحفر وان لم يشترط القلع أصلا نظر ان أراد المستعير القلع مكن منه لانه ملكه فله نقله عنه فإذا قلع فهل عليه التسوية فيه وجهان (أحدهما) لا لان الاعارة مع العلم بان للمستعير أن يقلع رضى بما يحدث من القلع (وأظرهما) نعم لانه قلع باختياره ولو امتنع منه لم يجبر عليه ويلزمه رد الارض إلى ما كانت عليه وإن لم يختر المستعير القلع لم يكن للمعير قلعه مجانا لانه بناء محترم ولكنه يخير بين ثلاثة خصال (احدها) أن يبقيه باجرة
يأخذها (والثانية) أن يقلع ويضمن أرش النقصان وهو قدر التفاوت بين قيمته ثابتا ومقلوعا (الثالثة) أن يتملكه عليه بقيمته فان اختار القلع وبذل ارش النقص فله ذلك والمستعير يجبر عليه وان اختار احد الخصلتين الاخريين أجبر المستعير عليه أيضا فيما رواه جماعة منهم الامام وأبو الحسين العبادي وصاحب الكتاب وفى التهذيب أنه لابد فيها من رضى المستعير لان احداهما بيع والاخرى إجارة ويمكن أن يقرر وجه ثالث فارق بين التملك بالقيمة فيقال إذا اختاره المعير أجبر المستعير وهو كتملك الشفيع الشقص بهذا وبين الابقاء بالاجرة فيقال إنه لابد فيه من رضى المستعير واستخرج هذا الفرق(11/227)
من قول من يقول من الاصحاب بتخير المعير بين خصلتين القلع وضمان الارش والتمليك بالقيمة وهذا ما ذكره القاضى أبو على وأكثر العراقيين وغيرهم ويشبه أن يكون هذا أظهر في المذهب والمعنى المرجوع إليه في الباب ان العارية مكرمة ومبرة فلا يليق بها منع المعير من الرجوع ولا تضييع مال المستعير فأثبتنا الرجوع على وجه لا يتضرر به المستعير وربطنا الامر لاختيار المعير لانه الذى صدرت منه هذه المكرمة ولان ملكه الارض وهى أصل والبناء والغراس فرع تابع لها وكذلك يتبعها في البيع.
فإذا عرفت ما ذكرنا أعلمت قوله فايها أراد أجبر المستعير عليه - بالواو - (وأ ما) قوله فان أبى كللف تفريغ الملك فاعلم أن من فوض الامر إلى أتيار المعير في الخصال الثلاثة قال منه الاختيار ومن المستعير الرضى واسعافه بما طلب فان لم يسعفه كلفناه تفريغ أرضه ومن أختار رضى المستعير والتمليك بالقيمة والابقاء بالاجرة فلا يكلفه التفريغ بل يكون الحكم عنده كالحكم فيما إذا لم يختر المستعير شيئا مما خيرناه فيه وسيأتى فليكن قوله فان أبى كلف تفريغ الملك معلما - بالواو - أيضا ثم من قصر خيرة المعير على خصلتي القلع بشرط ضمان الارش والتمليك لاقيمة قالوا لو أمتنع من بذل الارش أو القيمة وبذل المستعير الاجره لم يكن للمعير القلع مجانا وان لم يبذلها فوجهان (أظهرهما) أنه ليس له ذلك أيضا وبه أجاب الذين خيروه بين الخصال الثلاثة إذا امتنع منها جميعا وما الذي يفعل فال بعض الاصحاب منهم أبو على الزجاجي يبيع الحاكم الارض مع البناء والغراس ليفاصل الامر وقال الاكثرون ويحكي عن المزني إنه يعرض الحاكم عنهما إلى أن يختارا شيئا ويجوز للمعير دخول الارض والانتفاع بها والاستضلال(11/228)
بالبناء والشجر لانه جالس على ملكه وليس للمستعير دخولها للتفرج بغير اذن المعير ويجوز لسقي الاشجار على أصح الوجهين صيانة لملكه عن الضياع ووجه المنع أنه يشغل ملك الغير إلى أن ينتهي إلى ملكه وعلى الاول لو تعطلت المنفعة على صاحب الارض لدخوله قال في التتمة لا يمكن الا بالاجرة ولكل واحد من المعير والمستعير بيع ملكه من الآخر وللمعير بيع الارض من ثالث ثم يتخير المشترى تخير المعير وهل للمستعير بيع البناء من ثالث فيه وجهان (أحدهما) لا لانه في معرض النقض والهدم ولان ملكه عليه مستقر لان المعير بسبيل من تملكه (وأصحهما) لانه مملوك في الحال ولا اعتبار بمكنة تمليك الغير كتمكن الشفيع من تملك الشقص وعلى هذا فيزل المشترى منزلة المستعير وللمعير الخيرة على ما ذكرنا وللمشترى فسخ البيع ان كان جاهلا بالحال.
ولو أن المعير والمستعير اتفقا على بيع الارض بما فيها بثمن واحد فقد قيل هو كما لو كان لهذا عبد ولهذا عبد فباعهما بثمن واحد (والاظهر) الجواز للحاجة ثم كيف يوزع الثمن ههنا وفيما إذا باعاهما على أحد الوجهين في التتمة أنه على الوجهين المذكورين فيما إذا غرس الراهن في الارض المرهونة أشجارا والذى أورده في التهذيب أمه يوزع على الارض مشغوله بالغراس والبناء وعلى ما فيها وحده فحصة الارض للمعير وحصة ما فيها للمستعير وحكم الذخول والانتفاع والبيع على ما ذكرناه في أبتداء الرحوع إلى الاختيار فيما إذا امتنعا من الاختيار واعراض القاضى عنهما على وتيرة واحدة (القسم الثاني) المقيدة بمدة فللمستعير البناء والغراس في المدة الا أن يرجع المعير وله أن يجدد كل يوم غرسا كذا قاله في التهذيب وبعد مضى المدة ليس له إحداث البناء والغراس وإذا رجع المعير عن العارية إما قبل مضى المدة أو بعده فالحكم كما لو رجع في القسم(11/229)
الاول ويختص هذا القسم بشيئين (أحدهما) أن فيما قبل مضى المدة وجها أنه لا يتمكن من الرجوع كما قدمناه عن مالك (والثانى) أن أبا حنيفة والمزنى جوزا له القلع مجانا فإذا رجع بعد المدة ذهابا إلى أن فائدة ذهاب المدة القلع بعد مضيها مضبوطة ونقل أبو على الزجاجي قولا مثله عن رواية الساجى وهو اختيار القاضى الرويانى ووجه ظاهر المذهب أنه مخير ما لم يشترط نقضه فلا ينقض مجانا كما في
العارية المطلقة وبيان المدة كما يجوز أن يكون المنع من إحداث البناء والغراس بعدها أو طلب الاجرة (وقوله) في الكتاب بل يتخير بين أن يبقى بأجره وينقض بأرش أو يمتلك ببدل المراد من الارش ما مر والتفاوت بين قيمته ثابتا ومقلوعا ومن الاجرة أجرة المثل ومن البدل القيمة عند من يقول باختيار المستعير على ما اختاره المعير منها وما يتفقان عليه ومن الاجرة والابدال عند من يعتبر رضى المستعير (وقوله) لانه معرض للنقل يمكن حمله على نقض الملك بأن يملكه المعير وعلى نقض البناء بأن يقلعه وهو الذي اراد صاحب الكتاب (وقوله) لم يكن له الا التخيير بين الخصال الثلاثة معلم - بالحاء والواو والزاى - وسائر ما يحتاج إلى ذكره من الفاظ الكتاب قد اندرج في اثناء الكلام.
(فرع) قال أبو سعيد المتولي أحد الشريكين إذا بني أو غرس في الارض المشتركة باذن صاحبه ثم رجع صاحبه لم يكن له أن ينقض ويغرم ارش النقصان لانه يتضمن نقض بناء المالك في ملكه ولا أن يمتلك بالقيمة في الارض مثل حقه فلا يمكننا ان نقول الاصل للمعير والبناء تابع له نعم له التقرير بالاجرة فان لم يبذلها الثاني يباع أو يعرض عنهما فيه ما سبق قال الرافعى رحمه الله تعالى في الفصل صورتان إذا أعار أرضا للزراعة فزرعها ثم رجع قبل ادراك الزرع نظر ان كان مما يعتاد(11/230)
قطعه كلف قطعه والا فقد ذكرنا للمعير خصالا عند رجوعه في البناء والغراس واختلف الاصحاب ههنا فعن صاحب التقريب وجه أن له أن يقلع ويغرم ارش النقصان تخريجا مما إذا رحع في العارية المؤقتة للبناء قبل مضى المدة وعن الطبري انه يملكه بالقيمة وظاهر المذهب أنه ليس كالبناء في هاتين الخصلتين لان للزرع أمدا ينتظر والغراس للتأييد فعلى المعير ابقاؤه للمستعير إلى أوان الحصاد ثم فيه وجهان (أحدهما) ويحكى عن المزني واختاره القاضى الرويانى أنه يبقيه بالاجرة لانه انما أباح المنفعة إلى وقت الرجوع فصار كما إذا أعاره دابة إلى بلد ثم رجع في الطريق عليه نقل متاعه إلى مأمن بأجرة المثل ولو عين المعير للزراعة مدة فانقضت المدة غير مدرك نظر ان كان ذلك لتقصيرة في الزراعة بألتأخير قلع مجانا والا فهو كما لو أعاره مطلقا وان أعار للفسيل قال الشيخ أبو محمد ان كان ذلك مما يعتاد نقله فهو كالزرع والا فكالبناء.
(فرع) قال في التهذيب إذا أعار للزراعة مطلقا لم يزرع الا زرعا واحدا وكذا لو اعار للغراس فغرس وقلع لا يغرس بعده الا باذن من جديد وهذا بين أن المعنى من قولنا فيما إذا أعار للبناء والغراس مطلقا يبنى ويغرس ما لم يرجع المعير لان البناء المأذون فيه جائز له ما لم يرجع والماذون فيه هو البناء مرة واحدة الا إذا كان قد صرح له بالتجديد مرة بعد أخرى (الثانية) إذا حمل السيل حبات أو نويات لغيره إلى أرضه فعليه ردها إلى مالكها ان عرفه والا دفعها إلى القاضى فلو نبتت في أرضه فوجهان (أحدهما) ان مالكها لا يجبر على قلعها لانه لم يوجد منه تعد وعلى هذا هو كالمستعير فينظر في النابت أهو شجر أم زرع ويكون الحكم على ما سبق (وأصحهما) الاجبار لان المالك لم يأذن فيه كما لو انتشرت(11/231)
أغصان شجره المعير الى هواء داره له قطعها ولو حمل مالا قيمة له من نواة واحدة أو حبة فنبتت فهى لمالك الارض في وجه لان التقويم والمالية حصل في أرضه ولمالك الاصل في وجه لانها كانت محرمة الا خذ فعلى هذا في قلع النابت الوجهان ولو قلع صاحب الشجرة الشجرة فعليه تسوية الارض لانه قصد تخليص ملكه.
قال (الحكم الرابع فصل الخصومة فإذا قال راكب الدابة لمالكها أعرتنيها وقال المالك أجرتكها فالقول قول الراكب.
ولو قال ذلك زارع الارض لمالكها فالقول قول المالك لان عارية الارض نادرة وقيل في المسألتين قولان بالنقل والتخريج.
ولو قال بل عصبتنيها فالقول قول المالك إذا الاصل عدم الاذن.
ولو قال الراكب أركبتنيها وقال المالك أعرتكها فالقول قول المالك إذا الاصل عدم الاجارة فيحلف حتى يستحق القيمة عند التلف وجواز الرجوع عند القيام) .
في ترجمة تساهل فان فصل الخصومة ليس حكما للعارية بخلاف الاحكام السابقة والمقصود بيان مسائل (احداها) إذا قال راكب الدابة لمالكها أعرتنى هذه الدابة وقال المالك أجرتكها مدة كذا بكذا فاما أن يقرض هذا الخلاف والدابة باقية أو هالكة (الحالة الاولى) أن تكون باقية فاما أن يقع الاختلاف بعد مضى مدة لمثلها أجرة والنص في المختصر أن القول قول الراكب مع يمينه ونص في باب الزراعة انه إذا زرع أرض الغير ثم اختلفا هكذا أن القول قول المالك مع يمينه وللاصحاب فيها طريقان (أحدهما) تقرير النصين لان الدواب يغلب فيها الاعارة وفى الاراضي يندر فصدق في كل صورة(11/232)
من الظاهر معه وذكر في الرقم أن هذا أظهر القفال (وأصحهما) عند الجمهور وبه قال الربيع والمزني وابن سريح أن الصورتين على القولين ثم منهم من يقول بحصولهما على النقل والتخريج ومنهم من يقول خما منصوصان في كل واحد من الصورتين (أصحهما) تصديق المالك وبه قال مالك وكما لو أكل طعام الغير وقال كنت أبحته لى فأنكر المالك فالقول قوله (والثانى) تصديق الراكب والزارع ويحكى هذا عن أبى حنيفة لانهما اتفقا على أن المنفعة مباحة له والمالك يدعى عليه الاجرة والاصل برائة ذمته عنها والى هذا مال السيخ أبو حامد وفرق الائمة بين هذه المسألة وبين ما إذا غسل ثوبه غسال أو خاطه خياط ثم قال فعلته بالاجرة وقال المالك بل مجانا حيث كان القول قول مالك مع يمينه قولا واحدا فان الغسال فوت منفعة نفسه ثم ادعى لها عوضا على الغير وههنا المتصرف فوت منغعة مال الغير واراد أسقاط الصمان عن نفسه فلم يقبل (التفريع) ان صدقنا المالك فعلى ما يحلف حكي الامام عن شيخه في طائفة أنه إنما يحلف على نفى الاعارة التى تدعى عليه ولا يتعرض لاثبات الاجارة مع نفي الاعارة وكان السبب فيه أن ينكر أصل الادلة حتى يتوصل إلى أثبات المال بنفى الاذن ونسبته إلى الغصب وإذا اعترف باصل الاذن فانما يثبت بطريق الاجارة فملكناه الحلف على أثباته(11/233)
(فان قلنا) لا يتعرض الا لنفى الاعارة فإذا حلف أستحق أقل الامرين من اجرة المثل أو المسمى لانه ان كان أجر المثل أقل لم تقم حجة على الزيادة وان كان المسمى أقل فقد أقر أنه لا يستحق الزيادة (وان قلنا) يتعرض لهما ففيما يستحقه وجهان (أحدهما) المسمى اتماما لتصديقه (وأظهرهما) ويحكي نصا في الام أجرة المثل لانهما لو اتفقا على الاجارة وأختلفا في الاجرة كان الواجب أجرة المثل وإذا أختلفا في أصل الاجارة كان أولى والامام لم يحك الوجه الثاني هكذا ولكن حكى بدله أنه يستحق أقل الامرين كما سبق والتعرض للاجارة على هذا ليس لاثبات المال الذى يدعيه ولكن لينتظم كلامه من حيث انه اعترف باصل الاذن فحصل فيما يستحقه ثلاثة أوجه كما ترى وان نكل المالك عن اليمين المعروضة عليه لم ترد اليمين على الراكب والزارع لانهما لا يدعيان حقا
على المالك حتى يثبتا اليمين وانما يدعيان الاعارة وليست هي حقا لازما على المعير وعن أبى الحسين رمز إلى انها ترد يخلص من الغرم ولو صدقنا الراكب والزارع فإذا حلف على نفى الاجارة كفاه وبرئ وان نكل رد اليمين على المالك واستحق بيمينه المسمى لان اليمين المردودة كالبينة أو كالاقرار وأيهما كان يثبت به المسمى وفيه وجه ضعيف أنه يستحق أجره المثل لان الناكل ينفي أصل الاجارة فيقع المدعى على أثباته (القسم الثاني) أن يقع الاختلاف قبل مضى مدة لمثلها أجرة بل عقب العقد والقول قول الراكب مع يمينه فإذا حلف على نفى الاجارة سقط دعوى الاجارة وردت(11/234)
اليمين إلى المالك فان نكل حلف المالك اليمين المردودة ويستق الاجرة وانما لم يجئ القولان في هذه الصورة لان الراكب لا يدعى لنفسه حقا ولم يتلف المنافع على المالك فالمدعى على الحقيقة هو المالك وهناك تلفت المنافع تحت يد الراكب بعد القول باحاطتها فهو الذى جر الخلاف (الحالة الثانية) أن تكون الدابة هالكة فان تلفت عقب الاخذ قبل أن يثبت لمثلها أجرة فالراكب يقر بالقيمة والمالك ينكرها ويدعي الاجرة فتخرج على خلاف ما تقدم في ان اختلاف الجهة هل يمنع الاخذ (إن قلنا) نعم سقطت القيمة برده والقول قول من رد الاجرة فيه الطريقان المذكوران في الحالة الاولى (وان قلنا) لا فان كانت الاجرة مثل القيمة أو أقل اخذها بلا يمين وان كانت اكثر أخذ قدر القيمة وفى المصدق في الزيادة الخلاف السابق (وقوله) في الكتاب فالقول قول الراكب معلم - بالميم والزاى - (وقوله) والقول قول المالك معلم - بالحاء - ولا يخفى بعدما ذكرنا في لفظ الكتاب في المسألة وأن كان مطلقا فالمراد منه القسم الاول من الحالة الاولى (المسألة الثانية) إذا قال المتصرف أعرتني هذه الدابة والارض وقال المالك بل غصبتنيها فان لم تمض مدة لمثلها أجرة فلا معنى لهذه المنازعة إذ لم تفت العين ولا المنفعة ويرد المال إلى المالك وان كان النزاع بعد مضي مدة لمثلها أجرة نقل المزني أن القول قول المستعير وللاصحاب فيه طرق ثلاثة (أظهرها) أن الحكم على ما ذكرنا في المسألة الاولى فيفرق بين الدابة وبين الارض على طريق ويجعلان على قولين في طريق لان المالك ادعى أجرة المثل(11/235)
هاهنا كما يدعى المسمى هناك والاصل براءة لذمة (والثانى) القطع بأن القول قول المالك بخلاف تلك المسألة لانهما متفقان على الاذن هناك وههنا المالك منكر له والاصل عدمه ومن قال بهذا خطأ المزني في النقل قال أبو حامد لكنه ضعيف لان الشافعي رضى الله عنه نص في الام على ما نقله المزني (والثالث) القطع بأن القول قول المتصرف لان الظاهر من حاله أنه لا يتصرف إلا على وجه جائز هذا إذا تنازعا والعين باقية أما إذا كانت هالكة نظر إن هلكت بعد مضى مدة لمثلها أجرة فالمالك يدعى أجرة المثل والقيمة بجهة الغصب والمتصرف ينكر الاجرة ويقر بالقيمة بجهة العارية فالحكم في الاجرة على ما ذكرنا عند بقاء العين (وأما) القيمة فقد قال في التهذيب (إن قلنا) إن اختلاف الجهة يمنع الاخذ فلا يأخذها إلا باليمين (وان قلنا) لايمنع فان قلنا العارية تضمن ضمان الغصب أو لم نقل به ولكن كانت قيمته يوم التلف أكثر أخذها باليمين وان كانت قيمته يوم التلف أقل أخذ بلا يمين وفى الزيادة يحتاج إلى اليمين وان هلكت عقيب القبض وقبل مضى مدة يثبت لمثلها أجرة لزمه القيمة ثم قياس ما نقلناه عن التهذيب الآن أن يقال (ان جعلنا) اختلاف الجهة مانعا من الاخذ حلف والا أخذ من غير يمين وقضية ما ذكره الامام أنه لا تخريج على ذكر الخلاف لا هذه الصورة ولا ما إذا كان الاختلاف بعد مضى مدة يثبت لمثلها أجرة قال لان العين متحدة ولا وقع الاختلاف في الجهة(11/236)
مع اتحاد العين (والظاهر) الاول (وقوله) في الكتاب والقول قول المالك معلم - بالواو - لما ذكرنا من اضطراب الطرق وربما أعلم - بالزاي - لانه قال في الوسيط قال المزني والقول قول الراكب وهذا ليس بقويم لان المزني لم يقل ذلك ولا صار إليه وانما نقله عن الشافعي رضى الله عنه كما تقدم ثم أخذ يعترض عليه واختياره في المسألة تصديق المالك كما اختار في المسألة الاولى ولو قال المالك غصبتنيها وقال المتصرف بل أجرتني (فالجواب) تفريعا على الاصح أنه ان كانت العين باقية ولم تمض مدة لمثلها أجرة فالمصدق المالك فان حلف استرد المال وان مضت مدة لمثلها أجرة فالمالك يدعى أجرة المثل والمتصرف يقر بالمسمى فان استويا أو كانت أجرة المثل أقل أخذ بلا يمين وان كانت أجرة المثل أكثر أخذ قدر المسمى بلا يمين والزيادة باليمين قال صاحب التهذيب ولا يجئ ههنا خلاف اختلاف الجهة
كما لو ادعى المالك فساد الاجارة والمتصرف صحتها يحلف المالك ويأخذ أجرة المثل وان كان بالاختلاف بعد بقاء العين مدة في يد المتصرف وتلفها فالمالك يدعي اجرة المثل والقيمة والمتصرف يقر بالمسمى وينكر القيمة فللمالك أخذ ما يقر به بلا يمين وأخذ ما ينكره باليمين ولو قال المالك غصبني وقال صاحب اليد بل أودعتني فيحلف المالك على الاصح ويأخذ القيمة ان تلف المال وأجرة المثل ان مضت مدة لمثلها أجرة (الثالثة) قال راكب الدابة أكريتنيها وقال المالك بل أعرتكها فان اختلفا والدابة باقية(11/237)
فالمصدق المالك في نفى الاجارة لان الراكب يدعي استحقاق المنفعة عليه والاصل عدمه فإذا حلف استردها فان نكل الراكب واستحق الامساك ثم ان كان قد مضى مدة لمثلها أجرة فالراكب يقر له بالاجرة والمالك ينكرها ولا يخفى حكمه وان كان الاختلاف بعد هلاك الدابة فان هلكت عقيب القبض فالمذهب أن المالك يحلف ويأخذ القيمة لان الراكب أتلف عليه ماله ويدعى أنه أباحه له والاصل عدمه وخرج قول مما مر في المسألة الاولى أن المصدق الراكب لان الاصل براءة ذمته وان هلكت بعد مدة لمثلها أجرة فالمالك يدعى القيمة وينكر الاجرة والراكب يقر بالاجرة وينكر القيمة (فان قلنا) اختلاف الجهة يمنع الاخذ حلف وأخذ القيمة ولاعبرة باقرار الراكب (وان قلنا) لايمنع وهو الاصح فان كانت القيمة والاجرة سواء أو كانت القيمة أقل أخذها بلايمين وان كانت القيمة أكثر أخذ الزياد باليمين.
(فرع) إذا استعمل المستعير العارية بعد رجوع المعير وهو جاهل بالرجوع لم تلزمه الاجرة ذكره القفال.
(فرع) إذا مات المستعير.
وجب على ورثته الرد وان لم يطالب المعير.(11/238)
(كتاب الغصب)
وفيه بابان
(الباب الاول في الضمان) (وفيه ثلاثة أركان (الاول الموجب) وهو ثلاثة.
التفويت بالمباشرة أو التسبب أو إثبات
اليد العادية.
وحد المباشرة إيجاد علة التلف كالقتل والاكل والاحراق.
وحد السبب إيجاد ما يحصل الهلاك عنده لكن بعلة أخرى إذا كان السبب مما يقصد لتوقع تلك العلة قيجب الضمان على المكره على إتلاف المال.
وعلى حفر بئرا في محل عدوان فتردت فيه بهيمة إنسان.
فان رداه غيره فعلى المردى تقديما للمباشرة على السبب) .
للاصحاب طرق في التعبير عن معنى الغصب (إحداها) أنه أخذ مال الغير على جهة التعدي وربما يقال الاستيلاء على مال الغير (والثانية) وهى أعم من الاولى أنه الاستيلاء على مال الغير بغير حق واختار الامام هده العبارة وقال لا حاجة إلى التقييد بالعدوان بل يثبت الغصب وحكمه من غير عدوان كما إذا أودع ثوبا عند انسان ثم جاء وأخذ ثوبا للمودع على ظن أنه ثوبه أو لبسه المودع وهو يظن أنه ثوبه (والثالثة) وهى أعم من الاولين حكى أبو العباس الرويانى عن بعض الاصحاب اطلاق القول بأن كل مضمون على ممسكه فعو مغصوب حتى المقبوض بالشراء الفاسد والوديعة إذا تعدى فيها المودع والرهن إذا تعدى فيه المرتهن وأشبه العبارات وأشهرها الاولى وفى الصورة المذكورة الثابت حكم الغصب لاحقيقته وفى الكتاب والسنة ما يدل على تحريم الغصب ويشير إلى جمل من أحكامه قال الله تعالى (ولا تأكلو أموالكم بينكم بالباطل) وعن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا) وعن سمرة.(11/239)
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) وعن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((من غصب شبرا من أرض طوقه الله تعالى من سبع أرضين يوم القيامة) والاجماع منعقد على تحريم الغصب وتعلق الضمان به ثم المغصوب إما أن يتلف قبل العود إلى يد المالك أولا يتلف وحينئذ فاما أن يعود إلى المالك من غير تغيير فيه واما ان يتغير بطارئ فخص المصنف كلام الكتاب في بابين (أحدهما) في الضمان عند التلف (والثانى) في الطوارئ وأحكمهما (أما الأول) فالحاجة فيه إلى معرفة ما يوجب الضمان وما يجب ضمانة وما يوجب ضمانا فهذه ثلاثة أركان (الاول) الموجب والغصب وان كان موجبا(11/240)
للضمان فالموجب غير منحصر فيه بل الاتلاف أيضا موجب بل هو أقوى فانه بمجرده يوجب اشغال الذمة بالضمان والغصب بمجرده لا يوجبه وانما يوجب دخول المغصوب في ضمانه حتى أذا تلف اشتغلت الذمة بالضمان والاتلاف قد يكون بالمباشرة وقد يكون بالسبب فصارت الاسباب ثلاثة التفويت بالمباشرة والتفويت بالتسبب واثبات اليد العادية وهو الغصب (أما التفويت) بالمباشرة والتسبب فاول مبدئه بيانهما والفرق بينهما واعلم أن ماله مدخل في هلاك الشئ اما أن يكون بحيث يضاف إليه الهلاك في العادة إضافة حقيقة أولا يكون كذلك وما لا يكون كذلك فاما أن يكون بحيث يقصد بتحصيله حصول ما يضاف إليه الهلاك أولا يكون كذلك فالذي يضاف إليه الهلاك يسمى علة والاتيان مباشرة وما لا يضاف إليه الهلاك ويقصد بتحصيله ما يضاف إليه يسمى سببا والاتيان به تسببا وهو القصد والتوقع قد يكون لتأثير بمجرده فيه وهو علة العلة وقد يكون بانضمام أمور إليه هي غير بعيدة الحصول وقد يخص أسم السبب بالنوع الاول وعلى ذلك جرى صاحب الكتاب في أول كتاب الجراح وأما ههنا فانه فسر السبب بمطلق ما يقصد به حصول العلة وفسره في الديات بما هو أعم من ذلك فقال السبب ما يحصل الهلاك عنده بعلة سواه ولكن لولاه لما أثرت العلة فلم يعتبر الا أنه لابد منه وعلى هذا التفسير فكل شرط سبب(11/241)
ولما فسر في الابواب بتفاسير اختلف اعتبار الحفر مع التردي فسمى الحفر ههنا وفى الديات سببا وامتنع منه في أول الجراح واقتصر على تسميته شرطا وفى الجملة فيكفى للتأثير في الاموال مالا يكتفى به للتأثير في القصاص والحكم المقصود لا يختلف باختلاف التعبيرات والاصطلاحات ولكن كان الاحسن الاستمرار على تفسير واحد وتعليق الاحكام عليه ثم انه اندفع في بيان صور من مسمى المباشرة والتسبب والمباشرة لقتل والاكل والاحراق ومن التسبب الاكراه على اتلاف مال الغير فان الاكراه مما يقصد لتحصيل الاتلاف ومنه ما إذا حفر بئرا في محل عدوانا فتردت فيها بهيمة أو عبد أو حر فان رداه غيره لضمان على المردى لان المباشرة تتقدم على السبب والكلام فيه وفى موضع عد ان الحفر يستقصى في الجنايات ان شاء الله تعالى (وقوله) في الكتاب والموجب وهو ثلاثة ظاهره يقتضى حصر أسباب الضمان في الثلاثة وقد يقال كيف حصرها في الثلاثة وله أسباب أخر الاستيام والاستعارة وغيرها (والجواب) انه
يجوز أن يريد الاسباب الذى ضمنها قدما الاصحاب هذا الباب فاما ما عداها فلها مواضع مفردة (وقوله) التفويت المباشرة أو السبب أو إثبات اليد العادية إدخال أو في السبب حسن لانه طريق للتفويت كما أن المباشرة طريق لكن ادخالها في اثبات اليد العادية لا يحسن لانه سبب للضمان برأسه لا لانه طريق للتفويت (وقوله) وحد المباشرة إيجاد علة التلف أي مباشرة التفويت ولفظ الايجاد لا يستحبه المتكلم الا أن المعنى فيه مفهوم وأراد بعلة التلف ما ذكرنا من أنه يضاف إليه التلف في العرف وانما قلنا انه اضافة حقيقية لان الهلاك قد يضاف إلى السبب فيقال هلك مال فلان بسعاية فلان لكنه مجاز بدليل(11/242)
صحة النفى عنه (وقوله) إيجاد ما يحصل الهلاك عنده لفظة عنده ههنا ليست للحصر والمقارنة وانما المراد عقيبه أو ما أشبه ذلك (وقوله) إذا كان السبب اعادة لفظ السبب في حد السبب وتفسيره مما لا يستحسن ولو طرحه لا نتظم الكلام.
قال (ولو فتح رأس زق فهبت ريح وسقط وضاع فلا ضمان.
لان الضياع بالريح ولا يقصد بفتح الزق تحصيل الهبوب فهو كما لو فتح الحرز فسرق غيره.
أو دل سارقا فسرق.
أو بنى دارا فألقى فيه الريح ثوبا وضاع أو حبس المالك عن الماشية حتى هلكت فلا ضمان في شئ من ذلك وكذا إذا نقل صبيا حرا إلى مضيعة فافترسه سبع.
ولو نقله إلى مسبعة أو فتح الزق حتى أشرقت الشمس وأذابت ما فيه ففى الضمان خلاف لان ذلك يتوقع فيقصد.
وكذلك نقول إذا غصب الامهات وحدثت الزوائد والاولاد في يده مضمونة وكان ذلك تسببا إلى اثبات اليد.
ولو فتح قفص طائر فوقف ثم طار لم يضمن لانه مختار.
وان طار في الحال ضمن لان الفتح في حقه تنفير.
وكذا البهيمة والعبد المجنون المقيد بمنزلة البهيمة.
وان كان العبد عاقلا فلا يضمن من فتح باب السجن وان كان آبقا.
ولو فتح رأس الزق فتقاطرت قطرات وابتل أسفله وسقط ضمن لان التقاطر حصل بفعله.
ولو فتح الزق عن جامد فقرب غيره النار منه حتى ذاب وضاع فالثاني بالضمان أولى.
وقيل لا ضمان عليهما) .(11/243)
في الفصل مسألتان (إحداهما) لو فتح رأس زق فضاع ما فيه نظر ان كان مطروحا على الارض فاندفق ما فيه بالفتح ضمن وان كان منتصبا لا يضيع ما فيه بالفتح لو بقى كذلك لكنه سقط نظر إن سقط بفعله كما لو فتح رأسه فأخذ ما فيه في التقاطر شيئا فشيئا حتى أميل أسفله وسقط ضمن لان السقوط بالميلان الناشئ من الابتلال الناشئ من التقاطر الناشئ من الفتح وهو مما يقصد تحصيله بالفتح وان سقط بامر عارض من زلزلة أو هبوب ريح أو وقوع طائر فلا ضمان لان الهلاك لم يحصل بفعله ولا فعله مما يقصد به تحصيل ذلك العارض وعن مالك فيما ذكره المسعودي انه يجب الضمان لانه لولا الفتح لما ضاع ما فيه بالسقوط ولو جاء انسان وأسقط فالضمان عليه لا على الفاتح ولو أنه لما فتح رأسه أخذ ما فيه في الخروج ثم جاء آخر ونكسه مستعجلا فضمان الخارج بعد التنكيس عليهما كالخارجين أو على الثاني وحده كالخارج مع الخارج فيه وجهان (أصحهما) الثاني هذا إذا كان ما في الزق مائعا أما إذا كان جامدا فشرقت الشمس فاذابته فضاع أو ذاب بمرور الزمان وتأثير حرارة الهواء فيه وجهان (أحدهما) أن الضياع انما حصل بعارض الشروق فاشبه هبوب الريح (وأصحهما) الوجوب لان الشمس تذيب ولا تخرج فيكون الخروج بفعله وكأن الشمس كما يعلم شروقها فيكون الفاتح معرضا لما فيه للشمس وذلك تضييع بخلاف هبوب الريح فانه ليس مما ينتظر وعن القاضى الحسين اجراء الوجهين فيما إذا ازال أوراق الكروم وجرد عنا قيدها للشمس حتى أفسدتها وطرد أيضا فيما إذا ذبح شاة انسان فهلكت سخلتها أو حمامته فهلك فرخها لفقدان ما يصلح لهما ولو جاء آخر وقرب نارا من(11/244)
الجامد حتى ذاب وضاع فوجهان (أحدهما) أنه لا ضمان على واحد منهما (أما الاول) فلان مجرد الفتح لا يقتضى الضمان (وأما الثاني) فلانه لم يتصرف في الظرف ولا في المظروف (وأظهرهما) وهو اختيار صاحب المهذب وجوب الضمان على الثاني لان تقرب النار منه تصرف بالتضييع والاتلاف والوجهان جاريان في تقريب الفاتح النار منه وفيما إذا كان رأس الزق مفتوحا فجاء انسان وقرب منه النار ولو حل رباط سفينة فغرقت بالحل ضمن ولو غرقت بسبب حادث من هبوب الريح أو غيره لم يضمن وان لم يظهر سبب حادث فوجهان مذكوران في المهذب والتهذيب وليكن الامر كذلك
في مسألة الزق إذا لم يظهر حادث لسقوطه (الثانية) لو فتح قفصا عن طائر وهيجه حتى طار ضمنه لانه أتلفه على مالكه وان لم يزد على فتح القفص فطار الطائر فاما أن يطير في الحال أو يقف ثم يطير فاما في الحالة الاولى فطريقان (أظهرهما) أن في وجوب الضمان قولين (أحدهما) أنه لا يلزمه الضمان لان للحيوان قصدا واخيتارا ألا ترى أنه يقصد ما ينفعه ويتوقى المهالك وغاية الموجود من الفاتح التسبب إلى تضييعه فتقدم على مباشرة الطائر واختياره (وأظهرهما) اللزوم لان الطائر ينفر ممن يقرب منه فإذا طار عقيب الفتح اشعر ذلك بانه نفره (والثانى) القطع بالقول الثاني ومنهم من فرق بين أن يخرج الطائر من غير اضطراب وبين أن يضطرب ثم يخرج فيدل ذلك على فزعه وتنفره (وأما) في الحالة الثانية فطريقان أيضا (أحدهما) أنه على قولين (وأظهرهما) القطع بنفي الضمان لان الطيران بعد الوقوف امارة ظاهرة على أنه طار باختياره وإذا اختصرت قلت في المسألة ثلاثة أقوال (أحدها)(11/245)
أن يضمن مطلقا وبه قال مالك وأحمد واختاره أبو خلف السلمى والقاضى الرويانى وغيره من الاصحاب (وثانيها) لا يضمن مطلقا (وأظهرها) أنه يضمن ان طار في الحال ولا يضمن ان وقف ثم طار وروى عن أبى حنيفة مثله وأيضا مثل القول الثاني وهو اشهر وذكر العراقيون أن الثاني هو قوله في القديم وفى التهذيب عن طريق القولين في الحالة الثانية أن القديم لا يضمن وفيما جمع من فتاوى القفال وغيره تفريعا على وجوب الضمان إذا طار في الحال أنه لو وثبت هرة كما لو فتح القفص ودخلت وقتلت الطائر لزمه الضمان كأنهم جعلوا الفتح اغراء للهرة كما أنه تنفير للطائر وانه لو كان القفص مغلقا فاضطرب بخروج الطائر وسقط وانكسر وجب ضمانه على الفاتح وأنه لو كسر الطائر في خروجه قارورة انسان لزمه ضمانه لان فعل الطائر منسوب إليه وانه لو كان شعير في جراب مسدود الرأس وبجنبه حمار ففتح فاتح رأسه فأكله الحمار في الحال لزمه الضمان وإذا حل رباط بهيمة أو فتح الاصطبل فخرجت فضاعت فالحكم على ما ذكرنا في فتح القفص وحكى الامام أن شيخه أبا محمد كان يثبت الفرق بين الحيوان النافر بطبعه والانسى ويجعل خروج الانسى على الاتصال كخروج النافر على الانفصال قال وهذا منقاس ولكني لم أره الاله وإذا خرجت البهيمة في الحال وأتلفت زرع انسان
فعن القفال انه ان كان نهارا لم يضمن وان كان ليلا ضمن كما في دابة نفسه وقال العراقيون لا يضمن إذ ليس له حفظ بهيمة الغير من الزرع ولو حل قيد العبد المجنون أو فتح باب السجن فذهب فهو كما لو حل رباط البهيمة وان كان عاقلا نظر ان لم يكن آبقا فلا ضمان لان له اختيارا صحيحا وذهابه(11/246)
محال عليه وان كان آبقا ففيه خلاف للاصحاب منهم من جعل حل قيده كحل رباط البهيمة لانه أطلقه وقد اعتمد المالك ضبطه فأتلفه عليه فعلى هذا يجئ فيه التفصيل السابق وهذا ما اورده في التهذيب (والاظهر) أنه لا ضمان بحال كما في غير الآبق وهو المذكور في الكتاب ولو وقع طائر على جداره فنفره لم يضمن لانه كان ممتنعا من قبل ولو رماه في الهواء فقتله ضمن سواء كان في هواء داره أو في غيره إذ ليس له منع الطائر من هواء ملكه هذا شرح المسألتين وكانت صورة المسألة الاولى مبددة في الكتاب فنظمناها وقد أدرج في خلالها صورا للاستشهاد لانهملها وان كانت تأتى في الشرح في مواضعها (منها) لو فتح باب الحرز فسرق غيره أو دل سارقا فسرق أو أمر غاصبا حتى غصب أو بنى دارا فألقت الريح فيها ثوبا فضاع لا ضمان عليه لانه لم يوجد منه اثبات يد على المال ولا مباشرة اتلاف ولا سبب يمكن تعليق الضمان به اما في الصورة الاخيرة فلا تسبب أصلا لانه لا يقصد ببناء الدار ذلك وأما فيما سواها فلانه طرأ عليه مباشرة المحتاز فانقطعت الاضافة إلى السبب (ومنها) لو حبس المالك عن ماشيته حتى تلفت لا ضمان عليه لانه لم يتصرف في المال وانما تصرف في المالك وكان هذا التصوير فيما إذا لم يقصد منعه عن الماشية وانما قصد حبسه فافضى الامر إلى هلاكها لان أبا سعيد المتولي أجرى الوجهين المذكورين فيما إذا فتح الزق عن جامد فذاب ما فيه بشروق الشمس وضاع وفيما إذا كان زرع ونخيل وأراد سوق الماء اليهما فمنعه ظالم من السقى حتى فسدت هل يلزمه الضمان (ومنها) لو نقل صبيا حرا إلى مضيعة فاتفق سبع فافترسه لا ضمان عليه احالة للهلاك على(11/247)
اختيار الحيوان ومباشرته وأنه لا يقصد بالنقل ذلك أما إذا كان نقله إلى مسبعة فافترسه سبع فقد حكى صاحب الكتاب وجهين الحاقا بالوجهين في مسألة شروق الشمس (والمشهور) من مذهبنا أنه لا ضمان
وانما يوجبه أبو حنيفة (وأما) قوله وكذلك نقول إذا غصب الامهات وحدثت الزوائد بالاولاد في يده مضمونة فهذا وان كان مذكورا على سبيل الاستشهاد لكنه يشتمل على مسألة مقصودة في الباب وهى أن زوائد المغصوب منفصلة كانت كالولد والثمرة والبيض أو متصلة كالسمن وتعلم الصنعة مضمونة على الغاصب كالاصل سواء طالبه المالك بالردة أو لم يطالبه وبه قال أحمد وقال أبو حنيفة هي أمانة لا يضمنها إلا بما يضمن سائر الامانات ويروى مثله عن مالك.
لنا ان غصب الام يتضمن منع حصول الولد من يد المالك فليكن كازالة يده عنه كما أن من غر بحرية أمة فأحبلها كان الولد حرا وضمن من قيمته باعتقاد حرية الام يقع دحول الولد في ملكه فجعل كاتلاف ملكه وأيضا فان اليد العاديه مضمونة كالاتلاف ثم الاتلاف قد يكون على سبيل المباشرة وقد يكون على سبيل التسبب وكذلك اليد واثبات اليد على الاصول تسبب إلى إثبات اليد على الاولاد فيتعلق به الضمان وهذا معنى قوله في الكتاب وكان ذلك تسبباإلى اثبات اليد واستشهد بالمسألة بقوله ان ذلك يتوقع فيقصد ولتطرد هذه القاعدة ذهب بعضهم إلى أنه إذا غصب هادى القطيع فتبعه القطيع أو بقرة فتبعها العجل يضمن القطيع والعجل.(11/248)
قال (أما اثبات اليد فهو مضمن.
وإذا كان عدوانا فهو غصب.
والمودع إذا جحد فهو من وقت الجحود غاصب.
واثبات اليد في المنقول بالنقل الا في الدابة فيكفى فيها الركوب (و) .
وفى الفراش الجلوس عليه فهو غاية الاستيلاء.
وفى العقار (ح) يثبت الغصب بالدخول وازعاج المالك.
وان أزعج ولم يدخل لم يضمن.
وان ادخل ولم يزعج ولم يقصد الاستيلاء لم يضمن.
وان قصد صار غاصبا للنصف والنصف في يد المالك.
والضعيف إذا دخل دار القوى وهو فيها وقصد الاستيلاء لم يضمن.
لان المقصود غير ممكن.
وان لم يكن القوى فيها ضمن لانه في الحال مستول وأثر القوة في القدرة على الانتزاع.
فهو كما لو غصب قلنسوة ملك ضمن في الحال) .
السبب الثالث اثبات اليد العادية وينقسم إلى المباشرة بان يغصب الشئ ويأخذه من مالكه والى التسبب وهو في الاولاد ويتأيد بالزائد كما مر أن اثبات اليد على الاصول ينسب إلى اتباعها على الفروع
(وقوله) في الكتاب اثبات اليد فهو مضمن يعنى اثبات اليد العادية كما ذكر في أول الركن لا مطلق اثبات اليد (وقوله) فإذا كان عدوانا فهو غصب يعنى إذ كان عدوانا بمباشرته ويمكن أن يحمل قوله ان اثبات اليد مضون على أنه جهة للضامن في الجملة فإذا انضمت إليه العدوانية فهو غصب اما المباشرة أو التسبب وهذا أحسن واللفظ إليه أقرب لكنه صرح بالاول في الوسيط والظاهر أنه أراد ههنا ما صرح به هناك (وقوله) وإذا جحد فهو من وقت الجحود غاصب هذه الصورة وحكمها مذكورة في الوديعة والداعي إلى ذكرها في هذا الموضع أن أبا حنيفة يقول غاصب الاصل وان أثبت اليد على الولد لكنه لم تزل يد المالك فيه والغصب عبارة عن ازالة يد المالك فمنع الاصحاب اعتبار قيد الازالة(11/249)
في الغصب واحتجوا عليه أن المودع من وقت الجحود غاصب وبأنه لو طولب بولد المغصوب فامتنع كان غاصبا وان لم تزل يد المالك ولمن ينازع أن يقول لاغصب في الصورتين لكنه يضمن ضمان النغصوب لتقصيره في الامانة في الجحود والامتناع ثم تكلم فيما تثبت به اليد العادية في العقار والمنقول (أما المنقول) فالاصل فيه النقل لكن لو ركب دابة الغير أو جلس على فراشه ولم ينقله فقد حكي الامام فيه وجهين (أحدهما) أنه لابد من النقل كما أنه لابد منه في قبض المبيع وسائر العقود (واصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يكون غاصبا لحصول غاية الاستيلاء بصفة الاعتداء ولمن نصره أن يجيب عن أحتجاج الاول بأن القبض في البيع له حكمان دخوله في ضمانه وذلك حاصل بالركوب والجلوس من غير نقل (والثانى) تمكنه من التصرف فالركوب إما أن يكون باذن البائع أو دون إذنه فان إذن البائع فالتمكن حاصل وان لم يأذن فلا يتمكن لكن الحكم في النقل بغير اذنه مثله فإذا لافرق ويشبه أن تكون المسألة مصورة فيما إذا قصد الراكب أو الجالس الاستيلاء أما إذا لم يقصده ففى التتمة في كونه غاصبا وجهين قال وهذا إذا كان المالك غائبا أما إذا كان حاضرا فان زححه وجلس على الفراش ضمن وكذا أن لم يزححه وكان بحيث يمنعه من دفعه والتصرف فيه وقياس ما سيأتي في نظيره في العقار أن لا يكون غاصبا الا لنصفه وأما العقار فاما أن يكون مالكه فيه أولايكون ان كان فيه فأزعجه ظالم ودهل الدار باهله على هيئة من يقصد السكنى فهو غاصب سواء
قصد الاستيلاء أم لم يقصد فان وجود نفس الاستيلاء يغنى عن قصده ولو سكن بيتا من الدار ومنع المالك عنه دون باقى الدار فهو غاصب لذلك البيت دون باقى الدار فان أزعج المالك لكنه لم يدخل الدار فقد أطلق ههنا وفى الوسيط أنه لا يضمن واعتبر دخول الدار في غصبها لكن قدم في البيع انه لا يعتبر في قبض العقار دخوله والتصرف فيه وانما المعتبر التمكن من التصرف بالتحلية وتسليم المفتاح(11/250)
إليه وإذا كان حصول التمكين بتمكين البائع قبضا وجب ان يكون حصوله بالتسليط في أخذ المفتاح بالقهر غصبا وان لم يوجد الدخول وهذا ما يدل عليه كلام عامة الاصحاب فانهم لم يعتبروا الا الاستيلاء ومنع المالك عنه ولم يذكر الامام المسأله كما ذكرها صاحب الكتاب ولكن قال لا يحصل الغصب لنفس الازعاج فانه بمثابة منع المالك عن ماشيته وحمل هذا على ما ذكره الاكثرون هين ولو لم يزعج المالك ولكنه دخل واستولى مع المالك كان غاصبا لنصف الدار لاجتماع يدهما واستلائهما عليه نعم لو كان الداخل ضعيفا والمالك قوى لابعد مثله مستوليا لم يكن غاصبا لشئ من الدار ولا عبرة بقصد مالا يتمكن من تحقيقه أما إذ لم يكن مالك العقار فيه ودخل على قصد الاستيلاء فهذا غاصب وان كان الداخل ضغيفا وصاحب الدار قويا لان الاستيلاء حاصل في الحال وأثر قوة المالك سهولة إزالته والانتزاع من يده فكان كما لو سلب قلنسوة ملك يكون غاصبا وان سهل على المالك انتزاعها وتأديبه وفيه وجه أنه لا يكون غاصبا لان مثله في العرف يعد هزأ لاستيلاء وان دخله لاعلى قصد الاستيلاء لينظر هل يصلح له أو ليتخذ مثله لم يكن غاصبا قال في التتمة لكن لو انهدمت في تلك الحالة هل يضمنها فيه وجهان (وأصحهما) لا بخلاف المنقول وفرق بينهما بأثر اليد على المنقول حقيقة فلا يحتاج في إثبات حكمها إلى قرينة وعلى العقار حكمية فلا بد من تحقيقها من قرينة قصد الاستيلاء وهذا الفرق كأنه راجع إلى الاصح والا فوجهان جاريان في المنقول على ما سبق (وقوله) في الكتاب إلا في الدابة وفى الفراش ليس القصد من الاستيلاء الدابة والفراش ولا شئ في المنقولات فيكفى على وجه (وقوله) وفى العقار يثبت الغصب معلم - بالحاء - لان عند أبى حنيفة لا يثبت فيه الغصب لنا ان العقار تثبت عليه اليد فيدخله الغصب كالمنقول (وقوله) بالدخول) وأزعاج المالك اعتبار الدخول والازعاج جميعا وفى اعتبار الدخول ما ذكرنا فيجوز أن يعلم (قوله) بالدخول والواو وكذا (قوله)(11/251)
لم يضمن (وأما) الازعاج فهو غير معتبر في غصب العقار أيضا ألا ترى أنه لو كان المالك غائبا يوجد الغصب ولا إزعاج ولو استولى مع المالك صار غاصبا للنصف ولا إزعاج بل الاعتبار باليد والاستيلاء حتى لو اقتطع قطعة من أرض ملاصقة لارضه وبني عليها حائطا وأضافها إلى ملكه يضمنها الا أن الاستيلاء في الغالب يحصل بالدخول والازعاج فلذلك ذكرهما.
قال (وكل يد تبتنى على يد الغاصب فهى يد ضمان ان كان مع العلم.
وان كان مع الجهل بالغصب فهو أيضا يد ضمان.
ولكن في اقرار الضمان تفصيل.
وكل يد لو ابتني على يد المالك اقتضى أصل الضمان كيد العارية والسوم والشراء.
فان ابتني على يد الغصب مع الجهل اقتضى قرار الضمان عند التلف.
ومالا كيد الوديعة والاجارة والرهن والوكالة لا تقتضي قرار الضمان) .
قد مر أكثر صور الفصل في باب الرهن من الكتاب مع الخلاف واقتصر ههنا على ذكر ظاهر المذهب وهو أن كل يد ترتبت على يد الغاصب فهى يد ضامن حتى يتخير المالك بين أن يطالب الغاصب عند التلف وبين أن يطالب من ترتبت يده على يده سواء علم الغصب أو لم يعلم لانه أثبت يده على مال الغير بغير اذنه والجهل غير مسقط للضمان ثم الثاني ان علم بالغصب فهو كالغاصب من الغاصب يطالب بكل ما يطالب به الغاصب وان تلف المغصوب في يده فاستقرار ضمانه حتى لو غرم لم يرجع على الاول ولو غرم الاول رجع إليه إذا لم تختلف قيمته في أيديهما أو كانت في يد الثاني أكثر أما إذا كانت في يد الاول أكثر فلا يطالب بالزيادة الا الاول ويستقر عليه وان جهل الثاني الغصب فان كان اليد في وضعها يد ضمان كالعارية فيستقر الضمان على الثاني وان كانت يد أمانة كالوديعة فيستقر على الغاصب وإذا تأملت الشرح هناك أعلمت قوله وان كان مع الجهل بالغصب فهو أيضا يد ضمان بالواو للوجه الذاهب إلى أن أيدى الامانات لا تقتضي الضمان عند الجهل وكذا (قوله)(11/252)
لا يقتضى قرار الضمان للوجه الذاهب فيها إلى القرار واعلم أن الطريق المنسوب إلى العراقيين لم يورده الامام ههنا كما سبق في الرهن ولكن نقل عنهم فرقا بين أيدى الامانات على نحو ما تقدم
عنهم من التصديق عند دعوى الرد والاعتماد على ما سبق هناك (وأما) ما يتعلق باللفظ فقوله وكل يد أثبتت على هكذا يوجد في الاكثر ويقرأ لكن الابتناء متعد كالبناء فالوجه أن يقال ابتنت وقد تستعمل اللازمة الابتناء فيمكن أن تراعى الصورة ويقرأ ابتنت وقوله تقرير ضمان يعني بصفة الاستقرار (وأما) عند الجهل فهو يد ضمان وفى صفة الاستقرار التفصيل (وقوله) اقتضت أصل الضمان ينبغى أن يكون الضمان ههنا مفسرا باستقرار اليد عليه إذا حصل التلف في يده ثم البدل القيمة تارة والثمن أخرى وهذا لان الشراء معدود من أيدي الضمان فليكن التفسير ما يشمل الشراء والكلام في تفصيل ما يضمن المشتري من الغاصب وسائر ما يناسبه يأتي في الفصل الثالث من الباب الثاني ان شاء الله تعالى والقرض معدود من أيدي الضمان ولو وهب المغصوب من انسان فتلف في يده فالقرار على على الغاصب في أحد القولين لان يد الاتهاب ليست يد ضمان وعلى المتهب في أصحهما لانه أخذه للتمليك ولو زوج الجارية المغصوبة فتلفت عند الزوج ففى مطالبة الزوج بالقيمة طريقان قيل هو كالمودع ومنهم من قطع بأنه لا يطالب لان كون الزوجة في حبالة الزوج ليس ككون المال في يد صاحب اليد قال في التهذيب وهو المذهب.
قال (ومهما أتلف الآخذ من الغاصب فالقرار عليه أبدا.
الا إذا كان مغرورا.
كما لو قدم إليه ضيافة ففيه قولان لمعارضة الغرور والمباشرة.
وكذا الخلاف فيما لو غر الغاصب المالك وقدمه إليه فاكله المالك.
وههنا أولى بان يبرأ الغاصب.
وكذلك يطرد الخلاف في الايداع والرهن والاجارة من المالك إذا تلف بيده.
ولو زوج الجارية من المالك فاستولدها مع الجهل نفذ الاستيلاد وبرئ
__________
بياض بالاصل فحرر(11/253)
الغاصب.
وكذا لو وهبه منه فان التسليط تام.
ولو قال هو عبدي فاعتقه فقد قيل لا ينفذ عتقه لانه مغرور.
وقيل ينفذ ويرجع بالغرم.
وقيل لا يرجع بالغرم) .
عرفت حكم قرار الضمان عند تلف المغصوب في يد من ترتبت يده على يد الغاصب أما إذا أتلفه فينظر ان استقل به فقرار الضمان عليه لان الاتلاف أقوى من اثبات اليد العادية فان حمله
الغاصب عليه كما إذا غصب طعاما فقدمه إلى انسان ضيافة حتى أكله فالقرار عليه أيضا ان كان عالما وان كان جاهلا فقولان (أحدهما) أن القرار على الغاصب لانه غره حيث قدم الطعام إليه وأوهم أنه لاتبعة فيه ويروى هذا عن القديم وبعض كتب الجديد (واصحهما) وهو المشهور من الجديد وبه قال أبو حنيفة والمزنى ان القرار على الآكل لانه المتلف واليه عادت منفعته فعلى هذا إذا غرم لم يرجع على الغاصب والغاصب إذا غرم يرجع على الآكل وعلى الاول الحكم بالعكس وهذا إذا قدم الطعام ولم يذكر شيئا أما إذا قدمه وقال هو ملكى ففى رجوع الآكل على الغاصب القولان ولو غرم الغاصب قال المزني يرجع على الآكل وغلطه الاصحاب لان في ضمن قوله انه ملكى اعتراف بانه مظلوم بما غرم والمظلوم لا يرجع على غير الظالم ولو وهب المغصوب من غيره وأتلفه ففيه القولان وأولى بأن يستقر الضمان على المتهب لحصول الملك له ولو قدم الطعام المغصوب إلى عبد انسان فاكله فان جعلنا القرار على الحر إذا قدمه إليه فاكله فهذه جناية من العبد يباع فيها والا فلا يباع وانما يطالبه الغاصب كما لو قدم شعيرا معصوبا إلى بهيمة غيره من غير اذن مالكها ولو غصب شاة وأمر قصابا فذبحها جاهلا بالحال فقرار ضمان النقصان على الغاصب ولا يخرج على الخلاف في أكل الطعام لانه ذبح للغاصب وهناك انتفع به لنفسه ولو أمر الغاصب انسانا فأتلف المغصوب بالقتل والاحراق ونحوها ففعله جاهلا بالغصب فمنهم من جعله على القولين في أكل الطعام والاصح القطع بأن القرار(11/254)
على المتلف لانه محظور بخلاف الاكل ولا وقع للتغرير مع الحظر ثم في الفصل صور (أحدها) لو قدم الطعام المغصوب إلى مالكه فأكله جاهلا بالحال فان قلنا في التقديم إلى الأجنبي ان القرار على الغاصب لم يبرأ الغاصب ههنا وان جعلنا القرار على الآكل برئ الغاصب ههنا وبه قال أبو حنيفة وربما نصر العراقيون الاول لكن قد سبق في المسألة المبنى عليها أن الاصح ثبوت الاستقرار على الآكل وحكى الامام عن الاصحاب انهم رأوا البراءة ههنا اولى من الاستقرار وههنا تصرف المالك في ضمن اتلافه يتضمن قطع علقة الضمان عن الغاصب وتابعه صاحب الكتاب على ذلك وبنيا على هذه الاولوية تردد الشيخ أبى محمد فيما إذا أودع أو رهن أو أجر المالك وهو جاهل بالحال فتلف
المغصوب عنده لان يد المالك إذا ثبتت قطعت أثر الضمان وظاهر المذهب أن الغاصب لا يبرؤ في هذه الصور كما أن الضمان لا يتقرر على الأجنبي وعلى عكسه لو باع أو أقرض أو أعار من المالك فتلف عنده يبرأ الغاصب ولو دخل المالك دار الغاصب فأكل طعاما على اعتقاد أنه طعام الغاصب فكان طعامه المغصوب يبرأ الغاصب لانه أتلف مال نفسه في جهة منفعته من غير تغرير من الغاصب ولو صال العبد المغصوب على مالكه فقتله المالك لم يبرأ الغاصب من الضمان سواء علم أنه عبده أو لم يعلم لان الاتلاف بهذه الجهة كاتلاف العبد نفسه ولهذا لو كان العبد لغيره لا يضمنه وفيه وجه أنه يبرأ عند العلم لاتلافه مال نفسه في مصلحته (الثانية) لو زوج الجارية المغصوبة من مالكها وهو جاهل فتلفت عنده فهو كما لو أودع المغصوب عنده فتلف ثم لو استولدها نفذ الاستيلاد وبرئ الغاصب ومنهم من أثبت فيه خلافا وهو قريب من الخلاف الذى نذكره في إعتاقه (الثالثة) لو قال الغاصب لمالك العبد المغصوب أعتقه فاعتقه جاهلا بالحال ففى نفوذ العتق وجهان (أحدهما) أنه لا ينفذ لانه لم يرض باعتاق عبده (وأصحهما) النفوذ لاضافة العتقد إلى رقيقه والعتق لا يدفع بالجهل وعلى هذا فوجهان(11/255)
(أحدهما) أنه لا يبرأ الغاصب عن الضمان بل يرجع المالك عليه بالغرم لانه لم يرض بزوال ملكه (وأصحهما) البراءة لا نصرافه إلى جهة صرفه إليها بنفسه وعادت مصلحتها إليه ولو قال أعتقه عنى وفعل جاهلا ففى نفوذ العتق الوجهان ان نفذ ففى وقوعه عن الغاصب وجهان قال في التتمة الصحيح المنع ولو قال المالك للغاصب أعتقه عني أو مطلقا فاعتق وبرئ الغاصب.
قال (الركن الثاني في الموجب فيه.
وهو كل مال مغصوب.
وينقسم إلى الحيوان وغيره.
فالحيوان يضمن بقيمته حتى العبد يضمن عند التلف والاتلاف بأقصى قيمته ولو قطع الغاصب احدى يدى العبد التزم اكثر الامرين من نصف قيمته أو أرش النقصان لانه تلف تحت يده إذا قلنا جراح العبد مقدر.
ولو سقطت يده بآفة سماوية لا يضمن إلا أرش النقصان.
ولا يجب في عين البقرة والفرس إلا أرش النقص.
ولا يضمن الخمر لذمي ولا مسلم.
ولكن يجب ردها إن كانت محترمة.
ولا يراق على أهل الذمة الا إذا أظهروها.
فان أريق فلا ضمان.
وكذلك
الملاهي إذا كسرت.
فان أحرقت وجب قيمة الرضاض لانه غير جائز.
وكذا في الصليب والصنم والمستولدة والمدبر.
والمكاتب ملحق في الضمان بالعبد القن) .
في الموجب فيه قال حملة المذهب المضمونات قسمان (أحدهما) ما ليس بمال وهو الاحرار فيضمنون بالجناية على النفس والطرف بالمباشرة تارة وبالسبب أخرى والقول في هذا القسم يبسط في الجنايات (والثانى) ما هو مال وينقسم إلى الاعيان والمنافع والاعيان قسمان الحيوان وغيره والحيوان قسمان الآدمى وغيره أما الآدمى فتضمن النفس والطرف في الرقيق بالجناية كما يضمن الحر ويضمن أيضا باليد العادية وبدل نفسه قيمته بالغة ما بلغت سواء قتل أو تلف تحت اليد العادية وأما الاطراف والجراحات فتنقسم إلى ما يتقدم واجبه من الحر والواجب فيه من الرقيق ما ينقص قيمته سواء حصل بالجناية أو تحت اليد العادية والى ما ينقدر من الحر مما يحصل منها بجناية فيه قولان (أصحهما) وهو الجديد أنه(11/256)
يتقدر من الرقيق أيضا والقيمة في حقه كالدية في الحر فيجب في يد العبد نصف قيمته كما يجب في الحر نصف ديته وعلى هذا القياس (والثانى) وينسب إلى اختيار ابن سريج أن الواجب ما ينقص من القيمة كما في سائر الاموال وما يحصل تحت مجرد اليد العادية كما إذا غصب عبدا فسقطت يده بآفة سماوية فالواجب فيه قدر النقصان وفيه وجه أنه إذا كان النقصان أقل من المقدر وجب ما يجب على الجاني والمذهب الاول لان ضمان اليد سبيله سبيل ضمان الاموال الا ترى أنه لا يتعلق به القصاص ولا الكفارة ولا يضرب على العاقلة بحال ولهذا لو كان قدر النقصان أكثر من المقدر كان هو الواجب بالاتفاق (فان قلنا) بالجديد فلو قطع الغاصب يد العبد المغصوب لزمه أكثر الامرين من نصف القيمة أو أرش النقصان لا جتماع السببين حتى لو كانت قيمته ألفا ونقص أربعمائة وجب خمسمائة ولو نقص ستمائة وجب ستمائة ولو قطع يديه فعليه كل قيمته وكذا لو قطع أنثييه فزادت قيمته ولو كان الناقص بقطع الغاصب ثلثى قيمته فالواجب ثلثا القيمة على القولين (أما) على القديم فلانه قدر النقصان (وأما) على الجديد فالنصف واجب بالجناية والسدس باليد العادية ولو كان الناقص بسقوط اليد ثلث قيمته فهو الواجب على القديم وكذا على الجديد جوابا على أصح الوجهين وعلى الثاني الواجب نصف القيمة
والمستولدة والمكاتب والمدبر يلتحقون في الضمان بالعبد القن وقال أبو حنيفة المستولدة لا تضمن بالغصب(11/257)
لنا القياس على المدبر بجامع بقاء الرق فيهما ألا ترى أنه يملك تزوجها واجارتها ويأخذ قيمتها لو قتلت (وأما) غير الآدمى من الحيوانات فالواجب فيها باليد والجناية القيمة وفيما يتلف من أجزائها ما ينقص من القيمة ولا فرق في ذلك بين نوع ونوع وعن أبى حنيفة أن الابل والبقر والخيل وماله اللحم والظهر مما يجب في احدى عينيه ربع القيمة استحسانا وبه قال أحمد في الخيل خاصة (أما) القياس على أطرافها وعلى ماله اللحم وحده كالغنم أو الظهر وحده كالبغال والحمير ولا فرق أيضا بين مالك ومالك وعن مالك أن في قطع ذنب حمار القاضى تمام القيمة لانه لا يصلح له بعد ذلك وعن أحمد رواية مثله لنا أن النظر في الضمان إلى نفس المفوت لاإلى أغراض الملاك ألا ترى أنه في وطئ جارية الاب بالشبهة مهر المثل كما في وطئ جارية الأجنبي بالشبهة وأن تضمن وطئ جارية الاب تحريمها عليه (وأما) غير الحيوان فينقسم المثلى والمتقوم وسيأتى ما يضبطهما في الركن الثالث بقى من فقه الفصل مسألة وهى ان الخمر والخنزير لا يضمنان للمسلم ولا للذمي خلافا لابي حنيفة حيث قال يجب الضمان في أراقة خمر الذمي ان أراقها مسلم ضمنها بالقيمة وان أراقها ذمي ضمنها بالمثل.
لنا أن مالا يضمن للمسلم لا يضمن للذمي كالميتة والدم وأيضا فان الخمر ليست بمال ولا فرق فيما ذكرناه بين أن يريق حيث تجوز الاراقة وحيث لا تجوز ولا تراق خمر أهل الذمة الا إذا تظاهر وأبشر بها أو بيعها ولو غصبت منهم(11/258)
والعين باقيه وجب دخول ردها وان غصبت من مسلم وجب ردها إن كانت محترمة والا لم يجز بل أريقت لحديث أبى طلحة في خمور الايتام وألآت الملاهي كالبربط والطنبور وغيرهما وكذلك الصليب والصنم لا يجب في أبطالها شئ أصلا لانها محرمة الاستعمال ولا حرمة لتلك الصنعة والهيئة وأختلفوا في الحد المشروع لابطالها على وجهين (أحدهما) أنها تكسر وترضض حتى تنتهى إلى حد لا يمكن إيجاد ألة محرمة منها لا الاولى ولاغيرها (وأظهرهما) أنها لا تكسر الكسر الفاحش ولكنها تفصل وفى حد التفصيل وجهان (احدهما) أنها تفصل قدر مالا تصلح للاستعمال الحرام حتى إذ رفع وجه البربط وترك على شكل قصعة كفى
(والثانى) أنها تفصل إلى حد لو فرض إيجاد آلة محرمة من مفصلها لنال الصانع التعب الذى يناله في ابتداء الايجاد وهذا بان يبطل تأليف الاجزاء كلها حتى تعود كما كانت قبل التأليف ويشبه أن يكون هذا أقرب إلى كلام الشافعي رضى الله عنه وعامة الاصحاب وما ذكرنا من الاقتصار على تفصيل الاجزاء فيما إذا تمكن المحتسب منه أما إذا منعه من في يده وكان يدفع عن المنكر فله ابطاله بالكسر وحكى الامام وفاق الاصحاب على أن قطع الاوتار لا يكفي لانها مجاورة لها منفصلة وتوقف في شيئين تفريعا على وجه المبالغة في الكسر (احدهما) في الصفائح التى لا توجد في يد من تصنع تلك الآلات لان من البالغ في الكسر عند حصول الهيئة المحظورة قد لا يرى تلك المبالغة في الابتداء (والثانى)(11/259)
في الصليب لانها خشبة معروضة على خشبه فإذا رفعت احداهما عن الاخرى فلا معنى للزيادة عليه إذا عرفت ذلك فمن اقتصر في بطالها على الحد المشروع فلا شئ عليه ومن جاوزهما فعليه التفاوت بين قيمتها مكسورة إلى الحد المشروع وبين قيمتها منتهية إلى الحد الذى اتى به وان أحرقها فعليه قيمتها مكسورة إلى الحد المشروع ولنعد إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب (قوله) وهو كل مال معصوم ظاهره يقتضى حصر ما يجب ضمانه في الاموال وقد عرفت من التقسيم السابق أن الاحرار مضمونون ايضا وكأنه اراد ما يجب ضمانه بالاسباب المذكورة في أول الباب وحينئذ يخرج الاحرار لانهم لا يضمنون باليد العادية وان كانوا مضمونين وأشار بالمعصوم إلى أن عصمة المال شرط في وجوب الضمان فلا يضمن مال الحربى وقوله وحتى العبد يضمن عند التلف والاتلاف أقصى قيمته معلم بالحاء لان أبا حنلفة لا يوجب أقصى قيمه المماليك على ما بينته في موضعه (وقوله) إذا قلنا جرح العبد مقدر اشاره إلى قوله الجديد (وقوله) لا يضمن الا أرش النقصان معلم بالواو (وقوله) ولا يجب في عين البقرة والفرس بالحاء والالف لما ذكرنا التعرض لمذهبهما وانما ذهبا إليه لاثر فيه عن الصحابة وتأويله عندنا أن الارش في الواقعة كان قدر الربع (وقوله) لذمى معام بالحاء (وقوله) ولكن يجب ردها(11/260)
بجوز اعلامه بالواو كما تقدم في فصل التحليل في كتاب الرهن وقوله وان اريقت فلا ضمان ضرب
تأكيد وبينه على أن لا يضمن الخمر مع المنع من اراقتها والا فقوله لا يضمن الخمر لذمى يفيد النفى الكلي وإذا ذكره فلا بأس باعادة اعلامه بالحاء (وقوله) وكذا الملاهي إذا كسرت يعني الكسر المشروع ولفظ المستولدة معلم بالحاء واتلاف الخمر وابطال منفعة الملاهي يخرج عما يضمن بقوله في أول الركن وهو كل مال معصوم.
قال (ومنفعة الاعيان تضمن بالفوات تحت اليد والتفويت.
ومنفعة البضع لا تضمن إلا بالتفويت.
ومنفعة بدن الحر تضمن بالتفويت وهل يضمن بفواتها عند الحر وجهان وهو تردد في ثبوت يد غيره عليه حتى ينبني عليه جواز اجارة الحر عند استئجاره إن قلنا تثبت اليد وانه بتسليم نفسه هل يتقرر أجرته.
وفى ضمان منفعة الكلب المغصوب وجهان.
وما اصطاده بالكلب المغصوب فهو للغاصب على أحد الوجهين.
فان اصطاد العبد فهل يدخل أجرته تحته لان الصيد للمالك فيه وجهان.
ولو لبس ثوبا ونقص قيمته فهل تندرج الاجرة تحت النقص فيه وجهان ولو ضمن العبد المغصوب بعد إباقه فهل تسقط عنه أجرتة بعد الضمان فيه وجهان) .(11/261)
تم الكلام في قسم الاعيان من المضمونات (أما) المنافع فهى أنواع (منها) منافع الاموال من العبيد والثياب وغيرها وهى مضمونة بالتفويت والفوات تحت اليد العادية خلافا لابي حنيفة حيث قال لا تضمن بالتفويت ولا بالفوات وانما تضمن بعقد أو شبهة عقد ولمالك حيث قال لا تضمن بالفوات تحت اليد وانما تضمن بالتفويت والاستعمال لنا أن المنافع مضمونة بالعقد الفاسد وتضمن بالغصب كالاعيان وأيضا فانها متقومة ألا ترى أنه يبذل المال لتحصيلها ولو استأجر عينا لمنفعة واستعملها في غيرها ضمنها فاشتبهت الاعيان إذا تقرر ذلك فكل عين لها منفعة تستأجر من أجلها يضمن منفعتها إذا بقيت في يده مدة لمثلها أجرة حتى لو غصب كتابا وأمسكه مدة طالعه أو لم يطالعه أو مسكا شمه أو لم يشم لزمه الاجرة ولو كان العبد المغصوب يحسن صناعات لزمه أجرة أعلاها ولا يجب أجرة الكل (ومنها) منفعة البضع وهى لا تضمن بالفوات تحت اليد والفرق بينها وبين سائر المنافع أن اليد لا تثبت على منفعة البضع الا ترى أن السيد يزوج الامة المغصوبة ولا يؤجرها كما لا يبيعها لان يد الغاصب حائلة ولو تداعى اثنان نكاح
امرأة يدعيان عليها ولا يدعى أحدهما على الآخر وان كانت عنده وإذا أقرت لاحداهما حكم بأنها منكوحته وذلك يدل على أن اليد لها وأيضا فان منفعة البضع تستحق استحقاق ارتفاق للحاجة وسائر المنافع تستحق استحقاق ملك تام الا ترى أن من ملك منفعة بالاستئجار نقلها إلى غيره بالعوض بأن يؤجر وبغير العوض بأن يعير والزوج المستحق لمنفعة البضع لا يملك نقلها لا بعوض ولا بغير عوض (واما) إذا فوت منفعة البضع بالوطئ ضمن مهر المثل وأخرنا بسط الكلام فيه إلى الفصل الثالث من الباب(11/262)
الثاني لان حكم وطئ المشترى من الغاصب مذكور هناك وذكر حكم وطئ الغاصب معه أحسن في النظم (ومنها) منفعة بدن الحر وهى مضمونة بالتفويت وإذا قهر حرا واستخدمه في عمل ضمن أجرته وان حبسه وعطل منافعه فوجهان (أحدهما) أنه يضمنها أيضا لان منافعه متقومة بالعقد الفاسد فاشبهت منتفع الاموال وحكى هذا عن ابن أبى هريرة (وأصحهما) المنع لان الحر لايدخل تحت اليد بخلاف الاموال ويقرب من هذين الوجهين الخلاف في صورتين (إحداهما) لو أستأجر حرا وأراد أن يؤجره هل له ذلك (والثانية) إذا أسلم المستأجر نفسه ولم يستعمله المستأجر إلى انقضاء المدة التى أستأجره فيها هل تتقرر أجرته قال الاكثرون له أن يؤجره وتتقرر أجرته وقال القفال لا يؤجره ولا تتقرر أجرته لان الحر لايدخل تحت اليد ولا تحصل منافعه في يد المستأجر وضمانه إلا عند وجودها هكذا أورد النقلة توجيه الخلاف في المسائل الثلاثة ولم يجعلو دخول الحر تحت اليد مختلفا فيه ولكن القائلين بجواز إجارة المستأجر وتغريم الاجرة كأنهم بنو الامر على الحاجة والمصلحة وصاحب الكتاب جعله مختلفا فيه وبني الخلاف في المسائل على التردد في دخوله تحت اليد ولم اعثر على ذلك لغيره وبتقدير ثبوته يجوز أن يعلم (قوله) والحر لايدخل تحت اليد وفى الرهن في الباب الثالث في مسألة موت الحرة المزني بها في الطلق من حمل الزنا بالواو وفى دخول ثياب الحر في ضمان من استولى عليه تفصيل مذكور في الكتاب في السرقة.(11/263)
(فرع) قال في التتمة نقل حرا صغيرا أو كبيرا من موضع إلى موضع آخر فان لم يكن
له غرض في الرجوع إلى الموضع الاول فلا شئ وان كان واحتاج إلى مؤنة فهو على الناقل لتعديه (ومنها) منفعة الكلب فمن غصب كلب الصيد أو الحراسة لزمه رده مع مؤنة الرد إن كان له مؤنة وهل يضمن منفعته بالاجرة فيه وجهان مرتبان على الوجهين في جواز استئجاره وسيأتى ذكرهما وما اصطاده الغاصب بالكلب المغصوب للمالك على أحد الوجهين كصيد العبد واكسابه وللغاصب على أظهرهما لان الجارحة آلة كما غصب شبكة أو قوسا واصطاد بهما ويجرى الوجهان فيما لو أصطاد بالبازى والفهد المغصوبين وحيث كان الصيد للغاصب لزمه أجرة المثل للمغصوب منه وحيث كان للمالك كصيد العبد ففى وجوب الاجرة لزمن الاصطياد وجهان (أحدهما) لا تجب لانه إذا كان الحاصل له كانت المنافع منصرفة إليه (وأشبههما) الوجوب لانه ربما كان يستعمله في غير ما استعمل به ولا تدخل الاجره فيما اكتسبه ثم الفصل مختوم بقاعدتين (احداهما) ان كان النقص بسبب غير الاستعمال كما لو غصب ثوبا أو عبدا فانتقصت قيمته بآفة سماوية كما لو سقط العبد بمرض وجب الارش مع الاجرة والاجرة الواجبة لما قبل حدوث النقصان أجرة مثله سليما ولما بعده أجرة مثله معيبا فان كان النقص بسبب الاستعمال كما إذا لبس الثوب فابلاه فوجهان (أصحهما) أنهما يجبان أيضا كما لو حصل النقصان بسبب آخر (والثانى) أنه لا يجب ألا أكثر الامرين من أجرة المثل وأرش النقصان(11/264)
لان النقصان نشأ من الاستعمال وقد قوبل الاستعمال بالاجرة فلا يجب له ضمان أجر والقائل الاول يقول الاجرة لا تجب للاستعمال وانما تجب لفوات المنفعة على المالك ألا ترى أنها تجب وان لم يشتمل فإذا لا يلزم وجوب ضمانين بشئ واحد (الثانية) سنذكر أن العبد المغصوب إذا تعذر رده بآفة غرم الغاصب قيمته للحيلولة ويلزمه مع ذلك أجرة المثل للمدة التى تمضى قبل بذل القيمة ولما بعده وجهان (أحدهما) أنها لا تجب لان القيمة المأخوذة نازلة منزلة المغصوب فكأن المغصوب عاد إليه (وأصحهما) الوجوب لان حكم الغصب باق وانما وجبت القيمة للحيلولة فيضمن الاجرة لفوات المنفعة والوجهان جاريان في أن الزوائد الحاصلة بعد دفع القيمة هل تكون مضمونة على الغاصب وفى أنه هل يلزمه مؤنة ردها وفى أن جناية الآبق في إباقه هل يتعلق ضمانها بالغاصب ولو غيب لغاص ب العبد المغصوب
إلى مكان بعيد وعسر رده وغرم القيمة قال الامام وسيجئ في هذه الصورة الخلاف في الاحكام المذكورة أيضا (ومنهم) من قطع وجوب الاجرة وثبوت سائر الاحكام والفرق أن من غيبه باختياره فهو باق في يده وتصرفه فلا تنقطع علائق الضمان عنه بخلاف الآبق(11/265)
قال (الركن الثالث في الواجب.
وهو ينقسم إلى المثل والقيمة.
وحد المثلى ما تتماثل أجزاؤه في المنفعة والقيمة من حيث الذات لا من حيث المنفعة.
والاظهر أن الرطب والعنب والدقيق مثلى.
وكذا الخبز فان اخلاطه غير مقصودة بخلاف سائر المخلوطات) .
ما يجب بضمانا ينقسم باعتبار المضمون إلى المثل والقيمة فيضمن المثلى بالمثل لانه أقرب إلى التالف والمتقوم بالقيمة وللاصحاب في ضبط المثلى عبارات (احدها) أن كل مقدور بكيل أو وزن فهو مثلى وتروى هذه العبارة عن أبى حنيفة واحمد وتنسب إلى نص الشافعي رضى الله عنه لقوله في المختصر وماله كيل أو وزن فعليه مثل كيله أو وزنه (والثانية) زاد بعضهم اشتراط جواز السلم فيه لان المسلم فيه يثبت بالوصف في الذمة والضمان وما يشبهه لا يثبت في الذمة (والثالثة) زاد القفال وآخرون اشتراط جواز بيع بعضه ببعض لتشابه الاصلين في قضية التقابل واعترض على العبارات(11/266)
الثلاث بأن القماقم والملاعق والمغارف من الصفر والنحاس موزونة ويجوز السلم فيها وبيع بعضها ببعض وليست مثلية هكذا حكى الامام الاعتراض عن القاضى لكن قدم في باب السلم أن القماقم ونحوها لا يجوز السلم فيها لاختلافها وأنما الجواز في الاسطال المربعة والظروف المضربة من القوالب فان كان الالتزام بمثلها فلا يبعد ممن صار إلى العبارات الثلاثة طردها فيها والحكم بأنها مثلية (والرابعة) نقل بعض شارحي المفتاح أن المثاليات هي التى تنقسم بين الشريكين من غير حاجة إلى تقويم ولك أن تقول هذا مشكل بالارض المتساوية الاجزاء فانها تنقسم من غير تقويم وليست هي بمثلية (الخامسة) قال العراقيون المثلى مالا تختلف اجزاء النوع الواحد منه في القيمة وربما يقال في الجرم والقيمة ويقرب منه قول قال المثليات هي التى تتشاكل في الخلقة ومعظم المنافع
وما اختاره الامام هو تساوى الاجزاء في المنفعة والقيمة فزاد النظر إلى المنفعة وعلى ذلك جرى صاحب الكتاب وزاد قوله من حيث الذات لامن حيث الصنعة وقصد به الاحتراز من الملاعق والمغارف(11/267)
وصنجات الميزان المتساوية فان تساويهما جاء من حفظ التشابه في الصنعة والا المصنوعات مختلفة في الغالب ولك أن تقول الملعقة ونحوها لو وردت على الضابط المذكور اما ان ترد لتماثل أجزائها وهى ملعقة أو لتماثل جوهرها فقط (والاول) باطل لان أجزاء الملعقة غير متماثلة في الصنعة وأما (الثاني) فالصفر الذى هو جوهر الملعقة إذا كان مثليا كان تماثل أجزائة من حيث الذات لا من حيث الصنعة وإذا لم تؤثر الصنعة في تماثل الاجزاء فكيف يقال ما تماثل أجزاؤه من حيث الذات لا من حيث الصنعة والحق أن أثر الصنعة في تماثل الاعداد وأوضاع أجزائها لاغير وإذا وقفت على هذه العبارات وبحثت عن الاظهر منها فأعلم أن الاولى منقوضة بالمعجونات (والثالثة) المعتبرة بجواز بيع البعض بالبعض بعيدة عن أعتبار أكثر الاصحاب فانهم أعرضوا عن هذا الشرط وقالوا امتناع بيع البعض بالبعض من الربويات لرعاية التماثل في حال الكمال بمعزل عما نحن فيه (والرابعة) لادخل لها وأما الخامسة(11/268)
فأن أريد بالاجزاء فيها كل ما يتركب منه الشئ فيلزم أن لا تكون الحبوب مثلية لانها تتركب من القشور والالباب والقشر مع اللباب مثليان في القيمة والمنفعة وكذا التمر والزبيب لما فيهما من النوى والعجم وان أريد الاجزاء التى يقع عليها اسم الجملة فيلزم أن لا تكون الدراهم والدنانير مثلية لما يقع في الصحاح من اختلاف في الوزن وفى الاستدارة والاعوجاج وفى وضوح السكة وخفائها وذلك ما يؤثر في المنفعة والقيمة والنظر إلى الجرم بعيد لان الحبوب والتمور متماثلة ومعلوم أن نوعا منها لا يخلو عن اختلاف الحبات في الصغر والكبر فإذا أظهر العبارات الثانية لكن الاحسن أن يقال المثلى كل ما يحصره الكيل أو الوزن ويجوز السلم فيه ولايقال كل مكيل أو موزون لان المفهوم منهما ما يعتاد كيله ووزنه فيخرج منه الماء وهو مثلى على الاصح هذا ما يتعلق بالضبط وينشأ من اختلاف العبارات الخلاف في الصفر والنحاس والحديد والآنك لان أجزائها مختلفة الجواهر ولان زبرها متقاربة الاجرام وفى
التبر والسبيكة والعنبر والمسك والكافور والثلج والجمد والقطن بمثل ذلك وفى العنب والرطب(11/269)
وسائر الفواكه الرطبة لامتناع بيع بعضها ببعض وكذا في الدقيق والاظهر أنها جميعا مثلية وفى السكر والفانيد والعسل المصفى بالنار واللحم المشوي الخلاف في جواز بيع كل منهما بجنسه وفي الخبر لامتناع بيع بعضه ببعض وأيضا للخلاف في جواز السلم فيه وجعل صاحب الكتاب الاظهر كونه مثليا بناء على قطع النظر عن امتناع بيع بعضه ببعض ويجوز السلم فيه لكنا أثبتنا الخلاف في السلم وبيان ذلك الخلاف (وقوله) فان اخلاطه غير مقصودة بخلاف سائر المخلوطات يعني المعجونات والغوالي ونحوها والفرق بين ما يقصد اخلاطه وبين ما لا يقصد منه الا الواحد مقرر في السلم أما الحبوب والادهان والالبان والسمن والمخيض والخل لم يستعن في إيجاده بالماء والزبيب والتمر ونحوهما فهي مثلية بالاتفاق وكذا الدراهم والدنانير لكن قضية العبارة الثانية اثبات الخلاف فيها لان في السلم فيها اختلافا قد تقدم وأيضا فانهم جعلوا المكسرة على الخلاف في التدبير والسبيكة لتفاوت القراضات في الجرم ومثل ذلك يفرض في الصحاح فيلزم مجئ الخلاف فيها وهذا في الدراهم والدنانير الخالصة أما(11/270)
المغشوشة ففى التتمة أن أمرها يبنى على جواز التعامل بها ان جوزناها فهى مثلية والا متقومة لان مالا يملك بالعقد لا يملك بالقبض عوضا عن التلف.
قال (ثم لم يسلم المثل بعد أن تلف المغصوب حتى فقد المثل.
فقيل الواجب أقصى قيمة المغصوب من وقت الغصب إلى التلف.
وقيل أقصى قيمة المثل من وقت وجوبه إلى الاعواز.
وقيل من وقت الغصب إلى الاعواز.
وقيل إلى وقت طلب الضمان ولو غرم القيمة ثم قدر على المثل فلا يرد على الاظهر لتمام الحكم بالبدل الحقيقي) .
إذا غصب مثليا وتلف في يده والمثل موجود فلم يسلمه حتى فقد أخذت منه القيمة والمراد من الفقدان أن لا يوجد في ذلك البلد وما حواليه على ما تبين في انقطاع المسلم فيه وفى القيمة المعتبرة عشرة أوجه (أحدها) أنها أقصى قيمة من يوم الغصب إلى التلف ولا اعتبار بزيادة قيمة أمثاله بعد
تلفه كما في المتقومات (وثانيها) أنها أقصى قيمة من وقت تلف المغصوب إلى الاعواز لان المثل هو(11/271)
الواجب الا انه لما فقد تعذر الوصول إليه فينظر إلى قيمته من وقت وجوبه إلى التعذر ويطلق هذان الوجهان على أن الواجب عند اعواز المثل قيمة المغصوب لانه الذى تلف على المالك أو قيمة المثل لانه الواجب عند التلف وانما رجعنا إلى القيمة لتعذره وفيه وجهان لابي الطيب بن سلمة (ان قلنا) بالاول اعتبرنا الاقصى من وقت الغصب إلى وقت تلف المغصوب (وان قلنا) بالثاني اعتبرنا من وقت تلف المغصوب لان المثل حينئذ يجب إلى وقت الانقطاع والاعواز ولفظ الكتاب في حكاية الوجه الاول أقصى قيمة المغصوب وفى حكاية الوجه الثاني أقصى قيمة المثل اشارة إلى هذا (وثالثها) وهو الاصح أن القيمة المعتبرة أقصى القيم من يوم الغصب إلى الاعواز لان وجود المثل كبقاء عين المغصوب من حيث انه كان مأمورا بتسليم المثل كما كان مأمورا برد العين فإذا لم يفعل غرم أقصى(11/272)
قيمة من المدتين كما أن المتقومات تضمن باقصى قيمتها لهذا المعنى ولا نظر إلى ما بعد انقطاع المثل كما لانظر إلى ما بعد تلف المغصوب المتقوم (ورابعها) أقصى القيم من الغصب إلى وقت تغريم القيمة والمطالبة بها لان المثل لا يسقط بالاعواز الا ترى أن المغصوب منه لو صبر إلى وجد ان المثل ملك المطالبة به وانما المصير الى القيمة عند تغريمها وهذه الاوجه الاربعة هي المذكورة في الكتاب (وخامسها) عن رواية الشيخ أبى محمد أنها أقصى القيم من وقت انقطاع المثل واعوازه إلى وقت المطالبة بالقيمة لان الاعواز وقت الحاجة إلى العدول إلى القيمة فيعتبر الاقصى من يومئذ (وسادسها) أنها أقصى القيم من وقت تلف المغصوب إلى وقت المطالبة لان الضمان يومئذ يجب (وسابعها) أن الاعتبار بقيمة اليوم الذى تلف فيه المغصوب (وثامنها) أن الاعتبار بقيمة يوم الاعواز لانه وقت العدول إلى القيمة ويحكى هذا عن اختبار أبى على الزجاجي والحناطي والماوردي وأبى خلف السلمى (وتاسعها) أن الاعتبار بقية يوم المطالبة لان الاعواز حينئذ يظهر ويتحقق وقد يتبدل لفظ المطالبة والتغريم(11/273)
بالحكم والقيمة والمرجع بها إلى شئ واحد (وعاشرها) أنه أن كان منقطعا في جميع البلاد فالاعتبار بقيمة يوم الاعواز وان فقد في تلك البقعة فالاعتبار بقيمة يوم الحكم بالقيمة نقله صاحب المهذب وفيما علق عن الشيخ أبى حامد أن المعتبر فيه يوم أخذ القيمة لايوم المطالبة ولا يوم التلف فهذا وجه آخر ان كان ثابتا ويجوز اعلام جميع الوجوه المذكورة في الكتاب - بالحاء - لان البندنيجى حكى عن أبى حنيفة الاعتبار بقيمة يوم المطالبة والقبض هذا لفظه - وبالالف - لان مذهب احمد كالوجه الثامن ولو غصب مثليا فتلف والمثل مفقود فالقياس أن يجب على الوجه الاول والثالث أقصى القيم من يوم الغصب إلى التلف وعلى الثاني والسابع والثامن قيمة يوم التلف وان يعود الرابع والسادس والتاسع بحالها وعلى الخامس أقصى القيم من يوم التلف إلى يوم التغريم وعلى العاشر ان كان مفقودا في جميع البلاد وجب قيمة التلف والا قيمة يوم التغريم ولو تلف مثليا على انسان من غير غصب واثبات يد عليه وكان المثل موجودا فلم يسلم حتى فقد فعلى الوجه الاول تجب قيمة يوم الاتلاف وعلى الثاني(11/274)
وعلى الثالث أقص القيم من يوم الاتلاف إلى الاعواز وعلى الرابع من يوم الاتلاف إلى التغريم والقياس عود الوجوه الباقية ولو أتلفة والمثل مفقود فالقياس أن يقال على الوجه الاول والثانى والثالث والسابع والثامن تجب قيمة يوم الاتلاف وعلى الرابع والخامس والسادس أقصى القيم من يوم الاتلاف إلى التغريم وعلى السابع قيمه يوم التغريم وعلى العاشر ان كان منقطعا في جميع البلاد وجبت قيمة يوم الاتلاف والا فقيمة يوم التغريم والله أعلم.
(ومنها) غرم الغاصب أو المتلف القيمة لاعواز المثل ثم وجد المثل هل للمالك رد القيمة وطلب المثل وجهان (أحدهما) نعم لان حقه المثل وانما أخذت القيمة للعجز عنه وإذا حصلت القدرة عدل إليه كما إذا غرم قيمة العبد الآبق ثم عاد (وأظهرهما) على ما ذكر صاحب الكتاب والقاضى الرويانى المنع لان الامر قد انفصل ببذل المثل وإذا تم الحكم بالبدل فلا عود إلى المبدل كما لو صام المعسر في الكفارة المرتبة ثم أيسر وهذا معنى قوله لتمام الحكم بالبدل الحقيقي وأراد بتسميته حقيقا أن القيمة بدل حقيقة عند اعواز المثل لا لالتحاق المثل حينئذ بالمتقوم وفى غرامة العبد الآبق ليست القيمة بدلا حقيقة وانما هي مأخوذة لحصول الحيلولة بينه(11/275)
وبين حقه وهو المثل فالاجود من الفرق أن يقال العين عين حقه المغصوب والمثل بدل حقه فلا يلزم من تمكينه من الرجوع إلى عين حقه تمكينه من الرجوع إلى بدل حقه.
قال (ولو أتلف مثليا فظفر به في غير ذلك المكان لم يلزمه الا القيمة.
فإذا عاد إلى ذلك المكان لزمه المثل وأخذ القيمة.
ولو ظفر به في غير ذلك الزمان جاز طلب المثل لان رد الزمان غير ممكن فتعذر المثل الحقيقي.
والمسلم إليه إذا انتقل لم يطالب.
وفى مطالبته بالقيمة تردد من حيث انه اعتياض.
فان منع فله الفسخ.
وطلب رأس المال) مقصود الفصل أن المثل هل يؤخذ مثله مع اختلاف المكان والزمان أما المكان فاعلم أولا أنه لو غصب مثليا ونقله إلى بلد آخر كان للمالك أن يكلفه رده وله أن يطالب بالقيمة في الحال للحيلولة ثم إذا رده الغاصب رد القيمة واسترده ولو تلف في البلد المنقول إليه طالبه بمثله حيث ظفر به من البلدين لتوجه الطلب عليه برد العين في الموضعين فان فقد المثل غرمه قيمة أكثر البلدين قيمة ولو أتلف مثليا أو غصبة وتلف عنده في بلد ثم ظفر المالك به في بلد آخر هل له بمطالبته بالمثل الذى ذكره(11/276)
الاكثرون أنه إن كان مما لامؤنة لنقله كالدراهم والدنانير فله المطالبة بالمثل وان كان لنقله مؤنه لم يكن له طلب المثل ولا للغارم تكليفه قبول المثل لما يلزم فيه من المؤنة والضرر وللمالك أن يغرمه قيمة بلد التلف فان تراضيا على المثل لم يكن له تكليفه مؤنة النقل وعلى هذا تنزيل جوابه في الكتاب وان أطلقه إطلاقا وحكى الامام وراءه وجهين (أحدهما) عن شيخه أبى محمد أنه يطالبه بالمثل وان لزمت المؤنة وزادت القيمة كما لو أتلف مثليا في وقت الرخص له طلب المثل في وقت الغلاء (والثاني) عن رواية الشيخ أبى علي أنه إن كانت قيمة ذلك البلد مثل قيمة المتلف أو أقل طالبه بالمثل والا فلا وذكر أبو عاصم العبادي مثل هذا وإذا حكمنا بالمنع وأخذ القيمة ثم اجتمعا في بلد التلف هل للمالك رد القيمة وطلب المثل وهل لصاحبه استرداد القيمة وبذل المثل فيه الوجهان فيما إذا غرم القيمة لاعواز المثل والذي أورده صاحب الكتاب منهما أن عليه المثل وأخذ القيمة مع أنه جعل الاظهر في مسألة الاعواز
المنع وهذا لاوجه له بل الخلاف في المسألتين واحد باتفاق الناقلين فاما أن يختار فيهما النفي أو الاثبات ولو نقل المغصوب المثلى إلى بلد آخر فتلف هناك أو أتلف ثم ظفر به المالك في بلد ثالثة وقلنا انه لا يطالب(11/277)
بالمثل في غير موضع التلف فله أخذ قيمة أكثر البلدين قيمة (وأما) إذا اختلف الزمان فله المطالبة بالمثل وان زادت القيمة وليس له إلا ذلك وان نقصت القيمة والفرق بينه وبين المكان (إذا قلنا) لا يطالب بالمثل في غير ذلك المكان أن العود إلى المكان الاول يمكن فجاز انتظاره ورد الزمان الاول غير ممكن فقنعنا بصورة المثل وان لم يكن ذلك مثلا حقيقة لان التساوى في القيمة معتبر في المثلين وللزمان أثر ظاهر في تفاوتهما لكن يتوجه على هذا أن يقال نعم رد الزمان الاول غير ممكن لكن انتظار الزمن الذي تكون القيمة فيه كالقيمة وقت الاتلاف ممكن فهلا قنع بقيمة يوم الاتلاف وانتظر المثل إليه وهذا كله فيما إذا لم يخرج المثل باختلاف المكان والزمان عن أن يكون له قيمة ومالية (أما) إذا خرج كما إذا أتلف عليه الماء في مفازة ثم اجتمعا على شط نهر أو بلد أو أتلف عليه الجمد في الصيف واجتمعا في الشتاء فليس للمتلف بذل المثل بل عليه قيمة المثل في تلك المفازة وفى الصيف وإذا غرم القيمة ثم اجتمعا في مثل تلك المفازة وفى الصيف هل يثبت التراد فيه الوجهان السابقان (وأما) قوله في الكتاب والمسلم إليه إلى آخره فقد ذكرنا المسألة بما فيها في السلم.(11/278)
قال (ولو أتلف آنية من نقرة يلزمه المثل.
وما زاد بالصنعة يقوم بغير جنس الاصل حذرا من الربا.
وقيل لا يبالي به فانه ليس ببيع) .
الذهب والفضة إما أن يكونا مضروبين فقد ذكرنا أنهما مثليان أو لا يكونا مضروبين وكل واحد منهما إما أن تكون فيه صنعة كالحلي أولا تكون كالتبر (أما الاول) فإذا أتلف حليا وزنه عشرة وقيمته عشرون فقد نقل أصحابنا العراقيون وجهين فيما يلزمه (أحدهما) أنه يضمن العين بوزنها من جنسها والصنعة من بقيمتها من غير جنسها سواء كان ذلك نقل البلد أو لم يكن لانا لو ضمنا الكل بالجنس لقابلنا عشرة بعشرين وذلك ربا (وأصحهما) عندهم أنه يضمن الجميع بنقد البلد وان كان من
جنسه ولا يلزم الربا فانه إنما جرى في العقود لا في الغرامات وان كان هذا ربا لكان الوجه الاول أيضا ربا فانه كما لا يقابل دينار بدينارين لا يقابل دينار بدينار ودرهم وفيه وجهان آخران (أحدهما) أن العين تضمن بوزنها من جنسها والصنعة بنقد البلد كما لو أتلف الصنعة وحدها بكسر الحلى يضمن بنقد البلد سواء كان من جنس الحلي أو غير جنسه وهذا محكى في النهاية مع الاولين (والثانى) أنه يضمن الكل بغير(11/279)
جنسه تحرزا من التفاضل ومن اختلاف الجنس في أحد الطرفين ويروى هذا عن أبى حنيفة وأحسن ترتيب في المسألة ما ذكره في التهذيب وهو أن صنعة الحلى متقومة وفى وزنه الاختلاف الذى سبق في التبر والسبيكة (إن قلنا) انه مثلى فوجهان (أحدهما) أنه يضمن الكل بغير جنسه كيلا يلزم الربا (وأصحهما) أنه يضمن الوزن بالمثل والصنعة بنقد البلد سواء كان من جنسه أو من غير جنسه (وان قلنا) انه متقوم فيعتبر الكل بنقد البلد كيف كان وينبغى أن يجئ على هذا وجه التضمين بغير الجنس إذا كان نقد البلد من الجنس لان معنى الربا لا يختلف ولو أتلف آنية من ذهب أو فضة فتبنى على أن اتخاذها هل هو جائز (ان قلنا) نعم فهو كما أتلف حليا (وان قلنا) لا فهو كاتلاف مالا صنعة فيه كالتبر والسبيكة فينبني على الخلاف في أنه مثلى أو متقوم (ان قلنا) بالاول ضمن مثله (وان قلنا) بالثاني فوجهان (أحدهما) أنه يضمن قيمته بنقد البلد سواء كان من جنسه أو من غير جنسه كسائر المتقومات (والثانى) أن الجواب كذلك إلا إذا كان نقد البلد من جنسه وكانت القيمة تزيد على الوزن فحينئذ يقوم بغير الجنس ويضمن به وهذا ما اختاره العراقيون ههنا فارقين بين ما فيه صنعة وبينه بأن الزيادة ثم تقع في مقابلة الصنعة فلا تؤدي إلى الربا وههنا لا قيمة للصنعة(11/280)
فيلزمه الربا لكن لصاحب الوجه الاول أن يقول لو كان الربا من الغرامات لاستوى المصنوع وغيره كما لو قابل حليا بتبر لا يجوز للفضل (وقوله) في الكتاب ولو أتلف آنية التصوير في الآنية مفرع على جواز اتخاذها كما بيناه (وقوله) ويلزمه المثل مثل وزن الآنية والحلى التبر لا الدراهم والدنانير المضروبة (قوله) لا نبالي به أي أنه بتقويم الصنعة بجنس الاصل وتغريمها رد وذلك مما يترك فيه وجه تقويم
الكل بنقد البلد إذا كان نقد البلد من جنسه ووجه تقويم الاصل بالمثل والصنعة بنقد البلد إذا كان من جنسه ويجوز اعلامه - بالحاء - وكذا اعلام قوله يلزمه المثل لما مر من الرواية عند قوله فانه ليس ببيع يعنى أنه غرامة متلف ومحل الربا انما هو البيوع والمعاقدات.
قال (ولو اتخذ من الرطب تمرا وقلنا لامثل للرطب وللتمر مثل.
أو من الحنطة دقيقا فالاولى أن يتخير المالك بين المطالبة بقيمة الرطب والدقيق أو مثل التمر والحنطة.
كما لو اتخذ من السمسم الشيرج فيطالب ان شاء بالسمسم أو بالشيرج.
ولو عدم المثل الا بالاكثر من ثمن المثل لم يلزمه الشراء على الاظهر) .
في الفصل مسألتان (الاولى) إذا تغير المغصوب في يد الغاصب من حال إلى حال ثم تلف عنده فاما أن يكون متقوما في الحالة الاولى مثليا في الثانية أو بالعكس أو مثليا فيهما أو متقوما فيهما (أما) القسم الاول فكما إذا غصب رطبا وقلنا انه متقوم فصار تمرا ثم تلف عنده ففيه وجهان (أحدهما) وبه أجاب العراقيون أنه يضمن مثل التمر لانه لا يمكن الجمع بين المثل والقيمة ولابد من ايجاب أحدهما والمثل أقرب إلى التالف فيكون ايجابه أولى (وأشبههما) وهو المذكور في التهذيب أنه ان كان الرطب أكثر قيمة فعليه قيمته كيلا تضيع الزيادة عليه وان كان التمر أكثر قيمة أو استويا فعليه المثل واختيار(11/281)
صاحب الكتاب أنه يتخير بين أن يأخذ مثل التمر أو قيمة الرطب لانه أتلف عليه ماله وهو مثلى ورد ماله وهو متقوم فيطالب بموجب ما شاء من الحالين (وأما) القسم الثاني فهو كما لو غصب حنطة وطحنها وتلف الدقيق عنده أو جعله خبزا أو أكله وقلنا لامثل للدقيق والخبز أو غصب تمرا واتخذ منه الخل بالماء فعلى جواب العراقيين يضمن المثل وهو الحنطة والتمر وعلى ما أورده في التهذيب ان كان المتقوم أكثر قيمة غرمها والا غرم المثل وعن القاضى الحسين أنه يغرم أقصى القيم وليس للمالك مطالبته بالمثل لان التلف حصل وهو متقوم وعلى هذا فإذا قيل من غصب حنطة في الغلاء وبقيت عنده إلى التلف وغرمه المالك في وقت الرخص يغرم المثل أو القيمة لم يصح اطلاق الجواب بالمثل ولا القيمة بل الصواب أن يفصل فيقال ان تلفت وهى حنطة غرمه المثل وان صارت إلى حالة التقويم ثم تلفت
فالقيمة ويقال كأن القاضى قد لقن المسألة الرئيس أبا على المنيعى ليغلط بها فقهاء مرو فغلط من أطلق الجواب منهم (وأما) الثالث فكما لو غصب سمسما واتخذ منه شيرجا ثم تلف عنده ونقل العراقيون وصاحب الكتاب أن المالك بالخيار فيغرمه ما شاء منهما وفى التهذيب أنه إن كان أحدهما أكثر قيمة غرم مثله والا تخير المالك وأخذ ما شاء منهما وظاهره يقتضى إثبات خلاف في التخيير إذا كان أحدهما أكثر قيمة (وأما) الرابع فحكمه بين وهو وجوب أقصى القيم في الحالتين (المسألة الثانية) إذا لزمه المثل فعليه تحصيله ان وجده بثمن المثل وإذا لم يجده إلا بما فوقه فوجهان (أحدهما) أنه لا يلزمه تحصيله لان الموجود بأكثر من ثمن المثل كالمعدوم بدليل الماء في الطهارة والرقبة في الكفارة (والثانى) يلزمه لان المثل كالعين ورد العين واجب وان لزم في مؤنته اضعاف قيمته وهذا أظهر الوجهين عند صاحب(11/282)
التهذيب والقاضى الرويانى والاول أظهر عند آخرين ومنهم صاحب الكتاب وفرقوا بين المثل والعين بأنه تعدى في العين دون المثل فلا يأخذ المثل حكم العين هذ اما يتعلق بقسم المثلى.
قال (أما المتقومات إذا تلفت تضمن بأقصى قيمتها من وقت الغصب إلى التلف.
فان أبق العبد ضمن (ح) في الحال للحيلولة.
فإذا عاد ردت القيمة (ح) وسلم العبد.
وللغاصب حبس العبد إلى أن ترد القيمة عليه) .
القسم الثاني من الاموال المتقوم فإذا غصبه وتلف عنده لزمه أقصى قيمته من يوم الغصب إلى يوم التلف لانه في حال زيادة القيمة غاصب مطالب بالرد فإذا لم يرد ضمن بدله وانما تجب القيمة من نقد البلد الذى حصل فيه التلف وتفاوت القيمة قد يكون لزيادة ونقصان في المغصوب كما إذا كان العبد كاتبا فنسى الكتابة وقد يكون لمحض ارتفاع الاسواق وانخفاضها فلو كانت قيمته مائة فبلغت مائتين ثم عادت بتراجع الاسواق إلى مائة وخمسين ثم هلك لزمه مائتان ولا عبرة باتفاق السوق بعد التلف ولو تكرر ارتفاع السوق وانخفاضها لم يضمن كل زيادة وانما يضمن الاكثر ولو أتلف متقوما من غير غصب لزمه قيمته يوم الاتلاف فان حصل التلف بتدريج وسراية واختلف القيمة في تلك المدة كما إذا جنى على بهيمة قيمة مثلها يومئذ مائة ثم هلكت وقيمة المثل خمسون قال(11/283)
القفال يلزمه مائة لانا إذا اعتبرنا الاقصى في اليد العادية فلان نعتبرها في نفس الاتلاف كان أولى وليعلم قوله في الكتاب فاقصى قيمتها - بالحاء والالف - أما الحاء فلان أبا حنيفة يعتبر قيمة يوم الغصب بناء على أن الزوائد غير مضمونة (وأما) الالف فلان أحمد يعتبر قيمة يوم التلف إذا كان التفاوت لاضطراب الاسواق ولو لم يهلك العبد المغصوب لكنه أبق أو عيبه الغاصب أو ضلت الدابة أو ضاع الثوب فللمالك أن يضمنه القيمة في الحال لحصول الحيلولة ولزوم الضرر والاعتبار بأقصى القيم من يوم الغصب إلى يوم المطالبة وليس للغاصب أن يلزمه قبول القيمة لان قيمة الحيلولة ليست حقا ثابتا في الذمة حتى يجبر على قبوله والابراء عنه بل لو أبرأه المالك منها لم ينفذ وعن بعض الاصحاب تنزيلها منزلة الحقوق المستقرة ثم القيمة المأخوذة يملكها المالك كما يملك عند التلف وينفذ تصرفه فيها ولا يملك الغاصب المغصوب كما لا يملك نصف العبد إذا قطع إحدى يديه وغرم فإذا ظفر بالمغصوب فللمالك استرداده ورد القيمة وللغاصب رده واسترداد القيمة وهل له حبس المغصوب إلى أن يسترد القيمة ذكر في الكتاب أن له ذلك وهذا حكاه القاضى حسين عن نص الشافعي رضى الله عنه كما حكى ثبوت الحبس للمشتري في الشراء الفاسد لاسترداد الثمن لكن تقدم في البيع ذكر الخلاف في ثبوت الحبس للمشتري وبينا أن الظاهر المنع ويشبه أن يكون حبس الغاصب في معناه والمنع هو اختيار الامام في الصورتين وإذا(11/284)
كانت الدراهم المبذولة باقية بعينها في يد المالك فللشيخ أبى محمد تردد في أنه هل يجوز للمالك إمساكها وغرامة مثلها أم لا وإذا اتفقا على ترك التراد فلا بد من بيع ليصير المغصوب للغاصب (وقوله) في الكتاب ورد القيمة معلم - بالحاء - لان عنده تملك العبد بالضمان فلا رد ولا استرداد وساعدنا في المدبر وفيما إذا اختلفا في القيمة وغرمناه ما اعترف به ثم عند الظفر بالمغصوب أنها كانت أكثر واعلم أن التضمين في صورة الاتفاق وغيرها لا يختص بالمتقومات وان أورده في هذا القسم بل ضمان الخيار ثابت في كل مغصوب خرج من يد المالك وتعذر رده.
(فرع) قد مر أن منافع المغصوب مضمونة فبم كانت الاجرة في مدة الغصب متفاوتة يضمن
فيه ثلاثة أوجه حكاها القاضى أبو سعد بن يوسف (أضعفها) إنها بالاكثر في جميع المدة (وأظهرها) أنها تضمن في كل بعض من أبعاض المدة بأجرة مثلها (والثالث) أن الامر كذلك ان كانت الاجرة في أول المدة أقل وان كانت أكثر ضمنها بالاكثر في جميع المدة لانه لو كان المال في يده فربما يلزمه بها جميع المدة.
قال (وان تنازعا في تلف المغصوب فالقول قول الغاصب (و) لانه ربما يعجز عن البينة وهو صادق.
فان حلف جاز طلب القيمة وان كان العين باقية بزعم الطالب للعجز بالحلف.
وكذلك(11/285)
إذا تنازعا في القيمة أو في صفقة العبد (و) أو في عيب (ز) يؤثر في القيمة فالقول قول الغاصب لان الاصل براءة الذمة.
وكذلك إذا تنازعا في الثوب الذى على العبد لان العبد وثوبه في يد الغاصب) .
المقصود من بقية الباب الكلام في تنازع المالك والغاصب وذلك يقع على أنحاء (منها) إذا ادعى الغاصب تلف المغصوب وأنكر المالك فالصيحيح وهو المذكور في الكتاب أن القول قول الغاصب مع يمينه لانه قد يعجز عن البينة وهو صادق فلو لم نصدقه لتخلد الحبس عليه ولما وجد عنه مخرجا وفيه وجه أن القول قول المالك مع اليمين لان الاصل بقاؤه (وإذا قلنا) بالاول فلو حلف الغاصب هل للمالك تغريمه القيمة أو المثل فيه وجهان (أحدهما) لا لبقاء العين في زعمه (وأصحهما) نعم وهو المذكور في الكتاب لانه عجز عن الوصول إليها بيمين الغاصب وان كانت باقية (ومنها) إذا اتفقا على الهلاك واختلفا في قيمته فالقول قول الغاصب لان الاصل براءة ذمته عن الزيادة وعلى المالك البينة وينبغى أن يشهد الشهود بان قيمته كذا أما إذا أراد اقامة البينة على صفات العبد ليقومه المقومون بتلك الصفات فعن صاحب التقريب حكاية قول أنها تقبل ويقوم وينزل على أقل الدرجات (والمذهب) المنع لان الموصوفين بالصفات الواحدة يتفاوتون في القيمة لتفاوتهم في الملاحة وما لايدخل تحت الوصف قال الامام لكن المالك يستفيد باقامة البينة على الاوصاف ابطال دعوى الغاصب(11/286)
مقدارا حقيرا لا يليق بتلك الصفات كما لو أقر الغاصب بصفات في العبد تقتضي النفاسة ثم قومه بشئ
حقير لا يليق بها لا يلتفت إليه بل يؤمر بالزيادة إلى أن يبلغ حدا يجوز أن تكون قيمة لمثل ذلك الموصوف ولو قال المالك قيمته ألف وقال الغاصب خمسمائة وجاء المالك ببينة على أنها أكثر من خمسمائة من غير تقدير (منهم) من قال لا تسمع البينة هكذا (والاكثرون) سمعوها وقالوا فائدة السماع ان يكلف الغاصب الزيادة على الخمسمائة إلى حد لا تقطع البينة بالزيادة عليه ولو قال المالك لاأدري كم قيمته لم تسمع دعواه لقوله حتى يبين وكذا لو قال الغاصب أعلم أعلم أنه دون ما ذكره ولا أعرف قدره لم تسمع حتى يبين فإذا حلف عليه (ومنها) لو قال المالك كان العبد كاتبا أو محترفا وأنكر الغاصب فالقول قول الغاصب لان الاصل عدمه براءة ذمته وحكى العراقيون من أصحابنا وجها أن القول قول المالك لانه أعرف بحال مملوكه ولو ادعي الغاصب به عيبا وأنكر المالك نظر ان ادعى عيبا حادثا بان قال كان أقطع أو سارقا ففى المصدق منهما قولان (أحدهما) الغاصب لان الاصل براءة ذمته (وأصحهما) المالك لان الاصل والغالب دوام السلامة ولو ادعى عيبا في أصل الخلقة بان قال كان أكمه أو ولد أعرج أو عديم اليد فالمصدق الغاصب لان الاصل العدم والمالك متمكن من اثباته بالبينة وفيه وجهان آخران (أحدهما) تصديق المالك نظرا إلى غلبة السلامة (والثاني) الفرق بين(11/287)
ما يندر من العيوب ومالا يتدر ولفظ الكتاب في الغصب وان كان مطلقا لكن في الوسيط ما يبين أنه أراد به العيب الخلقى ولو رد المغصوب وبه عيب وقال غصبته هكذا وقال المالك بل حدث العيب عندك قال في التتمة المصدق الغاصب لان الاصل براءة ذمته وعدم يده على تلك الصفة (ومنها) لو تنازعا في الثياب التى على العبد فالمصدق الغاصب لان العبد وما عليه في يد الغاصب هذه صورة الكتاب في الاختلاف (ومنها) لو قال غصبت مني دارا بالكوفة فقال بل غصبت منى دار بالكوفة فقال غصبت دارك بالمدينة فالقول قول المدعى عليه في أنه لم يغصب دار الكوفة وأما غصب دار المدينة فان وافقه فان وافقه المدعى عليه ثبت والا ارتد اقراره بتكذيبه (ومنها) غصب خمرا محترمة وهلكت عنده ثم قال المغصوب منه هلك بعد التخليل وقال الغاصب بل قبلها فلا ضمان على المصدق لان الاصل بقاء الخمرية وبراءة ذمته (ومنها) قال طعامي الذى غصبته حديثا وقال الغاصب بل عتيقا فهذا كالخلاف في كون(11/288)
العبد كاتبا والمصدق الغاصب فان نكل عن اليمين حلف المالك ثم له ان يأخذ العتيق فانه دون حقه (ومنها) باع عبدا من انسان فجاء آخر يدعي أنه ملكه وأن البائع كان غصبه منه فلا شك أن له دعوى عين العبد على المشترى وفى دعواه القيمة على البائع ما ذكرناه في الاقرار فان ادعى العين على المشترى فصدقه أخذ العبد منه ولا رجوع له بالثمن على البائع المكذب فان كذبه فاقام المدعي عليه بينة اخذه ورجع المشترى بالثمن على البائع فان لم يقم البينة ونكل المشترى حلف المدعى وأخذه ولا رجوع للمشترى بالثمن لتقصيره بالنكول وان صدقه البائع دون المشترى لم يقبل اقرار البائع على المشترى وبقى البيع بحاله الا أن يكون اقراره بالغصب في زمن الخيار فيجعل ذلك فسخا للبيع ثم لو عاد العبد إلى البائع بارث أو رد بعيب لزمه تسليمه إلى المدعى وان صدقه البائع والمشترى جميعا سلم العبد إلى المدعى وعلى البائع رد الثمن المقبوض على المشترى ان بقى بحاله وضمانه ان تلف ولو جاء المدعى بعد ما أعتق المشترى العبد وصدقه البائع والمشترى لم يبطل العتق سواء(11/289)
وافقهما العبد أو خالفهما لما في العتق من حق الله تعالى ولهذا سمعت شهادة الحسبة عليه بخلاف مالو كاتبه المشترى ثم توافقوا على تصديق المدعى لان الكتابة قابلة للفسخ وللمدعى في مسألة الاعتاق قيمة العبد على البائع ان اختص بتصديقه إذا أوجبنا الغرم للحيلولة وعلى المشترى ان اختص بتصديقه وعلى من شاء منهما ان صدقاه وقرار الضمان على المشتري إلا أن تكون القيمة في يد البائع أكثر فلا يطالب المشترى بالزيادة ولو مات المعتق وقد اكتسب أموالا كانت للمدعى لان المال خالص حق الآدمى وقد اتفقوا على أنه هو المستحق بخلاف العتق فان تصادقهم فيه إنما لم يؤثر لما فيه من حق الله تعالى هكذا أطلقوه قال الامام وهو منزل على الاكساب التى يستقل العبد بها فاما الاكساب التى يحتاج فيها إلى إذن السيد فان المدعى لا يستحقها إذا اعترف بخلوها عن الاذن.
(الباب الثاني في الطوارئ وفيه ثلاثة فصول) قال (الاول في النقصان فإذا غصب ما قيمته عشرة فعاد إلى درهم ورده بعينه فلا شئ عليه
لان الفائت رغبات الناس لا شئ من المغصوب.
وان تلف فالواجب عشرة وهو أقصى القيمة.
وان(11/290)
تلف بعضه كالثوب إذا أبلاه حتى عاد إلى نصف درهم بعد رجوع الاصل إلى درهم ضمن القدر الفائت وهو نصف الثوب بنصف أقصى القيم وهو خمسة.
وردها مع الثوب البالي) الطوارئ على المغصوب (اما) أن تعود إلى ذاته أو لا تعود إليها فالاول اما أن تكون بزيادة أو نقصان واما أن لاتعود إلى ذاته فأهم ما نتكلم فيه من هذا النوع تصرفات الغاصب فلذلك اشتمل الباب على ثلاثة فصول (أولها) في النقصان والناقص من المغصوب اما قيمته أو شئ من أجزائه وصفاته أو كلاهما (القسم الاول) أن يكون النقصان في القيمة وحدها كما لو غصب ما قيمته عشرة فرده بحاله وقد عادت قيمته إلى درهم فلا شئ عليه وقال أبو ثور عليه نقصان القيمة كما لو تلف المغصوب والصورة هذه تلزمه أقصى قيمته عشرة.
لنا أن الفائت رغبات الناس لا شئ من المغصوب بخلاف ما إذا أتلف فان الواجب هناك البدل فوجب الاكثر لكونه مأمورا بالرد في تلك الحالة وإذا كانت العين باقية فالواجب ردها وقد أتى به وليعلم (قوله) في الكتاب فلا شئ عليه - بالواو - لمذهب أبى ثور فانه وإن كان داخلا في طبقه أصحاب الشافعي رضى الله عنه فله مذهب برأسه ولا يعد تفرده وجها لكن حكي الموفق بن طاهر أن من الاصحاب من يوافقه وأيضا فان الامام بعد توجيه مذهبه بأنه(11/291)
تنسب إلى تفويت تلك الزيادة بادامة اليد العادية قال وهذا يجده القياس منقاسا (الثاني) أن يكون النقصان في كليهما فالجزء التالف مضمون بقسط من أقصى القيم من يوم الغصب إلى التلف والنقصان الحاصل بتفاوت السوق في الباقي المردود غير مضمون مثاله غصب ثوبا قيمته عشرة وانخفض السوق فعادت قيمته إلى درهم ثم لبسه فابلاه حتى عادت إلى نصف درهم يرده مع خمسة دراهم لان الاستعمال والابلاء تنسحق أجزاء من الثوب وتلك الاجزاء والصورة هذه نصف الثوب لانتهاء قيمته إلى نصف درهم بعد ما كانت قبل الاستعمال درهما فيغرم النصف بمثل نسبته من أقصى القيم كما يغرم الكل عند تلفه بالاقصى ولو كانت القيمة عشرين وعادت بانخفاض السوق إلى عشرة ثم لبسه وأبلاه حتى عادت
إلى خمسة لزمه مع رده عشرة ولو كانت عشرة وعادت بانخفاض السوق إلى خمسة ثم لبسه وأبلاه حتى عادت إلى درهمين لزمه مع ستة لانه تلف بالابلاء ثلاثة أخماس الثوب فيغرمها بثلاثة أخماس أقصى القيم وذكر الشيخ أبو على أن بعض من شرح المولدات أخطأ في هذه الصورة فقال يلزمه ثلاثة لانها الناقصة بالابلاء ولا عبرة بالخمسة التى هي نقصان السوق وقياس قول هذا القائل أن يلزمه في الصورة الاولى وهى المذكورة في الكتاب نصف درهم وفى الثانية خمسة دراهم ولو غصبه وقيمته(11/292)
عشرة فاستعمله أولا حتى عادت بالابلاء إلى خمسة ثم انخفض السوق فعادت قيمته إلى درهمين فرده يلزمه مع الرد الخمسة الناقصة بالابلاء ولا يغرم النقصان الحاصل في السوق في البالى الباقي ولو غصب ثوبا قيمته عشرة ولبسه وأبلاه حتى عادت القيمة إلى خمسة ثم ارتفع السوق فبلغت قيمته وهو بال عشرة فظاهر كلام ابن الحداد أنه يغرم مع رد الثوب لان الباقي من الثوب نصفه وهو يساوى عشرة فلو بقي كله لكان يساوى عشرين فيغرم عشرة للتالف واختلف الائمة فيه فساعده بعضهم وخالفه الجمهور على انقسامهم إلى مغلط ومؤول وقالوا لا يغرم مع رده الا الخمسة الناقصة بالاستعمال ولا عبرة بالزيادة الحاصلة بعد التلف ألا ترى أنه لو تلف الثوب كله ثم زادت القيمة لم يغرم تلك الزيادة قال الامام والصفات كالاجزاء في ذلك كله حتى لو غصب عبدا صانعا قيمة مائة فنسى الصنعة وعادت قيمته إلى الخمسين ثم أرتفع السوق فبلغت قيمته ناسيا مائة وقيمة مثله إذا أحسن تلك الصنعة مائتين لا يغرم مع رده الا خمسين واعلن أن الجواب في صور ابلاء كلها مبنى على أن أجرة مثل المغصوب لازمه مع أرش النقصان الحاصل بالاستعمال وهو الاصح وقد مر وجه آخر أنه لا يجمع بينهما فعلى ذلك الوجه الجواب لزوم أكثر الامرين من المقادير المذكورة أو أجرة المثل(11/293)
ولو أختلف المالك والغاصب في قيمة الثوب الذى أبلاه أنها متى زادت فقال المالك زادت قبل الابلاء فاغرم التالف بقسطه منها وقال الغاصب بل زادت بعده قال ابن سريج المصدق الغاصب لانه غارم كما لو تلف كله واختلفا في أن القيمة قبل التلف أو لعده (وأما) القسم الثالث وهو ان يكون النقصان
في شئ من الاجزاء والصفات بعدها فيوضحه المسائل الآتية على الاثر.
قال (ولو مزق الثوب خرقا لم يملكه (ح) بل يرد الخرق وأرش النقص.
وأن كانت الجناية لا تقف سرايتها إلى الهلاك كما لو بل الحنطة حتى تعفنت.
أو اتخذ منها هريسة.
أو من التمر والسمن حلواء فنص الشافعي رحمة الله عليه أن المالك بالخيار بين أن يأخذ المعيب وأرش النقص) .
أو يطالب بمثل أصل المال فان مصيره إلى الهلاك في حق من لا يرده فكأنه هالك.
وفيه قول مخرج وهو القياس أنه ليس له ألا ما بقى من ملكه وأرش النقص) .
النقصان الحاصل في المغصوب نوعان (أحدهما) مالا سراية له فعلى الغاصب ارشه ورد الباقي لافرق في ذلك بين أن يكون الارش قدر القيمة كما في قطع يدى العبد أو دونها ولا بين أن يفوت معظم منافعه أولا يفوت ولابين أن يبطل بالجناية عليه الاسم الاول وأن يبطل قال أبو حنيفة(11/294)
إذا كان الواجب قدر القيمة أو فوت الغاصب معظم منافعه بجنايته كما لو مزق الثوب المغصوب خرقا أو شقه طولا أو كسر قوائم الدابة أو بعضها لم يكن للمالك أن يغرمه شيئا الا أن يترك المغصوب إليه وكذا لو ذبح الشاة أو صبغ الثوب بما لا يقبل بعده لونا آخر وهو السواد قال فإذا تصرف فيه بما أبطل الاسم الاول ملك وغرم قيمته ولا سبيل للمالك إلى أخذه منه وهذا كما إذا أخذه غصب حنطة فطحنها أو دقيقا فخبزة أو شاة فذبحها وشواها أو صفرا واتخذه آنية أو ثوبا فخاط منه قميصا وساعدنا في قطع أذن الدابة واحدى يدى العبد وما أشبهها أنه يأخذ الباقي ويغرمه الارش واحتج الشافعي رضى الله عنه فقال جناية قطع اليدين فوق جناية جناية قطع احداهما فإذا لم يستفد بالغرامة في أدنى الجنايتين ملكا وجب أن لا يستفيد في أعلا الجناتين بطريق اولى وعبارة الاصحاب أنه جنى على ملك الغير فلا يتوقف تغريمه على تمليكه كما لو قطع احدى اليدين ولو أراد المالك ترك الناقص عند الغاصب وتغريمه بدله لم يكن له ذلك فانه عين ملكه ونقل صاحب المهذب وغيره وجها أنه إذا طحن الطعام المغصوب للمالك ترك الدقيق ومطالبته بالمثل لانه أقرب إلى حقه من الدقيق (والنوع الثاني) ماله سراية لا تزال تزداد إلى الهلاك الكلى كما لو بل الحنطة وتمكن منها العفن السارى أو اتخذ من الحنطة(11/295)
المغصوبة هريسة أو غصب سمنا وتمرا ودقيقا واتخذ منها عصيرة نقل العراقيون عن نصه في الام انه يجعل كالهلاك ويغرم بدل كل مغصوب من مثل أو دقيمة وقولا آخر عن رواية الربيع أنه يرده مع ارش النقصان ثم قالوا فيه طريقان للاصحاب (أحدهما) اثبات القولين وجه الثاني القياس على النوع الاول من النقصان ووجه الاول أنه مشرف على التلف والهلاك ولو ترك بحاله لفسد فكأنه هالك (والطريق الثاني) القطع بالقول الاول وجعله كالهالك أظهر عندهم سواء أثبت القولين أم لا وأما الامام وصاحب التهذيب فانهما رويا في المسألة قولين (أرجحهما) أنه يرده مع ارش النقصان وليس للمالك الا ذلك (والثانى) انه يتخير المالك بينه وبين أن يغرمه بدل ماله من مثل أو قيمة ويجعل كالهالك لان ارش النقص السارى لا يكاد ينضبط فله أن يكفى نفسه مؤنه الاطلاع عليه وايضا فانه إذا لم يرده وتركه بحاله أيهلك بخلاف ما إذا طحن الحنطة فانه يرد الدقيق فلو ترك بحاله لا يهلك ونسب الامام التخير هكذا إلى نص الشافعي رضى الله عنه وبه أجاب طائفة منهم الشيخ أبو محمد والمسعودي هو كالمتوسط بين ما اختاره العراقيون وبين ما اختاره الامام وصاحب التهذيب وذكر البندنيجى قولا آخر عن رواية أبي اسحق في الشرح أنه يتخير الغاصب بين أن يسكنه ويغرمه وبين أن يرده مع ارش النقصان(11/296)
ويخرج المختصر من هذه الروايات أربعة أقوال (تغريمه) كما هلك (رده) وارش النقصان (تخيير) الغاصب وإذا قلنا بالاول فقد أورد أبو سعيد المتولي وجهين في أن الحنطة المبلولة لمن تكون (أحدهما) تبقى للمالك كيلا يكون العدوان قاطعا حقه كما لو نجس زيته وقلنا انه لا يطهر بالغسل فان كونه للمالك أولى به (والثانى) ان يكون للغاصب لانا ألحقناه بالهلاك في حق المالك ولو هلك لم يكن للمالك غير ما أخذه ضمانا وكذلك ههنا وإذا حكمنا بتغريمه الارش مع الرد فانه يغرم ارش عيب سار وهو أكثر من ارش الفائت ثم قال الشيخ المتولي ان رأى الحاكم أن يسلم الجميع إليه فعل وان رأى سلم ارش النقص المتحقق في الحال إليه ووقف الزيادة إلى أن تتقين نهايته وفى هذا توقف لان المعقول من ارش العيب السارى ارش العيب الذى شأنه السراية وانه حاصل في الحال أما المتولد منه فيجب قطع النظر عنه
إذ الكلام في النقصان الذى لا تقف سرايته إلى الهلاك فلو نظرنا إلى المتولد معه لانجز ذلك إلى ان يكون ارش العيب السارى تمام قيمته وهو عود إلى القول الاول وقد بين في شرح المفتاح الشيخ أبو حامد السلمى ذلك فانه قال في التعبير عن قول التخيير ان شاء المالك ضمنه ما نقص إلى الآن ثم لا شئ له من زيادة فساد تحصل من بعد وان شاء تركه إليه وطالبه بجميع البدل.
ومن صور النوع الثاني ما إذا صب الماء في الزيت وتعذر تخليصه منه فاشرف على الفساد وعن الشيخ أبى محمد تردد في مرض العبد المغصوب إذا كان ساريا عسر العلاج كالسل والاستسقاء ولم يرتضه الامام لان المرض المئيوس منه قد يبرأ والعفن المفروض في الحنطة يفضى إلى الفساد لا محالة (وقوله) في الكتاب وفيه قول مخرج لم أجد غيره يصغه بكونه مخرجا وقد ذركنا انهم نقلوه عن رواية الربيع ولا حاجة مع النقل إلى التخريج نعم ربما لا يبلغ النقل المخرج فيقع الحافر على الحافر.
قال (ولو جني العبد المغصوب جناية قتل بها قصاصا ضمن الغاصب للمالك أقصى قيمته إذ حصل الفوات تحت يده.
وان تعلق الارش برقبته ضمن الغاصب للمجني عليه كما يضمن المالك إذا منع البيع وكأن الغاصب مانع.
فان تلف العبد في يده ضمن للمجني عليه الارش وللمالك القيمة.
وان سلم القيمة إلى المالك فللمجني عليه التعلق به لانه بدل عبد تعلق به ارشه.
فإذا أخذه المجني عليه رجع المالك على الغاصب بما اخذه لانه لم يسلم له) .(11/297)
مقصود الفصل الكلام في جناية العبد المغصوب وسبب ذكره في هذا الموضع ان الجناية احد انواع النقصان ونحن نذكره ونضم إليه حكم الجناية عليه اما جنايته فينظر ان جنى بما يوجب القصاص واقتص منه في يد الغاصب أقصى قيمه من يوم الغصب إلى الاقتصاص وان جني بما يوجب القصاص في الطرف واقتص منه في يده غرم بدله كما لو سقط بآفه ولو اقتص منه بعد الرد إلى السيد غرم الغاصب أيضا لان سبب الفوات حصل في يده وكذا الحكم لو ارتد أو سرق في يد الغاصب ثم قتل أو قطع بعد الرد إلى المالك ولو غصب مرتدا أو سارقا فقتل أو قطع في يد الغاصب هل يضمنه الغاصب في النهاية أنه على الوجهين في أنه إذا اشترى مرتدا أو سارقا فقتل أو قطع في يد المشترى
فمن ضمان من يكون القطع والقتل ولو جني المغصوب على نفس أو مال جناية توجب المال متعلقا برقبته فعلى الغاصب تخليصه بالفداء قال الامام وبم يفديه بارش الجناية بالغا ما بلغ أم بأقل الامرين من الارش ومن قيمة العبد فيه قولان كما إذا أراد المالك تخليص العبد الجاني وفداه قال وهذا لان وجوب بذل الارش بتمامه في حق المالك ووجهه أنه امتنع من البيع ولو رغب فيه ربما وقع الظفر بمن يشتريه بمقدار الارش ومثل هذا موجود في حق الغاصب لانه بالغصب مانع ملكه من بيعه وينزل ذلك منزلة المالك المانع ويترتب عليه تضمينه المجني عليه وهذا ما أشار إليه صاحب الكتاب بقوله كما يضمن المالك إذا منع البيع وكان الغاصب مانعا ولك أن تقول لو كان يضمنه للمنع من البيع لسقط الضمان إذا رده إلى المالك لارتفاع الحيلولة ولا يسقط بل لو بيع في الجناية بعد الرد إلى المالك غرمه الغاصب أيضا كما سيأتي ولم يوجه العراقيون تضمينه بذلك وانما وجهوه بان جناية العبد لنقص دخله فكان كسائر وجوه النقصان وسواء جرى الوجهان كما ذكره الامام أولا فالظاهر انه لا يجب على الغاصب تحصليه إلا باقل الامرين وهو المذكور في التتمة فإذا ثبت أن الجاني والجناية مضمونان على الغاصب فلا يخلوا إما ان يتلف العبد في يد الغاصب أو يرده ان تلف في يده فللمالك تغريمه أقصى القيم فإذا أخذها فللمجني عليه إن لم يغرم الغاصب له بعد أن يغرم الغاصب وله أن يتعلق بالقيمة التى أخذها المالك لان حقه كان متعلقا بالرقبة فيتعلق ببدلها كما أن العين المرهونة إذا أتلفها متلف يتوثق المرتهن ببدلها وحكى الشيخ أبو على وجها أن القيمة المأخوذة تسلم للمالك ولا يطالبه المجني(11/298)
عليه بها وانما يطالب الغاصب كما أن المجني عليه لو أخذ الارش لم يكن للمالك التعلق به فهما كرجلين لكل واحد منهما دين على ثالث والصحيح الاول وإذا أخذ المجني عليه حقه من تلك القيمة يرجع المالك بما أخذه على الغاصب لانه لم يسلم له بل أخذ منه بجناية مضمونة على الغاصب ثم الذى ياخذه المجني عليه قد يكون كل القيمة بان كان الارش مثل القيمة وقد يكون بعضها بان كانت القيمة الفا والارش خمسمائة فلا ياخذ الا خمسمائة ولا يرجع المالك الا بخمسمائة لان الباقي قد سلم له وكذا لو كان العبد يساوى الفا فرجع بانخفاض السوق إلى خمسمائة ثم جنى ومات عند الغاصب فغرمه الملك الالف لم يكن للمجني عليه الا خمسمائة وان كان ارش الجناية الفا
لانه ليس له عليه الا قدر قيمة الجناية وان رد العبد إلى المالك نظر ان رده بعد ما غرم المجني عليه فذلك وان رد قبله فبيع في الجناية رجع المالك على الغاصب بما أخذه منه لان الجناية حصلت حين كان العبد مضمونا عليه ويخالف ما إذا جنى في يد المالك ثم غصبه فرده ثم بيع في تلك الجناية حيث لا يرجع المالك بشئ لان الجناية حصلت وهو غير مضمون عليه وفرع ابن الحداد على ذلك فقال إذا جني في يد المالك جناية تستغرق قيمته ثم غصب وجني في يد الغاصب جناية أخرى مستغرقة ثم رده إلى المالك ثم بيع في الجنايتين وقسم الثمن بينهما نصفين يرجع الملك على الغاصب بنصف قيمة العبد لان احدى الجنايتين وجدت والعبد في ضمانه فإذا أخذه كان للمجني عليه الاول التعلق به ولا حق للمجني عليه الثاني ووجه الشيخان أبو على وأبو محمد بان سبب وجوب هذا النصف انما هو الغصب فانه بالغصب ضمن ما يجنى المغصوب والغصب مقدم على الجناية الثانية فلا يأخذ المجني عليه الثاني بما يوجب به شيئا كما لو جنى عبده على رجل ثم قطعت يده ثم جنى على آخر ثم قتل أو مات من سراية القطع فان ارش اليد لا يأخذ منه المجني عليه الثاني شيئا لوجوبه بالقطع المتقدم على الجناية عليه ثم إذا أخذ المجني عليه الاول لم يرجع المالك على الغاصب لانه أخذه بسبب جناية غير مضمونة على الغاصب ولو كان الفرع بحاله وتلف العبد بعد الجنايتين في يد الغاصب فله طلب القيمة من الغاصب وللمجنى عليه أخذها فإذا أخذها فللمالك الرجوع بنصفها على الغاصب لانه أخذ منه النصف بجناية مضمونة على الغاصب فإذا رجع فللمجنى عليه الاول أخذه لانه بدل ما تعلق به حقه قبل الجناية الثانية وإذا أخذه لم يكن له الرجوع على الغاصب مرة أخرى لانه مأخوذ بجناية غير(11/299)
مضمونة على الغاصب هذا الظاهر المذهب في الحالتين وقيل إذا رد العبد وبيع في الحالتين فالنصف الاول يرجع به المالك سلم له ولا يؤخذ منه وانما يطالب المجني عليه الاول الغاصب بنصف القيمة وإذا ثبت في يد الغاصب بعد الجنايتين لا يأخذ المالك شيئا والمجني على الاول يطالب بتمام القيمة والمجني عليه الثاني يطالبه بنصف القيمة ولو جنى العبد المغصوب في يد الغاصب أولا ثم رده إلى المالك فجنى في يده جناية أخرى وكل واحد منهما مستغرق القيمة فبيع فيهما وقسم الثمن بينهما فللمالك الرجوع
على الغاصب بنصف القيمة للجناية التى هي مضمونة عليه فإذا أخذه قال الشيخ أبو على سمعت الشيخ القفال مرة يقول ليس لواحد من المجني عليهما أخذه (أما) الثاني فلان الجناية عليه مسبوقة بجناية مستغرقة وحق الثاني لم يثبت إلا في نصف القيمة وقد أخذ (وأما) الاول فلان حق السيد في القيمة ثبت بنفس الغصب وهو مقدم على حق المجني عليه فما لم يصل حقه إليه لا يدفع إلى غيره شيئا وقال وليس هذا بشئ بل للمجني عليه الاول أخذه كما في المسألة السابقة ولاعبرة بثبوت حق السيد في القيمة فان حق السيد وان كان متقدما فيتقدم عليه حق المجني عليه كما في نفس الرقبة قال وقد ناظرت القفال فرجع إلى قوله وعلى هذا فإذا أخذه المجني عليه الاول رجع به المالك على الغاصب مرة أخرى ويسلم له المأخوذ ثانيا لان الاول قد أخذ تمام القيمة والثانى لم يتعلق حقه الا بالنصف وقد أخذه ولو جني في يد الغاصب ثم في يد المالك كما صورنا ثم قتله الغاصب أو غصبه ثانيا فمات عنده أخذت القيمة منه بين المجني عليهما ثم للمالك أن يأخذ منه نصف القيمة لانه أخذ منه بسبب جناية مضمونة عليه فإذا أخذه كان للمجني عليه الاول أن يأخذه منه ثم له أن يرجع على الغاصب مرة أخرى ويسلم له المأخوذ في هذه المرة وقد غرم الغاصب والصورة هذه القيمة مرتين مرة بجناية العبد في يده ومرة بالقتل وعلى قياس الوجه الذى سبق يأخذ المجني عليه الاول تمام القيمة من الغاصب والثانى نصف القيمة وللمالك نصف القيمة ولا تراجع.
هذا هو القول في جناية العبد المغصوب (وأما) الجناية عليه فان قتل نظر ان وجب القصاص بأن كان القاتل عبدا والقتل عمدا فللمالك القصاص فإذا اقتص برئ الغاصب لانه أخذ بدل عبده ولا نظر مع القصاص إلى تفاوت القيمة كما لانظر في الاحرار إلى تفاوت الدية فان لم يجب القصاص بأن كان الجاني حرا فعليه بالجناية قيمة يوم القتل سواء قتله(11/300)
الغاصب أو أجنبي والمالك بالخيار بين أن يطالب به الغاصب أو الجاني لكن القرار على الجاني ثم ان كانت قيمته قبل يوم القتل أكثر ونقصت في يد الغاصب فعليه ما نقص بحكم اليد وان كان الجاني عبدا فان سلمه سيده وبيع في الجنايه نظران كان الثمن مثل قيمة المغصوب أخذه ولا شئ له على الغاصب إلا إذا كانت القيمة قد نقصت عنه قبل القتل وان كان الثمن أقل أخذ الباقي من الغاصب فان اختاره سيده فداه (ان قلنا)
يفديه بالارش أخذه ولا شئ له على الغاصب الاعلى التقدير المذكور (وان قلنا) يفدي بالاقل من أرش الجناية وقيمة الجاني فان كانت قيمة المغصوب أكثر من قيمة الجاني فالباقي على الغاصب إن كانت اقل أو مثلها أخذها المالك ولا شئ له على الغاصب إلا على التقدير المذكور ولو اختار المالك تغريم الغاصب الفداء فله ذلك وياخذ منه جميع قيمة المغصوب ثم يرجع الغاصب على سيد العبد الجاني بما غرم الا مالا يطالب به الا الغاصب هذا أذا كانت الجناية قتلا (أما) الجراحات فاما أن يكون لها أرش مقدر في حق الحر أولا يكون لها أرش مقدر فالواجب في القسمين ما بينا من قبل فإذا كان الواجب ما نقص من قيمته بالجناية كان المرعى حالة الاندمان فان لم يكن حينئذ نقصان لم يطالب بشئ وإذا كان الواجب مقدرا من القيمة كالمقدر من الدية فيؤخذ في الحال أم يؤخر إلى الاندمال فيه قولان كما لو كانت الجناية على الحر وسأتي ذلك في موضعه وإذا كان الجاني غير الغاصب وغرمناه القدر من القيمة وكان النقص أقصر من ذلك المقدر فعلى الغاصب ما زاد على المقدر فان كان المقدر أكثر مما نقص من القيمة فهل يطالب الغاصب بالزيادة على ما نقص من القيمة ذكرنا فيما إذا سقطت يده بآفة أن الاصح أنه لا يطالب وههنا الظاهر أنه يطالب والقرار على الجاني وترددوا فيما إذا قطعت يده قصاصا أوحدا لانه يشبه السقوط بآفة من حيث انه تلف بلا بدل ويشبه الجناية من حيث حصوله بالاختيار فان اجتمعت جناية المغصوب والجناية عليه كما إذا قتل العبد المغصوب إنسانا ثم قتله في يد الغاصب إنسان فللمغصوب منه أن يقتص ويسقط به الضمان عن الغاصب ويبطل حق ورثة من قتله المغصوب لان العبد الجاني إذا هلك ولم يحصل له عوض يضيع حق المجني عليه نعم لو كان المغصوب قد نقص عند الغاصب بعروض عيب بعد ما جني فلا يبرأ الغاصب من أرش ذلك النقصان ولولى من قتله التمسك به وان عرض عيب قبل جنايته فاز المغصوب منه بالارش لان الجزء *(11/301)
المقابل للارش كان مقصودا عند الجناية ولو لم يقتص المغصوب منه بل عفي على المال أو كانت الجناية موجبة للمال فحكم تغريمه وأخذه المال على ما مر في الجناية عليه من غير جناية منه ثم إذا أخذ المال كان لورثة من جني عليه عبده التعلق به لانه بدل الجاني على مورثهم فإذا أخذوه رجع المغصوب منه على
الغاصب مرة أخرى لانه أخذ منه بسبب جناية مضمونة عليه ويسلم له المأخوذ ثانيا على ما مر نظيره.
قال (وإذا نقل الغاصب التراب من أرض المالك فعليه رد التراب بعينه أو رد مثله أو الارش لتسوية الحفر والبائع إذا قلع أحجاره يكفيه تسوية الحفر ولا يلزمه الارش.
وقيل في المسألتين قولان بالنقل والتخريج.
والاكتفاء بالتسوية في الموضعين أولى فانه لا يتفاوت بخلاف بناء الجدار بعد هدمه وليس للغاصب أن ينقل التراب إلى ملكه الا باذنه.
فان منعه لم يكن له ذلك الا إذا تضرر الغاصب به لتضييقه ملكه أو لوقوعه في شارع يحذر من التعثر به ضمانا.
ولو حفر بئرا في داره فله طمها وان أباه المالك ليخرج عن عهدة ضمان التردي فان أبرأه المالك فالاظهر أن رضاه الطارئ كالرضا المقرون بالحفر حتى يسقط الضمان به فلا يجوز له الطم بعد رضاه) .
نقل التراب من الارض المغصوبة تارة يكون من غير احداث حفرة فيها كما إذا كشط عن وجهها وتارة يكون باحداث حفرة فيها كما إذا حفر بئرا أو شق نهرا (الحالة الاولى) إذا كشط وجه الارض ونقل التراب فللمالك اجباره على رده ان كان باقيا وان تلف وانمحق بهبوب الرياح والسيول الجارية رد مثله إليه وعليه اعادة وضعه وهيئته كما كانت من انبساط أو ارتفاع وان لم يطالبه المالك بالرد نظر ان كان له فيه غرض بأن دخل الارض نقص وكان ذلك النقص يرتفع بالرد ويتوقع منه الارش أو كان نقل التراب إلى ملكه وأراد تفريغه أو إلى ملك غيره أو شارع يحدث من التعثر به الضمان فله الاستقلال بالرد وان لم يكن شئ من ذلك بل نقله إلى موات أو من أحد طرفي الارض المغصوبة إلى الآخر فان منعه المالك من الرد لم يرده وان لم يمنعه فهل يفتقر الرد إلى اذن المالك حكي في التتمة فيه وجهين بناء على الوجهين في أنه إذا منعه فخالف فرد فهل يفتقر الرد للمالك مطالبته بالنقل ثانيا إلى الارض (إن قلنا) لارد من غير اذن المالك (وان قلنا) نعم افتقر إلى اذنه وهو المذكور في الكتاب وهو الاظهر وإذا كان له غرض في الرد فرده إلى الارض فمنعه المالك من بسطه لم يبسط وان كان في(11/302)
الاصل مبسوطا (الحالة الثانية) إذا حفر في الارض المغصوبة بئرا فأمره المالك بطمها لزمه الطم وان لم يأمره المالك كان له أن يستقل بالطم ليدفع عن نفسه خطر الضمان لو تردى فيها مترد وأيضا فقد يكون
في الطم بعض الاغراض المذكورة في الحالة الاولى وقال المزني لايطم الا باذن المالك فان منعه المالك وقال رضيت باستدامة البئر فان كان للغاصب غرض في الطم سوى دفع ضمان التردي فله الطم وان لم يكن له غرض سواه فوجهان (أحدهما) له الطم أيضا لان الاذن الطارئ لا يرفع حكم الحفر المتقدم (وأظهرهما) ويحكي عن أبي حنيفة المنع ويندفع عنه الضمان لخروجه عن أن يكون جناية وتعديا ولو لم يقل رضيت باستدامتها واقتصر على المنع من الطم ففي التتمة أنه كما لو صرح بالرضي لتضمنه إياه وقال الامام لا يتضمنه ولو كان الغاصب قد طم البئر بآلة نفسه فله نقلها وللمالك اجباره عليه فان تركها ووهبها منه لم يلزمه القبول على أظهر الوجهين وحيث قلنا في الحالتين أنه يرد التراب إلى الارض المغصوبة لوقوعه في ملكه أو في شارع فذاك إذا لم يتيسر نقله إلى موات ونحوه في طريق الرد فان تيسر لم يرده الا بالاذن قاله في النهاية وذكر أنه يستقل بطم البئر إذا بقى التراب الاول بعينه (أما) إذا تلف ففى الطم بتراب آخر دون أذن المالك وجهان وينبغي أن يجري هذا الخلاف في الحالة الاولى وفيما إذا طلب المالك الرد والطم عند تلف ذلك التراب والظاهر فيها جميعا أنه لافرق بين ذلك التراب وغيره أما إذا أعاد هيئة الارض في الحالتين إلى ما كانت عليه اما بطلب المالك أو دونه نظر ان لم يتفق في الارض نقص فلا ارش عليه ولكن عليه أجرة المثل لمدة الحفر والرد وان بقى فيها نقص وجب عليه الارش مع الاجرة هذا ما به الفتوى في مسألة الفصل من اولها إلى هذا الموضع ووراءه تصرف الاصحاب قالوا النص فيما نحن فيه ان يجب ارش النقص الحاصل بالحفر ولم يوجب التسوية لانه نص على ذلك فيما إذا غرس الارض المغصوبة ثم قلع بطلب المالك وإذا باع أرضا فيها أحجار مدفونة فقلعها ونقلها نص أنه يلزمه تسوية الارض واختلفوا فيها على طريقين (أحدهما) أن في الصورتين قولين بالنقل والتخريج (أحدهما) أن الواجب في الموضعين ارش(11/303)
النقصان لان الزام التسوية تقابل فعل بمثله فصار كما إذا هدم جدار الغير لا يكلف باعادة (والثاني) أن الواجب التسوية لتعود الارض إلى ما كانت ومهما أمكن التضمين بالمثل لا يصار إلى التضمين بالقيمة ويفارق هدم الجدار كما تقدم في البيع (والطريق الثاني) تقرير النصين وفرقوا بان الغاصب
متعد فغلظ عليه الامر بايجاب الارش لكن لامتانة لهذا الفرق لان مؤنة التسوية قد تزيد على أرش النقصان الحاصل بالحفر فلا يظهر زيادة تغليظ بايجاب الارش وأيضا فانا إذا أوجبنا التسوية وبقى بعد التسوية نقصان من الارش يجب ارشه نص عليه الائمة ولا يدمنه والا كان الضمان دون الفائت وإذا أوجبنا ارش النقصان الباقي بعد التسوية مع التسوية لم يكن فيه تخفيف والله أعلم.
وإذا نظرت في لفظ الكتاب أفهمك ظاهره انصراف الطريقين إلى شئ آخر وهو أن الواجب مجرد التسوية أم يجب مع التسوية ارش النقص الباقي لانه قال فعليه رد التراب والارش وأيضا قال يكفيه تسوية الحفر ولا يلزمه الارش وايضا قال والاكتفاء بالتسوية في الموضعين اولى لكن الاعتماد على ما نقلناه وان كان المراد ما اشعر به ظاهره كما انتظم الوجه بقوله فانه لا يتفاوت بخلاف بناء الجدار بعد هدمه لان هذا المعنى لا يقتضى القناعة بالتسوية والاضراب عن ارش النقصان الباقي بعدها وانما هو توجيه القول الصائر إلى وجوب التسوية والفرق بين اعادة الجدار بعد هدمه وبين التسوية إلى المغصوب منه لا الى الارش ويكون معنى قوله والارش لتسوية الحفر وقوله يكفيه تسوية الحفر ولا يلزمه الارش يؤمر بالتسوية ولا يكلف الارش أو ما أشبه ذلك ويجوز أن يعلم بالواو وقوله في الكتاب وتسوية الحفر في مسألة بيع الارض التي فيها حجارة مدفونة من كتاب البيع كما عرفته ههنا وكنا قد أحلنا شيئا من الكلام فيه إلى هذا الموضع واعلم أن توجيه هذا الخلاف الذي شرحناه يقتضى طرده في طم البئر لكنهم سكتوا عنه وقوله وليس له أن ينقل التراب إلى ملكه يجوز اعلامه بالواو ولما سبق وقوله وله طمه وان أباه(11/304)
المالك أي لم يرده ولم يأذن فيه أما إذا صرح بالمنع مع الرضى باستدامة البئر فهو على الوجهين اللذين ذكرهما عقبه وليعلم قوله وان أباه بالزاى وقوله فان أبرأه المالك أي عن ضمان التردي وهذا اللفظ قد استعمله كثير من الاصحاب قال الامام وليس المراد منه حقيقة الابراء فان الضمان حق عساه يثبت للمتردي فكيف يبرئ عن حق الغير قبل ثبوته وانما المراد الرضا بابقاء البئر كما قد مناه.
قال (وإذا خصى العبد فعليه كما قيمته.
قان سقط ذلك العضو بآفة سماوية فلا شئ (و) عليه لانه به تزيد قيمته.
وكذلك إذا نقص السمن المفرط ولم ينقص من القيمة)
إذا خصى العبد المغصوب فهو على القولين السابقين في أن جراح العبد هل تتقدر (ان قلنا) بالجديد وهو أنه تتقدر لزمه كمال القيمة (وان قلنا) لاتتقدر فالواجب ما نقص من القيمة فان لم ينقص شئ فلا شئ عليه ولو سقط ذلك العضو بآفة سماوية وزادت قيمته ورده فلا شئ عليه على القولين نعم قياس الوجه الذي قدمناه في أنه يضمن بالتلف تحت اليد العادية كما يضمن بالجناية أن يجب كمال القيمة فلو كان بالجارية سمن مفرط فزال ورجع إلى حد الاعتدال ولم تنقص قيمتها لم يلزمه شئ لان السمن ليس له بدل مقد بخلاف الانثيين ويجوز أن يعلم لما ذكرناه قوله فعليه كمال قيمته بالواو وكذا قوله فلا شئ عليه.(11/305)
قال (ولو عاد الزيت بالاغلاء إلى نصفه ضمن مثل نصفه وان لم تنقص القيمة لان له مثلا.
وكذا في اغلاء العصير.
وقال ابن سريج لا يضمن في العصير لان الذاهب مائية غير متمولة بخلاف الزيت) .
إذا غصب زيتا أو دهنا فاغلاه فاما أن تنقص عينه أو قيمته أو كليهما أولا ينقص واحد منهما فان نقصت عينه دون قيمته كما إذا غصب صاعين قيمتهما درهمين فعادا بالاغلاء إلى صاع قيمته درهمان ففيه وجهان (أحدهما) ويروى عن صاحب التلخيص أنه يرده ولا غرم عليه لان ما فيه من الزيادة والنقصان استند إلى سبب واحد فيجبر النقصان بالزيادة (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يرده ويغرم مثل الصاع الذاهب لان للزيت بدلا مقدرا وهو المثل فصار كما لو جني وخصى العبد والزيادة الحاصلة أثر محض لاينجبر به النقصان كما لا يستحق به الغاصب شيئا إذا لم يكن نقصان.
وان نقصت قيمته دون عينه رده مع ارش النقصان.
وان انتقصا جميعا فالواجب عليه مع رد الباقي مثل ما ذهب بالاغلاء إلا إذا كان ما نقص من القيمة أكثر مما نقص من العين فيلزمه مع مثل الذاهب أرش نقصان الباقي وان لم ينقص واحد منهما رده ولا شئ عليه * ولو غصب عصيرا وأغلاه فهل هو كالزيت حتى يضمن مثل الذاهب إذا لم تنقص القيمة فيه وجهان (أحدهما) نعم وبه قال أبو على الطبري لانه مضمون بالغلى كالزيت (والثاني) لا وبه قال ابن سريج والفرق أن حلاوة العصير باقية والذاهب(11/306)
مائية ورطوبة لاقيمة لها والذاهب من الزيت زيت متقوم وهذا أصح مما ذكره الشيخ أبو حامد والقاضى الروياني ومن قال به قطع بانه لا يضمن مثل العصير الذاهب وايراد صاحب الكتاب يقتضي ترجيح الوجه الاول وربما يقول من رجحه الذاهب من الزيت المائية أيضا الا أن مائيته أقل وعلى هذا أن يعود الوجهان المذكوران في أنه هل يضمن مثل الزيت الذاهب إذا لم تنتقص القيمة والخلاف المذكور فيما إذا أغلى العصير يجرى فيما إذا صار خلا وانتقص عينه دون قيمته وكذا وإذا صار الرطب تمرا.
قال (ولو هزلت الجارية ثم سمنت.
أو نسي الصنعة ثم تذكر.
أو أبطل صنعة الاناء ثم أعاد مثله ففي حصول الجبر وجهان.
ولو أعاد صنعة أخرى فلا ينجبر أصلا) .
نقصان المغصوب هل ينجبر بالكمال بعده ينظر ان كان الكمال من الوجه الذي حصل فيه النقصان كما لو هزلت الجارية ثم سمنت وعادت كما كانت ففيه وجهان (أحدهما) ينجبر ويسقط الغرم كما لو أبق العبد فعاد وكما لو جني على عين فابيضت ثم زال البياض (واظهرهما) المنع لان السمن الثاني غير الاول ويروى هذا عن الاصطخري والاول عن ابن أبي هريرة والوجهان عند القاضي أبي الطيب مبنيان على الخلاف فيما إذا قلع سن كبير وعاد وضعفه صاحب التتمة لان عود سن الكبير نادر وعود السمن ليس بنادر فهو بعود سن الصغير أشبه وأجري الوجهان فيما إذا كان العبد المغصوب(11/307)
صانعا فنسى الصنعة ثم تذكرها أو تعلمها ومنهم من قطع ههنا بالانجبار لان السمن الثاني زيادة في الجسم محسوسة مغايرة لما كان وتذكر الصنعة لا يعد في العرف شيئا متجددا والظاهر ههنا الانجبار سواء ثبت الخلاف أم لا ومنهم من قطع في السمن بعدم الانجبار وخص الخلاف بالصورة الثانية وحكاه في التهذيب عن صاحب التلخيص وإذا قلنا بالانجبار فلو لم تبلق القيمة بالعائد إلى القيمة الاولى ضمن ما بقى من النقصان وانجبر ما وراءه بما عاد ويجرى الخلاف فيما إذا كسر الحلى والاناء المغصوبين ثم أعاد تلك الصنعة ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب وجهان بالواو للطريقة القاطعة بعدم
الانجبار بعود السمن وبالانجبار في تذكر الصنعة وان كان الكمال من وجه آخر بان نسى صنعة وتعلم أخرى أو أبطل صنعة الاناء وأحدث صنعة أخرى فلا انجبار بحال وعلى هذا لو تكرر النقصان وكان الناقص كل مرة مغاير للنوع الناقص في المرة الاخرى ضمن الكل حتى لو غصب جارية قيمتها مائة فسمنت وبلغت القيمة الفا وتعلمت صنعة فلبغت القيمة الفين ثم هزلت ونسيت الصنعة فعادت قيمتها إلى مائة يردها ويغرم الفا وتسعمائة ولو علم العبد المغصوب سورة من القرآن أو حرفة فنسيها ثم علمه حرفة أو سورة أخرى فنسيها أيضا ضمنها وان لم تكن مغايرة كما إذا علمه سورة واحدة أو حرفة واحدة مرارا وهو ينساها في كل مرة (فان قلنا) لا يحصل الانجبار بالعائد ضمن النقصان كل مرة (وان قلنا) يحصل ضمن أكثر المرات نقصانا.(11/308)
(فرع) لو زادت قيمة الجارية بتعلم الغناء ثم نسيته نقل القاضي الروياني عن النص انه لا يضمن النقصان لانه غير محترم والمضمون الزيادة المحترمة وعن بعض الاصحاب أنه يغرمه ولهذا لو قتل عبدا مغنيا يغرم قيمته قال وهو الاختيار.
(فرع) مرض العبد المغصوب ثم برئ وزال أثر المرض لا شئ عليه مع رده وفيه وجه بعيد أنه يضمن النقص الحاصل بالمرض ولا يسقط عنه بالبرء وكذا الحكم فيما لو رده مريضا ثم برئ وزال الاثر.
(فرع) غصب شجرة فتحاث ورقها ثم أو رقت أو شاة فجز صوفها ثم نبت غرم الاول ولا ينجبر بالثاني بخلاف مالو سقط من الجارية المغصوبة ثم نبت أو انمعط شعرها ثم نبت يحصل الانجبار قاله في التهذيب لان الورق والصوف متقومان فيغرمهما وسن الجارية وشعرها غير متقومين وانما يغرم أرش النقص الحاصل بفقدانها وقد زال.
قال (ولو غصب عصيرا فصار خمرا ضمن مثل العصير لفوات المالية.
ولو صار خلافا لاصح أنه يرد مع أرش النقصان إن كان الحل أنقص قيمة.
وقيل يغرم مثل العصير ويرد الخل وهو رزق جديد كالسمن العائد.
وكذا الخلاف في البيض إذا تفرخ.
والبذر إذا زرع.
والاصح الاكتفاء
به فانه استحالة إلى زيادة.
ولو غصب خمرا فتخلل في يده.
أو جلد ميتة فدبغه فالاصح أن الخل (ح) والجلد للمغصوب منه.
وقيل بل للغاصب فانه حصل بفعله مما لامالية للمالك فيه) .(11/309)
في باقي الفصل مسألتان (احداهما) إذا غصب عصيرا فتخمر عنده كان للمغصوب منه تضمينه مثل ما لعصير لفوات المالية وذكروا أن على الغاصب اراقة الخمر فلو جعلت محترمة كما لو تخمرت في يد المالك من غير قصد التخميرية لكان جائزا ولو تخللت في يد الغاصب فوجهان (أصحهما) أن الخل للمالك وعلى الغاصب أرش النقصان ان كانت قيمة الخل أنقص (والثاني) أنه يغرم مثل العصير لانه بالتخمير كالتالف وعلى هذا ففي الخل وجهان (أحدهما) أنه للغاصب كما لو غصب الخمر فتخللت يكون الخل للغاصب على وجه (وأظهرهما) أنه للمالك لانه فرع ملكه ويجوز أن يكون الخل له ولا يسقط الضمان اللازم قبل التخلل كما في السمن العائد على أحد الوجهين ويجرى هذا الخلاف فيما إذا غصب بيضة فتفرخت عنده أو بذرا فزرعه فنبت أو بزرقز فصار قزا فعلى الاصح الحاصل للمالك ولا يغرم الغاصب شيئا إلا أن يكون الحاصل أنقص قيمة مما عصبه لان المغصوب قد عاد إليه زائدا وعلى الثاني يغرم المغصوب لهلاكه والحاصل للمالك في أظهر الوجهين وللغاصب في الآخر وبه قال أبو حنيفة والمزني ويجوز أن يعلم لما ذكرنا قوله ويرد الخل بالواو (وقوله) والاصح الاكتفاء به بالحاء والزاي لان اكاتفاء المالك مفرع على أنه له وهما لا يجعلان الحاصل له ثم الاكتفاء فيما إذا لم يكن الحاصل نقص وهو الغالب (الثانية) إذا غصب خمرا فتخللت في يده أو جلد ميتة فدبغه فوجهان (أصحهما) أن الخل والجلد للمغصوب منه لانه فرع ملكه فعلى هذا إذا تلف في يده غرمه (والثاني) أنهما للغاصب لحصولهما عنده بما ليس بمال وفي المسألة طريقان آخران (أحدهما) القطع بان الخل للمالك وتخصيص الوجهين بالجلد بأن الجلد صار مالا بفعله والخمر تخللت بنفسها (والثاني) القطع بأن الجلد للمالك وتخصيص الوجهين بالخل لان جلد الميتة يقتنى والخمر التي غصبها لا يجوز اقتناؤها فان كانت الخمر محترمة كانت كجلد الميتة وإذا جمعت الطرق واختصرت قلت هما للمالك أو للغاصب أو الخل للمالك والجلد للغاصب أو بالعكس فيه أربعة أوجه وإذا حكمنا بأنها للمالك وذلك فيما إذا لم يكن المالك معرضا(11/310)
عن الخمر والجلد (وأما) إذا كان قد أرق الخمر أو القى جلد الشاة الميتة فأخذهما أحد هل للمعرض استرداد الحاصل فيه وجهان لانه أبطل اختصاصه بالابقاء (وقوله) في الكتاب فانه حصل بفعله فيما لامالية للمالك فيه هذا في الجلد ظاهر وفي الخمر كأنه يعني به الحفظ والامساك إلى أن تتخلل.
قال (الثاني في الزيادة فإذا غصب حنطة فطحنها.
أو ثوبا فقصره.
أو خاطه.
أو طينا فضر به لبنا.
أو شاة فذبحها وشواها لم يملك (ح) شيئا من ذلك.
بل يرده على حاله وأرش النقص ان نقص.
وان غصب نقرة فصاغها حليا ردها كذلك.
ولو كسره ضمن الصنعة وان كانت من جهته لانها صارت تابعة للنقرة.
فان أجبره المالك على رده إلى البقرة فله ذلك ولا يضمن أرش الصنعة.
ويضمن ما نقص من قيمة أصل النقرة بالكسر) .
الزيادة في المغصوب تنقسم إلى آثار محضة والى أعيان (أما القسم الاول) فالقول الجملى فيه أن الغاصب لا يستحق بتلك الزيادة شيئا لتعديه ثم ينظران لم يمكن رده إلى الحالة الاولى رده بحاله وأرش النقص وان نقصت قيمته وان أمكن رده إلى الحالة الاولى فان رضى به المالك لم يكن للغاصب رده إلى ما كان وعليه أرش النقص ان كان فيه نقص الا أن يكون له غرض في الرد إلى الحالة الاولى فله الرد وان ألزمه الرد إلى الحالة الاولى لزمه ذلك وأرش النقص ان نقص عما كان قبل تلك الزيادة.
إذا تقرر ذلك فمن صور هذا القسم طحن الحنطة وقصارة الثوب وخياطته وضرب الطين لبنا وذبح الشاة وشيها ولا يملك الغاصب المغصوب بشئ من هذه التصرفات بل يردها مع أرش النقص ان نقصت القيمة وقد ذكرنا خلاف أبي حنيفة وانما تكون الخياطة من هذا القسم إذا خاط بخيط المالك (أما) إذا كان الخيط للغاصب فستأتي نظائره في الطحن والقصارة والذبح والشيئ لا يمكن الرد إلى ما كان وكذا في شق الثوب وكسر الاناء ولا يجبر على رفو الثوب واصلاح الاناء لانه لا يعود إلى ما كان بالرفاء والاصلاح وعن مالك أنه يجبر عليها كما في تسوية الحفر ولو غزل القطن المغصوب رد الغزل وأرش النقص إن نقص(11/311)
ولو نسج الغزل المغصوب فالكرباس للمالك مع أرش النقص ان قرض نقص وليس للمالك اجباره على
نقضه ان كان لا يمكن رده إلى الحالة الاولى ونسجه ثانيا وان أمكن كالخز فله اجباره عليه فان نقضه ونقصت قيمته عن قيمة الغزل في الاصل غرمه ولا يغرم ما كان قد زاد بالنسج وفات بالنقض لان المالك أمره بذلك فان نقض من غير اذن المالك ضمنه أيضا ولو غصب نقرة وضربها دراهم أو صاغ منها حليا أو غصب نحاسا أو زجاجا واتخذ منه اناء فان رضى المالك به رده كذلك وان لم يكن له رده إلى الحالة الاولى الا أن يكون ضرب الدراهم بغير اذن السلطان أو على غير عياره لانه حينئذ يخاف التغرير.
قال (ولو غصب ثوبا قيمته عشرة وصبغه بصبغ قيمته عشرة فصارت قيمة الثوب عشرين فهما شريكان.
فيباع ويقسم الثمن بينهما.
فان وجد زبون يشترى بثلاثين صرف إلى كل واحد خسمة عشر.
وان عاد الثوب إلى خمسة عشر بالصبغ حسب النقصان على الصبغ.
وان عاد إلى ثمانية ضاع الصبغ وغرم الغاصب درهمين.
وكذا القول في ثبوت الشركة إذا طير الريح الثوب إلى اجانة صباغ.
أو صبغ الثوب المغصوب بصبغ مغصوب من غيره.
فان قبل الصبغ الفصل أجبر الغاصب على فصله كما يجبر على قلع الزرع والغراس والبناء وان نقص زرعه به.
وقال ابن سريج لا يجبر على فصل الصبغ ان كان يضيع بالفصل أولا تفى قيمته بما يحدث في الثوب من نقصان بسبب الفصل.
ومهما طولب بالفصل وكان يستضر به فلو تركه على المالك أجبر على قبوله في وجه كالنعل في الدابة المردودة بالعيب.
وان لم يكن عليه ضرر لم يكن له الاجبار على القبول.
ولو بذل المالك قيمة الصبغ لم يكن له أن يتملك عليه فان بيع الثوب للخلاص من الشركة سهل.
بخلاف المعير يتملك بناء المستعير ببدل لان بيع العقار عسير.
ومهما رغب المالك في بيع الثوب أجبر الغاصب على بيع الصبغ ليصل كل واحد إلى الثمن.
فان رغب الغاصب ففي اجبار المالك وجهان) .(11/312)
القسم الثاني الاعيان فمن صوره صبغ الثوب المغصوب ونقدم عليه وصورتين مقصودتين في نفسهما ويحتاج اليهما في مسألة الصبغ (احداهما) إذا غصب أرضا وبني فيها أو غرس أو زرع كان لصاحب الارض أن يكلفه القلع قال صلى الله عليه وسلم (ليس لعرق ظالم حق) وعن أحمد أنه
لا يكلف قلع الزرع مجانا لان له غاية تنتظر ولكن يخير صاحب الارض بين أن يبقيه بأجرة وبين أن يتملكه ويغرم مثل البذر وأجرة عمله والو أراد الغاصب القلع لم يكن للمالك منعه فانه عين ماله وإذا قلع فعليه الاجرة وفي وجوب التسوية أو الارش ما قدمناه في نقل التراب وان نقصت الارض لطول مدة الغراس فيجمع بين أجرة المثل وأرش النقص أولا يجب الا أكثرهما فيه الخلاف المذكور فيما إذا ابلى الثوب بالاستعمال ولو أراد صاحب الارض أن يتملك البناء أو الغراس بالقيمة أو تبقيتهما أو الزرع بالاجرة هل على الغاصب اجابته قال في التتمة فيه وجهان (أحدهما) نعم(11/313)
كالمستعير وبل أولى فان الغاصب متعد (وأظهرهما) المنع لتمكنه من القلع بلا غرامة بخلاف المعير وهذا ما ذكره الامام حكاية عن القاضى الحسين * ولو غصب من رجل أرضا وبذرا وزرعها به فللمالك أن يكلفه اخراج البذر من الارض ويغرمه أرش النقصان وليس للغاصب اخراجه إذا رضي المالك (الثانية) إذا زوق الدار المغصوبة نظران كان بحيث لو نزع حصل منه شئ فللمالك اجباره على النزع وان تركه الغاصب ليدفع عنه كلفة النزع هل يجبر المالك على قبوله فيه وجهان نشرحهما في مسألة الصبغ ولو أراد الغاصب نزعه فله ذلك لانه عين ماله ولا فرق بين أن يكون للمنزوع قيمة أولا يكون فإذا نزع فنقصت الدار عما كانت قبل التزويق لزمه الارش وان كان التزويق محض تمويه لا يحصل منه عين لو نزع فليس للغاصب النزع ان رضى المالك وهل له اجباره عليه فيه وجهان (أحدهما) نعم لانه قد يريد تغريمه أرش النقص الحاصل بازالته (والثاني) لا كما في الثوب إذا قصر وقال في التهذيب وهو الاصح.
إذا عرفت ذلك عدنا إلى الصبغ وقلنا للصبغ الذي يصبغ به الثوب أحوال (أن يكون) للغاصب فينظر ان كان الحاصل تمويها محضا فالحكم على ما ذكرنا في التزويق وان حصل بالانصباغ عين مال فيه فاما أن لا يمكن فصله عنه أو يمكن (القسم الاول) إذا لم يمكن فصله عنه فعن صاحب التقريب حكاية قول عن القديم أنه يفوز به صاحب الثوب تشبيها له بالسمن (والمذهب) المشهور أنه ليس له ذلك لكن قضية الشركة بين المالك والغاصب لانه عين مال له انضم إلى ملك المغصوب منه بخلاف السمن وبخلاف القصارة والطحن ونحو هما فانهما آثار محضه وحينئذ ينظر ان كانت قيمة الثوب
مصبوغا مثل قيمته وقيمة الصبغ قبل الصبغ كما إذا كانت قيمة الثوب عشرة وقيمة الصبغ عشرة وهو(11/314)
يساوى بعد الصبغ عشرين فهو بينهما بالسوية حتى لو وجدا راغبا باعاه منه بثلاثين فهى بينهما وان نقصت قيمته مصبوغا عن قيمتها بأن عاد الثوب مصبوغا والتصوير كما سبق إلى خمسة عشر اطلق الاكثرون بأن النقصان محسوب من الصبغ لان الاصل هو الثوب والصبغ وان كان علينا كالصفة التابعة للثوب فيكون الثوب المصبوغ بينهما اثلاثا الثلثان للمغصوب منه والثلث للغاصب وفي الشامل والتتمة انه ان كان النقصان لانخفاض سوق الثياب فالنقصان محسوب من الثوب وان كان لانحفاض سوق الاصباع فمن الصبغ وكذا لو كان النقصان بسبب العمل لان صاحب الصبغ هو الذي عمل ويمكن ان يكون اطلاق من اطلق منزلا على هذا التقصيل وان كانت قيمته بعد الصبغ عشرة انمحق الصبغ ولا حق فيه للغاصب وان تراجعت القيمة وكان الثوب مصبوغا يساوى ثمانية فقد ضاع الصبغ ونقص من الثوب درهمان فيرده مع درهمين وان زادت قيمة الثوب مصبوغا عن قيمتها قبل الصبغ بان بلغت ثلاثين في الصورة المذكورة فمن أطلق الجواب في طرف النقصان أطلق القول ههنا بأن الزيادة بينهما على نسبة ماليهما ومن فصل قال ان كان ذلك لارتفاع سوق الثياب فالزيادة لصاحب الثوب وان كان لارتفاع سوق الاصباغ فهى للغاصب وان كان للعمل والصنعة فهى بينهما لان كل واحد منهما قد زاد بالصنعة والزيادة الحاصلة بفعل الغاصب إذا استندت إلى الاثر المحض تسلم للمغصوب منه (القسم الثاني) إذا أمكن فصله من الثوب (فعن) صاحب التقريب نقلا عن القديم انه ان كان المفصول لاقيمة له فهو كالسمن (والمذهب) انه ليس كالسمن وان لا يفوز به المغضوب منه(11/315)
هل يملك اجبار الغاصب على فصله فيه وجهان (احدهما) نعم كما يملك اجباره على اخراج الغراس ويحكي هذا عن ابن خيران وابي اسحق في الزيادات على الشرح (والثاني) لاوبه قال ابن سريج لما فيه من الضرر بخلاف الغراس فانه لا يضيع بالاخراج ولان الارض بالقلع تعود إلى ما كانت والثوب لا يعود ولان الاشجار تنتشر عروقها واغصانها فيخاف ضررها في المستقبل وهذا اظهر عند اصحابنا
العراقيين وقال صاحب التهذيب في طائفة الاول اصح وكذا ذكره الامام وحكى قطع المراوزة به وان موضع الوجهين ما إذا كان الغاصب يخسر بالفصل خسرانا بينا وذلك قد يكون لضياع المنفصل بالكلية وقد يكون لحقارته بالاضافة إلى قيمة الصبغ ومن جملة الضياع ان يحصل في الثوب نقصان بسبب الفصل لا يفي بارشه قيمة المفصول ولو رضى المغصوب منه بابقاء الصبغ واراد الغاصب فصله فله ذلك ان لم ينتقص الثوب وان انتقص قال الامام يبنى على الخلاف في ان المغصوب منه هل يجبره على الفصل (ان قلنا) لا لم يفصله (وان قلنا) نعم فله ذلك وهو الاظهر ويحكى الاول عن ابى الطيب بن سلمة وان تراضيا على ترك الصبغ بحاله فهما شريكان وكيفية الشركة كما بينا في القسم الاول ثم الكلام في فروع (احدها) لو ترك الغاصب الصبغ على المالك ففى اجباره على القبول وجهان ووجه الاجبار صيرورته كالصفة التابعة للثوب وايضا فان المشترى إذا انعل الدابة ثم اطلع على عيبها فردها مع النعل لكان يعيبها لو نزع النعل يجبر البائع على القبول ووجه المنع القياس الظاهر ويدل عليه أنه لاجبر على قبول البناء والغراس إذا تركه الغاصب وذكر القاضي الروياني ان الاول ظاهر المذهب لكن الثاني اقيس واشبه ويخالف مسألة النعل لان الغاصب متعد والمشترى غير متعدي على انه لو الحق بما إذا صبغ المشتري الثوب بما زاد في قيمته ثم اطلع على عيبه فرده مسامحا بالصبغ لكان اقرب(11/316)
لما مر من أن الصبغ يصير ملكا للبائع (فأما) في مسألة النعل فانه يجبر على قبول النعل وفي دخول النعل في ملكه اختلاف مذكور في موضعه وذكر الامام في الفرع شيئين (أحدهما) ان في موضع الوجهين طريقين (أحدهما) أنهما مطردان فيما إذا أمكن فصل الصبغ وفيما إذا لم يمكن (وأظهرهما) التخصيص بما إذا أمكن وقلنا ان الغاصب يجبر على الفصل والا فهما شريكان لا يجبر واحد منهما على قبول الهبة من الآخر وعلى هذا فطريقان (أحدهما) ان الوجهين فيما إذا كان يتضرر بالفصل إما لما يناله من التعب أو لان المفصول يضيع كله أو معظمه فان لم يكن كذلك لم يلزمه القبول بحال (والثاني) ان الوجهين فيما إذا كان الثوب ينقص بالفصل نقاصانا لا يفى بارش قيمته الصبغ المفصول فان وفى لم يلزمه القبول وان تعيب أوضاع معظم المفصول (والثاني) إذا قلنا بلزوم القبول على المغصوب منه فلا حاجة إلى تلفظه
بالقبول و (أما) من جهة الغاصب فلا بد من لفظ يشعر بقطع الحق كقوله أعرضت عنه أو تركته إليه أو أبرأته عن حقي أو أسقطته قال ويجوز أن يعتبر اللفظ المشعر بالتمليك (الثاني) لو بذل المغصوب منه قيمة الصبغ وأراد أن يتملكه على الغاصب هل يجاب إليه فيه وجهان سواء كان الصبغ مما يمكن فصله أو مما لا يمكن (أحدهما) نعم ويجبر الغاصب على قبوله لينفصل الامر بينهما وقد شبه ذلك بما إذا رجع المعير وقد بني المستعير أو غرس فان له أن يتملكه عليه بالقيمة وبهذا قال أبو حنيفة (وأظهرهما)(11/317)
وهو المذكور في الكتاب المنع ويفارق مسألة العارية لان المعير لا يتمكن من القلع مجانا فكان محتاجا إلى التمليك بالقيمة وههنا بخلافه وأيضا فان بيع العقار عسير وبيع الثوب سهل وبه يحصل الخلاص من الشركة وفي التتمة أنه ان كان الصبغ بحيث لو فصل حصل منه شئ ينتفع به ففي تملك المغصوب منه الوجهان المذكور ان في الغراس والبناء وان كان لا يحصل منه شئ فله تملكه لا محالة فيتولد من هذا وجه ثالث فارق (الثالث) متى اشتركا في الثوب المصبوغ فهل لاحدهما الانفراد ببيع ما يملكه منه جعله الامام على الوجهين في بيع دار لا ممر لها لانه لا يتأتى الانتفاع باحدهما دون الآخر (والاظهر) المنع فلو رغب مالك الثوب في البيع ففى المهذب والتهذيب أنه يباع ويجبر الغاصب على موافقته ووجهه أن المالك ان لم يتمكن من بيع الثوب وحده فامتناع الغاصب منع له من بيع ماله وان تمكن فلا شك في عسر البيع عليه لقلة الراغبين فيه والغاصب متعد فليس له الاضرار بالمالك بالمنع من البيع وتعسيره وان رغب الغاصب في البيع ففي اجبار المالك على مواففته وجهان (أحدهما) يجبر تسوية بين الشريكين ليصل كل واحد منهما إلى عين ملكه (وأظهرهما) المنع كيلا يستحق المتعدى بتعديه ازالة ملك غير المتعدى وفي النهاية أن واحدا منهما لا يجبر على موافقة الآخر على قياس الشركة في الاموال (الحالة الثانية) أن يكون الصبغ مغصوبا من غير مالك الثوب ايضا فان لم يحدث بفعله نقصان(11/318)
وبلا غرم على للغاصب وهما شريكان في الثوب المصبوغ كما سبق في الغاصب والمالك وان حدث نظر ان كانت قيمته مصبوغا عشرة والتصوير كما تقدم فهو لصاحب الثوب ويغرم الغاصب الصبغ للآخر
وان كانت قيمته خمسة عشر روى صاحب التهذيب ان الثوب بينهما بالسوية ويرجعان على الغاصب بخمسة قال والقياس أن يكون بينهما أثلاثا كما مر في الحالة الاولى وهذا ما نقله غيره وهو الحق فان كان مما يمكن فصله فلهما تكليف الغاصب الفصل فان حصل بالفصل نقص فيهما أو في أحدهما كان قبل الصبغ غرمه الغاصب ولصاحب الثوب وحده طلب الفصل أيضا إذا قلنا ان الملك يجبر الغاصب على الفصل في الحالة الاولى وهذا إذا حصل بالانصباغ عين مال في الثوب فان لم يحصل الا بمؤنة فالحكم ما بينا في التزويق ويقاس بما ذكرنا في الحالتين ثبوت الشركة فيما إذا طير الريح ثوب انسان في اجانة صباغ ونصبغ لكن ليس لاحدهما أن يكلف الآخر الفصل ولا التغريم ان حصل نقص في أحدهما إذ لاتعدى ولو أراد صاحب الثوب تملك الصبغ بالقيمة فعلى ما تقدم (الحالة الثالثة) أن يكون الصبغ مغصوبا من مالك الثوب أيضا فان لم يحدث بفعله نقصان فهو للمالك ولا غرم على الغاصب ولا شئ له ان زادت القيمة لان الموجود منه أثر محض وان حدث بفعله نقصان غرم الارش وإذا أمكن الفصل فللمالك اجباره عليه وليس للغاصب الفصل إذا رضى المالك (واعلم) أن المذكور في(11/319)
الكتاب هو الحالة الاولى وفي أثنائها تعرض للثانية (وقوله) في أول الفصل فلهما شريكان يجوز اعلامه بالواو لما حكي عن القديم من تنزيله منزلة السمن (وقوله) فيباع ليس المراد منه البيع القهري وانما الغرض ههنا أنه إذا بيع كان الثمن بينهما كما كان الثوب مشتركا بينهما ثم ان رضيا بالبيع فذاك والا فهل يجبر أحدهما الآخر فيه ما قد عرفته (وقوله) وان عاد الثوب إلى خمسة عشر بالصبغ يمكن أن يفهم من قوله بالصبغ الاحتراز عما إذا كان النقصان بسبب تراجع الاسواق فان النقصان حينئذ لا يحسب من الصبغ إذا كان التراجع في الثياب على ما حكيناه عن الشامل والتتمة (وقوله) وكذا القول في ثبوت الشركة إذا طيرت الريح الثوب انما قال في ثبوت الشركة ولم يقل وكذا القول فيما إذا طيرت الريح الثوب لان الصورتين اللتين ذكرهما ليستا كما إذا صبغ الثوب المصبوغ بصبغ نفسه في جميع الاحكام المذكورة اذلو رجع الثوب مصبوغا إلى ثمانية لا يغرم صاحب الاجانة شيئا وانما الصورتان كتلك الصورة في ثبوت الشركة فيهما حيث ثبتت الشركة فيهما ويجوز أن يعلم بالواو لان قياس القول
القديم أن يفوز صاحب الثوب بالصبغ في الصورتين ولا تثبت الشركة (وقوله) كما يجبر على قلع الزرع والغراس والبناء وان نقص زرعه به أشار بقوله وان نقص زرعه به إلى أنه لا عبرة بما يعرض في الصبغ من ضرر بسبب انتشاره وتمدده كمالا عبرة بنقصان الزرع (وقوله) ومهما طولب بالفصل وكان يستضر به (وقوله) بعد ذلك وان(11/320)
لم يكن عليه ضرر لم يكن له الاجبار على القبول جواب على طريقة تخصيص الوجهين بما إذا تضرر بالفصل وقد بينا ما فيه من الاختلاف فيجوز اعلام قوله لم يكن له الاجبار بالواو (وقوله) لم يكن له أن يتملك معلم بالحاء والواو (وقوله) لتضمن الغاصب على بيع الصبغ بالواو لما حكينا عن النهاية (فرع) إذا كان الصبغ للغاصب وقيمته عشرة وقيمة الثوب عشرة وبلغت قيمته مصبوغا ثلاثين ففصل الغاصب الصبغ ونقصت قيمة الثوب عن عشرة لزمه ما نقص عن عشرة وكذا ما نقص عن خمسة عشران فصل بغير ان المالك وطلبه وان فصل باذنه لم يلزمه إلا نقصان العشرة وان عادت قيمته مصبوغا إلى عشرة لتراجع الاسواق وكان التراجع في الثياب والاصباغ على وتيرة واحدة فالثوب بالسوية بينهما كما كان والنقصان داخل عليهما جميعا وليس على الغاصب غرامة ما نقص مع رد العين نعم لو فصل الصبغ بعد تراجع القيمة إلى عشرة فصار الثوب يسوى أربعة دارهم غرم ما نقص وهو خمس الثوب بأقصى القيم والمعتبر في الاقصى خمسة عشران فصل بنفسه وعشرة ان فصل بطلب المالك له.
قال (وإذا غصب زيتا وخلطه بزيته فالنص أنه كالاهلاك فيضمن المثل من أين شاء.
وتخريج الاصحاب أن لا ضمان لانه لو خلطه بمثله فهو مشترك.
وان خلطه بالاجود أو بالاردإ فقولان.
(ان(11/321)
قلنا) انه هالك غرم مثله من أين شاء.
(وأن قلنا) انه مشترك فيباع الكل ويوزع على نسبة القيمة ولا يقسم الزيت (و) بعينه على تفاوت فيؤدى إلى الربا.
وخلط الدقيق كخلط الزيت بالزيت.
وخلط الزيت بالشيرج أولى بجعله اهلاكا.
وخلط الحنطة بالشعير ليس باهلاك بل يلزمه الفصل بالالتقاط)
إذا خلط الزيت المغصوب بغيره لم يخل اما أن يتعذر التمييز بينهما أو لا يتعذر.
ان تعذر فاما أن يكون ذلك الغير من جنسه أولا يكون.
ان كان من جنسه كالزيت والزيت والحنطة والحنطة نظر ان خلطه بأجود من المغصوب فالنص أنه كما لو هلك حتى يتمكن الغاصب من أن يعطيه قدر حقه من غير المخلوط ونص في التفليس فيما إذا خلطه بالاجود ثم فلس على قولين (أحدهما) هذا حتى لا يكون للبائع الا المضاربة بالثمن (والثاني) أنهما شريكان في المخلوط ويرجع البائع إلى حقه منه واختلف الاصحاب على طريقين (أظهرهما) اثبات القولين في الغصب أيضا وجه جعله هالكا تعذر رده والوصول إليه وأيضا فان قلنا بالشركة لاحتجنا إلى البيع وقسمة الثمن بينهما كما سيأتي ولا يصل المالك إلى عين حقه ولا إلى مثله مع وجود العين والمثل أقرب إلى حقه من الثمن ووجه الشركة القياس على مسألة الصبغ وعلى ما إذا اختلط الزيتان بنفسهما أو برضى المالكين وأيضا فلو غصب صاعا من هذا وصاعا(11/322)
من هذا وخلطهما وجعلناهما هالكين ينتقل الملك فيهما إلى الغاصب وذلك بمحض التعدي وأظهر القولين عند الاكثرين الاول المنصوص وعند الامام والمتولي الثاني (والطريق الثاني) القطع بالقول الاول والفرق أنا إذا لم نثبت الشركة هناك لا يحصل للبائع تمام حقه بل يحتاج إلى المضاربة وههنا يحصل للمالك تمام البدل وان خلطه بمثله ففيه الطريقان وطريق ثالث وهو القطع بالشركة لان في اثبات الشركة اتصال المالك إلى بعض حقه بعينه والى بدل بعض من غير زيادة نقوم على الغاصب فكان أولى من اتصاله إلى بدل الكل وحكى ذلك عن ابن سريج وأبى اسحق وان خلطه بأردأ منه فالنص أنه كالهالك أيضا ويحبئ فيه الطريقان المذكوران في الاجود ولكن المنصوص في التفليس والحالة هذه ليس إلا قول الشركة وذكرنا أن بعضهم خرج فيه قولا آخر يمكن أن يكون مخرجا من نصه ههنا ويكون في الصورتين قولا بالنقل والتخريج من الطرفين ويمكن أن يكون قول الهلاك في الاردإ مخرجا من توجيه في الاردإ فان الشافعي رضى الله عنه قال الذائب إذا اختلط انقلب حتى لا يوجد عين ماله على ما مر وإذا اختصرت قلت في الخلط المطلق ثلاثة أوجه (ثالثها) الفرق بين خلط بغير المثل فيكون المغصوب هالكا وبالمثل فيشتركان.
(التفريع) إن جعلنا الاختلاط كالهلاك فللغاصب أن يعطيه المثل من غير المخلوط وله أن يعطيه منه إذا كان الخلط بالمثل وكذا لو خلطه بالاجود لان المخلوط خير من المغصوب وليس له ان يعطيه قدر حقه من المخلوط إذا خلط بالاردا إلا إذا رضى المالك وإذا رضى فلا أرش له كما إذا أخذ الردئ من موضع آخر وان حكمنا بالشركة فان خلط بالمثل فقدر زنته من المخلوط وان خلط بالاجود(11/323)
كما إذا خلط صاعا قيمته درهم بصاع قيمته درهمان نظر ان أعطاه صاعا من المخلوط أجبر المالك على قبوله لان بعضه من حقه وبعضه خير منه والافيباع المخلوط ويقسم الثمن بينهما أثلاثا فان أرادا قسمة عين الزيت على نسبة القيمة فالظاهر أنه لا يجوز لانه يكون أخذ ثلثي صاع لجودته في مقابلة صاع وهو ربا وعن رواية البويطى أنه يجوز وبني ذلك على أن القسمة افراز حق لابيع وفي المسألة وجه أنه يكلف الغاصب تسليم صاع من المخلوط لان اكتساب المخلوط صفة الجودة بالخلط كزيادة متصلة تحصل في يد الغاصب وان خلط بالاردا كما إذا خلط صاعا قيمته در همان بصاع قيمته درهم أخذ المالك من المخلوط صاعا مع أرش النقصان لان الغاصب متعد بخلاف ما إذا خلط المشترى بالاردأ وافلس فان البائع اما أن يقنع بصاع من الخلوط أو يضارب مع الغرماء فان اتفقا على بيع المخلوط وقسمة الثمن أثلاثا جاز وان أرادا قسمة عين الزيت على نسبة الثمنين فمنهم من جعله على الخلاف المذكور في طرق الاجود ومنهم من قطع بالمنع لانه أمكن الرجوع إلى صاع منه مع الارش ولا حاجة إلى احتمال القسمة المشتملة عيل التفاضل وخلطه الخل بالخل واللبن باللبن كخلط الزيت بالزيت وإذا خلط الدقيق بالدقيق (فان قلنا) انه مثلى وبه قال ابن سريج فهو كخلط الزيت بالزيت أيضا (وان قلنا) انه متقوم (فان قلنا) ان المختلط هالك فالواجب على الغاصب القيمة (وان قلنا) بالشركة فيباع ويقسم الثمن بينهما على قدر القيمتين فان أرادا قسمة عين الدقيق على نسبة القيمتين والخلط بالاجود أو الاردأ فهو على ما ذكرنا في قسمة الزيت المخلوط وان كان الخلط بالمثل فالقسمة جائزة ان جعلناها افرازا وان جعلناها بيعا لم تجز لان بيع الدقيق بالدقيق لا يجوز هذا إذا كان الخلط بالجنس (أما) إذا خلط(11/324)
المغصوب بغير جنسه كما لو خلط زيتا بشيرج أو دهن بان أو دهن جوز أو خلط دقيق حنطة بدقيق شعير فالمغصوب هالك لبطلان فائدته وخاصيته باختلاط غير الجنس به بخلاف الجيد مع الردئ ومنهم من جعله على الخلاف السابق ووجه ثبوت الشركة مالو خلطا بالرضى هذا ما اختاره صاحب التتمة ههنا ايضا وقال ان تراضيا على بيع المخلوط وقسمة الثمن جاز وان اراد قسمته جازو كأن المغصوب منه باع ما يضمن في يد الغاصب من الزيت بما يصير في يده من الشيرج قال الامام وألحق الاصحاب بخلط الزيت بالشيرج لت السويق بالزيت وهو بعيد وانما هو كصبغ الثوب وهذا في الخلط الذي يتعذر معه التمييز والفصل بالالتقاط وان شق سواء خلط بالجنس كالحنطة البيضاء والحمراء أو بغير الجنس كالحنطة والشعير والمواضع الذي ينبغي أن يعلم عليها من الفصل غير خافية.
(فرع) لو خلط الزيت بالماء وأمكن التمييز لزم التمييز وأرش النقص ان كان فيه نقص وان لم يمكن التمييز فهو كخلطه بالبان الا أن لا يبقى له قيمة فيكون هالكا لا محالة فان حصل فيه مميز أو غير مميز نقص سيار فقد سبق حكمه.
قال (ولو غصب ساجة وأدرجها في بنائه لم يملك بل يرد (ح) على مالكه وان أدى إلى هدم بنائه.
وان أدرج في سفينة لم ينزع ان كان في النزع اهلاك الغاصب.
أو اهلاك حيوان محترم.
أو اهلاك مال لغيره ولكن يغرم القيمة في الحال للحيلولة إلى أن يتيسر الفصل.
وان لم يكن فيه الامال الغاصب ففى جواز النزع وجهان) .(11/325)
إذا غصب ساجة وأدرجها في بنائه أو بني عليها أو على آجر مغصوب لم يملك المغصوب وعليه اخراجه من البناء ورده إلى المالك وبه قال مالك وأحمد وعند أبى حنيفة يملك ويغرم قيمته لنا أنه بنى على ملك الغير عدوانا فلا يزول به ملك المالك قياسا على مالو غصب أرضا وبني عليها وأيضا فان القدرة على المثل تمنع من العدول إلى القيمة لان المثل اقرب إلى المغصوب فأولى ان تمنع القدرة على العين العدول إلى القيمة وهذا ما لم تعفن الساجة فان عفنت بحيث لو أخرجت لم يكن لها قيمة فهي مستهلكة فان أخرجها وردها لزمه أرش النقص ان دخلها نقص وفي
الاجرة ما ذكرنا في ابلاء الثوب بالاستعمال ولو أدرج لوحا مغصوبا في سفينة نظر ان لم يخف من النزع هلاك نفس ولامال بأن كانت على وجه الارض أو مرساة على الشط أو أدرج في أعلاها ولم يخش من نزعه الغرق أو لم يكن فيها نفس ولامال ولاخيف هلاك السفينة نفسها نزع ورد وخلاف أبي حنيفة عائد فيه وان كان في لجة البحر وخيف من النزع هلاك حيوان محترم سواء كان آدميا اما الغاصب أو غيره أو غير آدمي لم تنزع حتى تصل إلى الشيط وان خيف من النزع هلاك مال اما نفس السفينة أو غيرها فهو اما للغاصب أو لمن وضع فيها وهو يعلم أن فيها لوحا مغصوبا أو لغيرهما ان كان لغيرهما لم ينزع أيضا وان كان لهما فوجهان (أصحهما) عند الامام النزع كما يهدم البناء لرد الساجة ولا يبالى بما يضيع عليه (والثاني) وهو الاصح عند ابن الصباغ وغيره أنه لا ينزع لان السفينة لا تدوم في البحر فيسهل الصبر إلى انتهائها إلى الشط بخلاف الساجة المدرجة في البناء فان البناء للتأبيد وحيث لا تنزع إلى الوصول إلى الشط توجد القيمة للحيلولة إلى ان يتيسر الفصل فحينئذ يرد اللوح مع أرش النقص ان نقص ويسترد القيمة ان قلنا لا يبالي في النزع بهلاك مال الغاصب فلو اختلطت التي أدرج منها اللوح بسفن الغاصب ولا توقف على النزع الا بفصل الكل حكى في المهذب فيه وجهين.(11/326)
قال (وكذا لو غصب خيطا وخاط به جرح آدمي أو حيوان محترم غير مأكول وكان في نزعه خوف هلاك لم ينزع إذ يجوز الغصب بمثل هذا القدر ابتداء بل يغرم قيمته.
فان مات المجروح أو ارتد ففي النزع لان فيه مثلة.
وفي الحيوان المأكول خلاف لانه ذبح بغير مأكلة.
وينزع عن الخنزير والكلب العقور إذ لاحرمة لهما) .
الخيط المغصوب إن خيط به ثوب ونحوه فالحكم كما في البناء على الساجة وان خيط به جرح حيوان فهو إما محترم أو غيره (القسم الاول) المحترم وهو الآدمي وغيره (أما) الادمي فان خيف من نزعه هلاكه لم ينزع وعلى الغاصب قيمته ثم إن خاط جرح نفسه فالضمان مستقر عليه وان خاط جرح غيره باذنه وهو عالم بالغصب فقرار الضمان عليه وان كان جاهلا فعلى الخلاف فيما إذا أطعم المغصوب غيره وفي معنى خوف الهلاك خوف كل محذور يجوز العدول إلى التيمم من الوضوء وفاقا
وخلافا قال الامام ولو رتب انقدح وجهان (أحدهما) أن ترك الخيط أولى لقيام القيمة مقامه (والثاني) أن نزعه أولى لتعلقه بحق الآدمي المبني على الضيق (وأما) غير الآدمي فهو على ضربين (أحدهما) غير المأكول فالحكم فيه كما في الآدمي إلا أنه لااعتبار ببقاء الشين فيه (والثاني) المأكول فان كان لغير الغاصب لم ينزع وان كان للغاصب ففيه قولان وقيل وجهان (أحدهما) وهو رواية الربيع أنه يذبح ويرد الخيط لانه جائز الذبح وبذبحه يصل الحق إلى المستحق (وأظهرهما) المنع كما في غير المأكول لان الحيوان حرمته في نفسه ألا ترى أنه يؤمر بالانفاق عليه ويمنع من إتلافه وإذا لم يقصد بالذبح(11/327)
الاكل منع مه وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن ذبح الحيوان إلا لمأكلة) وإذا مات الحيوان الذي خيط به جرحه فان كان غير الآدمي نزع منه الخيط وفي الآدمي وجهان (أصحهما) على ما ذكره في النهاية أنه ينزع وان لم ينزع في الحياة لحرمة الروح (والثاني) المنع لان الآدمي محترم بعد الموت ولذلك قال صلى الله عليه وسلم (كسر عظم الميت ككسر عظم الحى) (القسم الثاني) غير المحترم فلا يبالى بهلاكه ونزعه منه الخيط ومن هذا القسم الخنزير والكلب العقور (أما) كلب الصيد والماشية فلا يجوز النزع منه قاله الامام والحق الكلب الذي لا منفعة فيه بالمؤذيات وذكر ترددا فيما إذا خاط به جرح مرتد وحكم بأن الاوجه المنع لان المثلة بالمرتد محرمة وليست كالمثلة بالميت لانا نتوقع بالمرتد عودا إلى الاسلام هذا لفظه ويوافق ذلك قوله في الكتاب أو ارتد ففى النزع خلاف غير أن الامام صوره فيما إذا خيط به جرح المرتد ولفظ الكتاب فيما إذا طرأت الردة على الخياطة والذي أجاب به الاكثرون أن المرتد غير محترم فينزع الخيط منه وكذا الحربى وخرج صاحب التتمة فيما إذا خاط به جرح الزاني المحصن أو المحارب على الخلاف فيما إذا خاط به جرح معصوم فمات لان تفويت روحه مستحقة فالحق(11/328)
بالميت ويبني على التفصيل المذكور في جواز غصب الخيط ابتداء ليخاط به الجرح إذا لم يوجد خيط حلال فيحث حكمنا بالنزع لا يجوز الغصب وحيث قلنا لا ينزع يجوز والى هذا أشار بقوله إذ يجوز الغصب بمثل هذا القدر ابتداء.
قال (ولو أدخل فصيلا في بيته أو دينارا في محبرته وعسر اخراجه كسر عليه تخليصا للمال.
وان لم يكن بفعله فالا ظهر أن المخلص ماله يغرم أرش النقص.
وان غصب فرد خف قيمة الكل عشرة وقيمة الفرد ثلاثة ضمن سبعة لان الباقي ثلاثة.
وقيل ثلاثة لانه المغصوب.
وقيل خمسة كما لو أتلف غيره الفرد الآخر تسوية بينهما) .
فيه فرعان (أحدهما) فصيل رجل حصل في بيت آخر ولم يمكن اخراجه الا بنقض البناء فينظر إن كان بتفريط من صاحب البيت بأن غصبه وأدخله فيه نقض ولم يغرم صاحب الفصيل شيئا وان كان بتفريط من صاحب الفصيل فإذا نقص البناء غرم أرش النقص وان دخل الفصيل بنفسه نقض أيضا وهل على صاحب الفصيل أرش النقص قال العراقيون نعم وهو ظاهر المذهب لا نه انما نقض لتخليص ملكه وذكر الامام وصاحب الكتاب فيه خلافا ووجه المنع أنه لا تفريط من أحد والاخراج لابد منه لحرمة الروح وانما ينتظم هذا إذا كان الفرض فيما إذا خيف هلاكه لو لم يخرج ولو وقع دينار في محبرة ولم يخرج الا بكسرها ان وقعها فيها بفعل صاحب المحبرة عمدا أو سهوا كسرت ولا غرم على صاحب الدينار وان وقع بفعل صاحب الدينار فعليه الارش وان وقع من غير تفريط من أحد كسرت وعلى صاحب الدينار الارش وأجرى صاحب الكتاب في وجوب الارش الخلاف المذكور في الصورة الاولى لكن التوجيه الذي مر لا يجئ ههنا وقال ابن الصباغ إذا لم يفرط واحد مهنما وضمن صاحب المحبرة الدينار(11/329)
ينبغي أن يقال لا تكسر المحبرة لزوال الضرر بذلك وهذا الاحتمال عائد في صورة البيت والفصيل ولو أدخلت بهيمة رأسها في قدر ولم تخرج الا بكسرها فان كان معها صاحبها فهو مفرط بترك الحفظ فان كانت غير مأكولة تخلص بكسر القدر وعليه أرش النقصان وان كات مأكولة ففى ذبحها وجهان كما في مسألة الخيط وإذا لم يكن معها أحد فان فرط صاحب القدر مثل ان وضع القدر في موضع لاحق له فيه كسرت ولاغرم له وان لم يفرط كسرت وغرم صاحب البهيمة الارش ولم يذكر التفصيل المذكور في صورة القدر والفرق بين المأكول وغير المأكول في الفصيل والبيت والوجه التسوية (الثاني) غصب زوجي خف قيمتهما عشرة ثم رد إحداهما وقيمتة ثلاثة وتلف الآخر
يلزمه سبعة لان بعض المغصوب قد تلف والباقي ينقص ولو أتلف أحدهما أو غصبه وحده وتلف وعادت قيمة الباقي إلى ثلاثة ففيه أوجه (أحدها) أنه يضمن سبعة لانه أتلف أحدهما وأدخل النقصان على الباقي بتعديه فاشبه مالو حل أجزاء الباب والسرير فنقصت قيمته (والثاني) يضمن ثلاثة لان قيمة الفرد الذي أتلفه ثلاثة (والثالث) خمسة كما لو أتلف رجل أحدهما وآخر الآخر فانه يسوى بينهما ويضمن كل واحد منهما خمسة ونظم الكتاب يقتضي ترجيح الاول وبه قال الشيخ أبو حامد ومن تابعه وقال الامام وصاحب التهذيب الاظهر الثالث ولو أخذ أحدهما على صورة السرقة وقيمته مع نقصان الثاني نصاب لا يقطع بلا خلاف.
(فرع) سيأتي القول في أن ما تتلفه البهيمة متى يضمنه مالكها فإذا ابتلعت البهيمة شيئا واقتضى الحال لزوم الضمان نظر ان كان مما يفسد بالابتلاع ضمنه وان كان مما لا يفسد كاللآلئ فان لم تكن مأكولة لم تذبح ويغرم قيمة ما ابتلعته للحيلولة وان كانت مأكولة فعلي الوجهين السابقين(11/330)
ولو باع بهيمة بثمن معين فابتلعته نظر ان لم يكن الثمن مقبوضا انفسخ البيع وهذه بهيمة للبائع ابتلعت ما لا للمشترى الا أن يقتضي الحال وجوب الضمان على صاحب البهيمة فيستقر العقد ويكون ما جرى قبضا للثمن بناء على أن اتلاف المشترى قبض منه وان كان الثمن مقبوضا لم ينفسخ البيع وهذه بهيمة للمشترى ابتلعت مالا للبائع.
(الفصل الثالث.
في تصرفات الغاصب) قال (فإذا باع الجارية المغصوبة ووطئها المشترى وهو عالم لزمه الحد والمهر (ح) ان كانت مستكرهة.
وان كانت راضية فوجهان لقوله عليه الصلاة والسلام (لامهر لبغي) ولكن المهر للسيد فيشبه أن لا يؤثر رضاها.
وفي مطالبة الغاصب بهذا المهر تردد لان منافع البضع لا تدخل تحت الغصب.
وان كان جاهلا لزمه المهر ولا يجب إلا مهر واحد بوطآت إذا تحدث الشبهة وفي تعدد الوطئ بالاستكراه تردد في تعدد المهر) .
هذا الفصل الثالث وان كان مترجما بتصرفات الغاصب مطلقا لكن القصد منه شيئآن
(أحدهما) الكلام في وطئ المشترى من الغاصب (والثاني) فيما يرجع به إذا غرم على الغاصب واعلم قبل الشروع فيهما أنه إذا اتجر الغاصب في المال المغصوب ففيه قولان (الجديد) أنه ان باعه أو اشترى بعينه فالتصرف باطل وان باع سلما أو اشترى في الذمة وسلم المغصوب فالعقد صحيح والتسليم فاسد ولا تبرأ ذمته عما التزم ويملك ما يأخذ وارباحه له (والقديم) أنه يتبعه والشراء بعينه منعقد موقوفا على اجازة المالك فان أجازة فالربح له وكذا إذا التزم في الذمة وسلم المغصوب وتكون الارباح للمالك وهذه المسألة قد مر ذكرها في أول البيع ويتم شرطها في القراض والغرض الآن التذكير(11/331)
ببيان أن مسائل الفصل متفرعة على المذهب الجديد.
إذا عرفت ذلك فالمقصد الاول هو القول في وطئ المشترى من الغاصب ولا يخلو اما أن يكون محبلا أولا (الضرب الاول) الوطئ الحالى عن الاحبال ونذكر أولا حكمه إذا وجد من الغاصب بعضه فنقول انه مع الجارية المغصوبة اما أن يكونا جاهلين بتحريم الوطئ أو عالمين أو أحدهما عالم والآخر جاهل ان كانا جاهلين فلا حد عليهما وعليه المهر للسيد وكذلك أرش الافتضاض ان كانت بكرا ثم ذكروا وجهين في أنا نفرد أرش الافتضاض من المهر فنقول عليه مهر مثلها ثيبا وأرش الافتضاض أولا نفرد ونقول عليه مهر مثلها بكرا ورجحوا الاول لوجوبهما بسببين مختلفين وانفكاك كل واحد مهما عن الآخر (فان قلت) هل يختلف المقدار بالاعتبارين أم لا أن اختلف وجب أن يقطع بوجوب الزائد لان بناء أمر الغاصب على التغليظ وان لم تختلف فلا فائدة للوجهين (فالجواب) ان يقال ان اختلف المقدار فالوجه ما ذكرته وقد اشار إليه الامام وان لم تختلف فللوجهين فوائد تظهر من بعد.
وان كانا عالمين بالتحريم فينظر ان كانت الجارية مكرهة فعلى الغاصب الحد والمهر خلافا لابي حنيفة في المهر ويجب عليه أرش الافتضاض ان كانت بكرا وان كانت طائعة فعليهما الحد وفي المهر وجهان ويقال قولان (أحدهما) يجب لان المهر حق السيد فلا يؤثر فيه رضاها كما لو أذنت في قطع يدها (وأظهرهما) وهو المنصوص أنه لا يجب لانها زانيه ساقطة الحرمة فاشبهت الحرة إذا زنت طائعة وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن مهر البغي) ويجوز(11/332)
أن يكون مهرها للسيد ويتأثر بضعها كما لو ارتدت قبل الدخول أو أرضعت ارضاعا مفسدا للنكاح ويجب أرش الافتضاض ان كانت بكرا إذا قلنا إنه يفرد عن المهر وان قلنا لا يفرد ففى وجوب الزيادة على مهر مثلها وهي ثيب وجهان (في وجه) لا تجب كما لو زنت الحرة طائعة وهى بكر (وفي وجه) تجب كما لو أذنت في قطع طرف منها.
وان كان أحدهما عالما دون الآخر فان كان الغاصب عالما فعليه الحد وأرش البكارة ان كانت بكرا والمهر وان كانت الجارية عالمة فعليها الحد دونه ويجب المهران كانت مكرهة وان كانت مطاوعة فعلى الخلاف.
واعلم أن الجهل بتحريم وطئ المغصوبة قد يكون للجهل بتحريم الزنا مطلقا وقد يكون لتوهم حلها خاصة لدخولها بالغصب في ضمانه ولاتقبل دعواهما الا من قريب العهد بالاسلا م أو ممن نشأ في موضع بعيد من المسلمين وقد يكون لاشتباهها عليه وظنه أنها جاريته ولا يشترط لقبول الدعوى ما ذكرناه.
هذا في وطئ الغاصب وأما المشترى من الغاصب فالقول في وطئه في حالتي العلم والجهل كما ذكرنا في الغاصب الا أن الجهل في حق المشتري قد ينشأ من الجهل بكونها مغصوبة أيضا فلا يشترط في دعواه الشرط السابق كما لا يشترط في الاشتباه وإذا غرم المشترى المهر فيسأتي الخلاف في رجوعه على الغاصب وهل للمالك مطالبة الغاصب به ابتداء فيه وجهان عن صاحب التقريب (وجه المنع) أن المهر بدل منفعة البضع وهى غير داخلة تحت اليد ولا مضمونة بالغصب (ووجه الثاني) وهو قضية كلام(11/333)
المعظم أن الامر إذا أفضى إلى الغرم بعد فرضه غير متعلق بالغاصب وأشار الامام إلى جريان الوجهين سواء قلنا برجوع المشترى على الغاصب بالمهر أو بعدم الرجوع وقال (إذا قلنا) بعدم الرجوع فظاهر القياس أن لا يطالب وغيره محتمل (وإذا قلنا) بالرجوع فالظاهر المطالبة لاستقرار الضمان عليه ويجوز أن يقال الرجوع بسبب الغرر فيختص به المغرور وطرد الخلاف في مطالبة الغاصب بالمهر إذا وطئت بالشبهة وإذا تكرر الوطئ إما من الغاصب أو من المشترى من الغاصب فان كان في حالة الجهل لم يجب الامهر واحد لان الجهل شبهة واحدة مطردة فأشبه ما إذا وطئ في النكاح الفاسد مرارا وان كان عالما وجب المهر ككونها مستكرهة وعلى قولنا بالوجوب مع طواعيتها فوجهان (أحدهما)
الاكتفاء بمهر واحد كما في حالة الجهل (وأصحها) وبه أجاب صاحب الكتاب في الصداق حيث أعاد هذه الصورة في أخوات لها أنه يجب لكل مرة مهر لان الواجب ههنا لاتلاف منفعة البضع فيتعدد بتعدد الاتلاف لكن قضية هذا الوجه الحكم بالتعدد في صورة الجهل لان الاتلاف الذي هو سبب الوجوب حاصل فلا معني للاحالة على الشبهة وانما يحصل اعتماد الشبهة حيث لا يجب المهر لولا الشبهة وذكر هذا المستدرك امام الحرمين وقال هذه لطيفة يقتضى منها العجب وان وطئها مرة جاهلا ومرة عالما وجب مهران (قوله) في الكتاب لزمه الحد والمهر لفظ المهر معلم بالحاء لان عند أبى حنيفة لا يجامع المهر الحد والمشهور من لفظ الخبر أنه نهى عن مهر البغي كما تقدم لا ما أورده في الكتاب.(11/334)
قال (أما الولد فهو رقيق لانسب له ان كان عالما وان كان جاهلا انعقد على الحرية وضمن المشترى قيمته ورجع به على الغاصب إذ الشراء لا يوجب ضمان الوالد.
وان انفصل الولد ميتا فلا ضمان لان الحياة لم تتيقن وان سقط ميتا بجناية جان يجب الضمان لانه انفصل مضمونا وقد قدر الشارع حياته وضمانه عشر قيمة الام.
وقيل في هذه الصورة يجب أقل الامرين من عشر قيمه الام أو الغرة إذا وجب الضمان بسببها فلا يزيد عليها) .
الضرب الثاني الوطئ المحبل سواء وجد من الغاصب أو من المشتري منه فينظر إن كان عالما بالتحريم فالولد رقيق للمالك غير نسيب لكونه زانيا وان انفصل حيا فهو مضمون على الغاصب وان انفصل ميتا بجناية جان فبدله لسيده وان انفصل ميتا من غير جناية ففي وجوب الضمان على الغاصب وجهان (أحدهما) وهو ظاهر النص الوجوب لثبوت اليد عليه تبعا لثبوت اليد على الام ويحكي هذه عن الانماطي وأبي الطيب بن سلمة واختاره القفال (والثاني) المنع وبه قال أبو إسحق واختاره الشيخ أبو محمد والامام وصاحب التهذيب لان جنايته غير منتفية وسبب الضمان هلاك رقيق تحت يده ويجرى الوجهان في حمل البهيمة المغصوبة إذا انفصل ميتا وان أو جبنا الضمان فنوجب قيمته يوم الانفصال لو كان حيا في ولد الجارية والبهيمة سواء وخرج الامام وجها آخر في ولد الجارية أنه يضمن(11/335)
بعشر قيمة الام تنزيلا للغاصب منزلة الجاني الذي يترتب على جنايته الاجهاض وان كان الواطئ جاهلا بالتحريم به فالولد نسيب حر للشبهة وعليه قيمته لمالك الجارية يو الانفصال ان انفصل حيا لان التقويم قبله غير ممكن وان انفصل ميتا فاما أن ينفصل بنفسه أو بجناية (أما) على التقدير الاول فالمشهور أنه لا يلزمه قيمته لانا لا نتيقن جناية وأن الغاصب أتلفه ويخالف ما لو انفصل رقيقا ميتا حالة العلم حيث ذكرنا في وجوب الضمان وجهين لان الرقيق يدخل تحت اليد والغصب فجعل تبعا للام فيه وفي التتمة حكاية وجه ههنا أيضا أنه تلزمه القيمة لان الظاهر الحياة (وأما) على التقدير الثاني فعلى الجاني ضمانه لان الانفصال عقيب الضرب يغلب على الظن أنه كان حيا فمات بفعله وللمالك الضمان على الغاصب بخلاف ما إذا انفصل ميتا من غير جناية لانه لابدل له هناك وههنا يقوم له فيقوم عليه وكان حق المالك يتعلق ببدله كما لو قتل العبد الجاني يتعلق العبد المجني عليه ببدله ولو مات فات حقه ثم الذي يجب على الجاني الغرة والذي يجب للمالك عشر قيمة الام لان الجنين الرقيق به يضمن فان كانت قيمة الغرة وعشر قيمة الام سواء ضمن الغاصب للمالك عشر قيمة الام وان كانت قيمة الام أكثر فكذلك والزيادة تستقر له بحق الارث وان نقصت الغرة عن العشر فو جهان (أظهرهما) أنه يضمن للمالك تمام العشر لانه لما انفصل متقوما كان بمثابة ما لو انفصل حيا ولان بدله انما يقصر عن العشر بسبب الحرية الحاصلة بظنه (والثاني) لا يجوز الا قدر(11/336)
الغرة ويعبر عنه بأن الواجب أقل الامرين من العشر والغرة ووجهه أن مثبت وجوب الضمان يقدمه عليه فلا يضمن فوق ما يحصل له وان انفصل ميتا بجناية الغاصب نفسه لزمه الضمان لان ما وجد منه بسبب الضمان الا أنه لا يستحق على نفسه شيئا ولو أحبل الغاصب الجارية مات وخلف أباه ثم انفصل الجنين ميتا بجناية جان فالغرة تكون لجد الجنين وعن القاضي أنه يضمن للمالك ما كان يضمنه الغاصب لو كان حيا وعنه أنه لو كان مع الغاصب أم أم الجنين فورثت سدس الغرة يقطع النظر عنه وينظر إلى عشر قيمة الام وخمسة أسداس الغرة وكأنها كل الغرة والجوابان يختلفان فرأى الامام اثبات
احتمالين في الصورتين فصار في أحدهما إلى أن من يملك الغرة ينبغي أن يضمن للمالك ويستبعد في(11/337)
الثاني تضمين من لم يغصب ولا تفرعت يده على يد الغاصب وذكر في التتمة أن الغرة تجب مؤجلة فانما يغرم الغاصب عشر قيمة الام إذا أخذ الغرة وللامام توقف فيه هذا ظاهر المذهب في الولد المحكوم بحريته وفيه طريقة أخرى أنه لا ينظر إلى عشر قيمة الام ولكن تعتبر قيمته لو انفصل حيا وينظر إليه والى الغرة على التفصيل الذي بيناه وأشار في الوسيط إلى استمداد هذه الطريقة من القول القديم في أن جراح العبد لاتتقدر لان عشر قيمة الام نوع مقدر لكنه ليس بواضح فان الخلاف في أن البدل يتقدر أولا يتقدر في أطراف العبد والفائت ههنا جملته وليس لهذا البناء ذكر في كتاب الامام لكنه قال الطريقة ملتفتة إلى الخلاف في أن ما يتلف في يد الغاصب من أعضاء العبد المغصوب(11/338)
بآفة سماوية أو بجناية غير الغاصب يعتبر في حقه بدله المقدر في حق الجاني أم ينظر إلى قدر النقصان بايجاب العشر في قيمة الام ايجاب المقدر الواجب على الجناية وعن بعض الاصحاب أن الغاصب يغرم للمالك أكثر الامرين من قيمة الولد والغرة وضعفه من نقله لان الغرة أن كانت أكثر فثبوت الزيادة بسبب الحرية فكيف يستحقها المالك ومن العجب أن صاحب التهذيب أجاب بهذا الوجه في المشترى من الغاصب وجوابه في الغاصب ما تقدم ودعوى الجهل في هذا الضرب كدعواه في الضرب الاول وروى المسعودي خلافا في قبولها لحرية الولد وان قبلت لدفع الحد كما رواه في استيلاد المرتهن ويجب في حالتي العلم والجهل أرش نقصان الجارية وان نقصت بالولادة فان(11/339)
تلفت عنده وجب أقصى القيم ودخل فيه نقصان الولادة وأرش البكارة ولو ردها وهى حبلى فماتت في يد المالك من الولادة ذكر أبو عبد الله القطان في المطارحات أنه لا شئ عليه في صورة العلم لان الولد ليس منه حتى يقال ماتت من ولادة ولده وان في صورة الجهل قولين (واعلم) أن لوجوب الضمان في هذه الصورة مأخذين (أحدهما) أنه أحبل جارية الغير اما بالشبهة أو بالزنا وفي كونه سببا
للضمان ما قدمناه في المرتهن (والثاني) أنه يحصل نقصان الحمل تحت اليد وذلك سبب الضمان وان وجد أثره بعد الرد إلى المالك كما لو جنى المغصوب عند الغاصب فرده ثم بيع في يد المالك وأطلق صاحب التتمة القول بوجوب الضمان للمأخذ الثاني (وقوله) في الكتاب ويضمن المشترى قيمته(11/340)
ويرجع بها على الغاصب إذ الشراء لا يوجب ضمان الولد والكلام في الرجوع أخرناه إلى الفصل التالى لهذا الفصل وقد كرره هناك وفي ذكره هناك غنية عن الذكر ههنا (وقوله) فلا ضمنا لان الجناية لاتتيقن معلم بالواو ويجوز أعلام قوله وضمان عشر قيمة الام بالحاء لما سيأتي في موضعه.
(فرع) في ذخيرة البند نيجى لو وطئ الغاصب باذن المالك فحيث لا يجب المهر لو لم يأذن فههنا أولى وحيث نوجبه فقولان محافظة على حرمة البضع وفي قيمة الولد طريقان (أحدهما) أنه على الخلاف في المهر (والثاني) القطع بالوجوب لانه لم يصرح بالاذن في الاحبال.
قال (ويضمن المشترى (ح) أجرة المنفعة التي فانت تحت يده ومهر المثل عند الوطئ وقيمة انعقاده حرا ويرجع بكل ذلك على الغاصب مهما كان جاهلا ويغرم قيمة العين إذا تلفت ولا يرجع.
وكذا المتزوج من الغاصب لا يرجع بالمهر وهل يرجع المشترى بقيمة منفعة استوفاها فيه قولا(11/341)
الغرور ولو بنى فقلع بناءه فالاولى أن يرجع بأرش النقص ولو تعيب في يده نص الشافعي أنه يرجع (ز) لان العقد لا يوجب ضمان الاجزاء بخلاف الجملة وكذا إذا تعيب قبل القبض لم يكن للمشترى الارش ولو اشترى عبدا لجارية ورد الجارية بعيب وبالعبد عيب حادث لزمه قبول العبد أو طلب قيمته وليس له طلب الارش مع العبد ولذلك فرق بين الجزء والجملة) .
الفصل الثاني الكلام فيما يرجع به المشترى على الغاصب إذا غرم ومالا يرجع وسنبين في خلاله ما يغرمه ومالا يغرمه وفي سائر الايدى المترتبة على يد الغاصب مسائل نشرح ما في الكتاب منها غير مبالين بما يحتاج إليه من تغيير نظمه ونصيف إليها ما يتفق (الاولى) إذا تلفت العين المغصوبة عند
المشترى ضمن قيمتها أكثر ما كانت من يوم القبض إلى يوم التلف ولا يضمن الزيادة التي كانت في يد الغاصب إن كانت في يده أكثر قيمة ولا يرجع بما يضمنه عالما كان أو جاهلا لان الشراء عقد ضمان وقد شرع فيه على أن تكون العين من ضمانه وان كان الشراء صحيحا ولك أن تقول إن كان المراد من كونه عقد ضمان أنه إذا تلف المبيع عنده تلف من ماله واستقر عليه الثمن فهذا مسلم لكن لم يكن شارعا فيه على أن يضمن القيمة ومعلوم أنه لو لم يكن المبيع مغصوبا لم يلزمه شئ بالتلف فكان الغاصب مغررا موقعا إياه في خطر الضمان فليرجع عليه وان كان المراد غيره فلم قلتم أن الشراء عقد ضمان على تفسير آخر وربما انساق هذا الاشكال إلى ما حكى عن صاحب التقريب أنه يرجع من المغروم بما(11/342)
زاد على قدر الثمن سواء اشتراه رخيصا في الابتداء أو زادت القيمة بعد الشراء وأنه إذا رجع بما زاد على الثمن لم يلحقه ضرر (الثانية) تعيب المغصوب عند المشترى بعمى أو شلل أو نحوهما ينظر ان كان بفعل المشترى فيستقر ضمانه عليه وكذا لو أتلف الكل وان كان بآفة سماوية فقولان (أحدهما) عن تخريج المزني وغيره أنه لا يرجع على الغاصب بضمانه كما لا يرجع بالقيمة عند هلاك الكل تسوية بين الجملة والاجزاء وبهذا أجاب العراقيون بل أكثر الاصحاب (والثاني) وينسب إلى نص الشافعي رضى الله عنه أنه يرجع وقرره ابن سريج بأن العقد يوجب ضمان الجملة ولا يوجب ضمان الاجزاء على الانفراد واحتج عليه بصورتين (إحداهما) أنه لو تعيب المبيع قبل القبض لم يكن للمشترى أن يجيز العقد ويطالبه بجزء من الثمن بل اما أن يفسخ أو يجيز بكل الثمن ولو تلف يستقر كل الثمن (والثانية) لو اشتري عبدا بجارية وتقابضا ثم وجد بائع العبد بالجارية عيبا قديما فردها وقد تلف العبد فانه يأخذ قيمته ولو لم يتلف وتعيب بعيب حادث لم يكن له طلب الارش مع العبد بل يقنع به أو يأخذ القيمة.
واعلم أن في الصورة الثانية وجهين ذكرناهما في فصل الرد بالعيب فلنا صر القول الاول أن يمنع ويقول له استرداد العبد وطلب أرش النقصان واليه ميل الامام (وأما) الصورة الاولى فان المبيع في يد البائع غير مضمون بالقيمة بل بالثمن فإذا تلف سقط الثمن وإذا تعيب أمكن رده واسترداد جملة الثمن فلا يمكن من طلب الارش الذي هو تغيير العقد وحط من الثمن وانما يصار إليه عند الضرورة(11/343)
فلهذا المعنى لم يثبت الارش (الثالثة) منافع المغصوب يضمنها المشترى للمالك باجرة مثلها وهل يرجع على الغاصب (أما) ما استوفاه بالسكون والركوب واللبس ففيه قولان وكذا في الرجوع بالمهر إذا غرمه بالوطئ (أحدهما) يرجع لان الغاصب قد غره ولم يشرع على أن يضمن المهر والاجرة (وأصحهما) وهو قوله الجديد وبه قال أبو حنيفة أنه لا يرجع لان نفعه عاد إليه ولانه أتلف المنفعة وحوالة الضمان على مباشر الاتلاف أولى وأجرى الخلاف في أرش الافتضاض ان كانت بكرا وعدم الرجوع به أظهر لانه بدل جزء منها أتلفه فاشبه ما لو قطع عضوا من أعضائها وفي التهذيب أن الخلاف فيه مبني على أنه يفرد عن المهر أم لا ان أفرده لم يرجع به والا رجع (وأما) المنافع التي فاتت تحت يده ولم تستوفها (فان قلنا) يرجع بضمان ما استوفاه فضمانها أولى (وان قلنا) لا يرجع هناك فوجهان (أصحهما) الرجوع أيضا لانه لم يتلف ولاشرع في العقد على أن يضمنها (والثاني) لا يرجع تنزيلا للتلف تحت يده منزلة الاتلاف (الرابعة) إذا غرم قيمة الولد عند انعقاده حرا رجع به على الغاصب لانه شرع في العقد على أن يسلم الولد حرا من غير غرامة ولم يصدر منه تفويت وعن الاستاذ أبى اسحق الاسفراييني طريقة أخرى في شرح الفروع أن الرجوع بها كالرجوع بالمهر لان نفع حرية الولد تعويد إليه (والمشهور) الاول وأرش نقصان الولادة قطع العراقيون بأنه يرجع به وعن غيرهم خلاف قال الامام وسبيله سبيل النقصان الحاصل بسائر الآفات السماوية فيجئ فيه ما ذكرناه من الخلاف السابق ولو وهب الجارية المغصوبة فاستولدها المتهب جاهلا بالحال وغرمه قيمة الولد ففى الرجوع بها وجهان (وجه) الفرق أن الواهب(11/344)
متبرع والبائع ضامن سلامة الولد له بلا غرامة (الخامسة) إذا بني المشترى أو غرس في الارض المغصوبة فجاء المالك ونقض بناءه وغرسه هل يرجع بأرش النقصان على الغاصب فيه وجهان (أحدهما)(11/345)
لا كما لا يرجع بما انفق على العمارة وكأنه بالبناء متلف ماله (وأظهرهما) نعم لشروعه في العقد على ظن السلامة وانما جاءه هذا الضرر من تغرير الغاصب وهذا ما ذكره العراقيون وقد ذكرنا طرفا من المسألة(11/346)
في الضمان وذكر في التهذيب أن القياس أن لا يرجع على الغاصب بما أنفق على العمارة وما أدى من خراج الارض لانه شرع في الشراء على ان يضمنها (السادسة) لو زوج الغاصب الجارية المغصوبة(11/347)
فوطئها الزوج جاهلا غرم مهر المثل للمالك ولا يرجع به على الغاصب لانه شرع فيه على أن يضمن(11/348)
المهر ويخالف ما إذا غر بحرية أمة وغرم المهر حيث يرجع على الغار على أحد القولين لان النكاح ثم صحيح والبضع مملوك له فإذا فسخ اقتضى الفسخ استرداد ما بذل له وههنا النكاح باطل وانما غرم لاتلافه(11/349)
منفعة البضع حتى لو كان المغرور ممن لا يحل له نكاح الامة لم يثبت له الرجوع بالمهر لبطلان النكاح ولو استخدامها الزوج وغرم الاجرة يرجع على الغاصب لانه لم يسلطه على الاستخدام بخلاف الوطئ ويرجع بغرم المنافع التالفة تحت يده لانه ما استوفاها ولاشرع على أنه يضمنها والقول في قيمتها لو تلفت(11/350)
في يده قد تقدم فان غرمها رجع بها قال الائمة والضابط في هذه المسائل أن ينظر فيما غرمه من ترتيب يده على يد الغاصب عن جهل ان شرع فيه على أن يضمنه لم يرجع به وان شرع على أنه لا يضمنه فان لم يستوف ما يقابله رجع به وان استوفاه ففيه قولان وعلى هذا فلو كان المغصوب شاة فنتجت في يد المشترى أو شجرة فاثمرت فأكل فائدتها وغرمها للمالك ففي الرجوع بما غرم الغاصب قولان(11/351)
كالمهر وان هلكت تحت يده فالحكم كما في المنافع التي لم يستوفها ذكره في التتمة وكذا القول في الاكساب وان انفصل الولد ميتا فالظاهر أنه لا ضمان وكذا إذا انفصل ميتا في يد الغاصب ولو استرضع المشترى الجارية في ولده أو ولد غيره غرم أجرة مثلها وفي الرجوع قولان كالمهر ويغرم المشترى اللبن وان انصرف إلى سخلتها وعاد نفعه إلى المالك كما لو غصب علفا وأعلف به بهيمة مالكه لكن قال
صاحب التهذيب وجب أن يرجع به على الغاصب لانه لم يشرع فيه على أنه يضمنه ولاعاد نفعه إليه ولو أجر العين المغصوبة غرم المستأجر أجرة المثل للمالك ولم يرجع بها على الغاصب لان شرع فيه على(11/352)
أن يضمنها ويسترد الاجرة المسماة ولو أعارها رجع المستعير بما غرم للمنافع التي فاتت تحت يده وفي الرجوع بما غرم للمنافع التي استوفاها القولان وكذا غرم الاجزاء التالية بالاستعمال.
واعلم أن كل ما لو غرمه المشترى يرجع به على الغاصب فلو طولب به الغاصب وغرمه لم يرجع به على المشترى وكل مالو غرمه المشترى ولم يرجع به على الغاصب لم يرجع به على المشترى وكذا الحكم فيمن غير المشترى ممن ترتبت يده على يد الغاصب (وقوله) في الكتاب ويرجع بكل ذلك على الغاصب جواب في المهر(11/353)
المغروم عند الوطئ بقول الرجوع وقد مر أن أصح القولين ومذهب أبي حنيفة منع الرجوع فيجوز أن يعلم ما ذكره بالحاء والواو لذلك وأيضا فللطريقة المروية في قيمة الولد (وقوله) فيرجع المشترى بقيمة منفعة استوفاها يدخل فيه منفعة البضع المستوفاة بالوطئ كما يدخل سائر المنافع وإجراؤه على اطلاقه ممكن ففي جميع ذلك قولان كما سبق لكن الاشبه أنه أراد ما سوى منفعة البضع وأما إذا وطئ وغرم المهر وقد ذكره مرة وحكم فيه بالرجوع على الغاصب (وقوله) فيه قولا الغرور أي ومباشرة الاتلافات على ما مر في تقديم الطعام المغصوب فحذف أحد الطرفين.
واعلم قوله في نقل(11/354)
النص في التعيب أنه يرجع بالزاى اشارة إلى تخريج المزني (وقوله) فليس له طلب الارش يجوز اعلامه بالواو (وقوله) فذلك فرق بين الجملة والجزء هكذا هو في بعض النسخ وفي بعضها وكذلك فرق أي الشافعي رضى الله عنه وهما صحيحان.
قال (ونقصان الولادة لا يجبر (ح) بالولد فان الولد زيادة جديدة) .
إذا انتقصت الجارية بالولادة وكان الولد رقيقا تفي قيمته ببعض نقصانها أو بكله لم يتجبر به النقصان بل الولد له ويأخذ الارش خلافا لابي حنيفة.
لنا أن الولد زيادة تحدث على ملكه ألا ترى أنه يسلم(11/355)
له وان لم يكن في الام نقصان وملكه لا يجبر نقصان ملكه لا يجبر نقصان ملكه ولو ماتت الام من الولادة والولد واف بقيمتها فلهم فيه اختلاف وقد فرغنا من شرح كتاب الغصب ونختمه بمسائل منثورة (منها) أسند خشبة تعب بحملها إلى جدار يستريح ان كان الجدار لغيره ولم يأذن في اسناده إليه فهو متعد يضمن الجدار ان وقع باسناده إليه ويضمن ما تلف بوقوعه عليه وان وقعت الخشبة وأتلفت شيئا ضمن ان وقعت في الحال وان وقعت بعد ساعة لم يضمن وان كان الجدار له أو لغيره وقد أذن في اسناده إليه فكذلك يفرق بين أن تقع الخشبة في الحال أو بعد ساعة تشبيها بفتح رأس الزق (ومنها) غصب دارا(11/356)
ونقضها وأتلف النقض ضمن النقض وما نقص من قيمة العرصة وحكى الشيخ أبو حامد وجهين في أنه يضمن أجرة مثلها دلا إلى وقت الرد أو الى وقت النقض (ومنها) غصب شاة وأنزى عليها فحلا فالولد للغاصب ولا شئ عليه للانزاء لنهيه عليه السلام عن عسيب الفحل فان انتقص غرم الارش ولك أن تقول المغصوب منه ولو غصب فحلا وأنزاه على شاته فالولد مغصوب منه وجب أن يخرج وجوب شئ للانزاء على الخلاف في جواز الاستئجار (ومنها) غصب جارية ناهدا فتدلى نهداها أو عبدا شابا فشاخ أو أمردا فالتحى غرم النقصان وعن أبى حنيفة أنه لا يضمن في الامرد ولو غصب خشبة واتخذمنها أبوابا وسمرها بمسامير من عنده نزع المسامير وان انتقصت الابواب بذلك ضمن(11/357)
الارش ولو بذلها ففى اجبار الغصوب منه على قبولها وجهان ذكرناهما في نظائرها (ومنها) غصب ثوبا ونجسه أو نجس عنده لم يكن له تطهيره ولا للمالك أن يكلفه التطهير ولو غسله وانتقصت قيمته ضمن النقصان ولورده نجسا فمؤبر التطهير على الغاصب وكذا أرش النقصان اللازم منه وتنجيس المائع الذي لا يمكن تطهيره اهلاك وتنجيس الدهن ينبني على امكان غسله ان جوزناه فهو كالثوب (ومنها) قال في التتمة لو غصب من الغاصب فابرأ المالك الاول عن ضمان الغصب صح الابراء لانه مطالب بقيمته فهو كدين عليه وان ملكه المغصوب برئ وانقلب الضمان على الثاني حقا له وان باعه من غاصب(11/358)
الغاصب أو وهبه منه وأذن له في القبض برئ الاول وان أودعه من الثاني وقلنا انه يصير أمانة في يده برئ الاول أيضا فان رهنه من الثاني لم يبرأ واحد منهما عن الضمان (ومنها) لورد المغصوب إلى المالك أو الى وكيله أو وليه برئ من الضمان ولورد الدابة إلى اصطبله قال في التتمة يبرأ أيضا إذا علم المالك به أو أخبره من يعتمد خبره وقيل ان لم يعلم ويخبر لا يبرأ فان امتنع المالك من الاسترداد رفع الامر إلى(11/359)
الحاكم (ومنها) عن القفال وغيره ان المالك لو أبرأ غاصب الغاصب عن الضمان برئ الاول لان القرار على الثاني والاول كالضامن وهذا ان فرض بعد تلف الملل فهو بين واما قبله فليخرج على صحة ابراء الغاصب مع بقاء المال في يده وفيه خلاف مذكور في كتاب الرهن.(11/360)
(كتاب الشفعة)
وفيه ثلاث أبواب
(الباب الاول في أركان الاستحقاق) قال (وهي ثلاثة المأخوذ والآخذ والمأخوذ منه (الاول المأخوذ) وهو كل عقار ثابت منقسم احترزنا بالعقار عن المنقول فلا شفعة فيه عن الشريك لخفة الضرر فيه) .(11/361)
الشفعة مأخوذة من قولك شفعت كذا بكذا إذا جعلته شفعا به كأن الشفيع يجعل نصيبه شفعا بنصيب صاحبه يقال أصل الكلمة التقوية والاعانة ومنه الشفاعة والشفيع لان كل واحد من الوترين يقوى بالآخر ومنه شاة شافع للتي معها ولدها لتقويها به ومسرت في الشريعة بحق تملك قهرى يثبت للشريك القديم على الحادث وفيه مجال لمضايقات (منها) أن الشركة مأخوذة في هذا التفسير ولو كان كذلك لما انتظم قولنا هل تثبت الشفعة للجار أم لا والاصل في الشفعة الاخبار التي نوردها متفرقة في(11/362)
الباب وكل ما يدل على مسألة في باب يدل على ثبوت أصل ذلك الباب واحتج بعضهم بالاجماع لكنه
نقل عن جابر بن زيد من التابعين غيرهم وإنكار أصل الشفعة وإذا علمت أن لحق الشفعة ثبوتا ذهب ذهنك إلى البحث عن أنه لم يثبت وأنه كيف يؤخذ الشقص وأنه يستمر أو يسقط وبم يسقط ان سقط وهذه الامور الثلاثة هي ابواب الكتاب الثلاثة (إما) أنه بما يثبت فاعلم أن سبب ثبوت الشفعة يتركب من أمور (منها) ما يرجع إلى الملك المأخوذ (ومنها) ما يرجع إلى الآخذ (ومنها) ما يرجع إلى الذي يؤخذ منه وسمى(11/363)
صاحب الكتاب هذه الثلاثة ثلاثة أركان الاستحقاق لتعلقه بها وتركب سببه من الامور معتبره فيها فقال (الباب الاول) في أركان الاستحقاق (الركن الاول) المأخوذ فاعتبر فيه ثلاثة شروط (أحدها) أن يكون عقارا قال الاصحاب والاعيان ثلاثة أضرب (أحدها) المنقولات فلا شفعة فيها سواء بيعت وحدها أو مع الارض وعن مالك ثلاث روايات (إحداها) إثبات الشفعة في كل منقول باع أحد الشفيعين نصيبه منه (والثانية) إثباتها في السفن خاصة (والثالث) أنها إن بيعت وحدها فلا شفعة فيها وان بيعت(11/364)
مع الارض ففيها الشفعة كيلا تتفرق الصفقة على المشترى.
لنا قوله صلى الله عليه وسلم (الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلاشفعة) وبما روى أنه صلى الله عليه وسلم (قضى بالشفعة في كل ما لا يقسم ربع أو حائط لا يحل له أن يبيعه حتى يؤذن شريكه فان شاء أخذ وان شاء ترك فان باعه ولم يؤذنه فهو أحق به) وروى(11/365)
(الشفعة في كل شرك ربع أو حائط) (الضرب الثاني) الاراضي فتثبت الشفعة فيها سواء بيع الشقص منها وحده أو مع شئ من المنقولات ثم في الحالة الثانية يوزع الثمن عليه وعلى ذلك المنقول كما سيأتي (والثالث) الاعيان التي كانت منقولة في الاصل ثم أثبتت في الارض للدوام كالابينة والاشجار فان بيعت منفردة فلا شفعة فيها لانها في حكم المنقولات وكانت في الاصل منقولة وتنتهى إليه وان طال أمدها وليس معها ما نجعل تابعة له وحكي الامام أبو الفرج السر خسى وجها أنه تثبت الشفعة فيها لثبوتها في الارض (والمذهب) الاول وان بيعت الارض وحدها ثبتت الشفعة فيها ويكون(11/366)
الشفيع معه كالمشترى وان بيعت وان بيعت الابنية والاشجار مع الارض اما صريحا أو على قولنا ان الارض تستتبعها ثبتت الشفعة فيها تابعة للاراضي كما سبق من الاخبار فان لفظ الربع يتناول الابنية ولفظ الحائط يتناول الاشجار ولو كان على النخل ثمرة مؤبرة ما دخلت في البيع شرطا لم تثبت فيها الشفعة لانها لا تدوم في الارض بل يأخذ الشفيع الارض والنخيل بحصتها من الثمن وعن مالك وأبي حنيفة إثبات الشفعة فيها تبعا وان كانت غير مؤبرة دخلت في البيع تبعا وهل يأخذ فيه وجهان أو قولان (أحدهما) لا كالمؤبرة(11/367)
لانها منقولة (والثاني) نعم لدخولها في مطلق البيع قال في التهذيب وهذا أصح وعلى هذا فلو لم يتفق الاخذ إلى أن تأبرت فوجهان (أظهرهما) الاخذ لان حقه تعلق بها وزيادتها كالزيادة الحاصلة في الشجرة من بسوقها.
أو طول أغصانها (والثاني) المنع وبه قال القاضي أبو الطيب لخروجها عن أن تكون تابعة للنخيل وعلى هذا فبم يأخذ النخيل والارض فيه وجهان (أشبههما) بحصتها من الثمن كما في المؤبرة (والثاني) بجميع الثمن تنزيلا له منزلة عيب يحدث بالشقص ولو كانت النخيل حائلة عند البيع ثم حدثت الثمرة قبل أخذ الشفيع فان كانت مؤبرة لم يأخذها وان كانت غير مؤبرة فعلى قولين ذكرنا هما بتوجيههما وتخاريجهما(11/368)
فيما إذا أفلس مشترى النخيل وهى مطلعة هل يتعدى الرجوع إلى الطلع وقد ذكر كثير من الناقلين أن قول أخذ الثمار قوله القديم ومقابله الجديد وعلى هذا فالمسألة مما يجاب فيها على القديم لما مر في التفليس أن الاخذ أظهر عند الاصحاب وإذا بيعت الثمرة للمشترى فعلى الشفيع إبقاؤها إلى الادراك وهذا إذا بيعت الاشجار مع البياض الذي يتخللها أو بيع البستان كله أما إذا بيعت الاشجار ومغارسها لاغير فوجهان وكذا لو باع الجدار مع الاس (أحدهما) أنه تثبت الشفعة لانها فرع أصل ثابت (واشبههما)(11/369)
المنع لان الارض تابعة ههنا والمتبوع منقول ولو باع شقصا فيه زرع لايجذ مرارا وادخله في البيع شرطا أخذ الشفيع الشقص بحصته من الثمن ولم يأخذ الزرع خلافا لابي حنيفة ومالك وإن كان مما يجذ مرارا فالجذوة الظاهرة التي لا تدخل في البيع المطلق كالثمار المؤبرة والاصول كالاشجار وما يدخل
تحت مطلق بيع الدار من الابواب والرفوف والمسامير يؤخذ بالشفعة تبعا كالابنية وكذا الدولاب(11/370)
الثابت في الارض سواء اداره المساء أو غيره بخلاف الدلو والمنقولات ولو باع شقصا من طاحونة فالحجر التحتاني يؤخذ بالشفعة (إن قلنا) بدخوله في البيع وفي الفوقاني وجهان مع التفريع عليه كالوجهين في الثمار التي لم تؤبر (وقوله) في الكتاب كل عقار غير مجرى على ظاهره لانه يقتضى اشتراط كون المأخوذ عقارا وقد عرفت أن الابنية والاشجار بل الثمار أيضا مأخوذة ومعلوم أن اسم(11/371)
العقار لايفع عليها في المتعارف ولا يمكن أن يقال أراد بالعقار غير المنقول لان قضيته حينئذ إثبات الشفعة في الابية والاشجار وحدها لانه كما لا يقع عليها اسم العقار لا يقع عليها اسم المنقول وهى ثابتة(11/372)
في الارض فيصدق عليها أنها غير المنقول (وقوله) فلا شفعة فيه معلم بالميم (وقوله) لحقه الضرر فيه معناه أن المنقول لا يبقى دائما والعقار يتأبد فيتأبد سوء ضرر المشاركة فيه الشفعة تملك قهري فلا(11/373)
يحكم بثبوته الاعند شدة الضرورة.
قال (وبالثابت عن حجرة عالية مشتركة مبنية على سقف لصاحب السفل فانه لاأرض لها فلا ثبات.
فان كان السقف لشركاء العلو فوجهان لان السقف في الهواء فلا ثبات له) .(11/374)
الشرط الثاني كونه ثابتا وقصد به الاحتراز عما إذا كان بين اثنتين حجرة أو غرفة عالية مبنية على سقف لاحدهما أو لغيرهما فإذا باع احدهما نصيبه فلا شفعة لشريكه لانه لاأرض لها ولاثبات لهو كالمنقولات ولو كان السقف المبني عليه مشتركا بينهما فعلى وجهن نقلهما ههنا وفي الوسيط(11/375)
(أحدهما) أن الشفعة تثبت للاشتراك فيهما أرضا وجدارا (وأظهرهما) المنع لان السقف الذي هو أرضه
لاثبات له أيضا وما لا ثبات له في نفسه لا يفيد ثباتا لما هو عليه ولو كان السقف مشتركان بين اثنين والعلو لاحدهما فباع صاحب العلو العلو ونصيبه من السفل ففيه للقفال جوابان (احدهما) أن الشريك(11/376)
يأخذ السفل ونصف العلو بالشفعة لان الارض مشتركة بينهما وما فيها تابع لها الا ترى أنه يتبعها في بيع الارض عند الاطلاق فكذلك لي الشفعة (وأصحهما) وهو الذي ارتضاه الشيخ أبو على أنه لا يأخذ الا السفل لان الشفعة لا تثبت في الارض إلا إذا كانت مشتركة فكذلك فيما فيها من(11/377)
الابنية ولا شركة بينهما في العلو.
ولو كانت بينهما أرض مشتركة وفيها أشجار لاحدهما فباع صاحب الاشجار الاشجار ونصيبه من الارض ففيه هذا الخلاف هذا فقه الفصل ولك أن تقول اسم العقار اما أن يقع على الابنية بقطع النظر عن الارض أو لا يقع إن وقع كان الضابط المذكور متناولا للابنية(11/378)
وحدها فلتكن مأخوذة بالشفعة وحدها ان لم يقع خرجت الصورتان المذكورتان في الكتاب عن الضابط بلفظ العقار فلا حاجة إلى ذكر قيد الثابت.
قال (واحترزنا بالمنقسم عن الطاحونة والحمام وبئر الماء وما لا يقبل القسمة إلا بابطال منفعته المقصودة منه فلا شفعة فيها (ح و) إذا ليس فيها ضرر مؤنة الاستقسام وتضايق الملك بالقسمة) .(11/379)
الشرط الثالث كونه منقسما وفي ثبوت الشفعة في العقار الذى لا ينقسم اختلاف مبنى على أن الشفعة لم تثبت في المنقسم وفيه وجهان (احدهما) أنها تثبت لدفع ضرر الشركة فيما يتأبد ويدوم كتضييق المدخل والتأذى بحرفة الشريك وأخلاقه أو كثرة الداخلين عليه وما أشبههما (وأصحهما) أنها تثبت(11/380)
لدفع الضرر الذي ينشأ من القسمة من بدل مؤنتها والحاجة إلى افراد الحصة الصائرة له بالمرافق الواقعة في حصة صاحبه كالمصعد المبرز والبالوعه وحدها وكل واحد من الضررين وإن كان واقعا قبل البيع
سكن من رغب من الشريكين في البيع كان من حقه أن يخلص الشريك مما هو فيه ببيعه منه فإذا لم(11/381)
يفعل سلطه الشرع على أخذه (فان قلنا) بالمعنى الاصح انه لم تثبت الشفعة فيما لم ينقسم لانه يؤمن فيه غرر القسمة وهذا هو الذي أورده في الكتاب (وان قلنا) بالثاني ثبتت الشفعة فيه ويحذف هذا الشرط الثالث وبه قال أبو حنيفة وابن سريج وهذا المذهب الثاني ينسب إلى تخريجه واختاره أبو خلف(11/382)
السلمي والقاضي الروياني ومنهم من يجعل هذا الخلاف قولين ويقول الجديد منع الشفعة وهو ظاهر المذهب كيف فرض الخلاف وعن مالك وأحمد اختلاف رواية فيه أيضا والظاهر المنع والمراد من المنقسم ما إذا طلب أحد الشريكين قسمته أجبر الآخر عليها وفي ضبطه ثلاثة أوجه (احدها) أنه الذي لا تنقص(11/383)
لقسمة قيمته نقصانا فاحشا حتى لو كانت قيمة الدار مائة ولو قمست عادت قيمة كل نصف إلى ثلاثين فلا تقسم لما فيها من الضرر (وثانيها) أنه الذي يبقى منتفعا به بعد القسمة بوجه ما أما مالا يبقى منتفعا به بحال اما لضيق الخطة أو قلة النصيب أو لان أجزاءه غير منتفع بها وحدها كما سراب القنا فلا يقسم (واضحها) أنه الذي إذا قسم أمكن أن ينتفع به من الوجه الذي كان ينتفع به قبل القسمة ولا عبرة بامكان الانتفاع به من وجه(11/384)
آخر للتفاوت العظيم بين أجناس المنافع.
إذا عرفت ذلك فلو كان بينهما طاحونة أو حمام أو نهر أو بئر فباع أحدهما نصيبه نظر ان كانت الطاحونة كبيرة يمكن ان تجعل طاحونتين لكل واحد حجران والحمام كثير البيوت يمكن أن يجعل حمامين أو كبير البيوت يمكن جعل كل بيت بيتين والبئر واسعة يمكن أن يبني فيها فتجعل بئرين لكل واحدة بياض يقف فيها المستقى ويلقى فيه ما يخرج(11/385)
منها ثبتت الشفعة فيها وان لم يكن كذلك وهو الغالب في هذه العقارات فلا شفعة فيها على الاصح وهذا جوابه على أصح الوجوه في معنى المنقسم أما إذا اعتبرنا بقاء منفعة ما كفى ان يصلح لكل
سهم من الحمام بعد القسمة للسكنى فان اعتبرت القسمة لم يخفف حكمه.
ولو اشترك اثنان في دار صغيرة(11/386)
لاحدهما عشرها وللآخر باقيها فان حكمنا بثبوت الشفعة فيما لا ينقسم فايهما باع نصيبه فلصاحبه الشفعة وان حكمنا بمنعها فان باع صاحب العشر نصيبه لم يثبت لصاحبه الشفعة لانه أمن من أن يطلب مشتريه القسمة لانه لا فائدة له في القسمة وبتقدير أن يطلب فلا يجاب لانه متعنت مضيع ماله وإذا كان كذلك فلا يلحقه ضرر قسمه وان باع صاحب النصيب الا وفرنصيبه ففي ثبوت الشفعة لصاحب(11/387)
العشر وجهان بناء على أن صاحب النصيب الاوفر هل يجاب إذا طلب القسمة لانه منتفع بالقسمة (والظاهر) انه يجاب ولو كان حول البئر بياض وامكنت القسمة بان نجعل البئر لواحد والبياض لآخر ليزرعه أو يسكن فيه أو كان موضع الحجر في الرحا واحدا ولكن لها بيت يصلح لغرض آخر وأمكنت القسمة بأن يجعل موضع الحجر لواحد وذلك البيت لآخر ليزرعه فقد ذكر جماعة من(11/388)
الاصحاب أن الشفعة تثبت وأن البئر والحالة هذه من المنقسمات وهذا جواب على جريان الاجبار في هذا النوع من القسمة وفيه خلاف على أنه لا يشترط فيما يصير لكل واحد منهما أن يمكن الانتفاع به من الوجه الذي كان ينتفع به قبل القسمة (وقوله) في الكتاب وبئر الماء ليس مذكورا للتقييد بل بئر الماء وسائر الآبار في الشفعة واحدة (وقوله) الا بابطال منفعته المقصودة اشارة إلى الوجه الاصح في ضبط المنقسم(11/389)
(وقوله) فلا شفعة فيها معلم بالحاء والواو ويمكن أن يعلم بالميم والالف لاحدى الروايتين عنهما (وقوله) إذ ليس فيها ضرر مؤنة الانقسام إلى آخره معناه أن هذا هو المقتضى للشفعة في المنقسم وأنه غير موجود واعلم أنا لو قدرنا ثبوت الشفعة هناك لمجموع المعنيين يلزم المنع في غير المنقسم أيضا لانتفاء أحد المعنيين.(11/390)
(فرع) شريكان في مزارع وبئر تستقى منها باع احدهما نصيبه منها ثبتت للآخر الشفعة
فيها إذا انقسمت البئر أو قلنا بثبوت الشفعة فيما لا ينقسم والا فتثبت في المزرعة وفي البئر وجهان (أحدهما) تثبت كما تثبت في الاشجار تبعا للاراضي (وأصححها) المنع لان الاشجار ثابته في محل الشفعة والبئر مباينة عنه.(11/391)
قال (الركن الثاني الآخذ وهو كل شريك بالملك.
فلا شفعة (ح) للجار عندنا وان كان ملاصقا (و) .
وتثبت للشريك وان كان كافرا.
فان شارك بحصة موقوفة وقلنا لا يملك الموقوف عليه فلا شفعة.
والا فهو بناء على أنه هل يجوز افراز الوقف عن الملك.
والشريك في الممر المنقسم يأخذ الممر بالشفعة ان كان للمشترى طريق آخر إلى داره.
والا فيأخذ بشرط أن يمكن من الاجتياز.
وقيل يأخذ وان لم يمكن.
وقيل لا يأخذ وان مكن) .(11/392)
فقه الركن صور (احداها) أنه لاشفعة للجار ملاصقا كان أو مقابلا وبه قال مالك وأحمد وعند أبي حنيفة للملاصق الشفعة وكذا المقابل إذا لم يكن الطريق بينهما نافذا لما ماروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة) وعن ابن سريج تخريج قول كمذهب أبي(11/393)
حنيفة قال القاضي الروياني ورأيت بعض أصحابنا يفتي به وهو الاختيار وذكر الامام أن الشيخ أبا على لم يثبت ذلك عن ابن سريج وحمل كلامه فيه على انه لا يعترض في الظاهر على الشافعي إذا قضى(11/394)
له الحنفي بشفعة الجار وهذا شأن مسائل الخلاف في الاغلب وفي الحل باطنا خلاف (الثانية) الدار اما أن يكون بابها مفتوحا إلى درب نافذ أو إلى درب غير نافذ ان كان الاول ولا شركة في الدار فلا شفعة فيها لاحد ولا في ممرها لان مثل هذا الدرب غير مملوك وان كان الثاني فالدرب ملك مشترك بين شركائه على ما سبق في الصلح فان باع نصيبه من الممر وحده فللشركة الشفعة فيه ان كان منقسما(11/395)
على ما عرفت معناه والا ففيه ما مر من الخلاف وان باع الدار بممرها فلاشفعة الشركاء الممر في الدار لانه لاشركة لهم فيها فصار كما لو باع شقصا من عقار مشترك وعقار غير مشترك وخرج ابن سريج أنه تثبت الشفعة فيها بتبعية الشركة في الطريق وبه قال مالك وأبو حنيفة وقدم أبو حنيفة الشريك في الممر على الجار الملاصق الذي ينفذ باب داره إلى درب آخر وظاهر المذهب الاول ولو أرادوا أخذ الممر بالشفعة نظر ان كان(11/396)
للمشترى طريق آخر إلى الدار أو أمكنه فتح باب آخر إلى شارع فلهم ذلك على المشهوران كان منقسما والافعلى الخلاف في غير المنقسم وقال الشيخ أبو محمد ان كان في إيجاد الممر الحادث عسر أو مؤنة لها وجب أن يكون ثبوت الشفعة على الخلاف الذي نذكره على الاثر وان لم يكن له طريق آخر ولا أمكن(11/397)
ايجاده ففيه أوجه (أحدها) أنهم لا يمكنون منه لما فيه من الاضرار بالمشترى وانما أثبتت الشفعة لدفع الضرر فلا يزال الضرر بالضرر (والثاني) أن لهم الاخذ والمشترى هو المضر بنفسه حيث اشترى منه مثل هذه الدار (والثالث) أنه يقال لهم ان أخذتموه على أن تمكنوا المشترى من المرور فلكم الاخذ وان أبيتم تمكنيه منه فلا شفعة لكم جميعا بين الحقين وايراد الكتاب يشعر بترجيح هذا الوجه واليه ذهب أبو الفرج السرخسى لكن الاصحاب من العراقيين وغيرهم على أن الوجه الاول أصح بل مر نص الامام وجماعة عبارة تخيير الشفيع وأدوا الغرض في عبارة أخرى فقالوا في أحده بالشفعة وجهان(11/398)
ان أخذ ففي بقاء المرور وللمشترى وجهان وشركة مالكي بيوت الخيار في صحته كشركة مالكي الدور في الدروب التي لا تنفذ وكذا الشركة في مسيل ماء الارض دون الارض وفي بئر المزرعة دون المزرعة كالشركة(11/399)
في الممر وحده (الثالثة) تثبت الشفعة للذمي على المسلم والذمي حسب ثبوتها للمسلم وقال احمد لاشفعة للذمي على المسلم (لنا) القياس على الرد بالعيب ولو باع ذمي شقصا من ذمي بخمر أو خنزير وترافعو إلينا بعد الاخذ بالشفعة لم نرده ولو ترافعوا قبله لم نحكم بالشفعة وقال أبو حنيفة نحكم وان كان الشفيع مسلما أخذ الشقص
بقية الخمر وان كان ذميا فبمثلها ولو بيع الشقص فارتد الشريك فهو على شفعتة إن قلنا أن الردة لا تزيل(11/400)
الملك (وان قلنا) تزيله فلا شفعة له وان عاد إلى الاسلام وعاد ملكه ففي عود الشفعة تردد عن الشيخ ابى على والظاهر المنع (وان قلنا) بالوقف فمات أو قتل على الردة فللامام أخذه لبيت المال كما لو اشترى معيبا أو اشترط الخيار وارتد ومات للامام رده ولو ارتد المشترى فالشفيع على شفعته (الرابعة) دار نصفها لرجل ونصفها ملك للمسجد اشتراه قيم المسجد أو وهبه منه ليصرف في عمارته فباع الرجل نصيبه(11/401)
كان للقيم أن يأخذ بالشفعة ان رأى المصلحة فيه كما لو كان لبيت المال شرك في دار فباع الشريك نصيبه للامام الاخذ بالشفعة وان كان صف الدار وقفا والنصف ملكا فباع المالك نصيبه فينبني على أن الموقوف عليه هل يملك الوقف (ان قلنا) لا لم يأخذ ما باعه بالشفعة (وان قلنا) نعم فينبني على أن الملك هل تقرر عن الوقف وفيه وجهان يذكران في القسمة (ان قلنا) نعم ففي ثبوت الشفعة(11/402)
وجهان (أحدهما) تثبت لدفع ضرر القمسة ودفع ضرر مداخلة الشريك وهذا ما أورده في الكتاب بناء على جواز قسمته وعلى هذا فلو كان الوقف على غير معينين أخذه المتولي ان رأى المصلحة فيه (وأظهرهما) المنع لان الوقف لا يستحق بالشفعة فلا ينبغي أن يستحق به وأيضا فأنه ملك ناقص ألا ترى أنه لا ينفذ تصرفه فيه فلا يتسلط على الاخذ (وإن قلنا) لا يقرر الملك على الوقف فأن لم تثبت الشفعة فيما لا ينقسم لم تثبت(11/403)
وإن أثبتناه عاد الوجهان (وقوله) في كل شريك بالملك قصد بقوله بالملك الاحتراز عن الشريك بالوقف والمراد ملك الرقبة أما إذا لم يملك إلا المنفعة اما مؤقتا بالاجارة أو مؤبدا بأن أوصى له بالمنفعة لم يكن له الاخذ بالشفعة ويخرج بلفظ الشريك الجار ويدخل المسلم والذمي والحر والمكاتب حتى لو كان السيد والمكاتب شريكين في الدار فلكل منهما الشفعة على الآخر والمأذون له في التجارة إذا(11/404)
اشترى شقصا ثم باع الشريك نصيبه فله الاخذ بالشفعة الا أن يمنعه السيد أو يسقط الشفعة وله الاسقاط وان أحاطت به الديون وكان الاخذ غبطة كما له منعه من سائر الاعتياضات في المستقبل ولو أراد السيد أخذه بنفسه فله ذلك ولا يخفى أن الشركة لا تعتبر في مباشرة الاخذ وانما هي معتبرة فيمن يقع له الاخذ بدليل الولى والوكيل والعبد المأذون فان لهم الاخذ بالشفعة (وقوله) والشريك في الممر المنقسم يأخذ الممر(11/405)
بالشفعة معلم بالواو ولما حكينا عن الشيخ أبي محمد وليس لمسألة الممر اختصاص بذكر الاخذ ولعل ايرادها في ركن المأخوذ أولى.
قال (الركن الثالث المأخوذ منه وهو كل من تجدد ملكه اللازم بمعاوضة.
احترزنا بالتجدد عن رجلين اشتريا دارا فلا شفعة لاحدهما على الآخر إذ لا تجدد لاحدهما.
واحترزنا باللازم عن(11/406)
الشراء في زمان الخيار فانه لا يؤخذ ان كان للبائع خيار لانه اضرار به ولا حق للشفيع على البائع.
وان كان للمشترى وحده فطريقان (أحدهما) لا لان العقد بعد لم يستقر (والثاني) فيه قولان.
كما لو وجد المشترى بالشقص عيبا وأراد رده وقصد الشفيع أخذه فأيهما أولى وقد تقابل الحقان فيه قولان.
وكذا الخلاف في تزاحم الشفيع والزوج إذا طلق قبل المسيس على الشقص الممهور) .(11/407)
المأخوذ منه هو المشترى ومن في معناه وفي ضبطه قيود (أحدها) كون ملكه طارئا على ملك الآخذ فأذا اشترى رجلان دارا معا أو شقصا من دار فلا شفعة لواحد منهما على الآخر لاستوائهما في وقت ثبوت الملك (الثاني) كونه لازما وفيه ثلاث صور (احداها) ان جرى البيع بشرط الخيار لهما أو للبائع الخيار وحده لم يؤخذ الشقص بالشفعة مادام الخيار باقيا اما على قولنا الملك غير منتقل إلى المشترى(11/408)
فظاهر واما على قول الانتقال فلان في اخذه ابطال خيار البائع ولا سبيل للشفيع إلى الاضرار بالبائع وابطال حقه وعن صاحب التقريب احتمال على قولنا بانتقال المالك إلى المشترى وان شرط الخيار للمشترى
وحده فان قلنا الملك له ففى أخذه بالشفعة قولان رواية الربيع واختيار أبى اسحق المنع وبه قال مالك واحمد لان المشترى لم يرض بلزوم العقد وفى الاخذ الزام واثبات للعهدة عليه ورواية المزني يؤخذ وبه(11/409)
قال أبو حنيفة لانه لاحق فيه الا للمشترى والشفيع مسلط عليه بعد لزوم الملك واستقراره فقبله اولي وهذا اصح عند عامة الاصحاب ونقل للامام وصاحب الكتاب في المسألة طريقين (أحداهما) اثبات القولين هكذا لكن قالا هما مأخوذان من الخلاف الذى نذكره فيما بعد إذا اطلع المشترى على عيب بالشقص وأراد رده وأراد الشفيع أخذه فعلى رأى للشفيع قطع خيار المشترى في الصورتين وعلى رأى(11/410)
لا يمكن منه (والثاني) القطع بأنه لا يأخذه إلى أن يلزم العقد والفرق بين الرد بالعيب وبينه أن الاخذ بالشفعة يفتقر إلى استقرار العقد وتمامه (واعلم) أن هذه الطريقة الثانية لاتكاد توجد في غير كتابنا والذهاب على الطريقة الاولى إلى تخريج القولين من الخلاف في الرد بالعيب بعيد مع أن الجمهور حكوهما عن النص ولو عكس وقيل الخلاف في الرد بالعيب مأخوذ من الخلاف ههنا لكان أشبه هذا إذا فرعنا على(11/411)
أن الملك للمشترى (أما) إذا قلنا إنه بعد للبائع أو موقوف والمشترى منفرد بالخيار فعن صاحب التقريب وجه أن الشفيع يأخذ الشقص لانقطاع سلطة البائع بلزوم العقد من جهته (والاصح) المنع لان ملك البائع غير زائل على التقدير الاول وغير معلوم الزوال إلى الثاني وعلى الاول إذا أخذه الشفيع تبينا أن الملك للمشترى فبل أخذه وانقطع الخيار.(11/412)
(فرع) باع أحد الشريكين نصيبه بشرط الخيار ثم باع الثاني نصيبه في زمان الخيار بيع بتات فلا شفعة في المبيع أولا للبائع الثاني لزوال ملكه ولا للمشترى منه وان تقدم ملكه على ملك المشترى الاول إذا فرعنا على أنه لا يملك في زمان الخيار لان سبب الشفعة البيع وهو سابق على ملكه (وأما) الشفعة في المبيع ثانيا فموقوفة ان توقفنا في الملك وللبائع الاول ان أبقينا الملك له وللمشترى
منه ان أثبتنا الملك له وعلى هذا قال في التتمة ان فسخ البيع قبل العلم بالشفعة بطلت شفعته ان(11/413)
قلنا) ان الفسخ بخيار الشرط يرفع العقد من أصله (وان قلنا) يرفعه من حينه فهو كما لو باع ملكه قبل العلم بالشفعة وان أخذه بالشفعة ثم فسخ البيع فالحكم بالشفعة كالحكم في الزوائد الحادثة في زمن الخيار (الثانية) إذا وجد المشترى بالشقص عيبا قديما فاراد رده وجاء الشفيع يريد أخذه ويرضى بكونه معيبا فيه قولان ويقال وجهان (أحدهما) ان الشفيع أولى بالاجابة لان حقه سابق على حق(11/414)
المشترى فانه ثابت بالبيع ولان الغرض للمشترى استدراك الظلامة والوصول إلى الثمن وهذا الغرض حاصل بأخذ الشفيع ولانا لو قدمنا المشترى بطل حق الشفيع بالكلية ولو قدمنا الشفيع حصل للمشترى مثل الثمن أو قيمته (والثاني) ان المشترى أولى لان الشفيع انما ياخذ إذا استقر العقد وسلم عن الرد لانه قد يريد استرداد عين ماله ودفع عهدة الشقص عن نفسه والاول أرجح عند الاكثرين(11/415)
ومنهم من لا يذكر غيره ولو رده بالعيب قبل مطالبة الشفيع ثم جاء الشفيع طالبا فلا يجاب (ان قلنا) المشترى أولى عند اجتماعها (وان قلنا) الشفيع أولى فوجهان (أحدهما) لايجاب لتقدم الرد وفي (الاظهر) يجاب ويفسخ الرد أو نقول تبينا أن الرد كان باطلا والخلاف في أن الشفيع أولى أو المشترى(11/416)
جاز كما إذا اشترى شقصا بعبد ثم وجد البائع بالعبد عيبا فأراد رده واسترداد الشقص وأراد الشفيع أخذه بالشفع والمسألة مذكورة في الكتاب من بعد وسنعود إليها وحكى في التهذيب جريانه أيضا فيما إذا اشترى شقصا بعبد وقبض الشقص قبل تسليم العبد فتلف العبد في يده حتى تبطل شفعة الشفيع في وجه ويتمكن من الاخذ في الثاني كما لو تلف بعد أخذ الشفيع فان الشفعة لا تبطل بل على الشفيع قيمة العبد للمشترى وعلى المشترى قيمة الشقص للبائع والذي أورده صاحب الشامل وغيره أنه إذا(11/417)
كان الثمن عينا وتلف قبل القبض بطل البيع والشفعة (الثالثة) ستعرف أن الشقص الممهور مأخوذ بالشفعة فلو أصدقها شقصا ثم طلقها قبل الدخول أو ارتد وجاء الشفيع يريد أخذه بالشفعة فله أخذ نصفه (وأما) النصف الآخر فالزوج أولى به أو الشفيع فيه وجهان وكذلك إذا اشترى شقصا وأفلس بالثمن فاراد البائع الفسخ والشفيع الاخذ بالشفعة فيه الوجهان (أحدهما) أن الزوج والبائع أولى بالاجابة لاستناد حقهما إلى ملك سابق وأيضا فان البائع لم يرض بزوال الشقص إلا على أن يسلم له الثمن فإذا لم يسلم(11/418)
وجب أن لا يؤخذ منه (وأصحهما) أن الشفيع أولى لان حقه ثبت بالعقد وحق الزوج ثبت بالطلاق وحق البائع بالافلاس وأسبق الحقين أولى بالرعاية ولان منع الشفيع ابطال حقه وإذا قدمناه لا يبطل حق الزوج والبائع وانما ينتقل إلى البدل ولان حق الشفيع أقوى من حق الزوج والبائع ألا ترى أن الشفيع يبطل تصرف المشترى عند افلاسه ولا الزوجة تصرف لزوج قال الشيخ أبو على والوجهان مبنيان على القولين فيما إذا كان الخيار للمشترى وحده وأراد الفسخ والشفيع أراد أخذه بالشفعة وقد قدمنا هما وذكر(11/419)
الامام وصاحب التهذيب أن الوجهين متولدان من جواب ابن الحداد في الصورة الاولى أن الشفيع أولى وجواب أبي اسحق في الثانية بأن تصرف البائع أولى وتصرف من بعدهما من الاصحاب في كلامهما وجعلوا الصورتين على جوابين بالنقل والتخريج وقطع بعضهم بجواب بان الحداد في الصورة الاولى وبجواب أبي اسحق في الثانية والفرق أن الثابت للزوج بالطلاق الملك والشفيع ثبت له ولاية التملك لانفس الملك فكان الزوج أولى بالتقديم وفي الصورة الاخرى الثابت للبائع والشفيع معا ولاية(11/420)
التملك لكن الشفيع أسبق حقا فهو أولى بالتقديم وإذا قدمنا الشفيع في صورة الافلاس فاظهر الوجوه وبه قال ابن الحداد ان الثمن المأخوذ من الشفيع مقسوم بين الغرماء كلهم لان حق البائع إذا انتقل عن العين إلى الذمة التحق بسائر الغرماء (والثاني) يحكى عن ابن سريج أنه يقدم البائع بالثمن رعاية للجانبين (والثالث) أنه ان كان البائع سلم الشقص ثم أفلس المشترى لم يكن أولى بالثمن لرضاه بذمة
الشمترى وان سلم فهو أولى بالثمن والطريقان جاريان فيما إذا اقتضى الحال عود كل الصداق إلى الزوج لرده أو فسخ قبل الدخول هذا إذا اجتمع الشفيع مع الزوج أو البائع اما لو أخذ الشفيع(11/421)
الشقص من يد الزوجة ثم طلق الزوج أو من يد المشترى ثم انه أفلس فلا رجوع للزوج والبائع إلى الشفيع بحال لكن ينتقل حق البائع إلى الثمن وحق الزوج إلى القيمة في مالهما كما لو زال الملك ببيع أو غيره ولو طلهما قبل علم الشفيع واخذ النصف ثم جاء الشفيع ففى استرداده ما أخذه الزوج وجهان كما إذا جاء بعد الرد بالعيب وحكى الامام طريقة أخرى قاطعة بالمنع لان المهر يتشطر بالطلاق من غير اختيار فيبعد نقصه وان قلنا يسترده أخذه وما بقى في يدها والا أخذ ما في يدها ودفع إليها نصف مهر(11/422)
المثل ولو كان للشقص الممهور شفيعان فطلبا وأخذ أحدهما نصفه وطلقها قبل أن يأخذ الآخر فلا يأخذ الزوج النصف الحاصل في يد الشفيع (وأما) النصف الآخر فهو أولى أم الشفيع فيه الخلاف السابق ويجرى فيما إذا أخذ الشفيعين من يد المشترى ثم أفلس فان قلنا الشفيع أولى ضارب البائع مع الغرماء بالثمن (وان قلنا) البائع أولى فان شاء أخذ النصف الباقي وضارب مع الغرماء بنصف الثمن والا تركه وضارب بجميع الثمن.(11/423)
قال (واحترزنا بالمعاوضة عن ملك حصل بهبة أو إرث أو رجع ناقلة أو رد بعيب.
فلا شفعة في شئ من ذلك.
وثثبت (ح) الشفعه فيما جعل أجرة في إجارة.
أو صداقا في نكاح.
أو عوضا في كتابه أو خلع أو صلح عن دم عمد أو عن متعة نكاح.
ولو بذل المكاتب شقصا عوضا عن نجومه ثم عجز ورق ففي الشفعة خلاف إذ خرج عن كونه عوضا.
ولو أوصي لمستولدته بشقص ان خدمت أولاده شهرا ففيه خلاف لتردده بين الوصية والمعاوضة) .(11/424)
القيد الثالث في ضبط المأخوذ منه أن يكون ملكه حاصلا بمعاوضة فيخرج عنه ما إذا ملك بارث أو
هبة أو وصية فانه لا يؤخذ بالشفعة (أما) الارث فلان الوارث لا اختيار له في حصول الملك بخلاف ما إذا ملك اختيارا فانه كان من حقه أن لايدخل على الشريك ولا يضر به فإذا لم يفعل سلط الشريك عليه (وأما) الهبة والوصية فلان المتهب والموصي له تقلدا لمابه من الواهب والموصي بقبول تبرعهما ولو أخذ الشفيع لاخذ(11/425)
عن استحقاق ولو تسلط فلا يكون متقلدا للمانة ووضع الشفعة على أن يأخذ الشفعة بما أخذ به المتملك ولو وهب بشرط الثواب أو مطلقا وقلنا إن يقتضي الثواب فوجهان (أصحهما) أنه يؤخذ بالشفعة لانه مملوك بعقد معاوضة (والثاني) لا يؤخذ لانه ليس المقصود منه المعاوضة وعلى الاول ففي أخذه قبل قبض الموهوب وجهان (أظهرهما) الاخذ لانه صار بيعا (والثاني) لا لان الهبة لا تتم إلا بالقبض وهذا هو(11/426)
الخلاف في أن الاعتبار باللفظ أو بالمعنى ولو اشترى شقصا ثم نقايلا فان كان الشفيع قد عفا فتجدد الشفعة ينبني على أن الاقاله فسخ أم بيع (إن قلنا) بيع تجدد وأخذه من البائع (وإن قلنا) فسخ لم تتجدد كما لا تجدد بالرد بالعيب لان الفسوخ وان كانت تشتمل على تراد العوضين فلا تعطى أحكام المعاوضات ألا ترى أنه يتعين فيها العوض الاول وان جرت الاقالة قبل علم الشفيع بالشفعة(11/427)
فان جعلنا الاقالة بيعا فالشفيع بالخيار بين ان يأخذ بها وبين أن ينقضها حتى يعود الشقص إلى المشترى فيأخذ منه وان جعلناها فسخا فهو كطلب الشفعة بعد الرد العيب وقد سبق ويدخل في الضبط ما إذا جعل الشقص اجرة في اجارة أو جعلا في جعالة أو رأس مال في سلم أو أصدق امرأته شقصا أن متعها به أو خالعها على ششقص أو صالح عليه على ما أو دم أو جراحة أو جعله المكاتب(11/428)
عوضا عن النجوم فتثبت الشفعة في ذلك كله خلافا لابي حنيفة حيث قال لا تثبت الشفعة الا في الشراء وهو رواية عن أحمد لنا قياس ما عداه عليه بجامع أنه مملوك بعقد معاوضة ولو أقرضه شقصا قال في التتمة القرض صحيح وللشفيع أخذه إذا ملكه المستقرض وانما تثبت الشفعة في الجعالة بعد
العمل قان الملك حينئذ يحصل للعامل ثم في الفصل فرعان (أحدهما) لو بذل المكاتب شقصا عوضا(11/429)
عن بعض النجوم ثم عجز ورق ففي بطلان الشفعة وجهان ينظر في أحدهما إلى انه كان عوضا أو لا وفي الثاني خروجه أجرا عن العوضية وهذا أظهر والخلاف شبيه بما ذكرنا فيما إذا كان الثمن عينا وتلف قبل القبض (الثاني) لو قال لمستولدانه ان خدمت اولادي شهرا فلك هذا الشقص فخدمتهم استحقت الشقص وفي ثبوت الشفعة فيه وجهان (أحدهما) تثبت لانها ملكته يالخدمة فكان كالمملوك بالاجارة(11/430)
وسائر المعاوضات (وأظهرهما) المنع لانها معتبرة من الثلث كسائر الوصايا وذكر الخدمة شرط داخل على الوصية (وقوله) في الكتاب على ملك حصل بهبة اعلم لفظ الهبة بالميم لانه روى في الوسيط عن مالك انه يأخذ الموهوب بالقيمة وهذه إحدى الروايتين عنه فيما ذكره في الشامل وقوله أو رجع باقالة معلم بالواو ولما اذكرنا ويجوز أن يعلم بالحاء لان صاحب الشامل حكى عن أبي حنيفة ثبوت الشفعة فيه وكذا(11/431)
في الرد بالعيب إذا جرى بالتراضي (وقوله) تثبت الشفعة فيما جعل اجرة معلم بالحاء ويجوز أن يعلم بالواو لان في أمالى أبي الفرج السرخسي أن صاحب التخليص قال إذا كان ما يقابل الشقص مما لا يثبت في الذمة بالسلم ولا بالقرض فلا شفعة فيه لانه تعذر أخذه بما ملك به المتملك وهو غريب (وقوله) أو صلح عن دم عمد ربما يبحث فيه عن سبب التيقيد بالعمدية واعلم أن الجناية على النفس فما دونها تنقسم إلى(11/432)
مالا يوجب القصاص والقول في صحة الصلح عن موجبها ما ذكرنا في كتاب الصلح والى ما يوجبه والصلح ههنا مبني على الخلاف في أن موجب العمد ماذا فإذا تأملت القسمين وجدت صحة الصلح عما يوجب القصاص أظهر أعم فيمكن أن يكون ذلك سبب التقييد بالعمدية التي هي مناط القصاص (وقوله) ولو بذل المكاتب شقصا عوضا عن نجومه أشار به إلى أن نفس الشقص لا يمكن الكتابة عليه لانه لا يثبت في الذمة بعقود المعاوضات والمعين لا يملكه العبد وهذا هو المراد بقوله قبله أو عوضا
عن كتابة.
قال (ولو اشترى الوصي للطفل وهو شريك أخذ (و) بالشفعة لنفسه.
ولو باع شقص الطفل لم يأخذه (و) لانه متهم كما لو باع من نفسه.
والاب يأخذ فانه غير متهم.
ولذلك يبيع من نفسه.
ولو كان له في الدار شركة أخرى قديمة فيترك (و) عليه ما يخصه لو كان المشترى غيره) .
فيه مسألتان (الاولى) إذا باع الوصي أو القيم شقصا للطفل وهو شريك فيه فأصح الوجهين وبه قال ابن الحداد وهو المذكور في الكتاب أنه ليس له أخذه بالشفعة لانه لو تمكن منه لم يؤمن أن(11/433)
يترك النظر والاستقصاء للصبي ويتسامح في البيع ليأخذ بالشفعة بالثمن البخس وهذا كما أنه لا يتمكن من بيع ماله من نفسه (الثاني) عن رواية صاحب التقريب وبه قال أبو الحسين بن القطان أن له الاخذ لانه حق ثبت له على المشترى بعد تمام العقد وانقطاع ملك الطفل.
ولو اشترى شقصا للطفل وهو شريك في العقار (فالمشهور) أنه يأخذ لانه لاتهمة ههنا إذ لا يزيد في الثمن ليأخذ به ونقل في الشامل وجها آخر لان في الشراء أو الاخذ تعليق عهدة بالصبي من غير منفعة له وللاب والجد الاخذ بالشفعة إذا كانا شريكين سواء باعا أو اشتريا لقوة ولايتهما وشفقتهما ولهذا كان لهما بيع مال الطفل من أنفسهما.
ولو كان في حجر الوصي يتيمان بينهما دار فباع نصيب أحدهما من رجل فله أخذه بالشفعة للثاني لان الاول قد يحتاج إلى البيع والثاني إلى الاخذ.
ولو وكل أحد شريكي الدار صاحبه ببيع نصيبه فباعه ففي الشفعة وجهان أيضا لكن الشيخ أبا على قال ان الاكثرين ههنا على أنه يأخذ لان الموكل ناظر لنفسه يعترض ويستدرك ان عثر على تقصير من الوكيل والصبي عاجز عن ذلك فيصان حقه عن الضياع.
ولو وكل انسان أحد الشريكين بشراء شقص من الآخر فله الاخذ بلا خلاف.(11/434)
وقال أبو حنيفة في الوكيل والوصي معا تثبت الشفعة الشراء ولا تثبت في البيع.
ولو وكل الشريك الشريك ببيع نصف نصيبه أو أذن له في بيع نصيبه أو بعض نصيبه مع نصيب الموكل ان شاء فباع نصف نصيب الموكل مع نصف نصيبه صفقة واحدة فللموكل أخذ نصيب الوكيل بالشفعة وهل للوكيل أخذ نصيب الموكل فيه وجهان
(المسألة الثانية) إذا كان للمشترى في الدار شركة قديمة بأن كان بين ثلاثة أثلاثا فباع أحدهم نصيبه من أحد الآخرين فأصبح الوجهين وهو المذكور في الكتاب وبه قال أبو حنيفة والمزني ان المشترى والشريك الآخر يشتركان في المبيع لاستوائهما في الشركة كما لو كان المشترى غيره.
وعن ابن سريج أن الشريك الثالث ينفرد بالشفعة ولا حق فيه للمشترى لان الشفعة تستحق على المشترى ولايجوز أن يستحقها المشترى على نفسسه فعلى هذا الثالث بالخيار بين أن يترك جميع المبيع أو يأخذ الجميع وعلى الاصح هو بالخيار بين أن يأخذ نصف المبيع أو يترك فان قال خذ الكل أو اترك الكل وقد تركت أنا حقي لم تلزمه الاجابة ولم يصح اسقاط المشترى الشفعة لان ملكه مستقر على النصف بالشراء فاشبه ما إذا كان للشقص شفيعان حاضر وغائب فاخذ الجميع الحاضر ثم عاد الغائب له أن يأخذ نصفه وليس للحاضر(11/435)
أن يقول له اترك الكل أو خذ الكل وأنا تركت حقى ولا نظر إلى تبعض الصفقة عليه فانه يلزمه دخوله في هذا العقد.
وعن رواية الشيخ أبي على وجه أنه إذا ترك المشترى حقه وجب على الآخر أخذ الكل أو ترك الكل كما إذا باع من أجنبي وله شفيعان فترك أحدهما حقه يأخذ الآخر الكل أو يترك إلا أن هذا الترك سابق على اختيار التملك ههنا وفيما نحن فيه اختيار التملك بالشراء فلم يؤثر الاعراض بعده.
ولو كان بين اثنين دار فباع أحدهما نصف نصيبه من ثالث ثم باع النصف الثاني من ذلك الثالث فعلى الاصح حكمه حكم ما لو باع النصف الثاني من أجنبي وهو المذكور في الباب الثاني وعلى ما ذكره ابن سريج لاشفعة للمشترى فللشفيع الخيار بين أن يأخذ الكل أو يأخذ أحد النصفين دون الآخر.
وإذا عرفت ما ذكرناه أعلمت قوله في الكتاب أخذ بالشفعة لنفسه بالواو وكذا (وقوله) لم يأخذ فانه متهم وكذا (قوله) فيترك عليه ما يخصه.
قال (ولو باع المريض شقصا يساوى الفين بالف من أجنبي والوارث شريك فلا يأخذ بالشفعة لانه يصل إليه المحاباة.
وقيل يأخذ لان المحاباة معه ليست من المريض.
وقيل لا يصح البيع لتناقض الاثبات والنفي جميعا.
وقيل يأخذ الوارث بقدر قيمة الالف والباقي يبقى للمشترى مجانا) .(11/436)
إذا باع في مرض موته شقصا وحابى فلا يخلو إما أن يكون المشترى والشفيع أجنبيين أو وارثين أو المشترى وارثا والشفيع أجنبيا أو بالعكس والمذكور في الكتاب هو القسم الرابع ونحن نذكر اربعتها (الاول) أن يكونا أجنبيين فان احتمل الثلث المحابات صح البيع وأخذ الشقص بالشفعة ولا إشكال وان لم يحتمله كما إذا باع شقصا يساوى الفين بألف ولا مال له غيره نظر إن رده الورثة بطل البيع في بعض المحاباة وفي صحته في الثاني طريقان (أحدهما) التخريج على الخلاف في تفريق الصفقة (والثاني) القطع بالصحة (وإذا قلنا) بالصحة ففيما يصح فيه البيع قولان (أحدهما) أنه يصح في قدر الثلث والقدر الذي يوازي الثمن بجميع الثمن (والثاني) انه لا يسقط شئ من البيع إلا ويسقط ما يقابله من الثمن وقد وجهنا كل واحد من الطريقين والقولين وتكلمنا فيما هو الاظهر في تفريق الصفقة (فان قلنا) بالقول الاول صح البيع في الصورة المفروضة في خمسة أسداس الشقص بجميع الثمن (وان قلنا) بالثاني دارت المسألة وحسابها أن يقال صح البيع في شئ من الشقص بنصف شئ يبقى مع الورثة الفان إلا نصف شئ وذلك يعدل مثلي المحابة وهو نصف شئ فتلا هاشئ فيجبر ويقابل فيكون(11/437)
الفان معادلين لشئ وصنف والشئ من شئ ونصف ثلثاه فعلمنا أن البيع صحيح في ثلثي الشقص قيمته الف وثلاثمائة وثلاث وثلاثون وثلث مثلى الثمن وهو نصف هذا المبلغ فتكون المحاباة ستمائة وستة وستون وثلثي يبقى للورثة ثلث الشقص وثلثا الثمن وهما الف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث وذلك ضعف المحاباة وعلى القولين جميعا للمشترى الخيار لان جميع لم يسلم له فان أجاز أخذ الشفيع خمسة أسداس الشقص بجميع الثمن على القول الاول وثلثيه بثلثي الثمن على الثاني ولو أراد أن يفسخ وجاء الشفيع فمن المجاب منهما فيه الخلاف المذكور في الرد بالعيب وكذلك لو فسخ قبل طلب الشفيع تبطل الشفعة أم للشفيع رد الفسخ فيه ما سبق من الخلاف وان أجاز الورثة صح البيع في الكل ثم إن قلنا إن إجازتهم كما فعله المورث أخذ الشفيع الكل بكل الثمن (وان قلنا) انها ابتداء عطية منهم لم يأخذ الشفيع القدر النافذ باجارتهم وأخذ القدر المستغني عن اجازتهم وفيه القولان المذكوران عند الرد (القسم الثاني والثالث) أن يكونا وارثين أو المشترى وارثا فيكون هذا البيع محاباة مع الوراث(11/438)
وهى مردودة فان لم نفرق الصفقة بطل البيع في الكل وان فرقناها (فان قلنا) هناك يصح في ثلثيه بثلثي الثمن فههنا يبطل البيع في الكل هكذا ذكره القفال وغيره وعلله في التهذيب بأن البيع لا يبطل في شئ الا ويسقط بقدره من الثمن فما من جزء يصح فيه البيع الا ويكون بعضه محاباة وهى مردودة ولك هنا كلامان (أحدهما) أن المفهوم من هذا التوجيه شيوع المعاوضة والمحاباة في جميع الشقص وذلك لايمنع تخصيص قدر المحاباة بالابطال ألا ترى أنه لم يمنع في القسم الاول تخصيص ما وراء القدر المحتمل من المحاباة والابطال (والثاني) أن الوصية للوارث موقوفة على اجازة باقي الورثة على رأى كما أن الوصية بما زاد على الثلث لا تنفذ من غير اجازة الورثة على رأى فليفرق ههنا بين الاجازة والرد كما في القسم الاول (والرابع) أن يكون الشفيع وارثا دون المشترى فإذا احتمل الثلث المحاباة أو لم يحتمل وصححنا البيع في بعض المحاباة في القسم الاول ومكنا الشفيع من أخذه فههنا وجوه (أحدها) أنه يصح البيع كذلك ولا يأخذه الوارث بالشفعة لان محاباة البائع مع المشترى وهو أجنبي عنه والشفيع يتملك على المشترى ولا محاباة معه من المريض (والثالث) أنه لا يصح(11/439)
البيع أصلا لانه لو صح لتقابلت فيه أحكام متناقضة لانا إن لم نثبت الشفعة أضررنا بالشفيع وان أثبتناها أوصلنا إليه المحاباة وهذا ما عناه بقوله لتناقض النفي والاثبات جميعا (والرابع) يصح في الجميع ويأخذ الشفيع ما يوازي الثمن منه ويبقي الباقي للمشترى مجانا لان المحاباة مع الاجنبي دون الوارث فيجعل كانه باع بعض الشقص منه ووهب بعضه فيأخذ المبيع دون الموهوب (والخامس) أنه لا يصح البيع في القدر الموازى للثمن لانه لو صح في الكل فان أخذه الشفيع وصلت إليه المحاباة وان أخذ ما وراء قدر المحاباة كان إلزاما بجميع الثمن ببعض المبيع وهو على خلاف وضع الشفعة وقد يقال في العبارة عن هذا الوجه ان ترك الشفيع الشفعة صحت المحاباة مع المشترى والا فهو كما لو كان المشترى وارثا فلا تصح المحاباة والاوجه الاربعة الاخيرة تحكى عن ابن سريج وأصح الخمسة عند الاكثرين منهم أبو على صاحب الافصاح والعراقيون والاستاذ أبو منصور والامام وصاحب التهذيب إنما هو الثاني والاول
عند ابن الصباغ وقية إيراده في الكتاب ويحسن أن يرتب فيقال في صحة البيع وجهان ان صح فيصح في الجميع أو فيما وراء قد المحاباة وجهان ان صح في الجميع بالشفعة أو ما وراء قدر المحاباة أولا يأخذ شيئا فيه ثلاثة أوجه.(11/440)
قال (ولو تساوى شريكان إلى مجلس الحكم وزعم كل واحد أن شراء الآخر متأخر وله الشفعة فالقول قول كل واحد في عصمة ملكه عن الشفعة.
فان تحالفا أو تناكلا تساقطا.
وان حلف أحدهما ونكل الآخر قضى لمن حلف) .
ذكرنا من قبل أن تقدم ملك الآخذ على ملك المأخوذ منه شرط في الشفعة فلو كانت في يد رجلين دار شرياها بعقدين وادعى كل واحد منهما أن شراءه كان قبل شراء صاحبه وأنه يستحق الشفعة عليه نظر إن ابتدأ أحدهما بالدعوى أو جا آمعا وتنازعا في البداءة فقدم أحدهما بالقرعة وادعي فعلي الآخر الجواب ولا يرضي منه في الجواب بأن يقول بل شرائي أسبق فانه ابتداء دعوي بل إما أن ينفي سبق شراء المدعي أو يقول لا يلزمني تسليم شئ اليك وحينئذ يحلف فان حلف استقر ملكه ثمر تسمع دعواه على الاول فان حلف استقر ملكه أيضا وان نكل المدعي عليه أولا ردت اليمين على المدعي فحلف أخذ ما في يد المدعي عليه وليس للمدعي عليه الناكل بعد ذلك أن يدعي عليه لانه لم يبق له ملك يأخذ به الشفعة وان نكل المدعي عن اليمين المردودة سقطت دعواه وللمدعي عليه أن يدعي عليه هذا إذا(11/441)
لم يكن لواحد منهما بينة (أما) إذا أقام أحدهما البينة على السبق دو الآخر قضى له وان أقام كل واحد منهما بينة على سبق شرائه مطلقا أو على أنه اشترى يوم السبت وصاحبه اشترى يو الاحد فهما متعارضتان وفي تعرض البينتين قولان (أحدهما) أنهما يتساقطان فكأنه لابينة لواحد منهما (والثاني) أنهما يستعملان وفي كيفيته أقوال (أحدها) القرعة فعلي هذا فمن خرجت قرعته أخذ نصيب الآخر بالشفعة (والثاني) القسمة ولا فائدة لها ههنا إلا أن تكون الشركة بينهما على التفاوت فيكون النصف مقيدا (والثالث) الوقف وعلى هذا يوقف حق التملك إلى أن يظهر الحال ومهم من لم يجز قول الوقف
ههنا وقال لا معني للوقف مع كون الدار في يدهما ولو عينت كل واحدة من البينتين وقتا واحدا فلا تنافي بينهما لاحتمال وقوع العقدين معا ولا شفعة لواحد منهما لانا تبينا وقوع التقدين معا وفيه وجه أنهما يسقطان لان واحدة منهما لم تتعرض لمقصود مقيمها فكأنه لابينة.
(الباب الثاني في كيفية الاخذ) قال (والنظر في أطراف ثلاثة (الاول) فيما لا يملك به فلا يملك بقوله أخذت وتلمكت.
ولكن(11/442)
يملك بتسليم الثمن وان لم يرض المشترى به.
أو بتسليم المشترى الشقص إليه رضا بكون الثمن في ذمته.
وهل يملك بمجرد رضا المشترى دون التسليم.
أو بقضاء القاضي له بالشفعة عند الطلب.
أو بمجرد الاشهاد على الطلب فيه خلاف.
والاظهر أنه لا يملك) .
حق الشفعة قد يثبت لواحد وقد يثبت لجماعة وعلى التقديرين فلا شك أن الاخذ بها ضرب تملك يعرض فالحاجة إلى بيان ما يحصل به الملك وبيان العوض المبذول وبيان الاحكام العارضة باعتبار تعدد المستحق فعقد لهذه الامور أطرافا (فاما الاول) فلا يشترط في التمليك بالشفعة حكم الحاكم ولا إحضار الثمن ولا حضور المشترى ورضاه (أما) الاول فلانه ثابت بالنص فيستغني عن حكم الحاكم (وأما) الثاني فلانه تملك بعوض فلا يفتقر إلى إحضار العوض كالبيع (وأما) الثاني فلانه تملك بعوض فلا يفتقر إلى إحضار العوض كالبيع (وأما) الثالث فلما ذكرنا في الرد بالعيب وعند أبي حنيفة يعتبر حضور المشترى أو حكم الحاكم ولا يحكم الحاكم إلا إذا حضر الثمن وعن الصعلوكي أن حضور المأخوذ منه أو وكيله شرط ولابد من جهة الشفيع من لفظ كقوله تملك أو اخترت الاخذ بالشفعة أو أخذته بالشفعة وما أشبه ذلك والا فهو من باب المعاطات ولا يكفي أن يقول لي حق الشفعة(11/443)
وأنا مطالب بها لان المطالبة رغبة في التملك والملك لا يحصل بالرغبة المجردة هكذا ذكره في التتمة وفي أمالى أبي الفرج السرخسى أن الطلب يكفي سببا لثبوت التلمك ولا يقف على قوله تملك والاول أظهر وكذلك قالوا يعتبر في التملك أن يكون الثمن معلوما للشفيع ولم يشترطوا ذلك في الطلب
وينبغي أن يكون في صحة التملك مع كون الثمن مجهولا ما ذكرناه في بع المرابحة وفي التتمة إشارة إلى نحو من هذا ثم لا يملك الشفيع بمجرد اللفظ بل يعتبر مع ذلك أحد أمور (الاول) أن يسلم العوض إلى المشترى فيملك به أن يسلمه والا خلي بينه وبينه أو رفع الامر إلى القاضي حتى يلزمه التسليم (والثاني) أن يتسلم المشترى الشقص ويرضى بكون الثمن في ذمته نعم لو باع شقصا من دار عليها صفائح ذهب بالفضة أو بالعكس وجب التقابض ولو رضى بكون الثمن في ذمته ولم يسلم الشقص فوجهان (أحدهما) أنه لا يحصل الملك وقول المشترى ما لم يتصل به القبض في حكم وعد (وأصحهما) الحصول لانه معاوضة والملك في المعارضات لا يتوقف على القبض (والثالث) أن يحضر مجلس القاضي ويثبت حقه في الشفعة ويختار التملك فيقضي القاضي له بالشفعة وفيه وجهان (أحدهما) أنه لا يحصل الملك ويستمر(11/444)
ملك المشترى إلى أن يصل إليه عوضه أو يرضي بتأخيره (وأصحهما) الحصول لان الشرع نزل الشفيع منزلة المشترى كأن العقد عقد له إلا أن يتخير بين الاخذ والترك فإذا طلب وتأكد طلبه بالقضاء وجب أن يحكم له بالملك (والرابع) ان يشهد عدلين على الطلب فان لم نثبت الملك بحكم القاضي فههنا أولى وان أثبتناه فوجهان لقوة قضاء القاضي (وقوله) في الكتاب والاظهر أنه لا يملك بمقتضي ترجيح الوجه الصائر إلى عدم حصول الملك بالقضاء والاشهاد وفيما إذا رضى المشترى أن يكون الثمن في ذمة الشفيع وان لم يستلم الشقص لكن جواب الاكثرين في هذه الصورة وفي صورة قضاء القاضي بالشفعة أنه يثبت الملك وإذا ملك الشفيع الشقص بغير الطريق الاول لم يكن له أن يتسلمه حتى يؤدى الثمن وان سلمه المشترى قبل أداء الثمن ولا يلزمه أن يؤخر حقه وان أخر البائع حقه وإذا لم يكن الثمن حاضرا وقت التملك أمهل ثلاثة أيام فان انقضت ولم يحضره فسخ القاضي تملكه هكذا حكى عن ابن سريج وساعده المعظم وفيه وجه آخر أنه إذا قصر في الاداء بطل حقه وان لم يؤخذ رفع إلى الحاكم وفسخ به.(11/445)
قال (وهل يلتحق هذا التمليك بالشراء في ثبوت خيار المجلس للشفيع وامتناع التصرف في
الشقص قبل القبض.
وامتناع التملك دون رؤية الشقص فيه خلاف من حيث أنه يشبه البيع في كونه معاوضة ويخالفه في أنه لا تراضي فيه) .
فيه ثلاث صور (إحداها) في ثبوت خيار المجلس للشفيع فيه خلاف ذكرناه في البيع (والاظهر) الثبوت يحكي ذلك عن نصه في اختلاف العراقيين وعلي هذا فيمتد إلى مفارقة المجلس وهل يقطع بأن يفارقه المشترى فيه وجهان (وجه) المنع أنه لاحظ له في الخيار فلا اعتبار بمفارقته (الثانية) إذا ملك الشفيع امتنع تصرف المشسترى وان طلبه ولم يثبت المخلك بعد لم يمتنع وأبدى الامام فيه احتمالا لتأكد حقه بالطلب وحكى فيه وجهين في نفوذ تصرف الشفيع قبل القبض إذا كان قد سلم الثمن (أظهرها) المنع كتصرف المشترى قبل (ووجه) الثاني كونه قهريا كالارث قال ولو ملك بالاشهاد أو قضاء القاضى لم ينفذ تصرفه وكذا لو تملك برضى المشترى لكون الثمن عنده والقياس التسوية (الثالثة) في تملك الشفيع الشقص الذى لم يره طريقان (أظهرهما) أنه على قولى بيع الغئب ان منعناه(11/446)
لم يتملكه قبل الرؤية وليس للمشترى منعه من الرؤية وان صححناه فله التملك ثم منهم من جعل خيار الرؤية على الخلاف في خيار المجلس ومنهم من قطع به وقال المانع على رأى بعد اختصاص ذلك الخيار يأخذ الجانبين (والثانى) المنع سواء صححنا بيع الغائب أو أبطلناه ولان البيع بالتراضى فاثبتنا الخيار فيه وههنا الشفيع يأخذ من غير رضى المشترى فلا يمكن إثبات الخيار فيه نعم لو رضى المشترى بأن يأخذه الشفيع ويكون بالخيار فيكون بالخيار على قولى بيع الغائب ويحكى هذا الطريق عن ابن سريج واذال جوزنا له التملك وأثبتنا الخيار فللمشترى أن يمتنع من قبض الثمن واقباض المبيع حتى يراه ليكون على ثقة فيه (وقوله) حيث انه يشبه البيع إلى آخره توجيه لطرفي الخلاف في المسائل الثلاث والاظهر التحاقه بالشراء وكذلك يرد الشفيع باعيب ولو أفلس وكان المشترى سلم الشقص إليه راضيا بذمته يجوز له الاسترداد.
قال (الطرف الثاني فيما يبذل من الثمن.
وعلى الشفيع بذل مثل ما بذله المشترى إن كان مثليا(11/447)
أو قيمة (و) يوم العقد إن كان من ذوات القيم.
فيبذل في المهور وما عليه الخلع قيمة (وم) البضع.
وفي عوض الكتاب قيمة النجوم (وم) .
وفي عوبض المتعة قيمة المتعة (وم) وفي الصلح عن الدم قيمة الدم (وم)) .
المقصود الآن بيان ما يأخذ به الشفيع والمأخوذ أنواع (منها) المبيع فان بيع بمثلى كالنقدين والحبوب يأخذه بمثله ثم ان قد بمعيار الشرع أخذه به وان قد بغيره كما لو باع بمائة من من الحنطة فيأخذه بمثله وزنا أم يكال ذلك المبلغ ويأخذ به كيلا فيه اختلاف ذكرناه في القرض ولو كان المثل منقطعا وقت الاخذ عدل إلى القيمة كما في الغصب ولو بيع بمتقوم من عبد وثوب ونحوهما أخذه بقيمة ذلك المتقوم والاعتبار بقيمة يوم البيع لانه يوم إثبات العوض واستحقاق الشفعة وقال ابن سريج تعتبر قيمته يوم استقرار العقد بانقطاع الخيار وهذا ما أورده صاحب التهذيب وجماعة وعن مالك أن الاعتبار بقيمته يوم المحاكمة.
لنا أن الثمن صار ملكا للبائع فلا تعتبر زيادته في حق المشترى ولو جعل الشقص رأس مال سلم أخذه الشفيع بمثل(11/448)
المسلم فيه ان مثليا أو بقيمته ان كان متقوما ولافرق بين ان يكون دين اتلاف أو دين معاملة (ومنها) الشقص الممهور يؤخذ بمهر مثل المرأة لان البضع متقوم وقيمته مهر المثل وكذا إذا خالعها على شقص والاعتبار بمهر مثلها يوم النكاح ويوم جريان البينونة هذا هو المشهور وفي التتمة عن بعض الاصحاب أنه خرج وجها أنه يأخذه بقيمته يوم القبض وأصله ان المرأة إذا وجدت الصداق عيبا وردته ترجع بقيمته على أحذ القولين وإذا كان المستحق عند الرد بالعيب بدل المسمي كذلك عند الاخذ بالشفعة وهذا مذهب مالك.
ولو متع المطلقة بشقص أخذه الشفيع بمتعة مثلها لا بالمهر لان المتعة هي التي وجبت بالطلاق والشقص عوض عنها (ومنها) لو اخذ من المكاتب شقصا عوضا عن النجوم أخذه الشفيع بمثل النجوم أو قيمتها لان النجوم هي التي قابلته (ومنها) الشقص الذي جعل أجرة الدار يؤخذ بقيمة المنفعة وهى أجرة مثل الدار (ومنها) إذا صالح عليه عن الدم أخذه الشفيع بقيمة الدم وهى الدية ويقود منه الجريح ويذهب ملكه (ومنها) مالرب التمر لو استقرض شقصا أخذه الشفيع بمثل قيمته وان قلنا ان
المسنقرض يرد المثل لان الفرض مبني على الارفاق والشفعة ملحقة بالاتلاف والمواضع المحتاجة إلى الرقوم من لفظ الكتاب لاتخفي بعد ما ذكرناه.
قال (وان باع بألف إلى سنة.
فان شاء عجل في الحال الالف واخذ.
وان شاء نبه على الطلب (و) وأخر التسليم إلى مضى السنة.
وروى حرملة قولا أنه يأخذ (ح) بثمن مؤجل عليه كما أخذه المشترى.
وحكي ابن سريج أنه يأخذ بعوض يساوى الفا إلى سنة) .(11/449)
إذا كان الثمن حالا بذله الشفيع في الحال فاما إذا باع بألف إلى سنة مثلا ففيه ثلاثة أقوال (أصحها) وبه قال أبو حنيفة ان الشفيع بالخيار بين أن يعجل الالف ويأخذ الشقص في الحال وبين أن يصبر إلى أن يحل الاجل فحينئذ يبذل الالف ويأخذ الشقص وليس له أن يأخذ بألف مؤجل لان الذهمم لا تتمثل فقد لا يرضي المشترى بذمة الشفيع وان رضى البائع بذمة المشترى ولا يمكن إلزامه لاخذ بألف حال لما فيه من الاجحاف (والثاني) أن له أخذ الشقص بألف مؤجل كما أخذه المشترى تنزيلا للشفيع منزلة المشترى كما ينزل منزلته في قدر الثمن وسائر صفاته (والثالث) أنه يأخذ بعرض يساوى الالف إلى سنة كيلا يتأخر الاخذ ولا يتضرر الشفيع ولا المشترى.
ولنتكلم في حال هذه الاقوال وتفريعها (أما) حالها (فالاول) منصوص عليه في الجديد (والثاني) نسبه الامام وصاحب الكتاب إلى رواية حرملة وسكت الاكثرون عن ذلك ورووه عن القديم (وأما الثالث) فعامة الاصحاب ذكروا أن ابن سريج نقله عن الشافعي رضي الله عنه من كتاب الشروط والمفهوم من إيراده أنه نص عليه فيه وقال الشيخ أبو على ان ابن سريج خرجه من قول الشافعي من كتاب الشروط أنه يجوز بيع الدين فقال يقوم الدين المؤجل بعرض ويأخذه الشفيع به.
(التفريع) فان قلنا بالجديد لم يبطل حقه بالتأخير لانه تأخير بعذر ولكن هل يجب عليه تنبيه المشترى علي الطلب فيه وجهان (أحدهما) لا إذ لا فائدة فيه (والثاني) نعم لانه ميسور إن كان(11/450)
الآخذ معسرا والى هذا أشار في الكتاب بقوله ان شأنية المشترى على الطلب لكن الاول أشبه بكلام الاصحاب.
ولو مات المشترى وحل عليه الثمن لم يتعجل الاخذ على الشفيع بل علي خيرية إن شاء أخذ
في الحال وان شاء صبر إلى مجئ ذلك المحل ولو مات الشفيع فالخيرة التي كانت له تثبت لورثته ولو باع المشتري الشقص في المدة نقدا فالشفيع بالخيار بين أن يأخذه بالثمن الثاني وبين أن يفسخه إما في الحال واما عند حلول الاجل ويأخذه بالثمن الاول هذا إذا قلنا ان الشفيع ينقض تصرف المشترى وهو الظاهر وفيه خلاف سيأتي (وان قلنا) بالقول الثاني ففي موضعه وجهان (أحدهما) أنه إنما يأخذ بثمن مؤجل إذا كان مليئا موثوقا به أو إذا أعطى كفيلا مليئا والا لم يأخذه لانه اضرار بالمشترى وبهذا قال مالك أحمد (والثاني) أن له الاخذ على الاطلاق ولا ينظر إلى صفته.
ولو أخذه ثم مات حل عليه الاجل (وان قلنا) بالقول الثالث فتعيين العرض إلى الشفيع وتعديل القيمة إلى من يعرفها ذكره الامام قال فلو لم يتفق طلب الشفعة حتى حل الاجل وجب الا يطالب على هذا القول الا بالسلعة المعدلة لان الاعتبار في قيمة عوض المبيع بحال المبيع ألا ترى أنه إذا باع بمتقوم تعتبر قيمته يوم البيع وعلي القولين الآخرين لو أخر الشفيع بطل حقه.
قال (ولو الشترى شقصا وسيفا بألف أخذ (م) الشقص بما يخصه من الثمن باعتبار قيمة يوم العقد.
ثم لاخيار للمشترى فيما فرق عليه من الصفقة) .(11/451)
إذا اشترى الشقص المشفوع مع عرض كثوب وسيف صفقة واحدة وزع الثمن عليهما باعتبار قيمتها وأخذ الشفيع الشقص بحصته من الثمن وبه قال أبو حنيفة وأحمد وعن مالك أنه يأخذهما جميعا لما ذكرنا في أول الكتاب ويروى عنه ان كان من مصالح الصفقة وتوابعها كالثيران وآلات الحرث والعبد العالم والبستان أخذه الشفيع مع الشقص وان كان غير ذلك لم يأخذه ثم النظر في قيمتها إلى يوم البيع لانه وقت المقابلة قال الامام وإذا قلنا ان الملك ينتقل بانقطاع الخيار فيجوز أن يعتبر انقطاع الخيار لان انتقال الملك الذي هو سبب الشفعة حينئذ يحصل وإذا أخذ الشفيع الشقص لم يثبت للمشترى الخيار وان تفرقت الصفقة على لدخوله فيها عالما بالحال قال (ولو تعيبت الدار باضطراب سقفها أخذ المعيب بكل الثمن كما يأخذ المشترى من البائع إذا عاب المبيع قبل القبض.
وان تلف الجدار مع بعض العرصة بأن تعشاه السيل أخذ الباقي بحصته.
وان بقي تمام العرصة واحترقت السقوف.
فان قلنا انها كأطراف العبد أخذ (م) بالكل.
وان قلنا كأحد العبدين أخذ بحصته.
وان كان النقض باقيا فهو منقول ففي باقء الشفعة فيه قولان (و) لانه قارن الابتداء لم يتعلق به الشفعة.
وان قلنا يبقي حق الشفيع فيه فيأخذ المنهدم مع النقض بكل الثمن.
وان قلنا لا يبقي الحق فيه.
فان قلنا الجدار كاحد العبدين أخذ الباقي بحصته.
وان قلنا كأطراف العبد فقولان.
إذ يبعد أن يفوز المشترى بشئ مجانا) .(11/452)
الفصل يتعلق بأصلين (أحدهما) أن المنقول لاشفعة فيه وإذا ضم إلى شقص وبيعا صفقه واحدة أخذ الشقص باشفعة بحصته والعهد قريب بهذا الاصل (والثاني) أن الخلاف في أن السقف والجدران من الدار المبيعة كاحد العبدين المبيعين أو كطرف من أطراف العبد المبيع أو أو صفة من صفاته وهذا ذركناه في النظر الثالث من كتاب البيع.
إذا عرف ذلك فإذا اشترى شقصا من دار ثم نقضت الدار فلها احوال (احدها) ان بيعت من غير تلف شئ منها ولا انفصال بعضها من بعض بان شق جدار أو ملات استطوانة أو انكسر جذع أو اضطرب سقف فالشفيع بالخيار بين الاخذ بكل الثمن وبين الترك ويكون تعيبه في يد المشترى كتعيب المبيع في يد البائع فانه يخير المشترى بين الاخذ بجميع الثمن وبين الفسخ (والثانية) أن بتلف بعضها فينظر ان تلف شئ من العرصة بأن غشيها السيل فغرقها أخذ الباقي بحصته من الثمن وان بقيت العرصة بتمامها وتلفت السقوف واجدران باحتراق وغيره (فان قلنا) ان الا بنية كأحد العبدين المبيعين أخذ العرصة بحصتها من الثمن وهو الاصح وبه قال أحمد ومالك (وان قلنا) انها كأطراف العبد وصفاته أخذها بكل الثمن وفرق بعضهم بين أن يكون التلف بآفة سماوية فيأخذها بجميع الثمن أو باتلاف متلف فيأخذها بالحصة لان المشترى يحصل له بدل التالف فلا يتضرر وبهذا قال أبو حنيفة (والثالث) أن لا يتلف شئ منها ولكن ينفصل بعضها عن بعض بالانهدام وسقوط الجدران فهل يأخذ الشفيع النقض فيه قولان ويقال وجهان (أحدهما) لا لانه منقول كما لو كان في الابتداء كذلك وأدخل النقض في البيع(11/453)
لا يؤخذ بالشفعة (والثاني) نعم قال في الشامل وهو اختيار أبي إسحق وشيوخنا المتأخرين لان منقوليته عرضت
بعد البيع وتعلق حق الشفيع به والاعتبار بحال جريان العقد ولهذا لو اشترى دارا فانهدمت يكون النقض والعرصة للمشترى وان كان النقض لايدخل في البيع لو جرى وهى منهدمة (فان قلنا) انه يأخذ النقض أخذه مع العرصة بجميع الثمن والا أعرض عن الكل (وان قلنا) انه لا يأخذه فينبني على أن السقوف والجدران كأحد العبدين المبيعين أو كطرف العبد (إن قلنا) بالاول أخذ العرصة وما بقي من البناء بحصتهما من الثمن (وان قلنا) بالثاني فوجهان (أحدهما) أنه يأخذ الحصة لان النقض كان من الدار المشتراة فيبعد أن يبقي للمشترى مجانا ويأخذ الشفيع ما سواه بتمام الثمن (والثاني) أن يأخذ الكل بالثمن كما في الحالة الاولى وعلى هذا يشبه النقض بالثمار والزوائد التي يفوز بها المشترى قبل قبض الشفيع ومنهم من يطلق قولين تفريعا على أن النقض غير مأخوذ من غير البناء على أن النقض كأحد العبدين أو كأطراف العبد ويوجه الاخذ بالكل لانه نقص حصل عند المشترى فأشبه تشقق الحائط والاخذ بالهبة بأن ملا يؤخذ من البيع بالشفعة تسقط حصته من الثمن كما إذا اشترى شقصا وسيفا.
(واعلم) أن منقول المزني في المختصر أن الدار إذا أصابها هدم يأخذ الشفيع الشقص بجميع الثمن أو يترك وعن القديم ومواضع من الجديد أنه يأخذ بالحصة واختلف الاصحاب في النصين بحسب ما حكينا عنهم في فقه الفصل فالفارقون في الحالة الثانية بين أن يتلف بعض العرصة حيث يأخذ الباقي بالحصة وبين(11/454)
أن يتلف بعض النقض أو كله وتبقي العرصة كلها حيث يأخذ الباقي بالكل جوابا على إلحاقه بأطراف العبد وحملوا النص الثاني على ما إذا تبف بعض العرصة والاول على ما إذا بقى كل العرصة وتلفت الابنية والفارقون بين أن يكون التلف بآفة سماوية أو باتلاف متلف حملوا الاول على ما إذا كان التلف بآفة سماوية والثاني على ما إذا كان باتلاف متلف والفريقان متفقان على فرض النصين في الحالة الثانية والذين قالوا في الحالة الثالثة لا يأخذ الشفيع النقض منهم من أثبت النصين المذكورين وقطع بالاخذ بالحصة وحمل منقول المزني على الحالة الاولى وهو مجرد التعيب والذين قالوا ياخذ النقض بالشفعة حملوا النص الثاني على ما إذا تلف كل النقض أو بعضه ونزلوا الاول على مذهبهم فخلصت من هذه التصرفات خمسة طرق في النصين والله أعلم.
(وقوله) في الكتاب وفي بقاء الشفعة قولان يجوز إعلامه بالواو
لان عن ان سريج طريقة جازمة ببقاء الشفعة فيه ذكرها في التتمة.
قال (ولو اشترى الشقص بألف ثم حط بالابراء فانه ان كان بعد اللزوم فلا يلحق الشفيع.
وان كان في مدة الخيار لحقه على الاصح (و) .
وان وجد البائع بالعبد الذي هو عوض الشقص عيبا وأراد استرداد الشقص قبل أخذ الشفيع فهو أولى به من الشفيع في أقيس القولين.
وان كان بعد أخذ الشفيع لم ينقض (و) ملك الشفيع.
ولكن يرجع إلى قيمة الشقص.
فان زاد على ما بدله الشفيع أو نقص ففي التراجع بين المشترى والشفيع خلاف إذا صارت القيمة ما قام الشقص بها على(11/455)
المشترى أخيرا.
وكذا لو رضى البائع بالعيب ففي استرداد الشفيع به قيمة السلامة من المشترى خلاف.
وان وجد المشترى بالشقص عيبا بعد أخذ الشفيع لم يكن (و) له طلب أرش.
فان رد الشفيع عليه رد هو علي البائع.
فان وجد قبل أخذ الشفيع ومنعه عيب حادث من الرد فاسترد أرشا فهو محطوط عن الشفيع قولا واحدا) .
الفصل ينظم مسائل (احداها) إذا اشترى الشقص بألف درهم ثم اتفق المتبايعان على حط من الثمن أو زيادة فذلك إما أن يكون قبل لزوم العقد أو بعده اما في زمن الخيار أو مكانه وحكم القسمين ما ذكرناه في البيع بالشرح وحاصله أنه لا تلتحق الزيادة ولا الحط بالعقد بعد لزومه ولا حط البعض ولا حط الكل وذهب أبو حنيفة إلى التحاق حط البعض به حتى يأخذ الشفيع بالباقي وفيما قبل اللزوم وجهان (أصحهما) الالتحاق كما ذره صاحب الكتاب ههنا وان أشار في البيع إلى ترجيح المنع (وإذا قلنا) بالالتحاق وحط كل الثمن فهو كما لو باع بلا ثمن وحينئذ فلا شفعة للشريك لانه يصير هبة على رأى ويبطل على رأى وكنا قد ذكرنا في البيع التفات الخلاف في الالتحاق إلى الخلاف في الملك في زمن الخيار وعلى ذلك جري الامام وآخرون ههنا فقالوا (ان قلنا) ان لخيار لايمنع ثبوت الملك للمشترى فكما يملك المشترى المبيع بملك البائع ثمنه فينفذ تصرفه بالابراء لمصادفته ملكه قال الامام وفيه احتمال لان الاصحاب ترددوا في أن اعتاق المشترى في زمن الخيار هل ينفذ مع الحكم بثبوت الملك له لتعلق خيار البائع بالمبيع فإذا ترددوا في(11/456)
الاعتاق مع قوته لهذا المعني جاز أن يتردد في الابراء لان الثمن متعلق خيار المشترى (وإذا قلنا) ان الملك للبائع أو موقوف نفي صحة الحط وجهان عن القاضي حسين (أحدهما) الصحة لجريان الناس عليه في الاعصار الخالية (والثاني) المنع لانه تصرف فيما ليس مملوكا فيحث قلنا بصحة الحط ففي التحاقه بالعقد خلاف (والثانية) إذا اشترى الشقص بعبد مثلا وتقابضا ثم وجد البائع بالعبد عيبا وأراد رده بالعيب واسترداد الشقص وجاء الشفيع يريد أخذ الشقص ففي الاولى منهما خلاف مر وحكي الامام طريقة أخرى قاطعة بتقديم البائع وفرق بينه وبين ما إذا أراد المشترى رد الشقص بالعيب وزاحمه الشفيع حيث ذكرنا فيه القولين بأن البائع ينشئ الرد علي غير محل الشفعة والمشترى ينشئه في غير محل الشفعة ولو عرف عيب العبد بعد أخذ الشقص لم ينقض ملك الشفيع ولم يرد شفعته كما لو باع ثم اطلع على العيب وعن صاحب التقريب قول أنه يسترد المشترى الشقص من الشفيع ويرد عليه ما أخذه ويسلم الشقص إلى البائع لان الشفيع نازل منزله المشترى فرد البائع يتضمن نقض ملكه ولا يتضمن نقض ملك المشترى لو كان في ملكه والمذهب الاول (وإذا قلنا) به أخذ البائع قيمة الشقص من المشترى فان كانت مثل قيمة العبد فذاك وان زادت قيمة الشقص علي قيمة العبد أو نقصت عنها ففي رجوع من بذل الزيادة من المشترى أو الشفيع على صاحبه وجهان (أظهرهما) أنه لاتراجع بينهما لان الشفيع قد ملكه بالعوض المبذول فلا يتغير حكمه بعد ذلك كما إذا باعه ثم رد البائع العبد بالعيب (والثاني) ويحكي عن ابن سريج أنه يثبت التراجع بينهما(11/457)
لان قيمة الشقص استمر الحال عليها وقرار الفسخ ينفي أن يأخذها بما قام على الشمترى ولو عاد الشقص إلى ملك المشترى بابتياع أو غيره لم يتمكن أو غيره لم يتمكن البائع من إجباره على رد الشقص ولا للمشترى من إجباره على القبول ورد القيمة بخلاف ما إذا غرم العبد المغصوب لا باقه فرجع لان ملك المغصوب منه لم يزل وملك المشترى قد زال وبعد الرد على القيمة حكى صاحب التتمة وجهين في المسألة بناء على الوجهين فيما لو خرج المبيع عن ملك المشترى وعاد ثم الطلع البائع على عيب بثمن مهين فرده هل يسترد المبيع ولو وجد البائع العيب بالعبد وقد حدث عنده عيب فاخذ الارش لامتناع الرد نظر إن
أخذ الشفيع الشقض بقيمة العبد سليما فلا رجوع عليه وان أخذه بقيمته معيبا ففي رجوع المشترى علي الشفيع الوجهان السابقان في التراجع لكن الاصح ههنا الرجوع ومال ابن الصباغ إلى القطع به لان الشقص استقر عليه بالعبد والارش ووجوب الارش من مقتضي العقد لاقتضائه سلامة العوض ولهذا إذا أخذه الشفيع بقيمته سليما لم يرجع على المشترى بشئ ولو رضى البائع ولم يرده فما الذي يجب على الشفيع فيه وجهان (أحدهما) أن عليه قيمة العبد سليما ورضا البائع مسامحة منه مع المشترى (والثاني) أن تلزمه قيمته معيبا حتى لو بذل قيمة السليم استرد قيمة السلامة من الشمترى لان الذي يلزم الشفيع قيمة المجعول ثمنا بصفاته وضعف الامام الوجه الاول وغلط من قال به لكنه هو الذي أورده في التهذيب (الثالثة) للمشترى رد الشقص بالعيب على البائع وللشفيع رده على المشترى بالعيوب السابقة على البيع وكذا بالعيوب السابقة علي الاخذ ثم لو وجد المشترى العيب بعد أخذ الشفيع فلا رد في الحال وليس له الارش أيضا(11/458)
وكذا أطلقه في الكتاب وهو الصحيح ويجئ فيه الخلاف الذي ذركناه فيما إذا باعه أو أزال الملك بجهة أخرى فلو رد عليه الشفيع بالعيب رده حينئذ على البائع ولو وجد المشترى عيب الشقص قبل أن يأخذه الشفيع ومنعه عيب حادث من الرد فاسترد أرش العيب القديم حط ذلك عن الشفيع لانه بدل صفة السلامة التي استحقها الشفيع كما استحقها المشترى على البائع وان قدر على الرد لكنهما توافقا على الرجوع إلى الارش ففي صحة المصالحة وجهان مذكوران في موضعهما ان صححناها ففي حطه عن الشفيع وجهان (أحدهما) لا يحط لان ينزع من البائع (وأصححهما) الحط لتقرر الثمن لعى الباقي (وقوله) في الكتاب فهو أولى به في أقيس القولين يمكن أن يعلم بالواو للطريقة القاطعة بتقديم البائع (وقوله) لم ينقض ملك الشفيع معلم به وكذا قوله لم يكن له طلب أرش (وقوله) وهو محطوط عن الشفيع قولا واحدا كأن الاشارة به إلى هذه الصورة تفارق ما إذا رجع المشترى بالارش مع إمكان الرد فهي مختلف فيها.
قال (ولو اشترى بكف من الدراهم لم يعرف وزنه وحلف على أنه لايعرف وزنه فلا شفعة (و) إذا الاخذ بالمجهول غير ممكن) .
إذا اشترى بكف من الدراهم لايعرف وزنه أو بصبرة من الحنطة لا يعلم كيلها فيوزن وتكال ليأخذ الشفيع
بذلك القدر فان كان ذلك غائبا فتبرع البائع باحضاره أو أخبر عنه واعتمد قوله فذك والا فليس للشفيع أن يكلفه الاحضار ولا الاخبار عنه وان هلك الثمن وتعذر الوقوف عليه تعذر أخذه بالشفعة فان أنكر الشفيع كون الشراء بما لا يعلم قدره نظر إن عين قدرا وقال اشتريته بكذا وقال المشترى انه لم يكن معلوم القدر(11/459)
فعن ابن سريج أنه لا يقنع بذلك ولا يحلف على نفى العلم كما لو ادعى الفا على إنسان فقال في الجواب لست أدرى كم لك على فعلى هذا لو أصر على قوله الاول جعل ناكلا وردت اليمين على الشفيع والمحكى عن النص وأكثر الاصحاب أنه يقنع منه بذلك ويحلف عليه لانه محتمل ويخالف ما إذا ادعى عليه الفا فان المدعي ههنا هو الشقص لا الثمن المجهول وبتقدير صدق المشترى ليس له الاخذ بالشفعة فكان ذلك إنكارا لولاية الاخذ وعلى هذا الخلاف لو قال نسيت مقدار الثمن الذي اشتريت به فعلي رأى يجعل قوله نيست نكولا وترد اليمين على الشفيع قاله القاضي الروياني وبه قال ابن سريج وابن أبي هريرة والماوردي والقفال وهو الاختيار.
وان لم يعين قدرا ولكن ادعي على المشترى أنه يعلمه وطالبه بالبيان ففيه وجهان (أصحهما) عند صاحب التهذيب أنه لا تسمع دعواه حتي يعين قدرا فيحلف المشترى حينئذ أنه لايعرف (والثاني) أنها تسمع ويحلف المشترى على ما يقوله فان نكل حلف الشفيع على علم المشترى وحبس المشترى حتى يبين قدره وحكى عن ابن سريج وغيره تفريعا على الاول أن طريق الشفيع أن يعين قدرا فان ساعده المشتري فذاك والا حلفه على نفيه فان نكل استدل الشفيع بنكوله وحلف علي ما عينه اتفاقا وان حلف المشترى زاد وادعي ثانيا وهكذا يفعل إلى أن ينكل المشترى فيستدل الشفيع بنكوله ويحلف وهذا لان اليمين قد تستند إلى التخمين ألا ترى أن له أن يحلف على خط أبيه إذا سكنت نفسه إليه (وقوله) في الكتاب وحلف أنه لايعرف وزنه غير محتاج إليه في التصوير فانه لو اقتصر على أن يقول ولو اشترى بكف من الدارهم لايعرف وزنه فلا شفعة كان صحيحا وانما(11/460)
يحتاج إلى الحلف إذا فرض نزاع ثم الحلف على نفي العلم انما يكون إذا سمع منه نفي العلم في جواب دعوى الشفيع ويجئ فيه ما سبق من الخلاف.
قال (ولو خرج ثمن المبيع مستحقا وهو معين تعين بطلان (ح) البيع والشفعة.
وان خرج ثمن الشفيع مستحقا لزمه الابدال ولم يبطل ملكه ولا شفعته في أظهر الوجهين.
وكذا إذا خرج زيوفا) .
إذا ظهر الاستحقاق في ثمن الشقص المشفوع فاما أن يظهر في ثمن المبيع أو في ثمن الشفيع فان ظهر في ثمن البيع نظر ان كان معيبا بان بطلان البيع وإذا بطل البيع وإذا بطل ابيع سقطت الشفعة وعلى الشفيع رد الشقص إن كان قد أخذه.
وعند أبي حنيفة لا يبطل البيع إذا كان الثمن نقدا بناء على أن النقود لاتتعين بالتعيين وان خرج بعضه مستحقا بطل البيع في ذلك القدر وفي الباقي قولا تفريق الصفقة فان فرقناه واختار المشترى الاجازة فللشفيع الاخذ فان اختار الفسخ وأراد الشفيع أخذه ففيه الخلاف المذكور فيما إذا أصدقها شقصا ثم طلقها قبل الدخول وان كان الثمن في الذمة أي ونقده المشترى ثم خرج المدفوع مستحقا فعليه الابدال والبيع والشفعة بحالهما وللبائع استرداد الشقص ليحبسه إلى أن يقتضي الثمن (فاما) إذا ظهر الاستحقاق في ثمن الشفيع فان كان جاهلا لم يبطل حقه وعليه الابدال ثم حكي الامام وجهين في أنا نتبين بم يملك باداء المستحق ويفتقر الآن إلى تملك جديد أو نقول إنه ملكه والثمن دينا عليه وان كان عالما فوجهان (أحدهما) ان شفعته تبطل لانه أخذ بما لا يجوز الاخذ به فكأنه ترك الشفعة مع القدرة عليها (والثاني) لا تبطل لانه لم يتصر في الطلب والاخذ والشفعة لا تستحق بمال معين(11/461)
حتى تبطل باستحقاقه (والاول) هو المذكور في التهذيب (والثاني) ظاهر كلام المزني واختاره كثير من الاصحاب ومنهم صاحب الكتاب وهل من فرق بين أن يكون ثمن الشفيع معينا بأن يقول تملكت الشقص بهذه الدنانير أو غير معين بأن يقول تملكته بعشرة فمنهم من قال لا وقال الشيخ أبو حامد وآخرون نعم وموضع الوجهين ما إذا كان معيناه.
وخروج الدنانير نحاسا كخروجها مستحقة.
ولو خرج ثمن المبيع رديئا فللبائع الخيار بين أن يرضى به وبين أن يستبدل فان رضى به لم يلزم المشترى الرضا بمثله بل يأخذ من الشفيع ما اقتضاه العقد ذكره في التهذيب.
ولو خرج ثمن الشفيع رديئا لم تبطل شفعته عالما كان أو جاهلا لان أداءه صحيح بدليل ما إذا رضى المشترى به فيه وجه أن خروجه معيبا كخروجه مستحقا (وقوله) في الكتاب لم يبطل ملكه ولا شفعته في أظهر الوجهين.
أطلق الكلام في المسألة
اطلاقا ولم يفرق بين أن يكون عالما أو جاهلا لاختياره الوجه الذاهب إلى أن حقه لا يبطل وان كان عالما والوجه الذى يقابله على هذا لايراد انه ان كان عالما بطل وان كان جاهلا فلا يبطل البطلان مطلقا فانه لا قائل به والخلاف في أن ملكه هل ببطلهما الوجهان اللذان نسبناهما إلى حكاية الامام في حالة الجهل ويطردان في حالة العلم إذا قلنا ان حقه لا يبطل لكنه حكم بأن الاظهر أن ملكه لا يبطل وهو خلاف المفهوممن كلام الجمهور سيما في حالة العلم (وقوله) وكذا لو خرج زيوفا ان كان المراد منه النحاس المخص فهو صحيح وان أراد الذي من ذل الجنس فالتسوية بينه وبين ما إذا خرج مستحقا خلاف ظاهر المذهب وقد أجاب في الوسيط بان خروج الثمن زيوفا لا يبطل الملك ولا الشفعة وهذا يقتضي ارادة المعني الثاني وحينئذ يختلف جوابه في الكتابين ويكون الصحيح ما في الوسيط.(11/462)
قال (ولو بني المشترى في الشقص الذي قاسمه وكيل الشريك في غيبته فإذا حضر فحقه في الشفعة باق له فانه كان شريكا ولم يسقط هو حق الشفعة وقد بقى له نوع اتصال وهو الجوار.
ولكن لا يقلع (ح ز) بناء المشترى مجانا.
بل يتخير بأن يبقى بأجرة أو يتملك بعوض أو ينقض بارش كالمعير سواء.
إلا أنه يبقي زرعه ولا يطالبه (و) بالاجرة.
والمعير له الاجرة لان المشترى زرع ملك نفسه فكأنه استوفي منفعته فهو كما لو زرع ملكه وباع) .
إذا بني المشترى أو غرس أو زرع في الشقص المشفوع ثم علم الشفيع فله الاخذ بالشفعة وقلع بنائه وغراسه وزرعه مجانا لا بحق الشفعة ولكن لانه شريك وأحد الشريكين إذا انفرد بهذه التصرفات في الارض المشتركة كان للآخر أن يقلع مجانا وان بني وغرس المشترى في نصيبه بعد القسمة والتمييز ثم على الشفيع لم يكن له قلعه مجانا وبه قال مالك وأحمد خلافا لابي حنيفة.
لنا أنه بني في ملكه الذي ينفذ تصرفه فيه فلا يقلع مجانا وتعلق حق الشفعة به لا يمكن من القلع مجانا لتعلق حق الرجوع بالارض المرهونة (واعلم) أن في تصوير المسألة إشكالين (أحدهما) قال المزني المقاسمة تتضمن الرضا من الشفيع وإذا رضى الشفيع بمالكية المشترى بطلت الشفعة فكيف يفرض ثبوت الشفعة مع جريان القسمة
(والثاني) أن القسمة تقطع الشركة وترد العلقة بينهما إلى الجوار وحينئذ وجب أن لا تبقي الشفعة لاندفاع الضرر الذي كنا نثبت الشفعة لدفعه كمالا تثبت ابتداء للجار وأجاب الاصحاب عن الاول بصور(11/463)
واضحة القسمة مع بقاء الشفعة في صور (منها) أن يخبر بأن البيع جري بألف فيعفو أو يقاسم أرباب الشقص أو انتقل إليه بالهبة فيقاسم ويبني ثم يتبين أن البيع كان بما دون الالف وأن الانتقال كان بالعوض فتصح القسمة وتثبت الشفعة (ومنها) أن يقاسم الشفيع المشترى على ظن أنه وكيل إما لاخباره عنه أو لسبب آخر (ومنها) أن يكون للشفيع وكيل بالقسمة مع شركائه والشمترين منهم فيقاسم الوكيل المشترى والشفيع غير عالم (ومنها) أن يكون له وكيل بالقسمة وفي أخذ الاشقاص بالشفعة فيرى في شقص الحظ في الترك فيتركه فيقاسمه ثم يقدم الشفيع ويظهر له بأن الحظ في الاخذ وكذلك ولى اليتيم (ومنها) أن يكون الشفيع غائبا فيطالب المشترى الحاكم بالقسمة وللامام في إجابة القاضي إياه وقفة إذا علم ثبوت الشفعة والمشهور الاجابة (وأما الثاني) فاجيب عنه بأن الجوار وان لم يكن يكتفي به في الابتداء إلا أنه اكتفي به في الدوام عند حصول الشركة في الابتداء ولم يخرج على الخلاف في بطلان الشفعة فيما إذا باع نصيبه جاهلا بالشفعة لان الجوار على حال ضرب اتصال قد يؤدى إلى التأذى بضيق المرافق وسوء الجوار ولذلك اختلف العلماء في ثبوت الشفعة (وقوله) في الكتاب في الشقص الذي قاسمه وكيل الشريك إشارة إلى حل الاشكال الاول وبيان بعض طرق صحة القسمة مع بقاء الشفعة (وقوله) فانه كان شريكا إلى آخره إشارة إلى حل الثاني.
إذا تقرر ذلك فان اختار المشترى قلع البناء أو الغراس فله ذلك ولا يكلف تسوية الارض لانه كان متصرفا في ملكه فان حدث في الارض نقص فالشفيع إما أن يأخذه على صفته واما أن يترك فان لم يختر المشترى القلع فللشفيع الخيار بين إبقاء ملكه في الارض بأجرة وبين(11/464)
تملكه بقيمته يوم الاخذ وبين أن ينقضه ويغرم أرش النقص على الوجه الذى تقرر في المعير إذا رجع وقد بني المستعير في الارض أو غرس بلا فرق ولو كان قد زرع فينبقي زرعه االى ان يدرك فيحصد وقياس التسوية في فصل البناء وما نحن فيه وبين العارية أن يجئ الخلاف المذكور هناك في زرع
الارض المستعارة (والظاهر) في الموضعين أنه يبقي الزرع وهل للشفيع أن يطالبه بالاجرة عن صاحب التقريب أن له المطالبة كما أن المعير يبقي بالاجرة على الظاهر (والمشهور) أنه لا مطالبة للشفيع بالاجرة بخلاف المعير فان المستعير زرع أرض المعير والمشترى زرع ملك نفسه واستوفي منفعته بالزراعة وهذا كما لو باع أرضا مزروعة لا يطالبه المشترى بالاجرة لمدة بقاء الزرع (وقوله) في الكتاب ولكن لا يقلع بناء المشترى مجانا معلم بالحاء لما مر وبالزاى لان المزني يوافقه (وقوله) إن يبقي زرعه هذا الاستثناء يتعلق بالتسوية بين السفيع والمعير كأنه قال والشفيع كالمعير إلا أنه يبقي زرع المشترى بلا أجرة والمعير يبقي بالاجرة (واعلم) أن في الصور الثلاث منها صورة بيع الارض المزروعة وصورة(11/465)
العارية وما نحن فيه وجهين في وجوب الاجرة وقد ذكرنا الخلاف في الصورتين في موضعها لكن الظاهر من الخلاف في صورة العارية وجوب الاجرة وفي الصورتين الآخيرتين المنع للمعني الذي يجمعهما وهو أنه استوفي منفعة ملكه هذا ما ذكره عامة الاصحاب وصاحب الكتاب ناقض في مسألة بيع الارض المزروعة والذي ذكره ههنا جواب على أنه لا تجب الاجرة وذكر في اللفظ الاول من القسم الثالث من النظر الرابع من كتاب البيع أن الاظهر وجوبها.
(فرع) ذكرنا أنه إذا زرع لزم الشفيع إبقاء الزرع وحينئذ يجوز له تأخير الشفعة إلى الادراك والحصاد لانه لا ينتفع به قبل ذلك ويخرج الثمن من يده قال الامام ويحتمل أنه لا يجوز له التأخير وان تأخرت المنفعة كما لو بيعت الارض في الشتاء لا يؤخر الشفعة إلى أوان الانتفاع ولو كان في الشقص أشجار عليها ثمار لا تستحق بالشفعة ففي جواز التأخير إلى القطاف وجهان والفرق أن الثمار لا تمنع من الانتفاع بالمأخوذ بخلاف الزرع.
قال (ولو تصرف المشترى بوقف أو هبة نقض (و) .
وان كان ببيع فالشفيع بالخيار بين أن يأخذه بالبيع الاول فينقضه (و) .
أو بالثاني) .(11/466)
تصرفات المشترى في الشقص من البيع والوقف وغيرهما صحيحة لانها واقعة في ملكه وثبوت حق التملك
للشفيع لايمنع المشترى من التصرف كما ان حق التملك للواهب بالرجوع لايمنع تصرف المتهب وكما أن حق التملك للزوج بالطلاق لايمنع تصرف الزوجة وفي التتمة وجه غريب عن ابن سريج أنها باطلة لان الشفيع حقا لاسبيل إلى إبطاله فاشبه حق المرتهن (وإذا قنا) بالشفعة فظاهر المذهب وهو المذكور في الكتاب ونصه في القديم أنه ينظر إن كان التصرف مما لا تثبت فيه الشفعة كالوقف والهبة فللشفيع نقضه وأخذ الشقص بالشفعة وان كان مما تثبت فيه الشفعة كالبيع ولا صداق فهو بالخيار بين أن ينقض تصرفه ويأخذ به الشقص بالبيع الاول فربما يكون الثمن فيه أقل أو من جنس هو عليه أيسرو بين أن لا ينقض تصرفه به ويأخذ وعن أبي إسحق المروزي أنه لس تصرف المشترى بأقل من بنائه فكما لا ينقض(11/467)
الشفيع بناءه لا ينبغي أن ينقض تصرفه واختلفوا في موضع هذا الوجه منهم من خصصه بما ثبتت فيه الشفعة من التصرفات (أما) مالا تثبت فيه فله نقضه لتعذر الاخذ به ومنهم من عمم وقال تصرفات المشترى تبطل حق الشفيع كما يبطل تصرف المشترى المفلس في حق الفسخ للبائع وتصرف المرأة حق الرجوع إلى العين إذا طلق قبل الدخول وتصرف المتهب رجوع الواهب نعم لو كان التصرف بيعا أو غيره مما تثبت فيه الشفعة تجدد حق الشفعة بذلك وعن رواية الشيخ أبي على بن أبي اسحق أنها لاتتجدد أيضا لان تصرف المشترى إذا كان مبطلا للشفعة لا يكون مثبتا لها كما إذا تحرم بالصلاة ثم شك فجدد نية وتكبيرا لا تنعقد بها الصلاة لانه يحصل بها الحل فلا يحصل العقد ووجه ظاهر المذهب وهو أن للشفيع نقض تصرف المشترى لان حقه ثابت بأصل العقد فلا يتمكن المشترى من ابطاله ولا يشبه تصرف المفلس وتصرف المرأة في الصداق فان حق البائع والزوج لا يبطل بالكلية بل ينتقل إلى(11/468)
الثمن أو القيمة والواهب رضى بسقوط حقه حيث سلمه إليه وسلطه عليه وههنا يبطل حق الشفيع بالكلية ولم يوجد منه رضى ولا تسليم قال الشيخ أبو علي ويجوز أن ينبغي الوجهان على القولين فيما إذا عتقت الامة تحت عمد وطلقها قبل أن تختار الفسخ هل ينفذ الطلاق ووجه الشبه أن الطلاق يبطل حقها في الفسخ ولم تسلط عليه كما ذكرنا وحكي القاضي أبو الطيب عن القاضي الماسرخسى أنه
لا ينقض تصرف الوقف وينقض ما عداه.
قال (ولو تنازع المشترى والشفيع في العفو فالقول قول الشفيع.
أو في قدر الثمن فالقول قول المشترى.
أو في كون الشفيع شريكا فالقول قول المشترى يحلف أنه لايعرف له شريكا.
فان أنكر المشترى الشراء فان كان للشفيع بينة أخذ الشقص وترك الثمن في يده على رأى (و) إلى أن يقر.
أو يحفظه القاضي في وجه.
أو يجبر المشترى على قبوله في وجه.
وان لم يكن له بينة فان أقر البائع(11/469)
بالبيع دون قبض الثمن سلم الثمن إليه وأخذ (و) بالشفعة فالحق لا يعدوهما.
وان قال قبضت الثمن فيقرر الثمن في يده أو يحفظه القاضي.
وقال لاشفعة ههنا لتعذر الاخذ بلا ثمن) .
غرض الفصل في الاختلاف وفيه مسائل (إحداها) إذا اختلف المشترى والشفيع فقال المشترى للشفيع عفوت عن الشفعة أو قصرت وسقط حقك وأنكر الشفيع فالقول قوله لان الاصل بقاء حقه (الثانية) قال المشترى اشتريت بألف وقال الشفيع بل بخمسائة فالقول قول المشترى لانه أعلم بالعقد الذي باشره من الشفيع ولان الاصل بقاء ملكه حتى ينتزع فيما يقر باستحقاق الانتزاع منه وكذلك لو كان الثمن عرضا وتلف واختلفا في قيمته فان نكل المشترى حلف الشفيع وأخذ بما حلف عليه وهذا إذا لم تكن بينة فان كان لاحدهما بينة قضى بها ولا تقبل شهادة البائع للمشترى لانه يشهد لحق نفسه وفعل نفسه وفيه وجه أنها تقبل لانه لايجر إلى نفسه نفعا بشهادته والثمن ثابت له باقرار المشترى(11/470)
ولو شهد للشفيع فيخرج من كلام النقلة ثلاثة أوجه (أحدها) المنع لانه شهد على نفسه حيث يقول بعت بكذا وهذا ما أجاب به العراقيون (والثاني) القبول لانه ينقض حقه وهذا أصح عند صاحب التهذيب (والثالث) أنه ان شهد قبل قبض الثمن قبلت شهادته لانه ينقض حقه إذ لا يأخذ أكثر مما شهد به وان شهد بعده لم تقبل لانه يجر إلى نفسه نفعا من حيث إنه إذا قبل الثمن قبل ما يغرمه عند ظهور الاستحقاق وان أقام كل واحد منهما بينة على ما يقوله فعن الشيخ أبي حامد أن بينة المشترى أولى كما أن بينة الداخل أولى من بينة الخارج (والاصح) ويحكى عن القاضي أبي حامد أنهما يتعارضان
لان النزاع ههنا فيما وقع عليه العقد ولا دلالة لليد عليه وعلى هذا فالاستعمال ههنا اما ان قلنا بالنساقط فكما لو لم تكن بينة وان استعملناها ههنا اما بالقرعة واما بالتوقف ولو اختلف البائع والمشترى(11/471)
في قدر الثمن فان ثبت قول المشترى فذاك وان ثبت قول البائع بالبينة أو باليمين المردودة فعلى المشترى ما ادعاه البائع والشفيع بأخذ بما ادعاه المشترى لاعترافه بأن البيع جرى بذلك والبائع ظالم بالزيادة فتقبل شهادة الشفيع للبائع ولا تقبل للمشترى لانه متهم في تقليل الثمن وان لم تكن بينة وتحالفا وفسخ البيع بينهما أو انفسخ فان جرى ذلك بعد ما أخذ الشفيع الشقص أقر في يده وعلى المشترى قيمة الشقص للبائع وان جرى قبل الاخذ ففي سقوط حقه الخلاف المذكور فيما إذا خرج معيبا (فان قلنا) لا تسقط أخذه بما حلف عليه البائع لانه اعترف باستحقاق الشفيع الاخذ بذلك الثمن فلا يبطل حقه ببطلان حق المشترى بالتحالف بل يأخذه منه وتكون عهدته عليه وتكلموا في أنه لو لم يتحالف المشترى والشفيع تحالف البائع والمشترى وفرقوا بينهما من ثلاثة أوجه (أحدها) أن كل واحد من البائع والمشترى يدعى ويدعى عليه شئ فحلف كل واحد منهما من حيث هو مدعى وليس كذلك الشفيع والمشترى بل الشفيع مدع محض والمشترى مدعى عليه محض فاختص بالتحليف (والثاني) أن البائع والمشترى كلاهما(11/472)
مباشر للعقد والاحتمال في قولهم على لسواء وههنا الشفيع أجنبي عن العقد فكان تصديق المباشر أولى (والثالث) قال أبو إسحق كل واحد من البائع والمشترى يرجع إلى شئ بعد التحالف هذا إلى المبيع وذاك إلى الثمن (وأما) الشفيع والمشتري لو تحالفا لم يرجع الشفيع إلى شئ فلا فائدة في تحليفه (الثالثة) لو أنكر المشترى كون الطالب شريكا فالقول قوله مع يمينه وانما يحلف على نفى العلم بشركته لاعلى نفى شركته فان نكل حلف الطالب علي البت وأخذ بالشفعة وكذلك الحكم لو انكر تقدم ملك الطالب علي ملكه (الرابعة) إذا كانا شريكين في عقار فغاب أحدهما ورأينا نصيبه في يد ثالث فادعي الحاضر عليه أنك اشتريته ولى فيه حق الشفعة فلا يخلو إما أن يكون للمدعى بينة على دعواه أو لا يكون (القسم الاول) أن تكون له بينة فيقضي بها ويأخذه
بالشفعة ثم إن اعترف المدعى عليه سلم الثمن إليه والا فيترك في يد المدعي إلى أن يقر المدعي عليه أو يأخذه عنه القاضي ويحفظه أو يجبر علي قبوله أو الابراء فيه ثلاثة أوجه مذكورة في باب الاقرار وغيره ولو أقام المدعي ببينة وجاء المدعي عليه بينة على أنه ورثه أو التهبه فالبينتان متعارضتان وان جاء ببينة على أن ذلك الغائب أو دعه إياه أو أعاره فان لم يكن للبينتين تاريخ للايداع فلا منافاة فيقضي بالشفعة لانه ربما أودعه ثم باعه وان سبق تاريخ البيع فلا منافاة أيضا لاحتمال أن البائع غصبه بعد البيع ثم رده بلفظ الايداع فاعتمده الشهود قال الشيخ أبوحام ولاحتمال أنه تعذر على المشترى تسليم الثمن فقال له البائع أودعتك ما في يدى من هذا العقار إلى أن تسلم الثمن نعم لو انقطع الاحتمال بأن كان تاريخ الايداع لاحقا وذكر الشهود أنه أودعه وهو ملكه فههنا يراجع الشريك القديم فان قال إنه(11/473)
وديعة سقط دعوى الشراء وان قال لاحق لي فيه قضي بالشفعة (والقسم الثاني) أن لا يكون له بينة قللمدعي عله في الجواب أحوال (أحدها) أن يقر بأنه كان لذلك الغائب فاشتراه منه كما ادعي المدعي فهل للمدعي أخذه فيه وجهان عن ابن سريج (أحدهما) لا لانه اعترف بسق ملك الغائب ثم ادعي انتقاله إليه فلا يقبل قوله في الانتقال فعلى هذا يوفق الامر حتى يكاتب ويبحث هل هو مقر بالبيع (والثاني) وهو الاظهر نعم لتقارهما علي البيع ويكتب القاضي في السجل أنه أثبت الشفعة باقرارهما فإذا قدم الغائب فهو على حجة الثانية) أن ينكر أصل الشراء فالقول قوله مع يمينه ثم ينظران اقتصر في الجواب على أنه لا يستحق أخذه بالشفعة أو أنه لا يلزمه تسليمه إليه حلف كذل ولم يلزمه التعرض لنفى الشراء وان قال في الجواب لم اشتره بل ورثته أو اتهبته فيحلف كذلك أم يكفيه الحلف على أنه لا يستحق الشفعة فيه وجهان كما ذكرنا في دعوى عيب المبيع.
وان نكل المدعي عليه حلف الطالب واستحق الشقص وفي الثمن ما تقدم من الوجوه.
هذا إذا أنكر المشتري والشريك القديم غير معترف بالبيع فان كان معترفا والشقص في يده نظر ان لم يعترف بقبض الثمن ففى الشفعة وجهان (أصحهما) ثبوتها وبه قال أبو حنيفة وأحمد والمزني لان إقراره يتضمن إثبات حق المشترى وحق الشفيع فلا يبطل حق الشفيع بانكار المشترى (والثاني) وبه قال مالك انه لانثبت لان الشفيع يتملك علي المشترى وهو منكر فلا يثبت ما يتفرع
عليه ويروى هذا عن ابن سريج (فان قلنا) بالثبوت فالى من يسلم الثمن فيه وجهان (أظهرهما) وهو المذكور في الكتاب إلى البائع وتكوه عهدته عليه لانه يتلقى الملك منه فكان الشفيع في هذه(11/474)
الصورة هو المشترى (والثاني) أنه ينصب القاضي أمينا يقبض الثمن من الشفيع للمشترى ويدفعه إلى البائع ويقبض الشقص من البائع للمشترى ويدفعه إلى الشفيع وهذا يستمد من أحد الوجهين في أن الاخذ بالشفعة هل يتوقف على قبض المشترى الشقص وإذا أخذ البائع ثمن الشفيع فهل له مخاصمة المشترى ومطالبته بالثمن فيه وجهان لانه قد يكون ماله أبعد عن الشبهة والرجوع بالدرك عليه أسهل (إن قلنا) نعم وحلف المشتري فلا شئ عليه وإن نكل حلف البائع وأخذ الثمن من المشترى وكانت عهدته عليه وما أخذه من الشفيع بترك في يده أم يؤخذ ويوقف فيه وجهان هكذا أورده صاحب التهذيب وفي الشامل أن الوجهين في أنه هل يطالب المشترى فيما إذا لم يرض بأخذ الثمن من الشفيع فان رضى فليقنع بما أخذ وهذا أحسن.
وان اعترف مع البيع بقبض الثمن (فان قلنا) لاشفعة فيما إنه لم يعترف بالقبض فههنا أولى وان أثبتنا الشفعة هناك ففي هذه الصورة وجهان (أظهرهما) الثبوت ثم الثمن يترك في يد الشفيع أو يأخذه القاضي ويحفظه أو يجبر المشترى على قبوله أو لابراء منه فيه الاوجه السابقة (والثاني) ويحكى عن أبي إسحق وابن أبي هريرة أنها لا تثبت لان الشفيع لا يأخذ إلا بالثمن ولا يمكن صرف الثمن ههنا إلى المشترى ولا إلى البائع (الثالثة) أن يقول في الجواب اشتريته لفلان ولا خصومة لك معي فينظر في المضاف إليه أهو حاضرم أم غائب بالغ أو صبي ويكون الحكم فيه ما سيأتي في الدعاوى.
وقوله في الكتاب سلم إليه الثمن وأخذ كلاهما معلم بالواو لما ذكرنا من الخلاف في الاخذ بالشفعة وفيمن(11/475)
يسلم إليه الثمن على تقدير الاخذ (وقوله) فيقرر الثمن في يده أو يحفظه القاضي إشارة إلى الخلاف الذي ذكره مرة وترك الوجه الثالث اكتفاء بما سبق في نظير المسألة والله أعلم.
قال (الطرف الثالث في تزاحم الشركاء.
فان توافقوا في الطلب وتساوت حصصهم وزع عليهم بالسوية.
وان تفات حصصهم فقولان في أنه بوزع على قدر الحصص.
(ح و) أو على عدد الرؤس
والجديد على أنه على قدر الحصص.
ولو باع أحد الشريكين نصيبه من شخصين في صفقتين متعاقبتين فالمشترى الاول هل يشارك الشريك القديم في أخذ مضمون الصفقة الثانية وملكه في نفسه معرض للنقض ثلاثة أوجه يفرق في الثالث بين أن يأخذ القديم نصيبه فلا يساهمه (ح) أو يعفو عن صفقته فيستقر شركته فيساهم فيه) .
الكلام في هذا الطرف ينحصر في ثلاثة أمور (الاول) أن يتفق الشركاء على الطلب (والثاني) أن يطلب بعضهم ويعفو بعضهم (والثالث) أن يحضر بعضهم ويغيب بعضهم وسبيل ضبطها إما أن يكون كلهم حضور أو لا يكون كذلك ان كان الاول فاما أن يتفقوا على الطلب وهو الامر الاول أو على الترك وشأنه هين أو يطلب بعضهم ويترك البعض وهو الثاني وان كان الثاني فاما إن كانوا غائبين جميعا وهو متروك لوضوحه أو كان بعضهم غائبا والبعض حاضرا وهو الثالث (أما) الاول فتقدم عليه أن تعدد المستحقين للشفعة قد يكون ابتداء بأن كانت الدار مشتركة بين جماعة(11/476)
فباع أحدهم نصيبه فتثبت الشفعة للباقين وقد يحصل في الدوام بأن يكون الاستحقاق لواحد فمات تثبت الشفعة لورثته وعند أبي حينفة وأحمد حق الشفعة لا يورث.
لنا قوله صلى الله عليه وسلم (من ترك حقا فهو لورثته) وانه حق لازم مالى فأشبه الرد بالعيب.
إذا تقرر ذلك ففي الفصل مسألتان (إحداهما) أن المستحقين للشفعة إن تساوت حصصهم كدار بين ثلاثة فيأخذون الشقص بالسوية وان تفاوتت حصصهم كما إذا كان لاخذ الثلاثه نصفها وللثاني ثلثها وللثالث سدسها فباع صاحب النصف نصيبه فقولان (أصحهما) وبه قال مالك أن الشفعة على قدر الحصص فيقسم النصف بينهما أثلاثا لان الشفعة من مرافق الملك فيقدر الملك ككسب العبد المشترك والنتاج والثمار (والثاني) وبه قال أبو حنيفة واختاره المزني أنها على عدد الرؤس فيقسم النصف بينهما بالسوية لان سبب الشفعة أصل الشركة فاشبه أجرة الصكاك وعن أحمد روايتان كالقولين واحتج المزني للقول الثاني بثلاث مسائل (احداها) أنه إذا اشترك ثلاثة في عبد على التفاوت فأعتق اثنان نصيبهما وهما موسران يغرمان نصيب الثالث بالسوية (والثانية) لو مات مالك الدار عن أثنين ثم مات أحدهما وله اثنان ثم باع أحد الاثنين نصيبه
سوى الشافعي بين الاخ والعم في الشفعة مع تفاوت حصصهم (والثالثة) قال الشافعي فيما إذا مات(11/477)
الشفيع قبل أن يأخذ فلورثته أن يأخذوا ما كان يأخذه أبوهم بينهم على العدد امرأته وابنه في ذلك سواء (والجواب) (أما) مسألة العتق فمن الاصحاب من لم يسلمها وجعلها على القولين ومنهم من سلم وفرق بأن ذلك ضمان إتلاف والنظر فيه إلى المتلفين لا إلى حال الاتلاف وهذا فائدة من فوائد الملك فيتقدر بقدره (وأما) المسألتان الاخيرتان فهما من باب الشفعة فنشرحهما ثم نذكر اعتذرا من نصر القول الاول (أما) الاولى فللشافعي فيها قولان (القديم) وبه قال مالك أن الاخ يختص بالشفعة لان ملكه أقرب إلى ملك الاخ لانهما ملكا بسبب واحد ولهذا لو ظهر دين على أبيها يباع فيه ملكهما دون ملك العم وإذا كان أقرب ملكا كان أحق بالشفعة كالشريك مع الجار (وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة وأحمد والمزني أنهما يشتركان في الشفعة لاشتراكهما في الملك والنظر في الشفعة إلى ملك الشريك لا إلى سبب ملكه لان الضرر المحوج إلى إثبات الشفعة لا يختلف فعلى هذا يوزع على الاخ والعم بالسوية أم على قدر الحصص فيه القولان وقال الامام قضية المذهب القطع بالتوزيع عليهما على قدر الحصص لان القول باستحقاقهما هو الجديد ولا تردد على الجديد في أن الشفعة على قدر الحصص والتوزيع على الرؤس هو القول القديم وفي القديم لاشفعة للعم في المسألة وفي هذا الذي ذكره نزاع سنورده من بعد (وإذا قلنا) باختصاص الاخ بالشفعة فلو أنه عفا هل تثبت للعم فيه وجهان عن ابن سريج (أحدهما) لا لانه لو كان مستحقا لنقدم غيره عليه (والثانى) نعم لانه شريك وانما يقدم الاخ عليه(11/478)
لزيادة قربه فإذا سقط حقه استحق العم كما أن المرتهن يتقدم على سائر الغرماء في المرهون ثم إذا سقط حقه تمسك به الباقون وهذا الخلاف راجع إلى أن العم على القول القديم ساقط عن الاستحقاق أو مزحوم بالاخ والقولان في مسألة الاخ والعم جاريان في كل صورة ملك شريكان بسبب واحد وغيرهما من الشركاء بسبب آخر فباع أحد المالكين بالسبب الواحد نصيبه ففي قول الشفعة لصاحبه خاصة وفي قول للكل مثاله كان بين اثنين دار فباع أحدهما نصيبه من رجلين أو وهبه ثم باع أحدهما نصيبه
أو مات مالك الدار عن ابنين وأختين فباعت احدى الاختين نصيبها ففي من له الشفعة وجهان عن ابن سريج (أحدهما) أنه على القولين ففي قول هي للاخت الاخرى وفي قول لهن جميعا (وأظهرهما) القطع باستحقاقهن جميعا لان سبب ملكهن واحد وانما الاختلاف في مقادير الملك (وأما) الثانية فإذا مات الشفيع عن ابن وزوجة ورثا حق الشفعة كما تقدم وفي كيفيته ثلاثة طرق (أحدها) أن في كون الشفعة بينهما على الرؤس أو على قدر المواريث القولين (أظهرهما) وبه قال صاحب الافصاح والشيخ أبو حامد القطع بأنهما يأخذان على قدر الميراث والطريقان مبنيان على خلاف الاصحاب في أن(11/479)
ورثة الشفيع يأخذون لانفسهم أو للموروث ثم يتلقون منه (فان قلنا) يأخذون لانفسهم عاد القولان في المسألة (وان قلنا) يأخذون للميت قطعنا بانهما يأخذان على قدر الميراث والثاني يوجه بأنهم لو أخذوا لانفسهم لاخذوا بالملك وانما يحصل ملكهم بالارث وهو متأخر عن الشراء والملك المتأخر لا يفيد ولازلة الشفعة (والطريق الثالث) القطع بالتسوية لان الموروث من الشفيع حق تملك الشقص لا الشقص ومجرد الحق قد يسوى فيه بين الورثة كحد القذف هكذا حكاه ووجهه الشيخ أبو الفرج السرخسى.
إذا عرفت المسالتين فمن نصر قول التوزيع على الحصص قال في المسألة الاولى (ان قلنا) بطريق القولين فلا فرق ولا احتجاج وعلى ما ذكره الامام الحكم في المسألة غير ما احتج به جزما فلا يصح الاحتجاج به أصلا ولكن الذى ذكره مبني على أن الجديد هو التوزيع على الحصص والاكثرون عكسوا ذلك وقالوا القولان معا منصوصان في الام والقديم منهما هو التوزيع على الحصص ولذلك اعترضوا على ابن القاص ومن اثبت قول التوزيع في المسألة تفريعا على ثبوت الشفعة للاخ والعم جميعا بان الشفعة انما ثبتت لهما في الجديد التوزيع على عدد الرؤس فلا يجئ فيهما الا قولان التخصيص(11/480)
بالاخ والتسوية بينهما ذكر هذا الاعتراض القفال في كثير من الائمة (وأما) المسألة الثانية فمن قال فيها بالقولين قال الذي ذكرناه أحد القولين وسقط الآخر ومن قطع فيهما بالتفاوت اختلفوا فمنهم من لم يثبت ما نقله المزني ومنهم من حمله على التسوية في أصل الاستحقاق دون المقدار المستحق (وقوله) في
في الكتاب والجديد انه على قدر الحصص معلم بالحاء والزاي وجعل هذا القول جديدا اتباعا لما ذكره الامام وفيه ما ذكرنا عن الاولين وكأنهم لما رأوا القولين منصوصين في الجديد وأحدهما وهو التوزيع على الحصص منصوصا في القديم رأوا اسم الجديد مما يقابل القديم أحق فخصصوه به (المسألة الثانية) دار بين اثنين مناصفة باع أحدهما نصف نصيبه من انسان ثم باع النصف الثاني من آخر فالشفعة في النصف الاول تختص بالشريك القديم ولا يخلوا الحال اما أن يعفو عنه أو يأخذه ان عفا فهل يشاركه المشترى الاول في النصف الثاني فيه وجهان (أحدهما) لا لان الشريك القديم مسلط على ملكه فيكف يزاحمه به (وأصحهما) نعم لان ملكه قد سبق الصفقة الثانية واستقر بعفو الشريك القديم فيستحق به وقطع قاطعون بهذا الوجه وإذا قلنا به فيأخذان بالسوية أم بحسب الحصتين فيه القولان السابقان.
وان أخذ الشريك(11/481)
القديم النصف الاول ففي مشاركة الاول إياه في النصف الثاني وجهان أيضا قربوهما من الخلاف فيما إذا باع الشفيع ملكه وهو جاهل بالشفعة هل يبقى له الحق لانه زال ملكه ههنا بالقهر كما زال هناك بالجهل (والاصح) أنه لا يشاركه وقطع به بعضهم وإذا اختصرت قلت في المسألة ثلاثة أوجه كما ذكر في الكتاب (أحدها) أن الشريك القديم والمشترى الاول يتساويان في النصف الثاني بكل حال (والثاني) يختص به الشريك القديم بكل حال (والثالث) يفرق بين أن يعفو عن النصف الاول أو لا يعفو وهو الظاهر والمحكي عن أبي حنيفة في المسألة يوافق الوجه الاول.
قال (وان عفا أحد الشريكين وجب على الثاني أن يأخذ الكل (و) لان أخذ البعض إضرار بالمشترى.
وان عفا شريك واحد عن بعض حقه سقط (و) كله.
كالعفو عن القصاص فانه لا يتجزء نظرا للمشترى.
وان كانوا ثلاثة ولم يحضر إلا واحد أخذ الكل وسلم كل الثمن حذرا من التبعيض.
فإذا رجع الثاني شاطره وملك عليه من وقت تسليم نصف الثمن إليه وعهدته عليه.
وإذا جاء الثالث قاسمهما جميعا) .
الامر الثاني يطلب بعض الشركاء يعفو بعضهم ونبتدئ فيه بما إذا كانت الشفعة لواحد فعفا عن بعض حقه وفيه وجوه (أصحها) وهو المذكور في الكتاب أنه يسقط جميعه لان البعض لاسبيل
إليه لما فيه من الاضرار بالمشترى فإذا سقط بعضه سقط كله كالقصاص إذا عفا المستحق عن بعضه (والثانى) لا يسقط شئ لان التبعيض قد تعذر وليست الشفعة مما يسقط بالشبهات فيغلب فيها جانب الثبوت وأيضا فانه لم يرض بترك حقه وانما عفا عن البعض ليأخذ الباقي فصار كما لو عفا عن بعض(11/482)
حد القذف (والثالث) أنه يسقط ما عفا عنه ويبقى الباقي لانه حق مالى قابل للانقسام وعن الصيدلانى أن موضع هذا الوجه إذا رضى المشترى بتبعيض الصفقة عليه فان أبى وقال خذ الكل أو دع الكل فله ذلك قال الامام وهذه الوجوه إذا لم نحكم بأن الشفعة على الفور فان حكمنا به فطريقان (منهم) من قطع بأن العفو عن البعض تأخير في طلب الباقي (ومنهم) من احتمل ذلك إذا بادر إلى طلب الباقي وأجرى الوجوه ويدنو الاول أن صاحب الشامل ذكر أنه لو استحق شقصا بالشفعة فجاء وقال آخذ نصفه سقطت شفعته في الكل لانه ترك طلب النصف.
إذا تقرر ذلك فلو استحق الشفعة اثنان فعفا أحدهما عن حقه ففيه أربعة أوجه (أحدها) ويحكي عن ابن سريج أنه يسقط حقهما جميعا كما لو استحق اثنان القصاص فعفى أحدهما (والثانى) لا يسقط حق واحد منهما كما ذكرنا في الصورة الاولى لانه لا يسقط شئ فغلبنا جانب الثبوت (والثالث) أنه يسقط حق العافي وليس لصاحبه إلا أن يأخذ قسطه لان العفو يقتضي استقرار العفو عنه على المشترى كما لو عفوا جميعا وليس للمشترى أن يلزمه أخذ الجميع (والرابع) وهو الاصح أن حق العافي يسقط ويثبت الحق بكماله للثاني فان شاء ترك الكل وان شاء أخذ الكل وليس له أن يقتصر على أخذ حصته لولا العفو لما فيه من تبعيض الصفقة على المشترى هذا هو الوجه المذكور في الكتاب (وقوله) وجب على الثاني أن يأخذ الكل أراد به أنه ان أخذ أخذ الكل لا الحصة إلا أنه يلزمه الاخذ هذا إذا ثبتت الشفعة لعدد ابتداء (أما) إذا ثبتت لواحد ومات وورثه اثنان فعفا أحدهما فهو كما لو ثبتت الشفعة لواحد فعفا عن بعضها أو ثبتت لاثنين فعفا احدهما فيه وجهان (أظهرهما) الثاني قال الامام والخلاف(11/483)
بناء على ما سبق أن الوارث يأخذ الشفعة لنفسه أو يتلقاها عن المورث (واعلم) أن الوجوه المذكورة
شاملة لعفو الشفيع عن بعض حقه ولعفو أحد الشفيعين عن حقه الا الوجه الصائر إلى استقرار العفو عنه على المشتري فانهم لم يذكروه في عفو الشفيع عن بعض حقه فبه يحصل الافتراق وأيضا يفترقان في الاصح.
ولو كان للشقص شفيعان فمات كل واحد منهما عن ابنين فعفا أحدهما (فان قلنا) عفو الوارث كعفو الشفيع عن بعض حقه ففي وجه يسقط الكل كما كان وقياس الوجه الثالث في عفو الشفيع عن بعض حقه أن يسقط حق العافي وأخيه ويأخذ الآخران (وان قلنا) كعفو أحد شفيعي الاصل عاد الوجه الاول والثاني وفيه وجه ثالث وهو أنه ينتقل حق العافي إلى الثلاثة فيأخذون الشقص أثلاثا ووجه رابع وهو أن حق العافي يستقر للمشترى وكل واحد من الثلاثة يأخذ الرابع ويجئ في هذه الصورة وجه خامس وهو أن حق العافي ينتقل إلى أخيه خاصة بناء على القول القديم في مسألة الاخ والعم.
(فرع) مات الشفيع عن اثنين وادعى المشترى عليهما أنهما عفوا فالقول قولهما مع اليمين وتكون اليمين على البت بخلاف ما إذا ادعى أن أباهما عفا عن الشفعة فانكرا فانهما يحلفان على نفى العلم ثم ان حلفا أخذا وان نكلا حلف المشترى ويبطل حقهما وان حلف أحدهما دون الآخر قال ابن الحداد ليس للمشترى أن يحلف لانه لا يستفيد بيمينه شيأ فانه وان ثبت عفو احدهما ينتقل الحق إلى الثاني وهذا جواب على أنه إذا عفا أحد الشريكين كان للآخران يأخذ الكل وهو الاصح (أما) إذا قلنا ان حق العافي يستقر على المشترى فيحلف المشترى ليستقر له نصيب الناكل ثم الوارث(11/484)
الحالف لا يستحق الكل بنكول أخيه ولكن ينظر ان صدق أخاه على أنه لم يعف فالشفعة بينهما وان ادعى العفو وأنكر الناكل عرضت عليه اليمين لدعوى أخيه وان نكل في جوابه أيضا حلف المدعي على أنه عفا وحينئذ يأخذ الكل قال وان كانوا ثلاثة ولم يحضر الا واحد أخذ الكل وسلم كل الثمن حذارا من التبعيض فإذا رجع الثاني شاطره وملك عليه من وقت تسليم نصف الثمن إليه وعهدته عله فإذا جاء الثالث قاسمهما جميعا (الامر الثالث) أن يحضر بعض الشركاء دون بعض فإذا كانت الدار لاربعة بالسوية فباع أحدهم نصيبه وثبتت الشفعة للباقين ولم يحضر
الا واحد فليس له أخذ حصته من الشقص لانه ربما لا يأخذ الغائبان فتتفرق الصفقة على المشترى ولا يكلف الصبر إلى أن يحضرا ولكنه يخير بين أن يأخذ الكل أو يترك الكل وهل له تأخير الاخذ إلى حضور الشريكين إذا جعلنا الشفعة على الفور فيه وجهان (احدهما) وبه قال ابن أبي هريرة لا لتمكنه من الاخذ (وأصحهما) عن الشيخ أبي حامد ويحكي على ابن سريج وأبي اسحق نعم لانه تأخير بالعذر لان له غرض ظاهر في أن لا يؤخذ ما يؤخذ منه وإذا أخذ الكل ثم حضر أحد الغائبين أخذ منه النصف بنصف الثمن كما لو لم يكن الاشفيعان فإذا حضر الثالث فله أن يأخذ من كل واحد منهما ثلث ما في يده وحينئذ يحصل الاستواء ويستقر ملكهم ثم للمسألة فروع (منها) إذا خرج الشقص مستحقا بعد الترتيب المفروض ففي العهدة وجهان (أحدهما) أن عهدة الثلاثة على المشترى لاستحقاقهم الشفعة عليه (والثاني) أن رجوع الاول المشترى يسترد منه كل الثمن ورجوع الثاني على الاول يسترد منه النصف ورجوع الثالث على الاولين يسترد من كل منها ما دفع إليه(11/485)
لان التملك وتسليم الثمن هكذا وقع فيما بينهم وهذا أظهر وهو المذكور في الكتاب والعراقيون يرجحون الاول.
وفي التتمة أن هذا الخلاف في الرجوع بالمغروم من أجرة المثل وما عساه ينقص من قيمة الشقص فأما الثمن فكل منهم يسترد ما سلمه ممن سلمه إليه بلا خلاف.
ولو أخذ الحاضر جميع الشقص ثم وجد به عيبا فرده فقدم الثاني وهو في يد المشترى فله أخذ الكل (ومنها) ما يستوفيه الاول من المنافع ويحصل له من الاجرة والثمن يسلم له فلا يزاحمه فيها الثاني والثالث على أصح الوجهين وكذا الثالث لا يزاحم الثاني فيما حصل له بعد المشاطرة كما أن الشفيع لا يزاحم المشترى فيها ويقرب من هذين الوجهين الخلاف فيما إذا أخذ الاول كل الشقص وأفرزه بأن أتى الحاكم فنصب فيما في مال الغائبين فاقتسما وبني فيه أو غرس ثم رجع الغائبان هل لهما القلع (وأصح) الوجهين أنهما لا يقلعان كما أن الشفيع لا يقلع بناء المشترى وغراسه مجانا وفي الثاني لهما القلع لانهما يستحقان مثل استحقاق الاول وبذلك السبب فليس له التصرف حتى يظهر حالهما بخلاف الشفيع مع المشترى ولو كان اثنان حاضرين فأخذا الشقص واقتسما مع القيم في مال الغائب ثم قدم الغائب فله الاخذ وابطال القسمة وان عفا استمرت القمسة (ومنها) لو
اخذ الاول والثاني كما صورنا ثم حضر الثالث وأراد أن يأخذ من أحدهم ثلث ما في يده ولا يأخذ من الثاني شيئا فله ذلك كما يجوز للشفيع أن يأخذ نصيب أحد المشتريين دون الثاني (ومنها) لو أخذ الاول الكل وقدم الثاني وأراد أن يأخذ الثلث بلا مزيد هل له ذلك فيه وجهان (أحدهما) لا يجوز له ذلك كما لا يجوز للاول ان اقتصر على أخذ الثلث (وأظهرهما) نعم لان أخذه الثلث لا يفرق الحق على الاول إذا الحق ثبت لهم اثلاثا وبأخذ الاول الثلث تفرق الصفقة على المشترى فان أخذ الثلث تفريعا على هذا(11/486)
الوجه أو أخذه بالتراضي وقدم الثالث نظر إن أخذ من الاول نصف ما في يده ولم يتعرض للثاني فلا كلام قاله في التتمة وان أراد أن ياخذ من الثاني ثلث ما في يده فله ذلك لانه يقول ما من جزء إلا ولى ثلثه وان ترك الثاني حقه حيث لم يشاطر الاول فلا يلزمني أن أترك حقي ثم له أن يجئ إلى الاول فيقول ضم ما معك إلى ما أخذته لنقسمه لانا متساويا القدر والشقص والحالة هذه انما تصح قسمته من ثمانية عشر لانا نحتاج إلى عدد له ثلث ولثلثه ثلث وأقله تسعة يحصل منها ثلاثة في يد الثاني وستة في يد الاول ثم ينتزع الثالث من يد الثاني واحد ويضمه إلى الستة في يد الاول تكون سبعة يقتسمانها بينهما وسبعة لا تنقسم على اثنين فتضرب اثنين في تسعة تبلغ ثمانية عشر وكان في يد الثاني من التسعة بعد انتزاع الثالث منه ما انتزع اثنان نضربهما في المضروب في المسألة يكون له أربعة فهى حصته تبقى أربعة عشر يأخذ كل واحد من الاول والثالث منهما سبعة فإذا كان ربع الدار ثمانية عشر كانت جملتها اثنين وسبعين هذا ما ذكره الاكثرون ونقلوه عن ابن سريج وحكي الامام عن القاضي حسين أنه لما ترك الثاني سدسا على الاول كان عافيا عن بعض حقه يبطل جميعه على الظاهر كما سبق فينبغي ان يسقط حق الثاني بالكلية ويكون الشقص بين الاول والثالث (ومنها) قال ابن الصباغ لو حضر اثنان وأخذا الشقص ثم حضر الثالث وأحدهما غائب فان قضى له القاضي على الغائب أخذ من كل واحد من الحاضر والغائب ثلث ما في يده لانه الذي يستحقه منه الثاني يأخذ نصف ما في يده لانه إذا غاب أحدهما فكان الحاضرين هما الشفيعان فيسوى بينهما ثم لو حضر الغائب وقد غاب الحاضر فان كان الثالث أخذ من الحاضر ثلث ما في يده أخذ من هذا الذي قدم ثلث ما في يده أيضا وان كان قد أخذ نصف ما في يده أخذ من القادم سدس ما في يده ويتم نصيبه بذلك(11/487)
الشقص والمسألة تقسم من اثني عشر للحاجة إلى عدد له نصف ولنصفه ثلث وسدس وإذا كان الربع اثنا عشر فالكل ثمانية وأربعون (ومنها) ثبتت الشفعة الحاضر وغائب فعفا الحاضر ثم مات الغائب وورثه الحاضر له أخذ الشقص بالشفعة وان عفا أولا لانه الآن يأخذ بحق الارث وهذا جواب على اصح الاوجه في عفو أحد الشريكين وهو أن للآخر أخذ الكل وساعده التفريع على أن العفو من بعض الشركاء لا يصح (أما) إذا قلنا ان نصيب العافي يستقر على المشترى فلا يأخذ الحاضر بحق الارث إلا النصف (وان قلنا) ان عفو أحدهما يسقط حق الآخر لم يأخذ شيأ.
قال (ومهما تعدد البائع أو المشترى جاز أخذ مضمون إحدى الصفقتين.
وان اشترى في صفقة واحدة شقصين في دارين شريكهما واحد ففي جواز أخذ أحدهما وجهان) .
أصل الفصل أنه ليس للشفيع تفريق الصفقة على المشترى على ما مر في أثناء الكلام ولو اشترى اثنان شقصا من واحد فللشفيع أن يأخذ نصيب أحدهما خاصة لانه لا يفرق على واحد منهما ملكه وعن أبي حنيفة لا يجوز إن كان ذلك قبل القبض وان تعدد البائع بأن باع اثنان من شركاء الدار شقصا م واحد فوجهان (أحدهما) أنه لا يجوز أخذ حصة أحد البائعين لان المشترى ملك الكل بصفقة واحدة فلا يفرق ملكه عليه وبهذا قال مالك (وأصحهما) ويحكى عن نصه في القديم وبه أجاب المزني أنه يجوز لان تعدد البائع يوجب تعداد العقد كتعدد المشترى فصار كما لو ملكه بعقدين ولو باع اثنان من شركاء الدار نصيبهما بعقد واحد من رجلين والصفقة نازلة منزلة أربعة عقود تفريعا على الاصح في أن تعدد البائع كتعدد المشترى وللشفيع الخيار بين أن يأخذ الجميع وبين أن يأخذ ثلاثة(11/488)
أرباع المبيع وهو نصيب أحد المشتريين ونصف نصيب الآخر وبين أن يأخذ نصفه إما بأخذ نصيب أحدهما وترك الآخر أو بأخذ نصف نصيب واحد منهما وبين أن يأخذ ربعه بأخذ نصف نصيب أحدهما لاغير وان وكل وكيلين في بعى شقص أو شرائه أو وكلا وكيلا في بيع شقص أو شرائه فالاعتبار بالعاقد أو من له العقد فيه خلاف وقد ذكرناه في تفريق الصفقة حتى لو كانت الدار لثلاثة شركاء
توكل أحدهم لآخر ببيع نصيبه وجوز له أن يبيعه مع نصيب نفسه إن شاء صفقة واحدة فباع كذلك فليس للثالث إذا جعلنا الاعتبار بالعاقد إلا أخذ الكل أو ترك الكل فان جعلنا الاعتبار بالمعقود فله أن يأخذ حصة أحدهما كما لو باع كل منهما حصته بنفسه ولو كانت الدار لرجلين فوكل أحدهما الآخر ببيع نصف نصيبه وجوز له أن يبيعه مع نصيب نفسه إن شاء صفقة واحدة فباع كذلك وأراد الموكل أخذ نصيب الوكيل بالشفعة بحق ما بقى له من النصف فله ذلك لان الصفقة اشتملت على ما لا تثبت فيه الشفعة للموكل وهو ملكه وعلى ما تثبت وهو ملك الغير فشبه ذلك بما إذا باع ثوبا وشقصا بمائة وفيه وجه أنه كالصورة السابقة ولو باع شقصين من دارين صفقة واحدة فان كان الشفيع في أحدهما غير الشفيع في الاخرى فلكل واحد منهما أن يأخذ ما هو شريك فيه وافقه الآخر في الاخذ أم لا وان كان الشفيع فيهما واحدا فوجهان (أحدهما) ويروى عن أبي حنيفة أنه لا يجوز لان الصفقة متحدة (وأصحهما) الجواز لانه لا يفضى إلى تبعيض الشئ وذلك التبعيض هو الذي يوجب الضرر.(11/489)
(الباب الثالث فيما يسقط به حق الشفعة) قال (وفيه ثلاثة أقوال (الاول) الجديد أنه على الفور (م) .
قال صلى الله عليه وسلم (الشفعة كحل العقال) (والثاني) أنه يبقى ثلاثة أيام (والثالث) أنه يتأبد فلا يبطل الا بابطال أو دلالة الابطال (و) .
لاشك أن حق الشفعة يعرض له السقوط ومقصود الباب بيان أنه بم يسقط وسبيل التدريج إليه أن قول الشافعي رضى الله عنه اختلف في أنه تثبت على الفور أم على التراضي (وأصح) القولين وهو المنصوص في الكتب الجديدة على الفور الماوردى أنه صلى الله عليه وسلم قال (الشفعة كحل العقال) أي أنها تفوت إذا لم يبتدر إليها كالبعير الشرود يحل عنه العقال إن قيدت ثبتت والا فاللوم على من تركها.
وأيضا فانه حق خيار ثبت في البيع بنفسه لدفع الضرر فكان على الفور كالرد بالعيب (والثاني) أنه على التراخي وعلى هذا ففى تقرير مدته قولان (أظهرهما) أنها تمتد إلى ثلاثة أيام لان الحكم بالفور يضر بالشفيع فانه قد يحتاج إلى تأمل ونظر والحكم بالتأبيد يضر بالمشترى لانه لا يأمن
من أخذ الشفيع فتفوت عليه العمارة والتصرف فلابد من حد فاصل فجعلت الثلاثة حدا كما في خيار الشرط وغيره (والثاني) عن حكاية صاحب التقريب أنه يمتد إلى أن تمضي مدة التدبر في ملك(11/490)
ذلك الشقص ويختلف باختلاف حال المأخوذ (والثاني) أنه لاتتقدر له مدة بل يتأبد لانه لاضرر على المشترى في التأخير إذ الشقص له وان بني فيه أو غرس فله قيمته إن أخذ الشفيع ومالا ضرر في تأخيره يتأبد كالقصاص فعلى هذا لو صرح بابطاله يبطل وفيما يدل على الابطال قولان (أظهرهما) البطلان وهو المذكور.
ومما له دلالة الابطال قوله للمشترى بع الشقص ممن شئت أو هبه ولو قال بعه أو هبه مني أو قاسمني عليه فكذلك وفيه وجه أنه لا يبطل بقاء الشفعة لانه قد يخاف الاخذ بغير طريق الشفعة إن تيسر له وللمشترى إذا لم يأخذ الشفيع ولم يعف أن يرفعه إلى الحاكم ليلزمه الاخذ أو العفو وفيه قول أنه ليس له ذلك تنزيلا للشفيع منزلة مستحق القصاص.
ويخرج من الترتيب عند الاختصار خسمة أقوال في كيفية ثبوت الشفعة أنها على الفور تمتد ثلاثة أيام تمتد مدة تسع للتأمل تتأبد إلى التصريح بالابطال تتأبد إلى أن يصرح بالابطال أو يأتي بما يدل عليه.
وعند أبي حنيفة وأحمد أنها تمتد امتداد المجلس للعلم بالشفعة وعند مالك تمتد سنة في رواية ومدة يغلب على الظن فيها الاسقاط والترك في أخرى.
قال (والصحيح أنه على الفور وأنه يسقط بكل ما يعد تقصيرا أو توانيا في الطلب.
فإذا بلغه الخبر فلينهض عن مكانه طالبا.
فان كان ممنوعا بمرض أو حبس في باطل فليوكل.
فان لم يوكل مع القدرة بطل حقه (و) وان لم يكن في التوكيل مؤنة ومنة ثقيلة.
فان لم يجد الوكيل(11/491)
فليشهد.
فان ترك الاشهاد ففي بطلان حقه قولان.
وان كان المشترى غائبا ولم يجد في الحال رفقة وثيقة لا يبطل حقه.
وان كان في حمام أو على طعام أو في صلاة نافلة لم يلزمه.
(و) قطعها على خلاف العادة) .
إنما أعاد ذكر الفور فقال الصحيح أنه على الفور لانه أراد التفريع عليه (واعلم) أنا إنما نحكم
بالفور بعد علم الشفيع بالبيع (أما) إذا لم يعلم حتى مضت سنون فهو على حقه * ثم إذا علم فلا يكلف ابتدارا على خلاف العادة بالعدو بقوة بل يرجع فيه إلى العرف فما يعد تقصيرا أو توانيا في الطلب يسقط الشفعة ومالا يعد تقصيرا لاقتران عذر به لا يسقطها والاعذار ضربان (أحدهما) مالا ينتظر زواله عن قرب كالمرض المانع من المطالبة فينبغي للمريض أن يوكل إن قدر عليه وان لم يفعل فثلاثة أوجه (أصحها) بطلان الشفعة كما لو أمكنه الطلب بنفسه فقصر (والثاني) وبه قال أبو على الطبري لا يبطل لانه يلزمه في التوكيل منة أو مؤنة (والثالث) إن لم يلزمه فيه منة ولا مؤنة ثقيلة يبطل حقه وان لزمه أحدهما لم يبطل.
وان لم يمكنه التوكيل فليشهد على الطلب فان لم يشهد فقولان أو وجهان (أظهرهما) أنه يبطل حقه لان السكوت مع التمكن من الاشهاد مشعر بالرضا (والثاني) لا يبطل وانما الاشهاد لاثبات الطلب عند الحاجة وهذا ما اختاره الشيخ أبو محمد.
والخوف من العدو كالمرض وكذا الحبس إن كان ظلما أو بدين هو معسر به وعاجز عن بينة الاعسار فان حبس بحق فان كان مليئا فهو غير(11/492)
معذور بل عليه الاداء والخروج.
ومن هذا الضرب الغيبة فإذا كان المشترى في بلدة والشفيع في غيرها فعلى الشفيع أن يخرج طالبا كما بلغه الخبر أو يبعث وكيلا إلا أن يكون الطريق مخوفا فيجوز التأخير إلى أن يجد رفقة وثيقة يصحبها هو أو وكيله أو يزول الحر المفرط أو البرد المفرط فإذا أخر لذلك أو لم يمكنه المسير بنفسه ولا وجد وكيلا فليشهد على الطلب فان لم يشهد ففي بطلان حقه الخلاف السابق وأجري ذلك في وجوب الاشهاد إذا سار في الحال والظاهر ههنا أنه لا يجب ولا تبطل الشفعة بتركه كما لو أنفذو كيلا ولم يشهد يكتفي فيه بذلك وليطرف فيما إذا كان حاضرا في البلد فخرج إليه أو إلى مجلس الحكم كما سبق في الرد بالعيب (والضرب الثاني) ما ينتظر زواله عن قريب بأن كان مشغولا بطعام أو صلاة أو قضاء حاجة أو في حمام فله الاتمام ولا يكلف قطعها على خلاف المعهود وفهى وجه أن عليه قطعها حتى الصلاة إذا كانت نافلة ولو دخل وقت الاكل والصلاة أو قضاء الحاجة جاز له أن يقدمها فإذا فرغ طالب بالشفعة ولا يلزمه تخفيف الصلاة والاقتصار على أقل ما يجزئ.
ولو رفع الشفيع الامر إلى الحاكم وترك مطالبة المشترى مع حضوره جاز وقد ذكرناه في الرد بالعيب.
ولو أشهد على الطلب ولم يراجع المشترى والحاكم لم يكلف خلاف لابي حنيفة.
وان
كان المشترى غائبا فالقياس أن يرفع الامر إلى الحاكم ويأخذ كما ذكرنا هناك وإذا ألزمناه الاشهاد ولم يقدر عليه فهل يؤمر أن يقول تملكت الشقص فيه وجهان مر نظائرهما في الرد بالعيب.
وإذا تلاقيا في غير بلد الشقص فأخر الشفيع إلى العود إليه بطل حقه لاستغناء الاخذ عن الحضور عند الشقص (وقوله)(11/493)
في الكتاب فإذا بلغه الخبر أي خبر من يتعمد قوله فلينهض عن مكانه طالبا أي إما بنفسه أو بنائبه (وقوله) فان لم يوكل مع القدرة بطل حقه معلم بالواو وكذا قوله لم يلزمه قطعا.
قال (ولو أخبرنا ثم قال لم أصدق المخبر فان أخبره من تقبل شهادته بطل حقه.
وان أخبره من لاتقبل روايته كفاسق وصبي فلا يبطل.
وان أخبره عدل واحد أو عبد يقبل روايته فالاظهر (و) أنه يبطل حقه.
وان كذب المخبر في دينار الثمن.
أو تعبين المشترى.
أو جنس (وح) الثمن.
أو قدر المبيع فترك المبيع لم يبطل حقه لان له غرضا.
وان أخبر بأن الثمن الف فإذا هو الفان لم يكن له الرجوع إذ لاغرض فهى وإذا لقى المشترى فقال السلام عليكم لم يبطل حقه.
ولو قال بكم اشتريت ففيه تردد.
وكذا في قوله بارك الله لك في صفقة يمينك.
ولو قال اشتريت رخيصا وأنا طالب بطل حقه لانه فضول من غير غرض) .
الفصل يشتمل على صور (إحداها) إذا أخر الطلب ثم قال انما أخرت لاني لم أصدق المخبر نظر أن أخبره عدلان يبطل حقه لان شهادتهما مقبولة فكان من حقه أن يعتمد قولهما ويثق به وكذا لو أخبره رجل وامرأتان.
وإن أخبره من لاتقبل روايته كالكافر والفاسق والصبي لم يبطل حقه وان أخبره عدل واحد حر أو عبد فوجهان (أحدهما) لا يبطل حقه لان الحجة لا تقوم بالواحد وهو رواية عن أبي حنيفة ذكره في التتمة (وأظهرهما) البطلان لانه اخبار واخبارهم مقبول وفي النهاية أنهم ألحقوا العبد(11/494)
بالفاسق لانه ليس من أهل الشهادة والمرأة الواحدة كالعبد حتى يجئ فيها الوجهان.
وقطع بعضهم بأن اخبارها لا يبطل حقه وعلى هذا فلو أخبره نسوة قال أبو سعيد المتولي ينبني على أن المدعي إذا أقام امرأتين هل يقضي بيمينه معهما (ان قلنا) لا فاخبارهن كاخبار المرأة الواحدة (وان قلنا) نعم فكالعدل الواحد
وهذا كله إذا لم يبلغ عدد المخبرين حدا لا يحتمل التواطؤ عل الكذب فان بلغه وأخر بطل حقه وان كانوا فساقا (الثانية) لو كذبه المخبر فزاد في قدر الثمن بأن قال باع الشريك نصيبه بألف فعفا الشفيع أو توانى ثم بان أن البيع بخمسائة لم يبطل حقه ولو كذب بالنقصان فقال باع بالف فعفا ثم بان انه باع بالفين بطل حقه لانه إذا لم يرغب فيه بألف فبألفين أولى ولو كذب في تعيين المشترى بأن قال باعه من زيد ثم بان أنه باعها من غيره أو قال المشترى اشتريت لنفسي ثم بان أنه كان وكيلا أو في جنس الثمن بأن قال باع بالدراهم فبان أنه باع بالدنانير أو في نوعه بأن قال باع بالنيسابورية فبان أنه باع بالمروية أو في قدر المبيع بأن قال باع كل نصيبه فبان أنه بعضه أو بالعكس لم يبطل حفه لانه ربما يرضى بتركه لزيد دون غيره وقد يجد الدنانير دون الدراهم أو يرغب في الكل دون البعض وبالعكس وكذا لو قال باعه من فلان فعفا ثم بان أنه باع من غيره أو قال باعه من رجلين فبان أنه باعه من أحدهما أو قال باعه بكذا حالا فبان أنه باعه مؤجلا أو قال باع بكذا إلى شهر فبان أنه باع إلى شهرين لا يبطل حقه ولو قال باعه بكذا مؤجلا فعفا ثم بان أنه باعه حالا يبطل حقه لانه متمكن من التعجيل إن كان يقصده وكذا لو قال باع كله بألف فعفا ثم بان أنه بيع بعضه بألف يبطل حقه لانه إذا لم يرغب في الكل بألف ففي البعض أولى وعند(11/495)
أبي حنيفة إذ أخبر عن البيع بالدراهم فعفا ثم بان أن البيع بالدنانير أو بالعكس ولم يتفاوت القدر عند التقويم بطلت شفعته وبه أجاب الامام فيجوز أن يعلم لذلك قوله أو جنس الثمن بالحاء والواو (الثالثة) لقى المشتري فقال السلام عليك أو سلام عليك أو سلام عليكم لم يبطل حقه لان السنة السلام قبل الكلام قال الامام ومن غلا في اشتراط قطع ما هو مشغول به من الطعام وقضاء الحاجة لا يبعد أن يشترط ترك الابتداء بالسلام.
وفيما إذا قال عند لقاء المشتري بكم اشتريت وجهان ذكر العراقيون أنه يبطل حقه وقالوا من حقه أن يظهر الطلب ثم يبحث (والاصح المنع) لانه إن لم يعلم قدر الثمن فلابد من البحث عنه وان علم فيجوز أن يريد أخذ إقرار المشترى كيلا ينازعه في الثمن وحكى الامام وجهين أيضا فيما إذا قال بارك الله في صفقة يمينك عن قياس طريق المراوزة أنه يبطل حقه لان الدعاء يشعر بتقرير الشقص في يده فلا ينتظر الطلب عقيبه (وأصحهما) وهو الذي أورده المعظم أنه لا
يبطل لانه قد يدعو بالبركة ليأخذ بصفقة مباركة ولو قال اشتريت رخيصا وما أشبهه ثم أعقبه بالطلب بطل حقه لانه فضول لاغرض فيه ولو أخر الطلب ثم أعتذر بمرض أو حبس أو غيبة وأنكر المشترى فالقول قول الشفيع إن علم له العارض الذي يدعيه وا لا فالمصدق المشترى.
ولو قال لم أكن أعلم بثبوت حق الشفعة أو كونها على الفور فهو كما في الرد بالعيب.
قال (ولو باع ملك نفسه مع العلم بالشفعة بطل حقه.
فان لم يعلم فقولان من حيث أنه انقطع الضرر.
وان صالح عن حق الشفعة لم يصح الصلح.
ثم إن كان جاهلا ففي بطلان شفعته خلاف) .(11/496)
في هذه البقية مسألتان (الاولى) إذا باع الشفيع نصيب نفسه من العقار أو وهب عالما بثبوت الشفعة له بطل حقه (أما) إذا جعلنا الشفعة على الفور فظاهر (وأما) إذا جعلناها على التراخي فلان الشفعة إنما ثبتت لدفع ضرر سوء المشاركة والمقاسمة وانما يلزمه ذلك من الشركة فإذا باع نصيب نفسه فقد أزال سبب الشفعة ولو باع بعض نصيبه حكي الشيخ أبو على غيره فيه قولين (أحدهما) أن شفعته لا تبطل لانه لو لم يملك إلا ذلك القدر ابتداء له الشفعة (والثاني) تبطل لانه إنما يستحق الشفعة بجميع نصيبه فإذا باع بعضه بطل بقدره وإذا بطل البعض بطل الكل كما لو عفا عن بعض الشقص المشفوع وهذا أظهر على ما ذكره الامام وغيره هذا إذا كان عالما (أما) إذا باع نصيبه جاهلا بالشفعة قال أكثرهم فيه وجهان وقال صاحب الكتاب قولان (أحدهما) أنه على شفعته لانه كان شريكا يوم البيع ولم يرض بسقوط حق الشفعة (وأشبههما) أنها تبطل لزوال سبب الشفعة ولهذا لو زال عيب المبيع قبل(11/497)
التمكن من الرد سقط حق الرد ولو باع بعض نصيبه جاهلا أطلق في التهذيب أن شفعته لا تبطل والوجه أن يكون على الخلاف السابق إذا فرعنا على أنه لو باع الجميع بطلت شفعته (الثانية) لو صالح على حق الشفعة على مال فهو على ما ذكرناه في الصلح عن الرد بالعيب واختار أبو إسحق المروزي صحته ولو تصالحا على أن ياخذ بعض الشقص فيصح الصلح برضى المشترى بالتبعيض أو يبطل وتبقى خيرة الشفيع بين أخذ الكل وترك الكل أو تبطل شفعته أصلا تنزيلا لترك البعض منزلة ترك
الكل نقلوا فيه ثلاثة أقوال وقد فرغنا بتوفيق الله تعالى من شرح مسائل الكتاب ونزيده بفصيلن (أحدهما) في الحيل الدافعة للشفعة (منها) أن يبيع الشقص بأضعاف ثمنه دراهم ويأخذ عرضا قيمته مثل الثمن الذي يتراضيان عليه بدلا عن الدارهم أو يحط عن المشترى ما يزيد على فلا يرغب الشفيع في الشفعة لحاجته إلى الاخذ بالدارهم المسماة وفيها غرر لان البائع قد لا يرضى بالعرض عوضا أو لا يحط (ومنها) قال ابن سريج يشترى أولا بائع الشقص عرضا يساوى ثمن الشقص بأضعاف ذلك الثمن ثم يجعل الشقص عوضا عما لزمه وفيها غرر لان البائع قد لا يرضى به (ومنها) أن يبيع جزأ من الشقص بالثمن كله ويهب منه الباقي فلا يأخذ الشفيع الشقص المبيع للغبن ولا يتمكن من أخذ الموهوب وفيها غرر ظاهر (ومنها) أن يجعل الثمن حاضرا مجهول القدر ويقبضه البائع وينفقه أو يخلط بغيره فتندفع الشفعة وفيه خلاف ابن سريج على ما تقدم (ومنها) إذا وقف المشترى الشقص أو وهبه يبطل حق الشفيع على رأى أبي إسحق (ومنها) لو باع بعض الشقص ثم باع الباقي لم يكن للشفيع أخذ جميع المبيع ثانيا في أحد الوجهين فيندفع أخذ الجميع (ومنها) لو وكل الشريك شريكه بالبيع فباع لم يكن له الشفعة على أحد الوجهين وقد سلف ذكره هذه المسائل.(11/498)
(فرع) عند أبي يوسف لا يكره دفع الشفيع بالحيلة إذ ليس فيها تفويت حق على الغير لان الحق إنما يثبت بعد البيع وعند محمد يكره لما فيها من إيقاع الشفيع في الضرر مع حقه من الثبوت وهذا أشبه بمذهبنا في الحيلة في دفع الزكاة وهما يختلفان في الزكاة (الفصل الثاني) في مسائل وفروع من الباب لم تسلك فيما قدمنا ونوردها منثورة فنقول للمفلس العفو عن الشفعة والاخذ والاعتراض عليه للغرماء وينبغي أن يعود في أخذه الخلاف المذكور في شرائه في الذمة ثم الكلام في أنه لم يؤد الثمن علي ما ذكرناه في التفليس ولو وهب من عبده وقلنا انه يملك فبيع باقيه قال الشيخ أبو محمد تثبت له الشفعة وهل يفتقر إلى إذن جديد من السيد فيه وجهان ولعامل القراض الاخذ بالشفعة فان لم يأخذ فللمالك الاخذ ولو اشترى بمال القراض شقصا من عقار فيه شركة لرب المال ففي ثبوت الشفعة له وجهان عن ابن سريج (أصحهما) المنع ووجه الثاني أن مال القراض كالمنفرد عن ملكه لتعلق حق
الغير به ويجوز أن يثبت له على ملكه حق والحالة هذه كما ثبت له على عبده المرهون حق الجناية وان كان العامل شريكا فيه فله الاخذ إن لم يكن في المال ربح أو كان وقلنا انه لا يملك بالظهور وان قلنا انه يملك فعلى الوجهين في المالك ولو كان الشقص في يد البائع فقال الشفيع لاأقبضه إلا من المشترى فيه وجهان عن ابن سريج (أحدهما) له ذلك ويكلف الحاكم المشترى أن يتسلمه ويسلمه إلى الشفيع وان كان غائبا نصب الحاكم من ينوب عنه في الطرفين (والثاني) أنه لا يكلف ذلك بل يأخذه الشفيع من يد البائع وسواء أخذ من المشترى أو من البائع فعهدة الشفيع على المشترى فان الملك ينتقل إليه منه وقال أبو حنيفة ان أخذه من يد المشترى فالعهد على المشترى وان أخذه من يد البائع فالعهدة عليه ولو اشترى شقصا شرط البراءة من العيوب فان أبطلنا البيع فذاك وان صححناه وأبطلنا الشرط فكما لو اشترى مطلقا فان صححنا الشرط فللشفيع رده بالعيب على المشتري وليس للمشترى(11/499)
الرد كما لو كان المشتري عالما بعيبه عند الشراء والشفيع جاهلا به عند الاخذ وان علم الشفيع العيب دون المشترى فلا رد للشفيع وليس للمشترى طلب الارش لانه استدرك للظلامة أو لانه لم ييأس من الرد فلو رجع إليه ببيع أو غيره لم يرده على العلة الاولى ويرده على الثانية ولو قال أحد الشريكين للآخر بع نصيبك فقد عفوت عن الشفعة فباع ثبتت له الشفعة ولغا العفو قبل ثبوت الحق وعن تفريع ابن سريج عن الجامع الكبير لمحمد أنه إذا باع شقصا فضمن الشفيع العهدة للمشترى لم تسقط بذلك شفعته وكذلك إذا شرط الخيار للشفيع وصححنا شرط الخيار للاجنبي ولو كان بين أربعة دار فباع أحدهم نصيبه واستحق الشركاء الشفعة فشهد اثنان منهم على الثالث بالعفو ثبتت شهادتهما ان شهدا بعد ما عفوا وان شهدا قبله لم تقبل لانهما يجران الشقص إلى أنفسهما فلو عفوا ثم أعادوا بتلك الشهادة لم تقبل أيضا للتهمة وان شهدا بعد ما عفا أحدهما قبلت شهادة العافي دون الاخر فيحلف المشترى مع العافي ويثبت العفو ولو شهد البائع على عفو الشفيع قبل قبض الثمن لم يقبل لانه قد يقصد الرجوع بتقدير الافلاس وان كان بعد القبض فوجهان لانه ربما يتوقع الرجوع إلى العين بسبب من الاسباب ولو أقام المشترى على عفو الشفيع بينة وأقام المشترى بينة على أنه أخذ بالشفعة والشقص في يده فبينة الشفيع أولى لتقويها باليد
أو بينة المشترى لزيادة علمها بالعفو فيه وجهان (أظهرهما) الثاني ولو شهد السيد على شراء شقص فيه شفعة لمكاتبه فعن الشيخ أبي محمد قبول شهادته قال الامام كأنه أراد أن يشهد للمشترى إذا ادعى الشراء فيجوز أن تثبت الشفعة تبعا اما شهادته للمكاتب فانها لاتقبل بحال ولو كان الشفيع صبيا فعلى وليه الاخذ ان كان فيه مصلحة والالم يجز الاخذ وإذا ترك بالمصلحة ثم بلغ الصبي فهل له الاخذ فيه خلاف ذكرناه في آخر الحجر ولو كان بين اثنين دار فمات احدهما عن حمل في البطن ثم باع الاخر نصيبه فلا شفعة للحمل لانه لا يتيقن وجوده فان كان له وارث غير الحمل فله الشفعة وإذا انفصل حيا فليس(11/500)
لوليه أن يأخذ شيئا من الوارث ولو ورث الحمل الشفعة عن مورثه فهل لابيه أوجده الاخذ قبل انفصاله فيه وجهان (وجه المنع) وبه قال ابن سريج ان لا يتيقن وجوده فإذا أخذ الشفيع وبني فيه أو غرس وخرج مستحقا وقلع المستحق بناءه وغراسه فالقول فيما يرجع به الشفيع على المشترى من الثمن وما ينقص قيمة البناء والغراس وغيرهما كالقول في رجوع المشترى من الغاصب عليه قال الامام وان نظرنا إلى ان الرجوع بما ينقص من قيمة البناء والغراس هناك مبني على التغرير ولا تغرير من المشترى بل الشقص مأخوذ عنه قرها فيجوز ان يجاب عنه بأنه مختار في الشراء والاخذ بالشفعة موجب للشراء ولو مات رجل وله شقص من دار وعليه ديون تستغرق التركة فباع الشريك الآخر نصيبه قبل ان يباع الشقص في الدين قال ابن الحداد للورثة أخذه بالشفعة وهو جواب على ان الدين لايمنع انتقال الملك في التركة إلى الورثة وهو الاصح (فان قلنا) يمنع فلا شفعة لهم ولو خلف دارا وديونا لا تستغرق قيمة الدار فبيع منها ما بقي بالدين قال ابن الحداد لاشفعة للورثة فيما بيع بما بقي لهم في الملك وهذا مستمر على الاصل السابق فانهم إذا ملكوا الدار كان المبيع جزأ من ملكهم ومن بيع جزء من ملكه بحق لم يكن له استرجاعه بالباقي (فان قلنا) انه يمنع فمنع الملك في قدر الدين أم في جميع التركة فيه خلاف مذكور في موضعه (ان قلنا) بالثاني فلا شفعة لهم أيضا لانهم انما يملكون الباقي بأداء الدين وانما تثبت الشفعة بملك يتقدم على البيع (وان قلنا) بالاول ثبتت لهم الشفعة ولو كانت الدار المشتركة بين المورث والورثة ثم انه مات فبيع نصيبه أو بعضه في ديونه وصاياه قال ابن الحداد لهم الشفعة وهذا يخالف الاصل الذى سبق
فانهم إذا ملكوا التركة صار جميع الدار ملكهم فيكون المبيع جزأ من ملكهم واختلف من بعده فمنهم من أخذ به وقال ما يباع في ديونه ووصاياه بمثابة ما يبيعه بنفسه ولو باعه في حياته بنفسه كان لهم الشفعة فكذلك ههنا والاكثرون خالفوه وجروا على قضية ذلك الاصل ثم منهم من خطأه وقال انما ينتظم(11/501)
هذا الجواب على ان الدين لايمنع ملكهم فيستحقون الشفعة بالملك القديم وعن الشيخ أبي زيد حمل كلامه على ما إذا باع بنفسه في مرض موته ومن مولدات ابن الحداد دار بين ثلاثة لاحدهم نصفها ونصفها بين الآخيرين بالسوية فاشترى صاحب النصف نصيب احد الاخرين ثم باع ثلث ما معه مطلقا من أجنبي والشريك الثالث غائب مثلا فاعلم ان الشفيع في المبيع الثاني هو الشريك الثالث لاغير وأما في الاول فيتعلق النظر باصلين أحدهما الخلاف الذي سبق في ان المشترى إذا كان أحد الشركاء تكون الشفعة بينه وبين الشريك الآخر أو يختص بها الشريك الآخر (والثاني) عود القولين في ان الشفعة على عدد الرؤس أو الحصص إذا حكمنا بالشركة إذا عرفت ذلك فإذا قدم الغائب وفرعنا على قسمه بينه وبين المشترى وهو الاصح نظرنا ان طلب الشفعة في العقد الاول فله مما اشتراه الشريك على قولنا بالتوزيع على عدد الرؤس النصف وهو ثمن جميع الدار وذلك شائع فيما معه وهو ثلاثة أرباع الدار فإذا باع ثلث ما معه كان بائعا ثلث حق الشفيع ولا ينصرف إلى الشريك ما يستقر ملكه فيه لان الكل قابل للبيع فيأخذ القادم من المشترى ثلثي الثمن ومن المشترى منه ثلث الثمن فيتم له ما استحقه بالعقد الاول (وان قلنا) بالتوزيع على الحصص فله مما اشتراه الشريك الثلث لان ملكه قدر نصف ملك الشريك وحينئذ فله نصف سدس الدار فيأخذ من الشريك ثلثى نصف السدس ومن المشترى منه ثلثه لما ذكرنا من الشيوع فعلى القول الاول يخرج الحساب من أربعة وعشرين لان نصيب الغائب سدس ما معه وهو الثلاثة ارباع الدار فيحتاج إلى عدد لثلاثة ارباعه سدس فتضرب اربعة في ستة تكون اربعة وعشرين وعلى الثاني من ستة وثلاثين لان نصيب الغائب تسع ما معه فيحتاج إلى عدد الثلاثة أرباعه تسع فتضرب أربعة في تسعة يكون ستة وثلاثين والربع الذي اشتراه الشريك على التقدير الاول ستة وعلى الثاني تسعة ثم إذا أخذ ذلك فله أن يأخذ ما بقى من يد المشترى بالعقد الثاني وله ان يعفو فيكون للمشترى الخيار بين
ثمن جميع الدار وذلك شائع فيما معه وهو ثلاثة أرباع الدار فإذا باع ثلث ما معه كان بائعا ثلث حق الشفيع ولا ينصرف إلى الشريك ما يستقر ملكه فيه لان الكل قابل للبيع فيأخذ القادم من المشترى ثلثي الثمن ومن المشترى منه ثلث الثمن فيتم له ما استحقه بالعقد الاول (وان قلنا) بالتوزيع على الحصص فله مما اشتراه الشريك الثلث لان ملكه قدر نصف ملك الشريك وحينئذ فله نصف سدس الدار فيأخذ من الشريك ثلثى نصف السدس ومن المشترى منه ثلثه لما ذكرنا من الشيوع فعلى القول الاول يخرج الحساب من أربعة وعشرين لان نصيب الغائب سدس ما معه وهو الثلاثة ارباع الدار فيحتاج إلى عدد لثلاثة ارباعه سدس فتضرب اربعة في ستة تكون اربعة وعشرين وعلى الثاني من ستة وثلاثين لان نصيب الغائب تسع ما معه فيحتاج إلى عدد الثلاثة أرباعه تسع فتضرب أربعة في تسعة يكون ستة وثلاثين والربع الذي اشتراه الشريك على التقدير الاول ستة وعلى الثاني تسعة ثم إذا أخذ ذلك فله أن يأخذ ما بقى من يد المشترى بالعقد الثاني وله ان يعفو فيكون للمشترى الخيار بين(11/502)
ان يفسخ لتفرق الصفقة عليه وبين أن يختر بحصته من الثمن اما إذا فرعنا على ان المشترى إذا كان شريكا لاشفعة له بل يختص بها الشريك الآخر وبه قال ابن سريج فان الغائب إذا كان يأخذ جميع ما اشتراه الشريك لو لم يكن بيع ثان فإذا باع ثلث ما في يده فقد باع من حق الغائب الثلث فإذا قدم أخذ ثلث الربع من المشترى وثلثيه من الشريك فيتم له ما استحق بالبيع الاول ثم له أن ياخذ ما في يد المشترى بالعقد الثاني وله ان يعفو عن الاول ويأخذ جميع الربع من يد المشترى وهذا كله فيما إذا باع ثلث ما في يده مطلقا أما إذا قال بعت ربع الذي اشتريت فليس للغائب أن يأخذ غير ما في يد المشترى من الشريك لكنه إن عفا عن شفعة البيع الاول أخذ جميع الربع بالبيع الثاني وان أراد الاخذ بالبيع الاول فسخ البيع في نصف الربع على قول التوزيع على الرؤس وثلثه على القول المقابل له ثم له أخذ الباقي بالبيع الثاني ولو قال بعت الدار من جملة النصف الذي كنت أملكه قديما فللغائب أن يأخذ جميعه بالعقد الثاني وأن يأخذ بالعقد الاول مما في يد الشريك نصف الربع أو ثلثه على اختلاف القولين.
بعون الله قد تم طبع الجزء الحادي عشر من..(11/503)
فتح العزيز - عبد الكريم الرافعي ج 12
فتح العزيز عبد الكريم الرافعي ج 12(12/)
فتح العزيز شرح الوجيز وهو الشرح الكبير للامام ابي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 هـ..الجزء الثاني عشر دار الفكر بسم الله الرحمن الرحيم(12/1)
قال (كتاب القراض * وفيه ثلاثة أبواب الباب الاول في أركان صحته) (وهى ستة (الاول رأس المال) وشرائطه أربعة وهى أن يكون نقدا معينا معلوما مسلما * احترزنا بالنقد عن العروض والنقرة التى ليست مضروبة فان ما يختلف قيمته إذا جعل رأس المال فإذا رد بالاجرة إليه ليتميز الربح فربما ارتفع قيمته فيستغرق رأس المال جميع الربح * أو نقص فيصير بعض رأس المال ربحا * ولايجوز (و) على الفلوس ولا على الدراهم (ح و) المغشوشة) * العقد المعقود له الباب هو أن يدفع مالا إلى غيره ليتجر فيه على أن يكون الربح بينهما ويسمى ذلك قراضا ومقارضة وقد يسمى مضاربة وأشهر اللفظين القراض عند الحجازيين والمضاربة عند العراقيين واشتقاق القراض من قولهم قرض الفأر الثوب أي قطعه ومنه المقراض لانه يقطع به وسمى قراضا اما لان المالك اقتطع قطعة من ماله فدفعها إلى العامل أو لانه اقتطع له قطعة من الربح وقيل اشتقاقه من المقارضة وهى المساواة والموازنة سمى به لتساويهما في قوام العقد بهما فمن هذا المال ومن هذا العمل لتساويهما في استحقاق الربح (وأما) المضاربة فانه تقع على هذا العقد لان كل واحد منهما يضرب في الربح بسهم أو لما فيه من الضرب بالمال والتقليب * ويقال للمالك من اللفظة الاولى مقارض والعامل مقارض ومن اللفظة الثانية للعامل مضارب لانه الذي يضرب بالمال ولم يشتقوا للمالك منها اسما * واحتج الاصحاب للقراض باجماع الصحابة ذكر الشافعي رضى الله عنه في اختلاف العراقيين أن أبا حنيفة روى عن حميد بن عبد الله بن عبيد الانصاري عن أبيه عن جده " أن عمر بن الخطاب
رضى الله عنه أعطى مال يتيم مضاربة فكان يعمل به في العراق " وروى " أن عبد الله وعبيد الله(12/2)
ابني عمر بن الخطاب لقيا أبا موسى مصرفهما من غزوة نهاوند فتسلفا منه مالا وابتاعا به متاعا وقدما المدينة فباعا وربحا فيه فأراد عمر رضى الله عنه أخذ رأس المال والربح كله فقالا لو تلف كان ضمانه علينا فكيف لا يكون ربحه لنا فقال رجل لامير المؤمنين لو جعلته قراضا فقال قد جعلته وأخذ منهما نصف الربح " يقال ان ذلك الرجل هو عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه وأظهر ما ذكره الاصحاب في محل القضية وبه قال ابن سريج ان ما جرى كان قرضا صحيحا وكان الربح ورأس المال لهما لكن عمر رضى الله عنه استنزلهما عن بعض الربح خيفة أن يكون قصد أبو موسى ارفاقهما لارعاية مصلحة(12/3)
بيت المال * ولذلك قال في بعض الروايات أو أسلف كل الجيش كما اسلفكما * وعن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه " أن عثمان رضى الله عنه أعطاه مالا مقارضة " وأيضا " عن على وابن مسعود وجابر وحكيم بن حزام رضى الله عنهم تجويز المضاربة " وأيضا فان " السنة الظاهرة وردت في المساقاة " وإنما جوزت المساقاة للحاجة من حيث إن مالك النخيل قد لا يحسن(12/4)
تعهدها ولا يتفرغ له ومن يحسن العمل قد لا يهلك ما يعمل فيه وهذا المعنى موجود في القرائض * ثم كلام الكتاب مندرج في ثلاثة أبواب (أحدهما) فيما يعتبر لصحة هذا العقد وما يعتبر تارة يعتبر في رأس المال وتارة في العمل وأخرى في صفة العقد وأخرى في العاقدين فسمى هذه الامور أركانا وبين ما يشترط في كل واحد منهما (والثانى) في أحكامه إذا صح (والثالث) فيما إذا انفسخ العقد بفسخ وغيره ما حكمه وفيما إذا اختلفا في كيفية جريان العقد بينهما كيف يفصل الامر (أما الباب الاول) فالركن الاول منه رأس المال وله شروط (أحدها) أن يكون نقدا وهو الدراهم والدنانير المضروبة وفيه معنيان (أحدهما) أن القراض معاملة تشتمل على اغرار إذ العمل غير مضبوط والربح غير موثوق به وإنما جوزت للحاجة فتختص بما تسهل التجارة عليه وتروج بكل حال (وأشهرهما)
وهو المذكور في الكتاب أن النقدين ثمنا لا يختلفان بالازمنة والامنكة إلا قليلا ولا يقومان بغيرهما والعروض تختلف قيمتها فلو جعل شى منها رأس المال لزم أحد الامرين أما أخذ المالك جميع الربح أو أخذ العامل بعض رأس المال ووضع القراض على أن يشتركا في الربح وينفرد المالك برأس المال * ووجه لزوم أحد الامرين أنهما إذا جعلا رأس المال ثوبا (فاما) أن يشترطا رد ثوب بتلك الصفات أو رد قيمته * إن شرطا الاول فربما كان قيمة الثوب في الحال درهما ويبيعه ويتصرف فيه حتى(12/5)
يبلغ المال عشرة ثم ترفع قيمة الثياب فلا يوجد مثل ذلك الثوب الا بعشرة فيحتاج العامل إلى صرف جميع ما معه إلى تحصيل رأس المال فيذهب الربح في رأس المال وربما كانت قيمته عشرة فباعه ولم يربح شيئا ثم صار يؤخذ مثله بشئ يسير فيشتريه ويطلب قسيمة الباقي فحينئذ يفوز العامل ببعض رأس المال * وان شرطا رد القيمة فاما أن يشترطا قيمة حال المفاصلة أو قيمة حال الدفع (والاول) غير جائز لانها مجهولة ولانه قد تكون قيمته في الحال درهما وعند المفاصلة عشرة فيلزم المحذور الاول (والثانى) غير جائز لانه قد تكون قيمته في الحال عشرة وتعود عند المفاصلة إلى درهم فيلزم المحذور الثاني وفي النفس حسيكة من هذا الكلام لان لزوم أحد الامرين مبنى على أن رأس المال قيمة يوم العقد أو يوم المفاصلة وبتقدير جواز القراض على العرض يجوز أن يكون رأس المال ذلك العرض بصفاته من غير نظر إلى القيمة كما أنه المستحق في السلم وحينئذ إن ارتفعت القيمة فهو كخسران حصل في أموال القراض وإن انخفضت فهو كزيادة قيمة بها * وعن الشيخ أبى محمد أنه كان يعول في اختصاص القراض بالنقدين على الاجماع ولا يبعد أن يكون العدول إليه لهذا الاشكال ويترتب على اعتبار النقدين امتناع القراض على الحلى والتبر وكل ما ليس بمضروب لانها مختلفة القيمة كالعروض وكذلك لا يجوز القراض على الفلوس ولا على الدراهم والدنانير المغشوشة لانها نقد وعرض وحكى الامام وجها أنه يجوز القراض على المغشوش اعتبارا برواجه وادعاء الوفاق على امتناع القراض في الفلوس لكن صاحب التتمة ذكر فيها أيضا الخلاف وعن أبى حنيفة يجوز القراض في المغشوش إذا لم يكن الغش أكثر *(12/6)
قال (واحترزنا بالمعلوم عن القراض على صرة دراهم * فان جهل رأس المال يؤدى إلى جهل الربح * واحترزنا بالمعين عن القراض على دين في الذمة * ولو عين وأيهم فقال قارضتك على أحد هذين الالفين والاخر عندك وديعة وهما في كيسين متميزين ففيه وجهان * ولو كان النقد وديعة أو رهنا في يده أو غصبا وقارضه عليه صح * وفي انقطاع ضمان الغصب خلاف) * (الشرط الثاني) أن يكون معلوما فلو قارض على كفين من الدراهم أو صرة مجهولة القدر لم يجز لانه إذا كان رأس المال مجهولا * كان الربح مجهولا ويخالف رأس مال المسلم حيث يجوز أن يكون مجهول القدر على أحد القولين لان السلم لا يعقد ليفسخ والقراض يعقد ليفسخ ويميز بين رأس المال والربح * وفي الشامل وغيره ان عند أبى حنيفة يجوز أن يكون رأس المال مجهولا القدر * وإذا تنازعا فيه عند المفاصلة فالمصدق العامل وعلى هذا فليكن قوله معلوما في الفصل السابق معلما بالحاء ولو دفع إليه ثوبا وقال بعد وإذا قبضت ثمنه فقد قارضتك عليه لم يجز لانه مجهول ولما فيه من تعليق القرض وقال أبو حنيفة يصح (الشرط الثالث) أن يكون معينا فلو قارض على دراهم غير معينة ثم أحضرها في المجلس وعينها حكم الامام عن القاضى وقطع به أنه يجوز كما في الصرف ورأس مال السلم * والذي أورده صاحب التهذيب المنع * ولو كان له دين في ذمة إنسان فقال لغيره قارضتك على دينى على فلان فاقبضه واتجر فيه لم يجز لانا لم نجوز القراض على العرض لعسر التجارة والتصرف فيها ومعلوم أن التصرف في الدين أكثر عسرا فكان بالمنع أولى * ووجهه الامام بأن مافى الذمة لابد من تحصيله أولا وسنذكر أنه لا يجوز في القراض ضم عمل إلى التجارة ولكن مثل هذا العمل(12/7)
يجوز أن يعد من توابع التجارة فلا يمتنع ضمه إلى عمل القراض يؤيده قولهم انه لو كان له عند زيد دراهم وديعة فقال لعمرو قارضتك عليها فخذها وتصرف فيها يجوز ولو أن صاحب الدين قال قارضتك عليه لتقبض وتتصرف أو اقبضه * وقبضنيه فقد قارضتك عليه لم يصح أيضا وإذا قبض العامل وتصرف فيه لم يستحق الربح المشروط بل الجميع للمالك وللعامل أجرة مثل التصرف إن كان قد قال إذا
قبضت فقد قارضتك وان قال قارضتك عليه لتقبض وتتصرف استحق مثل أجرة التقارض والقبض أيضا * ولو قال للمديون قارضتك على الدين الذي عليك لم يصح القراض أيضا لانه إذا لم يصح والدين على الغير فلان لا يصح والدين عليه كان أولى لان المأمور لو استوفى ما على غيره ملكه وصح القبض وما على المأمور لا يصير للمالك بعزله من ماله وقبضه للامر بل لو قال اعزل قدر حقي من مالك فعزله ثم قال قارضتك لم يصح لانه لم يملكه * وإذا تصرف المأمور فيما عزله نظر ان اشترى بعينه للقراض فهو كالفضولي يشترى لغيره بعين ماله وان اشترى في الذمة ونقد ما عزله ففيه وجهان (أحدهما) أنه للمالك لانه اشترى له باذنه (والثانى) أنه للعامل لانه انما أذن في الشراء بمال القراض إما بعينه أو في الذمة لينقده فيه وإذا لم يملكه فلا قراض وهذا أظهر عند الشيخ أبى حامد وفي التهذيب أن الاصح الاول بحيث كان المال المعزول للمالك فالربح ورأس المال له لفساد القراض وعليه الاجرة للعامل * ولو دفع إليه كيسين كل واحد منها ألف وقال قارضتك على أحدهما فوجهان (أحدهما) الصحة لتساويهما (وأصحهما) المنع لعدم التعيين كما لو قال قارضتك على هذه الدراهم أو على هذه الدنانير وكما لو قال بعتك(12/8)
أحد هذين العبدين ولو كانت دراهمه في يده غيره وديعة فقارضه عليها صح ولو كانت غصبا لم يصح في وجه لانه مضمون والقرض عقد أمانة (والاصح) الصحة كما إذا رهن من الغاصب وعلى هذا لا يبرأ من ضمان الغصب كما في الرهن وعند أبى حنيفة ومالك أنه يبرأ * قال (وأردنا بالمسلم أن يكون في يد العامل * فلو شرط المالك أن يكون في يده أو أن يكون له يد أو يراجع في التصرف أو يراجع مشرفه فسد القراض لانه تضييق للتجارة * ولو شرط أن يعمل معه غلام المالك جاز على النص) * (الشرط الرابع) أن يكون رأس المال مسلما إلى المعامل ويستقل باليد عليه والتصرف فيه ولو شرط المالك أن يكون الكيس في يده ليوفى الثمن منه إذا اشترى العامل شيئا أو شرط أن يراجعه العامل في التصرفات أو يراجع مشرفا نصبه فسد القراض لانه قد لا يجده عند الحاجة أو لا يساعده على رأيه فيفوت عليه التصرف الرابح فالقراض موضوع توسعا لطريق التجارة ولهذا الغرض احتمل
فيه ضرب من الجهالة فيصان عمل يخل به * ولو شرط أن يعمل معه المالك بنفسه فسد أيضا لان انقسام التصرف يفضى إلى انقسام اليد ويبطل الاستقلال وفي الرقم لابي الحسين العبادي أن أبا يحيى البليجى جوز ذلك على طريق المعاونة والتبعية والمذهب الاول * ولو شرط أن يعمل معه غلام المالك فوجهان(12/9)
ويقال قولان (أحدهما) أنه لا يصح أيضا كما لو شرط أن يعمل بنفسه لان يد عبده يده (والثانى) وبه قال ابن سريج وأبو إسحق والاكثرون أنه يجوز لان العبد مال يدخل تحت اليد ولمالكه اعارته واجارته فإذا دفعه إلى العامل فقد جعله معينا وخادما للعامل فوقع تصرفه للعامل تبعا لتصرفه بخلاف ما إذا شرط المالك أن يعمل بنفسه فانه لاوجه لجعله تابعا * وموضع الخلاف مااذا لم يصرح بحجر العامل فاما إذا قال علي أن يعمل معه غلامي ولا يتصرف دونه أو يكون بعض المال في يده فسد لا محالة ولو شرط في المضاربة أن يعطيه بهيمة يحمل عليها ففى التتمة أنه على الخلاف في مسألة الغلام ومنهم من قال قضية كلامه القطع بالجواز ولو لم يشترط الغلام معه ولكن شرط أن يكون ثلث الربح له والثلث لغلامه والثلث للعامل جاز وحاصله اشتراط ثلثى الربح لنفسه نص عليه في المختصر حيث قال فان قارضه وجعل معه رب المال غلامه وشرط أن الربح بينه وبين العامل والغلام أثلاثا فهو جائز وكان لرب المال الثلثان * (وأعلم) أن من لم يجوز شرط عمل الغلام قال المراد من هذا النص أن يجعل مع العامل في قسمة الربح لا في العمل ومن جوزه عمل باطلاقه وقال لافرق بين شرط عمله وبين تركه وهذا ما ينزل عليه قوله في الكتاب جاز على النص ولو شرط ثلث الربح لحر فسيتأتى في الركن الثالث *(12/10)
(فرع) قال في التتمة ولو كان بينه وبين غيره دراهم مشتركة فقال لشريكه قارضتك على نصيبي منها صح إذ ليس فيه الا الاشاعة فانها لا تمنع صحة التصرفات قال وعلى هذا لو خلط الفين بألف لغيره ثم قال صاحب الالفين للاخر قارضتك على أحدهما وشاركتك في الاخر فقبل جاز وانفرد العامل بالتصرف في الف القراض ويشتركان في التصرف في باقي المال ولا يخرج على الخلاف
في الصفقة الواحدة تجمع عقدين مختلفين لانهما جميعا يرجعان إلى التوكيل بالتصرف ولايجوز أن يجعل رأس مال القراض سكنى دار فان العروض إذا لم تجعل رأس مال فالمناع أولى وهذا يمكن فهمه من الضبط المذكور في الكتاب * قال (الركن الثاني العمل * وهو عوض الربح * وشروطه ثلاثة وهى أن يكون تجارة غير مضيقة بالتعيين والتأقيت) احترزنا بالتجارة عن الطبخ والخبز والحرفة * فان عقد القراض على الحنطة ليربح بذلك فاسد * أما النقل والكيل والوزن ولواحق التجارة تبع للتجارة * والتجارة هي الاسترباح بالبيع والشراء لا بالحرفة والصنعة) * لما تكلم في رأس المال وشرائطه أخذ يتكلم فيما يقابله من طرف العامل وهو العمل ويشترط فيه أمور (أحدهما) كونه تجارة ويتعلق بهذا القيد صور (منها) لو قارضه على أن يشترى الحنطة(12/11)
فيطحنها ويخبزها والطعام ليطبخه ويبيع والربح بينهما فهو فاسد وتوجيه الملتئم من كلام الاصحاب أن الطبخ والخبز ونحوهما أعمال مضبوطة يمكن الاستئجار عليها وما يمكن الاستئجار عليه فيستغني عن الفراض إنما القراض لما لا يجوز الاستئجار عليه وهو التجارة التى لا ينضبط قدرها وتمس الحاجة إلى العقد عليها فيحتمل فيه للضرورة جهالة العوضين وعلى هذا القياس ما إذا اشترط عليه أن يشترى الغزل فينسجه أو الثوب فيقصره أو يصبغه ولو اشترى العامل الحنطة وطحنها من غير شرط فعن القاضى الحسين في آخرين أنه يخرج الدقيق من كونه مال قراض ولو لم يكن في يده غيره ينفسخ القراض لان الربح حينئذ لا يحال على البيع والشراء فقط بل على التعبير الحاصل في مال القراض بفعله وغير التجارة لا يقابل بالربح المجهول وعلى هذا فلو أمر المالك العامل أن يطحن حنطة مال القراض كان فاسخا للعقد والاظهر واليه ميل الامام وهو المذكور في التهذيب أن القراض بحاله ويلتحق ذلك بما إذا زاد عبد القراض بكبر أو سمن أو بتعلم صنعة فانه لا يخرج عن كونه مال القراض ولكن العامل إذا استقل بالطحن صار ضامنا وعليه الغرم إن فرض نقص في الدقيق فان باعه لم يكن الثمن مضمونا عليه فانه لم ينعقد فيه ولا يستحق العامل بهذه الصناعات أجرة على المالك ولو استأجر عليه أجيرا
فأجرته عليه والربح بينه وبين المالك كما شرط (ومنها) لو قارضه على دراهم على أن يشترى نخيلا(12/12)
أو دواب أو مستغلات ويمسك زمامها لثمارها أو نتاجها أو غلاتها وتكون الفوائد بينهما فهو فاسد لانه ليس استرباحا بطريق التجارة والتجارة التصرف بالبيع والشراء وهذه الفوائد تحصل من غير مال لامن تصرفه (ومنها) لو شرط عليه أن يتشرى شبكة ويصطاد بها ليكون الصيد بينهما فهو فاسد ويكون للصائد وعليه أجرة الشبكة (وقوله) في الكتاب العمل وهو عوص الربح كان المراد فيه أن قضية ملك المالك رأس المال ملكه الربح فالقدر المشروط للعامل إنما ملكه عوضا عن عمله للمالك وربما يقال رأس المال والعمل عوضان منقابلان ونعنى به أن رأس المال من المالك والعمل من العامل ينقابلان والربح يحصل من معاونتهما (وقوله) فان عقد القراض على الحنطة ليربح بذلك فهو فاسد أي الطحن والخبز وفي الصورة التى صورها للفساد سبب آخر وهو كون رأس المال عوضا وإنما الصورة التى تختص بما نحن فيه أن يقارضه على دراهم على أن يشترى بها الحنطة ويطحن ويخبز على ما سبق (وقوله) أما النقل والوزن ولواحق التجارة تبع للتجارة معناه أن هذه الاعمال وإن كان العامل يأتي بها على ما سنبين في الباب الثاني ما على العامل فليس ذلك كالطحن والخبز فانها من توابع التجارة ولواحقها التى انبني العقد لها * قال (ثم لو عين الخز الادكن أو الخيل الابلق للتجارة عليه * أو عين شخصا للمعاملة معه فهو فاسد (ح و) لانه تضييق * ولو عين جنس الخز أو البز جاز لانه معتاد) *(12/13)
(الامر الثاني) أن لا يكون مضيقا عليه بالتعيين فلو عين نوعا للاتجار فيه نظر إن كان مما يندر وجوده كالياقوت الاحمر والخز والادكن والخيل البلق والصيد حيث يوجد نادرا فسد القراض فان هذا تضييق يخل بمقصوده وإن لم يكن نادر الوجود نظر إن كان يدوم شتاء وصيفا كالحبوب والحيوان والخز والبز صح القراض وإن لم يدم كالثمار الرطبة فوجهان (أحدهما) أنه لا يجوز كما إذا قارضه مدة ومنعه من التصرف بعدها نعم لو قال تصرف فيه فإذا انقطع فتصرف في كذا جاز
(وأصحهما) وبه قال أبو إسحق أنه يجوز لانه يمنع التجارة في تلك المدة ويخالف ما إذا قارضه مدة لانها قد تنقضي قبل أن يبيع ما عنده من العروض وهذا النوع سهل التصرف فيه مادام موجودا وإذا انقطع لم يبق عنده شئ ولو قال لا تشتري إلا هذه السلعة أو إلا هذا العبد فسد القراض بخلاف مااذا قال لا تشتري هذه السلعة وهذا العبد لان فيما سواهما مجالا واسعا وكذا لو شرط أن لا يبيع الا من فلان ولا يشترى الا منه لم يجز ولو قال لاتبع من فلان أو لا تشتري منه جاز وفي بعض شروح المفتاح أنه لا يجوز كما لو قال لاتبع الا منه والمذهب الاول وبقولنا قال مالك وقال أبو حنيفة وأحمد يجوز أن يعين سلعة للشراء وشخصا للمعاملة معه كما في الوكالة وعن القاضى أبى الطيب أن الماسرخسى قال إذا كان الشخص المعين بياعا لا ينقطع عنده المتاع الذي يتجر عليه نوعه غالبا جاز تعيينه *(12/14)
(فرع) في اشتراط تعيين نوع يتصرف فيه مثل الخلاف المذكور في الوكالة والظاهر وهو الذي أورده في النهاية أنه لا يشترط لان الوكالة نيابة محضة والحاجة تمس إليها في الاشغال الخاصة والقراض معاملة يتعلق بها غرض كل واحد من المتعاقدين فمهما كان العامل أبسط يدا كان أفضى إلى مقصوده * (فرع) إذا جرى تعيين صحيح لم يكن للعامل مجاوزته كما في سائر التصرفات المستفادة من الاذن فالاذن في البز يتناول ما يلبس من المنسوج من الابريسم والقطن والكتان والصوف دون الفرش والبسط وفي الاكسية وجهان لانها ملبوسة لكن بائعها لا يمسى بزازا * قال (ولو ضيق بالتأقيت إلى سنة مثلا ومنع من البيع بعدها فهو فاسد فانه قد لا يجد زبونا قبلها * وان قيد الشراء وقال لاتشتر بعد السنة ولك البيع فوجهان * إذ المنع عن الشراء مقدور له في كل وقت فأمكن شرطه * فان قال قارضتك سنة مطلقا فعلى أي القسمين ينزل فيه وجهان) * (الامر الثالث) أن لا يضيق بالتأقيت (واعلم) أولا أن القراض لا يعتبر فيه بيان المدة بخلاف المساقاة لان المقصود من المساقة ينضبط بالمدة فان للثمر وقتا معلوما والمقصود من القراض ليس له مدة مضبوطة فلم يشترط فيه التأقيت ولو أقت وقال قارضتك سنة فينظر إن منعه من(12/15)
التصرف بعدها مطلقا أو من البيع فهو فاسد لانه يخل بمقصود العقد ويخالف مقتضاه (أما الاول) فلانه قد لا يجد راغبا في المدة فلا تحصل التجارة والربح (وأما الثاني) فلانه قد يكون عنده عروض عند انقضاء السنة وقضية القراض أن ينض العامل مافى يده لاخر الامر ليتميز رأس المال من الربح وان قال على أن لا أشترى بعد السنة ولك البيع فوجهان (أحدهما) المنع لان ما وضعه على الاطلاق من العقود لا يجوز فيه التأقيت وهذا الوجه ذكر الامام أن العراقيين نسبوه إلى أبى الطيب بن سلمة ولا يكاد يوجد ذلك في كتبهم نعم يقولون أن أبا الطيب النساوى حكاه عن أبى اسحق فيما علقه من الزيادات على الشرح فكأنه اشتبه عليه أبو الطيب بابى الطيب (وأصحهما) الجواز لان المالك يتمكن من منعه من الشراء مهما شاء فجاز أن يتعرض له في العقد بخلاف المنع من البيع ولو اقتصر على قوله قارضتك سنة فوجهان (أصحهما) المنع لان قضية انتهاء القراض امتناع التصرف بالكلية ولان ما يجوز فيه الاطلاق من العقود لا يجوز فيه التأقيت كالبيع والنكاح (والثاني) يجوز ويحمل على المنع من الشراء باستدامة العقد ولو قال قارضتك سنة على أن لا أملك الفسخ قبل انقضائها فهو فاسد ولايجوز أن يعلق القراض فيقول إذا جاء رأس الشهر فقد قارضتك كما لا يجوز تعليق البيع ونحوه ولو قال قارضتك الان ولكن لا تتصرف حتى يجى رأس الشهر ففى وجه يجوز كالوكالة والاصح يمنع كما لو قال بعتك بشرط أن لا تملك الا بعد شهر *(12/16)
قال (الثالث الربح * وشراطئه أربع وهى أن يكون مخصوصا بالعاقدين مشتركا معلوما بالجزئية لا بالتقدير * وعنينا بالخصوص أنه لو أضيف جزء من الربح إلى ثالث لم يجز * وبالاشتراك أنه لو شرط الكل للعامل أو للمالك فهو فاسد (م) * وبكونه معلوما احترزنا عما إذا قال لك من الربح ما شرطه فلان لفلان فانه مجهول * ولو قال على أن الربح بيننا ولم يقل نصفين فالاظهر (و) التنزيل على التنصيف ليصح * واحترزنا بالجزئية عما إذا قال لك من الربح مائة أو درهم أولى درهم والباقي بيننا فكل ذلك فاسد إذ ربما لا يكون الربح إلا ذلك المقدار) *
في الربح شروط (أحدهما) أن يكون مخصوصا بالمتعاقدين فلو شرط بعضه لثالث فقال على أن(12/17)
يكون ثلثه لك وثلثه لزوجتي أو لامي أو لاختي لم يصح القراض لانه ليس بعامل ولا مالك للمال إلا أن يشترط عليه العمل معه فيكون قراضا مع رجلين ولو كان المشروط له عبد المالك أو العامل كان ذلك مضمونا للمالك أو العامل على ما تقدم (ولو) قال نصف الربح لك ونصفه لى ومن نصيبي نصفه لزوجتي صح القراض وهذا وعد منه لزوجته (ولو) قال للعامل لك كذا على أن تعطى ابنك أو امرأتك نصفه فعن القاضى أبى حامد أن ذكره شرطا فسد القراض وإلا لم يفسد (الثاني) أن يكون مشتركا بينهما فلو قال قارضتك على أن يكون جميع الربح لك ففى حكمه وجهان (أصحهما) أنه قراض فاسد رعاية للفظ (والثاني) أنه قراض صحيح رعاية للمعنى ويروى هذا عن أبى حنيفة ولا(12/18)
يجئ الوجه الثاني في مثله من المساقاة لتعذر القراض (ولو) قال قارضتك على أن الربح كله لى فهو قراض فاسد أو ابضاع فيه وجهان وعن مالك أنه يصح القراض في الصورتين ويجعل كائن الاخر وهب نصيبه من المشروط له (ولو) قال أبضعتك على أن نصف الربح لك فهو إبضاع أو قراض فيه الوجهان (ولو) قال خذ هذه الدراهم فتصرف فيها والربح كله لك فهو قرض صحيح عند ابن سريج والاكثرين بخلاف مالو قال قارضتك على أن الربح كله لك لان اللفظ يصرح بعقد آخر (قال) الشيخ أبو محمد لافرق بين الصورتين (وعن) القاضى الحسين أن الربح والخسران للمالك وللعامل أجرة المثل ولايكون قرضا لانه لا يملكه ولو قال تصرف فيها والربح كله لى فهو إبضاع (الثالث) أن يكون(12/19)
معلوما فلو قال قارضتك على أن لك في الربح شركة أو شركا أو نصيبا فسد (ولو) قال لك مثل ما شرطه فلان لفلان فان كانا عالمين بالمشروط لفلان صح وإن جهلاه أو أحدهما فسد (ولو) قال على أن الربح بيننا ولم يقل نصفين فوجهان (أحدهما) الفساد لانه لم يبين مالكل واحد منهما فأشبه مالو اشترط أن يكون الربح بينهما أثلاثا ولم يبين من له الثلثان ومن له الثلث (وأظهرهما) على ما ذكره في
الكتاب وبه اجاب الشيخ أبو حامد وحكاه عن ابن سريج أنه يصح وينزل على النصف كما لو قال هذه الدراهم بيني وبين فلان يكون اقرارا بالنصف (ولو) قال على أن ثلث الربح لك وما بقى فثلثه لى وثلثاه لك صح وحاصله اشتراط سبعة أتساع الربح للعامل والحساب من عدد لثلثه ثلث وأقله تسعة(12/20)
وهذا إذا علما عند العقد أن المشروط للعامل بهذه اللفظة كم هو فان جهلاه أو أحدهما فوجهان (أحدهما) عن صاحب التقريب الذي أورده صاحب الشامل منهما الصحة لسهولة معرفة ما تضمنه اللفظ ويجرى الخلاف فيما إذا قال على أن لك من الربح سدس ربع العشر وهما لا يعرفان قدره عند العقد أو أحدهما (والرابع) أن يكون العلم به من حيث الجزئية لامن حيث القدر فلو قال لك من الربح أولى من درهم أو مائة والباقى بيننا بالسوية فسد القراض لانه ربما لا يربح إلا ذلك القدر فيلزم اختصاص أحدهما بكل الربح وكذا لو قال لك نصف الربح سوى درهم وكذا لو شرط أن يوليه سلعة كذا إذا اشتراها برأس المال لانه ربما لا يربح إلا عليها وكذا لو شرط أنه يلبس الثوب الذي(12/21)
يشتريه ويركب الدابة الذي يشتريها لان القراض جوز على العمل المجهول بالعوض المجهول للحاجة ولا حاجة إلى ضمن ما ليس من الربح إليه ولانه ربما ينقص بالاستعمال ويتعذر عليه التصرف فيه ولو شرطا اختصاص أحدهما بربح صنف من المال فسد أيضا لانه ربما لا يحصل الربح إلا فيه وكذا لو شرط ربح أحد الالفين لهذا وربح الالف الثاني لهذا وشرط أن يكون الالفان متميزين ولو دفعهما إليه ولا تمييز وقال ربح أحد الالفين لى وربح الاخر لك فعن بعض الاصحاب أنه يصح ولافرق بينه وبين أن يقول نصف ربح الالفين لك (والاظهر) ويحكي عن ابن سريج أنه فاسد لانه خصه بربح بعض المال فأشبه ما إذا كان الالفان متميزين وما إذا وقع إليه الفا على أن يكون له ربحها ليتصرف له في الف آخر *(12/22)
قال (الرابع الصيغة * وهى أن يقول قارضتك أو ضاربتك أو عاملتك على أن الربح بيننا
نصفين فيقول قبلت * ولو قال على أن النصف لى وسكت عن العامل فسد (و) * ولو قال على أن النصف لك وسكت عن جانب نفسه جاز) * القراض والمضاربة والمعاملة مستعملة في هذا العقد وإذا قال قارضتك أو ضاربتك أو عاملتك على أن الربح بيننا كذا كان إيجابا صحيحا ويشترط فيه القبول على التواصل المعتبر في سائر العقود (ولو) قال خذ هذه الدراهم واتجر عليها على أن الربح بيننا كذا ففى التهذيب أنه يكون قراضا ولا يفتقر إلى القبول وهذا حكاه الامام عن القاضى الحسين ثم قال وقطع شيخي والطبقة العظمى من نقلة(12/23)
المذهب أنه لابد من القبول بخلاف الجعالة والوكالة فان القراض عقد معاوضة يختص بمعين فلا يشبه الوكالة التى هي إذن مجرد والجعالة التى يتهم فيها العامل فان قال قارضتك على أن نصف الربح لى وسكت عن جانب العامل فوجهان (أحدهما) أنه يصح ويكون النصف الاخر للعامل لانه الذى يسبق إلى الفهم منه ولهذا قال ابن سريج (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب وبه قال المزني لا يصح لان الربح فائدة رأس المال فيكون للمالك إلا إذا نسب منه شئ إلى العامل ولم ينسب إليه شئ (ولو) قال على أن نصف الربح لك وسكت عن جانب نفسه فالصحيح الجواز وما لا ينسب إلى العامل يكون للمالك بحكم الاصل بخلاف الصورة السابقة (وفي) النهاية ذكر وجه ضعيف أنه لا يصح حتى تجرى الاضافة في الجزأين إلى الجانبين (وإذا قلنا) بالصحيح فلو قال على أن لك(12/24)
النصف ولى السدس وسكت عن الباقي صح وكان الربح بينهما نصفين كما لو سكت عن ذكر جميع النصف * قال (الخامس والسادس العاقدان * ولا يشترط فيهما إلا ما يشترط في الوكيل والموكل * نعم لو قارض العامل غيره بمقدار ما شرط به باذن المالك ففيه وجهان لان وضع القراض أن يدور بين عامل ومالك) * صاحب الكتاب رحمه الله قد يعد العاقدين ركنين كما فعل ههنا وفي الوكالة وقد يعد العاقد
مطلقا ركنا واحدا كما فعل في البيع والرهن والفرض الاصلى لا يختلف لكنه لو استمر على طريقة واحدة كان أحسن * وفقه الفصل أن القراض توكيل وتوكل في شئ خاص وهو التجارة فيعتبر في العامل والمالك ما يعتبر في الوكيل والموكل فكما يجوز لولى الطفل التوكيل في أجور الطفل كذلك(12/25)
يجوز لولى الطفل والمجنون أن يقارض على مالهما يستوى فيه الاب والجد ووصيهما والحاكم وأمينه وهل يجوز لعامل القراض أن يقارض غيره (اما) باذن المالك فقد ذكره ههنا وأعاده مرة أخرى في الباب الثاني مع القسم الاخر وهو أن يقارض بغير إذن المالك ونحن نشرح المسألة بقسميها هناك إن شاء الله تعالى * قال (ولو كان المالك مريضا وشرط ما يزيد على أجرة المثل للعامل لم يحسب من الثلث لان التفويت هو المقيد بالثلث والربح غير حاصل * وفي نظيره من المساقاة خلاف (و) لان النخيل قد تثمر بنفسها فهو كالحاصل * ولو تعدد العامل واتحد المالك أو بالعكس فلا حرج) * فيه مسألتان (احدهما) لو قارض في مرض موته صح وإذا ربح العامل سلم له الجزء المشروط وان زاد على أجرة مثل عمله ولا يحسب من الثلث لان المحسوب من الثلث ما يفوته من ماله والربح(12/26)
ليس بحاصل حتى يفوته وانما هو شئ يتوقع حصوله فإذا حصل حصل بتصرفات العامل وكسبه ولو ساقى في مرض الموت وزاد الحاصل على أجرة المثل فوجهان (أحدهما) أنه لا يحتسب من الثلث أيضا لانه لم يكن حينئذ ثمرة وحصولهما منسوب إلى عمل العامل وتعهده (وأشبههما) احتساب الزياة من الثلث لان للثمار وقتا معلوما ينتظر وهى قد تحصل من عين النخيل من غير عمل فكانت كالشئ الحاصل بخلاف الارباح الثانية يجوز أن يقارض الواحد اثنين وبالعكس ثم إذا قارض الواحد اثنين وشرط لهما نصف الربح بالسوية جاز ولو شرط لاحدهما نصف الربح وللاخر ربعه فان أبهم لم يجز وان عين الثلث لهذا والربع لهذا جاز لان عقد الواحد مع اثنين كعقدين (وقال) مالك لا يجوز لاشتراكهما في العمل (وقال) الامام وانما يجوز أن يقارض اثنين إذا ثبت لكل واحد منهما الاستقلال
فان شرط على كل واحد منهما مراجعة الاخر لم يجز وما أرى أن الاصحاب يساعدونه عليه وإذا(12/27)
قارض اثنان واحدا فليبينا نصيب العامل من الربح ويكون الباقي بينهما على قدر ماليهما ولو قالا لك من نصيب أحدنا من الربح الثلث ومن نصيب الاخر الربع فان أيهما لم يجز وإن عينا وهو عالم بقدر كل واحد منهما جاز إلا أن يشترطا كون الباقي بين المالكين على غير ما تقتضيه نسبة المالين كافية من شرط الربح لمن ليس بمالك ولا عامل وعن أبى حنيفة تجويز هذا الشرط * قال (ومهما فسد القراض بفوات شرط نفذ التصرفات وسلم كل الربح للمالك * وللعامل أجرة مثله إلا إذا فسد بأن شرط كل الربح للمالك ففي استحقاقه الاجرة وجهان لانه لم يطمع في شئ أصلا) * لما قضى حق القول في الامور المعتبرة في القراض بين حكمه إذا فسد بتخلف بعض الشروط وله ثلاثة أحكام (أحدهما) نفوذ تصرفاته لو كان القراض صحيحا لانه يتصرف بالاذن والاذن(12/28)
موجود وهذا كما أن تصرف الوكيل نافذ مع فساد الوكالة وليس كما إذا فسد البيع لا ينفذ تصرف المشترى لان المشترى إنما يتصرف بالملك ولاملك في البيع الفاسد (والثانى) سلامة الربح كله للمالك بتمامه لانه فائدة ماله وإنما يستحق العامل بعضه بالشرط بالعقد الصحيح (والثالث) استحقاق العامل أجرة مثل عمله سواء كان في المال ربح أو لم يكن لانه عمل طبعا في المسمى فإذا لم يسلم إليه وجب أن يرد عمله عليه وانه متعذر فتجب قيمته كما إذا اشترى شيئا شراء فاسدا وقبضه فتلف تلزمه قيمته (وعن) مالك أنه إن لم يحصل منه ربح فلا شئ له وإن حصل له فله ما يقارض به مثله في ذلك المال وهذه الاحكام مطردة في صورة الفساد نعم لو قال قارضتك على أن جميع الربح لى وفرعنا على أنه قراض فاسد لاإبضاع ففي استحقاق العامل أجرة المثل وجهان (أحدهما) يستحق كما في سائر أسباب الفساد (وأصحهما) قال المزني المنع لانه عمل مجانا غير طامع في شئ *(12/29)
(فرع) قال المزني في المختصر لو دفع إليه الف درهم وقال اشتريها هرويا أو مرويا بالنصف فهو فاسد واختلفوا في تعليله (فالاصح) وهو سياق الكلام ما يقتضيه أن الفساد باعتبار أنه تعرض للشراء دون البيع وهذا جواب على أصح الوجهين أن التعرض للشراء لا يغنى عن التعرض للبيع بل لابد من لفظ المضاربة ونحوها ليتناول البيع والشراء أو من التصريح بالشراء والبيع جميعا وإذا اقتصر على الشراء فللمدفوع إليه الاقتصار على الشراء دون البيع والربح كله للمالك والخسران عليه (وفيه) وجه أن التعرض للشراء كاف وهو ينبه على البيع بعده وفيما إذا اتى بلفظ المضاربة والقراض أيضا حكاية وجه ضعيف في النهاية أنه كما لو قال اشتر ولم يتعرض للبيع (وقيل) سبب الفساد في تصوير المزني أنه قال بالنصف ولم يبين لمن هو فيحتمل أنه أراد شرطه لنفسه وحينئذ يكون نصيب العامل مسكوتا عنه فيفسد العقد (واعترض) ابن سريج على هذا بان الشرط ينصرف إلى العامل لان المالك(12/30)
يستحق بالمال لا بالشرط (وعن) ابن أبى هريرة أن سبب الفساد أنه تردد بين النوعين ولم يعين واحدا ولا أطلق التصرف في أجناس الامتعة (واعترض) القاضى الحسين عليه أنه لو عين أحدهما لحكمنا بالصحة فإذا ذكرهما على الترديد فقد زاد العامل بسطة وتخيرا فينبغي أن يصح بطريق الاولى (وقيل) سببه أن القراض إنما يصح إذا أطلق له التصرف في الامتعة أو عين جنسا يعم وجوده والهروى والمروى ليسا كذلك وهذا القائل كان يفرض في بلد لا يعمان به (وقال) الامام يجوز أن يكون سبب الفساد أنه ارسل ذكر النصف ولم يقل بالنصف من الربح * (الباب الثاني في حكم القراض الصحيح) قال (وله خمسة أحكام (الحكم الاول) أن العامل كالوكيل في تقييد تصرفه بالغبطة * فلا(12/31)
يتصرف بالغبن ولا بالنسيئة بيعا ولاشراء إلا بالاذن * ويبيع بالعرض فانه عين التجارة * ولكل واحد منهما الرد بالعيب * فان تنازعا فقال العامل يرد وامتنع رب المال أو بالعكس فيقدم جانب الغبطة ولا يعامل العامل المالك * ولا يشترى بمال القراض أكثر من رأس المال * وإن اشترى
لم يقع للقراض * وانصرف إليه إن أمكن) * من أحكام القراض تقييد تصرف العامل بالغبطة كتصرف الوكيل ثم الغبطة والمصلحة قد تقتضي التسوية بينهما وقد تقتضي الفرق وبيع العامل وشراؤه الغبن كبيع الوكيل بلا فرق ولا يبيع نسيئة بدون الاذن ولا يشترى أيضا لانه ربما يهلك رأس المال فتبقى العهدة متعلقة به فان أذن في البيع نسيئة ففعل وجب عليه الاشهاد ويضمن لو تركه ولا حاجة إليه في البيع حالا لانه يحبس المبيع إلى استيفاء الثمن ولو سلمه قبل استيفاء الثمن وضمن كالوكيل فان كان مأذونا في التسليم(12/32)
قبل قبض الثمن سلمه ولم يلزمه الاشهاد لان اعادة ما جرت بالاشهاد في البيع الحال ويجوز للعامل أن يبيع بالعرض بخلاف الوكيل فان اشتراه بقدر قيمته قال في التتمة فيه وجهان لان الرغبات في المعيب ما تقل وإن اشترى شيئا على ظن السلامة فبان معيبا فله أن ينفرد برده وإن كانت الغبطة فيه ولا يمنعه منه رضى المالك بخلاف الوكيل لان العامل صاحب حق في المال وإن كانت الغبطة في إمساكه ففى النهاية وجهان في تمكنه من الرد (وأظهرهما) المنع لاخلا له بمقصود العقد وحيث ثبت الرد للعامل ثبت للمالك بطريق الاولى ثم الذي حكاه الامام أن العامل يرد على البائع وينقض البيع (وأما) المالك فينظر إن كان الشراء بعين مال القراض فكمثل وإن اشترى العامل في الذمة فيصرفه المالك عن مال القراض وفي انصرافه إلى العامل ما سبق في انصرافه العقد إلى الوكيل إذا لم يقع للموكل ولو تنازع المالك والعامل في الرد وتركه فعل ما فيه الحظ ولايجوز للمالك معاملة العامل بأن يشترى من مال القراض شيئا لانه ملكه كما أن السيد لا يعامل المأذون ولايجوز أن يشترى بمال القراض أكثر من رأس المال لان المالك لم يرض بان يشغل ذمته فلو فعل لم يقع(12/33)
ما زاد عن جهة القراض حتى لو دفع مائة قراضا فاشترى عبدا بمائة ثم أجر للقراض أيضا لم يقع الثاني للقراض ولكن ينظر إن اشتراه بعين المائة فالشراء باطل سواء اشترى الاول بعين المائة أوفي الذمة (أما) إذا اشترى بعين المائة فلصيرورتها ملكا للبائع الاول (وأما) إذا اشترى في الذمة
فلصيرورتها مستحقة الصرف إلى العقد الاول وان اشترى العبد الثاني في الذمة لم يبطل ولكن ينصرف إلى العامل حيث ينصرف شراء الوكيل المخالف إليه وإذا انصرف العبد الثاني إلى العامل فان صرف مائة القراض إلى ثمنه فقد تعدى ودخلت المائة في ضمانه لكن العبد يبقى أمانة في يده لانه لم يتعد فيه فإذا تلفت المائة نظر إن كان الشراء الاول بعينها انفسخ وإن كان في الذمة لم ينفسخ ويثبت للمالك على العامل مائة والعبد الاول للمالك وعليه لبائعه مائة فان أداها العامل باذن المالك وشرط له الرجوع ثبتت له مائة على المالك ووقع الكلام في التقاص وإن أدى من غير إذنه برئ المالك عن حق بائع العبد ويبقى حقه على العامل ويجوز أن يعلم قوله من لفظ الكتاب فلا يتصرف بالغبن ولا بالنسيئة بالحاء لان أبا حنيفة يخالف فيه كما ذكرنا في الوكالة *(12/34)
قال (ولو اشترى من يعتق على المالك لم يقع عن المالك فانه نقيض التجارة * ولو اشترى زوجة المالك فوجهان * والوكيل بشراء عبد مطلق ان اشترى من يعتق على الموكل فيه وجهان * والعبد المأذون ان قيل له اشترى عبدا فهو كالوكيل * وان قيل له اتجر فهو كالعامل * وان اشتري العامل قريب نفسه ولا ربح في المال صح * وان ارتفعت الاسواق وظهر ربح وقلنا يملك بالظهور عتق صحته (و) ولم يسر إذ لا اختيار في ارتفاع السوق * وان كان في المال ربح وقلنا لا يملك بالظهور صح ولم يعتق * وان قلنا يملك ففى الصحة وجهان لانه مخالف للتجارة * فان صح عتق (و) حصته وسرى إلى نصيب المالك لان المشترى مختار وغرم له حصته) * مضمون الفصل مسألتان (احداهما) إذا اشترى العامل من يعتق على المالك فاما أن يشتريه باذن المالك أو بغير اذنه (أما) الحالة الاولى فيصح الشراء ثم ان لم يكن في المال ربح عتق عن المالك وارتفع القراض ان اشتراه بجميع مال القراض وخيار رأس المال الباقي ان اشتراه ببعضه وان كان في المال ربح ينبنى على أن العامل متى يملك نصيبه من الربح (ان قلنا) يملك بالقسمة عتق(12/35)
أيضا وغرم المالك نصيبه من الربح وكأنه استرد طائفة من المال بعد ظهور الربح وأتلفه (وان قلنا)
انه يملك بالظهور عتق منه حصة رأس المال ونصيب المالك من الربح ويسرى إلى الباقي ان كان موسرا أو يغرمه وان كان معسرا بقى رقيقا وفيه وجه انه إذا كان في المال ربح وقد اشتراه ببعض مال القراض نظران اشتراه بقدر رأس المال عتق وكأن المالك استرد رأس المال والباقي ربح يتقاسمانه على قضية الشرط وان اشتراه بأقل من رأس المال فهو محسوب من رأس المال وان اشتراه بأكثر حسب قدر رأس المال من رأس المال والزيادة من حصة المالك ما أمكن والظاهر الاول وهو وقوعه سائغا على ما سنذكره في استرداد طائفة من المال بعد الربح والحكم فيما إذا أعتق المالك عبدا من مال القراض كالحكم في شراء العامل من يعتق عليه باذنه (الحالة الثانية) أن يشتريه بغير اذن المالك وهى التى قصدها صاحب الكتاب فلا يقع الشراء عن المالك بحال لان مقصود العقد تحصيل الربح وفي شراء من يعتق عليه تفويت رأس المال أيضا لكن ينظر ان اشتراه بعين مال القراض بطل من أصله وان اشتراه في الذمة وقع عن العامل ولزمه الثمن من ماله فان أداه(12/36)
من مال القراض ضمن ولو اشترى العامل زوجة المالك أو زوج المالكة بغير إذنها فوجهان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة أنه يصح لانه اشترى له ما يتوقع فيه الربح ولا يتلف رأس المال (وأظهرهما) ويحكي عن نصه في الاملاء المنع لانه لو ثبت الملك لانفسخ النكاح وتضرر به والظاهر أنه لا يقصده بالاذن وانما يقصد مال فيه حظ فعلى هذا الحكم كما لو اشترى من يعتق على المالك بغير إذنه وإذا وكل وكيلا بشراء عبد فاشترى من يعتق على الموكل ففي وقوعه للموكل وجهان نقلهما الامام (أحدهما) المنع لان الظاهر أنه يطلب عبد تجارة أو عبد قنية وبشراء من يعتق عليه لا يحصل واحدا من الوصفين (وأظهرهما) وهو الذي أورده الجمهور الوقوع لان اللفظ يتناوله وان بقى له انتفع به وان عتق عليه ناله ثوابه وانما أخرجناه عن التناول بالقراض لقرينة غرض التجارة (فان قلنا) بالاول بطل الشراء ان اشتراه بعينه والا وقع عن الوكيل والبعد المأذون له في التجارة إن اشترى من يعتق على سيده باذن السيد صح وعتق عليه إن لم يركبه دين وان ركبه الدين ففى العتق قولان لان ما في يده كالمرهون بالديون (وأن) اشترى بغير إذنه فقولان منصوصان (أحدهما) انه يصح ويعتق عليه لان(12/37)
العبد لا يمكنه الشراء لنفسه وانما يشترى لسيده فإذا اطلق الاذن انصرف ما يشتريه إليه مقيدا كان أو غير مقيد والعامل يمكنه الشراء لنفسه كما يمكنه الشراء للمالك فما لا يقع مقصودا بالاذن ظاهرا ينصرف إلى العامل (وأصحهما) وهو اختيار المزني أنه لا يصح كما في حق العامل لان السيد انما أذن في التجارة وهذا ليس من التجارة في شئ ورأى الامام القطع بهذا القول فيما إذا كان الاذن في التجارة ورد الخلاف إلى مااذا قال تصرف في هذا المال أو اشترى عبدا وعلى هذا جرى صاحب الكتاب حيث قال ان قيل له اشتر عبدا فهو كالوكيل (وان قيل) اتجر فهو كالعامل أي هو كالوكيل في أن الخلاف يجد مجالا ومضطربا ولا يمكن حمله على أن الخلاف كالخلاف فان الخلاف في المأذون قولان مشهوران وفي الوكيل إن ثبت وجهان وقوله فهو كالعامل يجوز إعلامه بالواو لان الاكثرين أثبتوا القولين مع تصويرهم في الاذن في التجارة وكذلك حكاه المزني عن نصه في المختصر ويجوز إعلامه بالحاء أيضا لان المحكى عن أبى حنيفة أنه إن لم يدفع السيد إليه وانما أذن له في التجارة صح الشراء وعتق على السيد وان دفع إليه مالا فهو كالعامل ثم(12/38)
هذا الخلاف فيما إذا لم يركبه دين فان ركبه وقد اشتراه بغير إذن السيد ترتب الخلاف على الخلاف فيما إذا لم يركبه وعدم الصحة ههنا أولى وان صح ففي نفوذ العتق الخلاف السابق (المسألة الثانية) إذا اشترى العامل من يعتق عليه نظر إن لم يكن في المال ربح صح الشراء ولم يعتق عليه كالوكيل يشترى قريب نفسه لموكله ثم إن ارتفعت الاسواق وظهر ربح بني على القولين في أن العامل متي يملك الربح (إن قلنا) يملكه بالقسمة لم يعتق بشئ منه (وان قلنا) بالظهور فاظهر الوجهين وهو المذكور في الكتاب أنه يعتق عليه قدر حصته من الربح لانه ملك بعض أبيه (والثانى) لا يعتق لان الملك فيه غير تام من حيث أنه وقاية لرأس المال معدا لهذا الغرض إلى انفصال الامر بينهما بالمقاسمة (فان قلنا) بالاول ففى الشراء به إن كان موسرا وتقديم الباقي عليه وجهان (أحدهما) وبه أجاب الاكثرون أنها تثبت كما لو اشتراه وفيه ربح وقلنا إنه يملك بالظهور (والثانى) المنع وهو
الذي أورده في الكتاب لان العتق والحالة هذه يحصل في الدوام بسبب هو فيه غير مختار ومثل ذلك لا يتعلق به الشراء ألا ترى أنه لو ورث بعض قريبه عتق عليه ولم يشتر ومن قال بالاول أجاب(12/39)
بأنه لاختيار في الارث أصلا وههنا الشراء اولا والامساك ثانيا إلى ارتفاع الاسواق اختياران وان كان في المالك ربح سواء كان حاصلا في الشراء أو حصل بنفس الشراء مثل ان كان رأس المال مائة فاشترى بها أباه وهو يساوى مائتين (فان قلنا) إنه يملك الربح بالقسمة دون الظهور صح الشراء ولم يعتق (وان قلنا) يملك بالظهور ففى صحة الشراء في قدر حصته من الربح وجهان (أظهرهما) الصحة لانه مطلق التصرف في ملكه (والثانى) المنع لانه لو صح فاما أن يحكم بعتقه وهو يخالف غرض الاسترباح الذي هو مقصود التجارة أولا يحكم فيختلف العتق عن ملك القريب (فان قلنا) بالمنع ففى الصحة في نصيب المالك الوجهان السابقان (إن قلنا) يعتق فان كان موسرا سرى العتق إلى الباقي ولزمه الغرم لانه مختار في الشراء والابقى الباقي رقيقا هذا كله فيما إذا اشترى العامل قريب نفسه بعين مال القراض (أما) إذا اشتراه في الذمة للقراض فحيث صححنا الشراء بعين مال القراض أوقعناه ههنا عن القراض وحيث لم نصحح ههنا عن العامل وعتق عليه وعن صاحب التقريب قوله أنه لو أطلق الشراء ولم يصرفه إلى القراض لفظا ثم قال كنت نويته (وقلنا) أنه إذا وقع عن القراض لم يعتق منه شئ لا يقبل قوله لان الذي جرى عقد عتاقة فلا يمكن من رفعها *(12/40)
(فرع) ليس لعامل القراض أن يكاتب عبد القراض بغير اذن المالك فان كاتباه معا جاز وعتق بالاداء ثم إن لم يكن في المال ربح فولاؤه للمالك ولا ينفسخ القراض بما جرى من الكتابة في أظهر الوجهين بل ينسحب على النجوم وإن كان فيه ربح فالولاء بينهما على حسب الشرط وما يزيد على الثمن من القيمة ربح * قال (الحكم الثاني * ليس لعامل القراض أن يقارض عاملا آخر بغير إذن المالك * وفي صحته بالاذن خلاف (و) * فان فعل بغير الاذن وكثرت التصرفات والربح فعلى الجديد الربح
كله للعامل الاول ولا شئ للمالك * وللعامل الثاني أجر مثله على العامل الاول إذ الربح على الجديد للغاصب * والعامل الاول هو الغاصب الذي عقد العقد له * وقيل كله للعامل الثاني فانه الغاصب * وعلى القديم يتبع موجب الشرط للمصلحة وعسر ابطال التصرفات وللمالك نصف (و) الربح والنصف الاخر بين العاملين نصفين (و) كما شرطا * وهل يرجع العامل الثاني بنصف أجرة مثله لانه كان طمع في كل النصف من الربح ولم يسلم له فيها وجهان)(12/41)
إذا قارض العامل غيره لم يخل أما أن يقارضه باذن المالك أو بغير اذنه (أما الحالة الاولى) فتتصور على وجهين (أحدهما) أن ينسلخ العامل من البين وينتهض وكيلا في القراض مع الثاني كأن المالك سلم إليه المال وأذن له في أن يقارض غيره ان بدى له فهذا صحيح كما لو قارضه المالك بنفسه ولايجوز أن يشترط الاول لنفسه شيئا من الربح ولو فعل فسد القراض وللثاني أجرة المثل على المالك لما مر أن شرط الربح لغير المالك والعامل ممتنع (والثانى) أن يأذن له في أن يعامل غيره ليكون ذلك الغير شريكا له في العمل والربح المشروط له على ما يراه حكى الامام وصاحب الكتاب فيه وجهين (أحدهما) الجواز كما لو قارضه المالك شخصين في الابتداء (وأشبههما) المنع لانا لو جوزنا ذلك لكان الثاني فرعا للاولى منصوبا من جهته والقراض معاملة تضيق محال القياس فيها فلا يعدل بها عن موضوعها وهو أن يكون أحد المتعاقدين مالكا لاعمل له والثانى عاملا لاملك له وهذا ما أشار إليه صاحب الكتاب يقوله في الباب الاول حين ذكره هذه المسألة " لان وضع القراض أن يدور بين مالك وعامل " وليكن لفظ الكتاب هناك معلما بالواو نعم لو قارض العامل غيره بمقدار(12/42)
مما شرط له أما إذا قارض بمقدار ما شرط له كان ذلك غير التصوير الاول وهو جائز بلا خلاف (الحالة الثانية) أن يقارض العامل بغير اذن المالك فهو فاسد لان المالك لم يأذن فيه ولا ائتمن على المال ويجئ فيه القول المذكور في أن تصرفات الفضولي تنعقد موقوفة على الاجازة (وإذا قلنا) بالمذهب فلو أن الثاني تصرف في المال وربح فهذا ينبني على أن الغاصب إذا اتجر في المال المغصوب ماحكم تصرفه ولم الربح الحاصل؟ (أما)
إذ تصرف في عين المغصوب فهو تصرف الفضولي (فاما) إذا باع سلما أو اشترى في الذمة وسلم المغصوب فيما التزمه وربح (فعلى) الجديد الربح الغاصب لان التصرف صحيح والتسليم فاسد فيضمن المال الذي سلمه ويسلم له الربح وهذا قياس ظاهر وعلى القديم هو للمالك توجيها بحديث عروة البارقى فان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ رأس المال والربح وبأنا لو جعلنا للغاصب لاتخذه الناس ذريعة إلى الغصب والخيانة في الودائع والبضاعات وبان تصرفات الغاب صقد تكثر فيتعسر بيع الامتعة التى تداولتها الايدى المختلفة أو يتعذر وفي هذا القول مباحثات (أحدهما) الجزم على هذا القول بأن الربح للمالك أو نوقفه على اجازته واختياره قيل بالوقف على الاجازة وبنى هذا القول على قول الوقف في بيع الفضولي(12/43)
وانما لم يتعرض الشافعي رضى الله عنه للفسخ والاجازة لان الغالب أنه يجيز إذا رأى الربح فعلى هذا إذا رده يرتد سواء اشترى في الذمة أو بعين المغصوب (وقال) الاكثرون انه مجزوم به ومبنى على المصلحة وكيف يستقيم توقيف شراء الغاصب لنفسه على اجازة غيره وانما يجرى قول الوقف إذا تصرف في عين مال الغير أو له (الثانية) إذا كان في المال ربح وكثرت التصرفات وعسر تتبعها فهو موضع القول القديم أما إذا قلت وسهل التتبع ولاربح فلا مجال له قال الامام وحكى وجهين فيما إذا سهل التتبع وهناك ربح أو عسر ولا ربح (الثالثة) لو اشترى في ذمته ولم يخطر له أن يؤدى الثمن من الدراهم المغصوبة ثم سنخ له ذلك (قال) الامام ينبغى أن لا يجئ فيه القول القديم ان صدقه صاحب الدراهم (واعلم) أن المسألة قد تلف بمسألة البضاعة وقد ذكرناها والاختلاف فيها على(12/44)
الاختصار مرة في البيع وأخرى في الغصب إذا تقرر ذلك (فعلى) الجديد ينظر ان اشترى بعين مال القراض فهو باطل وان اشترى في الذمة (فأحد) الوجهين ان كل الربح للعامل الثاني لانه المتصرف كالغاصب في صورة الغصب (وأصحهما) وبه أجاب المزني أن كله للاول لان الثاني تصرف للاول باذنه فكان كالوكيل من جهته وعليه للثاني أجرة عمله ويحكم هذا عن أبى حنيفة (وان قلنا) بالقديم ففيما يستحقه المالك من الربح وجهان (أحدهما) ولم أره الا في كتاب أبى الفرج السرخسى
أن كله للمالك كما في الغصب طردا لقياس هذا القول وعلى هذا فللعامل الثاني أجرة مثله وعلى من تجب؟ فيه وجهان (أحدهما) أنها على العامل الاول لانه استعمله وغيره (والثانى) على المالك لان(12/45)
نفع عمله عاد إليه (وأصحهما) وبه أجاب المزني أن له نصف الربح لانه رضى به بخلاف صورة الغصب فانه لم يوجد منه رضى به فصرفنا الكل إليه قطعا لطمع الغصاب والخائنين وعلى هذا ففى النصف الثاني وجوه (أحدها) وهو اختيار ابن الصباغ ان كله للعامل الاول لان المالك انما شرط له وعقده مع الثاني فاسد فلا يتبع شرطه وعلى هذا فللثانى أجرة مثل عمله على الاول لانه غره (والثانى) أن كله للثاني لانه العامل أما الاول فليس له عمل ولا ملك فلا يصرف إليه شئ من الربح (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يكون بين العاملين بالسوية وبه أجاب المزني ووجهه أن تتبع التصرفات غير والمصلحة اتباع الشرط إلا أنه تعذر الوفاء به في النصف الذي أخذه المالك فكأنه تلف وانحصر الربح في الباقي وعلى هذا فهل يرجع العامل الثاني بنصف أجرة المثل فيه وجهان(12/46)
(أحدهما) نعم لانه كان قد طمع في نصف الربح بتمامه ولم يسلم له إلا نصف النصف (وأشبههما) وبه قال المزني وأبو إسحق لا لان الشرط محمول على ما يحصل لهما من الربح والذي حصل هو الربح والوجهان فيما إذا كان العامل الاول قد قال على أن ربح هذا المال بيننا أو على أن لك نصه (أما) إذا كانت الصيغة على أن ما يرزقنا الله تعالى من الربح فبيننا (قطع) الاكثرون بأنه لا يرجع لان النصف هو الذي رزقاه (وعن) الشيخ أبى محمد اجراء الوجهين لان المفهوم تشرط جميع الربح ولا يخفى أن جميع ما ذكرناه إذا جرى القراضان على المناصفة فان كانا أو أحدهما على نسبة أخرى فعلى ما تشارطا وهذا كله فيما إذا تصرف الثاني وربح (أما) إذا هلك المال في يده فان كان عالما بالحال فهو(12/47)
غاصب أيضا وإن كان يظن العامل مالكا فترتب يده على يد الاول كترتب يد المودع على يد الغاصب لانه يد أمانة (وفي) طريق هو كالمتهب من الغاصب لعود النفع إليه وقد بينا الحكم فيهما
ضمانا وقرارا من قبل (وقوله) في الكتاب وكثرت التصرفات والربح يشعر باعتبار الامرين لمجئ الخلاف وفيه من التردد ما ذكرناه ثم ليس المراد وكثر الربح بل المعنى وحصل الربح وما أشبهه لان الكثرة في الربح غير معتبرة بالاتفاق (قوله) والعامل الاول هو الغاصب أي هو الحائز الذي يقع التصرف في المال له كما يقع في الغصب للغاصب (وقوله) وقيل كله للعامل الثاني فانه الغاصب ليس محمولا على ما ذكرناه في حق الاول لكن المعنى أنه الشبيه بالغاصب من حيث أنه المتصرف(12/48)
في المال بيعا وشراء وأخذا واعطاء (وقوله) وللمالك نصف الربح (وقوله) بين العاملين معلم بالواو لما عرفته * قال (الحكم الثالث * ليس للعامل أن يسافر (ح م و) بمال القراض إلا بالاذن فانه خطر فان فعل نفذت تصرفاته واستحق الربح ولكنه ضامن بعدوانه * وإذا سافر بالاذن فأجرة النقل على مال القراض كما أن نفقة الوزن والكيل والحمل الثقيل في الحضر أيضا على مال القراض * وليس على العامل إلا التجارة والنشر والطي ونقل الشئ الخفيف * فان تعاطى شيئا مما ليس عليه فلا أجرة له * وإن استأجر عليه ما عليه فعليه الاجرة * ونفقته على نفسه (م) في الحضر * ونص في السفر(12/49)
أن له نفقته بالمعروف * فمنهم من نزله على نفقة النقل * ومنهم من قال فيه قولان * ووجه الفرق بين الحضر والسفر أنه متجرد في السفر للشغل * فعلى هذا لو استصحب مع ذلك مال نفسه وزع النفقة عليهما * ثم قد قيل القولان في القدر الذي يزيد في النفقة بسبب السفر * وقيل انه في الاصل) * كلام الفصل على التفات بعضه بالبعض يشتمل على ثلاث مقاصد (أحدها) أنه ليس للعامل أن يسافر بمال القراض بغير إذن المالك وعن أبى حنيفة ومالك أن له ذلك عند أمن الطريق وفي تعليق الشيخ أبى حامد نقل قول مثله عن البويطى (لنا) أن فيه خطرا وتعريضا للهلاك فلا ينبغى(12/50)
أن يستقل به فلو خالف ضمن المال ثم ينظر إن كان المتاع بالبلد التي سافر إليها أكثر قيمة أو تساوت القيمتان صح البيع واستحق الربح لمكان الاذن وإن كان أقل قيمة لم يصح البيع بتلك القيمة إلا أن يكون النقصان بقدر ما يتغابن به وإذا صححنا البيع فالثمن الذي يأخذه يكون مضمونا عليه أيضا بخلاف ما إذا تعدى الوكيل بالبيع في المال ثم باعه وقبض الثمن لا يكون مضمونا عليه لان العدوان لم يوجد في الثمن وههنا سبب العدوان السفر ومزايلة مكان المال وأنه شامل ولا تعود الامانة بالعود من السفر وإذا سافر بالاذن فلا عدوان ولا ضمان (قال) في التتمة وبيع المال في البلد المنقول إليه بمثل ماكان يبيعه في المنقول عنه وبأكثر منه وأما بما دونه فان ظهر فيه غرض بان(12/51)
كانت مؤنة الرد أكثر من قدر النقصان أو أمكن صرف الثمن إلى متاع يتوقع فيه الربح فله البيع أيضا وإلا لم يجز لانه محض تخسير (الثاني) على العامل أن يتولى ما جرت العادة به من نشر الثياب وطيها وذرعها وادراجها في السفط وإخراجها ووزن ما يخف كالذهب والمسك والعود وقبض الثمن وحمله وحفظ المتاع على باب الحانوت وفي السفر بالنوم عليه ونحوه وليس عليه وزن المتعة الثقيلة وحملها ونقل المتاع من الخان إلى الحانوت والنداء عليه وما يجب عليه أن يتولاه لو استأجر عليه لزمه الاجرة في ماله وما لا يجب عليه أن يتولاه له أن يستأجر عليه من مال القراض لانه من تتمة التجارة ومصالحها فان تولاه بنفسه لم يكن له أخذ الاجرة بل هو متبرع ومريد كسبا بالاسترباح (الثالث)(12/52)
القول في المؤنات ولايجوز للعامل أن ينفق في الحضر من مال القراض على نفسه أو يواسى منه بشئ وعن مالك رضى الله عنه أن له أن ينفق منه على العادة كالغذاء ودفع الكسرة إلى السقاة وأجرة الكيال والوزان والحمال في مال القراض وكذا أجرة النقل إذا سافر بالاذن وأجرة الحارس والرصدى ونص في المختصر أن له النفقة بالمعروف وقال في البويطى لانفقة له وللاصحاب طريقان (أصحهما) أنهما قولان (أظهرهما) أنه لانفقة كما في الحضر وهذا لانه ربما لا يحصل إلا بذلك القدر فيختل مقصود العقد (والثانى) تجب وبه قال مالك بخلاف ما إذا كان في الحضر لانه في السفر سلم نفسه
وجردها لهذا الشغل فأشبه الزوجة تستحق النفقة إذا سلمت نفسها ولا تستحق إذا لم تسلم (والثانى) القطع بالمنع وحمل ما نقله المزني على أجرة النقل ومنهم من قطع بالوجوب وحمل ما في البويطى على المؤن النادرة كأجرة الحجام والطبيب وإذ أثبتنا القولين فهما في كل ما يحتاج إليه من الطعام والكسوة والادام تشبيها بما إذا سلمت الزوجة نفسها أو فيما يزيد بسبب السفر كالخف والاداوة وما(12/53)
أشبههما لانه لو كان في الحضر لم يستحق شيئا فيه وجهان (أصحهما) الثاني وبه قال مالك فيما رواه ابن الصباغ وأبو سعيد المتولي ثم تفرع على هذا القول بالوجوب فروع (منهما) لو استصحب مال نفسه مع مال القراض وزعت النفقة على قدر المالين (قال) الامام ويجوز أن ينظر إلى مقدار العمل على المالين ويوزع على أجرة مثلهما (وفي) أمال أبى الفرج السرخسى أنها إنما توزع إذا كان ماله قدرا يقصد السفر له وإن كان لا يقصد فهو كما لو لم يكن معه غير مال القراض (ومنها) لو رجع العامل وبقى منه فضل زاد أو آلات اعدها للسفر كالمطهرة ونحوها هل عليه ردها إلى مال القراض فيه وجهان عن الشيخ أبى محمد (وأظهرهما) نعم (ومنها) لو استرد المالك المال منه من الطريق أو في البلد التى سافر إليها لم يستحق نفقة الرجوع على أظهر الوجهين كما لو خالع زوجته في السفر (ومنها) يشترط عليه أن لا يسرف بل يأخذ بالمعروف وما يأخذ يحسب من الربح فان لم يكن ربح فهو خسران لحق المال (ومنها) أقام في طريقه فوق مدة المسافرين في بلد لم يأخذ لتلك المدة (ومنها) لو شرط نفقة السفر في ابتداء(12/54)
القراض فهو زيادة تأكيد إذا قلنا بالوجوب (أما) إذا لم نقل به فأظهر الوجهين أنه يفسد العقد كما لو شرط نفقة الحضر (والثانى) لا يفسد لانه من مصالح العقد من حيث أنه يدعوه إلى السفر وهو مظنة الربح غالبا وعلى هذا فهل يشترط تقديره فيه وجهان (وعن) رواية المزني في الجامع الكبير أنه لابد من شرط النفقة للعقد مقدرة لكن الاصحاب لم يثبتوها (وقوله) في الكتاب ونفقته على نفسه ونص في السفر أن له نفقته بالمعروف إلى آخره يقتضى ظاهره أخذ المنع في أحد القولين من أنه لانفقة في الحضر لا على سبيل التخريج لانه لم يخل عن النص سواء الوجوب وليس كذلك بل
القولان عند من اثبتهما منصوصان هذا في رواية المزني وهذا رواية البويطى * قال (الحكم الرابع * أختلف القول في أنه هل يملك الربح بمجرد (م ز) الظهور أم يقف على المقاسمة * فان قلنا يملك بمجرد الظهور فهو ملك غير مستقر بل هو وقاية لرأس المال عن الخسران * وإن وقع خسران انحصر في الربح * ولا يستقر إلا بالقسمة * وهل يستقر بالتنضيض والفسخ قبل القسمة فيه وجهان * وان قلنا لا يملك (ح) فله حق مؤكد حتى لو مات يورث عنه *(12/55)
ولو أتلف المالك المال غرم حصته * وكذا الأجنبي فان الاتلاف كالقسمة * ولو كان في المال جارية لم يجز للمالك وطؤها لحقه) * متى يملك العامل من الربح الحصة المشروطة له (أحد) قولى الشافعي أنه يملكها بالظهور كما يملك عامل المساقاة نصيبه من الثمار بالظهور ولان سبب الاستحقاق الشرط الصحيح فإذا حصل الربح فليثبت موجب الشرط ولانه سبيل من مطالبة المالك بأن يقتسما الربح ولولا أنه مالك لما كان كذلك (والثانى) لا يملك الا بالقسمة لانه لو ملك بالظهور لكان شريكا في المال ولو كان شريكا لكان النقصان الحديث بعد ذلك شائعا في المال فلما انحصر في الربح دل على عدم الملك (وايضا) فان الفراض معاملة جائزة والعمل فيها غير مضبوط فوجب أن لا يستحق العوض فيها الا بتمام العمل كما في الجعالة وأصح القولين (الاول) عند الشيخ أبى حامد وطائفة (والثانى) عند الاكثرين منهم المسعودي والقاضى الرويانى وصاحب التهذيب وقد ذكرنا ذلك في الزكاة وبينا أن أبا حنيفة قال بالاول والمزنى قال الثاني وهو مذهب مالك *(12/56)
(التفريع) إن قلنا انه يملك بالظهور فليس ذلك ملكا مستقرا بل لا يتسلط العامل عليه ولا يملك التصرف فيه لان الربح وقاية لرأس المال عن الخسران مادامت المعاملة باقية حتى لو اتفق خسران كان محسوبا من الربح دون رأس المال ما أمكن وكذلك نقول إذا طلب أحد المتعاقدين قسمة الربح قبل فسخ القراض لا يجبر الاخر عليه أما إذا طلب المالك فلان العامل يقول لا آمن
الخسران فنحتاج إلى رد ما اقتسمنا (واما) إذا طلب العامل فلان المالك يقول الربح وقاية مالى فلا أدفع اليك شيئا حتى تسلم لى رأس المال فإذا ارتفع القراض والمال ناض واقتسما حصل الاستقرار وهو نهاية الامر وكذلك لو كان قدر رأس المال ناضا وأخذه المالك واقتسما الباقي وهل يحصل الاستقرار بارتفاع العقد ونضوض المال من غير قسمة فيه وجهان (أحدهما) لا لان القسمة الباقية من(12/57)
تتمة عمل العامل (وأصحهما) الاستقرار لارتفاع العقد والوثوق بحصول رأس المال وان كان المال عروضا فينبني على خلاف سيأتي في أن العامل هل يجبر على البيع والتنضيض (إن قلنا) نعم فظاهر المذهب أنه لااستقرار لان العمل لم يتم (وإن قلنا لا) فوجهان كما لو كان المال ناضا ولو اقتسما الربح بالتراضى قبل فسخ العقد لم يحصل الاستقرار بل لو حصل خسران بعده كان على العامل جبره بما أخذ وبهذا يتبين أن قوله في الكتاب ولا يستقر إلا بالقسمة غير معمول بظاهره فيما يرجع إلى الاكتفاء بالقسمة (وإن قلنا) انه لا يملك إلا بالقسمة فله فيه حق مؤكد حتى يورث عنه إذا مات لانه وإن لم يثبت الملك له فقد ثبت له حق التملك ويقدم على الغرماء لتعلق حقه بالعين وله أن يمتنع عن العمل بعد ظهور الربح ويسعى في التنضيض ليأخذ منه حقه ولو أتلف المالك المال غرم حصة(12/58)
العامل وان كان الاتلاف بمثابة الاسترداد ولو استرد الكل غرم للعامل فكذلك إذا أتلف (وأما) قوله وكذا الأجنبي فان الاتلاف كالقسمة (واعلم) أن الأجنبي إذا أتلف مال القراض ضمن بدله وبقى القراض في بدله كما كان هذا ما ذكره الاصحاب في حكم المسألة وفي نظم الكتاب كلامين (أحدهما) أن الغرض في هذا المقام التفريع على أن العامل انما يملك حصته بالقسمة وعلى هذا القول يكون كل الربح قبل القسمة للمالك وحينئذ يستحسن الكلام في أنه لو أتلف المالك غرم حصة العامل لتعرف تأكيد حقه وان لم يكن مالكا لا يستحسن ذكر اتلاف الأجنبي لانه لا يمكن أن يقال يغرم حصة العامل إذ لا امتياز لها لبقاء القراض ولا اختصاص الغرم بها بل يغرم كل المال وأصل الغرم لا دلالة له على حق العامل (والثانى) ان قوله فان الاتلاف كالقسمة لا ينصرف إلى(12/59)
مسألة الأجنبي لان القراض إذا بقى في البدل لم يكن الاتلاف مفيدا للقسمة بل هو مصروف إلى ما قبلها وهو إتلاف المالك وإنما كان كالقسمة لانه أتلف ملكه وملك غيره أو حق غيره ولا يمكن تغريمه ملك نفسه ولا تعطيل حق الغير فيغرم حق الغير وذلك يتضمن مقصود القسمة وهو التمييز ولو كان في المال جارية لم يجز للمالك وطؤها إن كان في المال ربح لملك العامل أو حقه وإن لم يكن ربح فكذلك الجواب ووجهوه بأن انتفاء الربح في المتقومات غير معلوم وإنما يستقر الحال بالتنضيض واستبعد الامام التحريم إذا تيقين عدم الربح (قال) ويمكن تخريجه على أن العامل لو طلب بيعها وأباه المالك هل له ذلك فيه خلاف سيأتي فان اسغناه فقد أثبتنا له علقة فيها فيحرم الوطئ بها (وإذا قلنا) بالتحريم ووطئ فللشيخ أبى محمد تردد في أنه هل يكون ذلك فسخا للقراض والاظهر المنع(12/60)
ولا يلزم الحد وحكم المهر سنذكره ولو وطئها العامل فعليه الحد إن لم يكن ربح إن كان عالما وإلا فلا حد ويؤخذ منه جميع المهر ويجعل في مال القراض لانه ربما يقع خسران يحتاج إلى الجبر ولو استولدها لم تصر أم ولد (إن قلنا) انه لا يملك بالظهور (وإن قلنا) يملك ثبت الاستيلاد في نصيبه ويقوم عليه الباقي إن كان موسرا ولايجوز للمالك تزويج جارية القراض لان القراض لا يرتفع بالتزويج وانه ينقص قيمتها فتيضرر العامل به * قال (الحكم الخامس * الزيادة العينية كالثمرة والنتاج محسوب من الربح وهو مال القراض * وكذا بدل منافع الدواب ومهر وطئ الجوارى حتى لو وطئ السيد كان مستردا بمقدار العقر * وأما النقصان فما يحصل بانخفاض السوق أو طريان عيب ومرض فهو خسران يجب جبره بالربح *(12/61)
وما يقع باحتراق وسرقة وفوات عين فوجهان أصحهما أنه من الخسران كما أن زيادة العين من الربح * ولو سلم إليه ألفين فتلف أحدهما قبل أن يشترى به شيئا أو بعد أن يشترى كما لو اشار إلى عبدين مثلا ولكن قبل البيع فرأس المال ألف أو ألفان فيه وجهان وهو تردد في أنه هل يجعل ذلك من الخسران
وهو واقع قبل الخوض في التصرفات) * مقصود الفصل الكلام فيما يقع من مال القراض زيادة أو نقصان أما الزيادة فثمرة الشجرة المشتراة للتراض ونتاج البهيمة وكسب الرقيق وولد الجارية ومهرها إذا وطئت بالشبهة أطلق صاحب الكتاب والامام القول بأنها من مال القراض لانها من فوائده وكذا بدل منافع الدواب والاراضي وذلك قد يجب بتعدى المتعدى باستعماله وقد يجب باجارة تصدر من العامل فان له الاجارة إذا رأى(12/62)
فيها المصلحة وفصل في التتمة فقال إن كان في المال ربح وملكنا العامل حصته بالظهور فالجواب كذلك وإن لم يكن ربح أو لم نملكه فمن الاصحاب من عدها من مال القراض كالزيادات المتصلة وقال عامتهم يفوز بها المالك لانها ليست من فوائد التجارة ويشبه أن يكون هذا أولى فان جعلناها مال القراض قال ههنا وفي الوسيط يجبر من الربح وهو قضية ما في التهذيب وأورد بعض أصحاب الامام أنها لاتعد من الربح خاصة ولا من رأس المال بل هي شائعة (وقوله) في الكتاب وهو مال القراض بعد قوله محسوبة من الربح يستغني عنه (نعم) لو قدم وآخر فقال انها مال القراض وهى محسوبة من الربح كان حسنا وكذلك لفظ الوسيط وان وطئها المالك قال المصنف وغيره انه يكون مستردا مقدار العقر حتى يستقر نصيب العامل منه وفي التهذيب انه إن كان في المال ربح وملكناه بالظهور(12/63)
وجب نصيب العامل من الربح وإلا لم يجب شئ فليعلم كذلك (قوله) في الكتاب كان مستردا مقدار العقر بالواو واستيلاد المالك جارية القراض كاعتناقهما وإذا أوجبنا المهر بالوطئ الخالى عن الاحبال فالظاهر الجمع بينه وبين القيمة (وأما) النقصان فما يحصل بانخفاض السوق فهو خسران مجبور بالربح وكذا النقصان بالتعييب والمرض الحادث والنقصان العيني وهو تلف البعض ينظر إن حصل بعد التصرف في المال بيعا وشراء فالاكثرون ذكروا أن الاحتراق وغيره من الافات السماوية خسران مجبور بالربح أيضا وفي التلف بالسرقة والغصب وجهان والفرق أن في الضمان الواجب ما يجبره فلا حاجة إلى جبره بمال القراض وسوى المصنف وطائفة بين الهلاك بالافة السماوية وغيرها وحكوا الوجهين في
النوعين ووجه المنع أنه نقصان لاتعلق له بتصرف العامل وتجارته بخلاف النقصان الحاصل بانخفاض(12/64)
السوق وليس هو بناء شئ من نفس المال الذي اشتراه العامل بخلاف المرض والعيب فلا يجب على العامل جبره وكيفهما كان فالاصح أنه مجبور بالربح وإن حصل النقصان قبل التصرف فيه بيعا وشراء كما إذا دفع إليه الفى درهم قراضا فتلف الف قبل أن يتصرف فيه وجهان (أحدهما) أنه خسران أيضا مجبور بالربح الحاصل بعده لانه بقبض العامل صار مال القراض وعلى هذا فرأس المال الفان كما كان ويقال هذا هو منقول المزني عن الجامع الكبير (وأظهرهما) أنه يتلف من رأس المال ويكون رأس المال الالف الباقي لان العقد لم يتأكد بالعمل ولو اشترى بالفين عبدين أو ثوبين فتلف أحدهما (فان قلنا) لو تلف أحد الالفين قبل التصرف جبرناه بالربح فههنا أولى (وإن قلنا) يتلف(12/65)
من رأس المال فوجهان (أحدهما) أن الجواب كذلك لان العبدين بدل الالفين ولاعبرة بمجرد الشراء فانه تهيئة محل التصرف والركن الاعظم في التجارة إذ به يظهر الربح (وأظهرهما) أنه يتلف من الربح ويجب جبره لانه تصرف في رأس المال ولا يأخذ شيئا بالربح حتى يرد ما تصرف فيه إلى المالك هذا إذا تلف بعض المال (أما) إذا تلف كله بآفة سماوية قبل التصرف أو بعده ارتفع القراض وكذا لو أتلفه المالك كما تقدم ولو أتلفه أجنبي أخذ بدله وبقى القراض فيه على ما مر وكذا لو أتلف بعضه وأخذ بدله استمر القراض وما ذكرنا من الخلاف في أنه يجبر بالربح مفروض فيما إذا تعذر أخذ البدل من المتلف ولو أتلف العامل المال قال الامام يرتفع القراض لانه وإن وجب بدله(12/66)
عليه فانه لا يدخل في ملك المالك إلا بقبض منه وحينئذ يحتاج إلى استئناف القراض ولك أن تقول ذكروا وجهين في أن مال القراض إذا غصب أو تلف من الخصم فيه وجهان (أظهرهما) أن الخصم المالك إن لم يكن في المالك ربح وهما جميعا إن كان فيه ربح (والثانى) أن للعامل المخاصمة بكل حال حفظا للمال ويشبه أن يكون الجواب المذكور في اتلاف الأجنبي تفريعا على أن العامل خصم
وبتقدير أن يقال انه وإن لم يكن خصما لكن إذا خاصم المالك وأخذ عاد العامل إلى التصرف فيه بحكم القراض لزمه مثله إذا كان العامل هو المتلف وإن قتل عبد القراض قاتل وفى المال ربح لم ينفرد أحدهما بالقصاص بل الحق لهما وان تراضيا على العفو على مال أو على الاستيفاء جاز وان عفى(12/67)
أحدهما سقط القصاص ووجبت القيمة هكذا ذكروه وهو ظاهر على قولنا انه يملك الربح بالظهور وغير ظاهر على القول الاخر وان لم يكن فيه ربح فللمالك القصاص والعفو على غير مال وكذا لو كانت الجناية موجبة للمال فله العفو عنه ويرتفع القراض وان أخذ المال أو صالح عن القصاص على مال بقى القراض فيه (وقوله) في الكتاب كما أن زيادة العين من الربح ينبنى على ما ذكره في الزيادات أنها محسوبة من الربح وفيه من الخلاف ما مر (وقوله) وهو تردد في انه هل يجعل ذلك من الخسران إلى آخره هذا اللفظ يتناول الصورة الاولى وهى تلف أحد الالفين قبل أن يتشرى بهما شيئا (فأما)(12/68)
الصورة الثانية فالتوجيه فيها ما قدمناه أن الاعتبار بالبيع دون الشراء إذ ظهور الربح وصيرورة العرض نقدا يتعلق بالبيع * (فرع) مال القراض الف درهم واشترى بعينه ثوبا أو عبدا فتلف قبل التسليم بطل الشراء وارتفع القراض وان اشترى في الذمة قال في البويطى يرتفع القراض ويكون الشراء للعامل فمن الاصحاب من قال هذا إذا كان التلف قبل الشراء فان القراض والحالة هذه غير باق عند المشتري فينصرف الشراء إلى العامل (أما) إذا تلف بعد الشراء فالشراء للمالك فإذا تلف الالف المعد للثمن أبدله بألف آخر (وقال) ابن سريج يقع الشراء عن العامل سواء تلف الالف قبل الشراء أو بعده(12/69)
وعليه الثمن ويرتفع القراض لان اذنه ينصرف إلى التصرف في ذلك الالف تعلق التصرف بعينه أم لا (فان قلنا) بالاول فرأس المال الف أو الفان فيه وجهان يحكى الثاني منهما عن أبى حنيفة (فان قلنا) بالاول فهو الالف الاول أو الثاني فيه وجهان تظهر فائدتهما عند اختلاف الالفين في صفة الصحة
وغيرها (وعن) مالك أن المالك بالخيار بين أن يدفع الفا آخر ويكون هو رأس المال دون الاول وبين أن لا يدفع فيكون الشراء للعامل ويمكن أن يجعل هذا وجها للاصحاب تخريجا من وجه ذكرناه في باب مداينة العبيد مما إذا سلم إلى عبده الفا ليتجر فيها فاشترى في الذمة ليصرفه إلى الثمن فتلف(12/70)
أنه يتخير السيد بين أن يدفع إليه الفا آخر فيمضى العقد أولا يدفع فيفسخ البائع العقد إلا أن ههنا يمكن صرف العقد إلى المباشر إذا لم يخرج المعقود له ألفا آخر وهناك لا يمكن فيصار إلى الفسخ وهذا الفرع قد ذكرنا طرفا منه هناك للحاجة والله أعلم * (الباب الثالث في التفاسخ والتنازع) قال (والقراض جائز ينفسخ بفسخ أحدهما * وبالموت وبالجنون كالوكالة فان انفسخ والمال(12/71)
ناض لم يخف أمره * وان كان عروضا فعلى العامل بيعه ان كان فيه ربح ليظهر نصيبه * وان لم يكن ربح فهو جهان * مأخذ الوجوب أنه في عهدته أن يرد كما أخذ * فان لم يكن ربح ورضى المالك به وقال العامل أبيعه لم يكن له ذلك الا إذا وجد زبونا يستفيد به الربح * ومهما باع العامل قدر رأس المال وجعله نقدا فالباقي مشترك بينهما وليس عليه بيعه * وان رد إلى نقد ليس من جنس رأس المال لزمه الرد إلى جنسه)(12/72)
الباب يتضمن فصلين (أحدهما) في فسخ القراض وفروعه والقراض جائز كالوكالة والشركة بل هو عينهما فانه وكالة في الابتداء وقد تصير شركة في الانتهاء فلكل واحد من المتعاقدين فسخه والخروج منه متى شاء ولايحتاج فيه إلى حضور الاخر ورضاه (وعن) أبى حنيفة اعتبار الحضور كما ذكره في خيار الشرط وإذا مات أحدهما أو جن أو أغمى عليه انفسخ العقد ثم إذا فسخا أو أحدهما لم يكن للعامل أن يشترى بعده ثم ينظر إن كان المال دينا فعلى العامل التقاضى والاستيفاء خلافا لابي حنيفة حيث فرق بين أن يكون في المال ربح فيلزمه الاستيفاء أولا يكون فلا يلزمه (واحتج) الاصحاب
بان الدين ملك ناقص وقد أخذ منه ملكا كاملا فليرد كما أخذ وإن لم يكن دينا نظر ان كان نقدا(12/73)
من جنس رأس المالك ولا ربح أخذه المالك وان كان فيه ربح اقتسماه بحسب الشرط فان كان الحاصل في يده مكسرة ورأ س المالك صحاح نظر ان وجد من يبدلها بالصحاح وزنا بوزن أبدلها وإلا باعها بغير جنسها من النقد واشترى بها الصحاح ويجوز أن يبيعها بعرض ويشترى به الصحاح في أصح الوجهين (والثاني) لا يجوز لانه قد يتعوق عليه بيع العرض فان كان المال نقدا من غير جنس رأس الملك أو عرضا فله حالتان (إحداهما) أن يكون فيه ربح فعلى العامل بيعه إن طلبه المالك وله بيعه وإن أباه المالك وليس للعامل تأخير البيع إلى توسم رواج المتاع لان حق المالك يعجل خلافا لمالك ولو قال للمالك تركت حقى لك ولا تكلفني البيع هل عليه فيه الاجابة فيه وجهان(12/74)
(أقربهما) المنع ليرد المال كما أخذ فان في التنضيض مشقة ومؤنة * ثم اختلفوا في مأخذ الوجهين وكيفية خروجهما (فمن) بان لهما على الخلاف في أنه متى يملك الربح (إن قلنا) بالظهور لم يلزم المالك قبول ملكه ولم يسقط به طلب البيع (وإن قلنا) بالقسمة فيجاب لانه لم يبق له توقع فائدة فلا معنى لتكليفه تحمل مشقة (ومن) مفرع لهما أولا على أن حق العامل هل يسقط بالترك والاسقاط وهو مبنى على أن الربح متى يملك (إن قلنا) بالظهور لم يسقط كسائر المملوكات (وإن قلنا) بالقسمة سقط على أصح الوجهين فانه ملك أن تملك فكان له العفو والاسقاط كالشفعة (فان قلنا) لا يسقط حقه بالترك(12/75)
لم يسقط بتركه المطالبة بالبيع (وان قلنا) يسقط ففيه خلاف سنذكره في أنه هل يكلف البيع إذا لم يكن في المال ربح ولو قال المالك لاتبع ونقتسم العروض بتقويم عدلين أو قال أعطيك نصيبك من الربح ناضا ففى تمكن العامل من البيع وجهان بناهما قوم من الاصحاب على أن الربح متى يملك (إن قلنا) بالظهور فله البيع لانه قد يجد زبونا يشتريه بأكثر من قيمته (إن قلنا) بالقسمة فلا لوصوله إلى حقه بما يقوله المالك وقطع الشيخ أبو حامد وغيره بالوجه الثاني وقالوا إذا عرس المستعير
في أرض العارية كان للمعير ان يتملكه عليه بالقيمة لان الضرر يندفع عنه بأخذ القيمة فههنا أولى وحيث لزمه البيع قال الامام الذي قطع به المحققون إن ما يلزمه بيعه وتنضيضه قدر رأس المال (أما)(12/76)
الزائد عليه فحكمه حكم عرض آخر يشترك فيه اثنان لا يكلف واحد منهما بيعه ثم ما يبيعه بطلب المالك أو باذنه يبيعه بنقد البلد إن كان من جنس رأس المال وإن كان من غير جنسه باعه بما يرى المصلحة فيه من نقد البلد ورأس المال فان باعه بنقد البلد حصل به رأس المال (الثانية) إذا لم يكن في المال ربح هل للمالك تكليفه البيع فيه وجهان (أحدهما) لا لان غرض البيع أن يظهر الربح ليصل العامل إلى حقه منه فان لم يكن ربح وارتفع العقد لم يحسن تكليفه بيعا بلا فائدة (وأظهرهما) نعم وبه قال الشيخان أبى محمد وأبو علي والقاضى حسين لانه في عهده أن يرد المال كما أخذ وإلا لزم(12/77)
المالك في رده إلى ماكان كلفة ومؤنة وهل للعامل بيعها إذا رضى المالك با مساكها حكى الامام فيه وجهين (وجه) المنع انه كفاه شغلا بلا فائدة (ووجه) الاخر أنه قد يجد زبونا يشتريه بزيادة وهذا ما ذكره عامة الاصحاب وقالوا له أن يبيع إذا توقع ربحا بأن ظفر بسوق أو راغب (ورأى) الامام تفصيلا فيه وهو أنه ليس له البيع بما يساويه بعد الفسخ جزما وبيعه بأكثر مما يساويه عند الظفر بزبون محتمل لانه ليس ربحا في التحقيق وإنما هو رزق مساق إلى مالك العروض (وإذا قلنا) ليس للعامل البيع إذا أراد المالك امساك العروض واتفقا على أخذ المالك العروض ثم ظهر ربح بارتفاع السوق فهل للعامل نصيب فيه لحصوله بكسبه أم لا لظهوره بعد الفسخ فيه وجهان (أظهرهما) الثاني (وقوله) في(12/78)
الكتاب وإن رد إلى نقد لا من جنس رأس المالك لزمه الرد إلى جنسه غير خاف مما أدرجناه في أثناء الكلام ثم انه يشمل ما إذا كان عند الفسخ نقدا من غير جنس رأس المال وكان الرد إليه بعد الفسخ * (فرع) كما يرتفع القراض بقول المالك فسخته يرتفع بقوله للعامل لا تتصرف بعد هذا
وباسترجاع المال منه ولو باع المالك ما اشتراه العامل بالقراض فينعزل العامل كما لو باع الموكل ما وكل ببيعه ينعزل الوكيل أولا ينعزل ويكون ذلك اعانة له فيه وجهان (أشبههما) الثاني ولو حبس العامل ومنعه من التصرف أو قال لاقراض بيننا ففى انعزاله وجهان (أشهرهما) أنه لا ينعزل أيضا ذكرهما أبو العباس الرويانى في الجرجانيات *(12/79)
قال (ولو مات المالك فلوارثه مطالبة العامل بالتنضيض * وله أن يجدد العقد معه ان كان المال نقدا * وان كان في المال ربح أخذ بقدر حصته من ربحه عند القسمة * والباقى يتبع فيه موجب الشرط * وإن كان عرضا ففى جواز التقرير عليه وجهان * ووجه الجواز أنه قد ظهر رأس المال وجنسه من قبل فلم يوجد علة اشتراط النقدية ههنا * وان مات العامل لم يجز تقرير وارثه على العرض فانه ما اشتراه بنفسه فيكون كلا عليه * نعم ان كان نقدا فهل ينعقد القراض معه بلفظ التقرير فيه وجهان) *(12/80)
ذكرنا أن القراض ينفسخ بالموت وإذا مات المالك والمال ناض لاربح فيه أخذه الوارث وان كان فيه ربح اقتسماه وان كان عرضا فالمطالبة بالبيع والتنضيض كما في حالة حصول الفسخ في حياتهما وللعامل البيع ههنا حيث كان له البيع هناك ولا يحتاج إلى اذن الوارث اكتفاء باذن من تلقي الوارث الملك عنه بخلاف ما إذا مات العامل حيث لا يتمكن وارثه من البيع دون إذن المالك فانه لم يرض بتصرفه وفي التتمة وجه أن العامل أيضا لا يبيع إلا باذن وارث المالك والمشهور الاول ويجرى الخلاف في استيفائه الديون بغير إذن الوارث ولو أراد الاستمرار على العقد فان كان المال ناضا فلهما(12/81)
ذلك بأن يستأنفا عقدا بشرطه ولا بأس بوقوعه قبل القسمة لجواز القراض على المشاع وكذلك يجوز القراض مع الشريك بشرط أن لا يشاركه في اليد ويكون للعامل ربح نصيبه ويتضار بان في ربح نصيب الاخر وهل ينعقد بلفظ الترك والتقرير بأن يقول الوارث أو القائم بأمره تركتك أو أقررتك
على ماكنت عليه فيه وجهان (أحدهما) وبه قال الشيخ أبو محمد لا لان العقد السابق قد ارتفع وهذا ابتداء عقد فلابد من إذن صالح للابتداء والتقرير يشعر بالاستدامة (وأظهرهما) عند الامام نعم لفهم المعني وقد يستعمل التقرير لانشاء عقد على موجب العقد السابق وليكن الوجهان مفرعان على أن(12/82)
هذه العقود لا تنعقد بالكنايات فينبغي أن يجزم بالوجه الثاني وإن كان المال عروضا ففى جواز تقريره على القراض وجهان (عن) أبى اسحق انه جائز لانه استصحاب قراض فيظهر في جنس رأس المال (والاظهر) المنع لان القراض الاول قد ارتفع فلو وجد قراض آخر لكان قراضا مستأنفا وحينئذ يمتنع إيراده على العروض والاول ظاهر لفظه في المختصر لكن القائلين بالثاني حملوه على ما إذا كان المال ناضا أو استأنفا عقدا (والاشبه) أن يختص الوجهان بلفظ الترك والتقرير ولا يتسامح باستعمال الالفاظ(12/83)
التى تستعمل في الابتداء ثم حكي الامام فيما إذا فسخ القراض في الحياة طريقة طاردة للوجهين وأخرى قاطعة بالمنع وهو الاشهر وعليها يضعف وجه جواز التقرير بعد الموت وهذا إذا مات المالك وإن مات العامل واحتيج إلى البيع والتنضيض فان إذن المالك لوارث العامل فيه فذاك وإلا تولاه منصوب من جهة الحاكم ولايجوز تقرير وارثه على القراض إن كان عرضا ولا يخرج على الوجين المذكورين في موت المالك وفرقوا بينهما بوجهين (أحدهما) أن ركن القراض من جانب العامل عمله وقد فات بفواته ومن جانب المالك المال وهو باق بعينه انتقل إلى الوارث (والثانى) وهو(12/84)
المذكور في الكتاب أن العامل هو الذي اشترى العروض والظاهر أنه لا يشترى إلا ما يسهل عليه بيعه وترويجه وهذا المعنى لا يؤثر فيه موت المالك وإذا مات العامل فربما كانت العروض كلا على وارثه لانه لم يشترها ولم يخترها وإن كان المال ناضا فلهما الاستمرار بعقد منشأ وفي لفظ التقرير الوجهان السابقان وهما كالوجهين في أن الوصية بالزائد على الثلث إذا جعلناها ابتداء عطية هل تنقض بلفظ الاجازة ويجريان أيضا فيما إذا انفسخ البيع الجارى بينهما ثم أرادا إعادته فقال البائع قررتك على
موجب العقد الاول وقبل صاحبه وفي مثله من النكاح لا يعتبر ذلك وللامام احتمال فيه لجريان لفظ(12/85)
النكاح مع التفرير (وقوله) في الكتاب فان كان في المال ربح أخذ بقدر حصته من ربحه عند القسمة والباقى يتبع فيه موجب الشرط (مثاله) إذا كان رأس المال الموروث مائة وربح عليه مائتين وجدد الوارث العقد على النصف كما كان من غير أن يقتسما فرأس المال للوارث مائتان من الثلاثمائة والمائة الباقية للعامل فعند القسمة يأخذها بقسطها من الربح ويأخذ الوارث رأس المال مائتين ويقتسمان ما بقى (وقوله) ولم يوجد عليه اشتراط النقدية ههنا أي لا يعتبر في التقرير كونه نقدا بخلاف مافى الابتداء لما مر (وقوله) وهل ينعقد القراض معه بلفظ التقرير فيه وجهان أشار به إلى ان تجديد العقد(12/86)
جائز لا محالة كما إذا مات المالك والمال نقدا وإنما الخلاف في الصورتين في الانعقاد بلفظ التقرير (فأما) إذا كان المال عرضا في صورة موت المالك فالخلاف هناك في أصل التقرير فلذلك قال في جواز التقرير عليه وجهان * قال (ومهما كان استرد المالك طائفة من المال وكان إذ ذاك في المال ربح فهو شائع ويستقر ملك العامل على ما يخصه من ذلك القدر فلا يسقط بالنقصان * وإن كان فيه خسران لم يجب على العامل جبر ما يخص المسترد من الخسران) *(12/87)
استرداد المالك طائفة من المال ان كان قبل ظهور الربح وخسران رجع رأس المال إلى القدر الباقي وإن كان بعد ظهور الربح في المال فالمسترد شائع ربحا وخسرانا على النسبة الحاصلة بين جملتي الربح وبين رأس المال ويستقر ملك العامل على ما يخصه بحس الشرط مما هو ربح فيه فلا يسقط بالنقصان الحادث وإن كان الاسترداد بعد ظهور الخسران ان كان الخسران موزعا على المسترد والباقى فلا يلزم جبر حصة المسترد من الخسران كما أنه لو رد الكل بعد الخسران لم يلزمه شئ ويصير رأس المال الباقي بعد المسترد وحصته من الخسران (مثال) الاسترداد بعد الربح رأس المال مائة ربح عليها عشرين
ثم استرد المالك عشرين والربح سدس المال يكون المأخوذ سدسه ربحا وهو ثلاثة دراهم وثلث(12/88)
ويستقر ملك العامل على نصفه ان كان الشرط المناصفة وهو درهم وثلثا درهم حتى لو انخفضت السوق وعاد مافى يده إلى ثمانين لم يكن للمالك أن يأخذ الكل ويقول كان رأس المال مائة وقد أخذت عشرين أضمن إليها ثمانين لتتم لى المائة بل يأخذ العامل من الثمانين درهما وثلثي درهم ويرد الباقي وهو ثمانية وسبعون درهما وثلث درهم (ومثال) الاسترداد بعد الخسران رأس المال مائة وخسر عشرين ثم استرد العشرين فالخسران يوزع على المسترد والباقى يكون حصة المسترد خمسة لا يلزمه جبرها حتى لو ربح بعد ذلك فبلغ المال ثمانين لم يكن للمالك أخذ الكل بل يكون رأس المال خمسة وسبعين والخمسة الزائدة تقسم بينهما نصفين فيجعل للمالك من الثمانين سبعة وسبعين ونصف درهم *(12/89)
قال (وان قال العامل تلف المال أو رددت (و) أو ما ربحت أو خسرت بعد الربح أو هذا العبد اشتريته للقراض أو لنفسي أو ما نهيتني عن شرائه وخالفه المالك فالقول قول العامل * وان اختلفا في قدر ما شرط له من الربح فيتحالفان ويرجع إلى أجر المثل * وان اختلفا في قدر رأس المال فالقول قول العامل إذ الاصل عدم القبض) * الفصل الثاني من الباب في التنازع وفيه وجوه (منها) أن يدعى العامل تلف المال في يده فهو مصدق بيمينه كالمودع نعم إذا ذكر سبب التلف ففيه تفصيل نؤخره إلى كتاب الوديعة إن شاء الله تعالى لان صاحب الكتاب أورد طرفا منه هناك (ومنها) إذا اختلف في رد المال ففيه وجهان ذكرناهما في باب الرهن (وأظهرهما) ما أجاب به في الكتاب وهو تصديق العامل واعلم قوله(12/90)
أو رددت بالواو إشارة إلى ذلك الخلاف (ومنها) إذا قال العامل ما ربحت أو قال لم أربح إلا الفا وقال المالك بل الفين صدق العامل بيمينه ولو قال ربحت كذا ثم غلطت في الحساب إنما الربح كذا أو تبينت أن لا ربح أو قال كذبت فيما قلت خوفا من انتزاع المال من يدى لم يقبل رجوعه
لانه أقر بحق لغيره فاشبه سائر الاقارير (وعن) مالك إن كان بين يديه موسم يتوقع فيه ربح يقبل قوله كذبت ليترك المال في يدى لاربح في الموسم ولو قال خسرت بعد الربح الذي أخبرت عنه قبل قال في التتمة وذلك عند الاحتمال بأن عرض للاسواق كساد فان لم يحتمل لم يقبل ولو ادعى الخسارة عند الاحتمال أو التلف بعد قوله كنت كاذبا فيما قلت ورددنا قوله قبل أيضا ولانبطل أمانته بذلك(12/91)
القول السابق هكذا قال الاصحاب ونسبه القاضى الرويانى في التجربة إلى نصفه (ومنها) قال العامل اشتريت هذا العبد للقراض وقال المالك بل لنفسك وانما يقع هذا الاختلاف عند ظهور خسران فيه غالبا أو قال العامل اشتريته لنفسي وقال المالك بل للقراض فالقول قول العامل لانه أعرف بقصده ونيته ولانه في يده وإذا ادعي أنه ملكه صدق وعن ابن سريج أن في الصورة الاولى قولا آخر أن القول قول المالك لان الاصل عدم وقوعه للقراض كمأخذ القولين فيما إذا قال الوكيل بعت ما أمرتني ببيعه أو اشتريت ما أمرتني بشرائه فقال الموكل لم تفعل والظاهر الاول قال في المهذب فلو أقام المالك بينة أنه اشتراه بمال القراض يعنى في الصورة الثانية ففى الحكم بها وجهان (وجه) المنع أنه يشترى لنفسه بمال القراض متعديا فيبطل البيع ولايكون للقراض (ومنها) قال المالك كنت نهيتك عن شراء(12/92)
هذا العبد فقال العامل لم تنهنى فالقول قول العامل لان الاصل عدم النهى لانه لو كان كما يزعمه المالك لكان خائنا والاصل عدم الخيانة (ومنها) قال العامل شرطت لى نصف الربح وقال المالك بل ثلثه فيتحالفان لانهما اختلفا في عوض النقد فأشبه اختلاف المتبايعين وإذا تحالفا فسخ العقد واختص الربح والخسران بالمالك وللعامل أجرة مثل عمله وفيه وجه أنها إن كانت أكثر من نصف الربح فليس له إلا قدر النصف لانه لا يدعي أكثر منه (ومنها) لو اختلفا في قدر رأس المال فقال المالك دفعت اليك الفين وقال العامل بل الفان فالقول قول العامل إن لم يكن في المال ربح لان الاصل عدم دفع(12/93)
الزيادة وإن كان في المال ربح فكذلك على الاصح وفيه وجه أنهما يتحالفان لان قدر الربح يتفاوت
به فأشبه الاختلاف في القدر المشروط من الربح ومن قال بالاولى قال الاختلاف في القدر المشروط من الربح اختلاف في كيفية العقد والاختلاف ههنا اختلاف في القبض فيصدق فيه الثاني كما لو اختلف المتبايعان في قبض الثمن فان المصدق البائع ولو قارض رجلين على مال بشرط أن يكون نصف الربح له والباقى بينهما بالسوية فربحا ثم قال المالك دفعت اليكما الفين وصدقه أحدهما وقال الاخر بل الفا لزم المقر ما أقر به وحلف المنكر وقضى له بموجب قوله فلو كان الاصل الفين أخذ المنكر ربع الالف الزائد على ما أقر به والباقى يأخذه المالك ولو كان الحاصل ثلاثة آلاف فزعم المنكر أن الربح منها الفان وأنه يستحق منهما خمسمائة فلتسلم إليه ويأخذ المالك من الباقي الفين من رأس المال لاتفاق المالك والمقر عليه يبقي خمسمائة يتقاسمانهما اثلاثا لاتفاقهم على ما يأخذه المالك مثلا ما يأخذه كل واحد من العاملين وما أخذه المنكر كالتالف منهما ولو قال المالك كان رأس المال دنانير وقال العامل(12/94)
بل دراهم فالمصدق العامل أيضا ولو اختلفا في أصل القراض فقال المالك دفعت المال اليك لتشترى لى وكالة وقال من في يده بل قارضتى فالمصدق المالك فإذا حلف أخذ المال وربحه ولا شئ عليه للاخر وهذه فروع مبددة نختم بها الباب ليس للعامل التصرف في الخمر شراء وبيعا خلافا لابي حنيفة فيما إذا كان العامل ذميا فلو خالف واشترى خمرا أو خنزيرا أو أم ولد ودفع المال في ثمنه عن علم فهو ضامن وإن كان جاهلا فكذلك على الاشهر لان حكم الضمان لا يختلف بالعلم والجهل وقال القفال يضمن في الخمر دون أم الولد وليس لها أمارة تعرف به وفي التهذيب وجه غريب أنه لا يضمن فيها وأبعد منه وجه نقله في الشامل أنه لا يضمن في حالة العلم أيضا لانه قصد الفضل بحسب رأيه ولو قارضه على أن ينقل المل إلى موضع ويشترى من أمتعته ثم يبيعها هناك أو يردها إلى موضع القراض(12/95)
قال الامام ذهب الاكثرون إلى فساد القراض لان نقل المال من قطر إلى قطر عمل زائد على التجارة فأشبه شرط الصحن والخبز ويخالف ما إذا أذن له في السفر فان الغرض منه رفع الحرج وعن الاستاذ أبى اسحق وطائفة من المحققين ان شرط المسافرة لا يضر فانها الركن الاعظم في الاموال والبضائع
الخطيرة ولو قال خذ هذه الدراهم قراض وصارف بها مع الصيارفة ففي صحة مصارفته مع غيرهم وجهان (وجه) الصحة أن المقصود من مثله أن يكون تصرفه صرفا لا مع قوم بأعيانهم ولو خلط العامل مال القراض بماله صار ضامنا وكذا لو قارضه رجلان هذا على مال وهذا على مال فخلط أحدهما بالاخر وكذا لو قارضه واحد على مالين بعقدين فخلط خلافا لابي حنيفة في الصورة الاخيرة ولو جرى ذلك باذن(12/96)
المالك بأن دفع إليه ألفا قراضا ثم دفع إليه الفا آخر وقال ضمنه إلى الاول فان لم يتصرف بعد في الاول جاز وكأنه دفعهما إليه دفعة واحدة وان تصرف في الاول لم يجز القراض في الثاني ولا الخلط لان حكم الاول قد استقر بالتصرف ربحا وخسرانا وربح كل مال وخسرانه انه يختص به ولو دفع إليه ألفا قراض وقال ضمن إليها ألفا من عندك على أن يكون ثلث ربحها لك وثلثاه لى أو بالعكس كان قراضا فاسدا لما فيه من شرط التفاوت في الربح مع التشريك في المال ولا نظر إلى العمل بعد حصول الشركة في المال ولو دفع إليه زيد ألفا قراضا وعمرو كذلك فاشترى لكل واحد منهما بألف عبدا ثم اشتبها عليه ففيه قولان عن رواية حرملة (أحدهما) أن شراء العبدين ينقلب إليه ويغرم لهما لتفريطه حيث لم يفردهما حتى(12/97)
تولد الاشتباه ثم المغروم عند الاكثرين الالفان وقال بعضهم يغرم قيمة العبدين وقد يزيد على الالفين (والقول الثاني) أنه يباع العبدان ويقسم الثمن بينهما وان حصل ربح فهو بينهم على حسب الشرط فان اتفق خسران قالوا يلزمه الضمان لتقصيره فاستدرك المتأخرون فقالوا إن كان الخسران لانخفاض السوق لا يضمن لان غايته أن يجعل كالغاصب والغاصب لا يضمن نقصان السوق قال إمام الحرمين والقياس مذهب ثالث وراء القولين وهو أن يبقى العبدان لهما على الاشكال إلى أن يصطلحا *(12/98)
(كتاب المساقاة)
(وفيه بابان) (الباب الاول في أركانها) قال (وهى أربعة (الاولى متعلق العقد) وهو الاشجار إذ عليها يستعمل العامل بجزء من الثمار
كما يستعمل عامل القراض إلا أن المساقاة لازمة مؤقتة يستحق (و) الثمار فيها بمجرد الظهور بخلاف القراض * وأصلها ماروى أنه صلى الله عليه وسلم " ساقى أهل خيبر على النصف من الثمر والزرع ") * صورة المساقاة أن يعامل انسانا على نخله ليتعهدها بالسقي والتربية على أن ما رزق الله تعالى(12/99)
من ثمره تكون بينهما ولفظ المساقاة مأخوذ من السقى لان أنفع الاعمال وأكثرها مؤنة أو تعبا السقى خاصة بالحجاز لان أهلها يسقون من الابار والمعتمد في جوازها أن ابن عمر رضى الله عنه روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " عامل أهل خيبر على شطر مايخرج منها من ثمر أو زرع " ومن جهة المعنى أن مالك(12/100)
الاشجار قد لا يحسن تعهدها ولا يتفرع له ومن يحسن ويتفرغ قد لا يملك الاشجار فيحتاج ذلك إلى الاستعمال وهذا إلى العمل ولو تعاقدا عقد الاجارة للزم المالك غرم الاجرة في الحال وربما لا يحصل له من الاشجار شئ ويتهاون العامل فلم يبذل المجهود في تعهدها لانه لا يتحصل من فوائدها على شئ فدعت الحاجة إلى تجويز هذا العقد وبه قال مالك وأحمد وخالف فيه أبو حنيفة وقد يقيس الاصحاب المساقاة على القراض في الحجاج معه ومسائل الكتاب مذكورة في بابين (أحدهما) في أركان العقد (والثانى) في أحكامه كما ذكر في القراض (وأما) التفاسخ والتنازع فلم يفرد لهما بابا لان حظهما من هذا العقد أما التفاسخ فلانه لازم وسبيل الفسخ(12/101)
فيه سبيل الاقالات (وأما) التنازع فلانه معلوم مما ذكره في القراض وقد أشار إليه إشارة خفية في آخر الكتاب * (الباب الاول في الاركان) وهى كأركان القراض إلا أنه ذكر العاقدين اكتفاء بما مر في القراض فبقيت أربعة (إحدهما) الاشجار وهى كرأس المال في القراض لانها محل العمل والتصرف كالمال هناك (وقوله) متعلق العقد يمكن أن يطابق فيه فيقال العقد كما يتعلق بالاشجار يتعلق بالثمار ولذلك عد الثمار ركنا للعقد وليس للترجمة اختصاص بالاشجار نعم لو قال متعلق العمل كان قريبا (وقوله) إلا أن المساقاة لازمة
إلى آخره لا يخفي على الناظر أن لفظ الكتاب استثناء محققا ثم الغرض منه بيان أن العقدين يشتركان(12/102)
في الاكثر ويفترقان في الاقل وذكر في افتراقهما مسائل (إحدهما) المساقاة ليس لاحد المتعاقدين فسخها بخلاف القراض لان العمل في المساقاة يقع في أعيان تبقى بحالها وفي القراض لاتبق الاعيان بعد العمل والتصرف فكان القراض شبيها بالوكالة والمساقاة بالاجارة وأيضا فانا لو حكمنا بالجواز فربما يفسخ المالك بعد العمل وقبل ظهور الثمار وحينئذ فاما أن نقطع حق العامل عنها أو لانقطع إن قطعناه ضاع شقاء العامل مع بقاء تأثيره في الثمار وانه ضرر وان لم نقطعه لم ينتفع المالك بالفسخ بل يتضرر لحاجته إلى القيام ببقية الاعمال ويخالف القراض فان الربح ليس له وقت معلوم ولا تأثيره بالاعمال السابقة فلا يلزم من فسخه ما ذكرناه (الثانية) المساقاة لابد من تأقيتها كالاجارة وسائر(12/103)
العقود اللازمة وهذا لانها لو تأبدت لتصور من ليس بمالك بصور المالكين وفيه إضرار بالمالكين وأيضا فان المساقاة تفتقر إلى مدة يقع فيها التعهد وخروج الثمار ولحصول الثمار غاية معلومة يسهل ضبطها والقراض يخل به التأقيت لان الربح ليس له وقت معلوم فربما لا يحصل في المدة المقدرة (الثالثة) هل يملك العامل نصيبه من الثمار بالظهور فيه طريقان (إحداهما) انه على القولين في ربح مال القراض (وأظهرهما) القطع بانه يملك والفرق أن الربح وقاية لرأس المال عن الخسران فلا يملك الربح حتى يسلم رأس المال عن الخسران المحوج إلى الجبران والثمر ليست وقاية للاشجار * قال (وللاشجار ثلاث شرائط (الاول) أن يكون نخيلا أو كرما * وفيما عداهما من الاشجار(12/104)
المثمرة قولان * وكل ما يثبت أصله في الارض فشجر إلا البقل (و) فانه يلتحق بالزرع والبطيخ والباذنجان وقصب السكر وأمثاله) * المساقاة على النخل وردت بها السنة والكرم في معناها (وأما) غيرها من النبات فينقسم إلى ماله ساق والى غيره (القسم الاول) ماله ساق وهو على ضريين الاول ماله ثمر كالتين والجوز
واللوز والمشمش والتفاح ونحوها وفيها قولان القديم وبه قال مالك وأحمد أنه تجوز المساقاة عليها للحاجة كالنخل والكرم وأيضا فقد روى أنه صلى الله عليه وسلم " عامل أهل خيبر بالشطر مما يخرج من النخل والشجر " والجديد المنع لانها أشجار لا زكاة في ثمارها فأشبهت الاشجار الواقعة في الضرب(12/105)
الثاني وتخالف النخيل والكرم لان ثمارها لاتكاد تحصل الا بالعمل وسائر الاشجار يثمر من غير تعهد وعمل عليها ولان الزكاة تجب في ثمرتها فجوزت المساقاة سعيا في تثميرها ليرتفق بها المالك والعامل والمساكين جميعا ولان الخرص يتأتى في ثمرتها لظهورها وتدلى عنا قيدها وثمار سائر الاشجار تنتشر وتستتر بالاوراق فإذا تعذر الخرص تعذر تضمين الثمار للعامل وربما لا يثق المالك بأمانته فاذن تجويز المساقاة عليها أهم وفي الشجر المقل وجهان تفريعا على الجديد (عن) ابن سريج تجويز المساقاة عليها تخريجا لظهور ثمرتها (وقال) غيره بالمنع لانه لا زكاة فيها (والضرب الثاني) مالا ثمرة له كالدلب والصنوبر وما أشبههما فلا تجوز المساقاة عليها وعن الشيخ أبى على وآخرين انا إذا جوزنا المساقاة(12/106)
على غير النخل والكرم من الاشجار المثمرة ففى المساقاة على شجر الفرصاد وجهان تنزيلا لاوراقها منزلة ثمار الاشجار المثمرة وكذلك في شجر الخلاف لاغصانها التى تقصد كل سنة أو سنتين (والقسم الثاني) مالا ساق لها من النبات فلا تجوز المساقاة عليه ومنه البطيخ والقثاء وقصب السكر والباذنجان والبقول التى لا تثبت في الارض ولا تجز إلا مرة (وأما) ما يثبت في الارض ويجز مرة بعد أخرى نقل صاحب التتمة فيه وجهين (الاصح) المشهور المنع لان المساقاة جوزت رخصة على خلاف القياس فلا تتعدى إلى غير موردها ومن هذا القبيل الزروع على تنوعها فلا يجوز أن يعامل على الارض ببعض مايخرج من زرعها على ما سنشرحه في الفصل الذي يلى هذا الفصل (وقوله) في الكتاب(12/107)
وفيما عداه من الاشجار المثمرة قولان فيه لفظان الشجرة والاثمار أما الاثمار ففي التقييد به بيان انه إذا لم يكن الشجر مثمرا لم تجز المساقاة عليه جزما وليس ذلك محل القولين (وأما) الشجر فقد بينه
بقوله وكل ما ثبت أصله فشجر أي هو الذي يجرى فيه القولان (أما) مالا ثبات له فلا يقع عليه اسم الشجر وليس ذلك موضع القولين (وقوله) إلا البقل يعني أنه مع ثبوت عروقه في الارض لا يقع عليه اسم الشجر ولا يجرى فيه القولان فكان اسم الشجر مخصوصا بذي الساق في عرف اللسان قال الله تعالى (والنجم والشجر يسجدان) قيل في التفسير النجم مالا ساق له من النبات والشجر ماله ساق فلا يبعد اعلام قوله إلا البقل بالواو للوجه المروى في التتمة *(12/108)
قال (ولا يجوز (و) هذه المعاملة عليه لنهيه عليه الصلاة والسلام عن المخابرة وهى أن يكون البذر من العامل * وعن المزارعة وهى (و) أن يكون البذر من المالك * نعم يجوز ذلك على الاراضي المتخللة بين النخيل والكرم تبعا للمساقاة بشرط اتحاد العامل وعسر افراز الاراضي بالعمل * فلو وقعت متغايرة بتعدد الصفقة أو بتفاوت الجزء المشروط من الزرع والثمر أو بكثرة الاراضي وان عسر افرازها بالعمل أو بكون البذر من العامل ففى بقاء حكم التبعية في الصحة خلاف) * المخابرة من الخبير وهو الاكار ويقال هي مشتقة من الخبار وهى الارض الرخوة ثم ذهب بعض الاصحاب إلى أن المخابرة المزارعة عبارتان عن معبر واحد ويوافقه قوله في الصحاح والخبير(12/109)
الاكار ولفظ المخابرة وهى المزارعة ببعض مايخرج من الارض والصحيح وهو ظاهر نص الشافعي رضى الله عنه انهما عقدان مختلفان فالمخابرة هي المعاملة على الارض ببعض مايخرج منها والبذر من العامل والمزارعة هي هذه المعاملة والبذر من مالك الارض وقد يقال المخابرة اكثراء الارض ببعض مايخرج منها والمزارعة اكتراء العامل ليزرع الارض ببعض مايخرج منها وهذا المعنى لا يختلف ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب وهو أن يكون البذر على العامل وكذا وهى أن يكون البذر من المالك بالواو إشارة إلى قول من قال هما عبارتان عن معبر واحد فان عند ذلك القائل ليس واحدا من هذين الخصومين بداخل في واحد من اللفظين بل هما عبارتان عن مجرد المعاملة على الارض(12/110)
ببعض مايخرج منها وقد اشتهر في الاخبار النهى عن المخابرة " قال ابن عمر كنا نخابر ولا نرى بذلك بأسا حتى أخبرنا رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه فتركناها لقول رافع " وعن جابر وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهي عن المخابرة " وأما المزارعة فعن رواية ثابت بن الضحاك أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن المزارعة " وقال كثيرون لم يرد فيها نهى لكنها شبهت بالمخابرة فأبطلت وساعدنا على ابطال المخابرة والمزارعة معا مالك وأبو حنيفة وأبطل أحمد المخابرة وكذلك المزارعة فيجوز أن يعلم لذلك قوله في الكتاب فلا تجوز هذه المعاملة عليه كذلك بالواو لان ابن سريج فيما حكاه المسعودي جوز المزارعة إذا تقرر ذلك فمهما أفردت الارض مخابرة(12/111)
أو مزارعة فالعقد باطل ثم ان كان البذر للمالك فالريع له وللعامل أجرة مثل عمله وأجرة مثل الالات والثيران إن كانت له وان كان للعامل فالريع له ولمالك الارض أجرة مثل الارض على العامل وان كان البذر بينهما فالريع بينهما ولكل واحد منهما على الاخر أجرة ما انصرف من المنافع المستحقة له إلى جهة المزارعة وإذا أراد أن يكون الزرع بينهما على وجه مشروع من غير أن يرجع أحدهما على الاخر شئ نظر ان كان البذر بينهما والارض لاحدهما والعامل والالات للثاني فعن الشافعي رضى الله عنه أن صاحب الارض يعير نصف أرضه من العامل ويتبرع العامل بمنفعة بدنه ومنفعة آلاته فيما يتعلق بصاحب الارض وقال المزني يكرى صاحب الارض نصف أرضه من العامل بعشرة مثلا ويكرى(12/112)
العامل ليعمل على نصيبه بنفسه وآلاته بعشرة ويتقاصان قال الاصحاب يكريه نصف أرضه بنصف منافع العامل ومنافع آلاته المصروفة إلى الزراعة فهذه ثلاث طرق (والثالث) أحوطها وان كان البذر لاحدهما خاصة فان كان لصاحب الارض أقرض نصف البذر من العامل واكترى منه نصف الارض بنصف عمله ونصف منافع الالات وحينئذ لا شئ لاحدهما على الاخر إلا رد القرض وان شاء استأجر العامل بنصف البذر ونصف منفعة تلك الارض ليزرع له النصف الاخر وأعار منه نصف الارض وإن شاء استأجر بنصف البذر بنفقة تلك الارض ليزرع ما يبقى من ذلك البذر في تلك الارض وان
كان البذر للعامل فان شاء أقرض نصف البذر من صاحب الارض واكترى منه نصف الارض بنصف عمله ومنافع الالا ت وان شاء اكترى نصف الارض بنصف البذر ويتبرع بعمله ومنافع الالات وان شاء اكترى منه نصف الارض بنصف البذر ونصف عمله ونصف منافع الالات ولابد في هذه(12/113)
الاجارات من رعاية الشرائط كرؤية الارض والالات وتقدير المدة وغيرها هذا إذا أفردت الارض بالعقد أما إذا كان بين النخيل بياض تجوز المزارعة عليه مع المساقاة على النخيل وعلى ذلك يحمل ماروى أنه صلى الله عليه وسلم " ساقى أهل خيبر على نصف التمر والزرع " وسببه الحاجة لعسر الافراد ومداخلة البستان وشرط فيه اتحاد العامل فلا يجوز أن يساقى واحد ويزرع آخر لان غرض الاستقلال لا يحصل ويشترط أيضا تعذر افراد النخيل بالسقى وأفراد البياض بالعمل لانتفاع النخيل بسقيه وتغليته فان أمكن الافراد لم تجز المزارعة على البياض واختلفوا في اعتبار أمور أخر (أحدها) اتحاد الصفقة واعلم أن لفظ المعاملة يشمل المساقاة والمزارعة فلو قال عاملتك على هذه النخيل والبياض بينهما بالنصف كفى (وأما) لفظ المساقاة والمزارعة فلا يغنى أحدهما عن الاخر بل يساقى على النخيل ويزارع على البياض وحينئذ فان قدم المساقاة نظر ان أتى بها على الاتصال فقد اتحدت الصفقة وتحقق الشرط وان فصل بينهما(12/114)
ففى وجه تصرح المزارعة لحصولهما لشخص واحد والاصح المنع لانها تبع ولايجوز افرادها كما لو زارع مع غير عامل زارع المساقاة وان قدم المزارعة فسدت فان البائع لايتقدم على المتبوع كما لو باع بشرط الرهن لا يجوز تقديم شرط الرهن على البيع وفيه وجه أنها تنعقد موقوفة أن ساقاه بعدها على النخيل بأن صحتها وإلا فلا (والثانى) لو شرط للعامل من الثمر النصف ومن الزرع الربع فأحد الوجهين أنه لا يجوز ويشترط تساوى المشروط لان الفضيل يبطل التبعية ألا ترى أنه لو باع شجرة عليها ثمرة لم يبد فيها الصلاح وقال بعتك الشجرة بعشرة والثمرة بدينار لم يجز إلا بشرط القطع (وأصحهما) الجواز لان المزارعة وان جوزت تبعا للمساقاة فكل منهما عقد برأسه (والثالث) لو كثر البياض المتخلل فوجهان وان عسر الافراد (أحدهما) المنع لان الاكثر لايتبع الاقل
(وأصحهما) الجواز لان الحاجة لا تختلف ثم النظر في الكثرة إلى زيادة الثمار والانتفاع أو إلى ساحة(12/115)
البياض وساحة مغارس الاشجار فيه تردد للائمة (والرابع) لو شرط كون البذر من العامل جاز في أحد الوجهين وكانت المخابرة تبعا للمساقاة كالمزارعة ولم تجز في أصحهما لان الخبر ورد في المزارعة وهى أشبه بالمساقاة لانه لا يتوظف فيهما على العامل إلا العمل وشرط أن يكون البذر من المالك والثور من العامل أو بالعكس فيه وجهان عن أبى عاصم العبادي (والاصح) الجواز إذا كان البذر مشروطا على المالك لانه الاصل فكأنه اكترى العامل وثوره (قال) وان حكمنا بالجواز فيما إذا شرط الثور على المالك والبذر على العامل فينظر ان شرط الحب والتبن بينهما جاز وكذا لو شرط الحب بينهما والتبن لاحدهما لاشتراكهما في المقصود وان شرط التبن لصاحب الثور المالك والحب للاخر لم يجز لان المالك هو الاصل فلا يحرم المقصود وإن شرط التبن لصاحب البذر وهو العامل (فوجهان) وقيل لا يجوز شرط الحب لاحدهما والتبن للاخر أصلا لانه شركة مع الانقسام(12/116)
فأشبه ما إذا ساقاه على الكروم والاشجار وشرط ثمار الكروم لاحدهما وثمار الاشجار للاخر (واعلم) أنهم أطلقوا القول في المخابرة بوجوب أجرة المثل للارض لكن في فتاوى القفال والتهذيب وغيرهما أنه لو دفع أرضا إلى رجل ليغرس أو يبنى أو يزرع فيه من عنده على أن تكون بينهما على النصف فالحاصل للعامل وفيما يلزمه من أجرة الارض وجهان (أحدهما) أن الواجب نصف الاجرة لان نصف الغراس كأن يغرسه لرب الارض باذنه فكأنه رضى ببطلان نصف منفعته من الارض (وأصحهما) وجوب الجميع لانه لم يرض ببطلان نصف المنفعة إلا إذا حصل له نصف الغراس فاذالم يحصل وانصرف كل المنفعة للعامل استحق كل الاجرة فاذن ما أطلقوه في المخابرة اقتصار منهم على الاصح ثم العامل يكلف نقل البناء والغراس إن لم تنقص قيمتها وان نقصت لم يقلع مجانا للاذن ويتخير مالك الارض فيهما تخير المعير والزرع يبقى إلى الحصاد ولو زرع(12/117)
العامل البياض بين النخيل من غير عقد قلع زرعه مجانا وعن مالك رضى الله عنه أنه ان كان دون ثلث البستان كان تابعا وإذا لم نجوز المساقاة على ما سوى النخيل والكروم من الاشجار المثمرة على الانفراد ففى جوازها تبعا للمساقاة كالمزارعة وجهان * قال (الثاني أن لا تكون الثمار بارزة * وان ساقى بعد البروز (م) فسد على القديم وصح على الجديد لانه عن الغرر أبعد إذ العوض موثوق به) * لو أخر هذا الشرط إلى الركن الثاني لكان جائزا أو أحسن وفقهه أن في جواز المساقاة بعد خروج الثمار قولين رواية البويطى المنع لان الثمرة إذا ظهرت وملكا رب البستان كأن شرط شئ منها كشرط شئ من النخيل وأيضا مقصود المساقاة أن تخرج الثمار بعمله وفي الام أنه جائز وبه قال مالك وأحمد وهو الاصح لان العقد والحالة هذه أبعد عن الغرر والوثوق بالثمار فهو أولى بالجواز(12/118)
وفي موضع القولين ثلاثة طرق جمعها من شرح مختصر الجوينى (أظهرها) أن القولين فيما إذا لم يبد الصلاح فيها فأما بعده فلا تجوز بلا خلاف لان تجويز المساقاة لتربية الثمار وتنميتها وهى بعد الصلاح لا تتأثر بالاعمال (والثانى) إجراء القولين فيما إذا بدا الصلاح وفيما إذا لم يبد ما لم يتناه نضجها فان تناه ولم يبق إلا الجذاذ لم يجز بلا خلاف (والثالث) إجراء القولين في جميع الاحوال وهذه قضية إطلاق المصنف فأما إذا كان بين النخيل بياض تجوز المزارعة عليه تبعا فلو كان فيه زرع موجود ففى جواز المزارعة وجهان بناء على هذين القولين ويجوز اعلام قوله في الكتاب فسد بالميم والالف لما(12/119)
ذكرناه من مذهبهما وتعبيره عن القولين بالقديم والجديد شئ اتبع فيه الامام ولم يتعرض الجمهور لذلك ولا يمكن تنزيل القديم على رواية البويطى فان كتابه معدود من الجديد (وقوله) إذ العوض موثوق به أي عوض العمل وهو الثمار * قال (الثالث أن تكون الاشجار مرئية وإلا فهو باطل للغرر * وقيل انه على قولى بيع الغائب) * هل يشترط في المساقاة رؤية الحديقة والاشجار فيه طريقان (أحدهما) أنه على قولى بيع الغائب
(وثانيهما) القطع بالاشتراط وابطال العقد عند عدم الرؤية لان المساقاة عقد غرر من حيث أن العوض(12/120)
معدوم في الحال وهما جاهلان بمقدار ما يحصل وبصفته فلا يحتمل فيه غرر عدم الرؤية أيضا وايراد الكتاب يقتضى ترجيح هذه الطريقة * قال (الركن الثاني الثمار وليكن مخصوصا بما شرط على الاستبهام معلوما (و) بالجزئية لا بالتقدير كما في القراض) * ويشترط في الثمار أن تكون مخصوصة بالمتعاقدين ومشتركة بينهما ومعلومة وأن يكون العلم بها من حيث الجزئية دون التقدير وهى بعينها شروط الربح في عقد القراض فلو شرط بعض الثمار لثالث فسد العقد وكذا لو قال ساقيتك على أن كل الثمار لك أو كلها لى وفى استحقاق الاجرة عند شرط الكل للمالك وجهان كما في القراض (قال) المزني وهو الاصح لا أجرة له لانه عمل مجانا (وقال) ابن سريج يستحقها لان المساقاة تقتضي العوض فلا تسقط بالتراضى كالوطئ في النكاح ولو قال ساقيتك على أن لك جزءا من الثمار فسد أيضا ولو قال على أنها بيننا أو على ان نصفها لى(12/121)
وسكت عن الباقي أو على أن نصفها لك وسكت عن الباقي أو على أن ثمرة هذه النخلة أو النخلات لك أولى والباقى بيننا أو على أن صاعا من الثمرة لك أولى والباقى بيننا فكل ذلك كما في القراض وقوله في الكتاب مشروطه على الاستبهام أي على الاشتراك وقد استعمل الاستبهام والمساهمة بمعنى الاشتراك والمشاركة وان كان الاصل في الاستبهام الاقتراع وهذا بدل قوله في القراض عند ذكر شروط الربح مشتركا وقد تقرأ هذه اللفظة على الاستبهام ذهابا منه إلى أن المراد منه ضد التعيين والتقدير ليخرج عنه ما إذا شرط ثمرة نخلة بعينها لاحدهما والتقدم بصاع وما اشبهه لكن الاول أولى لان هذا معنى قوله بالجزئية لا بالتقدير ويجوز اعلامه بالواو لان صاحب التتمة حكى وجها في صحة المساقاة إذا شرط كل الثمرة للعامل لغرض القيام وتعهد الاشجار وتربيتها * قال (ولو ساقى على ودى غير مغروض ليغرسه فهو فاسد (و) فانه كتسليم البذر * وان كان مغروسا
وقدر العقد بمدة لا يثمر فيها فهو باطل * وان كان يتوهم وجود الثمار فان غلب الوجود صح (و) * وان(12/122)
غلب العدم فلا (و) * وان تساوى الاحتمالات فوجهان * ثم ان ساقى عشر سنين وكانت الثمرة لا تتوقع إلا في العاشرة جاز فيكون ذلك في مقابلة كل العمل كالاشهر في سنة واحدة) * إذا ساقاه على ودى ليغرسه ويكون الشجر بينهما فالعقد فاسد لانه كتسليم البذر في المزارعة وان قال لتغرسه وتتعهد الشجرة مدة كذا على أن تكون الثمرة الحاصلة بيننا فهو فاسد أيضا لانه قد لا يعلق ولا حاجة إلى احتمال هذا النوع من الضرر وأيضا فالغراس ليس من أعمال المساقاة فضمنه إليها كضمنه غير التجارة إلى عمل القراض وإذا عمل العامل في هذا العقد الفاسد استحق أجرة المثل إن كانت الثمار متوقعة في تلك المدة والا فعلى ما ذكرنا من خلاف المزني وابن سريج وفي المسألة وجه أن الحكم كما لو كان الودى مغروسا وساقاه عليه لان الحاجة قد تدعو إليه في المساقاة وابعد منه وجه عن حكاية صاحب التقريب فيما إذا شرط بعض الشجرة للعامل ولو ساقاه على ودى مغروس نظر إن قد للعقد مدة لا يثمر فيها في العادة لم تصح المساقاة لخلوها عن العوض وكالمساقاة على الاشجار التى لا تثمر وإذا(12/123)
عمل ففى إستحقاق أجرة المثل الخلاف السابق قال الامام هذا إذا كان عالما بانها لا تثمر فيها وان كان جاهلا قطعنا باستحقاق الاجرة وإن قدرت بمدة يثمر فيها غلبا صح ولا بأس بخلو أكثر سنى المدة عن الثمرة مثل ن يساقيه عشر سنين والثمرة لا تتوقع إلا في العاشرة وتكون هي بمثابة الاشهر من السنة الواحدة ثم ان اتفق انها لم تثمر لم يستحق العامل شيئا كما لو قارضه فلم يربح أو ساقاه على النخيل المثمرة فلم تثمر فان قدره بمدة يحتمل ان لا تثمر فوجهان (أصحهما) المنع وبه قال أبو إسحق لانه عقد على عوض غير موجود ولا غالب الوجود فاشبه السلم في معدوم إلى وقت يحتمل أن يوجد فيه ويحتمل خلافه (والثانى) يصح ويكتفى بالاحتمال ورجاء الوجود فعلى هذا إن اثمرت استحق والا فلا شئ له وعلى الاول يستحق اجرة المثل لانه عمل طامعا هذه الطريقة التى ذكرها عامة الاصحاب وعلوا توقع حصول الثمرة على ثلاث مراتب كما فصلنا ونسب الامام هذه الطريقة إلى القاضى وحكى
طريقتين أخرتين (احداهما) أنه ان غلب عدمها في تلك المدة بطل وإلا فوجهان (الثانية) ان غلب وجودها(12/124)
صح وإلا فهوجهان فيجوز أن يعلم للاولى قوله فان غلب الوجود صح بالواو وللثانية قوله فان غلب العدم فلا (واعلم) أن صور الفصل مبنية على تجويز المساقاة أكثر من سنة وهو الصحيح وستعرف ما فيه من الخلاف * (فرع) دفع إليه وديا ليغرسه في أرض نفسه على أن يكون الغراس للدافع والثمار بينهما فهو فاسد أيضا ولصاحب الارض أجرتها على العامل * قال (ولو قال ساقيتك على أن لك من الصيحانى نصفه ومن العجوة ثلثه لم يصح إلا إذا عرف مقدار الاشجار * وإن شرط النصف منهما لم يشترط معرفة الاقدار * ولو ساقاه على إحدى الحديقتين لا بعينهما * أو على أنه إن سقى بماء السماء فله الثلث أو بالدالية فله النصف فهو فاسد لتردده بين جهتين) * إذا كان في الحديقة نوعان من الثمر فصاعدا كالصيحاني والعجوة والدقل فساقي مالكها رجلا(12/125)
على أن له من الصيحانى النصف ومن العجوة السدس أو الثلث نظر ان علما قدر كل نوع جاز كما لو ساقاه على حديقتين على أن له النصف من هذه والثلث من هذه وان جهلا أو أحدهما لم يجز لما فيه الغرر فان المشروط فيه أقل الجزأين قد يكون أكثر النصيبين ومعرفة كل نوع من الاشجار انما يكون بالظن والتخمين دون التحقيق وان ساقاه على أن له النصف أو الثلث من الكل صحت المساقاة وان جهلا أو أحدهما قدر كل نوع قال ابن الصباغ والفرق أن قدر حقه من ثمرة الحديقة ههنا معلوم بالجزئية وانما المجهول النوع والصفة وهناك القدر مجهول أيضا لاحتمال اختلاف ثمرة النوعين في القدر وحينئذ يكون قدر ماله من ثمرة الكل مجهولا لان المستحق على أحد التقديرين نصف الاكثر وثلث الاقل وعلى الثاني ثلث الاكثر ونصف الاقل والاول أكثر من الثاني ومعلوم أن الجهل بالقدر أشد ولو ساقاه على احدى الحديقتين من غير تعيين أو على أنه ان سقى بماء السماء فله الثلث أو بالدالية فله
النصف لم يصح للجهل بالعمل والعوض وهو كما لو قارضه على أنه ان تصرف وربح كذا فله النصف أو(12/126)
كذا فله الثلث ولو ساقاه على حديقة بالنصف على أن يساقيه على أخرى بالثلث أو سنة أخرى أو على أن يساقيه العامل على حديقته فهو فاسد وهل تصح المساقاة (الثانية) قال في التهذيب ان عقدها على شرط العقد الاول لم تصح والا فتصح وقد مر نظيره في الرهن * قال (ولو ساقى شريكه في الحديقة وشرط له زيادة صح ان استبد بالعمل * وان شارك الاخر بالعمل فلا) * حديقة بين اثنين على السواء ساقى احداهما الاخر وشرط له زيادة على ماكان يستحقه بالملك كما إذا شرط له ثلثى الثمرة فالعقد صحيح وقد دفع إليه نصيبه بثلث ثمرته وإن شرط له نصف الثمار أو ثلثها لم يصح لانه يثبت له عوضا بالمساقاة إذ النصف مستحق له بالملك بل يشترط عليه في الصورة الثانية أن يترك بعض ثمرته أيضا وإذا عمل في الصورتين ففى استحقاقه الاجرة اختلاف المزني وابن سريج ولو شرط له جميع الثمرة فسد العقد وهل له الاجرة فيه وجهان لانه لم يعمل له الا أنه انصرف إليه ولو شرط في المساقاة(12/127)
مع الشريك بان يتعاونا على العمل فسدت وإن اثبت له زيادة على ما يستحقه بالملك كما لو ساقى اجنبيا على هذا الشرط ثم تعاونا واستويا في العمل فلا اجرة لواحد منهما على الاخر وأن تعاونا فان كان عمل من شرط له زيادة اكثر استحق على الاخر الحصة من عمله وان كان عمل الاخر اكثر ففى استحقاقه الاجرة خلاف المزني وان سريج وقوله في الكتاب صح ان استبد بالعمل وإن شاركه الاخر في العمل فلا ليس فيه تعريض للاشتراك لكنه محمول عليه معناه فان شرط مشاركة الاخر أما المعاونة من غير شرط فهى غير ضائرة وكذا قوله ان استبد بالعمل معناه أن فاده العقد بالاستبداد بشرط الاستبداد أو باطلاق العقد ولو ساقى شريكا الحديقة رجلا وشرطا له جزأ من ثمرة الحديقة جازو ان لم يعلم العامل نصيب كل واحدا منهما وان قالا على أن لك من نصيب احدنا النصف ومن نصيب الاخر الثلث من غير تعين لم يجز فإن عينا فان علم نصيب كل واحد منهما جاز والا فلا *
(فرعان) الاول لو كانت الحديقة لواحد وساقى اثنين على أن لاحدهما نصف الثمرة وللاخر ثلثها أما(12/128)
في صفقة أوفي صفقتين جاز إذا تميز من له النصف ومن له الثلث (الثاني) حديقة بين ستة اسداسا ساقوا عليها واحدا على أن له من نصيب احدهم النصف ومن نصيب الثاني الربع ومن الثالث ومن الرابع الثلثين ومن الخامس الثلث ومن السادس السدس فحسابه إن مخرج النصف والربع يدخلان في مخرج الثمن ومخرج الثلثين والثلث يدخلان في مخرج السدس فتبقى ستة وثمانية وبينهما موافقة بالنصف نضرب نصف احدهما في جميع الاخر يكون أربعة وعشرين نضربه في عدد الشركاء وهو ستة يبلغ مائة وأربعة واربعين(12/129)
لكل واحد منهم اربعة وعشرين ياخذ العامل ممن شرط له النصف اثنى عشر ومن الثاني ستة ومن الثالث ثلاثة ومن الرابع ستة عشر ومن الخامس ثمانية ومن السادس اربعة فيجتمع له تسعة وأربعون ويبقى الملاك على تفاوتهم فيه خمسة وسبعون * قال (الركن الثالث العمل وشرطه أن لا يضم إليه عمل ليس من جنس المساقاة * وأن لا يشترط مشاركة المالك معه في اليد بل يستبد العامل باليد * ثم لو شرط دخول المالك أيضا لم يضر (و) * وأن لا يشترط عمل المالك معه بل ينفرد بالعمل * ولو شرط أن يعمل معه غلام المالك صح على النص *(12/130)
ثم النفقة على المالك إلا إذا شرط على العامل ففى جوازه وجهان * ووجهه المنع أنه قطع نفقة المالك عن الملك * ولو شرط أن يستأجر العامل بأجرة على المالك ولم يبق للعامل الا الدهقنة والتحذق في الاستعمال ففيه وجهان) * شروط عمل المساقاة قريبة من شروط عمل القراض وان اختلفا في الجنس منها أنه لا يشترط عليه عمل ليس من جنس اعمال المساقاة ومنها أن يستبد العامل باليد في الحديقة ليتمكن من العمل متى شاء فلو شرط كونها في يد المالك أو مشاركته في اليد لم تجز ولو سلم المفتاح إليه وشرط المالك الدخول(12/131)
عليه فوجهان أصحهما وهو المذكور في الكتاب أنه لا يضر بحصول الاستقلال والتمكن من العمل ووجه الثاني أنه إذا دخل كانت الحديقة في يده وقد يتعوق بحضوره عن العمل ومنها إن نفرد العامل بالعمل فلو شرط إن يشاركه المالك في العمل فسد العقد ولو شرط أن يعمل معه غلام المالك فالنص الجواز وللاصحاب فيه طريقان احدهما أنه على وجهين كما ذكرنا في القراض ومن منع حمل النص على ما إذا شرط أن يعمل الغلام ما يتوظف على المالك من الاعمال كحفر الانهار وبناء الحيطان واظهرهما الجواز جزما والفرق بين المساقاة والقراض أن في المساقاة بعض الاعمال على المالك وله باعتبار ذلك يدور مداخلة فجاز ان يشترط(12/132)
فيه عمل غلامه وفي القراض لاعمل على المالك أصلا فلا يجوز شرط عمل غلامه والمسألة مصورة فيما إذا كان الشرط أن يعاونه ويكون تحت يده اما إذا شرط أن يكون التدبر للغلام ويعمل العامل برأيه أو أن يعملا ما انفق رأيهما عليه لم تجز بلا خلاف ثم ان جوزنا فلابد من معرفة الغلام بالرؤية أو الوصف (وأما) نفقته ففى جواز شرطها على العامل وجهان (أحدهما) المنع لما فيه من قطع نفقة المالك على الملك وبهذا قطع المسعودي (وأظهرهما) الجواز لان العمل في المساقاة على العامل ولا يبعد أن يلتزم مؤنة من يعمل معه ويعاونه كاستئجار من يعمل معه وعلى هذا فهل يجب تقديرها فيه وجهان(12/133)
(أحدهما) نعم فيبين ما يدفع إليه كل يوم من الخبز وإلا دام (والثانى) لا وبه أجاب الشيخ أبو حامد بل يحمل على الوسط المعتاد لانه يتسامح بمثل ذلك في المعاملات ولو شرط أن تكون النفقة على المالك جاز وعن مالك منعه وان شرطاها في الثمار قال في التهذيب لا يجوز لان ما يبقى يكون مجهولا وقال صاحب الافصاح يجوز لانه قد يكون ذلك من صلاح المال ويشبه أن يكون ذلك يتوسط فيقال إن شرطاهما من جزء معلوم بأن يتعاقدا بشرط أن يعمل الغلام على أن يكون ثلث الثمار للمالك وثلثها للعامل ويصرف الثلث الثالث إلى نفقة الغلام فهو جائز وكان المشروط للمالك ثلثاها وان(12/134)
شرطاها في الثمار من غير تقدير جزء لم يجز وان لم يتعرضا للنفقة أصلا فالمشهور انها على المالك بحكم
الملك وذكر صاحب الافصاح وراءه احتمالين (أحدهما) أنها تكون من الثمرة (والثانى) أنه يفسد العقد وفي المهذب ذكر وجه أنها تكون على العامل لان العمل عليه وليس للعامل استعمال الغلام في(12/135)
عمل نفسه إذا فرغ من عمل الحديقة ولو شرط أن يعمل له بطل العقد ولو كان له برسم الحديقة غلمان يعملون فيها لم يدخلوا في مطلق المساقاة لانه ربما يريد تفريغهم لشغل آخر وعن مالك انهم يدخلون فيه ولو شرط استئجار العامل من يعمل معه من الثمرة بطل العقد لان قضية المساقاة أن تكون الاعمال ومؤنانها على العامل ولانه لا يدرى أن الحاصل للعامل كم هو حتى لو شرط له ثلثى(12/136)
الثمرة ليصرف الثلث إلى الاجراء ويخلص له الثلث فعن القفال أنه يصح فإذا امتنع شرط الاجارة في الثمرة فأولى أن يمتنع شرط أدائها من سائر أموال المالك هذا ما ذكره المزني وعامة الاصحاب ونقل صاحب الكتاب وجهين فيما إذا شرط أن يستأجر بأجرة على المالك وأشار بقوله ولم يبق للعامل إلا الدهقنة والتحذق في الاستعمال إلى توجيه الجواز معناه أن المالك قد لا يهتدى إلى الدهقنة واستعمال الاجراء أولا يجد من يباشر الاعمال أو من لا يأتمنه فتدعو الحاجة إلى أن يساقى من يعرف ذلك لينوب عنه في الاستعمال *(12/137)
قال (ويشترط تأقيت المساقاة لانها لازمة فيضر التأييد * وليعرف العمل جملة * ثم ليعرف بالسنة العربية * فان عرف بادراك الثمار جاز على الاصح * فان عرف بالعربية فبرزت الثمار في آخر المدة ولم تدرك في المدة فالعامل شريك فيها) * اشتراط التأقيت في المساقاة قد سبق ذكره في أول الباب ويتعلق هذا الركن به من جهة أن العمل يجب تعريفه ببيان المدة دون التعيين والتفصيل ثم إن أقتت بالاشهر أو السنين العربية فذاك وان أقتت بادراك الثمار فوجهان (أحدهما) أنه لا يجوز لانه قد يتقدم تارة ويتأخر أخرى فليقدر بما(12/138)
تقدر به الاجارات والاجال في العقود (والثانى) لا يجوز لانه المقصود من هذا العقد ألا ترى أنه لو أقت بالزمان كان الشرط أن يعلم أو يظن الادراك فيه فإذا تعرض للمقصود كان أولى وهذا أصح عند صاحب الكتاب والاول أصح عند الاكثرين وهو المذكور في التهذيب وإذا قلنا بالثاني فلو قال ساقيتك سنة وأطلق فيحمل على سنة عربية أو على سنة الادراك فيه (وجهان) زعم الشيخ أبو الفرج السرخسى أن أصحهما الثاني وإذا قلنا بالاول لو أقت بالزمان فأدركت الثمار وبعض المدة باقية وجب على(12/139)
العامل أن يعمل في تلك البقية ولا أجرة له وان انقضت المدة وعلى الاشجار طلع أو بلح فللعامل نصيبه منها وعلى المالك التعهد إلى الادراك فان حدث الطلع بعد المدة فلا حق له فيه وجواز المساقاة أكثر من سنة على الاقوال التي نذكرها في جواز الاجارة أكثر من سنة وإذا جوزنا فهل يجب أن يعين حصته كل سنة أم يكفى قوله ساقيتك على النصف لاستحقاق النصف كل سنة فيه وجهان أو قولان كما في الاجارة وفي المهذب طريقة أخرى قاطعة بوجوب البيان لان الاختلاف في الثمار يكثر وفي المنافع يقل ولو فاوت بين الجزء المشروط في السنتين لم يضر وفيه وجه أنه على الخلاف فيما إذا(12/140)
أسلم في جنس إلى أجال ولو ساقاه سنتين وشرط له ثمرة سنة بعينها والاشجار بحيث تثمر كل سنة لم يصح لانها ربما لا تثمر تلك السنة فلا يكون للعامل شئ أو إلا تلك السنة فلا يكون للمالك شئ ويخالف مالو ساقاه على ودى عشر سنين والثمرة لا تتوقع إلا في العاشرة لتكون هي بينهما انه شرط له سهما من جميع الثمرة ولو انه اثمر قبل سنة التوقع لم يستحق العامل منها شيئا (وقوله) في الكتاب وليعرف العامل عمله لا ينبغى ان يقرأ على الامر لانه حينئذ يكون المراد منه أنه لا يشترط تفصيل الاعمال وهذا قد ذكره آخر الباب فيلزم التكرار وأيضا فان المسألة لا تتعلق بركن العمل ولكنه(12/141)
معطوف على قوله لانها لازمة المعنى أنه يشترط تأقيت المساقاة للزومها وليكون التأقيت معرفا للعمل مقدرا بجملته (وقوله) ثم ليعرف بالسنة العربية المراد ليعرف بالزمان وذكر العربية يجرى على سبيل
التمثيل لا لتخصيص التأقيت بها فان التأقيت بالرومية وغيرها جائز إذا علماها فإذا أطلقا لفظ السنة انصرف إلى العربية وكذا سبيل قوله وان عرفت بالعربية *(12/142)
قال (الركن الرابع الصيغة (و) فيقول ساقيتك على هذه النخيل بالنصف أو عاملتك فيقول قبلت * فلو عقد بلفظ الاجارة لم يصح على الاظهر (و) لفقد شرط الاجارة * ولا يشترط (و) تفصيل الاعمال فان العرف يعرفها) * يجوز أن يعلم قوله الركن الرابع بالواو للوجه المكتفى به العقود بالتراضى والمعاطاة وكذا في القراض وغيره ثم أشهر صيغ هذا العقد أن يقول ساقيتك على هذه النخيل بكذا أو عقدت معك عقد المساقاة(12/143)
قال الائمة وتنعقد بكل لفظ يؤدى معناها كقوله سلمت اليك نخلى لتتعدها على أن يكون لك كذا أو عمل هذه النخيل أو تعهد نخيلي بكذا وهذا يجوز أن يكون جوابا على أن مثله من العقود ينعقد بالكتابة ويجوز أن يكون ذهابا إلى أن هذه الالفاظ صريحة ونظيره أنا على رأى يقول صرائح الرجعة غير محصورة ويعتبر القبول في المساقاة ولا تجئ فيها الوجوه المذكورة في القراض والوكالة للزومها هكذا قال الامام وصاحب الكتاب ولو تعاقدا بلفظ الاجارة فقال المالك استأجرتك لتعهد نخيلي(12/144)
بكذا من ثمارها فيه وجهان جاريان في الاجارة بلفظ المساقاة (أحدهما) الصحة لما بين العقدين من المشابهة واحتمال كل واحد من اللفظين معني الاخر (وأظهرهما) المنع لان لفظ الاجارة صريح في غير المساقاة فان أمكن تنفيذه في موضعه نفذ فيه والا فهو إجارة فاسدة والخلاف نازع إلى أن الاعتبار باللفظ أو المعني ولو قال ساقيتك على هذه النخيل بكذا ليكون أجرة لك فلا بأس لسبق لفظ المساقاة هذا إذا قصد بلفظ الاجارة المساقاة أما إذا قصد الاجارة نفسها فينظر إن لم تخرج الثمرة لم يجز لان الشرط أن تكون الاجرة في الذمة أو موجودة ومعلومة وان خرجت فان بدا الصلاح فيها جاز سواء شرط ثمرة نخلة معينة أو جزء شائعا هكذا أطلقوه لكن يجئ فيه ما سنذكره في مسألة قفيز الطحان(12/145)
واخواتها فان لم يبد فيها الصلاح فان شرط له ثمرة نخلة بعينها جاز بشرط القطع وكذا لو شرط كل الثمار له وان شرط جزء شائعا لم يجز وان شرط القطع لما سبق في البيع وإن عقد بلفظ المساقاة فالصحيح وهو المذكور في الكتاب أنه لا حاجة إلى تفصيل الاعمال بل يحمل في كل ناحية على عرفها الغالب وفيه وجه أنه يجب تفصيلها لان العرف يكاد يضطرب وما ذكرناه فيما إذا علم المتعاقدان العرف المحمول عليه فان جهلا أو أحدهما وجب التفصيل لا محالة(12/146)
(الباب الثاني في أحكامها) قال (وحكمها وجوب كل عمل يتكرر في كل سنة وتحتاج إليه الثمار من السقى والتقليب وتنقية الابار (و) والانهار وتنحية الحشيش المضر والقضبان وتصريف الجريد وتسوية الجرين ورد الثمار إليه * ومالا يتكرر في كل سنة ويعد من الاصول فهو على المالك كحفر الابار والانهار الجديدة وبناء الحيطان ونصب الدولاب وأمثاله * وفي أجرة الناطور وجذاذ الثمرة وردم ثلمة يسيرة في طرف الجدار خلاف)(12/147)
غرض الفصل بيان ما يجب على عامل المساقاة من الاعمال ومالايجب وكل عمل تحتاج إليه الثمار لزيادتها أو اصلاحها ويتكرر كل سنة فهو على العامل وانما اعتبر التكرار كل سنة لان مالا يتكرر كل سنة يبقى أثره وفائدته بعد ارتفاع المساقاة وتكليف العامل مثل ذلك أجحاف به فمن هذا القبيل السقي وما يتبعه من اصلاح طريق الماء والاجاجين التى يقف فيها الماء وتنقية الابار والانهار من الحمأة ونحوها وادارة الدولاب وفتح رأس الساقية وسدها عند السقى على ما يقتضيه الحال وفي تنقية النهر وجهان آخران (أحدهما) أنها على المالك كحفر أصل النهر (والثانى) عن أبى اسحق المروزى أنها على من شرطت عليه من المتعاقدين فان لم يذكراها فسد العقد وعنه تطييب الارض(12/148)
بالمساحي وتكريتها في المزارعة قال في التتمة وكذا تقويتها بالزبل وذلك بحسب العادة ومنها التلقيح والطلع الذي يلقح به على المالك لانه عين مال وانما يكلف العامل العمل ومنه تنحية الحشيش المضر والقضبان المضرة بالشجر وذكر الشافعي رضى الله عنه تصريف الجريد والجريد سعف النخل وحاصل ماقاله الازهرى وغيره في تصريف الجديد شيئان (أحدهما) قطع ما يضر تركه يابسا وغير يابس (والثانى) ردها عن وجوه العناقيد وتسوية العناقيد بينها لتصيبها الشمس وليتيسر قطعها عند الادراك ومنه تعريش الكرم حيث جرت العادة به قال في التتمة ووضع الحشيش فوق العناقيد صونا لها عن الشمس عند الحاجة وفي حفظ الثمار وجهان (أظهرهما) وهو الذي ذكره ابن الصباغ وغيره أنه على(12/149)
العامل كما أن حفظ المال في المضاربة على العامل فان لم يحفظ بنفسه فعليه مؤنة من يحفظ وأقيسهما أنه على المالك والعامل جميعا بحسب اشتراكهما في الثمرة وهذا لان الذي يجب على العامل ما يتعلق باستزادة الثمار وتنميتها ويحرى الوجهان في حفظ الثمار عن الطيور والزنابير بان يجعل كل عنقود في قوصرة فيلزمه ذلك على الاظهر عند جريان العادة والقوصرة على المالك وفي جذاذ الثمار وجهان (أحدهما) أنها لا تجب على العامل لوقوعه بعد كمال الثمار (وأصحهما) الوجوب لان الصلاح به يحصل وهذا ما أورده الاكثرون وعن الرقم طرد الوجهين في تجفيف الثمار والظاهر وجوبه إذا اضطردت العادة به أو شرطاه وإذا وجب التجفيف وجب تهيئة موضع التجفيف وتسويته ويسمى البيدر والجرين(12/150)
ونقل الثمار إليه وتقليبها في الشمس من وجه إلى وجه وأما مالا يتكرر كل سنة ويقصد به حفظ الاصول فهو من وظيفة المالك وذلك كحفر الانهار والابار الجديدة والتى انهارت بها الحيطان ونصب الابواب والدولاب ونحوها وردم الثلم اليسيرة التى تنفق في الجدران فيه وجهان كما في تنقية الانهار والاشبه اتباع العرف وكذلك في وضع الشوك على رؤس الجدران وجهان والالات التى يوفى بها العمل كالفأس والمعول والمنجل والمسحاة والثيران والعدان في المزارعة والثور الذي يدير الدولاب على المالك وفيه وجه أنها على من شرط المتعاقدين ولايجوز السكوت عنها وهذا ما أورده أبو الفرج السرخسى في الامالى
ويحكى عن أبى اسحق وخراج الارض الخراجية على المالك وكذلك كل عين تتلف في العمل بلا خلاف وكل ما يجب على العامل يجوز له استئجار المالك عليه ويجئ فيه وجه آخر ولو شرط على(12/151)
المالك في العقد بطل العقد وكذلك ما يجب على المالك لو شرط على العامل بطل العقد ولو فعله العامل بغير إذن لم يستحق شيئا وإن فعل باذن المالك استحق الاجرة * واعلم أن جميع ما ذكرناه مبني على الصحيح في أن تفصيل الاعمال لا يجب في العقد فان أوجبناه فالمتبع الشرط إلا أنه لا يجوز أن يكون الشرط مغيرا وضع العقد هذا فقه الفصل وأما ما يتعلق بالكتاب خاصة فليعلم قوله وتنقية الابار والانهار بالواو واعترض من شرح هذا الكتاب في موضعين من الفصل (أحدهما) أن لفظ الكتاب وتصريف الجرين ورد الثمار إليه والشافعي رضى الله عنه إنما ذكر تصريف الجريد بالدال قال والصواب أن يكتب وتصريف الجريد وتسوية الجرين ورد الثمار إليه (والثانى) أنه جعل الجذاذ من المختلف فيه وأنه على العامل بالاتفاق فلك أن تقول (أما الثاني) فدعوى الاتفاق وهم والوجهان(12/152)
مسطوران في المهذب والتهذيب والرقم وغيرها (وأما الاول) فقد عرفت أن التجفيف قد يحوج إلى تسوية الجرين وحمل التصريف على التسوية ليس يبعد فاذن لاضرورة إلى تغيير نظم الكتاب وغايته أن يكون تصريف الجريد مسكوتا عنه على أن قوله وتنحية الحشيش المضر والقضبان ما يفيد بعض معناه وقوله وفي أجرة الناظور المراد منه مؤنة الحفظ والناظر والناظور حافظ الكروم والجمع النواظر ذكر أن النظرة هي الحفظ بالعين وقد يقال ناطور بالطاء غير المعجمة * قال (وإذا هرب العامل قبل تمام العمل استقرض القاضى عليه أو استأجر من يعمل عليه * فان عمل المالك بنفسه سلم الثمار للعامل وكان هو متبرعا * وكذا لو استأجر عليه إذ ليس له أن(12/153)
يحكم لنفسه * ولو عجز عن الحاكم فكمثل (و) إن لم يشهد على الاستئجار * وإن أشهد فوجهان * ثم له أن يفسخ إذا عجز ويسلم إلى العامل أجرة مثل ما عمل قبل الهرب فان تبرع أجنبي
بالعمل فله أن يفسخ إذ قد لا يرضى بدخوله ملكه * وإن عمل الأجنبي قبل أن يشعر به المالك سلم الثمار للعامل وكان الأجنبي متبرعا عليه لا على المالك) * نصدر المسألة بقول جملى وهو أن بناء هذا الفصل والذي يليه على أن المساقاة لازمة على ما مر لا كالقراض ثم نقول إذا هرب العامل قبل تمام العمل ينظر إن تبرع المالك بالعمل أو بمؤنته بقى استحقاق العامل مجانا وإلا رفع الامر إلى الحاكم وأثبت عنده المساقاة لينفذ في طلبه فان وجده أجبره(12/154)
على العمل والا استأجر عليه من يعمل ومم يستأجر إن كان العامل مال فمنه والا فان كان بعد بدو الصلاح باع نصيب العامل كله أو بعضه بحسب الحاجة من المالك أو من غيره واستأجر بثمنه وان كان قبل بدو الصلاح اما قبل خروج الثمرة أو بعده استقرض عليه من مالك أو من أجنبي أو من بيت المال واستأجر به ثم يقضيه العامل إذا رجع أو يقضى من نصيبه من الثمرة بعد بدو الصلاح أو الادراك ولو وجد من يستأجره بأجرة مؤجلة توفى بالاجرة استغى عن الاستقراض وحصل الغرض وان عمل المالك بنفسه أو أنفق عليه ليرجع نظر ان قدر على مراجعة الحاكم فلم يفعل فهو متبرع لا رجوع له وان لم يقدر فان لم يشهد عليه لم يرجع أيضا الا أن لا يمكنه الاشهاد ففيه وجهان وربما(12/155)
حكى وجه مطلق أنه يرجع فان أشهد فأصح القولين أنه يرجع للضرورة (والثانى) لا يرجع والاصار حاكما لنفسه على غيره وننبه ههنا لفائدتين (احداهما) الوجهان في الرجوع إذا لم يمكنه الاشهاد قريبان من الوجهين فيما إذا أشهد للعجز عن الحاكم للعذر والضرورة لكن الذي رجحه الجمهور انه إذا لم يشهد لا يرجع من غير فرق بين الامكان وعدم الامكان ويجوز ان يكون سببه ان عدم امكان الاشهاد نادر لا يعتد به (والثانية) الاشهاد المعتبر أن يشهد على العمل أو الاستئجار وانه بذل ذلك بشرط الرجوع وأما الاشهاد على ذلك من غير التعرض للرجوع فهو كترك الاشهاد قاله في الشامل وإذا أنفق المالك باذن الحاكم ليرجع فيه وجهان (وجه المنع) انه متهم في حق نفسه فالطريق أن(12/156)
يسلم المال إلى الحاكم ليأمر غيره بالانفاق ولو استأجره لباقي العمل ففيه وجهان أيضا بناء على مالو أجر داره ثم أكراها من المكترى ومتى تعذر اتمام العمل بالاستقراض تمم بغيره فان لم تخرج الثمرة بعد فللمالك فسخ العقد وعن ابن أبى هريرة أنه لا يفسخ ولكن يطالب الحاكم من يساقى عن العامل فربما يفضل له شئ والمذهب الاول لانه تعذر استيفاء المعقود عليه فأشبه ما إذا أبق العبد المبيع قبل القبض فان خرجت الثمرة فهى مشتركة فان بدا الصلاح فيها بيع نصيب العامل كله أو بعضه بقدر ما يستأجر به من يعمل وإن لم يبد الصلاح وقد تعذر بيع بعضه أو كله لان شرط القطع في الشائع لا يغني فأما أن يبيع المالك نصيبه معه يشترط القطع في الكل وأما أن يشترى المالك نصيبه فيجوز(12/157)
على أحد الوجهين في أن بيع الثمار قبل بدو الصلاح من صاحب الشجرة يستغنى عن شرط القطع فان لم يرغب في بيع ولاشراء وقف الامر حتى يصطلحا ويتفرع على ثبوت الفسخ قبل خروج الثمرة فرعان (أحدهما) إذا فسخ غرم للعامل أجرة مثل ما عمل ولايقال تتوزع الثمار على أجرة مثل جميع العمل إذا الثمار ليست معلومة عند العقد حتى يقتضى التوزيع فيها (والثانى) لو جاء أجنبي وقال لا تفسح لاعمل نيابة عن العامل لم تلزمه الاجابة لانه قد لا يأتمنه ولا يرضى بدخوله ملكه نعم لو عمل نيابة عنه من غير شعور المالك حتى حصلت الثمار سلم للعامل نصيبه منها وكان الأجنبي متبرعا عليه هذا ما ذكروه وقيل إذا وجد من يتبرع بالعمل كان كما لو وجد مال له يستأجر منه أو وجد من(12/158)
يقرض حتى لا يجوز للمالك الفسخ لكان قريبا (وقوله) في الكتاب ولو عجز عن الحاكم فكمثل ان لم يشهد يجوز أن يعلم بالواو للوجه المطلق وللوجه المخصوص بما إذا لم يشهد لعدم الامكان (وقوله) ثم له أن يفسخ العقد مطلق لكن موضعه ما إذا لم تخرج الثمرة كما قررناه كذلك أورده الاكثرون وفي المهذب أنه يفسخ فإذا فسخ نظر إن لم تخرج الثمرة فللعامل الاجرة فان خرجت فهى(12/159)
بينهما وهذا يوافق اطلاق الكتاب لكن لا يكاد يفرض للفسخ بعد خروج الثمار فائدة ثم هو معلم
بالواو لوجه ابن أبى هريرة والعجز عن العمل بالمرض ونحوه كالهرب * قال (فان مات العامل تم (و) الوارث العمل من تركته * فان لم يكن تركة فله أن يتمم من ماله لاجل الثمار * فان أبى (وم) لم يجب عليه شئ إذا لم يكن تركة وسلم إليه أجرة العمل الماضي وفسخ العقد للمستقبل) * إذا مات مالك الاشجار في أثناء المدة لم تنفسخ المساقاة بل يستمر العامل على شغله ويأخذ نصيبه من الثمار وان مات العامل في المساقاة اما أن تكون واردة على عين العامل أو في الذمة ان وردت على عينه انفسخت بموته كما لو مات الاجير المعين تنفسخ الاجارة وان كانت في الذمة فقد(12/160)
روي وجه انها تنفسخ وكأنه موجه بأنه ربما لا يرضى بيد غيره وتصرفه والصحيح وعليه يتفرع كلام الكتاب لا تنفسخ كالاجارة وعلى هذا فينظر إن خلف العامل تركة يقتسم الوارث العمل بأن يستأجر منها من يعمل وإلا فان اتم الوارث بنفسه أو أستأجر من ماله من يتم فعلى المالك تمكينه إن كان أمينا مهتديا إلى اعمال المساقاة ويسلم له المشروط فأن أبى لم يجبر عليه وعن رواية القاضى أبى حامد وصاحب التقريب وجه آخر انه يجبر عليه لقيامه مقام المورث وحكى هذا عن مالك والمذهب الاول لان منافعه خالص حقه وانما يجبر على توفية ما على المورث من تركته نعم لو خلف تركة وامتنع الوارث من الاستئجار منها استأجر الحاكم وإن لم يخلف تركة فلا يستقرض على الميت(12/161)
بخلاف الحى إذا هرب ومهما لم يتم العمل فالقول في ثبوت الفسخ وفي الشركة وفصل الامر إذا خرجت الثمار كما ذكرنا في الهرب واعلم ان ما ذكرناه من انقسام المساقاة إلى ما يرد على العين وإلى ما يتعلق بالذمة مبنى على ظاهر المذهب في صحة النوعين وتردد بعضهم في صحة المساقاة على العين لما فيه من التضييق * (فرع) نقل صاحب التتمة أنه إذا لم تثمر الاشجار أصلا أو تلفت الثمار كلها بجائحة أو نصب فعلى العامل اتمام العمل وإن تضرر به كما أن عامل القراض يكلف التنضيض وإن ظهر الخسران(12/162)
في المال ولم ينل إلا التعب وهذا اشبه مما ذكره في التهذيب أنه إذا هلكت الثمار كلها بالجائحة ينفسخ العقد إلا أن يزيد بعد تمام العمل وتكامل الثمار قال وإن هلك بعضها فالعامل بالخيار بين أن يفسخ العقد ولا شئ له وبين أن يجيز ويتم العمل ويأخذ نصيبه من الباقي * قال (وان ادعى المالك سرقة أو خيانة على العامل فالقول قول العامل فانه أمين * فان ثبتت خيانته ينصب (و) عليه مشرف وعليه (و) أجرته إن ثبت بالبينة خيانته * وإن لم يكن حفظه بالمشرف أزيلت (م و) يده وأستؤجر عليه) *(12/163)
دعوى المالك الخيانة والسرقة على العامل في الثمار أو السعف لاتقبل حتى يبين قدر ماخان فيه ويحرر الدعوى فإذا حررها وأنكر العامل فالقول قوله مع يمينه وقوله في الكتاب فانه أمين قد يستدرك عليه فان الامانة غير مؤثرة في هذا الحكم بل القول قول المدعى عليه في نفى المدعى أمينا كان أو لم يكن فالذي ذكره المزني في جواب المسائل التى فرعها على أصل الشافعي رضى الله عنه في المختصر أن يستأجر عليه من يعمل عنه وقال في موضع آخر يضم إليه أمين يشرف عليه وبه قال مالك رضى الله عنه فجعلهما بعضهم قولين والجمهور نزلوهما على حالين إن أمكن حفظه بضم(12/164)
مشرف إليه قنع به وإلا أزيلت يده بالكلية واستؤجر عليه من يعمل عنه وهذا ما أورده في الكتاب ثم إذا استؤجر عليه فالاجرة في ماله لان العمل مستحق عليه (أما) أجرة المشرف فكذلك الجواب فيها على المشهور في التتمة أن ذلك مبنى على أن مؤنة الحفظ على العامل لان المقصود من ضم المشرف إليه الحفظ (اما) إذا قلنا ان الحفظ عليهما فكذلك أجرة المشرف وإذا عرفت ما ذكرناه جاز لك إعلام ازيلت يده واستؤجر عليه بالميم وكذلك بالواو ومع قوله وينصب عليه مشرف لطريقة(12/165)
القولين وقوله وعليه اجرته لما ذكرناه في التتمة وقوله ان ثبتت بالبينة خيانته غير محتاج إليه إذ
لافرق في وجوب الاجرة عليه بين أن تثبتت خيانته بالبينة أو بالاقرار أو اليمين بعد النكول وقد ذكر في الوسيط أن اجرة المشرف على العامل ان ثبتت خيانته باقراره أو ببينة والا فعلى المالك فسوى بين البينة والاقرار وقوله والا فعلى الملك فيه اشكال لانه إذا لم تثبتت خيانته فما ينبغى أن يتمكن المالك من ضم المشرف إليه لما فيه من ابطال استقلاله باليد *(12/166)
قال (فان خرجت الاشجار مستحقة فللعامل أجرة عمله على الغاصب فان كانت الثمار باقية أخذها المستحق * فان تلف غرم العامل ما قبضه لنصيبه ضمان (و) المشترى فانه أخذه في معاوضة * ونصيب المساقى * وكذا الاشجار إذا تلفت يطالب بها الغاصب * وفي مطالبة العامل بها وجهان من حيث ان يده لم تثبت عليه مقصودا بخلاف المودع * فان طولب رجع (و) به على الغاصب رجوع المودع) *(12/167)
الاشجار التي وردت المساقاة عليها إذا خرجت مستحقة أخذها المالك مع الثمار ان كانت باقية وأن جففاها ونقصت القيمة بالتجفيف استحق الارش ايضا ويرجع العامل على الغاصب الذي ساقاه بأجرة المثل كما إذا غصب نقرة فأستأجر رجلا ليضربها دراهم يأخذها المالك ويرجع الضراب بالاجرة على الغاصب وفيه وجه أنه لا أجرة له تخريجا على قولى الغرور لانه هو الذي اتلف منفعة نفسه وتشبيها بفوات الثمار بالاستحقاق بفواتها في المساقاة الصحيحة بجائحة وان اقتسما الثمار واستهلكاها فاما نصيب العامل فالمالك بالخيار بين ان يطالب بضمانه الغاصب أو العامل وقرار(12/168)
الضمان على العامل لانه أخذه عوضا في معاوضة فاشبه المشترى من الغاصب وذكر في التتمة أن بعض الاصحاب ذكر في المسألة على ما إذا أطعم الغاصب المالك الطعام المغصوب فيجئ من هذا وجه ان القرار على الغاصب (وأما) نصيب الغاصب فللمستحق مطالبته بها وفي مطالبة العامل وجهان (أظهرهما) عند المعظم المطالبة بثبوت يده عليها كما لا يطالب عامل القراض إذا خرج مال القراض مستحقا
وكما يطالب المودع من الغاصب (والثانى) المنع لان يده لم تثبت عليه مقصودا بخلاف المودع بل يد العامل مستدامة حكما وهو نائب في الحفظ والعمل كأجير يعمل في حديقة وعلى الوجهين يخرج ما إذا تلفت جميع الثمار قبل القسمة بجائحة أو غصبت فان اثبتنا يد العامل عليها فهو يطالب بضمانها وإلا فلا ولو تلف شئ من الاشجار ففيه هذان الوجهان (وإذا قلنا) بأن العامل مطالب بنصيب الغاصب فإذا غرمه(12/169)
ففى رجوعه على الغاصب الخلاف المذكور في رجوع المودع والظاهر انه يرجع وهذا الذي ذكره صاحب الكتاب ومواضع العلامات في الفصل غير خافية (ومنها) قوله ضمان المشترى فانه قصد به الاشارة إلى الاستقرار وفيه ما حكاه صاحب التتمة (وقوله) ونصب المساقى أراد به ههنا الغاصب الذي هو في صورة المالك وقد يسمى العامل مساقيا لان كل واحد من المفاعلة مفاعل ولو حذف لفظ الغاصب من قوله يطالب به الغاصب من لكان أقرب إلى الفهم لانه إذا اختلف اللفظ أذهب الوهم إلى اختلاف المعنى والمراد من المساقى هو الغاصب * قال (وإن اختلف المتعاقدان في قدر الجزء المشروط تحالفا (م) كما في القراض)(12/170)
إذا اختلف المتعاقدن في قدر المشروط للعامل ولابينة تحالفا كما ذكرنا في القراض وإذا تحالفا وتفاسخا قبل العمل في شئ للعامل وإن كان بعده فللعامل أجرة مثل عمله وعن مالك رضى الله عنه أنهما لا يتحالفان بعد العمل بل القول قوله العامل وعن أحمد إن القول قول المالك وإن كان لاحدهما بينة قضى له فان كان لكل واحد منهما بينة (فان قلنا) بالتهاتر وهو الاصح فكما لو لم تكن بينة فيتحالفان (وان قلنا) بالاستعمال فيقرع بينهما ولا يجرى قول الوقف والقسمة لان الاختلاف في العقد والعقد لا يوقف ولا يقسم وقيل يجئ قول القسمة في القدر المختلف فيه فينقسم بينهما نصفين ولو ساقاه شريكا الحديقة ثم قال العامل شرطنا لى نصف الثمار وصدقه أحدهما (وقال) الثاني بل شرطنا الثلث فنصيب المصدق(12/171)
يقسم بينه وبين العامل وفي نصيب المكذب الحكم بالتحالف ولو شهد المصدق للمكذب أو للعامل
قبلت شهادته لانه لايجر بها نفعا ولا يدفع بها ضررا وإذا اختلف في قدر الاشجار المعقودة عليها أو في رد شئ من المال أو هلاكه فالحكم على ما ذكرنا في القراض * (فروع) أحدها إذا بدأ الصلاح في الثمرة فان وثق المالك بالعمل تركها في يده إلى وقت الادراك فيقسمان حينئذ إن جوزناها أو يبيع أحدهما نصيبه من الثاني أو يبيعان من ثالث فان لم يثق به وأراد تضمينه التمر أو الزبيب فيبنى على أن غيره أو تضمين ان جعلتا غيره لم يجزو أن جعلنا تضمين فالاصح جوازه كما في الزكاة وقد(12/172)
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه خرص على أهل خيبر " وقيل لا يجوز لانه بيع الرطب بالتمر مع تأخر أحد العوضين ويخالف الزكاة لانها مبنية على المسامحة وكذا قضية خيبر لانه يتسامح في معاملات الكفار مالا يتسامح في غيرها ويجرى الخلاف فيما لو أراد العامل تضمين المالك بالخرص (الثاني) إذا انقطع ماءا كبستان وأمكن رده ففى تكليف المالك السقى وجهان (أحدهما) لا يكلف كما لا يجبر أحد الشريكين على الضمان وكما لا يجبر المكرى على عمارة الدار المكراة (والثانى) يكلف لانه لا يتمكن العامل من العمل إلا به فاشبه مااذا استأجره لقصارة ثوب بعينه يكلف تسليمه إليه فعلى هذا لو لم يسع في رده لزمه للعامل أجرة عمله فان لم يمكن رد الماء فهو كما لو تلفت الثمار بجائحة (الثالث) السواقط وهي السقف التى تسقط من النخل يختص بها المالك وما يتبع الثمرة فهو بينهما (قال) الشيخ أبو حامد ومنه الشماريخ(12/173)
(الرابع) دفع بهيمته إلى غيره ليعمل عليها وما رزق الله عزوجل فهو بينهما فالعقد فاسد لان البهيمة يمكن اجارتها فلا حاجة إلى إيراد عقد عليها فيه غرر ولو قال تعهد هذه الاغنام على أن يكون لك درها ونسلها فكذلك لان الدر لا يحصل بعمله ولو قال اعتلف هذه من عندك ولك النصف من درها ففعل وجب بدل العلف على صاحب الشاة والقدر المشروط من الدر لصاحب العلف مضمون في يده لحصوله بحكم بيع فاسد والشاة غير مضمونة لانها غير مقابلة بالعوض ولو قال خذ هذه الشاة واعلفها لتسمن وذلك نصفها ففعل فالقدر المشروط منها لصاحب العلف مضمون عليه دون الباقي (الخامس) قال في التتمة
ان كانت المساقاة في الذمة فالمعامل أن يعامل غيره لينوب عنه ثم أن شرط له من الثمار مثل ما شرط المالك له أو دونه فذاك وان شرط له أكثر من ذلك فعلى الخلاف في تفريق الصفقة ان جوزناه وجبت للزيادة أجرة المثل وان لم نجوزه فالجميع له وان كانت المساقاة على عينه(12/174)
لم يكن له أن ينيب ويعامل غيره فلو فعل انفسخت المساقاة بشركة العمل وكانت الثمار كلها للمالك ولا شئ للعامل والعامل الثاني ان كان عالما بفساد العقد فلا شئ له والا ففى استحقاقه أجرة المثل ما ذكرناه في خروج الثمار مستحقة * (كتاب الاجارة * وفيه ثلاثة أبواب) (الباب الاول في أركان صحتها) قال (وهى بعد العاقدين ولا يخفى أمرهما ثلاثة (الاول) الصيغة وهى أن يقول اكريتك الدار أو أجرتك فيقول قبلت * ويقوم مقامهما (و) لفظ التمليك ولكن يشترط أن يضيف إلى المنفعة فيقول ملكتك منفعة الدار شهرا * والظاهر (و) أن لفظ البيع لا يقوم مقام التمليك لانه موضوع لملك الاعيان) *(12/175)
نفتتح الباب بمقدمات (احداها) أنه سيعمل في هذا العقد لفظتان (إحدهما) الاجارة وهذه اللفظة وان اشتهرت في العقد فهى في اللغة اسم للاجرة وهى كراء الاجير وذكر الجبان في الشامل أن يقال لها اجارة أيضا بالواو ويقال استأجرت دار فلان وأجر لى داره ومملوكه يؤجرها إيجازا فهو مؤجر وذاك مؤجر ولايقال مؤاجر ولا آجر (أما) المؤاجر فهو من قولك أجر الاجير مؤاجرة كما يقال زارعه وعامله وأجر هذا فاعل وأجر داره أفعل فاعل ولا يجر منه مفاعل (وأما) الاجر فهو فاعل قولك أجره يأجره يأجيره ويأجره أجرا إذا أعطاه أجرا وقولك أجره إذا صار أجيرا له وقوله تعالى (على أن تأجرني ثمانى حجج) فسره بعضهم بالمعني الاول فقال تعطيني من تزويجي إياك رعى الغنم هذه المدة وبعضهم بالثاني فقال تصير أجرى وإذا استأجرت عاملا لعمل فأنت أجر بالمعني الاول لانك تعطى(12/176)
الاجرة وهو آجر بالمعني الثاني لانه يصير أجيرا لك وأجره إليه لغة في آجره أي اعطاه اجره والاجير فعيل بمعني مفاعل كالجليس والنديم هذا تلخيص ما ذكره أئمة اللغة (والثانية) الاكراء يقول أكريت(12/177)
الدار فهى مكراة ويقال اكتريت واستكريت وتكاريت بمعنى رجل مكارى والكرى على فعيل المكارى والمكترى أيضا والكراء وان اشتهر اسما للاجرة فهى في الاصل مصدر كاريت(12/178)
(المقدمة الثانية) أصل هذا العقد من الكتاب قوله تعالى (فان أرضعن لكن فآتوهن أجورهن) وقصة موسى وشعيب عليهما السلام ومن الخبر نحو قوله صلى الله عليه وسلم " اعطوا الاجير أجرته(12/179)
قبل أن يجف عرقه " ومن الاثر فيما روى أن عليا عليه السلام " أجر نفسه من يهودى يستقى له(12/180)
كل دلو بتمرة " ثم الحاجة داعية إليه ظاهرة وهو متفق على صحته الا ما يحكى فيه عن عبد الرحمن ابن كيسان الاصم والقاشاني (مقدمة أخرى) اختلف الاصحاب في أن المعقود عليه في الاجارة ماذا فعن أبى اسحق وغيره أن المعقود عليه العين ليستوفى منها المنفعة لان المنافع معدومة ومورد العقد يجب(12/181)
ان يكون موجودا وأيضا فان اللفظ مضاف إلى العين ألا ترى أنك تقول أجرتك الدار وقال المعظم العين غير معقود عليها لان المعقود عليه ما يستحق بالعقد ويجوز التصرف فيه والعين ليست(12/182)
كذلك فان المعقود عليه المنفعة وبه قال أبو حنيفة رضى الله عنه ومالك وعليه يستوف قول الجمهور إن الاجارة تمليك المنافع بعوض ثم حققوا ذلك بان عين الثوب مثلا تتعلق به ثلاثة أمور (أحدها)(12/183)
صلاحتيه لان يلبس (والثانى) الفائدة الحاصلة باللبس كاندفاع الحر والبرد (الثالث) نفس اللبس المتوسط(12/184)
بينهما واسم المنفعة يقع عليهما جميعا ومورد العقد المستحق إنما هو الثالث ويشبه أن لا يكون ما حكيناه خلافا محققا لان من قال المعقود عليه العين لا يعني به أن العين تملك بالاجارة كما تملك بالبيع ألا ترى أنه قال المعقود عليه العين لاستيفاء المنفعة ومن قال المعقود عليه المنفعة لا يقطع الحق(12/185)
عن العين بالكلية بل تسلم العين وامساكها مدة العقد لينتفع بها * وإذا عرفت هذه المقدمات فالاجارة تنقسم إلى صحيحة وإلى غيرها وإذا صحت ترتب عليها أحكام ودامت إلى انتهاء مدتها الا أن يفرض ما يقتضى فسخا أو انفساخا فالكلام في ثلاثة مقاصد أدرجها المصنف في ثلاثة أبواب (أحدها)(12/186)
في أركان صحة الاجارة (والثانى) في أحكامها إذا صحت (والثالث) في العوارض المقتضية للفسخ والانفساخ (أما الباب الاول) فقد نخطر لك أولا مترجمة بأركان الصحة فأضاف الاركان إلى الصحة وكذلك فعل في القراض وأضاف في البيع وأكثر العقود الاركان إلى نفسها فهل لذلك من سبب(12/187)
والجواب أنه لافرق بين عقد وعقد في الامور المسماة أركانا فإذا أضيفت إلى نفس العقد فعلى المعنى الذي حكيناه عن الوسيط في أول البيع وان أضيفت إلى الصحة فعلي المعنى الذي ذكرناه آخرا هناك وهى أنها أمور معتبرة في الصحة على صفة مخصوصة (وثانيها) أنه عد الاركان دون العاقدين ثلاثة(12/188)
وفي البيع مع المتعاقدين ثلاثة وسببه أنه في البيع أخذ المعقود عليه بمطلقه ركنا وأنه يشمل العوضين وهاهنا جعل كل واحد منهما ركنا برأسه ولافرق في الحقيقة وقوله في العاقدين ولا يخفي أمرهما أشار به إلى ما يعتبر فيهما من العقل والبلوغ كما تقدم في سائر التصرفات * (الركن الاول الصيغة) وهى(12/189)
أن تقول أكرتيك هذه الدار أو أجرتكها مدة كذا بكذا فيقول على الاتصال قبلت أو استأجرت أو اكتريت ولو أضافهما إلى المنفعة فقال أكريتك منافع هذه الدار أو أجرتكها فوجهان (أظهرهما) وبه أجاب في الشامل أنه يجوز ويكون ذكرا لمنفعته ضربا من التأكيد كما لو قال بعتك عين هذه الدار ورقبتها يصح البيع (والثانى) المنع وهو الذي أورده في الكتاب لان لفظ الاجارة وضع مضافا إلى العين(12/190)
وإن كان العقد في الذمة فقال ألزمت ذمتك كذا فقال قبلت جاز وأغني عن الاجارة والاكراء وإن تعاقدا بصيغة التمليك نظر إن أضافها إلى المنفعة فقال ملكتك منفعتها شهرا جاز لان الاجارة تمليك منفعة بعوض ولو قال بعتك منفعة هذه الدار شهرا فأحد الوجهين وبه قال ابن سريج أنه يجوز لان الاجارة صنف من البيع (وأظهرهما) المنع لان البيع موضوع لملك الاعيان فلا يستعمل في المنافع كما لا ينعقد البيع(12/191)
بلفظ الاجارة هذا هو النقل الظاهر (وقوله) في الكتاب ووراءه شيئان غريبان (أحدهما) طرد صاحب التهذيب الوجهين في قوله بعتك منفعة هذه الدار فيما لو قال ملكتك منفعتها (والثانى) حكي أبو العباس الرويانى طريقة قاطعة بالمنع فيما إذا قال بعتك منفعة هذه الدار ويجوز أن يعلم للاول (قوله في الكتاب(12/192)
ويقوم مقامها لفظ التمليك ولو قال ملكتك أو بعتك هذه الدار لم تنعقد به الاجارة * قال (الركن الثاني الاجرة) فان كانت في الذمة فهى كالثمن حتى يتعجل (ح م) بمطلق العقد * وان كان معينا فهو كالمبيع فيراعى شرائطه فلو أجر دارا بعمارتهما أو بدراهم معلومة بشرط صرفها إلى العمارة بعمل المستأجر فهو فاسد لان العمل في العمارة مجهول * ولو كانت الاجرة صبرة مجهولة جار كما في البيع * وقيل انه على قولين كما في رأس مال السلم) *(12/193)
الاجارة تنقسم إلى واردة على العين كما إذا استأجر دابة بعينها ليركبها أو يحمل عليها أو شخصا بعينه لخياطة ثوب والى واردة على الذمة كما إذا استأجر دابة موصوفة المركوب أو للحمل أو
قال ألزمت ذمتك خياطة ثوب أو بناء جدار فقبل وقوله استأجرتك لكذا أو لتفعل كذا وجهان(12/194)
(أظهرهما) أن الحاصل به إجارة عين للاضافة إلى المخاطب كما لو قال استأجرت هذه الدابة (والثانى) ويحكى عن اختيار القاضى حسين أن الحاصل اجارة في الذمة لان المقصود حصول العمل في جهة المخاطب فكأنه قال استحققت عليك كذا وانما تكون اجارة عين على هذا إذا راد فقال استأجرت(12/195)
عينك أو نفسك لكذا أو لتعمل بنفسك كذا واجارات العقارات لا تكون إلا من القسم الاول لانها لا تثبت في الذمة ألا ترى أنه لا يجوز السلم في دار ولا أرش وإن وردت الاجارة على العين لم تجب الاجرة في المجلس كما لا يجب تسليم الثمن في البيع ثم إن كانت في الذمة فهى كالثمن في الذمة في جواز(12/196)
الاستبدال وفى أنه إذا شرط فيها التأجيل أو التنجيم كانت مؤجلة أو منجمة وإن شرط التعجيل كانت معجلة وإن أطلق ذكرها تعجلت أيضا وملكها المكرى بنفس العقد واستحق استيفاءها إذا سلم العين إلى المستأجر وبهذا قال قال أحمد وقال أبو حنيفة ومالك لا تملك الاجرة عند الاطلاق بنفس العقد(12/197)
كما لا يملك المستأجر المنفعة فانها معدومة ولكن يملكها شيئا فشيئا كذلك الاجرة إلا أن المطالبة كل لحظة مما يعسر فضبط أبو حنيفة باليوم وقال كلما مضى يوم طالبه باجرته وهذا رواية عن مالك رضى الله عنه قال في رواية لا يستحق أخذ الاجرة حتى تنقضي المدة بتمامها * لنا أن الاجرة عوض في معاوضة تتعجل(12/198)
بشرط التعجيل فتتجعل عند اطلاق كالثمن وكذلك نقول يملك المستأجر المنفعة في الحال وينفذ تصرفه فيها إلا أنها تستوفى على التدريج وقولهم بأنها معدومة يشكل بما إذا شرط التعجيل فان الشرط لا يجعل المعدوم موجودا ثم قال الاصحاب المنافع إما موجودة واما ملحقة بالموجودات ولهذا صح إيراد(12/199)
العقد عليها وجاز أن تكون الاجرة دينا في الذمة ولولا أنها ملحقة بالموجودات لكان ذلك في معنى بيع الدين بالدين ويجب أن تكون الاجرة معلومة القدر والوصف كالثمن إذا كان في الذمة وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " من استأجر أجيرا فليعطه اجره " قال اعمل كذا لارضيك أو اعطيك شيئا وما أشبه فسد العقد وإذا عمل استحق اجرة المثل ولو استأجر أجيرا بنفقته أو كسوته فسد خلافا لمالك وأحمد حيث قالا تجوز ويستحق الوسط ولابي حنيفة في المرضعة خاصة * لنا القياس على عوض البيع والنكاح وان استأجر بقدر معلوم من الحنطة أو الشعير ووصفه كما يجب في السلم جاز أو بارطال من الخبز يبنى على جواز السلم في الخبز ولو أجر الدار بعمارتها أو الدابة بعلفها أو الارض(12/200)
بخراجها أو مؤنتها لم يجز وكذلك لو أجرها بدراهم معلومة على أن يعمرها ولا يحسب ما أنفق من الدراهم وكذا لو أجرها بدراهم معلومة على أن يصرفها في العمارة لان الاجرة الدراهم والصرف إلى العمارة والعمل في الصرف مجهول وإن كانت الدراهم معلومة ثم إذا صرفها إلى العمارة رجع بها ولو أطلق العقد ثم أذن له في الصرف في العمارة وتبرع به المستأجر جاز فان اختلفا في قدر ما أنفقته فقولان(12/201)
في أن القول قول من * ولو سلم إليه ثوبا وقال ان خطته اليوم فلك درهم وإن خطته غدا فلك نصف درهم فالعقد فاسد والواجب أجرة مثله في أي يوم خاطه (وقال مالك وأبو حنيفة ان خاطه اليوم استحق درهما وان خاطه غدا استحق أجرة المثل * وان قال ان خطته روميا فلك درهم وان خطته فارسيا فنصف درهم فهو فاسد خلافا لابي حنيفة والخياطة الرومية بغرزتين والفارسية بغرزة وإذا(12/202)
شرط التأجيل في الاجرة فحل الاجل وقد تغير النقد فالاعتبار بيوم العقد وفي الجعالة الاعتبار بيوم اللفظ أو بيوم تمام العمل حكى الامام فيه وجهين (أصحهما) الاول ووجه الثاني أن الاستحقاق يثبت بتمام العمل * هذا إذا كانت الاجرة في الذمة * فان كانت معينة ملكت في الحال كالمبيع واعتبرت فيه الشرائط المعتبرة في المبيع حتى لو جعل الاجرة جلد شاة مذبوحة قبل السلخ لم يجز لانه لايعرف(12/203)
حاله في الرقة والثخانة وسائر الصفات قبل السلخ وهل تغني مشاهدتها عن معرفة القدر فيه طريقان (أحدهما) أنه على القولين في رأس مال السلم لان الاجارة تعرض للفسخ والانفساخ لتعذر استيفاء المنافع كالسلم لانقطاع المسلم فيه (والثانى) القطع بالجواز لان المنافع ملحقة بالاعيان الموجودة لتعلقها بالعين الحاضرة وكيف ماكان فالظاهر الجواز * هذا في اجارة العين (النوع الثاني) الاجارة الواردة(12/204)
على الذمة فلا يجوز فيها تأجيل الاجرة والاستبدال عنها ولا الحوالة بها ولا عليها ولا الابراء بل يجب التسليم في المجلس كرأس المال السلم لانه سلم في المنافع وان كانت الاجرة مشاهدة غير معلومة القدر فهي على القولين في رأس مال السلم ولا يجئ ههنا الطريق الاخر * هذا إذا تعاقدا بلفظ السلم بأن قال سلمت إليك هذا لدينار في دابة تحملني إلى موضع كذا فان تعاقدا بلفظ الاجارة بأن قال(12/205)
استأجرت منك دابة صفتها كذا لتحملني إلى موضع كذا فوجهان بنوهما على أن الاعبار باللفظ أم بالمعنى (أصحهما) عند العراقيين والشيخ أبى على أن الحكم كما لو تعاقدا بلفظ السلم لانه سلم في المعنى وتابعهم صاحب التهذيب على اختيار هذا الوجه لكنه لا يلائم مصيره فيما إذا أسلم بلفظ(12/206)
الشراء وكذلك ما نحن فيه * اختار مختارون اعتبار اللفظ وفيما إذا اشترى بلفظ السلم ذكرتم أن أظهر القولين بطلان العقد والائمة كالمتفقين عليه فهل من فارق * والجواب أن المسائل التى بنوها على هذا الاصل كثيرة لكنها متنوعة فمنها أن يستعمل اللفظ فيما لا يوجد فيه تمام معناه وإن كان بينهما(12/207)
بعض التشابه كالشراء بلفظ السلم فان تمام معنز السلم لا يوجد في البيع لانه أخص منه (ومنها) أن يكون آخر اللفظ رافعا لاوله كقوله بعتك بلا ثمن (ومنها) أن يكون الشئ الاصلى اللفظ مشترك بين خاصين يشتهر اللفظ في أحدهما ثم يستعمل في الثاني كالسلم بلفظ الشراء فان المعنى الاصلي للشراء(12/208)
موجود بتمامه في السلم إلا أنه اشتهر في شراء الاعيان وكذلك السلم في المنافع بلفظ الاستئجار المشهور في إجارة العين فيشبه أن يقال الصيغة محيلة في النوع الاول والثانى ومنتظمة صحيحة الدلالة على المقصود في النوع الثالث فيعتبر المعني ولا يخفي عليك بعد الشرح أن مسائل الكتاب في الصفة(12/209)
ولقمة في النوع الاول من الاجارة ويجوز أن تكون الاجرة منفعة عين أخرى اتفق الجنس كما إذا أجر دارا بمنفعة دار أخرى أو اختلفت كما إذا أجرها بمنفعة عبد خلافا لابي حنيفة فيما إذا اتفق الجنس بناء على أن الجنس الواحد يحرم النساء وفي الاجارة نساء وعندنا لا ربا في المنافع أصلا حتى لو أجر دارا بمنعة دارين يجوز وكذلك لو أجر حليا ذهبا بذهب ولا يشترط القبض في المجلس *(12/210)
قال (ولو استأجر السلاخ بالجلد والطحان بالنخالة أو بصاع من الدقيق فسد لنهيه عليه الصلاة والسلام عن قفيز الطحان ولانه باع ما هو متضل بملكه فهو كبيع نصف من سهم * ولو شرط للمرضعة جزأ من المرتضع لرقيق بعد الفطام * ولقاطف الثمار جزأ من الثمار المقطوفة فهو أيضا(12/211)
فاسد * وإن شرط جزأ من الرقيق في الحال أو من الثمار في الحال فالقياس صحته (و) * وظاهر كلام الاصحاب دال على فساده حتى منعوا استئجار المرضعة على رضيع لها فيه شرك لان عملها لا يقع على خاص ملك المستأجر) *(12/212)
لا يجوز أن تجعل الاجرة ما يحصل بعمل الاجير كما إذا استأجر السلاخ لسلخ الشاة بجلدها أو الطحان ليطحن الحنطة بثلث دقيقها أو بصاع منه أو بالنخالة أو المرضعة بجزء من الرقيق الرضيع بعد الفطام أو قاطف الثمار بجزء من الثمار بعد القطاف أو النساج لينسج الثوب بنصفه * والمستحق(12/213)
للاجير في هذه الصور أجرة مثل عمله وهو موجه أولا بالخبر حديث روى أنه صلى الله عليه وسلم " نهى عن قفيز الطحان " وتفسيره استئجار الطحان ليطحن الحنطة بقفيزمن دقيقها ثم وجه ثانيا بثلاثة(12/214)
أوجه (أحدها) أن المجعول أجرة متصل بغيره فهو كبيع نصف من سهم أو نصل وهذا قد ذكره في الكتاب وسمى جعله أجرة بيعا حيث قال باع ما هو متصل بملكه لانه في معناه ولك(12/215)
أن تقول هذا إن اشتهر في الجلد لا يستمر في الجزء المشاع والحكم لا يختلف فان كنا نقنع بما لا يطرد في هذا القبيل ففى المسائل بالفساد مأخذ أظهر من هذا كمسألة السلاخ فان الجلد قبل السلخ مجهول ولايجوز جعله أجرة مطلقا كما سبق وكمسألة النخالة فانهما(12/216)
مجهولة المقدار وإذا شرط صاعا من الدقيق فان كانت الجملة مجهولة فهو كبيع صاع من صبرة مجهولة الصيعان وقد مر * وفي مسألة الرقيق الرضيع وقطاف الثمار شئ آخر وهو أن الاجرة معينة وقد أجلها بأجل مجهول والاعيان لا تؤجل بالاجال المعرمة فكيف بالمجهولة (والثاني) أن عمله لا يقع للمستأجر في محل ملكه خاصة بل لنفسه وللمستأجر وفي ملكيهما * والشرط في الاجارة وقوع العمل(12/217)
في خاص ملك المستأجر وهذا قد ذكره صاحب الكتاب أيضا في آخر الفصل وسيأتى الاشكال عليه (والثالث) أن الاجرة غير حاصلة في الحال على الهيئة المشروطة وانما تحصل بعمل الاجير من بعد فهى إذا غير مقدور عليها في الحال ولو استأجر المرضعة بجزء من الرقيق في الحال أو قاطف الثمار بجزء منها على رؤس الاشجار فحكاية الامام وصاحب الكتاب عن الاصحاب المنع أيضا توجيها(12/218)
بأن عمل الاجير ينبغى أن يقع في خاص ملك المستأجر وأنهم خرجوا على هذا أنه لو كان الرضيع ملكا لرجل وامرأة فاستأجرها الرجل وهى مرضع لترضعه بجزء من الرقيق أو غيره لم يجز لان
عملها لا يقع في خاص ملك المستأجر واعترضا عليه بأن القياس والحالة هذه الجواز ولا يضر وقوع العمل في المحل المشترك ألا ترى أن أحد الشريكين لو ساقى صاحبه وشرط له زيادة من الثمار يجوز وإن كان عمله يقع في المشترك وظاهر المذهب هذا الذي مالا إليه دون ما نقلاه قال في التهذيب(12/219)
لو استأجر أحد الشريكين في الحنطة صاحبها ليطحنها أو في الدابة ليتعهدها بدرهم جاز ولو قال استأجرتك بربع هذه الحنطة أو بصاع منها لتطحن الباقي (فالجواب) في التهذيب والتتمة الصحة ثم يتقاسمان قبل الطحن فيأخذ الاجرة ويطحن الباقي * قال في التتمة وان شاء طحن الكل والدقيق مشتر ك بينهما ومن صور الوسيط ما إذا استأجر حمال الجيفة بجلدها وتعليل الفساد فيها بأن جلد الجيفة أجرة أوضح لكن الصورة الغريبة منها ما إذا استأجر لحمل شاة مذكاة إلى موضع كذا بجلدها *(12/220)
قال (الركن الثالث المنفعة * وشروطها خمسة أن تكون متقومة لا بانضمام عين إليها * وأن تكون مقدورا على تسليمها * حاصلة للمستأجر معلومة * أما التقويم عنينا به أن استئجار تفاحة للشم وطعام لتزيين الحانوت لا يصح * وكذا (ح) استئجار الدراهم والدنانير لتزيين الحانوت فانه لاقيمة له على الاصح (و) * وكذا استئجار الاشجار لتجفيف الثياب والوقوف في ظلها * وكذا استئجار البياع على كلمة تروج لها السلعة ولاتعب فيها * وفي استئجار الكلب للحراسة والصيد وجهان)(12/221)
اعتبر في المنفعة المعقود عليها خمسة شروط (أحدها) أن تكون متقومة ليحسن بذل المال في مقابلتها فان لم يكن كذلك كان بذل المال لها سفها وتبذيرا فمنع منه كما منع من شراء مالا ينتفع به وفيه صور (إحداهما) ذكر أن كراء تفاحة للشم فاسد وكأن المنع ناشئ من أن التفاحة(12/222)
الواحدة لا تقصد للشم فيكون استئجارها كشراء الحبة الواحدة من الحنطة والشعير * فان كثر فالوجه الصحة ولانهم نصوا على جواز استئجار المسك والرياحين للشم ومن التفاح ما هو أطيب من كثير من(12/223)
الرياحين (الثانية) في استئجار الدراهم والدنانير وجهان كما في إعارتها (والاصح) المنع والاعارة أولى بالجواز لانها مكرمة لا معاوضة ولذلك جوز بعضهم الاعارة مع منع الاجارة وذكرنا هناك بحثا في أن موضع الخلاف اطلاق إعارة الدراهم أو التعرض لغرض البر بين بناء على الخلاف في أن صحة الاجارة(12/224)
من غير تعيين لجهة المنفعة وههنا لا تصح الاجارة عند الاطلاق بمال لان تعيين الجهة في الاجارة لابد منه وعن أبى حنيفة أنه إن عين جهة الانتفاع بها من تزيين الحوانيت أو الوزن بها أو الضرب(12/225)
على طبعها صحت الاجارة وإلا كانت قرضا وأما استئجار الاطعمة لتزيين الحوانيت بها فكلام المصنف ههنا وفي الوسيط يقتضى القطع بمنعه وكذلك ذكره القاضى حسين وعن الامام وغيره أنه على الوجهين(12/226)
فيجوز اعلام قوله والطعام لتزيين الحوانيت بالواو والوجهان جاريان في استئجار الاشجار لتجفيف الثياب والوقوف في ظلها وربط الدواب بها لان الاستئجار لا يقصد لهذه الاغراض وذهب بعضهم(12/227)
إلى أن الاصح الصحة ههنا على خلاف الاصح في مسألة الدراهم والدنانير لانها منافع مهمة ومنفعة التزيين ضعيفة وأجرى في التهذيب الوجهين في استئجار الببغاء للاستئناس وبالجواز أجاب أبو سعيد(12/228)
المتولي وكذلك في كل مستأنس بلونه كالطاوس أو بصوته كالعندليب (الثالثة) استئجار البياع على كلمة البيع أو كملة تروج بها السلعة ولاتعب فيها فاسد لانه لاقيمة لها ولم يجعلوا هذا من صور الوجهين(12/229)
لكن المحكى عن الامام محمد بن يحيى أن ذلك في المبيع المستقر قيمته في البلد كالخبز واللحم (وأما) الثياب والعبيد وما يختلف قدر الثمن فيه باختلاف المتعاقدين فيختص بيعها من البياع بمزيد منفعة(12/230)
وفائدة فيجوز الاستئجار وعليه فإذا لم يجز الاستئجار ولم يلحق البياع تعب فلا شئ له وإن تعب يكره التردد وكثرة الكلام في تأليف أصل المعاملة فله أجرة المثل لا ما تواطأ عليه البياعون (الرابعة) في استئجار(12/231)
الكلب المعلم للحراسة والسيد وجهان (أحدهما) الجواز كاستئجار الفهد والبازى والشبكة للاصطياد والهرة لدفع الفأرة (وأصحهما) المنع لان اقتضاءه ممنوع الا لحاجة وما جوز للحاجة لا يجوز أخذ العوض عليه وأيضا فانه لاقيمة لعينه وكذلك لمنفعته *(12/232)
قال (أما المتقوم دون العين معناه أن استئجار الكرم والبستان لثمارها والشاة لنتاجها ولبنها وصوفها باطل فانه بيع عين قبل الوجوه * واستئجار الشاة لارضاع السخلة باطل واستئجار المراة للارضاع مع الحضانة جائز * ودون الحضانة فخلاف * والاولى الجواز للحاجة * واستئجار الفحل للضراب ففيه خلاف * والاولى المنع لانه لا يوافق بتسليمه على وجه ينفع * أما القدرة على التسليم نعني(12/233)
به أن استئجار الاخرس للتعليم والاعمى للحفظ باطل لان المقصود غير ممكن * ولو استأجر قطعة أرش لاماء لها للزارعة فهو باطل * وإن استأجر للسكنى فجائز * فان أطلق وكان في محل يتوقع(12/234)
الزراعة كان كالتصريح بالزراعة * وإن كان الماء متوقعا ولكن على الندور ففاسد بناء على الحال * وإن كان يعلم وجود الماء فصحيح * وإن كان يغلب وجود الماء بالامصار فالنص أنه فاسد نظر إلى(12/235)
العجز في الحال * وقيل أنه صحيح إذ انقطاع الشر العد والماء الجارى أيضا ممكن * وإن استأجر
أرضا والماء مستو عليها في الحال ولا يعلم انحساره فهو باطل * وان علم انحساره فهو صحيح (و) ان تقدمت رؤية الارض أو كان الماء صافيا لايمنع رؤية الارض)(12/236)
ترجمه هل الشرط ههنا وفي الفصل السابق بكون المنفعة متقومة بنفسها لا بعين تضم إليها كانه قدر انقسام المنفعة إلى متقومة بنفسها ومتقومة بعين تنضم إليها ولمانع أن يمنع ذلك ويقول إن العين المنضمة إلى المنفعة هي المتقومة والمنفعة لا تستفيد من العين تقوما وقال في الوسيط معبرا عن هذا الشرط انه لا يتضمن استيفاء عين قصد أو هذا أليق بمسائل الفصل وعلته أن الاجارة عقد ينبغي به المنافع(12/237)
دون الاعيان هذا هو الاصل إلا أنه قد تستحق بها الاعيان تابعة لضرورة أو حاجة حاقة فتلحق تلك الاعيان حينئذ بالمنافع وفيه مسائل (احداها) استئجار الكروم والبستان لثمارها والشاة لنتاجها أو صوفها أو لبنها باطل لان الاعيان لا تملك بعقد الاجارة وهذا في الحقيقة بيع لاعيان معدومة ومجهولة (الثانية) الاستئجار لارضاع الطفل جائز ويستحق به منفعة وعين فالمنفعة أن تضع الصبى في حجرها(12/238)
وتلقمه الثدى ويعصره عند الحاجة والعين اللبن الذي يمتصه الصبي وإنما جوزناه وأثبتناه به استحقاق اللبن لانا لو منعناه لاحتاج إلى شراء اللبن كل دقيقة وفيه من المشقة ما يعظم ثم الشراء إنما يمكن بعد الحلب والتربية لا تتم باللبن المحض ثم الاصل الذى يتناوله العقد ماذا فيه وجهان (أحدهما) اللبن وفعلها تابع لان اللبن مقصود لعينه وفعلها مقصود لايصال اللبن المقصود إلى الصبى (وأصحهما) أن(12/239)
الاصل المتناول بالعقد فعلها وللبن مستحق تبعا لقوله تعالى (فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) علل الاجرة بفعل الارضاع لابلبن وأيضا ان الاجارة موضوعة لاستحقاق المنافع فان استحقق فيها عين الضرورة تدعو إليه فهى تابعة كالبئر تستأجر لسقى مائها والدار تستأجر وفيها بئر يجوز لاستيفاء منها أم ان استأجرها لحضانة فوجهان (أحدهما) لا يجوز لانه لا يجوز استئجار الشاة لارضاع السخلة(12/240)
(وأصحهما) الذي أورده الاكثرون انه يجوز كما يجوز أن تستأجر لمجرد الحضانة قال الامام وهذا الخلاف فيما إذا قصر الاجارة على صرف اللبن وقطع عنه وضعه في الحجر ونحوه فاما الحضانة بالمعنى الذي نذكره من بعد فلا خلاف في جواز قطعه عن الارضاع (الثالثة) استئجار الفحل للضراب حكمه ما ذكرنا في(12/241)
الباب الثالث من كتاب البيع وقوله انه لا يوافق بتسليمه على وجه ينفع اراد به انه أمر لا يتعلق باختيار الحيوان ثم بتقدير أن ينزو فربما لا ينزل فان انزل فربما لا يحصل منه الولد وهو المقصود لكن المعتبر القدرة على تسليم المنفعة المعقود عليها (فاما) وقوعه نافعا مرو سبيله إلى الغاية المقصودة فغير معتبر بالاتفاق(12/242)
ومما يناسب مسائل الفصل استئجار القنوات وله ذكر في بعض نسخ الكتاب قبيل المسألة الثالثة بهذه العبارة واستئجار القناة للزارعة بمائها الاصلح يجويزه للحاجة ولا وجه له في القياس إلا على قول من لا يري الماء مملوكا فتكون القناة كالشبكة والماء كالصيد وغالب الظن أولا أن المسألة ليست من(12/243)
متن الكتاب فليست هي ثابتة في الوسيط ثم حكمها تفريعا على ان الماء ليس بمملوك بين ما ذكره وعلى قولنا انه مملوك فالمنافع آبار الماء وقد جوزنا استئجار بئر الماء للاستقاء والتى بعدها مستأجرة لاجراء الماء فيها وقال القاضى الرويانى في الحلية إذا اكترى قرار القناة ليكون احق بمائها جاز في قول بعض(12/244)
أصحابنا وهو الاختيار والمشهور منه ولفظه في تصوير المسألة يشبه ان يكون مبنيا على ان الماء لا يملك (الشرط الثالث) للمنفعة أن تكون مقدورا على تسليمها فلا يجوز استئجار الابق والمغصوب كبيعهما ولا استئجار الاخرس للتعليم والاعمى لحفظ المتاع وكذا استئجار من لا يحسن القرآن ليعلمه قال في(12/245)
الوسيط فان وسع عليه وقتا يقدر على التعلم قبل التعليم ففيه وجهان (الاصح) المنع لان المنفعة مستحقة
في عينه والعين لا تقبل شرط التأجيل والتأخير * وان استأجر ارضا للزارعة وجب ان تكون الزراعة فيها متيسرة والاراضي انواع منها أرض لها ماء دائم من نهر أو عين أو بئر ونحوها ومنها أرض لا ماء لها(12/246)
ولكن يكفيها المطر المعتاد والنداوة التى تصيبها من الثلوج المعتادة كبعض أراضي الجبال أولا يكفيها ذلك ولكنها تسقى بماء الثلج والمطر في الجبل والغالب فيها الحصول ومنها ارض لاماء لها ولا تكفيها الامطار المعتادة ولا تسقى بماء غالب الحصول من الجبل ولكن ان أصابها مطر عظيم أو سيل نادر(12/247)
أمكن أن تزع فالنوع الاول يجوز استئجاره والثالث لا يجوز لانها منفعة غير مقدور عليها وامكان الحصول غير كاف كامكان عود الابق مرد المغصوب وفي النوع الثاني وجهان (أحدهما) وبه قال القفال انه لا يجوز استئجاره لان السقى معجوز عنه في الحال والماء المتوقع لايعرف حصوله وبتقدير حصوله(12/248)
لايعرف انه هل يحصل في الوقت الذي تمكن الزراعة فيه (والثانى) انه يجوز ويحكى عن القاضى الحسين لان الظاهر حصول المقصود والتمكن الظاهر كاف ألا ترى ان انقطاع ماء النهر والعين ممكن أيضا لكن لما كان الظاهر فيه الحصول كفى لصحة العقد وهذا أقوي الوجهين وبه أجاب القاضى ابن كج وصاحب التهذيب وغيرهما وانما اضاف صاحب الكتاب الاول إلى النصف لانه قال في المختصر(12/249)
وان يكارى الارض التى لا ماء لها وانما تسقى بنطف من السماء أو بسيل ان جاء فلا يصح وظاهره يشمل النوع الثاني والثالث وقد يشعر به قوله أو بسيل ان جاء والنطف القطر يقال نطف ينطف نطفا وكل قاطر ناطف (ومنها) ارض على شط النيل أو الفرات أو غيرهما يعلو الماء عليها ثم ينحسر ويكفي ذلك لزراعتها السنة فإذا استأجرها للزراعة بعد ما علاها الماء وانحسر صح وان كان قبل ان يعلو الماء عليها فان لم يوثق به كالنيل لا ينضبط أجره لا يصح وان كان الغالب حصوله فليكن على الخلاف في استئجار النوع الثاني من الاراضي وان كان موثوقا به كالمد بالبصرة صح كماء النهر وان كان يتردد(12/250)
في وصول المد إلى تلك الاراضي فهو كارض ليست لها ماء معلوم وان كان قد علاها الماء ولم ينحسر فان كان لا يرجى انحساره لم يجز استئجارها وكذا لو كان يتردد فيه لان العجز يقين وزواله مشكوك فيه وان كان يرجى انحساره وقت الزراعة بالعادة فالنص صحته قال الاصحاب فيه وجهان من الاشكال (احدهما) ان شرط الاجارة التمكن من الانتفاع عقيب العقد والماء مانع منه (والثانى) انه يمنع رؤية(12/251)
الارض فيكون اجارة الغائب (وأجيب) عن الاول بوجهين (احدهما) ان موضع النص ما إذا كان الاستئجار لزراعة ما تمكن زراعته في الماء كالارز فان كان غير ذلك لم يصح الاستئجار حكاه الشيخ أبو حامد عن بعضهم (واصحهما) أنه لافرق بين مزروع ومزروع لكن الماء فيها من مصالح العمارة والزراعة فكان ابقاؤه فيها ضربا من العمارة وأيضا فان صرف الماء بفتح موضع ينصب إليه أو حفر بئر ممكن(12/252)
في الحال وحينئذ يكون متمكنا من الاستعمال بالعمارة بهذه الوسائط فاشبه ماذا استأجر دارا مشحونة بامتعة يمكن الاستعمال بنقلها في الحال فانه يجوز إلا أن الشيخ أبا محمد حكى وجها في منع اجارة الدار المشحونة بالامتعة بخلاف بيعها والاظهر الاول (واما) الثاني فمنهم من قال التصوير فيما إذا كان قد رأى الارض قبل حصول الماء فيها أو كان الماء صافيا لايمنع رؤية الارض وان لم يكن كذلك فعلى قولى شراء الغائب ومنهم من قطع بالصحة (أما) عند حصول الرؤية فظاهر (وأما) إذا لم تحصل فلانه من مصلحة المزارعة من حيث انه يقوى الارض ويقطع العروق المنتشرة فيها فاشبه استتار الجوز واللوز بقشره (والظاهر) الصحة سواء أجرينا القولين أم لا وان كانت الارض على شط نهر الظاهر منها انها تفرق وتنهار في الماء لم يجز استئجارها وان احتمل ولم يظهر جاز لان الاصل والغالب دوام السلامة(12/253)
ويجوز أن تخرج حالة الظهور على مقابل الاصل والظاهر إذا عرف حكم الانواع فكل ارض لها ماء ومعلوم واستأجرها للزراعة مع شربها منه فذاك وان استأجرها للزراعة دون شربها جاز ان تيسر سقيها
من ماء آخر وان اطلق دخل فيه الشرب بخلاف مااذا باعها لايدخل الشرب فيه لان المنفعة ههنا لا تحصل دونه وهذا إذا اطردت العادة للاجارة مع الشرب فان اضطربت فسيأتي الحكم في الباب الثاني فكل ارض منعنا استئجارها للزراعة فان اكثراها لينزل فيها أو يسكنها أو يجمع الحطب فيها أو يربط الدواب جاز وان اكثراها مطلقا نظر إن قال اكتريت هذه الارض البيضاء ولا ماء لها جاز لانه يعرف بنفى الماء ان الاستئجار بغير منفعة الزراعة ثم لو حمل ماء من موضع وزرعها أو زرع على توقع حصول ماء لم يمنع منه وليس له البناء والغراس فيها نص عليه ووجهوه بان تفدير المدة(12/254)
يقتض ظاهره التفريع عند انقضائها والغراس والبناء للتأييد بخلاف مالو استأجر للبناء والغراس فان التصريح بها صرف اللفظ عن ظاهره وان لم يقل عند الاجارة ولا ماء لها فان كانت الارض بحيث يطمع في سوق الماء إليها لم يصح العقد لان الغالب في مثلها الاستئجار للزراعة فكان ذكرها وان كانت على قلة جبل لا يطمع في سوق الماء إليها (فوجهان) عن رواية أبى اسحاق (أظهرهما) الصحة وتكفى(12/255)
هذه القرينة صارفة فإذا اعتبرنا نفى الماء ففي قيام علم المتعاقدين مقام التصريح بالنفى وجهان (اشبههما) المنع لان العادة في مثلها الاستئجار للزراعة فلا بد من الصرف باللفظ الا ترى انه لما كانت العادة في الثمار الابقاء واردنا خلافه اعتبرنا التصريح بشرط القطع واعلم ان في المسألة تصريحا بجواز الاستئجار مطلقا من غير بيان جنس المنفعة وسيأتى الكلام فيه واما لفظ الكتاب فقوله وان كان في محل تتوقع الزراعة كان التصريح بالزراعة جواب على احد الوجهين فاما على رأى من لا يفرق ويقول سواء(12/256)
كانت الزراعة متوقعة أو لم تكن فالاطلاق كالتصريح بالزراعة فيجوز ان يعلم بالواو وقوله وكان في محل تتوقع الزراعة وابعد الماء الدائم الذي لا انقطاع له (وقوله) فان علم انحساره فهو صحيح يمكن اعلامه بالواو للوجه الذي رواه الشيخ أبو حامد في الفرق بين الارز وغيره (وقوله) ان تقدمت رؤية الارض أو كان الماء صافيا لايمنع رؤية الارض والا فهو على الخلاف في شراء الغائب *
قال (وإجارة الدار للسنة القابلة فاسدة (ح) إذ لا تسلط عليه عقيب العقد مع اعتماد العقد العين) * عرفت انقسام الاجارة أي واردة على العين وواردة على الذمة أما إجارة العين فلا يجوز ايرادها على المستقبل كايجار الدار للسنة القابلة والشهر الاتى وكذا إذا قال أجرتك سنة مبتدأة من الغد أو من الشهر الاتى أو أجرتك هذه الدابة للركوب إلى موضع كذا على أن تخرج غدا (وقال) أبو حنيفة(12/257)
وأحمد يجوز ذلك * لنا القياس على البيع فانه لو باع على أن يسلم بعد شهر فانه باطل ولو قال أجرتك سنة فإذا انقضت السنة فقد أجرتك سنة أخرى فالعقد الثاني باطل على الصحيح كما لو قال إذا جاء رأس الشهر فقد أجرتك مدة كذا فاما الاجارة الواردة على الذمة فيحتمل فيها التأجيل والتأخير كما إذا قال الزمت ذمتك حملي إلى موضع كذا على دابة صفتها كذا غدا أو غرة شهر كذا كما لو أسلم في شئ مؤجلا وإن أطلق كان حالا وإن أجر داره سنة من زيد ثم أجرها من غيره السنة الثانية قبل انقضاء الاولى لم يجز فان أجرها من زيد نفسه (فوجهان) ويقال قولان (أحدهما) المنع لانه إجارة سنة قابلة كما لون أجر من غيره أو منه مدة لا تتصل بآخر المدة الاولى (والثانى) وهو المنسوب إلى نصه إنه يجوز لاتصال المدتين كما لو أجر منه السنتين في عقد واحد وهو أصح عند صاحب التهذيب وغيره ورجح في الوسيط الوجه الاولى محتجا بان العقد الاولى قد ينفسخ فلا يتحقق شرط العقد(12/258)
الثاني وهو الاتصال بالاول ولمن نص الوجه الثاني أن يقول رعاية الاتصال ظاهرا وذلك لا يقدح فيه الانفساخ العارض ولو أجرها من زيد لسنة وأجرها زيد من عمرو ثم أجرها المالك من عمرو السنة الثانية قبل انقضاء المدة الاولى ففيه الخلاف ولايجوز أن يؤجرها من زيد ولا يؤجرها من عمرو لان زيدا هو الذي عاقده فيضم إلى ما استحق بالعقد الاول السنة الثانية * قال (ولو أجر سنة ثم أجر من نفس المستأجر السنة الثانية فوجهان * ولو قال استأجرت هذه الدابة لاركبها نصف الطريق وأترك النصف اليك * قال المزني هو إجارة للزمان القابل إذ
لا يتعين له النصف الاول * وقال غيره يصح * وإنما التقطع بحكم المهايأة فهو كاستئجار نصف الدابة ونصف الدار وهو صحيح (ح)) * ولو أجر سنة وباعها في المدة وجوزناه لم يكن للمشترى أن يؤجر السنة الثانية من المكترى لانه لم تكن(12/259)
بينهما معاقدة ويرد نحوه أن الوارث هل يتمكن منه إذا مات المكرى في المدة لان الوارث نائبه ولا يجوز أن يؤجر الدار والحانوت شهرا على أن ينتفع به الايام دون الليالى لان زمان الانتفاع لا يتصل بعضه ببعض فيكون إجارة للزمان المستقبل وفي مثله في العبد والبهيمة يجوز لانهما لا يطيقان العمل الدائم ويرفهان الليل على العادة وإن أطلق لاجارة ولو أجر دابته لموضع ليركبها المكرى زمانا ثم المكترى زمانا لم يجز لتأخر حق المكترى وتعلق الاجارة بالزمان المستقبل وإن أجرها منه ليركب المكترى بعض الطريق وينزل ويمشى في البعض أمر من اثنين ليركب هذا زمانا وهذا مثله ففيه أوجه (أحدها) ان الاجارة فاسدة في الصورة الاولى صحيحة في الثانية لانه إذا اكتري من اثنين اتصل زمان الاجارة بعضه ببعض فإذا اكتري من واحد تفرق فتكون اجارة الزمان المستقبل (وثانيهما) المنع في الصورتين لانه اجارة إلى آجال متفرقة وأزمنة متقطعة (وثالثها) وبه قال المزني(12/260)
في الجامع الكبير تخريجا ووافقه صاحب التلخيص أنه تجوز الاجارة في الصورتين مضمونة في الذمة ولا تجوز على دابة معينة والفرق أنها إذا كانت في الذمة فان أجر من واحد فقد ملكه نصف المنافع على الاشاعة فيقاسم المالك وان أجرها من اثنين ملكهما الكل نسقا فيتقاسمان (وأما) اجارة العين فانها تتعلق بازمنة متقطعة فتكون اجارة الزمان المستقبل (وأصحهما) وهو نصه في الام جواز الاجارة في الصورتين سواء وردت على العين أو الذمة ويثبت الاستحقاق في الحال ثم بتقسيم المكترى والمكرى أو المكتريان والتأخير الواقع من ضرورة القسمة والتسليم لا يضر وهذه المسألة تشهر بكراء العقب وهو جمع عقبة والعقبة النوبة وهما يتعاقبان على الراحلة إذا ركب هذا تارة وهذا تارة (وإذا قلنا) بالجواز فلو كان بالطريق عادة مضبوطة إما بالزمان بان يركب يوما وينزل يوما أو(12/261)
بالمسافة بأن يركب فرسخا ويمشي فرسخا حمل العقد عليها وليس لاحدهما أن يطلب الركوب ثلاثا والنزول ثلاثا لما في دوام المشى من التعب وان لم تكن عادة مضبوطة فلابد من البيان في الابتداء وان اختلفا في من يبدأ بالركوب فالحاكم القرعة ولو أكرى الدابة من اثنين ولم يتعرض للتعاقب (قال) في التتمة إن احتملت الدابة ركوب شخصين اجتمعا على الركوب ولا فالركوب يخرج على المهايأة كما سبق ولو قال أجرتك نصف الدابة إلى موضع كذا أو اجرتك الدابة لتركبها نصف الطريق صح ويقتسمان اما بالزمان أو بالمسافة وهذه إجارة المشاع وبه قال مالك (وقال) أبو حنيفة واحمد لا تصح إجارة المشاع الا من الشريك وفي اجارة نصف الدابة وجه أنها غير جائزة للتقطع بخلاف اجارة نصف الطريق وبخلاف ما إذا أجر منهما ليركبان في محمل ونعود إلى ما يتعلق بلفظ(12/262)
الكتاب خاصة (أما) تضمينه مسائل الفصل شرط القدرة على التسليم فكان سببه أن منافع الزمان المستقبل غير مقدور عليها (أما) إذا نجز كان التسليم في الزمان الحاضر مقدورا عليه فينحسب حكمه على جميع المدة المتواصلة للحاجة (وقوله) فاسد معلم بالحاء والالف وأراد بقوله إذ لا تسلط عليه عقب العقد مع اعتماد العقد العين ان هذه الاجارة متعلقة بالعين غير واردة على الذمة وذلك يقتضى التسليط في الحال وقوله (فوجهان) يجوز اعلامه بالواو ولان أبا الفرخ السرخسى حكى طريقة قاطعة بالمنع كما لو أجر من غير المستأجر ولفظ الكتاب في مسألة كراء العقب لا يتناول الا الاجارة الواردة على العين والا إذا اتحد المكترى لا يجئ حينئذ الا وجهان كما ذكرنا (وقوله) وهو صحيح يجوز أن يعلم بالحاء والالف لمذهبهما في اجارة المشاع * (فرع) لا تجوز اجارة مالا منفعة له في الحال ويصير منتفعا به كالحش لان الاجارة(12/263)
موضوع على تعجيل المنافع بخلاف المساقاة على مالايثمر في تلك السنة ويثمر بعدها لان تأخر الثمار محتمل في كل مساقاة *
قال (والعجز شرعا كالعجز حسا * فلو استأجر على قلع سن صحيحة وقطع يد صحيحة أو إستأجر حائضا على كنس مسجد فهو فاسد لان تسليمه شرعا متعذر ولو كانت اليد متأكلة أو السن وجعة صحت * فان سكنت قبل القلع انفسخت الاجارة) المعجوز عنه شرعا كالمعجوز عنه حسا كما قدمنا في البيع فلا يحوز الاستئجار لقلع سن صحيحة وقطع يد صحيحة ولا استئجار الحائض لكنس المسجد وخدمته لانها منافع متعذرة التسليم شرعا (وقال) في الوسيط في اجارة الحائض لكنس المسجد احتمال فيجوز أن تصح وان كانت تعصى به كما تصح الصلاة في الارض المغصوبة وان كان يشغل ملك الغير والمنقول الاول وكذا لا يجوز الاستئجار(12/264)
لتعليم التوارة والانجيل وختان الصغير الذي لا يحتمل ألمه ولتعلم السحر والفحش ولو استأجر لقطع يد متأكلة وقلع سن موجعة فالكلام أولا في جوازهما أما القلع فانه يجوز إذا صعب الالم وقال أهل البصر انه يريح الالم (وأما) القطع فلابد وان يذكر أهل الصنعة أنه نافع ومع ذلك ففى جوازه(12/265)
خلاف عن حكاية الشيخ أبى محمد المنع أن القطع انما يمنع إذا وضعت الحديدة على محل صحيح وأنه ملك كما أنه الاكلة مهلكة وهذا الخلاف وما في جواز القطع من التفصيل مذكور في الكتاب في باب ضمان الولاة فحيث لا يجوز القطع والقلع فالاستئجار لهما باطل وحيث يجوز ففى صحة الاجارة(12/266)
وجهان (أحدهما) المنع لان الاجارة إنما تجوز في عمل موثوق به وجواز زوال العلة محتمل ليمتنع الوفاء بقضية الاجارة وسبيل مثل هذا الغرض أن يحصل بالجعالة بان يقول اقلع سنى هذه ولك كذا (وأصحهما) الصحة إذ لا يشترط لصحة الاجارة القطع بسلامتهما عما يقطعها ورأي الامام(12/267)
تخصيص الوجهين بالقلع لا أن احتمال فتور الوجع في الزمان الذي يفرض فيه القطع غير بعيد وأما الاتكال بارباب القطع فانه غير محتمل واجري الخلاف في الاستئجار للفصد والحجامة ويزع
الدابة لان هذه الايلامات إنما تياج بالحاجة وقد تزول الحاجة وإذا استأجر امرأة لكنس مسجد(12/268)
فحاضت انفسخ العقد إن وردت الاجارة على عينها وعينت المدة وإن وردت على الذمة لم تنفسخ لامكان أن تفوضه إلى الغير وأن تكنس بعد أن تطهر وإذا جوزنا الاستئجار لقلع السن الوجعة فاستأجر له ثم سكن الوجع انفسخت الاجارة لتعذر القلع وهذا قد ذكره مرة أخرى في الباب(12/269)
الثالث وسنذكر هناك ما يقتضى أعلام قوله انفسخت الاجارة بالواو وإن لم يبرأ لكن امتنع المستأجر من قلعه قال في الشامل لا يجب عليه الا أنه سلم الاجير نفسه ومضى مدة امكان العمل(12/270)
وجب على المستأجر الاجرة ثم ذكر القاضي أبو الطيب أنها لاتستقر حتى لو انقلعت تلك السن انفسخت الاجارة ووجب رد الاجرة كما لو مكنت الزوجة في النكاح ولم يطأها الزوج ويفارق ما إذا حبس الدابة مدة امكان السير حيث تستقر عليه الاجرة لتلف المنافع عنده(12/271)
قال (ولو استأجر منكوحة الغير دون اذن الزوج ففاسد (و) * ولو استأجرها الزوج لنفسه فهو صحيح * وان استأجرها (و) لارضاع ولده منها صح) * استئجار منكوحة الغير اما أن يفرض من غير الزوج أو منه اما غيره فله أن يستأجرها للرضاع وغيره باذن الزوج وبغير اذنه وجهان (أحدهما) يجوز أيضا لان محله غير محل النكاح إذ لاحق له في(12/272)
لبنها وخدمتها وأصحهما المنع وهو المذكور في الكتاب لان أوقاتها مستغرقة بحق الزوج فلا تقدر على توفية ما التزمته فان لم نصححه فذاك وان صححناه فللزوج فسخه كيلا يحيل حقه ولو أجرت نفسها ولا زوج لها ثم نكحت في المدة فالاجارة بحالها وليس للزوج منعها بما التزمته كما لو(12/273)
اجرت نفسها باذنه لكن يستمع بها في أوقات فراغها فان كانت الاجارة للرضاع فهل لولى الطفل الذي استأجرها لارضاعه منع الزوج من وطئها فيه وجهان (أحدهما) ويحكي عن أبى حنيفة(12/274)
ومالك نعم لانه ربما تحمل فينقطع اللبن والافيقل والا فيضر بالطفل (والثانى) وأجاب أصحابنا العراقيون لا لان الحمل متوهم ولا يمتنع به الوطئ المستحق وذكر في التهذيب انه ان كانت الاصابة تضر باللبن منع الزوج من إصابتها وهذا إن أراد به الضرر والناشى من الحبل الناشئ من الاصابة(12/275)
فهو جواب على الوجه الاول ويجوز أن يحمل على اضرارها باللبن من غير توسط الحمل وإذا منع الزوج فلا نفقة عليه في تلك المدة ولو أجر السيد الامة المزوجة جاز ولم يكن للزوج منعها من المستأجر لان يده يد السيد في الانتفاع وأما الزوج فلا يمنع من استئجارها إلا أنه إذا استأجرها(12/276)
لارضاع ولده منها ففيه وجهان (أحدهما) وهو الذي ذكره العراقيون المنع ووجهوه بانها أخذت منه عوضا للاستمتاع وعوضا للحبس فلا تستحق شيئا آخر وهذا على ضعفه منقوض باستئجارها لسائر الاعمال (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب الجواز كما لو استأجرها بعد البينونة وكما لو(12/277)
استأجرها للطبخ والكنس ونحوهما وعن أبى حنيفة أنه لا يجوز استئجارها للطبخ وما أشبه لانه مستحق عليها في العادة وعلى هذا الخلاف استئجار الوالد ولده للخدمة وفي عكسه (وجهان) إذا كانت الاجارة على عينه كالوجهين فيما إذا اجر المسلم نفسه من كافر(12/278)
قال (أما الحصول للمستأجر نعني به ان استئجاره على الجهاد (و) والعبادات التى لا تجرى النيابة فيها فاسد إذ يقع للاجير * وأما الحج وحمل الجنازة وحفر القبر وغسل الميت فيجرى فيها(12/279)
النيابة والاجارة * وللامام (و) استئجار أهل الذمة للجهاد إذ لا يقع لهم * والاستئجار على الاذان جائز للامام * وقيل انه ممنوع كالجهاد * وقيل انه يجوز لاحاد الناس ليحصل للمستأجر فائدة معرفة الوقت * ولايجوز الاستئجار على إمامة الصلوات الفرائض * وفي إمامة التراويح خلاف *(12/280)
والاصح منعه وبالجملة فكل منفعة متقومة معلومة مباحة يلحق العامل فيها كلفة ويتطوع بها الغير عن الغير يصح ايراد العقد عليها) *(12/281)
(الشرط الرابع) حصول المنفعة للمستأجر والا اجتمع العوضان في ملك واحد فانه إذا قال استأجرت دابتك لتركبها بعشرة كانت المنفعة والعشرة حاصلة له * في كنز العناية في هذا الشرط نذكر حكم العبادات في الاستئجار وضبطها امام الحرمين فقال هي على نوعين (احدهما) الذي يتوقف الاعتداد بها على(12/282)
النية فما لا تدخله النيابة منها لا يجوز الاستئجار عليه لان الاستئجار نيابة خاصة وما تدخله النيابة منها يجوز الاستئجار عليه كالحج وتفرقة لزكاة وقال الامام ومن هذا القبيل غسل الميت إذا اعتبرنا فيه النية كجريان النيابة فيه والنوع الثاني لا يتوقف الاعتداد بها على النية وهى تنقسم إلى فرض كفاية والى(12/283)
شعار غير مفروض (القسم الاول) فرض الكفايات وهو على ضربين (احدهما) ما يختص افراضه في الاصل بشخص وموضع معين ثم يؤمر به غيره ان عجز كتجهيز الميت بالتكفين والغسل وحفر القبر وحمل الجنازة والدفن فان هذه المؤنات تختص بتركة الميت فان لم تكن فحينئذ يجب على الناس القيام(12/284)
بها فمثل هذا يجوز الاستئجار عليه لان الاجير غير مقصود بفعله حتى يقع عند وعد من هذا القبيل تعليم القرآن فان كل واحد يختص بوجوب التعليم وان كان يسير القرآن وانبنا عنه من فروض الكفايات وهذا إذا لم يتعين واحد لمباشرة هذه الاعمال فان تعين واحد لتجهيز الميت ولتعليم الفاتحة فوجهان(12/285)
(احدهما) المنع كفروض الاعيان ابتداء (وأصحهما) الجواز كما أن المضطر يجب اطعامه ويجوز تغريمه (والضرب الثاني) ما يثبت افتراضه في الاصل شائعا غير مختص بشخص وموضع كالجهاد فلا يجوز استئجار المسلم عليه لانه مكلف بالجهاد والذب عن الملة فيقع عنه ويجوز استئجار الذمي عليه وسيأتى(12/286)
ذلك في كتاب السير ان شاء الله تعالى (والقسم الثاني) شعائر غير مفروضة كالاذان تفريعا على الاصح وفي جواز الاستئجار عليه ثلاثة اوجه ذكرناها وترتيبها في باب الاذان فان جوزنا فعن الشيخ أبى محمد وغيره ثلاثة اوجه في أن المؤذن على م يأخذ الاجرة (أحدها) انه يأخذ على رعاية المواقيت (والثانى)(12/287)
على رفع الصوت (والثالث) على الحيعلتين لانهما ليسا من الاركان (والاصح) وجه رابع أنه ياخذه على جميع الاذان بجميع صفاته ولا يبعد استحقاق على ذكر الله تعالى كما لا يبعد استحقاقها على تعليم القرآن وان اشتمل على قراءة القرآن ويتخرج على هذه التقاسيم صور (منها) الاستئجار لامامة(12/288)
الصلاة المفروضة ممنوع منه والامامة في التراويح وسائر النوافل وجهان (الاصح) المنع لان الامام حصل لنفسه ومهما صلى اقتدى به من يريد وان لم ينو الامامة وان توقف على نيته شئ فهو احراز فضيلة الجماعة وهذه فائدة تحصل له دون المستأجر ومن جوزه ألحقه بالاستئجار للاذان ليتأدى(12/289)
الشعار (ومنها) الاستئجار للقضاء ممتنع لان المتصدي له قد تعلق بعمله أمر الناس عامة وأيضا فاعمال القاضى غير مضبوطة (ومنها) أطلقوا القول بمنع الاستئجار التدريس وعن الشيخ أبى بكر الطويسى ترديد جواب في الاستئجار لاعادة الدورس (قال) الامام لو عين شخصا أو جماعة ليعلمهم(12/290)
مسألة أو مسائل مضبوطة فهو جائز ولذي أطلقوه فهو محمول على استئجار من يتصدى للتدريس
من غير تعين من يعلم وما يعلم لانه كالجهاد في أنه اقامة مفروض على الكفاية ثابت على الشيوع وكذلك يمتنع استئجار مقرى يقرى على هذه الصورة (قال) ويحتمل أن يجوز الاستئجار ويشبه(12/291)
الاذان وللمنع وراء ما ذكره مأخذ آخر وهو أن عمله غير مضبوط كما ذكرنا في القاضى وقوله) في الكتاب وللامام أن يستأجر أهل الذمة للجهاد يجوز أن يعلم بالواو لوجه ذكره في السير(12/292)
سينتهي إليه الشرح ان وفق الله تعالى (وقوله) ليحصل للمستأجر فائدة معرفة الوقت هذا التوجيه مبنى على جواز الاخذ بقول المؤذن والاعتماد عليه ثم قضية الاكتفاء بحصول فائدة المستأجر دون ان تحصل له كل الفائدة ويلزم منه تجويز الاستئجار للامامة ليحصل للمستأجر فضيلة الجماعة (وقوله)(12/293)
فيما يحمله فكل منفعة متقومة إلى آخره قريب من قوله في أول الركن متقومة لانضمام عين إليها إلى آخره وهما في ظاهر الامر كضابطين يتأدى بهما معني واحد لكن ينبغى أن يتنبه فيه لشيئين (أحدهما) أن التعرض للمتقوم مغن عن قوله يلحق العامل بها كلفة لان مالا كلفة فيه لا يتقوم(12/294)
كما سبق (والثانى) انه وان أطلق لفظ المنفعة لكن المراد ههنا الاعمال التى يستأجر لها الاجراء والا لم ينتظم قوله يلحق العامل فيها كلفة أولا مجال لمفهومه في منفعة لبس الثوب وسكون الدار وقد صرح بذلك في الوسيط فقال كل عمل معلوم متاع يلحق العامل فيه كلفة إلى آخره وكذلك(12/295)
حكاه الامام عن القاضى الحسين ثم هذا الضابط سواء كان ضابطا لمنفعة أو لمنا فع ابدان الاجراء لا اختصا له بهذا الموضع وذكره في غير هذا الموضع أحسن *(12/296)
قال (وأما قوله معلومة فتفصيله في الادمى والاراضي والدواب * (أما الادمى) إذا استؤجر
لصنعة عرف بالزمان أو بمحل العمل كما لو استأجر الخياط يوما أو الخياطة ثوب معين * ولو قال استأجرتك لتخيط هذا القميص في هذا اليوم فسد (و) لانه ربما يتم العمل قبل اليوم أو بعده * وفي تعليم القرآن يعلم بالسور أو بالزمان * وفي الارضاع يعين الصبى ومحل الارضاع * فان هذا مما يختلف الغرض به) *(12/297)
(الشرط الخامس) كون المنفعة معلومة وقد اعتبر في البيع العلم بثلاثة أمور من المبيع العين والقدر والصفة أما العين فلما لا يجوز أن يقول بعتك أحد هذين العبدين لا يجوز أن يقول أجرتك احدهما بل اما أن يلتزم في الذمة كما يلتزم بالسلم واما أن يؤجر عينا معينة ثم إن لم تكن(12/298)
لها إلا منفعة واحدة فالاجارة محمولة عليها وان كانت لها منافع لابد من البيان وأما الصفة فقد ذكرنا إن اجارة العين الغائبة على الخلاف في بيعها وأما القدر فهو المقصود بالذكر (فاعلم) أن قدر المنفعة(12/299)
يشترط العلم به سواء كانت الاجارة في الذمة أو كانت اجارة عين بخلاف المبيع فان الشئ المعين إذا بيع المشاهدة عن تحقيق القدر والفرق أن المنافع ليس لها حضور محقق وانما هي متعلقة بالاستقبال والمشاهدة لا يطلع فيها على الغرض ثم المنافع تقدر بطريقتين تارة تقدر بالزمان كما إذا(12/300)
استأجر الدار ليسكنها سنة وتارة بمحل العمل كما إذا استأجر الخياط ليخيط له الثوب المعين أو الدابة ليركبها إلى موضع كذا ثم قد يتعين الطريق الاول كما في استئجار العقارات فان منافعها(12/301)
لا تنضبط إلا بالمدة وكالارضاع فان تقدير اللبن لا يمكن ولا سبيل فيه إلا الضبط بالزمان وقد يسوغ الطريقان كما إذا استأجر عين شخص أو دابة يمكنه أن يقول ليعمل لى كذا شهرا وأن يقول(12/302)
ليخيط هذا الثوب وفي الدابة أن يقول لاتردد عليها في حوائجى اليوم أو يقول لاركبها إلى موضع كذا فايهما كان كفى لتعريف المقدار فان جمع بينهما بأن قال استأجرتك لتخيط لى هذا القميص(12/303)
اليوم ففيه وجهان (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب وبه قال أبو حنيفة انه لا يجوز لان في إضافة الزمان إلى العمل غرر لا حاجة إلى احتماله لجواز انتهاء العمل قبل انتهاء اليوم وبالعكس(12/304)
وهذا كما إذا أسلم في قفيز حنطة بشرط أن يكون وزنه كذا لا يصح لاحتمال ان يزيد أو ينقص فيتعذر التسليم (والثاني) يجوز والمدة مذكورة للتعجيل فلا تؤثر في فساد العقد وعلى هذا فوجهان (أصحهما) أنه يستحق الاجرة باسرعهما اتماما فان تم العمل قبل أتمام اليوم وجبت الاجرة وان(12/305)
نقض اليوم قبله وجب اتمامه وبالاول أفتى القفال وذكر أنه ان انقض النهار أولا لم يلزمه خياطة الباقي وان تم العمل أولا فللمستأجر ان يأتي بمثل ذلك القميص ليخيط بقية النهار فان قال في الاجارة على أنك ان فرغت قبل تمام اليوم لم تخط غيره بطلت الاجارة لان زمان العمل يصير(12/306)
مجهولا إذا عرفت ذلك فالمنافع متعلقة بالاعيان وتابعة لها وتحدد آحاد الاعيان التى تستأجر كالمعتذر فعنى الاصحاب بثلاثة أنواع تكثر البلوى باجارتها ليعرف طريق الضبط فيها ثم يقاس بها غيرها (أحدها) لآدمي يستأجر لعمل أو صناعة كالخياطة فان كانت الاجارة في الذمة قال لزمت ذمتك(12/307)
خياطة هذا الثوب ولو أطلق وقال ألزمت ذمتك عمل الخياطة كذا يوما قال القاضى أبو الطيب لا يصح وبه أجاب صاحب التتمة توجيها بانه لم يعين عاملا يخيط ولا محلا للخياطة فلا ترتفع الجهالة(12/308)
وان استأجر عينه قال استأجرتك لتخيط لى يوما أو شهرا نقل اكثرهم جوازه ايضا ويجب أن يبين
الثوب وما يريد منه من القميص أو القباء أو السراويل والطول والعرض وأن يبين نوع الخياطة أهى رومية أو فارسية الا أن تطرد العادة بنوع فيحمل المطلق عليه ومن هذا النوع الاستئجار لتعليم القرآن(12/309)
ذكر الامام وصاحب الكتاب انه يعين السورة والايات التى يعلمها أو يقدر المدة فيقول لتعلمني شهرا وفي ايراد غيرها ما يفهم عدم الاكتفاء بذكر المدة واشتراط تعيين السور والايات لتفاوت التعليم سهولة وصعوبة وفيه وجه انه لا يجب تعيين السور وإذا ذكر عشر آيات كفى وفي المهذب وجه انه لابد من(12/310)
تعيين السور لكن يكتفى باطلاق العشر منها ولا يعين واحتج له بما روى انه صلى الله عليه وسلم قال في قصة التى عرضت نفسها عليه لعبض القوم " أي أريد أن أزوجك هذه ان رضيت فقال ما رضيت لى يا رسول(12/311)
الله فقد رضيت فقال للرجل هل عندك شئ قال لا قال ما تحفظ شيئا من القرآن قال سورة البقرة والتى تليها قال قم فعلمها عشر آيات وهى امرأتك " وفي جوب تعيين رواية ابن كثير ونافع وغيرهما(12/312)
وجهان (أصحهما) المنع لان الامر فيهما قريب ويدل عليه الخبر السابق قال الامام وكنت أود ان لا يصح الاستئجار للتعليم حتى يختبر حفظ المتعلم كما لا تصح اجارة الدابة للركوب حتى يعرف حال الراكب لكن ظاهر كلام الاصحاب أنه لا يشترط والخبر يدل عليه وانما يجوز الاستئجار لتعليم القرآن إذا(12/313)
كان من يعلمه مسلما أو كافرا يرجى اسلامه فان كان لايرج لا يعلم القرآن كما لا يباع المصحف من الكافر ولايجوز الاستئجار له وان كان المستأجر على تعليمه يعلم الشئ بعد الشئ ثم ينساه فهل على الاجير اعادة التعليم فيه أوجه (أحدهما) أنه ان تعلم آية ثم نسيها لم يجب تعليمها ثانيا وان تعلم دون(12/314)
آية ونسيى وجب (والثانى) ان الاعتبار بالسورة (والثالث) ان نسى في مجلس التعليم وجب اعادته
وان نسى بعده فلا (والرابع) ان الرجوع فيه إلى العرف الغالب وهو الاصح * (فرع) عن القاضى الحسن في فتاويه ان الاستئجار لقراءة القرآن على رأس القبر مدة جائز(12/315)
كالاستئجار للاذان وتعليم القرآن * واعلم أن عود المنفعة إلى المستأجر شرط في الاجارة كما سبق فيجب عود المنفعة إلى المستأجر أو ميته لكن المستأجر لا ينتفع بأن يقرأ الغير ومشهور أن الميت لايلحقه ثواب لقراءة المجردة فالوجه تنزيل الاستئجار على صور انتفاع الميت بالقراءة وذكر له طريقتين (أحدهما) أن يعقب القراءة بالدعاء للميت فان الدعاء يلحقه والدعاء بعد القراءة أقرب إلى الاجابة وأكثر بركة (والثانى) ذكر الشيخ عبد الكريم السالوسى أنه ان نوى القارئ بقراءته أن يكون ثوابها للميت لم يلحقه لكن أن قرأ ثم جعل ما حصل من الاجر له فهو دعاء بحصول ذلك(12/316)
ذلك الاجر للميت فينتفع الميت (ومنه) الاستئجار للرضاع يجب فيه التقدير بالمدة كما سبق ولا سبيل إلى ضبط مرات لارضاع ولا القدر الذي يستوفيه في كل مرة وقد تعرض له الامراض ولاسباب(12/317)
الملهية ويجب تعيين الصبى لاختلاف الغرض باختلاف حال الرضيع وتعيين الموضع الذي يرضع فيه أهو بيته أم ببيتها فان ارضاعها في بيتها أسهل عليها فلارضاع في بيته اشد وثوقا هذا ما ذكره في(12/318)
استئجار الادمى وقد يستأجر لامور أخر منها الحج وقد ذكرناه في بابه (ومنها) إذا استأجر لحفر بئر أو نهر أو قناة قدرا ما بالزمان فيقول تحفر لى شهرا أو بالعمل فيقدر الطول والعرض والعمق(12/319)
ويجب معرفة الارض بالمشاهدة للوقوف على صلابتها ورخاوتها ويجب عليه اخراج التراب المحفور فان انهار شئ من جوانب البئر لم يلزمه اخراج ذلك التراب وإذا انتهى إلى موضع صلب أو حجارة(12/320)
نظر ان كان يعمل فيه المعول وجب حفره على أظهر الوجهين وبه قال القاضى أبو الطيب (والثانى) لا يجب وبه قال ابن الصباغ لانه خلاف ما اقتضته المشاهدة فعلى هذا له فسخ العقد وان لم يعمل به المعول أو نبع الماء قبل أن ينتهى إلى القدر المشروط وتعذر الحفر انفسخ العقد في الباقي ولا يفسخ(12/321)
فيما مضى على الاصح فتوزع الاجرة المسماة على ما عمل وعلى ما بقي * وان استأجر لحفر قبر بين الموضع والطول والعرض والعمق ولا يكفى الاطلاق خلافا لابي حنيفة ولا يجب عليه رد التراب بعد وضع الميت خلافا له أيضا (ومنها) إذا استأجر لضرب اللبن قدر بالزمان أو العمل وإذا قدر بالعمل بين(12/322)
العدد والقالب فان كان القالب معروفا فذاك والا بين طوله وعرضه وسمكه وعن القاضى أبى الطيب الاكتفاء بمشاهدة القالب ويجب بيان الموضع الذي يضرب فيه لانهه يبعد من الماء ويقرب وربما يحتاج إلى نقل التراب أيضا ولا يجب عليه إقامتها حتى تجف خلافا لابي حنيفة * ولو استأجر لطبخ اللبن(12/323)
فطبخ يجب عليه الاخراج من الاتون خلافا له (ومنها) أذا استأجر لبناء قدر بالزمان أو بالعمل فان قدر بالعمل بين موضعه وطوله وعرضه وسمكه وما ينبنى منه من الطين أو الاجر وان استأجر للتطيين أو التجصيص قدر بالزمان ولا سبيل فيه إلى تقدير العمل فان سمكه لا ينضبط رقة وثخانة (ومنها) إذا(12/324)
استأجر كحالا ليداوي عينيه قدر بالمدة دون البرء فان برئت عينيه قبل تمامها انفسخ العقد في الباقي ولا يقدر بالعمل لان قدر الدواء لا ينضبط ويختلف بحسب الحاجة (ومنها) إذا استأجر للرعى وجب بيان المدة وجنس الحيوان ثم يجوز العقد على قطيع معين ويجوز في المدة وحينئذ فاظهر الوجهين(12/325)
عند الشيخ أبى اسحق الشيرازي أنه يجب بيان العدد (والثاني) وبه أجاب ابن الصباغ والقاضى الرويانى انه لا يجب ويحمل على ما جرت العادة أن يرعاه الواحد قال الرويانى وهو مائة رأس من
الغنم على التقريب وان توالدت حكي ابن الصباغ أنه لا يلزمه رعى أولادها إن رد العقد على أعيانها(12/326)
وان كانت في الذمة لزمه (ومنها) إذا استأجر نساخا ليكتب له بين عدد الاوراق والاسطر في كل صحيفة ولم يتعرضوا للتقدير بالمدة والقياس جوازه وأن يجب عند تقدير العمل بيان قدر الحواشى والقطع الذي يكتب فيه * (فرع) يجوز الاستئجار لاستيفاء الحد والقصاص خلافا لابي حنيفة في قصاص النفس * (فرع) يجوز الاستئجار لنقل المتية عن الدار إلى المزبلة والخمر لترق وبل يجوز نقل الخمر من بيت إلى بيت خلافا لابي حنيفة *(12/327)
قال ((أما الاراضي) فما يطلب للسكني يرى المستأجر مواضع الغرض فينظر في الحمال إلى البيوت وبئر الماء ومسقط القماش والاتون والوقود ويعرف قدر المنفعة بالمدة * فان أجر سنة فذاك * فان زاد فالاصح (و) أنه جائز ولاضبط فيه وقولان آخران * (أحدهما) أنه لا يزاد على السنة لانه(12/328)
مقيد بالحاجة * (والثاني) أنه لا يزاد على ثلاثين سنة * ولو آجر سنين ولم يقدر حصة كل سنة من الاجرة فالاصح (و) الجواز كما في الاشهر من سنة واحدة * ولو قال آجرتك شهرا بدرهم وما زاد فبحسابه فهو فاسد إذ لم يقدر جملته * وقيل أنه يصح في الشهر الاول ويفسد في الباقي) *(12/329)
(النوع الثاني) العقارات وتستأجر لاغراض منها السكني فإذا استأجر دارا وجب أن يعرف موضعها وكيفية ابنيتها لاختلاف الغرض باختلافها وفي الحمام يعرف البيوت والبئر التى يسقى منها ماؤه والقدر التى يسخن فيها والاتون وهو موضع الوقود ومبسط القماش والذي يجمع للاتون من(12/330)
السرجين ونحوه والموعض الذي يجمع فيه الزبل والوقود ومطرح الرماد والمستنقع الذي يجمع فيه الماء
الخارج من الحمام وعلى هذا قياس سائر المساكن (وقوله) في الكتاب يرى المستأجر مواضع الغرض فينظر في الحمام مبني على أن اجارة الغائب لا تجوز (أما) إذا جوزناها فلا تعتبر الرؤية بل يكفى الذكر (وقوله) ومبسط القماش والاتون والوقود الوجه تقدم لفظ لوقود ليصير المعني ومبسط القماش وموضع الوقود والاتون وهذا لفظه في الوسيط فاما نفس الوقود فلا حاجة إلى رؤيته ولا هو(12/331)
داخل في بيع الحمام واجارتها كالازر والاسطال والحبل والدلو وذكر في الشامل في رؤية قدر الحمام انه اما أن يشاهد داخلها من الحمام أو ظاهرها من الاتون والقياس على اعتبار الرؤية أن يشاهد الوجهين عند الامكان كما تعتبر مشاهدة وجهي الثوب وفي شرح المفتاح أنه لابد من ذكر عدد السكان من الرجال والنساء والصبيان ثم لا يمتنع دخول زائر وضيف وان بات فيه ليالى في اجارة الدار ولابد من تقدير هذه المنفعة بالمدة * ولما كانت منافع هذه العقارات لا تنعقد إلا بالمدة كما ذكرنا(12/332)
في الفصل السابق تكلم في مدة الاجارة في هذا الموضع وفيها مسائل (احدها) في إجارة الشئ أكثر من سنة قولان (أحدهما) المنع لان الاجارة عقد على معدوم جوز رخصته للحاجة والحاجة تندفع بالتجويز سنة لانها مدة تنظيم الفصول وتتكرر فيها الزروع والثمار والمنافع بتكرر تكررها(12/333)
(وأصحهما) الجواز كما يجوز الجمع في البيع بين أعيان كثيرة وهذا ما أجاب * في المختصر فقال وله أن يؤجر داره وعبده ثلاثين سنة وعلى هذا فطريقان (أحدهما) أن المسألة على قولين (أحدهما) أنه لاتجز الزيادة على ثلاثين سنة لانها نصف العمر والغالب ظهور التغيير على الشئ بمضي هذه(12/334)
المدة فلا حاجة إلى تجويز الزيادة عليها (وأصحهما) انه لا تقدر كما لا تقدر في الاعيان المختلفة في البيع (والطريق الثاني) القطع بالقول الثاني وحمل ما ذكره المزني على التمثيل للكثرة لا للتحديد وعلى هذا فهل من ضابط (قال) معظم الاصحاب يجب أن تكون المدة بحيث يبقى إليها ذلك الشئ(12/335)
غالبا فلا يؤجر العبد أكثر من ثلاثين سنة والدابة إلى عشر سنين والثوب إلى سنتين أو سنة على ما يليق به والاراضي إلى مائة أو أكثر وفي كتاب القاضى ابن كج أن العبد يؤجر إلى مائة وعشرين سنة من عمره (وقال) بعضهم يصح وان كانت المدة بحيث لا تبقى إليها العين في الغالب اعتمادا على أن الاصل الدوام والاستمرار فان هلك بعارض فهو كانعدام الدار ونحوه في المدة وحاصل هذا الترتيب(12/336)
أربعة أقوال التقدير لسنة التقدير بثلاثين سنة الضبط بمدة بقاء ذلك الشئ غالبا ومنع الضبط والتقدير من كل وجه (وقوله) فالاصح انه جائز ولاضبط يجوز أن يحمل على ماقاله المعظم ويقال المعنى أنه لاضبط بعد كون المدة بحيث يبقى إليها الشئ ويجوز أن يجرى على ظاهره فيكون اختيارا للقول الرابع اختاره عن أصحاب الامام (وقوله) وفيه قولان آخران يجوز اعلامه بالواو للطريقة القاطعة لقول التقدير بالثلاثين (وقوله) لا يزاد على السنة ولا يزاد على ثلاثين سنة معلما بالحاء والميم والالف(12/337)
لان عندهم لا تقدير وحكم الوقف في مدة الاجارة حكم الملك قال أبو سعيد المتولي الا ان الحكام اصطلحوا على منع اجارته اكثر من ثلاث سنين في عقد واحد لئلا يندرس الوقف وهذا الاصطلاح غير مطرد وهو قريب مما حكوه عن ابى حنيفة في منع اجارة الوقف اكثر من ثلاث سنين في عقد واحد وفي أمالى أبى الفرج السرخسى ان المذهب منع اجارة الوقف اكثر من سنة إذا لم تمس إليها(12/338)
الحاجة لعمارة وغيرها وهو قريب (المسألة الثانية) ان جوزنا الاجارة اكثر من سنة فهل يجب تقدير حصة كل سنة قولان (أصحهما) لا كما لو باع اعيانا صفقة واحدة لا يجب تقديم حصة كل عين منها وكما(12/339)
لو اجر سنة لا يجب تقدير حصة كل شهر (والثانى) ويحكى عن رواية الربيع وحرملة والمزنى في الجامع الكبير نعم لان المنافع تتفاوت قيمتها بالسنين وربما تهلك العين في المدة فيتنازعان في قدر الواجب
من الاجرة ومن قال بالاول يوزع الاجرة المسماة على قيمة منافع السنتين فينقطع النزاع وبني القولين(12/340)
بعضهم على القولين فيما إذا أسلم في شيئين أو في شئ إلى أجلين ففى قول يجوز أخذا بظاهر المسألة وفي قول لا لما عساه أن يقع من الجهالة بالاجرة ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب فالاصح الجواز بالواو لان القاضى أبا القاسم بن كج حكى طريقة أخرى قاطعة بانه لا يجب التقدير واختارها مذهبا(12/341)
(الثالثة) قول العاقد أجرتك شهرا أو سنة محمول على ما يتصل بالعقد في أظهر الوجهين وبه قال أبو حنيفة لانه المفهوم المتعارف (والثاني) وبه قال احمد لابد وان يقول من الان والا فهو كقوله بعتك عبدا من العبيد * ولو قال أجرتك شهرا من السنة قال لامام يفسد العقد بلا خلاف للابهام واختلاف الاغراض وإذا قال أجرتك هذه الدار كل شهر بدرهم من الان لم تصح الاجارة لانه لم(12/342)
يبين لها مدة وعن الاملاء أن تصح في الشهر الاول لانه معلوم والزيادة مجهولة وبه قال الاصطخرى ولو قال أجرتك كل شهر من هذه السنة بدرهم لم يصح وعن ابن سريج أنه يصح في شهر واحد دون ما زاد ورجحوا الاول واحتجوا له بأنه لم يضف الاجارة إلى جميع السنة وفى النهاية أن الائمة بمثله(12/343)
أجابوا فيما إذا قال بعتك كل صاع من هذه الصبرة بدرهم وقالوا انه لم يضف البيع إلى جميع الصبرة بخلاف مااذا قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم وكان ينبغى أن يفرق بين أن يقول بعتك كل صاع بدرهم فيجعل كما لو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم ويصح العقد في الجميع وبين(12/344)
أن يقول بعتك من هذه الصبرة كل صاع بدرهم فيحكم بالبطلان ههنا أو يصح في صاع واحد كما حكيناه عن ابن سريج في البيع وكذلك ينبغى أن يقول في الاجارة وقد وفى بالقضية المذكورة الشيخ أبو محمد فسوى بين قوله بعتك كل صاع من هذه الصبرة بدرهم وبين قوله بعتك هذه(12/345)
الصبرة كل صاع بدراهم وصحح البيع في جميع الصبرة باللفظين * ثم اعلم أن عامة النقلة انما نقلوا التجويز في شهر واحد عن ابن سريج فيما إذا ضبط الاشهر بالسنة أما إذا أطلق وقال كل شهر بدرهم فالخلاف فيها منسوب إلى الاملاء واختيار الاصطخرى كما سبق والفرق بين الصورتين بين *(12/346)
وحكى الامام والمصنف في الوسيط التجويز في شهر عن ابن سريج مع التصوير فيما إذ أطلق ذكر الشهر ولم يساعدا عليه (وقوله) ههنا لو قال أجرتك شهرا بدرهم وما زاد فبحسابه أراد به الصورة الاولى والثانية حيث حكى الخلاف فيه (وأما) ما يشعر به اللفظ فلا يجرى فيه خلاف لان قوله(12/347)
أجرتك شهرا بدرهم إما أن يحمل على شهر غير معين أو على الشهر المصتل باللفظ إن كان الاول فلا خلاف في فساد لاجارة وإن كان الثاني فالشهر مفرد بالعقد مقال بالعوض فيصح العقد فيه بلا خلاف وكذلك أورده صاحب المهذب وغيره (واعلم) أن الحكم في مدة الاجارة كالحكم في أجل(12/348)
السلم في أن مطلق الشهر يحمل على أمرين وكذا السنة في أنه إذا قيد بالعدد أو قال سنة رومية أو فارسية أو شمسية كان الاجل ما ذكره في أن العقد إذا انطبق على أول الشهر اعتبر ذلك الشهر وما بعده بالاهلة وإن لم ينطبق تمم المنكسر بالعدد من الاخر ويحسب الباقي بالاهلة وفي سائر المسائل(12/349)
المذكورة في السلم وفي التأجيل بالسنة الشمسية وجه أنه لا يجوز وهو قريب من الوجه المذكور هناك في التأقيت بفصح النصارى * ولو قال أجرتك شهرا من هذه السنة فان لم يكن إلى من السنة الاشهر صح وإن بقى أكثر من شهر لم يصح الجهالة هكذا ذكره في التهذيب والتتمة والحكم(12/350)
بالبطلان فيما إذا كان الباقي أكثر من شهر يجوز أن يكون تفريعا على قولنا إن الشهر المطلق محمول
على المتصل بالعقد ويقال التعقيب بقوله من هذه السنة يمنع من فهم الشهر المتصل بالعقد ويوقع التردد بينه وبين سائر الشهور *(12/351)
قال (ولو قال اجرتك الارض ولم يعين البناء ولزراعة والغراس لم يجز لانه مجهول ولو قال لتنتفع به ما شئت جاز (و) * ولو قال آجرتك للزراعة ولم يذكر ما يزرع ففيه خلاف لان التفاوت فيه قريب * ولو قال أكريتك إن شئت فازرعها وإن شئت فاغرسها جاز على الاصح(12/352)
(و) ويتخير كما لو قال انتفع كيف شيئت * ولو قال أكريتك فازرعا واغرسها ولم يذكر القدر فهو فاسد * وقيل إنه ينزل على النصف * ولو اكترى الارض للبناء وجب تعريف عرض البناء وموضعه * وفي تعريف ارتفاعه خلاف (و) *(12/353)
ومما تستأجر له الارض البناء والزراعة والغراس فلو قال أجرتك هذه الارض ولم يذكر البناء ولاغيره وهى صالحة للكل مما تصح لان منافع هذه الجهات مختلفة وكذا ضررها اللاحق بالارض(12/354)
فوجب التعيين كما لو اجر بهيمة لا يجوز الاطلاق هذا جواب الاصحاب في هذا الموضع وقد رأوه متفقا عليه حتى احتجوا به لاحد الوجهين فيما لو اعار الارض مطلقا كما سبق في العارية لكنا قد نقلنا في مسألة إجارة الارض التى لاماء لها تصريحهم بجواز الاجارة مطلقا فشبه ان تكون الاجارة مطلقا على وجهين كاعارتها والظاهر المنع فيها وما ذكروه في اجارة الارض التى لاماء لها مفرع على الوجه الاخر(12/355)
أمؤول ولو اجر دارا أو بيتا لم يحتج إلى ذكر السكني لان الدار لا تستأجر الا للسكنى ووضع المتاع فيها وليس صررها مختلف فيحوز الاطلاق كذا ذكروه ويجوز ان يمنع فيقال كما تستأجر الدار للسكنى كذلك تستأجر لتتخذ مسجدا ولعمل الحدادين والقصارين ولطرح المزابل فيها وهى أكثر ضررا
الا ترى أنه إذا استأجر للسكني لم يكن له شئ من هذه الانتفاعات فإذا ما جعلوه مبطلا في اجارة الارض مطلقا موجود في الدار ولئن قيل الاجارة لا تكون الا لاستيفاء منفعة فإذا أجر الدار واطلق منزل على ادنى الجهان ضررا وهى السكنى ووضع المتاع لزم في اجارة مثله حتى ينزل على ادنى الجهات(12/356)
ضررا وهى لزراعة ويصح العقد بها وهذا الاشكال ينساق إلى انه لابد في استئجار الدار من بيان انه يستأجر للسكنى أو العمل فيها وقد اجاب به بعض شارحي المفتاح ولو قال اجرتك هذه الارض تنتفع بها ما شئت فمنقول الامام وصاحب الكتاب ان الاجارة صحيحة وله ان يتنتفع ما شاء لرضاه وفي التهذيب وجه اخر أنها لا تصح كما لو قال بعتك من هذه العبيد من شئت ولو قال اجرتكما للزراعة ولم يذكر ما يزرع أو للبناء والغراس واطلق فوجهان كالوجهين المذكورين فيما إذا اعار الارض للزراعة ولم يبين الزرع (أظهرهما) عند الاكثرين الجواز وبالمنع قال أبو حنيفة وابن سريج ونقله القاضى ابن كج عن(12/357)
نصه في الجامع الكبير وحكى للاول عن تخريج ابن القطان حكاية الشئ الغريب ومن جوز قاله ان يزرع ما شاء لاطلاق اللفظ وكان يجوز أن ينزل على أقل الدرجات ولو قال اجرتكها لتزرع أو تغرس لم يصح ولو قال ان شئت فازرعها وان شئت فاغرسها فاصح الوجهين على ما ذكر في الكتاب صحة الاجارة ويخير المستأجر (والثانى) المنع كما لو قال بعتك بالف مسكرة ان شئت وصحيحة ان شئت واستشهد في الكتاب للوجه الاول بماذا قال لتنتفع كيف شئت لكنا حكينا الخلاف فيه ايضا فلا فرق ولو قال اكريتك فازرعها واغرسها أو لتغرسها وتزرعها ولم يبين القدر فوجهان (أحدهما) وبه قال ابن سلمة يصح وينزل على النصف وعلى هذا فله ان يزرع الكل لجواز العدول من الغراس إلى الزرع ولايجوز(12/358)
أن يغرس الكل واقربهما وبه قال المزني وابن سريج وابو اسحق انه لا يصح لانه لم يبين كم يزرع وكم يغرس بل لو قال لتزرع النصف وتغرس النصف فعن القفال انه لا يصح لانه لم يبن المغروس والمزروع فصار(12/359)
كما إذا قال بعتك احد هذين بالف والاخر بخمسمائة ويجب في استئجار الارض للبناء بيان موضعه وطوله وعرضه وفي بيان قدر ارتفاعه وجهان ذكرهما في كتاب الصلح بتوجيههما (والاظهر) ما اجاب به في الكتاب هناك وهو انه لا حاجة إليه بخلاف مااذا استأجر سقفا للبناء *(12/360)
قال (أما الدوب) فان استؤجر للركوب عرف (م) الاجر الراكب برؤية شخصه أو سماع صفته في الضخامة والنحافة ليعرف وزنه تخمينا * ويعرف المحمل (ح) بالصفة في السعة والضيق وبالوزن فان ذكر الوزن دون الصفة أو بالعكس ففيه خلاف (و) * ويعرف تفاصيل المعاليق * فان شرط المعاليق مطلقا فهو فاسد (ح م) على النص لتفاوت الناس فيه * والمستأجر يعرف الدابة برؤيتها أو بوصفها إن أوردت الاجارة على العين أهى فرس أم بغل أم ناقة أم حمار * وفى ذكر كيفية السير من كونها مهملجا أو بحرا خلاف (و) * ويعرف تفصيل السير والسرى ومقدار المنازل ومحل النزول أهو الفرى أو الصحراء إن لم يكن للعرف فيه ضبط * وان كان فالعرف متبع) * (النوع الثالث * الدواب وتستأجر لاغراض (منها) الركوب وفيه مسائل (احداها)(12/361)
يجب أن يعرف المؤجر الراكب وفي طريق معرفته وجوده قيل الطريق المشاهدة لان الغرض يتعلق بثقل الراكب وخفته بالضخامة والنحافة وكثرة الحركات والسكنات والوصف لا يفي بذلك ومنهم من قال إن كان غائبا وصفه وذكر وزنه وقال آخر بل يذكر صفته في الضخامة والنحافة ليعرف وزنه تخمينا وهذا ما ذكره الامام وصاحب الكتاب وأكثر الاصحاب على اعتبار المشاهدة لكن الحاق الوصف التام بهذا أشبه في المعنى لانه يفيد التخمين كالمشاهدة ويجوز أن يعلم (قوله) عرف المؤجر الراكب بالميم لان الحكاية عن مالك أنه يجوز فيه الاطلاق لتفاوت أجسام الناس غالبا (الثانية) ان كان الراكب مجردا ليس معه ما يركب عليه فلا حاجة إلى ذكر ما يركب عليه لكن المؤجر يركبه على ما يشاء من سرج أو اكاف زاملة على ما يليق بالعادة وان كان يركب على رحل أو فوق زاملة أو فوق محمل أو عمارية وفي غير الابل أراد الركوب على سرج أو اكاف وجب ذكره(12/362)
وينبغى أن يعرف المؤجر هذه الالات فان شاهدها كفى والا فان كانت سروجهم وما في معناها على وزن وتقطيع لا يتفاضل فيه التفاوت كفى الاطلاق وحمل على معهودهم وان لم يكن معهود مطرد فلابد من ذكر وزن السرج والا كاف والزاملة هذا هو المشهور وفي النهاية أن أحدا من الاصحاب لم يتعرض لاشتراط الوزن في السرج والاكاف لانه لا يكثر فيهما التفاوت وفي المحل والعمارية ثلاثة أوجه (أحدهما) أنه لا يصح العقد ولابد من مشاهدتهما (وأشبههما) وهو المذكور في الكتاب أنه يكفى فيها الوصف وذكر الوزن لافادتهما التخمين كالمشاهدة ولك أن تحتج بقوله في المختصر فان ذكر محملا أو مركبا أو زاملة بغير رؤية ولاوصف فهو مفسوخ للجهل بذلك فاعتبر الوصف كالرؤية وعلى هذا لو ذكر الوزن أو الصفة دون الوزن فوجهان (أظهرهما) أنه لا يكفي لبقاء الجهل مع سهولة ازالته وذكر في التهذيب أن الزاملة تمتحن باليد ليعرف خفتها وثقلها بخلاف الراكب(12/363)
لا يمتحن بعد المشاهدة وينبغى أن يكون المحمل والعمارية في ذلك كالزاملة ولابد في المحمل ونحوه من الوطاء وهو الذي يفرش فيه ليجلس عليه فينبغي أن يعرف بالرؤية والوصف والغطاء الذي يستظل به ويتوقي من المطر قد يكون وقد لا يكون فيحتاج إلى شرطه فجواب الشيخ أبى حامد وابن الصباغ انه يكفى فيه الاطلاق لان التفاوت فيه قريب ويغطيه بجلد أو كساء أولبد وفي شرح القاضي ابن كج والتتمة انه يعتبر وصفه أو رؤيته كالوطاء وهو ظاهر النص نعم لو كان فيه عرف مطرد كفى الاطلاق كما سبق في المحمل وغيره وقد يكون للمحمل طرف من لبو أو أدم فهو كالغطاء وليعلم (قوله) في الكتاب ويعرف المحمل بالحاء لان عند أبى حنيفة يجوز فيه الاطلاق ولا حاجة إلى تعريفه (وقوله) بالصفة بالواو للوجه الذاهب إلى المشاهدة (الثالثة) إذا استأجر للركوب وشرط حمل المعاليق وهى السفرة والادارة والقدر والقمقمة ونحوها نظران رآها المؤجر أو وصفها وذكر(12/364)
وذنها فذاك وان اطلق قال الشافعي رضى الله عنه القياس انه فاسد ومن الناس من يقول له بقدر
ما يراه الناس وسطا وفيه طريقان للاصحاب (أشهرهما) ان في المسألة قولين وما ذكره تمثيل قولين (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة ومالك يتم العقد ويحمل الشرط على الوسط المعتاد (وأصحهما) المنع لاختلاف الناس فيها (والثانية) القطع بالقول الثاني وحمل ما ذكره على نقل مذهب الغير وان استأجر للركوب من غير شرط المعاليق لم يستحق حملها لان الناس فيه مختلفون فقد لا يكون للراكب معاليق أصلا وفيه وجه انه كما لو شرط واطلق وما ذكرناه في السفرة والادواة الخاليتين فان كان في هذه طعام وفي تلك ماء فسيأتي في الباب الثاني ان شاء الله تعالى (الرابعة) ان كانت الاجارة على عين الدابة فلابد من تعيينها وفي اشتراط رؤيتها الخلاف في شراء الغائب فان كانت في الذمة فلابد من ذكر جنسها اهى من الابل أو الخيل أو البغال أو الحمير ومن ذكر نوعها اهى عربية أم نجيبة ومن ذكر الانوثة والذكورة(12/365)
لاختلاف الغرض فان الانثى اسهل يسيرا والذكر اقوى وفي المسامحة به بذكر الانوثة والذكورة وجه وهل يجب ان يقول مهملج أو نحر أو قطوف فيه وجهان (أظهرهما) نعم لان معظم الغرض يتعلق بكيفية السير (الخامسة) إذا استأجر دابة للركوب فليبينا قدر السير كل يوم فإذا بيناه حملا على المشروط فان زادافي يوم أو نقصا فلا جبران بل يسيران بعد على المشروط وإذا اراد أحدهما المجاوزة عن المشروط أو النزول دونه لخوف أو خصب لم يكن له ذلك الا ان يوافقه صاحبه قاله في التهذيب وكان يجوز ان يجعل الخوف عذرا لم يحتاط ويؤمر الاخر بموافقته وان لم يبينا قدر السير واطلقا العقد نظر إن كان في الطريق منازل مضبوطة صح العقد وحمل عليها وان لم يكن فيه منازل أو كانت والعادة مختلفة فيها لم يصح العقد حتى يبينا أو يقدر بالزمان هذا ما اشتملت عليه الطرق ووراءه شيئان (أحدهما) عن ابى اسحق انه قال إذا اكترى إلى مكة في زماننا لم يكن بد من ذكر المنازل لان السير في هذا(12/366)
الزمان شاق لا تطيقه الحمولة فلا يمكن حمل الاطلاق عليه والثانى ذكر القاضى أبو الطيب انه إذا كان الطريق مخوفا لم يجز تقدير السير فيه لانه لا يتعلق بالاختيار وتابعه على هذا القاضى الرويانى في التجريد وقضيته امتناع التقدير بالزمان ايضا وحينئذ يتعذر الاستئجار في الطريق الذي ليس له منازل مضبوط
إذا كان مخوفا والقول في وقت السير لهو الليل أو النهار وفي موضع النزول في المرحلة أهو نفس القرية أو الصحراء أو في الطريق الذي نسلكه إذا كان للمقصد طريقان على ما ذكرنا في قدر السير في الحمل على المشروط المعهود وقد يختلف المعهود في فصلى الشتاء والصيف وحالتي الامن والخوف فكل عادة تراعي في وقتها (وقوله) في الكتاب ويعرف تفصيل السير والسرى المراد من السير المسير بالنهار ومن السرى المسير بالليل أو المعنى انه يجب ذكر ذلك وبيانه ان لم يكن للعرف ضبطا فيه وان كان فيتبع ان اطلقا العقد ان إذا شرطا خلاف المعهود فهو المنبع لا المعهود *(12/367)
قال (وان استؤجر للحمل فيعرف قدره بالتخمين إن كان حاضرا * فان كان غائبا فبتحقق الوزن بخلاف الراكب * وان كان في الذمة فلا يشترط معرفة وصف الدابة إلا إذا كان المنقول زجاجا إذ يختلف الغرض بصفات الدابة * وإذا شرط مائة من الحنطة بكون الظرف ورآه فليعرف قدره ووزنه الا إذا تماثلت الغرائر بالعرف * وان قال مائة من فهو مع الظرف على الاصح (و) * من الاغراض التى تستأجر لها الدواب للحمل عليها فينبغي أن يكون المحمول معلوما وان كان حاضرا ورآه المؤجر كفى وان كان في ظرف وجب أن يمتحنه باليد تخمينا لوزنه فان لم يكن حاضرا فلابد من تقديره بالوزن أو الكيل ان كان مكيلا وبالوزن في كل شئ أولى وأخصر فلابد من ذكر جنسه لان تأثير الجيد والقطن في الدابة وان استويا في القدر مختلف فالحديد يهد مؤخرة الدابة والقطن يعمها ويتثاقل إذا دخله الريح نعم لو قال أجرتكها لتحمل عليها مائة مما شئت فأصح(12/368)
الوجهين أنه يجوز ويكون رضا منه باضر الاشياء فلا حاجة مع ذلك إلى بيان الجنس وفي الرقم أن حذاق المراوزة قالوا إذا استأجر دابة ليحمل مطلقا جاز وجعل راضيا بالاضر وحاصله الاستغناء بالتقدير عن ذكر الجنس هذا في التقدير بالوزن (أما) إذا قدر بالكيل فالمفهوم مما أورده أبو الفرج والسرخسى أنه لا يغنى عن ذكر الجنس وان قال عشرة أقفزة مما ينبت لاختلاف الاجناس في الثقل مع الاستواء في الكيل لكن يجوز أن يجعل ذلك رضا بأثقل الاجناس كما جعل رضا بأضر الاجناس
ولو قال أجرتك لتحمل عليها ما شئت لم يجز بخلاف ما إذا أجر الارض ليزرع ما شاء لان الدابة لا تطيق كل ما يحمل وأما ظروف المتاع وجبا له فان لم تدخل في الوزن فان قال مائة من من الحنطة أو كان التقدير بالكيل فلابد من معرفتها بالرؤية أو الوصف إلا أن تكون هناك غرائر متماثلة اطرد العرف باستعمالها فيحمل مطلق العقد عليها وان دخلت في وزن المتاع بان قال مائة من من الحنطة(12/369)
بظرفها صح العقد لزوال الغرر بذكر الوزن هكذا ذكر لكنا إذا اعتبرنا ذكر الجنس مع الوزن وجب أن يعرف قدر الحنطة وحدها وقدر الظرف وحده ولو اقتصر على قوله مائة من فأصح الوجهين أن الظرف من المائة (والثانى) أنه وراءها لانه السابق إلى الفهم فعلى هذا يكون الحكم كما لو قال مائة من الحنطة وتصوير المسألة يتفرع على الاكتفاء بالتقدير واهمال ذكر الجنس اما مطلقا أو إذا قال مائة مما شئت هذا حكم المحمل على الدابة أما الدابة الحاملة إن كانت معينة فعلى ما ذكرنا في الركوب فان كانت الاجارة على الذمة فلا يشترط معرفة جنس الدابة وصفتها بخلاف ما في الركوب لان المقصود تحصيل المتاع في الموضع المنقول إليه فلا يختلف الغرض بحال الحامل نعم لو كان المحمول زجاجا أو خزفا وما أشبهها فلابد من معرفة حال الدابة ولم ينظروا في سائر المحمولات إلى تعلق الغرض بكيفية سير الدابة بسرعة أو بطء وقوة أو ضعف أو تخلفها عن القافلة على بعض التقديرات ولو نظروا إليها لم يكن بعيدا والكلام في المعاليق وتقدير السير على ما ذكرنا في الاستئجار للركوب(12/370)
(فرع) لو استأجره ليحمل هذه الصبرة إلى موضع كذا كل مكيلة بدرهم أو مكيلة منها بدرهم وما زاد فبحسابه صح العقد كما لو باع كذلك بخلاف مالو قال أجرتك كل شهر بدرهم لان جملة الصبرة معلومة محصورة وليست الاشهر كذلك ولو قال لتحمل مكيلة منها بدرهم على أن تحمل كل مكيلة منها بدرهم أو على أن ما زاد فبحسابه ففيه وجهان عن صاحب التقريب (أشبههما) المنع لانه شرط عقد في عقد (والثانى) الجواز والمعنز أن كل قفيز بدرهم ولو قال لتحمل هذه الصبرة وهى عشرة مكاييل كل مكيلة بدرهم فان زادت فبحساب ذلك صح العقد في العشرة المعلومة دون الزيادة المشكوكة وعلى هذا أول مؤلون
قوله في المختصر ولو اكتري حمل مكيلة وما زاد فبحسابه فهو في المكيلة جائز وفي الزيادة فاسد وسهم من حمله على مااذا قال لتحمل هذه المكاييل كل واحدة بدرهم فان قدم إلى طعام فبحساب ذلك وعن أبى اسحق في الزيادات على الشرح حمله على مااذا قال استأجرتك لتحمل هذه الصبرة(12/371)
مكيلة منها بكذا والباقى بحسابه لكن في هذه الصورة صحة العقد في الجميع لان الصبرة معلومة المشاهدة والاجرة بالتقسيط ولو قال استأجرتك لتحمل من هذه الصبرة كل مكيلة بدرهم لم يصح على المشهور وقد مر في نظيره من البيع أنه يصح في مكيلة واحدة فيعود ههنا * قال (وان استأجر للبيهقي فيعرف قدر الدلاء والعدد وموضع البئر وعمقه * وان كان للحراثة فيعرف بالمدة (و) أو بتعيين الارض فيعرف صلابتها ورخاوتها وعلى الجملة ما يتفاوت بها الغرض ولا يتسامح به في المعاملة يشترط تعريفه) * من الاغراض سقى الارض بادارة الدولا ب أو لاستقاء من البئر بالدلو فان كانت الاجارة على عين الدابة وجب تعيينها كما في الركوب والحمل وان كانت في الذمة لم يجب بيان الدابة ومعرفة(12/372)
جنسها وعلى التقديرين فينبغي أن يعرف المكرى الدولاب والدلو وموضع البئر وعمقها بالمشاهدة أو الوصف ان كان الوصف يضبطها وتقدر المنفعة إما بالزمان بأن يقول للبيهقي بهذا الدلو من هذه البئر اليوم أو بالعمل بان يقول لنسقى خمسين دلوا من هذه البئر بهذه الدلو ولايجوز التقدير بالارض بان يقول لتسقى هذا البستان أو جزء منه لان ريه مختلف بحرارة الهواء وبرودته وكيفية حال الارض ولا تنضبط ومنها الحراثة فيجب ان يعرف المكترى الارض لاختلاف الاراضي في
__________
بياض بالاصل(12/373)
الصلابة والرخاوة ومقدار المنفعة إما بالزمان بان يقول لتحرث هذه الارض اليوم مثلا أو بالعمل بان يقول لتحرث هذه القطعة أو إلى موضع كذا منها وفيه وجه آخر أن هذه المنفعة لا يجوز تقديرها بالمدة وبه أجاب الشيخ أبو حامد في التعليق والظاهر الاول واما معرفة الدابة فلابد منها ان كانت الاجارة في عين وان كانت في الذمة فكذلك ان قدر بالمدة وجوزناه لان العمل يختلف باختلاف الدابة وان قدر بالارض المحروثة فلا حاجة إلى معرفتها - ومنها الدياس فيعرف المكرى الجنس الذي يريد دياسته وتقدر المنفعة بالمدة أو بالزرع الذي يدوسه والقول في معرفة الدابة على ما ذكرنا في الحراثة والاستئجار للطحن كالاستئجار للدياس (وقوله) في الكتاب في الاستئجار للحراثة فيعرف بالمدة يجوز اسلامه بالواو ثم في (قوله) فيعرف بالمدة أو بتعين الارض فيعرف صلابتها ورخاوتها مضايقة من جهة(12/374)
ان ما فيه الخيار هو الضبط بالمدة والضبط بقدر الارض أو بتقدير الارض وتعتبر الارض بالاشارة عند المشاهدة وبالوصف أو في الوصف بالمقصود (وقوله) على الجملة إلى آخره كلام جملي ذكره ليعرف ما يجب تعريفه في الاجارات شامل لما وقع النص عليه ولغيره والله أعلم(12/375)