بمثل نسبة الثلث من المحاباة فنقول في هذه الصور.
ثلث المال عشرة والمحاباة عشرون والعشرة نصف العشرين فيصح البيع في نصف العبد وقيمته خمسة عشر بنصف الثمن وهو خمسة كانه اشترى سدسه بخمسة وثلثه وصية له تبقي مع الورثة نصف العبد وهو خمسة عشر والثمن خمسة فالمبلغ عشرون وذلك مثلا المحاباة وتحكي هذه الطريقة عن محمد بن الحسن (ومنها) طريقة الجبر يقول صح البيع في شئ من العبد وقابله من الثمن مثل ثلث ذلك الشئ لان الثمن مثل ثلث العبد وبقى في يد الورثة عبد الا شئ لكن بعض النقصان انجبر بثلث الشئ العائد فالباقي عندهم عبد الا ثلثي شئ وثلثا شئ
قدر المحاباة وعبد الا ثلثي شئ مثلاه وإذا كان عبد الا ثلثي شئ مثلى ثلثي شئ كان عديلا لشئ وثلث شئ فإذا أجبرنا العبد بثلثي شئ وزدنا على عديله مثل ذلك كان العبد عديلا لشيئين فعرفنا أن الشئ الذي نفذ فيه البيع نصف العبد ولا أطنب بايراد سائر الطرق كطريقة الخطأين والدينار والدرهم وغيرهما في هذا الموضع (فان قلت) ما حال الخلاف الذي ذكرتم أنهما قولان للشافعي رضي الله عنه أو وجهان للاصحاب وأيهما كان فما الاظهر منهما (فالجواب) أما الاول فان الامام قال ما أراهما منصوصين ولكنهما مستخرجان من معان كلام الشافعي رضى الله عنه لكن القفال والاستاذ أبا منصور البغدادي وغيرهما ذكروا أن الاول منصوص عليه والثاني مخرج لابن سريج (وأما) الثاني فان ايراد كثيرين يميل إلى ترجيح القول الاول وبه قال ابن الحداد لكن الثاني أقوى في المعنى وهو اختيار أكثر الحساب وبه قال ابن القاص وابن اللبان وتابعهم إمام الحرمين وادعى انه اختيار ابن سريج لكن في هذه الدعوى نظر فان الاستاذ أبا منصور وغيره نسبوا القول الاول إلى اختيار ابن سريج والله أعلم إذا تقرر ذلك عدنا إلى مسألة التلخيص (إن قلنا) بالاول فالبيع باطل فيها بلا خلاف لان مقتضاه صحة البيع في قدر الثلث وهوستة وثلثان وفي القدر الذي يقابل من قفيزه قفيز الصحيح وهو نصفه فيكون خمسة أسداس قفيز في مقابلة قفيز وذلك ربا (وإن قلنا) بالثاني صح(8/261)
البيع في ثلثي قفيز المريض بثلثي قفيز الصحيح وبطل في الباقي وقطع قاطعون ههنا بهذا القول الثاني كى لا يبطل غرض الميت في الوصية قال في التهذيب وهو الاصح ووجهه (اما) على طريقة النسبة فلان ثلث مال المريض ستة وثلثان والمحاباة عشرة وستة وثلثان ثلثا عشرة فقلنا بنفوذ البيع في ثلثي القفيز (وأما) على طريق الجبر فلان البيع نفذ في شئ وقابله من الثمن مثل نصفه فان قفيز الصحيح نصف قفيز المريض وبقى في يد الورثة قفيز الا شئ لكن حصل لهم نصف شئ والباقي عندهم قفيز الانصف شئ فنصف شئ هو المحاباة وما في يدهم وهو قفيز ناقص بنصف شئ مثلاه (والهاء) كناية عن النصف وإذا كان قفيز ناقص بنصف شئ مثلي نصف شئ كان عديلا للشئ الكامل فإذا جبرنا وقابلنا صار قفيز كامل عديل شئ ونصف شئ فعرف أن الشئ ثلثا قفيز وقد عرفت
بما ذكرنا أن القول الثاني من القولين اللذين اطلقهما صاحب التلخيص علام ينبني (وأما) الاول فخروجه على قولنا أن البيع يصح في قدر الثلث وما يوازي الثمن بجميع الثمن ظاهر لما فيه من الربا ويجوز أن يكون مبنيا على قولنا ان الصفقة لا تفرق جوابا على طريقة طرف القولين في صور المحاباة (وأما) قوله ولكل واحد منهما الخيار في ابطال البيع فهو خطأ في جانب ورثة المريض باتفاق الاصحاب لانا لو اثبتنا لهم الخيار لا بطلوا المحاباة أصلا ورأسا بفسخ البيع ولا سبيل إليه لتسليط الشرع إياه على ثلث ماله وكذا خطأه في قوله وفيه قول آخر أنه لا خيار لهما في جانب المشتري لان تبعيض الصفقة على المشتري من موجبات الخيار بكل حال ولو كانت المسألة بحالها لكن قفيز المريض يساوي ثلاثين وقلنا بتقسيط الثمن صح البيع في نصف قفيز بنصف القفيز ولو كانت بحالها لكن قفيز المريض يساوي أربعين صح البيع في أربعة أتساع القفيز وعليك تخريج الفتوى على الطريقتين ثم قال صاحب التلخيص ولو كان المريض قد أكل القفيز الذي أخذ استوت المسائل كلها فيجوز بيع ثلث قفيز بثلث قفيز قال الشارحون لكتابه إذا أتلف المريض المحابي القفيز الذي أخذه ثم مات وفرعنا على القول الذي يجئ عليه الدور صح البيع في ثلثه بثلث قفيز صاحبه سواء كانت قيمة قفيز المريض عشرين أو ثلاثين أو أكثر لان ما أتلفه قد نقص من ماله (أما)
__________
زيادة في بعض النسخ(8/262)
ما صح فيه البيع فهو ملكه وقد أتلفه (وأما) ما بطل فيه البيع فعليه ضمانه فينتقص قدر الغرم من ماله ومتى كثرت القيمة كان المصروف إلى الغرم أقل والمحاباة أكثر ومتى قلت كان المصروف إلى الغرم أكثر والمحاباة أقل ولنوضح ذلك في صورتين (أحدهما) إذا كانت قيمة قفيز المريض عشرين وقيمة قفيز الصحيح عشرة وقد اتلفه المريض فنقول على طريقة النسبة مال المريض عشرون وقد أتلف عشرة يحطها من ماله فبقى عشرة كأنها كل ماله والمحاباة عشرة فثلث ماله هو ثلث المحاباة فيصح البيع في ثلث القفيز على القياس الذي مر وعلى طريقة الجبر صح البيع في شئ من قفيز المريض ورجع إليه مثل نصفه فعند ورثته عشرون الا نصف شئ لكنه قد اتلف عشرة فالباقي في ايديهم
عشرة الا نصف شئ وذلك مثلا نصف شئ فيكون مثل شئ فإذا جبرنا وقابلنا كانت عشرة مثل شئ ونصف شئ فالعشرة نصف القفيز فيكون القفيز الكامل مثل ثلاثة أشياء فالشئ ثلث القفيز وامتحانه أن ثلث قفيز المريض ستة وثلثان وثلث قفيز الصحيح في مقابلته ثلاثة وثلث فتكون المحاباة بثلاثة وثلث وقد بقي في يد الورثة ثلثا قفيز وهو ثلاثة عشر وثلث يؤدي منه قيمة ثلثي قفيز الصحيح وهو ستة وثلثان يبقى في أيديهم ستة وثلثان وهي مثلا المحاباة (الثانية) قفيز المريض يساوي ثلاثين وباقي المسألة بحالها فعلى طريقة النسبة نقول مال المريض ثلاثون وقد أتلف عشرة يحطها من ماله يبقي عشرون كأنها كل ماله والمحاباة عشرون فثلث ماله هو ثلث المحاباة فيصح البيع في ثلث القفيز وعلى طريقة الجبر نقول صح البيع في شئ من قفيز المريض ورجع إليه مثل ثلثه فالباقي ثلاثون الا ثلثي شئ لكنه اتلف عشرة فالباقي عشرون الا ثلثي شئ وذلك مثلا ثلثي شئ فيكون مثل شئ وثلث شئ فإذا جبرنا وقابلنا(8/263)
كان عشرون مثل شيئين فعرفنا أن الشئ عشرة وهي ثلث الثلاثين وامتحانه أن ثلث قفيز المريض عشرة وثلث قفيز الصحيح في مقابلة ثلاثة وثلث فالمحاباة بستة وثلثين وقد بقي في يد الورثة ثلثا قفيز وهو عشرون يؤدي منه قيمة ثلثي قفيز الصحيح وهي ستة وثلثان يبقى في أيديهم ثلاثة عشرة وثلث وهي مثلا المحاباة هذا كله فيما إذا أتلف صاحب القفيز الجيد ما أخذه (أما) إذا اتلف صاحب القفيز الردئ ما أخذه ولا مال له سوى قفيزه ففي الصورة الاولى وهي ما إذا كانت قيمة قفيزه عشرين وقيمة قفيز الاخر عشرة يصح البيع في الحال في نصف القفيز الجيد وقيمته عشرة ويحصل للورثة في مقابلته نصف القفيز الردئ وقيمته خمسة فتبقى المحاباة بخمسة ولهم نصف الاخر غرامة لما أتلف عليهم فتحصل لهم عشرة وهي مثلا المحاباة والباقي في ذمة متلف القفيز الجيد ولا تجوز المحاباة في شئ الا بعد أن يحصل للورثة مثلاه (وفي الصورة الثانية) وهي ما إذا كانت قيمة قفيزه ثلاثين قال الاستاذ أبو منصور يصح البيع في نصف القفيز الجيد وهي خمسة عشر(8/264)
والمحاباة ثلثه وهو خمسة وقد حصل للورثة القفيز الردئ وقيمته عشرة وهي ضعف المحاباة ويبقى في ذمة المشتري خمسة عشرة كلما حصل منها شئ جازت المحاباة في مثل ثلثه وغلطه إمام الحرمين فيما ذكره من جهة أنا إذا صححنا البيع في نصف الجيد فانما نصححه بنصف الردئ وهو خمسة فتكون المحاباة بعشرة لا بخمسة وإذا كانت المحاباة بعشرة فالواجب أن يكون في يد الورثة عشرون وليس في يدهم الا عشرة (فالصواب) أن يقال يصح البيع في ربع القفيز الجيد وهو سبعة ونصف بربع الردئ وهو درهمان ونصف فتكون المحاباة بخمسة وفي أيدي الورثة ضعفها عشرة ثم قال صاحب التلخيص فان كانت المسألتان بحالهما وكانا جميعا مريضين والقفيزان بحالهما لم يوكل منهما شئ فاستقالا فاقال كل واحد منهما صاحبه فمن أبطل البيع أبطله ومن أجاز البيع أجاز في المسألة الاولى في سبعة أثمان قفيز وأبطله في ثمن واجاز الاقالة في خمسة أثمان وأبطلها في ثمنين وفي المسألة الثانية أجاز البيع في خمسة أثمان(8/265)
وأبطله في ثلاثة أثمان وأجاز الاقالة في ثلاثة أثمان وأبطلها في ثمنين (وقوله) فان كانت المسألتان أراد باحدى المسألتين ما إذا كانت قيمة القفيز الجيد عشرين وبالاخرى ما إذا كانت قيمته ثلاثين وقيمة الردئ عشرة والذي ينبغى أن يعرف في مقدمة هذه الصورة أنه كما تعتبر محاباة المريض في البيع من الثلث كذلك تعتبر محاباته في الاقالة من الثلث سواء قدرت الاقالة فسخا أو بيعا جديدا * إذا عرفت ذلك فنقول إذا باع مريض قفيز حنطة يساوي عشرين من مريض بقفيز حنطة يساوي عشرة ثم تقايلا وماتا من مرضهما والقفيزان بحالهما ولا مال لهما سواهما ولم تجز الورثة ما زاد من محاباتهما على الثلث فان(8/266)
منعنا تفريق الصفقة وقلنا بالتصحيح بجميع الثمن فلا بيع ولا إقالة (وإن قلنا) بالتصحيح بالقسط فيدور كل واحد مما نقد فيه البيع والاقالة على الاخر لان البيع لا ينفذ إلا في الثلث وبالاقالة يزيد ماله فيزيد ما نفذ فيه البيع وإذا زاد ذلك زاد مال الثاني فيزيد ما نفذ فيه الاقالة (فالطريق) أن يقال صح البيع في شئ من القفيز الجيد ورجع إليه من الثمن نصف ذلك الشئ فبقى في يده(8/267)
عشرون الا نصف شئ وفي يد الاخر عشرة ونصف شئ ثم إذا تقايلا فالاقالة إنما تصح في ثلث مال المقيل فيأخذ ثلاثة عشر وثلث نصف شئ وهو ثلاثة وثلث وسدس شئ فيضمه إلى مال الاول وهو عشرون الا نصف شئ يصير ثلاثة وعشرين وثلثا إلا ثلث شئ وهذا يجب أن يكون مثلى المحاباة أولا وهو نصف شئ فيكون ذلك كله مثل شئ فإذا جبرنا وقابلنا كان ثلاثة وعشرون وثلث مثل شئ وثلث شئ يبسط الشي والثلث أثلاثا يكون أربعة والشئ ثلاثة أرباعه فإذا أردنا أن نعرف كم الشئ من ثلاثة وعشرين وثلث انكسر فسبيلنا أن نصحح السهام بان نجعل كل عشرة ثلاثة لان الزائد على العشرين ثلاثة وثلث وهو ثلث العشرة وإذا جعلنا كل(8/268)
عشرة ثلاثة أسهم صارو ثلاثة وثلث سبعة اسهم فتزيد قسمتها على الاربعة والسبعة لا تنقسم على الاربعة فنضرب سبعة في اربعة فيكون ثمانية وعشرين فالشئ ثلاثة أرباعها وهي إحدى وعشرون فلما عرفنا ذلك رجعنا إلى الاصل وقلنا العشرون التي كانت قيمة القفيز صارت اربعة وعشرين لانا ضربنا كل ثلاثة وهي سهام العشرة في اربعة فصارت اثنى عشر تكون العشرون اربعة وعشرين وقد صح البيع منهم في احدى وعشرين وذلك سبعة اثمان اربعة وعشرون وإذا عرفنا ذلك وأردنا التصحيح من غير كسر جعلنا القفيز الجيد ستة عشرة والقفيز الردئ ثمانية وقلنا صح البيع في سبعة أثمان الجيد وهي أربعة عشر بسبعة أثمان الردئ وهو سبعة فتكون المحاباة(8/269)
بسبعة ويبقى في يد بائع الجيد تسعة سهمان بقيا عنده وسبعة أخذها عوضا ويحصل في يد الاخر خمسة عشر لانه أخذ أربعة عشر وكان قد بقى في يده سهم فلما تقايلا نفذت الاقالة في عشرة وهي خمسة أثمان القفيز الجيد بخمسة أثمان القفيز الردئ وهي خمسة فقد أعطى عشرة وأخذ خمسة فالمحاباة بخمسة والحاصل من ذلك كله المستقر في يد الاول أربعة عشر مثلا محاباة سبعة وفي يد الثاني عشرة مثلا محاباة خمسة ولو كانت المسألة بحالها والقفيز الجيد يساوي ثلاثين (فنقول) صح البيع في شئ منه ورجع إليه من الثمن مثل ثلث ذلك الشئ فبقي في
يده ثلاثون الا ثلثي شئ وفي يد الاخر عشرة وثلثا شئ فإذا تقايلا أخذنا ثلاثة عشر وثلثي(8/270)
شئ وذلك ثلاثة دراهم وثلث وتسعا شئ يضم إلى مال الاول فيصير ثلاثة وثلاثين وثلثا الا أربعة أتساع شئ وهو مثلا المحاباة وهي ثلثا شئ فيكون مثل شئ وثلث شئ فإذا جبرنا وقابلنا صار ثلاثة وثلاثون وثلث مثل شئ وسبعة أتساع شئ فعلمنا أن ثلاثة وثلاثين يجب أن تقسم على شئ وسبعة أتساع شئ فيبسط هذا المبلغ أتساعا يكون ستة عشر يكون الشئ منه تسعة والعدد المذكور لا ينقسم على ستة عشر فنصحح السهام بان نجعل كل عشرة ثلاثة لان الزائد على الثلاثين ثلاثة وثلث وذلك ثلث العشرة وإذا فعلنا ذلك صارت ثلاثة وثلاثون وثلث عشرة(8/271)
أسهم يحتاج إلى قسمتها على ستة عشر وعشرة لا تنقسم على ستة عشر لكن بينهما موافقة بالنصف فنضرب جميع أحدهما في نصف الاخر تكون ثمانين فنرجع إلى الاصل ونقول الثلاثون التي كانت قيمة القفيز صارت اثنين وسبعين لانا ضربنا كل ثلاثة وهي سهام العشرة في ثمانية فصارت اربعة وعشرين فتكون الثلاثون اثنين وسبعين والشئ كان تسعة من ستة عشر صار مضروبا في نصف العشرة وهي خمسة فيكون خمسة واربعين وذلك خمسة أثمان اثنين وسبعين فعرفنا صحة البيع في خمسة اثمان القفيز الجيد * فان اردنا التصحيح على الاختصار من غير كسر جعلنا القفيز(8/272)
الجيد أربعة وعشرين ليكون القفيز الردئ هو ثلاثة وثمن صحيح وقلنا صح البيع في خمسة اثمان الجيد وهي خمسة عشر بخمسة أثمان الردئ وهي خمسة تكون المحاباة بعشرة ويبقى في يد بائع الجيد اربعة عشر تسعة بقيت عنده وخمسة اخذها عوضا ويجعل في يد الاخر ثمانية عشر لانه اخذ خمسة عشر وكان قد بقي عنده ثلاثة فلما تقايلا نفذت الاقالة في تسعة وهي ثلاثة اثمان الجيد بثلاثة اثمان الردئ وهي ثلاثة فقد اعطى تسعة واخذ ثلاثة تكون المحاباة بستة فيستقر(8/273)
في يد الاول عشرون تسعة أخذها بحكم الاقالة واحد عشر هي بقية الثمن وقد بقيت عنده من اربعة عشر بعد رد الثلاثة وذلك مثلا محاباته بستة والله أعلم * وحكى إمام الحرمين عن بعض من لقيه من افاضل الحساب في الصورتين واخواتهما تمهيد طريقة مبنية على اصول سلهة المأخذ (منها) ان القفيز الجيد في هذه المسائل يعتبر بالاثمان فيقدر ثمانية اسهم وينسب الردئ إليه باعتبار(8/274)
الاثمان (ومنها) ان محاباة صاحب الجيد لا تبلغ أربعة اثمان قط ولا تنقص عن ثلاثة اثمان قط بل تكون بينهما فإذا اردت ان تعرف قدرها فانسب القفيز الردئ إلى الجيد وخذ مثل تلك النسبة من الثمن الرابع وإذا اردت ان تعرف ما يصح البيع فيه من القفيز فانسب الردئ فيه لى المحاباة في الاصل وزد مثل تلك النسبة على التبرع فالمبلغ هو الذي يصح فيه البيع وإذا اردت ان تعرف ما يصح فيه تبرع المقيل فانظر إلى تبرع بائع الجيد واضربه في ثلاثة ابدا وقابل الحاصل من الضرب بالقفيز الجيد فما زاد على القفيز فهو تبرعه فان اردت ان تعرف ما صحت فيه الاقالة فزد على تبرعه(8/275)
بمثل نسبة زيادتك على تبرع صاحبه فالمبلغ هو الذي صحت الاقالة فيه (مثاله) في الصورة الاولى نقول القفيز الجيد ثمانية والردئ اربعة فالردئ نصف الجيد فالتبرع في ثلاثة اثمان ونصف ثمن وإذا نسبنا الردئ إلى اصل المحاباة وجدناه مثله لان المحاباة عشرة من عشرين فنزيد على التبرع مثله يبلغ سبعة أثمان فهو الذي صح البيع فيه وإذا اردنا ان نعرف تبرع المقيل ضربنا تبرع الاول في ثلاثة(8/276)
تكون عشرة ونصفا وزيادة هذا المبلغ على الثمانية اثنان ونصف فعرفنا ان تبرعه في ثمنين ونصف فان اردنا ان نعرف ما تصح فيه الاقالة زدنا على الثمنين والنصف مثله تكون خمسة اثمان ولا يخفى(8/277)
تخريج الصورة الاخرى ونحوها على هذه الطريقة والله الموفق * قال (وأصح القولين أنه لو جمع بين عقدين مختلفين في صفقة واحدة كالاجارة والسلم أو
الاجارة والبيع أو النكاح والبيع مثل أن يقول زوجتك جاريتي وبعتك عبدي بدينار فالعقد صحيح وإن اختلفت في الدوام احكامها)(8/278)
ذكرنا في أول الباب ان الجمع في صفقة واحدة بين شيئين اما ان يكون في عقد واحد أو في عقدين مختلفي الحكم وقد فرغنا من القسم الاول (وأما) القسم الثاني فإذا جمع في صفقة واحدة بين الاجارة والسلم أو الاجارة والبيع ففيه قولان (أحدهما) أنه لا يصح واحد من العقدين لانهما مختلفا الحكم إذ الاجارة والسلم يختلفان في أسباب الفسخ والانفساخ وكذا(8/279)
الاجارة والبيع يختلفان في الحكم فان التأقيت شرط في الاجارة ومبطل للبيع وكمال القبض في الاجارة لا يتحقق الا بانقضاء المدة لانه قبل ذلك بعرض الانفساخ بخلاف البيع وإذا اختلفت الاحكام فربما يعرض ما يوجب فسخ أحدهما فيحتاج إلى التوزيع وتلزم الجهالة (وأصحهما) أنهما جميعا صحيحان لان كل واحد منهما قابل للعقد الذي أورده عليه على الانفراد فالجمع بينهما لا يضر(8/280)
واختلاف الحكم لا أثر له الا ترى أنه لو باع شقصا من دار وثوبا يجوز وان اختلفا في حكم الشفعة واحتجنا إلى التوزيع بسببه * وصورة الاجارة والسلم أن يقول أجرتك هذه الدار سنة وبعتك كذا سلما بكذا * وصورة الاجارة والبيع أن يقول بعتك عبدي هذا وأجرتك داري سنة بكذا وعلى القولين ما إذا جمع بين بيع عين وسلم أو بيع وصرف وغيره بان باع دينارا وثوبا بدراهم لاختلاف الحكم فان قبض رأس المال شرط في السلم والتقابض شرط في الصرف ولا يشترط ذلك في سائر البيوع * ولو جمع بين البيع والنكاح بان قال زوجتك جاريتي هذه وبعتك عبدي هذا بكذا والمخاطب ممن يحل له(8/281)
نكاح الامة أو قال زوجتك ابنتي وبعتك عبدها وهي صغيرة أو كبيرة وكلته بالبيع صح النكاح بلا خلاف وفي البيع والمسمى في النكاح القولان ان صححنا وزع المسمى على قيمة المبيع ومهر مثل
المرأة والا وجب في النكاح مهر المثل * ولو جمع بين البيع والكتابة بان قال لعبده كاتبتك على نجمين وبعتك عبدي هذا جميعا ألف فان حكمنا بالبطلان في الصورة السابقة فههنا أولى والا فالبيع(8/282)
باطل إذ ليس للسيد البيع منه قبل أداء النجوم وفي الكتابة قولان * (واعلم) أن من الاصحاب من لا يعد هذا الفصل من صور تفريق الصفقة لانا في قول نبطل العقدين جميعا وفي قول نصححهما جميعا فلا تفريق والله اعلم * قال (وتتعدد الصفقة بتعدد البائع وبتفصيل الثمن مثل ان يقول بعتك هذا بدرهم والاخر بدينار وهل تتعدد بتعدد المشتري فيه قولان) *(8/283)
لما كان محل القولين في مسائل الباب ما إذا اتحدت الصفقة دون ما إذا تعددت حتى لو باع ماله في صفقة ومال غيره في صفقة اخرى صحت الاولى بلا خلاف وجب النظر في انها متى تتعدد فإذا سمى لكل واحد من الشيئين ثمنا مفصلا فقال بعتك هذا بكذا وهذا بكذا وقبل المشتري كذلك على التفصيل فهما عقدان متعددان ولو جمع المشتري في القبول فقال قبلت فيهما فكذلك على المذهب لان القبول يترتب على الايجاب فإذا وقع ذلك مفرقا فكذلك القبول (وقيل) إن لم نجوز تفريق الصفقة لم يجز الجمع في القبول * وتتعدد الصفقة أيضا بتعدد البائع وإن اتحد المشتري والمعقود عليه كما إذا باع(8/284)
رجلان عبدا من رجل صفقة واحدة وهل تتعدد بتعدد المشتري مثل أن يشتري رجلان عبدا من واحد فيه قولان (أصحهما) نعم كما في طرف البائع (والثاني) لا لان المشتري بان على الايجاب السابق فالنظر إلى من صدر منه الايجاب والقولان على ما ذكر الامام مأخوذان من قولين يأتي ذكرهما في أن المشتريين إذا وجدا بالعبد عيبا واراد أحدهما افراد نصيبه بالرد هل له ذلك (ان قلنا) نعم(8/285)
عددنا الصفقة والا فلا وللتعدد والاتحاد وراء ما نحن فيه أثار أخر (منها) أنا إذا حكمنا بالتعدد
فوفي أحد المشتريين نصيبه من الثمن وجب على البائع تسليم قسطه من المبيع كما يسلم المشاع وان حكمنا بالاتحاد لم يجب تسليم شئ إلى أحدهما وان وفي جميع ما عليه حتى يوفي الاخر لثبوت حق الحنس للبائع كما لو اتحد المشتري ووفر بعض الثمن لا يسلم إليه قسط من المبيع على ان فيه وجها انه يسلم إليه القسط إذا كان المبيع مما يقبل القسمة (ومنها) انا إذا قلنا بالتعدد فلو خاطب واحد رجلين فقدل بعت منكما هذا العبد بألف فقبل أحدهما نصفه بخمسمائة ففي صحته وجهان (أحدهما) يصح لانه في حكم صفقتن (واصحهما) انه لا يصح لان الايجاب وقع جملة وانه يقتضي جوابهما جميعا * ويحرى(8/286)
الوجهان فيما لو قال مالكا عبد لرجل بعتا منك هذا العبد بالف فقبلي نصيب احدهما يعينه بخمسمائة * وقد يعرض للناظر تخريج خلاف في تعدد الصفقة بتعدد البائع من وجهين ذكروهما فيما إذا باع رجلان عبدا مشتركا بينهما من انسان هل لاحدهما ان ينفرد باخذ شئ من الثمن (أحدهما) وبه قال المزني انه لا ينفرد ولعلنا نذكرهما بتوجيههما في غير هذا الموضع * قال (وإذا جرى العقد بوكالة فالاصح ان الاعتماد على الموكل في تعداده واتحاده) * إذا وكل رجلان رجلا بالبيع أو الشراء وقلنا ان الصفقة تتعدد بتعدد المشتري أو وكل رجل(8/287)
رجلين بالبيع أو الشراء فالاعتبار في تعدد العقد واتحاده بالعاقد أو المعقود له فيه وجوه (أحدها) وبة أجاب ابن الحداد ان الاعتبار بالعاقد لان الاحكام تتعلق به الا ترى ان العتبر؟ رؤيته دون رؤية الموكل وخيار المجلس يتعلق به دون الموكل (والثاني) وبه قال ابو زيد والخضري ان الاعتبار بالمعقود له لان الملك يثبت له وهذا اصح عند صاحب الكتاب والاول اصح عند الشيخ أبي على والاكثرين (والثالث) ويتحلى عن أبي اسحاق ان الاعتبار في طرف البيع بالمعقود له وفي طرف الشراء بالعاقد والفرق ان العقد يتم في جانب الشراء بالمباشر دون المعقود له ان ترى ان المعقود له لو أنكر كون المباشر مأذونا له وقع العقد عن المباشر وفي جانب البيع لا يتم بالمباشر حتى لو جحد المعقود له الاذن بطلا البيع قال الامام وهذا الفرق فيما إذا كان التوكيل بالشراء في الذمة
فاما إذا وكله بشراء عبد بثوب له معين فهو كالتوكيل بالبيع (والرابع) ذكره في التتمة ان الاعتبار في جانب الشراء بالموكل وفي البيع بهما جميعا فايهما تعدد تعدد العقد ووجه ان العقد يتعدد بتعدد الموكل في حق الشفيع ولا يتعدد بتعدد الوكيل حتى لو اشترى الواحد شقصا لاثنين كان للشفيع ان ياخذ حصة احدهما وبالعكس لو اشترى وكيلان شقصا لواحد لم يجز للشفيع اخذ بعضه وفي جانب البيع حكم تعدد الوكيل والموكل واحد حتى لو باع وكيل رجلين شقصا من رجل ليس للشفيع اخذ بعضه وإذا ثبت ما ذكرناه في حكم الشفقة فكذلك في سائر الاحكام ويتفرع على هذه(8/288)
الوجوه فروع (أحداها) لو شترى شيئا بوكالة رجلين فخرج معيبا وقلنا الاعتبار بالعاقد فليس لاحد الموكلين إفراد نصيبه بالرد كما لو اشترى ومات عن ابنين وخرج معيبا لم يكن لاحدهما افراد نصيبه بالرد وهل لاحد الموكلين والابنين اخذ الارش إن وقع الياس عن رد الاخر بان رضي به فنعم وإن لم يقع فكذلك في أصح الوجهين (الثاني) لو وكل رجلان رجلا ببيع عبد لهما أو وكل أحد الشريكين صاحبه فباع الكل ثم خرج معيبا فعلى الوجه الاول لا يجوز للمشتري رد نصيب أحدهما وعلى الوجه الاخر يجوز * ولو وكل رجل رجلين ببيع عبده فباعاه من رجل فعلى الاول يجوز للمشتري رد نصيب احدهما وعلى الوجوه الاخرى لا يجوز * ولو وكل رجلان رجلا بشراء عبد(8/289)
أو وكل رجل رجلان بشراء عبد له ولنفسه ففعل وخرج العبد معيبا فعلى الوجه الاول والثالث ليس لاحد الموكلين افراد نصيبه بالرد وعلى الثاني والرابع يجوز * وعن القفال انه إن علم البائع انه يشتري لاثنين فلاحدهما رد نصيبه لرضا البائع بالتشقيص وإن جهله البائع فلا رد (الثالث) لو وكل رجلان رجلا ببيع عبد ورجلان رجلا بشراه فتبايع الوكيلان وخرج المبيع معيبا فعلى الوجه الاول لا يجوز التفريق وعلى الوجوه الاخر يجوز * ولو وكل رجل رجلين ببيع عبد ورجلين آخرين بشراه فتبايع الوكلاء فعلى الوجه الاول يجوز التفريق وعلى الوجوه الاخر لا يجوز والله أعلم *(8/290)
قال (والنظر الثاني في لزوم اتحاد العقد وجوازه) والاصل في البيع اللزوم والخيار عارض ثم ينقسم الخيار إلى خيار التروي والى خيار النقيصة وخيار التروي مالا يتوقف على فوات وصف وسببان (أحدهما) المجلس فيثبت (م ح) خيار المجلس في كل معاوضة محضة من بيع وسلم وصرف واجارة (ح) لا فيما يستعقب عتاقة كشراء القريب وشراء العبد نفسه (و) ولا يثبت فيما لا يسمي بيعا لان مستنده قوله عليه السلام (المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا) * ذكرنا في أول البيع انه أدرج كلام الكتاب في خمسة اطراف وهذا أوان الفراغ من الطرف الاول والشروع في الطر ف الثاني وهو الكلام في لزوم العقد وجوازه ولا نناقش في أبداله لفظ الطرف ههنا وبعده بالنظر فالامر فيه سهل (وقوله) والاصل في البيع اللزوم والخيار عارض ليس(8/291)
المراد منه عروض الجواز على اللزوم بعد ثبوت اللزوم لكن المراد منه أحد أمرين (أولهما) ان البيع من العقود التي يقتضي وضعها اللزوم ليتمكن كل واحد من المتعاقدين من التصرف فيما أخذه آمنا من نقض صاحبه عليه (والثاني) ان الغالب من حالات البيع اللزوم والجواز لا يثبت الا في الاقل ومن البينات أن المراد من اللزوم انفكاكه عن الخيار ومن الجواز كونه بحال ثبوت الخيار ثم الخيار على قسمين لانه أما أن لا يتوقف على فوات شئ بل يتعلق بمجرد التشهي وهذا ما عبر عنه بخيار التروي وأما أن يتوقف على فوات شئ مظنون الحصول وهذا ما عبر عنه بخيار النقيصة (أما) القسم الاول فقد ذكر في الكتاب ان له سببين وهو مفرع على قولنا ان بيع الغائب لا يصح فان(8/292)
صححناه اثبتنا خيار الرؤية ومعلوم أنه لا يتوقف على فوات شئ فتصير الاسباب ثلاثة (السبب الاول) كونهما مجتمعين في مجلس العقد فلكل واحد من المتبايعين فسخ البيع ما لم يتفرقا أو يتخايرا على ما سنفصله وبه قال أحمد * وقال مالك وأبو حنيفة لاخيار بالمجلس لنا ما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا الا بيع الخيار)(8/293)
ولنفصل القول فيما يثبت فيه خيار المجلس من العقود وما لا يثبت والعقود ضربان (احدهما) العقود الجائزة اما من الجانبين كالشركة والوكالة والقراض والوديعة والعارية أو من أحدهما كالضمان والكتابة فلا خيار فيهما (أما) الجائزة من الجانبين فلانهما بالخيار فيها أبدا فلا معني لخيار المجلس (وأما) الجائزة من أخذ الجانبين فلمثل هذا المعنى في حق من هي جائزة في حقه والاخر دخل فيها موطنا نفسه على الغبن ومقصود الخيار أن ينظر ويتروي ليدفع الغبن عن نفسه وكذا الحكم في الرهن نعم لو كان الرهن مشروطا في بيع وأقبض قبل التفريق أمكن فسخ الرهن بان يفسخ البيع حتى ينفسخ الرهن تبعا وحكى القاضي ابن كج عن بعض الاصحاب وجها أنه يثبت الخيار في الكتابة وعن ابن خيران أنه يثبت في الضمان وهما غريبان (والضرب الثاني) العقود اللازمة وهي نوعان العقود الوردة على العين والعقود الواردة على المنفعة (أما) النوع الاول فمنه أنواع البيع كالصرف وبيع الطعام بالطعام والسلم والتولية والتشريك وصلح المعاوضة فيثبت فيها خيار المجلس جميعا لظاهر(8/294)
الخبر ويستثني صور (إحداها) إذا باع مال نفسه من ولده أو بالعكس ففي ثبوت خيار المجلس وجهان (أحدهما) لا يثبت لان الذي ورد في الخبر لفظ المتبايعين وليس ههنا متبايعان (وأصحهما) يثبت لانه اقيم مقام الشخصين في صحة العقد فكذلك في الخيار ولفظ الخبر ورد على الغالب فكذا هذا يثبت للمولي خيار وللطفل خيار والولي نائب عنه فان الزم لنفسه وللطفل لزم وان الزم لنفسه بقي الخيار للطفل فإذا فارق المجلس لزم العقد في في أصح الوجهين (والثاني) لا يلزم الا بالالزام لانه لا يفارق نفسه وان فارق المجلس (الثانية) لو اشترى من يعتق عليه كابيه وابنه فالذي ذكره في الكتاب انه لا يثبت فيه خيار المجلس واتبع فيه الامام حيث نقل ان لا خيار فيه على المشهور لانه ليس عقد مغابنة من جهة المشتري لانه وطن نفسه على الغبن المالي (وأما) من جهة البائع فهو وان كان عقد مغابنة لكن النظر إلى كونه عتاقة ثم حكى الاودني أنه يثبت تمسكا بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم (لن يجزي ولد والده الا بان يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه) فانه يقتضي إنشاء اعتاق بعد العقد والاكثرون(8/295)
بنوا ثبوت الخيار في المسألة على الخلاف في أقوال الملك في زمن الخيار (فان قلنا) انه للبائع فلهما الخيار ولا نحكم بالعتق حتى يمضي زمان الخيار (وان قلنا) انه موقوف فلهما الخيار أيضا فإذا أمضينا العقد تبين أنه عتق بالشراء (وان قلنا) ان الملك للمشتري فلا خيار له ويثبت للبائع ومتى يعتق فيه وجهان (أظهرهما) أنه لا يحكم بالعتق حتى يمضي زمان الخيار ثم يحكم حينئذ بعتقه من يوم الشراء (والثاني) أنه يعتق في الحال وعلى هذا هل يبطل خيار البائع فيه وجهان كالوجهين فيما إذا اعتق المشتري العبد الاجنبي في زمان الخيار على قولنا ان الملك له قال صاحب التهذيب ويحتمل أن يحكم بثبوت الخيار للمشتري أيضا تفريعا على أن الملك في زمان الخيار له وأن العبد لا يعتق في الحال لانه لم يوجد منه الرضا الا باصل العقد فإذا ما في الكتاب يخالف مقالة الاكثرين لان الصحيح من أقوال الخيار قول التوقف أو قول انتقال الملك إلى المشتري على ما سيأتي وعلى التقدير الاول يثبت الخيار لهما وعلى الثاني يثبت للبائع والمذكور في الكتاب نفيه على الاطلاق (الثالثة) الصحيح أن(8/296)
بيع العبد من نفسه جائز وعلى هذا فهل فيه خيار المجلس قال في الكتاب لا وبمثله أجاب في التتمة حيث نزله منزلة الكتابة وذكر ابو الحسن العبادي مع هذا وجها آخر أنه يثبت فيه الخيار ومال إلى ترجيحه (الرابعة) ذكروا وجهين في ثبوت الخيار في شراء الجمد في شدة الحر لانه يتلف بمضي الزمان (الخامسة) ان صححنا بيع الغائب ولم يثبت خيار المجلس مع خيار الرؤية فهذا البيع من صور الاستثناء وكذا البيع بشرط نفي خيار المجلس ان صححنا البيع والشرط وقد مرت المسألتان * هذا هو الكلام في البيع بانواعه ولا يثبت خيار المجلس في صلح الحطيطة والابراء لانه شرع فيهما على يقين بان لا حظ له فيهما ولا في الاقالة (إن قلنا) انها فسخ (وان قلنا) انها بيع ففيها الخيار ولا يثبت أيضا في الحوالة ان لم نجعلها معاوضة وان جعلناها معاوضة فكذلك في أظهر الوجهين لانها ليست على قواعد المعاوضات إذ لو كانت كذلك لبطلت لان بيع الدين بالدين لا يجوز ولا يثبت أيضا في الشفعة للمشتري وفي ثبوته للشفيع وجهان (وجه) الثبوت أن سبل الاخذ بالشفعة سبل المعاوضات(8/297)
ألا ترى أنه يثبت فيه الرد بالعيب والرجوع بالعهدة (ووجه) المنع أن المشتري لا خيار له وتخصيص خيار المجلس باحد الجانبين بعيد فان أثبتناه فعن بعضهم أن معناه انه بالخيار بين الاخذ والترك ما دام في المجلس هذا مع تفريعنا على قول الفور * وغلط إمام الحرمين ذلك القائل وقال الصحيح انه على الفور ثم له الخيار في نقض الملك ورده ومن اختار عين ماله المبيع من المفلس لزمه ولا خيار له * وروي القاضي ابن كج أن أبا الحسن حكى وجها انه بالخيار مادام في المجلس وهذا شبيه بالخلاف في الشفيع ولا خيار في الوقف كما في العتق ولا في الهبة ان لم يكن فيها ثواب وان وهب بشرط الثواب أو مطلقا وقلنا انه يقتضي الثواب فوجهان (أظهرهما) انه لا يثبت لانه لا يسمى بيعا والخبر ورد في المتبايعين ويثبت الخيار في القسمة ان كان فيها رد والا فان جرت بالاخيار فلا خيار فيها وان جرت بالتراضي فيبنى على أنها بيع أو أفراز حق (ان قلنا) افراز حق لم يثبت (وان قلنا) بيع فكذلك في أصح الوجهين (وأما) النوع الثاني وهو العقد الوارد على المنفعة فمنه النكاح فلا(8/298)
يثبت فيه خيار المجلس للاستغناء عنه بسبق التأمل غالبا ولا يثبت في الصداق المسمى ايضا على أصح الوجهين لان المال بيع في النكاح (والثاني) يثبت فان الصداق عقد مستقل فعلى هذا ان فسخ وجب مهر المثل وعلى هذين الوجهين ثبوت خيار المجلس في عوض الخلع ولا مدفع للفرقة بحال (ومنه) الاجارة وفي ثبوت خيار المجلس فيها وجهان (أحدهما) وبه قال الاصطخري وصاحب التلخيص يثبت لانها معاوضة لازمة كالبيع بل هي ضرب من البيوع (والثاني) وبه قال ابو اسحاق وابن خيران لا يثبت لان عقد الاجارة مشتمل على الغرر لانه عقد على معدوم والخيار غرر فلا يضم غرر إلى غرر وبالوجه الاول أجاب صاحب الكتاب ورجحه صاحب المهذب وشيخه الكرخي * وذكر الامام وصاحب التهذيب والاكثرون أن الاصح هو الثاني * وعن القفال في طائفة أن الخلاف في اجارة العين (أما) الاجارة على الذمة فيثبت فيها خيار المجلس لا محالة بناء على أنها ملحقة بالسلم حتى أنه يجب فيها قبض البدل في المجلس (فان قلنا) بثبوت الخيار في اجارة(8/299)
العين فابتداء المدة يحسب من وقت انقضاء الخيار بالتفرق أم من وقت العقد حكى الامام فيه خلافا (قيل) يحسب من وقت انقضاء الخيار لان الاحتساب من وقت العقد يعطل المنافع على المكتري أو المكري وعلى هذا لو أراد المكري ان يكريه من غيره في مدة الخيار قال لا مجيز له فيما أظن وإن كان محتملا في القياس (والصحيح) انه يحسب من وقت العقد إذ لو حسب من وقت انقضاء الخيار لتأخر ابتداء مدة الاجارة عن العقد فيكون كاجارة الدار السنة القابلة وهي باطلة وعلى هذا فعلى من تحسب مدة الخيار (ان) كان قبل تسليم العين إلى المستأجر فهي محسوبة على المكري (وان) كان بعد التسليم فوجهان مبنيان على أن المبيع إذا هلك في يد المشتري في زمان الخيار من ضمان من يكون (أصحهما) انه من ضمان المشتري فعلى هذا هي محسوبة على المستأجر وعليه تمام الاجرة (والثاني) أنها من ضمان البائع فعلى هذا يحسب على المكري ويحط من الاجرة بقدر ما يقابل تلك المدة (وأما) المساقات ففي ثبوت خيار المجلس فيها طريقان (اظهرهما) انه على الخلاف المذكور في الاجارة (والثاني) القطع بالمنع لان الغرر فيه اعظم لان كل واحد من المتعاقدين لا يدري(8/300)
ما يحصل له فلا يضم إليه غرر آخر * والمسابقة كالاجارة ان قلنا انها لازمة وكالعقود الجائزة ان قلنا أنها جائزة (وقوله) ولا يثبت فيما لا يسمى بيعا يجوز اعلامه بالواو للوجوه الصائرة إلى ثبوته في الكتابة والخلع وسائر ما حكينا الخلاف فيه والله اعلم * قال (وينقطع الخيار بلفظ يدل على اللزوم وتمام الرضي وبمفارقة المجلس بالبدن وهل يبطل بالموت فيه قولان (اصحهما) انه لا يبطل كخيار الشرط (وح) فيثبت للوارث ولو فرق بينهما على اكراه ففي بطلان الخيار خلاف ويثبت عند جنون أحد المتعاقدين قبل التفرق للقيم) * مقصود الفصل الكلام فيما ينقطع به خيار المجلس وجملته أن كل عقد ثبت فيه هذا الخيار فانه ينقطع بالتخاير وبان يتفرقا بابدانهما عن مجلس العقد (أما) التخاير فهو أن يقولا تخايرنا أو اخترنا امضاء العقد أو امضيناه أو أجزناه أو الزمناه وما اشبهها ولو قال احدهما اخترت انقطع خياره ويبقى خيار الاخر كما في خيار الشرط إذا أسقط احدهما الخيار وفي وجه لا يبقى خيار الاخر ايضا لان(8/301)
الخيار لا يتبعض في الثبوت فلا يتبعض في السقوط * ولو قال احدهما لصاحبه اختر أو اخيرتك فقال الاخر اخترت انقطع خيارهما جميعا وان سكت لم ينقطع خياره وينقطع خيار القائل في اصح الوجهين لان قوله اختر رضي منه باللزوم وقد روي في بعض الروايات انه صلى الله عليه وسلم قال (أو يقول احدهما لصاحبه اختر) ولو قال احدهما اخترت وقال الاخر فسخت قدم الفسخ على الاجازة * ولو تقابضا في المجلس وتبايعا العوضين بيعا ثانيا صح البيع الثاني على المشهور وهو قول ابن سريج لان البيع الثاني منهما رضي بلزوم الاول وعن صاحب التقريب أنه مبني على أن الخيار هل يمنع انتقال الملك (ان قلنا) يمنع لم يصح * ولو تقابضا في عقد الصرف ثم أجازا في المجلس لزم العقد وان أجازاه قبل التقابض فوجهان (أحدهما) ان الاجازة لاغية لان القبض متعلق بالمجلس وهو باق فبقي حكمه في الخيار (والثاني) انه يلزم العقد وعليهما التقابض فان تفرقا قبل القبض انفسخ العقد ولا نقصهما ان تفرقا عن تراض فان انفرد احدهما بالمفارقة عصي (وأما) التفرق فهو أن يتفرقا(8/302)
بابدانهما فلو اقاما في ذلك المجلس مدة طويلة أو قاما وتماشيا منازل فهما على خيارهما هذا هو المذهب ووراءه وجهان (أحدهما) قال بعض الاصحاب لا يزيد الخيار على ثلاثة أيام لانها نهاية الخيار المشروط شرعا (والثاني) انه لو لم يتفرقا ولكن شرعا في أمر آخر واعرضا عما يتعلق بالعقد وطال الفصل انقطع الخيار نقله صاحب البيان * ثم الرجوع في التفرق إلى العادة فما يعده الناس تفرقا يلزم به العقد فلو كانا في دار صغيرة فالتفرق بان يخرج احدهما منها أو يصعد السطح وكذا لو كانا في مسجد صغير أو سفينة صغيرة * وان كانت الدار كبيرة جعل التفرق بان يخرج احدهما من البيت إلى الصحراء أو يدخل من الصحن في بيت أو صفة وان كانا في صحراء أو سوق فإذا ولى احدهما ظهره الاخر ومشي قليلا حصل التفرق وكان ابن عمر رضي الله عنهما (إذا ابتاع شيئا واراد أن يوجب البيع قام ومشي قليلا) وعن الاصطخري أنه يشترط أن يبعد بحيث إذا كلم صاحبه على(8/303)
الاعتياد من غير رفع الصوت لم يسمع ولا يحصل التفرق بان يرخي بينهما ستر أو يشق بينهما نهر وهل يحصل بان يبني بينهما جدار من طين أو جص فيه وجهان (أصحهما) لا لانه في مجلس العقد والحقه الامام بما إذا حمل أحدهما وأخرج وسيأتي الكلام فيه * وصحن الدار والبيت الواحد إذا تفاحش اتساعهما كالصحراء ولو تناديا متباعدين وتبايعا صح البيع وما حكم الخيار قال الامام يحتمل أن يقال لا خيار لان التفرق الطارئ قاطع للخيار فالمقارن يمنع ثبوته ويحتمل ان يقال يثبت ما داما في موضعهما وهذا ما أورده المتولي * ثم إذا فارق أحدهما موضعه وبطل خياره هل يبطل خيار الاخر أو يدوم إلى أن يفارق مكانه فيه احتمالان للامام * ثم في الفصل ثلاث مسائل (احداها) إذا مات أحد المتبايعين في مجلس العقد فقد نص في المختصر في البيوع أن الخيار لوارثه وفي المكاتب أنه إذا باع ولم يتفرقا حتى مات المكاتب وجب البيع وللاصحاب في النصين ثلاثة طرق (أظهرها) أن في الصورتين قولين بالنقل والتخريج وبه قال القاضي ابو حامد وأبو اسحاق (أحدهما) انه يلزم البيع لانه خيار يسقط بمفارقة المكان فبمفارقة الدنيا أولى (وأصحهما) انه لا يلزم بل يثبت للوارث والسيد كخيار الشرط والعيب (والثاني) القطع بثبوت الخيار للوارث والسيد (وقوله) في المكاتب وجب البيع أراد أنه لا يبطل بموته لا كالكتابة (والثالث) تقرير النصين والفرق أن(8/304)
الوارث خليفة المورث فيقوم مقامه في الخيار والسيد ليس خليفة للمكاتب وإنما يأخذ ما يأخذ بحق الملك والعبد المأذون إذا باع أو اشترى ومات في المجلس كالمكاتب فيجئ فيه هذا الخلاف وكذلك في الوكيل بالشراء إذا مات في المجلس هل للموكل الخيار وهذا إذا فرعنا على أن الاعتبار بمجلس الوكيل في الابتداء وهو الصحيح وروي وجه أن الاعتبار بمجلس الموكل (التفريع) ان لم يثبت الخيار للوارث فقد انقطع خيار الميت (واما) الحي ففي التهذيب أن خياره لا ينقطع حتى يفارق ذلك المجلس * وذكر الامام تفريعا على هذا القول أنه يلزم العقد من الجانبين ويجوز تقدير خلاف فيه لما مر أن هذا الخيار لا يتبعض في السقوط كما في الثبوت وان قلنا يثبت الخيار للوارث فان كان حاضرا في المجلس امتد الخيار بينه وبين العاقد الاخر حتى يتفرقا أو يتخايرا * وإن كان
غائبا فله الخيار إذا وصل الخبر إليه ثم هو على الفور أو يمتد امتداد مجلس بلوغ الخبر إليه فيه وجهان (وجه) الاول أن المجلس قد انقضى وانما أثبتنا له الخيار كيلا يعطل حقا كان للمورث (ووجه) الثاني أن الوارث خليفة المورث فليثبت له مثل ما ثبت للمورث وهذان الوجهان كالوجهين في خيار الشرط إذا ورثه الوارث وكان بلوغ الخبر إليه بعد انقضاء مدة الخيار ففي وجه هو على الفور وفي وجه يدوم مثل ما كان يدوم للمورث لو لم يمت * هذا ترتيب الاكثرين وبني بانون(8/305)
ثبوت الخيار للوارث على وجهين نقلوهما في كيفية ثبوته للعاقد الباقي (أحدهما) أن له الخيار ما دام في مجلس العقد فإذا فارقه بطل فعلى هذا يكون خيار الوارث في المجلس الذي يشاهد فيه المبيع ليتأمل ويختار ما فيه الحظ (والثاني) أن خياره يتأخر إلى أن يجتمع مع الوارث في مجلس واحد فعلى هذا حينئذ يثبت الخيار للوارث * (فرع) إذا ورثه اثنان فصاعدا وكانوا حضورا في مجلس العقد فلهم الخيار إلى أن يفارقوا العاقد الاخر ولا ينقطع الخيار بمفارقة بعضهم على الاصح * وإن كانوا غائبين عن المجلس ففي التتمة أنا إن قلنا في الوارث الواحد يثبت الخيار في مجلس مشاهدة المبيع فلهم الخيار إذا اجتمعوا * في مجلس واحد (وان قلنا) الخيار إذا اجتمع مع العاقد فكذلك لهما الخيار إذا اجتمعوا معه ومتى فسخ بعضهم وأجاز بعضهم ففي وجه لا ينفسخ في شئ (والاصح) أنه ينفسخ في الكل كالمورث لو فسخ في حياته في البعض وأجاز في البعض (المسألة الثانية) إذا حمل احد المتعاقدين واخرج من المجلس مكرها نظر إن منع من الفسخ أيضا بان سد فوه لم ينقطع خياره على أظهر الطريقين إذ لم يوجد منه ما يدل على الرضا باللزوم (والثاني) في انقطاعه وجهان كالقولين في صورة الموت وهذه اولى ببقاء الخيار لان ابطال حقه قهرا مع بقائه بعيد فان لم يمنع من الفسخ فطريقان على العكس (اظهرهما) ان في انقطاع الخيار وجهين (احدهما) وبه قال ابو اسحق ينقطع لان سكوته عن الفسخ(8/306)
مع القدرة رضا بالامضاء (واصحهما) انه لا ينقطع لانه مكره في المفارقة وكانه لا مفارقة والسكوت
عن الفسخ لا يبطل الخيار كما في المجلس (الثاني) القطع بالانقطاع وهو اختيار الصيدلاني (فان قلنا) ينقطع خياره انقطع خيار الماكث ايضا والا فله التصرف بالفسخ والاجازة إذا وجد التمكن و؟ ؟ هو على الفور فيه ما سبق من الخلاف (فان قلنا) لا وكان مستقرا حين زايله الاكراه في مجلس ابتداء الخيار امتد الخيار امتداد ذلك المجلس وان كان مارا فإذا فارق في مروره مكان التمكن انقطع خياره وليس عليه الانقلاب إلى مجلس العقد ليجتمع مع العاقد الاخر ان طال الزمان وإن لم يطل ففيه احتمال عند الامام * وإذا لم يبطل خيار المخرج لم يبطل خيار الماكث ايضا ان منع من الخروج معه وان لم يمنع بطل في اصح الوجهين * ولو ضربا حتى تفرقا بانفسهما ففي انقطاع الخيار قولان كما في حيث المكره * ولو هرب احدهما ولم يتبعه الاخر مع التمكن بطل خيارهما وان لم يتمكن من متابعته ففي التهذيب انه يبطل خيار الهارب دون الاخر (المسألة الثالثة) إذا جن احد المتعاقدين أو اغمى عليه لم ينقطع الخيار لكن يقوم وليه أو الحاكم مقامه فيفعل ما فيه الحظ من الفسخ والاجازة وفيه وجه مخرج من الموت انه ينقطع وعلى المذهب لو فارق المجنون مجلس العقد قال الامام يجوز ان يقال لا ينقطع الخيار لان التصرف انقلب إلى القوام عليه ويعارضه انه لو كان كذلك لكان الجنون كالموت * ولو خرس احد المتعاقدين في المجلس فان كانت له إشارة(8/307)
مفهومة أو كتابة فهو على خياره والا نصب الحاكم نائبا عنه (وقوله) في مسألة الموت فيه قولان يجوز إعلامه بالواو للطريقين الاخرين (وقوله) كخيار الشرط معلم بالحاء والالف لان عند أبي حنيفة وأحمد خيار الشرط غير موروث وبالواو أيضا لان عن صاحب التقريب أن بعض أئمتنا خرج قولا من خيار المجلس في خيار الشرط أنه لا يورث (وقوله) ويثبت عند جنون أحد المتعاقدين معلم بالواو لما مر * قال (ولو تنازعا في جريان التفرق فالاصل عدمه ومن يدعيه مطالب بالبينة * ولو تنازعا في الفسخ بعد الاتفاق على التفرق فالاصل عدم الفسخ (و)) * في الفصل صورتان هينتا الخطب (إحداهما) لو جاء المتعاقدان معا فقال أحدهما تفرقنا بعد
البيع وأنه قد لزم وأنكر الثاني التفرق وأراد الفسخ فالقول قول الثاني مع يمينه لان الاصل دوام الاجتماع وعلى من يدعي خلافه البينة * ولك أن تقول هذا بين ان قصرت المدة ولكنها إن طالت(8/308)
فدوام الاجتماع خلاف الظاهر وان كان على وفاق الاصل فلا يبعد تخريجه على الخلاف المشهور في تعارض الاصل والظاهر والاصحاب لم يفرقوا بين الحالين (الثانية) اتفقا على التفرق وقال أحدهما فسخت قبله وأنكر الاخر فالقول قول الاخر مع يمينه لان الاصل عدم الفسخ وعلى المدعي البينة هذا هو الظاهر وبه أجاب في الكتاب * وعن صاحب التقريب؟ ؟ القول قول من يدعي الفسخ لانه أعرف بتصرفه * ولو اتفقا على عدم التفرق وتنازعا هكذا ففي التهذيب أن دعوى مدعي الفسخ فسخ * قال (السبب الثاني الشرط قال النبي صلى الله عليه وسلم لحبان بن منقذ وكان يخدع في البيوع (قل لا خلابة واشترط الخيار ثلاثة أيام) فلا تجوز الزيادة عنها (م) ولا التقدير بمدة مجهولة ولا الابهام في أحد العبدين) *(8/309)
الاصل في خيار الشرط الاجماع وما روي عن ابن عمر (أن رجلا ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع فقال صلى الله عليه وسلم إذا بايعت فقل لا خلابة) وروي أن ذلك الرجل كان حبان بن منقذ أصابه أمة في رأسه فكان يخدع في البيع فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (إذا بايعت فقل لا خلابة وجعل الخيار ثلاثا) وفي رواية (وجعل له بذلك خيار ثلاثة أيام) وفي رواية (قل لا خلابة ولك الخيار ثلاثا) وهذه الروايات كلها في كتب الفقة ولا يلفي في مشهورات كتب الحديث سوى الرواية المقتصرة على قوله (لا خلابة) وهذه الكلمة في الشرع عبارة عن اشتراط الخيار ثلاثا فإذا أطلقاها عالمين بمعناها كان كالتصريح بالاشتراط وإن كانا جاهلين لم يثبت الخيار وان علم البائع(8/310)
دون المشتري ففيه وجهان عن ابن القطان (أحدهما) لا يثبت لعدم التراضي (والثاني) يثبت لظاهر قوله (قل لاخلابة ولك الخيار ثلاثا) (وأما) اللفظة المروية في الكتاب وهي قوله (ولي الخيار
ثلاثة أيام) فلا تكاد توجد في كتب الحديث ولا الفقه نعم في شرح مختصر الجويني للموفق بن طاهر (قل لا خلابة واشترط الخيار ثلاثا) وهما متقاربان * إذا عرفت ذلك ففي الفصل ثلاث صور (إحداها) لا يجوز شرط الخيار أكثر من ثلاثة أيام فلو زاد فسد العقد لان الخيار غرر فلا يزاد على ما ورد به الخبر * وقال مالك تجوز الزيادة بحسب الحاجة حتى لو اشترى ضيعة يحتاج النظر فيها إلى شهر فصاعدا يجوز شرطه * وعن أحمد تجويز الزيادة من غير تحديد * ويجوز شرط ما دون الثلاث بطريق الاولى لكن لو كان المبيع مما يتسارع إليه الفساد فيبطل البيع أو يصح ويباع عند الاشراف على الفساد ويقام عنه مقامه حكي يحيى اليمني عن بعض من لقيه فيه وجهين وقال مالك إن كان المبيع مما يعرف حاله بالنظر ساعة أو يوما لم تجز الزيادة ويشترط(8/311)
أن تكون المدة متصلة بالعقد حتى لو شرطا خيار ثلاثة فما دونها من آخر الشهر أو متى شاء أو شرطا خيار الغد دون اليوم فسد العقد لانه إذا تراخت المدة عن العقد لزم وإذا لزم لم يعد جائزا ولهذا لو شرطا خيار الثلاثة ثم أسقط اليوم الاول سقط الكل (الثانية) لا يجوز شرط الخيار مطلقا ولا تقديره بمدة مجهولة ويفسد العقد به خلافا لمالك حيث قال يصح ويحمل على ما تقتضيه العادة فيه لنا القياس على الاجل * ولو شرطا الخيار إلى وقت طلوع الشمس من الغد جاز ولو قالا إلى طلوعها فعن الزبيري أنه لا يجوز لان السماء قد تكون متغيمة فلا تطلع وهذا بعيد فان التغيم انما يمنع من الاشراق واتصال الشعاع لا من الطلوع وفي الغروب لا فرق بين أن يقولا إلى الغروب أو إلى وقت الغروب بالاتفاق * ولو تبايعا نهارا بشرط الخيار إلى الليل أو بالعكس لم يدخل فيه الليل والنهار كما لو باع شيئا إلى رمضان لا يدخل رمضان في الاجل وقال أبو حنيفة يدخل الليل والنهار (الثالثة) لو باع عبدين بشرط الخيار في أحدهما لا على التعيين فسد العقد كما لو باع أحدهما لا على التعيين وقال أبو حنيفة يجوز في العبدين والثوبين والثلاثة ولا يجوز في الاربعة وما زاد كما قال في البيع ولو شرطا الخيار في أحدهما على التعيين ففيه قولا الجمع بين مختلفي الحكم وكذا لو شرطا في أحدهما خيار يوم وفي الاخر خيار يومين فان صححنا البيع ثبت الخيار فيما شرط وكما لو شرط فيهما ثم(8/312)
اراد الفسخ في أحدهما فعلى قولى تفريق الصفقة في الرد بالعيب * ولو اشترى اثنان شيئا من واحد صفقة واحدة بشرط الخيار فلاحدهما الفسخ في نصيبه كما في الرد بالعيب ولو شرط لاحدهما الخيار دون الاخر ففي صحة البيع قولان (الاصح) الصحة * (فرع) ابتاع على شرط أنه ان لم ينقده الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما أو باع على شرط انه إن رد الثمن في ثلاثة أيام فلا بيع بينهما فهذا شرط فاسد كما إذا تبايعا على شرط انه إن قدم زيد اليوم فلا بيع بينهما وعن أبي إسحق أنه يصح العقد والمذكور في الصورة الاولى شرط الخيار للمشتري وفي الثانية شرطه للبائع والله أعلم * قال (وأول مدته عند الاطلاق من وقت العقد لا من التفرق على الاصح ولا يتوقف الفسخ به على حضور (ح) لخصم وقضاء القاضي) * إذا تبايعا بشرط الخيار ثلاثة فما دونها فابتداء المدة من وقت العقد أو التفرق فيه وجهان (اصحهما) من وقت العقد وبه قال ابن الحداد لان ثبوته بالشرط والشرط وجد في العقد (والثاني) من وقت التفرق أو التخاير ونقل الامام عمن صار إليه تعليلين (احدهما) أن الخيارين متماثلان والمثلان لا يجتمعان (والثاني) أن الظاهر ان الشارط يبغي بالشرط إثبات ما لولا الشرط لما ثبت وخيار المجلس ثابت وان لم يوجد الشرط فيكون المقصود ما بعده * ولك ان تقول اما الاول فليس الخيار الا واحدا لكن له جهتان المجلس والشرط وذلك لا بعد فيه كما انه قد يثبت الخيار بجهة الخلف والعيب معا (واما) الثاني فتنزيل الشرط على ما ذكره يورث الجهالة لان وقت التفرق مجهول والوجهان على ما روي الشيخ ابو على وغيره مطردان في الاجل لكن بالترتيب ان جعلنا الخيار من وقت العقد فالاجل اولى والا فوجهان والفرق ان الاجل لا يثبت الا بالشرط فالنظر فيه إلى وقت الشرط والخيار قد يثبت من غير شرط فمقصود الشرط اثبات ما لولاه لما ثبت وايضا فان الاجل وان شارك الخيار في منع المطالبة بالثمن لكنه يخالفه من وجوه واجتماع المختلفين غير مستنكر (التفريع) ان قلنا بالاول فإذا انقضت المدة وهما مصطحبان بعد انقطع خيار الشرط وبقي خيار المجلس وان تفرقا
والمدة باقية فالحكم بالعكس ولو أسقطا أحد الخيارين لم يسقط الاخر ولو قالا الزمنا العقد وأسقطنا الخيار مطلقا سقطا ولو شرطا الاحتساب من وقت التفرق بطل الشرط والعقد لانه مجهول وعن رواية صاحب التقريب وجه أنهما صحيحان (وان قلنا) بالوجه الثاني فإذا تفرقا(8/313)
انقطع خيار المجلس واستؤنف خيار الشرط ولو أسقطا الخيار قبل التفرق بطل خيار المجلس ولا يبطل الاخر في اصح الوجهين لانه غير ثابت بعد ولو شرطا الاحتساب من وقت العقد فوجهان (أصحهما) صحة العقد والشرط وبناهما الامام على التعليلين السابقين ان عللنا باجتماع الخيارين بطلا وإلا صحا لان التصريح بالاحتساب من العقد يبين أنه ما اراد بالشرط ما بعد التفرق ولو شرط الخيار بعد العقد وقبل التفرق وقلنا بثبوته فالحكم على الوجه الثاني لا يختلف وعلى الاول فالاحتساب من وقت الشرط لا من وقت العقد ولا من وقت التفرق هذا شرح احدى مسألتي الفصل (والثانية) لمن له خيار الشرط من المتعاقدين فسخ العقد حضر صاحبه أو غاب وبه قال مالك واحمد * وقال ابو حنيفة ليس له الفسخ الا بحضور صاحبه * لنا أنه احد طرفي الخيار فلا يتوقف على حضور المتعاقدين كالاجازة وايضا فانه إذا لم يفتقر في رفع العقد إلى صاحبه وجب ان لا يفتقر إلى حضوره كما لو طلق زوجته ولا يفتقر نفوذ هذا الفسخ إلى الحاكم لانه فسخ متفق على ثبوته بخلاف الفسخ بالعنة فانه مختلف فيه والله اعلم * قال (ويثبت خيار الشرط في كل معاوضة محضة مما هو بيع الا في التصرف والسلم وما يستعقب العتق من البيوع) * غرض الفصل بيان ما يثبت فيه خيار الشرط من العقود وما لا يثبت والقول الجملي فيه أنه مع خيار المجلس يتلازمان في الاغلب لكن خيار المجلس أسرع وأولى ثبوتا من خيار الشرط لان زمان المجلس أقصر غالبا فربما انفكا لذلك فان أردت التفصيل فراجع ما سبق في خيار المجلس (واعلم) أنهما متقاربان في صور الخلاف والوفاق الا أن البيوع التي يشترط فيها التقابض في المجلس كالصرف وبيع الطعام بالطعام أو القبض في أحد العوضين كالسلم لا يجوز شرط الخيار فيها وان ثبت خيار
المجلس لان ما يشترط فيه القبض لا يحتمل فيه التأجيل والخيار أعظم غررا من الاجل لانه مانع من الملك أو من لزومه فهو يولي بان لا يحتمل وأيضا فالمقصود من اعتبار القبض أن يتفرقا ولا علقة بينهما تحرزا من الربا أو من بيع الكالي بالكالي ولو اثبتنا الخيار لبقيت العلقة بينهما بعد التفرق إلا أن خيار الشرط لا يثبت في الشفعة بلا خلاف وكذا في الحوالة على ما حكاه العراقيون مع نقلهم الخلاف في خيار المجلس * قال الامام ولا أعرف فرقا بين الخيارين الا أن الوجه الغريب المذكور في خيار المجلس للبائع من المفلس لم يطرد ههنا والا أن في الهبة بشرط الثواب طريقة عن القاضي(8/314)
أبي الطيب قاطعة بنفي خيار الشرط والا أن في الاجارة أيضا طريقة مثل ذلك (أما) في اجارة العين فلما في هذا الخيار من زيادة تعطل المنفعة (وأما) في الاجارة على الذمة فبناء على تنزيلها منزلة السلم وحكم شرط الخيار مذكور في كتا ب الصداق (وقوله) في الكتاب وما يستعقب العتق من البيوع لا بد من إعلامه بالواو والقول فيه على ما ذكرنا في خيار المجلس ولم يستثن في لفظ الكتاب بيع الطعام بالطعام ولا بد منه والله اعلم * قال (ثم ان كان الخيار للبائع وحده فالمبيع باق على ملكه على الاصح وان كان للمشتري وحده فالملك منتقل (وح) إليه وان كان لهما فثلاثة أقوال (احدها) أنه موقوف فان استقر العقد تبين زوال الملك بنفس العقد وان فسخ تبين أنه لم يزل الملك ولم يتم السبب والكسب والنتاج والوطئ والاستيلاد والعتق وغير ذلك من الطوارئ فروع الملك فينتظر آخر الامر فما يستقر عليه آخرا يقدر وجوده اولا (و)) * نقدم على فقه الفصل مقدمة وهي أن الخيار اما ان يشرط لاحد المتعاقدين أو لكليهما أو لغيرهما فان شرط لاحدهما أو لهما فهو جائز (أما) للمشتري فلحديث حبان (واما) للبائع أو لهما فبالقياس عليه والاجماع ويجوز ان يشرط لاحدهما خيار يوم وللاخر خيار يومين أو ثلاثة وان شرط لغيرهما فذلك الغير اما اجنبي أو الموكل الذي وقع العقد له فان كان اجنبيا فقولان (احدهما) انه يفسد العقد والشرط لانه خيار يتعلق بالعقد فيختص بالمتعاقدين كخيار العيب (واصحهما) وبه قال ابو حنيفة ومالك واحمد انهما صحيحان لانه خيار يثبت بالشرط للحاجة وقد تدعو الحاجة إلى
شرطه للاجنبي لكونه اعرف بحال المعقود عليه ويجرى القولان في بيع العبد بشرط الخيار للعبد ولا فرق على القولين بين ان يشرطا أو احدهما الخيار لشخص واحد وبين ان يشترط هذا الخيار لواحد وهذا للاخر وإذا قلنا بالاصح ففي ثبوت الخيار لمن شرط أيضا قولان أو وجهان (أصحهما) وهو ظاهر نصه في الصرف انه لا يثبت اقتصارا على الشرط كما إذا شرط لاحدهما لا يثبت للاخر (والثاني) يثبت وبه قال ابو حنيفة وأحمد وعللوه بمعنيين (أحدهما) ان شرط الخيار للاجنبي يشعر باستبقاء الشارط الخيرة لنفسه بطريق الاولى (والثاني) انه يستحيل ثبوت الخيار لغير المتعاقدين لا على سبيل النيابة وخرج الامام عليهما ما لو شرطا الخيار للاجنبي دونهما فعلى المعنى الاول يختص بالاجنبي وعلى الثاني لا يختص ويفسد الشرط فان لم يثبت الخيار للعاقد مع الاجنبي فمات الاجنبي في زمان الخيار ثبت الان له في الاصح الوجهين كذا قاله في التهذيب وإن أثبتا(8/315)
الخيار للعاقد مع الاجنبي فلكل واحد منهما الاستقلال بالفسخ ولو فسخ أحدهما وأجاز الاخر فالفسخ أولى ولو اشترى شيئا على أن يؤامر فلانا فيأتي بما يأمره به من الفسخ والاجازة فالمنقول عن نصه في الاملاء على مسائل مالك انه يجوز وليس له الرد حتى يقول استأمرته فأمرني بالفسخ وتكلموا فيه من وجهين (أحدهما) انه لم شرط أن يقول استأمرته قال الذين خصوا الخيار المشروط للاجنبي به هذا جواب على المذهب الذى قلناه ومؤيد له وقال آخرون انه مذكور احتياطا (والثاني) انه أطلق في التصوير شرط المؤامرة فهل يحتمل ذلك الصحيح انه لا يحتمل واللفظ محمول على ما إذا قيد المؤامرة بالثلاث فما دونها وقيل يحتمل الاطلاق والزيادة على الثلاث كما في خيار الرؤية وأما إذا كان ذلك الغير هو الموكل ثبت لخيار الموكل دونه * واعلم أن الوكيل بالبيع والشراء له شرط الخيار للموكل في أظهر الوجهين لان ذلك لا يضره وطرد الشيخ ابو علي الوجهين في شرط الخيار لنفسه أيضا وليس للوكيل بالبيع شرط الخيار للمشتري ولا للوكيل بالشراء شرط الخيار للبائع فان خالف بطل العقد وإذا شرط الخيار لنفسه وجوزناه أو أذن فيه صريحا ثبت له الخيار ولا يفعل إلا ما فيه الحظ للموكل لانه مؤتمن بخلا ف الاجنبي المشروط له الخيار لا يلزمه رعاية الحظ هكذا
ذكروه ولناظر ان يجعل الخيار له ائتمانا وهو أظهر إذا جعلناه نائبا عن العاقد ثم هل يثبت الخيار للموكل معه في هذه الصورة فيه الخلاف المذكور فيما إذا شرط للاجنبي هل يثبت للعاقد وحكى الامام فيما إذا أطلق الوكيل شرط الخيار بالاذن المطلق من الموكل ثلاثة أوجه ان الخيار يثبت للوكيل أو للموكل أولهما * إذا تقررت المقدمة فللشافعي رضى الله عنه ثلاثة أقوال في ان الملك في المبيع في زمان الخيار لمن هو (أحدها) وبه قال احمد انه للمشتري لان البيع قد تم بالايجاب والقبول فثبوت الخيار فيه لا يمنع الملك كخيار العيب وعلى هذا فالملك في الثمن للبائع (والثاني) وبه قال مالك انه باق للبائع لنفوذ تصرفاته وقد روي انه صلى الله عليه وسلم قال (لا بيع بينهما حتى يتفرقا) وعلى هذا فالملك في الثمن للمشتري (والثالث) انه موقوف فان تم البيع بان حصول الملك للمشتري(8/316)
من وقت البيع والا بان أن ملك البائع لم يزل وكذا يتوقف في الثمن ووجهه أن البيع سبب الزوال إلا ان شرط الخيار يشعر بأنه لم يرض بعد بالزوال جزما فوجب أن يتربص وينتظر عاقبة الامر وفي موضع الاقوال طرق (أحدها) أن الخلاف فيما إذا كان الخيار لهما اما بالشرط أو في خيار المجلس (أما) إذا كان لاحدهما فهو المالك للمبيع لنفوذ تصرفه فيه ويحكي هذا عن صاحب التقريب وهو قريب مما أورده في الكتاب (والثاني) أنه لا خلاف في المسألة ولكن ان كان الخيار للبائع فالملك له وإن كان للمشتري فهو له وان كان لهما فهو موقوف وتنزل الاقوال على هذه الاحوال وهو اختيار القاضي الروياني في الحلية (والثالث) طرد الاقوال في الاحوال وهو أظهر عند عامة الاصحاب منهم العراقيون والحليمي وإذا جرت الاقوال فما الاظهر منها قال الشيخ أبو حامد ومن نحا نحوه الاظهر أن الملك للمشتري وبه قال الامام * وقال آخرون الاظهر الوقف وبه قال صاحب التهذيب والاشبه توسط ذكره جماعة وهو انه ان كان الخيار للبائع فالاظهر بقاء الملك له وان كان للمشتري فالاظهر انتقاله إليه وان كان لهما فالاظهر الوقف وعلى هذا تتفات الاحوال في الاظهر من الاقوال لا في تخصيص الخلاف ببعضها * وقال أبو حنيفة ان كان الخيار لهما أو للبائع فالملك للبائع وان كان للمشتري زال ملك البائع ولم يحصل للمشتري (التفريع) لهذه الاقوال فروع كثيرة الانشعاب (منها) ما يورد في سائر
الابواب ومنها ما يختص بهذا الموضع وصاحب الكتاب أشار إلى صور (منها) كسب العبد والجارية المبيعين في زمان الخيار فان تم المبيع بينهما فهو للمشتري إن قلنا الملك له أو موقوف (فان قلنا) الملك للبائع فوجهان (قال) الجمهور الكسب له لانه المالك حين حصوله وعن أبي على الطبري أنه للمشتري لان سبب ملكه موجود اولا وقد استقر عليه آخرا فيكتفي به وان فسخ البيع فهو للبائع إن قلنا الملك للبائع أو موقوف (وان قلنا) للمشتري وجهان (أصحهما) أنه له وعن أبي اسحق انه للبائع نظرا إلى المال وبني صاحب التتمة الوجهين على أن الفسخ رفع العقد من حينه أو من أصله (إن قلنا) بالاول فهو للمشتري (وإن قلنا) بالثاني فللبائع وفي معنى الكسب اللبن والبيض والثمرة ومهر الجارية إذا وطئت بالشبهة (ومنها) النتاج فان فرض حدوث الولد وانفصاله في زمان الخيار لامتداد(8/317)
المجلس أو كانت البهيمة أو الجارية حاملا عند البيع وولدت في زمان الخيار فيبني على أن الحمل هل يأخذ قسطا من الثمن وفيه قولان (أحدهما) لا لان الحمل كالجزء منها فاشبه سائر الاعضاء فعلى هذا هو كالكسب بلا فرق (وأصحهما) نعم كما لوبيع بعد الانفصال مع الام فعلى هذا الحمل مع الام كعينين تباعان معا فان فسخ البيع فهما للبائع وإلا فللمشتري (ومنها) العتق وهو مؤخر في لفظ الكتاب لكن تقديمه اليق بالشرح فنقول إذا كان المبيع رقيقا فاعتقه البائع في زمان الخيار المشروط لهما أو للبائع نفذ اعتاقه على كل قول اما إذا كان الملك له فظاهر واما على غير هذا القول فلانه بسبيل إلى الفسخ والاعتاق يتضمن الفسخ فينقل الملك إليه قبيله وان أعتقه المشترى فان قلنا الملك للبائع لم ينفذ ان فسخ البيع وان تم فكذلك في أصح الوجهين (والثاني) ينفذ اعتبارا بالمال (وان قلنا) بالوقف فالعتق موقوف ايضا ان تم العقد بان نفوذه والا فلا (وان قلنا) ان الملك للمشترى ففي نفوذ العتق وجهان (أصحهما) وهو ظاهر النص انه لا ينفذ صيانة لحق البائع عن الابطال وعن ابن سريج انه ينفذ لمصادفته الملك * ثم اختلفوا فمن مطلق نقل النفوذ عنه ومن فارق بين ان يكون معسرا فلا ينفذ كما في الرهن (فان قلنا) لا ينفذ فاختار البائع الاجازة ففي الحكم بنفوذه الان وجهان (ان قلنا) ينفذ من وقت الاجازة أو الاعتاق وجهان أظهرهما أولهما (وان قلنا)
بوجه ابن سريج ففي بطلان خيار البائع وجهان (أحدهما) يبطل وليس له الا الثمن (وأظهرهما) لا يبطل ولكن لايرد العتق وإذا فسخ أخذ قيمة العبد كما في نظيره من الرد بالعيب هذا إذا كان الخيار لهما أو للبائع أما إذا كان الخيار للمشتري نفذ اعتاقه على جميع الاقوال لانه اما مصادف للملك أو أجازه وليس فيه ابطال حق الغير وان أعتقه البائع (فان قلنا) ان الملك لم ينفذ تم البيع أو فسخ ويجئ فيما لو فسخ الوجه الناظر إلى المال (وان قلنا) بالوقف لم ينفذ ان تم البيع والا نفذ (وان قلنا) انه للبائع فان اتفق الفسخ فهو نافذ والا فقد أعتق ملكه الذي تعلق به حق لازم فهو كاعتاق الراهن (ومنها) الوطئ فان كان الخيار لهما أو للبائع فالكلام في وطئ البائع ثم في وطئ المشتري(8/318)
(فاما) وطئ البائع ففي حله طرق (أحدها) انا ان جعلنا الملك له فهو حلال والا فوجهان (وجه) الحل انه يتضمن الفسخ على ما سيأتي وفى ذلك عود الملك إليه معه أو قبيله (والثاني) أنا ان لم نجعل الملك له فهو حرام وان جعلناه له فوجهان وجه التحريم ضعف الملك (والثالث) عن الشيخ أبي محمد القطع بالحل على الاطلاق والظاهر من هذا كله الحل ان جعلنا الملك له والتحريم ان لم نجعله له ولا مهر عليه بحال (وأما) وطئ المشتري فهو حرام اما إن لم يثبت الملك له فظاهر واما إن اثبتناه فهو ضعيف كملك المكاتب ولكن لا حد عليه على الاقوال لوجود الملك أو شبهة الملك وهل يلزمه المهر إن تم البيع بينهما فلا ان قلنا ان الملك للمشتري أو موقوف وان قلنا انه للبائع وجب المهر له وعن أبي اسحق انه لا يجب نظرا إلى المآل وان فسخ البيع وجب المهر للبائع ان قلنا الملك له أو موقوف وان قلنا انه للمشتري فلا مهر عليه في اصح الوجهين * ولو اولدها فالولد حرنسيب على الاقوال وهل يثبت الاستيلاد ان قلنا الملك للبائع فلا ثم ان تم البيع أو ملكها بعد ذلك ففي ثبوته حينئذ قولان كالقولين فيما إذا وطئ جارية الغير بالشبهة ثم ملكها وعلى الوجه الناظر إلى المآل إذا تم البيع نفذ الاستيلاد بلا خلاف وعلى قول الوقف ان تم البيع بان ثبوت الاستيلاد وإلا فلا فلو ملكها يوما عادا القولان وعلى قولنا ان الملك للمشتري في ثبوت الاستيلاد الخلاف المذكور في العتق فان لم يثبت في الحال وتم البيع بان
ثبوته ثم رتب الائمة الخلاف في الاستيلاد على الخلاف في العتق واختلفوا في كيفيته فمن صائر إلى أن الاستيلاد أولى بالثبوت ومن عاكس ذلك ووجههما مذكور في الكتاب في الرهن قال الامام ولا يبعد الحكم باستوائهما لتعارض الجهتين والقول في وجوب قيمة الولد على المشتري كالقول في المهر نعم ان جعلنا الملك للبائع وفرضنا تمام البيع فللوجه الناظر إلى المآل مخذ آخر وهو القول بأن الحمل لا يعرف أما إذا كان الخيار للمشتري وحده فحكم حل الوطئ كما مر في حل الوطئ للبائع إذا كان الخيار له أو لهما وأما البائع فيحرم عليه الوطئ ههنا ولو وطئ فالقول في وجوب المهر وثبوت الاستيلاد ووجوب(8/319)
القيمة كما ذكرنا في طرق المشتري إذا كان الخيار لهما أو للبائع هذا شرح الفروع المذكورة في الكتاب ووراءها فروع (أحدها) إذا تلف المبيع بآفة سماوية في زمان الخيار نظر ان كان قبل القبض انفسخ البيع بلا شك وإن كان بعده وقلنا الملك للبائع انفسخ ايضا لانا نحكم بالانفساخ عند بقاء يده فعند بقاء ملكه أولى فيسترد الثمن ويغرم للبائع القيمة ويجئ في القيمة المغرومة الخلا ف المذكور في كيفية غرامة المستعير والمستام (وان قلنا) الملك للمشتري أو موقوف فوجهان أو قولان (أحدهما) انه ينفسخ أيضا لحصول الهلاك قبل استقرار العقد (وأصحهما) انه لا ينفسخ لدخوله في ضمان المشتري بالقبض ولا أثر لولاية الفسخ كما في خيار العيب (وان قلنا) بالانفساخ فعلى المشتري القيمة قال الامام وههنا يقطع باعتبار قيمة يوم التلف لان الملك قبل ذلك للمشتري وانما يقدر انتقاله إليه قبيل التلف وان قلنا بعدم الانفساخ فهل ينقطع الخيار فيه وجهان (أحدهما) نعم كما ينقطع خيار الرد بالعيب بتلف المبيع (وأصحهما) لا كما لا يمتنع التخالف بتلف المبيع ويخالف الرد بالعيب لان الضرر ثم يندفع بالارش (فان قلنا) بالاول استقر العقد ولزم الثمن (وان قلنا) بالثاني فان تم العقد لزم الثمن والا وجبت القيمة على المشتري واسترد الثمن فان تنازعا في تعيين القيمة فالقول قول المشتري وعن بعض الاصحاب طريقة أخرى في المسألة وهي القطع بعدم الانفساخ وان قلنا إن الملك للبائع وذكروا تفريعا عليه أنه لو لم ينفسخ حتى انقضى زمان الخيار فعلى البائع رد الثمن وعلى المشتري القيمة لان المبيع تلف على ملك البائع فلا يبقى الثمن على ملكه قال الامام وهذا تخليط
ظاهر (الثاني) لو قبض المشتري المبيع في زمان الخيار وأتلفه متلف قبل انقضائه (ان قلنا) ان الملك للبائع انفسخ البيع كما في صورة التلف لان نقل الملك بعد الهلاك لا يمكن (وان قلنا) انه للمشتري أو موقوف نظر ان أتلفه أجنبي فيبني على ما لو تلف (ان قلنا) ينفسخ العقد ثم فهذا كاتلاف الاجنبي(8/320)
المبيع قبل القبض وسيأتي حكمه (وإن قلنا) لا ينفسخ وهو الاصح فكذلك ههنا وعلى الاجنبي القيمة والخيار بحاله فان تم البيع فهي للمشتري والا فللبائع ولو أتلفه المشتري استقر الثمن عليه فان أتلفه في يد البائع وجعلنا إتلافه قبضا فهو كما لو تلف في يده وان أتلفه البائع في يد المشتري ففي التتمة أنه يبني على أن اتلافه كاتلاف الاجنبي أو كالتلف بآفة سماوية وستعرف الخلاف فيه (والثالث) لو تلف بعض المبيع في زمان الخيار قبل القبض كما لو اشترى عبدين فمات أحدهما ففي الانفساخ فيما تلف الخلاف السابق ان انفسخ جاء في الانفساخ في الباقي قولا تفريق الصفقة وان لم ينفسخ بقي خياره في الباقي ان قلنا بجواز رد أحد العبدين إذا اشتراهما بشرط الخيار والا ففي بقاء الخيار في الباقي الوجهان وإذا بقي الخيار فيه وفسخ رده مع قيمة الهالك * (فرع) إذا قبض المبيع في زمان الخيار ثم أودعه عند البائع فتلف في يده فهو كما لو تلف في يد المشتري حتى إذا فرعنا على أن الملك للبائع ينفسخ البيع ويسترد المشتري الثمن ويغرم القيمة حكاه الامام عن الصيدلاني ثم أبدى في وجوب القيمة احتمالا لحصول التلف بعد العود إلى يد المالك (واعلم) أنه لا يجب على البائع تسليم المبيع ولا على المشترى تسليم الثمن في زمان الخيار ولو تبرع أحدهما بالتسليم لم يبطل خياره ولا يجبر الاخر على تسليم ما عنده وله استرداد المدفوع وقيل ليس له استرداده وله أخذ ما عند صاحبه دون رضاه كما لو كان التسليم بعد لزوم المبيع (والرابع) لو اشترى زوجته بشرط الخيار ثم خاطبها بالطلاق في زمان الخيار فان تم العقد بينهما وقلنا أن الملك للمشتري أو موقوف لم يقع الطلاق وان قلنا أنه للبائع وقع * وان فسخ وقلنا أنه للبائع أو موقوف وقع وان قلنا للمشتري فوجهان عن رواية الصيمري وليس له الوطئ في زمان الخيار لانه لا يدري أيطا بالملك أو بالزوجية هكذا حكي عن نصه وفيه وجه آخر (وأما) ما يتعلق
بلفظ الكتاب (فقوله) فالمبيع باق على ملكه معلم بالالف وقوله على الاصح يمكن أن يريد به الاصح من الطريقين ويمكن أن يريد به الاصح من الاقوال وعلى التقدير الثاني يجوز اعلامه بالواو للطريقة النافية للخلاف (وقوله) فالملك منتقل إليه معلم بالحاء والميم والواو (وقوله) فثلاثة أقوال بالواو (وقوله) موقوف بالحاء والميم والالف ووجه ذلك كله ما مر وقوله فينتظر آخر الامر إلى آخره عبارة أجراها على قول الوقف ومعناها ان ما يستقر عليه العقد آخرا من الفسخ والامضاء يقدر وجوده في الابتداء فان فسخ قدرنا أنه لم يجر بينهما عقد وان أمضي قدرناه من الابتداء هذا(8/321)
ما ينطبق اللفظ عليه والله أعلم * قال (ويحصل الفسخ بوطئ البائع (و) وبيعه وعتقه وهبته مع القبض وان كان من ولده ولا تحصل الاجازة (و) بسكوته على وطئ المشتري وما جعلناه فسخا من البائع فهو اجازة (و) من المشتري ان وجد وكذا الاجارة والتزويج في معنى البيع (و) من واحد منهما والعرض على البيع والاذن فيه لا يقطع خيار البائع) * لا يخفي ما يحصل به الاجازة من الالفظ ولا ما يحصل به الفسخ كقول البائع فسخت البيع واسترجعت المبيع ورددت الثمن وعن الصيمري أن قول البائع في زمان الخيار لا ابيع حتى يزيد في الثمن وقول المشتري لا أنقل اختيار للفسخ وكذا قول المشتري لا اشتري حتى ينقص لي من الثمن وقول البائع لا انقل وكذا طلب البائع حلول الثمن المؤجل وطلب المشتري تأجيل الثمن الحال ثم في الفصل صور (أحداها) إذا كان للبائع خيار فوطئه في زمان الخيار فسخ لاشعاره باختيار الامساك ويخالف الرجعة لا تحصل بالوطئ لان الرجعة لتدارك النكاح وابتداء النكاح لا يحصل بالفعل فكذا تداركه والفسخ ههنا لتدارك ملك اليمين وابتداؤه تارة يحصل بالقول وأخرى بالفعل وهو السبي فكذا تداركه جاز أن يحصل بالفعل * وحكى الامام عن بعض الخلافيين وجها ان وطئ البائع ليس بفسخ تخريجا من الخلاف في أن الوطئ هل يكون تعيينا للمملوكة والمنكوحة عند إبهام العتق والطلاق وروي القاضي ابن كج وجها أنه إنما يكون فسخا إذا نوى به الفسخ وعلى المذهب لو قبل أو باشر فيما دون الفرج أو لمس بشهوة هل يكون فسخا فيه وجهان قال ابو اسحاق نعم وهذا
ما أورده صاحب التهذيب وبمثله أجاب في الاستخدام وركوب الدابة لكن الاظهر في المذهب انهما لا يتضمنان الفسخ (الثانية) اعتاق البائع ان كان الخيار له فسخ بلا خلاف وفي بيعه وجهان (احدهما) انه ليس بفسخ لان الاصل بقاء العقد فيستصحب إلى أن يوجد الفسخ صريحا وانما جعلنا العتق فسخا لقوته (وأصحهما) أنه فسخ لدلالته على ظهور الندم وعلى هذا ففي صحة البيع المأتي به وجهان (اصحهما) صحته كالعتق (والثاني) المنع لان الشئ الواحد لا يحصل به الفسخ والعقد جميعا كما ان التكبيرة الثانية في الصلاة بنية الشروع يخرج بها من الصلاة فلا يشرع بها في الصلاة ويجري هذا الخلاف في الاجارة والتزويج وكذا في الرهن والهبة ان اتصل بهما القبض ولا فرق بين أن يهب ممن لا يتمكن من الرجوع في هبته وبين أن يهب من يتمكن كما لو وهب من ولده لان الملك في الصورتين زائل(8/322)
والرجوع اعادة لما زال وان تجرد الرهن والهبة عن القبض فالحكم فيه كما في العرض على البيع وسيأتي (الثالثة) إذا علم البائع ان المشتري يطأ الجارية وسكت عليه هل يكون مجيزا فيه وجهان (أحدهما) نعم لاشعاره بالرضا وأيد ذلك بقوله في المختصر ولو عجل المشتري فوطئها فأحبلها قبل التفرق في غفلة من البائع فاختار البائع الفسخ كان على المتشري مهر مثلها قيد بما إذا وطئ في غفلة من البائع (وأصحهما) لا كما لو سكت على بيعه وأجارته وكما لو سكت على وطئ أمته لا يسقط به المهر وهذا هو المذكور في الكتاب * ولو وطئ بالاذن حصلت الاجازة ولم يجب على المشتري مهر ولا قيمة ولد وثبت الاستيلاد بلا خلاف وما مر في الفصل السابق مفروض فيما إذا لم يأذن له البائع في الوطئ ولا علم به (الرابعة) وطئ المشتري هل يكون أجازة منه فيه وجهان (احدهما) لا بل له الفسخ بعد ذلك كما أن له الرد بالعيب بعد الوطئ (واصحهما) وبه اجاب في الكتاب نعم لان وطئ البائع اختيار للبيع فكذا وطئ المشتري ويخالف الرد بالعيب لانه عند الوطئ جاهل بالحال حتى لو كان عالما يسقط الخيار * ولو اعتق المشتري نظر ان أعتق باذن البائع نفذ وحصلت الاجازة من الطرفين وإن اعتق بغير اذنه ففي نفوذه ما سبق فان نفذ حصلت الاجازة والا فوجهان حكاهما الامام (اظهرهما) الحصول ايضا لدلالته على اختيار الملك قال ويتوجه ان يقال ان اعتق وهو يعلم عدم نفوذه لم يكن اجازة بلا خلاف * ولو باع أو وقف أو
وهب أو قبض بغير إذن البائع لم ينفذ ولا يجئ فيها الخلاف المذكور في العتق لاختصاصه بمزيد القوة والغلبة وهل يكون اجازة قال ابو اسحاق لا لان الاجازة لو حصلت لحصلت ضمنا للتصرف فإذا لغا التصرف فلا اجازة * وقال الاصطخري نعم لدلالته على الرضا والاختيار وهذا اصح عند الاصحاب * ولو باشر هذا التصرفات باذن البائع أو باع من البائع نفسه صح التصرف على اصح الوجهين قال في الشامل وعلى الوجهين جميعا يلزم البيع ويسقط الخيار ولكن قياس ما مر ان يكون سقوط الخيار ان قلنا بعدم نفاذها على الوجهين ولو اذن له البائع في طحن الحنطة المبيعة فطحنها كان مجيزا ومجرد الاذن في هذه التصرفات لا يكون أجازة من البايع حتى لو رجع قبل التصرف كان على خياره ذكره الصيدلاني وغيره (الخامسة) في العرض على البيع والاذن في التوكيل فيه وجهان وكذا في الرهن والهبة دون القبض (احدهما) ان هذه التصرفات فسخ من جهة البائع واجازة من جهة المشتري لدلالتها على الاستئثار بالبيع ولهذا يحصل بها الرجوع عن الوصية (واظهرهما) وهو المذكور في الكتاب انها ليست بفسخ ولا اجازة فانها(8/323)
لا تقتضي ازالة ملك وليست بعقود لازمة ومن المحتمل صدورها عن تردده في الفسخ والاجازة * ولو باع المبيع في زمان الخيار بشرط الخيار قال إمام الحرمين ان قلنا لا يزول ملك البائع فهو قريب من الهبة الخالية عن القبض وان قلنا يزول ففيه احتمال ايضا لانه ابقى لنفسه مستدركا (وقوله) في الكتاب لا يقطع خيار البائع لا معنى للتخصيص بالبائع فانه كما لا يقطع خيار البائع لا يقطع خيار المشتري ولو أبدل لفظه البائع بالبيع لم يكن به باس والمواضع المحتاجة إلى الاعلام من لفظ الكتاب بينة مما أوردناه والله أعلم * قال (ولو اشترى عبدا بجارية وأعتقهما معا تعين العتق في العبد على الاصح (ح) تقديما للاجازة على الفسخ) * إذا اشترى عبدا بجارية ثم أعتقهما معا نظر ان كان الخيار لهما عتقت الجارية بناء على ما مر أن اعتاق البائع نافذ متضمن للفسخ ولا يعتق العبد المشتري وان جعلنا الملك فيه لمشتريه لما فيه
من إبطال حق صاحبه على الاصح وعلى الوجه الذي قلنا بنفاذ اعتاق المشتري تفريعا على أن الملك للمشتري يعتق العبد ولا تعتق الجارية * وان كان الخيار لمشتري العبد وهو المراد من مسألة الكتاب لم يحكم بعتقهما معا وعن أبي حنيفة أنهما يعتقان * لنا أنه لا ينفذ اعتاقهما على التعاقب فكذلك دفعة واحدة وفيمن يعتق منهما وجهان (أحدهما) وهو ما أورده ابن الصباغ أنه يعتق الجارية لان تنفيذ العتق فيها فسخ وفي العبد أجازة والفسخ والاجازة إذا اجتمعا يقدم الفسخ ولهذا لو فسخ أحد المتبايعين وأجاز الاخر قدم الفسخ (وأصحهما) وبه أجاب ابن الحداد أنه يعتق العبد لان الاجازة إبقاء للعقد والاصل فيه الاستمرار قال الشيخ أبو علي الوجهان مبنيان على أن الملك في زمان الخيار للبائع أو المشتري (ان قلنا) بالاول فالعبد غير مملوك لمشتريه وانما ملكه الجارية فينفذ العتق فيها (وان قلنا) بالثاني فملكه العبد فينفذ العتق فيه ثم حكى وجها ثالثا وهو أنه لا يعتق واحد منهما لان عتق كل واحد منهما يمنع عتق الاخر وليس أحدهما أولى من الاخر فيتدافعان * وان كان الخيار لبائع العبد وحده فالمعتق بالاضافة إلى العبد مشتر والخيار لصاحبه وبالاضافة إلى الجارية بائع والخيار لصاحبه وقد سبق الخلاف في إعتاقهما والصورة هذه والذي يخرج منه للفتوى أنه لا يحكم بنفوذ العتق في واحد منهما في الحال فان فسخ صاحبه البيع فهو نافذ في الجارية والا ففى العبد * ولو كانت المسألة(8/324)
بحالها وأعتقهما مشتري الجارية فقس الحكم بما ذكرنا (وقيل) ان كان الخيار لهما عتق العبد دون الجارية على الاصح وإن كان الخيار للمعتق وحده فعلى الوجوه الثلاثة في الاول يعتق العبد وفي الثاني تعتق الجارية ولا يخفى الثالث) * قال (القسم الثاني خيار النقيصة وهو ما يثبت بفوات أمر مظنون نشأ الظن فيه من التزام شرطي أو قضاء عرفي أو تغرير فعلى أما الالتزام الشرطي فهو أن يقول بعته بشرط أنه كاتب أو خباز أو متجعد الشعر فان فقد فللمشتري الخيار وكذلك كل وصف يتعلق به غرض أو مالية) * لما فرغ عن الاول من قسمي الخيار وهو خيار التروي شرع في الثاني وهو خيار النقيصة المنوط بفوات شئ في المعقود عليه كان يتوقع ويظن حصوله وذلك الظن على ما ذكره ينشأ من
أحد ثلاثة أمور (أولها) أن يشرط العاقد كون المعقود عليه بتلك الصفة (وثانيها) اطراد العرف بحصولها فيه (وثالثها) ان يفعل العاقد ما يورث ظن حصولها فالاول مثل قوله بعت هذا العبد بشرط انه كاتب أو خباز (واعلم) ان الصفات الملتزمة بالشرط قسمان (احدهما) الصفات التي تتعلق بها زيادة مالية فيصح التزامها والخلف فيها يثبت الخيار كالعيب (والثاني) الصفات التي لا تتعلق بها زيادة مالية وهي قسمان (احدهما) التي يتعلق بها غرض معقول والخلف فيها يثبت الخيار أيضا وفاقا أو على اختلاف فيه وذلك بحسب قوة الغرض وضعفه (والثاني) التي لا يتعلق بها غرض معقول فاشتراطها يلغو ولا خيار بفقدها ولنقص الصور على هذه الاقسام فإذا شرط كون العبد خبازا أو كاتبا أو صائغا فهو من القسم الاول ويكفى ان يوجد من الصفة المشروطة ما ينطلق عليه الاسم ولا يشترط النهاية فيها ولو شرط اسلام العبد فبان كافرا فله الرد لفوات فضيلة الاسلام وكذا لو شرط تهود الجارية أو تنصرها فبانت مجوسية ولو شرط كفر الرقيق فبان مسلما ثبت الخيار على المذهب وبه قال أحمد لا لنقيصة ظهرت ولكن لان الكافر يشتريه المسلم والكافر والمسلم لا يشتريه إلا المسلم فقط فتقل فيه الرغبات (وقيل) ان كان قريبا من بلاد الكفر أو في ناحية أغلب أهلها الذميون ثبت الخيار والا فلا وقال ابو حنيفة والمزني لا خيار أصلا * ولو شرط بكارة الجارية فبانت ثيبا فله الرد ولا فرق بين أن تكون الجارية المشتراة بهذا الشرط مزوجة أو غير مزوجة وعن ابي الحسن ان ابا اسحاق قال لا خيار إذا كانت مزوجة لانها وان كانت بكرا فالافتضاض مستحق للزوج ولا غرض للمشتري في بكارتها والمذهب الاول(8/325)
لان الزوج قد يطلقها فتخلص له ولو شرط ثيابتها فبانت بكرا فوجهان (احدهما) انه يثبت الخيار لانه قد يضعف عن مباشرة البكر فيريد الثيب (واصحهما) انه لا خيار لان البكر افضل واكثر قيمة فصار كما لو شرط كون العبد اميا فبان كاتبا أو فاسقا فبان عفيفا ولو شرط السبوطة في الشعر فبان جعدا فعلى هذين الوجهين لان السبط قد يكون أشهي إلى بعض الناس ولو شرط الجعودة فبان سبطا ثبت الخيار (فان قلت) ذكرتم في بيع الامة أن رؤية الشعر معتبرة على أصح الوجهين والشعر إذا رؤي عرفت جعودته وسبوطته فكيف تصورون المسألة (فالجواب) أن خروجها على تجويز بيع الغائب
وعلى أن رؤية الشعر غير معتبرة واضح (وأما) على الاصح فان الشعر قد يرى ولا تعرف جعودته وسبطوته لعروض ما يستوي الحالتان عنده من الابتلال وقرب العهد بالتسريح ونحوهما * ولو لبس بتجعيد السبط أو بالعكس فسياتي ذلك * ولو شرط كون العبد خصيا فبان فحلا أو بالعكس ثبت الرد لشدة اختلاف الاغراض وذكر ابو الحسن العبادي انه لا رد في الصورة الاولى لان الفحولة فضيلة ولو شرط كونه مختونا فبان اقلف فله الرد وبالعكس لا يرد قال في التتمة الا أن يكون العبد مجوسيا وثم مجوسيون يشترون الاقلف بزيادة فله الرد * ولو شرط كونه احمق أو ناقص الخلقة فهو لغو (واعلم) ان خيار الخلف على الفور ويبطل بالتأخير على ما سنذكر في المعيب ولو تعذر الرد بهلاك وغيره فله الارش كما في العيب ومسائل الفصل باسرها مبنية على ان الخلف في الشرط لا يوجب فساد البيع وحكى الحناطي قولان غريبا انه يوجبه والله أعلم * قال (وأما القضاء العرفي فهو السلامة عن العيوب المذمومة فمهما فاتت ثبت الخيار وذلك بكل عيب ينقص القيمة أو العين والخصي معيب وان زادت قيمته واعتياد الزنا والسرقة وإلا باق والبول في الفراش (ح) عيب والبخر والصنان (ح) الذي لا يقبل المعالجة ويخالف العادة عيب في العبيد والاماء وكون الضيعة منزل الجنود وثقل الخراج عيب * الثاني من اسباب الظن اطراد العرف فمن دخل في العقد لتحصيل مال كان ظانا صفة السلامة فيه لان سلامة الاشخاص والاعيان عن العيوب المذمومة هي الغالبة والغلبة من موجبات الظن وحينئذ يكون بذله المال في مقابلة السليم فإذا تبين العيب وجب أن يتمكن من التدارك والاصل فيه من جهة *(8/326)
النقل ما روي عن عائشة رضي الله عنها (ان رجلا اشترى غلاما في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان عنده ما شاء الله ثم رده من عيب وجده) ومن باع عينا وهو يعلم بها عيبا وجب عليه أن يبينه للمشتري روي انه صلى الله عليه وسلم قال (ليس منا من غشنا) وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (المسلم أخ المسلم لا يحل لمن باع من أخيه بيعا يعلم فيه عيبا الا بينه له) إذا تقرر ذلك ففي الفصل ذكر عيوب معدودة (منها) لو اشترى عبدا فوجده خصيا أو مجبوبا فله الرد لان الفحل يصلح لما
لا يصلح له الخصي وقد دخل في العقد على ظن الفحولة لان الغالب سلامة الاعضاء فإذا فات ما هو متعلق الغرض وجب ثبوت الرد وإن زادت القيمة باعتبار آخر (ومنها) الزنا والسرقة عيبان لتاثيرهما في نقصان القيمة وقال ابو حنيفة الزنا عيب في الاماء دون العبيد نعم لو ثبت زنا العبد عند الحاكم ولم يقم عليه الحد بعد ثبت الرد (ومنها) الاباق وهو من أفحش عيوب المماليك (ومنها) البول في الفراش عيب في العبيد والاماء إذا كان في غير أوانه أما في الصغر فلا وقدره في التهذيب بما دون سبع سنين وقال أبو حنيفة انه عيب في الاماء دون العبيد (ومنها) البخر والصنان عيبان خلافا لابي حنيفة في العبيد * لنا انهما يؤذيان عند الخدمة والمكالمة وينقصان القيمة والبخر الذي نجعله(8/327)
عيبا هو الناشئ من تغير المعدة دون ما يكون لفلج الانسان فان ذلك يزول بتنظيف الفم والصنان الذي نجعله عيبا هو المستحكم الذي يخالف العادة دون ما يكون لعارض عرق أو حركة عنيفة أو اجتماع وسخ (ومنها) كون الضيعة أو الدار منزل الجنود عيب لانه يقلل الرغبات قال القاضي حسين في فتاويه وهذا إذا اختصت من بين ما حواليها بذلك فأما إذا كان ما حواليها من الدور بمثابتها فلا رد به وكونها ثقيلة الخراج عيب أيضا وإن كنا لا نرى أصل الخراج في تلك البلاد لتفاوت القيمة والرغبات ونعني بثقل الخراج أن يكون فوق المعتاد في أمثالها وعن حكاية أبي عاصم العبادي وجه انه لا رد بثقل الخراج ولا بكونها منزل الجنود لانه خلل في نفس المبيع * والحق في التتمة بهاتين الصورتين ما إذا اشترى دارا فوجد بقربها قصارين يؤذون بصوت الدق ويزعزعون الا بنية أو أرضا فوجد بقربها خنازير تفسد الزرع * ولو اشترى أرضا وهو يتوهم الاخراج عليها فبان خلافه نظر ان لم يكن على مثلها خراج فله الرد وان كان على مثلها ذلك القدر فلا رد (وأما) لفظ الكتاب فقوله فمهما فاتت يعني السلامة (وقوله) وذلك أي قواتها (وقوله) بكل عيب ينقص القيمة لا يصلح للضبط لمسألة الخصي وربما يذكر في آخر الفصل ما يصلح له (وقوله) اعتياد الزنا إلى آخره يشعر باعتبار الاعتياد في الامور المذكورة وليس كذلك (أما) في الزنا فقد نصوا على أنه لو زنا مرة في يد البائع فللمشتري الرد وان تاب وحسنت حاله لان تهمة الزنا
لا تزول عنه ألا تري أن الحر إذا زنا لا يجد مأزقه وان تاب (وأما) الاباق فعن أبي علي الزجاجي أنه لو أبق في يد البائع فللمشتري الرد به وان لم يأبق في يده وهذا ما اختاره القاضي حسين وقال الفعلة الواحدة في الاباق يجوز أن تعد عيبا أبديا كالوطئ في ابطال الحصانة والسرقة قريبة من هذين (وأما) البول في الفراش فالاظهر اعتبار الاعتياد فيه والله أعلم * (وقوله) الصنان الذي لا يقبل العلاج هذا القيد لا حاجة إليه كما في سائر العلل والامراض والامام لم يذكره هكذا وإنما قال إذا كان لا يندفع الا بعلاج يخالف المعتاد وهو مستقيم هذا ما يتعلق بفقه الكتاب ولفظه ونعد بعده عيوبا (فمنها) كون الرقيق مجنونا أو مخبلا أو أبله أو أبرص أو مجذوما أو أشل أو أقرع أو أصم أو أعمى أو اعور أو اخفش أو اجهر أو اعشى أو أخشم أو أبكم أو أرث لا يفهم أو فقيد حاسة الذوق أو فقيد اصبع أو انملة أو فقيد الظفر والشعر كذلك قاله في التتمة (ومنها) كونه ذا أصبع زائدة أو سن شاغبة أو مقلوع بعض الاسنان أو ادرد وكون البهيمة درداء الا في السن(8/328)
المعتاد وكونه ذا قروح أو ثآليل كثيرة أو بهق قاله الصيمري وكونه مريضا مرضا مخوفا وكذا في سائر الحيوانات كذا قاله في التتمة وكونه ابيض الشعر في غير اوانه ولا بأس بحمرته وكونه نماما؟ أو ساحرا أو قاذفا للمحصنات وكونه مقامرا أو تاركا للصلاة أو شاربا للخمر * وفي الرقم للعبادي أنه لا رد بالشرب وترك الصلاة وكونه خنثى مشكلا أو غير مشكل وعن بعض المتأخرين أنه ان كان رجلا وكان يبول من فرج الرجال فلا رد وكون العبد مخنثا؟ أو ممكنا من نفسه وكون الجارية رتقاء أو قرناء أو مستحاضة أو معتدة أو محرمة أو متزوجة وكون العبد متزوجا وفي البيان حكاية وجه في التزوج وتعلق الدين برقبتهما ولا رد بما يتعلق بالذمة وكونهما مرتدين * ولو كانا كافرين أصليين فمنهم من قال لا رد به في العبيد ولا في الاماء سواء كان ذلك الكفر مانعا من الاستمتاع كالتمجس والتنصر والتوثن أو لم يكن كالتهود والتنصر وهذا ما أورده في التتمة والاظهر وهو المنقول في التهذيب انه لو وجد الجارية مجوسية أو وثنية فله الرد ولو وجدها كتابية أو وجد العبد كافرا أي كفر كان فلا رد إن كان قريبا من بلاد الكفر بحيث لا تقل فيه الرغبات وان كان في بلاد الاسلام
بحيث تقل الرغبات في الكافر وتنقص قيمته فله الرد ولو وجد الجارية لا تحيض وهي صغيرة أو آيسة فلا رد وان كانت في سن تحيض النساء في مثلها غالبا فله الرد وكذا إذا تطاول طهرها وتجاوز العادات الغالبة فله الرد بكون الجارية حاملا ولا رد به في سائر الحيوانات وقال في التهذيب يثبت به الرد (ومنها) كون الدابة جموحا أو عضوضا أو رموحا وكون الماء المشتري مشمسا قاله الروياني في التجربة * والرمل تحت الارض إن كانت مما يطلب للبناء والاحجار وإن كانت مما يطلب للزرع والغرس ولا رد بكون الرقيق رطب الكلام أو غليظ الصوت أو سئ الادب أو ولد الزنا أو مغنيا أو حجاما أو أكولا أو زهيدا وترد الدابة بالزهادة ولا بكون الامة ثيبا إلا إذا كانت صغيرة وكان المعهود في مثلها البكارة ولا بكونها عقيما وكون العبد عنينا وعن الصيمري اثبات الرد بالعنة وهو الظهر عند الامام ولا بكون الامة مختونة أو غير مختونة وكون العبد مختونا أو غير مختون إلا إذا كان كبيرا يخاف عليه من الختان وقيل لا تستثني هذه الحالة أيضا ولا بكون الرقيق ممن يعتق على المشتري ولا بكون الامة أخته من الرضاع أو النسب أو موطؤة أبيه أو إبنه بخلاف المحرمة والمعتدة لان التحريم ثم عام فيقلل الرغبات وههنا يختص التحريم به * ورأي(8/329)
القاضي ابن كج الحاق ما نحن فيه بالمحرمة والمعتدة ولا أثر لكونها صائمة وفيه وجه ضعيف * ولو اشترى شيئا ثم بان له أن بائعه باعه بوكالة أو وصاية أو ولاية أو أمانة فهل له الرد لخطر فساد النيابة حكى القاضي الماوردي فيه وجهين ونقل وجهين ايضا فيما لو بان كون العبد مبيعا في جناية عمد وقد تاب عنها وإن لم يتب فهو عيب والجناية خطأ ليست بعيب إلا أن تكثر ومن العيوب كون المبيع نجسا إذا كان مما ينقص بالغسل وخشونة مشي الدابة بحيث يخاف منها السقوط أو شرب البهيمة لبن نفسها * وذكر القاضي أبو سعد بن احمد في شرح أدب القاضي لابي عاصم العبادي فصلا في عيوب العبيد والجواري (منها) اصطكاك الكفين وانقلاب القدمين إلى الوحشي والخبلان الكثيرة واثار الشجاج والقروح والكي وسواد الاسنان وذهاب الاشفار والكلف المغير للبشرة وكون احدى يدي الجارية اكبر من الاخرى والحفر في الاسنان وهو تراكم الوسخ
الفاحش في أصولهما هذا ما حضر ذكره من العيوب ولا مطمع في استيعابها لكن ان أرادت ضبطا فاشد العبارت تلخيصا ما أشار إليه الامام وهو أن يقال يثبت الرد بكل ما في المعقود عليه من منقص للقيمة أو العين نقصانا يفوت به غرض صحيح بشرط أن يكون الغالب في أمثال المبيع عدمه وانما اعتبرنا نقصان العين لمسألة الخصي وإنما لم نكتف بنقصان العين بل شرطنا فوات غرض صحيح به لانه لو بان قطع فلقة يسيرة من فخذه أو ثاقه لا يورث شيئا ولا يفوت غرضا لا يثبت الرد ولهذا قال صاحب التقريب لو قطع من أذن الشاة ما يمنع التضحية ثبت الرد وإلا فلا وإنما اعتبرنا الشرط المذكور لان الثيابة مثلا في الاماء معنى ينقص القيمة لكن لا رد بها لانه لا يمكننا أن نقول الغالب فيهن عدم الثيابة والله أعلم * قال (وكل عيب حدث قبل القبض فهو من ضمان البائع والرد يثبت به وما حدث بعده فلا خيار به (؟) وان استند الي سبب سابق كالقطع بسرقة سابقة والقتل بردة سابقة والافتراع بنكاح سابق ففيه خلاف) * العيب بنقسم إلى ما كان موجودا قبل البيع فيثبت به الرد والى ما حدث بعده فينظر ان حدث قبل القبض فكمثل لان المبيع قبل القبض من ضمان البائع وان حدث بعده فله حالتان(8/330)
(احداهما) أن لا يستند إلى سبب سابق على القبض فلا رد به * وقال مالك عهدة الرقيق ثلاثة أيام الا في الجنون والجذام والبرص فانها إذا ظهرت إلى سنة ثبت الخيار * لنا القياس على ما بعد الثلاثة (والحالة الثانية) أن يستند إلى سبب سابق على القبض وفيها صور (إحداها) بيع العبد المرتد صحيح على المذهب كبيع العبد المريض المشرف على الهلاك وحكى الشيخ أبو علي وجها انه لا يصح تخريجا من الخلاف في العبد الجاني والعبد الذي قتل في المحاربة فان تاب قبل الظفر به فبيعه كبيع العبد الجاني لسقوط العقوبة المتحتمة وكذا ان تاب بعد الظفر وقلنا بسقوط العقوبة والا فثلاثة طرق (أظهرها) عند كثير من الائمة ان بيعه كبيع المرتد (والثاني) وهو اختيار أبي حامد وظيفته القطع بمنع بيعه إذ لا منفعة فيه لاستحقاق قتله بخلاف المرتد فانه ربما
يسلم (والثالث) وبه قال القاضي أبو الطيب أنه كبيع الجاني * إذا عرفت ذلك فان صححنا البيع في هذه الصور فقتل العبد المرتد أو المحارب أو الجاني جناية نوجب القصاص نظر ان كان ذلك قبل القبض انفسخ البيع وإن كان بعده وكان المشتري جاهلا بحاله ففيه وجهان (أحدهما) وبه قال أحمد وابن سريج وابن ابي هريرة والقاضي أبو الطيب انه من ضمان المشتري لان القبض سلطه على التصرف فيدخل المبيع في ضمانه أيضا لكن تعلق القتل برقبته كعيب من العيوب فإذا هلك رجع على البائع بالارش وهو نسبة ما بين قيمته مستحق القتل وغير مستحق القتل من الثمن (وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة وابن الحداد وابو اسحق أنه من ضمان البائع لان التلف حصل بسبب كان في يده فاشبه مالو باع عبدا مغصوبا فاخذه المستحق منه فعلى هذا يرجع المشتري عليه بجميع الثمن ويخرج على الوجهين مؤنة تجهيزه من الكفن والدفن وغيرهما ففي الاول هي على المشتري وفي الثاني على البائع * وان كان المشتري عالما بالحال عند الشراء أو تبين له بعد الشراء ولم يرد فعلى الوجه الاول لا يرجع بشئ كما في سائر العيو ب وعلى الثاني فيه وجهان (أحدهما) ويحكي عن أبي اسحق وهو اختيار أبي حامد أنه يرجع بجميع الثمن اتماما للتشبيه بالاستحقاق (واصحهما) عند الجمهور وهو قول ابن الحداد انه لا يرجع بشئ لدخوله في العقد على بصيرة أو امساكه مع العلم بحاله وليس هو كظهور الاستحقاق من كل وجه ولو كان كذلك؟(8/331)
صح بيعه أصلا (الثانية) بيع العبد الذي وجب عليه القطع قصاصا أو بسرقة صحيح بلا خلاف فلو قطع في يد المشتري عاد التفصيل المذكور في الصورة السابقة فان كان جاهلا بحاله حتى قطع فعلى قول ابن سريج ومن ساعده ليس له الرد لكون القطع من ضمانه ولكن يرجع إلى البائع بالارش وهو ما بين قيمته مستحق القطع وغير مستحقه من الثمن وعلى الاصح له الرد واسترجاع جميع الثمن كما لو قطع في يد البائع فلو تعذر لرد بسبب فالنظر في الارش على هذا الوجه إلى التفاوت بين العبد السليم والاقطع وان كان المشتري علما فليس له الرد ولا الارش * قال الشيخ ابو علي ولا يجئ ههنا الوجه المحكي عن أبي اسحق في القتل لانه لا يبقى ثم شئ ينصرف العقد إليه وههنا
بخلافه والله أعلم (الثالثة) لو اشترى جارية مزوجة ولم يعلم بحالها حتى وطئها الزوج بعد القبض فان كانت ثيبا فله الرد وإن كانت بكرا فنقصت بالافتراع فهو من ضمان البائع أو المشتري فيه الوجهان (ان جعلناه) من ضمان البائع فللمشترى الرد بكونها مزوجة فان تعذر الرد بسبب رجع بالارش وهو ما بين قيمتها بكرا غير مزوجة مزوجة مفترعة من الثمن (وان جعلناه) من ضمان المشتري فلا رد له وله الارش وهو ما بين قيمتها بكرا غير مزوجة وبكرا مزوجة من الثمن * وان كان عالما بكونها مزوجة أو علم ورضي فلا رد له فان وجد بها عيبا قديما بعد ما افترعت في يده فله الرد ان جعلناه من ضمان البائع والا رجع بالارش وهو ما بين قيمتها مزوجة ثيبا سليمة ومثلها معيبة (الرابعة) اشترى عبدا مريضا وتمادي المرض إلى أن مات في يد المشتري فعن الشيخ أبي محمد فيه طريقان (أحدهما) انه على الخلاف المذكور في الصور السابقة ويحكي هذا عن الحليمي (وأشهرهما) القطع بأنه من ضمان المشتري لان المرض يزداد شيئا فشيئا إلى الموت والرد خصلة واحدة وجدت في يد البائع فعلى هذا إذا كان جاهلا رجع بالارش وهو ما بين قيمته صحيحا ومريضا وتوسط صاحب التهذيب بين الطريقين فقطع فيما إذا لم يكن المرض مخوفا بكونه من ضمان المشتري وجعل المرض المخوف والجرح الساري على الوجهين (واعلم) أن هذه الصورة والخلاف فيها قد ذكرها في أحكام بيع الثمار وإن لم تكن مذكورة في هذا الموضع وإذا وقفت على هذا الشرح عرفت أن الخلاف في قوله في الكتاب فيه خلاف ليس منصوصا في أنه هل يثبت خيار الرد في جميع الصور المذكورة(8/332)
لان في صورة القتل المرتد ان جعلناه من ضمان المشتري فلا رد لهلاك المبيع وان جعلناه من ضمان البائع فينفسخ البيع ويتبين تلفه على ملك البائع وحينئذ لا معنى لخيار الرد فإذا الخلاف في هذه الصورة في انه من ضمان من على ما تقرر في الصورتين الباقيتين يصح نصبه في خيار الرد بناء على هذا الاصل والله أعلم * قال (وأما التغرير الفعلي فهو أن يصرى ضرع الشاة حتى يجتمع اللبن ويخيل غزارة اللبن فمهما اطلع عليه ولو بعد ثلاثة أيام ردها (ح) ورد معها صاعا من تمر بدلا عن اللبن الكائن في
الضرع الذي تعذر رد عينه لاختلاطه بغير المبيع لورود الخبر ولو تحفلت الشاة بنفسها أو صرى الاتان أو الجارية أو لطخ الثوب بالمداد مخيلا انه كاتب فلا خيار له (ح و) لانها ليست في معنى النصوص وأحوط المذهبين أن غير التمر لا يقوم مقام التمر وان قدر الصاع لا ينقص (و) بقلة اللبن ولا يزيد بكثرته للاتباع) * السبب الثالث من أسباب الظن الفعل المغرر والاصل في صورة التصرية هو أن يربط اخلاف الناقة أو غيرها ويترك حلابها يومين أو أكثر حتى يجتمع اللبن في ضرعها فيتخيل المشتري غزارة لبنها ويزيد في الثمن واشتقاقها من قولهم صر الماء في الحوض ونحوه أي جمعه وتسمى المصراة محفلة أيضا وهو من الحفل وهو الجمع أيضا ومنه قيل للجمع محفل وهذا الفعل حرام لما فيه من التدليس ويثبت به الخيار للمشتري وبه قال مالك وأحمد خلافا لابي حنيفة * لنا ما روي عن أبي هريرة رضى الله عنه انه صلى الله عليه وسلم قال (لا تصروافي الابل والغنم للبيع فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين من بعد أن يحلبها ان رضيها أمسكها وان سخطها ردها وصاعا من تمر)(8/333)
وروي (بعد أن يحلبها ثلاثا) (وقوله) بعد ذلك أي بعد هذا النهي وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من اشتري شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام فان ردها رد معها صاعا من تمر لا سمراء) وعن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (من باع محفلة فهو بالخيار ثلاثة أيام فان ردها رد معها مثل أو مثلى لبنها قمحا) إذا تقرر ذلك ففي الفصل مسائل (إحداها) كيف يثبت خيار التصرية فيه وجهان (أحدهما) وبه قال أبو حامد المروزى انه يمتد ثلاثة ايام لظاهر الخبر (والثاني) وهو الاصح وبه قال ابن ابي هريرة انه على الفور كخيار العيب وما ذكره في الخبر بناء على الغالب إذ التصرية لا تتبين فيما دون الثلاثة غالبا لانه يحمل النقصان على اختلاف العلف وتبدل الايدي وغيرهما وللوجهين (فروع) (احدها) لو عرف التصرية قبل ثلاثة أيام باقرار البائع أو بشهادة الشهود ثبت له الخيار على الفور في الوجه الثاني وعلى الاول يمتد إلى آخر الثلاثة وابتداؤها من وقت العقد أو من
وقت التفرق يعود فيه الوجهان المذكوران في خيار الشرط (والثاني) لو عرف التصرية في آخر الثلاثة أو بعدها ذكر في الحاوي أن على الوجه الاول لاخيار له لامتناع مجاوزة الثلاث كما في خيار الشرط وعلى الثاني يثبت وعلى هذا فهو على الفور بلا خلاف (والثالث) لو اشترى وهو عالم بكونها مصراة فعلى الاول له الخيار اخذا بظاهر الخبر وعلى الثاني لاخيار كسائر العيوب (الثانية) ظهور(8/334)
التصرية إن كان قبل الحلف رده ولا شئ عليه وإن كان بعده فاللبن أما أن يكون باقيا أو تالفا ان كان باقيا فلا يكلف المشتري رده مع المصراة لان ما حدث بعد البيع ملك له وقد اختلط بالمبيع وتعذر التمييز وإذا أمسكه كان بمثابة ما لو تلف وإن أراد رده فهل يجب على البائع أخذه فيه وجهان (أحدهما) نعم لانه أقرب إلى استحقاقه من بدله (وأصحهما) لا لذهاب طراوته بمضي الزمان ولا خلاف في أنه لو حمض وتغير لم يكلف أخذه وإن كان اللبن تالفا رد مع المصراة صاعا من تمر ولا يخرج ردها على الخلاف في تفريق الصفقة لتلف بعض المبيع وهو اللبن اتباعا للاخبار الواردة في الباب على أن اللبن في رأي لا يقابله قسط من الثمن وهل يتعين للضم إليها جنس التمر وقدر الصاع أما الجنس ففيه وجهان (أصحهما) عند الشيخ أبي محمد وغيره أنه يتعين التمر ولا يعدل عنه لقوله صلى الله عليه وسلم (صاعا من تمر لا سمراء) ويحكي هذا عن أبي اسحق وعلى هذا لو أعوز التمر قال الماوردي يرد قيمته بالمدينة (والثاني) لا يتعين وعلى هذا فوجهان (أصحهما) أن القائم مقامه الاقوات كما في صدقة الفطر قال الامام لكن لا يتعدى ههنا إلى الاحط بخلاف ما في صدقة الفطر للخبر وعلى هذا فوجهان (أحدهما) أنه يخبر بين الاقوات لان في بعض الروايات ذكر التمر وفي بعضها ذكر القمح فاشعر بالتخيير ويحكي هذا عن ابن أبي هريرة (وأصحهما) أن الاعتبار بغالب قوت البلد كما في صدقة الفطر ويحكي هذا عن مالك والاصطخري وتخريج ابن سريج (والوجه) الثاني حكاه الشيخ أبو محمد انه يقوم مقامه غير الاقوات حتى لو عدل إلى مثل اللبن أو إلى قيمته عند أعواز المثل اجبر البائع على القبول اعتبارا بسائر المتلفات وهذا كله فيما إذا لم يرض البائع فأما إذا تراضيا على غير التمر من قوت أو غيره أو على رد اللبن المحلوب عند بقائه
جاز بلا خلاف كذا قاله صاحب التهذيب وغيره ورأيت القاضي ابن كج حكى(8/335)
وجهين في جواز ابدال التمر بالبر عند اتفاقهما عليه (وأما) القدر ففيه وجهان أيضا (أصحهما) أن الواجب صاع قل اللبن أو كثر لظاهر الخبر والمعني فيه أن اللبن الموجود عند البيع يختلط بالحادث بعده ويتعذر التمييز فتولى الشارع تعيين بدل له قطعا للخصومة بينهما وهذا كايجاب الغرة في الجنين مع اختلاف الاجنة ذكورة وأنوثة والارش في الموضحة مع اختلافها صغرا وكبرا (والثاني) أن الواجب يتقدر بقدر اللبن لما سبق من رواية ابن عمر رضي الله عنهما وعلى هذا فقد يزداد الواجب على الصاع وقد ينقص ثم منهم من خص هذا الوجه بما إذا زادت قيمة الصاع على نصف قيمة الشاة وقطع بوجوب الصاع فيما إذا نقصت عن النصف ومنهم من أطلقه اطلاقا ومتى قلنا بالوجه الثاني فقد قال الامام تعتبر القيمة الوسط للتمر بالحجاز وقيمة مثل ذلك الحيوان بالحجاز فإذا كان اللبن عشر الشاة مثلا أوجبنا من الصاع عشر قيمة الشاة * (فرع) اشترى شاة بصاع تمر فوجدها مصراة فعلى الاصح يردها وصاعا ويسترد الصاع الصاع الذي هو ثمن وعلى الثاني يقوم مصراة وغير مصراة ويجب بقدر التفاوت من الصاع * (فرع) غير المصراة إذا حلب لبنها ثم ردها بعيب قال في التهذيب يرد بدل اللبن كما في المصراة وفي تعليق أبي حامد حكاية عن نصه انه لا يرد لانه قليل غير معتني بجمعه بخلاف ما في المصراة ورأي الامام تخريج ذلك على أن اللبن هل يأخذ قسطا من الثمن أم لا والصحيح الاخذ * (الثالثة) لو لم يقصد البائع التصرية لكن ترك الحلاب ناسيا أو لشغل عرض أو تحفلت هي بنفسها فهل يثبت الخيار وجهان (أحدهما) لا وبه أجاب في الكتاب لعدم التلبيس (والثاني) نعم لان ضرر المشتري لا يختلف فصار كما لو وجد بالمبيع عيبا لم يعلمه البائع وهذا أصح عند صاحب التهذيب (الرابعة) خيار التصرية لا يختص بالنعم بل يعم ساير الحيوانات المأكولة وفي الحاوى ذكر وجه أنه يختص * ولو اشترى أتانا فوجدها مصراة فوجهان (أحدهما) انه لا يرد إذ لا مبالات بلبنها (واصحهما) انه يثبت الرد لانه مقصود لتربية الجحش وعلى هذا فالمذهب انه لا يرد اللبن لانه نجس وقال الاصطخري
يرد لذهابه إلى انه طاهر مشروب * ولو اشترى جارية فوجدها مصراة فوجهان ايضا (في احدهما) لا يرد لانه لا يقصد لبنها الا على ندور (وفي اصحهما) يرد لان غزارة البان الجواري مطلوبة في الحضانة(8/336)
مؤثرة في القيمة فعلى الاول يأخذ الارش قاله في التهذيب وعلى الثاني هل يرد معها بدل اللبن وجهان (اظهرهما) لا لان لبن الادميات لا يعتاض عنه غالبا (الخامسة) هذا الخيار غير منوط بخصوص التصرية بل بما فيها من المعنى المشعر بالتلبيس فيلحق بها ما يشاركها فيه حتى لو حبس ماء القناة أو الرحي ثم ارسله عند البيع أو الاجارة فتخيل المشتري كثرته ثم تبين له الحال فله الخيار وكذا لوحمر وجه الجارية أو سود شعرها أو جعده أو ارسل الزنبور في وجهها حتى ظنها المشتري سمينة ثم بان خلاف المظنون * ولو لطخ ثوب العبد بالمداد أو البسه ثوب الكتبة أو الخبازين وخيل كونه كاتبا أو خبازا فبان خلافه فوجهان (أحدهما) يثبت الخيار للتلبيس (وأصحهما) أنه لا خيار لان الانسان قد يلبس ثوب الغير عارية فالذنب للمشتري حيث اغتر بما ليس فيه كثير تغرير ويجرى الوجهان فيما لو أكثر علف البهيمة حتى انتفخ بطنها فتخيل المشتري كونها حاملا أو أرسل الزنبور في ضرعها حتى انتفخ فظنها لبونا لان الحمل لا يكاد يلتبس على الخبير ومعرفة اللبن متيسرة بعصر الثدي بخلاف صورة التصرية (وأما) لفظ الكتاب (فقوله) ولو بعد ثلاثة أيام يجوز اعلامه بالواو للوجه الذاهب إلى أنه لو تبين التصرية بعد الثلاثة لم يثبت الخيار (وقوله) ردها بالحاء (وقوله) بدلا عن اللبن الكائن في الضرع أي عند البيع وظاهر اللفظ يقتضي رد الصاع وان بقى اللبن وهو أصح الوجهين كما مر (وقوله) لورود الخبر تعليل لقوله ردها ورد معها (وقوله) فلا خيار معلم بالواو وهو في صورتي الاتان والجارية جواب على خلاف اختيار الاكثرين (وقوله) وأحوط المذهبين أي الوجهين (وقوله) للاتباع إشارة إلى ما ذكره الائمة من أن مأخذ الخلاف في المسألتين ونحوهما الاقتصار على مورد الخبر واتباعه أو رعاية المعنى * (فرع) لو بانت التصرية ثم رد اللبن على الحد الذي أشعرت به التصرية واستمر كذلك ففي ثبوت الخيار وجهان كالوجهين فيما إذا لم يعرف العيب القديم الا بعد زواله والقولين فيما إذا أعتقت
الامة تحت العبد ولم تعرف عتقها حتى عتق الزوج *(8/337)
(فرع) رضى بامساك المصراة ثم وجد بها عيبا قديما نص أنه يردها ويرد اللبن ايضا وعن رواية الشيخ أبي علي وجه أنه كما لو اشترى عبدين فتلف أحدهما وأراد رد الاخر فتخرج على تفريق الصفقة والله أعلم * قال (وثبوت الخيار بالكذب في مسألة تلقي الركبان من باب التغرير وكذلك خيار النجش إذا كان عن مواطأة البائع على أقيس المذهبين ولا يثبت (م) بالغبن خيار إذا لم يستند إلى تغرير يساوي تغرير المصراة حتى لو اشترى جوهرة رآها فإذا هي زجاجة فلا خيار) * الخيار في تلقي الركبان قد ذكره في المناهي وشرحناه والغرض ههنا التنبيه على أن مستنده التغرير كما في التصرية وكذا خيار النجش أن أثبتناه وقد تكلمنا فيه من قبل (وأما) مسألة الغبن (فاعلم) أن مجرد الغبن لا يثبت الخيار وان تفاحش خلافا لمالك حيث قال ان كان الغبن فوق الثلث ثبت الخيار للمغبون ونقل بعض أصحاب أحمد مثله وقدر بعضهم بما فوق السدس وفي كتب اصحابنا عنه انه ان كان المغبون ممن لا يعرف المبيع ولا هو ممن لو توقف لعرفه ثبت الخيار * لنا قصة حبان بن منقذ رضى الله عنه (فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت له الخيار بالغبن ولكن أرشده إلى شرط الخيار ليتدارك غبنه عند الحاجة) * إذا تقرر ذلك فلو اشترى زجاجة وهو يتوهمها جوهرة بثمن كبير فلا خيار له ولا عبرة بما لحقه من الغبن لان التقصير من جهته حيث جرى على الوهم المجرد ولم يراجع أهل الخبرة * ونقل المتولي وجها أنه كشراء الغائب والرؤية التي لا تفيد المعرفة ولا تنفي الغرر كالمعدومة ولك أن لا تستحسن لفظ الكتاب حيث قال ولو اشترى جوهرة رآها وتقول ليس التصوير فيما لو اشترى جوهرة وإنما التصوير فيما لو اشترى زجاجة توهمها جوهرة والله أعلم * قال (هذه أسباب الخيار أما دوافعه ومسقطاته أعني في خيار النقيصة فهي أربعة (الاول) شرط البراءة من العيب على أقيس القولين ويفسد (ح) العقد به على القول الثاني ويصح العقد ويلغو الشرط (ح) في قول ثالث ويصح في الحيوان ويفسد في غيره (ح) في قول رابع) *(8/338)
إذا باع بشرط انه برئ من كل عيب بالمبيع هل يصح هذا الشرط فيه طريقان (أشهرهما) وبه قال ابن سريج وابن الوكيل والاصطخري انه على ثلاثة اقوال (أحدها) انه يبرأ ولا يرد عليه بحال وبه قال ابو حنيفة لقوله صلى الله عليه وسلم (المؤمنون عند شروطهم) وايضا فان خيار العيب إنما يثبت لاقتضاء مطلق العقد السلامة فإذا صرح بالبراء فقد ارتفع الاطلاق (وثانيها) انه لا يبرأ عن عيب ما لانه خيار ثابت بالشرع فلا ينفي بالشرط كسائر مقتضيات العقد وايضا فان البراءة من جملة المرافق فلتكن معلومة كالرهن والكفيل والعيوب المطلقة مجهولة وبهذا القول قال احمد في رواية وعنه رواية اخرى انه يبرا عما لا يعلمه دون ما يعلمه (وثالثها) وهو الاصح ويروي عن مالك انه لا يبرا في غير الحيوان بحال ويبرا في الحيوان عما لا يعلمه دون ما يعلمه لما روي (ان ابن عمر رضي الله عنهما باع عبدا من زيد بن ثابت رضى الله عنه بثمانمائة درهم بشرط البراءة فاصاب زيد به عيبا فاراد رده على ابن عمر رضي الله عنهما فلم يقبله فترافعا إلى عثمان رضى الله عنه فقال عثمان لابن عمر اتحلف انك لم تعلم بهذا العيب فقال لا فرده عليه فباعه ابن عمر رضى الله عنهما بالف درهم) فرق عثمان وزيد رضى الله عنهما بين ان يكون(8/339)
العيب معلوما أو لا يكون والفرق بينهما من جهة المعنى أن كتمان المعلوم يلتبس والفرق بين الحيوان وغيره ما ذكره الشافعي رضي الله عنه قال الحيوان يغتدى بالصحة والسقم ونحول طبائعه وقل مايبرا من عيب بخفى أو يظهر معناه انه يغتدى ويأكل في حالتي صحته وسقمه ونحول طبيعته وقل ما ينفك عن عيب خفي أو ظاهر فيحتاج البائع إلى هذا الشرط فيه ليثق بلزوم البيع (والطريق الثاني) وبه قال ابن خيران وابو إسحاق القطع بالقول الثالث ونصه في المختصر واختلاف العراقيين بهذا اشد إشعارا وزاد القاضي الماوردي طريقة ثالثة حكاها عن ابن ابي هريرة وهي انه يبرا في الحيوان من غير المعلوم دون المعلوم ولا يبرا في غير الحيوان من المعلوم وفي غير المعلوم قولان ويخرج من منقول الامام طريقة رابعة وهي إثبات ثلاثة اقوال في الحيوان وغيره وثالثها الفرق بين المعلوم وغير المعلوم * ولو قال بعتك بشرط الا ترد بالعيب جرى
فيه هذا الاختلاف وزعم صاحب التتمة انه فاسد قطعا مفسد للبيع * ولو عين بعض العيوب وشرط البراءة عنه نظر إن كان مما لايعاين مثل ان يقول بشرط براءتي من الزنا والسرقة والاباق برئ منها بلا خلاف لان ذكرها اعلام واطلاع عليها وان كان مما يعاين كالبرص فان اراه قدره وموضعه فكمثل وان لم يره فهو كشرط البراءة مطلقا لتفاوت الاغراض باختلاف قدره وموضعه هكذا فصلوه وكأنهم تكلموا فيما يعرفه في المبيع من العيوب (فاما) ما لا يعرفه ويريد البراءة عنه لو كان فقد حكى الامام تفريعا على فساد الشرط فيه خلافا مخرجا على ما ذكرنا من المعنيين في التعليل (التفريع) إن بطل هذا الشرط ففي العقد وجهان (أحدهما) يبطل كسائر الشروط الفاسدة (وأظهرهما) أنه يصح لاشتهار القصة المذكورة بين الصحابة رضي الله عنهم وعدم إنكارهم وايضا فانه شرط يؤكد العقد ويوافق ظاهر الحال وهو السلامة عن العيوب وان صح فذلك في العيوب الموجودة عند العقد(8/340)
(أما) الحادثة بعده وقبل القبض فيجوز الرد بها * ولو شرط البراءة عن العيوب الكائنة والتي تحدث ففيه وجهان (اصحهما) ولم يذكر الاكثرون غيره انه فاسد فان أفرد ما سيحدث بالشرط فهو بالفساد أولى وإن فرعنا على القول الثاني فكما لا يبرأ مما علمه وكتمه كذلك لا يبرأ من العيوب الظاهرة لسهولة البحث عنها والوقوف عليها وإنما يبرأ من عيوب باطن الحيوان التي لا يعلمها (ومنهم) من اعتبر نفس العلم ولم يفرق بين الظاهر والباطن وهل يلحق ما مأكوله في جوفه بالحيوان قيل نعم لعسر الوقوف وقال الاكثرون لا لتبدل أحوال الحيوان هذا فقه الفصل (وأما) لفظ الكتاب فاعلم أنه لم عد أنواع خيار النقيصة أراد أن يبين ما يسقطه فقال هذه أسباب الخيار أما دوافعه ومسقطاته وإنما جمع بين هاتين اللفظتين لان منها ما يدفع كشرط البراءة ومنها ما يسقط بعد الثبوت كالتقصير وإنما قال أعني في خيار النقيصة لان هذه الامور لا تعلق لها بخيار التروي على أن جميعها لا يشمل انواع خيار النقيصة أيضا فان شرط البراءة لا مدخل له في خيار الخلف وخيار التصرية ثم لا يخفي أن ايراد الكتاب انما يتمشي على طريقة اثبات الاقوال وانه أدرج فيه الخلاف في أن فساد الشرط هل يتعدى إلى فساد العقد (وقوله) ويصح في الحيوان ويفسد في غيره إنما
يخرج على الطريقة التي نقلها الامام ومواضع العلامات سهلة المدرك على العارف بما قدمناه والله أعلم * قال (الثاني هلاك المعقود عليه فلو اطلع على عيب العبد بعد موته فلا رد إذ لا مردود فلو كان العبد قائما والثوب الذى هو عوضه تالفارد العبد بالعيب ورجع إلى قيمة الثوب * والعتق والاستيلاد كالاهلاك وهل يجوز أخذ الارش بالتراضي فيه وجهان وإذا عجز عن الرد فله الارش وهو الرجوع إلى جزء من الثمن يعرف قدره بمعرفة نسبة قدر نقصان العيب من قيمة المبيع فيرجع من الثمن بمثل نسبته * وزوال الملك عن المبيع يمنعه من الرد في الحال ولا يمنع طلب الارش في الحال لتوقع عود الملك على الاصح ولو عاد الملك إليه ثم اطلع على عيب فله الرد على الاصح فالزائل العائد كالذي لم يزل) * من موانع الرد أن لا يتمكن المشتري من رد المبيع وذلك قد يكون لهلاكه وقد يكون مع بقائه وعلى التقدير الثاني فربما كان لخروجه عن قبول النقل من شخص إلى شخص وإنما(8/341)
كان مع قبوله للنقل وعلى الثاني فربما كان لزوال ملكه وربما كان مع بقائه لتعلق حق مانع وكلام الكتاب يتعرض لاكثر هذه الاحوال فنشرح ما تعرض له ونضم الباقي إليه مختصرين وبالله التوفيق (الحالة الاولى والثانية) إذا هلك المبيع في يد المشتري بان مات العبد أو قتل أو تلف الثوب أو أكل الطعام أو خرج عن أن يقبل النقل من شخص إلى شخص كما إذا أعتق العبد أو ولد الجارية أو وقف الضيعة ثم عرف كونه معيبا فقد تعذر الرد لفوات المردود ولكن يرجع على البائع بالارش وبه قال أحمد وقال أبو حنيفة لا أرش له إذا هلك بنفسه بالقتل ونحوه * لنا القياس على العتق والموت بجامع أنه عيب اطلع عليه بعد الياس عن الرد والارش جزء من الثمن نسبته إليه نسبة ما ينقص العيب من قيمة المبيع لو كان سليما إلى تمام القيمة وإنما كان الرجوع بجزء من الثمن لانه لو بقى كل المبيع عند البائع كان مضمونا عليه بالثمن فإذا احتبس جزء منه كان مضمونا بجزء من الثمن (مثاله) إذا كانت القيمة مائة دون العيب وتسعين مع العيب فالتفاوت بالعشر فيكون الرجوع بعشر الثمن وان كان مائتين فبعشرين وان كان خمسين فبخمسة والاعتبار باية قيمة نقل عن نصه في موضع أن
الاعتبار بقيمة يوم البيع وعن رواية ابن مقلاص أن الاعتبار بقيمة يوم القبض فمنهم من جعلهما قولين واضاف اليهما ثالثا وهو أصحها وهو أن الاعتبار بقيمة باقل القيمتين منهما وجه الاول ان الثمن يومئذ قابل المبيع ووجه الثاني انه يوم دخول المبيع في ضمانه ووجه الثالث ان القيمة ان كانت يوم البيع أقل فالزيادة حدثت في ملك المشتري وإن كانت يوم القبض أقل فما نقص نقص من ضمان البائع والاكثرون قطعوا باعتبار أقل القيمتين وحملوا كل نص على ما إذا كانت القيمة المذكورة أقل وإذا ثبت الارش فان كان الثمن بعد في ذمة المشتري فيبرأ عن قدر الارش بمجرد الاطلاع على العيب أو يتوقف على الطلب فيه وجهان (أظهرهما) الثاني وان كان قد وفاه وهو باق في يد البائع فيتعين لحق المشتري أو يجوز للبائع إبداله لانه غرامة لحقته فيه وجهان (أظهرهما) الاول ولو كان المبيع باقيا والثمن تالفا جاز الرد ويأخذ مثله إن كان مثليا(8/342)
وقيمته ان كان متقوما أقل ما كانت من يوم البيع إلى القبض لانها ان كانت يوم العقد أقل فالزيادة حدثت في ملك البائع وإن كانت يوم القبض أقل فالنقصان من ضمان المشتري ويشبه أن يجئ فيه الخلاف المذكور في اعتبار الارش ويجوز الاستبدال عنه كما في القرض وخروجه عن ملكه بالبيع ونحوه كالتلف * ولو خرج وعاد فهل يتعين لاخذ المشتري أو للبائع إبداله فيه وجهان أصحهما أولهما وإن كان الثمن باقيا بحاله فان كان معينا في العقد أخذه وإن كان في الذمة وبعده ففي تعيينه لاخذ المشتري وجهان وان كان ناقصا نظر ان تلف بعضه أخذ الباقي وبدل التالف وإن رجع النقصان إلى الصفة كالشلل ونحوه لم يغرم الارش في أصح الوجهين كما لو زاد زيادة متصلة يأخذها مجانا * (فرع) لو لم تنقص القيمة بالعيب كما لو خرج العبد خصيا فلا ارش كما لا رد * (فرع) اشترى عبد بشرط العتق ثم وجد به عيبا بعد ما أعتقه * نقل القاضي ابن كج عن أبي الحسين العبادي أنه لا ارش له ههنا لانه وان لم يكن معيبا لم يمسكه ونقل عنه وجهين فيما إذا اشترى من يعتق عليه ثم وجد به عيبا قال وعندي له الارش في الصورتين * (الحالة الثالثة) إذا زال ملكه عن المبيع ثم
عرف العيب فلا رد في الحال وهل يرجع بالارش ان زال الملك بعوض كالهبة بشرط الثواب والبيع فقولان (أحدهما) نعم لتعذر الرد كما لو مات العبد وأعتقه وهذا مخرج خرجه ابن سريج وفي رواية البويطي ما يقتضيه وعلى هذا لو أخذ الارش ثم رد عليه مشتريه بالعيب فهل برده مع الارش ويسترد الثمن فيه وجهان (أصحهما) وهو المنصو ص انه لا يرجع بالارش ولم لا يرجع قال أبو إسحق وابن الحداد لانه استدرك الظلامة وروج المعيب كما روج عليه وقال ابن أبى هريرة لانه لم ييأس من الرد فربما يعود إليه ويتمكن من رده وهذا اصح المعنيين عند الشيخ أبي حامد والقاضي أبى الطيب ورأيته منصوصا عليه في اختلاف العراقيين وان زال الملك بغير عوض على تخريج ابن سريج يرجع بالارش وعلى المنصوص فيه وجهان مبنيان على المعنيين إن عللنا بالاول يرجع لانه لم يستدرك الظلامة وان عللنا(8/343)
بالثاني فلا لانه ربما يعود إليه (ومنهم) من حكى القطع بعدم الرجوع ههنا وأيد به المعنى الثاني * ولو عاد الملك إليه بعد ما زال نظر ازال بعوض اولا بعوض (القسم الاول) أن يزول بعوض كما لو باع فينظر هل عاد بطريق الرد بالعيب أو غيره (القسم الاول) أن يعود بطريق الرد بالعيب فله أيضا رده على بائعه لانه زال التعذر الذي كان وتبين أنه لم يستدرك الظلامة وليس للمشترى الثاني رده على البائع الاول لانه ما تلقي الملك منه ولو حدث به عيب في يد المشتري الثاني ثم ظهر عيب قديم فعلى تخريج ابن سريج للمشترى الاول أخذ الارش من بائعه كما لو لم يحدث عيب ولا يخفى الحكم بينه وبين المشترى الثاني وعلى الاصح ينظر ان قبله المشترى الاول مع العيب الحادث خير بائعه فان قبله فذاك والا أخذ الارش منه وعن أبى الحسين أنه لا يأخذه واسترداده رضي بالمعيب ون لم يقبله وغرم الارش للثاني ففي رجوعه بالارش على بائعه وجهان (أحدهما) لا يرجع وبه قال ابن الحداد لانه ربما قبله بائعه هو فكان متبرعا بغرامة الارش (وأظهرهما) انه يرجع لانه ربما لا يقبله بائعه فيتضرر قال الشيخ ابو علي يمكن بناء هذين الوجهين على ما سبق من المعنيين ان عللنا بالاول فإذا غرم الارش زال استدراك الظلامة فيرجع وإن عللنا بالثاني فلا يرجع لانه ربما يرتفع العيب الحادث فيعود إليه قال وعلى الوجهين جميعا لا يرجع ما لم يغرم للثاني فانه ربما لا يطالبه الثاني
بشئ فيبقى مستدركا للظلامة * ولو كانت المسألة بحالها وتلف المبيع في يد المشتري الثاني أو كان عبدا فاعتقه ثم ظهر العيب القديم رجع الثاني بالارش على الاول والاول بالارش على بائعه بلا خلاف لحصول الياس عن الرد لكن هل يرجع على بائعه قبل أن يغرم المشتري فيه وجهان مبنيان على المعنيين وان عللنا باستدارك الظلامة فلا يرجع ما لم يغرم وان عللنا بالثاني يرجع ويجري الوجهان فيما لو أبرأه الثاني هل يرجع هو على بائعه (القسم الثاني) من الاول ان يعود إليه لا بطريق الرد كما إذا عاد بارث أو اتهاب أو قبول وصية أو إقالة فهل له رده على بائعه فيه وجهان ذو مأخذين (أحدهما) البناء على المعنيين السابقين إن عللنا بالاول لم يرد وبه قال ابن الحداد لان استدارك الظلامة قد حصل بالبيع ولم يبطل ذلك الاستدارك بخلاف ما لو رد عليه بالعيب وإن عللنا بالثاني يرد لزوال العذر وحصول القدرة على الرد كما لو رد عليه بالعيب (والثاني) ان الملك العائد هل ينزل منزلة(8/344)
غير الزائل ففي جواب نعم لانه عين ذلك المال وعلى تلك الصفة وفي جواب لا لانه ملك جديد والملك نقص لذلك وهذا اصل يخرج عليه مسائل (منها) لو افلس بالثمن وقد زال ملكه عن المبيع وعاد هل للبائع الفسخ (ومنها) لو زال ملك المراة عن الصداق وعاد ثم طلقها قبل المسيس هل يرجع في نصفه أو يبطل حقه من العين كما لو لم يعد (ومنها) لو وهب من ولده وزال ملك الولد وعاد هل للاب الرجوع ولو عاد إليه بطريق الشراء ثم ظهر عيب قديم كان في يد البائع الاول فان عللنا بالمعنى الاول لم يرد على البائع الاول لحصول الاستدراك ويرد على الثاني وان عللنا بالثاني فان شاء رد على الثاني وإن شاء رد على الاول وإذا رد على الثاني فله ان يرده عليه وحينئذ يرد هو على الاول ويجئ وجه انه لا يرد على الاول بناء على ان الزائل العائد كالذي لم يعد ووجه انه لا يرد على الثاني لانه لو رد عليه لرد هو ثانيا عليه وسنذكر نظيره (القسم الثاني) ان يزول بلا عوض فينظران عاد لا بعوض أيضا فجواز الرد مبني على أنه هل يأخذ الارش لو لم يعد (إن قلنا) لا فله الرد لان ذلك لتوقع العود (وإن قلنا) يأخذ فينحصر الحق فيه أو يعود إلى الرد عند القدرة فيه وجهان وإن عاد بعوض كما لو اشتراه (فان قلنا) لا رد في الحالة الاولى فكذلك ههنا ويرد على البائع الاخير
(وان قلنا) يرد فههنا يرد على الاول أو على الاخير أو يتخير فيه ثلاثة أوجه خارجة مما سبق * (فرع) باع زيد شيئا من عمرو ثم اشتراه منه فظهر به عيب كان في يد زيد فان كانا عالمين بالحال فلا رد وان كان زيد عالما فلا رد له ولا لعمر وايضا لزوال ملكه ولا ارش له على الصحيح لاستدراك الظلامة أو لتوقع العود فان تلف في يد زيد أخذ الارش على التعليل الثاني وهكذا الحكم لو باعه من غيره وان كان عمرو عالما فلا رد له ولزيد الرد وان كانا جاهلين فلزيد الرد ان اشتراه بغير جنس ما باعه أو باكثر منه ثم لعمر وان يرد عليه وان اشتراه بمثله فلا رد لزيد في أحد الوجهين(8/345)
لان عمرا يرده عليه فلا فائدة فيه وله ذلك في أصحهما لانه ربما يرضى به فلا يرد ولو تلف في يد زيد ثم عرف به عيبا قديما فحيث يرد لو بقى يرجع بالارش وحيث لا يرد لا يرجع (الحالة الرابعة) إذا تعلق به حق كما لو رهنه ثم عرف العيب فلا رد في الحال وهل ياخذ الارش ان عللنا باستدراك الظلامة فنعم وإن عللنا بتوقع العود فلا وعلى هذا فلو تمكن من الرد رد ولو حصل اليأس أخذ الارش ولو كان قد أجر ولم نجوز بيع المستأجر فهو كالرهن وإن جوزناه فان رضي البائع به مسلوب المنفعة مدة الاجارة رد عليه وإلا تعذر الرد وفي الارش الوجهان ويجريان فيما لو تعذر الرد بغصب أو أباق ولو عرف العيب بعد تزويج الجارية أو العبد ولم يرض البائع بالاخذ قطع بعضهم بان المشتري يأخذ الارش ههنا (أما) على المعنى الاول فظاهر (وأما) على الثاني فلان النكاح يراد للدوام فاليأس حاصل واختار القاضي الروياني وصاحب التتمة ما ذكروه ولو عرفه بعد الكتابة ففي التتمة أنه كالتزويج وذكر الماوردي أنه لا ياخذ الارش على المعنيين بل يصبر لانه قد يستدرك الظلامة بالنجوم وقد يعود إليه بالعجز فيرده (والاظهر) أنه كالرهن وانه لا يحصل استدارك بالنجوم (وقوله) في الكتاب فله الارش وهو الرجوع إلى جزء من الثمن لا يعود (وقوله) هو إلى الارش فان الارش ليس هو الرجوع إلى الثمن وإنما هو جزء من الثمن بل المعنى أن استحقاق الارش هو الرجوع إليه (وقوله) ولا يتمنع طلب الارش لتوقع عود الملك معناه أنا لا نقول بامتناع طلب الارش بسبب هذا التوقع لا أنه تعليل لعدم الامتناع ثم اعلم أن طريقة الجمهور بناء طلب الارش في الحال والرد عند العود على المعنيين كما حكيناها مهذبة وصاحب الكتاب وشيخه بنيا الرد عند المآل على أن الزائل العائد كالذي لم يزل
أو كالذي لم يعد وبنيا أخذ الارش في الحال على الرد في المآل ان لم يجز الرد في المآل جاز أخذ الارش في الحال وإن جاز ففي الارش في الحالة للحيلولة وجهان كالقولين في شهود المال إذا رجعوا هل يغرمون للحيلولة ومثل هذا التصرف محمود في الفقه لكن الذهاب إلى أن طلب الارش في الحال(8/346)
جائز خلاف المذهب المشهور فاعرف ذلك وقد أجاب صاحب الكتاب فيما إذا وجد بالشقص عيبا بعد أخذ الشفيع بانه لا أرش له على خلاف ما رجحه ههنا والخلاف واحد والله أعلم * قال (الثالث التقصير بعد معرفة العيب سبب بطلان الخيار وفوات المطالبة بالارش لتقصيره وترك التقصير بان يرد عليه في الوقت أن كان حاضرا وإن كان غائبا أشهد شاهدين حاضرين على الرد فان لم يمكن حضر عند القاضي) * الرد بالعيب على الفور ويبطل بالتأخير من غير عذر لان الاصل في البيع اللزوم فإذا أمكنه الرد وقصر لزمه حكمه ولا يتوقف على حضور الخصم وقضاء القاضي وقال أبو حنيفة ان كان قبل القبض فلا بد من حضور الخصم ولا يشترط رضاه وان كان بعده فلا بد من رضاه أو قضاء القاضي لنا ما مر في خيار الشرط * إذا تقرر ذلك فالمبادرة إلى الرد معتبرة بالعادة فلا يؤمر بالعدو والركض ليرد ولو كان مشغولا بصلاة أو أكل أو قضاء حاجة فله التأخير إلى أن يفرغ وكذا لو اطلع حين دخل وقت هذه الامور فاشتغل بها فلا بأس وكذا لو لبس ثوبا أو أغلق بابا ولووقف عليه ليلا فله التأخير إلى أن يصبح * وإذا لم يكن عذر فقد ذكر حجة الاسلام ههنا وفي الوسيط أنه إن كان البائع حاضرا يرد عليه وان كان غائبا تلفظ بالرد وأشهد عليه شاهدين فان عجز حضر عند القاضي وأعلمه الرد ولو رفع إلى القاضي والمردود عليه حاضر قال في الوسيط هو مقصر وأشار في النهاية إلى خلاف فيه وقال هذا ظاهر المذهب لكنه ذكر في الشفعة أن الشفيع لو ترك المشتري وابتدر إلى مجلس الحكم واستعدى عليه فهو فوق مطالبة المشتري لانه ربما يحوجه آخرا إلى المرافعة وحكيا معا وجهين فيما إذا تمكن من الاشهاد فتركه ورفع إلى القاضي وفي الترتيب المذكور إشكال لان الحضور في هذا الموضع اما أن يعني به الاجتماع في المجلس أو السكون في البلدة فان كان الاول فإذا لم يكن(8/347)
البائع عنده ولا وجد الشهود لم يسع إلى القاضي ولا يسعى إلى البائع واللائق بمن يمنع من المبادرة إلى القاضي إذا وجد البائع أن يمنع منها إذا أمكنه الوصول إليه وان كان الثاني فاي حاجة إلى ان يقول شاهدين حاضرين ومعلوم أن الغائب عن البلد لا يمكن اشهاده ثم على التفسيرين يكون حضور مجلس الحكم مشروطا بالعجز عن الاشهاد بعيد (اما) على الاول فلان حضور مجلس الحكم قد يكون أسهل عليه من احضار من يشهده أو الحضور عنده (وأما) على الثاني فلانه لو اطلع على العيب وهو حاضر في مجلس الحكم ينفذ فسخه ولا يحتاج إلى الاشهاد بل يتعين عليه ذلك إن أراد الفسخ فظهر أن الترتيب الذي يقتضيه ظاهر لفظ الكتاب غير مرعى (وأعلم) بعد ذلك أن القول في كيفية المبادرة وما يكون تقصيرا وما لا يكون انما يبسط في كتاب الشفعة واذكر ههنا ما لا بد منه فاقول الذي فهمته من كلام الاصحاب أن البائع إذا كان في البلد رد عليه بنفسه أو بوكيله وكذا لو كان وكيله حاضرا ولا حاجة إلى المرافعة ولو تركه ورفع الامر إلى مجلس الحكم فهو زيادة توكيد وحاصل هذا تخييره بين الامرين وان كان غائبا عن البلد رفع الامر إلى مجلس الحكم * قال القاضي الحسين في فتاويه يدعي شراء ذلك الشئ من فلان الغائب بثمن معلوم وانه أقبضه الثمن ثم ظهر العيب وانه فسخ البيع ويقيم البينة على ذلك في وجه مسخر ينصبه القاضي ويحلفه القاضي مع البينة لانه قضاء على الغائب ثم يأخذ المبيع منه ويضعه على يدي عدل والثمن يبقى دينا على الغائب فيقضيه القاضي من ماله فان لم يجد له سوى المبيع باعه فيه إلى أن ينتهى إلى الخصم أو القاضي في الحالتين لو تمكن من الاشهاد على الفسخ هل يلزمه ذلك فيه وجهان منقول صاحب التتمة وغيره منهما اللزوم ويجري الخلاف فيما إذا أخر بعذر مرض أو غيره ولو عجز في الحال عن الاشهاد فهل عليه التلفظ بالفسخ فيه وجهان (أصحهما) عند الامام وصاحب التهذيب أنه لا حاجة إليه وإذا لقى البائع فسلم عليه لم يضر ولو اشتغل بمحادثته بطل حقه ولو أخر الرد مع العلم بالعيب ثم قال أخرت لاني لم أعلم أن لي حق الرد فان كان قريب العهد بالاسلام أو أنشئ في برية لا يعرفون الاحكام قبل قوله ومكن من الرد(8/348)
وإلا فلا ولو قال لم أعلم أنه يبطل بالتأخير قبل قوله لانه مما يخفي على العوام وحيث بطل حق الرد بالتقصير يبطل حق الارش أيضا وليس لمن له الرد أن يمسك المبيع ويطلب الارش خلافا لاحمد وليس للبائع ايضا أن يمنعه من الرد ليغرم له الارش ولو رضى بترك الرد على جزء من الثمن أو على مال آخر ففي صحة هذه المصالحة وجهان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة ومالك وابن سريج أنها تصح كالصلح عن حق القصاص على مال (وأظهرهما) المنع لانه خيار فسخ فاشبه خيار الشرط والمجلس وعلى هذا يجب على المشتري رد ما أخذ وفي بطلان حقه من الرد وجهان (أحدهما) يبطل لانه أخر الرد مع الامكان واسقط حقه (وأصحهما) المنع لانه نزل عن حقه على عوض ولم يسلم له العوض فيبقى على حقه ولا يخفي ان موضع الوجهين ما إذا كان يظن صحة المصالحة (أما) إذا علم فسادها بطل حقه بلا خلاف والله اعلم * قال (ويترك الانتفاع في الحال فينزل عن الدابة ان كان راكبا ويضع عنه اكافة وسرجه فانه انتفاع ولا يحط عذاره فانه في محل المسامحة الا ان تعسر عليه القود فيعذر في الركوب إلى مصادفة الخصم أو القاضي) * كما ان تأخير الرد مع الامكان تقصير فكذلك الاستعمال والانتفاع والتصرف لاشعارها بالرضي والاختيار فلو كان المبيع رقيقا فاستخدمه في مدة طلب الخصم أو القاضي بطل حقه وإكان بشئ خفيف كقوله اسقني أو ناولني الثوب أو أغلق الباب ففيه وجه انه لا أثر له لان مثل هذا قد يؤمر به غير المملوك وبهذا اجاب القاضي الماوردي وغيره ولكن الاشهر انه لا فرق ولو ركب الدابة لا للرد بطل حقه وإن ركبها للرد أو للسقي فوجهان (أظهرهما) البطلان ايضا لانه ضرب انتفاع كما لو وقف على عيب الثوب فلبسه للرد نعم لو كانت جموحا بعسر قودها وسوقها فيعذر في الركوب (والثاني) وبه قال ابو حنيفة وابن سريج في جوابات جامع الصغير انه لا يبطل لانه اسرع للرد وعلى الاول لو كان قد ركبها للانتفاع فاطلع على عيب بها لم يجز استدامته(8/349)
وإن توجه للرد ولو كان لابسا فاطلع على عيب الثوب في الطريق فتوجه للرد ولم ينزع فهو معذور لان نزع الثوب في الطريق غير معتاد كذا قاله الماوردى ولو علف الدابة وسقاها في الطريق لم يضر وكذا لو حلب لبن البهيمة في الطريق لانه مما حدث في ملكه ولو كان عليه سرج أو أكاف فتركهما عليها بطل حقه لانه استعمال وانتفاع ولولا ذلك لاحتاج إلى حمل أو تحميل ويعذر بترك العذار أو اللجام لانهما خفيفان ولا يعد تعليقهما على الدابة انتفاعا ولان القرد يعسر دونهما وسئل الشيخ أبو حامد عما لو أنعلها في الطريق فقال ان كانت تمشي بلا نعل بطل حقه والا فلا * ولك أن تعلم قوله في الكتاب ويترك الانتفاع - بالواو - وكذا قوله وينزل عن الدابة وقوله ويضع لان القاضي الروياني نقل جواز الانتفاع في الطريق مطلقا حتى روي عن أبيه جواز وطئ الجارية الثيب (وقوله) الا أن يعسر عليه القود راجع إلى قوله من قبل أن كان راكبا وأن تخلل بينهما كلام آخر والله أعلم * قال (الرابع العيب الحادث مانع من الرد وطريق دفع الظلامة أن يضم أرش العيب الحادث إلى المبيع ويرده أو يغرم البائع له ارش العيب القديم وإن تنازعا في تعيين احد الملكين فالاصح ان طالب ارش العيب القديم أولى بالاجابة لان ارش العيب الحادث غرم وخيل لم يقتضه العقد) * إذا حدث بالمبيع عيب في يد المشتري بجناية أو آفة ثم اطلع على عيب قديم فلا يمكن الرد قهرا لما فيه من الاضرار بالبائع ولا تكليف المشتري القناعة به لما فيه من الاضرار به ولكن يعلم المشتري البائع بالحال فان رضي به معيبا قيل للمشتري اما أن ترده وأما أن تقنع به معيبا ولا شئ وان لم يرض فلا بد من أن يضم المشتري ارش العيب الحادث إلى المبيع ليرده أو ان يغرم البائع للمشترى ارش العيب القديم ليمسكه رعاية للجانبين فان توافقا على أحد هذين المسلكين فذاك وان تنازعا فدعا احدهما إلى الرد مع ارش العيب الحادث ودعا الامر إلى الامساك وغرامة ارش العيب القديم فحاصل ما اشتمل كلام الاصحاب عليه وجوه اختصرها الامام (احدها) أن المتبع راى المشتري ويجبر البائع على ما يقوله لان الاصل ان لا يلزمه تمام الثمن الا بمبيع سليم فإذا تعذر ذلك فوضت الخيرة إليه ولان البائع ملبس بترويج المبيع فكان رعاية جانب المشتري أولى ويروي هذا الوجه عن مالك واحمد وعن أبي ثور أنه نصفه في القديم (والثاني) ان المتبع رأى البائع لانه اما غارم أو آخذ ما لم يرد العقد(8/350)
عليه (والثالث) وهو الاصح أن المتبع رأى من يدعو إلى الامساك والرجوع بارش العيب القديم سواء كان هو البائع أو المشتري لما فيه من تقرير العقد وأيضا فالرجوع بأرش العيب القديم يستند إلى أصل العقد لان قضيته الا يستقر الثمن بكماله الا في مقابلة السليم وضم ارش العيب الحادث ادخال شئ جديد لم يكن في العقد فكان الاول اولى فعلى هذا لو قال البائع رده مع ارش العيب الحادث فللمشتري ان يأتي ويغرم ارش القديم وما ذكرناه من اعلام المشترى البائع يكون على الفور حتى لو اخره من غير عذر بطل حقه من الرد والارش الا ان يكون العيب الحادث قريب الزوال غالبا كالرمد والحمى فلا يعتبر الفور في الاعلام على احد القولين بل له انتظار زواله ليرده سليما عن العيب الحادث من غير ارش ومهما زال الشئ الحادث بعد ما اخذ المشتري ارش العيب القديم فهل له الفسخ ورد الارش فيه وجهان (أحدهما) لا واخذ ارش اسقاط للرد (والثاني) نعم والارش للحيلولة ولو لم يأخذه ولكن قضى القاضي بثبوته فوجهان بالترتيب وأولى بجواز الفسخ * ولو تراضيا ولا قضاء فوجهان بالترتيب واولى بالفسخ وهو الاصح في هذه الصورة واما بعد الاخذ فالاصح المنع وكذا بعد الحكم عند صاحب التهذيب * ولو عرف العيب القديم بعد زوال الحادث رد وفيه وجه ضعيف ولو زال العيب القديم قبل اخذ ارشه لم ياخذه وان زال بعد اخذه ورده ومنهم من جعله على وجهين كما لو ثبت سن المجني عليه بعد اخذ الدية هل يرد الدية * واعلم ان كل ما يثبت الرد على البائع لو كان في يده يمنع الرد إذا حدث في يد المشتري ومالا رد به على البائع لا يمنع الرد إذا حدث في يد المشتري الا في الاقل فلو خصى العقد ثم عرف عيبا قديما فلا رد وان زادت قيمته ولو نسي القرآن أو الحرفة ثم عرف به عيبا فلا رد لنقصان القيمة ولو زوجها ثم عرف بها عيبا فكذلك قال الروياني إلا أن يقول الزوج ان ردك المشتري بعيب فانت طالق كان ذلك قبل الدخول فله الرد لزوال المانع بالرد * ولو عرف عيب الجارية المشتراة من ابنه أو أبيه بعد ما وطئها وهي ثيب فله الرد وإن حرمت على البائع لان القيمة لا تنقص بذلك وكذا لو كانت الجارية رضيعة فارضعتها أم البائع أو ابنته في يد المشتري ثم عرف بها عيبا واقرار الرقيق
على نفسه في يد المشتري بدين المعاملة أو بدين الاتلاف مع تكذيب المولى لا يمنع من الرد بالعيب(8/351)
القديم وان صدقه المولى على دين الاتلاف منع فان عفا المقر له بعد ما أخذ المشتري الارش هل له الفسخ ورد الارش فيه وجهان جاريان فيما إذا أخذ الارش لرهينة العبد أو كتابة أو إبلة أو غصبه ونحوها ان مكناه من ذلك ثم زال المانع من الرد قال في التهذيب (أصحهما) أنه لا فسخ * (فرع) حدث في يد المشتري نكتة بياض بعين العبد ووجد نكتة قديمة ثم زالت احديهما فقال البائع الزائلة القديمة فلا رد ولا أرش وقال المشتري بل الحادثة ولي ارد فيحلفان على ما يقولان فان حلف احدهما دون الاخر قضى بموجب يمينه وان حلفا استفاد البائع بيمينه دفع الرد واستفاد المشتري بيمينه أخذ الارش فان اختلفا في الارش فليس له الاقل الا لانه المستيقن (وقوله) في الكتاب (فالاصح) أن طالب ارش القديم يعنى من الاوجه الثلاثة ويجوز أن يعلم قوله أولى بالميم والالف لما حكينا من مذهبهما والله أعلم * قال (وإن كان المبيع حليا قوبل بمثل وزنه وضم الارش إليه إذا استراد جزء من الثمن للعيب القديم يوقع في الربا قال ابن سريج بفسخ العقد لتعذر إمضائه ولا برد الحلي بل يقوم بالذهب ان كان من فضة أو على العكس حذارا من ربا الفضل وهو الاصح (وقيل) أنه لا يبالي بذلك إذ المحذور الزيادة في المقابلة في ابتداء عقده) * إذا اشترى حليا من ذهب أو فضة وزنه مائة مثلا بمائة من جنسه ثم اطلع على عيب قديم وقد حدث عنده عيب آخر ففيه ثلاثة أوجه (احدها) وبه قال ابن سريج انه لا يرجع بالارش لانه لو أخذ الارش لنقص الثمن عن المائة فتصير المائة مقابلة بما دونها وذلك ربوا ولا يرده مع ار ش العيب الحادث لان المردود حينئذ يزيد على المائة المستردة وذلك ربوا فبفسخ العقد لتعذر مصابه ولا يرد الحلي على البائع لتعذر رده دون الارش ومع الارش فيجعل بمثابة مالو تلف ويغرم المشتري قيمته من غير جنسه معيبا بالعيب القديم سليما عن العيب الحادث (والثاني) وبه قال الشيخ أبو حامد انه يفسخ البيع ويرد الحلي مع ارش النقصان الحادث ولا
يلزم الربا فان المقابلة بين الحلي والثمن وهما متماثلان والعيب الحادث مضمون عليه كعيب المأخوذ(8/352)
على جهة السوم فعليه غرامته (والثالث) عن صاحب التقريب والداركى انه يرجع بارش العيب القديم كما في غير هذه الصورة والمماثلة في مال الربا انما تشترط في ابتداء العقد وقد حصلت والارش حق ثبت بعد ذلك لا يقدح في العقد السابق (واعلم) ان الوجه الاول والثاني متفقان على انه لا يرجع بارش العيب القديم وانه يفسخ العقد وانما اختلافهما في انه يرد الحلي مع ارش النقص أو يمسكه ويرد قيمته (واما) صاحب الوجه الثالث فقياسه تجويز الرد مع الارش ايضا كما في سائر الاموال وإذا اخذ الارش فقد قيل يجب ان يكون من غير جنس العوضين كيلا يلزم ربا الفضل (والاظهر) انه يجوز ان يكون من جنسهما لان الجنس لو امتنع اخذه لامتنع اخذ غير الجنس لانه يكون بيع مال(8/353)
الربا بجنسه مع شئ آخر وذلك من صور مدعجوة * ثم ان صاحب الكتاب رآى الاصح الوجه المنسوب إلى ابن سريج وهو غير مساعد عليه بل اختيار القاضي الطبري وصاحب المهذب والعراقيين انما هو الثاني واختيار الامام وغيره الثالث * وذكر الامام أن أبعد الوجوه ما قاله ابن سريج (وقوله) فضم الارش إليه أو استرداد جزء من الثمن يوقع في الربا قبل ذكر الخلاف إنما كان يحسن كل الحسن أن لو كان ذلك متفقا عليه وكان الاختلاف في طريق الخلاص وليس كذلك بل صاحب الوجه الثاني لا يرى ضم الارش إليه موقعا في الربا وصاحب الثالث لا يرى الاسترداد موقعا فيه والاحسن في النظم أن يذكر قول ابن سريج اولا ويعلل تعذر الامضاء بذلك (وقوله) وقيل(8/354)
لا يبالي بذلك يمكن تنزيله على الوجه الثاني وعلى الثالث ولو عرف العيب القديم بعد تلف الحلى عنده فالذي أورده صاحب الشامل والتتمة انه يفسخ العقد ويسترد الثمن ويغرم قيمة التالف ولا يمكن أخذ الارش للربا وفيه وجه آخر أنه يجوز أخذ الارش قال في التهذيب وهو الاصح وعلى هذا ففي اشتراط كونه من غير الجنس ما مر ولا يخفي ان المسألة لا تختص بالحلي
والنقدين بل تجرى في كل مال من أموال الربا بيع بجنسه والله أعلم * قال (وإذا أنعل الدابة فاراد ردها بالعيب فلينزع النعل فان كان النزع يعيبه فليسمح بالنعل والا فليس له على البائع أرش ولا قيمة النعل وان صبغ الثوب بما زاد في قيمته فطلب قيمة الصبغ له(8/355)
وجه ولكن ادخال الصبغ وهو دخيل في ملك البائع كادخال ارش العيب الحادث) * في الفصل صورتان (الاولى) إذا أنعل الدابة المشتراة ثم وقف على عيب قديم بها ينظر ان لم يعبها نزع النعل فله النزع والرد وان لم ينزع والحالة هذه لم يجب على البائع القبول وان كان النزع يخرم ثقب المسامير ويتعيب الحافر به فنزع بطل حقه من الرد والارش وكان تعيبه بالاختيار قطعا للخيار وفيه احتمال للامام ولو ردها مع النعل اجبر البائع على القبول وليس للمشتري طلب قيمة النعل فانه حقير في معرض رد الدابة ثم ترك النعل من المشترى تمليك حتى يكون للبائع لو سقط أو اعراض حتى يكون للمشتري فيه وجهان اشبههما الثاني.
(الثانية) لو صبغ الثوب بما زاد في قيمته ثم عرف عيبه(8/356)
فان رضى بالرد من غير ان يطالب بشئ فعلى البائع قبوله ويصير الصبغ ملكا له فانه صفة للثوب لا تزايله وليس كالنعل هذا لفظ امام الحرمين قال ولا صائر إلى انه يرد الثوب ويبقى شريكا بالصبغ كما يكون مثله في المغصوب والاحتمال يتطرق إليه وان أراد الرد وأخذ قيمة الصبغ ففي وجوب الاجابة على البائع وجهان (أظهرهما) لا يجب لكن يأخذ المشتري الارش ولو طلب المشتري أرش العيب وقال البائع رد الثوب لا غرم لك قيمة الصبغ ففيمن يجاب منهما وجهان (الذي) أورده ابن الصباغ والمتولي ان المجاب البائع ولا أرش للمشتري * ولما حكى الامام الخلاف في الطرفين ذكر ان الصبغ الزائد قد جرى مجرى ارش العيب الحادث في طرفي المطالبة ومعناه أنه إذا قال البائع رد مع الارش(8/357)
وقال المشتري بل أمسك وآخذ الارش ففيمن يجاب وجهان * وكذا إذا قال المشتري أرده مع الارش وقال البائع بل اغرم الارش وهذا ظاهر للمتأمل في الوجوه الثلاثة المذكورة هناك إذا أفرد أحد
الجانبين بالنظر ووجه المشابهة بين الصبغ الزائد وأرش العيب الحادث ما أشار إليه صاحب الكتاب وهو ان ادخال الصبغ في ملك البائع مع أنه دخيل في العقد كادخال الارش الدخيل ثم ظاهر لفظ الكتاب يقتضي عود الوجوه الثلاثة هاهنا حتى يقال المجاب منهما في وجه من يدعو إلى فضل الامر بالارش القديم وقد صرح به في الوسيط ولكن رواية الوجه الثالث لا تكاد توجد لغيره وبتقدير ثبوته فقد بينا ثم أن الاصح الوجه الثالث وههنا قضية ايراد الائمة انه لا يجاب المشتري إذا طلب(8/358)
الارش كما مر (وقوله) فطلب قيمة الصبغ له وجه المعنى الذي ينبغي أن تنزل عليه هذه الكلمة ان طلب قيمة الصبغ ليس كلطلب قيمة النعل فان النعل تابع بالاضافة إلى الدابة حقير والصبغ بخلافه فان هذا الطلب متجه وذاك مستنكر * ولو قصر الثوب ثم وقف على العيب فيبني على أن القصارة عين أو أثر (إن قلنا) بالاول فهى كالصبغ (وان قلنا) بالثاني رد الثوب ولا شئ له كالزيادات المتصلة وعلى هذا فقس نظائره والله أعلم * قال (ولا يرد البطيخ (ح و) والجوز والبيض واللوز بعد السكر وان وجده معيبا بل يأخذ ارش العيب وقيل ان له الرد (م ح وز) وضم أرش الكسر إليه) *(8/359)
إذا اشترى ما ماكوله في جوفه كالبطيخ والرانج والرمان والجوز واللوز والفندق والبيض فكسره ووجده فاسدا ينظر ان لم يكن لفاسده قيمة كالبيضة المذرة التي لا تصلح لشئ والبطيخة الشديدة التغير رجع المشتري بجيمع الثمن نص عليه وكيف سبيله قال معظم الاصحاب تبين فساد البيع لوروده على غير متقوم وعن القفال في طائفة انه لا يتبين الفساد لكنه على سبيل استدراك الظلامة فكما يرجع بجزء من الثمن عند انتقاص جزء من المبيع يرجع بكله عند فوات كل المبيع وتظهر ثمرة هذا الخلاف في أن القشور الباقية بمن تختص حتى يكون عليه تطهير الموضع عنها * وإن كان لفاسده قيمة كالرانج وبيض النعام والبطيخ إذا وجده حامضا أو مدود بعض الاطراف فللكسر حالتان (إحداهما)(8/360)
أن لا يوقف على ذلك الفساد إلا بمثله ففيه قولان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة والمزني أنه ليس الرد قهرا كما لو عرف عيب الثوب بعد قطعه وعلى هذا هو كسائر العيوب الحادثة فيرجع المشتري بارش العيب القديم أو يضم ارش النقصان إليه ويرده كما سبق (وقوله) في الكتاب بل يأخذ الارش ان لم يتراضيا على الرد مع الارش لانه لا يعدل عنه بحال (والثاني) له ذلك وبه قال مالك وكذا أحمد في رواية لانه نقص لا يعرف العيب الا به فلا يمنع الرد كالمصراة وإيراد الكتاب يقتضي ترجيح القول الاول وبه قال صاحب التهذيب لكن القاضي الماوردي والشيخ أبا حامد ومن تابعه رجحوا الثاني وبه قال القاضي الروياني وغيره * وإذا فرعنا على الثاني فهل يغرم ارش(8/361)
الكسر فيه قولان (أحدهما) نعم وهو الذى أورده في الكتاب كما يرد المصراة ويغرم (والثاني) لا لانه لا يعرف العيب الا به فهو معذور فيه والبائع بالبيع كانه سلطه عليه وهذا أصح عند صاحب التهذيب وغيره (فان قلنا) بالاول غرم ما بين قيمته صحيحا فاسد اللب ومكسورا فاسد اللب ولا نظر إلى الثمن (الحالة الثانية) أن يمكن الوقوف على ذلك الفساد باقل من ذلك الكسر فلا رد كما في سائر العيوب وعن أبي اسحق أن بعض الاصحاب طرد القولين * إذا عرفت ذلك فكسر الجوز ونحوه وثقب الرانج من صور الحالة الاولى وكسر الرانج وترضيض بيض النعام من صور الحالة الثانية وكذا تقوير البطيخ الحامض إذا أمكن معرفة حموضته بغرز شئ فيه وكذا التقوير الكبير(8/362)
إذا أمكن معرفتها بالتقوير الصغير والتدويد لا يعرف الا بالتقوير وقد يحتاج إلى الشق ليعرف وقد يستغني في معرفة حال البيض بالقلقلة عن الكسر وليست الحموضه بعيب في الرمان بخلاف البطيخ فان شرط في الرمان الحلاوة فبان حامضا بالغرز رده وان بان بالشق فلا * (فرع) إذا اشترى ثوبا مطويا وهو مما ينقص بالنشر فنشره ووقف على عيب به لا يوقف عليه الا بالنشر فيه القولان كذا أطلقه الاصحاب على طبقاتهم مع جعلهم بيع الثوب المطوي من صور بيع الغائب ولم يتعرض الائمة لهذا الاشكال فيما رأيته الا من وجهين (أحدهما)
ذكر إمام الحرمين أن هذا الفرع مبني على تصحيح بيع الغائب (والثاني) قال صاحب الحاوي(8/363)
وغيره ان كان مطويا أكثر من طاقين لم يصح البيع ان لم نجوز خيار الرؤية وان كان مطويا على طاقين يصح البيع لانه يرى جميع الثوب من جانبه وهذا حسن لكن المطوى على طاقين لا يرى من جانبه إلا أحد وجهى الثوب وفى الاكتفاء به تفصيل وخلاف قد سبق وراء ما ذكره تنزيلان (أحدهما) أن يفرض رؤية الثوب قبل الطي والطي قبل البيع ويستمر الفرع (والثاني أن ما ينقص بالنشر مرة ينتقص بالنشر مرتين فوق ما ينتقص به مرة واحدة فلو نشر مرة وبيع وأعيد طيه ثم نشره المشترى وزاد النقصان بذلك انتظم الفرع والله اعلم * قال (وإذا اشترى عبدا من رجلين فله أن يفرد أحدهما (ح) برد نصيبه وإذا اشترى رجلان(8/364)
عبدا من واحدا فلاحدهما أن يفرد نصيبه بالرد على أصح القولين) * (المبيع في الصفقة الواحدة اما شئ واحد أو شيئان فان كان الثاني كما لو اشترى عبدين فخرجا معيبين فله ردهما وكذا لو خرج أحدهما معيبا واما أفراد المعيب بالرد فقد ذكرناه في تفريق الصفقة * وان كان لاول كما لو اشترى دارا أو عبدا فخرج معيبا فليس له رد بعضه ان كان الباقي قائما في ملكه لما فيه من تشقيص ملك البائع عليه فان رضى البائع جاز في أصح الوجهين وان كان الباقي زائلا كما إذا عرف العيب بعد بيع بعض المبيع فقد حكى الشيخ أبو على في رد الباقي طريقين (أحدهما) أنه على قولين بناء على تفريق الصفقة (وأصحهما) القطع بالمنع كما لو كان الباقي قائما في ملكه(8/365)
وعلى هذا فهل يرجع بالارش (أما) للقدر المبيع فكما ذكرنا إذا باع الكل (وأما) للقدر الباقي فوجهان قال في التهذيب (أصحهما) أنه يرجع لتعذر الرد ولا ينتظر عود الزائل ليرد الكل كما لا ينتظر زوال العيب الحادث والوجهان جاريان فيما إذا اشترى عبدين وباع أحدهما ثم عرف العيب ولم نجوز رد الباقي هل يرجع بالارش ولو اشترى ومات وخلف ابنين فوجدا به عيبا (فالاصح) وهو قول وهو قول
ابن الحداد أنه لا ينفرد احدهما بالرد لان الصفقة وقعت متحدة ولهذا لو سلم احد الابنين نصف الثمن لم يلزم البائع تسليم النصف إليه وفيه وجه أنه ينفرد لانه رد جميع ما ملك * هذا كله فيما إذا اتحد المتعا قدان (إما) إذا اشترى رجل عبدا من رجلين وخرج معيبا فله أن يفرد نصيب أحدهما(8/366)
بالرد لان تعدد البائع يوجب تعدد العقد وأيضا لا يتشقص على المردود عليه ما خرج عن ملكه * ولو اشترى رجلان عبدا من واحد فقولان (أصحهما) أن ينفرد بالرد لانه رد جميع ما ملك كما ملك وبهذا قال أحمد وكذا مالك في رواية (والثانى) يحكى عن رواية أبى مور وبه قال أبو حنيفة أنه ليس له الانفراد لان العبد خرج عن ملك البائع كاملا والان يعود إليه بعضه وبعض الشئ لا يشترى بما يخصه من الثمن لو بيع كله * (التفريع) ان جوزنا الانفراد فانفرد أحدهما فتبطل الشركة بينهما ويخلص للممسك ما أمسك وللراد ما استرد أو تبقى الشركة بينهما فيما أمسك الممسك واسترده الراد حكى القاضى الماوردى(8/367)
فيه وجهين (أصحهما) أولهما * وان منعنا الانفراد فذاك فيما ينتقص بالتبعيض (وأما) ما لا ينتقص كالحبوب ففيه وجهان مبنيان على أن المانع ضرر التبعيض أو اتحاد الصفقة * ولو أراد الممنوع من الرد الارش قال الامام ان حصل اليأس من امكان رد نصيب الاخر بان أعتقه وهو معسر فله أخذ الارش وان لم يحصل نظر ان رضى صاحبه بالعيب فيبنى على أنه لو اشترى نصيب صاحبه وضمه إلى نصيبه واراد ان يرد الكل ويرجع بنصف الثمن هل يجبر على قبوله كما في مسألة الغل وفيه وجهان (ان قلنا) لا أخذ الارش (وان قلنا) نعم فكذالك في أصح الوجهين لانه توقع بعيد وان كان صاحبه غائبا لا يعرف الحال في الارش وجهان من جهة الحيلولة الناجزة ولو اشترى(8/368)
رجلان عبدا من رجلين كان كل واحد منهما مشتريا ربع العبد من كل واحد من البائعين فلكل واحد رد الربع إلى أحدهما * ولو اشترى ثلاثة من ثلاثة كان كل واحد منهم مشتريا تسع العبد من كل واحد
من الباعة * ولو اشترى رجلان عبدين من رجلين فقد اشترى كل واحد من واحد ربع كل واحد فلكل واحد رد جميع ما اشترى من كل واحد عليه * ولو رد أحد العبدين وحده ففيه قولا التفريق * لو اشترى بعض عبد في صفقة وباقيه في صفقة اما من البائع الاول أو غيره فله رد احد البعضين خاصة لتعدد الصفقة ولو علم بالعيب بعد العقد الاول ولم يمكنه الرد فاشترى الباقي فليس له رد الباقي وله رد الاول عند الامكان والله اعلم *(8/369)
قال (وإذا تنازعا في قدم العيب وحدوثه فالقول قول البائع إذ الاصل لزوم العقد فيحلف انى بعته واقبضتة وما يوجب) * إذا وجد بالمبيع عيبا فقال البائع عيبا انه حدث عند المشترى وقال المشترى بل كان عندك نظر ان كان العيب مما لا يحتمل حدوثه بعد البيع كالاصبع الزائدة وشين الشجة المتدملة والبيع جرى امس فالقول قول المشترى من غير يمين وان لم يحتمل تقدمه كالجراحة الطرية وقد جرى البيع والقبض منذ سنة فالقول قول البائع من غير يمين وان كان مما يحتمل حدوثه وقدمه كالبرص وهو المراد من مسألة الكتاب فالقول قول البائع مع يمينه لان الاصل لزوم العقد واستمراره وكيف يحلف ينظر(8/370)
في جوابه لدعوى المشترى فإذا ادعى المشترى بأن بالمبيع عيبا كان قبل البيع أو قبل القبض وأراد الرد فقال في الجواب ليس له الرد على بالعيب الذى يذكره أو لا يلزمنى قبوله حلف على ذلك ولا يكلف التعرض لعدم العيب يوم البيع ولا قبل القبض لجواز أنه أقبضه معيبا وهو عالم به أو انه رضي بعد البيع ولو نطق به لصار مدعيا مطالبا بالبينة ولو قال في الجواب ما بعته الا سليما أو ما أقبضته الا سليما فهل يلزمه أن يحلف كذلك أو يكفيه الاقتصار على أنه لا يستحق الرد أو لا يلزمنى قبوله فيه وجهان (أحدهخما) أنه يكفيه الجواب المطلق كما لو اقتصر عليه في الجواب (وأظهرهما) أنه يلزمه التعرض لما تعرض له في الجواب لتكون اليمين مطابقة للجواب ولو كان له غرض في الاقتصار على الجواب المطلق لوجب الاقتصار عليه(8/371)
في الجواب وهذا ما أورده صاحب التهذيب وغيره وهذا التفصيل والخلاف جاريان في جميع الدعاوى والاجوبة * إذا تقرر ذلك فاعلم أن لفظ الشافعي رضي الله عنه في المسألة أن القول
قول البائع مع يمينه على البت لقد باعه بريئا من العيوب واعترض المزني فقال ينبغى أن يحلف لقد أقبضته بريئا من العيب لان ما يحدث قبل القبض يثبت الرد كالسابق على البيع * وتكلم الاصحاب على اعتراضه بحسب الخلاف المذكور فمن اعتبر كون اليمين وفق الجواب قال أراد الشافعي رضي الله عنه ما إذا ادعي المشترى عيبا سابقا على الرد واراد الرد به وقال البائع في الجواب بعته وما به هذا العيب فيحلف كذلك * ولو قال المشترى قبضته معيبا ونفاه البائع(8/372)
في الجواب حلف كما ذكره المزني ولو اقتصر في الجواب على أنه لا يستحق الرد لم يلزمه ذكر هذا ولا ذك * ومن قال تكفى اليمين على نفى الاستحقاق بكل حال قال لم يقصد الشافعي رضى الله عنه أن الان على ماذا يحلف ولاى وقت يتعرض ولكن أراد أن يتبين أنه يحلف على البت فلا يقول مثلا بعته وما أعلم به عيبا ولكن يقول بعته وما به عيب ويجوز اليمين على البت إذا اختبر حال العبد واطلع على خفايا أمره كما يجوز بمثله الشهادة على الاعسار وعدالة الشهود وغيرهما * وعند عدم الاختبار يجوز الاعتماد على ظاهر السلامة إذا لم يعرف ولا ظن خلافه (وقوله) في الكتاب بعته وأقبضته وما به عيب محمول على ما إذا نفى في جواب المشترى العيب في الحالتين واعتبرنا(8/373)
موافقة اليمين للجواب لفظا ومعني والا فمدار الرد التعيب عند القبض حتى لو كان معيبا عند البيع وقد زال العيب فلا رد له بما كان بل مهما زال العيب قبل العلم أو بعده وقبل الرد سقط حق الرد * ولو زعم المشتري أن بالمبيع عيبا وأنكره البائع فالقول قوله لان الاصل السلامة ودوام العقد ولو اختلفا في بعض الصفات أنه هل هو عيب فالقول قول البائع أيضا مع يمينه وهذا إذا لم يعرف الحال من غيرهما قال في التهذيب فان قال واحد من أهل العلم به انه عيب ثبت الرد به * واعتبر صاحب التتمة شهادة اثنين * ولو ادعي البائع علم المشتري بالعيب أو تقصيره في الرد فالقول قول المشتري والله أعلم * قال (ولا يمتنع الرد بوطئ الثيب (ح) والاستخدام ولا بالزوائد (ح) المنفصلة بل تسلم (م)(8/374)
الزوائد للمشتري إن حصلت بعد القبض وكذلك لو حصلت قبل القبض على أقيس الوجهين * والحمل الموجود عند العقد يسلم ايضا للمشتري على اصح القولين) * أصل مسائل الفصل أن الفسخ يرفع العقد من حينه لا من أصله لان العقد لا ينعطف حكمه على ما مضي فكذلك الفسخ * هذا هو المذهب الصحيح وفيما إذا انفسخ قبل القبض وجه انه يرد العقد من اصله لان العقد ضعيف بعد فإذا فسخ فكأنه لا عقد وفي التتمة ذكر وجه انه يرفع العقد من اصله مطلقا تخريجا من القول بوجوب مهر المثل إذا فسخ النكاح بعيب حدث بعد المسيس * إذا عرف ذلك فالمسائل ثلاث (أحداها) لا خلاف ان الاستخدام لا يمنع من الرد بالعيب وأما الوطئ فالجارية(8/375)
اما بكر أو ثيب فان كانت ثيبا فوطئ المشتري لا يمنع الرد بالعيب وإذا رد لم يضم إليه مهرا وبه قال مالك وهو رواية عن احمد وقال أبو حنيفة يمنع * لنا انه معنى لا يوجب نقصا ولا يشعر برضى فاشبه الاستخدام * ووطئ البائع والاجنبي بالشبهة كوطئ المشتري لا يمنع الرد ووطئهما عن طواعية منها زنا وذلك عيب حادث هذا إذا وطئت بعد القبض فان وطئها المشتري قبل القبض لم يمنع الرد ولا يصير قابضا لها ولا مهر عليه ان سلمت وقبضها وان تلفت قبل القبض فهل عليه المهر للبائع فيه وجهان مبنيان على أن العقد إذا انفسخ بتلف قبل القبض ينفسخ من أصله أو من حينه وفيه وجهان (أصحها) الثاني وبه قال ابن سريج * وان وطئها أجنبي فهي زانية وهو عيب حدث قبل القبض(8/376)
وان كانت مكرهة فللمشترى المهر ولا خيار له بهذا الوطئ ووطئ البائع كوطئ الاجنبي لكن لا مهر عليه ان قلنا ان جناية البائع قبل القبض كالافة السماوية (وأما) البكر فافتضاضها بعد القبض نقص حادث وقبله جناية على المبيع قبل القبض فان افتضها أجنبي بغير آلة الافتضاض فعليه ما نقص من قيمتها وان أفتض بآلته فعليه المهر وارش البكارة هل يدخل فيه أو يفرد فيه وجهان (اصحهما) يدخل فعليه مهر مثلها بكرا (والثاني) يفرد فعليه ارش البكارة ومهر مثلها ثيبا ثم المشتري ان أجاز العقد فالكل له والا فقدر أرش البكارة للبائع لعودها إليه ناقصة والباقي للمشتري * وان افتضها البائع فان اجاز المشتري
فلا شئ على البائع ان قلنا ان جنايته كالافة السماوية وان قلنا انها كجناية الاجنبي فالحكم كما في(8/377)
الاجنبي وان فسخ المشتري فليس على البائع ارش البكارة وهل عليه مهر مثلها ثيبا ان افتض بآلته يبني على أن جنايته كالافة السماوية أم لا وان افتضها المشتري استقر عليه من الثمن بقدر ما نقص من قيمتها فان سلمت حتى قبضها فعليه الثمن بكماله وان تلفت قبل القبض فعليه بقدر نقصان الافتضاض من الثمن وهل عليه مهر مثل ثيب ان افتضها بآلة الافتضاض يبني على أن العقد ينفسخ من أصله أو من حينه هذا هو الصحيح وفيه وجه أن افتضاض المشتري قبل القبض كافتضاض الاجنبي * (المسألة الثانية) الزيادة في المبيع ضربان متصلة ومنفصلة (اما) المتصلة كالسمن وتعلم العبد الحرفة والقرآن وكبر الشجرة فهي تابعة لرد الاصل ولا شئ على البائع بسببها (وأما) المنفصلة كما إذا أجر المبيع(8/378)
وأخذ أجرته وكالولد والثمرة وكسب العبد ومهر الجارية إذا وطئت بالشبهة فانها لا تمنع الرد بالعيب وتسلم للمشترى وبه قال أحمد * وقال ابو حنيفة الولد والثمرة يمنعان الرد بالعيب والكسب والغلة لا يمنعانه لكن ان رد قبل القبض ردهما مع الاصل وان رد بعده بقيا له * وقال مالك يرد مع الاصل الزيادة التي هي من جنس الاصل وهي الولد ولا يرد ما كان من غير جنسه كالثمرة * لنا ما روي (أن مخلد بن خفاف ابتاع غلاما استغله ثم اصاب به عيبا فقضى له عمر بن عبد العزيز برده وغلته فاخبره عروة عن عائشة رضى الله عنها إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في مثل هذا ان الخراج بالضمان فرد عمر رضي الله عنه قضاءه وقضى لمخلد بالخراج) ومعنى الخبر ان ما يخرج من المبيع من فائدة وغلة فهو للمشتري(8/379)
في مقابلة أنه لو تلف كان من ضمانه ولا فرق بين الزوائد الحادثة قبل القبض والزوائد الحادثة بعده مهما كان الرد بعد القبض وان كان الرد قبله ففي الزوائد وجهان بناء على ان الفسخ والحالة هذه رفع للعقد من اصله أو من حينه (والاصح) أنها تسلم للمشتري ايضا (وقوله) في الكتاب وكذلك ان حصلت قبل القبض على أقيس الوجهين يقتضي كون الزوائد الحاصلة قبل القبض على
وجهين وان كان الرد بعد القبض لكنه ليس كذلك كذا قاله الامام وغيره وموضع الوجهين ما إذا كان الرد قبل القبض فاعرف ذلك واعلم أنه لو نقصت البهيمة أو الجارية بالولادة امتنع الرد للنقص الحادث وان لم يكن الولد مانعا وتكلموا في افراد الجارية بالرد وان لم تنقص بالولادة من(8/380)
جهة أنه تفريق بين الام والولد فقال قائلون لا يجوز الرد ويتعين الارش الا ان يكون الوقوف على العيب بعد بلوغ الولد سنا لا يحرم بعده التفريق وقال آخرون لا يحرم التفريق ههنا للحاجة وسنذكر نظيره في الرهن (المسألة الثالثة) عرفت حكم الولد الحادث بعد البيع (فاما) إذا اشترى جارية أو بهيمة حاملا ثم وجد بها عيبا فان كان حاملا بعد ردها كذلك وان وضعت الحمل ونقصت بالولادة فلا رد وان لم تنقص ففي رد الولد معها قولان بناء على أن الحمل هل يعرف ويأخذ قسطا من الثمن أم لا والاصح نعم ويخرج على هذا الخلاف أنه هل للبائع حبس الولد إلى استيفاء الثمن وانه لو هلك قبل القبض هل يسقط من الثمن بحصته وانه هل للمشتري بيع الولد قبل القبض فان قلنا له قسط(8/381)
من الثمن جاز الحبس وسقط الثمن ولم يجز البيع والا انعكس الحكم * ولو اشترى نخلة عليها طلع غير مؤبر ووجد بها عيبا بعد التأبير ففي الثمرة طريقان (أظهرهما) أنه على القولين في الحمل وتشبيها للثمرة في الكمام بالحمل في البطن (والثاني) القطع بانها تأخذ قسطا من الثمن لانها مشاهدة متيقنة ولو اشترى جارية أو بهيمة حائلا فحبلت ثم اطلع على عيب فان نقصت بالحمل فلا رد ان كان الحمل في يد المشتري وان لم تقص أو كان الحمل في يد البائع فله الرد وحكم الولد مبني على الخلاف السابق (ان قلنا) أنه يعرف ويأخذ قسطا من الثمن يبقى للمشتري فيأخذه إذا انفصل * وحكى القاضي الماوردي وجها أنه للبائع لاتصاله بالام عند الرد (وان قلنا) إنه لا يعرف ولا يأخذ قسطا فهو للبائع ويكون تبعا(8/382)
للام عند الفسخ كما يكون تبعا لها عند العقد واطلق بعضهم القول بان الحمل الحادث نقص (أما) في الجوارى فلانه يوثر في الجمال والنشاط (وأما) في البهائم فلانه ينقص لحم المأكول ويخل بالحمل عليها
والركوب * ولو اشترى نخلة واطلعت في يده ثم اطلع على عيب فلمن الطلع فيه وجهان * ولو كان على ظهر الحيوان صوف عند البيع فجزه ثم عرف به عيبا رد الصوف معه فان استجز ثانيا وجزه ثم عرف العيب لم يرد الثاني لحدوثه في ملكه وان لم يجز رده تبعا * ولو اشترى أرضا فيها اصول الكراث ونحوه وادخلناها في البيع فنبت في يد المشتري ثم عرف بالار ض عيبا يردها ويبقى النابت للمشتري فانها ليست تبعا للارض الا ترى ان الظاهر منها في ابتداء البيع لا يدخل فيه والله أعلم *(8/383)
قال (والاقالة فسخ (م) على الجديد الصحيح ولا يتوقف الرد بالعيب على حضور الخصم وقضاء القاضي (ح)) * الاقالة بعد البيع جائزة بل إذا ندم احدهما على الصفقة استحب للاخران يقيله روى انه صلى الله عليه وسلم قال (من أقال أخاه المسلم صفقة كرهها أقال الله عثرته يوم القيامة) والاقالة ان يقول(8/384)
المتبايعان تقايلنا أو تفاسخنا أو يقول احدهما أقلت ويقول الاخر قبلت وما أشبه ذلك وفي كونها بيعا أو فسخا قولان (أحدهما) وبه قال مالك أنها بيع لانها نقل ملك بعوض بايجاب وقبول فاشبهت التولية (وأصحهما) أنها فسخ إذ لو كانت بيعا لصحت مع غير البائع وبغير الثمن * وذهب بعضهم إلى أن القولين في لفظ الاقالة فاما إذا قالا تفاسخنا فهو فسخ لا محالة (واعلم) أن القول الثاني منصوص في الجديد وأما الاول فمنهم من حكاه وجها والاكثرون نقلوه عن نصه في القديم وعن أبي حنيفة ان الاقالة فسخ في حق المتعاقدين بيع في حق غيرهما * (التفريع) ان كانت بيعا تجدد بها الشفعة وان كانت فسخا فلا خلافا لابي حنيفة * ولو تقايلا(8/385)
في الصرف وجب التقابض في المجلس ان كانت بيعا وان كانت فسخا فلا وتجوز الاقالة قبل قبض المبيع ان كانت فسخا وان كانت بيعا فهي كبيع المبيع من البائع قبل القبض وتجوز في السلم قبل القبض ان كانت فسخا وان كانت بيعا فلا ولا تجوز الاقالة بعد تلف المبيع ان كانت بيعا وان
كانت فسخا فوجهان (احدهما) المنع كالرد بالعيب (وأصحها) الجواز وهو اختيار أبي زيد كالفسخ بالتحالف فعلى هذا يرد المشتري على البائع مثل المبيع ان كان مثليا وقيمته ان كان متقوما * ولو اشترى عبدين وتلف أحدهما ففي الاقالة في الثاني وجهان بالترتيب إذ القائم تصادفه الاقالة فيستتبع التالف * وإذا تقايلا والمبيع في يد المشتري بعد لم ينفذ تصرف البائع فيه ان كانت بيعا ونفذ ان كانت فسخا(8/386)
فان تلف في يده انفسخت الاقالة ان كانت بيعا وبقى البيع بحاله وان كانت فسخا فعلى المشتري الضمان لانه مقبوض على حكم العو ض كالمأخوذ قرضا أو سوما والواجب فيه ان كان متقوما أقل القيمتين من يوم العقد والقبض ولو تعيب في يده فان كان بيعا تخير البائع بين ان يجيز الاقالة ولا شئ له وبين أن يفسخ ويأخذ الثمن وان كان فسخا غرم أرش العيب ولو استعمله بعد الاقالة فان جعلناها بيعا فهو كالمبيع يستعمله البائع وان جعلناها فسخا فعليه الاجرة ولو عرف البائع بالمبيع عيبا كان قد حدث في يد المشتري قبل الاقالة فلا رد له ان كانت فسخا وان كانت بيعا فله رده ويجوز للمشتري حبس المبيع لا سترداد الثمن على القولين * ولا يشترط ذكر الثمن في الاقالة ولا تصح الا(8/387)
بذلك الثمن فلو زاد أو نقص فسدت وبقى البيع بحاله حتى لو اقاله على أن ينظره بالثمن أو على أن يأخذ الصحاح عن المكسرة لم يجز ويجوز للورثة الاقالة بعد موت المتبايعين ويجوز الاقالة في بعض المبيع كما تجوز في كله قال الامام رحمه الله هذا إذا لم تلزم جهالة اما إذا اشترى عبدين وتقايلا في احدهما مع بقاء الثاني لم يجز على قولنا انه بيع للجهل بحصة كل واحد منهما * وتجوز الاقالة في بعض المسلم فيه ايضا لكن لو اقاله في البعض ليعجل له الباقي أو عجل المسلم إليه البعض ليقيله في الباقي فهي فاسدة (وأما) قوله ولا يتوقف الرد بالعيب إلى آخره فقد ذكرته من قبل وتختم الباب بفروع *(8/388)
(أحدها) الثمن المعين إذا خرج معيبا يرد بالعيب كالمبيع وان لم يكن معيبا فيستبدل ولا يفسخ
العقد سواء خرج معيبا بخشونة أو سواد أو ظهر أن سكته مخالفة لسكة النقد الذي تناوله العقد أو خرج نحاسا أو رصاصا * ولو تصارفا وتقابضا ثم وجد أحدهما بما قبضه خللا فله حالتان (إحداهما) ان يرد العقد على معينين فان خرج أحدهما نحاسا فالعقد باطل لانه بان أنه غير ما عقد عليه وقيل إنه صحيح تغليبا للاشارة وهذا إذا كان له قيمة فان لم يكن لم يجئ فيه هذا الخلاف وان خرج بعضه بهذه الصفة بطل العقد فيه وفي الباقي قولا تفريق الصفقة إن لم تبطل فله الخيار فان أجاز والجنس مختلف بان تبايعا فضة بذهب جاء القولان في أن الاجازة بجميع الثمن أو بالحصة وان كان الجنس متفقا فالاجازة بالحصة لا محالة(8/389)
لامتناع الفضل * وان خرج أحدهما خشنا أو أسود فلمن أخذه الخيار ولا يجوز الاستبدال وان خرج بعضه كذلك فله الخيار أيضا وهل له الفسخ في المعيب والاجازة في الباقي فيه قولا التفريق فان جوزنا فالاجازة بالحصة لان العقد صح في الكل فإذا ارتفع في البعض كان بالقسط (الحالة الثانية) أن يرد على ما في الذمة ثم يحضرا ويتقابضا فان خرج أحدهما نحاسا وهما في مجلس العقد استبدل وإن تفرقا فالعقد باطل لان المقبو ض غير ما ورد عليه العقد وان خرج خشنا أو اسود فان لم يتفرقا بعد فهو بالخيار بين الرضا به وبين الاستبدال وان تفرقا فهل له استبداله فيه قولان (أحدهما) لا لانه قبضه بعد التفرق (وأصحهما) نعم كالمسلم فيه إذا خرج معيبا وهذا لان القبض الاول صحيح إذ لو رضي به جاز والبدل مأخوذ فقام مقام(8/390)
الاول ويجب أخذ البدل قبل التفرق عن مجلس الرد * وان خرج البعض كذلك وقد تفرقا فان جوزنا الاستبدال استبدله والا فهو بالخيار بين فسخ العقد في الكل والاجازة وهل له الفسخ في ذلك القدر والاجازة في الباقي فيه قولا التفريق * ورأس مال السلم حكمه حكم عوض الصرف ولو وجد أحد المتصارفين بما أخذ عيبا بعد تلفه أو تبايعا طعاما بطعام ثم وجد أحدهما بالمأخوذ عيبا بعد تلفه نظر إن ورد العقد على معينين أو على ما في الذمة وعين وقد تفرقا ولم نجوز الاستبدال فان كان الجنس مختلفا فهو كبيع العرض بالنقد وان كان متفقا ففيه الخلاف الذي سبق في مسألة الحلي وان ورد على ما في الذمة ولم يتفرقا بعد غرم ما تلف عنده ويستبدل وكذا ان تفرقا وجوزنا الاستبدال * ولو وجد المسلم(8/391)
إليه برأس مال السلم عيبا بعد تلفه عنده فان كان معينا أو في الذمة وعين وقد تفرقا ولم نجوز الاستبدال فيسقط من المسلم فيه بقدر نقصان العيب من قيمة راس المال وان كان في الذمة وهما في المجلس يغرم التالف ويستبدل وكذا لو كان بعد التفرق إذا جوزنا الاستبدال * (الثاني) باع عبدابالف وأخذ بالالف ثوبا ثم وجد المشترى بالعبد عيبا ورده فعن القاضي أبي الطيب أنه يرجع بالثوب لان الثوب إنما ملكه بالثمن فإذا فسخ البيع سقط الثمن عن ذمة المشتري فيفسخ بيع الثوب به وقال الاكثرون يرجع بالالف لان الثوب مملوك بعقد آخر ولو مات العبد قبل القبض وانفسخ البيع قال ابن سريج يرجع بالالف دون الثوب لان الانفساخ بالتلف يقطع العقد(8/392)
ولا يرفعه من أصله وهو الاصح وفيه وجه آخر * (الثالث) باع عصيرا حلوا فوجد المشتري به عيبا بعد ما تخمر فلا سبيل إلى رد الخمر لكن يأخذ الارش فان تخلل فللبائع أن يسترده ولا يدفع الارش * ولو اشترى ذمي خمرا من ذمي ثم أسلما وعرف المشتري بالخمر عيبا استرد جزءا من الثمن على سبيل الارش ولا رد ولو أسلم البائع وحده فلا رد أيضا ولو أسلم المشتري وحده فله الرد قاله ابن سريج وعلله بأن المسلم لا يتملك الخمر والن يزيل يده عنه * (الرابع) مؤنة رد المبيع بعد الفسخ بالعيب على المشتري ولو هلك في يده ضمنه *(8/393)
(الخامس) لو اختلفا في الثمن بعد رد المبيع فعن أبي الحسين أن ابن أبي هريرة قال أعيتني هذه المسألة والاولى أن يتحالفا وتبقى السلعة في يد المشتري وله الارش على البايع قيل له إذا لم يتبين الثمن كيف يعرف الارش قال احكم بالارش من القدر المتفق عليه قال أبو الحسين وحكى أبو محمد الفارسى عن أبي اسحق أن القول قول البائع لانه الغارم كما لو اختلفا في الثمن بعد الاقالة وهذا هو الصحيح * ولو دفعت الحاجة إلى الرجوع بالارش فاختلفا في الثمن
فالقول قول البائع أو المشتري روى القاضي ابن كج فيه قولين والاصح الاول * (السادس) أوصي إلى رجل ببيع عبده أو ثوبه وشراء جارية بثمنه واعتاقها ففعل الوصي ذلك ثم وجد(8/394)
المشتري عيبا بالعبد فله رده على الوصي ومطالبته بالثمن كما يرد على الوكيل والوصي ببيع العبد المردود ويدفع الثمن إلى المشتري ولو فرض الرد بالعيب على الوكيل فهى للوكيل بيعه ثانيا فيه وجهان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة نعم كالوصي ليتم البيع على وجه لا يرد عليه (واصحهما) لا لانه امتثل المأمور وهذا ملك جديد فيحتاج فيه إلى اذن جديد ويخالف الايصاء فانه تولية وتفويض كلي * ولو وكله بأن يبيع بشرط الخيار للمشترى فامتثل ورد المشتري (فان قلنا) ملك البائع لم يزل فله بيعه ثانيا (وان قلنا) زال وعاد فهو كالرد بالعيب ثم إذا باعه الوصي ثانيا نظر ان باعه بمثل الثمن الاول فذاك وان باعه بأقل فالنقصان على الوصي أو في ذمة الموصي فيه وجهان (أصحهما) الاول وبه قال ابن(8/395)
الحداد لانه انما أمره بشراء الجارية بثمن العبد لا بالزيادة عليه وعلى هذا لو مات العبد في يده كما رد غرم جميع الثمن ولو باعه باكثر من الثمن الاول فان كان ذلك لزيادة قيمة أو رغبة راغب دفع قدر الثمن إلى المشتري والباقي للوارث وان لم يكن كذلك فقد بان أن البيع الاول باطل للغبن * ويقع عتق الجارية عن الوصي بأن اشترى الجارية في الذمة فان اشتراها بعين ثمن العبد لم ينفذ الشراء ولا الاعتاق وعليه شراء جارية أخرى بهذا الثمن واعتاقها عن الموصى هكذا أطلقه الاصحاب ولا بد فيه من تقييد وتأويل لان بيعه بالعين وتسليمه عن علم وبصيرة بالحال خيانة والامين ينعزل بالخيانة فلا يتمكن من شراء جارية أخرى والله أعلم *(8/396)
قال (النظر الثالث في حكم العقد قبل القبض وبعده ولابد من بيان حكم القبض وصورته ووجوبه (اما) الحكم فهو انتقال الضمان إلى المشتري والتسلط على التصرف إذ المبيع قبل القبض في ضمان البائع (م) ولو تلف انفسخ العقد واتلاف المشتري قبض منه واتلاف الاجنبي لا يوجب الانفساخ على
اصح القولين ولكن يثبت الخيار للمشتري واتلاف البائع كاتلاف الاجنبي على الاصح) * مقصود هذا النظر بيان حكم المبيع قبل القبض وبعده على ما فصلناه في أول البيع وتكلم حجة الاسلام رحمه الله فيه في ثلاثة أمور (أحدها) حكم القبض وثمرته (والثاني) أن القبض بم يحصل (والثالث) وجوبه والاجبار عليه (أما) الاول فللقبض حكمان (احدهما) انتقال الضمان إلى المشتري فان المبيع قبل القبض من(8/397)
ضمان البائع ومعناه أنه لو تلف انفسخ العقد وسقط الثمن * وعن مالك وأحمد فيما رواه ابن الصباغ أنه إذا لم يكن المبيع مكيلا ولا موزونا ولا معدودا فهو من ضمان المشتري ومنهم من أطلق رواية الخلاف عنهما * لنا انه قبض مستحق بالبيع فإذا تعذر انفسخ البيع كما لو تفرقا في عقد الصرف قبل التقابض * إذا تقرر ذلك فلو أبرأ المشتري البائع عن ضمان المبيع قبل القبض هل يبرأ حتى لو تلف لا ينفسخ العقد ولا يسقط الثمن نقل صاحب التهذيب فيه قولين (أصحهما) أنه لا يبرأ وحكم العقد لا يتغير ثم إذا انفسخ البيع كان المبيع هالكا على ملك البائع حتى لو كان عبدا كان مؤنة تجهيزه على البائع وكيف التقدير أنقول بانتقال الملك إليه قبل الهلاك أو يرتفع العقد من أصله فيه وجهان أخرجهما ابن سريج(8/398)
(أصحهما) وهو اختياره واختيار ابن الحداد أنه لا يرتفع من أصله كما في الرد بالعيب والزوائد الحادثة في يد البائع من الولد واللبن والبيض والكسب وغيرهما تخرج على هذين القولين وقد ذكرنا نظيرهما في الرد بالعيب قبل القبض وطردهما طاردون في الاقالة إذا جعلناها فسخا وخرجوا عليهما الزوائد (والاصح) فيها جميعا أنها للمشتري وتكون أمانة في يد البائع ولو هلكت والاصل باق فالبيع باق بحاله ولاخيار للمشتري وفي معنى الزوائد الركاز الذي يجده العبد وما وهب منه فقبله وقبضه وما اوصى له فقبله هذا حكم التالف بالافة السماوية (أما) إذا أتلف المبيع قبل القبض فله ثلاثة أقسام (الاول) أن يتلفه المشتري فهو قبض منه على المذهب لانه أتلف ملكه فاشبه مااذا أتلف المالك(8/399)
المغصوب في يد الغاصب يبرأ الغاصب من الضمان ويصير المالك مستردا بالاتلاف وحكى الشيخ
ابو علي وغيره وجها أن اتلافه ليس بقبض ولكن عليه القيمة للبائع ويسترد الثمن ويكون التلف من ضمان البائع هذا عند العلم (أما) إذا كان جاهلا بان قدم البائع الطعام المبيع إلى المشتري فاكله هل يجعل قابضا قال القاضي حسين رحمه الله فيه وجهان تفريعا على القولين فيما إذا قدم الغاصب الطعام المغصوب إلى المالك فاكله جاهلا هل يبرأ الغاصب ان لم نجعله قابضا فهو كما لو اتلف البائع (والثاني) أن يتلفه اجنبي ففيه طريقان (أظهرهما) أنه على قولين (احدهما) انه كالتلف بآفة سماوية لتعذر التسليم (واصحهما) وبه قال ابو حنيفة وأحمد انه ليس كذلك ولا ينفسخ البيع لقيام القيمة مقام(8/400)
المبيع لكن للمشتري الخيار ان شاء فسخ واسترد الثمن ويغرم البائع الاجنبي وان شاء اجاز وغرم الاجنبي (والثاني) القطع بالقول الثاني ويحكى هذا عن ابن سريج (وإذا قلنا) به فهل للبائع حبس القيمة لاخذ الثمن فيه وجهان (احدهما) نعم كما يحبس المرتهن قيمة المرهون (واظهرهما) لا لان الحبس غير مقصود بالعقد حتى ينتقل إلى البدل بخلاف الرهن ولهذا لو اتلف الراهن المرهون غرم القيمة والمشتري إذا اتلف المبيع لا يغرم القيمة ليحبسها البائع وعلى الاول لو تلفت القيمة في يده بآفة سماوية هل ينفسخ البيع لانها بدل المبيع فيه وجهان (أظهرهما) لا (والثالث) ان يتلفه البائع فطريقان (اظهرهما) انه على قولين (اصحهما) انفساخ البيع كما في الافة السماوية لان المبيع مضمون(8/401)
عليه بالثمن فإذا اتلفه سقط الثمن وبهذا قال ابو حنيفة (والثاني) المنع كاتلاف الاجنبي لانه جنى على ملك غيره فعلى هذا ان شاء المشترى فسخ البيع وسقط الثمن وان شاء اجاز وغرم القيمة البائع وادى الثمن وقد يقع ذلك في اقوال التقاص (والثاني) القطع بالقول الاول فان لم نحكم بالانفساخ عاد الخلاف في حبس القيمة * وعن الشيخ ابى محمد القطع بانه لا حبس ههنا لتعديه باتلاف العين * ولو باع شقصا من عبد واعتق باقيه قبل القبض وهو موسر عتق كله وانفسخ البيع وسقط الثمن ان جعلنا اتلاف البائع كالافة السماوية وان جعلناه كاتلاف الاجنبي فللمشترى الخيار ولو استعمل البائع المبيع قبل القبض فلا اجرة عليه ان جعلنا اتلافه كالافة السماوية والا فعليه الاجرة * واتلاف(8/402)
الاعجمي والصبى الذي لا يميز بأمر البائع أو المشترى كاتلافهما واتلاف المميز بامرهما كاتلاف الاجنبي وذكر القاضى الحسين رحمه الله ان أذن المشتري للاجنبي في الاتلاف يلغو وإذا أتلف فله الخيار وانه لو أذن البائع في الاكل والاحراق ففعل كان التلف من ضمان البائع بخلاف ما إذا أذن للغاصب ففعل يبرأ لان الملك ثم مستقر * ورأيت في فتاوى القفال أن اتلاف عبد البائع كاتلاف الاجنبي وكذا اتلاف عبد المشتري بغير اذنه فان أجاز جعل قابضا كما لو أتلفه بنفسه وان فسخ اتبع البائع الجاني وانه لو كان المبيع علفا فاعتلفه حمار المشترى بالنهار ينفسخ البيع وان اعتلفه بالليل لا ينفسخ وللمشتري الخيار فان أجاز فهو قابض والا طالبه البائع بقيمة ما أتلفه حماره وفى بهيمة البائع اطلق القول بأن اتلافها كالافة(8/403)
السماوية قيل له هلا فرقت أيضا بين الليل والنهار فقال هذا موضع التروي * ولو صال العبد المبيع على المشتري في يد البائع فقتله دفعا فعن الشيخ أبي على أنه لا يستقر الثمن عليه وعن القاضي أنه يستقر لانه أتلفه في غرض نفسه * ولو أخذ المشتري المبيع بغير اذن البائع فللبائع الاسترداد إذا ثبت له حق الفسخ وان أتلفه في يد المشتري ففيه قولان عن رواية صاحب التقريب (أحدهما) أن عليه القيمة ولا خيار للمشترى لاستقرار العقد بالقبض وان كان ظالما فيه (والثاني) أنه يجعل مستردا بالاتلاف كما أن المشتري قابض بالاتلاف وعلى هذا فينفسخ البيع أو يثبت الخيار للمشتري قال الامام رحمه الله الظاهر الثاني (واعلم) أن وقوع الدرة في البحر قبل القبض بمثابة التلف ينفسخ به البيع وكذا انفلات الطير والصيد المتوحش(8/404)
قاله في التتمة * ولو غرق البحر الارض المشترأة أو وقع عليها صخور عظيمة من جبل بجنبها أو لبسها رمل فهى بمثابة التلف أو أثرها ثبوت الخيار فيه وجهان الاشبه الثاني * ولو ابق العبد قبل القبض أو ضاع في انتهاب العسكر لم ينفسخ البيع لبقاء المالية ورجاء العود وفيه وجه أنه ينفسخ كما في التلف * ولو غصبه غاصب فليس إلا الخيار فان أجاز لم يلزمه تسليم الثمن وان سلمه فعن القفال انه ليس له الاسترداد لتمكنه من الفسخ وان أجاز ثم أراد الفسخ فله ذلك كما لو انقطع المسلم فيه فاجاز ثم أراد الفسخ لانه يتضرر كل ساعة
وحكى عن جواب القفال مثله فيما إذا أتلف الاجنبي المبيع قبل القبض واجاز المشترى ليتبع الجاني ثم أراد الفسخ وقال القاضي في هذه الصورة وجب أن لا يمكن من الرجوع لانه رضى بما في ذمة الاجنبي(8/405)
فاشبه الحوالة * ولو جحد البائع العين قبل القبض فللمشتري الفسخ لحصول التعذر (وأما) لفظ الكتاب فقوله أما الحكم فهو انتقال الضمان إلى المشتري والتسليط على التصرف ترجمة لحكمي القبض معا وشرح الحكم الثاني وتفصيله يبتدئ من قوله وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما قبل ذلك يتعلق بالحكم الاول (وقوله) في ضمان البائع معلم - بالميم والالف - وكذا قوله انفسخ العقد وقوله قبض منه - بالواو - وقوله على أصح القولين - بالواو - للطريقة الجازمة وقوله كاتلاف الاجنبي على الاصح جواب على طريقة اثبات القولين فيجوز اعلام الاصح - بالواو - واعلام قوله كاتلاف الاجنبي - بالحاء - لما سبق ثم قضية ما ذكروه أن يكون الاصح في اتلاف البائع ثبوت الخيار لا الانفساخ لان الامر(8/406)
كذلك في اتلاف الاجنبي لكن جمهور الاصحاب رحمهم الله على أن الانفساخ اصح فاعرف ذلك * (فرع) منقول عن فتاوى القاضي * باع عبدا من رجل ثم باعه من آخر وسلمه إليه وعجز عن انتزاعه وتسليمه إلى الاول فهذا جناية منه على المبيع فينزل منزلة الجناية الحسية حتى ينفسخ البيع في قول ويثبت للمشتري الخيار في الثاني بين أن يفسخ وبين أن يجيز ويأخذ القيمة من البائع ولو أنه طالب البائع بالتسليم وزعم قدرته عليه وقال البائع أنا عاجز حلف عليه فان نكل حلف المدعى على أنه قادر ثم حبس إلى أن يسلم أو يقيم بينته على عجزه ولو ادعى المشتري الاول على الثاني العلم بالحال فانكر حلفه فان نكل حلف هو وأخذه منه *(8/407)
قال (وان تعيب المبيع بآفة سماوية قبل القبض فللمشتري الخيار فان اجاز يجيز بكل الثمن ولا يطالب بالارش إلا أن يكون التعيب بجناية أجنبي فيطالبه بالارش وكذا ان كان بجناية البائع على الاصح) *
ذكرنا حكم التلف والاتلاف الكليين قبل القبض فاما إذا طرأ عيب أو نقصان نظر ان كان بآفة سماوية كما إذا عمى العبد أو شلت يده أو سقطت فللمشتري الخيار ان شاء فسخ والا أجاز بجميع الثمن ولا ارش له مع القدرة على الفسخ وان كان بجناية جان عادت الاقسام الثلاثة (أولها) أن يكون الجاني المشتري فإذا قطع يد العبد مثلا قبل القبض فلا خيار له لحصول النقص(8/408)
بفعله بل يمتنع بسببه الرد بسائر العيوب القديمة أيضا ويجعل قابضا لبعض المبيع حتى يستقر عليه ضمانه وإن مات العبد في يد البائع بعد الاندمال فلا يضمن اليد المقطوعة بارشها المقدر ولا بما نقص من القيمة بالقطع وانما يضمنها بجزء من الثمن كما يضمن الكل بالثمن وفي مقداره وجهان (أصحهما) وبه قال ابن سريج وابن الحداد أنه يقوم العبد صحيحا ثم يقوم مقطوعا ويعرف التفاوت بينهما فيستقر عليه من الثمن بمثل تلك النسبة (بيانه) إذا قوم صحيحا بثلاثين ومقطوعا بخمسة عشر فعليه نصف الثمن ولو قوم مقطوعا بعشرين فعليه ثلث الثمن (والثاني) ويحكى عن القاضي أبي الطيب أنه يستقر من الثمن بنسبة أرش اليد من القيمة وهو النصف وعلى هذا لو قطع يديه واندملتا ثم(8/409)
مات العبد في يد البائع وجب على المشتري تمام الثمن وهذا كله تفريع على المذهب الصحيح وهو أن اتلاف المشتري قبض منه وعلى الوجه المنسوب إلى رواية الشيخ أبي علي أنه لا يجعل قابضا لشئ من العبد وعليه ضمان اليد بارشها المقدر وهو نصف القيمة كالاجنبي وقياسه أن يكون له الخيار (وثانيها) إذا قطع أجنبي يده قبل القبض فللمشتري الخيار ان شاء فسخ وتبع البائع الجاني وان شاء أجاز البيع بجميع الثمن وغرم الجاني قال القاضي الماوردي وإنما يغرمه إذا قبض العبد اما قبله فلا لجواز موت العبد في يد البائع وانفساخ البيع ثم الغرامة الواجبة على الاجنبي نصف القيمة أو ما نقص من القيمة بالقطع فيه قولان جاريان في جراح العبد مطلقا والاصح الاول (وثالثها)(8/410)
إذا قطع البائع يد العبد قبل التسليم فان جعلنا جنايته كالافة السماوية فللمشتري الخيار ان شاء فسخ
واسترد الثمن وإن شاء أجاز بجميع الثمن وان جعلناها كجناية الاجنبي فله الخيار أيضا ان فسخ فذاك وان أجاز رجع بالارش على البائع وفي قدره القولان المذكوران في الاجنبي وصاحب الكتاب جعل القول الصائر إلى أن جناية البائع كجناية الاجنبي أصح لكن معظم الاصحاب على ترجيح القول المقابل له (وقوله) الا أن يكون التعيب بجناية أجنبي استثناء منقطع فانه لا يدخل فيما قبله حتى يحمل على حقيقة الاستثناء * (قال وتلف أحد العبدين يوجب الانفساخ في ذلك القدر (و) وسقوط قسطه من الثمن * والسقف(8/411)
من الدار كأحد العبدين لا كالوصف على الاظهر) * إذا اشترى عبدين وتلف أحدهما قبل القبض انفسخ البيع فيه وفي الثاني قولا تفريق الصفقة فان قلنا لا يفسخ وأجاز فبكم يجيزه قد ذكرناه في باب التفريق وفيه ما يقتضي اعلام قوله قسطه من الثمن - بالواو - وقد أورد المسألة في الكتاب وإنما أعادها ههنا ليتبين أن المسألة الثانية دائرة بين هذه المسألة وبين صور العيب فلذلك تردد الاصحاب فيها (وصورتها) أن يحترق سقف الدار المبيعة قبل القبض أو يتلف بعض أبنيتها وفيه وجهان (أحدهما) أنه كتعيب المبيع مثل عمى العبد وسقوط يده وما أشبههما (وأظهرهما) أنه كتلف أحد العبدين حتى ينفسخ البيع فيه وفي الباقي الخلاف لان السقف(8/412)
يمكن إفراده بالبيع بتقدير الانفصال بخلاف يد العبد (وقوله) لا كالوصف فيه اشارة إلى أن النقصان ينقسم إلى فوات صفة وهو العيب والى فوات جزء وذلك ينقسم إلى ما لا ينفرد بالقيمة المالية كيد العبد وهي في معنى الاتباع والاوصاف والى ما يفرد كاحد العبدين واحد الصاعين وذكر بعض المتأخرين أنه إذا احترق من الدار ما يفوت الغرض المطلوب منها ولم يبق الا طرف ينفسخ البيع في الكل ويجعل فوات البعض في مثل ذلك كفوات الكل * قال (وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض ولا يقاس على البيع العتق (و) والهبة (و) والرهن وكذلك لا يقاس عليه والاجارة التزويج على الاصح) *(8/413)
الحكم الثاني للقبض التسلط على التصرف فلا يجوز بيع المبيع قبل القبض عقارا كان أو منقولا لا باذن البائع ولا دونه لا قبل أداء الثمن ولا بعده خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال يجوز بيع العقار قبل القبض ولمالك رحمه الله حيث جوز بيع غير الطعام قبل القبض وكذا بيع الطعام إذا اشتراه جزافا ولاحمد رحمه الله حيث جوز بيع ما ليس بمكيل ولا موزون ولا معدود ولا مذروع قبل القبض ويروى عن مالك وأحمد رحمهما الله ما بينه وبين هذه الرواية بعض التفاوت * لنا ما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال - من ابتاع طعاما فلا ببيعه حتى يستوفيه) وقال ابن عباس رضى الله عنهما (أما الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الطعام ان يباع حتى يستوفي قال ولا أحسب كل شئ الا مثله) وروى انه صلى الله(8/414)
عليه وسلم (نهى عن بيع ما لم يقبض وربح ما لم يضمن) وروى أنه لما بعث عتابا إلى مكة قال (أنههم عن بيع ما لم يقبضوا وربح ما لم يضمنوا) وذكر الاصحاب من طريق المعنى سببين (أحدهما) أن الملك قبل القبض ضعيف لكون المبيع من ضمان البائع وانفساخ البيع لو تلف فلا يفيد ولاية التصرف (والثاني) أنه لا يتوالى ضمانا عقدين في شئ واحد ولو نفذنا البيع من المشتري لافضى(8/415)
الامر إليه لان المبيع مضمون على البائع للمشترى وإذا نفذ منه صار مضمونا عليه للمشترى الثاني فيكون الشئ الواحد مضمونا له وعليه في عقدين والاعتماد على الاخبار والا فللمعترض ان يقول تعنون بضعف الملك الانفساخ لو فرض تلف أو شيئا آخر ان عنيتم شيئا آخر فهو ممنوع وان عنيتم الاول فلم قلتم ان هذا القدر يمنع صحة البيع (وأما) الثاني فلا يعرف لكون المبيع من ضمانه معنى سوى انه لو تلف ينفسخ البيع ويسقط الثمن فلم لا يجوز أن يصح البيع ثم لو تلف في يد البائع ينفسخ البيعان ويسقط الثمنان ويتبين أنه هلك في يده * إذا تقرر ذلك فهل لاعتاق كالبيع فيه وجهان (أحدهما) ويحكى عن ابن خيران نعم لانه ازالة ملك كالبيع (وأصحهما) لا بل يصح الاعتاق ويصير(8/416)
قابضا به لقوة العتق وغلبته ولهذا يجوز اعتاق الابق دون بيعه هذا إذا لم يكن للبائع حق الحبس بان كان الثمن مؤجلا أو حالا وقد اداه المشترى فإذا ثبت حق الحبس فمنهم من ينزله منزلة اعتاق الراهن (والصحيح) أنه ينفذ كما في الحالة الاولى بخلاف اعتاق الراهن لان الراهن لان الراهن حجر على نفسه بالرهن والرهن انشئ ليحبسه المرتهن * ولو وقف المبيع قبل القبض ففي التتمة انه يبنى على أن الوقف هل يفتقر إلى القبول (إن قلنا) نعم فهو كالبيع (وان قلنا) بالثاني فهو كالاعتاق وبهذا أجاب صاحب الحاوى وقال انه يصير قابضا حتى لو لم يرفع البائع يده عنه يصير مضمونا بالقيمة وكذا قال في اباحة الطعام للفقراء والمساكين إذا كان قد اشتراه جزافا والكتابة كالبيع في أصح الوجهين(8/417)
إذ ليس لها قوة العتق وغلبته والاستيلاد كالعتق * وفي هبة المبيع قبل القبض ورهنه وجهان ويقال قولان (أحدهما) انهما صحيحان لان التسليم غير لازم فيهما بخلاف البيع وهذا ما أورده في الكتاب (وأصحهما) عند عامة الاصحاب المنع لضعف الملك فانه كما يمنع البيع يمنع الهبة الا ترى أنه لا يصح رهن المكاتب وهبته كما لا يصح بيعه وقطع بعضهم بمنع الرهن إذا كان محبوسا بالثمن وإذا صححناهما فنفس العقد ليس بقبض بل يقبضه المشتري من البائع ثم يسلمه من المتهب أو المرتهن ولو أذن للمتهب أو المرتهن حتى قبضه ففي التهذيب انه يكفي ذلك ويتم به البيع والهبة والرهن بعده وقال أقضى القضاة الماوردي لا يكفي ذلك للبيع وما بعده ولكن ينظر ان قصد قبضه للمشتري صح قبض(8/418)
البيع ولا بد من استنئناف قبض للهبة ولا يجوز أن يأذن له في قبضه من نفسه لنفسه وان قصد قبضه لنفسه لم يحصل القبض للبيع ولا للهبة فان قبضها يجب أن يتأخر عن تمام البيع والاقراض والتصدق كالهبة والرهن ففيهما الخلاف * وفي إجارة المبيع قبل قبضه وجهان (أحدهما) يصح لان مورد عقد الاجارة غير مورد عقد البيع فلا يتوالى ضمانا عقدين من جنس واحد (والثاني) لا يصح لضعف الملك ولان التسليم مستحق فيها كما في البيع (والاصح) عند المعظم الثاني وعند صاحب الكتاب الاول * وفي تزويج المشتري الجارية قبل القبض مثل هذين الوجهين لكن الاصح في التزويج الصحة بالاتفاق
ومنهم من أشار إلى وجه ثالث فارق بين أن يكون للبائع حق الحبس فلا يصح التزويج لانه منقص(8/419)
وبين أن لا يكون فيصح وطرد مثله في الاجارة إذا كانت منقصة وإذا صححنا التزويج فوطئ الزوج لا يكون قبضا وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه قبض وكما لا يجوز بيع المبيع قبل القبض لا يجوز جعله اجرة في اجارة وعوضا في صلح وكذا لا يجوز السلم والاشراك والتولية وعن مالك أنه يجوز الاشراك والتولية وحكاه الشيخ ابو علي عن بعض الاصحاب * وجميع ما ذكرناه فيما إذا تصرف مع غير البائع (أما) إذا باع من البائع فوجهان (أحدهما) الجواز كبيع المغصوب من الغاصب (وأصحهما) المنع كالبيع من غيره والوجهان فيما إذا باع بغير جنس الثمن أو بزيادة أو نقصان أو تفاوت صفة والا فهو إقالة بصيغة البيع قاله في التتمة * ولو وهب منه أو رهن فطريقان (أحدهما) القطع بالمنع لانه لا يجوز أن(8/420)
يكون نائبا من المشتري في القبض (وأصحهما) فيما نقل صاحب التهذيب أنه على القولين فان جوزنا فإذا أذن له في القبض عن الهبة أو الرهن ففعل اجزأ ولا يزول ضمان البيع في صورة الرهن بل إذا تلف ينفسخ العقد ولو رهنه من البائع بالثمن فقد مر حكمه * (فرع) لابن سريج * باع عبدا بثوب وقبض الثوب ولم يسلم العبد له بيع الثوب وليس للاخر بيع العبد فلو باع الثوب وهلك العبد في يده بطل العقد فيه ولا يبطل في الثوب ويغرم قيمته لبائعه ولا فرق بين أن يكون هلاك العبد بعد تسليم الثوب أو قبله لخروجه عن ملكه بالبيع ولو تلف العبد والثوب في يده غرم لبائع الثوب القيمة ورد على مشتريه الثمن *(8/421)
قال (وبيع الميراث والوصية والملك العائد بالفسخ قبل القبض والاسترداد جائز وانما المانع يد تقتضي ضمان العقد ولذلك لا يجوز بيع الصداق قبل القبض إذا قلنا إنه مضمون على الزوج ضمان العقد وكذلك في بدل الخلع والصلح عن دم العمد) * المال المستحق للانسان عند غيره قسمان عين في يد غيره ودين في ذمته (أما) الثاني فيأتي في
الفصل التالي لهذا الفصل (وأما) القسم الاول فماله في يد الغير إما أن يكون أمانة أو مضمونا (الضرب الاول) الامانات فيجوز للمالك بيعها لتمام الملك عليها وحصول القدرة على التسليم وهي كالوديعة في يد المودع ومال الشركة والقرا ض في يد الشريك والعامل والمال في يد الوكيل بالبيع ونحوه(8/422)
وفي يد المرتهن بعد انفكاك الرهن وفي يد المستاجر بعد انقضاء المدة والمال في يد القيم بعد بلوغ الصبي رشيدا وما اختطبه العبد واكتسبه وقبله بالوصية قبل أن يأخذه السيد * ولو ورث مالا فله بيعه قبل قبضه الا إذا كان المورث لا يملك بيعه أيضا مثل ما اشتراه ولم يقبضه * ولو اشترى من مورثه شيئا ومات المورث قبل التسليم فله بيعه سواء كان على المورث دين أو لم يكن وحق الغريم يتعلق بالثمن فان كان له وارث آخر لم ينفذ بيعه في قدر نصيب الاخر حتى يقبضه * ولو أوصى له بمال فقبل الوصية بعد موت الموصي فله بيعه قبل أخذه ولو باعه بعد الموت وقبل القبول جاز (ان قلنا) الوصية تملك بالموت (وان قلنا) تملك بالقبول أو هو موقوف فلا (الضرب الثاني) المضمونات وهي(8/423)
ضربان مضمون بالقيمة ومضمون بعوض في عقد معاوضة (الضرب الاول) المضمون بالقيمة وهذا الضمان يسمى ضمان اليد فيصح بيعه قبل القبض أيضا لتمام الملك فيه فانه لو تلف تلف على ملكه ويدخل فيه ما صار مضمونا بالقيمة بعقد مفسوخ وغيره حتى لو باع عبدا فوجد المشتري به عيبا وفسخ البيع كان للبائع بيع العبد وإن لم يسترده قال في التتمة الا إذا لم يرد الثمن فان للمشتري حبسه إلى استرجاع الثمن * ولو فسخ السلم لانقطاع المسلم فيه فللمسلم بيع راس المال قبل استرداده وكذا للبائع بيع المبيع إذا فسخ بافلاس المشتري ولم يسترده بعد * ويجوز بيع المال في يد المستعير والمستام وفي يد المشتري والمنهب في الشراء والهبة الفاسدين وكذا(8/424)
بيع المغصوب من الغاصب (الضرب الثاني) المضمون بعوض في عقد معاوضة فلا يصح بيعه قبل القبض لتوهم الانفساخ بتلفه وذلك كالمبيع والاجرة والعوض المصالح عليه عن المال * وفي بيع المراة
الصداق قبل القبض قولان مبنيان على أن الصداق مضمون في يد الزوج ضمان اليد أو ضمان العقد وموضع بيانهما كتاب الصداق (والاصح) أنه مضمون ضمان العقد والقولان جاريان في بيع الزوج بدل الخلع قبل القبض وبيع العافي عن القود المال المعقود عليه قبل القبض لمثل هذا المأخذ والله أعلم * ووراء ما ذكرنا صورة اخرى إذا تأملتها لم يخف عليك أن كل واحدة منها من أي ضرب هي (فمنها) حكى صاحب التلخيص عن نص الشافعي رضى الله عنه أن الارزاق التي يخرجها السلطان(8/425)
للناس يجوز بيعها قبل القبض (فمن) الاصحاب من قال هذا إذا افرزه السلطان فتكون يد السلطان في الحفظ يد المفرز له ويكفي ذلك لصحة البيع (ومنهم) من لم يكتف بذلك وحمل النص على ما إذا وكل وكيلا بقبضه فقبضه الوكيل ثم باعه الموكل والا فهو بيع شئ غير مملوك وهذا ما أورده القفال في الشرح (ومنها) بيع أحد الغانمين نصيبه على الاشاعة قبل القبض صحيح إذا كان معلوما كما إذا كانوا خمسة فالخمس لاهل الخمس والباقي على خمسة أسهم فيكون نصيب الواحد أربعة من خمسة وعشرين وهذا إذا حكمنا بثبوت الملك في الغنيمة وفيما تملك به الغنيمة خلاف يذكر في موضعه (ومنها) إذا رجع فيما وهب لولده له بيعه قبل استرداده وقال القاضي ابن كج ليس(8/426)
له ذلك (ومنها) الشفيع إذا تملك الشقص قال في التهذيب له بيعه قبل القبض وقال في التتمة ليس له ذلك لان الاخذ بالشفعة معاوضة وللموقوف عليه أن يبيع الثمرة الخارجة من الشجرة الموقوفة قبل أن يأخذها (ومنها) إذا استأجر صباغا ليصبغ له ثوبا وسلمه إليه فليس للمالك بيعه ما لم يصبغه لان له أن يحبسه إلى أن يعمل ما يستحق به العوض وإذا صبغه فله بيعه قبل الاسترداد إن وفي الاجرة والا فلا لانه يستحق حبسه إلى استيفاء الاجرة ولو استأجر قصار القصارة ثوب وسلمه إليه فلا يجوز بيعه ما لم يقصره وإذا قصره فيبني على ان القصارة عين فتكون كمسالة الصبغ أو أثر فله البيع إذ ليس للقصار الحبس وعلى هذا قياس صوغ الذهب ورياضة الدابة ونسج الغزل (ومنها) إذا قاسم شريكه فبيع
__________
مسالة بيع ما وهبه لولده قبل استرداده ليست في النسخة التى بايدينا ولكنها موجودة بنسخة أخرى نقلناها برمتها اه مصححه(8/427)
ما صار له قبل القبض من الشريك يبني على أن القسمة بيع أو افراز (ومنها) إذا اثبت صيدا بالرمي أو وقع في شبكته فله بيعه وان لم يأخذه ذكره صاحب التلخيص في هذا الموضع قال القفال وليس هو مما نحن فيه فانه إذا أثبته كان في قبضته حكما * (فرع) تصرف المشتري في زوائد المبيع قبل القبض مثل الولد والثمرة بيي على أنه تعود إلى البائع لو عرض انفساخ أولا تعود إن عادت لم يتصرف فيها كما في الاصل والا تصرف * ولو كانت الجارية حاملا عند البيع وولدت قبل القض ان قلنا الحمل يقابله قسط من الثمن لم يتصرف فيه والا فهو كالولد الحادث بعد البيع *(8/428)
قال (والمبيع سواء كان منقولا أو عقارا) (ح) فيمتنع (م) بيعه قبل القبض وان كان دينا كالمسلم فيه فكمثل (م) وكل دين ثبت لا بطريق المعاوضة بل بقرض أو باتلاف فيجوز الاستبدال عنه ولكن بشرط قبض البدل في المجلس على الاصح ولا يجوز بيع الدين من غير من عليه الدين على الاصح والاظهر منع الحوالة بالمسلم فيه وعليه لان في الحوالة معنى الاعتياض ويجوز (و) أن يستبدل عن النقد بالنقد وان كان ثمنا (و) للحديث هذا إذا لم يكن معينا فان عين تعين (ح) وامتنع (ح) الاستبدال عنه وانفسخ العقد بتلفه (ح) * قوله والمبيع سواء كان منقولا أو عقارا فيمتنع بيعه قبل القبض كانه قصد به التعرض لمذهب أبي حنيفة رحمه(8/429)
الله في العقار والتدرج به إلى ذكر ما إذا كان المبيع دينا والا فقد سبق ما يعرف منه امتناع بيع المبيع قبل القبض وشرح الفصل يحوج إلى تقديم وتأخير في مسائله فلا نبال بذلك (واعلم) ان من مسائل القسم الاول وهو أن يكون المستحق عينا في يد الغير ما إذا باع متاعا بدراهم أو دنانير معينة فليس للبائع التصرف فيهما قبل القبض وذلك لان الدراهم والدنانير متعينان بالتعيين كالمبيع فلا يجوز للمشتري ابدالها بمثلها ولو تلفت
قبل القبض انفسخ البيع ولو وجد البائع بها عيبا لم يستبدلها بل يرضى بها أو يفسخ العقد وبهذا قال أحمد وقال أبو حنيفة لاتتعين ويجوز ابدالها بمثلها وإذا تلفت قبل القبض لا ينفسخ العقد وإذا وجد بها عيبا فله الاستبدال * لنا القياس على طرف البيع وايضا فان الدراهم والدنانير تعينان في الغصب والوديعة(8/430)
فكذلك ها هنا.
ولو أبدلها بمثلها أو * بغير جنسها برضى البائع فهو كبيع المبيع من البائع (القسم الثاني) الدين في ذمة الغير وهو على ثلاثة اضرب لانه إما ان يكون مثمنا أو ثمنا أو لامثمنا ولاثمنا وقبل الشروع في هذه الاضرب نذكر اصلا وهو ان الثمن ماذا والمثمن ماذا وجملة ما قيل فيه ثلاثة أوجه (أحدها) أن الثمن ما الصق به الباء لان هذه الباء تسمى باء التثمين ويحكى هذا عن القفال (والثاني) ان الثمن هو النقد لان أهل العرف لا يطلقون اسم الثمن على غيره والمثمن ما يقابل ذلك على اختلاف الوجهين (والثالث) وهو الاصح ان الثمن هو النقد والمثمن ما يقابله فان لم يكن في العقد نقد أو كان العوضان نقدين فالثمن ما الصق به الباء والمثمن ما يقابله * ولو باع احد النقدين بالاخر فعلى الوجه الثاني لا مثمن فيه ولو باع(8/431)
عرضا بعرض فعلى الوجه الثاني لا ثمن فيه وانما هو مقابضة ولو قال بعتك هذه الدراهم بهذا العبد فعلى الوجه الاول العبد ثمن والمثمن الدراهم وعلى الثاني والثالث في صحة العقد وجهان كالسلم في الدراهم والدنانير لانه جعل الثمن مثمنا فان صححنا فالعبد مثمن * ولو قال بعتك هذا الثوب بعبد ووصفه صح العقد فان قلنا الثمن ما الصق به الباء فالعبد ثمن ولا يجب تسليم الثوب في المجلس وان لم نقل بذلك ففي وجوب تسليم الثوب وجهان في وجه لا يجب إذ لم يجر بينهما لفظ السلم وفي وجه يجب اعتبارا بالمعنى * إذا عرفت هذه المقدمة (فالضرب الاول) المثمن وهو المسلم فيه فلا يجوز الاستبدال عنه ولابيعه من غيره روى عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال(8/432)
" من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره " وأيضا فان المبيع مع تعينه لا يجوز بيعه قبل القبض فالمسلم فيه مع كونه مرسلا في الذمة أولى وهل للحوالة مدخل في المسلم فيه (إما) به بأن يحيل المسلم إليه المسلم
بحقه على من له عليه دين قرض أو اتلاف (وإما) عليه بان يحيل المسلم من له عليه دين قرض أو اتلاف على المسلم إليه فيه ثلاثة أوجه (أصحها) لا لما فيه من تبديل المسلم فيه بغيره (والثاني) نعم تخريجا على أن الحوالة استيفاء وايفاء لا اعتياض (والثالث) لا تجوز الحوالة عليه لانها بيع سلم بدين وتجوز الحوالة به على القرض ونحوه لان الواجب على المسلم إليه توفير الحق على المسلم وقد فعل هكذا حكى(8/433)
الوجه الثالث امام الحرمين وهو حاصل ما رواه القاضي ابن كج عن أبى علي الطبري وأبي الحسين بعد رواية الوجه الثاني عن ابن الوكيل وعكس صاحب الكتاب رحمه الله الوجه الثالث في الوسيط وقال تجوز الحوالة عليه ولا تجوز به ولا اخاله ثابتا * (الضرب الثاني) الثمن فإذا باع بدراهم أو دنانير في الذمة ففي الاستبدال عنها قولان (القديم) أنه لا يجوز لمطلق النهي عن بيع ما لم يقبض وايضا فانه عوض في معاوضة فاشبه المسلم فيه (والجديد) الجواز لما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما قال " كنت أبيع الابل بالبقيع بالدنانير وآخذ مكانها الورق وأبيع بالورق وآخذ مكانها الدنانير فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فقال لا بأس به بالقيمة(8/434)
ويروى أنه قال لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شئ " وعن القاضي أبى حامد وأبى الحسين رحمهما الله القطع بالقول الثاني * وإذا باع شيئا بغير الدراهم والدنانير في الذمة فجواز الاستبدال عنه يبنى على أن الثمن ما ألصق به باء التثمين أو غيره (إن قلنا) انه هو فيجوز الاستبدال عنه كالنقدين وادعى في التهذيب أنه المذهب (وان لم نقل) بذلك فلا يجوز لان ما ثبت في الذمة مثمنا لا يجوز أن يستبدل عنه والاجرة كالثمن(8/435)
والصداق وبدل الخلع كذلك ان قلنا إنهما مضمونان ضمان عقد والا فهما كبدل الاتلاف (التفريع) ان منعنا الاستبدال عن الدراهم فذاك في استبدال العروض عنها فاما استبدال نوع عنها عن نوع أو استبدال الدنانير عن الدراهم ففيه وجهان عن صاحب التقريب لاستوائهما في مقصود الرواج وان جوزنا الاستبدال عنها وهو الصحيح فلا فرق بين بدل وبدل ثم ينظر ان استبدل عنها ما يوافقها في علة
الربا كما إذا استبدل عن الدراهم الدنانير فيشترط قبض البدل في المجلس وكذا إذا استبدل عن الحنطة المبيع بها شعيرا ان جوزنا ذلك ففي اشتراط تعين البدل عند العقد وجهان (أحدهما) يشترط والا فهو بيع دين بدين (وأصحهما) أنه لا يشترط كما لو تصارفا في الذمة ثم عينا وتقابضا في المجلس * وان استبدل عنها(8/436)
ما لا يوافقها في علة الربا كما إذا استبدل عن الدراهم طعاما أو ثيابا نظر ان عين البدل جاز وهل يشترط قبضه في المجلس فيه وجهان (أحدهما) نعم وهو اختيار الشيخ أبي حامد ويحكى عن أبي اسحق لان أحد العوضين دين فيشترط قبض الثاني كرأس مال السلم (وأصحهما) عند الامام وصاحب التهذيب أنه لا يشترط كما لو باع ثوبا بدرهم في الذمة لا يشترط قبض الثوب في المجلس ويحكي هذا عن ابن سريج * وان لم يعين البدل ولكن كان موصوفا في الذمة فعلى ما سبق من الوجهين (ان جوزنا) فلا بد من التعيين في المجلس وفي اشتراط القبض الوجهان * (الضرب الثالث) ما ليس بثمن ولا مثمن كدين القرض والاتلاف فيجوز الاستبدال عنه بلا(8/437)
خلاف كما لو كان في يده عين مال بغصب أو عارية يجوز بيعه منه ويفارق المسلم فيه فانه غير مستقر لجواز أن يطرأ ما يقتضي انفساخ السلم وهذا مستقر * ثم الكلام في اعتبار التعيين والقبض على ما سبق * وفي الشامل ان القرض إنما يستبدل عنه إذا استهلكه اما إذا بقى في يده فلا لانا إن قلنا ان القرض يملك بالقبض فبدله غير مستقر في الذمة لان للمقرض ان يرجع في عينه وان قلنا يملك بالتصرف فالمستقرض متسلط عليه وذلك يوجب ضعف ملك المقرض فلا يجوز الاعتياض عنه والله أعلم * ولا يجوز استبدال المؤجل عن الحال ويجوز العكس وكان من عليه المؤجل قد عجله (واعلم) أن الاستبدال بيع ممن عليه الدين وقد تبين حكمه فاما بيعه من غير من عليه كما إذا كان علي إنسان(8/438)
مائة فاشترى من آخر عبدا بتلك المائة فقولان (أحدهما) أنه يجوز كبيعه ممن عليه (وأصحهما) المنع لعدم القدرة على التسليم وعلى الاول يشترط أن يقبض مشترى الدين الدين ممن عليه وان يقبض
بائع الدين العوض في المجلس حتى لو تفرقا قبل قبض أحدهما بطل العقد * ولو كان له دين على إنسان ولاخر مثله على ذلك الانسان فباع أحدهما ماله عليه بما لصاحبه وقبل الاخر لم يصح إن اتفق الجنس أو اختلف (لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ) (وقوله) في(8/439)
الكتاب وكل دين ثبت لا بطريق المعاوضة بل بقرض أو اتلاف لا شبهة أن دين الاتلاف ثبت لا بطريق المعاوضة (وأما) دين القرض فسيأتي في فصل القرض أنه ليس على سبيل المعاوضات أيضا (وقوله) ولكن يشترط قبض البدل في المجلس على الاصح أي من الوجهين وترجيح وجه الاشتراط خلاف ما ذكرنا عن اختيار الامام وصاحب التهذيب لكنه متأيد بظاهر نصه في(8/440)
المختصر وبه قال جماعة من الاصحاب (وقوله) ويجوز أن يستبدل عن النقد النقد وإن كان ثمنا أي إستبدال أحد النقدين عن الاخر لا يختص بدين القرض والاتلاف بل يجرى في الثمن أيضا وليعلم قوله وإن كان ثمنا - بالواو - للقول الاخر وأراد بالحديث ما رويناه عن ابن عمر رضى الله عنهما * قال (اما صورة القبض فيحكم فيه بالعادة ففي العقار يكفي فيه التخلية وفى المنقول يكفى فيه النقل ولا يكفى التخلية (م ح) وقد قيل يحصل انتقال الضمان بالتخلية وما يشترى مكايلة فتمام القبض فيه بالنقل والكيل فإذا اشترى مكايلة فلا بد لكل بيع (و) من كيل جديد ليتم القبض للحديث) *(8/441)
قد تم بيان الامر الاول وهو حكم القبض وثمرته وهذا أول الشروع في الامر الثاني وهو أن القبض بم يحصل والقول الجملى فيه أن الرجوع فيما يكون قبضا إلى العادة ويختلف بحسب اختلاف المال وتفصيله أن المال إما أن يباع من غير اعتبار وتقدير فيه أو يباع معتبرا فيه تقدير (الحالة الاولى) أن لا يعتبر فيه تقدير اما لعدم إمكانه أو مع الامكان فينظر إن كان المبيع مما لا ينقل كالدور والاراضي فقبضه بالتخلية بينه وبين المشترى وتمكينه من اليد
والتصرف بتسليم المفتاح إليه ولا يعتبر دخوله وتصرفه فيه ويشترط كونه فارغا عن أمتعة البائع فلو باع دارا فيها أمتعة للبائع توقف التسليم على تفريغها وكذا لو باع سفينة مشحونة بامتعة لكون البائع(8/442)
مستعملا للمبيع منتفعا به * ولو جمع البائع متاعه في بيت من الدار وخلى بين المشترى وبين الدار حصل القبض فيما عدا ذلك البيت * وفى اشتراط حضور المتبايعين عند المبيع ثلاثة أوجه منقولة في التهذيب (أحدهما) يشترط فان حضرا عنده وقال للمشترى دونك هذا ولا مانع حصل القبض وإلا فلا (والثانى) أنه يشترط حضور المشترى عنده دون البائع ليأتي اثبات اليد عليه (والثالث) وهو الاظهر أنه لا يشترط حضور واحد منهما لان ذلك قد يشق فإذا خلى بينه وبين المبيع فقد أتى بما عليه فليتصرف وعلى هذا فهل يشترط أن يمضى زمان إمكان المضي إليه فيه وجهان (الاصح) الاشتراط وفى معنى العقار الشجر الثابت والثمر المبيعة على الشجرة قبل أوان الجذاذ * وان كان المبيع من جملة(8/443)
المنقولات فالمذهب المشهور وبه قال أحمد أنه لا يكفي فيه التخلية بل لا بد من النقل والتحويل * وقال مالك وأبو حنيفة أنه يكفى التخلية كما في العقار وعن رواية حرملة قول مثله وفيه وجه آخر أن التخلية كافية لنقل الضمان إلى المشترى غير كافية للتسلط على التصرف لان البائع أتى بما عليه والمقصر المشترى حيث لم ينقل فليثبت ما هو حق البائع * وجه ظاهر المذهب ما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال " كنا نشترى الطعام من الركبان جزافا فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه " وأيضا فان العادة في قبض المنقول النقل فعلى هذا يأمر العبد بالانتقال من موضعه(8/444)
ويسوق الدابة أو يقودها * وإذا كان المبيع في موضع لا يختص بالبائع كموات ومسجد وشارع أو في موضع يختص بالمشترى فالنقل من حيز إلى حيز كاف * وان كان في دار البائع أو في بقعة مخصوصة به فالنقل من زاوية إلى زاوية أو من بيت من الدار إلى بيت آخر بدون إذن البائع لا يكفى لجواز التصرف ولكن يكفى لدخوله في ضمانه وإن نقل باذنه حصل القبض وكأنه استعار ما نقل إليه المال * ولو اشترى الدار مع أمتعة فيها صفقة واحدة فخلى البائع بينه وبينها حصل القبض في الدار وفى الامتعة
وجهان (أصحهما أنه لا بد فيها من النقل كما لو بيعت وحدها (والثانى) أن القبض يحصل فيها أيضا تبعا وبهذا اجاب الماوردى وزاد فقال لو اشترى صبرة ولم ينقلها حتى اشترى الارض التى(8/445)
عليها الصبرة وخلى البائع بينه وبينها حصل القبض في الصبرة * ولو لم يتفقا على القبض ولكن جاء البائع بالمبيع وامتنع المشتري من قبضه أجبره الحاكم عليه فان أصر امر الحاكم من يقبضه عنه كما لو كان غائبا * ولو جاء البائع بالمبيع فقال المشتري ضعه فوضعه بين يديه حصل القبض وان وضعه بين يديه ولم يقل المشتري شيئا أو قال لا اريده فوجهان (أحدهما) انه لا يحصل القبض كما لا يحصل به الايداع (وأصحهما) يحصل لوجوب التسليم كما لو وضع الغاصب المغصوب بين يدي المالك يبرأ عن الضمان فعلى هذا للمشتري التصرف فيه ولو تلف فهو من ضمانه لكن لو خرج مستحقا ولم يجر الا وضعه بين يديه فليس للمستحق مطالبة المشتري بالضمان لان هذا القدر لا يكفي لضمان الغصب * ولو وضع(8/446)
المديون الدين بين يدي مستحق الدين ففي حصول التسليم خلاف مرتب على البيع وهذه الصورة أولى بعدم الحصول لعدم تعين الملك * وهل للمشتري الاستقلال بنقل المبيع ان كان قد وفى الثمن أو كان الثمن موجلا فنعم كما أن للمرأة قبض الصداق بدون اذن الزوج إذا سلمت نفسها والا فلا وعليه الرد لان البائع مستحق الحبس لاستيفاء الثمن ولا ينفذ تصرفه فيه لكن يدخل في ضمانه * (فرع) دفع ظرفا إلى البائع وقال اجعل المبيع فيه ففعل لا يحصل التسليم إذا لم يوجد من المشتري ما هو قبض والظرف غير مضمون عليه لانه استعمله في ملك المشتري باذنه وفي مثله في السلم يكون الظرف مضمونا على المسلم إليه لانه استعمله في ملك نفسه * ولو قال للبائع أعرني ظرفك واجعل(8/447)
المبيع فيه ففعل لا يصير المشتري قابضا ايضا (الحالة الثانية) أن يباع الشئ مع اعتبار تقدير فيه كما إذا اشترى ثوبا أو ارضا مذارعة أو متاعا موازنة أو صبرة حنطة مكايلة أو معدودا بالعدد فلا يكفي للقبض ما مر في الحالة الاولى بل لا بد مع ذلك من
الذرع أو الوزن أو الكيل أو العد وكذا لو اسلم في آصع أو امناء من طعام لا بد في قبضه من الكيل أو الوزن فلو قبض جزافا ما اشتراه مكايلة دخل المقبوض في ضمانه واما تصرفه فيه بالبيع ونحوه فان باع الكل لم يصح لانه قد يزيد على القدر المستحق * وإن باع ما يستيقن انه له فوجهان (عن أبي اسحق) انه يصح (وقال) ابن أبي هريرة وساعده الجمهور لا يصح لعدم القبض(8/448)
المستحق بالعقد * وقبض ما اشتراه كيلا بالوزن ووزنا بالكيل كقبضه جزافا * ولو قال الدافع خذه فانه كذا فاخذه مصدقا له فالقبض فاسد ايضا حتى يجرى اكتيال صحيح فان زاد رد الزيادة وان نقص أخذ الباقي * ولو تلف المقبوض فزعم الدافع أنه كان قدر حقه أو أكثر وزعم المدفوع إليه انه كان دون حقه أو قدره فالقول قوله قال الشيخ أبو حامد وغيره ومعنى التصديق المذكور في صورة المسألة أن يحمل خبره على الصدق ويأخذه بناء عليه فاما إذا أقر بجريان الكيل لم يسمع منه خلافه وفسر إمام الحرمين البيع مكايلة بأن يقول بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم وهو من صورها (ومنها) أن يقول بعتكها على أنها عشرة آصع (ومنها) أن يقول بعتك(8/449)
عشرة آصع منها وهما يعلمان صيعانها أو لا يعلمان إذا جوزنا ذلك * وإذا اعتبر في المبيع كيل أو وزن فليس على البائع الرضا بكيل المشتري وعلى المشتري الرضا بكيل البائع بل يتفقان على كيال فان لم يتراضيا نصب الحاكم أمينا يتولاه ذكره في الحاوي * ولو كان لزيد طعام على رجل سلما ولاخر مثله على زيد فاراد زيد أن يوفى ما عليه مما له على الآخر فقال اذهب إلى فلان واقبض لنفسك مالى عليه فقبضه فهو فاسد وكذا لو قال احضر معي لا قبضه واكتاله لك وفعل لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ومسندا أنه " نهى عن بيع الطعام حتى يجرى فيه الصاعان يعني صاع البائع وصاع المشتري " وعلى هذا الخبر بناء مسائل الباب * وإذا فسد القبض فالمقبوض مضمون على الاخذ وهو تبرأ ذمة الدافع عن(8/450)
حق زيد فيه وجهان (اصحهما) نعم وهما مبنيان على القولين فيما إذا باع نجوم الكتابة وقبضها المشتري
هل يعتق المكاتب (فان قلنا) لا يبرأ فعلى القابض رد المقبوض إلى الدافع * ولو قال زيد اذهب إليه واقبضه لي ثم اقبضه مني لنفسك بذلك الكيل أو قال احضر معي لاقبضه لنفسي ثم تأخذه أنت بذلك الكيل ففعل فقبضه لزيد في الصورة الاولى وقبض زيد لنفسه في الصورة الثانية صحيح وتبرأ ذمة الدافع عن حقه والقبض الاخر فاسد والمقبوض مضمون عليه وفي قبضه لنفسه في الصورة الاولى وجه آخر أنه صحيح وسنذكره في(8/451)
نظائره ويؤيده أنه لو كان المبيع في يد المشتري عند البيع صح قبضه لنفسه على تفصيل سيأتي في الرهن فان حجة الاسلام ذكر طرفا منه هناك * ولو اكتال زيد وقبضه لنفسه ثم كاله على مشتريه واقبضه فقد جرى الصاعان وصح القبضان ثم ان كان وقع في الكيل الثاني زيادة أو نقصان ينظر ان كان قدر ما يتفق بين الكيلين فالزيادة لزيد والنقصان عليه ولا رجوع له وان كان كثيرا تبين ان في الكيل الاول غلطا أو تغليطا فيرد زيد الزيادة ويرجع بالنقصان * ولو ان زيد لما اكتاله لنفسه لم يخرجه من المكيال وسلمه كذلك إلى مشتريه فوجهان (أحدهما) انه لا يصح القبض الثاني حتى يخرجه ويبتدئ كيلا (وأظهرهما) عند الاكثرين ان استدامته في المكيال كابتداء الكيل وهذه الصورة كما تجري في ديني السلم تجري ايضا فيما إذا(8/452)
كان أحدهما مستحقا بالسلم والآخر بقرض أو اتلا ف * ونختم شرح الفصل بكلامين في شرح لفظ الكتاب (أحدهما) قوله فتمام القبض فيه بالنقل والكيل لفظ التمام انما كان يحسن ان لو اقتصر على ذكر الكيل ليكون ذلك اشارة إلى النقل الكافي فما سبق غير كاف ها هنا بل لا بد من تتمة له وهو الكيل اما إذا وقع التعرض للامرين جميعا فلفظ التمام مستغني عنه (والثاني) قوله فلو اشترى مكايلة وباع مكايلة يمكن تنزيله على صورة لسلم ويمكن ان يكون شراء المعين وبيعه مرادا ولكن البيع حينئذ يقع بعد ما اكتاله لنفسه والا فهو باطل لكونه قبل القبض وظاهر قوله فلا بد من كيل جديد يوافق الوجه الذاهب إلى ان استدامته في المكيال غير كافية (وقوله) ولا تكفى التخلية يجوز اعلامه - بالحاء والميم(8/453)
والواو - لما رواه حرملة (وقوله) يحصل انتقال الضمان بالتخلية بالالف *
(فرع) مؤنة الكيل الذي يفتقر إليه القبض على البائع كمؤنة احضار المبيع الغائب ومؤنة وزن الثمن على المشتري لتوقف التسليم عليه ومؤنة نقد الثمن على البائع أو على المشتري حكى صاحب الحاوي فيه وجهين * قال (وليس لاحد (و) ان يقبض لنفسه من نفسه فيتولى الطرفين الا الوالد يقبض لولده من نفسه ولنفسه من ولده كما يفعل ذلك في طرفي البيع) * للمشتري ان يوكل بالقبض كما له ان يوكل بالعقد وكذا للبائع ان يوكل بالاقباض(8/454)
ويعتبر في ذلك امران (أحدهما) ان لا يوكل المشتري من يده البائع كعبده ومستولدته ولا باس بتوكيل ابنه وأبيه ومكاتبه وفي توكيل عبده المأذون في التجارة وجهان (اصحهما) انه لا يجوز * ولو قال للبائع وكل من يقبض لى منك ففعل جاز ويكون وكيل المشتري وكذا لو وكل البائع بان يامر من يشتري منه للموكل (والثاني) الا يكون القابض والمقبض واحدا فلا يجوز ان يوكل البائع رجلا بالاقباض ويوكله المشتري بالقبض كما لا يجوز ان يوكله هذا بالبيع وذاك بالشراء ليتولي الطرفين * ولو كان عليه طعام أو غيره من سلم أو غيره فدفع إلى المستحق دراهم وقال اشتريها مثل ما تستحقه واقبضه لى ثم اقبضه لنفسك ففعل صح الشراء والقبض للموكل(8/455)
ولم يصح قبضه لنفسه لاتحاد القابض والمقبض وامتناع كونه وكيلا لغيره في حق نفسه هذا هو المشهور * وحكى المسعودي وجها انه يصح قبضه لنفسه وانما الممتنع ان يقبض من نفسه لغيره * ولو قال اشتر بهذه الدراهم لي واقبضه لنفسك ففعل صح الشراء ولم يصح قبضه لنفسه لان حق الاسنان لا يتمكن الغير من قبضه لنفسه ويكون المقبوض مضمونا عليه وهل تبرأ ذمة الدافع عن حق الموكل فيه ما مر من الوجهين ولو قال اشتر لنفسك فالتوكيل فاسد إذ كيف يشتري بمال الغير لنفسه وتكون الدراهم امانة في يده لانه لم يقبضها ليمتلكها فان اشترى نظر ان اشترى في الذمة وقع عنه وادى الثمن من ماله وان اشترى بعينها فهو باطل وذكر ابن سريج وجها أنه صحيح * ولو أذن لمستحق(8/456)
الحنطة أن يكتال من الصبرة حقه ففيه وجهان (أصحهما) أنه لا يجوز لان الكيل أحد ركني القبض وقد صار نائبا فيه من جهة البائع متأصلا لنفسه (والثاني) يجوز لان المقصود منه معرفة المقدار والمقبض هو البائع ويستثنى عن الشرط الثاني ما إذا اشترى الاب لابنه الصغير من مال نفسه أو لنفسه من مال ابنه الصغير فانه يتولى طرفي القبض كما يتولى طرفي البيع وهل يحتاج إلى النقل والتحويل في المنقول روى(8/457)
القاضي الماوردي فيه وجهين (والاظهر) اعتباره كما يعتبر الكيل إذا باع بالكيل (وقوله) في الكتاب وليس لاحد ان يقبض من نفسه لنفسه يجوز اعلامه بالواو لما رواه المسعودي ثم هذا اللفظ غير مجرى على اطلاقه لما ستعرفه فيما إذا كان المبيع في يد المشتري (وقوله) الا الوالد يقبض لولده من نفسه استثناء منقطع والا فهو غير داخل في قبض الانسان لنفسه من نفسه هذا تمام الكلام(8/458)
في صورة القبض * وينبغي أن نتذكر الان ما مر ان اتلاف المشتري المبيع قبض وان لم توجد فيه هذه الصورة وقبض الجزء الشائع انما يحصل بتسليم الجميع ويكون ما عدا المبيع أمانة في يده ولو طلب القسمة قبل القبض قال في التتمة يجاب إليه (أما) إذا جعلنا القسمة افرازا فظاهر (وأما) إذا جعلناها بيعا فان الرضى غير معتبر فيه لان الشريك يجبر عليه وإذا لم يعتبر الرضى جاز أن لا يعتبر القبض كما في الشفعة *(8/459)
قال (وأما وجوب التسليم يعم الطرفين والبداءة بالبائع (ح م) في قول وبالمشتري في قول ويتساويان (م ح) في أعدل الاقوال فمن ابتدأ اجبر صاحبه فان سلم البائع طالب المشتري بالثمن من ساعته فان كان ماله غائبا اشهد على وقف ماله أي حجر عليه (و) فان وفى اطلق الوقف عنه وان لم يكن له مال فهو مفلس والبائع أحق (ح) بمتاعه هذا لفظ الشافعي رضي الله عنه وهذا حجر سببه مسيس الحاجة إليه خيفة فوات(8/460)
أمواله بتصرفه وذلك عند امتناع الفسخ بالفلس وقيل بانكار الحجر لكنه خلاف نص الشافعي
رضي الله عنه) * الامر الثالث وجوب التسليم * لا شك أن على كل واحد من المتبايعين تسليم العوض الذي استحقه الاخر ليكن لو اختلفا فقال البائع لا أسلم المبيع حتى أقبض الثمن وقال المشتري لا أؤدى(8/461)
الثمن حتى أقبض المبيع ففيه أربعة أقوال (أحدها) ان الحاكم يجبرهما على التسليم فيأمر كل واحد منهما باحضار ما عليه فإذا أحضرا سلم الثمن إلى البائع والمبيع إلى المشتري لا يضره بايهما ابدا أو يأمرهما بالوضع عند عدل ليفعل العدل ذلك ووجهه ان كل واحد منهما يستحق قبض ما عند الاخر فلا سبيل إلى تكليف الابقاء فيؤمر بايفائه كما لو كان لكل واحد منهما وديعة عند الاخر وتنازعا(8/462)
هكذا (والثاني) أنه لا يجبر واحدا منهما ولكن يمنعهما من التخاصم فإذا سلم احدهما ما عليه اجير الاخر * ووجهه ان على كل واحد إيفاء واستيفاء ولا سبيل إلى تكليف الايفاء قبل الاستيفاء (والثالث) وبه قال مالك وأبو حنيفة انه يجبر المشتري على تسليم الثمن أولا لان حقه متعين في المبيع وحق البائع غير متعين في الثمن فيؤمر بالتعيين (والرابع) وبه قال أحمد وهو الاصح يجبر البائع على تسليم المبيع أولا لانه(8/463)
لا يخاف هلاك الثمن فملكه مستقر فيه وتصرفه فيه بالحوالة والاعتياض نافذ وملك المشتري في المبيع غير مستقر فعلى البائع التسليم ليستقر * وفي المسألة طريقة أخرى وهي القطع بالقول الرابع وحمل الاول والثاني على حكاية مذهب الغير وما روى عن نصه في الام واستغربه (وأما) الثالث فهو من تخريج بعضهم وليس منصوصا عليه * واختار الشيخ أبو حامد هذه الطريقة * ومنقول المزني في المختصر(8/464)
يمكن تنزيله على القول الرابع وبه قال الاكثرون ويمكن تنزيله على الاول وبه قال المسعودي وهذا كله فيما إذا كان الثمن في الذمة (فان) كان معينا سقط القول الثالث وان تبايعا عرضا بعرض سقط القول(8/465)
الرابع ايضا * وبقى قولان (أحدهما) أنهما يجبران (والثاني) لا يجبران ويشبه أن يكون الاول أظهر وبه قال أحمد وهو الذي أورده في الشامل *(8/466)
(التفريع) إن قلنا يجبر البائع على تسليم المبيع أولا أو قلنا لا يجبر ولكنه تبرع وابتدأ بالتسيلم أجبر المشتري على تسليم الثمن في الحال إن كان حاضرا في المجلس وإلا فللمشترى حالتان(8/467)
(إحداهما) أن يكون موسرا فان كان ماله في البلد حجر عليه إلى أن يسلم الثمن كيلا يتصرف في أملاكه بما يفوت حق البائع وحكى صاحب الكتاب هاهنا وفي الوسيط وجها أنه لا يحجر عليه ويمهل إلى(8/468)
أن يأتي بالثمن ولم أر لغيره نقل هذا الوجه على هذا الاطلاق (فان قلنا) بالمذهب المشهور ففيم يحجر عليه قال عامة الاصحاب يحجر عليه في المبيع وفي سائر أمواله ومنهم من قال لا يحجر عليه في سائر(8/469)
أمواله إن كان ماله وافيا بديونه وهذا ما أورده صاحب التهذيب وعلي هذا فهل يدخل المبيع في الاحتساب فيه وجهان (أشبههما) أنه يدخل * وان كان ماله غائبا عن البلد فينظر إن كان على مسافة القصر فلا(8/470)
يكلف البائع الصبر إلى إحضاره وفيما يفعل وجهان (أحدهما) أنه يباع في حقه ويؤديه من ثمنه (والاظهر) عند الاكثرين أن له أن يفسخ البيع لتعذر تحصيل الثمن كما لو أفلس المشتري بالثمن فان(8/471)
فسخ فذاك وإن صبر إلى الاحضار فالحجر على ما سبق * وحكى الامام عن ابن سريج أنه لافسخ ولكن يرد المبيع إلى البائع ويحجر على المشتري ويمهل إلى الاحضار وادعى في الوسيط أنه الصحيح *(8/472)
وإن كان دون مسافة القصر فهو كما لو كان في البلد أو كما لو كان على مسافة القصر فيه وجهان (الحالة الثانية) أن يكون معسرا فهو مفلس والبائع أحق بمتاعه وفيه وجه أنه لا فسخ ولكن تباع السلعة ويوفي(8/473)
من ثمنها حق البائع فان فضل شئ فهو للمشتري والمنصوص الاول (وأما) لفظ الكتاب فقوله والبداءة بالبائع معلم - بالميم والحاء - وكذا قوله ويتساويان (وقوله) وبالمشتري - بالالف - ويجوز أن يعلم لفظ الاقوال(8/474)
- بالواو - إشعارا بالطريقة النافية للخلاف (وقوله) هذا لفظ الشافعي رضي الله عنه ليس هو هو لكنه قريب منه ولفظه في المختصر (فان غاب ماله اشهد على وقف ماله وأشهد على وقف السلعة فإذا دفع(8/475)
اطلق عنه الوقف فان لم يكن له مال فهو مفلس والبائع أحق بسلعته) واعلم أن هذا النص ظاهر في أنه إذا حجر عليه يحجر في السلعة المبيعة وفي سائر الاموال سواء كانت وافية بالديون أو لم تكن ويمكن(8/476)
الاحتجاج به لما نقله الامام عن ابن سريج وهو أنه لا فسخ عند الغيبة فانه لم يثبت في الغيبة الا الحجر وخص أحقيته بالمتاع بحالة الافلاس (وقوله) وذلك عند امتناع الفسخ بالفلس أراد به أنه لا حجر عند(8/477)
إمكان الفسخ بالفلس وادعى في الوسيط الوفاق فيه لكن ذكرنا أن من أثبت الفسخ عند الغيبة قال ان اختار الصبر إلى الاحضار يحجر عليه وجميع ما ذكرنا من الاقوال والتفريع جاء فيما إذا اختلف المكرى(8/478)
والمكترى في البداءة بالتسليم بلا فرق * ثم ها هنا أمر مهم لا بد من ذكره وهو أن طائفة توهمت أن الخلاف في البداءة بالتسليم خلاف في أن البائع هل له حق الحبس أم لا (ان قلنا) البداءة بالبائع فليس(8/479)
له حبس المبيع إلى استيفاء الثمن والا فله ذلك ونازع الاكثرون فيه وقالوا هذا الخلاف مفروض
فيما إذا كان نزاعهما في مجرد البداءة وكان كل واحد منهما يبذل ما عليه ولا يخاف فوت ما عند صاحبه(8/480)
فاما إذا لم يبذل البائع المبيع وأراد حبسه خوفا من تعذر تحصيل الثمن فله ذلك بلا خلاف وكذلك(8/481)
للمشتري حق حبس الثمن خوفا من تعذر تحصيل المثمن نص على ذلك الشيخ ابو حامد وأقضى(8/482)
القضاة الماوردي رحمهما الله * والمثبتون من المتأخرين قالوا انما يحبس البائع المبيع إذا كان الثمن حالا أما(8/483)
المؤجل فليس له حبسه لاستيفائه لرضاه بتأخيره ولو لم يتفق التسليم حتى حل الاجل فلا حبس ايضا(8/484)
ولو تبرع بالتسليم لم يكن له رده إلى حبسه وكذا لو أعاره من المشتري في أصح الوجهين ولو أودعه(8/485)
إياه فله ذلك ولو صالح من الثمن على مال لم يسقط حق الحبس لاستيفاء العوض * ولو اشترى بوكالة(8/486)
اثنين شيئا ووفي نصف الثمن عن أحدهما لم يجب على البائع تسليم النصف بناء على ان الاعتبار بالعاقد(8/487)
ولو باع بوكالة اثنين فإذا أخذ نصيب احدهما من الثمن فعليه تسليم النصف هكذا ذكره في التهذيب(8/488)
وفيه كلامان (أحدهما) ان العبد المشترك بين الرجلين إذا باعه مالكاه ففي انفراد احدهما بأخذ(8/489)
نصيبه من الثمن وجهان وكان أخذ الوكيل لاحدهما مبني على ثبوت الانفراد لو باعا بأنفسهما (والثاني)(8/490)
انا إذا قلنا ان لاعتبار في تعدد الصفقة واتحادها بالعاقد فينبغي ان يكون تسليم النصف على(8/491)
الخلاف فيما إذا أخذ البائع بعض الثمن هل عليه تسليم قسطه من المبيع وفيه وجهان(8/492)
ذكرناهما في باب التفريق والله أعلم *(8/493)
هذا وليعلم المطلع على هذا السفر الجليل انه ضاق المقام في هذا الجزء عن ان ندون به باقي كتاب البيوع(8/494)
من شرح العزيز على متن الوجيز للامام الامجد والعلامة الاوحد الامام الرافعي رحمه الله رحمة واسعة(8/495)
ولقد ألجأتنا الضرورة حتى وقفنا على موقف كان لا يحسن الوقوف عليه فالى هنا(8/496)
نختم هذا الجزء ونفتتح الجزء التالي ان شاء الله تعالى بقول المصنف النظر الرابع في موجب ألفاظ الكتاب المطلقة وتأثيرها باقتران العرف والله ولي التوفيق(8/497)
فتح العزيز - عبد الكريم الرافعي ج 9
فتح العزيز عبد الكريم الرافعي ج 9(9/)
فتح العزيز شرح الوجيز وهو الشرح الكبير للامام ابي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 هـ..الجزء التاسع دار الفكر بسم الله الرحمن الرحيم(9/1)
قال * (النظر الرابع الكتاب في موجب الالفاظ المطلقة وتأثيرها باقتران العرف وهى ثلاثة أقسام (الاول) ما يطلق في العقد * فمن اشترى شيئا بمائة فقال لغيره وليتك هذا العقد فقبل انتقل الملك إليه بالمائة وسلم الزوائد للاول وتتجدد الشفعة بجريان هذا البيع (و) ولو حط عن المائة لحق الحط (و) المشترى الثاني لانه في حق الثمن كالبناء) * عرفت في أول البيع أن كلام هذا النظر فيما يقع والالفاظ المتأثرة بالقرائن المنضمة إليها تنقسم إلى راجعة إلى مطلق العقد وإلى راجعة إلى الثمن خاصة (أما) القسم الاول فمقصوده بيان لفظين يشتمل(9/2)
الفصل علي إحداهما وهى التولية والتولية أن يشترى شيئا ثم يقول لغيره وليتك هذا العقد فيجوز ويشترط قبوله في المجلس علي قاعدة التخاطب بأن يقول قبلت أو توليت ويلزمه مثل الثمن الاول جنسا وقدرا ووصفا ولا يشترط ذكره إذا علماه فان لم يعلمه المشترى أعلمه أولا ثم ولاه العقد وهذا العقد بيع يشترط فيه القدرة علي التسليم والتقابض إذا كان صرفا وسائر الشروط ولا يجوز قبل قبض المبيع على ما مر في النظر الثالث والزوائد المنفصلة قبل التولية تبقى للمولى ولو كان المبيع شقصا مشفوعا وعفي الشفيع تجددت الشفعة بالتولية * ولو حط البائع بعد التولية بعض الثمن انحط عن المولى أيضا ولو حط الكل فكذلك لانه وإن كان بيعا جديدا فخاصيته وفائدته التنزيل على الثمن الاول * وعن القاضى الحسين
أن الوجه التردد في جميع هذه الاحكام فعلى رأى يجعل المولى نائبا عن المولى فتكون الزوائد للمولى ولا تتجدد الشفعة ويلحق الحط المولى وعلى رأى تعكس هذه الاحكام ونقول هي بيع جديد وظاهر المذهب الفرق بين الزوائد والشفعة وبين الحط وعلى هذا لوحط البعض قبل التولية لم تجز التولية إلا بالباقي ولو حط الكل لم تصح التولية ومن شرط التولية أن يكون الثمن مثليا ليأخذ المولى مثل ما بذل فلو اشتراه بعرض لم يجز فيه التولية * قال في التتمة إلا إذا انتقل ذلك العرض من البائع إلى إنسان فولاه العقد * قال ولو اشتراه بعرض وقال قام على بكذا وقد وليتك العقد بما قام على أو أرادت المرأة عقد(9/3)
التولية على صداقها بلفظ القيام أو أراد الرجل التولية على ما أخذه من عوض الخلع ففى جميع ذلك وجهان * ولو أخبر المولى عما اشترى به وكذب فمنهم من قال هو كالكذب في عقد المرابحة وسيأتى ومنهم من قال يحط قدر الخيانة قولا واحدا * قال (ولو قال أشركتك في هذا العقد على المناصفة كان تولية في نصف المبيع ولو لم يذكر المناصفة فالاصح التنزيل على الشطر) * اللفظة الثانية الاشتراك وهو أن يشترى شيئا ثم يشرك غيره فيه ليصير بعضه له بقسطه من الثمن ثم إن نص على المناصفة أو غيرها فذاك وإن أطلق الاشتراك فوجهان (أحدهما) أنه يفسد العقد للجهل بمقدار العوض كما لو قال بعتك بمائة ذهبا وفضة (والثانى) يصح ويحمل على المناصفة كما لو أقر بشئ لزيد وعمر ويحمل على المناصفة (والاول) هو الذى أورده في التهذيب (والثانى) أصح عند صاحب الكتاب وهو ما أورده في التتمة والاشراك في البعض كالتولية في الكل في الاحكام التى ذكرنا * قال (القسم الثاني ما يطلق في الثمن من ألفاظ المرابحة فإذا قال بعت بما اشتريت وربح ده(9/4)
يازده وكان قد اشترى بمائة استحق مائة وعشرة ولو قال بحط ده بازده وكان قد اشترى بمائة وعشرة استحق مائة (و) * بيع المرابحة جائز من غير كراهة وهو عقد بنى الثمن فيه على ثمن المبيع الاول مع زيادة مثل أن
يشترى شيئا بمائة ثم يقول لغيره بعت هذا بما اشتريته وربح ده بازده أو بربح درهم لكل عشرة أو في كل عشرة ويجوز أن يضم إلى رأس المال شيئا ثم يبيعه مرابحة مثل أن يقول اشتريته بمائة وقد بعتكه بمائتين وربح ده بازده وكأنه قال بعت بمائتين وعشرين * وكما يجوز البيع مرابحة يجوز محاطة مثل أن يقول بعت بما اشتريت بحط ده بازده وفى القدر المحطوط وجهان (أحدهما) أنه يحط من كل عشرة واحد كما زيد في المرابحة على كل عشرة واحد (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يحط من كل أحد عشر واحد لان الربح في المرابحة جزء من أحد عشر فليكن كذلك الحط في المحاطة وليس في حط واحد من العشرة رعاية لنسبة ده بازده * فإذا كان قد اشترى بمائة فالثمن على الوجه الاول(9/5)
تسعون وعلى الثاني تسعون وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم حطا لتسعة من تسعة وتسعين ولجزء من أحد عشر جزءا من الدرهم الباقي * ولو كان أشترى بمائة وعشرة فالثمن الآن على الوجه الاول تسعة وتسعون وعلى الثاني مائة وعلى هذا القياس وصور كثير من العراقيين وغيرهم المسألة فيما إذا قال بعت بما اشتريت بحط درهم من كل عشرة وأوردوا فيها الوجهين * قال إمام الحرمين وهو غلط فان في هذه الصيغة تصريحا بحط واحد من كل عشرة فلا معنى للتردد فيه وإنما موضع التردد لفظ ده بازده وهذا اعتراض بين * وذكر القاضى الماوردى وغيره أنه إذا قال بحط درهم من كل عشرة فالمحطوط واحد من عشرة ولو قال بحط درهم لكل عشرة فالمحطوط واحد من أحد عشر * قال (ولو قال بعتك بما قام على استحق مع الثمن ما بذله من أجرة الدلال والكيال وكراء البيت ولا يستحق ما أنفقة في علف الدابة ولا أجرة مثله إن كان يعمل بنفسه أو كان البيت ملكه لانه(9/6)
ليس من خرج التجارة) * بيع المرابحة يفرض بعبارات أكثرها دورانا على الالسن ثلاث (إحداهما) بعت بما اشتريت أو بما بذلت من الثمن وربح كذا (والثانية) بعت بما قام على وربح كذا ويختلف حكم العبارتين في
الداخل تحنهما وفيما يجب الاخبار عنه كما سنفصله من بعد فإذا قال بعت بما اشتريت لم يدخل فيه سوى الثمن وإذا قال بما قام على دخل فيه مع الثمن أجرة الكيال والدلال والحمال والحارث والقصار والرفا والصباغ وقيمة الصبغ وأجرة الختان وتطيين الدار وسائر المؤنات التى تلزم للاسترباح وألحق بها كراء البيت الذى فيه المباع * قال الامام لان التربص ركن في التخاير وانتظار الاسعار (وأما) المؤنات التى يقصد بها استبقاء الملك دون الاسترباح كنفقة العبد وكسوته وعلف الدابة فلا تدخل فيه ويقع في ذلك مقابلة المنافع والفوائد المستوفاة من المبيع وفي التتمة حكاية وجه أنها تدخل أيضا والمشهور الاول نعم العلف الزائد للتسمين يدخل فيه ذكره القاضي حسين وغيره وأجرة الطبيب إن اشتراه مريضا كأجرة القصار ونحوها لازدياد قيمته بزوال المرض وإن حدث المرض في يده فهى كالنفقة وفي مؤنة السائس تردد عند الامام (والاظهر) إلحاقها بالعلف * ولو قصر الثوب بنفسه أو كال أو حمل أو طين(9/7)
الدار بنفسه لم تدخل الاجرة فيه لان السلعة لا تعد قائمة عليه إلا بما بذل وكذا لو كان البيت ملكه وكذا لو تطوع متطوع بالعمل أو باعارة البيت فان أراد اشتراك ذلك فسبيله أن يقول اشتريت أو قام على بكذا وعملت فيه ما أجرته كذا وقد بعتك بهما وربحت كذا * (والعبارة الثالثة) أن يقول بعتك برأس المال وربح كذا فالمذهب الظاهر أنه كما لو قال بما اشتريت لان السابق إلي الافهام من رأس المال الثمن وعن القاضي أبى الطيب أنه كما لو قال بما قام على وهو اختيار ابن الصباغ * وذكر صاحب التتمة أن المكس الذى يأحذه السلطان يدخل في لفظه القيام وان في دخول الفداء إذا جنى العبد ففداه وجهين والذى أورده الاكثرون أنه لا يدخل فداء الجناية ولا ما أعطاه واسترد به المغصوب في شئ من الالفاظ والعبارات الثلاث تجرى في المحاطة جريانها في المرابحة * قال (فلو كان مقدار ما اشترى به أو ما قام عليه مجهولا للمشترى الثاني عند العقد بطل (و) عقده) * ينبغى أن يكون رأس المال أو ما قامت به السلعة عليه معلوما عند المتبايعين في بيع المرابحة فان تبايعا وأحدهما جاهل به ففي صحة العقد وجهان (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه لا يصح للجهل بالثمن كما في غير المرابحة وعلى هذا فلو أزيلت الجهالة في المجلس لم ينقلب العقد صحيحا وفيه وجه أنه
ينقلب صحيحا وبه قال أبو حنيفة (والثاني) أنه يصح لان الثمن فيه مبنى على الثمن في العقد الاول(9/8)
الرجوع إليه سهل فصار كالشفيع يطلب الشفعة قبل الاحاطة بمبلغ الثمن يجوز لسهولة معرفته وعلى هذا ففي اشتراط إزالة الجهالة في المجلس وجهان * ومهما كان الثمن دراهم معينة غير معلومة الوزن ففى جواز بيعه مرابحة الخلاف المذكور (والاصح) المنع حتى يعرف * وإذا تأملت ما ذكرنا تبين لك أن قوله للمشترى الثاني ليس لتخصيص الحكم بالمشترى بل لو كان مجهولا للبائع لكان الحكم كذلك * قال (ويجب (ح) على البائع حفظ الامانة بالصدق في قدر ما اشترى به وبالاخبار عما طرأ في يده من عيب منقص أو جناية (ح) ولا يلزمه الاخبار عن الغبن (و) في العقد ولا عن البائع وإن كان ولده (ح و) ويجب ذكر تأجيل الثمن) *(9/9)
بيع المرابحة مبنى على الامانة لاعتماد المشترى نظر البائع واستقصاه ورضاه لنفسه ما رضيه البائع مع زيادة يبذلها فعلى البائع الصدق في الاخبار عما اشترى به وعما قام به عليه ان كان يبيع بلفظ القيام * ولو اشتري بمائة وخرج عن ملكه ثم اشتراه بخمسين فرأس ماله خمسون ولا يجوز ضم الثمن الاول إليه * ولو اشتراه بمائة وباعه بخمسين ثم اشتراه ثانيا بمائة فرأس ماله مائة ولا يجوز أن يخبر بمائة وخمسين من قبل خسارته خمسين * ولو اشتراه بمائة وباعه بمائة وخمسين ثم اشتراه بمائة فان كان يبيعه مرابحة بلفظ رأس المال أو بلفظ ما اشتريت أخبر بمائة ولا يلزمه أن يحط منه ربح البيع الاول كما لم يجز في الصورة الاولى ضم الخسران إلى المائة * وعن أبى حنيفة وأحمد أنه يجب حط ربح البيع الاول * وإن باعه بلفظ قام على فوجهان (أحدهما) ويحكى عن ابن سريج أنه لا يخبر إلا بخمسين فان أهل العرف يعدون السلعة والحالة هذه قائمة عليه بذلك (وأصحهما) أنه يخبر بمائة لان الملك الاخير قائم عليه بمائة * ويكره أن يواطئ وكيله ببيع ما اشتراه منه ثم يشتريه بأكثر ليخبر به في المرابحة ولو فعل قال ابن الصباغ يثبت للمشترى الخيار وخالفه غيره * ولو اشترى سلعة ثم قبل لزوم العقد ألحقا بالثمن زيادة أو نقصانا وصححناه فالثمن ما استقر عليه العقد وإن حط عنه بعض الثمن بعد لزوم العقد وباع بلفظ ما اشتريت
لم يلزمه حط المحطوط عنه خلافا لابي حنيفة وإن باعه بلفظ قام على لم يخبر إلا بالباقي فان حط الكل لم يجز بيعه مرابحة بهذا اللفظ ولو حط عنه بعض الثمن بعد جريان المرابحة لم يلحق الحط المشترى(9/10)
منه * وعن الشيخ أبي محمد وجه أنه يلحق كما في التولية والاشراك * ولو اشتري شيأ بعرض وباعه مرابحة بلفظ الشراء أو بلفظ القيام ذكر أنه اشتراه بعرض قيمته كذا ولا يقتصر علي ذكر القيمة لان البائع بالعرض يشدد فوق ما يشدد البائع بالنقد * ولو اشتراه بدين على البائع فان كان مليا غير مماطل لم يجب الاخبار عنه وإن كان مماطلا وجب لانه يشترى من مثله بالزيادة للتخلص من التقاصى * ويجوز أن يبيع مرابحة بعض الشئ الذى اشتراه ويذكر قسطه من الثمن وكذا لو اشترى قفيزى حنطة ونحوها وباع احداهما مرابحة * ولو اشترى عبدين أو ثوبين وأراد بيع أحدهما مرابحة فسبيله أن يعرف قيمة كل واحد منهما يوم الشراء ويوزع الثمن على القيمتين ثم يبيعه بحصته من الثمن وقال أبو حنيفة لا يجوز بيع أحدهما مرابحة لان التوزيع بالقيمة تخمين ثم في الفصل صور (إحداها) يجب الاخبار عن العيوب الطارئة في يده سواء حدث العيب بآفة سماوية أو بجنايته أو بجناية أجنبي لان المشترى يبنى العقد على العقد الاول ويتوهم بقاء المبيع على ما كان ولا فرق بين ما ينقص العين وما ينقص القيمة كما في الرد وعن أبى حنيفة أنه لا يجب الاخبار عن العيب الحادث بالآفة السماوية * ولو اطلع على عيب قديم واختار امساكه ذكره في بيع المرابحة ولو تعذر رده لعيب حادث وأخذ الارش فان باعه مرابحة بلفظ قام على حط الارش وان باعه بلفظ ما اشتريت ذكر ما جرى به العقد ويجب أن يذكر أيضا العيب واسترداد الارش فان الارش المسترد جزء من الثمن * ولو أخذ أرش الجناية ثم باعه فان باع بلفظ ما اشتريت ذكر الثمن وأخبر(9/11)
بالجناية وإن باع بلفظ قام على فوجهان (أحدهما) أنه نازل منزلة الكسب والزيادات والمبيع قائم عليه بتمام الثمن (وأصحهما) أنه يحط الارش من الثمن كارش العيب والمراد من الارش هاهنا قدر النقصان لا المأخوذ بتمامه فإذا قطعت يد العبد وقيمته مائة فنقص منها ثلاثون يأخذ خمسين ويحط من الثمن ثلاثين لا خمسين وحكى الامام وجها آخر أنه يحط جميع المأخوذ من الثمن * ولو نقص من القيمة أكثر من الارش
المقدر حط ما أخذ من الثمن وأخبر عن قيامه عليه بالباقي وأنه نقص من قيمته كذا (الثانية) إذا كان قد اشتراه بغبن فهل يلزمه الاخبار عنه فيه وجهان (أصحهما) عند الامام وهو المذكور في الكتاب أنه لا يلزم لانه باع ما اشترى كما اشترى (والثانى) يلزم لان المشتري منه اعتمد على نظره ويعتقد أنه لا يحتمل الغبن فليخبره ليكون على بصيرة من أمره وقضية كلام الاكثرين ترجيح هذا الوجه لامرين (أحدهما) أنهم قالوا لو اشتراه بدين من مماطل وجب الاخبار عنه لان الغالب أنه يشترى من مثله بالزيادة وقد مر ذلك (والثانى) أنهم قالوا لو اشترى من ابنه الطفل وجب الاخبار عنه لان الغالب في مثله الزيادة في الثمن نظرا للطفل واحترازا عن التهمة فإذا وجب الاخبار عند طن الغبن فلان يجب عند تعيينه كان أولى وإن اشتراه من ولده البالغ أو من أبيه فاصح الوجهين باتفاق الائمة لا يجب الاخبار عنه كما لو اشترى من وزجته أو مكاتبه وفي الشامل ما يقتضى ترددا في المكاتب وعند أبى حنيفة وأحمد إذا اشتراه من ابنه أو أبيه وجب الاخبار عنه (الثالئة) إذا اشتراه بثمن مؤجل وجب الاخبار عنه(9/12)
للتفاوت الظاهر بين المؤجل والمعجل في المالية وفي البيان حكاية وجه غريب أنه لا يجب التعرض له (الرابعة) لا يجب الاخبار عن وطئ الثيب ولا عن مهرها الذى تأخذه ولا عن الزيادات المنفصلة كالولد واللبن والصوف والثمرة ولو كانت حاملا يوم الشراء أو كان في ضرعها لبن أو على ظهرها صوف أو على النخلة طلع فاستوفاها حط بقسطها من الثمن وهذا في الحمل مبنى على أنه يقابله قسط من الثمن * قال (فان كذب في شئ من ذلك ففى استحقاق حط قدر التفاوت قولان فان قلنا لا يحط فله الخيار لكونه مظلوما بالتلبيس إلا إذا كان عالما بكذبه والاصح أن الاخيار للبائع ان قلنا يحط ولا للمشتري) * إذا قال اشتريته بمائة وباعه مرابحة ثم بان أنه اشتراه بتسعين إما باقراره أو بالبينة فالبيع صحيح على المذهب لان غاية ما فيه التغرير والتدليس وذاك لا يمنع صحة البيع كما لو روج عليه معيبا وعن رواية القاضي أبى حامد وغيره وجه أنه لا يصح لكون الثمن مجهولا عند العقد ويحكى هذا عن مالك * وإذا قلنا بظاهر المذهب فلا يخلو كذبه في هذا الاخبار إما أن يكون خيانة أو غلطا أما في الحالة الاولى فقولان منصوصان في اختلاف العراقيين (اصحهما) وهو المنقول في المختصر وبه قال أحمد إنا نحكم بانحطاط
الزيادة وحصتها من الربح لانه تمليك باعتبار الثمن الاول فيحط الزائد عليه كما في الشفعة (والثانى) وبه قال أبو حنيفة أنا لا نحكم لانه سمى ثمنا معلوما وعقد به العقد فليجب وان كان ملبسا (وأما) في الحالة الثانية فالمنصوص القول الاول والثانى مخرج من مثله في الحالة الاولى * (التفريع) ان حكمنا بالانحطاط فهل للمشترى الخيار نقل المزني أنه يثبت وقال في اختلاف العراقيين لا يثبت فمن الاصحاب من قال في المسألة قولان (أظهرهما) انه لا خيار له لانه قد رضى بالاكثر(9/13)
فاولى أن يرضى بالاقل (والثانى) وبه قال أبو حنيفة أنه يثبت الخيار لانه إن بان كذبه بالاقرار لم يؤمن كذبه ثانيا وثالثا وإن بان بالبينة فقد تخالف الظاهر والباطن وأيضا فقد يكون له غرض في الشراء بذلك المبلغ لتحلة قسم وانفاذ وصية ونحوهما ومنهم من حمل النص الاول على ما إذا تبين كذب البائع بالبينة والثانى على ما إذا تبين باقراره والفرق أنه إذا ظهر بالبينة خيانته لم تؤمن خيانته من وجه آخر والاقرار يشعر بالامانة وبذل النصح والطريقة الاولى أظهر (فان قلنا) لا خيار له فامسك بما يبقي بعد الحط فهل للبائع الخيار فيه وجهان وقيل قولان (أحدهما) نعم لانه لم يسلم له ما سماه في العقد (وأظهرهما) لا إذ يبعد ان يصير تلبيسه أو غلطه سببا لثبوت الخيار له ومنهم من خص الوجهين بصورة الخيانة وقطع بثبوت الخيار عند الغلط فأن حكمنا بعدم الانحطاط فللمشترى الخيار لان البائع قد غره إلا أن يكون عالما بكذب البائع فيكون كما لو اشترى معيبا وهو عالم بعيبه وإذا أثبت الخيار فلو قال البائع لا تفسخ فانى أحط الزيادة عنك ففى سقوط خياره وجهان وجميع ما ذكرناه فيما إذا كان المبيع باقيا أما إذا ظهر الحال بعد هلاك المبيع فان القاضى الماوردى ذكر انه تنحط الخيانة وحصتها من الربح قولا واحدا والظاهر جريان القولين في الانحطاط (فان قلنا) بالانحطاط فلا خيار للمشترى لان البائع قد لا يزيد القيمة فالفسخ ورد القيمة يضربه (وأما) البائع فان لم يثبت له الخيار عند بقاء السلعة فكذلك هاهنا وإن أثبتناه ثم ثبت هاهنا كما لو وجد بالعبد عيبا والثوب الذى هو عرضه تالف * (وإن قلنا) بعدم الانحطاط فهل للمشترى الفسخ فيه وجهان (أظهرهما) كما لو عرف العيب بعد تلف المبيع ولكن يرجع بقدر التفاوت وحصته من(9/14)
الربح كما يرجع بارش العيب وعن أبى حنيفة انه لا يفسخ ولا يرجع بشئ * ولو كان قد اشتراه بثمن مؤجل وحال فلم يتبين كونه مؤجلا لم يثبت الاجل في حق المشتري الثاني ولكن له الخيار وكذلك إذا ترك ذكر شئ آخر مما يجب ذكره * (وقوله) في الكتاب فان كذب في شئ من ذلك ففى استحقاق حط قدر التفاوت قولان يقتضى اثبات الخلاف فيما إذا أخبر عن سلامة المبيع وكان معيبا أو عن حلول الثمن وكان مؤجلا كما لو أخبر عن القدر كاذبا وقد صرح في الوسيط بذلك فيما إذا لم يخبر عن العيب فضلا عن أن يخبر عن السلامة كاذبا ولكن لم أر لغير المصنف رحمه الله تعرضا لذلك فان ثبت الخلاف فالسبيل على قول الحط النظر إلى القيمة وتقسيط الثمن عليها والله أعلم * (قال ولو كذب بنقصان الثمن وصدقه المشترى فالاصح أن لا تلحقه الزيادة إذ العقد لا يحتمل الزيادة ولكن للبائع الخيار إن صدقه المشترى * وان كذبه فلا تسمع بينته ودعواه لانه على نقيض ما سبق منه * وان ذكر وجها مخيلا في الغلط فتسمع دعواه علي رأى لبعض الاصحاب متجه) * تكلمنا فيما إذا كذب المشتري في قدر الثمن بالزيادة غلطا أو خيانة أما إذا كذب بالنقصان بان قال كان الثمن أو رأس المال أو ما قامت به السلعة على مائة وباع مرابحة ثم عاد وقال غلطت وانما هو مائة وعشرة فننظر إن صدقه المشترى ففيه وجهان (أحدهما) أنه يصح البيع كما لو غلط بالزيادة (واصحهما) عند الامام وصاحب التهذيب انه لا يصح لتعذر امضائه فان العقد لا يحتمل الزيادة وأما النقصان فهو معهود بدليل الارش (فان قلنا) بالاول فاصح الوجهين أن الزيادة لا تثبت ولكن للبائع الخيار (والثانى) أنها تثبت مع ربحها وللمشترى الخيار (وقوله) في الكتاب فالاصح أن العقد لا يحتمل الزيادة إلى آخره أراد(9/15)
به الوجهين الاخيرين المفرعين على وجه الصحة وذلك جواب منه بالصحة وهو الذي أورده القاضى الماوردى (وقوله) آخرا إن صدقه المشترى تكرار غير محتاج إليه فانه تبين ذلك في التصوير أولا * وان كذبه المشترى فهذا يفرض على وجهين (أحدهما) أن لا يبين للغلط وجها مخيلا فلا يقبل قوله ولو أقام عليه بينة لا تسمع دعواه لان اعترافه بان الثمن مائة يكذب قوله الثاني وبينته * فلو زعم أن المشترى
عارف بصدقه والتمس تحليفه على أنه لا يعرف ذلك فوجهان في أنه هل يجاب (أحدهما) لا يجاب كما لا تسمع بينته (والثانى) يجاب لانه ربما يقر عند عرض الثمن عليه فعلى هذا إن نكل هل ترد اليمين على المدعي فيه وجهان بناء على أن اليمين المردودة بعد نكول المدعى عليه كالاقرار من جهة المدعي عليه أو كالبينة من جهة المدعى وهذا أصل يشرح في موضعه * فعلى الاول يرد وعلى الثاني لاثم إذا قلنا بتحليف المشترى فانما يحلف على نفي العلم فان حلف أمضى العقد على ما حلف عليه وإن نكل ورددنا اليمين فالبائع يحلف على القطع وإذا حلف فللمشترى الخيار بين إمضاء العقد بما حلف عليه وبين الفسخ كذا أطلقوه وقضية تنزيله منزلة إقرار المدعى عليه أن يعود فيه ما ذكرنا في حالة التصديق (والثانى) أن يتبين للغلط وجها مخيلا مثل أن يقول ما كنت اشتريته بنفسى وإنما اشتراه وكيلى وأخبرني أن الثمن مائة فبان خلافه أو ورد على كتاب منه فبان مزورا أو أن يقول راجعت جريدتي فغلطت من ثمن متاع إلى غيره فتسمع دعواه للتحليف لان بيان هذه الاعذار يحرك ظن صدقه ومنهم من طرد الخلاف في التحليف وسماع البينة يترتب على التحليف ان قلنا لا تحليف فالبينة أولى ألا تسمع وان قلنا له التحليف ففى البينة وجهان (والاظهر) أنها تسمع أيضا وقوله في الكتاب فلا تسمع بينته ودعواه جواب على أنه ليس له التحليف والا فالتمكين من التحليف يتضمن سماع البينة والاصغاء(9/16)
إليها وعلى مقابلته قوله فتسمع دعواه على رأى يشعر بسماع البينة وجواز التحليف والله أعلم * (فرع) قوله في المرابحة بعتك بكذا يقتضي أن يكون الربح من جنس الثمن الاول ولكن يجوز أن يجعل الربح من غير جنس الاصل ولو قال اشتريت بكذا أو بعتك به وربح درهم على كل عشرة فالربح يكون من نقد البلد لاطلاقه الدرهم والاصل مثل الثمن سواء كان من نقد البلد أو غيره * (فرع) لو أتهب بغير عوض لم يجز بيعه مرابحة الا أن يبين القيمة ويبيع بها مرابحة وان اتهب بشرط الثواب ذكره وباع به مرابحة وإذا أجر دارا بعبد أو نكحت على عبد أو خالع زوجته عليه أو صالح عن الدم عليه لم يجز بيع العبد مرابحة بلفظ الشراء ويجوز بلفظ قام على وبذكره في الاجارة أجرة مثل الدار وفي النكاح والخلع مهر المثل وفى الصلح عن الدم الدية * وأعلم أن الائمة اطبقوا على تصوير المرابحة فيما إذا قال
بعت بما اشتريت وربح كذا أو بما قام علي ولم يذكروا فيه خلافا وفيما إذا أوصي لانسان بنصيب ابنه ذكروا وجها أنه لا يصح إذا قال بمثل نصيب ابني فكأنهم اقتصروا ههنا على إيراد ما هو الاصح والا فلا فرق بين البابين(9/17)
(قال القسم الثالث ما يطلق في المبيع وهى ستة الفاظ (الاول) لفظ الارض وفى معناها العرصة والساحة والبقعة ولا تندرج تحتها الاشجار والبناء على أصح القولين إلا إذا قال بعت الارض (و) بما فيها) * ذكر في هذا القسم الفاظا تمس الحاجة إلى معرفعة ما يندرج فيها وما لا يندرج (منها) الارض والعرصه والساحة والبقعة فإذا قال بعتك هذه الارض وكان فيها أبنية وأشجار نظران قال دون ما فيها من البناء والشجر لم تدخل هي في البيع وان قال بعتكها بما فيها دخلت الابنية والاشجار وكذا لو قال بعتكها بحقوقها على المشهور وحكي الامام وجها أنها لا تدخل وحقوق الارض الممر ومجري الماء وما أشبههما وان أطلق فنصه ههنا أنها تدخل ونص فيما لو رهن الارض وأطلق انها لا تدخل وللاصحاب فيها طرق (أحدها) ان فيهما قولين بالنقل والتخريج (وجه) الدخول انها للدوام والثبات في الارض فأشبهت أجزاء الارض ولهذا يلحق بها في الاخذ بالشفعه (ووجه) المنع خروجها عن مسمى الارض (والثانى) تقرير النصين والفرق ان البيع قوى لازالة الملك فيستتبع الشجر والبناء والرهن بخلافه ولهذا يكون النماء الحادث من أصل(9/18)
المبيع للمشترى ولم يكن النماء الحادث من أصل المرهون مرهونا (والثالث) ويحكي عن ابن سريج القطع بعدم الدخول في البيع والرهن جميعا ونصه ههنا محمول على ما إذا قال بحقوقها وكذا الحكم في الرهن لو قال بحقوقها وما الاظهر من هذا الخلاف (ذكر) صاحب الكتاب ان الاصح انها لا تدخل اقتدء بامام الحرمين ولا شك أنه أوضح في المعني لكن عامة الاصحاب رحمهم الله على ان ظاهر المذهب دخولها ورأوا أصح الطرق تقرير النصين والله أعلم * قال (وأصول البقول كالاشجار والزورع لا تندرج قطعا ولا البذر وان كان كامنا (والاصح) أنها لا تمنع صحة بيع الارض كما لو باع دارا مشحونة بأمتعة نعم إن جهل المشترى فله الخيار
لتضرره بتعطيل المنفعة (والاصح) انه يدخل في ضمان المشترى (ح) ويده بالتسليم إليه وان تعذر انتفاعه بسبب الزرع) * في الفصل مسألتان (إحداهما) الزرع ضربان (الاول) ما لا تؤخذ ثمرته وفائدته مرة بعد أخرى(9/19)
وانما يؤخذ دفعة واحدة كالحنطة والشعير فلا يدخل في مطلق بيع الارض لانه ليس للثبات والدوام وكان كمنقولات الدار ويصح بيع الارض وان كانت مزروعة على اصح الطريقين كما لو باع دارا مشحونة بأمتعة ولا يخرج على الخلاف في بيع الدار المستأجرة لان يد المستأجر حائلة ثم (ومنهم) من خرجه علي القولين * قال الجمهور ولو كان في معني تلك الصورة لوجب أن يقطع بالفساد لان مدة بقاء الزرع مجهولة وإذا قلنا بالصحيح فللمشترى الخيار ان كان جاهلا بالحال بأن كانت رؤية الارض سابقة علي البيع وان كان عالما فلا خيار له وهل نحكم بصيرورة الارض في يد المشترى ودخولها في ضمانه إذا خلى البائع بينه وبينها فيه وجهان (أحدهما) لا لانها مشغولة بملك البائع كما ذكرنا فيما إذا كانت الدار المبيعة مشحونة بأمتعة البائع فيما قبل (وأظهرهما) نعم لحصول التسليم في الرقبة وهى المبيعة ويخالف صورة الاستشهاد لان التفريع ثم متأت في الحال على أن الامام أورد في تلك الصورة وجها أيضا وادعى أنه ظاهر المذهب وإذا كان في الارض جزر أو فجل أو سلق أو ثوم لم تدخل في بيع(9/20)
الارض كالحنطة والشعير وكل زرع لا يدخل في البيع لا يدخل وان قال بعت الارض بحقوقها يحكى ذلك عن الشيخ أبى حامد ورأيته لمنصور التميمي في المستعمل أيضا ولا يؤمر البائع بقطع الزرع الذى يبقي له في الحال بل له ابقاؤه إلى أوان الحصاد خلافا لابي حنيفة وعند وقت الحصاد يؤمر بالقطع والتفريغ وعليه تسوية الارض وقلع العروق التى يضر بقاؤها بالارض كعروق الذرة تشبيها بما إذا كان في الدار أمتعة لا يتسع لها باب الدار ينقض وعلى البائع ضمانه (الضرب الثاني) ما تؤخذ ثمرته وفائدته مرة بعد أخرى في سنتين أو أكثر كالكرسف الحجازى والنرجس والبنفسج فالظاهر من ثمارها عند بيع الارض يبقى للبائع وفى دخول الاصول الخلاف الذي سبق في الاشجار وفى النرجس
والبنفسج وجه أنهما من الضرب الاول * وما يجز مرارا كالقت والقصب والهندبا والنعناع والكرفس والطرخون تبقي جزتها الظاهرة عند البيع للبائع وفي دخول الاصول الخلاف وعن الشيخ أبى محمد(9/21)
القطع بأنها تدخل في بيع الارض لانها كامنة فيها نازلة منزلة اجزائها بخلاف الاشجار فيجوز أن نعلم لذلك قوله في الكتاب (وأصول البقول كالاشجار) بالواو وإذا قلنا بدخولها فليشترط على البائع قطع الجزة الظاهرة لانها تزيد ويشتبه المبيع بغيره ولا فرق بين أن يكون ما ظهر بالغا أو ان الجز أولا يكون قال في التتمة إلا القصب فانه لا يكلف بقطعه الا أن يكون ما ظهر قدرا ينتفع به ولو كان في الارض اشجار خلاف ما يقطع من وجه الارض فهى كالقصب (المسألة الثانية) لو كانت الارض المبيعة مبذورة ففى البذر الكامل مثل التفصيل المذكور في الزروع فالبذر الذى لا ثبات لنباته ويؤخذ دفعة واحدة لا يدخل في بيع الارض ويبقى إلى أوان الحصاد وللمشترى الخيار ان كان جاهلا به فان تركه البائع له سقط حق خياره وعليه القبول ولو قال آخذه وأفرغ الارض سقط خياره أيضا ان أمكن ذلك في زمان يسير * والبذر الذى يدوم نباته كنوي النخل والجوز واللوز وبذر الكراث(9/22)
ونحوه من البقول حكمه في الدخول تحت بيع الارض حكم الاشجار وجميع ما ذكرنا في المسألتين مفروض فيما إذا أطلق بيع الارض فأما إذا باعها مع الزرع أو البذر فانا نورده في خلال اللفظ السادس إن شاء الله تعالى * قال (والحجارة ان كانت مخلوقة في الارض اندرجت وان كانت مدفونة فلا وعلى البائع النقل والتفريغ وتسوية الحفر فان كانت تتعيب به الارض أو تتعطل به منفعة في مدة النقل فله الخيار عند الجهل فان أجاز فالاظهر أن له طلب أجرة المنفعة في هذه المدة وفي مدة بقاء الزرع وكذلك له طلب أرش التعيب فان ترك البائع الحجارة بطل خيار المشترى لانه غير متضرر بالبقاء ثم لا يملكه بمجرد الاعراض (و) الا إذا جري لفظ الهبة وشرطها) * الحجارة أن كانت مخلوقة في الارض أو مثبتة دخلت في بيع الارض * وان كانت تضر بالزرع(9/23)
والغرس فقد ذكرنا في عداد العيوب أنه عيب إذا كانت الارض مما تقصد لذلك وفيه وجه أنه ليس بعيب وانما هو فوات فضيلة وان كانت مدفونة فيها لم تدخل في البيع كالكنوز والاقمشة في الدار ثم لا يخلو (أما) أن يكون المشتري عالما بالحال أو جاهلا (فان) كان عالما فلا خيار له في فسخ العقد وان تضرر يقلع البائع وله اجبار البائع على القلع والنقل تفريغا لملكه بخلاف الزرع فان له أمدا ينتظر ولا أجرة للمشتري في مدة القلع والنقل وان طالت كما لو اشتري دارا فيها أقمشة وهو عالم بها لا أجرة له في مدة النقل والتفريغ ويجب على البائع إذا نقل تسوية الارض * وان كان جاهلا فللحجارة مع الارض أربعة أحول (الحالة الاولى) أن لا يكون في قلعها ولا في تركها ضرر بان لم يحوج النقل وتسوية الارض إلى مدة لمثلها اجرة ولم تنقص الارض بها فللبائع النقل وعليه تسوية الارض ولا خيار للمشتري وله اجبار البائع على النقل وحكى الامام وجها أنه لا يجبر والخيرة للبائع والمذهب(9/24)
الاول (الحالة الثانية) أن لا يكون في قلعها ضرر ويكون في تركها ضرر فيؤمر البائع بالنقل ولا خيار للمشترى كما لو اشترى دارا فلحق سقفها خلل يسير يمكن تداركه في الحال أو كانت منسدة البالوعة فقال البائع أنا أصلحه وأتقنها فلا خيار للمشترى (الثالثة) أن يكون القلع والترك جميعا مضرين فللمشترى الخيار سواء جهل أصل الاحجار أو كون قلعها مضرا ولا يسقط خياره بأن يترك البائع الاحجار لما في نقلها من الضرر وهل يسقط بأن يقول للمشترى لا تفسخ لاغرم لك أجرة المثل لمدة النقل فيه وجهان (عن) روايه صاحب التقريب (أصحهما) لا كما لو قال البائع لا تفسخ البيع بالعيب لاغرم لك الارش ثم إن أجاز المشترى البيع فعلي البائع النقل وتسوية الارض سواء كان النقل قبل القبض أو بعده وهل تجب أجرة المثل لمدة النقل إن كان النقل قبل القبض فيبني على أن جناية البائع قبل القبض كآفة سماوية أو كجناية الاجنبي (إن قلنا) بالاول لم تجب (وإن قلنا) بالثاني فهو كما لو نقل بعد القبض وان كان النقل بعد القبض فوجهان (أصحهما) عند الشيخ أبى حامد أنها(9/25)
لا تجب لان اجازته رضي بتلف المنفعة في مدة النقل (وأصحهما) على ما يقتضيه كلام الاكثرين وبه قال أبو إسحق أنها تجب كما لو جني على المبيع بعد القبض عليه ضمانه وقد يختصر فيقال في وجوب الاجرة ثلاثة أوجه (ثالثها) وهو الاظهر الفرق بين أن يكون النقل قبل القبض فلا تجب أو بعده فتجب ويجرى مثل هذا الخلاف في وجوب الارش لو بقى في الارض بعد التسوية نقصان وعيب وفي مأخذ الخلاف في الارش ولزوم التسوية مزيد كلام مذكور في الغصب (الرابعة) أن يكون في قلعها ضرر ولا يكون في تركها ضرر فللمشترى الخيار فان أجاز ففى الاجرة والارش ما مر ولا يسقط خياره بأن يقول للبائغ اقلع واغرم الاجرة أو أرش النقص قاله في التهذيب ويجئ فيه مثل الخلاف المذكور في الحالة الثالثة ولو رضى بترك الاحجار في الارض سقط خيار المشترى إبقاء للعقد ثم ينظر إن اقتصر على قوله تركتها إلى المشترى فهو تمليك أو مجرد إعراض لقطع الخصومة فيه وجهان كالوجهين في ترك النقل على الدابة المردودة بالعيب (أحدهما) أنه تمليك ليكون سقوط الخيار في(9/26)
مقابلة ملك حاصل (وأظهرهما) وهو الذي ذكره في الكتاب أنه قطع للخصومة لا غير (فان قلنا) بالاول فلو قلعها المشترى يوما فهي له ولو بدأ البائع في تركها لم يمكن الرجوع (وان قلنا) بالثاني فهي للبائع ولو أراد الرجوع قال الاكثرون له ذلك ويعود خيار المشترى وقال الامام لا رجوع ويلزمه الوفاء بالترك وان قال وهبتها منك فان رآها من قبل واجتمعت شرائط الهبة حصل الملك ومنهم من طرد الخلاف لانه لا يبغى حقيقة الهبة وانما يقصد دفع الفسخ وان لم تجتمع شرائط الهبة ففي صحتها للضرورة وجهان (إن) صححناها ففي افادة الملك ما ذكرنا في لفظ الترك * واعلم أن جميع ما ذكرنا فيما إذا كانت الارض بيضاء أما إذا كان فيها غراس فينظر إن كانت حاصلة يوم البيع واشتراها مع الارض فنقصان الاشجار وتعيبها بالاحجار كتعيب الارض في إثبات الخيار وسائر الاحكام وان أحدثها المشترى بعد الشراء فينظر ان أحدثها عالما بالاحجار فللبائع قلعها وليس عليه نقصان ضمان الغراس وان أحدثها جاهلا ففي ثبوت الخيار وجهان (وجه) الثبوت ان الضرر ناشئ من إيداعه الاحجار(9/27)
في الارض (والاصح) إنه لا يثبت لرجوع الضرر إلى غير المبيع فان كانت الارض تنقص بالاحجار أيضا نظر إن لم يورث الغرس وقلع المغروس نقصانا في الارض فله القلع والفسخ وان أورث الغراس أو القلع نقصانا فلا خيار في الفسخ إذ لا يجوز له رد المبيع ناقصا ولكن يأخذ الارض وإذا قلع البائع الاحجار فانتقص الغراس فعليه أرش النقص بلا خلاف ولو كان فوق الاحجار زرع اما للبائع أو للمشترى ففى التهذيب أنه يترك إلى أوان الحصاد لان له غاية منتظرة بخلاف الغراس ومنهم من سوى بينه وبين الغراس * إذا تقرر فقه الفصل فالحاجة بعده إلى معرفة ما ذكر في الكتاب واحلال كل شئ محله (أما قوله) وعلى البائع النقل والتفريغ وتسوية الحفر فاعلم ان الجمع بين النقل والتفريغ ضرب ايضاح والا فنقل الحجارة عن الموضع دون التفريغ محال ثم الكلام مجرى على اطلاقه في صورة العلم باشتمال الارض على الاحجار المدفونة وكذا في صورة الجهل حيث لا يثبت الخيار وحيث ثبت فكذلك إن أجاز المشترى (وأما) إذا فسخ فلا يخفى أنه لا يكلف بالنقل وتسوية الحفر ثم(9/28)
تكلم الامام في أنهم لم أوجبوا تسوية الحفر على البائع وعلى الغاصب إذا حفر في الارض المغصوبة ولم يوجبوا على من هدم الجدار أن يعيده وانما أوجبوا الارش وأجاب عنه بأن طم الحفر لا يكاد يتفاوت وهيآت الابنية تختلف وتتفاوت فشبه ذلك بذوات الامثال وهذا بذوات القيم حتى لو رفع لبنة أو لبنتين من رأس الجدار وأمكن الرد من غير اختلاف في الهيئة كان ذلك كطم الحفيرة فهذا ما ذكره وفي وجوب الاعادة على هادم الجدار خلاف يذكر في كتاب الصلح (وقوله) فله الخيار عند الجهل محمول على الحالة الثالثة والرابعة (فأما) في الاولى والثانية فقد عرفت أنه لا خيار وقوله فالاظهر أن له طلب أجرة المنفعة في هذه المدة وفي مدة بقاء الزرع (أما) أجرة مدة النقل فقد تكلمنا فيها وبينا أن الاظهر الفرق بين أن يكون النقل قبل القبض أو بعده (وأما) في مدة بقاء الزرع فوجهان (عن) رواية صاحب التقريب الذى أورده المعظم أنه لا تجب الاجرة وتفع تلك المدة مستتناه كما لو باع دارا مشحونة بأقشمة لا يستحق المشترى الاجرة لمدة التفريغ (والثانى) وهو الاظهر عند صاحب الكتاب(9/29)
أنها تجب ولفظ المنفعة في قوله أجرة المنفعة حشو لا يضر اسقاطه إذ ليس الاجرة إلا عوض المنفعة (وقوله) وان ترك البائع الحجارة بطل خيار المشترى مصور في الحالة الرابعة لا غير لانه لا خيار للمشترى في الاولي والثانية حتى بفرض سقوطه (وأما) في الثالثة فقد ذكرنا أن ترك الحجارة لا يسقط الخيار وقوله لانه غير متضرر بالبقاء فيه إشارة إلى التصوير في الحالة المذكورة (وقوله) ثم لا يملكه بمجرد الاعراض معلم بالواو (وقوله) الا إذا جرى لفظ الهبة استثناء منقطع ويجوز أن يعلم قوله وشرطها بالواو للوجه الذى ذكرناه في أنه لا تعتبر اجتماع الشروط * قال (اللفظ الثاني الباغ وفى معناه البستان وهو مستتبع للاشجار ولا يتناول البناء على الاظهر (وأما) اسم القربة والدسكرة فيتناول البناء والشجر) * إذا قال بعتك هذا الباغ والبستان دخل في البيع الارض والاشحار والحائط وفي دخول البناء الذى فيه ما سبق في دخوله تحت الارض وفي العريش الذى توضع عليه القضبان تردد للشيخ أبى محمد والظاهر عند الامام دخوله وذكروا أن لفظ الكرم كلفظ البستان ولكن العادة في نواحينا إخراج الحائط عن مسمى الكرم وادخاله في مسمى(9/30)
البستان ولا يبعد أن يكون الحكم علي ما استمر الاصطلاح به ولو قال هذه الدار بستان دخلت الابنية والاشجار جميعا ولو قال هذا الحائط بستان أو هذه المحوطة دخل الحائط المحيط وما فيه من الاشجار وفي البناء الخلاف السابق هكذا ذكره في التهذيب ولا يتضح في لفظ المحوطة فرق بين الابنية والاشجار فليدخلا أو ليكونا على الخلاف ولو قال بعتك هذه القرية دخل في البيع الابنية والساحات التى تحيط بها الصور وفى الاشجار وسطها الخلاف.
اختيار الامام وصاحب الكتاب دخولها بخلاف اختيارهما في لفظ الارض (وأما) المزارع فلا تدخل في البيع الا ترى أنه لو حلف أنه لا يدخل القرية لم يحنث بدخوله المزارع ولو قال بعتكها بحقوقها لم تدخل أيضا بل لابد من نص على المزارع وفى النهاية أنها تدخل وذكر القاضى ابن كج أنها تدخل إذا قال بحقوقها وهما غريبان والله أعلم * قال (اللفظ الثالث الدار ولا يندرج تحته المنقولات إلا مفتاح الباب استتناه صاحب التلخيص ويندرج تحته الثوابت وما أثبت من مرافق الدار للبقاء كالابواب والمغاليق تندرج وفي الاشجار(9/31)
وحجر الرحي والاجانات المثبتة خلاف وفى معناها الرفرف والسلاليم المثبتة بالمسامير) * إذا قال بعتك هذه الدار دخل في المبيع الارض والابنية على تنوعها حتى يدخل الحمام المعدود من مرافقها وحكي عن نصه أن الحمام لا يدخل وحملوه على حمامات الحجاز وهى بيوت من خشب تنقل ولو كان في وسطها أشجار ففى دخولها ما سبق في دخولها تحت بيع الارض ونقل الامام في دخولها ثلاثة أوجه (ثالثها) الفرق بين أن يكثر بحيث يجوز تسمية الدار بستانا فلا يدخل في لفظ الدار وبين أن لا تكون كذلك فتدخل (وأما) الآلات في الدار فهى علي ثلاثة أنواع (أحدها) المنقولات كالدلو والبكرة والرشا والمجارف والسررو الرفوف الموضوعة على الاوتاد والسلاليم التى لم تسمر ولم تطين والاقفال والكنوز والدفاين فلا يدخل شئ منها في البيع نعم في مفتاح المغلاق المثبت وجهان (أحدهما) أنه كسائر المنقولات (وأصحهما) ويحكى عن صاحب التلخيص أنه يدخل لانه من توابع المغلاق المثبت وفي ألواح الدكاكين مثا هذين الوجهين لانها أبواب لها وان كانت تنقل وتردد في الفوقاني من حجر الرحى(9/32)
مثل هذين الوجهين ان أدخلنا التحتاني والاصح الدخول والثانى ما أثبت تتمة للدار ليدوم فيها ويبقي كالسقوف والابواب المنصوبة وما عليها من المغاليق والحلق والسلاسل والضبات تدخل في البيع فانها معدودة من أجزاء الدار (الثالث) ما أثبت على غير هذا الوجه كالرفوف والدنان والاجانات المثبتة والسلاليم المسمرة والاوتاد المثبتة في الارض والجدران والتحتاني من حجر الرحى وخشب القصار ومعجن الخباز ففى جميع ذلك وجهان (أصحهما) أنها تدخل لثباتها واتصالها (والثاني) لا تدخل لانها انما أثبتت لسهولة الارتفاق بها كى لا تتزعزع وتتحرك عند الاستعمال واشار الامام إلى القطع بدخول الحجرين في بيع الطاحونة وبدخول الاجانات المثبتة إذا باع باسم المدبغة والمصبغة وان الخلاف في دخولها تحت بيع الدار وفى التتمة أن أصل الخلاف في هذه المسائل الخلاف في تجويز الصلاة إلى العصا المغروزة في سطح الكعبة إن جوزنا فقد عددناها من البناء فتدخل والا فلا وهذا يقتضى التسوية بين اسم الدار والمدبغة (وقوله) في الكتاب وتندرج تحته الثوابت وما أثبت من مرافق الدار كأنه(9/33)
يعنى بالثوابت ما هو ثابت في نفسه من غير اثبات أو ما هو من ضرورات الدار وبما أثبت من المرافق ما سواها * (فروع) (أحدها) لا يدخل مسيل الماء في بيع الارض وكذا لا يدخل فيه شربها من القناة أو النهر المملوكين إلا أن يشرط أو يقول بحقوقها وحكى أبو عاصم العبادي وجها أنه لا يكفى ذكر الحقوق وإذا كان في الدار المبيعة بئر ماء دخلت في المبيع والماء الحاصل في البئر لا يدخل أما إذا لم نجعله مملوكا فظاهر وأما إذا جعلناه مملوكا فلانه نماء ظاهر فأشبه الثمار المؤبرة وفى النهاية حكاية وجه أنه يدخل إذا جعلناه مملوكا وينزل منزلة الثمار التى لم تؤبر لانه العرف فيه وان شرط دخوله في البيع صح على قولنا أن الماء مملوك بل لا يصح البيع دون هذا الشرط والا اختلط ماء المشترى بماء البائع وانفسخ البيع وذكر الخلاف في الماء وتفاريعه مؤخر إلى احياء الموات (الثاني) لو كان في الارض أو الدار معدن ظاهر كالنفط والملح والغاز والكبريت فهو كالماء وإن كان باطنا كالذهب والفضة دخل في البيع ألا أنه لا يجوز بيع ما فيه معدن الذهب والفضة من جهة الربا وفي(9/34)
بيعه بالفضة قولان للجمع في الصفقة الواحدة بين البيع والصرف (الثالث) باع دارا في طريق غير نافذ دخل حريمها في البيع وفى دخول الاشجار الخلاف الذى سبق وان كان في طريق نافذ لم يدخل الحريم ولا الاشجار في البيع بل لا حريم لمثل هذه الدار على ما سنذكر في أحياء الموات * قال * (اللفظ الرابع العبد ولا يتناول مال العبد (وان قلنا) أنه يملك بالتمليك وفي ثيابه التى عليه ثلاثة أوجه وفي (الثالث) يندرج ساتر العورة دون غيره والوجه الصحيح تحكيم العرف) * العبد إذا ملكه سيده مالا هل يملكه فيه قولان مذكوزان بتوجيههما في باب معاملات العبيد * إذا عرف ذلك فلو ملكه سيده مالا ثم باعه وشرط المال لنفسه فلا كلام وان أطلق بيعه لم يتبعه المال أيضا (أما) إذا قلنا أنه لا يملك فظاهر (وأما) إذا قلنا أنه يملك فلان اللفظ لا يتناول المال وهو بسبيل من الرجوع فيه وكان ترك التعرض للمال رجوعا * وان باعه مع المال (فان قلنا) أنه(9/35)
لا يملك ما ملكه اعتبر فيه شرائط المبيع حتى لو كان مجهولا أو غائبا لم يصح البيع وكذا لو كان ذهبا والثمن فضة أو بالعكس فهو على قول الجمع بين البيع والصرف (وان قلنا) أنه يملك فقد نص أن المال ينتقل إلى المشترى مع العبد وأنه لا بأس بكونه مجهولا أو غائبا ولم يحتمل ذلك عن أبى سعيد الاصطخرى أن المال تابع وقد يحتمل في البائع ما لا يحتمل في الاصل ألا ترى أن الجهل في الحمل واللبن التابعين محتمل وكذا الجهل بحقوق الدار * وعن ابن سريج وأبى اسحق أن المال ليس بمبيع لا أصلا ولا تبعا ولكن شرطه للمبتاع يبقيه له على العبد كما كان فللمشترى انتزاعه منه كما كان للبائع الانتزاع فعلى هذا لو كان المال ربويا والثمن من جنسه فلا بأس وعلى الاول لا يجوز ذلك ولا يحتمل الربا في البائع كما في الاصل وأصح المعنين عند الاصحاب الثاني * هذه إحدى مسألتي الفصل (والثانية) الثياب التى على العبد هل تدخل في بيعه فيه وجهان (أحدهما) لا تدخل أقتصار اعلى اللفظ كما أن السرج لا يدخل في بيع(9/36)
الدابة (والثانى) تدخل وعلى هذا فوجهان (أحدهما) أن ما عليه من الثياب تدخل اعتبارا بالعرف وبه قال أبو حنيفة (والثانى) يدخل ساتر العورة دون غيره (وقوله) في الكتاب والوجه الصحيح تحكيم العرف ربما أشعر بوجه رابع لكن المنقول ليس إلا الوجوه الثلاثة فهو إذن ترجيح لوجه دخول ما عليه من الثياب لكن صاخب التهذيب وغيره رجحوا الوجه السائر إلى أن شيئا منها لا يدخل في البيع وكذا قالوا في عذار الدابة (وأما) نعلها فيدخل وكذا برة الناقة إلا أن يكون من ذهب أو فضه * قال (اللفظ الخامس الشجر ويندرج تحته الاغصان والاوراق حتى ورق الفرصاد على الاصح وكذا العروق ويستحق الابقاء مغروسا ولا يستحق المغرس على الاصح من القولين ولكن يستحق منفعتها للابقاء) * في الفصل مسألتان (إحداهما) أغصان الشجرة تدخل في مطلق بيعها لانها معدودة من أجزاء(9/37)
الشجرة نعم لا يدخل الغصن اليابس في بيع الشجرة الرطبة لان العادة فيه القطع كما في الثمار قال في التهذيب ويحتمل أن يدخل كالصوف على ظهر الغنم وتدخل العروق أيضا في مطلق بيع الشجرة وكذلك الاوراق إلا أن شجرة الفرصاد إذا بيعت في الربيع وقد خرجت أوراقها ففى دخولها تحت البيع وجهان (أصحهما) تدخل كما في غير وقت الربيع وكما في سائر الاشجار (وقال) أبو إسحق لا تدخل لانها كثمار سائر الاشجار وفى أوراق شجر النبق ذكر طريقين في التتمة (أظهرهما) أنها كاوراق غيرها من الاشجار (والثانى) أنها كاوراق الفرصاد لانها تلتقط ليغسل بها الرأس (الثانية) لو باع شجرة يابسة فعلى المشترى تفريغ الارض عنها للعادة (قال) في التتمة فلو شرط ابقاءها فسد البيع كما لو اشترى الثمرة بعد التأبير وشرط عدم القطع عند الجذاذ ولو باعها بشرط القلع أو القطع جاز وتدخل العروق في البيع عند شرط القلع ولا تدخل عند شرط القطع بل تقطع عن وجه الارض وان كانت الشجره رطبة فباعها بشرط الابقاء أو شرط القلع اتبع الشرط ولو أطلق جاز الابقاء أيضا(9/38)
للعادة كما لو اشترى بناء يستحق ابقاءه وهل يدخل المغرس في البيع وجهان.
وقال الامام وصاحب الكتاب رحمهما الله قولان (أحدهما) ويحكي عن أبى حنيفة نعم لانه يستحق منفعته لا إلى غاية وذلك لا يكون إلا على سبيل الملك ولا وجه لتملكه إلا دخوله في البيع (وأصحهما) لا لان أسم الشجرة لا يتناوله وقد يستحق غير المالك المنفعة لا إلى غاية كما لو أعار جداره ليضع غيره الجذغ عليه فعلى الوجه الاول لو انقلعت الشجرة أو قلعها المالك كان له أن يغرس بدلها وله أن يبيع المغرس وعلى الثاني ليس له ذلك ويجرى الخلاف فيما لو اشترى أرضا وشرط البائع لنفسه شجرة منها ان المغرس يبقي له أم لا * قال (وان كان عليها ثمرة مؤبرة لم تندرج تحته وغير المؤبرة تندرج (ح) وفى معني المؤبرة كل ثمرة بارزة ظهرت للناظرين وإذا تأبر بعض الثمار حكم بانقطاع التبعية في الكل نظرا إلى وقت التأبير لعسر تتبع العناقيد هذا إذا اتحد النوع وشملت الصفقة فان اختلفا أو أحدهما ففيه خلاف المقصود) * بيان أن الثمرة متى تندرج في بيع الشجرة ومتى لا تندرج * والاصل في الباب ما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما(9/39)
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من باع نخلة بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع) وروى أن رجلا ابتاع نخلا من آخر واختلفا فقال المبتاع أنا أبرته بعدما ابتعت وقال البائع أنا أبرته من قبل البيع فتحاكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى بالثمرة لمن أبر منهما) * وأول ما يحتاج إلى معرفته تفسير التأبير * اعلم أن النخيل فحول وأناث ومعظم المقصود من طلع الفحول استصلاح الاناث بها والذى يبدو منها اولا أكمة صغيرة ثم
__________
(حديث) من باع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع.
الشافعي عن ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه رواه مسلم واتفقا عليه من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر بلفظ قد أبرت وأخرجه الشافعي أيضا عن مالك قال الشافعي هذا الحديث ثابت عندنا وبه نأخذ (تنبيه) وقع في بعض تنسخ الرافعي قبل ان تؤبر وهو غلط من الناسخ وكذا عزاه ابن الرفعة في المطلب للمختصر فوهم وقد ذكره امام الحرمين في النهاية على المختصر على الصواب * (حديث) روي أن رجلا ابتاع نخلا من آخر واختلفا فقال المبتاع أنا أبرته بعد(9/40)
تكبر وتطول حتى تصير كأذن الحمر فإذا كبرت تشققت فتظهر العناقيد في أوساطها فيذر فيها طلع الفحول ليكون الحاصل من رطبها اجود فالتشقيق ودر طلع الفحول فيها هو التأبير وقد يسمى تلقيحا أيضا ثم الاكثرون يسمون الكمام الخارج كله طلعا والامام خص اسم الطلع بما يظهر من النور على العنقود من تشقق الكمام ثم المتعهدون للنخيل لايؤبرون جميع الاكمة ولكن يكتفون بتأبير البعض والباقي ينشق بنفسه وينبث ريح الفحول إليه وقد لا يؤبر في الحائط شئ وتتشقق الاكمة بنفسها إذ كبرت الا أن رطبه لا يجئ جيدا وكذلك الخارج من الفحول ينشق بنفسه ولا يشقق غالبا * إذا تقرر ذلك فإذا باع نخلة عليها ثمرة وشرطاها للبائع لم تندرج في بيع النخلة وان شرطاها
__________
= ما بتعت وقال البائع أنا أبرته قبل البيع فتحاكما إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فقضى بالثمرة لمن أبر منهما.
البيهقي في المعرفة من طريق الشافعي من مرسل عطاء وعزاه ابن الطلاع في الاحكام إلى الدلائل للاصيلي مسندا عن ابن عمر *(9/41)
للمشترى اندرجت وان أطلقا وهى مسألة الكتاب نظر ان كانت مؤبرة لم تندرج في البيع وكذا لو لم تؤبر وتشققت الاكمة بنفسها اعتبارا لظهور المقصود وان لم تؤبر ولا تشققت هي اندرجت في البيع وبه قال مالك وأحمد (وقال) أبو حنيفة تبقى الثمار للبائع أبرت أو لم تؤبر * لنا ما سبق من الخبر وأيضا فان لها حالة كمون وظهور بأصل الخلقة فيتبع الاصل في حالة الكمون اعتبارا بحال البهيمة والجارية ولو باع الفحول من النخيل بعد تشقق طلعها لم يندرج الطلع في البيع وان لم يتشقق فوجهان (أظهرهما) الاتدراج كما في طلع الاناث (والثانى) لا يندرج لان طلع الفحل يؤكل على(9/42)
هيئته ويطلب لتلقيح الاناث به وليس له غاية منتظرة بعد ذلك فكان ظهوره كظهور ثمرة لا قشر لها بخلاف طلع الاناث فانه يعني بثمرته فاعتبر ظهورها * ثم الكلام في أمرين (أحدهما) ما عدا النخيل من الاشجار أقسام (أولها) ما يفصل منه الورق كشجر الفرصاد وقد ذكرنا حكمه (قال) في البيان وشجر الحنا ونحوه يجوز أن يلحق بشجر الفرصاد ويجوز أن يقال إذا ظهر ورقه فهى للبائع بلا خلاف لانه لا ثمرة لها سوى الورق وللفرصاد ثمرة مأكولة (وثانيها) ما يقصد منه الورد وهو على ضربين (أحدهما) ما يخرج في كمام ثم ينفتح كالورد الاحمر فإذا بيع أصله بعد خروجه وتفتحه فهو للبائع كطلع(9/43)
النخل المتشقق وان بيع بعد خروجه وقبل تفتحه فهو للمشترى كالطلع قبل التشقق وعن الشيخ أبى حامد أنه يكون للبائع أيضا (والثانى) ما يخرج ورده ظاهرا كالياسمين فان خرج ورده فهو للبائع والا فللمشترى (وثالثها) ما يقصد منه الثمرة وهو على ضربين (أحدهما) ما تخرج ثمرته بارزة بلا قشر ولا كمام كالتين فهو كالياسمين والحق العنب بالتين وان كان لكل حبة منه قشر لطيف يتشقق ويخرج منها نور لطيف لان مثل ذلك موجود في ثمر النخل بعد التأبير ولا عبرة به (والثانى) ما لا يكون كذلك وهو على ضربين (أحدهما) ما تخرج ثمرته في نور ثم يتنائر النور فتبرز الثمرة بلا حائل كالمشمش(9/44)
والتفاح والكمثرى وما أشبهها فان باع الاصل قبل انعقاد الثمرة فانها تنعقد على ملك المشترى وان
كان النور قد خرج وان باعه قبل الانعقاد وتناثر النور فهى للبائع وان باعه بعد الانعقاد قبل تناثر النور فوجهين (أحدهما) أنها للمشترى تنزيلا للاستتار بالنور منزلة استتار ثمر النخل بالكمام (والثانى) أنها للبائع تنزيلا لها منزلة استتارها بعد التأبير بالقشر الابيض وهذا أرجح عند أبى القاسم الكرخي وصاحب التهذيب لكن الاول هو المحكى عن نصه في البويطي وعن أبى اسحق واختاره ابن الصباغ والقاضى الرويانى والله أعلم (والثانى) ما يبقي له حائل على الثمرة المقصودة وله ضربان (أحدهما) ماله(9/45)
قشرة واحدة كالرمان * فإذا بيع أصله وقد ظهر الرمان بقشره فهو للبائع ولا اعتبار بقشره لان ابقاءه من مصلحته وان لم تظهر فالذي يظهر يكون للمشترى (والثانى) ماله قشرتان كالجوز واللوز والفستق والرانج فان باعها قبل خروجها فانها تخرج علي ملك المشترى وان باعها بعد الخروج فتبقي على ملك البائع ولا يعتبر في ذلك تشقق القشرة العليا على أصح الوجهين (والثانى) يعتبر وبه قال الشيخ أبو حامد وطبقته * واعلم أن أشجار الضربين الاخيرين (منها) ما يخرج ثمره في قشره من غير نور كالجوز(9/46)
والفستق (ومنها) ما يخرج في نور ثم يتناثر عنه كالرمان واللوز وما ذكرنا من الحكم فيما إذا بيع الاصل بعد تناثر النور عنه فان بيع قبله عاد فيه الكلام السابق * (فرع) الكرسف وهو القطن نوعان (أحدهما) ماله ساق تبقى سنين وتثمر كل سنة وهو كرسف الحجاز والبصرة والشام فهو كالنخل أن بيع أصله قبل خروج الجوزق أو بعده وقبل تشققه فالحاصل للمشترى وان بيع بعد التشقق فهو للبائع (والثانى) ما لا يبقى أكثر من سنة فهو كالزرع(9/47)
فان باعه قبل خروج الجوزق أو بعده وقبل تكامل القطن فلابد من شرط القطع ثم ان لم يتفق القطع حتى خرج الجوزق فهو للمشترى لحدوثه من عين ملكه (قال) في التهذيب وان باعه بعد تكامل القطن فان تشقق الجوزق صح البيع مطلقا ودخل القطن في البيع بخلاف الثمرة المؤبرة لا تدخل في بيع الشجرة لان الشجرة مقصودة لثمار سائر الاعوام ولا مقصود هنا سوى الثمرة الموجودة وان لم
يتشقق لم يجز البيع في أصح الوجهين لان المقصود مستتر بما ليس من صلاحه بخلاف الجوز واللوز في القشرة السفلى (الامر الثاني) لا يشترط لبقاء الثمرة على ملك البائع التأبير في كل كمام وعنقود لما(9/48)
في بيع ذلك من العسر بل إذا باع نخلة أبر بعض طلعها بقي الكل للبائع وجعل غير المؤبر تابعا للمؤبر وذلك أولى من أن يعكس فيجعل المؤبر تابعا لغير المؤبر لان المؤبر ظاهر واتباع الباطن الظاهر أولى كما أن باطن الصبرة تبع لظاهرها في الرؤية ولان الباطن صائر إلى الظهور بخلاف العكس * ولو باع نخلات طلع بعضها مؤبر وطلع البعض غير مؤبر فلها حالتان (إحداهما) أن يكون في بستان واحد فينظر إن اتحد النوع وباعها صفقة واحدة فالحكم كما في النخلة الواحدة إذا أبر بعض ثمرها دون بعض وان أفرد ما لم يؤبر طلعه فوجهان (أحدهما) أنه يبقى للبائع أيضا لدخول(9/49)
وقت التأبير والاكتفاء به عن نفس التأبير (وأصحهما) أنه يكون للمشترى لانه ليس في المبيع شئ مؤبر حتى يجعل غير المؤبر تبعا له فيبقي تبعا للاصل وان اختلف النوع فوجهان (احدهما) وبه قال ابن خيران أن غير المؤبر يكون للمشترى والمؤبر للبائع لان لاختلاف النوع تأثيرا بينا (في اختلاف الايدى وقت التأبير) (وأصحهما) أن الكل يبقي للبائع كما لو اتحد النوع دفعا لضرر اختلاف الايدي وسوء المشاركة (الحالة الثانية) أن يكون في بستانين فحيث قلنا في البستان الواحد إن كل واحد من المؤبر وغير المؤبر يفرد بحكمه فهاهنا أولى وحيث قلنا بأن غير المؤبر يتبع المؤبر فهاهنا
__________
ما بين القوسين ساقط في بعض النسخ(9/50)
وجهان (أصحهما) أن كل بستان يفرد بحكمه والفرق أن لاختلاف البقاع تأثيرا في وقت التأبير وأيضا فانه يلزم في البستان الواحد ضرر اختلاف الايدى وسوء المشاركة ولان للخطة الواحدة من التأثير في الجمع ما ليس للخطتين ألا ترى أن خطة المسجد تجمع بين الامام والمأموم وان اختلف البناء وتباعدت المسافة بينهما ولا فرق بين أن يكون البستانان متلاصقين أو متباعدين *
(فروع) أحدها إذا باع نخلة وبقيت الثمرة له ثم خرج طلع آخر من تلك النخلة أو من نخلة أخرى حيث يقتضى الحكم اشتراكهما في الحال ففيه وجهان (أصحهما) أن الطلع الجديد للبائع أيضا(9/51)
لانه من ثمرة العام (وقال) ابن أبى هريرة أنه للمشترى لانه حدث من ملكه بعد البيع (الثاني) لو جمع في صفقة واحدة بين فحول النخل وإناثها كما لو جمع بين نوعين من الاناث (الثالث) قال في التهذيب تشقق بعض الجوزق من الكرسف كتشقق الكل وما تشقق من الورد يبقي للبائع وما لم يتشقق يكون للمشترى وان كانا على شجرة واحدة ولا يتبع البعض البعض بخلاف ثمر النخل لان المتشقق لا يقطع بل يترك إلى إدراك الكل وما تشقق من الورد يجتني ولا يترك إلى تشقق الباقي وذكر أيضا أن التين والعنب إن ظهر بعضه دون بعض فما ظهر يكون(9/52)
للبائع وما لم يظهر يكون للمشترى وهذه الصورة الاخيرة محل التوقف والله أعلم * (وأما) لفظ الكتاب (فقوله) وغير المؤبر يندرج يحتاج إلى قيد آخر وهو أن لا يتشقق بنفسه إذ لو تشقق لما اندرج وان لم يؤبر على أن بعضهم فسر التأبير بما يدخل فيه التشقيق والتشقق فعلى ذلك الاصطلاح يستمر الكلام على ظاهره (وقوله) كل ثمرة ظهرت للناظرين أي إما في إبتداء الوجود كالتين أو بالتفتح كالورد أو بالخروج من النور على التفصيل السابق (وقوله) نظرا إلى وقت التأبير هذا التوجيه يقتضى أن يكون احد البستانين تابعا للآخر لدخول وقت التأبير لكن الظاهر خلافه(9/53)
على ما مر فهو إذا محمول على نخيل البستان الواحد وفى قوله هذا أذا اتحد النوع وشملت الصفقة مثل هذا الكلام المعني وان اتحد البستان إلا أن يجاب بالوجه الآخر * قال * (وليس لمشترى الاشجار أن يكلف البائع قطع الثمار بل له (ح) الابقاء إلى أوان القطاف للعرف ولكل واحد أن يسقى الاشجار إذا كان يحتاج إليه إن لم يكن يتضرر صاحبه وان تقابل الضرران فأيهما أولى به فيه ثلاثة أوجه (أصحها) أن المشترى أولى إذا التزم البائع سلامة الاثمار له وفي (الثالث)
يتساويان فيفسخ العقد لتعذر الامضاء إن لم يصطلحا ومهما لم تتضرر الثمار بالسقي وتضرر الشجر بترك السقى فعلى البائع السقى أو القطع) *(9/54)
في الفصل صور (إحداها) إذا باع الشجرة وبقيت الثمرة للبائع فان شرط القطع في الحال لزمه القطع وان أطلق فليس للمشترى أن يكلفه القطع في الحال بل له الابقاء إلى أوان الجذاذ في النخل والقطاف في العنب وبه قال مالك وأحمد (وقال) أبو حنيفة يلزمه القطع في الحال ولو شرط الابقاء فسد * لنا أن مطلق العقد محمول على المعتاد والمعتاد في الثمار الابقاء حتى لو كانت الثمرة من نوع يعتاد قطعها قبل النضج يكلف القطع وإذا جاء وقت الجذاذ لا يمكن من أن يأخذها علي التدريج ولا يؤخر إلى نهاية النضج (واعلم) أنه حكي اختلاف القول في جواز ابقاء الثمار في صورتين (إحداهما)(9/55)
لو تعذر السقى لانقطاع الماء وعظم ضرر النخيل بابقاء الثمار ففيه قولان منقولان عن الام (قال) أبو القاسم الكرخي (أصحهما) أنه ليس له الابقاء دفعا للضرر عن المشترى (الثانية) لو أصاب الثمار آفة سماوية ولم يكن في إبقائها فائدة هل له الابقاء عن رواية صاحب التقريب فيه قولان (الصورة الثانية) سقي الثمار عند الحاجة على البائع وعلى المشترى تمكينه من دخول البستان ليسقى فان لم يأتمنه نصب الحاكم أمينا للسقي ومؤنته على البائع وإذا كان السقى ينفع الثمار والاشجار معا فلكل واحد من البائع والمشترى السقى وليس للآخر منعه وان كان يضربهما معا فليس لاحدهما السقى إلا برضى(9/56)
الآخر وان أضر بالثمار ونفع الاشجار فأراد المشترى أن يسقى ونازعه البائع فوجهان (قال) ابن أبى هريرة للمشترى السقي ولا يبالى برضى البائع لانه قد رضى به حين أقدم على هذا العقد (وقال) أبو إسحاق يفسخ العقد لتعذر امضائه إلا باضرار أحدهما فان سامح أحدهما الآخر أقر وهذا أظهر وان أضر بالاشجار ونفع الثمار وتنازعا جري الوجهان فعند ابن أبى هريرة للبائع السقى (وقول) أبى اسحق لا يختلف فهذا ما نقله الجمهور واقتصروا عليه * وحكى الامام وصاحب الكتاب في الصورتين ثلاثة أوجه
(أحدها) أنه يجاب المشترى إلى مطلوبه لانه التزم سلامة الاشجار للبائع (وثانيها) أنه يجاب البائع(9/57)
لاستحقاقه ابقاء الثمار (والثالث) يتساويان وترجيح الوجه الاول مما لم أره إلا لصاحب الكتاب * ولو كان السقى يضر باحدهما وترك السقى يمنع حصول زيادة في جانب الثاني ففى التحاقه بتقابل الضرر احتمالان عند الامام (الصورة الثالثة) لو لم يسق البائع وتضرر المشترى ببقاء الثمار لامتصاصها رطوبة الاشجار أجبر على السقى أو القطع فان تعذر السقي لانقطاع الماء ففيه القولان السابقان والله أعلم * قال (اللفظ السادس بيع الثمار * وموجب إطلاقه استحقاق الابقاء إلى القطاف فان كان بعد بدو الصلاح صح بكل حال وموجب الاصلاق التبعية (ح) وإن كان قبله بطل (ح) الا بشرط القطع(9/58)
لانها تتعرض للعاهات فلا يوثق بالقدرة على التسليم إلى القطاف وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم (عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة) ولو اشتراها صاحب الشجرة فلا يجب شرط القطع (و) ولو باع الشجرة وبقيت الثمار له لم يجب شرط القطع لان المبيع هو الشجر ولا خوف فيه ولو باع الشجرة مع الثمرة فلا يشترط القطع لفقد العلة المذكورة ولو اطرد عرف قوم بقطع الثمار ففى الحاق العرف الخاص بالعام خلاف) * قد ذكر في اللفظ الخامس حكم بيع الاشجار دون التعرض للثمار والغرض الآن الكلام في بيع الثمار دون التعرض للاشجار وهى إما أن تباع بعد بدو الصلاح أو قبله (الحالة
__________
(حديث) أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة رواه الشافعي وغيره وقد تقدم *(9/59)
الاولى) إذا بيعت بعد بدو الصلاح جاز مطلقا وبشرط ابقائها إلى وقت الجذاذ وبشرط القطع سواء كانت الاصول للبائع أو للمشترى أو لغيرهما لما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها " والحكم بعد الغاية يخالف الحكم قبلها * ثم عند الاطلاق يجوز الابقاء إلى أوان الجذاذ للعرف وشرط التبعية تصريح بما هو من مقتضيات العقد وساعدنا
مالك وأحمد على ما ذكرناه وعند ابى حنيفة لا يجوز البيع بشرط الابقاء ويلزم القطع في الحال في صورة الاطلاق ولا يجوز ان يبيع الثمار بعد بدو الصلاح مع ما يحدث بعدها خلافا لمالك (الحالة الثانية) إذا بيعت
__________
(حديث) أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها متفق عليه من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر وأخرجه عن الشافعي في رواية لمسلم حتى يبدو صلاحه حمرته وصفرته وفي رواية له قال ما صلاحه قال تذهب عاهته وفي رواية لها قيل لابن عمر وأخرجه مسلم عن جابر وأبي هريرة وفي البخاري عن سهل ابن أبي حثمة وغيره عن زيد ابن ثابت وفيه قصة *(9/60)
قبل بدو صلاحها (فاما) أن تباع مفردة عن الاشجار أو معها (الحالة الاولى) أن تباع مفردة عن الاشجار فالاشجار تصور على وجهين (أحدهما) أن تكون للبائع أو لغير المتعاقدين فلا يجوز بيع الثمار مطلقا ولا بشرط الابقاء ويجوز بشرط القطع (أما) الجواز بشرط القطع فمجمع عليه واما انه لا يجوز مطلقا وبشرط الابقاء فلما سبق من الخبر فان ظاهره يمنع من مطلق البيع خرج البيع المشروط بالقطع بالاجماع فيعمل به فيما عداه والمعني الفارق بين ما بعد بدو الصلاح وقبله أن الثمار بعد بدو الصلاح تأمن من العاهات والجوائح غالبا لكبرها وغلظ نواها وقبل بدو الصلاح تسرع إليها(9/61)
العاهات لضعفها فإذا تلفت لم يبقى شئ في مقابلة الثمن وكان ذلك من قبل أكل المال بالباطل والى هذا المعني أشار باللفظ المروى في الكتاب وهو أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة * وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال " أرأيت إذا منع الله الثمرة فبم يستحل أحدكم مال أخيه " (فاما) إذا شرط القطع فيتبين أن غرضه هو الحصرم والبلح وأنه حاصل هذا هو المعنى المشهور وحكى الامام مع ذلك معني آخر عن بعض الاصحاب وهو أن الثمار قبل بدو الصلاح تكبر أجزاؤها كبرا ظاهرا وتلك الاجزاء
__________
(حديث) انه صلى الله عليه وسلم قال أرايت إذا منع الله الثمرة فبم يستحل أحدكم مال أخيه * متفق عليه من حديث أنس وقد بينت في المدلج أن هذه الجملة موقوفة من قول أنس وان دفعها وهم وبيانها عند مسلم *(9/62)
من أجزاء الشجرة بامتصاصها رطوباتها فيتعذر الابقاء لذلك كما يتعذر البيع بشرط أن يأكل العبد المبيع من مال البائع وساعدنا مالك وأحمد على قولنا * وقال أبو حنيفة لا يصح البيع بشرط الابقاء ويصح مطلقا ويؤمر بقطعه في الحال وهذا ذهاب إلى أن مقتضى الاطلاق القطع إذ به يحصل التسليم وعندنا مقتضى الاطلاق الابقاء بناء على العادة العامة كما تنزل الدراهم المطلقة في العقد على النقد الغالب والاجارة المطلقة على المنازل المعهودة في الطريق والتسليم يجب بحسب العادة ألا ترى أنه لو باع دارا فيها أمتعة كثيرة لا يلزمه نقلها في جنح الليل ولا أن يجمع كل حمال في البلد لتعجيل التسليم ولكن ينقل على العادة ثم ههنا فروع(9/63)
* (أحدها) * وقد ذكره في الكتاب لو كان في البلاد الشديدة البرد كروم لا تنتهى ثمارها إلى الحلاوة واعتاد اهلها قطعها حصرما ففى بيعها وجهان (عن) القفال أنه يصح من غير شرط القطع تنزيلا لعادتهم الخاصة منزل العادات العامة وقد ذكرنا أن العقد المطلق محمول على المعتاد فيكون القطع المعهود كالمشروط وامتنع الاكثرون من ذلك ولم يروا تواطؤ قوم مخصوصين بمثابة العادات العامة وهذا الخلاف يجرى فيما لو جرت عادة قوم بانتفاع المرتهن بالمرهون حتى تنزل عادتهم على رأى منزلة شرط الانتفاع ويحكم بفساد الرهن واشار امام الحرمين رحمه الله الي تخريج ذلك على مسألة(9/64)
السر والعلانية (الثاني) إذا باع بشرط القطع وجب الوفاء به ولو تراضيا على الترك فلا بأس وكان بدو الصلاح ككبر العبد الصغير وعن أحمد أنه يبطل البيع وتعود الثمرة إلى البائع (الثالث) قال في التتمة إنما يجوز البيع بشرط القطع إذا كان المقطوع منتفعا به كالحصرم واللوز ونحوهما (فاما) ما لا منفعة فيه كالجوز والكمثرى فلا يجوز بيعه بشرط القطع أيضا (الوجه الثاني) أن تكون الاشجار للمشترى مثل أن يبيع الشجرة من انسان بعد ظهور الثمرة وتبقى الثمرة له علي ما مر ثم يبيع الثمرة من مالك الشجرة أو يوصي بالثمرة لانسان ثم يبيع الموصى له الثمرة من الوارث فهل يشترط شرط القطع فيه وجهان (أصحهما) عند الجمهور نعم لشمول الخبر والمعني فان المبيع هو الثمرة ولو تلفت لم يبق في(9/65)
مقابلة الثمر شئ ولكن يجوز له الابقاء ولا يلزمه الوفاء بالشرط ههنا إذ لا معني لتكليفه قطع ثماره من أشجاره (والثانى) وهو الذى أورده في الكتاب أنه لا حاجة إلى شرط القطع لانه يجمعها مالك واحد فاشبه ما لو اشتراهما معا وسيأتى ذلك ولو باع الشجرة وعليها ثمرة مؤبرة فبقيت للبائع فلا حاجة إلى شرط القطع لان المبيع هو الشجرة وهى غير متعرضة للعاهات والثمار مملوكة له بحكم الدوام ولو كانت الثمرة غير مؤبرة فاستثناها لنفسه فهل يجب شرط القطع فيه وجهان (أحدهما) نعم لان الثمار والحالة هذه مندرجة لولا الاستثناء فكان كملك مبتدأ (وأصحهما) أنه لا يجب لانه في الحقيقة استدامة ملك(9/66)
فعلى هذا له الابقاء إلى وقت الجذاذ ولو صرح بشرط الابقاء جاز وعلى الاول لا يجوز (الحالة الثانية) ان تباع الثمار مع الاشجار فيجوز من غير شرط القطع بل لا يجوز شرط القطع فيه اما انه يجوز من غير شرط القطع فلما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (من باع نخلة بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع الا أن يشترط المبتاع جواز شرط الثمرة للمبتاع مع الاصل مطلقا) والمعني فيه أن الثمرة ههنا تتبع الاصل والاصل غير متعرض للعاهة وقد يحتمل في الشئ إذا كان تابعا ما لا يحتمل فيه إذا افرد بالتصرف كالحمل في البطن واللبن في الضرع (وأما) أنه لا يجوز شرط القطع فيه فلما فيه من الحجر عليه في ملكه * ثم نتكلم في عباراة(9/67)
الكتاب (قوله) صح بكل حال معلم بالحاء لانه يتناول البيع بشرط التبعية وقد سبق أن أبا حنيفة لا يجوزه (وقوله) موجبا لاطلاق التبعية مستغني عنه لان في قوله وموجب اطلاقه استحقاق الابقاء إلى القطاف ما يغني عنه ثم هو معلم بالحاء وكذا قوله بطل الا بشرط القطع لما مر (وقوله) لانها تتعرض للعاهات فلا يوثق بالقدرة على التسليم إلى القطاف اراد به ان تمام التسليم انما يحصل بالقطاف وهو بعرض الجوائح والآفات قبل ذلك فالقدرة على التسليم إذا غير موثوق بها لكن في كون الامر كذلك مزيد كلام ستعرفه في مسألة الجوائح وما بعدها وقوله لفقد العلة المذكورة أراد به أن تمام التسليم ههنا يحصل بالتخلية ولا يتوقف على القطاف لكون الاصول مملوكة له (وقوله) ففى الحاق العرف الخاص بالعام خلاف ليس فيه تصريح بحكم المسألة لكن فيه(9/68)
اشارة إلى مأخذها معناه في الاستغناء عن شرط القطع خلاف وجه الاستغناء حمل المطلق على القطع المعهود كما يحمل المطلق على الابقاء المعهود ذهابا إلى أن المعهود بالعرف الخاص كالمعهود بالعرف العام * قال (ثم اتفقوا علي أن (ح) وقت بدو الصلاح كاف كما في التأبير ولكن بشرط اتحاد الجنس وكذلك ينبغى أن يتحد النوع والبستان والملك والصفقة فلو اختلف شئ من ذلك ففيه خلاف وصلاح الثمار أن يطيب أكلها ويأخذ الناس في الاكل وذلك بظهور مبادئ الحلاوة) * في الفصل قاعدتان لابد من معرفتهما في الباب (الاولى) لا يشترط للاستغناء عن شرط القطع بدو الصلاح(9/69)
في كل عنقود بل إذا باع ثمار شجرة بدا الصلاح في بعضها صح من غير شرط القطع ولو باع ثمار اشجار بدا الصلاح في بعضها نظر ان اختلف الجنس لم يعتبر بدو الصلاح في أحد الجنسين حكم الجنس الآخر حتى لو باع الرطب والعنب صفقة واحدة ولم يبد الصلاح في أحدهما وجب شرط القطع فيه وان اتحد الجنس فالنظر في اتحاد النوع واختلافه وبتقدير الاتحاد فالنظر في اتحاد البستان وتعدده وبتقدير الاتحاد فالنظر في بيعها صفقة واحدة وأفراد ما لم يبدو الصلاح فيه بالبيع وحكم الاقسام على ما مر في البابين بلا فرق حتى أن الاصح أنه لا يبيعه عند الافراد وأنه لا أثر لاختلاف النوع وأنه لا يتبع بستان(9/70)
بستانا وبهذا قال أحمد وعن مالك أن البستان يتبع البستان إذا تجاورا وربما نقل عنه الضبط ببساتين البلدة الواحدة هذه إحدى القاعدتين بقى قوله والملك (أعلم) أن المصنف رحمه الله حكي خلافا في اشتراط اتحاد الملك وربما يشير إليه كلام الامام ولابد من البحث عن موضعه وكيفيته فنقول: إذا بدا الصلاح في ملك غيره ولم يبدو في ملكه لم يخل (أما) أن يكونا في بستان واحد أو في بستانين (فان) كانا في بستان واحد وباع ملكه فقد ذكرنا وجهين فيما لو كان الكل ملكه وأفرد ما لم يبدو فيه الصلاح بالبيع وهل يعطى له حكم ما بدا فيه الصلاح حتى يستغنى فيه عن شرط القطع أم لا وهو المراد من الخلاف في اعتبار اتحاد الصفقة فان ثبت الخلاف في اعتبار اتحاد الملك والحالة هذه فسبيله أن يقال (أحد) الوجهين أن الحكم كما لو كان ما بدا فيه الصلاح(9/71)
ملكه فيطرد الوجهان (والثانى) القطع بالمنع وان كانا في بستانين فقد نقل الامام القطع بأنه لا عبرة به ولا نظر إلي بدو الصلاح في بستان غير البائع لكنا إذا لم نفرق فيما بدا فيه الصلاح من ذلك البستان ولم يدخل في البيع بين أن يكون ملك البائع أو ملك غيره فقياسه ان لا يفرق فيما بدا فيه الصلاح في بستان آخر أيضا إذا لم يشترط اتحاد البستان والله أعلم * ثم حيث ثبت الخلاف في اعتبار اتحاد الملك ههنا فهو جائز في التأبير أيضا وان لم يجر ذكره ثم والظاهر أنه غير معتبر في الموضعين (والثانية) بدو الصلاح في الثمار بظهور(9/72)
النضج ومبادئ الحلاوة وزوال العفوصة أو الحموضة المفرطين وذلك فيما لا يتلون بان يتموه ويتلبن وفيما يتلون بأن يحمر أو يصفر أو يسود (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتي تزهى قيل يارسول الله وما تزهى قال تحمر أو تصفر) واعلم ان هذه الاوصاف وان كان يعرف بها بدو الصلاح في الثمار لكنها ليست ولا واحد منها بشرط في تفسير بدو الصلاح لان القثاء لا يفرض فيه نضج ولا حلاوة وليس فيه عفوصة ولا حموضة حتى تزول بل يستطاب أكله في الصغر كما يستطاب في الكبر ولذلك قال في الكتاب بأن يطيب
__________
(حديث) نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى تزهى فقيل يارسول الله وما تزهى قال تحمر.
أو تصفر: متفق عليه ولفظ مسلم حتى تحمار وتصفار وللبخاري عن جابر بلفظ حتى تشقح قيل وما تشقح قال تحمار وتصفار ويوكل منها وبين في مسلم ان السائل عن ذلك غير سعيد بن ميناء رواية عن جابر وللبزار باسناد صحيح عن طاووس عن ابن عباس بلفظ نهى عن بيع الثمار حتى تطعم (تنبيه) تزهى من ازهي وتزهو من زها وكلاهما مسموع حكاهما الجوهري(9/73)
أكلها ويأخذ الناس في الاكل فاعتبر مع طيب الاكل أخذ الناس فيه وذلك في القثاء بأن يكبر بحيث يجتني في الغالب ويؤكل وفى الصغر (؟) تؤكل على سبيل الندور وأيضا فان بدو الصلاح في الزرع يحصل عند اشتداد الحب ولا يفرض فيه عفوصة ولا حموضة ولا نضج وحلاوة على أن اعتبار الاكل غير معتبر في تفسير مطلق بدو الصلاح أيضا لان صاحب التهذيب ذكر أن بيع
أوراق الفرصاد قبل تناهيها لا يجوز الا أن يشترط القطع وبعده يجوز مطلقا ويشترط القطع فجعل تناهي الورق صلاحا له وانه غير مأكول * إذا تقرر ذلك فلو قال قائل بدو الصلاح في هذه الاشياء(9/74)
صيرورتها إلى الصفة التى تطلب غالبا لكونها على تلك الصفة لكان قد ذكر عبارة شاملة والله أعلم * قال (وبيع البطيخ ان كان مع الاصول (و) يتقيد بشرط القطع قبل الصلاح الا إذا بيع مع الارض وبيع أصول البقل لا يتقيد به إذ لا يتعرض للآفة) * بيع البطيخ قبل بدو صلاحه لا يجوز من غير شرط القطع وان بدا الصلاح في كله أو بعضه نظر إن كان يخاف خروج غيره فلابد من شرط القطع أيضا لانه إذا وجب شرطه خوفا من الجائحة التى الغالب(9/75)
فيها العدم فلان يجب خوفا من الاختلاط الذى الغالب فيه الوجود كان أولى فان شرط القطع ثم لم يتفق حتى خرج غيره واختلط المبيع بغير المبيع ففى انفساخ البيع قولان نذكرهما في نظائرها * وان كان لا يخاف خروج غيره جاز بيعه من غير شرط القطع هذا إذا أفرد البطيخ بالبيع ووراءه حالتان (احداهما) لو أفرد أصوله بالبيع ذكر العراقيون وغيرهم انه يجوز ولا حاجة إلى شرط القطع إذا لم يخف الاختلاط كبيع الزرع الذى اشتد حبه ثم الحمل الموجود يبقى للبائع وما يحدث بعده يكون للمشترى وان خيف اختلاط الحملين فلابد من شرط القطع فان شرط(9/76)
ولم يتفق القطع حتي وقع الاختلاط ففيه طريقان سنذكرهما في نظيرهما * ولو باع الاصول قبل خروج الحمل فلابد من شرط القطع أو القلع كالزرع الاخضر وإذا اشترط ثم اتفق بقاؤه حتى خرج الحمل فهو للمشترى (الثانية) لو باع البطيخ من أصوله فجواب الامام وصاحب الكتاب انه لابد من شرط القطع بخلاف ما إذا باع الثمرة مع الشجرة لان الشجرة غير متعرضة للجائحة والبطاطيخ مع أصولها متعرضة لها فلو باعها مع الارض استغني عن شرط القطع وكان الارض ههنا كالاشجار ثم * وقضية(9/77)
ما نقلناه في بيع الاصول وحدها إذا لم يخف الاختلاط انه لا حاجة إلى شرط القطع فليعلم قوله يتقيد بشرط القطع بالواو لذلك وقوله وبيع أصول البقل إلى آخره منازع فيه أيضا وسأذكره في الفصل التالى لهذا والباذنجان وشجره كالبطيخ في الاحوال الثلاث * (فرع) لابن الحداد رحمه الله * لو باع نصف الثمار على رؤس الاشجار مشاعا قبل بدو الصلاح لم يصح وعللوه بان البيع والحالة هذه يفتقر إلى شرط القطع ولا يمكن قطع النصف الا بقطع الكل فتضرر البائع بنقصان غير المبيع أشبه ما إذا باع نصفا معينا من سيف وما ذكروه من ان قطع النصف لا يمكن الا(9/78)
بقطع الكل انما يستمر بتقدير دوام الاشاعة وامتناع القسمة أما إذا جوزنا قسمة الثمار في حال الرطوبة بناء على انها افراز فيمكن قطع النصف من غير قطع الكل بأن يقسم أولا فليكن منع البيع مبنيا على القول بامتناع القسمة لا مطلقا وعلى هذا يدل كلام ابن الحداد * قال القاضى أبو الطيب وهو الصحيح * ولو باع نصفها مع نصف النخل صح وكانت الثمار تابعة * ولو كانت الشجرة لواحد والثمرة لآخر فباع صاحب الثمرة نصفها من صاحب الثمرة فوجهان بناء على الخلاف في اشتراط القطع ههنا ولو كانت الثمار والاشجار مشتركة بين رجلين فاشترى أحدهما نصيب صاحبه من الثمرة لم يجز ولو اشترى(9/79)
نصيب صاحبه من الثمرة بنصيبه من الشجرة لم يجز مطلقا ويجوز بشرط القطع لان جملة الثمار تصير لمشترى الثمرة وجملة الاشجار للآخر وعلى مشترى الثمرة قطع الكل لانه بهذه المعاملة التزم قطع النصف المشترى بالشرط والتزم تفريغ الاشجار لصاحبه وبيع الشجرة على أن يفرغها للمشترى جائز وكذا لو كانت الاشجار لاحدهما والثمرة بينهما فاشترى صاحب الشجرة نصيب صاحبه من الثمرة بنصف الشجرة على شرط القطع جاز * قال (ولابد من الاحتياط في أمرين (أحدهما) أن تكون الثمار بادية الا على قول تجويز بيع الغائب(9/80)
أو فيما صلاحه في ابقائه في الكمام كالرمان * وفى استتار الحنطة بالسنبلة والارزة بالقشرة والباقلاء والجوز بالقشرة العليا خلاف (م ح) منشؤه أن الصلاح هل يتعلق ببقائه فيها) * لا يجوز بيع الزرع الاخضر الا بشرط القطع لما سبق في الثمار فان باعه مع الارض جاز تبعا وكذلك لا يجوز بيع البقول في الارض دون الارض الا بشرط القطع أو القلع سواء كان مما يجز مرارا أو لا يجز الا مرة واحدة هكذا أورده صاحب التهذيب وغيره وهو خلاف قوله في الكتاب (وبيع أصول البقل لا يتقيد به) فاعلمه وأعلمه * ولو باع الزرع بعد اشتداد الحب فهو كما لو باع الثمار بعد بدو الصلاح فلا حاجة إلى شرط القطع ولكن يشترط ظهور المقصود فلو باع ثمرة لا كمام لها كالتين والعنب والكمثرى جاز سواء(9/81)
باعها على الشجرة أو على وجه الارض ولو باع الشعير أو السلت مع السنابل جاز بعد الحصاد وقبله لان الحبات ظاهرة في السنبلة ولو كان للثمرة أو الحب كمام لا يزال الا عند الاكل كالرمان والعلس فكمثل ما له كمامان يزال أحدهما ويبقى الآخر إلى وقت الاكل كالجوز واللوز والرانج يجوز بيعه في القشرة السفلى ولا يجوز في العليالا على رأس الشجر ولا على وجه الارض لتستر المقصود بما ليس من صلاحه وفيه قول أنه يجوز ما دام رطبا في القشرة العليا وبه قال ابن القاص والاصطخري لتعلق الصلاح به من حيث انه يصون القشرة السفلى ويحفظ رطوبة اللب وبيع(9/82)
الباقلا في القشرة العليا على هذا الخلاف وادعي الامام أن الاظهر فيه الصحة لان الشافعي رضى الله عنه أمر بعض أعوانه بان يشتري له الباقلا الرطب * وما لا يرى حباته في السنبلة كالحنطة والعدس والسمسم لا يجوز بيعه في السنبلة دون السنبلة ومعها قولان والقديم) الجواز لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الحب حتى يشتد) وقد اشتد (الجديد) المنع لتستر المقصود بما لا يتعلق به الصلاح كبيع تراب الصاغة والكدس بعد الدياسة وقبل التنقية والارز كالشعير يباع في السنابل لانه يدخر في قشره وبهذا قال ابن القاص وأبو علي الطبري ومنهم من قال هو كالحنطة * ولا يجوز بيع الجزر والثوم والبصل
__________
(حديث) نهى عن بيع الحب حتى يشتد تقدم في أوائل البيوع عن أنس *(9/83)
والفجل والسلق في الارض لتستر المقصود ويجوز بيع أوراقها الظاهرة بشرط القطع وبيع القنبيط في الارض لظهوره وكذا نوع من السلجم يكون ظاهرا ويجوز بيع اللوز في القشرة العليا قبل انعقاد السفلى لانه مأكول كله كالتفاح وهل القول بالمنع في صور الفصل مقطوع به أم هو مفرع على قول منع بيع الغائب * ذكر الامام أنه مفرع عليه أما إذا جوزنا بيع الغائب صح البيع فيها جميعا وعلى هذا جرى في الكتاب حيث قال الا على قول تجويز بيع الغائب وفى التهذيب أن المنع في بيع الجزر وما معناه في الارض ليس مبنيا على بيع الغائب لانه في بيع الغائب يمكن رد المبيع بعد رؤيته في(9/84)
بصفته وهاهنا لا يمكن وعند ابى حنيفة ومالك واحمد يصح البيع في جميع صورة الفصل * وإذا قلنا بالمنع فلو باع الجوز مثلا في القشرة العليا مع الشجرة أو باع الحنطة في سنبلها مع الارض فطريقان (احدهما) ان البيع باطل في الجوز والحب وفى الشجرة والارض قولا تفريق الصفقة (واصحهما) القطع بالمنع في الكل للجهل بأحد المقصودين وتعذر التوزيع * ولو باع ارضا مبذورة مع البذر فقد قيل يصح البيع في البذر تبعا للارض والمذهب بطلان البيع فيه ئم في الارض الطريقان ومن قال بالصحة في الارض لا يذهب إلى التوزيع بل يوجب جميع الثمن بناء على احد القولين فيما لو باع ماله(9/85)
ومال غيره وصححنا البيع في ماله وخيرناه فانه إذا اجاز يجيز بجميع الثمن والله أعلم * قال (الثاني ان يحذر من الربا فلو باع الحنطة في سنبلها بحنطة فهى المحاقلة (م) المنهى عنها وهى ربا إذ لا يمكن الكيل في السنابل * وكذا لو باع الرطب بالتمر ايضا فهى المزابنة المنهى عنها (م))(9/86)
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن المحاقلة والمزابنة) فالمحاقلة هي بيع الحنطة في سنبلها بالحنطة الصافية على وجه الارض والمزابنة هي بيع الرطب على رأس النخل بالتمر على وجه الارض روى عن
جابر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن المحاقلة والمزابنة) فالمحاقلة أن يبيع الرجل الزرع بمائه فرق من الحنطة والمزابنة أن يبيع التمر على رؤس النخل بما به فرق من تمر فهدا التفسيران
__________
(حديث) نهى عن المحاقلة والمزابنة يأتي * (حديث) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن المحاقلة والمزابنة والمحاقلة أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق من الحنطة المزابنة أن يبيع التمر على رؤس النخل بمائة فرق من تمر: الشافعي في المختصر عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء عنه قال ابن جريج قلت لعطاء افسر لكم(9/87)
كان من النبي صلى الله عليه وسلم فذاك وان كان من الراوى فهو أعرف بتفسير ما رواه والمحاقلة مأخوذة من الحقل وهى الساحة التى تزرع سميت محاقلة لتعلقها بزرع في حقل والمزابنة مأخوذة من الزبن وهو الدفع سميت بذلك لانها مبنية علي التخمين والغبن فيها مما يكثر فيريد المغبون دفعه والغابن امضاه فيتدافعان والمعني أن كل واحد يبيع مال الربا بجنسه من غير تحقيق المساواة في المعيار الشرعي لان المعيار فيهما الكيل ولا يمكن كيل الحنطة في السنابل ولا كيل الرطب على رؤس النخل والتخمين بالخرص لا يغني كما لو كان كل واحد منهما علي وجه الارض وفى المحاقلة شيئان آخران
__________
جابر المحاقلة كما أخبرتني قال نعم وهو متفق عليه من حديث سفيان نحوه واتفقا عن مالك عن نافع عن ابن عمر بلفظ نهى عن المزابنة بيع التمر بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا وأخرجه عنه الشافعي في الام قال الشافعي وتفسير المحاقلة والمزابنة في الاحاديث يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه عليه وسلم منصوصا ويحتمل أن يكون من رواية من رواه انتهى * وفي الباب عن أبي سعيد وابن عمر وابن عباس وأنس وأبي هريرة وكلها في الصحيحين أو أحدهم وعن رافع بن خديج في النسائي وسهل ابن سعد في الطبراني (تنبيه) المحاقلة مأخوذة من الحقل جمع حقلة قاله الجوهري وهي الساحات جمع ساحة *(9/88)
(أحدهما) أنه يبيع الحنطة والتبن بالحنطة (والثانى) أن المقصود مستتر بما ليس من صلاحه ولو باع
الشعير في سنبله بالحنطة على وجه الارض أو الرطب على رأس النخل بجنس آخر من الثمار على الشجر أو على وجه الارض فلا بأس لكن يتقابضان بالتسليم فيما على وجه الارض وبالتخلية فيما على الشجر ولو باع الزرع قبل ظهور الحب بالحب فلا بأس أيضا لان الحشيش غير مطعوم ويجوز أن يعلم قوله فهى المحاقلة وقوله فهى المزابنة - بالميم - لان عن مالك أن المحاقلة هي أكتراء الارض ببعض ما يخرج منها(9/89)
من الثلث أو الربع أو غيرهما والمزابنة هي ضمان الصبرة بقدر معلوم بأن يقول أضمن لك صبرتك بكذا صاعا ان زاد فلى وان نقص فعلى ويستثنى عن المزاينة ما نذكره على الاثر * قال (ولا خبر في التخمين بالخرص الا فيما دون خمسة أوسق (ح) إذا باعها خرصا بما تعود إليه على تقدير الجفاف وهى العرايا (م ح) التى أرخص فيها * والاظهر الجواز في قدر خمسة أوسق *(9/90)
وميل المزني رحمه الله تعالى إلى تخصيص الجواز بما دون خمسة أوسق لتردد الراوي فيه * فلو زاد على خمسة أوسق في صفقات جاز (ح) وكذا إذا تعدد المشترى واتحد البائع * ولو اتحد المشترى وتعدد البائع ففيه خلاف * ووجه الفرق النظر إلى جانب من حصل الرطب في ملكه لان الرطب محل الخرص الذى هو خلاف القياس * هذا في الرطب بالتمر * فأما في الرطب بالرطب ففيه خلاف وكذا في غير المحاويج إذا تعاطوا (ح) العرايا) * عن جابر رضى الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة وهى بيع التمر بالتمر(9/91)
الا أنه رخص في العرية) بيع العرايا جائز وهو أن يبيع رطب نخلة أو نخلتين باعتبار الخرص بقدر كيله من التمر سميت عرية لانه عرى أي أفرد نخلة أو نخلتين ببيع رطبها وذهب مالك وأبو حنيفة إلى أن العرية أن يفرد نخلة أو نخلتين فيهب ثمرتها لرجل حتى تجتني كل يوم ثم تنثرم بدخوله حائطه فعند مالك يشتريها منه بخرصها تمرا ولا يجوز ذلك لغير رب البستان وعند
أبى حنيفة له أن يستردها منه وله أن يعطيه بخرصها تمرا وساعدنا أحمد على تفسير العرية الا أن عنه رواية أن الرطب يباع بمثله تمرا * لنا ما روى عن سهل بن أبى حثمة رضى الله عنه (أن
__________
(حديث) جابر نهى عن المزابنة وهي بيع التمر التمر الا انه رخص في العرية.
الشافعي عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء عنه واتفق الشيخان عليه عن ابن عيينة *(9/92)
رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع التمر بالتمر الا أنه رخص في العرية أن تباع بخرصها تمرا يأكلها أهلها رطبا) ولا يجوز العرايا من غير خرص وسبيل الخرص ما ذكرناه في الزكاة ويجب التقابض في المجلس بتسليم التمر إلى البائع بالكيل وتخلية البائع بينه وبين النخلة وان كان التمر غائبا عنهما أو كانا غائبين عن النخل فأحضراه أو حضر عندها جاز ثم ان لم يظهر تفاوت بين التمر المجعول عوضا وبين ما في الرطب من التمر بأن أكل الرطب في الحال فذاك وان ظهر تفاوت نظر ان كان قدر ما يقع بين الكيلين لم يضر وان كان أكثر فالعقد باطل وفيه وجه
__________
(حديث) سهل بن ابي حثمة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع التمر بالتمر الا انه رخص في العرية ان تباع بخرصها تمرا ياكلها اهلها رطباء الشافعي واحمد والشيخان وغيرهما عنه *(9/93)
أنه يصح في الكثير بقدر القليل ولمشترى الكثير الخيار إذا لم يسلم له الجميع ويجوز بيع العرايا في العنب كما يجوز في الرطب وفى سائر الثمار قولان (أصحهما) المنع لانها متفرقة مستورة بالاوراق فلا يتأتى الخرص فيها وثمرة النخيل والكروم متدلية ظاهرة ثم في الفصل ثلاث مسائل (احداها) في القدر الذى يجوز فيه بيع العرايا ويجوز بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق من التمر ولا يجوز فيما زاد عليها وفى الخمسة قولان (أحدهما) وهو منقول المزني انه يجوز لاطلاق خبر سهل بن أبى حثمة رضى الله عنه (والثانى) وهو مختار المزني المنع لان النهى عن المزابنة معلوم محقق والرخصة(9/94)
في قدر الخمسة مشكوك فيه وذلك لان الشافعي رضى الله عنه روى عن مالك عن داود بن الحصين
عن أبى سفيان مولى بن أبى أحمد عن أبى هريرة رضى الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق الشك من داود) فيستصحب المعلوم المحقق والقول الاول أظهر عند صاحب الكتاب والثانى أظهر عند صاحب التهذيب والقاضى الرويانى وغيرهما وهو مذهب أحمد والقدر الذي يمنع من بيع العرايا فيه انما يمنع في الصفقة الواحدة (أما) لو باع قدرا كبيرا في صفقات فلا منع وكذا لو باع صفقة واحدة من رجلين ما يخص كل واحد منهما
__________
(حديث) روي الشافعي عن مالك عن داود وهو ابن الحصين عن ابي سفيان مولى ابن ابي احمد عن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ارخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة اوسق أو في خمسة اوسق شك داود.
هو في الام والمختصر كذلك ورواه البخاري عن عبد الله بن عبد الوهاب الحجي سمعت مالكا وسأله عبيد الله بن الربيع احدثك داود عن ابي سفيان عن ابي هريرة فذكره دون ما في آخره وذكر في كتاب الشرب من صحيحه ذلك ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك *(9/95)
القدر الجائز خلافا لاحمد في المسألتين ولو باع رجلان من واحد فوجهان (أصحهما) ان الحكم كما لو باع واحد من رجلين لان تعدد الصفقة بتعدد البائع أظهر من تعددها بتعدد المشترى كما ذكرنا في الرد بالعيب (والثانى) وبه قال صاحب التلخيص لا يجوز الزيادة على خمسة أوسق نظرا إلى مشترى الرطب لانه محل الخرص الذى هو خلاف قياس الربويات فلا ينبغى أن يدخل في ملكه أكثر من القدر المحتمل دفعة واحدة ولو باع رجلان من رجلين صفقة واحدة لم يجز في أكثر من عشرة أوسق ويجوز فيما دونها وفى العشرة قولان (الثانية) جميع ما ذكرناه في بيع(9/96)
الرطب بالتمر أما لو باع الرطب على النخل بالرطب على النخيل خرصا فيهما أو بالرطب على وجه الارض كيلا فيه ففي جوازه أوجه (أصحها) وبه قال الاصطخرى لا يجوز لان الرخصة انما تثبت للحاجة إلى تحصيل الرطب ومالك الرطب مستغني عنه أو حاجته إليه أدنى فلا يلحق بصورة الرخصة (والثانى) وبه قال ابن خيران انه يجوز لانه ربما يشتهى ما عند غيره (والثالث) انه ان اختلف النوعان جاز
والا فلا ويحكي هذا عن أبى اسحق وحكي الشيخ أبو حامد وآخرون عنه تخصيص هذا التفصيل بما إذا كان علي النخيل والمنع فيما إذا كان احدهما على وجه الارض والفرق أنه قد يزيد النوع الذي(9/97)
عند صاحبه ويريد أن يأكله رطبا على التدريج وما على وجه الارض لا يمكن أن يؤكل رطبا على التدريج لانه يفسد أو يجف ولو باع الرطب على وجه الارض بالرطب على وجه الارض لم يجز لانه ليس في معنى صورة الرخصة من حيث أن أحد المعاني فيها أن يأكله طريا على التدريج وهذا لا يتحقق فيما على وجه الارض.
وذكر القفال في شرح التلخيص انه على الخلاف لانه إذا جاز البيع وأحدهما أو كلاهما على رأس النخل خرصا واحتملت الجهالة فلان يجوز مع تحقق الكيل في الجانبين كان اولى (الثالثة) فيمن يجوز له بيع العرايا ويجوز ذلك لمحاويج الناس وفى اغنيائهم قولان (اصحهما) الجواز لاطلاق الالفاظ التى رويناها (والثاني) لا يجوز ذكره(9/98)
في اختلاف الحديث وبه قال احمد والمزنى لما روى عن زيد ابن ثابت رضى الله عنه (انه سمى رجالا محتاجين من الانصار شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه مع الناس وعندهم فضول قوتهم من التمر فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر ومن قال بالاول قال هذه حكمة شرعية ثم قال يعم الحكم كما في الرمل والاضطباع في الطواف ونظائرهما ومنهم من بنى الحلاف في هذه المسائل على ان الخرص أصل بنفسه يقام مقام الكيل أو ليس كذلك ويتبع مورد النص والله أعلم *
__________
(حديث) زيد بن ثابت انه سمي رجالا محتاجين من الانصار شكوا الي رسول الله صلى الله عليه وسلم ن الرطب يأتي ولا نقد بأديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه مع الناس وعندهم فضول قوت من تمر فرخص لهم ان يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر.
هذا الحديث ذكره الشافعي في الام والمختصر بغير اسناد فقال قيل لمحمود بن لبيد أو قال محمود بن لبيد لرجل من اصحاب رسول الله(9/99)
قال * (وإذا اجتاحت الآفة الثمار قبل القطاف وبعد التخلية فهى من ضمان البائع على أحد
القولين * وميل الجديد إلى أنه ليس من ضمانه (م) * وما فات بآفة السرقة ليس من ضمانه علي الاصح * ويجب على البائع أن يسقى الاشجار لتربية الثمار فان ترك السقى ففسدت الثمار فهى من ضمانه * فان لم تفسد بل فاتت ففى انفساح العقد خلاف * كما في موت العبد المقبوض بمرض تقدم على القبض) * الكلام من هذا الموضع إلى رأس النظر الخامس في أحكام الثمار المبيعة على رأس الاشجار وما يعرض لها ضمن العوارض الجوائح كالحر والبرد والجراد والحريق ونحوها وقد قدم امام الحرمين
__________
= صلي الله عليه وسلم اما زيد بن ثابت واما غيره ما عراياكم هذه.
قال فلان وفلان وسمي رجالا محتاجين فذكره.
وذكره في اختلاف الحديث فقال والعرايا التي ارخص فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر محمود بن لبيد قال سألت زيد بن ثابت فقلت ما عراياكم هذه فذكر نحوه وذكره البيهقي في المعرفة عن الشافعي معلقا يضا وقد انكره محمد بن داود على الشافعي ورد عليه ابن سريج انكاره(9/100)
على بيان حكمها أصلين لا غنى عن معرفتهما وينفعان في أثناء المسألة (أحدهما) انه إذا باع الثمار بعد بدو الصلاح يلزمه سقى الاشجار قبل التخلية وبعدها قدر ما ينمو به الثمار ويسلم عن التلف والفساد * واحتج له بأن التسليم واحب عليه والسقى من تتمة التسليم كالكيل في المكيلات والوزن في الموزونات فيكون على البائع فلو شرط كونه على المشترى بطل العقد لانه على خلاف قضيته (والثانى) ان المشتري يتسلط على التصرف في الثمار بعد جريان التخلية من كل وجه إذا تقرر ذلك فللجوائح حالتان (أحدهما) أن تعرض قبل التخلية فهى من ضمان البائع فان تلف
__________
= ولم يذكر له اسنادا وقال ابن جزم لم يذكر الشافعي له اسنادا فبطل ان يكون فيه حجة وقال الماوردي لم يسنده الشافعي لانه نقله من السير (تنبيه) قال الشيخ الموفق في الكافي بعد أن ساق هذا الحديث متفق عليه وهو وهم منه *(9/101)
جميع الثمار انفسخ العقد ولو تلف بعضها انفسخ فيه وفي الباقي قولا التفريق (والثانية) أن تعرض بعد التخلية فينظران باعها بعد بدو الصلاح ففيه طرق وأحدها فيه قولين (أحدهما) ان الجوائح
من ضمان البائع وبه قال أحمد لما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم (أمر بوضع الجوائح) (وأصحهما) وهو الجديد وبه قال أبو حنيفة انها من ضمان المشترى لان القبض حصل بالتخلية فصار كما لو هلك بعد القطاف والخبر محمول على الاستحباب ويشعر به ما روي (أن رجلا ابتاع ثمرة فأذهبتها الجائحة
__________
(حديث) ان النبي صلى الله عليه وسلم امر بوضع الجوائح.
مسلم عن جابر وفي لفظ للنسائي ان النبي صلى لله عليه وسلم وضع الجوائح *(9/102)
فسأله أن يضع عنه فأبى أن لا يفعل فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يأبى أن لا يفعل خيرا فأخبر البائع بما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمح به للمبتاع) وتأيد القول الاول بالاصل الاول والثانى بالثاني ولا فرق على القولين بين ان يقل أو يكثر وقال مالك يوضع الثلث فصاعدا ولا يوضع ما دونه.
وان باع الثمار قبل بدو الصلاح بشرط القطع ولم يقطعها حتى أضاعتها الجائحة ففيه ثلاثة طرق (اظهرها) انه على القولين (والثانى) انها من ضمان المشترى قولا واحدا لتفريطه
__________
(حديث) ان رجلا ابتاع تمرة فاذهبتها الجائحة فسأله ان يضع عنه فابى ان لا يفعل فذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال يابى ان لا يفعل خيرا فاخبر البائع بما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فسمح به للمبتاع.
الشافعي عن مالك عن ابي الرجال عن امه عمرة به نحوه مرسل(9/103)
بترك القطع وأيضا فلانه لا علقة بينهما إذ لا يجب السقى على البائع والحالة هذه ويحكى هذا عن القفال (والثالث) انها من ضمان البائع قولا واحدا لانه إذا شرط القطع كان القبض فيه بالقطع والنقل ويتفرع على كونها من ضمان البائع أمور (الاول) أن المحكوم بكونه من ضمان البائع ما تلف قبل أوان الجذاذ أما ما تلف بعد أوان الجذاذ وامكان النقل ففيه قولان ويقال وجهان (أحدهما) انها من ضمان المشترى لتقصيره بالترك (والثانى) من ضمان البائع أيضا لان التسليم لا يتم ما دامت الثمار متصلة بملك البائع ويشبه
__________
= والبيهقي من طريق حارثة بن ابي الرحال عن ابيه عن عمرة عن عئشة موصولا وقال حارثة ضعيف وهو في الصحيحين من طريق يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة مختصرا *(9/104)
أن يكون الاول أرجح * قال الامام وموضع الخلاف ما إذا لم يكن التأخير بحيث يعد تقصيرا وتضييعا كاليوم واليومين فان كان كذلك فلا مساغ للخلاف (الثاني) لو تلف بعض الثمار فالحكم على هذا القول كما لو تلف قبل التخلية ولو عابت الثمار بالجوائح ولم تتلف ثبت الخيار على هذا القول كما لو عابت قبل التخلية وعلى الجديد لا يثبت (الثالث) لو ضاعت الثمار بغصب أو سرقة فوجهان (أحدهما) انها من ضمان البائع أيضا بناء على ان التسليم لا يتم الا بالتخلية (والثانى)(9/105)
انها من ضمان المشترى لتمكنه من الاحتراز عنه بنصب الحافظين وأيضا فان الرجوع على الجاني بالضمان متيسر وهذا أصح عند صاحب الكتاب والاكثرين فمن يقول به يقطع بأن المغصوب والمسروق من ضمان المشترى والقائل الاول يجعلهما على القولين وهو ما أورده العراقيون واعلم أن ما ذكرناه من القولين في الآفات السماوية التى لا نسبة لها إلى البائع بحال فأما إذا ترك السقى وعرضت في الثمار آفة بسبب العطش فنتكلم أولا فيما إذا تلفت به ثم فيما إذا تعيبت وان كان ترتيب(9/106)
الكتاب عكسه (أما) إذا تلفت ففيه طريقان (أحدهما) ان في انفساخ البيع قولين أيضا يحكي هذا عن أبى على الطبري (وأصحهما) القطع بالانفساخ لاستناد هذه الآفة إلى ترك السقى المستحق بالعقد قبل التخلية وما يستند ألى سبب سابق على القبض قد ينزل منزلة ما لو سبق بنفسه كما ذكرنا في القتل بالردة السابقة والقطع بالسرقة السابقة وموت العبد من المرض المتقدم على القبض (فان قلنا) بعدم الانفساخ فعلى البائع الضمان من القيمة والمثل وانما يجب ضمان ما تلف ولا ينظر إلى ما كان ينتهى إليه لولا العارض (وأما) إذا فسدت بالتعيب فللمشترى الخيار وان جعلنا الجوائح من ضمانه قال(9/107)
الامام لان الشرع الزم البائع بتنمية الثمار بالسقى فالتعيب الحادث بترك السقى كالعيب المتقدم على القبض ولو أفضي التعيب إلى التلف نظران لم يشعر به المشتري حتى تلف عاد الخلاف في
الانفساخ ولزم الضمان على البائع ان قلنا بعدم الانفساخ ولا خيار بعد التلف هكذا ذكره الامام وان شعر به ولم يفسخ حتى تلفت فيغرم البائع في وجه لعدوانه ولا يغرم في آخر لتقصير المشترى بترك الفسخ مع القدرة عليه * (فرع) لو باع الثمار مع الاشجار فتلفت الثمار بجائحة قبل التخلية بطل العقد فيها وفى(9/108)
الاشجار قولان وان تلفت بعد التخلية فهى من ضمان المشترى قولا واحدا لان العلائق منقطعة ههنا والثمرة متصلة بملك المشترى * (فرع) لو اشترى طعاما مكايلة وقبضه جزافا فهلك في يده ففى انفساخ العقد وجهان لبقا علقة الكيل بينهما * قال (وان باع الفثاء أو ما يغلب عليه التلاحق وعسر التسليم بطل على الاصح * فان كان نادرا واتفق ذلك قبل القبض انفسخ العقد على قول * ولعل الاظهر أنه لا ينفسخ * ولكن للمشترى الخيار (و) إن لم يهب البائع ما تجدد منه * فان وهب سقط خياره * وان كان ذلك بعد التخلية فان قلنا ان الجوائح من ضمانه فهو كما قبل التخلية) *(9/109)
ومن العوارض اختلاط الثمار المبيعة بغيرها لتلاحقها (أما) الاختلاط الذى يبقى معه التمييز فلا اعتبار به (وأما) غيره فإذا باع الثمرة بعد بدو الصلاح والشجر يثمر في السنة مرتين فينظر ان كان ذلك مما يغلب التلاحق فيه وعلم أن الحمل الثاني يختلط بالاول كالتين والبطيخ والقثاء والباذنجان لم يصح البيع الا بشرط ان يقطع المشترى ثمرته عند خوف الاختلاط وفيه قول أو وجه أنه موقوف ان سمح البائع بما حدث تبين انعقاد البيع وإلا تبين انه لم ينعقد من أصله والاصح الاول لما مر في بيع البطيخ ثم إذا شرط القطع ولم يتفق حتى حصل التلاحق والاختلاط فالحكم كما لو اتفق(9/110)
التلاحق فيما يندر فيه التلاحق فان كان مما يندر فيه التلاحق وعلم عدم الاختلاط أو لم يعلم أنه كيف يكون الحال فيصح البيع مطلقا وبشرط القطع والتبقية وان حصل الاختلاط فله حالتان
(احداهما) أن يحصل قبل التخلية فقولان (احدهما) أنه ينفسخ البيع لتعذر تسليم المبيع قبل القبض (وأظهرهما) على ما رآه المصنف وهو اختيار المزني أنه لا ينفسخ لبقاء عين المبيع وامكان امضاء البيع فعلى هذا يثبت للمشترى الخيار لانه أعظم من اباق العبد المبيع وعن صاحب التقريب حكاية قول أنه لا خيار أيضا وان الاختلاط قبل القبض كالاختلاط بعده والمذهب الاول ثم ان(9/111)
قال البائع اسمح بترك الثمرة الجديدة للمشترى ففى سقوط خياره وجهان (أحدهما) لا يسقط لما في قوله من المنة (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يسقط كما سبق في الاعراض عن نعل الدابة المردودة بالعيب ولو باع الثمرة قبل بدو الصلاح بشرط القطع ثم لم يتفق القطع حتى حصل الاختلاط جرى القولان في الانفساخ وهما جاريان فيما إذا باع حنطة فانهال عليها مثلها قبل القبض وكذا في المائعات ولو اختلط الثوب بأمثاله أو الشاة المبيعة بأمثالها فقد قال في التتمة المذهب ههنا(9/112)
انفساخ البيع لانه يورث الاشتباه وأنه مانع من صحة البيع لو فرض في الابتداء وفي الحنطة غاية ما يلزم الاشاعة وأنها غير مانعة وفيه وجه أنه لا ينفسخ لامكان تسليمه بتسليم الكل ولو باع جرة من القث بشرط القطع ولم يقطعها حتى طالت وتعذر التمييز جرى القولان ومنهم من قطع بعدم الانفساخ ههنا تشبيها لطولها بكبر الثمرة والشجرة وسمن الحيوان وهو ضعيف لان البائع يجبر على تسليم الاشياء المذكورة بزيادتها وههنا لا يجبر على تسليم ما زاد (والثانية) أن يحصل بعد التخلية ففيه طريقان (أحدهما) وبه قال المزني القطع بعدم الانفساخ كما لو كان المبيع حنطة فأنهالت عليها حنطة أخرى(9/113)
بعد القبض (والثانى) أنه على القولين في الحالة الاولى بخلاف مسألة الحنطة لان هناك قد تم التسليم وانقطعت العلائق بينهما وفى الثمار لم تنقطع العلائق لان البائع يدخل الحائط للسقي وتعهد النخيل وغير ذلك ويمكن بناء الطريقين على ما ذكره الامام وصاحب الكتاب وهو أن حكم المسألة مأخوذ من الخلاف في الجوائح ان جعلناها من ضمان المشترى أجبنا بالطريقة الاولى وان جعلناها من ضمان
البائع أجبنا بالثانية الا أن قضية هذا البناء أن يكون القطع بعدم الانفساخ أظهر وعامة الاصحاب على ترجيح طريقة القولين وإذا قلنا بعدم الانفساخ فان تصالحا وتوافقا على شئ فذاك والا فالقول قول(9/114)
صاحب اليد في قدر حق الآخر ومن صاحب اليد في صورة الثمار فيه وجهان بناء على أن الجوائح من ضمان البائع والمشترى ووجه ثالث وهو أنها في يدهما جميعا وفى صورة الحنطة صاحب اليد هو المشتري فالقول قوله في قدر حق البائع فان كان المشتري قد أودعه الحنطة بعد القبض ثم حصل الاختلاط فالقول قول البائع في قدر حق المشترى والله أعلم * وإذا تأملت ما ذكرناه علمت قوله في الكتاب انفسخ البيع بالزاى وقوله للمشترى الخيار بالواو وكذا قوله سقط خياره ثم ههنا مسألة أخرى لابد من ذكرها وهى أن يبيع شجرة عليها ثمرة تبقى للبائع وهى مما يثمر في السنة(9/115)
مرتين ويغلب عليها التلاحق فلا يصح البيع الا بشرط ان يقطع البائع ثمرته عند خوف الاختلاط ويجئ فيه الخلاف المذكور فيما إذا كان المبيع الثمرة ثم إذا تبايعا بهذا الشرط ولم يتفق القطع حتى حصل الاختلاط أو كانت الشجرة مما يندر فيها التلاحق أو الاختلاط فااتفق ذلك نقل المزني قولين في الانفساخ وللاصحاب طريقان (فعن) أبي على ابن خيران والطبري القطع بعدم الانفساخ وتخطئة المزني فيما نقل لان الاختلاط وتعذر التسليم لم يوجد في المبيع بخلاف ما إذا كان المبيع الثمار وأثبت الاكثرون القولين ونقلوهما عن نصه في الام وقالوا الاختلاط وان لم يوجد في المبيع لكنه وجد في المقصود(9/116)
بالعقد وهو الثمرة الحادثة فانها مقصود المشترى من الشراء فجاز أن يجعل كالمبيع فان قلنا بعدم الانفساخ نظران سمح البائع بترك الثمرة القديمة أجبر المشترى على القبول وان رضى المشترى بترك الثمرة الحادثة أجبر البائع على القبول وأقر العقد ويشبه أن يجئ في الاجبار على القبول خلاف وان استمرا على النزاع فالمثبتون للقولين قالوا انفسخ العقد بينهما كما لو كان المبيع الثمرة والقاطعون قالوا لا فسخ بل ان كانت الثمرة والشجرة في يد البائع فالقول قوله في قدر ما يستحقه المشترى مع يمينه وان كانتا في يد
المشترى فالقول قوله في قدر ما يستحقه البائع قال صاحب التهذيب وهذا هو القياس لان الفسخ(9/117)
لا يفيد رفع النزاع لبقاء الثمرة الحادثة للمشترى وان قلنا بالانفساخ استرد المشترى الثمن ورد الشجرة مع جميع الثمار ذكره صاحب التتمة * قال (النظر الخامس من كتاب البيع) * (في مداينة العبيد والتحالف وفيه بابان) الاول (في معاملة العبيد والنظر في المأذون له في التجارة وغيره أما المأذون فالنظر فيما يجوز له(9/118)
وفى العهدة وفيما يقضى منه ديونه (أما) ما يجوز له فكل ما يندرج تحت اسم التجارة أو كان من لوازمه فلا ينكح ولا يؤاجر (ح) نفسه ولا يتعدى (ح) النوع الذى رسم له الاتجار فيه * ولا يأذن (ح) لعبيده في التجارة الا بتوكيل معين * ولا يتخذ (ح) الدعوة للمجهزين * ولا يعامل سيده (ح) ولا يتصرف (ح) فيما اكتسب باحتطاب واصطياد واتهاب ثم لا ينعزل (ح) بالاباق * ولا يستفيد (ح) الاذن بالسكوت وإذا ركبته الديون لم يزل (ح) ملك سيده عما في يده ويقبل اقراره (ح) بالدين لابيه وابنه) *(9/119)
أوضحنا في أول كتاب البيع أن كلام هذا النظر في مداينة العبيد واختلاف المتبايعين وفيهما بابان (الاول) في مداينتهم والمراد من المداينة الاستقراض والشراء بالتسمية وليس الباب مقصورا على بيان ذلك بل هو واف بأحكام سائر معاملاتهم لكنهم تبركوا بترجمة الشافعي رضى الله عنه والعبد إما مأذون في التجارة أو غيره * القسم الاول المأذون في التجارة والكلام فيه يقع في ثلاثة أمور (أحدها) فيما يجوز له من التصرفات وما لا يجوز (وثانيها) في أن الطلب في الديون الواجبة بمعاملاته على من تتوجه (وثالثها) في أنها من أين تؤدي (أما الاول) فاعلم أنه يجوز للسيد أن يأذن لعبده في التجارة وفى سائر التصرفات كالبيع والشراء اجماعا ولانه صحيح العبارة ومنعه من التصرف لحق(9/120)
السيد فإذا أمره به فقد ارتفع المانع ويستفيد المأذون في التجارة بهذا الاذن كل ما يندرج تحت اسم التجارة أو كان من لوازمها وتوابعها كالنشر والطى وحمل المتاع إلى الحانوت والرد بالعيب والمخاصمة في العهدة ونحوها ولا يستفيد به غير ذلك وهذا القول الجملى تفصله صور (منها) ليس للمأذون في التجارة أن ينكح كما أنه ليس للمأذون في النكاح أن يتجر لان كل واحد منهما غير متناول باسم الآخر (ومنها) ليس له أن يؤاجر نفسه لانه لا يملك التصرف في رقبته فكذلك في منفعته وعن الحليمى حكاية وجه أنه يملك ذلك وهو قول أبى حنيفة وهل له ايجار أموال التجارة كالعبيد والدواب فيه(9/121)
وجهان (أحدهما) لا كما لا يؤاجر نفسه (وأصحهما) نعم لان التجار قد يعتادون ذلك ولان المنفعة من فوائد المال فيملك العقد عليها كالصوف واللبن (ومنها) لو أذن له السيد في التجارة في نوع من المال لا يصير مأذونا في سائر الانواع وكذا لو أذن في التجارة شهرا أو سنة لم يكن مأذونا بعد تلك المدة خلافا لابي حنيفة فيهما وسلم انه لو دفع إليه الفا ليشترى به شيئا لا يصير مأذونا في التجارة ولو دفع إليه الفا وقال اتجر فيه فله أن يشترى بعين ما دفع إليه وبقدره في ذمته ولا يزيد عليه ولو قال اجعله رأس مالك وتصرف واتجر فله أن يشترى بأكثر من القدر المدفوع إليه (ومنها) ليس للمأذون في(9/122)
التجارة أن يأذن لعبده في التجارة خلافا لابي حنيفة ولو أذن له السيد في ذلك ففعل جاز ثم ينعزل مأذون المأذون بعزل السيد سواء انتزعه من يد المأذون أو لم ينترعه خلافا لابي حنيفة فيما إذا لم ينتزعه وهل له أن يوكل عبده في آحاد التصرفات فيه وجهان (أصحهما) عند الامام وهو الذى أورده في الكتاب نعم لانها تصدر عن نظره وإنما الممتنع أن يقيم غيره مقام نفسه (والثانى) لا لان السيد لم يرض بتصرف غيره وهذا قضية ما أورده في التهذيب (ومنها) ألا يتخذ الدعوة للمجهزين والا يتصدق ولا ينفق على نفسه من مال التجارة لانه ملك السيد وعند أبى حنيفة له ذلك (ومنها) لا يعامل سيده(9/123)
بيعا وشراء لان تصرفه لسيده بخلاف المكاتب يتصرف لنفسه وقال أبو حنيفة له أن يعامل سيده وربما قيد ذلك بما إذا ركبته الديون (ومنها) ما اكتسبه المأذون من الاحتطاب والاصطياد والاتهاب وقبول الوصية والاخذ من المعدن هل ينضم إلى مال التجارة حتى يتصرف فيه فيه وجهان (أحدهما) وهو الذى أورده الفورانى والامام وصاحب الكتاب لا لانه لم يحصل بجهة التجارة ولا سلمه لسيده إليه ليكون رأس المال (والثاني) نعم لانه من جملة أكسابه وهذا أصح عند صاحب التهذيب (ومنها) العبد المأذون لا ينعزل بالاباق بل له التصرف في البلد الذى خرج إليه إلا إذا خص السيد الاذن بهذا البلد(9/124)
وقال أبو حنيفة يصير محجورا عليه * لنا أن الاباق عصيان فلا يوجب الحجر كما لو عصى السيد من وجه آخر ولو أذن لجاريته في التجارة ثم استولدها ففيه هذا الخلاف ولا خلاف في أن له أن يأذن لمستولدته في التجارة (ومنها) إذا رأى عبده يبيع ويشترى فسكت عنه لم يصر مأذونا له في التجارة خلافا لابي حنيفة * لنا القياس على ما لو رآه ينكح فسكت عليه لا يكون سكوته إذنا في النكاح (ومنها) إذا ركبته الديون لم يزل ملك سيده عما في يده فلو تصرف فيه ببيع أو هبة أو اعتاق بأذن المأذون والغرماء جاز ويكون الدين في ذمة العبد وان أذن العبد دون الغرماء لم يجز وان أذن الغرماء دون العبد(9/125)
فوجهان وعن أبى حنيفة أنه إذا ركبته الديون يزول ملك سيده عما في يده ولا يدخل في ملك الغرماء (ومنها) اقرار المأذون بديون المعاملة مقبول على ما سيأتي في باب الاقرار ولا فرق بين أن يقربها لاجنبي أو لابنه أو ابنته وقال أبو حنيفة لا يقبل اقراره لهما وهذا الخلاف كالخلاف في اقرار المريض لوارثه (وأما) اقرار المأذون لغير دين المعاملة واقرار غير المأذون فالكلام فيهما منه ما هو مذكور في الاقرار ومنه ما هو مذكور في السرقة وسينتهي الشرح اليهما إن شاء الله تعالى *(9/126)
قال (ولا يكتفى بقوله (ح) إني مأذون بل لابد من سماع من السيد أو بينة عادلة * ويكتفى بالشيوع على أحد الوجهين * ويكتفى بقوله في الحجر) *
من عامل المأذون وهو لا يعرف رقه فتصرفه صحيح ولا يشترط علمه بحاله ذكره في النهاية ومن عرف رقه لم يجر له أن يعامله حتى يعرف إذن السيد ولا يكفى قول العبد أنا مأذون لان الاصل عدم إذن المستحق فأشبه ما إذا زعم الراهن إذن المرتهن في بيع المرهون * وقال أبو حنيفة يكفى قول العبد كما يكفى قول الوكيل قال الاصحاب ليس هما سواء لان في الوكيل لا حاجة إلى دعوى الوكالة بل(9/127)
يجوز معاملته بناء على ظاهر الحال وان لم يدع شيئا وههنا بخلافه وإنما يعرف كونه مأذونا إما بسماع الاذن من السيد أو ببينة تقوم عليه ولو شاع في الناس كونه مأذونا فوجهان (أصحهما) أنه يكتفي به أيضا لان اقامة البينة لكل معامل مما يعسر ولو عرف كونه مأذونا ثم قال حجر على السيد لم يعامل فان قال السيد لم أحجر عليه فوجهان (أصحهما) انه لا يعامل أيضا لانه العاقد والعقد باطل بزعمه (والثانى) وبه قال أبو حنيفة أنه يجوز معاملته اعتمادا على قول السيد ولو عامل المأذون من عرف رقه ولم يعرف اذنه ثم بان كونه مأذونا فهو ملحق عند الائمة بما إذا باع مال أبيه على ظن أنه حى(9/128)
فإذا هو ميت ويقرب منه قولان حكاهما الحليمى فيما إذا كذب مدعى الوكالة ثم عامله فظهر صدقه في دعوى الوكالة * (فرع) لو عرف كونه مأذونا فعامله ثم امتنع من التسليم إلى أن يقع الاشهاد على الاذن فله ذلك خوفا من خطر انكار السيد كما لو صدق مدعي الوكالة بقبض الحق ثم امتنع من التسليم حتى يشهد الموكل على الوكالة * (فرع) حكى في التتمة قولين في جواز معاملة من لا يعرف رقه وحريته (أظهرهما) الجواز لان(9/129)
الاصل والغالب في الناس الحرية (والثانى) المنع لان الاصل بقاء الحجر وما حكيناه عن النهاية في صدر الفصل كأنه جواب على الاظهر والله تعالى أعلم * قال (أما العهدة فهو مطالب (و) بديون معاملته * وكذا سيده على الاظهر * وقيل السيد
لا يطالب أصلا * وقيل يطالب إن لم يكن في يد العبد وفاء * ويطرد هذا الخلاف في عامل القراض مع رب المال * وقيل يطرده أيضا في الموكل إذا سلم إلى وكيله الفا معينة * وان عتق العبد طولب به * فان غرمه ففى رجوعه إلى السيد وجهان) *(9/130)
القول في لفظ العهدة وتفسيرها موضعه غير هذا (وأما) فقه الفصل فإذا باع المأذون سلعة وقبض الثمن فاستحقت السلعة وقد تلف الثمن في يد العبد فللمشترى الرجوع ببدله على العبد لانه المباشر للعقد وفى وجه لا رجوع علي العبد لان يده يد السيد وعبارته مستعارة في الوسط وفى مطالبة السيد ثلاثة أوجه رتبها الامام (أصحها) أنه يطالب أيضا لان العقد له فكأنه البائع والقابض للثمن (والثانى) لا يطالب لان السيد بالاذن قد أعطاه استقلالا فشرط من يعامله قصر الطمع على يده وذمته (والثالث) أنه إن كان في يد العبد وفاء فلا يطالب السيد لحصول غرض المشترى وإلا فيطالب(9/131)
وعن ابن سريج انه إن كان السيد قد دفع إليه عين مال وقال بعها أو خذ ثمنها واتجر فيه أو قال اشتر هذه السلعة وبعها واتجر في ثمنها ففعل ثم ظهر الاستحقاق وطالبه المشترى بالثمن فله أن يطالب السيد بقضاء الدين عنه لانه أوقعه في هذه الغرامة وان اشتري باختياره سلعة وباعها ثم ظهر الاستحقاق فلا ولو اشترى المأذون شيئا للتجارة ففى مطالبة السيد بالثمن الا وجه والوجه الاول والثانى جاريان في عامل القراض مع رب المال لتنزيل رب المال العهدة على المال المعين ولو أن الرجل سلم إلى وكيله الفا وقال اشتر لى عبدا وأد هذا في ثمنه فاشترى الوكيل ففي مطالبته الموكل بالثمن(9/132)
طريقان (أحدهما) أنه يطالب ولا حكم لهذا التعيين مع الوكيل لان الوكيل سفير محض والمأذون مستخدم يلزمه الامتثال والتزام ما ألزمه السيد ذمته (وأقيسهما) طرد الوجهين فيه وإذا توجهت الطلبة على العبد لم تندفع بعتقه لكن في رجوعه بالمغرم بعد العتق وجهان (أحدهما) يرجع لانقطاع استحقاق السيد بالعتق (وأظهرهما) لا يرجع لان المؤدى بعد العتق كالمستحق بالتصرف السابق
علي الرق وهذا كالخلاف في أن السيد إذا أعتق العبد الذى آجره في اثناء مدة الاجارة هل يرجع بأجرة مثله للمدة الواقعة بعد العتق(9/133)
قال * (ولو سلم إلى عبده ألفا ليتجر به فاشترى بعينه شيئا وتلف الالف انفسخ العقد * وان اشترى في الذمة فثلاثة أوجه (الثالث) أن للمالك الخيار إن شاء فسخ وان شاء أجاز وأبدل الالف) * إذا سلم إلى عبده الفا ليتجر به فاشترى بعينه شيئا ثم تلف الالف في يده انفسخ العقد كما لو تلف المبيع قبل القبض وان اشترى في الذمة على عزم صرف الالف إلى الثمن ففى المسألة وجهان (أحدهما) انه ينفسخ أيضا لانه حصر اذنه في التصرف في ذلك الالف وقد فات محل الاذن(9/134)
(وأصحهما) أنه لا ينفسخ وعلى هذا فوجهان (أحدهما) أنه يجب للسيد ألف آخر لان العقد وقع له والثمن غير متعين فعليه الوفاء باتمامه (والثانى) أنه لا يلزمه ذلك ولكنه ان أخرج الفا آخر أمضى العقد والا فللبائع فسخ العقد ويشبه أن يكون هذا أظهر وهو اختيار الشيخ أبى محمد وإذا ترك الترتيب حصل في المسألة ثلاثة أوجه كما ذكر في الكتاب ووراءها وجه رابع وهو أن الثمن يكون في كسب العبد والوجهان في الاصل كالوجهين فيما إذا دفع الفا قراضا إلى رجل فاشتري شيئا في الذمة وتلف الالف عنده هل على رب المال الف آخر أو ينقلب العقد إلى العامل (ان(9/135)
قلنا) بالاول فعلى السيد الف آخر (وان قلنا) بالثاني انفسخ العقد وإذا قلنا على السيد الف آخر فهل يتصرف العبد فيه بالاذن السابق أم لابد من اذن جديد فيه وجهان وهما كالوجهين في أنه إذا أخرج الفا آخر في صورة القراض فرأس المال الف أو الفان (ان قلنا) الف فلابد من اذن جديد (وان قلنا) ألفان كفى الاذن السابق قال الامام قدس الله روحه والالف الجديد انما يطالب به البائع دون العبد ولا شك أن العبد لا يمد يده إلى الف من مال السيد وانه لا يتصرف فيما
تسلمه البائع وانما تظهر فائدة الخلاف فيما إذا ارتفع العقد بسبب من الاسباب ورجع الالف والله أعلم *(9/136)
قال (أما قضاء ديونه فمن مال التجارة * لا من رقبته (ح) * وفى تعلقه باكتسابه من الاحتطاب وغيره وجهان) * الامر الثالث أن ديون التجارة من أين تؤدى ولا شك أن ديون معاملات المأذون مؤداة مما في يده من مال التجارة سواء فيه الارباح الحاصلة بتجاراته ورأس المال وهل يؤدى من اكتسابه بغير طريق التجارة كالاصطياد والاحتطاب فيه وجهان (أحدهما) لا كسائر أموال السيد (وأصحهما) نعم كما يتعلق به المهر وثبوت النكاح ثم ما فضل من ذلك يكون في ذمته إلى أن يعتق وهل يتعلق(9/137)
بما يكتسبه بعد الحجر فيه وجهان قال في التهذيب (أصحهما) أنها لا تتعلق به ولا تتعلق برقبته ولا بذمة السيد (أما) أنها لا تتعلق برقبته فلانه دين لزمه برضاء من له الدين فوجب أن لا يتعلق برقبته كما لو استقرض بغير إذن السيد وخالفنا أبو حنيفة فيه (وأما) أنه لا يتعلق بذمة السيد فلان ما لزمه بمعاوضة مقصودة باذنه وجب أن تكون متعلقة بكسب العبد كالنفقة في النكاح ولو كان للمأذونة أولاد لم تتعلق الديون بهم خلافا لابي حنيفة في الذين ولدوا بعد الاذن في التجارة ولو اتلف السيد ما في يد المأذون من أموال التجارة فعليه ما أتلف بقدر الدين ولو أنه قتل المأذون وليس في يده مال لم يلزم(9/138)
قضاء الدين * هذه مسائل الكتاب وما يناسبها وفي المأذون فروع كثيرة تذكر في مواضع متفرقة والذى نورده في هذه الخاتمة أنه لو تصرف فيما في يد المأذون ببيع أو هبة أو اعتاق ولا دين على العبد فهو جائز وفى وجه يشترط أن يقوم عليه حجرا وإن كان عليه دين فقد سبق حكم تصرفه وإذا باع العبد أو أعتقه صار محجورا عليه في أصح الوجهين وفى قضاء ديونه مما يكتسبه في يد المشترى الخلاف المذكور فيما يكتسبه بعد الحجر عليه * واعلم أن المسائل الخلافية بيننا وبين أبى حنيفة في المأذون يبنى أكثرها على أنه يتصرف لنفسه أو لسيده فعنده يتصرف لنفسه وعندنا(9/139)
لسيده ولذلك نقول إنه لا يبيع نسيئة ولا بدون ثمن المثل ولا يسافر بمال التجارة إلا باذن السيد ولا يتمكن من عزل نفسه بخلاف الوكيل * (فرع) لو أذن لعبده في التجارة مطلقا ولم يعين مالا فعن ابى طاهر الزيادي أنه لا يصح هذا الاذن وعن غيره أنه يصح وله التصرف في أنواع الاموال هذا تمام القسم الاول * قال (وأما غير المأذون فلا يتصرف بما يضر سيده كالنكاح فانه لا ينعقد دون إذنه * والا قيس جوازاتها به * وقبوله الوصية فيدخل في ملك سيده كما يدخل باحتطابه * ويخلع زوجته *(9/140)
ولا يصح (ز) ضمانه وشراؤه على الاصح لانه عاجز عن الوفاء بالملتزم * وقيل إنه يصح كما في المفلس * ولا يملك العبد بتمليك السيد (م) على القول الجديد) * القسم الثاني غير المأذون في التجارة وهو قد يكون مأذونا في غير التجارة وقد لا يكون مأذونا أصلا والمسائل الداخلة في هذا القسم منتشرة في الابواب والتى أوردها في هذا الموضع خمس (إحداها) ليس للعبد أن ينكح بغير إذن السيد لانه لو جاز نكاحه لكان له أن يطأ متى شاء وأنه يورث ضعف البنية ويتضرر به السيد هذا حكم كل تصرف يتعلق برقبة العبد (الثانية) الهبة(9/141)
من عبد الانسان والوصية له هبة ووصية للسيد وفى صحة قبوله فيهما من غير إذن السيد وجهان (احدهما) وبه قال الاصطخرى المنع لعدم رضاه بثبوت الملك (وأصحهما) الصحة لانه اكتساب لا يعقب عوضا فاشبه الاحتطاب والاصطياد بغير إذنه وأيضا فان العبد إذا خالع زوجته صح وثبت العوض ويدخل في ملك السيد قهرا فكذلك ههنا وصورة الوصية قد ذكرها صاحب الكتاب في الوصية (الثالثة) في صحة ضمانه بغير إذن السيد وجهان معادان في كتاب الضمان وشرحهما بذلك الموضع اليق (الرابعة) هل يصح شراؤه دون إذن السيد فيه طريقان (أظهرهما) أن فيه وجهين (أحدهما)(9/142)
وبه قال ابن أبى هريرة نعم لانه يعتمد الذمة ولا حجر على ذمته (وأصحهما) لا وبه قال أبو إسحق والاصطخري لانه لو صح فأما أن يثبت الملك له وليس هو أهلا لان يملك أو لسيده وذلك إما بعوض يلزمه أو بعوض يكون في ذمة العبد والاول ما رضى به السيد والثانى ممتنع لما فيه من حصول أحد العوضين لغير من يلتزم الثاني وبنوا الوجهين علي القولين في أن المفلس المحجور عليه إذا اشترى شيئا هل يصح ووجه الشبه أن كل واحد منهما صحيح العبارة وإنما حجر عليه لحق الغير (والطريق الثاني) القطع بالبطلان ويفارق المفلس لانه أهل للتمليك * (التفريع) ان صححنا شراءه فمنهم من قال إن الملك للسيد والبائع ان علم رقه لم يطالبه بشئ(9/143)
حتى يعتق وان لم يعلم فهو بالخيار بين الصبر إلى العتق وبين أن يفسخ ويرجع إلى عين ماله ومنهم من قال الملك للعبد والسيد بالخيار بين أن يقره عليه وبين أن ينتزعه من يده وللبائع الرجوع إلى عين المبيع ما دام في يد العبد لتعذر تحصيل الثمن كما لو أفلس المشترى بالثمن وان تلف في يده فليس له إلا الصبر إلى أن يعتق وإن انتزعه السيد فهل للبائع الرجوع فيه وجهان الذى أورده الاكثرون أنه لا يرجع كما لو زال يد المشترى عما اشتراه ثم أفلس بالثمن وفى التتمة أن الصحيح أنه يرجع أيضا بناء علي أن الملك يحصل للسيد ابتداء لا بالانتزاع وان افسدنا شراءه(9/144)
فللمالك استرداد العين ما دامت باقية سواء كانت في يد العبد أو في يد السيد وان تلفت في يد العبد تعلق الضمان بذمته وان تلفت في يد السيد فللبائع مطالبته بالضمان وإلا ليس له مطالبة العبد بعد العتق ولا يجب على السيد الضمان بأن رآه فلم يأخذه من يد العبد ولو أدى الثمن من مال السيد فله استرداده والاستقراض في جميع ما ذكرناه كالشراء وللعبد اجارة نفسه باذن السيد وكذا له بيع نفسه ورهنها في أصح الوجهين ولو اشترى العبد أو باع لغيره وكالة بغير إذن السيد ففيه وجهان ذكر في التتمة انهما مبنيان على الخلاف فيما لو اشترى لنفسه والاصح المنع لما(9/145)
فيه من تعلق العهدة بالوكيل وقوله في الكتاب ولا يصح ضمانه وشراؤه يجوز إعلامه بالحاء لان أبا حنيفة يصحح شراءه وايراد الوسيط يدل على أن المراد من قوله على الاصح الاصح من الطريقين (وقوله) في الكتاب وقيل انه يصح كما في المفلس اشارة إلى الطريق الثاني.
المعنى يصح في قول كما في المفلس (وقوله) لانه عاجز عن الوفاء بالملتزم وجهه في الضمان ظاهر فان الاداء في الحال متعذر عليه وأما في الشراء فهو مبني على أن للسيد أخذ المبيع منه فلا يبقى للثمن متعلق في الحال (الخامسة) العبد هل يملك(9/146)
بتمليك السيد فيه قولان (القديم) نعم وبه قال مالك لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (من باع عبدا وله مال أضاف المال إليه) والجديد لا وبه قال أبو حنيفة كما لا يملك بالارث وتمليك غير السيد
__________
(باب معاملات العبيد) (حديث) من باع عبدا وله مال الحديث: متفق عليه من حديث ابن عمر ولابي داود وابن حبان عن جابر نحوه وللبيهقي من حديث عبادة بن الصامت نحوه *(9/147)
ولانه مملوك فأشبه البهيمة وعن احمد روايتان كالقولين (فان قلنا) بالقديم فللسيد الرجوع عنه متى شاء وليس للعبد التصرف فيه الا باذن السيد وله أن يشترى الجارية التى ملكها أباه ان أذن له فيه وعن الاستاذ أبى اسحق منعه لضعف الملك وان لم يأذن له في الشراء فليس له ذلك وفيه وجه ولو كان له عبدان فملك كل واحد منهما صاحبه فالحكم للتمليك الثاني وهو رجوع عن الاول فان وقعا دفعة واحدة من وكيلين تدافعا والله أعلم *(9/148)
(الباب الثاني في التحالف) قال * (والنظر في سببه وكيفيته وحكمه (أما) السبب فهو التنازع في تفصيل العقد وكيفيته بعد الاتفاق على الاصل كالخلاف في قدر العوض (ح) وجنسه وقدر الاجل (ح) وأصله (ح) وشرط الكفيل (ح) والخيار (ح) والرهن (ح) وغيره * فموجبه التحالف سواء كانت
__________
(باب اختلاف المتبايعين)(9/149)
السلعة قائمة أو هالكة (ح م) جرى مع العاقد أو مع ورثته * قبل القبض أو بعده (ح) لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا اختلف المتبايعان تحالفا وترادا ") *
__________
(قوله) وفي رواية إذا اختلف المتبايعان تحالفا وفي رواية أخرى تحالفا أو ترادا أما رواية التحالف فاعترف الرافعي في التذنيب أنه لا ذكر لها في شئ من كتب الحديث وإنما توجد في كتب الفقه وكانه عني الغزالي فانه ذكرها في الوسيط وهو تبع امامه في الاساليب وأما رواية التراد فرواها مالك بلاغا عن ابن مسعود ورواه أحمد والترمذي وابن ماجه باسناد منقطع وقال الطبراني في الكبير.
نا محمد بن هشام المستملي نا عبد الرحمن بن صالح نا فضيل بن عياض نا منصور عن ابراهيم(9/150)
الاصل في الباب ما روى عن ابن مسعود رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال
__________
= عن علقمة عن عبد الله مرفوعا البيعان إذا اختلفا في البيع ترادا رواته ثقات لكن اختلف في عبد الرحمن بن صالح وما أظنه حفظه فقد جزم الشافعي أن طرق هذا الحديث عن ابن مسعود ليس فيها شئ موصول وذكر الدارقطني علله فلم يعرج على هذه الطريق وله طريق أخرى عند أبي داود والنسائي والحاكم والبيهقي من طريق عبد الرمن بن قيس بن محمد بن الاشعث عن أبيه عن جده قال قال عبد الله بن مسعود فذكر الحديث وصححه من هذا الوجه الحاكم وحسنه البيهقي وقال ابن عبد البر هو منقطع إلا أنه مشهور الاصل عند جماعة العلماء تلقوه وبنوا عليه كثيرا من فروعه وأعله ابن حزم بالانقطاع وتابعه عبد الحق وأعله بن القطان بالجهالة في عبد الرحمن وأبيه وجده وله طريق اخري رواها الدارقطني من طريق القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال باع عبد الله بن مسعود سببا من سبي الامارة بعشرين الفا يعني من الاشعث بن قيس فذكر القصة والحديث ورجاله ثقات إلا أن عبد الرحمن اختلف في سماعه من أبيه *(9/151)
(إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع والمبتاع بالخيار ومعناه أن المبتاع بالخيار بين امساكه بما حلف عليه البائع وبين أن يحلف على ما يقوله للرواية الاخرى (إذا اختلف المتبايعان تحالفا) وفي رواية (إذا اختلف
__________
(حديث) ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع والمبتاع بالخيار.
الشافعي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج عن اسماعيل بن أمية عن عبد الملك بن عمير عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال أتى عبد الله بن مسعود فقال حضرت النبي صلى الله عليه وسلم فامر بالبائع أن يستحلف ثم يخير المبتاع إن شاء ترك رواه أحمد عن الشافعي والنسائي والدارقطني من طريق أبي عبيدة أيضا وفيه انقطاع على ما عرف من اختلافهم في صحة سماع أبي عبيدة من أبيه واختلف فيه على اسماعيل بن أمية ثم عن ابن جريج في تسمية والد عبد الملك هذا الراوي عن أبي عبيدة فقال يحيى بن سالم عن اسماعيل بن أمية عبد الملك بن عمير كما قال سعيد بن سالم ووقع في النسائي عبد الملك بن عبيد ورجح هذا أحمد والبيهقي وهو ظاهر كلام البخاري وقد صححه ابن السكن والحاكم وروي الشافعي في المختصر عن سفيان عن ابن عجلان عن عون بن عبد الله ابن عتبة بن مسعود عن ابن مسعود نحوه بلفظ الباب وفيه نقطاع ورواه الدارقطني من طريق القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن جده وفيه اسماعيل بن عياش عن موسى ابن عقبة * (قوله) وفي رواية إذا اختلفا المتبايعان والسلعة قائمة ولا بينة لاحدهما تحالفا رواها عبد الله بن أحمد في زيادات المسند من طريق القاسم بن عبد الرحمن عن جده ورواها الطبراني والدارمي من هذا الوجه فقال عن القاسم عن أبيه عن ابن مسعود وانفرد بهذه الزيادة وهي قوله(9/152)
المتبايعان ولابينة لاحدهما تحالفا * إذا عرفت ذلك فكلام الباب يقع في ثلاثة فصول (أحدها) في السبب المحوج إلى التحالف ومتى تبايع اثنان ثم وقع بينهما اختلاف فذلك إما أن يكون مع الاتفاق على عقد صحيح أولا معه القسم الاول أن يختلفا مع الاتفاق على عقد صحيح مثل أن يختلفا في قدر الثمن فيقول البائع بعتك هذا بمائة فيقول المشترى بخمسين فينظران كان لاحدهما بينة قضى بها وان أقام كل واحد
__________
= والسلعة قائمة عن أبي ليلى وهو محمد بن عبد الرحمن الفقيه وهو ضعيف سئ الحفظ وأما قوله فيه تحالفا فلم يقع عند أحد منهم وإنما عندهم والقول قول البائع أو يرادان *(9/153)
منهما بينة على ما يقوله سمعا من حيث ان كل واحد منهما مدع ثم ان قلنا بالتساقط فكان لا بينة والا توقفنا إلى ظهور الحال وان لم يكن لواحد منهما بينة فيتحالفان لان كل واحد منهما مدع ومدعى عليه فالبائع مدع زيادة الثمن ومدعى عليه في تمليك السلعة بالاقل والمشترى بالعكس فإذا لم يكن بينة حلف كل واحد منهما ولا فرق في ذلك بين أن تكون السلعة قائمة أو هالكة وقال أبو حنيفة إنما يتحالفان عند قيام السلعة أما إذا هلكت فالقول قول المشترى مع يمينه وعن أحمد روايتان كالمذهبين وعن مالك مثل ذلك ورواية المنذر هي أنه ان كان قبل القبض تحالفا وان كان بعده فالقول قول المشترى لنا ما سبق من اطلاق الاخبار وقياس حالة الهلاك على حالة البقاء لا فرق أيضا بين أن يقع الاختلاف(9/154)
بين المتبايعين أو ورثتهما بعدهما وقال أبو حنيفة إن كان المبيع غير مقبوض تحالفا والا فالقول قول ورثة المبتاع * ولو اختلفا في جنس الثمن أو بعض صفاته فهو كالخلاف في القدر وكذا الاختلاف في قدر المبيع بأن يقول البائع بعتك هذا العبد ويقول المشترى هذا العبد وهذا الثوب والاختلاف في قدر المبيع والثمن بأن يقول البائع بعتك هذا العبد بألف ويقول المشترى بعتنيه وهذه الجارية بالفين ولو قال البائع بعتك هذا العبد فقال المشترى بعتني هذه الجارية ولم يختلفا في الثمن نظران كان الثمن معينا تحالفا كما لو اختلفا في جنس الثمن وان كان الثمن في الذمة فوجهان (أحدهما) أنهما يتحالفان(9/155)
أيضا كما لو كان معينا وبهذا أجاب ابن الحداد واختاره القاضى أبو الطيب وابن الصباغ رحمهم الله والثانى أنه لا تحالف لان المبيع مختلف فيه والثمن ليس بمعين حتى يربط به العقد ويحكى هذا عن الشيخ أبى حامد واختاره الامام وصاحب التتمة ونظير المسألة من الصداق أن يقول الزوج أصدقتك أباك فقالت بل أمي وقد أوردها صاحب الكتاب في آخر كتاب الصداق ورأى الاصح
التحالف فان قلنا لا تحالف حلف كل واحد منهما علي نفى ما يدعيه صاحبه ولم يجمع أحدهما في اليمين بين النفى والاثبات ولا يتعلق بينهما فسخ ولا انفساخ ولو كانت المسألة بحالها وأقام كل واحد(9/156)
منهما بينة على ما ذكره سلمت الجارية للمشترى وأما العبد فقد أقر البائع بيعه وقامت البينة عليه أو لم تقم فان كان في يد المشترى أقر عنده وان كان في يد البائع فوجهان (أحدهما) أنه يسلم إلى المشترى ويجبر على قبوله والثانى لا يجبر لانه ينكر ملكه فيه فعلى هذا يقبضه الحاكم وينفق عليه من كسبه فان لم يكن له كسب ورأى الحظ في بيعه وحفظ ثمنه فعل ولو أنفقا على المبيع والثمن واختلفا في شرط الخيار أو قدره أو شرط الرهن بالثمن أو الكفيل أو شرط الاجل أو قدره جرى التحالف أيضا خلافا لابي حنيفة وأحمد حيث قالا الاختلاف في شروط العقد لا يقتضى التحالف ولكن القول قول من منعها * لنا اطلاق الاخبار السابقة والرواية(9/157)
المذكورة في الكتاب ولا تخفي المواضع المستحقة للعلامات من الفاظ الكتاب * قال (ويجرى في كل معاوضة * كالصلح عن دم العمد والخلع والنكاح والاجارة والمساقاة والقراض والجعالة ولكن أثره في بدل الدم والبضع الرجوع إلى بدل المثل لا فسخ الخلع والنكاح * ولو قال وهبت هذا منى فقال لا بل بعته فالقول قوله في انه ما وهب * ولم يتحالفا إذ لم يتفقا على عقد) * في الفصل مسألتان (احداهما) ان التحالف لا يختص بالمبايعات بل يجرى في سائر عقود(9/158)
المعاوضات من السلم والاجارة والمساقاة والقراض والجعالة والصلح عن الدم والخلع والصداق والكتابة طردا للمعنى ثم في البيع ونحوه يفسخ العقد بعد التحالف أو ينفسخ ويترادان كما سيأتي وفى الصلح عن الدم لا يعود استحقاق بل ان التحالف في الرجوع إلى الدية فكذلك لا يرتد البضع ولكن في النكاح ترجع المرأة إلى مهر المثل وفى الخلع يرجع إليه الزوج وسيعود ذكر هذا الكلام في كتابيهما ثم ذكر الامام قدس الله روحه في هذا الموضع اشكالا فقال أي معنى للتحالف في القراض مع انه جائز وكل واحد
منهما بسبيل من فسخه بكل حال وايد ذلك بأن القاضى الحسين منع من التحالف في البيع في زمان(9/159)
الخيار ومكانه لامكان الفسخ بسبب الخيار واجاب بان التحالف ما وضع للفسخ ولكن عرضت الايمان رجاء أن ينكف الكاذب ويتقرر العقد بيمين الصادق فإذا لم يتفق ذلك واصرا فسخ العقد للضرورة ونازع القاضى فيما ذكره لاشكالات قررها ثم مال بالآخرة إلى موافقته ورأى في القراض ان يفصل فيقال التحالف قبل الخوض في العمل لا معنى له واما بعده فالنزاع يؤل إلى مقصود لا خيرة فيه من ربح أو اجر مثل فيتحالفان والجعالة كالقراض (المسألة الثانية) لو قال بعتك هذا بالالف فقال(9/160)
بل وهبتنيه فلا تحالف إذ لم يتفقا على عقد ولكن يحلف كل واحد منهما علي نفى ما يدعيه صاحبه فإذا حلفا فعلى مدعى الهبة رده بزوائده هذا هو المشهور ووراءه شيئان (أحدهما) عن صاحب التقريب رواية قول أن القول قول مدعى الهبة لانه مالك باتفاقهما وصاحبه يدعي عليه والاصل براءة ذمته عنه (الثاني) أطلق في التتمة وجها أنهما يتحالفان وادعى انه الصحيح ولو قال بعتك هذا بألف فقال بل وهبتنيه حلف كل واحد منهما على نفى ما يدعيه صاحبه ورد الالف واسترد(9/161)
العين ولو قال رهنتكه بألف استقرضته؟ فقال بل بعتنيه بألف فالقول قول المالك مع يمينه وترد الالف ولا يمين على الآخر ولا يكون رهنا لانه لا يدعيه قاله في التهذيب * قال (ولو تنازعا في شرط مفسد فكذلك * والاصح أن القول قول من ينكر الشرط الفاسد * ولو رد المبيع عليه بعيب فقال هذا ليس ما قبضته منى فالقول قوله * وان جرى ذلك في المسلم فيه ففيه خلاف من حيث إنه لم يعترف له بقبض صحيح * وقال ابن سريج ان كان بحيث(9/162)
لو رضي به لوقع عن جهة الاستحقاق لرجوع التفاوت إلى الصفة فهو كالمبيع لان القبض صحيح فيه لو رضى به) *
القسم الثاني أن يختلفا من غير الاتفاق على عقد صحيح بأن يدعى أحدهما صحة العقد والآخر فساده كما إذا قال بعتك بألف فقال المشترى بل بألف وزق خمر وقال أحدهما شرطنا في العقد شرطا مفسدا وأنكر الآخر فلا تحالف وفيمن القول قوله وجهان (أصحهما) عند صاحب التهذيب(9/163)
أن القول قول من يدعى الفساد مع يمينه لان الاصل عدم العقد الصحيح وبقاء الملك للمالك وصار كما لو اختلفا في أصل البيع (واصحهما) عند المصنف وهو اختيار الشيخ أبى حامد وابن الصباغ أن القول قول من يدعى الصحة لان الظاهر من العقود الجارية بين المسلمين الصحة واحتج لهذا الوجه بنصه في البويطى فيمن أسلم إلى رجل في طعام واختلفا فادعى المسلم إليه أنه شرط فيه الخيار وأنكره المسلم أن القول قول المسلم مع يمينه وأيضا فلو قال هذا الذى بعتنيه حر الاصل وقال البائع(9/164)
بل هو مملوك فالقول قول البائع وذكر الائمة تخريج الوجهين على أصلين (أحدهما) عن القاضى أبى الطيب أن أصل الوجهين قولان للشافعي رضى الله عنه فيمن تكفل برجل ثم اختلفا فقال تكفلت على أن الخيار ثلاثا وأنكر المكفول له أن القول قول الكفيل أو المكفول له (والثانى) عن القفال ان اصلهما القولان فيمن قال لفلان على الف من ثمن الخمر هل يؤاخذ بأول كلامه ام يقبل قوله من ثمن الخمر (ان قلنا) بالثاني فالقول قول من يدعى الفساد (وان قلنا) بالاول فالقول(9/165)
قول من يدعي الصحة ولمخرج ان يخرج الوجهين على قولى تقابل الاصل والظاهر ولو قال بعتك بألف فقال بل بخمر أو بثمن مجهول ففي التهذيب نقل طريقين (اظهرهما) طرد الوجهين (والثانى) القطع بالفساد لانه لم يقر بشئ ملزم وإذا فرعنا على ان القول قول من يدعى الصحة فلو قال بعتك بالف فقال بل بخمسمائة وزق خمر وحلف البائع على نفي سبب الفساد صدق فيه وبقى التنازع في قدر الثمن فيتحالفان * ثم الفصل يشتمل على مسألة أخرى في اختلاف المتبايعين من وجه آخر وهى أن يشترى(9/166)
عبدا مثلا ثم يجئ بعبد ويريد رده بعيب فيه فيقول البائع ليس هذا ما ابتعته وقبضته مني فالقول قول البائع لان الراد يريد الفسخ والاصل مضيه علي السلامة ولو فرض ذلك في التسلم أو قال ليس هذا على الوصف الذى أسلمت اليك فيه ففيه وجهان (أحدهما) أن القول قول المسلم إليه مع يمينه كما أن القول قول البائع وبهذا أجاب في التنبيه (وأصحهما) أن القول قول المسلم لان اشتغال ذمته بمال السلم معلوم والبراءة غير معلومة ويفارق صورة البيع لانهما اتفقا على قبض ما ورد عليه(9/167)
الشراء وتنازعا في سبب الفسخ والاصل استمرار العقد والوجهان جاريان في الثمن في الذمة أن القول قول القابض أو الدافع وعن ابن سريج وجه ثالث وهو أنه يفرق بين ما يمنع صحة القبض وبين العيب الذى يمنعها فإذا كان الثمن دراهم في الذمة وفرض هذا النزاع وكان ما أراد البائع رده زيوفا ولم يكن ورقا فالقول قول البائع لانكار أصل القبض الصحيح وان كانت ورقا لكنها رديئة النوع لخشونة أو اضطراب سكة فالقول قول المشترى لان أصل القبض قد تحقق ولو رضى به لوقع المقبوض(9/168)
عن الاستحقاق ولا يخفى مثل هذا التفصيل في المسلم فيه ولك أن تقول المعنى الفارق في المسلم فيه ظاهر فان الاعتياض عنه غير جائز ولكن في الثمن لو رضى بالمقبوض لوقع عن الاستحقاق وان لم يكن ورقا متى كانت له قيمة لان الاستبدال عن الثمن جائز علي الصحيح وقوله في الكتاب لرجوع التفاوت إلى الصفة أراد صفات الجودة والرداءة فان أخذ الردئ عن الجيد جائز وانما المانع من الاخذ تغاير الجنس ولو كان الثمن معيبا فهو كالمبيع فإذا وقع فيه هذا الاختلاف فالقول قول المشترى مع(9/169)
يمينه قال في التهذيب لو كان المعين نحاسا لا قيمة له فالقول قول الراد لانه يدعى بقاء ملكه وفساد العقد ولك أن تقول ينبغى أن يكون هذا علي الخلاف فيما إذا ادعى أحدهما صحة العقد والآخر فساده ولو اشترى طعاما كيلا وقبضه بالكيل أو وزنا وقبضه بالوزن أو أسلم فيه وقبضه ثم جاء وأدعى نقصانا فيه نظر ان كان قدر ما يقع مثله في الكيل والوزن قبل والا فقولان عن رواية
الربيع (أحدهما) أن القول قول القابض مع يمينه لان الاصل بقاء حقه ويحكى هذا عن أبى حنيفة(9/170)
ورجحه صاحب التهذيب (والثانى) ويحكى عن مالك أن القول قول الدافع مع يمينه لانهما اتفقا على القبض والقابض يدعى الخطأ فيه فيحتاج إلى البينة كما لو اقتسما ثم جاء أحدهما وادعي الخطأ فيه يحتاج إلى البينة وهذا أصح عند القاضى أبى الطيب وغيره * ولو اختلف المتبايعان في القبض فالقول قول المشترى ولو باع عصيرا وحصل القبض فوجد خمرا فقال البائع تخمر في يدك وقال المشتري بل سلمته خمرا والقبض فاسد وأمكن الامران جميعا فقولان (أحدهما) أن القول قول(9/171)
البائع لان الاصل بقاء الحلاوة (والثانى) أن القول قول المشترى لان الاصل عدم القبض الصحيح ولو قال أحدهما انه كان خمرا عند البيع فهذا يدعى فساد العقد والآخر يدعي صحته وقد سبق حكمه وبهذا يقاس ما لو باعه لبنا فأخذه المشترى في ظرف ثم وجدت فيه فأرة وتنازعا في نجاسته عند القبض وعند البيع ولو قال المشترى بعت العبد بشرط انه كاتب وأنكره البائع فوجهان (أحدهما) أن القول قول البائع كما لو اختلفا في العيب (والثانى) أنهما يتحالفان كما(9/172)
لو اختلفا في الاجل أو الخيار قال في التتمة وهذا أصح ولو كان الثمن مؤجلا واختلفا في انقضاء الاجل فالاصل بقاؤه * قال (أما كيفية اليمين فالبداءة (ح) بالبائع * وفى السلم بالمسلم إليه * وفى الكتابة بالسيد لانهما في رتبة البائع * وفى الصداق بالزوج لانه في رتبة بائع الصداق وأثر التحالف يظهر فيه لا في البضع * وقيل انه يبدأ بالمشتري وهو مخرج * وقيل يتساويان فيتقدم بالقرعة أو برأى القاضى *(9/173)
ثم يحلف يمينا واحدا ويجمع بين النفى والاثبات * ويقدم (و) النفى فيقول والله ما بعته بألف بل بعته بألفين * فان حلف البائع عليهما ونكل المشترى عن أحدهما قضى عليه * وفيه
قول مخرج أنه لا يجمع في يمين واحدة بين النفى والاثبات بل يحلف البائع على النفي ثم المشترى على النفى ثم البائع على الاثبات ثم المشترى على الاثبات فيتعدد اليمين) * الفصل الثاني في كيفية التحالف وقاعدته أن يحلف كل واحد من المتعاقدين على إثبات(9/174)
ما يقوله ونفى ما يقوله صاحبه ثم فيه مسألتان (إحداهما) فيمن يبدأ به من المتعاقدين وقد نص في البيع انه يبدأ بالبائع وفى المسلم انه يبدأ بالمسلم إليه وفى الكتابة بالسيد وهذه النصوص متوافقة وفى الصداق انه يبدأ بالزوج وظاهره يخالف سائر النصوص لان الزوج شبيه بالمشترى ونص في الدعاوى أنه إن بدأ بيمين البائع خير المشترى وإن بدأ بيمين المشترى خير البايع وهذا يشعر بالتسوية والتخيير وللاصحاب طريقان (أظهرهما) أن المسألة على ثلاثة أقوال (أظهرهما) أن البداية(9/175)
بالبائع وبه قال أحمد واحتجوا له بأن جانبه أقوى لان ملكه على الثمن يتم بالعقد وملك المشترى على المبيع لا يتم بالعقد ولان المبيع يعود إليه بعد التحالف (والثانى) ان البداية بالمشترى وبه قال أبو حنيفة لان البائع يدعى عليه زيادة ثمن والاصل براءة ذمته عنها فتقوى بذلك جانبه (والثالث) أنه لا بداية بل يتساويان لان كل واحد منهما مدع ومدعي عليه فلا ترجيح وعن الشيخ أبى حامد ان هذا أقيس وان كان الاول ظاهر المذهب وعلى هذا فوجهان (أظهرهما) أن الحاكم مخير(9/176)
في ذلك يبدأ بمن اتفق (والثانى) أنه يقرع بينهما كما يقرع بين المتساويين إلى مجلسه (والطريق الثاني) القطع بان البداية بالبائع ومن قال بهذا قطع بأن البداية في اختلاف الزوجين بالزوج على ما نص عليه وقرره من وجهين (احدهما) أن أثر تحالف الزوجين إنما يظهر في الصداق دون البضع والزوج هو الذى ينزل عن الصداق فكان كالبائع له (والثانى) أن تقديم البائع إنما كان لقوة جانبه بحصول المبيع له بعد التحالف وفى النكاح يبقى البضع للزوج (وأما) نصه في كتاب الدعاوى فستعرف تأويله(9/177)
(وإذا قلنا) بطريقة اثبات الخلاف فان قدمنا البائع لم يخف من ينزل منزلته في سائر العقود وفي الصداق ويأتى وجهان (أحدهما) أن البداية بالمرأة لما مر وان قدمنا المشترى نقله صاحب التهذيب وغيره وأوفقهما للنص أن البداية بالزوج لما مر وإن قدمنا المشترى فالقياس انعكاس الوجهين والله أعلم * ثم ههنا أمران مهمان (أحدهما) أن جميع ما ذكرناه في الاستحباب دون الايجاب والاشتراط نص عليه الشيخ أبو حامد وصاحب التهذيب والتتمة وهو أحد ما حمل عليه نصه في الدعاوي (والثانى) أن تقديم أحد الجانبين مخصوص بما إذا(9/178)
باع عرضا بثمن في الذمة (فاما) إذا تبادلا عرضا بعوض فلا تتجه الا التسوية ذكره الامام وينبغى أن يخرج ذلك على أن الثمن ماذا وقد سبق الخلاف فيه (المسألة الثانية) في تعدد اليمين وصفتها ظاهر نص الشافعي رضى الله عنه الاكتفاء بيمين واحدة من كل واحد من المتعاقدين يجمع فيها بين النفي والاثبات فيقول البائع ما بعت بخمسمائة وإنما بعت بألف ويقول المشترى ما اشتريت بألف وإنما اشتريت بخمسمائة ولو كان في يد رجلين دار فادعي كل واحد منهما أن جميعها له فالنص أن كل واحد منهما(9/179)
يحلف على مجرد نفى استحقاق صاحبه ما في يده فلو حلف أحدهما ونكل الآخر فالحالف يحلف يمينا أخرى للاثبات وللاصحاب فيهما طريقان (أصحهما) تقرير النصين والفرق أن منفى كل واحد منهما في ضمن مثبته لان العقد واحد بالاتفاق والتنازع في صفته فكان الدعوى واحدة فجاز التعرض في اليمين الواحدة للنفي والاثبات وفى مسألة الدار منفى كل واحد منهما ممتاز عن مثتبه فلا معنى ليمينه على الاثبات قبل نكول صاحبه (والثانى) التصرف بتخريج قول من مسألة الدار فيما نحن فيه ووجهه الجرى على(9/180)
قياس الخصومات فان يمين الاثبات لا يبدأ بها في غير القسامة وهل يتصرف بتخريج قول ما نحن فيه في مسألة الدار أيضا (قال) كثيرون نعم حتى يكون فيهما قولان بالنقل والتخريج (وقال) الشيخ أبو حامد والامام لا وهو الحق لان كل واحد منهما لا يحتاج فيما في يده إلى الاثبات واليمين على الاثبات يمين الرد فكيف يحلف الاول يمين الرد وصاحبه لم ينكل بعد وكيف يحلفها الثاني وقد حلف صاحبه (التفريع) ان اكتفينا بيمين واحدة يجمع فيها بين النفى والاثبات فإذا حلف أحدهما(9/181)
ونكل عن الثاني قضى للحالف سواء نكل عن النفى والاثبات جميعا أو عن أحدهما والنكول عن البعض كهو عن الكل فينبغي أن يقدم النفي على الاثبات لان النفى هو الاصل في الايمان وعن الاصطخرى أن الاثبات مقدم لانه المقصود وهذا الخلاف في الاستحباب أو الاستحقاق (والاظهر) الاول ونقل الامام الثاني (وان قلنا) يحلف أولا على مجرد النفى فلو أضاف إليه الاثبات كان لغوا وإذا حلف من وقعت البداية به على النفى عرضت اليمين على الثاني فان نكل حلف الاول على الاثبات وقضى(9/182)
له وان نكل عن الاثبات لم يقض له لاحتمال صدقه في نفى ما يدعيه صاحبه وكذبه فيما يدعيه ثم عن الشيخ أبى محمد أنه كما لو تحالفا لان نكول المردود عليه عن يمين الرد نازل في الدعاوى منزلة حلف الناكل أولا ولو نكل الاول عن اليمين حلف الاخر على النفى والاثبات وفضى له * ولو حلفا على النفي فوجهان (أصحهما) وبه قال الشيخ أبو محمد أنه يكفى ذلك ولا حاجة بعده إلى يمين الاثبات لان المحوج إلى الفسخ جهالة الثمن وقد حصلت (والثانى) أنه تعرض يمين الاثبات عليهما فان حلفا تم(9/183)
التحالف وان نكل أحدهما قضى للحالف والقول في أنه يقدم يمين النفى أو الاثبات يقاس بما ذكرنا على تقدير الاكتفاء بيمين واحدة ولو عرضت اليمين عليهما فنكلا جميعا ففيه وجهان للامام (أحدهما) أن تناكلهما كتحالفهما كما أنه إذا تداعي رجلان مولودا كان ذلك كتحالفهما (والثانى) أنه يوقف الامر وكأنهما تركا الخصومة والله أعلم * وقوله في الكتاب في المسألة الاولى وقيل إنه يبدأ بالمشترى وهو مخرج انما ذكر ذلك لانه مأخوذ من نصه في الصداق يجوز اعلام قوله وقيل في الموضعين(9/184)
بالواو للطريق القاطعة بأن البداية بالبائع (وقوله) فالبداية بالبائع معلم بالحاء (وقوله) يبدأ بالمشترى بالالف (وقوله) يتساويان بهما (وقوله) فيتقدم بالقرعة أو برأي القاضى ليس للتخيير وإنما أراد به الوجهين اللذين قدمناهما (وقوله) ويقدم النفى في المسألة الثانية معلم بالواو (وقوله) بل يحلف البائع على النفى
إلى آخره مفرع على إن البداية بالبائع * قال (أما حكم التحالف فهو إنشاء الفسخ إذا استمرا على النزاع * وفيه قول مخرج أنه ينفسخ *(9/185)
ثم القاضى يفسخ * أو من (و) أراد من المتعاقدين فيه وجهان) * (الفصل الثالث) في حكم التحالف وثمرته * إذا تحالفا ففى العقد وجهان (أحدهما) أنه ينفسخ كما ينفسخ النكاح بتحالف المتلاعنين ولان التحالف يحقق ما قالاه ولو قال البائع بعت بألف فقال المشترى اشتريت بخمسمائة لم ينعقد فكذلك ههنا (وأصحهما) وهو المنصوص انه لا ينفسخ(9/186)
لان البينة أقوي من اليمين ولو أقام كل واحد منهما بينة على ما بقوله لا ينفسخ العقد فباليمين أولى أن لا ينفسخ * (التفريع) إن قلنا بالاول فلو تفارا على أحد اليمين لم يعد نافذا بل لابد من تجديد عقد وهل ينفسخ المال أو يتعين ارتفاعه من أصله فيه وجهان (أظهرهما) أولهما لنفوذ تصرفات المشترى قبل الاختلاف ويحكى الثاني عن ابى بكر الفارسى (وان قلنا) بالاصح فالحاكم يدعوهما بعد التحالف إلى الموافقة(9/187)
فينظر هل يعطى المشترى ما يقوله البائع من الثمن فان فعل اجبر البائع عليه والا نظر هل يقنع البائع بما يقوله المشترى فان فعل فذاك والا فحينئذ يحتاج إلى فسخ العقد ومن الذى يفسخه فيها وجهان احدهما الحاكم كالفسخ بالعنة لانه فسخ مجتهد فيه واظهرهما ان للمتعاقدين ايضا ان يفسخا ولاحدهما أن ينفرد به كالفسخ بالعيب قال الامام (وإذا قلنا) الحاكم هو الذى يفسخ فذلك إذا استمرا على النزاع ولم يفسخا أو التمسا الفسخ فاما إذا اعرضنا عن الخصومة ولم يتوافقا على شئ ولا فسخا ففيه تردد ثم(9/188)
إذا فسخ العقد ارتفع في الظاهر وهل يرتفع في الباطن ثلاثة أوجه (احدهما) لا لان سبب الفسخ تعذر امضاؤه لعدم الوقوف على الثمن وانه أمر يتعلق بالظاهر (والثانى) نعم كالفسخ يتعلق بالعيب (والثالث) ان كان
البائع صادقا فنعم لتعذر وصوله إلى حقه كما لو فسخ بافلاس المشترى وان كان كاذبا فلا يمكنه من الوصول إلى ما ثبت له وهل يجرى مثل هذا الخلاف إذا فرعنا على انفساخ العقد بنفس التحالف أم يجزم بالارتفاع باطنا أيضا اختلفوا فيه وإذا قلنا بالارتفاع باطنا ترادا وتصرف كل واحد منهما فيما(9/189)
عاد إليه وان منعناه لم يجز لهما التصرف لكن لو كان البائع صادقا فقد ظفر بمال من ظلم لما استرد المبيع فله بيعه أما بالحاكم في أحد الوجهين أو بنفسه في أصحهما واستيفاء حقه من ثمنه * واعلم ان جميع ما ذكرناه مفرغ في قالب واحد وهو ان يكون اختلافهما في قدر الثمن وللامام عبارة نحو هذه الصورة وسائر صور الاختلاف وهي ان الفسخ ان صدر مع المحق فالوجه تنفيذه باطنا وان صدر من المبطل فالوجه منعه وإن صدر منهما جميعا فلا لاشك في الانفساخ باطنا وليس ذلك موضع الخلاف قال المصنف(9/190)
في الوسيط كما لو تقايلا وإذا صدر من المبطل ولم ينفذه باطنا فطريق الصادق اثناء الفسخ وان اراد الملك فيما عاد إليه وان صدر من القاضى فالظاهر الانفساخ باطنا لينتفع به المحق قال (ثم يرد عين المبيع عند التفاسخ ان كان قائما والا فقيمته عند التلف اعتبارا بقيمته يوم التلف على الاصح * وقيل يعتبر يوم القبض * ولو كان المبيع عبدين وتلف أحدهما ضم قيمة التالف إلى القائم * ولو كان تعيب في يده ضم أرش العيب إليه * وان كان آبقا أو مكاتبا أو مرهونا أو مكرى(9/191)
غرم القيمة * وإذا ارتفعت الموانع ففي رد العين واسترداد القيمة خلاف) * إذا انفسخ البيع بالتحالف أو فسخ فعلى المشترى رد المبيع ان كان قائما بحاله لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (قال إذا اختلف المتبايعان تحالفا وترادا) ويسلم له الولد والثمرة والكسب والمهر وان كان تالفا فعليه قيمته سواء كانت أكثر من الثمن الذى يدعيه البائع أو اقل وفى القيمة المعتبرة وجوه وقال الامام أقوال (أصحها) عند المصنف ان الاعتبار بقيمة يوم التلف لان مورد الفسخ العين لو بقيت(9/192)
والقيمة خلف عنها فإذا فات الاصل فحينئذ ينظر إليها (والثانى) أنه يعتبر قيمة يوم القبض لانه وقت دخول المبيع في ضمانه ثم ما يعرض من زيادة أو نقصان فهو في ملكه ولم يذكر في الكتاب سوى هذين (والثالث) أنه يعتبر أقل القيمتين لانها إن كانت يوم العقد أقل فالزيادة حدثت في ملك المشترى وإن كانت يوم القبض أقل فهو يوم دخوله في ضمانه وقد ذكرنا نظير هذه الثلاثة في القيمة التى نعتبرها لمعرفة الارش (والرابع) وقد أورده مع الاول في التهذيب ان الاعتبار بأقصى القيم من يوم القبض(9/193)
إلى يوم التلف لان يده يد ضمان فتعتبر أعلا القيم قال الشيخ أبو على هذا الخلاف ناظر إلى أن العقد يرتفع من أصله أو من حينه (إن قلنا) بالاول فالواجب أقصى القيم (وإن قلنا) بالثاني اعتبرنا قيمة يوم التلف * ولو اشترى عبدين وتلف أحدهما ثم اختلفا وتحالفا هل يرد العبد الباقي فيه الخلاف المذكور في مثله وإذا وجد الباقي معيبا (إن قلنا) يرد فيضم قيمة التالف إليه وفي القيمة المعتبرة الاوجه ولعل باحثا يقول لم كان الاصح ههنا غير الاصح في القيمة المعتبرة لمعرفة الارش(9/194)
(والجواب) يجوز أن يكون السبب فيه ما أشار إليه الامام وهو أن النظر إلي القيمة ثم ليس ليغرم ولكن ليعرف منها الارش الذى هو جزء من الثمن وكذلك العوض فيما إذا تلف أحد العبدين ووجد عيبا بالباقي وجوزنا افراده بالرد يوزع الثمن على قيمة التالف والباقي وههنا المغرم القيمة فكان النظر إلى حالة الاتلاف أليق وإن كان المبيع قائما الا انه قد تعيب رده مع الارش وهو قدر ما نقص من القيمة لان الكل مضمون على المشترى بالقيمة فيكون البعض مضمونا ببعض(9/195)
القيمة بخلاف ما لو تعيب المبيع في يد البائع وأفضى الامر إلى الارش يجب جزء من الثمن لان الكل مضمون على البائع بالثمن فكذلك البعض قال الشيخ أبو على وهذا أصل مطرد في المسائل ان كل موضع لو تلف الكل كان مضمونا على الشخص بالقيمة فإذا تلف البعض كان مضمونا عليه ببعض القيمة كالمغصوب وغيره الا في صورة وهي إذا عجل زكاة ماله ثم تلف ماله قبل الحول
وكان ما عجل تالفا يغرم المسكين القيمة ولو كان معيبا ففى الارش وجهان * وهذه المسألة قد بيناها(9/196)
أو الارش فالقول قول المشترى لانه الغارم ولو كان العبد المبيع قد أبق من يد المشترى حين تحالفا لم يمتنع الفسخ فان الاباق لا يزيد على التلف ويغرم المشترى قيمته لتعذر الوصول إليه وكذا لو كاتبه كتابة صحيحة ولو رهنه فالبائع بالخيار بين أخذ القيمة وبين الصبر إلى انفكاك الرهن ولو أجره فيبنى على إن بيع المستأجر هل يجوز (ان قلنا) لا فهو كما لو رهنه (وان قلنا) نعم فللبائع أخذه لكنه يترك عند المستأجر إلى انقضاء المدة والاجرة المسماة للمشترى وعليه للبائع أجرة المثل للمدة الباقية * وان كان(9/197)
في موضعها وميل الشيخ إلى طرد الاصل فيها * ثم التلف قد يكون حقيقيا وقد يكون حكميا كما لو كان المشترى قد وقف المبيع أو أعتقه أو باعه أو وهبه وأقبضه فتجب القيمة وهذه التصرفات ماضية على الصحة وعن أبى بكر الفارسى أنه يتبين بجريان التحالف فسادها وترد العين * والتعيب أيضا قد يكون حقيقيا وقد يكون حكميا كما لو زوج الجارية المبيعة أو العبد المبيع فعليه ما بين قيمتها مزوجة وخلية وتعود إلى البائع والنكاح بحاله * وعن الفارسى أنه يبطل النكاح أيضا * ومهما اختلفا في قدر القيمة(9/198)
قد آجره من البائع فله أخذه لا محالة وفى انفساخ الاجارة وجهان كما لو باع الدار المكراة من المكترى (ان قلنا) لا ينفسخ فعلي البائع المسمى للمشترى وعلى المشترى اجرة مثل المدة الباقية للبائع وإذا غرم القيمة في هذه الصورة ثم ارتفع السبب الحائل وأمكن الرد هل تسترد القيمة وترد العين يبنى ذلك على أنه قبل ارتفاع الحائل ملك من (أما) الآبق ففيه وجهان (أحدهما) أنه يبقى للمشترى والفسخ لا يرد على الآبق كالمبيع وانما هو وارد على القيمة (وأصحهما) انه في اباقه ملك للبائع والفسخ وارد عليه وانما وجبت القيمة(9/199)
للحيلولة (واما) المرهون والمكاتب ففيهما طريقان (احدهما) طرد الوجهين (واظهرهما) وبه قال الشيخ ابو محمد القطع ببقاء الملك للمشترى كما ان المشترى إذا افلس بالثمن والعبد آبق يجوز للبائع
الفسخ والرجوع إليه ولو كان مرهونا أو مكاتبا ليس له ذلك * وام المكرى إذا منعنا بيعه فهو كالمرهون والمكاتب والآبق لان حق المكرى يتعلق بمورد البيع والفسخ وهو فيه احتمالان للامام (فإذا قلنا) ببقاء الملك للمشتري فالفسخ وارد على القيمة كما في صورة التلف فلا رد ولا استرداد(9/200)
وان قلنا بانقلابه إلى البائع ثبت الرد والاسترداد عند ارتفاع الحيلولة والله أعلم * ونختم الباب بفروع (أحدها) لو اختلف المتبايعان ثم حلف كل واحد منهما بعد التحالف أو قبله بحرية العبد المبيع ان لم يكن الامر كما قال فلا يعتق العبد في الحال لانه ملك المشترى وهو صادق بزعمه ثم ان فسخ العقد أو عاد العبد إلى البائع بسبب آخر عتق عليه لان المشترى كاذب بزعمه والعبد قد عتق عليه فهو كمن أقر بحرية العبد ثم اشتراه ولا يعتق في الباطن ان كان البائع كاذبا ويعتق على المشترى(9/201)
ان كان صادقا وولاء هذا العبد موقوف لا يدعيه البائع ولا المشترى ولو صدق المشترى البائع حكم بعتقه عليه ويرد الفسخ ان تفاسخا كما لو رد العبد بعيب ثم قال كنت أعتقته يرد الفسخ ويحكم بعتقه ولو صدق البائع المشترى نظر ان حلف البائع بالحرية أولا ثم المشترى فإذا صدقه البائع عقب يمينه ثم عاد العبد إليه لم يعتق لانه لم يكذب المشترى بعد ما حلف بالحرية حتى يجعل مقرا بعتقه وان حلف المشترى بحريته أولا ثم حلف البائع ثم صدقه عتق إذا عاد إليه لان حلفه بعد(9/202)
حلف المشترى تكذيب له واقرار بالحرية ولو كانت المسألة بحالها لكن المبيع بعض العبد فإذا عاد إلى ملك البائع عتق ذلك القدر عليه ولم يقوم عليه الباقي لانه لم يحصل العتق بمباشرته بل باقراره على غيره فصار كما لو خلف اثنين وعبدا فقال أحدهما اعتق ابى هذا العبد وأنكره الآخر يعتق نصيب المقر ولا يقوم عليه الباقي وهذا الفرع من مولدات ابن الحداد رحمه الله (الثاني) إذا جرى البيع بين وكيلين واختلفا ففى تحالفهما وجهان (وجه) المنع ان غرض اليمين ليخاف الظالم فيقر(9/203)
واقرار الوكيل على موكله غير مقبول (الثالث) لو كان المبيع جارية ووطئها المشتري ثم اختلفا وتحالفا ان كانت ثيبا فلا شئ عليه مع ردها وان كانت بكرا ردها مع أرش البكارة لانه نقصان جزء وإذا ترافع المتنازعان إلى مجلس الحكم ولم يتحالفا بعد فهل للمشترى وطئ الجارية فيه وجهان (أصحهما) نعم لبقاء ملكه وبعد التحالف وقبل الفسخ وجهان مرتبان وأولى بالتحريم لاشرافه على الزوال (الرابع) لو تقابل المتبايعان أو رد المشترى المبيع بعيب بعد قبض البائع الثمن واختلفا في قدر الثمن فالقول قول(9/204)
البايع مع يمينه لان العقد قد ارتفع والمشترى يدعي زيادة والاصل عدمها * (كتاب السلم والقرض وفيه بابان * الاول في شرائطه) (قال والمتفق عليه منها خمسة (الاول) تسليم رأس المال في المجلس جبرا للغرر في الجانب الآخر ولو كان في الذمة فعين في المجلس فهو كالتعيين في العقد * وكذلك في الصرف * وفي مثل ذلك
__________
كتاب السلم(9/205)
في بيع الطعام بالطعام خلاف ومهما فسخ السلم استرد عين رأس المال وان كان قد عين بعد العقد علي الاصح) * قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى) الآية وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن المراد منه السلم وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في التمر السنة والسنتين وربما قال والثلاث فقال من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم " وجمع في هذا
__________
قوله عن ابن عباس أن المراد بقوله تعالى إذا تداينتم بدين إلى اجل مسمى السلم الشافعي والطبراني والحاكم والبيهقي من طريق قتادة عن أبي حسان الاعرج عن ابن عباس قال أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمي مما أحل الله في الكتاب واذن فيه قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم الآية وقد علقه البخاري وأوضحته في تعليق التعليق * حديث أنه صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في التمر السنة والسنتين وربما قال والثلاث(9/206)
الكتاب بين السلم والقرض لتقاربهما واشتراكهما لفظا ومعنى (أما) اللفظ فلان كل واحد منهما يسمى سلفا (وأما) المعنى فلان كل واحد منهما اثبات مال في الذمة مبذول في الحال وذكروا في تفسير السلم عبارات متقاربة (منها) أنه عقد على موصوف في الذمة ببدل يعطى عاجلا (ومنها) أنه اسلاف عوض حاضر في عوض موصوف في الذمة (ومنها) أنه تسليم عاجل في عوض لا يجب تعجيله * وعلم أن السلم بيع
__________
فقال من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أحل معلوم.
الشافعي عن ابن عيينة عن ابن عبد الله بن كثير عن أبي المنهال عن ابن عباس ولفظه في التمر السنة والسنتين وربما قال السنتين والثلاث واتفقا عليه من حديث سفيان *(9/207)
على ما مر وقد سبق القول فيما يعتبر لصحة البيع.
والسلم يختص بامور عقد الباب الاول لبيانها وانما قال والمتفق عليه منها خمسة لان معظم الائمة جعلوا شرائط السلم سبعا وضموا إلى الخمس العلم بقدر رأس المال وبيان موضع التسليم وفيهما اختلاف قول كما سيأتي وقد أدرجهما حجة الاسلام في أثناء الكلام لكن لم يفردهما بالترجمة وقد تعد أكثر من السبع وحقيقة الامر في مثل ذلك لا تختلف (الشرط الاول) تسليم رأس المال في مجلس العقد.
واحتج لاشتراطه بان المسلم فيه دين في الذمة فلو أخر تسليم رأس(9/208)
المال عن المجلس لكان ذلك معنى في بيع الكالئ بالكالئ لان تأخير التسليم نازل منزلة الدينية في الصرف وغيره (وقوله) في الكتاب جبرا للغرر في الجانب الآخر أراد به أن الغرر في المسلم فيه احتمل للحاجة فجبر ذلك بتأكيد العوض الثاني بالتعجيل كي لا يعظم الغرر في الطرفين * إذا تقرر ذلك فلو تفرقا قبل قبض رأس المال بطل العقد وبه قال أبو حنيفة واحمد * وقال مالك ان تأخر التسليم مدة يسيرة كاليوم واليومين لم يضر وان تأخر مدة طويلة بطل العقد ولو تفرقا قبل تسليم بعضه(9/209)
بطل العقد فيما لم يقبض وسقط بقسطه من المسلم فيه والحكم في المقبوض كما لو اشترى شيئين
فتلف أحدهما قبل القبض * ويجوز أن يجعل رأس المال منفعة عبد أو دار مدة معلومة وتسليمها بتسليم العين ولا يشترط تعيين رأس المال عند العقد * ولو قال أسلمت اليك دينارا في ذمتي في كذا ثم عين وسلم في المجلس جاز وكذلك في الصرف * ولو باع دينارا بدينار أو بدراهم في الذمة ثم عين وسلم في المجلس جاز * ولو باع طعاما بطعام في الذمة ثم عين وسلم في المجلس فوجهان (أحدهما)(9/210)
المنع لان الوصف فيه يطول بخلاف الصرف فان الامر في النقود أهون ولهذا يكفى فيها الاطلاق ولا يكفى في العروض (والثانى) الجواز ويصفه كما يصف المسلم فيه والاشبه بكلام الشيخ أبى علي والائمة أن هذا أظهر وظني أنه تقدم ذكر هذا الخلاف أو نظيره * ولو قبض رأس المال ثم أودعه المسلم إليه قبل التفرق جاز ولو رده عليه بدين كان له عليه قال أبو العباس الرويانى لا يصخ لانه تصرف فيه قبل انبرام ملكه عليه فإذا تفرقا فعن بعض الاصحاب أنه يصح السلم بحصول القبض(9/211)
وانبرام لملك ويستأنف اقباضه للدين ولو كان له في ذمة الغير دراهم فقال اسلمت اليك الدراهم التى في ذمتك في كذا نظر أن شرط الاجل فيه فهو باطل لانه بيع الدين بالدين وان كان حالا ولم يسلم المسلم فيه قبل التفرق فكمثل وان احضره وسلمه فوجهان (احدهما) يصح كما لو صالح من تلك الدراهم على دنانير وسلمها في المجلس (وأظهرهما) المنع لان قبض المسلم فيه ليس بشرط وان كان السلم حالا فلو وجد لكان متبرعا به وأحكام البيع لا تبنى على(9/212)
التبرعات ألا ترى أنه لو باع طعاما بطعام إلى أجل ثم تبرعا بالاحضار لم يجز * وأطلق صاحب التتمة الوجهين في أن تسليم المسلم إليه في المجلس وهو حال هل يغنى عن تسليم رأس المال (والاظهر) المنع ولا يجوز أن يحيل المسلم برأس المال على غيره وان قبضه المسلم إليه من المحال عليه في المجلس لان بالحوالة يتحول الحق إلى ذمة المحال عليه فهو يؤديه من جهة نفسه لا من جهة المسلم ولو قبضه المسلم وسلمه إلى المسلم إليه جاز * ولو قال للمحال عليه سلمه إليه ففعل لم يكف لصحة السلم لان الانسان في ازالة ملكه لا يصير وكيلا للغير لكن(9/213)
يجعل المسلم إليه وكيلا عن المسلم في قبض ذلك * ثم السلم يقتضى قبضا ولا يمكنه أن يقبض من نفسه ولو أحال المسلم إليه برأس المال الذى على المسلم فتفرقا قبل التسليم فالعقد باطل وان جعلنا الحوالة قبضا لان المعتبر في السلم القبض الحقيقي * ولو احضر رأس المال فقال المسلم إليه سلمه إليه ففعل صح ويكون المحتال وكيلا عن المسلم إليه في القبض * ولو كان رأس المال دراهم في الذمة فصالح عنها على مال لم يصح وان قبض ما صالح عليه * ولو كان عبدا فاعتقه المسلم إليه قبل القبض لم يصح(9/214)
ان لم نصحح اعتاق المشترى قبل القبض وان صححناه فوجهان (وجه) الفرق أنه لو نفد لصار قابضا من طريق الحكم وانه غير كاف في السلم بدليل الحوالة فعلى هذا ان تفرقا قبل قبضه بطل العقد وان تفرفا بعده صح وفى نفوذ العتق وجهان ومتى فسخ السلم بسبب يقتضيه وكان رأس المال معينا في ابتداء العقد وهو باق رجع المسلم إليه وان كان تالفا رجع إلى بدله وهو المثل أو القيمة وان كان رأس المال موصوفا في الذمة ثم عجل في المجلس وهو باق فهل له المطالبة بعينه أم(9/215)
للمسلم إليه الاتيان ببدله فيه وجهان (وجه) الثاني أن العقد لم يتناول الملك (العين ووجه) الاول وهو الاصح أن المعين في المجلس كالمعين في العقد * (فرع) وإذا وجدنا رأس المال في يد المسلم إليه واختلفا فقال المسلم أقبضتكه بعد التفرق وقال المسلم إليه بل قبله وأقام كل واحد منهما بينة على ما قاله فبينة المسلم إليه أولى لانها نافلة يحكى ذلك عن ابن سريج *(9/216)
قال (وأصح القولين وهو اختيار المزني أن رأس المال ان كان جزافا غير مقد جاز العقد (ح) كما يجوز في البيع وكما يجوز مع الجهل بقيمته) * عرفت أن رأس المال يجوز أن يكون في الذمة ثم يسلم في المجلس ويجوز أن يكون معينا في العقد
فعلى التقدير الاول لابد من معرفة قدره وذكر صفاته إذا كان عرضا وعلى التقدير الثاني هل تكفى معاينته فيه قولان (أحدهما) لا بل لابد من بيان صفاته ومعرفة مقداره بالكيل في المكيلات والوزن في الموزونات والذرع في المذروعات لانه أحد العوضين في السلم فلا يجوز أن يكون جزافا(9/217)
كالعوض الثاني وأيضا فان السلم لا يتم في الحال وانما هو عقد منتظر تمامه بتسليم المسلم فيه وربما ينقطع ويكون رأس المال تالفا فلا يدرى إلى ماذا يقع الرجوع وبهذا القول قال مالك واحمد واختاره أبو إسحاق (وأصحهما) وبه قال المزني أن المعاينة كافية واحتمال الفسخ ثابت في البيع كما في السلم هذا في المثليات * ولو كان رأس المال متقوما وضبطت صفاته بالمعاينة ففى اشتراط معرفة قيمته طريقان (منهم) من طرد القولين (والاكثرون) قطعوا بصحة السلم ولا فرق على القولين بين السلم(9/218)
الحال والمؤجل (ومنهم) من خصص القولين بالسلم المؤجل وقطع في الحال بأن المعاينة كافية كما في البيع ثم موضع القولين ما إذا تفرقا قبل العلم بالقدر والقيمة أما إذا علما ثم تفرقا فلا خلاف في الصحة وبني كثير من الاصحاب على هذين القولين أنه هل يجوز أن يجعل رأس مال السلم ما لا يجوز السلم فيه ان قلنا بالاصح فيجوز وإلا فلا * قال الامام وليس ذلك على هذا الاطلاق بل الدرة الثمنية إذا عرفا قيمتها وبالغا في وصفها وجب أن يجوز جعلها رأس مال لان منع السلم فيها من الاعزار في الوصف(9/219)
يشبه عزة الوجود ولا معنى لاشتراط عموم الوجود في رأس المال وإذا جوزنا السلم ورأس المال جزاف ثم اتفق الفسخ وتنازعا في قدره فالقول قول المسلم إليه لانه غارم (وقوله) في الكتاب وأصح القولين يجوز اعلامه بالواو لان السلم اما حال أو مؤجل أما الحال ففيه طريقة قاطعة بالصحة وأما المؤجل ففى كتاب القاضى ابن كج طريقة قاطعة بالمنع (وقوله) جاز العقد معلم بالميم والالف ويجوز اعلامه بالحاء أيضا لان عنده ان كان رأس المال مكيلا أو موزونا وجب ضبط صفاته وان كان مذروعا أو معدودا فلا يجب(9/220)
(وقوله) وكما يجوز مع الجهل بقيمته جواب على طريقة الاكثرين * قال (الشرط الثاني) أن يكون المسلم فيه دينا * فلا ينعقد في عين لان لفظ السلم للدين * وهل ينعقد بيعا فيه قولان * وكذلك لو قال بعت بلا ثمن هل ينعقد هبة * (والاصح) الابطال لتهافت اللفظ * ولو أسلم بلفظ الشراء انعقد * وهل ينعقد سلما ليجب تسليم رأس المال في المجلس فعلى وجهين * منشؤهما تقابل النظر إلى اللفظ والمعنى) *(9/221)
يشترط في المسلم فيه أن يكون دينا لان لفظ السلف والسلم موضوع للدين ولو استعمل لفظ السلم في العين فقال أسلمت اليك هذا الثوب في هذا العبد فليس ما جاء به سلما وفى انعقاده بيعا قولان (احدهما) ينعقد نظرا إلى المعني (وأظهرهما) لا لاختلال اللفظ * ولو قال بعت هذا بلا ثمن أو على أن لا ثمن لى عليك فقال اشتريت وقبضه هل يكون هبة فيه مثل هذين القولين عن رواية القاضى وهل يكون المقبوض مضمونا على القابض فيه وجهان * ولو قال(9/222)
بعت هذا ولم يتعرض للثمن أصلا لم يكن ذلك تمليكا والمقبوض مضمون (ومنهم) من طرد فيه الوجهين * ولو أسلم بلفظ الشراء فقال اشتريت منك ثوبا أو طعاما صفته كذا بهذه الدراهم فقال بعته منك انعقد لان كل سلم بيع فإذا استعمل لفظ البيع فيه فقد استعمله في موضعه بخلاف استعمال لفظ السلم في البيع إذ ليس كل بيع بسلم وإذا انعقد(9/223)
فهو سلم اعتبارا بالمعنى أو بيع اعتبارا باللفظ فيه وجهان (الاصح) على ما ذكره صاحب التهذيب وغيره أن الاعتبار باللفظ فعلى هذا لا يجب تسليم الدراهم في المجلس ويثبت فيه خيار الشرط وهل يجوز الاعتياض عن الثوب فيه قولان كما في الثمن (ومنهم) من قطع بالمنع لانه مقصود الجنس كالمبيع وفى الاثمان الغالب قصد المالية لا قصد الجنس (وان قلنا) الاعتبار بالمعني وهو الصحيح عند ابن الصباغ فهو سلم حتى يجب تسليم الدراهم في المجلس ولا يثبت فيه خيار الشرط ولا يجوز(9/224)
الاعتياض عن الثوب ولو قال اشتريت ثوبا صفته كذا في ذمتك بعشرة دراهم في ذمتي فان جعلناه سلما وجب تعين الدراهم وتسليمها في المجلس وان جعلناه بيعا لم يجب * قال (ولا يشترط (ح) في المسلم فيه كونه مؤجلا * ويصح سلم الحال (ح م) ولكن يصرح بالحلول * فان أطلق فهو محمول على الاجل لاقتضاء العادة الاجل * فان أطلق ثم ذكر الاجل قبل التفرق جاز نص عليه) *(9/225)
السلم الحال الصحيح خلافا لابي حنيفة ومالك وأحمد * لنا أن في الاجل ضرب من الغرر لانه ربما يقدر في الحال ويعجز عند المحل فإذا جاز مؤجلا فهو حالا أجوز وعن الغرر أبعد * إذا عرف ذلك فلو صرح بالحلول أو التأجيل فذاك وان أطلق فوجهان وقيل قولان (أحدهما) أن العقد يبطل لان مطلق العقود يحمل علي المعتاد والمعتاد في السلم التأجيل وإذا كان كذلك فيفسد ويكون كما لو ذكر أجلا مجهولا (والثانى) يصح ويكون حالا كالثمن في البيع المطلق وبالوجه الاول أجاب صاحب الكتاب(9/226)
لكن الاصح عند الجمهور هو الثاني وبه قال في الوسيط وفى بعض نسخ الكتاب بدل قوله فهو مجهول علي النص فهو محمول على الاجل وهما متقاربان في الغرض وأما النص فيمكن تنزيله على ما حكى عن الشافعي رضى الله عنه انه قال ويذكره حالا أو مؤجلا فاعتبر ذكر الحلول كالتأجيل ولو أطلقا العقد ثم ألحقا به أجلا في مجلس العقد فالنص لحوقه وهو المذهب ويجئ في الخلاف الذي تقدم في سائر الالحاقات * ولو صرحا بالتأجيل في متن العقد ثم اسقطاه في المجلس سقط وصار العقد حالا ذكره(9/227)
المسعودي وغيره واعلم أن في نصه على لحوق الاجل الملحق في المجلس دليلا ظاهرا على صحة العقد عند الاطلاق والا فالعقد الفاسد كيف ينقلب صحيحا وكيف يعتبر مجلسه * وهذا أصل بني عليه مسألة وهى أن الشرط الفاسد للعقد إذا حذفاه في المجلس هل ينحذف وينقلب العقد صحيحا أم لا ظاهر المذهب أنه لا ينحذف ولا ينقلب العقد صحيحا وقد ذكرناه من قبل وعن صاحب التقريب
وجه انهما لو حذفا الاجل المجهول في المجلس انحذف وصار العقد صحيحا واختلفوا في جريان هذا(9/228)
الوجه في سائر المفسدات كالخيار والرهن الفاسدين وغيرهما فمنهم من أجراه قال الامام والاصح تخصيصه بالاجل لان بين الاجل والمجلس مناسبة لا توجد في سائر الامور وهى أن البائع لا يملك مطالبة المشترى بالثمن في المجلس كما لا يملكها في مدة الاجل فلم يبعد اصلاح الاجل في المجلس واختلفوا أيضا في أن زمان الخيار المشروط هل يلحق بالمجلس في حذف الاجل المجهول تفريعا على هذا الوجه والاظهر أنه لا يلحق به *(9/229)
قال (ثم لا يجوز تأقيت الاجل بالحصاد والدياس (م) وما يختلف وقته * ويجوز (وح) بالنيروز والمهرجان * وكذا بفصح (و) النصاري وفطر اليهود (و) إن كان يعلم دون مراجعتهم * وفى قوله نفر الحجيج * أو إلى جمادى وجهان * والاصح صحته * والتنزيل على الاول * ولو قال إلى ثلاثة أشهر احتسب بالاهلة (ح) الا شهرا واحدا انكسر في الابتداء فيكمل ثلاثين * ولو قال إلى الجمعة أو رمضان حل بأول جزء منه * ولو قال في الجمعة أو في رمضان فهو مجهول لانه جعله ظرفا * ولو قال إلى أول الشهر أو إلى آخره فالمشهور البطلان لانه يعبر به عن جميع النصف الاول والنصف الاخير) *(9/230)
غرض الفصل أنهما إذا ذكرا أجلا في السلم وجب ان يكون معلوما قال صلى الله عليه وسلم (إلى اجل معلوم) وفيه صور (احداها) لا يجوز تأقيته بما يختلف وقته كالحصاد والدياس وقدوم الحاج خلافا لمالك لنا ان ذلك يتقدم تارة ويتأخر اخرى فاشبه مجئ المطر ولو قال إلى العطاء لم يجزان اراد وصوله وان اراد وقت خروجه وقد عين السلطان له وقتا جاز بخلاف ما إذا قال إلى وقت الحصاد إذ ليس له وقت معين ولو قال إلى الصيف أو إلى الشتاء لم يجز الا ان يريد الوقت ويجوز إعلام(9/231)
(قوله في) الكتاب وما يختلف وقته بالواو لان القاضى ابا القاسم ابن كج ذكر ابن خزيمة يجوز التأقيت بالميسرة لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (اشترى من يهودى شيئا إلى الميسرة) (الثانية) التأقيت بشهور الفرس والروم جائز كالتأقيت بشهور العرب لانها معلومة مضبوطة وكذا التأقيت بالنيروز والمهرجان لانهما يومان كالعيد وعرفة وعاشوراء وفي النهاية نقل وجه انه لا يجوز التأقيت بهما ووجهه الامام بأن النيروز والمهرجان يطلقان على الوقتين الذين تنتهى الشمس فيهما إلى اوائل برجى
__________
حديث انه اشترى من يهودي إلى ميسرة.
الترمذي والنسائي والحاكم من حديث عكرمة عن عائشة وفيه قصة قال الحاكم صحيح على شرط البخاري ورواه احمد من طريق الربيع بن أنس عن أنس بن ملك باسناد ضعيف قال أبو حاتم هو منكر وهو عند الطبراني في الاوسط من طريق عاصم الاحول عن انس (تنبيه) أعل ابن المنذر فيما نقله ابن الصباغ في الشامل حديث عائشة بحرى بن عمارة وقال إنه رواه عن شعبة وقد قال فيه احمد بن حنبل انه صدوق الا ان فيه غفلة قال ابن المنذر وهذا لم يتابع عليه فأخاف أن يكون من غفلاته اه وهذا في الحقيقة من غفلات المعلل ولم يتفرد به(9/232)
الحمل والميزان وقد يتفق ذلك ليلا ثم ينحبس مسير الشمس كل سنة بمقدار ربع يوم وليلة * ولو وقتا بفصح النصارى نص الشافعي رضى الله عنه على أنه لا يجوز فأخذ بعض الاصحاب باطلاقه اجتنابا عن التأقيت بمواقيت الكفار وعامتهم فصلوا فقالوا ان اختص بمعرفة وقته الكفار فالجواب ما ذكره لانه لا اعتماد على قولهم وإن عرفه المسلمون أيضا جاز كالنيروز والمهرجان ثم اعتبر معتبرون فيهما جميعا معرفة المتعاقدين والاكثرون اكتفوا بمعرفة الناس وسواء اعتبر معرفتهما أم لا * فلو
__________
حري بل لم نره من روايته انما رواه شعبة عن والده عمارة عن عكرمة وكان حري حاضرا في المجلس بينه الترمذي والبيهقي *(9/233)
عرفا كفى وفيه وجه أنه لابد من معرفة عدلين من المسلمين سواهما لانهما قد يختلفان فلابد من
مرجع وفى معني الفصح سائر أعياد أهل الملل كفطر اليهود ونحوه (الثالثة) لو وقتا بنفر الحجيج وقيدا بالاول أو الثاني جاز وان أطلقا فوجهان (أحدهما) أن الاجل فاسد لتردد المحل بين النفرين (وأصحهما) ويحكى عن نصه أنه صحيح ويحمل على النفر الاول لتحقق الاسم به وعلى هذا الخلاف التوقيت بشهر ربيع أو جمادي أو بالعيد * ولا يحتاج إلى تعيين السنة إذا حملنا المذكور على الاول(9/234)
وحكى عن الحاوى أن التوقيت بالنفر الاول أو الثاني لاهل مكة جائز لانه معروف عندهم ولغيرهم وجهان وأن في التوقيت بيوم لاهل مكة وجهين أيضا لانه لا يعرفه إلا خواصهم وهذا غير فقيه لانا ان اعتبرنا علم المتعاقدين فلا فرق وإلا فهي مشهورة في كل ناحية عند الفقهاء وغيرهم (الرابعة) لو أجلا إلى سنة أو سنتين فمطلقه محمول علي السنين الهلالية فان قيدا بالفارسية أو الرومية أو الشمسية تعبد بالمذكور * ولو قال بالعدد فهو ثلثمائة وستون يوما وكذا مطلق الاشهر محمول على(9/235)
الشهور الهلالية ثم نظر ان جرى العقد في أول الشهر اعتبر الجميع بالاهلة تامة كانت أو ناقصة وان جرى بعد مضى بعض الشهر عد الباقي منه بالايام واعتبرت الشهور بعده بالاهلة ثم يتمم المنكسر بالعدد ثلاثين وانما كان كذلك لان الشهر الشرعي هو ما بين الهلالين الا أن في الشهر المنكسر لابد من الرجوع إلى العدد كيلا يتأخر ابتداء الاجل عن العقد وفيه وجه أنه إذا انكسر الشهر انكسر الجميع فيعتبر الكل بالعدد ويحكى هذا عن أبى حنيفة (والمذهب) الاول * وضرب الامام مثلا للتأجيل بثلاثة أشهر مع فرض(9/236)
الانكسار فقال عقدوا وقد بقى لحظة من صفر ونقص الربيعان وجمادى فيحسب الربيعان بالاهلة ويضم جمادى إلى اللحظة الباقية من صفر ويكملان بيوم من جمادى الآخرة سوى لحظة ثم قال كنت أود في هذه الصورة أن يكتفي بالاشهر الثلاثة فانها جرت عربية كوامل وما تمناه هو الذى نقله أبو سعد المتولي وغيره وقطعوا بحلول الاجل بانسلاخ جمادى في الصورة المذكورة وان العدد انما يراعى فيما إذا جرى العقد في غير اليوم الاخير وهو الصواب والله أعلم (الخامسة) لو قال إلى(9/237)
الجمعة أو إلى رمضان حل بأول جزء منه لتحقق الاسم به وربما يقال بانتهاء يوم الجمعة وانتهاء شعبان والمقصود واحد ولو قال محله في الجمعة أو في رمضان فوجهان (عن ابن أبى هريرة) أنه يجوز ويحمل على الاول كما لو قال أنت طالق في يوم كذا (وأصحهما) المنع لانه جعل اليوم أو الشهر ظرفا فكأنه قال محله وقت من أوقات يوم كذا وفرقوا بينه وبين الطلاق بان الطلاق يجوز تعليقه بالمجاهيل والاغرار بخلاف السلم قال ابن الصباغ نعم لكن لو كان هذا من ذلك القبيل لوقع في الجزء(9/238)
الاخير دون الاول وهذا أحسن والفرق مشكل * ولو قال إلى أول شهر كذا أو آخره فعن عامة الاصحاب بطلانه لان اسم الاول يقع على جميع النصف فلابد من البيان والا فهو مجهول وقال الامام وصاحب التهذيب وجب أن يصح ويحمل على الجزء الاول من كل نصف على قياس مسألة النفر وأيضا فانه إذا أجل إلى يوم حمل على أوله وان كان اسم اليوم عبارة عن جميع الاجزاء وأيضا فان الامر في الطلاق على ما ذكراه وأيضا فانه لو قال إلى شهر كذا حمل على أول جزء منه (وقوله) إلى أول(9/239)
شهر كذا أقرب إلى هذا المعني مما إذا أطلق ذكر الشهر * قال الامام وقد يحمل الفطر الاول على الجزء الاول والآخر على الجزء الآخر وسينتهي إلى وجه كما أشار إليه في الطلاق * (فرع) لو أسلم في جنس واحد إلى أجلين أو آجال دفعة واحدة كما لو أسلم في وقر حنطة يسلمه بنجمين أو أسلم في جنسين إلى أجل كما لو أسلم في حنطة وشعير إلى شهر ففي الصورتين قولان (أحدهما) البطلان لانه ربما يتعذر تسليم بعض النجوم أو بعض الاجناس فيرتفع العقد فيه ويتعدى إلى الباقي(9/240)
فيصير التنجيم شرطا متضمنا رفع العقد (وأصحهما) الصحة كما لو باع بثمن منجم أو بجنسين والخلاف ناظر إلى أن الصفقة هل تفرق * واعلم أن الكلام في أن التأجيل ليس بشرط في السلم وفى أن شرط الاجل ماذا لا اختصاص له بهذا الموضع وربما كان ذكره بعد الفراغ من الشروط كلها أليق *
قال (الشرط الثالث أن يكون المسلم فيه مقدورا على تسليمه * فلا يصح السلم في منقطع لدى المحل * ولا يضر الانقطاع قبله (ح) ولا بعده * ولا يكفى الوجود في قطر آخر لا يعتاد نقله إليه(9/241)
في غرض المعاملة * ولو أسلم في وقت الباكورة في قدر كثير يعسر تحصيله ففيه وجهان * ولو طرأ الانقطاع بعد انعقاد السلم فأصح القولين أنه لا ينفسخ * بل له الخيار كما في اباق العبد المبيع * ولو تبين العجز قبل المحل ففى تنجيز الخيار أو تأخره إلى المحل قولان) * هذا الشرط ليس من خواص السلم بل يعم كل بيع على ما مر وانما تعتبر القدرة على التسليم(9/242)
عند وجوب التسليم وذلك في البيع والسلم الحال في الحال وفى السلم المؤجل عند المحل فلو أسلم في منقطع لدي المحل كما لو جعل محل الرطب السالم يصح وكذا لو أسلم فيما يندر وجوده كلحم الصيد حيث يعز فيه الصيد وإن كان يغلب على الظن وجوده لكن لا يتوصل إلى تحصيله الا بمشقة عظيمة كالقدر الكثير من الباكورة ففيه وجهان (أقربهما) إلى كلام الاكثرين البطلان لانه عقد غرر فلا يحتمل فيه معاناة المشاق العظمية (وأقيسهما) عند الامام الصحة لان التحصيل ممكن وقد التزمه المسلم(9/243)
إليه * ولو أسلم في شئ ببلد لا يوجد مثله فيه ويوجد في غيره قال في النهاية إن كان قريبا منه صح وان كان بعيدا لم يصح قال ولا تعتبر مسافة القصر ههنا وانما التقريب فيه أن يقال ان كان يعتاد نقله إليه في غرض المعاملة لا في معرض التحف والمصادرات صح السلم والا فلا ويجئ في آخر الفصل ما ينازع في الاعراض عن مسافة القصر * ولو كان المسلم فيه عام الوجود عند المحل فلا بأس بانقطاعه قبله أو بعده وعند أبى حنيفة يشترط عموم الوجود من وقت العقد إلى المحل * واحتج(9/244)
الشافعي رضى الله عنه بالحديث المذكور في أول الباب (وهو أنهم كانوا يسلفون في الثمار السنة والسنتين) والثمار لا تبقى هذه المدة بل تنقطع * وإذا أسلم فيما يعم وجوده ثم انقطع عند المحل لجائحة فقولان
(أحدهما) أنه ينفسخ العقد كما لو تلف المبيع قبل القبض (وأصحهما) وبه قال ابو حنيفة لا ينفسخ لان المسلم فيه يتعلق بالذمة فأشبه ما إذا أفلس المشترى بالثمن لا ينفسخ العقد ولكن للبائع الخيار ولان هذا العقد ورد على مقدور في الظاهر فعروض الانقطاع كاباق العبد المبيع وذلك لا يقتضى الا الخيار(9/245)
فكذلك ههنا المسلم يتخير أن يفسخ العقد أو يصبر إلى وجود المسلم فيه ولا فرق في جريان القولين بين أن لا يوجد المسلم فيه عند المحل أصلا وبين أن يكون موجودا فيسوف المسلم إليه حتى ينقطع وعن بعض الاصحاب أن القولين في الحالة الاولى (أما) في الثانية فلا ينفسخ العقد بحال لوجود المسلم فيه وحصول القدرة فان أجاز ثم بدا له مكن من الفسخ كزوجة المولى إذا رضيت بالمقام ثم ندمت ووجهه الامام بأن هذه الاجازة انظار والانظار تأجيل والاجل لا يلحق العقد بعد(9/246)
لزومه وقد يتوقف الناظر في كونها انظار أو يميل إلى انها اسقاط حق ورضى بما عرض كأجازة زوجة العنين ويجوز أن يقدر فيه وجهان لان الامام حكى وجهين في أنه لو صرح باسقاط حق الفسخ هل يسقط قال والصحيح أنه لا يسقط * ولو قال المسلم إليه للمسلم لا تصبر وخذ رأس مالك فللمسلم أن لا يجيبه وفيه وجه * ولو حل الاجل بموت المسلم إليه في اثناء المدة والمسلم فيه منقطع جرى القولان ذكره في التتمة قال وكذا لو كان موجودا عند المحل وتأخر التسليم لغيبة أحد المتعاقدين ثم(9/247)
حضر والمسلم فيه منقطع * ولو انقطع بعض المسلم فيه فقد ذكرنا حكمه في تفريق الصفقة * ولو أسلم في شئ عام الوجود عند المحل ثم عرضت آفة علم بها انقطاع الجنس لدى المحل فيتنجز حكم الانقطاع في الحال أو يتأخر إلى المحل فيه وجهان (أحدهما) يتنجز حتى ينفسخ العقد على قول ويثبت الخيار على الثاني لتحقق العجز في الحال (وأظهرهما) لا لانه لم يجئ وقت وجوب التسليم وهذا الخلاف مأخوذ من الخلاف فيما إذا حلف ليأكلن هذا الطعام غدا فتلف قبل الغد يحنث في الحال أو يتأخر(9/248)
الحنث إلى الغد (وقوله) في الكتاب ففي تنجيز الخيار أو تأخيره تفريع على أن الثابت بالانقطاع الخيار دون الانفساخ وعلى القول الآخر يتنجز الانفساخ واللفظ العام ما سبق واطلاقه القولين في المسألة اتباع للامام والوجه الحمل على القولين المخرجين وحينئذ لا يبقي بينهما وبين الوجهين كثير فرق (فان قيل) فبم يحصل الانقطاع (قيل) إن لم يوجد المسلم فيه أصلا بأن كان ذلك الشئ ينشأ في تلك البلدة وقد أصابته جائحة مستأصلة فهذا انقطاع حقيقي وفى معناه ما لو كان يوجد في غير تلك البلدة ولكن لو نقل إليها(9/249)
لفسد وما إذا لم يوجد إلا عند قوم محصورين وامتنعوا من بيعه ولم كانوا يبيعونه بثمن غال وجب تحصيله ولم يكن ذلك انقطاعا وإن أمكن نقل المسلم فيه من غير تلك البلدة إليها وجب نقله إن كان في حد القرب وبم يضبط (أما) صاحب التهذيب في آخرين فانهم نقلوا وجهين (أقربهما) أنه يجب نقله مما دون مسافة القصر (والثانى) من مسافة لو خرج إليها بكرة أمكنه الرجوع إلى أهله ليلا (وأما) الامام فانه جرى على الاعراض عن مسافة القصر وقال إن أمكن النقل على عسر(9/250)
(فالاصح) أن السلم لا ينفسخ قطعا ومنهم من طرد فيه القولين * قال (وأصح القولين أنه لا يشترط تعيين مكان التسليم بل ينزل المطلق على مكان العقد) * السلم اما مؤجل أو حال أما المؤجل فقد حكى عن نص الشافعي رضى الله عنه اختلاف في أنه هل يجب تعيين مكان التسليم وانقسم الاصحاب إلى نفاة للخلاف ومثبتين (أما) النفاة فعن أبى إسحق(9/251)
المروزى أنه ان جرى العقد في موضع يصلح للتسليم فلا حاجة إلى التعيين وإن جري في موضع غير صالح فلا بد من التعيين وحمل النصين على الحالين * وعن ابن العاص أن المسلم فيه ان كان لحمله مؤنة وجب التعيين والا فلا وحمل النصين على الحالين وبهذا قال أبو حنيفة وهو اختيار القاضى أبى الطيب فهذان طريقان (وأما) المثبتون فلهم طرق (احدها) وبه قال صاحب الافصاح والقاضى أبو حامد ان المسألة على قولين مطلقا (والثانى) أنه ان لم يكن الموضع صالحا وجب التعيين(9/252)
لا محالة وان كان صالحا فقولان (والثالث) ان لم يكن لحمله مؤنة فلا حاجة إلى التعيين وان كان له مؤنة فقولان (والرابع) ان كان لحمله مؤنة فلا بد من التعيين وإلا فقولان وهذا اصح الطرق عند الامام * ويروي عن اختيار القفال ووجه اشتراط التعيين ان الاغراض تتفاوت بتفاوت الامكنة فلابد من التعيين قطعا للنزاع كما لو باع بدراهم وفى البلد نقود مختلفة ووجه عدم الاشتراط وبه قال احمد القياس على البيع فأنه لا حاجة فيه إلى تعيين مكان التسليم ووجه الفرق بين الموصع الصالح(9/253)
وغير الصالح اطراد العرف بالتسليم في الموضع الصالح واختلاف الاغراض في غيره ووجه الفرق بين ما لحمله مؤنة وغيره قريب من ذلك والفتوى من هذا كله على وجوب التعيين إذا لم يكن الموضع صالحا أو كان لحمله مؤنة وعدم الاشتراط في غيرها تبين الحالتين ومتى شرطنا التعيين فلو لم يعين فسد العقد وان لم نشرطه فان عين تعين وعن احمد رواية ان هذا الشرط يفسد السلم وان لم يعين حمل على مكان العقد * وفى التتمة انه إذا لم يكن لحمله مؤنة سلمه في أي موضع صالح شاء وذكر(9/254)
وجها فيما إذا لم يصلح الموضع للتسليم انه يحمل على أقرب موضع صالح * ولو عين موضعا للتسليم فخرب وخرج عن صلاحية التسليم ففيه ثلاثة اوجه ذكرها القاضى ابن كج (احدها) أنه يتعين ذلك الموضع (والثاني) لا وللمسلم الخيار (والثالث) يتعين اقرب موضع صالح (وأما) السلم الحال فلا حاجة فيه إلى تعيين مكان التسليم كالبيع ويتعين مكان العقد لكن لو عينا موضعا آخر جاز بخلاف البيع لان السلم يقبل التأجيل فيقبل شرطا يتضمن تأخير التسليم بالاحصار والاعيان(9/255)
لا تحتمل التأجيل فلا تحتمل شرطا يتضمن تأخير التسليم وحكم الثمن في الذمة حكم المسلم فيه وان كان معينا فهو كالمبيع قال في التهذيب ولا نعنى بمكان العقد ذلك الموضع بعينه بل تلك المحلة والله أعلم *
قال (الشرط الرابع أن يكون معلوم المقدار بالوزن أو الكيل * قال رسول الله صلى الله عليه وسلم * من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم * ولا يكفي العد في المعدودات(9/256)
بل لابد من ذكر الوزن في البطيخ والبيض والباذنجان والرمان وكذا الجوز واللوز ان عرف نوع لا يتفاوت في القشور غالبا ويجمع في اللبن بين العد والوزن) * يشترط أن يكون المسلم فيه معلوم القدر للخبر والاعلام تارة تكون بالكيل وأخرى بالوزن أو العدد أو الذرع (وقوله) في الحديث في كيل معلوم ووزن معلوم ينبغى أن يعرف فيه شيئان(9/257)
(أحدهما) أنه ليس أمرا بالجمع بين الكيل والوزن بل الجمع قد يكون مبطلا كما لو أسلم في ثوب ووصفه وقال وزنه كذا أو أسلم في مائة صاع حنطة على أن يكون وزنها كذا لانه يورث عزة الوجود قال الشيخ أبو حامد لكن لو ذكر وزن الخشب مع الصفات المشروطة جاز لانه لو كان زائدا أمكن نحته حتى يعود إلى القدر المشروط * إذا تقرر ذلك فالمراد من الخبر الامر بالكيل في المكيلات والوزن في الموزونات (الثاني) هذا الامر ورد على العادة الغالبة في النوعين لا للتعيين فيجوز دكر(9/258)
الوزن في المكيلات والكيل في الموزونات التى يتأتى فيها الكيل بخلاف الربويات لان المقصود ههنا معرفة المقدار وكل واحد منهما معروف وثم نص الشارع على طريق المماثلة فوجب الاتباع وعن أبى الحسين ابن القطان أن بعض الاصحاب منع من السلم كيلا في الموزونات والمشهور الاول لكن امام الحرمين حمل ما أطلقه الاصحاب علي ما يعتاد الكيل في مثله ضابطا (أما) لو أسلم في فتات المسك والعنبر ونحوهما كيلا لم يصح لان للقدر اليسير منه مالية كبيرة والكيل لا يعد ضابطا(9/259)
فيه * ثم الفصل صورتان (إحداهما) السلم في البطيخ والقثاء والرمان والسفرجل والباذنجن والرانج والبيض جائز والمعتبر فيها الوزن دون الكيل لانها تتجافى في المكيال ودون العدد لكثرة التفاوت
فيه والناس يكتفون بالعدد تعويلا على العيان وتسامحا وكذا لا يجوز السلم في الجوز واللوز عددا ويجوز وزنا وفى الكيل وجهان نقلهما صاحب البيان المذكور منهما في الشامل الجواز وكذا في الفستق والفندك * واستدرك الامام فقال قشور الجوز واللوز مختلفة فمنها غلاظ ومنها رقاق والغرض(9/260)
يختلف باختلافها فليمتنع السلم فيها بالوزن أيضا وليحمل ما أطلقه الاصحاب على النوع الذى لا تختلف قشوره في الغالب * وعن أبي حنيفة أنه يجوز السلم عددا في البيض والجوز ولا يجوز السلم في البقول جزما لاختلافها وانما السلم فيها بالوزن ولا يجوز السلم في البطيخة الواحدة والسفرجلة الواحدة ولا في عدد منها لانه يحتاج إلى ذكر حجمها ووزنها وذلك يورث عزة الوجود (وقوله) في الكتاب ولا يكفى العد في المعدودات يجوز اعلامه بالحاء لما حكيناه عنه ثم هو غير مجرى على اطلاقه لان التقدير(9/261)
في الحيوانات انما يكون بالعد دون الوزن والكيل (وقوله) بل لابد من ذكر الوزن بعد قوله ولا يكفى العد قد يوهم الحاجة إلى ذكر الوزن مع العد وليس كذلك بل هو مفسد كما سبق والمراد أن المعتبر الوزن ولا نظر إلى العد (الثانية) يجمع في اللبن بين العد والوزن فيقول كذا لبنة وزن كل واحدة كذا لانها تضرب عن اختيار فالجمع فيها بين العد والوزن لا يورث عزة ثم الامر فيها على التقريب دون التحديد *(9/262)
قال (ولو عين مكيالا لا يعتاد كالكوز فسد العقد * وان كان يعتاد فسد الشرط وصح العقد على الاصح لانه لغو * ولو أسلم في ثمرة بستان بعينه بطل لانه ينافى الدينية * وان أضافه إلى ناحية كمعقلي البصرة جاز إذ الغرض منه الوصف) * في الفصل مسألتان (احداهما) لو عين للكيل ما لا يعتاد الكيل به كالكوز فسد السلم لان ملاه مجهول القدر ولان فيه غرر لا حاجة إلى احتماله فانه قد يتلف قبل المحل وفى البيع لو قال(9/263)
بعتك ملء هذا الكوز من هذه الصبرة فوجهان بناء على المعنيين (والاصح) الصحة اعتمادا على المعني الثاني * ولو عين في البيع أو السلم مكيالا معتادا فهل يفسد العقد فيه وجهان (أحدهما) نعم لتعرضه للتلف (وأصحهما) لا ويلغو الشرط كسائر الشروط الذى لا غرض فيها والسلم الحال كالمؤجل أو كالبيع فيه وجهان (جواب) الشيخ أبى حامد منهما انه كالمؤجل لان الشافعي رضى الله عنه قال لو أسلم في ملء هذه الجرة خلا لم يصح لانها قد تنكسر فلا يمكن التسليم كذلك(9/264)
ههنا * ولو قال أسلمت اليك في ثوب كهذا الثوب أو في مائة صاع من الحنطة كهذه الحنطة فقد قال العراقيون لا يصح لابه ربما يتلف ذلك المحضر كما في مسألة الكوز وفى التهذيب أنه يصح ويقوم مقام الوصف * ولو أسلم في ثوب ووصفه ثم أسلم في ثوب آخر بتلك الصفة جاز إن كانا ذاكرين لتلك الاوصاف (الثانية) لو أسلم في حنطة ضيعة بعينها أو ثمرة بستان بعينه أو قرية صغيرة لم يجز وعللوه بشيئين (أحدهما) أن تلك البقعة قد تصيبها جائحة فتنقطع ثمرته وحنطته فاذن في(9/265)
التعيين غرر لا ضرورة إلى اجتماله (والثانى) وهو المذكور في الكتاب أن التعيين ينافى الدينية من حيث إنه يضيق مجال التحصيل والمسلم فيه ينبغى أن يكون دينا مرسلا في الذمة ليتيسر أداؤه * وإن أسلم في ثمرة ناحية أو قرية كبيرة نظر إن أراد المسلم فيه تنوع المسلم فيه كمعقلي البصرة جاز فانه مع معقلى بغداد صنف واحد لكن كل واحد منهما يمتاز عن الآخر بصفات وخواص فالاضافة إليها تفيد فائدة الاوصاف وإن لم تفد تنويعا فوجهان (أحدهما) انه كتعيين المكيال لخلوه عن الفائدة (وأصحهما)(9/266)
الصحة لانه لا ينقطع غالبا ولا يتضيق به المجال * قال (الشرط الخامس معرفة الاوصاف * فلا يصح السلم إلا في كل ما ينضبط منه كل وصف تختلف به القيمة اختلافا ظاهرا لا يتغابن الناس بمثله في السلم * ولا يصح في المختلطات المقصودة الا دكان كالمرق والحلاوي والمعجونات * والخفاف والقسى والنبال * والاصح أنه يصح
في العتابى والخز وان اختلف اللحمة والسدي لانه في حكم الجنس الواحد كالشهد (و) واللبن *(9/267)
وكذلك ما لا يفسد خلطه كالخبز وفيه الملح * والجبن واللبن وفيه الانفحة * وكذا دهن البنفسج والبان * وفى خل الزبيب والتمر وفيه الماء تردد) * أقدم فقه الفصل ثم أتكلم في الضبط الذي حاوله (أما) الفقه فهو أن معرفة أوصاف المسلم فيه بذكرها في العقد شرط فلا يصح السلم فيما لا تنضبط أوصافه أو تنضبط واهملا بعض ما يجب ذكره لان البيع لا يحتمل جهالة المعقود عليه وهو عين فلان لا يحتملها السلم وهو دين كان أولى(9/268)
ولتعذر الضبط أسباب (منها) الاختلاط والمختلطات أربعة أنواع لان الاختلاط اما أن يقع بالاختيار أو خلقة والاول اما أن يتفق وجميع اخلاطها مقصودة أو يتفق والمقصود واحد والاول اما أن يكون بحيث يتعذر ضبط اخلاطه أو بحيث لا يتعذر (النوع الاول) المختلطات المقصودة الاركان التى لا تنضبط أقدار اخلاطها وأوصافها كالهرائس ومعظم المرق والحلاوى والمعجونات والحوارشات والغالية المركبة من المسك والعنبر والعود والكافور فلا يصح السلم في شئ منها للجهل بما هو متعلق الاغراض وكذا(9/269)
الخفاف والنعال لاشتمالها على الظهارة والبطانة والحشو لان العبارة تضيق عن الوفاء بذكر أطرافها وانعطافاتها وفى البيان أن الصيمري حكي عن ابن سريج جواز السلم فيها وبه قال أبو حنيفة وكذا القسى لا يجوز السلم فيها لاشتمالها علي الخشب والعظم والعصب (وأما) النبل فقد نقل فيه اختلاف نص واتفقوا علي أنه لا خلاف فيه واختلاف النص محمول على اختلاف أحواله فلا يجوز السلم فيه بعد التخريط والعمل عليه (أما) إذا كان عليه عصب وريش ونصل فللمعنيين (أحدهما) أنه من المختلطات(9/270)
(والثانى) اختلاف وسطه وطرفيه دقة وغلطا وتعذر ضبطه وانه من أي موضع يأخذ من الدقة في الغلظ أو بالعكس ولم تأخذ وأما إذا لم يكن فللمعنى الثاني ويجوز السلم قبل التخريط والعمل
عليه لتيسر ضبطه والمغازل كالنبال والترياق المخلوط كالغالية فان كان نباتا واحدا أو حجرا جاز السلم فيه (النوع الثاني) المختلطات المقصودة الاركان التى تنضبط اقدارها وصفاتها كالثياب العتابية والخزوز المركبة من الابريسيم والوبر وفى السلم فيه وجهان (أحدهما) المنع كالسلم في الغالية والمعجونات(9/271)
(وأصحهما) عند المصنف ومعظم العراقيين الجواز لان قدر كل واحد من اخلاطها مما يسهل ضبطه ويحكى هذا عن نص الشافعي رضى الله عنه وبه أجاب القاضى ابن كج ويخرج على الوجهين السلم في الثوب المعمول عليه بالابرة بعد النسج من غير جنس الاصل كالابريسم على القطن أو الكتان وان كان تركيبها بحيث لا تنضبط أركانها فهي كالمعجونات (النوع الثالث) المختلطات التى لا يقصد منها إلا الخليط الواحد كالخبز وفيه الملح لكنه غير مقصود في نفسه وانما يراد منه اصلاح الخبز وفى السلم(9/272)
فيه وجهان (أصحهما) عند الامام أنه جائز وبه قال أحمد وهو الذي أورده في الكتاب لان الملح مستهلك فيه والخبز في حكم الشئ الواحد (والثانى) وهو الاصح عند الاكثرين المنع لوجهين (أحدهما) الاختلاط واختلاف الغرض بحسب كثرة الملح وقلته وتعذر الضبط (والثانى) تأثير النار فيه * وفى السلم في الجبن مثل هذين الوجهين لكن الجمهور مطبقون على ترجيح وجه الجواز كأنهم اعتمدوا في الخبز المعنى الثاني ورأوا أن عمل النار في الخبز يختلف وفى الجبن بخلافه والله أعلم *(9/273)
والوجهان جاريان في السمك الذى عليه شئ من الملح وفى خل التمر والزبيب وجهان أيضا (أحدهما) واليه ميل الصيمري والامام منع السلم فيهما لما فيهما من الماء كما لا يجوز السلم في المخيض (وأظهرهما) عند الاكثرين الجواز لانه لا غنية به عن الماء فان قوامه به بخلاف المخيض إذ لا مصلحة له في الماء والاقط كالجبن وفى التتمة أن المصل كالمخيض لما فيه من الدقيق والادهان المطيبة كدهن البنفسج والبان والورد إن خالطها شئ من جرم الطيب لم يجز السلم فيها وان تروح السمسم بها ثم اعتصر جاز *(9/274)
(النوع الرابع) المختلطات خلقة ومثلها الامام بالشهد واللبن وعد الشهد من المختلطات أظهر من عد اللبن منها لان في ركني الشهد امتيازا ظاهرا واللبن شئ واحد الا أنه بعرض أن يحصل منه شيئان مختلفان وفى السلم في الشهد وجهان (احدهما) المنع لان الشمع فيه وقد يقل وقد يكثر فأشبه سائر المختلطات وهذا ما رواه القاضى ابن كج عن نصه (وأصحهما) الجواز لان اختلاطه خلقي فأشبه النوى في التمر وكما يجوز السلم في الشهد يجوز في كل واحد من ركنيه (واما) اللبن فلا خلاف في جواز السلم(9/275)
فيه (وقوله) في اول الفصل فلا يصح السلم إلى قوله لا يتغابن الناس بمثله في السلم هكذا هو في بعض النسخ وفى بعضها ما لا يتغابن الناس بمثله وهما صحيحان ومعني الاول لا يحتمل الناس اهمال مثل ذلك الاختلاف والنقصان ومعنى الثاني انه لا بأس بأن لا تنضبط منه الاوصاف التى لا يبالى بها ويحتمل فواتها * ثم اعلم ان من الاصحاب من يقول يجب التعرض للاوصاف التى يختلف بها الغرض ومنهم من يعتبر الاوصاف التى تختلف بها القيمة (ومنهم) من يجمع بينهما وليس شئ منها معمولا(9/276)
باطلاقه لان كون العبد ضعيفا في العمل وقويا وكاتبا وأمينا وما أشبه ذلك أوصاف يختلف بها الغرض والقيمة ولا يجب التعرض لها ثم (قوله) لا يصح السلم الا في كذا يقتضى صحة السلم في كذا لان الاستثناء من النفي اثبات وليس ذلك على الاطلاق بل لو انضبط منه كل وصف تختلف به القيمة ولكن كان عزيز الوجود لا يصح السلم فيه قال (وأما ما يقبل الوصف ولكن يفضى الاطناب فيه إلى عزة الوجود كاللآلئ الكبار(9/277)
واليواقيت والجارية الحسناء مع ولدها إلى غير ذلك مما يعز وجوده فان ذلك يوجب عسرا في التسليم فلا يجوز السلم فيه) * قد سبق أن السلم فيما يندر وجوده لا يجوز لانه عقد غرر فلا يحتمل إلا فيما يوثق بتسليمه ثم الشئ قد يكون نادر الوجود من حيث جنسه كلحم الصيد في موضع العزة وقد لا يكون كذلك
إلا أنه بحيث إذا ذكرت أوصافه التي بينا أنه يجب التعرض لها عز وجوده لندرة اجتماعها وفى هذا(9/278)
القسم صورتان (إحداهما) لا يجوز السلم في اللآلئ الكبار واليواقيت والزبرجد والمرجان لانه لابد فيها من التعرض للحجم والشكل والوزن والصفاء لعظم تفاوت القيمة باختلاف هذه الاوصاف واجتماع المذكور فيها نادر ويجوز في اللآلئ الصغار إذا عم وجودها كيلا ووزنا وبم ضبط النوعين * قال قائلون ما يطلب للتداوي فهو صغير وما يطلب للتزين فهو كبير * وعن الشيخ أبى محمد أن ما وزنه(9/279)
سدس دينار يجوز السلم فيه وإن كان يطلب منه التزبن لعموم وجوده والوجه أن يكون اعتبار السدس بالتقريب (الثانية) لو أسلم في جارية وولدها أو جارية وأختها أو عمتها أو شاة وسخلتها لم يجز لان اجتماع الجارية الموصوفة بالصفات المشروطة نادر هكذا أطلقه الشافعي رضى الله عنه وعامة الاصحاب رضى الله عنهم وفصل الامام فقال لا يمتنع ذلك في الزنجية التى لا تكثر صفاتها ويمتنع في السرية التى تكثر صفاتها وإلى هذا التفصيل أشار في الكتاب بقوله والجارية الحسناء وهذا مفرع(9/280)
على أن الصفات التى يجب التعرض لها تختلف باختلاف الجوارى ولم تفصل الائمة القول فيه كما ستعرفه لكن في موضع السلم اشكال على الاطلاق لانهم حكوا عن نصه أنه لو شرط كون العبد كاتبا أو الجارية ماشطة جاز ولمدع أن يدعي ندرة اجتماع صفة الكتابة والمشط مع الصفات التي يجب التعرض لها بل قضية ما أطلقوه تجويز السلم في عبد وجارية بشرط كون هذا كاتبا وتلك ماشطة وكما يندر كون أحد الرقيقين ولدا للآخر مع اجتماع الصفات المشروطة فيهما فكذا يندر كون أحدهما(9/281)
كاتبا والآخر ماشطا مع اجتماع تلك الصفات فلنسو بين الصورتين في المنع والتجويز * ولو أسلم في جارية وشرط كونها حاملا فطريقان (أظهرهما) المنع وعللوه بان اجتماع الحمل مع الصفات المشروطة نادر وهذا يؤيد الاشكال الذى أوردناه (والثانى) وبه قال أبو إسحق وأبو علي الطبري وابن
القطان أنه على قولين بناء على أن الحمل هل له حكم أم لا (ان قلنا) نعم جاز والا فلا لانه لا يعرف حصوله وهما كالقولين في الشراء بهذا الشرط * ولو شرط كون الشاة المسلم فيها لبونا فقولان منصوصان(9/282)
وقد ذهب الشيخ أبو حامد إلى ترجيح قول الجواز كما مر في شراء الجارية بشرط أنها لبون لكن قضية توجيه أظهر الطريقين في صورة الحمل تقتضي ترجيح المنع ههنا أيضا وبه أجاب صاحب التهذيب * قال (ويجوز السلم في الحيوان (ح) للاخبار والآثار فيه فيتعرض للنوع واللون والذكورة والانوثة والسن فيقول عبد تركي أسمر ابن سبع طويل أو قصير أو ربع * ثم ينزل كل شئ على أقل الدرجات(9/283)
ولا يشترط وصف آحاد الاعضاء إذ يفضي اجتماعها إلى عزة الوجود * وفى الكحل والدعج وتكلثم الوجه والسمن في الجارية * وما لا يعز وجوده ولكن قد يعد استقصاء فيه تردد * وكذا في ذكر الملاحة ويقول في البعير ثنى أحمر من نعم بنى فلان غير مودون أي غير ناقص الخلقة * ويتعرض في الخيل للون والسن والنوع * ولا يجب التعرض للشيات كالطغر واللطيم * ويتعرض في الطيور للنوع والكبر والصغر من حيث الجثة) *(9/284)
يجوز السلم في الحيوان وبه قال مالك واحمد خلافا لابي حنيفة لما روى عن عبد الله بن عمرو ابن العاص قال (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اشترى بعيرا ببعيرين إلى أجل
__________
حديث عبد الله بن عمرو أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اشتري له بعيرا ببعيرين إلى أجل أخرجه أبو داود وقد تقدم في الربا *(9/285)
وعن علي رضى الله عنه " أنه باع بعيرا له بعشرين بعيرا إلى أجل " وعن ابن عمر (أنه اشترى راحلة باربعة أبعرة يوفيها صاحبها بالربذة) وهذه ونحوها هي الاخبار والآثار التى أجمل ذكرها في
__________
حديث ابن عمر أنه اشترى راحلة باربعة أبعرة يوفيها صاحبها بالربذة: علقه البخاري ورواه مالك في الموطأ عن نافع عن بن عمر والشافعي عن مالك كذلك (تنبيه) روى عن ابن عمر ما يعارض هذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه أنه سأل ابن عمر عن بعير ببعيرين فكرهه ورواه ابن أبي شيبة عن ابن أبي زائدة عن ابن عون عن ابن سيرين قلت لابن عمر البعير بالبعيرين إلى أجل فكرهه ويمكن الجمع بانه كان يرى فيه لجواز وإن كان مكروها على التنزيه لا على التحريم وروي الحاكم والدارقطني من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السلف في الحيوان وفي اسناده اسحق بن ابراهيم بن جوثى وهاه ابن حبان * حديث علي أنه باع بعيرا بعشرين بعيرا إلى أجل مالك في الموطأ عن صالح عن(9/286)
الكتاب * ثم الحيوان أنواع (فمنها) الرقيق فإذا أسلم فيه وجب التعرض لامور (أحدها) النوع فيبين أنه تركي أو رومى أو هندي وهل يجب التعرض لصنف النوع ان كان فيه اختلاف فيه قولان (أظهرهما) الوجوب (والثانى) اللون فيبين أنه أبيض أو أسود ويصف البياض بالسمرة أو الصفرة والسواد
__________
االحسن بن محمد بن علي عن علي وفيه انقطاع بن الحسن وعلي وقد روي عنه ما يعارض هذا روى عبد الرزاق من طريق ابن المسيب عن علي أنه كره بعيرا ببعيرين نسيئة وروى ابن أبي شيبة نحوه عنه *(9/287)
بالصفاء أو الكدورة وهذا إذا اختلف لون الصنف المذكور فان لم يقع فيه اختلاف أغني ذكره عن اللون (والثالث) الذكورة والانوثة (والرابع) السن فيقول محتلم أو ابن ست أو سبع ثم الامر في السن على التقريب حتى لو شرط كونه ابن سبع مثلا بلا زيادة ولا نقصان لم يجز لندرة الظفر به والرجوع في الاحتلام إلى قول العبد وفى السن يعتمد قوله ان كان بالغا وقول سيده إن ولد في الاسلام والا فالرجوع إلى النحاسين فتعتبر ظنونهم (والخامس) القد فيبين أنه طويل أو قصير أو ربعة لان(9/288)
القيمة تتفاوت بها تفاوتا ظاهرا * واعلم قوله في الكتاب طويل أو قصير - بالواو - لان الامام نقل عن العراقيين أنه لا يعتبر ذكر القد وتابعه صاحب الكتاب في الوسيط لكن كتب العراقيين مشحونة بأنه يجب ذكره ولم يتعرضوا لخلاف فيه والله أعلم * واعتبروا التعرض لامر سادس وهو الجودة وهذا لا يختص بالرقيق ولا بالحيوان وستعرف حكمه من بعد (وقوله) ثم ينزل كل شئ على اقل الدرجات معناه أنه إذا أتى بما يقع عليه اسم الوصف المشروط كفى ووجب القبول لان الرتب لا نهاية لها وهذا(9/289)
كما ذكرنا فيما إذا باع العبد بشرط أنه كاتب أو خباز والمسألة لا اختصاص لها بهذا الموضع بل تعم كل مسلم فيه * ولا يشترط وصف كل عضو على حياله باوصافه المقصودة وان تفاوت بها الغرض والقيمة لان ذلك يورث عزة الموصوف لكن في التعرض للاوصاف التى يعتني بها أهل البصر وترغب بها في الارقاء كالكحل والدعج وتكلثم الوجه وسمن الجارية وما أشبهها وجهان (أحدهما) وبه قال الشيخ أبو محمد أنه يجب لانها مقصودة ولا يورث ذكرها العزة (وأظهرهما) أنه لا يجب لان الناس(9/290)
يتسامحون باهمالها ويعدون ذكرها استقصاء وعن القفال تردد رأى في الملاحة بناء علي أنها من حملة المعاني أو المرجع بها إلى يميل إليه طبع كل أحد (والاظهر) أنه لا يعتبر * واعلم أن الشافعي ذكر في السلم في العبد أنه يقول خماسى أو سداسي وانه يصف سنه واختلفوا في التفسير فمنهم من قال أراد أراد بالخماسي والسداسى التعرض للقد يعنى خمسة أشبار أو ستة (ومنهم) من قال أراد به السن يعنى ابن خمس أو ست فمن قال بالاول حمل قوله يصف سنه على المعني الثاني ومن قال بالثاني حمل قوله(9/291)
يصف سنه على الاسنان المعروفة أي يذكر أنه مفلج الاسنان أو غيره وذلك من طريق الاولى دون الاشتراط كالتعرض لجعودة الشعر أو سبوطته * وحكى المسعودي أن الخماسي والسداسي صنفان من عبيد النوبة معروفان عندهم *
(فرع) ذكر الشيخ أبو حامد في آخرين أنه لا يجب ذكر الثيابة والبكارة في الجارية وعن الصيمري أنه يجب وبه أجاب صاحب المهذب وهو الاولى (آخر) لو شرط كون العبد(9/292)
يهوديا أو نصرانيا جاز كشرط كونه خبازا * ولو شرط كونه ذا زوجة وكون الجارية ذات زوج فعن الصيمري أنه جائز وزعم أن ذلك مما لا يندر وعنه أنه لو شرط كونه سارقا أو زانيا أو قاذفا جاز أيضا بخلاف ما لو شرط كون الجارية مغنية أو عوادة وفرق بانها صناعة محظورة وتلك أمور تحدث كالعمى والعور وقطع اليد وهذا فرق لا يقبله ذهنك (ثالث) لو أسلم جارية صغيرة في كبيرة فعن أبى اسحق أنه لا يجوز لانها قد تكبر وهى بالصفة المشروطة فيسلمها بعد أن يطأها فتكون في معنى استقراض(9/293)
الجوارى (والصحيح) الجواز كاسلام صغار الابل في كبارها وهل يتمكن من تسلمها عما عليه فيه وجهان لاتحاد الثمن والمثمن (إن قلنا) يتمكن فلا مبالاة بالوطئ كوطئ الثيب وردها بالعيب * ومن أنواع الحيوان الابل ولابد من التعرض فيها لامور (أحدها) الذكورة والانوثة (وثانيها) السن فيقول ابن مخاض أو ابن لبون أو ثني (وثالثها) اللون فيقول أحمر أو أسود أو أزرق (ورابعها) النوع مثل أن يقول من نعم بني فلان ونتاجهم وهذا فيما إذا كثر عددهم وعرف بهم نتاج كطي وبني؟ قيس(9/294)
فأما النسبة إلى الطائقة القليلة فهى كتعيين البستان في الثمار * ولو اختلف نتاج بني فلان وكان فيها أرحبية ومهرية ومجيدية فأظهر القولين أنه لابد من التعيين (وأما) قوله غير مود نقى من العيوب سبط الخلق محفر الجنبين والمودى غير ناقص الخلقة والسبط المديد القامة الوافر الاعضاء ومحفر الجنبين عظيمها وواسعها واتفق الاصحاب على أن ذكر هذه الامور ليست بشرط وانما هو ضرب من التأكيد (ومنها) الخيل فيجب التعرض فيها لما يجب التعرض له في الابل ولو ذكر معه الشيئان كالاغرر(9/295)
والمحجل واللطيم كان أولى ولو أهملهما جاز وحمل قوله اشقر أو ادهم على البهيم وكذا القول في البغال
والحمير والبقر والغنم ومالا يتبين نوعه بالاضافة إلى قوم يتبين بالاضافة إلى بلد وغيره (ومنها) الطيور ويجوز السلم فيها كالنعم وغيرها وقال في المهذب لا يجوز لانه لا يضبط سنها ولا يعرف قدرها بالدرع فعلى المشهور يوصف منها النوع والصغر والكبر من حيث الجثة ولا يكاد يعرف سنها فان عرف وصف به * ويجوز السلم في السمك والجراد حيا وميتا عند عموم الوجود ويوصف كل جنس من الحيوان يما يليق به *(9/296)
قال (ويقول اللحم لحم بقر أو غنم ضأن أو معز ذكر أو أنثى خصى أو غير خصى رضيع أو فطيم معلوفة أو راعية من الفخذ أو من الجنب * ولا يشترط نزع العظم) السلم في اللحم جائز خلافا لابي حنيفة * لنا أنه يمكن ضبط صفاته فأشبه النمار ويجب فيه بيان أمور (أحدها) الجنس فيقول لحم ابل أو بقر أو غنم (والثانى) النوع فيقول لحم بقر أهلى أو جواميس ولحم ضأن أو معز (والثالث) الذكورة والانوثة وإذا بين الذكورة فليبين أنه خصى أو غير خصى (والرابع)(9/297)
السن فيقول صغير أو كبير ومن الصغير رضيع أو فطبم ومن الكبير جذع أو نثى (والخامس) يبين أنه من راعية أو معلوفة لان كل واحد من النوعين مطلوب من وجه قال الامام ولا اكتفاء بالعلف بالمرة والمرات حتى ينتهي إلى مبلغ مؤثر في اللحم (فان قلت) اطلق الاصحاب قولهم باعتبار هذا الامر ولفظ الشافعي رضى الله عنه في المختصر ويقول في لحم البعير خاصة بغير واع فكيف الجمع (فالجواب) أن النص محمول على عادتهم فانهم كانوا لا يعلفون الا الابل فلم يفتقروا إلى التقييد في(9/298)
غير الابل فأما حيث جرت العادة بعلف غيره فلابد من بيانه (والسادس) يبين موضعه اهو من الفخذ أو الجنب أو الكتف لاختلاف الاغراض وفى كتب العراقيين اعتبار أمر شائع وهو بيان السمن والهزال ولا يجوز شرط الاعجف لان العجف هزال عن علة وشرط العيب مفسد على ما سيأتي * ويجوز في اللحم المملح والقديد إذا لم يكن عليه عين الملح فان كان فقد مر الخلاف في نظيره ثم
إذا أطلق السلم في اللحم وجب قبول ما فيه من العظم على العادة وان شرط نزع العظم جاز ولم يجب(9/299)
قبوله * ويجوز السلم في الشحم والالية والكبد والطحال والكلية والرئة * وإذا أسلم في لحم الصيد ذكر ما يجب ذكره في سائر اللحوم لكن الصيد الذكر لا يكون الا فحلا وراعيا فلا حاجة إلى التعرض للامرين قال الشيخ أبو حامد والمقتدون به ويبين أنه صيد بأحبولة أو بسهم أو بجارحة ويبين انها كلب أو فخذ لان صيد الكلب أطيب لطيب نكهته وفى لحم الطير والسمك يبين الجنس والنوع والصغر والكبر من حيث الجثة ولا حاجة إلى ذكر الذكورة والانوثة الا إذا أمكن(9/300)
التميز وتعلق به الغرض ويبين موضع اللحم إذا كان الطير والسمك كثيرين ولا يلزم قبول الرأس والرجل من الطير والذنب من السمك * قال * (ولا يسلم في المطبوخ والمشوى إذا كان لا يعرف قدر تأثير النار فيه بالعادة) * لا يجوز السلم في اللحم المطبوخ والمشوى لاختلاف الغرض باختلاف تأثير النار فيه وتعذر الضبط وفى السلم في الخبز وجهان ذكرناهما في فصل المختلطات وجه الجواز أن لتأثير النار فيه نهاية مضبوطة كالسمن(9/301)
والدبس والسكر والفانيذ كالخبز فيجرى في ثلثها الوجهان وأشار الامام إلى طريقة قاطعة بجواز السلم في السكر والفانيذ وفي اللبا الوجهان (اختيار) الشيخ أبى حامد المنع (واختيار) القاضى أبى الطيب الجواز فأما ما جفف ولم يطبخ فيجوز السلم فيه بلا خلاف ويقرب من صور الخلاف تردد صاحب التقريب في السلم في الماء ورد لاختلاف تأثير النار فيما يتصعد ويقطر واستبعد إمام الحرمين وجه المنع فيها(9/302)
جميعا ولا عبرة بتأثير الشمس بل يجوز السلم في العسل المصفي بالشمس وفى العسل المصفى بالنار الوجهان في الدبس ونحوه ومما يوجه به المنع أن النار تعيبه وتسرع الفساد إليه * قال (وفى السلم في رؤس الحيوانات بعد التنقية من الشعور قولان لترددها بين الحيوانات
والمعدودات * والاصح في الاكارع الجواز لقلة الاختلاف في أجزائها) * في السلم في رؤس الحيوانات المأكولة قولان (أحدهما) الجواز وبه قال مالك واحمد كالسلم(9/303)
في جملة الحيوان وكالسلم في لحم الفخذ وسائر الاعضاء (وأظهرهما) المنع وبه قال أبو حنيفة لاشتمالها على ابعاض مختلفة كالمناخر والمشافر وغيرها وتعذر ضبطها ويخالف السلم في الحيوان فان المقصود جملة الحيوان من غير تجريد النظر إلى آحاد الاعضاء ويخالف السلم في لحوم سائر الاعضاء فان لحم سائر الاعضاء اكثر من عظمها والرأس على العكس والاكارع كالرؤس ورأى صاحب الكتاب الجواز فيها اصح لانها اقرب إلى الضبط لكن الجمهور علي الاول وعن القاضى ابى الطيب الدمر إلى(9/304)
القطع بالمنع فيها (فان قلنا) بالجواز فيهما فذلك بشروط (أحدها) أن تكون منقاة من الصوف والشعر فأما السلم فيها من غير تنقية فلا يجوز لتستر المقصود بما ليس بمقصود (والثانى) أن توزن فأما بالعدد فلا لاختلافها في الصغر والكبر (والثالث) أن تكون نية فأما المطبوخة والمشوية فلا سلم فيها بحال وفى كتاب القاضى ابن كج اعتبار شرط آخر وهو أن تكون المشافر والمناخر منحاة عنها وهذا لا اعتماد عليه (وقوله) : الكتاب لترددها بين الحيوانات والمعدودات اشارة إلى توجيه(9/305)
القولين فوجه الجواز الشبه بالحيوانات ووجه المنع أن الوزن لا يكفى فيها لكون الكبر مقصودا منها فنلحق بالمعدودات ولا يجوز السلم فيها بالعد كما سبق وفى لفظ المختصر إيماء إلى هذا الكلام فانه قال وأرى الناس تركوا وزن الرؤس لما فيها من الصوف وأطراف المشافر والمناخر وما أشبه ذلك لانه لا يؤكل * قال (ويجوز السلم في اللبن والسمن والزبد والمخيض والوبر والصوف والقطن والابريسم(9/306)
والغزلي المصبوغ وغير المصبوغ وكذا في الثياب بعد ذكر النوع والدقة والغلظ والطول والعرض
وكذا في الحطب والخشب والحديد والرصاص وسائر اصناف الاموال إذا اجتمعت الشرائط التى ذكرناها) * في الفصل صور (احداها) يجوز السلم في اللبن ويبين فيه ما يبين في اللحم سوى الامر الثالث والسادس ويبين نوع العلف لاختلاف الغرض بذلك ولا حاجة إلى ذكر اللون ولا إلى ذكر(9/307)
الحلاوة فان المطلق ينصرف إلى الحلو بل لو أسلم في اللبن الحامض لم يجز لان الحموضة عيب فيه ولو أسلم في لبن يومين أو ثلاثة فانما يجوز إذا بقى حلوا في تلك المدة وفى السلم في السمن ما يبين في اللبن ويذكر أنه أبيض أو أصفر * وهل يحتاج إلى التعرض للحديث والعتيق قال الشيخ أبو حامد لا بل العتيق معيب لا يصح السلم فيه وقال القاضى أبو الطيب العتيق المتغير هو المعيب لا كل(9/308)
عتيق فيجب البيان * وفى الزبد يذكر مثل ما في السمن ويذكر أنه زبد يومه أو أمسه * ويجوز السلم في اللبن كيلا ووزنا لكن لا يكال حتى تسكن الرغوة ويوزن قبل سكونها وكذا السمن يكال ويوزن إلا إذا كان جامدا يتجافى في المكيال فيتعين الوزن وليس في الزبد الا الوزن وكذا في اللباء المجفف وقبل الجفاف هو كاللبن * وإذا جوزنا السلم في الجبن وجب بيان نوعه وبلده وانه رطب أو يابس (وأما) قوله والمخيض فاعلم ان المخيض الذى فيه ماء لا يجوز السلم فيه نص عليه الشافعي(9/309)
رضى الله عنه وقد أدرجناه في أثناء المختلطات فالذي ذكره محمول على ما إذا مخض اللبن من غير ماء وحينئذ فوصفه بالحموضة لا يضر لان الحموضة مقصودة فيه (الثانية) إذا أسلم في الصوف قال صوف بلد كذا لاختلاف الغرض به ويبين لونه وطوله وقصره وانه خريفى أو ربيعي فالخريفي أنظف وانه من ذكور أو اناث فصوف الاناث أشد نعومة واستغنوا بذلك عن ذكر اللبن(9/310)
والخشونة ولا يقبل الا نقيا من الشوك والبعر وان شرط كونه مغسولا جاز الا أن يعيبه الغسل * والوبر
والشعر كالصوف والطريق فيهما الوزن (الثالثة) يبين في القطن بلده ولونه وكثرة لحمه وقلته والخشونة والنعومة وكونه عتيقا أو حديثا ان اختلف الغرض به والمطلق يحمل على الجاف وعلى ما فيه الحب ويجوز في الحليج وفى حب القطن ولا يجوز في الجورق قبل التشقق وأما بعده ففى التهذيب أنه يجوز وقال في التتمة ظاهر المذهب أنه لا يجوز لاستتار المقصود بما لا مصلحة فيه وهذا ما أطلق(9/311)
العراقيون حكاية عن النص (الرابعة) يبين في الابريسم بلده ولونه ودقته وغلظه ولا حاجة إلى ذكر الخشونة والنعومة * ولا يجوز السلم في القز وفيه الدود حية كانت أو ميتة لانها تمنع معرفة القز وبعد خروج الدود يجوز * وإذا أسلم في الغزل ذكر ما يذكر في القطن ويذكر الدقة والغلظ أيضا * ويجوز السلم في غزل الكتان أيضا ويجوز شرط كونه مصبوغا ولابد من بيان الصبغ (الخامسة) إذا أسلم في الثياب بين الجنس انه من ابريسم أو كتان أو قطن والنوع والبلد الذي ينسج(9/312)
فيه ان اختلف به الغرض وقد يغني ذكر النوع عنه وعن الجنس أيضا ويبين الطول والعرض والغلظ والدقة والصفاء فيه والرقة والنعومة والخشونة * ويجوز في المقصور والمطلق محمول على الخام ولا يجوز في اللبيس لانه لا ينضبط ويجوز فيما صبغ غزله قبل النسج كالبرود والمشهور في كتب الاصحاب أنه لا يجوز في المصبوغ بعد النسج ووجهوه بشيئين (أحدهما) أن الصبغ عين تزاينه وهو مجهول المقدار والغرض يختلف باختلاف اقداره (والثانى) أنه يمنع معرفة النعومة والخشونة وسائر(9/313)
صفات الثوب وحكى الامام عن طائفة منهم شيخه أنه يجوز وبه قال صاحب الحاوى وهو القياس ولو صح التوجيهان لما جاز السلم في المنسوج بعد الصبغ أيضا وفى الغزل المنسوج أيضا * وعن الصيمري تجويز السلم في القميص والسراويلات إذا ضبطت طولا وعرضا وضيقا وسعة (السادس) الخشب أنواع منها الحطب فإذا أسلم فيه ذكر نوعه وغلظه ودقته وانه من نفس الشجر أو أغصانه ووزنه ولا يجب التعرض للرطوبة والجفاف والمطلق محمول على الجاف ويجب قبول المعوج والمستقيم(9/314)
(ومنها) ما يطلب للبناء كالجذوع فيبين فيها النوع والطول والغلظ والدقة ولا حاجة إلى ذكر الوزن خلافا للشيخ أبي محمد ولو ذكر جاز بخلاف الثياب قال الشيخ أبو حامد لانه يمكن أن ينحت منها ما يزيد على القدر المشروط * ولا يجوز السلم في المخروط لاختلاف أعلاه وأسفله (ومنها) ما يطلب ليتخذ منه القسى والسهام فيذكر فيها النوع والدقة والغلظ وزاد بعضهم التعرض لكونه سهليا أو جبليا لان الجبلى أصلح لها ومنهم من اعتبر التعرض للوزن أيضا فيه وفى خشب البناء (السابعة) إذا(9/315)
أسلم في الحديد ذكر نوعه وانه ذكر أو أنثى ولونه وخشونته ولينه وفى الرصاص يذكر نوعه من قلعي وغيره وفى الصعر من شبه وغيره ولونهما وخشونتهما ولينهما ولابد من الوزن في جميع ذلك وكل شئ لا يتأتى ونرد بالقبان يوزن بالعرض علي الماء هذا شرح الصور التى نص عليها صاحب الكتاب ونردفها بصور على سبيل الاختصار فنقول السلم في المنافع كتعليم القرآن وغيره جائز ذكره الرويانى ويجوز السلم في الدراهم والدنانير على أصح الوجهين لانه مال يسهل ضبطه (والثانى) وبه قال أبو حنيفة أنه لا يجوز(9/316)
وعلى الاول يشترط أن يكون رأس المال غير الدراهم والدنانير * ويجوز السلم في أنواع العطر العامة الوجود كالعنبر والمسك والكافور ويذكر وزنها ونوعها فيقول عنبر أشهب أو غيره قطع أو فتات ويجوز السلم في الزجاج والطين والجص والنورة وحجارة الارحية والابنية والاوانى ويذكر نوعها وطولها وعرضها وغلظها ولا حاجة إلى ذكر الوزن ولا يجوز في البرام المعمولة ولا في الكيزان(9/317)
والخباب والطشوش والمنابر والقماقم والطناجر لندرة اجتماع الوزن مع الصفات المشروطة ولتعذر ضبطها نعم ما يعيب منها في الغالب يجوز السلم فيه لانه لا يختلف وكذا في الاسطال المربعة كما يجوز في مربعات الصرم وقطع الجلود وزنا ولا يجوز في الجلود على هيئتها لتفاوتها دقة وغلظا وتعذر ضبطها ويجوز السلم في الكاغد عددا ويبين فيه النوع والطول والعرض * وفى اللبن والآجر وفى الآجر
وجه لتأثير النار فيه * ولا يجوز السلم في العقار لانه يحتاج فيه إلى بيان المكان وإذا بين تعين *(9/318)
ولا يجوز في العلس والارز لاستتارهما بالكمام ويجوز في الدقيق وعن الداركى أنه لا يجوز * وإذا أسلم في التمر بين النوع فيقول معقلى أو برنى والبلد فيقول بغدادي أو بصرى واللون وصعر الحبات وكبرها وكونه حديثا أو عتيقا ولا يجب تقدير المدة التى مضت عليه والحنطة وسائر الحبوب كالتمر * وفى الرطب يبين جميع ذلك سوى الحديث والعتيق وفى الوسيط أنه يجب التعرض لذلك في الرطب ولا حاجة إليه في البر والحبوب وهو خلاف النص وما عليه عامة الاصحاب * وفى(9/319)
العسل يبين أنه جبلى أو بلدي صيفي أو خريفى أبيض أو أصفر ولا حاجة إلى ذكر الحديث والعتيق لانه لا يختلف الغرض به ويقبل مارق بسبب الجز ولا يقبل مارق رقة عيب والله أعلم * وهذا باب لا ينحصر فاغتن بالمذكور عن المتروك * قال * (فان شرط الجودة جاز ونزل على أقل الدرجات وان شرط الاجود لم يجز إذ لا يعرف أقصاه * وان شرط الرداءة فكذلك لا يجوز فان شرط الاردأ جاز على الاصح لان طلب الاردإ عناد محض فلا يثور به نزاع * والوصف الذى به التعريف ينبغى أن يكون بلغة يعرفها غير المتعاقدين) *(9/320)
مضمون الفصل مسألتان (إحداهما) ذهب العراقيون من مشايخنا إلى اشتراط التعرض للجودة أو الرداءة في كل ما يسلم فيه وعللوه بان القيمة والاغراض تختلف بهما وظاهر النص يوافق ما ذكروه وقال غيرهم لا حاجة إلى غيره ويحمل الطلق على الجيد وهو الاظهر وايراد الكتاب يوافقه وسواء قلنا بالاشتراط أو لم نقل فإذا شرط الجودة نزل على أقل الدرجات كما إذا شرط صفة اخرى * ولو شرط الاجود لم يجز لان أقصاه غير معلوم فكأنه شرط شيئا مجهولا وأيضا فانه ما من شئ يأتي(9/321)
به الا والمسلم يطالبه بما هو أجود منه تمسكا باللفظ فيدوم النزاع بينهما * وان شرط الرداءة فقد أطلق في الكتاب أنه لا يجوز وفصل كثيرون فقالوا شرط رداءة النوع يجوز لانضباطه وشرط رداءة العيب والصفة لا يجوز لانها لا تنضبط وما من ردئ الا وهناك ما هو خير منه وان كان رديئا فيفضى إلى النزاع * واعلم أن نوع المسلم فيه لابد من التعرض له علي ما سبق فان لم ينص علي النوع وتعرض للردئ تعريفا للنوع فذلك محتمل لا محالة وان نص على النوع فذكر الرداءة(9/322)
حشو (وأما) رداءة الصفة فالذي حكيناه عن العراقيين يقتضى تجويز اشتراطه لانهم ذكروها في مقابلة الجودة ولا شك أنهم لم يريدوا بها جودة النوع ولهم أن يعترضوا فيقولوا هب أن رداءة الصفة لا تنضبط لكن الجودة أيضا كذلك وقد نزلناها على أقل الدرجات فلم لا تفعل في الرداءة مثله وان شرط الاردأ ففيه قولان ويقال وجهان (أحدهما) وهو المنصوص في المختصر أنه لا يجوز لانه لا يوقف(9/323)
على أقصاه كما في الاجود (وأصحهما) الجواز لانه إذا أتى بردئ لم يطالبه المسلم بما هو أردأ منه وان طالبه به كان معاندا فيمنع منه ويجبر على قبوله * ولك أن تعلم قوله في الكتاب وان شرط الجودة لم يجز بالواو لان في تعليق الشيخ أبى حامد أن من اصحابنا من خرج قولا أنه جائز وكذلك قوله فكذلك لا يجوز لما قدمناه (الثانية) صفات المسلم فيه المذكورة في العقد تنقسم إلى مشهورة عند الناس والى غير مشهورة وذلك قد يكون لدقة معرفتها كما في الادوية والعقاقير وقد يكون(9/324)
لغرابة الالفاظ المستعملة فيها فلابد من معرفة المتعاقدين بها فلو جهلاها أو أحدهما لم يصح العقد وهل يكفى معرفتهما فيه وجهان (أظهرهما) لا وهو المنصوص بل لابد من أن يعرفها غيرهما ليرجع إليه عنه تنازعهما (والثانى) أنه يكفى معرفتهما والنص محمول على الاحتياط * فهذا شرط آخر للسلم * وهل تعتبر فيها الاستفاضة أم يكفى معرفة عدلين سواهما فيه وجهان (أظهرهما) الثاني ويجرى الوجهان فيما إذا لم يعرف المكيال المذكور الا عدلان * واعلم أن جميع ما ذكرناه الآن من(9/325)
معرفة المتعاقدين وغيرهما يخالف ما قدمنا في مسألة فصح النصارى من نقض الوجوه ولعل الفرق أن الجهالة هناك راجعة إلى الاجل وههنا راجعة إلى المعقود عليه فجاز أن يحتمل من نيل الجهالة ما لا يحتمل من هذه والله تعالى أعلم * (الباب الثاني في أداء المسلم فيه والقرض) قال (أما المسلم فيه فالنظر في صفته وزمانه ومكانه (أما صفته) فان أتى بغير جنسه لم يقبل(9/326)
لانه اعتياض وذلك غيره جائز في المسلم فيه * وان كان من جنسه ولكنه أجود وجب قبوله وان كان أردأ منه جاز قبوله ولم يجب * وان أتى بنوع آخر بأن أسلم في الزبيب الابيض فجاء بالاسود ففى جواز القبول وجهان إذ يكاد أن يكون اعتياضا) * قوله والقرض معطوف على الاداء لا على المسلم فيه لانه لم يقصر الكلام في القرض على ادائه بل تكلم في فصول منها الاداء * إذا عرفت ذلك فاعلم أن الاعتياض عن المسلم فيه قبل القبض(9/327)
غير جائز لما مر في النظر الثالث من كتاب البيع فلا يجوز أن يستبدل عنه غير جنسه * وان لم يختلف الجنس فاما أن لا يختلف النوع أيضا أو يختلف (الحالة الاولى) أن لا يختلف فينظر ان أتى بالمسلم فيه على الصفة المشروطة وجب قبوله وان أتى به على صفة أجود مما شرط جاز قبوله وفى الوجوب وجهان (أحدهما) لا يجب لما فيه من المنة (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يجب لان إتيانه به يشعر بأنه لا يجد سبيلا إلى ابراء ذمته بغيره وذلك يهون أمر المنة وان أتى(9/328)
به أراد أمما شرط جاز القبول ولم يجب (الحالة الثانية) أن يختلف كما لو أسلم في التمر المعقلى فجاء بالبرنى أو في الذبيب الابيض فجاء بالاسود أو في الثوب الهروي فجاء بالمروى فلا يجب علي المسلم قبوله لاختلاف الاغراض باختلاف الانواع (ومنهم) من حكي وجها آخر أنه يجب تمسكا بقول الشافعي
رضى الله عنه وأصل ما يلزم السلف قبول ما أسلف فيه أن يأتيه به من جنسه (فان قلنا بالاول) فهل يجوز قبوله فيه وجهان (أظهرهما) وبه قال الشيخ أبو حامد لا لانه يشبه الاعتياض كما لو اختلف(9/329)
الجنس (والثانى) نعم كما لو اختلفت الصفة * وذكروا خلافا في أن التفاوت بين التركي والهندي من العبيد تفاوت جنس أو تفاوت نوع (والصحيح) الثاني وفى أن التفاوت بين الرطب أو التمر وما يسقي بماء السماء وما يسقي بغيره تفاوت نوع أو صفة والاشبه الاول * (فرع) ما أسلم فيه كيلا لا يجوز قبضه وزنا وبالعكس وعند الكيل لا يزلزل المكيال ولا يوضع الكف علي جوانبه (آخر) إذا أسلم في الحنطة وجب تسليمها نقية من الزوان والمدر(9/330)
والتراب فان كان فيها شئ قليل من ذلك وقد اسلم كيلا جاز وان اسلم وزنا لم يجز ويجب تسليم التمر جافا والرطب صحيح غير منشدخ * قال (اما الزمان فلا يطالب به قبل المحل ولكن ان جاء به قبله وله في التعجيل غرض بأن كان بالدين رهن أو ضامن أو كان يظهر (و) خوف الانقطاع وجب القبول كما يجب(9/331)
قبول النجوم من لمكاتب قبل المحل * وان لم يكن له غرض سوي البراءة نظر فان كان للممتنع غرض بأن كان في زمان نهب أو غارة أو كانت دابة يحذر من علفها فلا يجبر وان لم يكن من الجانبين غرض فقولان في الاجبار) * السلم اما مؤجل أو حال فان كان مؤجلا فلا يخفى انه لا مطالبة بالمسلم فيه قبل المحل والا لبطل فائدة التأجيل * ولو اتى المسلم إليه به قبل المحل وامتنع المسلم من قبوله فترتيب صاحب الكتاب(9/332)
يخالف ترتيب الجمهور فنذكر ما ذكروه ثم نعود إلى ما أورده * قال الجمهور ان كان له في الامتناع كما إذا كان وقت نهب أو كان المسلم فيه حيوانا يحذر من علفه أو ثمرة أو لحما يريد أكله عند المحل
طريا أو كان مما يحتاج إلى مكان مؤنة كالحنطة والقطن الكثيرين فلا يجبر على القبول لتضرره وان لم يكن غرض في الامتناع فان كان للمؤدى غرض في التعجيل سوى براءة الذمة كما لو كان به رهن يريد فكاكه أو ضامن يريد براءته يجبر على القبول كالمكاتب يعجل النجوم ليعتق(9/333)
يجبر السيد على قبولها وهل يلتحق بهذه الاعذار خوفه من انقطاع الجنس قبل الحلول فيه وجهان المذكور منهما في الكتاب انه يلحق لما في التأخير من خطر انفساخ العقد أو ثبوت حق الفسخ * وان لم يكن للمؤدى غرض سوي البراءة فقولان (احدهما) انه لا يجبر المستحق على القبول لان التعجيل كالتبرع بمزيد فلا يكلف تقلد المنة (وأصحهما) وهو المنصوص في المختصر انه يجبر لان براءة الذمة غرض ظاهر وليس للمستحق غرض في الامتناع فيمنع من التعنت * وان تقابل غرض(9/334)
الممتنع والمؤدى فقد حكى الامام فيه طريقين (أحدهما) انهما يتساقطان (وأصحهما) أن المرعى جانب المستحق وحكى أيضا عن بعضهم طرد القولين فيما إذا كان للمعجل غرض في التعجيل ولم يكن للمتنع غرض في الامتناع وهو غريب (وأما) صاحب الكتاب فانه راعى جانب المؤدى اولا فقال ان كان له غرض في التعجيل يجبر الممتنع علي القبول والا فان كان له غرض في الامتناع فلا يجبر والا فقولان ولا يخفى مخالفته لطريقة الجمهور فان ذكره(9/335)
عن ثبت فهو منفرد بما نقل والا فقد التبس الامر عليه والله أعلم * وحكم سائر الديون المؤجلة فيما ذكرنا حكم المسلم فيه (وأما) السلم الحال فالمطالبة فيه متوجهة في الحال ولو أتى المسلم إليه بالمسلم فيه وأبي المسلم قبوله نظران كان للمعجل غرض سوى البراءة أجبر على القبول والا فطريقان (أحدهما) أنه على القولين وجه عدم الاجبار انه يقول الحق لى فلى ان أؤخره إلى أن أشاء (وأصحهما) أنه يجبر على القيول أو الابراء وحيث ثبت الاجبار فلو أصر على الامتناع اخذه الحاكم له(9/336)
روى (أن أنسا كاتب عبدا له على مال فجاء العبد بالمال فلم يقبله أنس فاتى العبد عمر رضى الله عنه فأخذه منه ووضعه في بيت المال * قال (أما المكان فمكان العقد فلو ظفر به في غيره وكان في النقل مؤنة لم يطالب به * ولكن يطالب (و) بالقيمة للحيلولة ثم لا يكون عوضا إذ يبقى استحقاق الدين * وان لم يكن مؤنة طالب به * وفى مطالبة الغاصب بالمثل في موضع آخر مع لزوم المؤنة خلاف تغليظا عليه) *
__________
حديث أن أنسا كاتب عبدا له على مال فجاء العبد بالمال فلم يقبله أنس فأتي العبد عمر فأخذه منه ووضعه في بيت المال.
هذا الاثر الذي ذكره الشافعي في الام بلا اسناد وقد رواه البيهقي من طريق أنس بن سيرين عن أبيه قال كاتبني أنس على عشرين الف درهم فكنت فيمن فتح تستر فاشتريت رقة فربحت فيها فأتيت أنسا بكتابتي فذكره " *(9/337)
إذا عين في السلم مكان التسليم أو لم يعين وقلنا يتعين مكان العقد وجب التسليم فيه فلو ظفر المسلم به في غير ذلك المكان نظران كان لنقله مؤنة لم يطالب به وهل يطالب بالقيمة للحيلولة فيه وجهان (أحدهما) لا لان أخذ العوض عن المسلم فيه قبل القبض غير جائز (والثانى) نعم لوقوع الحيلولة بينه وبين حقه وهذا ما أورده صاحب الكتاب في هذا الموضع لكنه اعاد المسألة في باب الغصب وذكر فيها الخلاف (والاصح) في المذهب هو الوجه الاول ولم يورد العراقيون وصاحب التهذيب(9/338)
سواه وإذا فرعنا عليه فللمسلم الفسخ واسترداد رأس المال كما لو انقطع المسلم فيه * وان لم يكن لنقله مؤنة كالدراهم والدنانير فله مطالبته به وأشار الامام إلى خلاف فيه * ولو ظفر المالك بالغاصب في غير مكان الغصب أو الاتلاف فهل يطالبه بالمثل حكى فيه خلافا ههنا وذكر في الغصب أنه لا يطالب الا بالقيمة وهو الاظهر ولنشرح المسألة ثم ان شاء الله تعالى (وقوله) في أول الفصل أما مكانه فمكان(9/339)
العقد عند الاطلاق محمول على ما إذا عينا مكان العقد أو أطلقا ولم يشترط تعيين المكان (وقوله) ثم لا يكون عوضا إذ يبقى استحقاق الدين أراد به أن القيمة المأخوذة لا تكون عوضا عن المسلم فيه بل يبقى استحقاق المسلم فيه بحاله حتى إذا عاد لى مكان التسليم يطالبه به ويرد القيمة ولمن نص ظاهر المذهب أن يقول لو صح هذا الكلام لوجب أن يحكم بمثله في انقطاع المسلم فيه * ولو أتي المسلم(9/340)
إليه بالمسلم فيه في غير مكان التسليم وأبى المستحق قبوله فان كان لنقله مؤنة أو كان الموضع مخوفا لم يجبر والا فوجهان بناء على القولين في التعجيل قبل المحل فان رضي وأخذه لم يكن له أن يكلفه مؤنة النقل * قال (أما القرض فاداؤه كالمسلم فيه ولكن يجوز الاعتياض عنه * ويجب المثل في المثليات وفى ذوات القيم وجهان أشبههما بالحديث أن الواجب المثل * استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم(9/341)
بكرا ورد بازلا والقياس القيمة) *(9/342)
الاقراض مندوب إليه لما فيه من الاعانة على البر وكشف كربة المسلم وفى الفصل مسائل (احداها) أداء القرض في الصفة والزمان والمكان كما ذكرنا في المسلم فيه نعم لو ظفر بالمستقرض في غير مكان الاقراض وكان المال مما لنقله مؤنة فلا خلاف في جواز مطالبته بالقيمة ثم إذا أخذها في مكان الاقراض فهل له رد القيمة والمطالبة بالمثل وهل للمستقرض مطالبته برد القيمة فيه وجهان(9/343)
والقيمة التي يطالبه بها هي قيمة بلد الاقراض يوم المطالبة وكذا في السلم يطالب بقيمة بلد العقد عند من جوز المطالبة بالقيمة (الثانية) يجوز الاعتياض عن المقرض وقد ذكر هذه المسألة مرة(9/344)
(الثالثة) ستعرف في الغصب أن المال ينقسم إلى مثلى والى متقوم فإذا استقرض مثليا رد مثله وإذا
استقرض متقوما فوجهان (اقيسهما) واختاره الشيخ ابو حامد أنه يرد القيمة كما لو أتلف متقوما على(9/345)
انسان تلزمه القيمة (وأظهرهما) أنه يرد المثل من حيث الصورة واختاره الاكثرون لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم (استقرض بكرا ورد بازلا) والبكر الفتى من الابل والبازل الذي له ثمانى سنين وروي أنه صلى الله عليه وسلم (استسلف بكرا فأمر برد مثله) (فان قلنا) بالاول فالاعتبار بقيمة يوم القبض ان قلنا
__________
(باب القرض) حديث أنه صلى الله عليه وسلم استقرض بكرا ورد بازلا: هذا اللفظ تبع فيه الغزالي في الوسيط وهو تبع الامام في النهاية وزاد أنه صح والذي في الصحيحين عن أبي هريرة كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حق فاغلظ له فهم به اصحابه فقال دعوه فان لصاحب الحق مقالا فقال لهم اشتروا له سنا فاعطوه اياه فقالوا انا لا نجد الا سنا هو خير من سنه قال فاشتروه فاعطوه اياه فان من خيركم أو خيركم أحسنكم قضاء وأخرج مسلم عن أبي رافع أنه صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا فقدمت عليه ابل من الصدقة فامر أبا رافع أن يعطي الرجل بكره فرجع إليه أبو رافع فقال لم أجد فيها الا خيارا رباعيا فأمره أن يعطيه الحديث وقد ذكره الرافعي بعد (تنبيه) البكر(9/346)
يملك القرض في القبض (وان قلنا) يملك بالتصرف فبالاكثر من يوم القبض إلى يوم التصرف وفيه وجه أن الاعتبار بيوم القبض وإذا اختلفا في قدر القيمة أو في صفة المثل فالقول قول المستقرض *
__________
الصغير من الابل والرباعي بفتح الراء ماله ست سنين وأما البازل فهو ماله ثمان سنين ودخل في التاسعة فتبين أنهم لم يوردوا الحديث لفظه ولا بمعناه وقد أخرج النسائي والبزار من حديث العرباض بن سارية قال بعت من النبي صلى الله عليه وسلم بكرا فأتيته أتقاضاه فقلت اقضني ثمن بكري قال لا أقضيك الا بختية فدعاني فاحسن قضائي ثم جاء أعرابي فقال اقضني بكري فقضاه بعيرا الحديث "(9/347)
قال (ثم النظر في ركن القرض وشرطه وحكمه (أما ركنه) فمن جهة اللفظ صيغة دالة عليه كقوله أقرضتك وفى اشتراط القبول وجهان (وجه) المنع ان هذه اباحة اتلاف بعوض وهى(9/348)
مكرمة ولذلك بجوز الرجوع (م) عنه في الحال * ولا يجوز (م) شرط الاجل فيه * وأما المقرض فكل ما جاز السلم فيه جاز قرضه الا الجواري ففيها قولان منصوصان والقياس الجواز * وما لا يجوز(9/349)
السلم فيه ان قلنا انه يرد في المتقومات القيمة فيصح أيضا اقراضه) * عد حجة الاسلام رحمه الله أركان القرض ثلاثة كما فعل في البيع وهى الصبغة والقرض والمقرض(9/350)
لكن أهمل ههنا ذكر المقترض لوضوح حاله والعلم بانه لا يصح الاقراض الا من جائز التصرف ويعتبر فيه أهلية التبرع لان القرض تبرع أو فيه شائبة التبرع ألا ترى أنه لا يقرض الولى مال الطفل(9/351)
الا لضرورة ولذلك لا يجوز شرط الاجل لان المتبرع ينبغى أن يكون بالخيار في تبرعه وانما يلزم الاجل في المعاوضات (وأما) الصيغة فالايجاب لابد منه وهو أن يقول أقرضتك أو أسلفتك أو خذ(9/352)
هذا بمثله أو خذه واصرفه في حوائجك ورد بدله أو ملكتك على أن ترد بدله * ولو اقتصر على قوله ملكتك كان هبة فان اختلفا في ذكر البدل فالقول قول المخاطب * وأما القبول ففي(9/353)
اشتراطه وجهان (أصحهما) ولم يورد المعظم سواه أنه يشترط كما في البيع وسائر التمليكات (والثانى) لا يشترط لان القرض إباحة اتلاف على شرط الضمان فلا يستدعى القبول وادعي الامام أن هذا(9/354)
أظهر وقرب هذا الخلاف من الخلاف في أن القرض يملك بالقبض أو بالتصرف وقوله في الكتاب وهى مكرمة أراد به أن سبيله سبيل الميراث والتبرعات لا سبيل المعاوضات والمعاملات أو فيه شائبة(9/355)
من هذه وشائبة من هذه ولهذا لم يجب التقابض فيه إذا كان المقرض ربويا * واحتج في الكتاب لهذا الاصل بشيئين (أحدهما) أن للمقرض الرجوع عنه في الحال وهذا سنذكره من بعد (والثانى)(9/356)
أنه لا يجوز شرط الاجل فيه ولا يلزم بحال وقال مالك يثبت الاجل في القرض ابتداء وانتهاء (أما) ابتداء فبأن يقرضه مؤجلا (واما) انتهاء فبان يقرضه حالا ثم يؤجله (وأما) المقرض فالاموال ضربان (أحدهما)(9/357)
ما يجوز السلم فيه فيجوز اقراضه حيوانا كان أو غيره نعم في اقراض الجوارى قولان (أحدهما) ويحكى عن المزني أنه جائز وهو القياس عند الامام وصاحب الكتاب إلحاقا للجواري بالعبيد(9/358)
(وأظهرهما) المنع لنهى السلف عن اقراض الولائد قال الاصحاب وهما مبنيان على الخلاف في أن القرض بما يملك وفى كيفية البناء طريقان قال قائلون (ان قلنا) يملك بالقبض جاز اقراضها والا فلا(9/359)
لما في اثبات اليد من غير المالك من خوف الوقوع في الوطئ * وعن الشيخ أبى على أما ان قلنا يملك بالقبض لم يجز اقراضها لانه إذا ملكها فربما يطؤها ثم يستردها المقرض فيكون ذلك في صورة(9/360)
اعارة الجوارى للوطئ وان قلنا لا يملك بالقبض فيجور لانه إذا لم يملكها لم يطأها وفيما حكى عن نصه في الجديد رمز إلى هذه الطريقة (وقوله) في الكتاب قولان منصوصان اقتدى فيه بالامام وكلام(9/361)
غيرهما لا يتعرض لكونهما منصوصين بل العراقيون رووا عن نصه قديما وجديدا المنع ونقلوا الجواز
عن بعض الاصحاب نقل الوجوه ويشبه أن يكون مخرجا علي الاصل المذكور وكيف ما كان(9/362)
فالخلاف مخصوص بالجارية التى تحل للمستقرض (فاما) المحرمة بنسب أو رضاع أو مصاهرة فلا خلاف في جواز اقراضها منه (الضرب الثاني) ما لا يجوز السلم فيه كاللآلئ الكبار وغيرها فجواز(9/363)
اقراضه مبني على أن الواجب في المتقومات المثل أو القيمة (ان قلنا) بالاول لم يجز لتعذر ضبطه حتى يوجد مثله (وان قلنا) بالثاني جاز * وفى اقراض الخبز وجهان كما في السلم فيه (أحدهما) لا يجوز(9/364)
وبه قال أبو حنيفة وهو الاصح عند صاحب التهذيب (والثانى) يجوز وبه قال احمد للحاجة العامة واطباق الناس عليه وهذا ما اختاره ابن الصباغ وغيره ولا بأس لو رتب فقيل ان جوزنا(9/365)
السلم فيه جاز قرضه والا فوجهان للحاجة وقد أشار صاحب البيان إلى هذا الترتيب ثم ذكر ان جوزنا قرضه وجب رد مثله وزنا ان قلنا يجب في المتقومات المثل من حيث الصورة (وان قلنا) يجب(9/366)
فيها القيمة فالواجب القيمة فان شرطنا رد المثل ففى جوازه وجهان ويجب أن يكون المقرض معلوم القدر ليتأتى قضاؤه ويجوز اقراض المكيل وزنا والموزون كيلا كما في السلم وعن القفال أنه لا يجوز(9/367)
اقراض المكيل بالوزن بخلاف السلم فانه لا يسوى بين رأس المال والمسلم فيه وزاد فقال لو أتلف مائة من من الحنطة ضمنها بالكيل * ولو باع شقصا مشفوعا بمثله بمائة من من الحنطة ينظر كما هي(9/368)
بالكيل فيأخذه الشفيع بمثلها كيلا (والاصح) في الكل الجواز هذا تمام الكلام في أركان القرض *(9/369)
قال (أما شرطه فهو أن لا يجر القرض منفعة * فلو شرط زيادة قدر أو صفة فسد ولم يفسد جواز التصرف ولو شرط رد المكسر عن الصحيح * أو تأخير القضاء (م) لغا شرطه وصح القرض(9/370)
علي الاصح لانه عليه لا له * ولو شرط رهنا أو كفيلا به جاز فانه إحكام عينه ولو شرط رهنا بدين آخر فسد ولو قال اقرضتك بشرط أن أقرضك غيره صح ولم يلزمه الوعد بخلاف البيع فانه يفسد بمثله(9/371)
إذ يصير ذلك القرض جزأ من العوض المقصود) *(9/372)
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه نهى عن قرض جر منفعة) وروى أنه قال (كل قرض جر منفعة فهو ربا) فلا يجوز أن يقرضه بشرط أن يرد الصحيح عن المكسر أو الجيد عن الردئ ولو شرط
__________
(حديث) أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قرض جر منفعة وفي رواية كل قرض جر منفعة فهو ربا قال عمر بن بدر في المغنى لم يصح فيه شئ وأما امام الحرمين فقال انه صح وتبعه الغزالي وقد رواه الحرث بن أبي أسامة في مسنده من حديث على باللفظ الاول وفي اسناده سوار بن مصعب وهو متروك ورواه البيهقي في المعرفة عن فضالة بن عبيد موقوفا بلفظ كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا ورواه في السنن الكبرى عن ابن مسعود وأبي بن كعب وعبد الله بن سلام وابن عباس موقوفا عليهم *(9/373)
زيادة في القدر فكذلك ان كان المال ربويا والا فوجهان (أحدهما) يجوز لما روى عن عبد الله ابن عمرو بن العاص قال (أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أجهز جيشا فنفذت الابل فأمرني أن آخذ بعيرا ببعيرين إلى أجل) (وأصحهما) المنع لما سبق وهذا الحديث محمول على السلم ألا ترى أنه قال
__________
(حديث) عبد الله ابن عمرو أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أجهز جيشا فنفدت الابل
فأمرني أن آخذ بعيرا ببعيرين إلى أجل تقدم في الربا *(9/374)
إلى أجل والقرض لا يقبل الاجل * ولو شرط رده ببلد آخر لم يجز لما فيه من دفع خطر الطريق * وإذا جرى القرض بشئ من هذه الشروط كان فاسدا للخبر وكما لو باع بشرط فاسد وفى البيان نقل(9/375)
وجه أنه لا يفسد لانه عقد مسامحة وارفاق * ولو أقرض من غير شرط ورد المستقرض ببلد آخر وأجود أو أكثر جاز قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خياركم أحسنكم قضاء) ولا فرق بين الربويات وغيرها
__________
(حديث) خياركم أحسنكم قضاء تقدم من حديث أبي هريرة قريبا *(9/376)
ولا فرق بين ان يكون الرجل مشهورا برد الزيادة أو لا يكون وفيه وجه أنه لا يجوز رد الزيادة في الربوبات ووجه أنه لا يجوز اقرض المشهور برد الزيادة تنزيلا للمعتاد منزلة المشروط ثم في الفصل صور (احداها) لو أقرضه(9/377)
بشرط أن يرد عليه ارداء أو يرد المكسر عن الصحيح لغا الشرط وهل يفسد العقد فيه وجهان (احدهما) نعم لانه على خلاف قضية العقد كشرط الزيادة (وأصحهما) لا لان المنهى عنه جر(9/378)
المقرض النفع إلى نفسه وهاهنا لا نفع له في الشرط وانما النفع للمستقرض وكأنه زاد في المسامحة ووعده وعدا حسنا وايراد بعضهم يشعر بالخلاف في صحة الشرط * ولو شرط تأخير القضاء وضرب له(9/379)
اجلا نظر ان لم يكن للمقرض فيه غرض فهو كشرط رد المكسر عن الصحيح وان كان له فيه غرض بأن كان زمان نهب والمقرض ملئ فهو كالتأجيل لغير غرض أو كشرط رد الصحيح عن(9/380)
المكسر فيه وجهان (أظهرهما) الثاني (الثانية) يجوز أن يقرضه بشرط الرهن أو الكفيل وكذا
بشرط أن يشهد أو يقربه عند الحاكم لان هذه التوثيقات لاحكام عين القرض لا أنها منافع زائدة(9/381)
ولو شرط رهنا بدين آخر فهو كشرط زيادة الصفة وستعود هذه الصورة مفصلة ان شاء الله تعالى في كتاب الرهن (الثالثة) لو اقرضه بشرط أن يقرضه مالا آخر صح ولم يلزمه ما شرط بل هو(9/382)
وعد وعده وكذا لو وهب منه ثوبا بشرط أن يهب منه غيره ويخالف ما إذا باع بشرط قرض أو هبة أو بيع آخر حيث يفسد البيع لانهما جعلا رفق القرض أو الهبة أو البيع الآخر مع العشرة(9/383)
المذكورة مثلا ثمنا والشرط لغو فيسقط بسقوطه بعض الثمن ويصير الباقي مجهولا وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع وسلف) وفسروه بأن يبيع شيئا بشرط أن يقرضه المشترى وفي المسألة وجه
__________
(حديث) أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن سلف وبيع.
البيهقي وغيره من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقد تقدم * (قوله) نهى السلف عن اقراض الولائد وكانه تبع امام الحرمين فانه كذا قال بل زاد أنه صح عنهم وأما الغزالي في الوسيط فعزاه إلى الصحابة وقد قال ابن حزم ما نعلم هذا أصلا من كتاب ولا من رواية صحيحة ولا سقيمة ولا من قول صاحب ولا من جماع ولا من قياس *(9/384)
أن الاقراض كالبيع بشرط الاقراض (وقوله) في الكتاب فلو شرط زيادة قدر أو صفة فسد يجوز أن يريد به فسد الشرط ولم يفد القرض جواز التصرف ويجوز أن يريد به فسد القرض ولم يفد(9/385)
جواز التصرف وعلى التقديرين يجوز أن يكون معلما بالواو (أما) على التقدير الاول فلانه أطلق الكلام اطلاقا وقد حكينا وجها في جواز شرط زيادة القدر في غير الربويات (وأما) علي التقدير(9/386)
الثاني فللوجه المنقول عن البيان (وقوله) أو تأخير القضاء لغا شرطه شرط تأخير القضاء هو التأجيل وقد ذكره مرة أنه لا يجوز شرط الاجل فيه إلا أنه اعاده مع نظيره ليقين أن فسادهما لا يفسد القرض (وقوله) صح القرض معلم(9/387)
بالواو ولما نقلناه آخرا * قال (وأما حكمه فهو التملك ولكن بالقبض أو بالتصرف فيه قولان (أقيسهما) أنه بالقبض لانه لا يتقاعد عن الهبة وللعوض فيه مدخل وعلى هذا الاصح أنه لو أراد الرجوع في(9/388)
عينه جاز لانه أقرب إلى حقه من بدله وله المطالبة ببدله للخبر (وان قلنا) يملك بالتصرف فقيل انه كل تصرف يزيل الملك فيخرج عنه الرهن والتزويج وقيل انه كل تصرف يتعلق بالرقبة فيخرج(9/389)
عنه الاجارة وقيل كل تصرف يستدعى نفوذه الملك فيخرج عنه الرهن إذا رهن المستعار جائز) * لاشك أن المستقرض يتملك ما استقرضه ولكن فيما يملك به قولان متفرعان من كلام الشافعي رضي الله(9/390)
عنهما (اصحهما) انه يملك بالقبض لانه إذا قبضه ملك التصرف فيه من جميع الوجوه ولو لم يملكه لما ملك التصرف فيه ولان الملك في الهبة يحصل بالقبض ففى القرض أولى لان للعوض مدخلا فيه(9/391)
(والثاني) أنه يملك بالتصرف لانه ليس بتبرع محض إذ يجب فيه البدل وليس على حقائق المعاوضات كما سبق فوجب أن يكون تملكه بعد استقرار بدله *(9/392)
(التفريع) (إن قلنا) يملك بالقبض فهل للمقرض أن ترجع فيه ما دام باقيا في يد المستقرض بحاله فيه وجهان (احدهما) لا صيانة لملكه وله أن يؤدى حقه من موضع آخر وهذا ما ذكره(9/393)
في التهذيب (وأظهرهما) عند الاكثرين ان له ذلك لانه يتمكن من تغريمه بدل حقه عند الفوات فلان يتمكن من مطالبته بعينه كان أولى ولا يبعد أن يرجع فيما ملكه غيره كما يرجع الواهب في(9/394)
الهبة (وقوله) في الكتاب وله المطالبة ببدله للجبز ليس مسألة أخرى بل المعني أن له المطالبة ببدل ملكه عند فواته جبرا لحقه فأولى أن يكون له المطالبة بما كان عين ملكه وكثيرا ما يقرؤن قوله(9/395)
للجبر للخبر وظني القريب من اليقين أنه خطأ لانه ليس في كتب المصنف ولا في كتب غيره ذكر خبر يستدل به على أن للمقرض المطالبة ببدل القرض مع بقاء عينه (وأما) للجبر فهو مناسب للمعني(9/396)
المذكور وهو الذى أورده الامام والمصنف في الوسيط وغيره * وعن مالك أنه ليس للمقرض الرجوع فيما أقرضه حتى يقضى المستقرض وطره منه أو يمضي زمان يسع لذلك * ولو رد المستقرض عين ما أخذه(9/397)
فعلي المقرض لا محالة (وان قلنا) انه يملك بالتصرف فمعناه أنه إذا تصرف تبين لنا ثبوت الملك قبله ثم في ذلك التصرف وجوه (أظهرها) أنه كل تصرف يزيل الملك (والثانى) كل تصرف(9/398)
يتعلق بالرقبة (والثالث) كل تصرف يستدعى الملك فعلى الوجوه يكفى البيع والهبة والاعتاق والاتلاف ولا يكفى الرهن والتزويج والاجارة وطحن الحنطة وخبز الدقيق وذبح الشاة على الوجه(9/399)
الاول ويكفي ما سوي الاجارة على الثاني وما سوى الرهن على الثالث لانه يجوز أنه يستعير للرهن شيئا فيرهنه كما سيأتي (وقوله) رهن المستعار جائز يعني المستعار للرهن لا مطلق المستعار وعن الشيخ(9/400)
أبى محمد عبارة أخرى وهي أن التصرف الذى يملك به القرض هو الذى يقطع رجوع الواهب والبائع عند افلاس المشترى وإذا فرعنا على الوجه الاول فهل يكفي البيع بشرط الخيار (ان قلنا) انه لا يزيل(9/401)
الملك فلا (وان قلنا) انه يزيله فوجهان لانه لا يزيل صفة اللزوم ومن فروع القولين أنه إذا كان المقرض حيوانا وقلنا انه يملك بالقبض فنفقته علي المستقرض (وإن قلنا) يملك بالتصرف فهى على(9/402)
المقرض إلى ان يتصرف المستقرض ولو استقرض من يعتق عليه عتق عليه إذا قبضه على القول الاول(9/403)
ولم يعتق على الثاني قال صاحب التهذيب ويجوز أن يقال يعتق ويحكم بالملك قبيله والله أعلم(9/404)
فتح العزيز - عبد الكريم الرافعي ج 10
فتح العزيز عبد الكريم الرافعي ج 10(10/)
فتح العزيز شرح الوجيز وهو الشرح الكبير للامام ابي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 هـ * * الجزء العاشر دار الفكر بسم الله الرحمن الرحيم(10/1)
(كتاب الرهن)
قال (الباب الاول في أركانه وهى أربعة * الراهن والمرهون والمرهون به وصيغة الرهن (الركن الاول) المرهون وفيه ثلاثة شرائط (الاولى) أن يكون عينا فلا يجوز رهن الدين؟ * لان الرهن عبارة عن وثيقة دين في عين * وإذا كان عينا لم يشترط (ح) فيه الافراز بل يصح رهن الشائع ويكون على المهايأة كما في شركاء الملك) * أصل الرهن مجمع عليه والكتاب والسنة متعرضان له قال تعالى (فرهن مقبوضة) (ورهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعه من يهودى فتوفى وهى مرهونة عنده * ووجه إدراج حجة الاسلام كلام الكتاب في الابواب الاربعة أن الرهن اما صحيح أو فاسد والصحيح منه إما جائز أو لازم وكيفما كان فقد يتفق المتعاقدان على كيفية العقد الجاري بينهما وقد يتنازعان فيه فالباب (الاول) فيما يعتبر في صحته (والثانى) في الرهن الجائز وأحكامه (والثالث) في اللازم وأحكامه(10/2)
(والرابع) في التنازع * وقد عد أركان الرهن أربعة الراهن والمرهون به والصيغة والعاقد ولو جمع بين المرهون والمرهون به وجعل ما يتعلق به العقد ركنا كما فعل في البيع وكما جعل من يصدر منه العقد ركنا لجاز * ولو فصل الثمن عن المبيع كما فعل ههنا لجاز ومثل هذا يرجع إلى مجرد رسم وترتيب والمقصود لا يختلف (الاول) المرهون وله شروط (أحدها) أن يكون عنيقا أما الدبن ففى جواز رهنه
وجهان (أحدهما) الجواز تنزيلا لما في الذمم منزلة الاعيان ألا ترى أنه يجوز شراء ما في الذمة وبيعه سلما (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب المنع لان الدين غير مقدور على تسليمه * ومنهم من رتب هذا الخلاف على الخلاف في بيع الدين والرهن أولى بالمنع لانه لا يلزم الا بالقبض والقبض لا يصادف ما تناوله العقد ولا مستحقا بالعقد والقبض في البيع يصادف مستحقا بالعقد لان البيع سبب الاستحقاق ولا يشترط كون المرهون مفروزا بل يصح المرهون الشائع سواء رهن من شريكه أو غيره وسواء كان ذلك مما يقبل القسمة أو لا يقبلها وبه قال مالك وأحمد وعند أبي حنيفة لا يجوز رهنه من غير الشريك وفى(10/3)
رهنه من الشريك روايتان * لنا الحاق الرهن بالبيع والشائع بالمعزوز * ولو رهن نصيبه من بيت معين من الدار المشتركة باذن الشريك صح وبغير إذنه وجهان عن ابن سريح (أصحهما) عند الامام أنه يصح كما يصح بيعه (والثانى) لا لانه ربما تتفق القسمة ويقع هذا البيت في نصيب صاحبه فيكون قد رهن ملك غيره ويخلف البيع فانه إذا باع زال ملكه عن البيت واستحالت المقاسمة معه وهذا أرجح عند صاحب التهذيب وادعى أن الحكم في البيع مثله (وإذا قلنا بالوجه الاول) واتفقت القسمة كما قررناه فهو كتلف المرهون أو يغرم قيمته فيه احتمالان للامام (أوجههما) الثاني إضافة للفوات إليه وكيف ينزل منزلة الآفة السماوية وقد حصل له في قطر آخر من الدار مثل ما كان له في ذلك البيت وعن الامام محمد بن يحيى توسط بين الاحتمالين وهو أنه ان كان مختارا في القسمة غرم القيمة وان كان مجبرا فهو كالفوات * ثم القبض في الرهن المشاع بتسليم الكل فإذا حصل القبض جرت المهايأة بين المرتهن والشريك في الرهن جريانها بين الشريكين ولا بأس بتبعيض اليد بحكم الشيوع كما لا بأس به لاستيفاء * الراهن المنافع * واعلم أن لفظ العين الذى توجم به هذا الشرط يطلق بالمعنى المقابل للدين ويطلق بالمعنى المقابل للمنفعة وكل واحد من المعنيين معتبر في المرهون (أما) بالمعنى الاول فقد عرفته (وأما) بالثاني فقد ذكر ابن الصباغ وغيره أنه لو رهن بالدين سكنى دار مدة لم يصح لانه إن كان(10/4)
مؤجلا فالمنافع تتلف إلى حلول الاجل وان كان حالا فبقدر ما يتأخر قضاء الدين بتلف جزء من المرهون
فلا يحصل الاستيثاق * قال (الثانية ان لا يمتنع اثبات يد المرتهن عليه كرهن المصحف (ح) والعبد (ح) المسلم من الكافر فيه خلاف مرتب على البيع وكذا رهن الجارية الحسناء ممن ليس بعدل فهو مكروه ولكن ان جرى فالاصح صحته) * فقه الشرط صورتان (الاولى) في رهن العبد المسلم من الكافر طريقان (أحدهما) وبه قال ابو اسحق والقاضي أبو حامد أنه على القولين في بيعه منه ان صححناه في يدى عدل من المسلمين (والثاني) وبه قال صاحب الافصاح القطع بجوازه لانه لا يد فيه للكافر ولا انتفاع وانما هو مجرد استيثاق والظاهر جوازه أثبت الخلاف أملا ورهن المصحف منه يترتب على رهن العبد ورهن السلاح من الحربي يترتب على بيعه منه (الثانية) عن الشيخ ابي علي رواية قول أن رهن الجارية الحسناء لا يجوز إلا أن تكون محرما للمرتهن والمذهب المشهور جواز رهن الجواري مطلقا ثم ان كانت صغيرة لا تشتهي بعد فهي كالعبد والا فان رهنت من محرم أو امرأة فذاك وان رهنت من رجل أجنبي فان كان ثقة وعنده(10/5)
زوجته أو جاريته أو نسوة يؤمن معهن من الالمام بها فلا بأس أيضا والا فلتوضع عند محرم لها أو امرأة ثقة أو عدل بالصفة المذكورة في المرتهن فان شرط وضعها عند غير من ذكرنا فهو شرط فاسد لما فيه من الخلوة بالاجنبية وخوف الفتنة والحق الامام بالصغر الحسنة مع دمامة الصورة لكن الفرق بينهما بين * ولو كان المرهون خنثى فهو كما لو كان جارية الا أنه لا يوضع عند المرأة (وقوله) في الكتاب ممن ليس بعدل يشعر بجواز الرهن من العدل بلا كراهة ولفظ الوسيط كالمصرح بذلك لكن المعظم ما قنعوا بالعدالة وشرطوا أن يكون معها ذا أهل كما سبق * وإذا عرفت الصورتين عرفت أن اعتبار هذا الشرط مختلف فيه وفى العبارة المذكورة لترجمته نظر والله أعلم * فال (الثالثة أن تكون العين قابلة للبيع عند حلول الاجل * فلا يجوز رهن أم الولد * والوقف * وسائر راضى العراق من عبادان إلى الموصل طولا * ومن القادسية إلى حلوان عرضا * فانه وقف على أعتقاد الشافعي رضى الله عنه أوقفها عمر رضى الله عنه على المسلمين بعد تملكها عنوة * وقال
ابن سريج هي ملك) * مقصود الرهن أو من مقاصده استيفاء الحق من ثمن المرهون عند الحاجة فيشترط قبوله للبيع(10/6)
وما لا يجوز بيعه كالحر وأم الولد والمكاتب والوقف لا يجوز رهنه وذكر الشافعي رضى الله عنه والاصحاب رحمهم الله ههنا طرفا من الكلام في أرض الخراج ولا شك أنه دخيل في الباب وفى السير عودة إليه فنؤخره إليه وتقتصر الآن على حظ الرهن منه فنقول: سواد العراق وقف على المسلمين على الاظهر وكل أرض هي كذلك لا يجوز رهنها كسائر الوقوف وأبنيتها وأشجارها ان كانت من تربتها وغروسها التى كانت قبل الوقف فهى كالارض وان أحدثت فيها من غيرها جاز رهنها فان رهنت مع الارض فهو من صور تفريق الصفقة في الرهن في وكذا رهن الارض مطلقا (ان قلنا) إن البناء والغراس يدخلان فيه وإذا صح الرهن في البناء والغراس فلا خراج على المرتهن وإنما هو على الراهن فانه مضروب على الارض فان أداه للمرتهن بغير اذنه فهو متبرع وإن أداه باذنه وبشرط الرجوع رجع وإن لم يشترط الرجوع فوجهان جاريان في اداء دين الغير باذنه مطلقا وظاهر النص الرجوع (وقوله) عند حلول الاجل أي إذا كان الدين مؤجلا فان كان حالا فالشرط أن يكون قابلا للبيع في الحال (وقوله) وسائر أراضي العراق أي جميعها وقد مر نظيره * قال (ويجوز رهن الام دون ولدها إذ لا تفرقة في الحال * وعند البيع تباع الام دون الولد على رأي * ويقال هذه تفرقة ضرورية * وعلى رأي تباع معه * ثم يختص المرتهن بقيمة الام فتقوم الام(10/7)
منفردة فإذا هي مائة ومع الولد فهى مائة وعشرون فنقول حصة الولد سدس كيفما اتفق البيع * وقيل ان الولد أيضا يقدر قيمته مفردا حتى نقل قيمته فتكون عشرة مثلا فيقال هو جزء من أحد عشر جزأ فيقسم على هذه النسبة) * التقريق بين الام وولدها الصغير ممنوع منه وفى إفساده البيع قولان سبقا ويصح رهن أحدهما دون الآخر قال الشافعي رضى الله عنه لان ذلك ليس بتفرقة بينهما قيل معناه أن
الرهن لا يوجب تفرقة لان الملك فيهما باق للراهن والمنافع له فيكنه أن يأمرها بتعهد الولد وحضانته وإذا كان كذلك وجب تصحيح الرهن * ثم ما يتفق بعده من بيع وتفريق فهو من ضرورة الجاء الرهن إليه وقيل معناه أنه لا تفرقة في الحال وإنما التفرقة يقع عند البيع وحينئد يحذر منها بأن يبيعهما معا ومن قال بالاول لم يبال بأفراد أحدهما عن الآخر بالبيع إذا وقعت الحاجة إلى البيع (والاصح) التفسير الثاني وأنهما يباعان جميعا ويوزع الثمن على قيمتهما وكيف يوزع قدم الامام على بيانه مسألة هي مقصودة في نفسها فنأتم به في تقديمها ثم نعود إلى هذه (أما) تلك المسأله فهى ما إذا رهن أرضا بيضاء ثم نبت فيها نخيل ولها حالتان (أحدهما) أن يرهن الارض ثم يدفن فيها النوي(10/8)
أو يحملها السيل أو الطير إليها فتنبت فهى للراهن ولا يجبر في الحال على قلعها فلعله يؤدي الدين من موضع آخر فإذا مست الحاجة إلى بيع الارض نظر إن وفى ثمن الارض لو بيعت وحدها بالدين بيعت وحدها ولم تقلع النخيل وكذا لو لم تف به الا قيمة الارض وفيها الاشجار كقيمتها بيضاء وإن لم تف به ونقصت قيمتها بالاشجار فللمرتهن قلعها لبيع الارض بيضاء إلا أن يأذن الراهن في بيعها مع الارض فيباعان ويوزع الثمن عليهما * هذا إذا لم يكن الراهن محجورا بالافلاس فان كان كذلك فلا قلع بحال التعلق حق الغرماء بها بل يباعان ويوزع الثمن عليهما فما يقابل الارض يختص به المرتهن وما يقابل الاشجار يقسم بين الغرماء فان انتقصت فيمة الارض بسبب الاشجار حسب النقصان على الغرماء لان حق المرتهن في أرض فارغة وإنما منع من القلع لرعاية جانبهم فلا يهمل جانبه بالكلية (الحالة الثانية) أن تكون النوي مدفونة في الارض يوم الرهن ثم تنبت فان كان المرتهن جاهلا بالحال فله الخيار في فسخ البيع الذي شرط فيه هذا الرهن فان فسخ فذاك وإلا فهو كما لو كان عالما وان كان عالما فلا خيار * وإذا بيعت الارض مع النخيل وزع الثمن عليهما والمعتبر في الحالة الاولى قيمة ارض فارغة وفى الثانية قيمة ارض مشغولة لانها كانت كذلك يوم الرهن * وفى كيفية اعتبار قيمة الاشجار وجهان نقلهما الامام في الحالتين (أظهرهما) أن الارض تقوم وحدها فإذا قيل هي مائة قومت مع الاشجار فإذا هي مائة وعشرون فالزيادة بسبب الاشجار عشرون وهى سدس المائة(10/9)
والعشرين فيراعى في ثمنها نسبة الاسداس (والثانى) انا كما قومنا الارض وحدها نقوم الاشجار وحدها ثانية فإذا قيل هي خمسون عرفنا أن النسبة بالاثلاث * واعلم أن في المثال المذكور لايضاح الوجهين تكون قيمة الارض ناقصة بسبب الاجتماع لانا فرضنا قيمتها وحدها مائة وقيمة الاشجار وحدها ثابتة خمسين وقيمة المجموع مائة وعشرين * عدنا إلي مسألة الام والولد * فإذا بيعا معا فأردنا التوزيع قال الامام فيه طريقان (أحدهما أن التوزيع عليهما كالتوزيع على الارض والاشجار فتعتبر قيمة الام وحدها وفى الولد الوجهان (والثانى) أن الام لا تقوم وحدها بل تقوم مع الولد خاصة لانها رهنت وهى ذات ولد والارض وهنت بلا أشجار وهذا ما أورده الاكثرون نعم لو حدث الولد بعد الرهن والتسليم من نكاح أو زنا وبيعا معا فللمرتهن قيمة جارية لا ولد لها وصاحب الكتاب اقتصر على رواية الطريق الاول لكن نقله الوجه الثاني ههنا وفى الوسيط يخالف منقول الامام لانه قال تقدر قيمة الولد أيضا مفردا والوجه ما نقله الامام كما تقدر قيمة الاشجار ثابتة لا مقلوعة؟ (وقوله) حتى تقل قيمته أي هكذا يكون لكونه ضائعا وتمثيله المسألة بما إذا كانت قيمة الولد عشرة يناسب ما نقله ومثل في الوسيط بما إذا كانت قيمة الولد خمسين وليس ذلك مع كون قيمتهما مائة وعشرين على ما فرضه الامام في الوجه الاول فإذا كانت وحدهما مائة وكانت مع الولد مائة وعشرين استحال أن يكون الولد وحده خمسين لضياعه *(10/10)
قال (ورهن ما يتسارع إليه الفساد يدبن مؤجل قبل حلول أجله صحيح ان شرط البيع وجعل الثمن رهنا * وان شرط منعه فباطل * وان أطلق فقولان * ولا خلاف أنه لو طرأ ما يعرضه للفساد أنه يباع ويجعل بدله رهنا) * إذا رهن شيئا رطبا يتسارع إليه الفساد نظر إن أمكن تجفيفه كالرطب والعنب صح رهنه وجفف وان لم يمكن كالثمرة التى لا يجفف والمرقة والريحان والجمد فرهنه ان كان بدين حال يصح ثم أن بيع في الدين أو قضى الدين من موضع آخر فذاك والا بيع وجعل الثمن رهنا كيلا يضيع ولا تفوت الوثيقة
فلو تركه المرتهن حتى فسد قال في التهذيب ان كان الراهن أذن له في بيعه ضمن والا لم يضمن ويجوز أن يقال عليه رفع الامر إلى القاضي ليبيعه * وان كان رهنه بمؤجل فله ثلاثة أحوال (إحداهما) أن يعلم حلول الاجل قبل فساده فهو كرهنه بدين حال (والثانية) أن يعلم عكسه فان شرط في الرهن بيعه عند الاشراف على الفساد وجعل ثمنه رهنا صح ولزم الوفاء بالشرط وان شرط ألا يباع بحال قبل حلول الاجل فهو فاسد مفسد للرهن لمناقضته مقصود الوثيقة وان لم يشترط هذا ولا ذاك فقولان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة وأحمد يصح الرهن ويباع عند تعرضه للفساد كما لو شرطه لان الظاهر أنه لا يقصد فساد ماله (والثانى) لا يصح لانه مرهون لا يمكن استيفاء الحق منه عند المحل والبيع قبله ليس من مقتضيات الرهن وهذا أصح عند أصحابنا العراقيين وميل من سواهم إلى الاول وهو الموافق لنصه في(10/11)
المختصر (والثالثة) أن لا يعلم واحد من الامرين وكإنا محتملين ففى جواز الرهن المطلق قولان مرتبان على القولين في القسم الثاني والصحة ههنا أظهر * ولو رهن ما لا يتسارع إليه الفساد فطر أما عرضه للفساد قبل حلول الاجل كما إذا ابتلت الحنطة وتعذر التجفيف فلا ينفسخ الرهن بحال وان منع الصحة في الابتداء على قول كما أن إباق العبد يمنع صحة العقد وإذا طرأ لم يوجب الانفساخ * ولو طرأ ذلك قبل قبض المرهون ففى الانفساخ وجهان كما في عروض الجنون والموت وإذا لم ينفسخ يباع ويجعل الثمن رهنا مكانه قال (ويجوز رهن العبد المرتد كما يجوز بيعه ورهن العبد الجاني يبني على جواز بيعه ونص الشافعي رضى الله عنه أن رهن المدبر باطل وفيه قول مخرج منفاس أنه صحيح وكذا رهن المعاق عتقته علي صفة وقيل إنه باطل إذا لا يقوى الرهن علي دفع عتق جرى سببه) * في الفصل أربع صور (احداها) رهن العبد المرتد كبيعه وقد مر والمذهب صحتهما ثم إن كان المرتهن عالما بردته فلا خيار له في فسخ البيع المشروط فيه الرهن وان كان جاهلا فله الخيار فان قبل قبل القبض فله فسخ البيع وان قبل بعده فهو من ضمان من؟ فيه وجهان مقرران في البيع فان جعلناه من ضمان الراهن فللمرتهن فسخ البيع وان جعلناه من ضمان المرتهن فهو كما لو مات في يده فلا فسخ ولا ارش * ورهن العبد
المحارب كبيعه (وقوله) ويجوز رهن العبد المرتد كما يجوز بيعه معلمان بالواو لما قدمناه وبالزاى لان الموافق(10/12)
ابن طاهر روي عن المزني المنع منهما (الثانية) رهن العبد الجاني مرتب على بيعه ان لم يصح بيعه فرهنه أولى وإن صح ففى رهنه قولان وفرقوا بينهما بان الجناية العارضة في دوام الرهن تقتضي تقديم حق المجني عليه فإذا وجدت أولا منعت من ثبوت حق المرتهن * (التفريع) ان لم يصح الرهن ففداه السيد أو أسقط المجني عليه حقه فلا بد من استئناف رهن وإن صححناه فقد قال المسعودي إنه يكون مختارا للفداء كما سبق في البيع وبمثله أجاب الامام لكن ابن الصباغ قال لا يلزمه الفداء بخلاف ما في البيع والعتق لان محل الجنابة باق ههنا والجناية لا تنافى الرهن ألا تري انه لو جنى وهو مرهون تعلقت الجناية به ولا يبطل الرهن وإذا صححنا الرهن والواجب القصاص ومنعناه والواجب المال فرهن والواجب القصاص ثم عفا المستحق على مال فيبطل الرهن من أصله أو هو كجناية تصدر من المرهون حتى يبقى الرهن لو لم يبع في الجناية فيه وجهان (اختار) الشيخ أبو حامد أولهما وإذا قيل به فلو كان قد حفر بئرا في محل عدوان فتردى فيها انسان بعد ما رهن ففى تبين الفساد وجهان والفرق أنه في الصورة الاولى رهن وهو جان وههنا بخلافه (الثالثة) قال الشافعي رضى الله عنه ولو دبره ثم رهنه كان الرهن مفسوخا أي باطلا وللاصحاب في رهن المدبر طرق (أحدها) وبه قال ابن سريج انه على قولين مبنيين على أن التدبير وصية أو تعليق عتق بصفة (إن قلنا) بالاول صح الرهن (وإن قلنا) بالثاني لم يصح على الاصح كما لو رهن المعلق عتقه بصفة(10/13)
يحتمل أن تتقدم على المحل ويحتمل ان تتأخر (والثاني) القطع بالمنع لان السيد قد يموت فجأة فيبطل مقصود الرهن ولا يقف على موته ليبيعه قبله ومن قال بهذا قال التدبير وإن جعل وصية فهو آكد من سائر الوصايا بدليل أنه يتنجز بالموت والرهن ليس بصريح في الرجوع فجاز أن يؤثر في سائر الوصايا ولا يؤثر في التدبير (والثالث) القطع بجواز رهنه كبيعه * (التفريع) إن صححنا الرهن بناء على أنه وصية فيبطل التدبير ويكون بالرهن راجعا عنه وهو اختيار المزني
وان أبطلناه بناء على أنه تعليق عتق بصفة فالتدبير باق بحاله ولا يحصل الرجوع الا بتصرف مزيل للملك وكذا الحكم ان قلنا بالطريقة الثانية (وان قلنا) بالثالثة فالتدبير باق أيضا وهو مرهون مدبر فان قضي الراهن الدين من غيره فذاك وان رجع في التدبير وباعه في الدين بطل؟ التدبير وان امتنع من الرجوع فيه ومن بيعه فان كان له مال آخر أجبر على قضائه منه وإلا فوجهان عن أبى اسحق (أصحهما) انه يباع في الدين ويفسخ التدبير (والثانى) انه يحكم بفساد الرهن ومن قال بهذا حمل(10/14)
قول الشافعي رضى الله عنه وكان الرهن مفسوخا عليه * بقي الكلام في أن أظهر الطرق ماذا وفى أن الاظهر من صحة الرهن وفساده ماذا (أما) الاول فالحق ما ذكره صاحب الشامل وهو أن الطريق الاول أقرب الي القياس (والثاني) أقرب إلى النص (والثالث) أبعد الثلاثة (أما) كون الاول أقرب إلى القياس فلان في كون التدبير وصية أو تعليق عتق بصفة قولين معروفين وقضية كونه وصية صحة الرهن (وأما) كون الثاني أقرب إلى النص فلان كلامه في الام كالصريح في القطع بالمنع لانه قال ولو دبره ثم رهنه كان الرهن مفسوخا ولو قال رجعت عن التدبير ثم رهنه فقولان فخص القولين بما بعد الرجوع (وأما) الثاني فعامة الاصحاب مائلون إلى ترجيح البطلان كما نص عليه وربما وجهوه بأن العتق مستحق بالتدبير فلا يقوي الرهن على دفعه واختار الامام وصاحب الكتاب ترجيح الصحة قال الامام أما إذا قلنا إنه وصية فظاهر (وأما) إذا قلنا إنه تعليق عتق بصفة فلانه مع ذلك محسوب من الثلث بخلاف العتق المعلق النازل في حياة المعلق والدين محسوب من رأس المال *(10/15)
ولو مات ولم يخلف إلا هذا العبد والدين مستغرق ولا رهن لصرفناه إلى الدين ولم نبال ارتفاع العتق فلا معنى لمنعه من الرهن لغرض العتق (وقوله) في الكتاب وفيه قول مخرج إنما سماه مخرجا لان المنصوص البطلان وهذا مخرج من أن التدبير وصية وطريقة القولين هي التى أوردها في الكتاب ويجوز الاعلام بالواو لغيرهما (الرابعة) المعلق عتقه بصفة نصوره على وجوه (أحدهما) أن يرهن بدين حال أو مؤجل يتيقن حلوله قبل وجود الصفة فهو صحيح ويباع في الدين فلو لم يتفق(10/16)
بيعه حتى وجدت الصفة فيبنى على القولين في أن أمر الاعتبار في العتق المعلق بحالة التعليق أم بحالة وجود الصفة (ان قلنا) بالاول عتق وللمرتهن فسخ البيع المشروط فيه الرهن ان كان جاهلا (وان قلنا) بالثاني فهو كاعتاق المرهون وسيأتي (والثاني) أن يرهن بدين مؤجل يتيقن وجود الصفة قبل حلوله ففيه طريقان (عن صاحب الافصاح) أنه على القولين في رهن ما يتسارع إليه الفساد فعلى قول يباع إذا قرب أوان وجود الصفة ويجعل ثمنه رهنا قال الامام وهذا البناء إنما ينتظم إذا قلبا بنفوذ العتق المعلق قبل الرهن عند وجود الصفة حالة الرهن (أما) إذا لم نقل بذلك فلا نخاف تسارع الفساد إليه وفوات الوثيقة فيوجه الخلاف بشئ آخر وهو أن الرهن هل يصلح دافعا للعتق المستحق بالتعليق فتارة نقول نعم كالبيع وأخرى نقول لا لضعفه (والطريق الثاني) وهو المشهور القطع بالمنع لفوات مقصود الرهن قبل المحل وليس ذلك كرهن ما يتسارع إليه الفساد لان الظاهر من حال صاحب الطعام الرضا بالبيع عند خوف الفساد كيلا يضيع والظاهر من حال المعلق امضاء العتق (والثالث) ان لا يتيقن واحد من الامرين بل يجوز تقديم الصفة على حلول الدين وبالعكس فقولان (أصحهما) المنع لما فيه من الغرر (والثانى) وبه قال أبو حنيفة وأحمد أنه يصح لان الاصل استمرار الرق وقال القاضى أبو الطيب هذا(10/17)
مخرج من تجويز رهن المدبر بناء على أن التدبير تعليق عتق بصفة وعن صاحب الافصاح طريقة قاطعة بالمنع ههنا فهذا كلام الاصحاب في المسألة وقد عرفت منه فتواهم بالبطلان وايراد صاحب الكتاب يقتضي ترجيح الصحة ههنا والله أعلم * قال (ويصح الثمار بعد بدو الصلاح (والاصح) جوازه أيضا قبل بدو الصلاح وان لم يشترط القطع ولكن عند البيع يشترط القطع * وقيل لا يجوز الا بالتصريح بالاذن في شرط القطع عند البيع) * إذا رهن الثمار على الاشجار فاما أن يرهنها مع الاشجار أو وحدها (الحالة الاولى) أن يرهنها مع الاشجار فينظر ان كانت الثمرة مما يمكن تجفيفها صح الرهن سواء بدا الصلاح فيها أو لم
يبد وسواء كان الدين حالا أو مؤجلا وإن كانت مما لا يمكن تجفيفها ولم نصحح رهن ما يتسارع إليه الفساد فطريقان (أشبههما) أنه لا يصح في الثمار وفى الاشجار قولا تفريق الصفقة (والثاني) يصح فيهما قولا واحدا وتكون الثمار تابعة للاشجار (الحالة الثانية) أن يرهنها وحدها فان لم يمكن تجفيفها فهو كرهن ما يتسارع إليه الفساد علي وجه الارض وإن أمكن تجفيفها فاما(10/18)
أن يرهن قبل بدو الصلاح أو بعده (القسم الاول) أن يرهن قبل بدو الصلاح فان رهنها بدين حال وشرط قطعهما وبيعها أو بيعها بشرط القطع جاز وان أطلق فقولان (أحدهما) لا يجوز كما لا يجوز بيعها مطلقا (وأصحهما) الجواز لان حق المرتهن لا يبطل باجتياحها وحق المشتري يبطل وأيضا فان الحلول قرينة نازلة منزلة شرط القطع * وان رهنها بدين مؤجل نظر ان كان يحل مع بلوغ الثمار أو ان الادراك أو بعده فهو كما لو كان حالا وان كان يحل قبل بلوغها أو ان الادراك فان رهنها مطلقا فقولان (أصحهما) أنه لا يصح لان العادة في الثمار الا بقاء إلى الادراك فأشبه مالو رهن شيئا على أن لا يبيعه عند المحل الا بعد أيام (والثاني) يصح لان مقتضى الرهن البيع عند المحل فكأنه شرط بيعه عند المحل * وان رهنها بشرط القطع عند المحل فطريقان (منهم) من طرد القولين ووجه المنع التشبيه بما إذا باع بشرط القطع بعد مدة (ومنهم) من قطع بالجواز واليه أشار الشيخ أبو حامد وصاحب التهذيب * وعن صاحب القريب طريقة قاطعة بالمنع فيما إذا رهنها مطلقا كما إذا باعها (والقسم الثاني) أن يرهن بعد بدو الصلاح فيجوز بشرط القطع ومطلقا ان رهنها بدين حال أو مؤجل هو في معناه وان رهنها بمؤجل يحل قبل بلوغها أو ان الادراك فعلى ما ذكرنا في القسم الاول * إذا وقفت على هذا التفصيل عرفت أن مطلق قوله في الكتاب(10/19)
ويصح رهن الثمار بعد بدو الصلاح علي ماذا يجب تنزيله (وقوله) وقبل هو القول الثاني * ومتى صح رهن الثمار على الاشجار فمونة السقى والجذاذ والتجفيف على الراهن دون المرتهن فان لم يكن له شئ باع الحاكم جزءا منها وأنفقه عليها * ولو توافق الراهن والمرتهن على ترك السقى جاز بخلاف علف الحيوان وحكى الروبانى عن بعض الاصحاب انه يجبر عليه كما يجبر على علف الحيوان وادعى انه الاصح
وإذا أراد أحدهما قطع الثمرة قبل أوان الجذاذ فللاخر أن يمتنع منه وبعد أو ان الجذاذ ليس له ذلك بل يباع في الدين ان حل وإلا أمسكه رهنا * (فرعان) (أحدهما) الشجرة التى تثمر في السنة مرتين يجوز رهن ثمرتها الحاصلة بالدين الحال والمؤجل الذي يحل قبل خروج الثمرة الثانية وقبل اختلاطها بالاولى وإلا فان شرط أن لا تقطع عند خروج الثانية لم يصح وان شرط قطعها صح وان أطلق فقولان فان صححا أو رهن بشرط القطع ثم لم يتفق القطع حتى حصل الاختلاط ففى بطلان الرهن قولان كالقولين(10/20)
في البيع إذا عرضت هذه الحالة قبل القبض والرهن بعد القبض كالبيع قبله لان المرتهن إنما يتوثق بعد القبض فهو والمرهون عنده كالبائع والمبيع محبوس عنده (فان قلنا) يبطل الرهن فذاك (وان قلنا) لا يبطل فلو أنفق قبل القبض بطل وفيه وجه سيأتي نظيره فيما إذا تخمر العصير قبل القبض وان لم يبطل فان رضى الراهن بأن يكون الكل رهنا أو توافقا على أن يكون الصف من الجملة مثلا رهنا فذاك وإن تنازعا في قدر المرهون فالقول قول الراهن مع يمينه كما لو اختلطت الحنطة المرهونة بحنطة أخرى للراهن * وقال المزني القول قول المرتهن مع يمينه لان اليد له كما لو تنازعا في ملك * وأجاب الاصحاب بأن اليد تدل على الملك دون الرهن ألا ترى أنه لو قال من في يده المال رهنتنيه وأنكر المالك كان القول قوله وذكر الرويانى في مسألة الحنطة ان طرد الخلاف محتمل لتعذر الفرق (الثاني) إذا رهن زرعا بعد اشتداد الحب نظر ان كان تري حباته من السنبلة صح وإلا فقولان كما في البيع (والاصح) المنع * ولو رهنه وهو بقل فهو كما لو رهن الثمرة قبل بدو الصلاح وعن صاحب التلخيص أنه(10/21)
لا يجوز إذا كان الدين مؤجلا قولا واحدا وان صرح بشرط القطع عند المحل لان الزرع لا يجوز بيعه إذا تسنبل وقد يتفق الحلول في تلك الحالة ولان زيادة الزرع بالطول فهى كثمرة تحدث وتختلط بالمرهون وزيادة الثمرة بكبر الحبة فهى كالسمن * قال (فان قيل هل يشترط أن يكون المرهون ملكا للراهن (قلنا) لا فقد نص الشافعي على
أنه لو استعار الرهن جاز * وفى تغليب حقيقة الضمان أو العارية تردد قول * والاولى أن يقال هو فيما يدور بين الراهن والمرتهن رهن محض وفيما بين المعير والمستعير رارية * وفيما بين المعير والمرتهن حكم الضمان أغلب فيرجع فيه مادام في يد الراهن * ولا يرجع بعد القبض على الاصح لانه ضمن له الدين في عين ملكه ويقدر على اجبار الراهن على فكه بأداء الدين لانه معير في حقه ان كان الدين حالا * وان كان مؤجلا فقولان * ولا يباع في حق المرتهن إلا إذا أعسر الراهن * ولو تلف في يد المرتهن فلا ضمان على أحد على الاصح * وان تلف في يد الراهن ضمن لانه مشتعير ولا صح(10/22)
أنه يشترط في هذه الاعارة ذكر قدر الدين وجنسه ومن يرهن عنده لان معنى الضمان ظاهر فيه والغرض يختلف به) * لما كان حجة الاسلام يتكلم في هذا الركن في شرائط المرهون بحث عن أنه هل يشترط كون المرهون ملكا للراهن والجواب الجملى أنه ليس بشرط على المذهب والتفصيلي أنه إذا استعار عبد الغير ليرهنه بدينه فرهنه فسبيل هذا العقد سبيل العارية أو الضمان فيه قولان (أحدهما) سبيل العارية لانه قبض مال الغير باذنه لينتفع به ضرب انتفاع بأشبه أو استعاره للخدمة (وأصحهما) أن سبيله سبيل الضمان ومعناه أنه ضمن دين الغير في رقبة ماله كما لو أذن لعبده في ضمان دين غيره يصح وتكون ذمته فارغة وكما ملك أن يلزم ذمته دين الغير وجب أن يملك التزامه في عين ماله لان كل واحد منهما محل حقه وتصرفه * ولو قال المديون لغيره ارهن عبدك بدينى من فلان فهو كما لو قبضه ورهنه (وقوله) في الكتاب وفى تغليب حقيقة الضمان أو العارية تردد قول أشار به إلى ما ذكره الامام من أن في العقد شبها من(10/23)
هذا وشبها من ذاك وليس القولان في أنه يتمحض عارية أو ضمانا وانما هما في أن المغلب أيهما (وقوله) والاولى أن يقال هو فيما يدور بين الراهن والمرتهن لبس للاشعار بتردد في هذه القضية ولكن أراد أنه لا ينبغى أن نحكم بتغليب أحد الطرفين على الاطلاق بل نفصل التفصيل الذي ساقه (وقوله) وفيما بين المعير والمستعير إلى آخره غير مساعد عليه بل على قول الضمان المعير ضامن في عين ماله
والمستعير مضمون عنه وليس ما بين المعير والمستعير عارية محضة على ما سنبين في التفريع ان شاء الله تعالى وذكر في الوسيط ان القولين مستخرجان من تردد الشافعي رضى الله عنه في أحكام المسألة لكن الشيخ أبا حامد في آخرين نقلوهما عن الرهن الصغير منصوصين ثم لهما فروع كثيرة ذكر بعضها في الكتاب فنشرحه ونضم إليه ما يتفق (فمنها) أن على القولين جميعا هذا التصرف جائز ويخالف ما لو باع مال الغير لنفسه لان البيع معاوضة فلا يملك الثمن من لا يملك المثمن والرهن استيثاق يحصل بما لا يملك كما يحصل(10/24)
بالكفالة والاشهاد وعن ابن سريج أنا إذا جعلناه عارية لم يصح هذا التصرف لان الرهن ينبغى أن يلزم بالقبض والعارية لا تلزم فعلى هذا يشترط في الرهن كون المرهون ملكا للراهن والصحيح) الاول الكلام في أن هذه العارية هل تلزم سيأتي ان شاء الله تعالى * ثم العارية قد تلزم كما إذا أعار بقعة لدفن ميت ودفن فيها (ومنها) لو أذن في رهن عبده ثم رجع عنه قبل الرهن أو بعده وقبل أن يقبضه المرتهن كان له ذلك (أما) على قول العارية فظاهر (وأما) على قول الضمان فلانه بعد لم يلزم ألا ترى أن المستعير مخير في فسخ الرهن قبل القبض وإذا لم يلزم في حقه وهو المديون فأولى أن لا يلزم في حق غيره (وأما) بعد قبض المرتهن فلا رجوع على قول الضمان وعلى قول العارية وجهان (أحدهما) وبه قطع الشيخ أبو محمد أن له أن يرجع جريا على مقتضى العارية (واظهرهما) وبه قال القاضى لا يرجع والا لم يكن لهذا الرهن معنى ولا يحصل به توئق * وعن صاحب التقريب انه إذا كان الدين مؤجلا ففى جواز الرجوع قبل حلول الاجل وجهان لاقبيه الاذن بمدة كما لو أعار للغراس مدة * ومتى حكمنا بالرجوع فرجع وكان الرهن مشروطا في بيع فللمرتهن فسخ البيع إذا كان جاهلا بالحال (ومنها) هل للمالك(10/25)
اجبار الراهن على فك الرهن (أما) من قال له أن يرجع ويسترد المال متى شاء بناء على قول العارية فلا حاجة عنده إلى هذا (وأما) من لم يقل بذلك فأن قلنا انه عارية فله اجباره على الفك (وان قلنا) انه ضمان فان كان الدين حالا فكذلك لاستخلاص ملكه المشغول بوثيقة الرهن ولا يحرج على الخلاف في أن الضامن هل يملك اجبار الاصيل على الاداء لتبرئة
ذمته بسببها للشغل الذى اثبته باداء الدين وان كان مؤجلا فليس له اجباره عليه كمن ضمن دينا مؤجلا لا يطالب الاصيل بتعجيله لتبرأ ذمته * ثم إذا حل الاجل وامهل المرتهن الراهن فللمالك أن يقول إما أن ترده إلى أو تطالبه بالدين ليؤدي فينفك الرهن كما إذا ضمن دينا مؤجلا ومات الاصل للضامن أن يقول اما أن تطالب بحقك من التركة أو تبرئني (وقوله) في الكتاب لانه معير في حقه ان كان الدين حالا هذا التعليل يقتضى القدرة على الاجبار سواء كان الدين حالا أو مؤجلا كما عرفته فكان الاحسن أن يقدم ويؤخر فيقول انه يقدر عليه ان كان الدين حالا لانه معير في حقه وان كان مؤجلا فقولان وايراد الوسيط قريب من ذلك * ثم وجه أحد القولين بانه معير (والثانى) بأن فيه الزام أداء الدين قبل لزومه (ومنها) إذا حل أجل الدين أو كان حالا قال الامام (ان قلنا)(10/26)
انه ضمان فلا يباع في حق المرتهن ان قدر الراهن على أداء الدين الا باذن مجدد وان كان معسرا فتباع وان سخط المالك (وان قلنا) انه عارية فلا يباع الا باذن مجدد سواء كان الراهن موسرا أو معسرا قال وقياس طريق القاضى حيث حكم بلزوم الرهن على قول العارية تجويز بيعه عند الاعسار من غير مراجعة كما على قول الضمان وتابعه المصنف على ما ذكره ليعلم قوله الا إذا أعسر الراهن لما حكاه على قول العارية ولك أن تقول الرهن وان صدر من المالك فانه لا يسلط على البيع الا باذن جديد فان رجع ولم يأذن فحينئذ يباع عليه على ما سيأتي إن شاء الله تعالى فإذا المراجعة لابد منها * ثم إذا لم ياذن في البيع فقياس المذهب أن يقال ان قلنا انه عارية فيعود الوجهان في أنه هل يمكن من الرجوع (وان قلنا) انه ضمان ولم يؤد الدين الراهن فلا يمكن من الاباء ويباع عليه معسرا كان الراهن أو موسرا كما لو ضمن في ذمته يطالب موسرا كان الاصيل أو معسرا * ثم إذا اتفق بيعه في الدين نظر ان بيع بقدر قيمته يرجع المالك على الراهن على القولين وان بيع باقل قدرا تغابن الناس بمثله فعلى قول العارية يرجع بتمام القيمة وعلى قول الضمان لا يرجع الا بما بيع لانه لم يفض الضامن من الدين الا ذلك القدر وان بيع(10/27)
بأكثر من القيمة يرجع بما بيع على قول الضمان وعلى قول العارية وجهان (ذهب الاكثرون) إلى أنه لا يرجع الا بالقيمة
لان العارية بها تضمن (وقال) القاضى أبو الطيب يرجع بما بيع لانه ثمن مكله وقد صرف إلى دين الراهن وهذا أحسن واختاره ابن الصباغ والامام والقاضى الرويانى (ومنها) لو تلف في يد المرتهن (ان قلنا) انه عارية فعلى الراهن الضمان كما لو تلف في يده (وان قلنا) انه ضمان فلا شئ لانه لم يسقط الحق عن ذمته ولا شئ على المرتهن بحال لانه يمسكه رهنا لا عارية * وان تلف في يد الراهن فقد أطاق في الكتاب أنه يضمن لانه مستعير وفى تعليق الشيخ أبى حامد بناؤه على القولين كما لو تلف في يد المرتهن * ولو جنى في يد المرتهن فيبيع في الجناية (فان قلنا) انه عارية فعلى الراهن القيمة وقال الامام هذا (إذا قلنا) أن العارية تضمن ضمان المغصوب والا فلا شئ عليه (وان قلنا) انه ضمان فلا شئ عليه في هذه الصورة وأشار في المختصر إلى القولين والى ترجيح قول الضمان فقال رضى الله عنه فلو أذن له في الرهن فرهنه فجنى فبيع في الجناية فأشبه الامرين أنه غير ضامن (ومنها) إذا قلنا انه ضامن وجب بيان جنس الدين وقدره وصفته في الحلول والتأجيل وغيرهما لاختلاف أغراض الضمان بذلك وذكر أبو علي(10/28)
الزجاحى أنه أجاز في القديم السكوت عن ذكر الحلول والتأجيل وهل يجب بيان من يرهن عنده عن صاحب التقريب فيه وجهان (والاصح) الوجوب وعلى القولين إذا عين شيئا من ذلك لم تجز مخالفته نعم لو عين قدرا جاز أن يرهن بما دونه ولو زاد فمنهم من قال يبطل في الزائد وفى المأذون قولا تفريق الصفقة والصحيح البطلان في الكل للمخالفة كما لو باع الوكيل بالغبن الفاحش لا نقول يصح البيع في القدر الذي يساوى الثمن * وإذا قال المستعير أعرني لارهنه بألف أو من فلان فأعاره كان ذلك كتقييد المغير بنفسه على أظهر الوجهين تنزيلا للاسعاف على الالتماس (ومنها) لو أعتقه المالك (فان قلنا) إنه ضمان فقد حكى الامام عن القاضى أنه ينفذ وتوقف فيما ذكره وذكر في التهذيب أنه كاعتاق المرهون وان قلنا) إنه عارية فعن القاضى أنه على الخلاف من اعتاق المرهون وهذا بناء على لزوم هذا الرهن على قول العارية وفى التهذيب أنه يصح ويكون رجوعا وهو بناء على عدم اللزوم (ومنها) لو قال مالك العبد ضمنت ما لفلان عليك في رقبة عبدي هذا قال القاضى يصح ذلك على قول الضمان ويكون كالاعارة للرهن قال الامام وفيه تردد من جهة أن(10/29)
المضمون له لم يقبل ويجوز أن يعتبر القبول في الضمان المتعلق بالاعيان تقريبا له بالمرهون (وان قلنا) انه لا يعتبر في الضمان المطلق في الذمة * (فرع) لو قضى المالك الدين من مال نفسه انفك الرهن ثم رجوعه على الراهن يتعلق بكون القضاء باذن الراهن أو عدمه وسيأتى ذلك في باب الضمان فان احتلفا؟ في الاذن فالقول قول الراهن ولو شهد المرتهن للمالك قبلت شهادته لانه لا يجربه نفعا ولا يدفع ضررا ولو رهن عبده بدين الغير دون اذنه جاز ولو بيع فيه فلا رجوع * قال (الركن الثاني المرهون به وله ثلاثة شرائط أن يكون دينا ثابتا لازما * فلا يرهن بعين * لم يثبت بعد كقوله رهنتك بما تقرضه مني أو بالثمن الذي التزمه بالشراء منك * ولو قال بعت منك العبد بألف وارتهنت الثوب به فقال اشتريت ورهنت جاز على الاصح * لان شرط الرهن في البيع جائز للحاجة فمزجه به أولى وآكد * ولكن ليتقدم من الخطابين والجوابين لفظ البيع * وليتأخر لفظ الرهن حتى يتأخر تمام الرهن عند تمام البيع) *(10/30)
يشترط في المرهون ثلاثة أمور (أحدهما) أن يكون دينا (أما) الاعيان المضمونة في يد الغير اما بحكم العقد كالبيع أو بحكم ضمان اليد كالمغصوب والمستعار والماخوذ على جهة السوم فالاصح انه لا يجوز بها لان عرض الرهن بيع المرهون واستيفاء الحق من ثمنه عند الحاجة ويستحيل استيفاء تلك الاعيان من ثمن المرهون ونقل الامام وجها انه يجوز الرهن بها بناء على تجويز ضمان الاعيان المضمونة والفرق على قول المذهب أن الضمان التزام في الذمة فلو لم تتلف العين بالمضمونة لم يجز الالتزام ضررا وفى الرهن دوام الحجر في المرهون يجز ضررا ظاهرا وعن مالك أن الرهن بالاعيان المضمونة جائز وعند أبى حنيفة انه يجوز بكل عين تضمن بالمثل أو القيمة والثانية كونه ثابتا (أما) الذى لم يثبت بعد فلا يجوز الرهن به كما إذا رهنه بما يستقرضه منه أو بثمن ما يشتريه منه لانه وثيقة حق فلا تتقدم على الحق كالشهادة وبهذا قال أحمد * وقال أبو حنيفة ومالك انه جائز وحكاه القاضى ابن كج وجها عن بعض الاصحاب
إذا عين استقرضه (منهم) من قال لو تراهنا بالثمن ثم لم يتفرقا حتى تبايعا صح الرهن الحاقا للحاصل في المجلس بالمقترن بالايجاب والقبول وعلى المذهب لو ارتهن قبل ثبوت الحق وقبضه كان مأخوذا على جهة سوم الرهن فإذا استقرض أو اشتري لم يصر رهنا الا بعقد جديد نص عليه الشيخ ابو حامد وغيره وفيه وجه أنه يصير رهنا * ولو امتزج الرهن بسبب ثبوت الدين بان قال بعتك هذا العبد بالف وارتهنت هذا الثوب فقال المشتري اشتريت ورهنت أو قال أقرضتك هذه الدراهم وارتهنت بها عبدك فقال استقرضتها ورهنته فوجهان (أصحهما) وهو ظاهر النص صحة الرهن لان شرط الرهن في البيع(10/31)
والقرض جائز لحاجة الوثيقة فكذلك مزجه بهما بل أولى لان الوثيقة ههنا آكد فان الشرط ربما لا يفى به (والثانى) أنه فاسد وبه قال ابو اسحق وهو القياس لان أحد شقي الرهن متقدم على ثبوت الدين واحتج له بانه لو قال لعبده كاتبتك على الف درهم وبعت منك هذا الثوب بكذا فقال قبلت الكتابة والبيع لا يصح البيع وأجيب عنه بفرقين (احدهما) أن العبد لا يصير أهلا للمعاملة مع مولاه حتى تتم الكتابة (والثاني) أن الرهن من مصالح البيع والبيع ليس من مصالح الكتابة * ولو قال البائع ارتهنت وبعت وقال المشترى اشتريت ورهنت لم يصح لتقدم احد شقى الرهن على احد شقى البيع وكذا لو قال ارتهنت وبعت وقال المشترى ارهنت واشتريت لتقدم شقى الرهن على أحد شقى البيع وبهذا قال في الكتاب لكن يتقد الخطابين والجوابين إلى آخره معناه أن شرط الصحة تقدم خطاب البيع على خطاب الرهن وتقدم جواب البيع على جواب الرهن وان شئت قلت الشرط أن يقع أحد شقى الرهن بين شقى البيع والآخر بعد شقى البيع * ولو قال بعنى عبدك بكذا ورهنت به هذا الثوب فقال البائع بعت وارتهنت فيبنى على الخلاف في مسألة الاستيجاب والايجاب * ولو قال البائع بتعك بكذا على أن ترهننى دارك به فقال المشترى اشتريت ورهنت فوجهان قال بعضهم يتم العقد بما جرى وذكر في التتمة أنه ظاهر النص وقال القاضى لا يصح بل يشترط أن يقول بعده ارتهنت أو قبلت لان الذي وجد منه شرط ايجاب الرهن لااستيجابه كما لو قال افعل كذا لتبيعني لا يكون مستوجبا للبيع وهذا أصح عند صاحب التهذيب وللاول أن يقول الصورة المشبه بها لا تناظر هذه لانه لم يصرح في تلك(10/32)
الصورة بالالتماس وانما أخبر عن السبب الداعي له إلى ذلك الفعل وهو الرغبة في البيع وههنا باع وشرط عليه الرهن وهو مشتمل على الالتماس أو أبلغ منه الا ترى أن أبا العباس الروياني حكى في الجرجانيات وجها أن شرط الرهن في البيع يغني عن استئناف رهن بعد البيع ويكون الشرط بمنزلة اللايجاب ولقبول ويجوز اعلام قوله في الكتاب وليتقدم وليتأخر بالواو للوجه المنقول عن رواية ابن كج وللوجه القائل بوقوع البيع في مجلس الرهن * قال (وكل دين لا مصير له إلى اللزوم كنجوم الكتابة لا يصح الرهن به * وما هو لازم أو مصيره إلى اللزوم كالثمن في مدة الخيار جاز الرهن به * وما أصله على الجواز لكن قد يصير إلى اللزوم كالجعل في الجعالة فيه وجهان * والاصح المنع لان سبب وجوده لم يتم قبل العمل فكأنه غير ثابت) * الامر الثالث كونه لازما والديون الثابتة ضربان (أحدهما) مالا مصير له إلى اللزوم بحال كنجوم(10/33)
الكتابة فلا يصح الرهن به لان الرهن للتوثيق والمكاتب بسبيل من اسفاط النجوم متى شاء فلا معنى لتوثيقها وعند أبى حنيفة يصح الرهن بها (والثاني) غيره وهو مالازم في حال الرهن أو غيره (والاول) يصح الرهن به سواء كان موصوفا بحالة الجواز أو لم يكن وسواء كان مستقرا كالقرض وارش الجناية أو ثمن المبيع المقبوض أو غير مستقر كالثمن قبل قبض المبيع الاجرة قبل استيفاء المنفعة والصداق قبل الدخول (وأما) الثاني فينظر ان كان الاصل في وصفه اللزوم كالثمن في مدة الخيار صح الرهن به أيضا لقرب حاله من اللزوم وأيضا فان شرط الرهن في البيع جائز مع أن الثمن غير ثابت بعد فههنا أولى قال الامام وهذا يتفرع على أن الخيار لايمنع نقل الملك في الثمن إلى البائع وأما إذا جعلناه مانعا فالظاهر منع الرهن لوقوعه قبل ثبوت الدين ولا شك في أنه لا يباع المرهون في الثمن ما لم تمض مدة الخيار * وان كان الاصل في وصفه الجواز كالجعل في الجعالة فوجهان (أحدهما) يصح الرهن به لانتهاء الامر فيه إلى اللزوم كالثمن في مدة الخيار (وأصحهما) المنع لان الموجب للجعل هو العمل(10/34)
وبه يتم الموجب فكأنه لا ثبوت له قبل العمل وموضع الوجهين ما بعد الشروع في العمل وقبل تمامه (أما) التقييد بما بعد الشروع فلانه لا ثبوت للجعل قبل الشروع بحال وكيف يتخيل ذلك وليس ثم مستحق معين (وأما) التقييد بما قبل التمام فلان الجعل بعده لازم ثم لبان أو يبنى الوجهين على الوجهين في جواز رجوع المالك بعد الشروع في العمل ويقول ان لم نجوز الرجوع فقد لزم الجعل من قبله فيصح الرهن به فان لم يصح الرهن به * والرهن بعوض المسابقة يبنى على أنها إجارة أو جعالة (ان قلنا) بالاول فالرهن به كالرهن بالاجرة (اون قلنا) بالثاني فهو كالرهن بالجعل * (فرع) يجوز الرهن بالمنافع المستحقة بالاجارة ان وردت على الذمة وتباع عند الحاجة وتحصل المنفعة من ثمنه وان كانت اجارة عين لم يجز لفوات الشرط الاول * (فرع) لا يجوز رهن الغلال بالزكاة ولا العاقلة بالدية قبل تمام الخول لفوات الشرط الثاني ويجوز بعده واعلم أن التوثيق بالرهن والضمان شديد التقارب فما يجوز الرهن به يجوز ضمانه وبالعكس(10/35)
الا أن ضمان العهدة جائز ولا يجوز الرهن بها هذا ظاهر المذهب والفرق ما مر ومنهم من سوى بينهما في العهدة أيضا ووفى بتمام التلازم أما في طرف الاثبات فعن القفال وجه أنه يجوز الرهن بها كالضمان (واما) في طرف النفى فيأتي في باب الضمان * قال ولا يشترط في الدين أن لا يكون به رهن بل تجوز الزيادة في قدر المرهون بدين واحد * وفى الزيادة في الدين على مرهون واحد * قولان * واختيار المزني جوازه (ح)) * ليس من شرط الدين أن لا يكون به رهن بل يجوز أن يرهن بالدين الواحد رهنا بعد رهن ثم هو كما لو رهنهما معا ولو كان الشئ مرهونا بعشرة وأقرضه عشرة أخرى على أن يكون مرهونا بها أيضا فقولان (القديم) وبه قال مالك والمزنى أنه جائز كما تجوز الزيادة في الرهن بدين واحد (والجديد) وبه قال أبو حنيفة أنه لا يجوز كما لا يجوز رهنه عند غير المرتهن وان وفى بالدينين جميعا فان أراد توثيقهما فسخا ولب؟ نأ؟ فا رهنا بالعشرين ويفارق الزيادة في الرهن بدين واحد لان(10/36)
الدين شغل الرهن ولا ينعكس فالزيادة في الرهن شغل فارغ والزيادة في الدين شغل * ونقل القاضي ابن كج وغيره أن له في الجديد قولا آخر كالقديم وسواء كان كذلك أم لا فالاصح المنع * ولو جنى العبد المرهون ففداه المرتهن باذن الراهن على أن يكون العبد مرهونا بالفداء والدين الاول نص في المختصر على جوازه وللاصحاب طريقان (أظهرهما) القطع بالجواز لانه من مصالح الرهن من حيث إنه يتضمن استيفاءه (والثاني) أنه على القولين وبناهما بانون على أن المشرف على الزوال إذا استدرك وصين عن الزوال يكون استدراكه كازالته وإعادته إو هو؟ حض استدامة وفيه خلاف (إن قلنا) بالاول فكأنهما فكا الرهن واستأنفا (وان قلنا) بالثاني ففيه القولان وعلى هذا الاصل خرجوا الخلاف فيما إذا كان على الشجرة ثمرة غير مؤبرة فباعها واستثنى الثمار لنفسه هل يحتاج إلى شرط القطع وقد سبق * ولو اعترف الراهن بان المرهون بعشرين ثم ادعى أنه رهن أولا بعشرة ثم رهن بعشرة أخري ونازعه المرتهن فان فرعنا على القديم فلا ثمرة لهذا الاختلاف (وان قلنا)(10/37)
بالجديد فالقول المرتهن مع يمينه لان اعتراف الراهن يقوى جانبه ظاهرا * ولو قال المرتهن في جوابه فسخنا الرهن الاول واستأنفنا بالعشرين رهنا فالقول قول المرتهن لاعتضاد جانبه بأقرار صاحبه أو قول الراهن لان الاصل عدم الفسخ فيه وجهان ميل الصيد لاتى إلى أولهما (ولاصح) عند صاحب التهذيب الثاني الثاني ورتب عليه فقال لو شهد شاهدان أنه رهن بالف ثم الفين فلا يحكم انه رهن بالفين ما لم يصرح الشهود بان الثاني كان بعد فسخ الاول * ولو رهنه بعشرة ثم استقرض عشرة أخرى ليكون رهنا بهما واشهد شاهدين أنه مرهون بالعشرين فان لم يعلم الشاهدان كيفية الحال شهدا بما سمعا وحكم الحاكم بأنه مرهون باالعشرين نعم لو قال عند الاشهاد كان مرهونا بعشرة فجعلته رهنا بعشرين ونقل الشاهدان ما سمعاه فهل يحكم بكونه رهنا بالعشرين إذا كان الحاكم ممن يذهب إلى القول الجديد حكى الامام عن صاحب التقريب فيه وجهين * وان عرفا كيفية الحال نظر ان كانا يعتقدان جواز الالحاق فهل لهما أن يشهدا بانه مرهون بالعشرين أو يشهدان بما عليه الامر في الباطن فيه وجهان وان(10/38)
كانا يعتقدان امتناع الالحاق لم يشهدا الا بما جري في الباطن وفيه شئ بعيد وهذا التفصيل فيما إذا كانا يشهدان على نفس الرهن وفيه صور الجمهور (أما) إذا كانا يشهدان على اقرار الراهن فالوجه تجويزه مطلقا * قال (الركن الثالث الصيغة، ولا يخفى اشتراط الايجاب والقبول فيه * وكل شرط قرن به مما بوافق مقتضى مطلقة * أولا يتعلق به غرض أصلا فلا يقدح * وما يغير موجبه كشرط المنع من معه في حقه فهو مفسد * وما لا يغير مطلقه ولكبر يتعلق به غرض كقوله بشرط أن ينتفع به المرتهن فقولان في فساد الرهن) *(10/39)
الايجاب والقبول معتبران في الرهن اعتبارهما في البيع والحلاف المذكور ثم في المعاطاة والاستيجاب والايجاب عائد برمته ههنا ثم اعلم أن الرهن ينقسم الي ما شرط في عقد كما لو باع أو أجر بشرط الرهن بالثمن أو الاجرة أو أسلم بشرط الرهن بالمسلم فيه أو سمح؟ بشرط الرهن بالصداق والى مالا يشترط ويسمي رهن التبرع والرهن المبتدأ في القسم الاول إذا قال بعتك دارى بكذا على ان ترهننى به عبدك فقال اشتريت ورهنت فقد قدمنا خلافا في أنه يتم الرهن أم لا بد وان يقول(10/40)
بعده ارتهنت فعلى الاول يقوم الشرط مقام القبول كما يقوم الاستيجاب مقامه ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب اشتراط الايجاب والقبول بالواو للخلاف المذكور في المعاطاة ولما حكيناه عن الجرجانيات أن التشارط يغنى عن الايجاب والقبول * ثم يتعلق بالصيغة مسائل يشتمل الفصل على واحدة منها وهى أن الشروط في الرهن على ضربين (أحدهما) ما هو من قضايا الرهن فلا يضر التعرض له لا في رهن البرع ولا في الرهن المشروط في العقد وانما هو تصريح بمقتضى الرهن وذلك كقوله على أن يباع في دينك(10/41)
وقت الحاجة أو يتقدم به عند تزأحم الغرماء أولا أبيعه الا بأذك (والثانى) ما ليس من قضاياه وهو الذي يتعلق بمصلحة العقد كالاشهاد أو الذي لا يتعلق به غرض كقوله بشرط أن لا يأكل
الا الهريسة والحكم فيها على ما سبق في البيع واما غيرهما فهو على نوعين (أحدهما) ما يفع المرتهن ويضر الراهن كما إذا رهن عبدا بشرط أن برهن منه غيره أو بشرط أن لا ينفك الرهن بعد اداء الدين شهرا أو يكون منافع المرهون أو زاوائده مملوكة للمرتهن فالشرط فاسد ثم ان كان الرهن(10/42)
رهن تبرع فقولان (اصحهما) انه فاسد ايضا لما فيه من تغبير قضية العقد (والثانى) وبه قال أبو حنيفة انه لا يفسد لان الرهن تبرع من الراهن وهذا الشرط فيه تبرع آخر واحد التبرعين لا يبطل ببطلان الثاني كما لو اقرضة الصحاح بشرط رد المكرة يلغو الشرط ويصح لقرض * وان كان الرهن مشروطا في بيع نظران لم يحز الشرط جهالة الثمن كما إذا شرط في البيع رهنا عن انه يبقى محبوسا عنده بعد اداء الثمن شهرا ففى إفساد الرهن القولان في رهن البرع فان فسد نفى فساد البيع(10/43)
القولان في أن الرهن وسائر العقود المسقلة إذا شرطت في البيع على نعت الفساد هل تفسد البيع وقد ذكرناهما في باب البياعات المنهى عنها (فان قلنا) بصحة البيع فللبائع الخيار صح الرهن أو فسد لانه ان صح لا يسلم له الشرط وان لم يصح فلا يسلم له أصل الرهن ولو حاز الشرط جهالة الثمن كما إذا شرط في البيع رهنا وشرط أن يكون منافعه وزوائده المرتهن فالبيع باطل لان المشروط استحقاقه جزأ من الثمن وهو مجهول وإذا بطل البيع بطل الرهن والشرط لا محالة هذا ما نقله الربيع(10/44)
واتفق عليه الجماهير * ووراءه كلامان (أحدهما) نقل المزني في المسألة أن للبائع الخيار في فسخ البيع واثباته وحسبت انه ذهب إلى تصحيح العقد إذا حذف منه الشرط الفاسد واعترض عليه بأنه خلاف أصله في ان الفاسد لاخيار فيه والاصحاب خطؤه في نتله؟ وحسبانه (والثاني) أن القاضى ابن كج حكى طريقة أخرى في أن في فساد الرهن قولين وان فسد ففى فساد البيع قولان كما سبق وكلام ثالث(10/45)
حسن استدركه أصحابنا العراقيون وهو أن الحكم بالبطلان فيما إذا أطلق وقال متك هذا العبد بألف
لترهن به دارك وتكون منفعتها لى فأما إذا قيد وقال تكون منفعتها لى سنة أو شهرا فهذا جمع بين البيع والاجارة في صفقة واحدة وقد سبق حكمه (النوع الثاني) ما ينفع الراهن ويضر المرتهن كما لو قال رهنتك بشرط أن لا تبيعه عند المحل أو لا تبيعه بعد المحل إلا إذا مضى شهر أو الا بما أرضى أو بأكثر(10/46)
من ثمن المثل فهو فاسد مفسد للرهن وفى كتاب القاضى ابن كج ان ابن خيران قال يجئ في افساد الرهن القولان المذكوران في النوع الاول وهو غريب والفرق على المذهب أن ما ينفع المرتهن يزيد في الوثيقة ويؤكد ما وضع العقد له وما نصره يحل به فان كان الرهن مشروطا في بيع عاد لقول في فساده بفساد الرهن المشروط فان لم يفسد فللبائع الخيار *(10/47)
قال (وإذا قال رهنتك الاشجار بشرط أن تحدث الثمار مرهونة ففى صحة الشرط قولان * ولو شرط عليه رهن في بيع فاسد فظن لزوم الوفاء به فرهن فله (و) والرجوع عنه * كما لو ظن أن عليه دينا فأداه ثم تبين خلافه) *(10/48)
في الفصل مسألتان (الاولى) زوائد المرهون غير مرهونة عند اطلاق الرهن كما سيأتي لكن لو رهن الشجرة بشرط أن تحدث الثمرة مرهونة أو الشاة بشرط أن يحدث النتاج مرهونا فقولان (قال في القديم) والرهن اللطيف يصح الشرط ويتعدى الرهن إلى الزاوئد لان الرهن عند الاطلاق(10/49)
انما لا يسري إلى الزوائد لضعفه فإذا قوي بالشرط سري (وقال) في الام لا يصح وهو الاصح لانها معدومة مجهولة فلا يصح الرهن فيها ومنهم من قطع بهذا وأول الاول حكاه القاضى ابن كج رحمه الله * (التفريع) ان صححناه ففى اكتساب العبد إذا شرط كونه مرهونا وجهان للشيخ أبى محمد والاظهر المنع لانها ليست من أجزاء الاصل (وان أفسدناه) ففى صحة الرهن خلاف له مخرجان (أحدهما)(10/50)
القولان في فساد الرهن لفساد الشرط الذي ينفع المرتهن (وثانيهما) أنه جمع في هذا الرهن بين معلوم ومجهول فيجئ فيه الخلاف الذى في تفريق الصفقة فان كان الرهن بهذا الشرط مشروطا في بيع فان صححنا الشرط أو أفسدناه وصححنا الرهن صح البيع وللبائع الخيار وإلا ففى البيع القولان في ان إفساد الرهن المشروط في البيع هل يفسد البيع وإذا اختصرت قلت في المسألة أربعة أقوال(10/51)
صحة الشرط والرهن والبيع وصحة البيع دونهما وصحتهما دون الشرط وبطلان الكل * ولو رهن وشرط كون المانع مرهونة فالشرط باطل ولا يجري فيها القولان المذكوران في الزوائد * (فرع) لو اقرض بشرط أن يرهن به شيئا وتكون منافعه مملوكة للمقرض فالقرض فاسد لانه جر منفعة وإذا بطل بطل الرهن وان شرط كون المنافع مرهونة أيضا فالشرط فاسد والقرض صحيح لانه لايجر منفعة وفى صحة الرهن القولان اه (المسألة الثانية) لو قال أقرضتك هذا الالف بشرط أن ترهن به وبالالف الذي لى عليك كذا أو بذلك الالف وحده فالقرض فاسد على ما مر في بابه * ولو قال المستقرض أقرضنى ألفا على أن أرهن به وبالالف القديم الذي لك علي كذا أو بذلك الالف كذا فقد نقل الامام فيه ترددا بناء على أن القول من المستقرض غير معتبر والاصح اعتباره والتسوية بين أن يصدر الشرط من المقرض ويقبله المستقرض وبين عكسه وكذا لو باع بشرط أن يرهن بالثمن والدين القديم أو بذلك الدين رهنا فالبيع باطل كما تقدم * إذا تذكرت ذلك فلو رهن المستقرض أو المشترى كما شرط لم يخل اما أن يعلم فساد ما شرط أو يظن صحته فان علم الفساد فينظر ان رهن بالالف القديم صح وان رهن(10/52)
بهما لم يصح بالالف الذي فسد قرضه لانه لم يملكه وانما هو مضمون في يده للمقرض والاعيان لا يرهن بها وفى صحته بالالف القديم قولا تفريق الصفقة فان صح لم يوزع بل كان الكل مرهونا بالالف القديم لان وضع الرهن على توثيق كل بعض من ابعاض الدين بجميع المرهون ولو تلف الالف الذى فسد القرض فيه في يده صار دينا في ذمته وصح الرهن بالالفين حينئذ (وأما) عند ظن الصحة فإذا رهن بالالف القديم فعن القاضى انه لا يصح الرهن كما لو أدي الفا على ظن أنه عليه فتبين خلافه له
الاسترداد ويتبين بطلان الاداء وعن الشيخ أبي محمد وغيره صحته بخلاف صورة الاستشهاد لان أداء الدين يستدعى سبق ثبوته وصحة الرهن لا تستدعى سبق الشرط * ولو رهن بالالفين وقلنا ان الصفقة تفرق فصحته بالالف القديم على هذا الحلاف وكذا لو باع بشرط بيع آخر فأنشأ البيع الثاني ظانا صحة الشرط وقد ذكرا هذه الصورة في موضعها وهذه الصورة والخلاف فيها تشبه بما إذا باع مال أبيه على ظن أنه حى فكان ميتا على رأي يجعل ظنه مانعا صحة الاقدام لانه ربما لم يبع لو عرف حقيقة الحال (وقوله) في الكتاب ولو شرط عليه رهن في بيع فاسد أراد به صورة خلاف الشيخ والقاضى(10/53)
على ما بينه في الوسيط لكنه اقتصر ههنا على جواب القاضى والمعني شرط عليه رهن في بيع فاسد بدين قديم (وقوله) فظن لزوم الوفاء به ليس المراد اللزوم الذي يفيد الاجبار فان الرهن المشروط لا يجير عليه بحال ولكن المراد صحة الشرط ولوازمها (وقوله) فله الرجوع يشعر بالصحة وتفويض الامر فيه إلى خيرة الراهن وهذا الظاهر غير معمول به بل أحد القائلين يلغيه والثانى يجعل سبيله سبيل سائر الرهون حتى يلزم ولا يتمكن الراهن من الرجوع عنه * قال (ولو قال رهنتك الارض ففى اندراج الاشحار تحته * وكذا في اندراج الاس تحت الجدار * وفى اندراج المغرس تحت الشجرة قولان * وكذا في الثمار غير المؤبرة وفى الجنين واللبن في الضرع خلاف * وكذا في الصوف المستجز على ظهر الحيوان * وفى الاغصان الخلاف * ووجه الاخراج من اللفظ ضعف الرهن عن الاستتباع) * نظر الفصل في جملة من الالفاظ المطلقة في المرهون وتمس الحاجة إلى البحث عما يدخل فيها ويخرج وحاصله صور (احدها) في اندراج الابنية والاشجار التى في الارض تحت رهن الارض مطلقا الخلاف الذي ذكرناه في البيع (الثانية) في دخول المغرس تحت رهن الشجر خلاف مرتب على(10/54)
الخلاف في البيع والرهن أولى بالمنع لضعفه وفى معناه دخول الاس تحت الجدار وتدخل الثمرة المؤبرة تحت رهن الشجرة بحال وفى غير المؤبرة قولان وقال في الوسيط وجهان (أحدهما) تدخل
كما في البيع (وأصحهما) أنها لا تدخل لان الثمار الحادثة بعد استقرار العقد لا يثبت فيها حكم الرهن فالموجودة عند العقد أولى وبهذا يفارق البيع (ومنهم) من قطع بعدم الدخول ونفى الخلاف * وعن أبى حنيفة تدخل الثمار في الرهن بكل حال بناء على أن رهن الشجرة دون الثمرة لا يصح ويجوز أن يعلم قوله وكذا في الثمار غير المؤبرة - بالواو - للطريقة المذكورة بل يجوز اعلام قوله قولان - بالواو - أيضا لان منهم من نفى الخلاف في المسائل كلها اما في اندراج الاشجار تحت رهن الارض فقد سبق في المبيع وأما في الاس والمغرس فللطريقة المتولدة من ترتيب الخلاف على الخلاف في البيع وقد صرح بنقلها المتولي ولا يدخل البياض بين الاشجار تحت رهن الاشجار ان كان بحيث يمكن افراده بالانتفاع وان لم ينتفع به الا بتبعية الاشجار فكذلك على أشهر الطريقين * وعن صاحب التقريب والشيخ أبى محمد أنه على الوجهين في المغارس * ويدخل في رهن الاشجار الاغصان والاوراق نعم التى تفصل(10/55)
غالبا كاغصان الخلاف وورق الآس والفرصاد فيها القولان المذكوران في الثمار التى لم تؤثر (الثالثة) في اندراج الجنين تحت رهن الحيوان الحامل خلاف نعود لشرحه بعد والغرض من ذكره ههنا التنبيه علي تقارب مأخذ الخلاف فيه والخلاف في الثمار غير الموبرة وأحد الخلافين مرتب على الآخر والجنين أولا بالاندراج لانه لا يقبل التصرف على الانفراد فبالحرى أن يكون تبعا وفى اللبن في الضرع طريقان عن أبى الحسين القطع بأنه لايدخل والمشهور انه على الخلاف * ثم هو عند بعضهم في مرتبه الجنين وعند آخرين في مرتبة الثمار لتيقن وجوده وسواء أثبت الخلاف أم لا فالظاهر أنه لايدخل في الرهن وهو الذي أورده في التهذيب * وفى الصوف على ظهر الحيوان طريقان (أحدهما) القطع بدخوله الحاقا بالاجزاء والاعضاء نقله في التتمة (وأظهرهما) انه على قولين (أحدهما) الدخول كالاغصان والاوراق في الشجر (وأصحهما) المنع كما في الثمار لان العادة فيه الجز ونقل بعضهم بدل القولين وجهين وزاد وجها ثالثا وهو الرفق بين الصوف القصير الذى لا يعتاد جزه وبين المنتهى الي حد يجز والمستجز بكسر الجيم - البالغ أو ان الجز (وقوله) ووجه الاخراج من اللفظ ضعف الرهن عن الاستتباع أي في كل صوره فاق الرهن فيها البيع *(10/56)
(فروع) لو قال رهنتك هذا الحق بما فيه أو هذه الخريطة بما فيها وما فيهما معلوم مرئي صح الرهن في الظرف والمظروف والا لم يصح الرهن في المظروف وفى الحق والخريطة قولا تفريق الصفقة وما نص عليه في المختصر من الصحة في الحق وعدمها في الخريطة فسببه انه وضع المسألة في حق له قيمة يقصد مثله بالرهن وفى خريطة ليست لها قيمة تقصد بالرهن وحينئذ يكون المقصود ما فيها وان كان اللفظ مضافا اليهما جميعا وما فيهما بحيث لا يصح الرهن فيه يبطل فيهما جميعا وفى وجه يصح الرهن فيهما جميعا وان كانت قليلة القيمة اعتبارا باللفظ ولو عكست التصوير في الحق والخريطة كان الحكم بالعكس مما نص عليه ولا فرق ولو قال رهنتك الظرف دو ما فيه صح الرهن فيه مهما كانت له قيمة وان قلت لانه إذا افرده فقد وجه الرهن نحوه وجعله المقصود وان رهن الظرف ولم يتعرض لما فيه نفيا أو اثباتا فان كان بحيث يقصد بالرهن وحده فهو المرهون لاغير وان كان لا يقصد منفردا لكنه متمول فالمرهون الظرف وحده أو مع المظروف فيه وجهان حكاهما الامام (اصحهما) أولهما ويحئ على قياسه وجهان فيما إذا لم يكن متمولا ان لرهن ينزل على المظروف أو يلغى *(10/57)
قال (الركن العاقد فلا يصح الا ممن يصح منه البيع * وفيه زيادة شرط وهو كونه من أهل التبرع * ولذلك لا يصح لولى الطفل أن يرهن ماله الا لمصلحة ظاهرة * وهو أن يشتري بمائة ما يساوي مائتين ولا يساوي المرهون أكثر من مائة حتى لو تلف لم يكن فيه مالا يجبره المشتري * الا إذا كان في وقت يجوز فيه الايداع خوفا من التهب فيجوز الرهن * وكذا المكاتب (و) والمأذون (و) ويجوز للولى الارتهان عند عسر استيفاء الحق أو تأجيله مهما باع بنسيئة مع الغبطة * ويجوز ان يرهن ستاره لحاجة ظاهرة في القوت حتى لا يفتقر إلى بيعه) * جتبر في المتعاقدين التكليف كما في البيع لكن الرهن تبرع فان صدر من أهل التبرع في ساله فذاك والا فالشرط وقوعه على وفق المصلحة والاحتياط إذ مقصود هذه التوطئة التدرج إلى الكلام في ثلاثة فصول (أولها) رهن الولى مال الصبى والمجنون والمحجور عليه بالسفه وارتهانه لهم مشترط
بالمصلحة والاحتياط فمن صور الرهن على وجه المصلحة أن يشتري للطفل ما يساوى مائتين بمائة نسيئة ويرهن به ما يساوي مائة من ماله فيجوز لانه إذا لم يعرض تلف ففيه غبطة ظاهرة وان تلف المرهون(10/58)
كان في المشتري ما يخبره ولو لم يساعد البائع إلا برهن ما يزيد على مائة أعرض عن هذه العاملة لان الرهن يمنع من التصرف وربما يتلف فيتضرر به الطفل نعم لو كان المرهون مالا يتلف في العادة كالعقار فعن الشيخ أبى محمد الميل إلى تجويزه قال الامام وهو منقاس لكنه خلاف ظاهر المذهب (ومنها) إذا كان الزمان زمان نهب أو وقع حريق وخاف الولى على ماله فله أن يشتري عقارا ويرهن بالثمن شيئا من ماله إذا لم يتهيأ أداؤه في الحال ولم يبع صاحب العقار عقاره الا بشرط الرهن وذلك لان الايداع المجرد في مثل هذه الحالة جائز ممن لا يمتد النهب إلى يده فهذه أولى * ولو استقرض شيئا والحالة هذه ورهن به لم يجز قاله الصيدلانى لانه يخاف التلف على ما يستقرضه خوفه على ما يرهنه وأنت بسبيل من أن تقول إذا لم يجد من يأخذه وديعة ووجد من يأخذه رهنا وكان المرهون أكثر من قيمة من الفرض وجب أن يجوز له الرهن (ومنها) أن يستقرض الولي له لحاجته الي النفقة أو الكسوة أو توفية ما يلزمه أولا صلاح ضياعه ومرمتها ارتقاء بالارتفاع علاته أو لحلول مائه من الدين المؤجل أو النفاق؟ متاعه الكاسد فان لم يرتقب شيئا من ذلك فيبيع ما تعذر رهنه أولى(10/59)
من الاستقراض (وأما) الارتهان فمن صور المصلحة فيه أن يتعذر على الولى استيفاء دين الصبى فيرتهن به إلى أن يتيسر الاستيفاء (ومنها) أن يكون دينه مؤجلا اما بأن ورثه كذلك أو باع الولى ماله نسيئة بالغبطة ولا يجوز الاكتفاء بيسار المشترى بل لابد من الارتهان بالثمن وفى النهاية رمز إلى خلاف ذلك أخذا من جواز ابضاع ماله وإذا ارتهن جاز ان يرتهن بجميع الثمن وفيه وجه انه لابد وان يستوفى ما يساوي المبيع نقدا وانما يرتهن ويؤجل بالاضافة إلى الفاضل (ومنها) ان يقرض ماله أو يبيعه لضرورة نهب ويرتهن به أو بالثمن قال الصيدلانى والاولي الا يرتهن إذا كان المرهون مما يخاف تلفه لانه قد يتلف ويرفع الامر إلى حاكم يرى سقوط الدين بتلف الرهن وحيث جاز للولى الرهن فالشرط ان يرهن
من أمين يجوز الايداع منه ولا فرق في جميع ذلك بين الاب والجد والوصى والحاكم وأمينه نعم حيث يجوز الرهن والارتهان فللاب والجد أن يعاملا نفسهما ويتوليا الطرفين وليس لغيرهما ذلك وإذا(10/60)
وإذا تولى الاب الطرفين فكيفية القبض سنذكرها في رهن الوديعة من المودع (والفصل الثاني) رهن المكاتب وارتهانه جائز ان بشرط النظر والمصلحة كما ذكرنا في حق الطفل (ومنهم) من قال لا يجوز الرهن استقلالا وباذن السيد قولان بناء على أن الرهن تبرع وتفصيل صور الارتهان كما في الفصل الاول وفيه وجه آخر أنه لا يجوز له الاستقلال بالبيع نسيئة بحال وباذن السيد يخرج على الخلاف في تبرعاته (الفصل الثالث) في المأذون فان دفع إليه السيد مالا ليتجر فيه فهو كالمكاتب إلا من وجهين (أحدهما) أن رهنه أولى بالمنع من جهة أن الرهن ليس من عقود التجارات وشبهه الامام باجارة الرقاب وفى نفوذها منه خلاف سبق في موضعه (والثاني) أن له البيع نسيئة باذن السيد بلا خلاف * وان قال له انجر بجاهك ولم يدفع إليه مالا فله البيع والشراء في الذمة حالا ومؤجلا وكذا الرهن والارتهان إذ لا ضرر فيه على السيد فان فضل في يده مال كان كما لو دفع إليه مالا (وقوله) في الكتاب إلا لمصلحة ظاهرة يجوز اعلامه بالواو لان القاضى ابن كج حكى وجها أنه لا يجوز رهن مال الطفل بحال من الاحوال (وقوله) الا إذا كان في وقت يجوز فيه الايداع هذا الاستثناء في نظم الكتاب يرجع(10/61)
إلى اشتراط مساواة قيمة المرهون للدين فانه يجوز أن يكون في زمان النهب أكثر من الدين بل هو عذر يجوز الرهن على ما نلخص (وقوله) وكذا المكاتب والمأذون معلمان بالواو * (الباب الثاني في القبض والطوارئ قبله) قال (والقبض ركن في الرهن لا يلزم (م) الا به * وكيفيته في المنقول والعقار ما ذكرنا في البيع * ولا يصح إلا من مكلف * ويجوز للموتهن أن ينيب غيره إلا عبد الراهن وومتولدته لان يدهما يد الراهن * ويستنيب مكاتب الراهن * وفى عبده المأذون خلاف) * كلام الباب يقع في قسمين (أحدهما) بيان اعتبار القبض وانه بم يحصل وممن يصح (أما)
الاعتبار الاول فان الفبض ركن في لزوم الرهن فلو رهن ولم يقبض كان له ذلك نعم لو كان مشروطا في بيع فللبائع الخيار وقال مالك يلزم الرهن بنفسه وعن أحمد مثله الا في المكيلات والموزونات * لنا أنه(10/62)
عقد إرفاق يحتاج إلى القبول فلا يلزم إلا بالقبض كالقرض (وأما) انه بم يحصل فسبيله في العقار المنقول ما تقرر في البيع ويعود الخلاف المذكور في أن التخلية هل تكفى في المنقول ام لابد من النقل وعن القاضى القطع بأنه لا يكفى التخلية في الرهن لان القبض مستحق في البيع وههنا بخلافه ويتعلق بهذا الاصل فروع مذكورة في الفصل الذي بعد هذا الفصل (وأما) انه ممن يصح فهو الذي يصح منه العقد وتجرئ النيابة في القبض جريانها في العقد لكن لا يجوز للراهن انابة المرتهن لان الواحد لا يتولى طرفي القبض كما بينا في البيع وكما لا ينيبه لا ينيب عبده ولا مدبره ولا أم ولده لان يدهم يده ولا بأس بانابة مكاتبه لاستقلاله باليد والتصرف وفى عبده المأذون وجهان (أحدهما) الجواز لانفراده باليد والتصرف (وأصحهما) المنع فانه عبده القن وهو متمكن من الحجر عليه وهذا كله قد أشرنا إليه في البيع وعن الشيخ أبى على حكاية وجه ثالث(10/63)
وهو أن المأذون إن لم تركبه الديون لم يجز انابته وان ركبته جاز لانقطاع سلطنة السيد عما في يده ومشابهته المكاتب * قال (ولو رهن من المودع نص أنه يفتفر إلى إذن جديد * وفي الهبة من المودع نص انه يلزم * فقيل قولان بالنقل والتخريج * وقيل بالفرق لضعف الرهن * ثم لابد (و) من مضي زمان يمكن المسير فيه إلى المبيت الذى فيه الرهن حتي يلزم * ونص الشافعي رضى الله عنه أنه لا يكون يبضا ما لم يصل إلى بيته * وقيل ان ذلك انما يشترط عند التردد في بقائه ليتيقن وجوده * والاصح (و) أنه لو باع من المودع دخل في ضمانه بمجرد البيع) *(10/64)
في الفصل مسألتان (احداهما) لو أودع مالا عند انسان ثم رهنه منه فظاهر نصه انه لابد من اذن جديد في القبض ولو وهبه منه فظاهر نصه انه يحصل القبض من غير إذن جديد وللاصحاب
فيهما طريقان مشهوران وثالث غريب (أظهر) المشهورين أن فيهما قولين (أحدهما) أنه لا حاجة في واحد من العقدين إلى الاذن في القبض بل انشاؤهما مع الذي في يده المال يتضمن الاذن في القبض (وأصحهما) انه لابد منه وبه قال أبو إسحق لان اليد الثابنة كانت غير جهة لرهن ولم يجز تمرض للقبض بحكم الرهن (والثاني) تقرير النصين والفرق أن الهبة عقد تمليك ومقصوده الانتفاع والانتفاع(10/65)
لا يتم الا بالقبض والرهن ثوئيق؟ وانه حاصل دون القبض ولهذا لو شرط في الرهن كونه في يد ثالث جاز ولو شرط مثله في الهبة فسد وكانت الهبة ممن المال في يده رضى بالقبض (والثالث) الغريب حكاه القاضي ابن كج عن ابن خيران القطع باعتبار الاذن الجديد فيهما ومحاولة تأويل نصه في الهبة وسواء شرط إذن جديد في القبض أو لم يشترط فلا يلزم العقد ما لم يمض زمان يتأتى فيه القبض لكن إذا شرط الاذن فهذا الزمان يعتبر من وقت الاذن فان لم يشترطه فهو معتبر من وقت العقد وقال حرملة لا حاجة إلى مضي هذا الزمان ويلزم العقد بنفسه والمذهب الاول لانا نجعل دوام(10/66)
اليد كابتداء القبض فلا أقل من زمان يتصور فيه ابتداء القبض فعلى هذا لو كان المرهون منقولا غائبا اعتبر مضي زمان يمكن المصير إليه ونقله وهل يشترط مع ذلك نفس المصير إليه ومشاهدته فيه وجهان (أحدهما) نعم ليتعين حصوله وثبوته وهذا ظاهر النص (وأصحهما) لا ويكتفي بأن الاصل بقاؤه واختلفوا في محل النص منهم من جعله احتياطا ومنهم من حمله على ما إذا كان المرهون مما يتردد في بقائه في يده بأن كان حيوانا غير مأمون الانقلاب (أما) إذا نفيه فلا حاجة إليه ومن قال بهذا جعله وجها ثالثا فارقا فان شرطنا الحضور والمشاهدة فهل يشترط النقل أيضا فيه وجهان (أحدهما) نعم(10/67)
لان قبض المنقول به يحصل (والثانى) وهو أصحهما وقطع به طوائف من الاصحاب انه لا يشترط لان النقل انما يعتبر ليخرج من يد المالك وهو خارج ههنا وإذا شرطنا وراء مضى المدة شيئأ اما الحضور وحده أو مع النقل فهل يجوز أن يوكل فيه حكى الامام فيه وجهين (أصحهما) الجواز كما في ابتداء القبض ووجه
المنع أن ابتداء القبض وهو النقل وجد من المودع فليصدر بثمنه منه * (فرعان) الاول لو ذهب إلى موضع المرهون فوجده قد خرج من يده نظر ان أذن له في القبض بعد العقد فله اخذه حيث وجده وان لم يأذن له لم يأخذه حتى يقبضه الراهن سواء شرطنا الاذن الجديد أو لم نشرطه هكذا قاله أبو الفضل بن عبدان وكأنه صور فيما إذا علم بخروجه من يده قبل العقد (أما) إذا خرج بعده ولم نشترطه لاذن الجديد فقد جعلنا الرهن ممن في يده إذنا في القبض فليكن بمثابة مالو استأنف اذنا (الثاني) إذا رهن الاب مال الطفل من نفسه أو ماله من الطفل(10/68)
ففى اشتراط مضى زمان يمكن فيه القبض وجهان كالوجهين في اشتراط لفظي الايجاب والقبول وقد ذكرناهما في البيع * ان شرطناه فهو كما لو رهن الوديعة من المودع فيعود الاختلاف المذكور وقصد الآن قبضا واقباضا نازل منزلة الاذن الجديد هناك (المسألة الثانية) إذا باع المالك الوديعة أو العارية ممن في يده فهل يعتبر زمان امكان القبض لجواز التصرف وانتقال الضمان فيه وجهان (أصحهما) نعم ثم القول في اشتراط المشاهدة واشتراط النقل كما في الرهن والهبة (والثانى) لا لان البيع يفيد الملك فلا معني مع اجتماع الملك واليد لاعتبار شئ آخر وهل يحتاج الي الاذن في القبض تفريعا على الوجه الاول نظر ان كان الثمن حالا ولم يوفه لم يحصل القبض إلا إذا أذن البائع فيه فان وفاه أو كان مؤجلا فعن الشيخ أبى على رواية طريق انه كالرهن(10/69)
(والمشهور أنه لا يحتاج إليه والفرق أن البيع يوجب القبض) فدوام اليد يقع عن القبض المستحق ولا استحقاق في الرهن * ونعود إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب (قوله) قولان بالنقل والتخريج المشهور عند مثبتى القولين في العقدين انهما حاصلان عن ضرب أحد النصين بالآخر على ما هو سبيل النقل والتخريج وروى ابن عبدان أنه نص في الهبة على قولين فعلى هذا التصرف مخصوص بالرهن (وقوله) لضعف الرهن أراد به ما ذكرنا من تقاعده عن افادة الملك (وقوله) ثم لابد من مضى زمان معلم - بالواو - لوجه حرملة (وقوله) يمكن المسير ولم يسر يتنظم فيهما السين والصاد ولفظ الشافعي رضي الله عنه في المختصر الصاد (وقوله) والاصح أنه لو باع من المودع إلى آخره يمكن حمله على الخلاف المذكور في أن مضى
الزمان هل يعتبر لكن الاقرب أنه أراد الخلاف المذكور في أن الاذن الجديد هل يعتبر لان ايراده في الوسيط مشعر به وأيضا فانه لو حمل على الاول لكان اختياره على خلاف اختيار المعظم لما ذكرنا(10/70)
أنهم اعتبروا الزمان وعلى هذا فقوله مجرد البيع لم يرد به التجرد المطلق وأنما أراد البيع المجرد عن الاذن الجديد والله تعالى اعلم * قال (ولو رهن من الغاصب لم يبرأ (م ح ز) من ضمان الغصب * كما لو تعدي في المرهون يجتمع الضمان والرهن * ولو أودع من الغاصب يبرأ * وفى براءته بالاجازة وتوكيله بالبيع وجهان وكذلك في براءة المستعير * وكذا لو صرح بابراء العاصب مع بقائه في يده) * إذا رهن المالك ماله من الغاصب أو المستعير أو المستأجر أو الوكيل صح الرهن والقول في افتقار لزومه إلى مضى زمان يتأتى فيه القبض والى اذن جديد في القبض على ما ذكرنا في رهن الوديعة من المودع ومنهم من قطع في الغصب بافتقاره إلى اذن جديد لان يده غير صادرة عن اذن المالك أصلا(10/71)
ثم الرهن من الغاصب لا يبرئه عن ضمان الغصب وان تم ولزم خلافا لابي حنيفة وهو اختيار المزني واحتج الاصحاب بأن الدوام أقوى من الابتداء ودوام الرهن لايمنع ابتداء الضمان فان المرتهن إذا تعدي في المرهون يصير ضامنا ويبقى الرهن بحاله فلان لا يرفع ابتداء الرهن دوام الضمان كان أولى * إذا تقرر ذلك فلو أن المرتهن أراد البراءة عن الضمان فليرده إلى الراهن ثم له الاسترداد بحكم الرهن ولو امتنع الراهن من قبضه فله أن يجبره عليه قال الامام وفى كلام الشيخ أبى على ما يدل على أن للراهن أن يجبره على رده ثم يرده هو عليه ولكن القياس وبه قال القاضى انه ليس له ذلك إذ لا غرض له في تبرئة ذمة المرتهن * ولو أودع الغاصب المال المغصوب فوجهان (أحدهما) أنه لا يبرأ من الضمان كما في الرهن منه (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يبرأ لان مقصود الايداع الائتمان(10/72)
والضمان والامانة لا يجتمعان ولهذا لو تعدى المودع في الوديعة ارتفعت الوديعة ويخالف الرهن
لان الغرض منه التوثيق الا أن الامانة من مقتضاه وهو مع الضمان قد يجتمعان على مابينا * ولو أجر العين المغصوبة منه فوجهان مرتبان على الايداع والاجارة أولى أن لا تفيد البراءة وهو الظاهر لانه ليس الغرض منها الائتمان بخلاف الوديعة * ولو وكله ببيع العبد المغصوب أو اعتاقه فوجهان مرتبان على الاجارة وأولى بعدم افادة البراءة لان في عقد الاجارة تسليطا على القبض والامساك والتوكيل بخلافه ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب وجهان في مسألتي الاجارة والتوكيل - بالواو - للطريقة القاطعة بالمنع المتولدة من ترتيب الخلاف على الخلاف واليها أشار الاكثرون وفى معني الاجارة والتوكيل ما إذا قارضه على المال المغصوب أو كانت جارية فزوجها منه * ولو صرح بابراء الغاصب عن ضمان الغصب والمال باق في يده ففى براءته وصيرورة يده يد أمانة وجهان مبنيان على القولين في الابراء(10/73)
عما لم يجب ووجد سبب وجوبه لان الغصب سبب وجوب القيمة عند التلف (والظاهر) عدم حصول البراءة * وربما استشهد من قال بعدم البراءة في الصورة السابقة بهذه الصورة فقال انشاء عقود الامانات ليس بآكد من التصريح بالابراء فإذا لم تحصل البراءة به فتلك العقود أولى (وأما قوله) وكذا في براءة المستعير فصورته ما إذا رهن المعير العارية من المستعير ولزم الرهن كما سبق ففى البراءة عن ضمان العارية وجهان عن حكاية صاحب التقريب (أصحهما) أنه لا يبرأ كما لا يبرأ عن ضمان الغصب (والثانى) يبرأ لان ضمان العارية اخف أمرا من ضمان الغصب لان اليد فيها مستندة إلى رضي المالك * ورهن المقبوض على سبيل السوام والشراء الفاسد من المستام والمشتري كرهن العارية من المستعير * قال (أما الطوارئ قبل القبض * فكل ما يزيل الملك فهو رجوع * والتزويج ليس برجوع * واجارته جوع (ان قلنا) إنها تمنع من البيع * والتدبير رجوع على النص * وعلى التخريج لا) *(10/74)
القسم الثاني من الباب القول في الطوارئ التي يتأثر العقد بطروها قبل القبض وهى ثلاثة أنواع (الاول) ما ينشئه الراهن من النصرفات وكل ما يزيل الملك كالبيع والاعتاق والاصداق وجعله أجرة
في اجارة فإذا وجد قبل القبض فهو رجوع عن الرهن وفى معناه الرهن والهبة من غيره مع القبض وكتابة العبد ووطئ الجارية من الاحبال والوطئ من غير احبال ليس برجوع وكذا التزويج إذ لاتعلق له بمورد الرهن بل رهن المزوجة ابتداء جائز (وأما) الاجارة ان قلنا ان رهن المكري وبيعه جائز فهو كالتزويج وإلا فهى رجوع وحكى الامام وجها آخر أنها ليست برجوع بحال كما لو دبر العبد المرهون والنص أنه رجوع وخرج الربيع قولا أنه ليس برجوع ولهذا مأخذان (احدهما) البناء على النص والتخريج في رهن المدبر (والثانى) توجيه التخريج باسكان الرجوع عن التدبير ووجه النص وهو الاظهر بمنافاة مقصود التدبير لمقصود الرهن واشعاره بالرجوع ولا يخفى عليك بعد معرفة هذه الصور ان (قوله) في الكتاب وما لا يزيل كالتزويج ليس بوجوع غير معلول به على اطلاقه (وان قوله) وجارته رجوع يجوز اعلامه - بالواو - والله تعالى أعلم *(10/75)
قال (والنص أنه ينفسخ بموت الراهن ولا ينفسخ بموت المرتهن * فقيل قولان بالنقل والتخريج لتردد الرهن بين البيع الجائز والوكالة * وقيل بالفرق لان ركن الرهن من جانب الراهن المعين وهو متعلق حق الورثة والغرماء * وركنه من جانب المرتهن دينه وهو باق بحاله بعد وفاته والاظهر أنه لا ينفسخ بجنون العاقدين * وبالحجر عليهما بالتبذير) * (والنوع الثاني) ما يعرض للمتعاقدين من الحالات وفيه ثلاث صور (إحداها) نص في المختصر أن الرهن لا يبطل بموت المرتهن قبل القبض ونقل نص أنه يبطل بموت الراهن وفيهما طرق (أظهرهما) أن في موتهما قولين نقلا وتخريجا (أحدهما) أنه يبطل بموت كل واحد منهما لانه عقد جائز والعقود الجائزة ترتفع بموت العاقدين كالوكالة (وأصحهما) أنه لا يبطل لان مصيره إلى اللزوم فلا يتأثر بموتهما كالبيع في زمان الخيار (والثانى) تقرير النصين وبه قال أبو إسحق وفرقوا بأن المرهون بعد موت الراهن ملك الورثة ومتعلق حق الغرماء ان كان له غريم أخر وفى استيفاء الرهن اضرار بهم وفى صورة موت المرتهن يبقي الدين كما كان وانما ينتقل الاستحقاق فيه الي الورثة وهم محتاجون إلى الوثيقة حاجة مورثهم (والثالث) القطع بعدم البطلان سواء مات الراهن أو المرتهن وبه قال القاضى(10/76)
أبو حامد * ومن قال بهذا أول ما نقل في موت الراهن * وإذا أبقينا الرهن قام ورثة الراهن مقامه في الاقباض وورثة المرتهن مقامه في القبض ووراء هذا في المسألة شيئان (أحدهما) اختلف المثبتون للقولين في موضعهما فقال ابن أبى هريرة موضع القولين رهن التبرع (وأما) الرهن المشروط في البيع فانه لا يبطل بالموت قطعان لتأكده بالشرط واقترانه بالبيع اللازم فلا يبعد أن يكتسب منه صفة اللزوم وقال أبو الطيب بن سلمة القولان جاريان في النوعين وهو المشهور وسواء قلنا بالبطلان أو قلنا إنه لا يبطل ولم يتحقق الوفاء بالرهن المشروط فيثبت الخيار في البيع (والثانى) لك أن تستخرج الخلاف في طرف موت الراهن من أصل سيأتي وهو أن التركة التى تعلقت بها الديونه حكمها حكم المرهون أم لا (إن قلنا) نعم فقد أخذ جميع التركة حكم المرهون ولغا العقد السابق (وان قلنا) لابقى الرهن لظهور فائدته ويجوز أن يعكس فيقال ان قلنا يأخذ حكم المرهون بقي الرهن لتأكده بما عرض وان قلنا لالغا العقد السابق كيلا يتضرر الورثة * (الصورة الثانية) لوجن أحد المتعاقدين(10/77)
أو أغمى عليه قبل القبض ترتب ذلك على الموت (إن قلنا) لا يؤثر الموت فالجنون أولي (وإن قلنا) يؤثر ففى الجنون وجهان (فإذا قلنا) لا يبطل الرهن فان جن المرتهن قبض الرهن من ينصبه القاضى قيما في ماله فان لم يقبضه الراهن وكان الرهن مشروطا في بيع فعل ما فيه الحظ من الفسخ والاجازة * وان جن الراهن فان كان الرهن مشروطا في بيع وخاف القيم فسخ؟ المرتهن لو لم يسلمه والحظ في الامضاء سلمه وان لم يخف أو كان الحظ في الفسخ لم يسلمه وكذا لو كان الرهن رهن تبرع هكذا اطلقوه وهو محمول على ما إذا لم تكن ضرورة ولا غبطة لانهما يجوزان رهن مال المجنون ابتداء فالاستدامة أولي (الثالثة) لو طرأ الحجر على أحدهما لسفه أو فلس فهو لو كما طرأ الجنون لكن الخلاف فيه بالترتيب لان السفه لا يوجب سقوط العبارة رأسا والجنون بوجه * قال (وفى انفساخه بانقلاب العصير خمرا * وباباق العبد وجنايته وجهان أيضا * ولا يجوز اقباضه وهو خمر فلو انقلب خمرا بعد القبض خرج عن كونه مرهونا * فإذا عاد خلا عاد
مرهونا (و) *)(10/78)
(النوع الثالث) ما يعرض في المرهون وفيه صور (إحداهما) أنه لورهن عصيرا وأقبضه فانقلب في يد المرتهن خمرا فلا نقول بانها مرهونة وللاصحاب عبارتان قالت شرذمة يتوقف أن عاد خلا بان أن الرهن لم يبطل والابان انه يبطل وقال الجمهور يبطل الرهن لخروجه عن كونه الا ولا خيار للمرتهن ان كان الرهن مشروطا في بيع لحدوثه في يده ثم إذا عاد خلا يعود الرهن كما يعود الملك وحكى القاضى ابن كج عن أبى الطيب بن سلمة أنه يجئ فيه قول آخر أنه لا يعود الرهن إلا بعقد جديد وادعى انه مذهب أبي حنيفة وكان هذا النقل لم يبلغ القاضى الحسين فقال على سبيل الاحتمال يجوز أن يجعل هذا على قياس عود الخبث ويخرج فيه مثل ذلك الخلاف (والمذهب الاول) وهو عود الرهن وتبين بذلك أنهم لم يريدوا؟ ببطلان الرهن اضمحلال أثره بالكلية وانما أرادوا ارتفاع حكمه مادامت الخمرية * ولو رهن شاة فماتت في يد المرتهن فدبغ جلدها فوجهان (أحدهما) وبه قال ابن خيران واختاره القاضى الروياني أنه يعود الرهن كما لو انقلبت الخمر خلا (وأظهرهما) عند(10/79)
الاكثرين لا يعود لان ماليته مجلوبة بالصنعة والمعالجة وليس العائد ذلك المالك * ولو انقلب العصير المرهون خمرا قبل القبض ففى بطلان الرهن البطلان الكلى وجهان (أحدهما) نعم لاختلال المحل في حال ضعف الرهن وجوازه (والثانى) لا كما لو تخمر بعد القبض وقبضه ايرا - الائمة ترجيح هذا الوجه لانهم قرنوا هذا الخلاف من الخلاف في صورة عروض الجنون أو بنوه عليه فقالوا ان ألحقنا الرهن بالوكالة بطل بعروض الجنون وانقلابه خمرا قبل القبض وان ألحقناه بالبيع الجائز لم يبطل وقد مر أن الثاني أظهر قال في التهذيب وعلى الوجهين لو كان الرهن مشروطا في بيع ثبت للمرتهن الخيار لان الخل انقص من العصير ولا يصح الاقباض في حال الشدة ولو فعل وعاد خلا فعلى الوجه الثاني لابد من استئناف قبض وعلى الاول لابد من استئناد عقد * ثم القبض فيه على ما ذكرنا في انقلاب العصير المرهون خمرا قبل القبض *(10/80)
(فرع) إذا انقلب المبيع خمرا قبل القبض فالكلام في انقطاع البيع وعوده إذا عاد خلا على ما ذكرنا في انقلاب العصير المرهون خمرا بعد القبض (الصورة الثانية) إذا جنى العبد المرهون قبل القبض وتعلق الارش برقبته وقلنا رهن الجاني ابتداء فاسد فعن الشيخ أبى على أن في بطلان الرهن وجهين الحاقا للجناية بتخمير العصير والجامع عروض الحالة المانعة من ابتداء الرهن قبل استحكام العقد وهذه الصورة أولى بانه لا يبطل الرهن فيها لدوام الملك في الجاني بخلاف الخمر (الثالثة) إذا أبق العبد المرهون قبل القبض قال الامام يلزم على مساق ما سبق تخريج وجهين فيه لانتهاء المرهون إلى حالة يمنع ابتداء الرهن فيها (وقوله) في الكتاب وجنايته وجهان يجوز أعلامه بالواو لان الخلاف في صورة الجناية يتفرع على منع رهن الجاني (أما) إذا جوزناه لا يأتي هذا الخلاف بحال (وقوله) عاد مرهونا معلم بالواو لما قدمناه * قال (والتخليل بالقاء الملح فيه (ح) حرام لحديث أبى طلحة * وبالامساك غير محرم * وكذا بالنقل من ظل إلى شمس على الاصح) *(10/81)
أشار في المختصر إلى منع التخليل في هذا الموضع وتأسى به أكثر الاصحاب فذكروا مسائله ههنا وأول ما ينبغى أن يعرف أن الخمر قسمان خمر محترمة وهى التى اتخذ عصيرها لتصير خلا وانما كانت محترمة لان اتخاذ الخل جائز بالاجماع ولن ينقلب العصير إلى الحموضة الا بتوسط الشدة فلو لم تحترم واريقت في تلك الحالة لتعذر ايجاد الخل وخمرة غير محترمة وهى التي اتخذ عصيرها لغرض الخمرية وفى كل واحد من القسمين ثلاث مسائل (احداها) تخليل الخمر بطرح العصير أو الخل أو الخبز الحار أو غيرها فيها حزام والخل الحاصل نجس وبه قال أحمد خلافا لابي حنيفة وعن مالك روايتان (احداهما) كمذهبنا (والاخرى) انه يكره ولكن لو فعل جاز * لنا ما روى عن أنس رضى الله عنه(10/82)
قال (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتخذ الخمر خلا قال لا) وروى أن أبا طلحة رضى الله عنه (سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عندي خمور لايتام فقال ارقها فقال أفأخللها قال لا) وإذا حرم
التخليل كان الخل الحاصل نجسا لان الفعل الحرام لا يستباح به الغير المحظور كاصطياد المحرم وأيضا فان المطروح في الخمر ينجس بملاقاتها وتستمر نجاسته إذ لا مزيل لها ولا ضرورة إلى الحكم بانقلابه طاهرا بخلاف آخر الدن ولا فرق في هذه المسألة بين المحترمة وغيرها وحكى الامام عن بعض الاصحاب جواز تخليل المحترمة لانها غير مستحقة للاراقة والمذهب الاول وفى حديث أبى طلحة رضى الله عنه
__________
(حديث) أنس سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتخذ الخمر خلا قال لا مسلم من حديثه * (حديث) أن أبا طلحة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عندي خمور لا يتام فقال أرقها قال الا أخللها قال لا: أحمد وأبو داود والترمذي من حديث أنس وقد روى من حديث أنس عن أبى طلحة وأصله في مسلم (تنبيه) روى البيهقى من حديث جابر مرفوعا ما أفقر أهل بيت من آدم فيه خل وخير خلكم خل خمركم وفي سنده المغيرة بن زياد وهو صاحب مناكير وقد وثق والراوي عنه حسن بن قتيبة؟ قال الدارقطني متروك وزعم الصغانى أنه موضوع وتعقبته عليه وقال ابن الجوزى في التحقيق لا أصل له قال البيهقى أهل الحجاز يسمون خل العنب خل الخمر *(10/83)
كانت تلك الخمور محترمة لانها كانت مباحه متخذة قبل ورود التحريم وهل يفرق بين الطرح بالقصد وبين أن يتفق بغير قصد كطرح ريح فيه اختلاف للاصحاب مبني على أن المعني تحريم التخليل أو نجاسة المطروح فيه والا ظهر أن لا فرق هذا إذا كان الطرح في حال التخمير أما إذا طرح في العصير بصلا أو ملحا واستعجل به الحموضة بعد الاشتداد فوجهان (أحدهما) انه إذا تخلل كان طاهرا لان ما لاقاه إنما لافاه قبل التخمير فطهر بطهارته كأجزاء الدن (والثانى) لا لان المطروح فيه ينجس عند التخمير وتستمر نجاسته بخلاف اجزاء الدن للضرورة قال في التهذيب وهذا أصح ولو طرح العصير على الخل وكان العصير غالبا ينغمر الخل فيه عند الاشتداد فهل يطهر إذا انقلب خلا فيه هذان الوجهان ولو كان الغالب الخل وكان يمنع العصير من الاشتداد فلا بأس (المسألة(10/84)
الثانية) امساك الخمر المحترمه إلى أن تصير خلا جائز والتى لا تحترم تجب اراقتها لكن لو لم يرقها حتى
تخللت فهى طاهرة أيضا لان النجاسة والتحريم انما ثبتا للشدة وقد زالت هذا ما به الفتوى وحكى الامام رضى الله عنه عن بعض الخلافيين انه لا يجوز امساك الخمرة المحترمة بل يعرض عن العصير إلى أن يصير خلا فان أتفقت منا اطلاعه وهو خمر ارقناه وذكر الحناطي وجها انه لو أمسك التى لا تحترم حتى تخللت لم تحل ولم تطهر لان امساكها حرام فلا يستفاد به نعمة ومتى عادت الطهارة بالتخلل فتطهر اجزاء الظرف أيضا للضرورة وفى البيان أن الداركى قال ان كان الظرف بحيث لا يتشرب شيئا من الخمر كالقوارير طهر وان كان مما يتشرب لم يطهر ولنذهب الاول وكما يطهر ما يلاقى الخل بعد التخليل(10/85)
يطهر ما فوقه الذي أصابته الخمر في حالة الغليان ذكره القاضى الحسين وأبو الربيع الايلافى (الثالثة) لو كان ينقلها من الظل إلى الشمس أو يفتح رأسها ليصيبها الهواء استعجالا للحموضة فوجهان (أحدهما) لا تطهر كما لو طرح فيها شيئا وبهذا قال أبو سهل الصعلوكى (وأصحهما) أنه يطهر لزوال الشدة من غير نجاسة تخلفها وهذا في غير المحترمة وفى المحترمة؟ أولى بالجواز * واعلم أنه ليس في لفظ الكتاب تعرض لانقسام الخمر إلى محترمة وغيرها (وقوله) التخليل بالقاء الملح فيه حرام يمكن اجراؤه فيه على اطلاقه على ما بيناه لان الامساك حرام في غير المحترمة والاراقة واجبة والكلام في انه لو اتفق الامساك وتخللت هل تطهر هذا هو المشهور والذي في طريق الصيدلانى من تجوز الامساك على قصد أن لا يصير(10/86)
خلا وعدم وجوب الاراقة فهو مما يستغرب فإذا هو مخصوص بالمحترمة لكنه غير مستحسن من جهة النظم لانه علي خلاف ما قبله وما بعده وليس في اللفظ ما يدل عليه * (فرع) عن الشيخ أبى علي ذكر تردد في بيع الخمرة المحترمة بناء على التردد في طهارتها وقد حكيناه في باب النجاسات والعناقيد إذا استحالت أجواف حباتها خمرا فعن القاضي وغيره ذكر وجهين في جواز بيعها اعتمادا على طهارة طاهرها في الحال وتوقع فائدتها في المآل وطردوهما في البيضة المستحيل باطنها دما والمذهب المنع *(10/87)
* (الباب الثالث في حكم المرهون بعد القبض) * < قال (وهو وثيقة لدين المرتهن في عين الرهن تمنع الراهن من كل ما يقدح فيه والنظر في أطراف ثلاثة (الاول) جانب الراهن * وهو ممنوع عن كل تصرف قولى يزيل الملك كالبيع والهبة * أو يزاحم حقه كالرهن من غيره * أو ينقص كالتزويج * أو يقلل الرغبة كالاجارة التي لا تنقضي مدتها قبل حلول الدين) * صدر الباب يشير إلى مقدمة مرشده إلى ضبط الاطراف التي يتضمنها والى جهة اقتضاء الدين لها وهى أن الرهن وثيقة لدين المرتهن في غير الرهن أو بدله وانما تحصل الوثيقة بالحجر عن الراهن وقطع سلطنة كانت له ليتحرك للاداء وتجدد سلطة المرتهن لم يكن ليتوسل بها إلى الاستيفاء ثم هذه الوثيقة ليست دائمة بل لها غاية ينتهى عندها وكلام الباب فيما ينقطع من سلطنة الراهن وفيما يحدث من سلطنة المرتهن وفى غاية الرهن فهى ثلاثة أطراف والذي يشتمل عليه الفصل من الطرف الاول ان الراهن يمنع من كل تصرف يزيل الملك وتنقل لمال الغير كالبيع والهبة ونحوهما لانا لو صححناها لفاتت الوثيقة ومنع مما يزاحم المرتهن في مقصود الرهن وهو الرهن من غيره ومن كل تصرف ينقص المرهون وتعلل؟ الرغبة فيه كالتزويج فان الرغبة في الجارية الخلية فوق الرغبة في المزوجة وعند أبى(10/88)
حنيفة يجوز التزويج (واما) الاجارة فينظر فان كان الدين حالا أو كان مؤجلا لكنه يحل قبل انقضاء مدة الاجارة فعن بعض الاصحاب فيما رواه ابن القطان بناء صحة الاجارة على القولين في جواز بيع المستأجر ان جوزناه صحت الاجارة والا فالمشهور بطلانها قطعا (أما) إذا لم نجوز بيع المستأجر فظاهر (وأما) إذا جوزناه فلان الاجارة تبقى وان صح البيع وذلك مما يقلل الرغبة ثم القائلون بالمنع لم يفصل الجمهور منهم وقال في التتمة يبطل في الاجل وفى الزائد على الاجل قولا تفريق الصفقة * وان كان الاجل يحل مع انقضاء مدة الاجارة أو بعدها صحت الاجارة ثم لو أتفق حلول الدين قبل انقضائها بموت الراهن فوجهان (أحدهما) أن تنفسخ الاجارة رعاية لحق المرتهن فانه أسبق ويضارب المستأجر(10/89)
بالاجرة المدفوعة مع الغرماء (والثانى) وهو اختيار أبى الحسين أن المرتهن يصبر إلى انقضاء مدة الاجارة كما يصبر الغرماء إلى انقضاء العدة لتستوفى المعتدة حق السكني جمعا بين الحقين وعلى هذا يضارب المرتهن بدينه مع الغرماء في الحال * ثم إذا انقضت المدة وبيع المرهون قضى باقى دينه فان فضل شئ فهو للغرماء * هذا كله فيما إذا أجر المرهون من غير المرتهن (أما) إذا أجره منه فيجوز ولا يبطل به الرهن وكذا لو كان مكري منه ثم رهنه منه يجوز فلو كانت الاجارة قبل تسليم الرهن ثم سلمه عنهما جميعا جاز ولو سلم عن الرهن وقع عنهما جميعا لان القبض في الاجارة مستحق كذا قاله في التهذيب ولو سلمه عن الاجارة لم يحصل قبض الرهن وعند أبى حنيفة الرهن والاجارة لا يجتمعان والمتأخر منهما يرفع المتقدم ويبطله * لنا أن الاعارة من المرتهن لا تبطل الرهن فكذا الاجارة (وقوله) في الكتاب كل تصرف قولى أفهم بالقول ان ما يمنع منه الرهن من التصرفات بعضها قولى وبعضها ليس بقولى فانه قدم التصرفات القولية ثم تعرض لغيرها كالوطئ ويجوز اعلام قوله كالاجارة(10/90)
التى لا تنقضي مدتها قبل حلول الدين بالواو للطريقة التى قدمناها وفى هذه اللفظة شئ فان الاجارة التى لا تنقضي مدتها قبل حلول الدين تارة تنقضي مدتها بعد حلول الدين وتارة معه والثانية صحيحة فكان الاولى أن يقول كالاجارة التى لا تنقضي مدتها بعد حلول الدين واعلم أن ما قدمناه من منع الراهن من البيع ونحوه من التصرفات والحكم بابطالها هو المذهب الجديد وعلى القديم الذي يجوز وقف العقود تكون هذه التصرفات موقوقة على الانفكاك وعدمه ومال الامام إلى شئ آخر وهو يخريجها؟ على الخلاف في بيع المفلس ماله وسيأتى ذلك ان شاء الله تعالى * قال (وفى الاعتاق (ح) ثلاثة أقوال يفرق في الثالث بين الموسر والمعسر * فان نفذنا غرمناه وان لم ينفذ فالاقيس أن لا يعود العتق ان اتفق فكاك الرهن * وحكم التعليق مع الصفة في دوام الرهن حكم الانشاء * فان وجدت الصفة بعد فكاك الرهن نفذ على الاصح) *(10/91)
الفصل يتضمن مسألتين (مسألة) في اعتاق الراهن العبد المرهون منجزا (ومسألة) في تعليق اعتاقه
(أما) الاولى فالمنقول عن القديم ومختصر المزني الجزم بأنه لا ينفذ ان كان الراهن معسرا وقولان ان كان موسرا وعن الجديد الجزم بنفوذه ان كان موسرا وان كان معسرا فقولان فإذا ضرب البعض بالبعض خرجت ثلاثة أقوال (أحدها) انه لا ينفذ بحال لان الرهن عقد لازم حجر به الراهن على نفسه فلا يتمكن من ابطاله مع بقاء الدين (والثاني) ينفذ لانه اعتاق صادف الملك فأشبه اعتاق المستأجر والزوجة وبه قال أبو حنيفة وأحمد الا أن أبا حنيفة يقول يستبقى العبد في قيمته ان كان الراهن معسرا (والثالث) وهو الاصح وبه قال مالك انه ان كان موسرا نفذوا لا فلا تشبيها لسريان العتق إلى حق المرتهن بسريانه من نصيب أحد الشريكين إلى الآخر والمعني فيه ان حق الوثيقة لا يتعطل ولا يتأخر إذا كان موسرا *(10/92)
(التفريع) ان قلنا لا ينفذ فالرهن بحاله فلو انفك بابراء أو غيره فقولان أو وجهان (أظهرهما) انه لا يحكم بنفوذه أيضا لانه لا يملك اعتاقه فأشبه ما إذا أعتق المحجور عليه بالسفه ثم زال الحجر (والثانى) يحكم بنفوذه لان المانع من النفوذ في الحال حق المرتهن وقد زال وقطع قاطعون بالثاني والخلاف فيه كالخلاف فيما إذا أعتق المحجور عليه بالفلس عبدا ثم انفك الحجر عنه ولم يتفق بيع ذلك العبد هل يعتق وان بيع في الذين ثم ملكه يوما لم يحكم بالعتق ومنهم من طرد فيه الخلاف المذكور في الصورة الاولى وعن مالك أنه يحكم بنفوذ العتق في الصورتين وان قلنا ينفذ العتق مطلقا فعلى الراهن قيمته باعتبار يوم الاعتاق ثم ان كان موسرا أخذت منه في الحال وجعلت رهنا مكانه وان كان معسرا انظر إلى اليسار فإذا أيسر أخذت منه وجعلت رهنا ان لم يحل الحق بعد وان حل(10/93)
طولب به ولا معنى للرهن هكذا قاله أصحابنا العراقيون ولك أن تقول كما أن ابتداء الرهن قد يكون بالحال وقد يكون بالمؤجل فكذلك قد تقتضي المصلحة أخذ القيمة رهنا وان حل الحق إلى أن يتيسر استيفاؤه وبتقدير صحة التفصيل الذى ذكروه وجب أن يجرى مثله في القيمة التى تؤخذ من الموسر ثم قال الامام ومهما بدل القيمة على قصد المغرم صارت رهنا ولا حاجة إلى عقد مستأنف
والاعيان مقصد المؤدى ومتى كان المعتق موسرا أو التفريع على القول الثاني أو الثالث ففى وقت نفوذ العتق طريقان (أحدهما) وهو الذى أورده القاضى ابن كج أنه على الاقوال في وقت نفوذ العتق في نصيب الشريك إذا أعتق الشريك نصيبه ففى قول يتعجل وفى قول يتأخر إلى أن يغرم القيمة وفى قول يتوقف فإذا غرم أنفذنا العتق يقينا (وأظهرهما) القطع بنفوذه في الحال والفرق أن العتق ثم يسرى إلى ملك الغير ولابد من تقدير انتقاله إلى المعتق فجاز أن يقول انما ينتقل إذا استقر ملك الشريك ويده على العوض واعتاق الراهن يصادف ملكه * (وأما المسألة الثانية) فينظر ان علق عتق المرهون بفكاك الرهن نفذ عند الفكاك لان مجرد التعليق لا يضر بالمرتهن وحين ينزل(10/94)
العتق لا يبقى له حق وان علق بصفة أخرى فان وجدت قبل فكاك الرهن ففيه الاقوال المذكورة في التنجيز وان وجدت بعده فوجهان (أصحهما) النفوذ لانه لا يبطل حق المرتهن (والثانى) لا ينفذ أيضا لا للتعليق مطلقا كالتنجيز في قول والوجهان شبتهان بالخلاف فيما إذا قال العبد لزوجته ان فعلت كذا فأنت طالق ثلاثا ثم عتق ثم فعلته هل تقع الطلقة الثالثة لكن ذلك الخلاف جار وان علق بالعتق فقال ان عتقت فأنت طالق ثلاثا فلا خلاف في تعليق العتق بالفكاك أنه ينفذ عند الفكاك قال الامام والفارق أن الطلقة الثالثة ليست مملوكة للعبد ومحل العتق مملوك للراهن وانما منع لحق المرتهن ولعلك لاتنقاد لهذا الفرق وتقول العتق غير مملوك للراهن كما أن الطلقة الثالثة غير مملوكة للعبد ومحل الطلاق مملوك للعبد كما أن محل العتق مملوك للراهن فلا فرق والله أعلم * (فرعان) أحدهما لو رهن نصف عبده ثم أعتق نصفه نظر ان أضاف العتق إلى النصف المرهون ففيه الخلاف وان أضافه إلى النصف الآخر أو أطلق عتق ما ليس بمرهون وهل يسرى إلى(10/95)
المرهون ان جوزنا اعتاق المرهون فنعم والا فوجهان (أصحهما) انه يسرى أيضا لان أقصى مافى الباب تنزيل المرهون منزلة ملك الغير والعتق يسرى إلى ملك الغير وعلى هذا هل يفرق بين
الموسر والمعسر قال في النهاية قال المحققون نعم وفى التتمة انه يسرى سواء كان له مال آخر اولم يكن لانه ملكه (الثاني) في وقف المرهون طريقان (أحدهما) أنه كالعتق لما فيه من الغرر والتعليق الذى لا يقبل النقض (وأظهرهما) القطع بالمنع ويفارق العتق لقوة العتق بالسراية وغيرها وقال المتولي (ان قلنا) الوقف لا يحتاج إلى القبول فهو كالعتق (وإن قلنا) يحتاج إليه فيعتق بالمنع وهذه طريقة ثالثة والله أعلم * قال (ويمنع من الوطئ خيفة الاحبال المنقص * والاحوط (و) حسم الباب وان كانت صغيرة (و) أو آيسة (و) * فان فعل فالولد نسيب * والاستيلاد مرتب (و) على العتق وأولى بالنفوذ لانه فعل * وقيل بنقيضه لان العتق منجز * ثم إذا انفك فالاصح عود الاستيلاد) * عرفت من قبل أن المذهب الصحيح جواز رهن الجوارى على الاطلاق وعلى هذا فلو كانت الجارية المرهونة بكرا فليس للراهن وطؤها بحال لان الافتضاض ينقص قيمتها وان كانت ثيبا(10/96)
فكذلك في سن تحبل لانهار ربما حبلت فتفوت الوثيقة أو تتعرض للهلاك في الطلق ولنقصان الولادة فليس له أن يقول أطأ وأعزل لان الماء قد يسبق وان كانت في سن لا تحبل لصغر أو إياس فوجهان (قال) أبو إسحق له أن يطأها كسائر الانتفاعات التى لا تضر بالمرتهن وهذا اختيار القاضى ابن كج وقال ابن أبى هريرة والاكثرون يمنع من وطئها احتياطا لجسم الباب إذ العلوق ليس له وقت معلوم وهذا كما أن العدة تجب على الصغيرة والآيسة وان كان القصد الاصلى استبراء الرحم ويجرى الوجهان فيما إذا كانت حاملا من الزنا لانه لا يخاف من وطئها الحبل نعم غشيان مثل هذه المرأة مكروه على الاطلاق فلو خالف ما ذكرناه ووطئ فلا حد ولامهر ولكن عليه ارش البكارة إذا افتض أما أنه لاحد ولامهر فلانه أصاب ملكه ويخالف مالو وطئ المكاتبة حيث يغرم المهر لها لان المكاتبة قد استقلت(10/97)
واضطرب الملك فيها اوزال ولهذا لو وطئها أجنبي كان المهر لها ولو وطئ المرهونة أجنبي كان المهر للسيد وأما وجوب ارش البكارة فلان لافتضاض إتلاف جزء ثم ان شاء جعله رهنا وان شاء صرفه إلى أداء الدين وإذا أولدها فالولد نسيب
حرولا قيمة عليه لان المرتهن لاحق له في ولد المرهونة بحال وهل تصير أم ولد له فيها الاقوال المذكورة في الاعتاق ثم منهم من جعل الخلاف بالترتيب واختلفوا في كيفيته فقال أبو إسحق والاكثرون الاستيلاد أولى بالنفوذ لانه فعل والافعال أقوى وأشد نفوذا ولهذا ينفذ استيلاد المجنون والمحجور عليه ولا ينفذ إعتاقهما وينفذ استيلاد المريض من رأس المال واعتقاه من الثلث وقال آخرون الاستيلاد أولى بعدم النفوذ لانه لا يفيد حقيقة العتق وانما يثبت به حق العتق وحق العتق دون حقيقة العتق المنجزة فكان العتق أولى بالنفوذ ومنهم من امتنع من الترتيب وسوى بينهما التعارض المعنيين وبه قال الشيخ أبو حامد(10/98)
ويخرج من هذه الاختلافات ثلاثة طرق كما أفصح بها صاحب التتمة (أظهرها) طرد الخلاف (والثانى) القطع بنفوذ الاستيلاد (والثالث) القطع بعدمه * (التفريع) ان قلنا ينفذ الاستيلاد فعليه القيمة والحكم على ما مر في العتق وان قلنا لا ينفذ فالرهن بحاله فلو حل الحق وهى حامل بعد لم يجز بيعها لانها حامل بحر وفيه وجه آخر وقد ذكرنا ذلك في البيع فإذا ولدت فلا تباع حتى تسقى ولدها اللبأ وإذا سقته ولم توجد مرضعة فلا تباع حتى توجد مرضعة خوفا من أن يسافر بها المشترى لو بيعت فيهلك الولد وإذا وجدت مرضعة فتباع الجارية ولا يبالى(10/99)
بالتفريق بين الام والولد للضرورة فان الولد حر وبيعه ممتنع * ثم ان كان الدين يستغرق قيمتها بيع؟ كلها والا بيع منها بقدر الدين وان أفضى التشقيص إلى نقصان رعاية لحق الاستيلاد ويخالف ما إذا اتفق مثل ذلك في العبد القن بأن كانت قيمته مائة وهو مرهون بخمسين وكان لا يشترى نصفه إلا بأربعين ويشترى الكل بمائة حيث يباع الكل دفعا للضرر عن المالك وان لم يوجد من يشترى البعض بيع الكل للضرورة * وإذا بيع منها بقدر الدين انفك الرهن عن الباقي واستقر الاستيلاد وتكون النفقة على المشترى والمستولد بحسب النصيبين والكسب بينهما كذلك ومهما عادت إلى ملكه بعد(10/100)
ما بيعت في الدين فهل يحكم بنفوذ الاستيلاد فيه طريقان (أظهرهما) أنه على قولين كما
لو استولد جارية الغير بالشبهة ثم ملكها اختار المزني أنه لا يحكم به (والمذهب) المنصوص انه يحكم وفى مثل هذه الصورة في الاعتاق ذكرنا أن الاظهر عدم نفوذ العتق والفرق ان الاعتاق قول يقتضى العتق في الحال فإذا رد لغا بالكلية والاستيلاد فعل لا يمكن رده وانما منع حكمه في الحال لحق الغرماء فإذا زال حق الغير عمل عمله (والطريق الثاني) القطع بنفوذ الاستيلاد لوقوعه في الملك بخلاف استيلاد جارية الغير بالشبهة * ولو انفك الرهن عنها ولم يتفق بيعها بعد الاستيلاد ومنهم من خرجه على الخلاف المذكور فيما إذا بيعت ثم عادت إليه وعلى الخلاف المذكور في نظيره من الاعتاق (والمذهب) الاول ويفارق مااذا بيعت وعادت لان الملك ههنا هو الملك الذى تصرف فيه ويفارق الاعتاق لما سبق(10/101)
وليس للراهن أن يهب هذه الحاربة للمرتهن وانما تباع في الحق للضرورة وهذا معنى قول الائمة ان الاستيلاد ثابت في حق الراهن والخلاف في أنه أنه هل يثبت في حق المرتهن والله أعلم * (وقوله) في الكتاب مرتب على العتق يجوز اعلامه بالواو للطريقة الثانية للترتيب وكذا قوله والاصح عود الاستيلاد للطريقه النافية للخلاف وليس لفظ العود ههنا مستعملا في حقيقته فانه يستدعى ثبوتا في الابتداء وزوالا وليس الاستيلاد كذلك * قال (ولو ماتت بالطلق فعليه القيمة لانه مهلك بالاحبال * وكذا إذا وطئ أمة الغير بشبهة ولا يضمن الزوج زوجته به * وكذلك الزانى بالحرة لان الاستيلاد كأنه اثبات يد وهلاك تحت اليد المستولية علي الرحم والحرة لا تدخل تحت اليد والا فمجرد السبب ضعيف * ولذلك قيل على رأى يجب أقصى القيم من يوم الاحبال إلى الموت * وقيل يعتبر يوم الاحبال * وقيل يوم (ح) الموت(10/102)
ولا يمنع من الانتفاع (ح) بسكنى الدار * أو استكساب العبد * أو استخدامه * أو انزاء الفحل على الاناث ان لم ينقص قيمته) * إذا ماتت الجارية التى أولدها الراهن بالولادة والتفريع على أن الاستيلاد غير نافذ فعليه قيمتها لتكون رهنا مكانها لانه تسبب إلى إهلاكها بالاحبال لاعن استحقاق والضمان كما يجب بالمباشرات يجب
بالاسباب كحفر البئر ونحوه وعن أبى على الطبري وغيره وجه أنه لا تجب عليه القيمة لان إضافة الهلاك إلى الوطئ بعيدة واحالته على علل وعوارض تقتضي شدة الطلق أقرب وأظهر والمذهب المشهور الاول * ولو أولد أمة الغير بالشبة وماتت بالولادة ففي وجوب القيمة هذا الخلاف ولو كانت حرة ففى وجوب الدية وجهان (قال) الامام أقيسهما الوجوب لان طريق وجوب الضمان لا يختلف بالرق والحرية (وأشهرهما) المنع(10/103)
لان الوطئ سبب ضعيف وانما أوجبنا الضمان في الامة لان الوطئ استيلاء عليها والعلوق من آثاره فادمنا به اليد والاستيلاء كما إذا نفر المحرم صيدا فبقى نفاره إلى التغير والهلاك والحرة لا تدخل تحت اليد والاستيلاء ولو أولد امرأة بالزنا وهى مكرهة فماتت بالولادة فقد روي الشيخ أبو حامد في وجوب الضمان قولين حرة كانت أو أمة (أحدهما) يجب لما سبق (وأصحهما) المنع لان الولادة في الزنا لاتنضاف إلى وطئه لان الشرع قطع سبب الولد عنه ولا خلاف في عدم وجوب الضمان عند موت الزوجة من الولادة لتولد الهلاك عن مستحق وحيث أوجبنا الضمان في الحرة فهو الدية مضروبة على العاقلة وحيث أوجبنا القيمة فالاعتبار بأية قيمة فيه ثلاثة أوجه (أحدها) باقصى القيم من يوم الاحبال إلى الموت تنزيلا له منزلة الاستيلاد والغصب (وثانيها) وبه قال ابن(10/104)
أبى هريرة بقيمة يوم الموت لان التلف حينئذ متحقق (وأصحهما) بقيمة يوم الاحبال لانه سبب التلف فصار كما لو جرح عبدا قيمته مائة وبقى مثخنا حتى مات وقيمته عشرة فان الواجب مائة ويقال ان ابن أبى هريرة ألزم هذه المسألة فمنعها وطرد قياسه ولا يخفى بعده * ولو لم تمت الجارية ونقصت قيمتها بالولادة فعليه الارش ليكون رهنا معها وله ان يصرف القيمة أو الارش إلى قضاء الحق ولا يرهن * قال (ولا يمنع من الانتفاع (ح) بسكنى الدار أو استكساب العبد أو استخدامه أو انزاء الفحل علي الاناث ان لم ينقص قيمته) * افتتح الكلام في نوع آخر من تصرفات الراهن وهو ما سوى الوطئ من الانتفاعات وجملته أن المنافع التى لا يضر استيفاؤها بالمرتهن لا تعطل من المرهون بل هي مستوفاة للراهن خلافا
لابي حنيفة حيث قال هي معطلة وروى في الشامل عن مالك مثل مذهبنا وعن أحمد(10/105)
اختلاف رواية * لنا ماروى أنه صلى الله عليه وسلم قال (الظهر يركب إذا كان مرهونا وعلى الذى يركبه نفقته) وروى أنه قال (الراهن محلوب ومركوب) وفى الفصل صور (احداها) يجوز السكني في الدار وركوب الدابة واستكساب العبد ولبس الثوب المرهونة إلا إذا كان مما ينقص باللبس (الثانية) الفحل المرهون يجوز انزاؤه على الاناث كالركوب إلا إذا أثر ذلك في القيمة والانثى يجوز الانزاء عليها كذلك ان كان يحل الدين قبل ظهور الحمل أو تلد قبل حلول الدين فأن كان يحل بعد ظهور الحمل وقبل الولادة فان قلنا الحمل لا يعرف جاز أيضا لانها تباع مع الحمل وان قنا بفرق وهو الصحيح لم يجز لانه لا يمكن بيعها دون الحمل والحمد غير مرهون (الثالثة) لبس للراهن أن يبني في الارض المرهونة ولا أن يغرس لانه ينقص قيمة الارض
__________
(حديث) الظهر يركب إذا كان مرهونا وعلى الذى يركبه نفقته البخاري ن م حديث الشعبي؟ عن أبى هربرة به وأتم منه ولفظه الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا وعلى الذى يركب ويشرب النفقة ورواه ابو داود بلفظ يحلب مكان يشرب * (حديث) الرهن مركوب ومحلوب الدارقطني والحاكم من طريق الاعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة واعل بالوقف وقال ابن أبى حاتم قال أبى رفعه مرة ثم ترك الرفع بعدور جح الدارقطني ثم البيهقي رواية الشافعي عن سفيان عن الاعمش عن أبى صالح عن ابى هريرة *(10/106)
وفي النهاية ذكر وجه أنه يجوز ان كان الدين مؤجلا وزرع ما ينقص قيمة الارض لاستيفاء قوتها ممنوع وما لا ينقص ان كان بحيث يحصد قبل حلول الاجل فلا منع منه ثم ان تأخر الادراك لعارض ترك إلى الادرك وان كان بحيث يحصد بعد الحلول أو كان الدين حالا منع منه لنقصان الرغبة في الارض المزروعة وعن الربيع حكاية قول أنه لايمنع منه لكن يجبر على القلع عند الحلول إن لم يف بيعها مزروعة دون الزرع بالدين وفى هذا إلتفات إلى أن الارض المزروعة هل يجوز بيعها أم لا ولو
خالف ما ذكرناه فغرس أو زرع حيث منعناه منه فلا يقلع قبل حلول الاجل فلعله يقضى الدين من موضع آخر وفيه وجه أنه يقلعه وبعد حلول الدين ومساس الحاجة إلى البيع يقلع ان كانت قيمة الارض لاتفى بدينه وتزداد قيمتها بالقلع نعم لو صار الراهن محجوزا عليه بالافلاس ففى القلع وجهان بخلاف مالو نبت النخل من النوى في حميل السيل حيث جزمنا بأنه لا يقلع في مثل هذه الحالة لانا منعناه ههنا فخالف كذا قاله الامام *(10/107)
قال (ويمنع عن المسافرة به لعظم الحيلولة كما يمنع زوج الامة عن السفر بها * بخلاف الحر فانه يسافر بزوجته * وان أمكن استكساب العبد في يده لم ينتزع من يده جمعا بين الحقين * ومهما انتزع فعليه الاشهاد * إلا أن يكون عدالته ظاهرة ففى تكليفه ذلك خلاف) * أصل الفصل أن اليد على المرهون مستحقة المرتهن فانها الركن الاعظم وفى التوثق مما لا منفعة به مع بقاء عينه كالنقود والحبوب لا تزال يد المرتهن عنه وإن أمكن تحصيل الغرض مع بقائه في يد المرتهن يصار إليه جمعا بين الحقين وإنما تزال يده عند اشتداد الحاجة إليه * إذا عرفت ذلك فان كان العبد محترفا وتيسر استكسابه هناك ولم يخرج من يده إن أراد الراهن الاستكساب وان أراد استخدام أو الركوب أو شيئا من الانتفاعات التى يحوج استيفاؤها إلى إخراجه من يده فعن رواية صاحب التقريب قول قديم أنه لا يخرج من يده ولانوهن وثيقته والمشهور أنه يخرج ثم ينظر إن استوفى تلك المنافع باعارة من عدل أو إجارة بالشرط الذى سبق فله ذلك وأن أراد استيفاءها بنفسه قال في الام له ذلك ومنع منه في القديم فحمل حاملون الاول على الثقة المأمون جحوده والثانى على غيره فأجراهما مجرون قولين مطلقين ووجهوا الثاني بما يخاف من جحوده وخيانته لو سلم(10/108)
إليه والاول بان ماله استيفاؤه بغيره له استيفاؤه بنفسه ويشبه أن يكون هذا اظهر ويتفرع عليه ما نقله امام الحرمين وصاحب الكتاب وهو أنه ان وثق المرتهن بالتسليم فذاك والا أشهد عليه شاهدين أنه يأخذه للانتفاع فان كان مشهور العدالة موثوقا به عند الناس فوجهان (اشبههما) أنه يكتفى بظهور
حاله ولا يكلف الاشهاد في كل اخذه لما فيه من المشقة ويزداد في أخذ الجارية للاستخدام نظر آخر وهو أن الراهن انما يمكن منه إذا أمن غشيانه اياها بأن كانت محر ماله أو كان ثقة وله اهل كما تقدم نظيره ثم ان كان اخراج المرهون من يد المرتهن لمنفعة يدام استيفاؤها فذاك فان كان لمنفعة تستوفى في بعض الاوقات كالاستخدام والركوب فتستوفى نهارا وترد إلى المرتهن ليلا * وليس للراهن أن يسافر بالمرهون بحال طال سفره أم قصر لما فيه من الخطر والحيلولة القوية من غير ضرورة ولمثل هذا منع زوج الامة من المسافرة بها وانما جاز لسيدها أن يسافر بها لحقه المتعلق بالرقبة ولئلا يتكاسل في تزويجها ويجوز للحر أن يسافر بزوجته رعاية لمصالح النكاح التى لها فيها(10/109)
الحظ * الوافر واعلم أن لفظ الكتاب ههنا وفى الوسيط يدل على أنه لا ينزع العبد من يد المرتهن إذا أمكن استكسابه وان طلب الراهن منه الخدمة ولم يتعرض الاكثرون لذلك وقضية كلامهم أن له أن يستخذم مع إمكان الاستكساب والله تعالى أعلم * (فرع) لا تزال يد البائع عن العبد المحبوس بالثمن للانتفاع لان ملك المشترى غير مستقر قبل القبض وملك الراهن مستقر وهل يستكسب في يده للمشترى أم تعطل منافعه فيه اختلاف للاصحاب * قال (وكل ما منع منه فإذا أذن المرتهن جاز لان الحق لا يعدوهما * ثم إذا أذنه في العتق سقط الغرم عنه * وفى البيع قبل حلول الاجل يمنع (ح) تعلقه بالثمن * وله الرجوع قبل البيع وكذا إذا أذن في الهبة ووهب ولم يقبض فله الرجوع * ولو شرط في الاذن في البيع جعل المثن رهنا لم يجز ذلك في الاصح لانه نقل للوثيقة * ولو شرط أن يعجل حقه من الثمن فسد الاذن (و) لانه أذن بعوض فاسد * بخلاف مالو شرط لوكيله أجرة من ثمن ما يبيعه إذ ليس العوض ههنا في مقابلة الاذن) *(10/110)
الفصل يشتمل على قاعدتين (إحداهما) التصرفات التى يمنع منها الراهن لحق المرتهن إذا اقترنت باذن المرتهن نفذت فإذا أذن له في الوطئ حل له الوطئ ثم إن وطئ ولم يحبل فالرهن بحاله
وان أحبل أو أعتق أو باع بالاذن نفذت هذه التصرفات وبطل الرهن * ويجوز أن يرجع المرتهن عن الاذن قبل تصرف الراهن كما يجوز للمالك أن يرجع قبل تصرف الوكيل فإذا رجع فالتصرف بعده كما لو لم يكن إذن ولو أذن في الهبة والاقباض ورجع قبل الاقباض صح وامتنع الاقباض لان تمام الهبة بالاقباض ولو أذن في البيع فباع الراهن بشرط الخيار فرجع المرتهن فوجهان (أحدهما) يصح رجوعه لان العقد لم يلزم بعد كالهبة قبل الاقباض (وأصحهما) المنع لان مبنى البيع على اللزوم والخيار دخيل وانما يظهر أثره في حق من له الخيار وفى الهبة الركن الاقوى انما هو الاقباض * ولو(10/111)
رجع المرتهن ولم يعلم به الراهن فتصرف ففى نفوذه وجهان مبنيان على أن الوكيل هل ينعزل بالعزل قبل بلوغ الخبر (الاصح) الانعزال * ومهما أحبل أو أعتق أو باع وقال فعلته بالاذن وأنكر المرتهن فالقول قوله مع يمينه لان الاصل عدم الاذن وبقاء الرهن فان حلف فهو كما لو تصرف بغير اذنه وان نكل فحلف الراهن فهو كما لو تصرف باذنه فان نكل فهل يرد اليمين على الجارية أو العبد فيه طريقان (إحداهما) وبه قال ابن القطان فيه قولان كما لو نكل الوارث عن يمين الرد هل يحلف الغرماء (وأشبههما) وبه قال أبو إسحق وأبو حامد القطع بالرد لان الغرماء يثبتون الحق للميت(10/112)
أولا والجارية والعبد يثبتان لانفسهما ولو وقع هذا الاختلاف بين المرتهن وورثة الراهن حلفوا يمين الرد على البت وهل يثبت اذن المرتهن برجل وامرأتين حكى القاضى ابن كج فيه وجهين والقياس المنع كالوكالة والوصاية ولو حصل عند الجارية المرهونة ولد فقال الراهن قد وطئتها باذنك فأتت بهذا الولد منى وهي أم ولد وقال المرتهن بل هو من زوج أو زنا فالقول قول الراهن بعد أن يسلم له المرتهن أربعة أمور (أحدها) الاذن في الوطئ (والثاني) أنه وطئ (والثالث) أنها ولدت (والرابع) أنه مضى مدة امكان الولد منه فان لم يسلم الاذن فقد ذكرنا أن القول قوله وان لم يسلم أنه وطئ وسلم الاذن فوجهان (الذى) ذكره المعظم أن القول قوله أيضا لان الاصل عدم الوطئ وبقاء الرهن (وقال) القاضى(10/113)
ابن كج والامام الاصح أن القول قول الراهن لانه أخبر عما ما يقدر على انشائه وان سلمهما وقال ما ولدته ولكن التقطته فالقول قوله وعلى الراهن البينة على الولادة أيضا ولو سلم الولادة وانكر مضى الامكان فالقول قوله أيضا ومهما سلم الامور الاربعة فالقول قول الراهن من غير يمين لانه إذا أقر بأن الولد منه لم يقبل رجوعه فكيف يحلف عليه ولو لم يتعرض المرتهن لهذه الامور منعا وتسليما واقتصر على انكار الاستيلاد فالقول قوله أيضا وعلى الراهن اثبات هذه الوسائط (الثانية) إذا أعتق أو وهب باذن المرتهن بطل حقه من الرهن سواء كان الدين حالا أو مؤجلا وليس عليه أن يجعل قيمته رهنا مكانه ولو باع ما يلزمه والدين مؤجل فكذلك خلافا لابي حنيفة حيث قال يلزمه أن يرهن ثمنه مكانه أو يقضى الدين * لنا القياس على الاعتاق والهبة ولو كان الدين حالا قضى حقه من ثمنه وحمل إذنه المطلق على البيع في عرضه لمجئ وقته ولو أنه في البيع بشرط أن يجعل الثمن رهنا مكانه فقولان سواء كان الدين حالا أو مؤجلا (أحدهما) يصح الاذن والبيع وعلى الراهن الوفاء بالشرط وبهذا قال أبو حنيفة والمزنى وأصحاب أحمد لان الرهن قد ينتقل من العين إلى البدل شرعا كما لو أتلف المرهون فجاز أن ينتقل إليه شرطا (وأصحهما) عند المحاملى وصاحب الكتاب أنها فاسدة (أما) الشرط فلان الثمن مجهول عند الاذن فأشبه ما إذا أذن بشرط أن يرهن به مالا آخر مجهولا وإذا بطل الشرط بطل(10/114)
الاذن فأنه وقف الاذن على حصول الوثيقة في البدل وإذا بطل الاذن بطل البيع ولو أذن في الاعتاق وشرط جعل القيمة رهنا أو في الوطئ بهذا الشرط ان أحيل ففيه القولان ولو أذن في البيع بشرط أن يعجل حقه من ثمنه وهو مؤجل فالمنصوص فساد الاذن والبيع لفساد الشرط * وقال أبو حنيفة والمزنى وأصحاب أحمد يصح الاذن والبيع ويجعل الثمن رهنا مكانه وعن أبى اسحق تخريج قول من المسألة السابقة واحتج المزني بأن فساد الشرط لا يوجب فساد الاذن والبيع ألا ترى أنه لو وكل وكيلا ببيع عبده على أن له عشر ثمنه يصح الاذن والبيع مع أن الشرط فاسد لكون الاجرة مجهولة ويرجع الوكيل إلى أجرة المثل وأجاب الاصحاب بأن الموكل لم يجعل لنفسه في مقابلة الاذن شيئا وانما شرط للوكيل جعلا مجهولا فاقتصر الفساد عليه وههنا المرتهن شرط لنفسه
شيئا في مقابلة إذنه وهو تعجيل الحق فإذا فسد فسد ما يقابله ولهذا المعنى قدح قادحون في تخريج أبى اسحق وقالوا الشرط صحيح في المسألة الاولى على قول فصح الاذن المقابل له وههنا المرتهن شرط لنفسه شيئا في مقابلة إذنه وهو تعجيل الحق فالشرط فاسد بالاتفاق فلا يمكن تصحيح ما يقابله ولو اختلفا فقال المرتهن أذنت في البيع بشرط أن ترهن الثمن وقال الراهن بل أذنت مطلقا فالقول قول المرتهن كما لو اختلفا في أصل الاذن * ثم ان كان الاختلاف قبل البيع فليس له البيع وان كان بعده وحلف المرتهن(10/115)
فان صححنا الاذن فعلى الراهن رهن الثمن والا فان صدق المشترى المرتهن فالبيع مردود وهو مرهون كما كان وان كذبه نظر ان أنكر أصل الرهن حلف وعلى الراهن أن يرهن قيمته وان أقر بكونه مرهونا وادعى مثل ما ادعاه الراهن فعليه رد المبيع ويمين المرتهن حجة عليه أيضا قال الشيخ أبو حامد ولو أقام المرتهن بينة على أنه كان مرهونا فهو كما لو أقر المشترى به والله أعلم (وقوله) في الكتاب لانه نقل للوثيقة ليس تعليلا لقول المنع خاصة وانما أشار به إلى كلام ذكره الامام وهو أن الخلاف في المسألة يترتب على الخلاف في رهن ما يتسارع إليه الفساد بالددين المؤجل فان منعناه بذلك لصرنا إلى امتناع نقل الوثيقة من عين إلى عين فعلى هذا لا يجوز الاذن بشرط النقل وان صححناه وقد احتملنا نقل الوثيقة فيجوز شرطه فهذا ما أراده إلا أن لك أن تمنع قوله إذا منعنا رهنه بالدين المؤجل فذلك لمصيرنا إلى امتناع نقل الوثيقة من عين إلى عين ونقول بل ذلك لامتناع النقل من غير التعرض للنقل ولهذا يصح رهنه بالدين المؤجل بشرط البيع عند الاشراف على الفساد وههنا وجد التعرض للنقل * (فرع) منقول عن الام لو أذن المرتهن للراهن في ضرب العبد المرهون فهلك في الضرب فلا ضمان عليه لتولده من مأذون فيه كما لو أذن في الوطئ وأحبل بخلاف ما إذا ضرب الزوج زوجته(10/116)
أو الامام انسانا تعزيرا لان المأذون فيه هناك ليس مطلق الضرب وانما هو ضرب التأديب وههنا أيضا لو قال أدبه فضربه حتى هلك فعليه الضمان * قال (والتركة إذا تعلقت بالديون أنها كالمرهون في منع التصرف فيه * وقيل انه
كالعبد الجاني * فان منع منه فظهر دين يرد العوض بالعيب بعد تصرف الورثة ففى بيعه بالنقص خلاف) * لا شك في أن الديون على المتوفى تتعلق بتركته وفى كون ذلك التعلق مانعا أو أمن الارث خلاف ذكرناه في الزكاة وبينا أن الاصح أنه لا يمنع وعلى هذا في كيفيته قولان ويقال وجهان (أحدهما) أنه كتعلق الارش برقبة الجاني لان كل واحد منهما يثبت شرعا من غير اختيار المالك (والثاني) أنه كتعلق الدين بالمرهون لان الشارع انما أثبت هذا التعلق نظر للميت لتبرأ ذمته فاللائق به الا يسلط الوارث عليه وهذا أظهر فيما ذكره الامام وغيره فلو أعتق الوارث أو باع وهو معسر لم يصح سواء جعلناه كالعبد الجاني أو كالمرهون ويجئ في هذا الاعتاق خلاف وان كان موسرا نفذ في وجه بناء على أن التعلق كتعلق الارش ولم يبعد في وجه بناء على أن التعلق كتعلق الدين بالمرهون وحكى الشيخ ابو علي وجها ثالثا وهو أنهما موقوفان ان قضى الوارث الدين تبينا النفوذ والا فلا ولا فرق بين أن يكون الدين مستغرقا للتركة أو أقل منها(10/117)
على أظهر الوجهين كما هو قياس الديون والرهون (والثانى) أنه ان كان الدين أقل فقد تصرف الوارث إلى أن لا يبقي الا قدر الدين لان الحجر في مال كثير بشئ حقير بعيد وإذا حكمنا ببطلان تصرف الوارث فلو لم يكن في التركة دين ظاهر فتصرف ثم ظهر دين بان كان قد باع شيئا وأكل ثمنه فرد بالعيب ولزم رد الثمن أو تردى مترد في بئر كان قد احتفرها عدوانا فوجهان (أحدهما) أنه يتبين فساد التصرف الحاقا لما ظهر من الدين بالدين المقارن لتقدم سببه (وأظهرهما) أنه لا يتبين لانه كان مسوغا لهم طاهرا فعلى هذا ان أدى الوارث الدين فذك والا فوجهان (أظهرهما) أنه يفسخ ذلك التصرف ليصل المستحق إلى حقه (والثانى) لا يفسخ ولكن يطالب الوارث بالدين ويجعل كالضامن وعلى كل حال فللوارث ان يمسك عين التركة ويؤدى الديون من خالص ماله نعم لو كانت الديون أكثر من التركة فقال الوارث أخذها بقيمتها والتمس الغرماء بيعها على توقع زيادة راغب فوجهان بنوهما على أن السيد يفدى العبد الجاني بأرش الجناية أو بأقل الامرين من قيمته وأرش الجناية والاصح أن المجاب هو الوارث لان الظاهر أنها لا تشترى بأكثر من القيمة
وفى تعلق حقوق الغرماء بزوائد التركة كالكسب والنتاج خلاف يتفرع على ما مر أن الدين هل يمنع الميراث إن منعه نبت التعلق والا فلا (وقوله) ففى بيعه بالنقص خلاف أراد به أنا هل نتبين الفساد على(10/118)
ما هو مبين الوسيط ويمكن حمله على الخلاف في أنا هل نفسخه تفريعا على الصحة واللفظ أقرب إليه ولا يخفى أنه ليس لهذا الفصل كبير تعلق بباب الرهن ولا شبه منه بهذا الموضع لكن صاحب الكتاب اقتدى بامام الحرمين في إبداع هذا الباب إلا أنه رسمه فرعا في آخره * قال (الطرف الثاني * جانب المرتهن * وهو مستحق إدامة اليد ولا تزال يده الا لاجل الانتفاع (ح) نهارا ثم يرد عليه ليلا * ولو شرط التعديل على يد ثالث ليثقوا كل واحد به جاز * ثم ليس للعدل تسليمه إلى أحدهما دون إذن صاحبه * فان فعل ضمن للآخر * ولو تغير حاله بالفسق أو بالزيادة فيه فلكل واحد طلب التحويل منه إلى عدل آخر) * اليد في الرهن بعد لزومه مستحقة للمرتهن فان قوام التوثق بها ولا تزال يده للانتفاع كما سبق ثم يرد إليه ليلا وان كان العبد ممن يعمل بالليل كالحارس فيرد إليه نهارا ولو شرطا في الابتداء وضعه في يد ثالث جاز فربما لا يثق أحدهما بالآخر يثقان به لو شرط وضعه عند اثنين فان نصا على أن لكل واحد منهما الانفراد بالحفظ أو على أن يحفظاه معا في حرز اتبع الشرط وان أطلقا فوجهان لابن سريج (أصحهما) أنه ليس لاحدهما أن ينفرد بالحفظ كما لو أوصي إلى رجلين أو وكل رجلين بشئ لا يستقل أحدهما فعلي هذا يجعلانه في حرز لهما (والثانى) يجوز الانفراد كيلا يشق عليهما فعلى هذا ان اتفقا(10/119)
على كونه عند أحدهما فذاك وان تنازعا والرهن مما ينقسم قسم وحفظ كل واحد نصفه وان كان مما لا ينقسم حفظه هذا مدة وهذا مدة ولو قسماه بالتراضي والتفريع على الوجه الثاني ثم أراد أحدهما أن يرد مافى يده على صاحبه ففى جوازه وجهان لابن سريج وجه المنع أن المشقة قد اندفعت بما جرى وإذا أراد العدل وضع الراهن عنده رده اليهما أو إلى وكيلهما فان كان غائبين ولا وكيل فهو كرد الوديعة وسيأتى وليس له دفعة إلى أحدهما دون إذن الآخر فان فعل ضمن واسترد منه ان كان باقيا
وان تلف في يد المدفوع له نظر ان دفعه إلى الراهن رجع المرتهن بكمال قيمته وان زادت على حقه ليكون رهنا مكانه ويغرم من شاء من العدل والراهن والقرار على الراهن فان غرم العدل فله ان يكلف الراهن قضاء الدين لفك المأخوذ منه وان دفعه إلى المرتهن فللراهن أن يغرم من شاء من العدل والمرتهن قيمته ليكون رهنا والقرار على المرتهن فان كان الحق حالا والدين من جنس القيمة وقع الكلام في التقاض ولو غصب المرتهن الرهن من يد العدل ضمن فلو رده إليه برئ وحكى الامام في النهاية وجها أنه لا يبرأ إلا بالرد إلى المالك أو بأذن جديد للعدل في أخذه والمذهب الاول وكذلك الجواب لو غصب الوديعة من المودع أو العين المكراة من المكترى أو الرهن من المرتهن ثم رد إليهم ولو غصب اللقطة من الملتفط لم يبرأ بالرد إليه ولو غصب من المستعير أو المستام ثم رد فوجهان لانهما مأذونان من(10/120)
جهة المالك لكنهما ضامنان ولو اتفق المتراهنان علي نقل الرهن إلى يد عدل آخر جاز فأن طلبه أحدهما فلا يجاب إلا أن يتغير حاله بفسق أو بضعف عن الحفظ أو يحدث بينه وبين أحدهما عداوة فيطلب نقله فحينئذ ينقل إلى يد آخر يتفقان عليه فأن تشاحا وضعه الحاكم عند من يراه فلو كان من وضعاه عنده فاسقا في الابتداء فازداد فسقا فهو كما لو كان عدلا ففسق وكذا لو مات وأراد أحدهما اخراجه من يد وارثه وكذا لو كان في يد المرتهن فتغير حاله أو مات كان للراهن نقله وفى النهاية نقل وجه أنه إذا مات المرتهن لا تزال يد ورثته ولكن إذا لم يرض الراهن بيدهم ضم القاضى إليهم مشرفا(10/121)
وإذا ادعى العدل هلاك الرهن في يده أو رده فالقول قوله مع يمينه كالمودع ولو أتلف الرهن عمدا أخذت منه القيمة ووضعت عند آخر ولو أتلفه مخطئا أو أتلفه غيره أخذت القيمة ووضعت عنده هكذا ذكره الاكثرون وفرقوا بينه وبين ما إذا كان مأذونا في بيعه حيث لا يتمكن من بيع القيمة المأخوذة بان(10/122)
المأذون في بيع شئ لا يكون ماذونا في بيع بدله والمستحفظ في شئ يكون مستحفظا في بدله وهذا غير محل الكلام ولضعفه ذهب الامام إلى أنه لابد من استحفاظ جديد وقياسه أن يقال لو
كان الرهن في يد المرتهن فاتلف وأخذ بدله كان للراهن الا يرضى بيده في البدل (وقوله) في(10/123)
الكتاب فان تغير حاله بالفسق لا يمكن صرف الكناية فيه إلى العدل في قوله ثم ليس للعدل تسليمه لان العدل لا يكون فاسقا حتى يتغير حاله بالزيادة فيه بل هي منصرفة إلى الثالث في قوله علي يد ثالث وما أشبه ذلك *(10/124)
قال (وللمرتهن استحقاق البيع تقدما به على الغرماء عند حلول الدين ولكن لا يستقل به دون اذن الراهن * بل يرفع إلى القاضى حتى يطالب الراهن أو يكلفه البيع * ولو أذن للعدل وقت الرهن في البيع لم يجب مراجعته ثانيا على الاصح * ولو ضاع الثمن في يد العدل فهو أمانة(10/125)
فان سلم إلى المرتهن باذن الراهن ولكن أنكرا تسليمه فهو ضامن * فان صدقه الراهن ففى ضمانه لتقصيره في الاشهاد خلاف * ولا يبيع العدل الا بثمن المثل * فان طلب بزيادة في مجلس العقد حول العقد إلى الطالب) *(10/126)
المرتهن يستحق بيع المرهون عند الحاجة ويتقدم بثمنه علي سائر الغرماء وانما يبيعه الراهن أو وكيله باذن المرتهن فلو لم يأذن المرتهن وإن أراد الراهن بيعه وأبى المرتهن قال له القاضي ائذن في بيعه وخذ حقك من ثمنه أو ابراه وإن طلب المرتهن البيع وابى الراهن ولم يقبض الدين أجبره الحاكم على قضائه أو(10/127)
البيع إما بنفسه أو بوكيله فان أصر باعه الحاكم وعند أبى حنيفة لا يبيعه ولكن يحبس الراهن حتى يبيع ولو كان الراهن غائبا أثبت الحال عند الحاكم حتى يبيعه فان لم تكن بينة أو لم يكن في البلد حاكم فله بيعه بنفسه كما أن من ظفر بغير جنس حقه من مال المديون وهو جاحد ولابينة له أن يبيع(10/128)
ويأخذ حقه من ثمنه ثم في الفصل مسائل (احداها) لو أذن الراهن للمرتهن في بيعه بنفسه فباع في غيبة الراهن فوجهان (أحدهما) وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد أنه يصح البيع كما لو أذن له في بيع مال آخر (وأصحهما) المنع لانه يبيعه لغرض نفسه فيكون متهما في الاستعجال وترك النظر وان باعه بحضوره صح لانقطاع التهمة هذا ظاهر النص حيث قال ولو شرط للمرتهن إذا حل الحق أن يبيعه لم يجز أن يبيع لنفسه الا بأن يحضر رب الرهن وفيه وجه أنه لا يصح أيضا لانه توكيل فيما يتعلق بحقه فعلى هذا لا يصح توكيله ببيعه أصلا ويتفرع عليه أنه لو شرط ذلك في ابتداء الرهن فان كان الرهن مشروطا في بيع فالبيع باطل وان كان رهن تبرع فعلى القولين في الشروط الفاسدة التابعة للمرتهن أنها هل تبطل الرهن وعلى الاول وهو المذهب في نص لفظ الرهن في الاذن تفصيل مذكور في الكتاب من بعد * واذن الوارث لغرماء الميت في بيع التركة كاذن الراهن للمرتهن وكذا اذن السيد للمجني عليه في بيع العبد الجاني قاله الشيخ أبو حامد والله أعلم * واعلم أن صاحب الكتاب قدر صحة البيع في المرتهن مفروغا منه متفقا عليه وتكلم في أنه لا يستقبل به المرتهن كذلك ساق الامام وأول النص الذى سبق على شئ آخر سنذكره ان شاء الله تعالى (الثانية) إذ وضعا الرهن عند عدل بشرط أن يبيعه عند المحل جاز ثم في اشتراط مراجعة الراهن وتجديد اذنه(10/129)
عند البيع وجهان (أحدهما) وبه قال ابن أبى هريرة يشترط لانه قدر يكون له غرض في استبقاء المرهون ويريد قضاء الحق من غيره (وأصحهما) عند الامام وصاحب الكتاب وبه قال أبو إسحق لا يشترط لان الاصل دوام الاذن الاول (وأما) المرتهن فجواب العراقيين أنه لابد من مراجعته ويحصل اذنه ثانيا ولم يجروا فيه الخلاف ووجهوه بان المرهون انما يباع لا يصال حقه إليه وذلك يستدعى مطالبته بالحق فراجع ليعرف أنه مطالب أو ممهل أو مبرأ وقال الامام لا خلاف في أن المرتهن لا يراجع لان غرضه تقوية الحق بخلاف الراهن فانه قد يستبقى العين لنفسه فتأمل بعد احدى الطريقين عن الاخرى ولو عزل الراهن العدل قبل البيع انعزل وبه قال أحمد كسائر الوكلاء في سائر الاعمال * وقال مالك وأبو حنيفة لا ينعزل ولو عزله المرتهن فوجهان (أحدهما) وهو ظاهر النص أنه ينعزل كما لو عزله الراهن لانه يتصرف لهما جميعا (وأظهرهما) وبه قال أبو إسحق لا ينعزل لانه وكيل
الراهن إذ المرهون له واذن المرتهن شرط جواز التصرف ولا كلام في أنه لو منعه من البيع لم يبع وكذلك لو مات أحدهما (وإذا قلنا) لا ينعزل بعزل المرتهن فلو عاد إلى الاذن جاز البيع ولم يشترط تجديد توكيل من الراهن قال في الوسيط ومساق هذا أنه لو عزله الراهن ثم عادو وكل افتقر إلى تجديد اذن(10/130)
للمرتهن ويلزم عليه أن يقال لا يعتد باذن المرتهن قبل توكيل الراهن ولا بأذن المرأة للوكيل قبل توكيل الولى اياه والكل محتمل (والثالثة) إذا باع العدل وأخذ الثمن فهو أمين والثمن من ضمان الراهن إلى أن يتسلمه المرتهن وبه قال أحمد خلافا لابي حنيفة ومالك حيث قالا هو من ضمان المرتهن * لنا أن الثمن ملك الراهن والعدل أمينه فما تلف في يده يكون من ضمان المالك ولو تلف الثمن في يد العدل ثم خرج الرهن مستحقا فالمشترى بالخيار بين أن يرجع بالثمن على العدل وبين أن يرجع على الراهن * ولو كان العدل قد باع بأذن الحاكم لموت الراهن أو غيبته وتلف الثمن وخرج المرهون مستحقا فللمشترى الرجوع في مال الراهن ولا يكون العدل طريقا للضمان في أصح الوجهين لانه نائب الحاكم والحاكم لا يطالب فكذلك نائبه (والثانى) يكون طريقا كالوكيل والوصى * وإذا ادعى العدل تلف الثمن في يده قبل قوله مع يمينه فان ادعي تسليمه إلى المرتهن وأنكر المرتهن فالقول قول المرتهن مع يمينه * وعن أبى حنيفة أن القول قول العدل مع يمينه وإذا حلف المرتهن أخذ حقه من الراهن ويرجع الراهن على العدل وان كان قد أذن له في التسليم نعم لو أذن أولا وصدقه في التسليم فوجهان (أظهرهما) أنه يضمن ايضا لتقصيره بترك الاشهاد (والثانى) لا لاعتراف الراهن بانه امتثل ما أمره به والمرتهن ظالم فيما يأخذه وبهذا قال ابن الوكيل والوجهان فيما إذا أطلق الاذن في(10/131)
التسليم (فاما) إذا شرط عليه الاشهاد فتركه ضمن بلا خلاف وإذا ضمن بترك الاشهاد فلو قال اشهدت وماتت شهودي وصدقه الراهن فلا ضمان وان كذبه فوجهان نشرحهما مع ما يناسب هذه الصورة في الضمان ان شاء الله تعالى (الرابعة) إذا جاز للعدل البيع لم يبع الا بثمن المثل أو بما دونه في قدر ما تتغابن به الناس وليكن ذلك من نقد البلد حالا فان أجل بشئ من هذه الشروط لم يصح البيع وعن القاضى أبى حامد حكاية وجه أنه لو باع نسيئة صح ولا اعتبار به ولو سلم إلى المشترى صار
ضامنا ثم للمبيع حالتان (احداهما) أن يكون باقيا فيستردد ويجوز للعدل بيعه بالاذن السابق وان صار مضمونا عليه فإذا باعه وأخذ الثمن لم يكن الثمن مضمونا عليه لانه لم يتعد فيه (الثانية) أن يهلك في يده فان كان قد باع بغير نقد البلد أو نسيئة فالراهن بالخيار في تغريم من شاء من العدل أو المشترى كمال قيمته وان باع بدون ثمن المثل فقولان (أصحهما) وبه قيل أبو إسحق ان الحكم كذلك لانه أخرجه من يده على وجه غير متبوع (والثانى) أنه ان غرم العدل حط النقصان الذى كان محتملا في الابتداء مثاله لو كان ثمن مثله عشرة وكان يتغابن فيه بدرهم فباعه بثمانية يغرم تسعة ويأخذ الدرهم الباقي من المشترى هكذا نقلوه وغالب الظن طرد هذا الخلاف في البيع بغير نص نقد البلد والنسيئة(10/132)
وان اتفق النص على القولين في الغبن ويؤيده أن صاحب التهذيب في آخرين جعلوا كبقية تغريم الوكيل إذا باع على أحد هذه الوجوه وسلم على الخلاف وسووا بين الصور الثلاث ومعلوم أنه لا فرق بين العدل في الرهن وبين سائر الوكلاء وعلى كل حال فالقرار على المشترى لحصول الهلاك عنده * (فرع) لو قال أحد المتراهنين بعه بالدراهم وقال الآخر بالدنانير لم يبع بواحد منهما لاختلافهما في الاذن لكن يرفعان الامر إلى الحاكم ليبيع بنقد البلد ثم ان كان الحق من جنس نقد البلد فذاك وإلا صرف نقد البلد إليه ولو رأى الحاكم أن يبيعه بجنس حق المرتهن جاز (الخامسة) إذا باع بثمن المثل ثم زاد راغب قبل التفرق فليفسخ العقد ولبيعه منه فان لم يفعل فوجهان (أحدهما) أن البيع لا ينفسخ لان حصول الزيادة غير موثوق به (وأصحهما) الانفساخ لان مجلس العقد كحالة العقد وليس له أن يبيع بثمن المثل وهناك من يبذل زيادة فعلى هذا لو بدا للراغب نظر إن كان قبل التمكن من البيع منه فالبيع الاول بحاله وان كان بعده فقد ارتفع ذلك البيع فلا بد من بيع جديد وفى طريقة الصيدلانى أنه إذا بدا له بان بان البيع بحاله كما لو بذل الابن الطاعة لابيه في الحج وجعلناه مستطيعا به ثم رجع من الطاعة قبل أن يحج أهل بلده فأنا نتبين عدم الوجوب ولو لم ينفسخ العقد في البيع الاول وباع من الراغب ففى كونه فسخا لذلك البيع ثم في صحته في نفسه خلاف سبق في البيع وأشار الامام في المسألة إلى شئ آخر وهو أن الوكيل بالبيع لو باع ثم فسخ البيع هل يمكن من البيع مرة أخرى فيه خلاف(10/133)
والامر بالبيع من الراغب ههنا جواب على أنه يتمكن منه أو مفروض فيما إذا صرح بالاذن بذلك وأكثر هذه المسائل يطرد في جميع الوكالات * قال (وعلى الراهن مؤنة المرهون * وأجرة الاصطبل * وعلف الدابة * وسقى الاشجار * ومؤنة الجذاذ من خاص ماله على الاصح وقيل انه يباع فيه جزء من المرهون * فان كان بحيث تهلكه النفقة يباع كما يفعل بما يتسارع إليه الفساد * ولا يمنع الراهن من الفصد والحجامة والختان * ويمنع من قطع سلعة فيه خطر) * مؤونات الرهن التى بها يبقى الرهن كنفقة العبد وكسوته وعلف الدابة على الراهن لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا يغلق الرهن من راهنه له غرمه وعليه غنمه) قوله من راهنه أي من ضمان راهنه وفى معناه سقى
__________
(حديث) لا يغلق الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه.
ابن حبان في صحيحه والدارقطني والحاكم أو البيهقى من طريق زياد بن سعد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة مرفوعا لا يغلق الرهن له غنمه وعليه غرمه وأخرجه ابن ماجه من طريق اسحاق بن راشد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يغلق الرهن انتهى من سنن ابن ماجه وأخرجه الحاكم من طرق عن الزهري موصولة أيضا ورواه الاوزاعي ويونس وابن أبى ذئب عن الزهري عن سعيد مرسلا ورواه شافعي عن ابن أبى فديك وابن أبى شيبة عن وكيع وعبد الرزاق عن الثوري كلهم عن أبى ذئب كذلك ولفظه لا يغلق الرهن من صاحبه الذى رهنه له غنمه وعليه غرمه قال الشافعي غنمه زيادته وغرمه هلاكه وصحح أبو داود والبزار والدارقطني وابن القطان إرساله وله طرق في الدارقطني البيهقي كلها ضعيفة وصحح ابن عبد البر(10/134)
الاشجار والكروم ومؤونة الجذاذ وتجفيف الثمار وأجرة الاصطبل والبيت الذى يحفظ فيه المتاع المرهون إذا لم يتبرع به المرتهن أو العدل وأجرة من يرد العبد من الاباق وما أشبه ذلك ثم حكى الامام والمتولي وجهين في أن هذه المؤنات هل يجبر الراهن عليها حتى يقوم بها من خالص ماله (أصحهما) الاجبار استبقاء لوثيقة المرتهن (والثانى) عن الشيخ أبى محمد وغيره أنه لا يجبر عند الامتناع ولكن يبيع
القاضى جزءا من المرهون بحسب الحاجة * وقد قرع الامام على هذا أن النفقة لو كانت تأكل الرهن قبل الاجل ألحق بما يفسد قبل الاجل فيباع ويجعل ثمنه رهنا ولك أن تقول هذا اما أن يحلق بما لا يتسارع إليه الفساد ثم عرض ما أفسده أو بما يتسارع إليه الفساد لا وجه للاول لان العارض ثم اتفاقي غير متوقع والحاجة إلى هذه المؤنات معلومة محققة وان كان الثاني لزم اثبات الخلاف المذكور في رهن ما يتسارع إليه الفساد في رهن كل ما يحتاج إلى نفقة أو مكان يحفظ فيه وأنه بعيد وبه يظهر ضعف الوجه من أصله وإذا قلنا بالاصح فلو لم يكن للراهن شئ أو لم يكن حاضرا باع بالحاكم جزءا من المرهون واكترى به بيتا يحفظ فيه الرهن هكذا قاله الائمة وقد مر في مؤنة السقى والجذاذ والتجفيف مثله وأما المؤنات الدائمة فيشبه أن يقال حكمها حكم مالو هرب الجمال وترك الجمال المكتراة أو(10/135)
عجز عن الانفاق عليها هذه احدى مسألتي الفصل (والثانية) أنه لا يمنع الراهن من أن يفعل بالمرهون ما فيه منفعته كفصد العبد وحجامته وتوديج الدابة وبزغها والمعالجة بالادوية والمراهم لكن لا يجبر عليها بخلاف النفقة وأجرى صاحب التتمة الوجهين في المداواة ثم ان كانت المداواة فيما يرجى نفعه ولا يخاف منه غائلة فذاك وان كان يخاف فعن أبى اسحق أن للمرتهن المنع منه وقال أبو على الطبري لايمنع ويكتفى بأن الغالب منه السلامة واختاره القاضى أبو الطيب ويجرى الخلاف في قطع اليد المتأكلة إذا كان في قطعها وتركها خطر فان كان الخطر في الترك دون القطع فله القطع وليس له قطع سلعة وأصبع لاخطر في تركها إذا خيف منه ضرر فان كان الغالب السلامة ففيه الخلاف وله أن يختن العبد والامة في وقت اعتدال الهواء ان كان يندمل قبل حلول الاجل لانه أمر لابد منه والغالب فيه السلامة وان لم يندمل وكان فيه نقص لم يجزو كذلك لو كان به عارض يخاف(10/136)
معه من الختان ووراء هذه صورتان (إحداهما) له تأبير النخل المرهونة ولو ازدحمت وقال أهل البصر تحويلها أنفع جاز تحويلها وكذا لو رأى قطع بعض لصلاح الاكثر ثم ما يقطع منها لو يجف يبقى مرهونا بخلاف ما يحدث من السعف ويجف فان الراهن يختص بها وينزل منزلة الثمار وما كان ظاهرا منها
عند الرهن قال في التتمة فهو مرهون وقال في الشامل لافرق (الثانية) لا يمنع من رعى الماشية في وقت الامن وتاوي ليلا إلى يد المرتهن أو العدل وإذا أراد الراهن أن يبعد في طلب النجعة وبالقرب ما يبلغ منها مبلغا فللمرتهن المنع والا فلا منع وتأي إلى يد عدل ينفقان عليه أو ينصبه الحاكم وان أراد المرتهن ذلك وليس بالقرب ما يكفى فلا منع وكذا لو أراد نقل المتاع من بيت غير محرز إلى محرز ولو بيعا بهما المكان وأرادا الانتقال نظر ان انتقلا إلى أرض واحدة فلا اشكال والا جعلت الماشية مع الراهن وحتاط ليلا كما سبق (وقوله) في الكتاب وأجرة الاصطبل معلم بالحاء لان عنده مؤنة البيت والاصطبل علي المرتهن ان لم يزد الرهن على قدر الدين فان زاد فقسط الزيادة على الراهن وبمثله أجاب في المداواة وأجرة رد الآبق (وقوله) على الاصح يتعلق به من خالص ماله لا بأصل لزوم المؤنة عليه فالمقابل للاصح قوله وقيل يباع إلى آخره * قال (والمرهون أمانة (ح) في يده * ولا يسقط (ح) بنلفه شئ من الدين * ولو أذن له في الغراس بعد شهر فهو بعد الغراس عارية مضمونة * وان شرط أن يكون مبيعا منه بعد شهر بالدين فهو بعد الشهر مضمون لانه مبيع بيعا فاسدا * وللفساد حكم الصحة في ضمان العقود * لو ادعى المرتهن تلفا أو ردا فهو كالمودع عند المراوزة * والقول قوله * وطردوا ذلك في المستأجر * وكل يد هي غير مضمنة * وقال العراقيون يختص ذلك بالوديعة وبالوكيل بغير أجرة * ومن عداهما يطلب بالبينة قياسا لان المودع وقع الاعتراف بصدقه وأمانته دون غيره * والمرتهن من الغاصب عند المراوزة كالمودع من الغاصب يطالب ولا يستقر الضمان عليه وان تلف في يده * وكذا المستأجر بخلاف المستعير والمستام *(10/137)
وعند العراقيين في مطالبتهم وجهان * ثم في قرار الضمان بعد المطالبة وجهان آخران) * في الفصل أصلان وفروع (أحد) الاصلين أن المرهون أمانة في يد المرتهن لا يسقط بتلفه شئ من الدين ولا يلزمه ضمانه إلا إذا تعدى فيه وبهذا قال أحمد * وقال أبو حنيفة هو مضمون بالاقل من قيمته أو الدين فان كانت قيمته أقل سقط بتلفه من الدين بقدر قيمته والا سقط الدين ولا يضمن الزيادة وقال مالك ما يظهر هلاكه كالحيوان والعقار والاشجار أمانة وما يخفي هلاكه كالنقود والعروض مضمون
بالدين لانه يتهم فيه * لنا أن بعض المرهون أمانة فكذلك كله كالوديعة وأيضا فان الرهن شرع وثيقة الدين فهلاك محله لا يسقطه كموت الكفيل وإذا برئ الراهن عن الدين باداء أو ابراء أو حوالة كان الرهن أمانة أيضا في يد المرتهن ولا يصير مضمونا عليه الا إذا امتنع من الرد بعد المطالبة وقال ابن الصباغ ينبغى أن يكون المرتهن بعد الابراء كمن طير الريح ثوبا إلى داره حتى يعلم المرتهن به أو يرده لانه لم يرض بيده إلا على سبيل الوثيقة (والاصل الثاني) أن كل عقد يقتضى صحيحه الضمان فكذلك فاسده ومالا يقتضى صحيحه الضمان فكذلك فاسده (وأما) الطرف الاول فلان الصحيح إذا أوجب الضمان فالفاسد أولى باقتضائه (وأما) الثاني فلان من أثبت اليد أثبته عن اذن المالك ولم يلزم بالعقد ضمانا ولا يكاد يوجب التسليم والتسلم الا من معتقدي الصحة (وأما) الفروع فأربعة (أحدها) لو أعار المرهون من(10/138)
المرتهن لينتفع به ضمنه وعند أبى حنيفة يخرج عن كونه مضمونا بناء علي أن العارية غير مضمونة ولو رهنه أرضا وأذن له في الغراس بعد شهر فهى بعد الشهر عارية وقبله أمانة حتى لو غرس قبله قلع ولو غرس بعده فسيأتي الحكم في العارية (وقوله) في الكتاب وهو بعد الغراس عارية يجب تأويله لانه بعد الشهر عارية غرس أو لم يغرس (وثانيها) لو رهن منه مالا على أنه إذا حل الاجل فهو مبيع منه أو على أن يكون مبيعا منه بعد شهر فالرهن والبيع فاسدان (أما) الرهن فلكونه مؤقتا (وأما) البيع فلكونه مشروطا ويكون المال أمانة في يده قبل دخول وقت البيع وبعده مضمونا لان البيع عقد ضمان ونقل وجها في النهاية أنه انما يصير مضمونا إذا أمسكه عن جهة البيع أما إذا أمسكه عن موجب الرهن فلا والمذهب الاول فلو كان أرضا فغرس فيه المرتهن أو بنى قبل دخول وقت البيع قلع مجانا وكذا لو غرس بعده وهو عالم بفساد البيع وان كان جاهلا لم يقلع مجانا لوقوعه باذن المالك وجهله بعدم الجواز فيكون الحكم كما لو غرس من المستعير ورجع المعير (وثالثها) إذا ادعى المرتهن تلف الرهن في يده قبل قوله مع يمينه وعن مالك أنه ان خفى هلاكه لم يقبل * وان ادعى رده إلى الراهن فطريقة العراقيين من أصحابنا أن القول قول الراهن مع يمينه ولا يقبل قول المرتهن الا ببينة لانه أخذه لمنفعة نفسه(10/139)
فأشبه المستعير ويخالف دعوى التلف لانه لا يتعلق بالاختيار فلا يتساعد فيه البينة قالوا وكذا الحكم في المستأجر إذا ادعى الرد * ويقبل قول المودع والوكيل بغير الجعل مع اليمين لانهما أخذا المال بمحض غرض المالك وقد أئتمنها فليصدقهما وفى الوكيل بالجعل والمضارب والاجير المشترك إذا لم يضمنه ذكرنا وجهين (أحدهما) أنهم مطالبون بالبينة لانهم أخذوا لغرض أنفسهم في الاجرة والربح (وأصحهما) أنه يقبل قولهم مع ايمانهم لانهم أخذوا العين لمنفعة المالك وانتفاعهم بالعمل في العين لا بالعين بخلاف المرتهن والمستأجر وهذه الطريقة هي التى سلكها أكثر الاصحاب سيما قدماؤهم وتابعهم القاضى الرويانى وذهب بعض الخراسانيين من المراوزة وغيرهم أن كل أمين يصدق في دعوى الرد كالمودع قالوا ولا عبرة بمنفعته في الاخذ كما لا عبرة بها في وجوب الضمان عند التلف بخلاف المستعير والمستام واعرف في لفظ الكتاب من الفرع شيئين (أحدهما) أنه سوى بين التلف والرد وساق الطريقين في دعواهما جميعا وليس كذلك بل الكل مطبقون على تصديقه في دعوى التلف وانما الاختلاف في الرد * واعلم أن قولنا يقبل قوله في التلف نريد به القبول في الجملة وله تفصيل نذكره في كتاب الوديعة إن شاء الله تعالى (والثانى) أنه لم يحك طريقة العراقيين بتمامها ولم يستوعب مواضع الوفاق والخلاف بالذكر ولفظه في تخصيص التصديق بالمودع والوكيل بغير جعل لا يستمر الا على أحد الوجهين الذين نقلوهما (وقوله) لان المودع وقع الاعتراف بصدقه وأمانته لا يتضح به الفرق إذ لابعد في أن يقال كل أمين يقع الاعتراف بصدقه وأمانته والذى ذكروه في الفرق أن الوديعة ائتمان محض لاغرض للآخذ فيها كما(10/140)
مر (ورابعها) لو رهن الغاصب المغصوب من انسان فتلف في يد المرتهن فللمالك تضمين الغاصب وفى تضمين المرتهن طريقان قا العراقيون فيه وجهان لابن سريج (أحدهما) أنه لا يطالب بالضمان لان يده يد أمانة (وأصحهما) أنه يطالب لتفرغ يده على يد الغاصب وعدم ائتمان المالك إياه وعلى هذا فيستقر الضمان عليه أم يرجع على الغاصب فيه وجهان (أحدهما) يستقر لحصول التلف عنده فينزل التلف منزلة الاتلاف في المغصوبات (وأظهرهما) أنه يرجع لتغرير الغاصب إياه وعدم التعدي منه هذه طريقة وعن المروازة القطع بالمطالبة وعدم الاستقرار والطريقان جاريان في المتسأجز من الغاصب
والمودع منه والمضارب والذى دفع المغصوب إليه ووكله ببيعه وكل ذلك فيما إذا جهلوا كونه مغصوبا فان علموا فهم غاصبون أيضا والمستعير منه والمستام فيطالبان ويستقر عليهما الضمان لان يد كل واحد منهما يد ضمان وهذه الصور تعود في الغصب (وقوله) في الكتاب وعند العراقيين في مطالبتهم وجهان يرجع إلى المرتهن والمستأجر والمودع دون المستعير والمستام (ومن) الفروع التى تندرج في الفصل أنه لو رهن بشرط أن يكون مضمونا على المرتهن يفسد الشرط والرهن ثم لا يكون مضمونا عليه (ومنها) لو قال خذ هذا الكيس واستوف حقك منه فهو امانة في يده قبل أن يستوفى حقه فإذا استوفى حقه منه كان مضمونا عليه ولو قال وفيه دراهم خذه بدراهمك وكانت الدراهم التى فيه مجهولة القدر أو كانت أكثر من دراهمه لم يملكه ودخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد وان كانت معلومة وبقدر حقه ملكها ولو قال خذ هذا العبد بحقك ولم يكن سليما فقبل ملكه وان لم يقبله وأخذه دخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد *(10/141)
قال (والمرتهن ممنوع من كل تصرف قولا وفعلا فان وطئ فهو زان * وان ظن الاباحة فواطئ بالشبهة * فان أذن له الراهن وعلم التحريم فزان * وقيل مذهب عطاء في إباحة الجوارى بالاذن شبهة * وان ظن حلا فواطئ بالشبة * وفى وجوب المهر عليه وقيمة الولد عليه وجهان من حيث أن الاذن ضعيف الاثر في الوطئ بدليل المفوضة) * ليس للمرتهن في المرهون سوى حق الاستيثاق (أما) البيع وسائر التصرفات القولية الانتفاعات وسائر التصرفات العقلية فهو ممنوع من جميعها ولو وطئ الجارية المرهونه لم يخل إما أن يطأ بدون اذن الراهن أو باذنه (الحالة الاولى) ان يطأ بدون اذنه فهو كما لو وطئ غير المرهونة وان ظنها زوجته أو أمته فلا حد وعليه المهر والولد حر نسيب وعليه قيمته للراهن وان لم يظن ذلك ولم يدع جهلا فهو زان يلزمه الحد كما لو وطئ المستأجر الجارية المكراة ويجب المهر إن كانت مكرهة وان كانت مطاوعة لم يجب على الاصح وهذا الخلاف بتوجيهه مذكور في الغصب وان ادعى الجهل بالتحريم لم يقبل إلا أن يكون حديث العهد بالاسلام أو نشأ في بادية بعبدة عن بلاد المسلمين فقبل قوله لدفع الحد وحكى المسعودي في قبوله لثبوت النسب خلافا للاصحاب وأجرى مسألة في حرية
الولد ووجوب المهر والاصح ثبوت الكل لان الشبة كما تدرأ الحد تثبت النسب والحرية وإذا سقط الحد وجب المهر (والثانية) أن يطأ باذنه فان علم أنه حرام فظاهر المذهب أنه يجب عليه الحد وفيه وجه أنه لا يجب لاختلاف العلماء فان عطاء بن أبى رباح رضى الله عنه كان يجوز وطئ الجارية باذن مالكها وان ادعي الجهل بالتحريم فوجهان (أحدهما) أنه لا يقبل إلا أن يكون حديث العهد بالاسلام أو من في معناه كما في الحالة الاولى (وأصحهما) وبه قال القاضى أبو الطيب أنه يقبل ويرفع الحد وان نشأ بين المسلمين لان التحريم بعد الاذن لما خفى على عطاء مع أنه من علماء التابعين لا يبعد(10/142)
خفاؤه على العوام وإذا اندفع الحد فهل يلزمه المهر (أما) إذا كانت مطاوعة فلا لانضمام اذن المستحق إلى طواعيتها (وأما) إذا كانت مكرهة فقولان (أحدهما) أنه لا يجب أيضا لان مستحق المهر قد أذن فاشبه ما لو زنت الحرة (وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة يجب لان وجوب المهر حيث لا يجب الحد حق الشرع فلا يؤثر فيه الاذن كما أن المفوضة تستحق المهر بالدخول مع تفويضها وان كان قد أولدها بوطئه فالولد حر نسيب وفى وجوب قيمة الولد طريقان (أحدهما) أنه على القولين في المهر (وأصحهما) الوجوب جزما والفرق أن الاذن في الوطئ رضا باتلاف المنفعة وليس رضا بالاحبال جزما وأيضا فان الاذن لا أثر له في حرية الولد وانما الموجوب له ظن الواطئ فحسب ولا تصير الجارية أم ولد للمرتهن بحال وإن ملكها يوما من الدهر ففيه قولان إذا كانت الصورة صورة ثبوت النسب (وقوله) في الكتاب فهو زان يمكن اعلامه بالحاء لانه لا حد عليه في رواية عن أبى حنيفة (وقوله) فان ظن إباحته فوطئ بالشبهة غير مجرى على اطلاقة بل المراد ما إذا كان حديث العهد(10/143)
بالاسلام أو من في معناه (وأما) قوله وفى وجوب المهر وقيمة الولد وجهان ففيه نظران (أحدهما) أن الخلاف في المهر قولان لا وجهان وقد نص عليهما في المختصر (والثانى) أنه أجاب بطريقة اثبات الخلاف في القيمة والاصح عند الائمة الطريقة النافية للخلاف ويجوز إعلام القيمة بالواو إشارة إليها *
(فرع) زعم المرتهن بعد الوطئ أن الراهن قد باعها منه أو وهبها وأقبضها فانكر الراهن فالقول قوله مع يمينه فان حلف فهى والولد رقيقان له ثم لو ملكها يوما من الدهر فهى أم ولد له والولد حر لا قراره السابق كما لو أقر بحرية عبد الغير ثم اشتراه فان نكل الراهن وحلف المرتهن فالولد حر وهى أم ولد له * قال (وهذه الاحكام تثبت في غير الرهن وبدله الواجب بالجناية على المرهون إذ يسرى(10/144)
إليه حق الرهن حتى لا ينفذ ابراء الرهن استقلالا ولا ابراء المرتهن إذ لا دين له * ولا يسري إلى الكسب والعقر (ح) والزيادات العينية (ح) كاللبن والولد (ح) والصوف والثمرة (ح) * فان كان الولد مجتنا حالة البيع والعقد كان تابعا * وان كان مجتنا في احدى الحالتين ففى تبعيته خلاف) * مقصود هذه البقية بيان ما يتعلق به حق الوثيقة وتثبت فيه أحكامها ولا شك في تعلقه بعين الرهن والكلام وراءها في بدل الرهن وزوائد المرهون * (الفصل الاول) في بدله * ومهما جنى على المرهون وأخذ من الجاني الارش انتقل حق الرهن إليه كما ينتقل الملك لقيامه مقام الاصل ويجعل في يد من كان الاصل في يده من المرتهن أو العدل والى ان يؤخذ هل يقال بانه مرهون (قال) قائلون لا لانه دين والديون لا تكون مرهونة فإذا تعين صار مرهونا والحالة المتخللة كتخمر العصير وتخلله بعده وقال آخرون هو مرهون كما كان لانه مال بخلاف الخمر ومنعوا خروجه عن كونه مرهونا بخروجه عن كونه عنبا وانما المسلم أنه لا يرهن(10/145)
الدين ابتداء والخصم في بدل المرهون انما هو الراهن لانه المالك كما لو جني على العبد المستأجر أو المودع يكون الخصم فيها المالك فلو قعد عن الخصومة فقولان في ان المرتهن هل يخاصم قال في التهذيب (اصحهما) عند الاصحاب وبه قال القفل انه لا يخاصم قال ورأيت بخط شيخي أن للمرتهن أن يدعى ويخاصم فيه وكذلك المستأجر إذا ادعى العين وقال لمن في يده انها ملك فلان اجرها منى وانما لا يدعى المستأجر القيمة لان حقه لا يتعلق بها قال وهو القياس وإذا خاصم فللمرتهن أن يحضر خصومته
لتعلق حقه بما يأخذه ثم ان اقربه الجاني أو اقام الراهن البينة أو حلف بعد نكول المدعى عليه ثبتت الجناية وان نكل الراهن فهل يحلف المرتهن فيه قولان كما إذا نكل المفلس هل يحلف الغرماء وإذا تبنت الجناية فان كانت عمدا فللراهن ان يقبض ويبطل حق المرتهن وان عفا عن القصاص مطلقا ثبت المال ان قلنا مطلق العفو يوجب المال والا لم يجب وهو الاصح هكذا قاله صاحب(10/146)
التهذيب وان عفا على أن لا مال (فان قلنا) إن موجب العمد أحد الامرين لم يصح عفوه عن المال وان قلنا) أن موجبه القود (فان قلنا) إن مطلق العفو لا يوجب المال لم يجب شئ (وان قلنا) يوجبه فوجهان (أحدهما) يجب لحق المرتهن (وأصحهما) المنع لان القتل لم يوجبه وإنما يجب بعفوه المطلق أو بعفوه على المال وذلك نوع اكتساب منه وليس عليه الاكتساب للمرتهن وان لم يقبض في الحال ولم يعف ففى اجباره على أحدهما طريقان (أحدهما) يجبر ليكون المرتهن على ثبت من أمره (والثانى) ان قلنا موجب العمد أحد الامرين اجبر (وان قلنا) موجبه القود لم يجبر لانه يملك اسقاطه فتأخيره أولى بان يملكه * وان كانت الجناية خطأ أو عفا ووجب المال فعفا عن المال لم يصح عفوه لحق المرتهن وفيه قول أن العفو موقوف ويؤخذ المال في الحال لحق المرتهن فان انفك الرهن رد إلى الجاني وبان صحة العفو والا بان بطلانه ولو أراد الراهن أن يصالح عن الارش الواجب على جنس آخر لم يجز إلا باذن المرتهن فإذا أذن صح وكان المأخوذ مرهونا هكذا نقلوه ولك أن تقول قد مر أنه إذا أذن في البيع والدين مؤجل فباع يرتفع الرهن ولا يكون الثمن رهنا وأنه إذا اذن بشرط أن يكون الثمن رهنا ففي كونه رهنا قولان وقياسه أن يكون المصالح عليه كذلك لان الصلح بيع ولو أبرأ المرتهن الجاني لم يصح لانه ليس بمالك وهل يسقط حقه عن الوثيقة بهذا الابراء فيه وجهان (أحدهما) نعم(10/147)
ويخلص المأخوذ المراهن كما لو صرح باسقاط حق الوثيقة (وأصحهما) لا لانه لم يصح ابراؤه فلا يصح ما يتضمنه الابراء كما لو وهب المرهون من انسان لم يصح ولا يبطل الرهن * (الفصل الثاني) في زوائد المرهون وهي إما متصلة كسمن العبد وكبر الشجرة والثمرة فتتبع الاصل
في الرهن أو منفصلة كالثمره والولد واللبن والبيض والصوف فلا يسرى إليها الرهن وبه قال أحمد وعند أبى حنيفة يسرى وقال مالك الولد مرهون والثمرة غير مرهونة * لنا القياس على ولد الجارية الجانية فان الارش لا يتعلق به بالاتفاق وكمان أن هذه الزوائد غير مرهونة فكذلك مهر الجارية إذا وطئت بالشبهة بل أولى لانه غير حاصل من نفس المرهون وعند أبى حنيفة هو مرهون ايضا ولا خلاف في أن كسب العبد المرهون ليس بمرهون هذا في الزوائد الحادثة بعد الرهن ولو رهن حاملا أو مست الحاجة إلى البيع وهى حامل بعد فيباع كذلك في الدين لانا ان قلنا الحمل يعلم فكأنه صرح برهنها والا فقد رهنا والحمل محض صفة ولو ولدت قبل البيع فهل الولد رهن فيه قولان مبنيان على أن الحمل هل يعلم (ان قلنا) لا فهو كالحادث بعد العقد (وان قلنا) نعم فهو رهن يباع مع الام كما لو رهن شيئين وزاد الشيخ أبو محمد فقال ان قلنا نعم ففى كونه مرهونا قولان لضعف الرهن عن الاستتباع وقد سبق نظائره فان قلنا الولد لا يكون مرهونا فلو صرح في العقد وقال رهنتها مع حملها قال الامام فيه تردد للاصحاب والظاهر أنه لا يكون مرهونا أيضا إذ لو جاز ذلك لجاز افراده ولو حبلت بعد الرهن وكانت حاملا عند الحاجة إلى البيع (فان قلنا) الحمل لا يعلم بيعت حاملا وهو كزيادة متصلة (وان قلنا)(10/148)
يعلم لم يكن الورد مرهونا وتعذر بيعها لان استثناء الحمل لا يمكن ولا سبيل إلى بيعها حاملا ويوزع الثمن على الام والحمل لان الحمل لا تعرف قيمته * فلو رهن نخلة فاطلعت فطريقان (احدهما) ان بيعها مع الطلع على قولين كما في الحمل (والثاني) القطع بان الطلع غير مرهون لانه يمكن افراده بالعقد فلا يجعل بيعا فإذا قلنا انه غير مرهون تباع النخلة ويستثني الطلع بخلاف الجارية الحامل ولو كانت مطلعة وقت الرهن ففى دخول الطلع ما سبق في الباب الاول فان أدخلناه فجاء وقت البيع وهو طلع بعد بيع مع النخل ولو أبرت فطريقان (احدهما) ان الحكم كما إذا ولدت الحامل (والثانى) القطع ببيعه مع النخل لانه معلوم مشاهد وقت الرهن (وقوله) في الكتاب والزيادات العينية أراد به الزيادات الحادثة من العين لا كالكسب والمهر (وقوله) حالة الرهن والبيع يقتضى اعتبار نفس العقد في مقارنة الولد وحدوثه بعده والامر على ما يدل عليه ظاهره وكذا القول في سائر الزوائد وحكى الامام وجها آخر أن الاعتبار بحالة القبض لان
الرهن به يتم * (فرع) أرش الجنابة على المرهونة وافتضاض البكر مرهونان بدل جزء من المرهون وليسا من الزوائد *(10/149)
(فرع) لو ضرب الجارية المرهونة ضارب فالقت جنينا ميتا فعلى الضارب عشر قيمة الام ولا يكون مرهونا لانه بدل الولد وإن دخلها نقص لم يجب بسببه شئ آخر ولكن قدر أرش النقصان من العشر يكون رهنا وان القته حيا ومات ففيما يجب على الجاني قولان (أصحهما) قيمة الجنين حيا وأرش نقص الام ان انتفصت فعلى هذا القيمة للراهن والارش مرهون (والثانى) أكثر الامرين من أرش النقص أو قيمة الجنين فعلى هذا إن كان الارش أكثر فالمأخوذ رهن كله وان كانت القيمة أكثر فقدر الارش من المأخوذ رهن والبهيمة المرهونة إذا ضربت فالقت جنينا ميتا فلا شئ على الضارب سوى أرش النقصان ان نقصت ويكون رهنا * قال (الطرف الثالث في فك الرهن وهو حاصل بالتفاسخ * وفوات عين المرهون بآفة سماوية * ويلتحق به ما إذا جني العبد وبيع في الدين فانه فات بغير بدل * وكما يقدم حق المجني عليه علي حق المالك يقدم على حق المرتهن) * الرهن ينفك باسباب (أحدها) الفسخ منهما أو من المرتهن وحده فان الرهن جائز من جهته (والثانى) تلف المرهون بآفة سماويه ولو جني العبد المرهون لم يبطل الرهن بمجرد الجناية ولكن ينظر أتتعلق الجناية باجنبي أم بالسيد (القسم الاول) أن تتعلق باجنبي فيقدم حق المجني عليه لان حقه متعين في الرقبة وحق المرتهن متعلق بذمة الراهن وبالرقبة وأيضا فان حق المجني عليه متقدم(10/150)
على حق المالك فأولى أن يتقدم على حق المستوثق ثم ان أوجبت الجناية القصاص واقتص المجني عليه بطل الرهن وان أوجبت المال أو عفا على مال بيع العبد في الجناية وبطل الرهن أيضا حتى لو عاد إلى مالك الراهن لم يكن هنا إلا بعقد جديد * ولو كان الواجب دون قيمة العبد بيع منه بقدر الواجب وبقى الباقي رهنا فان تعذر بيع البعض أو انتقص
بالتشقيص بيع الكل وما فضل من الثمن عن الارش يكون رهنا ولو عفى المجني عليه عن المال أو فداه الراهن بقي العبد رهنا كما كان وكذا لو فداه المرتهن ثم في رجوعه على الراهن ما ذكرناه في رهن أرض الخراج وعند أبى حنيفة ضمان جناية المرهون على المرتهن بناء على أن المرهون مضمون عليه فان فداه المرتهن بقى رهنا ولا رجوع له بالفداء وان فداه السيد أو بيع في الجناية سقط دين المرتهن ان كان بقدر الفداء أو دونه وهذا كله فيما إذا جنى العبد بغير اذن السيد أما إذا أمره السد بذلك نظر ان لم يكن مميزا أو كان أعجميا يعتقد وجوب طاعة السيد في كل ما يأمره به فالجاني هو السيد وعليه القصاص أو الضمان وهل يتعلق المال برقبته فيه وجهان يذكران في موضعهما والاظهر المنع (وإذا قلنا) يتعلق فبيع في الجناية فعلى السيد أن يرهن قيمته مكانه وإذا جنى مثل هذا العبد فقال السيد أنا أمرته بذلك لم يقبل قوله في حق المجني عليه بل يباع العبد فيها وعلى السيد القيمة لاقراره وان كان العبد مميزا يعرف أنه لا يطاع السيد فيه بالغا كان أو غير بالغ فهو كما لو لم يأذن السيد إلا أنه يأثم بما فعل وإذا عرفت ما ذكرناه لم يخف عليك أن قوله وبيع في الدين أراد به دين الجناية فان الغرض فيما إذا نسبت الجناية إلى السيد والا فلا يكون الفوات بغير بدل *(10/151)
قال (فان جنى على عبد السيد أو السيد نفسه فله القصاص كما للاجنبي * وليس له الارش والبيع إذ لا يستحق شيئا على عبد نفسه * ولو جنى على عبد أبيه وانتقل إليه بموته ففى استحقاقه الفك خلاف لانه في حكم الدوام * وان جني على آخر له مرهون من غير هذا المرتهن فله قتله * وان فات حق المرتهن فان عفا على مال تعلق حق مرتهن القتيل بالعبد * وان عفا بغير مال فهو كعفو المحجور عليه * ولو أوجب أرشا فلمرتهن القتيل أن يطلب بيعه في حقه * وان كان القتيل أيضا مرهونا عنده فهو فوات محض في حقه إلا أن يكون القتيل مرهونا بدين آخر يخالف هذا الدين فله بيعه وجعل ثمنه رهنا بالدين الآخر) * (القسم الثاني) أن تتعلق الجناية بالسيد وفيه مسائل (إحداها) إذا جنى العبد المرهون على طرف سيده عمدا فله القصاص للزخر والانتقام وهو احوج إلى ذلك من الاجانب فان اقتص بطل الرهن
وان عفا على مال أو كانت الجناية خطأ فعن ابن سريج أنه يثبت المال ويتوصل الراهن به إلى فك الرهن (والمذهب) أنه لا يثبت لان السيد لا يثبت له على عبده مال ويبقى الرهن كما كان وان جنى على نفسه عمدا فللوارث القصاص فان عفا على مال أو كانت الجناية خطأ ففى ثبوت المال قولان منقولان عن الام (أحدهما) يثبت لان الجناية ههنا حصلت في ملك غير الوارث فجاز أن يثبت له المال كما ثبت للاجنبي (وأصحهما) أنه لا يثبت أيضا لانه لو ثبت لثبت على مملوكه والقولان عند(10/152)
أبى هريرة والشيخ أبى حامد مبنيان على أن الديه تثبت للوارث ابتداء أم يتلقاها الوارث من القتيل (ان قلنا) بالاول ثبت المال لاستفادته في جناية على الغير (وان قلنا) بالثاني لا يثبت لانه لم يثبت للقتيل حق يتلقى منه وأبى الجمهور هذا البناء وقالوا قضية القولين أن لا يثبت شئ (أما) إذا قلنا بالتلقى فظاهر (وأما) إذا قلنا بالقول الآخر فلانه كما يمنع ابتداء اثبات المال للمالك في ماله دما واما يمتنع ابتداؤه للمالك ابتداء (الثانية) لو جنى على طرف من يرثه السيد كأبيه وابنه عمدا فله القصاص وله العفو على مال ولو جنى خطأ ثبت المال فان مات قبل الاستيفاء وورثه السيد فوجهان (أصحهما) عند الصيدلانى والامام أنه كما انتقل إليه سقط ولا يجوز أن يثبت له على عبده استدامة الدين كما لا يجوز له ابتداءه والثانى وهو الذى أورده العراقيون أنه لا يسقط وله بيعه فيه كما كان للمورث ويحتمل في الاستدامة مالا يحتمل في الابتداء وشبه الاصحاب الوجهين بالوجهين فيما إذا ثبت له دين على عبد غيره ثم ملكه يسقط أو يبقى حتى يتبعه به بعد العتق واستبعد الامام هذا التشبيه وقال كيف يكون الاستحقاق الطارئ(10/153)
على الملك بمثابة الملك الطارئ على الاستحقاق ثم أجاب بأن الدين إذا ثبت لغيره فنقله إليه بالارث إدامة لما كان كما أن ابقاء الدين الذى كان له على عبد الغير بعد ما ملكه إدامة لما كان فانتظم التشبيه من هذا الوجه والى هذا المعنى أشار صاحب الكتاب بقوله لانه في حكم الدوام * ولو كانت الجناية على نفس مورثه وكانت عمدا فللسيد الاقتصاص فان عفا على مال أو كانت خطأ بنى ذلك على أن الدية تثبت للوارث ابتداء أم يتلقاها عن المورث (ان قلنا بالاول) لم يثبت (وان قلنا) بالثاني فعلى الوجهين
فيما إذا جنى على طرفه ثم انتقل إليه بالارث (الثالثة) لو قتل عبدا آخر للمراهن نظر ان لم يكن المقتول مرهونا فهو كما لو جنى على السيد والحكم في القن والمدبر وأم الولد سواء وان كان مرهونا أيضا فله حالتان (إحداهما) أن يكون مرهونا عند غير مرتهن القاتل فان قتل عمدا فللسيد الاقتصاص ويبطل الرهنان جميعا وان عفا على مال أو كان القتل خطأ وجب المال متعلقا برقبة العبد لحق مرتهن القتيل فان السيد لو أتلف المرهون لغرم حق المرتهن فلان يتعلق الغرم بعبده كان أولى وان عفا بغير مال (فان قلنا) موجب العمد أحد الامرين وجب المال ولم يصح عفوه عنه الا برضى المرتهن (وان قلنا) موجبه القود (فان قلنا) مطلق العفو لا يوجب المال لم يثبت شئ (وان قلنا) يوجبه فوجهان قال(10/154)
في التهذيب (أصحهما) أنه لا يثبت أيضا لان القتل غير موجب على هذا التقدير فعفوه المطلق أو على مال نوع اكتساب للمرتهن وان عفا مطلقا (فان قلنا) مطلق العفو يوجب المال يثبت عليه المال كما لو عفا علي مال (وان قلنا) لا يوجبه صح العفو وبطل رهن مرتهن المقبول وبقى القاتل رهنا كما كان والحكم في عفو المفلس المحجور عليه كالحكم في عفو الراهن والراهن محجور عليه في المرهون كما أن المفلس محجور عليه في جميع أحواله ثم مهما وجب المال نظر ان كان الواجب أكثر من قيمة القاتل أو مثلها فوجهان (أحدهما) أنه ينقل القاتل إلى يد مرتهن القتيل ولا يباع لانه لا فائدة فيه (وأظهرهما) وهو اختيار القاضى الحسين أنه يباع ويجعل الثمن في يده لان حقه في مالية العبد لا في العين وأيضا فقد رغب راغب بزيادة فيتوثق مرتهن القاتل بتلك الزيادة وان كان أكثر من قيمة القاتل فعلى الوجه الاول ينقل من القاتل بقدر الواجب إلى مرتهن القتيل وعلى الثاني يباع منه قدر الواجب ويبقى(10/155)
الباقي رهنا فان تعذر بيع البعض أو نقص بالتشقيص بيع الكل وجعل الزائد على الواجب عند مرتهن القاتل * واعلم أن الوجهين انما يظهر ان فيما إذا طلب الراهن النقل وطلب مرتهن القتيل البيع ففى وجه يجاب هذا وفى وجه يجاب ذلك أما إذا طلب الراهن البيع ومرتهن القتيل النقل فالمجاب الراهن لانه لا حق لصاحبه في عينه ولو اتفق الراهن والمرتهنان على أحد الطريقين فهو المسلوك لا محالة ولو اتفق الراهن
ومرتهن القتيل على النقل قال الامام ليس لمرتهن القاتل المنافسة فيه وطلب البيع وقضية التوجيه الثاني لاظهر الوجهين أن له ذلك (الحالة الثانية) أن يكون مرهونا عند مرتهن القاتل أيضا فان كان العبدان مرهونين بدين واحد بعد انتقصت الوثيقة ولا مستدرك كما لو مات أحدهما وان كان مرهونين بدينين نظر في الدينين أيختلفان حلولا وتأجيلا أم لا يختلفان (أما) في القسم الاول فله أن يتوثق لدين القتيل بالقتيل لانه ان كان الحال دين القاتل فقد يريد الوثيقة بالمؤجل ويطالب الراهن بالحال في الحال وان كان الحال دين المقتول فقد يريد استيفاءه من ثمنه في الحال وكذا الحكم لو كانا مؤجلين وأحد الاجلين أطول (وأما) القسم الثاني فينظر أبين الدينين اختلاف في القدر أم لا ان لم يكن بينهما اختلاف في القدر كعشرة وعشرة فان كان العبدان مختلفا القيمة وكانت قيمة القتيل أكثر لم(10/156)
تنقل الوثيقة وان كانت قيمة القاتل أكثر نقبل منه قدر قيمة القتيل إلى دين القتيل وبقى الباقي رهنا بما كان وان كانا متساويين في القيمة بقى القاتل مرهونا بما كان ولا فائدة في النقل وان كان بين الدينين اختلاف كعشرة وخمسة نظر ان تساوى العبدان في القيمة أو كان القتيل أكثرهما قيمة فان كان المرهون بأكثر الدينين القتيل فله توثيقه بالقاتل وان كان المرهون بأقلهما القتيل فلا فائدة في نقل الوثيقة وان كان القتيل أقلهما قيمة فان كان مرهونا بأقل الدينين فلا فائدة في نقل الوثيقة وان كان مرهونا بأكثرهما نقل من القاتل قدر قيمة القتيل إلى الدين الآخر وحيث قلنا بنقل التوثيق فيباع ويقام ثمنه مقام القتيل أو مقام عينه مقامه فيه الوجهان السابقان (وقوله) في الكتاب وله بيعه وجعل ثمنه رهنا بالدين الآخر يوافق أظهر الوجهين منهما (وقوله) بدين يخالف هذا الدين قد يبحث عنه فيقال ظاهره يقتضى تأثير اختلاف الدينين في الجنس كالاختلاف في القدر أو في الحلول والتأجليل وكذلك يقتضى تأثير اختلافهما في الاستقرار وعدم الاستقرر كما إذا كان أحدهما عوض ما يتوقع رده بالعيب أو صداقا قبل الدخول فهل الامر كذلك أم لا (الجواب) أما الاول فان صاحب الكتاب صرح في الوسيط بتأثير اختلاف الجنس وهو متجه في المعني لكن الشافعي رضى الله عنه نص على خلاف وبه قال الاصحاب على طبقاتهم وأما الثاني فان كان القاتل مرهونا بالدين المستقر فلا معنى
لنقل الوثيقة وان كان مرهونا بالآخر ففى الشامل ان أبا اسحق حكى فيه وجهين والاكثرون لم يعتبروا سوى ما قدمناه من وجوه الاختلاف والله أعلم * (فرع) لو تساوى الدينان في الاوصاف وحكمنا بأن الوثيقة لا تنقل فلو قال المرتهن أنى لا آمنه(10/157)
وقد جنى فبيعوه وضعوا ثمنه مكانه هل يجاب إليه روي الامام فيه وجهين * (فرع) لو جني على مكاتب السيد ثم انتقل الحق إليه بموته أو عجزه فهو كما لو انتقل من المورث وقد مر * قال (وينفك الرهن أيضا بقضاء كل الدين * فان فضى بعضه بقى كل المرهون مرهونا ببقية الدين * وكذا إذا رهن عبدين وسلم أحدهما كان مرهونا بجملة الدين (ح) * وكذا لو تلف أحدهما إلا أن يتعدد العقد والصفقة أو مستحق الدين أو المستحق عليه فينفصل أحدهما عن الآخر ولا ينظر إلى تعدد الوكيل واتحاده * وفى النظر إلى تعدد الملك في المرهون المستعار من شخصين خلاف مهما قصد بقضائه فك نصيب أحدهما * وإذا مات الراهن فقضى أحد ابنيه نصف المدين لم ينفك (و) نصيبه * ولو تعلق دين باقرار الورثة بالتركة فقضى واحد نصيبه ففى انفكاك الحصة قولان) * (الثالث) من أسباب انفكاك الرهن براءة الذمة عن الدين بتمامه اما بالقضاء أو الابراء أو الحوالة أو الاقالة المسقطة للثمن المرهون به أو المسلم فيه المرهون به ولو اعتاض عن الدين عينا ارتفع الرهن أيضا لتحول الحق من الذمة إلى العين ثم لو تلفت العين قبل التسليم بطل الاعتياض ويعود الرهن كما عاد الدين قاله في التتمة ولا ينفك بالبراءة عن بعض الدين بعض الرهن كما أن حق الحبس(10/158)
يبقى ما بقى شئ من الثمن ولا يعتق شئ من المكاتب ما بقى شئ من المال وهذا لان الرهن وثيقة لجميع الدين وكل جزء منه كالشهادة ولو رهن عبدين وسلم أحدهما كان المسلم مرهونا بجميع الدين خلافا لابي حنيفة رحمه الله أنه لو سلمهما ثم تلف احدهما كان الباقي رهنا بجميع الذين فيقس عليه ولو رهن دارا فانهدمت بعد القبض فالنقض
والعرصة مرهونان بجميع الدين وانما الغرض انفكاك الرهن في بعض المرهون دون بعض بأحد امور (أولها) تعدد العقد كما ادارهن أحد نصفى العبد بعشرة في صفقة ونصفه الآخر في صفقة أخري (وقوله) وان تعدد العقد والصفقة لفظان مترادفان وقد يؤكد بمثلهما (والثانى أن يتعدد المستحق للدين كما إذا رهن رجل من رجلين بدينهما عبدا بينهما صفقة واحدة ثم برئت ذمته عن دين أحدهما بأداء أو ابراء ينفك من الرهن بقسط دينه خلافا لابي حنيفة حيث قال لا ينفك شىء حتي يؤدى دينهما جميعا ولا يخفى وجه قولنا في المسألة ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب أو مستحق الدين مع الحاء بالواو لان عن صاحب التقريب روايه وجه غريب أنه إذا اتحد جهة الدينين كما لو أتلف عليهما مالا أو ابتاع منهما لم ينفك شىء بالبراءة عن دين أحدهما وإنما ينفك إذا اختلفت الجهتان (والثالث) ان يتعدد من عليه الدين كما لو رهن رجلان من رجل بدينه عليهما فإذا أدى أحدهما نصيبه أو برأه المستحق انفك نصيبه وعن أبى حنيفة فيما رواه الصيدلانى وغيره أنه لا ينفك حتى يبرئا عن حقه جميعا وجوز هذا الرهن وان لم يجوز رهن المشاع (والرابع) لو وكل رجلان رجلا ليرهن عبدهما من زيد بدينه عليهما فرهن ثم قضى أحد الموكلين ما عليه فعن بعض الاصحاب تخريجه على قولين(10/159)
سنذكرهما على الاثر والصحيح الجزم بأنه ينفك نصيبه ولا نظر إلى اتحاد الوكيل وتعدده قال الامام لان مدار الباب على اتحاد الدين وتعدده ومهما تعدد المستحق أو المستحق عليه فقد تعدد الدين ويخالف ما نحن فيه البيع والشراء حيث ذكرنا خلافا في أن الاعتبار في تعداد الصفقة واتحادها بالمتبايعين أو الوكيل لان الرهن ليس عقد ضمان حتى ينظر فيه إلى المباشر (الخامس) إذا استعار عبدا من مالكية لرهنه فرهنه ثم أدى نصف الدين وقصد به الشيوع من غير تخصيص بحصة لم ينفك من الرهن شئ وان قصد أداءه عن نصيب أحدهما بعينه لينفك نصيبه فقولان (أحدهما) لا ينفك كما لو استعاره من واحد (والثاني) ينفك كما لو رهن رجلان من رجل ثم أدى أحدهما نصيبه والمعنى فيه النظر إلى تعدد الملك وقطع النظر عن العاقد وفى عيون المسائل ما يدل على أن هذا أظهر القولين ولو كان لشخصين عبدان تماثلا القيمة فاستعارهما للرهن فرهنهما ثم قضى نصف الدين ليخرج أحدهما عن الرهن فطريقان (قيل) يخرج لانضمام تعدد المحل إلى تعدد المالك (والاصح) طرد القولين وإذا قلنا بالانفكاك فلو كان الرهن مشروطا
في بيع فهل للمرتهن الخيار إذا كان جاهلا بأنه لمالكين فيه رأيان نسبهما الا كثرون إلى ابن سريج وحكاهما أبو بكر الفارسى قولين (أصحهما) أن له الخيار لان مقتضى الرهن المطلق أن لا ينفك(10/160)
شئ منه إلا بعد أداء جميع الدين ولم يحصل ذلك ونقل المحاملى وغيره في أصل المسألة قولا ثالثا وهو أن المرتهن ان كان عالما بأن العبد لمالكين فللراهن فك نصيبه بأداء نصف الدين وان كان جاهلا لم يكن للراهن فكه إلا بأداء الكل قال الامام ولا نعرف لهذا وجها فان عدم الانفكاك لاتحاد الدين والعاقدين وهذا لا يختلف بالعلم والجهل وانما أثر الجهل الخيار على ما بيناه * ولو استعار من رجلين ورهن من رجلين كان نصيب كل واحد من المالكين مرهونا من الرجلين فلو أراد فك نصيب أحدهما بقضاء نصف دين كل واحد منهما فعلى القولين ولو أراد فك نصف العبد بقضاء دين أحدهما فله ذلك بلا خلاف ولو استعار اثنان من واحد ورهنا من واحد ثم قضى احدهما ما عليه انفك النصف لتعدد العاقد هذا هو المنقول وقد يخطر بالبال أنه إذا تعدد المالك واتحدد العاقد ينظر إلى تعدد المالك على رأى فلم لا ينظر إلى اتحاده إذا اتحد المالك وتعدد العاقد ويجوز أن يجاب عنه بأنا انما نلاحظ جانبه بما ينفعه لا بما يضره *(10/161)
(فرع) قال في التهذيب لو استعار ليرهن من واحد فرهن من اثنين أو بالعكس لا يجوز (أما) في الصورة الاولى فلانه لم يؤذن (وأما) بالعكس فلانه إذا رهن من اثنين ينفك بعض الرهن باداء دين أحدهما وإذا رهن من واحد لا ينفك شئ إلا باداء الجميع ونقل صاحب التتمة وغيره في الطرفين الجواز والاول أصح (والسادس) لو رهن عبدا بمائة ثم مات عن اثنين فقضى أحدهما حصته من الدين هل ينفك نصيبه من الرهن عن صاحب التقريب أنه على قولين (أحدهما) ينفك كما لو رهن في الابتداء اثنان (وأصحهما) وبه قطع قاطعون أنه لا ينفك لان الرهن في الابتداء صدر من واحد وأنه انما أثبت وثيقة قضيتها حبس كل المرهون إلى أداء كل الدين فوجب ادامتها ولو مات من عليه الدين وتعلق الدين بتركته فقضى بعض الورثة نصبيه من الدين قال الامام لا يبعد أن يخرج انفكاك نصيبه من الرهن علي قولين بناء على أن أحد الورثة لو أقر
بالدين وأنكر الباقون هل يلزم المقر أداء جميع الدين من حصته من التركة وعلى هذا البناء فالاصح الانكفاك لان الجديد لا يلزمه أداء جميع الدين مما في يده من التركه وأيضا فان تعلق الدين بالتركة إذا مات الراهن (إما) أن يكون(10/162)
كتعلق الرهن أو كتعلق الارش بالجاني (إن) كان الاول فهو كما لو تعدد الراهن (وان) كان الثاني) فهو كما لو جني العبد المشترك فادى احد الشريكين نصيبه ينقطع التعلق عنه (واعلم) أن الحكم بانفكاك نصيبه إنما يظهر إذا كان ابتداء التعلق مع ابتداء تعلق الملاك ولو كان الموت مسبوقا بالمرض فيكون التعلق سابقا على ملك الورثة فان للدين أثرا بينا في الحجر على المريض فيشبه أن يكون القول في انفكاك نصيبه كما مر في الصورة السابقة (وقوله) في الكتاب باقرار الورثة قيد قد ذكره ههنا وفي الوسيط وصورة المسألة غنية عنه فان التعلق لا يختلف بين أن يكون ثبوت الدين بالبينة أو بالاقرار ولم يتعرض صاحب النهاية لهذا القيد * قال (ومهما انفك نصيب أحدهما فله أن يستقسم المرتهن بعد اذن الشريك الراهن بناء على الاصح في أن حكم القسمة في مثل هذا حكم الاقرار لا حكم البيع) * إذا كان المرهون لماكين وانفك الرهن في يصيب أحدهما باداء أو ابراء وأراد الذى انفك نصيبه القسمة نظر ان كان المرهون مما ينقسم بالاجزاء كالمكيلات والموزونات قال الشافعي رضى الله عنه كان للذى انفك نصيبه أن يقاسم المرتهن باذن شريكه وان كان مما لا ينقسم بالاجزاء كالثياب والعبيد قال اصحابنا العراقيون لا يجاب إليه ومثاله أن يرهنا عبدين مشتركين متساويا القيمة وانفك الرهن عن نصف كل عبد فاراد من انفك نصيبه أن ينفرد بعبد وينحصر الرهن في عبد فأن كان المرهون ارضا مختلفة الاجزاء كالدار وطالب من انفك نصيبه القسمة قالوا على الشريك أن(10/163)
يساعد وفى المرتهن وجهان (أظهرهما) أن له أن يمتنع لما في القسمة من التشقيص وقلة الرغبات وهذا ما ضمنه العراقيون طرقهم وزاد آخرون منهم أصحاب القفال فقالوا تجويز القسمة حيث جوزناه مبنى على أن القسمة افراز حق فاما إذا جعلناها بيعا فهى بيع المرهون بغيره وهو فيمتنع ثم إذا جوزنا القسمة
فسبيل الطالب أن يراجع الشريك فان ساعده فذاك والا رفع الامر إلى القاضى ليقسم ونقل الصيدلانى وجها أنه لا حاجة إلى اذن الشريك في المتماثلات لان قسمتها قسمة اجبار والمذهب الاول * فلو قاسم المرتهن وهو مأذون من جهة المالك أو الحاكم عند امتناع المالك جاز والا فلا وإذا منعناها فلو رضى المرتهن فالمفهوم من كلام المعظم صحتها وقال الامام لا يصح ولو رضى لان رضاه انما يؤثر في فك الرهن أما في بيع الرهن بما ليس برهن ليصير رهنا فلا وهذا اشكال قوى (وقوله) في الكتاب وله أن يستقسم المرتهن بعد اذن الشريك الآخر يوافق اللفظة التى نقلناها عن الشافعي رضى الله عنه والقسمة في الحقيقة انما تجرى مع الشريك لانه المالك لكن لما كان المرهون في يد المرتهن وكان فصل الامر معه أهون حسن القول بانه يقاسمه بذن المالك (وقوله) بناء على الاصح سيأتي في موضعه في أن حكم القسمة في مثل هذا حكم الافراز يعنى بقوله في مثل هذا المكيلات ولموزونات ونحوهما وفيه النص(10/164)
الذى نقلناه وقد بين ذلك في الوسيط وكان في خاطره ههنا الا أنه أغفل ذكره ثم القول بأن الاصح فيها قول الافراز غير مساعد عليه كما سيأتي في موضعه ثم أطبقوا على تجويز القيمة ههنا وجعلوا تأثير قولنا إنها بيع في افتقارها إلى إذ المرتهن والله أعلم * ولو أراد الراهنان القسمة قبل انفكاك شئ من المرهون فعلى التفصيل الذى بيناه ولو رهن واحد من اثنين وقضى نصيب أحدهما ثم أراد القسمة ليمتاز ما بقى فيه الرهن ففى اشتراط رضى الذى بقى رهنه ما ذكرناه والله أعلم * قال (ولو قال للمرتهن بع المرهون لى واستوف الثمن لى ثم استوفه لنفسك ففى استيفائه لنفسه تردد من حيث اتحاد القابض والمقبض * وان قال بعه لى واستوف الثمن لنفسك فسد ستيفاؤه وكان مضمونا في يده لانه استيفاء فاسد فأشبه الصحيح في الضمان * ولو قال بع لنفسك بطل الاذن إذا كيف يبيع ملك غيره لنفسه * ولو قال بع مطلقا فالاصح صحته وتنزيله على البيع للراهن) *(10/165)
وجه انتظام هذه المسائل في هذا الموضع ان الدين تارة يقضي من غير المرهون وأثره الانفكاك
على ما تقرر وتارة يقضى منه بأن يباع فيه وقد مر بيان أنه متى يباع ومن يبيعه وأنه لو أذن الراهن للمرتهن في بيعه ماذا حكمه ونتكلم الآن في صيغة اذنه ببيان صور (احداها) لو قال للمرتهن بع المرهون لى واستوف الثمن ثم استوفه لنفسك صح منه البيع والاستيفاء للراهن ثم لا يحصل الاستيفاء لنفسه بمجرد إدامة اليد والامساك لان قوله ثم استوف لنفسك مشعر باحداث فعل فيه فلابد اذن من اذن جديد لوكيل جديد على ما هو بيان القبض في المقدرات ولو كانت الصيغة ثم أمسكه لنفسك فلابد من احداث فعل أيضا أم يكفى مجرد الامساك حكى الامام فيه وجهين وقال أولهما أظهرهما ثم إذا استوفاه لنفسه ففيه وجهان ذكرناهما في نظائر المسألة في البيع لاتحاد القابض والمقبض فان صححناه برئت ذمة الراهن(10/166)
عن الدين والمستوفى من ضمانه وان أفسدناه وهو الاصح لم يبرأ ولكن يدخل المستوفى في ضمانه أيضا لان القبض الفاسد كالصحيح في اقتضاء الضمان (الثانية) لو قال بعه واستوف الثمن لنفسك صح البيع ولم يصح استيفاء الثمن لانه لما لم يصح قبض الراهن لا يتصور منه القبض لنفسه وههنا كما قبضه يصير مضمونا عليه (الثالثة) لو قال بعه لنفسك فقولان (أصحهما) أن الاذن باطل ولا يتمكن من البيع لانه لا يتصور أن يبيع الانسان مال غيره لنفسه (والثانى) حكاه صاحب التقريب أنه يصح اكتفاء بقوله بع والغاء لقوله لنفسك وأيضا فان السابق إلى الفهم منه الامر بالبيع لغرضه وهو التوسل به إلى وفاء الدين (الرابعة) لو أطلق وقال بعه ولم يقل لى ولا لنفسك فوجهان (أصحهما) صحة الاذن بالبيع ووقوعه للراهن كما لو قال لاجنبي بعه (والثانى) المنع وعللوه بمعنيين (أحدهما) أن البيع(10/167)
مستحق للمرتهن بعد حلول الحق والكلام مفروض فيه وإذا كان كذلك تقيد الاذن به وصار كأنه قال بعه لنفسك (والثاني) أنه متهم في ترك النظر استعجالا للوصول إلى الدين وعلى التعليلين لو كان الدين مؤجلا فقال بعه صح الاذن لعدم الاستحقاق والتهمة فان قال مع ذلك واستوف حقك من ثمنه جاءت التهمة ولو قدر له الثمن لم يصح على التعليل الاول ويصح علي الثاني وكذا لو كان الراهن حاضرا
عند البيع قال الامام ومن قال بالمنع أول قوله في المختصر ولو شرط للمرتهن إذا حل الحق أن يبيعه لم يجز أن يبيع لنفسه إلا بأن يحضر رب الرهن وقال معناه إلا أن يخصره الراهن فيبيعه وهذا ما وعدت أن أذكره من تأويله والله أعلم *(10/168)
> * (الباب الرابع في النزاع بين المتعاقدتين) * < قال (وهو في أربعة أمور (العقد الاول) ومهما اختلفا فيه فالقول قول الراهن إذ الاصل عدم الرهن * فلو ادعى المرتهن أن النخيل التى في الارض مرهونة مع الارض فللراهن أن ينكر رهنها أو وجودها ويحلف ان لم يكذبه الحس في انكار الوجود فان كذبه واستمر على انكار الحس جعل نا كلا عن اليمين ورد على المرتهن الا أن يعدل إلى نفى الرهن فيحلف عليه * التنازع في باب الرهن يفرض في أمور (أحدها) أصل العقد فإذا قال رب الدين رهنتني كذا وأنكر المالك أو رهنتني عبدك فقال بل ثوبي فالقول قول الراهن مع يمينه لان الاصل عدم(10/169)
الرهن وكذا لو اختلفا في قدر المرهون به فقال الراهن رهنته بالف وقال المرتهن بل بألفين وبه قال أبو حنيفة وأحمد وعن مالك أن القول قول من قيمة المرهون أقرب الي ما يقوله * ولو اختلفا في قدر المرهون فكذلك القول قول الراهن ومن صورة أن يرهن ارضا فيها أشجار ثم قال الراهن رهنت الارض دون ما فيها وقال المرتهن بل بما فيها وكذا لو قال هذه الاشجار مرهونة منى كالارض وأنكر الراهن ولو قال رهنتها مع الارض يوم رهن الارض وقال الراهن ان هذه الاشجار أو بعضها لم تكن يوم رهن الارض وانما أحدثتها بعدها نظر ان كانت الاشجار بحيث لا يتصور وجودها يوم الرهن فالمرتهن كاذب والقول قول الراهن بلا يمين وان كانت بحيث لا يتصور حدوثها فالراهن كاذب ثم ان سلم في معارضتها أنه رهن الارض بما فيها كانت الاشجار مرهونة كما يقول المرتهن ولا حاجة(10/170)
إلى التحليف فيها وان زعم رهن الارض وحدها أو رهن ما سوى الاشجار المختلف فيها أو اقتصر على نفى
الوجود فلا يلزم من كذبه في انكار الوجود كونها مرهونة فيطالب بجواب دعوى الراهن فان استمر علي انكار الوجود واقتصر عليه جعل نا كلا وردت اليمين على المرتهن وان رجع إلى الاعتراف بالوجود وأنكر رهنها قبل انكاره وعرض عليه اليمين لجواز كونه صادقا في نفي الرهن وان كذب في نفى الوجود * ولو كانت الاشجار بحيث تتحمل الوجود يوم رهن الارض والحدوث بعده قالقوا قول الراهن لما مر فإذا حلف هي كالشجرة الحادثة بعد الرهن في القلع وسائر الاحكام وقد بيناها من قبل وهذا كله تفريع على الاكتفاء منه بانكار الوجود وهو الصحيح لان في انكار الوجود يوم الرهن انكار ما يدعيه المرتهن وهو رهنها مع الارض وفيه وجه سيأتي في نظائر المسألة في الدعاوي أنه لابد من انكار الرهن صريحا * واعلم أن الحكم بتصديق الراهن في هذه الصورة مفروض فيما إذا كان اختلافهما في رهن تبرع (فاما) إذا اختلفا في رهن مشروط في بيع فالجواب أنهما يتحالفان كما في سائر كيفيات البيع إذا وقع فيه الاختلاف (وأما) لفظ الكتاب فقوله فالمراهن أن ينكر رهنها أو وجودها لدى الرهن معناه أنه يقع منه بكل واحد من الانكارين ويعتد به جوابا ولك أن تعلم قوله أو وجودها - بالواو - للوجه الذى حكيناه (وقوله) قبله فلو ادعي المرتهن أن النخل التى في الارض مرهونة مع الارض أي رهنها يوم رهن الارض والا فلو اقتصر على دعوى رهنها لم يكن انكار وجودها يوم رهن الارض يكتفى به الجواب إذ لا يلزم أن تكون موجودة يومئذ أن لا تكون مرهونة (وقوله) فان كذبه واستمر على انكار الحس أي اقتصر على كلامه الاول بعد ما طالبناه بجواب دعوى الرهن على ما أوضحته *(10/171)
قال (ولو ادعى على رجلين رهن عبدهما عنده فلاحدهما أن يشهد على الآخر إذا انفرد بتكذيبه * ولو ادعى رجلان على واحد فصدق أحدهما فهل له أن يشهد للمكذب فيه وجهان ينبنيان على أنه هل يشاركه فيما سلم له لو لم يشهد) * احدى صورتي الفصل أن يدعى رجل على رجلين أنهما رهنا منه عبدهما الفلاني بمائة واقبضاه فان أنكر المدعى عليهما الرهن أو الرهن والدين والدين جميعا فالقول قولهما مع اليمين فان صدق أحدهما دون
الآخر فنصيب المصدق رهن بخمسين والقول في نصيب المكذب قوله مع يمينه فلو شهد المصدق للمدعى على شريكه المكذب قبلت شهادته لانها شهادة على الغير ليس فيها دفع ضرر ولاجلب نفع فإذا شهد معه آخر أو حلف المدعى معه ثبت الرهن في الكل ولو زعم كل واحد منهما أنه ما رهن نصيبه وأن شريكه رهن وشهد عليه فوجهان ويقال قولان (احدهما) وبه قال الشيخ أبو حامد أنه لاتقبل شهادة واتحد منهما لان المدعى يزعم أن كل واحد منهما كاذب ظالم بالجحود وطعن المشهود له في الشاهد يمنع قبول شهادته له (والثانى) تقبل وبه قال الاكثرون ولانهما ربما نسيا وان تعمدا فالكذبة الواحدة لا توجب الفسق ولهذا لو تخاصم رجلان في شئ ثم شهدا في حادثة تقبل شهادتهما وان كان أحدهما كاذبا في ذلك التخاصم فعلى هذا إذا حلف مع كل واحد منهما أو أقام شاهد آخر ثبت رهن الكل وعن أبي الحسن بن القطان الذى شهد أولا تقبل شهادته دون أن الذي شهد آخرا لانه انتهض خصما منتقما والثانية ادعى رجلان على واحد انك رهنتنا عبدك هذا بمائة واقبضناه فان صدقهما أو كذبهما لم يخف الحكم وان صدق أحدهما دون الآخر فنصف العبد مرهون عند المصدق ويحلف الآخر وهل تقبل شهادة المصدق علي المكذب للمكذب (أطلق) مطلقون انها لاتقبل وقال القاضى ابن كج تقبل وحكى الامام وصاحب الكتاب فيه وجهين بناء على أن الشريكين(10/172)
إذا ادعيا حقا أو ملكا بابتياع أو غيره فصدق المدعى على أحدهما دون الآخر يستبد المصدق بالنصف المسلم أو يشاركه الآخر فيه وفيه وجهان (ان قلنا) إنه يستبد المصدق بالنصف قبلت شهادته للشريك والا فلا لانه يدفع بشهادته زحمة الشريك عن نفسه والكلام في الاصل المبنى عليه يذكر في الصلح ان شاء الله تعالى والذى ينبغى أن يفتى به فيما نحن فيه القبول ان كان الحال لا يقتضي الشركة والمنع أن اقتضت الشركة لانه دافع وذكر في التهذيب أنه ان لم ينكر الا الرهن قبلت شهادته للشريك وان أنكر الدين والرهن فحينئذ يفرق بين أن يدعى الارث أو غيره ولك أن تقول كما أن الاستحقاق في الدين يثبت بالارث تارة وبغيره أخرى فكذلك استحقاق الرهن فليجز التفصيل وان لم ينكر إلا الرهن *
(فرع) منصوص عليه في رواية الربيع ادعى زيد وعمرو على ابى بكر أنهما رهنا عبدهما المشترك بينهما بمائة فصدق احد المدعيين ثبت ما ادعاه وكان له على كل واحد منهما ربع المائة ونصف نصيب كل واحد منهما مرهونا به وان صدق أحد الاثنين زيدا والآخر عمرا تبت الرهن في نصف العبد لكل واحد من المدعيين في ربعه فربع المائة لان كل واحد منهما يدعى على الاثنين نصف العبد ولم يصدقه إلا أحدهما ثم لو شهد أحد الاثنين على الآخر قبلت شهادته ولو شهد أحد المدعيين للآخر فعلى ما ذكرناه في الصورة الثانية والمسألة ظاهرة من جهة المعني لكن في فهمهما وتصورها تعقيد حكى الصيدلانى أن ابن سريج قال ما انتهيت إليها الا احتجت إلى الفكرة في تصورها حتى اثبتها على حاشية الكتاب *(10/173)
(فرع) منصوص عليه في المختصر ادعى رجلان على واحد فقال كل واحد منهما رهنتني عبدك هذا واقبضتنيه نظر ان كذبهما جميعا فالقول قوله ويحلف لكل واحد منهما يمينا وإن كذب أحدهما وصدق الآخر قضى بالرهن للمصدق وهل للمكذب تحليفه فيه قولان (أصحهما) لا قاله في التهذيب وهما مبنيان على أنه لو أقر بمال لزيد ثم أقر به لعمر وهل يغرم قيمته لعمر وفيه قولان وكذا لو قال رهنت هذا من زيد وأقبضته ثم قال لا بل رهنته من عمرو وأقبضته هل يغرم قيمته للثاني ليكون رهنا عنده (إن قلنا) يغرم فله تحليفه فربما يقر ويأخذ القيمة (وان قلنا) لا يغرم يبنى على أن النكول ورد اليمين بمثابة الاقرار أو البينة (إن قلنا) بالاول لم يحلف لان غايته أن ينكل فيحلف وذلك مما لا يفيده شيئا كما لو أقر (وان قلنا) بالثاني حلفه فان نكل فحلف اليمين المردودة ففيما يستفيد به وجهان (أحدهما) يقضى له بالرهن وينتزع من الاول وفاء بجعله كالبينة (وإصحهما) انه يأخذ القيمة من المالك لتكون رهنا عنده ولا ينتزع المرهون من الاول(10/174)
لانا وان جعلناه كالبينة فانما نجعل ذلك بالاضافة إلى المتداعيين ولا نجعله حجة على غيرهما وان صدقهما جميعا نظر ان لم يدعيا السبق أو ادعاه كل واحد منهما وقال المدعى عليه لا أعرف السابق منكما وصدقاه فوجهان (أحدهما) أنه يقسم الرهن بينهما كما لو تنازعا ملكا في يد ثالث واعترف
صاحب اليد لهما بالملك (وأصحهما) انه يحكم ببطلان العقد كما إذا زوج وليان من شخصين ولم يعرف السابق منهما وان ادعى كل واحد منهما السبق وان الراهن علم بصدقه وانه بقي علمه بالسبق فالقول قوله مع يمينه فان نكل ردت اليمين اليهما فان حلف أحدهما دون الآخر قضى له وان حلفا أو نكلا تغذر معرفة السابق وعاد الوجهان وان صدق أحدهما في السبق وكذب الآخر قضى للمصدق وهل يحلفه المذكب فيه القولان السابقان وحيث قلنا يقضى للمصدق فذلك إذا لم يكن العبد في يد المكذب فان كان فقولان(10/175)
(أحدهما) وهو اختيار المزني أخيرا أن يده ترجح على تصديق الراهن الآخر وتقتضي له بالرهن (وأصحهما) أن المصدق مقدم لان اليد لادلالة لها على الرهن ألا ترى أنه لا تجوز الشهادة بها على الرهن ولو كان العبد في أيديهما معافا لمصدق مقدم في النصف الذى هو في يده وفى النصف الاخير قولان والاعتبار في جميع ما ذكرناه بسبق القبض لا بسبق العقد حتي لو صدق هذا في سبق العقد وهذا في سبق القبض فالمقدم الثاني * (فرع) دفع متاعا إلى رجل وأرسله إلى غيره ليستقرض منه الدافع ويرهن المتاع به ففعل ثم اختلفا فقال المرسل إليه استقرض مائة ورهن المتاع بها باذنك وقال المرسل لم آذن له الا في(10/176)
خمسين نظر ان صدق الرسول المرسل فالمرسل إليه مدع عليهما على المرسل بالاذن وعلى الرسول بالاخذ فالقول قولهما في نفى ما يدعيه وان صدق المرسل إليه فالقول في نفى الزيادة قول المرسل ولا يرجع المرسل إليه على الرسول بالزيادة إن صدقه في الدفع إلى المرسل لانه مظلوم بقوله وان لم يصدقه رجع عليه هكذا ذكروه وفيه إشكال لان الرسول وكيل الرسل وبقبضه يحصل الملك للموكل حتى يغرم له ان تندي فيه ويسلمه إليه ان كان باقيا وإذا كان كذلك فرجوع المرسل إليه ان كان بناء على توجه العهدة على الوكيل فليرجع وان صدقه في دفع المال إلى المرسل كما يطالب البائع الوكيل بالشراء بالثمن وان صدقه في تسلم المبيع إلى الموكل وان كان الرجوع لان للمقرض أن يرجع في عين القرض مادام باقيا فهذا ليس بتعريض ورجوع ملف وانما يسترد عين المدفوع فيحتاج إلى اثبات كونه في يده
ولا يكفى فيه عدم التصديق بالدفع إلى المرسل وان كان غير ذلك فلم يرجع إذا لم يصدقه ولم يوجد منه تعد عليه ولا على حقه والله أعلم قال (الامر الثاني في القبض والقول فيه أيضا قول الراهن * وكذا ان وجدناه في يد المرتهن إذا قال الراهن غصبته (و) * ولو قال أخذته وديعة أو عارية أو بجهة أخرى مع الاذن فوجهان وانه اعترف بقبض مأذون فيه من الراهن وأراد صرفه عنه * فلو أقيمت الحجة على إقراره بقبض الرهن فقال كنت غلطت فيه تعويلا على كتاب الوكيل أو إقامة على رسم القبالة (و) فله أن يحلف المرتهن على نفيه * وان قال تعمدت الكذب فلا يسمع (و) ولا يمكن من التحليف) * الامر الثاني مما يعرض فيه التنازع في القبض وفيه مسألتان (إحدهما) إذا تنازعا في قبض(10/177)
المرهون نظر ان كان في يد الراهن وقت النزاع فالقول قوله مع يمينه كما في أصل الرهن وان كان في يد المرتهن وقال أقبضنيه عن الرهن وأنكر الراهن نظر ان قال غصبتنيه فالقول قوله أيضا لان الاصل عدم لزوم الرهن وعدم إذنه في القبض وان ادعى قبضه عن جهة أخرى مأذون فيها سوى الرهن فان قال أود عتكه أو أعرت أو اكتريت أو اكتريته من فلان ما كراه منك فوجهان (أحدهما) أن القول قول المرتهن لانهما اتفقا على قبض مأذون فيه وأراد الراهن أن يصرفه إلى جهة أخرى والظاهر خلافه لتقدم العقد المحوج إلى القبض (أصحهما) وهو المنصوص أن القول قول الراهن لان الاصل عدم اللزوم وعدم اذنه في القبض عن الرهن وفى النهاية حكاية وجه بعيد فيما إذا قال غصبتنيه أيضا أن القول قول المرتهن استدلالا باليد على الاستحقاق كما يستدل بها على الملك ويجرى مثل هذا التفصيل فيما إذا اختلف البائع والمشترى في القبض حيث كان للبائع حق الحبس؟ إلا أن الاظهر ههنا الحكم بحصول القبض إذا كان المبيع عند المشترى وادعي البائع أنه إعارة أو أودعه لتقوى اليد بالملك وهذا يتفرع على أن حق الحبس لا يبطل بالايداع والاعارة عند المشترى وفيه وجهان ولو سلم الراهن أنه اذن له في قبضه عن جهة الرهن ولكن قال رجعت قبل أن قبضته وقال المرتهن لم ترجع فالقول قوله لان الاصل عدم الرجوع ولو قال الراهن لم تقبضه بعد وقال المرتهن
قبضته فقد نقل فيه اختلاف نص عن الام واتفق الاصحاب على تنزيلهما على حالين ان كان المرهون في يد الراهن فالقول قوله وان كان في يد المرتهن فالقول قوله لان اليد قرينة دالة على صدقة (الثانية)(10/178)
إقرار الراهن باقبضا المرهون مقبول ملزم لكن بشرط الامكان حتى لو قال رهنته اليوم دارى بهمدان واقبضتها إياه وهما بقزوين فهو لاغ ولو قامت الحجة على اقراره في محل الامكان فقال لم يكن إقراى على حقيقته فحلفوه أنه قبض نظر ان ذكر لاقراره تأويلاكما إذا قال كنت أقبضته بالقول وظننت أنه يكفى قبضا أو القى إلى كتاب عن سان وكيلى أنه أقبض ثم خرج مزورا أو قال أشهدت على رسم القبالة قبل تحقيق القبض فله تحليفه وان لم يذكر تأويلا فوجهان (عن) أبى اسحق أنه لا يمكن من التحليف ولا يلتفت إلى قوله الثاني لمناقضته الاول) وقال ابن خيران وغيره يمكن منه وهو ظاهر النص لانا نعلم أن الوثائق في الغالب يشهد عليها قبل تحقيق ما فيها فأى حاجة إلى تلفظه بذلك وهذا أصح عند العراقيين والاول أصح عند المراوزة وهذا إذا قامت الحجة على إقراره اما إذا أقر في مجلس القضاء بعد توجه الدعوى عليه فعن الشيخ أبى محمد عن القفال أنه لا يمكن من التحليف وان ذكر لاقراره تأويلا لا نه لا يكاد يقر عند القاضى الا عن تحقيق وقال غيره لافرق لشمول الانكار ولو شهد الشهود على نفس الاقباض فليس له التحليف بحال وكذا لو شهدوا على إقراره فقال ما أقررت لانه تكذيب للشهود * ولو كان الرهن مشروطا في البيع فقال المشترى وفيت وأقبضت ثم تلف الرهن فلا خيار لك في البيع وأقام على إقراره بالقبض حجة فأراد المرتهن تحليفه فهو كما ذكرنا في اقراره الراهن وطلبه يمين المرتهن وقس على هذا(10/179)
ما إذا قامت البينة على إقراره لزيد بألف فقال إنما أقررت وأشهدت ليقرضني ثم إنه لم يقرضنى فحلفوه وسائر النظائر (وقوله) في الكتاب فله أن يحلف المرتهن على نفيه قد أعلم بالواو لانه روى في الوسيط إذا كذب نفسه في إقراره ثلاثة أوجه المنع المطلق وتمكينه من التحليف مطلقا والفرق بين أن يذكر سببا
وتأويلا وبين ان يقول كذبت عمدا ولا يعتذر لكن المنع المطلق قل من رواه (وقوله) على نفيه أي على نفى ما يدعيه من التأويل وليس ذلك على معنى أنه يتعين محلفا عليه بل له تحليفه على القبض كما مرو ينبغى أن يكون التحليف على نفى ما يدعيه من التأويل فيما إذا نازعه المرتهن في تأويله ونفاه أما إذا لم يتعرض له وأقتصر على قوله قبضت فيقنع منه بالحلف عليه وقوله فلا يسمع ولا يمكن من التحليف يجوز اعلامه بالواو لانه أراد ما إذا قال كذبت عمدا ولم يعتذر بشئ وقد بان الخلاف فيه * قال (الامر الثالث في الجناية فإذا اعترف الجاني وصدقه الراهن دون المرتهن أخذ الارش وفاز به * وان صدقه المرتهن أخذ الارش وكان رهنا عنده إلى قضاء الدين * فإذا أقضى من موضع آخر فهو مال ضائع لا يدعيه أحد * وان جنى العبد واعترف به المرتهن فالقول قول الراهن * ولو قال(10/180)
الراهن أعتقته أو غصبته قبل أن رهنت أو كان قد جني وأضاف إلى معين مجنى عليه ففيه ثلاثة أقوال * كما في تنفيذ عتقه لانه مالك لا تهمة فيه * فان قلنا لا يقبل فيحلف المرتهن على نفى العلم * فان حلف هل يغرم الراهن للمقرله يبتني على قولى الغرم بالحيلولة * وان نكل يرد اليمين على الراهن أو على المقر له قولان * وكل واحد من المرتهن والمقر له مهما نكل فقد أبطل حق نفسه عن الغرم بنكوله * وان رددنا * على الراهن فنكل فهل للمقر له الحلف لكيلا يبطل حقه بنكول غيره فيه قولان * وان قلنا يقبل اقراره فهل للمرتهن تحليفه فيه وجهان * فان حلفناه فنكل وحلف المرتهن اليمين المردودة ففائدة حلفه تقرير العبد في يده أو أن يغرم الراهن له قولان * ولو كان المقر به الاستيلاد فيزيد أن المستولدة تحلف إذا نكل الراهن وان حرية الولد والنسب تثبت لا محالة) * الثالث مما يتنازعان فيه الجناية إما على المرهون أو به (أما) القسم الاول فإذا جني على العبد المرهون فجاء انسان وأقر بانه الجاني فان صدقه المتراهنان أو كذباه لم يخف الحكم وان صدقه الراهن وحده اخذ(10/181)
الارش وفاز به وليس للمرتهن التوثق به وان صدقه المرتهن وحده أخذ الارش وكان مرهونا فان اتفق قضاء الدين من غيره أو أبرأ المرتهن فوجهان (أصحهما) أنه يرد الارش إلى المقر (والثاني) يجعل
في بيت المال لانه مال ضائع لا يدعيه أحد إذ المرتهن انقطعت علقته والراهن ينكر استحقاقه والمقر معترف بان أداءه كان واجبا عليه وللصورة أخوات تذكر في مواضعها ان شاء الله تعالى (القسم الثاني) الجناية من المرهون والنزاع في جنايته اما أن يقع بعد لزوم الرهن أو قبله (الحالة الاولى) ان يتنازعا في جنايته بعد لزوم الرهن فإذا أقر المرتهن بانه جنى وساعده العبد أو لم يساعده لم يقبل قوله على الراهن بل القول قول الراهن مع يمينه لان الملك له وضرر الجناية يعود إليه وإذا بيع في دين المرتهن لم يلزمه تسليم الثمن إليه باقراره السابق واحتجوا بان العبد ان لم يكن جانبا فلا حق فيه لغير المرتهن وان كان جانيا فلا يصح بيعه للمرتهن لتعلق حق المجني عليه به وإذا لم يصح بيعه كان الثمن باقيا على ملك المشترى ولو أقر الراهن بجنايته وأنكر المرتهن فالقول قوله لان الاصل عدم الجناية وبقاء الرهن وإذا بيع في الدين فلا شئ للمقرأ له علي الراهن لان الراهن لا يغرم جناية المرهون ولم يتلف بالرهن شيئا للمقر له لكون الرهن سابقا علي الجناية وليس كما لو أقر بجناية أم الولد حيث يغرم للمقر له وان سبق الاستيلاد الجناية لان السيد يغرم جناية أم الولد وذكر القاضى ابن كج وجها آخر أنه يقبل اقرار الراهن ويباع العبد في الجناية ويغرم الراهن للمرتهن (الحالة الثانية) أن يتنازعا في جنايته قبل لزوم(10/182)
الرهن وفيها مسألتان (احداهما) أقر الراهن بانه كان قد أتلف مالا أو جني على نفس جناية توجب المال فينظر ان لم يعين المجني على أو عينه ولكنه لم يصدقه ولم يدع ذلك فالرهن مستمر بحاله وان عينه وادعاه المجني عليه نظر ان صدقه المرتهن بيع في الجناية وللمرتهن الخيار ان كان ذلك الرهن مشروطا في بيع وان كذبه فاصح القولين وبه قال ابو حنيفة واختاره المزني أنه لا يقبل قوله صيانة لحق المرتهن (والثانى) يقبل لانه مالك فيما أقر به فلا تنقدح تهمة في إقراره وقال من نصر الاول فيه تهمة ومواطأة للمقر له والتدرج إلى دفع الرهن والقولان كالقولين فيما إذا أقر العبد بسرقة مال ونفذناه في القطع هل ننفذه في المال لانه بهذا الاقرار يضر بنفسه فلا ينفى التهمة ويجرى القولان فيما لو قال كنت غصبته أو اشتريته شراء فاسدا أو بعته قبل أن رهنته أو وهبته وأقبضته وفيما لو قال كنت أعتقته قال الشيخ أبو حامد ولا حاجة في هذه الصورة إلى تصديق العبد ودعواه
بخلاف سائر الصور وفى الاقرار بالعتق قول ثالث أنه ان كان موسرا نفذ والا فلا تنزيلا للاقرار بالاعتاق منزلة الاعتاق ونقل امام الحرمين هذا القول الفارق في الصور كلها وجعلها على ثلاثة أقوال وتابعه المصنف * (التفريع) إن قلنا لا يقبل اقرار الراهن فالقول في بقاء الرهن قول المرتهن مع يمينه يحلف علي نفى العلم بالجناية وإذا حلف واستمر الرهن فهل يغرم الراهن للمجني عليه فيه قولان قال الائمة (أصحهما) أنه يغرم وهو اختيار المزني كما لو قتله لان حال بينه وبين حقه (والثانى) لا يغرم لانه أقر في رقبة العبد بما لم يقبل اقراره فكأنه لم يقر والقولان كالقولين فيما إذا أقر بالدار لزيد ثم أقر بها لعمرو هل يغرم؟(10/183)
لعمر ويعبر عنهما بقولى الغرم للحيلولة لانه بالاقرار الاول حال بين من اعترف باستحقاقه ثانيا وبين حقه (فان قلنا) يغرم طولب في الحال ان كان موسرا وان كان معسرا فإذا أيسر وفيما يغرم المجني عليه طريقان (قال) أبو إسحق وطائفة أصح القولين أنه يغرم الاقل من قيمته وأرش الجناية (وثانيهما) أنه يغرم الارش بالغا ما بلغ وقال الاكثرون ومنهم أبو الحسن يغرم الاقل بلا خلاف كما أن أم الولد لا تفدى إلا بالاقل إذا جنت لامتناع البيع بخلاف العبد القن (وان قلنا) لا يغرم الراهن فان بيع في الدين فلا شئ عليه لكن لو ملكه يوما فعليه تسليمه في الجناية وكذا لو انفك الرهن عنه فهذا إذا حلف المرتهن فان نكل فعلى من ترد اليمين فيه قولان ويقال وجهان (أحدهما) على الراهن لانه المالك للعبد والخصومة تجرى بينه وبين المرتهن (وأصحهما) على المجني عليه لان الحق فيما أقر له والراهن لا يدعى لنفسه شيئا وهذا الخلاف عن الشيخ أبى محمد مبني على أنه لو حلف المرتهن هل يغرم الراهن للمجني عليه (ان قلنا) نعم يرد على المجني عليه لان الراهن لا يستفيد باليمين المردودة شيئا والمجني عليه يستفيد بها اثبات دعواه وسواء قلنا ترد اليمين على الراهن أو المجني عليه فإذا حلف المردود عليه بيع العبد في الجناية ولا خيار للمرتهن في فسخ البيع إن كان الرهن مشروطا في بيع لان اقرار الراهن إذا لم يقبل لا يفوت عليه شيئا وانما يلزم الفوات من النكول ثم ان كان الارش يستغرق قيمة العبد بيع كله والا بيع منه بقدر الارش وهل يكون الباقي رهنا فيه وجهان (أصحهما) لا لان اليمين المردودة كالبينة أو كاقرار المرتهن بانه كان(10/184)
جانيا في الابتداء فلا يصح الرهن في شئ وإذا رددنا على الراهن فنكل فهل يرد الآن على المجني عليه فيه قولان ويقال وجهان (أحدهما) نعم لان الحق له فلا ينبغى أن يبطل بنكول غيره (وأشبههما) لا لان اليمين لا ترد مرة بعد مرة فعلى هذا نكول الراهن كحلف المرتهن في تقرير الرهن وهل يغرم الراهن للمقر له فيه القولان وان رددنا على المجني عليه فنكل قال الشيخ أبو محمد وغيره تسقط دعواه وتنتهى الخصومة وطرد العراقيون في الرد منه على الراهن الخلاف المذكور في عكسه وإذا لم يرد لم يغرم له الراهن قولا واحدا ويحال بالحيلولة على نكوله هذا تمام التفريع على أحد القولين في أصل المسألة وهو أن الراهن لا يقبل اقراره (أما) إذا قلنا إنه يقبل اقراره فهل يحلف أم يقبل قوله من غير يمين فيه قولان أو وجهان (أحدهما) أنه لا يحلف وهو اختيار القاضى أبى الطيب لان اليمين للزجر والتخويف ليرجع عن قوله ان كان كاذبا وههنا لا سبيل له إلى الرجوع (وأصحهما) عند الشيخ أبى حامد ومن نحا نحوه أنه يحلف لحق المرتهن وعلى هذا فيحلف على البيت لانه يحلف على الاثبات وسواء قلنا لا يحلف أو قلنا يحلف فيباع العبد في الجناية إما كله أو بعضه على ما مر وللمرتهن الخيار في فسخ البيع الذى شرط فيه هذا الرهن فان نكل حلف المرتهن لانا انما حلفنا الراهن لحقه فالرد يكون عليه وما فائدة حلفه فيه قولان حكاهما الصيدلاني وغيره (أصحهما) أن فائدته تقرير الرهن في العبد على ما هو قياس الخصومات (والثانى) أن فائدته أن يغرم الراهن قيمته ليكون رهنا مكانه ويباع العبد في الجناية باقرار الراهن وإن قلنا بالاول فهل يغرم الراهن للمقر له لانه بنكوله حال بنيه(10/185)
وبين حقه فيه ما سبق من القولين وان قلنا بالثاني فهل للمرتهن الخيار في فسخ البيع الذى شرط فيه هذا الرهن فيه وجهان ينظر في أحدهما إلى حصول الوثيقة في الثاني إلى غير المشروط لم يسلم وهو الاصح وان نكل المرتهن بيع العبد في الجناية ولا خيار له في البيع ولا غرم على الراهن وإذا عرفت تفريع القولين فيما لو اقر بالجناية فقس به تفريعهما وأقر بالبيع أو الغصب ونحوهما قبل الرهن ولو اقر بالعتق وقلنا إنه لا يقبل اقراره فالمنصوص أنه يجعل ذلك كانشاء الاعتاق حتى تعود فيه الاقوال لان من ملك(10/186)
انشاء أمر قبل اقراره فيه ونقل الامام في نفوذه وجهين وإن حكمنا بنفوذ الانشاء لانه ممنوع من الانشاء تبرعا وان نفذناه إذا فعل وهذا كما أن اقرار السفيه بالطلاق مقبول كانشائه ولو أقر باتلاف مال ففى قبوله وجهان لانه ممنوع من الاتلاف شرعا ففى مسألة الاقرار بالخيار كلامان (أحدهما) جميع ما ذكرناه في المسألة مبنى على أن رهن الجاني لا يجوز اما إذا جوزناه فعن بعض الاصحاب أنه يقبل اقراره لا محالة حتى يغرم للمجني عليه ويستمر الرهن وقال آخرون يطرد فيه القولان ووجه عدم القبول أنه يحصل بلزوم الرهن لان المجني عليه يبيع المرهون لو عجز عن أخذ الغرامة من الراهن (والثانى) أنه لو أقر بجناية توجب القصاص لم يقبل اقراره على العبد ولو قال ثم عفا على مال كما لو أقر بما يوجب المال (المسألة الثانية) رهن الجارية الموطوءة جائز ولا يمنع من التصرف لاحتمال الحمل فإذا رهن جارية فأتت بولد ينظر إن كان الانفصال لدون ستة أشهر من يوم الوطئ أو لاكثر من اربع سنين فالرهن بحاله والولد مملوك له غير لاحق به وان كان لستة أشهر فاكثر إلى اربع سنين فقال الراهن هذا الولد منى وكنت وطئتها قبل لزوم الرهن نظر ان صدقه المرتهن أو قامت عليه به بينة فهى أم لود له والرهن باطل وللمرتهن فسخ البيع الذى شرط فيه رهنها وان كذبه المرتهن ولا بينة ففى قبول اقراره لثبوت الاستيلاد قولان كما لو أقر بالعتق ونظائره والتفريع كما مر وعلى كل حال فالولد حر ثابت النسب عند(10/187)
الامكان ولو لم يصادف ولدا في الحال وزعم الراهن أنها ولدت منه قبل الرهن ففيه هذا التفصيل والخلاف (وقوله) في الكتاب وكل واحد من المرتهن أو المقر له مهما نكل فقد أبطل حق نفسه عن الغرم بنكوله هذا في حق المقر له مفرع على قول التغريم من قولى الغرم بالحيولة (أما) المرتهن فليس له غرم تفريعا على قولنا انه لا يقبل اقرار الراهن حتى يفرض بطلانه بنكوله نعم على قولنا يقبل اقرار الراهن ينتهى التفريع إلى أن يغرم له الراهن القيمة على رأى كما سبق وذلك هو الذى يبطل بنكوله فإذا كان الاحسن أن يذكر هذا بعد التفريع على القولين جميعا لافى آخر التفريع على الاول (وقوله) فهل للمرتهن تحليفه وجهان ذكرنا أن بعضهم رواهما قولين وان قوله
قولان في المسألة بعدها يرويهما بعضهم وجهين والاولى أن يرويهما جميعا قولين أو وجهين أو يروى في الاولى قولين وفى الثانية وجهين فاما تفريع القولين على الوجهين فهو مما يستبعد (وقوله)(10/188)
مريدا ان المستولدة تحلف أي إذا فرعنا على أن المجني عليه يحلف في مسألة الجناية فههنا يحلف المستولدة فانها تقع في رتبته وفى العتق يحلف العبد * (فرع) لو أقر بجناية ينقص ارشها عن قيمة العبد ومبلغ الدين فالقول في مقدار الارش على الخلاف السابق ولا يقبل فيما زاد على ذلك لظهور التهمة وقيل بطرد الخلاف فيه * (فرع) لو باع عبدا ثم اقر بانه كان قد غصبه أو باعه أو بانه اشتراه شراء فاسدا لم يلتفت إلى قوله لانه اقرار في ملك الغير والاقرار في ملك الغير مردود ظاهر ويخالف اقرار الراهن فانه في ملكه وعن بعض الاصحاب اجزاء الخلاف فيه والمذهب الاول وحينئذ يكون القول قول المشترى فان نكل فالرد على المدعى أو على المقر البائع حكى القاضى ابن كج فيه قولين * ولو اجر عبدا ثم أقر بأنه كان قد باعه أو أجره أو أعتقه ففيه الخفا المذكور في الرهن لبقاء الملك * ولو كاتبه ثم أقر بما لا يصح معه الكتابة فان القاضى ابن كج أجرى الخلاف فيه وقال الشيخ ابو حامد وغيره لا يقبل بحال لان المكاتب بمنزلة من زال الملك عنه والله أعلم *(10/189)
قال (الامر الرابع فيما يفك الرهن فلو أذن المرتهن في البيع ثم ادعى الرجوع قبل البيع فالقول قوله (و) لان الاصل أن لا يبيع ولا رجوع فيتعارضان ويبقى أن الاصل استمرار العقد * ولو قال الراهن ما سلمته من المال كان عن جهة الدين الذى به الرهن فانفك وادعى المرتهن أنه عن جهة غيره فالقول قول الراهن * وكذا في كل ما يدعيه من قصوده في الاداء فانه أعرف بنية نفسه * ولو قال لم أنو عند التسليم أحد الدينين فعلى وجه يوزع على الجهتين * وعلى وجه يقال له اصرف الآن إلى ما شئت * وكذا في جميع نظائره) * الامر الرابع مما يتنازع فيه المتراهنان ما يفك الرهن وذكر فيه صورتين (احداهما) إذا أذان المرتهن في
بيع الرهن وباع الراهن ورجع المرتهن عن الاذن ثم اختلفا فقال المرتهن رجعت قبل ان بعت فلم(10/190)
يصح بيعك وبقى المال رهنا كما كان وقال الراهن بل رجعت بعد البيع فوجهان (أظهرهما) عند الاكثرين أن القول قول الراهن لان الاصل عدم رجوع المرتهن في الوقت الذى يدعيه والاصل عدم بيع الرهن في الوقت الذى يدعيه فيتعارضان ويبقى أن الاصل استمرار الرهن (؟ الثاني) أن القول قول الراهن لتقوى جانبه بالاذن الذى سلمه المرتهن وتوسط في التهذيب بين الوجهين فقال ان قال الراهن أولا تصرفت باذنك ثم قال المرتهن كنت رجعت قبله فالقول قول الراهن مع يمينه وان قال المرتهن أولا رجعت عما أذنت فقال الراهن كنت تصرفت قبل رجوعك فالقول قول المرتهن مع يمينه لان الراهن حين أخبر لم يكن قادرا على الانشاء ولو أنكر الراهن أصل الرجوع فالقول قوله مع يمينه لان الاصل عدم الرجوع (الصورة الثانية) إذا كان عليه دينان باحدهما رهن دون الآخر فسلم إليه(10/191)
الفا ثم اختلفا فقال من عليه الدين سلمته عما به الرهن وقال المستحق بل عن الآخر فالقول قول الدافع مع يمينه لانه أعرف بقصده وكيفية أدائه ولا فرق بين أن يختلفا في مجرد النية أو في اللفظ أيضا بان يقول قد ذكرت أنه عن هذا الدين وخلفه الآخر وكذا الحكم لو كان باحدهما كفيل أو كان أحدهما حالا أو ثمن مبيع وهو محبوس به فقال سلمته عنه وأنكر صاحبه قال الائمة والاعتبار في أداء الدين بقصد المؤدى حتى لو ظن المستحق انه بودعه عنده وظن من عليه الدين الاداء تبرأ ذمته ويصير المؤدى ملكا للمستحق فان كان عليه دينان فادى عن أحدهما بعينه وقع عنه وان أدى عنهما يقسط على الدينين وان لم يقصد في الحال شيئا فوجهان (أحدهما) وبه قال ابن أبى هريرة أنه يوزع على الدينين إذ ليس أحدهما أولى من الآخر (وأظهرهما) وبه قال ابو اسحق انه يراجع حتى يصرفه اليهما أو إلى(10/192)
أيهما شاء كما إذا كان له مالان حاضر وغائب ودفع دراهم إلى المستحقين ذكاة وأطلق له صرفها إلى من شاء منهما وتردد الصيدلانى في حكاية الوجه الاول أنه يوزع على قدر الدينين أو على المستحقين بالسوية وعلى
هذا القياس نظائر المسألة كما إذا تبايع مشتركان درهما بدرهمين وسلم الفضل من التزمه ثم اسلما إن قصد تسليمه عن الفضل فعليه الاصل وإن قصد تسليمه عن الاصل فلا شئ عليه وإن قصد تسليمه عنهما وزع عليهما وسقط ما بقى من الفضل وان لم يقصد شيئا ففيه الوجهان * ولو كان لزيد عليه مائة ولعمر ومثلها فوكلا وكيلا بالاستيفاء فدفع المديون إلى الوكيل لزيد أو لعمرو فذاك وان أطلق فعلى الوجهين ولو قال خذه وادفعه إلى فلان أو اليهما فهذا توكيل منه بالاداء وله التعبير ما لم يصل إلى المستحق ولو أبرأ مستحق الدينين المديون عن مائة وكل واحد منهما مائة نظر ان قصد أحدهما أو قصدهما فالامر على ما قصد وان اطلق فعلى الوجهين ولو اختلفا فقال المبرئ أبرأت عن الدين الخالى عن الرهن أو الكفيل وقال المديون بل عن الآخر فالقول قول المبرئ مع يمينه والله أعلم * هذا شرح ما أورده في باب النزاع وقد يختلف المتراهنان في أمور أخر (منها) ما اندرج فيما قبله من أبواب الرهن (ومنها) ما إذا اختلفا المتراهنان في قدم عيب الرهن وحدوثه إذا كان مشروطا وقد ذكرناه في كتاب البيع * ومن فروع هذا الباب ما إذا رهنه عصيرا ثم اختلفا بعد القبض فقال المرتهن(10/193)
قبضته وقد تخمر فلى الخيار في فسخ البيع المشروط فيه هذا الرهن وقال الراهن بل صار عندك خمرا فقولان (أصحهما) ان القول قول الراهن مع يمينه لان الاصل بقاء المبيع والمرتهن يتدرج بما يقوله إلى الفسخ (والثانى) وبه قال أبو حنيفة والمزنى أن القول قول المرتهن مع يمينه لان الاصل عدم القبض الصحيح ولو زعم المرتهن أنه كان خمرا يوم العقد وكان الشرط شرط رهن فاسد فمنهم من طرد القولين وعن ابن أبى هريرة القطع بأن القول قول المرتهن ومأخذ الطريقين أن فساد الرهن هل يوجب فساد البيع (ان قلنا) لا خرج على القولين (وان قلنا) نعم فالجواب ما قاله ابن أبى هريرة لانه ينكر أصل البيع والاصل عدمه ويمكن أن يخرج على الخلاف (وان قلنا) أن فساد الرهن يوجب فساد البيع على الخلاف فيما إذا اختلف التبايعان في شرط مفسد وقد مر ثم ههنا فائدتان (احداهما) خرج مخرجون القولين على أن المدعى من يدعى أمرا خفيا والمدعى عليه من يدعى أمرا جليا والمدعى من لو سكت ترك والمدعى عليه من لم لو سكت لم يترك هذا أصل معروف في موضعه (فان قلنا) بالاول فالمدعى الراهن لانه قد يدعى جريان القبض الصحيح والاصل عدمه فيكون القول قول المرتهن (وان قلنا) بالثاني فالمدعى المرتهن لانه لو سكت لترك والراهن لا يترك لو سكت فيكون القول قول
__________
(قوله) روى أن عطاء بن أبى رباح كان يجوز وطئ الجارية المرهونة باذن مالكها قال عبد الرزق أنا ابن جريج أخبرني عطاء قال يحل الرجل وليدته لغلامه أو ابنه أو أخيه أو أبيه والمرأة لزوجها ما أحب أن يفعل ذلك وما بلغني عن ثبت وقد بلغني أن الرجل برسل وليدته إلى ضيفه ثم روى بسنده عن طاوس أنه قال هو احل من الطعام فان ولدت فولدها للذى أحلت له وهى لسيدها الاول وأنا ابن جريج أخبرني عمرو بن دينا رأنه سمع طاوسا يقول قال ابن عباس إذا أحلت المرأة للرجل أو ابنته أو أخته له جاريتها فليصبها وهى لها وأنا معمر قال قيل لعمرو بن دينار في ذلك فقال لا تعار الفروج *(10/194)
الراهن (والثانية) استنبط القاضى الحسين من القولين الجواب في فرعين (أحدهما) سلم العبد المشروط رهنه ملفوفا في ثوب ثم وجد ميتا فقال الراهن مات عندك وقال المرتهن بل كان ميتا قال في المصدق منهما القولان (والثانى) اشترى مائعا وجاء بظرف فضه البائع فيه فوجدت فيه فأرة ميتة فقال البائع انها كانت في ظرفك وقال المشترى بل أقبضتنيه وفيه الفأرة فيمن يصدق القولان ولو زعم المشترى أنها كانت فيه يوم البيع فهذا اختلاف في أن العقد جرى صحيحا أو فاسدا * (خافمة) ليس للراهن أن يقول أحضر المرهون وأنا أؤدى دينك من مالى بل لا يلزمه الاحضار بعد الاداء أيضا وانما عليه التمكين كالمودع والاحضار وما يحتاج إليه من مؤنه على رب المال ولو احتاج إلى بيعه في الدين لم يكن عليه الاحضار أيضا بل يتكلف الراهن مؤنته ويحضره القاضى حتى يبيعه والله تعالى أعلم *(10/195)
قال > * (كتاب التفليس) *
__________
(حديث) كعب بن مالك أنه صلى الله عليه وسلم حجر؟ على معاذو باع عليه ماله: الدارقطني والحاكم والبيهقي من(10/196)
صلى الله عليه وسلم قال (إذا أفلس الرجل ووجد البائع سلعته بعينها فهو أحق بها من الغرماء) ويروى عنه أنه قال (في مفلس أتوه به هذا الذى قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه) ومن جهة المعنى أنه عقد معاوضة يدخله الفسخ بالاقالة فدخله الفسخ بتعذر العوض كما لو تعذر المسلم واحترزوا بالوصف عن الحوالة والخلع ثم ههنا مباحثات (إحداها) لاشك أن التعلق المانع من التصرف يفتقر ثبوته إلى توسط حجر القاضى عليه وهل الرجوع إلى
__________
طريق هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه بلفظ حجر عن معاذ ماله
وباعه في دين كان عليه وخالفه عبد الرزاق وعبد الله بن المبارك عن معمر فارسلاه ورواه أبوادود في المراسيل من حديث عبد الرزاق مرسلا مطولا وسمى ابن كعب عبد الرحمن قال عبد الحق المرسل أصح من المتصل وقال ابن الطلاع في الاحكام هو حديث ثابت وكان ذلك في سنة تسع وحصل لغرمائه خمسة أسباع حقوقهم فقالوا يا رسول الله بعه لنا قال ليس لكم إليه سبيل (تنبيه) قوله وباعه الضمير يعود عليه المال وأخرجه البيهقى من طريق الواقدي وزاد ان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه بعد ذلك إلى اليمن ليخبره وروى الطبراني في الكبيران النبي صلى الله عليه وسلم لما حج بعث معاذا إلى اليمن وأنه أول من اتجر في مال الله وفي الباب عن أبى سعيد أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال تصدقوا عليه فلم بلغ؟ وفاء دينه فقال خذو اما وجدتم وليس لكم الا ذلك أخرجه مسلم * (حديث) أبى هريرة إذا أفلس الرجل وقد وجد البائع سلعته بعينها فهو أحق بها من الغرماء: متفق عليه ومعظم اللفظ لمسلم من طريق بشير بن نهيك عنه ولهما من طريق أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحرث وغيره بلفظ من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس أو انسان قد أفلس فهو أحق به من غيره * (حديث) أبى هريرة أنه قال في مفلس أتوه به هذا الذى قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ايما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه الحديث * أبو داود والشافعي(10/197)
عين المبيع كذلك أو هو مستغن عن الحجر ان كان الاول فما وجه قوله صلى الله عليه وسلم (أيما رجل مات أو أفلس) الحديث أثبت الاحقية بمجرد الافلاس وان كان الثاني فلم جعل صاحب الكتاب الرجوع حكما للحجر حيث قال ثم للحجر أحكام أربعة وهو أحدها وعلى هذا التقدير يكون الرجوع حكم الافلاس لا حكما للحجر (والجواب) الذى يدل عليه كلام الاصحاب ههنا تعريضا وتصريحا افتقار الرجوع إلى توسط الحجر كافتقار تعلق الديون بالمال ولفظ الكتاب مطابق له الا أن ما حكيناه في تفريع الاقوال عند اختلاف المتبايعين في البداية بالتسليم يشعر باستغنائه عن الحجر فراجعه إن لم تتذكر والمعتمد الاول والحديث يحتمل وجوها من الاأويل (منها) أن يريد بالافلاس الحجر فعبر بالسبب عن المسبب فان
الافلاس سبب الحجر (ومنها) أن يضمر الحجر فيه (ومنها) أن يقال لفظ الحديث الاحقية وهذا اللفظ يصدق بالتمكين من الرجوع بسلوك الاسباب المفضية إليه ومن جملتها طلب الحجر فإذا مجرد الافلاس يفيد الاحقية (الثانية) فيما نقلناه عن الائمة في تفسير المفلس قيدان (أحدهما) المديونية (والآخر) ان
__________
والحاكم من طريق ابن أبى ذئب عن أبى المعتمر عن عمر بن خلدة عنه أبو المعتمر قال أبو داود والطحاوى وابن المنذر هو مجهول ولم يذكر ابن أبى حاتم له الا راويا واحدا وهو ابن أبى ذئب وذكره ابن حبان في الثقات وهو للدار قطني والبيهقي من طريق أبى داود الطيالسي وروى ابن حبان والدارقطني وغيرهما من طريق الثوري في حديث أبى بكر عن أبى هريرة اللفظ الذى ذكره المصنف (فائدة) قال ابن عبد البر هذا الحديث لا يرويه غير أبى هريرة وحكى البيهقى مثل ذلك عن الشافعي ومحمد بن الحسن وفي اطلاق ذلك نظر لما رواه أبو داود والنسائي عن سمرة بلفظ من وجد متاعه عند مفلس بعينه فهو أحق به ولا بن حبان في صحيحه من طريق فليح عن نافع عن ابن عمر بلفظ إذا عدم الرجل فوجد البائع متاعه بعينه فهو أحق به *(10/198)
يكون ماله قاصرا عن الوفاء بالديون والقيد الاول لابد منه لجواز الحجر وأما الثاني فيجوز أن يقال إنه لا حاجة إليه بل مجرد الدين يكفى لجواز الحجر منعا له من التصرفات فيما عساه يحدث له باصطياد وانهاب؟ والظفر بركاز وغيرها فان كان كذلك فليفسر المفلس بالذى ليس له مال يفى بديونه لينتظم من لامال له أصلا ومن له مال قاصر وإنما يراد بالمفلس في المشهور من لا مال له فانه بمجرده لا يؤثر في هذه الاحكام بحال (الثالثة) قوله صلى الله عليه وسلم ايما رجل مات أو أفلس يقتضى ظاهره ثبوت الرجوع وان كان مال الميت وافيا بالديون فهذا الظاهر هل هو معمول به أم لا (الجواب) أثبت الاصطخرى الرجوع بمجرد الموت أخذا بهذا الظاهر والمذهب المنع لتيسر الوصول إلى الثمن كما في حال الحياة والخبر محمول على ما إذا مات مفلسا لانه روى في بعض الروايات * أنه صلى الله عليه وسلم قال (أيما رجل(10/199)
مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه ما لم يختلف وفاء) وإذا تقررت هذه التمهيدات
فالكلام بعد في أنه متى يحجر عليه قال حجة الاسلام التماس الغرماء الحجر بالديون الحالة الزائدة علي قدر المال سبب لضرب الحجر على المفلس وفيه قيود (أولها) الالتماس ولابد منه وليس للقاضى أن يحجر عليه من غير التماس لان هذا الحجر لمصلحة الغرماء والمفلس وهم ناظرون لانفسهم فلا يتحكم الحاكم عليهم نعم لو كانت الديون لمجانين أو أطفال أو محجورين بالسفه لولى القاضى الحجر لمصلحتهم من غير التماس ولا يحجر لدين الغائبين لانه لا يستوفى مالهم في الذمم وانما تحفظ أعيان أموالهم (وثانيها) كون الالتماس من الغرماء وفيه مسألتان (احداهما) لو التمس بعضهم دون بعض نظران كان دين الملتمس قدرا يجوز الحجر عليه لذلك القدر أجيبوا ثم لا يختص الحجر بهم بل يعم أثره الكل وان لم يكن فوجهان (الاظهر) المنع وعن الشيخ أبى محمد أنه يحجر ولا يضيع حقه بتكاسل غيره (الثانية) لو لم يلتمس أحد منهم والتمسه المفلس فوجهان (أحدهما) لايجاب إليه لان الحرية والرشد ينافيان الحجر وانما يصار إليه إذا حقت طلبة الغرماء (وأظهرهما) الاجابة لان له غرضا فيه ظاهرا وقد روى (أن الحجر على معاذ رضى الله عنه كان بالتماس منه دون طلب الغرماء) (وثالثها) كون الديون حالة فان(10/200)
كانت مؤجلة فلا حجر بها سواء كان له ما يفى بها أو لم يكن لانه لا مطالبة في الحال وربما يجد الوفاء عند توجه المطالبة وان كان البعض حالا والبعض مؤجلا نظر ان كان الحال قدرا يجوز الحجر به حجر والا فلا وإذا حجر عليه فهل يحل ما عليه من الديون المؤجلة فيه قولان (أحدهما) نعم وبه قال مالك لان الحجر يوجب تعلق الدين بالمال فيسقط الاجل كالمتوفى (وأصحهما) لا لان المقصود من التأجيل التخفيف ليكتسب في مدة الاجل ما يقضى به الدين وهذا المقصود غير ثابت بخلاف صورة الموت فان توقع الاكتساب قد يبطل وهذا ما اختاره المزني ونقله عن الاملاء وعن الشيخ أبى محمد ترتيب هذين القولين على القولين في أن من عليه الدين المؤجل لو جن هل يحل عليه الاجل وان الحلول في صورة الجنون أولى لان المجنون لااستقلال له كالميت وله قيم ينوب عنه كما ينوب الوارث عن الميت ورأى الامام الترتيب بالعكس أولى لان قيم المجنون له أن يبتاع له بثمن مؤجل عند ظهور المصلحة فإذا لم يمنع الجنون التأجيل ابتداء فلان لا يقطع الاجل
دواما كان أولى * (التفريع) إذا قلنا بالحلول قسم المال بين أصحاب هذه الديون وأصحاب الديون الحالة في الابتداء كما لو مات وان كان في الديون المؤجلة ماكان ثمن متاع وهو قائم عند المفلس فلاصحابه الرجوع إلى عين متاعه كما لو كان حالا في الابتداء وعن القاضي أبى الطيب أن أبا اسحق قال فائدة الحلول أن لا يتعلق بذلك المتاع حق غير بائعه ويكون محفوظا له إلى مضى المدة فان وجد المفلس وفاء فذاك والا فحينئذ يفسخ وقيل لافسخ حينئذ ايضا بل لو باع بثمن مؤجل وحل الاجل ثم أفلس المشترى وحجر عليه فليس للبائع الفسخ والرجوع إلى المبيع لان المبيع بالثمن المؤجل يقطع حق البائع عن المبيع بالكلية ولهذا لا يثبت فيه حق الحبس للبائع والاصح الاول (وان قلنا) بعدم(10/201)
الحلول بيع ماله وقسم على اصحاب الديون الحالة ولا يدخر لاصحاب الديون المؤجلة شئ ولا يدام الحجر بعد القسمة لاصحاب الديون المؤجلة كما لا يحجر بها ابتداء وهل يدخل في البيع الامتعة المؤجلة الاثمان فيه وجهان (أصحهما) نعم كسائر أموال المفلس وليس لبائعها تعلق بها.
لانه لا مطالبة في الحال وعلى هذا فان لم يتفق بيعها وقسمتها حتى حل الاجل ففى جواز الفسخ الآن وجهان (والثانى) أنها لا تباع فانها كالمرهونة بحقوق بائعها بل يتوقف إلى انقضاء الاجل فان انقضى والحجر باق ثبت حق الفسخ وان أطلق فكذلك ولا حاجة إلى إعادة الحجر بل عزلها وانتظار حلول الاجل كابقاء الحجر بالاضافة إلى البيع ونقل الامام وجها آخر أنه لا بد من اعادة الحجر ليثبت حق الفسخ وذكر أيضا تفريعا على القول الاول وجهين في أنه لو لم يكن عليه إلا ديون مؤجلة وطلب أصحابها الحجر هل يجابون (أحدهما) نعم فانهم يتوسلون به إلى الحلول أو المطالبة (وأصحهما) لا لان طلب الحجر فرع طلب الدين وعسر تخليصه فلا يتقدم عليه ويصح اعلام قوله في الكتاب والديون المؤجلة لا حجر بها بالواو للوجه الاول (ورابعها) كون الديون زائدة على قدر أمواله فان كانت متساوية والرجل كسوب ينفق(10/202)
من كسبه فلا حجر وان ظهرت أمارات الافلاس بان لم يكن كسوبا وكان ينفق من ماله أو لم يف
كسبه بنفقته فوجهان (أحدهما) يحجر عليه كيلا يضيع ماله في النفقة والديون إذا ساوت المال فستزيد عن قريب (والثاني) أنه لا يحجر لان الوفاء حاصل وهم متمكنون من المطالبة في الحال وهذا أصح عند العراقيين وذكر الامام أن المختار هو الاول ويجرى الوجهان فيما إذا كانت الديون أقل وكانت بحيث يغلب على الظن انتهاؤها إلى حد المساواة ومنه إلى الزيادة لكثرة النفقة وهذه الصورة أولى بالمنع وإذا حجرنا في صورة المساواة فهل لمن وجد عين ماله عند المفلس والرجوع فيه وجهان (أصحهما) نعم لاطلاق الحديث (والثانى) لا لتمكنه من استيفاء الثمن بكماله وهل تدخل هذه الاعيان في حساب أمواله واثمانها في حساب ديونه فيه وجهان (أصحهما) عند العراقيين الادخال وذكر في التتمة أن الوجهين مبنيان على الوجهين في جواز الرجوع في الصورة السابقة ان لم يثبت الرجوع أدخلت رجاء الوفاء وان أثبتناه فلا * والله أعلم قال (ثم للحجر أربعة أحكام (الاول) منع كل تصرف مبتدأ يصادف المال الموجود عند ضرب الحجر كالعتق * والبيع * والرهن * والكتابة * ولا يخرج عتقه على عتق الراهن لان تنفيذه ابطال لما انشئ الحجر له * ثم لو فضل العبد المعتق أو المبيع بعد قضاء الدين ففى الحكم بنفوذه خلاف * فان قلنا ينفذ فليقض الدين من غيره ما أمكن * أما مالا يصادف المال كالنكاح والخلع * واستيفاء القصاص * وعفوه * واستلحاق النسب * ونفيه باللعان * واحتطابه * واتهابه * وقبوله الوصية فهى صحيحة * وكذا شراؤه على الاصح * وكذا اقراره * الا أن ما يتعلق منه بالمال يؤاخذ به بعد فك الحجر ولا يقبل على الغرماء * ولو أقر في عين المال أنه وديعة عنده أو غصب أو عارية ففيه قولان في القديم * ومنه خرج قول أن الاقرار المرسل بالدين أيضا يوجب قضاءه في الحال من ماله إذ لا تهمة فيه) *(10/203)
عرفت أن من حكم الحجر منع المفلس من التصرف والمستحب للحاكم إذا حجر عليه أن يشهد عليه ليحذر الناس من معاملته ثم في السبط الذى ذكره صاحب الكتاب لما يمنع منه قيود (احدها) كون التصرف مصادفا للمال والتصرف ضربان انشاء وإقرار (الضرب الاول) الانشاآت وهى نوعان (أحدهما) ما يصادف المال وينقسم
إلى تحصيل كالاحتطاب والاتهاب وقبول الوصية ولا يخفى أنه لا يمنع عنه لانه كامل الحال وغرض الحجر منعه مما يضر الغرماء لا غير والى تفويت فينظر ان تعلق بما بعد الموت وهو التدبير والوصية صح فان فضل المال نفذ والا فلا وان كان غير ذلك فاما أن يكون مورده عين المال أو مافى الذمة (القسم الاول) يكون مورده عين المال كالبيع والهبة والرهن والاعتاق والكتابة وفيها قولان (أحدهما) أنها موقوفة فان فضل ما تصرف فيه عن الدين إما لارتفاع القيمة أو لابراء بعض المستحقين نفذناه والا بان أنه كان لغوا ووجهه أنه محجور عليه لحق الغير فلا يلغى تصرفه كالمريض (وأصحهما) وبه قال مالك واختاره المزني أنه لا يصح شئ منها لتعلق حق الغرماء بتلك الاموال كتعلق حق المرتهن وأيضا فانه محجور عليه بحكم الحاكم فلا يصح تصرفه على مراغمة مقصود الحجر كالسفيه وان شئت قلت هذه التصرفات غير نافذة في الحال فان فضل ما تصرف فيه وانفك الحجر فهل ينفذ حينئذ فيه قولان وايراد صاحب الكتاب يوافق هذه العبارة وجعل الشيخ أبو محمد الخلاف في هذه التصرفات(10/204)
على الترتيب فقال العتق أولى بالنفوذ لقبوله الوقف وتعلقه بالاقرار وتليه الكتابة لما فيها من المعاوضة ثم البيع والهبة لانهما لا يقبلان التعليق واختلفوا في محل القولين فمن قاصرين لهما على ما إذا اقتصر الحاكم على الحجر ولم يجعل ماله لغرمائه حيث وجدوه فان فعل ذلك لم ينفذ تصرفه قولا واحدا واحتجوا بأن الشافعي رضى الله عنه قال إذا جعل ماله لغرمائه فلا زكاة عليه ومن طاردين لهما في الحالتين وهو الاشهر قال هؤلاء وتجب الزكاة عليه على أظهر القولين مادام ملكه باقيا والنص محمول على مااذا باعه منهم فان نفذناه بعد الحجر وجب تأخير ما تصرف فيه وقضاء الدين من غيره فلعله يفضل فان لم يفضل نقضنا من تصرفاته الاضعف فالاضعف والاضعف الرهن والهبة لخلوهما عن العوض ثم البيع ثم الكتابة ثم العتق قال الامام فلو لم يوجد راغب في أموال المفلس إلا في العبد المعتق وقال الغرماء بيعوه ونجزوا حقنا ففيه احتمال وغالب الظن أنهم يجابون وذكر الشيخ ابو اسحق رحمه الله أنه يحتمل أن ينقض من تصرفاته للآخر كما في تبرعات المريض إذا زادت على الثلث وأعلم أن ما ذكرنا في البيع مفروض في بيعه من غير الغرماء فان باع منهم فسيأتي (القسم الثاني) ما يرد على مافى الذمة كما إذا اشترى بثمن في الذمة أو باع طعاما سلما فيصح ويثبت في ذمته وسنتكلم في أنه متى يؤدى وكيف يؤدى وروى
الامام قولا آخر أنه لا يصح شراؤه كالسفيه والمذهب المشهور الاول (النوع الثاني) مالا يصادف المال فلا يمنع منه وذلك كالنكاح والطلاق والكلام في أن مؤنات نكاحه كيف توفى نذكر ذلك في موضعه وإذا صح منه الطلاق مجانا صح الخلع منه بطريق الاولى وكذا يصح منه استيفاء القصاص والعفوه عنه واستلحاق النسب ونفيه باللعان والقول في استيفائه القصاص وعفوه عنه معاد في كتاب القصاص (الضرب الثاني) الاقارير فان أقر بمال لم يحل إما أن يقر بمال في الذمة أو بعين مال ان كان الاول نظران أقر بدين لزمه قبل الحجر اما عن معاملة أو دين أو اتلاف لزمه(10/205)
ما أقر به وفى قبوله في حق الغرماء قولان (وجه) عدم القبول وبه قال مالك ان حقهم تعلق بماله من المال وفى القبول إضرار بهم لمزاحمته إياهم (ووجه) القبول وهو الاصح القياس على ما إذا ثبت بالبنية وعلى ما إذا أقر المريض بدين يزاحم المقر له غرماء الصحة وهذا لان ضرر الاقرار في حقه أكثر منه في حق الغرماء فلا تهمة فيه * وان أسنده إلى ما بعد الحجر نظر إن قال عن معاملة لم يقبل في حق الغرماء وان قال عن اتلاف أو عن جناية فاصح الطريقين أنه كما لو أسند لزومه إلى ما قبل الحجر (والثانى) أنه كما لو قال عن معاملة وان أقر بدين ولم يسنده فقياس المذهب التنزيل على الاقل وجعله كما لو أسنده لزومه إلى ما بعد الحجر * وان أقر بعين مال بغيره وقال غصبته منه أو استعرته أو أخذته سوما فقولان كلقولين فيما لو أقر بدين أسنده إلى ما قبل الحج لكن إذا قلنا تم فأثره أن يزاحم المقر له الغرماء وههنا يسلم المقر له بحاله وعلى الثاني ان فصل سلم إليه والا فالغرم في ذمته والفرق بين الانشاءات حيث رددناها في الحال جزما وقلنا الاصح أنه لا يحكم ينفوذها عند انفكاك الحجر أيضا وبين الاقارير حيث قبلناها في حق المفلس جزما وفى حق الغرماء أيضا على أصح القولين أن مقصود الحجر منعه من التصرف فيناسبه الغاء ما ينشئه والاقرار اخبار عما مضى والحجر لا يسلب العبارة عنه فلو أقر مبا يوجب عليه قصاصا أو حدا قبل وأجرى عليه حكمه فان كان المقر به سرقة توجب القطع قبل في القطع وفى رد المسروق القولان السابقان والقبول ههنا أولى لبعد الاقرار عن التهمة وإذا أقر بما يوجب القصاص فعفا المستحق على مال قال في التهذيب هو كما لو أقر بدين جناية وقطع بعض شارحي المختصر بالقبول لانتفاء التهمة وهذا القائل ينبغى أن يطرد ما ذكره في الصورة * الاولى(10/206)
(فرع) لو ادعى مدع على المفلس مالا لزمه قبل الحج وأنكر المفلس ولم يحلف فحلف المدعى (ان قلنا) النكول ورد اليمين كالبينية زاحم الحالف الغزماء (وان قلنا) كالاقرار فعلى القولين ولنعد إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب (قوله) ولا يخرج عتقه على عتق الراهن إلى آخره أراد به أن الخلاف المذكور في نفوذ اعتاق الراهن في الحال لا يجئ ههنا لان الحجر لم ينشأ الا للمنع من تفويت المال والتنفيذ يعكر على مقصود الحجر بالابطال وفى الرهن المقصود الاصلى توثيق حق المرتهن فانه يحصل ببدل المرهون كما يحصل بعينه (وقوله) أما مالا يصادف المال كالنكاح إلى أن قال واحتطابه واتهابه وقبول الوصية ففيه كلام من جهة أن الاحتطاب والاتهاب وقبول الوصية يصادف المال لا محالة وكذا الشراء وليس تصحيحها لانها لا تصادف المال بل لانها تحصل الملك لا إزالته وان قيل المراد أنها لا تصادف المال الموجود عند الحجر فهذا صحيح ولكن يصادفه المال الموجود عند الحجر حينئذ يصير قيدا واحدا وذلك خلاف ما ذكره في الوسيط وأورده ههنا وقوله في مسألة الاقرار بالعين ففيه قولان في القديم ومنه خرج قوله في أن الاقرار المرسل بالدين الذى يوجب قضاؤه في الحال من ماله ادلاتهمة أراد به أن القولين جميعا مذكوران في كتبه القديمة وان الاصحاب خرجوا في الاقرار بالدين مصل ذلك إذ لافرق وهذا شئ قلد فيه امام الحرمين فانه كذلك أورده ولم ينسب الجمهور القولين في الاقرارا بالعين إلى القديم واما الحكم بالتخريج في الاقرار بالدين فعجيب مع نصه في المختصر على القولين جميعا حيث قال وان أقر بدين وزعم أنه لزمه قبل الوقت ففيه قولان (أحدهما) أنه جائز كالمريض يدخل على غرمائه وبه أقول (والثانى) أن اقراره لازم له في مال ان حدث له أو يفضل عن غرمائه وقد(10/207)
تعرض للقولين في مسألة أخرى قبل هذه ومعلوم أن النص مغن عن التخريج (وقوله) الاقرار المرسل بالدين أي المطلق لا كالاقرار بالعين فانه يتعلق بمعين ولو حذف لفظ المرسل لم يضر * قال (والمال الذي يتجدد بعد الحجر هل يتعدي إليه الحجر فيه خلاف * ومن باع بعد الحجر منه شيئا ففى تعلقه بعين متاعه ثلاثة أوجه يفرق في الثالث بين أن يعلم إفلاسه أو يجهل * فان قلنا لا يتعلق به فيصير على وجه إلى أن يقضى ثمنه بعد فك الحجر فانه دين جديد فلا يقضى من المال
القديم كما يلزمه بضمان أو اقرار أو إتلاف * وعلى وجه يضارب به لان ثمن المبيع في مقابلة ملك جديد استفيد منه * وأجرة الكيال والحمال وما يتعلق بمصلحة الحجر يقدم على سائر الديون) * القيد الثاني كونه مصادفا للمال الموجود عند الحجر أما المتجدد بعد الحجر باصطياد أو اتهاب أو قبول وصية ففى تعدى الحجر إليه ومنعه من التصرف وجهان نقلهما القاضى ابن كج والامام (أحدهما) لا يتعدى لان الحجر على المفلس لقصر يده عن التصرف فيما عنده فلا يتعدى إلى غيره كما حجر الراهن على نفسه في العين المرهونة لا يتعدى إلى غيرها (وأصحهما) التعدي ومقصود الحجر أيصال حقوق المستحقين إليهم وهذا لا يختص بالموجود عند الحجر وإذا اشترى شيئا وفرعنا على الصحيح وهو صحة شرائه ففيه مثل هذا الخلاف وهل للبائع الخيار والتعلق بغير متاعه فيه ثلاثة أوجه (أحدها) نعم لتعذر الوصول إلى الثمن (والثانى) لا أما إذا كان عالما فكما لو اشترى سلعة وهو عالم بعيبها وأما إذا كان جاهلا فلتقصيره بترك البحث مع سهولة الوقوف عليه فان الحاكم يشهر أمر المحجور عليه(10/208)
(وأصحهما) أنه ان كان عالما فلا خيار له وان كان جاهلا فله الخيار والرجوع إلى عين ماله ويقرب من هذا ما إذا باع من عبد بغير اذن مولاه وفرعنا على صحة البيع من المفلس المحجور عليه هل يزاحم الغرماء بالثمن فيه وجهان فان الثمن يتعلق بذمته يباع به بعد العتق فان كان عالما ففى ثبوت الخيار وجهان وان كان جاهلا ثبت وإذا لم يثبت له الرجوع في البيع من المفلس المحجور عليه فهل يزاحم الغرماء بالثمن فيه وجهان (أصحهما) لا لانه حاث بعد الحجر برضا مستحقه والديون التى هذا شأنها لا يزاحم مستحقها الغرماء الاولين فعلى هذا يصبر ان فضل منهم شئ أخذه والافالي أن يجد (والثانى) نعم لانه وان كان دينا جديدا فهو في مقابلة ملك جديد فلما زاد المال جاز أن يزيد الدين بخلاف الصداق الذى لزمه بنكاح بعد الفلس ودين ضمنه فانه لا مقابل له * (فائدة) ذكر في النهاية والبسيط أن البائع يضارب الغرماء في المبيع المستفاد منه لا في جميع أموال المفلس لان دينه ثبت مع ثبوت الملك فيه فلا أقل من المشاركة في هذا القدر * ثم انه امتزج مقصود الفصل في نظم الكتاب بالكلام في الديون الحادثة وكيفية أدائها وهي ثلاثة أقسام (أحدها) ما يلزم باختيار مستحقه فان كان في مقابلته شئ كثمن المبيع فقد ذكرناه والا فلا خلاف في أن مستحقه لا يضارب الغرماء بل يصبر إلى انفكاك الحجر (والثانى)
ما لزم بغير اختيار المستحق كأرش الجناية وغرامة الاتلاف فوجهان (أحدهما) ويحكى عن القاضى الحسين أنه لا يضارب به لتعلق حقوق الآدميين الاولين باعيان أمواله فصار كما لو جني الراهن ولا مال له غير المرهون ولا يزاحم المجني عليه المرتهن (وأصحهما) ولم يورد العراقيون غيره أنه يضارب به لانه لم يوجد منه تقصير فيبعد تكليفه الانتظار (الثالث) ما يتجدد بسبب مؤنات المال كأجرة الكيال والوزان والحمال والمنادى والدلال وكرى البيت الذى يوضع فيه المتاع فهذه المؤنات مقدمة على ديون الغرماء لانها لمصلحة الحجر وايصال حقوق المستحقين إليهم(10/209)
ولو لم نقدمها لما رغب أحد في تلك الاعمال وهذا إذا لم يوجد متبرع فان وجد أو كان في بيت المال سعة لم يصرف مال المفلس إليها (وقوله) في الكتاب كما يلزم بضمان أو إقرار أو اتلاف هذا في الاقرار جواب علي عدم القبول في حق الغرماء وفى الاتلاف على الاول من الوجهين المذكورين في غرامات المتلفات وقد مر أن الاصح عند الاكثرين في المسألتين خلاف ما أجاب به فاعلمهما بالواو واعلم ما فيهما ثم في اضافة اللزوم إلى الاقرار نوع تساهل لان الاقرار اخبار ولا يلزم وانما يظهر * قال (ولو اشترى شيئا قبل الحجر فله رده بالعيب على وفق الغبطة * فان كانت الغبطة في ابقائه فلا كما في ولى الطفل * ولو حجر عليه في مدة الخيار فله التصرف بالفسخ والاجازة في العقد المتقدم من غير تقييد (و) بشرط الغبطة لان الامر فيه لم يستقر بعد فليس تصرفا مبتدأ) * القيد الثالث كون التصرف مبتدأ وفيه مسألتان (احداهما) لو اشترى قبل الحجر شيئا فوجده بعد الحجر معيبا فله رده إذا كانت الغبطة في الرد وليس ذلك كما لو باع وهو مغبوط لان الفسخ(10/210)
ليس تصرفا مبتدأ وانما هو من أحكام البيع السابق ولو احقه والحجر لا ينعطف على ما مضى فان منع من الرد عيب حادث لزم الارش ولم يملك المفلس اسقاطه وان كانت الغبطة في ابقائه بان كان معيبا أكثر قيمة من الثمن لم يكن له الرد لما فيه من تفويت المال بغير عوض ولهذا نص الشافعي رضى الله عنه على أنه إذا اشترى في صحته شيئا ثم مرض ووجده معيبا فامسكه والغبطة في رده كان المقدار الذى ينقصه العيب معتبرا من الثلث وكذلك ولى الطفل إذا وجد ما اشتراه للطفل معيبا لا
يرده إذا كانت الغبطة في ابقائه ولا يثبت له الارش في هذه الصورة لان الرد غير ممتنع في نفسه وانما المصلحة تقتضي الامتناع منه (الثانية) قال الشافعي رضى الله عنه لو تبايعا بالخيار ثلاثا فافلسا أو أحدهما فلكل واحد منهما إجازة البيع ورده دون الغرماء أي دون رضاهم وللاصحاب ثلاثة طرق (أظهرها) الاخذ بظاهر النص وتجويز الفسخ والاجازة في الفسخ المتقدم سواء وقع على وفق الغبطة أو على خلافها لانه ليس بتصرف مستحدث وانما يمنع المفلس من التصرفات المنشأة (والثانى) أن تجويز(10/211)
كل واحد منهما مقيد بشرط الغبطة كما في الرد بالعيب وذكر القاضى ابن كج والمسعودي أنه تخريج من نصه فيمن عقد بشرط الخيار ثم مرض مرضا مخوفا فاجاز أو فسخ على خلاف الغبطة يعتبر ذلك من الثلث وان في تلك الصورة تخريجا مما نحن فيه ايضا وتحكى هذه الطريقة عن أبى علي الطبري وابن القطان ومن نصر الاول فرق بين الرد بالعيب وبين الفسخ والاجازة بان العقد في زمن الخيار متزلزل لاثبات له فلا يتعلق حق الغرماء بالمال إذ يضعف تعلقه به بخلاف ما إذا خرج معيبا وإذا ضعف التعلق جاز أن لا يعتبر شرط الضبطة والفرق بينه وبين مسألة المريض أن حجر المريض أقوى ألا ترى أن امضاء الورثة تصرف المريض قبل الموت لا يفيد شيئا وامضاء الغرماء واذنهم فيما يفعله المفلس يفيده الصحة والاعتبار (والثالث) أن كل واحد منها ان وقع على وفق الغبطة فهو صحيح والا فالنظر إلى الخلاف في الملك في رمن الخيار والى أن الذى أفلس أيهما فان أفلس المشترى وقلنا الملك للبائع فللمشترى الاجازة والفسخ اما الاجازة فلانها جلب ملك (وأما) الفسخ فلا يمنع دخول شئ في ملكه الا انه يزيل (وان قلنا) الملك للمشترى فله الاجازة لانه يستديم(10/212)
الشئ في ملكه وان فسخ لم يجز لما فيه من ازالة الملك فان أفلس البائع فان قلنا الملك له فله الفسخ لانه يستديم الملك وليس له الاجازة لانه يزيله وان قلنا الملك للمشترى فللبائع الفسخ والاجازة كما ذكرنا في طرف المشترى * واعلم أنه لو خرج مخرج من نصه في المسألة الثانية خلافا في المسألة الاولى وقال لا يتقيد الرد بالعيب بشرط الغبطة لانه ليس بعقد مستحدث لم يكن مبعدا *
قال (وإذا كان له دين وله شاهد واحد فيحلف * وكذا إذ ردت عليه اليمين * فان نكل فالنص أن الغريم لا يحلف والمفلس حي * فلو كان ميتا فقولان منصوصان * فمنهم من سوى ومهم؟ من فرق بان صاحب الحق قائم فنكوله يوهم أمرا) * من مات وعليه دين فادعى وارثه دينا له على رجل وأقام عليه شاهدا وحلف معه ثبت الحق وجعل في سائر تركاته وان لم يحلف معه أو لم يكن شاهد أو نكل المدعى عليه عن اليمين ولم يحلف الوارث اليمين المردودة فهل يحلف الغرماء فيه قولان (القديم) نعم لانه ذو حق في التركة فاشبه الوارث (والجديد) لا لان حقه فيما يثبت للميت أما أثباته للميت فليس إليه ولهذا لو أوصى لانسان بشئ فمات(10/213)
قبل القبول أو لم يقبله وارثه لم يكن للغريم القبول ولو ادعى المفلس المحجور عليه دينا والتصوير كما ذكرنا ففى حلف الغرماء طريقان (أحدهما) طرد القولين (والثانى) القطع بالمنع والفرق من وجهين (أحدهما) أن الحق للمفلس فامتناعه عن اليمين يورث ريبة ظاهرة وفى الصورة الاولى لم يبق صاحب الحق وانما يحلف الوارث بناء على معرفته بشأن الموروث وقد يكون الغرماء أعرف به (والثانى) أن غرماء الميت أيسون عن حلفه فمكنوا من اليمين كيلا يضيع الحق وغرماء المفلس غير آيسين عن حلفه قال الامام والطريقة الثانية أصح وحكى عن شيخه طرد الخلاف في ابتداء الدعوى من الغرماء ونقل بعضهم مسألة عن الفقال وعن الاكثرين القطع بمنع الدعوى ابتداء وتخصيص الخلاف باليمين بعد دعوى الوارث في الصورة الاولى والمفلس في الثانية ولا فرق بين أن يكون المدعى عينا أو دينا قاله(10/214)
القاصي ابن كج وفرع على قولنا ان الغرماء يحلفون فرعين (أحدهما) أنه لو حلف بعضهم دون بعض استحق الحالفون بالقسط كما لو حلف بعض الورثة لدين الميت (والثانى) لو حلفوا ثم أبرؤا عن ديونهم فالمحلوف عليه يكون لهم ويغلو الابراء ويكون للمفلس أو يبقى علي المدعى عليه ولا يستوفى أصلا فيه ثلاثة أوجه * قال (ولو أراد سفر فلمن له دين حال منعه * وليس لمن له دين مؤجل منعه * ولا طلب
الكفيل ولا طلب الاشهاد (و) * من عليه الدين إذا أراد أن يسافر نظر ان كان الدين حالا فلصاحبه منعه حتى يقضى حقه قال الائمة وليس هذا منعا من السفر كما يمنع السيد العبد والزوج الزوجة ولكن يشغله عن السفر برفعه إلى مجلس الحكم ومطالبته حتى يوفى الحق وان كان مؤجلا نظر ان لم يكن السفر مخوفا فلا منع إذ لا مطالبة وليس له طلب رهن ولا كفيل أيضا وهو المضيع لحق نفسه حيث رضى بالتأجيل من غير رهن ولا كفيل وليس له أن يكلفه الاشهاد أيضا ولا فرق بين أن يكون حلول الاجل قريبا أو بعيدا فان أراد أن يسافر معه ليطالبه عند حلوله فله ذلك بشرط أن لا يلازمه ملازمة الرقيب وقال مالك إذا علم حلول الاجل قبل رجوعه فله أن يطالبه بكفيل وعن صاحب التقريب نقل وجه أن له طلب الاشهاد لان المستحق يتوثق به ولا ضرر فيه على المديون وان كان السفر مخوفا كالجهاد(10/215)
وركوب البحر ففيه وجوه (أصحها) أنه لا مانع أيضا إذ لا مطالبة في الحال (والثانى) ويحكى عن أبى سعيد الاصطخرى أنه يمنعه إلى أن يؤدى الحق أو يعطى كفيلا لانه في هذا السفر بعرض نفسه للهلاك فيضيع حقه (والثالث) ان لم يخلف وفاء ما عليه منعه وان خلفه فلا اعتماد اعلى حصول الحق منه وفى سفر الجهاد وجه آخر ان المديون ان كان من غير المرتزقة منع وان كان منهم لا يمنع لان وجوه معايشهم وأكسابهم منه * واعلم أن القاضى الرويانى اختار مذهب مالك فقال له المطالبة بالكفيل في السفر المخوف وفى السفر البعيد عند قرب الحلول في هذا الزما لفساد الطرق وانقطاع القوافل وعجز الحكام عن استيفاء الحقوق بالكتب الحكمية وإن شئت فاعلم قوله ولا طلب الكفيل مع الميم بالواو * قال (الحكم الثاني في بيع ماله وقسمته وعل يالقاضى أن يبادر إليه كيلا تطول مدة الحجر * ويقسم على نسبة الديون * ويبيع بحضرة المفلس * ولا يسلم مبيعا قبل قبض الثمن * ولا يكلف الغرماء حجة على أن لا غريم له سواهم * ويعول على أنه لو كان لظهر مع استفاضة الحجر * فان ظهر بعد القسمة فلا تنقض القسمة بل يرجع على كل واحد بحصة يقتضيها الحساب * ولو خرج المبيع
مستحقا فكذلك يرجع على كل واحد بجزء من الثمن * فان كان قد بيع في حالة الفلس فيرد تمام الثمن * أو يضارب فيه خلاف * ووجه الاكمال أنه من مصالح الحجر) * هذا الحكم الثاني وان كان ثابتا في حق المفلس المحجور علهى ولكن لا اختصاص له بالمحجور بل كما يبيع الحاكم مال المفلس المحجور ويقسمه بين الغرماء فكذلك غيره من المديونين إذا امتنع من قضاء الدين وبيع المال فيه يبيع الحاكم ماله ويقسمه بين الغرماء وعند أبى حنيفة لا يبيع الحاكم ماله بل يحبسه حتى يبيع وسلم أن يصرف أحد النقدين في الآخر * لنا القياس على ما سلمه وأيضا حديث معاذ(10/216)
رضى الله عنه الذى قدمناه وروى أن عمر رضى الله عنه خطب الناس وقال (ألا أن ألا سيفع أسيفع جهينة قد رضى من دينه وأمانته أن يقال سبق الحاج فادان معترضا فأصبح وقد رين به فمن كان له عليه دين فليحضر فانا بايعوا ماله وقاسموه بين غرمائه هذا رجل من جهينة ذكر أنه كان يشترى الرواحل ويسرع السير فيسبق الحاج فأفلس) وقوله) أدان أي استقرض (وقوله) معترضا أي اعترض الناس فاستدان ممن أمكنه (وقوله) رين أي وقع فيما لا يستطيع الخروج منه قال أبو عبيد كلما غلبك فقد ران بك ورانك * إذا تقرر ذلك فإذا حجر الحاكم على المفلس فالمستحب أن يبادر إلى بيع ماله وقسمته حتى لا تطول مدة الحجر ولا يفرط في الاستعجال كيلا يطمع فيه بثمن بخس ويستحب أن يبيع بحضرة المفلس أو وكيله لانه أنفى للتهمة وأطيب لقلب المفلس والمشترين وليخبر بصفات المتاع وانه بكم اشتراه فتكون الرغبة فيه أكثر وليطلع علي عيب ان كان به ليباع على وجه لا يرد
__________
(حديث) عمر في اسيفع جهينة ياتي قريبا *(10/217)
وكذلك يفعل إذا باع المرهون ويستحب أيضا إحضار مستحقي الدين ويقدم بيع المرهون في حق المرتهن ان كان في ماله مرهون ويبيع العبد الجاني في حق المجني عليه ليعجل حقهما فان فضل شئ كان مع سائر أمواله للغرماء وان بقي من دين المرتهن شئ ضرب به سائر الغرماء ويبيع من ماله أو لا ما يخاف عليه الفساد كيلا يضيع ثم الحيوان لحاجته إلى النفقة وكونه عرضة للهلاك ثم سائر المنقولات ثم
العقارات وانما يؤخرها لانه لا يخشي عليها الهلاك والسرقة ويشهر بيعها فيظهر الراغبون ويبيع كل شئ في سوقه فان طالبيه في سوقه أكثر ويجب أن يبيع ثمن المثل من نقد البلد حالا ثم ان كانت الديون من غير جنس ذلك النقد ولم يرض المستحقون إلا بجنس حقهم صرفه إلى جنس حقهم والا جز صرفه إليهم إلا أن يكون سلما ولا يسلم المبيع قبل قبض الثمن نص عليه الشافعي رضى الله عنه وقد ذكرنا فيما إذا تنازع المتبايعان في البداءة بالتسليم أقوالا فعن ابن سريج أن ما ذكره ههنا جواب على قولنا أن البداءة للمشتري ويجئ عند التنازع قول آخر وهما أنهما يخيران معا ولا يجئ قولنا لا يخير واحد منهما حتى يبدأ أحدهما فان الحال لا يحتمل التأخير ولا قولنا إن البداءة بالبائع فان من يتصرف للغير فلا بد وان يحتاط وعن أبى الحسين أنه تجب البداءة ههنا بتسليم الثمن بلا خلاف ثم لو خالف الواجب وسلم المبيع قبل قبض الثمن ضمن وكيف يضمن سنذكره ان شاء الله تعالى وما يقبض الحاكم من أثمان أمواله على التدريج ان كان يسهل قسمته عليهم فالاولى أن لا يؤخره وان كان يعسر لقلته وكثرة الديون فله أن يؤخر ليجمع فان أبو التأخير ففى النهاية إطلاق القول بأنه يجيبهم والظاهر خلافه فإذا تأخرت القسمة فان وجد من يقترض منه فعل ويشترط فيه الامانة واليسار وان لم يجد أودعه عند أمين ولا يشترط فيه اليسار والتورع ممن يرضاه الغرماء فان اختلفوا أو عينوا من ليس بعدل فالرأى للحاكم ولا يقنع بمن ليس بعد ولو تلف شئ من الثمن في يد العدل فهو من ضمان المفلس سواء كان في حياة(10/218)
المفلس أو عند موته وعند أبي حنيفة ما تلف بعد موته فهو من ضمان الغرماء والله أعلم * بقى في الفصل مسألتان (إحداهما) لا يكلف عند القسمة الغرماء إقامة البينة على أنه لا غريم سواهم ويكتفى بأن الحجر قد استفاض واشتهر فلو كان ثم غيرهم لظهر وطلب حقه ويؤيده أن عمر رضى الله عنه اكتفى باشتهار أمر الجهني في خطبته ولم يكلف الغرماء الببنة هذا ما نقله الامام عن صاحب التقريب ثم قال لا فرق عندنا بين القسمة على الغرماء والقسمة على الورثة (فإذا قلنا) في القسمة على الورثة لا بد من إقامة الشهادة على أن لا وارث غيرهم كذلك في القسمة على الغرماء وللفارق أن يفرق بين البائعين بان الورثة على كل حال أضبط من الغرماء وهذه شهادة علي النفى يعسر مدركها فلا يلزم من اعتبارها حيث كان الضبط أسهل
اعتبارها حيث كان الضبط أعسر * واذ اجرت القسمة ثم ظهر غريم آخر فالظاهر أن القسمة لا تنقض ولكن يشاركهم من ظهر بالحصة لان المقصود يحصل به وفيه وجه أنها تنقض فيسترد المال ممن أخذ ويستأنف القسمة وهذا كما لو اقتسم الورثة التركة ثم ظهر دين ففى نقض القسمة اختلاف (فان قلنا) بعدم النقض فلو قسم ماله على غريمين لاحدهما عشرون وللآخر عشرة فاخذ الاول عشرة والثانى خمسة ثم ظهر غريم ثالث بثلاثين استرد من كل واحد منهما نصف ما أخذ ولو كان دين كل واحد منهما عشرة وقسم المال بينهما نصفين ثم ظهر غريم ثالث بعشرة رجع على كل واحد منهما(10/219)
بثلت ما أخذ فان أتلف أحدهما ما أخذ وكان معسرا لا يحصل منه شئ فوجهان (أظهرهما) أن الغريم الذى ظهر لا يأخذ من الآخر شطر ما أخذ وكانه كل المال ثم لو أيسر المتلف أخذا منه ثلث ما أخذه وقسماء بينهما (والثانى) أنه لا يأخذ منه الا ثلث ما أخذه وثلث ما أخذه المتلف دين له عليه ولو أن الغريم الثالث ظهر وقد ظهر للمفلس مال قديم أو حادث بعد الحجر صرف منه إلى من ظهر بقسط ما أخذه الاولان فان فضل شئ فهو مقسوم على الثلاثة بقسطه هذا كله إذا كان الغريم الذى ظهر قديما فان كان حادثا بعد الحجر فلا يشارك الاولين في المال القديم وإن ظهر مال قديم وحدث مال باحتطاب وغيره فالقديم للقدماء خاصة والحادث للكل (المسألة الثانية) لو خرج شئ مما باعه المفلس قبل الحجر مستحقا والثمن غير باق فهو كدين ظهر والحكم ما مضى وإن باع الحاكم ماله وظهر الاستحقاق بعد قبض الثمن وتلفه فرجوع المشترى في مال المفلس ولا يطالب الحاكم به ولو نصب الحاكم أمينا حتى باعه ففى كونه طريقا وجهان كما ذكرنا في العدل الذى نصبه القاضى لبيع الرهن ثم رجوع المشترى في طريق المفلس ورجوع الامين (إن قلنا) إنه طريق للضمان وغرم كيف يكون(10/220)
فيه قولان (عن) رواية الربيع وحرمله انه يضارب مع الغرماء لانه دين في ذمة المفلس كسائر الديون (والثاني) أنه يتقدم على سائر الغرماء لانا لو قلنا بالمضاربة لرغب الناس عن شراء مال المفلس فكان التقديم من مصالح الحجر كأجرة الكيال ونحوها من المؤن ونسب الا كثرون هذا القول
إلى رواية المزني لكن منقولة في المختصر يشعر بالقولين جميعا وذكر المسعودي أن القولين مأخوذان منه والثاني أرجح عند عامة الاصحاب ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب فيه خلاف بالواو لان الامام حكى طريقة أخرى قاطعة بالتقديم وأيضا فان العراقيين حكوا طريقة أخرى وهى تنزيل الروايتين على حالين ان كان الرجوع قبل قسمة المال بين الغرماء يقدم وان كان بعد القسمة واستئناف الحجر بسبب مال تجدد فهو أسوة الغرماء * قال (ثم يترك عليه دست ثوب يليق بحاله حتى خفه وطيلسانه إن كان حطهما عنه يزرى بمنصبه * ولا يترك مسكنه وخادمه * بل يبقي له سكني يوم واحد ونفقته ونفقة زوجته وأولاده * وكذا ينفق عليهم مدة الحجر * ونص في الكفارة أنه يعدل إلى الصيام * وان كان له مسكن وخادم فقيل بمثله في الديون * والفرق أن الكفارة لها بدل وحقوق الله على المساهلة) * مقصود الفصل الكلام فيما يباع علي المفلس من أمواله وما يترك له وفيه مسائل (إحداها) ينفق الحاكم على المفلس إلى الفراغ من بيع ماله وقسمته وكذا ينفق على من عليه مؤنته من الزوجات والاقارب لانه موسر ما لم يزل ملكه وكذا كسوتهم بالمعروف هذا إذا لم يكن له كسب يصرف إلى هذه الجهات وكيف ينفق علي زوجته قال الامام لا شك ان نفقته نفقة المعسرين وفى البحر للقاضى الرويانى أنه ينفق عليهن نفقة الموسرين وهذا قيلس الباب ولو كان ينفق نفقة المعسرين لما أنفق على الاقارب (الثانية) بيع مسكنه وخادمه وان كان محتاجا إلى من يخدمه لزمانته أو كان منصبه يقتضى(10/221)
خادما ونص في الكفارات المرتبة أنه يعدل إلى الصيام وان كان له مسكن وخادم ولا يلزمه صرفهما إلى الاعتاق فمنهم من خرج منه قولا في الديون والمذهب تقرير النصين والفرق من وجهين (أحدهما) أن الكفارة لها بدل ينتقل إليه والدين بخلافه (وثانيهما) أن حقوق الله تعالى مبنية على المساهلة وحقوق الآدميين على الشح والمضايقة قال الامام والمسكن أولى بالابقاء من الخادم فينتظم أن يرتب الخلاف ويقال فيهما ثلاثة أوجه في الثالث يبقى المسكن دون الخادم (فان قلنا) بالابقاء فذلك إذا كان لائقا بالحال دون النفيس الذي لا يليق به ويشبه أن يكون هذا هو المراد مما نقل عن الاصطخري
أنه إن كان ثمينا بيع والا فلا (الثالثة) يترك له دست ثوب يليق بحاله من قميص وسراويل ومنديل ومكعب وان كان في الشتاء زاد جبة وتترك له العمامة والطيلسان والخف ودراعة يلبسها فوق القميص إن كان اللائق بحاله لبسها لان حطها عنه يزرى بمنصبه وتوقف الامام في الخف والطيلسان وقال ان تركهما لا يخرم المروءة وذكر أن الاعتبار بما يليق بحاله في افلاسه لا في بسطته وثروته لكن المفهوم من كلام الاصحاب أنهم لا يساعدونه عليه ويمنعون قوله إن تركهما لا يخرم المروءة ولو كان يلبس قبل الافلاس فوق ما يليق بمثله رددناه إلى للائق بحاله ولو كان يلبس دون اللائق تقتيرا لم يزد عليه في الافلاس ويترك لعياله من الثوب كما يترك له ولا يترك الفرش والبسط نعم يسامح باللبد والحصير القليل القيمة قال الائمة والفرق بين الثياب وبين الخادم والمسكن حيث لم يتركا عليه في ظاهر المذهب أن الخادم عنه غنيمة (وأما) المسكن فانه يسهل استئجاره وان تعذر سكن الرباط والمسجد والثياب قلما تستأجر (الرابعة) يترك له قوت يوم القسمة وكذلك لمن عليه نفقته لانه موسر في أوله ولا يزيد على نفقة ذلك اليوم فانه لاضبط بعده وذكر في الكتاب أنه يبقى له سكني ذلك اليوم(10/222)
أيضا وهذا مستمر على قياس النفقة وان لم يتعرض له غيره وكل ما يترك إذا وجد في ماله يشترى إذا لم يوجد * قال (ثم ان بقي شئ من الدين فلا يستكسب (م) * وفي إجارة مستولدته والضيعة الموقوفة عليه خلاف مأخذه أن المنفعة ليست مالا عتيدا وانما هو اكتساب) * من قواعد الباب أن المفلس لا يؤمر بتحصيل ما ليس بحاصل وان لم يمكن من تفويت ما هو حاصل حتى لو جنى على المفلس أو على عبده جان فله القصاص ولا يلزم العفو على المال قال وان كانت الجناية موجبة للمال فليس له ولا لوارثه أن يقبل العفو دون إذن الغرماء ولو كان قد أسلم في شئ فليس له أن يقبض مسامحا ببعض الصفات المقصودة المشروطة الا باذنهم ولو كان قد وهب هبة تقتضي الثواب وقلنا انها تقدر بما يرضى به الواهب فله أن يرضى بما شاء وتكليفه طلب الزيادة تكليف بتحصيل ما ليس بحاصل (وان قلنا) إنه يتقدر بالمثل لم يجز الرضا بما دونه ولو زاد على المثل
لم يجب القبول * إذا تقرر ذلك فليس على المفلس أن يكتسب ويؤاجر نفسه ليصرف الاجرة والكسب إلى بقية الديون * وقال أحمد رضى الله عنه يلزمه ذلك ولو امتنع اجره القاضى * وعن مالك أنه ان كان ممن يعتاد اجارة نفسه لزمه * لنا قوله تعالى (وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) حكم(10/223)
بالانظار ولم يأمره بالاكتساب وأيضا فان النبي صلى الله عليه وسلم (لما حجر على معاذ رضي الله عنه لم يزد على بيع ماله) ولو كانت له أم ولد أو ضيعة موقوفة عليه فوجهان (أحدهما) أنهما يؤجران لان المنافع اموال كالاعيان فيحصل بدلها للدين (والثانى) لا لان المنافع لا تعد أموالا حاضرة ولو كان كذلك لوجب اجارة المفلس نفسه ولوجب بها الحج والزكاة فعلى الاول يؤاجر مرة بعد أخرى إلى أن ينقضى الدين لان المنافع لا نهاية لها وقضية ادامة الحجر إلى فناء الدين ولان هذا كالمستعير ومال الامام إلى ترجيح الوجه الثاني لكن في تعاليق العراقيين ما يدل على أن الاول أظهر * قال (ثم إذا لم يبق له مال واعترف به الغرماء فيفك الحجر * أم يحتاج إلى فك القاضى فيه خلاف * وكذا لو تطابقوا علي رفع الحجر لان الظاهر أن الحق لا يعدوهم ولكن يحتمل أن يكون وراءهم غريم * والاظهر أن بيعه ماله من غير الغرماء لا يصح وان كان بادبهم * ولو باع من الغريم بالدين ولا دين سواه ففيه خلاف لان سقوط الدين يسقط الحجر على رأى) * إذا قسم الحاكم مال المفلس بين الغرماء فينفك الحجر أم يحتاج إلى فك القاضى فيه وجهان
__________
(قوله) روى أنه صلى الله عليه وسلم انما حجر على معاذ بالتماس منه دون طلب الغرماء (قلت) هذا شئ ادعاه امام الحرمين فقال في النهاية قال العلماء ما كان حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاذ من جهة استدعاء غرمائه والا شبه أن ذلك جرى باستدعائه وتبعه الغزالي وهو خلاف ما صح من الروايات المشهورة ففى المراسيل لابي داود التصريح بأن الغرماء التمسوا ذلك امامان واه الدارقطني أن معاذ اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه ليكلم غرماءه فلا حجة فيها أن ذلك الالتماس الحجر وانما فيها طلب معاذ الرفق منهم وبهذا تجمع الروايات(10/224)
(أحدهما) أنه ينفك لان الحجر لحفظ المال على الغرماء وقد حصل هذا الغرض فيزول الحجر (وأظهرهما)
أنه لابد من فك القاضى لانه حجر لا يثبت الا باثبات القاضى ولا يرتفع الا برفعه كالحجر على السفيه والمعنى فيه أنه يحتاج إلى نظر واجتهاد كحجر السفيه هذا إذا اعترف الغرماء بان لا مال سواه أما إذا ادعوا مالا آخر فالجواب ما سيأتي ان شاء الله تعالى في الحكم الثالث * ولو اتفق الغرماء علي رفع الحجر عنه فقد حكى الامام في ارتفاعه مثل هذا الخلاف عن الاصحاب (وجه) الارتفاع أن الحجر لهم فهم في امواله كالمرتهن في حق المرهون (ووجه) عدم الارتفاع أنه يحتمل أن يكون وراءهم غريم غائب فلابد فيه من نظر الحاكم واجتهاده * ولو باع المفلس ماله من غريمه يدينه ولا يعرف له غريما سواه فوجهان (قال) صاحب التلخيص يصح بيعه لان الحجر عليه لدين ذلك الغريم فإذا رضى وبرئت ذمته من الدين وجب أن يصح (والاظهر) وبه قال أبو زيد أنه لا يصح من غير مراجعة القاضى لان الحجر على المفلس لا يقتصر على الغريم الملفس؟ بل يثبت على العموم ومن(10/225)
الجائز أن يكون له غريم آخر والوجهان مفرعان على أن بيع المفلس من الأجنبي لا يصح فان صح فهذا أولى ولو حجر عليه بديون جماعة وباع أمواله منهم بديونهم فعلى هذا الخلاف ولو باع ماله من غريمه الواحد بعين أو ببعض دينه فهو كما لو باع من الأجنبي لان ذلك لا يتضمن ارتفاع الحجر بخلاف ما إذا باع بكل الدين فانه يسقط الدين فإذا سقط الدين ارتفع الحجر * ولو باع من أجنبي باذن الغرماء لم يصح أيضا وقال الامام يحتمل أن يصح كما يصح بيع المرهون بأذن المرتهن وأقام صاحب الكتاب ما ذكره وجها فقال والاظهر أن بيع ماله من غير الغرماء أي من الوجهين (وقوله) لان سقوط الدين يسقط الحجر على رأى هو الرأى الذاهب إلى أنه إذا فرقت أمواله وقبضت الديون ارتفع الحجر عنه فإذا قلنا بذلك
__________
* (حديث) * ايما رجل باع متاعا فافلس الذى باغه ولم بقض؟ البائع من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو احق به وان كان قد اقتضى من ثمنه شيئا فهو اسون؟ الغرماء ذكر الرافعى بعد انه حديث مرسل وهو كما قال فقد اخرجه مالك وأبو داود من حديث أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام مرسلا ووصله أبو داود من طريق أخرى وفيها اسماعيل بن عياش إلا أنه رواه عن الزبيدى وهو شامى قال أبو داود المرسل أصح (قلت) واختلف على اسماعيل فاخرجه ابن الجارود من وجه آخر عنه عن موسى ابن عقبة
عن الزهري موصولا وقال الشافعي حديث أبى المعتمر أولى من هذا وهذا منقطع وقال البيهقى لا يصح وصله ووصله عبد الرزاق في مصنفه عن مالك وذكر ابن حزم أن عراك بن مالك رواه أيضا عن أبى هريرة وفي غرائب مالك وفي التمهيد أن بعض أصحاب مالك وصله عنه(10/226)
صححنا البيع من الغريم بالدين لتضمنه البراءة من الدين ولك أن تقول وجب أن لا تجزم بصحة البيع وان قلنا بان سقوط الدين يسقط الحجر لان صحة البيع اما أن تفتقر إلى تقدم ارتفاع الحجر أم لا تفتقر فان افتقرت وجب أن نجزم بعدم الصحة للدور فانه لا يصح البيع ما لم يرتفع الحجر ولا يرتفع الحجر ما لم يسقط الدين ولا يسقط الدين ما لم يصح البيع وان لم تفتقر فغاية الممكن اقتران صحة البيع وارتفاع الحجر فلتخرج الصحة على الخلاف فيما إذا قال كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ولدا بعد ولد هل تطلق بالثاني وفيما إذا قال العبد لزوجته ان مات سيدى فانت طالق طلقتين وقال السيد لعبده إذا مت فانت حر ثم مات السيد فهل له نكاحها قبل الزوج واصابة ولهما نظائر * قال (الحاكم الثالث) حبسه إلى ثبوت إعساره * وللقاضي ضربه ان ظهر عناده باخفاء المال * فان أقام بينة على أعساره سمع في الحال (ح م) * وأنظر الي ميسرة * وليشهد من يخبر باطن حاله فانه شهادة على النفى قبلت للحاجة * ثم للخصم أن يحلفه مع الشهادة * فان لم يطلب فهل يجب على القاضى أدبا في قضائه في خلاف * وان لم يجد بينة وقد عهد له مال فلا يقبل قوله * وان لم يعهد فقيل ان القول قوله لان الاصل عدم اليسار * وقيل لابل الاصل في الحر الاقتدار * وقيل ينظر ان لزمه الدين باختياره فالظاهر ان لا يلتزم الا عن قدرة * فان لم يقبل يمينه فان كان غريبا فليوكل القاضى به من يسأل عن منشئه(10/227)
ومنقلبه حتى يغلب على ظنه افلاسه فليشهد كيلا يتخلد الحبس عليه) * هذا الحكم أيضا ليس من آثار الحجر وخواصه بل هو في حق غير المحجور أظهر على ما سنبينه ان شاء الله تعالى * واعلم أن المديون إذا ثبت اعساره لم يجز حبسه ولا ملازمته بل يمهل إلى أن يوسر على ما قال الله تعالى (فنظرة إلى ميسرة) وقال أبو حنيفة للغريم ملازمته ولكن لا يمنعه من التكسب * وان كان له مال فقد ذكرنا
أنه يؤمر ببيع ماله وان امتنع باعه الحاكم عليه وهل يحجر عليه فيه وجهان (أظهرهما) أنه يحجر إذا التمسه الغرماء كيلا يتلف ماله (والثانى) لا لان عمر رضى الله عنه لم يحجر علي الجهيني * فان أخفى ماله حبسه القاضى حتى يظهره روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لى الواجد يحل عرضه وعقوبته) قال المفسرون أراد بالعقوبة الحبس والملازمة فان لم ينزجر بالحبس زاد في تعزيره بما يراه من الضرب وغيره وان كان ماله ظاهرا فهل يحبسه بامتناعه قال في التتمة فيه وجهان الذى عليه عمل القضاة الحبس ويدل عليه ماروى أنه صلى الله عليه وسلم (حبس رجلا أعتق شقصا له من عبد في قيمة الباقي) وان ادعى أنه قد تلف ماله وصار معسرا
__________
(حديث) لى الواجد ظلم وعقوبته حبسه * أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والبيهقي من حديث عمرو بن الشر يد عن أبيه وعلقه البخاري ولكن لفظه عند الطبراني في الاوسط لى الواجد يحل عرضه وعقوبته وقال لا يروى عن الشريد إلا بهذا الاسناد تفرد به ابن أبى دليلة * (حديث) أنه صلى الله عليه وسلم حبس رجلا أعتق شقصا له في عبد في قيمة الباقي * البيهقى من طريق أبى مجلزان عبدا كان بين رجلين فاعتق أحدهما نصيبه فحبسه النبي صلى الله عليه وسلم حتى باع فيه غنيمة له قال وهذا منقطع قال وروى من وجه آخر عن القاسم بن عبد الرحمن عن جده عبد الله ابن مسعود وهو ضعيف لانه من طريق الحسن بن عمارة قال ورواه الثوري عن ابن أبى لبلى؟ عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابى مجلز (فائدة) في مشروعية الحبس حديث أخرجه أبو داود والنسائي من طريق بهز بن حكيم عن ابيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة ساعة من نهار ثم خلا سبيله(10/228)
فعليه البينة ثم ان شهد الشهود على التلف قبلت شهادتهم ولم يعتبر فيهم الخبرة الباطنة وان شهدوا على اعساره قبلت بشرط خيرتهم الباطنة قال الصيدلاني ويحمل قولهم انه معسر على أنهم وقفوا على تلف المال * وان ادعى المديون أنه معسر لا شئ له أو قسم مال المحجوز على الغرماء وبقى بعض الديون وزعم أنه لا يملك شيئا آخر وأنكر الغرماء نظر ان لزمه الدين في مقابلة مال كما إذا ابتاع أو استقرض أو باع سلما فهو كما لو ادعى
هلاك المال فعليه البينة وان لزم لا في مقابلة مال فثلاثة أوجه (أصحها) أنه يقبل قوله مع اليمين لان الاصل العدم (والثانى) أنه لا يقبل ويحتاج إلى البينة لان الظاهر من حال الحر أنه يملك شيئا قل أم كثر (والثالث) أنه ان لزمه باختياره كالصداق والضمان لم يقبل قوله وعليه البينة وان لزمه لا باختياره كارش الجنايات وغرامة المتلفات قبل قوله مع اليمين والفرق ان الظاهر أنه لا يشغل ذمته ولا يلتزم مالا يقدر عليه ثم الكلام في فصلين (أحدهما) في البينة القائمة على الاعسار وهى مسموعة وان تعلقت بالنفى لمكان الحاجة كالبينة على أن لا وارث سوى هؤلاء وعن مالك أنها لا تسمع والنظر في أنها متى تسمع وما صفة(10/229)
الشهود وعددهم وصيغة شهاداتهم أمامتى تسمع فهى مسموعة وان قامت في الحال خلافا فالابي حنيفة حيث قال لا تسمع الابعد مدة ثم هي مقدرة في رواية بشهر وفى أخرى بشهرين وربما ضبطوا بما يغلب على الظن في مثلها أنه لو كان له مال لاظهره ويختلف ذلك باختلاف أحوال الناس وطباعهم (وأما) الصفة فما يعتبر في الشهود مطلقا يذكر في الشهادات ويعتبر مع ذلك كون الشهود من أهل الخبرة الباطنة بطول الجوار وكثرة المجالسة والمخالطة فان الاموال تخفى ولا يعرف تفصيلها الا بامثال ذلك ثم إن عرف القاضى أنهم من أهل الخبرة الباطنة فذاك والاجاز له أن يعتمد على قولهم أنا بهذه الصفة ذكره في النهاية وأما العدد فشاهدان كما في سائر الامور وفى كتاب الفورانى والمتولي أنه لاتقبل هذه الشهادة الا من ثلاثة لما روى (أن رجلا ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان جائحة أصابت ماله وسأله أن يعطيه من الصدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحتى يشهد ثلاثة من ذوى الحجى من قومه) والمذهب الاول والحديث محمول على الاستظهار والاحتياط (وأما) الصيغة فهى أن يقولوا هو معسر لا يملك الا قوت يومه وثياب بدنه ولو أضافوا إليه وهو ممن تحل له الصدقة جاز ولا يشترط قال في التتمة ولا يقتصرون على أنه لاملك له حتى لاتتمحض شهادتهم نفيا لفظا ومعني ويحلف المشهود له مع البينة لجواز أن له مالا في الباطن والشهود
__________
(حديث) أن رجلا ذكر للنبى صلى الله عليه وسلم جائحة أصابته فسأله أن يعطيه من الصدقة فقال حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجى من قومه * الحديث مسلم من حديث قبيصة بن مخارق الهلالي قال تحملت حمالة فاتيت النبي صلى الله عليه وسلم أسأله فيها فقال أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها ثم قال يا قبيصة أن المسألة لا تحل إلا لاحد ثلاثة فذكر كرمطولا وفيه رجل
أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجي من قومه لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة *(10/230)
اعتمدوا الظاهر وغالب الظن وعن أبى حنيفة أنه لا يحلف وبه قال أحمد وهذا التحليف مستحق أو مستحب فيه قولان ويقال وجهان (الاصح) الاستحقاق وهو ظاهر نصه في المختصر (وقال) الشيخ أبو حامد الاصح الاستحباب وهو ظاهر نصه في حرمله والاملاء وعلى التقديرين فهل يتوقف على استدعاء الخصم فيه وجهان (أحدهما) لا كما لو كانت الدعوى على ميت أو غائب وعلى هذا فهو من أداب القضاة (وأظهرهما) نعم كيمين المدعى عليه (الفصل الثاني) انا حيث قلنا يقبل قوله مع يمينه فيقبل في لحال كما لو أقام البينة فتسمع في الحال قال الامام ويحتمل ان يقال يتأنى القاضى ويبحث عن باطن حاله ولا يقنع بقوله بخلاف ما إذا أقام البينة وحيث قلنا لا يقبل قوله الا بالبينة فادعى ان الغرماء يعرفون إعساره فله تحليفهم على نفى المعرفة فان نكلوا حلف وثبت اعساره وان حلفوا حبس ومهما ادعى ثانيا وثالثا انه بان لهم اعساره فله تحليفهم قال في التتمة الا أن يظهر للقاضى انه يقصد الايذاء أو اللجاج وإذا حبسه فلا يغفل عنه بالكلية فلو كان غريبا لا يتأتى له إقامة البينة فينبغي أن يوكل به القاضى من يبحث عن منشئه ومتقلبه(10/231)
ويفحص عن أحواله بحسب الطاقة وإذا غلب على ظنه افلاسه شهد به عند القاضى كيلا تتخلد عليه عقوبة الحبس ومتى ثبت الاعسار وخلاه الحاكم فعاد الغرماء بعد ايام وادعوا أنه استفاد مالا وأنكر فالقول قوله وعليهم البينة فان أتوا بشاهدين قالا رأينا في يده مالا يتصرف فيه أخذه الغرماء فان قال أخذته من فلان وديعة أو مضاربة وصدقه المقر ولا حق للغرماء فيه وهل لهم تحليفه على أنه لم يواطئ المقر وأنه أقر عن تحقيق فيه وجهان (أصحهما) المنع لانه لو رجع عن اقراره لم يقبل فلا معني لتحليفه وان كذبه المقر له صرف إليهم ولا يلتفت إلى اقراره لانسان آخر وان كان المقر له غائبا وقف حتى يحضر الغائب فان صدقة أخذه والا أخذه الغرماء (وأما) لفظ الكتاب فقوله وان أقام بينة على اعساره سمعت معلم - بالواو - وقوله في الحال - بالحاء - لما مر وقوله للخصم أن يحلفه مع الشهادة - بالحاء - والالف - ثم هو جواب على ان اليمين مستحقه فيصح إعلامه - بالواو - أيضا ويوضحه قوله فهل يجب على القاضى أذنا في
قضائه فانه جعل الوجوب معروفا عنه ونتكلم في أنه هل يشترط له طلب الخصم قال الامام والخلاف فيما إذا سكت فاما إذا قال لست أطلب يمينه ورضيت باطلاقه فلا خلاف في أنه لا يحلف * قال (والصحيح أنه يحبس في دين ولده لانه لو لم يحبس فيؤدى إلى أن يفر ويمتنع عن الاداء ويعجز عن الاستيفاء) * في حبس الوالدين بدين الولد وجهان (اصحهما) عند صاحب الكتاب أنه يحبس والا لاقر وامتنع عن الاداء وحينئذ يعجز الابن عن استيفاء الدين ويضيع حقه (الثاني) لا يحبس لان الحبس نوع عقوبة(10/232)
ولا يعاقب الوالد بالولد قال في التهذيب وهذا أصح ولمن قال به أن يمنع عجز الابن عن الاستيفاء بل إذا ثبت له مال عند القاضى أخذه قهرا وصرفه إلى دينه وعلى الوجهين لا فرق بين دين النفقة وغيرها ولابين أن يكون الولد صغيرا أو غيره وعن أبى حنيفة رحمه الله أنه لا يحبس الا في نفقة الولد إذا كان صغيرا أو زمنا فيمكن اعلام قوله يحبس بالحاء لذلك * قال (الحكم الرابع الرجوع (ح) إلي عين المبيع لقوله عليه السلام (أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه) * ويتعلق الرجوع بثلاثة أركان (العوض) (والمعوض) (والمعاوضة) (أما العوض) وهو الثمن فله شرطان (الاول) أن يتعذر استيفاؤه بالافلاس فلو وفى المال به فلا رجوع * وإن قدمه الغرماء فله الرجوع لان فيه منة وغرر ظهور غريم آخر * ولا رجوع (و) إذا تعذر بامتناعه بل يستوفيه القاضى * ولو انقطع جنسه ومنعنا الاعتياض عن الثمن فله الفسخ كما في انقطاع المسلم فيه (الثاني) الحلول ولا رجوع الا إذا كان الثمن حالا ولا يحل الاجل بالفلس على الاصح) *(10/233)
من حجر عليه بالافلاس ووجد من باع منه ولم يقبض الثمن وعين متاعه عنده فقد ذكرنا أن له أن يفسخ البيع ويأخذ عين ماله وهل يكون هذا الخيار على الفور فيه وجهان (أحدهما) لا كخيار الرجوع في الهبة من الولد (وأصحهما) نعم لانه خيار فسخ ثبت لدفع الضرر فليكن على الفور كخيار العيب وخيار الحلف فعلى هذا إذا علم الحجر ولم يفسخ بطل حقه من الرجوع وعن القاضى الحسين أنه لا يمنع تأقيته
بثلاثة أيام كما هو أحد الاقوال في خيار المعتقة تحت رقيق وفى الشفعة وهل يفتقر هذا الخيار إلى إذن لحاكم أم يستبد به الفاسخ فيه وجهان (أحدهما) انه يفتقر إلى إذنه لانه فسخ مختلف فيه كالفسخ بالاعسار (وأشبههما) أنه لا حاجة إليه لانه ثابت بالسنة الصحيحة فصار كخيار العنق ولوضوح الحديث ذهب الاصطخرى إلى أنه لو حكم حاكم بالمنع من الفسخ نقض حكمه ولا يحصل الفسخ ببيع البائع واعتاقه ووطئه الجارية المبيعة علي أصح الوجهين وتلغو هذه التصرفات وصيغة هذه التصرفات * وصيغة الفسخ كقوله فسخت البيع(10/234)
ونقضته ورفعته لا يخفى * ولو اقتصر على قوله رددت الثمن أو فسخت البيع فقد حكي الامام فيه اختلافا للاصحاب ووجه المنع بان حق الفسخ فيه أن يضاف إلى المرسل ثم إذا انفسخ العقد ثبت مقتضاه والاصح الاكتفاء به ثم حق الرجوع للبائع لا يثبت علي الاطلاق بل هو مشروط بشروط يجب معرفتها ولا يختص الرجوع بالبيع بل يجرى في غيره من المعاوضات ويتبين الغرض بالنظر في العوض المتعذر تحصيله والمعوض المسترجع والمعاوضة التي بها انتقل الملك إلى المفلس فلذلك قال ويتعلق الرجوع بثلاثة أركان والعوض والمعوض والمعاوضة (وقوله) أما العوض فهو الثمن يعني في البيع ويقاس عليه العوض في سائر المعاوضات ويعتبر فيه شيئان (احدهما) أن يتعذر استيفاؤه بسبب الافلاس وفيه صور (أحدهما) إذا كان ماله وافيا بالديون وحجر القاضي عليه تفريعا على جواز ذلك ففى ثبوت الرجوع وجهان (أحدهما) وهو المذكور في الكتاب أنه لا يرجع لانه يصل إلى الثمن (والثانى) يرجع لانه لو رجع لما أمن أن يظهر غريم آخر يزاحمه فيما اخذ (الثانية) لو قال الغرماء نفسخ لتقدمك بالثمن لم يلزمه الاجابة خلافا لمالك لان فيه تحمل منه وأيضا فربما يظهر غريم آخر فيزاحمه فيما أخذ وفيه وجه أنه لا يبقى له الرجوع تخريجا مما إذا حجر عليه الحاكم وفى ماله وفاء ولو قالوا نؤدى الثمن من خالص أموالنا أو تبرع به أجنبي فليس عليه الاجابة أيضا ولو أجاب ثم ظهر غريم آخر لم يزاحمه في المأخوذ * ولو مات المشترى فقال الوارث لا ترجع حتى أقدمك على الغرماء يلزمه القبول أيضا ولو قال أؤدى الثمن من مالى فوجهان (أحدهما) وبه أجاب في التتمة أن عليه القبول وترك الفسخ لان الوارث خليفة المورث فله تخليص المبيع (الثلالثة) لو امتنع المشترى من تسليم الثمن مع اليسار أو هرب أو مات مليئا وامتنع الوارث من التسليم فاصح الوجهين أنه لا فسخ لانه لم يوجد عيب الافلاس(10/235)
والتوصل إلى الاستيفاء بالسلطان ممكن فان فرض عجز عن النذور فذلك مما لا عبرة به (والثانى) له الفسخ لتعذر الوصول إلى الثمن ولو كان قد ضمن الثمن ضامن فأن ضمن بأذن المشترى فليس له الرجوع على المشترى لانه ليس بمتبرع على المشترى والوصول من يده كالوصول من يد المشترى وان ضمن بغير إذنه فوجهان (في أحدهما) يرجع كما لو تبرع متبرع بالمثن (وفى الثاني) لا لان الحق قد تقرر في ذمته وتوجهت المطالبة عليه بخلاف المتبرع * ولو أعير من المشترى ما يرهنه بالثمن فرهنه فعلى الخلاف (وأما) قوله فلو انقطع جنسه ومنعناه الاعتياض عن الثمن فله الفسخ كما في انقطاع المسلم فيه فاعلم أن هذه المسألة هي كالغريبة في الباب وأذكر سبب ايرادها فيه بعد بيان فقهها أنا ذكرنا قولين في جواز الاستبدال عن الثمن في الذمة فان منعنا الاستبدال عنه وانقطع جنسه كان كانقطاع المسلم فيه وانقطاع المسلم فيه أثره ثبوت حق الفسخ في أصح القولين والانفساخ في الثاني فكذلك ههنا وان جوزنا الاعتياض والاستبدال فلا تعذر في استيفاء عوض عنه (وقوله) فله الفسخ اقتصار منه على ذكر أصح القولين (وأما) سبب الايراد في هذا الموضع فامران (أحدهما) أنه لما جعل الشرط التعذر بسبب الافلاس تكلم في التعذر بغير هذا السبب كامتناع المشترى وانقطاع جنس الثمن وبين حكم كل قسم منها (والثانى) أن الاصحاب احتجوا على ثبوت حق الفسخ بالافلاس القياس على تعذر تحصيل المسلم فيه بالانقطاع والجامع أنه أحد عوضي العقد فقيل لهم لو كان الثمن كالمسلم فيه لا قتضى انقطاعه ما يقتضى المسلم فيه فأجابوا بما حكيناه أنه ان جاز الاستبدال فلا تعذر والا فلا فرق (الثاني) كون الثمن حالا فلا رجوع إذا كان الثمن مؤجلا لانه لا مطالبة في الحال (وقوله) ولا يحل الاجل بالفلس على الاصح مكرر قد ذكره مرة في أول الباب (وقوله) ولو حل أجله قبل انفكاك الحجر فقد ذكرناه ثم وبينا أن من الاصحاب من(10/236)
قال لو حل الاجل وهو محجور عليه لم يكن للبائع الفسخ والرجوع أيضا ويجوز أن يعلم قوله فلا رجوع الا إذا ان الثمن حالا بالواو لوجه أثبتناه هناك تفريعا على أن الديون المؤجلة تحل بالفلس وأعلم قوله في أول الفصل الرجوع إلى عين المبيع بالحاء لما مر من مذهب أبى حنيفة *
قال (وأما المعاوضة فلها شرطان (الاول) أن تكون معاوضة محضة فلا يثبت الفسخ في النكاح والخلع والصلح بتعذر استيفاء العوض * ويثبت في الاجارة والسلم فيثبت الرجوع إلى رأس المال عند الافلاس ان كان باقيا * والمضاربة بقيمة المسلم فيه ان كان تالفا * ثم يشترى بقيمته جنس حقه * ولا يجوز الاعتياض عن المسلم فيه * وإذا أفلس المستأجر بالاجرة رجع المكرى إلى عين الدابة أو الدار المكراة * فان كان في بادية نقله إلى مأمن بأجرة مثله يقدم بها على الغرماء * وان كان قد زرع الارض ترك زرعه بعد الفسخ بأجرة يقدم بها على الغرماء إذ فيه مصلحة الزرع الذي هو حق الغرماء وان أفلس المكرى بعد تعين ما أكراه فلا فسخ بل يقدم المستأجر بالمنفعة لتعلق حقه بعين الدابة كما يقدم المرتهن * وان كانت الاجارة واردة على الذمة فله الرجوع إلى الاجرة إذا بقيت بعينها أو المضاربة بقيمة المنفعة لتحصل له المنفعة) * يعتبر في المعاوضة التى يملك بها المفلس شيئان (أحدهما) أن تتمحض معاوضة وقصد صاحب الكتاب بهذا القيد اخراج بعض التصرفات وادخال بعضها أما المخرج فقد قال فلا يثبت الفسخ في النكاح والخلع والصلح لتعذر استيفاء العوض وهذا قد يتجاوز عنه لاعتقاد أنه في غاية الوضوح لكن فيه وقفة منكرة لانه ان أراد به أن المرأة لا تفسخ النكاح بتعذر استيفاء الصداق ولا الزوج(10/237)
الخلع ولا العافى الصلح بتعذر استيفاء العوض فهو مستمر في الصورتين الاخيرتين لكنه في النكاح ينبي على الخلاف في أن الاعسار بالصداق هل يثبت الفسخ والقول في ذلك الخلاف والاصح منه موضعه باب الاعسار وان أراد به ان الزوج لا يفسخ النكاح إذا لم تسلم نفسها وتعذر الوصول إليها فهذا واضح لكن لا يفرض مثله في الخلع والعفو إذ ليس العوض في الخلع الا البينونة وفى العفو الا براءة الذمة عن القصاص؟ وهذا لا يتصور فيه التعذر مع صحة الخلع والعفو * وأما المدخل فهو السلم والاجارة فانهما معاوضتان مخضتان أما السلم فإذا أفلس المسلم إليه قبل توفية المسلم فيه لم يخل اما أن يكون رأس المال باقيا أو تالفا أو بعضه باقيا وبعضه تالفا (الحالة الاولى) أن يكون باقيا فللمسلم فسخ العقد والرجوع إلى رأس المال كما ذكرنا في البائع فان أراد ان يضارب مع الغرماء بالمسلم فيه ولا يفسخ فسنتكلم في كيفية
المضاربة ان شاء الله تعالى (الثانية) أن يكون رأس المال تالفا فوجهان (أحدهما) ويحكى عن أبى اسحق أن للمسلم فسخ العقد والمضاربة مع الغرماء برأس المال لانه تعذر عليه الوصول إلى تمام حقه فليمكن من فسخ السلم كما لو انقطع جنس المسلم فيه وهذا ما أورده القاضى ابن كج والصيدلانى وعلى هذا فهل يجئ قول حاكم بانفساخ السلم كما في انقطاع المسلم فيه (قيل) نعم اتماما للتشييه (وقيل) لا لانه ربما حصل باستقراض وغيره بخلاف صورة الانقطاع (وأصحهما) أنه لا ينفسخ كما لو افلس المشترى بالثمن والمبيع تالف وليس كالانقطاع لان ثم إذا فسخ رجع إلى رأس المال بتمامه وههنا إذا فسخ ليس له الا المضاربة برأس المال ولو لم يفسخ لضارب بالمسلم فيه فأنه أنفع لان الغالب زيادة قيمة المسلم فيه على رأس المال فعلى هذا يقول المسلم فيه ويضارب المسلم بقيمته مع الغرماء فإذا عرفت حصته نظر إن كان في المال من جنس المسلم فيه صرف إليه والا اشتري بحصته منه وسلم إليه فان الاعتياض عن المسلم فيه ممتنع هذا إذا كان رأس المال تالفا ولم يكن جنس المسلم فيه منقطعا فان كان تالفا وانقطع جنس المسلم فيه ففى وجه ليس للمسلم فسخ العقد أيضا لانه لا بد من المضاربة فسخ أو لم يفسخ وان فسخ فبرأس المال والا فبالمسلم فيه وانما يفسخ بالافلاس حتى يتخلص عن المضاربة (والاصح) أنه يثبت حق الفسخ(10/238)
ههتا لان الفسخ بالانقطاع يثبت في حق غير المحجور عليه وما يثبت في حق غيره يثبت في حقه كالرد بالعيب وفيه فائدة فان ما يخصه لو فسخ لصرف إليه في الحال عن جهة رأس المال وما يخصه لو لم يفسخ لا يصرف إليه بل يوقف إلى أن يعود المسلم فيه فيشترى به * ثم ههنا فرعان (أحدهما) إذا قومنا المسلم فيه فوجدنا قيمته عشرين وأفرزنا من المال للمسلم عشرة لكون الديون ضعف المال فرخص السعر قبل الشراء ووجدنا بالعشرة جميع المسلم فيه فوجهان (أحدهما) وهو ما أورده ابن الصباغ أنا نرد الموقوف إلى ما يخصه باعتبار قيمته أجزاء فيصرف إليه خمسة والخمسة الباقية توزع عليه وعلى سائر الغرماء وذلك لان الموقوف لم يدخل في ملك المسلم بل هو باق على ملك المفلس وحق المسلم في الحنطة الا قى ذلك الموقوف فإذا صارت القيمة عشرة فليس دينه الا ذلك (والثانى) وهو ما أورده في التهذيب أن يشترى به جميع حقه ويسلم إليه اعتبارا بيوم القسمة والموقوف
وان لم يملكه المسلم لكنه صار كالمرهون بحقه وانقطع حقه عن غيره من الحصص حتى لو تلف قبل التسليم لم يتعلق بشئ مما عند الغرماء وكان حقه في ذمة المفلس ولا خلاف في أنه لو فضل الموقوف عن جميع حق المسلم كان الفاضل للغرماء وليس له أن يقول ما زاد لى ولو وقفنا في الصورة المعروضة عشرة فغلا السعر ولم نجد القدر الذى كنا نتوقعه الا باربعين فعلى الوجه الاول بان أن الدين أربعون فيسترجع من سائر الحصص ما تتم به حصص الاربعين وعلى الثاني لا يزاحمهم وليس(10/239)
له ألاما وقف له وقد نسب صاحب النهاية الوجه (الثاني) إلى الجماهير والاول إلى القاضى الحسين وعكس أبو سعد المتولي فنسب (الثاني) إلى القاضى والله أعلم * الثاني لو تضاربوا وأخذ المسلم بما خصه قدرا من المسلم فيه وارتفع الحجر عنه ثم حدث له مال وأعيد الحجر واحتاجوا إلى المضاربة ثانيا قومنا المسلم فيه فأن وجدنا كقيمته أولا فذاك وان زادت فالتوزيع الآن يقع باعتبار القيمة الزائدة وإن نقصت فالاعتبار بالقيمة الثانية أم بالاولى فيه وجهان عن رواية صاحب التقريب (أصحهما) الاول قال الامام ولا أعرف للثاني وجها ولو كان المسلم فيه ثوبا أو عبدا بحصة المسلم يشترى منه شقص للضرورة وإن لم يوجد فللمسلم الفسخ (الحالة الثالثة) ان يكون بعض رأس المال باقيا وبعضه تالفا فهو كما لو تلف بعض المبيع دون بعض وسنذكره ان شاء الله تعالى (وأما) الاجارة فنتكلم في افلاس المستأجر ثم في افلاس المكرى (القسم الاول) افلاس المستأجر والاجارة على نوعين (أحدهما) الاجارة الواردة على العين فإذا اجر أرضا أو دابة وأفلس الستأجر قبل تسليم الاجرة ومضت المدة فللمكرى فسخ الاجارة تنزيلا للمنافع في الاجارة منزلة الاعيان في البيع وذكر الامام أن صاحب التقريب حكى قولا أنه لا يثبت الرجوع في المنافع تترك منزلة الاعيان القائمة إذ ليس لها وجود مستقر والمذهب الاول فان لم يفسخ واختار مضاربة الغرماء فله ذلك وحيئنذ ان كانت العين المستأجرة فارغة أجرها الحاكم على المفلس وصرف الاجرة إلى الغرماء ولو كان التفليس بعد مضى بعض المدة فللمكرى فسخ الاجارة في المدة الباقية والمضاربة مع الغرماء بقسط المدة الماضية من الاجرة المسماة بناء على أنه لو باع عبدين فتلف أحدهما ثم افلس يفسخ البيع في الباقي ويضارب بثمن التالف وإذا افلس مسأجر الدابة في خلال الطريق وحجر عليه ففسخ المكرى لم يكن له ترك متاعه في البادية المهلكة ولكن
ينقله إلى مأمن بأجرة مثل يقدم بها على الغرماء لانه لصيانة ماله وايصاله إلى الغرماء فاشبه أجرة الكيال والحمال وكرى المكان المحفوظ فيه ثم في المأمن يضعه عند الحاكم ولو وضعه عند عدل من غير اذن الحاكم فوجهان مذكوران في نظائره ولو فسخ والارض المستأجرة مشغولة بزرع المستأجر نظر ان استحصد(10/240)
الزرع فله المطالبة بالحصاد وتفريغ الارض والا فان اتفق المفلس والغرماء على قطعه قطع وان اتفقوا على التبقية إلى الادراك فلهم ذلك بشرط أن يقدموا المكرى باجرة المثل لبقية المدة محافظة للزرع على الغرماء وان اختلفوا فاراد بعضهم القطع والبعض التبقية فعن أبى اسحق أنه يراعى ما فيه المصلحة (والمذهب) أنه ينظران كان له قيمة لو قطع فيجاب من يريد القطع من المفلس والغرماء إذ ليس عليه تنمية ماله لهم ولا عليهم الصبر إلى أن ينمو ماله فعلى هذا لو لم يأخذ المكرى أجرة المدة الماضية فهو أحد الغرماء فله طلب القطع وان لم يكن له قيمة لو قطع فيجاب من يريد التبقية إذ لا فائدة لطلب القطع فيه وإذا أبقوا الزرع بالاتفاق أو بطلب بعضهم حيث لم يكن للمقطوع قيمة فالسقى وسائر المؤن ان تطوع الغرماء أو بعضهم أو أتفقوا عليها علي اقدار دينونهم فذاك وان أنفق عليها بعضهم ليرجع فلا بد من اذن الحاكم أو اتفاق الغرماء والمفلس وإذا حصل الاذن قدم المنفق بقدر النفقة لانه لا صلاح لزرع وكذا لو انفقوا على قدر الديون ثم ظهر غريم آخر قدم المنفقون بما أنفقوا وهل يجوز الانفاق عليه من مال المفلس فيه وجهان (أظهرهما) الجواز (ووجه) المنع أن حصول الفائدة موهوم (والنوع الثاني) الاجارة على الذمة ونزيد فيها النظر إلى هذه الاجارة هل تعطى حكم السلم حتى يجب فيها تسليم رأس المال في المجلس أم لا (ان قلنا) لا فهى كالاجارة على العين (وان قلنا) نعم فلا أثر للافلاس بعد التفرق لصيرورة الاجرة مقبوضة قبل التفرق ولو فرض التفليس في المجلس فان أثبتنا خيار المجلس ففيه غنية عن هذه الخيار والا فهى كما في اجارة العين (القسم الثاني) افلاس المكرى والكلام في اجارة العين ثم في الاجارة على الذمة (أما) النوع الاول فإذا أجر دابة أو دارا من انسان ثم أفلس فلا فسخ للمستأجر لان المنافع المستحقة له متعلقة بعين ذلك المال فيقدم بها كما يقدم حق المرتهن وكما لو باع شيئا ثم أفلس فان المشترى أحق
بما اشتراه ثم إذا طلب الغرماء بيع العين المستأجرة يفرع ذلك على جواز بيع المستأجر ان معناه لم يجبهم وعليهم الصبر إلى انقضاء المدة وان جوزناه اجيبوا ولا مبالاة بما ينقص من(10/241)
ثمنه بسبب الاجاره إذ ليس على الغرماء الصبر إلى أن يزداد مال المفلس (وأما) النوع الثاني فإذا التزم في ذمته نقل متاع من بلد إلى بلد ثم أفلس نظر ان كانت الاجرة باقية في يد المفلس فله فسخ الاجارة والرجوع إلى عين ماله وان كانت تالفة فلا فسخ كما لا فسخ والحالة هذه عند افلاس المسلم إليه على الاصح ويضارب المستأجر الغرماء بقيمة المنفعة المستحقة وهي أجرة المثل كما يضارب المسلم بقيمة المسلم فيه ثم ان جعلنا هذا النوع من الاجارة سلما فما يخصه بالمضاربة من مال المفلس لا يجوز تسليمه إليه لامتناع الاعتياض عن المسلم فيه فينظر ان كانت المنفعة المستحقة قابلة للتبعيض كما إذا كان الملتزم حمل مائة من فينقل بالحصة بعض المائة وان لم يقبل التبعيض كما إذا كان الملتزم قصارة ثوب أو رياضة دابة أو حمل المستأجر إلى بلد ولو نقل إلى نصف الطريق لبقى ضائعا قال الامام للمستأجر الفسخ بهذا السبب والمضاربة بالاجرة المبذولة وان لم يجعل هذا النوع من الاجارة سلما سلمت الحصة بعينها إليه لجواز الاعتياض هذا إذا لم يسلم عينا لاستيفاء المنفعة الملتزمة منها فاما إذا التزم النقل في ذمته ثم سلمه دابة لينقل بها ثم أفلس فيبني على أن الدابة المسلمة هل تتعين بالتعيين أم لا وفيه وجهان يذكران في الاجاره (ان قلنا) تتعين فلا فسخ ويقدم المستأجر بمنفعتها كما لو كانت معينه في العقد (وان قلنا) لا تتعين فهو كما لو لم يسلم (وأما) لفظ الكتاب فقوله فيثبت الرجوع إلى رأس المال أي في السلم (وقوله) أو المضاربة بقيمة المسلم في ان كان تالفا يجوز اعلامه بالواو للوجه الذاهب إلى ثبوت الفسخ عند التلف أيضا (وقوله) ثم يشترى بقيمته أي بحصة المسلم مضاربا بقيمته (وقوله) رجع المكرى مرقوم بالواو بالواو لما مر (وقوله) ترك زرعه بعد الفسخ باجرة أي إذا لم يستحصد واتفقوا على ابقائه كما أوضحناه والمراد من الاجرة أجرة المثل (وقوله) أو المضاربة بقيمة المنفعة لتحصل له المنفعة أي لا يضارب ليأخذ عين ما يخصه لكن ليصرف ما يخصه إلى المنفعة التى يستحقها وهذا جواب على تنزيل الاجارة في الذمة منزلة السلم فان لم يفعل ذلك لم يحتج إلى تحصيل المنفعة فيجوز أن يعلم بالواو لذلك وقياس ما مر في السلم مجئ
وجه في ثبوت حق الفسخ وان كانت الاجرة تالفة لتعذر حصول المستحق بتمامه واعلام قوله أو المضاربة بالواو *(10/242)
(فرع) استقرض مالا ثم أفلس وهو باق في يده فللمستقرض الرجوع (أما) إذا قلنا انه لا يملك بالقبض فلانه بسبيل من الرجوع من غير حجر وافلاس فمعهما أولى (وأما) إذا قلنا انه يملك فلانه مملوك ببدل تعذر تحصيله فاشبه المبيع * (فرع) باع مالا واستوفى ثمنه وامتنع من تسليم المبيع أو هرب هل للمشترى الفسخ كما لو أبق العبد المبيع أم لا لانه لا نقصان في نفس المبيع فيه وجهان منقولان في التتمة * قال (الشرط الثاني للمعارضة أن تكون سابقة على الحجر * احترزنا به عما يجرى سبب لزومه بعد الحجر كما إذا باع المفلس المحجور عليه هل يتعلق بعين ماله وقد ذكرناه * وكذلك لو أفلس المكرى والدار في يد المكتري فانهدمت ثبت له الرجوع إلى الاجرة * وهل يزاحم به الغرماء فيه وجهان وكذا لو باع جارية بعبد فتلفت الجارية في يد المفلس المحجور فرد بائعها العبد بالعيب فله طلب قيمة الجارية قطعا * وهل يتقدم بالقيمة أو يضارب بها وجهان * والاصح أنه يضارب) * هذا الشرط مغفول عنه في أكثر النسخ سيما في القديمة منها لكنه الحق بالكتاب من الوسيط لانه وعد به حيث قال أما المعاوضة فلها شرطان والصواب ان تثبت الملحق بالمتن على ما يناسب نظم الكتاب ثم نشرحه (أما) الملحق فهو قد سبق الشرط الثاني أن تكون المعاوضة سابقة على الحجر فلو باع من المفلس المحجور شيئا فقد ذكرنا الخلاف في تعلقه بعين متاعه ولو أفلس المكرى والدار في يد المشتري فانهدمت افله الرجوع بالاجرة وفى مزاحمته الغرماء بها وجهان * ولو باع جارية بعبد فتلفت في يد المفلس ورد بائعها العبد بعيب فله طلب قيمة الجارية قطعا ويتقدم بها أو يضارب فيه وجهان (أصحهما) أن يضارب * (وأما) الشرح فاعلم أن فيه ثلاث مسائل (الاولى) إذا باع شيئا من المفلس المحجور وصححناه فقد ذكرنا في ثبوت حق الفسح والرجوع خلافا (فان قلنا) لا رجوع فقد شرطنا فيه سبق المعاوضة على الحجر (الثانية) إذا أجر دارا وسلمها إلى المكترى وقبض الاجرة ثم أفلس وحجر عليه فقد ذكرنا ان الاجارة مستمرة بحالها فان انهدمت في اثناء المدة
انفسخت الاجارة فيما بقى منها ويضارب المستأجر مع الغرماء بحصة ما بقى منها ان كان الانهدام قبل(10/243)
قسمة المال بينهم وان كان بعد القسمة فوجهان (وجه) المنع أنه دين حدث بعد القسمة فصار كما لو استقرض (ووجه) المضاربة وهو الاصح أنه دين أسند إلى عقد سبق الحجر وهو الاجارة فصار كما لو انهدمت قبل القسمة (الثالثة) باع جارية بعبد وتقابضا ثم أفلس مشترى الجارية وحجر عليه وهلكت الجارية في يده ثم وجد بائعها بالعبد عيبا ورده فله طلب قيمة الجارية لا محالة وكيف يطلب فيه وجهان عن القاضى الحسين (أصحهما) أنه يضارب كسائر أرباب الديون (والثانى) أنه يتقدم على سائر الغرماء بقيمتها لانه أدخل في مقابلتها عبدا في مال المفلس وهذان الوجهان في الكيفية يخالفان الوجهين في رجوع من باع منه بعد الحجر شيئا بالثمن (إذا قلنا) لا يتعلق بعين متاعه فانا في وجه نقول يضارب وفى وجه نقول يصير إلى أن يستوفى الغرماء حقوقهم ولا نقول بالتقدم بحال وكان الفرق أن الدين ثم حادث بعد الحجر وههنا مستند إلى سبب سابق على الحجر فإذا انضم إليه ادخال شئ في ملك المفلس أثر في التقديم على رأى * قال (أما العوض فله شرطان (الاول) أن يكون باقيا في ملكه * فلو هلك فليس له الا المضاربة بالثمن * وكذا (و) لو زادت القيمة على الثمن * والخروج عن ملكه كالهلاك * وتعلق حق الرهن والكتابة كزوال الملك * ولو عاد إلى ملكه بعد الزوال رجع إليه في أظهر القولين) * يعتبر في المبيع ليرجع البائع إليه شرطان (أحدهما) بقاؤه في ملك المفلس فلو هلك لم يرجع قال صلى الله عليه وسلم (فصاحب المتاع أحق بمتاعه) إذا وجده بعينه جعل وجدانه شرطا في الاحقية ولا فرق بين أن يكون الهالك بآفة سماوية أو يجناية جان وبين أن تكون قيمته مثل الثمن أو أكثر وليس له الا مضاربة الغرماء بالثمن وعن رواية الشيخ أبى محمد وجه أنه إذا زادت القيمة ضارب بها دون الثمن واستفاد بها زيادة حصته ولو خرج عن ملكه ببيع أو هبة أو اعتاق أو وقف فهو كما لو هلك وليس له فسخ هذه التصرفات بخلاف الشفيع له رد هذه التصرفات لان حق الشفعة كان ثابتا حين تصرف المشترى لانه يثبت بنفس البيع وحق الرجوع
لم يكن ثابتا حين تصرف لانه انما يثبت بالافلاس والحجر ولو كاتب العبد أو استولد الجارية فلا رجوع أيضا ولو دبر أو علق العتق على صفة فله الرجوع وإن أجره فلا رجوع إن لم نجوز بيع المستأجر وإن(10/244)
جوزناه فان شاء أخذه مسلوب المنفعة لحق المستأجر والاضارب بالثمن ولو رهنه قدم حق المرتهن ولا رجوع وكذا لو جنى العبد المبيع فالمجني عليه أحق ببيعه فان قضى حق المرتهن أو المجني عليه ببيع بعضه فالبائع واجد لباقي المبيع وسيأتى حكمه * وان انفك عن الرهن أو برئ عن الجناية فله الرجوع كما لو اطلع المشترى على عيب في المبيع بعد رهنه ثم انفك الرهن له الرد * وتزويج الجارية لايمنع الرجوع وأحرام البائع يمنعه إذا كان المبيع صيدا ولو حجر عليه بعد ما زال ملكه ثم عاد نظر ان عاد بلا عوض كالهبة والارث والوصية ففى الرجوع وجهان (أحدهما) يرجع لانه وجد متاعه بعينه (والثانى) لا يرجع لان هذا الملك متلقي من غيره ولانه تخللت حالة لو صادفها الافلاس والحجر لما رجع فليستصحب حكمها وهذا الخلاف كما ذكرنا في مثله من الرد بالعيب وتعرضنا لهذه الصورة ونحوها هناك وفى سلسلة الشيخ أبى محمد أن الوجهين فيما نحن فيه مبنيان على الوجهين في رجوع الواهب فيما إذا زال ملك الولد وعاد وأنهما في الهبة مبنيان على الوجهين فيما إذا زال ملك المرأة وعاد هل يرجع المطلق بالنصف وأن الخلاف فيهما جميعا مبني على قولين منصوصين فيما إذا قال لعبده إذا جاء رأس الشهر فانت حرثم باعه واشتراه فجاء رأس الشهر هل يعتق ولك أن تقول بناء الوجهين على القولين المنصوصين واستخراجهما منهما منقول قويم وأما بناء صورة من صور الوجهين على أخرى مع استوائهما في المعني فليس باولى من القلب والعكس وان عاد الملك إليه بعوض كما لو اشتراه نظر إن وفر الثمن على البائع الاول والثانى فكما لو عاد بلا عوض وان لم يوفر وقلنا بثبوت الرجوع للبائع لو عاد بلا عوض فالاول أولى بالرجوع لمسبق حقه أو الثاني لقرب حقه أو يستويان ويضارب كل واحد منهما بنصف الثمن فيه ثلاثة أوجه وعجز المكاتب وعوده إلى الرق كانفكاك الرهن أو كعود الملك بعد زواله فيه طريقان (أجاب) في البسيط منهما بالاول ووجه الثاني مشابهة الكتابة بزوال الملك وافادتها استقلال المكاتب والتحاقه بالاحرار (وقوله) في الكتاب في أظهر القولين غير محمول على قولين منقولين في هذه المسألة
بخصوصها لاطباق النقلة على أن الخلاف فيها وجهان لا قولان لكن الائمة فهموا من اختلاف قوله(10/245)
في نظير المسألة قولين فيما يضبط المسائل وهو أن الزائل العائد كالذى لم يزل أو كالذى لم يعد فكأنه أراد بالقولين ذلك والله أعلم * قال (الثاني أن لا يكون متغيرا * فان تغير بطريان عيب فليس له أن يقنع أو يضارب بالثمن * إلا أن يكون بجناية أجنبي فله المضاربة بجزء من الثمن على نسبة نقصان القيمة لابارش الجناية إذ قد يكون ذلك كل القيمة عند قطع اليدين وذلك لا يعتبر في حق البائع * وجناية المشترى كجناية الاجنبي على أحد الطريقين) * ان لم يتغير المبيع عما كان فللبائع الرجوع لا محالة وان تغير فربما منع ذلك التغير الرجوع وربما لم يمنع على ما سيتضح تفصيله ويبين بذلك أنه ليس الشرط انتفاء نفس التغير بل انتفاء بعض التغيرات وبيان التفصيل المشار إليه أن التغير اما أن يكون بالنقصان أو بالزيادة (القسم الاول) التغير بالنقصان وهو على ضربين (أحدهما) نقصان مالايتقسط الثمن عليه ولا يفرد بالعقد وهو المراد بالعيب وربما عبر عنه بنقصان الصفة فينظر ان حصل ذلك بآفة سماوية فالبائع الخيار ان شاء رجع إليه ناقصا وقنع به وان شاء ضارب مع الغرماء بالثمن كما لو تعيب المبيع في يد البائع يخير المشترى بين أخذه معيبا بجميع الثمن وبين الفسخ والرجوع بالثمن ولا فرق بين أن يكون النقصان حسيا كسقوط بعض الاعضاء والعمى أو غير حسى كنسيان الحرفة والاباق والزنا وفى كتاب القاضى ابن كج أن من اصحابنا من أثبت قولا آخر أنه يأخذ المعيب ويضارب مع الغرماء بما نقص كما سنذكره في الضرب الثاني من النقصان وهو غريب * وان حصل بجناية جان فذلك الجاني اما أجنبي أو البائع أو المشترى ان كان الجاني أجنبيا فعليه الارش اما غير مقدر أو مقدر بناء على أن جرح العبد مقدر وللبائع أن يأخذه معيبا ويضارب الغرماء بمثل نسبه ما انتقص من القيمة من الثمن وانما ضارب ههنا بشئ لان المشترى أخذ بدلا من النقصان وكان ذلك مستحقا للبائع لو بقى فلا يحسن تضييعة عليه وانما اعتبرنا في حقه نقصان القيمة دون التقدير الشرعي لان التقدير إنما أثبته الشرع في الجنايات والاعواض(10/246)
تتقسط بعضها على بعض باعتبار القيمة ولو اعتبرنا في حقه المقدر لزمنا أن نقول إذا قطع الجاني يديه وغرم تمام القيمة يرجع البائع إلى العبد مع تمام القيمة أو تمام الثمن وهذا محال فننظر فيما انتقص من قيمته بقطع اليدين ونقول يضارب البائع الغرماء بمثل نسبته من الثمن ولو قطع احدى يديه وغرم نصف القيمة وكان الناقص في السوق ثلث القيمة يضارب البائع بثلث الثمن ويأخذه وعلى هذا القياس * وان كان الجاني البائع فهو كما لو كان الجاني أجنبيا لان جنايته جناية على ما ليس بمملوك له ولا هو في ضمانه وان كان الجاني المشترى فطريقان (أظهرهما) عند الامام أن جنايته كجناية الأجنبي أيضا لان اتلاف المشترى قبض واستيفاء منه على ما مر في موضعه وكانه صرف جزءا من المبيع إلى غرضه (والثانى) أن جنايته كجناية البائع على المبيع قبل القبض من حيث انه مأخوذ منه غير مقر في يده فعلى هذا يحصل في جنايته قولان (أحدهما) أنها كجناية الأجنبي (وأصحهما) أنها كالآفة السماوية هذا ما أورده صاحب التهذيب وغيره ولا يخطر بالبال أن حق تشبيه جناية المشترى هاهنا بجناية البائع قبل القبض تشبيه جناية البائع هاهنا بجناية المشترى حتى يقال كانه استرجع بعض المبيع إذ ليس له الفسخ والاسترجاع الا بعد حجر الحاكم عليه وليس قبل الحجر حق ولا ملك * قال (وان تغير بفوات بعض المبيع كاحد العبدين رجع إلى القائم وضارب بثمن التالف * ونقصان وزن الزيت بالاغلاء تغير صفة أو تلف جزء فيه وجهان) * الضرب الثاني نقصان ما يقسط الثمن عليه ويصح افراده بالعقد كما لو اشترى عبدين أو ثوبين(10/247)
فتلف أحدهما في يد المشترى ثم افلس وحجر عليه فللبائع أن يأخذ الباقي بحصته من الثمن ويضارب مع الغرماء بحصته عن التالف بل لو بقى جميع المبيع وأراد البائع فسخ المبيع في نصفه مكن منه لانه انفع للغرماء من الفسخ في الكل فهو كما لو رجع الاب في نصف ما وهب يجوز وعن القاضى أبى حامد وأبى الحسين أن من الاصحاب من ذكر قولين في أنه إذا أخذ الباقي ياخذه بحصته من الثمن أو ياخذه بجميع الثمن ولا يضارب بشئ وذكر الامام أن أصحاب هذه الطريقة طردوها في كل
مسألة تضاهيها حتى لو باع سيفا وشقصا بمائة يأخذ الشقص بجميع المائة على قول قال وهذا عندي قريب من خرق الاجماع * هذا إذا تلف أحد العبدين ولم يقبض شيئا من الثمن أما إذ باع عبدين متساويين في القيمة بمائة وقبض خمسين فتلف أحدهما في يد المشترى ثم أفلس فقولان (القديم) أنه لا رجوع له إلى العين بل يضارب بباقى الثمن مع الغرماء لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (أيما رجل باع متاعا فافلس الذى ابتاعه ولم يقبض البائع من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به) وان كان قد اقتضى من ثمنه شيئا فهو اسوة الغرماء (والجديد) أنه يرجع واحتج له بان الافلاس سبب يعود به كل العين إليه فجاز أن يعود بعضه كالفرقة في النكاح قبل الدخول يرد بها جميع الصداق إلى الزوج تارة وبعضه أخرى وأما الحديث فهو مرسل وعلى هذا فيما يرجع نص في الام أنه يرجع في جميع العبد الباقي بما بقى من الثمن وله فيما إذا أصدقها أربعين شاة وحال عليها الحول فاخرج الشاة ثم طلقها قبل الدخول قولان (أحدهما) يرجع باربعين وهو قياس نصه ههنا (والثانى) أنه يأخذ نصف الموجود ونصف قيمة الشاة المخرجة واختلفوا ههنا على طريقين (أحدهما) تخريج القول والثاني وطرد القوين ههنا وعلى هذا (فاظهرهما) أنه ياخذ جميع العبد الباقي بما بقى من الثمن ويجعل ما قبضه من الثمن في مقابلة التالف كما لو رهن(10/248)
عبدين بمائة وأخذ خمسين وتلف أحد العبدين كان الآخر مرهونا بما بقى من الدين والمعنى الجامع أن له التعلق بكل العين إذا بقى كل الحق فليثبت له التعلق بالباقي من العين للباقى من الحق (والثانى) وهو اختيار المزني أنه ياخذ نصف العبد الباقي بنصف الباقي من الثمن ويضارب الغرماء بنصفه لان الثمن يتوزع على المبيع بالمقبوض والباقى يتوزع كل واحد منهما على العبدين (والطريق الثاني) القطع بالمنصوص والفرق بينه وبين الصداق أن الزوج إذا لم يرجع إلى عين الصداق أخذ القيمة بتمامها والبائع ههنا لا يأخذ الثمن بل يحتاج إلى المضاربة ولو قبض بعض الثمن ولم يتلف شئ من المبيع ففي الرجوع القولان القديم والجديد وعلى الجديد يرجع إلى المبيع بقسط الباقي من الثمن فلو قبض نصف الثمن رجع في نصف العبد المبيع أو العبدين المبيعين * (فرعان) أحدهما قد ذكره في الكتاب إذا أغلى الزيت المبيع حتى ذهب بعضه ثم
أفلس فوجهان (أحدهما) أنه كما لو تعيب المبيع وكان الزائل صفة التفل فعلى هذا يرجع إليه ويقنع به (وأصحهما) أنه بمثابة تلف بعض المبيع كما لو أنضب فعلى هذا لو ذهب نصفه أخذ بنصف الثمن وضارب مع الغرماء بالنصف وان ذهب ثلثه أخذ بثلثي الثمن وضارب معهم بالثلث ومن قال بالوجه الاول فالشرط ان يطرده في اغلاء الغاصب الزيت المغصوب وليس له ذكر هناك بل لم يتعرض له المعظم ههنا واقتصروا على الوجه الثاني نعم لو كان مكان الزيت العصير فقد أجابوا ههنا وفى(10/249)
الغصب بوجهين ورجحوا التسوية بينه وبين الزيت ووجه الفرق أن الذاهب من العصير ماء لامالية له والذاهب من الزيت متمول وإذا قلنا بالتسوية فلو كان العصير المبيع أربعة أرطال قيمتها ثلاثة دراهم فاغلاها حتى عادت إلى ثلاثة ارطال فيرجع إلى الباقي ويضارب بربع الثمن للذاهب ولا عبرة بنقصان قيمة المغلى كما إذا عادت قيمته إلى درهمين وان زادت قيمته بان صارت أربعة فيبنى على أن الزيادة الحاصلة بالصفة أثر أم عين (ان قلنا) أثر فاز البائع بما زاد (وان قلنا) عين فعن القفال أن الجواب كذلك وعن غيره أن المفلس يكون شريكا له بالدرهم الزائد وان بقيت القيمة ثلاثة كما كانت فيكون بقاؤها بحالها مع نقصان بعض العين لازادياد الباق بالطبخ فان جعلنا هذه الزيادة أثرا فاز بها البائع وان جعلناها عينا فكذلك عند القفال وقال غيره يكون المفلس شريكا بثلاثة أرباع درهم لان هذا القدر هو قسط الرطل الذاهب وهو الذى زاد بالطبخ في الباقي هذا ما يستمر على القواعد ولصاحب التلخيص في المسألة كلام غلطوه فيه * (الفرع الثاني) لو كان المبيع دارا فانهدمت ولم يهلك شئ من النقص فهذا النقصان من قبيل الضرب الاول كالعمى ونحوه ولو هلك بعضه باحراق أو غيره فهو من الضرب الثاني هكذا اطلقوه ولك أن تقول وجب أن يطرد فيه الخلاف الذى ذكرناه في تلف سقف الدار المبيعة قبل القبض أنه كالتعيب أو تلف احد العبدين * قال (أما التغير بالزيادة فالمتصلة من كل وجه لاحكم لها بل تسلم للبائع مجانا * والمنفصلة من كل وجه كالولد لا يرجع فيه ولكن ان كان صغيرا فعليه أن يبذل قيمة الولد حذرا من التفريق
فان أبى بطل حقه على رأى من رأى الرجوع (و) * وبيعت الام الولد على رأى * وصرف(10/250)
إليه نصيب الام على الخصوص * وإذا تفرخ البيض المشترى أو نبت البذر بالزراعة فقد فات المبيع على الاظهر (و) وهذا موجود جديد) * القسم الثاني التغير بالزيادة وهي نوعان (أحدهما) الزيادة الحاصلة لامر خارج وهي على ثلاثة أضرب (أحدها) المتصلة من كل وجه كالسمن وتعلم الحرفة وكبر الشجرة فلا عبرة بها وللبائع الرجوع من غير أن يلتزم بالزيادة شيئا وعلى هذا حكم هذه الزيادة في جميع الابواب الا في الصداق فان الزوج لا يرجع إذا طلق قبل الدخول إلى النصف الزائد الا برضى المرأة وسبب مفارقة سائر الاصول يذكر هناك (والثاني) الزيادة المنفصلة من كل وجه كثمرة الشجرة واللبن والولد فيرجع في الاصل وتسلم الزوائد للمفلس نعم لو كان الولد صغيرا فوجهان (أحدهما) أنه ان بذل قيمة الولد أخذه مع الام والا ضارب بالثمن وبطل حقه من الرجوع لامتناع التفريق (وأصحهما) أنه ان بذل قيمته فذاك والا بيعا معا وصرف ما يخص الام إلى البائع وما يخص الولد المفلس وههنا مباحثة وهي انا ذكرنا وجهين فيما إذا وجد الام معيبة وهناك ولد صغيرا أنه يترك الرد وينتقل إلى الارش ويحتمل التفريق للضرورة وفيما إذا رهن الام دون الولد أنهما يباعان معا ويحرم التفريق ولم يذكروا فيما نحن فيه احتمال التفريق وانما احتالوا في دفعه فيجوز أن يقال يجئ وجه التفريق ههنا أيضا لكنهم لم يذكروه اقتصارا على الاصح ويجوز أن يفرق بان مال المفلس(10/251)
كله مصروف إلى الغرماء فلا وجه لاحتمال التفريق مع امكان المحافظة على جانب الراجع وكون ملك المفلس مزلزلا من الاول ولو كان المبيع بذرا فزرعه المشترى ونبت أو بيضة فتفرخت في يده ثم أفلس فوجهان (أحدهما) أنه ليس له الرجوع إليه لان المبيع قد هلك وهذا شئ جديد له اسم جديد (والثاني) يرجع لانه حدث من عين ماله أو هو عين ماله اكتسب هيئة أخرى فصار كالودى إذا صار نخلا (والوجه الاول) هو اختيار صاحب الكتاب وبه قال القاضى ابن كج وأبو الطيب والاصح عند أصحابنا العراقيين وصاحب التهذيب الوجه الثاني وستري في كتاب الغصب ما يؤيده ويجرى مثل هذا الخلاف
في العصير ذا تخمر في يد المشتري ثم تخلل ولو اشترى زرعا أخضر مع الارض ففلس وقد اشتد الحب فقد قيل بطرد الوجهين وقيل بالقطع بالرجوع * واعلم أنا إذا قلنا بثبوت الرجوع في هذه الصورة جعلنا هذه التغييرات من القسم الذى نحن فيه وإذا لم نقل بثبوته جعلنا هذه التغيرات خارجة عن الاقسام المذكورة والتقسيم الحاوى لها أن يقال التغير ينقسم إلى ما يقلب المبيع عما هو عليه ويجدد اسما ومسمى وإلى غيره وفيه تقع الاقسام المذكورة * قال (وان كانت الجارية المبيعة حاملا فولدت قبل الرجوع ففي تعلق الرجوع به قولان * ولو حبلت بعد البيع فالصحيح تعدى الرجوع إلى الجنين * وحكم الثمرة قبل التأبير حكم الجنين وأولى بالاستقلال) * الضرب الثالث الزيادة المتصلة من وجه دون وجه كالحمل ووجه اتصاله ظاهر ووجه انفصاله استقلاله وانفراده بالحياة والموت وكثير من الاحكام وجملة القول فيه أنه أن حدث الحمل بعد الشراء(10/252)
وانفصل قبل الرجوع فحكم الولد ما مر في الفصل السابق وان كانت حاملا عند الشراء وعند الرجوع جميعا فهو كالسمن ويرجع البائع فيها حاملا وان كانت حاملا عند الشراء وولدت قبل الرجوع ففي تعدي الرجوع إلى الولد قولان بناهما الاصحاب على الخلاف في أن الحمل هل يعرف أم لا (ان قلنا) نعم وهو الاصح رجع كما لو اشترى شيئين (وان قلنا) لا بقى الولد للمفلس وربما وجه قول التعدي بان الولد كان موجودا عند العقد ملكه المشترى بالعقد فوجب أن يرجع إلى البائع بالرجوع وقول المنع بانه ما لم ينفصل تابع ملحق بالاعضاء فكذلك تبع في البيع أما عند الرجوع فهو شخص مستقل بنفسه فيفرد بالحكم وكانه وجد حين استقل وان كانت حائلا عند الشراء حاملا عند الرجوع فقولان موجهان بطريقين (أشهرهما) البناء على أن الحمل هل يعرف (ان قلنا) لاأخذها حاملا (وان قلنا) نعم ففي التهذيب وجه انه لا رجوع له ويضارب الغرماء والاصح أنه له الرجوع في الام ولا حق له في الولد كما لو كان منفصلا (والثاني) توجيه تعدى الرجوع فالى الولد أن الحمل يتبع الجارية حال البيع فكذلك فذ حال الرجوع وتوجيه المنع بان البائع يرجع إلى ما كان عند البيع أو حدث فيه من الزيادات المتصلة ولم يكن الحمل موجودا ولا سبيل إلى غيره من الزيادات
المنفصلة لاستقلاله وانفراده بكثير من الاحكام ثم قضية المأخذ الاول أن يكون الاصح اختصاص الرجوع بالام لان الاصح أن الحمل يعرف وكذلك ذكر بعض شارحي المفتاح الا أن الاكثرين مالوا إلى ترجيح القول الآخر كما رجحه صاحب الكتاب وذكروا أنه المنصوص فليوجه بالمأخذ الثاني وإذا قلنا باختصاص الرجوع بالام فقد ذكر الشيخ أبو محمد أنه يرجع فيها قبل الوضع فإذا ولدت فالولد للمفلس وقال الصيدلانى وغيره يصبر إلى انفصال الولد ولا يرجع في الحال ثم الاحتراز عن التفريق بين الام والولد طريقة ما مر(10/253)
واعلم أن استتار الثمرة بالاكمة وظهورها بالتأبير قريبان من استتار الجنين وظهوره بالانفصال وفيها الاحوال الاربع المذكورة في الجنين (أولها) أن يشترى نخيلا وعليها ثمرة غير مؤبرة وكانت عند الرجوع غير مؤبرة (وثانيها) أن يشتريها ولا ثمار عليها غير مؤبرة ثم كانت لها ثمار عند الرجوع مؤبرة أو مدركة أو مجذوذة فالحكم فيها كما ذكرنا في الحمل (وثالثها) إذا كانت ثمرتها عند الشراء غير مؤبرة وعند الرجوع مؤبرة فطريقان (أحدهما) أن أخذ البائع الثمرة على القولين في أخذ الولد إذا كانت حاملا عند البيع ووضعت قبل الرجوع (والثاني) القطع بأنه يأخذه الثمرة لانها وان كانت مستترة فهي مشاهدة موثوق بها قابلة للافراد بالبيع فكانت أحد مقصودي العقد فيرجع فيها رجوعه في النخيل وان شئت عبرت عن الطريقين بأنا ان قلنا يأخذ الولد فالثمرة أولى بالاخذ والا فقولان (ورابعها) إذا كانت النخلة حائلا عند الشراء فاطلعت عند المشتري ثم جاء وقت الرجوع وهي غير مؤبرة فقولان (رواية) الربيع أنه لا يأخذ الطلع لانه يصح افراده بالبيع فلا يجعل تبعا كالثمار المؤبرة (ورواية) المزني وحرملة أنه يأخذه مع النخيل لانه يقع في البيع فكذلك في الفسخ وفيه طريقة أخرى قاطعة بانه لا يأخذ الطلع لما ذكرنا من الوثوق به واستقلاله قال الشيخ أبو حامد وعلى هذا القياس أمر الثمرة التى لم تؤبر فحيث أزال الملك باختياره بعوض استتبع ما لم يؤبر من الثمار وان زال قهرا بعوض فهو كما في الشفعة والرد بالعيب فالاستتباع على هذين القولين وان زال لا بعوض اختيارا أو قهرا كما في الرجوع في الهبة ففيه القولان (وقوله) في الكتاب وحكم الثمرة قبل التأبير حكم الجنين وأولى بالاستقلال يشير إلى طريقة القطع في الثمار تارة بالاثبات وأخرى بالنفى كما بيناه وحكم سائر الثمار وما يحلتحق بالمؤبر وما يلتحق بغير المؤبرة قد(10/254)
اتضح في البيع ويتفرع على منقول المزني وهو الاظهر أنه لو جرى التأبير وفسخ البائع البيع ثم قال البائع فسخت قبل التأبير والثمار لى وقال المفلس بل بعده فالقول قول المفلس مع يمينه لان الاصل عدم الفسخ حينئذ وبقاء الثمار له وعن أبي الحسين أن بعضهم ذكر قولا آخر أن القول قول البائع لانه أعرف بتصرفه وقال المسعودي يخرج قول إن المفلس يقبل قوله من غير يمين بناء على أن النكول ورد اليمين كالاقرار وإنه لو اقر لما قبل اقراره والمذهب الاول وإنما يحلف على نفى العلم بسبق الفسخ على التأبير لا على نفى السبق فان حلف بقيت الثمار له وان نكل فهل للغرماء ان يحلفوا فيه الخلاف المذكور فيما إذا ادعى المفلس دينا على غيره وأقام شاهدا ولم يحلف معه هل يحلف الغرماء (فان قلنا) لا يحلفون وهو الاصح أو قلنا يحلفون فنكلوا عرضت اليمين على البائع فان نكل فهو أحق كما لو حلف المفلس وان حلف فان جعلنا اليمين المردودة بعد النكول كالبينة فالثمار له وان جعلناها كالاقرار فيخرج على القولين في قبول اقرار المفلس في مزاحمة المقر له للغرماء فان لم يقبله صرف الثمار إلى الغرماء كسائر الاموال فان فضل شئ أخذه البائع بحلفه * هذا إذا كذب الغرماء البائع كما كذبه المفلس وان صدقوه لم يقبل اقرارهم على المفلس بل إذا حلف بقيت الثمار له وليس لهم المطالبة بقسمتها لانهم يزعمون أنها ليست ملكا له وليس له التصرف فيها لمكان الحجر واحتمال أن يكون له غريم آخر نعم له إجبارهم على أخذها ان كانت من جنس حقوقهم أو ابراء ذمته عن ذلك القدر على ظاهر المذهب كما لو جاء المكاتب بالنجم فقال السيد إنه مغصوب فيقال له خذه أو أبره عنه وفيه وجه أنهم لا يجبرون على أخذها بخلاف المكاتب لانه يخاف العود إلى الرق لو لم يؤخذ منه وليس على المفلس كثير ضرر فإذا أجبروا على أخذها فأخذوها فللبائع أخذها منهم لاقرارهم وان لم يجبروا وأقسم سائر أمواله فله طلب فك الحجر(10/255)
إذا قلنا انه لا يرتفع ولو كانت من غير جنس حقوقهم فبيعت وصرفت ثمنها إليهم تفريعا على الاجبار لم يتمكن البائع من أخذه منهم لانهم لم يقروا له بالثمن وعليهم رده على المشترى فان لم يأخذ فهو مال ضائع ولو كان في المصدقين عدلان شهدا للبائع على صيغة الشهادة وشرطها أو عدل واحد وحلف البائع
معه قبلت الشهادة وقضى له هكذا أطلق الشافعي رضي الله عنه وعامة الاصحاب وأحسن بعض الشيوخ الشارحين للمختصر فحمله على ما إذا شهد الشهود قبل تصديق البائع أو بعده وقلنا انهم لا يجبرون على اخذ الثمار والا فهم يدفعون بالشهادة ضرر اخذها وصياعها عليهم بأخذ البائع ولو صدق بعض الغرماء البائع وكذبه بعضهم فللمفلس تخصيص المكذبين بالثمار ولو أراد بعضهم قسمتها على الكل فوجهان (قال) أبو إسحق رحمه الله له ذلك لو صدقوه جميعا وقال الاكثرون لا لان من صدق البائع يتضرر بالاخذ لان البائع يتضرر بأخذ ما أخذه منه والمفلس لا يتضرر بان لا يصرف إليه لامكان الصرف إلى المكذبين بخلاف ما إذا صدقه الكل وإذا صرف إلى المكذبين ولم يف بحقوقهم فيضاربون المصدقين في سائر الاموال ببقية ديونهم مؤاخذة لهم بزعمهم أو بجميع ديونهم لان زعم المصدقين أن سائر ديون المكذبين لم تتأد وفيه وجهان (أظهرهما) وهو المنصوص أولهما وجميع ما ذكرناه فيما إذا كذب المفلس البائع أما إذا صدقه نظران صدقه الغرماء أيضا قضى له وان كذبوه وزعموا أنه أقر عن مواطأة جرت بينهما فعلى القولين فيما إذا أقر بعين مال أو بدين لغيره (وان قلنا) لا يقبل فللبائع تحليف الغرماء قبل أنهم لا يعرفون فسخه على التأبير ومنهم(10/256)
من قال هو على القولين السابقين في أن الغرماء هل يحلفون والاول أصح لان اليمين ههنا توجهت عليهم ابتداء وثم ينوبون عن المفلس واليمين لا تجري فيها النيابة (ذنابه) النظر في انفصال الجنين وفى ظهور الثمار بالتأبير إلى حال الرجوع دون الحجر لان ملك المفلس باق إلى أن يرجع البائع * قال (ولو بقيت الثمرة للمشترى فعلى البائع ابقاؤها إلى الجذاذ * وكذا ابقاء زرعه من غير أجرة (و) * حيث يثبت الرجوع في الثمار فلو كانت قد تلفت فرجع في الشجرة فيطالب بجزء من الثمن للثمرة بطريق المضاربة * ويعرف قدره باعتبار أقل (و) القيمتين من يوم العقد إلى يوم القبض لان ما نقص قبل القبض لم يدخل في ضمان المشترى * ويعتبر للشجرة أكثر القيمتين على الاظهر (و) تقليلا للواجب على المشترى) * في الفصل مسألتان (إحداهما) مهما رجع البائع في الاشجار المبيعة وبقيت الثمار للمشترى إما لحدوثها بعد البيع أو لظهورها قبل الرجوع أو على أحد القولين في الحالة الثالثة والرابعه فليس له
قطعها بل عليه إبقاء الثمرة إلى الجذاذ وكذا لو رجع في الارض المبيعة وهى مزروعة بزرع المشترى ترك الزرع إلى الحصاد لانه لم يتعد بالزرع حتى يقلع زرعه وهذا كما إذا اشترى أرضا مزروعة ليس للمشترى أن يكلف البائع قلع الزرع ثم إذا بقى الزرع أبقاه بغير أجرة بخلاف ما إذا اكترى أرضا وزرع فيها المكترى ثم افلس وفسخ المكرى الاجارة حيث قلنا يترك الزرع إلى الحصاد باجرة المثل والفرق من وجهين (أشهرهما) أن المستأجر دخل في الاجارة على أن يضمن للبائع المنافع فألزمناه بدلها والمشترى دخل في الشراء على أن تحصل له المنافع بلا عوض فلم يحسن الزامه بدلها (وافقها) أن مورد البيع الرقبة وأنها تحصل له بالفسخ وان لم ياخذ(10/257)
الاجرة ومورد الاجارة المنافع فإذا لم يتمكن من استيفائها ولم يمكن من أخذ بدلها خلا الفسخ عن الفائدة ولم يعد إليه حقه وعن صاحب التقريب أن ابن سريج خرج قولا أن للبائع طلب أجرة المثل لمدة بقاء الزرع كما لو بنى المشترى أو غرس كان للبائع الابقاء بالاجرة كما سيأتي ان شاء الله تعالى ثم الكلام فيهما إذا طلب الغرماء أو المفلس القطع قبل الجذاذ وقبل الحصاد على ما مر في فصل الاجارة (الثانية) إذا ثبت الرجوع في الثمار (إما) بالتصريح ببيعها مع الاشجار وهى مؤبرة على أحد القولين في الحالة الثالثة والرابعة ثم تلفت الثمار بجائحة أو بأكل المشترى ثم أفلس فالبائع يأخذ الاشجار بحصتها من الثمن ويضارب مع الغرماء بحصة الثمار وسبيل التوزيع أن تقوم الاشجار وعليها الثمار فيقال قيمتها مائة وتقوم وحدها فيقال قيمتها تسعون فيضارب بعشر الثمن فان اتفق في قيمتها انخفاض وارتفاع فالاعتبار في قيمة الثمار بالاقل من قيمتها يوم العقد ويوم القبض لانها ان كانت يوم القبض أقل فما نقص قبله من ضمان البائع فلا يحسب على المشترى وان كانت يوم العقد أقل فالزيادة حصلت في ملك المشترى وتلفت فلا تعلق للبائع بها نعم لو كانت العين باقية رجع فيها تابعة للاصل وعن صاحب التقريب أن بعضهم قال باعتبار قيمة يوم القبض واحتسب الزيادة للبائع بعد التلف كما أنها لو بقيت العين لحصلت له وهذا ظاهر نصه في المختصر إلا أن الجمهور حملوه على ما إذا كانت قيمة يوم القبض أقل أو لم تختلف القيمة فبنوا اضافتها إلى هذا اليوم أو إلى هذا اليوم (وأما) الاشجار ففيها وجهان (أظهرهما) عند صاحب الكتاب وهو الذى أورده الصيدلانى وغيره أن الاعتبار فيها باكثر القيمتين لان المبيع بين العقد والقبض من ضمان البائع فنقصانه عليه وزيادته للمشترى ففيما يأخذه البائع(10/258)
يعتبر الاكثر ليكون النقصان محسوبا عليه كما أن فيما يبقى للمشترى أو يضارب البائع بثمنه يعتبر الاقل ليكون النقصان محسوبا عليه (والثانى) وهو الذى نقله صاحب التهذيب والتتمة أن الاعتبار بقيمة يوم العقد سواء كانت أكثر القيمتين أو أقلهما أما إذا كانت أكثرهمما فكما ذكرنا في الوجه الاول (وأما) إذا كانت أقلهما فلان ما زاد بعد ذلك من جملة الزيادات المتصلة وعين الاشجار باقية فيفوز بها البائع ولا تحسب عليه قال الامام ولصاحب الوجه الاول أن يقول نعم البائع يفوز ولكن يبعد ان يفوز بها وهى حادثة في ملك غيره ثم لا يحسبها من المبيع فإذا فاز بها فليقدر كأنها وجدت يوم البيع ولنبين اختلاف قيمة الاشجار والثمار بالتمثيل فنقول كانت قيمة الشجرة يوم البيع عشرة وقيمة الثمرة خمسة فلو لم تختلف القيمة لاخذ الشجره بثلثي الثمن فصارت الثمرة بالثلث ولو زادت قيمة الثمرة فكانت عشرة يوم القبض فكما لو كانت القيمة بحالها على المشهور وعلى الوجه البعيد يضارب بنصف الثمن ولو نقصت فكانت يوم القبض درهمين ونصفا يضارب بخمس الثمن ولو زادت قيمة الشجرة أو نقصت فالحكم على الوجه الثاني كما لو بقيت بحالها وعلى الاول كذلك إن نقصت وان زادت فكانت خمسة عشر فيضارب بربع الثمن ثم ذيل الامام المسألة بكلامين مستفادين (أحدهما) إذا اعتبرنا في الثمار أقل القيمتين فان كانتا متساويتين لكن وقع بينهما نقصان نظر إن كان بمجرد انخفاض السوق فلا عبرة به وان كان لعيب طرأ وزال فكذلك على الظاهر كما أنه يسقط بزواله حق الرد وان لم يزل العيب لكن عادت قيمته إلى ما كان بارتفاع السوق قال والذى أراه أن في هذه الصورة تعتبر قيمة يوم العيب دون البيع والقبض لان النقصان الحاصل من ضمان البائع والارتفاع بعده في ملك المشترى لا يصلح جائزا له (والثانى) إذا اعتبرنا في الاشجار أكثر القيمتين فلو كانت قيمة الشجرة يوم العقد مائة ويوم القبض خمسين ويوم رجوع البائع مائتين فالوجه القطع باعتبار المائتين(10/259)
ولو كانت قيمتها يوم العقد ويوم القبض ما ذكرنا ويوم الرجوع مائة اعتبرنا يوم الرجوع على أن ما طرأ من زيادة وزال ليس ثابتا يوم العقد حتى نقول انه وقت المقابلة لا يوم أخذ البائع حتى يحسب عليه ولك أن تقول هذا ان استقام في طرف الزيادة تخريجا علي ما سبق ان ما فاز به البائع من الزيادات الحادثة عند
المشترى يقدر كالموجود عند البيع فلا يستقيم في طرف النقصان لان النقصان الحاصل في يد المشترى كعيب حدث في المبيع وإذا رجع البائع إلى العين المبيعة لزمه القناعة بها ولا يطالب المشترى للعيب بشئ والله تعالى أعلم * وينبغى أن تعرف أن سبيل التوزيع في كل صورة تلف فيها أحد الشيئين المبيعين واختلفت القيمة وأراد الرجوع في الباقي على ما ذكرنا في الاشجار والثمار بلا فرق * قال (أما الزيادة الملتحقة بالمبيع من خارج ينظر ان كان عينا محضا كما لو بني المشترى أو غرس فعلى ثلاثة أقوال * أحدها أنه فاقد عين ماله * والثانى أنه يباع الكل فيوزع به على نسبة القيمة * والاصح أنه يرجع إلى العين ويتخير في الغراس بين أن يبذل قيمته وبين أن يغرم أرش النقصان أو يبقى بأجرة) * (النوع الثاني) من الزيادات هي الملحقة بالمبيع من خارج وتنقسم إلى عين محضة والى صفة محضة والى ما يتركب منهما (القسم الاول) العين المحضة ولها ضربان (أحدهما) أن تكون قابلة للتمييز عن المبيع كما إذا اشترى أرضا فغرس فيها أو بنى ثم أفلس قبل توفية الثمن * واعلم أن منقول المصنف وشيخه في المسألة يخالف منقول جمهور الاصحاب على طبقاتهم فنذكر منقولهم الذى عليه الاعتماد ثم نعود إلى ما نقلاه قال الاصحاب(10/260)
إذا اختار البائع الرجوع في الارض نظر ان اتفق الغرماء والمفلس على القلع وتفريغ الارض وتسليمها بيضاء رجع فيها وهم يستقلون بالقلع وليس له أن يلزمهم أخذ قيمة الغراس والبناء لتملكها مع الارض فإذا قلعوا الغراس والبناء وجب تسوية الحفر من مال المفلس فان حدث في الارض نقص بالقلع وجب أرش النقص في ماله ويضارب البائع به أو يقدم على سائل الديون في المهذب والتهذيب أنه يقدم لانه لتخليص ماله واصلاحه وذكر الشيخ ابو حامد انه يضارب مع الغرماء * وان قال المفلس يقلع وقال الغرماء يأخذ القيمة من البائع لتملكه أو بالعكس أو وقع هذا الاختلاف بين الغرماء قال القاضى ابن كج يجاب من في قوله المصلحة وان امتنعوا جميعا من القلع لم يجبروا عليه لانه حين بني وغرس لم يكن متعديا وحينئذ ينظر ان رجع على ان يتملك البناء والغراس مع الارض بقيمتها أو يقلع ويغرم ارش النقص فله ذلك لان الضرر يندفع عن الجانبين بكل واحد من الطريقين والاختيار فيهما إليه وليس للمفلس والغرماء الامتناع من القبول لان مال المفلس
معرض للبيع فلا يختلف غرضهم بين أن يتملكه البائع أو يشتريه أجنبي ويخالف هذا ما إذا زرع المشترى الارض وأفلس ورجع البائع في الارض حيث لا يتمكن من تملك الزرع بالقيمة ولا من القلع وغرامة الارش لان للزرع امدا ينتظر يسهل انتظاره والغراس والبناء للتأبيد وان أراد الرجوع في الارض وحدها وابقاء البناء والغراس للمفلس والغرماء نقل المزني ان له الرجوع وانه قال في موضع آخر لا يرجع وللاصحاب طريقان (أصحهما) وبه قال المزني وابن سريج وأبو إسحق أن في المسألة قولين (أحدهما) وهو اختيار المزني أن له أن يرجع كما لو صبغ الثوب المشترى ثم أفلس يرجع البائع في(10/261)
الثوب ويكون المفلس شريكا معه بالصبغ (وأصحهما) المنع لما فيه من الضرر فان الغراس بلا أرض والبناء بلا مقرر ولاممر ناقص القيمة ولرجوع انما يثبت لدفع الضرر بخلاف مسألة الصبغ فان الصبغ كالصفة التابعة للثوب (والثانى) تنزيل النصين على حالين وله طريقان (عن القاضى أبى حامد) في آخرين انه قال حيث يرجع أراد ما إذا كانت الارض كثيرة القيمة والبناء والغراس مستحقرين بالاضافة إليها وحيث قال لا يرجع أراد ما إذا وكانت الارض مستحقرة بالاضافة اليهما والمعني في الطريقين اتباع الاقل للاكثر ومنهم من قال حيث قال يرجع أراد ما إذا رجع في البياض المتخلل بين الابنية والاشجار وضارب للباقى بقسطه من الثمن يمكن منه لانه ترك بعض حقه في العين فإذا فرعنا على طريقة القولين فان قلنا ليس له الرجوع في الارض وإبقاء البناء والغراس للمفلس فالبائع يترك الرجوع ويضارب مع الغرماء بالثمن أو يعود إلى بذل قيمتهما أو قلعهما مع غرامة رش النقس وان مكناه منه فوافق البائع الغرماء وباع الارض منهم حتى باعوا البناء والغراس فذاك وطريق التوزيع ما بينهاه في الرهن وان ابى فهل يخير فيه قولان (أحدهما) نعم كما في مسألة الصبغ (وأصحهما) لا لان إفراد البناء والغراس بالبيع متأت بخلاف الصبغ وإذا لم يوافقهم فباعوا البناء والغراس بقى للبائع ولاية التملك بالقيمة والقلع مع غرامة الارش وللمشترى الخيار في البيع ان كان جاهلا بحال ما اشتراه ذكره الصيدلانى وغيره هذه طريقة الجمهور واما الامام فان محصول ما ذكره في المسألة أربعة أقوال (أحدها) انه فاقد عين ماله ولا رجوع بحال لان الرجوع في الارض ينقص قيمة البناء والغراس (والثانى) أن الارض والبناء يباعان معا دفعا للخسران عن المفلس كما يفعل بالثوب المصبوغ
(والثالث) انه يرجع في الارض ويتخير بين ثلاث خصال تملك البناء والغراس بالقيمة أؤ قلعهما مع غرامة ارش النقصان أو ابقاؤهما باجرة المثل يأخذها من ملكيهما وإذا عين واحدة من هذه الخصال(10/262)
فاختار المفلس والغرماء غيرها أو امتنعوا من الكل فوجهان في ان يرجع إلى الارض ويقلع مجانا أو يجبرون علي ما عينه (والرابع) حكاه عن رواية العراقيين انه ان كانت قيمة البناء اكثر فالبائع فاقد عين ماله وان كانت قيمة الارض اكثر فواجد وتابعه صاحب الكتاب وغيره من أصحابه واقتصروا على الاقوال الثالثة الاول وانت إذا تأملت هذا الكلام بعد وقوفك على المذهب المعتمد وتصفحك عن كتب علمائنا ورأيت ما بينهما من المخالفة الصريحة قضيت منه العجب وقلت ليت شعرى من اين أخذت هذه الاقوال ثم حفظت لسانك استعمالا للادب والله أعلم وبه التوفيق * (فرع) اشترى الارض من رجل والغراس من آخر وغرسها فيها ثم أفلس فلكل واحد منهما الرجوع إلى عين ماله ثم إذا رجعا فان أراد صاحب الغراس البيع مكن منه وعليه تسوية الحفر وارش نقص الارض إن نقصت وان أراده صاحب الارض فكذلك ان ضمن ارش النقص(10/263)
والا فوجهان (أحدهما) المنع لانه غرس بحق فلا يقلع من غير غرامة كما لو كان للمفلس (والثانى) الجواز لانه باع الغراس مقلوعا فيأخذها كذلك * قال (فان لم تقبل الزيادة التمييز كما لو خلط مكيلة زيت بمكيلة من جنسه أو أردأ منه رجع (و) البائع إلى مكيلة واحدة * وان خلط بأجود فهو فاقد على قول * ويباع على قول ويوزع على نسبة القيمة * وعلى قول يقسم المكيل على نسبة القيمة * والفرق بينه وبين الاردأ أن ما حصل من نقصان الصفة يمكن أن يجعل عينا في حق البائع فيقال له اما أن تقنع بالمبيع بعيب أو تضارب * وتضييع جانب المشترى لا وجه له هذا هو النص * ونقل عن ابن سريج لتسوية) * (الضرب الثاني) ألا تكون الزيادة قابلة للتمييز كخلط ذوات الامثال بعضها ببعض فإذا اشتري صاع حنطة وخلطه بصاع حنطة أو مكيلة زيت وخلطه بمكيلة زيت ثم أفلس نظران كان المخلوط به مثل
المبيع فللبائع الفسخ وتملك مكيلته من المخلوط وطلب القسمة فان طلب البيع فهل يجاب إليه فيه وجهان (أصحهما) لا كما لا يتمكن الشركاء من ان يطالب بعضهم بعضا بالبيع (والثانى) نعم لانه لا يصل بالقسمة إلى عين حقه وبالبيع يصل إلى بدل حقه وقد يكون له غرض فيه فيباع الكل ويصرف نصف الثمن إليه(10/264)
وان كان المخلوط أردأ من البيع فله الفسخ والرجوع إلى حقه من المخلوط أيضا ولكن في كيفيته وجهان نقلهما العراقيون وتابعهم صاحب التهذيب (أحدهما) وبه قال أبو إسحق ان المكيلتين تباعان ويقسم الثمن بينهما على قدر القيمتين لانه ان أخذ مكيلة منه نقص وان أخذ أكثر من مكيلة لزم الربا فعلى هذا لو كان المبيع يساوى درهمين والمخلوط به درهما قسم الثمن بينهما أثلاثا (وأصحهما) أنه ليس له إلا أخذ مكيلة منه والمضاربة مع الغرماء لانه نقصان حصل في البيع فاشبه تعيب العبد والثوب * وان كان المخلوط به أجود فقولان (أحدهما) وهو اختيار المزني أن له الفسخ والرجوع إلى حقه من المخلوط كالخلط بالمثل والاردأ وأيضا فانه لو اشترى ثوبا وصبغه أو سويقافلته لا ينقطع حق الرجوع فكذلك ههنا (وأصحهما) أنه لا رجوع وليس له الا المضاربة بالمثن لان الرجوع إلى عين المبيع متعذر ههنا حقيقة وحكما (أما) حقيقة فللاختلاط (وأما) حكما فلان في هذا الخلط لا يكمن من المطالبة بالقسمة بأخذ مكيلة من المخلوط لما فيه من الاضرار بصاحب الاجود بخلاف ما إذا كان الخلط بالمثل والاردأ فان المطالبة بالقسمة والمأخوذ بمثابة الاول حكما قال الشافعي رضى الله عنه في تقرير هذا القول ولا يشبه يعني ما نحن فيه الثوب يصبغ والسويق يلت لان عين ماله فيه زيادة والذائب إذا اختلط انقلب حتي لا توجد عين ماله ومعناه أن الاختلاط إذا حصل لم تكن الاشارة إلى شئ من المخلوط بانه المبيع فكأنه هلك بخلاف الثوب المصبوغ والسويق الملتوت ومن هذا الفرق خرج مخرجون في الخلط بالمثل والاردأ قولا آخر أنه ينقطع به حق الرجوع وايد ذلك بأن الحنطة المبيعة لو انها الت عليها حنطة أخرى قبل القبض ينفسخ العقد على قول تنزيلا له منزلة التلف والاظهر القطع بأن الخلط بالمثل والاردأ لا يمنع الرجوع على ما سبق ويفارق اختلاط المبيع قبل القبض لان الملك غير(10/265)
مستقر فلا يبعد تأثره بما لا يتأثر به الملك المستقر * وإذا فرعنا على الخلط بالاجود على قول الرجوع ففى كيفيته قولان (أصحهما) أنه يكون شريكا كما في صبغ الثوب (والثانى) عن رواية الربيع والبويطى أن نفس المكيلتين يقسم بينهما باعتبار القيمة فإذا كانت المكيلة المبيعة تساوى درهما والمخلوط بهما درهمين أخذ من المكيلتين ثلثي مكيلة وربما يخرج هذا الخلاف على أن القسمة بيع أو افراز حق (ان قلنا) بالاول لم يقسم عين الزيت لما في هذه القسمة من مقابلة مكيلة بثلثي مكيلة (وان قلنا) بالثاني فيجوز وكأنه أخذ بعض حقه وترك بعضه ومن الاصحاب من ينقل بدل القولين الآخرين وجهين وينسب الاول إلى أبى اسحق وإذا ترك الترتيب والتنزيل حصل في الخلط بالاجود ثلاثة أقوال كما ذكر في الكتاب (أصحها) أنه فاقد عين ماله (والثانى) أنه يرجع فيباع الكل ويوزع على نسبة القيمتين (والثالث) أنه يقسم المكيلتان على نسبة القيمتين (وأما) قوله ونقل عن ابن سريج التسوية بين الخلط بالاجود والاردأ فالسابق الي الفهم من ظاهره التسوية في طرد الاقوال الثلاثة وليس المراد ذلك وانما المراد التسوية في طرد القولين الآخرين حتى يقول إذا ساوى المبيع درهمين والمخارط؟ به درهما يباعان على قول ويكون ثلثا الثمن للبائع والثلث للمفلس وفى قول يقسم عين المخلوط فيصرف ثلثاه إلى البائع والثلث إلى المفلس والاول هو الذى قدمنا حكايته عن أبى اسحق ولا أقول إن القول بكونه فاقدا عين ماله لا مجال له في الخلط بالاردأ كيف وقد قدمنا أن بعضهم خرجه ولكن لا تعلق له بابن سريج والمنقول عن في النهاية والوسيط ما بيناه والفرق بين طرف الاجود حيث نظرنا فيه إلى الفسخ وبين طرف الاردأ حيث الزمناه القناعة بمكيلة من المخلوط على ظاهر المذهب وأصح في الكتاب * ونختم المسألة بذكر شيئين (أحدهما) قال الامام إذا قلنا(10/266)
الخلط يلحق المبيع بالمفقود فلو كان أحد الخليطين كثيرا والآخر قليلا لا تظهر به زيادة في الحس وبيع مثله بين المكيلين فان كان الكثير للبائع فالوجه القطع بكونه واجدا عين ماله وان كان الكثير للمشترى فالظاهر كونه فاقدا (والثانى) لو كان المخلوط به من غير جنس المبيع كالزيت والشيرج فلا فسخ وهو بمثابة مالو تلف المبيع قال الامام وفيه احتمال سيما على قولنا ببيع المخلوط وقسمة الثمن *
قال (وان كانت الزيادة عينا من وجه ووصفا من وجه كما لو صبغ الثوب فان لم تزد قيمته فلا أثر له * وان زاد فالمشترى شريك (ح) بذلك القدر الذى زاد * الا إذا كانت الزيادة أكثر من قيمة الصبغ فالزيادة على قيمة الصبغ صفة محضة * وفى الصفة المحضة في طحن الحنطة ورياضة الدابة وقصارة الثوب وكل ما يستأجر على تحصيله قولان * (أحدهما) أنه يسلم للبائع فهو كالزيادة المتصلة من السمن وغيره * (والثانى) كالصبغ لانها عمل محترم متقوم * بخلاف مالو صدر من الغاصب فانه عدوان محض * فعلى هذا للاجير حق الحبس * ولو تلف الثوب في يد القصار سقطت أجرته) * هذا الفصل يشتمل على القسمين الباقيين من أقسام الثاني من الزيادات وتقديم المؤخر منهما في لفظ الكتاب اليق بالشرح فنقدمه ونقول (القسم الثاني) الصفة المحضة فإذا اشترى حنطة فطحنها أو ثوبا فقصره أو خاطه بخيوط من نفس الثوب ثم أفلس فللبائع الرجوع إلى عين ماله ثم ينظر إن لم تزد قيمته فلا شركة للمفلس فيه وان نقصت قيمته فلا شئ للبائع معه وان زادت فقولان (أحدهما) واختاره المزني أن الزيادة بهذه الاعمال تجرى مجرى الآثار ولا شركة للمفلس فيها لانها صفات تابعة حصلت بفعله فهى كسمن الدابة بالعلف وكبر الودى بالسقى والتعهد وأيضا فان القصارة تزيل الوسخ وتكشف عما فيه من البياض فلا تقتضي الشركة كما لو كان المبيع لوزا فكسره وكشف اللب وزادت به القيمة (وأصحهما) أنها تجرى مجرى الاعيان ويصير المفلس شريكا فيها لانها زيادة حصلت بفعل متقوم محترم فوجب الا تضيع عليه بخلاف الغاصب لان فعله غير محترم ويخالف سمن الدابة بالعلف وكبر الودى بالسقي لان القصار إذا عمل عمله صار الثوب(10/267)
مقصورا لا محالة والسقى والعلف يوجدان كثيرا ولا يحصل السمن والكبر فكان الاثر فيه غير منسوب إلى فعله بل هو محض صنع الله عزوجل ولهذا لا يجوز الاستئجار على تسمين الدابة وتكبير الودى ويجوز الاستئجار على القصارة ويجرى القولان فيما لو اشترى دقيقا فخبزه أو لحما فسواه أو شاة فذبحها أو أرضا فضرب من تربتها لبنا أو عرصة وآلات البناء فبني فيها دارا ثم أفلس وعن أبى اسحق
أن تعليم العبد القرآن والحرفة والكتابة والشعر المباح ورياضة الدابة لا تلحق بها ولا تجرى مجرى الاعيان قطعا لانه ليس بيد المعلم ولا الرائض الا التعليم وقد يجتهد فيه ولا يحصل الغرض فكان كالتسمين ونحوه ويحكى هذا عن ابن أبي هريرة وابن القطان ايضا (والاصح) وبه قال ابن سريج وصاحب التلخيص والقاضى أبو حامد أنها من صور القولين لانها أعمال يجوز الاستئجار عليها ومقابلتها بالعوض وضبط صور القولين أن يصنع بالمبيع ما لا يجوز الاستئجار عليه فيظهر به أثر فيه وانما اعتبرنا ظهور الاثر فيه لان حفظ الدابة وسياستها عمل يجوز الاستئجار عليه ولا تثبت به الشركة لانه لا يظهر بسببه أثر على الدابة ثم الاثر تارة يكون صفة محسوسة كالطحن والقصارة وتارة يكون من قبيل الاخلاق كالتعليم والرياضة * إذا عرفت القولين ومحلهما (فان قلنا) بالاول أخذ البائع المبيع وفاز بزيادته (وان قلنا) بالثاني فيباع ويكون للمفلس من الثمن بنسبة ما زاد في قيمته مثاله قيمة الثوب خمسة وبلغت بالقصارة ستة يكون للمفلس سدس الثمن فلو ارتفعت القيمة بالسوق أو انخفضت فالزيادة والنقصان بينهما على قدر هذه النسبة ولو ارتفعت قيمة الثوب دون القصارة بان صار مثل ذلك الثوب لا يؤخذ غير مقصور الا بستة ويشترى مقصورا بسبعة فليس للمفلس الا سبع الثمن والزيادة حصلت في الثوب ولو زادت قيمة القصارة دون الثوب بان كان مثل هذا الثوب يشترى مقصورا بسبعة ويؤخذ غير مقصور بخمسة فللمفلس سبعان من الثمن وعلى هذا القياس * ويجوز للبائع ان يمسك المبيع ويمنع من بيعه ويبذل للمفلس ما زاد بسبب الاعمال كذا نقل صاحب التهذيب وغيره كما انه يبذل قيمة الغراس والبناء ومنع في التتمة منه لان الصفة لا تقابل بعوض (واما) قوله فعلى هذا(10/268)
فللابخير حق الحبس إلى آخره فهو اشارة إلى فرعين لاتعلق لهما بالمفلس (أحدهما) إذا استأجر للقصارة أو الطحن فعمل الاجير عمله هل له حبس الثوب المقصور والدقيق لاستيفاء الاجرة (فأن قلنا) القصارة وما في معناها أثار فلا (وان قلنا) انها أعيان فنعم كما أن البائع يحبس المبيع لاستيفاء الثمن وهذا ما اختاره الاكثرون واحتجوا به للقول الثاني موهمين كونه مجزوما به (والثانى) إذا تمم القصار والطحان العمل وتلف محل العمل في يده (فان قلنا) بالاول استحق الاجرة وكانه وقع مسلما
بالفراغ (وان قلنا) بالثاني لم يستحق لانه تلف قبل التسليم كما يسقط الثمن بتلف المبيع في يد البائع وهذا الفرع قد أعاده في الكتاب في باب الاجارة (القسم الثالث) ما هو عين من وجه وصفه من وجه كصبغ الثوب ولت السويق وما أشبههما فإذا اشترى ثوبا وصبغه ثم أفلس نظر ان لم ترد القيمة بالصبغ أو نقصت فالحكم على ما مر في القسم الثاني وان زادت فاما أن تزيد بقدر قيمة الصبغ كما إذا كان الثوب يساوى أربعة الصبغ درهمين وكانت قيمته مصبوغا ستة فللبائع أن يفسخ البيع في الثوب ويكون المفلس شريكا بالصبغ فيباع ويكون الثمن بينهما اثلاثا وكيف تنزيل الشركة بينهما أنقول كل الثوب للبائع وكل الصبغ للمفلس كما لو غرس الارض أو نقول يشتركان فيهما جميعا بالاثلاث لتعذر التمييز كما في خلط الزيت حكى صاحب التهذيب فيه وجهين (الحالة الثانية) أن تكون الزيادة أقل من قيمة الصبغ كما إذا كانت قيمته مصبوغا خمسة فالنقصان يحال على الصبغ لانه هالك في الثوب والثوب قائم بحاله إذا بيع قسم الثمن بينهما أخماسا أربعة أخماس للبائع وخمسة للمفلس (الحالة الثالثة) أن تكون الزيادة أكثر من قيمة الصبغ كما إذا كانت قيمته مصبوغا مائة فما زاد على قيمتها انما زاد بصنعة الصبغ فيبنى على أن القصارة ونحوها من الاعمال آثار أم أعيان (ان قلنا) إنها أعيان فالزيادة بالصبغ للمفلس وذلك مثل قيمة الثوب فيجعل الثمن بينهما نصفين (وان قلنا) إنها آثار فقد حكى الامام أن الشيخ أبا على ذكر في الشرح أن البائع يفوز بها على ما هو سبيل الزيادات المتصلة وحينئذ يكون الثمن بينهما أرباعا ثلاثة أرباع للبائع والرابع للمفلس قال وكنت أودان نقص أثر الصفة على الثوب والصبغ حتى يجعل الثمن بينهما اثلاثا ويكون ثلثاه للبائع والثلث(10/269)
للمفلس لان الصفة اتصلت بالثوب والصبغ جميعا وهذا الذى قلناه هو الذى أورده الشيخ في شرح القروع وصاحب التهذيب والاكثرون وفى كتاب ابن كج نقل الوجهين معا * ولو ارتفعت القيمة بعد الصبغ فبلغت ستة عشر مثلا أو وجد من اشتراه بهذا المبلغ ففى كيفية القسمة هذه الوجوه الثلاثة والربح بكل حال يقسم بحسب قسمة الاصل * وإذا عرف القدر الذى يستحقه المفلس من الثمن فان شاء البائع تسلمه ليخلص له الثوب مصبوغا فله ذلك ومنع صاحب التتمة منه كما ذكرنا
في القسم الثاني * هذا كله فيما إذا صبغ الثوب المشترى بصبغ من عنده أما إذا اشترى ثوبا وصبغا من انسان وصبغه به ثم أفلس فللبائع فسخ البيع والرجوع اليهما الا أن تكون القيمة بعد الصبغ كقيمة الثوب بعدها قبل الصبغ أو دونها فيكون فاقد الصبر وان زادت القيمة بان كانت قيمة الثوب أربعة وقيمة الصبغ درهمين والثوب مصبوغا يساوى ثمانية فعلى الخلاف في أن الصباغات آثار أم أعيان (ان قلنا) بالاول أخذهما ولا شركة للمفلس (وان قلنا) بالثاني فالمفلس شريك بالربع * ولو اشترى الثوب من واحد باربعة وهى قيمته والصبغ من آخر بدرهمين وهما قيمته وصبغه به وأراد البائعان الرجوع فان كان الثوب مصبوغا لا يساوي أكثر من أربعة فصاحب الصبغ فاقد ماله وصاحب الثوب واجد ماله بكماله ان لم ينقص عن أربعة وناقصا ان لم يبلغ وان كانت قيمته بعد الصبغ ثمانية (فان قلنا) ان الاعمال آثار فالشركة بين البائعين كما هي بين البائع والمفلس إذا صبغه بصنع نفسه تفريعا على هذا القول (وان قلنا) أعيان فنصف الثمن لبائع الثوب وربعه لبائع الصبغ وربعه للمفلس * ولو اشترى صبغا وصبغ به ثوبا كان له فللبائع الرجوع ان زادت قيمته مصبوغا علي ما كانت قبل الصبغ والا فهو فاقد وإذا رجع فالقول في الشركة بينهما على ما مر * واعلم أن جميع ما ذكرناه في القسمين مفروض فيما إذا باشر المفلس القصارة والصبغ وما في معناه بنفسه أو استاجر أجيرا ووفاه الاجرة قبل التفليس اما إذا حصلها باجير ولم يوفه اجرته فسنذكر حكمه في الفصل الذي يلى هذا الفصل ان شاء الله تعالى * (فرع) حكم صبغ الثوب كما في البناء والغراس ولو قال المفلس والغرماء نقلعه ونغرم نقصان الثوب قال القاضى ابن كج لهم ذلك (وقوله) في الكتاب عند ذكر الصبغ وان زاد فالمشترى(10/270)
شريك بذلك القدر الذى زاد يجوز إعلامه بالواو لان محل القطع بالشركة ما إذا كان الصبغ مما يمكن فيه التمييز والاستخلاص اما إذ لم يمكن التمييز وصار مستهلكا فعن القاضى أبى حامد وجه انه ينزل منزلة القصارة والطحن حتى يكون للبائع تبعا للثوب على أحد القولين * قال (ولو كانت قيمة الثوب عشرة وقيمة القصارة خمسة والاجرة درهم وأفلس قبل توفية الاجرة فيقدم (و) الاجير بدرهم والبائع بعشرة وأربعة للغرماء وان كانت الاجره خمسة وقيمة القصارة
درهم اختص الاجير بالدرهم الزائد وضارب بالاربعة ولا يقال (و) للاجير اقنع بما وجدته من القصارة أو ضارب بكل الاجرة فان القصارة وان شبهت بالصبغ فليست عينا يمكن ايراد الفسخ عليها) * إذا اشترى ثوبا واستأجر قصارا فقصره ولم يوف أجرته حتى أفلس (فان قلنا) القصارة أثر فليس للاجير الا المضاربة بالاجرة مع الغرماء وللبائع الرجوع في الثوب المقصور ولا شئ عليه لما زاد وعن صاحب التلخيص أن عليه أجرة القصارة وكأنه استأجره وغلطه الاصحاب فيه (وان قلنا) انها عين نظر ان لم تزد قيمته مقصورا على ما كان قبل القصارة فهو فاقد عين ماله وان زادت فلكل واحد من البائع والاجير الرجوع إلى عين ماله فان كانت قيمة الثوب عشرة والاجرة درهما والثوب المقصور يساوى خمسة عشر رجعا وبيع بخمسة عشر وصرف منها عشرة إلى البائع ودرهم إلى الاجير والباقى للغرماء ولو كانت الاجرة خمسة دراهم والثوب بعد القصارة يساوى أحد عشر فان فسخ الاجير الاجارة فعشرة للبائع ودرهم للاجير ويضارب مع الغرماء بأربعة وان لم يفسخ فعشرة للبائع ودرهم للمفلس ويضارب مع الغرماء بخمسة ولا يخفي من نظم الكتاب أن الجواب في الصورتين مقصور على قول العين وانهما معطوفتان على قوله من قبل فعلى هذا للاجير حق الحبس ولو تلف الثوب في يد القصار سقطت أجرته (وقوله) ولا يقال للاجير إلى آخره اشارة إلى سؤال وجواب مشهورين في هذا المقام (أما) السؤال فهو انا إذا جعلنا القصارة عينا فزادت بفعله خمسة وجب أن يكون الكل له كما لو زاد المبيع زيادة متصلة وان كانت أجرته خمسة ولم يحصل بفعله الا درهم وجب ألا يكون له الا ذلك لان من وجد عين ماله ناقصة ليس له الا القناعة بها والمضاربة مع الغرماء (والجواب) أنه لا شك في أن القصارة صفة تابعة للثوب ولا نعنى بقولنا ان القصارة(10/271)
عين أنها في الحقيقة تفرد بالبيع والاخذ والرد كما يفعل بسائر الاعيان ولو كان كذلك جعلنا الغاصب شريكا للمالك إذا قصر الثوب كما جعلناه شريكا إذا صبغه انما المراد أنها مشبهة بالاعيان من بعض الوجوه لان الزيادة الحاصلة بها متقومه مقابلة بالعوض فكما لا تضيع الاعيان على المفلس لا تضيع الاعمال عليه وأما بالاضافة إلى الآجير فليست القصارة مورد الاجارة حتى يرجع إليها بل مورد الاجارة فعله المحصل للقصارة وذلك الفعل يستحيل الرجوع إليه فيجعل الحاصل بفعله لاختصاله به
متعلق حقه كالمرهون في حق المرتهن أو نقول هي مملوكة للمفلس مرهونة بحق الاجير ومعلوم أن الرهن إذا ارادت قيهته على الدين لا يأخذ المرتهن منه الا قدر الدين وإذا نقصت لا يتادى به جميع الدين * وأعلم قوله ولا يقال للاجير اقنع بالواو لانه حكي في الوسيط أن بعض الاصحاب قضى بأنه ليس له الا القناعة بالقصارة أو المضاربة على ما هو قياس الاعيان ولم أعثر على هذا النقل لغير المصنف لكن ذكر القاضى ابن كج ان أبا الحسين خرج وجهين في أنه لو قال الغرماء للقصار خذ أجرتك ودعنا نكون شركاء وصاحب هذا الثوب هل يجبر عليه وان الاصح الاجبار وهذا بالقياس على البائع إذا قدمه الغرماء بالثمن فكان هذا القائل يعطى القصارة حكم الاعيان من كل وجه * ولو كانت قيمة الثوب المشترى عشرة واستأجر صباغا فصبغه بصبغ قيمته درهم وصارت قيمته خمسة عشر فالاربعة الزائدة على القيمتين حاصلة بصفة الصبغ فيعود فيه القولان في أنها أثر أم عين فإذا رجع كل واحد من البائع والصباغ إلى ماله بيع بخمسة عشرة وقسم علي احد عشر ان جعلناها أثرا فللبائع عشرة وللصباغ واحد لان الزيادة تابعه وهذا الاصح يطبق على قولنا ان القصارة مرهونة بحقه إذ ليس للمرتهن التمسك بغير المرهون إذا أدي حقه بوجه طالبها وان جعلناها عينا عشرة منها للبائع ودرهم للصباغ وأربعة للمفلس يأخذها الغرماء ولو كانت المسألة بحالها وبيع بثلاثين لارتفاع السوق أو للظفر براغب قال ابن الحداد للبائع عشرون وللصباغ درهمان وللمفلس ثمانيه وقال غيره يقسم الكل على احد عشر عشرة للبائع وواحد للصباغ ولا شئ للمشترى قال الشيخ أبو على الاول جواب على قولنا انها عين (والثانى) على أنها أثر وبمثله لو كانت قيمة الثوب عشرة واستأجر على قصارته بدرهم وصارت قيمته مقصورا خمسة عشر ثم اتفق بيعه بثلاثين(10/272)
ذكر الشيخ أبو محمد والصيدلانى وغيرهما تفريعا على قول العين أنه يتضاعف حق كل واحد منهم كما قاله ابن الحداد في الصبغ واستدرك الامام فقال ينبغى أن يكون للبائع عشرون وللمفلس تسعة وللقصار درهم كما كان ولا يضعف حقه لما مر أن القصارة غير مستحقة للقصار وانما هي مرهونة بحقه وقد أشار الشيخ أبو علي إلى مثل هذا المعني في مسألة الصبغ واعتذر عنه ابن الصباغ بأنه قال كانه باع الصبغ بدرهم فتوزع الزيادة على الصبغ والثوب وهذا العذر وان لم يكن واضحا كل الوضوح إذ
ليس استئجار الصباغ مجرد شراء الصبغ فلا مساغ له في القصارة فإذا الاستدراك الذى ذكره الامام فيه فقيه والله أعلم * (فرع) لو أخفى المديون بعض ماله ونقص الظاهر عن قدر الديون فحجر الحاكم عليه ورجع أصحاب الامتعة إلى أمتعتهم وقسم الحاكم ما بقى بين الغرماء ثم بان صنيعه لم ينقص شئ من ذلك لان للقاضى بيع أموال الممتنع وصرف الثمن إلى ديونه والرجوع إلى عين المال بامتناع
__________
(حديث) ان عمر خطب الناس وقال ألا ان الاسيفع اسيفع جهبنة قد رضى من دينه وامانته أن يقال سبق الحاج الحديث مالك في الموطأ بسند منقطع ان رجلا من جهبنة كان يشترى الرواحل فيغالى بها ثم يسرع السير فيسبق الحاج فافلس فرفع أمره إلى عمر ابن الخطاب فقال أما بعد أيها الناس فان الا سيفع فذكره وفيه الا انه اذان معرضا فاصبح وقد دين به فمن كان له عليه دين فليأننا بالغداة فقسم ماله بين غرمائه ثم اياكم والدين فان أوله هم وآخره حرب ووصله الدارقطني في العلل من طريق زهير ابن معاوية عن عبيد الله بن عمر عن عمر بن عبد الرحمن بن عطية بن دلاف عن أبيه عن بلال بن الحارث عن عمر وهو عند مالك عن بن دلاف(10/273)
المشترى من اداء الثمن فمختلف فيه فأذا اتصل به حكم حاكم نفذ قاله في التتمة وفيه توقف لان القاضى ربما لا يعتقد جواز الرجوع بالامتناع فكيف يجعل حكمه بناء على ظن آخر حكما بالرجوع بالامتناع * (فرع) من له الفسخ بالافلاس لو ترك الفسخ على مال لم يثبت المال وهل يبطل حقه من الفسخ ان كان جاهلا بجوازه فيه وجهان كما سبق نظيرهما في الرد بالعيب وبالله التوفيق *
__________
عن أبيه أن رجلا ولم يذكر بلالا قال الدارقطني والقول قول زهير ومن تابعه وقال ابن أبى شيبة عن عبد الله بن ادريس عن العمرى عن عمر بن عبد الرحمن بن دلاف عن أبيه عن عمه بلال بن الحارث المزني فذكر نحوه وقال البخاري في تاريخه عمر بن عبد الرحمن بن عطية؟ ابن دلاف المزني المدنى روى عن أبى امامة وسمع اباه انتهى واخرج البيهقى الفصة من طريق مالك
وقال رواه ابن علية عن أيوب قال نبئت عن عمر فذكر نحو حديث مالك وقال فيه فقسم ماله بينهم بالحصص (قلت) وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب قال ذكر بعضهم كان رجل من؟ جهينة؟ فذكره بطوله ولفظه كان رجل من جهينة يبتاع الرواحل فيغلى بها فدار عليه دين حتى أفلس فقام عمر على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال الا لا يغرنكم صيام رجل ولا صلاته ولكن انظروا إلى صدقه إذا حدث والى أمانته إذا أئتمن والى ورعه إذا استعنى ثم قال لا أن الا سيفع أسيفع جهينة فذكر نحو سياق مالك قال عبد الرزاق وانا ابن عيينة اخبرني زياد عن ابن دلاف عن أبيه مثله وروى الدارقطني في غرائب مالك من طريق عبد الرحمن بن مهدى عن مالك عن عمر بن عبد الرحمن بن عطية بن دلاف عن ابيه عن جده قال قال عمر فذكره نحو سياق أيوب إلى قوله استغنى ولم يذكر ما بعده من قصة الا سيفع وقال رواه ابن وهب عن مالك فلم يقل في الاسناد عن جده(10/274)
(كتاب الحجر)
قال (أسباب الحجر خمسة الصبا والرق والجنون والفلس (ح) والتبذير (ح) * وحجر الصبى ينقطع بالبلوغ مع الرشد) * جرت العادة بذكر أصناف المحجورين ههنا وهو لائق بترجمة الباب فان الترجمة مطلق الحجر وأحسن ترتيب فيه ما ساقه أصحابنا العراقيون ومن تابعهم، قالوا الحجر على الانسان نوعان (حجر) شرع للغير (وحجر) شرع لمصلحة نفسه والنوع الاول خمسة أضرب (أحدها) حجر المفلس لحق الغرماء (وثانيها) حجر الراهن لحق المرتهن (وثالثها) حجر المريض لحق الورثة (ورابعها) حجر العبد لحق السيد والمكاتب لحق السيد وحق الله تعالى (وخامسها) حجر المرتد لحق المسلمين * وهذه الاضرب باسرها خاصة لا تعم جميع التصرفات بل يصح من هؤلاء المحجورين الاقرار بالعقوبات وكثير من التصرفات ولها أبواب مفرقة مذكورة في مواضعها (والنوع الثاني) ثلاثة اضرب (أحدها) حجر الجنون ويثبت بمجرد الجنون ويرتفع بالافاقة وتسلب به الولايات واعتبار الاقوال رأسا ومن عامله
أو أقرضه فتلف المال عنده أو أتلفه فالمالك هو الذى ضيعه وما دام باقيا يجوز له استرداده قال في التتمة من له أدنى تمييز ولم يكمل عقله فهو كالصبى المميز (والثانى) حجر الصبى والاصل الغاء تصرفاته وعباراته ومنها ما يصح وفاقا أو خلافا كعباداته واسلامه واحرامه وتدبيره وعتقه ووصيته وايصاله الهدية واذنه في دخول الدار فمنها ما مر بيان حكمه ومنها ما سيأتي (والثالث) حجر السفيه المبذر والضرب الاول أعم من الثاني أعم من الثالث ومقصود الباب الكلام في هذه الاضرب(10/275)
الثلائة والثالث معظم المقصود والاصل فيها قوله تعالى (فان كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل) فالسفيه على ما قيل المبذر والضعيف الصبى والذي لا يستطيع أن يمل المغلوب على عقله * وقال تعالى (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشدا) الآية * وقد روى (أن عبد الله بن جعفر اشترى أرضا سبخة بثلاثين الفا فبلغ ذلك عليا رضى الله عنه فعزم أن يسأل عثمان الحجر عليه فجاء عبد الله بن جعفر إلى الزبير فذكر له ذلك فقال الزبير رضى الله عنه أنا شريكك فلما سأل على عثمان الحجر على عبد الله قال عثمان كيف أحجر على من كان شريكه الزبير) (قلت) دلت القصة على أنهم كانوا متفقين على جواز الحجر بالتبذير وأنه كان مشهورا فيما بينهم (وقوله) في الكتاب والفلس والتبذير معلمان بالحاء (أما) الفلس فلما سبق في التفليس (وأما) التبذير فلان عنده لا ينشأ الحجر على من بلغ رشيدا ثم صار سفيها *
__________
(حديث) أن عبد الله بن جعفر اشترى أرضا سبخة بثلاثين الفا فبلغ ذلك عليا فعزم على أن يسال عثمان الحجر عليه فجاء عبد الله بن جعفر إلى الزبير فذكر ذلك له فقال الزبير أنا شريكك فلما سأل على عثمان الحجر على عبد الله قال كيف أحجر على من كان شريكه الزبير البيهقى من طريق أبى يوسف القاضى عن هشام بن عروة عن أبيه به ولم يذكر المبلغ ورواه الشافعي عن محمد بن الحسن عن أبى يوسف به قال البيهقى يقال أن أبا يوسف تفرد وليس كذلك ثم أخرجه من طريق الزبيري المدنى القاضى عن هشام نحوه لكن عين أن الثمن ستمائة الف وروى أبو عبيد في كتاب الاموال عن عفان عن حماد بن زيد عن هشام بن
حسان عن ابن سير ين قال قال عثمان لعلى الا تأخذ على يدى ابن أخيك يعنى عبد الله بن جعفر وتحجر عليه اشترى سبخة بستين الف درهم ما يسرنى انها لى بنعلى (تنبيه) قول المصنف ثلاثين الفا لعله من النساخ والصواب ستين(10/276)
وان بلغ مفسدا لماله لا يسلم المال إليه حتى يكمل خمسا وعشرين سنة فحينئذ يسلم (وقوله) وحجر الصبى ينقطع بالبلوغ مع الرشد هكذا يطلقه بعض الاصحاب ومنهم من يقول حجر الصبى ينقطع بمجرد البلوغ وليس ذلك خلافا محققا بل من قال بالاول أراد الاطلاق الكلى ومن قال بالثاني أراد الحجر المخصوص بالصبى وهذا اولى لان الصبا سبب مستقل بالحجر وكذلك التبذير وأحكامهما متغايرة ومن بلغ وهو مبذر فحكم تصرفه حكم تصرف السفيه لا حكم تصرف الصبى والقول في أن الاطلاق الكلى متى يحصل إذا بلغ رشيدا أو سفيها سيأتي من بعد * قال (والبلوغ باستكمال خمس عشرة سنة (ح م) للغلام والحارية * أو الاحتلام * أو الحيض للمرأة (ح) * أو نبات (ح) العانة في حق صبيان الكفار فانه أمارة فيهم (و) لعسر الوقوف على سنهم * وفى صبيان المسلمين وجهان) * للبلوغ أسباب (منها) ما يشترك فيه الرجال والنساء (ومنها) ما يختص بالنساء (أما) القسم الاول فمنه السن فإذا استكمل المولود خمس عشرة سنة قمرية فقد بلغ * روى عن ابن عمر رضى الله عنهما قال (عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يقبلني ولم يرنى بلغت وعرضت عليه من قابل عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فقبلني ورأني بلغت) وعن
__________
(حديث) ابن عمر عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم في جيش وأنا ابن أربع عشرة فلم يقبلني ولم يرنى بلغت وعرضت عليه من قابل وانا ابن خمس عشرة فاجازني ورأني بلغت متفق عليه وعندهما في الاول يوم احد وفي الثاني في الخندق دون قوله ولم يرنى بلغت فيها وقد رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي بالزيادة ونقل عن ابن صاعد انه استغربها وفي رواية للبيهقي عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر وانا ابن ثلاث عشرة والباقى نحو الصحيحين والمراد بقوله
وانا ابن أربع عشرة أي طعنت فيها وبقوله وأنا ابن خمس عشرة أي استكلتها؟ لان غزوة أحد كانت في شوال سنة ثلاث والخندق كان في جمادى سنة خمس وقيل كان الخندق في شوال سنة أربع وقال الواقدي في المغازى كان ابن عمر في الخندق ابن خمس عشرة واشف منها(10/277)
أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ماله وما عليه وأقيمت عليه الحدود) وفيه وجه أن البلوغ يحصل بنفس الطعن في السنة الخامسة عشر وإن لم يستكملها لانه حينئذ يسمى ابن خمس عشرة سنة (والمذهب) الاول وهذا التوجية ممنوع (وقوله) باستكمال خمس عشرة سنة لفظ الاستكمال معلم بالواو لهذا الوجه (وقوله) خمس عشرة سنة بالحاء والميم (أما) الحاء فلان عنده بلوغ الغلام بثماني عشرة سنة وفى الجارية روايتان (إحداهما) كذلك (والثانية) بسبع عشرة سنة (وأما) الميم فلانه يروى عنه أن البلوغ لا يحصل بالسن وانما النظر فيه إلى الاحتلام (والسبب الثاني) الاحتلام قال الله تعالى (وإذا بلغ الاطفال منكم الحلم فليستأذنوا) وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال (رفع القلم عن ثلاثة عن الصبى حتى يحتلم) والحلم لا يتعلق بخصوص الاحتلام بل هو منوط بمجرد خروج المني ويدخل وقت امكانه باستكمال سبع سنين ولا عبرة بما ينفصل قبل ذلك وفيه وجهان آخران ذكر الامام كل واحد منهما في موضع من كتابه (أحدهما) أنه يدخل بمضي ستة أشهر من السنة العاشرة (والثانى) أنه انما يدخل بتمام العاشرة وهذه الوجوه كالوجوه في أقل سن الحيض لكن العاشرة ههنا بمثابة العاشرة ثم لان في النساء حدة في الطبيعة وتسارع إلى الادراك وهكذا يكون النبات الضعيف بالاضافة إلى القوى والاعتماد فيه على الوجدان بعد البحث كما في الحيض * ولا فرق في افادة خروج المني البلوغ بين الرجال والنساء كما في السن وفيه وجه أنه لا يوجب بلوغهن لانه
__________
(حديث) انس إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ماله وما عليه وأقيمت عليه الحدود البيهقى في الخلافيات من طريق عبد العزيز بن صهيب عنه بسند ضعيف وقال الغزالي في الوسيط تبعا للامام في النهاية رواء الدارقطني باسناده فلله؟ في الا فراد وغيرها فانه ليس في السنن مذكورا وذكره البيهقى في السنن الكبرى عن قتادة عن أنس بلا اسناد
وقال انه ضعيف * (حديث) رفع القلم عن ثلاثة عن الصبى حتى يبلغ الحديث أبو داود وغيره عن على وتقدم في الصلاة(10/278)
نادر فيهن ساقط العبرة * وعلى هذا قال الامام الذى يتجه عندي أن لا يلزمها الغسل لانه لو لزم لكان حكما بأن الخارج منى والجمع بين الحكم بأنه مني وبين الحكم بأنه لا يحصل به البلوغ متناقض * ولك أن تقول إن كان التناقض مأخوذا من تعذر التكليف بالغسل مع القول بعدم البلوغ فنحن لا نعني بلزوم الغسل سوي ما نعنيه بلزوم الوضوء على الصبى إذا أحدث فبالمعنى الذى أطلقنا ذلك ولا تكليف نطلق هذا وان كان غير ذلك فلا بد من بيانه * (واعلم) أنا إذا قلنا إن خروج المني لا يوجب البلوغ في حق النساء صارت أسباب البلوغ ثلاثة أقسام المشتركة بين الرجال والنساء وما يختص بالرجال وما يختص بالنساء وهو خروج المنى والله أعلم * (والسبب الثالث) إنبات العانة يقتضى الحكم بالبلوغ في حق الكفار خلافا لابي حنيفة * لنا ماروى (أن سعد بن معاذ حكم في بني قريظة فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم فكان يكشف عن مؤتزر المراهقين فمن أنبت منهم قتل ومن لم ينبت جعل في الزرارى) وعن عطية
__________
(حديث) أن سعد بن معاذ حكم في بنى قريطة فقتل مقاتلتهم وسبعى ذراريهم فكان يكشف عن مؤتزر المراهقين فمن اثبت منهم قتل ومن لم ينبت جعل في الذرارى متفق عليه دون قصة الانبات من حديث أبى سعيد وروى البزار من حديث سعد ابن أبى وقاص أن سعد بن معاذ حكم على بنى قريظة أن يقتل منهم كل من جرت عليه المواصى وسيأتى في الذى بعده (تنبيه) ينبغى أن يقرا قوله يكشف بالضم على البناء لما لم يسم فاعله لان سعدا مات عقب الحكم ولم يتول تفتيشهم ويؤيد ذلك أن الطبراني روى في الكبير والصغير من حديث أسلم الانصاري قال جعلني النبي صلى الله عليه وسلم على اسارى قريظة فكشف انظر في فرح الغلام فان رأيته قد أنبت ضربت عنقه وان لم أره قد أنبت جعلته في مغاثم المسلمين زاد في الصغير لا يروى عن أسلم الا بهذا الاسناد (قلت) وهو ضعيف(10/279)
القرظى قال (عرضنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فكان من أنبت قتل ومن لم ينبت خلى سبيله وكنت فيمن لم ينبت فخلى سبيلى) ثم هو بلوغ حقيقة أو هو دليل البلوغ وأمارته فيه قولان (أحدهما) أنه بلوغ حقيقة كسائر الاسباب (وأظهرهما) على ما قاله الامام وهو الذى أورده صاحب الكتاب أنه أمارة بلوغ لان البلوغ غير مكتسب وهذا شئ يستعجل بالمعالجة (فان قلنا) بالاول فهو بلوغ في حق المسلمين أيضا كسائر الاسباب لا فرق فيها بين المسلم والكافر (وان قلنا) انه أمارة ففى حق المسلمين وجهان (أظهرهما) أنه لا اعتبار به لان مراجعة الآباء في حق المسلمين والاعتماد على أخبارهم عن تواريخ المواليد سهل بخلاف الكفار فأنهم لا اعتماد على قولهم ولان المسلمين ربما استعجلوا بالمعالجة رفعا للحجر واستفادة الولايات والكفار لا يتهمون بمثله لانهم حينئذ يقتلون أو تضرب عليهم الجزية (والثانى) وبه قال مالك وأحمد أنه يجعل أمارة في حقهم أيضا لان الاشكال قد يقع في حق المسلمين أيضا ويدل عليه ما روى (أن غلاما من الانصار شبب بامرأة في شعره فرفع إلى عمر فلم يجده أنبت فقال لو أنبت الشعر لحددتك) ثم العبرة بالشعر الخشن الذي يحتاج في ازالته إلى
__________
(حديث) عطية القرظى عرضنا على النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة وكان من أنبت قتل ومن لم ينبت خلى سبيله فكنت ممن لم ينبت فخلى؟ سبيلى أصحاب السنن من حديث عبد الملك ابن عمير عنه بلفظ ومن لم ينبت لم يقتل وفي رواية جعل في السبى والترمذي خلى سبيله وله طرق أخرى قال الاعن عطية وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم وقال على شرط الصحيح وهو كما أنهما لم يخرجا لعطية وماله الا بهذا الحديث الواحد * (حديث) أن غلاما من الانصار شيب؟ بامرأة في شعره فرفع إلى عمر فلم يجده انبت فقال لو اتبت الشعر حددتك قال أبو عبيد في الغريب ثنا ابن علية عن اسماعيل بن أمية عن محمد بن يحيى بن حبان ان عمر رفع إليه غلام ابتهر جارية في شعره فقال انظروا إليه فلم يجدوه؟ أنبت فدرأ عنه الحد قال أبو عبيد والابتهار ان يقذفها بنفسه فيما فعل بها كاذبا ورواه عبد الرزاق عن الثوري عن ايوب بن موسى عن محمد بن يحيى بن حبان قال ابتهر ابن
أبى الصعبة بامرأة في شعر فذكر نحوه وذكر الدارقطني في التصحيف أن الثوري صحف فيه وان الصواب أن غلاما لابن أبى صعصعة(10/280)
الحلق (وأما) الزغب والشعر الضعيف الذى قد يوجد في الصغر فلا أثر له * وفى شعر الابط وجهان (أحدهما) أن إنباته كنبات شعر العانة وبه قال القاضى الحسين وآخرون قال الامام لان إنبات العانة يقع في أول تحرك الطبيعة في الشهوة ونبات الابط يتراخى عن البلوغ في الغالب فكان أولى بالدلالة علي حصول البلوغ (والثانى) وهو الاصح علي ما ذكره صاحب التتمة أنه لا أثر له في البلوغ لانه لو أثر لما كشفوا عن المؤتزر لحصول الغرض من غير كشف العورة * ونبات اللحية والشارب فيهما هذان الوجهان لكن صاحب التهذيب فرق فألحق شعر الابط بشعر العانة ولم يلحق به اللحية والشارب * ولا أثر لثقل الصوت ونهود الثدى ونتوء طرف الحلقوم وانفراق الارنبة كما لا أثر لاخضرار الشارب وفى التتمة طرد الخلاف فيها (وأما) القسم الثاني وهو ما يختص بالنساء فشيئن (أحدهما) الحيض في وقت الامكان بلوغ واحتج له بما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لاسماء بنت أبى بكر (إن المرأة إذا بلغت المحيض لا يصلح أن يرى منها الا هذا وأشار إلى الوجه والكفين) علق وجوب الستر بالمحيض
__________
(قوله) روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لاسماء بنت ابى بكر إن المرأة إذا بلغت المحيض لا يصلح أن يرى منها الا هذا وأشار إلى الوجه والكفن أبو داود من حديث خالد بن دريك عن عائشة أن اسماء بنت أبى بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فاعرض عنها وقال فذكر هـ وقد أعله أبو داود بالانقطاع وقال ان خالد بن دريك لم يدرك عائشة ورواه في المراسيل من حديث هشام عن فتادة مرسلا لم يذكر خالد ولا عائشة وتفرد سعيد بن بشير وفيه مقال عن قتادة بذكر خالد فيه وقال ابن عدى أن سعيد بن بشير قال فيه مرة عن أم سلمة بدل عائشة ورجح ابو حاتم أنه خالد بن دريك أن عائشة مرسل وله شاهدا اخرجه البيهقى من طريق ابن لهيعة عن عياض بن عبد الله سمع ابراهيم بن عبيد بن رفاعة عن أبيه أظنه عن أسماء بنت عميس أنها قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة وعندها أختها عليها ثياب شامية الحديث(10/281)
وذلك نوع تكليف وبما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا تقبل صلاة حائض الا بخمار) أشعر بانها بالحيض كلفت بالصلاة (والثاني) الحبل يوجب البلوغ لانه مسبوق بالانزال لكن الولد لا يستيقن ما لم تضع فإذا وضعت حكمنا بحصول البلوغ قبل الوضع بستة أشهر وشئ لان أقل مدة الحمل ستة أشهر فأن كانت مطلقة فأتت بولد يلحق الزوج حكمنا ببلوغها قبل الطلاق * (فرع) الخنثى المشكل إذا خرج من ذكره ماء وهو على صفة المنى ومن فرجه دم وهو على صفة الحيض فهل نحكم ببلوغه فيه وجهان (أصحهما) نعم لانه إما ذكر وقد أمني أو أنثى وقد حاضت (والثانى) لا لتعارض الخارجين واسقاط حكم كل واحد منهما حكم الآخر ولهذا لا يحكم والحالة هذه بالذكورة ولا بالانوثة هذا ما نسبة القاضى ابن كج إلى ظاهر نص الشافعي * وان وجد أحد الامرين دون الثاني أو أمنى وحاض من الفرج فجواب عامة الاصحاب أنه لا يحكم ببلوغه لجواز ان يظهر من الفرج الآخر ما يعارضه وقال الامام وهو الحق ينبغى أن يحكم بالبلوغ بأحدهما كما يحكم بالذكورة والانوثة ثم ان ظهر خلافه غيرنا الحكم وكيف ينتظم منا أن نحكم بأنه ذكر أو أو أنثي ولا نحكم بأنه قد بلغ *
__________
(حديث) لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار تقدم في الصلاة في الشروط(10/282)
قال (وأما الرشد فهو أن يبلغ صالحا في دينه مصلحا لدنياه * فإذا اختل أحد الامرين استمر الحجر (م ح و) * ومهما حصل انفك الحجر (و) * فلو عاد أحد المعنيين لم يعد الحجر لان الاطلاق الثابت لا يرفع الا بيقين كما أن الحجر الثابت لا يرفع إلى بيقين * فلو عاد الفسق والتبذير جميعا يعود الحجر أو يعاد على أظهر الوجهين * ثم يلى القاضي امره أو وليه في الصبى فيه وجهان * وكذا في الجنون الطارئ بعد البلوغ * وصرف المال إلى وجوه البر ليس بتبذير * فلا سرف في الخير * وصرفه إلى الاطعمة النفيسة التى لا تليق بحاله تبذير (و) * فإذا انضم إليه الفسق أوجب الحجر) *
أول ما ينبغى أن يعرف في الفصل أولا معني الرشد المذكور في قوله تبارك وتعالى (فان آنستم منهم رشدا) وقد فسره الشافعي بالصلاح في الدين مع اصلاح المال ويدل عليه ما روى عن ابن عباس أنه قال معناه (رأيتم منهم صلاحا في دينهم وحفظا لاموالهم) وروى مثله عن الحسن ومجاهد والمراد من الصلاح في الدين أن لا يرتكب من المحرمات ما تسقط به العدالة ومن اصلاح المال أن لا يكون مبذرا وصرف المال إلى وجود الخير في الصدقات وفك الرقاب وبناء المساجد والمدارس وما أشبهها ليس بتبذير ولا سرف في الخير كما لا خير في السرف وعن الشيخ أبى محمد أن الصبى إذا بلغ وهو مفرط في الانفاق في هذه الوجوه فهو مبذر وان عرض له ذلك بعد ما بلغ مقتصدا لم نحكم
__________
(حديث) ابن عباس في قوله تعالى فان آنستم منهم رشدا معناه رأيتم منهم صالحا في دينهم وحفظا لاموالهم البيهقى من طريق على بن أبى طلحة عنه أتم من هذا (قوله) وروى مثله عن مجاهد والحسن أما أثر مجاهد فرواه الثوري في جامعه عن منصور عنه وأما أثر الحسن فاسنده البيهقى من طريق يزيد بن هرون عن هشام بن حسان عنه(10/283)
بصيرورته مبذرا * وتضييع المال بالقائه في البحر أو باحتمال الغبن الفاحش في المعاملات ونحوها تبذير وكذا الانفاق في المحرمات * وصرفه إلى الاطعمة النفيسة التى لا يليق اتخاذها بحاله هل يكون سفها وتبذيرا (قال) الامام وصاحب الكتاب نعم للعادة (وقال) الاكثرون لا لان المال يطلب لينتفع به ويلتذ به وكذا القول في التجمل بالثياب الفاخرة والا كثار من شراء الغانيات والاستمتاع بهن وما أشبه ذلك * وبالجملة فالتبذير على ما نقله معظم الاصحاب محصور في التضيعات والانفاق في المحرمات * ولا بد من اختبار الصبي ليغرف حاله في الرشد وعدمه ويختلف ذلك باختلاف طبقات الناس فولد التاجر يختبر في البيع والشراء والمماكسة وولد الزارع في أمر الزراعة والانفاق على العوام فيها والمحترف فيما يتعلق بحرفته والمرأة في أمر القطن والعزل وحفظ الاقمشة وصون الاطعمة عن الهرة والفأرة وما أشبهها من مصالح البيت * ولا تكفى المرة الواحدة في الاختبار بل لا بد من مرتين وأكثر على ما يليق بالحال ويفيد غلبة الظن بكونه رشيدا وفى وقت الاختبار وجهان (أحدهما) ما بعد
البلوغ لان تصرفه في الصبا غير نافذ (وأظهرهما) أنه قبله لقوله تعالى (وابتلوا اليتامي) واسم اليتيم انما يقع على غير البالغ وعلى هذا فكيف يختبر فيه وجهان (أصحهما) أنه يدفع إليه قدرا من المال ويمتحنه في المماكسة والمساومة فإذا آل الامر إلى عقد عقده الولى لان تصرف الصبى لا ينفذ (والثانى)(10/284)
يصح منه العقد أيضا في هذا الغرض للحاجة * وقد أشرنا في أول البيع إلى هذا * ولو تلف المال المدفوع إليه للاختبار في يده فلا ضمان على الولى * إذا تقرر ذلك ننظر ان بلغ الصبى غير رشيد إما لاختلاف الصلاح في الدين أو اصلاح المال بقى محجورا عليه ولم يدفع إليه المال * وقال أبو حنيفة ان بلغ مفسدا للمال منع حتى يبلغ خمسا وعشرين سنة كما سبق وان بلغ مصلحا لماله دفع المال إليه ونفذ تصرفه وان كان فاسقا وبه قال مالك فيمن بلغ فاسقا ونقل المتولي مثل مذهبهما عن بعض أصحابنا * وجه ظاهر المذهب أن الآية اعتبرت الرشد والصلاح مأخوذ من تفسير الرشد * ثم يتصرف في ماله ويستديم الحجر عليه من كان يتصرف قبل البلوغ أبا كان أو جدا أو وصيا أو حاكما * وان بلغ رشيدا دفع إليه المال وينفك الحجر عنه بنفس البلوغ والرشد أو يحتاج إلى فك القاضى فيه وجهان (أرجحهما) عند صاحب التهذيب أنه يحتاج إلى فك القاضى لان الرشد مما يعرف بالنظر والاجتهاد ويروي هذا عن ابن أبي هريرة رضى الله عنه (والثانى) وبه أجاب صاحب الكتاب وهو الاصح عند الامام والمتولي ويحكي عن ابن سريج أنه ينفك عنه لانه حجر لم يثبت بالحاكم فلا يتوقف زواله على إزالة الحاكم كحجر المجنون يزول بمجرد الافاقة وهذا أولى والا لاطبق الناس على طلب الفك في أوائل البلوغ ولا يجدوه أهم مهماتهم ثم قال المفرعون على الوجه الاول أنه كما ينفك بفك القاضى ينفك بفك الاب والجد وفى الوصي والقيم وجهان وهذا يطعن في توجيههم اياه بالحاجة إلى النظر والاجتهاد (وإذا قلنا) لا يزول حتى يزال فتصرفه قبل ازالة الحجر كتصرف من أنثئ الحجر عليه بالسفه الطارئ بعد البلوغ ويجرى الخلاف فيما إذا بلغ غير رشيد ثم صار رشيدا وإذا حصل الرشد(10/285)
فلا فرق بين الرجل والمرأة وبين أن تكون المرأة مزوجة أو لا تكون وقال مالك رحمه الله لا يدفع
المال إلى المرأة حتى تنكح فإذا نكحت دفع إليها باذن الزوج ولا ينفذ تبرعها بما زاد على الثلث إلا باذن الزوج ما لم تصر عجوزا * ولو عاد التبذير بعد ما بلغ رشيدا لم يطلق ولم يمكن من التصرف وكيف الحال فيه وجهان (أحدهما) أنه يعود الحجر بنفس التبذير كما لو جن (وأصحهما) أنه لا يعود ولكن يعاد ومن الذى يعيده لا خلاف في أن للقاضى أن يعيده وعن أبى يحيى البلخى فيما نقل ابن كج رحمه الله تعالى أنه يعيده الاب والجد أيضا والمشهور تخصيصه بالقاضي لانه في محل الاجتهاد * ولو عاد الفسق دون الاتفاق في المعاصي وسائر وجوه التبذير (فان قلنا) اقتران الفسق بالبلوغ لا يقتضى ادامة الحجر وهى الطريقة المنقولة على وفاق أبى حنيفة ومالك رحمهما الله فلا يحجر (وان قلنا) يقتضيها فوجهان (أحدهما) وبه قال ابن سريج أنه يحجر عليه كما يستدام به الحجر وكما لو عاد التبذير (وأصحهما) وبه قال أبو إسحق لا يحجر لان الاولين لم يحجروا على الفسقة ويخالف الاستدامة لان الحجر ثم كان ثابتا والاصل بقاء وههنا ثبت الاطلاق والاصل بقاءه فلا يلزم من الاكتفاء بالفسق للاستصحاب الاكتفاء به لبراءة الاصل ويخالف التبذير فانا نتحقق به تضييع المال وبالفسق لا يتحقق فانه ربما لا ينفق المال إلا فيما يسوغ وان كان فاسقا ومقصود هذا الحجر صيانة المال ولا يجئ في عود الفسق الوجه الذاهب إلى مصيره محجورا بنفس التبذير قال الامام رحمه الله فإذا حجر على من طرأ عليه السفه ثم عاد رشيدا (فان قلنا) الحجر عليه لا يثبت الا بضرب القاضى فلا يرفع إلا برفعه (وان قلنا) يثبت بنفسه ففى زواله الخلاف المذكور فميا إذا بلغ رشيدا * ومن الذى يلى أمر من حجر عليه بالسفه بالطارئ (ان قلنا) انه لا بد من ضرب القاضى فهو الذى يليه (وان قلنا) أنه يصير محجورا عليه بنفس السفه فوجهان شبيهان بالوجهين فيما إذا طرأ عليه الجنون بعد البلوغ (أحدهما) أنه يلى أمره الاب ثم الجد كما في حالة الصغر وكما إذا بلغ مجنونا (والثانى) يليه القاضى لان ولاية الاب قد زالت فلا تعود والاول أصح في صورة(10/286)
عروض الجنون والثانى أصح في صورة عروض السفه فلان السفه وزواله مجتهد فيه يحتاج إلى نظر الحاكم * ونعود إلى ما يتعلق بالفاظ الكتاب (قوله) فان اختل أحد الامرين استمر الحجر ينتظم اعلامه بالميم والحاء والواو لما ذكرنا فيما إذا بلغ مصلحا لماله فاسقا (وقوله) مهما حصل أي كلاهما انفك
الحجر معلم بالواو للوجه الصائر إلى أنه لا بد من فكه وكذا قوله لم يعد الحجر للوجه الذى مر في عود الحجر عند عود التبذير (وقوله) لان اطلاق الثابت لا يرتفع الا بتيقن الرشد ولا يتيقن الرشد مع واحد من الامرين والاطلاق ههنا متيقن فلا يعاد الحجر الا بتيقن احتلال الرشد وذلك يعود للمعنيين جميعا وهذا قريب من لفظه في الوسيط وقضية خروج الصلاح في الدين واصلاح المال عن أن يكون حقيقة الرشد واعتبارهما للاستدلال بهما على حصول الرشد * واعلم أن كلام المصنف ههنا وفى الوسيط مصرح بأن عود مجرد الفسق والتبذير لا أثر له وانما المؤثر في عود الحجر أو اعادته عود الفسق والتبذير جميعا وليس الامر كذلك بل الاصحاب رضى الله عنهم مطبقون على أن عود التبذير وحده كاف في عود الحجر أو اعادته كما سبق بيانه (وقوله) ثم يلى أمره القاضى أو وليه في الصبى فيه وجهان موضع الوجهين ما إذا قلنا ان الحجر يعود بنفسه أما إذا قلنا ان القاضى هو الذى يعيده فهو الذى يلى امره بلا خلاف (وقوله) فصرف المال إلى وجوه الخير ليس بتبذير يمكن اعلامه بالواو للتفصيل المنقول عن الشيخ ابى محمد (وقوله) في الصرف إلى الاطعمة النفيسة انه تبذير يجب اعلامه بالواو ومعرفته ان الاظهر عند(10/287)
الائمة رحمهم الله خلاف ما ذكره (وقوله) فإذا انضم الفسق إليه أوجب الحجر بناه على ما قدمه من اعتبار اجتماع الامرين وقد عرفت أن الصحيح المعتمد خلافه * (فرع) ولو كان يغبن في بعض التصرفات خاصة فهل يحجر عليه حجرا خاصا في ذلك النوع فيه وجهان لبعد اجتماع الحجر والاطلاق في الشخص الواحد (فرع) الشحيح على نفسه جدا مع اليسار قال في البيان فيه وجهان عن الصيمري والاصحح المنع * قال (ثم فائدة الحجر سلب استقلاله في التصرفات المالية كالبيع والشراء (و) والاقرار بالدين (م) وكذا الهبة وفى سلب عبارته عند التوكيل به خلاف وعليه يبتنى صحة قبوله الوصية والهبة ولا حجر عليه فيما لا يدخل تحت الحجر كالطلاق والظهار والخلع واستلحاق النسب ونفيه والاقرار بموجب العقوبات لانه مكلف والولى لا يتولى ذلك فلا بد وأن يتولاه بنفسه (والاصح) أنه لا يقبل اقراره باتلاف مال الغير كالصبى وينعقد احرامه بالحج ثم يمنع الزاد ان لم يكن فرضا عليه ثم حكمه
حكم المحصر أو المحرم المفلس حتى لا يتحلل الا بلقاء البيت فيه خلاف) * الغرض الان الكلام فيما ينفذ من السفيه المحجور عليه من التصرفات ومالا ينفذ وفى مسائل (إحداها) لا يصح منه العقود التي هي مظنة الضرر المالى كالبيع والشراء والاعتاق والكتابة والهبة والنكاح ولا فرق بين أن يشترى بعين ماله أو في الذمة وفى شرائه في الذمة وجه ضعيف تخريجا من شراء العبد بغير اذن مولاه والمذهب الاول لان هذا الحجر انما يشرع نظرا للمبذر وذلك يقتضى الرد حالا ومالا والحجر على العبد لحق المولى فلا يمتنع التصحيح بحيث لا يضر بالمولى وإذا باع وأقبض استرد من المشتري فلو تلف(10/288)
في يده ضمن فلو اشترى وقبض واستقرض فتلف المأخوذ في يده أو أتلفه فلا ضمان عليه ومن أقبضه فهو الذى ضيعه ولوليه استرداد الثمن ان كان قد أقبضه ولا فرق بين أن يكون من عامله عالما بحاله أو جاهلا إذ كان من حقه أن يتجنب ولا يعامل الا عن بصيرة وكما لا يجب الضمان في الحال لا يجب بعد رفع الحجر لان هذا الحجر ضرب لمصلحته فأشبه الصبى لكن الصبى لم يأثم والسفيه يأثم لانه تكلف وفيما إذا أتلفه بنفسه وجه أنه يضمن عند رفع الحجر عنه وهذا كله فيما إذا استقل بهذه التصرفات أما إذا اذن له الولى نظر ان أطلق الاذن فهو لغو وأن عين له تصرفا أو قدر العوض فوجهان (أصحهما) عند المصنف أنه يصح كما لو أذن له في النكاح وهذا لان المقصود أن لا يضر بنفسه ولا يتلف ماله فإذا أذن الولى أمن من المحذور (والثانى) وهو الاصح عند صاحب التهذيب المنع كما إذا أذن للصبى ويخالف النكاح لان المال فيه تبع ومقصود الحجر حفظ المال عليه على أن الامام رحمه الله أشار إلى طرد بعضهم الخلاف في النكاح (فان قلنا) لا يصح فقد سلبنا بالحجر عبارته (وان قلنا) يصح فالمسلوب هو الاستقلال وعلى الوجهين يخرج ما إذا وكله غيره بشئ من هذه التصرفات هل يصح عقده للموكل وبما إذا إتهب وقبل الهبة لنفسه ولو أودعه انسان شيئا فلا ضمان عليه لو تلف عنده ولو أتلفه فقولان كما لو أودع صبيا (الثانية) لو أقر بدين معاملة لم يقبل سواء أسنده إلى ما قبل الحجر أو بعده كالصبى وفيما إذا أسنده إلى ما قبل الحجر وجه أنه يقبل تخريجا من الخلاف في أن المفلس إذا أقر بدين سابق على الحجر هل يزاحم المقر له الغرماء ولو أقر باتلاف مال أو جناية توجب المال فقولان (أحدهما) يقبل لانه لو أثبتنا الغصب أو الاتلاف يضمن فإذا أقر
به يقبل (وأصحهما) الرد كما لو أقر بدين معاملة ولا يؤاخذ بعد فك الحجر عنه بما أقر به ورددناه ولو أقر بما يوجب عليه حدا أو قصاصا قبل لانه مكلف ولا تعلق لهذا الاقرار بالمال متى يتأثر بالحجر ولو أقر بسرقة توجب القطع قبل قوله في القطع وفى المال قولان كالعبد إذا أقر بسرقة هذا إن قلنا لا يقبل اقراره بدين الاتلاف (فان قلنا) فأولى أن يقبل ههنا ولو أقر بقصاص فعفى المستحق على مال فالصحيح ينوب المال لانه يتعلق باختيار الغير لا باقراره ولو أقر بنسب ثبت النسب وينفق على الولد(10/289)
الذى استلحقه من بيت المال ولو ادعى عليه دين معامله لزمه قبل الحجر وأقام عليه بينة سمعت وان لم يكن بينة (فان قلنا) أن النكول ورد اليمين كالبينة سمعت (وان قلنا) كالاقرار فلا لان غايته أن يقروا قراره غير مقبول (الثالثة) يصح منه الطلاق لانه لايدخل تحت حجر الولى وتصرفه الا ترى ان الولى لا يطلق أصلا بل المحجور عليه يطلق بنفسه إذا كان مكلفا كالعبد وأيضا فأن الحجر لابقاء ماله عليه والبضع ليس بمال ولا هو جار مجري الاموال الا ترى أنه لا ينتقل إلى الورثة ولا يمنع المريض من ازالة المال عنه وإذا صح الطلاق مجانا فالخلع أولى بالصحة وكذلك يصح منه الطهار والرجعة ونفى النسب باللعان وما أشبهه لان هذه العقود لا تعلق لها بمال ولو كان السفيه مطلاقا مع حاجته إلى النكاح سري بجارية فان تبرم منها أبدلت (الرابعة) حكم السفية في العبادات حكم الرشيد لكنه لا يفرق الزكاة بنفسه فلو أحرم بغير اذن الولى انعقد احرامه ثم ينظر ان أحرم بحج التطوع وزاد ما يحتاج إليه للسفر على نفقته المعهودة ولم يكن له في الطريق كسب يفى بتلك الزيادة فللولي منعه ثم كيف سبيله نقل الامام رحمه الله وجهين (الاصح) الذى أورده الاكثرون أنه كالمحصر حتى يتحلل بالصوم إذا جعلنا لدم الاحصار بدلا لانه محجور في المال (والثانى) أن عجزه عن النفقة لا يلحقه بمحصر بل هو كالمفلس الفاقد للزاد والراحلة لا يتحلل الا تلفاء البيت وان لم يزد ما يحتاج إليه على النفقة المعهودة أو كان يكتسب في الطريق ما يفى بالزيادة لم يمنعه الولى بل ينفق عليه من ماله ولا يسلمه إليه بل إلى ثقة لينفق عليه في الطريق وان أحرم بحجة مفروضة كحجة الاسلام والحجة المنذورة قبل الحجر أنفق عليه الولي كما ذكرنا قال في التتمة والحجة المنذورة بعد الحجر كالمنذورة قبله إن سلكنا
بالنذر مسلك واجب الشرع والا فهى كحجة التطوع ولو نذر التصدق بعين مال لم ينعقد وفى الذمة ينعقد ولو حلف انعقد يمينه ويكفر عند الحنث بالصوم كالرقيق * قال (وولى الصبى أبوه أو جده وعند عدمهما الوصي فان لم يكن فالقاضي ولا ولاية للام (و) ولا يتصرف الولى الا بالغبطة ولا يستوفى قصاصه (ح) ولا يعفو عنه ولا يعتق ولا يطلق بعوض(10/290)
وغير عوض ولا يعفو عن حق شفعته الا لمصلحته فلو ترك فليس له الطلب بعد البلوغ على الاصح (و) وله أن يأكل بالمعروف من ماله ان كان فقيرا وان كان غنيا فليستعفف) * هذه البقية لسائر من يلى أمر الصبى وفى معناه المجنون وانه كيف يتصرف أما الذى يليه فهو الاب ثم الجد كما في ولاية النكاح فان لم يكونا فالولى المنصوب من جهتهما فان لم يكن فالولاية للقاضى أو من ينصبه القاضى (وظاهر) المذهب أن لا ولاية للام كما ليس لها ولاية النكاح وعن أبى سعيد الاصطخرى رحمه الله أن لها ولاية المال بعد الاب لجد وتقدم على وصيهما لزيادة شفقتها (وأما) كيفية التصرف فالقول الجملى فيه اعتبار الغبطة وكون التصرف على وجه النظر والمصلحة وفى الفصل صور (منها) يجوز للولى أن التجارة لما فيها من الاخطار وانحطاط الاسعار فان لم يكن فيه مصلحة لنقل الخراج أو جور السلطان أو أشراف الموضع على البوار لم يجز ويجوز أن يبني له الدور والمساكن ويبنى بالاجر دون اللبن والجص ولا يبنى باللبن والطين لقلة بقائه وذكر القاضي الرويانى رحمه الله أن كثيرا من الاصحاب رحمهم الله جوزوا البناء له على عادة البلد كيف كانت قال وهو الاختبار ولا يبيع عقاره الا للحاجة مثل أن لا يكون له ما يصرفه إلى نفقته وكسوته وقصرت غلته عن الوفاء بهما ولم يجد من يقرضه أو لم ير المصلحة فيه والغبطة مثل أن يكون يقبل الخراج أو يرغب شريك أو جار باكثر من ثمن المثل وهو يجد مثله ببعض ذلك الثمن وله بيع ماله نسيئة وبالعرض إذا رأى المصلحة فيه فإذا باع نسيئه زاد على ثمنه نقدا وأشهد عليه وارتهن به رهنا وافيا فان لم يفعل ضمن هكذا قاله المعظم وروى الامام وجها في صحة البيع إذا لم يترهن وكان المشترى مليا وقال الاصح الصحة ويشبه أن يذهب القائل بالصحة إلى
أنه لا يضمن ونجوزه اعتمادا على ذمة الملى ولا يحتاج الاب إذا باع مال ولده من نفسه نسيئة أن يرتهن من نفسه بل يؤتمن في حق ولده وإذا باع الاب والجد عقاره فيرفع الامر إلى القاضى أسجل على بيعه ولم يكلفه أثبات الحاجة أو الغبطة فإذا بلغ الصبى وادعى على الاب أو الجد بيع ماله من غير مصلحه فالقول قولهما مع اليمين(10/291)
وعليه البينة وان ادعاه على الوصي أو الامين فالقول قوله في العقار وعليهما البينة وفى غير العقار وجهان (أظهرهما) أنها كالعقار والفرق عسر كالاشهاد في كل قليل وكثير يبيعه ومنهم من أطلق وجهين من غير فرق بين ولى وولى وبين العقار وغيره ودعواه على المشترى من الولى كهى على الولى وليس للوصي والامين بيع ماله من نفسه ومال نفسه منه روى أنه صلى الله عليه وسلم (قال لا يشترى الوصي من مال اليتيم) وللاب والجد ذلك وبيع مال أحد الصغيرين من الآخر وهل يشترط أن يقول بعت واشتريت كما لو باع من غيره أم يكتفى باحدهما فيقوم مقامهما كما أقيم الشخص الواحد مقام اثنين فيه وجهان تعرضنا لهما في أول البيع وإذا اشترى الولى للطفل فليشتر من ثقة وحيث أمر بالارتهان لم يقم أخذ الكفيل مقامه (ومنها) لا يستوفى القصاص المستحق له لانه ربما يرغب في العفو ولا يعفو لانه ربما بختأر الاستيفاء تشفيا ولا يعتق عبيده لا بعوض ولا مجانا ولا يكاتبهم ولا يهب أمواله لا بشرط الثواب ولا دونه إذ لا يقصد بالهبة العوض ولا يطلق زوجته لا مجانا ولا بعوض ولو باع شريكه شخصا مشفوعا فيأخذ ويترك بحسب المصلحة فان ترك بحكم المصلحة ثم بلغ الصبى وأراد أخذه فوجهان (أصحهما) انه لا يمكن كما لو أخذ بحكم المصلحة ثم بلغ الصبى وأراد رده (والثانى) يمكن لانه لو كان بالغا لكان له الاخذ وافق المصلحة أو خالف والاخذ المخالف للمصلحة لم يدخل تحت ولاية الولى فلا يفوت عليه في تصرف الولى (ومنها) ليس للولى أخذ أجرة ولانفقة من المال الصبى ان كان غنيا وان كان فقيرا فان قطع بسببه عن اكتسابه فله أخذ قدر نفقته قال الله تعالى (ومن كان غنيا فليستعفف) الاية وفى تعليق الشيخ أبى حامد رحمه انه يأخذ أقل الامرين من قدر النفقة وأجرة المثل والقول في انه هل يستبد بالاخذ يأتي في كتاب النكاح
__________
(قوله) روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لا يشتر الوصي من مال اليتيم لم أجده وقد أخرج البيهقى من طريق زهير بن أبى اسحق عن صلة بن زفر قال كنت جالسا عند ابن مسعود فجاء رجل من
همدان على فرس أبلق فقال يا أبا عبد الرحمن اشترى هذا قال ماله قال إن صاحبه أوصى إلى قال لا تشتره ولا تستقرض من ماله(10/292)
ان شاء الله تعالى * وهل عليه الضمان فيما أخذ كالمضطر إذا أكل الطعام أم كالامام إذا أخذ الرزق من بيت المال فيه قولان وللولي أن يخلط ماله بمال الصبى ويواكله قال الله تعالى (فان تخالطوهم فاخوانكم) وقاس ابن سريج على ما إذا خلط المسافرون ازوادهم وتناهدوا وقال لعل هذا أولى بالجواز وان تفاوتوا في الاكل لان كلا منهم من أهل المسامحة هذه صور الكتاب وشرحها (ومنها) يجب عليه أن ينفق عليه ويكسوه بالمعروف ويخرج من ماله الزكاة وارش الجنايات وان لم تطلب ونفقة القريب بعد الطلب (ومنها) أن دعت ضرورة حريق أو نهب إلى المسافرة بماله سافر وإذا كان الطريق مخوفا لم يسافر به وان كان امنا فوجهان (الذي) أورده الاصحاب رحمهم الله من العراقيين المنع كالمسافرة بالوديعة (والثانى) وهو الاصح الجواز لان المصلحة تقتضي ذلك والولى مأمور بالنظر بخلاف المودع وإذا كان له أن يسافر كان له أن يبعثه على يد أمين (ومنها) أنه ليس لغير القاضى اقراض مال الصبى الا عند ضرورة نهب أو حريق وإذا أراد سفرا ويجوز للقاضى الاقراض وان لم يعرض شئ من ذلك لكثرة شغاله وسوى أبو عبد الله الحناطى رحمه الله بين القاضى وغيره ولايجوز ايداعه مع امكان الاقراض في أصح الوجهين فان عجز عنه فله الايداع ويشترط فيمن يودع عنده الامانة وفيمن يقرضه الامانة واليسار جميعا واذ أقرض فان رأى أن يأخذ به رهنا أخذ والا تركه والله أعلم *(10/293)
(كتاب الصلح)
(وفيه ثلاثة فصول) قال (الفصل الاول في أركانه وهو معاوضة له حكم البيع إن جرى على غير المدعى فالصلح لا يخالف البيع الا في ثلاث مسائل (الاولى) قال صاحب التلخيص يجوز الصلح على ارض الجنايات ولا يصح بلفظ البيع وأنكر الشيخ أبو على وغيره وقال ان كان معلوم القدر والصفة جاز باللفظين
والا امتنع (ح) باالمفظين وان علم القدر دون الوصف كاقل الدية ففى كلا اللفظين خلاف (الثانية) أن يصالح عن بعض المدعى فهو جائز فيكون بمعنى هبة البعض ولفظ البيع لا ينوب منابه في هذا المقام وقيل أنه بلفظ الصلح أيضا لا يصح (الثالثة) إذا قال ابتداء لغيره من غير سبق خصومة صالحني من دارك هذه على ألف ففيه خلاف إذ لفظ البيع واقع فيه ولا يطلق لفظ الصلح لافى الخصومة) * فسر الائمة رحمهم الله الصلح في الشريعة بالعقد الذى ينقطع به خصومة المتخاصمين وليس ذلك على سبيل التحديد ولكنهم أردوا ضربا من التعريف مشيرين إلى أن هذه اللفظة تستعمل عند سبق المخاصمة غالبا والمخاصمات والمزاحمات المحوجة إلى المصالحة تارة تقع في الاملاك وتارة في المشتركات كالشوارع وغيرها والتعامل تارة يقع بالصلح وتارة بظهور جانب أحد المتنازعين باختصاصه بما يشعر بالاستحقاق فلا شتباك هذه الامور بعضها ببعض نسلك في الباب في كلام الشافعي رضى الله عنه للاصحاب رحمهم الله مع احكام الصلح المعقود لها الفصل (الاول) بيان المشتركات التى يقع فيها التزاحم صور يترجح فيها جانب أحد المتنازعين أو يظن رجحانه وقد عقد صاحب الكتاب لهما الفصل الثاني والثالث والاصل في الصلح ماروى عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الصلح جائز بين المسلمين الاصلحا أحل حراما أو حرم حلالا) ووقفه على عمر رضى الله عنه اشهر وعن كثير بن عبد الله بن عمرو بن
__________
(كتاب الصلح) (حديث) أبى هريرة الصلح جائز بين المسلمين الاصلحا أحل حراما أو حرم حلالا * أبو داود ابن حبان والحاكم من طريق الوليد بن رباح عنه بتمامه ورواه أحمد منحديث سليمان ابن بلال عن العلاء عن أبيه عن أبى هريرة دون الاستثناء وفي الباب عن عمر وبن عوف وغيره كما سيأتي قريبا(10/294)
عوف المزني عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (المؤمنون عند شروطهم الا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا والصلح جائز) إذا عرفت ذلك فالصلح إما أن يجرى بين المتداعيين أو بين المدعي واجنبي والقسم الاول على وجهين (احدهما) صلح المعاوضة وهو الذى يجرى على غير العين المدعاة
كما إذا ادعى دارا فاقربها المدعى عليه وصالحه بها على عبد أو ثوب وهذا الضرب حكمه حكم البيع وان عقد بلفظ الصلح وتتعلق به جميع أحكام البيع كالرد بالعيب والشفعة والمنع من التصرف قبل القبض واشتراط القبض ان كان المصالح عنه والمصالح عليه متوافقين في علة الربا واشتراط التساوى في معيار الشرع إن كانا من جنس واحد من أموال الربا وجريان التخالف عند الاختلاف ويفسد بالغرر والجهل والشروط الفاسدة فساد البيع وكذا إذا صالح منها على منفعة غير معلومة جاز وكان هذا الصلح اجارة كانه استأجر الدار والعبد بالعين المدعاة فيثبت فيه أحكام الاجارات (الضرب الثاني) صلح الحطيطة وهو الجارى على بعض العين المدعاة كما إذا صالح من الدار المدعاة على نصفها أو ثلثها أو من العبدين على أحدهما فهذا هبة بعض المدعى ممن هو في يده فيشترط القبول ومضى امكان مدة القبض وفى اشتراط الاذن الجديد في القبض الخلاف المذكور في باب الرحمن ويصح بلفظ الهبة ما في معناها وهل يصح بلفظ الصلح فيه وجهان (أحدهما) لا لان الصلح يتضمن المعاوضة ومحال أن يعامل الانسان ملك نفسه ببعضه (وأظهرهما) الصحة لان الخاصية التى يفتقر إليها لفظ الصلح هو سبق الخصومة
__________
* (قوله) * ووقف هذا الحديث على عمر اشهر * البيهقى في المعرفة من طريق أبى العوام البصري قال كتب عمر إلى أبى موسى فذكر الحديث وفيه والصلح جائز فذكره بتمامه ورواه في السنن من طريق أخرى إلى سعيد بن أبى بردة قال هذا كتاب عمر إلى أبى موسى فذكره فيه وسياتى في كتاب القضاء تاما ان شاء الله * (حديث) كثير بن عبد الله بن عمر وبن عوف عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال المؤمنون عند شروطهم * الحديث تقدم في باب المصراة والرد بالعيب وانه للترمذي وغيره(10/295)
وقد حصلت ثم هو منزل في كل موضع ما يقتضيه الحال كلفظ التمليك ولا يصح هذا الضرب بلفظ البيع وهذه احدى المسائل الثلاث التى ذكر صاحب الكتاب أن الصلح يخالف البيع فيها وذلك على الوجه الاظهر (وأما) إذا قلنا انه لا يصح بلفظ الصلح أيضا فلا فرق بين اللفظين (والمسألة الثانية) ذكر ابن القاص في التلخيص انه إذا صالحه من ارش الموضحة على شئ معلوم جاز إذا علما قدر
أرشها ولو باع لم يجز وخالفه معظم الاصحاب في افتراق اللفظين وقالوا ان كان الارش مجهولا كالحكومة التى لم تقدر ولم تضبط لم يجز الصلح عنه ولابيعه وان كان معلوم القدر والصفة كالدراهم والدنانير إذا ضبطت في الحكومة جاز الصلح عنها وجاز بيعها ممن عليه وان كان معلوم القدر دون الصفة على الحد المعتبر في السلم كالابل الواجبة في الدية ففي جواب الاعتياض عنها بلفظ الصلح وبلفظ البيع جميعا وجهان ويقال قولان (أحدهما) انه يصح كما لو اشترى عينا ولم يعرف صفاتها (وأظهرهما) فيما ذكر الشيخ أبو الفرج السرخسى المنع كما لو أسلم في شئ ولم يصفه وهذا في الجراحة التى لا توجب القود أما في النفس أو فيما دونها فالصلح عنها مبني على الخلاف في أن موجب العمد ماذا وسياتى في موضعه ان شاء الله تعالى (والمسألة الثالثة) لاشك انه لو قال من غير سبق خصومة بعنى دارك هذه بكذا فباع يصح ولو قال والحالة هذه صالحني عن دارك هذه بالف فعن الشيخ أبى محمد فيه ذكر وجهين (أحدهما) الصحة لان مثل هذا الصلح معاوضة فسواء عقد بهذه الفظة أو بهذه اللفظة (وأظهرهما) المنع لان مثل هذا الصلح معاوضة لا يطلق ولا يستعمل الا إذا سبقت خصومة فعلى هذا يخالف الصلح البيع وكأن هذا الخلاف مفروض فيما إذا استعملا لفظ الصلح ولم ينويا أو أحدهما شيئا فاما إذ استعملا ونويا البيع فانه يكون كناية بلاشك ويكون على الخلاف المشهور في انعقاد البيع بالكنايات والقياس عود مسائل الاستثناء في الصلح الذى ذكرنا انه اجارة بلا فرق واعود الان إلى البحث عن لفظ الكتاب ونظمه (قوله) الفصل الاول في أركانه اركان الصلح على المعهود من كلام صاحب الكتاب المتصالحان والمصالح عليه والمصالح عنه وليس في الفصل(10/296)
تعرض لها ولشروطها وانما الذى يتضمنه بيان الصحيح والفاسد وان الصحيح منه من أي قبيل هو فاذن الفصل ببيان الاحكام أشبه منه بالاركان وقوله والصلح لا يخالف البيع الا في ثلاث مسائل (اما) أن يحمل على كل صلح أو على الصلح المذكور قبل هذا الكلام وهو الصلح الجارى على غير المدعى وظاهر أن الاول غير مراد لانواع الصلح التى ليست بنوع ولو أراد ذلك لما احتاج إلى تقييد ما قبله بقوله ان جرى على عين المدعى والثانى فيه توقف أيضا لان احدى المسائل
الثلاث ما إذا صالح على بعض المدعى والصلح على بعض المدعى لا يندرج في الصلح على غير المدعى حتى يستثني منه الا أن يراد بالعين كلما يصدق ان يقال انه ليس هو دون الخارج عن الذات لكنه بعيد عن الفهم في مثل هذه المواضع وربما يوجد في مض النسخ ان جرى على عين المدعى(10/297)
بدل غير المدعى وهو فاسد لان الصلح على كل المدعى لا معني له وعلى بعضه لا يكون بيعا البتة ولو كان مكانها ان جرى علي العين المدعاة ليكون قسيما لقوله من بعد وان صالح عن الدين ويتضح استثناء المسألة المذكورة لكان أحسن لكن الصلح في مسألة الصلح عن الارش صلح عن الدين فلا يدخل حينئذ حتى يستثني مخالفة الصلح البيع لانه لا ينحصر في الصور الثلاث بل من صورها الصلح عن القصاص فانه صحيح ولا مجال للفظ البيع فيه (ومنها) قال صاحب التلخيص لو صالحنا أهل الحرب من أموالهم على شئ ناخذه منهم جاز ولا يقوم مقامه البيع واعترض عليه القفال بأن تلك المصالحة ليست مصالحة عن أموالهم على شئ نأخذه وانما نصالحهم ونأخذ منهم للكف عن دمائهم وأموالهم وهذا قويم لكنه لا يخدش مخالفة اللفظين لان لفظ البيع لا يجرى في أمثال تلك المصالحات (وقوله) فانكر الشيخ أبو على ذلك هذا قد ذكره الشيخ على أحسن وجه كما هو دأبه لكنه ليس مبتدئا بهذا الكلام حتى ينسب إليه بل الائمة رحمهم الله ذكروه قبله منهم الشيخ القفال و (قوله) والا امتنع باللفظين يجوز إعلامه بالحاء لان عند أبى حنيفة يجوز الصلح عن المجهول أرشا كان أو غيره وبه قال أحمد رحمه الله * لنا القياس على المصالح عليه فأنه لا بد وان يكون معلوما بالاتفاق (وقوله) وقيل إنه بلفظ الصلح أيضا لا يصح أي لابد من لفظ الهبة لانه غير صحيح أصلا * قال (وأما الصلح عن الدين فهو كبيع الدين فان صالح على بعضه فهو ابراء (و) عن البعض ولو صالح من حال على مؤجل أو مؤجل على حال أو صحيح على مكسر أو مكسر على صحيح فهو فاسد لانه وعد من المستحق أو المستحق عليه لا يلزم الوفاء به ولو صالح من ألف مؤجل على خمسمائة حال فهو فاسد لانه نزل عن القدر للحصول على زيادة صفة ولو صالح عن ألف حال على خمسمائة مؤجل فهو ابراء عن خمسمائة ووعد في الباقي لا يلزم) *
(النوع الثاني) عن الدين وله ضربان (أحدهما) صلح المعاوضة وهو الجارى على غير الدين المدعى فينظران(10/298)
صالح على بعض اموال الربا على ما يوافقه في العلة فلابد من قبض العوض في المجلس ولا يشترط تعيينه في نفس الصلح على أصح الوجهين وان كان دينا صح الصلح في أصح الوجهين ولكن يشترط التعيين في المجلس ولا يشترط القبض بعد التعيين في أصح الوجهين وكل ما ذكرناه موجها في البيع للدين ممن عليه الدين (وقوله) في الكتاب فهو كبيع الدين اشارة إلى هذه الجملة (والضرب الثاني) صلح الحطيطة وهو الجارى على بعض الدين المدعى فهو ابراء عن بعض الدين فان استعمل لفظ الابراء أوما في معناه كما إذا قال أبرأتك عن خمسمائة من الالف الذى عليك وصالحتك عن الباقي برئت ذمته عن ما أبرأه منه ولم يشترط القبول وفيه وجه بعيد مضطرد في كل ابراء ولا يشترط قبض الباقي في المجلس وان اقتصر على لفظ الصلح فقال صالحتك عن الالف الذى لى عليك على خمسمائة فوجهان كتغيرها في صلح الحطيطة في العين (والاصح) الصحة ثم هل يشترط القبول فيه وجهان كالوجهين فيما إذا قال لمن عليه الدين وهبته منك والاظهر اشتراطه لان اللفظ في وضعه يقتضيه ولو صالح منه على خمسمائة معينة فالوجهان جاريان ورأى الامام وجه الفساد ههنا أظهر لان بعض الخمسمائة يقتضى؟(10/299)
كونها عوضا وكون العقد معاوضة فيصير بائعا لالف بخمسمائة ولصاحب الوجه الاول أن يمنعه ويقول الصلح منه على البعض المعين إبراء واستيفاء للباقى ولا يصح هذا الضرب بلفظ البيع كما في نظيره من الصلح عن العين ولو صالح من ألف حال على ألف مؤجل أو من الف مؤجل على الف حال فهو لاغ لانه في الصورة الاولى وعد من رب المال بالحساق الاجل وفى الثانية من المديون بأسقاط الاجل والاجل لا يلحق ولا يسقط نعم لو عجل من عليه المؤجل وقبله المستحق سقط الاجل بما جرى من الايفاء والاستيفاء وكذلك الحكم في الصحيح والمكسر * ولو صالح من ألف مؤجل على خمسمائة حالة فهذا الصلح فاسد لانه نزل عن بعض المقدار لتحصيل الحلول في الباقي والصفة بانفرادها لا تقابل بالعوض ثم صفة الحلول لا تلتحق بالمال المؤجل وإذا لم يحصل ما نزل عن القدر لتحصيله لم يصح النزول
ولو صالح عن ألف حال على خمسائه مؤجلة فهذا ليس فيه شائبة المعاوضة ولكنه مسامحة من وجهين (أدهما) حط بعض القدر (والثاني) الحاق الاجل بالباقي والاول سائغ فيبرأ عن خمسمائة والثاني وعد لا يلزم فله أن يطالبه بالباقي في الحال * (فروع) (أحدها) قال أحد الوارثين لصاحبه تركت نصيبي من التركة اليك فقال قبلت لم يصح ويبقى حقه كما كان لانها ان كانت أعيانا فلا بد فيها من تمليك وقبول وان كان فيها دين عليه فلا بد من ابراء ولو قال صالحتك من نصيبي على هذا الثوب فان كانت التركة أعيانا فهو صلح عن العين وان كانت ديونا عليه فصلح عن الدين وان كانت على سائر الناس فهو بيع الدين من غير من عليه فالصلح باطل في الدين وفى العين قولا تفريق الصفقة * (الثاني) له في يد غيره الف درهم وخمسون دينار افصالحه منه على الفى درهم لا يجوز كذا لو مات عن اثنين والتركة الفا درهم ومائة دينار وهى في يد أحدهما فصالحه الآخر عن نصيبه على الفى درهم يجوز الفرق انه إذا كان الحق في الذمة فلا ضرورة إلى تقدير المعاوضة فيه فيجعل مستوفيا لاحد الالفين معتاضا بالآخر عن الدنانير وإذا كان معينا كان الصلح عنه اعتياضا وكانه باع الف درهم وخمسين دينارا بالفى درهم وهو من صور مدعجوة(10/300)
ونقل الامام عن القاضى الحسين في صورة الدين أيضا المنع تنزيلا له على المعاوضة (الثالث) صالحه عن الدار المدعاة على أن يسكنها سنة فهو اعارة الدار منه يرجع عنها متى شاء وليس بمعاوضة لان الرقبة والمنافع ملكه ومحال أن يعتاض بملكه عن ملكه وإذا رجع عن الاعارة لم يستحق أجرة المدة التى مضت كما هو قضية العارية ونقل القاضى ابن كج وجها انه يستحق لانه جعل سكني الدار في مقابلة رفع اليد عنها وانه عوض فاسد فيرجع إلى أجر المثل ولو صالحه عنها على ان يسكنها سنة بمنفعة عبده سنة فهو كما لو اجر داره بمنفعة عبده سنة * (الرابع) صالحة عن الزرع الاخضر بشرط القطع جاز ودون هذا الشرط لا يجوز ولو كانت المصالحة عن الزرع مع الارض فلا حاجة إلى شرط القطع في أصح الوجهين ولو كان التنازع في نصف الارض ثم اقر المدعى عليه وتصالحا عنه على شئ لم يجزو ان شرطه القطع كما لو باع نصف الزرع مشاعا لا يحرز شرط القطع أو لم يشترط *
قال (هذا كله في الصلح على الاقرار فأما الصلح على الانكار فال يصح (ح) كما إذا قال صالحني على دعواك الكاذبة أو عن دعواك أو صالحني مطلقا فان قال بعني الدار التى تدعيها فهو اقرار فيصح وان قال صالحني عن الدار فالظاهر انه ليس باقرار والصلح باطل وفى صلح الحطيطة علي الانكار في العين وجهان لانه في حكم الهبة للبعض بزعم صاحب اليد وكذا الخلاف في صلح الحطيطة في الدين) * (الوجه الثاني) من وجهى الصلح الجارى بين المتداعيين هو الصلح الجارى على الانكار فينظر ان جري على غير المدعى باطل خلافا لابي حنيفة ومالك وأحمد *(10/301)
لنا القياس على ما إذا انكر الخلع والكتابة ثم تصالحا على شئ وصورة الصلح على الانكار أن يدعي عليه دارا مثلا فينكر ثم يتصالحان على ثوب أو دين ولا يكون طلب الصلح منه اقرار لانه ربما يريد قطع الخصومة هذا إذا قال صالحني مطلقا وكذا لو قال صالحني عن دعواك الكاذبة أو قال صالحني عن دعواك بل الصلح عن الدعوى لا يصح مع الاقرار أيضا لان مجرد الدعوى لا يعتاض عنها ولو قال بعد الانكار صالحني عن الدار التى ادعيتها فوجهان (أحدهما) انه اقرار لانه طلب منه التمليك وذلك يتضمن الاعتراف بالملك فصار كما لو قال ملكني (وأصحهما) انه ليس باقرار لان الصلح في الوضع هو الرجوع إلى الموافقة وقطع الخصومة فيجوز أن يكون المراد قطع الخصومة في المدعى لاغير فعلى هذا يكون الصلح بعد هذا الالتماس صلحا على الانكار ولو قال بعنيها أو هبها منى فالمشهور انه اقرار ودونه صريح في التماس التمليك وعن الشيخ أبى حامد انه كقوله صالحني وفى معناه ما إذا كان التنازع في جارية فاق زوجنيها ولو قال اجرني أو أعرنى فاولى أن لا يكون اقرار ولو أبرأ المدعى المدعي عليه وهو منكروقلنا لا يفتقر الابراء إلى القبول صح الابراء بخلاف الصلح لانه مستقل بالابراء فلا حاجة فيه إلى تصديق الغير ولهذا لو أبرأه بعد التحليف صح ولو صالحه لم يصح * وان جرى الصلح على الانكار على بعض العين المدعاة وهو صلح الحطيطة في العين فوجهان (أحدهما) وبه قال القفال انه صحيح لان المتصالحين متوافقان على أن النصف مستحق
للمدعى اما المدعى فانه يزعم استحقاق الكل وأما المدعى عليه فانه سلم والنصف له بحكم همته منه وتسليمه إليه فاذن الخلاف بينهما في جهة الاستحقاق (والثانى) وبه قال الاكثرون انه باطل كما لو كان على غير المدعى قالوا ومهما اختلف القابض والدافع في الجهة فالقول قول الدافع ألا ترى أنه لو دفع إليه دراهم وقال دفعتها عن الدين الذى به الرهن وانكر القابض أو دفع إلى زوجته دراهم وقال دفعتها عن الصداق وقالت بل هي هدية فالقول قول الدافع وإذا كان كذلك فالدافع يقول(10/302)
انما بذلت النصف الدفع الاذى حتى لا يرفعنى إلى القاضى ولا يقيم على بينة زور * وان كان المدعى دينا وتصالحا على بعضه على الانكار نظر ان صالحه عن الف على خمسمائة مثلا في الذمة لم يصح لان في التصحيح تقدير الهبة وايراد الهبة على ما في الذمة ممتنع وان أحضر خمسمائة وتصالحا من المدعى عليها فهو مرتب على صلح الحطيطة في العين ان لم يصح ذلك فهذا أولى وان صح ففيه وجهان والفرق أن ما في الذمة ليس ذلك المحضر المعين وفى الصلح عليه معنى المعاوضة ولا يمكن تصحيحه معاوضة مع الانكار واتفق الناقلون على أن وجه البطلان هاهنا ارجح * ولو تصالحا ثم اختلفا في أنهما تصالحا على الانكار أو على الاقرار ذكر القاضي ابن كج أن القول قول من يدعى الانكار لان الاصل أن لا عقد ولك أن تخرجه على الخلاف الذى سبق في نزاع المتعاقدين في أن العقد الجارى بينهما كان صحيحا أو فاسدا * قال (وان جاء أجنبي وصالح من جهة المدعى عليه وقال هو مقر صخ نظرا إلى توافق المتعاقدين وان قال هو منكر ولكنه مبطل في الانكار فالنظر إلى مباشر العقد وهو مقر أو إلى من له العقد وهو منكر فيه خلاف ولو صالح لنفسه وزعم أنه قادر على الانتزاع فالاظهر (و) الصحة) * (القسم الثاني) من قسمي الصلح ما يجرى بين المدعى وبين الأجنبي وذلك اما أن يكون مع اقرار المدعى عليه ظاهرا أو دونه (الحالة الاولى) ان يكون مع اقراره ظاهرا فاما أن يكون المدعي عينا أو دينا ان كان عينا(10/303)
وقال الأجنبي ان المدعى عليه وكلنى في مصالحتك له علي نصف المدعى أو على هذا العبد من ماله
فتصالحا عليه صح الصلح وكذا لو قال وكلني لمصالحتك عنه على عشرة في ذمته ثم ان كان صادقا في الوكالة صار المدعى للمدعى عليه والا فهو شراء الفضولي وقد سبق حكمه وتعريفه وان قال أمرنى بالمصالحة له على هذا العبد من ملكي فصالحه عليه فهو كما لو اشترى لغيره بمال نفسه باذن ذلك الغير وقد مر الخلاف في أنه يصح أو لا يصح وان صح فما يعطيه قرض أو هبة ولو صالح الأجنبي لنفسه بعين ماله أو بدين في ذمته صح كما لو اشتراه وعن الشيخ أبى محمد انه على وجهين كما إذا قال ابتداء لغيره من غير سبق دعوى ولا جواب صالحني من دارك هذه علي الف لانه لم يجر مع الأجنبي خصومة فيه قال وهذه الصورة أولى بالصحة لان اللفظ مرتب على دعوي وجواب فيكتفى فيه في استعمال لفظ الصلح * وان كان المدعي دينا وقال وكلنى المدعى عليه بمصالحتك على نصفه أو على هذا الثوب من ماله فصالحه وصح ولو قال على هذا الثوب وهو ملكى فوجهان (أحدهما) انه لا يصح لانه يبيع دينا بعين (والثانى) يصح ويسقط الدين كما لو ضمن دينا وأدى عنه عوضا * ولو صالح لنفسه على عين أو دين في ذمته فهو ابتباع دين في ذمة الغير وقد بينا حكمه في موضعه (والثانية) أن يكون انكاره ظاهرا فإذا جاء الأجنبي وقال اقر المدعى عليه عندي ووكلني في مصالحتك له الا أنه لا يظهر اقراره خيفة أن تنتزعه فصالحه صح لان قول الانسان في دعوى الوكالة مقبول في البيع والشراء وسائر المعاملات وان قال الأجنبي هو منكر ولكنه مبطل في الانكار فصالحني له على عبدى هذا لتنقطع الخصومة(10/304)
بينكما فصالحه فوجهان (أظهرهما) على ما قاله الامام أنه غير صحيح لانه صلح دافع لمنكر (والثانى) يصح لان المتعاقدين متوافقان والاعتبار في شرائط العقد بمن يباشر العقد هذا إذا كان المدعى عينا فان كان دينا فطريقان (أحدهما) انه على الوجهين (وأصحهما) القطع بالصحة والفرق انه لا يمكن تمليك الغير بغير إذنه وان قال هو منكر وأنا أيضا لا أعلم صدقك وصالحه مع ذلك لم يصح سواء كان المصالح عليه له أو للمدعى عليه كما لو جرى الصلح مع المدعى عليه وهو منكر وان قال هو منكر ومبطل في الانكار فصالحني لنفسي بعبدي هذا أو بغيره في ذمتي لاخذ منه فان كان المدعى دينا فهو ابتياع دين في ذمة الغير وان كان عينا فهو شراء غير الغاصب المغصوب فينظر في قدرته على الانتزاع وعجزه وحكم
الجانبين مبين في أول البيع فلو صالحه وقال انا قادر على الانتزاع فوجهان (أضهرهما) انه يصح اكتفاء بقوله (والثانى) لا لان الملك في الظاهر للمدعى عليه وهو عاجز عن انتزاعه قال الامام والوجه أن يفصل فيقال ان كان الأجنبي كاذبا فالعقد باطل باطنا وفى مؤاخذته في الظاهر لالتزامه الوجهان وان كان صادقا حكم بصحة العقد باطنا وقطع بمؤاخذته لكن لا تزال يد المدعى عليه الا بحجه (وقوله) في الكتاب وإن جاء أجنبي وصالح من جهة المدعى عليه وقال هو مقر صح نظرا إلى توافق العاقدين اراد(10/305)
الحالة الثانية وهى أن يكون الصلح مع انكار المدعى عليه ظاهرا على ما أفصح به في الوسيط ويمكن حمله من جهة اللفظ على الحالة الاولى أيضا (وقوله) في المسألة بعده ففيه خلاف محمول على ما إذا كان المدعي عينا وان أراد تعميم الخلاف في العين والدين كان جوابا على أحد الطريقين ويجوز اعلام قوله خلاف - بالواو - لما سبق * (فرع) جار مجرى المثال لما ذكرنا * ادعى مدع على ورثة ميت دارا من تركته وزعم أن الميت غصبها منه واقروا به جاز لهم مصالحته فان دفعوا إلى واحد منهم ثوبا مشتركا بينهم ليصالح عليه جاز وكان عاقدا لنفسه ووكيلا عن الباقين ولو قالوا لواحد صالحه عنا على ثوبك فصالح عنهم فان لم يسمهم في الصلح فالصلح يقع عنه وان سماهم فوجهان في أن التسمية هل تلغى ان لم تلغ فالصلح يقع عنهم والثوب هبة منهم أو قرض عليهم فيه وجهان وان صالحه أحدهم على مال دون اذن الباقين ليملك جميع الدار جاز وان صالح لتكون الدار له ولهم جميعا لغى ذكرهم وعاد الوجهان في أن الكل يقع له أو يبطل في نصيبهم ويخرج في نصيبه على الخلاف في التفريق والله أعلم * قال (وإذا أسلم الكافر على عشر نسوة ومات قبل التعيين صح اصطلاحهن في قسمة الميراث مع التفاوت في المقدار وكان مسامحة وصح مع الجهل للضرورة ولا يصح الصلح على غير التركة لانه معاوضة من غير ثبت في استحقاق المعوض) * إذا أسلم الكافر على اكثر من أربع نسوة يختار أربعا منهن على ما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى فان مات قبل الاختيار والتعيين يوقف الميراث بينهن فان اصطلحن على الاقتسام على تفاوت أوتساومكن منه * واحتج مجوزوا الصلح على الانكار بهذه المسألة لان كل واحدة منهن
تنكر نكاح من سواها وسوى ثلاث معها فالصلح الجارى بينهن صلح على الانكار قال الاصحاب هن بين أمرين إن اعترفن بشمول الاشكال فليست واحدة منهن بمنكرة لغيرها ولا مدعية لنفسها في الحقيقة وأنما تصح القسمة والحالة هذه مع الجهل بالاستحقاق للضرورة وتعدر التوقف لا(10/306)
إلى نهاية وان زعمت كل واحدة منهن الوقوف على اختيار الزوج إياها فكل من أخذت شيئا تقول الذى أخذته بعض حقى وسامحت الباقيات بالباقي وتبرعت والمالك غير ممنوع من التبرع وقد ذكرنا فيما إذا ادعى على غيره عينا فانكر ثم تصالحا على حطيطة من قبل وجهين فمن صححه احتج بهذه المسألة وقال إن الاقتسام الجاري بينهن صلح على الحطيطة ومن لم يصححه فرق بان المال في يد المدعى عليه وفصل الامر ممكن بتحليفه وههنا استوت الاقدام ولا طريق إلى فصل الامر سوى اصطلاحهن ولو اصطلحن على أن تأخذ ثلاث أو أربع منهن المال الموقوف ويبذلن للباقيات عوضا من خالص مالهن لم يجز لان الصلح هكذا بذل عوض مملوك في مقابلة ما لم يثبت ملكه ومن أخذ عوضا في معاوضة لابد وأن يكون مستحقا للمعوض فإذا لم يكن الاستحقاق معلوما لم يجز أخذ العوض عليه ولا يخفى عليك مما أجريته في المسألة السبب الداعي إلى ايرادها في هذا الموضع * واعلم أن جميع ما ذكرناه مبني على وقف الميراث لهن وفيه كلام آخر مذكور في نكاح المشركات وفى نظائر المسألة ما إذا طلق إحدى امرأتيه ومات قبل البيان وقفنا لهما الربع أو الثمن واصطلحتا وما إذا ادعى اثنان وديعة في يد الغير وقال المودع لا أدرى انه لايكما وما إذا تداعيا دارا في يدهما وأقام كل واحد منهما بينة ثم اصطلحا أو في يد ثالث وقلنا لا تتساقط البينتان بالتعارض فاصطلحا * قال (الفصل الثاني في التزاحم على الحقوق في الطريق والحيطان والسقوف (أما) الطرق فالشوارع على الاباحة كالموات الا فيما يمنع الطروق فلكل واحد (ح) أن يتصرف في هوائه بما لا يضر بالمارة ولا يمنع الجمل مع الكنيسة وكذلك يفتح إليه الابواب والاظهر (و) جواز غرس شجرة وبناء دكة إذا لم يضيق الطريق أيضا) *(10/307)
غرض الفصل الكلام في المزاحمات والتصرفات الواقعة في المشتركات إما اشتراك عموم كالطرق أو خصوص كالجدران والسقوف (أما) الطريق فينقسم إلى نافذ وغيره (القسم الاول) النافذ وهو الذى أراده بالتنازع فالناس كلهم يستحقون المرور فيه وليس لاحد أن يتصرف فيها بما يبطل المرور لاأن يشرع جناحا أو يتخذ على جدرانه ساباطا يضر بالمارة وان لم يضر فلا يمنع منه وبه قال مالك وقال ابو حنيفة لا اعتبار بالضرر وعدمه ولكن ان خاصمه إنسان فيه نزع وان لم يضر والا ترك وقال أحمد لا يجوز اشراع الجناح بحال الا إذا أذن فيه الامام * لنا اتفاق الناس على اشراع الاجنحة في جميع الاعصار من غير انكار وأيضا (فان النبي صلى الله عليه وسلم نصب بيده ميزابا في دار العباس رضى الله عنه) فنقيس الجناح عليه ونرجع في الضرر وعدمه إلى حال الطريق فان كان صيقا لا يمر فيه الفرسان والقوافل فينبغي أن يكون مرتفعا بحيث يمر المار تحته منتصبا وان كانوا يمرون فيه فلينته الارتفاع إلى حد يمر تحته الراكب منتصبا بل المحمل مع الكنيسة على رأسه على البعير لانه وان كان نادرا فقد يتفق ولا يشترط الزيادة عليه على الصحيح وقال أبو عبيد بن حربوية يشترط أن يكون بحيث يمر الراكب منصوب الرمح وضعفه النقلة بالاتفاق وقالوا وضع أطراف الرماح على الاكتاف ليس بعسير * ويجوز لكل أحد أن يفتح إلى الشارع من ملكه الابواب كيف شاء (وأما) نصب الدكة وغرس الشجرة فان تضيق الطريق به وضر بالمارة فهو ممنوع منه وإلا فوجهان (أحدهما) الجواز كالجناح الذى لا يضر بهم (والثانى) المنع لان المكان المشغول بالبناء والشجر لا يتأتى فيه الطروق وقد تزدحم المارة ويعسر عليهم
__________
(حديث) انه صلى الله عليه وسلم نصب بيده مبزابا في دار العباس أحمد من حديث عبيد الله بن عباس قال كان للعباس ميزاب على طريق عمر فلبس ثيابه يوم الجمعة فاصا به منه ماء بدم فامر بقلعه فاتاه العباس فقال والله انه للموضع الذى وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر ابن أبى حاتم انه سال أباه عنه فقال هو خطأ ورواه البيهقى من أوجه أخر ضعيفة أو منقطعة ولفظ أحدها والله ما وضعه حيث كان الا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وأورده الحاكم في المستدرك وفي اسناد عبد الرحمن بن زيد بن اسلم وهو ضعيف وسيأتي في الديات ان شاء الله(10/308)
المراقبة فيصطكون بهما وأيضا فانه إذا طالت المدة أشبه مكان البناء والغراس الاملاك وانقطع أثر استحقاق الطروق فيه بخلاف الاجنحة ويحكى الوجه الاول عن اختيار القاضى وهو أظهر عند المصنف ولم يورد في التهذيب سواه لكن أصحابنا العراقيون والشيخ أبا محمد أجابوا بالثاني واليه مال الامام وهو أقوى في المعنى ولا يجوز أن يصالح عن اشراع الجناح على شئ أما إذا صالحه الامام فلان الهواء لا يفرد بالعقد وانمأ يتبع القرار كالحمل مع الام وأيضا فلانه إن كان مضرا فما يمنع الضرر لا يجوز بالعوض كالبناء الرفيع في الطريق وان لم يكن مضرا فهو جائز وما يتحقه الانسان في الطريق لا يجوز أن يؤخذ منه عوض كالمرور وأما إذا صالحه واحد من الرعية فللمعنى الاول وأيضا فلانه ليس بالمستحق ولا هو نائب المستحقين * ولو أشرع جناحا لا ضرر فيه ثم انهدم أو هدمه فاشرع آخر في محاذاته جناحا لا يمكن معه اعادة الاول جاز كما لو قعد في طريق واسع ثم انتقل عنه يجوز لغيره الارتفاق به هكذا قالوه ولك أن تقول المرتفق بالعقود لمعاملة لا يبطل حقه بمجرد الزوال عن ذلك الموضع وانما يبطل بالسفر والاعراض عن الحرفة كما سيأتي في إحياء الموات فقياسه أن لا يبطل حقه بمجرد الانهدام والهدم بل يعتبر اعراضه عن ذلك الجناح ورغبته عن اعادته * اما لفظ الكتاب فقوله والشوارع على الاباحة كالموات معناه أنها منفكة عن الملك والاختصاص كالموات والاصل فيها الاباحة وجواز الانتفاع الا فيما يقدح في مقصودها وهو الطريق ويستوي في الحكم الجواد الممتدة في الصحارى والبلاد قال الامام وصيرورة الموضع شارعا له طريقان (أحدهما) أن يجعل الانسان ملكه شارعا وسبيلا مسبلا (والثانى) أن يحيى جماعة خطة قرية أو بلدة ويتركوا مسلكا نافذا بين الدور والمساكن ويفتحوا إليه الابواب ثم حكى عن شيخه ما يقتضى طريقا ثالثا وهو أن يصير موضع من الموات جادة ميتا يطرقها الرفاق فلا يجوز تغييره وانه كان يتردد في بيان الطريق التي يعرفها الخواص ويسلكونها وكل موات يجوز استطراقه ولكن لا يمنع من احيائه وصرف الممر عنه فليس له حكم الشوارع (وقوله) فما لا يضر بالمارة لك فيه مباحثة وهى أن هذه اللفظة ولفظ عامة الاصحاب تقتضي المنع من كل ما يضر بالمرور ثم الاكثرون في الفرق بين المضر(10/309)
وغير المضر لم يتعرضوا الا للانخفاض والارتفاع ومعلوم أن جهة الا ضرار لا تنحصر في الارتفاع
والانخفاض بل منع الضياء واظلام الموضع يضر بالمرور أيضا فهل هو مؤثر أم لا والجواب أن طائفة من الائمة منهم ابن الصباغ ذكروا أنه غير مؤثر لكن قضية المعني وظاهر لفظ الشافعي رضى الله عنه وأكثر الاصحاب تأثيره وقد نص عليه منصور التميمي في المستعمل حيث قال ووجه اضراره يعني الجناح شدة تطامنه أو منعه الضياء وفى التتمة أنه ان انقطع الضوء بالكلية أثر وإن انتقص فلا مبالاة به (وقوله) ولا يمنع المحمل مع الكنيسة في بعض النسخ الجمل مع الكنيسة وهو صحيح أيضا أي مع الكنيسة فوق المحمل المحمول على الجمل * قال (والسكة المنسدة الاسفل عند العراقيين كالشوارع وعند المراوزة هي ملك مشترك بين سكان السكة وشركة كل ساكن هل ينحط من باب داره إلى أسفل السكة فيه تردد ولا يجوز اشراع الجناح وفتح باب جديد الا برضاهم ورضاهم اعارة يجوز الرجوع عنه ولو فتح باب دار أخرى في داره التى هي في سكة مفسدة الاسفل أو فتح من تلك الدار بابا ثانيا في السكة فوق الباب الاول تردد لانه يكاد يكون زيادة على الانتفاع المستحق وأما فتح السكوفة فلا منع منه) * القسم الثاني غير النافذ كالسكة المنسدة الاسفل ونتكلم فيها في ثلاثة أمور (أولها) اشراع الجناح ولا خلاف في أن اشراع الجناح إليها غير جائز لغير أهل السكة وفيهم وجهان قال الشيخ أبو حامد ومن تابعه لكل منهم الاشراع إذا لم يضر بالباقين لان كلا منهم له الارتفاق بقرارها فليكن له الارتفاق بهوائها كالشارع وعلى هذا فلو كان مضرا ورضى أهل السكة جاز لان الحق لهم بخلاف مثله في الشارع فان رضى جميع المسلمين متعذرا لتحصيل وذكرا لاكثرون منهم القاضى ابو حامد وأبو الطيب الطبري انه لا يجوز الا برضاهم تضرروا أم لا لان السكة مخصوصة بهم فلا يتصرف فيها دون رضاهم وهذا كما أنه لا يجوز اشراع الجناح إلى دار الغير رضاه وان لم يتضرر ويحكى هذا عن أبى حنيفة وعلى الوجهين لا يجوز لهم أن يصالحوه على شئ لما مر أن الهواء تابع فلا يفرد بالمال صلحا كما لا يفرد به بيعا وكذا الحكم في صلح ملك صاحب الدار عن الجناح المشروع إليها ونعني باهل السكة كل من له باب نافذ إليها دون من يلاصق جداره(10/310)
السكة من غير نفوذ باب وهل الاستحقاق في جميعها لجميعهم أو شركة كل واحد مختص بما بين رأس السكة
وباب داره ولا يتخطى عنه فيه وجهان (أظهرهما) وهو الذى أورده القاضى ابن كج اختصاص كل واحد منهما بما بين رأس السكة وباب داره لان ذلك القدر هو محل تردده ومروره وما عداه فحكمه فيه حكم غير أهل السكة ووجه (الثاني) أنهم ربما احتاجوا إلى التردد والارتفاق بجميع الصحن لطرح الاثقال عند الاخراج والادخال وهذا الخلاف يظهر تأثيره على الصحيح في منع اشراع الجناح الا برضاهم فعلي القول باشتراك الكل في الكل يجوز لكل واحد من أهل السكة المنع وعلى الوجه الآخر انما يجوز المنع لمن يوضع الجناح بين بابه ورأس السكة دون من بابه بين موضع الجناح ورأس السكة ويظهر تأثيره على قول الشيخ أبى حامد أيضا في أن الذى يستحق المنع إذا كان الجناح مضرا من هو لكنهم لم يذكروه * ولو اجتمع المستحقون فسدوا باب السكة فجواب المعظم لا منع لانهم يتصرفون في ملكهم وقال أبو الحسن العبادي يحتمل أن يقال يمنعون لان أهل الشارع يفزعون إليها إذا عرضت زحمة ولا شك في أنه لو امتنع بعضهم لم يكن للباقين السد ولو سدوا متوافقين لم يستقل بعضهم بالفتح ولو اتفقوا علي قسمة صحن السكة بينهم جاز ولو أراد أهل رأس السكة قسم رأس السكة بينهم منعوا لحق من يليهم ولو أراد أهل الاسفل قسمة الاسفل فوجهان بناء على أن أهل الرأس هل يشاركونهم في الاسفل ثم ما ذكرنا من سد الباب وقسمة الصحن مفروض فيما إذا لم يكن في السكة مسجد فان كان فيها مسجد قديم أو حديث فالمسلمون كلهم يستحقون الطروق إليه فلا يمنعون منه استدركه القاضى ابن كج وعلى قياسه لا يجوز الاشراع عند الضرر وإن رضى أهل السكه لحق سائر الناس (وثانيها) فتح الباب وليس لمن لا باب له في السكة احداث باب إلا برضاء أهل السكة كلهم لتضررهم اما(10/311)
بمرور الفاتح عليهم أو بمرورهم على الفاتح فلو قال افتح إليها بابا للاستضاءة دون الاستطراق أو قال اقتحه واسمره فوجهان (أصحهما) عند أبي القاسم الكرخي أنه يمكن لان منه لانه لو رفع جميع الجدار لتمكن منه فلان يمكن من رفع بعضه كان أولى (والثانى) لا يمكن لان الباب يشعر بثبوت حق الاستطراق فعساه يستدل به على الاستحقاق ولو كان له فيها باب وأراد أن يفتح غيره نظر ان كان ما يفتحه أبعد من رأس السكة فلمن الباب المفتوح بين رأس السكة وداره المنع وفيمن داره بين الباب ورأس
السكة وجهان بناء على كيفية الشركة لما مر في الجناح وان كان ما يفتحه أقرب إلى رأس السكة فان سد الاول وجعل مكانه الباب المفتوح فلا منع لانه ينقص حقه وان لم يسد فعلى ما ذكرنا فيما إذا كان المفتوح أبعد من رأس السكة لان الباب الثاني إذا انضم إلى الاول أورث زيادة زحمة الناس وروث الدواب في السكة فيتضررون به وفى النهاية طرد طريقة أخرى جازمة بانه لامنع للذين يقع الباب المفتوح بين دراهم ورأس السكة لان الفاتح لا يمر عليهم وهذا ينبغى أن يطرد فيما إذا كان المفتوح أبعد من رأس السكة وتحويل الميزاب من موضع إلى موضع كفتح باب وسد باب * ولو كانت له داران تنفذ احداهما إلى الشارع وباب الاخرى إلى سكة منسدة فاراد فتح باب من(10/312)
أحديهما إلى الاخرى هل لاهل السكة منعه فيه وجهان (أظهرهما) لا لان المرور مستحق له في السكة ورفع الحائل بين الدارين يصرف مصارف الملك فلا يمنع (والثانى) نعم لانه يثبت للدار الملاصقة للشارع ممرا في السكة ويزيد فيما استحقه من الانتفاع ولو كان باب كل واحد من الدارين في سكة غير نافذة وأراد فتح الباب من إحداهما إلى الاخرى جرى الوجهان في ثبوت المنع لاهل السكتين هكذا نقل الامام * وأعلم أن موضع الوجهين ما إذا سد باب إحدى الدارين وفتح الباب بينهما لغرض الاستطراق أما إذا قصد اتساع ملكه ونحوه فلا منع وحيث منعنا من فتح الباب إلى السكة المنسدة فصالحه على مال جاز بخلاف الصلح على اشراع الجناح لانه بذل مال في مقابلة الهواء المجرد ثم قال في التتمة إن قدروا مدة فهو إجارة وإن أطلقوا أو شرطوا التأبيد فهو بيع جزء شائع من السكة وتنزيله منزلة أحدهم وهو كما لو صالح غيره عن إجراء نهر في أرضه على مال يكون ذلك تمليكا للنهر ولو أراد فتح باب من داره في دار غيره فصالحه عنه مالك الدار على مال ويكون ذلك تمليكا للنهر ولو أراد فتح باب من داره في دار غيره فصالحه عنه مالك الدار على مال يصح ويكون ذلك كالصلح عن إجراء الماء على السطح ولا يملك شيئا من الدار والسطح لان السكة لا تراد الا للاستطراق فاثبات الا ستطراق فيها يكون نقلا للملك والدار والسطح ليس القصد منه الاستطرق وإجراء الماء والله أعلم * (وثالثها) فتح المنافذ والكوات للاستضاءة لامنع منه بحال لمصادفة الملك بل له أن يرفع جداره ويجعل مكانه شباكا * ولنعد إلى لفظ الكتاب (قوله) والسكة المنسدة الاسفل عند العراقيين
كالشوارع إلى آخره يقتضي الحاق العراقيين لها بالشوارع في الانفكاك عن الملك وجواز إشراع الجناح وذهب المراوزة إلى أنها ملك السكان وليس الامر على الظاهر فان أئمتنا العراقيين لم يلحقوها بالشارع من كل وجه وكيف وطرقهم ناصة على اختصاصها بالسكان وأنها ملكهم وعلى أنه يجوز اشراع الجناح المضر إليها باذن السكان والحكم في الشارع بخلافهم فاذن هو محمول على تجويزهم اشراع الجناح الذى لا يضر إليها من غير اعتبار الرضا والمراوزة يمنعون منه ومع هذا التأويل فليس العراقيون مطبقين على تجويزه بل هل منقسمون إلى مجوز ومانع ألا ترى أن القاضى أبا الطيب منعه وهو عراقى (وقوله) لا يجوز اشراع(10/313)
الجناح وفتح باب جديد الا برضاهم أي برضا من اثبتنا له الشركة في السكة وقصد بهذا الكلام التفريغ على الرأى الذى نسبه إلى المراوزة على ما بينه في الوسيط لكن لا يخلو إما أن يكون المراد فتح باب من الدار التى لها باب في هذه السكة أو الفتح من الدار التى لها في السكة باب قديم إن كان الثاني فقد ذكره من بعد حيث قال أو فتح من تلك الدار بابا ثانيا في السكة وان كان الاول فالعراقيون لا يخالفون فيه حتى يجعل ذلك تفريعا على أحد الوجهين وكذا إشراع الجناح انما يجوز دونه لمن له حق الطروق في السكة لا لغيره (وقوله) ورضاهم اعارة يجوز الرجوع فيه أراد به ما ذكره الامام لانه لو فتح من لاباب له في السكة بابا برضا أهلها كان لاهلها الرجوع مهما شاءوا ولا يلزمون بالرجوع شيئا بخلاف مالو أعار الارض للبناء ثم رجع فانه لا يقلع البناء مجانا وهذا لم أجده لغيره والقياس أن لافرق والله أعلم (وقوله) فوق الباب الاول أراد مما يلى رأس السكة على ما ذكره في الوسيط وموضع الخلاف فيه ما إذا لم ينسد الباب القديم ويمكن حمله على ما إذا كان فوقه مما يلى آخر السكة على ما مر * (فرع) قال القاضى الرويانى في التجربة إذا كان بين داريه طريق نافذ يحفر تحته سردابا من أحدهما إلى الاخرى وأحكم الارج لم يمنع قال وبمثله أجاب الاصحاب فيما إذا لم يكن نافذا لان لكل واحد دخول هذا الزقاق كطروق الدرب النافذ وغلط من قال بخلافه واعتذر الامام عن جواز دخولها بأنه من قبيل الاباحات المستفادة من قرائن الاحوال *
قال (أما الجدار إن كان ملك أحدهما فلا يتصرف الآخر فيه الا بأمره فان استعاره لوضع جذعه لا يلزمه (م) الاجابة في القول الجديد فان رضى فمهما رجع كان له النقص بشرط أن يغرم النقص وقيل فائدة الرجوع المطالبة بالاجرة للمستقبل) * الجدار بين الملكين قد يختص باحد المالكين وقد يملكه المالكان على الاشتراك (القسم الاول) الجدار المخصوص بأحد المالكين هل للآخر وضع الجذوع عليه من إذن مالكه فيه(10/314)
قولان (القديم) وبه قال مالك وأحمد نعم يجبر عليه لو امتنع لما روى عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يمنعن أحدكم جاره أن يضع خشبه على جداره قال فنكس القوم رؤسهم فقال أبو هريرة رضى الله عنه مالى أراكم عنها معرصين والله لارمينها بين أكتافكم) أي لاضعن هذه السنة بين أظهركم (والجديد) وبه قال أبو حنيفة أنه ليس له ذلك ولا يجبر المالك لو امتنع لانه انتفاع بملك الغير فاشبه البناء في أرضه والحمل على بهيمته والحديث يحمل على الاستحباب لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفس منه) (التفريع) الاجبار على القديم مشروط بشروط (أحداها) أن لا يحتاج مالك الجدار إلى وضع الجذوع عليه (الثاني) أن لا يزيد الجارفى
__________
(حديث) أبى هريرة لا يمنعن أحدكم جاره أن يضع خشبه على جداره قال فنكس القوم فقال أبو هريرة مالى أراكم عنها معرضين والله لا رمينها بين اكتافكم، أي لا رمين هذه السنة بين أظهركم * متفق عليه ورواه الشافعي من ذلك الوجه ورواه ابو داود والترمذي وابن ماجه قال الترمذي حسن صحبح وفى الباب عن ابن عباس ومجمع بن جارية (قلت) وهما في ابن ماجه (تنبيه) قال عبد الغنى بن سعيد كل الناس يقوله خشبه بالجمع الا الطحاوي فانه يقول بلفظ الواحد (قلت) لم يفلد الطحاوي الا ناقلا عن غيره قال سمعت يونس بن عبد الاعلى يقول سالت ابن وهب عنه فقال سمعت من جماعة خشبة على لفظ الواحد قال وسمعت روح ابن الفرج يقول سألت أبا يزيد والحارث بن مسكين ويونس بن عبد الا على عنه فقالوا خشبة بالنصب والتنوين واحدة ورواية مجمع تشهد لمن رواه بلفظ الجمع ولفظه " أن أخوين من بنى
المغيرة لقيا مجمع بن جارية الانصاري ورجالا كثيرا فقالوا نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبا في جداره " وكذلك رواية ابن عباس وقد أخرجها البيهقى من طريق شريك عن سماك عن عكرمة عنه بلفظ إذا سأل أحدكم جاره أن يدعم جذوعه على حائطه فلا يمنعه * (حديث) لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفس منه * الحاكم من حديث عكرمة عن ابن عباس لا يحلء لا مرأ من مال أخيه الا ما اعطاه بطيب نفس منه ذكره في حديث طويل ورواه الدارقطني من طريق مقسم عن ابن عباس نحوه في حديث وفى اسناده العرزمى وهو ضعيف ورواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي من حديث أبى حميد الساعدي بلفظ (لا يحل = >(10/315)
ارتفاع الجدار ولا يبنى عليه أزجا ولا يضع عليه ما لا يحتمله الجدار أو يضربه (والثالث) أن لا يملك شيئا من جدران البقعة التى يريد تسقيفها أولا يملك الا جدارا واحدا فان ملك جدارين فليسقف عليهما وليس له اجبار صاحب الجدار وصاحب النهاية لم يعتبر هذا الشرط هكذا ولكن قال الشرط أن تكون الجوانب الثلاثة من البيت لصاحب البيت وهو يحتاج إلى جانب رابع (فاما) إذا كان الكل للغير فانه لا يضع اجذوع عليها قولا واحدا ثم نقل عن بعض الاصحاب انه لم يعتبر هذا الشرط هكذا واعتبر في التتمة مثل ما ذكره الامام وحكى الوجهين فيما إذا لم يملك الا جانبا أو جانبين أيضا والمشهور ما تقدم (وإن قلنا) بالجديد فلا بد من رضا المالك وإذا رضى فاما أن يرضى من غير عوض أو بعوض إن رضى بغير عوض فهو إعارة يمكن من الرجوع عنها قبل وضع الجذوع والبناء عليه وبعده وجهان (أصحهما) أن له الرجوع أيضا كما في سائر العوارى وإذا رجع فلا كلام
__________
لامرء أن ياخذ عصى أخيه بغير طيب نفس منه وذلك لشدة ما حرم الله مال المسلم على المسلم " وهو من رواية سهبل بن أبى صالح عن عبد الرحمن بن ابى سعيد عن ابى حميد وقيل عن عبد الرحمن عن عمارة بن حارثة عن عمر وبن يثربى رواه احمد والبيهقي وقوى ابن المدينى رواية سهيل وفي الباب عن ابن عمر بلفظ (لا يحلبن احد ماشية احد بغير اذنه) الحديث متفق عليه وعن
عبد الله بن مسعود رفعه (حرمة مال المؤمن كحرمة رمه) اخرجه البزار من رواية عمر وبن عثمان عن ابى شهاب عن الاعمش عن ابى وائل عنه وقال نفرد به أبو شهاب وروى الدارقطني من حديث انس بلفظ المصنف وفيه الحارث بن محمد الفهرى رواية عن يحيى بن سعيد الانصاري مجهول وله طريق اخرى عنده عن حميد عن انس والراوي عنه داود بن الزبر قان متروك الحديث ورواه احمد والدارقطني ايضا من حميد حديث ابى حرة الرقاشى عن عمه وفيه على بن زيد بن جدعان وفيه ضعف ورواه ابو داود والترمذي والبيهقي من حديث عبد الله بن السائب بن يزيد عن ابيه عن جده بلفظ (لا يأخذ احدكم متاع أخيه لا عباو لا جادا) الحديث قال احمد هو يزيد بن اخت نمر لا اعرف له غيره نقله الاثرم وقال البيهقى اسناده حسن وحديث ابى حميد اصح ما في الباب(10/316)
في انه لا يمكن من القلع مجانا وفائدة رجوعه فيه وجهان مذكوران في الكتاب (أظهرهما) انه يخير بين أن يبقى بأجرة وبين أن يقلع ويضمن ارش النقصان كما لو أعاره أرضا للبناء قال في التهذيب إلا أن في اعارة الارض له خصلة أخرى وهى تملك البناء بالقيمة وليس لمالك الجدار ذلك لان الارض أصل فجاز أن يستتبع البناء والجدار تابع فلا يستتبع والذى رواه الامام عن حكاية القاضى انه ليس له الا الاجرة ولا يمكن من القلع أصلا لان ضرورة القلع تتداعى إلى ما هو خالص مال المستعير لان الجذوع إذا ارتفعت أطرافها من جدار لم تستمسك على الجدار الثاني (والوجه الثاني) وبه أجاب العراقيون انه ليس له الرجوع أصلا ولا يستفيد به القلع ولا طلب الاجرة للمستقيل لان مثل هذه الاعارة إنما يراد بها التأبيد فاشبه ما إذا أعار لدفن ميت لا يمكن من نبشه ولا من طلب الاجرة فعلى هذا لو رفع صاحب الجذوع الجذوع هل له إعادتها من غير اذن جديد فيه وجهان نقلهما الشيخ أبو حامد واصحابه ولو سقطت بنفسها فكذلك والاصح المنع وكذا لو سقط الجدار فبناه صاحبه بتلك الآلة لان الاذن لا يتناول الامرة واحدة وان بناه بغير تلك الآلة فلا خلاف في أنه لا يعيد إلا باذن جديد لانه جدار آخر وان رضى بعوض فذلك قد يكون على سبيل البيع وقد يكون على سبيل الاجارة وسنتكلم فيهما من بعد * ولو صالحه على مال لم يجز ان فرعنا على قول الاجبار لان من ثبت
له حق لا يؤخذ منه عوض عليه وان فرعنا على القول الآخر صح وليس ذلك كالصلح عن إشراع الجناح لانه صلح على الهواء المجرد * قال (وإن كان مشتركا فلكل واحد منع صاحبه من الانتفاع دون رضاه فلو تراضيا علي القسمة طولا أو عرضا جاز ولا يجبر على القسمة في كل الطول ونصف العرض إذ يتعذر الانتفاع بوضع الجذوع وكذا في نصف الطور (و) وكل العرض وإذا جرت بالتراضى أقرع في الصورة الاخيرة والاولى التخصيص لكل وجه بصاحبه في الصورة الاولى حتى لا تقضى القرعة بخلافه ولا مانع (و) في الاساس من الاجبار على قسمته) *(10/317)
(القسم الثاني) الجدار المشترك والكلام في ثلاثة أمور يشتمل الفصل على اثنين منها (الاول) الانتفاع به وليس لاحد الشريكين أن يتد فيه وتدا أو يفتح فيه كوة أو يترب الكتاب بترا به دون اذن الشريك كسائر الاملاك المشتركة لا يستقل أحد الشريكين بالانتفاع بها ويستثنى من الانتفاعات ضربان (أحدهما) لو أراد أحدهما أعني الشريكين وضع الجذوع عليه ففى اجبار الآخر الخلاف المذكور في القسم الاول بطريق الاول (والثانى) مالا يقع فيه المضايقة من الانتفعات لكل واحد منهما الاستقلال به كالاستناد واسناد المتاع عليه يجوز مثله في الجدار الخالص للجار وهو كالاستضاءة بسراج الغير والاستظلال بجدار الغير ولو منع أحدهما الآخر من الاستناد فهل يمتنع عن الاصحاب فيه ترددا لانه عناد ومن الضرب الثاني ما إذا بنى في ملكه جدارا متصلا للجدار المشترك بحيث لا يقع ثقله عليه (الثاني) قسمته اما في كل الطول ونصف العرض أو في نصف الطول وكل العرض ولا يفهم من الطول ارتفاعه عن الارض فذلك سمك وانما طول الجدار امتداده من زاوية البيت إلى الزاوية الاخرى مثلا والعرض البعد الثالث فإذا كان طوله عشرة أطرع والعرض ذراعا فقسمته في كل الطول ونصف العرض هكذا ليكون لكل واحد نصف ذراع في طول عشر وقسمته بالعكس أن يجعل هكذا ليصير لكل واحد خمسة اذرع في عرض ذراع وأى واحد من النوعين تراضيا عليه جاز لكن كيف يقسم نقل بعض شارحي المختصر فيه وجهين (احدهما) انه يعلم بعلامة ويخط برسم (والثانى) انه يشق وينشر بالمناشير
وينطبق على هذا الثاني ما ذكره العراقيون انهما لو طلبا من الحاكم القسمة بالنوع الاول لم يجبهما إلى ذلك لان شق الجدار في الطول اتلاف له وتضييع ولكنهما يباشران القسمة بأنفسهما ان شاءا وهو كما لو هدماه واقتسما النقض وان طلب أحدهما القسمة وامتنع الآخر نظر ان طلب النوع الاول من القسمة فظاهر المذهب انه لا يجاب إليها وذكر الامام وطائفة أن له معنيين (أحدهما) انا لو اجبرنا لاقرعنا والقرعة ربما تغير الشق الذى يلى دار يد لعمرو وبالعكس فلا يتمكن واحد منهما من الانتفاع بما صار له (والثانى) انه لا يتأتى فيه فصل محقق لان غايته رسم خطين بين الشقين ومع ذلك(10/318)
فإذا بني أحدهما على ما صار له تعدى الثقل والتحامل إلى الشق الآخر وضعف الامام المعنى الثاني بما مر أن هذه القسمة جائزة بالتراضي وذلك يدل على أن رسم الخط كاف في القسمة والمفاضلة وما ذكره توجيها واعتراضا مبنى على الاكتفاء بالعلامة وترك الشق والقطع وهو الاول من الوجهين المنقولين في حالة التراضي وعن صاحب التقريب وجه أنه يجاب الطالب ويجبر الممتنع لكن لا يقرع بل يخصص كل واحد بما يليه (وأما) النوع الثاني وهو قسمة نصف الطول في كل العرض فجائز بالتراضى أيضا وفى الاجبار عليه وجهان أما الذين اعتبروا الشق والقطع فانهم وجهوا أحدهما بأن القطع يوجب اتلاف بعض الجدار ولا اجبار مع الاضرار (والثانى) أن الضرر والنقصان في هذا النوع هين فاشبه قسمة الثوب الصفيق (وأما) المكتفون برسم الخط والعلامة فبنوهما على المعنيين السابقين (إن قلنا) بالاول جرى الاجبار لان كل واحد منهما يتأتى له الانتفاع بما يصير إليه (وإن قلنا) بالثاني فلا لتعذر المفاضلة المحققة والاشبه من الوجهين كيف فرض التوجيه مع الاجبار وهو الذى أورده في الكتاب هذا في قسمة الجدار نفسه (أما) إذا انهدم وظهرت العرصة أو كان بينهما عرصة جدار لم يبن عليها بعد فطلب أحدهما قسمتها في كل الطول ونصف العرض (فان قلنا) في الجدار أن الطالب لمثل هذه القسمة يجاب ويخصص كل واحد بالشق الذى يليه من غير قرعة فكذلك ههنا وبه قال أبو الطيب بن سلمة (وإن قلنا) لايجاب ثم فههنا وجهان بنوهما على المعنيين السابقين (إن قلنا) بالاول لم يجب (وان قلنا) بالثاني أجيب وان طلب قسمتها في نصف الطول وكل العرض أجيب لفقد المعاني المذكورة في الجدار وإذا
بني الجدار وأراد أن يكون عريضا زاد فيه من عرض بيته والله أعلم بالصواب * وإذا عرفت ذلك فاعلم قوله في الكتاب ولا يجبر على القسمة في كل الطول ونصف العرض - بالواو - وكذا قوله وكذا في نصف الطول وكل العرض (وأما) قوله إذا جرت بالتراضى أقرع في الصورة الاخيرة والاولى تخصيص كل وجه بصاحبه في الصورة الاولى وفى الصورة الاخيرة القسمة في نصف الطول وكل العرض والاولى هي القسمة في كل الطول ونصف العرض ولا يفهم من قوله الاولى التخصيص بعينه على رأى ذهابا إلى أن(10/319)
المراد من الاولى من خلاف في المسألة فان أحدا لم يذكر فيها خلافا بل أطلقوا الجواز للقسمة عند التراضي والمعود في القسمة القرعة فان ما أراد الارشاد إلى أن الشريكين ينبغى أن يصيرا إلى التخصيص من غير قرعة فبيع كل واحد منهما ماله في الشق الذى يلى صاحبه بما لصاحبه في الشق الذى يليه تحرزا عن تضييع المال (وأما) قوله ولا مانع في الاساس من الاجبار على قسمته فالمراد من الاساس عرصة الجدار وجوابه واضح في القسمة في نصف الطول وكل العرض وأما في الطول ونصف العرض فالذي أجاب به احد الوجهين وفيه وجه آخر كما قدمنا والاصح عند العراقيين وغيرهم ما أجاب به والله أعلم * قال (والقول الجديد أنه لا يجبر (م ح) على العمارة في الاملاك المشتركة لانه ربما يتضرر بتكليفه العمارة نعم لو انفرد الشريك الآخر فلا يمنع لانه عناد محض ثم ان أعاد الجدار بالنقض المشترك عاد ملكا مشتركا كما كان ولو تعاونا على العمل فكمثل ولو انفرد أحدهما وشرط له الآخر أن يكون ثلثا الجدار له صح وكان سدس النقض عوضا عن عمله المصادق لملك الشريك وإذا انهدم العلو والسفل وقلنا ليس لصاحب العلو اجبار صاحب السفل على العمارة فله أن يعمر بنفسه فان عمر فليس (و) له منع صاحب السفل من الانتفاع بسفله ولا أن يغرمه (و) قيمة ما بناه من الجدار والسقف ومن له حق إجراء الماء في ملك الغير فلا يجبر على العمارة بحال) * (الامر الثالث) العمارة فأذا هدم أحد الشريكين الجدار المشترك من غير اذن صاحبه لاستهدامه أو من غير استهدامه ففى التهذيب وغيره أن النص اجبار الهادم على اعادته وان القياس أنه يغرم النقصان ولا
يجبر على البناء لان الجدار ليس بمثلى ولو استهدم الجدار بنفسه أو هدماه معا اما لاستهدامه أو لغير استهدامه ثم امتنع أحدهما عن العمارة فقولان (القديم) وبه قال مالك واحمد في المشهور عنهما أنه يجبر الممتنع على العمارة دفعا للضرر عن الشركاء وصيانة للاملاك المشتركة عن التعطيل (والجديد) أنه لا يجبر كما لا يجبر على زراعة الارض المشتركة وكما ان طالب العمارة قد يتضرر بامتناع الشريك فالشريك(10/320)
يتضرر بتكليف العمارة ويجرى القولان في النهر المشترك والقناة والبئر المشتركين إذا امتنع أحد الشركاء من التنقية والعمارة وهل يجبر وعند ابي حنيفة يجبر في النهر والقناة والبئر ولا يجبر في الجدار ولو كان علو الدار لواحد وسفلها لآخر فانهدمت فليس لصاحب السفل اجبار صاحب العلو على اعاته وهل لصاحب العلو اجبار صاحب السفل على اعادة السفل ليبني عليه فيه القولان ومنهم من قال القولان فيما إذا انهدم أو هدماه من غير شرط اما إذا استهدم فهدمه صاحب السفل بشرط ان يعيده اجبر عليه قولا واحدا ويجرى الخلاف فيما إذا طلب احدهما اتخاذ سترة بين سطحيهما هل يجبر الاخر على مساعدته * (التفريع) إن قلنا بالقديم وأصر الممتنع أنفق الحاكم عليه من ماله فان لم يكن له مال استقرض عليه أو أذن للشريك في الانفاق عليه من ماله ليرجع علي الممتنع إذا وجد له مال فان استقل به هل له الرجوع أشار المزني فيه إلى قولين وعن الاصحاب فيه طرق (أظهرها) وبه قال ابن خيران وابن الوكيل القطع بعدم الرجوع وحمل الرجوع على ما إذا أنفق بالاذن (والثانى) أن القول بعدم الرجوع تفريع على القديم الذى عليه نفرع وبه قال ابن القطان (والثالث) أنا إن قلنا بالقديم رجع لا محالة (وان قلنا) بالجديد فقولان ونقل الامام وجها فارقا بين أن يمكنه عند البناء مراجعة الحاكم فلا يرجع اولا يمكنه فيرجع والى هذا منعوه ثم إذا أعاد الطالب البناء نظر إن أعاده بالآلة القديمة فالجدار بينهما كما كان في السفل في الصورة الاخرى لصاحب السفل كما كان وليس لصاحب العلو نقضه ولا منعه من الانتفاع بملكه وان بناه بآلة من عنده فالبناء له ويتمكن من نقضه ولو قال الشريك لا تنقض وأنا أغرم لك نصف القيمة لم يجر له النقض لانا علي هذا القول نجبر
الممتنع على ابتداء العمارة فلان نجبره على الاستدامة كان أولى (وان قلنا) بالجديد فلو أراد الشريك المطالب الانفراد بالعمارة نظر إن أراد عمارة الجدار بالنقض المشترك وأراد صاحب العلو أعادة السفل بنقض صاحب السفل أو بآلة مشتركة بينهما فللآخر منعه وان أراد بناءه بآلة من عنده فله ذلك(10/321)
ليصل إلى حقه كما لو سقطت جدوعه الموضوعة على الجدار المشترك ينفرد باعادتها ثم المعاد ملكه يضع عليه ما شاء وينقضه إذا شاء فلو قال شريكه لا تنقض الجدار لاغرم لك نصف القيمة أو قال صاحب السفل لا تنقض لاغرم لك القيمة لم تلزمه اجابته على هذا القول كابتداء العمارة ولو قال صاحب السفل انقض ما أعدته لابنيه بآلة نفسي فان كان قد طالبه بالبناء فلم يجب لم يجب الآن إلى ما يقوله وان لم يطالبه وقد بني علوه عليه فكذلك لايجاب ولكن له أن يتملك السفل بالقيمة ذكره في المهذب وان لم يبن عليه العلو بعد أجيب صاحب السفل ومهما بني الثاني بآلة نفسه فله منع صاحبه من الانتفاع بالعلو بفتح كوة وغرز وتد ونحوهما وليس له منع صاحب السفل من السكني فان العرصة ملكه وعن صاحب التقريب وجه في المنع من السكني أيضا والمذهب الاول * ولو أنفق على البئر والنهر فليس له منع الشريك من سقى الزرع والانتفاع بالماء وله منعه من الانتفاع بالدولاب والبكرة المحدثين ولو كان للمتنع على الجدار الذى انهدم جذوع وأراد عادتها بعد ما بناه الطالب بآلة نفسه فعلى الثاني تمكينه أو نقض ما أعاده يبني معه الممتنع ويعيد جذوعه والله أعلم * بقى في الفصل صورتان (احداها) إذا بان أن الجدار المشترك لو انفرد احدهما بأعدته بالنقض المشترك يعود مشتركا كما كان فلو تعاونا على اعادته كئن أولى أن يعود مشتركا فلو شرطا مع التعاون زيادة لاحدهما لم يجز لانه شرط عوض من غير معرض فانهما متساويان في العمل وفى الجدار وعرصته وعن صاحب التقريب وجه أنه يجوز ذلك لتراضيهما حتى لو باع أحد شريكي الدار على السواء نصيبه من الدار بثلث الدار من نصيب صاحبه قال يصح وتصير الدار بينهما اثلاثا واستبعد الامام ما ذكره وقال لو باع أحدهما نصفه بنصف صاحبه لم يقدر ذلك بيعا ولم ترتب عليه أحكام البيع وهذه الصورة قذ ذكرناها في البيع وبينا أن الاظهر فيها الصحة وقياسه صحة بيع أحدهما نصفه بالثلث من نصف الآخر ولا يلزم منه صحة الشرط فيما نحن فيه لان الموجود هو البناء بشرط الزيادة لاحدهما ومجرد
الشرط والرضى بالتفاوت لا يغير كيفية الشركة القديمة الا أن البناء بالاذن والشرط يقام مقام البيع والاجارة للمسائل المذكورة على الاثر ولو انفرد أحد الشريكين بالبناء بالنقض المشترك باذن صاحبه بشرط أن يكون له الثلثان جاز والسدس الزائد يكون في مقابلة عمله في النصف الآخر هكذا(10/322)
أطلقوه واستدرك الامام فقال هذا مصور فيما إذا شرط له سدس النقض في الحال لتكون الاجرة عتيدة فاما إذا شرط السدس الزائد له بعد البناء لم يصح فان الاعيان لا تؤجل ولك أن تزيد فتقول التصوير وان وقع فيما ذكره وجب أن يكون الحكم فيه كالحكم فيما إذا شرط للمرضع جزءا من الرقيق المرتضع في الحال والقاطف الثمار جزءا من الثمار المقطوفة في الحال ونظائرهما لان عمله يقع على ما هو مشترك بينه وبين غيره وسياتى الكلام فيها في الاجارة ولو بناه أحدهما بآلة نفسه باذن الآخر بشرط أن يكون ثلثا الجدار له فقد قابل ثلثا الآلة المملوكة له وعمله فيه بسدس العرصة المبني عليها وفى صحة هذه المعاملة قولان لجمعهما بين مختلفى الحكم وهما البيع والاجارة ولا يخفي ان شرط الصحة العلم بالآلات وبصفات الجدار فانه يعود فيها النظر إلى شرط ثلث النقض في الحال أو بعد البناء (الثانية) إذا كان له حق اجراء الماء في ملك الغير فانهار ذلك الملك لم يجب على مستحق الاجراء مشاركته في العمارة لان العمارة تتعلق بتلك الاعيان وهى لمالكها لا يشترك المستحق الاجراء فيها وان كان الانهدام بسبب الماء ففيه احتمال عند الامام قال والظاهر أنه لاعمارة عليه أيضا لانه ليس بمالك والانهدام تولد من مستحق ولنتكلم الآن فيما يحتاج إليه من الفاظ الكتاب (قوله) لا يجبر على العمارة في الاملاك المشتركة يجوز اعلامه بالميم والالف بل بالحاء أيضا لما قدمناه من مذاهبهم (وقوله) نعم لو انفرد الشريك الآخر فلا يمنع يشعر بتمكينه من العمارة سواء عمر بالنقض المشترك أو بخاص ملكه وقد صرح بذلك في الوسيط وكذا الامام لكن الظاهر من النقل ما قدمناه وهو أنه ان أعاد بآلة نفسه فلا منع وان أراد العمارة بالنقض المشترك فلصاحبه المنع إذا فرعنا على الجديد وهو المتواتر من جهة المعنى فانه المالك وقد يريد صرفه إلى غير تلك العمارة (وقوله) وشرط له الآخر أن يكون ثلثا الجدار له ظاهره التصوير فيما إذا شرط السدس الزائد بعد البناء لانه حينئذ يسمى
جدارا لكن عرفت في المباحثة التي مرت أن ذلك غير جائز فليؤول اللفظ (وقوله) وإذا انهدم السفل والعلو وقلنا ليس لصاحب العلو اجبار صاحب السفل اشارة إلى أن القولين في الاجبار على(10/323)
العمارة في الاملاك المشتركة يجريان في أن صاحب السفل هل يجبر على اعادة السفل الخالص له (وقوله) فله أن يعمر بنفسه فيه مثل هذا الكلام الذي ذكرناه في قوله نعم لو انفرد الشريك الآخر فلا منع (وقوله) فليس له منع صاحب السفل من الانتفاع بسفله إن حمل على ما إذا أعاد بالنقض المشترك فذاك وان أجرى إطلاقه فليحمل الانتفاع على السكني في عرصته فان الانتفاع بالجدار غير سائغ على ما تقدم ثم ليعلم بالواو للوجه المحكى عن صاحب التقريب (وقوله) ولان أن يغرمه مفرع عن نظم الكتاب على القول الجديد في مسألة السفل والعلو والحكم بعدم الرجوع على ظاهر المذهب لا يختلف بالقولين * قال (أما السقف الحائل بين العلو والسفل يجوز لصاحب العلو الجلوس عليه وان كان مشتركا للضرورة وكذا ان كان مستخلصا لصاحب السفل وانما يتصور ذلك بأن يبيع صاحب السفل حق البناء على سقفه من غيره فيصح (ز) هذه المعاملة وهى بيع فيها مشابه الاجارة ولايجوز بيع حق الهواء لاشراع جناح من غير أصل يعتمده البناء ويجوز بيع حق مسيل الماء ومجراه وحق الممر وكل الحقوق المقصودة على التأبيد ويجب أن يذكر قدر البناء وكيفية الجدار لاختلاف العرض في تثاقله ولو باع حق البناء على الارض لم يجب (و) ذكر ذلك ومهما هدم صاحب السفل السفل لم ينفسخ البيع لانه مخالف للاجارة ولكن يغرم له قيمة البناء للحيلولة فإذا أعاد السفل استرد القيمة) * كما أن الجدار الحائل بين مالكين تارة يكون مشتركا بين المالكين وتارة يكون خالصا لاحدهما فكذلك السقف الحائل بين العلو والسفل المملوك كل واحد منهما لواحد قد يكون مشتركا بينهما وقد يكون خالصا لاحدهما وحكم القسمين في الانتفاع يخالف حكمهما في الجدار فيجوز لصاحب العلو الجلوس ووضع الاثقال عليه على الاعتياد ولصاحب السفل الاستظلال والاستكنان به لانا لو لم نجوز ذلك لعظم الضرر وتعطلت المنافع وهل لصاحب السفل تعليق الامتعة فيه (أما) ما ليس ثقيلا
يتأثر السقف به كالثوب وبحوه فلامنع به بل هو كالاستناد إلى الجدار (وأما) غيره ففيه وجهان(10/324)
(أحدهما) أنه غير جائز إذ لا ضرورة فيه بخلاف الاستظلال (وأظهرهما) انه يجوز على الاعتياد تسوية بين صاحب العلو وصاحب السفل في تجويز تثقيل السقف وعلى هذا فوجهان (أحدهما) أن التعليق الجائز هو الذى لا يحتاج إلى إثبات وتدفى السقف (وأظهرهما) أنه لا فرق وقال الشيخ أبو محمد (فان قلنا) إنه ليس له اثبات الوتد والتعليق منه فليس لصاحب العلو غرز الوتد في الوجه الذى يليه إذ لا ضرورة إليه وإن جوزناه لصاحب السفل ففى جوازه لصاحب العلو وجهان لندرة حاجته إليه بخلاف التعليق * إذا تقرر ذلك فتصوير القسم الاول هو أن يكون السقف مشتركا بينهما وأما إذا كان خالصا لاحدهما فصورة خلوصه لصاحب العلو أن يكون لرجل جداران متقابلان فيأذن لغيره في وضع الجدوع عليهما والبناء على تلك الجذوع بعوض أو غير عوض فإذا فعل ذلك كان السقف لصاحب العلو وصورة خلوصه لصاحب السفل أن يأذن لغيره في البناء على سقف ملكه بعوض أو بغير عوض فيبني عليه والى هذا أشار بقوله وانما يتصور ذلك أن يبيع صاحب السفل حق البناء على سقفه من غيره ولما جري ذكر هذا التصرف وهو من المسائل المقصودة في الباب اندفع في بيانه وبيان ما يناسبه ونحن نشرحه في مسألتين ولا نبالي بما يحتاج إليه من تقدير مؤخر في سياق الكتاب وتأخير مقدم (المسألة الاولى) اذن المالك لغيره في البناء على ملكه قد يكون بغير عوض وهو الاعارة وقد يكون بعوض فمن صوره أن يكرى أرضه أو رأس جداره أو سقفه مدة معلومة بأجرة معلومة فتجوز وسبيله سبيل سائر الاجارات (ومنها) أن يأذن فيه بصيغة البيع ويبين الثمن فهو صحيح خلافا للمزني ولابي حنيفة أيضا فيما حكاه القاضى الرويانى ثم يتصور ذلك بلفظتين (احداهما) أن يبيع سطح البيت أو علوه للبناء عليه بثمن معلوم (والثانية) ان يبيع حق البناء على ملكه والاولى هي لفظة الشافعي وعامة الاصحاب رحمهم الله والثانية لفظة الامام وصاحب الكتاب ويتلخص الغرض بمباحثتين (احداهما) أن المراد من اللفظتين شئ واحد وان كان ظاهر اللفظ يشعر بالمغايرة لان بيع العلو للبناء أما أن يراد به جملة السقف فليخرج على(10/325)
التفصيل الذى مر في البيع وأيضا فانهم صوروا فيما إذا اشترى ليبنى عليه ومن اشترى شيئا انتفع به بحسب الامكان ولم يحتج إلى التعرض للانتفاع به (والثانية) ما حقيقة هذا العقد أبيع هو أم اجارة ان كان بيعا فليعد ملك عين كسائر البيوع فان كان اجارة فليشترط التأقيت كسائر الاجارات (والجواب) أن الاصحاب اختلفوا فيه فقال قائل هو بيع ويملك المشترى به مواضع رؤس الاجذاع وهذا يدفع الالزام لكنه مشكل لما ذكرنا في المباحثة الاولى (والصحيح) أنه لا تملك به عين وعلى هذا فوجهان (أحدهما) أنه اجارة وإنما لم يشترط تقدير المدة لان العقد الوارد على المنفعة تتبع فيه الحاجة وإذا اقتضت الحاجة التأبيد أبد على خلاف سائر الاجارات والتحق بالنكاح ونسب صاحب البيان هذا الوجه إلى ابن الصباغ (وأظهرهما) أنه ليس باجارة محضة ولكن فيه شائبة الاجارة وهى أن المستحق به منفعة وشائبة البيع وهى أن الاستحقاق فيه على التأبيد فكأن الشرع نظر إلى أن الحاجة تمس إلى ثبوت الاستحقاق المؤبد في مرافق الاملاك وحقوقها مساسها إلى ثبوت الاستحقاق المؤبد في الاعيان فجوز هذا العقد واثبت فيه شبها من البيع وشبها من الاجارة وهذا معنى قوله في الكتاب وهى بيع فيه مشابهة الاجارة وإذا قلنا انه لا تملك به عين فلو عقد بلفظ الاجارة ولم يتعرض للمدة فوجهان (أشبههما) أنه ينعقد أيضا لانه يخالف في قضية كما يخالف الاجارة في أخرى فإذا عقد بلفظ الاجارة في أخرى فإذا انعقد بلفظ البيع لتوافقهما في قضية انعقد بلفظ الاجارة لتوافقهما في أخرى فإذا جرت هذه المعاملة وبنى المشترى عليه لم يكن للبائع أن يكلفه النقض ليغرم له أرش النقصان * ولو انهدم الجدار والسقف بعد بناء المشترى عليه وأعاد مالكه فللمشترى اعادة البناء بتلك الآلات أو بمثلها ولو انهدم قبل البناء فللمشترى البناء عليه إذا أعاده وهل يجبره على إعادته فيه الخلاف السابق ولو هدم صاحب السفل أو غير السفل قبل بناء المشترى فعلى الهادم قيمة حق البناء لانه حال بينه وبين حقه بالهدم فإذا أعاد مالك السفل استرد الهادم القيمة لان الحيلولة قد ارتفعت فلا يغرم أجرة البناء لمدة الحيلولة ولو كان الهدم بعد(10/326)
البناء قالقياس أن يقال (إن قلنا) إن من هدم جدار الغير يلزمه اعادته فعليه اعادة السفل والعلو
(وان قلنا) يلزمه أرش النقص فعليه أرش نقص الالات وقيمة حق البناء للحيلولة بالجملة فلا تنفسخ هذه المعاملة بما يعرض من الهدم والانهدام من جهة التحاقها بالبيوع ثم سواء جرى الاذن في البناء بعوض أو لا بعوض فيجب بيان قدر الموضع المبنى على طولا وعرضا ويجب مع ذلك إن كان البناء لى الجدار أو والسطح بيان سمك البناء وطوله وعرضه وكون الجدران منسدة أو خالية الا جواف وكيفية السقف المحمول عليها لان الغرض يختلف ولا يحتمل الجدار أو السقف كل شئ وحكى القاضى الرويانى وجها أنه إذا أطلق ذكر البناء كفى وحمل على ما يحمله المبنى على ولا يشترط التعرض لوزن ما يبنيه على لان الاعلام في كل شئ على ما يليق به ويعتاد فيه وعن الشيخ أبى محمد أن بعضهم يشترطه ولو كانت الآلات حاضرة أغنت مشاهدتها عن كل وصف وتعريف وان أذن في البناء على أرضه لم يجب ذكر سمك البناء وكيفته لان الارض تحمل كل شئ وفيه وجه آخر يذكر مع الاول في باب الاجارة أنه يجب لان بتقدير القلع والتفريغ عند انقضاء مدة الاجارة أو الرجوع عن الاعارة تطول مدة التفريغ وتقصر بحسب كبر النقض وقلته ويختلف الغرض بذلك * (فرع) ادعى بيتا في يد غيره فاقر له به وتصالحا على أن يبنى المقر على سطحه جاز ذلك وقد أعاره المقر له سطح بيته للبناء ولو كان تنازعهما في سفله والعلو مسلم للمدعى عليه فاقر للمدعى بما ادعى وتصالحا على أن يبنى المدعى على السطح ويكون السفل للمدعى عليه جاز وذلك بيع السفل بحق البناء على العلو (المسألة الثانية) من احتاج إلى اجراء ماء في أرض الغير لم يكن له اجبار صاحب السطح والارض عليه وروى البندنيجى وغيره عن القديم قولا أنه يجبر والمذهب الاول فان أذن فيه باعارة أو بيع أو اجارة جاز ثم في السطح لابد من بيان الموضع الذي يجرى(10/327)
عليه الماء والسطوح التى ينحدر منها لماء إليه ولا باس بالجهل بالقدر من ماء المطر لان ذلك مما لا يمكن معرفته وهذا عقد جوز للحاجة وإذا أذن وبين ثم بنى على سطحه ما يمنع الماء فان كان عارية فهو رجوع وان كان بيعا أو اجارة فللمشترى أو المستأجر ثقب البناء واجراء الماء فيه وأما في الارض فقد قال في التهذيب لا حاجة في العارية إلى بيان لانه إذا شاء رجع والارض تحمل ما يحمل وان أجر
وجب بيان موضع الساقية وطولها وغرضها وعمقها وتقدير المدة قال في الشامل ولابد وأن تكون الساقية محفورة فان المستأجر لا يملك الحفر وان باع وجب بيان الطول والعرض وفى العمق وجهان بناء على أن المشترى يملك موضع الجريان أو لا يملك الاحق الاجراء وايراد الناقلين يميل إلى ترجيح الاول وهذا إذا كان لفظ البيع بعت منك مسيل الماء فان قال حق مسيل الماء فكذلك صور الففال فهو كبيع حق البناء ويجئ في حقيقة العقد ما مر في بيع حق البناء وفى المواضع كلها ليس له دخول الارض بغير اذن مالكها الا أن يريد تنقية النهر وعليه أن يخرج من أرضه ما يخرج من النهر والمأذون في اجراء ماء المطر ليس له القاء الثلج ولا أن يترك الثلج حتى يذوب ويسيل إليه ولا أن يجرى فيه ماء يغسل به ثيابه وأوانيه بل لا يجوز أن يصالح على ترك الثلوج على السطح أو اجراء الغسالات على مال لان الحاجة لا تدعوا إلى مثله وفى الارض ضرر ظاهر (والثانى) مجهول والمأذون في القاء الثلج ليس له اجراء الماء وتجوز المصالحة على قضاء الحاجة في حق الغير على مال وكذا على جمع الرمل والقمامة في ملكه وهى اجارة يراعى فيها شرائطها وكذا المصالحة عن البيتوتة على سطح الجار ثم لو باع مستحق البيتوتة منزله فليس للمشترى أن يبيت عليه بخلاف ما إذا باع مستحق اجراء الماء على سطح الغير مدة بقاء داره فانه يستحق المشترى الاجراء بقية المدة لان اجراء الماء من مرافق الدار دون البيتوتة (وقوله) في الكتاب ولا يجوز بيع حق الهواء لاشراع الجناح هذه المسألة احتج بها المزني للمنع من بيع حق البناء وفرق الاصحاب بان ذاك اعتياض عن مجرد الهواء وحق البناء تعلق بعين الموضع المبنى عليه حتى لو صالحه عن موضع الجذوع المشرعة على جداره صح ولهذا يجوز اكراء المالك للبناء بالاتفاق ولا يجوز اكراء الهواء وكل حق(10/328)
يتعلق بغير مجرى الماء والممر فهو كحق البناء بلا فرق (وقوله) حق مسيل الماء ومجراه اللفظتان متقاربنان ويمكن حمل المسيل على الموضع الذى ينحدر إليه الماء ويقف إلى النضوب والمجرى على الموضع الذى يجرى فيه الماء (وقوله) وكل الحقوق المقصودة على التأبيد فيه اشعار بان الحقوق المتعلقة بالاعيان لما كانت مقصودة على التأبيد الحقت بالاعيان حتى استغنى العقد الوارد عليها عن التأفيت.
(فرع) خرجت أغصان شجرته إلى هواء ملك الجار * للجار أن يطالبه بازالتها فان لم يفعل فله تحويلها عن ملكه فان لم يمكن فله قطعها ولا يحتاج فيه إلى اذن القاضى وفيه وجه ضعيف ولو صالحه على ابقائها بعوض لم يجز أن يستند الغصن إلى شئ لانه اعتياض عن مجرد الهواء وان استند إلى جدار فان كان بعد الجفاف جاز وان كان رطبا فلا لانه يزيد ولا يعرف قدر ثقله وضرره وعن طائفة من بصريى أصحابنا أنه يجوز وما ينموا يكون تابعا وانتشار العروق كانتشار الاغصان وكذلك ميل الجدار إلى هواء الجار قاله الاصطخرى * قال (الفصل الثالث في التنازع وفيه ثلاث مسائل (الاولى) لو ادعى على رجلين دارا وهى في يدهما فكذبه أحدهما وصدقه الآخر فصالح المصدق على مال فأراد المكذب أخذه بالشفعة ان ادعى عليهما عن جهتين جاز وان ادعى عن جهة واحدة من أرث أو شراء فلا لانه كذبه في استحقاقه فالصلح باطل بقوله وفيه وجه أنه يأخذ) * كلام الفصل في ثلاث مسائل (الاولى) إذا ادعى رجل على رجلين دارا في أيديهما فصدقه أحدهما وكذبه الآخر ثبت له النصف باقرار المصدق والقول قول المكذب في انكاره فلو صالح المدعى المقر على مال فاراد المكذب أخذه بالشفعة هل له ذلك اختلف طرق الناقلين في الجواب(10/329)
قال الشيخ أبو حامد وقوم ان ملكها في الظاهر بسببين مختلفين فله ذلك لانه لاتعلق لاحد الملكين بالآخر وان ملكها بسبب واحد من إرث أو شراء فوجهان (أحدهما) المنع لان الدار يزعم المكذب أنها ليست للمدعى فان في ضمن إنكاره تكذيب المدعى في نصيب المقر أيضا وحينئذ يكون الصلح باطلا (وأظهرهما) ان له الاخذ لحكمنا في الظاهر بصحة الصلح وانتقال الملك إلى المقر ولا يبعد انتقال نصيب أحدهما إلى المدعى دون الآخر ان ملكاه بسبب واحد وهذا الطريق هو الذى أورده الامام والمصنف في الوسيط لكنهما جعلا أظهر الوجهين المنع وفى اصل الطريقة أشكال لانا لانحكم بالملك الا بظاهر اليد ولا دلالة لليد على اختلاف السبب وايجاده فيما يعرف الحاكم الاختلاف والاتحاد والى قول من يرجع ومن الذى يقيم البينة عليه وقال صاحب الكتاب ههنا ان ادعى عليهما
من جهتين فللمكذب الاخذ بالشفعة وان ادعى عن جهة واحده ففيه الوجهان وفيه وقفات أيضا وقصور عن الوفاء بالجواب لان المدعى ليس من شرطه التعرض لسبب الملك وبتقدير تعرضه فلا يلزم من تكذيبه المدعى في قوله ورثت هذه الدار زعم أنه لم يرث نصفها وقال ابن الصباغ ان اقتصر المكذب على انه لا شئ لك في يدى أولا يلزمنى تسليم شئ اليك أخذ بالشفعة وان قال مع ذلك وهذه الدار ورثناها ففيه الوجهان وهذا أقرب الطرق على أن قوله ورثناها لا يقتضى بقاء نصيب الشريك في ملكه بل يجوز انتقاله إلى المدعى فليقطع بجواز الاخذ بالشفعة الا أن يتعرض لكون الشريك مالكا في الحال * هذا إذا ادعى رجل على رجلين ولو ادعى رجلان دارا في يد رجل فأقر لاحدهما بنصفها نظر ان ادعيا أنهما ورثاها شارك المكذب المصدق فيما سلمه المدعى عليه لان الارث يقتضى شيوع التركة بين الورثة فما يخلص يكون بينهما وصار كما لو تلف بعض التركة وحصل البعض هذا إذا لم يتعرضا لقبض الدار أما إذا قالا قبضناها وورثناها ثم غصبتها منا فوجهان (منهم) من قال يشاركه أيضا لان ايجاب الارث الشيوع لا يختلف ويحكى هذا عن أبى حنيفة ومالك رضى الله عنهما لان الشركة إذا حصلت في يد الورثة صار كل واحد منهم قابضا لحقه وانقطع حقه عنه عما في(10/330)
يد الآخرين ألا ترى انه يجوز أن يطرأ الغصب على نصيب أحدهما خاصة بان تزال يده فان المغصوب لا يكون مشتركا بينهما وان ادعيا الاستحقاق بجهة غير الارث من شراء وغيره ان لم يقولا اشترينا معا أو اتهبنا معا لم يشارك المكذب المصدق بل هو كما لو عين هذا جهة وهذا غيرها وان قالا اشترينا معا أو اتهبنا معا وقبضنا فوجهان (أظهرهما) وبه قال الشيخ أبو حامد وأصحابه وتابعهم القاضى الحسين إن الحكم كما ذكرنا في الارث (والثانى) ويحكى عن أبى على بن أبى هريرة والطبري وبه قال القاضى ابن كج والشيخ أبو محمد انه لا يشركه لان تعدد المشترى يقتضى تعدد العقد فهو كما لو ملكا بعقدين ولو لم يتعرضا لسبب الاستحقاق أصلا فلا شركة بحال نص عليه في المختصر وحيث قلنا بالشركة في هذه الصورة فلو صالح المصدق المدعى عليه عن المقربة على مال نظر ان صالح باذن الشريك صح والا بطل في نصيب الشريك وفى نصيبه قولا تفريق الصفقة وعن بعض الاصحاب تصحيح الصلح في
جميع المقربة لنوافق المتعاقدين وتقارهما وهو ضعيف ولو ادعيا دارا في يده فأقر لاحدهما بجميعها فالجواب انه ان وجد من المقر له في الدعوى ما يتضمن اقرارا لصاحبه بان قال هذه الدار بيننا وما أشبه ذلك شاركه صاحبه فيها وان لم يوجد بل اقتصر على دعوى النصف نظر ان قال بعد اقرار المدعى عليه بالكل الكل لى سلم الكل له ولا يلزم من ادعائه النصف إلا يكون الباقي المحواران (كذا بالاصل فحرر) لا تساعده البينة في الحال الا على النصف أو يخاف الجحود الكلى لو ادعى الكل وان قال النصف الآخر لصاحبي سلم إليه وان لم يثبته لنفسه ولا لصاحبه فيترك في يد المدعى عليه أو يحفظه القاضى أو يسلم إلى صاحبه الذى يدعيه فيه أوجه (أصحها) أولها وهى بتوجيهها تذكر في موضعها * قال (الثانية تنازعا جدارا حائلا بين ملكيهما فهو في أيهديهما فلو كان وجه الجدار أو الطافات أو معاقد القمط إلى أحدهما لم يجعل (م) صاحب يد لان كونه حائلا بينهما علامة ظاهرة للاشتراك فلا يغير بمثله وكذلك (ح) لو كان لاحدهما عليه جذوع بخلاف مالو شهدت بينة لاحدهما بالملك في الجدار يصير (و) صاحب يد في الاس إذ ليس فيه علامة الاشتراك وكذا راكب الدابة مع(10/331)
المتعلق بلجامها مختص باليد إذ ليس ثمت علامة قوية في الاشتراك فالركوب ظاهر في التخصيص أما وضع الجذوع فزيادة انتفاع فهو كزيادة الاقمشة في الدار وكذلك إذا تنازع صاحب العلو والسفل في السقف فهو في يدهما (ح م) الا إذا كان بحيث لا يمكن احداثه بعد بناء العلو فيكون متصلا بجدار صاحب السفل اتصال ترصيف وهو علامة اليد وكذا الجدار المتنازع فيه إذا اتصل بأحدهما اتصال ترصيف كان هو صاحب اليد) * في المسألة صورتان (إحداهما) إذا تنازعا جدارا حائلا بين ملكيهما فله حالتان (الاولى) أن يكون متصلا ببناء أحدهما دون الآخر اتصالا لا يمكن احداثه بعد بنائه فيرجح جانبه لان اتصاله به امارة ظاهرة على يده وتصرفه وصورته أن يدخل نصف لبنات من الجدار المتنازع فيه في جداره الخاص ونصف من جداره الخاص في المتنازع فيه ويتبين ذلك في الزوايا وكذلك إذا كان لاحدهما أزج لا يتصور احداثه بعد تمام الجدار بان أميل من مبدأ ارتفاعه عن الارض قليلا قليلا وإذا ترجح
جانبه حلف وحكم بالجدار له الا أن تقوم بينة على خلافه ولا يحصل الرجحان بان يوجد الترصيف المذكور في مواضع معدودة من طرف الجدار لامكان احداثه بعد بناء الجدار بنزع طوبة وادراج أخرى ولو كان الجدار المتنازع مبنيا على خشبة طرفها في ملك أحدهما وليس منها في ملك الثاني شئ فالخشبة لمن طرفها في ملكه والجدار المبنى عليها تحت يده ظاهرا قال الامام وليس المسألة خالية عن الاحتمال (والثانية) أن لا يكون متصلا ببناء أحدهما خاصة بل يكون متصلا ببنائهما جميعا أو منفصلا عنهما فهو في أيديهما فان أقام أحدهما بينة قضى له والا حلف كل واحد منهما للاخر فان حلفا أو نكلا جعل الجدار بينهما بظاهر اليد وان حلف أحدهما ونكل الاخر قضى للحالف بالكل وعلى (كذا بالاصل فحرر) ؟ م يحلف كل واحد منهما على النصف الذى يسلم له أو على الجميع لانه ادعى الجميع فيه وجهان (أظهرهما) الاول وتكلم الشافعي رضى الله عنه في هذا الموضع في أمرين عدهما بعضهم من أسباب ترجيح أحدهما قال: ولا نظر إلى من إليه الخوارج والدواخل ولا انصاف اللبن ولا معاقد القمط *(10/332)
قال المفسرون لكلامه المراد بالخوارج الصور والكتابات المتخذة في ظاهر الجدار بلبنات تخرج بجص أو آجر وبالداخل الطاقات والمحاريب في باطن الجدار وبانصاف اللبن أن يكون الجدار من لبنات مقطعة فتجعل الاطراف الصحاح إلى جانب وموضع الكسر إلى جانب ومعاقد القمط يكون في الجدران المتخذة من القصب أو الحصر وأغلب ما يكون ذلك في الستور بين السطوح فتشد بحبال أو خيوط وربما تجعل عليها خشبة معترضة ويكون العقد من جانب والوجه المستوى من جانب وبه قال أبو حنيفة وأحمد رحمهما الله * وقال مالك رحمه الله يثبت الترجيح بالخوارج والدواخل وبان تلى الاطراف الصحيحة من اللبنات ملكه (وأما) في معاقد القمط فنقل الشيخ الصيدلانى والمسعودي عن مذهبه أنه يرجح جانب من يلى ملكه الوجه المستوى منها لانه أحسن وهذا قياس ما ذكرنا من أنصاف اللبنات ونقل غيرهما أنه يرجح جانب من يلى معاقد القمط ملكه وربما وجهوه بانه إذا كان المعاقد إليه فالظاهر أنه وقف في ملكه وعقده * لنا أن كونه حائلا بين الملكين علامة قوية في الاشتراك فلا تعير بهيئة الاسباب الضعيفة التى معظم القصد منها الزينة كالتجصيص والتزويق (والثانى) لو
كان لاحد هما عليه جذوع لم يرجح جانبه به وبه قال أحمد خلافا لابي حنيفة ومالك * واحتج لهما بأن الجارين لو تنازعا في الجدار وشهدت بينة لاحدهما وقضى بها يصير المشهود له صاحب يد في الاس فإذا اقتضى الجدار على الاساس الترجيح ففى الاساس وجب أن يقتضى الجذوع على الجدار الترجيح في الجدار وأيضا فان صاحب الجذوع مسئول عن الجدار يدا وتصرفا فرجح جانبه وان كان للاخر تعلق به كما لو تنازعا دابة وأحدهما راكبها والاخر اخذ بلجامها أو ثوبا وأحدهما لابسه والآخر آخذ بطرفه * لنا أن وضع الجذوع لا يدل على اليد والملك لوجهين (أحدهما) أن من العلماء من جوز وضع الجذوع على جدار الغير بغير اذن المال فلعل مفتيا أفتى به له (والثانى) أنه لو دل عليهما لا ستوى فيه القليل والكثير ألا ترى أن كون جميع الثوب في يد الانسان وكون طرف منه في يد واحد وبالعكس مالا يدل عليهما يستوى فيه القليل والكثير كالتحصيص والتزويق وقد(10/333)
سلم أبو حنيفة رضى الله عنه أن الجذع الواحد لا يقتضى الترجيح وفى الجذعين الخلاف عنه * إذا تقرر ذلك كان وضع الجذوع زيادة انتفاع من أحدهما كما إذا تنازعا دارا في يدهما وأقمشة أحدهما فيه أكثر لا يرجح جانبه (وأما) مسألة الاس فان الامام وصاحب الكتاب صوراها كما ذكرنا ولم ينقلا فيها خلافا والعراقيون احتجوا لابي حنيفة بانهما إذا تنازعا في العرصة يعنى بالعرصة ههنا الاس وهما متفقان على أن الجدار لاحدهما حيث يجعل صاحب الجدار صاحب اليد في العرصة فاعلم أن غرض الاحتجاج حاصل بهذا القدر وتصور اقامة البينة مستغنى عنه ثم أنهم في الجواب نقلوا في المسألة وجهين للاصحاب فان منعنا فذاك وان سلمنا وهو الاظهر فالفرق من وجهين (أحدهما) أن الجدار على العرصة دليل اليد والملك فيها لانه لم يجوز أحد البناء في عرصة الغير ووضع الجذوع بخلافه على ما مر (والثانى) أن علامة الاشتراك ظاهرة في الجدار فانه كالجزء من كل واحد من الدارين فليس في العرصة علامة لاشتراك فاذن مسألة الاس كما لو تنازعا دارا لا يسكنانها ولاحدهما فيها أمتعة ومسألة وضع الجذوع كما لو تنازعا دارا يسكنانها ولاحدهما فيها أمتعة زائدة (وأما) مسألة الدابة فهى ممنوعة بل هما سواء على قول أبى اسحق وعلى التسليم وهو المذهب فالفرق أن الركوب يقتضى البد والملك وهو أقوى
فاقتضى الترجيح ووضع الجذوع قد بينا أنه لا يقتضى اليد والازج المبنى على رأس الجدار بعد تمامه على الامتداد كالسقف لامكان احداثه بعد بناء الجدار فإذا جعلنا الجدار في أيديهما وحلفا لم ترفع الجذوع بل تترك بحالها لاحتمال أنها وضعت بحق (الصورة الثانية) السقف المتوسط بين علو أحدهما وسفل الآخر كالجدار المتوسط بين الملكين فإذا تداعيا نظر ان لم يمكن احداثه بعد بناء العلو كالازج الذى لا يمكن عقده على وسط الجدار بعد امتداده في العلو فيجعل في يد صاحب السفل لاتصاله ببنائه على سبيل الترصيف فان أمكن احداثه بعد بناء العلو بان يكون السقف عاليا فيثقب وسط الجدار وتوضع رؤس الجذوع في الثقب فيصير البيت بيتين فهو في أيديهما لاشتراكهما في الانتفاع به فانه أرض لصاحب العلو وسماء لصاحب السفل وبهذا قال أحمد * وقال أبو حنيفة هو لصاحب السفل(10/334)
وبه قال مالك في رواية والاشهر عنه أنه لصاحب العلو (وأما) لفظ الكتاب فقوله في أول المسألة فهو في أيديهما يعنى إذا لم يتصل بملك احدهما اتصال ترصيف وقد استدرك ذلك وبينه في آخر صورة التنازع في السقف (وقوله) لم يحعل صاحب اليد معلم بالميم ويمكن أن يقرأ قوله أو معاقد القمط بالرفع عطفا علي الوجه وبالجر عطفا على الجدار ولا يختلف الحكم عندنا لكن إذا حاولنا الاشارة إلى مذهب مالك وأخذنا برواية المسعودي والصيدلانى فالوجه أن يقرأ بالجر (وقوله) وكذلك لو كان لاحدهما عليه جذوع بالحاء (وقوله) يصير صاحب يد في الاس يجوز اعلامه بالواو لان الخلاف الذى أورده العراقيون في الصورة التى ذكرناها جار ههنا بلا فرق وكذلك قوله مختص باليد للوجه المنقول عن أبى اسحق (وقوله) في مسألة السقف فهو في أيديهما معلم بالحاء والميم لما مر من مذهبهما * قال (الثالثة علو الخان لواحد وسفله لآخر وتنازعا في العرصة ان كان المرقى في أسفل الخان فالعرصة في يدهما وان كان في دهليز الخان فوجهان) * علو الخان لواحد وسفله لآخر وتنازعا في العرصة أو الدهليز لم يخل أما أن يكونا المرقى في صدر الخان أو الدار أو الدهليز أو الوسط أو خارجه والخان والدار بجانب العرصة جعلت العرصة والدهليز بينهما
لان لكل واحد منهما فيها يدا وتصرفا من الطروق ووضع الامتعة وغيرهما قال الامام وكان لا يبعد أن يقال ليس لصاحب العلو الاحق الممر وتجعل الرقية لصاحب السفل ولكن لم يصر إليه أحد من الاصحاب وان كان المرقى في الدهليز أو في الوسط فمن أول الباب إلى المرقى بينهما وفيما وراء ذلك وجهان (أصحهما) أنه يجعل لصاحب السفل لانقطاع الآخر عنه واختصاصه بصاحب السفل يدا وتصرفا (والثانى) إنه يجعل بينهما لانه قد ينتفع به صاحب العلو بالقاء الامتعة فيه وطرح القمامات وان كان المرقى خارجا عن خطة الخان والدار فلا تعلق لصاحب العلو بالعرصة بحال ولو كانت المسألة بحالها فتنازعا في المرقى وهو غير خارج فينظر إن كان في بيت لصاحب السفل فهو في يده وان كان في(10/335)
غرفة لصاحب فهو في يده وان كان منصوبا في موضع المرقى فقد حكى القاضى ابن كج ان الا كثرين صاروا إلى أنه لصاحب العلو لعود منفعته إليه وان ابن خيران ذهب إلى أنه لصاحب السفل وهذا هو الوجه كسائر منقولات الدار وان ثبت الاول فليخرج وجه في اندراج السلم الذى لم يسمر تحت تبع الدار وان كان المرقى مثبتا في موضعه كالسلم المسمر والاخشاب المعقودة فهو لصاحب العلو لعود فائدته إليه وكذا إذا كان مثبتا من لبن أو آجر إذا لم يكن تحته شئ وان كان تحته بيت فهو بينهما كسائر السقوف وان كان تحته موضع حب أو جرة فوجهان (عن) أبى اسحق وابن أبى هريرة وغيرهما أنه كما لو كان تحته بيت والاصح انه يجعل لصاحب العلو لظهور بنائه لغرض صاحب العلو وضعف منفعة صاحب السفل والله عزوجل أعلم *(10/336)
(كتاب الحوالة)
قال (وهى معاملة صحيحة (لقوله صلى الله عليه وسلم مطل الغني ظلم فإذا احيل أحدكم على ملى فليحتل) والنظر في شرئطها وأحكامها * أما الشرائط (فالاول) رضا المستحق للدين والمستحق عليه (و) ايجابا وقبولا * ورضا المحال عليه لا يشترط (ح) لانه محل التصرف * وهل يشترط أن يكون على المحال عليه دين فيه وجهان * فان لم يشترط فحقيقة تجويز الضمان بشرط براءة الاصيل *
وعند ذلك يشترط رضاه لا محالة) * أصل الحوالة مجمع عليه ويدل عليه من جهة الخبر ماروى الشافعي رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (مطل الفني ظلم فإذا اتبع أحدكم على ملى فليتبع) ويروى (وإذا احيل أحدكم على ملى فليحتل) وهو معني اللفظ الاول قال في الصحاح ويقال اتبع فلان بفلان إذا احيل له عليه والتبيع الذى لك عليه مال ثم الاشهر من الرواية (فإذا احيل أحدكم) بالفاء فعلى التقدير الاول هو مع قوله (مطل الغني ظلم) جملتان لا تعلق للثانية بالاولى لقوله صلى الله عليه وسلم (العارية مردودة والزعيم الغارم) وعلى الثاني يجوز أن يكون المعنى في الترتيب انه إذا كان المطل ظلما من الغنى فإذا احيل بدينه فان الظاهر انه يحترز عن الظلم ولا يمطل ثم الامر في قوله فليتبع أو فليحتل أمر استحباب وعن أحمد رضى الله عنه انه للوجوب * واعلم انه إذا كان لزيد عليك عشرة ولك على عمرو مثلها فأحلت زيدا على عمرو فانت محيل
__________
(كتاب الحوالة) (حديث) الشافعي عن مالك عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مطل الغنى ظلم وإذا اتبع احدكم على ملى فليتبع متفق عليه من حديث مالك ورواه اصحاب السنن الا الترمذي من حديث أبى الزناد أيضا وأخرجوه من طريث همام عن أبى هريرة ورواه أحمد والترمذي من حديث ابن عمر نحوه (قوله) ويروى فإذا أحيل أحدكم على ملى فليحتل ويروى وإذا أحيل بالواو وهو أشهر وهو بمعنى الاول هي رواية لاحمد صحيحة وأما بالواو فهى في مسلم وغيره (تنبيه) قال الخطابى أصحاب الحديث يقولون فليتبع بالتشديد وهو غلط وصوابه فليتبع بتاء ساكنة خفيفة * (حديث) العارية مردودة والزعيم غارم سيأتي بعد قليل(10/337)
وزيد محتال وعمرو محال عليه وقد كان لزيد عليك دين ولك على عمرو دين وجرت بينك وبين زيد مراضاة بها انتقل حقه إلى عمرو فهذه ستة أمور لا بد منها في وجود الحواله ويشترط في صحتها أمور (منها) ما يرجع للدينين (ومنها) ما يتعلق بالاشخاص الثلاثة وصاحب الكتاب حاول جمع الشروط واعرض عن تفصيل ما يفتقر إليه وجود الحوالة لوضوحه واكتفى بما بينه في سائر العقود * وأول ما نذكره أصل شديد التوغل في مسائل الكتاب
وهو أن الحوالة استيفاء حق أو بيع أو اعتياض وفيه وجهان أو قولان منسوبان إلى ابن سريج وغيره (أحدهما) أنها استيفاء حق كأن المحتال استوفى ما كان له على المحيل واقرضه المحال عليه ووجهه أنها لو كانت معاوضة لجاز أن يحيل بالشئ على أكثر منه أو أقل ولما جاز التفريق قبل القبض إذا كانا طعامين أو نقدين (وأظهرهما) وقد نص عليه في باب بيع الطعام أنها بيع لانها تبديل مال بمال فان كل واحد من المحيل والمحتال يملك بها ما لم يملكه وهذا حقيقة المعاوضة وليس فيها استيفاء حق ولا اقراض محقق فلا يقدران وعلى هذا فهو بيع ماذا بماذا في كتاب القاضى ابن كج أن القاضى أبا حامد خرجه على وجهين (أحدهما) أنها بيع عين بعين والا بطلت للنهى عن بيع الدين بالدين وكأن هذا القائل نزل استحقاق الدين على الشخص منزلة استحقاق منفعة تتعلق بعينه كالمنافع في إجارات الاعيان (والثانى) وهو المنقول أنها بيع الدين بالدين فان حق الدين لا يستوفى من غير الشخص ولغيره أن يوءديه عنه واستثني هذا العقد عن النهى لحاجة الناس مسامحة وارفاقا ولهذا المعني لم يعتبر فيه النقابض كما في القرض ولم يجز فيه الزيادة والنقصان لانه ليس بعقد مما كسة كلقرض وقال الامام وشيخه لا خلاف في اشمتال الحوالة على المعنين (الاستيفاء والاعتياض) والخلاف في أن أيهما أغلب إذا عرفت ذلك فشرح الشرط الاول إن تقول لا تصح الحوالة ألا برضى المستحق للدين وهو المحتال وللمستحق عليه وهو المحيل (أما) رضى المحتال عليه فلان حقه في ذمه المحيل فلا ينفك الا برضاه كما إن الاعيان المستحقة للشخص لا تبدل إلا برضاه (وأما) رضى المحيل فلان له ايفاء الحق من حيت شاء فلا نعين عليه بعض الجهات قهراو هل يشترط رضى المحال عليه ينظر إن كانت(10/338)
الحوالة على من عليه دين للمحيل فوجهان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة يشترط رضاه لانه أحد أركان الحوالة فاشبه المحيل والمحتال لان الناس يختلفون في الايفاء والاستيفاء وبهذا قال الاصطخرى والزبيرى وعن أبن القاص أنه منصوص عليه في الام (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب وبه قال مالك وأحمد لاحاجه إلى رضى المحال عليه لانه محل الحق والتصرف فصار كما إذا باع عبدا لا يشترط رضاه لان الحق للمحيل عليه فله أن يستوفيه بنفسه وبغيره كما لو وكل في الاستيفاء وكيلا وبنوا
الوجهين على أن االحوالة اعتياض واستيفاء (فان قلنا) بالاول فلا يشترط لانه حق المحيل فلا يحتاج فيه إلى رضى الغير (وان قلنا) الثاني فيشترط تعذر اقراضه من غير رضاه وان كانت الحوالة على من لادين عليه لم تصح دون رضاه لانا لو صححناها لالزمناه قضاء دين الغير قهرا وان رضى ففى صحة الحوالة وجهان بناهما الجمهور على الاصل المذكور (وان قلنا) انها اعتياض لم تصح لانه ليس على المحال عليه شئ حتى نجعله عوضا عن حق المحيل (وان قلنا) استيفاء فتصح كأنه أخذ المحتال حقه وأقرضه من المحال عليه وبهذا قال ابن الحداد وقال الامام الصحيح عندي تخريجه على الخلاف في أنه هل يصح الضمان بشرط براءة الاصيل بل هذه الصورة عين تلك الصورة فان الحوالة تقتضي براءة المحيل فإذا قبل الحوالة فقد التزم على ان يبرئ المحيل وهذا ذهاب منه إلى براءة المحيل وجعلها أصلا مفروغا عنه لكن فيه وجهان نقلهما القاضى ابن كج (أحدهما) أنه يبرأ على قياس الحوالات وهذا ما أورده الصيدلانى وأخذ به الامام (والثانى) هو الذى أورده الاكثرون أنه لا يبرأ وقبول الحوالة ممن لادين عليه ضمان مجرد ثم فرعوا فقالوا (ان قلنا) لا تصح هذه الحوالة فلا شئ على المحال عليه فان تطوع وأداه كان كما لو قضى دين الغير (وان قلنا) يصح فهو كما لو ضمن فيرجع على المحيل ان أدي باذنه وكذلك ان أدى بغير اذنه على أظهر الوجهين لجريان الحوالة باذنه وقبل الاداء هل يرجع على المحيل فيه وجهان بناء على أن المحيل هل يبرأ (ان قلنا) يبرأ فنعم لانتقال الملك إلى ذمته بمجرد الحوالة (وان قلنا) لا يبرأ فلا ضمان كما أن الضامن لا يرجع على المضمون(10/339)
عنه قبل الاداء وان طالبه المحتال بالاداء فله مطالبة المحبل بتخليصه وهل له ذلك قبل مطالبة المحتال فيه وجهان كالوجهين في مطالبة الضامن ولو أبرأ المحتال لم يرجع على المحيل بشئ ولو قبضه المحتال ثم وهبه منه ففى الرجوع وجهان ينظر في أحدهما إلى أن الغرم لم يستقر عليه وفى الثاني إلى أنه عاد إليه بتصرف مبتدأ قبل الدخول ولو ضمن عنه ضامن لم يرجع على المحيل حتى يأخذ المحتال منه المال أو من ضامنه ولو أحال المحتال على غيره نظر ان أحاله على من عليه دين رجع على محيله بنفس الحوالة لحصول الاداء بها وان أحال على من لا دين عليه لم يرجع ما لم يرجع عليه الذى أحال
عليه (وأما) لفظ صاحب الكتاب فقوله المستحق عليه أعلمه بعضهم بالواو لانا إذا جوزنا الحوالة على من لادين عليه فلو قال من لادين عليه للمستحق أحلت بالدين الذى لك على فلان على نفسي فقبلت صحت الحوالة فاذن لا يشترط ههنا رضى المحيل وانما يشترط رضى المحال والمحال عليه (وقوله) ايجابا أشار به إلى أن المعتبر وان كان هو الرضى الا أن طريق الوقف على تراضيهما انما هو الايجاب والقبول على ما مر في البيع ولو قال المحتال احلني على فلان فقال أحلت ففيه الخلاف المذكور في نظيره في بيان الاستحباب والايجاب في البيع وفى جرجانيات ابى العباس الرويانى طريقة أخرى قاطعة بالانعقاد لان الحوالة اجيزت رفقا بالناس فيتسامح فيها بما لا يتسامح في غيرها ورضى المحال عليه لا يشترط معلم بالحاء والواو (وقوله) فان لم يشترط تحقيقه تجويز الضمان بشرط براءة الاصيل إلى حقيقة عدم الاشتراط فلو صرفنا الكناية إلى هذا العقد لكان الوجه أن يقال فحقيقته الضمان بشرط براءة الاصيل لان حقيقة العقد لا تكون تجويز الضمان بل لو كانت لكانت نفس الضمان * قال (الثاني أن يكون الدين لازما أو مصيره إلى اللزوم * فتصح (و) الحوالة على الثمن في مدة الخيار فان فسخ البيع انقطعت الحوالة * وفى نجوم الكتابة خلاف * قيل يحال بها ولا يحال عليها) *(10/340)
الدين ينقسم إلى ما ليس بلازم والى ما هو لازم أما غير اللازم ففيه مسألتان مذكورتان في الكتاب (إحداهما) الثمن في مدة الخيار هل تجوز الحوالة به بان يحيل المشترى البائع على رجل وعليه بان يحيل البائع رجلا على المشترى فيه وجهان (أحدهما) ويحكي عن القاضى أبى حامد انه لا يجوز لانه ليس بلازم (وأصحهما) الجواز لانه صائر إلى اللزوم والخيار عارض فيه فيعطى حكم اللازم وفى التتمة أن هذا الخلاف مبنى على أن الحوالة معاوضة أو استيفاء (أن قلنا) معاوضة فهى كالتصرف في المبيع في زمان الخيار (وان قلنا) استيفاء فتجوز (وان قلنا) بالمنع فهل ينقطع به الخيار فيه وجهان نقلهما الشيخ أبو على في شرح الفروع (أحدهما) لا لحكمنا ببطلانه وبتنزيلنا إياه منزلة العدم (وثانيهما) نعم لان التصرف في عوض العقد يتضمن الرضا وابطال الخيار (وان قلنا) بالجواز فالذي أورده الامام
وصاحب الكتاب أنه لا يبطل الخيار ولو اتفق فسخ البيع انقطعت الحوالة لانها انما صحت على تقدير اقتضاء البيع إلى اللزوم فإذا لم يقصد إليه ارتدت الحوالة ومنقول الشيخ ومختاره بطلان الخيار لان قضية الحوالة اللزوم فلو بقي الخيار لما صادفت الحوالة مقتضاها وكانت هذه الحوالة كالحوالة على النجوم * واعلم أنا إذا قضينا ببطلان الخيار ففيما إذا أحال البائع المشترى على ثالث بطل خيارهما جميعا لتراضيهما وفيما إذا أحال البائع رجلا على المشترى لا يبطل خيار المشترى الا إذا فرض منه قبول ورضى (الثانية) إذا أحال السيد غريما له على مكاتبة بالنجوم ففيه وجهان (أحدهما) وبه قال الحليمى أن الحوالة جائزة لان النجوم دين ثابت على المكاتب فاشبه سائر الديون (وأصحهما) المنع لان النجوم غير لازمة على المكاتب وله اسقاطها متى شاء فلا يمكن الزامه الدفع إلى المحتال ولو أحال المكاتب السيد على انسان فجواب الاكثرين صحة الحوالة لان ما أحاله عليه مستقر والكتابة لازمة من جهة السيد فمتى أدى المحال عليه وجب على السيد القبول وقيل بالمنع من هذا الطرف أيضا إذا جمعت بين الصورتين حصلت ثلاثة أوجه على ما ذكر في الكتاب (أحدها) جواز احالة المكاتب بالنجوم واحالة السيد على النجوم وهذا منسوب في النهاية إلى ابن سريج (وثانيها) منعهما جميعا(10/341)
وبه قال القاضى ولم يذكر في التهذيب غيره (وأظهرها) جواز احالة المكاتب بها ومنع احالة السيد عليها ولو كان للسيد على مكاتبة دين معاملة فاحالة عليه قال في التتمة ينبني على أنه لو عجز نفسه هل يسقط ذلك الدين (ان قلنا) نعم لم يصح والاصحت ومما يدخل في هذا القسم الجعل في الجعالة والقياس أن يجئ في الحوالة به وعليه ولا فرق بين أن ينفق الدينان في سبب الوجوب أو يختلفان كما إذا كان أحدهما ثمنا والآخر أجرة أو قرضا أو بدل متلف وكل دين جوزنا الحوالة به وعليه من القسمين فذكل إذا كان مثليا كالاثمان؟ والحبوب وان كان متقوما كالثياب والعبيد فوجهان (أصحهما) وبه قال ابن سريج أنه كالمثلى لثبوته في الذمة ولزومه (والثانى) المنع لان المقصود من الحوالة ايصال المستحق إلى الحق من غير تفاوت وهذا الغرض لا يتحقق فيها لامثل له ولابد من العلم بقدر المحال به وعليه وصفتهما نعم لو أحال باقل الدية أو عليها وفرعنا على جواز الحوالة في المتقومات فوجهان أو
قولان بناء علي جواز المصالحة والاعتياض عنها والاصح المنع للجهل بصفاتها * قال (الثالث أن يكون ما على المحال عليه مجانسا لما علي المحيل قدرا ووصفا * فلو كان بينهما تفاوت يفتقر في أدائه عنه إلى المعاوضة لم يجر * وان لم يفتقر بل أجبر علي قبوله كأداء الجيد عن الردئ جاز (و) * وان افتقر إلى الرضا دون المعاوضة ففيه خلاف (و) * كان الفصل السابق مسوقا لبيان الصفات المشروطة في كل واحد من الدينان فالغرض الآن بيان الشروط بالدينين وفيه صور (احداها) يجب أن يكون الدينان من جنس واحد ولو أحال بالدراهم على الدنانير أو بالعكس لم يصح (أما) إذا جعلنا الحوالة استيفاء فلان مستحق الدراهم إذا استوفاها وأقرضها فمحال أن ينتقل حقه إلى الدنانير (وأما) إذا جعلناها معاوضة فلائنها وان كانت معاوضة فليس هي على حقيقة المعاوضات التى يقصد بها تحصيل ما ليس بحاصل من جنس مال أو زيادة قدر أو صفة وانما هي معاوضة ارفاق ومسامحة للحاجة فاشتراط فيها التجانس والتساوي في القدر والصفة كما في القرض قال صاحب التتمة ونعني بقولنا ان هذه الحوالة غير صحيحة أن الحق لا بتحول(10/342)
بها من الدنانير إلى الدراهم وبالعكس ولكنها إذا جرت فهى حوالة على من لادين عليه والحكم فيها ما مر (والثانية) يجب أن يتساويا في القدر فلا يحال بخمسة على عشرة ولا بعشرة على خمسة لما ذكرنا أن هذا العقد لم يوضع لتحصيل زيادة أو حط شئ وانما وضع ليصل كل واحد من المستحقين إلى حقه وفى الا حالة بالقليل علي الكثير وجه أنها جائزة وكأن المحيل تبرع بالزيادة (والثالثة) في اشتراط تساويهما في الحلول والتأجيل وجهان (أصحهما) الاشتراط الحاقا للوصف بالقدر (والثانى) يجوز أن يحيل بالمؤجل على الحال لان للمحيل أن يجعل ما عليه فإذا أحال به على الحال فقد عجل ولا يجوز أن يحيل بالحال على المؤجل لان حق المحتال حال وتأجهل الحال لا يلزم ولو كانا متأجلين باجلين مختلفين لم تجز الحوالة بينهما على الوجه الاول وعلى الثاني يحال بالمكسر على الصحيح ويكون المحيل متبرعا بقيد الصحة ولا يحال بالصحيح على المكسر والا كان المحتال تاركا صفة الصحة رتبوه ليحيله المحيل ويخرج على هذا حوالة الاردأ على الاجود وبالعكس في كل جنس (وقوله) في الكتاب
فلو كان بينهما تفاوت إلى آخره تفصيل ما أجمله بقوله أن يكون ما على المحال عليه مجانسا لما على المحيل قدرا ووصفا ومثال ما يفتقر في أدائه عنه إلى المعاوضة أن يختلف الجنس فيكون على أحدهما دراهم وعلى الآخر دنانير فان الاستبدال باحد الجنسين عن الآخر اعتياض محض (وقوله) وان لم يفتقر بل أجبر على قبوله كاداء الجيد عن الردئ فهو مثل أداء الصحيح عن المكسر وتعجيل المؤجل حيث يجبر المستحق على القبول وهذا الكلام يتفرع على الصحيح في أن المديون إذا أتى باجود مما عليه من ذلك النوع يجبر المستحق على قبوله وفيه خلاف قد سبق في باب السلم (وقوله) ان افتقر إلى الرضا دون المعاوضة فهو كأداء الردئ عن الجيد فانه يچوز قبوله ولا يكون ذلك معاوضة هذا بيان ما ذكره وفيه رواية خلاف للاصحاب في جواز الحوالة بالجيد على الردئ والاشارة إلى الجزم تجوز حوالة الردئ على الجيد وهو يخالف نقل الجمهور في الطرق وربما تجد في كتاب ابوافقه * قال (أما حكمها فبراءة المحيل (ح) عن دين المحال وتحول الحق إلى المحال عليه وبراءة ذمة المحال عليه من دين المحيل * فلو أفلس المحال (ح) عليه أو جحد لم يكن (ح) للمحتال الرجوع(10/343)
على المحيل إذا حصلت البراءة مطلقة * ولو كان الافلاس مقرونا بالحوالة وهو جاهل فالاظهر ثبوت الخيار) * إذا جرت الحوالة بشرطها برئ المحيل عن دين المحتال وتحول حق المحتال إلى ذمة المحيل عليه وبرئ المحال عليه عن دين المحيل حتى لو أفلس المحال عليه ومات أو لم يمت أو جحد وحلف لم يكن للمحتال الرحوع على المحيل كما لو اخذ عوضا عن الدين وتلف في يده وبهذا قال مالك وأحمد وذهب أبو حنيفة الي أنه يرجع فيما إذا مات مفلسا وفيما إذا جحد وحلف * واحتج الشافعي رضى الله عنه بوجهين (أحدهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المروى في أول الباب تعرض للملاءة فقال (إذا احيل أحدكم على ملئ فليحتل) ولا يمكن المحتال من الرجوع لما كان فتأخره للملاءة كبير فائدة (والثانى) أن الحوالة اما أن يتحول بها الحق عن المحيل أو لا يتحول ان تحول فقد برئت ذمته فوجب ألا يعود إليه كما لو أبرأه وان لم يتحول فلتدم المطالبة كما في الضمان فلو شرط في الحوالة الرجوع بتقدير الافلاس والجحود ففى صحة الحوالة وجهان وان صحت ففى صحة الشرط وجهان حكاهما
القاضى ابن كج * هذا إذا طرأ الافلاس أما إذا كان مقرونا بالحوالة وجهله المحتال نظر إن لم تجر بشرط الملاءة فالمشهور أنه لا رجوع للمحتال ولا خيار له وما يلحقه من الضرر فهو نتيجة ترك التفحيص فصار كما لو اشترى شيئا وكان مغبونا فيه ونقل الامام وجها انه يثبت له الخيار تداركا لما لحقه من الخسران كما لو اشترى شيئا فبان معيبا وبهذا قال مالك وان شرط ملاءة المحال عليه فبان مفلسا فان قلنا بثبوت الخيار عند الاطلاق فههنا أولى وان منعنا ثم فما الحكم نقل المزني انه لا يرجع فانكره ابن سريج من قول الشافعي رضى الله عنه وقال يرجع كما لو اشترى عبدا بشرط انه كاتب فبان خلافه ثبت له الخيار وعامة الاصحاب على صحة نقل المزني واختاروا عدم الرجوع لانه لو ثبت الرجوع بالحلف في شرط اليسار لثبت الرجوع عند الاطلاق لان الاعسار نقص في الذمة كالعيب في المبيع يثبت الخيار سواء شرطت السلامة عنه أو لم تشترط ويخالف شرط الكتابة فان فواتها ليس بنقيصه وانما هو عدم فضيلة وإذا جمع بين صورتي الاطلاق والاشتراط حصل في ثبوت الخيار ثلاثة أوجه (ثالثها) الفرق بين الصورتين وقد جمع الامام الوجوه هكذا وقرب التردد في المسألة من التردد في أن(10/344)
الحوالة استيفاء أو اعتياض فقول صاحب الكتاب فالاظهر من ثبوت الخيار أراد من هذه الوجوه على ما هو مبين في الوسيط وترجيح الوجه الصائر إلى ثبوت الخيار يخالف اختيار علمة الاصحاب سيما في حالة الاطلاق فاعرف ذلك (فرعان) أحدهما صالح مع أجنبي عن دين على عين ثم جحد الأجنبي وحلف هل يعود إلى من كان عليه الدين قال القاضى الحسين نعم ويفسخ الصلح وعن حكاية الشيخ أبى عاصم انه لا يعود * (الثاني) خرج المحال عليه عبدا فان كان لاجنبي وللمحيل دين في ذمته صحت الحوالة كما لو أحال على معسر وتبعه المحتال بعد العتق وهل له الرجوع على المحيل فيه خلاف مرتب على مااذا بان معسرا وأولى بان يرجع وان كان عبدا للمحيل فان كان له في ذمته دين بان ثبت قبل أن يمكله وفرعنا على انه لا يسقط إذا ملكه فهو كما لو كان لاجنبي وان لم يكن في ذمته فالحوالة عليه حوالة على من لا دين عليه فان صححتاها وقلنا انها ضمان فهذا ضمان العبد *
عن سيده باذنه وسيأتى حكمه في الضمان ولا يخفى فيما ذكرنا حكم مالو كان لاجنبي ولم يكن للمحيل عليه دين * قال (ولو أحال المشترى بالثمن على انسان فرد عليه المبيع ففى انفساخ الحوالة قولان (و) أظهرهما أنها تنقطع فان كان ذلك قبل قبض المبيع فأولى بأن تنقطع وإن كان بعد قبض المحتال مال الحوالة فأولى بأن لا تنقطع فلو أحال البائع على المشترى فأولى بأن لا ينقطع وهو الظاهر لانه تعلق الحق بثالث ومنشأ الخلاف تردد الحوالة بين مشابه الاستيفاء والاعتياض فان قلنا لا ينفسخ فللمشترى (و) مطالبة البائع بتحصيله ليغرم له بدله أو بتسليم بدله إليه في الحال إذا لم يكن قد قبض البائع بعد مال الحوالة * وإن قلنا ينفسخ ولم يكن قد قبض فليس له القبض فأن فعل فالاصح (و) أنه لا يقع عن المشترى لان الحوالة انفسخت والاذن الذى كان ضمنا له لا يقوم بنفسه) * المسائل المذكورة من هذا الموضع إلى آخر الباب من تخريجات المزني على أصول الشافعي رضى الله عنه وتحريه وصورة مسألة الفصل ما إذا اشترى عبدا بمائة مثلا واحال المشترى البائع بالثمن على رجل ثم(10/345)
اطلع على عيب قديم العبد فرده.
قال المزني في المختصر تبطل الحوالة ونقل عنه في الجامع الكبير انها لا تبطل وللاصحاب ثلاثة طرق (أحدها) ان في بطلان الحواله قولين (اظهرهما) عند القاضى ابن كج وصاحب الكتاب وغيرهما أنها تبطل وتنقطع وهما مبنيان على أن الحوالة إستيفاء أو اعتياض (أن قلنا) أنها استيفاء انقطعت لان الحوالة على هذا التقدير نوع ارفاق ومسامحة فإذا بطل الاصل بطل هبة الارفاق التابعة له كما لو اشترى شيئا بدراهم مكسرة وتطوع باداء الصحاح ثم رده بالعيب فانه يسترد الصحاح ولا يقال يطالب بمثل الكسر ليبقى التربع بصفة الصحة (فان قلنا) انها اعتياض لم تبطل كما لو استبدل من الثمن ثوبا ثم رد المبيع بالعيب فانه لا يبطل الاستبدال بل يرجع بمثل الثمن على أن القاضيين أبا الطيب والرويانى منعا هذه المسألة وجعلاها كمسألة الحوالة وقد تقدمت المسألة في فصول الرد بالعيب (والطريق الثاني) وبه قال ابو اسحق وابن أبى هريرة وأبو الطيب بن سلمة القطع بالبطلان وتكلم هولاء فيما نقل عن الجامع الكبير فعن القاضى أبى حامد أنه قال نظرت في نسخ منه فلم أجد
خلاف ما في المختصر (والثالث) وبه قال صاحب الافصاح القطع بعدم البطلان وربما أول أصحاب الطريقين الاخيرين وجمعوا بين نصى المزني بوجوه (أحدها) حمل ما في المختصر على ما إذا كان العيب بحيث لا يمكن حدوثه في يد المشترى أو كان يمكن حدوثه الا أن البائع أقر بعدمه وحمل ما في الجامع على مااذا ثبت قدمه بالبينة ورده والفرق أن في الحالة الاولى اعترف البائع بسقوط الثمن عند الفسخ (وأما) في الحالة الثانية فانه يزعم بقاء حقه واستمرار الحوالة فلا يمنع من مطالبة المحال عليه بدعوى المشترى (والثانى) حمل الاولى على مااذا تذكر ذلك فانه إذا لم يذكر لا ينبغى أن يعود إليه لبراءة ذمته عن حقه ظاهرا (والثالث) أن نص البطلان مفرع على أن الحوالة تفتقر إلى رضى المحال عليه فان الحوالة له حينئذ تتم بالثلاثة فلا تنقطع بموافقة اثنين (والرابع) حمل نص البطلان على ما إذا كانت الحوالة على من لا دين عليه ورضي المحال عليه فانه إذا سقط الثمن انقطع تطوعه وسقطت المطالبة عنه ثم ههنا نظران (أحدهما) هل تفترق الحال بين ما إذا كان الرد بالعيب بعد(10/346)
قبض المبيع أو قبله حكى صاحب النهاية عن بعض الاصحاب أن محل الخلاف ما إذا كان الرد بعد قبض المبيع فان كان قبله انقطعت الحوالة بلا خلاف لكون المبيع معرض للانفساح وعدم تأكده ولهذا جعلنا الفسخ قبل القبض ردا للعقد من أصله على رأي ثم زيف ذلك وقضي بطرد القولين في الحالين وهذا قضية إطلاق عامة الاصحاب * واعلم أن قضية الطريقين معا تجويز الاحالة بالثمن قبل قبض المبيع لكنه قبل القبض غير مستقر وقد اشتهر في كتب السلف من أئمتنا أن من شرط الحوالة استقرار ما يحال به ويحال عليه وللمسعودي اشارة إلى منع الحوالة بالثمن قبل قبض المبيع لانه غير مستقر واستشهد عليه أن المزني تعرض في صورة المسألة للمبيع واشتراطه وانما فعل ذلك لهذا المعني والله أعلم (النظر الثاني) هل تفترق الحال بين أن يتفق الرد بعد قبض المحتال مال الحوالة أو قبله وفيه طريقان (أحدهما) أن الحوالة لا تنقطع إذا اتفق الرد بعد القبض جزما والخلاف مخصوص بما إذ كان ذلك قبض القبض والفرق تأكد الامر بالقبض فتبرأ ذمة المحال عليه وهذا ما أورده أصحابنا العراقيون والشيخ أبو على (والثانى) طرد القولين في الحالين وهو اختيار صاحبي التهذيب
والتتمة والاكثرين وهذا كله فيما إذا أحال المشترى البائع على رجل ولو أحال البائع رجلا على المشترى فمنهم من طرد القولين وقطع الجمهور بانه لا تنقطع الحوالة وسواء قبض المحتال مال الحوالة من المشتري أو لم يقبضه والفرق أن الحوالة ههنا تعلق بها حق غير المتعاقدين وصار كما لو اشترى عبدا بجارية وقبضه وباعه ثم وجد بائع العبد بالجارية عيبا فردها لا ينفسخ البيع الثاني لانه تعلق به حق ثالث فاذن القولان مخصوصان بالصورة السابقة ولنفرع عليهما (ان قلنا) لا تبطل الحوالة فلا يطالب المشترى أن يحال عليه بحال ولكن يرجع علي البائع فيطالبه ان كان قد قبض مال الحوالة ولا يتعين حقه فيما أخذ بل له ابداله لبقاء الحوالة صحيحة وان لم يقبضه فله أن يقبضه وهل للمشترى الرجوع عليه قبل قبضه فيه وجهان (أحدهما) نعم لان الحوالة كالمقبوضة الا ترى أن المشترى إذا أحال البائع بالثمن سقط حق الحبس والزوج إذا أحال المرأة بالصداق سقط حق حبسها (واصحهما) عند(10/347)
الصيدلانى وغيره أنه لا يرجع لانه لم توجد حقيقة القبض وان كان للحوالة حكم القبض والغرامة انما تكون بحسب القبض (فان قلنا) لا يرجع المشترى عليه قبل أن يقبض فله مطالبته بتحصيل مال الحولة لزجع عليه لان البائع انما يملك مطالبة المحال عليه من جهته فكيف يمنعه من المطالبة مطلقا وفيه وجه بعيد أنه لا يملك المطالبة بالتحصيل أيضا (وان قلنا) تبطل الحوالة فان كان قد قبض المال من المحال عليه فليس له رده عليه لانه قبض باذن المشترى ولو رده لم تسقط مطالبة للمشترى عنه بل حقه الرد على المشترى ويتعين حقه فيما قبضه فان كان تالفا فعليه بدله وان لم يكن قبضه فليس له قبضه لانه عاد إلى ملك المشترى كما كان ولو خالف وقبض لم يقع عنه وفى وقوعه عن المشترى وجهان عن الشيخ أبي محمد (أحدهما) يقع لانه كان مأذونا في القبض بجهة فان بطلت تلك الجهة بقى أصل الاذن (وأصحهما) المنع لان الحوالة قد بطلت والوكالة عقد آخر يخالفها وإذا بطل عقد لم ينعكس عقدا آخر وقرب الشيخ هذا الخلاف من الخلاف الذى مر في أن من يحرم بالظهر قبل الزوال هل تنعقد صلاته نفلا (وأما) في صورة احالة البائع على المشترى إذا فرعنا على الصحيح وهو أن الحوالة لا تبطل برد المشترى المبيع بالعيب فان كان المحتال قد قبض الحق من المشترى
رجع المشترى على البائع وان لم يقبضه يرجع المشترى علمه أولا يرجع الا بعد القبض فيه الوجهان السابقان * ثم نتكلم فيما تحتاج إليه من الفاظ الكتاب (قوله) في صورة المسألة ورد عليه المبيع يشتمل؟ الرد بالعيب والمخالف والاقالة وغيرها وهو مستمر على اطلاقه فلا فرق بين الرد بالعيب وغيره وقيل قولان يجوز اعلامه بالواو للطريقين النفيين للخلاف (وقوله) فاولى أن لا ينقطع أشار بالترتيب المذكور في الصورتين إلى ما شرحنا من الطريقين (وقوله) فيما إذا أحال البائع على المشترى فاولى بان لا ينقطع وهو الظاهر مع قوله فلولى أن لا ينقطع لما قدمنا في مواضع لان أولوية الترتيب لا تفيد الرجحان وانما تفيد كون الحكم الموصوف بالاولوية أرجح منه في الصورة المرتب عليها (وقوله) ومنشأ الخلاف تردد الحوالة بين مشابهة الاستيفاء والاعتياض يوافق ما ذكره الامام أن فيها شبها من كل واحد منهما والكلام في التغليب(10/348)
(وقوله) فان قلنا لا يصح أي في المسألة الاولى وهو إحالة المشتري البائع بالثمن (وقوله) فللمشتري مطالبة البائع بتحصيله إلى آخره يمكن نفسه من عزله أو يقول أغرم لى وله أو يقول تسهيلا خذتم اغرم لى وأريد أن لا رجوع قبل أن يقبض مال الحوالة بوجهين (أحدهما) أن يقال المعنى أن له أن يطالبه بأحد أمرين (أما) التحصيل ليعرم وأما الغرم في الحال وهذا يخرج متفقا عليه من الخلاف الذى رويناه (فان قلنا) له الرجوع قبل أن يقبض البائع مال الحوالة فله أن يقول خذه لتغرم لى وان رضيت بذمته فشأنك فاغرم لى (والثانى) هو الاشبه أن معناه أن له مطالبته بتحصيله (ان قلنا) لا رجوع عليه قبل أن يقبض أو يتسلم بدله إليه في الحال (ان قلنا) انه يرجع إليه قبل القبض وعلى التقديرين فيصح اعلام قوله فللمشترى مطالبة البائع بالواو لما قدمنا من الوجه البعيد (وقوله) لان الحوالة انفسخت بالاذن الذى كان ضمنا لا يقوم بنفسه ظاهر هذا التوجيه ربما يشكل بما إذا فسدت الشركة أو لو كانه فالاذن الصمى يبقى ويصح التصرف على ما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى ويمكن أن يقال الحوالة تنقل الحق إلى المحتال فإذا صار الحق له ملكا قبضه لنفسه بالاستحقاق لا للمحيل بالاذن وهما عقدان مختلفان فبطلان أحدهما لا يفيد حصول الآخر بخلاف الشركة والوكالة فان التصرف هناك واقع للاذن فان بطل خصوص الاذن جار أن يبقى عمومه هذا ما سبقت الاشارة إليه *
(فرع) قال ابن الحداد في المولدات إذا أحال الزوج زوجته على غريمه بالصداق ثم طلق قبل الدخول لم تبطل الحوالة وللزوج أخذها بنصف المهر قال من شرح كتابه المسألة تترتب على ما إذا أحال المشترى البائع على غريمه (ان قلنا) لا تبطل الحوالة هناك فههنا أولى (وان قلنا) تبطل ففى البطلان في نصف الصداق ههنا وجهان والفرق أن البطلان سبب حادث ولا استناد له إلى ما تقدم بخلاف الفسخ والصداق أثبت من غيره ولهذا لو زاد الصداق زيادة متصلة لم يرجع في نصفه إلا برضاها بخلاف معا إذا كانت في المبيع ولو أحالها ثم ارتدت قبل الدخول أو فسخ أحدهما النكاح بعيب آخر ففى بطلان الحوالة هذان الوجهان والاظهر لا تبطل ويرجع الزوج عليها بنصف الصداق في صورة الطلاق وبجميعه في الردة والفسخ بالعيب وإذا قلنا بالبطلان فليس لها مطالبة المحال عليه(10/349)
وتطالب الزوج بالنصف في الطلاق أي ولا تطالب بشئ في الردة ولا بالعيب كذا قاله الشيخ أبو على والمسألة جميعها من كلامه * قال (ولو كان المبيع عبدا فأحيل بالثمن على المشترى فقال العبد أنا حر الاصل وصدقوه جميعا بطلت الحوالة وإن صدقه البائع والمشترى دون المحتال لم يكن قولهما حجة عليه فتبقى الحوالة في حقه) * صورتها أن يبيع عبدا ويحيل غريمه بالثمن علي المشترى ثم يتصادق المتبايعان على أنه حر الاصل أما ابتداء أو زعم العبد أنه حر فصدقاه نظران وافقهما المحتال بطلت الحوالة لاتفاقهم على بطلان البيع وإذا لم يكن بيع لم يكن على المشترى ثمن وإذا بطلت الحوالة رد المحتال ما أخذ علي المشترى وبقى حقه على البائع كما كان وان كذبهما المحتال فاما أن تقوم ببنة على الحرية أولا تقوم فان قامت بطلت الحوالة كما لو تقارروا وهذه البينة يتصور ان يقيمها العبد ويتصور أن تبتدئ الشهود على سبيل الحسبة قال صاحب التهذيب ولا يتصور أن يقيمها المتبايعان لانهما كذباها بالدخول في البيع وكذلك ذكر القاضى الرويانى وان لم تكن بينة فلهما تحليف المحتال على نفى العلم فان حلف بقيت الحوالة في حقه ولم يكن تصادقهما عليه حجة فإذا نفيت الحوالة فله أخذ المال من المشتري وهل يرجع المشترى على البائع المحيل في التهذيب أنه لا يرجع لانه يقول ظلمنى المحتال بما أخذ والمظلوم لا يرجع
الا على من ظلمه وقال الشيخ أبو حامد والقاضى ابن كج والشيخ أبو على يرجع لانه قضى دينه باذنه وعلى هذا فيرجع إذا دفع المال إلى المحتال وهل يرجع قبله فيه الوجهان السابقان فان نكل المحتال حلف المشترى ثم ان جعلنا اليمين كالاقرار بطلت الحوالة وان جعلناها كالبينة فالحكم كما لو حلف لانه ليس للمشترى اقامة البينة وما ذكرناه في صورة الاقرار من المحال وقيام البينة من بطلان الحوالة مفروض فيما إذا وقع التعارض لكون الحوالة بالثمن فان لم يقع وزعم البائع ان الحوالة بدين آخر له على المشترى نظران أنكر المشتري أصل الدين فالقول قوله مع يمينه وان سلمه وأنكر الحوالة به فهل نعتبر قول من يدعى جريان الحوالة على الصحة أو قول من يدعى فسادها فيه خلاف مذكور في نظائره *(10/350)
قال (فرع إذا جرى لفظ الحوالة وتنازعا فقال أحدهما أردنا بها الوكالة وقال الآخر بل الحوالة فقولان في أن القول قول من * ينظر في أحدهما إلى ظاهر اللفظ * وفى الثاني إلى تصديق من يدعى ارادة نفسه ونيته فانه أعلم بها * ولو لم يتفقا على جريان لفظ ولكن قال مستحق الدين أحلتني وقال من عليه الدين وكلتك باستيفاء دينى منه فالقول قول من عليه الدين في نفى الحوالة * ثم ان لم يكن قد قبض فليس له ذلك لانه انعزل بانكار الوكالة واندفعت الحوالة بانكار من عليه الدين * وله مطالبته بالمال إذا اندفعت الحوالة حتى لا يضيع حقه * وفيه وجة آخر أنه لا يطالب لانه اعترف ببراءته بدعوى الحوالة * أما إذا قال المستحق وكلتي فقال لا بل أحلتك فان لم يكن قد قبض فقد امتنع عليه القبض * وان كان بعد القبض فالصحيح (و) أنه يتملكه الآن وان لم يملك عند القبض) * إذا كان لزيد عليك مائة ولك على عمرو مثلها فوجد زيد منك ما يمكنه من قبض ما على عمرو ثم اختلفتما فله صورتان (أحدهما) أن تقول لزيد وكلتك بقبضه لى وقال زيد بل أحلتني عليه فينظر ان اختلفتما في أصل اللفظ فزعمت الوكالة بلفظها وزعم زيد الحوالة بلفظها فالقول قولك مع يمينك لان الاصل استمرار حق زيد عليك وحقك على عمرو وان اتفقتما على جريان لفظ الحوالة
وقلت أردت به التسليط بالوكالة فوجهان (المنسوب) إلى ابن سريج أن القول قول زيد مع يمينه لشهادة لفظ الحوالة (وقال) المزني وساعده عليه اكثر الاصحاب ان القول قولك مع يمينك ويحكى هذا عن ابى حنيفة ووجهه ما ذكرناه في الصورة الاولى وايضا فان اللفظ محتمل لما يقوله وانت اعرف بنيتك فأشبه ما إذا قلت له أقبض ثم اختلفتما في المراد فان القول قولك وعن القاضى الحسين القطع بالوجه الاول وحمل كلام المزني على ما إذا اختلفتما في أصل اللفظ وذكرهما إذا قلت له اقبض وفسرته بالوكالة انك لا تحتاج إلى اليمين لاشعار اللفظ بالنيابة قال الائمة وموضع الوجهين ما إذا كان اللفظ الجارى بينكما احلتك بمائة على عمرو فأما إذا قلت بالمائة التي لك على بالمائة التى على عمرو فهذا لا يحتمل الا حقيقة الحوالة(10/351)
فالقول قول زيد بلا خلاف (التفريع) ان جعلنا القول قول زيد فإذا حلف ثبتت الحوالة وبرئت ذمته وإذا جعلنا القول قولك في الصورة الاولى أو يقرا معا على الوجه الآتى في الصورة الثانية فحلفت نظر أقبض زيد ما على عمرو أم لا أن قبضه برئت ذمة عمرو لتسليمه ما عليه إلى الوكيل أو المحتال وحكى الامام وجها ضعيفا عن رواية صاحب التقريب انه لا يبرؤ في صورة اتفاقكما على جريان لفظ الحوالة والمشهور الاول ثم ينظر ان كان المقبوض باقيا فعليه تسليمه اليك وهل له أن يطالبك بحقه فيه وجهان (أحدهما) لا واختاره الشيخ أبو حامد لاعترافه ببرأتك بدعوى الحوالة (وأصحهما) عند ابن الصباغ وصاحب التتمة وغيرهما أن له المطالبة لانه ان كان وكيلا فحقه باق عليه وان كان محتالا فقد استرجعت ماله ظلما فلا وجه لتضييع حقه قال الشيخ أبو حامد وما ذكرنا من وجوب التسليم والوجهين في الرجوع من حيث الظاهر فاما بينه وبين الله تعالى فانه إذا لم يصل إلى حقه منك فله امساك المأخوذ لانه ظفر بجنس حقه من ملكك وأنت ظالم له وان كان المقبوض تالفا فمنقول الاكثرين انه إذا لم يكن التلف بتقصير منك لا يضمن لانه وكيل بقولك والوكيل أمين وليس له أن يطالبك بحقه لانه قد استوفاه بزعمه وهلك عنده وقال في التهذيب انه يضمن لانه قد ثبتت وكالته والوكيل إذا أخذ المال لنفسه ضمن وان لم يقبض زيد ما على عمرو فليس له القبض بعد حلفك لان الحوالة قد اندفعت بيمينك وصار زيد معز ولا عن الوكالة بانكاره ولك ان تطالب
عمرا بما كان لك عليه وهل لزيد مطالبتك بحقه فيه الوجهان ان المذكور فيما إذا كان قد قبض وسلم المقبوض اليك واستدرك صاحب البيان فقال ينبغي أن لا يطالب هنا وجها واحدا لاعترافه بان حقه على عمرو وان ما تقبضه أنت من عمرو ليس حقا له بخلاف ما إذا كان قد قبض فان حقه قد تعين في المقبوض فإذا أخذته أخذت ماله (الصورة الثانية) أن تقول لزيد احلتك على عمرو ويقول زيد بل وكلتني بقبض ما عليه وحقى باق ويظهر تصوير هذا الاختلاف عند افلاس عمرو فينظر ان اختلفتما في أصل اللفظ فالقول قول زيد مع يمينه وان اتفقتما على لفظ الحوالة جرى الوجهان ان المذكوران في الصورة(10/352)
الاولى ههنا على العكس فعلى المنسوب إلى ابن سريج القول قولك مع يمينك وعلى القول المنسوب إلى المزني وغيره القول قول زيد والتوجيه ما مر فإذا قلنا أن القول قولك فحلفت برئت ذمتك من دين زيد ولزيد مطالبة عمرو أما بالوكالة أو الحوالة وما يأخذه يكون له لانك تقول انه حقه وعلى زعمه هو لك وحقه عليك فيأخذه بحقه وحيث قلنا أن القول قول زيد فحلف نظر ان لم يكن قبض المال من عمرو فليس له القبض لان قول الموكل ما وكلتك يتضمن عزله لو كان وكيلا وله مطالبتك بحقه وهل لك الرجوع إلى عمرو فيه وجهان لانك اعترفت بتحول ما كان عليه إلى زيد ووجه قولنا نعم وهو اختيار القاضى ابن كج أن زيدا ان كان وكيلا فان لم يقبض بقى حقك وان كان محتالا فقد ظلمك بأخذالمال منك وما على عمرو حقه فلك أن تأخذه عوضا عما ظملك به وان كان قد قبض المال من عمرو فقد برئت ذمة عمرو ثم ان كان المقبوض باقيا فقد حكى في الوسيط وههنا وجهين (أحدهما) أنه يطالبك بحقه ورد المقبوض عليك (والثانى) وهو الصحيح أنه يملكه الآن وان لم يملكه عند القبض لانه حبس حقه وصاحبه يزعم أنه ملكه ويشبه أن لا يكون فيه خلاف محقق بل له أن يرده ويطالب بحقه وله أن ياخذه بحقه وان كان تالفا نظر ان كان قد تلف بتفريط منه(10/353)
فلك عليه الضمان وله عليك حقه وربما يقع في النقاص وان لم يكن منه تقصير فلا ضمان لانا إذا صدقناه في نفي الحوالة كانت يده يد وكالة والوكيل أمين وروى الامام وجها آخر أنه يضمن لان
الاصل فيما يتلف في يد الانسان من ملك غيره الضمان ويلزم من تصديقه في نفي الحوالة ليبقى حقه تصديقه في تثبيت الوكالة ليسقط عنه الضمان وهذا كما أنه إذا اختلف المتبايعان في قدم العيب وحدوثه وصدقنا البائع بيمينه السابقة والله أعلم (وقوله) في الكتاب في أول الفرع إذا جرى لفظ الحوالة إلى قوله فقولان يتضمن الصورتين جميعا فعلى رأى يتبع فيهما ظاهر اللفظ وعلى رأى يصدق من أخبر عن نيته وارادته أما في طرف الايجاب أو القبول ويجوز أن يعلم قوله فقولان بالواو كما سبق عن القاضى الحسين وقد حكي في الصورة الاتية ايضا القطع بمقتضى من تمسك بمطابقة اللفظ له ثم قوله فقولان أي للاصحاب وليس للشافعي في المسألتين نص (وقوله) في آخره أما إذا قال المستحق وكلتني فقال لا بل أحلتك فان لم يكن قبض فالقول قول المستحق ثم في تفريعه انه ان لم يكن قبض إلى آخر ونختم الباب بصور وفروع (منها) إذا أحلت زيدا على عمرو ثم احال عمرو زيدا على بكر ثم احال بكر على آخر جاز وقد تعدد المحال عليهم وزيد المحتال واحد ولو أخلت زيدا على عمرو ثم احال زيدا بكرا على عمرو ثم احال بكر آخر على عمرو جاز والتعدد ههنا في المحتالين وعمرو(10/354)
المحال عليه واحد ولو أحلت زيدا على عمرو ثم ثبت لعمرو عليك مثل ذلك الدين فاحال زيد عليك جاز (ومنها) لك علي رجلين مائة علي كل واحد خمسون وكل واحد ضامن عن صاحبه فاحالك أحدهما بالمائة علي انسان برئا جميعا وان أحلت على أحدهما بالمائة برئ الثاني لان الحوالة كالقبض وان احلت عليهما على أن يأخذ المحتال من كل واحد خمسون جاز ويبرأ كل واحد مما ضمن وان أحلت عليهما على أن ياخذ المائة من أيهما شاء فعن ابن سريج فيه وجهان (وجه) المنع انه لم يكن له الا مطالبة واحد فلا يستفيد بالحوالة زيادة كما لا يستفيد بها زيادة قدر وصفة (ومنها) لك على رجل دين فلما طالبته به قال قد أحلت فلانا على وفلان غائب فانكرت فالقول قولك مع يمينك فلو أقام بينة سمعت وسقطت مطالبتك عنه وهل تثبت الحوالة في حق الغائب حتى لا يحتاج إلى إقامة بينة إذا قدم فيه وجهان * كتاب الضمان وفيه بابان (الباب الاول في أركانه)
قال (وهى خمسة الاول المضمون عنه ولا يشترط رضاه لانه يجوز لغيره أن يؤدى دينه بغير اذنه * ويصح (ح) الضمان على الميت المفلس * وأصح الوجيهن أنه لا يعتبر معرفته) *(10/355)
الاجماع والاخبار متعاضدة على صحة الضمان روى عن أبى أمامة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (العارية مؤادة والدين مقضى والزعيم غارم) وعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فلما وضعت قال صلى الله عليه وسلم هل على صاحبكم من دين قالوا نعم درهمان قال صلوا على صاحبكم فقال علي كرم الله وجهه هما على يارسول الله وأنا لهما ضامن فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه ثم أقبل على علي فقال جزاك الله عن الاسلام خيرا وفك رهانك كما فككت رهان أخيك)
__________
(حديث) النهى عن بع لدين؟ تقدم في القبض * (كتاب الضمان) (حديث) أبى امامة العارية مردودة والدين مقضى والزعيم غارم لا أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي وفيه اسماعيل بن عياش ورواه عن شامى وهو ابن حنبل بن مسلم سمع أبا امامة وضعفه ابن حزم باسماعيل ولم يصب وهو عند الترمذي في الوصايا أتم سياقا واختصره ابن ماجه هنا وله في النسائي طريقان من رواية غيره (احداهما) من طريق أبى عامر الوصابى (والاخرى) من طريق حاتم بن حريث كلاهما عن ابى امامة وصححه ابن حبان من طريق حاتم هذه وقد وثقه عثمان الدارمي (تنبيه) أكثر الفاظهم العارية مؤداة وفي لفظ بعضهم زيادة والمنيحة مردودة ولم أره عندهم بلفظ العارية مردودة كما كرره المصنف ووقع في بعض النسخ عن أبى قتادة بدل ابى إمامة وهو من تحريف النساخ وقد رواه ابن ماجه والطبراني في مسند الشاميين من طريق سعيد بن أبى سعيد عن أنس وأخرجه ابن عدي من حديث ابن عباس في ترجمة اسماعيل بن زياد السكوني وضعفه ورواه أبو موسى المدينى في الصحابة من طريق سويد بن حبلة وقد قال الدارقطني لا تصح له صحبة وحديثه مرسل قال وبعضهم يقول له صحبة ورواه الخطيب في التلخيص من طريق بن لهيعة عن عبد الله بن حيان البثى عن رجل عن آخر منهم قال انى لتحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يصيبني لعابها ويسيل على جرنها حين قال فذكره *
(حديث) أبى سعيد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فلما وضعت قال صلى الله عليه وسلم هل على صاحبكم من دين قالوا نعم درهمان قال صلوا على صاحبكم فقال على يا رسول الله هما على وأنا لهما ضامن ففام فصلى عليه ثم أقبل على على وقال جزاك الله عن الاسلام خيرا(10/356)
وروي أنه صلى الله عليه وسلم أتى بجنازة فقال هل على صاحبكم من دين قالوا نعم ديناران فقال أبو قتادة رضى الله عنه هما على يارسول الله فصلى الله النبي صلى الله عليه وسلم) ثم نقل العلماء أن هذا كان في أول الاسلام ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم بصلى على من لم يخلف وفاء من المديونين لان صلاته صلى الله عليه وسلم شفاعة موجبة للمغفرة ولم يكن حينئذ في الاموال سعة فلما فتح الله الفتوح قال النبي صلى الله عليه وسلم أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم)
__________
وفك رهانك كما فككت رهان أخيك.
الدارقطني والبيهقي من طرق باسانيد ضعيفة وفي آخره مامى مسلم فك رهان أخيه الا فك الله رهانه يوم القيمة وفي جميعا أن الدين كان دينارين وفيه زيادة فقال بعضهم هذا لعلى خاصة أم للمسلمين عامة فقال بل للمسلمين عامة (تنبيه) وضح أن قوله درهمان وهم لكن وقع في المختصر بغير اسناد أيضا درهمان * (قوله) وجاء في رواية أن عليا لما قضى عنه دينه قال الآن بردت عليه جلده (قلت) المعروف أن ذلك قيل لابي قتادة كما سيأتي * (حديث) أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بجنازة ليصلى عليها فقال هل على صاحبكم من دين فقالوا نعم ديناران فقال أبو قتادة هما على يا رسول الله قال فصلى عليه صلى الله عليه وسلم البخاري من حديث سلمة بن الاكوع مطولا وفيه أن الدين كان ثلاثة دنانير ورواه احمد وأبو داود والنسائي وابن حبان من حديث جابر وفيه أن الدين كان دينارين وزاد أحمد الدارقطني والحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له لما قضى دينه الآن بردت عليه جلده وفي رواية قبره ورواه النسائي والترمذي وصححه من حديث أبى قتادة بدون تعيين الدين ابن ماجه واحمد وابن حبان من حديثه بتعيينه سبعة عشر درهما وفى رواية لابن حبان ثمانية عشر وروى ابن حبان أيضا من حديث أبى قتادة أن الدين كان دينارين وروى في ثقانه؟ من حديث أبى إمامة نحو ذلك وابهم الفائل قال فقال
رجل من القوم أنا أقضيهما عنه * (قوله) وفي رواية أنه لما ضمن أبو قتادة الدينارين عن الميت قال النبي صلى الله عليه وسلم هما عليك حق الغريم وبرئ الميت قال نعم فصلى عليه رواه الدارقطني بنحوه والبيهقي بلفظه وفي آخره عنده لآن بردت عليه جلده * (قوله) ثم نقل العلماء أن هذا كان في أول الاسلام فلما فتح الله الفتوح قال أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم سيأتي واضحا من حديث أبى هربرة وهو عند احمد في حديث جابر المتقدم(10/357)
ونقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبته (من خلف مالا أو حقا فلورثته ومن خلف كلا أو دينا فكله إلى ودينه علي قيل يارسول الله وعلى كل امام بعدك قال وعلى كل امام بعدى) وقد ضمن حجة الاسلام مسائل الضمان في بابين (أحدهما) في أركان صحة الضمان (والثانى) في أنه إذا صح فما حكمه وهذا ترتيبه في أغلب الابواب (أما) الاركان فأولها المضمون عنه وهو الاصيل ولا يشترط رضاه لصحة الضمان وفاقا أذ يجوز اداء دين الغير بغير اذنه فالتزامه في الذمة أولى بالجواز ويدل عليه أنه يصح الضمان عن الميت ومعلوم أنه لا يتصور منه الرضا والدليل على صحته ما قدمناه من ضمان على وأبى قتادة رضى الله عنهما ولا فرق بين أن يخلف الميت وفاء أولا يخلف فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يبحث عن ذلك وبهذا قال مالك وأحمد * وعند أبى حنيفة لا يصح الا إذا خلف وفاء أو كان به ضامن وساعدنا فيما إذا ضمن عنه في حياته ثم مات وهو معسر أنه لا يبطل الضمان وهل يشترط معرفة المضمون عنه لصحة الضمان فيه وجهان (أحدهما) أنه لا يشترط كما لا يشترط ليعرف حاله ولانه هل يستحق اصطناع المعروف إليه وهذا اما أورده الصيدلانى (وأصحهما) أنه لا يشترط كما لا يشترط رضاه * واعلم أن الشافعي رضى الله عنه قال في مسألة ضمان الميت ولو ضمن دين ميت بعد ما تعرفه وتعرف لمن هو فالضمان في ذلك لازم واختلفوا فيما يعودالها إليه في قوله بعد ما يعرفه بحسب اختلافهم في اشتراط معرفة المضمون عنه فمن شرطها قال هي عائدة إلى الميت المضمون عنه ومن لم يشترطها قال هي عائدة إلى الدين إذ لابد
__________
(قوله) ونقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبته من خلف مالا أو حقا فلورثته ولمن خلف كلا
او دينا فكله إلى ودينه على قيل يا رسول الله وعلى كل امام بعدك قال وعلى إمام بعدى صدر هذا الحديث ثابت في الصحيحين من حديث أبى هريرة ومن قوله قيل يا رسول الله إلى آخره سبق المصنف إلى ذكره القاضى حسين والامام والغزالي وقد وقع معناه في الطبراني الكبير من حديث ذاذان عن سلمان قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقدي سبايا المسلمين ونعطى سائلهم ثم قال من ترك مالا فلورثته من ترك دينا فعلى وعلى الولاة من بعدى من بيت مال المسلمين وفيه عبد الغفار بن سعيد الانصاري متروك ومتهم أيضا(10/358)
من معرفة جنسه وقدره وهو الصحيح ويدل على أنا أبا بكر الفارسى نقل هذا النص بعينه في عيون المسائل وأنه قال في توجيهه لانه عرف ما ضمنه ولمن ضمنه * قال (الركن الثاني المضمون له وفى اشتراط معرفته وجهان * فان شرطت ففى اشتراط رضاه وجهان * فان شرط ففى اشتراط قبوله وجهان * وهذا لان الضمان تجديد سلطة له لم تكن فلم يجز الا باذنه بخلاف المضمون عنه) * المضمون له هو مستحق الدين وفى اشتراط معرفته وجهان (أحدهما) أنه لا شترط لانه لم يقع التعرض والبحث عنه في ضمان على وأبى قتادة رضى الله عنهما (أصحهما) أن لابد أن يعرف الضامن لان الناس يتفاوتون في الاقتضاء والاستيفاء تشديدا وتسهيلا والاغراض تختلف بذلك والضمان مع اهماله غرر وضرر من غير ضرورة وعلى هذا ففى اشتراط رضاه وجهان (قال) الاكثرون لا يشترط لان الضمان محض التزام وليس موضوعا على قواعد المعاقدات وقال صاحب الافصاح والقاضى ابن كج يشترط لان الضمان يجدد له سلطنة وولاية لم تكن ويبعد أن يتملك بتمليك الغير شيئا من غير رضاه وبهذا قال أبو حنيفة الا أنه قال لو التمس المريض من الورثة أن يضمنوا دينه فأجابوا صح وان لم يرض المضمون له (وإذا قلنا) باشتراط رضاه ففى اشتراط قبوله وجهان (وجه) الاشتراط أنه يملك في مقابلة تمليك الضامن فيعتبر فيه القبول كسائر التمليكات والتملكات (والاصح) أنه لا يشترط وفرقوا بينه وبين سائر التملكات بأن الضمان لا يثبت ملك
شئ جديد وإنما يتوثق به الدين الذي كان ممولكا وهذا يشكل بالرهن فانه لا يفيد الا التوثيق ويعتبر فيه القبول وعن الشيخ أبى محمد تقريب هذا الخلاف من الخلاف في اشتراط القبول في الوكالة لان كل واحد منهما يجدد سلطة لم تكن فان شرطنا القبول فليكن بينه وبينه وبين الضمان مثل مابين الايجاب والقبول في سائر العقود وإن لم نشترط فيجوز أن يتقدم الرضي على الضمان وان تأخر عنه فهو اجازة أن جوزنا وقف العقود ذكره الامام وفرع على قولنا لا يشترط رضاه فقال إذا ضمن بغير رضاه فينظر إن ضمن بغير اذن المضمون عنه فالمضمون له بالخيار ان شاء طالب الضامن(10/359)
وان شاء تركه وان كان الضمان باذنه فحيث قلنا يرجع الضامن على المضمون عنه يتخير المضمون له على قبوله لان ما يؤديه في حكم ملك المضمون عنه وحيث قلنا لا يرجع فهو كما لو قال لغيره أد ديني ولم يشترط الرجوع وقلنا انه لا يرجع وهل لمستحق الدين والحالة هذه أن يمتنع من القبول فيه وجهان بناء على أن المؤدى يقع فداء أو موهوبا ممن عليه الدين (ان قلنا) بالثاني لم يكن له الامتناع وهو الاشهر هذا بيان الخلاف في اشتراط معرفة المضمون له دون معرفة المضمون عنه لانه لا معاملة بينه وبين الضامن وزاد الامام وجها رابعا وهو اشتراط معرفة المضمون عنه دون المضمون له وفى طريفة الصيدلانى ما يقتضيه وهو غريب * قال (الركن الثالث الضامن ويشترط فيه صحة العبارة وأهلية التبرع * ويصح (م) ضمان الزوجة دون اذن الزوج * وفي ضمان الرقيق دون اذن السيد وجهان * فان صح فيتبع به إذا عتق * فان ضمن بالاذن فيتعلق بكسبه في وجه * ولا يتعلق به في وجه ويفرق بين المأذون في التجارة وغيره في وجه) * ضبط من يصح ضمانه بان يكون صحيح العبارة أهلا للتبرع (أما) صحة العبارة فيخرج عنه الصغير والمجنون والمغمى عليه والمبرسم الذى يهذى فلا يصح ضمانهم كسائر التصرفات ولو ضمن ضامن ثم قال كنت صبيا يوم الضمان وكان محتملا فالقول قوله مع يمينه وكذا لو قال كنت مجنونا وقد عرف له جنون سابق أو أقام عليه بينة والا فالقول قول المضمون له مع يمينه وفى ضمان السكران الخلاف
في سائر تصرفاته لا يصح ضمانه والاخراس الذى أشارته مفهومه والاخراس الذى ليست له اشارة مفهومة يصح ضمانه بها كبيعه وسائر تصرفاته وعن أبى الحسين أن من الاصحاب من ابطله وقال لا ضرورة إلى الضمان بخلاف سائر التصرفات ولو ضمن بالكتابة فوجهان سواء أحسن الاشارة أم لا (اظهرهما) الصحة وذلك عند وجود القرينة المشعرة بالمقصود ويجرى الوجهان في الناطق وفى سائر التصرفات (وأما) أهلية التبرع فانه قصد بها التحرز عن المحجور عليه بالسفه ونحافيه نحو الامام بحيث قال المحجور عليه وان كان تصح عبارته عند اذن وليه فضمانه مردود من قبل أنه تبرع وتبرعات المبذر مردودة ولا يصح من الولي الاذن فيها * واعلم أن القول بكون الضمان تبرعا انما يظهر حيث لا يثبت الرجوع فاما حيث ثبت فهو اقراض لا محض تبرع ويدل(10/360)
عليه ان القاضى الرواياني حكى في البحربه عن نص الشافعي رضى الله عنه انه إذا ضمن في مرض الموت بغير اذن من عليه الحق فهو محسوب من ثلثه وان ضمن باذنه فهو محسوب من رأس المال لان للورثة ان يرجعوا على الاصيل وهو وان لم يكن تبرعا فلا يصح من المحجور كالبيع وسائر التصرفات المالية فان أذن فيه الولى فليكن كما لو أذن في البيع (أما) المحجور عليه بالفلس فضمانه كشرائه ثم في الفصل مسألتان (إحدهما) ضمان المرأة صحيح خلية كانت أو مزوجة ولا حاجة إلى اذن الزوج كما في سائر تصرفتها وعن مالك انه لا بد من اذنه (الثانية) في ضمان العبد بغير اذن سيده مأذونا كان في التجارة أو لم يكن وجهان عن ابن سريج (أحدهما) وبه قال ابو اسحاق انه صحيح ويتبع به بعد العتق لانه لا ضرر فيه على السيد فصار كما لو أقر باتلاف مال وكذبه السيد (وأصحهما) وبه قال الاصطخرى انه باطل لانه اثبات مال في الذمة بعقد فاشبه النكاح وان ضمن باذن سيده صح ثم ان قال اقضه مما تكتسبه أو قال للمأذون اقضه من المال الذى في يدك قضى منه وان عين مالا أمر بالقضاء منه فكمثل وان اقتصر على الاذن في الضمان فان لم يكن العبد مأذونا له في التجارة فوجهان (أحدهما) انه يكون في ذمته إلى أن يعتق لانه انما اذن في الالترام دون الاداء (وأضهرهما) انه يتعلق بما يكتسبه بعد الاذن كما لو اذن له في النكاح يتعلق المهر باكتسابه وعن الشيخ أبى علي حكاية وجه غريب انه يتعلق برقبته وان كان مأذونا له في التجارة فيتعلق بذمته أم كيف الحال فيه وجهان رتبهما الامام على الوجهين في غير المأذون واولى بان لا يحال على الذمة لاشعار ظاهر الحال بخلافه وعلى
هذا فيتعلق بما يكتسبه من بعد اذنه وبما في يده من الربح الحالصل أم بهما وبرأس المال أيضا فيه وجوه أشبهها الثالث والوجوه التي وردهما صاحب الكتاب فيما إذا ضمن بالاذن تخرج من الترتيب الذى أشار إليه الامام فعلى رأى إن كان مأذون له تعلق بكسبه والا لم يتعلق الا بالذمة وحيث قلنا يؤدى مما في يده فلو كان عليه ديون ففيه ثلاثة أوجه عن ابن سربج (أحدهما) أن المضمون له يشارك الغرماء لانه دين لزم باذن المولى فاشبه سائر الديون (والثانى) أن الضمان لا يتعلق بما في يده أصلا لانه كالمرهون بحقوق الغرماء (والثالث) أنه يتعلق بما فضل عن حقوقهم رعاية للجانبين(10/361)
وهذا إذا لم يحجز القاضى عليه فان حجز باستدعاء الغرماء لم يتعلق الضامن بما في يده لا محالة والمدبر وأم الولد كالقن في الضمان وكذا من بعضه حر وبعضه رقيق وان لم يكن بينه وبين السيد مهايأة أو كانت وضمن في نوبة السيد وان لم يكن بينهما مهايأة كما لو اشترى بنفسه شيئا ويجوز ان يخرج على الخلاف في المؤن والاكساب النادرة أنها هل تدخل في المهايأة وضمان المكاتب بغير إذن السيد كضمان القن وبالاذن قالوا هو علي الحلاف في تبرعاته * (فرع) إذا ضمن العبد باذن السيد وأدى مال الضمان في رقه فحق الرجوع للسيد وان أداه بعد ما عتق فحق الرجوع لعبد في أصح الوجهين ووجه الثاني أن مال الضمان كالمستتني عن اكتسابه فلا يستحقها بالعتق ولو ضمن العبد شيئا لسيده عن أجنبي لم يصح لانه يؤديه من كسبه وكسبه لسيده فهو كما لو ضمن المستحق لنفسه ولو ضمن لاجنبي عن سيده فإذا لم ياذن السيد فهو كما لو ضمن عن أجنبي وان ضمن باذنه صح ثم ان أدى قبل العتق فلا رجوع له وان أدى بعده ففى رجوعه على السيد (وجهان) بناء على الوجهين فيما لو أجر عبده ثم أعتقه ففى أثناء المدة هل يرجع باجرة المثل لبقية المدة * قال (الركن الرابع المضمون به وشرطه أن يكون حقا ثابتا (م ح و) لازما (م ح و) معلوما (م ح و) واحترزنا بالثابت عن ضمان دين سيلزم ببيع أو قرض بعده فانه لا يصح (م ح) في الجديد وفى ضمان ما سبق سبب وجوبه ولم يجب كنفقة الغد للمرأة قولان في الجديد * وضمان العهدة للمشتري
صحيح (و) بعد قبض الثمن لاجل الحاجة إلى معامل الغرباء وكذلك ضمان نقصان الصنجة ورداءة الجنس في المبيع * وفى صحة ضمان عهدة تلحق بالعيب أو بالفساد من جهة أخرى لا بخروجه مستحقا وجهان * فان صحح صريحا ففى اندراجه تحت مطلق ضمان العهدة وجهان) * يشترط في الحق المضمون ثلاث صفات كونه ثابتا ولازما ومعلوم الصفة (الاولى) الثبوت وفيه(10/362)
مسائل (إحداها) إذا ضمن دينا لم يجب بعد ويستحب كقرض أو بيع وما أشبههما ففيه طريقان حكاهما الشيخ أبو حامد وغيره (وأشهرهما) وبه قال ابن سريج أنه على قولين (القديم) أنه يصح لانه قد تمس الحاجة إليه وهذا كما أنه جوز في القديم ضمان نفقة يوم المستقبل؟ وبهذا قال أبو حنيفة ومالك (والجديد) المنع وبه قال أحمد لان الضمان لو تبعه الحق فلا يسبق وجوب الحق كالشهادة (والثانى) وهو اختيار الشيخ أبى حامد القطع بالمنع ويخالف ضمان النفقه على القديم تجب بالعقد فضمانها ضمان واجب لاغير واجب والمذكور في الكتاب هو الطريقة الاولى ويجوز اعلام قوله على الجديد بالواو للثانيه واعلام قوله لا يصح بالحاء والميم لما ذكرنا وذكر الامام أمورا مفرعة على القديم (أحدها) إذا قال ضمنت لك ما تبيع من فلان فباع الشئ بعد الشئ كان ضامنا للكل لان (ما) من أدوات الشرط فتقتضى التعميم بخلاف ما إذ قال إذا بعت من فلان فانا ضامن من حيث لا يكون ضامنا الا ثمن ما باعه أولا لان (إذا) ليست من أدوات الشرط (الثاني) إن شرطنا معرفة المضمون له عند ثبوت الدين فههنا أولى والا فوجهان وكذا معرفة المضمون عنه (الثالث) لا يطالب الضامن ما لم يلزم الدين على الاصيل وليست له الرجوع بعد لزومه (وأما) قبله فعن ابن سريج أن له أن يرجع وقال غيره لا لان وضع الضمان على اللزوم (وإذا قلنا) بالجديد فلو قال أقرض فلانا كذا وعلى ضمانه فاقرضه قال القاضى الروياني في المذهب أنه لا يجوز وعن ابن سريج تجويزة لانه ضمان مقرون بالقرض (المسألة الثانية) ضمان نفقة المدة الماضية للزوجة صحيحة سواء كانت نفقة الموسرين أو المعسرين وكذا ضمان الادام ونفقة الخادمة وسائر المؤن ولو ضمن نفقة اليوم فكمثل لانها تجب بطلوع الشمس وفى ضمان نفقة الغد والشهر المستقبل قولان بناء على أن النفقة تجب بالعقد أو بالتمكين (ان قلنا) بالاول وهو
القديم صح (وان قلنا) بالثاني فلا وهو الاصح هكذا نقل عامة الاصحاب وأشار الامام إلى أنه على قولين مع تفريعنا على أن ضمان مالا يجب باطل لان سبب وجوب النفقة على تعاقب الايام ناجز(10/363)
وهو النكاح وهذا ما أورده المصنف وقال وفى ضمان ما سبق سبب وجوبه ولم يجب إلى آخره وفيه اشكال لان سبب وجوب النفقة إما النكاح أو التمكين في النكاح ان كان الاول فالنفقة واجبة فكيف قال ولم يجب وان كان الثاني فالسبب غير موجود ويجوز أن يقال في الجواب المراد من سبب الوجوب ههنا ما تقرر به الوجوب بل المراد منه الامر الذى إذا وجد استعقب الوجوب ظاهرا عند وجود أمر آخر وبيان ذلك بأنهم نقلوا قولين فيما إذا ضمن أرش الجناية وما يتولد منها ومعلوم أن الجناية ليست سببا لما يتولد منها الا على هذا التفسير اما عند قولنا سبب الوجوب النكاح والتمكين فنعنى به ما يقترن به الوجوب فإذا جوزنا ضمان نفقة المستقبل فله شرطان (أحدهما) أن يقدر مدة أما إذا أطلق لم يصح فيما بعد الغد وفيه وجهان أخذا من الخلاف فيما إذا قال أجرتك كل شهر بدرهم ولم يقدر هل يصح في الشهر الاول (والثانى) أن يكون المضمون في نفقة المعسرين وان كان المضمون عنه موسرا أو متوسطا لانه ربما يعسر وفي التتمة وجه آخر أنه يجوز ضمان نفقة الموسرين والمتوسطين لان الظاهر استمرار ماله وضمان نفقة القريب للمدة المستقبلة لا يجوز وفى ضمان نفقة اليوم وجهان والفرق أن سبيلها سبيل البر والصلة لاسبيل الديون ولهذا تسقط بمضي الزمان وضيافة الغير (المسألة الثالثة) من باع شيئا فخرج مستحقا فعليه رد الثمن ولا حاجة فيه إلى شرط والتزام قال القفال ومن الحماقة اشتراط ذلك في العيالات وان ضمن عنه ضمن ليرجع المشترى عليه بالثمن لو خرج المبيع مستحقا فهذا ضمان العهدة ويسمى ضمان الدرك ايضا (أما) ضمان العهدة فقد قال في التتمة إنما سمى به لالتزمه ما في عهدة البائع رده ويجوز أخذه من شيئين آخرين (أحدهما) قال في الصحاح يقال في الامر عهدة أي لم يحكم بعد وفى عقله عهدة أي ضعف فكأن(10/364)
الضامن ضمن ضعف العقد والتزم ما يحتاج فيه من غرم (والثانى) قال العهدة الرجعة يقال أبيعك
الملسى لاعهدة أي تتملس وينقلب فلا يرجع إلى الضامن التزم رجعة المشترى عليه عند الحاجة (وأما) الدرك فقد قال في الصحاح الدرك التبعة تسكن وتحرك وفى التتمة انه سمى ضمان الدرك لا لتزامة الغرامة عند إدراك المستحق من ماله وفى صحة هذا الضمان طريقان (أظهرهما) أنها على قولين (أحدهما) خرجه ابن سريج وغيره أنه لا يصح لانه ضمان ما لم يجب ولانه لا يجوز الرهن به فكذلك الكفيل (وأصحهما) وهو نصه في آخر كتاب الاقرار أنه صحيح وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد لاطباق الناس عليه وإيداعه الصكوك في جميع الاعصار والمعني فيه أن الحاجة تمس إلى معاملة من لايعرف من الغرماء ولا يوثق بيده وملكه ويخاف عدم الظفر به لو ظهر الاستحقاق فيحتاج إلى التوثق (والثانى) القطع بالصحة حكاه القاضى ابن كج عن أبى اسحق وابن القطان وأجيب عن توجيه قول المنع بانه إذا بان الاستحقاق بان ان رد الثمن كان واجبا ألا انا كنا لا نعرفه (وأما) الرهن فالكلام فيه قد مر في كتاب الرهن * (التفريغ) ان قلنا بالصحة فذاك إذا ضمن بعد قبض الثمن أما قبله فوجهان (أحدهما) الصحة لان الحاجة تدعوا إليه اذر بما لا يثق المشترى بتسليم الثمن الا بعد الاستيثاق (وأصحهما) المنع لان الضمان انما يضمن ما يدخل في ضمان البائع ويلزمه رده وقبل القبض لم يتحقق ذلك وكما يصح ضمان العهدة للمشترى يصح ضمان نقصان الصنجة للبائع بان جاء المشترى بصنجة ووزن بها الثمن فاتهمه البائع فيها فضمن ضامن النقصان ان كانت ناقصة وكذا ضمان رداءة الثمن إذا شك البائع في أن المؤدى هل هو من الضرب الذى يستحقه فإذا خرج ناقصا أو رديئا طالب البائع الضامن بالنقصان وبالضرب المستحق إذا رد المقبوض على المشترى ولو اختلف البائع والمشترى في نقصان الصنجة صدق البائع بيمينه فإذا حلف طالب المشتري بالنقصان ولا يطالب الضامن على أقيس الوجهين لان الاصل براءة ذمته فلا يطالب الا إذا اعترف بالنقصان أو قامت بينة عليه ولو اختلف البائع والضامن في نقصانها فالمصدق الضامن على أصح الوجهين لان الاصل براءة ذمته بخلاف المشترى فان ذمته كانت(10/365)
مشغولة بحق البائع والاصل بقاء الشغل * واعلم أن الائمة صوروا ضمان نقصان الصنجة والرداءة في الثمن
كما أوردناه قالوا هذا الضمان للبائع كضمان العهدة للمشترى وحكى هذا صاحب الكتاب في الوسيط فاما ههنا فانه قال وكذا ضمان نقصان الصنجة ورداءة الجنس في المبيع فصور ضمان الرداءة في المبيع وهذا يمكن فرضه فيما إذا باع وشرط كونه من نوع كذا فخرج المبيع من نوع أردأ منه ثبت للمشترى الخيار والرجوع بالثمن وإذا ضمن ضامن كان له الرجوع على الضامن أيضا وكذا نقصان الصنجة يمكن تصوير ضمانه في المبيع بان باع بشرط أنه كذا منا فانه إذا خرج دونه يبطل المبيع على قول ويثبت للمشترى الخيار على قول كما مر فإذا ضمنه ضامن رجع بالثمن عليه وفى الصورتين يكون الضمان للمشتري كضمان العهدة ولو ضمن عهدة الثمن لو خرج المبيع معيبا فرده أو بان فساد المبيع بسبب غير الاستحقاق لتخلف شرط معتبر في المبيع واقتران شرط فاسد ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا يصح (أما) في خروجه معيبا فلان وجوب رد الثمن على البائع ههنا بسبب حادث وهو الفسخ فالظمان سابق عليه فيكون ظمان ما لم يجب (وأما) في ظهور الفساد بغير الاستحقاق فلان هذا الضمان انما جوز للحاجة وانما تظهر الحاجة في الاستحقاق ولان التحرز عند ظهور الاستحقاق لا يمكن والتحرز عن سائر أسباب الفساد ممكن (والثانى) يصح لان الحاجة قد تمس إليه أيضا في معاملة الغرماء ومن لا يوثق بالظفر به كما تمس إلى الضمان بسبب الاستحقاق وذكر في التتمة أن المذهب هو الوجه الاول لكن أصحابنا العراقين أجابوا بالثاني ورووه عن ابن سريج ونفى صاحب البيان الخلاف فيه (فان قلنا) بالصحة إذا ضمن ذلك صريحا فقد حكى الامام وصاحب الكتاب وجهين في اندراجه تحت مطلق ضمان العهدة ونحن تجمع ما يطالب به ضامن العهدة في فصل محتوش بفصلين ويضمن ثلاثتها بقية مسائل الباب * (فصل أول) من الفاظ هذا الضمان أن تقول للمشترى ضمنت لك عهدته أو دركه أو خلاصك منه ولو قال ضمنت لك خلاص المبيع لم يصح لانه لم يستقل بتخليصه بعد ظهور الاستحقاق(10/366)
ولو ضمن عهدة الثمن وخلاص المبيع معالم يصح ضمان الخلاص وفى العهدة قولا تفريق الصفة ولو شرط في المبيع كفيلا بخلاص المبيع بطل بخلاف ما لو شرط كفيلا بالثمن ويشترط أن يكون قدر
الثمن معلوما للضامن فان لم يكن فهو كما لو لم يكن قدر الثمن معلوما في المرابحة ويجوز ضمان المسلم فيه للمسلم إليه لو خرج رأس المال مستحقا بعد تسليم المسلم فيه وقبله لا يجوز في أصح الوجهين ولايجوز ضمان رأس المال للمسلم لو خرج المسلم فيه مستحقا لان المسلم فيه في الذمة والاستحقاق لا يتصور فيه وانما يتصور في المقبوض وحينئذ يطالب المسلم بمثله لا برأس المال * (فصل ثان) إذا ظهر الاستحقاق فالمشترى يطالب من شاء من البائع والضامن ولا فرق في الاستحقاق بين أن يخرج مغصوبا وبين أن يخرج شقصا قد ثبت فيه الشفقة ببيع سابق فاخذه الشفيع بذلك المبيع ولو بان فساد البيع بشرط أو غيره ففى مطالبة الضامن وجهان (أحدهما) يطالب كما لو خرج مستحقا (والثانى) لا للاستغناء عنه بامكان حبس المبيع إلى استرداد الثمن لان السابق إلى الفهم من ضمان العهدة هو الرجوع بسبب الاستحقاق ولو خرج المبيع معيبا فرده المشترى ففى مطالبة الضامن بالثمن وجهان وأولى بان لا يطالب وبه قال المزني وابن سريج لان الرد ههنا سبب حادث وهو مختار فيه فاشبه ما إذا فسخ بخيار شرط أو مجلس أو تقايلا وهذا إذا كان العيب مقرونا بالعقد اما إذا حدث في يد البائع بعد العقد ففى التتمة انه لا يطالب الضامن بالثمن وجها واحد لانه لم يكن سبب رد الثمن مقرونا بالعقد ولم يوجد من البائع تفريط فيه وفى العيب الموجود عند البيع سبب الرد مقرونا بالعقد والبائع مفرط بالاخفاء وما لحق بالاستحقاق على رأى المبيع قبل القبض وبعد قبض الثمن وانفسخ العقد فهل يطالب الضامن بالثمن إن قلنا انه ينفسخ من أصله فهو كظهور الفساد بغير الاستحقاق وان قلنا من حينه كالرد بالعيب ولو خرج بعض المبيع مستحقا ففى صحة البيع في الباقي قولا تفريق الصفقة ان قلنا يصح فاختار المشترى إن قلنا يختر بجميع(10/367)
الثمن لم يطالب الضامن بثئ وان قلنا يختر بالحصة طالبه بحصة المستحق من الثمن وان فسخ طالب بحصة المستحق من الثمن ومطالبته بحصة الباقي من الثمن كمطالبته عند الفسخ بالعيب وان قلنا لا يصح ففى مطالبته بالثمن طريقان (أحدهما) انه كما لو بان فساد العقد بشرط ونحوه (والثانى) القطع بتوجيه المطالبة لاستناد الفساد إلى الاستحقاق وهذا كله فيما إذا كانت صيغة الضمان شيئا مما ذكرنا
في الفصل الاول اما إذا كان قد عين جهة الاستحقاق فقال ضمنت لك الثمن متى خرج المبيع مستحقا لم يطالب بجهة أخرى * (فصل ثالث) اشترى أرضا وبني فيها أو غرس ثم خرجت مستحقة وقلع المستحق البناء والغراس فهل يجب ارش النقصان على البائع وهو مابين قيمته قائما ومقلوعا فيه خلاف مذكور في الكتاب في آخر الغصب والظاهر وجوبه وهو الذى حكاه القاضى أبو القاسم الصيمري عن الشافعي رضى الله عنه في علل الشروط * وحكى عن أبى حنيفة ان كان البائع حاضرا رجع المشترى بقيمة البنا والغراس عليه قائما ثم المستحق ان شاء أعطى البائع قيمته مقلوعا وان شاء أمره بقلعه وان كان البائع غائبا قال المستحق للمشترى ان شئت اعطيتك قيمته مقلوعا والا فاقلعه رجع على المشترى بقيمته على البائع مقلوعا لانه سلمه إليه مقلوعا وإذا قلنا بوجوب الارش على البائع فلو ضمنه ضامن نظر ان كان قبل ظهور الاستحقاق لم يصح لانه مجهول ولانه ضامن ما ليس بواجب وان كان بعد الاستحقاق وقبل القلع فكمثل * وقال ابو حنيفة يصح في الصورتين وان ضمنه بعد القلع وكان قدره معلوما صح وان ضمن ضامن عهدة الارض وأرش نقص البناء والغراس في عقدة واحدة لم يصح في الارش وفى العهدة قولا تفريق الصفقة ولو كان البيع بشرط أن يعطيه كفيلا فهو كما لو شرط في البيع رهنا فاسدا وذكر جماعة من الاصحاب أن ضمان نقص البناء والغراس كما لا يصح من غير البائع لا يصح من البائع وهذا ان أريد به أنه لغو كما لو ضمن العهدة لوجوب الارش عليه من غير الزام فهو مستمر على ظاهر المذهب والا فهو ذهاب منه إلى أنه لا أرش عليه والله أعلم *(10/368)
قال (واحترزنا باللازم عن نجوم الكتابة فلا يصح ضمانها * ويصح (و) ضمان الثمن في مدة الخيار إذ مصيره إلى اللزوم * وفى ضمان الجعل في الجعالة وجهان) * (الصفة الثانية) اللزوم في الديون والديون الثابتة ضربان (أحدهما) مالا مصير له إلى اللزوم بحال مثل نجوم الكتابة فلا يصح ضمانها كما لا يصح الرهن بها هذا هو المشهور وفيه وجه أنه يصح وبه قال أبو حنيفة ومم أجد هذا الوجه عن الشيخ أبى محمد أن ابن سريج خرجه على ضمان ما لم يجب
ووجد سبب وجوبه وذكر القاضى ابن كج أنه مأخوذ من تجويز ضمان الجعل في الجعالة على أحد الرأيبن ولو ضمن انسان عن المكاتب عين نجوم الكتابة نظر ان ضمنه لاجنبي صح وإذا غرم رجع على المكاتب إذا كان الضمان باذنه وان ضمنه لسيده يبني ذلك على أن الدين هل يسقط بعجزه وهو على وجهين (إن قلنا) نعم لم يصح الضمان للنجوم في الاصح (والضرب الثاني) ماله مصير إلى اللزوم فينظر ان كان لازما في حال الضمان صح ضمانه سواء كان مستقرا أو لم يكن كالمهر قبل الدخول والثمن قبل قبض المبيع لحاجة التوثيق ولا نظر إلى احتمال سقوطه كما لانظر إلى احتمال سقوط المستقر بالابراء والرد بالعيب وما أشبههما وان لم يكن لازما حال الضمان فهو على قسمين (أحدهما) ما الاصل في وضعه اللزوم كالثمن في مدة الخيار في ضمانه وجهان (أحدهما) المنع لانه ليس بلازم (وأصحهما) وقد قطع به بعضهم الجواز لانه ينتهى إلى اللزوم بنفسه عن قريب فيحتاج فيه إلى التوثيق ثم فيه نظران (أحدهما) أن الخلاف على ما ذكره صاحب التتمة مفروض فيما إذا كان الخيار للمشترى أولهما أما إذا كان للبائع وحده صح ضمانه بلا خلاف لان الدين لازما في حق من عليه (والثاني) اشار الامام إلى ان تصحيح الضمان مفرع على أن الخيار لايمنع نقل الملك في الثمن إلى البائع (اما) إذا منعه فهو ضمان ما لم يثبت بعد وقد ذكر مثل هذا الاستدراك في الرهن على ما مر (والثانى) ما الاصل في وضعه الجواز كالجعل في الجعالة فيه وجهان كما ذكرنا في صحة الرهن به وموضع الوجهين بعد الشروع في العمل وقبل تمامه على ما بيناه ثم وضمان مال المسابقة يبني على انها جعالة أو إجارة ان كان اجارة صح والا فهو كضمان الجعل *(10/369)
قال (واحترزنا بالمعلوم عن ضمان المجهول وهو باطل (ح) على الجديد * وكذلك الابراء (ح) عن المجهول * والصحيح جواز ضمان أبل الدية كما يجوز الابراء عنها * ولو قال ضمنت من واحد إلى عشرة فاشهر القولين الصحة) * (الصفة الثالثة) كونه معلوما وفيها صور (احداها) في ضمان المجهول طريقان كالطريقين المذكورين في ضمان ما لم يجب ووجه الجديد أنه اثبات مال في الذمة بعقد فاشبه البيع والاجارة
(وإذا قلنا) بالقديم وبه قال أبو حنيفة ومالك فالشرط أن تتأتى الاحاطة به بأن يقول أنا ضامن لثمن ما بعت من فلان وهو جاهل به فان معرفته متيسرة (أما) إذا قال ضمنت لك شيئا مما لك على فلان فهو باطل لا محالة والقولان في صحة ضمان المجهول جاريان في صحة الابراء عن المجهول بطريق الاولى لان الضمان التزام والابراء اسقاط وذكروا في الابراء مأخذين (أحدهما) الخلاف في صحة شرط البراء من العيوب فان العيوب مجهولة الانواع والاقدار (والثانى) أن الابراء محض اسقاط كالاعتاق أو هو تمليك للمديون مافى ذمته ثم إذا ملكه سقط وفيه رأيان (ان قلنا) اسقاط صح الابراء عن المجهول وهو قول أبي حنيفة ومالك (وان قلنا) تمليك لم يصح وهو ظاهر المذهب وخرجوا علي هذا الاصل مسائل (منها) لو عرف المشترى قدر الدين ولم يعرف المبرأ عنه وسنذكره في الوكالة فان في الكتاب تعرضا له هناك (ومنها) لو كان له دين على هذا ودين على هذا فقال أبرأت أحدكما (ان قلنا) انه اسقاط صح وأخذ بالبيان (وإن قنا) تمليك لم يصح كما لو كان في يد كل واحد منهما عبد فقال ملكت أحدهما العبد الذى في يده (ومنها) لو كان لابيه دين على انسان فأبرأه هو ولا يعلم موت مورثه (وان قلنا) انه اسقاط صح كما لو قال لعبد أبيه اعتقتك هو يعلم موت الاب (وان قلنا) تمليك فهو كما لو باع مال أبيه علي ظن أنه حي وهو ميت (ومنها) أنه لا يحتاج إلى القبول ان جعلناه اسقاطا وان جعلناه تمليكا فنص ابن سريج انه لابد من القبول وظاهر المذهب أنه لا حاجة إليه لانه ان كان تمليكا فالمقصود منه الاسقاط وقد نص على هذا في كتاب(10/370)
الايمان فان اعتبرنا القبول ارتد بالرد وان لم نعتبره ففى ارتداده بالرد وجهان وهذه المسائل مخرجة على المأخذ المذكور أوردها صاحب التتمة مع اخوات لها واحتج للرأي الذاهب إلى كونه تمليكا بأنه لو قال للمديون ملكتك مافى ذمتك صح وبرئت ذمته عن غير نية وقرينة ولولا أنه تمليك لافتقر إلى نية أو قرينة كما إذا قال لعبده ملكتك رقبتك أو لزوجته ملكتك نفسك يحتاج إلى النية * (فرع) لو جاء المغتاب إلى من اغتابه فقال انى اغتبتك فاجعلني في حل ففعل وهو لا يدرى
بما اغتابه فوجهان (أحدهما) انه يبرأ لان هذا اسقاط محض فصار إذا كما عرف أن عبدا قطع عضوا من عبده ولم يعرف عين العضو المقطوع فعفي عن القصاص يصح (والثانى) لا لان المقصود حصول رضاه والرضا بمجهول لا يمكن وتخالف مسألة القصاص لان العفو على القصاص مبني على التغليب والسراية واسقاط المظالم غير مبني عليه (الصورة الثانية) ضمان أروش الجنايات صحيح ان كان دراهم أو دنانير وفى ضمان ابل الدية إذا لم نجوز ضمان المجهول وجهان ويقال قولان (أحدهما) المنع لانها مجهولة الصفة واللون (والثانى) انه صحيح أيضا لانها معلومة السن والعدد والرجوع في اللون والصفة إلى غالب ابل البلد ولان الضمان تلو الابراء والابراء عنها صحيح فكذا الضمان وهذا الاظهر ومنهم من قطع به ثم إذا كان الضمان بحيث يقتضى الرجوع فيرجع بالحيوان أو بالقيمة قال الامام لا يمتنع ان يجرى فيه الخلاف المذكور في اقراض الحيوان ولايجوز ضمان الدية على العاقلة قبل تمام السنة لانها غير ثابتة بعد (الثالثة) إذا منعنا ضمان المجهول فلو قال ضمنت مالك على فلان من درهم إلى عشرة ففيه قولان على ما رواه الغزالي والصيدلانى ووجهان على ما رواه الامام وآخرون (أحدهما) أنه لا يصح لما فيه من الجهالة (وأظهرهما) الصحة لان المنع من ضمان المجهول لما فيه من الغرر وإذا ثبتت الغاية الملتزمة فقد وطن نفسه عليها وانتفي الغرر (وإذا قلنا) بالصحة وكان له عليه عشرة أو أكثر يلزمه عشرة ادخالا للطرفين في الملتزم أو ثمانية اخراجا لهما أو تسعة ادخالا للطرف الاول لانه مبدأ الا لتزام فيه أوجه سيعود مثلها في(10/371)
الاقرار قال في التهذيب والاصح الاول ولو قال ضمت لك مابين درهم وعشرة فان عرف أن دينه لا ينقص عن عشرة صح وكان ضامنا لثمانية وان لم يعرف ففى صحته في الثمانية قولان أو الوجهان ولو قال ضمنت لك الدراهم التى لك على فلان وهو لايعرف مبلغها فهل يصح في ثلاثة لدخولها في اللفظ على كل حال فيه وجهان كما لو قال أجرتك كل شهر بدرهم هل يصح في الشهر الاول وهذه المسائل بعينها جارية في الابراء فإذا عرفت ما ذكرنا لم يخف عليك أن قوله في أول الركن ثابتا لازما معلوما ينتظم أعلام ثلاثتها - بالحاء والميم والواو - وأنه يدخل في الضبط المذكور في الزكاة فيجوز ضمانها عمن هي عليه وفى تجربة الرويانى ذكر وجه آخر أنه لا يجوز لانها حق الله تعالى فاشبه الكفالة بندب
الشاهد لاداء الشهادة وعلى الصحيح هل يعتبر الاذن عند الاداء قال فيه وجهان (أظهرهما) الاعتبار ويجوز ضمان المنافع الثابتة في الذمم كالاموال * قال (ويصح (و) كفالة البدن عن كل من وجب عليه الحضور بمجلس الحكم من زوجة أو عبد آبق أو من عليه عقوبة لآدمي على الاظهر لانه حق كالدين فلا يشترط كونه مالا * وكذلك ضمان عين المغصوب والمبيع * وكل ما يجب مؤنة تسليمه دون الوديعة والامانات * وتصح كفالة البدن ممن ادعى عليه وان لم تقم عليه البينة بالدين إذ الحضور مستحق عليه * ومعناها الزام احضاره وتصح الكفالة ببدن الميت إذ قد يستحق احضاره لاداء الشهادة على صورته) * الكلام في هذا المضع إلى آخر الركن في كفالة البدن وتسمى كفالة الوجه أيضا وأنما أوردها في هذا الموضع لاستغنائها عن المضمون فان الشئ المضمون قد يكون حقا على الشخص وقد يكون نفس الشخص ولفظ الكتاب في أول الباب عند ذكر الاركان في بعض النسخ وهى ستة وذلك على عد كفالة البدن ركنا برأسها وكذلك أورد في الوسيط ركن الصيغة هو الركن السادس وفى بعض النسخ وهى خمسة وركن الصيغة هو الركن الخامس وهذا أحسن * وفقه الفصل أن الشافعي رضى الله عنه نص في أكثر المواضع على أن كفالة البدن صحيحة وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله وذكر في الدعوى والبينات أن كفالة البدن ضعيفة وللاصحاب طريقتان (أشهرهما) وبها قال(10/372)
المزني وأبو إسحق أن فيها قولين (أصحهما) الصحة لاطباق الناس عليها في الاعصار ومساس الحاجة إليها (الثاني) المنع لانها ضمان ما لا يدخل تحت اليد ولا يقدر على تسليمه (والثانية) القطع بالصحة وحمل ما ذكره في الدعاوى على ضعفها من جهة القياس ويتفرع على القول بصحتها مسائل وتفريعات يشتمل الفصل منها على مسألتين (إحداهما) فيمن يتكفل ببدنه وتجوز الكفالة ببدن من عليه مال ولا يشترط العلم بمبلغ ذلك المال لان الكفالة بالبدن لا بالمال وفيه وجه أنه يشترط بناء على أنه لو مات غرم الكفيل ما عليه ويشترط أن يكون ذلك المال بحيث لو ضمنه لصح حتى لو تكفل انسان ببدن المكاتب للنجوم التى عليه لم يصح لانه لو ضمن النجوم لم يصح فالكفالة بالبدن للنجوم
أولى أن تصح ذكره العراقيون وغيرهم (أما) إذا كان عليه عقوبة فينظر ان كانت من حقوق الآدميين كالقصاص وحد القذف فقد نص في اللعان أنه لا يضمن رجل في حد ولا لعان وعن نقل المزني في الجامع الكبير أنه قال تجوز الكفالة بمن عليه حق أوحد واختلف الاصحاب فيه على طرق (أظهرها) ويحكي عن ابن سريج أنه على قولين (أحدهما) الجواز لانه حق لازم فاشبه المال ولان الحضور مستحق عليه فجاز التزام احضاره (والثانى) المنع لان العقوبات مبنية على الدفع فتقطع الذرائع المؤدية إلى توسعها وعن الشيخ أبى حامد بناء القولين على أنه إذا مات المكفول ببدنه هل يغرم الكفيل ما عليه من الدين (ان قلنا) نعم لم تصح الكفالة ههنا لانه لم يمكن مؤاخذته بما عليه (وان قلنا) لاصحت كما لو تكفل ببدن من عليه مال وقضية هذا البناء أن يكون قول التصحيح أظهر وهو اختيار القفال وصاحب الكتاب وادعى القاضى الرويانى أن المذهب المنع (والطريق الثاني) القطع بالجواز وحمل ما ذكره في اللعان على الكفالة بنفس الحد (والثالث) القطع بالمنع لانه لا تجوز الكفالة بما عليه فلا تجوز الكفالة ببدنه رواه القاضى الرويانى في اللعان وان كانت العقوبة من حدود الله تعالى فالمشهور أنه لا تصح الكفالة ببدنه لانها للتوثيق وحدود الله تعالى يسعى في دفعها ما أمكن وعن أبى الطيب بن سلمة وابن خيران طرد القولين فيه والخلاف في هذا الباب شبيه(10/373)
بالخلاف في ثبوت العقوبات بالشهادة على الشهادة وكتاب القاضى إلى القاضى * هذا حكم من عليه مال أو عقوبة وضبط الامام والمصنف من يكفل ببدنه بما يدخل فيه هذان وغيرهما فقال حاصل كفالة البدن التزام احضار المكفول ببدنه وبكل من يلزمه حضوره مجلس الحكم عند الاستعداء أو يستحق احضاره تجوز الكفالة ببدنه ويخرج على هذا الضبط صور (منها) الكفالة ببدن امرأة يدعى رجل زوجيتها صحيحة لان الحضور مستحق عليها وكذلك الكفالة بها لمن ثبتت زوجيته وقال في التتمة الظاهر أن حكم هذه الكفالة حكم الكفالة ببدن من عليه القصاص لان المستحق عليها لا يقبل النيابة (ومنها) لو تكفل ببدن عبد آبق لمالكه عن ابن سريج أنه يصح ويلزمه السعي في رده ويجئ فيه مثل ما حكيناه في الزوجه (ومنها) الميت قد يستحق احضاره ليقيم الشهود الشهادة
على صورته إذا تحملوها كذلك ولم يعرفوا اسمه ونسبه وإذا كان كذلك فتصح الكفالة ببدنه ولو تكفل ببدن حى فمات فسيأتي ان شاء الله تعالى (ومنها) الصبي والمجنون قد يستحق احضارهما لاقامة الشهادة على صورتهما في الاتلافات وغيرها فتجوز الكفالة بها ثم ان كفل باذن وليهما فله مطالبة الولى باحضارهما عند الحاجة وان تكفل بغير اذنه فهو كالكفالة ببدن العاقل البالغ بغير اذنه (ومنها) قال الامام لو تكفل رجل ببغداد ببدن رجل بالبصرة فالكفالة باطلة لان من بالبصرة لا يلزمه الحضور ببغداد في الخصومات والكفيل فرع المكفول ببدنه فإذا لم يجب عليه الحضور لا يمكن إيجاب الاحضار على الكفيل واعلم أن الحق الذي تجوز بسببه الكفالة إن ثبت على المكفول ببدنه باقرار أو بينة فذاك وان لم يثبت لكنه ادعى عليه فلم ينكر وسكت صحت الكفالة أيضا وان أنكر فوجهان (أحدهما) أنها لا تصح لان الاصل أن لاحق عليه وقد تأيد ذلك بصريح انكاره والكفالة ببدن من لاحق عليه باطلة (وأصحهما) الجواز لان الحضور مستحق عليه فجاز التزام احضاره ومعظم الكفالات في الخصومات انما يتفق قبل ثبوت الحقوق وتجوز الكفالة ببدن الغائب والمحبوس وان تعذر تحصيل الغرض في الحال كما يجوز للمعسر(10/374)
ضمان المال * وقال أبو حنيفة لا يجوز ويجب أن يكون المكفول ببدنه معينا فلو كفل ببدن أحد هذين لم يصح كما لو ضمن أحد الدينين (المسألة الثانية) في ضمان الاعيان - إذا ضمن عينا لمالكها وهى في يد غيره نظر ان كانت مضمونة عليه كالمغصوب والمستعار والمستام والامانات إذا خان فيها فله تصويران (أحدهما) أن يضمن رد أعيانها (والمشهور) تخرجه على قولى كفالة الابدان ومنهم من قطع بالجواز مع اثبات الخلاف في كفالة الابدان والفرق أن حضور الخصم ليس مقصودا في نفسه وانما هو ذريعة إلى تحصيل المال فالتزام المقصود أولى بالصحة من التزام لذريعة وان جوزنا وبه قيل أبو حنيفة وأحمد فردها برئ من الضمان وان تلفت وتعذر ردها فهل عليه قيمتها فيه وجهان كالوجهين في وجوب الغرم على الكفيل إذا مات المكفول ببدنه فان أوجبنا فيجب في المغصوب أقصي القيم أم قيمته يوم التلف لان الكفيل لم يكن متعديا حكى الامام فيه وجهين ولو ضمن تسليم المبيع وهو بعد بيد البائع
جرى الخلاف في الضمان ان صححناه وتلف انفسخ البيع فان لم يوف المشترى الثمن لم يطالب الضامن بشئ وان كان قد وفاه عاد الوجهان في أن الضامن هل يغرم فان غرمناه فيغرم الثمن أو أقل الامرين من الثمن وقيمة لمبيع فيه وجهان (أظهرهما) أولهما (والتصوير الثاني) أن يضمن قيمتها لو تلفت قال في التهذيب يبني ذلك علي أن المكفول ببدنه إذا مات هل يغرم الكفيل الدين (إن قلنا) نعم صح ضمان القيمة لو تلفت العين والالم يصح وهو الاصح وأيضا فان القيمة قبل تلف العين ليست بواجبة فيكون ضمان ما لم يجب وان لم تكن مضمونة العين على صاحب اليد كلوديعة ومال الشركة والمال في يد الوكيل والوصى لم يصح صمانها لانها غير العين مضمونة ولا مضمون الرد وانما الذى يجب على الامين مجرد التخلية ولو تكفل ببدن العبد الجاني جناية توجب المال فهو كما لو ضمن عينا من الاعيان (ومنهم) من جزم بالمنع والفرق أن العين المضمونة مستحقة ونفس العبد ليست بمستحقة وانما المقصود تحصيل الارش من بدله وبدله مجهول ولو باع ثوبا بشئ أو درهم معينة فضمن ضامن عهدة المبيع حتى إذا خرج مستحقا رد عليه الثمن وهو قائم في يد البائع فهذا من صور ضمان الاعيان وان تلف في يد البائع فضمن قيمته فهو كما لو كان الثمن في الذمة وضمن العهدة ولو رهن ثوبا من انسان ولم يقبضه فضمن رجل تسليمه لم يصح لان ضمانه ضمان ما ليس بلازم (أما) لفظ الكتاب فقد وقع في ترتيبه بعض(10/375)
التغيير لا عن غفلة لكنه اكتفى بالشرح (وقوله) وتصح كفالة البدن معلم - بالواو - (وقوله) عن كل من وجب عليه حضور مجلس الحكم هو الضبط الذى ذكره الامام (وقوله) على الاظهر أي في من عليه عقوبة لآدمي ولم يقصد صرف الخلاف إلى الزوجة والعبد الآبق على ما هو واضح في الوسيط كما أسلفنا فيهما ما يقتضى الخلاف فيجوز اعلام الزوجة والعبد - بالواو - (وقوله) من عليه عقوبة لآدمي يصح اعلامه - بالالف - لان أحمد لا يجوز الكفالة ببدنه (وقوله) ولا يشترط كونه ما لا ليس مسألة أخرى بل هو تتمة وايضاح لما سبق (وقوله) وكذا ضمان عين المغصوب معلم - بالواو - * قال (ويخرج الكفيل عن العهدة بتسليمه في المكان الذى شرط أراده المستحق أو أباه الا أن يكون دونه يد جليلة مانعة فلا يكون تسليما * ويلزمه اتباعه في غيبته أن عرف مكانه * فان مات أو هرب أو اختفى فالصحيح انه لا يلزمه شئ * وقيل يلزمه الدين ان قامت به البينة (فان قلنا)
لا يلزمه شئ سوى الاحضار فلا تجوز الكفالة دون رضا المكفول ببدنه وتجوز الكفالة ببدن الكفيل كما يجوز ضمان الضامن * فإذا مات المكفول له انتقل الحق إلى ورثته على الاظهر * ومهما حضر بنفسه برئ الكفيل كما لو أدى الاصيل الدين) * في الفصل مسائل مفرعة على صحة الكفالة بعضها مصرح به وبعضها مشار إليه (الاولى) ان عين في الكفالة مكانا للتسليم تعين وان أطلق ففى التتمة أنه كما لو أطلق السلم ولم يعين مكان التسليم وقال الامام وغيره يحمل على مكان الكفالة ولا يجئ فيه ذلك الخلاف وسواء جاء الخلاف أم لا فالظاهر جوازه وحمله على ذلك المكان فلو أتى الكفيل باالمكفول به في غير المكان المستحق جاز قبوله وله أن يمتنع ان كان له فيه غرض بأن كان قد عين مجلس الحكم أو بقعة يجد فيها من يعينه على خصمه فسلمه الكفيل في مكان آخر وان لم يختلف الغرض فالظاهر أنه يلزمه قبوله فان امتنع رفعه إلى الحاكم ليستلم عنه فان لم يكن حاكم اشهد عليه شاهدين أنه سلمه إليه (الثانية) يخرج الكفيل عن العهدة(10/376)
بتسليمه في المكان الذى وجب فيه التسليم طلبه المستحق أو لم يطلبه بل أباه بشرط أن لا يكون هناك حائل كيد سلطان أو متغلب وحبس الحاكم بالحق لا يمنع صحة التسليم لا مكان احضاره ومطالبته بالحق ولو حضر المقر له به وقال سلمت نفسي اليك عن جهة الكفيل برئ الكفيل كما يبرأ الضامن باداء الاصيل الدين ولو لم يسلم نفسه عن جهة الكفيل لم يبرأ الكفيل لانه لم يسلمه إليه ولا أحدا من جهته حتى قال القاضى الحسين لو ظفر به المكفول له في مجلس الحكم وادعى عليه لم يبرأ الكفيل وكذا لو سلمه اجنبي لا عن جهة الكفيل ولو سلمه عن جهة الكفيل فان كان باذنه فهو كما لو سلمه بنفسه وإن كان بغير إذنه فليس على المكفول له القبول لكن لو قبل برئ الكفيل ولو كفل برجل لرجلين فسلمه إلى أحدهما لم يبرأ عن حق الآخر كما لو ضمن لشخصين دينين فأدى دين أحدهما ولو كفل رجلان لرجل فجاء به احدهما وسلمه إلى المكفول له نقل صاحب التهذيب انهما ان كفلا على الترتيب وقع تسليمه عن المسلم دون صاحبه سواء قال سلمت عن صاحبي أو لم يقل وان كفلا معا فوجهان قال المزني يبرأ صاحبه كما يبرأ المسلم أما إذا أدى أحد الضامنين الدين يبرآن جميعا وقال ابن سريج والاكثرون لا يبرآ كما
لو كان بالدين رهنان فانفك أحدهما لا ينفك الآخر ويخالف أداء أحدهما الدين فأنه يوجب براءة الاصيل وإذا برئ الاصيل برئ كل ضامن وان كانت المسألة بحالها وكفل كل واحد من الكفيلين ببدن صاحبه ثم أحضر أحدهما المكفول به وسلمه فعلى ما ذكره المزني يبرا كل واحد منهما عن كفلة صاحبه وكفالة الذى كفلا به وعلى ما ذكره ابن سريج يبرأ المسلم عن كفالة صاحبه وكفالة الذى كفلا به ولما يخرج الكفيل عن العهدة بالتسليم يبرأ أيضا بأبراء المكفول له المكفول به ولو قال المكفول له لاحق لى قبل المكفول به أو عليه فوجهان عن ابن سريج (أحدهما) أنه يبرأ الاصيل والكفيل (والثانى) أنه يراجع فأن فسر بنفى الدين فذاك وان فسر بنفى الشركة والوديعة ونحوهما قبل قوله فأن كذباه حلف (الثالثة) إذا غاب المكفول ببدنه نظر ان غاب غيبة منقطعة والمراد منها أن لايعرف موضعه وينقطع خبره فلا يكلف الكفيل بأحضاره لعدم الامكان وإن عرف موضعه فأن كان دون(10/377)
مسافة القصر فعليه إحضاره لكنه يمهل مدة الذهاب والاياب ليتبعه فأن مضت المدة ولم يحضره حبس حينئذ وان كان على مسافة القصر فوجهان (أظهرهما) أنه كما لو كان دون مسافة القصر وكما لو كان مال المديون غائبا إلي هذه المسافة يؤمر بأحضاره (الثاني) أنه لا يطلب به الحاقا لهذه الغيبة بالغيبة المنقطعة كما أنه لو غاب غيبة منقطعة * ولو كان غائبا حين كفل فالحكم في إحضاره كما لو غاب بعد الكفالة وما حكينا عن الامام في كفالة من بالبصرة جواب علي أنه لا يلزم الاحضار لان الكفالة حينئذ لا فائدة فيها فتبطل ولو مات المكفول به ففى انقطاع طلب الاحضار عن الكفيل وجهان (أصحهما) انه لا ينقطع بل عليه إحضاره ما لم يدفن إذا أراد المكفول له إقامة الشهادة على صورته كما لو تكفل ابتداء ببدن الميت (والثانى) ينقطع حملا للاحضار الملتزم على حال الحياة فأنه الذى يخطر بالبال غالبا وهل يطلب الكفيل بمال فيه وجهان (أصحهما) لا وبه قال أبو حنيفة لانه لم يلتزمه وهذا كما لو ضمن ضامن المسلم فيه فانقطع لا يطالب برد رأس المال (والثانى) وبه قال ابن سريج ويحكي عن مالك أنه يطالب لان الكفالة وثيقة فيستوفى الحق منها إذا تعذر تحصيله ممن عليه كالرهن وعلى هذا فالمطالبة بالدين أو بالاقل من الارش وقيمة العبد وإن هرب المكفول به إلى حيث لا يعلم أو
توارى فالخلاف في مطالبة الكفيل بالمال مرتب على حال الموت وأولى بأن لا يطالب إذا لم يحصل اليأس عن إحضاره ولو تكفل ببدن رجل وشرط عليه أنه إذا عجز عن تسليمه غرم الدين (فأن قلنا) إنه يغرم عند الاطلاق فلا بأس والا بطلت الكفالة (الرابعة) ظاهر المذهب أن الكفالة بغير رضا الكفول به لا تصح ومنهم من قال تصح والخلاف مبنى على أن الكفيل هل يغرم عند العجز (إن قلنا) لا لم تصح لانه إذا تكفل بغير إذنه لا يمكنه إحضاره إذ لا يلزم الاجابة فلا تفضى الكفالة إلى مقصودها وان قلنا نعم صحت ويغرم المال عند العجز فتظهر فائدة الكفالة وعن صاحب التقريب حكاية وجه أنها تصح (وان قلنا) إنه لا يغرم عند العجز وسنبينه إن شاء الله تعالى في التفريع وتصح الكفالة(10/378)
من غير رضا المكفول له ويجرى فيه الوجه المذكور في اعتبار رضا المضمون له في ضمان المال قال الامام إذا تقرر ذلك فان كفل برضا المكفول به وأراد احضاره بطلب المكفول له نظر ان قال احضر خصمى فللكفيل مطالبته بالحضور وعليه الاجابة لا بسبب الكفالة ولكن لانه قد وكله باحضاره وان لم يقل ذلك ولكن قال اخرج عن حقى فهل له مطالبته المكفول به فيه وجهان عن ابن سريج (أحدهما) لا كما لو ضمن بغير اذنه مالا وطلب المضمون له الضامن فانه لا يطالب الاصيل وذكر علي هذا أنه يحبس واستبعده الائمة لانه حبس على مالا يقدر عليه (والثانى) نعم لان المطالبة بالخروج عن العهدة تضمن التوكيل والاحضار ومن هذا خرج الذى حكاه صاحب التقريب فانه إذا طالب الكفيل المكفول بالحضور فتظهر الفائدة (الخامسة) لو تكفل ببدن الكفيل كفيل جاز لانه تكفل ببدن من عليه حق لازم وكذا لو تكفل بذلك الكفيل الكفيل آخر ولا حصر كما في ضمان المال ثم مهما برئ الكفيل الاول برئ كل من بعده ولو برئ الآخر لم يبرأ من قبله ولو برئ بعض الكفلاء المتوسطين برئ من بعده دون من قبله (السادسة) في موت المكفول له ثلاثة أوجه عن ابن سريج (أظهرها) ابقاء الكفالة وقيام ورثته مقامه كما لو ضمن له المال (والثانى) أنها تنقطع لانها ضعيفة فلا نحكم بثبوتها (والثالث) ان كان له وصى أو عليه دين بقيت الكفالة لان الوصي نائبه وتمس حاجته إلى قضاء الدين وان لم يكن وصى ولا دين انقطعت (وقوله) في الكتاب ويلزمه اتباعه في عينه يجوز
إعلامه - بالواو - لاحد الوجهين المذكورين فيما إذا كانت الغيبة إلى مسافة القصر (وقوله) لا يلزمنى شئ يجوز إعلامه - بالميم - وكذا اعلام قوله يلزمه الدين - بالحاء - (وقوله) فان قلنا لا يلزمه شئ سوى الاحضار فلا يجوز - بالواو - للوجه الذى حكاه صاحب التقريب أنها جائرة دون رضاه (وان قلنا) لا يجب على على الكفيل شئ سوى الاحضار (وقوله) ومهما حضر بنفسه برئ الكفيل يحتاج إلى تقييد معني حضر وسلم نفسه عن جهة الكفيل *(10/379)
قال (الركن الخامس الصيغة وهى قوله ضمنت وتكفلت وتحملت * وما ينبئ عن اللزوم * ولو قال أؤدى أو أحضر لم يكن ضامنا ولو شرط الخيار في الضمان فسد * ولو علقه بمجئ الشهر فسد * (ح) * ولو علق الكفالة بالبدن بمجئ الشهر أو بوقت الحصاد ففيه خلاف لانه بني علي المصلحة ولايجوز تعليق الابراء كما لا يجوز تعليق ضمان المال * ولو نجز كفالة البدن وشرط التأخير في الاحضار شهرا جاز للحاجه * ولو شرط الاجل في ضمان المال الحال ففيه خلاف * ولو ضمن المؤجل حالا ففى فساد الشرط وجهان * فان فسد ففى فساد الضمان وجهان * ولو تكفل بعضو من بدنه صح في الكل على وجه * وفسد على وجه * وصح ان كان العضو لا يبقى البدن دونه على وجه والا فلا) * المقصود الكلام في صيغة الضمان وما يفترن بها من الشروط والتعليقات وفيه مسائل نضرب فيها كل واحد من ضمان المال وكفالة البدن بسهم (الاولى) لابد من صيغة دالة على التزام كقوله ضمنت لك ما على فلان وأنا بهذا المال أو باحضار هذا الشخص كفيل أو ضامن أو زعيم أو حميل أو قبيل وفى البيان وجه في لفظ القبيل أنه ليس بصريح ويطرد في الحميل وما ليس بمشهور ولو قال حل عن فلان والدين الذى لك عندي فهذا ليس بصريح في الضمان خلافا لابي حنيفة فيما رواه صاحب البيان وذكر وجهين فيما إذا قال دين فلان إلى ولو قال أؤدى المال أو أحضر الشخص فهذا بالتزام وانما هو وعد ولو كان قد تكفل ببدن انسان فابرأه المكفول له ثم وجده ملازما للخصم فقال خله وأنا على ما كنت عليه من الكفالة حكم ابن سريج بكونه كفيلا لانه اما مبتدئ بالكفالة بهذا اللفظ أو مخبر عن كفالة واقعة بعد البراءة (الثانية) لو شرط الضامن الخيار لنفسه لم يصح لانه ينافى مقصود الضمان ولا حاجة إليه فان الضامن على يقين
من الغرم ولو شرط الخيار للمضمون له لم يضر لان الخيرة في لابراء والمطالبة إليه أبدا وكذا الحكم في الكفالة وعن أبي حنيفة أن شرط الخيار لا يبطلها لكنه يلغو ولو علق الضمان بوقت أو غيره فقال إذا جاء رأس الشهر فقد ضمنت أو ان لم يؤد ما لك غدا فانا ضامن لم يصح لانه عقد من العقود فلا يقبل التعليق كالبيع ونحوه وهذا كما أنه لا يقبل التأقيت بان يقول أنا ضامن إلى شهر فإذا مضى ولم أغرم فانا برئ وعن ابن سريج أنه إذا جاز على القديم ضمان المجهول وما لم يجب جاز التعليق لان(10/380)
من ضرورة الضمان قبل الوجوب تعليق المقصود بالوجوب وبه قال أبو حنيفة فيما رواه صاحب البيان قال الامام ويجئ في تعليق الابراء القولان بطريق الاولى فان الابراء اسقاط قال وكان لا يمتنع من جهة القياس المسامحة به في الجديد أيضا لان سبب امتناع التعليق في العقود المشتملة على الايجاب والقبول خروج الخطاب والجواب بسببه عن النظم اللائق بهما فإذا لم يشترط فيه القبول كان بمثابة الطلاق والعناق فإذا فرعنا على القديم فلو قال إذا بعت عبدك بالف فانا ضامن للثمن فباعه بالفين فعن أبى يوسف أنه يصير ضامنا لالف لان مقصود الضامن أن الزيادة على الالف غير ملزمة ولا غرض له في قدر الثمن وجعله صاحب التقريب وجها لنا قال ابن سريج لا يكون ضامنا لشئ لان الشرط وهو البيع بالف لم يتحقق ولو باعه بخمسمائة ففى كونه ضامنا لها الوجهان ولو قال إذا أقرضته عشرة فانا ضامن لك فأقرضه خمسة عشر فهو ضامن لعشرة على الوجهين لان من أقرض خمسة عشر فقد أقرض عشرة والبيع بخمسة عشر ليس بيعا بعشرة وان اقرضه خمسة فعن ابن سريج تسليم كونه ضامنا لها قال الامام وهو خلاف قياسه لان الشرط لم يتحقق ولو علق كفالة البدن لمجئ الشهر فان جوزنا تعليق ضمان المال فهذا أولى وان منعنا منه ففيه وجهان كالخلاف في تعليق الوكالة والفرق أن الكفالة مبنية على المصلحة والحاجة فتتبع فيها الحاجة وان علقها بحصاد الزرع فالوجهان بالترتيب وأولى بالمنع لانضمام الجهالة لوقت حصوله إلى التعليق فان علقها بقدوم زيد فالوجهان بالترتيب واولى بالمنع للجهل باصل حصول القدوم والحصاد يحصد تقدم أو فأخر فان جوزنا فإذا وجد الشرط المعلق عليه صار كفيلا وهذه الصورة وترتيبها عزاها الامام إلى ابن سريج ولو أقت كفالة البدن فقال أنا كفيل به إلى شهر
فإذا مضى برأت فيه وجهان وفى التهذيب قولان (أظهرهما) المنع كما في ضمان المال ولو نجز الكفالة وشرط التأخير في الاحضار شهرا جاز للحاجة وكذا في الوكالة وتوقف الامام فيه من جهة أن المعتد في الباب الحضور والحضور ناجز إذ المدعى مهما أراد أحضره فكان شرط التأخير فيه كشرط التأجيل في ضمان المال الحال وسنذكره على الاثر إن شاء الله تعالى وسياق المصنف ما رأه وجها في الوسيط فاعلم بذلك قوله ههنا(10/381)
جاز للحاجة - بالواو - وإذا قلنا بظاهر المذهب فلو أحضره قبل مضى المدة وسلمه وامتنع المكفول له من قبوله فينظر هل له غرض من الامتناع مثل أن تكون بينته غائبة أو دينه مؤجلا ام لا وحكم القسمين على ما ذكرنا فيما إذا سلمه في غير المكان المعين ولو شرط لاحضاره أجلا مجهولا كالحصاد ففى صحة الكفالة وجهان نقلهما العراقيون (أصحهما) المنع (وبالثانى) قال ابو حنيفة (الثالثة) لو ضمن الدين الحال حالا أو أطلق لزمه الدين حالا وان ضمن الدين المؤجل مؤجلا بذلك الاجل أو أطلق لزمه كذلك فأن ضمن الحال مؤجل إلى أجل معلوم فوجهان (أحدهما) أنه لا يصح الضمان لكون الملتزم مخالفا لما على الاصيل (وأصحهما) الصحة لان الضمان تبرع فيحتمل فيه اختلاف الدينين في الكيفية للحاجة وعلى هذا فالذي يوجد لعامة الاصحاب انه يثبت الاجل ولا يطالب الا كما الزم ولا يقول التحق الاجل بالدين الحال وإنما يثبت عليه مؤجل ابتداء ولا يبعد الحلول في حق الاصل دون الكفيل كما لو مات الاصيل وعليه الدين المؤجل وادعى الامام اجماع الاصحاب على ان الاجل لا يثبت وان في فساد الضمان لفساده وجهان (أظهرهما) الفساد ولو كان الدين مؤجل إلى شهرين فهو كما لو ضمن مؤجلا إلى ولو ضمن المؤجل حالا والتزم التبرع بالعتجيل مضوما إلى التبرع باصل الضمان فوجهان كما في عكسه والاصح الصحة وعلى هذا فهل عليه الوفاء بشرط التعجيل فيه وجهان (أحدهما) نعم كأصل الضمان (وأشبههما) لا كما لو التزم الاصيل التعجيل وأيضا فأن الضامن فرع الاصيل فينبغي أن يكون بالذمة مضاهيا لما على الاصيل وعلى هذا فالاجل يثبت في حقه مقصودا أم تبعا لقضاء حق المشابهة نقل في النهاية فيه وجهين وتظهر فائدتهما فيما لو مات الاصيل والحالة هذه وعكس صاحب التقريب فقال في صحه شرط العجيل وجهان فأن فسد ففى إفساد الضمان وجهان
وهو قريب وله نظائر في الشرط الفاسد * ولو ضمن المؤجل إلى شهرين فهو كما لو ضمن المؤجل حالا (وقوله)(10/382)
في الكتاب وشرط الاجل في ضمان المال الحال فيه خلاف أي في إفساده الضمان هذا إذا راعينا طريقة الاكثرين وحكي في الوسيط وجهين في ثبوت الاجل ووجهين في فساد الضمان به إذا لم يثبت الاجل كما حكاهما الامام فيمكن على طريقته أن يريد بقوله فيه خلاف أي في ثبوته (الرابعة) لو تكفل ببدن فلان أو نفسه أو جسمه صح وكذا لو قال بروحه ذكره في التهذيب ولو تكفل بعضو من أعضائه ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) وبه قال الشيخ أبو حامد والقاضى أبو الطيب واختاره ابن الصباغ أنه باطل كما لو أضاف البيع والاجارة إلى بعض الاعضاء ويخالف الطلاق والعتاق لانهما مبنيان على الغلبة والسراية (والثانى) أنه يصح لانه لا يمكن تسليمه بحال إلا بتسليم الكل ويجوز أن يحتمل فيه مالا يحتمل في البيع ونحوه للحاجة (وثالثها) ان كان عضوا لا يبقى البدن دونه كالرأس والقلب والكبد والدماغ صح وان كان مما يبقى البدن دونه كاليد والرجل لم يصح قال في التهذيب وهذا أصح (رابعها) انما يعبر به عن جميع البدن كالرأس والرقبة إذا تكفل به صح وما لا يعبر به عن الجميع كاليد والرجل إذا أضاف به لم يصح أورده القفال في شرح التلخيص وقال انه الاصح وفى قوله لا يعبر باليد عن الجملة في أحد الوجهين كما سيأتي في موضعه والوجه بمثابة سائر الاعضاء فيما أورده المعظم وفى النهاية تصح الاضافة إليه جزما لشهرة هذا العقد بكفالة الوجة والجزء الشائع كالنصف والثلث كالجزء الذى لا يبقي البدن دونه فيجئ فيه وجهان والله أعلم * ونختم الباب بفروع هي منهانته ونراعى الاختصار * ضمن عن رجل الفا وشرط للمضمون له أن يدفع إليه كل شهر درهما ولا يحسبه من مال الضمان فالشرط باطل وفى بطلان الضمان وجهان ذكرهما القاضى ابن كج ولو كفل دينا(10/383)
أو كفل ببدن انسان ثم ادعى أنه كفل ولا حق على المضمون عنه أو المكفول به فالقول قول المكفول له لان الضمان والكفالة لا تكون الا بعد ثبوت الحق وهل يحلف أم يقبل قوله من غير يمين فيه وجهان عن ابن سريج (فان قلنا) بالاول فنكل حلف الكفيل وسقطت المطالبة عنه ولو أقر أنه
ضمن أو كفل وأنكر المضمون له الشرط بنى ذلك على تبعيض الاقرار (ان قلنا) لا يتبعض فالقول قول الضامن مع يمينه (وان قلنا) يتبعض فالقول قول المضمون له ولو ادعى الكفيل أن المكفول به برئ من الحق وارتفعت الكفالة وأنكره المكفول له فالقول قول المكفول له مع يمينه فان نكل وحلف الكفيل برئ وان لم يبرأ بيمينه المكفول به ولو قال تكفلت ببدن زيد فان جئتك به وإلا فانا كفيل ببدن عمرو لم يجز (أما) كفالة زيد فلانه لم يلتزمها وكأنه قال كفلت ببدن هذا أو ذاك (أما) كفالة عمرو فبناء على أنها معلقة ولو قال قائل للمكفول له ابرئ الكفيل وأنا كفيل بمن تكفل به فعن ابن سريج أنه يصح لانه نقل الضمان إلى نفسه كما لو أحال الضامن المضمون له على غيره وقال الاكثرون لا يصح لانه تكفل بشرط ابراء الكفيل وأنه فاسد والكفالة ببدن الاجير المعين صحيحة ومن غرم الكفيل عند العجز عن التسليم لم يصححها لانه إذا مات انفسخ العقد وسقط لحق قاله في التتمة والله أعلم (الباب الثاني في حكم الضمان الصحيح) قال (وله أحكام (الاول) يجوز (م) مطالبة الضامن من غير انقطاع الطلبة عن المضمون عنه * ومهما أبرئ الكفيل * وان أبرئ الكفيل لم يبرأ الاصيل * ولو كان الدين مؤجلا فمات الاصيل لم يطالب الكفيل لانه حي) *(10/384)
مقصود الباب بيان ما يترتب على الضمان الصحيح من الآثار والاحكام (فمنها) أنه يتجدد للمضمون له جواز مطالبة الضامن ولا تنقطع مطالبته عن المضمون عنه بل يختر في مطالبتهما ومطالبة واحد منهما لان غرض العقد التوثيق وعن مالك رضى الله عنه أنه لا يطالب الضامن الا إذا عجز عن تحصيله من الاصيل لغيبة أو اعسار هذا إذا أطلق الضامن (أما) إذا ضمن بشرط براءة الاصيل ففى صحته وجهان عن ابن سريج (أشبههما) المنع لانه قرن به شرطا يخالف مقتضى الضامن (والثاني) يصح كما روى أنه لما ضمن أبو قتادة رضى الله عنه الدينارين عن الميت قال النبي صلى الله عليه وسلم (هما عليك حق الغريم وبرئ الميت فقال نعم فصلى عليه) (فان قلنا) بالصحة ففى صحة الشرط وجهان يشتمل
الخلاف في براءة المحيل إذا أحال على من لا دين عليه وصححنا هذه الحوالة وقد مر ذلك وقد يعكس الترتيب فيقال في صحة الشرط إن فسد ففى فساد الضمان وجهان وإذا صححنا العقد والشرط برئ الاصيل وكان للضامن الرجوع عليه في الحال ان ضمن باذنه لانه حصل براءة ذمته كما لو أدي ومهما أبرأ مستحق الدين الاصيل برئ الضامن لسقوط الحق كما لو أدى الاصيل الدين أو أحال الاصيل مستحق الدين علي انسان أو أحال المستحق غريمه عليه وكذلك يبرأ ببراءة ضامن الضامن ولو أبرأ الضامن لم يبرأ الاصيل لان ابراءه اسقاط للوثيقة وذلك لا يقتضى سقوط أصل الدين كفك الرهن ويبرأ الضامن من الضمان بابراء المضمون له ولا يبرأ الضامن بابراء ضامن الضامن كما ذكرنا في الضامن والاصيل * ولو ضمن دينا مؤجلا فمات الاصيل وحل عليه الدين لم يحل على الضامن لانه حى يرتفق بالاجل وخرج ابن القطان أنه يحل على الضامن أيضا لانه فرع الاصيل وعلى المذهب لو أخر(10/385)
المستحق المطالبة كان اللضامن أن يطالبه بأخذ حقه من تركة الاصيل في الحال أو ابراء ذمته لانه قد تهلك التركة فلا يجد مرجعا إذا غرم وعن رواية الشيخ أبى على وجه أنه ليس للضامن هذه المطالبة ولو مات الضامن حل عليه الدين فان أخذ المستحق المال من تركته لم يكن لورثته الرجوع على المضمون عنه قبل حلول الاجل ونقل القاضى ابن كج وجها آخر أنه لا يحل على الضامن كما لا يحل على الاصيل * قال (الثاني أن للضامن اجبار الاصيل على تخليصه ان طولب * وفى مطالبته بالتخليص قبل أن يطالب خلاف * وكذا في قدرته على المطالبة بتسليم المال إليه حتى يؤديه بنفسه فيخرج عن العهدة) * أصل مسائل الفصل وجهان خرجهما ابن سريج في أن مجرد الضمان هل يثبت حقا للضامن على الاصيل ويوجب علقة بينهما أم لا ففي وجه يوجب لانه اشتغلت ذمته بالحق كما ضمن فليثبت له عوضه على الاصيل وفيه وجه لا لانه لا يفوت عليه قبل الغرم شئ فلا يثبت له شئ إلا بالغرم * إذا عرفت ذلك فلو طالب المضمون له الضامن باداء المال كان له إن يطالب الاصيل بتحصيله ان
ضمن بالاذن كما أنه يغرمه إذا غرم وعن القفال وجه أنه لا يملك مطالبته والمشهور الاول * وهل يطالبه بالتخليص قبل أن يطالب فيه وجهان (أحدهما) نعم كما لو استعار عبد الغير للرهن ورهنه كان للمالك المطالبة بالفك (وأصحهما) لا لانه لم يغرم شيئا ولا توجهت عليه طلبة ويخالف الرهن فانه محبوس بالدين وفيه ضرر ظاهر ومعني التخليص أن يؤدى دين المضمون له ليبرأ ببراءته الضامن وفى(10/386)
تمكن الضامن من تغريم الاصيل قبل أن يغرم حيث ثبت له الرجوع وجهان ذكرهما الشيخ أبو محمد والامام بناء على الاصل المذكور إن أثبتنا له حقا على الاصيل بمجرد الضمان فله أخذه والا فلا (وقوله) في الكتاب وكذا في قدرته على المطالبة بتسليم المال إليه حتى يؤديه بنفسه فيخرج عن العهدة محمول على هذه الصورة وأنه يستظهر بالمأخوذ ويؤدى الدين إما منه أو من غيره فيخرج عن العهدة وظاهر اللفظ يشعر بأخذه منه ليباشر أداءه نيابة عنه ويستفيد بعين البراءة لكن الحمل عليه بعيد لبعد الخلاف في الاخبار على الانابة وأيضا فانه ليس له ذكر في كتب الائمة ولكن الوجهان في تمكينه من التغريم مفرعا على أن ما يأخذه عوضا عما يقضى به دين الاصيل هل يملكه فيه وجهان بناء على الاصل السابق فان دفعه الاصيل ابتداء من غير اجبار ومطالبة (فان قلنا) يملكه فله التصرف فيه كالفقير إذا أخذ الزكاة المعجلة لكن لا يستقر ملكه عليه الا بالغرم حتى لو أبرأه المستحق كان عليه رد ما أخذه كرد الزكاة المعجلة إذا هلك المال قبل الحول (فان قلنا) لا يملكه فعليه رده ولو هلك عنده ضمن كالمقبوض بالشرط الفاسد ولو دفعه إليه وقال اقصد به ما ضمنت عنى فهو وكيل الاصيل والمال أمانة في يده ويخرح على ذلك الاصل صور أخرى (منها) أن الضامن هل يحبس الاصيل إذا حبس المضمون له الضامن ان أثبتنا العلقة بين الضامن والاصيل يجوز للضامن حبسه وبه قال أبو حنيفة وإلا فلا وهو الاصح (ومنها) لو أبرأ الضامن الاصيل عما سيغرم(10/387)
ان أثبتنا العلقة في الحال صح الابراء والاخراج على الابراء عما لم يجب ووجد سسب وجوبه (ومنها) لو صالح الضامن الاصيل عن العشرة التى سيغرمها على خمسة ان اثبتناها في الحال صح الصلح وكأنه
اخذ عوض بعض الحق وأبرأ عن الباقي والالم يصح (ومنها) لو ضمن ضامن عن الاصيل للضامن شيئا مما ضمن والاصح في الكل المنع ولو شرط في ابتداء الضمان أن يعطيه الاصيل ضامنا ففى صحة الشرط الوجهان ان صح فان وفى الاصيل وأعطاه ضامنا فذاك والا فلا فسخ للضمان وان فسد فسد به الضمان على أصح الوجهين * قال (الثالث الرجوع ومن أدى دين غيره بغير اذنه لم يرجع * وان أدى بشرط الرجوع واذنه رجع * وان أدى بالاذن دون شرط الرجوع فوجهان * والضامن يرجع ان ضمن وأدى بالاذن * وان استقل بهما لم يرجع * وان ضمن دون الاذن وأدى بالاذن فالصحيح أنه لا يرجع وان ضمن بالاذن وأدى بغير الاذن عن مطالبة فيرجع (و) وان ابتدأ فوجهان) * الغرض الآن بيان الموضع الذى يستحق الضامن الرجوع على الاصيل بالمغروم والذى لا يستحق وقدم عليه الكلام في أن من أدى دين الغير من غير ضمان متى يرجع وتفصيله أنه ان أداه بغير إذن المديون لم يكن له الرجوع لانه متبرع بما فعل ويخالف مالو أوجر طعامه للمضطر حيث يرجع عليه وان لم يأذن المضطر لانه ليس متبرعا بل يجب عليه اطعام المضطر استبقاء لمهجته ويخالف الهبة فان في اقتضائها الثواب خلاف يذكر في موضعه لان الهبة متعلقة باختيار المتهب ولا اختيار للمديون ههنا وعن مالك يثبت له الرجوع الا إذا أدى العدو دين العدو فانه يتخذه ذريعة إلى ايذائة بالمطالبة(10/388)
وأن أداه باذن المديون فان جرى بينهما شرط الرجوع والا فوجهان (أحدهما) لا رجوع لانه لم يوجد منه الا الاذن في الاداء وليس من ضرورة الاداء الرجوع (وأصحهما) الرجوع بناء على المعتاد في مثله من المعاملات وأفاد الشيخ أبو محمد ههنا كلامين (أحدهما) تقريب هذا الخلاف من الخلاف في ان الهبة المطلقة هل تقتضي الثواب وترتيبه عليه والحكم بالرجوع أولى من الحكم بالثواب ثم لان الهبة مصرحة بالتبرع والاداء خلافه ولان الواهب مبتدئ بالتبرع والاداء ههنا مستوف بالاستدعاء الذى هو كالقرينة المشعرة بالرجوع (والثانى) أن في الهبة فارقا بين أن يكون الواهب ممن يطمع مثله في ثواب مثل المتهب أولا يكون فيخرج وجه ثالث مثله ههنا (وأما) الضامن فله أربعة أحوال
(أولها) أن يضمن باذن الاصيل ويؤدى باذنه فيرجع عليه لانه صرف مال إلى منفعة الغير بأمره فاشبه مااذا قال اعلف دابتي فاعلفها وعن ابى حنيفة أنه يرجع إذا قال اضمن عني وادعنى (أما) إذا لم يقل عنى فلا يرجع الا إذا كان بينهما مخلطة شركة أو زوجية أو نحوهما ولافرق في ثبوت الرجوع بين أن يشترط الرجوع أولا يشترط قال الامام ويحتمل في القياس أن ينزل الاذن في الضمان والاداء منزلة الاذن في الاداء من غير ضمان حتى يقول ان شرط الرجوع ثبت والا فعلى الخلاف وفى كلام صاحب التقريب رمز إليه (وثانيها) أن يضمن ويؤدى بغير اذنه فلا رجوع له على الاصيل خلافا لمالك وأحمد * واحتج الاصحاب بحديث علي وأبى قتادة (بان النبي صل الله عليه وسلم صلى على الميت بعد ضمانهما ولو كان لهما الرجوع لما صلى لبقاء الدين) وأيضا فانه عليه السلام قال (الآن بردت جلدته عن النار) ولو بقى الدين لما حصل التبريد (وثالثها) أن يضمن بغير اذنه ويؤدى بأذنه ففي وجه يرجع لانه اسقاط الدين عن الاصيل باذنه (والاصح) المنع لان اللزوم بالضمان ولم ياذن فيه ورتب الوجهين في النهاية(10/389)
على الوجهين فيما إذا أدي دين الغير باذنه من غير ضمان ومن غير شرط الرجوع وقال هذه الصورة أولى بان يمتنع الرجوع لان الاذن في الاداء بعد اللزوم بالضمان في حكم اللغو وأبدي احتمالين فيما إذا أذن في الاداء بشرط الرجوع والحالة هذه (أحدهما) يرجع كما لو أذن في الاداء بهذا الشرط من غير ضمان ووجه الثاني أن الاداء استحق الضمان والمستحق بلا عوض لا يجوز أن يقابل بعوض كسائر الحقوق (والرابعة) أن يضمن بالاذن ويؤدى بغير الاذن ففيه وجهان عن ابن سريج ووجه ثالث عن أبى اسحق (أحد) وجهى ابن سريج وهو الاصح المنصوص أنه يرجع لان لاصل في الباب الالتزام وقد صادفه الاذن فيلتقي به (والثانى) لا يرجع لان الغرم حصل بغير اذن الاصيل وانما لم يقصد الا التوثيق بالضمان (والثالث) وهو الذى ذكره ابو اسحق أنه ان أدى من غير مطالبة أو عن مطالبة ولكن أمكنه مراجعة الاصيل واستئذانه فلم يفعل لم يثبت له الرجوع لانه لم يكن مضطرا الى الاداء وان لم يمكن مراجعته لكونه غائبا أو محبوسا فله الرجوع (وأما) ما ذكره في الكتاب أنه ان كان الاداء عن مطالبة فيرجع فان ابتدأ فوجهان فان فقهه ما ذكرناه في الوجه الثالث
الا أنه رأى الرجوع فيما إذا كان الاداء عن مطالبة كا لظاهر المقطوع به وتخصيص ذكر الخلاف بما إذا ابتدأ بالاداء وعلم أن العرف غير منوط بمجرد كونه مطالبا أو مبتدئا بل المطالب الذى يحضر في المراجعة كالمبتدئ على ما سبق فليضم في قوله عن مطالبة العبد المحتاج إليه * (فرع) حوالة الضامن رب الدين علي انسان وقبوله حوالة رب الدين عليه ومصالحتهما عن الدين على عوض وصيرورة الدين ميراث للضامن كالاداء في ثبوت الرجوع وعدمه *(10/390)
قال (ولو صالح المأدون في الاداء بشرط الرجوع على غير جنس الدين رجع على الاصح * ولو صالح الضامن عن الف بعبد يساوى تسعمائة يرجع بتسعمائة على وجه وعلى وجه بالالف لان المسامحة جرت معه ولو سومح الضامن بخط قدر من الدين أو صفته لم يرجع الا بما بذل) * قد بان في الفصل السابق موضع أصل الرجوع والنظر بعده فيما يرجع به فان كان ما دفعه إلى رب الدين من جنس الدين وعلى صفته رجع به وان اختلف الجنس فالكلام في المأذون في الاداء من غير ضمان ثم في الضمان (أما) الاول فالمأذون بشرط الرجوع أو دونه إذا أثبتنا له الرجوع لو صالح رب المال على غير جنسه فهل له الرجوع أو لا فيه ثلاثة أوجه (أصحها) نعم لان مقصوده أن يبرئ ذمته وقد فعل (وثانيها) لا لانه انما أذن في الاداء دون المصالحة (وثالثها) الفرق بين أن يقول أد ما على من الدناينر مثلا فال يرجع وبين أن يقتصر على قوله أد دينى أو ما على فيرجع (فان قلنا) بالرجوع فيما يرجع حكمه ما يذكر في الضمان (أما) الضامن فلو صالح على غير الجنس يرجع بلا خلاف لان بالضمان ثبت الحق في ذمته ثبوته في ذمة الاصيل والمصالحة معاملة مبنية عليه بخلاف المأذون من غير ضمان ثم ينظر ان كانت قيمة المصالح عليه أكثر من قدر الدين لم يرجع بالزيادة لانه متطوع بها وان لم تكن أكثر كما لو صالح من ألف على عبد يساوى تسعمائة فوجهان وقيل قولان (أصحهما) أنه لا يرجع الا بتسعمائة لانه لم يغرم سواها (والثانى) يرجع بالالف لانه قد حصل براءة الذمة بما فعل(10/391)
ومسامحة رب الدين جرت معه ولو أنه باع العبد بالف وتقاصا فالرجوع بلا خلاف لانه ثبت
في ذمته الف ذكره في التهذيب ولو قال للمضمون له بعت منك هذا العبد بما ضمنته لك عن فلان ففى صحة البيع وجهان حكاهما الاستاذ أبو منصور البغدادي فان صححنا فيرجع بما ضمنه أم بالاقل مما ضمنه ومن قيمة العبد قال فيه وجهان (وأما) الصفة فان كان المؤدى خيرا كما لو أدى الصحاح عن المكسرة لم يرجع بالصحاح وان كان بالعكس ففيه الخلاف المذكور في خلاف الجنس عن الشيخ أبى محمد القطع بانه يرجع بما أدى وهذا ما يقتضيه نظم الكتاب والفرق أن غير الجنس يقع عوضا والمكسرة لا تقع عوضا عن الصحاح فلا يبقى الا عارية حق الايفاء والاستيفاء قاله الامام ويتعلق بالرجوع مسائل أخر نوردها موجزين (منها) لو ضمن عشرة وادى خمسة وأبرأه رب الدين عن الباقي لم يرجع الا بالخمسة المغرومة وتبقى الخمسة الاخرى علي الاصيل لما مر أن ابراء الضامن لا يوجب براءة الاصيل ولو صالحه من العشرة على الخمسة فلا يرجع الا بالخمسة أيضا لكن يبرأ الضامن والاصيل عن الباقي وان كان صلح الحطيطة أبرأ في الحقيقة لان لفظ الصلح يشعر بقناعة المستحق(10/392)
بالقليل عن الكثير بخلاف ما إذا صرح بلفظ الابراء هكذا أورده الشيخان الفراء والمتولي ولو قال قائل لفظ الصلح يتضمن القناعة بالقليل ممن يجرى الصلح معه أم على الاطلاق (والثانى) ممنوع لم يتضح الجواب (ومنها) ضمن ذمى لذمى دينا عن مسلم ثم تصالحا على خمر فهل يبرأ المسلم لان المصالحة بين الذميين أولا يبرأ كما لو دفع الخمر بنفسه فيه وجهان (ان قلنا) بالاول ففى رجوع الضامن على المسلم وجهان ان اعتبرنا بما أدى لم يرجع بشئ وان اعتبرنا بما أسقط رجع بالدين (ومنها) ضمن عن الضامن وأدى الثاني فرجوعه على الاول كرجوع الضامن على الاصيل فيراعى الاذن وعدمه وإذا لم يكن له الرجوع على الاول لم يثبت بادائه الرجوع للاول علي الاصيل لانه لم يغرم ولو ثبت له الرجوع على الاول فرجع رجع الاول على الاصيل إذا وجد شرطه فلو أراد الثاني أن يرجع على الاصيل ويترك الاول نظر ان كان الاصيل قد قال له اضمن عن ضامني ففى رجوعه عليه وجهان كما لو قال لانسان أد ديني فادى وليس هذا كما لو قال لانسان أد ديني فادى وليس هذا كما لو قال لانسان اقض دين فلان ففعل حيث لا يرجع على الآمر لان الحق لم يتعلق بذمته وان لم يقل له اضمن عن ضامني فان
كان الحال بحيث لا يقتضى الرجوع للاول على الاصيل لم يرجع الثاني عليه وان كان يقتضيه فكذلك في أصح الوجهين لانه لم يضمن عن الاصيل ولو أن الثاني ضمن عن الاصيل أيضا فلا رجوع لاحد الضامنين على الآخر وانما الرجوع للمؤدى على الاصيل ولو ضمن عن الاول والاصيل جميعا فإذا أدى كان له أن يرجع على أيهما شاء وان رجع بالبعض على هذا وبالبعض على ذاك تم للاول الرجوع(10/393)
على الاصيل بما غرم إذا وجد شرطه (ومنها) على زيد عشرة ضمنها اثنان كل واحد منهما خمسة وضمن احدهما عن الآخر فلرب الدين مطالبة كل واحد منهما بالعشرة نصفها على الاصيل ونصفها على الضامن الآخر فان أدى أحدهما جميع العشرة رجع بالنصف على الاصيل وبالنصف على صاحبه وهل له الرجوع بالكل على الاصل إذا كان لصاحبه الرجوع عليه لو غرم فيه الوجهان وان لم يؤد الا خمسة فينظر ان أداها عن الاصيل أو عن صاحبه أو عنهما يثبت الرجوع بخمسة (ومنها) ضمن الثمن فهلك المبيع قبل القبض أو وجد به عيبا فرده أو ضمن الصداق فارتدت المرأة قبل الدخول أو فسخت بعيب نظر ان كان ذلك قبل أن يؤدى الضامن برئ الضامن والاصيل وان كان بعده فان كان بحيث يثبت له الرجوع رجع بالمغروم على الاصيل وضمن رب الدين للاصيل ما أخذ ان كان هالكا وان كان باقيا يرد عينه وهل له امساكه ورد بدله فيه الخلاف المذكور فيما إذا رد المبيع بعيب وعين دراهمه عند البائع فاراد امساكها ورد مثلها (والاصح) المنع وانما يغرم الاصيل دون الضامن لان في ضمن الاداء عنه اقراضه وتمليكه اياه وان كان بحيث لا يثبت له الرجوع فلا شئ للضامن على الاصيل وعلى المضمون له رد ما أخذه وعلى من يرد هو كما لو تبرع بالصداق وطلق الزوج قبل الدخول ويجئ حكمه في موضعه (ومنها) أدى الضامن الدين ثم وهبه رب المال منه ففي رجوعه على الاصيل وجهان مبنيان على القولين فيما لو وهبت الصداق من الزوج ثم طلقها قبل الدخول (ومنها) له علي رجلين عشرة وضمن كل واحد منهما(10/394)
للآخر ما عليه فلا شك أن رب الدين يطالبهما أو شاء منهما بالعشرة فان أدى احدهما جميع العشرة برئا جميعا وللمؤدي الرجوع بالخمسة ان كان التصوير في حالة ثبوت الرجوع وان أدى
كل واحد منهما خمسة عما عليه فلا رجوع وان أداها عن الآخر فلكل واحد الرجوع على الآخر ويجئ خلاف التقاص فان أدي احدهما خمسة ولم يؤد الاخر شيئا فان أداها عن نفسه برى المؤدى عما كان عليه وصاحبه عن ضمانه وبقي على صاحبه ماكان عليه ضامنا له وان أداها عن صاحبه رجع عليه بالمغروم وبقى عليه ما كان صاحبه ضامنا له وان أداها عنهما فلكل واحد نصف حكمه وإن أدى ولم يقصد شيئا فيقسط عليهما أو يقال اصرفه إلى ما شئت فيه وجهان سبق نظيرهما في آخر الرهن ومن فوائد الوجهين أن يكون بنصيب أحدهما رهن فإذا قلنا له صرفه إلى ما شاء فصرفه إلى نصيبه انفك الرهن والالم ينفك ولو اختلفا فقال المؤدى أديت عما على وقال رب الدين بل أديت عما على صاحبك فالقول قول المؤدى مع يمينه فإذا حلف برئ عما كان عليه لكن لرب الدين مطالبته بخمسة لانه اما صادق فالاصل باق على أو كاذب فالضمان باق وعن بعض الاصحاب أنه لا مطالبة له لانه إما أن يطالب عن جهة الاصالة وقد صدق الشرع المؤدى في الراءة عنها أو عن جهة الضمان وقد اعترف رب الدين بأنه أدى عنها * هذا حكم الاداء في المسألة ولو أبرأ رب الدين أحدهما عن جميع العشرة برئ الاصيل والضامن ويبرأ الاخر عن الضمان دون الاصيل ولو أبرأ أحدهما عن خمسة نظر إن أبرأه عن الاصيل برئ عنه وبرئ صاحبه عن ضمانه وبقى عليه ضمان ما على صاحبه وان أبرأه عن الضمان برئ عنه وبقى عليه الاصل وبقى على صاحبه الاصل والضمان وان أبرأه عن الخمسة عن(10/395)
الجهتين جميعا سقط عنه نصف الاصل ونصف الضمان وعن صاحبه نصف الضمان وبقى عليه الاصل ونصف الضمان فيطالبه بسبعة ونصف ويطالب المبرأ عنه بخمسة وان لم ينو عند الابراء شيئا فيحمل على النصف أو يخير ليصرف إلى ما شاء فيه الوجهان ولو قال المبرئ أبرأت عن الضمان وقال المبرأ عنه بل عن الاصل فالقول قول المبرئ (ومنها) ادعى على رجل أن له عليه وعلى فلان الغائب الف درهم عن ثمن عبد باعه منهما واقبضه أو عن جهة اخرى وان كل واحد منهما ضمن عن الآخر ما عليه وأقام على ذلك بينة واخذ الالف من الحاضر قال المزني في المختصر يرجع الحاضر بنصف الالف على الغائب (واعترض) عليه بان البينة اما تقام عندا الانكار وإذا أنكر كان مكذبا للبينة زاعما ظلم المدعى
عليه بما اخذه وكيف يرجع على الغائب بما ظلم به (واجاب) الاصحاب عنه بان لا نسلم بأن البينة انما تقام عند الانكار بل يجوز ان يقر الحاضر ويقيم المدعى البينة للاثبات على الغائب ثم هب انه لم يقر لكن البينة لا تستدعى الانكار بخصوصه بل للانكار أو ما يقوم مقامه وهو السكوت فلعله كان ساكتا ثم هب استدعاءها للانكار لكن لا تستدعى الانكار منه بخصوصه بل يكفى صدور الانكار من وكيله في الخصومات فلعل البينة اقيمت في وجه وكيله المنكر ثم هب انه انكر لكنه ربما انكر الضمان وسلم البيع وهذا الانكار لو كان كان مانعا لكان مانعا للرجوع بجهة غرامة المضمون ومن الجائز ان يكون هذا الرجوع باعتبار ان المدعى ظلمه واخذ ما على الغائب منه وللظالم مثل المأخوذ على الغائب فيأخذ حقه بما عنده والذاهبون إلى شئ من هذه التأويلات سلموا انه لو وجد التكذيب القاطع لكل احتمال يمتنع الرجوع وهو الاصح على ما ذكره المسعودي والامام (ومنهم)(10/396)
من قال لا يمتنع الرجوع وان وجد صريح التكذيب وبه قال ابن خيران لان البينة ابطلت حكم انكاره فكأنه لم ينكر وهذا كما لو اشترى عبدا فادعى مدع انه ملكه وان بائعه غصبه فقال في الجواب لابل كان ملكا لبائعي وانه الآن ملكى فاقام المدعى بينة يرجع المشترى على البائع وان أقر بالملك على أن في هذه الصورة أيضا خلاف وسيأتى في موضعه ان شاء الله تعالى * قال (هذا الكلام إذا أشهد على الاداء * فان قصر في الاشهاد ولم يصدق لا يرجع وان صدقه المضمون عنه فلا يرجع أيضا في وجه لانه لم ينفعه أداؤه * وان صدقه المضمون له رجع في أظهر الوجهين لان اقراره أقوى من البينة مع انكاره * ولو أشهد رجلا وامرأتين جاز * وفى رجل واحد ليحلف معه خلاف خوفا من قاض حنفى * وفى المستورين خلاف * ولو ادعى موت الشهود وأنكر المضمون عنه أصل الاشهاد فوجهان في أن القول قول من لتقابل القولين) * كل ما مر من رجوع المأذون في الاداء والضامن على الاصيل مفروض فيما إذا أشهد على الاداء ولافرق بين اشهاد رجلين أو رجل وامرأتين ولو شهد واحد اعتمادا على أن يحلف معه فوجهان (أصحهما) أنه يكفى لان الشاهد مع اليمين حجة كافية لاثبات الاداء (والثاني) لا لانهما قد يترافعان
إلى حنفى لا يقضى بشاهد ويمين فكان ذلك ضربا من التقصير ولو أشهد مستورين فبانا فاسقين فوجهان (أحدهما) أنه كما لو لم يشهد لان الحق لا يثبت بشهادتهما (وأولاهما) الاكتفاء لانه لا اطلاع له على الباطن فكان معذورا أو لا يكفي اشهاد من يعرف ظعنه عن قريب لانه لا يفضى إلى المقصود (أما) إذا(10/397)
أدى من غير اشهاد فينظر ان أدى في غيبة الاصيل فهو مقصر بترك الاشهاد إذ كان من حقه الاحتياط وتمهيد طريق الاثبات لو جحد رب الدين ولا رجوع له على الاصيل ان كذبه وان صدقه فوجهان (أحدهما) وبه قال ابن أبى هريرة أنه يرجع لاعترافه بأنه أبرأ ذمته باذنه (وأظهرهما) منع الرجوع وبه قال ابو اسحق لانه لم يؤد بحيث ينتفع به الاصيل فان رب الدين منكر وطلبته بحالها وهل يحلف الاصيل إذا كذبه قال في التتمة ينبنى على أنه لو صدقه هل يرجع عليه (ان قلنا) نعم حلف على نفى العلم بالاداء (وان قلنا) لافينبني على أن النكول ورد اليمين كالاقرار أو كالبينة (ان(10/398)
قلنا) بالاول لم يحلف لان غايته أن ينكل فيحلف الضامن فيكون كما لو صدقه وذلك لا يفيد الرجوع (وان قلنا) بالثاني حلفه طمعا في أن ينكل ويحلف فيكون كما إذا أقام البينة ولو كذبه الاصيل وصدقه رب المال فوجهان (أحدهما) انه لا رجوع له ولا ينهض قول رب المال حجة على الاصيل (واظهرهما) ثبوت الرجوع لسقوط لطلبة باقراره واقراره اقوى من البنية مع انكاره فان أدى في حضور الاصيل فقد حكى الشيخ أبو حامد وآخرون وجها انه لا يرجع كما لو ترك الاشهاد في غيبته وظاهر المذهب المنصوص انه يرجع لانه في الغيبة مستبد بالامر فعليه الاحتياط والتوثيق فإذا كان الاصيل حاضرا فهو اولى بالاحتياط والتقصير وترك الاشهاد منسوب إليه وإذا توافق الاصيل والضامن على انه اشهد ولكن مات الشهود أو غابوا ثبت له الرجوع لانه اتى بما عليه ونقل الامام وجها بعيدا انه لا رجوع إذا لم ينتفع بادائه إذ القول قول رب الدين في نفى الاستيفاء ولو قال الضامن اشهدت وماتوا فانكر الاصيل الاشهاد ففيه وجهان (اصحهما) ان القول قول الاصيل لان الاصل عدم الاشهاد (والثانى) ان القول قول الضامن لان الاصل عدم التقصير ولانه قد يكون صادقا وعلى تقدير الصدق يكون منعه من الرجوع اضرارا فليصدق للضرورة كما
يصدق الصبى في دعوي البلوغ إذ لايعرف الا من جهته ولو قال أشهدت فلانا وفلانا فكذباه فهو كما لو لم يشهد ولو قالا لا ندري وربما نسينا ففيه تترد للامام ومتى لم يقم البينة على الاداء وحلف رب المال بقيت مطالبته بحالها فان أخذ المال من الاصيل فذاك وان أخذه من الكفيل مرة أخرى لم يرجع بهما لانه مظلوم باخذها ولا يرجع الا على من ظلمه وبم يرجع فيه وجهان (أحدهما) أنه لا يرجع بشئ (أما) بالمبلغ الاول فلانه قصر عند أدائه بترك الاشهاد (وأما) الثاني فلا عترافه بأنه مظلوم(10/399)
(وأظهرهما) أنه يرجع لانه غرم لآبراء ذمته فعلى هذا هل يرجع بالاول لانه المبرئ للذمة أو بالثاني لانه المسقط للمطالبة فيه وجهان (خاتمة) قال في التخليص لو كان على رجل تسعون درهما فجاء مريض فضمن عنه بأمره ولا مال له غيره ومات من عليه الحق ولم يترك الا خمسة واربعين درهما ومات الضامن كان لصاحب الحق بمطالبة ورثة الضامن بستين درهما ويرجع ورثة الضامن على الميت بثلاثين ويرجع صاحب الحق على الميت بخمسة عشر درهما هذا لفظه * واعلم أن الضمان في مرض الموت إذا كان بحيث يثبت الرجوع ووجد الضامن مرجعا فهو محسوب من رأس المال وان كان بحيث لا يثبت الرجوع أو لم يجد مرجعا كموت الاصيل معسرا فهو محسوب من الثلث وهذا قد مر طرف منه في أوائل الضمان وبه تعرف أنه لم يشترط في صورة المسألة موت الاصيل ومتى وفت تركة الاصيل بثلثي الدين فلا دور لان صاحب الحق ان أخذ الحق من تركة الضامن رجع ورثته بثلثيه في تركة الاصيل وان أخذ تركة الاصيل وفضل شئ أخذه من تركه الضامن ويقع تبرعا لان ورثة الضامن لا يجدون مرجعا وان لم تف التركة بالثلثين فقد يتفق الدور في المسألة كالصورة المنقولة عن التلخيص وهى أن يضمن المريض تسعين ويموت وليس له الا تسعون ويموت الاصيل وليس له الا خمسة وأربعون فصاحب الحق بالخيار ان شاء أخذ تركة الاصيل بتمامها وحينئذ لا يقع دور أيضا وله مطالبة ورثة الضامن بثلاثين درهما ويقع تبرعا إذا لم يبق للاصيل تركة حتى يفرض فيها رجوع فان اراد الاخذ من تركة الضامن لزم الدور لان ما يغرمه ورثة الضامن يرجع إليهم بعضه من جهة أنه يصير المغروم دينا لهم على الاصيل فيضاربون به مع صاحب الحق في تركته ويلزم من رجوع بعضه زيادة التركة ومن زيادة التركة زيادة المغروم ومن زيادة المغروم زيادة الراجع وطريق استخراجه أن يقال يأخذ صاحب الحق من ورثة الضامن
شيئا ويرجع إليهم مثل نصفه لان تركة الاصيل نصف تركة الضامن فيبقى عندهم تسعون الا(10/400)
نصف شئ وهو يعدل مثلى ما تلف ناقصان والتالف نصف شئ ومثلا شئ فإذا تسعون الا نصف شئ يعدل شيئا فإذا اخترنا وقابلنا عدل تسعون شيئا ونصفا فيكون الشئ شيئين فبان لنا أن المأخوذ ستون وحينئذ يكون الستون دينا لهم على الاصيل وقد بقى لصاحب الحق ثلاثون فيتضاربون في تركته بسهمين وسهم وتركته خمسة وأربعون يأخذ منها للورثة ثلاثين وصاحب الحق خمسة عشر ويتعطل باقى دينه وهو خمسة عشر ويكون الحاصل للورثة ستين ثلاثون بقيت عندهم وثلاثون أخذوها من تركة الاصيل وذلك مثلا ما تلف ووقع تبرعا وهو ثلاثون ولو كان التصوير كما مر لكن تركة الاصيل ثلاثون لقلنا يأخذ صاحب الحق شيئا ويرجع إلى ورثة الضامن مثل ثلثه لان تركة الاصيل ثلث تركة الضامن فبقى عندهم تسعون ناقصة ثلثى شئ يعدل مثلى التالف بالضمان وهو ثلثا شئ فمثلاه شئ وثلث فاذن تسعون الا ثلثى شئ يعدل شيئا وثلثا فإذا اخترنا وقابلنا عدل تسعون شيئين فيكون الشئ جميعه خمسة وأربعون وذلك ما أخذه صاحب الحق صار دينا لورثة الضامن على الاصيل وبقى لصاحب الحق عليه خمسة واربعون أيضا فيضاربون في تركته بسهم وسهم يحصل بينهما مناصفة ولو كان تركة الاصيل ستين فلا دور بل لصاحب الحق أخذ تركة الضامن كلها بحق الرجوع ويقع الباقي تبرعا ثم قال في التلخيص ولو كانت المسألة بحالها(10/401)
وكان قد ضمن أيضا عن الضامن ضامن ئان ومات الضامن الثاني ولم يترك الا ستين درهما أيضا كان لصاحب الحق أن يطالب ورثة أيهما شاء فان طالب به ورثة الضامن الاول كان كالمسألة الاولى يأخذ منه ستين ومن ورثة من كان عليه أصل المال خمسة عشر ويرجع ورثة الضامن الثاني علي ورثة الذى كان عليه الحق بثلاثين وان طالب ورثة الضامن الثاني أخذ منهم سبعين درهما ومن ورثة من كان عليه الاصل خمسة عشر ويرجع ورثة الضامن الثاني على الضامن الاول باربعين درهما ويرجع الضامن الاول في مال من عليه أصل الحق بثلاثين (أما) قوله إن طلب ورثة الضامن الاول
كان كالمسألة الاولى معناه أنه لا يأخذ منهم الا ستين ويأخذ من تركة الاصيل خمسة عشر كما في الصورة السابقة لكن لا يتلف من ماله شئ ههنا بل يطالب بالباقي وهو خمسة عشر ورثة الضامن الثاني (أما) جوابه فيما إذا طلب ورثة الضامن الثاني فقد غلطه الاصحاب فيه من جهة أنه أتلف من مال الثاني ثلاثين لانه أخذ منهم سبعين وأثبت لهم الرجوع باربعين وكان الباقي عندهم عشرين فالمجموع ستون ولم يتلف من مال الاول الا عشرة لانه أخذ منهم أربعين وأثبت لهم الرجوع بثلاثين ومعلوم أن الضامن الثاني إنما ضمن لهم تسعين عمن يملك تسعين والاول ضمن تسعين عمن يملك خمسة وأربعين وكيف يؤخذ من الثاني أكثر مما يؤخذ من الاول ثم اختلفوا في الصواب فقال الاستاذ أبو منصور في الوصايا يأخذ صاحب الحق من ورثة الضامن الثاني خمسة وسبعين ويرجعون بمثلها على ورثة الاول ويرجع ورثة الاول على ورثة الاصيل بتركته وهو خمسة واربعون فيكون جملة ما معهم ستين خمسة عشر من الاصيل والباقى من العوض وذلك مثلا الثلاثين التالفة عليهم ولم يثبت(10/402)
لصاحب الحق مطالبة ورثة الثاني بكمال الدين وقال القفال والاكثرون له مطالبة ورثة الثاني بجميع الدين ثم هم يرجعون على ورثة الاول بخمسة وسبعين يتلف عليهم خمسة عشر للضرورة ويرجع ورثة الاول بها على ورثة الاصيل بتركته كما ذكره الاستاذ وقال الامام رحمه الله كأن الاستاذ اعتقد أن الضمان الاول لا يصلح الا في قدر لو رجع معه في تركة الاصيل لما زاد التالف من تركته على ثلثها وإذا لم يصح ضمانه فيما زاد لم يصح ضمان الثاني عنه والآخرون قالوا انما لا يؤخذ أكثر من الثلث بحق الورثة لكنه صحيح في الجميع متعلق بذمته فيكون ضمان الثاني عنه فيما زاد كالضمان عن المعسر ويجب أن يكون هذا الخلاف جاريا في مطالبتهم بتتمة التسعين إذا طالب أولا ورثة الضامن الاول وان لم يذكر ثم وإن أخذ المستحق أولا تركة الاصيل برئ الضامنان عن نصف الدين ثم المستحق على جواب الاكثرين ان شاء أخذ من ورثة الاول ثلاثين ومن ورثة الثاني خمسة عشرون أخذ الكل من ورثة الاول ولا رجوع وان شاء أخذها من ورثة الثاني وهم يرجعون على ورثة الاول بثلاثين فيصل إلى تمام حقه بالطريقين وعلى جواب الاستاذ
ليس له من الثاني الا ثلاثين ان شاء أخذها من ورثة الاول ولا يرجع وان شاء أخذ من ورثة الثاني وهم يرجعون على ورثة الاول *(10/403)
(كتاب الشركة)
قال (شركة العنان معاملة صحيحة وأركانها ثلاثة (الاول) العاقدان ولا يشترط فيهما الا أهلية التوكيل والتوكل فان كل واحد متصرف في مال نفسه ومال صاحبه باذنه) * عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يقول الله تعالى انا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما) يعني ان البركة تنزع من ماليهما وروى (ان السائب كان شريك النبي صلى الله عليه وسلم قبل المبعث وافتخر بشركته بعد المبعث فلم ينكر عليه وأن البراء بن عازب وزيد بن أرقم كانا شريكين) واعلم أن كل حق ثابت بين شخصين فصاعدا على الشيوع يقال انه مشترك بينهم وذلك
__________
(كتاب الشركة) (حديث) أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال يقول الله تعالى أنا ثالث الشريكين ما لم يخن؟ أحدهما صاحبه فا؟ اخان أحد هما صاحبه خرجت من بينهما أبو داود من حديث أبى هريرة وصححه الحاكم وأعله ابن القطان بالجهل بحال سعيد بن حيان والد ابى حيان وقد ذكره ابن حبان في الثقات وذكر أنه روى عنه أيضا الحرث بن يزيد لكن أعله الدارقطني بالارسال فلم يذكر فيه ابا هريرة وقال إنه الصواب ولم يسنده غير ابن همام بن الزبر قان وفي الباب عن حكيم بن حزام رواه أبو القاسم الاصبهاني في الترغيب والترهيب * (حديث) أن السائب بن يزيد كان شريك النبي صلى الله عليه وسلم قبل المبعث وافتخر بشركته بعد المبعث كذا وقع عنده وقوله بن يزيد وهم وإنما هو السائب بن أبى السائب رواه ابو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم عنه إنه كان شريك النبي صلى الله عليه وسلم في أول الاسلام في التجارة فلما كان يوم الفتح قال مرحبا باخى وشريكي لا يدارى ولا يمارى لفظ الحاكم وصححه ولابن ماجه كنت شريكا في الجاهلية ورواه أبو نعيم في المعرفة والطبراني في الكبير من طريق قبس = >(10/404)
ينقسم إلى ما لا يتعلق بمال كالقصاص وحد القذف وكمنفعة كلب الصيد المتلقى من مورثهم والى ما يتعلق بمال وذلك اما عين مال ومنفعة كما لو غنموا مالا أو اشتروه أو ورثوه (واما) مجرد المنفعة كما لو استأجروا عبدا أو وصى لهم بمنفعة كما لو ورثوا عبدا موصى بمنافعه (واما) حق يتوصل به إلى مال كالشفعة الثابتة بجماعة وكل شركة اما أن تحدث بلا اختيار كما في الارث أو باختيار في الشراء وليس مقصود الباب الكلام في كل شركة بل في الشركة التى تحدث باختيار ولا في كل ما تحدث بالاختيار بل في التى تتعلق بالتجارات وتحصيل الفوائد والارباح وهى اربعة أنواع (منها) شركة العنان ومما أخذت اللفظة (قيل) من عنان الدابة اما لاستواء الشريكين في ولاية الفسخ والتصرف واستحقاق الربح على قدر رأس المال كاستواء طرفي العنان (واما) لان الآخذ بعنان الدابة حبس إحدى يديه على العنان والاخرى مطلقة يستعملها كيف شاء كذلك الشريك منع بالشركة نفسه عن التصرف في المشترك كما يشتهى وهو مطلق اليد والتصرف في سائر أمواله (وقيل) هي من قولهم عن الشئ إذا ظهر اما لانه ظهر لكل واحد منهم مال صاحبه وأما لانه أظهر وجوه الشركة ولذلك اتفقوا على صحتها وقيل من المعانة وهى المعاوضة لان كل واحد منهما يخرج ماله في معاوضة اخراج الآخر ثم تكلم صاحب الكتاب على عادته في أركان هذه الشركة ثم في أحكامها (فاحدها) المتعاقدان والمعتبر فيهما أهلية التوكيل والتوكل على ما سيذكر في باب الوكالة فان كل واحد من الشريكين متصرف في جميع المال في ماله بحق الملك وفى غيره بحق اذنه فهو وكيل عن صاحبه وموكل له بالتصرف وتكره مشاركة الذمي ومن لا يحترز عن الربا * قال (الثاني الصيغة وهى ما تدل على الاذن في التصرف والاظهر أنه يكفى قولهما اشتركتا إذا كان يفهم المقصود منه عرفا) *
__________
= > ابن السائب وروى أيضا عن عبد الله بن السائب قال أبو حاتم في العلل وعبد الله ليس بالقويم(10/405)
لا بد من لفظ يدل على الاذن في التصرف والتجارة فان اذن كل واحد منهما لصاحبه صريحا فذاك ولو قالا اشتركنا واقتصر عليه فهل يكفى ذلك لتسطلهما على التصرف من الجانبين فيه وجهان (أحدهما)
ويحكى عن أبى على الطبري نعم لفهم المقصود عرفا وبهذا قال أبو حنيفة (والثانى) لا لقصور اللفظ عن الاذن واحتمال كونه اخبارا عن حصول الشركة في المال ولا يلزم من حصول الشركة جواز التصرف الا ترى أنهما لو ورثا مالا لا يتصرف فيه أحدهما الا باذن صاحبه والوجه الاول أظهر عند صاحب الكتاب (والثانى) أصح عند القاضى ابن كج وصاحب التهذيب والاكثرين ولو أذن أحدهما للآخر في التصرف في جميع المال ولم يأذن الآخر تصرف المأذون في جميع المال ولم يتصرف الآخر الا في نصيبه وكذا لو أذن لصاحبه في التصرف في الجميع وقال أنا لاتصرف الا في نصيبي ولو شرط أحدهما على الآخر أن لا يتصرف في نصيبه لم يصح العقد لما فيه من الحجر على المالك في ملكه ثم ينظر في المأذون فيه ان عين جنسا لم يصح تصرف المأذون في نصيب الآذن من غير ذلك الجنس وان قال تصرف واتجر فيما شئت من أجناس الاموال جاز وفيه وجه أنه لا يجوز الاطلاق بل لا بد من التعيين *(10/406)
قال (الثالث المال واشارة النص إلى أنه لا بد وأن يكون نقدا كالقراض لان مقصوده التجارة والا قيس أنه يجوز في كل مال مشترك * والاشتراك بالشيوع هو الاصل ويقوم مقامه الخلط الذى يعسر معه التمييز فانه يوجب الشيوع * ولا يكفى (ح) خلط الصحيح بالقراضة * ولا السمسم بالكتان * ولا عند (ح) اختلاف السكة * وكذا (ح) كل اختلاف يمكن معه التمييز فان الشيوع لا يحصل معه * وليتقدم (ح) الخلط على العقد * فلو تراخى ففيه خلاف * ولا يشترط (و) تساوى المالين في القدر ولا العلم بالمقدار حالة العقد) * الركن الثالث المال المعقود عليه وفيه مسائل (احداها) لا خلاف في جواز الشركة في النقدين (وأما) سائر الاموال فالمتقومات لا تجوز الشركة عليها وفى المثليات قولان وقيل يقال وجهان (أحدهما) المنقول عن رواية البويطى وأبى حنيفة أنه لا يجوز كما لا يجوز في المتقومات وكما لا يجوز القراض الا في النقدين (وأصحهما) وبه قال ابن سريج وأبو إسحق يجوز لان المثلى إذا اختلط بجنسه ارتفع معه التمييز فاشبه النقدين وليس المثلى كالمتقوم لانه لا يمكن الخلط في المتقومات وربما يتلف مال أحدهما ويبقى مال الآخر فلا يمكن الاعتداد بتلفه عنهما وفى المثليات يكون التالف بعد
الخلط تالفا عنهما جميعا ولان قيمتهما ترتفع وتنخفض وربما تنقص قيمة مال احدهما دون الآخر وتزيد فيؤدى إلى ذهاب الربح في رأس المال أو دخول بعض رأس المال في الربح ويخالف القراض لان حق العامل محصور في الربح فلا بد من تحصيل رأس المال لتوزيع الريح وفى الشركة لا حاجة بل كل المال موزع عليهما على قدر ماليهما ولفظ النقدين عند اطلاقنا تجوز الشركة فيهما نعنى به الدراهم والدنانير المضروبة وأما غير المضروبة من التبر والحلى والسبائك فقد أطلقوا منع الشركة فيها وبمثله أجاب(10/407)
القاضى الرويانى في الدراهم المغشوشة وحكى فيها خلاف ابى حنيفة لكن يجوز بناء الحكم في التبر على انه مثلى أم لا وفيه خلاف ستعرفه ومأخذه في كتاب الغصب فان جعل متقوما لم تجز الشركة عليه والا ففيه الخلاف في المثليات (وأما) الدراهم المغشوشة فقد حكى صاحب التتمة في جواز القراض عليها خلافا مبنيا على جواز التعامل بها فقد الحقنا المغشوش بالخالص فإذا جاء الخلاف في القراض ففى الشركة أولى على أن صاحب العدة ذكر أن الفتوى أنه تجوز الشركة فيها إذا استمر في البلد رواجها * واعلم أن ما ذكرنا في المسألة من تجويز الشركة ومنعها نريد فيما إذا أخرج هذا قدرا من ماله وذاك قدرا جعلاهما رأس المال ويمكن فرض الشركة على غير هذا الوجه في جميع الاموال على ما سيأتي (المسألة الثانية) إذ أخرج رجلان كل واحد منهما قدار من المال الذى تجوز الشركة فيه فارادا الشركة فلا بد أن يخلطا المالين لا يتأتى معه التمييز والا فلو تلف مال أحدهما قبل التصرف تلف على صاحبه ويقدر اثبات الشركة في الباقي فلا تجوز الشركة عند اختلاف الجنس ان يكون من أحدهما دراهم والآخر دنانير ولا عند اختلاف الصفة كما إذا اختلفت السكة أو أخرج احدهما صحاحا والآخر مكسرة أو صحاحا متقومة أو أخرج أحدهما دراهم عتيقة أو بيضاء والاخر جديدة أو سوداء وفى البيض والسود وجه عن الاصطخرى وإذا جوزنا الشركة في المثليات وجب تساويهما جنسا ووصفا أيضا فلا تكفى خلطة الحنطة البيضاء بالحمراء لامكان التمييز وان عسر وعن الشيخ أبى على أن الاستاذ أبا اسحق ذكر وجها في الاكتفاء به لعد الناس مثل ذلك خلطا وينبغى أن يقدم الخلط على العقد والاذن فان تأخر فالاظهر المنع إذ لا اشتراك عند العقد (والثانى) يجوز إذا وقع في مجلس العقد لان
المجلس كنفس العقد فان تأخر لم يجر على الوجهين ومال الامام رحمه الله إلى تجويزه لما سبق أن(10/408)
الشركة توكيل وتوكل ولو وجد التوكيل والتوكل والملكان متميزان ثم فرض الاختلاط لم تنقطع الوكالة نعم لو قيد الاذن بالتصرف في المال المنفرد فلا بد من تجديد الاذن ولو ورثا عروضا أو اشترياها فقد ملكاها شائعة وذلك أبلغ من الخلط بل الخلط انما اكتفى به لافادة الشيوع فإذا انضم إليه الاذن في التصرف تم العقد ولهذا قال المزني والاصحاب الحيلة في الشركة في العروض المتقومة ان ايبيع كل واحد منهما نصف عرضه بنصف عرض صاحبه تجانس العرضان أو اختلفا ليصير كل واحد منهما مشتركا بينهما فيتقابضان ويأذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف وفى التتمة أنه يصير العرضان مشتركين ويملكان التصرف بحكم الاذن الا أنه لا تثبت أحكام الشركة في الثمن حتى يستأنفا عقدا وهو ناض وقضية اطلاق الجمهور ثبوت الشركة واحكامها على الاطلاق وهو المذهب ولو لم يتبايعا العرضين ولكن باعاهما بعرض أو نقد ففى صحة البيع قولان قد مر ذكرهما في تفريق الصفقة ويعودان باكثر من ذلك الشرح في الصداق فان صاحب الكتاب ذكر المسألة هناك(10/409)
فان صححنا كان الثمن مشتركا بينهما إما على التساوى أو التفاوت بحسب قيمة الغرضين فاذن كل واحد منهما للآخر في التصرف (الثالثة) ظاهر المذهب أنه لا يشترط تساوى المالين في القدر بل تثبت الشركة مع التفاوت على نسبة المالين وعن الانماطى أنه يشترط التساوى لان الربح يحصل بالمال والعمل وكما لا يجوز الاختلاف في الربح مع تساوى المالين لا يجوز الاختلاف في الربح مع التساوى في العمل وهل يشترط العلم حالة العقد بمقدار النصيبين بأن يعرف أن المال بينهما نصفان أو على نسبة أخرى فيه الوجهان (أظهرهما) أنه لا يشترط إذا أمكن معرفة من بعد وهو المذكور في الكتاب ومأخذ الخلاف انه إذا كان بين رجلين مال مشترك وكل واحد منهما جاهل بقدر حصته فاذن كل واحد متهما لصاحبه في التصرف في جميع المال أو في نصيبه هل يصح الاذن فيه وجهان (أحدهما) لا لانه لا يدرى فيما يأذن والمأذون لا يدرى ماذا يستفيد بالاذن (وأظهرهما) نعم لان الحق
لا يعدوهما وقد تراضيا وعلى هذا تكون الاثمان بينهما مبهمة كالمثمنات (واما) لفظ الكتاب فقوله(10/410)
واشارة النص الا أنه لا بد وأن يكون نقدا يجوز حمله على ما قدمنا ذكره في رواية البويطى رحمه الله الا أن الظاهر انه قصد به ما ذكره الامام من أن منقول المزني المنع والمراد منه قوله في المختصر والذى يشبه مذهب الشافعي رضى الله عنه أن الشركة لا تصح في العروض ولا فيما يرجع عند المفاضلة إلى قيمته وهذا له اشعار بالمنع لكن بعضهم حمل لفظ العروض على المتقومات وعلى هذا الكلام ذهاب إلى(10/411)
جواز الشركة في المثليات لانه يرجع عند المفاضلة إلى مثله لا إلى القيمة (وقوله) والاقيس أنه يجوز في كل مال مشترك أي عروض كانت أو غيرها وأراد بالمشترك ما يثبت فيه الحقان على الشيوع وذلك تارة يثبت ابتداء كما في الموروث بالخلط الدافع للتمييز لايجابه الشيوع ولو كان لهما ثوبان والتبسا عليهما لم يكف ذلك لعقد الشركة فان المالين متميزان وإنما أبهم الامر بينهما (وقوله) فلو تراخا ففيه خلاف والاشبه أنه لم يرد به الوجهين فيما إذا وقع الخلط في المجلس وانما أراد اقامة وجهين مما ذكره المعظم ومال إليه الامام رحمه الله لانه لم يتعرض للمجلس ههنا ولا في لوسيط ولاله ذكر في النهاية *(10/412)
(فرع) قال أصحابنا العراقيون ومن تابعهم إذا جوزنا الشركة في المثليات فان استوت القيمتان كانا شريكين على السواء وان اختلفا كما إذا كان لاحدهما كرحنطة قيمته مائة والآخر قيمته خمسون فهما شريكان الثلثين والثلث وهذا مبني على قطع النظر في المثليات عن تساوى الاجزاء في القيمة والا فليس هذا الكر مثلا فذلك الكر والكلام في المثليات مستوفى في الغصب * (فرع) لاحدهما دنانير ولآخر دراهم وابتاعا شيئا بهما يقوم ما ليس بنقد البلد منهما بما هو نقد البلد فان استويا في القيمة فالشركة علي التساوى والا فعلى الاختلاف * قال (ولا تصح شركة الابدان (م ح) وهى شركة الدلالين والحمالين إذ كل واحد متميز
بملك منفعته فاختص بملك بدلها، ولا شركة المفاوضة (ح م) وهى أن يشتركا فيما يكتسبان من مال ويلتزمان من غرم بغصب أو بيع فاسد إذ كل من اختص بسبب اختص بحكمه غرما وغنما *(10/413)
ولا شركة الوجوه (ح) وهى أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون له بعضه * بل كل الثمن لمالك المثمن * وله أجر المثل) * غرض الفصل الكلام فيما سوى شركة العنان من الشرك وهى ثلاثة (أحدها) شركة الابدان وهى أن يشترك الدلالان أو الحمالان أو غيرهما من المحترفة على ما يكتسبان ليكون بينهما على تساو أو تفاوت وهى باطلة سواء اتفقا في الصنعة أو اختلفا كالخياط والنجار لان كل واحد منهما مميز ببدنه ومنافعه فيختص بفوائده وهكذا لو اشتركاه في ماشيتهما وفى متميزة ليكون الدر والنسل بينهما فانه لا يصح وعند أبى حنيفة يصح اتفقت الصنعتان أو اختلفتا وعن صاحب التقريب أن لبعض الاصحاب وجها كمذهبه وقال مالك رحمه الله تصح بشرط اتحاد الصنعة وسلم أبو حنيفة(10/414)
ومالك أنه لا تجوز الشركة في الاصطياد والاحتطاب وأحمد جوزهما أيضا وإذا قلنا بظاهر المذهب وهو البطلان فإذا اكتسبا شيئا نظر إن انفرد عمل أحدهما عن الآخر فلكل واحد منهما كسبه وإلا فالحاصل مقسوم بينهما علي قدر أجرة المثل لا كما شرط (الثانية) شركة المفاوضة وهى أن يشتركا ليكون بينهما ما يكتسبان ويربحان ويلزمان من غرم ويحصل لهما من غنم وهى باطلة خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال تصح بشرط أن يستعملا لفظ المفاوضة فيقولا تفاوضنا أو اشتركنا شركة المفاوضة وإن استويا في الدين والحرفة فلو كان أحدهما مسلما والآخر ذميا أو أحدهما حرا والاخر مكاتبا لم يصح وإن استويا في قدر رأس المال وأن لا يملك واحد منهما من جنس رأس المال الا ذلك القدر ثم حكمها عنده أن ما اشتراه أحدهما يقع مشتركا إلا ثلاثة أشياء قوت يومه وثياب بدنه وجارية يتسرى بها وإذا ثبت لاحدهما شفعة شارك صاحبه وما ملكه أحدهما بارث أو هبة لا يشاركه الآخر فيه فان كان فيه شئ من جنس رأس المال فسدت شركة المفاوضة وانقلبت إلى شركة العنان وما لزم احدهما بغصب أو بيع فاسد
أو اتلاف كان مشتركا الا الجناية على الحر وكذا بدل الخلع والصداق إذا لزم أحدهما لم يؤاخذ به الآخر ووجه المذهب في المسألة ظاهر قال الشافعي رضى الله عنه في اختلاف العراقيين ولا أعرف شيئا في الدنيا يكون باطلا ان لم تكن شركة المفاوضة باطلة يعني لما فيها من أنواع الغرر والجهالة الكثيرة(10/415)
(فرع) لو استعملا لفظ المفاوضة وأراد اشركة العنان جاز نص عليه وهذا يقوى تصحيح العقود بالكنايات (الثالثة) شركة الوجوه وقد فسرت بمعان (أشهرها) أن صورتها أن يشترك رجلان وجيهان عند الناس ليبتاعا في الذمة إلى أجل على أن ما يبتاعه كل واحد منهما يكون بينهما فيبتعاه ويؤديا الاثمان فما حصل فهو بينهما (والثانى) أن يبتاع وجيه في الذمة ويفوض بيعه إلى خامل وشرط أن يكون الربح بينهما (والثالث) أن يشترك وجيه لا مال له وخامل ذو مال ليكون العمل من الوجيه والمال من الخامل ويكون المال في يده ولا يسلمه إلى الوجيه والربح بينهما وهذا تفسير القاضى ابن كج والامام ويقرب منه ما ذكره صاحب الكتاب وهو أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون بعض الربح له وهي على المعاني باطلة إذ ليس بينهما مال مشترك يرجع إليه عند المفاصلة ثم ما نشتريه أحدهما في الصورة الاولى والثانية فهو له يختص به وربحه وخسر انه ولا يشاركه فيه الاخر الا إذا كان قد صرح بالاذن في الشراء بما هو شرط التوكيل في الشراء وقصد المشترى توكيله وعند(10/416)
أبى حنيفة رحمه الله يقع المشترى مشتركا بمجرد الشركة وان لم يوجد قصد من المشتري ولا اذن من صاحبه (وأما) الصورة الثالثة فهى ليست بشركة في الحقيقة وانما هي قراض فاسد لاستبداد المالك باليد فان لم يكن المال نقدا زاد الفساد وجها آخر وأما ما أورده في الكتاب فحاصله الاذن في البيع بعوض فاسد فيصح البيع من المأذون ويكون له أجرة المثل وجميع الثمن للمالك واعلم أنه انما عقب أركان شركة العنان بذكر أنواع الشركة الفاسدة لانه قد تبين في خلال الاركان اشتراط شيوع رأس المال وارتفاع التمييز فأراد الاشارة إلى فساد هذه الانواع لاختلال هذا الشرط وتميز ما هو رأس المال فيها أو ما هو في شبه رأس المال ويتعلق بهذه القاعدة صور اخر مغصوصة؟ في البويطى (منها)(10/417)
لواحد بغلة ولآخر راوية تشار كامع ثالث ليسقى الثالث الماء ويكون الحاصل بينهم؟ فهو فاسد لانها منافع أبدان متميزة فلو جروا عليه وأسقى الثالث الماء فلمن يكون الماء نقل صاحب التخليص وآخرون فيه اختلاف قول ولم يحمد المعظم تلك الطريقة وانما ارتضوا تفصيلا ذكره ابن سريج وهو ان كان الماء مملوكا للمستقى أو مباحا لكنه قصد به نفسه فهو له وعليه لكل واحد من صاحبيه أجرة المثل أيضا وان قصد به الشركة فهو على الخلاف في جواز النيابة في تملك المباحات وسنذكره في الوكالة فان لم تجوز فهو للمستقى وعليه أجرة المثل لصاحبه أيضا وان جوزنا وهو الاصح فالماء بينهم وفى كيفية الشركة وجهان (أحدهما) أنه يقسم بينهم على نسبة أجور أمثالهم لانه حصل بالمنافع المختلفة وهذا(10/418)
ما أورده الشيخ أبو حامد ويحكى عن نصه في البويطى (وأصحهما) عند الشيخ أبى علي ولم يورد القفال غيره انه يقسم بينهم بالسوية اتباعا لقصده فعلى هذا للمستقى أن يطالب كل واحد من صاحبيه بثلث أجرة منفعته لانه لم ينصرف منها إليه الا الثلث وكذلك يرجع كل واحد من صاحبي البغلة والزاوية على كل واحد من الاخير والمستقى بثلث أجرة منفعة ملكه وعلى الوجه الاول لا تراجع بينهم في الاجرة ولو استأجر رجل راويته من صاحبها والبغلة من صاحبها والمستقى يحمل الماء وهو مباح نظر ان انفرد كل واحد بعقد صح والماء للمستأجر وان جمع بين الكل في عقد واحد ففى صحة الاجارة قولان كما لو اشترى عرضا لرجل وعرضا لآخر منهما يثمن؟ واحد ان صححنا وزعت الاجرة المسماة على أجور(10/419)
الامثال والا فلكل واحد أجرة المثل عليه ويكون الماء للمستأجر صححنا الاجارة أو أفسدناها (أما) إذا صححناها فظاهر (وأما) إذا أفسدناها فلان منافعهم مضمونة بأجرة المثل ذكره الامام فان نوى المستقى نفسه وفرعنا على فساد الاجارة فعن الشيخ أبى على أنها تكون للمستأجر أيضا وتوقف الامام فيه لان منفعته غير مستحقة للمستأجرين وقد قصد نفسه فليكن الحاصل له وموضع القولين ما إذا وردت الاجارة على عين المستقي والبغلة والراوية فأما إذا ألزم ذمتهم نقل الماء صحت الاجارة
لا محالة إذ ليست ههنا اعيان مختلفة يفرض جهالة في أجورها وانما على كل واحد منهم ثلث العمل (ومنها) لو اشترك أربعة لاحدهم بيت ولآخر حجر رحا ولآخر بغلة تديره والرابع يعمل في الرحا على(10/420)
أن الحاصل من أجرة الطحن بينهم فهو فاسد ثم إن أستأجر مالك الحنطة العامل والآلات من مالكها وأفرد كل واحد بعقد لزمه ما سمى لكل واحد مهنم وان جمع بين الكل في عقد واحد فان ألزم ذمتهم الطحن صح العقد وكانت الاجرة بينهم أرباعا يتراجعون بأجرة المثل لان المنفعة المملوكة لكل واحد منهم قد استوفى ربعها حيث أخذ ربع المسمى وانصرف ثلاثة أرباعها إلى أصحابه يأخذ منهم ثلاثة أرباع أجرة المثل وان استأجر عين العامل وأعيان الآلات ففيه القولان المذكوران في أن الصورة السابقة إن أفسدنا الاجارة فلكل واحد أجرة مثله وان صححناها وزع المسمى عليهم ويكون التراجع بينهم على ما سبق وان ألزم المالك للحنطة ذمة العامل الطحن لزمه وعليه إذا استعمل(10/421)
مالاصحابه أجرة المثل لهم إلا أن يستأجرها بعقد صحيح فعليه للمسمى (ومنها) لواحد البذر ولآخر آلة الحرث ولآخر الارض واشتركوا مع رابع ليعمل ويكون الزرع بينهم فالزرع لصاحب البذر وعليه لاصحابه أجرة المثل قال في التتمة فلو أصاب الزرع آفة ولم يحصل من الغلة شئ فلا شئ لهم لانهم لم يحصلوا له شيئا ولا يخفى عدول هذا الكلام عن القياس الظاهر * قال (وحكم الشركة تسليط كل واحد على التصرف بشرط الغبطة مع الجواز حتى يقدر كل واحد على العزل * وتنفسخ بالجنون والموت) * هذا أول القول في أحكام الشركة والفصل ينظم حكمين (أحدهما) أن الشركة بالمعني المعقود لهذا الباب إذا تمت ووجد الاذن من الطرفين تسلط كل واحد من الشريكين على التصرف وسبيل تصرف الشريك كسبيل تصرف الوكيل فلا يبيع نسيئة ولا بغير نقد البلد ولا يبيع ولا يشترى بالغبن الفاحش إلا إذا اذن الشريك فان خالف وباع بالغبن الفاحش لم يصح في نصيب الشريك(10/422)
وفى نصيبه قولا تفريق الصفقة إن لم نفرقها بقى المبيع على ملكهما والشركة بحالها وان فرقناها انفسخت الشركة في المبيع وصار مشتركا بين المشترى والشريك الذى بطل في نصيبه وان اشترى بالغبن نظر ان اشترى بعين مال الشركة فهو كما لو باع وان اشترى في الذمة لم يقع وعليه توفير الثمن من خالص ماله * وليس لاحدهما أن يسافر بمال الشركة ولا أن يبضعه بغير اذن صاحبيه فان فعل ضمن (الثاني) الشركة جائزة ولكل واحد منهما فسخها متى شاء لما سبق أن حقيقتها التوكل فلو قال أحدهما للآخر عزلنك عن التصرف أولا تتصرف في نصيبي انعزل المخاطب ولا ينعزل العازل عن التصرف في نصيب المعزول ولو قال فسخت الشركة انفسخ العقد قال الامام ينعزلان عن التصرف لارتفاع العقد وأشار إلى أن ذلك مجزوم به لكن صاحب التتمة ذكر ان انعزالهما مبنى على أنه يجوز التصرف بمجرد عقد الشركة أم لا بد من التصريح بالاذن (ان قلنا) بالاول فإذا ارتفع العقد انعزلا (وان قلنا) بالثاني وكانا قد صرحا بالاذن فلكل واحد منها التصرف إلى أن يعزلا وكيف ما كان فلائمة متطابقون على ترجيح القول بانعزالهما وأيد الامام الوجه الذاهب إلى أن لفظ(10/423)
الشركة يمجردة يسلطهما على التصرف فيه وكما تنفسخ الشركة بالفسخ بموت أحد المتعاقدين وجنونه واغمائه كالوكالة ثم في صورة الموت ان لم يكن على الميت دين ولا هناك وصية فللوارث الخيار بين القسمة وتقرير الشركة ان كان بالغا رشيدا وان كان موليا عليه لصغر أو جنون فعلى وليه ما فيه الحظ والمصلحة من الامرين وانما يقرر الشركة بعقد مستأنف وان كان على الميت دين فليس للوارث تقرير الشركة الا إذا قضى الدين من موضع آخر وان كان هناك وصية نظر ان كانت الوصية لمعين فهو كاحد الورثة وان كانت لغير معين كالفقراء لم يجز تقرير الشركة حتى تخرج الوصية ثم هو كما لو لم تكن وصية * قال (ويتوزع الربح والخسران على قدر المال * فلو شرطا تفاوتا بطل الشرط وفسد العقد * ومعنى الفساد أن كل واحد يرجع على صاحبه بأجرة عمله في ماله ولو صح لما رجع * ولو شرط زيادة ربح لمن اختض بمزيد عمل ففى صحة الشرط خلاف * ومن حكمها كون كل واحد أمينا القول
قوله فيما يدعيه من تلف وخسران * إلا إذا ادعى هلاكا بسبب ظاهر فعليه إقامة البنة على السبب * ثم هو مصدق في الهلاك به * والقول قوله فيما اشتراه اقصد به نفسه أو مال الشركة * (فان قال) كان من مال الشركة فخلص لى بالقسمة فالقول قول صاحبه في انكار القسمة *(10/424)
من أحكام الشركة كون الربح بينهما على قدر المالين شرطا أو لم يشرطا تساويا في العمل أو تفاوتا فان شرطا التساوى في الربح مع التفاوت في المال فهو فاسد وكذا لو شرطا التفاوت في الربح مع التساوى في المال نعم لو اختص أحدهما بمزيت عمل وشرط له مزيد ربح ففيه وجهان (أحدهما) صحة الشركة ويكون القدر الذي يناسب ملكه له بحق الملك والزائد يقع في مقابلة العمل ويتركب(10/425)
العقد من الشركة والقراض (وأصحهما) المنع كما لو شرطا التفاوت في الخسران فانه يلغو أو يتوزع الخسران علي المال ولا يمكن جعله مشتركا وقراضا فان العمل في القراض بيع مختص بمال المالك وههنا يتعلق بملكه وملك صاحبه * وعند أبى حنيفة رضى الله عنه يجوز تغيير نسبة الربح بالشرط ويكون الشرط متبعا لنا القياس على طرود الخسران فانه يسلم توزيعه على قدر المالين وان شرط خلافه وإذا(10/426)
فسد لم يؤثر ذلك في فساد التصرفات لوجود الاذن ويكون * الربح على نسبة المالين ويرجع كل واحد منهما على صاحبه بأجرة مثل عمله في ماله على ما ذكره في الكتاب وتفصيله أنهما إما أن يكونا متساويين في المالين أو متفاوتين ان تساويا فاما أن يتساويا في العمل أيضا فنصف عمل كل واحد منهما يقع في ماله فلا يستحق به أجرة والنصف الآخر الواقع في مال صاحبه يستحق عليه(10/427)
مثل بدله عليه فيقع في التقاص وان تفاوتا في العمل بأن كان عمل أحدهما يساوى مائة وعمل الآخر مائتين فان كان عمل المشروط له الزيادة أكثر فنصف عمله مائة ونصف عمل صاحبه خمسون فبقى له خمسون بعد التقاص وان كان عمل صاحبه أكثر ففى رجوعه بالخمسين على المشروط
له الزيادة وجهان (أحدهما) الرجوع وهو ظاهر ما أجاب به الشيخ أبو حامد كما لو فسد القراض(10/428)
فيستحق العامل أجرة المثل (وأصحهما) المنع ويحكى عن أبى حنيفة رحمه الله لانه عمل وجد من أحد الشريكين لم يشترط عليه عوض والعمل في الشركة لا يقابله عوض بدليل ما إذا كانت الشركة صحيحة فزاد عمل أحدهما فانه لا يستحق على الآخر شيئا ويجرى الوجهان فيما إذا فسدت الشركة واختص أحدهما باصل التصرف والعمل هل يرجع بنصف أجرة عمله علي الآخر (وأما)(10/429)
إذا تفاوتا في المال بان كان لاحدهما الف ولآخر الفان فاما أن يتفاوتا في العمل أو يتساويا فان تفاوتا بان كان عمل صاحب الاكثر أكثر بان كان عمله يساوى مائتين وعمل الآخر مائة فثلثا عمله في ماله وثلثه في مال صاحبه وعمل صاحبه على العكس فيكون لصاحب الاكثر ثلث المائتين على صاحب الاقل ولصاحب الاقل ثلث المائة على صاحب الاكثر وقدرهما واحد فيقع في التقاص فان كان عمل(10/430)
صاحب الاقل في ماله وثلثاه في مال شريكه وثلثا عمل صاحبه الاكثر في ماله وثلثه في مال شريكه فلصاحب الاقل ثلثا المائتين على صاحب الاكثر وهو مائة وثلاثة وثلاثون درهما وثلث درهم ولصاحب الاكثر ثلث المائة على صاحب الاقل وهو ثلاثة وثلاثون وثلث فيبقى بعد التقاص لصاحب الاقل مائة على الآخر وان تساويا في العمل فلصاحب الاقل ثلثا المائة على صاحب الاكثر(10/431)
ولصاحب الاكثر ثلث المائة عليه فيكون الثلث بالثلث قصاصا يبقى لصاحب ثلث المائة ثلاثة وثلاثون وثلث (وقوله) في الكتاب فلو شرطا تفاوتا بطل الشرط معلم بالحاء لما عرفت أن أبا حنيفة رحمه الله يصححه (وقوله) فسد العقد هذا المشهور ونقل الامام رحمه الله اختلافا للاصحاب(10/432)
رحمهم الله في أن الشركة تقصد بهذا الشرط أو يطرح الشرط والشركة بحالها لنفوذ التصرفات
ويوزع الربح على المالين ولم يتعرض غيره لحكاية الخلاف بل جزموا بنفوذ التصرفات ويوزع الربح علي المالين ولوجوب الاجرة في الجملة ولعل الخلاف راجع إلى الاصطلاح فبعضهم يطلق(10/433)
لفظ الفساد وبعضهم يمنع منه لبقاء أكثر الاحكام (وقوله) ومعني الفساد إلى آخره أشار به إلى أن أثر الفساد بالرجوع بالاجرة فان الشركة لو كانت صحيحة لما ثبت استحقاق الاجرة ويجوز إعلام قوله يرجع بالاجرة بالحاء لان عنده لا رجوع بها لصحة الشرط وما ذكرنا من معني الفساد عند تعيين(10/434)
نسبة الربح جار في سائر أسباب الشركة نعم قال الامام رحمه الله لو لم يكن بين المالين شيوع وخلط فلا شركة ههنا على التحقيق وثمن كل واحد من المالين يختص بمالكه ولا يقع مشتركا والكلام في الصحة والفساد إنما يكون بعد حصول تعيين الشركة فان جرى توكيل من الجانبين لم يخف حكمه وينبني على الخلاف المذكور فيما إذا شرط زيادة ربح لمن اختص بمزيد عمل *(10/435)
(فرعان) أحدهما إذا جوزنا ذلك فلو لم يشترطاه ولا اشترط توزيع الربح على قدر المالين بل أطلقا فعن صاحب التقريب والشيخ أبى محمد ذكر خلاف في أن الربح يتوزع على المالين وتكون زيادة العمل تبرعا منه أو يثبت للزيادة أجرة تخريجا على ما إذا استعمل صانعا ولم يذكر له أجرة(10/436)
(الثاني) إذا شرطا زيادة ربح لمن زاد عمله ففى اشتراط استبداده باليد وجهان وكذا لو شرطا انفراد أحدهما بالعمل في وجه يشترط كما في القراض وفى وجه لا جريا على قضية الشركة والخلاف في جواز اشتراط زيادة ربح بمن زاد عمله جار فيما إذا اشترطا انفراد أحدهما بالتصرف وجعلا له زيادة ربح وفى وجه يجوز ههنا ولا يجوز فيما إذا اشتركا في أصل العمل لانه لا يدري بأى عمل حصل فيحال به على المال أورده في الوسيط *(10/437)
قال (ومن حكمها كون كل واحد أمينا القول قوله فيما يدعيه من تلف وخسران * الا إذا ادعى هلاكا بسبب ظاهر فعليه اقامة البينة على السبب * ثم هو مصدق في الهلاك به * والقول قوله فيما اشتراه أقصد به نفسه أو مال الشركة * فان قال كان من مال الشركة فخلص لى بالقسمة فالقول قول صاحبه في انكار القسمة) *(10/438)
في الفصل مسألتان (إحداهما) من أحكام الشركة أن يد كل واحد من الشريكين يد أمانة كيد المودع والوكيل ولو ادعى رد المال إلى شريكه قبل قوله كالمودع والوكيل بغير جعل ولو ادعى خسرانا أو تلفا فكذلك كالمودع إذا ادعي التلف وكل واحد من الشريكين والمودع إذا أسند التلف إلى سبب ظاهر طولب بالبينة(10/439)
عليه فلو أقاماها صدقا في الهلاك به وسيأتى ذكره في الوديعة فإذا ادعى أحد الشريكين خيانة على الآخر لم تسمع الدعوى حتى يبين قدر ما خان به فإذا تبين سمعت والقول قول المنكر مع يمينه (الثانية) في يد أحد الشريكين مال واختلفا فقال من في يده انه لى وقال الآخر بل هو من مال الشركة وهذا(10/440)
يقع عند ظهور الريح فيه أو قال المشترى اشتريته من الشركة وقال الآخر بل لنفسك وهذا يقع عند ظهور الخسران فالصدق المشتري لانه أعرف بمقصده ولو قال صاحب اليد قسمنا مال الشركة وهذا مختص بى وقال الآخر لم نقسم بعد وهو مشترك فالقول قول نافى القسمة لان الاصل بقاء الشركة وعلى مدعى القسمة البينة ولو كان في أيديهما أو في أيديهما أو في يد أحدهما مال وقال كل واحد منهما هذا نصيبي من(10/441)
مال الشركة وأنت أخذت نصيبك حلف كل واحد منهما وجعل المال بينهما فان حلف أحدهما دون الآخر قضى له * قال (وإذا باع أحد الشريكين باذن الآخر عبدا مشتركا ثم أقر الذى لم يبع أن البائع قبض الثمن كله وهو جاحد فالمشترى برئ من نصيب المقر لاقراره * وللبائع طلب نصيبه من المشترى * فان
استحلفه المقر فحلف أنه لم يقبض سلم له ما قبض * وان نكل حلف الخصم واستحق * ولو كانت(10/442)
المسألة بحالها ولكن أقر البائع أن الذى لم يبع قبض الثمن كله لم يقبل اقرار الوكيل على الموكل وبرئ المشترى من مطالبة المقر بان شريكي قبض إذا كان شريكه أيضا مأذونا من جهته * ولم يبرأ من مطالبة الجاحد فله أخذ نصيبه من المشترى) * إذا كان بين اثنين عبد فباعه أحدهما باذن الآخر وكان البائع مأذونا في قبض الثمن أيضا أو قلنا إن الوكيل بالبيع يملك قبض الثمن ثم اختلف الشريكان في القبض فذلك يصور على وجهين(10/443)
(أحدهما) أن يقول الشريك الذى لم يبع للذى باع قبضت الثمن كله فسلم إلى نصيبي ويساعد المشترى على أن البائع قبض وينكر البائع فيبرأ المشتري عن نصيب الذى لم يبع لاعترافه بأن البائع الذى هو وكله بالقبض قد قبض ثم ههنا خصومة بين البائع والمشترى وخصومة بين الشريكين وربما تقدمت الاولى على الثانية وربما تأخرت فان تقدمت خصومة البائع والمشترى فطالب البائع المشترى بنصيبه من الثمن وادعي المشترى أنه أداه نظر ان قامت للمشترى بينة على الاداء اندفعت المطالبة عنه فان شهد له الشريك الذى لم يبع لم تقبل شهادته في نصيبه لانه لو ثبت ذلك لطالب المشهود عليه(10/444)
بحقه وذلك جر نفع ظاهر وفى قبولها نصيب الآخر قولان بناء على أن الشهادة هل تتبعض كما لو شهد أنه قذف أمه وأجنبية هل تقبل في حق الاجنبية وان لم تكن بينة فالقول قول البائع مع يمينه أنه لم يقبض فان حلف أخذ نصيبه من المشترى ولا يشاركه الذى لم يبع فيه لاقراره بأنه أخذ الحق من قبل وزعمه أن ما أخذه الآن أخذه ظلما وان نكل وحلف المشترى انقطعت الطلبة عنه وان نكل المشترى أيضا فعن ابن القطان وجه أنه لا يؤاخذه بنصيب البائع لانا لا نحكم بالنكول والمذهب خلافه وليس هذا حكم بالنكول وأن ما هو مؤاخذة له باقراره بلزوم المال بالشراء ابتداء ثم إذا انفصلت خصومة البائع والمشترى فلو جاء الشريك(10/445)
الذى لم يبع يطالب الذى باع بحقه بزعمه أنه قبض الثمن فعليه البينة ويصدق البائع أنه لم يقبض الا نصيبه بعد الخصومة الجارية بينهما فان نكل البائع حلف الذى لم يبع وأخذ منه نصيب نفسه ولا يرجع البائع به على المشترى لان بزعمه أن شريكه ظلمه بما فعل ولا يمنع البائع من الحلف ونكوله عن اليمين في الخصومة مع المشترى لانها خصومة أخرى مع خصم آخر هذا إذا تقدمت خصومة البائع والمشترى وتلتها خصومة الشريكين فإذا تقدمت خصومة الشريكين فادعي الذى لم يبع قبض الثمن على البائع وطالبه بحقه فعليه البينة ولا تقبل شهادة المشترى له بحال لانه يدفع عن نفسه فان لم(10/446)
يكن له بينة حلف البائع أنه ما قبض فان نكل حلف الذى لم يبع وأخذ نصيبه من البائع ثم إذا انفصلت خصومة الشريكين فلو طالب البائع المشترى بحقه وادعى المشترى الاداء فعليه البينة فان لم تكن بينة حلف البائع وقبض حقه فان نكل حلف المشتري وبرئ ولا يمنع البائع من أن يحلف ويطلب من المشترى حقه نكوله في الخصومة الاولى مع شريكه وعن حكاية الشيخ أبى على أنه يمنعه بناء على أن يمين الرد كالبينة أو كاقرار المدعى عليه ان كانت كالبينة فكأنه قامت البينة على قبضة جميع الثمن وإن كانت كالاقرار فكأنه أقر بقبض جميع الثمن وعلى التقديرين يمتنع عليه مطالبة المشتري وهذا ضعيف باتفاق الائمة لان اليمين انما تجعل كالبينة أو كالاقرار في حق المتخاصمين وفيما فيه تخاصمهما لاغير ومعلوم أن الشريك انما يحلف على أنه قبض نصيبه فانه الذى يطالب به فكيف(10/447)
يؤثر يمينه في غيره وعلى ضعفه فقد قال الامام رحمه الله القياس طرده فيما إذا تقدمت خصومة البائع والمشتري ونكل البائع وحلف المشترى اليمين المردودة حتى يقال ثبت للذى لم يبع مطالبة البائع بنصيبه من غير تجديد خصومة لكون يمين الرد بمنزلة البينة أو الاقرار والله أعلم * فهذا أحد وجهى اختلاف الشريكين في القبض (والوجه الثاني) أن يقول الشريك البائع للذى لم يبع قبضت الثمن كله وصدقه المشترى فأنكر الذى لم يبع فله حالتان (إحداهما) أن يكون الذى لم يبيع مأذونا من جهة البائع في قبض الثمن فيبرأ المشترى عن نصيب البائع لا عترافه بأن وكيله قد قبض ثم تعرض
خصومتان كما في النزاع الاول فأن تخاصما الذى لم يبع والمشترى فالقول قول الذي لم يبع في نفى القبض فيحلف ويأخذ نصيبه ويسلم له المأخوذ وان تخاصم البائع والذى لم يبع حلف الذى لم يبيع فان نكل حلف البائع وأخذ منه نصيبه ولا رجوع له على المشترى وكل ذلك كما مر في النزاع الاول ولو شهد البائع للمشترى على القبض لم تقبل لانه يشهد لنفسه على الذى لم يبع والحالة الثانية أن لا يكون الذى لم يبع مأذونا من جهة البائع في القبض فلا تبرأ ذمة المشترى عن شئ من الثمن أما عن حق الذى لم يبع فلانه منكر في القبض ومصدق في انكاره بيمينه وأما عن الذى باع فلانه لم يعترف(10/448)
بقبض صحيح ثم لا يخلو إما أن يكون البائع مأذونا من جهة الذى لم يبع في القبض أولا يكون مأذونا ايضا (القسم الاول) أن يكون مأذونا فله مطالبة المشترى بنصيبه من الثمن ولا يتمكن من مطالبته بنصيب الذى لم يبع لانه لما أقر بقبض الذى لم يبع نصيبه فقد صار معزولا عن وكالته ثم إذا تخاصم الذى لم يبع والمشتري فعلى المشترى البينة على القبض وان لم تكن البينة فالقول قول الذى لم يبع فإذا حلف ففيمن يأخذ حقه منه وجهان (قال) المزني وابن القنص وآخرون إن شاء أخذ تمام حقه من المشترى وان شاء شارك البائع في المأخوذ وأخذ الباقي من المشترى لان الصفقة واحدة فكل جزء من الثمن شائع بينهما فان أخذ بالحصة الثانية لم يبق مع البائع إلا ربع الثمن ويفارق هذا ما إذا كان الذي لم يبع مأذونا في القبض حيث لا يشاركه البائع فيما يأخذه من المشترى لان زعمه أن الذى لم(10/449)
يبع ظالم فيما أخذه فلا يشاركه فيما ظلم به قال ابن سريج وغيره ليس له الا أخذ حقه من المشتري ولا يشارك البائع فيما أخذه لان البائع قد انعزل عن الوكالة بأقراره وأن الذي لم يبع قبض حقه فما يأخذه بعد الانعزال ياخذه لنفسه خاصة وهذا الكلام استحسنه الشيخ أبو حامد والشيخ أبو على لكن أبو على قال انه وان انعزل فالمسألة تحتمل وجهين بناء على أن مالكي السلعة إذا باعاها بصفقة واحدة هل ينفرد أحدهما بقبض حصته من الثمن وجهان (أحدهما) لا بل إذا انفرد بأخذ شئ يشاركه(10/450)
الاخر فيه كما أن الحق الثابت للوراثة لا ينفرد بعضهم باستيفاء حصته منه ولو فعل شاركه الآخرون فيه وكذلك لو كاتبا عبدهما صفقة واحدة لم ينفرد أحدهما باخذ حقه من النجوم (والثانى) نعم كما لو باع كل واحد منهما نصيبه بعقد مفرد ويخالف الميراث والكتابة فانهما لا يثبتان في الاصل بصفة التجزئ إذ لا ينفرد بعض الورثة ببعض أعيال التركة ولا تجوز كتابة بعض العبد فلذلك لم يجز التجزئ في القبض ولو شهد البائع للمشترى على أن الذى لم يبع قد قبض الثمن فعلى المزني(10/451)
لا تقبل شهادته لان يدفع بها شركة صاحبه فيما أخذه وعلى ما ذكره ابن سريج تقبل (والقسم الثاني) أن لا يكون البائع ماذونا في القبض قال أصحابنا العراقيين للبائع مطالبة المشترى بحقه ههنا وما يأخذه يسلم له وتقبل ههنا شهادة البائع للمشترى على الذى لم يبع وقياس البناء الذى ذكره الشيخ أبو على عود الخلاف في مشاركة صاحبه فيما أخذه تخريج قبول الشهادة على الخلاف ويجوز أن يستفاد من جوابهم ترجيح الوجه الصائر إلى الاصل المبني عليه أن كل شريك ينفرد بقبض(10/452)
حصته على أنى رأيت في فتاوي الحناطى حكاية وجه أن أحد الموارثين أيضا إذا قبض من الدين قدر حصته لم يشاركه الآخر الا أن ياذن له المديون في الرجوع عليه أولا يجد ما لا سواه هذا فقه السمألة واعلم ان المزني أجاب في الوجه الثاني من اختلاف الشريكين بان المشترى يبرأ من نصف الثمن باقرار البائع أن شريكه قد قبض لانه في ذلك أمين وظاهر هذا يشعر بسقوط نصيب الذى لم يبع(10/453)
كما أن في الوجه الاول من اختلافهما يسقط نصيب الذى لم يبع والاصحاب فيما اطلقه فرقتان فغلطه فرقة منها ابن سريج وابو اسحق وقالت إنه نقل هذه المسألة من كتب أهل العراق فانهم يقبلون إقرار الوكيل على الموكل باستيفاء الثمن والبائع وكيل الذى لم يبع فيسقط باقراره أن الموكل قد قبض حقه (فأما) قول أصل الشافعي رضى الله عنه فان اقرار الوكيل على الموكل غير مقبول فلا يسقط باقرار البائع حق لدى لم يبع (وفرقة) أولت كلامه وهم قو لان عن ابن أبى هريرة وغيره أنه ما أراد بقوله
برئ المشترى من نصف الثمن البراءة المطلقة وانما أراد براءة المطلقة وانما أراد براءة مطالبة البائع بالنصف لان زعمه أن شريكه قد قبض حقه فلا يمكنه المطالبة به (ومنهم) من حمله على ما إذا كان الذى لم يبع مأذونا من جهة البائع في القبض أيضا فإذا أقر البائع بان شريكه قبض وقد أقر بقبض وكيله فعلى هذا فالنصف الساقط هو نصيب المقر كما في الاختلاف الاول * واعلم أن المسألة لا اختصاص لها بالشركة المعقود لها الباب وانما هي موضوعة في مطلق الشركة (وقوله) في الكتاب فان نكل حلف الخصم واستحق(10/454)
أي نكل البائع وحلف الذى لم يبع واستحق نصيبه على شريكه (وقوله) في الصورة الثانية لم يقبل اقرار الوكيل على الموكل الوكيل ههنا هو الذى باع والموكل هو الذى لم يبع وقوله برئ المشترى من مطالبة المقر بان شريكي قبض إلى آخره قد يوهم مغايرة هذه اللفظة لقوله في الصورة السابقة المشترى يبرأ من نصيب المقر لاقراره فرق بينهما في هذا الحكم ولا فرق وليس في تغاير اللفظين فقه (وقوله) ولم يبرأ من مطالبة الجاحد كالشرح والايضاح لما مر والا ففى قوله لم يقبل اقرار الوكيل على الموكل ما يفيده فأنه إذا لم يقبل اقرار البائع عليه ففى حقه ومطالبته بحالهما ويجوز أن يقال قوله يقبل اقرار الوكيل على الموكل إشارة إلى القاعدة الكلية في الوكلاء والموكلين (وقوله) ولم يبرأ من مطالبة الجاحد بيان قياس تلك القاعدة وثمرتها فيما نحن فيه *(10/455)
(فرع) نتأسى في ختم الكتاب به المزني والاصحاب وإن لم يكن له كبير اختصاص بالباب عبد بين رجلين غصب غاصب نصيب أحدهما بأن نزل نفسه منزلته وأزال يد صاحبه يصح من الذى لم يغصب نصيبه بيع نصيبه ولا يصح من الاخر بيع نصيبه إلا من الغاصب ولو باع الغاصب والذى لم يغصب نصيبه جميع العبد في عقد واحد بطل في نصيب الغاصب وصح في نصيب المالك لا يخرج على الخلاف في تفريق الصفقة لان الصفقة تتعدد بتعدد البائع وسهم من قال ينبني القول في نصيب المالك على أن أحد الشريكين إذا باع نصف العبد مطلقا ينصرف إلى نصيبه أو يشيع وفيه وجهان وهذه المسألة مذكورة في الكتاب في باب العتق (فأن قلنا) ينصرف إلى نصيبه صح بيع المالك في نصيبه (وإن قلنا) بالشيوع يبطل البيع في ثلاثة أرباع العبد وفى ربعه قولان ولا ينظر إلى هذا البناء فيما إذا باع المالكان معا وأطلقا ولا يجعل كما إذا أطلق واحد منهما بيع نصف العبد لان هناك تناول العقد الصحيح جميع العبد *(10/456)
فتح العزيز عبد الكريم الرافعي ج 11
فتح العزيز عبد الكريم الرافعي ج 11(11/)
فتح العزيز شرح الوجيز وهو الشرح الكبير للامام ابي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 هـ..الجزء الحادي عشر دار الفكر بسم الله الرحمن الرحيم(11/1)
(كتاب الوكالة)
وفيه ثلاثة ابواب
الحاجه داعيه إلى تجويز الوكالة ظاهره وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه وكل السعادة لاخذ الصدقات) وروى انه صلى الله عليه وسلم (وكل عروة البارقى ليشتري له شاة للاضحيه) (وعمرو بن أمية الضمرى لقبول(11/2)
نكاح ام حبيبة بنت ابى سفيان) (وأبا رافع لقبول نكاح ميمونه) وعن جابر رضى الله عنه قال (أردت الخروج إلى خيبر فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إذا لقيت وكيلى فخذ منه خمسة عشر وسقا فأن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته) وقد أدرج صاحب الكتاب رحمه الله تعالى مسائل الوكالة في ثلاثة أبواب (أحدها) في أركانها وبين فيه ما يعتبر في كل واحد منها لصحة العقد فيعرف بذلك(11/3)
صحيح الوكالة وفاسدها (والثانى) في أحكام الوكالة الصحيحة فهى فائدة العقد وثمرته (وثالثها) في الاختلاف لانهما قد يختلفان في أصل العقد وفى كيفيته وتعر ض لسببه أحكام يحتاج إلى الوقوف عليها (أما) الاركان فلا يخفي أن التوكيل تفويض ولا شك أن التفويض يكون في شئ يصدر من شخص إلى شخص ويتحصل بشئ وهذه الاربعة التى ذكرناها لكن جعلها أركانا للوكالة كجعل البائع والمشترى والمبيع أركانا للبيع وفيه كلام قدمناه في البيع.
قال (الباب الاول في أركانها وهى أربعة {الاول} ما فيه التوكيل وشروطه ثلاثة
(الاول) أن يكون مملوكا للموكل.
فلو وكل بطلاق زوجة سينكحها.
أو بيع عبد سيملكه فهو باطل) .
الركن الاول ما فيه التوكل وله شروط (أحدها) أن يكون ما يوكل فيه مملوكا فلو وكل غيره في طلاق امرأة سينكحها أو بيع عبد سيملكه أو اعتاق كل رقيق يملكه فوجهان (أحدهما) أن هذا التوكيل باطل لانه لا يتمكن من مباشرة ذلك بنفسه فلا ينتظم منه إنابة غيره فيه (والثانى) صحيح ويمكن بحصول الملك عند التصرف فأنه المقصود من التوكيل ويجرى الوجهان فيما إذا وكله بقضاء كل دين سيلزمه وتزويج ابنته إذا انقضت عدتها أو طلقها زوجها وما أشبه ذلك وبالوجه الثاني(11/4)
أجاب القفال في الفتاوى وهو الذى أورده في التهذيب (والاول) أصح عند أصحابنا العراقيين والامام ولم ينقل صاحب الكتاب غيره ويجوز أن يقال الخلاف عائد إلى الاعتبار بحال التوكيل أو بحال إنشاء التصرف وله نظائر.
قال (الثاني أن يكون قابلا للنيابة كأنواع البيع.
وكالحوالة.
والضمان.
والكفالة.
والشركة.
والوكالة.
والمضاربة.
والجعالة.
والمساقاة.
والنكاح.
والطلاق.
والخلع.
والصلح.
وسائر العقود.
والفسوخ.
ولايجوز التوكيل في العبادات الا في الحج واداء الزكوات.
ولا يجوز في المعاصي كالسرقة والغصب والقتل بل أحكامها تلزم متعاطيها.
ويلتحق بفن العبادات الايمان والشهادات فأنها تتعلق بألفاظ وخصائص.
واللعان والايلاء من الايمان.
وكذا الظهار على رأى.
ويجوز التوكيل بقبض الحقوق.
وفى التوكيل بأثبات اليد المباحث كالاصطياد(11/5)
والاستقاء خلاف.
وفى التوكيل بالاقرار خلاف لتردده بين الشهادة والالتزامات.
ثم ان لم يصح ففى جعله مقرا بنفس التوكيل خلاف.
وكذلك يجوز التوكيل بالخصومه برضا الخصم وغير رضاه (ح) .
وبستيفاء العقوبات في حضور المستحق.
وفى غيبته طريقان.
أحدهما المنع.
والآخر قولان.
وقيل بالجواز أيضا) .
يشترط في الموكل فيه أن يكون قابلا للنيابة فان التوكيل تفويض وانابه والذى يفرض فيه التوكيل أنواع (منها) العبادات والاصل فيها امتناع النيابة لان الاتيان بها مقصود من الشخص عينه ابتلاء واختبار واستثني الحج للاخبار ومن جنس الصلاة ركعتي الطواف على كلام فيهما يأتي في الوصايا وتفريق الزكاة والكفارات والصدقات الحاقا لها بسائر الحقوق الماليه وذبح الضحايا(11/6)
والهدايا فأن النبي صلى الله عليه وسلم أناب فيه وفى صوم الولي عن الميت خلاف سبق في موضعه والحق بالعبادات الايمان والشهادات قال في الوسيط لان الحكم في الايمان يتعلق بتعظيم اسم الله تعالى فامتنعت النيابة فيها كالعبادات وفى الشهادات علقنا الحكم بخصوص لفظ الشهادة حتى لم يقم غيرها مقامها فكيف يحتمل السكوت عنها بالتوكيل ومن جملة الايمان الايلاء واللعان والقسامه فلا يجوز التوكيل في شئ منها وفى الظهار وجهان بناء على أن المغلب فيه معنى اليمين أو الطلاق والظاهر عند المعظم منع التوكيل فيه وذكر في التتمة أن الظاهر الجواز وأن المنع مذهب المزني وفى معني الايمان النذور وتعليق الطلاق والعتق والتدبير وفى التتمة أن الحكم في التدبير يبنى على أنه وصية أو تعليق عتق بصفة فان قلنا بالثاني منعناه (ومنها) المعاملات فيجوز التوكيل في طرفي البيع بانواعه من السلم والصرف والتوليه وغيرها وفى الرهن والهبة والصلح والابراء والحوالة والضمان والكفالة والشركة والوكالة والمضاربة والاجارة والجعالة والمساقاة والايداع والاعارة والاخذ بالشفعة والوقف والوصية وقبولها وعن القاضى الحسين وجه أنه لا يجوز التوكيل في الوصيه لانها قربة ويجوز التوكيل في طرفي النكاح والخلع وفى تنجيز الطلاق والعتاق والكتابة ونحوها وفى الرجعة وجهان (أصحهما) الجواز كابتداء النكاح فان كل واحد منهما استباحة فرج محرم (والثانى) المنع كما لو أسلم الكافر على أكثر من أربع نسوة ووكل بالاختيار وكذا لو طلق إحدى امرأتيه وأعتق أحد عبديه(11/7)
ووكل بالتعيين وكما يجوز التوكيل في العقود يجوز في الاقالة وسائر الفسوخ نعم ما هو على الفور فالتأخير فيه بالتوكيل قد يكون تقصيرا وفى التوكيل في خيار الرؤية خلاف سبق في موضعه ويجوز
التوكيل في قبض الاموال مضمونة كانت أوغير مضمونة وفى قبض الديون واقباضها ومنها الجزية فيجوز التوكيل في قبضها واقباضها نعم يمتنع توكيل الذمي المسلم فيه على رأى مذكور في كتاب الجزية (ومنها) المعاصي كالقتل والقذف والسرقة والغصب فلا مدخل للتوكيل فيها بل أحكامها تثبت في حق مرتكبها لان كل شخص بعينه مقصود بالامتناع عنها فأن فعل أجرى حكمها عليه.
ثم في الفصل وراء هذه الصور المبتورة مسائل (إحداها) في التوكيل في تملك المباحات كاحياء الموات والاحتطاب والاصطياد والاستقاء وجهان (أصحهما) الجواز حتى يحصل الملك للموكل إذا قصده الوكيل لانه أحد أسباب الملك فاشبه الشراء (والثانى) المنع كالاغتنام لان الملك فيها يحصل بالحيازة وقد حدث من التوكيل فيكون الملك له ولو استأجره ليحتطب له أو يستقى ففى التهذيب أنه على الوجهين وبالمنع أجاب القاضى ابن كج ورأى الامام جواز الاستئجار مجزوما به فقاس عليه وجه تجويز التوكيل (الثانيه) في التوكيل بالاقرار وجهان وصورته أن يقول وكلتك لتقر عني لفلان (أظهرهما) عند الاكثرين ويحكى عن ابن سريج واختيار للقفال أنه لا يصلح لانه اخبار عن حق فلا يقبل التوكيل كالشهادة وانما يليق التوكيل بالانشاءات (والثانى) يصح لانه قول يلزم به الحق فاشبه الشراء وسائر التصرفات وبهذا قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى فعلى الاول هل يجعل بنفس التوكيل مقرا فيه وجهان (أحدهما) نعم وبه قال ابن القاص تخريجا واختاره الامام رحمه الله تعالى لان توكيله دليل ثبوت الحق عليه (وأظهرهما) عند(11/8)
صاحب التهذيب أنه لا يجعل مقرا كما أن التوكيل بالابراء لا يجعل ابراء وإذا قلنا بالوجه الثاني فينبغي أن يبين الوكيل جنس المقر به وقدره فلو قال قرعني بشئ لفلان فأقر أخذ الموكل بتفسيره ولو اقتصر على قوله أقر عني لفلان فوجهان حكاهما الشيخ أبو حامد وغيره (أحدهما) أنه كما لو قال أقر عني بشئ (وأصحهما) أنه لا يلزمه شئ بحال لجواز أن يريد الاقرار بعلمه أو سماعه لا بالمال (الثالثة) يجوز لكل واحد من المدعى والمدعي عليه التوكيل بالخصومة رضى صاحبه أولم يرض وليس لصاحبه الامتناع من خصومة الوكيل وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى له الامتناع الا أن يريد الموكل سفرا أو يكون مريضا أو مخدرة وقال مالك رحمه الله تعالى له ذلك إلا أن يكون سفيها خبيث اللسان فيعذر الموكل
في التوكيل.
لنا أنه توكيل في خالص حقه فيمكن منه كالتوكيل بأستيفاء الدين من غير رضا من عليه ولافرق في التوكيل في الخصومة بين أن يكون التوكيل المطلوب مالا أو عقوبة لآدمي كالقصاص وحد القذف فأما حدود الله تعالى فلا يجوز التوكيل في اثباتها لانها مبنية على الدرء (الرابعة) يجوز التوكيل في استيفاء حدود الله تعالى للامام والسيد في حد مملوكه وقد قال صلى الله عليه وسلم في قصة ماعز (اذهبوا به فارجموه) (وقال واغد يا أنيس على امرأة هذا فان أعترفت فارجمها) وأما عقوبات الآدميين فكذلك يجوز استفاؤها بالوكالة في حضور المستحق وفى غيبته ثلاث طرق (أشهرها)(11/9)
على قولين (أحدهما) المنع وهو ظاهر نصه ههنا لانا لا نتيقن بقاء الاستحقاق عند الغيبة لاحتمال العفو وأيضا فأنه ربما يرق قلبه عند الحضور فيعفو فليشترط الحضور (وأصحهما) الجواز لانه حق يستوفى بالنيابة في الحضور فكذلك في الغيبة كسائر الحقوق واحتمال العفو كاحتمال رجوع الشهود فيما إذا كانت بالبينة فانه لا يمتنع الاستيفاء في غيبته (والثانى) وبه قال أبو إسحق القطع بالجواز وحمل ما ذكره ههنا على الاحتياط (الثالث) القطع بالمنع لعظم خطر الدم وبالمنع قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى وذكر الرويانى أنه الذى يفتى به.
وإذا عرفت ما ذكرنا لم يخف عليك أن قوله في الكتاب وسائر العقود والفسوخ وان كان يشعر بالجزم وصحة التوكيل فيها لكن في العقود ما هو مختلف فيه كالرجعة والوصية وفى الفسوخ أيضا طرد الفسخ وخيار الرؤية فيجوز اعلامه - بالواو - لذلك وقوله في آخر الفصل وقيل بالجواز أيضا طريقة ثالثة أوردها بعد الطريقين وثالثها محفوظة عن الشيخ أبى حامد ومن تقدم.
قال (الشرط الثالث أن يكون ما به التوكيل معلوما نوع علم لا يعظم فيخ الغرر.
ولو قال وكلتك بكل قليل وكثير لم يجز.
ولو قال وكلتك بما إلى من تطليق زوجاتي وعتق عبيدى.
وبيع أملاكي جاز.
ولو قال وكلتك بما إلى من قليل وكثير ففيه تردد.
ولو قال اشتر عبدا لم يجز (و) .
ولو قال عبدا تركيا بمائة كفى.
ولا يشترط أوصاف السلم.
ولو ترك ذكر مبلغ الثمن أو ذكر الثمن ولم يذكر نوعه ففيه خلاف.
والتوكيل بالابراء يستدعى علم الموكل بمبلغ الدين
المبرإ عنه لاعلم الوكيل.
ولا علم من عليه الحق.
ولو قال بع بما باع به فلان فرسه فالعلم بمبلغ ما(11/10)
باع به فلان فرسه يشترط في حق الوكيل لافى حق الموكل.
ولو قال وكلتك بمخاصمة خصماي فالاظهر جوازه وان لم يعين) .
لا يشترط في الموكل فيه ان يكون معلوما من كل وجه فأن الوكالة انما جوزناها لعموم الحاجة وذلك يقتضى المسامحة فيها ولذلك احتمل تعليقها بالاغرار على رأى ولم يشترط القبول فيها بالقول ولا على الفور ولكن يجب أن يكون معلوما مبينا من بعض الوجوه حتى لا يعظم ولا فرق في ذلك بين أن تكون الوكلة عامة أو خاصة (أما) الوكالة العامة فبين ما نقله الامام وصاحب الكتاب فيها تصويرا وحكما وبين ما نقله سائر الاصحاب بعض التفاوت ونذكر الطريقين.
قال الامام وصاحب الكتاب لو قال وكلتك بكل قليل وكثير ولم يضف إلى نفسه فالتوكيل باطل لانه لفظ مبهم بالغ في الابهام ولو ذكر الامور المتعلقة به الذى تجرى فيها النيابة وفصلها فقال وكلتك ببيع املاكي وتطليق زوجاتي واعتاق عبيدى صح التوكيل فلو قال وكلتك بكل امر هو لى مما يناب فيه ولم يفصل أجناس التصرفات فوجهان (أحدهما) يبطل كما قال وكلتك بكل قليل وكثير (الثاني) يصح لانه أضاف التصرفات إلى نفسه فلا فرق بين أن يذكرها بلفظ يعمها وبين أن يفصلها جنسا جنسا والاول أظهر (وأما) سائر الاصحاب فأنهم قالوا لو قال وكلتك بكل قليل وكثير أو في كل اموري أوفى جميع حقوقي أو بكل قليل وكثير من أمورى أو فوضت اليك جميع الاشياء أو انت وكيلى فتصرف في مالى كيف شئت لم تصح الوكالة ولو قال وكلتك ببيع أموالي واستيفاء ديونى أو استرداد ودائعي أو اعتاق عبيدى صحت الوكالة ووجه التفاوت بين الطريقين أنهما عللا المنع بأرسال لفظ القليل والكثير(11/11)
وترك اضافتهما حتى ذكروا وجهين فيما إذا أضافهما والآخرون سووا بين ما إذا أرسل وبين ما إذا أضاف ولم ينقلوا الخلاف في واحد من القسمين وعللوا بأن في تجويز هذه الوكالة غررا وضررا عظيما لا حاجة إلى احتماله وهذه الطريقة أصح نقلا ومعنى (أما) النقل فلان الشافعي رضى الله عنه قال في
اختلاف العراقيين وإذا شهد الرجل لرجل أنه وكله بكل قليل وكثير له فالوكالة غير جائزة نص على المنع مع وجود الاضافة (وأما) المعنى فلان الانسان إنما يوكل فيها يتعلق به سواء نص على الاضافة إلى نفسه أو لم ينص ولهذا قال لو وكل بشراء هذا لم يحتج إلى أن يقول لى (وأما) الوكالة الخاصة ففيها صور (منها) أن يوكل في بيع أمواله أو قضاء ديونه أو استيفائها وقد نقلنا صحته عن الطريقين وهل يشترط أن تكون أمواله معلومة قال في التهذيب لو قال وكلتك ببيع جميع مالى وكان معلوما أو قبض جميع ديونى وهو معلوم لجاز فهذا التفسير يشعر بالاشتراط لكن الاشبه خلافه فان معظم الكتب لا تتعرض لهذا الاشتراط وفى فتاوى القفال لو قال وكلتك باستيفاء ديونى التى على الناس جاز مجملا وان كان لايعرف من عليه الدين أنه واحد أو أشخاص كثيرة وأى جنس ذلك الدين وانما لا يجوز إذا لم يبين ما يوكل فيه كأن يقول وكلتك في كل قليل وكثير وما أشبهه هذا لفظه وفى الرقم لابي الحسين العبادي أنه لو قال بع جميع أموالي صح لانه أعلم بالجملة ولو قال بع طائفة من مالى أو بعضه أو سهما منه لم يصح لجهالته بالجملة فكان الشرط أن يكون الموكل فيه معلوما أو بحيث تسهل معرفته ولو قال بع ما شئت من مالى أو اقبض ما شئت من ديونى جاز ذكره صاحب المهذب والتهذيب وفى الحلية ما ينازع فيه فانه قال لو قال بع من رأيت من عبيدى لا تجوز حتى يميز (ومنها) التوكيل(11/12)
بالشراء فلا يكفي أن يقول اشتر لي شيئا أو حيوانا أو رقيقا بل يشترط أن يبين أنه عبد أو أمة ويبين النوع من التركي والهندي وغيرهما والمعنى فيه أن الحاجة لاتكاد تمس إلى عبد مطلق على أي نوع ووصف كان وفى الابهام غرر ظاهر فلا يحتمل وفى النهاية أن صاحب التقريب حكى وجها أنه يصح التوكيل بشراء عبد مطلق وهذا الوجه بعيد ههنا وإذا طرد في شراء شئ كان أبعد لانه أبعد في التوكيل بشراء شئ وهل يشترط مع التعرض للنوع ذكر الثمن فيه وجهان (أصحهما) لا وبه قال أبو حنيفة وابن سريج لان تعلق الغرض بعبد من ذلك النوع نفيسا كان أو خسيسا ليس ببعيد (والثانى) أنه لابد من تقدير الثمن أو بيان غايته بان يقول بمائة أو من مائة إلى الف لكثرة التفاوت فيه ولا يشترط استقصاء
الاوصاف التى تضبط في السلم ولا ما يقرب منها بالاتفاق نعم إذا اختلفت الاصناف الداخلة تحت النوع الواحد اختلافا ظاهرا فعن الشيخ أبى محمد أنه لابد من التعرض له إذا فرعنا على المذهب في اعتبار التعرض للتركي والهندي (وقوله) في الكتاب أو ذكر الثمن ولم يذكر نوعه ففيه خلاف أراد به ما هو المفهوم من ظاهره وهو أن يقول اشتر لي عبدا بمائة ولا يتعرض لقوله تركيا وهنديا واثبات الخلاف في هذه الصورة بعد الحكم بأنه لابد من ذكر التركي والهندي مما لا يتعرض له الائمة ولانه ذكر في وسيط صاحب الكتاب فالوجه تأويله على اصطلاح استعمله الامام وذلك أنه سمى التركي والرومى والهندي أجناسا للرقيق في هذا المقام واتباعا للعرف وسمى الاصناف الداخلة تحت التركي مثلا أنواعا له فيجوز أن يريد صاحب الكتاب ههنا بالنوع ذلك وهو ما شرط التعرض له على ماروينا عن الشيخ أبى محمد وينتظم اثبات الخلاف فيه وحينئذ يكون المعنى أو ذكر الثمن مع كون العبد تركيا أو لم يذكر صفته.
ولو قال اشتر لي عبدا كما تشاء فظاهر(11/13)
رأى الشيخ أبى محمد تجويزة لانه صرح بالتفويض التام بخلاف ما إذا اقتصر على قوله اشتر لي عبدا فأنه لم يأت ببيان معتاد ولا تفويض تام ولم يكتف الاكثرون بذلك وفرقوا بينه وبين أن يقول في القراض اشتر من شئت من العبيد لان المقصود هناك الربح بنظر العامل وتصرفه فيليق به التفويض إليه وفى التوكيل بشراء الدار يجب التعرض للمحلة والسكة وفى الحانوت للسوق وعلى هذا القياس (ومنها) لو وكله بالابراء قال القاضى الحسين إذا عرف الموكل مبلغ الدين كفى ذلك ولم يجب اعلام الوكيل قدر الدين وجنسه وهذا هو الذى أورده في الكتاب وقال في المهذب والتهذيب لابد من أن يبين للوكيل قدر الدين وجنسه والاشبه الاول ويخالف ما إذا قال بع عبدى بما باع به فلان فرسه حيث يشترط لصحة البيع علم الوكيل لان العهدة تتعلق به فلا بد وأن يكون على بصيرة من الامر ولا عهدة في الابراء ولو كان الموكل جاهلا بقدر ما باع به فلان فرسه لم يضر (وأما) قوله في صورة الابراء ولا علم من عليه الحق فاعلم أن فيه خلافا مبنيا على الاصل الذى مر في كتاب الضمان وهو أن الابراء محض اسقاط أو تمليك فان قلنا اسقاط صح مع جهل
من عليه الحق بمبلغ الحق وان قلنا تمليك فلا بد من علمه كما أنه لابد من علم المهب بما وهب فأذا قوله ولا علم من عليه الحق ينبغى أن يعلم - بالواو - وكذلك قوله علم الوكيل بما قدمناه وقوله يستدعى علم الوكيل يجوز اعلامه - بالواو - أيضا لانا إذا صححنا الابراء عن المجهول لانعتبر علم الموكل أيضا ثم ينظر في صيغة الابراء فان قال ابرئ فلانا عن دينى أو أبرئه عن الكل وان قال عن شئ منه أو أبرئه عن قليل منه وان قال عما شئت ابرأه عما شاء وأبقى شيئا (ومنها) إذا وكله بالخصومة فيذكر ما يدخل فيه ومالايدخل والغرض الآن أنه لو أطلق وقال وكلتك بمخاصمة خصماي هل يصح التوكيل فيوجهان (أصحهما) نعم ويصير وكيلا في جميع الخصومات (والثانى) لابل يجب تعيين من يخاصم معه لاختلاف الغرض به وهذا الخلاف قريب من الخلاف الذى مر فيما إذا وكل ببيع أمواله وهى غير معلومة.(11/14)
قال (الركن الثاني الموكل وشرطه أن يملك مباشرة ذلك التصرف بملك أو ولاية.
فلا يصح توكيل الصبى (ح) والمجنون.
ولا يصح (ح) توكيل المرأة في عقد النكاح.
ويجوز توكيل الاب والجد.
توكيل الوكيل الا إذا عرف كونه مأذونا بلفظ أو قرينة.
وفى توكيل الولى الذى لا يجبر تردد لتردده بين الولى والوكيل) .
يشترط في الموكل أن يتمكن من مباشرة ما يوكل فيه إما بحق الملك لنفسه أو بحق الولاية على غيره وفى هذا الضابط قيدان (أحدهما) التمكن من مباشرة ذلك التصرف فمن لا يتمكن من مباشرة ذلك التصرف كالصبى والمجنون والنائم والمغمى عليه لا يصح منه التوكيل والمرأة لا يصح منها التوكيل في النكاح وكذا توكيل الفاسق في تزويج ابنته إذا قلنا لايليه وتوكيل السكران حكمه حكم سائر التصرفات (والثانى) كون التمكن بحق الملك والولاية فيدخل فيه توكيل الاب والجد في النكاح والمال ويخرج عنه توكيل الوكيل فانه ليس بمالك ولا ولى نعم لو مكنه الموكل من التوكيل لفظا أو دلت عليه قرينة نفذ وتفصيله سيأتي في الباب الثاني وفى معناه توكيل العبد المأذون لانه إنما يتصرف عن الاذن لا بحق الملك ولا الولاية وفى توكيل الاخ والعم ومن لا يجبر في النكاح وجهان يعزوان في النكاح لانه من حيث لا يعزل كالولي ومن حيث انه لا يستقل كالوكيل والمحجور
عليه بالفلس والسفه والرق يجوز توكيله فيما لا يستقل به من التصرفات وفيما لا يستقل لا يجوز الا بعد اذن الولى والمولى ومن جوز التوكيل بطلاق امرأة سينكحها أو بيع عبد سيملكه فقياسه تجويز توكيل المحجور بما سيأذن فيه الولى ولم يتعرضوا ولنعرف في الضابط المذكور أمورا (أحدها) أنه يستثنى عنه بيع الاعمى وشراؤه فانه يصح التوكيل وان لم يملكه الاعمى للضرورة (والثانى) أنه إذا انفذ توكيل الوكيل على ما سيأتي فمنصوبه وكيل الموكل أو وكيل الوكيل فيه خلاف ستقف عليه وإذا كان الوكيل لم يكن من شرط التوكيل كون الموكل مالكا للتصرف بحق الملك والولاية (وقوله) ولا يصح توكيل المرأة في عقد النكاح معلم - بالحاء - لما اشتهر عن مذهبه.(11/15)
قال (الركن الثالث الوكيل ويشترط فيه صحة العبارة وذلك بالتكليف.
ولا يصح (ح) توكيل الصبى الا في الاذن في الدخول وايصال الهدية على رأى.
ولا يصح توكيل المرأة (ح) والمحرم (ح) في عقد النكاح.
والاظهر جواز توكيل العبد والفاسق في أيجاب النكاح.
وكذا المحجور بالسفه والفلس إذ لا خلل في عبارتهم.
ومنع استقلالهم بسبب أمور عارضة) .
كما يشترط في الموكل التمكن من مباشرة التصرف للموكل فيه بنفسه يشترط في الوكيل التمكن من مباشرته بنفسه وذلك أن يكون صحيح العبارة فيه فلا يصح توكيل المجنون والصبى في التصرفات واستثنى في الكتاب الاذن في دخول الدار والملك عند ايصال الهدية ففى اعتبار عبارته في الصورتين وجهان سبق ذكرهما في أول البيع فان جاز ذلك فهو وكيل من جهة الآذن والمهدى واعلم أن تجويزهما إذا كان على سبيل التوكيل فلو أنه وكل بأن يوكل غيره فامتاز تخريجه على الخلاف في أن الوكيل هل يوكل فان جاز لزم أن يكون الصبى أهلا للتوكيل أيضا وعند ابى حنيفه وأحمد رحمهما الله تعالى يصح توكيل الصبى المميز والمرأة والمحرم مسلوبا العبارة في النكاح فلا يتوكلان فيه كما لا يوكلان خلافا لابي حنيفه وذكر في التتمة أنه لا يجوز توكيل المطلقة الرجعية في رجعية نفسها ولا توكيل المرأة امرأة اخرى لان الفرج لايستباح بقول النساء وأنه لا يجوز توكيل المرأة في الاختيار في النكاح إذا أسلم الكافر على أكثر من أربع نسوة وفى الاختيار للفراق وجهان سبق ذكرهما في باب معاملة
العبيد وفى توكيله في قبول النكاح بغير إذن السيد وجهان (أصحهما) الجواز وانما لم يجز قبوله لنفسه(11/16)
لما أن يتعلق به المهرومؤن النكاح وفى توكيله في طرف الايجاب وجهان (أحدهما) المنع لانه لا يجوز أن يزوج أبنة غيره (والثانى) الجواز لصحة عبارته في الجملة وانما لم يل امرابنته لانه لا يتفرغ للبحث والنظر ههنا وتم البحث والنظر من جهة الموكل وهذا أظهر عند صاحب الكتاب والاول أظهر عند المعظم وربما لم يذكروا غيره وتوكيل المحجور عليه بالسفه في طرفي النكاح كتوكيل العبد وتوكيل الفاسق في ايجاب النكاح كتوكيلهما إذا سلبنا الولاية بالفسق ولا خلاف في جواز قبوله بالوكالة والمحجور عليه بالفلس يتوكل فيما لا يلزم ذمته عهدة وكذا فيما يلزم عهدة على الاصح من الوجهين كما أن شراءه صحيح على الصحيح ويجوز توكيل المرأة في طلاق زوجة الغير على أصح الوجهين گما يجوز أن يفوض الزوج طلاق زوجته إليها وقوله في الكتاب ومنع استقلالهم بأمور عارضة أي هم صحيحو العبارة كاملو الحال وانما منعناه لامور تعرض فيمنع استقلالهم بالتصرف لا مطلق التصرف على ما مر.(11/17)
(فرع) توكيل المرتد في التصرفات المالية يبنى على انقطاع ملكه وبقائه إن قطعناه لم يصح وان ابقيناه صح وان قلنا إنه موقوف فكذلك التوكيل ولو وكل ثم اربد ففى ارتفاع التوكيل الاقوال ولو وكل مرتدا أو ارتد الوكيل لم يقدح في الوكالة لان التردد في تصرفه لنفسه لا لغيره هكذا نقل الاصحاب عن ابن سريج وفى التتمة أنه يبنى على أنه هل يصير محجورا عليه ان قلنا نعم انعزل عن الوكالة والا فلا.
قال (الركن الرابع الصيغة ولا بد من الايجاب.
وفى القبول ثلاثة أوجه.
الا عدل هو الثالث وهو أنه لو اتى بصيغة عقد كقوله وكلتك أو فوضت يشترط القبول.
وان قال بع أو أعتق فيكفى القبول بالامتثال كما في اباحة الطعام.
وإذا لم يشترط قبوله ففى اشتراط علمه مقرونا بالوكالة خلاف.
ولا خلاف في أنه يشترط عدم الرد منه.
فان رد انفسخ لانه جائز.
وفى تعليق الوكالة
بالاغرار خلاف مشهور.
فان منع فوجد الشرط فقد قيل يجوز التصرف بحكم الاذن.
وفائدة فساده سقوط الجعل المسمى والرجوع إلى الاجرة.
ولو قال وكلتك في الحال ولا تتصرف الا بعد شهر فهو جائز (و) يلزمه الامساك.
ومهما صححنا التعليق فقال مهما عزلتك فانت وكليى فطريقه في العزل أن يقول ومهما عدت وكيلى فأنت معزول حتى يتقاوما في الدور ويبقى أصل الحجر) .(11/18)
الفصل يشتمل على مسألتين (احدهما) لابد من جهة الموكل من لفظ دال على الرضا بتصرف الغير له والا فكل أحد ممنوع عن التصرف في حق غيره وذلك مثل أن يقول وكلتك بكذا وفوضته اليك وانبتك فيه وما أشبههما ولو قال بع وأعتق ونحوهما حصل الاذن وهذا لا يكاد يسمى إيجابا وانما هو أمر وإذن والايجاب هو قوله وكلتك وما يضاهيه وعلى هذا فقوله في الكتاب ولابد من الايجاب أي وما يقوم مقامه وأما القبول فانه مطلق بمعنيين (أحدهما) الرضا والرغبة فيما فوض إليه ونقيضه الرد (والثانى) اللفظ الدال عليه على النحو المعتبر في البيع وسائر المعاملات ويعتبر في الوكالة القبول بالمعنى الاول حتى لو رده وقال لا أفعله أو لا أفعل بطلت الوكالة ولو ندم وأراد أن يفعل لا ينفع بل لابد من إذن جديد وذلك لان الوكالة جائزة ترتفع في الدوام بالفسخ فلان يزيد في الابتداء بالرد كان أوجه وأما بالمعنى الثاني فقد نقل الامام طريقين (أحدهما) أن في اشتراطه وجهين (أحدهما) المنع لانه إباحة ورفع حجر فأشبه اباحة الطعام ولا يفتقر إلى القبول اللفظى (والثانى) الاشتراط لانه إثبات حق التسليط والتصرف للوكيل فليقبل كما في سائر التمليكات والثانية عن(11/19)
القاضى الحسين أن الوجهين فيما إذا أتى بصيغة عقد بأن قال وكلتك أو فوضت اليك فأما في صيغ الامر نحو بع وأشتر فلا يشترط القبول باللفظ جزما بل يكفى الامتثلال على المعتاد كما في إباحة الطعام وإذا اختصرت خرج من الطريقين ثلاثة أوجه كما ذكر في الكتاب والطريقة الثانيه هي التى ذكرها في التتمة وجعل قوله أذنت لك بمثابة قوله بع وأعتق لا بمثابة قوله وكلتك وان كان اذنا على صيغ العقود قال والمذهب أنه لا يعتبر في الوكالة القبول لفظا وهذا ما أجاب به في التهذيب
وآخرون وان مال صاحب الكتاب إلى الوجه الفارق وسماه أعدل الوجوه (التفريع) إن شرطنا القبول فهل يجب أن يكون على الفور ظهر المذهب أنه لا يجب لانه عقد يحتمل ضربا من الجهالة فيحتمل فيه تأخير القبول كالوصية وعن القاضى أبى حامد أنه يكتفى وقوعه في المجلس هذا في القبول اللفظى (فاما) بالمعنى الاول فلا يجب التعجيل بحال ولو خرج على أن الامر هل يقتضى الفور لما بعد وإن لم يشترط الفور فلو وكله والوكيل لايشعر به هل تثبت وكالته قال في النهاية فيه وجهان يقربان(11/20)
من القولين في أن العزل هل ينفذ قبل بلوغ الخبر الوكيل فلو كالة أولى بان لا تثبت لانه تسلط على التصرفات فان لم يثبتها فهل نحكم بنفوذها حالة بلوغ الخبر كالعزل أم لا وفيه وجهان عن رواية الشيخ أبى محمد ان لم نحكم به فقد شرطنا اقتران علمه بالوكالة والاظهر ثبوت الوكالة وان لم يعلم وعلى هذا فلو تصرف الوكيل وهو غير عالم بالتوكيل ثم تبين الحال خرج على الخلاف فيما إذا باع مال أبيه على ظن أنه حى وكان ميتا ومن فروع هذا الخلاف أنا حيث لا نشترط القبول نكتفي بالكتابة والرسالة ونجعله مأذونا في التصرف وحيث اشترطناه فالحكم كما لو كتب بالبيع الذى أجاب به القاضى الرويانى في الوكالة بالجواز (ومنها) إذا أشترطنا القبول في الوكالة فلو قال وكلنى بكذا فقال الموكل وكلتك هل يشترط القبول أم يقام مقامه قوله وكلني فيه خلاف كما في البيع ونحوه ثم قيل الوكالة أحوج للاشتراط لانها ضعيفه ولو عكس موجها بان الوكالة يحتمل في البيع فكانت أولى بعدم الاشتراط لكان أقرب (الثانيه) إذا علق الوكالة بشرط فقال إذا قدم زيد(11/21)
أو جاء رأس الشهر فقد وكلتك بكذا أو أنت وكيلى ففيه وجهان (أحدهما) ويحكى عن أبى حنيفه وأحمد أنها تصح لانها استنابه في التصرف فاشتبهت عقد الامارة فانها تقبل التعليق على ما قال عليه الصلاة والسلام فان أصيب جعفر فزيد (وأظرهما) المنع كما أن الشركة والمضاربة وسائر العقود لاتقبل التعليق وخرج بعضهم الخلاف على أن الوكالة هل تفتقر إلى القبول (إن قلنا) لاتفتقر جاز التعليق وإلا لم يجز لان فرض القبول في الحال والوكالة لم تثبت بعد بعيد وتأخرها إلى أن يحصل
الشرط مع الفصل الطويل خارج عن قاعدة التخاطب ولو نجز الوكالة وضرب للتصرف شرطا بأن قال وكلتك الآن ببيع عبدى هذا ولكن لا تبيعه حتى بجئ رأس الشهر صح التوكيل بالاتفاق ولا يتصرف الا بعد حصول الشرط وتصح الوكالة المؤقتة مثل أن يقول وكلتك إلى الشهر قاله العبادي في الرقم ويتعلق بالخلاف في تعليق الوكالة قاعدتان (إحداهما) إذا أفسدنا الوكالة بالتعليق فلو تصرف الوكيل بعد حصول الشرط ففى صحة التصرف وجهان (أصحهما) الصحة لان الاذن حاصل وإن فسد العقد فصار كما لو شرط في الوكالة عوضا مجهولا فقال بع كذا على أن لك العشر من ثمنه تفسد الوكالة لكن لو باع صح (والثانى) وبه قال الشيخ أبى محمد انه لا يصح لفساد العقد ولا اعتبار(11/22)
بالاذن الذى يتضمنه العقد الفاسد ألا ترى أنه لو باع بيعا فاسدا وسلم المبيع لا يجوز للمشترى التصرف فيه وان تضمن البيع والتسليم الاذن في التصرف والتسليط عليه قال في التتمة وأصل المسألة ما إذا كان عنده رهن لدين مؤجل فاذن المرتهن في بيعه على أن يجعل حقه من الثمن وفيه اختلاف قد تقدم وهذا البناء يقتضى ترجيح الوجه الثاني لان النص وظاهر المذهب هناك فساد الاذن والتصرف (فان قلنا) بالصحة فأثر فساد الوكالة أنه يسقط الجعل المسمى ان كان قد سمى له جعلا ويرجع إلى أجرة المثل وهذا كما أن الشرط الفاسد في النكاح الفاسد يفسد الصداق ويوجب مهر المثل وإن لم يؤثر في النكاح (الثانية) إذا قال وكلتك بكذا ومهما عزلتك فأنت وكيلى ففى صحة الوكالة في الحال وجهان (أصحهما) الصحة ووجه المنع اشتمالها على الشرط الفاسد وهو الزام العقد الجائز (فان قلنا) بالصحة أو كان قوله مهما عزلتك مفصولا عن الوكالة فإذا عزله نظر ان لم يشعر به الوكيل واعتبرنا شعوره في نفوذ العزل فهو على وكالته وان لم نعتبره أو كان شاعرا به ففى عوده وكيلا بعد العزل وجهان مبنيان على أن الوكالة(11/23)
هل تقبل التعليق لانه علق التوكيل ثانيا بالعزل (أظهرهما) المنع (والثانى) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله أنه يعود وكيلا فعلى هذا ينظر في اللفظة الموصولة بالعزل ان قال عزلتك أو مهما أو متى
لم يقتض ذلك عود الوكالة الامرة واحدة وان قال كلما عزلتك اقتضى العود مرة بعد أخرى لان كلما تقتضي التكرار دون غيرها على ما ستعرفه في أبواب الطلاق ان شاء الله تعالى فلو أراد أن لا يعود وكيلا فسبيله أن يوكل غيره بعزله فينعزل لان المعلق عليه عزل نفسه فان كان قد قال عزلتك أو عزلك أحد من قبلى فالطريق أن يقول كلما عدت وكيلى فأنت معزول فإذا عزله ينعزل لتقاوم التوكيل والعزل بالاصل وهو الحجر في حق الغير قال الامام رحمه الله وفيه نظر علي بعد متلقى عن استصحاب الوكالة.
واعلم أن الخلاف في الوكالة هل تقبل التعليق جار في أن(11/24)
العزل هل يقبله ولكن بالتريب والعزل أولى بقبوله لانه لا يشترط فيه القبول واشتراطه في الوكالة مختلف فيه وتصحيح ارادة الوكالة والعزل جميعا مبنى على قبولهما التعليق ثم قال الامام رحمه الله إذا نفذنا العزل وقلنا تعود الوكالة فلا شك أن العزل ينفذ في وقت وان لطف ثم تترتب عليه الوكالة فلو صادف تصرف الوكيل ذلك الوقت اللطيف هل ينفذ فيه وجهان للاصحاب وانما كان يصح هذا الفرض والتصوير أن لو وقع بينهما ترتب زماني حيث يتصور وقوع التصرف بينهما لكن الترتيب في مثل هذا لا يكون الا عقليا (وقوله) في كتاب وفى تعليق الوكالة بالاغرار الاغرار الاخطار وانما يقع هذا اللفظ باللاستحقاق على ما فيه خطر كقدوم زيد ومجئ المطر وان لم يكن في الحكم فرق فيمن بينه وبين ما يوثق به كمجئ الشهر (وقوله) ويلزم الامتثال أي لا يجوز له التصرف في الشهر لاأنه يجب عليه خارج الشهر فان الامر إلى اختياره.(11/25)
(الباب الثاني في حكم الوكالة) قال (ولها ثلاثة أحكام (الاول) صحة ما وافق من التصرفات وبطلان ما خالف.
وتعرف الموافقة باللفظ مرة.
وبالقرينة أخرى.
وبيانه بصور سبع (الاولى) إذا قال بع مطلقا فلا يبيع بالعرض (ح) ولا بالنسيئة (ح) ولا بما دون ثمن المثل (ح) الا قدرا يتغابن الناس بمثله كالواحد في عشرة) .
للوكالة الصحيحة أحكام منها صحة تصرف الوكيل إذا وافق إذن الموكل والموافقة والمخالفة يعرفان بالنظر إلى اللفظ تارة وبالقرائن التى تنضم إليه أخرى فأن القرينة قد تقوى فيكون لها اطلاق اللفظ الا ترى إذا أمره في الصيف بشراء الجمد لا يشتريه في الشتاء وقد يتعادل اللفظ والقرينة وينشأ من تعادلهما خلاف في المسألة وهذا القول الجملى يوضحه صور ترشد إلى أخواتها منها إذا وكله ببيع شئ وأطلق لم يكن له أن يبيعه بغير نقد البلد من العروض والنقود وأن يبيعه بثمن مؤجل وبغبن فاحش وبه قال مالك رحمه الله تعالى وكذا أحمد في أظهر الرواتيين وقال أبو حنيفة يجوز له جميع ذلك.
لنا القياس على الوصي لانه لا يبيع له الا بثمن المثل من نقد البلد حالا وأيضا فأنه وكيل في عقد البيع فتصرفه بالغبن لا يلزم الموكل كالوكيل في الشراء إذا أشترى بغبن(11/26)
فاحش وأيضا فأنه إذا باع وأطلق كان الثمن حالا فإذا وكل بالبيع وأطلق حمل على الثمن الحال ولنا قول أن البيع على الوجه المذكور يصح موقوفا على اجازة الموكل وهذا هو القول المنقول في بيع الفضولي والمذهب الاول ولو كان في البلد نقدان أحدهما أغلب فعليه أن يبيع به وان استويا في المعاملة باع بما هو أنفع للموكل فأن استويا تخير على المشهور وقال صاحب التهذيب بعد نقل التخيير إذا استويا في المعاملة وجب أن لا يصح التوكيل ما لم يبين كما لو باع بدراهم وفى البلد نقدان متساويان لا يصح حتى بقيد باحدهما ووجدت في كلام الشيخ أبى حامد مثل ما ذكره صاحب التهذيب ثم إذا باع الوكيل في أحد الوجوه المذكورة لم يصير ضامنا للمال ما لم يسلمه إلى المشترى فان سلم ضمن ثم القول فيه إذا كان المبيع باقيا أو تالفا في كيفية تغريم الموكل الوكيل والمشترى على ما بيناه فيما إذا باع العدل الرهن بالغبن الفاحش أو بغير نقد البلد بالنسيئة وأما البيع بالغبن اليسير فانه جائز واليسير الذى يتغابن الناس بمثله ويحتملونه غالبا وبيع ما يساوى عشرة بتسعة يحتمل في الغالب وبيعه بثمانية غير محتمل قال الرويانى ويختلف القدر المحتمل باختلاف أجناس الاموال من الثياب والعبيد والعقارات وغيرها وكما يجوز أن ينقص الوكيل عن ثمن المثل لا يجوز أن يقتصر عليه وهناك طالب للزيادة ولو باع بثمن المثل ثم ظهر في المجلس طالب يزيد فالحكم ما مر في عدل الرهن.(11/27)
(فرع) إذا قال الموكل عند التوكيل بعه بكم شئت جاز له البيع بالغبن ولايجوز بالنسيئة ولا بغير نقد البلد ولو قال بما شئت فله البيع بغير نقد البلد ولايجوز بالغبن والنسيئة فلو قال كيف شئت فله البيع بالنسيئة ولا يجوز بالغبن وبغير نقد البلد ولكن القاضى الحسين يجوز الكل ولو قال بع بما عزو وهان قال في التتمة هو كما لو قال بعه بكم شئت وقال العبادي له البيع بالعرض والغبن ولايجوز بالنسيئة وهو الاولى.
(فرع) ذكرنا في الرهن والتفليس أن الحاكم يبيع المرهون ومال المفلس بنقد البلد وأنه لو لم يكن دين المستحقين من ذلك أو على تلك الصفة صرفه إلى مثل حقوقهم وقد يحتاج فيه إلى توسط معاملة أخرى إذا كان نقد البلد المكسور وحقهم الصحيح فلا يمكن تحصيل الصحيح بالمكسر الا ببذل زيادة وانه ربا فيشترى بالمكسر سلعة وبالسلعة الصحيح ولو رأى الحاكم المصلحة في البيع بمثل حقوقهم في الابتداء جاز وقد مر ذلك في الرهن قال القفال في الفتاوى والمرتهن عند امتناع الراهن عن اداء الحق يبيع الرهن ويقوم مقام الحاكم في توسط المعاملة الاخرى وفى بيعه بجنس الدين وعلى صفته واعلم أن مجرد امتناع الراهن عن اداء ما عليه لا يسلط المرتهن على بيع المرهون ولكنه قد يتسلط عليه على ما مر بيانه في الرهن وإذا الحق المرتهن حينئذ بالحاكم فيما ذكره أشبه أن يلحق وكيل الراهن ببيع المرهون وقضاء الحق منه بالمرتهن بل أولى قال لان نيابة المرتهن قهرية والموكل قد رضى تصرفه ونصبه لهذا الغرض.(11/28)
قال (ويبيع (ح) على الاصح من أقاربه الذين ترد له شهادتهم.
ولا يبيع من ينفسه) .
الوكيل بالبيع مطلقا هل يبيع من ابنه وأبيه وسائر أصوله وفروعه فيه وجهان (أصحهما) نعم لانه باع بالثمن الذى لو باع به من أجنبي صح فاشبه مالو باع من صديقه وأيضا فانه يجوز للعم أن يزوج وليته من ابنه البالغ إذا أطلقت الاذن وقلنا لا يشترط تعيين الزوج فكذلك ههنا (والثاني) وبه قال أبو حنيفة لا لانه متهم بالميل إليهم ومن الجائز أن يكون هناك راغب باكثر من ذلك الثمن
وأجرى الوجهين في الاصول والفروع المستقلين أما ابنه الصغير فلا يبيع منه وكذلك لا يبيع من نفسه لانه يستقصى لنفسه وطفله في الاسترخاص وغرض البائع الاستقصاء في البيع للاكثر وهما غرضان متضادان فلا يتأتى من الواحد القيام بهما وأيضا فان التوكيل بالبيع مطلقا يشعر بالبيع من الغير والالفاظ المطلقة تحمل على المفهوم منها في العرف الغالب وفى كتاب القاضي ابن كج شيئان غريبان في المسأله (أحدهما) أن أبا حامد القاضي حكى عن الاصطخرى وجها أن للوكيل أن يبيع من نفسه (والثانى) أنه حكى وجهين فيما لو وكل أباه بالبيع هل أن يبيع من نفسه لان للاب بيع مال ولده من نفسه بالولاية فكذلك بالوكالة وإذا قلنا بظاهر المذهب فلو صرح له بالاذن في بيعه من نفسه فوجهان قال ابن سريج يجوز كما لو أذن له في البيع من أبيه وابنه البالغ يجوز وكما لو قال لزوجته طلقي(11/29)
نفسك على الف ففعلت صح وتكون نائبة من جهته قابلة من جهة نفسها وقال الاكثرون لا يجوز لما ذكرنا من تضاد الغرضين ولان وقوع الايجاب والقبول من شخص واحد بعيد عن التخاطب ووضع الكلام وتجويزه في حق الاب كان على خلاف القياس ولو صرح بالاذن في بيعها من ابنه الصغير قال في التتمة هو على هذا الخلاف وقال صحاب التهذيب وجب أن يجوز لانه رضى بالنظر للطفل وترك الاستقصاء وتولى الطرفين في حق الولد معهود في الجملة بخلاف مالو باع من نفسه ويجرى الوجهان فيما لو وكله بالهبة وأذان له ليهب من نفسه أو يتزوج ابنته وأذن له في تزويجها من نفسه وفى تولى ابن العم طرفي النكاح بان يتزوج ابنة عمه باذنها حيث انتهت الولاية إليه والنكاح أولى بالمنع لما روى موقوفا ومرفوعا أنه عليه السلام قال (لانكاح إلا بأربعة خاطب وولى وشاهدين) وكذا فيما إذا وكل مستحق الدين المديون باستيفائه من نفسه أو وكل مستحق القصاص الجاني باستيفائه من نفسه اما في النفس أو في الطرف أو وكل الامام السارق ليقطع يده وحكى الامام رحمه الله إجراءه فيما لو وكل الزانى ليجلد نفسه واستبعده من جهة أنه متهم في ترك الايلام بخلاف القطع إذ لامدخل للتهمة فيه وظاهر المذهب في الكل المنع وفى التوكيل بالخصومة من الجانبين وجهان (أحدهما) الجواز لانه يتمكن من إقامة البينة للمدعى عليه (وأصحهما) المنع لما فيه من اختلاف(11/30)
غرض كل واحد منهما فانه يحتاج إلى العقد بل من جانب والى الجرح من جانب وعلى هذا فإليه الخيرة يخاصم أيهما شاء ولو توكل رجل في طرفي النكاح أو البيع اطراد الوجهان ومنهم من قطع بالمنع لو وكل من عليه بابراء نفسه ففيه طريقان (أحدهما) التخريج على الوجهين (والثانى) القطع بالجواز كما لو وكل من عليه القصاص بالعفو والعبد باعتاق نفسه والوكيل بالشراء كالوكيل بالبيع في أنه لا يشترى من نفسه ولا من مال ابنه الصغير ويخرج شراؤه لابنه البالغ على الوجهين في سائر الصور (وقوله) في الكتاب اجراه ابن سريج في تولى ابن العم طرفي النكاح اتبع فيه ما رواه الامام فانه نسب طرد الخلاف فيها إلى سريج ورأيت للحناطى نحو ذلك وعامة الكتب ساكتة عنه قال (فان أذن له في البيع من نفسه ففى تولية الطرفين خلاف.
أجراه ابن سريج في تولى ابن العم لطرفي النكاح.
وتولى من عليه الدين أو القصاص أو الحد استيفاءه من نفسه بالوكالة.
ويطرد في الوكيل من الجانبين بالخصومه ومن عقد النكاح والبيع.
كما إذا كان وكيلا من جهة الموجب والقابل جميعا.
وان اذن له في البيع بالاجل مقدارا جاز.
وان أطلق فالاصح أن العرف يقيده بالمصلحة.
وقيل انه مجهول) .(11/31)
إذا أذن للوكيل في البيع إلى أجل نظر ان قدر الاجل صح التوكيل وان أطلق فوجهان (أحدهما) أنه لا يصح التوكيل لاختلاف الغرض بتفاوت الاجل طولا وقصرا وهذا ما أورده في التهذيب (وأصحهما) ما ذكره في الكتاب واختيار ابن كج أنه يصح التوكيل وعلى ما يحمل فيه ثلاثه أوجه (أظهرها) وهو المذكور في الكتاب أنه ينظر إلى المتعارف في مثله فان لم يكن فيه عرف راعى الوكيل الانفع للموكل (والثانى) له التأجيل إلى أيه مدة شاء لاطلاق اللفظ (والثالث) يؤجل إلى سنه ولا يزيد عليها لان الديون المؤجلة تتقدربها كالدين والحرية.
قال (الثانية الوكيل بالبيع لا يملك تسليم المبيع قبل توفر الثمن.
وبعد التوفير لا يجوز له المنع
فانه حق الغير.
والوكيل بالشراء يملك تسليم الثمن المسلم إليه ويملك قبض المشترى.
والوكيل بالبيع هل يملك قبض الثمن من حيث انه من توابعه ومقاصده وان لم يصرح به فيه خلاف.
ويقرب منه الخلاف في أن الوكيل باثبات الحق هل يستوفى.
وباستيفاء الحق يخاصم فقه ثلاثه أوجه.
الا عدل أن الوكيل بالاثبات لا يستوفى.
وبالاستيفاء يثبت ويخاصم سعيا في الاستيفاء)(11/32)
أول مذكور في الفصل أن الاصحاب نقلوا وجهين في أن الوكيل بالبيع مطلقا هل يملك قبض الثمن وربما نسبوها إلى ابن سريج (أحدهما) أنه لا يملك لانه إنما أذن في البيع وقبض الثمن أمر وراء البيع وليس كل من يرضاه للبيع يرضاه لاثبات اليد على الثمن (وأصحهما) أنه يملكه لانه من توابع البيع ومقتضياته فالاذن في البيع أذن فيه وان لم يصرح به وهل يملك تسليم المبيع إذا كان مسلما إليه أشار الاكثرون إلى الجزم بأنه يملكه تعليلا بأن البيع اقتضى أزالة الملك ووجوب التسليم وقال الشيخ أبو علي الوجهان في أنه هل يملك قبض الثمن يجريان في أنه يملك تسليم المبيع وكيف لا وتسليم المبيع دون قبض الثمن فيه خطر ظاهر ولو كان قد صرح له بهما لم يملك التسليم ما لم يقبض الثمن وعلى هذا جرى صاحب التهذيب وغيره ولا خلاف في أن الموكل بعقد الصرف يملك القبض والاقباض لانه شرط صحة العقد وكذلك في السلم يقبض وكيل المسلم إليه رأس المال ووكيل المسلم يقبضه إياه لامحاله إذا تقرر ذلك فينظر ان باع الوكيل بثمن مؤجل بحيث يجوز له ذلك سلم المبيع إذ لا ينسب للبائع حق الحبس عند تأجيل الثمن ويجئ على ما ذكره(11/33)
الشيخ وجه مانع من التسليم لا لغرض الحبس لكن لانه لم يفوضه إليه ثم إذا أجل الاجل لم يملك الوكيل قبض الثمن الا بأذن مستأنف وان اباعه بثمن حال وجوزنا القبض فلا يسلم المبيع حتى يقبض الثمن كما لو أذن فيها صريحا فله مطالبة المشترى بتسليم الثمن فان لم نجوز له القبض لم يكن له المطالبة وللموكل المطالبة بالثمن على كل حال خلافا لابي حنيفة رحمه الله تعالى ولو وكله بالبيع ومنعه من قبض الثمن لم يكن له القبض لا محالة ولو منعه من تسليم المبيع فكمثل جواب الشيخ في شرح الفروع
وقال قائلون هذا الشرط فاسد فان التسليم مستحق بالعقد ورووا عن أبى على الطبري وغيره وجهين في أن الوكالة هل تفسد به حتى يسقط الجعل المسمى ويقع الرجوع إلى أجرة المثل ووجه الامام رحمه الله تعالى وجه سقوطه بأن استحقاقه مربوط بالبيع والامتناع من التسليم وكان مقابلا بشئ صحيح وشئ فاسد فليفسد المسمى والحق أن يقال المسألة مبنية على أن في صورة الاطلاق هل للوكيل التسليم أم لا (ان قلنا) لا فعند المنع أولى (وان قلنا) نعم فكذلك لانه من توابع العقد وتمامه كالقبض لا لان تسليمه مستحق بالعقد فان المستحق هو التسليم لا تسليمه والممنوع منه تسليمه نعم لو قال امنع(11/34)
المبيع منه فهذا الشرط فاسد لان منع الملك عن المالك حيث يستحق اثبات اليد عليه غير جائز وفرق بين أن يقول لا تسلمه إليه وبين أن يقول امسكه وامنعه منه (وأما) الوكيل بالشراء فأن لم يسلم الموكل الثمن إليه فاشترى في الذمة فسيأتي الكلام في أن المطالبة بالثمن على من توجه في الحكم الثاني من الباب فأن سلمه إليه واشترى بعينه أو في الذمة فالقول في أنه هل يسلمه وهل يقبض المبيع بمجرد التوكيل في الشراء كالقول في أن الوكيل البائع هل يسلم المبيع ويقبض الثمن بمجرد التوكيل بالبيع هكذا هو في التهذيب والتتمة ولفظ الكتاب يشعر بالجزم بتسليمه الثمن وقبض المبيع ووجهه في الوسيط بان العرف يقتضى ذلك ويدل عليه وأيضا فان الملك في الثمن لا يتعين الا بالقبض فيستدعى اذنا جديدا وأما المبيع فانه متعين للملك ولمن طرد الخلاف أن يمنع العرف الفارق بين الطريقين وبين المعنى الثاني فلو كان به اعتبار لوجوب أن يجزم بقبض وكيل البائع الثمن إذا كان معينا ولم يفرقوا(11/35)
في رواية الوجهين بين أن يبيع بثمن معين أو في الذمة (وقوله) في الكتاب وبعد التوفير لا يجوز له المنع فأنه حق للغير أراد به ما ذكره الامام رحمه الله تعالى من أن المشترى إذا وفر الثمن على الموكل أو على الوكيل إذا جوزنا له القبض فالوكيل يسلمه المبيع وان لم يأذن له الموكل في تسليمه لان اداء الثمن إذا وفر صار قبض المبيع مستحقا وللمشترى الانفراد بأخذه فأن أخذ المشترى فذاك وان سلمه الوكيل فالامر محمول على أخذ المشترى ولا حكم للتسليم ثم قرب من الخلاف في أن الوكيل
بالبيع هل يقبض الثمن الخلاف في مسألة أخرى وهى أن الوكيل باستيفاء الحق هل يثبت ويقيم البينة عند انكار من عيه فيه وجهان عند ابن سريج (أصحهما) لا لانه لم يوكل الا بالقبض وقد يرضى للقبض من لا يرضاه للخصومة (والثانى) نعم لانه لا يتمكن من الاستيفاء عند انكار من عليه الاثبات فليمكن مما يتوسل به إلى الاستيفاء ولافرق على الوجهين بين أن يكون الموكل باستيفائه عينا أو دينا وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى ان كان دينا ملك الاثبات وان كان عينا لم يملكه وأما أن الوكيل بالاثبات هل يستوفى بعد الاثبات فيه طريقان (أحدهما) أن فيه وجهين ايضا كالوجهين في أن الوكيل بالبيع هل يملك قبض الثمن لانه من توابع الاثبات ومقاصده كقبض الثمن بالاضافة إلى البيع (وأظهرهما) القطع بالمنع لان الاستيفاء يقع بعد الاثبات فليس ذلك نفس المأذون فيه ولا واسطة بخلاف العكس وبخلاف مسألة قبض الثمن لانه إذا وكله بالبيع أقامه مقام(11/36)
نفسه فيه وانه عقد يتضمن عهدا منها تسليم المبيع وقبض الثمن فجاز أن يكون من قضاياه وأما الاثبات فليس فيه ما يتضمن التزاما قال في التتمة الخلاف في الصورة الثانية في الاموال أما القصاص والحد فلا يستوفيهما بحال وحكى القاضى ابن كج عن ابن خيران أنه على الوجهين وإذا جمعت بن الامرين الاستيفاء والاثبات وقلت الوكيل باحدهما هل يملك الثاني حصل في الجواب ثلاثة أوجه كما ذكر في الكتاب لكن تسمية الوجه الفارق أعدل الوجوه ربما أوهم ترجيحه والظاهر عند الاصحاب أنه لا يفيد واحد منهما الثاني.
(فرع) عرفت أن الوكيل لا يسلم المبيع قبل قبض الثمن فلو فعل للموكل قيمته إن كانت القيمة والثمن سواء أو كان الثمن أكثر وإن كانت القيمة أكثر بأن باعه بغبن محتمل فيغرمه جميع القيمة أو يحط عنه قدر الغبن لصحة البيع بذلك الثمن فيه وجهان (أصحهما) أولهما ولو باع بغبن فاحش بأذن الموكل فقياس الوجه الثاني أن لا يغرم إلا قدر الثمن ثم لو قبض الوكيل الثمن بعد ما غرم دفعه إلى الموكل واسترد المغروم.
قال (الثالثة أن الوكيل بالشراء إذا اشترى معيبا بثمن مثله وجهل العيب وقع عن الموكل
وان علم فوجهان.
وان كان بغبن وعلم لم يقع عن الموكل.
وان جهل فوجهان.
ثم مهما جهل الوكيل فله الرد (و) الا إذا كان العبد معينا من جهة الموكل فوجهان في الرد.
وحيث يكون(11/37)
الوكيل عالما فلا رد له.
وفى الموكل وجهان.
إذ قد يقوم علم الوكيل مقام علم الموكل كما في رؤيته.
ومهما يثبت الخيار لم يسقط برضا الوكيل حق الموكل ويسقط برضا الموكل رد الوكيل) .
الوكيل بالشراء اما أن يكون وكيلا بشراء شئ موصوف فلا يشترى الا السليم لان قضية الاطلاق السلامة ألا ترى أنه إذا أسلم في شئ موصوف استحق السليم منه ويخالف عامل القراض حيث يجوز له شراء المعيب وههنا المقصود الادخار إذ يجوز أن يكون الادخار والاقتناء مقصودا وانما يقتنى السليم دون المعيب وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يجوز للوكيل شراء المعيب فلو خالف ما ذكرناه واشترى المعيب نظر ان كان مع العيب يساوى ما اشتراه به فان جهل العيب فان جهل العيب وقع عن الموكل وان علمه فثلاثة أوجه (أظهرها) أن لا يقع عنه لتقييد الاذن بالسليم (والثانى) يقع لانه لا نقصان في المالية والصيغة عامة (والثالث) يفرق بين ما يمنع من الاجزاء في الكفارة إذا كان المبيع عبدا وبينما لايمنع حملا لقوله اشتر لى رقبة على ما حمل عليه قوله تعالى (فتحرير رقبة) قال الامام رحمه الله تعالى وصاحب هذا الوجه يستثنى الكفر فانه يمنع من الاجزاء في الكفارة ويجوز للوكيل شراء الكافر وان كان لا يساوي ما اشتراه به فان علم لم يقع عن الموكل وان جهل فوجهان (أصحهما) عند الامام أنه لا يقع ايضا عنه لان الغبن يمنع عن الموكل مع سلامة المبيع وأن لم يعرف الوكيل فعند العيب أولى وأوفقهما لكلام الاكثرين أنه يقع عنه كما لو اشترى لنفسه جاهلا(11/38)
ويفارق مجرد الغبن فانه لا يثبت الخيار فلو صح البيع ورفع عن الموكل للزم ولحقه الضرر والعيب يثبت الخيار والحكم بوقوعه عنه لا يورطه في الضرر وحيث قلنا بوقوعه عن الموكل فينظر ان كان الوكيل جاهلا فللموكل الرد إذا اطلع لانه المالك وأما الوكيل فعن صاحب التقريب رواية وجه عن ابن سريج أنه لا ينفرد بالرد لانه كان مأذونا في الشراء دون الفسخ وظاهر المذهب أنه ينفرد لمعنيين
(أحدهما) أنه اقامه مقام نفسه في هذا العقد ولواحقه (والثانى) أنه لو لم يكن له الرد إلى استئذان الموكل فربما لا يرضى الموكل فيتعذر الرد لكونه على الفور ويبقى المبيع كلا على الوكيل وفيه ضرر ظاهر وهذا هو المعتمد عند الاصحاب لكن فيه اشكال لانا لو لم نثبت له الرد لكان كسائر الاجانب عن العقد فلا أثر لتأخره وأيضا فان من له الرد قد يعذر في التأخير لاسباب داعية إليه فهلا كانت مشاورة الموكل عذرا وأيضا فانه وان تعذر منه الرد فلا يتعذر بنفس الرد إذ الموكل يرد إذا كان قد سماه في العقد أو نواه على ان في كون المبيع للوكيل وفى الرد منه بتقدير تعذر كونه له خلافا وسيأتى جميع ذلك في الفصل وان كان الوكيل عالما فلا رد له وفى الموكل وجهان (أحدهما) أنه لا رد له أيضا لانه نزل الوكيل منزلة نفسه في العقد والاخذ فيكون اطلاعه على العيب كاطلاع الموكل كما أن رؤيتة كرؤيته واخراج العقد عن أن يكون على قولى شراء الغائب (وأصحهما) أن له الرد لان اطلاعه ورضاه بعد العقد لا يسقط حق الرد للموكل فكذلك اطلاعه في الابتداء وعلى هذا فينتقل الملك إلى الوكيل أو ينفسخ العقد من(11/39)
أصله حكي الامام رحمه الله فيه وجهين قال من قال بالاول كانه يقول انعقاد العقد موقوفا إلى أن يتبين الحال والا فيستحيل ارتداد الملك عن الموكل إلى الوكيل وهذه الاختلافات مفرعة على وقوع العقد للوكيل مع علم الوكيل بالعيب والمذهب خلافه (الحالة الثانية) أن يكون وكيلا بشراء شئ معين فان لم ينفرد الوكيل في الحالة الاولى بالرد فهو ههنا أولى وان انفرد فههنا وجهان (وجه المنع) أنه ربما يتعلق الغرض بعينه فينتظر مشاورته (ووجه الجواز) وهو الاصح والمنصوص في اختلاف العراقيين أن الظاهر أنه بعينه شرط السلامة ولم يذكروا في هذه الحالة أنه متى يقع عن الموكل ومتى لا يقع والقياس أنه كما سبق في الحالة الاولى نعم لو كان المبيع معيبا يساوى ما اشتراه به وهو عالم فايقاعه عن الموكل ههنا أولى لجواز تعلق الغرض بعينه وجميع ما ذكرنا في الحالتين مفروض فيما إذا اشترى بثمن في الذمة أما إذا كان الثمن بعين مال الموكل فحيث قلنا هناك لا يقع عن الموكل فههنا لا يصح أصلا وحيث قلنا يقع فكذلك ههنا وهل للوكيل الرد فيه وجهان (أصحهما) لا ويمكن أن يكون الوجهان مبنيان على المعنيين السابقين إن عللنا انفراده بالرد فانه اقامه مقام نفسه في العقد ولو احقه فكذلك ههنا وان عللنا بأنه لو أخر ربما
لزم العقد فصار المبيع كلا عليه فلا لان المشترى بملك الغير لا يقع له بحال (واعلم) أنه إذا ثبت الرد للوكيل في صورة الشراء في الذمه فلو أطلع الموكل على العيب قبل اطلاع الوكيل أو بعده ورضى سقط خيار الوكيل بخلاف الرد فأن رضى المالك بحضه فمن الربح ولا يسقط خيار الموكل بتأخير الوكيل وتقصيره وإذا أخر أو صرح بألزام العقد فهل له العود إلى الرد لان أصل الحق باق بحاله وهو نائب أم لا وكأنه(11/40)
بالتأخير أو الالزام عزل نفسه عن الرد وجهان (أظهرهما) الثاني وإذا قلنا به أو أثبتنا له العود ولم يعد فإذا اطلع الموكل عليه وأراد الرد فله ذلك إن سماه الوكيل في الشراء أو نواه وصدقه البائع عليه وإلا فوجهان (أحدهما) وهو المذكور في التهذيب والتتمة أنه يرده على الوكيل ويلزم المبيع لانه اشترى في الذمة ما لم يأذن فيه الموكل فيصرف إليه (والثانى) وهو الذي نقله الشيخ أبو حامد وأصحابه أن المبيع يكون للموكل والرد قد فات لتفريط الوكيل وما الذى يضمن قال أبويحيى البلخي قدر نقصان قيمته من الثمن ولو كانت القيمة تسعين والثمن مائة يرجع بعشرة ولو تساويا فلا رجوع وقال الاكثرون يرجع بارش العيب لانه فات الرد بغير تقصيره فكان له الارش كما لو تعذر الرد بعيب حادث إلا أن هناك يوجد الارش من البائع لتلبيسه وههنا من الوكيل لتقصيره ولو أراد الوكيل الرد فقال البائع أجزه حتى يحضر الموكل لم يلزمه الاجابة بل له الرد لئلا يصير المبيع كلا عليه أو يلزمه الغرم ولان الرد حيث ثبت له فلا يكلف تأخيره وإذا رد ثم حضر الموكل ورضيه احتاج إلى استئناف شراء ولو أخره كما التمس البائع فحضر الموكل ولم يرض به قال في التهذيب المبيع للوكيل ولا رد لتأخيره مع الامكان وقيل له الرد لانه لم يرض بالعيب قال وهو ضعيف ولك أن تقول له أنت وسائر النقلة متفقون على أنه إذا رضى الوكيل بالعيب ثم حضر االموكل وأراد الرد فله ذلك إذا كان الوكيل قد سماه أو نواه وههنا الوكيل والموكل والبائع يتصادقون على أن الشراء للموكل(11/41)